الكتاب: الحدائق الناضرة
المؤلف: المحقق البحراني
الجزء: ٧
الوفاة: ١١٨٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق وإشراف: محمد تقي الإيرواني
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك:
ملاحظات:

الحدائق الناضرة
في
أحكام العترة الطاهرة
تأليف
العالم البارع الفقيه المحدث الشيخ يوسف البحراني قدس سره
المتوفى سنة 1186 هجرية
حققه وعلق عليه وأشرف على طبعه
محمد تقي الإيرواني
الجزء السابع
مؤسسة النشر الاسلامي (التابعة)
لجماعة المدرسين بقم المشرفة (إيران)
1

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة الخامسة في لباس المصلي
وفيه مطالب: (الأول) في ما يجب ستره وما يتعلق به من الأحكام في
المقام وفيه مسائل:
(الأولى) - أجمع العلماء كافة على وجوب ستر العورة في الصلاة، ويدل
عليه مضافا إلى الاجماع المذكور جملة من الأخبار تصريحا في بعض وتلويحا في آخر:
ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه
السلام) (1) قال: " سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عريانا وحضرت
الصلاة كيف يصلي؟ قال إن أصاب حشيشا يستر به عورته أتم صلاته بالركوع والسجود
وإن لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ وهو قائم ".
وما رواه في الكافي في الصحيح عن زرارة (2) قال: " قلت لأبي جعفر (عليه
السلام) رجل خرج من سفينة عريانا أو سلب ثيابه ولم يجد شيئا يصلي فيه؟ فقال يصلي إيماء
فإن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها وإن كان رجلا وضع يده على سوأته ثم يجلسان

(1) رواه في الوسائل في الباب 50 من لباس المصلي
(2) رواه في الوسائل في الباب 50 من لباس المصلي
2

فيومئان إيماء ولا يسجدان ولا يركعان فيبدو ما خلفهما، تكون صلاتهما إيماء
برؤوسهما... الحديث " ونحوها من أحاديث العراة وأخبار صلاتهم جماعة وأن الإمام
يجلس وسط الصف ويتقدم بركبتيه.
والتقريب فيها أنه لو لم يكن الستر واجبا فيها وشرطا في صحتها لما سقط لأجل
فقده جملة من أركان الصلاة المتفق نصا وفتوى بل ضرورة من الدين على وجوبها في
الصلاة وهي القيام والركوع والسجود كما عرفت من الخبر المذكور وأمثاله.
وبالجملة فإنه لا اشكال ولا خلاف في الحكم المذكور وإنما الخلاف هنا وقع في
مقامين آخرين:
(أحدهما) - أنه هل الستر شرط مع الذكر خاصة أو مطلقا؟ صرح جمع من
الأصحاب (رضوان الله عليهم): منهم - المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى بالأول،
قال في المعتبر: لو انكشفت العورة ولم يعلم سترها ولم تبطل صلاته تطاولت المدة قبل علمه
أو لم تطل كثيرا كان المنكشف أو قليلا، لسقوط التكليف مع عدم العلم. انتهى. وقال
في المنتهى. لو انكشفت عورته في أثناء الصلاة ولم، يعلم صحت صلاته لأنه مع عدم العلم غير
مكلف. وإلى ذلك مال السيد السند في المدارك، وهو الظاهر لما رواه الشيخ في الصحيح
عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) (1) " في الرجل يصلي وفرجه خارج
لا يعلم به هل عليه إعادة؟ قال لا إعادة عليه وقد تمت صلاته " ورواه ابن إدريس في
مستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب (2).
وقال ابن الجنيد على ما نقله عنه في المختلف: لو صلى وعورتاه مكشوفتان غير
عامد أعاد ما كان في الوقت فقط. ونقل عنه الاحتجاج بما حاصله أن الستر شرط
للصحة وقد انتفى فوجبت الإعادة لعدم حصول الامتثال، وأما القضاء فغير واجب لأنه
بأمر جديد ولم يثبت. واعترض عليه بأن الستر شرط للصحة مع التذكر لا مطلقا. وهو

(1) الوسائل الباب 27 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 27 من لباس المصلي
3

جيد للصحيحة المتقدمة إذ مفهومها ذلك ولولاها لكان قوله جيدا لأن الخطاب في
الوقت متوجه حتى يأتي بصلاة مستكملة الشروط والقضاء يحتاج إلى امر جديد.
ونقل عن الشيخ في المبسوط أنه قال فإن انكشفت عورتاه في الصلاة وجب
سترهما عليه ولا تبطل صلاته سواء كان ما انكشف عنه قليلا أو كثيرا بعضه أو كله. وكلام
الشيخ هنا مطلق، وقد اختلف كلام العلامة في التذكرة والمختلف في المراد منه فحمله في
الأول على اطلاقه وشموله صورة العلم والعمد وحمله في المختلف على الانكشاف بدون
العلم والعمد، وهو الأقرب المنساق إلى الذهن منها.
وقال شيخنا الشهيد في الذكرى بعد نقل عبارات الشيخ في المبسوط وابن
الجنيد والمحقق في المعتبر وذكر رواية علي بن جعفر المتقدمة ونقل احتجاج العلامة في
المختلف لابن الجنيد وجوابه عنه - ما هذا لفظه: وكلام الشيخ والمحقق ليس فيهما
تصريح بأن الاخلال بالستر غير مبطل مع النسيان على الاطلاق لأنه يتضمن أن الستر
حصل في بعض الصلاة فلو انتفى في جميع الصلاة لم يتعرضا له بخلاف كلام ابن الجنيد
فإنه صريح في الأمرين، والرواية تضمنت الفرج وجاز كونه للجنس فيشمل الفرجين
وللوحدة، فإن كان للجنس ففيه مخالفة في الظاهر لكلام ابن الجنيد وإن كان للوحدة
ففيه موافقة في الظاهر لكلام الجماعة، وليس بين الصحة مع عدم الستر بالكلية وبينها
مع عدمه بعض الاعتبارات تلازم بل جاز أن يكون المقتضي للبطلان انكشاف جميع
العورة في جميع الصلاة فلا يحصل البطلان بدونه وجاز أن يكون المقتضي للصحة ستر جميعها
في جميعها فتبطل بدونه. وأما تخصيص ابن الجنيد بالإعادة في الوقت فوجهه أن القضاء إنما
يجب بأمر جديد ولم يوجد هنا. ولقائل أن يقول إذا كان الستر شرطا على الاطلاق
فهو كالطهارة التي لا يفترق الحال فيها بين الوقت وخارجه. ولو قيل بأن المصلي عاريا
مع التمكن من الساتر يعيد مطلقا والمصلي مستورا ويعرض له التكشف في الأثناء بغير
قصد لا يعيد مطلقا كان قويا، نعم يجب عليه عند التذكر الستر قطعا فلو أخل به بطلت
4

حينئذ لا قبله. انتهى. وبمثل ما اختاره هنا صرح في الدروس والبيان.
وكلامه في الذكرى يحتمل أمرين (أحدهما) الفرق بين الانكشاف في جميع
الصلاة وبين الانكشاف في البعض. و (ثانيهما) - الفرق بين النسيان ابتداء
والتكشف في الأثناء. والمعنى الثاني هو الذي فهمه صاحب المدارك فقال: واستقرب
الشهيد في الذكرى والبيان الفرق بين نسيان الستر ابتداء وعروض التكشف في الأثناء
والصحة في الثاني دون الأول. وهو حسن. انتهى وهو ظاهر عبارة البيان حيث قال:
لو تعمد كشف العورة بطلت صلاته ولو نسي فالأقرب ذلك، ولو انكشفت في الأثناء
من غير قصد ولما يعلم صحت وإن علم استتر. وقيل تبطل لأن الشرط قد فات والوجه
عدمه. ونحو ذلك عبارته في الدروس. ورجح بعض الأصحاب حمل كلامه على المعنى
الأول استنادا إلى قوله كما قدمنا: وليس بين الصحة مع عدم الستر بالكلية... إلى آخر
العبارة. والحق أن هذا كلام في البين للرد على كلام من ذكره.
وبالجملة فقد تلخص مما ذكرنا من كلامهم (رضوان الله عليهم) أنه لا خلاف ولا
اشكال في شرطية الستر مع الامكان والذكر فلو أخل به والحال كذلك ولو لحظة في أثناء
صلاته بطلت، وإنما الخلاف في وقوع ذلك سهوا فظاهر كلام الأكثر انه غير مبطل
وقع في جميع الصلاة أو بعضها لما عللوه به من سقوط التكليف مع عدم العلم كما ذكره
في المعتبر ونحوه عبارة المنتهى. وما ذكره في الذكرى من أن المحقق في المعتبر والعلامة
في المنتهى لم يتعرضا إلى الانكشاف في جميع الصلاة مردود بأن ذلك وإن ظهر من
عبارتيهما إلا أن التعليل مؤذن بالعموم. وصحيحة علي بن جعفر التي هي الأصل في هذا
الحكم مطلقة في الانكشاف أعم من أن يكون في جميع الصلاة أو بعضها لاطلاق
الجواب من غير استفصال وهو قرينة العموم في المقال كما ذكروه في أمثال هذا المجال،
فالاحتجاج بها على القول المذكور متجه سواء حمل الفرج فيها على الجنس أو الوحدة،
وحينئذ فما ذكره شيخنا الشهيد من التفصيل - وإن تبعه فيه صاحب المدارك كما عرفت -
5

لا أعرف له وجها. وأما ما ذهب إليه ابن الجنيد فقد عرفت ما فيه. وأما كلام الشيخ في
المبسوط فهو موافق لما ذكرنا أيضا بناء على ما فسرناه به. والله العالم.
و (ثانيهما) - في العورة التي يجب سترها في الصلاة وعن الناظر المحترم وأنها
عبارة عماذا؟ والأشهر الأظهر أنها عبارة عن القبل والدبر، والمراد بالقبل الذكر والبيضتان
وبالدبر حلقة الدبر التي هي نفس المخرج. ونقل عن ابن البراج أنها ما بين السرة والركبة
وجعله المرتضى رواية كما نقله في المنتهى. وعن أبي الصلاح أنه جعلها من السرة إلى
نصف الساق مع أن المحقق في المعتبر نقل الاجماع على أن الركبة ليست من العورة.
ويدل على القول المشهور أخبار عديدة: منها - رواية أبي يحيى الواسطي عن
بعض أصحابه عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) (1) قال: " العورة عورتان: القبل
والدبر والدبر مستور بالأليتين فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة ".
ورواية الميثمي عن محمد بن حكيم (2) قال: " لا أعلمه إلا قال رأيت أبا عبد الله
(عليه السلام) أو من رآه متجردا وعلى عورته ثوب فقال إن الفخذ ليست من العورة "
وفيه دلالة صريحة على خلاف القولين المتقدمين. وربما أمكن الاستدلال لما ذهب إليه ابن
البراج برواية بشير النبال (3) قال: " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الحمام قال
تريد الحمام؟ قلت نعم. فأمر باسخان الحمام ثم دخل فاتزر بإزار وغطى ركبتيه وسرته ثم
أمر صاحب الحمام فطلى جسده ما كان خارجا من الإزار ثم قال اخرج عني ثم طلى هو
ما تحته بيده، ثم قال هكذا فافعل ".
وفيه أنه قد روى مثل هذه الحكاية في الفقيه عنه (عليه السلام) (4) وفيها
" أنه كان يطلي عانته وما يليها ثم يلف إزاره على طرف إحليله ويدعو قيم الحمام فيطلي

(1) المروية في الوسائل في الباب 4 من آداب الحمام
(2) المروية في الوسائل في الباب 4 من آداب الحمام
(3) الوسائل الباب 5 و 31 من آداب الحمام
(4) الوسائل الباب 1 و 18 من آداب الحمام
6

سائر بدنه " وبالجملة فالرواية المذكورة ليس فيها تصريح بكون ما لف عليه الإزار عورة
ليمكن الاستدلال به، وفعله (عليه السلام) لا يدل على ذلك لامكان حمله على استحباب
ستر هذا الموضع.
نعم روى في كتاب قرب الإسناد عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه
(عليهما السلام) (1) أنه قال: " إذا زوج الرجل أمته فلا ينظرن إلى عورتها والعورة
ما بين السرة إلى الركبة " وهو صريح في ذلك، ولعل هذه الرواية هي التي أشار إليها
المرتضى في ما تقدم من نسبته هذا القول إلى الرواية، والأظهر حملها على التقية فإن
القول بذلك نسبه في المنتهى إلى مالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين وأصحاب
الرأي وأكثر الفقهاء (2) ويعضده أن الراوي وهو الحسين بن علوان عامي. هذا
بالنسبة إلى الرجل.
وأما المرأة فالمشهور في كلام الأصحاب أن بدن المرأة الحرة جميعه عورة عدا
الوجه والكفين والقدمين، ونقل في المختلف والذكرى عن ابن الجنيد أنه ساوى بين
الرجل والمرأة في أن العورة إنما هي القبل والدبر، وظاهر الشيخ في الإقتصاد
وأبي الصلاح وابن زهرة أن بدن المرأة كله عورة. قال في الإقتصاد: فأما المرأة الحرة
فإن جميعها عورة يجب عليها ستره في الصلاة ولا تكشف عن غير الوجه فقط. وهذا
يقتضي منع كشف غير الوجه من الكفين والقدمين باطنا وظاهرا. وقال أبو الصلاح
المرأة كلها عورة وأقل ما يجزئ الحرة البالغة درع سابغ إلى القدمين وخمار. وهو
يرجع إلى ما ذكره في الإقتصاد. وقال ابن زهرة: والعورة الواجب سترها من النساء
جميع أبدانهن إلا رؤوس المماليك منهن. وقال ابن الجنيد: الذي يجب ستره من البدن
العورتان وهما القبل والدبر من الرجل وللمرأة وقال أيضا لا بأس أن تصلي المرأة الحرة
وغيرها وهي مكشوفة الرأس حيث لا يراها غير ذي محرم لها وكذلك الرواية عن

(1) الوسائل الباب 44 من نكاح العبيد والإماء
(2) 1 ج ص 578
7

أبي عبد الله (عليه السلام) (1) انتهى.
واحتج العلامة في المختلف على وجوب ستر البدن للحرة بما رواه زرارة في
الصحيح (2) قال: " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن أدنى ما تصلي فيه المرأة قال
درع وملحفة فتنشرها على رأسها وتجلل بها " وكذا استدل بها في المنتهى وزاد التعليل
بأن النظر إلى كل جزء منها متعلق الشهوة فأشبه العورة. وعلى استثناء هذه الثلاثة بأن
الوجه لا يجب ستره باجماع علماء الاسلام ادعى ذلك في المنتهى والمختلف، قال وكذا
الكفان عندنا. وظاهره دعوى الاجماع عندنا على ذلك، وعلل ذلك بأنهما ليستا من
العورة إذ الغالب كشفهما دائما إذ الحاجة داعية إلى ذلك للأخذ والعطاء وقضاء المهام
وكذا الرجلان بل كشفهما أغلب في العادة. ثم احتج بما رواه محمد بن مسلم في الصحيح
عن الباقر (عليه السلام) (3) قال: " والمرأة تصلي في الدرع والمقنعة " قال والدرع هو
القميص والمقنعة تزاد للرأس، والظاهر أن القميص لا يستر القدمين. انتهى.
وفي المدارك بعد أن استدل بصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة قال: وهذه الرواية
كما تدل على وجوب ستر الرأس والجسد تدل على استثناء الوجه والكفين والقدمين لأنه
(عليه السلام) اجتزأ بالدرع وهو القميص والمقنعة وهي للرأس فدل على أن ما عدا ذلك غير
واجب والدرع لا يستر اليدين ولا القدمين بل ولا العقبين غالبا. انتهى.
أقول: التحقيق عندي في هذا المقام على ما يظهر من أخبارهم (عليهم السلام) أن
الوجه لا اشكال في استثنائه لا لما ذكروه بل لما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة (4) قال:
" سألته عن المرأة تصلي متنقبة قال إذا كشفت عن موضع السجود فلا بأس وإن أسفرت
فهو أفضل ".
وأما استثناء الكفين والقدمين فلا يخلو من غموض بل ربما كان الظاهر منها

(1) الوسائل الباب 29 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 28 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 28 من لباس المصلي
(4) الوسائل الباب 33 من لباس المصلي
8

العدم، وذلك لأن مبنى استدلالهم بصحيحة محمد بن مسلم المذكورة على أن الظاهر أن
القميص لا يستر ذلك عادة، وهذا إنما يتم لو علم أن ثياب النساء في وقت خروج هذه الأخبار في تلك الديار كانت على ما يدعونه، ولم لا يجوز أن دروعهن كانت مفضية إلى
ستر أيديهن وأقدامهن كما هو المشاهد الآن في نساء أعراب الحجاز بل أكثر بلدان
العرب؟ فإنهم يجعلون القميص واسعة الأكمام مع طول زائد فيها بحيث تكون طويلة الذيل
تجر على الأرض، ومن القريب كون ذلك جاريا على الزمان القديم في تلك البلدان
فجرت الأخلاف على ما جرت عليه الأسلاف، ويعضد ذلك ما رواه في الكافي في الموثق
عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) " في الرجل يجر ثوبه؟ قال إني لأكره أن
يتشبه بالنساء " فإن مورد الخبر بالنسبة إلى استحباب تشمير الثياب للرجل وظاهره كما ترى
بل صريحه أن النساء يومئذ على خلاف ذلك وأنهن يجررنه على الأرض، وبذلك يظهر
لك ما في استدلالهم بصحيحة محمد بن مسلم المذكورة التي هي عمدة أدلتهم المتقدمة وليس
بعدها إلا تلك التعليلات العليلة التي لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية
وأما ما عدا هذه الرواية من أخبار الباب فإنه لا يأبى الانطباق على ما ذكره
القائلون بشمول وجوب الستر لهذين الموضعين:
فمن الأخبار صحيحة زرارة المتقدمة الدالة على أدنى ما تصح صلاة المرأة فيه وأنه
درع وملحفة تنشرها على رأسها وتجلل بها، والملحفة عبارة عن ثوب واسع سابغ شامل
للبدن يلبس على الثياب، وحينئذ فالملحفة المذكورة إن تجللت بها يعني نشرتها على رأسها
وعلى جميع بدنها وضمتها على بدنها كما توضحه الأخبار الآتية حصل بذلك ستر الكفين
والقدمين. هذا مضافا إلى ما عرفت من حصول الستر بالدرع لما عرفت مما هو عليه من
السعة طولا وعرضا.
ومنها - صحيحة علي بن جعفر المروية في الفقيه (2) " أنه سأل أخاه موسى

(1) الوسائل الباب 23 من أحكام الملابس
(2) ل الباب 28 من لباس المصلي
9

(عليه السلام) عن المرأة ليس عليها إلا ملحفة واحدة كيف تصلي؟ قال تلتف بها
وتغطي رأسها وتصلي فإن خرجت رجلها وليست تقدر على غير ذلك فلا بأس " والتقريب
ما تقدم، وفي قوله: " فإن خرجت رجلها " ما يدل على كون الملحفة شاملة في الغالب
للرجلين إلى آخرهما، وإنما نفى البأس هنا مع خروج الرجلين من حيث الضرورة بعدم
وجود ساتر غيرها وهو مؤذن بحصول البأس مع إمكان غيرها، وفيه إيماء إلى وجوب ستر
القدمين مع الامكان.
ومنها - ما رواه في الصحيح - ولكنه مختلف فيه - إلى المعلي بن خنيس عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " سألته عن المرأة تصلي في درع وملحفة ليس
عليها إزار ولا مقنعة؟ قال لا بأس إذا التفت بها فإن لم تكن تكفيها عرضا جعلتها طولا "
والظاهر من قوله " فإن لم تكن تكفيها عرضا " يعني لأجل الوصول إلى القدمين وسترهما
استظهارا إذا لم يسترهما الدرع وإلا فستر الرأس حاصل بها البتة.
ومنها - ما رواه في الكافي في الموثق عن عبد الله بن أبي يعفور (2) قال:
" قال أبو عبد الله (عليه السلام) تصلي المرأة في ثلاثة أثواب إزار ودرع وخمار ولا يضرها
أن تتقنع بالخمار، فإن لم تجد فثوبين تتزر بأحدهما وتقنع بالآخر. قلت فإن كان درع
وملحفة ليس عليها مقنعة؟ قال لا بأس إذا تقنعت بالملحفة فإن لم تكفها فتلبسها طولا "
أقول: يحتمل أن يكون المراد بالإزار هنا ثوبا شاملا للبدن من شقة واحدة كما
ورد في أجزاء الكفن. والأصحاب حملوا الثلاثة هنا على الاستحباب لحصول الستر
هنا بالدرع والخمار ولا بأس به. ويمكن حمله على الاستظهار في ستر القدمين والكفين
أيضا بناء على ما قلناه وأما قوله: " ولا يضرها أن تتقنع بالخمار " فالظاهر أن المراد
به أنه لو لم يكن ثمة إزار فإنها تختمر بأحد طرفي الخمار وتتقنع بالطرف الآخر الطويل منه
لأن الظاهر من الأخبار أنه يستحب لها بعد تخمير الرأس وتغطيته القناع فوقه كما

(1) رواه في الوسائل في الباب 28 من لباس المصلي
(2) رواه في الوسائل في الباب 28 من لباس المصلي
10

يستحب للرجل بعد تغطية الرأس بالقلنسوة ونحوها العمامة. ثم ذكر (عليه السلام) أنه
لو لم تجد هذه الثلاثة ولا الدرع ولا الخمار فإنه يجزئها ثوبان على الوجه المذكور بأن يكونا
ساترين لجميع ما يجب ستره في الصلاة. وظاهر هذه الأخبار كما ترى لا يأبى الانطباق
على ما ذكره الشيخ (قدس سره) في الإقتصاد ومن تبعه.
ومنها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن جميل بن دراج (1) قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة تصلي في درع وخمار؟ قال يكون عليها ملحفة تضمها
عليها " وحمل الذكر الملحفة على الاستحباب والفضل. وهو جيد للاستظهار في ستر أطرافها
من اليدين والرجلين.
وأما ما اعترض به في المدارك على كلام الشيخ (قدس سره) في الإقتصاد -
حيث قال: وأما احتجاج الشيخ في الإقتصاد على وجوب الستر بأن بدن المرأة كله عورة
فإن أراد بكونه عورة وجوب ستره عن الناظر المحترم فمسلم، وإن أراد وجوب ستره في الصلاة
فهو مطالب بدليله. انتهى ففيه أن الظاهر من الأخبار وكلام الأصحاب أن وجوب
الستر عن الناظر المحترم وكذا في الصلاة أمران متلازمان، وذلك فإن وجوب الستر في
الموضعين دائر مدار ثبوت كونه عورة، ولهذا كما عرفت من كلام العلامة في المنتهى
والمختلف إنما تمسك في عدم وجوب ستر هذه الأشياء بالخروج عن كونها عورة. ولعل
وجه الفرق الذي توهمه إنما بناه على ما فهمه من صحيحة محمد بن مسلم ودعوى دلالتها
على خروج الكفين والقدمين وقد عرفت ما فيه. وبالجملة فإني لا أعرف لهم دليلا سوى
الاجماع المدعى منهم مع وجود المخالف كما عرفت.
وأما ما ذهب إليه ابن الجنيد - من مساواة المرأة للرجل في أن العورة إنما هي
القبل والدبر فلم نقف له فيه على دليل، وصاحب المختلف مع تكلفه نقل الأدلة للأقوال

(1) رواه في الوسائل في الباب 28 من لباس المصلي
11

التي ينقلها فيه لم يتعرض هنا لنقل دليل له مع نقله القول المذكور وهو أظهر ظاهر في
ضعفه بعد ما عرفت. وأما ما ذهب إليه من القول الآخر فاحتج عليه واحتجوا له عليه بما رواه
عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " لا بأس بالمرأة المسلمة
الحرة أن تصلي وهي مكشوفة الرأس " وأجاب عنها الشيخ بالحمل على الصغيرة أو على حال
الضرورة. وقال في المعتبر أن هذه الرواية مطرحة لضعف عبد الله بن بكير فلا يترك
لخبره الأخبار الصحيحة المتفق على مضمونها.
أقول: والأظهر عندي حمل الرواية على أن المراد بكشف الرأس يعني من القناع
الذي أشرنا سابقا إلى أنه يستحب لها التقنع زيادة على ستر الرأس الواجب، وهو ليس
ببعيد في مقام التأويل والجمع بين الأخبار كما لا يخفى على من جاس خلال الديار، ومما
ينفي عنه البعد الرواية الأخرى عن ابن بكير أيضا (2) قال: " لا بأس أن تصلي المرأة
المسلمة وليس على رأسها قناع " فإن من الظاهر أن القناع عرفا زيادة على الخمار الذي
يلف به الرأس كما لا يخفى.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن ما تقدم كله من الكلام إنما هو بالنسبة إلى بدن
المرأة وجسدها من وجوب ستره كملا أو ما عدا المواضع الثلاثة المتقدمة.
وأما بالنسبة إلى شعرها فلم يتعرض للكلام فيه وقل من تعرض للكلام فيه من
أصحابنا (رضوان الله عليهم) قال في المدارك في هذا المقام: واعلم أنه ليس في العبارة
كغيرها من عبارات أكثر الأصحاب تعرض لوجوب ستر شعر الرأس بل ربما ظهر
منها أنه غير واجب لعدم دخوله في مسمى الجسد، ويدل عليه اطلاق الأمر بالصلاة فلا
يتقيد إلا بدليل ولم يثبت إذ الأخبار لا تعطي ذلك، واستقرب الشهيد في الذكرى
الوجوب لما رواه ابن بابويه عن الفضيل عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:

(1) الوسائل الباب 29 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 29 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 28 من لباس المصلي
12

" صلت فاطمة (عليها السلام) في درع وخمار وليس عليها أكثر مما وارت به شعرها وأذنيها "
وهي مع تسليم السند لا تدل على الوجوب، نعم يمكن الاستدلال بها على عدم وجوب
ستر العنق وفي رواية زرارة المتقدمة اشعار به أيضا. انتهى. أقول: فيه أن الظاهر من
الأخبار المتقدمة - باعتبار اشتمالها على الخمار والمقنعة التي هي عبارة عن الخمار أيضا كما ذكره
أهل اللغة وغيرهم والملحفة تلتف بها - هو ستر شعر الرأس وستر العنق بل ستر الرأس
وما انحدر عنه ما عدا الوجه، أما بالنسبة إلى الملحفة فظاهر لما عرفت من معناها وأنها بعد
التقنع بها تلفها وتضمها على بدنها، وأما بالنسبة إلى الخمار فإن الظاهر بل المعلوم انحداره عن
العنق وزيادة لا الاختصاص بالرأس كما يوهمه ظاهر كلامه (قدس سره) ومن أظهر الأدلة
على ذلك قوله عز وجل " وليضربن بخمرهن على جيوبهن " (1) قال شيخنا أمين الاسلام
الطبرسي (قدس سره) في تفسير مجمع البيان. والخمر المقانع جمع خمار وهو غطاء رأس المرأة
المنسدل على جنبيها، أمرن بالقاء المقانع على صدورهن تغطية لنحورهن فقد قيل إنهن كن
يلقين مقانعهن على ظهورهن فتبدو صدورهن، وكنى عن الصدور بالجيوب لأنها ملبوسة
عليها. وقيل إنهن أمرن بذلك ليسترن شعرهن وقرطهن وأعناقهن، قال ابن عباس
تغطي شعرها وصدرها وترائبها وسوالفها. انتهى. وهو صريح - كما ترى - في كون الخمار
منسدلا إلى الصدر والظهر موجبا لستر شعر الرأس والعنق كما لا يخفى، وإن حملناه على
ما هو المعمول الآن والمتعارف بين نساء هذا الزمان فهو أبلغ وأظهر في ستر الأجزاء
المذكورة من أن يحتاج إلى بيان.
وأما الرواية التي نقلها عن فاطمة (عليها السلام) التي هي سبب وقوعه في هذا
الوهم فهي مع كونها ظاهرة في كون تلك الحال حال ضرورة ظاهرة في وجوب ستر
الشعر فإنه لا يخفى أن شعر الرأس بمقتضى العادة منسدل على العنق والبدن من أمام

(1) سورة النور الآية 31
13

وخلف وهي (صلوات الله عليها) لمكان الضرورة وعدم كون خمارها متسعا كسائر
الأخمرة التي أشرنا إليها قد جمعت شعر رأسها ووارته في ذلك الخمار اليسير حيث إنه
ليس فيه سعة يأتي على شعرها مع انسداله، فإن ظاهر الخبر أن ذلك الخمار لصغره إنما
وارى ما فوق العنق خاصة فجمعت شعر رأسها فيه، ولو كانت الصلاة جائزة مع عدم
ستر الشعر كما توهمه لما كان لجمعها له في الخمار وجه البتة لما عرفت أنه بمقتضى العادة
منسدل إلى تحت، وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا سترة عليه، وبه يظهر أن ما استقر به
في الذكرى من دلالة الخبر على الوجوب في محله وأن كلامه عليه ومنعه الدلالة لا وجه له
وأما قوله -: نعم يمكن الاستدلال بها على عدم وجوب ستر العنق - فضعيف بل
عجيب من مثله (قدس سره) فإنه لا يخفى أن ظاهر الخبر ينادي بأن صلاتها (صلوات
الله عليها) في ذلك الخمار بهذه الكيفية إنما هي لمكان الضرورة وأنه ليس عليها أكثر
من ذلك فالحال حال ضرورة والضرورات تبيح المحظورات وإنما صلت كذلك حيث
لم تجد ساترا يستر ما زاد على ذلك، فكيف يسوغ منه الاستدلال به على جواز كشف
العنق مطلقا؟ وقد عرفت من ظاهر الآية - كما ذكره أمين الاسلام المتقدم ذكره - الدلالة
على كون الخمار المتعارف يومئذ ساترا للجميع وأن الله سبحانه قد أوجب ستر هذه
المواضع عن الناظر المحترم لكونها عورة فيجب سترها في الصلاة أيضا كما تقدم، ويجب
حمل الخمار في الأخبار المتقدمة على ذلك كما عرفت، وبه يظهر وجوب ستر
العنق ونحوه أيضا.
وأعجب من ذلك قوله: " وفي رواية زرارة المتقدمة اشعار به " وكأنه توهم من
نشر الملحفة على رأسها أنها ترمي طرفي الملحفة على يمينها ويسارها وتصلي مكشوفة العنق
مما يلي صدرها وغفل عن قوله: " وتجلل بها " فإن المراد بالتجلل بها ضمها على البدن
كما عرفت من الروايات الأخر، وبه صرح أهل اللغة حيث ذكروا أن الجلال للدابة
كالثوب للانسان بقية من البرد ونحوه وهو يقتضي ضمه على البدن من جميع جهاته وأطرافه
14

وبالجملة فإن كلامه في أمثال هذه المقامات لا يخلو من مجازفة وعدم تأمل، وأعجب
من جميع ذلك متابعة من تأخر عنه له في أمثال هذه المقامات من غير اعطاء النظر حقه
في الأخبار وكلام علمائنا الأبرار ولا تحقيق ما هو الحق منها في المقام لحسن الظن
بصاحب الكتاب واشتهاره بالفضل والتحقيق في جميع الأبواب والحال كما عرفت
في غير موضع مما شرحناه وسنشرحه إن شاء الله تعالى في ما يأتي من الكتاب. والله العالم
(المسألة الثانية) لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز
كشف الرأس للأمة والصبية في الصلاة وقد نقل عليه الفاضلان والشهيد الاجماع من
علماء الاسلام إلا الحسن البصري فإنه أوجب على الأمة الخمار إذا تزوجت أو اتخذها
الرجل لنفسه (1).
ويدل على الحكم المذكور مضافا إلى الاجماع المدعى بالنسبة إلى الأمة عدة روايات:
منها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمان بن الحجاج عن أبي الحسن (عليه السلام) (2)
قال: " ليس على الإماء أن يتقنعن في الصلاة ولا ينبغي للمرأة أن تصلي إلا في ثوبين ".
وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال:
" قلت له الأمة تغطي رأسها؟ قال لا ولا على أم الولد أن تغطي رأسها إذا لم
يكن لها ولد ".
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) أنه قال: " على الصبي إذا
احتلم الصيام وعلى الجارية إذا حاضت الصيام والخمار إلا أن تكون مملوكة فإنه ليس عليها
خمار إلا أن تحب أن تختمر وعليها الصيام ".
وما في كتاب قرب الإسناد بسنده عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه
السلام) (5) قال: " سألته عن الأمة هل يصلح لها أن تصلي في قميص واحد: قال لا بأس "

(1) المغني ج 1 ص 604
(2) ل الباب 28 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 29 من لباس المصلي
(4) الوسائل الباب 29 من لباس المصلي
(5) الوسائل الباب 29 من لباس المصلي
15

وما رواه في الكافي والفقيه عن محمد بن مسلم في الصحيح (1) قال: " سمعت
أبا جعفر (عليه السلام) يقول ليس على الأمة قناع في الصلاة ولا على المدبرة ولا على
المكاتبة إذا اشترطت عليها قناع في الصلاة وهي مملوكة حتى تؤدي جميع مكاتبتها
ويجري عليها ما يجري على المملوك في الحدود كلها " وزاد في الفقيه (2) قال: " وسألته
عن الأمة إذا ولدت عليها الخمار؟ قال لو كان عليها لكان عليها إذا هي حاضت وليس
عليها التقنع في الصلاة ".
وأما ما يدل على ذلك بالنسبة إلى الصبية فاستدل عليه بعضهم بأصالة عدم
التكليف. وعندي أن ذكر الصبية في هذا المقام كما ذكره غير واحد منهم لا وجه له
لأن هذا الحكم إنما ذكروه في مقام الاستثناء من القاعدة المتقدمة وهو وجوب ستر
البدن كملا على المرأة وأنه عورة والصبية مما لا مدخل لها في أصل القاعدة فلا حاجة
إلى استثنائها.
واطلاق كلام أكثر الأصحاب وأكثر الأخبار يقتضي عدم الفرق في الأمة
بين المملوكة والمدبرة والمكاتبة المشروطة والمطلقة التي لم تؤد من مكاتبتها شيئا وأم
الولد سواء كان ولدها حيا أو ميتا، ويفهم من صحيحة محمد بن مسلم الأولى أن أم الولد
إنما تكون كذلك بعد موت ولدها وإلا فمع وجوده فهي كالحرة في وجوب الستر،
وإلى ذلك يميل كلام صاحب المدارك حيث قال بعد ذكر الخبر المذكور: وهو يدل
بمفهومه على وجوب تغطية الرأس على أم الولد ومفهوم الشرط حجة كما حقق في محله،
ويمكن حمله على الاستحباب إلا أنه يتوقف على وجود المعارض. انتهى. وهو جيد
لولا ما يدل عليه ظاهر صحيحة محمد بن مسلم الثانية على رواية الفقيه من قوله: " " وسألته
عن الأمة إذا ولدت عليها الخمار... إلى آخره " فإن الظاهر أن المعنى فيها هو أن السائل
ظن أن وجوب الخمار على المرأة أمة كانت أو حرة دائر مدار الولادة المؤذنة بالبلوغ

(1) الوسائل الباب 29 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 29 من لباس المصلي
16

فأجاب (عليه السلام) بأنه لو كان كذلك فإنه لا اختصاص له بالولادة بل يجري في
الحيض الذي هو أحد أسباب البلوغ أيضا مع أنه ليس على الأمة التقنع في الصلاة مطلقا.
وفيه إشارة إلى تساوي حالها قبل الولادة وبعدها في عدم التقنع قال في الوافي في ذيل
هذا الخبر: كأن الراوي ظن أن حد وجوب التقنع على النساء إذا ولدن فنبهه (عليه
السلام) أن حده إذا حضن وأنه ساقط عن الإماء في جميع الأحوال. انتهى وظني بعده عن
سياق الخبر إلا أنه دال على ما قلناه من عدم وجوب التقنع على أم الولد ولو مع وجود
الولد، وحينئذ فلا يلتفت إلى دلالة المفهوم مع وجود المنطوق. وأما ما ذكره في الذخيرة
- من أن هذه الرواية لا تصلح لمعارضة الخبرين الآخرين لأنه لو سلم مفهومها لم يكن
واضح الدلالة على الوجوب كما لا يخفى فغير متوجه وكيف لا ومفهوم الشرط لا اشكال
في حجيته كما اعترف به في مواضع من كتابه وعليه المحققون من الأصوليين معتضدا
ذلك بالأخبار المتقدمة في مقدمات الكتاب، والخبران المشار إليهما في كلامه وهما
صحيحتا عبد الرحمان ومحمد بن مسلم الثانية مطلقتان وهذه مقيدة بناء على حجية المفهوم
المذكور فلا تعارض إذا المقيد يحكم على المطلق كما هو القاعدة، فكلام السيد لا يخلو من
قوة لولا دلالة الصحيحة المذكورة كما أوضحناه. وبالجملة فإنك قد عرفت أن مقتضى
الأخبار المتقدمة في سابق هذه المسألة أن بدن المرأة كله عورة يجب سترة في الصلاة
حرة كانت أو أمة استثنى من ذلك ما قام عليه الدليل من الأمة بهذه الأخبار وبقي ما عدا
موضع الاستثناء على الوجوب، وبذلك يظهر لك ضعف قوله: " إنه لو سلم مفهومها لم
يكن واضح الدلالة في الوجوب " فإن الوجوب ثابت بتلك الأخبار المشار إليها لا بهذا
الخبر غاية الأمر أنه قد استثنى من الوجوب في المرأة مطلقا ما قام عليه الدليل بهذه الأخبار وهي أمة. وهذا بحمد الله سبحانه واضح لا سترة عليه.
بقي في المقام فوائد يجب التنبيه عليها: (الأولى) - قال في المعتبر: وهل يستحب
لها القناع؟ قال به عطاء ولم يستحب الباقون لما رووه أن عمر كان ينهى الإماء عن التقنع
17

وقال إنما القناع للحرائر وضرب أمة لآل أنس رآها متقنعة وقال اكشفي ولا تشبهي
بالحرائر (1) وما قاله عطاء حسن لأن الستر أنسب بالخفر والحياء وهو مراد من الحرة
والأمة، وما ذكروه من فعل عمر جاز أن يكون رأيا رآه. انتهى.
أقول: ظاهر جملة ممن تأخر عنه خلاف ما ذكره واختاره من استحباب القناع
للأمة لما رواه أحمد بن محمد بن خالد البرقي في كتاب المحاسن بإسناده عن حماد اللحام (2)
قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المملوكة تقنع رأسها إذا صلت: قال لا قد
كان أبي إذا رأى الخادم تصلي متقنعة ضربها لتعرف الحرة من المملوكة " وروى
الصدوق في كتاب العلل هذا الحديث أيضا عن حماد اللحام (3) وروى فيه أيضا
في الصحيح عن حماد اللحام - وهو مجهول - عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال:
" سألته عن الخادم تقنع رأسها في الصلاة؟ قال اضربوها حتى تعرف الحرة من المملوكة "
وروى الشهيد في الذكرى عن البزنطي في كتابه باسناده إلى حماد اللحام عن الصادق
(عليه السلام) (5) " في المملوكة تقنع رأسها إذا صلت؟ قال لا.. الحديث الأولى إلى
آخره " قال وروى علي بن إسماعيل الميثمي في كتابه عن أبي خالد القماط (6)
قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الأمة أتقنع رأسها؟ فقال إن شاءت فعلت
وإن شاءت لم تفعل، سمعت أبي يقول كن يضربن فيقال لهن لا تشبهن بالحرائر ". أقول:
لا يخفى ما في هذه الأخبار من الدلالة على خلاف ما صار إليه في المعتبر ولعل العذر له في
عدم الوقوف عليها.
وظاهر الصدوق في كتاب العلل القول بتحريم الستر على الأمة حيث قال:
" باب العلة التي من أجلها لا يجوز للأمة أن تقنع رأسها " ثم ذكر الأخبار المتقدم نقلها
عنه، ولعل منشأ ذهابه إلى التحريم من حيث اشتمال الأخبار على الضرب. وفيه أنه

(1) المغني ج 1 ص 604
(2) الوسائل الباب 29 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 29 من لباس المصلي
(4) الوسائل الباب 29 من لباس المصلي
(6) الوسائل الباب 29 من لباس المصلي
(5) ص 140
18

لا يخفى على من تأمل الأخبار أنه كثيرا ما يؤكدون (عليهم السلام) في المنع من المكروهات
بما يكاد يلحقها بالمحرمات كما يؤكدون في المستحبات بما يكاد يلحقها بالواجبات، ويدل على
حمل ذلك على الكراهة قوله (عليه السلام) في حديث القماط " إن شاءت فعلت وإن شاءت
لم تفعل " وقوله (عليه السلام) في رواية أبي بصير المتقدمة " إلا أن تحب أن تختمر "
ويؤيده التعبير في كثير من الروايات بأنه ليس عليها. وبالجملة فالأظهر هو الكراهة كما
هو المشهور بين الأصحاب، ويقرب حمل أخبار الضرب الظاهرة في التحريم على التقية كما
تقدم نقله عن عمر ويشير إليه قوله (عليه السلام) في رواية القماط بعد افتائه بالتخيير
" سمعت أبي يقول كن يضربن " إذ الظاهر كونه إشارة إلى ما رواه العامة عن عمر،
ويؤيده اسناد الحكم إلى أبيه في أكثر هذه الأخبار، وكيف كان فالأظهر الكراهة.
نعم يبقى الاشكال في العتق فإن الظاهر من الأخبار المانعة من التقنع جواز كشفه
ولا سيما خبر علي بن جعفر المتقدم نقله من كتاب قرب الإسناد الدال على جواز صلاتها
في قميص واحد فإن القميص لا يستر العنق. وبالجملة فإن اغفاله في هذه الأخبار مع
اشتمالها على النهي عن التقنع ظاهر في جواز كشفه وأنه من جملة الرأس المرخص في كشفه
أو المكروه تغطيته. وبما قلناه من جواز كشفه صرح جملة من أصحابنا المتأخرين ومتأخريهم.
(الثانية) - قد صرح جملة من الأصحاب: منهم الشيخ - (قدس سره)
بأنه يجب على الأمة ستر ما عدا الرأس، قال في المعتبر بعد أن حكى ذلك عن الشيخ:
ويقرب عندي جواز كشف وجهها وكفيها وقدميها لما قلناه في الحرة. انتهى. واستدرك
عليه الشهيد في الذكرى ذلك فقال بعد نقله عنه: قلت ليس هذا موضع التوقف لأنه
من باب المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق به ولا نزاع في مثله. وهو جيد
بناء على ما هو المشهور، إلا أن فيه ما عرفت آنفا في الكفين والقدمين.
(الثالثة) - لو انعتق بعض الأمة وجب عليها ستر رأسها لعدم دخولها تحت
الأخبار المتقدمة فإن المذكور فيها من كانت أمة والمتبادر منها هي المملوكة كملا، قال في
19

الذكرى بعد نقل القول المذكور عن الشيخ والفاضل ونقل صحيحة محمد بن مسلم الثانية:
وهو يشعر بما قالوه للتخصيص بالمشروطة. يعني أن تخصيصه (عليه السلام) المكاتبة
المشروطة بالذكر في هذا المقام - وهي التي لا تنعتق حتى تؤدي مال الكتابة كملا دون
المطلقة التي ينعتق منها بنسبة ما تؤديه - مشعر بأن المطلقة متى أدت بعضها لم تدخل في عداد
هؤلاء المذكورين بانعتاق بعضها فيغلب جانب الحرية منها ويلحقها حكم الأحرار.
(الرابعة) - قال في المنتهى: الخنثى المشكل يجب عليه ستر فرجيه اجماعا وإن
كان أحدهما زائدا. وهل يجب عليه ستر جميع جسده كالمرأة؟ فيه تردد ينشأ من أصالة
براءة الذمة فيصار إليها، ومن العمل بالاحتياط في وجوب ستر الجميع. والأقرب الثاني
لأن الشرط بدون ستر الجميع لا يتيقن حصوله. وإلى ما ذكره من اختيار الثاني مال
الشهيد في الذكرى فقال: والأقرب الحاق الخنثى بالمرأة في وجوب الستر أخذا بالمبرئ
للذمة. واعترضهما الفاضل الخراساني في الذخيرة بأن الاشتراط إنما ثبت في حق المرأة
لا مطلقا فههنا كان اطلاق الأمر بالصلاة باقيا على حاله من غير تقييد فمقتضى ذلك
عدم الوجوب. انتهى.
أقول: لا يخفى أن أخبار هذا الباب وكلمة الأصحاب (رضوان الله عليهم) قد
اتفقت على أن حكم الرجل بالنسبة إلى هذه المسألة وجوب ستر العورتين خاصة وجواز
كشف ما عداهما والمرأة يجب عليها ستر البدن كملا ما عدا المواضع المستثناة على ما تقدم
ولا ريب أن الخنثى المشكل لا يسمى رجلا لتلحقه أحكام الرجل ولا امرأة لتلحقه
أحكام المرأة ولم يرد فيه نص بخصوصه فيبقى الحكم فيه مشكلا، وقد تكاثرت الأخبار
بالتثليث (1) " حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك "
ولا ريب أن حكم الخنثى
هنا من القسم الثالث، وقد ورد عنهم (عليهم السلام) أن الحكم في هذا القسم هو
الأخذ بالاحتياط في العمل، وهو عندنا واجب في هذه الصورة وإن كان عند أصحابنا

(1) الوسائل الباب 12 من صفات القاضي وما يقضي به
20

الأصوليين مستحبا، فما ذهب إليه الشيخان المذكوران هو الحق في المسألة وكلام هذا
الفاضل عليهما لا معنى له، وتمسكه باطلاق الأمر بالصلاة مجازفة إذ قد علم من الشرع
ضرورة أن هذا الاطلاق قد قيدته النصوص بالشروط الواجبة على جميع المكلفين بلا
خلاف من وجوب الستر وطهارته وطهارة المصلي من الحدث والقبلة والوقت ونحوها فلا بد
في صحة الصلاة من أي مكلف كان من الاتيان بهذه الشروط، والخنثى المشكل من جملة
المكلفين البتة فيجب عليها ستر العورة لكن حصل الشك في الحاقها في ذلك بالرجل
أو المرأة حيث لا نص عليها بالخصوص وعدم دخولها تحت شئ من العنوانين المذكورين
فالواجب الأخذ بالاحتياط
(الخامسة) - إذا أعتقت الأمة في أثناء الصلاة وهي مكشوفة الرأس وعلمت
بذلك قال الشيخ (قدس سره). إن قدرت على ثوب تغطي رأسها وجب عليها أخذه
وتغطية الرأس، وإن لم يتم لها ذلك إلا بأن تمشي خطى قليلة من غير أن تستدبر القبلة
كان مثل ذلك، وإن كان بالبعد منها وخالفت فوات الصلاة أو احتاجت إلى استدبار
القبلة صلت كما هي وليس عليها شئ ولا تبطل صلاتها. انتهى. ومرجعه إلى أن الواجب
عليها الستر إلا أن يستلزم تحصيله فعلا كثيرا أو يستلزم استدبارا فتقطع الصلاة مع سعة
الوقت وتمضي مع عدمها. وإلى هذا القول مال العلامة في المنتهى فقال: وما ذكره في
المبسوط هو الأقرب عندي. وقال الشهيد في الذكرى: ولو أعتقت الأمة في الأثناء
وجب عليها الستر فإن افتقرت إلى فعل كثير استأنفت مع سعة الوقت وأتمت لا معه
لتعذر الشرط حينئذ فتصلي بحسب المكنة. وهو راجع إلى ما اختاره في المبسوط.
وقال الشيخ في الخلاف تستمر المعتقة على صلاتها وأطلق لأن دخولها كان
مشروعا والصلاة على ما افتتحت عليه. قال في الذخيرة بعد نقل هذا القول تبعا
لصاحب المدارك: وهو ظاهر المحقق في المعتبر ولا يخلو من قوة لأن القدر الثابت وجوب
الستر إذا توجه التكليف بذلك قبل الدخول في الصلاة والمسألة محل تردد. انتهى.
21

أقول: أما ما ذكره من أنه ظاهر المعتبر فليس كذلك بل ظاهره إنما هو ما ذكره الشيخ
في المبسوط حيث قال: لو أعتقت في الصلاة وأمكنها الستر من غير ابطال وجب وإن
خشيت فوت الصلاة واحتاجت إلى فعل كثير استمرت. وأما ما عللا به قوة القول
المذكور عندهما فهو مردود بأن اشتراط الصلاة بهذه الشروط من طهارة الساتر والقبلة
ونحوهما دائر مدار الامكان كائنا ما كان قبل الصلاة أو في أثنائها، ألا ترى أنه لو
ظهرت له القبلة بعد الاشتباه في أثناء الصلاة وجب الاستدارة إليها في بعض الصور
المتقدمة وما ذاك إلا من حيث الامكان وعدمه. وبالجملة فالظاهر هو ما ذكره في المبسوط
وهو القول المشهور الذي صرح به في المعتبر والذكرى كما عرفت.
ونقل في الذخيرة أيضا قولا بأنه يجب عليها ستر رأسها وإن افتقرت إلى فعل
كثير استأنفت. واعترضه بأن الصحيح أن الاستئناف إنما يثبت إذا أدركت بعد القطع
ركعة في الوقت وإلا وجب الاستمرار لأن وجوب الستر مشروط بالقدرة عليه. ولم
أقف على هذا القول في كلامهم سوى عبارة الشرائع حيث ذكر ذلك واعترضه في
المدارك بما ذكره هنا، بل ظاهر كلامهم أن الاستئناف إنما هو مع سعة الوقت بأن تدرك
منه ولو ركعة وإلا استمرت كما عرفت مما قدمنا من عباراتهم في ما عدا الخلاف، وقال
في الدروس: ولو أعتقت في الأثناء وعلمت استترت فإن استلزم المنافي بطلت مع سعة
الوقت. ونحوه عبارته في البيان أيضا. والله العالم.
(المسألة الثالثة) - قد عرفت مما تقدم أن الواجب على الرجل ستر العورتين:
القبل والدبر، وعلى المرأة ستر جميع بدنها، وقد ذكر الأصحاب أنه يستحب للرجل
ستر جميع بدنه ويجزئه أن يصلي في ثوب واحد، ويستحب للمرأة أن تصلي في ثلاثة
أثواب: درع وخمار وملحفة.
أقول: أما ما يتعلق بالمرأة من الأخبار الدالة على الثياب التي ينبغي أن تصلي
فيها فقد تقدم نقله ويأتي هنا جملة منها أيضا إن شاء الله تعالى.
22

وأما بالنسبة إلى الرجل فمن الأخبار المتعلقة بذلك ما رواه في الكافي في الصحيح
عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (1) قال: " سألته عن الرجل يصلي في
قميص واحد أو في قباء طاق أو في قباء محشو وليس عليه إزار؟ فقال إذا كان عليه قميص
صفيق أو قباء ليس بطويل الفرج فلا بأس، والثوب الواحد يتوشح به وسراويل كل
ذلك لا بأس به. وقال إذا لبس السراويل فليجعل على عاتقه شيئا ولو حبلا ".
وما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن زياد بن سوقة عن أبي جعفر (عليه
السلام) (2) قال: " لا بأس أن يصلي أحدكم في الثوب الواحد وأزراره محلولة إن دين محمد
(صلى الله عليه وآله) حنيف ".
وما رواه الشيخ في التهذيب عن الحسن بن علي بن فضال عن رجل (3) قال:
" قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إن الناس يقولون إن الرجل إذا صلى وأزراره محلولة
ويداه داخلة في القميص إنما يصلي عريانا؟ قال لا بأس ".
وما رواه في الفقيه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (4)
قال: " إن آخر صلاة صلاها النبي (صلى الله عليه وآله) بالناس في ثوب واحد قد خالف
بين طرفيه ألا أريك الثوب قلت بلى. قال فأخرج ملحفة فذرعتها فكانت سبعة أذرع
في ثمانية أشبار ".
وما رواه في التهذيب عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه (عليهما
السلام) (5) قال: " لا يصلي الرجل محلول الأزرار إذا لم يكن عليه إزار ".
وعن إبراهيم الأحمري (6) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل
يصلي وأزراره محللة؟ قال لا ينبغي ذلك ".
وما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم (7) قال: رأيت أبا جعفر

(1) الوسائل الباب 22 من لباس المصلي
(4) الوسائل الباب 22 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 23 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 23 من لباس المصلي
(5) الوسائل الباب 23 من لباس المصلي
(6) الوسائل الباب 23 من لباس المصلي
(7) رواه في الوسائل في الباب 22 و 28 و 29 من لباس المصلي
23

(عليه السلام) يصلى في إزار واحد ليس بواسع قد عقده على عنقه فقلت له ما ترى
للرجل يصلي في قميص واحد؟ فقال إذا كان كثيفا فلا بأس به، والمرأة تصلي في الدرع
والمقنعة إذا كان الدرع كثيفا يعنيه إذا كان ستيرا. قلت رحمك الله الأمة تغطي رأسها
إذا صلت؟ فقال ليس على الأمة قناع ".
وروى في الفقيه عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال:
" المرأة تصلي في الدرع والمقنعة إذا كان كثيفا يعني ستيرا ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن جميل بن دراج (2) قال: " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن المرأة تصلي في درع وخمار؟ فقال تكون عليها ملحفة تضمها عليها ".
وروى في الفقيه (3) قال: " سأل يونس بن يعقوب أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الرجل يصلي في ثوب واحد: قال نعم. قال قلت فالمرأة؟ قال لا ولا يصلح للحرة
إذا حاضت إلا الخمار إلا أن لا تجده ".
وروى الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)
قال: " لا يصلح للمرأة المسلمة أن تلبس من الخمر والدروع ما لا يواري شيئا ".
وعن علي بن محمد رفعه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) " في رجل يصلي في
سراويل ليس معه غيره؟ قال يجعل التكة على عاتقه ".
وروى في الفقيه والتهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان (6) قال: " سئل
أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل ليس معه إلا سراويل؟ قال يحل التكة منه فيطرحها
على عاتقه ويصلي. قال وإن كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلد بالسيف ويصلي قائما "
وروى في الفقيه (7) قال: " سأل علي بن جعفر أخاه موسى (عليه السلام)

(1) الوسائل الباب 28 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 28 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 28 من لباس المصلي
(4) الوسائل الباب 21 من لباس المصلي
(5) الوسائل الباب 53 من لباس المصلي
(6) الوسائل الباب 53 من لباس المصلي
(7) الوسائل الباب 22 من لباس المصلي
24

عن الرجل يصلي بالقوم وعليه سراويل ورداء؟ قال لا بأس به ".
وروى في التهذيب في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه
السلام) (1) قال: " سألته عن الرجل هل يصلح له أن يؤم في سراويل وقلنسوة؟ قال
لا يصلح. وسألته عن السراويل هل يجوز مكان الإزار؟ قال نعم ".
وروى في الفقيه عن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) (2)
قال: " أدنى ما يجزئك أن تصلي فيه بقدر ما يكون على منكبيك مثل جناحي
الخطاف ".
وقال في الفقيه أيضا (3) " وقال أبو بصير لأبي عبد الله (عليه السلام) ما يجزئ
للرجل من الثياب أن يصلي فيه؟ فقال صلى الحسين بن علي (عليهما السلام) في ثوب
قد قلص عن نصف ساقه وقارب ركبته ليس على منكبيه منه إلا قدر جناحي الخطاف
وكان إذا ركع سقط عن منكبيه وكلما سجد يناله عنقه فيرده على منكبيه بيده فلم يزل
ذلك دأبه ودأبه مشتغلا به حتى أنصرف ".
وروى في التهذيب عن جميل (4) قال " سأل مرازم أبا عبد الله (عليه السلام)
وأنا معه حاضر عن الرجل الحاضر يصلي في إزار مؤتزرا به: قال يجعل على رقبته منديلا
أو عمامة يتردى به ".
وروى في الكافي والتهذيب عن رفاعة عن من سمع أبا عبد الله (عليه السلام) (5)
" عن الرجل يصلي في ثوب واحد يأتزر به؟ قال لا بأس به إذا رفعه إلى الثديين " كذا
في التهذيب وفي الكافي " إلى الثندوتين " بدل " الثديين " والثندوة بالمثلثة لحم الثديين
أو أصله وفي رواية سفيان بن السمط عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6) قال: " الرجل
إذا اتزر بثوب واحد إلى ثندوته صلى فيه ".

(1) الوسائل الباب 53 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 53 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 22 من لباس المصلي
(4) الوسائل الباب 53 من لباس المصلي
(5) الوسائل الباب 22 من لباس المصلي
(6) الوسائل الباب 22 من لباس المصلي
25

وروى في كتاب الخصال بسند معتبر عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام) عليكم بالصفيق من
الثياب فإن من رق ثوبه رق دينه. وقال (عليه السلام) لا يقومن أحدكم بين يدي
الرب جل جلاله وعليه ثوب يشف. وقال (عليه السلام) لا يصلي الرجل في قميص
متوشحا به فإنه من أفعال قوم لوط. وقال (عليه السلام) تجزئ الصلاة للرجل في ثوب
واحد يعقد طرفيه على عنقه وفي القميص الصفيق يزره عليه ".
وروى في كتاب المكارم عن النبي (صلى الله عليه وآله) (2) أنه قال:
" ركعتان بعمامة أفضل من أربع ركعات بغير عمامة ".
وفي كتاب المسائل لعلي بن جعفر رضي الله عنه عن أخيه موسى (عليه السلام) (3)
قال: " سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في قميص واحد أو قباء وحده؟ قال ليطرح
على ظهره شيئا. وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يؤم في سراويل ورداء؟ قال لا بأس
به. وسألته عن المرأة هل يصلح لها أن تصلي في ملحفة ومقنعة ولها درع؟ قال لا يصلح
لها إلا أن تلبس درعها. وسألته عن المرأة هل يصلح لها أن تصلي في إزار وملحفة ومقنعة
ولها درع؟ قال إذا وجدت فلا يصلح لها الصلاة إلا وعليها درع. وسألته عن المرأة هل
يصلح لها أن تصلي في إزار وملحفة تقنع بها ولها درع؟ قال لا يصلح لها أن تصلي حتى تلبس
درعها. وسألته عن السراويل هل يجزئ مكان الإزار؟ قال نعم. وسألته عن الرجل
هل يصلح له أن يصلي في إزار وقلنسوة وهو يجد رداء؟ قال لا يصلح. وسألته عن الرجل
هل يصلح له أن يؤم في سراويل وقلنسوة؟ قال لا يصلح. وسألته عن المحرم هل يصلح
له أن يعقد إزاره على عنقه في صلاته؟ قال لا يصلح أن يعقده ولكن يثنيه على عنقه ولا

(1) الوسائل الباب 21 و 24 من لباس المصلي
(2) ل الباب 64 من لباس المصلي
(3) البحار ج 4 ص 150 وفي الوسائل بالتقطيع في الباب 22 و 25 و 28 من
لباس المصلي والباب 53 من تروك الاحرام
26

يعقده. وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يجمع طرفي ردائه على يساره؟ قال لا يصلح
جمعهما على اليسار ولكن اجمعهما على يمينك أو دعهما متفرقين. وسألته عن الرجل هل
يصلح له أن يؤم في ممطر وحده أو جبة وحدها؟ قال إذا كان تحتها قميص فلا بأس.
وسألته عن الرجل هل يؤم في قباء وقميص؟ قال إذا كانا ثوبين فلا بأس ".
أقول: وتحقيق البحث في هذه الأخبار يقع في مواضع: (الأول) ما دل عليه
قوله (عليه السلام) في صحيحة محمد بن مسلم - من اعتبار كون الثوب صفيقا وصحيحته
الثانية من كون درع المرأة كثيفا يعني ستيرا ومثله في الرواية التي بعدها هو مستند
الأصحاب فيما ظاهرهم الاتفاق عليه من اشتراط الستر في الثوب الذي يصلي فيه.
والمراد منه أن لا يحكى لون البشرة وما هي عليه من بياض أو سواد أو حمرة.
وهل يعتبر كونه ساتر الحجم أم لا؟ صرح الفاضلان بالعدم وعليه أكثر المتأخرين
وروى في الكافي عن محمد بن يحيى رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" لا تصل فيما شف أو سف يعني الثوب الصقيل " وروى الشيخ في التهذيب عن أحمد
ابن حماد رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " لا تصل في ما شف أو صف
يعني الثوب الصقيل " قال في الذكرى: معنى " شف " لاحت منه البشرة ومعنى
" وصف " حكى الحجم، قال وفي خط الشيخ أبي جعفر في التهذيب " أو صف " بواو
واحدة والمعروف بواوين من الوصف. أقول: لا يخفى أن الرواية التي وصلت إلينا في
كتب المحدثين نقلا عن التهذيب وفي كتاب التهذيب الذي بأيدينا إنما هي بواو واحدة
وأما الذي في الكافي فإنما هو بالسين كما عرفت، وعلى كلتا الروايتين فالراوي قد
فسره بالصقيل فما ذكره (قدس سره) لا أعرف له وجها. ومما يدل على حصول الستر
بمجرد خفاء اللون دون الحجم قول الصادق (عليه السلام) (3) في حديث النورة " إن

(1) رواه في الوسائل في الباب 21 من لباس المصلي
(2) رواه في الوسائل في الباب 21 من لباس المصلي
(3) ج 5 ص 531
27

النورة قد سترته " ومن المعلوم أن النورة إنما تستر اللون دون الحجم.
بقي الكلام في قوله (عليه السلام) في حديث الخصال " عليكم بالصفيق من
الثياب فإن من رق ثوبه رق دينه " وقوله (عليه السلام) " لا يقومن أحدكم بين يدي
الرب وعليه ثوب يشف " ومعنى " يشف " يعني تلوح منه البشرة ويظهر لونها،
والظاهر أنه من قبيل الأخبار المتقدمة الدالة على اشتراط الستر، ويحتمل أن يكون
كلامه الأول محمولا على الرقيق الذي لا يبلغ إلى حد رؤية اللون فيكون النهي محمولا
على الكراهة، وبذلك صرح جملة من الأصحاب وقال الشيخ (قدس سره) في
المبسوط: يجوز إذا كان صفيقا وينكره إذا كان رقيقا، وقال في الذكرى: تكره الصلاة
في الرقيق الذي لا يحكي تباعدا من حكاية الحجم وتحصيلا لكمال الستر نعم لو كان تحته
ثوب آخر لم يكره إذا كان الأسفل ساترا للعورة. انتهى. وربما أشعر آخر كلامه بأنه
لو كان الأسفل غير ساتر فإن الكراهة باقية وإن حصل الستر الكامل بهما، ويفهم منه
حينئذ أنه لو كان كل منهما لا يستر العورة وإنما يحصل الستر بهما معا فإنه لا يجزئ أيضا
والظاهر أنه ليس كذلك إذ اعتبار شرطية الستر في الصلاة غير مقيدة بثوب واحد بل
المراد ستر العورة كيف اتفق بثوب واحد أو ثياب متعددة أو غير الثياب مطلقا.
(الثاني) - أكثر هذه الأخبار المتقدمة قد دلت على الصلاة في الثوب الواحد
الشامل للبدن ولو إزار أو ملحفة يعقد طرفيها على عنقه، وجملة من الأصحاب صرحوا
بأن الأفضل التعدد في الثياب:
قال في الذكرى بعد أن نقل جملة من أخبار الصلاة في ثوب واحد ما لفظه:
وبعض العامة الفضل في ثوبين لما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) (1) قال:
" إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما " ولا بأس به والأخبار الأولة لا تنافيه لدلالتها
على الجواز ويؤيده عموم قوله تعالى: " خذوا زينتكم عند كل مسجد " (2) ودلالة

(1) المغني ج 1 ص 583
(2) سورة الأعراف، الآية 29
28

الأخبار على أن الله تعالى أحق أن يزين له (1) وأورد هذا في التذكرة على النبي (صلى
الله عليه وآله) وأفتى به فيكون مع القميص إزار وسراويل مع الاتفاق على أن
الإمام يكره له ترك الرداء وقد رواه سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: " لا ينبغي إلا أن يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي بها " والظاهر أن القائل
بثوب واحد من الأصحاب إنما يريد به الجواز المطلق ويريد به أيضا على البدن وإلا
فالعمامة مستحبة مطلقا وكذا السراويل، وقد روي تعدد الصلاة الواحدة بالتعمم
والتسرول (3) أما المرأة فلا بد من ثوبين درع وخمار إلا أن يكون الثوب يشمل
الرأس والجسد، وعليه حمل الشيخ (قدس سره) رواية عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله
(عليه السلام) في جواز صلاة المسلمة بغير قناع (4) ويستحب ثلاثة للمرأة لرواية
جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) " درع وخمار وملحفة " انتهى.
أقول: الظاهر أن الرواية التي نقلها ونفى البأس عن القول بها عامية لعدم وجودها
في أخبارنا وبه يشعر كلامه أيضا وأكثر الأخبار كما عرفت إنما دل على الثوب الواحد،
ومنها - زيادة على ما تقدم ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبيد بن زرارة عن أبيه (6) قال:
" صلى بنا أبو جعفر (عليه السلام) في ثوب واحد " وعن أبي مريم الأنصاري في الصحيح (7)
قال: " صلى بنا أبو جعفر (عليه السلام) في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا
إقامة فلما انصرف قلنا له عافاك الله صليت بنا في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان
ولا إقامة؟ فقال إن قميصي كثيف وهو يجزئ أن لا يكون علي إزار ولا رداء... الحديث "

(1) ص 32
(2) الوسائل الباب 53 من لباس المصلي
(3) ص 32
(4) ص 12
(5) الوسائل الباب 28 من لباس المصلي
(6) الوسائل الباب 22 من لباس المصلي
(7) التهذيب ج 1 ص 216 وفي الوسائل بالتقطيع في الباب 22 من لباس المصلي
و 30 من الأذان والإقامة.
29

نعم يدل على التعدد مما قدمناه قوله (عليه السلام) في آخر رواية علي بن جعفر الطويلة
المنقولة من كتابة: " وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يؤم في ممطر وحده أو جبة
وحدها... إلى آخره " إلا أن مورده الإمامة لا مطلقا كما هو المدعى، وحديث سليمان
ابن خالد الذي ذكره مورده أيضا الإمامة خاصة فلا ينهض حجة في المدعى. وبالجملة
فالاستحباب حكم شرعي يحتاج إلى دليل واضح كالوجوب والتحريم إلا أنه لما اشتهر
بينهم المسامحة في أدلة السنن توسعوا في ذلك وهو خروج عن الطريق الواضح كما تقدم
تحقيقه في كتاب الطهارة في البحث معهم في هذا التسامح. نعم ما ذكره بالنسبة إلى
المرأة من الثلاثة الأثواب قد تقدم في ما أوردناه من الأخبار هنا وفي ما تقدم، ولعله
من حيث إن جميع بدنها عورة فينبغي أن تبالغ في ستره بتعدد الثياب وأما الرجل
فليس كذلك.
(الثالث) - قد دلت صحيحة زياد بن سوقة على جواز الصلاة في الثوب
الواحد وأزراره محلولة ونحوها مرسلة ابن فضال، ودلت رواية غياث بن إبراهيم على
النهي عن ذلك إذا لم يكن عليه إزار ونحوها رواية إبراهيم الأحمري، والأصحاب هنا
قد صرحوا باستحباب زر الأزرار وكراهة حلها جمعا بين الأخبار المذكورة، وظاهر
اطلاق عبائر جملة منهم كاطلاق الأخبار المجوزة جواز ذلك وإن استلزم ظهور العورة
حال الركوع للمصلي وغيره. ولا يخلو من الاشكال لما علم من اشتراط صحة الصلاة
بستر العورة، قال الشيخ في الخلاف على ما نقله في الذكرى: يجوز في قميص وإن لم
يزره ولا يشد وسطه سواء كان واسع الجيب أو ضيقه، ثم نقل صحيحة زياد بن سوقة
على أثر هذا الكلام ثم قال ولا تعارضه رواية غياث ثم أورد الرواية وحملها على الكراهة
وقال المحقق في المعتبر: ولو كان جيبه واسعا بحيث لو ركع بانت له عورته لم يجب ستر
ذلك وكانت صلاته ماضية وقد روى ذلك رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) ثم نقل
مرسلة الحسن بن علي بن فضال المتقدمة. ونسج على منواله العلامة فقال في المنتهى:
30

ولا بأس أن يصلي الرجل في قميص واحد وأزراره محلولة واسع الجيب كان أو ضيقه رقيق
الرقبة كان أو غليظها كان تحته مئزر أم لم يكن، وقد روى حل الأزرار زياد بن سوقة
ثم ساق الرواية إلى أن قال: ولو كان الجيب واسعا تظهر له عورته لو ركع لم يجب ستر
ذلك عن نفسه وكانت صلاته ماضية لأن المقصود تحريم نظر غيره إلى عورته، ويؤيده
ما رواه الشيخ (قدس سره) ثم أورد مرسلة ابن فضال. واطلاق كلام الأصحاب.
(رضوان الله عليهم) وكذا الصحيحة المذكورة والمرسلة تساعد على ما ذكراه إلا أنه قال
في الذكرى في موضع آخر غير ما قدمنا ذكره: لا يجب زر الثوب إذا كان لا تبدو
العورة منه حسبما أفتى به الشيخ (قدس سره) وهو في رواية زياد بن سوقة عن أبي جعفر
(عليه السلام) ثم ساق الرواية، ثم قال واشترطنا عدم بدو العورة ولو في حين ما لاختلال
الشرط وفي رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) " إذا كان القميص صفيقا
والقباء ليس بطويل الفرج فلا بأس " ولو برزت العورة حين الركوع للناظرين بطلت
الصلاة حينئذ... ولو برزت للمصلي لا لغيره فالأقرب البطلان إذا قدر رؤية الغير لو
حاذى الموضع، وأطلق في المعتبر الصحة إذا بانت له حال الركوع. والأقرب الاكتفاء
بكثافة اللحية المانعة من الرؤية، ووجه المنع أنه غير معهود في الستر كما مر. (فإن قلت)
روى غياث، ثم ساق الرواية ثم قال (قلت) حملها الشيخ (قدس سره) على الاستحباب
مع إمكان حملها على ما تبدو معه العورة، ويؤيد حمل الشيخ ما رواه إبراهيم الأحمري
عن أبي عبد الله (عليه السلام) ثم ساق الرواية كما قدمناه. انتهى.
أقول: والتحقيق عندي في هذا المقام هو أنه لما قام الدليل من خارج على
وجوب ستر العورة في الصلاة والمتبادر في جميع واجباتهم من قيام وقعود وركوع وسجود
ونحو ذلك فالواجب حمل هذه الأخبار على ما تجتمع به مع تلك الأدلة، ولا معنى لاستثناء
رؤية المصلي نفسه دون غيره إذ وجوب ستر العورة ليس باعتبار وجود الناظر بالفعل

(1) الوسائل الباب 22 من لباس المصلي
31

وإنما هو باعتبار أن لو كان ثمة ناظر لكان يراها وإلا لكان المصلي في الظلام أو في
بيت يغلق عليه تصح صلاته وليس كذلك اجماعا. فما ذكره الشهيد (قدس سره) من
هذا الكلام الأخير هو المعتمد إلا أن اكتفاءه بستر اللحية ضعيف لا ينبغي أن يلتفت
إليه كما أشار إليه، وحينئذ فلا بد من تأويل صحيحة زياد بن سوقة واخراجها عن ظاهرها
وحمل النهي في رواية غياث عن ظاهرها من التحريم ونحوها رواية إبراهيم. وما يدعونه
من أن لفظ " لا ينبغي " ظاهر في الكراهة اصطلاح عرفي بين الناس وإلا فقد عرفت
في غير موضع أن استعماله في التحريم في الأخبار أكثر كثير إلا أنه يجب تقييد التحريم
بما إذا استلزم ظهور العورة وعلى هذا فيحمل الخبران المجوزان على عدم ظهور العورة،
وعلى ذلك تجتمع الأخبار وتتفق مع تلك الأخبار الدالة على شرطية الستر في الصلاة كما
لا يخفى. ويؤيد ما قلناه من المنع من حل الأزرار حال الصلاة حديث زياد بن المنذر عن
أبي جعفر (عليه السلام) (1) وفيه أن حل الأزرار في الصلاة من عمل قوم لوط.
(الرابع) - قال في الذكرى: الأفضل للرجل ستر ما بين السرة والركبة
وادخالهما في الستر، للخروج عن الخلاف ولأنه مما يستحى منه، وستر جميع البدن
أفضل والرداء أكمل والتعمم والتسرول أتم لما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) (2)
" إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه فإن الله أحق أن يتزين له " وروي (3) " ركعة
بسراويل تعدل أربعا بغيره " وكذا روي في العمامة (4). انتهى. ولعله أشار بالرواية
في العمامة إلى ما قدمنا نقله عن كتاب مكارم الأخلاق، والظاهر أن هاتين الروايتين
إنما هما من طرق العامة لعدم وجودهما في كتب أخبارنا، قال شيخنا المجلسي (قدس
سره) بعد نقل رواية المكارم المذكورة: الظاهر أن هذه الرواية عامية وبها استند الشهيد
(قدس سره) وغيره ممن ذكر استحبابها في الصلاة ولم أر في أخبارنا ما يدل على ذلك

(1) الوسائل الباب 22 من لباس المصلي
(2) ج 1 ص 64
(3) الوسائل الباب 64 من لباس المصلي
(4) الوسائل الباب 64 من لباس المصلي
32

نعم ورد استحباب العمامة مطلقا في أخبار كثيرة (1) وحال الصلاة من جملة تلك
الأحوال، وكذا ورد استحباب كثرة الثياب في الصلاة (2) وهي منها، وهي من الزينة
فتدخل تحت الآية، ولعل هذه الرواية مع تأيدها بما ذكرنا تكفي في اثبات الحكم
الاستحبابي. ويمكن أن يقال إنه أنسب بالتواضع والتذلل ولذا ورد في بعض الأخبار
الأمر به. ولعل الأحوط عدم قصد استحبابها في خصوص الصلاة بل يلبسها بقصد أنها
حال من الأحوال. انتهى.
وأقول: لا يخفى ما في كلام شيخنا المذكور من المجازفة جريا على وتيرة من
تقدمه من الأصحاب، فإن اثبات الأحكام الشرعية التي هي قول على الله تعالى - وقد
استفاضت الآيات والروايات بالنهي عن القول عليه عز وجل بغير علم والزجر عن ذلك
- والحكم بالاستحباب بمثل هذه الروايات العامية أو مع انضمام هذه التخريجات - مجازفة محضة
في أحكامه سبحانه، ومجرد كون ذلك للاستحباب لا يترتب على تركه العقاب لا يوجب
التساهل إذ الكلام في أنه قول عليه (عز وجل) بغير علم فيدخل تحت النواهي
الشديدة المستفيضة في الباب ومن هنا يترتب عليه العقاب كما لا يخفى على أولي الألباب
على أن ما ادعاه من استحباب كثرة الثياب في الصلاة لم نقف عليه في خبر من الأخبار
كما تقدم القول في ذلك، وغاية ما ربما يدعى حكاية الصلاة في ثوبين أو ثلاثة مثلا أما
الأمر بذلك وأنه الأفضل فالظاهر بل المقطوع به عدمه، نعم ورد ذلك في المرأة كما
تقدم. وبالجملة فالمستفاد من الأخبار المتقدمة استحباب الصلاة في الثوب الساتر لجميع
البدن من القميص ونحوها ولو ستر أسافله خاصة وأما الأفضل فوضع شئ على أعاليه
والأفضل ما يستره كملا من رداء وإزار ونحوهما ثم ما أمكن وكل ما كان أوسع فهو أفضل
حتى ينتهي الأمر إلى تكة السروال والحبل ونحوهما.
(المسألة الرابعة) - لا خلاف في أنه مع عدم إمكان الستر بالثوب فإنه يجب بما

(1) الوسائل الباب 30 من أحكام الملابس
(2) ل الباب 63 من لباس المصلي
33

أمكن من حشيش ونحوه وإنما الخلاف مع وجوده، ثم على الأول فهل يفرق في ما عداه أم لا
بل يتخير؟ وتفصيل الكلام في المقام أنه قد اختلف الأصحاب في المسألة فالمشهور - وإليه
ذهب الشيخ وابن إدريس والفاضلان والشهيد في البيان - أنه يتخير بين الثوب والحشيش
والورق والطين وليس شئ من هذه الثلاثة مقيدا بحال الضرورة، كذا نقله شيخنا في
كتاب بحار الأنوار، وفي الذخيرة أن المشهور المنسوب إلى هؤلاء المذكورين إنما هو
وجوب تقديم الثوب ثم التخيير بين الثلاثة المذكورة، ويؤيده أن الذي في البيان إنما
يساعد ما نقله في الذخيرة، وعبارة العلامة في الإرشاد ظاهرة في التخيير مطلقا، وهو
ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في الروض، وكذا في القواعد على ما نقله عنه في الذخيرة
وظاهر عبارتي المعتبر والمنتهى التخيير في الأربعة المذكورة كما نقله شيخنا المجلسي،
وذهب الشهيد في الدروس إلى وجوب الثوب ومع تعذره فكل ما يستر العورة ولو بالحشيش
وورق الشجر ومع تعذره فبالطين، وذهب في الذكرى إلى التخيير بين الثوب
والحشيش والورق فإن تعذر فبالطين وقد تلخص من ذلك أن في المسألة أقوالا أربعة.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة صحيحة علي بن جعفر عن
أخيه موسى (عليه السلام) (1) قال: " سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي
عريانا وحضرت الصلاة كيف يصلي؟ قال إن أصاب حشيشا يستر به عورته أتم صلاته
بالركوع والسجود وإن لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ وهو قائم ".
احتج القائلون بالقول الأول وهو التخيير بين الأربعة بحصول المقصود من الستر
ولرواية علي بن جعفر المذكورة وحديث " النورة سترة " كما تقدم في آخر كتاب
الطهارة (2) كذا ذكره شيخنا الشهيد الثاني في الروض.
واستضعف هذا القول في المدارك لميله إلى أن هذه الأشياء إنما تجوز بتعذر
الثوب، والظاهر أن وجهه هو دعوى أن المتبادر من الساتر في الأخبار إنما هو الثوب

(1) الوسائل الباب 50 من لباس المصلي
(2) 531
34

ورواية " النورة سترة " ضعيفة ومع الاغماض عن ضعفها فالاطلاق إنما يحمل على الأفراد
الغالبة الشائعة دون الفروض النادرة كما تقرر في غير مقام، ورواية علي بن جعفر
لا دلالة لها على التخيير مع وجود الثوب إذ موردها عدمه.
ومن ذلك يعلم دليل القول بوجوب الثوب ثم التخيير بين الثلاثة الباقية مع عدمه
وهو القول الثاني، وتقريب الاستدلال أن المتبادر من الأمر بالساتر هو الثوب فلا يجوز
غيره مع وجوده، ومع فقده فوجه التخيير بين الثلاثة الصحيحة المذكورة بحمل ذكر
الحشيش في أولها على التمثيل كما يشير إليه قوله في آخرها " وإن لم يصب شيئا يستر به
عورته " مما يدل على ما هو أعم من الحشيش، وقد عرفت من الأخبار أن النورة سترة،
وبذلك يثبت التخيير بين الأفراد الثلاثة بعد فقد الثوب.
ويمكن المناقشة في دعوى تبادر الثوب من الأمر بالساتر بأن المتبادر إنما هو
التغطية على وجه لا يمكن النظر إليه، والحكم بالتستر بالحشيش في الرواية وقع تابعا
للسؤال وهو تعذر الثوب وذلك لا يقتضي عدم جواز الستر به عند إمكان الثوب.
ويمكن دفعه بأن انكار دعوى تبادر الثوب من الساتر مجازفة ظاهرة إذ لا ريب
أن ما جرت به العادة بعد وقت التكليف بل منذ خلقت الدنيا إنما هو الستر بالثياب
ودعوى خلاف ذلك مباهتة لا ينبغي الاصغاء لها. وأما ما ذكره بالنسبة إلى الرواية
فيكفينا فيها عدم الدلالة على التخيير مع وجود الثوب فإن هذا القائل إنما يستدل بها على
التخيير في الثلاثة بعد فقد الثوب كما عرفت. وبذلك يظهر لك قوة القول الثاني.
واستبعد في المدارك مساواة الطين للورق والحشيش كما هو مذهب أصحاب
القول الثاني، ولم يذكر وجه البعد في ذلك مع دلالة أخبار النورة على الستر به والطين
مثله، ولا وجه لتقديم الورق والحشيش عليه كما يدعيه. وكلامه ظاهر في اختيار
ما ذهب إليه الشهيد في الدروس كما تقدم.
ويمكن توجيه الدليل لهذا القول أما بالنسبة إلى وجوب تقديم الثوب فيما عرفت
35

آنفا وأما بالنسبة إلى تقديم الورق والحشيش على الطين فبعدم فهم الطين من الساتر على
الاطلاق كما ذكره في الذكرى وبقوله تعالى " خذوا زينتكم عند كل مسجد " (1)
والطين لا يعد زينة. وفي الثاني ما لا يخفى.
واستدل الشهيد في الذكرى على ما ذهب إليه، أما على المساواة بين الثوب والورق
والحشيش فبصحيحة علي بن جعفر المذكورة، وأما على عدم جواز الطين مع وجود شئ
من الثلاثة المذكورة فيما عرفت من عدم انصراف اللفظ إليه.
واعترضه شيخنا الشهيد في الروض فقال: والتحقيق أن خبر علي بن جعفر ظاهر
في فاقد الثوب فلا يتم الاحتجاج به على التخيير بينه وبين الثوب، وما ذكره من الحجة
على تقديمهما على الطين آت في تقديم الثوب على غيره والزينة كما لا تتناول الطين كذا
لا تتناول الحشيش ونحوه. انتهى. وهو جيد.
أقول: والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال إلا أن الأقرب بالنظر إلى الصحيحة
المذكورة هو وجوب تقديم الثوب لكونه هو المتبادر والفرد الشائع المتعارف من الساتر
ومع تعذره فالتخيير بين كل ما يحصل به الستر ولو بالطين لأخبار النورة. والله العالم.
فروع
(الأول) - لو استتر بالطين مع وجود غيره فهل يصلي قائما بركوع وسجود
أم يصلي إيماء؟ قال في الذكرى: وفي سقوط الايماء هنا نظر من حيث اطلاق الستر عليه ومن
إباء العرف. وأيد بعضهم ترجيح الايماء بأن الظاهر من الأدلة تعيين الايماء عند تعذر
الثياب وما يجري مجراها كالحشيش، والأقرب عندي هو الصلاة قائما بركوع وسجود
فإن الشرط في صحة الصلاة كذلك هو ستر العورة والفرض حصوله بالطين استنادا إلى
أخبار النورة كما عرفت. وما ذكره في الذكرى من إباء العرف لا معنى له بعد دلالة

(1) سورة الأعراف الآية 29
36

الأخبار على حصول الستر به وحصول الشرط بذلك. وما ذكره ذلك البعض مدخول بأن
المفهوم من تلك الأخبار - كما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى هو أنه ينتقل إلى الايماء ما لم يجد
ساترا لعورته - ومنها صحيحة علي بن جعفر - وفيها " وإن لم يجد شيئا يستر به عورته أومأ "
وصحيحته المتقدمة (1) فإنها صريحة كما ترى في أن العاري ينتقل إلى الحشيش، ثم قال:
" فإن لم يجد شيئا يستر به عورته أومأ وهو قائم " وأكثر الأخبار إنما تضمنت العريان وأنه
يصلي إيماء من غير تعرض للتعليق على عدم وجود شئ، وبالجملة فإن دعواه ظهور توقف
تعين الايماء على عدم الثياب ونحوها من الحشيش دعوى عارية عن الدليل بل هو على
خلافها واضح السبيل.
ثم إنه على تقدير الستر بالطين فهل يشترط فيه خفاء اللون والحجم معا أم يكفي
خفاء اللون؟ ظاهر الشهيد في الذكرى الأول وقيل بالثاني وهو الأقرب إذ الظاهر من
أخبار ستر النورة التي هي المستند في المقام إنما هو ستر اللون خاصة.
(الثاني) - قد صرح جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو وجد
العاري حفيرة يمكنه الركوع والسجود فيها وجب عليه ذلك، واستدلوا عليه بما رواه
الشيخ عن أيوب بن نوح عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال:
" العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها وسجد فيها وركع " قال المحقق
في المعتبر: فاقد الستر لو وجد حفيرة دخلها وصلى قائما وركع وسجد، وقال الشيخ يدخلها
ويصلي قائما ولم يصرح بالركوع والسجود، وهو مبني على قوله بوجوب القيام مع أمن
المطلع، ومنع ذلك جمع من الجمهور ممن أوجب الصلاة جالسا (3) لأن الساتر لا يلتصق
بجلد المصلي فجرى مجرى عدمه. لنا - أن الستر يحصل المنع عن المشاهدة ولا نسلم أن التصاق
الساتر شرط ويؤيد ذلك ما رواه أيوب بن نوح، ثم أورد الرواية المذكورة.

(1) ص 34
(2) ل الباب 50 من لباس المصلي
(3) المغني ج 1 ص 592 والمهذب ج 1 ص 65
37

أقول: وعندي في هذا الحكم اشكال لأن المتبادر من الأخبار أن ستر العورة
الواجب في الصلاة إنما هو عبارة عن وضع شئ عليها بحيث يحول بين الناظر إليها وبين
رؤيتها، ويؤيده الاختلاف في ستر الحجم والاتفاق على مجرد ستر اللون، وهذا هو
المتبادر من الساتر في الأخبار وفي كلامهم، لا أنه عبارة عن وضع الانسان نفسه في مكان
متسع لا يراه أحد وإن كانت عورته مكشوفة، وإلا لصحت صلاة من صلى عاريا في دار
مغلقة عليه أو بيت مظلم لا يراه أحد والظاهر أنه لا خلاف في عدم جواز ذلك، ولا
ريب أن الحفيرة المشتملة على الخلا بحيث يركع ويسجد ويجلس فيها من قبيل ما ذكرناه
وإن تفاوت الاتساع قلة وكثرة. وأما قول المحقق (قدس سره) في ما تقدم من كلامه -:
لنا أن الستر بذلك يحصل المنع عن المشاهدة ولا نسلم أن التصاق الساتر شرط - ففيه أنه
لو تم لجاز الصلاة في البيت المغلق والظلام كما ذكرناه لصدق ما ذكره على ذلك. وكأنه
اعتمد على هذا التعليل الواهي لضعف الرواية عنده فجعلها مؤيدة دون أن تكون دليلا
وفيه ما عرفت، على أن من الظاهر أنه لو جلس أحد على رأس هذه الحفيرة في قبلة
المصلي لرأي قبله البتة للخلأ الذي يركع ويسجد فيه، نعم لو كانت الحفيرة ضيقة على
وجه تلتصق بالبدن بحيث يقف فيها ويومئ إيماء أمكن ستر العورة بذلك، ولعل ذلك
مراد الشيخ (قدس سره) ولذا لم يذكر الركوع والسجود في الحفيرة.
وقد نقل ابن فهد في كتاب الموجز قولا بأن الصلاة في الحفيرة بالايماء وهذا
القول هو الأنسب بما ذكرنا، ولعل قائله نظر إلى ما قلناه.
إلا أن الاشكال في الخبر المذكور، وبالجملة فإني لا أعرف للعمل بالخبر المذكور
وجها مع مخالفته للقواعد المستفادة من الأخبار إلا أن يكون هذا الموضع مستثنى من وجوب
ستر العورة في الصلاة. والله سبحانه وقائله أعلم بحقيقة الحال. ولم أر من تنبه لما ذكرناه
من أصحابنا (رضوان الله عليهم) على أن في الخبر المذكور أيضا اشكالا آخر لم أر من تنبه
له ولا نبه عليه، فإن ظاهره أنه مع تعذر الثوب وحصول الحفيرة فإنه يصلي في الحفيرة على
38

الوجه المذكور وإن وجد ساترا من حشيش ونحوه مع أن صحيحة علي بن جعفر المتقدمة
في صدر المسألة دلت على أنه في هذه الصورة ينتقل إلى الستر بالحشيش ونحوه وعلى ذلك
فتوى الأصحاب (رضوان الله عليهم) كما عرفت، وظاهر الجمع بين الخبرين يقتضي
التخيير بين الأمرين وأن الصلاة في الحفيرة بمنزلة الساتر من حشيش ونحوه، وظاهر
الأصحاب جعل الحفيرة مرتبة متأخرة عن الحشيش ونحوه بحمل اطلاق هذا الخبر على
ما تقدم في صحيحة علي بن جعفر من الستر بالحشيش أولا. والظاهر أن ما ذكرنا من
الجمع بالتخيير أقرب إلا أن يحمل صحيح علي بن جعفر على عدم وجود الحفيرة.
وظاهر المحقق في الشرائع - وهو ظاهر السيد السند أيضا في المدارك - اطراح
الخبر المذكور والانتقال إلى الايماء بعد فقد الساتر بجميع أنواعه، وعلل ذلك في المدارك
بضعف الخبر المذكور والالتفات إلى عدم انصراف لفظ الساتر إلى الحفيرة. وبالجملة فالمسألة
كما عرفت لا تخلو من شوب الاشكال. والله العالم.
(الثالث) - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما لو وجد وحلا
فهل يجب نزوله والاستتار به أم لا: قال في المعتبر: لو وجد وحلا أو ماء كدرا بحيث
لو نزله ستر عورته لم يجب نزوله لأن فيه ضررا ومشقة. وقال في الروض: ولو وجد
وحلا أو ماء كدرا فالمشهور وجود الاستتار بهما. وقال في الذكرى: ولو وجد وحلا
ولا ضرر فيه تلطخ به ولو لم يجد إلا ماء كدرا استتر به مع إمكانه، ثم نقل عن المعتبر
أنهما لا يجبان للمشقة والضرر.
والقائلون بالوجوب اختلفوا فقيل إن الوحل مقدم على الماء وإن لم يستر الحجم
لأنه أدخل في مسمى الساتر وأشبه بالثوب والطين المقدمين على الماء. واستظهره في الروض
وقيل بتقديمهما على الحفيرة، وقيل بتقديم الحفيرة على الماء الكدر وتأخير الطين عنه،
وقيل بتقديم الماء الكدر على الحفيرة مطلقا، وقال ابن فهد في موجزه: ولو وجد الجميع
قدم الحشيش وورق الشجر ثم الحفيرة ثم الماء الكدر ثم الطين ويومئ في الأخيرين.
39

وفصل شيخنا الشهيد الثاني في الروض فقال: والتحقيق أن السجود المأمور به
في الحفيرة إن كان هو المعهود اختيارا فهو دال على سعة الحفيرة وحينئذ فيبعد تقديمها
عليهما مع إمكان استيفاء الأفعال بهما فإنهما حينئذ ألصق بالساتر والحفيرة أشبه بالبيت
الضيق الذي لا يعد ساترا فتقديمهما عليها أوضح، بل الظاهر أن الوحل مقدم عليها
مطلقا لعدم منافاته لاستيفاء الأفعال. وأما الماء الكدر والحفيرة فإن تمكن من السجود
فيهما ففيه ما مر وإن تمكن في الماء خاصة فهو أولى بالتقديم وكذا لو لم يتمكن فيهما. ولو
تمكن في الحفيرة دون الماء ففي تقديم أيهما نظر من كون الماء ألصق به وأدخل في الستر
ومن صدق الستر في الجملة وامكان الأفعال وورود النص على الحفيرة دونه والاتفاق على
وجوب الاستتار بها دونه فتقديمها حينئذ أوجه، ولو لم يعتبر في الصلاة استيفاء الركوع
والسجود كصلاة الخوف والجنازة سقط اعتبار هذا الترجيح، وأولى من الحفيرة الفسطاط
الضيق إذا لم يمكن لبسه. انتهى. وفيه تأييد لما ذكرناه من أن المتبادر من الساتر إنما
هو اللاصق على البدن.
أقول: لا يخفى أن الكلام في هذه الفروع العارية عن النصوص مشكل، والذي
ورد في هذا الباب كما عرفت رواية علي بن جعفر ومرسلة أيوب بن نوح، والأولى
وإن دلت على أن مرتبة الايماء إنما هي بعد عدم وجود شئ يستر به عورته إلا أن
انطلاق الساتر فيها إلى ما ذكروه من الوحل الذي هو عبارة عن الماء والطين وكذلك
الماء الكدر محل اشكال، والأحكام الشرعية إنما ترتب على الأفراد المتبادرة من
الاطلاق الكثيرة الدوران في الاستعمال دون الفروض النادرة. وأما الثانية فقد عرفت
ما فيها. والله العالم.
(المسألة الخامسة) - لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أنه متى
لم يجد ساترا فإنه يصلي عريانا ولا تسقط الصلاة عنه بفقد الساتر، وإنما الخلاف في أنه هل
يصلي قائما مطلقا أو جالسا مطلقا أو قائما مع أمن المطلع وجالسا مع عدمه؟ أقوال أشهرها
40

القول الثالث ونقل عن السيد المرتضى (رضي الله عنه) أنه يصلي جالسا مؤمنا وإن أمن
المطلع، وعن ابن إدريس أنه يصلي قائما مؤمنا في الحالين.
والأصل في هذا الاختلاف اختلاف ظواهر الأخبار، ومنها - ما رواه في الكافي
في الصحيح عن زرارة (1) قال: " قلت لأبي جعفر (عليه السلام) رجل خرج من
سفينة عريانا أو سلب ثيابه ولم يجد شيئا يصلي فيه؟ فقال يصلي إيماء فإن كانت امرأة
جعلت يدها على فرجها وإن كان رجلا وضع يده على سوأته ثم يجلسان فيومئان إيماء
ولا يسجدان ولا يركعان فيبدو ما خلفهما تكون صلاتهما برؤوسهما. قال وإن كانا في ماء
أو بحر لجي لم يسجدا عليه وموضوع عنهما التوجه فيه يومئان في ذلك إيماء ورفعهما توجه
ووضعهما " ورواه في الفقيه (2) إلى قوله: " برؤوسهما " وزاد " ويكون سجودهما
أخفض من ركوعهما ".
وروى الشيخ عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال:
" سألته عن قوم صلوا جماعة وهم عراة؟ قال يتقدمهم الإمام بركبتيه ويصلي بهم جلوسا
وهو جالس " ونحوه موثقة إسحاق بن عمار الآتية في المقام (4) والحكم بالجلوس في
الجماعة يقتضي وجوبه مطلقا إذ لا يعقل ترك الركن لتحصيل فضيلة الجماعة.
وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن علي بن جعفر... الحديث، وقد تقدم
في صدر سابق هذه المسألة وفيه " أومأ وهو قائم ".
وروى في الفقيه مرسلا (5) قال: " وروي في الرجل يخرج عريانا فتدركه الصلاة
أنه يصلي عريانا قائما إن لم يره أحد فإن رآه أحد صلى جالسا ".
وروى الشيخ في الصحيح عن ابن مسكان عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (6) " في الرجل يخرج عريانا فتدركه الصلاة: قال يصلي عريانا قائما إن

(1) الوسائل الباب 50 من لباس المصلي
(2) ج 1 ص 296
(3) الوسائل الباب 51 من لباس المصلي
(4) ص 48
(5) الوسائل الباب 50 من لباس المصلي
(6) الوسائل الباب 50 من لباس المصلي
41

لم يراه أحد فإن رآه أحد صلى جالسا ".
وروى أحمد بن أبي عبد الله البرقي في المحاسن في الصحيح عن عبد الله بن مسكان
عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) " في رجل عريان ليس معه ثوب؟ قال إذا كان حيث
لا يراه أحد فليصل قائما ".
ونقل شيخنا المجلسي روح الله روحه (2) عن نوادر الراوندي أنه روى بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) قال: " قال علي (عليه السلام) في
العريان إن رآه الناس صلى قاعدا وإن لم يره الناس صلى قائما ".
وروى في قرب الإسناد عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن الصادق عن
أبيه (عليهما السلام) (3) قال: " من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلي حتى يخاف
ذهاب الوقت يبتغي ثيابا فإن لم يجد صلى عريانا جالسا يومئ إيماء ويجعل سجوده أخفض
من ركوعه، فإن كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثم صلوا كذلك فرادى ".
وفي رواية سماعة (4) " عن من ليس معه إلا ثوب واحدا وأجنب فيه أنه يصلي
عريانا قاعدا ويومئ " كذا في رواية الكافي وفي التهذيبين عوض " قاعدا " " قائما "
وفي رواية محمد بن علي الحلبي (5) في من كان كذلك " يجلس مجتمعا ويصلي ويومئ
إيماء " وقد تقدمتا في مسألة جواز الصلاة في النجاسة مع تعذر الساتر وعدمه من
كتاب الطهارة (6).
هذا ما وقفت عليه من أخبار المسألة وهي - كما ترى - ما بين مطلق في القيام ومطلق
في الجلوس ومفصل بين أمن المطلع فيقوم وعدمه فيجلس وهي أكثر أخبار المسألة فيجب
تخصيص الاطلاقين المذكورين بها وبه يظهر قوة القول المشهور.

(1) الوسائل الباب 50 من لباس المصلي
(2) البحار ج 18 الصلاة ص 95
(3) الوسائل الباب 52 من لباس المصلي
(4) الوسائل الباب 46 من النجاسات
(5) الوسائل الباب 46 من النجاسات
(6) ج 5 ص 350
42

قال في المدارك: واحتمل المصنف في المعتبر التخيير بين الأمرين استضعافا للرواية
المفصلة وهو حسن وإن كان المشهور أحوط.
أقول: العجب منه (قدس سره) أنه قدم في صدر المسألة ما يدل على اختياره
القول بالتفصيل حيث إنه - بعد نقل الأقوال الثلاثة وهي القول بالتفصيل أولا ثم قول
المرتضى بالصلاة جالسا مطلقا ثم قول ابن إدريس بالصلاة قائما مطلقا - قال: والمعتمد
الأول فإن فيه جمعا بين القولين الآخرين وهو صريح في فتواه بالقول المذكور فكيف
عدل عنه هنا إلى التخيير وجعل القول بالتفصيل طريق الاحتياط؟ والكلام في مقام
واحد بلا فاصلة يعتد بها. وكيف كان فإن صحيحة ابن مسكان وإن كانت كما ذكره
وأمكن الجواب بأن ابن مسكان ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه فلا يضر
حديثه ما اعتراه من الضعف بعده كما صرحوا به في أمثاله إلا أن رواية المحاسن كما دريت
صحيحة السند بلا ريب فإنه روى الخبر فيه عن أبيه عن ابن أبي عمير عن محمد بن
أبي حمزة عن عبد الله بن مسكان، واستبعاد رواية ابن مسكان عن أبي جعفر (عليه
السلام) بعيد فإن الطبقة لا تأباه وإن كان إنما عد في أصحاب الصادق (عليه السلام)
وبالجملة فالقول بالتفصيل هو المعتمد للروايات المذكورة.
وينبغي التنبيه هنا على أمور بها يتم الكلام في المقام وتتضح المسألة بجميع ما هي
عليه من الأقسام:
(الأول) - ظاهر الأخبار المفصلة أنه يصلي قائما مع عدم المطلع حال دخوله
في الصلاة وإن جوز مجئ أحد بعد ذلك، لكن لو اتفق مجئ أحد بعد الدخول
فالظاهر أنه ينتقل إلى الصلاة جالسا، وإلا فلا وجه للتفصيل المذكور إذ مناط القيام
هو عدم المطلع ومناط الجلوس وجوده ولا يعقل الفرق باعتبار الدخول وقبله وهو ظاهر
ولم أقف على من تعرض لذلك والظاهر أنه لا اشكال فيه.
(الثاني) - الظاهر من صحيحة زرارة ورواية أبي البختري أن الايماء بالرأس
43

وقال في المدارك إن الواجب الايماء في الحالين للركوع والسجود بالرأس إن أمكن وإلا
فبالعينين. والظاهر أنه مستنبط من حكم صلاة المريض وإلا فالروايات المذكورة لا إشارة
فيها إليه إذ الظاهر منها إنما هو ما قلناه. وأوجب الشهيد في الذكرى الانحناء فيهما
بحسب الممكن بحيث لا تبدو معه العورة وأن يجعل السجود أخفض محافظة على الفرق
بينه وبين الركوع، واحتمل وجوب وضع اليدين والركبتين وإبهامي الرجلين في السجود
على الكيفية المعتبرة، قال في المدارك: وكل ذلك تقييد للنص من غير دليل، نعم
لا يبعد وجوب رفع شئ يسجد عليه لقوله (عليه السلام) في صحيحة عبد الرحمان
الواردة في صلاة المريض (1): ويضع وجهه في الفريضة على ما أمكنه من شئ. انتهى.
أقول: أما ما اعترض به على كلام الشهيد (قدس سره) من أنه تقييد للنص بغير دليل
فجيد في ما عدا خفض الرأس للسجود فإنه قد صرح به في الفقيه في آخر صحيحة زرارة
المتقدمة كما ذكرناه وفي رواية أبي البختري فلا يرد ما ذكره فيه. وأما ما ذكره من أنه
لا يبعد وجوب رفع شئ يسجد عليه ففيه أنه بعيد إذ الاستناد في ذلك إلى الصحيحة
المذكورة قياس لا يوافق أصولنا فإن أحكام المريض لا تنسحب هنا والروايات الواردة
في المسألة عارية عما ذكره، وحينئذ فيرد عليه ما أورده على الشهيد (قدس سره) من أنه تقييد للنص بغير دليل.
(الثالث) - المستفاد من الأخبار وكذا من كلام الأصحاب (رضوان الله
عليهم) أن الايماء في حالتي القيام والجلوس على وجه واحد بمعنى أنه من قيام مع
القيام ومن جلوس مع الجلوس، ونقل شيخنا في الذكرى عن شيخه السيد
عميد الدين أنه كان يقوي جلوس القائم ليومئ للسجود جالسا استنادا إلى كونه
حينئذ أقرب إلى هيئة الساجد فيدخل تحت " فأتوا منه ما استطعتم " (2) ورده جملة
من المتأخرين بأن الوجوب حينئذ انتقل إلى الايماء فلا معنى للتكليف بالممكن من السجود.

(1) ج 6 ص 408
(2) 327
44

أقول: ويرده صريحا قوله (عليه السلام) في صحيحة علي بن جعفر المتقدمة " أومأ
وهو قائم ".
بقي الكلام في حال التشهد لو صلى قائما هل يتشهد من قيام أو يجلس في موضع
التشهد ويتشهد ثم يقوم؟ لم أقف في كلام الأصحاب على ذكر لهذا الفرع، والأخبار
المتقدمة مطلقة لا دلالة فيها على شئ من أحد الأمرين، ويمكن القول بوجوب الجلوس
في موضع التشهد ثم القيام لأن الايماء في الركوع والسجود قائما أو جالسا إنما صير إليه
محافظة على ستر العورة والتشهد جالسا لا ينافي ذلك أن لم يؤكده فلا وجه لسقوط
الجلوس البتة. إلا أن المسألة بعد غير خالية من شوب الاشكال.
(الرابع) - قد صرح الأصحاب بأنه يجب شراء الساتر بثمن المثل أو أزيد
مع التمكن. ولو أعير وجب عليه القبول لحصول المكنة التي هي المدار في الوجوب
وعدمه، والظاهر أنه لا خلاف في ذلك. ولو وهب له فنقل عن الشيخ (قدس سره)
وجوب القبول وضعفه العلامة في التذكرة بأنه يستلزم المنة ورده جملة ممن تأخر عنه بالضعف
لحصول المكنة كما تقدم " والظاهر أنه لا خلاف فيه كما تقدم " (1) والظاهر أن ما استند
إليه في التذكرة قد تبع فيه العامة كما يشعر به كلامه في المنتهى حيث قال: أما لو وجد من
يهبه الثوب قال الشيخ يجب عليه القبول خلافا لبعض الجمهور (2) وقول الشيخ جيد لأنه
متمكن فيجب كما يجب قبول العارية. احتج المخالف بأنه تلحقه المنة. وجوابه العار الذي
يلحقه بسبب انكشاف عورته أعظم من المنة. انتهى. وهو جيد.
(الخامس) - لو ظن العاري وجود الساتر في الوقت فالظاهر وجوب التأخير
وفاقا للمعتبر والمنتهى واستحسنه في المدارك، أما إذا لم يظن ذلك فالمشهور عدم وجوب
التأخير وبه صرح الشيخ وأتباعه مسارعة إلى فضيلة أول الوقت وحذرا من عروض
المسقط. وأوجبه المرتضى وسلار بناء على أصلهما من وجوب التأخير على ذوي الأعذار

(1) ما بين القوسين غير موجود في النسخ الخطية
(2) 594
45

أقول: ظاهر رواية أبي البختري المتقدمة يعطي التأخير إلا أنها مع عدم صحتها ليست صريحة
في الوجوب لما عرفت في ما تقدم من أن لفظ " ينبغي ولا ينبغي " في الأخبار من
الألفاظ المتشابهة، وكيف كان فهي دالة على رجحان التأخير.
(السادس) - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو لم يجد إلا
ثوب حرير أو ثوبا مغصوبا أو جلد ميتة أو جلد ما لا يؤكل لحمه لم يجز له الصلاة في شئ
من ذلك وصلى عاريا للنهي عن الصلاة في هذه الأشياء. وهو جيد بالنسبة إلى ما عدا
الثوب المغصوب لوجود الأخبار الدالة على ما ادعوها أما في المغصوب فسيأتي تحقيق
الكلام فيه إن شاء الله تعالى وأما في الثوب النجس فيبنى على ما سبق من الخلاف في
المسألة في كتاب الطهارة من جواز الصلاة في النجاسة مع تعذر ساتر غير النجس أو
الانتقال إلى الصلاة عاريا.
(السابع) قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن الستر
يراعى من الجوانب الأربعة ومن فوق ولا يراعى من تحت فلو صلى على طرف سطح
بحيث ترى عورته من تحت فاشكال ينشأ من أن وجوب الستر إنما يراعى من الأماكن
التي جرت العادة بالنظر إليها، ومن أن الستر من تحت إنما يفتقر إذا كان الصلاة على وجه
الأرض كما هو الغالب. والمسألة غير منصوصة إلا أن الظاهر هو وجوب الستر لأن
اغتفاره في المواضع التي جرت العادة بعدم الرؤية فيها لا يوجب اغتفاره في ما يحصل فيه
الرؤية، ويؤيده أنه الأوفق بالاحتياط الذي هو عندنا واجب في موضع اشتباه الحكم.
(الثامن) - لو كان في ثوبه خرق فإن لم يحاذ العورة فلا اشكال ولو حاذاها
بطلت صلاته للاخلال بشرطها، ولو جمعه بيده بحيث يتحقق الستر بالثوب فلا اشكال
في الصحة كما صرح به الأصحاب (رضوان الله عليهم) أيضا، ولو وضع يده عليه أو يد
غيره في موضع يجوز له الوضع بحيث إن الستر إنما استند إلى اليد فقد صرح جمع من
الأصحاب بالبطلان لعدم فهم الستر ببعض البدن من اطلاق الساتر. وهو قريب إلا أن
46

الحكم بذلك مع عدم النص في المسألة مشكل. ويمكن أن يقال بالصحة لأن عدم فهمه
من اطلاق الساتر المأمور به لا ينافي حصول الستر به والمطلوب هو الستر وعدم رؤية
الناظر بأي نحو اتفق، ويؤيده ما تقدم (1) في صحيحة زرارة " فإن كانت امرأة
جعلت يدها على فرجها وإن كان رجلا وضع يده على سوأته " وكيف كان فالاحتياط
في المسألة لعدم النص مطلوب.
(التاسع) - قد صرح بعض الأصحاب أنه لو وجد ساترا لإحدى العورتين
وجب، وزاد بعض أن الأولى صرفه إلى القبل لقوله (عليه السلام) في بعض الأخبار
التي نقلناها في أحكام الخلوة (2): " وأما الدبر فمستور بالأليين فإذا سترت القضيب
والبيضتين فقد سترت العورة ".
(العاشر) - لو وجد الساتر في أثناء الصلاة فإن أمكن الستر به من غير
مناف وجب وإلا فهل يجب قطع الصلاة مع سعة الوقت والصلاة في الساتر أو يستمر؟
وجهان، للثاني منهما أنه دخل دخولا مشروعا والابطال يحتاج إلى دليل، وللأول أن
الصلاة عاريا إنما جازت لضرورة فقد الساتر وبوجوده يرتفع العذر وتزول الضرورة.
والمسألة لعدم النص غير خالية من شوب الاشكال، والاحتياط باتمام الصلاة ثم الإعادة
في الساتر لازم على كل حال. وأما لو كان الوقت بعد القطع يضيق ولو عن ركعة فظاهرهم
أنه لا اشكال في وجوب الاستمرار، والظاهر أنه كذلك.
(الحادي عشر) - الظاهر أنه لا خلاف في استحباب الجماعة للعراة رجالا
كانوا أو نساء كما ذكره شيخنا في الذكرى حيث قال: يستحب للعراة الصلاة جماعة
رجالا كانوا أو نساء اجماعا لعموم شرعية الجماعة وأفضليتها.
وإنما الخلاف في كيفيتها فالمشهور وبه صرح الشيخ المفيد والسيد المرتضى -
أنهم يجلسون جميعا صفا واحدا ويتقدمهم الإمام بركبتيه ويصلون جميعا بالايماء، واختاره

(1) ص 41
(2) ص 6.
47

ابن إدريس وادعى عليه الاجماع وعليه تدل صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة (1)
وذهب الشيخ في النهاية إلى أن الإمام يومئ ومن خلفه يركعون ويسجدون
وعليه تدل موثقة إسحاق بن عمار (2) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) قوم
قطع عليهم الطريق وأخذت ثيابهم فبقوا عراة وحضرت الصلاة كيف يصنعون؟ قال
يتقدمهم إمامهم فيجلس ويجلسون خلفه فيومئ إيماء بالركوع والسجود وهم يركعون
ويسجدون خلفه على وجوههم ".
ويظهر من المحقق في المعتبر الميل إلى هذه الرواية قال بعد نقل الخلاف
في المسألة والاستدلال للشيخ بالرواية المذكورة ما صورته: فهذه حسنة ولا يلتفت
إلى من يدعي الاجماع على خلافها.
واعترضه جمع: منهم صاحب المدارك بل الظاهر أنه أولهم واقتفاه صاحب الذخيرة
بأن في سندها عبد الله بن جبلة وكان واقفيا وإسحاق بن عمار وكان فطحيا فلا يحسن
وصفها بالحسن
أقول: فيه أن الظاهر أن المحقق لمى رد بما وصفها به من الحسن ما توهموه من
هذا المعنى المصطلح فإن هذا الاصطلاح في تقسيم الأخبار إلى الأقسام الأربعة إنما
حدث بعد عصر المحقق من العلامة أجزل الله تعالى اكرامه كما ذكره جملة من الأصحاب
أو شيخه أحمد بن طاووس كما ذكره بعضهم فهو لم يرد بوصفها بذلك من حيث السند
وإنما أراد من حيث المتن كما قد يصف بذل بعض الأخبار الصحيحة السند أو الضعيفة
كما لا يخفى على من تتبع كتابه، وقد نبه على ذلك السيد المذكور في كتابه المشار إليه
في مسألة الصلاة في النجاسة نسيانا حيث إن المحقق وصف صحيحة العلاء الدالة على
عدم الإعادة (3) بأنها حسنة فقال السيد (قدس سره) ومراده بالحسن هنا خلاف المعنى
المصطلح عليه بين المحدثين بل حسن المضمون فإن عادته (قدس سره) لم تجر بالتعرض

(1) ص 41
(2) الوسائل الباب 51 من لباس المصلي
(3) ج 5 ص 420
48

لحال الروايات وما هي عليه من الصحة والتوثيق. ويزيده تأكيدا ما صرح به شيخنا
البهائي في كتاب الحبل المتين فقال: إن التعرض لذلك في كتب الفروع إنما حدث بعده
(أعلى الله مقامه) وأول من تعرض لتفصيل ذلك من أصحابنا واهتم بشأنه في الكتب
الاستدلالية العلامة أحله الله دار الكرامة. انتهى.
نعم في الرواية المذكورة اشكال آخر قد نبه عليه شيخنا في الذكرى حيث قال
بعد نقل القول بمضمونها عن المحقق: ويشكل بأن فيه تفرقة بين المنفرد والجامع وقد
نهى المنفرد عن الركوع والسجود كما تقدم لئلا تبدو العورة، ثم نقل رواية عبد الله بن
سنان التي هي مستند القول المشهور، ثم قال: وبالجملة يلزم من العمل برواية إسحاق أحد
أمرين أما اختصاص المأمومين بهذا الحكم وأما وجوب الركوع والسجود على كل عار إذا
أمن المطلع، والأمر الثاني لا سبيل إليه والأمر الأول بعيد. انتهى. وهو جيد.
وبما ذكرنا يعلم أن ما دل عليه خبر أبي البختري المتقدم - من أنهم إذا كانوا جماعة
تباعدوا في المجالس ثم صلوا كذلك فرادى - يجب حمله إما على عدم إمام يؤمهم أو على
التقية فإنه قد نقل في الذكرى عن بعض العامة أنه منع من الجماعة إلا في الظلمة حذرا
من بدو العورة (1) واعترضه بأنا نتكلم على تقدير عدمه. إلا أن ظاهر الصدوق في
الفقيه القول بهذه الرواية صرح بذلك في آخر باب صلاة الخوف والمطاردة فقال - بعد أن
ذكر أن العريان يصلي قاعدا ويضع يده على عورته وكذلك المرأة ثم يومئان إيماء
ما لفظه، وإذا كانوا جماعة صلوا وحدانا. ولم أطلع على من نقل خلافه في المسألة مع أنه كما ترى ظاهر فيما قلناه، وهو منه (قدس سره) عجيب لما عرفت من الأخبار الدالة
على ذلك خصوصا مضافا إلى عموم أخبار الجماعة. والله العالم.
(المطلب الثاني) - في ما يجوز لباسه للمصلي وما لا يجوز، قد صرح الأصحاب
(رضوان الله عليهم) بأنه لا تجوز الصلاة في النجاسة الغير المعفو عنها، وقد تقدم البحث

المغني ج 1 ص 596
49

في ذلك مستوفى في كتاب الطهارة. ولا تجوز أيضا في جلد الميتة ولا جلد غير مأكول
اللحم وصوفه وشعره ووبره عدا ما يأتي استثناؤه إن شاء الله تعالى، ولا في الحرير
المحض للرجل ولا في الذهب له أيضا ولا في المغصوب، ويجوز في ما عدا ذلك.
وتفصيل هذه الجملة يقطع في مقامات: (الأول) في جلد الميتة وقد أجمع الأصحاب
(رضوان الله عليهم) على أنه لا تجوز الصلاة فيه ولو كان مما يؤكل لحمه سواء دبغ أم لم
يدبغ حتى من القائلين بطهارته بالدباغ.
ويدل عليه الأخبار المتكاثرة. فروى الشيخ في الصحيح عن ابن أبي عمير عن
غير واحد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) " في الميتة؟ قال: لا تصل في شئ منه
ولا شسع " أقول: الشسع بالكسر ما يشد به النعل.
وروى الصدوق والشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه
السلام) (2) قال: " سألته عن الجلد الميت أيلبس في الصلاة إذا دبغ: فقال لا ولو
دبغ سبعين مرة.
وروى في كتاب الخصال بسنده عن الأعمش عن جعفر بن محمد (عليهما
السلام) (3) قال: " لا يصلى في جلود الميتة وإن دبغت سبعين مرة ولا في جلود السباع "
وروى في كتاب دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (4) قال:
" لا يصلى بجلد الميتة ولو دبغ سبعين مرة إنا أهل بيت لا نصلي بجلود الميتة وإن دبغت "
إلى غير ذلك من الأخبار الآتية ونحوها.
وأما ما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا وفي كتاب العلل مسندا في الصحيح عن
يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) - قال: " قال عز وجل لموسى

(1) الوسائل الباب 1 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 1 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 6 من لباس المصلي
(4) البحار ج 18 الصلاة ص 100
(5) الوسائل الباب 1 من لباس المصلي
50

فاخلع نعليك (1) لأنها كانت من جلد حمار ميت " -
فقد أجيب عنه بالحمل على عدمه علمه (عليه السلام) بذلك أو أنه لم يكن يصلي
فيها إن جوزنا الاستعمال في غير الصلاة أو أنه لم يكن في شرعه تحريم الصلاة في
جلد الميتة.
والحق في الجواب إنما هو ما رواه في كتاب اكمال الدين (2) في حديث سعد
ابن عبد الله ودخوله على الإمام أبي محمد العسكري (عليه السلام) مع أحمد بن إسحاق
وعلى فخذه ابنه القائم عجل الله فرجه قال في حديثه: وهو غلام يناسب المشتري في الخلقة
والمنظر، فسأله عن مسائل فقال سل قرة عيني وأومأ إلى الغلام، فكان في ما سأله قال
أخبرني يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وأله) عن أمر الله تبارك وتعالى لنبيه موسى
(عليه السلام) " فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى " (3) فإن فقهاء الفريقين
يزعمون أنهما من إهاب الميتة؟ فقال (عليه السلام) من قال ذلك فقد افترى على
موسى (عليه السلام) واستجهله في نبوته لأنه ما خلا الأمر فيهما من خطيئتين إما أن
تكون صلاة موسى فيهما جائزة أو غير جائزة؟ فإن كانت صلاته جائزة جاز له لبسهما
في تلك البقعة وإن كانت مقدسة مطهرة فليست بأقدس وأطهر من الصلاة، وإن كانت
صلاته غير جائزة فيهما فقد أوجب على موسى أنه لم يعرف الحلال والحرام ولم يعلم
ما جازت الصلاة فيه مما لم تجز وهذا كفر. قلت فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيهما
قال إن موسى ناجى ربه بالواد المقدس فقال يا رب إني أخلصت لك المحبة مني وغسلت
قلبي عن من سواك وكان شديد الحب لأهله فقال الله تبارك وتعالى " اخلع نعليك "
أي انزع حب أهلك من قلبك إن كانت محبتك لي خالصة... الحديث، وهو طويل
أخذنا منه موضع الحاجة. وبه يظهر حمل الخبر الأول على التقية.
قال شيخنا في الذكرى: والمبطل للصلاة فيه علم كونه ميتة أو الشك إذا وجد

(1) سورة طه، الآية 12
(2) البحار ج 18 الصلاة ص 101
(3) سورة طه، الآية 12
51

مطروحا لأصالة عدم التذكية أو في يد كافر عملا بالظاهر من حاله أو في سوق الكفر، ولو
وجد في يد مستحل الميتة بالدبغ ففيه صور ثلاث (الأولى) أن يخبر بأنه ميتة فيجتنب
لاعتضاده بالأصل من عدم الذكاة (الثانية) أن يخبر بأنه مذكى فالأقرب القبول لأنه
الأغلب ولكونه ذا يد عليه، فيقبل قوله فيه كما يقبل في تطهير الثوب النجس. ويمكن
المنع لعموم " فتبينوا " (1) ولأن الصلاة في الذمة بيقين فلا تمول بدونه (الثالثة) أن
يسكت ففي الحمل على الأغلب من التذكية أو على الأصل من عدمها الوجهان، وقد روى
في التهذيب عن عبد الرحمان بن الحجاج (2) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
إني أدخل سوق المسلمين أعني هذا الخلق الذين يدعون الاسلام فاشتري منهم الفراء
للتجارة فأقول لصاحبها أليس هي ذكية؟ فيقول بلى فيصلح لي أن أبيعها على أنها ذكية؟
فقال لا ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول قد شرط لي الذي اشتريتها منه أنها ذكية. قلت
وما أفسد ذلك؟ قال استحلال أهل العراق للميتة وزعموا أن دباغ جلد الميتة ذكاته ثم
لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) " وفي هذا
الخبر إشارة إلى أنه لو أخبر المستحل بالذكاة لا يقبل منه لأن المسؤول في الخبر إن
كان مستحلا فذلك وإلا فبطريق الأولى. وعن أبي بصير عنه (عليه السلام) (3) " كان
علي بن الحسين (عليهما السلام) رجلا صردا لا تدفئه فراء الحجاز لأن دباغها بالقرظ
فكان يبعث إلى العراق فيؤتى مما قبلكم بالفرو فيلبسه فإذا حضرت الصلاة ألقاه وألقى
القميص الذي يليه فكان يسأل عن ذلك فيقول إن أهل العراق يستحلون لباس الجلود
الميتة ويزعمون أن دباغه ذكاته " وفي هذا دلالة على جواز لبسه في غير الصلاة. انتهى
أقول: أما ما ذكره (قدس سره) مع علم كونه ميتة فمحل وفاق منا نصا
وفتوى كما عرفت.
وأما ما ذكره من الشك بجميع وجوهه التي ذكرها من كونه مطروحا أو في يد

(1) سورة الحجرات، الآية 6
(2) ل الباب 61 من النجاسات
(3) الوسائل الباب 61 من لباس المصلي
52

كافر أو في سوق فهو المشهور بينهم، وإلا صح كما قدمنا تحقيقه في آخر كتاب الطهارة
في بحث الجلود - هو الطهارة وهو اختيار جملة من أفاضل متأخري المتأخرين.
وأما ما ذكره في ما إذا وجد في يد مستحل الميتة بالدبغ فما اختاره في الصورتين
الأولتين جيد لدلالة الأخبار - كما سلف وسيأتي إن شاء الله تعالى - على وجوب قبول
قول ذي اليد في ما يخبر به من طهارة أو نجاسة أو حل أو حرمة.
وأما قوله في الصورة الثانية: ويمكن المنع... إلى آخره فالظاهر ضعفه لما حققناه
في كتاب الطهارة من أن قول ذي اليد باعتبار دلالة الأخبار على وجوب العمل به
كالشاهدين الذين أوجب الله سبحانه العمل بقولهما موجب للخروج عن عهدة التكليف
كما لو شهد الشاهدان بطهارة الثوب أو ماء الطهارة أو نحو ذلك من شروط الصلاة.
وأما ما ذكره في الصورة الثالثة مما يؤذن بالتوقف ففيه أن مقتضى القاعدة
المنصوصة " أن كل شئ فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه " (1)
هو حل الصلاة فيه، و " كل شئ طاهر حتى تعلم أنه قذر فإذا علمت فقد قذر " (2) هو
طهارته ومتى ثبتت الطهارة جازت الصلاة فيه، ولا معارض لهذه الأخبار بل هي مؤيدة
بالأخبار المستفيضة.
وأما ما نقله من روايتي عبد الرحمان وأبي بصير فهما معارضتان بما هو أصح سندا
وأكثر عددا وأصرح دلالة من الأخبار الدالة على طهارة ما يشترى من الجلود من
الأسواق من أي بائع كان والصلاة فيها، وقد تقدمت الأخبار الدالة على ذلك
في كتاب الطهارة:
ومنها - صحيحة الحلبي (3) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الخفاف

(1) الوسائل الباب 4 من ما يكتسب به و 61 من الأطعمة المباحة و 64 من الأطعمة
المحرمة (2) الوسائل الباب 37 من النجاسات واللفظ " نظيف " بدل " طاهر "
(3) الفروع ج 1 ص 112 وفي الوسائل في الباب 50 من النجاسات
53

عندنا في السوق نشتريها فما ترى في الصلاة فيها؟ فقال صل فيها حتى يقال لك إنها ميتة
بعينها " وهو دال باطلاقه على جواز ذلك من أي بائع كان مسلما أو كافرا مستحلا
للميتة أو غير مستحل، ونحوها صحيحته الأخرى (1) وفيها " اشتر وصل فيها حتى
تعلم أنه ميت بعينه ".
ورواية الحسن بن الجهم (2) قال: " قلت لأبي الحسن (عليه السلام) أعترض
السوق فاشتري خفا لا أدري أذكى هو أم لا؟ فقال صل فيه. قلت فالنعل؟ قال مثل
ذلك. قلت إني أضيق من هذا؟ قال أترغب عما كان أبو الحسن (عليه السلام) يفعله؟ "
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة المتقدمة في الموضع المذكور.
وحينئذ فيجب حمل هذين الخبرين على الاحتياط والاستحباب كما هو ظاهر
لذوي الأفهام والألباب فلا دلالة لهما على ما زعمه (قدس سره) في هذا الباب. وبذلك
يظهر أيضا ما في قوله: وفي هذا الخبر إشارة إلى أنه لو أخبر المستحل بالذكاة... الخ. فإنه
كما عرفت مبني على الاستحباب من حيث التهمة والاحتياط لا من حيث عدم قبول
قول ذي اليد، على أنه يمكن أن يستثنى مقام التهمة من قبول قول ذي اليد مطلقا كما في
هذا الموضع وله نظائر في الأحكام.
قال السيد السند (قدس سره) في المدارك: وذكر جمع من الأصحاب (رضوان
الله عليهم) أن المبطل للصلاة في الجلد علم كونه ميتة أو في يد كافر أو الشك في تذكيته
لأصالة عدم التذكية، وقد بينا في ما سبق أن أصالة عدم التذكية لا تفيد القطع بالعدم
لأن ما ثبت جاز أن يدوم وجاز أن لا يدوم فلا بد لدوامه من دليل سوى دليل الثبوت
وبالجملة فالفارق بين الجلد والدم المشتبهين استصحاب عدم التذكية في الجلد دون الدم
ومع انتفاء حجيته يجب القطع بالطهارة فيهما معا لأصالة عدم التكليف باجتنابهما وعدم
نجاسة الملاقي لهما. انتهى.

(1) الوسائل الباب 50 من النجاسات
(2) الوسائل الباب 50 من النجاسات
54

قوله: " وبالجملة فالفارق... الخ " إشارة إلى ما تقدم منه (قدس سره) في بحث
النجاسات والطهارات من أنه إذا اشتبه الجلد واحتمل كونه منتزعا من ميتة أو مذكى
وكذا الدم المشتبه بالطاهر والنجس فالفرق بينهما على مذهب الأصحاب باعتبار استصحاب
عدم التذكية في الجلد فيكون نجسا بخلاف الدم ومتى قلنا ببطلان الاستصحاب فلا فرق
بينهما، ثم استدل على ذلك بأصالة عدم التكليف باجتنابهما وعدم نجاسة الملاقي لهما. وأنت
خبير بأن هذا الاستدلال بالنسبة إلى الجلد لا يخلو من مصادرة لأن هذا أول البحث
وعين الدعوى ومطرح النزاع حيث إن الخصم يحكم بوجوب الاجتناب ونجاسة الملاقي
لحكمه بكونه ميتة. والحق في الجواب إنما هو ما أشرنا إليه آنفا من الأخبار الدالة
على القاعدة الكلية المتفق عليها وهو " أن كل شئ فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى
تعرف الحرام بعينه " (1) و " كل شئ طاهر حتى تعلم أنه قذر فإذا علمت فقد قذر " (2)
و " لا أبالي أبول أصابني أو ماء إذا لم أعلم " (3) ونحو ذلك. ولا ريب أن الجلد هنا
داخل تحت عموم هذه الكلية فيجب الحكم بطهارته وجواز ملاقاته برطوبة، وهكذا
يقال في الدم مع الاشتباه، ويدل على خصوص ذلك رواية السكوني المتقدمة في الموضع
المتقدم من كتاب الطهارة.
فائدتان
(الأولى) - قال السيد السند (عطر الله مرقده) في المدارك: واعلم أن
مقتضى كلام المصنف في المعتبر والعلامة في المنتهى وغيرهما اختصاص المنع بميتة ذي
النفس، وهو كذلك للأصل وانتفاء ما يدل على عموم المنع.
أقول: الظاهر أن هذا الأصل هنا عبارة عن أصالة الإباحة التي هي البراءة
الأصلية والخلاف فيها مشهور كما تقدم ذكره في مقدمات الكتاب، إلا أن السيد المذكور
ممن يرى العمل بها كما هو المشهور بين الأصوليين ولذا تراه دائما يعتمد عليها ويطرح

(1) ص 53
(2) ص 53
(3) الوسائل الباب 37 من النجاسات
55

الأخبار الضعيفة باصطلاحه في مقابلتها، وأما على ما اخترناه وحققناه في مقدمات
الكتاب وعليه جل المحدثين وجملة من الأصوليين أيضا فإنه لا يجوز العمل عليها كما
تقدم محققا مشروحا.
وأما ما ذكره من انتفاء ما يدل على عموم المنع فهو وإن كان كذلك لكن
يمكن الاستناد في ذلك إلى اطلاق الأخبار فإنه أعم من ميتة ذي النفس وغيرها.
وإلى ذلك جنح شيخنا البهائي (قدس سره) في كتاب الحبل المتين ونقله عن
والده حيث قال: لا يخفى أن المنع من الصلاة في جلد الميتة يشمل باطلاقه ميتة ذي النفس
وغيره سواء كان مأكول اللحم أو لا، وفي كلام بعض علمائنا جواز الصلاة في ميتة
غير ذي النفس من مأكول اللحم كالسمك الطافي مثلا. والمنع من الصلاة في ذلك متجه
لصدق الميتة عليه وكونه طاهرا لا يستلزم جواز الصلاة فيه، وكان والدي (قدس سره)
يميل إلى هذا القول ولا بأس به. انتهى.
وفيه أن ما ذكره من صدق الاطلاق وإن كان متجها إلا أن الاطلاق إنما يحمل
على الأفراد الشائعة المتكثرة المتكررة فإنها هي التي ينساق إليها الذهن من الاطلاق دون
الفروض النادرة كما عرفت في غير موضع وبه صرح الأصحاب في غير مقام.
(فإن قلت) إن مقتضى ما ذكرتم في رد الاعتماد على الأصل المذكور هو المنع
من الصلاة في جلود السمك ونحوها ومقتضى ما ذكرتم في رد ما ذكره شيخنا البهائي
هو الجواز فما المعمول عليه عندكم؟
(قلت) الظاهر هو الجواز لكن لا للأصل المذكور بل للعمومات الدالة على
شرطية الستر بأي ساتر كان والأمر بالصلاة في أي لباس كان خرج ما خرج بدليل
وبقي ما بقي ولا دليل هنا على المنع من الصلاة في ذلك، فما ذكره شيخنا البهائي (قدس
سره) من الاستناد في المنع إلى اطلاق الميتة قد عرفت ما فيه.
وأما قوله أخيرا " وكونه طاهرا لا يستلزم جواز الصلاة فيه " فمردود بأن مقتضى
56

العمومات المذكورة ذلك حتى يقوم دليل على الاستثناء هنا كما قام الدليل على فضلات
الحيوان الغير المأكول اللحم على القول بالتحريم، إذ لا ريب أن هذه الجلود طاهرة
في حال حياة حيوانها والموت لا ينجسها لعدم النفس فتجوز الصلاة فيها كسائر
الملابس الطاهرة.
وممن اختار الجواز في المسألة المذكورة شيخنا الشهيد الثاني في شرح الرسالة
مستندا إلى ما ذكرنا من الطهارة حال الحياة وأن الموت غير منجس، وأيده أيضا بأن
المصنف وأكثر الأصحاب جوزوا الصلاة في جلد لخز وإن كان غير مذكى مع كون
لحمه غير مأكول فجوازها في جلد السمك أولى. إذا عرفت ذلك فاعلم أن المحقق الشيخ
علي في شرحه على الألفية حكى عن المصنف في الذكرى أنه نقل عن المعتبر دعوى اجماع
الأصحاب على جواز الصلاة في جلد السمك وإن كان ميتة وفي شرح القواعد نقل ذلك
عن المعتبر بغير واسطة الذكرى، وهو عجيب غريب حيث إنه لا أثر لذلك في الكتابين
قال شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) في شرح الرسالة بعد نقل ذلك عنه ونسبته
إلى الوهم: إن المصنف لم ينقل ذلك عن المعتبر ولا هو موجود في المعتبر وإنما الذي نقله
عن المعتبر والموجود فيه الاجماع على جواز الصلاة في وبر الخز وإن كانت ميتة لأنه ظاهر
في حال الحياة ولم ينجس بالموت ولكن عبارة الذكرى توهم كون البحث عن السمك
وعند الاعتبار ومراجعة المعتبر ينجلي لك الحال وأما جلد السمك فلم يذكراه في
الكتابين. انتهى.
(الثانية) - قال في المدارك في هذا المقام: ولا فرق في الثوب بين كونه ساترا
للعورة أم لا بل الظاهر تحريم استصحاب غير الملبوس أيضا لقوله (عليه السلام) (1)
" لا تصل في شئ منه ولا شسع ".
أقول: في اطلاق الثوب على ما يؤخذ من الجلود تجوز وتسامح كما لا يخفى إذ

(1) ص 50
57

الظاهر أنه إنما يطلق على ما يتخذ من القطن أو الكتان أو الإبريسم ونحوها لا الجلود
وإن قطعت كتقطيع الثياب. وأما ما ذكره من تحريم استصحاب غير الملبوس فلا يخلو
من اشكال لأن الظاهر من النهي عن الصلاة في شئ إنما هو باعتبار كونه لباسا تحقيقا
للظرفية المستفادة من لفظة " في " لا مستصحبا ولا محمولا، فالنهي عن الصلاة في الذهب
وفي الحرير ونحوهما إنما هو باعتبار اللبس لا باعتبار مجرد الاستصحاب والحمل.
(المقام الثاني) - في جلد ما لا يؤكل لحمه وإن دبغ وصوفه وشعره ووبره
وريشه، ويحرم الصلاة فيه بالاجماع كما نقله جمع من الأصحاب عدا ما استثنى مما يأتي
ذكره في المقام إن شاء الله تعالى.
والأصل في ذلك الأخبار المتكاثرة: منها - ما رواه في الكافي في الموثق عن
ابن بكير (1) قال: " سأل زرارة أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في الثعالب
والفنك والسنجاب وغيره من الوبر فأخرج كتابا زعم أنه إملاء رسول الله (صلى الله
عليه وأله) إن الصلاة في وبر كل شئ حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده
وبوله وروثه وألبانه وكل شئ منه فاسدة لا تقبل تلك الصلاة حتى تصلي في غيره مما أحل
الله أكله، ثم قال يا زرارة هذا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاحفظ ذلك
يا زرارة وإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شئ
منه جائزة إذا علمت أنه ذكي قد ذكاه الذبح، وإن كان غير ذلك مما قد نهيت عن أكله
وحرم عليك أكله فالصلاة في كل شئ منه فاسدة ذكاه الذبح أو لم يذكه ".
وصحيحة إسماعيل بن سعد الأحوص (2) قال: " سألت أبا الحسن الرضا (عليه
السلام) عن الصلاة في جلود السباع فقال لا تصل فيها ".
وموثقة سماعة (3) قال: سألته عن لحوم السباع وجلودها قال أما لحوم السباع
من الطير والدواب فإنا نكرهه وأما الجلود فاركبوا عليها ولا تلبسوا منها شيئا تصلون فيه "

(1) الوسائل الباب 2 من لباس المصلي
(2) ل الباب 6 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 5 من لباس المصلي
58

وروى الصدوق في كتاب العلل عن محمد بن إسماعيل البرمكي رفعه إلى أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: " لا تجوز الصلاة في شعر ووبر ما لا يؤكل لحمه... ".
وروى فيه أيضا عن الحسن بن علي الوشاء رفعه (2) قال: " كان أبو عبد الله
(عليه السلام) يكره الصلاة في وبر كل شئ لا يؤكل لحمه " ورواه الشيخ في التهذيب أيضا
ورواية إبراهيم بن محمد الهمداني (3) قال: " كتبت إليه يسقط على ثوبي الوبر
والشعر مما لا يؤكل لحمه من غير تقية ولا ضرورة؟ فكتب لا تجوز الصلاة فيه ".
ورواية علي بن أبي حمزة (4) قال: " سألت أبا عبد الله وأبا الحسن (عليهما
السلام) عن لباس الفراء والصلاة فيها فقال لا تصل فيها إلا فيما كان منه ذكيا. قال قلت
أوليس الذكي ما ذكي بالحديد؟ فقال بلى إذا كان مما يؤكل لحمه. قلت وما يؤكل لحمه
من غير الغنم؟ قال لا بأس بالسنجاب فإنه دابة لا تأكل اللحم وليس هو مما نهى عنه
رسول الله (صلى الله عليه وأله) إذ نهى عن كل ذي ناب ومخلب ".
وصحيحة أبي علي بن راشد (5) قال: " قلت لأبي جعفر (عليه السلام)
ما تقول في الفراء أي شئ يصلى فيه؟ فقال أي الفراء؟ قلت الفنك والسنجاب والسمور.
قال فصل في الفنك والسنجاب فأما السمور فلا تصل فيه. قلت فالثعالب يصلى فيها؟ قال
لا ولكن تلبس بعد الصلاة. قلت أصلي في الثوب الذي يليه؟ قال لا ".
ورواية مقاتل بن مقاتل (6) قال: " سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن
الصلاة في السمور والسنجاب والثعلب فقال لا خير في ذا كله ما خلا السنجاب فإنه دابة
لا تأكل اللحم ".
وفي كتاب الفقه الرضوي (7) " لا بأس بالصلاة في شعر ووبر كل ما أكل لحمه
والصوف منه ولا يجوز الصلاة في سنجاب وسمور وفنك فإذا أردت الصلاة فانزع عنك

(1) الوسائل الباب 2 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 2 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 2 من لباس المصلي
(4) الوسائل الباب 2 من لباس المصلي
(5) المروية في الوسائل في الباب 3 من لباس المصلي
(6) المروية في الوسائل في الباب 3 من لباس المصلي
(7) ص 16
59

وقد أروي فيه رخصة، وإياك أن تصلي في الثعالب ولا في ثوب تحته جلد ثعالب، وصل
في الخز إذا لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب... ولا تصل في جلد الميتة على كل حال " انتهى.
إلى غير ذلك من الأخبار الآتية إن شاء الله تعالى.
وتفصيل الكلام في هذا المقام يقع في مسائل: (الأولى) - ينبغي أن يعلم أن
المستفاد من لفظة " في " الواقعة في هذه الأخبار أن المنع مختص بالملابس وما يتلطخ به اللباس
من اللبن والبول والشعرات الملقاة على اللباس وسائر فضلات ما لا يؤكل لحمه، وحينئذ
فلا يدخل في ذلك المحمول فلو صلى الانسان مستصحبا لعظم الفيل من مشط وغيره مما
يحمل فلا بأس بالصلاة فيه، وبما ذكرناه أيضا صرح المحدث المحسن الكاشاني في الوافي،
وكلمات الأصحاب في هذا المقام لا تخلو من الاختلاف والاضطراب كما تقدم في كتاب
الطهارة وربما يأتي نحوه أيضا.
(المسألة الثانية) - لا خلاف بين الأصحاب في جواز الصلاة في وبر الخز الخالص
من مخالطة وبر الأرانب والثعالب ونحوهما مما لا تصح الصلاة فيه، نقل الاجماع على ذلك
جماعة: منهم - المحقق والعلامة وابن زهرة والشهيد وغيرهم، إنما الخلاف في جلده
فالمشهور في كلام المتأخرين أن حكم الجلد حكم الوبر، وذهب ابن إدريس إلى العدم
ونفى عنه الخلاف وتبعه العلامة في المنتهى على ما نقله في الذخيرة.
ومما يدل على الوبر الأخبار المستفيضة، ومنها - ما رواه الكليني في الصحيح
عن عبد الرحمان بن الحجاج (1) قال: " سأل أبا عبد الله (عليه السلام) رجل وأنا
عنده عن جلود الخز فقال ليس بها بأس. فقال الرجل جعلت فداك إنها في بلادي وإنما
هي كلاب تخرج من الماء؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا خرجت من الماء تعيش
خارجة من الماء؟ فقال الرجل لا فقال لا بأس " وهذا الخبر بالتأييد أنسب من الاستدلال
إذ ليس فيه تصريح بالصلاة.

(1) الوسائل الباب 10 من لباس المصلي
60

وما رواه الصدوق والشيخ في الصحيح عن سليمان بن جعفر الجعفري (1) قال:
" رأيت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يصلي في جبة خز ".
وما رواه الصدوق في الصحيح عن علي بن مهزيار (2) قال: " رأيت أبا جعفر
(عليه السلام) يصلي الفريضة وغيرها في جبة خز طاروني، وكساني جبة خز وذكر أنه
لبسها على بدنه وصلى فيها وأمرني بالصلاة فيها ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (3) قال: " سألته عن لبس الخز فقال
لا بأس به إن علي بن الحسين (عليه السلام) كان يلبس الكساء الخز في الشتاء فإذا جاء
الصيف باعه وتصدق بثمنه وكأن يقول إني لأستحيي من ربي أن آكل ثمن ثوب قد
عبدت الله فيه ".
وما رواه الشيخ في الموثق عن معمر بن خلاد (4) قال: " سألت أبا الحسن
الرضا (عليه السلام) عن الصلاة في الخز فقال صل فيه ".
وما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن زرارة (5) قال: " خرج أبو جعفر
(عليه السلام) يصلي على بعض أطفاله وعليه جبة خز صفراء ومطرف خز أصفر ".
وعن ابن أبي يعفور (6) قال: " كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل
عليه رجل من الخزازين فقال له جعلت فداك ما تقول في الصلاة في الخز؟ فقال لا بأس
بالصلاة فيه. فقال له الرجل جعلت فداك إنه ميت وهو علاجي وأنا أعرفه؟ فقال له
أبو عبد الله (عليه السلام) أنا أعرف به منك. فقال له الرجل إنه علاجي وليس أحد
أعرف به مني؟ فتبسم أبو عبد الله (عليه السلام) ثم قال له أتقول إنه دابة تخرج من
الماء أو تصاد من الماء فتخرج فإذا فقدت الماء ماتت؟ فقال الرجل صدقت جعلت فداك
هكذا هو. فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) فإنك تقول إنه دابة تمشي على أربع وليس

(1) الوسائل الباب 8 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 8 من لباس المصلي
(3) رواه في الوسائل في الباب 10 من لباس المصلي
(4) الوسائل الباب 8 من لباس المصلي
(5) الوسائل الباب 8 من لباس المصلي
(6) الوسائل الباب 8 من لباس المصلي
61

هو على حد الحيتان فتكون ذكاته خروجه من الماء؟ فقال الرجل إي والله هكذا أقول
فقال أبو عبد الله (عليه السلام) فإن الله تعالى أحله وجعل ذكاته موته كما أحل الحيتان
وجعل ذكاتها موتها ".
ومما يدل على أن الجلد كالوبر في هذا الحكم ما رواه الكليني والشيخ في
الصحيح عن سعد بن سعد (1) قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن جلود الخز
فقال هو ذا نحن نلبس. فقلت ذاك الوبر جعلت فداك فقال إذا حل وبره حل جلده "
واستدل على ذلك أيضا بالأصل مضافا إلى الرواية المذكورة.
ويؤيده اطلاق الخز في موثقة معمر بن خلاد فإنه شامل للجلد والوبر، ونحوه
ما رواه الصدوق عن يحيى بن عمران (2) أنه قال: " كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه
السلام) في السنجاب والفنك والخز وقلت جعلت فداك أحب أن لا تجيبني بالتقية في
ذلك فكتب إلي بخطه: صل فيها ".
ويؤيده أيضا اطلاق صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج وأمثالها مما دل على جواز
اللبس فإنه شامل لحال الصلاة وغيرها، وعدم الاستفصال في مقام الاحتمال يدل على
العموم كما ذكروه في غير مقام.
وظاهر الفاضل الخراساني هنا الطعن في الصحيحة المذكورة بأنها لا تصلح
للاستدلال بها وإنما تصلح للتأييد إذ ليس فيها تصريح بالصلاة. وفيه أن ظاهر تعليق
حل الجلد على حل الوبر الشامل باطلاقه للصلاة مع حل الصلاة في الوبر اجماعا نصا
وفتوى هو حل الصلاة في الجلد أيضا ومن أجل ذلك استدل الأصحاب بالخبر المذكور
إلا أنه نقل المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب البحار (3) عن كتاب
العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم أنه قال فيه: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)

(1) الوسائل الباب 10 من لباس المصلي
(2) ل الباب 3 من لباس المصلي
(3) البحار ج 18 الصلاة ص 101
62

لا يصلى في ثوب مما لا يؤكل لحمه ولا يشرب لبنه، فهذه جملة كافية من قول رسول الله
(صلى الله عليه وآله) ولا يصلى في الخز، والعلة في أن لا يصلى في الخز إن الخز من كلاب الماء
وهي مسوخ إلا أن يصفى وينقى، إلى أن قال: وعلة أن لا يصلى في السنجاب والسمور والفنك
قول رسول الله (صلى الله عليه وأله) المتقدم " ثم قال شيخنا المشار إليه بعد نقل الخبر:
لعل مراده عدم جواز الصلاة في جلد الخز بقرينة الاستثناء وقد تقدم القول في الجميع.
أقول: وفي الاعتماد على مثل هذا الخبر اشكال مضافا إلى عدم ثبوت الاعتماد على
الكتاب المذكور وأن مصنفه في عداد معتمدي العلماء غير مشهور.
حجة القول الثاني العمومات الدالة على المنع من كل شئ من ما لا يؤكل لحمه خرج الوبر
بالنص والاجماع وبقي الجلد تحت عموم المنع. والجواب عنه ما عرفت من دلالة صحيحة سعد
ابن سعد المذكورة على ذلك بالتقريب الذي ذكرناه مع تأيدها بالأخبار المذكورة. إلا أن المسألة بعد لا تخلو من شوب الاشكال سيما مع ما عرفت من كتاب العلل لمحمد بن
علي بن إبراهيم.
بقي الكلام في ما لو خالط وبر الخز وبر غيره مما لا يجوز الصلاة فيه والمشهور
كما عرفت المنع من الصلاة فيه.
ويدل على ما رواه في الكافي عن العدة عن أحمد بن محمد رفعه عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) " في الخز الخالص أنه لا بأس به فأما الذي يخلط فيه وبر الأرانب أو غير
ذلك مما يشبه هذا فلا تصل فيه " وقد تقدم في عبارة كتاب الفقه الرضوي " وصل في الخز
إذا لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب "
وروى الصدوق في كتاب العلل في الصحيح عن أيوب بن نوح رفعه (2) قال
" قال أبو عبد الله (عليه السلام) الصلاة في الخز الخالص ليس به بأس وأما الذي
يخلط فيه الأرانب أو غيرها مما يشبه هذا فلا تصل فيه ".

(1) الوسائل الباب 9 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 9 من لباس المصلي
63

وقد ورد ما يدل على خلاف ما دلت عليه هذه الأخبار وهو ما رواه الشيخ في
التهذيب عن داود الصرمي عن بشر بن يسار (1) قال: " سألته عن الصلاة في الخز
يغش بوبر الأرانب فكتب يجوز ذلك " ورواه الشيخ في موضع آخر وكذلك
الصدوق في الفقيه عن داود الصرمي (2) قال: " سأل رجل أبا الحسن الثالث... الحديث "
ونسبه الشيخ في التهذيبين إلى الشذوذ واختلاف اللفظ في السائل والمسؤول ثم حمله على
التقية. وما ذكره من الحمل على التقية جيد.
وقال المحقق في المعتبر: أما المغشوش بوبر الأرانب والثعالب ففيه روايتان إحداهما
رواية محمد بن يعقوب ثم ساق مرفوعة أحمد ورواية أيوب بن نوح، والثانية رواية
داود الصرمي ثم ذكرها، ثم قال والوجه ترجيح الروايتين الأوليين وإن كانتا مقطوعتين
لاشتهار العمل بهما بين الأصحاب ودعوى أكثرهم الاجماع على مضمونهما. انتهى.
أقول: ويزيدهما تأييدا عبارة كتاب الفقه الرضوي المذكورة: وبه يظهر قوة القول
المشهور وإن الأظهر حمل الرواية المنافية على التقية.
وقال الصدوق في الفقيه: هذه رخصة الآخذ بها مأجور ورادها مأثوم والأصل
ما ذكره أبي في رسالته إلي: وصل في الخز ما لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب. أقول: بل
الأقرب حملها على التقية كما ذكرنا وسيأتي في المقام ما يوضحه.
إلا أنه روى الطبرسي في كتاب الإحتجاج مما كتبه محمد بن عبد الله بن جعفر
الحميري إلى الناحية المقدسة (3): روى عن صاحب العسكر (عليه السلام) أنه سئل
عن الصلاة في الخز الذي يغش بوبر الأرانب فوقع: يجوز. وروى عنه أيضا أنه لا يجوز
فأي الأمرين نعمل به؟ فأجاب (عليه السلام) إنما حرم في هذه الأوبار والجلود فأما
الأوبار وحدها فحلال " وفي نسخة فكلها حلال " وقد سئل بعض العلماء عن معنى

(1) الوسائل الباب 9 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 9 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 10 من لباس المصلي
64

قول الصادق (عليه السلام): لا يصلى في الثعلب ولا الثوب الذي يليه فقال إنما عنى
الجلود دون غيره.
قال شيخنا المجلسي (قدس سره) في كتاب البحار بعد نقل الخبر المذكور:
ما ذكر في الخبر من الفرق بين الجلد والوبر خلاف ما يعهد في كلام الأصحاب (رضوان
الله عليهم) وذكروا اتفاق الأصحاب على عدم جواز الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه
وشعره ووبره عدا ما استثنى مما سيذكر. انتهى. أقول: بل خلاف ما دلت عليه
الأخبار أيضا كما تقدم شطر منها في أول هذا المقام. وبالجملة فإن الرواية المذكورة غريبة
مرجوعة إلى قائلها عجل الله فرجه.
فائدة
إعلم أنه قد اختلف كلام العلماء في الخز فقال الشيخ الزاهد العابد الشيخ
فخر الدين بن طريح النجفي (قدس سره) في كتاب مجمع البحرين: الخز بتشديد الزاي
دابة من دواب الماء تمشي على أربع تشبه الثعلب ترعى في البر وتنزل البحر لها وبر
يعمل منه الثياب تعيش في الماء ولا تعيش في خارجه وليس على حد الحيتان وذكاتها
اخراجها من الماء حية، قيل وقد كانت في أول الاسلام إلى وسطه كثيرة جدا. انتهى.
وقال المحقق في المعتبر: والخز دابة بحرية ذات أربع تصاد من الماء وتموت بفقده، قال
أبو عبد الله (عليه السلام) " إن الله أحله وجعل ذكاته موته كما أحل الحيتان وجعل ذكاتها
موتها " كذا روى محمد بن سليمان الديلمي عن قريب عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) وعندي في هذه الرواية توقف لضعف محمد بن سليمان ومخالفتها لما
اتفقوا عليه من أنه لا يؤكل من حيوان البحر إلا السمك ولا من السمك إلا ما له فلس
وحدثني جماعة من التجار أنها القندس ولم أتحققه وقال شيخنا الشهيد في الذكرى بعد
نقل ما ذكره المحقق من التوقف: قلت مضمونها مشهور بين الأصحاب فلا يضر ضعف

(1) ص 61
65

الطريق، والحكم بحله جاز أن يستند إلى حل استعماله في الصلاة وإن لم يذك كما أحل
الحيتان بخروجها من الماء حية فهو تشبيه للحل بالحل لا في جنس الحلال، ثم قال قلت لعله
ما يسمى في زماننا بمصر وبر السمك وهو مشهور هناك، ومن الناس من يزعم أنه كلب
الماء وعلى هذا يشكل ذكاته بدون الذبح لأن الظاهر أنه ذو نفس سائلة. والله أعلم. انتهى
أقول: والذي وقفت عليه من الروايات المتعلقة بذلك زيادة على ما تقدم في
صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج ورواية ابن أبي يعفور المتقدمتين ما رواه في التهذيب في
باب المطاعم والمشارب عن محمد بن أحمد عن أحمد بن حمزة القمي عن محمد بن خلف عن محمد بن
سنان عن عبد الله بن سنان عن ابن أبي يعفور (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن أكل لحم الخز قال كلب الماء إن كان له ناب فلا تقر به وإلا فأقر به " وقال
أحمد حدثني محمد بن علي القرشي عن الحسن بن أحمد عن ابن بكير عن حمران بن أعين (2)
قال: " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الخز فقال سبع يرعى في البر ويأوي الماء "
وروى في التهذيب أيضا عن محمد بن أحمد عن أحمد بن حمزة عن زكريا بن آدم (3)
قال: " سألت أبا الحسن (عليه السلام) فقلت إن أصحابنا يصطادون الخز فآكل من لحمه
قال فقال إن كان له ناب فلا تأكله ثم مكث ساعة فلما هممت بالقيام قال أما أنت فإني
أكره لك أكله فلا تأكله ".
ويستفاد من مجموع أخبار المسألة بضم بعضها إلى بعض أمور: (الأول) - إن
الخز دابة تمشي على أربع وأنه كلب الماء كما نقل في الذكرى عن بعض الناس، وقد
وقع التصريح بكونه كلب الماء في صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج وهو وإن كان في كلام
السائل إلا أن الإمام (عليه السلام) أقره عليه، وفي رواية ابن أبي يعفور الثانية وقريب
منها رواية حمران الدالة على أنه سبع.
(الثاني) - أن منه ما له ناب ومنه ما لا ناب له وأن الثاني يحل أكله لحمه كما صرحت

(1) الوسائل الباب 39 من الأطعمة المحرمة
(2) الوسائل الباب 39 من الأطعمة المحرمة
(3) الوسائل الباب 39 من الأطعمة المحرمة
66

به رواية ابن أبي يعفور الثانية ورواية زكريا بن آدم دون الأول وهو ظاهر رواية ابن
أبي يعفور الأولى، وحينئذ فلا يلتفت إلى استبعاد صاحب المعتبر ولا إلى جواب صاحب
الذكرى لاختصاص ما ذكراه بالبحري المحض كالسمك وهذا ليس كذلك كما عرفت
وما اشتمل عليه خبر حمران من أنه سبع يحمل على ذي الناب منه.
(الثالث) - أنه بري بحري يرعى في البر ويأوي إلى البحر كما ذكره في
كتاب مجمع البحرين وعليه دلت رواية حمران بن أعين، وأنه لو أخذ ومنع من البحر مات
وأن ذكاته موته في البر كما صرحت به رواية ابن أبي يعفور الأولى وهو ظاهر صحيحة
عبد الرحمان وحكمه في ذلك حكم الحيتان، ومن هنا ينقدح الاشكال الذي أشار إليه
في الذكرى إذ الظاهر من كونه كلب الماء وأنه على أربع قوائم يرعى في البر وأنه سبع
وذو ناب أنه ذو نفس سائلة وأن ذكاته إنما هي بالذبح مع أنه (عليه السلام) جعل حكمه
حكم الحيتان في كون ذكاته بالموت خارج الماء، وحينئذ فيجب القول باستثنائه من القاعدة
المذكورة كما أنه يجب استثناؤه من قاعدة تخصيص حل ما كان في البحر بما كان له فلس
من السمك، فإن هذه الأخبار دلت على خروجه من القاعدتين المذكورتين بالنسبة إلى
ما لا ناب له منهما، وقد حكم (عليه السلام) بالحل والذكاة كذلك في رواية عبد الله
ابن أبي يعفور الأولى وبالثاني في صحيحة عبد الرحمان حيث إن ظاهرها نفي البأس عن
الصلاة في جلده، وبذلك يظهر ضعف ما نقله في المعتبر عن جماعة من التجار وكذلك
ما ذكره في الذكرى مما يسمى في زمانه بوبر السمك، ومن المحتمل قريبا حدوث هذه
الأسماء لهذه الأشياء.
قال شيخنا المجلسي (قدس سره) في كتاب البحار بعد كلام في المقام: إذا
عرفت هذا فاعلم أن في جواز الصلاة في الجلد المشهور في هذا الزمان بالخز وشعره ووبره
اشكالا للشك في أنه هل هو الخز المحكوم عليه بالجواز في عصر الأئمة (عليهم السلام)
أم لا بل الظاهر أنه غيره لأنه يظهر من الأخبار أنه مثل السمك يموت بخروجه من
67

الماء وذكاته اخراجه منه، والمعروف بين التجار أن الخز المعروف الآن دابة تعيش في البر
ولا تموت بالخروج من الماء، إلا أن يقال إنهما صنفان برئ وبحري وكلاهما يجوز الصلاة
فيه وهو بعيد. ويشكل التمسك بعدم النقل واتصال العرف من زماننا إلى زمانهم
(عليهم السلام) إذا اتصال العرف غير معلوم إذا وقع الخلاف في حقيقته في أعصار علمائنا
السالفين أيضا، وكون أصل عدم النقل في مثل ذلك حجة في محل المنع، فالاحتياط في
عدم الصلاة فيه. انتهى. وهو جيد إلا أن قوله " مثل السمك يموت بخروجه من الماء "
ليس كذلك إذ الظاهر منها أنه يرعى في البر وأنه لا يموت بمجرد الخروج كالسمك
وإنما يموت بحبسه عن الماء وعدم رجوعه إليه كما قدمناه ذكره. والله العالم.
(المسألة الثالثة) - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز الصلاة
في جلد السنجاب ووبره، فذهب الشيخ في المبسوط وكتاب الصلاة من النهاية وأكثر
المتأخرين إلى الجواز حتى قال في المبسوط: أما السنجاب والحواصل فلا خلاف في أنه
يجوز الصلاة فيهما. ونسبه في المنتهى إلى الأكثر. وذهب الشيخ في الخلاف وفي
كتاب الأطمعة والأشربة من النهاية إلى المنع واختاره ابن البراح وابن إدريس وهو
ظاهر ابن الجنيد والمرتضى وأبي الصلاح بل ظاهر ابن زهرة نقل الاجماع عليه واختاره
في المختلف ونسبه الشهيد الثاني إلى الأكثر. وذهب ابن حمزة إلى الكراهة. وقال الصدوق
في الفقيه وقال أبي في رسالته إلي: لا بأس بالصلاة في شعر ووبر كل ما أكل لحمه وإن
كان عليك غيره من سنجاب أو سمور أو فنك وأردت الصلاة فيه فانزعه وقد روي
فيه رخصة. انتهى.
ومنشأ الخلاف في المقام اختلاف أخبارهم (عليهم السلام) واختلاف الأنظار
في الجمع بينها والأفهام:
ومما يدل على القول بالجواز ما تقدم في المسألة السابقة من رواية علي بن أبي حمزة
وصحيحة أبي علي بن راشد ورواية مقاتل بن مقاتل.
68

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" سألته عن الفراء والسمور والسنجاب والثعالب وأشباهه؟ قال لا بأس بالصلاة فيه ".
وعن الوليد بن أبان (2) قال: " قلت للرضا (عليه السلام) أصلي في الفنك
والسنجاب؟ قال نعم. فقلت نصلي في الثعالب إذا كانت ذكية؟ قال لا تصل فيها ".
وعن بشر بن يسار (3) قال: " سألته عن الصلاة في الفنك والفراء والسنجاب
والسمور والحواصل التي تصاد ببلاد الشرك أو بلاد الاسلام أصلي فيها لغير تقية؟ قال فقال
صل في السنجاب والحواصل الخوارزمية ولا تصل في الثعالب ولا السمور ".
وروى الصدوق بسنده عن يحيى بن عمران (4) أنه قال: " كتبت إلى أبي جعفر
الثاني (عليه السلام) في السنجاب والفنك والخز وقلت جعلت فداك أحب أن لا تجيبني
بالتقية في ذلك فكتب بخطه إلي صل فيها ".
وروى الحميري في كتاب قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي
ابن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) (5) قال: " سألته عن لبس السمور
والسنجاب والفنك فقال لا يلبس ولا يصلى فيه إلا أن يكون ذكيا ".
ويؤيد ذلك اطلاق الأخبار الدالة على جواز لبسه وهي كثيرة.
وأما ما يدل على المنع فجملة أخرى من الأخبار الدالة على المنع من الصلاة في ما
لا يؤكل لحمه وعلى الخصوص ما تقدم من موثقة عبد الله بن بكير المشتملة على المنع من
السنجاب خصوصا ومن جميع ما لا يؤكل لحمه على أبلغ وجه، وكلامه (عليه السلام)

(1) الوسائل الباب 4 من لباس المصلي
(2) الوسائل 3 و 7 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 3 من لباس المصلي. وفي بعض النسخ " بشير بن يسار " وفي
بعضها " بشير بن بشار "
(4) الوسائل الباب 3 من لباس المصلي. وفي الفقيه المطبوع " يحيى بن أبي عمران "
(5) الوسائل الباب 4 من لباس المصلي
69

في كتاب الفقه الرضوي وهو عين ما نقله الصدوق عن رسالة أبيه إليه بتغيير ما.
والمحقق في المعتبر حيث اختار القول بالجواز كما هو المشهور أجاب عن خبر
ابن بكير بأن خبر أبي علي بن راشد خاص والخاص مقدم على العام، وبأن ابن بكير
مطعون فيه وليس كذلك أبو علي بن راشد. ورد الأول بأنه رواية ابن بكير وإن كانت
عامة إلا أن ابتناءها على السبب الخاص وهو السنجاب وما ذكر معه يجعلها كالنص في
المسؤول عنه. والثاني بأن ابن بكير وإن كان فطحيا لكنه من الشهرة والجلالة بمكان
حتى قال الكشي إنه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه وأقروا له بالفقه
وأما أبو علي بن راشد فلم يذكره النجاشي ولا الشيخ في الفهرست نعم ذكره في كتاب
الرجال ووثقه وترجيحه على ابن بكير محل نظر
أقول: والحق هو حصول التعارض بين الأدلة المذكورة فلا بد من الجمع
بينها، ويمكن الجمع بأحد وجهين: أما حمل الأخبار الدالة على الجواز على التقية لموافقته
أقوال العامة (1) وأما حمل خبر المنع على الكراهة. ورجح الثاني بكثرة الأدلة الدالة
على الجواز كما تقدم ومطابقة الأصل وأن الحمل على التقية لا يخلو من اشكال، فإن مذهب
العامة جواز الصلاة في جلود ما لا يؤكل لحمه مطلقا والروايات الدالة على الجواز قد
اشتملت على الجواز في السنجاب مع نفي ذلك من غيره من السمور والثعالب وأمثالهما.
ومن هذا الكلام يظهر قوة القول بالكراهة كما تقدم نقله عن ابن حمزة، وهو ظاهر
الصدوق في كتاب المجالس حيث قال: ولا بأس بالصلاة في شعر ووبر كل ما أكل
لحمه، وما لا يؤكل لحمه فلا يجوز الصلاة في شعره ووبره إلا ما خصته الرخصة وهي الصلاة
في السنجاب والسمور والفنك والخز، والأولى أن لا يصلى فيها ومن صلى فيها جازت
صلاته. وقال في المقنع: لا بأس بالصلاة في السنجاب والسمور والفنك لما روي في ذلك
من الرخص. وإلى ذلك يشير كلامه (عليه السلام) في كتاب الفقه الرضوي المتقدم

(1) حياة الحيوان ج 2 ص 41 والمغني ج 8 ص 592
70

حيث إنه بعد أن منع من الصلاة في السنجاب والفنك والسمور قال: و " أروي فيه
رخصة " ونحو ذلك عبارة الشيخ في الخلاف وسلار على ما نقله في المختلف فإنهما بعد أن
ذكر المنع مما لا يؤكل لحمه قالا ورويت رخصة في الصلاة في السنجاب والفنك والسمور.
وظاهرهم جواز الصلاة في هذه الثلاثة على كراهة جمعا بين أخبار المسألة
وقد روى ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب مسائل الرجال لمولانا الهادي
(عليه السلام) لمحمد بن علي بن عيسى من طريق أحمد بن محمد بن عياش الجوهري وعبد الله
بن جعفر الحميري عن محمد بن أحمد بن محمد بن زياد وموسى بن محمد عن محمد بن علي بن
عيسى (1) قال: " كتبت إلى الشيخ أعزه الله وأيده أسأله عن الصلاة في الوبر أي
أصنافه أصلح؟ فأجاب لا أحب الصلاة في شئ منه. قال فرددت الجواب أنا مع قوم في
تقية وبلادنا بلاد لا يمكن أحدا أن يسافر فيها بلا وبر ولا يأمن على نفسه إن هو نزع
وبره وليس يمكن الناس كلهم ما يمكن الأئمة (عليهم السلام) فما الذي ترى أن نعمل
به في هذا الباب؟ قال فرجع الجواب إلى: تلبس الفنك والسمور ".
أقول: ومن هذه الرواية يمكن استنباط وجه جمع بين أخبار المسألة بابقاء ما دل
على المنع من الصلاة في غير المأكول على عمومه وحمل الرخصة الواردة في الثلاثة المتقدمة
على أولوية هذه الثلاثة في مقام الضرورة والتقية، وبه يندفع الاشكال المتقدم عن الحمل
على التقية من حيث تضمن الأخبار للجواز في هذه الثلاثة مع المنع عن غيرها فإنه لا منافاة
فيه من حيث الضرورة إلى لبس ما كان كذلك واندفاع التقية بأحد هذه الثلاثة.
بقي الكلام في وجه الخصوصية لاختيار هذه الثلاثة وهو موكول إليهم (عليهم السلام).
ومما يعضد الحمل على التقية ما قدمناه في مقدمات الكتاب من أن الحمل على
ذلك لا يختص بوجود قائل من العامة بل إنهم (عليهم السلام) يقصدون ايقاع الاختلاف
بين الشيعة لينزلوا من نظر العامة ويكذبوهم في النقل عن أئمتهم (عليهم السلام) ولا يعبأوا

(1) الوسائل الباب 4 من لباس المصلي
71

بمذهبهم كما قدمنا تحقيقه، وأنت إذا تأملت في أخبار هذه المسألة وجدتها كذلك، فإنهم
(عليهم السلام) تارة يفتون الشيعة بالحق وهو المنع من الصلاة في ما لا يؤكل لحمه بأتم
تأكيد كما اشتملت عليه موثقة ابن بكير ونحوها وإن لم يكن مثلها في التأكيد، وتارة
يفتونهم بجواز الصلاة في الجميع كصحيحة علي بن يقطين، وتارة يخصصون الجواز بأفراد
مخصوصة، فمنها - ما اشتمل على استثناء السنجاب خاصة كرواية مقاتل بن مقاتل،
ومنها - ما أضيف إليه فيها الفنك كرواية أبي علي بن راشد ورواية الوليد بن أبان،
ومنها - ما أضيف إليه الحواصل الخوارزمية خاصة كرواية بشر بن يسار، ومنها - ما دل
على الجواز في الجميع إلا الثعالب كصحيحة الريان بن الصلت (1) قال: " سألت أبا الحسن
الرضا (عليه السلام) عن لبس الفراء والسمور والسنجاب والحواصل وما أشبهها والمناطق
والكيمخت والمحشو بالقز والخفاف من أصناف الجلود؟ فقال لا بأس بهذا كله إلا
الثعالب " فانظر إلى هذا الاختلاف العظيم فهل له وجه غير ما ذكرناه؟
ويؤيد ذلك أيضا ما قدمناه في غير مقام من أن حمل النهي الذي هو حقيقة في التحريم
على الكراهة في تلك الأخبار الدالة على النهي مجاز لا يصار إليه إلا مع القرينة، واختلاف
الأخبار ليس من قرائن المجاز لجواز الجمع بوجه آخر وإن اشتهر بينهم الجمع بين الأخبار بذلك،
على أنه لو سلم فلا يجري في موثقة ابن بكير التي هي عمدة أخبار المسألة لوقوع النهي فيها
على أبلغ وجه كما لا يخفى. وبالجملة فالمسألة غير خالية من شوب الاشكال والاحتياط في
أمثال ذلك مما لا ينبغي تركه.
هذا، وقد صرح جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه إنما تجوز الصلاة
فيه بناء على القول بالجواز مع تذكيته لأنه ذو نفس سائلة قطعا، قال في الذكرى: قد
اشتهر بين التجار والمسافرين أنه غير مذكى ولا عبرة بذلك حملا لتصرف المسلمين على

(1) الوسائل الباب 5 من لباس المصلي
72

ما هو الأغلب، وأيده بعضهم بأن متعلق الشهادة إذا كان غير محصور فلا يسمع نعم لو
علم بذلك حرم.
فائدة
روى في التهذيب (1) عن أبي حمزة الثمالي قال: " سأل أبو خالد الكابلي علي
بن الحسين (عليه السلام) عن أكل لحم السنجاب والفنك والصلاة فيهما؟ قال أبو خالد
أن السنجاب يأوي الأشجار قال فقال له إن كان له سبلة كسبلة السنور والفأرة فلا
يؤكل لحمه ولا تجوز الصلاة فيه، ثم قال أما أنا فلا آكله ولا أحرمه " وفي اللغة السبلة
بالتحريك الشارب (2) ومفهوم هذا الخبر أن ما ليس له سبلة فهو حلال أكله وتجوز الصلاة
فيه، ويؤيده قوله: " أما أنا فلا آكله ولا أحرمه " بحمل كلامه على ما ليس له سبلة بمعنى
أنه حلال على كراهية وتجوز الصلاة فيه. والحديث غريب والحكم به مشكل إذ لا أعرف
قائلا به بل الظاهر الاتفاق على تحريمه مطلقا وإن استثنى جواز الصلاة في جلده ووبره
على القول بذلك.
والسنجاب - على ما ذكره في كتاب مجمع البحرين - حيوان على حد اليربوع أكبر
من الفأرة شعره في غاية النعومة يتخذ من جلده الفراء يلبسه المتنعمون وهو شديد الختل
إن أبصر الانسان صعد الشجرة العالية وهو كثير في بلاد الصقالبة وأحسن جلوده الأزرق
الأملس. وقال في كتاب المصباح المنير: السمور كتنور دابة معروفة يتخذ من جلدها فراء
مثمنة تكون في بلاد الترك تشبه النمس ومنه أسود لامع وأشقر، وحكى لي بعض الناس أن

(1) ج 2 ص 295 وفي الوسائل الباب 41 من الأطعمة المجرمة. وفي ما وقفنا عليه
من نسخ الحدائق المطبوعة والمخطوطة (الكافي) بذل (التهذيب) ولم نجده في الكافي في
مظانه وصاحب الوسائل لم يروه إلا عن التهذيب كما في الوافي ج 11 ص 15.
(2) في مجمع البحرين مادة (سبل): وفي حديث السنجاب إذا كان له سنبلة كسنبلة
السنور والفأرة
73

أهل تلك الناحية يصيدون الصغار منها فيخصون الذكر ويتركونه يرعى فإذا كان أيام الثلج
خرجوا للصيد فما كان مخصيا استلقى على قفاه فأدركوه وقد سمن وحسن شعره. وقال في
كتاب المجمع: الفنك كعسل دويبة برية غير مأكولة اللحم يؤخذ منها الفرو يقال إن فروها
أطيب من جميع أنواع الفراء يجلب كثيرا من بلاد الصقالبة وهو أبرد من السمور وأعدل
واحر من السنجاب صالح لجميع الأمزجة المعتدلة. وقال في كتاب حياة الحيوان
الحواصل جمع حوصل وهو طير كبير له حوصلة عظيمة يتخذ منها الفرو، قيل وهذا الطائر
يكون بمصر كثيرا.
(المسألة الرابعة) - قد اختلفت الأخبار في الثعالب والأرانب، وقد تقدم
في موثقة ابن بكير المنع من الثعالب بخصوصه مع المنع من كل ما لا يؤكل لحمه، وصحيحة
أبي علي بن راشد وفيها نهي عن الثعالب وعن الثوب الذي يليه، ورواية مقاتل بن
مقاتل وفيها أيضا النهي عن الثعالب، وعبارة الفقه الرضوي فيها " إياك أن تصلي في
الثعالب ولا في ثوب تحته جلد ثعالب " وهذه الروايات كلها قد تقدمت في صدر المقام
ومنها - أيضا رواية الوليد بن أبان وفيها النهي عن الثعالب وإن كانت ذكية، ورواية
بشر بن يسار وفيها " لا تصل في الثعالب " وقد تقدمتا في المسألة الثانية.
ويدل على المنع أيضا صحيحة محمد بن مسلم (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن جلود الثعالب أيصلى فيها؟ قال ما أحب أن أصلي فيها " ورواية جعفر بن محمد
بن أبي زيد (2) قال: " سئل الرضا (عليه السلام) عن جلود الثعالب الذكية؟ قال
لا تصل فيها ".
ويدل على ذلك ما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى (عليه السلام) (3)
قال: " سألته عن الرجل يلبس فراء الثعالب والسنانير؟ قال لا بأس ولا يصلي فيه ".

(1) الوسائل الباب 7 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 7 من لباس المصلي
(3) مستدرك الوسائل الباب 7 من لباس المصلي
74

ويدل على ذلك أيضا صحيحة علي بن مهزيار (1) " عن رجل سأل الماضي (عليه
السلام) عن الصلاة في جلود الثعالب فنهى عن الصلاة فيها وفي الثوب الذي يليها فلم أدر
أي الثوبين الذي يلصق بالوبر أو الذي يلصق بالجلد؟ فوقع بخطه (عليه السلام) الثوب الذي
يلصق بالجلد. قال وذكر أبو الحسن (عليه السلام) أنه سأله عن هذه المسألة فقال لا تصل
في الثوب الذي فوقه ولا في الثوب الذي تحته " هذا بالنسبة إلى الثعالب.
وأما بالنسبة إلى الأرانب فمما يدل على ذلك صحيحة علي بن مهزيار (2) قال:
" كتب إليه إبراهيم بن عقبة: عندنا جوارب وتكك تعمل من وبر الأرانب فهل تجوز
الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة ولا تقية؟ فكتب لا تجوز الصلاة فيها ".
ورواية أحمد بن إسحاق الأبهري (3) قال: " كتبت إليه: جعلت فداك عندنا
جوارب... الحديث المتقدم ".
ورواية سفيان بن السمط (4) قال: " قرأت في كتاب محمد بن إبراهيم إلى
أبي الحسن (عليه السلام) يسأله عن الفنك يصلى فيه؟ قال لا بأس. وكتب يسأله عن
جلود الأرانب فقال مكروه ".
ورواية محمد بن إبراهيم (5) قال: " كتبت إليه أسأله عن الصلاة في جلود
الأرانب فكتب مكروهة ".
ويعضد ذلك ما دل على المنع من الصلاة في ما لا يؤكل لحمه مطلقا وما دل على
النهي عن وبر الخز إذا كان مغشوشا بوبر الأرانب والثعالب وقد تقدم الجميع، هذا
ما وقفت عليه من الأخبار الدالة على المنع.
وبإزائها من الأخبار ما يدل على الجواز، ومن ذلك صحيحة الحلبي المتقدمة في
سابق هذه المسألة، وصحيحة علي بن يقطين (6) قال: " سألت أبا الحسن (عليه

(1) الوسائل الباب 7 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 7 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 7 من لباس المصلي
(4) الوسائل الباب 4 من لباس المصلي
(5) الوسائل الباب 7 من لباس المصلي
(6) الوسائل الباب 5 من لباس المصلي
75

السلام) عن لباس الفراء والسمور والفنك والثعالب وجميع الجلود؟ قال لا بأس بذلك "
وصحيحة جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " سألته عن الصلاة
في جلود الثعالب فقال إذا كانت ذكية فلا بأس ".
وصحيحة محمد بن عبد الجبار (2) قال: " كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله
هل يصلى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير أو تكة من وبر الأرانب؟
فكتب لا تحل الصلاة في حرير محض وإن كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه إن شاء الله ".
ورواية الحسين بن شهاب (3) قال: " سألته عن جلود الثعالب إذا كانت ذكية
أيصلى فيها؟ قال نعم ".
ورواية عبد الرحمان بن الحجاج (4) قال: " سألته عن اللحاف من الثعالب
أو الجرز منه أيصلى فيها أم لا؟ قال إذا كان ذكيا فلا بأس به " قال في الوافي: هكذا في نسخ
التهذيب التي رأيناها، قيل الجرز بكسر الجيم وتقديم المهملة على المعجمة من لباس النساء
وفي الإستبصار " أو الخوارزمية " وكأنها الصحيح فيكون المراد بها الحواصل. انتهى،
وما استصحه هو الصحيح لما علم من حال الشيخ في التهذيب وما وقع له فيه من التحريف
والتصحيف مما لا يعد ولا يحصى.
إذا عرفت ذلك فالظاهر من تتبع كلام الأصحاب أنه لا قائل بهذه الأخبار
الأخيرة إلا ما يظهر من المحقق في المعتبر ونحوه السيد السند في المدارك، قال في المعتبر
واعلم أن المشهور في فتوى الأصحاب المنع في ما عدا السنجاب ووبر الخز والعمل به
احتياط في الدين، ثم قال بعد أن أورد روايتي الحلبي وعلي بن يقطين المتقدمتين:
وطريق هذين الخبرين أقوى من تلك الطرق ولو عمل بهما عامل جاز وعلى الأول عمل
الظاهرين من الأصحاب منضما إلى الاحتياط للعبادة. وقال في المدارك - بعد ذكر

(1) الوسائل الباب 7 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 14 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 7 من لباس المصلي
(4) الوسائل الباب 7 من لباس المصلي
76

المسألة والاستدلال على الجواز بصحيحتي علي بن يقطين والحلبي وصحيحة جميل ونقل كلام المحقق في المعتبر ما صورته: والمسألة قوية الاشكال من حيث صحة أخبار الجواز
واستفاضتها واشتهار القول بالمنع بين الأصحاب بل اجماعهم عليه بحسب الظاهر وإن
كان ما ذكره في المعتبر لا يخلو من قرب. انتهى.
أقول: لما كان نظر المتصلبين من أصحاب هذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد
أقرب منه إلى الصلاح إنما هو إلى الأسانيد من غير تأمل في متون الأخبار وكونها موافقة
للقواعد الشرعية أم لا وموافقة لفتاوى الأصحاب أم لا ونحو ذلك من العلل المتطرقة
إليها وقعوا في ما وقعوا فيه من هذه الاشكالات والترددات، والمسألة بحمد الله سبحانه
واضحة السبيل مكشوفة الدليل، فإن مقتضى القاعدة المنصوصة عن أصحاب العصمة
(عليهم السلام) بعرض الأخبار عند الاختلاف على مذهب العامة والأخذ بخلافه هو
العمل بأخبار المنع المؤيدة باتفاق الأصحاب عليها سلفا وخلفا، وهاتان الروايتان أعني
صحيحتي ابن يقطين والحلبي قد دلتا على جواز الصلاة في جميع الجلود مما لا يؤكل لحمه
لا بخصوص الأشياء المعدودة فيهما لقوله في إحداهما " وجميع الجلود " وفي الأخرى
" وأشباهه " وهذا عين ما اتفقت عليه العامة (1) وخلاف ما اتفقت عليه الإمامية فأي
أمر أظهر في الحمل على التقية من ذلك؟ ولكنهم حيث ألغوا القواعد المروية عن أئمتهم
(عليهم السلام) واعتمدوا على أفكارهم وأنظارهم بل اخترعوا لهم في مقابلتها قواعد لم
يرد بها نص ولا أثر عنهم (عليهم السلام) وقعوا في ما وقعوا فيه من أمثال هذا
الكلام المنحل الزمام والمختل النظام. وإلى ما ذكرنا يشير كلام شيخنا في الذكرى
حيث قال بعد نقل كلام المعتبر المتقدم الدال على اختياره الجواز: قلت هذان الخبران
مصرحان بالتقية لقوله في الأول " وأشباهه " وفي الثاني " وجميع الجلود " وهذا
العموم لا يقوله الأصحاب (رضوان الله عليهم). وبالجملة فإن الحكم بالنظر إلى ما ذكرناه

(1) المغني ج 1 ص 68
77

من التقريب ظاهر لا اشكال فيه ولا شبهة تعتريه.
(المسألة الخامسة) - ظاهر الشيخ في المبسوط جواز الصلاة في الحواصل
حيث قال في ما تقدم من عبارته المذكورة في صدر المسألة: وأما السنجاب والحواصل
فلا خلاف في أنه يجوز الصلاة فيهما. وقيدها ابن حمزة وبعضهم بالخوارزمية، وقد تقدم
في رواية بشر بن يسار ما يدل على الجواز في الحواصل الخوارزمية. ومنع من ذلك الشيخ
في النهاية وهو ظاهر الأكثر حيث لم يتعرضوا له. قال في الدروس وفي الحواصل
الخوارزمية رواية بالجواز متروكة. وهو إشارة إلى رواية بشر المذكورة. وروى في
كتاب البحار (1) عن كتاب الخرائج في حديث يتضمن خروج التوقيع من الناحية
المقدسة بعد السؤال عما يحل أن يصلي فيه من الوبر، وفيه " وإن لم يكن لك ما تصلي فيه
فالحواصل جائز لك أن تصلي فيه " وظاهره الجواز مع الضرورة. والقول بالجواز لا يخلو
من قرب والاحتياط ظاهر. وأما الفنك ونحوه مما عدا الخز والسنجاب والحواصل فلم
أقف على قائل بجواز الصلاة فيه إلا ما يظهر من عبارتي الصدوق في المجالس والمقنع
المتقدمتين بالنسبة إلى الفنك وإن اختلفت فيه الأخبار كما عرفت مما تقدم.
(المسألة السادسة) - اختلف الأصحاب في التكة والقلنسوة المعمولتين من
وبر غير المأكول، فقال الشيخ في النهاية: لا تجوز الصلاة في القلنسوة والتكة إذا عملا
من وبر الأرانب ويكره إذا عملا من حرير محض. واختاره ابن إدريس والعلامة في
المختلف والشهيد في الذكرى. وتردد في الدروس ثم قال إن الأشبه المنع والظاهر أنه
المشهور. وقال في المبسوط يكره الصلاة في القلنسوة والتكة إذا عملا من وبر ما لا يؤكل
لحمه وكذا إذا كانا من حرير محض.
أقول: ويدل على الأول ما تقدم قريبا من صحيحة علي بن مهزيار (2) قال:
" كتب إليه إبراهيم بن عقبة عندنا جوارب وتكك تعمل من وبر الأرانب... الحديث "

(1) ج 18 الصلاة ص 98
(2) ل الباب 7 من لباس المصلي
78

ونحوها رواية أحمد بن إسحاق الأبهري، ويعضدهما رواية إبراهيم بن محمد الهمداني (1)
قال: " كتبت إليه: يسقط على ثوبي الوبر والشعر مما لا يؤكل لحمه من غير تقية ولا
ضرورة؟ فكتب لا تجوز الصلاة فيه " ويؤكد ذلك ما دل على النهي عن الصلاة في
ذلك خصوصا وعموما.
ونقل في المختلف عن الشيخ الاستدلال على الجواز - كما ذهب إليه في المبسوط
- بأنه قد ثبت للتكة والقلنسوة حكم مغاير لحكم الثوب من جواز الصلاة فيهما وإن كانا
نجسين أو من حرير محض فكذا يجوز لو كانا من وبر الأرانب وغيرها. ثم أجاب عنه
بالفرق بين الأمرين وأحاله على ما بينه في ما مضى.
أقول: والأظهر الاستدلال للشيخ على هذا القول بصحيحة محمد بن عبد الجبار
المتقدمة قريبا وقوله فيها بعد السؤال عن تكة تعمل من وبر الأرانب " وإن كان الوبر
ذكيا حلت الصلاة فيه ".
وأجاب الشهيد في الذكرى عن هذه الرواية (أولا) بأنها مكاتبة. و (ثانيا) بأنها
تضمنت قلنسوة عليها وبر فلا يلزم منه جوازها من الوبر. ونحوه المحقق في المعتبر أيضا.
وأنت خبير بما فيه فإن المكاتبة لا تقصر عن المشافهة متى كان المخبر عن كل
من الأمرين ممن يوثق به ويعتمد عليه. وأما قوله - وقبله المحقق كما أشرنا إليه - بأنها إنما
تضمنت قلنسوة عليها وبر... الخ فعجيب غاية العجب فإن الرواية وإن تضمنت ذلك
لكنها أيضا تضمنت التكة المعمولة من الوبر والجواب وقع عن الأمرين.
وبالجملة فتعارض الأخبار المذكورة ظاهر لا ينكر والأظهر عندي في الجمع هو
حمل خبر الجواز على التقية لاستفاضة الأخبار بالمنع عموما وخصوصا عما لا يؤكل لحمه،
والجمع بالحمل على الكراهة - كما عليه من ذهب إلى الجواز كما يظهر من المدارك ومثله
المحقق في المعتبر - قد عرفت ما فيه في غير مقام مما تقدم.

(1) الوسائل الباب 2 من لباس المصلي
79

ثم إنه لا يخفى عليك ما في مدافعة ما اختاره المحقق من القول بالجواز هنا لما
اختاره في مسألة وبر الخز المغشوش بوبر الأرانب من المنع للروايتين المتقدمتين وقد تقدم
نقل كلامه، فإنه إن كان الوبر المذكور مما لا تجوز الصلاة فيه فلا فرق بين كونه مغشوشا
به غيره وبين كونه منفردا يصنع منه قلنسوة أو تكة بل الثاني أولى بالمنع وإلا فلا وجه
لقوله بالجواز هنا، وكذلك يرد على صاحب المدارك أيضا حيث إنه في تلك المسألة نقل
كلام المحقق وجمد عليه وهو مؤذن باختياره. والجواب - بأن صحيحة محمد بن عبد الجبار
قد دلت على الجواز هنا وروايتا أحمد وأيوب بن نوح دلتا على المنع في تلك المسألة
فوجب القول بكل منهما في ما دل عليه - مردود بأن هذه الروايات أيضا متعارضة متصادمة
إذ المدار على جواز الصلاة في الوبر وعدمه منسوجا كان أو غير منسوج، إذ لا يعقل
لنسجه خصوصية تخرجه عما كان عليه أولا من حل أو حرمة، فالقول بكل من الروايتين
قول بالمتناقضين بل لا بد من الترجيح فيهما أو الجمع بينهما، وقضية الترجيح العمل
بالصحيحة المذكورة فيمتنع قولهما بالمنع في الوبر المخلوط والحال كما عرفت. وبالجملة
فالتعارض والتدافع بين قوليهما ظاهر كما لا يخفى.
ثم إنه لا يخفى أنه قد وقع لصاحب المدارك سهو في هذا المقام حيث إنه بعد أن
نقل عن النهاية أولا القول بالمنع نقل عن النهاية أيضا القول بالجواز على كراهة، وهذا
القول إنما هو في المبسوط لا النهاية كما جرى به قلمه هنا.
(المسألة السابعة) - قد تقدم في صحيحة أبي علي بن راشد النهي عن الصلاة
في الثعالب وفي الثوب الذي يليه، وتقدم أيضا في صحيحة علي بن مهزيار النهي عن
الصلاة فيها وفي الثوب الذي يليها ثم فسره (عليه السلام) بالثوب الذي يلصق بالجلد ونقل
في بقية الرواية ما يدل على الثوب الذي فوقه والثوب الذي تحته، وتقدم أيضا في عبارة كتاب
الفقه " وإياك أن تصلي في الثعالب ولا في ثوب تحته جلد ثعالب " وبذلك صرح الشيخ
(قدس سره) في النهاية فقال: لا تجوز الصلاة في الثوب الذي يكون تحت وبر الثعالب
80

والأرانب ولا الذي فوقه على ما وردت به الرواية وقال في المبسوط: لا تجوز الصلاة
في الثوب الذي يكون تحت الثعالب ولا الذي فوقه على ما وردت به الرواية. كذا
نقله عنه في المختلف. وقال الصدوق: وإياك أن تصلي في الثعلب ولا في الثوب الذي
يليه من تحته وفوقه.
واستشكل جملة من الأصحاب حمل النهي في الأخبار المذكورة على التحريم إلا أن يقال بنجاسة هذه الأشياء وملاقاتها بالرطوبة، قال الشيخ في المبسوط على أثر العبارة
المتقدمة: وعندي أن هذه الرواية محمولة على الكراهة أو على أنه إذا كان أحدهما رطبا
لأن ما هو نجس إذا كان يابسا لا تتعدى منه النجاسة إلى غيره. والعجب أن العلامة
في المختلف نقل عنه العبارة المتقدمة خاصة وهو مما يؤذن بقوله بالتحريم مطلقا كما أطلقه
في النهاية مع أن بقية كلامه في المبسوط يؤذن بالتأويل في تلك الرواية. وبما ذكره من
التفصيل في المبسوط صرح المحقق في المعتبر وزاد: والخبر بالمنع مقطوع السند شاذ فيسقط
اعتباره. وبنحو ذلك أيضا صرح العلامة في المختلف فقال: وعندي أن هذه الرواية
محمولة على الكراهة أو على أنه إذا كان أحدهما رطبا لأن ما هو نجس إذا كان يابسا
لا تتعدى منه النجاسة إلى غيره، ثم نقل عن ابن إدريس أنه قال: لا بأس بالصلاة في
الثوب الذي تحته أو فوقه وبر الأرانب أو الثعالب، ثم استقر به وقال: لنا - إنه صلى على
الوجه المأمور به شرعا فيخرج عن العهدة، ولأن المقتضي للصحة موجود والمعارض لا يصلح
للمانعية إذ المعارض هنا ليس إلا مماسة الوبر وليس هذا من الموانع إذ النجس العيني إذا
ماس غيره وهما يابسان لم تتعد النجاسة إلى الغير فكيف بهذا الوبر الذي ليس بنجس؟
ثم نقل عن الشيخ (قدس سره) أنه احتج بأن الصلاة في الذمة بيقين ولا تبرأ إلا بمثله
ولا يقين للبراءة مع الصلاة في الثوب الملاصق للوبر، وبما رواه علي بن مهزيار عن رجل
ثم أورد الرواية إلى آخرها كما قدمناه، وقال: والجواب عن الأول أنه قد حصل اليقين
بالبراءة حيث قد وقع الفعل على الوجه المأمور به شرعا. وعن الثاني أن الرجل مجهول فجاز
81

أن يكون غير عدل مع إمكان حمل النهي على الكراهة كما حمله الشيخ (قدس سره)
في المبسوط.
أقول: لا يبعد عندي أن النهي في الأخبار المذكورة عن الصلاة في الثوب الذي
تحت الجلد وفوقه إنما هو باعتبار ما يسقط عليه من الوبر ويتناثر عليه في وقت لبسه له
تحت الوبر كان أو فوقه، وحينئذ فيكون فيه دلالة على عدم جواز الصلاة في الثوب
الذي عليه شعر أو وبر ما لا يؤكل لحمه وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى، وإلا
فالقول بالمنع من حيث النجاسة لا وجه له بالكلية لما ثبت من صحة التذكية لهذه الحيوانات
خلافا للشيخ في السباع، وأنه مع اليبوسة لا تتعدى النجاسة لو ثبتت النجاسة، وهذا كله
ظاهر بل الظاهر أنه لا وجه للمنع إلا ما ذكرناه. وإن ثبت أنه لا يتناثر من الوبر شئ ولا
يسقط منه شئ على الثياب فلا مناص من جعل النهي تعبدا شرعيا أو محمولا على الكراهة
ويؤيده ما ورد في رواية أبي بصير (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
الصلاة في الفراء فقال كان علي بن الحسين (عليه السلام) رجلا صردا لا تدفئه فراء
الحجاز لأن دباغها بالقرظ وكان يبعث إلى العراق فيؤتى مما قبلكم بالفرو فيلبسه فإذا
حضرت الصلاة ألقاه وألقى القميص الذي يليه فكان يسأل عن ذلك فقال إن أهل
العراق يستحلون لباس الجلود الميتة ويزعمون أن دباغه ذكاته " فإنه لا ريب أن نزع
الفراء هنا محمول على الاستحباب لأصالة الطهارة كما تقدم تحقيقه وكذا الثوب الذي يليه
بالطريق الأولى.
(المسألة الثامنة) - قطع الشهيدان وجماعة: منهم - صاحب المدارك ومن تبعه
باختصاص المنع بالملابس فلو لم يكن كذلك كالشعرات الملقاة على الثوب لم يمنع عن الصلاة
فيه، وذهب الأكثر إلى عموم المنع كما نقله شيخنا المجلسي في كتاب البحار.
أقول: والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بذلك ما تقدم في موثقة ابن

(1) الوسائل الباب 61 من لباس المصلي
82

بكير (1) من قوله (عليه السلام): " وكل شئ حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره
وجلده وبوله وروثه وألبانه وكل شئ منه فاسدة... الحديث " فإنها شاملة للشعر الملقى
على الثوب، ورواية إبراهيم بن محمد الهمداني المتقدمة في صدر هذا المقام، وهي صريحة
في عدم جواز الصلاة في الشعر والوبر الملقى على الثوب، وصحيحة محمد بن عبد الجبار المتقدمة
في روايات المسألة الثالثة (2) وهي صريحة في جواز الصلاة فيه إذا كان ذكيا.
والمفهوم من كلام شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) في الروض أن مستنده في ما
ذهب إليه من الجواز في هذه المسألة هو الجمع بين الروايات المذكورة، حيث إنه بعد
ذكر الأخبار المذكورة قال: وطريق الجمع حمل روايات المنع على الثوب المعمول من ذلك
والجواز على ما طرح على الثوب من الوبر، ثم قال وممن صرح بالجواز الشيخ والشهيد
في الذكرى وهو ظاهر المعتبر، وجمع الشيخ بينها بحمل الجواز على ما يعمل منها مما
لا تتم الصلاة فيه وحده كالتكة والقلنسوة كما وقع التصريح به في مكاتبة العسكري
(عليه السلام) (3) انتهى.
أقول: فيه إنك قد عرفت في ما قدمناه أن الأظهر حمل الجواز في صحيحة محمد
ابن عبد الجبار على التقية، على أنه كيف يتم له الجمع بذلك وصحيحة محمد بن عبد الجبار
المذكورة قد تضمنت جواز الصلاة في التكة المعمولة من وبر الأرانب ورواية إبراهيم
بن محمد الهمداني المصرحة بالمنع تضمنت الشعر والوبر الذي يسقط على الثوب، فيكف يتم له
الجمع بما ذكره وأخبار المسألة كما ترى؟ ما هذه إلا غفلة بعيدة من مثل شيخنا المذكور
منحه الله بالرفعة والحبور. وأما ما نقله عن الشيخ من الجمع بين الأخبار المذكورة بحمل
الجواز على ما يعمل منها مما لا تتم الصلاة فيه وحده والمنع في غيره فهو وإن تم له بالنسبة
إلى هذه الروايات إلا أنه يضعف بما دلت عليه روايتا علي بن مهزيار وأحمد بن إسحاق
الأبهري من المنع عن الصلاة في الجوارب والتكك المعمولة من وبر الأرانب. وبالجملة

(1) ص 58
(2) تقدمت في المسألة الرابعة ص 76
(3) ص 76
83

فإنه لا مخلص من هذه الاشكالات وكثرة هذه الاحتمالات إلا بحمل الروايات المذكورة
على التقية كما ذكرناه. والله العالم.
(المسألة التاسعة) - الأظهر عندي عدم دخول فضلات الانسان من شعره
وريقه وعرقه ونحوها في حكم فضلات غير مأكول اللحم وإن صدق عليه أنه غير مأكول
اللحم، وكذا فضلة غير ذي النفس السائلة فإنها غير داخلة أيضا.
وبيان ذلك أما بالنسبة إلى فضلات الانسان (فأولا) - لا يخفى أن المتبادر من
غير مأكول اللحم في تلك الأخبار المقابل - في كثير منها كموثقة ابن بكير وغيرها - بمأكول
اللحم إنما هو ما كان من سائر الحيوانات ذي النفس السائلة التي وقع ذكر جملة منها
بالتفصيل في تلك الأخبار من الخز والسنجاب والفنك ونحوها مما تقدم، وبعض الأخبار
قد اشتمل على هذا العنوان وبعضها قد اشتمل على حيوانات معدودة وبعضها قد اشتمل
على الأمرين، وحينئذ فيحمل مطلقها على مقيدها ومجملها على مفصلها، وبالجملة فإن
الانسان وإن صدق عليه هذا العنوان لكن مرمى هذه العبارة في الأخبار والمتبادر منها
بتقريب ما ذكرنا إنما هو ما عداه من تلك الحيوانات التي جرت العادة باتخاذ الجلود
منها والأشعار والأوبار والانتفاع بها في سائر وجوه المنافع.
و (ثانيا) - ما رواه علي بن الريان في الصحيح (1) قال: " كتبت إلى
أبي الحسن (عليه السلام) أسأله هل يجوز الصلاة في ثوب يكون فيه شعر من شعر
الانسان وأظفاره ثم يقوم إلى الصلاة من قبل أن ينفضه ويلقيه عنه؟ فوقع يجوز " وصحيحته
الأخرى (2) قال: " سألت أبا الحسن الثالث (عليه السلام) عن الرجل يأخذ من
شعره وأظفاره ثم يقوم إلى الصلاة من غير أن ينفضه من ثوبه؟ قال لا بأس " والأولى
شاملة لشعر الانسان نفسه وأظفاره أو شعر غيره وأظفاره والثانية في شعر نفسه فقط، ومنه
يفهم غيرهما من الفضلات إذ العلة واحدة. ويعضد ذلك ما رواه في كتاب قرب الإسناد

(1) الوسائل الباب 18 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 18 من لباس المصلي
84

عن الحسين بن علوان عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) (1) " أن عليا (عليه السلام)
سئل عن البزاق يصيب الثوب قال لا بأس به " واطلاق نفي البأس شامل لما نحن فيه.
و (ثالثا) - استلزام ذلك المنع من ثوب يعرق فيه الانسان نفسه لنفسه وغيره
أو ثوب يمخط فيه أو يبصق فيه، والمنع من المصافحة والمعانقة في البلاد الحارة مع العرق
فيهما أو أحدهما، واللوازم كلها باطلة منفية بالآية والرواية للزوم الحرج والعسر (2).
وأما بالنسبة إلى ما لا نفس له فلما تقدم من عدم تبادر ذلك من العنوان المذكور
وعدم عد شئ مما لا نفس له في عداد تلك الأفراد، وأصالة العدم حتى يقوم الدليل
الواضح البيان، ولأن اطلاق الألفاظ في الأحكام الشرعية إنما ينصرف إلى الأفراد
الشائعة المتكثرة دون الفروض النادرة، ولأنه لو تم ذلك ألزم الحكم بالمنع من الصلاة
في الثوب والبدن الذي عليه فضلة الذباب ولزوم الحرج به ظاهر. ويعضد ذلك بابين
وجه جواز الصلاة في الحرير الممزوج اتفاقا وما لا تتم الصلاة فيه وإن كان خالصا على
المشهور مع أنه من فضلة ما لا يؤكل لحمه. وبذلك يظهر لك جواز الصلاة في الثوب
الذي يسقط عليه العسل أو الشمع المتخذ منه وما يوضع منه تحت فص الخاتم ونحو
ذلك. والله العالم.
تلخيص
قد ظهر مما قدمنا من الأبحاث وما سيأتي في المقام الثالث إن شاء الله تعالى أن
ما دلت عليه موثقة ابن بكير المتقدمة (3) من عموم التحريم في فضلة ما لا يؤكل لحمه لا بد
فيه من ارتكاب التخصيص والتفصيل، فإن منه ما يجب اخراجه من هذه القاعدة
كفضلات الانسان وفضلات غير ذي النفس السائلة، ومنه ما يجب استثناؤه للأخبار
واجماع الأصحاب كالحرير المنسوج بغيره ونحوه مما سيأتي والخز، ومنه ما يجب ابقاؤه

الوسائل الباب 17 من النجاسات
(2) ج 1 ص 155
(3) ص 58
85

تحت القاعدة المذكورة، وحمل الأخبار الدالة على الجواز فيه على التقية وإن قيل بمضمون
هذه الأخبار وحمل أخبار المنع على الكراهة إلا أنك قد عرفت ما فيه، وأما ما لم ترد
الأخبار بالمعارضة فيه من الأفراد فيجب ابقاؤه على ما دلت عليه الموثقة المذكورة
لصراحتها في ذلك وعدم وجود المعارض.
(المسألة العاشرة) - قال العلامة في المنتهى: لو شك في كون الصوف أو
الشعر أو الوبر من غير مأكول اللحم لم تجز صلاته لأنه مشروط بستر العورة مما يؤكل
لحمه والشك في الشرط يوجب الشك في المشروط.
أقول: الظاهر أن هذه شبهة عرضت في هذا المقام وإلا فالظاهر من الأخبار
وكلام الأصحاب أن الشرط في الصلاة ستر العورة مطلقا إلا أنه قد دلت جملة من
النصوص على النهي عن الصلاة في أشياء وهي المعدودة في هذه المقامات وإن لم يستر
بها العورة ومنها ما يتخذ مما لا يؤكل لحمه كما عرفت من أخبار هذا المقام، والمنع عن
ذلك موقوف على معلومية كونه مما لا يؤكل لحمه فما لم يعلم كونه كذلك فليس بداخل
تحت تلك الأخبار فيبقى على أصل الصحة، وتعضده الأخبار الصحيحة الصريحة في
" أن كل شئ فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه " (1) والمراد
بالحل ما هو أعم من حل الأكل وهو حل الانتفاع. نعم ما ذكره هو الأحوط كما لا يخفى
(المسألة الحادية عشرة) - قال في التذكرة: لو مزج صوف ما لا يؤكل لحمه
وما يؤكل لحمه ونسج منهما ثوب لم تصح الصلاة فيه تغليبا للحرمة على اشكال ينشأ من
إباحة المنسوج من الكتان والحرير ومن كونه غير متخذ من مأكول اللحم، وكذا
لو أخذ قطعا وخيطت ولم يبلغ كل واحد منها ما يستر العورة
أقول: الذي ينبغي أن يعلم في هذا المقام هو أنه قد دلت الأخبار على النهي عن
الصلاة في ما لا يؤكل لحمه وعن الصلاة في الحرير، ومقتضى هذا النهي هو العموم

(1) ص 53
86

لكون كل منهما خالصا أو ممزوجا، نعم قام الدليل بالنسبة إلى الحرير وأنه متى مزج
بغيره مما يجوز الصلاة فيه ونسج معه فكان ثوبا واحدا على جواز الصلاة فيه فوجب
استثناؤه من روايات المنع مطلقا وبقي غيره على حكم العموم، والحاق أحدهما بالآخر
محض قياس لا يوافق أصول المذهب فلا اشكال بحمد الله المتعال. ويعضد ذلك ما تقدم
في وبر الخز المغشوش بوبر الأرانب أو الثعالب فإن الأظهر الأشهر رواية وفتوى هو
المنع من الصلاة فيه منسوجا أو ملقى على الثوب.
(المقام الثالث) - في الحرير ولا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
في تحريم لبس الحرير المحض للرجال وبطلان الصلاة فيه، قال في المعتبر: أما تحريم
لبسه للرجال فعليه علماء الاسلام وأما بطلان الصلاة فيه فهو مذهب علمائنا ووافقنا
بعض الحنابلة (1).
أقول: أما ما يدل على تحريم لبسه للرجال فأخبار مستفيضة من طرق الخاصة
والعامة، فما ورد من طرق الأصحاب ما رواه الصدوق في الفقيه (2) عن أبي الجارود
عن أبي جعفر (عليه السلام) " أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لعلي (عليه
السلام) إني أحب لك ما أحب لنفسي وأكره لك ما أكره لنفسي، فلا تتختم
بخاتم ذهب فإنه زينتك في الآخرة، ولا تلبس القرمز فإنه من أردية إبليس، ولا تركب
بميثرة حمراء فإنها من مراكب إبليس، ولا تلبس الحرير فيحرق الله جلدك يوم تلقاه "
قال في الوافي: القرمز بالكسر صبغ ارمني يكون من عصارة دود يكون في آجامهم،
ولعل معنى الحديث الرداء المصبغ به من أردية إبليس، وقد مضى نفي البأس عنه في كتاب
الصلاة وجمع في الفقيه بين الخبرين بأن المنهي عنه ما كان من إبريسم محض. وميثرة
الفرس بتقديم المثناة التحتانية على المثلثة لبدته. ويأتي تمام توضيحه في باب آلات
الدواب. انتهى.

(1) المغني ج 1 ص 588
(2) ج 1 ص 164 وفي الوسائل الباب. 3 من لباس المصلي
87

وما رواه الكليني في الموثق عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " لا يصلح لباس الحرير والديباج فأما بيعهما فلا بأس ".
وعن أبي داود يوسف بن إبراهيم (2) قال: " دخلت على أبي عبد الله (عليه
السلام) وعلي قباء خز وبطانته خز وطيلسان خز مرتفع فقلت إن علي ثوبا أكره لبسه
فقال وما هو؟ قلت طيلساني هذا. قال وما بال الطيلسان؟ قلت هو خز. قال وما بال الخز؟
قلت سداه إبريسم. قال وما بال الإبريسم؟ قال لا يكره أن يكون سدى الثوب إبريسم
ولا زره ولا علمه وإنما يكره المصمت من الإبريسم للرجال ولا يكره للنساء ".
وما رواه الشيخ في التهذيب والصدوق في الفقيه عن يوسف بن محمد بن إبراهيم
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " لا بأس بالثوب أن يكون سداه وزره وعلمه
حريرا وإنما كره الحرير المبهم للرجال ".
وما رواه في الكافي في الموثق عن ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (4) قال: " لا يلبس الرجل الحرير والديباج إلا في الحرب " قال في الوافي
الديباج يقال للحرير المنقوش فارسي معرب وكأن الحرير يطلق على ما لا نقش له ويقابل
بالديباج. أقول: في كتاب مجمع البحرين بعد أن ذكر أن الديباج ثوب سداه ولحمته
إبريسم وفي الخبر " لا تلبسوا الحرير والديباج " يريد به الإستبرق وهو الديباج
الغليظ. ويمكن الجمع بين الكلامين بأن اللفظ الذي وصفه به هنا باعتبار النقش كما ذكره
في الوافي فلا منافاة.
وعن ليث المرادي (5) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) إن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) كسى أسامة بن زيد حلة حرير فخرج فيها فقال مهلا يا أسامة إنما

(1) الوسائل الباب 11 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 10 و 16 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 13 من لباس المصلي
(4) الوسائل الباب 12 من لباس المصلي
(5) الوسائل الباب 16 من لباس المصلي
88

يلبسها من لا خلاق له فأقسمها بين نسائك.
وعن سماعة في الموثق (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن لباس الحرير
والديباج؟ فقال أما في الحرب فلا بأس به وإن كان فيه تماثيل " إلى غير ذلك من الأخبار.
ومما يدل على تحريم الصلاة فيه للرجال ما تقدم قريبا (2) في صحيحة محمد بن
عبد الجبار من قوله (عليه السلام) " لا تحل الصلاة في حرير محض ".
وما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن عبد الجبار أيضا (3) قال: " كتبت إلى
أبي محمد (عليه السلام) هل يصلى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب لا تحل
الصلاة في حرير محض ".
وعن إسماعيل بن سعد الأحوص (4) قال: " سألت أبا الحسن الرضا (عليه
السلام) هل يصلى الرجل في ثوب إبريسم؟ فقال لا ".
وما رواه الشيخ في التهذيب عن إسماعيل بن سعد الأحوص (5) قال " سألته
عن الثوب الإبريسم هل يصلي فيه الرجال؟ قال لا.
وعن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6) قال: " كل ما لا تجوز الصلاة
فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الإبريسم والقلنسوة والخف والزنار يكون في
السراويل ويصلى فيه ".
وأما ما رواه محمد بن إسماعيل بن بزيع في الصحيح (7) قال: " سألت أبا الحسن
(عليه السلام) عن الصلاة في ثوب ديباج، فقال ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس " فقد
أجاب عنه الشيخ (قدس سره) بالحمل على حال الحرب لما ورد من جواز لبسه حينئذ

(1) الوسائل الباب 12 من لباس المصلي
(2)
(3) الوسائل الباب 14 من لباس المصلي
(4) الوسائل الباب 11 من لباس المصلي.
(5) التهذيب ج 1 ص 195 وفي الوسائل أشار إليه في الباب 11 من لباس المصلي
(6) الوسائل الباب 14 من لباس المصلي
(7) الوسائل الباب 11 من لباس المصلي.
89

أو على ما إذا كان سداه أو لحمته غزلا أو كتانا والأقرب عندي حمله على التقية.
ومن الأخبار المتعلقة بالمسألة ما رواه في الكافي عن سفيان بن السمط (1) قال:
" قرأت في كتاب محمد بن إبراهيم إلى أبي الحسن (عليه السلام) يسأله عن ثوب حشوه قز
يصلى فيه؟ فكتب لا بأس به " وروى في التهذيب عن الحسين بن سعيد (2) قال:
" قرأت في كتاب محمد بن إبراهيم إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) يسأله عن الصلاة
في ثوب حشوه قز، فكتب إليه وقرأته: لا بأس بالصلاة فيه ". وروى في الفقيه
والتهذيب (3) قال: " كتب إبراهيم بن مهزيار إلى أبي محمد الحسن (عليه السلام) في
الرجل يجعل في جبته بدل القطن قزا هل يصلي فيه؟ فكتب نعم لا بأس به ".
وروى في الكافي في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (4) قال: " سأل
الحسن بن قياما أبا الحسن (عليه السلام) عن الثوب الملحم بالقز والقطن والقز أكثر
من النصف أيصلى فيه؟ قال لا بأس وقد كان لأبي الحسن (عليه السلام) منه جبات "
أقول: قال في المصباح المنير: القز معرب قال الليث هو ما يعمل منه الإبريسم ولهذا قال
بعضهم القز والإبريسم مثل الحنطة والدقيق. وقال في الوافي: القز بالفتح والتشديد نوع
من الحرير فارسي معرب.
وروى في كتاب الإحتجاج مما كتبه الحميري إلى الناحية المقدسة (5) " إنا نجد
بأصبهان ثيابا عتابية على عمل الوشي من قز وإبريسم هل تجوز الصلاة فيها أم لا؟ فأجاب
(عليه السلام) لا تجوز الصلاة إلا في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتان " أقول: في
القاموس الوشي نقش الثوب ويكون من كل لون، وشى الثوب كوعى وشياوشية حسنة
نمنمه ونقشه وحسنه. وفي كتاب المصباح وشيت الثوب وشيا من باب وعد رقمته ونقشته
فهو موشى والأصل على مفعول، والوشي نوع من الثياب الموشية تسمية بالمصدر.
وقال في كتاب الفقه الرضوي (6) " لا تصل في ديباج ولا في حرير ولا في

(1) الوسائل الباب 47 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 47 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 47 من لباس المصلي
(4) الوسائل الباب 13 من لباس المصلي
(5) الوسائل الباب 13 من لباس المصلي
(6) ص 16
90

وشئ ولا في ثوب من إبريسم محض ولا في تكة إبريسم وإذا كان الثوب سداه إبريسم
ولحمته قطن أو كتان أو صوف فلا بأس بالصلاة فيها " انتهى.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الكلام في المسألة وما دلت عليه هذه الأخبار يقع في مواضع
(الأول) قد عرفت اجماع الأصحاب (رضوان الله عليهم) على بطلان الصلاة
في الحرير المحض، ولا فرق في ظاهر الأصحاب بين ما كان ساترا للعورة ولا غيره،
ونسبه المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى إلى الشيخين والمرتضى وأتباعهم. واستدل
على البطلان مطلقا بأن الصلاة فيه منهى عنها والنهي في العبادة يستلزم الفساد لاستحالة كون
الفعل الواحد مأمورا به منهيا عنه فمتى كان منهيا عنه لا يكون مأمورا به وهو معنى الفساد
أقول: الأظهر في تعليل الفساد في هذا المقام إنما هو من حيث استلزام مخالفة النهي عدم
الامتثال لأوامر الشارع ولا ريب أن مبنى الصحة والبطلان إنما هو على الامتثال وعدمه
وأما ما دلت عليه صحيحة محمد بن إسماعيل المتقدمة من صحة الصلاة في ثوب الديباج ما لم
يكن فيه تماثيل فقد تقدم الجواب عنه.
(الثاني) - الظاهر أنه لا خلاف بينهم في أن البطلان إنما هو مع الاختيار وإلا
فلو اضطر إلى لبسه لبرد أو حر أو نحوهما فلا بأس، ونقل الاجماع عليه جمع من الأصحاب
وكذا في حال الحرب وإن لم يكن ضرورة، نقل عليه الاجماع الشهيد في الذكرى،
ويدل على الأول مضافا إلى الاجماع المنقول جملة من عمومات الأخبار مثل قولهم (عليهم
السلام) (1): " ليس شئ مما حرم الله تعالى إلا وقد أحله لمن اضطر إليه " وقولهم
(عليهم السلام) (2) " كل ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر " وقوله (صلى الله عليه
وآله) (3) رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه وما لا يطيقون " ونحو ذلك. وأما على الثاني فما تقدم من موثقة ابن بكير عن بعض أصحابنا وموثقة سماعة (4)

(1) الوسائل الباب 1 من القيام
(2) الوسائل الباب 3 من قضاء الصلوات
(3) الوسائل الباب 30 من الخلل في الصلاة
(4) ص 88 و 89
91

ومثلهما ما رواه في الكافي عن إسماعيل بن الفضل عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: " لا يصلح للرجل أن يلبس الحرير إلا في الحرب " وما رواه عبد الله بن
جعفر في قرب الإسناد بسنده عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (2)
أن عليا (عليه السلام) كان لا يرى بلبس الحرير والديباج في الحرب إذا لم يكن
فيه التماثيل بأسا " وما يظهر من المنافاة بين هذا الخبر وخبر سماعة المتقدم من حيث
نفى البأس وإن كان فيه تماثيل في خبر سماعة واشتراط نفي البأس في هذا الخبر بما إذا لم
يكن فيه تماثيل فيمكن الجواب عنه بأن نفي البأس في خبر سماعة محمول على نفي البأس عن
التحريم خاصة وإن بقيت الكراهة وهذا الخبر على نفي البأس عنهما أو بحمل ذلك الخبر
على عدم الصلاة فيه وحمل هذا على الصلاة فيه.
واستثنى بعض الأصحاب لبسه للقمل قال في المعتبر: ويجوز لبسه للقمل لما
روى (3) " أن عبد الرحمان بن عوف والزبير شكوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله
القمل فرخص لهما في قميص الحرير " وقال الراوندي في الشرائع: لم يرخص لبس الحرير
لأحد إلا لعبد الرحمان بن عوف فإنه كان قملا، والمشهور أن الترخيص لعبد الرحمان والزبير
ويعلم من الترخيص لهما بطريق القمل جوازه لغيرهما بفحوى اللفظ. ويقوى عندي عدم
التعدية. انتهى. وقال الصدوق في الفقيه " ولم يطلق النبي (صلى الله عليه وآله)
لبس الحرير لأحد من الرجال إلا لعبد الرحمان بن عوف وذلك أنه كان رجلا قملا "
وتوهم صاحب الذخيرة أن هذه العبارة من تتمة خبر أبي الجارود المتقدم فذكرها في الذخيرة
في ذيل الخبر المذكور وهو سهو محض بل الظاهر أنها من كلام الصدوق الذي يداخل
به الأخبار فيقع فيه الاشتباه ولهذا لم يذكرها المحدثان في الوافي والوسائل، ويدل عليه
أيضا أن الصدوق نقل خبر أبي الجارود في كتاب العلل عاريا من ذلك. أقول: الظاهر أن هذه الرواية المشار إليها وإن اشتهر نقلها حتى في كلام الصدوق إنما وردت من طرق

(1) الوسائل الباب 12 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 12 من لباس المصلي
(3) المغني ج 1 ص 589
92

العامة لعدم وجودها في أخبارنا كما لا يخفى على من تتبعها من مظانها ولا سيما كتاب
البحار الجامع لشوارد الأخبار وحينئذ فيضعف الاعتماد عليها.
(الثالث) - الظاهر أنه لا خلاف أيضا في أن المعتبر في التحريم كون الثوب
حريرا محضا كما دلت عليه صحيحتا محمد بن عبد الجبار وإليه أشار بالمبهم في رواية يوسف
بن محمد بن إبراهيم، وعلى هذه الروايات يحمل ما أطلق من الأخبار وظاهر الأصحاب أنه
يحصل الحل بالامتزاج وإن كان الخليط أقل بل ولو لم يكن إلا العشر كما نص عليه في
المعتبر إلا أن يكون مستهلكا بحيث يصدق على الثوب أنه حرير محض، وإلى ذلك يشير
قوله في صحيحة البزنطي: " والقز أكثر من النصف " المؤذن بغلبة القز على القطن الذي
فيه، وأظهر من ذلك موثقة إسماعيل بن الفضل عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
" في الثوب يكون فيه الحرير؟ فقال إن كان فيه خلط فلا بأس " وحينئذ فما ذكر في
خبر الاحتجاج ونحوه من السدي أو اللحمة يمكن حمله على التمثيل كما يستفاد من ذكر
المزج بالقطن والكتان فإنه لا ينحصر ذلك فيهما اجماعا بل كل ما تجوز الصلاة فيه من
صوف ووبر ونحوهما مما يخرج به عن كونه حريرا محضا كما تشعر به عبارة كتاب الفقه.
ولو خيط الحرير بغيره من قطن ونحوه وإن كثر لم يخرج عن التحريم وكذا
لو جعل الثوب ملفقا من قطع حرير وغيره مما تجوز الصلاة فيه فإنه لا يخرج بذلك عما
هو عليه من التحريم، وأولى من ذلك ما لو كانت بطانته أو ظهارته حريرا.
بقي الكلام في المحشو بالحرير فهل يكون كذلك في المنع أم تجوز الصلاة فيه؟
وإلى الثاني مال الشهيد في الذكرى ويظهر من شيخنا المجلسي في البحار الميل إليه أيضا.
وبالأول قطع الفاضلان في المعتبر والمنتهى وهو الظاهر من الصدوق. ويدل على ما ذكره
في الذكرى الروايات الثلاث المتقدمة، وحمل الصدوق في الفقيه القز هنا على قز الماعز
والظاهر أن مراده شعره، ولا يخفى ما فيه. وفي المعتبر نقل رواية الحسين بن سعيد التي

(1) الوسائل الباب 13 من لباس المصلي
93

هي إحدى الثلاث المتقدمة وردها بالضعف لاستناد الراوي إلى ما وجده في كتاب لم
يسمعه من محدث ثم نقل تأويل الصدوق المذكور. وفي المنتهى نقلها أيضا وأجاب عنها
بما ذكره الصدوق ولم يطعن بالضعف لما فيه من الضعف كما لا يخفى. والكل بمحل من
التمحل كما لا يخفى على المنصف. قال في الذكرى بعد ذكر الكلام في المسألة ونقل تأويل
الصدوق وجواب صاحب المعتبر ما لفظه: قلت يضعف الأول بأنه خلاف الحقيقة
الظاهرة، والثاني بأن أخبار الراوي بصيغة الجزم والمكاتبة المجزوم بها في قوة المشافهة، مع أن الخاص مقدم على العام فلو قيل بالعمل برواية الحسين لم يكن بعيدا. ويؤيده ما ذكره
الصدوق في الفقيه أنه كتب إبراهيم بن مهزيار إلى أبي محمد (عليه السلام) ثم ساق
الخبر كما تقدم ثم قال أورده الصدوق بصيغة الجزم أيضا. انتهى. وهو جيد. وعلى هذا
فيكون هذا الفرد مستثنى من كلية المنع من الصلاة في الحرير للأخبار المذكورة، إلا أن
ظاهر عبارتي المعتبر والمنتهى - حيث لم يسندا الخلاف إلا إلى الشافعي وكذا ظاهر عبارة
الذكرى حيث قال فلو قيل... الخ - كون الحكم بالمنع اجماعيا وقوفا على عموم أخبار
المنع من الصلاة في الحرير فيشكل الخروج عنه، إلا أن إلغاء هذه الأخبار مع تأيدها
بمطابقة القاعدة في تقديم الخاص على العام وتخصيصه به أشكل. وبالجملة فالمسألة لا تخلو
من شوب الاشكال لما عرفت ولما سيأتي في المقام أيضا إن شاء الله تعالى.
(الرابع) - الظاهر أنه لا خلاف في جواز لبس الحرير في غير الصلاة للنساء
نقل الاجماع على ذلك الفاضلان والشهيدان وغيرهم، وإنما وقع الخلاف في الصلاة لهن فيه
فذهب الأكثر إلى الجواز ونقل عن الصدوق المنع، قال في الفقيه، وقد وردت الأخبار
بالنهي عن لبس الديباج والحرير والإبريسم المحض والصلاة فيه للرجال ووردت الرخصة
في لبس ذلك للنساء ولم ترد بجواز صلاتهن فيه، فالنهي عن الصلاة في الإبريسم المحض
على العموم للرجال والنساء حتى يخصهن خبر بالاطلاق لهن في الصلاة فيه كما خصهن
بلبسه. انتهى. وفي هذا الكلام عندي نظر لم أقف على من تعرض له وذلك من
94

وجهين (أحدهما) أن ظاهر كلامه أنه إنما استند في منع صلاة النساء في الحرير إلى أن الرخصة إنما وردت لهن في لبسه ولم ترد بجواز صلاتهن فيه. ويرد عليه أنه يكفي في
صحة صلاتهن فيه العمومات الآمرة باللباس وستر العورة مطلقا خرج ما خرج بدليل
وبقي ما بقي، وحينئذ فيجوز لهن الصلاة فيه حتى يقوم دليل على المنع. و (ثانيهما) أن
ما يؤذن به كلامه من أن الأخبار الواردة بالنهي عن الصلاة في الحرير المحض شاملة
باطلاقها أو عمومها للرجال والنساء محل منع، فإن أكثر الأخبار إنما اشتملت على السؤال
عن الرجل فموردها الرجال خاصة. وصحيحتا محمد بن عبد الجبار المتقدمتان وإن دلتا
باطلاقهما على المنع من الصلاة في الحرير المحض إلا أنهما مبنيتان على سبب خاص وهو
القلنسوة التي هي من لباس الرجال خاصة فيضعف الاستناد إليهما في ذلك بحمل اطلاقهما
على ما يشمل النساء.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن ظواهر الأخبار في المسألة لا تخلو من اختلاف، ومنها
موثقة ابن بكير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " النساء
تلبس الحرير والديباج إلا في الاحرام " وقضية الاستثناء جواز لبسهن له في الصلاة.
وقد تقدم في صدر المقام قوله (عليه السلام) في رواية أبي داود يوسف بن
إبراهيم (2) " وإنما يكره المصمت من الإبريسم للرجال ولا يكره للنساء " إلا أنه غير صريح
في جواز الصلاة، ونحوها رواية ليث المرادي في أمر الرسول (صلى الله عليه وآله)
لأسامة بقسمة حلة الحرير بين نسائه.
ومنها موثقة سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " لا ينبغي
للمرأة أن تلبس الحرير المحض وهي محرمة فأما في الحر والبرد فلا بأس " وفيها اشعار ما
بعدم لبسه في الصلاة.
وما رواه في الخصال بسنده عن جابر الجعفي (4) قال سمعت أبا جعفر (عليه

(1) الوسائل الباب 16 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 16 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 16 من لباس المصلي
(4) الوسائل الباب 16 من لباس المصلي
95

السلام) يقول: " ليس على النساء أذان، إلى أن قال ويجوز للمرأة لبس الحرير والديباج
في غير صلاة واحرام وحرم ذلك على الرجال إلا في الجهاد، ويجوز أن تتختم بالذهب وتصلي
فيه وحرم ذلك على الرجال إلا في الجهاد " والخبر ظاهر في ما ذهب إليه الصدوق.
ورواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " سمعته ينهى عن لباس
الحرير للرجال والنساء إلا ما كان من حرير مخلوط، إلى أن قال وإنما يكره الحرير المحض
للرجال والنساء ".
وهذه الرواية إن حملت على مجرد اللبس فهي معارضة بالأخبار المستفيضة والاجماع
المدعى في جواز لبس النساء له في غير الصلاة فلا يتم تحريم لبسه عليهن كما في الرجال،
والأظهر حمل اطلاقها على الصلاة وحينئذ فتكون دالة على ما دلت عليه رواية جابر من
التحريم في الصلاة فتكون مؤيدة لقول الصدوق أيضا، فلو استدل الصدوق على ما ذهب
إليه بهذه الروايات لكان وجها لا ما ذكره من التعليل العليل كما عرفت.
ومما يدل على ما ذهب إليه الصدوق أيضا ما يأتي في كتاب الحج إن شاء الله
من تصريح الأصحاب والأخبار بأنه لا يجوز الاحرام إلا في ما تجوز الصلاة فيه مع
تصريح جملة من الأخبار المعتمدة بأنه لا يجوز للمرأة الاحرام في الحرير وإن اختلف
الأصحاب والأخبار في ذلك أيضا ولكن الترجيح للروايات الدالة على المنع كما يأتي
تحقيقه إن شاء الله تعالى، وبه يظهر قوة قول الصدوق (قدس سره) هنا، وغاية ما يفهم
من موثقة ابن بكير المتقدمة هو الدلالة بالمفهوم وهو ضعيف في مقابلة ما قلنا من
الأخبار في الموضعين.
وأما حمل بعض مشايخنا لما دل من الأخبار هنا على مذهب الصدوق على الكراهة
فلا أعرف له وجها مع عدم المعارض لها صريحا بل يؤيدها ما ذكرنا مما يأتي في كتاب
الحج إن شاء الله تعالى.

(1) الوسائل الباب 13 من لباس المصلي
96

(الخامس) - اختلف الأصحاب في الصلاة في ما لا تتم فيه الصلاة منفردا
من الحرير بمعنى ما لا يكون ساترا للعورة كالقلنسوة والتكة ونحوهما، فالمشهور الجواز
ونقل عن الشيخ المفيد والصدوق وابن الجنيد المنع، وإلى هذا القول مال جملة من
أفاضل متأخري المتأخرين: منهم السيد السند في المدارك وشيخنا المجلسي في كتاب
البحار والفاضل الخراساني في الذخيرة والمحدث الكاشاني في المفاتيح وقواه العلامة
في المختلف وجعله الأقرب في المنتهى بعد الاستشكال في المسألة، وبالغ الصدوق في
الفقيه فقال: لا يجوز الصلاة في تكة رأسها من إبريسم.
ويدل على القول الأول رواية الحلبي المتقدمة في صدر هذا المقام (1) وعلى القول
الثاني صحيحتا محمد بن عبد الجبار المتقدمتان (2) ويؤيدهما عموم الأخبار المانعة من الصلاة
في الحرير المحض وجمع الأصحاب بين الأخبار بحمل الصحيحتين المذكورتين على
الاستحباب. وفيه (أولا) أن الجمع فرع التعارض كما صرحوا به في غير مقام والرواية
المذكورة لضعفها لا تبلغ قوة في معارضة الصحيحتين المذكورتين سيما مع تأيدهما بما
ذكرناه و (ثانيا) ما عرفت في هذا الجمع في غير مقام. و (ثالثا) أنه كما يمكن الجمع
بما ذكروه يمكن الجمع أيضا بحمل الرواية المذكورة على التقية فإن المنقول عن أبي حنيفة
والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين جواز الصلاة في الحرير المحض (3) وبالجملة فقوة
القول الثاني ظاهرة وحمل الرواية المذكورة على التقية متعين.
بقي الكلام في مطلق الحرير مثل ما يخاط به الثوب أو يزر به أو يجعل علما فيه
أو يكف به بأن يجعل في رؤوس الأكمام والذيل وحول الزيق والجيب، وظاهر كلام
الصدوق كما تقدم المنع من جميع ذلك حيث منع من تكة رأسها من إبريسم، وأما كلام
أكثر الأصحاب فهو صريح في الجواز:
فأما بالنسبة إلى ما يكف به فاستدل عليه الفاضلان بما رواه العامة عن عمر (4)

(1) ص 89
(2) ص 89
(3) المغني ج 1 ص 587 و 588
(4) المغني ج ص 588
97

أن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى عن الحرير إلا في موضع إصبعين أو ثلاث أو
أربع " ومن طريق الأصحاب بما رواه جراح المدائني عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
" أنه كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج ".
وأنت خبير بأن الاستدلال بهذه الرواية مبني على كون الكراهة في أخبارهم
(عليهم السلام) بهذا المعنى المصطلح عليه، وهو ليس بظاهر فإن استعمالها في التحريم
أكثر كثير فيها، والحق كما حققناه في ما تقدم أن هذا اللفظ من الألفاظ المتشابهة التي
لا تحمل على أحد المعنيين إلا مع القرينة، على أن الرواية المذكورة معارضة بما دل على
تحريم لبس الحرير مطلقا وعدم جواز الصلاة في حرير محض.
وأما بالنسبة إلى ما عدا ذلك فتدل عليه رواية يوسف بن إبراهيم عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: " لا بأس بالثوب أن يكون سداه وزره وعلمه حريرا وإنما
كره الحرير المبهم للرجال " وهي كما ترى دالة على استثناء الزر والعلم - كسبب - ما يجعل
في الثوب علامة كطراز وغيره نص عليه في المصباح المنير. ويعضد ذلك ما تقدم من
الأخبار الدالة على جواز الصلاة في الثوب الذي حشوه قز.
والاحتياط في الاجتناب في الجميع لما يظهر من الصحيحتين المتقدمتين من النهي
عن الصلاة في الحرير المحض وعمومهما شامل لهذه الأشياء المذكورة. وكون ذلك جوابا
عن شئ مخصوص لا يوجب التخصيص لما تقرر من أن خصوص السؤال لا يوجب
تخصيص عموم الجواب بل الجواب باق على عمومه. مع احتمال حمل الأخبار المذكورة
كملا على التقية، ويؤيده ما ورد في موثقة عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال:
" سألته عن الثوب الذي يكون علمه ديباجا قال لا يصلى فيه " وهي ظاهرة في معارضة
الرواية المذكورة بالنسبة إلى العلم، وحملها في الذكرى على الكراهة. وفيه ما عرفت في

(1) الوسائل الباب 11 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 13 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 11 من لباس المصلي
98

غير مقام، على أنه لا يخفى أن غاية ما تدل عليه الرواية الأولى هو نفي البأس عن الثوب
الذي يكون سداه وزره وعلمه حريرا وهو مطلق فيمكن حمله على غير الصلاة، ومورد
الموثقة المذكورة النهي عن الصلاة في الثوب الذي يكون علمه ديباجا، فيمكن الجمع بين
الخبرين بتخصيص اطلاق الأول بالموثقة المذكورة ويكون المعنى فيه أنه لا بأس في ما
عدا الصلاة فلا منافاة. وبالجملة فالمسألة عندي محل توقف واشكال والاحتياط فيها
مطلوب على كل حال.
(السادس) المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز افتراش الحرير
والقيام عليه، وتردد فيه في المعتبر ونسب الجواز إلى الرواية ايذانا بالتوقف، وأشار
بالرواية إلى ما رواه ثقة الاسلام والشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر (1) قال:
" سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الفراش الحرير ومثله من الديباج والمصلى الحرير
هل يصلح للرجل النوم عليه والتكاءة والصلاة عليه؟ قال يفترشه ويقوم عليه ولا يسجد عليه "
قال في المعتبر بعد ذكر الرواية. ومنشأ التردد عموم التحريم على الرجال. ورده في الذكرى
بأن الخاص مقدم على العام مع اشتهار الرواية. وقال في المدارك بعد نقل ذلك عن
المعتبر: وهو ضعيف لأن النهي إنما تعلق بلبسه ومنع اللبس لا يقتضي منع الافتراش
لافتراقهما في المعنى. ثم قال وفي حكم الافتراش التوسد عليه والالتحاف به أما التدثر
به فالأظهر تحريمه لصدق اسم اللبس عليه. انتهى. وقال في المختلف بعد ذكر الحكم
المذكور: ومنع بعض المتأخرين من ذلك لعموم المنع من لبس الحرير. وليس بمعتمد لأن
منع اللبس لا يقتضي منع الافتراش لافتراقهما في المعنى. انتهى. أقول لا يبعد أن يكون كلام المختلف إشارة إلى منع صاحب المعتبر وإن كان على جهة التردد حيث لم ينقل
في ما وصل إلينا عن غيره. وبالجملة فالقول بما هو المشهور هو المعتمد للصحيحة المذكورة
إلا أنه قال (عليه السلام) في كتاب الفقه الرضوي (2) في تتمة العبارة المتقدم نقلها

(1) الوسائل الباب 15 من لباس المصلي
(2) ص 16
99

عنه في عداد الروايات المتقدمة في أول هذا المقام - ما صورته: " ولا تصل على شئ
من هذه الأشياء إلا ما يصلح لبسه " وظاهره تحريم افتراش هذه الأشياء حال الصلاة
والقيام عليها وكذا غيرها من جلد الميتة والذهب المعدود أيضا بعد الأشياء المذكورة في
عبارته والأحوط المنع وإن كان الجواز أظهر لما عرفت. وأما ما رجحه في المدارك من
تحريم التدثر به لما ذكره من صدق اللبس عليه فلا يخلو من بعد فإن دعوى صدق اللبس
عرفا على التدثر غير خال من النظر ولهذا أن جده (قدس سره) جعل التدثر كالافتراش
في الجواز.
(السابع) - هل يحرم على الولي تمكين الصبي من لبس الحرير؟ المشهور
العدم وبه صرح الفاضلان في المعتبر والمنتهى، قال في المعتبر يحرم على الولي تمكين الصغير
من لبس الحرير لقوله (صلى الله عليه وآله) (1): " حرام على ذكور أمتي " وقال
جابر: " كنا ننزعه عن الصبيان ونتركه على الجواري " (2) والأشبه عندي الكراهة
لأن الصبي ليس بمكلف فلا يتناوله الخبر، وما فعله جابر وغيره يحمل على التنزه والمبالغة في
التورع. انتهى. وبنحوه صرح في المنتهى ومثلهما الشهيد في الذكرى بعد التردد،
ونقل في الذخيرة قولا بالتحريم استنادا إلى ما تقدم. والظاهر أن الرواية الأولى
لا دلالة فيها كما أشار إليه المحقق والثانية عامية، وقضية الأصل العدم حتى يقوم الدليل.
(الثامن) - قد صرح غير واحد منهم بأنه لو لم يجد المصلي إلا الحرير ولا
ضرر في التعري صلى عاريا عندنا لأن وجوده كعدمه مع تحقق النهي عنه، وجوزه
العامة بل أوجبوه (3) لأن ذلك من الضرورات. قالوا ولو وجد النجس والحرير واضطر
إلى أحدهما لبرد ونحوه فالأقرب لبس النجس لأن مانعه عرضي. أقول: ويؤيده الأخبار
الدالة على جواز الصلاة في الثوب النجس إذا لم يجد غيره وإن لم يكن مضطرا إلى لبسه
وأنه لا يصلي عاريا والحال كذلك (4).

(1) المغني ج 1 ص 591
(2) المغني ج 1 ص 591
(3) المغني ج 1 ص 595
(4) ج 5 ص 351
100

(المقام الرابع) - في الذهب، أما تحريم لبس الذهب على الرجال فلا خلاف
فيه بين الأصحاب، وإنما الخلاف في بطلان الصلاة في ما لا تتم الصلاة فيه كالخاتم
ونحوه، فذهب الأكثر إلى البطلان وظاهر المحقق في المعتبر العدم حيث قال: لو صلى
وفي يده خاتم من ذهب ففي فساد الصلاة تردد أقربه أنها لا تبطل لما قلناه في الخاتم
المغصوب، ومنشأ التردد رواية موسى بن أكيل النميري عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: " جعل الله الذهب حلية أهل الجنة فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه " انتهى
وأشار بقوله " لما قلناه في الخاتم المغصوب " إلى ما قدمه في مسألة الصلاة في الخاتم المغصوب
من أن النهي عن ليس عن فعل من أفعال الصلاة ولا عن شرط من شروطها.
أقول: ومما وقفت عليه من الأخبار في هذا المقام زيادة على الرواية التي نقلها
ما رواه الصدوق في كتاب العلل في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) " في الرجل يصلي وعليه خاتم حديد؟ قال لا ولا يتختم به الرجل لأنه من
لباس أهل النار. وقال لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلي فيه لأنه من لباس أهل الجنة ".
وما رواه في كتاب الخصال بسنده عن جابر الجعفي عن أبي جعفر (عليه
السلام) (3) قال: " يجوز للمرأة لبس الديباج، إلى أن قال ويجوز أن تتختم بالذهب
وتصلي فيه وحرم ذلك على الرجال ".
وما رواه في التهذيب عن عمار الساباطي في الموثق عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (4) قال: " لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلي فيه لأنه من لباس أهل الجنة "
وقال في كتاب الفقه الرضوي (5) " لا تصل في ديباج ولا في حرير " وقد
تقدمت هذه العبارة، إلى أن قال بعدها: ولا تصل في جلد الميتة على كل حال ولا في

(1) الوسائل الباب 30 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 32 و 30 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 16 من لباس المصلي
(4) الوسائل الباب 30 من لباس المصلي
(5) ص 16
101

خاتم ذهب ولا تشرب في آنية الذهب والفضة ولا تصل على شئ من هذه الأشياء...
إلى آخر ما تقدم قريبا.
وأنت خبير بأن الأخبار المذكورة قد اتفقت على النهي عن الصلاة في الخاتم
من الذهب والنهي عن العبادة موجب لبطلانها بلا خلاف ولا اشكال، وبه يظهر ضعف
ما ذهب إليه المحقق (قدس سره) قال في الذكرى: ورابعها الذهب والصلاة فيه حرام
على الرجال فلو موه به ثوبا وصلى فيه بطل بل لو لبس خاتما منه وصلى فيه بطلت
صلاته قال الفاضل لقول الصادق (عليه السلام) " جعل الله الذهب حلية لأهل الجنة
فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه " رواه موسى بن أكيل النميري عنه (عليه
السلام) (1) وفعل المنهي عنه مفسد للعبادة. وقوى في المعتبر عدم الابطال بلبس
خاتم من ذهب لاجرائه مجرى خاتم مغصوب والنهي ليس عن فعل من أفعال الصلاة
ولا عن شرط من شروطها. انتهى. وربما يوهم كلامه هنا من حيث اقتصاره على نقل
قولي الفاضلين في الخاتم التوقف إلا أن كلامه في الدروس والبيان ظاهر في اختيار
المشهور حيث حكم بالبطلان في الخاتم ولو مموها. أقول: والحكم بالبطلان من هذه الأخبار أظهر من أن ينكر. وظاهره في كتبه الثلاثة جعل المموه بالذهب من خاتم
وغيره كالذهب لصدق الصلاة في الذهب. وهو جيد ونقل عن أبي الصلاح ما يؤذن
بالكراهة في الذهب. وهو ضعيف.
وكيف كان فينبغي أن يستثنى من ذلك ما إذا دعت الضرورة إلى شد الأسنان
به لما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (2)
في حديث " أن أسنانه استرخت فشدها بالذهب ".
وروى الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب مكارم الأخلاق عن الحلبي عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " سألته عن الثنية تنفصم أيصلح أن تشبك

(1) ص 101
(2) الوسائل الباب 31 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 31 من لباس المصلي
102

بالذهب وإن سقطت بجعل مكانها ثنية شاة؟ قال نعم إن شاء فليضع مكانها ثنية شاة بعد
أن تكون ذكية ".
وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " سألته عن
الرجل تنفصم سنه أيصلح له أن يشدها بالذهب؟ وإن سقطت أيصلح أن يجعل مكانها
سن شاة؟ قال نعم إن شاء ليشدها بعد أن تكون ذكية ".
أقول: ظاهر اشتراط الذكاة في السن التي يضعها أنه لا يجوز وضع سن الميتة بل
لا بد من تذكيتها بالذبح مع أن السن مما لا تحله الحياة فلا مانع من وضعه فإنه طاهر اجماعا
كما تقدم تحقيقه في محله من كتاب الطهارة.
ويدل على ذلك زيادة على ما عرفت ما رواه في كتاب مكارم الأخلاق أيضا
عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " سأله أبي وأنا حاضر عن الرجل
يسقط سنه فيأخد سن انسان ميت فيجعله مكانه: قال لا بأس ".
ولعل اشتراط الذكاة في السن في الخبرين المذكورين من جهة ما يصاحبها غالبا
من اللحم عند قلعها من موضعها وإلا فالاشتراط مشكل. والله العالم.
(المقام الخامس) - في المغصوب، ظاهر كلام الأصحاب (رضوان الله
عليهم) الاتفاق على تحريم الصلاة في الثوب المغصوب، ونسبه في المنتهى إلى علمائنا مؤذنا
بدعوى الاجماع عليه، وصرح بذلك في النهاية فقال: لا تصح الصلاة في الثوب المغصوب
مع العلم بالغصبية عند علمائنا أجمع. واطلاق أكثر غباراتهم شامل لما هو أعم من أن
يكون ساترا للعورة أو غير ساتر، بل صرح بذلك العلامة في جملة من كتبه والشهيد في
البيان حيث قال فيه: ولا يجوز الصلاة في الثوب المغصوب ولو خيطا فتبطل مع علمه بالغصب
هذا مع أن صريح كلام الفضل بن شاذان من قدماء أصحابنا (رضوان الله عليهم)
وخواص أصحاب الرضا (عليه السلام) هو الجواز كما نقله في الكافي في كتاب الطلاق

(1) الوسائل الباب 31 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 31 من لباس المصلي
103

حيث قال - في مقام الرد على المخالفين في جواب من قاس صحة الطلاق في الحيض بصحة
العدة مع خروج المعتدة من بيت زوجها - ما هذا لفظه: وإنما قياس الخروج والاخراج كرجل
دخل دار قوم بغير إذنهم فصلى فيها فهو عاص في دخوله الدار وصلاته جائزة لأن
ذلك ليس من شرائط الصلاة لأنه منهى عن ذلك صلى أم لم يصل، وكذلك لو أن رجلا
غصب من رجل ثوبا أو أخذه فلبسه بغير إذنه فصلى فيه لكانت صلاته جائزة وكان
عاصيا في لبسه ذلك الثوب لأن ذلك ليس من شرائط الفرض لأن ذلك أتى على حدة
والفرض جائز معه، وكل ما لم يجب إلا مع الفرض ومن أجل ذلك الفرض فإن ذلك
من شرائطه لا يجوز الفرض إلا بذلك على ما بيناه. وليكن القوم لا يعرفون ولا يميزون
ويريدون أن يلبسوا الحق بالباطل... إلى آخر ما ذكره (قدس سره). ومرجعه إلى أنه حيث لم يشترط الإباحة في المكان واللباس بالنسبة إلى الصلاة كما ورد اشتراطها
بستر العورة والقبلة وطهارة الساتر ونحوها فلا يكون الاخلال بها مضرا بالصلاة وموجبا
لبطلانها، فتجوز الصلاة حينئذ في المكان والثوب المغصوبين غاية الأمر أنه منهى عن
التصرف في المغصوب صلى فيه أو لم يصل، وغاية ما يوجبه هذا النهي هو الإثم في
التصرف بأي نحو كان. وهو كلام متين ومن ثم مال إليه المحدث الكاشاني في المفاتيح،
قال شيخنا المجلسي (قدس سره) في كتاب البحار بعد نقل الكلام بطوله
ما صورته: فظهر أن القول بالصحة كان بين الشيعة بل كان أشهر عندهم في تلك
الأعصار. انتهى. أقول: ويؤيده أيضا أن صاحب الكافي قد نقل ذلك ولم ينكره
ولم يطعن عليه في شئ منه.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا بد من نقل حجة القوم في هذا المقام وبيان ما يتوجه
عليها من نقض وإبرام فنقول وبالله سبحانه الاعتصام من زيغ الأفهام وطغيان الأقلام:
قال السيد السند (قدس سره) في كتاب المدارك بعد نقل كلام الأصحاب
104

(رضوان الله عليهم) وحكمهم بالبطلان في المسألة: واحتجوا عليه بأن الحركات الواقعة
في الصلاة منهي عنها لأنها تصرف في المغصوب والنهي عن الحركة نهى عن القيام والقعود
والسجود وهو جزء الصلاة فتفسد لأن النهي في العبادة يقتضي الفساد فتكون
الصلاة باطلة لفساد جزئها وبأنه مأمور بإبانة المغصوب عنه ورده إلى مالكه فإذا افتقر
إلى فعل كثير كان مضادا للصلاة والأمر بالشئ يقتضي النهي عن ضده فيفسد.
ويتوجه على الأول أن النهي إنما يتوجه إلى التصرف في المغصوب الذي هو لبسه ابتداء
واستدامة وهو أمر خارج عن الحركات من حيث هي حركات أعني القيام والقعود
والسجود فلا يكون النهى متناولا لجزء الصلاة ولا لشرطها ومع ارتفاع النهي ينتفي
البطلان. وعلى الثاني ما بيناه مرارا من أن الأمر بالشئ إنما يقتضي النهي عن ضده
العام الذي هو نفس الترك أو الكف لا الأضداد الخاصة الوجودية. والمعتمد ما اختاره
المصنف في المعتبر من بطلان الصلاة إن كان الثوب ساترا للعورة لتوجه النهي إلى شرط
العبادة فيفسد ويبطل المشروط لفواته، وكذا إذا قام فوقه أو سجد عليه لأن جزء الصلاة
يكون منهيا عنه وهو القيام والقعود حيث إنه نفس الكون المنهي عنه، أما لو لم يكن
كذلك لم تبطل لتوجه النهي إلى أمر خارج عن العبادة. أقول: لا يخفى أنه قد كفانا
المؤنة في رد الدليل المشهور بما ذكره.
بقي الكلام في ما استدل به واعتمده من كلام المحقق في المعتبر وظن أنه جيد
ومعتبر، وينبغي أن يعلم أولا أن عبارة المعتبر هنا لا تخلو من قصور والسيد في ما نقله
عنه قد أصلحه وزاد في العبارة ما يندفع به عنه الإيراد وإن كان ما أصلحه به أيضا
لا يوصل إلى مطلوب ولا مراد كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى بوجه لا يتطرق إليه
الفساد، وذلك فإن أصل عبارة المعتبر هكذا: ثم اعلم أني لم أقف على نص عن أهل
البيت (عليهم السلام) بابطال الصلاة وإنما هو شئ ذهب إليه المشايخ الثلاثة منا وأتباعهم
والأقرب أنه إن كان ستر به العورة أو سجد عليه أو قام فوقه كانت الصلاة باطلة لأن
105

جزء الصلاة يكون منهيا عنه وتبطل الصلاة بفواته أما لو لم يكن كذلك لم تبطل وكان
كلبس خاتم مغصوب. انتهى. وظاهره - كما ترى - تعليل البطلان في المواضع الثلاثة بكون
كل منها جزءا من الصلاة وهو منهي عنه، مع أن ستر العورة ليس جزء من الصلاة وإنما
هو من شروط صحتها، والسيد كأنه تفطن لذلك فعدل عن تعليله وعلله بأنه شرط لها
ولكنه بالنهي عنه يفسد ويبطل المشروط لفوات شرطه. وفيه أنا لا نسلم فساد الشرط
وبطلانه إلا إذا كان عبادة وإلا فغايته حصول الإثم خاصة، وما نحن فيه كذلك فإن
ستر العورة ليس عبادة بل هو كإزالة النجاسة فإنها شرط في صحة الصلاة مع أنه لا يقدح
في الصلاة إزالتها بماء مغصوب أو آلة مغصوبة ونحو ذلك، وحينئذ فتصح الصلاة في
الساتر وإن كان مغصوبا وإن أثم من حيث الغصب.
وأما ما علل به البطلان لو قام أو قعد فوقه أو سجد عليه - من أن جزء الصلاة
يكون منهيا عنه وهو القيام والقعود والسجود في الصورة المذكورة والنهي عن العبادة
موجب لبطلانها وببطلان الجزء يبطل الكل - فالجواب عنه أنه إن أريد به النهي عنه من
حيث عدم جواز الصلاة فيه فما ذكره من البطلان مسلم لكن الحال ليست كذلك لأنه
لم يرد نهي بهذا المعنى في المقام وإلا لسقط البحث من أصله، وإن أريد النهي عنه من
حيث الغصب وقبح التصرف في مال الغير بدون إذنه فما ذكره من البطلان المترتب على
ذلك ممنوع لأن القدر المقطوع به من بطلان العبادة يتوجه النهي إليها إنما هو إذا توجه
إليها من حيث كونها عبادة لأن التعليق على الوصف مشعر بالعلية لا من جهة أخرى
كما نحن فيه، والنهي هنا إنما توجه إلى القيام على هذا الثوب المغصوب من حيث تحريم
التصرف في المغصوب من دون إذن المالك لا من حيث عدم جواز الصلاة عليه. ولزوم
اجتماع الأمر والنهي في شئ واحد مع اختلاف الحيثيتين غير ضائر إذ وجه المحالية
بتكليف ما لا يطاق المترتب على ذلك أنما يلزم مع اتحاد الجهة كما لا يخفى. ولم أطلع على
من تفطن لهذه الدقيقة في المقام من علمائنا الأعلام وبها تنحل جميع الشبه التي طال فيها
106

الكلام واتسعت فيها دائرة الخصام وكثر فيها النقض والابرام، فإن ذلك مبني على شبهة
النهي وأنه متوجه إلى العبادة وهو موجب لبطلانها، وهو على اطلاقه ممنوع كما عرفت فإن
ذلك مخصوص بما يتوجه إليها من حيث كونها عبادة مثل النهي عن السجود على ما لا يصح
السجود عليه مما منع الشارع من السجود عليه، وأما النهي عن السجود على المغصوب
فإنما هو من حيث كونه تصرفا في مال الغير بغير إذنه. وبذلك يظهر لك أنه لا فرق بين
استعمال المغصوب في هذه الأشياء الثلاثة التي عددها في المعتبر وتبعه من تبعه كالسيد
المذكور وجده قبله وغيرهما ولا بين لبس المغصوب مطلقا لجريان ما ذكرناه في الموضعين
والظاهر أن منشأ قولهم بالبطلان في الثلاثة المعدودة هو أنه متى لم يكن أحد الثلاثة
فإن النهي إنما توجه إلى ذلك اللباس والحركة فيه قياما وقعودا وركوعا وسجودا من حيث
كونه تصرفا في مال الغير بغير إذنه وهذا أمر خارج عن الصلاة لا أنه نهى عن ذلك
من حيث كونها حركات في الصلاة، بخلاف ما إذا كان أحد الثلاثة لعين ما تقدم نقله
عن المدارك، وقد عرفت ما فيه. ويمكن أن يكون للزوم اجتماع الأمر والنهي في شئ
واحد وهو محال لو قيل بصحة الصلاة في هذه المواضع الثلاثة. وفيه ما عرفت من أنه
لا مانع منه مع اختلاف الجهتين ولزوم المحال إنما يحصل مع اتحادهما كما لا يخفى.
وقد تلخص من هذا البحث أن المشهور هو بطلان الصلاة في المغصوب مطلقا كما
تقدم وعلى مذهب المحقق ومن تبعه كالشهيدين في الذكرى والروض والسيد تخصيص
البطلان بما إذا كان المغصوب ساترا للعورة أو مكانا للقيام عليه أو مسجدا وإلا فهي
صحيحة عندهم فالقدر المجمع عليه بينهم هو هذا، وقد عرفت ما في الجميع وبه يظهر قوة
ما قدمناه عن الفضل بن شاذان (قدس سره).
قال شيخنا المجلسي (قدس سره) في تتمة الكلام الذي قدمنا نقله ذيل كلام
الفضل بن شاذان: وكلام الفضل يرجع إلى ما ذكره محققو أصحابنا من أن التكليف
الإيجابي ليس متعلقا بهذا الفرد الشخصي بل متعلق بطبيعة كلية شاملة لهذا الفرد وغيره
107

وكذا التكليف التحريمي متعلق بطبيعة الغصب لا بخصوص هذا الفرد، والنسبة بين
الطبيعتين عموم من وجه فطلب الفعل والترك غير متعلق بأمر واحد في الحقيقة حتى يلزم
التكليف بما لا يطاق وإنما جمع المكلف بينهما في فرد واحد باختياره، فهو ممتثل للتكليف
الإيجابي باعتبار أن هذا فرد الطبيعة المطلوبة وامتثال الطبيعة إنما يحصل بالاتيان بفرد من
أفرادها، وهو مستحق للعقاب أيضا باعتبار كون هذا الفرد فرد الطبيعة المنهية. وقيل
هذا القول غير صحيح على أصول أصحابنا لأن تعلق التكليف بالطبيعة مسلم لكن
لا نزاع عندنا في أن الطبيعة المطلوبة يجب أن تكون حسنة ومصلحة راجحة متأكدة يصح
للحكيم إرادتها وقد ثبت ذلك في محله، وغير خفي أن الطبيعة لا تتصف بهذه الصفات
إلا من حيث التحصل الخارجي باعتبار أنحاء وجوداته الشخصية، وحينئذ نقول الفرد
المحرم لا يخلو إما أن يكون حسنا ومصلحة متأكدة مرادة للشارع أم لا، وعلى الأول
لا يصح النهي عنه، وعلى الثاني لم يكن القدر المشترك بينه وبين باقي الأفراد مطلوبا للشارع
بل المطلوب الطبيعة المقيدة بقيد يختص به ما عدا ذلك الفرد فلا يحصل الامتثال بذلك
الفرد لخروجه من أفراد المأمور به. أقول: ويمكن المناقشة فيه بوجوه لو تعرضنا لها لخرجنا
عما هو مقصودنا في هذا الكتاب. وبالجملة الحكم بالبطلان أحوط وأولى وإن كان
اثباته في غاية الاشكال. انتهى كلام شيخنا المشار إليه.
أقول: لا يخفى أن القائل بما نقله هنا هو الفاضل الخراساني في الذخيرة حيث
إنه من القائلين بالقول المشهور من بطلان الصلاة في المغصوب مطلقا، وشيخنا المذكور لم
يتعرض لبيان المناقشة في كلامه بل اعتذر بما ذكره. ويمكن الجواب عما ذكره في خلاصة
كلامه ونتيجة بحثه بقوله: " وحينئذ نقول الفرد المحرم لا يخلو أما أن يكون حسنا... الخ "
بأن يقال هنا فرد آخر غير ما ذكره من الفردين بأن يكون حسنا من وجه وقبيحا من
وجه، وذلك بأن يكون حسنا من حيث توقف العبادة عليه وإن كان قبيحا من حيث
التصرف في مال الغير بغير إذنه، فهو ذو جهتين حسن من إحداهما قبيح من الأخرى فهو
108

داخل تحت كل من الطبيعتين باعتبار هاتين الجهتين والنهي إنما صح عنه من الجهة الأخرى
لا من الجهة الأولى التي هي جهة الحسن، فلا يلزم ما ذكره وأطال به من اللازم على كل
من الفردين اللذين ذكرهما إذ التقسيم غير منحصر فيهما مع وجود هذا الفرد الذي ذكرناه
وأما ما ذكره في الاعتراض على كلام شيخنا الشهيد الثاني في الروض حيث أجاب
في الروض عن حجة القول المشهور المتقدمة بنحو ما أجاب به سبطه في المدارك فقال في
الذخيرة بعد نقل ذلك عنه: وفيه نظر لأن الانسان إذا كان متلبسا باللباس المغصوب
في حال الركوع مثلا فلا خفاء في أن الحركة الركوعية حركة واحدة شخصية محرمة
لكونها محركة للشئ المغصوب فيكون تصرفا في مال الغير بغير إذنه محرما فلا يصح
التعبد به مع أنه جزء من الصلاة، واعتبار الجهتين غير نافع في صحة تعلق الوجوب
والحرمة إلا مع اختلاف المتعلق لا مطلقا. انتهى. وفيه أنه لا ريب أن التصرف في
المغصوب وما يترتب عليه من التحريم والعقاب قد حصل بنفس اللبس فالتحريم ثابت له
ابتداء واستدامة صلى فيه أو لم يصل تحرك فيه أو لم يتحرك، ولا يعقل لهذه الحركة
الركوعية أو السجودية خصوصية في هذا المقام ليترتب عليها شئ من الأحكام، فلا معنى
لتفريعه على الحركة الركوعية بقوله " فيكون تصرفا في مال الغير فلا يصح التعبد به " إذ هو
متصرف فيه حال قيامه وقعوده بل جميع أحواله، وبذلك يظهر أنه لا معنى لقوله:
" فلا يصح التعبد به " إذ هذا التفريع فرع صحة ما زعمه من الاختصاص بالحركة
الركوعية ونحوها إذ التصرف والتحريم كما عرفت قد حصل بمجرد اللبس واستدامته صلى
فيه أو لم يصل، غاية الأمر أنه قد قارن التصرف المحرم هذه الحركات والسكنات في
الصلاة والنهي عن المقارن لا يوجب التعدي إلى ما قارنه، وحينئذ فلا يكون النهي
متناولا لجزء من الصلاة ولا شرطها، ومع تسليم ما ذكره فالجواب عنه ما تقدم. وقوله
في الإشارة إلى الجواب عن ذلك " واعتبار الجهتين نافع... الخ " ممنوع فإن العلة
التي عللوا بها ذلك أنما تتم في ما إذا كان تعلق الأمر والنهي من جهة واحدة كما لا يخفي.
109

وبالجملة فإنه يكفينا التمسك بامتثال الأمر المتفق على كونه يقتضي الاجزاء،
وذلك فإنه إذا قال الشارع " صل بعد الطهارة مستقبل القبلة مستترا بثوب طاهر " مثلا
فامتثل المكلف ذلك فلا ريب في صحة صلاته لما ذكرناه، والحكم ببطلان عبادته لو
كان المكان أو الثوب مغصوبا يحتاج إلى دليل حيث إن العبادة صحة وبطلانا وزيادة
ونقصانا وكمية وكيفية توقيفية والشارع لم يذكر في ما اشترطه من شروط الصلاة إباحة
مكانه ولا ثوبه، والدليل عندنا منحصر في الكتاب والسنة دون هذه التخريجات
الفكرية التي يزعمونها أدلة عقلية مع اختلاف العقول فيها نقضا وإبراما كما في هذه المسألة
وغيرها وقد حققنا في مقدمات الكتاب عدم جواز الاعتماد على الأدلة العقلية بل عدم
وجودها بالكلية.
إلا أنه قد ورد هنا بعض الأخبار مما يتسارع إلى الفهم منها الدلالة على القول
المشهور مثل ما رواه شيخنا المجلسي (قدس سره) في كتاب البحار (1) عن كتاب
تحف العقول للحسن بن علي بن شعبة وكتاب بشارة المصطفى للطبري عن أمير المؤمنين
(عليه السلام) في وصيته لكميل " يا كميل انظر في ما تصلي وعلى ما تصلي إن لم يكن
من وجهه وحله فلا قبول " وقريب منه ما رواه الصدوق مرسلا والكليني مسندا عن الصادق
(عليه السلام) (2) قال: " لو أن الناس أخذوا ما أمرهم الله به فأنفقوه في ما نهاهم عنه
ما قبله منهم ولو أخذوا ما نهاهم الله عنه فأنفقوه في ما أمرهم الله به ما قبله منهم حتى يأخذوه
من حق وينفقوه في حق " وما ربما يقال - من أن عدم القبول إنما هو بمعنى عدم ترتب
الثواب ولا ينافي الصحة - فقد أبطلناه في جملة من زبرنا ولا سيما كتاب الدرر النجفية إلا أن باب التأويل فيهما غير منغلق.
وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال والاحتياط فيها مطلوب لا ينبغي
تركه على كل حال فإن كلام الفضل لا يخلو من قوة كما عرفت في هذا المجال. والله العالم

(1) الوسائل الباب 2 من مكان المصلي
(2) الوسائل الباب 2 من مكان المصلي
110

فروع
(الأول) - قال في المنتهى: لا فرق بين أن يكون الثوب المغصوب ساترا
أو غير ساتر بأن يكون فوق الساتر أو تحته على اشكال. أقول: الظاهر أن وجه الاشكال
عنده هو ما تقدم في كلام المحقق في المعتبر من تخصيصه التحريم بالساتر أو ما يقوم عليه
أو يسجد عليه والجواز في ما عدا ذلك، وهو في هذا الكتاب يحذو حذو المعتبر غالبا
وفي هذا المقام توقف. وقد مضى تحقيق الكلام في المقام.
(الثاني) قال في المنتهى أيضا: قيل تبطل الصلاة في الخاتم المغصوب وشبهه
كالسوار والقلنسوة والعمامة. وفيه تردد أقربه البطلان. أقول: ومنشأ هذا التردد أيضا
هو كلام المحقق في المعتبر حيث إنه جزم بالصحة في الخاتم المغصوب ونحوه مما لا يستر
العورة والعلامة هنا قد رجح القول المشهور.
(الثالث) - لو جهل أصل الغصب فالظاهر أنه لا خلاف بينهم في الصحة لعدم
توجه النهي ولزوم تكليف ما لا يطاق.
(الرابع) - لو علم بالغصب وجهل الحكم أعني تحريم الصلاة في المغصوب
فالمشهور الحاقه بالعالم في عدم المعذورية، وعلله في الذكرى بأنه جمع بين الجهل والتقصير
في التعلم. ولا يخفى ما فيه، ولهذا مال في المدارك إلى الحاقه بسابقة حيث قال بعد أن
ذكر أن جاهل الغصب لا تبطل صلاته لارتفاع النهي: ولا يبعد اشتراط العلم بالحكم
أيضا لامتناع تكليف الغافل فلا يتوجه إليه النهي المقتضي للفساد. وهو جيد إلا أنه لم
يقف عليه في غير هذا الموضع وغير هذا المقام من سائر الأحكام بل وافق الأصحاب
في غير هذين المقامين في عدم معذورية جاهل الحكم كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى.
وقد تقدم في مقدمات الكتاب البحث في المسألة ورجحنا معذورية جاهل الحكم مطلقا
على تفصيل تقدم بيانه.
111

(الخامس) - قال في المنتهى: لو علم بالغصب في أثناء الصلاة نزعه ثم إن
كان عليه غيره أتم الصلاة لأنه دخل دخولا مشروعا، ولو لم يكن عليه غيره أبطل الصلاة
وستر عورته ثم استأنف. انتهى. وهو جيد إلا أن اطلاقه الابطال في ما لو لم يكن
عليه غيره غير خال من نظر، لأنه لو لم يكن عليه غيره وأمكن تناول ما يستر به
العورة من غير استلزام مبطل تناوله وستر عورته وتمم صلاته ولا يحتاج إلى استئناف.
(السادس) - لو علم بالغصب ونسي فإن كان ناسيا للحكم أعني تحريم الصلاة
في المغصوب مع تذكره الغصب فظاهر الأصحاب عدم المعذورية، وعلله في الذكرى
باستناده إلى تقصيره في التحفظ، وإن كان ناسيا للغصب فظاهر المنتهى المعذورية
حيث قال: لو تقدمه علم بالغصبية ثم نسي حال الصلاة فصلى فيه صحت صلاته لقوله
(صلى الله عليه وآله) (1) " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان " والقياس على النجاسة
باطل. انتهى ونقله في المختلف والذكرى عن ابن إدريس. وظاهر كلام ابن إدريس
في السائر وجود قائل بوجوب الإعادة مطلقا. واختار في المختلف الإعادة في الوقت
لا في خارجه، قال: والوجه عندي الإعادة في الوقت لا خارجه (أما الأول) فلأنه لم يأت
بالمأمور به على وجهه فيبقى في عهدة التكليف. و (أما الثاني) فلأن القضاء فرض ثان
يفتقر إلى دليل مغاير لدليل التكليف المبتدأ. انتهى. وهو جيد وإليه يميل كلام
شيخنا في الذكرى وأما القول بعدم وجوب الإعادة مطلقا ففيه أن ما استدلوا عليه
به من الخبر المذكور لا يفي بالدلالة لاحتمال أن يكون المراد رفع المؤاخذة لا صحة الفعل.
ولصاحب الذخيرة هنا كلام لا يخلو من سهو وخلل لا بأس بنقله وبيان ما فيه
قال (قدس سره) في الكتاب المذكور: والناسي للحكم كجاهل الحكم، ولو نسي
الغصبية ففيه أوجه: (الأول) الإعادة في الوقت والقضاء خارجه ولا أعلم به قائلا.
و (الثاني) الإعادة في الوقت دون القضاء وفي كلام ابن إدريس دلالة على أنه قول

(1) الوسائل الباب 30 من الخلل في الصلاة
112

لبعض الأصحاب واختاره المصنف. و (الثالث) عدم الإعادة مطلقا واختاره ابن إدريس
وهو أقرب، لنا - إن النهي غير متعلق به في صورة النسيان فيبقى اطلاق التكليف بالصلاة
سالما عن المعارض، ووجوب التحفظ بحيث لا يعرض له النسيان غير ثابت. وأما
الاستدلال بقوله (صلى الله عليه وآله) " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان "، وذكر الحديث
ثم رده بنحو ما ذكرناه. ثم قال: احتج القائلون بوجوب الإعادة دون القضاء بأن الناسي
مفرط لقدرته على التكرار الموجب للتذكار فإذا أخل به كان مفرطا، ولأنه لما علم كان
حكمه المنع من الصلاة والأصل بقاء ذلك عملا بالاستصحاب. وأما عدم وجوب القضاء
فلأنه تكليف جديد ولم يثبت. والجواب منع وجوب التكرار ومنع كونه موجبا
للتذكار... الخ.
وفيه (أولا) أن كلام ابن إدريس في السرائر ظاهر في وجود القول بوجوب
الإعادة مطلقا لا التفصيل كما لا يخفى على من راجعه. و (ثانيا) أن من ذهب إلى التفصيل
ووجوب الإعادة في الوقت كالعلامة في المختلف والشهيد في الذكرى إنما علل ذلك بأنه
متى ذكر في الوقت دخل تحت عهدة الخطاب لأنه لم يأت بالمأمور به على وجهه والوقت
باق فيبقى تحت عهدة الخطاب حتى يأتي به كما عرفت من كلام المختلف ومثله الشهيد في
الذكرى، حيث قال: ويمكن القول بالإعادة في الوقت لقيام السبب وعدم تيقن الخروج
من العهدة. لا أنهم عللوه بما زعمه من أن الناسي مفرط... إلى آخره كلامه. وبذلك يظهر
لك ضعف ما اختاره من عدم وجوب الإعادة في الوقت لاعتماده في ذلك على رد دليل
القائلين بالإعادة بزعمه وإلا فهو قد صرح بعدم دلالة الحديث الذي اعتمده في المنتهى
والسرائر. قوله: لنا - إن النهي غير متعلق به في صورة النسيان (قلنا) نعم هذا الكلام
تام لو استمر النسيان إلى أن خرج الوقت أما لو ذكر في الوقت فما ذكره ممنوع لظهور
أن ما أتى به ليس كما أمر به الشارع فهو باق تحت عهدة الخطاب لبقاء الوقت وتوجه
الخطاب وهو السبب في التكليف بالعبادة. وبالجملة فالظاهر أن كلامه هنا ناشئ عن عدم
113

المراجعة لكلام القائلين بالتفصيل وما ذكروه من التعليل.
(السابع) - لو أذن المالك للغاصب وغيره جازت الصلاة لكل من دخل
تحت الإذن بلا اشكال، بل الظاهر عدم تحقق الغصبية في حال الصلاة مع تعلق الإذن
بالغاصب لأن الاستيلاء في تلك الحال لا عدوان فيه: ولو أذن مطلقا فالظاهر - كما
استظهره جملة من الأصحاب - عدم دخول الغاصب في ذلك لقيام العادة بحقد المغصوب
منه على الغاصب وميله عليه وطلب التشفي منه والغلبة عليه والانتقام منه، والقلوب
- كما قال سيد الأنبياء (صلى الله عليه وآله) - مجبولة على حب من أحسن إليها وبغض
من أساء إليها (1) فيكون هذا الظاهر بحسب العادة بمنزلة المخصص لذلك الاطلاق، ولو
فرض انتفاء ذلك بالقرائن وجب العمل بمقتضى الاطلاق.
(المطلب الثالث) - في ما يستحب ويكره. وتفصيل ذلك يقع في مواضع:
(منها) - أنه يستحب الصلاة في النعل العربية عند علمائنا بغير خلاف يعرف.
ويدل عليه ما رواه الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب في الصحيح عن
عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) أنه قال: " إذا صليت
فصل في نعليك إذا كانت طاهرة فإن ذلك من السنة " وفي التهذيب " فإنه يقال
ذلك من السنة ".
وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن معاوية بن عمار (3) قال " رأيت
أبا عبد الله (عليه السلام) يصلي في نعليه غير مرة ولم أره ينزعهما قط ".
وعن علي بن مهزيار في الصحيح (4) قال " رأيت أبا جعفر (عليه السلام) صلى
حين زالت الشمس يوم التروية ست ركعات خلف المقام وعليه نعلاه لم ينزعهما ".
وما رواه في الكافي عن محمد بن الحسين عن بعض الطالبيين يلقب برأس

(1) نهج الفصاحة ص 275
(2) الوسائل الباب 37 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 37 من لباس المصلي
(4) الوسائل الباب 37 من لباس المصلي
114

المدرى (1) قال: " سمعت الرضا (عليه السلام) يقول أفضل موضع القدمين
للصلاة النعلان ".
وروى في كتاب العلل في الصحيح أو الحسن (2) قال: " وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أقيمت الصلاة لبس نعليه وصلى فيهما ".
وأنت خبير بأنه قد وقع في عبارات الأصحاب التصريح بالعربية بمعنى أنهم خصوا
الاستحباب بالنعل العربية والروايات - كما ترى - مطلقة، ولعل الوجه في ذلك فهمهم
أنها هي التي كانت متعارفة في وقتهم (عليهم السلام) والاحتياط يقتضي الاقتصار على
ذلك وإن كان ظواهر الأخبار الدلالة على ما هو أعم من العربية وغيرها.
وقد تقدم جملة من المستحبات في هذا الباب في الأبحاث السابقة كاستحباب ستر البدن
كملا للرجل إذ الواجب هو ستر العورتين، واستحباب وضع شئ على عاتقه إذا صلى مكشوف
الظهر ونحو ذلك مما تقدم، وتقدمت الأخبار الدالة على جميع ذلك فلا ضرورة إلى إعادتها
و (منها) استحباب الطيب بالمسك وغيره، فروى في الكافي في الصحيح
عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " كانت لرسول الله
(صلى الله عليه وآله) ممسكة إذا هو توضأ أخذها بيده وهي رطبة وكان إذا خرج
عرفوا أنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) برائحته ".
وعن الحسن بن علي عن أبي الحسن (عليه السلام) (4) قال: " كان يعرف
موضع سجود أبي عبد الله (عليه السلام) بطيب ريحه "
وعن علي بن إبراهيم رفعه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) في حديث
قال: " صلاة متطيب أفضل من سبعين صلاة بغير طيب ".
وعن عبد الله بن الحارث (6) قال: " كانت لعلي بن الحسين (عليه السلام)

(1) الوسائل الباب 37 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 63 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 43 من لباس المصلي
(4) الوسائل الباب 43 من لباس المصلي
(5) الوسائل الباب 43 من لباس المصلي
(6) الوسائل الباب 43 من لباس المصلي
115

قارورة مسك في مسجده فإذا دخل للصلاة أخذ منه فتمسح به ".
وروى الصدوق في كتاب ثواب الأعمال بسنده عن المفضل بن عمر عن الصادق
(عليه السلام) (1) قال: " ركعتان يصليهما متعطر أفضل من سبعين ركعة يصليهما غير
متعطر " إلى غير ذلك من الأخبار.
و (منها) - أنه يكره الصلاة في الثياب السود عدا العمامة والخف والكساء وهو
ثوب من صوف ومنه العباء، كذا نقل عن الجوهري.
ويدل عليه ما رواه ثقة الاسلام في الكافي عن أحمد بن محمد رفعه عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: " يكره السواد إلا في ثلاثة: الخف والعمامة والكساء ".
وروى في كتاب الزي من الكتاب المذكور عن أحمد بن أبي عبد الله عن بعض
أصحابه رفعه (3) قال: " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يكره السواد إلا في
ثلاث: الخف والعمامة والكساء ".
وعن حذيفة بن منصور (4) قال: " كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام)
بالحيرة فأتاه رسول أبي العباس الخليفة يدعوه فدعا بممطر أحد وجهيه أسود والآخر
أبيض فلبسه ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام) أما إني ألبسه وأنا أعلم أنه لباس أهل
النار " أقول: في القاموس الممطر والممطرة بكسرهما ثوب صوف يتوقى به من المطر.
ثم أقول: يحتمل أن يكون لبسه (عليه السلام) له في تلك الحال لضرورة دفع المطر أو تقية
حيث إنه المعمول عليه عند المخالفين يومئذ.
وروى الصدوق في الفقيه (5) مرسلا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال
في ما علم أصحابه " لا تلبسوا السواد فإنه لباس فرعون ".
وروى بإسناده عن إسماعيل بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) (6) أنه قال

(1) الوسائل الباب 43 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 19 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 19 من لباس المصلي
(4) الوسائل الباب 19 من لباس المصلي
(5) الوسائل الباب 19 من لباس المصلي
(6) الوسائل الباب 19 من لباس المصلي
116

" أوحى الله إلى نبي من أنبيائه قلل للمؤمنين لا يلبسوا ملابس أعدائي ولا يطعموا مطاعم
أعدائي ولا يسلكوا مسالك أعدائي فيكونوا أعدائي كما هم أعدائي.
أقول: قال الصدوق في كتاب عيون الأخبار بعد نقل هذا الخبر بسند آخر عن
علي بن أبي طالب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله: قال المصنف (رضي الله عنه):
لباس الأعداء هو السواد، ومطاعم الأعداء هو النبيذ والمسكر والفقاع والطين والجري
من السمك والمار ما هي والزمير والطافي وكل ما لم يكن له فلس من السمك والأرنب
والضب والثعلب وما لم يدف من الطير وما استوى طرفاه من البيض والدبا من الجراد
وهو الذي لا يستقل بالطيران والطحال، ومسالك الأعداء مواضع التهمة ومجالس شرب
الخمر والمجالس التي فيها الملاهي ومجالس الذين لا يقضون بالحق والمجالس التي تعاب فيها
الأئمة والمؤمنون ومجالس أهل المعاصي والظلم والفساد. انتهى. وحاصله يرجع إلى
التخصيص بالمحرمات في ما عدا اللباس حملا للنهي علي التحريم. والأظهر الحمل على ما هو
أعم من التحريم أو الكراهة مثل لباس اليهود والنصارى ومآكلهم وكذا لباس المخالفين
ومآكلهم المعلومة مخالفة ذلك للسنن النبوية والشريعة المحمدية (صلى الله عليه وآله)
ويؤيده وقوع المناهي في الأخبار عن جملة من الأشياء من حيث دخولها في مضمون
هذا الخبر مثل النهي عن البرطلة لأنها من زي اليهود (1) واسدال الرداء لأنه من
زيهم (2) وشم النرجس في الصوم لأنه من فعل المجوس (3) والأكل بالملاعق كما يفعله
الروم والمخالفون لمخالفته لسنة الأكل باليد (4) وجر الثياب على الأرض كما يفعلونه أيضا
لمنافاته التشمير المأمور به (5) وجز اللحى واعفاء الشوارب كما يفعلونه لمخالفته للسنة النبوية

(1) الوسائل الباب 31 من الحكام الملابس
(2) الوسائل الباب 25 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 32 من ما يمسك عنه الصائم
(4) الوسائل الباب 68 من آداب المائدة
(5) الوسائل الباب 22 من أحكام الملابس
117

في العكس وأمثال ذلك. فإن الظاهر دخول الجميع تحت الخبر.
ثم أقول: لا يبعد استثناء لبس السواد في مأتم الحسين (عليه السلام) من هذه الأخبار لما استفاضت به الأخبار من الأمر باظهار شعائر الأحزان، ويؤيده ما رواه
شيخنا المجلسي (قدس سره) عن البرقي في كتاب المحاسن (2) أنه روى عن عمر بن
زين العابدين (عليه السلام) أنه قال " لما قتل جدي الحسين المظلوم الشهيد لبس
نساء بني هاشم في مأتمه ثياب السواد ولم يغيرنها في حر أو برد وكان الإمام زين العابدين
(عليه السلام) يصنع لهن الطعام في المأتم " والحديث منقول من كتاب جلاء العيون
بالفارسية ولكن هذا حاصل ترجمته.
وأشد السواد كراهة القلنسوة السوداء لما رواه في الكافي عن محسن بن أحمد
عن من ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " قلت له أصلي في القلنسوة
السوداء؟ فقال لا تصل فيها فإنها لباس أهل النار " ورواه في الفقيه مرسلا (4)
هذا، ومما يدل على كراهة بعض الألوان غير السواد ما رواه الكليني والشيخ
في الموثق عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال: " تكره الصلاة
في الثوب المصبوغ المشبع المفدم " أقول: المفدم لغة الشديد الحمرة أو اللون، وعلى الثاني
فيكون تأكيدا للمشبع فيكون فيه دلالة على كراهة كل لون مشبع من حمرة أو صفرة
أو خضرة أو نحو ذلك، ومن هنا نقل عن الشيخ وابن الجنيد وابن إدريس كراهة
الصلاة في الثياب المقدمة بلون من الألوان.
وما رواه في التهذيب عن يزيد بن خليفة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6)
" أنه كره الصلاة في المشبع بالعصفر المضرج بالزعفران " قال في الوافي: المضرج

(1) الوسائل الباب 67 من آداب الحمام
(2) ص 420
(3) الوسائل الباب 20 من لباس المصلي
(4) الوسائل الباب 20 من لباس المصلي
(5) الوسائل الباب 59 من لباس المصلي.
(6) الوسائل الباب 59 من لباس المصلي.
118

بالضاد المعجمة والجيم المصبوغ بالحرمة دون المفدم وفوق المورد.
وما رواه في الكافي عن مالك بن أعين (1) قال: " دخلت على أبي جعفر
(عليه السلام) وعليه ملحفة حمراء شديدة الحمرة فتبسمت حين دخلت فقال كأني أعلم
لم ضحكت ضحكت من هذا الثوب الذي هو علي، إن الثقفية أكرهتني عليه وأنا أحبها
فأكرهتني على لبسها، ثم قال إنا لا نصلي في هذا ولا تصلوا في المشبع المضرج. قال ثم
دخلت عليه وقد طلقها فقال سمعتها تبرأ من علي (عليه السلام) فلم يسعني أن أمسكها
وهي تبرأ منه ".
وبالجملة فالظاهر من الأخبار كراهية الصلاة في المفدم بمعنييه المتقدمين والمعصفر
المضرج بالزعفران، وبذلك صرح أيضا الفاضلان في المعتبر والمنتهى. أما لبسه في غير
الصلاة فظاهر جملة من الأخبار جوازه وأن الأئمة (عليهم السلام) كانوا يلبسونه في
مقام استحباب إظهار الزينة كما عرفت من حديث مالك بن أعين المذكور ومثله أخبار
أخر نقلها في الكافي في كتاب الزينة واللباس.
و (منها) - أنه يكره أن يأتزر فوق القميص على المشهور ذكره الشيخان
وأتباعهما: ويدل عليه ما رواه ثقة الاسلام في الكافي في الصحيح عن هشام بن سالم
عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " لا ينبغي أن تتوشح بإزار فوق
القميص وأنت تصلي ولا تتزر بإزار فوق القميص إذا أنت صليت فإنه من زي الجاهلية "
وإنما حملنا لفظ " لا ينبغي " على الكراهة في الرواية مع ورود استعماله في
الأخبار بمعنى التحريم كثيرا كما تقدم ذكره في غير مقام لما رواه الشيخ في الصحيح
عن موسى بن القاسم البجلي (3) قال: " رأيت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) يصلي
في قميص قد اتزر فوقه بمنديل وهو يصلي " وفي الصحيح عن موسى بن عمر

(1) الوسائل الباب 59 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 24 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 24 من لباس المصلي
119

بن بزيع (1) قال " قلت للرضا (عليه السلام) أشد الإزار والمنديل فوق قميصي في الصلاة؟
فقال لا بأس به ".
وأكثر المتأخرين ومنهم صاحب المدارك إنما نقلوا رواية أبي بصير عن التهذيب
وهي فيه هكذا قال: " لا ينبغي أن تتوشح بإزار فوق القميص إذا أنت صليت فإنه
من زي الجاهلية ولهذا اعترض في المدارك بعد نقله عن الشيخ الرواية بهذه الصورة
بأنها غير دالة على المدعى وإنما تدل على كراهة التوشح فوق القميص وهو خلاف الاتزار.
وأنت خبير بأن الظاهر أن الرواية المذكورة في الكتابين واحدة لأن الشيخ إنما رواها
في التهذيب عن محمد بن يعقوب بالسند الذي في الكافي وأسقط منها موضع الاستدلال
وهو ناشئ عن الغفلة والاستعجال وانتقل نظره من لفظ القميص الأول إلى الثاني فسقط
ما بين ذلك. وأكثرهم لم يراجع الكافي في المقام. وما ذكرناه ظاهر لا يخفى على من له
أنس بملاحظة كتاب التهذيب وتدبره ما وقع للشيخ في أخباره متنا وسندا من التغيير
والتبديل والتحريف والتصحيف وقلما يخلو خبر من شئ من ذلك. وبذلك يظهر أن
ما اعترض به (قدس سره) على هذه الرواية - من عدم الدلالة في المقام وإن تبعه من تبعه
من الأعلام وطعنوا به على المتقدمين من عدم وجود مستند للقول بالكراهة - ليس في محله
وممن وقع في ذلك أيضا صاحب المعتبر فنقل رواية أبي بصير من التهذيب وتبعه من
تأخر عنه من غير ملاحظة لكتاب الكافي، وحيث لم تكن مشتملة على الاتزار حكم
بالجواز بغير كراهة للصحيحتين المتقدمتين، والحق ما ذكرناه.
و (منها) - أنه يكره التوشح والأخبار بذلك متكاثرة: منها - ما تقدم في رواية
أبي بصير، ومنها - ما رواه الشيخ عن محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابه عن أحدهما (عليهما
السلام) (2) قال: " الارتداء فوق التوشح في الصلاة مكروه والتوشح فوق
القميص مكروه ".

(1) الوسائل الباب 24 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 24 من لباس المصلي
120

ومنها - ما رواه في الفقيه عن زياد بن المنذر عن أبي جعفر (عليه السلام) (1)
" أنه سأله رجل وهو حاضر عن الرجل يخرج من الحمام أو يغتسل فيتوشح ويلبس
قميصه فوق إزاره فيصلي وهو كذلك؟ قال هذا من عمل قوم لوط. فقلت إنه يتوشح
فوق القميص؟ قال هذا من التجبر... الحديث " ورواه الشيخ في التهذيب (2) أيضا.
ومنها - موثقة عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) " سئل عن الرجل يؤم
بقوم يجوز له أن يتوشح قال لا لا يصلي الرجل بقوم وهو متوشح فوق ثيابه وإن كانت
عليه ثياب كثيرة لأن الإمام لا يجوز له الصلاة وهو متوشح ".
ومنها - ما رواه في كتاب العلل عن الهيثم بن واقد عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (4) قال: " إنما كره التوشح فوق القميص لأنه من فعل الجبابرة ".
وما رواه فيه أيضا عن يونس عن جماعة من أصحابه عن أبي جعفر وأبي عبد الله
(عليهما السلام) (5) " أنه سئل ما العلة التي من أجلها لا يصلي الرجل وهو متوشح فوق
القميص؟ فقال لعلة التكبر في موضع الاستكانة والذل ".
وما رواه في كتاب الخصال عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عن
آبائه (عليهم السلام) (6) قال: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يصلي الرجل
في قميص متوشحا به فإنه من أفعال قول لوط ".
وأما ما يدل على الجواز فحسنة حماد بن عيسى (7) قال: " كتب الحسن بن علي
ابن يقطين إلى العبد الصالح (عليه السلام) هل يصلي الرجل الصلاة وعليه إزار متوشح به
فوق القميص؟ فكتب نعم ".
وما رواه علي بن جعفر في كتاب المسائل وقرب الإسناد عن علي بن جعفر عن
أخيه موسى (عليه السلام) (8) قال: " سألته عن الرجل يتوشح بالثوب فيقع على

(1) الوسائل الباب 24 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 24 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 24 من لباس المصلي
(4) الوسائل الباب 24 من لباس المصلي
(5) الوسائل الباب 24 من لباس المصلي
(6) الوسائل الباب 24 من لباس المصلي
(7) الوسائل الباب 24 من لباس المصلي
(8) الوسائل الباب 23 و 24 من لباس المصلي
121

الأرض أو يجاوز عاتقه أيصلح ذلك؟ قال لا بأس ".
وقال في من لا يحضره الفقيه (1) بعد أن روى ما يدل على الكراهة: " وقد رويت
رخصة في التوشح بالإزار فوق القميص عن البعد الصالح وعن أبي الحسن الثالث وعن
أبي جعفر الثاني (عليهم السلام) وبها آخذ وأفتي " وما ذكره من الرواية عن أبي جعفر الثاني
وعن أبي الحسن الثالث (عليهما السلام) فلم تصل إلينا في ما وصل من المنقول ولكنه
الصدوق في ما يقول.
وبما ذكرنا يظهر لك ما في كلام صاحب المدارك حيث نفى الكراهة فقال: ولا يبعد
عدم كراهة التوشح لما رواه حماد بن عيسى، ثم أورد الرواية المتقدمة. والعجب أنه نقل في
صدر الكلام روايتي أبي بصير ومحمد بن إسماعيل المتقدمتين في صدر هذه الروايات وهما
صريحتان في الكراهة مع ما علم من طريقته من عدم المناقشة في أدلة الاستحباب والكراهة
وظاهر الصدوق في ما ذكرناه من عبارته الجمع بين أخبار المسألة يحمل أخبار
الجواز على الرخصة. وظاهر الشيخ في الجمع بين ما ذكره في كتابه من أخبار الطرفين
هو حمل أخبار النهي على الالتحاف بالثوب كما تلتحف اليهود وأن يشتمل به كما يفعلونه
وأخبار الجواز على أن يتوشح بالإزار ليغطي ما قد كشف منه ويستر ما تعرى
من بدنه، واحتج لهذا بما رواه في الموثق عن سماعة (2) قال: " سألته عن الرجل
يشتمل في صلاته بثوب واحد؟ قال لا يشتمل بثوب واحد فأما أن يتوشح فيغطي
منكبيه فلا بأس " وأنت خبير بأن حسنة حماد الدالة على الجواز صريحة في أن التوشح
فوق القميص فلا يجري فيما ما ذكره، وظاهر التعليلات الواردة في أخبار النهي أن
المنع من ذلك أنما هو من حيث كونه فعل الجبابرة وأصحاب التكبير، والتعليل بالتشبه
باليهود إنما ورد في اسدال الرداء واشتمال الصماء كما وقع في جملة من الأخبار فلا يتم

(1) الوسائل الباب 24 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 25 من لباس المصلي
122

ما ذكره أيضا في أخبار النهي. وبذلك يظهر أن الأظهر ما ذكره الصدوق (قدس سره)
من الجمع بالحمل على الرخصة.
بقي الكلام في معنى التوشح وأنه عبارة عماذا فنقل السيد في المدارك عن الجوهري
قال يقال التوشح الرجل بثوبه وسيفه إذا تقلدهما. ونقل عن بعض أهل اللغة أن التوشح
بالثوب هو إدخاله تحت اليد اليمنى والقاؤه على المنكب الأيسر كما يفعله المحرم.
أقول: وبالأول من هذين المعنيين صرح في القاموس فقال: توشح بسيفه وثوبه تقلد.
وبالثاني صرح الفيومي في المصباح المنير فقال: وتوشح به وهو أن يدخله تحت إبطه الأيمن
ويلقيه على منكبه الأيسر كما يفعله المحرم. ونحوه في كتاب المغرب قال: توشح الرجل
وهو أن يدخل الرجل ثوبه تحت يده اليمنى ويلقيه على منكبه الأيسر كما يفعل المحرم وكذلك
الرجل يتوشح بحمائل سيفه فتقع الحمائل على عاتقه اليسرى وتكون اليمنى مكشوفة. وقال
في نهاية ابن الأثير: فيه " أنه كان يتوشح بثوبه " أي يتغشى به والأصل فيه من الوشاح.
ونقل عن النووي في شرح مسلم (1) أن التوشح أن يأخذ طرف الثوب الذي ألقاه على
منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى ويأخذ طرفه الذي ألقاه على الأيسر تحت يده اليمنى ثم
يعقدهما على صدره، والمخالفة بين طرفيه والاشتمال بالثوب بمعنى التوشح. ولا يخفى ما في
هذه العبارات من الاختلاف ولعل الأظهر ما ذكره في كتاب المصباح المنير وفي المغرب
لما ذكره الفقهاء في لبس ثوب الاحرام الأعلى من التوشح على النحو المذكور.
و (منها) - أنه يكره اشتمال الصماء، ولا خلاف فيه بين الأصحاب (رضوان
الله عليهم) في ما أعلم، والأصل فيه ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن
أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال: " إياك والتحاف الصماء. قلت وما التحاف الصماء؟
قال إن تدخل الثوب من تحت جناحك فتجعله على منكب واحد ".
وروى في كتاب معاني الأخبار عن القاسم بن سلام بأسانيد متصلة بالنبي (صلى

(1) ج 4 ص 223
(2) الوسائل الباب 25 من لباس المصلي
123

الله عليه وآله) (1) " أنه نهى عن لبستين: اشتمال الصماء وأن يلتحف الرجل بثوب
ليس بين فرجه وبين السماء شئ " قال وقال الصادق (عليه السلام) " التحاف الصماء
هو أن يدخل الرجل رداءه تحت إبطه ثم يجعل طرفين على منكب واحد " وظاهر الخبرين
المذكورين كراهيته مطلقا، والظاهر أن ذكر الأصحاب لهذا الحكم في هذا المقام إنما
هو من حيث عموم الأخبار المذكورة لحال الصلاة.
بقي الكلام في معناه وأنه عبارة عماذا قال في كتاب معاني الأخبار بعد ذكر
الخبر المذكور فيه: قال الأصمعي اشتمال الصماء عند العرب أن يشتمل الرجل بثوبه
فيجلل به جسده كله ولا يرفع منه جانبا فيخرج منه يده. وأما الفقهاء فإنهم يقولون هو
أن يشتمل الرجل بثوب واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه
فيبدو منه فرجه. ثم قال: قال الصادق (عليه السلام) التحاف الصماء... إلى آخر
ما قدمناه. ثم قال وهذا هو التأويل الصحيح. انتهى. وقال الجوهري: قال أبو عبيد
واشتمال الصماء أن تجلل جسدك بثوبك نحو شملة الأعراب بأكسيتهم وهو أن يرد الكساء
من قبل يمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر ثم يرده ثانية من خلفه على يده اليمنى
وعاتقه الأيمن فيغطيهما جميعا. وذكر أبو عبيد أن الفقهاء يقولون هو أن يشتمل بثوب
واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه فيبدو منه فرجه فإذا
قلت اشتمل فلأن الصماء كأنك قلت اشتمل الشملة التي تعرف بهذا الاسم لأن الصماء
ضرب من الاشتمال. وذكر في القاموس نحوا منه. وقال الجزري: فيه " ولا تشتمل
اشتمال اليهود " الاشتمال افتعال من الشملة وهو كساء يتغطى به ويتلفف فيه والمنهي
عنه هو التجلل بالثوب واسباله من غير أن يرفع طرفه، ومنه الحديث " نهى عن اشتمال
الصماء " وهو أن يتجلل الرجل بثوبه ولا يرفع منه جانبا وإنما قيل له صماء لأنه يسد
على يديه ورجليه المنافذ كلها كالصخرة الصماء التي ليس فيها خرق ولا صدع والفقهاء

(1) الوسائل الباب 25 من لباس المصلي
124

يقولون هو أن يتغطى بثوب واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على
منكبه فتنكشف عورته. وقال النووي في شرح مسلم: يكره على الأول لئلا تعرض له
حاجة من دفع بعض الهوام أو غيره فيتعذر عليه أو يعسر، ويحرم على الثاني إن انكشف
بعض عورته وإلا يكره. وهو بمهملة ومد.
أقول: وعلى هذا النحو كلام جملة من علماء العامة ومنه يعلم معناه عند اللغويين
منهم وعند فقهائهم. وأما ما ذكره أصحابنا (رضوان الله علهم) فقال الشيخ في المبسوط
والنهاية هو أن يلتحف بالإزار ويدخل طرفيه تحت يده ويجمعهما على منكب واحد كفعل
اليهود وهو المشهور والمراد بالالتحاف ستر المنكبين. وقال ابن إدريس في السرائر: ويكره
السدل في الصلاة كما يفعل اليهود وهو أن يتلفف بالإزار ولا يرفعه على كتفيه، وهذا تفسير
أهل اللغة في اشتمال الصماء وهو اختيار السيد المرتضى فأما تفسير الفقهاء لاشتمال الصماء
الذي هو السدل، قالوا هو أن يلتحف بالإزار ويدخل طرفيه من تحت يده ويجعلهما جميعا
على منكب واحد. أقول: ظاهر كلامه اتحاد السدل واشتمال الصماء وهو خلاف ما عليه
الأصحاب كما سيأتي إن شاء الله تعالى قريبا، وكيف كان فالعمل على ما دلت عليه
صحيحة زرارة المتقدمة وهو قول الشيخ المتقدم وبه قال في المعتبر.
إلا أنه بقي هنا شئ وهو أنه هل المراد من قوله (عليه السلام) في الخبر:
" تدخل الثوب من تحت جناحك " بمعنى إدخال أحد طرفي الثوب من تحت أحد
الجناحين والطرف الآخر من تحت الجناح الآخر ثم جعلهما على منكب واحد بأن يراد
بالجناح الجنس أو المراد إدخال طرفي الثوب معا من تحت جناح واحد سواء كان
الأيمن أو الأيسر ثم وضعه على منكب واحد؟ كل محتمل إلا أن الأظهر الثاني حملا
للفظ على ظاهره وإلا لكان الأظهر أن يقول " جناحيك ".
و (منها) كراهة الصلاة في عمامة لا حنك لها على المشهور وأسنده في المعبر
إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الاجماع عليه، وقال الصدوق في كتابه: وسمعت مشايخنا
125

(رضوان الله عليهم) يقولون لا تجوز الصلاة في الطابقية ولا يجوز للمعتم أن يصلي إلا
وهو متحنك. وجملة من الأصحاب: منهم صاحب المدارك وغيره صرحوا بأن المستفاد
من الأخبار كراهة ترك التحنك حال الصلاة وغيرها ولا خصوصية للصلاة بذلك وإنما
يكون دخولها من حيث العموم على نحو ما أشرنا إليه في اشتمال الصماء.
أقول: والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بالتحنك ما رواه الشيخ في
الحسن عن ابن أبي عمير عن ما ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" من تعمم ولم يتحنك فأصابه داء لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه ".
وعن عيسى بن حمزة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " من أتمم فلم
يدر العمامة تحت حنكه فأصابه ألم لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه ".
وروى ابن بابويه في الفقيه في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (3) قال: " من خرج في سفر فلم يدر العمامة تحت حنكه فأصابه ألم لا دواء
له فلا يلومن إلا نفسه ".
وقال في الفقيه (4): وقال (عليه السلام) " إني لأعجب ممن يأخذ في حاجة
وهو معتم تحت حنكه كيف لا تقضى حاجته " وقال النبي (صلى الله عليه وآله) الفرق
بين المسلمين والمشركين التلحي بالعمائم وذلك في أول الاسلام وابتدائه " ثم قال وقد
نقل عنه أهل الخلاف أيضا أنه أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط إلى هنا كلام الفقيه.
ونقل العلامة في المختلف وكذا من تأخر عنه عن الصدوق القول بالتحريم وكلامه
المتقدم نقله وإن كان ظاهره التحريم إلا أنه إنما أسنده إلى مشايخه إلا أن يقال إنه باعتبار
عدم انكاره ورده دال على القول به وفيه ما فيه لامكان توقفه.
وقال شيخنا البهائي (قدس سره) لم نظفر في شئ من الأحاديث بما يدل على
استحبابه لأجل الصلاة، ومن ثم قال في الذكرى واستحباب التحنك عام ولعل حكمهم

(1) الوسائل الباب 26 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 26 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 26 من لباس المصلي
(4) الوسائل الباب 26 من لباس المصلي
126

في كتب الفروع بذلك مأخوذ من كلام علي بن بابويه فإن الأصحاب كانوا يتمسكون بما
يجدونه في كلامه عند اعواز النصوص، فالأولى المواظبة على التحنك في جميع الأوقات
ومن لم يكن متحنكا وأراد أن يصلي به فالأولى أن يقصد أنه مستحب في نفسه لا أنه
مستحب لأجل الصلاة. انتهى.
أقول: وعندي في ما ذكروه هنا من استحباب التحنك دائما اشكال لأن ذلك
وإن كان هو ظاهر الأخبار المتقدمة إلا أن هنا جملة من الأخبار ظاهرة المنافاة لذلك
حيث إن ظاهرها أن المستحب للمعتم دائما إنما هو الاسدال دون التحنك:
ومنها ما رواه الكليني في الصحيح عن الرضا (عليه السلام) (1) " في قول
الله عز وجل " مسومين " (2) قال العمائم اعتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسدلها
من بين يديه ومن خلفه واعتم جبرئيل فسدلها من بين يديه ومن خلفه ".
وعن أبي جعفر (عليه السلام) (3) قال: " كانت على الملائكة العمائم البيض
المرسلة يوم بدر ".
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: " عمم رسول الله (صلى الله عليه
وآله) عليا (عليه السلام) بيده فسدلها بين يديه من وقصرها من خلفه قدر أربع أصابع
ثم قال أدبر فأدبر ثم قال أقبل فأقبل ثم قال هكذا تيجان الملائكة ".
وعن ياسر الخادم (5) قال: " لما حضر العيد بعث المأموم إلى الرضا (عليه
السلام) يسأله أن يركب ويحضر العيد ويصلي ويخطب فبعث الرضا (عليه السلام) إليه
يستعفيه فألح عليه فقال إن لم تعفني خرجت كما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وأمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له المأموم أخرج كيف شئت، وساق الحديث إلى أن
قال: فلما طلعت الشمس قام (عليه السلام) فاغتسل واعتم بعمامة بيضاء من قطن ألقى طرفا

(1) الوسائل الباب 3 من أحكام الملابس
(2) سورة آل عمران. الآية 121
(3) الوسائل الباب 3 من أحكام الملابس
(4) الوسائل الباب 3 من أحكام الملابس
(5) الوسائل الباب 3 من أحكام الملابس
127

منها على صدره وطرفا بين كتفيه... الخبر ".
وروى الطبرسي في المكارم (1) بسنده " أن علي بن الحسين (عليه السلام) دخل
المسجد وعليه عمامة سوداء ألقى طرفا منها على صدره وطرفا بين كتفيه... الخبر ".
ونقل السيد الزاهد رضي الدين بن طاووس في كتاب الإمام عن أبي العباس بن
عقدة (2) في كتابه الذي سماه كتاب الولاية باسناده قال: " بعث رسول الله (صلى الله
عليه وآله) يوم غدير خم إلى علي (عليه السلام) فعممه وأسدل العمامة بين كتفيه وقال
هكذا أيدني ربي يوم حنين بالملائكة معممين قد أسدلوا العمائم وذلك حجز بين المسلمين
والمشركين... إلى آخر الخبر " وقال في الحديث الآخر (3) " عمم رسول الله (صلى
الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) يوم غدير خم عمامة سدلها بين كتفيه قال هكذا
أيدني ربي بالملائكة " ثم قال السيد أقول: هذا لفظ ما رويناه أردنا أن نذكره ليعلم وصف
العمامة في السفر الذي نخشاه. انتهى.
أقول: وهذه الأخبار كلها ظاهرة في ما ذكرناه نيرة في ما سطرناه ومفهومها
أن السنة في لبس العمامة إنما هو بهذه الكيفية كما فعلوه (عليهم السلام) من اسدال أحد
طرفي العمامة على الصدر والآخر بين الكتفين أو الاكتفاء بأحد الاسدالين دون الإدارة
تحت الحنك الذي هو معنى التحنك.
ولم أقف على من تفطن لهذا الاشكال إلا شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في
البحار إلا أنه وقع في ما هو أشكل منه فزعم حمل ما ذكرناه من الأخبار الدالة على
الاسدال على أنه التحنك المأمور به في تلك الأخبار المتقدمة مع أن التحنك لغة وعرفا
كما ذكره علماؤنا (رضوان الله عليهم) إنما هو إدارة جزء من العمامة تحت الحنك من
أحد الجانبين إلى الآخر والاسدال إنما هو إرسال طرف العمامة على الصدر أو على القفاء من
خلفه، ولا بأس ينقل كلامه وبيان ما فيه من نقضه وإبرامه لئلا يغتر به من لم يعض

(1) الوسائل الباب 30 من أحكام الملابس
(2) الوسائل الباب 30 من أحكام الملابس
(3) الوسائل الباب 30 من أحكام الملابس
128

على المسألة بضرس قاطع ويحسبه الظمآن ماء وهو سراب لامع، قال (طيب الله مرقده) بعد نقل أخبار التحنك المتقدمة ما صورته: ولنرجع إلى معنى التحنك فالظاهر
من كلام بعض المتأخرين هو أن يدير جزء من العمامة تحت حنكه ويغرزه في الطرف
الآخر كما يفعله أهل البحرين في زماننا ويوهمه كلام بعض اللغويين أيضا، والذي نفهمه
من الأخبار هو إرسال طرف العمامة من تحت الحنك واسداله كما مر في تحنيك الميت وكما هو
المضبوط عند سادات بني حسين أخذوه عن أجدادهم خلفا عن سلف ولم يذكر في تعمم
رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) إلا هذا، ولتذكر بعض
عبارات اللغويين وبعض الأخبار ليتضح لك الأمر في ذلك، قال الجوهري: التحنك
التلحي وهو أن تدير العمامة من تحت الحنك. وقال الاقتعاط شد العمامة على الرأس من
غير إدارة تحت الحنك، وفي الحديث " أنه نهى عن الاقتعاط وأمر بالتحلي " وقال التحلي
تطويق العمامة تحت الحنك، ثم ذكر الخبر. وقال الفيروزآبادي: اقتعط تعمم ولم يدر تحت
الحنك. وقال العمة الطابقية هي الاقتعاط. وقال تحنك أدار العمامة تحت حنكه. وقال
الجزري: فيه " أنه نهى عن الاقتعاط " هو أن يعتم بالعمامة ولا يجعل منها شيئا تحت ذقنه
وقال: فيه " أنه نهي عن الاقتعاط وأمر بالتلحي " هو جعل بعض العمامة تحت الحنك
والاقتعاط أن لا يجعل تحت حنكه منها شيئا. وقال الزمخشري في الأساس: اقتعط العمامة
إذا لم يجعلها تحت حنكه، ثم ذكر الحديث. وقال الخليل في العين: يقال اقتعط بالعمامة
إذا اعتم بها ولم يدرها تحت الحنك. وأما الأخبار، ثم نقل جملة ما قدمناه من الأخبار
الدالة على الاسدال، إلى أن قال: وقال السيد ابن طاووس (قدس سره) روينا عن أبي العباس
أحمد بن عقدة... إلى آخر ما قدمنا نقله عنه، ثم قال: وأقول: ولم يتعرض في شئ من
تلك الروايات لإدارة العمامة تحت الحنك على الوجه الذي فهمه أهل عصرنا مع التعرض
لتفصيل أحوال العمائم وكيفيتها، وأكثر كلمات اللغويين لا يأبى عما ذكرناه إذ إدارة رأس
العمامة من خلف إلى الصدر إدارة أيضا، بل كلام الجزري والزمخشري حيث قالا إن
129

لا يجعل شيئا منها تحت حنكه فيما ذكرناه أظهر، والظاهر من كلام السيد أيضا أن فهمه
موافق لفهمنا لأنه قال أولا: الفصل الثاني في ما تذكره من التحنك بالعمامة عند تحقق عزمك على
السفر لتسلم من الخطر، ثم قال بعد ايراد الروايتين ما قدمنا ذكره، فظهر أنه فسر التحنك بما
ورد شرحه في الروايتين من اسدال العمامة وروى الكليني والشيخ عن عثمان النوا (1) قال:
" قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إني أغسل الموتى قال أو تحسن؟. " ثم ساق الرواية
وفيها قال: " خذ العمامة من وسطها وانشرها على رأسه ثم ردها إلى خلفه وأطرح طرفيها
على صدره " ثم قال: وكذا سائر أخبار تعميم الميت ليس فيها غير اسدال طرفي العمامة
على صدره كما عرفت في باب التكفين. انتهى.
أقول: لا يخفى أن ما ذكره (قدس سره) لا يخلو من تعسف ظاهر وتكلف
لا يخفى على الخبير الماهر، وينبغي أن يعلم أولا أنه لا ريب أن كلمات أهل اللغة كلها
منطبقة على الأخبار المتقدمة في التحنك ومتفقة معها على وجه لا يداخله التشكيك. والأخبار
الأخيرة الدالة على الاسدال مخالفة لتلك الأخبار ولكلام أهل اللغة مخالفة ظاهرة والجمع
بما ذكره بين الجميع تعسف ظاهر، نعم يمكن الجمع بما سيأتي ذكره في آخر البحث.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن وجوه النظر في كلامه (قدس سره) عديدة:
(أحدها) - أنه لا يخفى على ذي الذوق السليم والفهم القويم أن كلمات أهل
اللغة التي نقلها كلها متفقة الدلالة ظاهرة المقالة في الانطباق على المعنى المشهور وإن تفاوتت
في البيان والظهور ولا سيما قول الجوهري " التلحي تطويق العمامة تحت الحنك " يعني
جعلها كالطوق كما نقله عن علماء البحرين وهو مرادف لقوله أولا " التحنك التحلي وهو
أن تدير العمامة من تحت الحنك " وإلا لزم الاضطراب في كلامه، وحينئذ فحيثما ذكرت هذه
العبارة أعني قوله: " تدير العمامة من تحت الحنك " فإنما المراد بها التطويق وجعلها كالطوق
وأين هذا من الاسدال الذي دلت عليه تلك الأخبار؟ وكذا قول الجزري في تفسير

(1) الوسائل الباب 16 من التكفير
130

الاقتعاط: " هو أن يعتم بالعمامة ولا يجعل شيئا منها تحت ذقنه " المؤذن بأن التلحي الذي
هو مقابل الاقتعاط هو جعل شئ من العمامة تحت الذقن، وحينئذ فقوله في تتمة كلامه في
تفسير التلحي: " هو جعل بعض العمامة تحت الحنك " يعني تحت الذقن والذقن مجمع عظمي
اللحيين وأين هذا من الاسدال؟ ومن هاتين العبارتين يعلم ما قلناه من أنه حيثما قيل:
" التحنك إدارة العمامة تحت الحنك " فإن المراد به التطويق وجعلها تحت الذقن بأن
يخرج طرفها إلى الجانب الآخر الذي هو غير ما دخلت منه.
و (ثانيها) - أن الحنك على ما يفهم من كلام أهل اللغة إنما هو ما انحدر
عن الذقن أو ما حاذاه من داخل الفم، قال في القاموس: الحنك محركة باطن أعلى الفم
من داخل والأسفل من طرف مقدم اللحيين. وقال في كتاب مجمع البحرين:
والحنك ما تحت الذقن من الانسان وغيره وأعلى داخل الفم والأسفل في طرف مقدم
اللحيين من أسفلهما. انتهى. أقول: ومنه ما ورد في الأخبار من استحباب تحنيك
المولود عند الولادة بالتمر أو الحلو أو ماء الفرات أو التربة الحسينية على مشرفها أفضل السلام
والتحية (1) بمعنى إدخال ذلك إلى حنكه وهو أعلى داخل الفم، ولا ريب أن الاسدال
الذي تضمنته تلك الروايات إنما يمر بأعلى أحد اللحيين من اليسار أو اليمين لا بالأسفل
والأسفل من كل من اللحيين هو مجمعهما المسمى بالذقن وهذا هو الذي أشارت إليه
العبارتان المتقدمتان، وحينئذ فالتحنك إنما هو عبارة عن المرور بالعمامة على الحنك الذي
هو هذا الموضع الذي يرجع إلى الذقن وأين هذا من الاسدال؟ وبذلك يظهر لك ما في
قوله: " إن أكثر كلمات اللغويين لا يأبى عما ذكرنا... الخ " فإن فيه (أولا) منع صدق
الإدارة لأن طرف العمامة لم يأت من الخلف حتى يحصل إدارته إلى الصدر وإنما أتى من
جانب وأسدل من المكان الذي خرج منه، مع تسليمه فالمراد الإرادة تحت الحنك
لا مطلقا والحنك قد عرفت معناه والاسدال لا يتصل به ولا يصل إليه.

(1) الوسائل الباب 36 من أحكام الأولاد
131

و (ثالثها) - أن قوله: " لم يتعرض في شئ من تلك الروايات لإدارة
العمامة... الخ " مسلم ومنه نشأ الاشكال وحصل في المسألة الداء العضال، حيث إن هذه
الروايات كلها اتفقت على أن السنة في العمامة إنما هو الاسدال وتلك الأخبار المعتضدة
بكلام أهل اللغة دلت على أن السنة في العمامة هو التحنك بها وهو الإدارة تحت الحنك
كما عرفت، وكيف كان فإنهم (عليهم السلام) لم يتعرضوا في هذه الأخبار الأخيرة إلى
لفظ التحنك حتى يمكن تفسير التحنك بالاسدال كما زعمه (طاب ثراه) وجعله وجه جمع
بين أخبار المسألة. وبحثنا وكلامنا إنما هو في معنى التحنك وهو غير موجود فيها، على أن روايات الاسدال مختلفة فبعضها يدل على اسدال طرف على الصدر وطرف من خلف
وبعضها يدل على الاسدال من خلف خاصة، وهو قد حمل الجميع على التحنك مع ظهور
أن الاسدال من خلف لا يدخل في التحنك قطعا.
و (رابعها) - أن من العجب قوله بعد نقل كلام السيد رضي الدين بن طاووس
(قدس سره) وكلامه الذي في البين " والظاهر من كلام السيد أيضا أن فهمه موافق لفهمنا
لأنه قال... الخ " فإن فيه (أولا) أن الخبرين الذين نقلهما عن السيد إنما تضمنا اسدال
العمامة من خلف بين الكتفين فكيف يمكن تفسير التحنك الذي هو الإدارة تحت الحنك
كما عرفت بالاسدال من خلف؟ ما هو إلا سهو ظاهر نشأ من الاستعجال، وهل يفهم
أحد ممن له ذوق فضلا عن السيد المزبور وعن من مثله (طاب ثراه) لولا الاستعجال
في هذا المجال دخول الاسدال بين الكتفين تحت التحنك؟ و (ثانيا) أن نقله هنا عن
السيد المزبور قد اشتمل على خلل وقصور. فإن ظاهر كلامه هنا ونقله عن السيد أن السيد
المذكور قال في الفصل المذكور في التحنك بالعمامة ولم يورد إلا هذين الخبرين فكلامه
يدل حينئذ على أنه فسر الاسدال في الخبرين بالتحنك الذي عنون به الفصل، والحال
أن الأمر ليس كذلك بل السيد لما عنون الفضل بما ذكره صدره أولا بما يدل على التحنك
فقال: روينا ذلك من كتاب الآداب الدينية عن الطبرسي في ما رواه عن مولانا
132

موسى بن جعفر (عليه السلام) (1) أنه قال: " أنا ضامن ثلاثا لمن خرج يريد سفرا
معتما تحت حنكه: أن لا يصيبه السرق ولا الغرق ولا الحرق " ورويناه أيضا عن البرقي
من كتاب المحاسن باسناده إلى أبي الحسن (عليه السلام) ثم قال أقول: وقد روينا
في العمامة عند التوجه للمهمات روايات عن أبي العباس أحمد بن عقدة... إلى آخر
ما قدمناه، إلى أن قال في آخر الكلام: أقول: هذا لفظ ما رويناه أردنا أن نذكره
ليعلم وصف العمامة في السفر الذي نخشاه. ومن الظاهر أن الرواية الأولى التي نقلها عن
الطبرسي والمحاسن هي التي عنون لها الفصل المذكور حيث اشتملت على ذكر التحنك وما
نقله أخيرا عن ابن عقدة فإنما قصد به بيان استحباب العمامة على هذه الكيفية مطلقا
لا بخصوص السفر، ويشير إليه كلامه في الأخير وهو قوله: " هذا لفظ ما رويناه... الخ "
بمعنى بيان وصف العمامة في السفر ووصفها في الحضر، ولو أراد السيد ما زعمه من حمل
الروايتين الأخيرتين على الرواية الأولى بمعنى أن التحنك عبارة عما اشتملت عليه روايتا
ابن عقدة لورد على السيد أيضا ما أوردناه عليه من أن دعوى كون الاسدال بين
الكتفين تحنكا مما لا يقول به أدنى من له روية من الرجال فضلا عن العلماء الأعلام
ذوي الكمال، والشبهة التي عرضت لشيخنا المذكور إنما هو من حيث الاسدال على
الصدر بمروية العمامة على أحد اللحيين لا ما إذا كانت بين الكتفين وهذا بحمد الله
ظاهر لكل ذي عينين.
و (خامسها) - أن ما استند إليه من أخبار تحنيك الميت وايراده رواية
عثمان النوا الدالة على صورة التعميم وقوله بعدها " وكذا سائر أخبار تعميم الميت... " -
ففيه أنه لا يخفى أن ههنا حكمين أحدهما استحباب التعميم والآخر استحباب تحنيكه
بالعمامة وليس كل خبر دال على التعميم يستلزم التحنيك كما لا يخفى على من أحاط خبرا
بأخبار المسألة، والتحنيك على ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) ومنهم المحقق

(1) الوسائل الباب 59 من آداب السفر
133

في الشرائع هو أن يلف رأسه بها لفا ويخرج طرفاها من تحت الحنك ويلقيان على صدره
وقد استندوا في ذلك إلى رواية يونس، قال السيد السند في المدارك بعد ذكر عبارة
المصنف: وأما استحباب اخراج طرفي العمامة من تحت الحنك والقائهما على صدره
فمستنده رواية يونس عنهم (عليهم السلام) (1) قال: " ثم يعمم يؤخذ وسط العمامة
فيثني على رأسه بالتدوير ثم يلقي فضل الأيمن على الأيسر واليسر على الأيمن ويمد على
صدره " ولا ريب أن هذه الهيئة تشتمل على التحنيك كما هو المشهور لا الاسدال،
لأنه متى أخذ طرف العمامة الذي من اليمين وأخرج من تحت حنك الميت إلى الجانب
الأيسر وأخذ الخارج من الجانب الأيسر وأخرج كذلك إلى الجانب الأيمن فإن العمامة
من الجانبين قد استوعبت الحنك وغطته وحصل بها التحنيك الذي ندعيه. والرواية التي
أوردها لم يذكر فيها أزيد من التعميم وأنه يطرح طرفي العمامة على صدره وليس فيها
تعرض لذكر التحنيك بل هي مجملة كما يمكن حملها على التحنيك كما ذكرناه في رواية يونس
يمكن حملها على مجرد الاسدال على الصدر من غير أن يدار بكل من للطرفين إلى الجانب
الآخر ويحنك بهما كما لا يخفى، وهذا المعنى الثاني هو الذي فهمه منها السيد في المدارك
فقال بعد نقل رواية يونس أولا ثم نقل جملة من الروايات ومنها رواية عثمان المذكورة:
والرواية الأولى هي المشهورة بين الأصحاب (رضوان الله عليهم). وبالجملة فكلام شيخنا
المشار إليه (قدس سره) في هذا المجال لا يخلو من غفلة واستعجال أو اشتغال وتوزع في البال
نعم يبقى الكلام في الجمع بين أخبار المسألة فإن الروايات المشتملة على التحنك
لمن اعتم دالة بظاهرها على ما فهمه الأصحاب (رضوان الله عليهم) من استحباب
التحنك بالعمامة مطلقا لا بخصوص الصلاة وأن السنة فيها ذلك ويعضده كلام أهل اللغة
والروايات المشتملة على الاسدال دالة على أنه المستحب دائما وهو خلاف التحنك كما ظهر
لك، والذي يقرب بخاطري العليل ويدور في فكري الكليل هو أن يقال لا ريب أن

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب التكفين
134

أخبار التحنك بعضها دل على استحبابه في السفر وبعضها دل على استحبابه في السعي
لقضاء الحاجة وبعضها بمجرد التعمم، ولا يخفى أن المنافي لأخبار الاسدال ظاهرا إنما هو
أخبار القسم الثالث حيث إنها كما فهمه الأصحاب (رضوان الله عليهم) تدل على دوام
ذلك واستمراره ما دام معتما، وحينئذ فيمكن القول ببقاء أخبار الفردين الآخرين على
ظاهرها من غير تأويل إذ لا منافاة فيهما فإن موردها خاص بهذين الفردين فيختص بها
أخبار الاسدال، ووجه الجمع حينئذ هو حمل أخبار القسم الثالث على أن المراد التحنك
وقت التعمم بأن يدير العمامة بعد فراغه من التعمم تحت حنكه لا دائما كما فهمه الأصحاب
وبما ذكرنا يشعر ظاهر الأخبار المذكورة فإن ظاهر قوله " ولم يتحنك " من حيث كونه
حالا من الفاعل في قوله: " من تعمم " والحال قيد في فاعلها يعطي أن التحنك وقت
التعمم، وأما استمرار ذلك فيحتاج إلى دليل وليس إلا ما قدمنا مما هذه صورته،
وحينئذ تبقى أخبار الاسدال على ظاهرها فيكون المستحب دائما هو الاسدال والتحنك
مخصوص بهذه الصور الثلاث. ولا قدح يتطرق إلى ما ذكرناه إلا مجرد مخالفة الأصحاب
في ما فهموه من هذه الأخبار حيث لم أقف على قائل بما ذكرناه لكن لا يحضرني وجه
للجمع بينها غير ذلك، والظاهر أنه إلى ذلك يشير ما قدمناه من الكلام السيد ابن طاووس
بالتقريب الذي قدمنا ذكره. والله العالم.
و (منها) - كراهة الإمامة بغير رداء، والحكم بذلك المشهور بين الأصحاب
(رضوان الله عليهم) لا أعرف فيه مخالفا. وظاهر الشهيدين استحباب الرداء
للمصلي مطلقا.
وقال شيخنا المجلسي في كتاب البحار: والذي يظهر لنا من الأخبار أن الرداء
إنما يستحب للإمام وغيره إذا كان في ثوب واحد لا يستر منكبيه أو لا يكون صفيقا
وإن ستر منكبيه لكنه في الإمام آكد، وإذا لم يجد ثوبا يرتدي به مع كونه في إزار
وسراويل فقط يجوز أن يكتفي بالتكة والسيف والقوس ونحوها، ويمكن القول باستحباب
135

الرداء مع الأثواب المتعددة أيضا لكن الذي ورد التأكيد الشديد فيه يكون
مختصا بما ذكرناه.
وقال السيد السند في المدارك: وهذا الحكم أعني كراهة الإمامة بغير رداء مشهور
بين الأصحاب واحتجوا عليه بصحيحة سليمان بن خالد (1) قال: " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن رجل أم قوما في قميص ليس عليه رداء؟ قال لا ينبغي إلا أن يكون عليه
رداء أو عمامة يرتدي بها " وهي إنما تدل كراهة الإمامة بدون الرداء في القميص وحده
لا مطلقا ويؤكد هذا الاختصاص قول أبي جعفر (عليه السلام) لما أم أصحابه في قميص بغير
رداء (2): " إن قميصي كثيف فهو يجزئ أن لا يكون علي إزار ولا رداء " ثم نقل عن جده
(قدس سره) أنه قال وكما يستحب الرداء للإمام يستحب لغيره من المصلين وإن كان للإمام
آكد.
قال واحتج عليه بتعليق الحكم على مطلق المصلي في عدة أخبار كصحيحة زرارة عن
أبي جعفر (عليه السلام) (3) أنه قال: " أدنى ما يجزئك أن تصلي فيه بقدر ما يكون
على منكبيك مثل جناحي الخطاف " وصحيحة عبد الله بن سنان (4) قال: " سئل أبو عبد الله
(عليه السلام) عن رجل ليس معه إلا سراويل فقال يحل التكة فيضعها على عاتقه ويصلي
وإن كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلد السيف ويصل قائما " وصحيحة محمد بن مسلم عن
أحدهما (عليهما السلام) (5) قال: " إذا لبس السراويل فليجعل على عاتقه شيئا ولو حبلا "
ثم قال: ولا يخفى ما في هذا الاستدلال من الضعف لاختصاص الروايتين الأخيرتين بالعاري
وعدم ذكر الرداء في الرواية الأولى بل أقصى ما تدل عليه استحباب ستر المنكبين سواء كان
بالرداء أم بغيره. وبالجملة فالأصل في هذا الباب رواية سليمان بن خالد وهي إنما تدل على
كراهة الإمامة بدون الرداء في القميص وحده فاثبات ما زاد على ذلك يحتاج إلى دليل. انتهى
أقول وبالله التوفيق لبلوغ المأمول ونيل المسؤول: لا يخفى أن المفهوم من تتبع

(1) الوسائل الباب 53 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 22 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 53 من لباس المصلي
(4) الوسائل الباب 53 من لباس المصلي
(5) الوسائل الباب 22 من لباس المصلي
136

الأخبار - كما لا يخفى على من جاس خلال الديار - أن الرداء في الصدر الأول ليس إلا من
جملة الثياب التي يلبسها الناس يومئذ مثل القميص والقباء ونحوهما لا اختصاص له بمصل
ولا غيره فضلا عن أن يكون إماما أو غير إمام، والمستفاد من أخبار هذا الباب أنه
يستحب للمصلي إماما كان أو غيره أن يصلي في ثوبين أحدهما فوق الآخر رداء كان
الثوب الأعلى أو قباء أو غيرهما، وأنه متى كان ظهره مكشوفا فإنه يستحب تغطيته بأن
يضع على عاتقه رداء أو قباء أو نحو ذلك مما يستر ظهره، ولو تعذر فإنه يجزئه ولو مثل
حمائل السيف وتكة السروال ونحوهما، وأنه يتأكد ذلك في الموضعين في الإمام، وحينئذ
فالسؤال والجواب في صحيحة سليمان بن خالد التي استندوا إليها في استحباب الرداء
للإمام لا دلالة فيها على خصوصية الرداء ولا الإمام إلا من حيث السؤال، والكلام فيها
إنما خرج مخرج التمثيل وإلا فهما من قبيل الأسئلة الآتية في كل مصل وفي كل ثوب،
وبه يظهر أنه لا دلالة في الرواية على ما ادعوه، ويؤيد ذلك ما أشار إليه السيد من الرواية
عن أبي جعفر (عليه السلام) وقوله: " إن قميصي كثيف فهو يجزئ أن لا يكون علي
إزار ولا رداء " فإن فيه ما يشير إلى عدم استحباب الرداء من حيث هو رداء، ولا
ينافي ما ذكرناه من استحباب الثوبين لجواز خروجها مخرج الجواز لأنهم كثيرا ما يتركون
المستحبات ويفعلون المكروهات لبيان الجواز كما صرح به غير واحد من الأصحاب.
ثم إن مما يدل على ما ذكرناه من الأحكام مضافا إلى الروايات المتقدمة صحيحة
علي بن جعفر المذكورة في كتابه عن أخيه موسى (عليه السلام) (1) قال: " سألته
عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في قميص واحد أو قباء وحده؟ قال ليطرح على ظهره
شيئا. وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يؤم في سراويل ورداء؟ قال لا بأس به. وسألته
عن المرأة هل يصلح لها أن تصلي في ملحفة ومقنعة ولها درع؟ قال لا يصلح لها إلا أن تلبس
درعها. وسألته عن المرأة هل يصلح لها أن تصلي في إزار وملحفة ومقنعة ولها درع؟

(1) ارجع إلى ص 26
137

قال إذا وجدت فلا يصلح لها الصلاة إلا وعليها درع وسألته عن المرأة هل يصلح لها
أن تصلي في إزار وملحفة تقنع بها ولها درع؟ قال لا يصلح أن تصلي حتى تلبس درعها.
وسألته عن السراويل هل يجزئ مكان الإزار؟ قال نعم. وسألته عن الرجل هل يصلح
له أن يصلي في إزار وقلنسوة وهو يجد رداء؟ قال لا يصلح. وسألته عن الرجل هل يصلح
له أن يؤم في سراويل وقلنسوة قال لا يصلح. وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يؤم
في ممطر وحده أو جبة وحدها؟ قال إذا كان تحته قميص فلا بأس. وسألته عن الرجل هل
يؤم في قباء وقميص؟ قال إذ كان ثوبين فلا بأس ".
وأنت خبير بأنه يستفاد من مجموع هذه الأجوبة المنقولة عنه (عليه السلام)
ما قدمنا ذكره من ستر أعالي البدن متى كان مكشوفا وعليه تدل صحيحة زرارة
المتقدمة وما بعدها، واستحباب الصلاة للرجل في ثوبين كما تدل عليه صحيحة سليمان بن
خالد، فإنها ليست إلا من قبيل هذه الأسئلة المتضمنة للثوبين، وإن وقع فيها السؤال عن
الإمام والرداء فليس الإمام إلا كغيره من المصلين وليس الرداء إلا كغيره من الثوبين
في هذا الخبر، نعم لو كان الرداء إنما يختص لبسه بحال الصلاة لكان للتخصيص به
وجه إلا أن الأمر ليس كذلك كما أشرنا إليه آنفا بل هو من جملة الثياب المتعارفة اللبس
دائما فسبيله كسبيل غيره منها، وبذلك يظهر أنه لا أثر لاستحباب الرداء في الصلاة
لإمام كان أو غيره كما يشير إليه كلام شيخنا المجلسي (قدس سره).
بقي في المقام فوائد يجب التنبيه عليها: (الأولى) قد اضطرب كلام جملة من علماء
الخاصة والعامة في معنى الاسدال للرداء بعد اتفاقهم على كراهة السدل، فقال في التذكرة:
يكره السدل وهو أن يلقى طرف الرداء من الجانبين ولا يرد أحد طرفين على الكتف
الأخرى ولا يضم طرفيه بيده. وقال الشهيد (قدس سره) في النفلية هو أن يلتف
بالإزار فلا يرفعه على كتفيه. وقال شيخنا الشهيد الثاني: واعلم أنه ليس في الأخبار
وأكثر عبارات الأصحاب بيان كيفية لبس الرداء بل هي مشتركة في أنه يوضع على
138

المنكبين. وفي التذكرة هو الثوب الذي يوضع على المنكبين، ومثله في النهاية. فيصدق
أصل السنة بوضعه كيف اتفق، لكن لما روى كراهة سدله وهو أن لا يرفع أحد طرفيه
على المنكب وأنه فعل اليهود وروى علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) (1)
قال: " سألته عن الرجل هل يصلح أن يجمع طرفي ردائه على يساره؟ قال لا يصلح
جمعهما على اليسار ولكن اجمعهما على يمينك أو دعهما " - تعين أن الكيفية الخالية عن الكراهة
هي وضعه على المنكبين ثم يرد ما على الأيسر على الأيمن، وبهذه الهيئة فسره بعض
الأصحاب (رضوان الله عليهم) لكن لو فعله على غير هذه الهيئة خصوصا ما نص على
كراهته هل يثاب عليه؟ لا يبعد ذلك لصدق مسمى الرداء وهو في نفسه عبادة لا يخرجها
كراهتها عن أصل الرجحان، ويؤيده اطلاق بعض الأخبار وكونها أصح من الأخبار
المقيدة. انتهى. وقد تقدم كلام ابن إدريس الدال على كراهية السدل كما تفعله اليهود وهو
أن يتلفف بالإزار ولا يرفعه على كتفيه وأن هذا هو اشتمال الصماء عند أهل اللغة.
أقول: مما وقفت عليه من الأخبار الدالة على النهي عن السدل ما رواه الصدوق
في الفقيه في الصحيح عن زرارة (2) قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام) خرج
أمير المؤمنين (عليه السلام) على قوم فرآهم يصلون في المسجد قد سدلوا أرديتهم فقال
لهم ما لكم قد سدلتم ثيابكم كأنكم يهود خرجوا من فهرهم؟ - يعني بيعتهم - إياكم وسدل
ثيابكم " وهذا الخبر هو الذي أشار إليه شيخنا الشهيد (قدس سره) وكذلك ابن
إدريس، ولا ريب أن هذا الخبر بحسب ظاهره مناف لصحيحة علي بن جعفر المذكورة
في كلام شيخنا المشار إليه، فإنها دالة على التخيير بين إرسال طرفي الثوب وبين وضعهما على
اليمين وإنما كره (عليه السلام) جمعهما على اليسار، والظاهر أن تخصيص شيخنا المذكور
الكيفية الخالية من الكراهة بصورة الجمع على اليمين حيث إن حديث زرارة قد عارض
صورة الاسدال الذي هو أحد الفردين المخيرين وأما صورة الوضع على اليمين فلا معارض

(1) الوسائل الباب 25 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 25 من لباس المصلي
139

لها فبقيت على أصل الاستحباب. وفيه أن ظاهر التخيير مساواة الأمرين في الاستحباب
ويؤيده ما رواه في الفقيه عن عبد الله بن بكير (1) " أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الرجل يصلي ويرسل جانبي ثوبه؟ قال لا بأس به ".
والأظهر عندي في وجه الجمع بين الصحيحتين المذكورتين أحد أمرين: أما حمل
رواية النهي عن الاسدال على ما إذا صلى في إزار بغيره قميص كما يدل عليه ما رواه في كتاب
قرب الإسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن الصادق عن أبيه (عليهما
السلام) (2) قال: " إنما كره السدل على الإزر بغير قميص فأما على القميص والجباب فلا بأس "
وأما على وضع الرداء على الرأس والتقنع به واسداله، وبه فسر الخبر المذكور في النهاية
قال: فيه " إنه نهى عن السدل في الصلاة " وهو أن يلتحف بثوبه ويدخل يديه من
داخل فيركع ويسجد وهو كذلك وكانت اليهود تفعله فنهوا عنه، وهذا مطرد في القميص
وغيره من الثياب. وقيل هو أن يضع وسط الإزار على رأسه ويرسل طرفيه عن يمينه
وشماله من غير أن يجعلها على كتفيه، ومنه حديث على (عليه السلام) أنه رأى قوما
يصلون قد سدلوا ثيابهم فقال كأنهم اليهود خرجوا من فهرهم. انتهى. وظاهر كلام جملة
من علمائنا وعلماء العامة أن اليهود كذلك يفعلون، وحينئذ فيبقى ما دل عليه صحيح
علي بن جعفر من التخيير بين الاسدال والوضع على اليمين صحيحا لا اشكال فيه ولا
كراهة تعتريه. وكلامه في النهاية متضمن لتفسير الاسدال المكروه بمعنيين آخرين غير
المعنيين المتقدمين.
(الثانية) - حال في المدارك: وينبغي الرجوع في الرداء إلى ما يصدق عليه
الاسم عرفا وإنما تقوم التكة ونحوها مقامه مع الضرورة كما تدل عليه رواية ابن سنان
وأما ما اشتهر في زماننا من إقامة غيره مقامه مطلقا فلا يبعد أن يكون تشريعا. انتهى.
أقول: فيه إنه مبني على ثبوت استحباب الرداء بخصوصه وقد عرفت ما فيه وأنه

(1) الوسائل الباب 25 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 25 من لباس المصلي
140

محل المنع ويشير إلى ما ذكرناه ما تقدم من كلام شيخنا المجلسي (قدس سره) أيضا،
وقال شيخنا المشار إليه أيضا زيادة على ما تقدم: ويحتمل أن يكون القباء وشبهه أيضا
قائما مقام الرداء بل الرداء شامل له، وقال الفاضلان الرداء هو ثوب يجعل على المنكبين.
وفي القاموس أنه ملحفة. انتهى. وهو جيد إلا أن قوله: " بل الرداء شامل له "
محل نظر فإن الرداء لغة وعرفا ثوب مخصوص كغيره من الثياب المخصوصة المتعينة في
حد ذاتها فكيف يحتمل دخول القباء ونحوه تحت اطلاقه؟ وعبارة الفاضلين لا دلالة لها
على ما ادعاه لأن مرادهما الإشارة إلى أنه ثوب معلوم يجعل على المنكبين إشارة
إلى تبادره ومعلوميته كغيره من أصناف الثياب لا أن مرادهما أي ثوب كان وبالجملة
فإن المستفاد من الأخبار هو ما قدمنا تحقيقه من أنه يستحب أن يكون على المصلي ثوبان
أحدهما على الآخر كائنا من كان وكائنا ما كان.
(الثالثة) - قال شيخنا المجلسي (قدس سره) في البحث عن الرداء: وأما
ما هو الشائع من جعل منديل أو خيط على الرقبة في حال الاختيار مع لبس الأثواب
المتعددة ففيه شائبة بدعة أقول: وجه البدعية ظاهر إذ فعل شئ باعتقاد شرعيته
وتوظيفه من الشارع والحال أنه ليس كذلك تشريع. وقد حضرت في صغر سني بعض
من يتسمى بالفضل ويدعيه بفعل ذلك في حال إمامته بالناس ولعل منشأ الشبهة عندهم أخبار
وضع التكة وحمائل السيف ونحو ذلك، ولم يتفطنوا إلى أن ذلك مخصوص بمن كان
ظهره مكشوفا كما هو مورد الأخبار.
(الرابعة) - روى في الكافي بسنده عن معلى بن خنيس عن الصادق (عليه
السلام) (1) قال: " إن عليا (عليه السلام) اشترى ثلاثة أثواب بدينار: القميص إلى فوق
الكعب والإزار إلى نصف الساق والرداء من بين يدين إلى ثدييه ومن خلفه إلى ألييه
ثم رفع يده إلى السماء فلم يزل يحمد الله على ما كساه حتى دخل منزله ثم قال هذا

(1) الوسائل الباب 22 من أحكام الملابس
141

اللباس الذي ينبغي للمسلمين أن يلبسوه. قال أبو عبد الله (عليه السلام) ولكن
لا يقدرون أن يلبسوا هذا اليوم ولو فعلنا لقالوا مجنون ولقالوا مراء والله تعالى يقول:
" وثيابك فطهر " (1) قال وثيابك ارفعها ولا تجرها وإذا قام قائمنا كان هذا اللباس "
أقول: وفي هذا الخبر فوائد: (منها) ما قدمنا ذكره ردا على شيخنا المجلسي
(قدس سره) من أن الرداء ثوب معلوم معهود لا كل ما يتردى به ليشمل مثل القباء
والعباء ونحوها. و (منها) أن السنة في الرداء أن يكون عرض الثوب بحيث يصل إلى
الأليين وطوله بقدر ما يصل إلى ثدييه. و (منها) أن الرداء في زمان الصادق (عليه
السلام) كان يزيد على ذلك كما يستفاد من تتبع الأخبار والسير بحيث إن يجر على
الأرض. و (منها) جواز ترك السنة إن كانت مهجورة بين الناس وكان عامة الناس
يعيبونها ويتكلمون في عرض من يفعلها، قال في الوافي في ذيل هذا الخبر: وفي
الحديث دلالة على أنه ينبغي عدم الاتيان بما لا يستحسنه الجمهور وإن كان مستحبا
كالتحنك بالعمامة في بلادنا. انتهى.
و (منها) - كراهة اللثام للرجل إذا لم يمنع القراءة والاحرام. وكذا الحكم
في النقاب للمرأة، وأطلق الشيخ المفيد في المقنعة المنع من اللثام للرجل وحمله في المعتبر
على إرادته الكراهة. وهو حسن للأخبار الدالة على الجواز:
ومنها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (2) قال: " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) هل يقرأ الرجل في صلاته وثوبه على فيه؟ قال لا بأس بذلك إذا سمع
الهمهمة " وفيه دلالة على أنه مع عدم سماع الهمهمة يحرم كما صرح به الأصحاب (رضوان
الله عليهم) أيضا.
وما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن سنان (3) " أنه سأل أبا عبد الله
(عليه السلام) هل يقرأ الرجل في صلاته وثوبه على فيه؟ قال لا بأس بذلك ".

(1) سورة المدثر، الآية 4
(2) الوسائل الباب 35 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 35 من لباس المصلي
142

وما رواه الشيخ في التهذيب عن الحسن بن علي عن من ذكره من أصحابنا عن
أحدهما (عليهما السلام) (1) " أنه قال لا بأس بأن يقرأ الرجل في الصلاة وثوبه على فيه "
وما رواه الشيخ عن سماعة في الموثق (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن الرجل يصلي ويقرأ القرآن وهو متلثم؟ فقال لا بأس به ".
وأما ما يدل على الكراهة فهو ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة (3) قال:
" سألته عن الرجل يصلي فيتلو القرآن وهو متلثم؟ فقال لا بأس به وإن كشف عن فيه
فهو أفضل. قال وسألته عن المرأة تصلي متنقبة؟ قال إن كشفت عن موضع السجود
فلا بأس به وإن أسفرت فهو أفضل ".
وما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه
السلام) (4) قال: " قلت له أيصلى الرجل وهو متلثم؟ فقال أما على وجه الأرض فلا
وأما على الدابة فلا بأس " قال في الوافي: لعل الوجه في الفرق أن الراكب ربما يتلثم لئلا
يدخل فاه الغبار فيلزمه ذلك بخلاف الواقف على الأرض.
والشيخ قد حمل روايات نفي البأس على ما إذا سمع الهمهمة لصحيحة الحلبي المتقدمة
والأظهر حمل ذلك على الجواز وإن كان الأفضل عدمه لموثقة سماعة إلا أن الجواز مقيد
بما إذا لم يمنع السماع لصحيحة الحلبي.
ومنها - ما ذكره جملة من الأصحاب من كراهة الصلاة في القباء المشدود إلا في
الحرب، وقال الشيخ المفيد في المقنعة: ولا يجوز لأحد أن يصلي وعليه قباء مشدود إلا أن
يكون في الحرب فلا يتمكن أن يحله فيجوز ذلك للاضطرار. وظاهره التحريم
ونقل عن صاحب الوسيلة أنه حرمه. قال الشيخ في التهذيب: ذكر ذلك علي بن الحسين
ابن بابويه وسمعناه من الشيوخ مذاكرة ولم أعرف به خبرا مسندا. وحاول الشهيد (قدس

(1) الوسائل الباب 35 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 35 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 35 من لباس المصلي
(4) الوسائل الباب 35 من لباس المصلي
143

سره) في الذكرى الاستدلال عليه بما رواه العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) (1)
أنه قال: " لا يصلي أحدكم وهو محزم " ورد بأنه فاسد لأن شد القباء غير التحزم
ونقل في البيان عن الشيخ كراهة شد الوسط. ومنهم من حمل القباء المشدود على القباء
الذي شدت أزراره مع أنهم صرحوا بكراهة حل الأزرار في الصلاة وأنه من عمل قوم لوط
كما ورد به الخبر (2) إلا أن يخص كراهة حل الأزرار بالقميص الواسع الجيب كما تقدم
تحقيقه. وبالجملة فإن الحكم لا مستند له ولا دليل عليه كما عرفت فتطويل البحث فيه مما لا
ثمرة له مهمة.
ومنها - كراهة الصلاة في الحديد إذا كان بارزا غير مستور على المشهور وربما قيل
بالتحريم، قال الشيخ في النهاية: ولا تجوز الصلاة إذا كان مع الانسان شئ من حديد
مشهر مثل السكين والسيف فإن كان في غمد أو قراب فلا بأس بذلك. ونقل في المختلف
عن ابن البراج أنه عد في جملة ما لا تصح الصلاة فيه على حال ثوب الانسان إذا كان
فيه سلاح شهير مثل سكين أو سيف، قال: وكذلك إذا كان في كمه مفتاح حديد إلا أن يلفه بشئ وإذا كان معه دراهم سود إلا أن يلفها بشئ.
والذي وقفت عليه من الأخبار الواردة في هذا المقام كلها دالة على هذا القول
ومنها - ما رواه الشيخ عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال:
" قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يصلي الرجل وفي يده خاتم حديد ".
وعن موسى بن أكيل النميري عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) " أنه حلية أهل

(1) لم نعثر عليه فيما وقفنا عليه من أخبار العامة نعم في نهاية ابن الأثير مادة
" حزم ": وفيه " نهى أن يصلي الرجل بغير حزام "... ومنه الحديث " نهى أن يصلي
الرجل حتى يحتزم " والحديث الآخر أنه أمر بالتحريم في الصلاة. وفي التذكرة في ما يكره
فيه الصلاة " و " عن النبي " ص " " لا يصلي أحدكم إلا وهو محزم ".
(2) الوسائل الباب 23 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 32 من لباس المصلي
(4) الوسائل الباب 32 من لباس المصلي
144

النار، قال: وجعل الله الحديد في الدنيا زينة الجن والشياطين فيحرم على الرجل المسلم أن
يلبسه في الصلاة إلا أن يكون قبال عدو فلا بأس به. قال قلت فالرجل في السفر يكون
معه السكين في خفه لا يستغني عنه أو في سراويله مشدودا، والمفتاح يخشى إن وضعه
ضاع أو يكون في وسطه المنطقة من حديد؟ قال لا بأس بالسكين والمنطقة للمسافر في
وقت ضرورة وكذلك المفتاح إذا خاف الضيعة والنسيان، ولا بأس بالسيف وكل آلة
السلاح في الحرب، وفي غير ذلك لا يجوز الصلاة في شئ من الحديد فإنه نجس ممسوخ "
وروى في كتاب العلل في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) " في الرجل يصلي وعليه خاتم حديد؟ قال لا ولا يتختم به الرجل لأنه من
لباس أهل النار... الحديث ".
وعن أحمد بن محمد بن أبي الفضل المدائني عن من حدثه عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) قال: " لا يصلي الرجل وفي تكته مفتاح حديد " قال الكليني: وروي إذا
كان المفتاح في غلاف فلا بأس.
وهذه الأخبار - كما ترى - ظاهرة في القول المذكور والأصحاب لم يتمسكوا في
مقابلتها إلا بالأصل، قال في المدارك بعد نقل قول الشيخ (قدس سره) في النهاية:
والمعتمد الكراهة، لنا على الجواز الأصل واطلاق الأمر بالصلاة فلا يتقيد إلا بدليل،
وعلى الكراهة ما رواه الشيخ، ثم نقل روايتي السكوني وموسى بن أكيل المذكورتين.
وهذا الكلام جيد على أصله من رد الأخبار الضعيفة والاعتماد على الأصل في مقابلتها
وإن عمل بها في الكراهة والاستحباب وقد عرفت ما فيه في غير باب، بل قال في المدارك
هنا: ويمكن القول بانتفاء الكراهة مطلقا لضعف المستند. انتهى. وهو خلاف ما
هو عليه في غير مقام من الأحكام كما لا يخفى على من لاحظ كتابه.
وبالجملة فالحكم عند من يحكم بصحة الأخبار ولا يرى العمل بهذا الاصطلاح

(1) الوسائل الباب 32 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 32 من لباس المصلي
145

المحدث لا يخلو من اشكال إلا أن ظاهر حديث النميري أن العلة في المنع من الصلاة فيه
إنما هو من حيث إنه نجس ممسوخ، وقد قدمنا في كتاب الطهارة أن الأصح طهارته
وحينئذ فيضعف الاعتماد على هذه الأخبار.
ويعضد ذلك ما رواه في كتاب الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري
في ما كتبه إلى صاحب الزمان عجل الله فرجه (1) " أنه سأله عن الرجل يصلي وفي كمه أو
سراويله سكين أو مفتاح حديد هل يجوز ذلك؟ فكتب في الجواب جائز " ورواه
الشيخ في كتاب الغيبة.
وروى الصدوق في كتاب العلل بإسناده عن عبد خير (2) قال: " كان لعلي
ابن أبي طالب (عليه السلام) أربعة خواتيم يتختم بها: ياقوت لنيله وفيروزج لنصره
والحديد الصيني لقوته وعقيق لحرزه... الحديث " وفيه دلالة على جواز لبس الحديد
الصبي إلا أنه لا يدل على جواز الصلاة فيه صريحا، مع أن ظاهر سند الخبر أنه عامي
فيضعف الاعتماد عليه في تخصيص أخبار المنع من الحديد مطلقا سيما وقد روى الشيخ
في التهذيب في باب فضل الكوفة حديثا يتضمن كراهة التختم به.
وكيف كان فتسقط الكراهة بستره كما دلت عليه مرسلة الكليني وبه صرح
الأصحاب، قال في المعتبر وتسقط الكراهة مع ستره وقوفا بالكراهة على موضع
الاتفاق ممن كرهه.
و (منها) - كراهة الصلاة في ثوب المتهم بعدم توقي النجاسات وكذا من يعلم أنه
لا يتوقى النجاسات على المشهور بين الأصحاب ومنهم الشيخ في النهاية حيث قال إذا عمل
مجوسي ثوبا لمسلم يستحب أن لا يصلي فيه إلا بعد غسله وكذا إذا استعار ثوبا من شارب
خمر أو مستحل شئ من النجاسات يستحب أن يغسل أولا ثم يصلي فيه. وقال الشيخ في
المبسوط إذا عمل كافر ثوبا لمسلم فلا يصلي فيه إلا بعد غسله وكذلك إذا صنعه له لأن

(1) الوسائل الباب 32 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 32 من لباس المصلي
146

الكافر نجس وسواء كان كافر أصل أو كافر ردة أو كافر ملة. وهو ظاهر في التحريم
واختاره ابن إدريس وجعل قول الشيخ في النهاية خبرا واحدا أورده ايرادا لا اعتقادا
بل اعتقاده وفتواه ما ذكره في المبسوط. وقال ابن الجنيد: فإن كان استعاره من ذمي أو
ممن الأغلب على ثوبه النجاسة أعاد خرج الوقت أو لم يخرج. وهو مؤذن بقول الشيخ
في المبسوط مع أنه قبل ذلك - على ما نقله العلامة في المختلف عنه - قال: واستحب تجنب
ثياب المشركين ومن لا يؤمن على النجاسة من ثوبه والتنظيف لجسده منها وخاصة منازلهم
وما سفل من أثوابهم التي يلبسونها وما يجلسون عليه من فرشهم، ولو صلى عليه أو فيه ثم علم
بنجاسته اخترت له الإعادة في الوقت وغير الوقت وهي في الوقت أوجب منها إذا خرج. انتهى
ولا يخفى ما بين الكلامين من المدافعة إلا أن يحمل كلامه الأول على الاستحباب وإن
كان خلاف ظاهره اعتمادا على ما قدمه من هذا الكلام المذكور. وقال الشيخ: يجوز
للرجل أن يصلي في ثوب المرأة إذا كانت مأمونة. وعد ابن البراج في المكروه ثوب
المرأة للرجل وأطلق.
وأقول: قد تقدم في مباحث المقصد الثاني من الباب الخامس من كتاب الطهارة
تحقيق أن الأصل في الأشياء الطهارة وأنه لا يخرج عن أصالة الطهارة بمجرد ظن النجاسة
بل لا بد من العلم، وجملة الأخبار الدالة على هذا الأصل، ومنها جملة من الأخبار في
الثياب التي يعملها المجوس. وأن بإزائها أخبارا دالة على خلاف ذلك من العمل بظن
النجاسة، وأن الشيخ ومن تبعه قد حملوا الأخبار المخالفة على الاستحباب، ولا بأس
بنقل بعض أخبار الطرفين في المقام إذ ربما يعسر على الناظر هنا الرجوع إلى ذلك الكتاب
فنقول: مما يدل على ما هو مقتضى القاعدة المتفق عليها صحيحة معاوية بن
عمار (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الثياب السابرية يعملها المجوس
وهم أخباث وهم يشربون الخمر ونساؤهم على تلك ألبسها ولا اغسلها وأصلي فيها؟

(1) الوسائل الباب 73 من النجاسات
147

قال نعم قال معاوية فقطعت له قميصا وخطته وفتلت له أزرارا ورداء من السابري ثم
بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع النهار فكأنه عرف ما أريد فخرج فيها إلى الجمعة ".
وصحيحة عبد الله بن سنان (1) قال: " سأل أبي أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا
حاضر: إني أعير الذمي ثوبي وأنا علم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيرده علي
فأغسله قبل أن أصلي فيه؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام) صلى فيه ولا تغسله من أجل
ذلك فإنك أعرته إياه وهو طاهر ولم تستيقن أنه نجسه... ".
ورواية المعلي بن خنيس (2) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول
لا بأس بالصلاة في الثياب التي يعملها المجوس والنصارى واليهود " إلى غير ذلك من
الأخبار المتعلقة بالثياب وغيرها.
ومما يدل على خلاف ذلك من البناء على ظن النجاسة كما هو مذهب المبسوط
وابن إدريس صحيحة عبد الله بن سنان (3) قال: " سأل أبي أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجري ويشرب الخمر فيرده أيصلي فيه قبل أن
يغسله؟ قال لا يصلي فيه حتى يغسله " ومن ذلك صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج ورواية
أبي بصير المتقدمتان في المقام الأول من المطلب الثاني في ما يجوز لبسه للمصلي وما
لا يجوز (4) ونحوهما غيرهما مما تقدم ثمة.
وأما ما يدل على الحمل على الاستحباب كما فهمه الأصحاب فرواية أبي علي البزاز عن
أبيه (5) قال: " سألت جعفر بن محمد (عليهما السلام) عن الثوب يعمله أهل الكتاب
أصلي فيه قبل أن يغسل؟ قال لا بأس وأن يغسل أحب إلي ".
وصحيحة الحلبي (6) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في
ثوب المجوسي فقال يرش بالماء " والتقريب في هذا الخبر ما علم الأخبار المتكاثرة من

(1) الوسائل الباب 74 من النجاسات
(2) الوسائل الباب 73 من النجاسات
(3) الوسائل الباب 74 من النجاسات
(4) ص 52
(5) الوسائل الباب 73 من النجاسات
(6) الوسائل الباب 73 من النجاسات
148

استحباب الرش في موضع يقين الطهارة إذا عرض ما يؤذن بظن النجاسة أو النفرة
أو نحو ذلك كملاقاة الكلب والخنزير باليبوسة ونحوهما.
ومن الأخبار الظاهرة في هذه المسألة بالنسبة إلى المتهم بعدم توقي النجاسات
ما رواه الكليني والشيخ عن العيص بن القاسم (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الرجل يصلي في ثوب المرأة وفي إزارها ويعتم بخمارها؟ قال نعم إذا كانت مأمونة "
ورواه الصدوق عن العيص وطريقه إليه في المشيخة صحيح فيكون الخبر صحيحا، وهو
دال بمفهومه على المنع من غير المأمونة.
و (منها) - كراهة صلاة المرأة في خلخال له صوت فلو كان أصم جاز من غير
كراهة، ويدل على كل من الحكمين ما رواه علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى
(عليه السلام) (2) " أنه سأله عن الخلاخل هل يصلح لبسها للنساء والصبيان؟ قال إن
كانت صماء فلا بأس وإن كان لها صوت فلا يصلح " ولا اختصاص للرواية بحال الصلاة
كما يظهر من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) نعم تدل على ذلك باطلاقها وقال
ابن البراج لا تصح الصلاة في خلاخل النساء إذا كان لها صوت.
و (منها) - كراهة الصلاة في ثوب فيه تماثيل أو خاتم كذلك على المشهور، وقال
الشيخ في المبسوط: الثوب إذا كان فيه تماثيل وصور لا تجوز الصلاة فيه. وقال فيه أيضا:
لا تصل في ثوب فيه تماثيل ولا خاتم كذلك. ونحوه في النهاية. ونقل عن ابن البراج
أنه حرم الصلاة في الخاتم الذي فيه صورة ولم يذكر الثوب. وظاهر كلام الأكثر عدم
الفرق في المثال بين صور الحيوان وغيره وقال ابن إدريس: إنما تكره الصلاة في
الثوب الذي عليه الصور والتماثيل من الحيوان فأما صور غير الحيوان فلا بأس. وقال
في الذكرى: ولعله نظر إلى تفسير قوله تعالى: " يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل " (3)

(1) الوسائل الباب 49 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 62 من لباس المصلي
(3) سورة السبأ، الآية 12
149

فعن أهل البيت (عليهم السلام) (1) أنها كصور الأشجار.
أقول: وها أنا أنقل هنا ما وصل إلي من الأخبار المتعلقة بهذا المقام مما تضمن
الثياب وغيرها وأذيلها بما يفهم منها من الأحكام بتوفيق الملك العلام وبركة أهل الذكر
عليهم الصلاة والسلام:
ومنها - ما رواه ثقة الاسلام في الصحيح عن محمد بن مسلم (2) قال: " سألت
أحدهما (عليهما السلام) عن التماثيل في البيت؟ فقال لا بأس إذا كانت عن يمينك
وعن شمالك ومن خلفك أو تحت رجلك، وإن كانت في القبلة فالق عليها ثوبا ".
وعن عبد الله بن سنان بسند فيه محمد بن عيسى عن يونس عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (3) " أنه كره أن يصلي وعليه ثوب فيه تماثيل ".
وعن عمار بن موسى في الموثق (4) " أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن
الصلاة في ثوب في علمه مثال طير أو غير ذلك؟ قال لا. وعن الرجل يلبس الخاتم فيه
نقش مثال الطير أو غير ذلك؟ قال لا تجوز الصلاة فيه ".
وروى الصدوق في حديث المناهي المذكور في الفقيه (5) قال: " نهى رسول الله
(صلى الله عليه وآله) أن ينقش شئ من الحيوان على الخاتم ".
وما رواه الصدوق عن عبد الرحمان بن الحجاج في الصحيح عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (6) " أنه سأله عن الدراهم السود تكون مع الرجل وهو يصلي مربوطة
أو غير مربوطة؟ قال ما أشتهي أن يصلي ومعه هذه الدراهم التي فيها التماثيل؟ ثم قال
ما للناس بد من حفظ بضايعهم فإن صلى وهي معه فلتكن من خلفه ولا يجعل شيئا منها
بينه وبين القبلة ".

(1) الوسائل الباب 3 من أحكام المساكن
(2) الوسائل الباب 45 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 45 من لباس المصلي
(4) الوسائل الباب 45 من لباس المصلي
(5) الوسائل الباب 46 من لباس المصلي
(6) الوسائل الباب 45 من لباس المصلي
150

وعن محمد بن إسماعيل بن بزيع في الصحيح عن أبي الحسن الرضا (عليه
السلام) (1) " أنه سأله عن الصلاة في الثوب المعلم فكره ما فيه من التماثيل ".
وما رواه في التهذيب عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال:
" لا بأس أن تكون التماثيل في الثوب إذا غيرت الصورة منه ".
وما رواه في كتاب الخصال بإسناده عن علي (عليه السلام) في حديث الأربع
مائة (3) قال: " لا يسجد الرجل على صورة ولا على بساط فيه صورة ويجوز أن تكون
الصورة تحت قدميه أو يطرح عليها ما يواريها، ولا يعقد الرجل الدراهم التي فيها صورة
في ثوبه وهو يصلي ويجوز أن تكون الدراهم في هميان أو في ثوب إذا خاف ويجعلها
في ظهره ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (4) قال: " قلت لأبي جعفر
(عليه السلام) أصلي والتماثيل قدامي وأنا أنظر إليها؟ قال لا. اطرح عليها ثوبا ولا بأس
بها إذا كانت عن يمينك أو شمالك أو خلفك أو تحت رجلك أو فوق رأسك، وإن كانت
في القبلة فالق عليها ثوبا وصل ".
وعن محمد بن أبي عمير في الصحيح عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (5) قال: " سألته عن التماثيل تكون في البساط لها عينان وأنت تصلي؟ فقال

(1) الوسائل الباب 45 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 45 من لباس المصلي. ولم يصف هذه الرواية بالصحة فيما وقفنا
عليه من النسخ والظاهر أنها هي صحيحة محمد بن مسلم الآتية بعد صحيحة ليث المرادي التي
يرويها عن الشيخ بمقتضى سياق كلامه ولم نعثر في كتب الحديث على رواية بهذا اللفظ إلا
في موضع واحد من التهذيب فقط. نعم في مكارم الأخلاق ص 29 رواية بهذا اللفظ:
" لا بأس أن تكون التماثيل في البيوت إذا غيرت الصورة " وعليه فالرواية المذكورة تكون
مكررة في كلامه (قدس سره).
(3) الوسائل الباب 45 من لباس المصلي
(4) الوسائل الباب 45 من لباس المصلي
(5) الوسائل الباب 45 من لباس المصلي
151

إن كان لها عين واحدة فلا بأس وإن كان له عينان فلا " ورواه في الكافي إلا أنه قال:
" تقع عينك عليه وأنت تصلي ".
وعن حماد بن عثمان في (1) الصحيح قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الدراهم السود فيها التماثيل أيصلي الرجل وهي معه؟ فقال لا بأس بذلك إذا كانت مواراة "
وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال: " لا بأس
أن تصلي على كل التماثيل إذا جعلتها تحتك ".
وعن ليث المرادي في الصحيح (3) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
الوسائد تكون في البيت فيها التماثيل عن يمين أو شمال؟ فقال لا بأس ما لم تكن تجاه القبلة
فإن كان شئ منها بين يديك مما يلي القبلة فغطه وصل، وإذا كان معك دراهم سود فيها
تماثيل فلا تجعلها من بين يديك واجعلها من خلفك ".
وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) (4) قال: " لا بأس
أن تكون التماثيل في الثوب إذا غيرت الصورة منه ".
وما رواه في كتاب قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر
عن أخيه موسى (عليه السلام) (5) قال: " سألته عن فراش حرير ومصلى حرير ومثله
من الديباج، إلى أن قال: وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في بيت فيه أنماط فيها
تماثيل قد غطاها؟ قال لا بأس. وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في بيت على
بابه ستر خارجه فيه التماثيل ودونه مما يلي البيت ستر آخر ليس فيه تماثيل؟ هل يصلح
أن يرخي الستر الذي ليس فيه تماثيل حتى يحول بينه وبين الستر الذي فيه تماثيل أو
يجيف الباب دونه ويصلي؟ قال نعم لا بأس. وسألته عن البيت قد صور فيه طير أو سمكة
أو شبهه يعبث به أهل البيت هل تصلح الصلاة فيه؟ قال لا حتى يقطع رأسه أو يفسده وإن
كان قد صلى فليس عليه إعادة. وسألته عن الدار والحجرة فيها التماثيل أيصلى فيها؟

(1) الوسائل الباب 45 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 45 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 45 من لباس المصلي
(4) الوسائل الباب 45 من لباس المصلي
(5) الوسائل الباب 45 من لباس المصلي
152

قال: لا تصل فيها وشئ منها مستقبلك إلا أن لا تجد بدا فتقطع رؤوسها وإلا فلا تصل ".
ورواه في كتاب المحاسن عن موسى بن القاسم عن علي بن جعفر عن أخيه
موسى (عليه السلام) (1) قال: " سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في بيت
على بابه ستر... إلى آخر الأسئلة والأجوبة ".
وما رواه في كتاب المكارم عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال:
" ربما قمت أصلي وبين يدي وسادة فيها تماثيل طائر فجعلت عليه ثوبا. وقال قد أهديت
إلي طنفسة من الشام فيها تماثيل طائر فأمرت به فغير رأسه فجعل كهيئة الشجر. وقال إن
الشيطان أشد ما يهم بالإنسان إذا كان وحده ".
وعن محمد بن مسلم (3) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن تماثيل
الشجر والشمس والقمر؟ قال لا بأس ما لم يكن فيه شئ من الحيوان ".
وعن أبي بصير (4) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إنما نبسط عندنا
الوسائد فيها التماثيل ونفر شبها؟ قال لا بأس بما يبسط منها ويفترش ويوطأ إنما يكره منها
ما نصب على الحائط والسرير ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (5) قال: " سألت أبا جعفر
(عليه السلام) عن الرجل يصلي وفي ثوبه دراهم فيها تماثيل؟ فقال لا بأس بذلك ".
وما رواه الكليني في الصحيح عن البزنطي عن الرضا (عليه السلام) (6)
" أنه أراه خاتم أبي الحسن (عليه السلام) وفيه وردة وهلال في أعلاه ".

(1) الوسائل الباب 45 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 4 من أحكام المساكن
(3) مكارم الأخلاق ص 69
(4) مكارم الأخلاق ص 69 ورواه في الوسائل عن الشيخ في الباب 94 من
ما يكتسب به
(5) الوسائل الباب 45 من لباس المصلي
(6) الوسائل الباب 46 من أبواب لباس المصلي
153

وروى في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " لا بأس
بتماثيل الشجر ".
وفي الصحيح عن محمد بن مسلم (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن تماثيل الشجر والشمس والقمر؟ فقال لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان ".
وما رواه في كتاب الخصال عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (3) قال: " قال أمير المؤمنين عليه السلام) لا يعقد الرجل الدراهم التي فيها
صورة في ثوبه وهو يصلي، ويجوز أن تكون الدراهم في هميان أو في ثوب إذا خاف
ويجعلها في ظهره ".
هذا ما حضرني من الأخبار المتعلقة بهذا المقام والكلام فيها يقع في مواضع:
(الأول) لا يخفى أن أكثر هذه الأخبار وإن كان ظاهره التحريم باعتبار ظاهر النهي وما
ورد من المبالغة في الزجر عن ذلك إلا أن جملة منها مما يدل على الجواز مثل صحيحة محمد بن
مسلم الأخيرة الدالة على نفي البأس عن صلاة الرجل وفي ثوبه دراهم وفيها تماثيل، وصحيح
البزنطي الدال على الوردة والهلال في خاتم أبي الحسن (عليه السلام) كما تقدم،
وصحيحة محمد بن مسلم الدالة على نفي البأس عن تماثيل الشجر والشمس والقمر، وحديث
الطنفسة المنقول من المكارم الدال على تغيير صورة الطير إلى صورة الشجر، وبعض
الأخبار الواردة بلفظ " لا أشتهي ولا أحب " مضافا ذلك إلى اتفاق جمهور الأصحاب
على الكراهة، فالقول بالتحريم ضعيف.
(الثاني) - أن ظاهر أكثر الأخبار عموم الكراهة في الصورة من ذوي
الأرواح وغيرها إلا أن صحيح زرارة الدال على نفي البأس عن تماثيل الشجر - وصحيحة

(1) الوسائل الباب 94 من ما يكتسب به
(2) الوسائل الباب 3 من أحكام المساكن
(3) الوسائل الباب 45 من لباس المصلي ولا يخفى أن رواية أبي بصير ومحمد بن مسلم
هي حديث الأربعمائة وقد تقدمت في الحديث 8 من هذه الأحاديث.
154

محمد بن مسلم الدالة على زيادة الشمس والقمر على الشجر في ذلك، وكذلك حديث
الطنفسة، وكذلك خبر البزنطي المذكور فيه خاتم أبي الحسن (عليه السلام) - يدل على
تخصيص الكراهة بذي الروح كما ذهب إليه ابن إدريس.
ومن ذلك ينقدح هنا اشكال باعتبار الاستدلال بهذه الأخبار على عموم الكراهة
حيث إنها دلت على الجواز فتحمل أخبار النهي على الكراهة جمعا بينها وبين هذه الأخبار كما تقدم، ومتى حملت هذه الأخبار على عدم تعلق الكراهة بغير ذي الروح
وخصت الكراهة بذي الروح لم يبق دليل على الكراهة لأن الأخبار دالة على النهي
الذي هو حقيقة في التحريم مؤكدا ذلك بما اشتملت عليه الأخبار من المبالغة في ذلك
ولا معارض لها مع قول البعض بالتحريم كما عرفت.
نعم يمكن أن يستدل على ما ذهب إليه ابن إدريس من أن محل الخلاف في المسألة
تجويزا ومنعا إنما هو التماثيل من ذي الروح بما تضمنه جملة من هذه الأخبار مما يدل
على كون المثال من ذوي الأرواح كالتصريح بالطائر في بعض وقطع الرأس في بعض
وطمس العين في بعض ونحو ذلك.
ويعضده الأخبار الدالة على أن التحريم مخصوص بتصوير ذي الروح وأما غير
ذي الروح من الأشجار ونحوها فلا بأس بها فعن أبي جعفر (عليه السلام) (1) " في
تفسير قوله تعالى: " إن الذين يؤذون الله ورسوله... " (2) هم المصورون يكلفون يوم
القيامة أن ينفخوا فيها الروح " وفي حديث المناهي المروي في الفقيه عن النبي (صلى الله عليه
وآله) (3) " من صور صورة كلفه الله يوم القيامة أن ينفخ فيها وليس بنافخ... الخبر "
ويعضد ذلك كلام بعض اللغويين الدال على أن التمثال إنما هو ذو الروح، قال
المطرزي في المغرب التمثال ما تصنعه وتصوره مشبها بخلق الله من ذوات الروح والصورة
عام، ويشهد لهذا ما ذكر في الأصل أنه صلى وعليه ثوب فيه تماثيل كره له ذلك، قال

(1) الوسائل الباب 3 من أحكام المساكن و 94 من ما يكتسب به
(2) سورة الأحزاب، الآية 57
(3) الوسائل الباب 3 من أحكام المساكن و 94 من ما يكتسب به
155

وإذا قطعت رؤوسها فليس بتماثيل. وقوله (صلى الله عليه وآله) (1): " لا تدخل الملائكة
بيتا فيه تماثيل أو تصاوير " كأنه شك من الراوي. وأما قولهم ويكره التصاوير
والتماثيل فالعطف للبيان، وأما تماثيل شجر فمجاز إن صح. انتهى. وقال في المصباح
المنير: التمثال الصورة المصورة، وفي ثوبه تماثيل أي صور حيوانات مصورة.
قال في الذكرى: خص ابن إدريس (قدس سره) الكراهة بتماثيل الحيوان
لا غيرها كالأشجار وكأنه نظر إلى تفسير قوله تعالى: " يعملون له ما يشاء من
محاريب وتماثيل " (2) فعن أهل البيت (عليهم السلام) أنها كصور الأشجار. وقد
روى العامة في الصحاح (3) " أن رجلا قال لابن عباس إني أصور هذه الصور فافتني
فيها فقال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول كل مصور في النار يجعل له بكل
صورة صورها نفسا فيعذبه في جهنم، وقال إن كنت لا بد فاعلا فأصنع الشجر وما لا نفس
له " وفي مرسل ابن أبي عمير عن الصادق (عليه السلام) " في التماثيل في البساط لها
عينان... الحديث " كما قدمناه (4) ثم قال وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه
السلام) (5) قال: " لا بأس أن تكون التماثيل في الثوب إذا غيرت الصورة منه "
وأكثر هذه يشعر بما قاله ابن إدريس وإن أطلقه كثير من الأصحاب (رضوان الله
عليهم) انتهى كلامه زيد مقامه. وهو يؤذن بميله إلى ما ذهب إليه ابن إدريس ولا يخلو
من قوة كما عرفت وإن كان العمل بالقول المشهور أحوط إلا أنه - كما قدمنا ذكره - يلزم
ما ذكره في المبسوط من القول بالتحريم في تمثال ذي الروح وهو الذي جعله ابن إدريس
محل الخلاف في المسألة إذ الأخبار التي قدمناها ظاهرة في الجواز موردها تمثال غير ذي الروح
وهو خارج عن محل البحث بناء على مذهب ابن إدريس. نعم يمكن الاستدلال على الكراهة

(1) الوسائل الباب 33 من مكان المصلي
(2) سورة السبأ، الآية 12
(3) صحيح مسلم باب " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة " من كتاب
اللباس والزينة.
(4) ص 151
(5) الوسائل الباب 45 من لباس المصلي
156

حينئذ بما في ألفاظ بعض تلك الأخبار من لفظ الكراهة ولفظ " لا أحب ولا أشتهي "
ونحو ذلك. وفيه ما فيه سيما مع تصريح موثقة عمار المتقدمة المشتملة على تمثال الطير
بعدم الجواز والنهي.
وبالجملة فالمسألة عند التأمل في أدلتها لا تخلو من شوب الاشكال، والمتأخرون
قد أخذوها مسلمة ولم يذكروا للكراهة دليلا منقحا وراء نقل بعض هذه الأخبار وهي
على ما عرفت، ويدلك على ما ذكرنا أن صاحب الذخيرة قد استدل للقول بالكراهة هنا
بموثقة عمار المذكورة وصحيحة محمد بن إسماعيل المشتملة على سؤاله من الرضا (عليه
السلام) عن الثوب المعلم فكره ما فيه التماثيل، ولم يذكر غيرهما، وظاهره الاعتماد في
الحكم بالكراهة على لفظة " كره " في هذه الرواية فنظمها مع موثقة عمار الدالة على
عدم الجواز والنهي عن تمثال الطير دليلا واحدا لأجل هذا اللفظ مع ما صرح به هو
وغيره من أن ورود لفظ الكراهة في الأخبار أكثر كثير في التحريم كما تقدم قريبا،
ومع هذا الاستدلال الظاهر الاختلال نقل قول ابن إدريس بالتخصيص بصور الحيوان
وقول الشيخ في المبسوط وردهما بالضعف والحال ما ترى.
(الثالث) - ظاهر كثير من هذه الأخبار زوال الكراهة أو التحريم على
القول به بقلع رأس الصورة لو كانت صورة حيوان أو طمس عين منها، وظاهر ذلك
نقص عضو من أعضاء تلك الصورة كما يشير إليه قوله (عليه السلام) في صحيحة محمد
ابن مسلم: " إذا غيرت الصورة منه " وفي هذا ما يؤيد أيضا قول ابن إدريس لأنه إذا
زالت الكراهة عن صورة الحيوان بمجرد نقص عضو مع أن سائر أجزائه مماثلة لما وجد
منها في الخارج فالشجر وأمثاله أولى بالجواز. وتزول الكراهة بما لو لم تكن الصورة في
القبلة بل كانت عن يمين أو شمال أو تحت أو فوق، وتزول أيضا بما لو كانت في القبلة
وألقى عليها سترا. وأما ما رواه في كتاب المحاسن في الموثق عن علي بن جعفر (1)

(1) الوسائل الباب 32 من مكان المصلي
157

قال: " سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن البيوت يكون فيها التماثيل أيصلى فيها
قال لا " فالظاهر تقييده بالأخبار المذكورة.
(الرابع) - قد اتفقت الأخبار على النهي عن الصلاة في الدراهم السود مصحوبة
أو مطروحة بين يديه، وتزول الكراهة بشدها في ثوب أو جعلها إلى خلفه، إلا أن ظاهر
صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج تضمنت أنه يشدها في صلاته على ظهره ولا يجعلها مما
يلي القبلة لأنه أبعد من توهم المشابهة لعبادة الأصنام التي على تلك الدراهم وهي السبب
الموجب لكراهة الصلاة وهي بارزة، لا بمعنى أنه يطرحها خلفه وقت الصلاة فإنه مناف
للحفظ الذي لأجله سوغ الصلاة فيها بل ربما كان ذلك أعظم في تشويش باله وعدم
توجهه في الصلاة وإقباله، وأوضح منه في الدلالة على ما ذكرنا حديث أبي بصير ومحمد
ابن مسلم وهو الأخير من الأخبار. وأما صحيحة ليث المرادي فالظاهر حملها على صورة
عدم الخوف عليها وأن تكون مطروحة على الأرض فإنه يجعلها من خلفه وإن لم يشدها في شئ.
وأما صحيحة حماد بن عثمان فغاية ما تدل عليه زوال الكراهة بمواراتها في أي جهة كانت
وإن كان الأفضل أن تكون مواراتها في جهة الخلف كما تدل عليه صحيحة عبد الرحمان بن
الحجاج. والمستفاد من هذه الأخبار وأخبار الدراهم البيض إن الدراهم في الصدر الأول بيض
أي من فضة بيضاء ويكتب عليها أسماء الله تعالى كما تقدم في باب الحيض في حديث الدراهم
البيض توضع على لحم الخنزير وتأخذها الزانية وفيها أسماء الله تعالى (1) وسود أي من
فضة سوداء وعليها صور الأصنام. ولا يخفى ما في هذه المناسبة من الحسن في المقام.
(الخامس) - جميع ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذا الباب مخصوص
بالتماثيل والصور المنقوشة على الثياب أو الستور أو الخاتم أو الجدران أو نحو ذلك، أما لو كانت
الصورة مستقلة غير منقوشة على شئ كصورة طير ونحوه فلم يتعرضوا للكلام فيها
ولا ذكرها في ما أعلم أحد. وظاهر قوله (عليه السلام) في حديث علي بن جعفر المتقدم

(1) ج 3 ص 48
158

المنقول في كتابي قرب الإسناد والمحاسن وقوله فيه: " وسألته عن البيت قد صور فيه
طير أو سمكة يعبث به أهل البيت... الخ " هو كراهة الصلاة في ذلك البيت الذي فيه
تلك الصورة حتى يقطع رأس الصورة أو يفسدها بنقص بعض أعضائها، ويحتمل كون
تلك الصورة منقوشة على جدران البيت إلا أن الظاهر من كونها يعبث بها أهل البيت
بمعنى اللعب بها إنما هو الأول، وحينئذ فالأحكام المذكورة جارية في التماثيل والصور
منقوشة كانت أو مستقلة.
و (منها) - كراهة الخضاب عند الشيخ (قدس سره) ومن تبعه، والأخبار
الواردة في الصلاة في الخضاب لا تخلو من تدافع، والشيخ جمع بينها بما ذكره من
الكراهة فأثبته في مكروهات الصلاة، والظاهر أنه غير متعين للجمع ليكون حكما
شرعيا بذلك.
ولا بد من نقل الأخبار المتعلقة بذلك وبيان ما اشتملت عليه، ومنها ما رواه
الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) (1)
قال: " سألته عن الرجل والمرأة يختضبان أيصليان وهما بالحناء والوسمة؟ فقال إذا أبرز الفم
والمنخر فلا بأس ".
وعن رفاعة (2) قال: " سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المختضب إذا
تمكن من السجود والقراءة أيصلي في حنائه؟ قال نعم إذا كانت خرقة طاهرة
وكان متوضئا ".
وعن محمد بن سهل بن اليسع الأشعري عن أبيه عن أبي الحسن (عليه السلام) (3)
قال: " سألته أيصلي الرجل في خضابه إذا كان على طهر؟ فقال نعم ".
وعن عمار الساباطي في الموثق (4) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن المرأة تصلي ويداها مربوطتان بالحناء؟ فقال إن كانت توضأت للصلاة قبل ذلك فلا

(1) الوسائل الباب 39 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 39 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 39 من لباس المصلي
(4) الوسائل الباب 39 من لباس المصلي
159

بأس بالصلاة وهي مختضبة ويداها مربوطتان ".
وما رواه في الكافي عن أبي بكر الحضرمي في الصحيح إليه (1) قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصلي وعليه خضابه؟ قال لا يصلي وهو عليه ولكن
ينزعه إذا أراد أن يصلي. قلت إن حناءه وخرقته نظيفة؟ فقال لا يصلي وهو عليه
والمرأة أيضا لا تصلي وعليها خضابها ".
وما رواه الصدوق في كتاب العلل في الحسن عن مسمع بن عبد الملك (2) قال:
" سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لا يصلي المختضب. قلت ولم؟ قال لأنه مختصر "
وعن يونس بن عبد الرحمان عن جماعة من أصحابنا (3) قال: " سئل أبو عبد الله
(عليه السلام) ما العلة التي من أجلها لا يحل للرجل أن يصلي وعلى شاربه الحناء؟ قال
لأنه لا يتمكن من القراءة والدعاء ".
وما رواه في كتاب قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر
عن أخيه (عليه السلام) (4) قال: " سألته عن الرجل والمرأة يصلح لهما أن يصليا وهما
مختضبان بالحناء والوسمة؟ قال إذا برز الفم والمنخر فلا بأس ".
وأنت خبير بأنه كما يحتمل حمل رواية الحضرمي على الكراهة كما ذكره الشيخ
(قدس سره) ومن تبعه وجعلوه بذلك حكما شرعيا ومسألة مستقلة؟ يمكن - بل هو
الأظهر - حمل الخبر المذكور على المانع من القراءة أو من الاتيان بها على الوجه الأكمل كما
يدل عليه خبر يونس المذكور، وعلى هذا فالمنع محمول على التحريم على الأول وعلى
الكراهة على الثاني.
و (منها) - كراهة ما يستر ظهر القدم مما لا ساق له وإن قل على المشهور بين أكثر
المتأخرين وبه صرح الشيخ في المبسوط وابن حمزة، ومثلوا له بالشمشك والنعل
السندي، وصرح جملة من المتقدمين بالتحريم كالشيخين في المقنعة والنهاية وابن البراج

(1) الوسائل الباب 39 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 39 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 39 من لباس المصلي
(4) الوسائل الباب 39 من لباس المصلي
160

وسلار والفاضلين. وأما ما لا يستر الظهر أو يستره وله ساق وإن قل كالخف والجورب -
وظاهرهم أنهما مما له ساق - والنعل العربية مما لا يستر ظهر القدم فلا خلاف فيه بينهم وقال
في التذكرة أنه موضع وفاق بين العلماء.
وغاية ما استدل به في المعتبر على القول بالتحريم فعل النبي (صلى الله عليه وآله)
وعمل الصحابة والتابعين فإنهم لم يصلوا في هذا النوع. قال في المدارك: وهو استدلال
ضعيف (أما أولا) فلأنه شهادة على نفي غير محصور فلا يسمع. ثم لو سلمنا ذلك لم يدل
على عدم الجواز لجواز أن يكون تركه لكونه غير معتاد لهم لا لتحريم لبسه
و (أما ثانيا) فلأن هذا الاستدلال لو تم لاقتضى تحريم الصلاة في كل ما لم يصل فيه
النبي (صلى الله عليه وآله) وهو معلوم البطلان. انتهى. وهو جيد.
ثم إن ظاهرهم أن مستندهم في الحكم بالكراهة إنما هو تفصيا من ارتكاب
ما وقع فيه الخلاف، ولا يخفى ما فيه فإن الكراهة حكم شرعي يتوقف على الدليل
الواضح. نعم نقل العلامة في المختلف وغيره عن ابن حمزة أنه عد النعل السندي
والشمشك في ما يكره الصلاة فيه، قال وروى أن الصلاة محظورة في النعل السندي
والشمشك. وهذه الرواية لم تصل إلينا، وروى الشيخ في كتاب الغيبة والطبرسي في كتاب
الاحتجاج مما كتبه الحميري إلى الناحية المقدسة (1) " هل يجوز للرجل أن يصلي وفي
رجليه بطيط لا يغطي الكعبين أم لا يجوز؟ فخرج الجواب جائز " قال في القاموس:
البطيط رأس الخف بلا ساق. وهذا الخبر مما يؤيد القول بالجواز وهو المعتمد، والاحتياط
لا يخفى سيما مع دعوى ورود الخبر بالنهي كما يشعر به كلام ابن حمزة المتقدم.
و (منها) كراهة البرطلة جمعا بين ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن
هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) " أنه كره لباس البرطلة " وما رواه

(1) الوسائل الباب 38 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 42 من لباس المصلي
161

الشيخ في الموثق عن يونس بن يعقوب (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الرجل يصلي وعليه البرطلة؟ فقال لا يضره " ومما يؤيد الكراهة أيضا ما ورد من
النهي عن الطواف بها (2) معللا في بعض تلك الأخبار بأنها من زي اليهود ولأجل
ذلك كرهوا الطواف فيها، بل قيل بالتحريم أيضا كما سيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب
الحج. والبرطلة بضم الباء الموحدة واسكان الراء وضم الطاء المهملة وتشديد اللام المفتوحة
وربما خففت: قلنسوة طويلة كانت تلبس قديما.
المقدمة السادسة في المكان
ولهم فيه تعريفات عديدة لا تخلو من مناقشات. والأجود في تعريفه - كما ذكره
السيد السند (قدس سره) بالنسبة إلى الإباحة - أنه الفراغ الذي يشغله بدن المصلي
أو يستقر عليه ولو بوسائط، وباعتبار الطهارة أنه ما يلاقي بدن المصلي أو ثيابه.
والبحث هنا يقع في مسائل: (الأولى) - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله
عليهم) اشتراط الإباحة في المكان ونعني بها هنا ما قابل الغصب، فيدخل فيها المملوك عينا
ومنفعة، والمأذون فيه بجملة أقسامه من الإذن الصريح خصوصا كأن يأذن بالصلاة فيه
أو عموما كأن يأذن بالكون فيه أو بالفحوى كادخال الضيف للضيافة ونحوه أو بشاهد
الحال كالخانات والرباطات والصحارى وسائر الأماكن المأذون في غشيانها والاستقرار فيها
كالحمامات، ولا تجوز في المغصوب عينا أو منفعة كالدعاء الوصية بها أو دعوى الاستيجار كذبا
وكاخراج روشن أو ساباط في موضع يمنع فيه. والفرق بين غصب العين وغصب المنفعة مع
استلزامه التصرف في العين أنه في صورة غصب المنفعة لا يتعرض للعين بغير الانتفاع فلو أراد
المالك بيعها أو هبتها لم يمنعه منها بخلاف غصب العين فإنه يمنعه من جميع التصرفات.
هذا، وقد تقدم نقل كلام الفضل بن شاذان في المقدمة الخامسة وصراحته في

(1) الوسائل الباب 42 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 31 من أحكام الملابس
162

جواز الصلاة في المكان المغصوب وإن أثم من حيث التصرف بغير إذن المالك بشئ من
هذه الأنحاء المذكورة.
قال شيخنا الشهيد في الذكرى: أما المغصوب فتحريم الصلاة فيه مجمع عليه،
وأما بطلانها فقول الأصحاب وعليه بعض العامة (1) لتحقق النهي المفسد للعبادة
(قالوا) النهي عن أمر خارج عن الصلاة كرؤية غريق يحتاج إلى انقاذه وليس هناك
غير هذا المصلي (قلنا) الحركات والسكنات أجزاء حقيقية من الصلاة وهي منهي عنها
وانقاذ الغريق أمر خارج.
وقال في المدارك: أجمع العلماء كافة على تحريم الصلاة في المكان المغصوب مع
الاختيار، وأطبق علماؤنا على بطلانها أيضا لأن الحركات والسكنات الواقعة في المكان
المغصوب منهي عنها كما هو المفروض فلا تكون مأمورا بها ضرورة استحالة كون الشئ
الواحد مأمورا به ومنهيا عنه. وخالف في ذلك أكثر العامة (2) وحكموا بصحتها بناء
على جواز كون الشئ الواحد مأمورا به منيها عنه، واستدلوا عليه بأن السيد إذا أمر عبده
بخياطة ثوب ونهاه عن الكون في مكان مخصوص ثم خاطه في ذلك المكان فإنه يكون
مطيعا عاصيا لجهتي الأمر بالخياطة والنهي عن الكون. وجوابه أن المأمور به في هذا
المثال غير المنهي عنه إذ المأمور به الخياطة والمنهي عنه الكون وأحدهما غير الآخر بخلاف
الصلاة الواقعة في المكان المغصوب فإن متعلق الأمر والنهي فيهما واحد وهي الحركات
والسكنات المخصوصة (فإن قلت) الكون في الخياطة واجب من باب المقدمة فإذا تعلق
به النهي اجتمع الواجب والمحرم في الشئ الواحد وهو الذي أنكرتموه (قلت) هذا
الاجتماع إنما يقتضي فساد ذلك الكون خاصة لا الخياطة، ووجوبه على تقدير تسليمه
إنما هو من باب المقدمة والغرض من المقدمة التوصل إلى الواجب وإن كانت منهيا عنها

(1) نسب القرافي المالكي في الفروق ج 2 ص 58 البطلان إلى الحنابلة
والصحة إلى المالكية والشافعية والحنفية.
(2) نسب القرافي المالكي في الفروق ج 2 ص 58 البطلان إلى الحنابلة
والصحة إلى المالكية والشافعية والحنفية.
163

لسقوط الطلب عندها كما هو في سلوك الطريق المغصوب إلى الميقات عند وجوب
الحج فتأمل. انتهى.
أقول - وبالله التوفيق إلى هداية سواء الطريق -: الظاهر أن ما ذكره في الذكرى
- من التعليل بكون الحركات والسكنات منهيا عنها والنهي في العبادة موجب للفساد -
فهو عليل لا يهدي إلى سبيل لما قدمنا تحقيقه في مسألة اللباس من أن القدر المعلوم المتفق
عليه هو أن النهي إذا توجه للعبادة من حيث هي عبادة فهو مبطل لها، وأما إذا توجه
إليها باعتبار أمر خارج فلا وعلى مدعي البطلان البيان وإقامة الدليل والبرهان لما سيظهر
لك إن شاء الله تعالى في هذا المكان زيادة على ما تقدم، وهذه الحركات والسكنات
إنما توجه النهي إليها من حيث إنها تصرف في مال الغير بغير إذنه، على أنا قد قدمنا أيضا
منع توجه النهي بالكلية فإن النهي إنما توجه إلى لبس هذا الثوب من أول الأمر غاية
الأمر أنه قارنه الحركات والسكنات في هذا الثوب وأحدهما غير الآخر
وأما ما ذكره في المدارك من التعليل فالظاهر أيضا أنه عليل لا يبرد الغليل، فإن
للقائل أن يقول إن ما ذكره - من أن اجتماع الأمر والنهي في شئ واحد محال وهو
الذي بنى عليه الاستدلال - إن أريد به مع اتحاد جهتي الأمر والنهي فهو مسلم ولكن الأمر
هنا ليس كذلك لما عرفت في مسألة اللباس، وإن أريد ولو مع اختلافهما فهو ممنوع
وعلى المدعي اثباته بالدليل القاطع والبرهان الساطع وأنى به؟ ومستند المنع ما قدمنا ثمة
من أنه مأمور بإزالة النجاسة عن الثوب والبدن لأجل الصلاة ومنهي عن الإزالة
بالمغصوب مع أنه لو أزالها بالماء المغصوب صح ذلك وجاز الدخول به في الصلاة، وكذلك
ما ذكره من سلوك الطريق المغصوب إلى الحج فإنه مأمور به من حيث كونه مقدمة
للواجب ومنهي عنه من حيث كونه تصرفا في مال الغير بغير إذنه فقد اجتمع الأمر
والنهي في شئ واحد. وبعين ذلك نقول في الصلاة فإن الحركات والسكنات التي هي
عبارة عن القيام والقعود والركوع والسجود مأمور بها من حيث كونها أجزاء من الصلاة
164

وواجبات فيها ومنهي عنها من حيث كونها تصرفا في مال الغير فتصح الصلاة وإن كانت
كذلك، ويؤيد ذلك اطلاق الأمر بالصلاة، ومدعي منع الاجتماع في ذلك ومحاليته
في ذلك عليه الدليل.
وبذلك يظهر أن ادعاء كون اجتماع الأمر والنهي في شئ واحد محالا ليس على
اطلاقه بل إنما هو مع اتحاد جهتي الأمر والنهي كما ذكرناه، والعامة إنما حكموا في هذه
المسألة بالصحة لما ذكرناه من اختلاف الجهتين وإلا فإنهم وغيرهم من كافة العقلاء
لا يجوزون اجتماع الأمر والنهي مع اتحاد الجهة فيهما، ويظهر لك ذلك من مثال الخياطة
الذي أوردوه لاختلاف الجهتين فيه كما هو ظاهر في ذلك ولذلك جعلوه مطيعا
عاصيا باعتبارين.
وأما ما أجاب به عن كلام المخالفين بقوله: " وجوابه أن المأمور به في هذا المثال
غير المنهي عنه... " فهو مردود بما استشعره أخيرا من أن حاصل استدلالهم على اجتماع
الأمر والنهي في مثال الخياطة أن الكون في الخياطة واجب من باب المقدمة لأن الأمر
بذي المقدمة أمر بها فيكون مأمورا به لأجل الخياطة وهو منهي عنه من حيث كونه
تصرفا في المغصوب بغير إذن المالك فاجتمع الأمر والنهي في شئ واحد.
وأما جوابه عن ذلك بقوله: " قلت هذا الاجتماع إنما يقتضي فساد ذلك الكون
خاصة... الخ " فهو خروج عن موضع البحث، إذ الكلام في أنه قد منع سابقا اجتماع
الأمر والنهي في شئ واحد وادعى أنه محال ونقل عن العامة أنهم حكموا بصحته واستدلوا
على ذلك بمثال الخياطة، والحال أنه بمقتضى اعترافه بأن الكون في الخياطة واجب من
باب المقدمة فيكون مأمورا به والحال أنه منهي عنه من جهة التصرف في مال الغير فقد
سلم اجتماع الأمر والنهي الذي منعه سابقا وادعى محاليته، وجوابه هذا خارج عن محل
البحث لأن صحة الفعل بعد ارتكاب المنهي عنه وعدم صحته لا مدخل لها في المقام،
إنما الكلام في أنهم بنوا استدلالهم في هذه المسألة على بطلان الصلاة في المكان المغصوب
165

على أنه يلزم من القول بالصحة اجتماع الأمر والنهي في شئ واحد وهو محال عقلا وكل ما
استلزم المحال فهو باطل، والحال أنه قد اعترف بصحة الاجتماع في مثال الخياطة بالتقريب
المذكور، وبه يتحقق بطلان دليلهم على بطلان الصلاة في المكان المغصوب. وجوابه
بأن هذا الاجتماع إنما يقتضي... الخ لا تعلق له بأصل المسألة بل يكفي الخصم اعترافه
بصحة الاجتماع إذ مبنى دليلهم على عدم جواز الاجتماع كما عرفت. على أن التحقيق أن
ما ذكره من صحة الحج وسقوط الواجب مع قطع الطريق المغصوب إنما نشأ من حيث
اختلاف جهتي الأمر والنهي كما ذكرنا لا من حيث ما ذكره، ألا ترى أنه لو نهى
الشارع عن سلوك الطريق المغصوب إلى الحج وحج مع سلوكه للزم اجتماع الأمر والنهي في
شئ واحد من جهة واحدة ولزم منه فساد الحج البتة لرجوع النهي إليه بطريق الآخرة المستلزم
لفساده، والقول بصحة الحج هنا ممنوع ولا أظنه يقول به. ومثله يأتي في مثال الخياطة
لو نهى السيد عن الخياطة في مكان مخصوص فإنه يلزم اجتماع الأمر والنهي من جهة
واحدة في أمر واحد، وحينئذ فحصول الامتثال ممنوع. وحصول الامتثال في الفرض
الأول إنما نشأ من حيث اختلاف جهتي الأمر والنهي وإن كانا في شئ واحد لا من
حيث ما ذكره. وجوابه بأن الاجتماع إنما يقتضي فساد الكون خاصة إنما يتجه على الثاني
وأما على الأول فإنه يقتضي فساد الخياطة وعدم الامتثال لما أمر به السيد البتة. نعم يمكن
الجواب عن مثال الخياطة بأن يقال إنه على تقدير وجوب المقدمة مطلقا لنا أن نقول إن
الكون هنا ليس مقدمة حتى يلزم أن يكون مأمورا به بل هو من لوازم وجود الجسم،
إذ المقدمة هي الطريق التي يتوصل بها إلى الشئ وظاهر أن الكون ليس كذلك فلا يلزم
اجتماع الأمر والنهي في شئ واحد. ولو أنه (قدس سره) أجاب بذلك لا ندفع عنه
ما ذكرناه من الإيراد وتم له المراد.
وبالجملة فالمسألة - كما قدمنا في حكم اللباس - لا تخلو من شوب الاشكال والاحتياط
فيها بالعمل على القول المشهور، ويؤيده ما رواه ابن أبي جمهور في كتاب عوالي اللئالي
166

مرسلا عن الصادق (عليه السلام) (1) قال: " روي عن الصادق (عليه السلام) أنه
سأله بعض أصحابه فقال يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما حال شيعتكم في ما
خصكم الله إذا غاب غائبكم واستتر قائمكم؟ فقال (عليه السلام) ما أنصفناهم إن آخذناهم
ولا أحببناهم إن عاقبناهم بل نبيح لهم المساكن لتصح عباداتهم ونبيح لهم المناكح لتطيب
ولادتهم ونبيح لهم المتاجر لتزكوا أموالهم ولولا إرسال الخبر في هذا الكتاب الذي
قد اشتمل على نوع من التساهل في نقل الأخبار لما كان عنه معدل في الحكم بما
ذكره الأصحاب إلا أن تأييده ظاهر بلا ارتياب. وقد تقدم في اللباس خبران آخران
لا يخلوان من التأييد أيضا في هذا المقام.
ثم أنه قال في المدارك على أثر الكلام المتقدم: ومن هنا يظهر رجحان القول
بصحة الطهارة الواقعة في المكان المغصوب كما قطع به في المعتبر لأن الكون ليس جزء
منها ولا شرطا فيها فلا يؤثر تعلق النهي في فسادها.
أقول: فيه إن الكون وإن كان كما ذكره ليس جزء من الطهارة ولا شرطا
فيها إلا أن حركاته في حال الوضوء كالحركات التي في الصلاة فيأتي فيها ما ذكره في
الحركات في الصلاة بعينه، فإن الوضوء شرعا عبارة عن هذه الأفعال المخصوصة من أخذ
الماء باليد مثلا وصبه على الوجه وغسله به وهكذا في باقي الأعضاء. وبالجملة فإن الفرق
بين حركات الوضوء وحركات الصلاة غير ظاهر فبعين ما يقال هناك يقال هنا.
قال شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب البحار: واختلفوا في بطلان
الطهارة في المكان المغصوب فذهب المحقق إلى العدم بناء على أن الكون ليس جزء منها
ولا شرطا فيها وإليه ذهب العلامة في المنتهى، والفرق بين الطهارة والصلاة في ذلك
مشكل إذ الكون كما أنه مأخوذ في مفهوم السكون مأخوذ في مفهوم الحركة وليس الوضوء
والغسل إلا حركات مخصوصة، وليس المكان منحصرا في ما يعتمد عليه الجسم فقط

(1) مستدرك الوسائل الباب 4 من الأنفال.
167

فإن الملك والأحكام الشرعية لا تتعلق به خاصة بل يعم الفراغ الموهوم أو الموجود فكل
منهما عبارة حقيقة عن الكون أو يشتمل عليه. انتهى.
أقول: قال في المعتبر: مسألة - لا تصح الصلاة في مكان مغصوب مع العلم بالغصب
اختيارا وهو مذهب الثلاثة وأتباعهم ووافق الجبائيان وأحمد في إحدى الروايتين
وخالف الباقون (1) لنا - أنها صلاة منهي عنها والنهي يدل على فساد المنهي عنه
(لا يقال) هذا باطل بالوضوء في المكان المغصوب، وبإزالة عين النجاسة بالماء المغصوب
وبأن النهي يدل على الفساد حيث يكون متناولا لنفس العبادة، وليس في صورة النزاع
كذلك بل النهي متناول لعارض خارج عن ماهية الصلاة فلا يكون مبطلا (لأنا نقول)
الفرق بين الوضوء في المكان المغصوب والصلاة فيه أن الكون بالمكان ليس جزء من
الوضوء ولا شرطا فيه وليس كذلك الصلاة فإن القيام جزء من الصلاة وهو منهي
عنه لأنه استقلال في المكان المنهي عن الاستقلال فيه وكذا السجود وإذا بطل القيام
والسجود وهما ركنان بطلت الصلاة، وإزالة النجاسة ليست بعبادة إلا مع نية التقرب
وإذا جاز أن تقع غير عبادة أمكن إزالة النجاسة وإن كان المزيل عاصيا بالإزالة كما
يصح إزالة عين النجاسة من الكافر والطفل، أما الصلاة فإنها لا تقع إلا عبادة فلا
تقع صحيحة مع النهي عنها. وقوله " النهي لم يتناول العبادة " قلنا النهي يتناول العبادة
بطريق اللزوم. لأنه يتناول القيام والسجود ويلزم من بطلانهما بطلان الصلاة. انتهى.
أقول: فيه (أولا) ما أشرنا إليه في مسألة اللباس من أنه بمجرد لبس الثوب
المغصوب يتحقق الغصب ويترتب الإثم ابتداء واستدامة وهو أمر خارج عن الحركات
المخصوصة من حيث هي حركات أعني القيام والقعود والركوع والسجود، غاية ما في
الباب أنها قارنت ذلك التصرف المحرم المنهي عنه والنهي عن المقارن لا يوجب النهي
عن المقارن الآخر، فتوجه النهي إلى القيام والسجود كما ذكره ممنوع.

(1) أرجح إلى التعليقة ص 163
168

و (ثانيا) - أنه مع تسليم تعلق النهي بذلك فإنا لا نسلم الفساد إلا إذا كان
النهي عن هذه الأشياء من حيث الصلاة، لأن النهي عن العبادة إنما يبطلها إذا توجه لها
من حيث كونها عبادة، وأما لو توجه إليها باعتبار أمر خارج كما في ما نحن فيه فإنه في
معنى النهي عن أمر خارج. ومدعي الابطال في الصورة المذكورة عليه البيان فإن المحال
الذي رتبوه على الصحة في العبادة متى كانت منهيا عنها من حيث لزوم اجتماع الأمر والنهي
في شئ واحد إنما هو في ما إذا اتحدت جهتا الأمر والنهي كما تقدم ذكره لا مع التعدد
كما عرفت.
و (ثالثا) - أن ما ذكره في الفرق بين الصلاة والوضوء غير موجه ولا ظاهر،
وذلك لأن المكان كما يطلق على ما يستقل عليه الانسان ويعتمد عليه كذلك يطلق على
الفراغ الذي يشغله بدن الانسان كما عرفت في تعريفه الذي ذكروه في هذا المقام من أنه
الذي يشغله بدن المصلي أو يعتمد عليه، وحينئذ فللقائل أن يقول كما أن القيام في الصلاة
منهي عنه لأنه استقلال في المكان المنهي عن الاستقلال فيه كذلك حركات اليد في
الوضوء في هذا الفراغ منهي عنها لأنها حركات في المكان المنهي عن الحركة فيه وإذا
بطلت هذه الحركات المنهي عنها بطل الوضوء. وبذلك يظهر أنه لا فرق - لو ثبت
ما ذكره - بين الصلاة والطهارة في المكان المغصوب.
و (رابعا) - ما ذكره في الذكرى من أن الأفعال المخصوصة من ضرورتها
المكان فالأمر بها أمر بالكون مع أنه منهي عنه. أقول كأنه يشير بذلك إلى لزوم
اجتماع الأمر والنهي في شئ واحد إلا أنك قد عرفت ما فيه من أنه مع تعدد جهتي
الأمر والنهي فلا مانع من ذلك ولا محذور فيه.
وأما ما أطال به في الذخيرة في الرد عليه فمما لا طائل تحته متى أحطت خبرا بما
ذكرناه من التحقيق في المقام.
وبالجملة فالمسألة لخلوها من النصوص لا تخلو من شوب الاشكال، والاعتماد على
169

التعليلات العقلية في الأحكام الشرعية مجازفة بل جرأة علي ذي الجلال، ولا سيما مع
ما عرفت من قبول الأمور العقلية للاختلاف باختلاف الأفكار والأفهام وتطرق الاختلال.
هذا، وممن صرح بطلان الطهارة في المكان المغصوب العلامة في النهاية والتذكرة
قال: وكذا لو أدى الزكاة وقرأ القرآن المنذور في المكان المغصوب لا يجزئان. أما
الصوم في المكان المغصوب فجزم بصحته لأنه لا مدخل للكون فيه. وأورد عليه بعدم
الفرق بين الصوم وقراءة القرآن مثلا.
إذا عرفت ذلك فتنقيح البحث في المسألة يتوقف على بيان أمور:
(الأول) - الظاهر أنه لا خلاف في معذورية جاهل أصل الغصب، وأما جاهل
الحكم فالمشهور فيه عدم المعذورية، ومال في المدارك تبعا لبعض مشايخه المحققين - والظاهر أنه المحقق الأردبيلي (قدس سره) - إلى المعذورية.
وأما ناسي الغصب فظاهر الأصحاب أن الكلام فيه هنا كالكلام في اللباس
ونحن قد قدمنا في ذلك البحث قوة التفصيل بين الوقت وخارجه والإعادة في الأول
دون الثاني، وصاحب المدارك قد اختار هنا ما اختاره المصنف من عدم الإعادة مطلقا،
حيث قال بعد أن ذكر أن صحة صلاة الجاهل بالغصب موضع وفاق بين العلماء: لأن
البطلان تابع للنهي وهو إنما يتوجه إلى العالم والأصح أن الناسي كذلك لارتفاع النهي
بالنسبة إليه ولهذا اتفق الكل على عدم تأثيمه. انتهى. أقول لا يخفى أن هذا الكلام
على اطلاقه لا يخلو من الاشكال لأنه لو تم لاقتضى اطراده في غير مقام من عبادات
الناسي مع أنه لا خلاف في بطلان صلاة من نسي ركنا من الصلاة، وأيضا فإنه استفاضت
الأخبار بوجوب إعادة الصلاة على من صلى في النجاسة ناسيا، وقد علل (عليه السلام)
في بعض تلك الأخبار وجوب الإعادة باهماله التذكر حيث قال (عليه السلام) (1) "
يعيد صلاته كي يهتم بالشئ إذا كان في ثوبه عقوبة لنسيانه " وهو - كما ترى - صريح

(1) الوسائل الباب 42 من النجاسات
170

في عدم معذورية الناسي لأن العقوبة على النسيان وعدم التذكر لا تجتمع مع المعذورية،
وغاية ما يفيده حديث رفع القلم (1) هو عدم العقوبة لا صحة الصلاة وأحدهما غير الآخر
وبذلك يظهر ما في استناده إلى الاتفاق على عدم التأثيم.
وبالجملة فالمسألة بالنسبة إلى المكان واللباس غير منصوصة والتعليل المذكور
لا يصلح لتأسيس حكم شرعي لما عرفت، وأحكام الناسي في الأخبار في جملة من
الأحكام مختلفة ففي بعضها كما تقدم أنه غير معذور وفي بعض كنسيان الصوم والأكل فيه
حكموا (عليهم السلام) بصحة الصوم وعدم وجوب الإعادة مطلقا. ومن ذلك يعلم أنه
ليس له حكم كلي ولا قاعدة مطردة فالواجب الوقوف على موارد النصوص في كل
جزئي ورد الحكم فيه بالعموم أو الخصوص وإلا فالوقوف على ساحل الاحتياط والله العالم
(الثاني) - المشهور بين الأصحاب أنه لا فرق في عدم جواز الصلاة في الملك
المغصوب بين الغاصب وغيره ممن علم بالغصب.
وجوز المرتضى والشيخ أبو الفتح
الكراجكي الصلاة في الصحارى المغصوبة استصحابا لما كانت عليه قبل الغصب، ونفى
عنه البعد شيخنا المجلسي في البحار.
ولو صلى المالك في المكان المغصوب صحت صلاته
اجماعا إلا من الزيدية على ما ذكره في الذكرى.
ولو أذن المالك للغاصب أو لغيره في الصلاة صحت لارتفاع المانع.
وقال الشيخ في المبسوط: لو صلى في مكان مغصوب مع الاختيار لم تجزئ الصلاة
فيه ولا فرق بين أن يكون هو الغاصب أو غيره ممن أذن له في الصلاة فيه لأنه إذا كان
الأصل مغصوبا لم تجز الصلاة فيه.
قال شيخنا الشهيد في الذكرى بعد نقل هذه العبارة: واختلف في معناه ففي
المعتبر أن الآذن المالك لأنه قال الوجه الجواز لمن أذن له المالك، وقال الفاضل الآذن

(1) المراد به حديث الرفع المروي في الوسائل في الباب 56 من جهاد النفس وهو
قوله " ص " " رفع عن أمتي تسعة أشياء: السهو والخطأ والنسيان... الحديث ".
171

الغاصب. وكلاهما مشكل (أما الأول) فلما قاله في المعتبر. و (أما الثاني) فلأنه لا يذهب
الوهم إلى احتمال جواز إذن الغاصب فكيف ينفيه الشيخ معللا بما لا يطابق هذا الحكم؟
ويمكن توجيه الأول بأن المالك لما لم يكن متمكنا من التصرف فيه لم يفد إذنه الإباحة كما
لو باعه فإنه باطل ولا يجوز للمشتري التصرف فيه. ويجوز أن يقرأ " إذن " بصيغة المجهول
ويراد به الإذن المطلق المستند إلى شاهد الحال فإن طريان الغصب يمنع من استصحابه كما
صرح به ابن إدريس ويكون فيه التنبيه على مخالفة المرتضى (رضي الله عنه) وتعليل
الشيخ مشعر بهذا. انتهى.
وقال شيخنا المجلسي في البحار بعد نقل عبارة الشيخ المذكورة: والظاهر أن
مراده بالإذن إذن الغاصب وإن كان الوهم لا يذهب إلى تأثير إذنه في الصحة، إذ يمكن
أن يكون الاشتراط مبنيا على العرف وأن الغالب أنه لا يتمكن الغير من الصلاة فيه إلا بإذن
الغاصب الغالب. وحمله على إرادة المالك كما هو ظاهر المعتبر بعيد جدا إذ لا جهة للبطلان
حينئذ ووجهه في الذكرى بأن المالك لما لم يكن متمكنا من التصرف فيه لم يفد إذنه الإباحة
كما لو باعه فإنه باطل ولا يجوز للمشتري التصرف فيه. وفيه نظر لمنع الأصل وبطلان القياس
فلا يتم الحكم في الفرع. ثم نقل ما احتمله في الذكرى من القراءة بصيغة المجهول وما فرعه
عليه، ثم قال: وليت شعري ما المانع من الحمل على ما ذكرناه مع أنه أظهر في عبارته لفظا
ومعنى وما الداعي إلى الحمل على ما يوجب تلك التكلفات؟ وسمعنا أن بعض أفاضل المتأخرين
ممن ولى عصرنا زاد في الطنبور نغمة وحكم بأنه لا يجوز للمالك أيضا أن يصلي فيه لأنه يصدق
عليه أنه مغصوب، وهذا فرع ورود تلك العبارة في شئ من النصوص ولا نص فيه على
الخصوص بل إنما يستدلون بعموم ما دل على عدم جواز التصرف في ملك الغير ثم
يحتجون للبطلان بأن النهي في العبادة موجب للفساد ولا يجري ذلك في المالك ومن
أذن له، فكم بين من يحكم بجواز الصلاة وصحتها للغاصب وغيره وإن منع المالك صريحا
وبين من يقول بهذا القول؟ انتهى كلام شيخنا المشار إليه. وهو جيد. ولعمري أن
172

من عرف الشيخ وطريقته يقطع ويجزم بأنه لا يذهب إلى هذه التدقيقات التي وجه بها
في الذكرى كلام المحقق في المعتبر واحتمال القراءة بصيغة المجهول.
(الثالث) - الظاهر أنه لا خلاف في أنه لو أمره الآذن بالكون في المكان
صريحا أو فحوى بالخروج قبل الاشتغال بالصلاة والوقت متسع فإنه يجب عليه الخروج
على الفور لمنع التصرف في مال الغير بغير إذنه فكيف مع النهي صريحا؟ فلو اشتغل
بالصلاة والحال هذه بطلت عندهم كما تقدم ذكره لتوجه النهي إلى العبادة الموجب لفسادها
وفيه ما عرفت مما تقدم تحقيقه.
إنما الخلاف في ما إذا اشتغل بالصلاة قبل الأمر بالخروج، وفيه وجوه بل أقوال:
(الأول) - وهو مختار العلامة في الإرشاد وجماعة - أنه يجب عليه الخروج ويتمها وهو
خارج ولا يقطعها، وعللوه بأن فيه جمعا بين حق الله تعالى وأمره باتمام العمل وعدم ابطال
العمل وبين حق الآدمي. وأورد عليه بأنه يشكل باستلزامه فوات كثير من أركان
الصلاة وبعض شرائطها مع إمكان الاتيان بها كاملة متى كان الوقت متسعا كما هو المفروض
ووجوب أتمم العمل مطلقا بحيث يشمل محل النزاع ممنوع.
والثاني - وهو الظاهر من كلام الشيخ والمحقق واختاره في المدارك - قطع
الصلاة مع سعة الوقت واتمامها مشتغلا بالخروج مع ضيقه (أما الأول) فلعدم جواز الاتمام
مستقرا لأنه تصرف في ملك الغير بغير رضاه، وعدم جواز الاتمام خارجا لاستلزامه
فوات كثير من الأركان والشرائط والحال أنه يمكن الاتيان بها على وجهها بعد الخروج
و (أما الثاني) فلأنهما حقان مضيقان فيجب الجمع بينهما بحسب الامكان وليس إلا ما ذكر
والثالث - الاتمام مستقرا مطلقا وهو اختيار الشهيد في الذكرى والبيان
تمسكا بمقتضى الاستصحاب وأن الصلاة على ما افتتحت عليه (1) وأورد عليه أن منعه
ظاهر لتعلق النهي المنافي للصحة. ويزيده تأييدا بناء حق العباد على التضييق.

(1) الوسائل الباب 2 من نية الصلاة
173

و (الرابع) - الفرق بين الإذن بالصلاة والإذن بالكون المطلق فيتم في
الأول مستقرا وهو مختار العلامة في أكثر كتبه، وأما في الثاني فاحتمل الأوجه الثلاثة
في القواعد والتذكرة وفي النهاية احتمل الأوجه الثلاثة في صورة سعة الوقت واستقرب
بطلان الصلاة في صورة الضيق.
و (الخامس) - الفرق بين الإذن في الصلاة أو في الكون المطلق أو بشاهد
الحال أو الفحوى فيتمها في الأول مطلقا ويخرج في الباقي مصليا مع الضيق ويقطعها مع
السعة، ذهب إليه شيخنا الشهيد الثاني في الروض قال وهذا هو الأجود، ثم قال ووجهه
في الأول أن إذن المالك في الأمر اللازم شرعا يفضي إلى اللزوم فلا يجوز له الرجوع بعد التحريم
كما لو أذن في دفن الميت في أرضه أو أذن في رهن ماله على دين الغير فإنه لا يجوز له الرجوع
بعدهما. وفي البواقي أن الإذن في الاستقرار لا يدل على اكمال الصلاة بإحدى الدلالات
فإنه أعم من الصلاة والعام لا يدل على الخاص وشاهد الحال أضعف من الاطلاق. وأما
القطع مع السعة فلاستلزام التشاغل بها فوات كثير من أركانها مع القدرة على الاتيان بها
على الوجه الأكمل بخلاف ما لو ضاق الوقت فإنه يخرج مصليا مومئا للركوع والسجود
بحيث لا يتثاقل في الخروج عن المعتاد مستقبلا ما أمكن قاصدا أقرب الطرق تخلصا من
حق الآدمي المضيق بحسب الامكان. انتهى كلامه زيد مقامه.
قالوا وكذا يخرج متشاغلا بالصلاة لو أمره بالخروج مع ضيق الوقت قبل الشروع
في الصلاة جمعا بين الحقين كما تقدم.
أقول: لا يخفى أن المسألة لما كانت عارية من النصوص كثرت فيها الاحتمالات
وتصادمت فيها التخريجات والحكم فيها مشكل لما عرفت، والاحتياط مطلوب بل واجب
لأن المسألة من الشبهات التي يجب فيها الاحتياط عندنا إلا أن الأقرب إلى قواعدهم
والأنسب بضوابطهم هو قطع الصلاة مع الاشتغال بها في سعة الوقت والاتيان بها كاملة
الأفعال بعد الخروج، وأما مع ضيق الوقت فإن مقتضى قواعدهم في مثل هذه الصورة
174

هو وجوب الاتمام مستقرا آتيا بأفعالها في المكان المغصوب، وذلك فإن إباحة المكان
عندهم إنما هو من شروط الصحة كستر العورة وطهارة الساتر ونحوهما، وقد قرروا في
الأصول أن شروط الصحة إنما تجب مع الامكان وإلا سقط اعتبارها، وقد ساعدتهم
الأخبار على ذلك لما ورد في من فقد الساتر أنه يصلي عاريا، ومن فقد الطهارة صلى
بالنجاسة على أشهر القولين وأظهرهما، ومن فقد القبلة صلى إلى أي جهة شاء أو إلى أربع
جهات (فإن قيل) إنا لا نمنع من الصلاة والاتيان بها بالكلية ليلزم ما ذكرتم فإنا نوجب
عليه الصلاة لكن بهذه الكيفية المتقدمة مشتغلا بالخروج (قلنا) من الظاهر أن الصلاة
المأمور بها شرعا المنصرف إليها الاطلاق هي الصلاة المعهودة المشتملة على الاتيان بالأركان
والواجبات على وجهها واستقبال القبلة ونحوها وهي المعلومة عن صاحب الشرع، خرج
ما خرج منها بدليل كصلاة المريض وصلاة الحرب وصلاة الخوف والصلاة في السفينة
ونحو ذلك مما دلت عليه الأدلة الشرعية وبقي ما بقي. ويعضده أنه لم يقم دليل على هذا
الشرط من أصله أعني اشتراط الإباحة في المكان، وبالجملة فالوقوف على جادة الاحتياط
طريق السلامة من الوقوع في هذا الاختباط. والله العالم.
(الرابع) - هل تبطل الصلاة تحت السقف والخيمة المغصوبين مع إباحة
المكان أم لا؟ اشكال لا من حيث المكان إذ لا يدخل ذلك في تعريف المكان المتقدم
وإنما هو من حيث إن هذا تصرف في المغصوب إذا التصرف في كل شئ بحسب
ما يليق به وما أعد له ولا ريب أن الغرض من الخيمة والسقف هو الجلوس تحتهما، قال
شيخنا الشهيد الثاني في الروض بعد تعريف المكان بتعريفين ذكرهما والبحث فيهما ما لفظه:
وعلى التعريفين لا تبطل صلاة المصلي تحت سقف مغصوب أو تحت خيمة مغصوبة مع إباحة
مكانهما لانتفاء اسم المكان فيهما، هذا من حيث المكان إما من حيث استلزام ذلك التصرف
في مال الغير فيبنى على أن منافاة الصلاة لحق الآدمي هل يعد مبطلا لها أم لا؟ بل يمكن
بناؤها على حكم الصلاة في المستصحب المغصوب غير الساتر، وقد تقدم الكلام فيه وإن
175

الدليل العقلي لا يساعد على البطلان فإن النهي ضمنا إنما يتوجه إلى الضد العام للتخلص
من المغصوب وهو تركه لا للأضداد الخاصة. وبالجملة فلا نص يعول عليه في أمثال ذلك
ولا يتحقق بدونه الحكم ببطلان الصلاة بالنهي عما ليس شرطا للصلاة ولا جزء. والله
أعلم بحقيقة الحال. انتهى. أقول: وملخصه هو صحة الصلاة وإن أثم من حيث التصرف
في المغصوب بناء على ما قدمناه من أن التصرف في كل شئ بحسب ما يليق به وما
يترتب عليه من المنفعة. وهو جيد.
(الخامس) - هل يكفي في شاهد الحال في هذا المقام الدلالة الظنية أو لا بد
من العلم؟ قولان ظاهر المشهور الأول وصرح جمع: منهم - السيد السند في المدارك
بالثاني، وأكثر الأصحاب فسره بما إذا كان هناك أمارة تشهد بأن المالك لا يكره
وهو أعم من العلم.
ويمكن أن يؤيد القول المشهور بعمومات الأخبار الدالة على جعل الأرض مسجدا
له (صلى الله عليه وآله) (1) فإن المراد به محل الصلاة كما فسره به الأصحاب (رضوان
الله عليهم) وأطلق السجود على الصلاة تسمية للكل باسم الجزء، وفي بعض تلك الأخبار
" جعلت لك ولأمتك الأرض كلها مسجدا... الحديث " (2) وفي بعض آخر " إن الله
تعالى جعل لي الأرض مسجدا وطهورا أينما كنت أتيمم من تربتها وأصلي عليها " (3).
وأنت خبير بأن الأنسب بسعة هذا الامتنان منه سبحانه على رسوله (صلى الله
عليه وآله) وعلى أمته هو الاكتفاء بمجرد ظن الرضا، على أن اعتبار العلم ينفي فائدة هذا
الحكم إذ قلما يتحقق ذلك في مادة.
والظاهر - كما استظهره جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم): - منهم الفاضل
الخراساني في الذخيرة وشيخنا المجلسي في البحار - هو جواز الصلاة في كل موضع لا يتضرر
المالك بالكون فيه وكان المتعارف بين الناس عدم المضايقة في أمثاله وإن فرضنا عدم

(1) الوسائل الباب 7 من التيمم
(2) مستدرك الوسائل الباب 5 من التيمم
(3) مستدرك الوسائل الباب 5 من التيمم
176

العلم برضا المالك هناك على الخصوص، نعم لو ظهرت كراهة المالك لأمارة لم تجز الصلاة
فيه مطلقا. وكيف كان فالظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في جواز الصلاة في
الصحارى والبساتين إذا لم يتضرر المالك بها ولم تكن أمارة تشهد بعدم الرضا وإن لم
يأذن المالك صريحا أو فحوى. وفي حكم الصحارى الأماكن المأذون في غشيانها على وجه
مخصوص إذا اتصف به المصلي كالحمامات والخانات والأرحية ونحوها. ولا يقدح في
الجواز كون الصحراء لمولى عليه بشهادة الحال ولو من الولي، قال في الذكرى: ولو علم أنها
لمولى عليه فالظاهر الجواز لاطلاق الأصحاب وعدم تخيل ضرر لا حق به فهو كالاستظلال
بحائطه ولو فرض ضرر امتنع منه ومن غيره. ووجه المنع أن الاستناد إلى أن المالك أذن
بشاهد الحال والمالك هنا ليس أهلا للإذن. إلا أن يقال إن الولي إذن هنا والطفل لا بد
له من ولي. انتهى. وبالجملة فالعمدة عموم الأخبار المشار إليها آنفا إذا لم تخرج تلك
الأفراد منها بدليل. والله العالم.
(المسألة الثانية) - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز تساوي
الرجل والمرأة في موقف الصلاة وكذا تقدم المرأة مع عدم البعد والحائل، فقال الشيخان
وأبو الصلاح وابن حمزة بالمنع والظاهر أنه المشهور بين المتقدمين وهو المختار، وقال
المرتضى في المصباح أنه مكروه غير مبطل لصلاة أحدهما وبه قال ابن إدريس وهو المشهور
بين المتأخرين.
والأصل في ذلك اختلاف الأخبار وبه اختلفت الأنظار والأفكار، وها أنا
أذكر لك ما وقفت عليه من الأخبار مذيلا لكل منها بما يكشف عن معناه نقاب الإبهام
ومنبها على ما هو المستفاد منها في المقام على وجه تذعن إليه ثواقب الأفهام:
فمن أخبار المسألة ما رواه الصدوق في الصحيح عن جميل عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) قال: " لا بأس أن تصلي المرأة بحذاء الرجل وهو يصلي فإن النبي (صلى

(1) الوسائل الباب 4 من مكان المصلي
177

الله عليه وآله) كان يصلي وعائشة مضطجعة بين يديه وهي حائض وكان إذا أراد أن يسجد
غمز رجليها فرفعت رجليها حتى يسجد ".
أقول: هذا الخبر بحسب ظاهره مما يدل على الجواز وبه استدل في المدارك على
ذلك إلا أنه لم يذكر منه إلا إلى قوله " وهو يصلي " وأسقط قوله " فإن النبي كان
يصلي... الخ " وأنت خبير بأنه وإن دل على الجواز كما ذكروه إلا أن التعليل الذي
اشتمل عليه الخبر لا يلائمه ولا ينطبق عليه ولهذا استظهر المحدث الكاشاني في الوافي
حصول التصحيف في الخبر وأن الصواب في العبارة " أنه لا بأس أن تضطجع المرأة
بحذاء الرجل وهو يصلي " وتأوله بعض بتأولات تخرجه عن الاستدلال لينطبق التعليل
فيه على الكلام المتقدم، وحينئذ فالخبر من حيث هذه العلة لا يصلح للاستدلال.
والعجب من السيد (قدس سره) في تركه تتمة الخبر والحال كما ترى ومثل هذا
معيب عند المحدثين كما نبه عليه غير واحد، فإن التتمة المذكورة مما لها مدخل في
الخبر من حيث التعليل، ولهذا أن الناظر في الخبر بتمامه لا يخفى عليه ما فيه من العلة
الموجبة لتوقفه عن الاستدلال به والناظر في ما ذكره من الخبر يجزم بصحة الاستدلال به
على الجواز، وبذلك يظهر العيب في ترك نقله بتمامه.
ومنها - ما رواه الشيخ في التهذيب بسند فيه ابن فضال عن من أخبره عن
جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) " في الرجل يصلي والمرأة تصلي
بحذائه؟ قال لا بأس " وهذه الرواية بحسب ظاهرها دالة على الجواز إلا أنه سيأتي في
معارضتها ما هو أرجح سندا وأكثر عددا وأصرح دلالة فيجب حملها على وجود الحائل
أو بعد عشرة أذرع كما ذكره الشيخ (قدس سره) وهو وإن كان بعيدا في حد ذاته إلا أنه في مقام الجمع بينها وبين أخبار المسألة الآتية غير بعيد كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى
من انطباق أخبار المسألة كملا على المنع، فإنه إذا اتفقت الأخبار كلها على ذلك ولم تخرج

(1)
الوسائل الباب 5 من مكان المصلي
178

إلا هذه الرواية فالواجب ردها إليها وإلا فطرحها البتة.
ومنها صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " إذا كان بينها وبينه
قدر ما يتخطى أو قدر عظم الذراع فساعدا فلا بأس " أقول: وهذه الرواية مما استدل بها
في المدارك على الجواز أيضا. وفيه أنه يظهر وجه لاشتراط هذا المقدار المذكور في
الرواية مع جواز المساواة، فالظاهر حملها - كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى من غيرها -
على تقدم الرجل بهذا المقدار على المرأة فإنه كاف للجواز لحصول التقدم بذلك وإنما
الممنوع منه هو المساواة، وكيف كان فظهور هذا الاحتمال مما يمنع من الاستناد إليها
في الاستدلال.
ومنها صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) " أنه
سأل عن الرجل والمرأة يصليان في بيت واحد فقال إذا كان بينهما قدر شبر صلت بحذائه
وحدها وهو وحده لا بأس " وهذه الرواية مما استدل بها في المدارك أيضا على الجواز
والظاهر هو حملها على ما حمل عليه سابقها من تقدم الرجل بالشبر، والمراد بالمحاذاة في
الخبر مجرد القرب لا المساواة في الموقف كما سيأتي نحوه في موثقة عبد الله بن بكير فلا
منافاة. وبذلك صرح شيخنا البهائي زاده الله بهاء وشرفا في كتاب الحبل المتين فقال
بعد حمل الخبر المذكور على ما ذكرناه: وأما ما يترائى من منافاته لقوله (عليه السلام)
" صلت بحذائه " فيمكن توجيهه بحصول المحاذاة بين بعض أعضائه وأعضائها في حالتي
الركوع والسجود وهو كاف في اطلاق كون صلاتها بحذائه. انتهى.
ومنها صحيحة عبد الله بن أبي يعفور (3) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام) أصلي والمرأة إلى جنبي وهي تصلي؟ فقال لا إلا أن تتقدم هي أو أنت، ولا بأس أن
تصلي وهي بحذائك جالسة أو قائمة " وهذه الرواية مما استدل بها في المدارك على ما اختاره
من الجواز، والظاهر أن بناء الاستدلال بها من حيث توهم حملها على جواز تقدم المرأة على

(1) الوسائل الباب 5 من مكان المصلي
(2) الوسائل الباب 5 من مكان المصلي
(3) الوسائل الباب 5 من مكان المصلي
179

الرجل حال صلاتها معا، وهو غلط بل سياق الرواية ينادي بأن المراد بالتقدم إنما هو
في أن يصلي الرجل أولا وحده أو المرأة وحدها ثم يصلي الآخر بعده وإلا فكيف يمنع
(عليه السلام) المحاذاة ويجوز تقدم المرأة وهي أشد في المنع؟ ويعضده أيضا قوله في
الخبر: " ولا بأس أن تصلي وهي بحذائك جالسة " وهو إشارة إلى ثبوت البأس في ما منع
منه من المحاذاة حال الصلاة الذي تعلق به السؤال.
ومنها - صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " سألته عن
المرأة تصلي عند الرجل؟ فقال لا تصلي المرأة بحيال الرجل إلا أن يكون قدامها ولو بصدره "
وهذه الرواية مما استدل بها في المدارك على ما ذهب إليه من الجواز أيضا وهي ظاهرة
كغيرها مما عرفت من أكثر الأخبار المتقدمة في العدم، نعم هي ظاهرة في الاكتفاء في
تقدم الرجل المجوز لصلاته مع المرأة في مكان واحد بالتقدم ولو بمقدار صدره، وهذا مما
يقرب من اشتراط التقدم بشبر ونحوه.
ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) " في المرأة
تصلي عند الرجل؟ فقال إذا كان بينهما حاجز فلا بأس " وهذه أيضا مما استدل بها في
المدارك على الجواز وهي في الدلالة على خلافه أظهر إذ ظاهرها إنما هو الجواز مع الحائل
ومفهومها ثبوت البأس مع عدم الحائل فهي عليه لا له.
ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (3) قال: " سألته عن
الرجل يصلي في زاوية الحجرة وامرأته أو ابنته تصلي بحذائه في الزاوية الأخرى؟ فقال
لا ينبغي له ذلك فإن كان بينهما ستر أجزأه " هكذا في رواية الكافي للخبر المذكور ورواه
الشيخ في التهذيب بلفظ " شبر " وزاد " يعني إذا كان الرجل متقدما على المرأة بشبر "
وهذه الزيادة يحتمل أن تكون من كلام الشيخ ويحتمل أن تكون من الراوي.

(1) الوسائل الباب 6 من مكان المصلي
(2) الوسائل الباب 8 من مكان المصلي
(3) الوسائل الباب 5 من مكان المصلي
180

قال في المدارك: ولفظ " لا ينبغي " ظاهر في الكراهة، والظاهر أن الستر
بالسين المهملة والتاء المثناة من فوق، وقال الشيخ في التهذيب أن المعنى أن الرجل إذا
كان متقدما على المرأة بشبر أجزأه وهو بعيد. انتهى. أقول: ظاهره أن مبنى استدلاله
بالخبر المذكور على ما ذكره من أن لفظ " لا ينبغي " ظاهر في الكراهة. وفيه منع فإنه
إن أراد ظهوره في عرف الناس فهو مسلم ولكن لا يجدي نفعا وإن أراد في عرفهم
(عليهم السلام) فهو ممنوع لما أوضحناه في غير مقام مما تقدم في مباحث الكتاب من أن الحق أن هذا اللفظ من الألفاظ المشتركة في عرفهم (عليهم السلام) فلا يحمل على
أحد معنييه إلا مع القرينة والقرينة هنا ظاهرة في التحريم لأن قوله (عليه السلام) " فإن
كان بينهما سترا أجزأه " يدل بمفهوم الشرط الذي هو حجة عنده وعند المحققين على عدم
الاجزاء مع عدمه وحينئذ فتكون الرواية من أدلة الشيخين ومن تبعهما في القول بالتحريم.
ومثل هذه الرواية ما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر من نوادر البزنطي عن
محمد الحلبي (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصلي في زاوية الحجرة
وامرأته أو ابنته تصلي بحذائه في الزاوية الأخرى؟ قال لا ينبغي ذلك إلا أن يكون بينهما
ستر فإن كان بينهما ستر أجزأه " وهي أظهر في ما قلناه هذا كله على تقدير ما نقله من
الرواية بلفظ الستر وأما على ما في رواية الشيخ (قدس سره) في التهذيب من لفظ الشبر
بالشين المعجمة والباء الموحدة فالوجه فيه ما ذكره الشيخ من تقدم الرجل بهذا المقدار
واستبعاده له بعيد كما أشار إليه شيخنا البهائي في كتاب الحبل المتين.
ومنها صحيحة حريز أو حسنته عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) " في المرأة
تصلي إلى جنب الرجل قريبا منه؟ فقال إذا كان بينهما موضع رجل فلا بأس " والتقريب
فيها ما تقدم في أمثالها من تقدم الرجل بذلك المقادير المذكورة إلا أنه قدره هنا بموضع
الرجل وهو ما يجعل على البعير كالسرج للفرس وهو يقرب من الذراع.

(1) الوسائل الباب 8 من مكان المصلي
(2) الوسائل الباب 5 من مكان المصلي
181

ومنها رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) " في الرجل والمرأة
يصليان في وقت واحد المرأة عن يمين الرجل بحذائه؟ فقال لا إلا أن يكون بينهما شبر
أو ذراع " والتقريب فيها ظاهر حيث نهى عن المحاذاة إلا مع تقدم الرجل بالشبر أو الذراع
وما رواه محمد بن مسلم في الصحيح (2) قال: " سألته عن المرأة تزامل الرجل
في المحمل يصليان جميعا؟ فقال لا ولكن يصلي الرجل فإذا فرغ صلت المرأة " وهي ظاهرة
في التحريم كما اخترناه.
وصحيحة إدريس بن عبد الله القمي (3) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الرجل يصلي وبحياله امرأة نائمة على فراشها جنبا؟ فقال إن كانت قاعدة فلا تضره
وإن كانت تصلي فلا " وهي كسابقتها ظاهرة في التحريم.
ورواية عبد الرحمان بن أبي عبد الله البصري (4) قال: " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الرجل يصلي والمرأة بحذائه يمنة أو يسرة؟ قال لا بأس به إذا كانت
لا تصلي " وهي ظاهرة في المدعى أيضا.
وموثقة ابن بكير عن من رواه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) " في الرجل
يصلي والمرأة تصلي بحذائه أو إلى جانبه؟ فقال إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس "
وهي كالأخبار المتقدمة في الجواز بشرط تقدمه عليها بهذا المقدار الذي يقرب من
شبر أو ذراع.
ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6) قال: " سألته عن الرجل
والمرأة يصليان جميعا في المحمل؟ قال لا ولكن يصلي الرجل وتصلي المرأة بعده " وهي
صريحة في المطلوب كصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة المتضمنة للصلاة في المحمل أيضا.

(1) الوسائل الباب 5 من مكان المصلي
(2) الوسائل الباب 5 من مكان المصلي
(3) الوسائل الباب 4 من مكان المصلي
(4) الوسائل الباب 4 من مكان المصلي
(5) الوسائل الباب 6 من مكان المصلي
(6) الوسائل الباب 10 من مكان المصلي
182

وموثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) " أنه سئل عن الرجل
يستقيم له أن يصلي وبين يديه امرأة تصلي؟ قال لا يصلي حتى يجعل بينه وبينها أكثر
من عشرة أذرع، وإن كانت عن يمينه أو عن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك وإن كانت
تصلي خلفه فلا بأس وإن كانت تصيب ثوبه... الحديث ".
وروى في كتاب قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر
عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) (2) قال: " سألته عن الرجل يصلي الضحى
وإمامة امرأة تصلي بينهما عشرة أذرع؟ قال لا بأس ليمض في صلاته ".
أقول: إن المستفاد من هذه الأخبار بعد ضم مجملها إلى مفسرها ومطلقها إلى
مقيدها أن الواجب في صلاة الرجل مع المرأة في مكان دفعة أن المرأة إن كانت متقدمة
فلا بد من حاجز أو قدر عشرة أذرع فصاعدا، وهكذا إذا كانت إلى أحد جانبيه محاذية
له في الموقف فلا بد من أحد الأمرين، وأما مع تأخرها ولو بشئ من المقادير المذكورة
في تلك الأخبار فإنه لا بأس وصلاة كل منهما صحيحة ولا يشترط هنا أزيد من ذلك.
وبذلك يظهر ما في كلامه في المدارك وكذا من تبعه حيث قال بعد نقل الأخبار التي
أشرنا إلى أنه استدل بها. ما صورته: وجه الدلالة من هذه الأخبار اشتراكها في عدم اعتبار
الحائل أو التباعد بالعشرة وإذا انتفى ذلك ثبت الجواز مطلقا إذ لا قائل بالفصل، وعلى هذا
فيجب حمل الأخبار المقيدة على الاستحباب صونا للأخبار من التنافي، ولا ينافي ذلك اختلاف
القيود لأن مراتب الفضيلة مختلفة، وبالجملة فهذا الاختلاف قرينة الاستحباب. انتهى.
أقول: قد عرفت أنه لا اختلاف هنا بين الأخبار المذكورة بل كلها متفقة الدلالة
عدا رواية جميل المتقدمة أول الروايات على ما ذكرناه. وقوله وجه الدلالة من هذه
الأخبار اشتراكها في عدم اعتبار الحائل أو التباعد - مردود بأن الحائل والتباعد المذكورين
إنما يعتبران في تقدم المرأة على الرجل أو محاذاتها لأحد جانبيه بحيث تساويه في الموقف

(1) الوسائل الباب 7 من مكان المصلي
(2) الوسائل الباب 7 من مكان المصلي
183

لا في صورة تأخرها وإن كان قليلا. ومنشأ الشبهة عنده أن أكثر الروايات الدالة على
الشبر أو الذراع أو ما لا يتخطى ونحو ذلك من التقديرات المذكورة قد حملها على مساواة
الرجل للمرأة في الموقف ولكن تتباعد عنه بهذه المقادير كما يشير إليه قوله: " ولا ينافي
ذلك اختلاف القيود " يعني اختلاف التباعد بكونه بعشرة أذرع في بعض وقدر عظم
الذراع في بعض وما لا يتخطى في ثالث وهكذا. وهو غلط محض فإن هذه الروايات
لاجمالها وإن أوهمت ذلك لكن هنا أخبار أخر قد صرحت بما ذكرناه من أن المراد
بهذه المقادير في تقدم الرجل على المرأة لا مع المحاذاة مثل موثقة ابن بكير الدالة على
نفي البأس إذا كان سجودها مع موضع ركوعه، وصحيحة زرارة الدالة على أنه لا يجوز
أن تصلي بحياله إلا أن يكون الرجل قدامها بصدره وهو مما يقرب من الشبر. وبذلك
يظهر لك وجه حمل اجمال تلك الأخبار على هذين الخبرين وبه يحصل انتظام هذه الأخبار
مع أخبار المنع الصريحة في التحريم كما قدمناها، على أن ما ذكرناه إن لم يكن متعينا فلا
أقل من أن يكون محتملا وبه يسقط استدلاله بهذه الأخبار وحينئذ فلا تصلح لمعارضة
ما قدمناه من الأخبار الصريحة والظاهرة في التحريم حتى أنه يرتكب الجمع بحمل ما ذكره
من رواية عمار ونحوها على الكراهة زعما منه انحصار دليل التحريم في رواية عمار ونحوها
مما ذكره، وأما على ما ذكرناه من القول بالتحريم وحمل اجمال تلك الروايات التي توهم فيها
ما ذكرناه على الروايات المفصلة فإن الروايات تكون متفقة على تحريم تقدم المرأة ومساواتها
للرجل إلا مع الحائل أو البعد بعشرة أذرع وأما مع التأخر ولو بشئ من تلك المقادير
فلا اشكال في صحة صلاتها.
ثم أنه قال في المدرك بعد ما نقلناه عنه من الروايات وما ذيلها به مما أوضحنا
بطلانه: احتج المانعون بموثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) " أنه سئل
عن الرجل.. " ثم ذكرها كما قدمناه ثم قال وصحيحة محمد عن أحدهما (عليهما السلام) قال:
" سألته عن المرأة تزامل الرجل في المحمل... الخبر " وقد قدمناه، ثم قال وصحيحة علي
184

ابن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) (1) قال: " سألته عن امام كان في الظهر
فقامت امرأة بحياله تصلي معه وهي تحسب انها العصر هل يفسد ذلك على القوم؟ وما حال
المرأة في صلاتها معهم وقد كانت صلت الظهر؟ فقال لا يفسد ذلك على القوم وتعيد المرأة "
والجواب بحمل النهي في الروايتين الأوليين على الكراهة وحمل الامر بالإعادة في الرواية
الأخيرة على الاستحباب صونا للاخبار عن التنافي، مع أن الامر بالإعادة لا يتعين كونه
بسبب المحاذاة لاحتمال أن يكون بسبب اقتدائها في صلاة العصر بمن يصلي الظهر مع
اعتقادها انها العصر فلا تدل على أحد الامرين نصا. انتهى.
وفيه (أولا) ان دليل التحريم غير منحصر في ما ذكره لما عرفت من الأخبار التي
قدمناها وبينا دلالتها على ذلك.
و (ثانيا) ما عرفته في غير موضع مما تقدم من أنه لا دليل على هذا الجمع بين الأخبار
من الحمل على الكراهة والاستحباب وان اتخذوه طريقا مهيعا في جميع الأبواب، وكيف
يحصل صون الأخبار عن التنافي مع تصريحهم في الأصول بأن الأصل في الامر الوجوب
وفى النهي التحريم وبموجب ذلك يلزم العقاب والعذاب على ترك ما امر به وارتكاب
ما نهى عنه، مع أن الاستحباب مما يؤذن بجواز الترك والكراهة مما يؤذن بجواز الفعل،
فكيف مع هذا يحصل صون الأخبار عن التنافي ويخرج المكلف عن العهدة بما قالوه.
و (ثالثا) ما عرفت من أنه لا معارض لهذه الأخبار الدالة على التحريم إلا ما توهمه
من تلك الأخبار الواردة في المحاذاة المتضمنة للفصل بتلك المقادير المتقدمة، والحال انك
قد عرفت الوجه فيها وانها تنطبق مع هذه الأخبار على أحسن وجوه الانطباق وتتفق
معها بأظهر وجوه الاتفاق. نعم تبقى رواية جميل المتقدمة وقد عرفت الجواب عنها.
و (رابعا) ان من العجيب قوله في الجواب عن صحيحة علي بن جعفر: " ان الامر
بالإعادة لا يتعين كونه بسبب المحاذاة... الخ " وان تبعه فيه من تبعه فإن اسناد الابطال

(1) الوسائل الباب 9 من مكان المصلي
185

إلى ما ذكره وقيامه احتمالا في معنى الرواية المذكورة يتوقف على وجود دليل على
ذلك من خارج مع أنه لا دليل ولا قائل بذلك والاستناد إلى هذه الرواية في ذلك
مصادرة في البين.
وبالجملة فإن التحقيق عندي في المسألة هو ما كشفت عنه نقاب الابهام واوضحته
لجميع الافهام. والله العالم.
بقي في المقام فوائد يحسن التنبيه عليها: (الأولى) قد صرح جمع من الأصحاب:
منهم - العلامة والشهيدان والسيد السند في المدارك بأنه يشترط في تعلق الحكم بكل منهما
كراهة وتحريما صحة صلاة الاخر لولا المحاذاة بأن تكون جامعة لجميع الشرائط المعتبرة
في الصحة سوى المحاذاة، فلا يتعلق الحكم بالفاسدة بل تصح الأخرى من غير كراهة
إذ الفاسدة في حكم العدم. واحتمل شيخنا الشهيد الثاني عدم الاشتراط لصدق الصلاة
على الفاسدة ونفى عنه البعد في الذخيرة. أقول: كأنه لصحة قولهم إنها صلاة فاسدة
فاطلاق الصلاة أعم من الصحيحة والفاسدة.
ثم إنهم ذكروا انه على الأول فالمعتبر في رفع المنع العلم بالفساد قبل الشروع ولو
علم بعد الفراغ لم يؤثر في الصحة لأن الصلاة صارت باطلة بالمحاذاة على القول بالتحريم أو
متصفة بالكراهة على القول الآخر، وظهور الفساد بعد الفراغ لا يؤثر في صحتها أو زوال
الكراهة عنها بعد ما ثبت اتصافها به.
أقول: الظاهر أن ما ذكروه من الحكم بأنه متى ظهر الفساد بعد الفراغ فإنه
لا يؤثر في صحة الصلاة من حيث بطلانها ظاهرا بالمحاذاة مبني على مسألة أخرى وهو
ان الصلاة إذا كانت صحيحة بحسب الواقع ونفس الامر وان كانت بالنظر إلى الظاهر
باطلة فهل يحكم بصحتها باعتبار ما كانت عليه في الواقع أو يحكم بالبطلان بالنظر إلى الظاهر؟
المشهور الثاني وعليه يتجه ما ذكره الأصحاب هنا من بطلان صلاة المحاذي لمن كانت
صلاته صحيحة بحسب الظاهر لولا المحاذاة وان كانت باطلة في نفس الامر بغيرها إلا أنه
186

إنما علم بعد الفراغ فإنه يصدق على الصلاة المذكورة انها صحيحة في الواقع لبطلان تلك
الصلاة الأخرى في الواقع وباطلة في الظاهر من حيث المحاذاة في تلك الصلاة الصحيحة
ظاهرا، اما على ما ذهب إليه جمع من الأصحاب من القول الأول في تلك المسألة -
ومنهم - السيد السند في كتابه حيث قال في مسألة الصلاة قبل الوقت جاهلا أو ناسيا:
ولو صادف الوقت صلاة الناسي أو الجاهل بدخول الوقت ففي الاجزاء نظر من حيث
عدم الدخول الشرعي ومن مطابقة العبادة ما في نفس الامر وصدق الامتثال. والأصح
الثاني وبه قطع شيخنا المحقق سلمه الله تعالى. إلى آخر كلامه - فالوجه هو الصحة إذ لا ريب
ان ما نحن فيه كذلك لأن المفروض ان تلك الصلاة فاسدة واقعا فهي في حكم العدم
وان لم يعلم المحاذي لها إلا بعد الفراغ، والمحاذاة الموجبة لبطلان الصلاة إنما هي محاذاة
الصلاة الصحيحة وهذه الصلاة قد ظهر بطلانها فلا تؤثر المحاذاة لها في بطلان صلاة المحاذي
بعد ظهور ذلك، فصلاة المحاذي خالية من المبطل بحسب الواقع وقت صلاته فتدخل تحت
تلك المسألة، فكيف اختار هنا ما ذهب إليه الأصحاب (رضوان الله عليهم) والحال ان
المسألتين من باب واحد.
والظاهر الرجوع في الفساد إلى اخبار المصلي عن نفسه بفساد صلاته إلا أن يعلم
ذلك بوجه آخر. واما ما ذكره في الذخيرة - حيث قال: " وهل يقبل قوله في الفساد؟
وجهان " مما يؤذن بتوقفه في ذلك - فالظاهر ضعفه وكيف لا يقبل قوله مع عموم " اقرار
العقلاء على أنفهسم جائز " (1) ونحوه من الأدلة العامة.
(الثانية) - اطلاق كلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين اقتران الصلاتين
أو سبق إحداهما في بطلان كل منهما، ونقل عن جمع من المتأخرين تخصيص البطلان
بالمقارنة والمتأخرة دون السابقة، واطلاق الروايات المتقدمة ظاهر في الدلالة على القول

(1) قال في الوسائل في الباب 3 من كتاب الاقرار: روى جماعة من علمائنا في كتب
الاستدلال عن النبي " ص " أنه قال: " اقرار العقلاء على أنفسهم جائز ".
187

الأول، وظاهر صحيحة علي بن جعفر المشتملة على قيام المرأة بحيال امام كان في صلاة
الظهر يدل على الثاني فيمكن ان يقيد بها اطلاق تلك الأخبار، ويؤيده ان المتبادر من
جملة من عبارات تلك الأخبار ان المراد من قوله: " يصلي والمرأة بحياله " يعني يريد
الصلاة، وحاصل السؤال حينئذ انه هل يجوز له الدخول في الصلاة والحال هذه؟
ويؤكده أيضا انه لم يعهد في القواعد الشرعية بعد افتتاح الصلاة على الصحة تأثير فعل
الغير بغير اختيار المكلف في ابطالها، وبذلك يظهر قوة القول الثاني وهو الذي اختاره
في المدارك فقال: وينبغي القطع بصحة الصلاة المتقدمة لسبق انعقادها وفساد المتأخرة
وخاصة ومع الاقتران تبطل الصلاتان لعدم الأولوية. انتهى. وظاهره الاستناد إلى أصالة
الصحة حتى يقوم دليل الابطال وهو قوى بناء على ما ذكرناه. وكيف كان فالمسألة
لا تخلو من شوب الاشكال فالاحتياط كما هو القول المشهور أولى. واما ما ذهب إليه
بعضهم من عدم دلالة صحيحة علي بن جعفر على ما ذكرنا بناء على جواز استناد بطلان
صلاتها إلى ما قدمنا نقله عن صاحب المدارك من أن العلة في فساد صلاتها الاقتداء
في صلاة العصر بمن يصلي الظهر مع اعتقادها انها العصر فقد عرفت انه خيال فاسد
أوجبه التعصب في متابعة القول المشهور في تلك المسألة.
(الثالثة) - قد صرحوا أيضا بأنهما لو صليا ولم يعلم أحدهما بالاخر إلا بعد
الفراغ صحت الصلاتان جميعا واما في الأثناء فإن كلا منهما يستمر لسبق الانعقاد، وممن
صرح بذلك واختاره السيد السند في المدارك، وقال في الذخيرة: ويحتمل قويا وجوب
الابطال في سعة الوقت ان لم يمكن إزالة المانع بدون المبطل. انتهى. أقول: لا يخفى
ما في هذا الاحتمال من القوة وهو الأنسب عندي بالقواعد الشرعية والضوابط المرعية،
فإن ما اعتمدوا عليه في تعليل الاستمرار من سبق الانعقاد لا يخلو من النظر، ولا ريب
ان هذه المسألة وان لم يقم عليها نص بالخصوص إلا أن النصوص في نظائرها من عروض
البطلان في أثناء الصلاة كثيرة ولم يتضمن شئ منها وجوب المضي على ذلك المبطل بل
188

فيها ما يدل على أنه ان أمكن ازالته بما لا يبطل الصلاة وإلا قطع الصلاة كاخبار الرعاف
في أثناء الصلاة (1) ووجود النجاسة في الثوب في الأثناء (2) ونحو ذلك، وبه يظهر
قوة الاحتمال المذكور بل لا يبعد تعينه سيما مع موافقته للاحتياط. والمسألة حيث كانت
عارية عن النصوص فالاحتياط فيها لازم والاعتماد على هذه التخريجات التي يذكرونها
لا يخلو من مجازفة في احكامه تعالى.
(الرابعة) - صرح شيخنا الشهيد الثاني بأنه يعتبر في الحائل أن يكون مانعا
من الرؤية وهو ظاهر كلام سبطه السيد السند في المدارك أيضا حيث قال. ويعتبر فيه كونه
جسما كالحائط والستر وكلام سائر الأصحاب (رضوان الله عليهم) مطلق في ذلك
وقد روى الثقة الجليل علي بن جعفر (رضي الله عنه) في كتاب المسائل عن أخيه موسى
(عليه السلام) (3) قال: " سألته عن الرجل هل يصلح ان يصلي في مسجد وحيطانه
كوى كله قبلته وجانباه وامرأة تصلي حياله يراها ولا تراه؟ قال لا بأس " ورواها
الشيخ في التهذيب في الصحيح عن علي بن جعفر (عليه السلام) مثله (4). وروى
في كتاب قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه
السلام) (5) قال: " سألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في مسجد قصير الحائط
وامرأة قائمة تصلي بحياله وهو يراها وتراه؟ قال إن كان بينهما حائط قصير أو طويل فلا
بأس " وهما - كما ترى - صريحتا الدلالة في خلاف القول المذكور.
(الخامسة) - نقول عن العلامة في النهاية أنه قال: ليس المقتضى للتحريم أو
الكراهة النظر، لجواز الصلاة وان كانت قدامه عارية، ولمنع الأعمى ومن غمض عينيه
وقريب منه في التذكرة. وقال الشهيد في البيان: وفي تنزيل الظلام أو فقد البصر منزلة
الحائل نظر أقربه المنع، وأولى بالمنع منع الصحيح نفسه عن الابصار. واستوجه

(1) الوسائل الباب 2 من قواطع الصلاة
(2) الوسائل الباب 44 من النجاسات
(3) السوائل الباب 8 من مكان المصلي
(4) السوائل الباب 8 من مكان المصلي
(5) السوائل الباب 8 من مكان المصلي
189

العلامة في التحرير الصحة في الأعمى واستشكل في من غمض عينيه. وقال شيخنا
الشهيد الثاني في الروض: والمراد بالحائل الحاجز بينهما بحيث يمنع الرؤية من جدار وستر
وغيرهما. والظاهر أن الظلمة وفقد البصر كافيان فيه وهو اختيار المصنف في التحرير
لا تغميض الصحيح عينيه مع احتماله. انتهى. والظاهر هو ما استظهره جملة من أفاضل
متأخري المتأخرين من عدم اجزاء شئ من ذلك، لأن الوارد في النصوص اما بلفظ
الحاجز كما في صحيحة محمد بن مسلم " إذا كان بينهما حاجز " أو بلفظ " ستر " كما في قوله
في صحيحته الثانية " أو كان بينهما ستر أجزأه " أو الحائط كما في روايتي علي بن
جعفر المتقدمتين، وشئ من هذه الألفاظ لا يصدق على ما ذكروه فيكون ما ذكروه
خاليا من الدليل.
(السادسة) - قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو
اجتمعا في مكان واحد واتسع الوقت صلى الرجل أولا، والظاهر أن الحكم على سبيل
الأولوية والاستحباب وربما نقل عن الشيخ (قدس سره) القول بالوجوب إلا أن
العلامة قال في المنتهى بعد ذكر الرواية: فلو خالف وصلت المرأة أولا صحت صلاتهما
اجماعا. انتهى. ويدل عليه ما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم في المرأة التي تزامل الرجل
في المحمل حيث حكم فيها بصلاة الرجل أولا ونحوها رواية أبي بصير المتقدمة أيضا وإن كان
العطف فيها بالواو المفيدة لمطلق الجمع إلا أن سياق الخبر يدل على أنها بمعنى " ثم "
وهو كثير الاستعمال في الأخبار كما لا يخفى على من جاس خلال تلك الديار. ولا ينافي
ذلك ما تقدم في صحيحة عبد الله بن أبي يعفور من قوله " إلا أن تتقدم هي أو أنت " فإنه
محمول على الجواز. هذا في غير المكان الذي تختص به المرأة أو تشارك فيه عينا أو منفعة ومعه
فلا أولوية لتسلطها على ملكها إلا أن الأفضل لها تقديم الرجل لفحوى الخبرين المذكورين.
ولو ضاق الوقت سقط الوجوب والاستحباب كا صرح به جملة من الأصحاب (رضوان
الله عليهم) وفيه اشكال تأتي الإشارة إليه.
190

(السابعة) - قال شيخنا في الروض: مبدأ التقدير في العشرة أذرع من موقف
المصلي إلى موقفها وهو واضح مع المحاذاة اما مع تقدمها فالظاهر أنه كذلك، لأنه المفهوم من
التباعد عرفا وشرعا كما نبهوا عليه في تقدم الامام على المأموم. ويحتمل اعتباره من موضع
السجود لعدم صدق التباعد بين بدنيهما حالة السجود بذلك القدر، وليس في كلامهم
تصريح في ذلك بشئ. انتهى. أقول: ويؤيد الأول أيضا اعتبار ما لا يتخطى بين
الإمام والمأموم والمأمومين بعضهم مع بعض فإن مبدأ ذلك من الموقف إلى الموقف.
(الثامنة) - قال الشيخ في المبسوط: فإن صلت خلفه في صف بطلت صلاة
من على يمينها وشمالها ومن يحاذيها من خلفها ولا تبطل صلاة غيرهم، وان صلت بجنب
الامام بطلت صلاتها وصلاة الامام ولا تبطل صلاة غيرهم. انتهى. ولا يخفى ما فيه من
الاشكال، والأظهر هو ما فصله في الروض حيث قال: لو صلت المرأة معه جماعة محاذية له
فعلى القول بالتحريم تبطل صلاتها وصلاة الامام ومن على يمينها ويسارها ومن تأخر عنها مع
علمهم بالحال ومع عدم العلم تبطل صلاتها لا غير، ولو علم الإمام خاصة بطلت صلاتهما معا دون
المأمومين، وأطلق الشيخ (قدس سره) صحة صلاة المأمومين. وهذا كله إنما يتم مع
القول بأن الصلاة الطارئة تؤثر في السابقة أو على جواز تكبير المأموم مع تكبير الامام
وإلا صحت صلاة الامام لتقدمها ويبقى الكلام في المأمومين. انتهى. وهو جيد.
(التاسعة) - قد اطلق جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان هذا الحكم
إنما هو في حال الاختيار فلو ضاق الوقت والمكان فلا كراهة ولا تحريم، قال في الروض
وربما استشكل الحكم مطلقا بناء على أن التحاذي مانع من الصحة مطلقا، والنصوص
مطلقة فالتقييد بحالة الاختيار يحتاج إلى دليل. انتهى. ولا يخلو من قوة إلا أنه يمكن
ان يقال إن شروط الصحة إنما تعتبر مع الامكان كما تقدمت الإشارة إليه في غير مكان.
(العاشرة) - روى الصدوق في كتاب العلل في الصحيح عن الفضل عن
191

أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " إنما سميت مكة بكة لأنها يبتك بها الرجال والنساء
والمرأة تصلى بين يديك وعن يمينك وعن شمالك ومعك ولا بأس بذلك أنما يكره في
سائر البلدان " أقول: والظاهر أن معنى " يبتك بها الرجال والنساء " اي يزدحمون ولم
أقف في اللغة على معنى لهذا اللفظ والموجود في هذه المادة " يبتك " بمعنى القطع
ومنه قوله سبحانه " فليبتكن آذان الانعام " اي قطعها، وهذا المعنى غير مناسب
في الخبر والمناسب فيه ما قدمناه (3) وفي هذا الخبر ما يدل على استثناء مكة شرفها الله
تعالى من هذا الحكم، وربما اشعر ظاهره بتعلق الحكم بالبلد مطلقا إلا أنه لا يبعد إرادة
المسجد من هذا اللفظ باعتبار كونه مجمعا للرجال والنساء ولا سيما في حال صلاة الطواف
ولا يحضرني الآن كلام لاحد من الأصحاب في ذلك.
(الحادية عشر) - قال في الروض: لو كانت أعلى منه أو أسفل بحيث
لا يتحقق التقدم والتأخر وأمكنت المشاهدة فهل هو ملحق بالتأخر أم بالتقدم؟
اشتراط العشرة في الرواية بالتقدم والمحاذاة يقتضي عدم اعتبارها هنا، واشتراط
نفي البأس بالصلاة خلفه يقتضي اعتبار العشرة هنا لعدم تحقق الخلفية فمفهوما الشرط
متدافعان، والظاهر أنه ملحق بالتأخر لأصالة الصحة وعدم المانع خرج منه حالة التقدم
والمحاذاة فيبقى الباقي، مع أن فرض الرؤية في ذلك بعيد. انتهى. أقول: فرض المسألة
المذكورة هو كون المرأة في مكان عال أو أسفل بحيث إن موقفها يكون محاذيا لموقف
الرجل في جهة العلو أو السفل، ومجرد فرض العلو والسفل في العبارة أعم من ذلك
فكان الأولى أن يقول بحيث لا يتحقق التقدم والتأخر ولا المحاذاة يمينا أو يسارا فإنها

(1) الوسائل الباب 5 من مكان المصلي
(2) سورة النساء، الآية 119
(3) لا يخفى ان المصنف ضبط الكلمة في الحديث من مادة " بتك " ففرع عليه ما فرع
والواردة في كتب الحديث " يبك " من مادة " بكك " وهي في اللغة بالمعنى المذكور. وقد
أورد في مجمع البحرين هذه الفقرة من الحديث في المادة المذكورة. راجع الوسائل الباب 11 من مكان المصلي
192

قد تكون أعلى منه ولكنها في جهة اليمين عنه أو اليسار فتحصل المحاذاة والمساواة في
الموقف وان كانت في محل ارفع.
(الثانية عشرة) - قد طعن جملة من الأصحاب القائلين بالجواز في رواية
عمار بأنها قد تضمنت أكثر من عشرة أذرع وهو خلاف الاجماع. وفيه ان الظاهر -
وإن كان غريبا غير مانوس في كلامهم - ان المراد من هذه العبارة ونحوها عشرة
أذرع فأكثر من قبيل قوله سبحانه: " فإن كن نساء فوق اثنتين " (1) اي اثنتين فما فوق
ومثله في الأخبار غير عزيز مع أن رواية قرب الإسناد المتقدمة قد تضمنت العشرة.
(الثالثة عشرة) - قال في الروض: المراد بالمرأة البالغ لأنه المتعارف ولأنها
مؤنث المرء، يقال مرء ومرأة وامرؤ وامرأة، والمرء هو الرجل كما نص عليه أهل اللغة فلا
يتعلق الحكم بالصغيرة وان قلنا إن عبادتها شرعية لعدم المقتضى له. ولا فرق فيها بين كونها
مقتدية به أو منفردة للعموم. وكذا القول في الصبي. وفى بعض حواشي الشهيد (قدس
سره) على القواعد ان الصبي والبالغ بقرب حكمهما من الرجل والمرأة وعنى بالبالغ المرأة
لأن الصفة التي على " فاعل " يشترك فيها المذكر والمؤنث وكيف كان فالعمل على المشهور
من اختصاص الحكم بالمكلفين لعدم الدليل الدال على الالحاق. انتهى.
أقول: يمكن أن يكون مستند ما نقله عن الشهيد (قدس سره) ما يوجد في
كتب اللغة من اطلاق الرجل على غير المكلف البالغ، قال في القاموس: الرجل بالضم
معروف وإنما هو لمن شب واحتلم أو هو رجل ساعة يولد. وفي الصحاح هو الذكر من
الناس. والأخبار قد اشتملت على لفظ الرجل كما عرفت فمتى صح اطلاقه على غير البالغ
لغة صح ما ذكره الشهيد (قدس سره) إلا أن المستفاد من اطلاق العرف العام والخاص
أعني عرفهم (عليهم السلام) إنما هو البالغ خاصة ومتى أريد غيره عبر بلفظ الصبي
ونحوه. والله العالم.

(1) سورة النساء، الآية 12
193

(المسألة الثالثة) - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لا بأس
أن يصلي الرجل في الموضع النجس إذا كانت النجاسة لا تتعدى إلى ثوبه أو بدنه وكان
موضع الجبهة طاهرا.
والكلام في مقامين: (الأول) أنه قد نقل عن أبي الصلاح أنه اشترط طهارة
مواضع المساجد السبعة، وعن المرتضى (رضي الله عنه) أنه اعتبر طهارة مكان المصلي،
وربما نقل عنه أنه اعتبر طهارة ما يلاصق البدن وإن لم يسقط عليه. فأما القول الأول
من هذين القولين فلم نقف له على دليل ولم ينقلوا له دليلا وقائله أعرف به. وأما الثاني
فنقلوا أن قائله احتج بنهيه (صلى الله عليه وآله) عن الصلاة في المجزرة وهي المواضع التي
تذبح فيها الأنعام والمزبلة والحمامات وهي مواطن النجاسة (1) فتكون الطهارة معتبرة.
وأجيب عن ذلك بأنه يجوز أن يكون النهي عن هذه المواضع من جهة الاستقذار
والاستخباث الدالة على مهانة نفس من يستقر بها فلا يلزم التعدية إلى غيرها، وبالجملة فإن
النهي عن ذلك نهى تنزيه فلا يلزم التحريم.
أقول: والمعتمد في رد هذين القولين الأخبار الدالة على جواز الصلاة في الأماكن
النجسة مع عدم التعدي:
ومنها - ما رواه الصدوق في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه
السلام) (2) " أنه سأله عن البيت والدار لا يصيبهما الشمس ويصيبهما البول ويغتسل فيهما
من الجنابة أيصلى فيهما إذا جفا؟ قال نعم ".
وما رواه الصدوق والشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (3)
قال: " سألته عن الشاذكونة تكون عليها الجنابة أيصلي عليها في المحمل؟ فقال لا بأس "

(1) تيسر الوصول ج 2 ص 250 عن الترمذي
(2) الوسائل الباب 30 من النجاسات
(3) الوسائل الباب 30 من النجاسات
194

قال في الوافي: الشاذكونة بالفارسية الفراش الذي ينام عليه. انتهى (1).
وما رواه الشيخ عن ابن أبي عمير (2) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
أصلي على الشاذكونة وقد أصابتها الجنابة؟ قال لا بأس ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر (3) قال: " سألته عن البواري
يصيبها البول هل يصلح الصلاة عليها إذا جفت من غير أن تغسل؟ قال نعم لا بأس ".
وعن علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى (عليه السلام) (4) قال:
" سألته عن البواري يبل قصبها بماء قذر أيصلى عليها؟ قال إذا يبست فلا بأس ".
وما رواه في الفقيه والتهذيب عن عمار في الموثق (5) قال: " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن البارية يبل قصبها بماء قذر هل يجوز الصلاة عليها؟ فقال إذا جفت فلا
بأس بالصلاة عليها ".
فأما ما رواه الشيخ في الموثق عن ابن بكير (6) - قال: " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الشاذكونة يصيبها الاحتلام أيصلى عليها؟ فقال لا " وما رواه الحميري
في كتاب قرب الإسناد (7) عن محمد بن الوليد عن ابن بكير قال: سألت أبا عبد الله
(عليه السلام)... مثله - فحمله الأصحاب على الكراهة، ويحتمل الحمل على تعدي النجاسة
وكيف كان فهو لا يبلغ قوة في معارضة ما نقلناه من الأخبار المعتضدة بالأصل.
(الثاني) - ظاهر الأصحاب الاتفاق على اشتراط طهارة موضع الجبهة، وقد
نقل الاجماع عليه جماعة: منهم - العلامة في المنتهى والمختلف والشهيد في الذكرى وابن

(1) قال في البحار في ذيل حديث قرب الإسناد الآتي " بيان: الشاذ كونه في أكثر
النسخ بالذال المعجمة وفي كتب اللغة بالمهملة وقد يقال إنه معرب شاديانه، قال الفيروزآبادي
الشاد كونه بفتح الدال ثياب غلاظ مضربة تهمل باليمن.
(2) الوسائل الباب 30 من النجاسات
(3) الوسائل الباب 29 من النجاسات
(4) الوسائل الباب 30 من النجاسات
(5) الوسائل الباب 30 من النجاسات
(6) الوسائل الباب 30 من النجاسات
(7) ص 80
195

زهرة في الغنية، ولا أعرف لهم دليلا على الحكم المذكور زيادة على الاجماع، مع أن
صاحب الذخيرة اعترضهم في دعوى الاجماع هنا حيث قال في هذا المقام بعد نقل
دعوى الاجماع ما لفظه: لكن لا يخفى أنه قد مر في كتاب الطهارة أن المحقق نقل عن
الراوندي وصاحب الوسيلة أنهما ذهبا إلى أن الأرض والبواري والحصر إذا
أصابها البول وجففتها الشمس لا تطهر بذلك لكن يجوز السجود عليها. واستجوده
المحقق، وعلى هذا فدعوى الاجماع كلية محل تأمل. انتهى. أقول: الذي في
المعتبر في ما حضرني من نسخه في مسألة تطهير الشمس هكذا: " وقيل لا تطهر ويجوز
الصلاة عليها وبه قال الراوندي منا وصاحب الوسيلة وهو جيد " والموجود في هذه
العبارة إنما هو لفظ الصلاة لا السجود نعم لفظ السجود في عبارة الراوندي خاصة على
ما نقله في المختلف وأما عبارة صاحب الوسيلة فإنما هي بلفظ الصلاة أيضا على ما نقله في
الذخيرة أيضا حيث قال في مسألة تطهير الشمس: وذهب صاحب الوسيلة - على ما في
النسخة الموجودة عندي - إلى أنها لا تطهر بذلك ولكن يجوز الصلاة عليها إذا لم يلاق
شيئا منها بالرطوبة دون السجود عليها. وهي - كما ترى - ظاهرة في صحة الصلاة مع
استثناء موضع السجود كما عليه الأصحاب. والذي يقرب عندي أن المحقق إنما عبر
بلفظ الصلاة في العبارة المتقدمة مع أن الموجود في عبارة الراوندي لفظ السجود حملا
للسجود على الصلاة مجازا، إلا أنه لا يخفى على من راجع عبارة الراوندي المنقولة في
المختلف أنها لا تقبل ذلك. وكيف كان فالمخالفة لما ادعوه من الاجماع منحصرة في الراوندي
وأنت خبير بأن اطلاق الأخبار المتقدمة ظاهر في شمول موضع السجود والمسألة
لذلك محل اشكال لأن الخروج عما ظاهرهم الاتفاق عليه مشكل والخروج عن ظواهر
هذه الأخبار أشكل، والاحتياط لا يخفى.
وكيف كان فههنا فوائد لا بد من التنبيه عليها: (الأولى) قد صرح جملة منهم
بأنه يجب تقييد النجاسة المتعدية المانعة من الصلاة فيها بغير المعفو عنها إذ لا منع من المعفو
196

وبذلك صرح شيخنا في الذكرى فقال ولو كان المكان نجسا بما عفى عنه كدون الدرهم
دما ويتعدى فالظاهر أنه لا يزيد على ما هو على المصلي. ونقل المحقق الشيخ علي في
شرح القواعد عن فخر المحققين أنه قال: الاجماع منا واقع على اشتراط خلو المكان من
نجاسة متعدية وإن كانت معفوا عنها في الثوب والبدن. واطلاق عبارة المنتهى وإن وافقت
ما ذكره إلا أن دليله يؤذن بخلاف ذلك، وكذا عبارة التذكرة تشعر بأن الاجماع مختص
بالنجاسة التي لم يعف عنها.
والتحقيق عندي أنه لا ثمرة مهمة في هذا التقييد بل ولا لذكر ذلك بالكلية،
وذلك فإنه من المعلوم أن المنع من الصلاة في الموضع النجس إذا استلزم ذلك تعدي
النجاسة إلى ثوب المصلي أو بدنه إنما هو الدليل العام الدال على اشتراط صحة الصلاة
بطهارة بدن المصلي وثوبه مما لا يعفى عنه، قال العلامة في المنتهى: ويشترط في المكان أن يكون خاليا من نجاسة متعدية إلى ثوب المصلي أو بدنه، ذهب إليه علماؤنا أجمع لأن طهارة
الثوب والبدن شرط في الصلاة ومع النجاسة المتعدية يفقد الشرط. انتهى. وحينئذ فإذا
صلى الانسان في موضع فيه نجاسة وتعدت إليه روعي فيها ما يراعى في غيرها من النجاسات
الخارجة منه أو الواقعة عليه من كونها معفوا عنها أو غير معفو عنها ولا خصوصية للمكان
تقتضي افراده بالذكر إلا أن يكون الحامل لهم على ذلك خلاف فخر المحققين في المسألة
كما قدمناه ذكره. وضعفه أظهر من أن يحتاج إلى بيان.
(الثانية) - لو كانت الأرض نجسة وفرش عليها فرضا طاهرا فالظاهر أنه
على مذهب المرتضى لا مانع من الصلاة إذ المكان باعتبار الطهارة والنجاسة غيره باعتبار
الإباحة والغصب كما تقدم في تعريف كل منهما.
ويدل على ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (1) قال:
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المسجد يكون في الدار، إلى أن قال: وسألته

(1) اللفظ المذكور إنما هو لحديث أبي الجارود برواية الكافي إلا الذيل، راجع
الوسائل الباب 10 و 11 من أحكام المساجد.
197

عن المكان يكون خبيثا ثم ينظف ويجعل مسجدا؟ قال يطرح عليه من التراب حتى يواريه
فإن ذلك يطهره إن شاء الله " ورواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن عبيد الله
الحلبي (1) أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام)... الحديث.
وفي رواية محمد بن مصادف عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " لا بأس
بأن يجعل على العذرة مسجدا " وعن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (3)
قال: " سئل أيصلح مكان حش أن يتخذ مسجدا؟ فقال إذا ألقى عليه من التراب
ما يواري ذلك ويقطع ريحه فلا بأس، وذلك لأن التراب يطهره وبه مضت السنة ":
(الثالثة) - لو كان في مسجد الجبهة نجاسة لا تتعدى أو على نفس الجبهة
نجاسة معفو عنها في الصلاة فإن استوعبت النجاسة المسجد والجبهة بطلت الصلاة وإلا صحت
صلاته إذا حصل السجود على الظاهر منها في الصورتين المذكورتين.
(المسألة الرابعة) - قد اتفقت الأخبار وكلمة الأصحاب على المنع من الصلاة
في مواضع زيادة على ما قدمناه إلا أن أكثرها كون المنع فيها منع كراهة وبعضها محل خلاف،
وها أنا أفصل ذلك كلا في موضع على حياله:
فأقول - وبالله تعالى الهداية إلى ادراك المأمول - روى الصدوق في الفقيه مرسلا
وثقة الاسلام في الكافي مسندا عن عبد الله بن الفضل عن من حدثه عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (4) قال: " عشرة مواضع لا يصلى فيها: الطين والماء والحمام والقبور
ومسان الطريق وقرى النمل ومعاطن الإبل ومجرى الماء والسبخ والثلج ".
قال الصدوق في كتاب الخصال بعد نقل الخبر المذكور مسندا (5) إلا أنه أسقط منه
" القبور " وزاد فيه " وادي ضجنان " ما صورته: هذه المواضع لا يصلي فيها الانسان
في حال الاختيار، فإذا حصل في الماء والطين واضطر إلى الصلاة فيه فإنه يصلي إيماء ويكون

(1) الوسائل الباب 11 من أحكام المساجد
(2) الوسائل الباب 11 من أحكام المساجد
(3) الوسائل الباب 11 من أحكام المساجد
(4) الوسائل الباب 15 من مكان المصلي
(5) الوسائل الباب 15 من مكان المصلي
198

ركوعه أخفض من سجوده. وأما الطريق فإنه لا بأس أن يصلي على الظواهر التي بين
الجواد فأما على الجواد فلا يصلى. وأما الحمام فإنه لا يصلى فيه على كل حال فأما مسلخ الحمام
فلا بأس بالصلاة فيه لأنه ليس بحمام. وأما قرى النمل فلا يصلى فيها لأنه لا يتمكن من
الصلاة لكثرة ما يدب عليه من النمل فيؤذيه ويشغله عن الصلاة. وأما معاطن الإبل فلا يصلى
فيها إلا إذا خاف على متاعه الضيعة فلا بأس حينئذ بالصلاة فيها. وأما مرابض الغنم فلا
بأس بالصلاة فيها. وأما مجرى الماء فلا يصلى فيه على كل حال لأنه لا يؤمن أن يجري الماء
إليه وهو في صلاته. وأما السبخة فإنه لا يصلي فيها نبي ولا وصي نبي وأما غيرهما فإنه متى
دق مكان سجوده حتى تتمكن الجبهة فيه مستوية في سجوده فلا بأس. وأما الثلج فمتى
اضطر الانسان إلى الصلاة عليه فإنه يدق موضع جبهته حتى يستوي عليه في السجود.
وأما وادي ضجنان وجميع الأودية فلا يجوز الصلاة فيها لأنها مأوى الحيات
والشياطين. انتهى.
وها أنا أذكر المواضع التي اشتمل عليها الخبر المذكور وما ذكره الأصحاب زيادة
على ذلك ووردت به الأخبار:
فأقول: منها - الحمام والمشهور بين الأصحاب كراهة الصلاة فيه، ونقل عن
أبي الصلاح أنه منع من الصلاة فيه وتردد في الفساد، والأظهر الأول لمرسلة عبد الله بن
الفضل المتقدمة وما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي (1) قال: " سألت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في بيت الحمام؟ قال إذا كان الموضع نظيفا فلا بأس "
وما رواه في الفقيه في الصحيح عن علي بن جعفر (2) " أنه سأل أخاه موسى (عليه السلام)
عن الصلاة في بيت الحمام؟ فقال إذا كان الموضع نظيفا فلا بأس " وهذان الخبران
صريحان - كما ترى - في الجواز، والأصحاب قد حملوا النهي في الحمام على الكراهة جمعا
بينه وبين ما تقدم.

(1) الوسائل الباب 34 من مكان المصلي
(2) الوسائل الباب 34 من مكان المصلي
199

وظاهر ذلك عدم الفرق بين المسلخ وغيره والمفهوم من كلامي الصدوق في الفقيه
والخصال كما تقدم والشيخ في التهذيب تخصيص روايتي الجواز بالمسلخ حيث قال في الفقيه:
لا بأس بالصلاة في مسلخ الحمام وإنما يكره في الحمام لأنه مأوى الشياطين. والشيخ بعد أن ذكر
موثقة عمار حملها على المسلخ وصرح الشهيدان بنفي الكراهة في المسلخ أيضا. ولم نقف في
الأخبار على تعرض لخصوص المسلخ بنفي ولا اثبات واطلاق لفظ الحمام شامل له إلا أن
الصدوق في الخصال بعد أن نفى البأس عن الصلاة فيه ادعى أنه ليس بحمام. وفيه منع
ظاهر فإن كان ما ذكروه وجه جمع بين الأخبار فحمل النهي على الكراهة في غير المسلخ
يحتاج إلى دليل إذ هو حقيقة في التحريم وأما تعليل الصدوق بأنه مأوى الشياطين فغير
ظاهر من الأخبار ليصلح وجها للكراهة. ونقل عن العلامة في التذكرة أنه احتمل
ثبوت الكراهة في المسلخ وبنى الاحتمال على علة النهي فإن كانت النجاسة لم تكره وإن
كانت كشف العورة فيكون مأوى للشياطين كره. ورد بأنه ضعيف لجواز أن لا يكون
الحكم معللا أو تكون العلة غير ما ذكره. ولو جعل وجه الجمع بين هذه الأخبار ما صرحت
به الروايتان الأولتان من تعليق نفي البأس على النظافة فيحمل ما دل على النهي على عدم
النظافة لكان أقرب، وعلى هذا فيكون النهي محمولا على التحريم لعدم نظافة المكان.
وكيف كان فإنه لا تكره الصلاة في سطح الحمام كما صرح به غير واحد من
الأصحاب. والله العالم.
ومنها - بيوت الغائط، عدها الأصحاب في هذا الباب ولم أقف في النصوص عليه
بهذا العنوان، والظاهر أن المراد به بيت الخلاء الذي هو بيت لذلك، وظاهر الشيخ
المفيد في المقنعة التحريم حيث قال: لا تجوز الصلاة في بيوت الغائط. وحمله الأصحاب
على الكراهة لعدم ما يوجب التحريم إذ ليس إلا أنها مظنة النجاسة وغاية ما يوجب
ذلك الكراهة.
والأصحاب قد استدلوا على هذا الحكم بما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد
200

ابن مروان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله) أن جبرئيل أتاني فقال إنا معاشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه كلب ولا تمثال
جسد ولا إناء يبال فيه " وعن عمرو بن خالد عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال:
" قال جبرئيل يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنا لا ندخل بيتا فيه صورة انسان
ولا بيتا يبال فيه ولا بيتا فيه كلب " وأنت خبير بما في هذا الاستدلال من البعد عن
المدعى إذ المدعى بيوت الغائط والبول لا يستلزم الغائط.
والذي وقفت عليه هنا مما يناسب ذلك ما رواه الشيخ عن عبيد بن زرارة (3)
قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول الأرض كلها مسجد إلا بئر غائط أو
مقبرة " وفي رواية " أو حمام " وما رواه في الكافي عن الفضيل بن يسار (4) قال:
" قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أقوم في الصلاة فأرى قدامي في القبلة العذرة؟ فقال
تنح عنها ما استطعت " والظاهر أن ما اشتملت عليه هذه الرواية مكروه آخر غير ما نحن
فيه وهو أن يصلي إلى عذره في قبلته كما ذكره بعض الأصحاب. وبالجملة فالمقام وإن
كان مقام كراهة يتسامح بينهم في دليله لكن الكلام في أن كون الحكم شرعيا يتوقف على
الدليل الشرعي الواضح.
ومنها - مبارك الإبل وفي مرسلة عبد الله بن الفضل المتقدمة وغيرها معاطن الإبل
وبه عبر بعضهم أيضا وهو مبارك الإبل حول الماء، قال في الصحاح العطن والمعطن واحد
الأعطان والمعاطن وهي مبارك الإبل عند الماء لتشرب علا بعد نهل. وقال في القاموس
العطن محركة وطن الإبل ومنزلها حول الحوض. وكلامهما وكذا كلام غيرهما من أهل
اللغة صريح في تخصيص اسم المعاطن بمبارك الإبل عند الشرب، والمفهوم من كلام
الأصحاب أنه أعم من ذلك وبه صرح ابن إدريس في السرائر فقال بعد تفسير المعطن

(1) الوسائل الباب 33 من مكان المصلي
(2) الوسائل الباب 33 من مكان المصلي
(3) الوسائل الباب 31 من مكان المصلي
(4) الوسائل الباب 31 من مكان المصلي
201

بما نقلناه عن أهل اللغة: هذا حقيقة المعطن عند أهل اللغة إلا أن أهل الشرع لم يخصصوا
ذلك بمبرك دون مبرك. انتهى. ولعلهم بنوه على عدم تعقل الفرق بين موضع الشرب
وغيره، وهو محتمل إلا أنه لا يخلو من نوع اشكال لأن من قواعدهم الرجوع في معاني
الألفاظ بعد تعذر الحقيقة الشرعية والعرف الخاص إلى كلام أهل اللغة.
ثم إن القول بالكراهة هو المشهور ونقل عن أبي الصلاح القول بالتحريم وهو
ظاهر الشيخ المفيد في المقنعة أيضا أخذا بظاهر النهي.
ومن أخبار المسألة زيادة على ما تقدم في مرسلة عبد الله بن الفضل صحيحة محمد
ابن مسلم (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في أعطان الإبل
فقال إذا تخوفت الضيعة على متاعك فاكنسه وانضحه وصل ولا بأس بالصلاة في
مرابض الغنم ".
وصحيحة علي بن جعفر المروية في كتابه عن أخيه موسى (عليه السلام) (2)
قال: " سألته عن الصلاة في معاطن الإبل أتصلح؟ قال لا تصلح إلا أن تخاف على
متاعك ضيعة فاكنس ثم انضح بالماء ثم صل. وسألته عن معاطن الغنم أتصلح الصلاة
فيها؟ قال نعم لا بأس به " وموثقة سماعة (3) قال: " سألته عن الصلاة في أعطان الإبل
وفي مرابض البقر والغنم؟ فقال إن نضحته بالماء وقد كان يابسا فلا بأس بالصلاة فيها فأما
مرابض الخيل والبغال فلا ".
وحمل الشيخ (قدس سره) في التهذيب هذه الرواية على الضرورة والخوف
على المتاع كما تضمنته صحيحة محمد بن مسلم وصحيحة الحلبي (4) " أنه سأل أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الصلاة في مرابض الغنم؟ فقال صل فيها ولا تصل في أعطان الإبل إلا أن
تخاف على متاعك الضيعة فاكنسه ورشه بالماء وصل فيه ".
أقول: ظاهر هذه الأخبار من حيث دلالتها على أنه إن كان يخاف على متاعه

(1) الوسائل الباب 17 من مكان المصلي
(2) الوسائل الباب 17 من مكان المصلي
(3) الوسائل الباب 17 من مكان المصلي
(4) الوسائل الباب 17 من مكان المصلي
202

الضيعة جاز له الصلاة فيه من غير كراهة بعد أن يكنسه ويرشه هو الدلالة على القول
المشهور في تفسير أعطان الإبل بمباركها حيث كان من غير تقييد بما ذكره أهل اللغة،
بل الظاهر التخصيص بموضع النزول وذلك فإن الظاهر من هذا الكلام هو أن القافلة
متى نزلوا في مكان فجمالهم ورحالهم وأثقالهم في ذلك المكان وأنه تكره الصلاة في ذلك
المكان فينبغي أن يخرج إلى مكان آخر خارج عن محل النزول إلا إذا كان يخاف من
خروجه الضيعة على متاعه فإنه يصلي فيه، وإلا فإنه لا مناسبة بين هذا التعليل وبين تخصيص
المعاطن بمواضع السقي كما هو ظاهر فإن موضع السقي ليس مقام متخذ للنزول ووضع
الأثقال والأحمال فيه.
ثم إن ظاهر كلامهم أنه لا فرق في الكراهة أو التحريم بين وجود الإبل في
ذلك المكان وعدمه، وبذلك صرح في المنتهى أيضا معللا بأنها بانتقالها عنه لا يخرج عن
اسم المعطن إذا كانت تأوي إليه، وظاهر هذا التعليل أنه لو كان ذلك الموضع إنما اتفق
بروكها فيه مرة واحدة ثم لم تعد إليه لم يتعلق به الحكم.
ثم إنه قد صرح الأصحاب أيضا بكراهة الصلاة في مرابط الخيل والبغال، وعن
أبي الصلاح هنا أيضا القول بالتحريم، ومن الأخبار الدالة على النهي هنا أيضا موثقة
سماعة المتقدمة ومثلها موثقته الأخرى (1) إلا أنها مقطوعة وفيها زيادة الحمير على
الخيل والبغال.
ومنها - مساكن النمل وهو المعبر عنه في خبر عبد الله بن الفضل المتقدم بقرى
النمل وهو جمع قرية وهي مجتمع ترابها حول حجرتها، ويدل على ذلك زيادة على الخبر
المتقدم ما رواه في كتاب المحاسن بسنده عن عبد الله بن عطاء (2) قال " ركبت مع أبي جعفر
(عليه السلام) وسار وسرت حتى إذا بلغنا موضعا قلت الصلاة جعلني الله فداك قال
هذا أرض وادي النمل لا يصلى فيه حتى إذا بلغنا موضعا آخر قلت له مثل ذلك فقال

(1) الوسائل الباب 17 من مكان المصلي
(2) الوسائل الباب 20 من مكان المصلي
203

هذه الأرض مالحة لا يصلى فيها " أقول: نقل شيخينا في البحار أن في بعض النسخ " نصلي "
في الموضعين بالنون وفي بعضها بالياء، ثم قال: فعلى الأول ظاهره اختصاص الحكم بهم
(عليهم السلام) فالمراد التحريم أو شدة الكراهة فلا ينافي حصول الكراهة في الجملة
لغيرهم ورواه العياشي في تفسيره (1) إلا أن فيه هكذا " فسرنا حتى زالت الشمس
وبلغنا مكانا قلت هذا المكان الأحمر فقال ليس يصلى ههنا هذه أودية النمال وليس يصلى
فيها قال فمضينا إلى أرض بيضاء قال هذه سبخة وليس يصلى بالسباخ. قال فمضينا إلى
أرض حصباء قال ههنا فنزل... الخبر " وظاهر الخبر كراهة الصلاة في وادي النمل
وإن لم تكن عند قراها وجحرتها إلا أن يحمل على كون الوادي مملوء بذلك، وربما علله
بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) بعدم انفكاك المصلي من أذاها وقتل بعضه.
ويدل على الأول ما في كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم، قال: والعلة في
جحرة النمل أن النمل ربما آذاه فلا يتمكن من الصلاة.
ومنها - مجاري المياه وهو المكان المعد لجريانه وإن لم يكن فيه ماء، وقد تقدم
في كلام الصدوق تعليل النهي بأنه لا يؤمن أن يجري الماء إليه وهو في صلاته، والظاهر أنه لا دليل عليه إلا خبر عبد الله بن الفضل المتقدم صدر الكلام، وظاهر الخبر المذكور
أعم من أن يكون الماء موجودا فيه أم لا فلو قصر الحكم على ما إذا كان موجودا أو
يخاف هجومه في حال الصلاة لكان أظهر.
وفي شمول الحكم للصلاة في السفينة باعتبار كونها في مجرى الماء وكذا على
الساباط الذي على نهر يجري فيه الماء اشكال ينشأ من صدق الصلاة في مجرى الماء، ومن أن المتبادر من العبارة هو ايقاع الصلاة في الأرض التي يجري فيها الماء فعلا أو قوة
باعتبار اعدادها لذلك، والاشكال في الساباط أضعف. وقد صرح في المنتهى بدخول
هذين الفردين في حكم المسألة المذكورة.

(1) مستدرك الوسائل الباب 15 من مكان المصلي
204

وقيل بالكراهة في بطون الأودية التي يخاف فيها هجوم السيل، والظاهر أنه
يرجع إلى الأول لأن المراد بالمجاري ما يحصل فيه الجريان من واد وغيره، وقد روى
الشيخان في الكافي والتهذيب عن أبي هاشم الجعفري (1) قال: " كنت مع أبي الحسن
(عليه السلام) في السفينة في دجلة فحضرت الصلاة فقلت جعلت فداك نصلي في جماعة؟
فقال لا يصلي في بطن واد جماعة " وهذا الخبر كما يدل على صدق الوادي على المجرى
من حيث اتساعه كذا يدل على أن حكم الصلاة في السفينة إذا كانت في مجرى الماء
حكم أصل المجرى. وبه يتجه دخول هذا الفرد تحت الحكم المذكور كما صرح به شيخنا
المتقدم ذكره. ولعل التخصيص بالجماعة وقع من حيث سؤال السائل عن الجماعة فلا منافاة
لما دل على الحكم المذكور مطلقا.
بقي هنا شئ وهو أنه قال في المدارك بعد تفسير مجرى المياه بأنها الأمكنة المعدة
لجريانها فيها: وقيل تكره الصلاة في بطون الأودية التي يخاف فيها هجوم السيل، قال
في النهاية فإن أمن السيل احتمل بقاء الكراهة اتباعا لظاهر النهي وعدمها لزوال موجبها
ولم أقف على ما ادعاه من الاطلاق. انتهى. أقول: الظاهر أن ما ذكره من عد الأودية
هنا بناء على دخولها تحت مجرى المياه باعتبار جريان السيول فيها فيصدق عليها مجرى المياه
وحيث إن العلامة ادعى احتمال بقاء الكراهة وإن أمن السيل تمسكا بالاطلاق رده
السيد (قدس سره) بأنه لا نص في هذه المسألة بالكلية حتى يستند إلى اطلاقه.
أقول: أما النهي عن بطون الأودية فقد ورد وإن لم يكن مشهورا إلا أن كون
العلة فيه ما ذكره من هجوم السيل غير معلوم بل ربما علل بأمر آخر، فالأظهر أن يجعل
هذا فردا من أفراد المسألة على حدة وهو كراهة الصلاة في بطون الأودية.
والذي يدل عليه ما رواه الصدوق في كتاب المجالس في جملة المناهي المنقولة
عنه (صلى الله عليه وآله) (2) قال: " ونهى أن يصلي الرجل في المقابر والطرق

(1) الوسائل الباب 29 من مكان المصلي
(2) الوسائل الباب 25 من مكان المصلي
205

والأرحية والأودية ومرابط الإبل وعلى ظهر الكعبة ".
وفي كتاب العلل لمحمد بن إبراهيم (1) قال: " لا يصلى في ذات الجيش ولا
ذات الصلاصل ولا بطون الأودية، ثم ساق الكلام في باقي المناهي وذكر علل النهي
إلى أن قال: والعلة في بطون الأودية أنها مأوى الحيات والجن والسباع... إلى آخره " وكلامه في جميع هذه العلل المذكورة في هذا الكتاب وإن لم يسندها إلى
نص إلا أن الظاهر أنه حيث كان من أصحاب الصدر الأول مثل أبيه وجده الذين
لا يقولون إلا بالنصوص كما وصل إلينا في أكثر ما ذكره من هذه العلل فهو لا يقول
هذا إلا بعد وصول نص إليه بذلك.
ومنها - الطين وقد تقدم ذكره في خبر عبد الله بن الفضل، والمراد بالطين هنا
الوحل الذي هو طين وماء ممتزجان وإلا فالطين اليابس لا مانع من الصلاة عليه، ولهذا
قال الصدوق (قدس سره) في ما تقدم نقله عنه: فإن حصل في الطين والماء واضطر إلى
الصلاة فإنه يصلي إيماء... الخ. وعطف الماء عليه (2) لأنه فرد آخر لا يتيسر الصلاة فيه
إلا كذلك كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
والظاهر أن النهي هنا محمول على التحريم إن استلزم الصلاة ثمة منع شئ من
واجبات الصلاة كالاستقرار في السجود ونحوه وإلا كره لما رواه عمار في الموثق عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (3) " أنه سأله عن حد الطين الذي لا يسجد عليه ما هو؟
قال إذا غرقت الجبهة ولم تثبت على الأرض ".

(1) البحار ج 18 الصلاة ص 122
(2) كذا في النسخ والذي نقله عن الصدوق في ما سبق ص 198 إنما اشتمل على عطف
الطين على الماء على عكس قوله هنا وكذا في ما يأتي منه أيضا ص 208 من نقله كما ذكرنا من
عطف الطين على الماء. والله العالم.
(3) الوسائل الباب 15 من مكان المصلي
206

فلو اضطر إلى الصلاة فيه أومأ كما ذكره الأصحاب، ويدل عليه موثقة عمار
أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " سألته عن الرجل يصيبه المطر وهو في
موضع لا يقدر أن يسجد فيه من الطين ولا يجد موضعا جافا؟ قال يفتتح الصلاة فإذا ركع
فليركع كما يركع إذا صلى فإذا رفع رأسه من الركوع فليومئ بالسجود إيماء وهو قائم يفعل
ذلك حتى يفرع من الصلاة ويتشهد وهو قائم ثم يسلم ".
واطلاق الخبر وكذا اطلاق جملة من عبارات الأصحاب يدل على عدم وجوب
الجلوس للسجود في الحال المذكورة وإن أمكن، وأوجب شيخنا الشهيد الثاني الجلوس
وتقريب الجبهة من الأرض بحسب الممكن، وبعض آخر بعد رد الرواية بضعف السند
بناء على الاصطلاح المحدث قال بأن وجوب الجلوس والاتيان بالممكن من السجود هو
الأولى استنادا إلى أنه لا يسقط الميسور بالمعسور (2). وفيه أن وجوب الانحناء إنما هو
من باب المقدمة فوجوبه تابع لوجوب السجود الذي هو ذو المقدمة فمتى سقط وجوب
ذي المقدمة سقط وجوبها. وأما حديث " لا يسقط الميسور بالمعسور " فمع تسليم صحته
لا يشمل ما نحن فيه إلا على تقدير كون وجوب الانحناء مستقلا ليس مترتبا على السجود
والحال أن الأمر ليس كذلك. وأما ضعف الخبر فمجبور بالشهرة والأمران اصطلاحيان
فلا معنى للعمل بأحدهما وترك الآخر.
ومنها - الماء ويدل على المنع من الصلاة فيه زيادة على خبر عبد الله بن الفضل المتقدم
ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: " سألته عن الرجل يخوض الماء فتدركه الصلاة؟ فقال إن كان في حرب فإنه يجزئه
الايماء وإن كان تاجرا فليقم ولا يدخله حتى يصلي ".
وعن إسماعيل بن جابر في الصحيح (4) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)

(1) الوسائل الباب 15 من مكان المصلي
(2) عوائد النراقي ص 88 وعناوين مير فتاح ص 146 عن عوالي اللئالي عن علي " ع "
(3) الوسائل الباب 15 من مكان المصلي
(4) الوسائل الباب 15 من مكان المصلي
207

وقد سأله انسان عن الرجل تدركه الصلاة وهو في ماء يخوضه لا يقدر على الأرض؟
فقال إن كان في حرب أو في سبيل من سبيل الله فليومئ إيماء وإن كان في تجارة فلم يك
ينبغي له أن يخوض الماء حتى يصلي قال: قلت وكيف يصنع؟ قال يقضيها إذا خرج من
الماء وقد ضيع ".
وملخص ما اشتمل عليه الخبران أنه إن كان الصلاة في الماء من حيث الضرورة
كالحرب والخوف ونحو ذلك فليصل فيه إيماء وإلا فلا يجوز له الصلاة فيه. فلو صلى فيه
والحال كذلك وجب القضاء لنقصان الصلاة فيه بالايماء فلا تجزي اختيارا. وأما الايماء
المذكور في الخبرين فينبغي تقييده بعدم إمكان ما ينوب الايماء منابه فالايماء عن الركوع
إنما يكون مع تعذره وإلا فإنه يركع وهكذا في السجود. ومن الظاهر في هذا الموضع
وسابقه أن السجود متعذر فيومئ له كما تقدم، وأما الركوع فهو مبني على ما ذكرناه أيضا
من الامكان وعدمه. وأما ما تقدم في كلام الصدوق في صدر المسألة من قول في الخصال:
" فإن حصل في الماء والطين واضطر إلى الصلاة فيه فإنه يصلي إيماء ويكون سجوده أخفض
من ركوعه " فهو مبني على تعذر الركوع والسجود معا وإلا فلو تمكن من الرجوع وجب
كما تقدم في موثقة عمار في سابق هذا الموضع.
ومنها - مسان الطريق قال في القاموس: سنن الطريق مثلثة وبضمتين نهجه
وجهته ومنه مسان الطريق. وقال في المغرب سنن الطريق معظمه ووسطه. ولعل المراد
بالطريق الجادة أو العظيمة ولهذا وقع التفسير بالجادة في كلام جملة من الأصحاب.
والمشهور كراهة الصلاة فيها ونقل الأصحاب عن ظاهر الصدوق والشيخ المفيد
التحريم، وكأنه نظرا إلى تعبيرهما بعد الجواز في هذا المقام، وهو وإن كان
ظاهرا في ذلك إلا أنه قابل للحمل على تشديد الكراهة والتعبير بذلك مبالغة كما يقع
مثله في الأخبار.
208

ومن أخبار المسألة صحيحة محمد بن مسلم (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن الصلاة في السفر؟ فقال لا تصل على الجادة واعتزل على جانبيها ".
وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " سألته عن الصلاة
في ظهر الطريق؟ فقال لا بأس بأن تصلي في الظواهر التي بين الجواد وأما على الجواد
فلا تصل فيها ".
وصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " لا بأس
أن يصلى بين الظواهر وهي الجواد جواد الطريق ويكره أن يصلى في الجواد ".
وموثقة الحسن بن الجهم عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) (4) قال: " كل
طريق يوطأ فلا تصل عليه ".
ورواية محمد بن الفضيل عن الرضا (عليه السلام) (5) قال: " كل طريق يوطأ
ويتطرق كانت فيه جادة أو لم تكن فلا ينبغي الصلاة فيه ".
ومن هذين الخبرين يعلم تعميم الحكم للطريق مطلقا وإن لم يكن جادة، ومنهم
من خص الحكم بالجواد وهي العظمى من الطرق التي يكثر سلوكها.
وأنت خبير بأنه لولا اعتضاده القول بالكراهة بالشهرة بين الأصحاب لكان
القول بما نسب إلى الصدوق والمفيد من التحريم في غاية القوة، فإن جل الأخبار مصرحة
بالنهي الذي هو حقيقة في التحريم، وغاية ما ربما يتمسك به للقول بالكراهة قوله
(عليه السلام) في صحيحة معاوية بن عمار: " ويكره أن يصلى في الجواد " وقوله
(عليه السلام) في رواية محمد بن الفضيل: " فلا ينبغي " وورود هذين اللفظين بمعنى التحريم
في الأخبار أكثر كثير كما تقدم التنبيه عليه في غير موضع.
ثم الظاهر أنه لا فرق في الكراهة بين أن تكون الطريق مشغولة بالمارة وقت
الصلاة أم لا لعموم الأخبار، وأما لو استلزمت الصلاة تعطيل المارة ومنعهم عن المرور

(1) الوسائل الباب 19 من مكان المصلي
(2) الوسائل الباب 19 من مكان المصلي
(3) الوسائل الباب 19 من مكان المصلي
(4) الوسائل الباب 19 من مكان المصلي
(5) الوسائل الباب 19 من مكان المصلي
209

فلا ريب في التحريم في ظاهر الأصحاب بل الظاهر أنه لا خلاف فيه، وقد صرح جملة
منهم بفساد الصلاة أيضا والظاهر أن وجهه عندهم من حيث إن الطريق ملك للمسلمين
يتطرقون فيها فالتصرف فيها على وجه يوجب رفع حقهم محرم البتة.
بقي الكلام هنا في الحكم بفساد العبادة وهو بناء على المشهور من حمل النهي
على الكراهة لا يخلو من اشكال، نعم لو قلنا بظاهر ما دلت عليه هذه الأخبار من
حمل النهي فيها على التحريم اتجه الأمران معا لزم من ذلك تعطيل المارة أم لا.
هذا كله في الطرق النافدة أما الطرق المرفوعة فلا اشكال في التحريم فيه لأنها
ملك لأرباب البيوت التي تنفذ إليها.
ومنها - السبخة بفتح الباء وإذا كانت نعتا للأرض كقولك " الأرض السبخة " فهي
بكسر الباء كذا نقل عن الخليل في كتاب العين، وقال في الروض بعد قول المصنف
" وأرض السبخة " ما صورته: بفتح الباء واحدة السباخ وهو الشئ الذي يعلو الأرض
كالملح ويجوز كون السبخة بكسر الباء وهي الأرض ذات السباخ فتكون إضافة الأرض
إليها من باب إضافة الموصوف إلى صفته كمسجد الجامع والظاهر أن ما ذكره الخليل أقرب
ومن الأخبار في ذلك زيادة على الخبر المتقدم في صدر المسألة موثقة أبي بصير
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " سألته عن الصلاة في السبخة لم تكرهه؟ قال
لأن الجبهة لا تقع مستوية. فقلت إن كان فيها أرض مستوية؟ فقال لا بأس ".
وموثقة سماعة (2) قال: " سألته عن الصلاة في السباخ فقال لا بأس " وصحيحة
الحلبي (3) وفيها " قال وكره الصلاة في السبخة إلا أن يكون مكانا لينا تقع عليه الجبهة مستوية ".
وروى في العلل عن داود بن الحصين بن السري (4) قال: " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام) لم حرم الله تعالى الصلاة في السبخة؟ قال لأن الجبهة لا تتمكن عليها ".
وحملها الأصحاب على الكراهة جمعا، وقد تقدم في الموضع الرابع نقل روايتي

(1) الوسائل الباب 20 من مكان المصلي
(2) الوسائل الباب 20 من مكان المصلي
(3) الوسائل الباب 20 من مكان المصلي
(4) الوسائل الباب 20 من مكان المصلي
210

المحاسن والعياشي المتضمنتين لأنه لا يصلى في أرض السبخة.
وروى في كتاب المحاسن عن المعلي بن خنيس عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: " سألته عن السبخة أيصلي الرجل فيها؟ فقال إنما تكره الصلاة فيها من أجل انهافتك
ولا يتمكن الرجل يضع وجهه كما يريد. قلت أرأيت إن هو وضع وجهه متمكنا؟ فقال
حسن " والظاهر أن قوله " فتك " من التفتيك وهو كناية عن كونها رخوة نشاشة
لا تستقر الجبهة عليها. قال في القاموس: تفتيك القطن تفتيته. انتهى.
والمشهور بين الأصحاب هو الكراهة وظاهر الصدوق في كتاب العلل التحريم
حيث قال: " باب العلة التي من أجلها لا تجوز الصلاة في السبخة " وظاهر كلامه المتقدم
نقله عن الخصال تخصيص التحريم بالنبي والإمام، وظاهر هذه الأخبار أن العلة في
الكراهة هو عدم حصول كمال التمكن للجبهة في الوقوع على الأرض من حيث رخاوتها
ومع حصول كمال التمكن بكسر الموضع وتسويته أو بأن توجد أرض كذلك فلا كراهة
وعلى ذلك يحمل اطلاق موثقة سماعة.
ومنها - الثلج وقد تقدم عده في خبر عبد الله بن الفضل، والظاهر أن النهي عن
الصلاة عليه هنا محمول على التحريم لأن الثلج ليس بأرض حتى يجوز السجود عليه مع
وجود الأرض ومع عدم التمكن من الأرض فلا اشكال في جواز السجود عليه مع
الضرورة إلا أن يحمل على الصلاة عليه مع السجود على شئ آخر فلا ينافي الكراهة.
ومن الأخبار الواردة في المقام رواية داود الصرمي (2) قال: " سألت أبا الحسن
(عليه السلام) قلت إني أخرج في هذا الوجه وربما لم يكن موضع أصلي فيه من الثلج؟
فقال إن أمكنك أن لا تسجد على الثلج فلا تسجد وإن لم يمكنك فسوه واسجد عليه ".
ورواية منصور عن غير واحد من أصحابنا (3) قال: " قلت لأبي جعفر (عليه

(1) الوسائل الباب 20 من مكان المصلي
(2) الوسائل الباب 28 من مكان المصلي
(3) الوسائل الباب 4 من ما يسجد عليه
211

السلام) إنا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أفنسجد عليه؟ فقال لا ولكن أجعل
بينك وبينه شيئا قطنا أو كتانا ".
وصحيحة معمر بن خلاد (1) قال: " سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن
السجود على الثلج؟ فقال لا تسجد على السبخة ولا على الثلج ".
وموثقة عمار (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصلي
على الثلج؟ قال لا فإن لم يقدر على الأرض بسط ثوبه وصلى عليه ".
أقول: الظاهر من موثقة عمار هو كراهة الصلاة على الثلج بمعنى القيام عليه في
الصلاة أعم من أن يكون السجود عليه أو على غيره، وباقي الأخبار قد اشتركت في
النهي عن السجود عليه وأنه مع عدم وجود الأرض يسجد على القطن أو الكتان
أو ثوب من غيرهما وأنه لا يسجد على الثلج إلا مع تعذر الثوب ونحوه. ويمكن حمل
السجود في هذه الأخبار سؤالا وجوابا على الصلاة، ويؤيد السؤال عن الصلاة في رواية
الصرمي ووقوع الجواب بلفظ السجود، وحينئذ فالأمر بجعل شئ بينه وبينه في مرسلة
منصور وقع على نحو الأمر يبسط الثوب عليه مع تعذر الأرض في رواية عمار، وعلى
هذا فلا تعرض فيها للسجود بمعنى وضع الجبهة بالكلية. وعندي أن هذا الوجه أقرب
إذ لا بعد فيه إلا من حيث التجوز باطلاق السجود على الصلاة، ونظائره في الأخبار
أكثر كثير ولا سيما أخبار " جعلت لي الأرض مسجدا... " (3) أي مصلى، وغيرها.
ومنها - مواضع بين الحرمين: (أحدهما) البيداء وهي على ميل من ذي الحليفة مما
يلي مكة وإنما سميت بذلك لأنها تبيد جيش السفياني ومن ذلك أيضا سميت ذات الجيش
ويدل على ذلك من الأخبار صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (4) قال: " الصلاة تكره في ثلاثة مواطن من الطريق: البيداء وهي ذات

(1) الوسائل الباب 28 من مكان المصلي
(2) الوسائل الباب 28 من مكان المصلي
(3) الوسائل الباب 7 من التيمم
(4) الوسائل الباب 23 من مكان المصلي
212

الجيش وذات الصلاصل وضجنان. وقال لا بأس أن يصلى بين الظواهر وهي الجواد
جواد الطريق ويكره أن يصلى في الجواد ".
وصحيحة ابن أبي نصر (1) قال: " قلت لأبي الحسن (عليه السلام) إنا كنا
في البيداء في آخر الليل فتوضأت واستكت وأنا أهم بالصلاة ثم كأنه دخل قلبي شئ
فهل نصلي في البيداء في المحمل؟ فقال لا تصل في البيداء. قلت فأين حد البيداء؟
فقال كان أبو جعفر (عليه السلام) إذا بلغ ذات الجيش جد في السير ولا يصلي حتى
يأتي معرس النبي (صلى الله عليه وآله). قلت وأين ذات الجيش؟ قال دون الحفيرة
بثلاثة أميال ".
وصحيحة أيوب بن نوح عن أبي الحسن الأخير (عليه السلام) (2) قال: " قلت
له تحضر الصلاة والرجل بالبيداء؟ فقال يتنحى عن الجواد يمنة ويسرة ويصلي ".
وصحيحة علي بن مهزيار (3) " أنه سأل أبا الحسن الثالث (عليه السلام) عن
الرجل يسير في البيداء فتدركه صلاة فريضة فلا يخرج من البيداء حتى يخرج وقتها
كيف يصنع بالصلاة وقد نهى أن يصلي في البيداء؟ فقال يصلي فيها ويجتنب قارعة الطريق "
ومن هذين الخبرين يعلم حمل النهي في الخبرين الأولين على الكراهة.
قال ابن إدريس في تعداد ما يكره فيه الصلاة: والبيداء لأنها أرض خسف على
ما روي في بعض الأخبار أن جيش السفياني يأتي إليها قاصدا مدينة الرسول (صلى الله
عليه وآله) فيخسف الله تعالى به تلك الأرض، وبينها وبين ميقات أهل المدينة الذي هو
ذو الحليفة ميل واحد وهو ثلث فرسخ فحسب، قال وكذلك يكره الصلاة في كل أرض
خسف ولهذا كره أمير المؤمنين (عليه السلام) الصلاة في أرض بابل. انتهى.
و (ثانيها) - ذات الصلاصل جمع صلصال، قال ابن إدريس هي الأرض التي لها
صوت ودوي. وبذلك فسرها العلامة في المنتهى. وقيل إنه الطين الحر المخلوط بالرمل فصار

(1) الوسائل الباب 23 من مكان المصلي
(2) الوسائل الباب 23 من مكان المصلي
(3) الوسائل الباب 23 من مكان المصلي
213

يتصلصل إذا جف أي يصوت. وبه فسره الشهيد (قدس سره) ونقله الجوهري عن
أبي عبيدة ونحوه كلام القاموس.
أقول: إن كان المراد من هذه التفسيرات في كلام أصحابنا (رضوان الله
عليهم) هو دوران الحكم بالكراهة مدارها فهو مشكل لأن المفهوم من صحيحة معاوية
ابن عمار المتقدمة أن هذا الاسم لموضع مخصوص كالاسمين الآخرين المذكورين معه في
هذا الطريق بين الحرمين إلا أني لم أقف على تعيينه في الأخبار ولا كلام أحد من
أصحابنا الأبرار.
و (ثالثها) وادي الشقرة لما رواه في الفقيه (1) مرسلا قال: " روي أنه
لا يصلى في البيداء ولا ذات الصلاصل ولا في وادي الشقرة ولا في وادي ضجنان ".
وما رواه في الكافي في الصحيح عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن بعض
أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " لا يصلى في وادي الشقرة " ورواه
الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد مثله (3).
قال ابن إدريس: تكره الصلاة في وادي الشقرة بفتح الشين وكسر القاف واحد
الشقر موضع بعينه مخصوص سواء كان فيه شقائق النعمان أو لم يكن، وليس كل واد
يكون فيه شقائق النعمان تكره فيه الصلاة بل في الموضع المخصوص فحسب وهو بطريق
مكة لأن أصحابنا قالوا تكره الصلاة في طريق مكة بأربعة مواضع من جملتها وادي الشقرة
وقال العلامة في المنتهى: الشقرة بفتح الشين وكسر القاف واحد الشقر وهو شقائق النعمان
وكل موضع فيه ذلك تكره الصلاة فيه، وقيل وادي الشقرة موضع مخصوص بطريق
مكة ذكره ابن إدريس. والأقرب الأول لما فيه من اشتغال القلب بالنظر إليها. وقيل
هذه مواضع خسف فتكره الصلاة فيها لذلك. انتهى. أقول: بل الأقرب ما ذكره ابن

(1) الوسائل الباب 23 من مكان المصلي
(2) الوسائل الباب 24 من مكان المصلي
(3) الوسائل الباب 24 من مكان المصلي
214

إدريس لما رواه البرقي في كتاب المحاسن بسنده عن عمار الساباطي (1) قال: " قال
أبو عبد الله (عليه السلام) لا تصل في وادي الشقرة فإن فيه منازل الجن " وقال في
كتاب مجمع البحرين: في الحديث " نهى عن الصلاة في وادي شقرة " هو بضم الشين
وسكون القاف وقيل بفتح الشين وكسر القاف موضع معروف في طريق مكة، قيل إنه والبيداء وضجنان وذات الصلاصل مواضع خسف وأنها من المواضع المغضوب
عليها. انتهى. أقول: بل الأظهر في وجه الكراهة هو ما ذكره (عليه السلام) في
حديث عمار المذكور.
و (رابعها) - وادي ضجنان وضبطه بعضهم بالضاد المعجمة المفتوحة والجيم الساكنة
اسم جبل بناحية مكة.
أقول: والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بذلك - ومنها يعلم وجه الكراهة -
ما رواه في كتاب بصائر الدرجات بسند صحيح عن علي بن المغيرة (2) قال: " نزل
أبو جعفر (عليه السلام) في وادي ضجنان، وذكر حديثا يقول في آخره وإنه ليقال إنه
واد من أودية جهنم ".
وروى في كتاب الخرائج والجرائح عن علي بن المغيرة (3) قال: " نزل أبو جعفر
(عليه السلام) بوادي ضجنان فسمعناه يقول ثلاث مرات: " لا غفر الله لك " فقال له أبي
لمن تقول جعلت فداك؟ قال مر بي الشامي " لعنه الله " يجر سلسلته التي في عنقه وقد دلع
لسانه يسألني أن أستغفر له فقلت له لا غفر الله لك ".
وعن عبد الله القمي عن أخيه (4) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول بينا أنا وأبي متوجهين إلى مكة فتقدم أبي في موضع يقال له ضجنان إذ جاءني رجل
في عنقه سلسلة يجرها فأقبل علي فقال اسقني فسمعه أبي فصاح بي وقال لا تسقه لا سقاه

(1) الوسائل الباب 24 من مكان المصلي
(2) الوسائل الباب 23 من مكان المصلي
(3) ص 134
(4) ص 134
215

الله فإذا رجل يتبعه حتى جذب سلسلته وطرحه على وجهه في أسفل درك من النار فقال
أبي هذا الشامي لعنه الله ".
أقول: والمراد بالشامي في الخبرين المذكورين هو معاوية صاحب السلسلة التي
ذكرها الله تعالى في سورة الحاقة (1).
ومنها - القبور والمراد الصلاة عليها أو إليها أو بينها، والمشهور بين الأصحاب
الكراهة في الجميع، وعن الشيخ المفيد (قدس سره) أنه قال لا يجوز الصلاة إلى شئ من
القبور حتى يكون بين الانسان وبينه حائل ولو قدر لبنة أو عنزة منصوبة أو ثوب موضوع،
ثم قال وقد روي أنه لا بأس بالصلاة إلى قبلة فيها قبر إمام. إمام والأصل ما قدمناه ونقل ونقل في المنتهى عن الصدوق
أيضا القول بما ذهب إليه المفيد، والظاهر أنه إشارة إلى ما ذكره في الفقيه حيث قال:
وأما القبور فلا يجوز أن تتخذ قبلة ولا مسجدا ولا بأس بالصلاة بين خللها ما لم يتخذ
شئ منها قبلة. انتهى. ونقل عن أبي الصلاح أيضا القول بالتحريم وإنما تردد في الابطال
وها أنا أولا أذكر الأخبار المتعلقة بالمسألة ثم أعطف الكلام على تحقيق المقام بما
ظهر لي من أخبارهم (عليهم السلام):
فمنها - ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال:
" سألته عن الرجل يصلي بين القبور؟ قال لا يجوز ذلك إلا أن يجعل بينه وبين القبور
إذا صلى عشرة أذرع من بين يديه وعشرة أذرع من خلفه وعشرة أذرع عن يمينه وعشرة
أذرع عن يساره ثم يصلي إن شاء ".
وعن علي بن يقطين (3) قال: " سألت أبا الحسن الماضي (عليه السلام) عن
الصلاة بين القبور هل تصلح؟ قال لا بأس ".
وما رواه في الفقيه في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه
السلام) (4) أنه سأله عن الصلاة بين القبور هل تصلح؟ قال لا بأس به ".

(1) الآية 32
(2) الوسائل الباب 25 من مكان المصلي
(3) الوسائل الباب 25 من مكان المصلي
(4) الوسائل الباب 25 من مكان المصلي
216

وعن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام)
في حديث المناهي (1) قال: " نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تجصص
المقابر ويصلى فيها، ونهى أن يصلي الرجل في المقابر والطرق... الحديث ".
وفي حديث يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) " أن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) نهى أن يصلى على قبر أو يقعد عليه أو يبنى عليه ".
وما رواه في التهذيب في الصحيح عن محمد بن عبد الله الحميري (3) قال: " كتبت
إلى الفقيه (عليه السلام) أسأله عن الرجل يزور قبور الأئمة (عليهم السلام) هل يجوز
أن يسجد على القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن صلى عند قبورهم (عليهم السلام) أن يقوم وراء
القبر ويجعل القبر قبلة ويقوم عند رأسه ورجليه؟ وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلي
ويجعله خلفه أم لا؟ فأجاب - وقرأت التوقيع ومنه نسخت - أما السجود على القبر فلا
يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة بل يضع خده الأيمن على القبر، وأما الصلاة فإنها خلفه
يجعله الإمام ولا يجوز أن يصلي بين يديه لأن الإمام لا يتقدم ويصلي عن يمينه وشماله "
وما رواه في الفقيه (4) مرسلا قال: " قال النبي (صلى الله عليه وآله) لا تتخذوا
قبري قبلة ولا مسجدا فإن الله عز وجل لعن اليهود لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ".
وما رواه في التهذيب عن معمر بن خلاد في الصحيح عن الرضا (عليه السلام) (5)
قال: " لا بأس بالصلاة بين المقابر ما لم يتخذ القبر قبلة ".
ومنها - صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (6) قال: " قلت له
الصلاة بين القبور؟ قال صل في خلالها ولا تتخذ شيئا منها قبلة فإن رسول الله (صلى الله
عليه وآله) نهى عن ذلك وقال لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجدا فإن الله تعالى لعن الذين
اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ".

(1) الوسائل الباب 25 من مكان المصلي
(2) الوسائل الباب 25 من مكان المصلي
(3) الوسائل الباب 26 من مكان المصلي
(4) الوسائل الباب 26 من مكان المصلي
(5) الوسائل الباب 25 من مكان المصلي
(6) الوسائل الباب 26 من مكان المصلي
217

ورواية أبي اليسع المنقولة في الأمالي (1) قال: " سأل رجل أبا عبد الله (عليه
السلام) وأنا أسمع قال إذا أتيت قبر الحسين (عليه السلام) أجعله قبلة إذا صليت؟ قال تنح
هكذا ناحية " وروي بهذا المضمون خبرا آخر معه.
وما رواه الطبرسي في كتاب الإحتجاج عن الحميري (2) " أنه كتب إلى الإمام القائم (عليه السلام) يسأله أنه هل يجوز لمن صلى عند بعض قبورهم (عليهم السلام)
أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة أم يقوم عند رأسه أو رجليه؟ وهل يجوز أن يتقدم
القبر ويصلي ويجعل القبر خلفه أم لا؟ فأجاب (عليه السلام) أما الصلاة فإنها خلفه
ويجعل القبر أمامه ولا يجوز أن يصلي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن يساره لأن الإمام
لا يتقدم ولا يساوى ".
وروى الصدوق في كتاب عيون الأخبار في الموثق عن الحسن بن علي بن
فضال (3) قال: " رأيت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) وهو يريد أن يودع للخروج
إلى العمرة فأتى القبر من موضع رأس النبي (صلى الله عليه وآله) بعد المغرب فسلم على
النبي (صلى الله عليه وآله) ولزق بالقبر ثم انصرف حتى أتى القبر فقام إلى جانبه يصلي
فألزق منكبه الأيسر بالقبر قريبا من الأسطوانة التي دون الأسطوانة المخلفة التي عند رأس
النبي (صلى الله عليه وآله) فصلى ست ركعات ".
وروى جعفر بن محمد بن قولويه في كتاب كامل الزيارات عن محمد بن البصري عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (4) في حديث زيارة الحسين (ع) قال: " من صلى خلفه صلاة
واحدة يريد بها الله لقي الله تعالى يوم يلقاه وعليه من النور ما يغشي له كل شئ يراه... الحديث "
وعن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل (5) قال:
" أتاه رجل فقال له يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) هل يزار والدك؟ قال نعم

(1) الوسائل الباب 69 من المزار
(2) الوسائل الباب 16 من مكان المصلي
(3) الوسائل الباب 16 من مكان المصلي
(4) الوسائل الباب 16 من مكان المصلي
(5) الوسائل الباب 16 من مكان المصلي
218

ويصلى عنده. وقال يصلى خلفه ولا يتقدم عليه ".
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الكلام في هذه الأخبار يقع في مقامين: (الأول) في
حكم قبر الإمام (عليه السلام) والصلاة عنده إما بالتقدم عليه أو المساواة له بأن يكون
مما يلي رأسه أو رجليه وإما مع التأخر عنه، فهذه مواضع ثلاثة لا بد فيها من تنقيح الكلام
بما يدفع عنها غشاوة الإبهام وتوضيحها من أخبارهم (عليهم السلام):
(الأول) - في حكم التقدم على القبر الشريف، اعلم أن ظاهر المشهور في كلام
أصحابنا (رضوان الله عليهم) هو الجواز على كراهة، وممن صرح بذلك الشهيد في
الدروس فقال: ولو استدبر القبر وصلى جاز وإن كان غير مستحسن إلا مع البعد. وقال
العلامة في المنتهى بعد نقله صحيحة الحميري المتقدمة برواية الشيخ في التهذيب: واعلم أن
المراد بقوله " لا يجوز أن يصلي بين يديه " الكراهة لا التحريم، ويفهم من ذلك كراهة
الاستدبار له في غير الصلاة. انتهى. وظاهره عدم المخالف في الحكم المذكور وإلا
لذكره كما هي عادتهم في الكتب الاستدلالية. وهو الظاهر أيضا من كلام المحقق
الأردبيلي (قدس سره) في شرح الإرشاد حيث قال - بعد البحث عن حكم الصلاة
إلى القبور ونقل صحيحة الحميري في الرد على مذهب الشيخ المفيد (قدس سره) -
ما صورته: فالقول بالكراهة غير بعيد في قبر غير المعصوم إلا أن يجعل القبر خلفه فإنه
يكره حينئذ لما مر. انتهى. وملخصه اختيار كراهية الصلاة إلى سائر القبور غير قبر
المعصوم فإنه يجوز الصلاة إليه من غير كراهة للصحيحة المذكورة إلا أن يجعل قبر المعصوم
خلفه فإنه تحصل الكراهة للرواية المذكورة. وهو الظاهر أيضا من كلام المحدث الكاشاني
في المفاتيح حيث قال: ويكره أن يصلي بين المقابر إلا مع بعد عشر أذرع، إلى أن قال
في سياق الكراهة وأن يستدبر لقبره (عليه السلام) بل التقدم على ضريحه المقدس مطلقا كما
في الصحيح بل لا يبعد تحريمه لظاهر النهي. وهو ظاهر المحقق أيضا في المعتبر كما ستقف
عليه قريبا حيث طعن في الصحيحة المذكورة وردها بأشنع رد.
219

وبالجملة فإني لم أقف على من قال بالتحريم عملا بظاهر الصحيحة المذكورة سوى
شيخنا البهائي (قدس سره) في ما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى في كلامه ثم اقتفاه جمع
ممن تأخر عنه: منهم - شيخنا المجلسي، وهو الأقرب عندي إذ لا معارض للخبر
المذكور بل في الأخبار ما يؤيده مثل حديث هشام بن سالم المتقدم نقله عن كتاب كامل
الزيارات حيث قال فيه: " يصلي خلفه ولا يتقدم عليه " والاستناد إلى الأصل في مقابلة
الخبر المذكور خروج عن مقتضى أصولهم وقواعدهم فإن الخبر صحيح صريح، ومن
قواعدهم الخروج عن ذلك الأصل بالخبر الصحيح الصريح. ولا أعرف لهم مستندا في
رد الخبر وتأويله بالحمل على الكراهة إلا التمسك بالأصل وقد عرفت ما فيه، أو عدم
القول بذلك من المتقدمين كما هو أحد أصولهم. ولا يخفى وهنه كما تقدم ايضاحه
في مقدمات الكتاب. ولو اقتصروا على أقوال المتقدمين لما انتشر بينهم الخلاف في
المسائل الشرعية والأحكام الفرعية إلى ما هو عليه الآن كما لا يخفى على الفطن البصير
ولا ينبئك مثل خبير.
(الموضع الثاني) - في حكم المحاذاة، قد عرفت من كلام الأصحاب (رضوان
الله عليهم) في الموضع الأول القول بجواز التقدم فالمحاذاة بطريق أولى، وقد تقدمت
صحيحة الحميري الصريحة في جواز المحاذاة.
ويدل على ذلك جملة من الأخبار الدالة على استحباب الصلاة عند الرأس، ففي
خبر جعفر بن ناجية عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " صل عند رأس قبر
الحسين عليه السلام " وفي رواية أبي حمزة الثمالي عن الصادق (عليه السلام) (2) " ثم
تدور من خلفه إلى عند رأس الحسين (عليه السلام) وصل عند رأسه ركعتين تقرأ في
الأولى... إلى أن قال وإن شئت صليت خلف القبر وعند رأسه أفضل " وفي رواية صفوان

(1) الوسائل الباب 69 من المزار
(2) البحار ج 22 ص 154
220

عن الصادق (عليه السلام) (1) " ثم قم فصل ركعتين عند الرأس " وفي رواية أخرى
لصفوان عن الصادق (عليه السلام) (2) " ثم صل عند الرأس ركعتين " إلى غير
ذلك من الأخبار.
وبذلك صرح أيضا جملة من علمائنا الأعلام أعلى الله درجاتهم في دار السلام:
منهم - الصدوق في الفقيه (3) حيث قال في زيارة الإمامين الكاظمين (عليهما السلام):
ثم صل في القبة التي فيها محمد بن علي (عليهما السلام) أربع ركعات بتسليمتين عند
رأسه: ركعتين لزيارة موسى (عليه السلام) وركعتين لزيارة محمد بن علي (عليه السلام).
وقال في زيارة الرضا (عليه السلام) نحوه (4) وقال شيخنا الشهيد في الدروس في تعداد
آداب الزيارة: وسادسها صلاة ركعتين للزيارة عند الفراغ وإن كان زائرا للنبي (صلى الله
عليه وآله) ففي الروضة وإن كان لأحد الأئمة (عليهم السلام) فعند رأسه. ونحوه في
الذكرى. وبه صرح أيضا الشيخ المفيد (قدس سره) حيث حرم الصلاة خلف القبر
كما تقدم في عبارته، ثم قال: ويصلي الزائر مما يلي رأس الإمام (عليه السلام) فهو
أفضل من أن يصلي إلى القبر من غير حائل بينه وبينه على حال. وقال أيضا في زيارة
الحسين (عليه السلام): وصل عند الرأس ركعتين للزيارة وصل بعدهما ما بدا لك. وقال
في زيارة الرضا (عليه السلام) مثله.
وأنت خبير بأن المتبادر من كونها عند الرأس هو القيام بحذاء الرأس كما وقع
نظيره في الأخبار من استحباب الجلوس عند الرأس والدعاء عنده أو يقف عند الرأس
ويقول كذا وكذا، فإن المتبادر من هذه العندية في جميع هذه المواضع هو المحاذاة للرأس
من غير تقدم ولا تأخر. ولو زعم زاعم - أن العندية أعم من المساواة أو التقدم قليلا
والتأخر قليلا - قلنا مع تسليمه يكفينا في الدلالة على ما ندعيه العموم مع ظهور كونه

(1) البحار ج 22 ص 159
(2) البحار ج 22 ص 179
(3) ج 2 ص 363
(4) ج 2 ص 367
221

أظهر أفراد العام.
وبالجملة فإن جل الأخبار وجملة كلام الأصحاب متفق على جواز ذلك إلى أن
نشأ في أيامنا هذه بعض من لم يعض على العلم بضرس قاطع ولم يعط التأمل حقه في أمثال
هذه المواضع ويرتاع بأدنى شبهة تعرض لباله ويضعف عن ردها بفكره وخياله، فحكم
بتحريم الصلاة مع محاذاة قبر المعصوم (عليه السلام) حيث رأى حديث الاحتجاج المتقدم
والجواب عنه (أولا) المعارضة بما هو أوضح سندا وأكثر عددا من الأخبار
الدالة على استحباب الصلاة عند الرأس دون الخلف الذي اشتملت عليه هذه الرواية إذ
المتبادر من الخلفية هو جعل القبر قبلة للمصلي فتكون هذه الرواية منافية للروايات المتقدمة
مع تسليم ما ادعاه الخصم أيضا من الشمول للتقدم والتأخر قليلا، وكذلك الروايات
المتقدمة المانعة من الصلاة خلف القبر، والترجيح لجملة هذه الروايات لما هي عليه من
الكثرة والاستفاضة والاعتضاد بعمل الطائفة قديما وحديثا كما عرفت وستعرف.
و (ثانيا) أنها معارضة بخصوص صحيحة الحميري المذكورة المنقولة في التهذيب
وموثقة الحسن بن علي بن فضال المنقولة من عيون الأخبار المشتملة على أن الرضا
(عليه السلام) قام إلى جانب قبر جده (صلى الله عليه وآله) ولزق منكبه الأيسر
بالقبر يعني عند رأسه (صلى الله عليه وآله) وهي ظاهرة في المساواة، وصحيحة الحميري
كما عرفت صريحة في ذلك.
وبذلك صرح شيخنا البهائي (قدس سره) في كتاب الحبل المتين حيث قال
بعد نقل خبر الحميري المذكور بتمامه: هذا الخبر يدل على عدم جواز وضع الجبهة على قبر
الإمام، إلى أن قال وعدم جواز التقدم على الضريح المقدس حال الصلاة لأن قوله
(عليه السلام) " يجعله الإمام " صريح في جعل القبر بمنزلة الإمام في الصلاة فكما أنه
لا يجوز للمأموم أن يتقدم على الإمام بأن يكون موقفه أقرب إلى القبلة من موقف الإمام
بل يجب أن يتأخر عنه أو يساويه في الموقف يمينا أو شمالا فكذا هنا، وهذا هو المراد
222

هنا بقوله (عليه السلام) " ولا يجوز أن يصلي بين يديه لأن الإمام لا يتقدم ويصلي
عن يمينه وشماله " والحاصل أن المستفاد من هذا الحديث أن كل ما ثبت للمأموم من
وجوب التأخر عن الإمام أو المساواة أو تحريم التقدم عليه ثابت للمصلي بالنسبة إلى
الضريح المقدس من غير فرق فينبغي لمن يصلي عند رأس الإمام (عليه السلام) أو عند
رجليه أن يلاحظ ذلك. وقد نبهت على ذلك جماعة من إخواني المؤمنين في المشهد
الرضوي على مشرفه السلام فإنهم كانوا يصلون في الصفة التي عند رأسه (عليه السلام)
صفين فبينت لهم أن الصف الأول أقرب إلى القبلة من الضريح المقدس على صاحبه السلام،
وهذا مما ينبغي ملاحظته للمصلي في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) وكذا في سائر
المشاهد المقدسة على ساكنيها أفضل التسليمات. انتهى كلامه (أعلى الله في الخلد مقامه)
وهو ظاهر الجودة والرشاقة لمن رغب لتحقيق الحق واشتاقه ولم تأخذه في التعصب على
الباطل حمية الجاهلية والحماقة.
وما ذكره بعض المتحذلقين ممن حكينا عنهم الخلاف في هذه المسألة - من احتمال
عطف " ويصلي " في الخبر المذكور على قوله " ولا يجوز أن يصلي " أو قوله " لا
يتقدم " - فهو تعسف ظاهر عند ذوي الأفهام بل هو مما ينزه عنه كلام الإمام الذي
هو إمام الكلام، إذ لا يخفى على من مضغ ثلج البلاغة والفصاحة ومن سرح بريد
نظره في تلك الساحة أن المتبادر من قول القائل " ما جاء زيد وجاءني عمر " هو نفي
المجئ عن زيد مع اثباته لعمرو لا نفيه عنه، ومتى أريد نفيه عنه أعيد حرف النفي فقيل
" ما جاءني زيد ولا عمرو " حسبما وقع في الخبر الذي استندوا إليه.
وكيف كان فلا ريب في ترجيح خبر التهذيب بصحة السند أولا، وثانيا أنه
لا خلاف بين المحققين في ترجيح أخبار الكتب الأربعة المشهورة على غيرها بل المشهور
عندهم عدم العمل بغير أخبار الكتب الأربعة لشهرتها ومعلوميتها ونحو ذلك مما ذكروه
وإن كنا لا نعتمده، إلا أنه في مقام التعارض بين ما فيها وفي غيرها فالترجيح لما فيها
223

البتة ولا سيما مع صحة السند وضعف المعارض، فيتعين العمل بالرواية المذكورة وارجاء
الرواية المقابلة إلى قائلها. ومع غض الطرف عن جميع ذلك فلنا أن نقول إن هذين
الخبرين قد تعارضا فتساقطا فرجعنا إلى قضية الأصل. ولا ريب أن الأصل صحة الصلاة
حتى يقوم دليل الابطال وليس فليس. والعجب من هؤلاء المتحذلقين أنهم في جميع
الأحكام متى تعارضت الأخبار جمعوا بينها بالكراهة والاستحباب كما هي القاعدة
المطردة عند الأصحاب فكيف غفلوا عن ذلك في هذا المقام؟
(الموضع الثالث) - في حكم التأخر خلف القبر، والمشهور بين الأصحاب
الجواز على كراهة قبر إمام كان أو غيره، وقد تقدم نقل القول بالتحريم عن الصدوق
والمفيد وأبي الصلاح، وهو ظاهر المحقق في المعتبر أيضا حيث إنه - بعد أن نقل موثقة عمار
ورواية معمر بن خلاد الدالتين على النهي عن الصلاة خلف القبر مطلقا، ثم نقل كلام
المفيد المتقدم وقوله فيه " وقد روي أنه لا بأس... الخ " - قال ولا ريب أن اطراحه هذه
الرواية لضعفها وشذوذها واضطراب لفظها. انتهى. وهو - كما ترى - ظاهر في موافقة
الشيخ المفيد في ما ذهب إليه من التحريم خلف القبور مطلقا للروايتين المذكورتين في
كلامه وتصويب الشيخ المفيد (قدس سره) في رد صحيحة الحميري الدالة على الأمر
بالصلاة خلف الإمام (عليه السلام).
ومنشأ هذا الاختلاف هو ما عرفت من الأخبار في المقام، فمما يدل على القول
بالتحريم ما لم يحصل الفاصل أو البعد المذكور في موثقة عمار صحيحة معمر بن خلاد
وموثقة عمار ورواية أبي اليسع وصحيحة زرارة ومرسلة الفقيه المتقدم جميع ذلك إلا أن
بإزائها ما يدل على الجواز كصحيحة علي بن يقطين وصحيحة علي بن جعفر وصحيحة
الحميري ورواية الاحتجاج وغيرها مما تقدم جميعه.
والأصحاب قد جمعوا بين الجميع بحمل أخبار النهي على الكراهة حيث إن
الأفضل - كما تقدم ذكره - هو الصلاة عند الرأس، ويشير إلى ذلك قوله (عليه السلام)
224

في رواية الثمالي المتقدمة في الموضع الثاني: " وإن شئت صليت خلفه وعند رأسه أفضل "
نعم اجراء هذا الحمل في صحيحة زرارة ومرسلة الفقيه لا يخلو من بعد، ولهذا احتمل
بعض مشايخنا في معناهما أن المراد أنه لا يجوز أن يجعل قبره (صلى الله عليه وآله) قبلة
يعني مثل الكعبة يصلي إليها من كل جهة ولا مسجدا يعني السجود على القبر. والظاهر
عندي بعده ولا سيما في الصحيحة المذكورة لأن هذا الكلام وقع تعليلا للنهي عن اتخاذ
شئ من القبور قبلة وإنما يصلي خلالها يعني من غير أن يجعل شيئا منها قبلة، ومن الظاهر
البين أن المراد من هذا الكلام إنما هو النهي عن الصلاة خلفها لا استقبالها من جميع
الجهات فلو حمل الكلام الذي وقع تعليلا على ما ذكروه لم يصلح للتعليل مع أنه مسوق له
نعم يمكن حمل الخبرين المذكورين على التقية لأن العامة قد رووا نحوه عنه (صلى الله
عليه وآله) (1) كما نقله العلامة في المنتهى، مع إمكان حمل الخبرين على التخصيص به (صلى
الله عليه وآله) دون سائر قبور الأئمة المعصومين (عليهم السلام) كما يؤذن به التعليل
الذي في الخبر من التشبه باليهود.
وبالجملة فالظاهر عندي هو جواز الصلاة خلف قبورهم (عليهم السلام) وإن
كان على كراهية، قال السيد السند في المدارك - بعد أن نقل كلام الشيخ المفيد (قدس
سره) وبين أن أشار بالرواية إلى صحيحة الحميري المتقدمة - ما صورته: ولا بأس بالعمل
بهذه الرواية لصحتها ومطابقتها لمقتضى الأصل والعمومات. وذكر المصنف في المعتبر
أنها ضعيفة شاذة. وهو غير واضح. انتهى.
(المقام الثاني) - في حكم سائر القبور، والمشهور بين الأصحاب - كما عرفت -
الحكم بالجواز على كراهة، وتقدم أيضا مذهب المشايخ القائلين بالتحريم. وأما الأخبار
المتعلقة بذلك فقد عرفت دلالة صحيحة زرارة على جواز الصلاة خلال القبور والمنع من
اتخاذها قبلة ومثلها صحيحة معمر بن خلاد، والأصحاب قد حملوهما على الكراهة جمعا

(1) صحيح مسلم ج 5 ص 12
225

بينهما وبين صحيحتي علي بن يقطن وعلي بن جعفر الدالتين على جواز الصلاة بين القبور.
ولقائل أن يقول من جانب القول بالتحريم إن صحيحتي علي بن يقطين وعلي بن
جعفر إنما دلتا على جواز الصلاة بين القبور وهو أعم من التوجه إليها وعدمه فغايتهما
الدلالة على ذلك بالاطلاق، والصحيحتان المعارضتان قد فصلتا بالفرق بين الصلاة خلالها
فإنه جائز والصلاة إليها فإنه محرم، وقضية القاعدة المقررة حمل المجمل على المفصل والمطلق
على المقيد. نعم قد ورد جواز الصلاة خلف القبر صريحا بالنسبة إلى قبور الأئمة
(عليهم السلام) كما تقدم، فيجب تخصيص الصحيحتين المانعتين من الصلاة خلف
القبور بها وإن لم يقل به الشيخان المذكوران ومن تبعهما، ويبقى ما عدا قبور الأئمة
(عليهم السلام) تحت النهي المقتضي للتحريم من غير معارض ظاهر في المعارضة.
وبالجملة فالظاهر عندي من ضم الأخبار بعضها إلى بعض في هذه المسألة هو أنه
تجوز الصلاة إلى قبور الأئمة على كراهة وأما غير الأئمة فالظاهر التحريم. وأما موثقة
عمار المتقدمة فقد عرفت أن الأصحاب يحملونها على الكراهة جمعا بينها وبين صحيحتي
علي بن يقطين وعلي بن جعفر، ويأتي على ما اخترناه من تخصيص الصحيحتين المذكورتين
بالصلاة خلال القبور من غير استقبال شئ منها ثبوت الكراهة في الصورة المذكورة
دون صورة الاستقبال فهو باق على ظاهر النهي والتحريم المفهوم من قوله في الخبر
" لا يجوز " وحينئذ فقوله " لا يجوز " محمول على ظاهره بالنسبة إلى صورة الاستقبال
وعلى الكراهة بالنسبة إلى ما عدا ذلك. وما يقال - من لزوم استعمال اللفظ الواحد
في حقيقته ومجازه وهو ممنوع عند الأصوليين - مدفوع بما قدمنا في غير موضع من
وجود ذلك في الأخبار في مواضع لا تحصى، وقد صرح بجواز ذلك أيضا الشهيد في
الذكرى في مسألة الصلاة في السنجاب والحواصل. هذا، وجملة من الأخبار المتقدمة أيضا
مجملة في النهي عن الصلاة في المقابر وفي بعضها على القبر.
وبالجملة فإنا لم نجد في الأخبار معارضا صريحا لصحيحة زرارة ومعمر بن خلاد
226

الدالتين على النهي عن اتخاذ القبور قبلة إلا الأخبار الدالة على الصلاة خلف قبور الأئمة
(عليهم السلام) وقد عرفت أن الشيخين المتقدمين ومن تبعهما قد أطلقا الحكم
بالتحريم إلا أن مقتضى التأمل في الأخبار تخصيص التحريم بغير قبور الأئمة (عليهم
السلام) كما شرحناه وأوضحناه. والوجه في استثناء قبورهم (عليهم السلام) مزيد
الشرف لها على غيرها. والاحتياط لا يخفى.
فروع
(الأول) الحق جمع من الأصحاب بالقبور القبر والقبرين، قال في البحار
ومستنده غير واضح. أقول: إن كان هذا الالحاق بالنسبة إلى الصلاة خلف القبر فإنه
صحيح لأن الحكم معلق باستقبال القبر ولا يشترط فيه التعدد، وإن كان بالنسبة إلى
الصلاة على القبر فكذلك، وإن كان بالنسبة إلى البينية فما ذكره (قدس سره) من
عدم وضوح المستند جيد لأن مورد الأخبار القبور.
(الثاني) - قد عرفت في ما تقدم من كلام المفيد (قدس سره) بعد حكمه
بالتحريم أنه حكم بزواله بالحائل ولو قدر لبنة أو عنزة منصوبة أو ثوب موضوع، وكذلك
حكم الأصحاب بزوال الكراهة بذلك. وهو مشكل حيث إنا لم نقف على مستنده،
والذي ورد في موثقة عمار زوال ذلك ببعد عشرة أذرع من الجوانب الأربعة إذا كانت
الصلاة بين القبور. واكتفى الشيخ بكون القبر خلف المصلى عن البعد، قال في الروض:
وهو متجه مع عدم صدق الصلاة بين المقابر كما لو جعل المقبرة خلفه وإلا فقد تقدم
اعتبار تأخر القبر عنه من خلفه عشرة أذرع. انتهى. وهو جيد. نعلم لو كان الحائل
جدارا ونحوه مما يخفى به القبر فلا اشكال في جواز الصلاة من غير تحريم ولا كراهة لأن
القبر يخرج عن كونه قبلة ولأنه يلزم الكراهة ولو كان بينهما جدران متعددة.
(الثالث) - قال في المنتهى: لو بنى مسجدا في المقبرة لم تزل الكراهة
227

لأنها لا تخرج عن الاسم. انتهى. والظاهر أن مراده أن اتخاذ المسجد في المقبرة
لا يرفع كراهة الصلاة فيها من حيث المسجدية، إلا أن ظاهر هذا الكلام يعطي جواز
بناء المسجد في المقبرة، وهو مشكل لما رواه في الفقيه عن سماعة بن مهران (1) قال:
" وسأله سماعة بن مهران عن زيارة القبور وبناء المساجد فيها؟ فقال أما زيارة القبور فلا
بأس بها ولا يبنى عندها مساجد " ويؤيده أن الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في أن الأراضي المحبوسة على المنافع العامة كالشوارع والمشارع والطرق والمقابر والأسواق
ونحوها لا يجوز التصرف فيها على وجه يمنع الانتفاع بها في ما هي معدة له.
(الرابع) - قال في الروض: وكما تكره الصلاة إلى القبر تكره عليه من غير
تحريم إلا أن يعلم نجاسة ترابه باختلاطه بصديد الموتى لتكرر النبش ويوجب التعدي إليه
أو سجوده عليه، وقال ابن بابويه يحرم. أقول: ويدل على النهي عن الصلاة على القبر
عموم النهي عن الصلاة في المقابر وخصوص رواية ابن ظبيان المتقدمة.
ومنها - النار وقيدها بعضهم بالمضرمة وظاهر الأخبار العموم وعليه العمل،
والظاهر أنه لا خلاف بينهم في النهي عن الصلاة إليها.
ويدل عليه ما رواه الصدوق والشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه
موسى (عليه السلام) (2) قال: " سألته عن الرجل يصلي والسراج موضوع بين يديه في
القبلة؟ قال لا يصلح له أن يستقبل النار ".
وفي الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " لا يصلي
الرجل وفي قبلته نار أو حديد. قلت أله أن يصلي وبين يديه مجمرة شبه؟ قال نعم، فإن
كان فيها نار فلا يصلي حتى ينحيها عن قبلته. وعن الرجل يصلي وفي قبلته قنديل معلق
وفيه نار إلا أنه بحياله. قال إذا ارتفع كان شرا لا يصلي بحياله ".
والمشهور أن النهي في هذين الخبرين محمول على الكراهة، ونقل عن أبي الصلاح

(1) الوسائل الباب 65 من الدفن
(2) الوسائل الباب 30 من مكان المصلي
(3) الوسائل الباب 30 من مكان المصلي
228

أنه لا يجوز أخذا بظاهر النهي في الخبرين المذكورين.
ويدل على الجواز ما رواه الشيخ والصدوق عن عمرو بن إبراهيم الهمداني رفع
الحديث (1) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) لا بأس أن يصلي الرجل والنار والسراج
والصورة بين يديه، إن الذي يصلي له أقرب إليه من الذي بين يديه " ونسبه في التهذيبين
إلى الشذوذ والرخصة.
وقال في الفقيه بعد نقل صحيحة علي بن جعفر المذكورة: هذا هو الأصل الذي
يجب أن يعمل به فأما الحديث الذي روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) - أنه قال:
" لا بأس أن يصلي الرجل والنار والسراج والصورة بين يديه لأن الذي يصلي له أقرب
إليه من الذي بين يديه " - فهو حديث يروي عن ثلاثة من المجهولين باسناد منقطع يرويه
الحسن بن علي الكوفي - وهو معروف - عن الحسين بن عمرو عن أبيه عن عمرو بن
إبراهيم الهمداني - وهم مجهولون - يرفع الحديث قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام)
ذلك " ولكنها رخصة اقترنت بها علة صدرت عن ثقات ثم اتصلت بالمجهولين والانقطاع
فمن أخذ بها لم يكن مخطئا بعد أن يعلم أن الأصل هو النهي وأن الاطلاق هو رخصة
والرخصة رحمة. انتهى.
أقول: صورة سند الخبر المذكور في كتاب العلل " عن أبيه ومحمد بن الحسن
عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد الأشعري عن الحسن بن علي عن الحسين
بن عمرو... إلى آخر ما ذكره " وما ذكره (قدس سره) من حمل هذا الخبر على الرخصة
يحتمل أن يكون مراده الجواز وإن كان مكروها فيكون النهي في الخبر الأول محمولا على
الكراهة كما هو المشهور فلا منافاة، ويحتمل أن يكون مراده بخبر النهي التحريم وخبر
الرخصة من حيث الضرورة مثل أن يجاء بالنار في قبلته وهو يصلي وهو لا يتمكن من
الانحراف عنها ولا قطع الصلاة فيتم صلاته. ولعل الأول أقرب وإن كان الثاني بلفظ

(1) الوسائل الباب 30 من مكان المصلي
229

الرخصة أنسب. ثم إن ما ذكره من قوله: " صدرت عن ثقات " موافق لما ذكره شيخ
الطائفة في العدة الأصولية من أن أحاديث أصحابنا مأخوذة من أصول جمعها الثقات من
قدمائنا وقد وقع اجماع الطائفة وفيهم الأئمة (عليهم السلام) على صحة تلك الأصول
فلا يضر كون بعض رواتها ضعيفا أو مجهولا. انتهى وبذلك اعترف في هذا الخبر في
المدارك فقال بعد نقل كلام الصدوق: وربما كان في هذا الكلام شهادة منه بصحة
الرواية. أقول: بل فيه اشعار بالشهادة بصحة جميع الروايات لأن جميع أصحاب الأصول
معروفون عنده معلومون وإن حصل في الطريق إليهم من يرمى بالضعف والمجهولية ونحوهما
والمراد بالثقات هنا هو الحسن بن علي الكوفي ومن تقدمه في سند العلل المتقدم
ويحتمل أن يكون المصنف نقل الخبر الذي في الفقيه من كتاب الحسن بن علي الكوفي
أو من كتاب محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري كما نقله في التهذيب فيكون الثقات هم
الرواة لتلك الأصول والسلسلة بين المصنف وبين أصحاب الأصول. ويظهر من الصدوق
توثيق الحسن بن علي الكوفي وهو الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة الكوفي فإن معنى
قوله " معروف " يعني بالوثاقة ولهذا وجه القدح إلى من بعده، وفيه رد على شيخنا
الشهيد الثاني (قدس سره) حيث رد حديث الحسن بن علي الكوفي ورماه بالضعف
في غير موضع من المسالك. وأما وصف من روى عنهم الحسن بن علي بكونهم مجهولين
يعني عند المصنف وعندنا حيث لم نقف على أحوالهم في ما وصل إلينا من كتب الأخبار
ولا يستلزم ذلك كونهم مجهولين عند أصحاب الأصول الذين أخذوا عنهم.
أقول: والذي يختلج في بالي ويتردد في فكري وخيالي في معنى الخبر الذي
حملوه على الرخصة أن المراد منه معنى آخر غير ما ذكره ولعله الأقرب، وهو أنه لا يخفى
أن الكراهة وعدمها في هذا المقام تتفاوت باعتبار أحوال المصلين وإقبالهم على الله سبحانه
في صلاتهم وعدمه فمن كان وجه قلبه متوجها إلى الله عز وجل لا إلى غيره وفكره
مستغرقا في مراقبته في قيامه وقعوده وركوعه وسجوده فلا يضره ما يكون بين يديه من
230

هذه الأشياء ولا يشغله عن ملاحظته، ومن لم يكن كذلك فهو المراد بأخبار النهي لأن
هذه الأشياء تكون موجبة لشغل قلبه وتشويش فكره، ومما يؤيد ذلك ما رواه في كتاب
التوحيد عن ابن أبي عمير (1) قال: " رأى سفيان الثوري أبا الحسن (عليه السلام) وهو
غلام يصلي والناس يمرون بين يديه فقال له إن الناس يمرون بين يديك وهم في الطواف؟
فقال (عليه السلام) الذي أصلي له أقرب من هؤلاء " وبمضمونه أخبار أخر ستأتي
إن شاء الله تعالى.
إذا عرفت هذا فاعلم أنه قد روى الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن جعفر
الأسدي (2) قال: " كان في ما ورد علي من محمد بن عثمان العمري عن القائم (عليه السلام):
وأما ما سألت عنه من أمر المصلي والنار والصورة والسراج بين يديه هل تجوز صلاته فإن
الناس قد اختلفوا في ذلك قبلك؟ فإنه جائز لمن لم يكن من أولاد عبدة الأوثان والنيران
يصلي والنار والصورة والسراج بين يديه ولا يجوز ذلك لمن كان من أولاد عبدة الأوثان
والنيران " ورواه الصدوق في كتاب كمال الدين مسندا عن محمد بن جعفر الأسدي. ويمكن حمل
التفصيل في هذا الخبر على أن الكراهة بالنسبة إلى أولاد عبدة النيران والأوثان أشد واحتمال
إرادة التحريم ليس بذلك البعيد أيضا إلا أن الظاهر أن الأول أقرب. والله العالم.
ومنها - صلاة الفريضة في جوف الكعبة على المشهور وقد تقدم تحقيق الكلام
في ذلك في صدر المقدمة الرابعة في القبلة.
ومنها - بيوت المجوس وعللوا ذلك بعدم انفكاكها عن النجاسة، ولا يخفى أن
هذه العلة جارية في غيرهم من اليهود والنصارى ونحوهم مع أنهم لا يقولون بذلك بل العلة
الحقيقية إنما هو النص وهو ما رواه أبو بصير (3) قال: " سأل أبا عبد الله (عليه
السلام) عن الصلاة في بيوت المجوس فقال رش وصل " وما رواه عبد الله بن سنان في

(1) الوسائل الباب 11 من مكان المصلي
(2) الوسائل الباب 30 من مكان المصلي
(3) الوسائل الباب 14 من مكان المصلي
231

الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " سألته عن الصلاة في البيع
والكنائس وبيوت المجوس فقال رش وصل " وقد قطع الأصحاب بزوال الكراهة
بالرش كما دل عليه الخبران.
وقد صرحوا بالكراهة أيضا في بيت فيه مجوسي وتجوز بلا كراهة إذا كان
الذي فيه نصرانيا أو يهوديا، ويدل عليه ما رواه في الكافي عن أبي أسامة عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " لا يصلى في بيت فيه مجوسي ولا بأس أن يصلي
وفيه يهودي أو نصراني " وظاهر الخبرين الأولين كراهة الصلاة في بيته وإن لم يكن
فيه حتى يرشه وظاهر الثالث كراهة الصلاة في البيت الذي فيه المجوسي وإن لم يكن
بيته بل من حيث مجرد حضوره فيه ولهذا لم يذكر الرش هنا لتغاير العلتين في الخبرين
والخبر الثالث قد رواه الشيخ عن أبي جميلة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) مثل
خبر أبي أسامة.
وظاهرهم الجواز من غير كراهة في البيع والكنائس، ونقل عن ابن إدريس
وسلار وابن البراج أنهم كرهوا الصلاة في البيع والكنائس محتجين بعدم انفكاكها
من النجاسة، قال في المدارك وهو ضعيف.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بذلك ما رواه الشيخ في الصحيح
عن العيص بن القاسم (4) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن البيع والكنائس
يصلي فيها؟ قال نعم. قال وسألته هل يصلح نقضها مسجدا؟ فقال نعم ".
وعن عبد الله بن سنان (5) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة
في البيع والكنائس فقال رش وصل. قال وسألته عن بيوت المجوس فقال رشها وصل "
وصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة أيضا.

(1) الوسائل الباب 13 من مكان المصلي. والأولى رواية الشيخ والثالثة للكليني
(2) الوسائل الباب 16 من مكان المصلي
(3) الوسائل الباب 16 من مكان المصلي
(4) الوسائل الباب 13 من مكان المصلي. والأولى رواية الشيخ والثالثة للكليني
(5) الوسائل الباب 13 من مكان المصلي. والأولى رواية الشيخ والثالثة للكليني
232

وما رواه في الكافي عن الحكم بن الحكم (1) قال: " سمعت أبا عبد الله
(عليه السلام) يقول وسئل عن الصلاة في البيع والكنائس فقال: صل فيها قد رأيتها
ما أنظفها. قلت أيصلى فيها وإن كانوا يصلون فيها؟ قال نعم أما تقرأ القرآن: قل كل
يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا (2) صلى إلى القبلة وغربهم ".
وعن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) في
حديث قال: " سألته عن الصلاة في البيعة فقال إذا استقبلت القبلة فلا بأس به ".
وروى في كتاب قرب الإسناد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي
(عليهم السلام) (4) قال: لا بأس بالصلاة في البيعة والكنيسة الفريضة والتطوع
والمسجد أفضل ".
أقول: لا يخفى أن هذه الروايات الواردة في المقام ما بين مطلق للجواز وما بين
مقيد بالرش وقضية حمل المطلق على المقيد الكراهة حتى يحصل الرش الذي به تزول
الكراهة. وبذلك يظهر قوة ما ذهب إليه ابن إدريس وسلار وابن البراج فلا معنى لفرقهم
في هذا المقام بين بيوت المجوس التي اتفقوا فيها على الكراهة وبين البيع والكنائس التي
حكموا فيها بعدم الكراهة، فإن الرش إن كان لدفع الكراهة ففي الموضعين وإن كان
لا لذلك ولا يستلزم الكراهة ففي الموضعين أيضا، فاثباتها في أحدهما دون الآخر مع
اشتراك الدليل لا أعرف له وجها.
أقول: ومن الأخبار المتعلقة بهذا المقام ما رواه الحميري في كتاب قرب الإسناد
عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) (5) قال: " سألته عن بواري اليهود
والنصارى التي يقعدون عليها في بيوتهم أيصلى عليها؟ قال لا " أقول: حيث كان مقتضى

(1) الوسائل الباب 13 من مكان المصلي والرواية في التهذيب دون الكافي.
(2) سورة بني إسرائيل. الآية 86
(3) الوسائل الباب 13 من مكان المصلي
(4) الوسائل الباب 13 من مكان المصلي
(5) ص 86 ورواه الشيخ في التهذيب ح 1 ص 242 راجع الوسائل الباب 73 من النجاسات
233

الأصل الطهارة فالخبر أما محمول على علم النجاسة فيكون النهي للتحريم أو لا فيكون النهي
محمولا على الكراهة.
وما رواه في الكافي عن عامر بن نعيم (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن هذه المنازل التي ينزلها الناس فيها أبوال الدواب والسرجين ويدخلها اليهود
والنصارى كيف نصلي فيها؟ قال صل على ثوبك ".
أقول: يستفاد من هذين الخبرين كراهة الصلاة في بيوت اليهود والنصارى
ومقاعدهم وإن لم يذكره الأصحاب.
من أنه هل يشترط إذن أهل الذمة في ذلك أم لا؟ مقتضى اطلاق النص وكلام
الأصحاب هو الثاني، واحتمل الشهيد في الذكرى الأول تبعا لغرض الواقف وعملا
بالقرينة. والظاهر ضعفه لاطلاق الأخبار المذكورة وما دل عليه بعضها من جواز نقضها
مسجدا، قال بعض مشايخنا (عطر الله مراقدهم) بل لو علم اشتراطهم عند الوقف عدم
صلاة المسلمين فيها كان شرطهم فاسدا باطلا وكذا الكلام في مساجد المخالفين وصلاة
الشيعة فيها. انتهى.
ومنها - بيوت الخمور وبيوت النيران، أقول: أما بيوت الخمور فيدل عليه قول
أبي عبد الله (عليه السلام) في موثقة عمار (2) " لا تصل في بيت فيه خمر أو مسكر "
وقال في المقنع: لا يجوز الصلاة في بيت فيه خمر محصور في آنية، قال وروي أنه يجوز.
أقول: هذه العبارة مأخوذة من عبارة كتاب الفقه الرضوي (3) حيث قال (عليه السلام)
فيه " لا تصل في بيت فيه خمر محصور في آنية " وبنحو هذه العبارة عبر في من لا يحضره
الفقيه أيضا، قال في المدارك: ومنع الصدوق في من لا يحضره الفقيه من الصلاة في بيت
فيه خمر محروز في آنية مع أنه حكم بطهارة الخمر واستبعده المتأخرون لذلك ولا بعد فيه

(1) الوسائل الباب 22 من مكان المصلي
(2) الوسائل الباب 21 من مكان المصلي
(3) البحار ج 18 الصلاة ص 113
234

بعد ورود النص به. انتهى. أقول: فيه أن استبعاد المتأخرين ذلك يرجع إلى الجمع بين
هذين الحكمين وهو قوله بالكراهة هنا مع قوله بطهارة الخمر، وهو في محله وذلك فإنه
متى كانت الخمر طاهرة فسبيلها سبيل الأشياء الطاهرة في البيت فلا مناسبة للمنع من
الصلاة والحال هذه وهذا المنع إنما يلائم القول بالنجاسة، فكلامهم في الحقيقة يرجع إلى
الاعتراض عليه في ذهابه إلى طهارة الخمر إذ لو كان طاهرا كما يدعيه لما حكم عليه بالكراهة
هنا إذ لا يعقل للحكم بالكراهة هنا مناسبة على هذا التقدير.
وأما بيوت النيران - والمراد بها ما أعدت لاضرام النار فيها كالفرن والأتون
وإن لم تكن موضع عبادتها - فقد ذكرها الأصحاب (رضوان الله عليهم) ولم أقف بعد
الفحص على خبر يدل على كراهة الصلاة فيها كما اشتهر في كلامهم، والعلامة في جملة
من كتبه إنما علل كراهة الصلاة فيها بكون الصلاة فيها تشبها بعبادتها. قال في المدارك:
وهو ضعيف جدا والأصح اختصاص الكراهة بمواضع عبادة النيران لأنها ليست موضع
رحمة فلا تصلح لعبادة الله تعالى.
أقول: لا يخفى أنه متى كانت المسألة عارية من النص وإنما يراد التعليل بهذه
المناسبات الاعتبارية فلا معنى لهذه الأصحية التي ادعاها ولا وجه لتضعيفه كلام العلامة
فإنه إذا كفى في ثبوت الكراهة الأمور الاعتبارية المناسبة لتعظيم الصلاة فما ذكره العلامة
متجه وإن كان ما ذكره أوجه. نعم ذكر محمد بن علي بن إبراهيم في كتاب العلل المتقدم
ذكره (1) في جملة ما عده من الأماكن التي تكره الصلاة فيها قال: ولا بيت فيه صلبان،
إلى أن قال في بيان العلة: والعلة في بيت فيه صلبان أنها شركاء يعبدون من دون الله
تعالى فينزه الله تبارك وتعالى أن يعبد في بيت فيه ما يعبد من دون الله تعالى. انتهى.
وفيه نوع ملائمة لما ذكروه في هذه المسألة إلا أن اثبات الحكم بمجرد ذلك لا يخلو
من الاشكال.

(1) البحار ج 18 الصلاة ص 122
235

ومنها - الغائط في قبلته أو حائط ينز من بالوعة. أما الأول فيدل عليه ما رواه في
الكافي والتهذيب عن الفضيل بن يسار (1) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أقوم في
الصلاة فأرى قدامي في القبلة العذرة؟ قال تنح عنها ما استطعت... الحديث " وأما الثاني
فيدل عليه ما رواه في الكافي عن البزنطي (2) " عن من سأل أبا عبد الله (عليه السلام)
عن المسجد ينز حائط قبلته من بالوعة يبال فيها؟ فقال إن كان نزه من البالوعة فلا تصل
فيه وإن كان نزه من غير ذلك فلا بأس " والتقريب فيها أنه وإن كان موردها البول
إلا أنه متى ثبت ذلك في البول ففي الغائط بطريق أولى. وروى في الفقيه عن محمد بن
أبي حمزة عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) (3) قال: " إذا ظهر النز من خلف
الكنيف وهو في القبلة ستره بشئ " ونقل في البحار (4) عن كتاب الحسين بن عثمان
قال: " روي عن أبي الحسن (عليه السلام) أنه قال إذا ظهر النز إليك من خلف
الحائط من كنيف في القبلة سترته بشئ. قال ابن أبي عمير رأيتهم قد ثنوا بارية
وباريتين قد ستروا بها ".
ومنها - أن يكون بين يدين مصحف مفتوح، وزاد بعضهم الانسان المواجه والباب
المفتوح فتكره الصلاة إليها.
أقول: أما الأول فاستندوا فيه إلى رواية عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5)
" في الرجل يصلي وبين يديه مصحف مفتوح في قبلته؟ قال لا. قلت فإن كان في
غلاف؟ قال نعم ".
قال في المدارك: وألحق به الشارح كل مكتوب ومنقوش، وهو جيد للمسامحة
في أدلة السنن وإن كان للمناقشة في أمثال هذه المباني المستنبطة مجال.

(1) الوسائل الباب 31 من مكان المصلي
(2) الوسائل الباب 18 من مكان المصلي
(3) الوسائل الباب 18 من مكان المصلي
(4) مستدرك الوسائل الباب 13 من مكان المصلي
(5) الوسائل الباب 27 من مكان المصلي
236

أقول: لعل المستند لما نقله عن جده (قدس سره) ما رواه الحميري في كتاب
قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن العلوي عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى
(عليه السلام) (1) قال: " سألته عن الرجل هل يصلح له أن ينظر في نقش خاتمه وهو
في الصلاة كأنه يريد قراءته أو في مصحف أو في كتاب في القبلة؟ قال ذلك نقص في الصلاة
وليس يقطعها " والسيد السند حيث لم يقف على الرواية نسب ذلك إلى الاستنباط
والظاهر أن جده لم يقف عليها أيضا وإنما ذكر الحكم بالتقريب الذي ذكره سبطه كما هي
قاعدتهم في غير موضع لكن الخبر - كما ترى - ظاهر في الحكم المذكور فلا اشكال.
ثم العجب من السيد السند (قدس سره) أنه مع اعترافه بكون ذلك من المباني
المستنبطة كيف يذكر أولا أنه جيد ويعلل ذلك بالمسامحة في أدلة السنن؟ أليس السنن من
الأحكام الشرعية المتوقف تشريعها على الدليل؟ وهل تبلغ المسامحة في الأحكام الشرعية
إلى هذا المقدار؟ وغاية ما بلغ إليه الأصحاب بناء على هذا الاصطلاح المحدث هو
الاكتفاء بالخبر الضعيف في ذلك لا مجرد القول من غير خبر قياسا على الأشباه والنظائر
فإنه من القياس الممنوع منه، على أن جمعا منهم نبهوا على أنه ليس الاعتماد في ذلك على
الخبر الضعيف بل على الأخبار المستفيضة الدالة على أن " من بلغه شئ من الثواب على
عمل فعمله ابتغاء ذلك الثواب كان له وإن لم يكن الأمر كما بلغه " (2) وبالجملة فإن كلامه هنا
لا يخلو من مسامحة.
وأما الثاني فيمكن أن يكون المستند فيه ما رواه في كتاب قرب الإسناد عن علي
ابن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) (3) قال: " سألته عن الرجل يكون في صلاته
هل يصلح له أن تكون امرأة مقبلة بوجهها عليه في القبلة قاعدة أو قائمة؟ قال يدرأها عنه فإن
لم يفعل لم يقطع ذلك صلاته " ومورد الخبر وإن كان أخص مما ذكروه إلا أن الظاهر

(1) الوسائل الباب 27 من مكان المصلي
(2) الوسائل الباب 18 من مقدمة العبادات
(3) الوسائل الباب 43 من مكان المصلي
237

أنه لا خصوصية للمرأة بذلك توجب قصر الحكم عليها خصوصا مع جواز النظر إلى
وجه الأجنبية فإن أكثر الأحكام إنما خرجت سؤالا وجوابا في الرجال مع حكمهم فيها
بالعموم للنساء إلا مع ظهور ما يوجب التخصيص، ويؤيده ما رواه في كتاب دعائم
الاسلام عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (1) " أنه كره أن يصلي الرجل ورجل
بين يديه قائم ".
وأما الثالث فلم أقف له على دليل. والقول بالكراهة في هذين الموضعين
الأخيرين منقول عن أبي الصلاح واعترف المتأخرون بعدم الوقوف له على دليل فيهما
حتى أن المحقق في المعتبر إنما التجأ إلى أنه أحد الأعيان فلا بأس باتباع فتواه. ونحن قد
أثبتنا لك دليل الأول منهما. وأما الثاني فلم نقف له على دليل. وأما كلام المحقق هنا
فلا يخفى ما فيه سيما مع ما علم من مناقشته للشيخ وأمثاله في طلب الأدلة وصحتها متى لم
يصل إليه الدليل بل يناقشهم مع وجود الأدلة بزعم ضعفها ولم نره يعتمد على مجرد التقليد
وحسن الظن بمن تقدمه من الأعيان إلا في هذا المكان. والله العالم.
(المسألة الخامسة) - الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في استحباب السترة
بضم السين للمصلي في قبلته ونقل عليه في المنتهى الاجماع عن كافة أهل العلم.
وقد دل على ذلك جملة من الأخبار: منها - ما رواه الشيخ والكليني عن أبي بصير
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " كان طول رحل رسول الله (صلى الله
عليه وآله) ذراعان وكان إذا صلى وضعه بين يديه يستتر به ممن يمر بين يديه ".
وما روياه في الصحيح عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجعل العنزة بين يديه إذا صلى "
أقول: والعنزة بفتح العين المهملة وتحريك النون وبعدها زاي: عصاة في أسفلها حربة

(1) مستدرك الوسائل الباب 4 من مكان المصلي
(2) الوسائل الباب 12 من مكان المصلي
(3) الوسائل الباب 12 من مكان المصلي
238

وفي الصحاح أنها أطول من العصا وأقصر من الرمح.
وما رواه في التهذيب عن غياث بن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) " أن النبي
(صلى الله عليه وآله) وضع قلنسوة وصلى إليها ".
وعن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) (2) قال: " قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا صلى أحدكم بأرض فلاة فليجعل بين يديه مثل
مؤخرة الرحل فإن لم يجد فحجرا فإن لم يجد فسهما فإن لم يجد فليخط في الأرض بين
يديه " قال في الوافي: " مثل مؤخرة الرحل " يعني بتلك المماثلة ارتفاعه من الأرض.
وعن محمد بن إسماعيل في الصحيح عن الرضا (عليه السلام) (3) " في الرجل
يصلي؟ قال يكون بين يديه كومة من تراب أو يخط بين يديه بخط ".
وعن عبد الله بن أبي يعفور في الموثق (4) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن الرجل هل يقطع صلاته شئ مما يمر به؟ فقال لا يقطع صلاة المسلم شئ
ولكن ادرأوا ما استطعتم ".
وعن أبي بصير في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال: " لا يقطع
الصلاة شئ كلب ولا حمار ولا امرأة لو كان استتروا بشئ فإن كان بين يديك قدر
ذراع رافع من الأرض فقد استترت ".
وما رواه في الكافي عن علي رفعه عن محمد بن مسلم (6) قال: " دخل أبو حنيفة
على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له رأيت ابنك موسى يصلي والناس يمرون بين يديه
فلا ينهاهم وفيه ما فيه فقال أبو عبد الله (عليه السلام) ادعوا لي موسى فدعي فقال يا بني إن
أبا حنيفة يذكر أنك كنت تصلي والناس يمرون بين يديك فلم تنههم؟ فقال نعم يا أبت إن الذي
كنت أصلي له كان أقرب إلي منهم يقول الله تعالى: " ونحن أقرب إليه من حبل

(1) الوسائل الباب 12 من مكان المصلي
(2) الوسائل الباب 12 من مكان المصلي
(3) الوسائل الباب 12 من مكان المصلي
(4) الوسائل الباب 11 من مكان المصلي
(5) الوسائل الباب 11 من مكان المصلي
(6) الوسائل الباب 11 من مكان المصلي
239

الوريد " (1) قال فضمه أبو عبد الله (عليه السلام) إلى نفسه ثم قال بأبي أنت وأمي
يا مستودع الأسرار " قال في الكافي: وهذا تأديب منه (عليه السلام) لا أنه ترك
الفضل. قال في الوافي بعد نقل ذلك عنه: أقول ليس في الحديث أنه (عليه السلام)
ترك السترة وإنما فيه أنه لم ينه الناس عن المرور فلعله لا يلزم نهي الناس بعد وضع
السترة وإنما اللازم حينئذ حضور القلب مع الله تعالى حتى يكون جامعا بين التوقير الظاهر
للصلاة والتوقير الباطن لها ولهذا أدب (عليه السلام) أبا حنيفة بذلك وكأن هذا هو
المراد من كلام صاحب الكافي.
وما رواه في التهذيب عن سفيان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
" أنه كان يصلي ذات يوم إذ مر رجل قدامه وابنه موسى (عليه السلام) جالس فلما
انصرف قال له ابنه يا أبت ما رأيت الرجل مر قدامك؟ فقال يا بني إن الذي أصلي له
أقرب إلي من الذي مر قدامي ".
وروى في كتاب قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن
أخيه (عليه السلام) (3) قال: " سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي وإمامه شئ عليه
ثياب؟ قال لا بأس. وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي وإمامه ثوم أو بصل نابت؟
قال لا بأس. وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي والسراج موضوع بين يديه في
القبلة؟ قال لا يصلح له أن يتقبل النار. وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي وأمامه
حمار واقف؟ قال يضع بينه وبينه عودا أو قصبة أو شيئا يقيمه بينهما ويصلي لا بأس.
قلت فإن لم يفعل وصلى أيعيد صلاته أو ما عليه؟ قال لا يعيد صلاته وليس عليه شئ
وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي وإمامه النخلة وفيها حملها؟ قال لا بأس. وسألته
عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في الكرم وفيه حمله؟ قال لا بأس. وسألته عن الرجل

(1) سورة ق، الآية 15
(2) الوسائل الباب 11 من مكان المصلي
(3) الوسائل الباب 11 و 30 و 37 و 43 من مكان المصلي
240

يكون في صلاته هل يصلح له أن تكون امرأة مقبلة بوجهها عليه في القبلة قاعدة أو قائمة؟
قال يدرأها عنه فإن لم يفعل لم يقطع ذلك صلاته. وسألته عن الرجل هل يصلح له أن
يصلي وأمامه شئ من الطير؟ قال لا بأس ".
وروى في كتاب التوحيد بسنده عن منيف مولى جعفر بن محمد (1) قال:
" حدثني سيدي جعفر بن محمد عن أبيه عن جده (عليهم السلام) قال كان الحسن بن
علي بن أبي طالب (عليهما السلام) - وفي نسخة الحسين بدل الحسن - يصلي فمر بين
يديه رجل فنهاه بعض جلسائه فلما انصرف من صلاته قال له لم نهيت الرجل؟ فقال يا ابن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) خطر في ما بينك وبين المحراب. فقال ويحك إن الله
عز وجل أقرب إلي من أن يخطر في ما بيني وبينه أحد ".
أقول: وتحقيق الكلام في هذا المقام يقع في مواضع: (الأول) - قد استفاضت
هذه الأخبار باستحباب السترة للمصلي والظاهر أن الغرض منها منع المرور من بين يدي
المصلي لئلا يشغل فكره عن اقباله على صلاته فكأنها بمنزلة تحجير المكان عن غيره،
ولهذا أنه يجوز دفع المار كما يأتي إن شاء الله تعالى ولو استلزم أذاه أما إذا لم يضع السترة
ولم يحجر الموضع بذلك فليس له ذلك، وظاهر الأخبار الدالة على قول الأئمة (عليهم
السلام) " أن الذي أصلي له أقرب من الذي يمر قدامي " ونحوه مما اشتملت عليه تلك
الأخبار هو عدم السترة يومئذ، وفيه إيماء إلى أن الغرض من السترة - وهو عدم توزع
الفكر بمرور المار - إنما هو بالنسبة إلى من لم يكن فكره في حال الصلاة مستغرقا مع الله
سبحانه، وأما من كان فكره مستغرقا معه سبحانه وليس في قلبه شئ سواه في تلك الحال
ولا يشغله عنه شاغل - حتى أنه روي (2) " أن السهام التي ثبتت في بدن أمير المؤمنين

(1) الوسائل الباب 11 من مكان المصلي
(2) في أسرار الشهادة ص 255 طبعة 1319 ما ملخصه: أن أمير المؤمنين (ع) أصابت
رجله نبلة في غزوة صفين واستحكمت فيها فلم يطق اخراجها فأخرجت منه في حال السجود
ولم يحس بذلك أصلا.
241

(عليه السلام) من الحرب إنما كانت تنزع وقت الصلاة لعدم احساسه بذلك " - فلا
تستحب بالنسبة إليه لعدم ما يترتب عليها فإنه حاصل بدونها إلا أن الظاهر تخصيص هذه
المرتبة بهم (عليهم السلام) ومن قرب منهم وقد تقدم خبر آخر بهذا المعنى في مسألة
كراهة استقبال النار (1) ويعضده مرفوعة عمرو بن إبراهيم الهمداني المتقدمة أيضا (2)
(لا يقال) إن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يستتر كما دلت عليه الأخبار المتقدمة
(لأنا نقول) إنه (صلى الله عليه وآله) كان مكلفا بتشريع الشرائع وسن السنن
والواجبات وتعليم الناس فلا منافاة وبالجملة فإن النهي عن الصلاة بدون السترة مخصوص
بالفرد الأول والتجويز بالفرد الثاني، وبذلك يظهر ما في كلامي صاحب الكافي والوافي
من التكلف الذي لا ضرورة تلجئ إليه.
(الثاني) - قد دل خبر علي بن جعفر المذكور على استحباب السترة إذا صلى
وفي قبلته حمار ولم يذكره أحد من الأصحاب في ما أعلم، إلا أن الصدوق في الفقيه روي
ذلك عن علي بن جعفر أيضا مع جملة من هذه السؤالات، وهو يؤذن بقوله بذلك بناء
على ما قدمه في صدر كتابه من أنه لا يذكر فيه إلا ما يفتي به ويحكم بصحته.
(الثالث) - الظاهر من هذه الأخبار استحباب الارتفاع في السترة بأن تكون
عنزة ونحوها ولو قدر ذراع فيرتفع عن الأرض وهكذا إلى أن ينتهي إلى مجرد الخط في
الأرض، والعلة في ذلك ظهور أمارة التحجير فكلما كانت أرفع كانت أظهر للناظر
والمارين، هذا إذا كان في فضاء من الأرض ولو صلى في مسجد أو بيت قرب من
حائطه. ونقل عن الجعفي أن الأولى بلوغ السترة ذراعا فما زاد.
(الرابع) - يستحب الدنو من السترة، قال في الذكرى: يستحب الدنو من
السترة لما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) (3) " إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن
منها لا يقطع الشيطان صلاته " وقدره ابن الجنيد بمربض الشاة لما صح من خبر سهل

(1) ص 231
(2) ص 229
(3) تيسير الوصول ج 2 ص 258 عن إلى داود
242

الساعدي (1) قال: " كان بين مصلى النبي (صلى الله عليه وآله) وبين الجدار ممر
الشاة " انتهى وقدره بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) بمربض عنز إلى مربط
فرس، ونسبه في المدارك إلى الأصحاب مؤذنا بعدم وجود الدليل عليه مع أنه روى
الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال:
" أقل ما يكون بينك وبين القبلة مربض عنز وأكثر ما يكون مربط فرس " ويؤيد
ما ذكره في الذكرى ما رواه في كتاب دعائم الاسلام عن النبي (صلى الله عليه وآله) (3)
قال: " إذا قام أحدكم في الصلاة إلى سترة فليدن منها فإن الشيطان يمر بينه وبينها وحد
في ذلك كمربض الثور ".
(الخامس) - قال في الذكرى: إذا نصب بين يديه عنزة أو عودا لم يستحب
الانحراف عنه يمينا ولا شماله قاله في التذكرة، وقال ابن الجنيد يجعله على جانبه الأيمن
ولا يتوسطها فيجعلها مقصده تمثيلا بالكعبة، وقال بعض العامة ليكن على الأيمن أو على
الأيسر. انتهى. أقول المفهوم من ظواهر الأخبار المتقدمة هو المحاذاة لها وما ذكره ابن
الجنيد لا نعرف له وجها.
(السادس) - قال في الذكرى: سترة الإمام سترة لمن خلفه لأن النبي (صلى
الله عليه وآله) لم يأمر المؤتمين بسترة (4) ولأن ظهر كل واحد منهم سترة لصاحبه.
أقول: تعليله الثاني إنما يجري في الصف الثاني وما بعده نعم الأول منهما ظاهر العموم
ولو للواحد الذي يقوم بجنب الإمام.
(السابع) - قال العلامة: لو كانت السترة مغصوبة لم يحصل الامتثال لعدم
الاتيان بالمأمور به شرعا. واعترضه في الذكرى بأنه يشكل بأن المأمور به الصلاة إلى السترة وقد حصل وغصبيتها أمر خارج عن الصلاة كالوضوء من الإناء المغصوب. أما

(1) صحيح مسلم ج 4 ص 225
(2) الوسائل الباب 12 من مكان المصلي
(3) مستدرك الوسائل الباب 8 من مكان المصلي
(4) صحيح البخاري ج 1 ص 101
243

لو كانت نجسة لم يضر إلا مع نجاسة ظاهرة. انتهى. أقول: ما ذكره في رد كلام
العلامة جيد. وأما ما ذكره من استثناء النجاسة الظاهرة فلا أعرف له وجها إلا أن كان
خبر الفضيل بن يسار المتقدم في مسألة كراهة استقبال الغائط ومورده الغائط ولا عموم
فيه ينهض بالدلالة، أو أخبار نز الكنيف والبالوعة وهي كذلك خاصة، إلا أن يستنبط
منهما العموم لجميع النجاسات بأي نحو كانت. ونقل في الذكرى عن أبي الصلاح في جملة
ما عده مما يكره الصلاة إليه النجاسة الظاهرة ونحوه في المقنعة، والظاهر أنه جرى
هنا على ذلك.
(الثامن) - قال في الذكرى أيضا: يستحب دفع المار بين يديه لقوله (عليه
السلام) (1): " لا يقطع الصلاة شئ فادرأوا ما استطعتم " أقول: الاستدلال بالخبر المذكور
مبني على أن معناه كما فهمه هو وغيره من الأمر بدفع المار يعني ادفعوا المار بما استطعتم
من إشارة أو رمي شئ أو دفع باليد أو نحو ذلك، والظاهر عندي إنما هو الدفع بجعل
السترة فهو كناية عن الأمر بالسترة بمعنى ادفعوا ضرر مروره بالاستتار بالسترة فإنها متى
وضعت لم يمر بينها وبين المصلي، ويظهر هذا المعنى من رواية أبي بصير المتقدمة المتضمنة
أنه لا يقطع الصلاة شئ كلب ولا حمار... الحديث.
(التاسع) - قال في الكتاب المذكور: لو احتاج في الدفع إلى القتال لم يجز
ورواية أبي سعيد الخدري وغيره عن النبي (صلى الله عليه وآله) (2) " فإن أبي فليقاتله
فإنما هو شيطان " للتغليظ أو يحمل على دفاع مغلظ لا يؤدي إلى حرج ولا ضرر.
أقول: الظاهر أن ما نقل من خبر الخدري إنما هو من طريق العامة إذ لم نجده في أخبارنا
نعم روى في كتاب دعائم الاسلام عن علي (عليه السلام) (3) " أنه سئل عن المرور

(1) ص 239
(2) صحيح البخاري ج 1 ص 103
(3) مستدرك الوسائل الباب 7 من مكان المصلي. وليس فيه " ولو قاتله " نعم هو
موجود في البخاري ج 18 الصلاة ص 116.
244

بين يدي المصلي فقال لا يقطع الصلاة شئ ولا تدع من يمر بين يديك ولو قاتلته "
والظاهر حمله على ما ذكره (قدس سره) من التغليظ والمبالغة في الدفع.
(العاشر) - قال أيضا: هل كراهة المرور وجواز الدفع مختص بمن استتر
أو مطلقا؟ نظر من حيث تقصيره وتضييعه حق نفسه وفي كثير من الأخبار التقييد بما
إذا كان له سترة ثم لا يضره ما يمر بين يديه، ومن اطلاق باقي الأخبار. ويمكن أن
يقال بحمل المطلق على المقيد. أقول: الوجه إنما هو الأول كما أشرنا إليه ومطلق الأخبار
محمول على مقيدها كما ذكره فإنه مقتضى القاعدة في هذا الباب. والله العالم.
(المسألة السادسة) - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لا يجوز
السجود اختيارا إلا على الأرض أو ما أنبتت مما لا يؤكل ولا يلبس عادة، ولم يستثنوا
من هذه القاعدة إلا القرطاس، ونقل عن المرتضى في المسائل الموصلية كراهة
السجود على ثياب القطن والكتاب وفي المصباح وافق الأصحاب، ويدل على الأول
الأخبار المستفيضة:
ومنها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) قال: " سمعته يقول السجود على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس "
وعن الفضل أبي العباس (2) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) لا يسجد
إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلا القطن والكتان ".
وعن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) قال: " قلت له
أسجد على الزفت يعني القير؟ فقال لا ولا على الثوب الكرسف ولا على الصوف ولا على
شئ من الحيوان ولا على طعام ولا على شئ من ثمار الأرض ولا على شئ من الرياش ".
وعن هشام بن الحكم في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال له:

(1) الوسائل الباب 1 من ما يسجد عليه
(2) الوسائل الباب 1 من ما يسجد عليه
(3) الوسائل الباب 2 من ما يسجد عليه
(4) الوسائل الباب 1 من ما يسجد عليه
245

" أخبرني عما يجوز السجود عليه وعما لا يجوز؟ قال السجود لا يجوز إلا على الأرض أو
على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس ".
وروى الصدوق في كتاب العلل بسنده عن هشام بن الحكم (1) قال: " قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام) أخبرني عما يجوز السجود عليه وعما لا يجوز؟ قال السجود
لا يجوز إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس. فقلت له جعلت
فداك ما العلة في ذلك؟ قال لأن السجود هو الخضوع لله عز وجل فلا ينبغي أن يكون
على ما يؤكل ويلبس لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون والساجد في سجوده في
عبادة الله عز وجل فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا
بغرورها. والسجود على الأرض أفضل لأنه أبلغ في التواضع والخضوع لله عز وجل "
وروى في كتاب الخصال عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) قال: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يسجد الرجل على كدس
حنطة ولا على شعير ولا على لون مما يؤكل ولا يسجد على الخبز ".
وعن الأعمش عن الصادق (عليه السلام) (3) قال: " لا يسجد إلا على الأرض
أو ما أنبتت الأرض إلا المأكول والقطن والكتان ".
وقال الرضا (عليه السلام) في كتاب الفقه (4): " كل شئ يكون غذاء الانسان
في المطعم والمشرب من الثمر والكثر فلا يجوز الصلاة عليه ولا على ثياب القطن والكتان
والصوف والشعر والوبر ولا على الجلد إلا على شئ لا يصلح للبس فقط وهو مما يخرج من
الأرض إلا أن تكون في حال ضرورة ".
وقال أيضا في الكتاب المذكور: " إذا سجدت فليكن سجودك على الأرض أو
على شئ ينبت من الأرض مما لا يلبس، ولا تسجد على الحصر المدنية لأن سيورها من
جلود، ولا تسجد على شعر ولا على وبر ولا على صوف ولا على جلد ولا على إبريسم ولا

(1) الوسائل الباب 1 من ما يسجد عليه
(2) الوسائل الباب 1 من ما يسجد عليه
(3) الوسائل الباب 1 من ما يسجد عليه
(4) البحار ج 8 الصلاة ص 366 و 367
246

على زجاج ولا على ما يلبسه الانسان ولا على حديد ولا على الصفر ولا على الشبه ولا على
النحاس ولا على الرصاص ولا على آجر يعني المطبوخ ولا على الريش ولا على شئ من
الجواهر وغيره من الفنك والسمور والحواصل والثعالب ولا على بساط فيه الصور
والتماثيل. وإن كانت الأرض حارة تخاف على جبهتك أن تحرق أو كانت ليلة مظلمة خفت
عقربا أو حية أو شوكة أو شيئا يؤذيك فلا بأس أن تسجد على كمك إذا كان من
قطن أو كتان ".
إذا عرفت ذلك فاعلم أن تحقيق البحث في هذه المسألة يتوقف على بسطه في مقامات
(الأول) الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في استثناء
القرطاس من هذا الحكم في الجملة بل نقل شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الاجماع على
استثنائه مطلقا.
ويدل عليه مضافا إلى ذلك صحيحة علي بن مهزيار (1) قال: " سأل داود بن
فرقد أبا الحسن (عليه السلام) عن القراطيس والكواغذ المكتوب عليها هل يجوز
السجود عليها أم لا؟ فكتب يجوز ".
وصحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) " أنه كره أن
يسجد على قرطاس عليه كتابة " ولفظ الكراهة هنا مراد به المعنى المشهور لما دل عليه
الخبر السابق من الجواز.
وصحيحة صفوان الجمال (3) قال: " رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) في المحمل
يسجد على القرطاس وأكثر ذلك يومئ إيماء " والظاهر أن المعنى في هذا الخبر أنه حيث
كانت صلاته (عليه السلام) في المحمل وقت السير فربما تمكن من السجود فيضع جبهته
على القرطاس وربما لا يتمكن فيومئ للسجود إيماء.
واطلاق هذه الأخبار يقتضي جواز السجود على القرطاس مطلقا سواء اتخذ

(1) الوسائل الباب 7 من ما يسجد عليه
(2) الوسائل الباب 7 من ما يسجد عليه
(3) الوسائل الباب 7 من ما يسجد عليه
247

من القطن أو الإبريسم أو غيرهما ونقل عن العلامة في التذكرة أنه اعتبر فيه كونه
مأخوذا من غير الإبريسم لأنه ليس بأرض ولا من نبتها، ويظهر من الشهيد في كتبه
الثلاثة التوقف والاستشكال في السجود على القرطاس بقول مطلق حيث قال في
كتاب البيان: ويجوز على القرطاس المتخذ من النبات ويشكل بأجزاء النورة. وقال في
الدروس: ولا بأس بالقرطاس ويكره المكتوب للقارئ المبصر ولو اتخذ القرطاس من
القطن أو الكتان أو الحرير لم يجز. وقال في كتاب الذكرى بعد ذكر روايتي داود
ابن فرقد وصفوان: وفي النفس من القرطاس شئ من حيث اشتماله على النورة المستحيلة إلا أن نقول الغالب جوهر القرطاس أو نقول جمود النورة يرد إليها اسم الأرض، إلى أن قال:
فرع - الأكثر اتخاذ القرطاس من القنب فلو اتخذ من الإبريسم فالظاهر المنع إلا أن
يقال ما اشتمل عليه من أخلاط النورة مجوز له. وفيه بعد لاستحالتها عن اسم الأرض
ولو اتخذ من القطن والكتان أمكن بناؤه على جواز السجود عليهما وقد سلف
أقول: الظاهر أن ما تكلفه هذان الفاضلان في المقام - بارتكاب تخصيص أخبار
القرطاس بالمتخذ مما يجوز السجود عليه كما يعطيه قوله في التذكرة في تعليل المنع من
السجود على المتخذ من الإبريسم بأنه ليس بأرض. وقوله في الذكرى في المتخذ من القطن
والكتان ببناء ذلك على جواز السجود عليهما - منشأه الجمع بين أخبار المنع من السجود
على غير الأرض وما أنبتت ما لم يكن مأكولا ولا ملبوسا وبين أخبار القرطاس بارجاع
أخبار القرطاس إلى تلك الأخبار وتقيدها بها، وهو مما لا يسمن ولا يغني من جوع
وذلك فإنه لا ريب أن القرطاس قد خرج عن تلك الأشياء المتخذ منها كائنة ما كانت
إلى حقيقة أخرى فلا يفيد كونه متخذا مما يصح السجود عليه فائدة، ألا ترى أنه قد
امتنع السجود على المعادن وإن كان أصلها الأرض باعتبار الحيلولة والانتقال من
الأرضية إلى حقيقة أخرى والقرطاس لا يصدق عليه أنه أرض ولا ما أنبتت، وكونه
كان قبل الاستحالة إلى هذه الحقيقة مما يسجد عليه لا يجدي نفعا وإلا لجاز السجود
248

على المعادن بالتقريب المذكور. والحق إنما هو استثناء القرطاس بهذه الأخبار من القاعدة
المستفادة من تلك الأخبار، وجميع ما ذكراه تقييد للنصوص من غير دليل واضح ولا
برهان لائح فلا ينبغي أن يلتفت إليه ولا يعرج في مقام التحقيق عليه.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد صرح الأصحاب بكراهة السجود على القرطاس
المكتوب وعليه تدل صحيحة جميل المتقدمة إلا أنه يشترط في صحة السجود عليه متى كان
مكتوبا أن يقع السجود على مكان خال من الكتابة إذا كان المكتوب به مما لا يصح السجود
عليه ولا فرق في ذلك بين القارئ والأمي، ونقل عن الشيخ في المبسوط وابن إدريس
تخصيص الكراهة بالقارئ البصير كما تقدم في عبارة الدروس وأنه لا يكره في حق
الأمي ولا في حق القارئ الذي لا يبصر، واطلاق النص يرده.
(الثاني) - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) المنع من السجود
على القطن والكتان سواء كان قبل النسج أو بعده بل قال في المختلف إنه قول علمائنا
أجمع، وخالف في ذلك المرتضى في المسائل الموصلية مع أنه ذهب في الجمل والانتصار
إلى المنع ونقل فيه اجماع الطائفة، وظاهر المحقق في المعتبر الميل إلى الجواز على كراهية
أيضا، وهو ظاهر المحدث الكاشاني في الوافي أيضا كما ستقف عليه.
ونقل عن المرتضى أنه احتج على ذلك بأنه لو كان السجود على الثوب المنسوج
من القطن والكتان محرما محظورا لجرى في القبح ووجوب إعادة الصلاة واستئنافها
مجرى السجود على النجاسة ومعلوم أن أحدا لا ينتهي إلى ذلك. ولا يخفى ما فيه.
نعم يدل على ذلك جملة من الأخبار عنهم (عليهم السلام) وكان الأولى
الاستدلال بها في المقام دون هذه التخريجات الغثة التي تمجها الأفهام:
ومنها - ما رواه الشيخ عن داود الصرمي (1) قال: " سألت أبا الحسن الثالث
(عليه السلام) هل يجوز السجود على الكتان والقطن من غير تقية؟ فقال جائز ".

(1) الوسائل الباب 2 من ما يسجد عليه
249

وعن منصور بن حازم عن غير واحد من أصحابه (1) قال: " قلت لأبي جعفر
(عليه السلام) إنا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أفنسجد عليه؟ قال لا ولكن اجعل
بينك وبينه شيئا قطنا أو كتانا ".
وعن الحسين بن علي بن كيسان الصنعاني (2) قال: " كتبت إلى أبي الحسن
الثالث (عليه السلام) أسأله عن السجود على القطن والكتان من غير تقية ولا ضرورة
فكتب إلي: ذلك جائز ".
وعن ياسر الخادم (3) قال: " مر بي أبو الحسن (عليه السلام) وأنا أصلي على
الطبري (4) وقد ألقيت عليه شيئا أسجد عليه فقال لي ما لك لا تسجد عليه أليس هو من
نبات الأرض؟ "
وأجاب الشيخ عن جميع هذه الأخبار بالحمل على حالة الضرورة أو التقية (5)
ورده المحقق في المعتبر بأن في رواية الصنعاني التنصيص على الجواز مع انتفاء التقية والضرورة
واستحسن حمل الأخبار المانعة على الكراهة. قال في المدارك: وهو محتمل لكن هذه الأخبار لا تخلو من ضعف في سند أو قصور في دلالة فلا تصلح لمعارضة الأخبار الصحيحة
الدالة بظاهرها على المنع المؤيدة بعمل الأصحاب. وظاهره الميل إلى ما ذكره في المعتبر لولا
ضعف روايات الجواز. والمحدث الكاشاني في الوافي بعد أن نقل حمل الشيخ (قدس
سره) لروايات الجواز استبعده وقال: والأولى أن يحمل النهي عنهما على الكراهة.
أقول وبالله التوفيق: لا يخفى أن ما ذكره الشيخ (قدس سره) هنا من الجمع

(1) الوسائل الباب 4 من ما يسجد عليه
(2) الوسائل الباب 2 من ما يسجد عليه
(3) الوسائل الباب 2 من ما يسجد عليه
(4) الطبري ثوب ينسب إلى طبرستان أو طبرية بالفتح محلة من واسط. قال في الوافي
ذيل هذا الخبر: الطبري كأنه كان من القطن أو الكتان كما يظهر من الإستبصار. انتهى.
منه (قدس سره).
(5) ارجع إلى التعليقة رقم (1) ص 251
250

بين الأخبار بحمل هذه الأخبار المجوزة على التقية أو الضرورة حمل جيد، أما بالنسبة إلى
التقية فلما استفاض عنهم (عليهم السلام) من عرض الأخبار في مقام الاختلاف على
مذهب العلامة والأخذ بخلافهم والجواز مذهب العامة (1) من غير اشكال، ويعضد ذلك
صحة الأخبار الدالة على التحريم وتكاثرها عموما وخصوصا واعتضادها بعمل الطائفة
قديما ودعوى الاجماع في المقام. وأما ما ذكره في المعتبر من أن رواية الصنعاني نصت
على الجواز مع انتفاء التقية والضرورة فليس بشئ لأن المفهوم من الأخبار على وجه
لا يعتريه الانكار أنهم إنما يجيبون على ما يرونه من المصلحة لا بما يريد السائل فربما
تركوا الجواب بالكلية وربما أجابوا بالتقية وربما أجابوا بما فيه التباس واشتباه لا يستفاد
منه معنى ظاهر بالكلية، وقد ورد عنهم (عليهم السلام) (2) " أن الله سبحانه قد فرض
عليكم السؤال ولم يفرض علينا الجواب بل ذلك إلينا إن شئنا أجبنا وإن شئنا لم نجب " وبالجملة
فإن مجرد طلب السائل لأن يكون الجواب لا على وجه التقية لا يوجب حمل الجواب على
ما طلبه لما عرفت، ويؤيد الحمل على التقية قوله (عليه السلام) في صحيحة علي بن
يقطين (3): " لا بأس بالسجود على الثياب في حال التقية " وأما الحمل على الضرورة فلما
تقدم من كلامه (عليه السلام) في كتاب الفقه الرضوي ونحوه ما رواه علي بن جعفر في
كتابه والحميري في قرب الإسناد عنه عن أخيه موسى (عليه السلام) (4) قال: " سألته
عن الرجل يؤذيه حر الأرض في الصلاة ولا يقدر على السجود هل يصلح له أن يضع
ثوبه إذا كان قطنا أو كتانا؟ قال إذا كان مضطرا فليفعل " وفي كثير من الأخبار الآتية
ما يدل على ذلك. والله العالم.
(الثالث) - لا خلاف ولا اشكال في جواز السجود على ما منعت منه الأخبار
المتقدمة في حال التقية والضرورة لسقوط التكليف في الحالين المذكورين وعلى ذلك

(1) الفقه على المذاهب الأربعة قسم العبادات ص 161
(2) أصول الكافي ج 1 ص 210
(3) ص 252
(4) الوسائل الباب 4 من ما يسجد عليه
251

أيضا دلت الأخبار المتكاثرة:
ومنها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين (1) قال: " سألت
أبا الحسن الماضي (عليه السلام) عن الرجل يسجد على المسح والبساط؟ قال لا بأس إذا
كان في حال التقية " ورواه أيضا في موضع آخر (2) وزاد " ولا بأس بالسجود على
الثياب في حال التقية ".
ومنها - ما تقدم في كلامه (عليه السلام) في كتاب الفقه الرضوي وكذا
صحيحة علي بن جعفر المتقدمة.
ومنها - ما رواه الشيخ عن أبي بصير (3) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الرجل يسجد على المسح؟ فقال إذا كان في تقية فلا بأس ".
وعن عيينة بياع القصب (4) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أدخل
المسجد في اليوم الشديد الحر فأكره أن أصلي على الحصى فابسط ثوبي فأسجد عليه؟ قال نعم
ليس به بأس ".
وعن القاسم بن الفضيل (5) قال: " قلت للرضا (عليه السلام) جعلت فداك
الرجل يسجد على كمه من أذى الحر والبرد؟ قال لا بأس به ".
وعن أحمد بن عمر (6) قال: " سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل
يسجد على كم قميصه من أذى الحر والبرد أو على ردائه إذا كان تحته مسح أو غيره مما
لا يسجد عليه؟ فقال لا بأس به ".
وعن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) (7) قال: " قلت له أكون في السفر
فتحضر الصلاة وأخاف الرمضاء على وجهي كيف أصنع؟ قال تسجد على بعض ثوبك.
قلت ليس علي ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه ولا ذيله؟ قال اسجد على ظهر كفك
فإنها أحد المساجد ".

(1) الوسائل الباب 3 من ما يسجد عليه.
(2) الوسائل الباب 3 من ما يسجد عليه.
(3) الوسائل الباب 3 من ما يسجد عليه.
(4) الوسائل الباب 4 من ما يسجد عليه.
(5) الوسائل الباب 4 من ما يسجد عليه.
(6) الوسائل الباب 4 من ما يسجد عليه.
(7) الوسائل الباب 4 من ما يسجد عليه.
252

وروى الصدوق في كتاب العلل عن أبي بصير (1) قال: " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام) جعلت فداك الرجل يكون في السفر فيقطع عليه الطريق فيبقى عريانا في
سراويل ولا يجد ما يسجد عليه يخاف إن سجد على الرمضاء أحرقت وجهه؟ قال يسجد
على ظهر كفه فإنها أحد المساجد " قال في الوافي: لعل المراد أن كفك أحد مساجدك
على الأرض فإذا وضعت جبهتك عليها صارت موضوعة على الأرض بتوسطها.
ويستفاد من رواية أبي بصير الأولى تصريحا ومن الثانية تلويحا أنه لا ينتقل
إلى السجود على بدنه إلا مع تعذر الثياب، وبذلك أيضا صرح جملة من الأصحاب
(رضوان الله عليهم) قال في الشرائع: ولا يسجد على شئ من بدنه فإن منعه الحر
عن السجود على الأرض سجد على ثوبه فإن لم يمكن فعلى كفه.
(الرابع) - ينبغي أن يعلم أن ما دلت عليه الأخبار المتقدمة من المنع
من السجود إلا على الأرض أو ما أنبتت إنما هو بالنسبة إلى مسجد الجبهة خاصة
لا غيرها من المساجد فإنه يجوز وقوعها على أي شئ كان، والظاهر أن الحكم
بذلك اجماعي.
وعليه يدل من الأخبار ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الفضيل
ابن يسار ويزيد بن معاوية عن أحدهما (عليهما السلام) (2) قال: " لا بأس بالقيام على
المصلى من الشعر والصوف إذا كان يسجد على الأرض، فإن كان من نبات الأرض فلا
بأس بالقيام عليه والسجود عليه ".
وما رواه في التهذيب في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه
السلام) (3) قال: " سألته عن فراش حرير ومثله من الديباج ومصلى حرير ومثله من
الديباج يصلح للرجل النوم عليه والتكأة والصلاة؟ قال يفترشه ويقوم عليه ولا يسجد عليه ".

(1) الوسائل الباب 4 من ما يسجد عليه
(2) الوسائل الباب 1 من ما يسجد عليه
(3) الوسائل الباب 15 من لباس المصلي
253

وروى في الكافي عن الحلبي (1) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام)
دعا أبي بالخمرة فأبطأت عليه فأخذ كفا من حصباء فجعله على البساط ثم سجد ".
وعن حمران في الصحيح عن أحدهما (عليهما السلام) (2) قال: " كان أبي يصلي على
الخمرة يجعلها على الطنفسة ويسجد عليها فإذا لم تكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد "
أقول: الطنفسة بتثليث الطاء والفاء بساط له خمل، والخمرة بضم الخاء المعجمة
واسكان الميم سجادة صغيرة، قال في كتاب مجمع البحرين: قد تكرر في الحديث ذكر
الخمرة والسجود عليها وهي بالضم سجادة صغيرة تعمل من سعف النخل وتزمل بالخيوط
وفي النهاية هي مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده ولا يكون خمرة إلا هذا
المقدار. ومنه كان أبي يصلي على الخمرة يضعها على الطنفسة. انتهى. وقال في النهاية:
وفي حديث أم سلمة " قال لها وهي حائض ناوليني الخمرة " هي مقدار ما يضع الرجل
عليه وجهه في سجوده من حصير أو نسجية خوص ونحوه من النبات ولا تكون خمرة
إلا في هذا المقدار، وسميت خمرة لأن خيوطها مستورة بسعفها، وقد تكررت
في الحديث وهكذا فسرت. وقد جاء في سنن أبي داود عن ابن عباس قال:
" جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول الله (صلى الله عليه
وآله) على الخمرة التي كان قاعدا عليها فأحرقت منها مثل موضع درهم " قال وهذا
صريح في اطلاق الخمرة على الكبير من نوعها.
أقول: بقي هنا شئ وهو أنه قد تقدم في كلام الرضا (عليه السلام) في كتاب
الفقه النهي عن السجود على الحصر المدنية لأن سيورها من جلود، والمراد منها الخمرة
لما رواه في الكافي والتهذيب عن علي بن الريان (3) قال: " كتب بعض أصحابنا بيد

(1) الوسائل الباب 2 من ما يسجد عليه
(2) الوسائل الباب 2 من ما يسجد عليه
(3) الفروع ج 1 ص 92 والتهذيب ج 1 ص 223 وفي الوسائل في الباب 11 من
ما يسجد عليه
254

إبراهيم بن عقبة إليه - يعني أبا جعفر (عليه السلام) - يسأله عن الصلاة على الخمرة المدنية
فكتب: صل فيها ما كان معمولا بخيوطه ولا تصل على ما كان معمولا بسيورة قال فتوقف
أصحابنا فأنشدتهم بيت شعر ل‍ (تأبط شرا) العدواني (1) " فكأنها خيوطه ماري تغار
وتقتل " وماري كان رجلا حبالا يعمل الخيوط " وظاهر هذين الخبرين النهي عن الخمرة
المدنية لأنها تعمل بالسيور وهي الجلود مع أن الظاهر أن ما تعمل به من سيور أو خيوط
يكون مستورا بسعف النخل الذي تعمل منه فالسجود إنما يقع على السعف، ولعل بناء
الفرق في رواية علي بن الريان على أن ما يعمل بالخيوط تكون الخيوط فيه مستورة بالسعف
وأما ما يعمل بالسيور فإنها تظهر بين السعف أو تغطي على السعف فلا يقع السجود على السعف
بالكلية فيكون النهي محمولا على التحريم، أولا يحصل الجزء الأكمل من السجود فيكون النهي
للكراهة، قال في الذكرى: لو عملت بالخيوط من جنس ما يجوز السجود عليه فلا اشكال في
جواز السجود عليها ولو عملت بسيور فإن كانت مغطاة بحيث تقع الجبهة على الخوص صح
السجود أيضا ولو وقعت على السيور لم يجز وعليه دلت رواية ابن الريان. وأطلق في
المبسوط جواز السجود على المعمولة بالخيوط. انتهى. وظني أن ما ذكرناه من
التفصيل أظهر.
(الخامس) اختلفت الرواية في جواز السجود على القير ففي صحيحة زرارة
المتقدمة النهي عن ذلك، وروى الشيخ في التهذيب عن محمد بن عمرو بن سعيد عن
أبي الحسن الرضا (عليه السلام) (2) قال: " لا تسجد على القير ولا على القفر ولا على
الصاروج " ورواه الكليني مثله إلا أنه ترك ذكر القفر. وعن صالح بن الحكم (3) قال:
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في السفينة؟ فقال إن رجلا سأل أبي عن
الصلاة في السفينة فقال له أترغب عن صلاة نوح (عليه السلام) فقلت له آخذ معي مدرة

(1) كذا في فروع الكافي وفي التهذيب (الفهمي) بدل (العدواني) وكذا في تاج العروس
مادة (أبط)
(2) الوسائل الباب 6 من ما يسجد عليه
(3) الوسائل الباب 13 من القبلة
255

أسجد عليها؟ قال نعم ".
وروى الصدوق في الفقيه في الصحيح (1) قال: " سأل معاوية بن عمار أبا عبد الله
(عليه السلام) عن السجود على القار قال لا بأس به " وروى في الصحيح عن منصور بن
حازم عنه (عليه السلام) (2) أنه قال: " القير من نبات الأرض " وفي كتاب المسائل لعلي
ابن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) (3) قال: " سألته عن الرجل هل يجزئه أن
يسجد في السفينة على القير؟ قال لا بأس " وقد تقدم في أخبار الصلاة في السفينة (4)
في صحيحة معاوية بن عمار قال (عليه السلام) " ويصلى على القير والقفر ويسجد عليه "
وروى الشيخ في التهذيب عن معاوية بن عمار (5) قال: " سأل المعلي بن خنيس
أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا عنده عن السجود على القفر وعلى القير قال لا بأس به "
وحمل الشيخ هذه الروايات على الضرورة أو التقية.
قال في الوافي: ويجوز حمل النهي على الكراهة. وقال في المدارك بعد ذكر
صحيحة زرارة وصحيحة معاوية بن عمار الواردة في الصلاة في السفينة: ولو قيل بالجواز
وحمل النهي عن الكراهة أمكن إن لم ينعقد الاجماع على خلافه.
أقول: فيه (أولا) إن الأخبار الجواز وإن صح سندها كما هو المدار عليه عنده
إلا أن أخبار النهي قد اعتضدت باتفاق الأصحاب ظاهرا وبالأخبار المتقدمة المصرحة
بأنه لا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتت. و (ثانيا) ما عرفت في غير مقام
مما تقدم مما في هذا الحمل من النظر. و (ثالثا) أن العامة متفقون على جواز السجود
عليه كما نقله في البحار، وحينئذ فالأنسب بالقواعد الشرعية والضوابط المرعية المقررة
عن أئمة الهدى (عليهم السلام) هو حمل أخبار الجواز على التقية، لكنك قد عرفت
في غير موضع مما تقدم أنهم (رضوان الله عليهم) قد نبذوا هذه القواعد وراء ظهورهم

(1) الوسائل الباب 6 من ما يسجد عليه
(2) الوسائل الباب 6 من ما يسجد عليه
(3) مستدرك الوسائل الباب 5 من ما يسجد عليه
(4) الوسائل الباب 6 من ما يسجد عليه
(5) الوسائل الباب 6 من ما يسجد عليه
256

وعكفوا على قاعدة الجمع بين الأخبار بالكراهة والاستحباب.
ثم إنه لا يخفى عليك أنا قد أشرنا في غير موضع مما تقدم إلى اضطراب كلام
السيد السند (قدس سره) في حديث إبراهيم بن هاشم وعده في الضعيف تارة وفي الحسن
أخرى وفي الصحيح تارة، وفي هذا الموضع قد وصف رواية زرارة المتقدمة بالحصة
في موضعين وفي طريقها إبراهيم بن هاشم ووصفها بالصحة أيضا في شرح قول المصنف:
" وفي القطن والكتان روايتان " وفي شرح قوله: " المقدمة السابعة في الأذان
والإقامة " قال وروى الكليني في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: " إذا أذنت وأقمت... الحديث ".
(السادس) - المراد بالمأكول هو ما يطرد أكله ويعتاد فلو أكل نادرا أو في
الضرورة كالعقاقير التي تجعل في الأدوية من النباتات التي لم يكثر أكلها لم يعد مأكولا
ولو أكل شائعا في قطر دون قطر فاشكال ينشأ من احتمال اختصاص كل قطر بمقتضى
عادته ومن صدق المأكول عليه. ولعله أرجح مع كونه أوفق بالاحتياط ولو كان له حالتان
يؤكل في إحداهما دون الأخرى جاز السجود عليه في إحداهما دون الثانية.
والظاهر أنه لا يشترط في المأكول كونه بحيث ينتفع به بالفعل بل تكفي القوة القريبة
فلو توقف الأكل على طحن أو طبخ أو نحوهما واللبس على غزل ونسج وخياطة لم يخرجه
ذلك عن صدق المأكول والملبوس عليه قبل تلك الحال، ونقل عن العلامة في التذكرة
والمنتهى أنه جوز السجود على الحنطة والشعير قبل الطحن، وعلله في المنتهى بكونهما
غير مأكولين عادة، وعلله في التذكرة بأن القشر حائل بين المأكول والجبهة. ورد
الأول بأن الافتقار إلى العلاج لا يخرجهما عن كونهما مأكولين عادة. والثاني بأن العادة
في الصدر الأول جرت بأكلهما غير منخولين كما لا يخفى على من راجع الأخبار، ونقل
أن أول من نخل الدقيق معاوية. مع أن النخل لا يأتي على جميع الأجزاء القشرية

(1) الوسائل الباب 4 من الأذان والإقامة
257

لأن الأجزاء الصغيرة تنزل مع الدقيق فتؤكل، وكونها تابعة للدقيق في الأكل لا يمنع
من كونها مأكولة لصدق الأكل في الجملة. ونقل عن العلامة في النهاية أنه جوز السجود
على القطن والكتان قبل غزلهما وقوى جواز السجود على الكتان قبل غزله ونسجه وتوقف
فيه بعد غزله. والمشهور بين الأصحاب المنع في الكل إلا أنه نقل في كتاب البحار (1)
عن كتاب تحف العقول قال " قال الصادق (عليه السلام): وكل شئ يكون غذاء الانسان
في مطعمه أو مشربه أو ملبسه فلا تجوز الصلاة عليه ولا السجود إلا ما كان من نبات
الأرض من غير ثمر قبل أن يصير مغزولا فإذا صار غزلا فلا تجوز الصلاة عليه إلا في
حال الضرورة " وهو ظاهر في ما ذكره في النهاية، وربما استفيد منه بطريق الفحوى
الدلالة على جواز السجود على ما كان كذلك مما يتوقف الانتفاع به على علاج بأن يكون
ذكر الغزل من قبيل التمثيل.
(السابع) - لو وضع الانسان تربة أو شيئا مما يصح السجود عليه تحت كور
عمامته وسجد عليه، أو لو كانت قلنسوته من النبات الغير المأكول ولا الملبوس عادة وسجد
عليها فلا اشكال في صحة السجود كذلك، ونقل عن الشيخ المنع من السجود على ما
هو حامل له ككور العمامة وطرف الرداء، قال في الذكرى: فإن قصد لكونه من جنس
ما لا يسجد عليه فمرحبا بالوفاق وإن جعل المانع نفس الحمل كمذهب بعض العامة (2)
طولب بدليل المنع، مع أنه قد روى أبو بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) ثم أورد
الرواية وقد تقدمت في المقام الثالث (3) وأورد رواية أحمد بن عمر (4) الدالتين على السجود
على المحمول، ثم قال وإن احتج برواية الأصحاب عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن الصادق
(عليه السلام) (5) في السجود على العمامة " لا يجزئه ذلك حتى تصل جبهته إلى الأرض "
قلنا لا دلالة فيه على كون المانع الحمل بل جاز لفقد كونه مما يسجد عليه. انتهى. وهو جيد

(1) ج 18 الصلاة ص 366
(2) الفقه على المذاهب الأربعة قسم العبادات ص 162
(3) ص 252
(4) ص 252
(5) الوسائل الباب 14 من ما يسجد عليه
258

(الثامن) - لا خلاف ولا اشكال في أن السجود على الأرض أفضل مما أنبتت
لأنه أبلغ في التذلل والخضوع المطلوب في هذا المقام.
ويعضد ذلك جملة من الأخبار: منها - ما رواه الشيخ عن إسحاق بن الفضل (1)
" أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن السجود على الحصر والبواري فقال لا بأس
وإن تسجد على الأرض أحب إلي فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يحب ذلك أن
يمكن جبهته من الأرض فإنا أحب لك ما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحبه "
وروى الصدوق في الصحيح عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) في حديث قال: " السجود على الأرض أفضل لأنه أبلغ في التواضع
والخضوع لله عز وجل " قال وقال الصادق (عليه السلام) (3) " السجود على الأرض
فريضة وعلى غير الأرض سنة ".
أقول: قيل في معناه وجوه: (الأول) ما ذكره الكثر من أن السجود على
الأرض ثوابه ثواب الفريضة وعلى ما انبتته ثوابه ثواب السنة.
(الثاني) - أن المستفاد من أمر الله تعالى بالسجود إنما هو وضع الجبهة على
الأرض إذ هو غاية الخضوع والعبودية وأما جواز وضعها على غير الأرض فإنما استفيد
من فعل النبي (صلى الله عليه وآله) وقوله رخصة ورحمة.
(الثالث) - أن يكون المراد بالأرض أعم منها ومما انبتته والمراد بغير الأرض
تعيين شئ خاص للسجود كالخمرة واللوح أو الخريطة من طين قبر الحسين (عليه السلام).
ولا يخلو من بعد إلا أنه يؤيده ما رواه الكليني مرسلا (4) أنه قال: " السجود على
الأرض فريضة وعلى الخمرة سنة " لكن يمكن ارجاع هذا الخبر إلى الوجه الثاني بأن يحمل
ذكر الخمرة على التمثيل لما كان غير أرض، وحاصل المعنى أن السجود على الأرض فريضة

(1) الوسائل الباب 17 من ما يسجد عليه
(2) الوسائل الباب 17 من ما يسجد عليه
(3) الوسائل الباب 17 من ما يسجد عليه
(4) الوسائل الباب 11 من ما يسجد عليه
259

وغيرها مما أمر به النبي (صلى الله عليه وآله) ووردت به السنة المطهرة من الخمرة ونحوها
سنة، وحينئذ فيبقى هذا الوجه على ما هو عليه من الضعف كما ذكرنا.
وأفضل أفراد الأرض في السجود التربة الحسينية على مشرفها أفضل الصلاة
والسلام والتحية، فروى الصدوق (1) قال: " قال الصادق (عليه السلام) السجود على
طين قبر الحسين (عليه السلام) ينور إلى الأرضين السبعة، ومن كانت معه سبحة من طين
قبر الحسين (عليه السلام) كتب مسبحا وإن لم يسبح بها ".
وروى الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن
صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه (2) " أنه كتب إليه يسأله عن السجدة على لوح
من طين القبر هل فيه فضل؟ فأجاب (عليه السلام) يجوز ذلك وفيه الفضل ".
وروى الشيخ في كتاب المصباح عن معاوية بن عمار (3) قال: " كان لأبي عبد الله
(عليه السلام) خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبد الله (عليه السلام) فكان إذا
حضرته الصلاة صبه على سجادته وسجد عليه، ثم قال إن السجود على تربة أبي عبد الله
(عليه السلام) يخرق الححب السبع ".
وروى الحسن بن محمد الديلمي في كتاب الإرشاد (4) قال: " كان الصادق
(عليه السلام) لا يسجد إلا على تربة الحسين (عليه السلام) تذللا لله واستكانة إليه ".
فوائد: (الأولى) الحق سلار بالتربة الحسينية في استحباب السجود عليها اللوح
المتخذ من خشب قبورهم (عليهم السلام) سواء في ذلك قبر الحسين وغيره من الأئمة
(عليهم السلام) ولم نقف على مأخذه وبذلك اعترف شيخنا الشهيد الثاني في شرح
النفلية بعد نقل المصنف ذلك عنه.
(الثانية) - قال شيخنا المشار إليه في الشرح المذكور: ولا فرق في التربة
الشريفة بين ما شوى منها بالنار وغيره في أصل الأفضلية لشمول التربة الواردة في الخبر

(1) الوسائل الباب 16 من ما يسجد عليه
(2) الوسائل الباب 16 من ما يسجد عليه
(3) الوسائل الباب 16 من ما يسجد عليه
(4) الوسائل الباب 16 من ما يسجد عليه
260

السابق لهما لكن يكره السجود على المشوي خصوصا إذا بلغ حد الخزف على الأقوى انتهى
أقول: لا يخفى أن هذه السبح المستعملة الآن من التربة المطبوخة فإنها تصير كالخزف
فبعين ما يقال فيه من الخروج عن الأرضية بالطبخ وعدمه يقال فيها أيضا. ولي في ذلك
توقف للشك في الخروج وعدمه والاحتياط فيها عندي واجب كما تقدم ويأتي
إن شاء الله تعالى.
(الثالثة) - احتمل شيخنا المشار إليه في شرح النفلية حمل التربة في كلام
المصنف على ما يعم ما اتخذ من قبر الحسين وغيره من الأئمة والأنبياء (عليهم السلام)
الذين ثبت لهم تربة معينة وكذا الشهداء والصالحين، قال إذ لا شك في تقدسها بواسطتهم
كما تقدست التربة الحسينية بذلك وإن كانت متظافرة بها، وروى (1) " أنهم كانوا
يتخذون السبح من تربة حمزة (عليه السلام) قبل قتل الحسين (عليه السلام) وأن
فاطمة (عليها السلام) كانت لها سبحة منها فلما قتل الحسين (عليه السلام) اتخذت
من تربته الشريفة وندب إليها الأئمة عليهم السلام " ومن قرائن إرادة العموم نقله
عن سلار بعد ذلك اللوح المتخذ من خشب قبورهم (عليهم السلام) ولأن شرف التربة
أقوى من شرف الخشب. انتهى.
أقول: يمكن تطرق البحث إليه بأن الاستحباب حكم شرعي يتوقف ثبوته على الدليل
الواضح وما ذكره من التعليل المذكور لا يصلح لتأسيس الأحكام الشرعية، ولم لا يجوز
اختصاص الحسين (عليه السلام) بذلك؟ كما خص بأن الشفاء في تربته وإجابة الدعاء
تحت قبته وجعل الأئمة من ذريته (2) وإن كان غيره من الأئمة والأنبياء والصلحاء من
يرجى بهم ذلك أيضا.
(التاسع) - قد عرفت دلالة الأخبار المتكاثرة على أنه لا يجوز السجود إلا على
الأرض أو ما أنبتت وقضية ذلك دوران الصحة مدار صدق الأرضية بالنسبة إلى الأرض.

(1) الوسائل الباب 16 من التعقيب
(2) الوسائل الباب 76 من المزار
261

وقد حصل الاشكال بسبب ذلك هنا في أشياء: (الأول) الخزف وفي خروجه
بالطبخ عن الأرضية تردد، وظاهر المشهور بين المتأخرين جواز السجود عليه من غير
تردد ولا نقل خلاف حتى أن العلامة في التذكرة استدل على عدم خروجه بالطبخ
عن اسم الأرض بجواز السجود عليه وهو مشعر بأن جواز السجود عليه أمر مسلم بين
الكل، والمحقق في المعتبر مع منعه من التيمم به لخروجه بالطبخ عن اسم الأرض جوز
السجود عليه فقال بعد المنع من التيمم لخروجه عن اسم الأرض: ولا يعارض بجواز السجود
لأنه قد يجوز السجود على ما ليس بأرض كالكاغذ وقد تقدم بيان ضعف هذا الكلام
في باب التيمم من كتاب الطهارة. وبالجملة فالقائلون بالجواز إنما جوزوا ذلك من حيث
عدم خروج الخزف بالطبخ عن اسم الأرض كما صرح به الشهيدان وغيرهم وإن صرحوا
بالكراهة تفصيا من احتمال الخروج.
وممن صرح بالخروج المحقق كما عرفت وإليه يميل كلام الفاضل الخراساني في
الذخيرة والمتقدمون لم يتعرضوا لذكر هذه المسألة، ويعضد هذا القول ما تقدم في كلامه
(عليه السلام) في كتاب الفقه الرضوي من قوله في تعداد ما يمنع من السجود عليه:
" ولا على آجر يعني المطبوخ " وهذا التفسير يحتمل أن يكون منه (عليه السلام) أو
من جامع الكتاب، ومن الظاهر أن المنع إنما هو من الجهة التي ذكرنا.
قال في المدارك: والأولى اجتنابه لما ذكره المصنف من خروج بالطبخ عن اسم
الأرض وإن أمكن توجه المنع إليه فإن الأرض المحترقة يصدق عليها اسم الأرض عرفا.
ويمكن أن يستدل على الجواز أيضا بما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن الحسن
ابن محبوب عن أبي الحسن (عليه السلام) (1) " أنه سأله عن الجص يوقد عليه بالعذرة
وعظام الموتى ثم يجصص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب إليه بخطه: إن الماء والنار قد
طهراه " وجه الدلالة أنها تدل بظاهرها على جواز السجود على الجص والخزف في معناه

(1) الوسائل الباب 81 من النجاسات و 10 من ما يسجد عليه
262

ويؤيده الأخبار الكثيرة المتضمنة لجواز السجود على القرطاس وصحيحة معاوية بن عمار
المتضمنة لجواز السجود على القير (1) انتهى. وفيه بحث حررناه في شرحنا على الكتاب
وبالجملة فالمسألة عندي محل توقف والاحتياط فيها واجب وقد تقدم في باب
التيمم ما فيه زيادة بيان لما اخترناه في المقام. وأما صحيحة الحسن بن محبوب المذكورة
فقد تقدم تحقيق معناها في كتاب الطهارة في مسألة تطهير النار من المطهرات العشرة
فليرجع إليه من أحب الوقوف عليه.
و (الثاني والثالث) الجص والنورة قبل الاحراق وبعد الاحراق، وقد تقدم تحقيق
البحث في ذلك في باب التيمم من كتاب الطهارة، والحكم في البابين واحد فإنه متى
ثبتت الأرضية ترتب عليها جواز السجود والتيمم ومتى انتفت انتفيا.
(المسألة السابعة) - قد تقدم نقل اتفاق الأصحاب على طهارة موضع السجود
وأنه لا يجوز السجود على النجس وإن لم تتعد نجاسته إلى المصلي. ومن قواعدهم أيضا أن
المشتبه بالنجس في حكم النجس في المواضع المحصورة، وحينئذ فلو حصل الاشتباه في
موضع محصور امتنع السجود عليه. وقد تقدم البحث في هذه المسألة منقحا في كتاب
الطهارة في المسألة الرابعة من البحث الأول من المقصد الثاني من الباب الخامس في الطهارة
من النجاسات من أبواب الكتاب المذكور.
تتمة في أحكام المساجد
قد استفاضت الأخبار بفضل بناء المساجد والسعي إليها والصلاة فيها، قال الله تعالى
" إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش
إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين " (2).
وروى ثقة الاسلام في الكافي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبيدة الحذاء (3)

(1) ص 256
(2) سورة التوبة، الآية 18
(3) الوسائل الباب 8 من أحكام المساجد
263

قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول من بني مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة
قال أبو عبيدة فمر بي أبو عبد الله (عليه السلام) في طريق مكة وقد سويت بأحجار مسجدا
فقلت له جعلت فداك نرجو أن يكون هذا من ذاك؟ فقال نعم ".
وروى في الفقيه بإسناده عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر (عليه السلام) (1)
أنه قال: " من بنى مسجدا كمفحص قطاة بني الله له بيتا في الجنة. قال أبو عبيدة
ومر بي وأنا بين مكة والمدينة أضع الأحجار فقلت هذا من ذلك؟ فقال نعم ".
وروى الصدوق في كتاب ثواب الأعمال بسنده عن السكوني عن جعفر بن
محمد عن آبائه (عليهم السلام) (2) قال: " إن الله إذا أراد أن يصيب أهل الأرض
بعذاب قال لولا الذين يتحابون في ويعمرون مساجدي ويستغفرون بالأسحار لولاهم
لأنزلت عذابي ".
وروى أحمد بن محمد البرقي في المحاسن بسنده عن هشام الحلال (3) قال:
" دخلت أنا وأبو الصباح على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له أبو الصباح ما تقول في
هذه المساجد التي بنتها الحاج في طريق مكة؟ فقال بخ بخ تلك أفضل المساجد، من بنى
مسجدا كمفحص قطاة بنى الله بيتا في الجنة ".
وروى الشيخ في التهذيب عن علي بن الحكم عن رجل عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (4) قال: " من مشى إلى المسجد لم يضع رجلا على رطب ولا يابس إلا سبحت
له الأرض إلى الأرض السابعة ".
وروى في كتاب عقاب الأعمال بسنده فيه عن رسول الله (صلى الله عليه
وآله) (5) قال: " من مشى إلى مسجد من مساجد الله تعالى فله بكل خطوة خطاها
حتى يرجع إلى منزله عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات ".

(1) الوسائل الباب 8 من أحكام المساجد
(2) الوسائل الباب 8 من أحكام المساجد
(3) الوسائل الباب 8 من أحكام المساجد
(4) الوسائل الباب 4 من أحكام المساجد
(5) الوسائل الباب 4 من أحكام المساجد
264

وروى الشيخ في التهذيب بسنده عن الأصبغ عن علي بن أبي طالب (عليه
السلام ((1) قال: " كأن يقول من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان: أخا
مستفادا في الله أو علما مستطرفا أو آية محكمة أو يسمع كلمة تدله على هدى أو رحمة
منتظرة أو كلمة ترده عن ردى أو يترك ذنبا خشية أو حياء ".
وروى في الكافي في الصحيح عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) (2)
قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لجبرئيل يا جبرئيل أي البقاع أحب إلى
الله تعالى؟ قال المساجد، وأحب أهلها إلى الله أولهم دخولا وآخرهم خروجا منها ".
وقال في الفقيه (3): " وروي أن الله تبارك وتعالى ليريد عذاب أهل الأرض
حتى لا يحاشى منهم أحدا فإذا نظر إلى الشيب ناقلي أقدامهم إلى الصلوات والولدان يتعلمون
القرآن رحمهم الله فأخر ذلك عنهم ".
وروى الشيخ في التهذيب عن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (4)
قال: " قال النبي (صلى الله عليه وآله) من كان القرآن حديثه والمسجد بيته بنى الله له
بيتا في الجنة ".
وعن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) (5) قال:
" لا صلاة لمن لم يشهد الصلوات المكتوبات من جيران المسجد إذا كان فارغا صحيحا "
وروى شيخ الطائفة في كتاب المجالس عن أبي ذر (رضي الله عنه) في حديثه
الطويل مما أوصاه به رسول الله (صلى الله عليه وآله) (6) قال: " يا أبا ذر من أجاب
داعي الله وأحسن عمارة مساجد الله كان ثوابه من الله الجنة. فقلت بأبي أنت وأمي

(1) الوسائل الباب 3 من أحكام المساجد
(2) السوائل الباب 68 من أحكام المساجد
(3) الوسائل الباب 3 من أحكام المساجد
(4) الوسائل الباب 3 من أحكام المساجد
(5) الوسائل الباب 2 من أحكام المساجد
(6) البحار 18 الصلاة ص 132 وفي الوسائل الباب 17 من أحكام المساجد و 2 من المواقيت
265

يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) كيف يعمر مساجد الله؟ قال لا ترفع فيها الأصوات
ولا يخاض فيها بالباطل ولا يشترى فيها ولا يباع واترك اللغو ما دمت فيها فإن لم تفعل
فلا تلومن يوم القيامة إلا نفسك، يا أبا ذر إن الله يعطيك ما دمت جالسا في المسجد
بكل نفس تتنفس فيه درجة في الجنة وتصلي عليك الملائكة ويكتب لك بكل نفس
تنفست فيه عشر حسنات ويمحى عنك عشر سيئات. يا أبا ذر يقول الله إن أحب العباد
إلي المتحابون بحلالي المتعلقة قلوبهم بالمساجد المستغفرون بالأسحار أولئك إذا أردت بأهل
الأرض عقوبة ذكرتهم فصرفت العقوبة عنهم؟ يا أبا ذر كل جلوس في المسجد لغو إلا
ثلاثة: قراءة مصل أو ذاكر الله تعالى أو مسائل عن علم... الحديث ".
وروى في كتاب الهداية مرسلا (1) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله) في التوراة مكتوب أن بيوتي في الأرض المساجد فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم
زارني في بيتي إلا أن على المزور كرامة الزائر إلا بشر المشائين في الظلمات إلى المساجد
بالنور الساطع يوم القيامة ".
وروى الشيخ في كتاب المجالس بسنده فيه عن زريق بن الزبير الخلقاني (2)
قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول شكت المساجد إلى الله تعالى الذين
لا يشهدونها من جيرانها فأوحى الله تعالى إليها وعزتي وجلالي لا قبلت لهم صلاة واحدة
ولا أظهرت لهم في الناس عدالة ولا نالتهم رحمتي ولا جاوروني في جنتي ".
أقول: يمكن حمل هذا الخبر على ظاهره بالنسبة إلى من هجر المساجد تهاونا
بحرمتها واستخفافا بما حث الله تعالى عليه من اتيانها، ومثله في الأخبار غير عزيز وإلا فحمله
على ظاهره مطلقا مشكل.
وروى الشيخان ثقة الاسلام في الكافي والشيخ في التهذيب في الصحيح أو الحسن

(1) مستدرك الوسائل الباب 30 من أحكام المساجد
(2) الوسائل الباب 2 من أحكام المساجد
266

عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " سمعته يقول إن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) بنى مسجده بالسميط، ثم إن المسلمين كثروا فقالوا يا رسول الله (صلى
الله عليه وآله) لو أمرت بالمسجد فزيد فيه فقال نعم فأمر به فزيد فيه وبناه بالسعيدة، ثم إن
المسلمين كثروا فقالوا يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) لو أمرت بالمسجد فزيد فيه فقال
نعم فأمر به فزيد فيه وبنى جداره بالأنثى والذكر، ثم اشتد عليهم الحر فقالوا يا رسول الله (صلى
الله عليه وآله) لو أمرت بالمسجد فظلل فقال نعم فأمر به فأقيمت فيه سواري من جذوع
النخل ثم طرحت عليه العوارض والخصف والإذخر فعاشوا فيه حتى أصابتهم الأمطار
فجعل المسجد يكف عليهم فقالوا يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) لو أمرت بالمسجد
فطين فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا، عريش كعريش موسى (عليه السلام)
فلم يزل كذلك حتى قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان جداره قبل أن يظلل
قامة فكان إذا كان الفئ ذراعا وهو قدر مربض عنز صلى الظهر فإذا كان ضعف
ذلك صلى العصر. وقال السميط لبنة لبنة والسعيدة لبنة ونصف والأنثى والذكر
لبنتان متخالفتان ".
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الأصحاب (رضوان الله عليهم) قد ذكروا للمساجد
أحكاما: مستحبات ومحرمات ومكروهات وغيرها، فالواجب ذكر الجميع في مقامات أربعة:
(الأول) في المستحبات: ومنها - اتخاذ المساجد مكشوفة، أما اتخاذها فقد عرفت
استفاضة الأخبار به مضافا إلى الاجماع من الخاصة والعامة، وأما استحباب كونها مكشوفة
فاستدلوا عليه بما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (2) قال: " سئل
أبو عبد الله (عليه السلام) عن المساجد المظللة أيكره الصلاة فيها؟ قال نعم ولكن لا يضركم
اليوم ولو قد كان العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك ".
أقول: فيه أن ظاهر صحيحة عبد الله بن سنان أو حسنته المتقدمة هو استحباب

(1) الوسائل الباب 9 من أحكام المساجد
(2) الوسائل الباب 9 من أحكام المساجد
267

التظليل وهو الذي فعله (صلى الله عليه وآله) لما شكوا إليه شدة الحر والمكروه إنما هو
التسقيف وهو الذي امتنع منه لما شكوا إليه المطر.
وشيخنا الشهيد في الذكرى بعد أن ذكر الحكم المذكور استشعر ما ذكرناه فقال
في الجمع بين الخبرين المذكورين جاعلا التأويل في جانب خبر الحلبي: ولعل المراد به
تظليل جميع المسجد أو تظليل خاص أو في بعض البلدان وإلا فالحاجة ماسة إلى التظليل لدفع
الحر والقر. وعلى هذا نسج من تأخر عنه.
أقول: الظاهر أن وجه الجمع بين الخبرين إنما هو حمل التظليل في خبر الحلبي
على التسقيف الذي ظهر كراهته من خبر عبد الله بن سنان، ويؤيده أنه هو الذي صار
معمولا عليه بعد موته (صلى الله عليه وآله) إذ المستفاد من الأخبار أن المساجد في زمن
خلفاء الجور من الأموية والعباسية كانت مسقفة بل مزخرفة كما ستأتي الإشارة إليه إن شاء
الله تعالى، وإليه يشير قوله (عليه السلام): " ولو كان العدل لرأيتم... الخ " إشارة
إلى كسر تلك السقوف بعد قيام القائم (عجل الله فرجه) كما يدل عليه ما رواه في الفقيه
مرسلا عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) أنه قال: " أول ما يبدأ به قائمنا سقوف
المساجد فيكسرها ويأمر بها فتجعل عريشا كعريش موسى عليه السلام " وما رواه
الشيخ في كتاب الغيبة بسنده عن أبي بصير (2) قال: " إذا قام القائم (عليه السلام)
دخل الكوفة وأمر بهدم المساجد الأربعة حتى يبلغ أساسها ويصيرها عريشا كعريش
موسى عليه السلام... " أقول: قال الجوهري العرش والعريش ما يستظل به. ومن ذلك
يظهر أن المراد بالتظليل في خبر الحلبي إنما هو السقوف فإنها هي التي يكسرها (عليه
السلام) لا التظليل فإنه يجعل تلك المساجد بعد خراب السقوف مظللة. وهذا بحمد الله
سبحانه أظهر ظاهر لكل ناظر.
ومنها - جعل الميضاة على أبوابها، والمراد بالميضاة الموضع الذي يتطهر فيه من

(1) الوسائل الباب 9 من أحكام المساجد
(2) مستدرك الوسائل الباب 7 من أحكام المساجد
268

البول والغائط وهو كناية عن مواضع قذف النجاسة والتطهير منها.
ويدل على ذلك ما رواه الشيخ عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي إبراهيم (عليه
السلام) (1) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) جنبوا مساجدكم صبيانكم
ومجانينكم وشراءكم وبيعكم واجعلوا مطاهركم على أبواب مساجدكم ".
ونقل في البحار (2) عن أصل من أصول أصحابنا بسنده فيه عن السكوني عن
جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: " قال رسول الله (صلى الله
عليه وآله) ضعوا المطاهر على أبواب المساجد ".
ونقل في البحار (3) عن الراوندي في النوادر بإسناده عن موسى بن جعفر عن
آبائه (عليهم السلام) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) جنبوا مساجدكم
مجانينكم وصبيانكم ورفع أصواتكم إلا بذكر الله تعالى وبيعكم وشراءكم وسلاحكم وجمروها
في كل سبعة أيام وضعوا المطاهر على أبوابها.
وأيد بعض الأصحاب الحكم المذكور بأنها لو جعلت داخلها لتأذى المسلمون
برائحتها وهو مطلوب الترك.
ونقل عن ابن إدريس أنه منع من جعل الميضاة في وسط المسجد قال في الذكرى
وهو حق إن لم تسبق المسجد وهو جيد لأنه متى بنى المسجد بعد تقدم المطهرة وجعل
حولها بحيث تكون في وسطه فإنه لا موجب للمنع إلا من حيث عدم رعاية الأدب
والاحترام المطلوب في هذا المكان.
وأما حكم الوضوء في المسجد فقد تقدم في المسألة الثامنة عشرة من المسائل الملحقة
بالوضوء من كتاب الطهارة إلا أنه قال السيد السند هنا في المدارك: ولم يتعرض المصنف
لحكم الوضوء في المسجد وقد قطع العلامة ومن تأخر عنه بكراهته من البول والغائط لما

(1) الوسائل الباب 27 و 25 من أحكام المساجد والراوي في كتب الحديث هو (عبد الحميد)
(2) ج 18 الصلاة ص 136
(3) ج 18 الصلاة ص 107
269

رواه الشيخ في الصحيح عن رفاعة (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
الوضوء في المسجد فكرهه من الغائط والبول " ويمكن حمل الوضوء فيها على الاستنجاء
أو على ما يتناوله كما أومأ إليه في المعتبر. انتهى.
أقول: ظاهره إنه مع حمل الوضوء في الخبر على الاستنجاء فغاية ما يدل عليه
هو الكراهة. وهو على اطلاقه مشكل لأنهم وإن صرحوا بطهارة ماء الاستنجاء إلا أن
ذلك مشروط بشروط مذكورة ثمة وليس كل استنجاء يكون كذلك بل المعلوم عادة
هو اختلال بعض الشروط وحينئذ فيكون نجسا، وظاهر الأصحاب الاتفاق على تحريم
إدخال النجاسة المتعدية إلى المسجد وآلاته وبه صرح هو أيضا، وإليه يشير جملة من
الأخبار مثل رواية تعاهد النعلين عند دخول المسجد (2) ورواية أمر النبي (صلى الله
عليه وآله) بتطهير بول الأعرابي في المسجد (3) وظاهر قوله عز وجل "... فلا تقربوا
المسجد الحرام... " (4) وعلى هذا فالأظهر بناء على حمل الوضوء على الاستنجاء هو حمل
الكراهة في الخبر على التحريم فإن اطلاقها بهذا المعنى أكثر كثير كما أشرنا إليه في غير
موضع وبه اعترف السيد المشار إليه في مواضع من شرحه. والله العالم.
ومنها - تجمير المساجد في كل سبعة أيام وهذا الحكم وإن لم يذكره الأصحاب
(رضوان الله عليهم) إلا أنه مدلول خبر الراوندي المذكور في سابق هذا الموضع ونحوه
في كتاب دعائم الاسلام حيث قال عن علي (عليه السلام) (5) قال: " جنبوا مساجدكم
رفع أصواتكم وبيعكم وشرائكم وسلاحكم وجمروها في كل سبعة أيام وضعوا فيها المطاهر "
وأصحابنا يكتفون في أدلة السنن بأمثال هذه الأخبار بل ما هو أضعف. وما تضمنه هذا
الخبر من قوله: " وضعوا فيها المطاهر " الظاهر جعل " في " تعليلية مثل قوله (صلى الله

(1) الوسائل الباب 57 من الوضوء
(2) الوسائل الباب 24 من أحكام المساجد
(3) ج 1 ص 309
(4) سورة التوبة، الآية 28
(5) البحار ج 18 الصلاة ص 136
270

عليه وآله) (1) " دخلت امرأة النار في هرة ربطتها " فلا ينافي ما تقدم من استحباب جعلها على أبواب المساجد.
ومنها - جعل المنارة في الحائط لا في وسط المسجد، وعلله العلامة في النهاية بما
فيه من التوسعة ورفع الحجاب بين المصلين، وأطلق الشيخ في النهاية المنع من جعل المنارة
في وسط المسجد. قيل وهو حق إن تقدمت المسجدية علي بنائها.
أقول: لم أقف في هذا المقام على خبر عنهم (عليهم السلام) نعم ورد ما يدل
على النهي عن ارتفاع المنارة وبه قال الأصحاب أيضا حيث صرحوا بكراهة ارتفاع المنارة
زيادة على سطح المسجد لئلا يشرف المؤذنون على جيران المسجد، ويدل عليه ما رواه
السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) (2) " أن عليا (عليه السلام)
مر على منارة طويلة فأمر بهدمها ثم قال لا ترفع المنارة إلا مع سطح المسجد " ونقل
شيخنا في البحار (3) عن كتاب كشف الغمة نقلا من دلائل الحميري عن أبي هاشم
الجعفري قال: " كنت عند أبي محمد (عليه السلام) فقال إذا خرج القائم أمر بهدم
المنار والمقاصير التي في المساجد فقلت في نفسي لأي معنى هذا؟ فأقبل علي فقال معنى هذا
أنها محدثة مبتدعة لم يبنها نبي ولا حجة ".
أقول: قد ذكر بعض مشايخنا (عطر الله مراقدهم) أن تطويل المنارة من بدع
عمر. ويؤيده ما رواه الشيخ في الموثق عن علي بن جعفر (4) قال: " سألت أبا الحسن
(عليه السلام) عن الأذان في المنارة أسنة هو؟ فقال إنما كان يؤذن للنبي (صلى الله
عليه وآله) في الأرض ولم يكن يومئذ منارة " وأما المقاصير وهي المحاريب الداخلة كما
يأتي بيانه إن شاء الله تعالى فهي من بدع الأموية.

(1) تيسير الوصول ج 2 ص 114 عن ابن عمر قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله
دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض ".
(2) الوسائل الباب 25 من أحكام المساجد
(3) ج 18 الصلاة ص 134
(4) الوسائل الباب 25 من أحكام المساجد
271

ومنها - تقديم الرجل اليمنى للدخول والرجل اليسرى للخروج، قال في المدارك
علله في المعتبر بأن اليمين أشرف فيدخل بها إلى الموضع الشريف وبعكسه الخروج.
أقول: ظاهر اقتصار هذين الفاضلين على هذا التعليل عدم وقوفهما على نص يدل على
ذلك مع أنه روى ثقة الاسلام في الكافي بسنده عن يونس عنهم (عليهم السلام) (1)
قال قال: " الفضل في دخول المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى إذا دخلت وباليسرى
إذا خرجت ".
ومنها - تعاهد نعله عند الدخول لما رواه الشيخ عن عبد الله بن ميمون القداح
عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (2) " قال قال النبي (صلى الله عليه وآله)
تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم ".
وروى الحسن بن الفضل الطبرسي في كتاب مكارم الأخلاق عن النبي (صلى
الله عليه وآله) (3) " في قوله تعالى خذوا زينتكم عند كل مسجد (4). قال تعاهدوا
نعالكم عند أبواب المساجد ".
والمشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو تفسير التعاهد باستعلام
حالها عند الدخول استظهارا للطهارة. واحتمل بعض مشايخنا أن المراد بتعاهد النعل أن
يودعه عند أمين ونحوه لئلا يشتغل قبله في حال الصلاة به. والظاهر بعده، قال
الجوهري: التعهد التحفظ بالشئ وتجديد العهد به وهو أفصح من قولك تعاهدت لأن
التعاهد إنما يكون بين اثنين. قال شيخنا في البحار بعد نقل ذلك عنه: أقول ورود
الرواية عن أفصح الفصحاء يدل على خطأ الجوهري بل يطلق التفاعل في ما لم يكن بين
اثنين للمبالغة إذ ما يكون بين اثنين يكون المبالغة والاهتمام فيه أكثر. أقول: لا يخفى
أن لفظ التعاهد قد ورد كثيرا في الأخبار وكلام البلغاء بمعنى التعهد كما ورد في تعاهد

(1) الوسائل الباب 40 من أحكام المساجد
(2) الوسائل الباب 24 من أحكام المساجد
(3) الوسائل الباب 24 من أحكام المساجد
(4) سورة الأعراف. الآية 31
272

الجيران وتعاهد القرآن وقولك فلان يتعاهدنا أي يراعينا ويحنو علينا، وبالجملة فإن
استعمال التعاهد بمعنى التعهد كثير شائع فلا منافاة بين ما ذكره الجوهري وبين وروده
في الأخبار ولا ضرورة إلى تخطئة الجوهري فإن استعمال المجاز شائع في القرآن والأخبار
أكثر من استعمال الحقائق، فالتعاهد وإن كان من حيث الأصل والحقيقة لا يستعمل
إلا بين اثنين كما هو قاعدة باب التفاعل إلا أنه يستعمل بمعنى التعهد مجازا شائعا.
ومنها - الدعاء عند دخول المسجد وعند الخروج منه واستحباب الوقوف والدعاء بعد
الخروج فروى ثقة الاسلام في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: " إذا دخلت المسجد فصل على النبي (صلى الله عليه وآله) وإذا خرجت فافعل ذلك ".
وروى الشيخ في الموثق عن سماعة (2) قال: " إذا دخلت المسجد فقل بسم الله
والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله إن الله وملائكته يصلون على محمد وآل محمد والسلام عليهم ورحمة
الله وبركاته رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك. وإذا خرجت فقل مثل ذلك ".
وعن عبد الله بن الحسن (3) قال: " إذا دخلت المسجد فقل اللهم اغفر لي وافتح
لي أبواب رحمتك وإذا خرجت فقل اللهم اغفر لي وافتح لي أبواب فضلك ".
ورواه الحسن بن الشيخ الطوسي في مجالسه بسنده عن عبد الله بن الحسن عن
أمه فاطمة عن جدته فاطمة (عليها السلام) (4) قالت: " كان رسول الله (صلى الله
عليه وآله) إذا دخل المسجد صلى على النبي وقال اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب
رحمتك وإذا خرج من الباب صلى على النبي (صلى الله عليه وآله) وقال اللهم اغفر لي
ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك " أقول: ومن هذا الخبر يعلم أن عبد الله بن الحسن في رواية
التهذيب هو عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام وأمه فاطمة

(1) الوسائل الباب 40 من أحكام المساجد
(2) الوسائل الباب 39 من أحكام المساجد
(3) الوسائل الباب 39 من أحكام المساجد
(4) الوسائل الباب 41 من أحكام المساجد
273

بنت الحسين (عليه السلام) وجدته فاطمة الزهراء (عليها السلام).
وروى في الكافي عن أبي حفص العطار شيخ من أهل المدينة (1) قال: " سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا صلى أحدكم
المكتوبة وخرج من المسجد فليقف بباب المسجد ثم ليقل اللهم دعوتني فأجبت دعوتك
وصليت مكتوبتك وانتشرت في أرضك كما أمرتني فأسألك من فضلك العمل بطاعتك
واجتناب سخطك والكفاف من الرزق برحمتك ".
ومنها - التطهير لدخول المسجد فروى الصدوق (2) قال: " روي أن في التوراة
مكتوبا أن بيوتي في الأرض المساجد فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي... الحديث "
وقد تقدم نقلا عن هداية الصدوق، ورواه أيضا في ثواب الأعمال وفي العلل (3) كما مر.
وروى الشيخ في التهذيب بسنده عن العلاء بن الفضيل عن من رواه عن
أبي جعفر (عليه السلام) (4) قال: " إذا دخلت المسجد وأنت تريد أن تجلس فلا تدخله
إلا طاهرا وإذا دخلته فاستقبل القبلة ثم ادع الله واسأله وسم حين تدخله واحمد الله وصل
على النبي صلى الله عليه وآله.
ومنها - كنسها واخراج الكناسة ولا سيما يوم الخميس وليلة الجمعة لما رواه الشيخ
عن عبد الحميد عن أبي إبراهيم (عليه السلام) (5) قال " قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله) من كنس المسجد يوم الخميس وليلة الجمعة فاخرج منه من التراب ما يذر في العين
غفر الله له " ورواه الصدوق في كتبه مسندا في بعض ومرسلا في آخر (6).
وروى في الأمالي بسنده عن سلام بن غانم عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) (7)
" أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال من قم مسجدا كتب الله له عتق رقبة ومن أخرج منه

(1) الوسائل الباب 41 من أحكام المساجد
(2) الوسائل الباب 39 من أحكام المساجد
(3) الوسائل الباب 39 من أحكام المساجد
(4) الوسائل الباب 39 من أحكام المساجد
(5) الوسائل الباب 32 من أحكام المساجد
(6) الوسائل الباب 32 من أحكام المساجد
(7) الوسائل الباب 32 من أحكام المساجد
274

ما يقذى عينا كتب الله عز وجل له كفلين من رحمته " ورواه البرقي في المحاسن مثله.
ومنها - الاسراج فيها لما رواه الشيخ في التهذيب بسنده عن أنس (1) قال:
" قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أسرج في مسجد من مساجد الله سراجا لم
تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوء من ذلك السراج "
ورواه الصدوق في كتبه مرسلا في بعض ومسندا في آخر (2) واطلاق الخبر أعم من أن
يكون في المسجد من يصلي أم لا وبه صرح بعض الأصحاب.
قالوا ولا يتوقف ذلك على إذن الناظر إذا كان ما يسرج به من مال المسرج نعم
لو كان من مال المسجد توقف عليه. ولو لم يكن له ناظر معين وتعذر استئذان الحاكم
جاز لآحاد ثقات المؤمنين تولى ذلك فعلا وإذنا كما في سائر الأمور الحسبية.
ومنها - تحية المسجد لما رواه الصدوق في كتاب معاني الأخبار والخصال بسنده
فيهما عن أبي ذر (رضي الله عنه) (3) قال: " دخلت على رسول الله (صلى الله عليه
وآله) وهو في المسجد جالس فقال يا أبا ذر إن للمسجد تحية. قلت وما تحيته؟ قال ركعتان
تركعهما... الحديث ".
وروى الصدوق في الفقيه عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه (عليهم
السلام) (4) في حديث المنهي قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا تجعلوا
المساجد طرقا حتى تصلوا فيها ركعتين ".
وروى في الذكرى عن أبي قتادة عن النبي (صلى الله عليه وآله) (5) قال: " إذا
دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع " وليدع الله تعالى عقيبهما وليصل على النبي
(صلى الله عليه وآله) وإن لم يصل جلس مستقبل القبلة وحمد الله وصلى على النبي ودعا

(1) الوسائل الباب 34 من أحكام المساجد
(2) الوسائل الباب 34 من أحكام المساجد
(3) الوسائل الباب 42 من أحكام المساجد
(4) الوسائل الباب 67 من أحكام المساجد
(5) ارجع إلى التعليقة 1 ص 276
275

الله وسأل حاجته. أقول: لا يبعد أن يكون هذا الخبر من طريق العامة (1) فإني لم أقف
عليه في كتب أخبارنا ولا سيما البحار الجامع لجميع الأخبار.
ومنها - التطيب ولبس الثياب الفاخرة عند قصد المسجد والدعاء فيه لما رواه
في الكافي عن الحسين بن يزيد عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: " إن علي بن الحسين (عليهما السلام) استقبله مولى له في ليلة باردة وعليه جبة خز
ومطرف خز وعمامة خز وهو متغلف بالغالية فقال جعلت فداك في مثل هذه الساعة على
هذه الهيئة إلى أين؟ فقال إلى مسجد جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخطب
الحور العين إلى الله عز وجل ".
وعن محمد بن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (3) قال: " خرج علي بن الحسين
(عليهما السلام) ليلة وعليه جبة خز وكساء خز قد غلف لحيته بالغالية فقالوا في هذه
الساعة في هذه الهيئة إلى أين؟ فقال إني أريد أن أخطب الحور العين إلى الله عز وجل
في هذه الليلة ".
ومنها - تعدد الصلاة في بقاء المسجد لما رواه الصدوق في كتاب المجالس (4)
عن مرازم عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: " عليكم باتيان المساجد فإنها بيوت
الله في الأرض ومن أتاها متطهرا طهره الله من ذنوبه وكتب من زواره فأكثروا فيها
من الصلاة والدعاء وصلوا من المساجد في بقاع مختلفة فإن كل بقعة تشهد للمصلي
عليها يوم القيامة ".
(المقام الثاني) - في المحرمات وهي - على ما ذكره الأصحاب - أمور:

(1) في صحيح مسلم ج 5 ص 226 عن أبي قتادة " إذا دخل أحدكم المسجد فلا
يجلس حتى يركع ركعتين ".
(2) الوسائل الباب 23 من أحكام المساجد
(3) الوسائل الباب 23 من أحكام المساجد
(4) ص 216 وفي الوسائل في الباب 10 من الوضوء و 42 من مكان المصلي
276

(الأول) إدخال النجاسة إليها، وقد تقدم البحث في ذلك في صدر البحث
الثاني من المقصد الثاني من الباب الخامس من كتاب الطهارة، وقد أوضحنا ثمة أنهم
لا دليل لهم وراء الاجماع بالنسبة إلى النجاسة المتعدية إلا أن في أخبار تعاهد النعل عند
دخول المسجد ما يشير إلى ذلك والاحتياط ظاهر. وذكر جملة منهم تحريم إزالة النجاسة
فيها وعلله في المعتبر بأن ذلك يعود إليها بالتنجيس. ومقتضاه اختصاص التحريم بما إذا
استلزمت الإزالة تنجيس المسجد، ونقل عن المحقق الشيخ على عموم المنع وإن كانت
الإزالة في ما لا ينفعل كالكثير لما فيه من الامتهان المنافي لقوله (صلى الله عليه وآله) (1)
" جنبوا مساجدكم النجاسة " وهو ضعيف.
و (الثاني) - زخرفتها ونقشها بالصور، والمراد بالزخرفة النقش بالزخرف
وهو الذهب وبالصور ما هو أعم من ذوات الأرواح وغيرها، وبعضهم كالمحقق في
المعتبر والشهيد في الذكرى عبر بالنقش مطلقا، والشهيد في البيان حرم زخرفتها ونقشها
وتصويرها بما فيه روح وكره غيره كالشجرة، وفي الدروس كره الجميع.
واستدل عليه في المعتبر والمنتهى بأنه بدعة لم يفعل في زمن النبي (صلى الله
عليه وآله) ولا أحد من الصحابة، وبما رواه الشيخ عن عمرو بن جميع (2) قال:
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في المساجد المصورة فقال أكره ذلك
ولكن لا يضركم ذلك اليوم ولو قد قام العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك ".
ورده جملة من المتأخرين - الظاهر أن أولهم السيد السند في المدارك - بضعف سند
الرواية المذكورة لاشتماله على عدة من المجاهيل والضعفاء، قال والتعليل الأول لا يعطي
أزيد من الكراهة.

(1) قال في الوسائل في الباب 24 من أحكام المساجد: روى جماعة من أصحابنا في كتب
الاستدلال عن النبي " ص " أنه قال " جنبوا مساجدكم النجاسة ".
(2) الوسائل الباب 15 من أحكام المساجد
277

أقول: ما ذكره في الجواب عن الأول جيد. وأما الجواب عن الرواية فالأظهر
أن يقال إنها إنما اشتملت على لفظ الكراهة وهو أعم من التحريم فلا تقوم حجة على التحريم
ويعضد ذلك ما رواه الحميري في كتاب قرب الإسناد بإسناده عن علي بن جعفر عن
أخيه (عليه السلام) (1) قال: " سألته عن المسجد يكتب في القبلة القرآن أو شئ
من ذكر الله قال لا بأس. وسألته عن المسجد ينقش في قبلته بجص أو أصباغ قال لا بأس "
فإنه ظاهر في جواز النقش مطلقا. وما ذكره في الخبر من جواز كتابة القرآن والذكر في
قبلة المسجد لا ينافي كراهة النظر إليه حال الصلاة كما تقدم. وبذلك يظهر لك أن
ما ذكروه من التحريم هنا لا مستند له يعتمد عليه، نعم الظاهر هو الكراهة في الصور
وأما النقش فلا.
و (الثالث) - بيع آلاتها وقيده جملة منهم بعدم الحاجة إلى بيعها لعمارته أو عمارة
غيره من المساجد فلو بدت الحاجة إلى ذلك لما ذكر لم يحرم بيعها وكذا لو اقتضت المصلحة
بيعها كما لو خيف عليها التلف أو كانت رثة لا ينتفع بها في المسجد، قالوا وكما يجوز بيعها
لعمارة مسجد آخر يجوز صرفها فيه بطريق أولى لاتحاد المالك وهو الله تعالى. أقول:
والمسألة وإن كانت عارية عن النصوص على الخصوص لكن كلامهم (رضوان الله
عليهم) لا يخرج عن مقتضى الأصول المقررة والقواعد المعتبرة.
و (الرابع) - اتخاذها أو بعضها في ملك أو طريق بأن يتملك ويتصرف
فيه تصرف الملاك في أملاكهم أو يتخذ طريقا دائما بحيث تنمحي صورة المسجدية على
كلا الأمرين، ولا ريب في التحريم حينئذ لأن ذلك تغيير للوقف وتخريب لموضع
العبادة وكلاهما محرم لقوله سبحانه " ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه
وسعى في خرابها... الآية " (2) وحينئذ فيجب عليه إعادتها إلى ما كانت عليه بل
يجب ذلك على كل ذي قدرة ويد مبسوطة. وأما جعلها طريقا مع بقاء المسجدية فسيأتي

(1) الوسائل الباب 15 من أحكام المساجد
(2) سورة البقرة، الآية 108
278

ذكره إن شاء الله تعالى في المكروهات. وكذا لو زالت آثار المسجدية بالكلية فإنه لا يجوز
تملكها لأن العرصة لا تخرج عن الوقف وما كانت عليه من المسجدية بزوال العمارة
وخراب البناء بل أحكام المسجدية ثابتة لها وإن كانت كذلك من غير شك ولا اشكال.
و (الخامس) - تمكين اليهود والنصارى من دخولها فروى الراوندي بسنده
عن موسى بن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) (1) قال: " قال رسول الله (صلى الله
عليه وآله) ليمنعن أحدكم مساجدكم يهودكم ونصاراكم وصبيانكم ومجانينكم أو ليمسخن
الله تعالى قردة وخنازير ركعا سجدا ".
وروى في كتاب دعائم الاسلام عن علي (عليه السلام) (2) أنه قال: " لتمنعن
مساجدكم يهودكم ونصاراكم وصبيانكم ومجانينكم أو ليمسخنكم الله تعالى قردة وخنازير
ركعا سجدا ".
وظاهر الأصحاب أن منعهم على جهة الوجوب، قال في الذكرى لا يجوز لأحد
من المشركين الدخول في المساجد على الاطلاق ولا عبرة بإذن المسلم له لأن المانع
نجاسته للآية (3) (فإن قلت) لا تلويث هنا (قلت) معرض له غالبا وجاز اختصاص
هذا التغليظ بالكافر وقول النبي (صلى الله عليه وآله) (4) " من دخل المسجد فهو
آمن " منسوخ بالآية وكذا ربط ثمامة في المسجد إن صح (5). انتهى. قال شيخنا
في البحار ويحتمل أن يكون القوم الممسوخة من النصاب والمخالفين وقد مسخوا الآن
معنى بتركهم الولاية فلم يبق فيهم شئ من الانسانية وقد مسح الصادق (عليه السلام)
يده على عين بعض شيعته فرآهم في الطواف بصور القردة والخنازير (6). انتهى.
أقول: وحينئذ فما ورد في هذين الخبرين من إضافة المجانين والصبيان محمول على

(1) البحار ج 18 الصلاة ص 127 و 136
(2) البحار ج 18 الصلاة ص 127 و 136
(3) ص 270
(4) الكامل لابن الأثير ج 2 ص 66 في فتح مكة
(5) أسد الغابة ج 1 ص 246
(6) البحار ج 11 ص 74 والحديث بين الباقر " ع " وأبي بصير
279

الكراهة كما سيأتي في المقام الثالث إن شاء الله تعالى ويكون النهي هنا مستعملا في
التحريم والكراهة، واستعمال اللفظ في حقيقته ومجازه كثير في الأخبار وقد تقدم أمثاله
في غير موضع.
و (السادس) - اخراج الحصى وقيدها بعضهم بما إذا كانت تعد من أجزاء
المسجد أو من آلاته أما لو كانت قمامة كان اخراجها مستحبا. واستدل القائلون بالتحريم
على ذلك بما رواه وهب بن وهب عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) (1) قال: " إذا
أخرج أحدكم الحصاة من المسجد فليردها مكانها أو في مسجد آخر فإنها تسبح " وردها
جملة من متأخري المتأخرين: أولهم - صاحب المدارك بضعف وهب بن وهب المذكور
وأنه لا تعويل على روايته (2) وظاهرهم نفي الحكم بالكلية وإن كان على جهة الكراهة،
واختار المحقق في المعتبر وجماعة كراهة ذلك. والأكثر حكموا بوجوب الإعادة إلى ذلك
المسجد، وقال الشيخ لو ردها إلى غيره من المساجد أجزأ كما دل عليه الخبر. ولعل قوله
(عليه السلام) في الخبر " فإنها تسبح " إشارة إلى قوله عز وجل " وإن من شئ
إلا يسبح بحمده " (3) وكأن المراد بهذا الكلام التنبيه على أنكم لا تقولوا إنها جماد لا يضر
اخراجها بل هي من المسبحين الذاكرين الله عز وجل فلا ينبغي اخراجها واخلاء المسجد
من تسبيحها " ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه " (4).
(المقام الثالث) - في المكروهات وهي أمور: منها - أن يجعل لها شرفا بضم
الشين وفتح الراء جمع شرفة بسكون الراء كغرف وغرفة لما رواه الشيخ عن طلحة بن
زيد عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) (5) " أنه رأى مسجدا بالكوفة قد
شرف فقال كأنه بيعة وقال إن المساجد تبنى جما لا تشرف " ورواه الصدوق في

(1) الوسائل الباب 26 من أحكام المساجد
(2) ارجع إلى التعليقة 1 ص 81 ج 2
(3) سورة بني إسرائيل، الآية 46
(4) سورة البقرة، الآية 108
(5) الوسائل الباب 15 من أحكام المساجد
280

العلل بسنده عن طلحة بن زيد مثله (1).
وروى الشيخ المفيد في الإرشاد عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) (2)
قال: " إذا قام القائم (عليه السلام) لم يبق مسجد على وجه الأرض له شرف إلا
هدمها وجعلها جما ".
والشرف ما يجعل في أعلى الجدران فتخرج عن الاستواء، قال في النهاية: الجماء التي
لا قرن لها ومنه حديث ابن عباس " أمرنا أن نبني المدائن شرفا والمساجد جما " الشرف
التي طولت أبنيتها بالشرف واحدتها شرفة، والجم التي لا شرف لها، وجم جمع أجم،
شبه الشرف بالقرون.
ومنها - اتخاذ المحاريب في المسجد وقيدها جملة من الأصحاب (رضوان الله
عليهم) بالداخلة في الحائط، قال في المدارك بعد ذكر ما ذكرناه: هذا الحكم ذكره الشيخ
وجمع من الأصحاب واستدل عليه في المعتبر بما رواه الشيخ عن طلحة بن زيد عن جعفر
عن أبيه عن علي (عليهم السلام) (3) " أنه كان يكسر المحاريب إذا رآها في المساجد
ويقول كأنها مذابح اليهود " وهذه الرواية غير صريحة في كراهة المحاريب الداخلة في الحائط
بل الظاهر منها كراهة المحاريب الداخلة في المسجد لأنها التي تقبل الكسر، وذكر الشارح
أن المراد بالمحاريب الداخلة في الحائط الداخلة كثيرا ولم أقف على نص يتضمن كراهة
المحاريب الداخلة بهذا المعنى مطلقا. انتهى كلامه زيد مقامه. وهو جيد
أقول: قد تقدم خبر أبي هاشم الجعفري عن أبي محمد (عليه السلام) (4) الدال على أن القائم (عليه السلام) إذا قام أمر بهدم المنابر والمقاصير التي في المساجد فيمكن حمل
خبر طلحة المذكور على هذا ويختص الحكم حينئذ بالمقاصير وهي التي تبنى في المسجد
دون المحاريب الداخلة في الحائط ويعضده أنه الأنسب بالكسر.

(1) البحار ج 18 الصلاة ص 128 و 132 وفي الوسائل الباب 15 من أحكام المساجد
(2) البحار ج 18 الصلاة ص 128 و 132 وفي الوسائل الباب 15 من أحكام المساجد
(3) الوسائل الباب 31 من أحكام المساجد
(4) ص 271
281

وقال شيخنا الشهيد الثاني في الروض: وكذا يكره المحاريب الداخلة في الحائط كثيرا
أو في المسجد، أما الأول فذكره جماعة من الأصحاب (رضوان الله عليهم). منهم -
المصنف، وأما الثاني فهو الظاهر من الرواية الدالة على الكراهة، ثم ذكر مضمون رواية
طلحة. وفيه أنه متى كان ظاهر الرواية إنما هو المعنى الثاني فاللازم خلو الأول من
المستند إذ ليس إلا هذه الرواية فكيف قال بالكراهة على كلا المعنيين؟ إلا بأن يكون
مجرد المتابعة لما ورد نقله عن الجماعة المذكورين كما هو ظاهر كلامه، وفيه ما لا يخفى.
قال شيخنا المجلسي (قدس سره) في البحار: حكم الأصحاب بكراهة المحاريب
الداخلة وهي قسمان (الأول) الداخلة في المسجد بأن يبنى جداران في قبلة المسجد ويسقف
ليدخله الإمام وكان خلفاء الجور يفعلون ذلك خوفا من أعاديهم. و (الثاني) الداخلة
في البناء بأن يبنى في أصل حائط المسجد موضع يدخله الإمام، والكسر الوارد في الخبر
بالأول أنسب وإن احتمل الثاني أيضا بهدم الجدار والأكثر اقتصروا على الثاني مع أن
الأول أولى بالمنع، والشهيد الثاني (قدس سره) عمم الحكم بالنسبة إليهما وقيد الدخول
في الحائط بكونه كثيرا، وبعض المتأخرين قصروا الحكم بالكراهة على الأول ولعله
أوجه وإن كان الأحوط تركهما. انتهى.
أقول: المفهوم من تتبع السير والأخبار وكلام جملة العلماء ولا سيما علمائنا الأبرار
هو استحباب المحاريب في المساجد واستحباب صلاة الإمام فيه لا كراهته، ومما يشير
إلى ذلك ما ذكروه في بحث القبلة من التعويل على محاريب المساجد وأن محراب المعصوم
(عليه السلام) موجب للعلم بالقبلة دون الظن، وقد تقدم في بحث القبلة بالنسبة إلى
محراب مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) كلام شيخنا الشهيد أنه روى " أنه لما أراد
نصبه زويت له الأرض فجعله بإزاء الميزاب " (1).
ويعضد ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم (2) قال:

(1) ج 6 ص 395
(2) الوسائل الباب 61 من صلاة الجماعة
282

" قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إني أصلي في الطاق يعني المحراب؟ فقال لا بأس إذا
كنت تتوسع به ".
وما رواه جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم): منهم - صاحب بصائر الدرجات
وصاحب الخرائج والجرائح بسنديهما عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله (عليه السلام)
في حديث رؤية أبي بكر لرسول الله (صلى الله عليه وإله) بعد موته في مسجد قبا في
المحراب لما احتج عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) بنص الرسول (صلى الله عليه وآله)
عليه فأنكر أبو بكر فقال له أترضى برسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال ومن لي به؟
قال فأخذ بيده فمضى به حتى أدخله مسجد قبا فإذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قاعد
في المحراب... الحديث (1).
وقد تقدم في أخبار استحباب السترة قول الرجل له (عليه السلام) (2) " يا ابن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) خطر بينك وبين المحراب ".
وهذا كله إنما يترتب على استحباب المحاريب في المساجد لا على كراهتها المؤذنة
بمرجوحية فعلها وجعلها في المساجد.
وقد ورد في حديث وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) المنقول في كتاب ارشاد
الديلمي في خروج النبي في مرضه للصلاة لما علم أن أبا بكر يصلي بالناس (3) ما هذا
لفظه: " فأخذ بيد علي بن أبي طالب (عليه السلام) والفضل بن العباس فاعتمدهما ورجلاه
يخطان على الأرض من الضعف فلما خرج إلى المسجد وجد أبا بكر قد سبق إلى المحراب
فأومأ إليه بيده فتأخر أبو بكر وقام رسول الله صلى الله عليه وآله... الحديث " وهو
صريح في استحباب المحراب كما ذكرنا.
وقال الله عز وجل " فخرج على قومه من المحراب " (4) وقال سبحانه " كلما

(1) الخرائج والجرائح ص 132 طبعة 1301
(2) ص 241
(3) ج 2 ص 174
(4) سورة مريم، الآية 12
283

دخل عليها زكريا المحراب... الآية " (1).
والأخبار الدالة على اشتمال المساجد على المحاريب أكثر من أن تحصر وأشهر
من أن تذكر، وحينئذ فالواجب في هذا المقام تحقيق المعنى المراد بالمحراب وأنه عبارة
عماذا فأقول قال في القاموس: المحراب الغرفة. وصدر البيت، وأكرم مواضعه، ومقام
الإمام من المسجد، والموضع ينفرد فيه الملك فيتباعد عن الناس، ومحاريب بني إسرائيل
مساجدهم التي كانوا يجلسون فيها. وقال في كتاب مجمع البحرين بعد ذكر المعاني المتقدمة:
وعن الأصمعي سمى القصر محرابا لأن المحراب مقدم المجالس وأشرفها وكذا من المسجد
وعن ابن الأنباري سمي محرابا لانفراد الإمام فيه وبعده من القوم، يقال دخل الأسد
محرابه أي غيله والإمام إذا دخل فيه يأمن من أن يلحق فهو حائز مكانا كأنه مأوى
الأسد، ويقال محراب المصلي مأخوذ من المحاربة لأن المصلي يحارب الشيطان ويحارب
نفسه باحضار قلبه. انتهى.
أقول: قد ظهر مما ذكرنا أن أحد معاني المحراب لغة هو المكان الذي ينفرد
فيه الإمام عن المأمومين ويدخله فهو حينئذ دائر بين أحد المعنيين المتقدمين إلا أنه لما
دلت أخبارنا على أن هذه المقاصير إنما أحدثت من خلفاء الجور - كما أشار إليه في خبر
أبي هاشم الجعفري بقوله (عليه السلام) (2) " إنها محدثة مبتدعة لم يبنها نبي ولا حجة "
وصحيح زرارة الوارد في صلاة المأموم خلف المقاصير (3) قال (عليه السلام): " هذه
المقاصير لم تكن في زمن أحد من الناس وإنما أحدثها الجبارون وليس لمن صلى خلفها
مقتديا بصلاة من فيها صلاة " - تعين حمل المحراب المستحب على المعنى الآخر وهو
الداخل في الحائط.
بقي الكلام في قوله (عليه السلام) في خبر طلحة: " كأنها مذابح اليهود " قال

(1) سورة آل عمران، الآية 32
(2) ص 271
(3) الوسائل الباب 59 من صلاة الجماعة
284

في كتاب مجمع البحرين: والمذبح بالفتح الحلقوم ومذبح الكنيسة كمحراب المسجد
والجمع المذابح سميت بذلك للقرابين. وفي النهاية المذبح واحد المذابح وهي المقاصير وقيل
المحاريب. وقال في القاموس المذابح المحاريب والمقاصير وبيوت كتب النصارى، الواحد
كمسكين. انتهى. والواجب بمعونة ما ذكرناه من ثبوت استحباب المحاريب بالمعنى المتقدم
حمل هذه المحاريب التي رآها (عليه السلام) في حديث طلحة على المقاصير. والله العالم.
ومنها - أن يتخذ طريقا، وإنما يكره الاستطراق إذا لم يستلزم تغيير صورة المسجد
وخروجه عن المسجدية وإلا حرم كما تقدم، ويدل على أصل الحكم حديث المناهي المتقدم
في استحباب صلاة التحية.
ومنها - البيع والشراء وتمكين المجانين والصبيان ورفع الصوت، وقيد بعضهم
الصبيان بالذين لا يوثق بهم في التحفظ من النجاسات، وكأنهم فهموا أن العلة في النهي
عنهم من حيث كونهم مظنة النجاسات، ويجوز أن يكون الوجه في المنع منهم أيضا هو
اللعب في المسجد المنافي لتوقيره واحتشامه.
والذي يدل على أصل الحكم ما رواه الشيخ في الموثق عن علي بن أسباط عن
بعض رجاله (1) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) جنبوا مساجدكم البيع والشراء
والمجانين والصبيان والأحكام والضالة والحدود ورفع الصوت ".
وعن عبد الحميد عن أبي إبراهيم (عليه السلام) (2) قال: " قال رسول الله (صلى
الله عليه وآله) جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم... الحديث ".
وقد تقدم في المقام الأول في استحباب جعل الميضاة على أبواب المساجد خبر
الراوندي الدال على ذلك أيضا، وفيه ما في الحديث الأول وزيادة السلاح ورفع
الأصوات إلا بذكر الله.
قال شيخنا (قدس سره) في البحار في شرح هذا الخبر الأخير: لا خلاف

(1) الوسائل الباب 27 من أحكام المساجد
(2) الوسائل الباب 27 من أحكام المساجد
285

في كراهة تمكين المجانين والصبيان لدخول المساجد، وربما يقيد الصبي بمن لا يوثق به
أما من علم منه ما يقتضي الوثوق به لمحافظته على التنزه من النجاسات وأداء الصلوات
فإنه لا يكره تمكينه بل يستحب تمرينه ولا بأس به. والمشهور بين الأصحاب (رضوان
الله عليهم) كراهة رفع الصوت في المسجد مطلقا وإن كان في القرآن للأخبار المطلقة
واستثنى في هذا الخبر ذكر الله وكذا فعله ابن الجنيد، ولعله المراد في سائر الأخبار لحسن
رفع الصوت بالأذان والتكبير والخطب والمواعظ فيها وإن كان الأحوط عدم رفع الصوت
في ما لم يتوقف الانتفاع به عليه ومعه يقتصر على ما تتأدى به الضرورة. والمشهور
كراهة البيع والشراء فإن زاحم المصلين أو تضمن تغيير هيئة المسجد فلا يبعد التحريم
وبه قطع جماعة. وأما السلاح فالمراد به تشهيره أو عمله والأحوط تركهما، وروى
الشيخ عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (1) قال: " نهى رسول الله
(صلى الله عليه وآله) عن سل السيف في المسجد وعن بري النبل في المسجد وقال
إنما بني لغير ذلك " وقال ابن الجنيد ولا يشهر فيه السلاح. واستحباب التجمير لم أره
في غير هذا الخبر والدعائم ولا بأس بالعمل به. انتهى.
ومنها - القضاء بين الناس وانفاذ الأحكام وإقامة الحدود، واستدل عليه برواية
علي بن أسباط المتقدمة. والحكم بالكراهة هو المشهور وحكم الشيخ في الخلاف وابن
إدريس بعدم الكراهة واستقربه في المختلف محتجا بأن الحكم طاعة فجاز ايقاعها في
المساجد الموضوعة للطاعات، وبأن أمير المؤمنين (عليه السلام) حكم في مسجد الكوفة
وقضى فيه بين الناس ودكة القضاء معروفة فيه إلى يومنا هذا (2) وأجاب عن الرواية بالطعن
في السند واحتمال أن يكون متعلق النهي إنفاذ الأحكام كالحبس على الحقوق والملازمة
عليها في المساجد. قال في المدارك بعد نقل ذلك: وهو حسن. وخص الراوندي
الحكم المنهي عنه بما كان فيه جدل وخصومة. وربما قيل بتخصيص ذلك بدوام الحكم

(1) الوسائل الباب 17 من أحكام المساجد
(2) الخلاف ج 2 ص 230
286

فيها وأما إذا اتفق في بعض الأحيان فلا، أو تخصيص الكراهة بما يكون الجلوس لأجل
ذلك بخلاف ما لو كان الجلوس للعبادة فاتفق صدور الدعوى. والظاهر من خبر دكة
القضاء يدفع هذين الوجهين الأخيرين إذ الظاهر من دكة القضاء والمشهور في جملة من
الأخبار الدالة على تحاكم الناس إليه (عليه السلام) في المسجد (1) وقوع ذلك غالبا
بل لم يذكر موضع آخر في جلوسه للحكومة بين الناس. واحتمل بعض مشايخنا تخصيص
المنع بأوقات الصلاة فإنها توجب شغل خواطر المصلين أو بغير المعصوم (عليه السلام)
فإنه يحتمل منهم الخطأ. ولا بأس به. وأما كراهة إقامة الحدود كما تضمنه الخبر المشار
إليه فلعله لاحتمال تلويث المسجد بخروج الحدث كما ذكره في المنتهى.
ومنها - تعريف الضالة وطلبها في المسجد كما ذكره الأصحاب وخبر علي بن
أسباط المتقدم محتمل لهما بل يشملهما.
ويدل على خصوص الثاني ما رواه في الفقيه مرسلا (2) " أن النبي (صلى الله
عليه وآله) سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فقال قولوا له لا رد الله عليك، فإنها
لغير هذا بنيت ".
وروى في العلل في الصحيح عن الأشعري رفعه (3) " أن رجلا جاء إلى المسجد
ينشد ضالة فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) قولوا له لا رد الله عليك فإنها لغير هذا
بنيت " (4) قال: ورفع الصوت في المساجد مكروه وأن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
مر برجل يبري مشاقص له في المسجد فنهاه وقال إنها لغير هذا بنيت.
وروى في الفقيه في حديث المناهي المذكور في آخر الكتاب عن شعيب بن
واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) (5) قال: " نهى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن ينشد الشعر أو تنشد الضالة في المسجد ".

(1) خلاف الشيخ ج 2 ص 230 وقد عقد الشيخ المفيد في ارشاده فصلا لقضاياه.
(2) الوسائل الباب 28 من أحكام المساجد
(3) الوسائل الباب 28 من أحكام المساجد
(4) العلل ص 114
(5) الوسائل الباب 28 من أحكام المساجد
287

ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه
السلام) (1) قال: " سألته عن الشعر أيصلح أن ينشد في المسجد؟ فقال لا بأس.
وسألته عن الضالة أيصلح أن تنشد في المسجد؟ قال لا بأس " ورواه علي بن جعفر
في كتابه والحميري في كتاب قرب الإسناد بسنده عنه (2) فإنه دال على الجواز وإن
كان على كراهة.
وروى في كتاب دعائم الاسلام (3) عن علي (عليه السلام) قال: " نهى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تقام الحدود في المساجد وأن يرفع فيها الأصوات
وأن تنشد فيها الضالة أو يسل فيها السيف ويرمى فيها بالنبل أو يباع فيها أو يشترى أو
يعلق في القبلة منها سلاح أو يبري نبل ".
ولم أقف في الأخبار على خبر صريح في تعريف الضالة كراهة أو جوازا بغير
كراهة إلا على اطلاق خبر علي بن أسباط المتقدم ولعله كاف في ذلك.
ومنها - انشاد الشعر لما رواه الكليني في الصحيح عن عبد الرحمان بن الحجاج
عن جعفر بن إبراهيم - كأنه الجعفري - عن علي بن الحسين (عليهما السلام) (4)
قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من سمعتموه ينشد الشعر في المساجد
فقولوا له فض الله فاك إنما نصبت المساجد للقرآن " وقد تقدم في حديث المناهي عنه
(صلى الله عليه وآله) " أنه نهى أن ينشد الشعر " وقد تقدم في رواية علي بن جعفر
نفى البأس عن ذلك وهو غير مناف للكراهة.
إلا أنه قد صرح جمع من الأصحاب باستثناء بعض الأشعار، قال في الذكرى
بعد ايراد خبر علي بن جعفر: وليس ببعيد حمل إباحة انشاد الشعر على ما يقل منه وتكثر

(1) الوسائل الباب 14 و 28 من أحكام المساجد
(2) الوسائل الباب 14 و 28 من أحكام المساجد
(3) ج 1 ص 180 طبعة مصر 1370
(4) الوسائل الباب 14 من أحكام المساجد
288

منفعته كبيت حكمة أو شاهد على لغة في كتاب الله أو سنة نبيه (صلى الله عليه وآله)
وشبهه لأن من المعلوم أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان ينشد بين يديه البيت
والأبيات من الشعر في المسجد ولم ينكر ذلك. والحق به المحقق الشيخ علي (قدس سره)
مدح النبي ومراثي الحسين (صلوات الله عليهم) قال في المدارك: ولا بأس بذلك
كله لصحيحة علي بن يقطين (1) " أنه سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن انشاد الشعر
في الطواف فقال ما كان من الشعر لا بأس به فلا بأس به " وقال في البحار بعد نقل
ما ذكره الشهيد والشيخ علي: أقول ما ذكراه لا يخلو من قوة ويؤيده استشهاد أمير المؤمنين
(عليه السلام) بالأشعار في الخطب وكانت غالبا في المسجد وما نقل من انشاد
المداحين كحسان وغيره اشعارهم عندهم (عليهم السلام) ولأن مدحهم (عليهم السلام)
عبادة عظيمة والمسجد محلها فيخص المنع بالشعر الباطل لما روى في الصحيح، ثم نقل
صحيحة علي بن يقطين المذكورة.
أقول ويؤيد ما ذكروه ما رواه الصدوق في كتاب اكمال الدين واتمام النعمة (2)
قال: حدثني أبي قال حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن
محبوب عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
" بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم بفناء الكعبة يوم افتتح مكة إذ أقبل
إليه وفد فسلموا عليه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من القوم؟ قالوا وفد بكر
ابن وائل فقال وهل عندكم علم من خبر قس بن ساعدة الأيادي؟ قالوا بلى يا رسول الله
(صلى الله عليه وآله) قال فما فعل؟ قالوا مات، ثم ساق الحديث إلى أن قال: ثم قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) رحم الله قسا يحشر يوم القيامة أمة واحدة، قال
هل فيكم أحد يحسن من شعره شيئا؟ فقال بعضهم سمعته يقول:
في الأولين الذاهبين من القرون لنا بصائر

(1) الوسائل الباب 54 من الطواف
(2) ص 99
289

لما رأيت مواردا للموت ليس لها مصادر
رأيت قومي نحوها تمضي الأصاغر والأكابر
لا يرجع الماضي إلي ولا من الباقين غابر
أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صائر... الحديث
أنظر إلى صراحة هذا الخبر مع صحة سنده في جواز الانشاد في المسجد الحرام
الذي هو أشرف البقاع بين يديه (صلى الله عليه وآله) وطلبه لذلك، وبذلك يظهر لك
قوة ما ذكره أولئك الفضلاء (رضوان الله عليهم).
ومنها - البصاق والتنخم لما رواه الشيخ عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن
أبيه عن آبائه (عليهم السلام) (1): " أن عليا (عليه السلام) قال البزاق في
المسجد خطيئة وكفارته دفنه ".
وعن عبد الله بن سنان (2) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
من تنخع في المسجد ثم ردها في جوفه لم تمر بداء في جوفه إلا أبرأته ".
وعن إسماعيل بن مسلم الشعيري عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) (3)
قال: ": من وقر بنخامته المسجد لقي الله يوم القيامة ضاحكا قد أعطى كتابه بيمينه ".
وروى السيد الرضي في كتاب المجازات النبوية (4) قال: " قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله) أن المسجد لينزوي من النخامة كما تنزوي الجلدة من النار إذا
انقبضت واجتمعت " قال في النهاية: لينزوي أي ينضم وينقبض، وقيل أراد أهل
المسجد وهم الملائكة. انتهى.
وروى في كتاب دعائم الاسلام عن علي (عليه السلام) (5) قال: " من وقر

(1) الوسائل الباب 19 من أحكام المساجد
(2) الوسائل الباب 20 من أحكام المساجد
(3) الوسائل الباب 20 من أحكام المساجد
(4) الوسائل الباب 20 من أحكام المساجد
(5) مستدرك الوسائل الباب 15 من أحكام المساجد
290

المسجد من نخامته لقي الله يوم القيامة ضاحكا قد أعطى كتابه بيمينه، وإن المسجد ليلتوي
عند النخامة كتلوي أحدكم بالخيزران إذ وقع به ".
وروى في كتاب ثواب الأعمال بسنده عن طلحة بن زيد عن أبيه
(عليهما السلام) (1) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من رد ريقه تعظيما
لحق المسجد جعل الله ريقه صحة في بدنه وعوفي من بلوى في جسده ".
وروى في كتاب المحاسن عن النوفلي عن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما
السلام) (2) قال: " من رد ريقه تعظيما لحق المسجد جعل الله ذلك قوة في بدنه وكتب
له بها حسنة وحط عنه بها سيئة، وقال لا تمر بداء في جوفه إلا أبرأته ".
وروى في ثواب الأعمال عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: " من تنخع في مسجد ثم ردها في جوفه لم تمر بداء إلا أبرأته ".
وبإزاء هذه الأخبار جملة من الأخبار الدالة على الجواز مثل ما رواه الشيخ عن
عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: " قلت له الرجل يكون في
المسجد في الصلاة فيريد أن يبصق؟ فقال عن يساره وإن كان في غير صلاة فلا يبزق حذاء
القبلة ويبزق عن يمينه وشماله ".
وعن طلحة بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) (5) قال:
" لا يبزقن أحدكم في الصلاة قبل وجهه ولا عن يمينه وليبزق عن يساره وتحت
قدمه اليسرى ".
وروى في الفقيه (6) مرسلا قال: " نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن البزاق
في القبلة، قال ورأي (صلى الله عليه وآله) نخامة في المسجد فمشى إليها بعرجون من عراجين ابن

(1) الوسائل الباب 19 من أحكام المساجد
(2) الوسائل الباب 19 من أحكام المساجد
(3) الوسائل الباب 20 من أحكام المساجد
(4) الوسائل الباب 19 من أحكام المساجد
(5) الوسائل الباب 19 من أحكام المساجد
(6) ج 1 ص 179 وفي الوسائل في الباب 44 من مكان المصلي و 26 من قواطع الصلاة
291

طاب فحكها ثم رجع القهقهرى فبنى على صلاته " قال " وقال الصادق (عليه السلام) وهذا
يفتح من الصلاة أبوابا كثيرة ".
وروى الشيخ عن عبيد بن زرارة (1) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول كان أبو جعفر (عليه السلام) يصلي في المسجد فيبصق أمامه وعن يمينه وعن شماله
وخلفه على الحصى ولا يغطيه " وعن محمد بن علي بن مهزيار (2) قال: " رأيت أبا جعفر الثاني
(عليه السلام) تفل في المسجد الحرام في ما بين الركن اليماني والحجر الأسود ولم يدفنه "
ومورد هذه الأخبار الأخيرة البصاق خاصة، وربما صار بعض الأصحاب إلى
عدم كراهته لهذه الأخبار وضعف ما دل على الكراهة ترجيحا لهذه الأخبار وخص
الكراهة بالتنخم لسلامة أخبار النهي عن المعارض.
قال في الذخيرة بعد نقل جملة من هذه الأخبار: ولا يخفى أن ما دل على كراهة
التنخم سالمة عن المعارض وأما البصاق فيعارضه الروايات المذكورة مع كونها أكثر وأقوى
منه فالحكم بكراهته محل تأمل.
أقول: لا يخفى أنه لا منافاة بين ما دل على الجواز وبين ما دل على الكراهة
لأن المرجع إلى أنه جائز على كراهة، ومجرد كثرة الأخبار الدالة على الجواز زيادة على
ما قابلها لا يستلزم المنع من تقييدها بما دل على الكراهة وإن قل كما هو القاعدة الجارية
في غير مقام، إذ متى صحت الأخبار في الباب فالعمل بها كملا بحسب الامكان أولى
من طرح بعضها، نعم يفهم من ذلك أن البصاق أخف كراهة من التنخم، على أن ما دل
من هده الأخبار على فعل الأئمة (عليهم السلام) يمكن استثناؤه وعدم تطرق الكراهة
إليه واختصاص هذا الحكم بهم (صلوات الله عليهم) لتشرف المسجد ببصاقهم فلا
كراهة في حقهم أو على بيان الجواز.
ومنها - قتل القمل ذكره الأصحاب، قال في الذكرى بعد أن عد في المكروهات

(1) الوسائل الباب 19 من أحكام المساجد
(2) الوسائل الباب 19 من أحكام المساجد
292

ترك قصع القمل: قال الجماعة. وهو مؤذن بعدم الوقوف فيه على نص. وقال في المدارك
وأما كراهة قتل القمل واستحباب ستره بالتراب فلم أقف فيه على نص وأسنده في
الذكرى إلى الجماعة ولا بأس به لأن فيه استقذارا تكرهه النفس فينبغي تركه وتغطيته
بالتراب مع فعله.
أقول: روى الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم (1) قال: " كان أبو جعفر
(عليه السلام) إذا وجد قملة في المسجد دفنها في الحصى ".
وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " إذا وجدت
قملة وأنت تصلي فادفنها في الحصى ".
ويمكن الاستدلال بهما للأصحاب على كراهة قتل القملة حيث إنه (عليه السلام)
بعد رؤيته لها لم يقتلها ولم يأمر بقتلها بل دفنها في الحصى وأمر بدفنها ففيه اشعار بما
ذكروه، فالأولى أن يجعل الحكم هكذا: ويكره قتل القمل بل ينبغي أن يدفن بالتراب
حسبما دل عليه الخبر، والأصحاب جعلوا الدفن بالتراب بعد القتل.
ومنها - النوم على المشهور في كلام المتقدمين، واستدل عليه في المعتبر بما
رواه الشيخ عن أبي أسامة زيد الشحام (3) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
قول الله عز وجل: لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى (4)؟ قال سكر النوم ".
واعترضها جملة من المتأخرين: منهم - السيد السند في المدارك بأنها ضعيفة السند
قاصرة الدلالة قال: والأجود قصر الكراهة على النوم في المسجد الحرام ومسجد
النبي (صلى الله عليه وآله) للأصل وما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة (5)
قال: " قلت لأبي جعفر (عليه السلام) ما تقول في النوم في المساجد؟ فقال لا بأس

(1) الوسائل الباب 20 من قواطع الصلاة
(2) الوسائل الباب 20 من قواطع الصلاة
(3) الوسائل الباب 1 و 35 من قواطع الصلاة
(4) سورة النساء، الآية 46
(5) الوسائل الباب 18 من أحكام المساجد
293

إلا في المسجدين مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) والمسجد الحرام. قال وكان يأخذ
بيدي في بعض الليل فيتنحى ناحية ثم يجلس فيتحدث في المسجد الحرام فربما نام
فقلت له في ذلك فقال إنما يكره أن ينام في المسجد الذي كان على عهد رسول الله
(صلى الله عليه آله) فأما الذي في هذا الموضع فليس به بأس " انتهى.
وظاهره - كما ترى - عدم وجود دليل للقول المشهور بل الدليل على خلافه واضح
الظهور لقوله (عليه السلام) في هذا الخبر لما سأله عن النوم في المساجد " لا بأس "
ومن ثم قال في الذكرى بعد ذكر الحكم المذكور " قاله الجماعة " ثم ذكر حسنة زرارة المذكورة
ايذانا بالطعن في القول المذكور.
أقول لا يخفى على من راجع الأخبار الواردة في هذا المقام أنها لا تخلو من
الاشكال الظاهر لذوي الأفهام لا بالنسبة إلى أصل الحكم المذكور فإنا لم نقف فيه على
دليل حسبما ذكره المتأخرون بل في موضعين مما تضمنته الحسنة المذكورة:
(أحدهما) - ما تضمنته من كراهية النوم في المسجدين فإن فيه أنه قد روى
ثقة الاسلام في الكافي عن معاوية بن وهب (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن النوم في المسجد الحرام ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله)؟ قال
نعم فأين ينام الناس ".
ونقل شيخنا المجلسي في كتاب البحار (2) عن كتاب محمد بن المثنى أنه روى
عن جعفر بن محمد بن شريح عن ذريح المحاربي قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن النوم في المسجد الحرام ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) فقال نعم ".
وروى عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الإسناد عن محمد بن خالد
الطيالسي عن إسماعيل بن عبد الخالق (3) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)

(1) الوسائل الباب 18 من أحكام المساجد
(2) ج 18 الصلاة ص 134
(3) الوسائل الباب 18 من أحكام المساجد
294

عن النوم في المسجد الحرام فقال هل للناس بد أن يناموا في المسجد الحرام؟ لا بأس به.
قلت الريح تخرج من الانسان؟ قال لا بأس ".
وعن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما
السلام) (1) " أن المساكين كانوا يبيتون في المسجد على عهد رسول الله (صلى الله عليه
وآله)... الحديث ".
وعن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) (2)
قال: " سألته عن النوم في المسجد الحرام قال لا بأس وسألته عن النوم في مسجد
الرسول (صلى الله عليه وآله) قال لا يصلح ".
وهذه الأخبار كلها - كما ترى - دالة على الجواز وظاهرها عدم الكراهة إلا أنها
ربما أشعرت بكون ذلك ضرورة ولا سيما حديث المساكين في مسجد الرسول (صلى
الله عليه وآله) ولعل ذلك قبل بناء الصفة لهم.
و (ثانيهما) - ما تضمنته من قوله (عليه السلام) " إنما يكره أن ينام في المسجد
الذي كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأما الذي في هذا الموضع فليس به
بأس " فإنه يؤذن بجواز النوم في هذه الزوائد التي زادتها الأموية في المسجد الحرام على ما كان
في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) مع أن جملة من الأخبار قد دلت على أن هذه الزيادة
لم تبلغ بعد مسجد إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام):
ومنها - رواية جميل بن دراج (3) قال: " قال له الطيار وأنا حاضر هذا الذي
زيد هو من المسجد؟ قال نعم إنهم لم يبلغوا بعد مسجد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام "
وروى في الكافي عن الحسن بن النعمان (4) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عما زادوا في المسجد الحرام فقال إن إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) حدا

(1) الوسائل الباب 18 من أحكام المساجد
(2) الوسائل الباب 18 من أحكام المساجد
(3) الوسائل الباب 55 من أحكام المساجد
(4) الوسائل الباب 55 من أحكام المساجد
295

المسجد الحرام ما بين الصفا والمروة " قال: وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: " خط إبراهيم (عليه السلام) بمكة ما بين الحزورة إلى المسعى فذلك الذي خط
إبراهيم يعني المسجد ".
وروى في التهذيب عن الحسين بن نعيم (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عما زادوا في المسجد الحرام عن الصلاة فيه؟ فقال إن إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام)
حدا المسجد الحرام ما بين الصفا والمروة فكان الناس يحجون من المسجد إلى الصفا ".
وهذه الأخبار - كما ترى - ظاهرة في كون هذه الزيادة التي وقع النوم فيها من
المسجد القديم فتخصيصه (عليه السلام) حكم المسجدية بما كان على عهد رسول الله (صلى
الله عليه وآله) دون المسجد القديم مشكل إلا أن يقال بزوال حكم المسجدية عن ذلك المسجد
القديم وتخصيص ذلك بما كان في زمانه (صلى الله عليه وآله) وهو أشكل لدلالة الأخبار
المذكورة ولا سيما رواية جميل على بقاء المسجدية في الموضع الذي خطه إبراهيم وإسماعيل
(عليهما السلام). وبالجملة فإني لا يحضرني الآن الجواب عن هذا الاشكال ولم أعثر على
من تعرض إليه من أصحابنا في هذا المجال.
ومنها - دخول من في فمه رائحة مؤذية من ثوم أو بصل أو نحوهما وتتأكد
الكراهة في الثوم حتى روى إعادة الصلاة بأكله (3).
والذي يدل على أصل الحكم جملة من الأخبار: منها - ما رواه الشيخ في
التهذيب عن أبي بصير عن أبي عبد الله عن آبائه عن علي (عليهم السلام) (4) قال: " من
أكل شيئا من المؤذيات ريحها فلا يقربن المسجد ".
ومنها - ما رواه ثقة الاسلام في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم عن
أبي جعفر (عليه السلام) (5) قال: " سألته عن أكل الثوم فقال إنما نهى رسول الله

(1) الوسائل الباب 55 من أحكام المساجد
(2) الوسائل الباب 55 من أحكام المساجد
(3) يأتي في الحديث الأخير
(4) الوسائل الباب 22 من أحكام المساجد
(5) الوسائل الباب 22 من أحكام المساجد
296

(صلى الله عليه وآله) عنه لريحه فقال من أكل هذه البقلة الخبيثة فلا يقرب مسجدنا
فأما من أكله ولم يأت المسجد فلا بأس ".
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) " أنه سئل عن أكل الثوم
والبصل والكراث فقال لا بأس بأكله نيا وفي القدور، ولا بأس بأن يتداوى بالثوم
ولكن إذا أكل ذلك أحدكم فلا يخرج إلى المسجد ".
وعن الحسن الزيات (2) قال: " لما أن قضيت نسكي مررت بالمدينة فسألت عن
أبي جعفر (عليه السلام) فقالوا هو بينبع فأتيت ينبع فقال لي يا حسن مشيت إلى ههنا؟
فقلت نعم جعلت فداك كرهت أن أخرج ولا أراك فقال إني أكلت من هذه البقلة يعني
الثوم فأردت أن أتنحى عن مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ".
وروى أحمد بن محمد بن خالد البرقي في المحاسن عن الوشاء عن ابن سنان (3) قال:
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الكراث فقال لا بأس بأكله مطبوخا وغير
مطبوخ ولكن أن أكل منه شيئا له أذى فلا يخرج إلى المسجد كراهة أذاه من
يجالس " ورواه الصدوق في العلل (4) إلا أنه قال: " عن أكل البصل والكراث ".
وروى في كتاب العلل عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5)
قال " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أكل هذه البقلة فلا يقرب مسجدنا، ولم
يقل إنه حرام ".
وروى الشيخ في الإستبصار بسند صحيح عن زرارة (6) قال: " حدثني من
أصدق من أصحابنا قال سألت أحدهما (عليهما السلام) عن الثوم فقال أعد كل صلاة
صليتها ما دمت تأكله " ثم قال فالوجه في هذا الخبر أن تحمله على ضرب من التغليظ في

(1) الوسائل الباب 22 من أحكام المساجد
(2) الوسائل الباب 22 من أحكام المساجد و 128 من الأطعمة المحرمة
(3) الوسائل الباب 22 من أحكام المساجد
(4) الوسائل الباب 22 من أحكام المساجد
(5) الوسائل الباب 22 من أحكام المساجد
(6) الوسائل الباب 128 من الأطعمة المحرمة
297

كراهته دون الخطر الذي يكون من أكل ذلك يقتضي استحقاقه الذم والعقاب بدلالة
الأخبار الأولة والاجماع الواقع على أن أكل هذه الأشياء لا يوجب إعادة الصلاة. انتهى
ومنها - عمل الصنائع لما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما
(عليهما السلام) (1) قال: " نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن سل السيف
في المسجد وعن بري النبل في المسجد، قال إنما بني لغير ذلك " قالوا ويستفاد من هذا
التعليل كراهة عمل جميع الصناعات.
أقول: لم أقف لهذا الحكم على دليل ظاهر ولهذا نسبه في الذكرى إلى الأصحاب
مؤذنا بعدم الدليل عليه فقال في عد المكروهات: وترك عمل الصنائع مطلقا قاله الأصحاب
وعليه نبه حديث بري النبل. انتهى. وأنت خبير بأنه قد مر هذا التعليل في غير خبر
مما تقدم ولا ريب في اشعاره بذلك ولعله كاف في اثبات الحكم المذكور.
ومنها - سل السيف وتعليق السلاح ذكرهما جملة من الأصحاب (رضوان الله
عليهم): منهم - الشهيد في البيان، وفي الذكرى خص الكراهة بتعليق السلاح في
المسجد الأكبر ".
أقول: والذي وقفت عليه من الأخبار في ذلك صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة
الدالة على النهي عن سل السيف في المسجد.
وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " سألته أيعلق الرجل
السلاح في المسجد؟ فقال نعم وأما في المسجد الأكبر فلا فإن جدي (صلى الله عليه وآله)
نهى رجلا بري مشقصا في المسجد ".
وروى في كتاب قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) (3)
قال: " سألته عن السيف هل يصلح أن يعلق في المسجد؟ قال أما في القبلة فلا وأما في

(1) الوسائل الباب 17 من أحكام المساجد
(2) الوسائل الباب 13 من أحكام المساجد
(3) الوسائل الباب 13 من أحكام المساجد
298

جانب فلا بأس " ورواه علي بن جعفر في كتابه مثله (1).
وفي حديث المناهي المذكور في آخر كتاب الفقيه (2) " نهى رسول الله (صلى الله
عليه وآله) أن يسل السيف في المسجد " ورواه في الأمالي مثله (3).
أقول: المستفاد من هذه الأخبار باعتبار ضم بعضها إلى بعض هو كراهة سل
السيف في المسجد وتعليق السيف في القبلة خاصة وأما في سائر جوانبه فلا بأس. وأما
تعليق السلاح الذي هو أعم من السيف والقوس والعصا ونحوها مما يتخذ سلاحا فجائز
في المساجد إلا في المسجد الأكبر وفاقا للذكرى وخلافا للبيان، وظاهر التعليل في صحيحة
الحلبي أن النهي عن بري المشقص إنما كان لكونه سلاحا لا لكونه صنعة كما تقدم في
خبر محمد بن مسلم، وكل من الخبرين المذكورين محمول على ظاهره. وهل المراد بالمسجد
الأكبر المسجد الحرام أو جامع البلد؟ كل محتمل.
ومنها - كشف العورة مع عدم المطلع وإلا حرم والرمي بالحصى ورطانة الأعاجم.
أما الأول فلما رواه في التهذيب عن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما
السلام) (4) " أن النبي صلى الله عليه وآله) قال كشف السرة والفخذ والركبة في
المسجد من العورة ".
وهذا الخبر يدل على كراهة كشف هذه الأشياء المذكورة في المسجد وهي ليست
من العورة على الأشهر الأظهر كما تقدم تحقيقه ولكنه جعلها في حكم العورة تأكيدا
للكراهة، وحينئذ فالظاهر أن المراد بالعورة إنما هو ما يستحب ستره لا ما يجب.
وأما الثاني فلما رواه الشيخ عن السكوني عنه عن آبائه (عليهم السلام) (5) " أن

(1) الوسائل الباب 13 من أحكام المساجد
(2) الوسائل الباب 17 من أحكام المساجد
(3) الوسائل الباب 17 من أحكام المساجد
(4) الوسائل الباب 37 من أحكام المساجد
(5) الوسائل الباب 36 من أحكام المساجد
299

النبي (صلى الله عليه وآله) أبصر رجلا يخذف بحصاة في المسجد فقال ما زالت تلعن
حتى وقعت، ثم قال الخذف في النادي من أخلاق قوم لوط ثم تلا " وتأتون في ناديكم
المنكر " (1) قال هو الخذف ".
ويستفاد من هذا الخبر كراهة الخذف في غير المسجد أيضا، ويدل عليه ما رواه
الشيخ عن زياد بن المنذر عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) في جملة حديث قال:
" إن حل الأزرار في الصلاة والخذف بالحصى ومضغ الكندر في المجالس وعلى ظهر
الطريق من عمل قوم لوط " ونقل في الروض عن الشيخ القول بالتحريم هنا.
وقال في الروض: المراد بالخذف هنا رمى الحصى بالكف كيف اتفق وإن لم يكن
على الوجه المذكور في رمي حصاة الجمار، قال في الصحاح الخذف بالحصى الرمي به
بالأصابع. انتهى. واعترضه في الذخيرة بأن كلام أهل اللغة يخالف ذلك ثم نقل جملة
من عبائرهم الدالة على نوع مخصوص كما سيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الحج.
أقول: ظاهر عبارة شيخنا المشار إليه أنه لا يمنع ولا يخالف في كون الخذف عبارة عن هذا
المعنى الذي نقله عن أهل اللغة وإنما غرضه بيان أن هذه الخصوصية لا يترتب عليها معنى
في هذا المقام، فالقول بالتعميم أظهر لأن الظاهر أن النهي عنه من حيث كونه عبثا ولعبا
منافيا للوقار والسكينة المطلوبين من المؤمن وحينئذ فلا يرد عليه ما أورده.
وأما الثالث فلما رواه الشيخ أيضا عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه
(عليهم السلام) (3) قال: " نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن رطانة
الأعاجم في المساجد " ورواه في الكافي عن مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله (عليه
السلام) مثله (4).
قال في الوافي: الرطانة بفتح الراء وكسرها والتراطن كلام لا يفهمه الجمهور وإنما

(1) سورة العنكبوت، الآية 28
(2) الوسائل الباب 24 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 16 من أحكام المساجد
(4) الوسائل الباب 16 من أحكام المساجد
300

هو مواضعة بين اثنين أو جماعة والعرب تخص بها غالبا كلام العجم. أقول: لا يخفى أن
ما ذكره من المعنى للرطانة معنى غريب لم يذكره أحد في ما أعلم وكأنه إنما تكلفه فرارا
عما نقله أخيرا عن العرب والمنقول في كلام أهل اللغة إنما هو ما نقله عن العرب، قال في
القاموس الرطانة ويكسر الكلام بالأعجمية، ورطن له وراطنه كلمه بها، وتراطنوا تكلموا
بها. انتهى وحينئذ ففي الخبر المذكور ما يشير إلى كراهة الدعاء بالأعجمية لأن المساجد
مواضع الدعوات وطلب الحاجات فإذا كان الكلام فيها بالأعجمية مكروها تعين الكلام
في ما يأتي به من الدعوات بالعربية. والله العالم.
(المقام) - الرابع في بقية الأحكام المتعلقة بالمساجد وفيه مسائل:
(الأولى) - المفهوم من كلام جملة من متأخري الأصحاب أنه لا بد في ثبوت
المسجدية وترتب أحكامها من صيغة الوقف الشرعية ليحصل بها الانتقال عن ملك المالك
ونحوه ويختص بالجهة الموقوف عليها
ولم أر من تعرض لبسط الكلام في هذا المقام إلا شيخنا الشهيد في الذكرى
حيث قال: الخامس عشر - إنما تصير البقعة مسجدا بالوقف إما بصيغة " وقفت " وشبهها
وإما بقوله: " جعلته مسجدا " ويأذن بالصلاة فيه فإذا صلى فيه واحدا تم الوقف، ولو
قبضه الحاكم أو أذن في قبضه فالأقرب أنه كذلك لأن له الولاية العامة، ولو صلى فيه
الواقف فالأقرب الاكتفاء بعد العقد، ولو بناه بنية المسجد لم يصر مسجدا نعم لو أذن للناس
بالصلاة فيه بنية المسجدية ثم صلوا أمكن صيرورته مسجدا لأن معظم المساجد في الاسلام
على هذه الصورة وقال الشيخ في المبسوط إذا بنى مسجدا خارج داره في ملكه فإن
نوى به أن يكون مسجدا يصلي فيه كل من أراد زال ملكه عنه وإن لم ينو ذلك فملكه
باق عليه سواء صلى فيه أو لم يصل. وظاهره الاكتفاء بالنية، وأولى منه إذا صلى فيه
وليس في كلامه دلالة على التلفظ ولعله الأقرب. وقال ابن إدريس إن وقفه ونوى
القربة وصلى فيه الناس ودخلوه زال ملكه عنه. انتهى كلام شيخنا المذكور.
أقول: لا يخفى على من راجع الأخبار الواردة في هذا المقام عن الأئمة الأطهار
301

(صلوات الله عليهم آناء الليل والنهار) أن ما ذكره الشيخ في المبسوط هو الأقرب إلى
ما دلت عليه والأنسب بما ندبت إليه، وما ذكره غيره من اشتراط صيغة الوقف فلم أقف
على خبر يشير إليه فضلا عن الدلالة عليه بل هي بالدلالة على خلافه أشبه.
فمن ذلك ما تقدم في صدر البحث من حسنتي أبي عبيدة الدالتين على جمعه
الأحجار في الطريق بين المدينة ومكة ليبني مسجدا، ومنهما يظهر أن ما ذكره شيخنا
المشار إليه من قوله: " ولو بناه بنية المسجد لم يصر مسجدا. الخ " (1) فإن الإمامين
(عليهما السلام) في هذين الخبرين قد أقرا أبا عبيدة على حصول الثواب المذكور له
بمجرد وضع هذه الأحجار لذلك وجعلها على هيئة المسجد والتحجير بها وقصده المسجدية
ومنها - ما رواه البرقي في كتاب المحاسن عن هاشم الحلال قال: " دخلت أنا
وأبو الصباح الكناني... الحديث " وقد تقدم أيضا في صدر البحث.
ومنها - صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة ثمة أيضا في بناء مسجد الرسول
(صلى الله عليه وآله) حيث لم يتعرض لحكاية الوقف في أصل المسجد ولا في هذه
الزيادات في كل مرة، ولو كان ذلك شرطا في المسجدية لكان أولى بالحكاية
والنقل من تلك الأمور المنقولة لما يترتب عليها من الأحكام بزعم أولئك الأعلام.
وقد ورد في بعض الأخبار التي لا يحضرني الآن موضعها (2) أنه (صلى الله عليه
وآله) بعد وروده المدينة اشترى تلك الأرض أو أعطاه إياها بعض المسلمين فخط فيها
بيوته وموضع مسجده.
وتقييد اطلاق هذه الأخبار بصيغة الوقف بمعنى أنه لا يكون مسجدا إلا بقول
" وقفت " ونحوه يحتاج إلى دليل وليس فليس، بل هو أبعد بعيد من ظواهر تلك الأخبار
ويشير إلى ما ذكرنا قوله (عليه السلام) في غير خبر من الأخبار المتقدمة " فإنها لغير

(1) هكذا العبارة في النسخ ولا يخفى نقصها
(2) السيرة الحلبية ج 2 ص 70
كانت أرض المسجد ليتيمين فابتاعها رسول الله " ص " بعشرة دنانير.
302

هذا بنيت " ولم يقل " وقفت ".
وكأنهم تمسكوا بأن الأصل بقاء الملك ما لم يحصل ناقل شرعي كالبيع والصدقة
والوقف ونحوها ولم يثبت أن مجرد النية مع تصرف المسلمين موجب للخروج عن الملك.
وهو اجتهاد في مقابلة النصوص وأي مانع يمنع منه بعد دلالة الأخبار عليه كما عرفت؟ سيما
مع تصريحهم بانتقال الملك في الهدايا والعطايا بالتصرف في العين وكذا في بيع المعاطاة
مع عدم إدخالهم له في البيوع النافلة.
ومما يعضد ما قدمناه من الأخبار الواضحة في ما ادعيناه الأخبار المتقدمة قريبا
في حكم كراهة النوم في المساجد الدالة على تحديد إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام)
وخطهما للمسجد الحرام فإنها ظاهرة في أنه بمجرد خطهما وتحجيرهما على هذا الموضع
بقصد جعله مسجدا صار مسجدا، ولو كان الوقف شرطا في ذلك لكان أولى بالتنبيه عليه
والذكر لتوقف حصول المسجدية عليه وزوالها بدونه كما يدعونه.
وبالجملة فالأمر في هذا الباب أوسع مما ذكروه (رضوان الله عليهم) وظاهر شيخنا
الشهيد الترجيح لما ذكره الشيخ من غير جزم به ولو تأمل ما ذكرناه من هذه الأخبار لم
يتخالجه وصمة الشك في ذلك ولا الانكار. والله العالم.
(المسألة الثانية) قد ورد في جملة من الأخبار استحباب اتخاذ الانسان مسجدا
في بيته ليصلي فيه، وصرحت بأنه يجوز له تغييره وتبديله وأنه ليس الحكم فيه كالمساجد
العامة، والظاهر أن الوجه فيه أنه ليس إلا عبارة عن قطع جزء من البيت وافراده للصلاة
والخلوة فيه عن أهل البيت للتوجه والاقبال على العبادة واطلاق المسجدية عليه تجوز.
والذي وقفت عليه من الأخبار في ذلك ما رواه في الكافي عن حريز عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال " اتخذ مسجدا في بيتك... الحديث ".
وروى الصدوق في من لا يحضره الفقيه في الصحيح عن عبيد الله بن علي

(1) الوسائل الباب 69 من أحكام المساجد
303

الحلبي (1) " أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن مسجد يكون في الدار فيبدو لأهله
أن يتوسعوا بطائفة منه أو يحولوه عن مكانه؟ فقال لا بأس بذلك... الحديث ".
وروى في الكافي عن أبي الجارود (2) قال: " سألت أبا جعفر (عليه السلام)
عن المسجد يكون في البيت فيريد أهل البيت أن يتوسعوا بطائفة منه أو يحولوه إلى غير
مكانه؟ قال لا بأس بذلك... الحديث ".
وعن عبد الله بن سنان في الصحيح (3) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن المسجد يكون في الدار وفي البيت فيبدو لأهله أن يتوسعوا بطائفة منه أو يحولوه إلى غير
مكانه؟ قال لا بأس بهذا كله... الحديث ".
وروى عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الإسناد عن محمد بن خالد
الطيالسي عن عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: " كان علي
(عليه السلام) قد اتخذ بيتا في داره ليس بالكبير ولا بالصغير وكان إذا أراد أن
يصلي في آخر الليل أخذ معه صبيا لا يحتشم منه ثم يذهب إلى ذلك البيت فيصلي ".
وروى في المحاسن عن ابن بكير عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (5) قال: " كان علي (عليه السلام) قد جعل بيتا في داره ليس بالصغير
ولا بالكبير لصلاته وكان إذا كان الليل ذهب معه بصبي لا يبيت معه فيصلي فيه ".
قال بعض مشايخنا (رضوان الله عليهم) يدل على استحباب أن لا يكون في البيت
وحده في الليل وإن كان في الصلاة كما دل عليه غيره بل يكون معه أحد وإن كان صبيا
أو الطفل متعين إذا كان مصليا لبعده عن الرياء وعدم منافاته لكمال الخشوع والاقبال
على العبادة لعدم الاحتشام منه، ويؤيده قوله في رواية الطيالسي " أخذ صبيا لا يحتشم
منه " لقوله (عليه السلام) " لا يبيت معه " أي لم يكن في سائر الليل عنده لأنه (عليه
السلام) كان مع أزواجه وسراياه ولم يكن يناسب كونه نائما معهن. انتهى.

(1) الوسائل الباب 10 من أحكام المساجد والحديث 3 في التهذيب دون الكافي
(2) الوسائل الباب 10 من أحكام المساجد والحديث 3 في التهذيب دون الكافي
(3) الوسائل الباب 10 من أحكام المساجد والحديث 3 في التهذيب دون الكافي
(4) الوسائل الباب 69 من أحكام المساجد
(5) الوسائل الباب 69 من أحكام المساجد
304

وروى ابن إدريس في السرائر نقلا من جامع البزنطي عن علي بن جعفر عن
أخيه (عليه السلام) (1) قال: " سألته عن رجل كان له مسجد في بعض بيوته أو
داره هل يصلح له أن يجعله كنيفا؟ قال لا بأس " ورواه في قرب الإسناد عن عبد الله بن
الحسن عن جده علي بن جعفر مثله (2).
وروى في قرب الإسناد عن مسعدة بن صدقة (3) قال: " سمعت جعفر بن
محمد (عليهما السلام) وسئل عن الدار والبيت يكون فيه مسجد فيبدو لأصحابه أن
يتسعوا بطائفة منه ويبنوا مكانه ويهدموا البنية؟ قال لا بأس بذلك ".
قال شيخنا الشهيد في الذكرى: لو اتخذ في داره مسجدا له ولعياله ولم يتلفظ
بالوقف ولا نواه جاز له تغييره وتوسيعه وتضييقه لما رواه أبو الجارود عن أبي جعفر
(عليه السلام) ثم ذكر الرواية المتقدمة. قال في البحار بعد نقل ذلك: وقال الوالد
(قدس سره) يمكن تخصيص العمومات بتلك الأخبار الصحيحة لكن الأحوط عدم التغيير
مع الصيغة. انتهى. وقال العلامة في التذكرة: من كان له في داره مسجد قد جعله للصلاة
جاز له تغييره وتبديله وتضييقه وتوسيعه حسبما يكون أصلح له لأنه لم يجعله عاما وإنما قصد
اختصاصه بنفسه وأهله، ولرواية أبي الجارود وهل تلحقه أحكام المساجد من تحريم إدخال
النجاسة إليه ومنع الجنب من استيطانه وغير ذلك؟ الأقرب المنع لنقص المعنى فيه. انتهى
قال في البحار بعد نقله: وكلامه يشعر بالتردد مع الوقف كذلك أيضا كما احتمله
الوالد (قدس سره) انتهى.
أقول: قد عرفت في المسألة السابقة أنه لا دليل على اعتبار صيغة الوقف في المساجد
العامة بل الأدلة ظاهرة في العدم وإنما هذا أمر ذهبوا إليه بالتقريب المتقدم ذكره ثمة،
وهذه الأخبار الواردة في هذا المقام ليس فيها أزيد من الدلالة على اتخاذ موضع من داره
للخلوة في الصلاة فيه وبذلك أطلق عليه لفظ المسجد، والناس ظنوا من اطلاقهم (عليهم

(1) الوسائل الباب 10 من أحكام المساجد
(2) الوسائل الباب 10 من أحكام المساجد
(3) الوسائل الباب 10 من أحكام المساجد
305

السلام) لفظ المسجد عليه يومئذ انسحاب أحكام المساجد العامة إليه فكثر السؤال عن
تغييره وتبديله وجعله حشا ونحو ذلك، فأجابوا (عليهم السلام) بنفي البأس ايذانا بأنه
ليس بمسجد حقيقة ولا يترتب عليه شئ من أحكام المسجدية بالكلية وإنما هو موضع
اتخذ لذلك لقصد الفراغ والخلوة والتوجه للاقبال على العبادة ومتى أراد صاحبه تغييره
غيره إلى ما يريده ولا وجه لذكر الوقف هنا بالكلية ولو سلمنا اشتراطه في المساجد العامة
لما عرفت من الغرض والسبب فيه، ولكنهم (رضوان الله عليهم) بتدقيق أنظارهم
يتكلفون أشياء لا ضرورة لها ولا دليل عليها كما عرفت من تكلفهم اشتراط الوقفية في
المساجد العامة. وبالجملة فإنه ليس الفرق بين هذا المكان المسمى مسجدا وبين المساجد
العامة إلا باعتبار قصد بنائها لعامة الناس لأجل العبادة وتسبيلها لهم وقصد القربة في ذلك
بخلاف هذه فإنه لا يعتبر فيها أزيد مما ذكرناه. والله العالم.
(المسألة الثالثة) - المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن من سبق
إلى مكان من المسجد أو المشهد فهو أولى به ما دام باقيا فيه، فلو فارقه ولو لحاجة كتجديد
طهارة وإزالة نجاسة بطل حقه وإن كان ناويا للعود إلا أن يكون رحله مثل شئ من
أمتعته ولو سبحة ونحوها باقيا فيه، وقيده الشهيد (قدس سره) مع ذلك بنية العود وهو
جيد فلو فارق لا بنيته سقط حقه وإن كان رحله باقيا، واحتمل الشهيد الثاني بقاء الحق حينئذ
لاطلاق النص والفتوى، ثم تردد على تقدير سقوط حقه في جواز رفع الرحل وعدمه
وعلى تقدير الجواز في الضمان وعدمه، ثم قال وعلى تقدير بقاء الحق لبقائه أو بقاء رحله
فإن أزعجه مزعج فلا شبهة في إثمه وهل يصير أولى بعد ذلك؟ يحتمله لسقوط حق الأول
بالمفارقة وعدمه للنهي فلا يترتب عليه حق، ويتفرع على ذلك صحة صلاة الثاني وعدمها.
واشترط الشهيد في الذكرى في بقاء حقه مع بقاء الرحل أن لا يطول المكث، وفي التذكرة
استقرب بقاء الحق مع المفارقة لعذر كإجابة داع وتجديد وضوء وقضاء حاجة وإن لم
يكن له رحل قالوا ولو استبق اثنان دفعة إلى مكان واحد ولم يمكن الجمع بينهما أقرع،
306

ومنهم من توقف في ذلك. وقال الشهيد الثاني لا فرق في ذلك بين المعتاد لبقعة معينة
وغيره وإن كان اعتياد درس وإمامة، ولا بين المفارق في أثناء الصلاة وغيره للعموم،
واستقرب في الدروس بقاء أولوية المفارق في أثنائها اضطرارا إلا أن يجد مكانا مساويا
للأول أو أولى منه محتجا بأنها صلاة واحدة فلا يمنع من اتمامها. هذا ملخص ما ذكره
الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذا الباب.
وأما الأخبار المتعلقة بذلك فالذي وقفت عليه منها ما رواه ثقة الاسلام في
الصحيح عن محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" قلت له نكون بمكة أو بالمدينة أو الحير أو المواضع التي يرجى فيها الفضل فربما خرج
الرجل يتوضأ فيجئ آخر فيصير مكانه؟ فقال من سبق إلى موضع فهو أحق به يومه وليلته "
وعن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " قال أمير المؤمنين
(عليه السلام) سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل، وكان
لا يأخذ على بيوت السوق كراء ".
وروى بعض أصحابنا عن النبي (صلى الله عليه وآله) (3) " إذا قام أحدكم من
محله في المسجد فهو أحق به إلى الليل ".
وظاهر الخبر الأول بقاء حقه في ذلك المكان مدة يوم وليلة. واحتمل بعض
الأصحاب كون الواو هنا بمعنى " أو " كما هو شائع الاستعمال أيضا فيصير المعنى أنه أحق
بقية يومه إن كانت المفارقة في اليوم وبقية ليلته إن كانت المفارقة في الليل ويؤيده الخبر
الثاني والثالث، وكيف كان فظاهر الأخبار الثلاثة بقاء حقه في المدة المذكورة مطلقا
سواء كان له رحل أم لا نوى المفارقة أم لا؟ وفيه رد على القول المشهور من حكمهم
بزوال حقه بالمفارقة وإن كان ناويا للعود إلا أن يكون له رحل. والظاهر تقييد الأخبار

(1) الوسائل الباب 56 من أحكام المساجد
(2) الوسائل الباب 56 من أحكام المساجد
(3) في السراج المنير ج 1 ص 165 عن النبي " ص " " إذا قام الرجل من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به " وفي رواية (من المسجد)
307

المذكورة بعدم نية المفارقة وإلا فلو نوى المفارقة ولم يضع رجلا يعلم به إرادة الرجوع
ففي منع الغير عنه اشكال وإلا لزم تعطيل المكان من المنتفعين بغير أمر موجب لذلك
وهو بعيد، ويشير إلى ذلك السؤال في الخبر الأول وكون الخروج للوضوء ونحوه. وقطع
المحقق بعدم بطلان حقه لو كان قيامه لضرورة كتجديد طهارة أو إزالة نجاسة أو ضرورة
إلى التخلي وإن لم يكن رحله باقيا. وهو قوي موافق لظاهر الأخبار المذكورة.
بقي الاشكال في ما هو الآن معمول بين الناس من وضع ثوب أو سجدة
أو تسبيح في المسجد أو الروضة الشريفة ثم يمضي إلى أن يأتي وقت الحاجة إليه،
والظاهر التفصيل في ذلك بأنه إن كان قد جلس في المكان وتصرف فيه بالجلوس
والصلاة ونحوها فإن حقه باق إلى المدة المعلومة بالتفصيل المتقدم وإن كان لم يجلس وإنما
وضع هذه العلامة لقصد التحجير عن تصرف الغير فوجهان أحدهما كالأول والثاني العدم،
ومنشأ ذلك من الشك في لفظ السبق في الأخبار المتقدمة وإن كان الأقرب الأظهر
هو السبق بمعنى الجلوس والتصرف على الوجه المتقدم وإنما يقوم ويخرج عنه لأجل الأعذار
والأغراض المتقدمة، وربما احتمل حصول ذلك بمجرد التحجير بوضع ثوب ونحوه.
وكيف كان فمع وضع الرحل وإن كان قد جلس وتصرف لو اتفق ذلك في المسجد
وأقيمت الصلاة ولم يحضرها فالظاهر جواز التصرف في محله عملا بالأخبار الدالة على النهي
عن الخلل والفرج في الصفوف استحباب المسارعة إلى سدها فيقيد بها اطلاق هذه الأخبار لكونها أقوى دلالة وأصرح مقالة في الحكم المذكور. وكذا لو وضع ثوبا
ونحوه في المشاهد المشرفة وغاب ينبغي التفصيل بما قلناه من التصرف بالجلوس وعدمه
ولزوم تعطيل الزوال والمصلين وعدمه. والله العالم.
(المسألة الرابعة) - المشهور في كلام الأصحاب جواز الوقف على المساجد لأنه
في الحقيقة وقف على المسلمين حيث إنه يرجع إلى مصالحهم كالوقف على القناطر ونحوها
روى الشيخ في التهذيب والصدوق في كتاب العلل وكذا في كتاب الوقف من
308

كتاب من لا يحضره الفقيه عن أبي الصحارى عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" قلت رجل اشترى دارا فبقيت عرصة فبناها بيت غلة أيوقفه على المسجد؟ قال إن
المجوس أوقفوا على بيت النار ".
والظاهر أن المعنى أن المجوس وقفوا على بيت النار فأنتم أولى بذلك على مساجدكم.
وربما احتمل على بعد المنع بمعنى أن هذا من فعل المجوس فليس لكم الاقتداء بهم
والمتابعة لهم. ولعله على هذا الاحتمال بنى الصدوق في كتاب الصلاة من كتاب
من لا يحضره الفقيه فنقل الخبر بهذه الكيفية " وسئل عن الوقوف على المساجد فقال
لا يجوز فإن المجوس وقفوا على بيوت النار " (2) وهذا أحد المفاسد في نقل الخبر بالمعنى
واحتمال كون ما نقله خبرا مستقلا بعيد جدا بقرينة ما ذكرناه من أن الذي رواه هو في
كتاب الوقف وكتاب العلل وغيره كالشيخ في التهذيب إنما هو الخبر الذي ذكرناه.
إلا أن صاحب الوسائل ادعى أن بعض نسسخ العلل تضمنت " لا " بعد قوله:
" أيوقفه على المسجد " قال " لا إن المجوس... الخ " ولعله على ذلك بنى الصدوق في ما
نقله من قوله " لا يجوز " وكيف كان فيمكن حمل النهي عن الوقف مع ثبوت ما ذكر من
النهي على أن يكون الوقف بقصد تملك المسجد وهو ليس أهلا للملك بل لا بد من تقييد
ذلك بمصالح المسلمين ليكون الوقف عليهم بل لو أطلق فإنه ينصرف إليها.
قال شيخنا الشهيد في الذكرى: يستحب الوقف على المساجد وهو من أعظم
المثوبات لتوقف بقاء عمارتها غالبا عليه التي هي من أعظم مراد الشارع، ثم ذكر رواية
الفقيه في كتاب الصلاة المتضمنة لقوله " لا يجوز " وقال: وأجاب بعض الأصحاب بأن
الرواية مرسلة وبإمكان الحمل على ما هو محرم منها كالزخرفة والتصوير. انتهى.
نعم ذكر المحدث الكاشاني في الوافي - بعد نقله رواية الفقيه المذكورة وكذا
الرواية الأخرى التي ذكرناها - ما صورته: المستفاد من الخبرين تعليل المنع بالتشبه

(1) الوسائل الباب 66 من أحكام المساجد
(2) الوسائل الباب 66 من أحكام المساجد
309

بالمجوس ولعل الأصل فيه خفة مؤنة المساجد وعدم افتقارها إلى الوقف إذا بنت كما
ينبغي وإنما افتقرت إليه للتعدي عن حدها. انتهى. وظاهره متابعة الصدوق في ما نقله
من الرواية وحمل الرواية الأخرى عليه بتقريب المعنى الثاني الذي أشرنا إليه، وحينئذ
فظاهر كلاميها تحريم الوقف على المساجد فيصير مخالفا لما عليه الأصحاب في هذه المسألة.
وكيف كان فإن المسألة عندي لا تخلو من شوب الاشكال لاجمال الخبر المذكور
وقرب قبوله للاحتمال بالتقريب الذي ذكره المحدث المشار إليه ولما ذكره الأصحاب من
الأدلة العامة في المقام. والله العالم.
(المسألة الخامسة) قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يجوز نقض
ما استهدم بفتح التاء والدال أي أشرف على الانهدام، قالوا ولا ريب في جوازه بل
قد يجب إذا خيف انهدامه على أحد من المترددين ويستحب إعادته وتجديده. قيل ويجوز
النقض أيضا للتوسعة إذا احتيج إليها لأنه احساس محض و " ما على المحسنين من سبيل " (1).
أقول: الظاهر أن ما ذكروه لا اشكال فيه أما الأول فلما ندب إليه من بناء
المساجد وتعميرها. وأما الثاني فلما تقدم في صحيحة عبد الله بن سنان أو حسنته الواردة
في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتوسعته مرتين (2).
وقال الشهيد في الذكرى: ولو أريد توسعة المسجد ففي جواز النقض وجهان من
عموم المنع، ومن أن فيه احداث مسجد، ولاستقرار قول الصحابة على توسعة مسجد
رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد انكارهم ولم يبلغنا انكار علي (عليه السلام)
وقد أوسع السلف المسجد الحرام ولم يبلغنا انكار علماء ذلك العصر. انتهى.
أقول: الأظهر هو الاستناد في الحكم المذكور إلى رواية عبد الله بن سنان
المذكورة فإنها ظاهرة في الجواز (3).
وأما ما ذكره بالنسبة إلى مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) - وتوسعته بعد

(1) سورة التوبة. الآية 92
(2) ص 266
(3) ص 266
310

موته واستقرار قول الصحابة على ذلك وأن عليا (عليه السلام) لم ينكره - ففيه أنه غفلة
منه عما ورد عنه (عليه السلام) في إنكار ذلك إلا أنه إنما أنكر من حيث غصب البيوت
التي أدخلت في المسجد، ومن ذلك ما رواه في الكافي عن سليم بن قيس في خطبة
أمير المؤمنين (عليه السلام) (1) قال " خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم ساق كلامه
إلى أن قال فيه: قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله)...
ولو حملت الناس على تركها وحولتها إلى موضعها وإلى ما كانت في عهد رسول الله (صلى
الله عليه وآله) لتفرق عني جندي حتى أبقى وحدي، ثم عد جملة من ذلك وقال: ورددت
دار جعفر إلى ورثته وهدمتها من المسجد... إلى أن قال: ورددت مسجد رسول الله
(صلى الله عليه وآله) إلى ما كان عليه... الحديث " وهو أظهر ظاهر في إنكار ذلك وأن
الزيادة التي أحدثوها كانت غصبا كما ذكرنا، والظاهر أنه لو كانت الزيادة من الأراضي
المباحة فلا اشكال. وقد ورد في تحديد مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) ما رواه في
الفقيه عن عبد الأعلى مولى آل سام عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) " أنه سأله كم
كان طول مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله؟ قال كان ثلاثة آلاف وستمائة ذراع
مكسرا " والمعنى أنه كان كل من طوله وعرضه ستين ذراعا فإنه إذا ضرب ذلك حصل
منه العدد المذكور في الخبر، وهل الزائد على هذا المقدار يثبت له حكم المسجدية في الجملة
وإن لم يكن في حكم مسجده (صلى الله عليه وآله)؟ لا يبعد ذلك إذا لم يكن مغصوبا.
وأما بالنسبة إلى المسجد الحرام فقد تقدم في حسنة زرارة (3) نوم الباقر (عليه
السلام) في المسجد الحرام وقوله له لما سأله عن النوم ثمة: " إنما يكره أن ينام في المسجد
الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله " فإنه يؤذن بعدم ثبوت المسجدية في
هذه الزيادة وعدم ترتب أحكام المسجدية عليها، إلا أنك قد عرفت ما في ذلك من

(1) روضة الكافي ص 59 طبع سنة 1377
(2) الوسائل الباب 58 من أحكام المساجد
(3) ص 293
311

الاشكال بالأخبار التي أوردناها دالة على أنها من المسجد القديم الذي خطه إبراهيم
وإسماعيل (عليهما السلام) ويمكن أن يقال مع الاغماض عن الاشكال المذكور أن
المسجد الحرام الذي يثبت له الاحترام زيادة على غيره يقتصر فيه على ما رسمه المعصوم
ولا يجوز الزيادة فيه بخلاف غيره من المساجد التي وضعت لصلاة الناس فيها ويمكن
اجراء هذا الكلام أيضا في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) لاختصاصه بمزيد
شرف على سائر المساجد كما سيأتي إن شاء الله تعالى في فضل الصلاة فيه زيادة على غيره
فيمكن الحكم بتحريم الزيادة فيه وإن لم يكن غصبا كما أشرنا إليه آنفا وحينئذ فيبقى هذا
الحكم مختصا بغير المسجدين المذكورين.
وأما الاحتجاج بعدم انكار علماء ذلك العصر فهو أوهن من بيت العنكبوت وأنه
لأوهن البيوت، لأن البدع الصادرة عن خلفاء الجور الذين هم أئمة الحق عندهم جائزة بل
واجبة الاتباع فكيف ينكرها علماؤهم، ألا ترى إلى أعذار علمائهم عن بدع الثلاثة المتقدمين
بنحو ما قلناه من أن الخليفة له أن يعمل بما يراه الأصلح والأولى في جميع الأمور.
وبالجملة فالأمر أظهر من أن ينكر ومن أحب تحقيق ذلك فليرجع إلى كتابنا سلاسل
الحديد في تقييد ابن أبي الحديد.
ثم إنه صرح في الذكرى على تقدير جواز النقض بأنه لا ينقض إلا بعد الظن
الغالب بوجود العمارة، ولو أخر النقض إلى اتمامها كان أولى إلا مع الاحتياج إلى الآلات
واستحسنه جملة ممن تأخر عنه ولا بأس به.
ثم إنه قد صرح الشهيدان (قدس سرهما) بأنه يجوز احداث باب زائد لمصلحة
عامة كازدحام المسلمين في الخروج والدخول فيوسع عليهم، ولو كان لمصلحة خاصة
كقرب المسافة على بعض المصلين احتمل جواز أيضا لما فيه من الإعانة على القربة وفعل
الخير. وكذا يجوز فتح شباك وروزنة للمصلحة العامة وفي جوازه للمصلحة الخاصة الوجهان
بقي الكلام في أنه قد اشتهر في هذه الأعصار جواز حفر بئر في المسجد لأجل
312

وضوء المصلين، وفيه عندي الاشكال إلا أن تتقدم البئر على المسجدية فلا اشكال. ووجه
ما ذكرناه من الاشكال سيما على قاعدة الأصحاب من اشتراط الوقفية ظاهر حيث إن
ذلك مناف للوقف و " الوقوف على ما وقفت عليه " (1) ومع قطع النظر عن ذلك
فظواهر الأخبار الدالة على أن المساجد إنما بنيت للعبادة وتلاوة القرآن والدعاء ونحو ذلك
وقولهم (عليهم السلام) " إنها لغير هذا بنيت " (2) وتوهم تعليل الجواز - بانقطاع أكثر
المصلين لو لم يجز ذلك كما ذكره بعض - عليل لأن السنة الماضية في القرون الخالية إنما هو
الوضوء في البيوت وحضور المساجد سيما في الصدر الأول بمكة والمدينة لقلة المياه بهما يومئذ
ولا يقاس هذا على ما تقدم من فتح باب وروزنة فإن ذلك معلوم المصلحة وخال من المفسدة
بخلاف هذا فإن المفسدة فيه بتحجير المكان الذي فيه البئر عن الصلاة فيه ومنع الناس عن
ذلك الموضع ظاهر. ولا يبعد بناء على ما قلنا بطلان الصلاة بالوضوء من تلك البئر أيضا
لأنه متى ثبت كون ذلك على خلاف الوجه الشرعي كان من قبيل المغصوب فجميع
التصرفات المترتبة على ذلك من قبيل التصرف في المغصوب إذ متى زالت الإباحة بالمعنى
الأعم فليس إلا الغصب والاحتياط ظاهر. والله العالم.
(المسألة السادسة) - قد ذكر جمع من الأصحاب أنه يجوز استعمال آلاته في غيره
من المساجد، وقيد ذلك بعضهم بما إذا كانت تلك الآلة فاضلة عن ذلك المسجد ومستغنى
عنها فيه أو تعذر استعمالها فيه لاستيلاء الخراب عليه أو كان الآخر أحوج إليها منه لكثرة
المصلين ونحو ذلك، لأن المالك واحد وهو الله سبحانه صرح بذلك الشهيدان، وزاد
شيخنا الشهيد الثاني فقال: وأولى بالجواز صرف وقفه ونذره على غيره بالشروط وليس
كذلك المشهد فلا يجوز صرف ماله إلى مشهد آخر ولا مسجد ولا صرف مال المسجد إليه
مطلقا. انتهى. قال في المدارك بعد نقل ذلك: وللنظر في هذا الحكم من أصله مجال
والمتجه عدم جواز صرف مال المسجد إلى غيره مطلقا كالمشهد لتعلق النذر أو الوقف

(1) الوسائل الباب 2 من الوقوف والصدقات
(2) ص 278
313

بذلك المحل المعين فيجب الاقتصار عليه. نعم لو تعذر صرفه فيه أو علم استغناؤه عنه في
الحال والمال أمكن القول بجواز صرفه في غيره من المساجد والمشاهد بل لا يبعد صرفه
في مطلق القرب لأن ذلك أولى من بقائه إلى أن يعرض له التلف فيكون صرفه في هذا
الوجه احسانا و " ما على المحسنين من سبيل " (1) انتهى.
أقول: لم أقف في هذا المقام على شئ من الأخبار الظاهرة في تنقيح الكلام
وقطع مادة النقض والابرام سوى أخبار الاهداء والنذر والوصية إلى الكعبة الشريفة
وسيجئ الكلام فيها إن شاء الله تعالى في كتاب الحج:
ومنها - رواية ياسين الضرير (2) " في رجل أوصى بألف درهم للكعبة فسأل
أبا جعفر (عليه السلام) فقال إن الكعبة غنية عن هذا انظر إلى من أم هذا البيت فقطع
به أو ذهبت نفقته أو ضلت راحلته أو عجز أن يرجع إلى أهله فادفعها إلى هؤلاء... "
وبمضمونه أخبار عديدة يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى في الموضع المشار إليه، والظاهر أن الحكم في المشاهد والكعبة واحد.
ومقتضى الأخبار المذكورة أن الواجب صرفه في تعمير المشهد والكعبة إذا احتيج
إلى ذلك وإلا فإنه يصرف في معونة الحجاج والزوار لذلك المشهد، وبذلك صرح السيد
المشار إليه في كتاب النذر من شرح النافع فقال: ولو نذر شئ لأحد المشاهد المشرفة
صرف فيه على حسب ما قصده الناذر ومع الاطلاق يصرف في مصالح المشهد، ولو
استغنى المشهد عنه في الحال والمال فالظاهر صرفه في معونة الزوار لأن ذلك أولى من
بقائه على حاله معرضا للتلف فيكون صرفه على هذا الوجه احسانا و " ما على المحسنين
من سبيل " (3) انتهى. وبذلك أيضا صرح جده (قدس سره) في كتاب النذر من
المسالك. ومن ذلك يظهر ما في قوله هنا " إنه مع تعذر صرفه في ذلك المشهد يجوز

(1) سورة التوبة، الآية 92
(2) الوسائل الباب 22 من مقدمات الطواف
(3) سورة التوبة، الآية 92
314

صرفه في غيره من المساجد والمشاهد بل لا يبعد صرفه في مطلق القرب " فإنه بعيد كما
عرفت والأقرب إلى ما دلت عليه الأخبار المشار إليها هو ما ذكرناه وما ذكره في شرح
النافع هذا بالنسبة إلى المشاهد المشرفة.
وأما بالنسبة إلى المساجد لو حصل الاستغناء عما لها من الأوقاف والآلات ونحوها
وما ذكروه (رضوان الله عليهم) في المقام فهو عندي محل اشكال لعدم الدليل الواضح
والاستناد إلى اطلاق الآية المذكورة يتوقف على ثبوت كون ذلك احسانا وهو محل
البحث. وكان بعض مشايخنا المعاصرين في بلاد البحرين يعمدون في ما فضل من أموال
المسجد عن تعميره إلى التنمية وشراء العقارات بها وصرف حواصلها في مصالح المسجد
من الحصر والتعمير ونحو ذلك. والله سبحانه أعلم.
تذنيب
في فضل المساجد وفضل الصلاة فيها وبيان اختلافها في الفضل:
ففي الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) في حديث
" أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال الصلاة في مسجدي كألف في غيره إلا
المسجد الحرام فإن الصلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي ".
وعن معاوية بن وهب في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال:
" قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الصلاة في مسجدي تعدل ألف صلاة في غيره
إلا المسجد الحرام فهو أفضل " وبهذا المضمون أخبار عديدة.
وروى الكليني والصدوق عن خالد بن زياد القلانسي عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (3) قال: " مكة حرم الله وحرم رسوله (صلى الله عليه وآله) وحرم علي بن

(1) الوسائل الباب 57 من أحكام المساجد
(2) الوسائل الباب 57 من أحكام المساجد
(3) الوسائل الباب 44 من أحكام المساجد. وفي الفقيه " ابن ماد " وهو نفس " ابن زياد "
315

أبي طالب (عليه السلام) الصلاة فيها بمائة ألف صلاة والدرهم فيها بمائة ألف درهم، والمدينة حرم الله وحرم رسوله (صلى الله عليه وآله) وحرم علي بن أبي طالب (عليه السلام)
الصلاة فيها بعشرة آلاف صلاة والدرهم فيها بعشرة آلاف درهم، والكوفة حرم الله وحرم
رسوله (صلى الله عليه وآله) وحرم علي بن أبي طالب (عليه السلام) الصلاة فيها بألف
صلاة وسكت عن الدرهم (1) ".
وعن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) أنه قال: " من صل في
المسجد الحرام صلاة مكتوبة قبل الله منه كل صلاة صلاها منذ يوم وجبت عليه الصلاة
وكل صلاة يصليها إلى أن يموت ".
وعن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا عن آبائه (عليهم السلام) (3) قال:
" قال محمد بن علي الباقر (عليه السلام) صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف
صلاة في غيره من المساجد ".
وعن هارون بن خارجة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: " قال لي
يا هارون بن خارجة كم بينك وبين مسجد الكوفة يكون ميلا؟ قلت لا. قال أفتصلي
فيه الصلوات كلها؟ قلت لا. قال أما لو كنت بحضرته لرجوت أن لا تفوتني
فيه صلاة، أو تدري ما فضل ذلك الموضع؟ ما من عبد صالح ولا نبي إلا وقد صلى في
مسجد كوفان حتى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما أسرى الله به قال له جبرئيل
أتدري أين أنت يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) الساعة؟ أنت مقابل مسجد كوفان
قال فاستأذن لي ربي عز وجل حتى آتيه فأصلي فيه ركعتين فاستأذن الله عز وجل فأذن له،
وإن ميمنته لروضة من رياض الجنة وإن وسطه لروضة من رياض الجنة وإن مؤخره
لروضة من رياض الجنة، وإن الصلاة المكتوبة فيه لتعدل ألف صلاة وإن النافلة فيه

(1) هذا في الفقيه دون الكافي
(2) الوسائل الباب 52 من أحكام المساجد
(3) الوسائل الباب 52 من أحكام المساجد
(4) الوسائل الباب 44 من أحكام المساجد
316

لتعدل خمسمائة صلاة وإن الجلوس فيه بغير تلاوة ولا ذكر لعبادة، ولو علم الناس ما
فيه لأتوه ولو حبوا ".
وفي الفقيه عن أبي بصير (1) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول نعم
المسجد مسجد الكوفة صلى فيه ألف نبي وألف وصي ومنه فار التنور وفيه نجرت السفينة
ميمنته رضوان الله ووسطه روضة من رياض الجنة وميسرته مكر يعني منازل الشيطان ".
وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (2) قال: " قال الصادق (عليه السلام) حد
مسجد الكوفة آخر السراجين خطه آدم (عليه السلام) وأنا أكره أن أدخله راكبا
قيل له فمن غيره عن خطته قال أما أول ذلك فالطوفان في زمن نوح (عليه السلام)
ثم غيره أصحاب كسرى والنعمان ثم غيره زياد بن أبي سفيان ".
وروى في الفقيه مرسلا (3) قال: " قال علي (عليه السلام) صلاة في بيت
المقدس تعدل ألف صلاة وصلاة في المسجد الأعظم مائة صلاة وصلاة في مسجد القبيلة
تعدل خمسا وعشرين صلاة وصلاة في مسجد السوق تعدل اثنتي عشرة صلاة وصلاة
الرجل في بيته صلاة واحدة ".
أقول: في هذه الأخبار فوائد لطيفة ونكات شريفة يحسن التنبيه عليها في المقام
بما تشتاقه الطباع وتلذه الأفهام:
(الأولى) - ما تضمنه حديث القلانسي من قوله (عليه السلام) " مكة حرم
الله وحرم رسوله... الخ " لعل الوجه فيه أن كون مكة حرم الله عز وجل أي محترمة ومعظمة
لأجله فلأنها مقر بيته الحرام الذي أوجب السعي إليه على من استطاع إليه الوصول من
الأنام وأوجب تعظيمه وشرفه على سائر بقاع الاسلام، وأما كونه حرم الرسول
وأمير المؤمنين (صلوات الله عليهما) فأما باعتبار كونها بلدهما الأصلية ومنشأهما ووطنهما أو

(1) الوسائل الباب 44 من أحكام المساجد
(2) الوسائل الباب 44 من أحكام المساجد
(3) الوسائل الباب 64 من أحكام المساجد
317

باعتبار أن ما كان لله عز وجل فهو ثابت لهما بطريق النيابة فكل ما نسب إليه تعالى فهو
ينسب إليهما وكل شئ ينسب إليهما ينسب إليه عز وجل لاتحاده بهما ومزيد قربهما منه
كما قرن نفسه عز وجل بهما في جملة من الآيات القرآنية نحو قوله تعالى " إنما وليكم الله
ورسوله والذين آمنوا... الآية " (1) المفسر ذلك في الأخبار بأمير المؤمنين (عليه
السلام) وقوله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر
منكم " (2) إشارة إلى ما ذكرناه.
وأما كون المدينة حرم الله عز وجل فمن حيث سكنى رسول الله (صلى الله
عليه وآله) فيها واتخاذه لها دار هجرة فعظمها لأجله وأوجب احترامها حتى بعدم قطع
الشجر منها كما سيأتي في كتاب الحج إن شاء الله تعالى. وأما كونها حرم الرسول وعلي
(عليهما الصلاة والسلام) فلأنها منشأهما ومقرهما بعد الهجرة ومدفن الرسول (صلى الله
عليه وآله) حقيقة ومدفن علي (عليه السلام) تبعا حيث إنه نفس الرسول ويؤيده
ما نقله بعض مشايخنا من ورد بعض الأخبار بأن الله عز وجل نقله إليها، ولهذا يستحب
زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) عند الرسول (صلى الله عليه وآله) وأما الكوفة
فبالتقريب المتقدم في المدينة.
وأما أن الصلاة في البلدان الثلاث بما ذكر في الخبر فالظاهر أن اطلاق البلد في
المواضع الثلاثة مجاز عن المساجد الثالثة ليوافق جملة الأخبار الواردة في الباب وإن
اختلفت زيادة ونقصانا إذ موردها إنما هو المساجد.
ويعضد ذلك ما رواه الشيخ عن عمار بن موسى في الموثق عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (3) قال: " سألته عن الصلاة في المدينة هل هي مثل الصلاة في مسجد رسول الله
(صلى الله عليه وآله)؟ قال لا، إن الصلاة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)

(1) سورة المائدة، الآية 60
(2) سورة النساء، الآية 62
(3) الوسائل الباب 57 من أحكام المساجد
318

ألف صلاة والصلاة في المدينة مثل الصلاة في سائر البلدان ".
وأما ثواب التصدق فيمكن ابقاؤه على عمومه لعدم المعارض. وأما السكوت
عن الدرهم في الكوفة فهو مشعر بأنها كغيرها من البلدان إلا أنه روى ابن قولويه في
كتاب كامل الزيارات بسنده عن الصادق (عليه السلام) (1) قال: " نفقة درهم بالكوفة
تحسب بمائة درهم في ما سواها وركعتان فيها تحسب بمائة ركعة ".
(الثانية) - لا يخفى أن الأخبار مما نقلناه هنا وما لم ننقله قد اختلفت في ثواب
الصلاة في كل من هذه المساجد زيادة ونقصانا والظاهر عندي في الجمع بينها هو أن ذلك
باعتبار اختلاف أحوال المصلين في صلاتهم واقبالهم على الصلاة وقربهم منه تعالى وعدم
ذلك بمعنى أن جميع الصلوات مشتركة من حيث هذ المكان وفضله في الطرف الأقل
من الثواب الوارد في هذا المكان وهذه الزيادة إنما نشأت من أمور زائدة في تلك
الصلوات كما ذكرنا، وعليه يحمل أيضا ما ورد في ثواب الحج وزيارة الأئمة (عليهم
السلام) ولا سيما زيارة الحسين (عليه السلام) من تفاوت الثواب قلة وكثرة والجميع
محمول على تفاوت أحوال المكلفين في ما يأتون به. وما تكلفه جملة من الأصحاب في
هذا المقام فالظاهر بعده وعدم الحاجة إليه.
نعم روى الشيخ في التهذيب في الحسن عن الوشاء عن الرضا (عليه السلام) (2)
قال: " سألته عن الصلاة في المسجد الحرام والصلاة في مسجد الرسول (صلى الله عليه
وآله) في الفضل سواء؟ فقال نعم والصلاة في ما بينهما تعدل ألف صلاة " فإنه ظاهر في
مساواة مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) للمسجد الحرام في الفضل من أن الأخبار
مما قدمناه وتركناه متكاثرة بزيادة المسجد الحرام وأن الصلاة فيه كألف صلاة في مسجد
الرسول (صلى الله عليه وآله).

(1) الوسائل الباب 44 من أحكام المساجد
(2) الوسائل الباب 63 من أحكام المساجد
319

ويمكن الجواب برجوع المساواة إلى أصل الفضيلة بمعنى أن لهما الفضل على غيرهما
من المساجد وإن تفاوتا بالزيادة في أحدهما والنقيصة في الآخر ويكون قوله: " والصلاة
في ما بينهما... الخ " إشارة إلى ذلك بمعنى أنهما متساويان في أصل الفضل وإن حصل التفاوت
بينهما في أن الصلاة الواحدة في أحدهما بألف في الآخر وهو وإن كان مجملا بالنسبة إلى
صاحب الفضيلة منهما إلا أنه باعتبار ما ظهر في غير هذا الخبر من الأخبار الكثيرة
الدالة على أن الفضل في جانب المسجد الحرام ويحمل عليه هذا الاجمال فلا اشكال.
(الثالثة) - ما تضمنه حديث الثمالي - من أن كل من صلى في المسجد الحرام
صلاة مكتوبة قبل الله منه كل صلاة... الخ - يحتمل حمله على عمومه من قبول كل صلاة
صلاها أو يصليها إلى يوم موته وإن كانت باطلة وليس ببعيد من فضله سبحانه وكرمه،
وأما ما لم يصلها بالكلية فلا تدخل في عموم الخبر. ويحتمل التخصيص بما إذا كانت
صحيحة مجزئة لكنها غير مقبولة من حيث عدم الاقبال عليها كلا أو بعضا أو نحو ذلك
من شروط القبول. ويحتمل أيضا أنه لما كان الله عز وجل قد جعل صلاة المكتوبة في
المسجد الحرام بمائة ألف صلاة كما في خبر القلانسي وغيره فمن الظاهر أن هذا العدد
يأتي على صلاة الانسان من أول عمره إلى آخره غالبا فكل صلاة وقع الخلل فيها من
صلواته يقوم مقامها ويسدها بعض هذه الأفراد المضاعفة فيكون مستلزما لقبول ما وقع
الخلل فيه من صلواته بل ما تركه أيضا، ورحمته سبحانه وفضله جل شأنه أوسع من ذلك
وهو وجه لطيف عرض لي حال التصنيف.
(الرابعة) - ما تضمنه خبر هارون بن خارجة وخبر أبي بصير وما اشتملا عليه
قد ورد مثله في عدة أخبار مثل ما رواه ثقة الاسلام في الكافي والشيخ في التهذيب عن
الحذاء عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " مسجد كوفان روضة من رياض الجنة
صلى فيه ألف نبي وسبعون نبيا وميمنته رحمة وميسرته مكر، فيه عصا موسى وشجرة يقطين

(1) الوسائل الباب 44 من أحكام المساجد
320

وخاتم سليمان ومنه فار التنور ونجرت السفينة وهي صرة بابل ومجمع الأنبياء ".
وفي حديث الكاهلي المروي في الكافي والتهذيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
" يمينه يمن ويساره مكر وفي وسطه عين من دهن وعين من لبن وعين من ماء شراب
للمؤمنين وعين من ماء طهر للمؤمنين... إلى أن قال وصلى فيه سبعون نبيا وسبعون وصيا
أنا أحدهم، وقال بيده في صدره ".
وروى مؤلف المزار الكبير على ما نقله في البحار (2) بسنده عن حبة العرني عن
أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث قال فيه " وصلى فيه ألف نبي وألف وصي وفيه
عصا موسى وخاتم سليمان وشجرة يقطين ووسطه روضة من رياض الجنة وفيه ثلاث
أعين: عين من ماء وعين من دهن وعين من لبن. إلى أن قال ويحشر يوم القيامة منه
سبعون ألفا ليس عليهم حساب ولا عذاب، جانبه الأيمن ذكر وجانبه الأيسر مكر ".
أقول: لا تنافي بين هذه الأخبار باعتبار ذكر عدد من صلى فيه من الأنبياء
والأوصياء قلة وكثرة فجاز أن يذكرهم كلهم تارة وجاز أن يقتصر على أفضلهم أخرى
إذ لا دلالة على الحصر في عدد
وأما الروضة التي في وسط المسجد بناء على رواية أبي بصير أو في وسطه ومقدمه
وميمنته وميسرته ومؤخره بناء على الروايات الأخر فالظاهر أنها عبارة عن الجنات التي
تظهر بعد خروج القائم (عليه السلام) وينبغي حمل المسجد في هذه الأخبار على المسجد
الأصلي الذي يأتي ذكره قريبا وبيان وقوع النقص فيه لما يستفاد من بعض الأخبار
أنه (عليه السلام) بعد ظهوره يعيده إلى أساسه الأصلي ويوسعه سعة زائدة، وهذه العيون
المذكورة من جملة ما في تلك الروضات التي تظهر بظهوره (عليه السلام).
ولا منافة بين ما دل على أن ميسرته مكر وبين ما دل على أن ميسرته روضة لأن

(1) الوسائل الباب 45 من أحكام المساجد
(2) ج 22 ص 88
321

المراد بالأول ما خرج عن هذا المسجد وبالثاني ما دخل في المسجد الأصلي من طرف اليسار
والظاهر أن تفسير المكر بمنازل الشيطان من كلام الصدوق (قدس سره) وهذا
الخبر رواه في الكافي عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير (1) وفيه بعد قوله مكر " فقلت
لأبي بصير ما يعني بقوله مكر؟ قال يعني منازل السلطان " وهذا الخبر ونحوه قد رواه
العامة أيضا، قال ابن الأثير في نهايته (2): أصل المكر الخداع ومنه حديث علي (ع) في مسجد
الكوفة " جانبه الأيسر مكر " قيل كانت السوق إلى جانبه الأيسر وفيها يقع المكر
والخداع. انتهى. والأظهر ما ذكر في الخبرين من تفسير المكر بمنازل السلطان، والظاهر أن المراد به قصر الأمارة الذي هو محل الحكم والأمر والنهي، وعليه ينطبق أيضا
ما ذكره الصدوق لأن منازل سلاطين الجور منازل الشياطين أو أن المراد بالشياطين هم
حكام الجور.
وأما ما قابل الميسرة في هذا الخبر ونحوه مما كان خارجا عن المسجد فيمكن حمله
على الغري الذي هو موضع قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) والإشارة إليه بذلك وقع
تقية، ومثله قوله (عليه السلام) في حديث حبة العرني " ويحشر منه يوم القيامة سبعون
ألفا ليس عليهم حساب ولا عذاب " يعني يحشرون من جنبه، والمراد به الغري أيضا
الذي قد استفاضت الأخبار بأنه قطعة من جنة عدن تكون فيها أرواح المؤمنين في عالم
البرزخ، والاجمال في التعبير عن ذلك صريحا كله للتقية.
وأما ما دل على أن فيه عصا موسى (عليه السلام) فيحتمل أنها مودعة فيه إلى
ظهور صاحب الزمان (عجل الله فرجه) وكذا خاتم سليمان (عليه السلام) ويحتمل أن العصا
نبتت فيه ومنه أخذت، وعليه يحمل أيضا " وفيه شجرة يقطين " يعني فيه نبتت، ويؤيده
ما نقله بعض مشايخنا قال إنه يظهر من بعض الأخبار أن يونس (عليه السلام)
خرج من الفرات.

(1) الوسائل الباب 44 من أحكام المساجد
(2) في مادة " مكر "
322

بقي الكلام في نجر السفينة في المسجد مع كراهة الصنائع في المساجد ولا سيما هذا
المسجد فيمكن الجواب بتخصيص هذا الحكم بهذه الشريعة أو استثناء ذلك من الحكم المذكور
وأما قوله في رواية الحذاء: " وهي صرة بابل " ففيه إشارة إلى أن الكوفة من
أرض بابل إذا المراد بالصرة الكناية عن الشئ النفيس العزيز، لأن أصل الصرة بمعنى
صرة الدراهم وهي أنفس الأموال وأعزها. والمفهوم من خبر رد الشمس إلى أمير المؤمنين
(عليه السلام) (1) - في أيام رجوعه من حرب الخوارج وتركه الصلاة إلى أن عبر
الفرات فصلى في الجانب الآخر - اختصاص بابل بذلك الجانب من الفرات، ولعل
الإضافة هنا مجاز باعتبار قربها من بابل وأن أرض الخسف من بابل التي يكره الصلاة فيها
مخصوص بذلك الموضع الذي عبر (عليه السلام) منه. والله العالم.
(الخامسة) - أن ما دل عليه مرسل الفقيه من قول الصادق (عليه السلام)
" حد مسجد الكوفة آخر السراجين... الخ " مما يدل على وقوع النص في المسجد
والحديث بهذه الكيفية قد رواه الشيخ في التهذيب بسنده عن علي بن مهزيار باسناد له (2)
قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) حد مسجد الكوفة... الحديث " إلا أن الكليني
في الروضة والعياشي في تفسيره قد نقلاه بوجه أبسط عن المفضل بن عمر قال (3):
" كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) بالكوفة أيام قدم علي أبي العباس فلما انتهينا
إلى الكناسة نظر عن يساره ثم قال يا مفضل ههنا قتل عمي زيد ثم مضى حتى أتى طاق
الرواسين وهو آخر السراجين فنزل فقال لي انزل فإن هذا الموضع كان مسجد الكوفة
الأول الذي خطه آدم (عليه السلام) وأنا أكره أن أدخله راكبا فقلت له فمن غيره عن
خطته؟ قال أما أول ذلك فالطوفان... إلى آخر ما تقدم في خبر الفقيه ".
* (هامش) (1) البحار ج 18 الصلاة ص 121
(2) الوسائل الباب 44 من أحكام المساجد
(3) الروضة ص 279 ومستدرك الوسائل الباب 35 من أحكام المساجد (*)
323

ومما يدل على وقوع النقص في المسجد ما رواه في الكافي في خبر عن أبي بصير
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال " وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقوم على
باب المسجد ثم يرمي بسمه فيقع في موضع التمارين فيقول ذلك من المسجد، وكأن يقول
قد نقص من أساس مسجد الكوفة مثل ما نقص في تربيعه " وفي رواية أخرى نقلها
في البحار (2) عن مؤلف المزار الكبير قال " ولقد نقص منه اثنا عشر ألف ذراع مما كان
على عهدهم.
بقي الكلام في حكم هذا الناقص من المسجد الأول الزائد على ما هو عليه الآن
هل يثبت له حكم المسجدية؟ اشكال ينشأ من أن ظاهر حديث المفضل - حيث إن
الصادق (عليه السلام) نزل لما بلغ إلى طاق الرواسين وأمر المفضل بالنزول معللا ذلك
بأنه من المسجد وأنه يكره دخوله راكبا - اجراء حكم المسجدية في ذلك الزائد، ومن أن ظاهر خبر أبي بصير - الدال على أن عليا (عليه السلام) رمى بسهمه إلى موضع التمارين
وأخبر أن هذه المسافة كلها من المسجد مع أنه لم ينقل عنه في زمانه إدخالها في المسجد
ولا الأمر باحترامها واجراء حكم المسجدية عليها، بل الظاهر أنما هو العدم لتقريره الناس
على تصرفهم في هذا الموضع بجعله سوقا وطريقا ومنازل ونحوها من التصرفات - هو
العدم، ولعل الترجيح للأخير إلا أنه يمكن تطرق القدح إليه بعدم تمكنه (عليه السلام)
من تغيير ما جرت عليه أئمة الجور قبله كما لا يخفى على من أحاط خبرا بما كان عليه في
أيام خلافته وأن جل رعيته إنما يرونه بعين التبعية لمن تقدمه. وكيف كان فإنه يجب أن
يحمل فعل الصادق (عليه السلام) على الفضل والاستحباب.
والظاهر أن الكلام ههنا كالكلام في المسجد الحرام قبل الزيادة التي زادتها
بنو أمية، فإن ظاهر خبر زرارة المتقدم (3) - المتضمن لنوم الباقر (عليه السلام) معه في
تلك الزيادة وتجويزه النوم فيها معللا ذلك بأنها ليست من المسجد الذي في زمنه (صلى الله

(1) الوسائل الباب 44 من أحكام المساجد
(2) ج 22 ص 88
(3) ص 293
324

عليه وآله) مع دلالة الأخبار الأخر على أنها من المسجد القديم - هو عدم اجراء حكم
المسجدية على ذلك الزائد وإن كان داخلا في المسجد القديم، وهو مؤيد لما ذكرناه من
عدم ثبوت حكم المسجدية لما زاد على المسجد الموجود في زمنه (عليه السلام) وإن
كان داخلا في المسجد القديم.
ويمكن أن يكون الوجه في الجميع أن الاعتبار في رعاية حكم المسجدية على ما كان
مسجدا في الاسلام بأن ثبت له المسجدية وسمي مسجدا بعد ظهور الشريعة المحمدية،
فإن البيع والكنائس السابقة في الملل المتقدمة كانت في تلك الملل يراعى فيها ما يراعى
في المساجد من التوقير والتعظيم، وأما بعد الاسلام بالنسبة إلى المسلمين فإنه لا يراعى فيها
ذلك لأنها ليست من مساجد الاسلام، ولهذا ورد جواز نقضها وجعلها مساجد يجب
احترامها كما يجب في المساجد المعمولة في الاسلام فكذلك المساجد التي في زمان
الكفر وتلك الملل السابقة، بل الاعتبار بما جرى عليه اسم المسجدية في الاسلام،
ويعضده تقرير النبي (صلى الله عليه وآله) الناس على مسجدية المسجد الحرام الموجود في
زمنه دون ما زاد عليه. والله العالم.
نعم يبقى اشكال آخر بالنسبة إلى تغيير زياد ابن أبيه الذي وقع بعد أمير المؤمنين
(عليه السلام) وثبوت المسجدية للجميع الموجود يومئذ. ويمكن التفصي عن ذلك بأنه
لعدم معلوميته لنا الآن لا يلزمنا حكمه.
ويمكن تخصيص تغيير زياد باعتبار القبلة دون أرض المسجد كما يشير إليه ما رواه
الشيخ في كتاب الغيبة بسنده فيه عن الأصبغ بن نباته (1) قال: " قال أمير المؤمنين
(عليه السلام) في حديث له " حتى انتهى إلى مسجد الكوفة وكان مبنيا بخزف ودنان
وطين فقال ويل لمن هدمك وويل لمن سهل هدمك وويل لبانيك بالمطبوخ المغير قبلة

(1) البحار ج 13 ص 186
325

نوح (عليه السلام) طوبى لمن شهد هدمك مع قائم أهل بيتي أولئك خيار الأمة
مع أبرار العترة ".
وروى محمد بن إبراهيم النعماني في كتاب الغيبة بسنده إلى حبة العرني في حديث
عنه (عليه السلام) (1) قال: " كأني أنظر إلى شيعتنا بمسجد الكوفة وقد ضربوا
الفساطيط يعلمون الناس القرآن كما أنزل، أما أن قائمنا إذا قام كسره وسوى قبلته ".
وأما نسبته (عليه السلام) في هذا الخبر زيادا إلى أبي سفيان فلعله خرج
مخرج التقية لاشتهار ذلك بين الأموية حيث إن معاوية استلحقه وجعله أخاه لأبيه وإلا
فهو مشهور بين علماء التاريخ بنسبته إلى أمه سمية أو يقال زياد ابن أبيه.
(السادسة) - ما تضمنه مرسل الفقيه عن علي (عليه السلام) في فضل الصلاة
في المساجد المذكورة قد ورد مثله في ما رواه الشيخ في التذهيب عن السكوني عن جعفر
عن أبيه (عليهما السلام) (2) إلا أن كتب الأخبار قد اختلفت في قوله: " وصلاة في
المسجد الأعظم تعدل مائة صلاة " ففي التهذيب في حديث السكوني المذكور وكذا في كتاب
المحاسن كما هنا ولكن في أكثر نسخ الفقيه " مائة ألف صلاة " وكذا في كتاب ثواب
الأعمال، والظاهر زيادة لفظ " ألف " من النساخ في الصدر الأول أو أحد الرواة
واستمر عليها النسخ، وعلى تقديره فيحمل المسجد الأعظم على المسجد الحرام، وعلى
تقدير النسخة الأخرى يحمل على المسجد الجامع.
وبيت المقدس بتخفيف الدال بمعنى القدس والطهارة كأن من يدخل فيه يطهر من
الذنوب، والمراد بكون الصلاة فيه تعدل ألف صلاة أي في البيوت وغير المساجد. ويحتمل الحمل
على الترتيب بالنسبة إلى الجامع وكذا الجامع بالنسبة إلى مسجد القبيلة وهكذا ولعل الأول أقرب.
والمراد بمسجد القبيلة هو مسجد المحلة المذكور في كلام الأصحاب بعنوان المحلة
ووجه خروج هذه التسمية في الخبر أنه كان في تلك الأوقات ولا سيما في الكوفة قبائل

(1) البحار ج 13 ص 192
(2) الوسائل الباب 64 من أحكام المساجد
326

العرب وكل قبيلة في محلة ولها مسجد فيها فنسب المسجد إلى القبيلة.
والمراد بمسجد السوق ما كان لأهل السوق واقعا في السوق أو إلى جنبها لا ما اتصل
بها وإن كان جامعا أو مسجد قبيلة وإلا فكثير من المساجد الجامعة متصلة بالسوق
ولا سيما المسجد الحرام ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله).
وفي رواية التهذيب (1) " وصلاة الرجل في بيته وحده صلاة واحدة " وكذا
في بعض نسخ الفقيه وفي كتاب ثواب الأعمال، قال المحدث الكاشاني في الوافي بعد
نقله الخبر على ما في التهذيب: بيان - لفظة " وحده " ليست في بعض نسخ الفقيه فإن
قلنا إن التضعيف في الأجر باعتبار الجماعة وكثرتها فاثباتها أوضح في مقابلة الوحدة
بالجماعة (وإن قلنا) إنه باعتبار فضل المسجد من غير نظر إلى الجماعة فاسقاطها أوضح في
مقابلة كل من الوحدة والجماعة بمثله. انتهى.
أقول: قد روى الشيخ في كتاب المجالس عن الحسين بن عبيد الله عن التلعكبري
عن محمد بن همام عن عبد الله بن جعفر الحميري عن محمد بن خالد الطيالسي عن زريق
الخلفاني (2) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول صلاة الرجل في منزله جماعة
تعدل أربعا وعشرين صلاة وصلاة الرجل جماعة في المسجد تعدل ثمانيا وأربعين صلاة
مضاعفة في المسجد. وأن الركعة في المسجد الحرام ألف ركعة في سواه من المساجد وأن
الصلاة في المسجد فردا بأربع وعشرين صلاة. والصلاة في منزلك هباء منثور
لا يصعد منها إلى الله تعالى شئ. ومن صلى في بيته جماعة رغبة عن المساجد فلا صلاة له
ولا لمن صلى معه إلا من علة تمنع من المسجد ".
وروى فيه أيضا بالسند المذكور عن زريق المذكور (3): " قال سمعت أبا عبد الله

(1) الوسائل الباب 64 من أحكام المساجد
(2) الوسائل الباب 33 من أحكام المساجد
(3) الوسائل الباب 2 من أحكام المساجد
327

(عليه السلام) يقول شكت المساجد إلى الله تعالى الذين لا يشهدونها من جيرانها فأوحى
الله عز وجل إليها وعزتي وجلالي لا قبلت لهم صلاة واحدة ولا أظهرت لهم في الناس
عدالة ولا نالتهم رحمتي ولا جاوروني في جنتي " وفي جملة من الأخبار " لا صلاة لجار
المسجد إلا فيه " (1).
ووجه الجمع بينها وبين الخبر المذكور وأمثاله مما دل على صحة الصلاة في البيت
وجوازها إما حمل التخلف عن المسجد على ما إذا كان لمجرد التهاون والاستخفاف وعدم
المبالاة بما ورد في الصلاة فيه من الأجر والثواب وإليه يشير خبر زريق الأول، أو على
قلة الأجر والثواب المترتب عليها حتى كأنه في حكم العدم ولعله الأظهر فإنهم (عليهم السلام)
كثيرا ما يبالغون في الزجر عن المكروهات بما يكاد يلحقها بالمحرمات والحث على
المستحبات بما يكاد يدخلها في الواجبات.
وكيف كان فمع العذر يكون مستثنى من الحكم المذكور، ويدل عليه ما رواه
في كتاب قرب الإسناد عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) (2) قال: " قال علي
(عليه السلام) ليس لجار المسجد صلاة إذا لم يشهد المكتوبة في المسجد إذا كان فارغا
صحيحا " ومثله روى في التهذيب (3) أيضا. والله العالم.
المقدمة السابعة في الأذان والإقامة
الأذان لغة الاعلام ومثله الإيذان، ومنه قوله تعالى: " فأذنوا بحرب من الله
ورسوله " (4) أي اعلموا، وعلى قراءة المد أي اعلموا من ورائكم بالحرب، فالمد يفيد
التعدي وفعله " أذن يأذن " ثم شدد للتعدية، وشرعا أذكار مخصوصة موضوعة
للاعلام بدخول أوقات الصلوات. والإقامة مصدر أقام بالمكان والتاء عوض عن الواو

(1) الوسائل الباب 2 من أحكام المساجد
(2) الوسائل الباب 2 من أحكام المساجد
(3) الوسائل الباب 2 من أحكام المساجد
(4) سورة البقرة، الآية 279
328

المحذوفة لأن أصله (أقوام) أو مصدر (أقام الشئ) بمعنى أدامه ومنه " يقيمون الصلاة "
وشرعا أذكار مخصوصة عند إقامة الصلاة.
والأخبار بفضله وثوابه - وأنه من وكيد السنن وأنه وحي من الله تعالى لا ما
تزعمه العامة العمياء - حتى أنهم أجمعوا عليه - من نسبته إلى رؤيا عبد الله بن زيد في منامه (1)
- مستفيضة متواترة، ولا بأس بنقل جملة منها لأن كتابنا هذا - كما قدمنا ذكره - كتاب
أخبار وأحكام:
فروى الصدوق في من لا يحضره الفقيه (2) عن عبد الله بن علي قال: " حملت
متاعي من البصرة إلى مصر فقدمتها فبينا أنا في بعض الطريق إذا أنا بشيخ طويل
شديد الأدمة أبيض الرأس واللحية عليه طمران أحدهما أسود والآخر أبيض فقلت من
هذا؟ فقالوا هذا بلال مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخذت الواحي فأتيته
فسلمت عليه فقلت له السلام عليك أيها الشيخ فقال وعليك السلام فقلت يرحمك الله
حدثني بما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال وما يدريك من أنا؟ فقلت
أنت بلال مؤذن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال فبكى وبكيت حتى اجتمع الناس
علينا ونحن نبكي، قال ثم قال يا غلام من أي البلاد أنت؟ قلت من أهل العراق. قال
بخ بخ ثم سكت ساعة ثم قال اكتب يا أخا أهل العراق بسم الله الرحمن الرحيم سمعت
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول المؤذنون أمناء المؤمنين على صلاتهم وصومهم ولحومهم
ودمائهم لا يسألون الله عز وجل شيئا إلا أعطاهم ولا يشفعون في شئ إلا شفعوا. قلت
زدني رحمك الله تعالى قال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله (صلى الله
عليه وآله) يقول من أذن أربعين عاما محتسبا بعثه الله عز وجل يوم القيامة وله عمل
أربعين صدقا عملا مبرورا متقبلا. قلت زدني رحمك الله قال اكتب بسم الله الرحمن

(1) تيسير الوصول ج 2 ص 209
(2) ج 1 ص 189 وفي الوسائل الباب 2 من الأذان والإقامة
329

الرحيم سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول من أذن عشرين عاما بعثه الله
عز وجل يوم القيامة وله من النور مثل زنة السماء. قلت زدني رحمك الله قال اكتب
بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول من أذن عشر
سنين أسكنه الله مع إبراهيم الخليل في قبته أو في درجته. قلت زدني رحمك الله قال
اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول من أذن سنة
واحدة بعثه الله عز وجل يوم القيامة وقد غفرت له ذنوبه كلها بالغة ما بلغت ولو كانت
مثل زنة جبل أحد. قلت زدني رحمك الله قال نعم فاحفظ واعمل واحتسب سمعت
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول من أذن في سبيل الله صلاة واحدة ايمانا واحتسابا
وتقربا إلى الله تعالى غفر الله له ما سلف من ذنوبه ومن عليه بالعصمة في ما بقي من عمره وجمع
بينه وبين الشهداء في الجنة. قلت زدني يرحمك الله حدثني بأحسن ما سمعت من رسول الله
(صلى الله عليه وآله) قال ويحك يا غلام قطعت أنياط قلبي وبكى وبكيت حتى إني
والله لرحمته ثم قال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله (صلى الله عليه
وإله) يقول إذا كان يوم القيامة وجمع الله عز وجل الناس في صعيد واحد بعث الله
عز وجل إلى المؤذنين ملائكة من نور ومعهم ألوية واعلام من نور يقودون جنائب
أزمتها زبرجد أخضر وخفائفها المسك الأذفر يركبها المؤذنون فيقومون عليها قياما
تقودهم الملائكة ينادون بأعلا صوتهم بالأذان. ثم بكى بكاء شديدا حتى أنتحب وبكيت
فلما سكت قلت مم بكاؤك؟ فقال ويحك ذكرتني شيئا سمعت حبيبي وصفيي عليه السلام
يقول والذي بعثني بالحق نبيا إنهم ليمرون على الخلق قياما على النجائب فيقولون الله أكبر
الله أكبر فإذا قالوا ذلك سمعت لأمتي ضجيجا، فسأله أسامة بن زيد عن ذلك الضجيج ما هو؟
قال الضجيج التسبيح والتحميد والتهليل فإذا قالوا أشهد أن لا إله إلا الله قالت أمتي إياه
كنا نعبد في الدنيا فيقال صدقتم فإذا قالوا أشهد أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله)
قالت أمتي هذا الذي أتانا برسالة ربنا جل جلاله وآمنا به ولم نره فيقال لهم صدقتم هذا
330

الذي أدى إليكم الرسالة من ربكم وكنتم به مؤمنين فحقيق على الله عز وجل أن يجمع
بينكم وبين نبيكم فينتهى بهم إلى منازلهم وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على
قلب بشر. ثم نظر إلي فقال إن استطعت - ولا قوة إلا بالله - أن لا تموت إلا وأنت
مؤذن فافعل. فقلت يرحمك الله تفضل علي وأخبرني فإني فقير محتاج وأد إلي ما سمعت
من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإنك قد رأيته ولم أره وصف لي كما وصف لك
رسول الله (صلى الله عليه وآله) بناء الجنة فقال اكتب... الحديث ".
وروى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أذن في مصر من أمصار المسلمين سنة
وجبت له الجنة ".
وعن محمد بن مروان (2) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول المؤذن
يغفر له مد صوته ويشهد له كل شئ سمعه ".
وروى الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: " إذا أذنت وأقمت صلى خلفك صفان من الملائكة وإذا أقمت صلى خلفك صف
من الملائكة " وروى الصدوق مرسلا (4) " أن حد الصف ما بين المشرق والمغرب ".
وروى أيضا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (5) أنه قال: " من صلى بأذان
وإقامة صلى خلفه صفان من الملائكة لا يرى طرفاهما ومن صلى بإقامة صلى خلفه ملك "
وروى في الكافي عن عبد الرحمان بن أبي نجران رفعه (6) قال: " ثلاثة يوم
القيامة على كثبان المسك أحدهم مؤذن أذن احتسابا ".
وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن ابن أبي عمير عن زكريا صاحب
السابري عن أبي عبد الله (عليه السلام) (7) قال " ثلاثة في الجنة على المسك الأذفر: مؤذن أذن

(1) الوسائل الباب 2 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 2 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 4 من الأذان والإقامة
(4) الوسائل الباب 4 من الأذان والإقامة
(5) الوسائل الباب 4 من الأذان والإقامة
(6) الوسائل الباب 2 من الأذان والإقامة
(7) الوسائل الباب 2 من الأذان والإقامة
331

احتسابا، وإمام أم قوما وهم به راضون، ومملوك يطيع الله ويطيع مواليه ".
وروى في الكافي والتهذيب عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) قال: " كان طول حائط مسجد رسول الله (صلى الله على وآله) قامة
وكأن يقول لبلال إذا دخل الوقت يا بلال اعل فوق الجدار وارفع صوتك بالأذان فإن
الله تعالى قد وكل بالأذان ريحا ترفعه إلى السماء وأن الملائكة إذا سمعوا الأذان من أهل
الأرض قالت هذه أصوات أمة محمد (صلى الله عليه وآله) بتوحيد الله عز وجل
فيستغفرون لأمة محمد (صلى الله عليه وآله) حتى يفرغوا من تلك الصلاة ".
ورويا في الكتابين المذكورين عن هشام بن إبراهيم (2) " أنه شكى إلى أبي الحسن
الرضا (عليه السلام) سقمه وأنه لا يولد له فأمره أن يرفع صوته بالأذان في منزله قال
ففعلت ذلك فأذهب الله عني سقمي وكثر ولدي قال محمد بن راشد وكنت دائم العلة
ما أنفك منها في نفسي وجماعة خدمي وعيالي حتى كأنني كنت أبقى وما لي أحد يخدمني
فلما سمعت ذلك من هشام عملت به فأذهب الله عني وعن عيالي العلل ".
وروى في الكافي في الصحيح عن سليمان بن جعفر الجعفري (3) قال: " سمعته
يقول أذن في بيتك فإنه يطرف الشيطان ويستحب من أجل الصبيان ".
وروى في التهذيب في الصحيح عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (4) قال: " إذا أذنت فلا تخفين صوتك فإن الله يأجرك مد صوتك فيه ".
إذا عرفت ذلك فالكلام في هذا المقام يقع في المؤذن وما يؤذن له ويقام من
الصلوات وكيفية الأذان والإقامة والأحكام المتعلقة بهما فههنا مقامات أربعة:
(الأول) - قد صرح جملة من الأصحاب أنه يشترط في المؤذن المنصوب في
البلد للأذان أن يكون مسلما عاقلا ذكرا ولا يشترط فيه البلوغ بل يكفي كونه مميزا.

(1) الوسائل الباب 16 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 18 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 18 من الأذان والإقامة
(4) الوسائل الباب 16 من الأذان والإقامة
332

أقول: أما اشتراط الاسلام وأن لا يكون كافرا فادعى عليه الاجماع جملة
من الأصحاب، ويدل عليه جملة من الأخبار الدالة على أن المؤذنين أمناء الناس على دينهم
ومنها حديث بلال المتقدم والكافر ليس له أهلية الأمانة.
وما رواه في الكافي في الموثق عن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال
" سئل عن الأذان هل يجوز أن يكون من غير عارف؟ قال لا يستقيم الأذان ولا يجوز
أن يؤذن به إلا رجل مسلم عارف فإن علم الأذان فأذن به ولم يكن عارفا لم يجز أذانه ولا
إقامته ولا يقتدى به... الحديث " وفي بعض النسخ " ولا يعتد به ".
وظاهر الخبر اشتراط الايمان فإن لفظ العارف في الأخبار إنما يطلق على العارف
بالإمامة كما وقع في مواضع عديدة منها وهو الذي اختاره الشهيدان، وظاهر عبارات
أكثر الأصحاب اشتراط مجرد الاسلام فيكفي أذان المخالف بناء على حكمهم باسلامه قال
شيخنا الشهيد الثاني في الروض: وهل يشترط في المؤذن مع الاسلام الايمان؟ ظاهر العبارة
عدم اشتراطه وينبه عليه أيضا حكمهم باستحباب قول ما يتركه المؤذن فإنه يشمل باطلاقه
المخالف، وهو ظاهر فيه فإن غير الناسي من المؤمنين لا يترك منه شيئا بل لو تركه اختيارا
لم يعتد بأذانه، وروى ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) " إذا نقص المؤذن
الأذان وأنت تريد أن تصلي بأذانه فأتم ما نقص هو من أذانه " والأصح اشتراط الايمان
مع الاسلام لقول النبي (صلى الله عليه وآله) (3) " يؤذن لكم خياركم " خرج منه
ما أجمع على جوازه فيبقى الباقي ولقول الصادق (عليه السلام) (4) " لا يجوز أن يؤذن
إلا رجل مسلم عارف " ولكونه أمينا... وهو الذي اختاره الشهيد فلا يعتد بأذانه وإن
أتمه لأن المانع الخلاف لا نقص الفصول. انتهى. وهو جيد وقوله " لأن المانع الخلاف

(1) الوسائل الباب 26 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 30 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 16 من الأذان والإقامة
(4) الوسائل الباب 26 من الأذان والإقامة
333

أي كونه مخالفا غير مؤمن، وربما يتوهم الخلاف يعني في المسألة، وهو غلط محض.
وهل يصير الكافر بتلفظه بالشهادتين في الأذان أو الصلاة مسلما فيعتد بأذانه
أم لا؟ المنقول عن العلامة في التذكرة الأول لأن الشهادة صريح في الاسلام، وقد قال
(صلى الله عليه وآله) (1) " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولا لا إله إلا الله فإذا
قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها " وفيه أن مجرد التلفظ بذلك غير موجب
للاسلام لوقوعه من غير العارف بمعنى اللفظ كالأعجم أو على جهة الاستهزاء أو الحكاية
أو الغفلة أو التأويل كما يقوله النصارى من أن محمدا نبي إلى العرب خاصة (لا يقال) إن
هذا يجري أيضا في ما لو تلفظ بالشهادتين حال دعوته إلى الاسلام فيلزم أن لا يتحقق به
اسلامه مع أنه خلاف النص والاجماع (لأنا نقول) ذكر الشهادتين في الأذان وفي الصلاة
ليس موضوعا للدلالة على الاسلام والانباء عن اعتقاده والتدين به بل للاعلام في الأذان
وكونهما جزء من العبادة في الصلاة بخلاف التلفظ بهما عند الدعوة إلى الاسلام فإنهما
موضوعان للدلالة على اعتقاد قائلهما بمضمونهما وإن لم يكن في الواقع معتقدا لذلك
فلذلك حقن بهما ماله ودمه، وبذلك صرح الشهيدان أيضا.
وأما اشتراط كونه عاقلا غير مجنون فلرفع القلم عن المجنون (2) فلا يعتد بعبادته
والأمر فيه أظهر من أن يحتاج إلى مزيد تطويل. نعم لو كان الجنون مما يعتوره أدوارا
فلا مانع من الاعتداد بأذانه وقت إفاقته.
وأما اشتراط الذكورة فهو على اطلاقه محل كلام إذ الظاهر أنه لا خلاف في
اعتداد النساء بأذان المرأة لهن، قال في الذكرى: الأذان مشروع للنساء فيعتد بأذان المرأة لهن
عند علمائنا وكذا لو أذنت للمحارم.
وإنما الاشكال في أذانها للأجانب ولعل المشترط هنا
بنى على الأذان الإعلامي الذي على المنارة مثلا فيندفع عنه الإيراد بناء على ما اشتهر في

(1) صحيح مسلم ج 1 ص 39
(2) الوسائل الباب 4 من مقدمة العبادات والباب 8 من مقدمات الحدود
334

كلامهم من أن صوت المرأة عورة فلا يجوز لها اسماعه الأجانب، إلا أن المنقول
عن المبسوط هنا جواز اسماعها الأجانب والاعتداد به وإن منعه من تأخر عنه ورد عليه
في ذلك. وبالجملة فالمسألة مبنية عندهم على تحريم اسماع المرأة صوتها الرجال وهو
مشهور عندهم، والذي ثبت عندي - من تتبع الأخبار الكثيرة الدالة على تكلم النساء
مع الناس في مجالس الأئمة (عليهم السلام) وكذا كلام فاطمة (عليها السلام) مع جملة
من الصحابة وخروجها للمخاصمة في فدك في المسجد لجملة من فيه من الصحابة واتيانها
بعد المخاصمة والمجادلة بتلك الخطبة الطويلة المروية عند العامة والخاصة كما ذكرناها في
كتابنا سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد - هو خلاف ما ذكروه وبه يظهر جواز
أذانهن للأجانب ولو الأذان الإعلامي، إلا أنه ينبغي التوقف فيه من جهة أخرى وهو
أن الأذان الإعلامي عبادة شرعية مبنية على التوقيف ولم يرد عنهم (عليهم السلام)
الأذان للنساء في ذلك ولا وقوعه من النساء في زمانهم ولا الإشارة إلى شئ من ذلك
في أخبارهم بل إنما يقع في جميع الأعصار - وبه خرجت الأخبار - من الرجال خاصة فيبقى
التوقف فيه من هذه الجهة لا من جهة كون سماع صوتهن عورة فإنه لم يثبت على اطلاقه
وإن دل ظواهر بعض النصوص النادرة على ذلك فهو محمول على حصول الريبة بذلك
ولا اشكال في التحريم مع ذلك.
أما الاعتداد بأذان المميز فنقل في الذكرى الاجماع عليه، قال فأما المميز فيعتد
بأذانه اجماعا منا. أقول: ويدل عليه ما رواه الشيخ في التهذيب مسندا عن إسحاق بن
عمار عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام) (1) " أن عليا (عليه السلام) كأن يقول لا بأس
أن يؤذن الغلام قبل أن يحتلم ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) قال: " لا بأس أن يؤذن الغلام الذي لم يحتلم ".

(1) الوسائل الباب 32 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 32 من الأذان والإقامة
335

وفي كتاب دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (1) قال:
" لا بأس أن يؤذن العبد والغلام الذي لم يحتلم ".
قال شيخنا في الروض والمراد بالمميز من يعرف الأضر من الضار والأنفع من
النافع إذا لم يحصل بينهما التباس بحيث يخفى على غالب الناس. واعترضه سبطه في المدارك
بأنه مع عدم وضوح مأخذة رد إلى الجهالة.
أقول: لا يخفى أن الوارد في الأخبار المذكورة التي هي مستند الحكم المذكور
إنما هو الغلام قبل الاحتلام والتقييد بكونه مميزا إنما وقع في كلامهم (رضوان الله عليهم)
ولعل من عبر بذلك من المتقدمين فإنما أراد المراهق للبلوغ فإنه الأقرب إلى عبارة الأخبار
المذكورة. والظاهر أن ما أورده السيد على جده غير وارد ولو ثبت وجود هذا اللفظ في
الأخبار فإنه متى ورد ذلك فالواجب بمقتضى قواعدهم الرجوع في معناه إلى العرف، وما
ذكره جده هو مقتضى العرف في معنى التمييز.
(الثاني) قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه يستحب اتصاف المؤذن
للاعلام بأمور (أحدها) العدالة لقوله (صلى الله عليه وآله) (2) " يؤذن لكم خياركم " وقوله
(عليه السلام) (3) " المؤذن مؤتمن " ولأنه ربما قلده ذوو الأعذار. وقطع الأصحاب
عدا ابن الجنيد بصحة أذان الفاسق لكونه عاقلا كاملا فيعتبر أذانه عملا بالاطلاق ومنع
ابن الجنيد ضعيف. قال في الروض واعلم أن استحباب كون المؤذن عدلا لا يتعلق
بالمؤذن لصحة أذان الفاسق مع كونه مأمورا بالأذان بل الاستحباب راجع إلى الحاكم بأن
ينصبه مؤذنا لتعم فائدته
و (ثانيها) أن يكون صيتا أي رفيع الصوت ليحصل الغرض من الأذان وهو

(1) مستدرك الوسائل الباب 26 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 16 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 3 من الأذان والإقامة
336

الاعلام، ويدل عليه ما تقدم من رواية عبد الله بن سنان الدالة على أمر الرسول (صلى
الله عليه وآله) بلالا بالعلو على الجدار وأن يرفع صوته بالأذان.
وفي الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " لا يجزئك
من الأذان إلا ما أسمعت نفسك وأفهمته (2) وأفصح بالألف والهاء وصل على النبي (صلى الله
عليه وآله) كلما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو غيره، وكلما اشتد صوتك من
غير أن تجهد نفسك كان من يسمع أكثر وكان أجرك في ذلك أعظم ".
أقول: في هذا الحديث الشريف فوائد: منها - عدم اجزاء الأذان إذا لم يسمع نفسه
والمراد منه الأذان الموظف في الصلاة عند ايقاعها جماعة أو فرادى إذا كان هو المؤذن.
ومنها - عدم الاجتزاء بسماع الهمهمة الغير المفهمة إذا كان المؤذن غيره كما أشار إليه
بقوله " وأفهمته " فإنه على ما ذكره شيخنا البهائي (قدس سره) بالبناء للمجهول، قال وهو
مضبوط كذلك في الكتب المعتبرة. ويحتمل عطفه على اسماع نفسه بأن يكون عطفا تفسيريا
وأما الحمل على فهم معاني الأذان فبعيد جدا.
ومنها - استحباب الافصاح بالألف والهاء وسيأتي ذكره في الباب إن شاء الله تعالى
ومنها - الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) كلما ذكره الانسان أو سمعه
سواء كان في أذان أو غيره، وهو ظاهر في الوجوب كما حققناه في موضع أليق خلافا
للمشهور بين الأصحاب.
ومنها - رفع الصوت بالأذان من غير أن يتعب نفسه والمراد به الأذان الإعلامي،
ويؤيده في ذلك أيضا ما ورد في رواية محمد بن مروان عن الصادق (عليه السلام) (3)
" المؤذن يغفر له مد صوته ويشهد له كل شئ سمعه ".
و (ثالثها) أن يكون حسن الصوت، ذكره جمع منهم وعللوه باقبال القلوب على

(1) الوسائل الباب 15 و 16 و 42 من الأذان والإقامة
(2) كذا في الحبل المتين ص 200 وفي كتب الحديث " أو فهمته "
(3) الوسائل الباب 2 من الأذان والإقامة
337

استماعه. وفيه ما لا يخفى فإن الاستحباب حكم شرعي واثبات الأحكام الشرعية بمثل
هذه التعليلات العليلة مجازفة.
و (رابعها) أن يكون مبصرا ليتمكن من معرفة الأوقات، ولو كان له من يسدده
جاز بلا كراهة.
وروى في كتاب دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (1) أنه قال: " لا بأس أن يؤذن الأعمى إذا سدد وقد كان ابن أم مكتوم يؤذن لرسول الله
(صلى الله عليه وآله) وهو أعمى ".
أقول: قد ورد أيضا في جملة من الأخبار عنه (صلى الله عليه وآله) (2) " إذا أذن
ابن أم مكتوم فكلوا فإنه يؤذن بليل وإذا أذن بلال فأمسكوا " إلا أن يحمل أذان
ابن أم مكتوم في هذا الخبر على بعض الأوقات التي يحصل له من يسدده فيها فلا اشكال
و (خامسها) أن يكون فصيحا ذكره بعضهم، قال شيخنا الشهيد الثاني: الأولى أن
يراد بالفصاحة هنا معناها اللغوي بمعنى خلوص كلماته وحروفه عن اللكنة واللثغة ونحوهما
بحيث تتبين حروفه بيانا كاملا لا المعنى الاصطلاحي لأن الملكة التي يقتدر بها على
التعبير عن المقصود بلفظ فصيح لا دخل لها في ألفاظ الأذان المتلقاة من غير زيادة
ولا نقصان. انتهى.
أقول: وبهذا الشرط صرح في كتاب دعائم الاسلام نقلا عن علي (عليه
السلام) (3) أنه قال: " ليؤذن لكم أفصحكم وليؤمكم أفقهكم ".
و (سادسها) أن يكون بصيرا بالأوقات عارفا بها ليأمن من الغلط ويقلده ذوو
الأعذار. ولو أذن الجاهل في الوقت صح واعتد به لحصول المطلوب.

(1) مستدرك الوسائل نوادر ما يتعلق بأبواب الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 8 من الأذان والإقامة
(3) مستدرك الوسائل الباب 15 من الأذان والإقامة
338

و (سابعها) أن يكون متطهرا من الحدثين الأكبر والأصغر، وهذا لا اختصاص
له بالأذان الإعلامي بل يكون جاريا فيه وفي المؤذن لصلاته وحده أو جماعة. قال في المعتبر
وعليه فتوى العلماء. وقال في المنتهى وعليه اجماع العلماء.
واستدل على استحباب الطهارة بقوله (صلى الله عليه وآله) (1) " حق وسنة أن
لا يؤذن أحد إلا وهو طاهر " قالوا ولأنه من سنن الصلاة ويستحب فيها الطهارة كالتوجه.
وأنت خبير بما في هذه الأدلة، أما الرواية فالظاهر أنها عامية لعدم وجودها في أخبارنا.
وأما التعليل الأخير فعليل ولا أعرف لهم دليلا غير الاجماع المدعى في المقام. نعم سيأتي
في رواية كتاب دعائم الاسلام ما يدل على ذلك.
وأما الأخبار الدالة على صحة الأذان من غير طهارة فهي مستفيضة: منها - ما رواه
الصدوق في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) أنه قال: " تؤذن
وأنت على غير وضوء في ثوب واحد قائما أو قاعدا وأينما توجهت ولكن إذا أقمت فعلى
وضوء متهيأ للصلاة ".
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (3) قال: " لا بأس أن يؤذن الرجل من غير وضوء ولا يقيم إلا وهو على وضوء "
وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (4)
قال: " سألته عن الرجل يؤذن على غير طهور؟ قال نعم ".
وعن أبي بصير في الموثق (5) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) في حديث
لا بأس أن تؤذن على غير وضوء ".
وعن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام) (6) " أن عليا (عليه
السلام) كأن يقول في حديث: ولا بأس أن يؤذن المؤذن وهو جنب ولا يقيم حتى يغتسل "

(1) منتخب كنز العمال على هامش مسند أحمد بن حنبل ج 3 ص 276
(2) الوسائل الباب 9 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 9 من الأذان والإقامة
(4) الوسائل الباب 9 من الأذان والإقامة
(5) الوسائل الباب 9 من الأذان والإقامة
(6) الوسائل الباب 9 من الأذان والإقامة
339

وما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن
عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) (1) قال: " سألته عن المؤذن يحدث في أذانه أو في
إقامته؟ قال إن كان الحدث في الأذان فلا بأس وإن كان في الإقامة فليتوضأ وليقم إقامة ".
وما رواه عاصم بن حميد في كتابه عن عمرو بن أبي نصر (2) قال: " قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام) المؤذن يؤذن وهو على غير وضوء؟ قال نعم ولا يقيم إلا
وهو على وضوء... ".
وما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) (3)
قال: " سألته عن الرجل يؤذن أو يقيم وهو على غير وضوء أيجزئه ذلك؟ قال أما الأذان
فلا بأس وأما الإقامة فلا يقيم إلا على وضوء. قلت فإن أقام وهو على غير وضوء أيصلي
بإقامته؟ قال لا ".
أقول: وهذه الأخبار المشتملة على ذكر الإقامة قد اشتركت كلها في عدم صحة
الإقامة إلا متطهرا وهي صريحة في مذهب المرتضى في المصباح والعلامة في المنتهى من
القول بوجوب الطهارة في الإقامة وهو الأصح وإن كان المشهور الاستحباب كالأذان
ولا أعرف لهم دليلا على الاستحباب زيادة على التمسك بمقتضى الأصل. وحملهم هذه الأخبار على تأكد الطهارة في الإقامة يحتاج إلى المعارض وليس إلا الأصل الذي قد
قرروا في غير موضع أنه يجب الخروج عنه بالدليل والدليل - كما ترى - واضح.
و (ثامنها) أن يكون قائما وهذا أيضا كسابقه في عدم الاختصاص لما رواه الشيخ
عن حمران (4) قال: " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الأذان جالسا؟ قال لا يؤذن
جالسا إلا راكب أو مريض ".

(1) الوسائل الباب 9 من الأذان والإقامة
(2) مستدرك الوسائل الباب 8 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 9 من الأذان والإقامة
(4) الوسائل الباب 13 من الأذان والإقامة
340

والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن حكم الإقامة أيضا كذلك،
وقال الشيخ المفيد (قدس سره) في المقنعة: ولا تجوز الإقامة إلا وهو قائم متوجه إلى
القبلة مع الاختيار. وهو صريح في اشتراطه القيام فيها وأنها لا تجزئ مع القعود، وقال
ابن بابويه: ولا بأس بالأذان قائما وقاعدا ومستقبلا ومستدبرا وذاهبا وجائيا وهو على
غير وضوء، والإقامة على وضوء مستقبلا، وإن كان إماما فلا يؤذن إلا قائما.
أقول: والظاهر عندي من الأخبار المتكاثرة الواردة في هذا المقام هو ما ذكره
شيخنا المفيد من وجوب القيام في الإقامة إلا مع العذر، وها أنا أتلو عليك ما وقفت
عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة:
ومنها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: " لا بأس للمسافر أن يؤذن وهو راكب، ويقيم وهو على الأرض قائم ".
وعن محمد بن مسلم في الصحيح (2) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
يؤذن الرجل وهو قاعد؟ قال نعم ولا يقيم إلا وهو قائم ".
وعن أحمد بن محمد عن عبد صالح (عليه السلام) (3) قال: " يؤذن الرجل
وهو جالس ولا يقيم إلا وهو قائم. وقال تؤذن وأنت راكب ولا تقيم إلا وأنت على
الأرض " ورواه الكليني بسنده عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن (عليه
السلام) مثله.
وعن أبي بصير في الموثق (5) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) لا بأس أن
تؤذن راكبا أو ماشيا أو على غير وضوء ولا تقم وأنت راكب أو جالس إلا من علة
أو تكون في أرض ملصة أي ذات لصوص ".
وعن يونس الشيباني عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6) قال: " قلت له أؤذن
وأنا راكب؟ قال نعم. قلت فأقيم وأنا راكب؟ قال لا. قلت فأقيم ورجلي في الركاب؟

(1) الوسائل الباب 13 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 13 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 13 من الأذان والإقامة
(4) الوسائل الباب 13 من الأذان والإقامة
(5) الوسائل الباب 13 من الأذان والإقامة
(6) الوسائل الباب 13 من الأذان والإقامة
341

قال لا. قلت فأقيم وأنا قاعد؟ قال لا. قلت فأقيم وأنا ماش؟ قال نعم ماش إلى الصلاة
قال ثم قال إذا أقمت الصلاة فأقم مترسلا فإنك في الصلاة. قال قلت له قد سألتك أقيم
وأنا ماش قلت لي نعم فيجوز أن أمشي في الصلاة؟ قال نعم إذا دخلت من باب المسجد
فكبرت وأنت مع إمام عادل ثم مشيت إلى الصلاة أجزأك ذلك، وإذا الإمام كبر
للركوع كنت معه في الركعة لأنه إن أدركته وهو راكع لم تدرك التكبير لم تكن
معه في الركوع ".
وروى في الكافي عن سليمان بن صالح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: " لا يقيم أحدكم الصلاة وهو ماش ولا راكب ولا مضطجع إلا أن يكون مريضا
وليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة فإنه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة ".
وروى عبد الله به جعفر الحميري في قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده
علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) (2) قال: " سألته عن المسافر
يؤذن على راحلته وإذا أراد أن يقيم أقام على الأرض؟ قال نعم لا بأس ".
وعن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا (عليه
السلام) (3) قال: " تؤذن وأنت جالس ولا تقيم إلا وأنت على الأرض وأنت قائم "
وروى علي بن جعفر في كتابه عن أخيه (عليه السلام) (4) قال: " سألته
عن الأذان والإقامة أيصلح على الدابة؟ قال أما الأذان فلا بأس وأما الإقامة فلا حتى
تنزل على الأرض ".
وما رواه عاصم بن حميد في كتابه (5) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
المؤذن يؤذن وهو على غير وضوء؟ وقد تقدم إلى أن قال فقلت يؤذن وهو جالس؟ فقال
نعم ولا يقيم إلا وهو قائم ".

(1) الوسائل الباب 13 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 13 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 13 من الأذان والإقامة
(4) الوسائل الباب 13 من الأذان والإقامة
(5) مستدرك الوسائل الباب 12 من الأذان والإقامة
342

وفي كتاب دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (1) " لا بأس أن
يؤذن الرجل على غير طهر ويكون على طهر أفضل ولا يقيم إلا على طهر ".
وعنه (عليه السلام) (2) " لا يؤذن الرجل وهو جالس إلا مريض أو راكب ولا
يقيم إلا قائما على الأرض إلا من علة لا يستطيع معها القيام ". وأنت خبير بما فيها من الظهور - كالنور على الطور لا يعتريه خلل ولا قصور - في ما
ادعيناه، وتأويلها بتأكد الاستحباب في الإقامة زيادة على الأذان فرع وجود المعارض
كما في الأذان وإلا فهو مجرد مجازفة في الأحكام المبنية على التوقيف عنهم (عليهم السلام)
و (تاسعها) أن يكون قيامه على مرتفع، وهذا مخصوص بالأذان الإعلامي ليكون
أبلغ في الاعلام، ويدل عليه ما تقدم في رواية ابن سنان من أمر النبي (صلى الله عليه
وآله) بلالا أن يعلو جدار المسجد ويؤذن.
وأما استحبابه في المنارة كما ذكره جملة من الأصحاب ففيه أنه قد روى علي بن
جعفر (3) قال: " سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن الأذان في المنارة أسنة
هو؟ فقال إنما كان يؤذن النبي (صلى الله عليه وآله) في الأرض ولم يكن يومئذ منارة ".
قال الشيخ في المبسوط: لا فرق بين أن يكون الأذان في المنارة أو على الأرض.
مع أنه قال فيه يستحب أن يكون المؤذن على موضع مرتفع. والوجه (4) استحبابه في المنارة
(أما أولا) فللأمر بوضع المنارة مع حائط المسجد غير مرتفعة، روى السكوني عن
جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) (5) " أن عليا (عليه السلام) مر على منارة
طويلة فأمر بهدمها ثم قال لا ترفع المنارة إلا مع سطح المسجد " ولولا استحباب الأذان
فيها لكان الأمر بوضعها عبثا. و (أما ثانيا) فلما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله

(1) مستدرك الوسائل الباب 8 من الأذان والإقامة
(2) مستدرك الوسائل الباب 12 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 25 من أحكام المساجد
(4) هذا كلام العلامة في المختلف
(5) الوسائل الباب 25 من أحكام المساجد
343

(عليه السلام) (1) قال " كان طول حائط مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)...
الحديث " وقد تقدم.
أقول: لا يخفى أنه فيه زيادة على ما عرفت من حديث علي بن جعفر أن وضع
المنارة والأمر بها لم يحصل من الإمام (عليه السلام) حتى يسندها إلى استحباب الأذان
فيها بكون الأمر بوضعها عبثا، والواضع لها إنما هو الثاني في أيامه كما تقدم (2) والظاهر أنه
(عليه الاسلام) لما كان غير متمكن من إزالة بدعه كما ينبغي فغاية ما أمكنه المنع من
ارتفاعها واشرافها على بيوت الناس التي حول المسجد. وبالجملة فرواية علي بن جعفر
صريحة في أن الأذان في المنارة ليس بسنة وأن الأذان للنبي (صلى الله عليه وآله) إنما
كان على الأرض وغاية ما تدل عليه رواية ابن سنان هو الاستحباب على مرتفع ومفهوم
رواية السكوني الاكتفاء في الارتفاع بسطح المسجد وإن لم يكن في المنارة، ولعل جعل
المنارة حينئذ إنما هو لأجل الطريق إلى صعود السطح.
نعم يبقى الكلام في الجمع بين ما دل على كون الأذان له (صلى الله عليه وآله) إنما
كان على الأرض وبين ما دل على الأمر بعلو الجدار. ويمكن الجمع إما بحمل الأذان على
الجدار على كونه في بعض الأوقات وإلا فالغالب إنما هو الأذان على الأرض أو بعد
الأذان على الجدار باعتبار عدم ارتفاعه كالمنارة الطويلة من الأرض فهو كأنه أرض بالنسبة
إلى المنارة المتعارفة يومئذ والتجوز بمثل ذلك شائع في أمثال هذا الكلام.
و (عاشرها) أن يكون مستقبلا للقبلة ونقل عليه الاتفاق ويتأكد في الشهادتين
لقوله (عليه السلام) (3) في صحيحة ابن مسلم " وقد سأله عن الرجل يؤذن وهو يمشي
قال نعم إذا كان التشهد مستقبل القبلة فلا بأس ".
والمشهور أنه كذلك في الإقامة أيضا وقال الشيخ المفيد إنه لا يجوز الإقامة إلا

(1) ص 332
(2) الوافي باب شرائط الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 13 من الأذان والإقامة
344

وهو قائم متوجه إلى القبلة. وظاهره وجوب الاستقبال فيها، ونقله في المختلف عن المرتضى
في المصباح والجمل. ونقل في الذخيرة عن المرتضى أنه أوجب الاستقبال في الأذان والإقامة
والمنقول في المختلف إنما يدل على الإقامة خاصة.
والظاهر عندي من الأخبار هو ما ذهب إليه العمدتان المذكوران من وجوب
الاستقبال في الإقامة لما تقدم في رواية يونس الشيباني ورواية سليمان بن صالح، والتقريب
فيهما أنهما دلتا على أن الإقامة من الصلاة والداخل فيها داخل في الصلاة فيشترط في
الإقامة ما يشترط في الصلاة من الشروط المتقدمة، وسيأتي مزيد توضيح لذلك أن شاء الله
تعالى يقطع مادة الاستبعاد.
ويكره الالتفات بالأذان عندنا يمينا وشمالا سواء كان على المنارة أم لا خلافا
للعامة قال في المنتهى: المستحب ثبات المؤذن على الاستقبال في أثناء الأذان والإقامة
ويكره له الالتفات يمينا وشمالا، وقال أبو حنيفة يستحب له أن يدور بالأذان في المأذنة
وقال الشافعي يستحب له أن يلتفت عن يمينه عند قوله " حي على الصلاة " وعن يساره
عند قوله " حي على الفلاح " (1).
أقول: روى في كتاب دعائم الاسلام عن علي (عليه السلام) (2) قال:
" يستقبل المؤذن القبلة في الأذان والإقامة فإذا قال " حي على الصلاة حي على الفلاح "
حول وجهه يمينا وشمالا " والظاهر حمله على التقية لموافقته لقول الشافعي المذكور.
(الثالث) - لو وقع التشاح في الأذان فقد صرح جملة من الأصحاب بأنه
يقدم الأعلم بأحكام الأذان التي من جملتها معرفة الأوقات لأمن الغلط منه وتقليد
أصحاب الأعذار له ومع التساوي يقرع بينهم.
قال في الروض: والأولى تقديم العدل على الفاسق والمبصر على الأعمى وجامع

(1) الفقه على المذاهب الأربعة قسم العبادات ص 230 و 231.
(2) البحار ج 18 الصلاة ص 175
345

الصفات أو أكثرها على فاقدها وجامع الأقل، فإن استووا فالأشد محافظة على الوقت
على من ليس كذلك والأندى صوتا والأعف عن النظر ثم من يرتضيه الجيران، ومع
التساوي في جميع ذلك يقرع لقول النبي (صلى الله عليه وآله) (1): " لو يعلم الناس
ما في الأذان والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لفعلوا " ولقولهم (عليهم
السلام) (2) " كل أمر مجهول فيه القرعة ". انتهى. ونحوه في الذكرى إلا أنه لم يذكر
الترجيح بالعدالة بل جعل ذلك منوطا بالعلم بالأوقات ثم أدرج هذه المعدودات تحته وعد
الأندى صوتا ومن يرتضيه الجماعة والجيران.
وقال الشيخ في المبسوط: وإذا تشاح الناس في الأذان أقرع بينهم لقول النبي
(صلى الله عليه وآله) " لو يعلم الناس ما في الأذان والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن
يستهموا عليه لفعلوا " ولم يذكر الترجيح بالأعلمية كما هو المشهور في كلام المتأخرين.
قال العلامة في التذكرة: وهذا القول جيد مع فرض التساوي في الصفات المعتبرة
في التأذين وإن لم يتساووا قدم من كان أعلى صوتا وأبلغ في معرفة الوقت وأشد محافظة
عليه ومن يرتضيه الجيران واعف عن النظر. وقريب منه كلامه في المنتهى.
وقال المحقق الشيخ علي في شرح القواعد: والذي يقتضيه النظر تقديم من فيه
الصفات المرجحة في الأذان على غيره فإن اشتركوا قدم جامع الكل على فاقد البعض
وجامع الأكثر على جامع الأقل، وينبغي تقديم العدل على الفاسق مطلقا لأن المؤذن
أمين ولا أمانة للفاسق إذ هي غير موثوق بها فيه، ومع التساوي يقدم الأعلم بأحكام
الأذان أو الأوقات كما في الذكرى لأمن الغلط معه ولتقليد أرباب الأعذار له والمبصر
على الأعمى لمثل ذلك، فإن استووا فالأشد محافظة على الأذان في الوقت على من ليس

(1) تيسير الوصول ج 2 ص 205 " أن رسول الله " ص " قال لو يعلم الناس ما في
النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ".
(2) الوسائل الباب 13 من كيفية الحكم
346

كذلك لحصول غرض الأذان به ثم الأندى صوتا لقول النبي (صلى الله عليه وآله) (1)
" القه على بلال فإنه أندى منك صوتا " ثم الأعف عن النظر للأمن من تطلعه على
العورات ثم من يرتضيه الجيران ثم القرعة. انتهى.
أقول: وكلامهم هنا يرجع إلى ثلاثة أقوال في المسألة: (الأول) القول بتقديم
الأعلم بأحكام الأذان التي من جملتها معرفة الأوقات ثم مع التساوي فالقرعة (الثاني) القول
بتقديم ذي الأوصاف المعتبرة في المؤذن وهو قول الشهيدين والمحقق الشيخ علي وإن
اختلفوا في تلك الشروط زيادة ونقيصة (الثالث) الرجوع إلى القرعة من أول الأمر كما
هو ظاهر المبسوط وإلى الأول يميل كلامه في المدارك وجعل الثاني أولى ولم يتعرض للثالث
والمسألة عندي محمل توقف لعدم النص القاطع لمادة الاشكال، والرواية المنقولة
في كلامهم الظاهر أنها من روايات العامة إذ لم أقف عليها في أخبارنا بعد التفحص والتتبع
مع أنها معارضة بما رواه الشيخ في التهذيب عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن
جده عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (2) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ورواه في الفقيه مرسلا (3) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للمؤذن في ما
بين الأذان والإقامة مثل أجر الشهيد المتشحط بدمه في سبيل الله. قلت يا رسول الله
(صلى الله عليه وآله) إنهم يجتلدون على الأذان؟ قال كلا إنه يأتي على الناس زمان
يطرحون الأذان على ضعفائهم وتلك لحوم حرمها الله على النار ".
ووجه المعارضة أن مقتضى الرواية الأولى رغبة الناس في الأذان بعد سماع ما فيه
من الفضل حتى إنهم ليقرعون عليه ودلالة هذا الخبر على عدم الرغبة فيه بعد سماع ما فيه
من الفضل حتى أنهم يطرحونه على ضعفائهم لذلك " وتلك لحوم " إشارة إلى أولئك
الضعفاء المؤذنين.

(1) تيسير الوصول ج 2 ص 210
(2) الوسائل الباب 2 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 2 من الأذان والإقامة
347

والظاهر أن أول من نقل هذا الخبر الشيخ في المبسوط وتبعه الأصحاب (رضوان
الله عليهم) حيث لم يجدوا غيره في الباب إلا أنه روى في كتاب دعائم الاسلام عن جعفر
بن محمد عن آبائه عن علي (عليهم السلام) (1) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ثلاثة لو تعلم أمتي ما فيها لضربت عليها بالسهام: الأذان والغدو إلى الجمعة والصف
الأول " وروى فيه أيضا عنه (صلى الله عليه وآله) (2) " أنه رغب الناس وحثهم على
الأذان وذكر لهم فضائله فقال بعضهم يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) لقد رغبتنا في
الأذان حتى إنا لنخاف أن تتضارب عليه أمتك بالسيوف فقال أما أنه لن يعدو ضعفاءكم ".
أقول: وهذا مضمون الحديث المتقدم نعم أخبار القرعة العامة (3) ربما أيدت مذهب
الشيخ في المبسوط.
قال في الذخيرة: والتحقيق أن اختلاف الصفات إن كان بحيث تختلف به مصالح
المسلمين كان تقديم الراجح متجها وإن لم يحصل التشاح وإلا فاثبات التقديم بهذه المرجحات
محل اشكال لفقد النص الدال عليه وعدم استقلال العقل باثبات هذه الأمور. انتهى.
وهو جيد.
(الرابع) - قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم): منهم -
الفاضلان بجواز الاجتماع في الأذان دفعة واحدة من جماعة والأفضل أن يؤذن كل واحد بعد
فراغ الآخر، وقيد بعضهم الأفضلية بسعة الوقت لذلك وفسرت سعة الوقت هنا بعدم اجتماع
الأمر المطلوب في الجماعة من الإمام ومن يعتاد حضوره معه من المأمومين فيجوز التعدد
في هذه الصورة إلى أن يجتمع الجميع لا أن المراد سعة الوقت باعتبار امتداد الوقت إلى
آخر وقت الاجزاء فإن تأخير الصلاة عن أول وقتها لأمر غير موظف شرعا مستبعد جدا.
أقول: وبموجب هذا التفسير لا يكون الحكم كليا مع أن ظاهر القائل به كون ذلك كليا
لا بخصوص الجماعة.

(1) مستدرك الوسائل الباب 2 من الأذان والإقامة
(2) مستدرك الوسائل الباب 2 من الأذان والإقامة
(3) ص 346
348

ونقل عن الشيخ في الخلاف أنه قال لا ينبغي الزيادة على اثنين واستدل باجماع
الفرقة على ما رووه من " أن الأذان الثالث بدعة " (1) وقال ولده الشيخ أبو علي في شرح
نهاية والده: والزائد على اثنين بدعة باجماع أصحابنا.
وقال الشيخ في المبسوط يجوز أن يكون المؤذنون اثنين اثنين إذا أذنوا في موضع
واحد فإنه أذان واحد فأما إذا أذن واحد بعد واحد فليس ذلك بمسنون ولا مستحب.
ولا بأس أن يؤذن جماعة كل واحد منهم في زاوية من المسجد لأنه لا مانع منه. انتهى.
وفسر الفاضلان في المعتبر والمنتهى قوله: " واحدا بعد واحد " بأن يبنى كل
واحد على فصول الآخر وهو المعبر عنه بالتراسل فإنه على هذه الكيفية لا يصدق على
واحد منهما أنه مؤذن. واستبعد هذا التفسير جملة ممن تأخر عنهما وفسروه بما يدل عليه
ظاهر اللفظ من الاتيان بأحد الأذانين بعد تمام الآخر، وعللوا الكراهة فيه بأنه يقتضي
تأخير الصلاة عن أول وقتها من غير موجب. وهو جيد. أقول: والظاهر أن الفاضلين
إنما اضطرهما إلى هذا التفسير البعيد عن ظاهر اللفظ حكمهم بأفضلية أن يؤذن أحدهما بعد
الآخر ولو كانوا أكثر من اثنين كما تقدم.
وبالجملة فإن كلامهم في هذه المسألة كما سبق في سابقتها خال من النص والذي
يقتضيه النظر هنا هو الفرق بين الأذان الإعلامي وبين أذان الصلاة جماعة (أما الأول)
فإن مقتضى التوقيف في العبادات وأنها مبنية على الورود عن صاحب الشريعة هو كراهة
الاجتماع في الأذان مطلقا دفعة أو ترتيبا بل ربما احتمل عدم المشروعية نعم لو اختلف الوقت
أو المحل فلا بأس. و (أما الثاني) فالظاهر أنه لا مانع منه مع تعدد الجماعات كما ذكره الشيخ في
آخر عبارته في المبسوط من الجماعات المجتمعة في مسجد يؤذن لكل منها على حيالها وإن
اتفق في وقت واحد.
(الخامس) - اختلف الأصحاب في جواز أخذ الأجرة على الأذان فنقل عن

(1) الوسائل الباب 49 من صلاة الجمعة
349

الشيخ في الخلاف وجمع من الأصحاب أنه لا يجوز أخذ الأجرة عليه لما رواه الشيخ مسندا
عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم السلام) ورواه الصدوق مرسلا
عن علي (عليه السلام) (1) أنه قال: " آخر ما فارقت عليه حبيب قلبي (صلى الله عليه
وآله) أنه قال: يا علي إذا صليت فصل صلاة أضعف من خلفك ولا تتخذن مؤذنا يأخذ
على أذانه أجرا " ونقل عن السيد المرتضى (رضي الله عنه) القول بالكراهة وهو ظاهر
المحقق في المعتبر والشهيد في الذكرى واختاره في المدارك، قال للأصل وانتفاء دلالة
الخبر المتقدم على التحريم مع ضعف سنده بالسكوني وغيره.
أقول: قد روى الصدوق أيضا في الفقيه (2) مرسلا قال: " أتى رجل أمير المؤمنين
(عليه السلام) فقال يا أمير المؤمنين والله إني لأحبك فقال له ولكني أبغضك قال
ولم؟ قال لأنك تبغي في الأذان كسبا وتأخذ على تعليم القرآن أجرا ".
وروى في كتاب دعائم الاسلام عن علي (عليه السلام) (3) أنه قال: " من السحت
أجر المؤذن " ثم قال في الكتاب المذكور: يعني إذا استأجره القوم يؤذن لهم. وقال لا بأس
أن يجري عليه من بيت المال.
وهذه الأخبار إذا ضم بعضها إلى بعض لا تقصر عن إفادة التحريم، وقوله في
المدارك بانتفاء دلالة الخبر المتقدم على التحريم لا أعرف له وجها مع تضمنه للنهي الذي
هو حقيقة في التحريم، نعم تطرق التأويل إليه بحمل النهي على الكراهة ممكن إلا أنه
فرع وجود المعارض وأما طعنه فيه بضعف السند فقد عرفت ما فيه في غير مقام.
وبالجملة فالمتجه على قواعد أصحاب هذا الاصطلاح المحدث هو القول بالكراهة
لضعف الأخبار المذكورة باصطلاحهم وأما من لا يعمل به فالظاهر هو التحريم
واقتران هذا الحكم في خبر السكوني ومرسل الفقيه بما هو متفق على استحبابه

(1) الوسائل الباب 38 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 38 من الأذان والإقامة
(3) مستدرك الوسائل الباب 30 من الأذان والإقامة
350

وكراهته لا يوجب انسحاب ذلك إلى الحكم المذكور لجواز اشتمال الخبر على أحكام
متعددة كما ذكروه في غير موضع.
ثم إن ظاهرهم الاتفاق على جواز الارتزاق من بيت المال إذا اقتضته المصلحة
لأنه معد لمصالح المسلمين والأذان من أهمها. والظاهر أنه لو وجد من يتطوع به قدم على
المرتزق، صرح بذلك في الذكرى.
قيل والظاهر أن الإقامة كالأذان، ونقل عن العلامة في النهاية عدم جواز الاستئجار
عليها وإن قلنا بجواز الاستئجار على الأذان فارقا بينهما بأن الإقامة لا كلفة فيها بخلاف
الأذان فإن فيه كلفة مراعاة الوقت. قال في المدارك وهو غير جيد إذ لا يعتبر في العمل
المستأجر عليه اشتماله على الكلفة.
أقول: لا يخفى أن مورد الأخبار المتقدمة إنما هو الأذان الإعلامي الذي هو
محل البحث غالبا في المقام وأما الأذان والإقامة المستحبان لكل من صلى الاتيان بهما
من منفرد أو جامع فلا نص فيهما بوجه، وتكلف البحث فيهما كما ذكروه لا وجه له وهو
من باب " اسكتوا عما سكت الله عنه " (1) ولأنه من المعلوم من الأخبار توجه الخطاب
بهما إلى المصلي نفسه والاكتفاء بفعل غيره عنه يحتاج إلى دليل، نعم قام الدليل بالنسبة
إلى الإمام بأنه يجوز أن يؤذن له ويقام له، فإن أرادوا هذا الموضع فهو - مع كونه خلاف
المتبادر من ظواهر النصوص المتقدمة - مدخول بأن الظاهر أن الخطاب فيه إنما هو للإمام
غاية الأمر أنه ورد جواز فعل الغير له رخصة لأن الناس مكلفون بالاقتداء في صلاته
وهذا من جملة أفعال صلاته فلو لم يتبرع غيره بالأذان والإقامة له رجع الحكم إليه وكان
عليه القيام بذلك، ولا دليل على أنه يجوز له الاستئجار على أذان ولا إقامة إذ غاية
ما دل عليه الدليل حصول الرخصة له بتبرع الغير به وإلا فأصل الخطاب إنما تعلق به من
حيث إن الأذان والإقامة من جملة أفعال صلاته ومندوباتها ومكملاتها المطلوب ايقاعه

(1) راجع ج 1 ص 50
351

منه، وهذا بخلاف الأذان الإعلامي فإن الأمر به لم يتعلق بشخص بعينه وإنما هو
من قبيل المستحبات الكفائية التي من قام بها كفى في امتثال الأمر. وبالجملة فإنك إذا
حققت النظر في المقام وتأملت في ما ذكرناه من الكلام علمت أن بحثهم هنا في غير الأذان
الإعلامي لا معنى له بالكلية. والله العالم.
(المقام الثاني) - في ما يؤذن له ويقام من الصلوات، لا ريب ولا اشكال في
رجحان الأذان والإقامة في الصلوات الخمس المفروضة أداء وقضاء لجملة المصلين ذكورا
وإناثا فرادى وجماعة، وهل هما على جهة الاستحباب في جميع هذه المواضع أو الوجوب
أو في بعض دون بعض؟ خلاف يأتي تفصيله إن شاء الله تعالى ولا يؤذن لشئ من
النوافل ولا لشئ من الفرائض غير الخمس اليومية بل يقول المؤذن " الصلاة " ثلاثا
وورد ترك الأذان والاقتصار على الإقامة في مواضع، وورد أيضا استحبابهما في غير
الصلاة أيضا في مواضع.
وتفصيل هذه الجملة كما هو حقه يتوقف على بسطه في مسائل: (الأولى) اختلف
الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الأذان والإقامة وجوبا واستحبابا عموما وخصوصا
فذهب الشيخ في الخلاف إلى أنهما مستحبان ليسا بواجبين في جميع الصلوات جماعة
صليت أو فرادى. وهو اختيار السيد المرتضى (رضي الله عنه) في المسائل الناصرية
وهو مذهب ابن إدريس وسلار، والظاهر أنه هو المشهور بين المتأخرين.
وأوجب الشيخان الأذان والإقامة في صلاة الجماعة واختاره ابن البراج وابن
حمزة. وأوجبهما السيد المرتضى في الجمل على الرجال دون النساء في كل صلاة جماعة
في حضر أو سفر وأوجبهما عليهم في السفر والحضر في الفجر والمغرب وصلاة الجمعة
وأوجب الإقامة خاصة على الرجال في كل فريضة. وقال في المبسوط ومتى صلى جماعة
بغير أذان ولا إقامة لم تحصل فضيلة الجماعة والصلاة ماضية.
وقال ابن الجنيد: الأذان والإقامة واجبان على الرجال للجمع والانفراد والسفر
352

والحضر في الفجر والمغرب والجمعة يوم الجمعة والإقامة في باقي الصلوات المكتوبات التي
تحتاج إلى التنبيه على أوقاتها. وجعلهما أبو الصلاح شرطا في الجماعة.
وقال المرتضى في المسائل الناصرية: اختلف قول أصحابنا في الأذان والإقامة
فقال قوم إنهما من السنن المؤكدة في جميع الصلوات وليسا بواجبين وإن كانا في صلاة
الجماعة وفي الفجر والمغرب وصلاة الجمعة أشد تأكيدا، وهذا الذي أختاره وأذهب إليه
وذهب بعض أصحابنا إلى أنهما واجبان على الرجال خاصة دون النساء في كل صلاة جماعة
في سفر أو حضر، ويجبان عليهم جماعة وفرادى في الفجر والمغرب وصلاة الجمعة والإقامة
دون الأذان تجب عليهم في باقي الصلوات المكتوبات. وجعل في الجمل قوله في المسائل
الناصرية رواية.
وقال ابن أبي عقيل: من ترك الأذان والإقامة متعمدا بطلت صلاته إلا الأذان
في الظهر والعصر والعشاء الآخرة فإن الإقامة مجزئة عنه ولا إعادة عليه في تركه وأما
الإقامة فإنه إن تركها متعمدا بطلت صلاته وعليه الإعادة.
والأصل في هذا الاختلاف ما يترائى من اختلاف الأخبار والواجب أولا نقل
الأخبار الواردة في هذا الباب ثم الكلام فيها بما يميز القشر من اللباب وتحصل به الهداية
إلى جادة الحق والصواب بتوفيق الملك الوهاب.
فأقول: الأول - ما رواه في الكافي عن أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام) (1)
قال: " سألته أيجزئ أذان واحد؟ قال إن صليت جماعة لم يجزئ إلا أذان وإقامة وإن
كنت وحدك تبادر أمرا تخاف أن يفوتك يجزئك إقامة إلا الفجر والمغرب فإنه ينبغي
أن تؤذن فيهما وتقيم من أجل أنه لا يقصر فيهما كما يقصر في سائر الصلوات ".
الثاني - ما رواه الشيخ في التهذيب عن الصباح بن سيابة (2) قال: " قال لي أبو عبد الله

(1) الوسائل الباب 6 و 7 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 6 من الأذان والإقامة
353

(عليه السلام) لا تدع الأذان في الصلوات كلها فإن تركته فلا تتركه في المغرب والفجر
فإنه ليس فيهما تقصير ".
الثالث - ما رواه أيضا عن الحسن بن زياد (1) قال: " قال أبو عبد الله (عليه
السلام) إذا كان القوم لا ينتظرون أحدا اكتفوا بإقامة واحدة ".
الرابع - ما رواه أيضا في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما
السلام) (2) " أنه كان إذا صلى وحده في البيت أقام إقامة واحدة ولم يؤذن ".
الخامس - ما رواه أيضا في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (3) قال: " يجزئك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان ".
السادس - ما رواه في الموثق عن سماعة (4) قال: " قال أبو عبد الله (عليه
السلام) لا تصلى الغداة والمغرب إلا بأذان وإقامة ورخص في سائر الصلوات بالإقامة
والأذان أفضل ".
السابع - ما رواه في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5)
قال: " يجزئك في الصلاة إقامة واحدة إلا الغداة والمغرب ".
الثامن - ما رواه في الصحيح عن عمر بن يزيد (6) قال: " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الإقامة بغير أذان في المغرب فقال ليس به بأس وما أحب أن يعتاد "
التاسع - ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (7)
" إن أدنى ما يجزئ من الأذان أن تفتتح الليل بأذان وإقامة وتفتتح النهار بأذان وإقامة
ويجزئك في سائر الصلوات إقامة بغير أذان ".
العاشر - ما رواه المشايخ الثلاثة في الموثق عن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (8)

(1) الوسائل الباب 5 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 5 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 5 من الأذان والإقامة
(4) الوسائل الباب 5 من الأذان والإقامة
(5) الوسائل الباب 6 من الأذان والإقامة
(6) الوسائل الباب 6 من الأذان والإقامة
(7) الوسائل الباب 6 من الأذان والإقامة
(8) الوسائل الباب 27 من الأذان والإقامة
354

قال: " سئل عن الرجل يؤذن ويقيم ليصلي وحده فيجئ رجل آخر فيقول له نصلي
جماعة هل يجوز أن يصليا بذلك الأذان والإقامة؟ قال لا ولكن يؤذن ويقيم ".
الحادي عشر - ما رواه الشيخ عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) قال: " سمعته يقول يقصر الأذان في السفر كما تقصر الصلاة تجزئ
إقامة واحدة ".
الثاني عشر - ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله
عن الصادق (عليه السلام) (2) قال: " يجزئ في السفر إقامة بغير أذان ".
الثالث عشر - ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (3) قال: " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الرجل هل يجزئه في السفر والحضر إقامة ليس معها أذان؟ قال
نعم لا بأس به ".
الرابع عشر - ما رواه أيضا في الصحيح عن محمد بن مسلم والفضيل بن يسار عن
أحدهما (عليهما السلام) (4) قال: " تجزئك إقامة في السفر ".
الخامس عشر - ما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الإسناد في
الصحيح عن علي بن رئاب (5) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) قلت تحضر
الصلاة ونحن مجتمعون في مكان واحد أتجزئنا إقامة بغير أذان؟ قال نعم ".
السادس عشر - ما رواه الصدوق في كتاب العلل في الصحيح عن صفوان بن
مهران عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6) في حديث قال: " ولا بد في الفجر والمغرب
من أذان وإقامة في الحضر والسفر لأنه لا يقصر فيهما في حضر ولا سفر وتجزئك إقامة
بغير أذان في الظهر والعصر والعشاء الآخرة، والأذان والإقامة في جميع الصلوات أفضل "
إذا عرفت ذلك فاعلم أن ما يدل على الوجوب في الجماعة - كما هو أحد قولي

(1) الوسائل الباب 5 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 5 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 5 من الأذان والإقامة
(4) الوسائل الباب 5 من الأذان والإقامة
(5) الوسائل الباب 5 من الأذان والإقامة
(6) الوسائل الباب 6 من الأذان والإقامة
355

الشيخين ومن تبعهما - الخبر الأول وبه احتج في التهذيب على ذلك.
وأجاب عنه في المدارك بضعف السند أولا، وثانيا بالحمل على الاستحباب لأن
الاجزاء كما يجوز أن يراد به الاجزاء في الصحة يجوز أن يكون المراد به الاجزاء في
الفضيلة، ويؤيد ذلك قوله (عليه السلام) " وإن كنت وحدك تبادر أمرا تخاف أن
يفوتك تجزئك إقامة " قال وهذا التنزيل لازم للشيخ حيث لا يقول بوجوب الإقامة.
أقول: قد عرفت في غير موضع مما تقدم أن الطعن بضعف السند غير واحد على
الشيخ ونحوه ممن لا أثر لهذا الاصطلاح عندهم. وأما الحمل على الاستحباب فهو فرع
وجود المعارض فالواجب عليه ذكره ليتم له الجمع بينه وهذه الروايات بالحمل على الاستحباب
مع الاغماض عما فيه مما عرفته سابقا في غير باب. وأما الاستناد إلى قوله (عليه السلام)
" وإن كنت وحدك... الخ " ففيه أن الشيخ قائل بوجوب الإقامة أيضا كما هو أحد
قوليه وإن كان إنما عبر هنا بالأذان فلا منافاة.
والأظهر عندي في الجواب عن ذلك أنما هو بما دل عليه الخبر الثالث والخامس
عشر من اكتفاء القوم مع الحضور بإقامة واحدة في الجماعة، وفيهما اشعار بأن الغرض من
الأذان هو الاعلام لمن لم يكن حاضرا من الجماعة المعتادين للصلاة جماعة في هذا المكان
فمتى كانوا جميعا حاضرين سقط استحبابه واكتفى بالإقامة إلا أنه أخص من المدعى.
ويمكن تأييد ذلك أيضا بالحديث التاسع الدال على الاكتفاء بالأذان في الصبح والمغرب
وظاهر اطلاقه شمول الجماعة أيضا. وبالجملة فالاحتياط في الملازمة عليه في الجماعة.
ويظهر من المحدث الكاشاني الميل إلى القول بالوجوب في الجماعة حيث قال في
المفاتيح: وقيل بوجوبهما في الجماعة وفيه قوة.
وأما ما يدل على الوجوب في الصبح والمغرب فالخبر الثاني والسادس والسابع
والتاسع والسادس عشر إلا أنه يعارضها جملة من الأخبار عموما وخصوصا كالخبر الثالث
والرابع والخامس والثامن والخامس عشر، لكن الجميع إنما دل على ترك الأذان خاصة
356

دون الإقامة والتعارض بينهما إنما حصل في الأذان وهذا الجمع بالاستحباب إنما يتم فيه
خاصة كما سيظهر لك في المقام إن شاء الله تعالى. وبالجملة فالظاهر من الأخبار المذكورة
بضم بعضها إلى بعض وحمل مطلقها على مقيدها ومجملها على مفصلها هو استحباب الأذان
دون وجوبه في جماعة كانت أو فرادى.
وإنما الاشكال في الإقامة فإن المشهور عندهم كونها كالأذان في ذلك مع أن
الأخبار المتقدمة - كما رأيت - متفقة على الاتيان بها ولم ترخص في تركها صريحا ولا إشارة
بل كلها مصرحة بالاتيان بها.
وأصحاب هذا القول إنما استندوا في القول باستحبابها إلى الاجماع المركب حيث
أعوزتهم النصوص بالعموم والخصوص الدالة على استحبابها أو تركها لتعارض ما دل على
الأمر بالاتيان بها، فقالوا إن كل من قال بوجوب الأذان قال بوجوب الإقامة ومن قال
بالاستحباب فيه قال بالاستحباب فيها فالقول باستحبابه ووجوبه خرق للاجماع المركب،
كذا احتج به العلامة في المختلف وتبعه جملة ممن تأخر عنه وعليه جمد في المدارك والذخيرة
ولا يخفى على المنصف ما فيه من الضعف وهل هو إلا من قبيل التشبث بالحشيش
للغريق مع ما يعلم من عدم النجاة به من ذلك المضيق؟ وكيف لا ومثل هذين العمدتين
قد تكلما في الاجماع وخرقاه في مواضع من كتابيهما وإن استسلقوه في مثل هذا الموضع
ومما يؤيد ما ذكرنا من الفرق بينهما وأنه لا يلزم من استحبابه استحبابها أنه قد
رخص في الأخبار في الأذان على غير طهارة ولم يرخص في الإقامة إلا مع الطهارة
ورخص في الأذان إلى غير القبلة ولم يرخص في الإقامة إلا إلى القبلة، ورخص في الأذان
قاعدا وراكبا وماشيا وكيف شاء ولم يرخص في الإقامة إلا قائما مستقبل القبلة، وقد
تقدمت الأخبار الدالة على جميع ذلك.
بل صرح جملة منها بما يومئ إلى كونها من الصلاة كما صرحت به رواية سليمان بن
صالح المتقدمة وكذا رواية يونس الشيباني المتقدمة أيضا.
357

وتؤكده رواية أبي هارون المكفوف (1) قال: " قال أبو عبد الله (عليه
السلام) يا أبا هارون الإقامة من الصلاة فإذا أقمت فلا تتكلم ولا تومئ بيدك ".
وفي موثقة عمرو بن أبي نصر (2) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
أيتكلم الرجل في الأذان؟ قال لا بأس. قلت في الإقامة؟ قال لا ".
وما دل عليه بعض الأخبار من جواز الكلام فيها معارض بما دل على إعادتها
لو تكلم كصحيحة محمد بن مسلم (3) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) لا تتكلم
إذا أقمت الصلاة فإنك إذا تكلمت أعدت الإقامة " إلى غير ذلك من المؤيدات لما قلناه
ولم أعثر على من تنبه لما قلناه في هذا المقام إلا على مجمل كلام لشيخنا غواص بحار الأنوار
حيث قال في الكتاب المذكور بعد نقل الخلاف في وجوب الأذان والإقامة واستحبابهما
ما صورته: إذا علمت هذا فاعلم أن الأخبار مختلفة جدا ومقتضى الجمع بينها استحباب
الأذان مطلقا وأما الإقامة ففيها اشكال إذ الأخبار الدالة على جواز الترك إنما هي في الأذان
وتمسكوا في الإقامة بخرق الاجماع المركب وفيه ما فيه. والأحوط عدم ترك الإقامة في
الغداة والمغرب والجمعة ولا سيما في الحضر. انتهى.
وربما تعلق بعضهم هنا بحديث حماد (4) وتعليم الصادق (عليه السلام) له الصلاة
حيث لم يشتمل على الأذان ولا الإقامة ولو كانا واجبين لذكرا في مقام البيان. وهو
أوهن متشبث لأن ظاهر سياق الخبر - وأمره حمادا بالصلاة بين يديه ثم قوله: " ما أقبح
بالرجل منكم.. الخ " ووصف حماد لما فعله (عليه السلام) في تلك الركعتين - أن
انكاره (عليه السلام) إنما كان بالنسبة إلى السنن والمستحبات التي وصفها حماد في حكايته
فالمقصود بالتعليم إنما هو ذلك ولم يكن القصد إلى تعليمه الواجبات لأن حمادا أجل من أن
يجهل الواجبات في ذلك، ألا ترى أنه قال: " أنا أحفظ كتاب حريز في الصلاة "

(1) الوسائل الباب 10 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 10 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 10 من الأذان والإقامة
(4) الوسائل الباب 1 من أفعال الصلاة
358

مما يشعر بمعرفته بجميع أحكام الصلاة من واجب ومستحب. فكيف يدعى أن المراد
تعليم حماد للصلاة كملا من واجب وغيره حتى يتجه الاحتجاج بالخبر على أن المقام
مقام بيان فلو كان الأذان والإقامة واجبين لذكرا، ما هذه إلا غفلة أو تغافل ولكن
المضطر يتشبث بالاحتمالات البعيدة والتمحلات الغير السديدة.
وبما حققناه في المقام وكشفنا عنه نقاب الاشكال والابهام يظهر لك ما في كلام
الفاضل الخراساني في الذخيرة: فإنه - بعد أن نقل الخلاف في المسألة وجملة من الأخبار
واستشكل في الحكم باستحباب الإقامة من حيث عدم الترخيص فيها في الأخبار بل
وقع الأمر بها في أخبار كثيرة واعترف بأن في كثير من الأخبار التي قدمها ظهورا في
وجوبها، ونقل عن الشيخ أنه ذكرا أخبارا ثلاثة دالة على أن الإقامة من الصلاة لكن
في طريقها ضعف - قال ما صورته: والأصح استحبابها للأصل بناء على أنه خارج عن
حقيقة الصلاة، للاتفاق، ولما دل على أن أول الصلاة التكبير فلا يتوقف تحصيل اليقين
بالبراءة من التكليف بالصلاة عليه، ولعدم القائل بالفصل كما نقله المصنف في المختلف
ولا شعار خبر زرارة وحماد بالاستحباب وعدم وضوح دلالة الأوامر في الأخبار السالفة
على أكثر من التأكيد والرجحان المطلق. والاحتياط أن لا يترك بحال. انتهى.
وفيه زيادة على ما قد مر هنا أن الاستناد إلى الأصل في مقابلة الدليل مما لا يعول
عليه عند ذوي التحصيل، وخروجها عن حقيقة الصلاة لا منافاة فيه للقول بالوجوب فإن
من قال بوجوب الأذان لم يدع كونه جزء من الصلاة فيجوز أن يكون واجبا خارجا فلا منافاة،
ولا ينافيه حينئذ ما دل على أن أول الصلاة التكبير ولا خبر حماد الذي استند إليه، مع
ما عرفت في الاستناد إلى خبر حماد في هذا المقام من الوهن الذي لا يخفى على
ذوي الأفهام.
وأما قوله - فلا يتوقف تحصيل اليقين بالبراءة من التكليف بالصلاة عليه -
فممنوع فإن يقين البراءة متوقف على الاتيان بالصلاة التي أولها التكبير كما ذكر مع كل ما
359

توقفت عليه من الشروط الواجبة الخارجة مما تقدم في المقدمات المتقدمة ومنها الإقامة
المذكورة في هذا المقدمة كما هو المدعى، والمدعى للوجوب - كما عرفت - لا يدعى دخولها
في حقيقة الصلاة وأنها جزء منها حتى أنه متى انتفت الجزئية انتفى توقف اليقين بالبراءة
من الصلاة عليها.
وأما قوله - " ولعدم القائل بالفصل " إشارة إلى الاجماع المركب الذي احتج به في
المختلف - فهو أوهن من بيت العنكبوت وأنه لأوهن البيوت كما تقدم القول في ذلك مرارا
ومن رجع إلى كلامه وما أطال به في القدح في الاجماع في باب غسل الجنابة في مسألة
الوطئ في الدبر يعرف حقيقة ما سجلنا به عليه هنا.
وأما قوله - " ولا شعار خبر زرارة " وهو ما قدمه في صدر البحث وصورته (1)
" أنه سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في
الصلاة قال فليمض في صلاته فإنما الأذان سنة " - ففيه وإن كان قد سبقه إلى الاستناد
إلى هذا الخبر وخبر حماد صاحب المدارك أيضا أنه ليس في الخبر - كما ترى - أزيد من الدلالة
على صحة الصلاة مع نسيان الإقامة إلى أن دخل في الصلاة وهو لا يمنع من وجوبها فإن
واجبات الصلاة مغتفرة بالنسيان في أثناء الصلاة اتفاقا متى فات محل تداركها، على أن
هذه الرواية معارضة بما دل على خلافها كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) أنه قال: " في رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة؟ قال إن
كان ذكره قبل أن يقرأ فليصل على النبي (صلى الله عليه وآله) وليقم وإن كان قد قرأ
فليتم صلاته " ومثلها صحيحة الحسين بن أبي العلاء (3) وصحيحة الحلبي (4) " أنه يعود
للأذان والإقامة متى نسيهما ما لم يركع... الحديث " وهذه الروايات أرجح من تلك
الرواية لصحتها وتعددها.
وأما قوله - وعدم وضوح دلالة الأوامر في الأخبار السالفة على أكثر من التأكيد

(1) الوسائل الباب 29 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 29 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 29 من الأذان والإقامة
(4) الوسائل الباب 29 من الأذان والإقامة
360

والرجحان المطلق - ففيه أنه مجرد دعوى بلا دليل بل الدليل على خلافه واضح النهج
والسبيل كما حققناه في مقدمات الكتاب بالآيات والروايات، مضافا إلى ما حققه أئمة
الأصول من القول بالوجوب وقد تقدم الكلام في ذلك في مواضع من الكتاب زيادة
على ما في المقدمات، وأوضحنا أن في هذا القول الذي تفرد به هذا الفاضل خروجا من
الدين من حيث لا يشعر قائله عصمنا الله تعالى من زلات الأقدام وطغيان الأقلام في
أحكام الملك العلام.
(المسألة الثانية) - قد أجمع الأصحاب على مشروعية الأذان للنساء إلا أنه لا يتأكد
في حقهن كما في الرجال، قال في المنتهى: ليس على النساء أذان ولا إقامة ولا نعرف فيه
خلافا لأنهما عبادة شرعية يتوقف توجه التكليف بهما على الشرع ولم يرد. ويجوز أن تؤذن
المرأة للنساء ويعتددن به ذهب إليه علماؤنا، إلى أن قال قال علماؤنا إذا أذنت المرأة أسرت
بصوتها لئلا يسمعه الرجال وهو عورة. وقال الشيخ يعتد بأذانهن للرجال وهو ضعيف لأنها
إن جهرت ارتكبت معصية والنهي يدل على الفساد وإلا فلا اجتزاء به لعدم السماع. انتهى
أقول: الظاهر أن المراد من صدر كلامه هو نفي الوجوب لدلالة باقي الكلام عليه،
ويؤيده ما ذكره في التذكرة حيث قال يستحب في صلاة جماعة النساء أن تؤذن إحداهن وتقيم
لكن لا تسمع الرجال عند علمائنا والاستحباب في حق الرجال آكد، ثم قال ويجزئها
التكبير والشهادتان لقول الصادق (عليه السلام) ثم نقل الخبر وسيأتي إن شاء الله تعالى (1)
أقول: والذي وقفت عليه من الأخبار في هذا المقام ما رواه الشيخ في الصحيح
عن عبد الله بن سنان (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة تؤذن
للصلاة فقال حسن إن فعلت وإن لم تفعل أجزأها أن تكبر وأن تشهد لا إله إلا الله وأن محمدا رسول
الله صلى الله عليه وآله ".
وعن زرارة في الصحيح (3) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) النساء

(1) وهو صحيح عبد الله بن سنان
(2) الوسائل الباب 14 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 14 من الأذان والإقامة. والمروي عنه في كتب الحديث هو أبو جعفر " ع "
361

عليهن أذان؟ فقال إذا شهدت الشهادتين فحسبها ".
وعن جميل بن دراج في الصحيح (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن المرأة أعليها أذان وإقامة؟ فقال لا " ورواه في الكافي عن ابن أبي عمير في
الصحيح مثله (2).
وعن أبي مريم الأنصاري في الصحيح (3) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه
السلام) يقول إقامة المرأة أن تكبر وتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله
صلى الله عليه وآله ".
وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (4) قال: " قال الصادق (عليه السلام) ليس
على المرأة أذان ولا إقامة إذا سمعت أذان القبيلة وتكفيها الشهادتان ولكن إذا أذنت
وأقمت فهو أفضل " قال " وقال الصادق (عليه السلام) ليس على النساء أذان ولا إقامة.
ولا جمعة ولا جماعة... الحديث ".
وباسناده في آخر الكتاب عن حماد بن عمرو وأنس بن محمد عن أبيه عن جعفر
ابن محمد عن آبائه (عليهم السلام) في وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه
السلام) (5) قال: " ليس على المرأة أذان ولا إقامة ".
وروى في كتاب العلل في الصحيح عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر (عليه
السلام) (6) قال: " قلت له المرأة عليها أذان وإقامة؟ فقال إن كانت سمعت أذان
القبيلة فليس عليها أكثر من الشهادتين فإن الله تبارك وتعالى قال للرجال أقيموا الصلاة (7)
وقال للنساء وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله (8)... الخبر ".
وروى في كتاب الخصال (9) في ما أوصى به النبي (صلى الله عليه وآله) عليا

(1) الوسائل الباب 14 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 14 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 14 من الأذان والإقامة
(4) الوسائل الباب 14 من الأذان والإقامة
(5) الوسائل الباب 14 من الأذان والإقامة
(6) الوسائل الباب 14 من الأذان والإقامة
(7) سورة الأنعام، الآية 71
(8) سورة الأحزاب، الآية 33
(9) مستدرك الوسائل الباب 13 من الأذان والإقامة
362

(عليه السلام) " يا علي ليس على النساء جمعة ولا جماعة ولا أذان ولا إقامة ".
وروى فيه بسنده عن جابر الجعفي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" ليس على النساء أذان ولا إقامة ".
والظاهر من مجموع هذه الأخبار بضم بعضها إلى بعض هو استحباب الأذان
والإقامة لهن لكن ليس على نحو ما ورد في حق الرجال فرخص لهن في تركه والاكتفاء
بالتكبير والشهادتين خاصة عوضا عن الأذان وربما اجتزأت بالشهادتين أيضا عوضا عن
الإقامة مع التكبير أو بدونه.
وظاهر هذه الأخبار هو أذانها لصلاتها منفردة فلا يدخل فيه الأذان الإعلامي
كما تقدم تحقيقه في صدر المقام الأول ولا الأذان لجماعة النساء، وما ذكره الأصحاب
من أذانها لجماعة النساء والاعتداد به لهن فالظاهر أنهم إنما استندوا فيه إلى الأدلة العامة
في صلاة الجماعة وأنه يجوز أن يتولى الأذان الإمام أو غيره وأن هذا الحكم لا فرق فيه
بين جماعة النساء والرجال.
قال المحقق في المعتبر ويجوز أن تؤذن للنساء ويعتددن به وعليه اجماع علمائنا لما
روى من جواز امامتها لهن (2) وإذا جاز أن تؤمهن جاز أن تؤذن لهن لأن منصب
الإمامة أتم. وتسر أذانها.
ولا تؤذن للرجال لأن صوتها عورة ولا يجتزأ به، وقال في المبسوط يعتد به ويقيمون لأنه لا مانع منه، لنا - إنها إن أجهرت فهو منهي عنه والنهي
يدل على الفساد وإن أخفتت لم يجتزأ به لعدم السماع.
أقول: وقد تقدم نحو هذا الكلام عن المنتهى أيضا وهو مبني على ما هو المشهور
في كلام من تحريم سماع صوت الأجنبية، وقد قدمنا أنه لا دليل عليه بل ظاهر الأخبار
الجواز ولعل كلام الشيخ في المبسوط مبني على ذلك، إلا أنه يمكن تطرق الاشكال إلى

(1) مستدرك الوسائل الباب 13 من الأذان والإقامة وفي البحار ج 18 الصلاة ص 163
وكذا النسخ الخطية عن أبي جعفر " ع "
(2) الوسائل الباب 20 من صلاة الجماعة
363

اعتداد الرجال به وإن جوزنا سماع صوت الأجنبية من حيث عدم ورود النقل بذلك
والعبادات مبنية على التوقيف، كذا صرح به في المدارك.
ويمكن الجواب بأن ما يدل على الاعتداد بسماع الأذان وإن كان ظاهره كون
المؤذن رجلا إلا أنه لا تعلم هنا خصوصية للرجل في ذلك، فيتعدى الحكم بطريق المناط
القطعي إلى كل مؤذن من رجل وامرأة كما في سائر جزئيات الأحكام وإن صرح بالرجل
فإنهم لا يختلفون في تعدية الحكم إلى النساء ما لم تعلم الخصوصية، ولا يخفى على المتتبع أن
أكثر الأحكام الشرعية المتفق على عمومها للرجال والنساء إنما وردت في الرجال لكونه
هو المسؤول عنه أو أن يقع ذلك ابتداء من الإمام (عليه السلام) ولو خصت الأحكام
بموارد الأخبار وإن لم تعلم الخصوصية لضاقت الشريعة ولزم القول بجملة من الأحكام من
غير دليل وهو ظاهر البطلان.
قال في الذكرى: وفي حكم المرأة الخنثى فتؤذن للمحارم من الرجال والنساء ولا جانب
النساء لا لأجانب الرجال، ثم قال ولعل الشيخ يجعل سماع الرجل صوت المرأة في الأذان
كسماعها صوته فيه فإن صوت كل منهما بالنسبة إلى الآخر عورة. انتهى.
أقول: لا يخفى ما بين هذين الكلامين من التدافع فإن ظاهر الكلام الأخير
أنه يحرم على المرأة سماع صوت الرجل وأنه عورة بالنسبة إليها كما يحرم عليها النظر
إليه ومقتضى هذا أن الخنثى لا تؤذن لأجانب النساء من حيث احتمال الرجولية مع أنه
جوزه. ثم إن ما ذكره - من أن صوت الرجل عورة بالنسبة إلى المرأة كبدنه فيحرم عليها
سماع صوته كما يحرم عليها النظر إلى جسده - لم أقف له على دليل بل الدليل على خلافه
واضح السبيل، نعم تحريم النظر إلى جسده منصوص أما سماع الصوت فلا ولا أعلم أيضا
قائلا بذلك سواه، وقد عرفت أن ما ظاهرهم الاتفاق عليه من تحريم سماع صوت المرأة
لا دليل عليه بل الدليل دال على خلافه فالعكس أولى بالجواز. والله العالم.
(المسألة الثالثة) - قد عرفت أنه لا يؤذن لشئ من النوافل ولا الفرائض
364

غير الخمس، قال في المعتبر أنه مذهب علماء الاسلام. ويعضده أن الأذان وظيفة
شرعية فيتوقف كيفية وكمية ومحلا على الورود عن صاحب الشريعة والمنقول عنه فعله في
الصلوات الخمس خاصة إلا أن الأصحاب ذكروا أنه يقول المؤذن " الصلاة "، ثلاثا ولم
أقف عليه في غير صلاة العيد.
بقي هنا جملة من المواضع قد ورد فيها استحباب الأذان أو مع الإقامة
غير الصلاة:
منها - الفلوات الموحشة كما ذكره في الذكرى ثم قال روى ابن بابويه عن الصادق
(عليه السلام) (1) " إذا تغولت بكم الغول فأذنوا " وفي الجعفريات عن النبي (صلى
الله عليه وآله) (2) " إذا تغولت بكم الغيلان فأذنوا بأذان الصلاة " ورواه العامة (3)
وفسره الهروي بأن العرب تقول إن الغيلان في الفلوات ترائى للناس تتغول تغولا أي
تتلون تلونا فتضلهم عن الطريق وتهلكهم وروى في الحديث " لا غول " وفيه ابطال لكلام
العرب فيمكن أن يكون الأذان لدفع الخيال الذي يحصل في الفلوات وإن لم يكن له
حقيقة. انتهى كلام الذكرى.
أقول: قال في كتاب دعائم الاسلام: وعن علي (عليه السلام) (4) قال: " قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا تغولت بكن الغيلان فأذنوا بالصلاة " وقال في
النهاية الأثيرية فيه: " لا غول ولا صفر " الغول أحد الغيلان وهي جنس من الجن والشياطين
كانت العرب تزعم أن الغول في الفلاة تترائى للناس فتغول تغولا أي تتلون تلونا في
صور شتى وتغلوهم أي تضلهم عن الطريق وتهلكهم فنفاه النبي (صلى الله عليه وآله)
وأبطله. وقيل قوله " لا غول " ليس نفيا لعين الغول ووجوده وإنما فيه ابطال زعم العرب

(1) الوسائل الباب 46 من الأذان والإقامة
(2) مستدرك الوسائل الباب 35 من الأذان والإقامة
(3) نهاية ابن الأثير مادة " غول " كما يأتي منه " قدس سره "
(4) مستدرك الوسائل الباب 35 من الأذان والإقامة
365

في تلونه بالصور المختلفة واغتياله فيكون المعنى بقوله " لا غول " إنها لا تستطيع أن تضل
أحدا، ويشهد له الحديث الآخر " لا غول ولكن السعالى سحرة الجن " أي ولكن في الجن
سحرة لهم تلبس وتخييل، ومنه الحديث " إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان " أي
ادفعوا شرها بذكر الله تعالى، وهذا يدل على أنه لم يرد بنفيها عدمها. انتهى.
ومنها - المولود يستحب الأذان في أذنه اليمنى والإقامة في اليسرى كما ورد
عن الصادق (عليه السلام) (1).
ومنها - من ساء خلقه، روى في كتاب المحاسن عن هشام بن سالم في الصحيح (2)
قال: " اللحم ينبت اللحم ومن تركه أربعين يوما ساء خلقه ومن ساء خلقه فأذنوا في
أذنه " ومثله رواه في الكافي عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في
الصحيح أو الحسن (3).
وروى عن أبان الواسطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: " إن لكل
شئ قرما وإن قرم الرجل اللحم فمن تركه أربعين يوما ساء خلقه ومن ساء خلقه فأذنوا
في أذنه اليمنى ".
وروى فيه أيضا عن حفص (5) الأبار عن أبي عبد الله عن آبائه عن علي (عليهم
السلام) (6) " قال كلوا اللحم فإن اللحم من اللحم ومن لم يأكل اللحم أربعين يوما ساء
خلقه وإذا ساء خلق أحدكم من انسان أو دابة فأذنوا في أذنه الأذان ".
ومنها - ما تقدم في حديث سليمان بن جعفر الجعفري (7) قال: " سمعته يقول
أذن في بينك فإنه يطرد الشيطان ويستحب من أجل الصبيان " إلا أنه يمكن حمله على
أذان الصلاة. والله العالم.

(1) الوسائل الباب 35 من أحكام الأولاد
(2) الوسائل الباب 12 من الأطعمة المباحة
(3) الوسائل الباب 12 من الأطعمة المباحة
(4) الوسائل الباب 12 من الأطعمة المباحة
(5) وفي المحاسن ص 466 والوسائل عن أبي حفص
(6) الوسائل الباب 12 من الأطعمة المباحة
(7) الوسائل الباب 18 من الأذان والإقامة
366

(المسألة الرابعة) - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تارك الأذان
والإقامة حتى يدخل في الصلاة فنقل عن السيد المرتضى في المصباح والشيخ في الخلاف
أنه إن كان متعمدا مضى في صلاته وإن كان ساهيا رجع ما لم يركع، ونقل ذلك
عن الأكثر. وقال الشيخ في النهاية من ترك الأذان والإقامة متعمدا ودخل في الصلاة فلينصرف وليؤذن وليقم ما لم يركع ثم يستأنف الصلاة، وإن تركهما ناسيا حتى
دخل في الصلاة ثم ذكر مضى في صلاته ولا إعادة عليه، وبه قال ابن إدريس وهو عكس
القول الأول. وأطلق الشيخ في المبسوط فقال متى دخل منفردا في الصلاة من غير أذان
وإقامة استحب له الرجوع ما لم يركع ويؤذن ويقيم ويستقبل الصلاة فإن ركع مضى
في صلاته. ولم يفرق بين العمد والنسيان. وقال ابن أبي عقيل من نسي الأذان في صلاة
الصبح والمغرب حتى أقام رجع فأذن وأقام ثم افتتح الصلاة، وإن ذكر بعد ما دخل
في الصلاة أنه قد نسي الأذان قطع الصلاة وأذن وأقام ما لم يركع فإن كان قد ركع مضى
في صلاته ولا إعادة عليه، وكذلك أن سها عن الإقامة من الصلوات كلها حتى دخل
في الصلاة رجع إلى الإقامة ما لم يركع فإن كان قد ركع مضى في صلاته ولا إعادة عليه
إلا أن يكون قد تركه متعمدا استخفافا فعليه الإعادة. وظاهر هذا القول هو الرجوع إلى
الأذان وحده في صلاتي الصبح والمغرب لو تركه ناسيا ما لم يركع ولو نسي الإقامة
وحدها فإنه يرجع لها في جميع الصلوات ما لم يركع وإن تركها عمدا فعليه الإعادة مطلقا.
وما صرح به ابن أبي عقيل موافق لما قدمنا نقله عنه في صدر المسألة الأولى من قوله:
وأما الإقامة فإنه إن تركها متعمدا بطلت صلاته وعليه الإعادة.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح
عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن
تؤذن وتقيم ثم ذكرت قبل أن تركع فانصرف وأذن وأقم واستفتح الصلاة وإن كنت

(1) الوسائل الباب 29 من الأذان والإقامة
367

قد ركعت فأتم على صلاتك ".
وعن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " قلت له رجل ينسى
الأذان والإقامة حتى يكبر؟ قال يمضي على صلاته ولا يعيد ".
وعن نعمان الرازي (2) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) وسأله
أبو عبيدة الحذاء عن حديث رجل نسي أن يؤذن ويقيم حتى كبر ودخل في الصلاة
قال إن كان دخل المسجد ومن نيته أن يؤذن ويقيم فليمض في صلاته ولا ينصرف ".
وعن أبي الصباح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " سألته عن رجل
نسي الأذان حتى صلى؟ قال لا يعيد ".
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: " سألته عن رجل
نسي أن يقيم الصلاة حتى أنصرف يعيد صلاته؟ قال لا يعيدها ولا يعود لمثلها ".
وعن داود بن سرحان في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) " في
رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة؟ قال ليس عليه شئ ".
وعن عبيد بن زرارة عن أبيه في الصحيح (6) قال: " سألت أبا جعفر (عليه
السلام) عن رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة؟ قال فليمض في صلاته
فإنما الأذان سنة.
وعن علي بن يقطين في الصحيح (7) قال: " سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن
الرجل ينسى أن يقيم الصلاة وقد افتتح؟ الصلاة قال إن كان قد فرغ من صلاته فقد تمت
صلاته وإن لم يكن فرغ من صلاته فليعد ".
وما رواه الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (8) أنه قال: " في الرجل ينسى الأذان والإقامة حتى يدخل في الصلاة؟ قال

(1) الوسائل الباب 29 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 29 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 28 من الأذان والإقامة
(4) الوسائل الباب 28 من الأذان والإقامة
(5) الوسائل الباب 29 من الأذان والإقامة
(6) الوسائل الباب 29 من الأذان والإقامة
(7) الوسائل الباب 28 من الأذان والإقامة
(8) الوسائل الباب 29 من الأذان والإقامة
368

إن كان ذكر قبل أن يقرأ فليصل على النبي (صلى الله عليه وآله) وليقم وإن كان قد
قرأ فليتم صلاته ".
وروى في الفقيه (1) قال: " سأل زيد الشحام أبا عبد الله (عليه السلام) عن
رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة... الحديث ".
وما رواه الشيخ في الحسن عن الحسن بن أبي العلاء عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) قال: " سألته عن الرجل يستفتح صلاته المكتوبة ثم يذكر أنه لم يقم؟
قال فإن ذكر أنه لم يقم قبل أن يقرأ فليسلم على النبي (صلى الله عليه وآله) ثم يقيم ويصلي
وإن ذكر بعد ما قرأ بعض الصورة فليتم على صلاته ".
وعن زكريا بن آدم (3) قال: " قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) جعلت
فداك كنت في صلاتي فذكرت في الركعة الثانية وأنا في القراءة أني لم أقم فكيف أصنع؟
قال اسكت موضع قراءتك وقل " قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة " ثم امض في قراءتك
وصلاتك وقد تمت صلاتك ".
أقول، والمستفاد من هذه الأخبار بعد ضم بعضها إلى بعض هو استحباب الرجوع
إلى الأذان والإقامة أو الإقامة وحدها ما لم يركع إذا ترك ذلك ساهيا، إلا أن صحيح
علي بن يقطين دل على وجوب الإعادة بنسيان الإقامة متى ذكر في أثناء الصلاة، ولعله
مستند ابن أبي عقيل في ما تقدم نقله عنه من وجوب الإعادة بترك الإقامة، إلا أن
مورد الرواية النسيان وكلام ابن أبي عقيل مقيد بالتعمد فلا يمكن جعلها مستندا له.
والعلامة في المختلف قد حملها على أن المراد بما قبل الفراغ ما قبل الركوع، ولا يخفى
ما فيه من البعد والتمحل. وحملها الشيخ على الاستحباب قال في المعتبر وما ذكره محتمل
لكن فيه تهجم على ابطال الفريضة بالخبر النادر. انتهى. أقول وكيف كان فهذا الخبر
وإن صح سنده لا يبلغ قوة في معارضة ما ذكرناه من الأخبار الدالة على صحة الصلاة بتركهما

(1) الوسائل الباب 29 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 29 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 29 من الأذان والإقامة
369

أو أحدهما فلا بد من ارتكاب التأويل فيه وإن بعد أو طرحه.
ومورد هذه الأخبار كلها النسيان ولا تعرض فيها لحكم العمد بالكلية ومقتضى
الأصل صحة الصلاة سيما على القول المشهور من استحباب الأذان والإقامة، وعلى تقدير
القول بالوجوب فإنه لا قائل بدخولهما في حقيقة الصلاة بل غايتهما أن يكونا من الواجبات
الخارجة كما تقدم بيانه، ومن ذلك يظهر قوة القول الأول.
بقي الكلام في صحيحة محمد بن مسلم وحسنة الحسين بن أبي العلاء ورواية زيد
الشحام الدالة على أنه إذا نسي الأذان والإقامة أو الإقامة وحدها ثم ذكرها قبل القراءة
فإنه يصلي على النبي (صلى الله عليه وآله) أو يسلم عليه ثم يقيم ويصلي، فإن ظاهر
الأصحاب حملها على قطع الصلاة والرجوع.
قال في المدارك: والظاهر أن الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) والسلام عليه
إشارة إلى قطع الصلاة، ويمكن أن يكون ذلك نفسه قاطعا ويكون من خصوصيات هذا
الموضع لأن ذلك لا يقطع الصلاة في غير هذا المحل. انتهى.
أقول: من المحتمل قريبا في معنى الأخبار المذكورة أن المراد إنما هو أنه إذا ذكره
في ذلك الوقت صلى على النبي (صلى الله عليه وآله) وقال " قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة "
كما هو ظاهر خبر زكريا بن آدم بل صريحه، ونحوه في كتاب الفقه الرضوي (1) حيث قال
(عليه السلام) " فإن استيقنت أنك تركت الأذان والإقامة ثم ذكرت فلا بأس بترك الأذان
وتصلي على النبي (صلى الله عليه وآله) ثم قل قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة " وعلى
هذين الخبرين يحمل اجمال الأخبار المذكورة إذ لا تصريح ولا ظهور فيها بقطع الصلاة
وابطالها ولا إعادتها من رأس، وحينئذ فمعنى قوله في حسنة الحسين بن أبي العلاء " ثم
يقيم ويصلي " يعني يأتي بهذه العبارة مرتين ويستمر في صلاته، وقول السيد هنا وقبله
الشهيد في الذكرى - أن الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) والسلام عليه إشارة إلى

(1) البحار ج 18 الصلاة ص 176
370

قطع الصلاة ويكون ذلك قاطعا ويكون من خصوصيات هذا الموضع - بعيد غاية البعد.
وبالجملة فإن خبري زكريا بن آدم وكتاب الفقه ظاهران بل صريحان في ما ذكرناه وتلك
الأخبار مجملة والقاعدة في مثله حمل المجمل على المفصل.
نعم يبقى الاشكال من وجه آخر نبه عليه شيخنا في الذكرى حيث قال بعد نقل
خبر زكريا بن آدم: ويشكل بأنه كلام ليس من الصلاة ولا من الأذكار. وأجاب عنه
شيخنا البهائي بالحمل على أنه يقول ذلك مع نفسه من غير أن يتلفظ به وقوله (عليه السلام)
" اسكت موضع قراءتك وقل... " ربما يؤذن بذلك إذ لو تلفظ بالإقامة لم يكن ساكتا في
موضع القراءة، وحمل السكوت على السكوت عن القراءة لا عن غيرها خلاف الظاهر. انتهى
وأنت خبير بأنه لقائل أن يقول إن ما ذكره شيخنا المتقدم من كونه ليس من
الصلاة ولا من الأذكار وإن كان كذلك إلا أن النص متى دل على جوازه فلا وجه
لرده ولا استبعاد فيه سيما مع وجود النظائر المتفق عليها بينهم، وليس هذا بأبعد مما دلت
عليه النصوص وقالوا به من غير خلاف يعرف من جواز الأفعال الخارجة عن الصلاة في
أثناء الصلاة من غسل دم الرعاف وقتل الحية وارضاع الصبي ونحو ذلك من الأفعال
الخارجة عن الصلاة التي لولا هذه النصوص الواردة بها لا بطلوا بها الصلاة البتة لكونها
أفعالا أجنبية عنها خارجة عن حقيقتها، والأمر في الموضعين كذلك غاية الأمر أنه قد
تكاثرت الأخبار بهذا الحكم حتى عدوه إلى غير موارد النصوص بتنقيح المناط القطعي
دون هذا الجزئي الذي هو محل البحث فيجب الاقتصار فيه على مورد النص.
هذا وأما ما ذكره ابن أبي عقيل - من القطع ما لم يركع والرجوع إلى الأذان
خاصة في صلاة المغرب والصبح. ونحوه ما ذكره المحقق في الشرائع من الرجوع إلى الأذان
مطلقا - فلم أقف فيه على دليل وبذلك اعترف في المدارك فقال: واعلم أن هذه الروايات إنما
تعطي استحباب الرجوع لاستدراك الأذان والإقامة أو الإقامة وحدها وليس فيها ما يدل
على جواز القطع لاستدراك الأذان مع الاتيان بالإقامة، ولم أقف على مصرح به سوى
371

المصنف في هذا الكتاب وابن أبي عقيل على ما نقل عنه، وحكى فخر المحققين في الشرح
الاجماع على عدم الرجوع إليه مع الاتيان بالإقامة وعكس الشارح (قدس سره) فحكم
بجواز الرجوع لاستدراك الأذان وحده دون الإقامة وهو غير واضح. انتهى.
(المسألة الخامسة) - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن القاضي
للصلوات الخمس وإن استحب له الأذان والإقامة لكل صلاة صلاة إلا أنه رخص له في
الاقتصار على أذان واحد في أول ورده. وظاهرهم أن الأذان والإقامة لكل صلاة
أفضل وأن الاقتصار على الأذان في الأولى من ورده دونه في الفضل، وهو صريح عبارة
الشرائع، وجملة منهم عبروا بالسقوط بقول مطلق.
أما استحباب الأذان والإقامة لكل فريضة فاستدل عليه في المنتهى بقوله
(عليه السلام) (1): " من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته " وقد كان من حكم الفائتة
استحباب تقديم الأذان والإقامة لها فكذا قضاؤها، ورواية عمار الساباطي (2) قال:
" سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان
والإقامة؟ قال نعم ".
واعترضه في المدارك بأن في الروايتين ضعفا في السند وقصورا من حيث الدلالة
والظاهر أن ضعف الدلالة بالنسبة إلى الأول من حيث إن المتبادر من قوله: " كما فاتته "
بجملة أجزائها وصفاتها الداخلة تحت حقيقتها دون الأمور الخارجة عنها. ويحتمل - ولعله
الأظهر - حمل الخبر على كون الفائت فريضة واحدة فإنه يؤذن لها ويقيم. وأما بالنسبة
إلى الثاني فلعدم دلالته على أنه يعيد لكل صلاة مع أنه يعارضه ما رواه الشيخ في التهذيب
عن موسى بن عيسى (3) قال: " كتبت إليه رجل يجب عليه إعادة الصلاة أيعيدها بأذان

(1) الوسائل الباب 6 من قضاء الصلوات
(2) الوسائل الباب 8 من قضاء الصلوات
(3) الوسائل الباب 37 من الأذان والإقامة
372

وإقامة؟ فكتب يعيدها بإقامة " وبالجملة فإن الدليل المذكور لا يخلو من القصور.
وأما الاكتفاء بأذان واحد في أول ورده ثم الإقامة لكل صلاة فيدل عليه ما رواه
الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
رجل صلى الصلوات وهو جنب اليوم واليومين والثلاثة ثم ذكر بعد ذلك؟ قال يتطهر
ويؤذن ويقيم في أولاهن ثم يصلي ويقيم بعد ذلك في كل صلاة بغير أذان حتى يقضي صلاته "
وعن زرارة في الصحيح أو الحسن عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال:
" إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولاهن فأذن لها
وأقم ثم صلها ثم صل ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة ".
وحكى الشهيد في الذكرى قولا بأن الأفضل ترك الأذان لغير الأولى لما روى (3)
" أن النبي (صلى الله عليه وآله) شغل يوم الخندق عن أربع صلوات فأمر بلالا فأذن
للأولى وأقام ثم أقام للبواقي من غير أذان " وهو حسن. قال في المدارك وهو حسن بل
لو قيل بعدم مشروعية الأذان لغير الأولى من الفوائت مع الجمع بينها كان وجها قويا لعدم
ثبوت التعبد به على هذا الوجه. انتهى
أقول: ما استدل به شيخنا الشهيد (قدس سره) هنا من الرواية عن النبي (صلى
الله عليه وآله) وأنه شغل عن أربع صلوات يوم الخندق إنما هي من طرق المخالفين وليس
في أخبارنا لها أثر ولا توافق أصولنا، فإن ظاهر الأصحاب الاتفاق على عدم جواز ذلك
عليه (صلى الله عليه وآله) لعصمته المانعة عن جواز ذلك عليه، ولأن الصلاة لها مراتب
لا يحصل الفوات فيها إلا مع انقطاع الشعور بالكلية كما ذكروه في صلاة الحرب وصلاة
المريض، فلا حجة في الخبر المذكور ولا ضرورة تلجئ إليه حتى أنه يتكلف بالذب
عنه ودفع ما يرد عليه من الاشكال حيث قال (قدس سره) في المقام: ولا ينافي العصمة

(1) الوسائل الباب 1 من قضاء الصلوات
(2) الوسائل الباب 63 من المواقيت
(3) تيسير الوصول ج 2 ص 190
373

لوجهين (أحدهما) ما روى (1) من أن الصلاة كانت تسقط أداء مع الخوف ثم تقضى حتى
نسخ ذلك بقوله تعالى " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة... الآية " (2) (الثاني) جاز
أن يكون ذلك لعدم تمكنه من استيفاء أفعال الصلاة ولم يكن قصر الكيفية مشروعا،
وهو عائد إلى الأول وعليه المعول. انتهى.
أقول: وفي الثاني الذي عليه المعول عنده أن الاعتماد في ذلك على مجرد الاحتمال
والجواز - بأن يكون المعنى أنه يحتمل أن يكون تركه (صلى الله عليه وآله) الصلاة من حيث
عدم التمكن من استيفاء أفعالها - من قبيل الرمي في الظلام من حيث الخروج بذلك عن
ظواهر الأدلة من غير مخصص في المقام، إذ الأحاديث الدالة على قصر الكيفية في المواضع
المنصوصة من خوف ومرض ونحوهما لا اشعار فيها بوقت دون وقت ولا زمان دون زمان
ولا حال دون حال على أن الظاهر أن الرواية التي أشار إليها في الوجه الأول ليست من طرقنا
ولعله لهذا عدل عن الاستناد إليها واعتمد على مجرد هذا الاحتمال والتجويز.
والعجب منه (قدس سره) وكذا من السيد السند في نقله له وجموده عليه بل
استحسانه ذلك، وكيف عولوا في الاستدلال على هذه الرواية العامية وروايات الأصحاب
ظاهرة الدلالة واضحة المقالة في ما دلت عليه هذه الرواية العامية كصحيحتي زرارة ومحمد
ابن مسلم المتقدمتين ونحوهما ما في كتاب الفقه الرضوي (3) حيث قال (عليه السلام)
" وقال العالم. من أجنب ثم لم يغتسل حتى يصلي الصلوات كلهن فذكر بعد ما صلى فإن عليه
الإعادة يؤذن ويقيم ثم يفصل بين كل صلاتين بإقامة " ويمكن حمل رواية " من فاتته فريضة "
وكذا رواية عمار على الفريضة الواحدة لقوله في الأول " من فاتته فريضة " وفي الثاني " أعاد
الصلاة " ولا كلام في استحباب الإعادة في الصلاة الواحدة وحينئذ فلا تنافي بين أخبار المسألة،
ومنه يظهر قوة ما ذكره السيد السند من قوله: بل لو قيل بعدم مشروعية الأذان لغير الأولى

(1) لم نعثر على هذه الرواية حتى الآن بعد الفحص عنها في مظانها
(2) سورة النساء، الآية 103
(3) البحار ج 18 الصلاة ص 176
374

من الفوائت مع الجمع لكان وجها قويا. وأما ما دلت عليه رواية موسى بن عيسى فهو
محمول على الرخصة والجواز.
ثم إنه مما يجب التنبيه عليه أنه لا يخفى أن طعن السيد في سند خبر " من فاتته
فريضة " بالضعف ليس في محله فإن سنده حسن بإبراهيم بن هاشم على المشهور الذي هو
صحيح عندنا وعند جملة من المحققين إلا أن يكون ذلك طعنا منه في إبراهيم بن هاشم كما
في غير موضع من اضطراب كلامه فيه، لكن يرد عليه أنه وصف رواية زرارة التي نقلها
هنا بالصحة وفي سندها إبراهيم بن هاشم أيضا.
وقال الشهيد (قدس سره) في الدروس: ويجتزئ القاضي بالأذان لأول
ورده والإقامة للباقي وإن كان الجمع بينهما أفضل، وهو ينافي سقوطه عن من جمع في
الأداء إلا أن يقول السقوط فيه تخفيف أو أن الساقط أذان الاعلام لحصول العلم بأذان
الأولى لا الأذان الذكري ويكون الثابت في القضاء الأذان الذكري. وهذا متجه. انتهى
واعترضه في المدارك بعدم المنافاة بين الحكمين لو ثبت دليلهما.
أقول: الظاهر أن مبنى المنافاة في كلام الدروس على أنه لما كان الدليل على
استحباب الجمع بين الأذان والإقامة في القضاء هو حديث " من فاتته فريضة... " بالتقريب
الذي ذكره العلامة في المنتهى فجعل القضاء تابعا في ذلك للأداء والحال أنهم صرحوا
أنه لو جمع بين الفرضين في الأداء سقط الأذان للثانية فحصول المنافاة والحال هذه مما
لا ريب فيه، فإن اثباتهم له في القضاء إنما هو بالتفريع على الأداء كما عرفته من استدلال
العلامة والحال أنه في الأداء ساقط في مقام الجمع كما عرفت. والظاهر أن هذا هو مراد
شيخنا الشهيد (قدس سره) بالمنافاة في هذا المقام وهو ظاهر وإن كان للمناقشة في أصل
دليل المنافاة مجال - كما عرفت - آنفا من عدم ظهور الدليل الذي استند إليه العلامة في ما
استدل به عليه.
وأما جوابه في الدروس عن الاشكال المذكور - بأن الساقط في صورة الجمع
375

في الأداء إنما هو أذان الاعلام... الخ " وإليه يشير قوله في الذكرى كما سيأتي نقله إن
شاء الله تعالى في مسألة الجمع: أن الساقط مع الجمع الغير المستحب أذان الاعلام
ويبقى أذان الذكر والاعظام - ففيه أنه لا يخفى أن المستفاد من الأخبار على وجه لا يقبل
الاستتار ولا الانكار هو أن الأذان على نوعين (أحدهما) المقصود به الاعلام بدخول
الوقت لكافة الناس وهذا الذي تقدمت أكثر الروايات في صدر المقدمة بالحث عليه
وعلى ما فيه من الثواب. و (ثانيهما) الأذان والإقامة بالنسبة إلى كل مكلف من ذكر
وأنثى وهذا هو الذي تقدم الاختلاف فتوى ورواية في وجوبه واستحبابه في مواضع
وأفراد معينة. وهذا النوع الثاني لا ارتباط له بأول الوقت بل أي وقت صلى المصلي
استحب له الاتيان به، وهذا هو الذي خرجت فيه روايات القضاء بأنه يؤذن في أول
ورده ثم يقيم لكل صلاة صلاة ولا تعلق لهذا بالاعلام لوقوعه في سائر أجزاء الوقت،
فقول شيخنا المشار إليه - إن الساقط في صورة الجمع في الثانية أذان الاعلام لحصول العلم
بأذان الأولى لا الأذان الذكري - لا معنى له بالكلية لأنه لا يلزم أن تكون صلاته في
أول الوقت حتى يكون أذان الأولى أذان اعلام، ومع فرض كون صلاته في أول الوقت
لا يعتبر في أذانه للصلاة الأولى ولا يشترط فيه قصد الاعلام ولا شروط الأذان الإعلامي
بالكلية بل لو أذن خفيا وحده في مكان لا يراه أحد ولا يسمع صوته سامع فقد أدى
السنة الموظفة. وبالجملة فإن هذا الذي تعلق به الخطاب لهذا المكلف بخصوصه من حيث
صلاته المخصوصة لا مدخل له في أذان الاعلام. نعم قال الدليل على الاجتزاء بأذان
الاعلام لمن سمعه على الخلاف الآتي إن شاء الله تعالى في العموم للإمام وغيره أو التخصيص
بالإمام. وبالجملة فإن كلامه (قدس سره) هنا لا أعرف له وجها وجيها. والله العالم.
(المسألة السادسة) - اختلف الأصحاب في أذان العصر يوم الجمعة فأطلق
الشيخ في المبسوط سقوطه وهو ظاهر المفيد في المقنعة على ما نقله الشيخ في التهذيب، وقال
الشيخ في النهاية إنه غير جائز.
376

وقال ابن إدريس إنه يسقط عن من صلى الجمعة دون من صلى الظهر ونقل، ذلك
عن ابن البراج في الكامل.
ونقل عن المفيد في الأركان وابن البراج أنهما استحبا الأذان لعصر يوم الجمعة
كغيره من الأيام، قال في المدارك وهو اختيار المفيد (قدس سره) في المقنعة على ما وجدته
فيها، قال بعد أن أورد تعقيب الأولى: ثم قم فأذن للعصر وأقم الصلاة. قال وإلى هذا
القول ذهب شيخنا المعاصر سلمه الله تعالى وهو المعتمد لاطلاق الأمر الخالي من التقييد
ثم نقل عن الشيخ في التهذيب أنه احتج على ما حكاه من كلام المقنعة المتضمن للسقوط
بما رواه في الصحيح عن ابن أذينة عن رهط: منهم - الفضيل وزرارة عن أبي جعفر
(عليه السلام) " أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهر والعصر
بأذان وإقامتين وجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين " وعن حفص
ابن غياث عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (2) قال: " الأذان الثالث يوم الجمعة
بدعة " ثم قال: ويتوجه عليه أن الرواية الأولى إنما تدل على جواز ترك الأذان للعصر
والعشاء مع الجمع بين الفرضين في يوم الجمعة وغيره وهو خلاف المدعى. وأما الرواية الثانية
فضعيفة السند قاصرة المتن فلا تصلح لمعارضة الأخبار الصحيحة المتضمنة لمشروعية الأذان
في الصلوات الخمس. انتهى المقصود من نقل كلامه.
احتج ابن إدريس على ما نقل عنه بأن الاجماع منعقد على استحباب الأذان
لكل صلاة من الخمس خرج عنه المجمع عليه وهو من صلى الجمعة فيبقى الباقي على العموم.
واعترض عليه بمنع الاجماع على السقوط مع صلاة الجمعة لتصريح بعض الأصحاب
بالاستحباب مطلقا كما تقدم.
أقول وبالله التوفيق والهداية إلى سواء الطريق لا يخفى أن محل الخلاف في هذه المسألة

(1) الوسائل الباب 36 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 49 من صلاة الجمعة
377

في كلامهم غير مشخص ولا معين من أنه حال الجمع أو حال التفريق والمسألة بخصوصها
خالية من النص إلا أن الذي يقتضيه النظر في الأخبار هو أن القول بالسقوط في عصر
الجمعة إنما يتم مع الجمع، وذلك فإن السنة يوم الجمعة في صلاة الظهر حيث لا نافلة بعد الزوال
كما في سائر الأيام هو أن يبادر بالصلاة بعد تحقق الزوال، والسنة في صلاة العصر حيث
لا نافلة يومئذ أن يصليها في وقت الظهر في سائر الأيام كما استفاضت بجميع ذلك الأخبار
ومن هنا يعلم أن السقوط إنما هو من حيث الجمع وأن استدلال الشيخ على ما نقله
عن المقنعة بصحيحة الرهط المذكورة جيد واعتراض السيد عليه بأنه خلاف المدعى ليس
في محله. لأن المدعى ليس إلا أن عصر الجمعة يسقط أذانها يعني إذا أتى بها على الوجه
المندوب إليه والمأمور به والموظف فيها من الجمع بينها وبين الظهر في وقت واحد كما
ذكرناه. وقد صرح بذلك الشيخ المفيد (قدس سره) في المقنعة في باب عمل ليلة الجمعة
ويومها حيث قال: والفرق بين الصلاتين في سائر الأيام مع الاختيار وعدم العوارض
أفضل قد ثبتت السنة به إلا في يوم الجمعة فإن الجمع بينهما أفضل وهو السنة. انتهى.
وهذا الكلام قد تقدم نقله في كلام السيد في المدارك في المسألة الخامسة من المسائل
المرسومة في شرح قول المصنف " الثانية في المواقيت.. الخ " ومراد شيخنا
المشار إليه الفرق بين الصلاتين بالنوافل الموظفة أو بالتأخير إلى المثل الثاني الذي هو
وقت فضيلة العصر عندهم كما تقدم، هذا في غير الجمعة وأما يوم الجمعة فإن السنة فيه
هو الجمع وعدم التفريق لا بنافلة ولا بزمان، وحينئذ فما نقله السيد عن عبارة المقنعة
من ذكر الأذان للعصر في العبارة المذكورة يمكن حمله على حصول التفريق بالوقت كما
هو ظاهر سياق العبارة من الاشتغال بالأعمال والأذكار بعد صلاة الظهر إلى دخول
وقت العصر.
وأما ما نقله السيد عن شيخه نور الله تربتيهما واختاره إن أريد به استحباب
الأذان يوم الجمعة مطلقا ولو في صورة الجمع فهو باطل مردود بالصحيحة المذكورة وغيرها
378

مما دل على ما دلت عليه، وإن أريد مع التفريق فهو في محله وليس فيه منافاة لكلام
الشيخ كما عرفت.
وأما رواية غياث المذكورة فإنها لاجمالها وتعدد الاحتمال فيها لا يمكن الاعتماد
عليها في اثبات حكم شرعي، وسيجئ تحقيق الكلام في معناها في باب صلاة الجمعة
إن شاء الله تعالى.
ومما يدل على سقوط أذان الثانية في صورة الجمع زيادة على صحيحة الرهط
المتقدمة رواية صفوان الجمال (1) قال: " صلى بنا أبو عبد الله (عليه السلام) الظهر والعصر
عندما زالت الشمس بأذان وإقامتين... الحديث ".
وصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) (2) " أن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين وجمع بين المغرب والعشاء
في الحضر من غير علة بأذان وإقامتين ".
ومما يدل على أن الجمع عبارة عن عدم النافلة بين الفرضين وأنه مع النافلة لا جمع
وإن كان في وقت واحد موثقة محمد بن حكيم (3) قال: " سمعت أبا الحسن (عليه
السلام) يقول الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن بينهما تطوع فإذا كان بينهما تطوع فلا
جمع " وفي رواية أخرى له أيضا (4) قال: " سمعت أبا الحسن (عليه السلام)
يقول إذا جمعت بين الصلاتين فلا تطوع بينهما ".
ومن هذه الأخبار يعلم حصول التفريق الموجب للأذان للثانية بالنافلة، والظاهر
أيضا حصوله بالتأخير إلى وقت الصلاة الثانية كما يفهم من كلام الشيخ والجماعة بل حصوله
بالفصل بما يعتد به سيما مع تخلل بعض العوارض الخارجة الغير المرتبطة بالصلاة كما اختاره
الفاضل الخراساني في الذخيرة.

(1) الوسائل الباب 31 من المواقيت
(2) الوسائل الباب 32 من المواقيت
(3) الوسائل الباب 33 من المواقيت
(4) الوسائل الباب 33 من المواقيت
379

قال في الذكرى: ولو جمع الحاضر أو المسافر بين الصلاتين فالمشهور أن الأذان
يسقط في الثانية، قاله ابن أبي عقيل والشيخ وجماعة سواء جمع بينهما في وقت الأولى أو
الثانية لأن الأذان اعلام بدخول الوقت وقد حصل بالأذان الأول، وليكن الأذان
للأولى إن جمع بينهما في وقت الأولى وإن جمع بينهما في وقت الثانية أذن للثانية ثم أقام
وصلى الأولى لمكان الترتيب ثم أقام للثانية. انتهى.
أقول: ما ذكره في تعليل سقوط أذان الثانية من أن الأذان اعلام بدخول الوقت
عليل كما عرفت مما قدمنا بيانه إذ لا دليل عليه، والأذان الإعلامي منفرد لا تعلق له بأذان
الصلاة المخاطب به كل فرد فرد من أفراد المكلفين بخطابهم بالصلاة لما أسلفنا من الأخبار
المتعلقة بكل منهما على حدة والفروع والأحكام المترتبة على كل منهما على حدة. وأضعف
من ذلك قوله: " وليكن الأذان للأولى إن جمع بينهما في وقت الأولى... الخ " فإنه لا دليل
عليه وإن وافقه الشهيد الثاني على ذلك وصار إليه والنصوص خالية من هذا التفصيل.
والظاهر أن هذا الكلام مبني على ما ذكره أولا من أن الأذان للاعلام فإنه متى كان
القصد به الاعلام يكون وظيفة صاحبة الوقت فيقصد به صاحبة الوقت خاصة وهو كالمبني
عليه في الضعف وعدم الدليل. وأشد ضعفا في كلامه في هذا المقام ما ذكره من أنه لو
اتفق الجمع مع عدم استحبابه فإنه يسقط أذان الاعلام ويبقى أذان الذكر والاعظام، وقد
تقدم ما فيه. والله العالم.
(المسألة السابعة) - لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في سقوط
أذان عصر عرفة وعشاء المزدلفة.
ويدل عليه من الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: " السنة في الأذان يوم عرفة أن يؤذن ويقيم للظهر ثم يصلي
ثم يقوم للعصر بغير أذان وكذلك في المغرب والعشاء بمزدلفة ".

(1) الوسائل الباب 36 من الأذان والإقامة
380

وعن منصور بن حازم في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" صلاة المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامتين " إلى غير ذلك من الأخبار الآتية
في كتاب الحج إن شاء الله تعالى.
إنما الخلاف بينهم في حكم السقوط في حال الجمع مطلقا وخصوص عصري الجمعة
وعرفة وعشاء المزدلفة هل هو على سبيل الرخصة وإن كان مستحبا أو الكراهة كما في
سائر مكروهات العبادات أو أنه محرم؟ أقول، فذهب جمع من الأصحاب: منهم -
العلامة إلى التحريم في الثلاثة الأخيرة وأطلق الباقون سقوطه مع مطلق الجمع.
واختلف كلام شيخنا الشهيد (قدس سره) في المسألة ففي الذكرى توقف في
كراهته في الثلاثة المشار إليها استنادا إلى عدم وقوفه فيه على نص ولا فتوى ثم حكم بنفي
الكراهة وجزم بانتفاء التحريم فيها وببقاء الاستحباب في الجمع بغير الثلاثة المذكورة
مأولا الساقط بأنه أذان الاعلام وأن الباقي أذان الذكر والاعظام. وقريب منه كلامه في
الدروس فإنه قال: وربما قيل بكراهته في الثلاثة وبالغ من قال بالتحريم. وقال في البيان
إن الأقرب أن الأذان في الثلاثة حرام مع اعتقاد شرعيته. وتوقف في غيرها.
والمفهوم من كلام شيخنا الشهيد الثاني في الروض والروضة هو التحريم في المواضع
الأربعة حيث قال في الروضة بعد ذكرها: وهل سقوط الأذان في هذه المواضع رخصة
فيجوز الأذان أم عزيمة فلا يشرع؟ وجهان من أنه عبادة توقيفية ولا نص عليها هنا
بخصوصه والعموم مخصص بفعل النبي (صلى الله عليه وآله) فإنه جمع بين الظهرين
والعشاءين لغير مانع بأذان وإقامتين وكذا في تلك المواضع والظاهر أنه لمكان الجمع
لا لخصوصية البقعة، ومن أنه ذكر الله ولا وجه لسقوطه أصلا بل تخفيفا ورخصة. ثم
استشكل في الوجه الثاني بمنع كونه بجميع فصوله ذكرا، وبأن الكلام في خصوصية العبادة
لا في مطلق الذكر، إلى أن قال بعد نقل الخلاف: والظاهر التحريم في ما لا اجماع على

(1) الوسائل الباب 34 من المواقيت
381

استحبابه منها لما ذكرناه. انتهى.
وظاهر السيد السند في المدارك اختيار التحريم في خصوص عصر عرفة وعشاء
المزدلفة خاصة حيث قال بعد ايراد صحيحة ابن سنان المتقدمة: وهل سقوط الأذان هنا
على سبيل الرخصة أو الكراهة أو التحريم؟ أوجه ذهب إلى كل منها ذاهب والأصح
التحريم كما اختاره العلامة في المنتهى والشهيد في البيان لأنه مخالفة للسنة فيكون بدعة وقد
صح عن الصادق (عليه السلام) (1) أنه قال: " كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها
إلى النار " وعلى نهجه نهج الفاضل الخراساني في الذخيرة أيضا للخبر المذكور وستعرف
ما فيه إن شاء الله تعالى. وأما في موضع الجمع فإنه قال: لا يبعد أن يقال إنه مكروه في
موضع يستحب الجمع بالمعنى المتعارف في العبادات بمعنى أن الاتيان به أقل ثوابا من
الاتيان بالصلاة من غير تفريق، قال وأما في غير موضع استحباب الجمع فتركه مرخص فيه
بمعنى عدم التأكيد في استحبابه كما في غيره لا أنه مكروه أو مباح.
أقول وبالله التوفيق إلى هداية سواء الطريق: الأظهر عندي في هذه المسألة
ما رجحه شيخنا الشهيد الثاني (روح الله روحه) من التحريم في المواضع الأربعة المتقدمة
الراجعة في التحقيق إلى مطلق الجمع:
(أما أولا) فلأن العبادات توقيفية مبنية على التوظيف من الشارع ولم يعلم منه
الأذان للثانية في صورة الجمع مطلقا بل المعلوم من الأخبار خلافه وأنه لا أذان ثمة:
فمنها - ما دل عليه حكاية فعله (صلى الله عليه وآله) وفعل الأئمة (عليهم
السلام) كما تقدم في صحيحة الرهط ورواية صفوان الجمال وصحيحة عبد الله بن سنان،
ومثلها رواية عبد الله بن سنان (2) قال: " شهدت المغرب ليلة مطيرة في مسجد رسول الله
(صلى الله عليه وآله) فحين كان قريبا من الشفق نادوا وأقاموا الصلاة فصلوا المغرب

(1) الوسائل الباب 10 من نافلة شهر رمضان
(2) الوسائل الباب 31 من المواقيت
382

ثم أمهلوا الناس حتى صلوا ركعتين ثم قال المنادي في مكانه في المسجد فأقام الصلاة فصلوا
العشاء ثم انصرف الناس إلى منازلهم، فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذلك فقال
نعم قد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) عمل بهذا ".
ومنها - ما دل على أمر المكلفين بذلك كصحيحتي عبد الله بن سنان ومنصور بن
حازم المتقدمتين صدر هذه المسألة ونحوهما صحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
" في رجل يقطر منه البول من أنه يتخذ كيسا يجعل فيه قطنا، إلى أن قال يجمع بين
الصلاتين الظهر والعصر بأذان وإقامتين يؤخر الظهر ويعجل العصر وكذا يؤخر المغرب
ويعجل العشاء ويجمع بينهما بأذان وإقامتين ".
ولم يرد في شئ من روايات الجمع الإشارة فضلا عن التصريح إلى أذان الثانية
بالكلية ومنه يعلم أنه لا أذان للثانية في صورة الجمع مطلقا من المواضع الثلاثة وغيرها
لعدم ثبوت التعبد به، والاستناد إلى الأخبار المطلقة هنا ضعيف لأن هذه الأخبار خاصة
فيخصص بها اطلاق تلك الأخبار كما هو القاعدة المتفق عليها.
والعجب أن السيد السند (قدس سره) ذكر - في مسألة أذان المرأة للرجال
الأجانب بناء على عدم تحريم سماع صوتها بعد أن نقل عن ظاهر المبسوط الجواز -
ما صورته: ويمكن تطرق الاشكال إلى اعتداد الرجال بأذانهن على هذا التقدير أيضا
لتوقف العبادة على التوقيف وعدم ورود النقل بذلك. انتهى، وحينئذ فإذا احتاج إلى
التوقيف في هذه الصورة مع دخولها تحت اطلاق أخبار الأذان وعدم ورود نص في
خصوصها بالمنع فكيف لا يحتاج إلى التوقيف في ما دلت النصوص على السقوط فيه بل
يعمل باطلاق تلك الأخبار ويلغي هذه النصوص الدالة على السقوط أو يتأولها.
وقال أيضا في مسألة الأذان في قضاء الصلوات الخمس بعد أن نقل عن الأصحاب
استحباب الأذان والإقامة لكل صلاة وكلام في البين: ولو قيل بعدم مشروعية الأذان

(1) الوسائل الباب 19 من نواقض الوضوء
383

لغير الأولى من الفوائت مع الجمع بينها كان وجها قويا لعدم ثبوت التعبد به على هذا
الوجه. انتهى. وهذا بعينه آت في ما نحن فيه فإن الروايات - كما قدمناها في تلك
المسألة - دلت على أن الأذان للأولى خاصة وأن ما بعدها بإقامة إقامة فيخص بها أخبار
الأذان المطلقة، وبه يظهر أن التعبد به في هذه الصورة غير ثابت وكذا ما نحن فيه فإن
الأخبار كما عرفت قد تكاثرت في صورة الجمع بأنه يؤذن للأولى خاصة ويقيم للثانية من
غير أذان. والتقريب المذكور الذي رجح به عدم إعادة الأذان في بقية الفرائض المقضية
آت في ما نحن فيه فكيف غفل عن ذلك وحكم بالتحريم بعصر عرفة وعشاء المزدلفة
ومثله الفاضل الخراساني الذي تبعه في تينك المسألتين المتقدمتين أيضا.
و (أما ثانيا) فلصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة والتقريب فيها أن الظاهر - كما
صرح به جملة من الأصحاب - أن ترك الأذان في الصورتين المذكورتين فيها ليس إلا لخصوص
الجمع لا للبقعة وقد دلت على أن السنة هو ترك الأذان فيكون الآتي به مخالفا للسنة وليس
بعد ذلك إلا كونه بدعة وبه يثبت أن الاتيان به في مقام الجمع - حيثما كان - بدعة.
ويعضد ما ذكرناه من أن ترك الأذان في عصر عرفة وعشاء المزدلفة إنما هو من
حيث الجمع لا لخصوص البقعة خبر حريز المذكور في السلس فإنه من الظاهر أن ذلك
أيضا ليس من حيث خصوصية السلس بل من حيث مقام الجمع وأن السنة في مقام الجمع
حيثما كان وكيفما كان هو سقوط أذان الثانية فيجب اطراد الحكم في روايات المستحاضة
الدالة على الجمع وإن لم يصرح فيها بالأذان والإقامة بالتقريب المذكور في هذه الأخبار.
وأما ما ذكره الفاضل الخراساني في الذخيرة هنا من الاحتمالات والمناقشات التي
ليس في التعرض لنقلها كثير فائدة فضعفها يعلم مما حققناه. والله العالم.
(المسألة الثامنة) - لو صليت الفريضة جماعة في المسجد ثم جاء آخرون وأرادوا
الصلاة جماعة أو فرادى لم يؤذنوا ولم يقيموا وبنوا على أذان الجماعة السابقة وإقامتها ما لم
تتفرق الصفوف وإلا أذنوا وأقاموا، قال الشيخ: والوجه أن الأذان اعلام بدخول الوقت
384

وقد حصل فلا معنى لإعادته أما إذا تعرقت الصفوف فإن صلاته بعد ذلك كالصلاة
المستأنفة. أقول: لا يخفى ما في هذا التعليل العليل من الضعف بل الوجه إنما هو دلالة
النصوص على ذلك:
ومنها - ما رواه الشيخ في التهذيب عن أبي على (1) قال: (كنا عند أبي عبد الله
(عليه السلام) فأتاه رجل فقال جعلت فداك صلينا في المسجد الفجر وانصرف بعضنا
وجلس بعض في التسبيح فدخل علينا رجل المسجد فأذن فمنعناه ودفعناه عن ذلك؟ فقال
أبو عبد الله (عليه السلام) أحسنت ادفعه عن ذلك وامنعه أشد المنع. فقلت فإن دخلوا
فأرادوا أن يصلوا فيه جماعة؟ قال يقومون في ناحية المسجد ولا يبدر بهم إمام ".
وما رواه في الكافي عن أبي بصير (2) قال: " سألته عن الرجل ينتهي إلى الإمام
حين يسلم؟ فقال ليس عليه أن يعيد الأذان فليدخل معهم في أذانهم فإن وجدهم قد تفرقوا
أعاد الأذان ".
وما رواه في التهذيب عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال:
" قلت الرجل يدخل المسجد وقد صلى القوم أيؤذن ويقيم؟ قال إن كان دخل ولم يتفرق
الصف صلى بأذانهم وإقامتهم وإن كان تفرق الصف أذن وأقام ".
وعن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه (عليهم السلام) (4) قال:
" دخل رجلان المسجد وقد صلى علي (عليه السلام) بالناس فقال لهما إن شئتما فليؤم أحدكما
صاحبه ولا يؤذن ولا يقيم ".
وعن السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) (5) أنه كان يقول
" إذا دخل الرجل المسجد وقد صلى أهله فلا يؤذنن ولا يقيمن ولا يتطوع حتى يبدأ بصلاة
الفريضة ولا يخرج منه إلى غيره حتى يصلي فيه "

(1) الوسائل الباب 65 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 25 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 25 من الأذان والإقامة
(4) الوسائل الباب 25 من الأذان والإقامة
(5) الوسائل الباب 25 من الأذان والإقامة
385

وفي كتاب زيد النرسي عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: " إذا أدركت الجماعة وقد انصرف القوم ووجدت الإمام مكانه وأهل المسجد قبل أن
يتفرقوا أجزأك أذانهم وإقامتهم فاستفتح الصلاة لنفسك، وإذا وافيتهم وقد انصرفوا
عن صلاتهم وهم جلوس أجزأ إقامة بغير أذان، وإن وجدتهم وقد تفرقوا وخرج بعضهم
من المسجد فأذن وأقم لنفسك ".
قال في المدارك: بعد أن أورد مستند للحكم المذكور رواية أبي بصير الثانية
ورواية أبي علي: وعندي في هذا الحكم من أصله توقف لضعف مستنده باشتراك راوي
الأولى بين الثقة والضعيف وجهالة راوي الثانية فلا يسوغ التعلق بهما.
أقول: لا يخفى ما في هذه المناقشة الواهية لأن ضعف هذين الخبرين بناء على
تسليم هذا الاصطلاح مجبور بعمل الطائفة بهما إذ لا راد لهذا الحكم ولا مخالف فيه، وقد
سلم في غير موضع العمل بالخبر الضعيف المجور بعمل الأصحاب وإن خالف في
مواضع أخر كما في هذا الموضع، وقد عرفت أن هذين الخبرين معتضدان بغيرهما من
الأخبار المذكورة.
إلا أنه قد ورد أيضا ما ظاهره المناقضة لهذه الأخبار في ما دلت عليه من سقوط
الأذان في هذه الصورة:
ومنها - ما رواه في الفقيه في الموثق عن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
" أنه سئل عن الرجل أدرك الإمام حين سلم؟ قال عليه أن يؤذن ويقيم ويفتتح الصلاة "
ورواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن عمار مثله (3).
وما رواه في الفقيه أيضا عن معاوية بن شريح (4) في حديث قال: " ومن

(1) مستدرك الوسائل الباب 22 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 25 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 25 من الأذان والإقامة
(4) الوسائل الباب 65 من صلاة الجماعة
386

أدركه وقد رفع رأسه من السجدة الأخيرة وهو في التشهد فقد أدرك الجماعة وليس عليه
أذان ولا إقامة، ومن أدركه وقد سلم فعليه الأذان والإقامة ".
والمحدث الكاشاني في الوافي حمل موثقة عمار على صورة التفرق، والظاهر بعده
حيث إنه اشتملت على أنه أدركه حين سلم وتفرق الناس حين التسليم خلاف المعروف
المعهود بين الناس والموظف شرعا من الجلوس للتعقيب ولو قليلا. وذكر أيضا - بعد نقل
رواية معاوية بن شريح وأنها رويت في التهذيب عارية عن هذه الزيادة - أنه يحتمل أن تكون هذه الزيادة من كلام الصادق (عليه السلام) ويحتمل أن تكون من كلام الصدوق
أقول: والظاهر حمل هذين الخبرين على الجواز على كراهية بمعنى حمل النهي
في تلك الأخبار على الكراهة جمعا بين الأخبار - ولا ينافيه قوله في خبر أبي علي " ادفعه
عن ذلك وامنعه أشد المنع " فإنه محمول على تأكيد الكراهة، وبذلك يظهر أن السقوط هنا
ليس كالسقوط في ما تقدم من تلك الصور التي وقع فيها الاختلاف.
بقي في المسألة فوائد يحسن التنبيه عليها لضرورة الرجوع إليها: (الأولى) قال
شيخنا الصدوق (عطر الله مرقده) في كتاب الفقيه: لا يجوز جماعتان في مسجد في
صلاة واحدة. ثم نقل حديث أبي علي المتقدم في صدر المسألة، وتبعه على هذا القول
المحدث الكاشاني، وهو بناء منهما على أن قوله (عليه السلام) في آخر الخبر
" لا يبدو لهم إمام " بالواو أو " لا يبدر لهم إمام " بالراء عوض الواو أو " لا يبدر بهم "
على اختلاف النسخ في هذا الخبر بمعنى لا يظهر لهم إمام وهو كناية عن عدم الصلاة
جماعة، والمفهوم من كلام الأصحاب هو الجواز من غير خلاف ينقل في كلامهم لكن
يراعى في الأذان والإقامة التفرق وعدمه كما دلت عليه الأخبار المتقدمة حتى أني لم أقف
على ناقل لخلاف الصدوق هنا مع أن عبارته - كما ترى - صريحة في ذلك.
وقال الشيخ المفيد (قدس سره) في المقنعة: وإذا صلى في مسجد جماعة لا يجوز أن
يصلي دفعة أخرى جماعة بأذان وإقامة. وظاهر هذه العبارة تحريم الأذان والإقامة للجماعة
387

الثانية إن خص النهي بالرجوع إلى القيد كما هو المشهور، وإن رجع إلى القيد والمفيد كان
فيه دلالة على تحريم الجماعة مرة ثانية مع الأذان والإقامة. والأمران مشكلان، والشيخ
في التهذيب بعد أن ذكر هذه العبارة أورد حديث أبي علي دليلا عليها، ثم قال بعد نقل
الحديث بتمامه: والذي يدل على ما قلناه من أنه لا يؤذن ولا يقيم متى أرادوا الجماعة
ما رواه محمد بن أحمد بن يحيى، ثم ساق رواية زيد بن علي المتقدمة. وحينئذ فمعنى آخر
الخبر على ما فهمه الأصحاب إنما هو لا يبدو لهم أو يبدر يعني بأذان وإقامة. وهذا الخبر
وإن كان مجملا في الدلالة على هذا المعنى إلا أن حديث زيد المذكور صريح في ذلك.
وما ذكره المحدث الكاشاني في تأويله - حيث إنه اختار مذهب الصدوق من حمله على
الرخصة في خصوص الاثنين حيث إنه مورد الخبر - بعيد غاية البعد. والاحتياط لا يخفى.
(الثانية) - قد علق إعادة الأذان في خبري أبي بصير على تفرق الصف فإن
تفرقوا أذن وأقام، والتفرق يصدق بذهاب بعضهم وبقاء بعض، وحينئذ فيؤذن ويقيم
في هذه الصورة ولا يترك الأذان والإقامة إلا مع بقائهم جميعا الذي هو مصداق عدم
التفرق، وعلى هذا تلزم المنافاة لخبر أبي علي الدال على أنه مع انصراف بعضهم وبقاء
بعض فإنه لا يؤذن ولا يقيم، فالواجب حمل التفرق في الخبرين المذكورين على انصراف
الجميع وذهابهم كلهم جمعا بين الأخبار، فلو بقي بعضهم ولو واحدا كفى في سقوط الأذان وهو
اختيار شيخنا الشهيد الثاني. ويمكن جعل المناط في سقوط الأذان بقاءهم كملا أو بقاء
الأكثر وإن ذهب الأقل. إلا أن ظاهر خبر زيد النرسي مما يؤيد ظاهر الخبرين
المذكورين، فإن الظاهر أن معناه هو أنك إذا أدركت الجماعة وقد انصرف القوم أي فرغوا
من الصلاة ووجدت الإمام مكانه وأهل المسجد لم يتفرقوا يعني لم يخرجوا من المسجد بل
بقوا مشتغلين بالتعقيب والذكر فإنه يجزئك أذانهم وإقامتهم، وإذا وافيتهم وقد فرغوا
من صلاتهم وهم جلوس لغير التعقيب بل لأمور أخر فأقم بغير أذان، وإن وجدتهم قد
تفرقوا وخرج بعضهم من المسجد فأذن وأقم. وهو غريب لا قائل به في ما أعلم.
388

وقال الشيخ في المبسوط: إذا أذن في مسجد دفعة لصلاة بعينها كان ذلك كافيا
لمن يصلي تلك الصلاة في ذلك المسجد ويجوز له أن يؤذن في ما بينه وبين نفسه وإن لم
يفعل فلا شئ عليه. وظاهر كلامه يؤذن باستحباب الأذان سرا وأن السقوط عام يشمل
التفرق وعدمه وهو خلاف ظاهر الأخبار المتقدمة.
(الثالثة) - هل يكون الحكم هنا مقصورا على المسجد أو عام له ولغيره؟ وجهان
بل قولان اختار أولهما المحقق في المعتبر والنافع والشهيد الثاني واختاره في المدارك عملا بمدلول
الروايتين، قال: ويجوز أن تكون الحكمة في السقوط مراعاة جانب إمام المسجد الراتب
بترك ما يحث على الاجتماع ثانيا. وقال في الذكرى: الأقرب أنه لا فرق بين المسجد
وغيره وذكره في الرواية على الأغلب.
أقول: لا يخفى أن أكثر أخبار المسألة المتقدمة قد اشتملت على المسجد وما أطلق
منها فالظاهر حمله عليه لأن الأحكام الشرعية إنما تبنى على الغالب المتكرر ولا ريب أن
صلاة الجماعة إنما تكرر وتعاد في المساجد ووقوعها نادرا لعلة في بعض المواضع لا يقدح،
وحينئذ فإذا كان مورد النصوص المسجد فالخروج عن ذلك يحتاج إلى دليل. وبالجملة
فإنه يقتصر في ترك ما علم ثبوته واستحبابه بالأدلة القاطعة على الموضع المتيقن.
(الرابعة) - الظاهر شمول الحكم للجامع والمنفرد كما هو ظاهر كلام الأصحاب
ونقل عن ابن حمزة أنه خصه بالجماعة وهو ناشئ عن الغفلة عن مراجعة الأخبار التي
قدمناها فإنها صريحة في المنفرد.
(الخامسة) - هل يختص الحكم بالفريضة المؤداة أو يعم ما لو دخل الداخل
وأراد أن يصلي قضاء؟ اشكال ينشأ من أن اطلاق النصوص بصلاة الداخل شامل للأداء
والقضاء، ومن أن قرائن الحال من قصد المسجد والمسارعة إلى الدخول مع الإمام ونحو
ذلك أنما ينصرف إلى الأداء. ولم أقف على تصريح لأحد من الأصحاب بذلك.
(المسألة التاسعة) - الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في أنه لو أذن المنفرد
389

ثم أراد الصلاة جماعة فإنه يعيد أذانه وإقامته.
ويدل على ذلك ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) قال: " سئل عن الرجل يؤذن ويقيم ليصلي وحده فيجيئ رجل آخر
فيقول له نصلي جماعة هل يجوز أن يصليا بذلك الأذان والإقامة؟ قال لا ولكن يؤذن
ويقيم " ورواه الكليني مثله (2).
وطعن في المعتبر ومثله في المدارك في الرواية بضعف السند لأن رواتها فطحية لكن
قال في المعتبر مضمونها استحباب تكرار الأذان والإقامة وهو ذكر الله وذكر الله حسن،
ثم استقرب الاجتزاء بالأذان والإقامة وإن نوى الانفراد، وأيد ذلك بما رواه صالح بن
عقبة عن أبي مريم الأنصاري (3) قال: " صلى بنا أبو جعفر (عليه السلام) في قميص
بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة فلما انصرف قلت له عافاك الله صليت بنا في قميص
بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة؟ فقال إن قميصي كثيف فهو يجزئ أن لا يكون
علي إزار ولا رداء، وإني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم فلم أتكلم فأجزأني ذلك " قال
وإذا اجتزأ بأذان غيره مع الانفراد فبأذانه أولى. انتهى.
وقال الشهيد في الذكرى بعد ذكر الحكم المذكور والاستدلال بالرواية المذكورة
ما صورته: وبها أفتى الأصحاب ولا راد لها سوى الشيخ نجم الدين فإنه ضعف سندها
بأنهم فطحية وقرب الاجتزاء بالأذان والإقامة أولا لأنه قد ثبت جواز اجتزائه بأذان
غيره فبأذان نفسه أولى. قلت ضعف السند لا يضر مع الشهرة في العمل والتلقي بالقبول
والاجتزاء بأذان غيره لكونه صادف نية السامع للجماعة فكأنه أذن للجماعة بخلاف
الناوي بأذانه الانفراد.
قال في المدارك: بعد أن نقل ملخص هذا الكلام عن الذكرى: ويشكل بما

(1) الوسائل الباب 27 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 27 من الأذان والإقامة
(3) التهذيب ج 1 ص 216 وفي الوسائل الباب 30 من الأذان والإقامة
390

بيناه مرارا من أن مثل هذه الشهرة لا تقتضي تسويغ العمل بالخبر الضعيف، وأن
ظاهر الخبر ترتب الأجزاء على سماع الأذان من غير مدخلية لما عدا ذلك فيه، إلى أن قال
والمعتمد الاجتزاء بالأذان المتقدم كما اختاره في المعتبر وإن كانت الإعادة أولى. انتهى
أقول: لا يخفى ما في هذه المناقشة الواهية التي هي لبيت العنكبوت - وأنه لأوهن
البيوت - مضاهية.
والكلام في هذا المقام أما بالنسبة إلى صاحب المعتبر ففيه (أولا) أنه قد صرح
في صدر كتابه وجعله من المقدمات لمثل هذ الأحكام والأصول التي يجب البناء
عليها في كل مقام بما صورته: قد أفرط الحشوية في العمل بخبر الواحد حتى انقادوا إلى
كل خبر وما فطنوا إلى ما تحته من التناقض فإن من جملة الأخبار قول النبي (صلى الله
عليه وآله) (1) " ستكثر بعدي القالة على " وقول الصادق (عليه السلام) (2) " إن
لكل رجل منا رجلا يكذب عليه " واقتصر بعض عن هذا الافراط فقال كل سليم
السند يعمل به وما علم أن الكاذب قد يصدق وما تنبه أن ذلك طعن في علماء الشيعة
وقدح في المذهب إذ لا مصنف إلا وهو قد يعمل بخبر المجروح كما يعمل بخبر العدل،
وأفرط آخرون في رد الخبر حتى أحال استعماله عقلا ونقلا... إلى أن قال وكل هذه
الأقوال منحرفة عن السنن والتوسط أقرب، فما قبله الأصحاب أو دلت القرائن على صحته
عمل به وما أعرض الأصحاب عنه أو شذ وجب اطراحه، ثم استدل على ذلك بأدلة من
أحب الوقوف عليها فليرجع إلى الكتاب المذكور. فانظر أيدك الله تعالى إلى خروجه
في هذا المقام عما قدمه وجعله أساسا لجملة الأحكام فإن الخبر المذكور لا راد له من
الأصحاب قبله كما سمعته من كلام شيخنا الشهيد فكيف استجاز هذا التناقض في كتابه.
و (ثانيا) أنه قد اعتمد على الأخبار الموثقة في غير مقام من كتابه: منها - في
باب غسل النفاس فإنه قال بعد نقل موثقة لعمار المذكور هنا ما صورته: وهذه وإن كان

(1) البحار ج 1 ص 137 و 139
(2) البحار ج 1 ص 137 و 139
391

سندها فطحية لكنهم ثقات في النقل. وقال بعد نقل رواية عن السكوني: والسكوني
عامي لكنه ثقة. فانظر إلى هذا الاضطراب في كلامه
و (ثالثا) أنه من العجب طعنه في موثقة عمار واعتضاده برواية أبي مريم وهي في
الضعف إلى حد لا نهاية له - كما صرح به في المدارك - بصالح بن عقبة، قال فقد قيل إنه
كان كذابا غاليا لا يلتفت إليه. انتهى.
وأما بالنسبة إلى صاحب المدارك فهو أيضا كذلك وأعظم من ذلك لتصريحه في
غير موضع من كتابه بموافقة الأصحاب في مثل هذا الباب، واستشكاله بعد نقل كلام
الذكرى - بقوله إنه قد بين مرارا أن مثل هذه الشهرة لا تقتضي تسويغ العمل بالخبر
الضعيف - مردود بما قلناه حيث قال - في مسألة ما إذا أدرك الطهارة وركعة من الوقت
بعد ايراد بعض الأخبار الضعيفة دليلا على ذلك - ما صورته: وهذه الروايات وإن
ضعف سندها إلا أن عمل الطائفة عليها ولا معارض لها فينبغي العمل عليها. وقال
في مسألة غسل التوبة نقلا عن المحقق في المعتبر بعد ذكر رواية مرسلة باستحباب الغسل
والطعن فيها - ما صورته: والمعتمد فتوى الأصحاب منضما إلى أن الغسل خير... الخ.
وجمد عليه. وقال في مسألة غسل المولود بعد أن نقل رواية سماعة الدالة على أن غسل
المولود واجب: والمعتمد الاستحباب. مع أنه لا دليل عليه وراء الرواية إلا عمل الأصحاب
حيث إن المشهور الاستحباب. وقال في مسألة جواز غسل الجمعة يوم الخميس بعد نقل
بعض الروايات الضعيفة: ولولا ما اشتهر من التسامح في أدلة السنن لأمكن المناقشة في
هذا الحكم. مع أنه رد هذه الشهرة في صدر الكتاب فقال: وما قيل من أن أدلة السنن
يتسامح فيها بما لا يتسامح في غيرها فمنظور فيه لأن الاستحباب حكم شرعي فيتوقف على
الدليل الشرعي كسائر الأحكام. وقال - بعد نقل مرسلة ابن أبي عمير الواردة في ضبط
الكر بألف ومأتي رطل بعد ما نقل عن المعتبر أن على هذا عمل الأصحاب - ما صورته:
وظاهره اتفاق الأصحاب على العمل بمضمونها فيكون الاجماع جابرا لارسالها. انتهى.
392

وتستره في هذه العبارات في جبر الخبر الضعيف بالاجماع دون الشهرة وفرقه بين الأمرين
مما لا يسمن ولا يغني من جوع، فإنه لا مدعى للاجماع في هذه المواضع التي أشرنا إليها مما
اعتمدوا فيها على تلك الأخبار الضعيفة وإنما المدعى شهرة العمل بها وعدم وجود الراد لها
والمخالف فيها، فتسميته له - في بعض المواضع التي يضطر إلى العمل بها اجماعا ويجعله جابرا
لضعف الخبر وفي الموضع الذي لا يرتضيه شهرة ويمنع كونه جابرا لضعفه - ترجيح من
غير مرجح ناشئ مما ذكرناه في غير موضع مما تقدم من ضيق الخناق في هذا الاصطلاح
الذي هو إلى الفساد أقرب من الصلاح. على أن الاجماع عنده ليس بدليل شرعي كما
أشار إليه في صدر كتابه وذكر أنه صنف رسالة في رده وإن استسلقه تأييدا في بعض
المواضع فكيف جاز له الاعتماد عليه في جبر الخبر الضعيف؟
هذا. وأما ما ذكره في المعتبر - ومثله جمود السيد عليه في كتابه من تأييد ما ذكراه
برواية أبي مريم الأنصاري -
ففيه (أولا) أنه لا يخرج عن القياس لأن المدعى الاجتزاء بأذان الانسان نفسه
متى أذن بنية الانفراد ومورد الرواية الاجتزاء بأذان الغير، وكونه مفهوم أولوية لا يخرجه
عن القياس كما تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب.
و (ثانيا) ما ذكره شيخنا الشهيد (قدس سره) من الفرق. وما أجاب به في المدارك -
من أن الظاهر ترتب الاجزاء على سماع الأذان وعدم مدخلية لما عدا ذلك - مردود بأنه
لا ريب أن ظاهر سياق الخبر أن الباقر (عليه السلام) حين سماعه لأذان جعفر (عليه
السلام) وإقامته كان قاصدا إلى الجماعة لقوله في الاعتذار إلى المأمومين عن ترك الأذان
والإقامة " إني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم " يعني في حال خروجه قاصدا إلى المكان
الذي فيه الجماعة، فظاهر الخبر يدل على مدخلية قصد الجماعة كما ذكره شيخنا المذكور.
وأما قوله في المدارك: " والمعتمد الاجتزاء بالأذان المتقدم كما اختاره في المعتبر " فقد
ظهر لك بما ذكرناه أنه غير معتمد ولا معتبر، ونزيده بأنه متى ثبت استحباب الأذان.
393

للجماعة وتأكده فيها بالأخبار حتى قيل بوجوبه كما عرفت فسقوطه في موضع من المواضع
يحتاج إلى دليل واضح وبرهان لائح سيما مع ورود الموثقة المذكورة بتأييد عموم تلك
الأخبار. وأما رواية أبي مريم فهي مع ضعف سندها عنده كما صرح به لا دلالة فيها
على المدعى، فبأي دليل استجاز الخروج عن مقتضى الاستحباب والتأكيد في تلك
الأخبار؟ ما هذه إلا مجازفات ظاهرة ومناقشات قاصرة، ولله در الفاضل الخراساني في
الذخيرة في هذا المقام مع متابعته لصاحب المدارك في جل الأحكام حيث عدل عنه هنا
وصرح باختيار القول المشهور. والله العالم.
(المقام الثالث) - في كيفية الأذان والإقامة وفيه أيضا مسائل:
(الأولى) - لا خلاف بين الأصحاب أنه في غير الصبح لا يؤذن إلا بعد
دخول الوقت وأما في الصبح فالمشهور الرخصة في تقديمه قبل الصبح ثم إعادته بعد طلوع
الصبح، قال ابن أبي عقيل. الأذان عند آل الرسول (صلوات الله عليهم) للصلوات
الخمس بعد دخول وقتها إلا الصبح فإنه جائز أن يؤذن لها قبل دخول وقتها، بذلك
تواترت الأخبار عنهم (عليهم السلام) (1) وقالوا " كان لرسول الله (صلى الله عليه
وآله) مؤذنان أحدهما بلال والآخر ابن أم مكتوم وكان أعمى وكان يؤذن قبل الفجر
ويؤذن بلال إذا طلع الفجر وكان (صلى الله عليه وآله) يقول إذا سمعتم أذان بلال فكفوا
عن الطعام والشراب ".
ومنع ابن إدريس من تقديمه في الصبح أيضا وهو اختيار المرتضى في المسائل
الناصرية، ونقل عن ابن الجنيد وأبي الصلاح والجعفي، قال السيد (رضي الله عنه) في
الكتاب المذكور: قد اختلفت الرواية عندنا في هذه المسألة فروي أنه لا يجوز الأذان
لصلاة قبل دخول وقتها على كل حال، وروي أنه يجوز ذلك في صلاة الفجر خاصة (2)
وقال أبو حنيفة ومحمد والثوري لا يؤذن للفجر حتى يطلع الفجر، وقال مالك وأبو يوسف

(1) الوسائل الباب 8 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 8 من الأذان والإقامة
394

والأوزاعي والشافعي يؤذن للفجر قبل طلوع الفجر (1) والدليل على صحة مذهبنا أن
الأذان دعاء إلى الصلاة وعلم على حضورها فلا يجوز قبل وقتها لأنه وضع للشئ في غير
موضعه، وأيضا ما روي (2) " أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر فأمره النبي (صلى الله عليه
وآله) أن يعيد الأذان " وروى عياض بن عامر عن بلال (3) " أن رسول الله (صلى
الله عليه وآله) قال له لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا " ومد يديه عرضا.
قال في المختلف بعد نقله: والجواب المنع من حصر فائدة الأذان في اعلام وقت
الصلاة بل قد ذكرنا له فوائد قبل طلوع الفجر، قال المفيد (قدس سره) الأذان الأول لتنبيه
النائم وتأهبه لصلاته بالطهور ونظر الجنب في طهارته ثم يعاد بعد الفجر ولا يقتصر على
ما تقدم، إذا ذاك لسبب غير الدخول في الصلاة وهذا للدخول فيها. وعن الحديث الثاني
بأنا نقول بموجبه إذ يستحب للمؤذن إعادة أذانه بعد الفجر. وعن الثالث بأنه (صلى الله
عليه وآله) أمره بذلك لأن ابن أم مكتوم كان يؤذن قبل الفجر فجعل أذان بلال
علامة على طلوعه. انتهى.
أقول: ومما يدل على القوم المشهور زيادة على ما ذكره ابن أبي عقيل ما رواه
الشيخان في الكافي والتهذيب في الصحيح عن عمران بن علي (4) قال: " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الأذان قبل الفجر فقال إذا كان في جماعة فلا وإذا كان وحده
فلا بأس ".
وروى الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5)
قال: " قلت له إن لنا مؤذنا يؤذن بليل؟ فقال أما إن ذلك ينفع الجيران لقيامهم إلى الصلاة
وأما السنة فإنه ينادى مع طلوع الفجر ولا يكون بين الأذان والإقامة إلا الركعتان ".

(1) عمدة القارئ ج 2 ص 650
(2) سنن البيهقي ج 1 ص 383
(3) سنن أبي داود 1 ص 211 والراوي فيه شداد مولى عياض
(4) الوسائل الباب 8 من الأذان والإقامة
(5) الوسائل الباب 8 من الأذان والإقامة
395

وعن ابن سنان (1) قال (سألته عن النداء قبل طلوع الفجر؟ فقال لا بأس وأما
السنة فمع الفجر وإن ذلك لينفع الجيران يعني قبل الفجر).
وروى الصدوق عن معاوية بن وهب في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) في حديث قال: (لا تنتظر بأذانك وإقامتك إلا دخول وقت الصلاة
واحدر إقامتك حدرا. قال وكان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) مؤذنان أحدهما
بلال والآخر ابن أم مكتوم وكان ابن أم مكتوم أعمى وكان يؤذن قبل الصبح وكان
بلال يؤذن بعد الصبح فقال النبي (صلى الله عليه وآله) إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل
فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان بلال. فغيرت العامة هذا الحديث
عن جهته وقالوا إنه (صلى الله عليه وآله) قال إن بلالا يؤذن بليل فإذا سمعتم أذانه
فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم).
أقول: قد نقل صاحب الوسائل الحديث المذكور كما نقلناه وظاهره حمل قوله:
(فغيرت العامة هذا الحديث... الخ) على أنه من قول الإمام (عليه السلام) والأقرب
أنه من كلام الصدوق كما هي عادته في إدخال كلامه في الأخبار على وجه يحصل به
الالتباس كما في هذا الموضع، وهو ظاهر شيخنا الشهيد في الذكرى فإنه نسب هذه
الزيادة إلى الصدوق.
وروى ثقة الاسلام في الصحيح وبسند آخر في الصحيح أو الحسن عن الحلبي
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: (كان بلال يؤذن للنبي (صلى الله عليه وآله)
وابن أم مكتوم - وكان أعمى - يؤذن بليل ويؤذن بلال حين يطلع الفجر).
وعن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: (كان بلال يؤذن للنبي (صلى الله عليه وآله)
وابن أم مكتوم - وكان أعمى - يؤذن بليل ويؤذن بلال حين يطلع الفجر).
وعن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) (أن رسول الله (صلى الله عليه
وآله) قال هذا ابن أم مكتوم وهو يؤذن بليل فإذا أذن بلال فعند ذلك فامسك).
أقول: وإلى هذه الأخبار أشار ابن أبي عقيل بتواتر الأخبار وهي - كما ترى -

(1) الوسائل الباب 8 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 8 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 8 من الأذان والإقامة
(4) الوسائل الباب 8 من الأذان والإقامة
396

واضحة الدلالة في المدعى إلا أن من شأن السيد وابن إدريس الاعتماد على الأدلة العقلية
بزعمهما وعدم مراجعة الأدلة السمعية كما لا يخفى على المتتبع لكلامهما العارف بقواعدهما،
ولا سيما المرتضى (رضي الله عنه) كما تصفحت جملة من كتبه فإنه في مقام الاستدلال
على الأحكام التي يذكرها إنما يورد أدلة عقلية ولا يلم بالأخبار بالكلية.
إلا هنا جملة من الروايات الدالة على مذهب المرتضى (رضي الله عنه) ومن
تبعه نقلها شيخنا المجلسي في كتاب البحار (1) من كتاب زيد النرسي:
منها - عن أبي الحسن (عليه السلام) " أنه سمع الأذان قبل طلوع الفجر فقال
شيطان ثم سمعه عند طلوع الفجر فقال الأذان حقا ".
ومنها - عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: " سألته عن الأذان قبل طلوع
الفجر فقال لا إنما الأذان عند طلوع الفجر أول ما يطلع. قلت فإن كان يريد أن يؤذن
الناس بالصلاة وينبههم؟ قال فلا يؤذن ولكن ليقل وينادي ب‍ " الصلاة خير من النوم
الصلاة خير من النوم " يقولها مرارا وإذا طلع الفجر فلم يكن بينه وبين أن يقيم إلا جلسة
خفيفة بقدر الشهادتين واخف من ذلك ".
ومنها - أيضا عن أبي الحسن (عليه السلام) قال " الصلاة خير من النوم بدعة
بني أمية وليس ذلك من أصل الأذان ولا بأس إذا أراد الرجل أن ينبه الناس للصلاة
أن ينادي بذلك ولا يجعله من أصل الأذان فأنا لا نراه أذانا ".
أقول: وكان الأولى بمن ذهب إلى القول المذكور الاستناد إلى هذه الأخبار إلا أن صحة الكتاب المذكور والاعتماد عليه محل اشكال. وكيف كان فالظاهر أن هذه الأخبار لا تبلغ قوة المعارضة لما قدمناه من الأخبار المعتضدة بعمل أكثر الأصحاب
وروايتها في الأصول المعتمدة، ولا يبعد خروج هذه الأخبار مخرج التقية فإنه مذهب
أبي حنيفة وأتباعه كما تقدم ذكره (2).

(1) ج 18 الصلاة ص 179
(2) ص 394
397

فروع
قال في الذكرى: لا حد لهذا التقديم عندنا بل ما قارب الفجر، وتقديره بسدس
الليل أو نصفه تحكم وروي (1) " أنه كان بين أذاني بلال وابن أم مكتوم نزول هذا
وصعود هذا " وينبغي أن يجعل ضابطا في التقديم ليعتمد عليه الناس. ولا فرق بين
رمضان وغيره في التقديم. ولا يشترط في التقديم مؤذنان فلو كان واحدا جاز له تقديمه
نعم يستحب له إعادته بعده ليعلم بالأول قرب الوقت وبالثاني دخولا لئلا يتوهم
طلوع الفجر بالأول.
(المسألة الثانية) - قد اختلفت الأخبار وكذا كلمة الأصحاب في عدد فصول
الأذان والإقامة، والمشهور أن فصول الأذان ثمانية عشر فصلا: التكبير أولا أربعا ثم
الشهادة بالتوحيد ثم الشهادة بالرسالة ثم (حي على الصلاة) ثم (حي على الفلاح) ثم (حي
على خير العمل) ثم التكبير ثم التهليل مرتين في كل منهما. وأما الإقامة فهي سبعة عشر
باسقاط تكبيرتين من الأربع التي في الأذان وزيادة عوضهما (قد قامت الصلاة) مرتين قبل
التكبير الأخير والاقتصار في التهليل على مرة في الآخر. قال في المعتبر: وفصوله على أشهر
الروايات خمسة وثلاثون فصلا: الأذان ثمانية عشر والإقامة سبعة عشر، وهو مذهب
السبعة من وليهم. وقال في المنتهى ذهب إليه علماؤنا ونقل ابن زهرة اجماع الفرقة
عليه. وحكى الشيخ في الخلاف عن بعض الأصحاب أنه جعل فصول الإقامة مثل فصول
الأذان وزاد فيها (قد قامت الصلاة) مرتين. وقال ابن الجنيد التهليل في آخر الإقامة
مرة واحدة إذا كان المقيم قد أتى بها بعد الأذان فإن كان قد أتى بها بغير أذان ثنى
(لا إله إلا الله) في آخرها. وقال الشيخ في النهاية بعد ما ذكر الأذان والإقامة كما
هو المشهور: هذا الذي ذكرناه هو المختار المعمول عليه، وقد روى سبعة وثلاثون فصلا

(1) سنن البيهقي ج 1 ص 382
398

في بعض الروايات وفي بعضها ثمانية وثلاثون فصلا وفي بعضها اثنان وأربعون فصلا،
فأما من روى سبعة وثلاثين فصلا فإنه يقول في أول الإقامة أربع مرات (الله أكبر)
ويقول في الباقي كما قدمناه، ومن روى ثمانية وثلاثين فصلا يضيف إلى ما قدمناه قول
(لا إله إلا الله) مرة أخرى في آخر الإقامة، ومن روى اثنين وأربعين فصلا فإنه يجعل في
آخر الأذان التكبير أربع مرات وفي أول الإقامة أربع مرات وفي آخرها أيضا مثل
ذلك أربع مرات ويقول (لا إله إلا الله) مرتين في آخر الإقامة. فإن عمل عامل على
إحدى هذه الروايات لم يكن مأثوما. انتهى. وظاهره التخيير في جميع ما ورد والجمع
بين الأخبار بذلك.
وأما الأخبار الواردة في المسألة فمنها - ما رواه ثقة الاسلام عن إسماعيل الجعفي (1)
قال: " سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفا
فعد ذلك بيده واحدا واحدا: الأذان ثمانية عشر حرفا والإقامة سبعة عشر حرفا " وهذه
الرواية إنما تنطبق على القول المشهور في عدد الفصول في كل منهما إلا أنها مجملة في بيان
الفصول وعدم معلومية النقص والزيادة.
ويؤيدها بالنسبة إلى عدد فصول الأذان وبيان الاجمال الذي فيه جملة من الروايات
الآتية المشتملة على هذا العدد في فصول معينة وهي التكبير أربعا والشهادة بالتوحيد
والرسالة... إلى آخر الفصول المذكورة فيها مرتين مرتين في الجميع. ولكن ينافيها بعض
الأخبار الآتية الدالة على تثنية التكبير في الأول.
وأما بالنسبة إلى الإقامة فأكثر الأخبار قد دل على التثنية في الفصول المتوسطة
وإنما الاشكال في التكبير في أولها والتهليل في آخرها فإن الأخبار قد اضطربت فيه،
وحينئذ فمتى دل الخبر المذكور على أنها سبعة عشر فصلا مع ما عرفت من تثنية الفصول
المتوسطة وعدم الاشكال فيها فهذا العدد لا يتم إلا بجعل التكبير مرتين في أولها والتهليل

(1) الوسائل الباب 19 من الأذان والإقامة
399

مرة واحدة في آخرها وإلا فلو جعل التكبير أربعا كما تدل عليه الأخبار الآتية زاد العدد
على السبعة عشر سيما إذا ثنى التهليل في آخرها فإنها تصير عشرين فصلا.
وبالجملة فإنك متى لاحظت هذا العدد وضممت إليه دلالة الأخبار على تثنية
الفصول المتوسطة وإنما الخلاف في الطرفين وأن هذا العدد لا يتجه ولا يحصل إلا بتثنية
التكبير في الأول ووحدة التهليل في الآخر - ظهر لك صحة ما ذكرناه. ويعضد ذلك
شهرة العمل بها بين الأصحاب حتى ادع عليه الاجماع كما عرفت. والشهرة وإن لم
تكن عندنا دليلا شرعيا لكنها مؤيدة.
ويؤيد ذلك أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاذ بن كثير عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: " إذا دخل الرجل المسجد وهو لا يأتم بصاحبه وقد بقي على الإمام
آية أو آيتان فخشى إن هو أذن وأقام أن يركع فليقل قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله
أكبر الله أكبر لا إله إلا الله " فإنها ظاهرة في تخصيص النقص في تلك الرواية من بين
سائر فصول الإقامة بالتهليل، إذ الظاهر من هذه الرواية هو الاكتفاء عن الإقامة - عند
ضيق الوقت عن الاتيان بها كملا. حيث قد عرفت سابقا أن الظاهر من الأخبار عدم
جواز الاخلال بها في الصلاة بهذه الفصول الثلاثة الأخيرة منها.
ويؤيده أيضا ما في كتاب فقه الرضا (عليه السلام) (2) من وحدة التهليل في
آخر الإقامة وإن كان قد جعل التكبير في أولها أربعا فجعل فصولها تسعة عشر.
وما في كتاب دعائم الاسلام عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " الأذان
والإقامة مثنى مثنى وتفرد الشهادة في آخر الإقامة تقول (لا إله إلا الله) مرة واحدة "
وهذه الرواية منطبقة على المشهور بالنسبة إلى الإقامة. والكتاب المذكور وإن كانت أخباره
تقصر عن اثبات الأحكام الشرعية لعدم شهرة الاعتماد عليه لكنها لا تقصر عن التأييد.

(1) الوسائل الباب 34 من الأذان والإقامة
(2) البحار ج 18 الصلاة ص 172
(3) مستدرك الوسائل الباب 18 من الأذان والإقامة
400

ومنها - ما رواه ثقة الاسلام والشيخ في الصحيح عن صفوان الجمال (1) قال:
" سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول الأذان مثنى مثنى والإقامة مثنى مثنى ".
وما رواه في الكافي عن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال:
" قال يا زرارة تفتتح الأذان؟ بأربع تكبيرات وتختمه بتكبيرتين وبتهليلتين " وهذه
الرواية موافقة للمشهور في الأذان.
وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (3) قال: " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الأذان قال تقول محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه
وآله) حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح حي على خير العمل
حي على خير العمل الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله لا إله إلا الله ".
وهذه الرواية مخالفة للقول المشهور من حيث نقص التكبيرتين من أول الأذان،
وحملها الشيخ على أنه قصد افهام السائل كيفية التلفظ بالتكبير وكان معلوما أن التكبير
في أول الأذان أربع مرات. وحمله غيره على الاجزاء وبقية الأحاديث على الأفضلية،
قيل ولذلك استقر عليه عمل الشيعة.
وما رواه عن المعلي بن خنيس (4) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يؤذن
فقال الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا لله أشهد أن لا إله إلا
الله... " وذكر ما في حديث عبد الله بن سنان المذكور. أقول: وهو منطبق على المشهور
بالنسبة إلى الأذان.
وما رواه الشيخ في التهذيب عن زرارة والفضيل بن يسار عن أبي جعفر (عليه
السلام) (5) قال: " لما أسرى برسول الله (صلى الله عليه وآله) فبلغ البيت المعمور
حضرت الصلاة فأذن جبرئيل (عليه السلام) وأقام فتقدم رسول الله (صلى الله عليه

(1) الوسائل الباب 19 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 19 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 19 من الأذان والإقامة
(4) الوسائل الباب 19 من الأذان والإقامة
(5) الوسائل الباب 19 من الأذان والإقامة
401

وآله) وصف الملائكة والنبيون خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال فقلنا له
كيف أذن؟ فقال الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله... "
ثم ساق الأذان كما في الحديثين المتقدمين. ثم قال " والإقامة مثلها إلا أن فيه (قد قامت
الصلاة قد قامت الصلاة) بين (حي على خير العمل حي على خير العمل) وبين (الله
أكبر) فأمر بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بلالا فلم يزل يؤذن بها حتى قبض
الله رسوله صلى الله عليه وآله " أقول: هذا الخبر مخالف للقول المشهور في الأذان
بنقصان تكبيرتين من أوله وفي الإقامة بزيادة تهليل في آخرها.
وما رواه الصدوق بإسناده عن أبي بكر الحضرمي وكليب الأسدي جميعا - ورواه
الشيخ عنهما أيضا - عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) " أنه حكى لهما الأذان قال
الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله
أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) حي على
الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح حي على خير العمل حي على خير
العمل الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله لا إله إلا الله، والإقامة كذلك ".
أقول: وهذا الخبر موافق للمشهور في الأذان ومخالف له في الإقامة من جهات
ثلاث: (إحداها) زيادة تكبيرتين في الأول (الثانية) ترك (قد قامت الصلاة) بالكلية
(الثالثة) زيادة تهليل في الآخر، فهو أشد الأخبار مخالفة فيها.
وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال والأظهر عندي أن منشأ هذا الاختلاف
إنما هو التقية لا بمعنى قول العامة بذلك بل التقية بالمعنى الذي قدمناه في المقدمة الأولى
من مقدمات الكتاب، ولكن الأمر مجهول في تعيينه في أي منها والأظهر هو الجواز
بكل ما وردت به الروايات لإذنهم (عليهم السلام) وتوسيعهم في العمل الرد إلى العام
من آل محمد (صلى الله عليه وآله) وإن كان المشهور لا يخلو من قوة لما ذكرناه

(1) الوسائل الباب 19 من الأذان والقامة
402

في صدر الكلام. والله العالم.
وفي المقام فوائد: (الأولى) قال شيخنا الصدوق في الفقيه بعد نقل خبر أبي بكر
الحضرمي وكليب الأسدي: قال مصنف هذا الكتاب هذا هو الأذان الصحيح لا يزاد
فيه ولا ينقص منه والمفوضة (لعنهم الله) قد وضعوا أخبارا وزادوا في الأذان " محمد
وآل محمد خير البرية " مرتين وفي بعض رواياتهم بعد " أشهد أن محمدا رسول الله " " أشهد
أن عليا ولي الله " مرتين ومنهم من روى بدل ذلك " أشهد أن عليا أمير المؤمنين حقا "
مرتين، ولا شك في أن عليا ولي الله وأنه أمير المؤمنين حقا وأن محمدا وآل محمد (صلوات
الله عليهم) خير البرية ولكن ليس ذلك في أصل الأذان. وإنما ذكرت ذلك ليعرف
بهذه الزيادة المتهمون بالتفويض المدلسون أنفسهم في جملتنا. انتهى.
أقول: ظاهر قوله " هذا هو الأذان الصحيح " من غير إشارة إلى الإقامة مع
تضمن الخبر لها يومئ إلى أن مذهبه في الإقامة ليس كما دل عيه الخبر، فقول شيخنا
في البحار - بعد أن نقل عنه في الهداية أنه صرح بتثنية التهليل في آخر الإقامة، إلى أن قال بعد نقل كلام الصدوق المذكور: وظاهره العمل بهذا الخبر في الإقامة أيضا -
لا يخفى ما فيه فإنه - كما ترى - إنما حكم بصحة الأذان ولم يتعرض لذكر الإقامة في هذا
الكلام، وهذا مما يومئ إلى توقفه في الإقامة وأنها ليست كذلك لا إلى أن مذهبه أن
الإقامة كذلك.
ثم إن ما ذكره (قدس سره) من قوله: " والمفوضة لعنهم الله... الخ " ففيه
ما ذكره شيخنا في البحار حيث قال - ونعم ما قال - أقول لا يبعد كون الشهادة
بالولاية من الأجزاء المستحبة للأذان لشهادة الشيخ والعلامة والشهيد وغيرهم بورود الأخبار
بها، قال الشيخ في المبسوط: وأما قول " أشهد أن عليا أمير المؤمنين وآل محمد خير
البرية) على ما ورد في شواذ الأخبار فليس بمعمول عليه في الأذان ولو فعله الانسان
لم يأثم به غير أنه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله. وقال في النهاية: فأما ما روي
403

في شواذ الأخبار من قول " أن ولي الله وأن محمدا وآله خير البشر " فمما لا يعمل
عليه في الأذان والإقامة فمن عمل به كان مخطئا. وقال في المنتهى: وأما ما روي في
الشاذ من قول " أن عليا ولي الله ومحمد وآل محمد خير البرية " فمما لا يعول عليه. ويؤيده
ما رواه الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن القاسم بن معاوية (1)
قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) هؤلاء يروون حديثا في معراجهم أنه لما
أسرى برسول الله (صلى الله عليه وآله) رأى على العرش (لا إله إلا الله محمد رسول الله
صلى الله عليه وآله أبو بكر الصديق) فقال سبحان الله غيروا كل شئ حتى هذا؟
قلت نعم. قال إن الله عز وجل لما خلق العرش كتب عليه (لا إله إلا الله محمد رسول الله
صلى الله عليه وآله علي أمير المؤمنين عليه السلام) ثم ذكر (عليه السلام) كتابة ذلك على الماء
والكرسي واللوح وجبهة إسرافيل وجناحي جبرئيل وأكناف السماوات والأرضين
ورؤوس الجبال والشمس والقمر، ثم قال (عليه السلام) فإذا قال أحدكم لا إله إلا الله
محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فليقل علي أمير المؤمنين " فيدل على استحباب
ذلك عموما والأذان من تلك المواضع، وقد مر أمثال ذلك في أبواب مناقبه (عليه
السلام) ولو قاله المؤذن أو المقيم لا بقصد الجزئية بل بقصد البركة لم يكن آثما فإن القوم
جوزوا الكلام في أثنائهما مطلقا وهذا من أشرف الأدعية والأذكار. انتهى. وهو جيد
أقول: أراد بالمفوضة هنا القائلين بأن الله عز وجل فوض خلق الدنيا إلى محمد
(صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) والمشهور بهذا الاسم إنما هم المعتزلة القائلون
بأن الله عز وجل فوض إلى العباد ما يأتون به من خير وشر.
(الثانية) - قد صرح جملة من الأصحاب بأن الأذان والإقامة يقصران
مع العذر وفي السفر، وقال ابن الجنيد إذا أفرد الإقامة من الأذان ثنى (لا إله إلا الله)
في آخرها وإن أتى بها معه فواحدة، وقال لا بأس للمسافر أن يفرد كلمات الإقامة مرة مرة

(1) البحار ج 18 الصلاة ص 162
404

إلا التكبير في أولها فإنه مرتان.
أقول: روى الشيخ في الصحيح عن أبي عبيدة الحذاء (1) قال: " رأيت
أبا جعفر (عليه السلام) يكبر واحدة واحدة في الأذان فقلت له لم تكبر واحدة
واحدة؟ فقال لا بأس به إذا كنت مستعجلا ".
وعن بريد بن معاوية عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال: " الأذان يقصر
في السفر كما تقصر الصلاة الأذان واحدا واحدا والإقامة واحدة واحدة ".
وعن نعمان الرازي (3) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول يجزئك
من الإقامة طاق طاق في السفر ".
وعن بريد مولى الحكم عن من حدثه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال:
" سمعته يقول لأن أقيم مثنى مثنى أحب إلى من أن أؤذن وأقيم واحدا واحدا "
أقول: يعني الاكتفاء بالإقامة على وجهها عن الأذان أحب إليه من الاتيان بهما على
جهة التقصير.
وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال:
" الإقامة مرة مرة إلا قول (الله أكبر الله أكبر) فإنه مرتان " وهذا الخبر ظاهر
في ما تقدم نقله عن ابن الجنيد لكنه خص التكبير بالأول وظاهر الخبر الاطلاق
فيشمل الأول والأخير.
(الثالثة) - الظاهر أنه لا خلاف ولا اشكال في اشتراط الترتيب بين الأذان
والإقامة وبين فصول كل منهما لأنها عبادة شرعية مبنية على التوقيف فالواجب الاتيان
بها على الوجه الذي ورد به الأمر وبدونه لا يكون مجزئا.
ويدل على ذلك مضافا إلى ما ذكرنا ما رواه ثقة الاسلام عن زرارة في الصحيح

(1) الوسائل الباب 21 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 21 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 21 من الأذان والإقامة
(4) الوسائل الباب 20 من الأذان والإقامة
(5) الوسائل الباب 21 من الأذان والإقامة
405

عن أبي عبد الله (عليه السلام قال) (1): " من سها في الأذان فقدم أو أخر أعاد على
الأول الذي أخره حتى يمضي على آخره " ورواه الشيخ عن زرارة في الصحيح مثله (2)
وعن عمار الساباطي في الموثق (3) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
أو سمعته يقول إن نسي الرجل حرفا من الأذان حتى يأخذ في الإقامة فليمض في الإقامة
فليس عليه شئ فإن نسي حرفا من الإقامة عاد إلى الحرف الذي نسيه ثم يقول من ذلك
الموضع إلى آخر الإقامة... الحديث ".
وروى الصدوق (نور الله مرقده) في الفقيه مرسلا (4) قال: " قال أبو جعفر
(عليه السلام) تابع بين الوضوء... إلى أن قال وكذلك في الأذان والإقامة فابدأ بالأول
فالأول، فإن قلت " حي على الصلاة " قبل الشهادتين تشهدت ثم قلت حي على الصلاة ".
وعن عمار الساباطي في الموثق (5) " أنه سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن
رجل نسي من الأذان حرفا فذكره حين فرغ من الأذان والإقامة؟ قال يرجع إلى الحرف
الذي نسيه فليقله وليقل من ذلك الحرف إلى آخره ولا يعيد الأذان كله ولا الإقامة ".
وروى عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن
جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) (6) قال: " سألته عن الرجل
يخطئ في أذانه وإقامته قبل أن يقوم في الصلاة ما حاله؟ قال إن كان أخطأ في أذانه
مضى على صلاته وإن كان في إقامته انصرف وأعادها وحدها وإن ذكر بعد الفراغ من
ركعة أو ركعتين مضى على صلاته وأجزأه ذلك ".
أقول: ما اشتمل عليه موثق عمار الأول - من أنه متى نسي حرفا من الأذان حتى أخذ
في الإقامة فإنه يمضي في الإقامة - محمول على الرخصة بخلاف الإقامة فإنه لا رخصة في المضي ما لم
يدخل في الصلاة بل يرجع ويرتب وهو من قبيل ما تقدم من الفروق بين الأذان والإقامة،
ويؤكده خبر الحميري المذكور هنا. وأما ما اشتمل عليه موثق عمار الثاني من الرجوع

(1) الوسائل الباب 33 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 33 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 33 من الأذان والإقامة
(4) الوسائل الباب 33 من الأذان والإقامة
(5) الوسائل الباب 33 من الأذان والإقامة
(6) الوسائل الباب 33 من الأذان والإقامة
406

إلى الحرف الذي نسيه ثم يرتب عليه ما بعده فإنه مبني على ما هو الأصل في الحكم
المذكور فلا منافاة. ومعنى اشتراط الترتيب بينهما وفيهما عدم اعتبارهما بدونه فلا يعتد
بهما في الجماعة ويأثم لو اعتقدهما أذانا وإقامة وغير ذلك مما يترتب على صحتهما. وقد
علم من الروايات المذكورة أنه لا فرق في عدم الاعتداد بغير المرتب بين كون فعله عمدا
أو سهوا لأن الترتيب شرط والمشروط عدم عنه عدم شرطه كالطهارة إلا ما خرج
بدليل. والله العالم.
(الرابعة) - يجوز الاقتصار على الإقامة بغير أذان جماعة وفرادى لعذر كان
أو غيره كما تكاثرت به الأخبار:
ومنها - ما رواه الصدوق عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن الصادق (عليه
السلام) (1) في الصحيح قال: " يجزئ في السفر إقامة بغير أذان ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن الرجل هل يجزئه في السفر والحضر إقامة ليس معها أذان؟ قال نعم لا بأس به "
وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال:
" يجزئك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان ".
وعن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام) (4) " أنه كان
إذا صلى وحده في البيت أقام إقامة ولم يؤذن ".
وعن محمد بن مسلم والفضيل بن يسار عن أحدهما (عليهما السلام) (5) قال:
" يجزئك إقامة في السفر ".
وعن الحسن بن زياد (6) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا كان القوم
لا ينتظرون أحدا اكتفوا بإقامة واحدة ".
وروى في كتاب قرب الإسناد عن علي بن رئاب في الصحيح (7) قال: " سألت

(1) الوسائل الباب 5 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 5 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 5 من الأذان والإقامة
(4) الوسائل الباب 5 من الأذان والإقامة
(5) الوسائل الباب 5 من الأذان والإقامة
(6) الوسائل الباب 5 من الأذان والإقامة
(7) الوسائل الباب 5 من الأذان والإقامة
407

أبا عبد الله (عليه السلام) قلت تحضر الصلاة ونحن مجتمعون في مكان واحد أتجزئنا
إقامة بغير أذان؟ قال نعم ".
أقول: والأصل في هذه الأخبار أن الأذان لما كان مستحبا وليس بواجب كما
هو الأشهر حسبما تقدم تحقيقه بخلاف الإقامة لما تقدم أيضا وردت الرخصة في
تركه دونها لعذر كان أولا لعذر بخلافها فإنه لا بد من الاتيان بها ولم يرد الترخيص فيها
في خبر من هذه الأخبار ولا غيرها وهو دليل ما قيل فيها من الوجوب كما لا يخفى
على المتأمل المصنف.
(المسألة الثالثة) - قد تقدم في المقام الأول جملة من المستحبات في الأذان
والإقامة في شروط المؤذن وبقي جملة من ذلك مما يتعلق بالأذان والإقامة كراهة واستحبابا:
فمنها - أنه يستحب الوقوف على أواخر الفصول في الأذان والإقامة اجماعا كما
ادعاه جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم).
ويدل عليه ما رواه ثقة الاسلام في الصحيح أو الحسن عن زرارة (1) قال:
" قال أبو جعفر (عليه السلام) إذا أذنت فافصح بالألف والهاء... الحديث ".
وعن زرارة (2) قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام) الأذان جزم بافصاح
الألف والهاء والإقامة حدر " ورواه الشيخ مثله (3).
وروى الصدوق عن خالد بن نجيح عن الصادق (عليه السلام) (4) أنه قال:
" التكبير جزم في الأذان مع الافصاح بالهاء والألف ".
وعن خالد بن نجيح عنه (عليه السلام) (5) أنه قال: " الأذان والإقامة
مجزومان " قال الصدوق وفي خبر آخر (6) " موقوفان ".
أقول: قد اشتملت هذه الأخبار على الأمر بالافصاح بالألف والهاء ومثلها أيضا
صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (7) قال: " لا يجزئك من الأذان إلا

(1) الوسائل الباب 15 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 15 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 15 من الأذان والإقامة
(4) الوسائل الباب 15 من الأذان والإقامة
(5) الوسائل الباب 15 من الأذان والإقامة
(6) الوسائل الباب 15 من الأذان والإقامة
(7) الوسائل الباب 15 من الأذان والإقامة
408

ما أسمعت نفسك وأفهمته (1) وأفصح بالألف والهاء... الحديث " وقد تقدم في صدر المقام الأول.
قال شيخنا في الذكرى: قلت الظاهر أنه ألف " الله " الأخيرة غير
المكتوبة وهاؤه في آخر الشهادتين، وعن النبي (صلى الله عليه وآله) (2) " لا يؤذن لكم
من يدغم الهاء " وكذا الألف والهاء في الصلاة من " حي على الصلاة ".
وقال في المنتهى: يكره أن يكون المؤذن لحانا ويستحب له أن يظهر الهاء في لفظتي
" الله " و " الصلاة " والحاء من " الفلاح " لما روى عن النبي (صلى الله عليه وآله)
أنه قال: " لا يؤذن لكم من يدغم الهاء. قلنا وكيف يقول؟ قال يقول أشهد أن لا إله
إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله ".
وقال ابن إدريس: ينبغي أن يفصح فيهما بالحروف وبالهاء في الشهادتين، والمراد
بالهاء هاء " إله " لا هاء " أشهد " ولا هاء " الله " لأن الهاء في " أشهد " مبنية يفصح
بها لا لبس فيها، وهاء " الله " موقوفة مبنية لا لبس فيها، وإنما المراد هاء " إله " فإن بعض
الناس ربما أدغم الهاء في لا إله إلا الله. انتهى.
وقال الشيخ البهائي (قدس سره) بعد نقل ملخص ذلك عن ابن إدريس:
هذا كلامه وكأنه فهم من الافصاح بالهاء إظهار حركتها لا إظهارها نفسها.
واعترضه شيخنا المجلسي (قدس سره) فقال إنه لا وجه لكلامه أصلا إذ كونها
مبنية لا يستلزم عدم اللحن فيها وكثير من المؤذنين يقولون " أشد " وكثير منهم
لا يظهرون الهمزات في أول الكلمات ولا الهاءات في أواخرها فالأولى حمله على تبيين
كل ألف وهمزة وهاء فيهما. انتهى.
أقول: الظاهر ضعف هذه المؤاخذة من شيخنا المجلسي على شيخنا البهائي (عطر الله

(1) كذا في الحبل المتين ص 200 وفي كتب الحديث " أو فهمته ".
(2) المغني ج 1 ص 430
409

مرقديهما) فإن ما اعترض به عليه وارد أيضا على ابن إدريس فلا وجه لتخصيصه بهذه المؤاخذة
وكلام شيخنا المذكور مبني على فهمه من كلام ابن إدريس وتخصيصه الافصاح بهذا الموضع
دون الموضعين المنفيين في كلامه أن الجميع مشترك في البيان والافصاح بكل من الحروف
المذكورة فلا وجه لافراده هذا الموضع إلا باعتبار الافصاح بالحركة.
وقال شيخنا الشهيد الثاني في الروض: ولو فرض ترك الوقف أصلا سكن أواخر
الفصول أيضا وإن كان ذلك في أثناء الكلام ترجيحا لفضيلة ترك الاعراب على المشهور
من حال الدرج، ولو أعرب أواخر الفصول ترك الأفضل ولم تبطل الإقامة لأن ذلك
لا يعد لحنا وإنما هو ترك وظيفة وكذا القول في الأذان. أما اللحن ففي بطلانهما به
وجهان وقد اختلف كلام المنصف فيه فحرمه في بعض كتبه وأبطلهما به والمشهور العدم.
نعم لو أخل بالمعنى كما لو نصب لفظ " رسول الله " أو مد لفظة " أكبر " بحيث صار
على صيغة " اكبار " " جمع " كبر " وهو الطبل له وجه واحد اتجه البطلان. ولو أسقط الهاء
من اسمه تعالى أو من الصلاة أو الحاء من الفلاح لم يعتد به لنقصان حروف الأذان فلا
يقوم بعضه مقامه ولما روى عن النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم أورد الحديث المتقدم
في كلام المنتهى.
ومنها - أن يتأنى في الأذان ويحدر في الإقامة بمعنى أنه لما كان الأفضل كما تقدم
هو الوقوف على أواخر الفصول فالأفضل أن يجعل الوقوف على آخر الفصول في الإقامة
أقصر منه على آخر فصول الأذان وهو المراد من الحدر هنا، فإنه وإن كان لغة بمعنى
الاسراع - قال في الصحاح حدر في قراءته وأذانه يحدر حدرا أي أسرع - لكن المراد
هنا الاسراع على الوجه المذكور لا ترك الوقف بالكلية لما عرفت سابقا من استحبابه
في حد ذاته.
والذي يدل على هذا الحكم روايات: منها ما تقدم (1) من قوله (عليه السلام)

(1) ص 408
410

في رواية زرارة " والإقامة حدر ".
وما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن وهب (1) " أنه سأل أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الأذان فقال أجهر وأرفع به صوتك فإذا أقمت فدون ذلك، ولا تنتظر
بأذانك ولا إقامتك إلا دخول وقت الصلاة، واحدر إقامتك حدرا ".
وما رواه في الكافي عن الحسن بن السري عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: " الأذان ترتيل والإقامة حدر " ورواه الشيخ مثله (3) والترتيل لغة التأني.
ومنها - أنه يستحب أن يفصل بين الأذان والإقامة بركعتين أو سجدة أو نحوهما
مما يأتي ذكره، قال في المعتبر ويستحب الفصل بينهما بركعتين أو بجلسة أو سجدة أو خطوة
خلا المغرب فإنه لا يفصل بين أذانيها إلا بخطوة أو سكتة أو تسبيحة وعليه علماؤنا. ونحوه
في المنتهى. وكلامهما يشعر بدعوى الاجماع على ذلك. وقال الشيخ في النهاية ويستحب أن
يفصل الانسان بين الأذان والإقامة بجلسة أو خطوة أو سجدة وأفضل ذلك السجدة إلا في
المغرب خاصة فإنه لا يسجد بينهما ويكفي الفصل بينهما بخطوة أو جلسة خفيفة. وقال ابن إدريس
من صلى منفردا فالمستحب له أن يفصل بين الأذان والإقامة بسجدة أو جلسة أو خطوة
والسجدة أفضل إلا في الأذان للمغرب خاصة فإن الجلسة أو الخطوة السريعة فيها أفضل،
وإذا صلى جماعة فمن السنة أن يفصل بين الأذان والإقامة بشئ من نوافله ليجتمع الناس
في زمان تشاغله بها إلا صلاة المغرب فإنه لا يجوز ذلك فيها.
أقول: قد ذكر جملة من المتأخرين ومتأخريهم أنهم لم يقفوا على نص يتعلق
بالخطوة وبه اعترف في الذكرى، ولا على ما يتعلق بالفصل بالسجدة حتى أن الشهيد الثاني
إنما التجأ إلى إمكان دلالة ما ورد في حديث الجلوس عليه فإنه جلوس وزيادة وسيأتي لك
ما يدل على الجميع.

(1) الوسائل الباب 16 و 8 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 24 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 24 من الأذان والإقامة
411

والواجب أولا ذكر ما وصل إلينا من الأخبار عنهم (عليهم السلام) ليتضح
لك ما في كلام أصحابنا (رضوان الله عليهم) في مواضع من هذا المقام من الغفلة الناشئة
عن عدم اعطاء التأمل حقه في الأخبار:
فمن الأخبار المذكورة ما رواه في الكافي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن (عليه السلام) (1) قال: " القعود بين الأذان والإقامة في الصلوات كلها
إذا لم يكن قبل الإقامة صلاة سيصليها ".
وما رواه الشيخ عن الحسن بن شهاب عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) " لا بد
من قعود بين الأذان والإقامة ".
وعن سليمان بن جعفر الجعفري في الصحيح (3) قال: " سمعته يقول أفرق بين
الأذان والإقامة بجلوس أو ركعتين ".
وعن إسحاق الجريري عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال قال: " من
جلس في ما بين أذان المغرب والإقامة كان كالمتشحط بدمه في سبيل الله ".
وعن سيف بن عميرة عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5)
قال: " بين كل أذنين قعدة إلا المغرب فإن بينهما نفسا ".
قول: لا يخفى أن جملة هذه الأخبار المتقدمة عموما في بعض وخصوصا في آخر
ما عدا الرواية الأخيرة ظاهرة الدلالة في الفصل بالجلوس بين أذان المغرب وإقامتها.
ويعضدها أيضا ما رواه الشيخ في كتاب المجالس بسنده فيه عن زريق (6) قال
" سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من السنة الجلوس بين الأذان والإقامة في
صلاة الغداة وصلاة المغرب وصلاة العشاء ليس بين الأذان والإقامة سبحة، ومن السنة
أن يتنفل بركعتين بين الأذان والإقامة في صلاة الظهر والعصر ".
وما رواه السيد الزاهد العابد المجاهد رضي الله بن طاووس في كتاب فلاح

(1) الوسائل الباب 11 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 11 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 11 من الأذان والإقامة
(4) الوسائل الباب 11 من الأذان والإقامة
(5) الوسائل الباب 11 من الأذان والإقامة
(6) الوسائل الباب 11 من الأذان والإقامة
412

السائل بإسناده عن هارون بن موسى التلعكبري عن محمد بن همام عن حميد بن زياد عن الحسن
ابن محمد بن سماعة عن الحسن بن معاوية بن وهب عن أبيه (1) قال " دخلت على أبي عبد الله
(عليه السلام) وقت المغرب فإذا هو قد أذن وجلس فسمعته وهو يدعو بدعاء ما سمعت
بمثله فسكت حتى فرغ من صلاته ثم قلت يا سيدي لقد سمعت منك دعاء ما سمعت بمثله
قط؟ قال هذا دعاء أمير المؤمنين (عليه السلام) ليلة بات على فراش رسول الله (صلى
الله عليه وآله) وهو: يا من ليس معه رب يدعى يا من ليس فوقه خالق يخشى يا من
ليس دونه إله يتقى يا من ليس له وزير يرشى يا من ليس له بواب ينادى يا من لا يزداد
على كثرة السؤال إلا كرما وجودا يا من لا يزداد على عظم الجزم إلا رحمة وعفوا صل
على محمد وآل محمد وافعل بي ما أنت أهله فإنك أهل التقوى وأهل المغفرة وأنت أهل
الجود والخير والكرم ".
ولا يعارض هذه الأخبار إلا مرسلة سيف المذكورة وهي تقصر عن ذلك فرد
هذه الأخبار على كثرتها وصحة بعضها في مقابلة هذا الخبر الضعيف مشكل مع إمكان
حمله على ضيق الوقت.
قال السيد ابن طاووس في الكتاب المذكور: وقد رويت روايات أن الأفضل
أن لا يجلس بين أذان المغرب وإقامتها وهو الظاهر من عمل جماعة من أهل التوفيق،
ولعل الجلوس بينهما في وقت دون وقت أو لفريق دون فريق. انتهى. وظاهره
(قدس سره) الميل إلى القول المشهور وحمل هذه الرواية على ما ذكره. وفيه أن ما ذكره من
الروايات الدالة على أن الأفضل أن لا يجلس بين أذان المغرب وإقامتها لم يصل إلينا منها
إلا المرسلة المذكورة والروايات كلها على خلافها كما عرفت.
ومن أخبار المسألة ما رواه السيد المذكور أيضا في الكتاب المشار إليه بسنده فيه

(1) مستدرك الوسائل الباب 11 من الأذان والإقامة
413

عن أبي علي الأنماطي عن أبي عبد الله أو أبي الحسن (عليهما السلام) (1) قال: " يؤذن
للظهر على ست ركعات ويؤذن للعصر على ست ركعات بعد الظهر " أقول: ورواه
الشيخ في التهذيب عن أبي علي صاحب الأنماط عن أبي عبد الله أو أبي الحسن (عليهما
السلام). مثله (2).
وقد تقدم في رواية زريق المنقولة عن مجالس الشيخ " أن من السنة أن يتنفل
بركعتين بين الأذان والإقامة في صلاة الظهر والعصر " وهو مطلق فيجب حمله على هذا
الخبر بأن تكون الركعتان من الثمان الموظفة قبل كل من الفرضين.
وفي كتاب دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (3) " ولا بد من
فصل بين الأذان والإقامة بصلاة أو بغير ذلك، وأقل ما يجزئ في ذلك في صلاة المغرب
التي لا صلاة قبلها أن يجلس بعد الأذان جلسة يمس فيها الأرض بيده ".
وفيه إشارة إلى أن الفريضة التي تكون قبلها صلاة يستحب أن يجعل منها ركعتين
بين أذان تلك الفريضة وإقامتها، وعلى ذلك تدل رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر المتقدمة
ويعضدها ما تقدم في صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)
في حديث أذان الصبح قال: " السنة أن ينادى مع طلوع الفجر ولا يكون بين الأذان
والإقامة إلا الركعتان ".
وربما أشعرت هذه الروايات بأن استحباب الفصل بالركعتين مخصوص بهذه
الصلوات حيث إن قبلها صلاة إلا أن صحيحة الجعفري المتقدمة مطلقة في الأمر بالفرق
بجلوس أو ركعتين فيمكن حمل اطلاقها على هذه الأخبار.
والمشهور بين الأصحاب هو استحباب الفصل بالركعتين مطلقا ولعلهم يحملون

(1) مستدرك الوسائل الباب 31 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 39 من الأذان والإقامة
(3) مستدرك الوسائل الباب 10 من الأذان والإقامة
(4) الوسائل الباب 39 من الأذان والإقامة
414

هذه الروايات على تأكد الفصل بالركعتين في هذه المواضع الثلاثة.
وروى الشيخ في الصحيح عن الحلبي (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن الأذان في الفجر قبل الركعتين أو بعدهما؟ فقال إذا كنت إماما تنتظر جماعة
فالأذان قبلهما وإن كنت وحدك فلا يضرك قبلهما أذنت أو بعدهما " وهذه الرواية تدل
على أفضلية الفصل بركعتي الفجر في الجماعة زيادة على ما تقدم من حيث انتظار
الاجتماع للصلاة.
ومنها - ما رواه السيد المتقدم ذكره في كتاب فلاح السائل أيضا بسنده فيه عن
بكر بن محمد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال كان أمير المؤمنين (عليه السلام)
يقول لأصحابه من سجد بين الأذان والإقامة فقال في سجوده " رب سجدت لك خاضعا
خاشعا ذليلا " يقول الله تعالى ملائكتي وعزتي وجلالي لأجعلن محبته في قلوب عبادي
المؤمنين وهيبته في قلوب المنافقين ".
وما رواه أيضا فيه بسنده عن ابن أبي عمير عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (3) قال: " رأيته أذن ثم أهوى للسجود ثم سجد سجدة بين الأذان والإقامة
فلما رفع رأسه قال يا أبا عمير من فعل مثل فعلى غفر الله له ذنوبه كلها. وقال من أذن
ثم سجد فقال (لا إله إلا أنت ربي سجدت لك خاضعا خاشعا) غفر الله له ذنوبه ".
أقول: وهذان الخبران هما مستند المتقدمين في ما ذكروه من استحباب الفصل
بالسجدة إلا أنه لم يصل إلى أكثر المتأخرين فوقعوا في ما وقعوا فيه من الاشكال وتمحلوا
في طلب الدليل بالاحتمال.
ومنها - ما ذكره في كتاب الفقه الرضوي (4) فقال (عليه السلام) " وإن
أحببت أن تجلس بين الأذان والإقامة فافعل فإن فيه فضلا كثيرا وإنما ذلك على الإمام

(1) الوسائل الباب 39 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 11 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 11 من الأذان والإقامة
(4) ص 6
415

وأما المنفرد فيخطو تجاه القبلة خطوة برجله اليمنى ثم يقول بالله أستفتح وبمحمد أستنجح
وأتوجه اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين.
وإن لم تفعل أيضا أجزأك " أقول: وهذا هو دليل الخطوة التي ذكرها المتقدمون إلا أن
كلامهم مطلق في ذلك بالنسبة إلى كل مصل وظاهر الخبر التخصيص بالمنفرد.
ومنها - ما رواه الصدوق والشيخ في الموثق عن عمار عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) قال: " إذا قمت إلى صلاة فريضة فأذن وأقم وافصل بين الأذان والإقامة
بقعود أو تسبيح أو كلام " وزاد في الفقيه (2) قال: " وسألته كم الذي يجزئ بين
الأذان والإقامة من القول؟ قال الحمد الله ".
وروى الشيخ في التهذيب عن عمار في الموثق (3) قال: " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الرجل نسي أن يفصل بين الأذان والإقامة بشئ حتى أخذ في
الصلاة أو أقام للصلاة؟ قال ليس عليه شئ وليس له أن يدع ذلك عمدا. سئل ما الذي
يجزئ من التسبيح بين الأذان والإقامة؟ قال الحمد الله " أقول: والعمل بجميع ما اشتملت
عليه هذه الأخبار حسن وإن تفاوت في الفضل.
وروى الشيخ في الصحيح عن ابن مسكان (4) قال: " رأيت أبا عبد الله (عليه
السلام) أذن وأقام من غير أن يفصل بينهما بجلوس " أقول: لعله فصل بتسبيح أو تحميد
أو نفس إن كان في المغرب.
وربما قيد بعضهم استحباب الفضل بالركعتين بما إذا لم يدخل وقت فضيلة الفريضة
والظاهر أنه استند في ذلك إلى ما تقدم في مقدمة الأوقات من المنع من النافلة بعد
دخول وقت الفريضة. وفيه اشكال لتعارض العمومين فتخصيص أحدهما بالآخر يحتاج
إلى دليل وإن كان الاحتياط في ما ذكره. والله العالم.
ومنها - الترجيع وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) فيه (أولا) كراهة

(1) الوسائل الباب 11 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 11 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 11 من الأذان والإقامة
(4) الوسائل الباب 11 من الأذان والإقامة
416

وتحريما فقال الشيخ في المبسوط والخلاف أنه غير مسنون، وقال ابن إدريس وابن حمزة
أنه محرم وهو ظاهر الشيخ في النهاية، وذهب آخرون إلى الكراهة، قال في المنتهى:
الترجيع مكروه ذهب إليه علماؤنا. وهو مشعر بالاتفاق على الكراهة ولعله - وإن بعد -
أراد ما هو أعم من التحريم.
وثانيا - في حقيقته وأنه عبارة عماذا؟ فقال الشيخ في المبسوط إنه تكرار التكبير
والشهادتين في أول الأذان. وقال العلامة في المنتهى أنه تكرار الشهادتين مرتين. وقال
الشهيد في الذكرى أنه تكرار الفصل زيادة على الموظف. وذكر جماعة من أهل اللغة: منهم -
صاحب القاموس وصاحب المغرب أنه تكرار الشهادتين جهرا بعد اخفائهما. ونقل عن
بعض أهل اللغة أنه فسره بترديد القراءة.
أقول: لا يخفى أن الترجيع بأي معنى فسر مما ذكره الأصحاب إن أتى به المكلف
من حيث اعتقاد كونه من الأذان فلا ريب في تحريمه لأن الأذان عبادة شرعية متلقاة
من الشارع فالزيادة فيها باعتقاد أنها منها تشريع محرم، وإن كان لا باعتبار ذلك ذلك فلا يبعد
القول بالكراهة، وبه يجمع بين القولين المتقدمين إذ مرجع قول الشيخ إنه ليس بمسنون
إلى أنه مكروه أو محرم لأنها عبادة ومتى انتفت عنها المسنونية فليس إلا أحد الفردين
المذكورين إذ لا معنى للجواز هنا بالمعنى الأخص. وإلى القول بالتحريم متى اعتقد الشرعية
مال في المدارك والذخيرة ولا ريب فيه كما عرفت.
وذكر الشيخ وجمع من الأصحاب - بل نقل عليه في المختلف الانفاق - أنه لو قصد
بالترجيع اشعار المصلين فلا منع فيه.
ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن محبوب عن علي بن أبي حمزة عن
أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " لو أن مؤذنا أعاد في الشهادة وفي
(حي على الصلاة أو حي على الفلاح) المرتين والثلاث وأكثر من ذلك إذا كان إماما يريد

(1) الوسائل الباب 23 من الأذان والإقامة
417

جماعة القوم ليجمعهم لم يكن به بأس " وظاهر هذه الرواية ربما دل على ما ذهب إليه في
الذكرى من تفسير معنى الترجيع بحمل ما ذكر في الرواية على مجرد التمثيل.
ومما يدل على النهي عن الترجيع ما في كتاب الفقه الرضوي (1) حيث قال
(عليه السلام) بعد ذكر فصول الأذان وعددها " ليس فيها ترجيع ولا تردد ولا الصلاة
خير من النوم " والظاهر أن عطف التردد تفسيري للترجيع.
أقول: ومن المحتمل قريبا أن المراد بالترجيع المنهي عنه هنا هو ترجيع الصوت
وتريده على جهة الغناء لا تكرار الكلمات كلا أو بعضا. والتعبير بالترجيع لم أقف عليه
في شئ من الأخبار سوى هذا الخبر وإنما وقع ذلك في كلام الأصحاب وقد عرفت
اختلافهم في معناه ورواية أبي بصير المذكورة إنما اشتملت على لفظ الإعادة، وذكرهم
الترجيع والاختلاف فيه تحريما وكراهة وكذا في معناه مع عدم وروده في الأخبار عجيب
إلا أن يكون المستند فيه هو كتاب الفقه المذكور ولا بعد فيه لما عرفت في غير موضع
مما تقدم من وجود كثير من الأدلة التي أنكرها المتأخرون على المتقدمين في الكتاب
المذكور. والله العالم.
ومنها - التثويب وقد وقع الخلاف هنا أيضا في حقيقته وحكمه والمشهور بين
الأصحاب أنه عبارة عن قول " الصلاة خير من النوم " صرح به الشيخ في المبسوط
وابن أبي عقيل والسيد المرتضى وغيرهم (رضوان الله عليهم) قال في المنتهى التثويب
في أذان الغداة وغيرها غير مشروع وهو قول: " الصلاة خير من النوم " ذهب إليه
أكثر علمائنا وهو قول الشافعي، وأطبق أكثر الجمهور على استحبابه في الغداة، لكن عن
أبي حنيفة وروايتان في كيفيته فرواية كما قلناه والأخرى أن التثويب عبارة عن قول
المؤذن بين أذان الفجر وإقامته " حي على الصلاة " مرتين " حي على الفلاح " مرتين (2)

(1) ص 6
(2) بدائع الصنائع ج 1 ص 148 والبحر الرائق ج 1
ص 247 والمبسوط ج 1 ص 130 إلا أن فيهما " قدر ما يقرأ عشرين آية "
418

ثم قال في موضع آخر من المنتهى أيضا: يكره أن يقول بين الأذان والإقامة " حي على
الصلاة حي على الفلاح " وبه قال الشافعي، وقال محمد بن الحسن كان التثويب الأول
" الصلاة خير من النوم " مرتين بين الأذان والإقامة ثم أحدث الناس بالكوفة " حي
على الصلاة حي على الفلاح " مرتين بينهما وهو حسن. وقال بعض أصحاب أبي حنيفة
يقول بعد الأذان " حي على الصلاة حي على الفلاح " بقدر ما يقرأ عشر آيات. انتهى
كلام المنتهى. وقال الشيخ في النهاية التثويب تكرير الشهادتين والتكبيرات زائدا على العدد
الموظف شرعا. وقال ابن إدريس هو تكرير الشهادتين دفعتين لأنه مأخوذ من
" ثاب " إذا رجع.
وأما كلام أهل اللغة هنا فإنه قال في النهاية: الأصل في التثويب أن يجئ الرجل
مستصرخا فلوح بثوبه ليرى ويشهر فسمى الدعاء تثويبا لذلك وكل داع مثوب. وقيل
إنما سمي تثويبا من " ثاب يثوب " إذا رجع فهو رجوع إلى الأمر بالمبادرة إلى الصلاة
فإن المؤذن إذا قال " حي على الصلاة " فقد دعاهم إليها فإذا قال بعدها " الصلاة خير من
النوم " فقد رجع إلى كلام معناه المبادرة إليها. وأما في القاموس فإنه فسره بمعان:
منها - الدعاء إلى الصلاة وتثنية الدعاء وأن يقول في أذان الفجر " الصلاة خير من النوم "
مرتين. وقال في المغرب التثويب القديم هو قول المؤذن في أذان الصبح " الصلاة خير
من النوم " والمحدث " الصلاة الصلاة " أو " قامت قامت ".
واختلفوا أيضا في حكمه لو لم يكن المقام مقام تقية فذهب ابن إدريس وابن حمزة
وجمع من المتأخرين إلى التحريم وهو ظاهر الشيخ في النهاية، وقال الشيخ في المبسوط
والمرتضى في الانتصار بالكراهة وهو اختيار المحقق، وعن ابن الجنيد أنه لا بأس به في
أذان الصبح، وعن الجعفي يقول في أذان صلاة الصبح بعد قوله " حي على خير العمل حي
على خير العمل " " الصلاة خير من النوم " مرتين وليستا من أصل الأذان. هذا ما
يتعلق بالمقام من كلام العلماء الأعلام.
419

وأما ما يتعلق بذلك من أخبار أهل الذكر عليهم الصلاة والسلام. فمنه ما رواه
الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن التثويب الذي يكون بين الأذان والإقامة فقال ما نعرفه " ورواه الكليني والصدوق
وابن إدريس في السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب (2).
وعن زرارة في الصحيح (3) قال: " قال لي أبو جعفر (عليه السلام) يا زرارة
تفتتح الأذان بأربع تكبيرات وتختمه بتكبيرتين وتهليلتين وإن شئت زدت على التثويب
" حي على الفلاح " مكان الصلاة خير من النوم ".
وعن محمد بن مسلم في الموثق عن أبي جعفر (عليه السلام) (4) قال: " كان
أبي ينادي في بيته ب‍ (الصلاة خير من النوم) ولو رددت ذلك لم يكن به بأس ".
وعن أبي بصير في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال: " النداء
والتثويب في الإقامة من السنة ".
وروى المحقق في المعتبر نقلا من كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الله
ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6) قال: " إذا كنت في أذان الفجر فقل
(الصلاة خير من النوم) بعد (حي على خير العمل) ولا تقل في الإقامة (الصلاة
خير من النوم) إنما هذا في الأذان ".
أقول: التحقيق في هذا المقام هو ما ذكرناه في سابقه من أن كلا من الأذان
والإقامة عبادة شرعية متلقاة من الشارع، وأخبارهما الواردة في كيفيتهما عن أئمة الهدى
(عليهم السلام) خالية من هذه الزيادات في أثناء أحدهما أو بينهما كما تقدم ذكره وبه
يظهر التحريم متى اعتقد دخولها في الكيفية أو التعبد بها، ولما كان جمهور العامة على
استحباب ذلك - كما تقدم في كلام المنتهى ويعضده ما تقدم في رواية زيد النرسي (7)

(1) الوسائل الباب 22 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 22 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 19 و 22 من الأذان والإقامة
(4) الوسائل الباب 22 من الأذان والإقامة
(5) الوسائل الباب 22 من الأذان والإقامة
(6) الوسائل الباب 22 من الأذان والإقامة
(7) ص 397
420

" أن الصلاة خير من النوم بدعة بني أمية " - فالواجب حمل ما دل على جواز ه من
الأخبار المذكورة هنا وغيرها على التقية.
وأما ما ذكره المحقق في هذا المقام حيث قال بعد أن نقل عن الشيخ حمل
الأخبار المذكورة على التقية: ولست أرى هذا التأويل شيئا فإن من جملة الأذان
(حي على خير العمل) وهو انفراد الأصحاب فلو كان للتقية لما ذكره لكن الأوجه
أن يقال فيه روايتان عن أهل البيت (عليهم السلام) أشهرهما تركه. أقول: بل الأظهر
هو ما ذكره الشيخ إذ هو الموافق لمقتضى الأخبار المستفيضة عن أئمة الهدى (عليهم السلام)
من عرض الأخبار في مقام الاختلاف على مذهب العامة والأخذ بخلافهم وإن كان
هو وغيره قد ألغوا هذه القواعد المنصوصة وألقوها وراء ظهورهم واتخذوا قواعد لا أصل
لها في الشريعة كما أوضحناه في غير مقام مما تقدم.
وأما ما توهم منه المنافاة للحمل على التقية - من قوله (عليه السلام) في الخبر
الذي نقله: فقل " الصلاة خير من النوم " بعد " حي على خير العمل " - فيجب ارتكاب
التأويل فيه بحمل قول " حي على خير العمل " خفية إذ ليس في الخبر تصريح بالاعلان
بها ويكون المعنى أنه إذا قال ذلك سرا قال بعدها " الصلاة خير من النوم " ويمكن أيضا
- كما ذكره شيخنا المجلسي (قدس سره) في البحار - حمله على المماشاة مع العامة بالجمع
بين ما ينفرد به الشيعة وبين ما ينفردون به، وهو جيد. ومما يؤيد حمل الرواية المذكورة
على التقية اشتمالها على التهليل في آخر الأذان مرة واحدة فإن العامة أجمعوا على الوحدة (1)
كما أن الشيعة أجمعت على التثنية كما نقله شيخنا في البحار. وبالجملة فالحكم بالتحريم
في المسألة أظهر الأقوال. والله العالم.

(1) اتفقت كتبهم في بيان فصول الأذان على ذلك حتى أنهم في مقام بيان الاختلاف
في كيفيته لا يذكرون خلافا في ذلك وكذا أخبارهم، راجع المحلى ج 3 ص 239
421

(المقام الرابع) - في الأحكام وقد تقدم جملة منها في الأبحاث السابقة
وبقي مواضع:
(الأول) - أنه يستحب حكاية الأذان بلا خلاف كما ذكره في المنتهى ويدل
عليه جملة من أخبار: منها - ما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن
أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا سمع
المؤذن يؤذن قال مثل ما يقول في كل شئ ".
وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (2) قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام)
لمحمد بن مسلم: يا ابن مسلم لا تدعن ذكر الله على كل حال ولو سمعت المنادي ينادي
بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر الله عز وجل وقل كما يقول المؤذن " ورواه في كتاب
العلل مسندا في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) أنه قال
" يا ابن مسلم... الحديث ".
وروى في الفقيه مرسلا (4) قال: " روي أنه من سمع الأذان وقال كما يقول
المؤذن زيد في رزقه ".
وروى في العلل عن زرارة في الصحيح (5) قال: " قلت لأبي جعفر (عليه
السلام) ما أقول إذا سمعت الأذان؟ قال اذكر الله مع كل ذاكر ".
وروى في الفقيه عن الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6) قال:
" من سمع المؤذن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله
(صلى الله عليه وآله) فقال مصدقا محتسبا وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله
(صلى الله عليه وآله) اكتفى بهما عن من أبى وجحد واعين بهما من أقر وشهد كان له
من الأجر عدد من أنكر وجحد ومثل عدد من أقر وعرف ".

(1) الوسائل الباب 45 من الأذان والإقامة. والرواية رقم " 2 " مسندة كما في الوسائل واللفظ في رقم " 6 " للكافي
(2) الوسائل الباب 45 من الأذان والإقامة. والرواية رقم " 2 " مسندة كما في الوسائل واللفظ في رقم " 6 " للكافي
(3) الوسائل الباب 8 من أحكام الخلوة
(4) الوسائل الباب 45 من الأذان والإقامة. والرواية رقم " 2 " مسندة كما في الوسائل واللفظ في رقم " 6 " للكافي
(5) الوسائل الباب 45 من الأذان والإقامة. والرواية رقم " 2 " مسندة كما في الوسائل واللفظ في رقم " 6 " للكافي
(6) الوسائل الباب 45 من الأذان والإقامة. والرواية رقم " 2 " مسندة كما في الوسائل واللفظ في رقم " 6 " للكافي
422

وروى في كتاب العلل بسنده عن أبي بصير (1) قال: " قال أبو عبد الله (عليه
السلام) إن سمعت الأذان وأنت على الخلاء فقل مثل ما يقول المؤذن ولا تدع ذكر الله
عز وجل في تلك الحال لأن ذكر الله حسن على كل حال. ثم قال لما ناجى الله عز وجل
موسى بن عمران قال موسى يا رب أبعيد أنت مني فأناديك أم قريب فأناجيك؟ فأوحى
الله تعالى إليه يا موسى أنا جليس من ذكرني. فقال موسى يا رب إني أكون في حال أجلك
أن أذكرك فيها قال يا موسى اذكرني على كل حال ".
وروى في كتاب العلل بسنده عن سليمان بن مقبل (2) قال: " قلت لموسى
ابن جعفر (عليه السلام) لأي علة يستحب للانسان إذا سمع الأذان أن يقول كما يقول
المؤذن وإن كان على البول والغائط؟ قال إن ذلك يزيد في الرزق ".
وروى في الخصال بإسناده عن سعيد بن علاقة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (3)
قال: " إجابة المؤذن تزيد في الرزق ".
إذا عرفت ذلك فاعلم أن في المقام فوائد: (الأولى) الظاهر من الحكاية
في هذه الأخبار هو الاتيان بجميع الفصول التي يأتي بها المؤذن وقال الشيخ في المبسوط
روى عن النبي (صلى الله عليه وآله) " أنه كأن يقول إذا قال حي على الصلاة لا حول
ولا قوة إلا بالله " قال في المدارك بعد نقل ذلك: وهذه الرواية مجهولة الاسناد.
أقول: بل الظاهر أنها عامية فإنه قد روى مسلم في صحيحه (4) وغيره في غيره بأسانيد
عن عمر ومعاوية " أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال إذا قال المؤذن الله أكبر
الله أكبر قال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله قال أشهد أن لا
إله إلا الله ثم قال أشهد أن محمدا رسول الله قال أشهد أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه
وآله) ثم قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال حي على الفلاح قال لا حول

(1) الوسائل الباب 8 من أحكام الخلوة
(2) الوسائل الباب 8 من أحكام الخلوة
(3) مستدرك الوسائل الباب 34 من الأذان والإقامة
(4) ج 4 ص 85 وسنن النسائي ج 2 ص 25
423

ولا قوة إلا بالله ثم قال الله أكبر الله أكبر قال الله أكبر الله أكبر ثم قال لا إله إلا الله
قال لا إله إلا الله من قبله دخل الجنة ".
(الثانية) - قال في المبسوط من كان خارج الصلاة وسمع المؤذن يؤذن فينبغي
أن يقطع كلامه إن كان متكلما وإن كان يقرأ القرآن فالأفضل له أن يقطع القرآن ويقول
كما يقول المؤذن لأن الخبر على عمومه. وهو جيد عملا بعموم الأخبار المذكورة.
ثم إنه (قدس سره) صرح أيضا بأنه لا يستحب حكايته في الصلاة وبه قطع العلامة
في التذكرة على ما نقل عنه، وقال أيضا متى قاله في الصلاة لم تبطل صلاته إلا في قوله
(حي على الصلاة) فإنه متى قال ذلك مع العلم بأنه لا يجوز فإنه يفسد الصلاة لأنه ليس
بتحميد وتكبير بل هو من كلام الآدميين المحض، فإن قال بدلا من ذلك " لا حول ولا
قوة إلا بالله " لم تبطل صلاته. وتبعه على ذلك جمع من الأصحاب.
أقول: الظاهر أن الوجه فيه هو عدم تيقن العموم في الأخبار على وجه يشمل
الصلاة مع أن بعض فصوله ليست ذكرا فيشكل الاتيان به في الصلاة فيكون موجبا
لبطلانها كما ذكره، وأنت خبير بأن ظاهر هذه الأخبار اطلاق الذكر على الأذان بجميع
فصوله من الحيعلات وغيرها فإن ظاهر قوله (عليه السلام) في صحيحة محمد بن مسلم
المروية في العلل المرسلة في الفقيه " لا تدعن ذكر الله على كل حال ولو سمعت المنادي
ينادي بالأذان وأنت على الخلاء " هو كون مجموع الأذان ذكرا وإن القصد إلى المبالغة
في الاتيان بهذا الذكر ولو على هذه الحالة ثم أكده بقوله: " فاذكر الله عز وجل وقل
كما يقول المؤذن " وهو كالصريح في ما ادعيناه والفصيح في ما وعيناه، ونحوه رواية
أبي بصير أيضا وقوله فيها: " فقل مثل ما يقول المؤذن ولا تدع ذكر الله في تلك الحال لأن
ذكر الله حسن على كل حال " وهو ظاهر في أن جميع ما يقوله المؤذن ذكر الله ولو خص
ذكر الله بما عدا الحيعلات لاختل النظام في هذا الكلام، على أن الحيعلات بمقتضى
كلامهم من الكلام المتعارف الذي ليس بذكر الله وهو مكروه على الخلاء اتفاقا نصا
424

وفتوى إلا ما استثنى فكيف يجامع هذا التأكيد بالاتيان به على الخلاء لو لم يكن ذكرا
وبالجملة فإن ما ذكرناه هو ظاهر النصوص المذكورة كما عرفت وإن كان الاحتياط في
الوقوف على ما ذكروه.
(الثالثة) - لو فرغ من الصلاة ولم يحكه فالظاهر سقوط الحكاية لفوات محله
صرح به جملة من الأصحاب: منهم - الشيد وغيره، وقال الشيخ في المبسوط إنه مخير
واختاره العلامة في التذكرة، وقال في الخلاف يؤتى به لا من حيث كونه أذانا بل من
حيث كونه ذكرا. ولا ريب في ضعفهما.
(الرابعة) - قال في الذخيرة: لو دخل المسجد والمؤذن يؤذن ترك صلاة التحية
إلى فراغ المؤذن استحبابا، قاله المصنف وغيره وهو حسن. انتهى.
أقول: لا أعرف لهذا الحسن وجها وجيها فإن شرعية صلاة التحية وقت الدخول
وتأخيرها عن ذلك الوقت اخلال بها، وبالجملة فهنا مستحبان تعارضا وتقديم أحدهما على
الآخر يحتاج إلى دليل. نعم لو ثبت أن تأخير صلاة التحية عن وقت الدخول جائز
وأن وقتها لا يفوت بذلك تماما ذكروه إلا أن الظاهر أن الأمر ليس كذلك.
(الخامسة) - ذكر جماعة من الأصحاب أن المستحب حكاية الأذان المشروع
فلو لم يكن مشروعا كأذان العصر يوم عرفة ويوم الجمعة والأذان الثاني يوم الجمعة وكذا
أذان المجنون والصبي الغير المميز لم يكن كذلك. وأنت خبير بأن عد أذان العصر في
يومي عرفة والجمعة ينبغي أن يكون مبنيا على القول بالتحريم وإلا فلو قيل بالكراهة كما
هو أحد الأقوال المتقدمة في المسألة فلا.
وعد شيخنا الشهيد أيضا من ذلك أذان الجنب في المسجد، وتنظر فيه في الذخيرة بأن
تحريم الكون في المسجد لا يقتضي فساد أذانه. أقول: فيه أنه مناف لما حققه في مسألة
الصلاة في المكان المغصوب فإن المسألتين من باب واحد، وهم قد ذكروا ثمة أن العبادة منهي
عنها في هذا المكان والنهي في العبادة يستلزم الفساد وهذا يجري في الأذان أيضا. وقد
425

مضى تحقيق الكلام في ذلك وبيان الجواب عما احتجوا به على البطلان. وبالجملة
فكلام شيخنا المشار إليه مبني على ذلك فلا وجه لاعتراضه عليه مع موافقته ثمة عليه.
(الموضع الثاني) - الكلام بعد الإقامة وقد اختلف كلام الأصحاب
(رضوان الله عليهم) في ذلك فالمشهور الكراهة وقيل بالتحريم ذهب إليه الشيخان في
المقنعة والنهاية والمرتضى في المصباح وابن الجنيد واختاره المحدث الكاشاني في كتبه
الثلاثة على تفصيل يأتي، وهو الأظهر عندي أيضا.
ويدل على القول بالتحريم ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن أبي عمير (1)
قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتكلم في الإقامة؟ قال نعم فإذا
قال المؤذن قد قامت الصلاة فقد حرم الكلام على أهل المسجد إلا أن يكونوا قد اجتمعوا
من شتى وليس لهم إمام فيقول بعضهم لبعض تقدم يا فلان ".
وما رواه في الفقيه عن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) (2)
قال: " إذا أقيمت الصلاة حرم الكلام على الإمام وأهل المسجد إلا في تقديم إمام ".
وعن سماعة في الموثق (3) قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا أقام
المؤذن الصلاة فقد حرم الكلام إلا أن يكون القوم ليس يعرف لهم إمام ".
ومما استدلوا به على القول المشهور صحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (4) " في الرجل يتكلم بعدما يقيم الصلاة؟ قال نعم ".
ورواية الحلبي (5) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتكلم
في أذانه أو في إقامته؟ قال لا بأس ".
وعن الحسن بن شهاب (6) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول
لا بأس أن يتكلم الرجل وهو يقيم الصلاة وبعدما يقيم إن شاء ".
ونقل ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب محمد بن علي بن محبوب

(1) الوسائل الباب 10 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 10 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 10 من الأذان والإقامة
(4) الوسائل الباب 10 من الأذان والإقامة
(5) الوسائل الباب 10 من الأذان والإقامة
(6) الوسائل الباب 10 من الأذان والإقامة
426

عن جعفر بن بشير عن عبيد بن زرارة (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
قلت أيتكلم الرجل بعدما تقام الصلاة؟ قال لا بأس ".
ومنه أيضا من الكتاب المذكور عن جعفر بن بشير عن الحسن بن شهاب (2)
قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) قلت أيتكلم الرجل بعدما تقام الصلاة؟
قال لا بأس ".
وأصحاب هذا القول حملوا الروايات المتقدمة على الكراهة الشديدة والشيخ
(قدس سره) حمل هذه الأخبار على الضرورة أو ما يتعلق بالصلاة من تقديم إمام
أو تسوية صف أو نحو ذلك.
وأنت خبير بأنه لا تنافي بين هذه الأخبار عند التأمل فيها بعين التحقيق والاعتبار
ليحتاج إلى الجمع بينها بما ذكره كل منهما، وذلك فإن مورد الأخبار المتقدمة الجماعة
ومورد الأخبار الثانية المنفرد فالواجب في كل منهما بقاؤه على مورد ولا تنافي، وبذلك
يظهر لك أن الحق في هذه المسألة هو التفصيل بما ذكرناه لا ما ذكره كل منهما من العموم
مع أنه لا دليل عليه.
هذا. وأما ما دلت عليه هذه الأخبار من جواز الكلام في الإقامة وبعدها فهي
معارضة بالأخبار الدالة على النهي عن ذلك:
ومنها - ما رواه في الكافي عن أبي هارون المكفوف (3) قال: " قال أبو عبد الله
(عليه السلام) يا أبا هارون الإقامة من الصلاة فإذا أقمت فلا تتكلم ولا تومئ بيدك "
وما رواه الشيخ في الصحيح عن عمرو بن أبي نصر (4) قال: " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام) أيتكلم الرجل في الأذان؟ قال لا بأس. قلت في الإقامة؟ قال لا "
ورواه في الكافي مثله (5).
والقول بالتحريم كما هو ظاهر هذه الأخبار منقول عن الشيخ المفيد والمرتضى (رضي

(1) الوسائل الباب 10 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 10 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 10 من الأذان والإقامة
(4) الوسائل الباب 10 من الأذان والإقامة
(5) الوسائل الباب 10 من الأذان والإقامة
427

الله عنهما) ويؤيده ما تقدم في روايتي سليمان بن صالح ويونس الشيباني مما يدل على أنه إذا
أخذ في الإقامة فهو في الصلاة، وحينئذ فيراعى فيها ما يراعى في الصلاة كما عرفت من
الأخبار المتقدمة في اشتراط كون الإقامة قائما مستقبل القبلة متطهرا وإعادتها مع اختلال
هذه الشروط.
ويعضده ما ورد هنا أيضا من أنه متى تكلم في إقامته فإنه يعيدها كما رواه زرارة
في الصحيح (1) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) لا تتكلم إذا أقمت الصلاة فإنك
إن تكلمت أعدت الإقامة " وبهذا الخبر يقيد اطلاق تلك الأخبار الواردة في جواز
التكلم حال الإقامة أو بعدها فإنه وإن جاز له ذلك لكن لا بد من إعادتها وعدم
الاعتداد بها وبه يتم المطلوب كما ادعاه مفيد الطائفة ومرتضاها (رضي الله عنهما).
فائدة
روى الصدوق في كتاب المجالس بسنده عن عبد الله بن الحسين بن زيد عن أبيه
عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) (2) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
إن الله كره الكلام بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة حتى تقضى الصلاة ونهى عنه "
أقول: ظاهر هذا الخبر كراهة الكلام بين الأذان والإقامة في خصوص صلاة
الغداة ولم يذكره أكثر الأصحاب وإنما حكموا بكراهة الكلام أو تحريمه كما عرفت في
خلال الإقامة أو بعد تمامها، نعم نقل ذلك عن الفقيه يحيى بن سعيد في الجامع فإنه قال
يكره الكلام بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة. ونحوه قال شيخنا الشهيد في النفلية
ورواه أيضا الصدوق في وصية النبي لعلي عليهما الصلاة والسلام (3).

(1) الوسائل الباب 10 من الأذان والإقامة. والراوي لهذه الرواية في كتب الحديث
هو محمد بن مسلم ولم نعثر على رواية لزرارة بهذا اللفظ
(2) مستدرك الوسائل الباب 9 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 10 من الأذان والإقامة
428

(الموضع الثالث) - الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
في أنه إذا سمع الإمام أذان مؤذن جاز له أن يجتزئ به في الجماعة.
ويدل عليه من الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: " إذا أذن مؤذن فنقص الأذان وأنت تريد أن تصلي بأذانه
فأتم ما نقص هو من أذانه ".
وعن أبي مريم الأنصاري (2) قال: " صلى بنا أبو جعفر (عليه السلام) في
قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة فلما انصرف قلنا له عافاك الله صليت بنا في
قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة؟ فقال إن قميصي كثيف فهو يجزئ أن
لا يكون علي إزار ولا رداء، وإني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم فلم أتكلم فأجزأني ذلك "
وعن عمرو بن خالد عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) قال: " كنا معه فسمع
إقامة جاز له بالصلاة فقال قوموا فقمنا فصلينا معه بغير أذان ولا إقامة وقال يجزئكم
أذان جاركم ".
بقي الكلام هنا في مواضع: (الأول) اطلاق النص والفتوى يقتضي أنه لا فرق
في المؤذن بين كونه مؤذن مصر أو مسجد أو منفردا، وخصه شيخنا الشهيد الثاني في
المسالك بالأولين ومنع من الاجتزاء بأذان المنفرد. وأنت خبير بأنه لا يظهر لهذا
التخصيص وجه بل لو ادعى عليه العكس لكان أظهر فإن الظاهر من الخبرين المذكورين
كون كل من المؤذن والمقيم منفردا.
(الثاني) - قال في المدرك: الظاهر أنه لا فرق في هذا الحكم بين الإمام
والمنفرد وإن كان المفروض في عبارات الأصحاب اجتزاء الإمام، لأنه إذا ثبت اجتزاء
الإمام بسماع الأذان فالمنفرد أولى. انتهى.

(1) الوسائل الباب 30 من الأذان والإقامة
(2) التهذيب ج 1 ص 216 وفي الوسائل الباب 30 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 30 من الأذان والإقامة
429

أقول: لا يخفى عليك ما في هذا الكلام من الوهن وتطرق الاشكال وإن كان
قد سبقه إليه الشهيد في الذكرى حيث قال: وفي اجتزاء المنفرد بهذا الأذان نظر أقربه
ذلك لأنه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى. وفيه أنه متى اعترف بكون مورد النصوص
إنما هو الإمام كما يظهر من كلامهم فحمل المنفرد عليه قياس محض، والتستر بكونه أولى
وأنه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى لا يجدي نفعا، على أنه لو ثبتت الأولوية فالخروج
عن القياس محل بحث قد سلف تحقيقه في مقدمات الكتاب. نعم يمكن أن يقال إن
ظاهر اطلاق صحيحة ابن سنان المتقدمة يشمل المصلي منفردا وأكثر الأصحاب لم
يذكروها في أدلة المسألة وإنما ذكروا الروايتين الأخيرتين المشتملتين على الجماعة، إلا أن
لقائل أن يقول يمكن أن يكون اطلاقها محمولا على تقييد الروايتين المذكورتين. وبالجملة
فإن مقتضى الأدلة ثبوت الأذان والإقامة مطلقا إلا ما قام الدليل الواضح على خروجه
فيجب الحكم به ويبقى ما عداه، ويعضد اقتضاء الاحتياط ذلك.
(الثالث) - المستفاد من روايتي أبي مريم وعمرو بن خالد الاجتزاء بسماع
الإقامة أيضا إلا أن رواية أبي مريم قيدته بعدم الكلام بعد الإقامة أو في خلالها.
وهو جيد لما عرفت آنفا من أن الكلام في الإقامة أو بعدها موجب لإعادتها ففي
السماع بطريق أولى (1).
(الرابع) - هل يستحب إعادة الأذان والإقامة في هذه الصورة للسامع
المنفرد على القول به أو للإمام أو لمؤذنه في الجماعة أم لا؟ وجهان أقربهما نعم لظاهر
صحيحة ابن سنان فإن ظاهر قوله: " وأنت تريد أن تصلي بأذانه " التخيير بين الصلاة
وعدمها، ويؤيده أن ظاهر سياق رواية أبي مريم المذكورة أن جميع ما ذكر فيها إنما خرج
مخرج الرخص، وإلى ما ذكرنا يميل كلام السيد السند في المدارك والفاضل الخراساني

(1) أنظر إلى أنه كيف عمل بالأولوية في المقام مع نفيه ذلك في غير مقام لا سيما
الموضع الثاني المتقدم على هذا الموضع فافهم. سيد على " قدس سره ".
430

في الذخيرة. وأولى بالإعادة ما إذا اتسع الوقت بين الأذان المسموع وبين صلاة المصلي به
وظاهر الشهيد في الذكرى التوقف في ذلك حيث قال: وهل يستحب تكرار
الأذان والإقامة للإمام السامع أو لمؤذنه أو للمنفرد؟ يحتمل ذلك وخصوصا مع اتساع
الوقت. أقول قد تقدم أن المنفرد إذا أذن ثم أراد الجماعة أعاد أذانه والفرق بينه وبين
السامع غير ظاهر.
وكيف كان فإنه يجب أن يستثنى من هذا الحكم المؤذن والمقيم للجماعة فإنه
لا يستحب الإعادة معه لأن أذانه وإقامته لهم، واستدل عليه باطباق المسلمين كافة على
تركه ولو كان مستحبا لما أطبقوا على تركه.
(الخامس) - قال الشيخ في المبسوط إذا أذن في مسجد دفعة لصلاة بعينها
كان ذلك كافيا لكل من يصلي تلك الصلاة في ذلك المسجد ويجوز له أن يؤذن ويقيم
في ما بينه وبين نفسه وإن لم يفعل فلا شئ عليه. انتهى. ووجهه غير واضح.
(الموضع الرابع) قال في الشرائع: من أحدث في أثناء الصلاة تطهر وأعادها ولا
يعيد الإقامة إلا أن يتكلم. انتهى. وظاهره أن الحدث في الصلاة لا يوجب إعادة
الإقامة مع أنه قد صرح قبل هذه المسألة بأن من أحدث في أثناء الإقامة فالأفضل أن يعيد
الإقامة. وربما ظهر من كلامه في الموضعين الفرق بين الحدث في أثناء الإقامة فإنه يعيدها
وبينه في أثناء الصلاة فلا يعيدها. وهو مشكل.
ومما يدل على إعادة الإقامة بتخلل الحدث ما رواه الحميري في قرب الإسناد عن
علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) (1) قال: " سألته عن المؤذن يحدث في أذانه
أو في إقامته؟ قال إن كان الحدث في الأذان فلا بأس وإن كان في الإقامة فليتوضأ
وليقم إقامة ".
والسيد السند في المدارك إنما استدل على ذلك بخبر أبي هارون المكفوف المتقدم

(1) الوسائل الباب 9 من الأذان والإقامة
431

وقوله (عليه السلام) فيه: " الإقامة من الصلاة ثم قال ومن حكم الصلاة الاستئناف
بطرو الحدث في أثنائها فتكون لإقامة كذلك انتهى. وهو ناشئ عن عدم اطلاعه
على الخبر المذكور.
وكيف كان فالظاهر هو إعادة الإقامة في صورة بطلان الصلاة بتخلل الحدث
لأنه لا يخرج عن وقوع الحدث بعد الإقامة وهو موجب لإعادتها.
(الموضع الخامس) - من صلى خلف من لا يقتدى به أذن لنفسه وأقام فإن
خشي فوت الركعة اقتصر على " قد قامت الصلاة " مرتين وتثنية التكبير والتهليل مرة،
قالوا ويأتي ببقية ما يتركه المؤذن بمعنى أنه إذا أخل بشئ من فصول الأذان استحب
للمأموم الاتيان به.
فأما ما يدل على الحكم الأول فما رواه الشيخ عن محمد بن عذافر عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: " أذن خلف من قرأت خلفه " ورواه الصدوق مرسلا (2)
وما تقدم في موثقة عمار المتقدمة في صدر المقام الأول (3) من قوله (عليه السلام)
حيث " سئل عن الأذان هل يجوز أن يكون من غير عارف؟ قال لا يستقيم الأذان ولا
يجوز أن يؤذن به إلا رجل مسلم عارف فإن علم الأذان وأذن به ولم يكن عارفا لم يجزئ
أذانه ولا إقامته ولا يقتدى به ".
وأما ما يدل على الحكم الثاني فهو ما رواه في الكافي عن معاذ بن كثير عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: " إذا دخل الرجل المسجد وهو لا يأتم بصاحبه
وقد بقي على الإمام آية أو آيتان فخشى أن هو أذن وأقام أن يركع فليقل (قد قامت
الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله) وليدخل في الصلاة ".
وعبارات الأصحاب هنا لا تخلو من خلل حيث إنهم عبروا بقولهم اقتصر على
تكبيرتين وقوله " قد قامت الصلاة ".

(1) الوسائل الباب 34 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 34 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 26 من الأذان والإقامة
(4) الوسائل الباب 34 من الأذان والإقامة
432

قال في المدارك بعد ذكر عبارة المصنف بالصورة المذكورة والاستدلال لهم بالرواية
المذكورة: وعبارات الأصحاب قاصرة عن إفادة ما تضمنته فصولا وترتيبا، ثم اعترض
الرواية بأنها ضعيفة السند ومقتضاها تقديم الذكر المستحب على القراءة الواجبة وهو مشكل
جدا، قال ومن ثم حمل جدي (قدس سره) في بعض حواشيه عبارة المصنف على أن المراد
بفوات الصلاة فوات ما يعتبر في الركعة من القراءة وغيرها، وهو مع مخالفته للظاهر
بعيد عن مدلول الرواية إلا أنه لا بأس بالمصير إليه. انتهى.
أقول: أما الطعن بضعف الرواية فقد عرفت ما فيه في غير موضع. وأما
الاستشكال من حيث دلالتها على تقديم الذكر المستحب على القراءة الواجبة فليس في
محله مع دلالة النص عليه.
ويؤيد ذلك ما هو أظهر دلالة على هذا الحكم كما رواه الشيخ في التهذيب عن
أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أحمد بن عائذ (1) قال: " قلت لأبي الحسن (عليه
السلام) إني أدخل مع هؤلاء في صلاة المغرب فيعجلونني إلى ما أن أؤذن وأقيم فلا أقرأ
شيئا حتى إذا ركعوا أركع معهم أفيجزئني ذلك؟ قال نعم ".
وهذا الخبر وإن حمله الشيخ في التهذيب على أنه لم يزد على الحمد إلا أنه جوز أيضا
تخصيصه بحال التقية وهو الأظهر بسياق الخبر المذكور مع الخبر المتقدم. وأما حمله على قراءة
الحمد وأنه لم يتمكن من الزيادة عليها فهو أبعد بعيد عن سياق الخبر.
وأما حمل جده الفوات على ما ذكره ففيه أن الرواية ظاهرة في خوف فوات
الركوع لقوله " فخشي إن هو أذن وأقام أن يركع " لا فوات الصلاة. ثم تأويله بفوات
ما يعتبر في الركعة من القراءة فإنه تكلف لا ضرورة تلجئ إليه مع وضوح النصوص

(1) التهذيب ج 1 ص 256 ورواه أيضا في ص 256 عن البزنطي عن أبي الحسن " ع "
إلا أن فيه هكذا " ولا أقرأ إلا الحمد حتى يركع " ورواه في الوسائل بالاسناد الثاني
في الباب 33 من صلاة الجماعة.
433

في المطلوب، وهذا الاستبعاد الذي أوجب لهم هذه التكلفات مدفوع بظاهر الخبرين المذكورين.
وأما ما ذكروه من استحباب اتيان المأموم بما أخل به الإمام المخالف أو مؤذنه
من الفصول فهو لا يخلو من الاشكال لدلالة الخبرين المتقدمين على عدم الاعتداد بأذان
المخالف وأنه يستحب للمأموم الاتيان بالأذان والإقامة لنفسه كما هو أصل المسألة فكيف
يعتد بأذان المخالف ويبنى عليه ويتم ما نقصه؟ وما تكلفه شراح كلامهم في هذا المقام
لهذه العبارة - من أن ذلك مستحب برأسه وإن كان الأذان غير معتمد به أو جعل هذه
المسألة منفصلة عن الكلام السابق وأنها محمولة على غير المخالف كناسي بعض فصول
الأذان أو تاركه أو تارك الجهر تقية - فهو تمحل بعيد عن سياق كلام أولئك القائلين
والله العالم.
ختام به الاتمام يشتمل على فصول من الأحكام
فصل
الأذان عند أهل البيت (صلوات الله عليهم) وحي نزل به جبرئيل (عليه
السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأذن له به في صلاته بالنبيين والملائكة
في حديث المعراج.
وأطبق المخالفون على خلاف ذلك واحتجوا بما رواه عبد الله بن زيد (1) قال " لما
أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالناقوس ليجتمع به الناس طاف بي وأنا نائم
رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت أتبيع الناقوس؟ فقال وما تصنع به؟ قلت ندعو به
الناس إلى الصلاة. فقال ألا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ قلت بلى. قال تقول: الله
أكبر... إلى آخر الأذان، قال ثم استأخر غير بعيد ثم قال تقول إذا قمت إلى الصلاة: الله
أكبر... إلى آخر الإقامة، فلما أصبحت أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)

(1) تيسير الوصول ج 2 ص 209 باختلاف في بعض الألفاظ
434

فأخبرته بما رأيت فقال إنها رؤيا حق إن شاء الله تعالى فقم مع بلال فالق عليه ما رأيت
فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك فقمت مع بلال فجعلت ألقي عليه ويؤذن به فسمع ذلك
عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه فقال يا رسول الله (صلى الله عليه
وآله) والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى فقال رسول الله (صلى الله عليه
وآله) فلله الحمد ".
أقول: وقد كذب أهل البيت (عليهم السلام) هذه الرواية واستفاضت أخبارهم
بأن الأذان والإقامة وحي من الله عز وجل كما ذكرناه:
فروى ثقة الاسلام في الكافي في الصحيح أو الحسن عن منصور بن حازم عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " لما هبط جبرائيل (عليه السلام) بالأذان على
رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان رأسه في حجر علي (عليه السلام) فأذن
جبرئيل وأقام فلما انتبه رسول الله (صلى الله عليه وآله قال يا علي سمعت؟ قال نعم
قال حفظت؟ قال نعم. قال ادع لي بلالا فعلمه فدعا علي (عليه السلام) بلالا فعلمه "
ورواه الصدوق بطريقه إلى منصور بن حازم.
وفي الصحيح عن زرارة والفضيل عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال:
" لما أسرى برسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى السماء فبلغ البيت المعمور وحضرت
الصلاة فأذن جبرئيل (عليه السلام) وأقام فتقدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصف
الملائكة والنبيون خلف محمد صلى الله عليه وآله ".
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالة على صلاة النبي (صلى الله عليه وآله)
بالملائكة في السماء أيضا وكلها واردة في أخبار المعراج.
قال ابن أبي عقيل من متقدمي علمائنا: أطبقت الشيعة (3) على أن الصادق (عليه
السلام) لعن قوما زعموا أن النبي (صلى الله عليه وآله) أخذ الأذان من عبد الله بن

(1) الوسائل الباب 1 من الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 1 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 1 من الأذان والإقامة
435

زيد فقال ينزل الوحي على نبيكم فتزعمون أنه أخذ الأذان من عبد الله بن زيد.
أقول: هذه الرواية قد نقلها في كتاب دعائم الاسلام عن الحسين (عليه السلام) (1)
قال: " وروينا عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) عن أبيه عن جده عن الحسين بن علي
(عليهما السلام) أنه سئل عن قول الناس في الأذان إن السبب كان فيه رؤيا رآها عبد الله بن زيد
فأخبر النبي (صلى الله عليه وآله) فأمر بالأذان؟ فقال (عليه السلام) الوحي ينزل على
نبيكم وتزعمون أنه أخذ الأذان من عبد الله بن زيد والأذان وجه دينكم؟ وغضب وقال
بل سمعت أبي علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول أهبط الله ملكا حتى عرج
برسول الله صلى الله عليه وآله... " وساق حديث المعراج بطوله وما وقع فيه من
الأذان والإقامة والصلاة.
وقال السيد الزاهد العابد المجاهد رضي الدين بن طاووس (نور الله تعالى مرقده)
في كتاب الطرائف: ومن طريق ما سمعت ووقفت عليه أن أبا داود وابن ماجة ذكرا في
كتاب السنن (2) " أن النبي (صلى الله عليه وآله) هم بالبوق وأمر بالناقوس فأري عبد الله
بن زيد في المنام رجلا عليه ثوبان أخضران فعلمه الأذان ".
أقول: وقد وقع في بعض الأخبار نسبة الرؤيا المذكورة إلى أبي بن كعب وهو
ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن عمر بن أذينة عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (3) قال: " ما تروي هذه الناصبة؟ فقلت جعلت فداك فيماذا؟ فقال في
أذانهم وركوعهم وسجودهم. فقلت إنهم يقولون إن أبي بن كعب رآه في النوم فقال
كذبوا فإن دين الله أعز من أن يرى في النوم. قال فقال هل له سدير الصيرفي جعلت فداك
فأحدث لنا من ذلك ذكرا فقال أبو عبد الله (عليه السلام) أن الله تعالى لما عرج بنبيه

(1) مستدرك الوسائل الباب 1 من الأذان والإقامة
(2) سنن أبي داود ج 1 ص 195 إلى 200 وسنن ابن ماجة ج 1 ص 239
(3) الوافي باب بدو الصلاة وعللها وروى في الوسائل قطعة منه في الباب 15 من الوضوء
436

(صلى الله عليه وآله) إلى سماواته السبع... " ثم ساق (عليه السلام) الخبر وهو طويل
جدا يشتمل على الأذان والصلاة وأن ذلك كان في مبدأ التكليف. وما اشتمل عليه
هذا الخبر من نسبة الرؤيا إلى أبي بن كعب خلاف ما اشتهر بين الخاصة والعامة من أنه عبد الله بن زيد كما تقدم. والله العالم.
فصل
روى الصدوق في كتاب العلل والعيون عن الفضل بن شاذان في ما رواه من العلل
عن الرضا (عليه السلام) (1) " فإن قال: أخبرني عن الأذان لم أمروا به؟ قيل لعلل
كثيرة: منها - أن يكون تذكيرا للساهي وتنبيها للغافل وتعريفا لمن جهل الوقت واشتغل
عن الصلاة وليكون ذلك داعيا إلى عبادة الخالق مرغبا فيها مقرا له بالتوحيد مجاهرا
بالايمان معلنا بالاسلام مؤذنا لمن ينساها وإنما يقال مؤذن لأنه يؤذن بالصلاة، فإن قال
فلم بدئ فيه بالتكبير قبل التهليل؟ قيل لأنه أراد أن يبدأ بذكره واسمه لأن اسم الله تعالى
في التكبير في أول الحرف وفي التهليل في آخر الحرف فبدأ بالحرف الذي اسم الله في
أوله لا في آخره، فإن قال فلم جعل مثنى مثنى؟ قيل لأن يكون مكررا في آذان المستمعين
مؤكدا عليهم إن سها أحد عن الأول لم يسه عن الثاني ولأن الصلاة ركعتان ركعتان
فلذلك جعل الأذان مثنى مثنى، فإن قال لم يجعل التكبير في أول الأذان أربعا؟ قيل لأن
أول الأذان إنما يبدو غفلة وليس قبله كلام ينبه المستمع له فجعل ذلك تنبيها للمستمعين لما
بعده في الأذان، فإن قال لم جعل بعد التكبير شهادتين؟ قيل لأن أول الايمان إنما هو التوحيد
والاقرار لله عز وجل بالوحدانية والثاني الاقرار للرسول بالرسالة وأن طاعتهما ومعرفتهما
مقرونتان، ولأن أصل الايمان إنما هو الشهادة فجعل شهادتين شهادتين في الأذان كما جعل
في سائر الحقوق شهادتين، فإذا أقر الله بالوحدانية وأقر للرسول بالرسالة فقد أقر بجملة

(1) الوسائل الباب 19 من الأذان والإقامة
437

الايمان لأن أصل الايمان إنما هو الاقرار بالله وبرسوله، فإن قال فلم جعل بعد
الشهادتين الدعاء إلى الصلاة؟ قيل لأن الأذان إنما وضع لموضع الصلاة وهو نداء إلى الصلاة
فجعل النداء إلى الصلاة في وسط الأذان فقدم المؤذن قبلها أربعا: التكبيرتين والشهادتين
وأخر بعدها أربعا: يدعو إلى الفلاح حثا على البر والصلاة ثم دعا إلى خير العمل مرغبا فيها
وفي عملها وفي أدائها ثم نادى بالتكبير والتهليل ليتم بعدها أربعا كما أتم قبلها أربعا وليختم
كلامه بذكر لله تعالى كما فتحه بذكر الله، فإن قال فلم جعل آخرها التهليل ولم يجعل
آخرها التكبير كما جعل في أولها التكبير؟ قيل لأن التهليل اسم الله في آخره فأحب الله
أن يختم الكلام باسمه كما فتحه باسمه، فإن قال فلم لم يجعل بدل التهليل التسبيح والتحميد
مع أن اسم الله في آخرها؟ قيل لأن التهليل هو اقرار لله تعالى بالتوحيد وخلع الأنداد
من دون الله تعالى وهو أول الايمان وأعظم من التسبيح والتحميد ".
فصل
روى الصدوق في كتاب العلل بسنده عن ابن أبي عمير (1) " أنه سأل أبا الحسن
(عليه السلام) عن (حي على خير العمل) لم تركت من الأذان؟ فقال تريد العلة الظاهرة
أو الباطنة؟ قلت أريدهما جميعا. فقال أما العلة الظاهرة فلئلا يدع الناس الجهاد اتكالا
على الصلاة وأما الباطنة فإن خير العمل الولاية فأراد من أمر بترك (حي على خير العمل)
من الأذان أن لا يقع حث عليها ودعاء إليها ".
وروى في الكتاب المذكور بسنده عن عكرمة (2) قال: " قلت لابن عباس
أخبرني لأي شئ حذف من الأذان " حي على خير العمل "؟ قال أراد عمر بذلك أن
لا يتكل الناس على الصلاة ويدعوا الجهاد فلذلك حذفها من الأذان ".
ونظير هذا التعليل العليل ما نقله أولياؤه عنه أيضا في تحريم متعة الحج من قوله (3)

(1) الوسائل الباب 19 من الأذان والإقامة
(2) البحار ج 18 الصلاة ص 170
(3) الوسائل الباب 2 من أقسام الحج
438

" كرهت أن يخرجوا إلى الحج ورؤوسهم تقطر من نسائهم " (1) وقوله " كرهت أن يكونوا معرسين تحت الأراك ثم يخرجون إلى الحج ورؤوسهم تقطر من نسائهم " أرأيت
أن الله عز وجل الذي أمر بهذين الحكمين لا يعلم بهذا الأمر الذي علل هذا المرتد به
في كل من الموضعين فذهب ذلك عن علم الله سبحانه وإنما اهتدى إليه هو؟ ولقد صدق
عليه قوله عز وجل " ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم " (2).
وروى في كتاب معاني الأخبار بسنده عن محمد بن مروان عن أبي جعفر (عليه
السلام) (3) قال: " أتدري ما تفسير (حي على خير العمل)؟ قال قلت لا. قال دعاك
إلى البر أتدري بر من؟ قلت لا. قال إلى بر فاطمة وولدها (عليهم السلام) ".
أقول: لا منافاة بين هذه الأخبار وبين ما تقدم في علل الفضل بن شاذان من
تفسير خير العمل بالصلاة فإن أخبارهم كالقرآن لها ظهر وبطن.
وفي كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم (4) قال: " علة الأذان
أن تكبر الله وتعظمه وتقر بتوحيد الله وبالنبوة والرسالة وتدعو إلى الصلاة وتحث على
الزكاة، ومعنى الأذان الاعلام لقوله تعالى: " وأذان من الله ورسوله إلى الناس " (5)
أي اعلام وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) " كنت أنا الأذان في الناس بالحج "
وقوله " وأذن في الناس بالحج " (6) أي أعلمهم وادعهم، فمعنى " الله " أنه يخرج الشئ
من حد العدم إلى حد الوجود ويخترع الأشياء لا من شئ وكل مخلوق دونه يخترع
الأشياء من شئ إلا الله فهذا معنى " الله " وذلك فرق بينه وبين المحدث، ومعنى
" أكبر " أي أكبر من أن يوصف في الأول وأكبر من كل شئ لما خلق الشئ،

(1) تيسير الوصول ج 1 ص 288
(2) سورة محمد، الآية 10
(3) البحار ج 18 الصلاة ص 170
(4) مستدرك الوسائل نوادر ما يتعلق بأبواب الأذان والإقامة
(5) سورة التوبة، الآية 3
(6) سورة الحج، الآية 28
439

ومعنى قوله " أشهد أن لا إله إلا الله " اقرار بالتوحيد ونفي الأنداد وخلعها وكل ما يعبد
من دون الله، ومعنى " أشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله " اقرار بالرسالة
والنبوة وتعظيم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وذلك قول الله عز وجل " ورفعنا
لك ذكرك " (1) أي تذكر معي إذا ذكرت، ومعنى " حي على الصلاة " أي حث على الصلاة
ومعنى " حي على الفلاح " أي حث على الزكاة، وقوله " حي على خير العمل " أي
حث على الولاية، وعلة أنها خير العمل أن الأعمال كلها بها تقبل (2) " الله أكبر الله
أكبر لا إله إلا الله محمد رسول الله " فألقى معاوية من آخر الأذان " محمد رسول الله "
(صلى الله عليه وآله) فقال أما يرضى محمد أن يذكر في أول الأذان حتى يذكر في آخره.
ومعنى الإقامة هي الإجابة والوجوب ومعنى كلماتها فهي التي ذكرناها في الأذان، ومعنى
" قد قامت الصلاة " أي قد وجبت الصلاة وحانت وأقيمت، وأما العلة فيها فقال
الصادق (عليه السلام) إذا أذنت وصليت صلى خلفك صف من الملائكة وإذا أذنت
وأقمت صلى خلفك صفان من الملائكة. ولا يجوز ترك الأذان إلا في صلاة الظهر والعصر
والعتمة يجوز في هذه الصلوات الثلاث إقامة بلا أذان والأذان أفضل ولا تجعل ذلك
عادة. ولا يجوز ترك الأذان والإقامة في صلاة المغرب وصلاة الفجر، والعلة في ذلك أن هاتين الصلاتين تحضرهما ملائكة الليل وملائكة النهار ".
قال في البحار بعد نقل ذلك: لعل الحث على الزكاة في الأذان لكون قبول
الصلاة مشروطا بها وكون الشهادة بالرسالة في آخر الأذان غريب لم أره في غير هذا الكتاب
فصل
روى الصدوق في كتاب ثواب الأعمال والمجالس والعيون بسنده عن عباس

(1) سورة الانشراح، والآية 4
(2) هكذا عبارة الحديث في المستدرك والبحار ج 18 الصلاة ص 178
440

مولى الرضا (عليه السلام) (1) قال: " سمعته يقول من قال حين يسمع أذان الصبح:
اللهم إني أسألك باقبال نهارك وادبار ليلك وحضور صلواتك وأصوات دعاتك وتسبيح
ملائكتك أن تتوب علي إنك أنت التواب الرحيم وقال مثل ذلك إذا سمع أذان المغرب
ثم مات من يومه أو من ليلته تلك كان تائبا ".
أقول: في رواية المجالس (2) " كان أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول. "
وفي كتاب مصباح الشيخ (3) " أذن للمغرب وقل وذكر الدعاء. قال في البحار: الباء
في قولك " باقبال نهارك " أما سببية أي كما أنعمت علي بتلك النعم فأنعم علي بتوفيق
التوبة أو بقبولها، أو قسمية، ويحتمل الظرفية على بعد، قوله " دعاتك " في بعض النسخ
بالهمزة وفي بعضها بالتاء جمع داع كقاض وقضاة، وبعده " وتسبيح ملائكتك "
في أكثر الروايات وليس في بعضها.
وقال في كتاب الفقه الرضوي (4): " تقول بين الأذان والإقامة في جميع الصلوات
اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة صلى على محمد وآل محمد واعط محمدا (صلى
الله عليه وآله) يوم القيامة سؤله آمين رب العالمين اللهم إني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة
محمد (صلى الله عليه وآله) وأقدمهم بين يدي حوائجي كلها فصل عليهم واجعلني بهم وجيها
في الدنيا والآخرة ومن المقربين واجعل صلاتي بهم مقبولة ودعائي بهم مستجابا وامنن
علي بطاعتهم يا أرحم الراحمين. تقول هذا في جميع الصلوات وتقول بعد أذان الفجر
اللهم إني أسألك باقبال نهارك... إلى آخر ما مر، وإن أحببت أن تجلس بين الأذان
والإقامة فافعل فإن فيه فضلا كثيرا... إلى آخر ما تقدم في مسألة استحباب الفضل
بين الأذان والإقامة.

(1) الوسائل الباب 43 من الأذان والإقامة
(2) البحار ح 18 الصلاة ص 179
(3) البحار ح 18 الصلاة ص 179
(4) ص 6
441

وقال الشيخ في المصباح (1): يستحب أن يقول في السجدة بين الأذان والإقامة
" اللهم اجعل قلبي بارا ورزقي دارا واجعل لي عند قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)
مستقرا وقرارا " وفي كتاب البلد الأمين (2) "... ورزقي دارا وعيشي قارا واجعل لي عند
قبر نبيك محمد صلى الله عليه وآله... " وفي الرسالة النفلية (3) "... وعيشي قارا ورزقي
دارا... " وفي بعض كتب الدعاء (4) بعد ذلك " وعلمي سارا " وفي بعضها (5) " عند
رسولك " بغير القبر. وفي الكافي في حديث مرفوع (6) " يقول الرجل إذا فرغ من الأذان
وجلس: اللهم اجعل قلبي بارا ورزقي دارا واجعل لي عند قبر نبيك قرارا ومستقرا ".
قال شيخنا الشهيد الثاني في شرح النفلية (7): " اللهم اجعل قلبي بارا " البار
المطيع والمحسن والمعنى عليهما سؤال الله أن يجعل قلبه مطيعا لسيده وخالقه ومحسنا في
تقلباته وحركاته وسكناته فإن الأعضاء تتبعه في ذلك كله " وعيشي قارا " الأجود
كون القار هنا متعديا والمفعول محذوفا أي قارا لعيني، يقال أقر الله عينك أي صادف
فؤادك ما يرضيك من العيش فتقر عينك من النظر إلى غيره قاله الهروي. ويجوز كونه
لازما أي مستقرا لا يحوج إلى الخروج إليه في سفر ونحوه، وقد روي " أن من سعادة
الرجل أن تكون معيشته في بلده " أو قارا في الحالة المهناة لا يتكدر بشئ من المنقصات
فيضطرب " ورزقي دارا " أي يزيد ويتجدد شيئا فشيئا كما يدر اللبن " واجعل لي عند
قبر رسولك مستقرا وقرارا " المستقر المكان والقرار المقام أي اجعل لي عنده مكانا أقر
فيه. وقيل هما مترادفان. ونقل المصنف في بعض تحقيقاته أن المستقر في الدنيا والقرار
في الآخرة كأنه يسأل أن يكون المحيى والممات عنده واختص الدنيا بالمستقر لقوله تعالى
" ولكم في الأرض مستقر " (8) والآخرة بالقرار لقوله تعالى " وأن الآخرة هي دار

(1) البحار ج 18 الصلاة ص 181
(2) البحار ج 18 الصلاة ص 181
(3) البحار ج 18 الصلاة ص 181
(4) البحار ج 18 الصلاة ص 181
(5) البحار ج 18 الصلاة ص 181
(6) الوسائل الباب 12 من الأذان والإقامة
(7) البحار ج 18 الصلاة ص 181
(8) سورة البقرة، الآية 34
442

القرار " (1) وفيه أن القبر لا يكون في الآخرة واطلاق الآخرة على الممات خاصة بعيد
نعم في بعض روايات الحديث " واجعل لي عند رسولك " بغير ذكر القبر ويمكن
تنزيل التأويل حينئذ عليه بأن يكون السؤال بأن يكون مقامه في الدنيا والآخرة في جواره
(صلى الله عليه وآله) انتهى كلامه زيد مقامه.
أقول: الظاهر أن استدراك شيخنا المذكور على المصنف ليس في محله فإن باب
المجاز واسع وقد ورد " أن من مات فقد قامت قيامته " مع أن الموت والانتقال إلى عالم
البرزخ ليس من القيامة حقيقة التي هي الدار الآخرة. وبالجملة فباب التجوز أوسع من
ذلك. والله العالم.

(1) سورة المؤمن، الآية 42
443