الكتاب: مشارق الشموس (ط.ق)
المؤلف: المحقق الخوانساري
الجزء: ١
الوفاة: ١٠٩٩
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
ردمك:
ملاحظات: طبعة حجرية

مشارق الشموس
في
شرح الدروس
للمولى المحقق المدقق العلامة
حسين بن جمال الدين محمد الخوانساري
مؤسسة آل البيت عليهم السلام
لإحياء التراث
1

ترجمة المصنف قدس سره ملخصا عن كتاب روضات الجنات التي ألفها
العالم الفاضل الكامل البارع سناد الفقهاء والمحققين سيد العلماء و
المجتهدين السيد محمد باقر الخوانساري دام ظله العالي وهو
الشيخ الشهيد والسمح السعيد والركن العميد والقطب الحميد شمس الملة والدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ جمال الدين مكي بن الشيخ شمس
الدين محمد بن حامد بن أحمد النبطي العاملي الجزيني وهذا الرجل الاجل الأبجل هو المراد بالشهيد الأول وبالشهيد المطلق أيضا في كلمات جميع أهل
الحق وكان (ره) بعد مولانا المحقق على الاطلاق أفقه جميع فقهاء الآفاق وأفضل من انعقد على كمال خبرته واستاديته اتفاق محل الوفاق وتوحدة في حدود الفقه وقواعد الاحكام مثل تفرد شيخنا الصدوق (ره) في نقل أحاديث أهل البيت الكرام عليهم السلام والمحقق الخوانساري في توقد
القريحة والتصرف الجيد في كل مقام وقد كان معظم اشتغاله في العلوم عند فخر الدين بن العلامة المرحوم وله الرواية أيضا عنه بالإجازة التي
كتبها له بخطه الشريف على ظهر كتاب القواعد عند قرائته عليه ومن جملة ما كتبه هناك فيما نقل عنه قدس سره ما صورته هكذا قرأ على
مولينا الإمام العلامة الأعظم أفضل علماء العالم سيد فضلاء بني آدم مولانا شمس الحق والدين محمد بن مكي بن محمد بن حامد أدام الله أيامه من
هذا الكتاب مشكلاته إلى أن كتب وأجزت له رواية جميع كتب والدي قدس سره وجميع ما صنفه أصحابنا المتقدمون رضي الله عنهم عنى عن والدي عنهم
بالطرق المذكورة لها إلى آخر ما ذكره ومن جملة أساتيده الكابرين أيضا المجايزين له في الاجتهادات والرواية هما الاخوان المعظمان المسلمان المقدمان
السيد عميد الدين عبد المطلب والسيد ضياء الدين عبد الله الحليان الحسينيان وله الرواية أيضا بالإجازة وغيرها عن جماعة أخرى كابرين و
معتمدين من المحدثين والمجتهدين ويروى أيضا مصنفات العامة عن نحو أربعين شيخا من علمائهم كما ذكره في بعض إجازاته وأما الاخذ منه والرواية
عنه والتلمذ لديه فهي أيضا لجمله من علمائنا الأعيان وجملة من عظماء ذلك الزمان منهم أبنائه الأمجاد الثلاثة ومنهم الشيخ مقداد السيودي صاحب
كتاب التنقيح وغيره والشيخ حسن بن سليمان الحلي صاحب مختصر بصائر الدرجات والسيد بدر الدين حسن بن أيوب الشهير بابن نجم الدين الأعرج
الحسيني ومنهم الشيخ شمس الدين محمد بن فجده الشهير بابن عبد العالي ومنهم الشيخ شمس الدين محمد بن عبد العالي الكركي ومنهم الشيخ زين الدين علي بن
الخازن الحايري شيخ رواية أحمد بن فهد الحلي فمما صنفه (ره) كتاب القواعد والفوائد في الفقه مختصر يشتمل على ضوابط كلية أصولية وفرعية يستنبط
منها أحكام شرعية لم يعمل الأصحاب مثله ومن ذلك كتاب الدروس الشرعية في فقه الامامية ومن ذلك كتاب غاية المراد في شرح الارشاد في الفقه ومن ذلك شرح التهذيب
الجمالي في أصول الفقه ومن ذلك كتاب اللمعة الدمشقية مختصر لطيف في الفقه ومن ذلك رسالتان في الصلاة تشتملان على حصر فرضها ونفلها في أربعة آلاف مسألة
مجازاة لقولهم عليهم السلام للصلاة أربعة آلاف باب وغير ذلك هذا وقد ذكره صاحب الامل بعنوان الشيخ شمس الدين أبو عبد الله الشهيد محمد بن مكي العاملي الجريني
وقال في صفته كان عالما ماهرا فقيها محدثا ثقة متبحرا كاملا جامعا لفنون العقليات والنقليات زاهدا عابدا ورعا شاعرا أديبا منشيا فريد دهره
وعديم النظير في زمانه روى عن الشيخ فخر الدين محمد بن العلامة وعن جماعة كثيرة من علماء الخاصة والعامة وكانت وفاته (ره) سنة ست وثمانين وسبعمائة 786
التاسع من جمادى الأولى قتل بالسيف ثم صلب ثم رجم بدمشق في دولت بيدمرر وسلطنة برقوق بفتوى القاضي برهان الدين المالكي وعباد بن جماعة
الشافعي بعد ما حبس سنة كاملة في قلعة الشام وفي مدة الحبس ألف اللمعة الدمشقية في سبعة أيام وما كان تحضره من كتب الفقه غير المختصر النافع وكان سبب
حبسه وقتله إنه وشى به رجل من أعدائه وكتب محضر يشتمل على مقالات شنيعة عند العامة من مقالات الشيعة وغيرهم وشهد بذلك جماعة كثيرة
وكتبوا عليه شهاداتهم وثبت ذلك عند قاضي صيدا ثم أتوا به إلى قاضي الشام فحبس سنة ثم أفتى الشافعي بتوبته والمالكي بقتله فتوقف في التوبة خوفا
من أن يثبت عليه الذنب وأنكر ما نسبوه إليه للتقية فقالوا قد ثبت ذلك عليك وحكم القاضي لا ينقض والانكار لا يفيد فغلب رأى المالكي لكثرة
المتعصبين عليه فقتل ثم صلب ورجم ثم أحرق قدس الله روحه سمعنا ذلك من بعض المشايخ وذكر إنه وجده بخط المقداد تلميذ الشهيد (ره)
انتهى كلام الامل
2

ترجمة الشارح قدس سره ملخصا عن كتاب روضات الجنات أيضا وهو
أستاذ الكل في الكل عند الكل وجنة العلم والفضل الدائمة الاكل بحر البهية ونهرها الجاري وكنز الحكمة ورشحها الساري الآقا حسين بن الفاضل
الكامل جمال الدين محمد الخوانساري أفيضت على تربته الزاكية سبحان رحمة ربه الباري أصله ومولده القصبة المدعوة بخوانسار وكان رحمه الله
قد انتقل من قبل بلوغه الأشد إلى أصفهان لاستفادة العلوم واكتساب الحكم والمعارف من علمائها الأعيان ونزل في مدرسته خواجة ملك التي هي
بجنب مسجد الشيخ لطف الله الواقع في ميدان الشاه فبقي رحمه الله هنالك مشغولا بالإفاضة والارشاد غب استفاضته على حسب المراد من ميامن أنفاس كل أستاذ
إلى أن جاء بمرور قليل من الدهر فائقا على سائر أساتيد علوم السر والجهر وقد ذكره صاحب مناقب الفضلاء بهذه العبارة ومنهم العلامة الفهامة
المحقق المدقق النحرير أفضل العلماء في القرون والأدوار ومفخر الفضلاء في الأمصار والأقطار أستاذ الحكماء والمتكلمين ومربي الفقهاء والمحدثين
محط رجال أفاضل الزمان ومرجع الفضلاء في جميع الأحيان أكمل المتبحرين وأفضل المتقدمين والمتأخرين المعروف بطنطنة الفضل بين لا بمتى
المشرقين المولى الثقة العدل آقا حسين أجله الله أعلى غرف الجنان وأفاض على تربته شآبيب الغفران وقال صاحب السلافة موردا إياه في زمرة
علماء عصره ومنهم الآقا حسين الخوانساري علامة هذا العصر الذي عليه المدار وإمامه الذي يخضع لمقداره الاقدار وفي أمل الآمل إنه
فاضل عالم حكيم متكلم محقق مدقق ثقة جليل القدر عظيم الشأن علامة العلماء فريد العصر له مؤلفات منها شرح الدروس حسن لم يتم وعده
كتب في الكلام والحكمة وترجمة القرآن الكريم وترجمة الصحيفة وغير ذلك من المعاصرين أطال الله بقائه أقول وشرحه المشار إليه على الدروس
كبير موسوم بمشارق الشموس لم يصنف مثله في كثرة التحقيق وجوده الاستدلال وحسن البيان وتفصيل المطلب والاستمال على أغلب القواعد
الأصولية والضوابط الاجتهادية قال صاحب رياض العلماء عقيب نبذ واف من محامد أوصافه الباهرة قد قرأ عليه فضلاء الزمان والعلماء
الأعيان في المعقول والمنقول والفروع والأصول لم ير عين الزمان بمن يدانيه فكيف بمن يساويه ولعمر الله إنه كان عين الكمال فأصابه عين الكمال وكان
ظهرا وظهيرا لكافة أهل العلم وحصنا حصينا لأرباب الفضل والسلم وهو قدس سره كما قد أخبر عن درجة نفسه من باب لطيفة خاطره كان تلميذا
للبشر لكثرة مشايخه انتهى ثم إن من جملة تلاميذه النبلاء ولديه المحققين الآقا جمال الدين محمد والآقا رضى الدين أخاه ومنهم الأمير محمد صالح
الخاتون آبادي ختن العلامة المجلسي (ره) وقد قرأ عنده الحاشية القديمة وشرح الإشارات والشفا وشرح مختصر الأصول وشرح اللمعة مدة عشرين سنة كما ذكره
في حدايق المقربين ومنهم المدقق الشرواني محشمي أصول المعالم والشيخ جعفر القاضي والسيد نعمة الله الجزايري ومنهم المولى محمد بن عبد الفتاح
التنكابني المعروف بسراب ومنهم السيد الميرزا فخر الدين المشهدي الخراساني الفاضل المتكلم الحكيم ومن جملة مصنفاته أيضا على ما كتبه هو أولا في الرد
عليه وحاشيتان على الحاشية القديمة الجلالية لم يتم أحديهما ورسالة في نفى وجوب مقدمة الواجب تعرض للرد فيها على السبزواري والفاضل القزويني
والنائيني وأخرى في مسائل متفرقة يرد فيها على المدقق الشرواني ورسايل متفرقة في دفع بعض الشكوك والشبهات منها شبهة الايمان والكفر
وشبهة الاستلزام وشبهة الطفرة وغير ذلك واعتذر صاحب الحدايق عن كثرة اشتغاله في أغلب عمره بالمراتب الحكمية بأن من بركات انتقاله
ذلك انكسرت صولة أصول الفلاسفة وانهدام أساس قواعد المقررة عندهم التي كانت مسلمة عند الحكماء من زمن المعلم الأول والثاني والثالث
الذي هو أبو علي سينا وكانت تنافر ظواهر الكتاب والسنة وتورث اعتقادها الضلالة ولم ينكرها أحد قبل هذا الفحل المعظم له فحقه في الحقيقة أعظم
حقوق علماء العالم على الاسلام فإن ذلك لم يكن من قوة أحد غيره ثم إن في بعض المواضع إنه كان في حدة الذهن وشدة الادراك وحذاقة
وسرعة الانتقال بحيث لم يحتج إلى إعمال زيادة فكرة في فهم المطالب ولا يتكلم في المجامع إلا قليلا بحسب الضرورة ولا يتفوه أبدا لا بما لم يتيسر لاحد
رده وتوفى (ره) أيضا بأصفهان في آخر سنة تسع وتسعين بعد الألف من الهجرة كما في حدايق المقربين ودفن في مزاره الكبير الواقع من وراء نهر زنده رود
المعروف بتخت فولاد فأمر السلطان الشاه سليمان الصفوي ببناء قبة عالية على مرقده الشريف وعمارة بقعته الزكية بأحسن ما يكون من شريف ودفن بجنبه أيضا
من غير فاصلة ولده الآقا جمال الدين بل من خلفهما الآقا رضى الدين كما نقله الثقات ومن كرامة ذلك الموضع المطهر إنه لا يوجد في ذلك المراد فضلا عن ساير مقابر
الأقطار بقعة يكون أكثر زوارا منه وأدوم هجوما لديه وقد وافق تاريخها قوله تعالى أدخلي جنتي وقد تم ما أردنا إيراده في هذه الورقة فالحمد لله أولا واخرا
3

كتاب
مشارق الشموس في شرح
الدروس للمولى المحقق المدقق
أستاذ الكل في الكل عند الكل
غريق رحمة الباري
آقا حسين الخوانساري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مفيض النعم الروايع وملهم الحكم والشرايع الواهب من أصول النعم وفروعها ما يعجز العقول عن نيل غايته ويقف حمل
العقول دون إدراك نهايته من على عباده بالهداية إلى معالم الدين وأخرجهم من ظلمات الجهالة إلى نور اليقين أنعم عليهم
بإرشاد أذهانهم إلى قواعد الأحكام وأضاء بلمعة من لطفه مسالك أفهامهم كي يهتدوا إلى شرايع الاسلام نور بمصابيح الدراية قلوبهم
لينقذهم من حيرة الجهالة وشرح بأنوار الهداية صدورهم خلاصا لهم من حومة الضلالة أنزل الكتاب فيه تبيان كل شئ وتمييز
الرشد من الغي تفضل بإرسال الرسل وإيضاح السبل كي لا يضل بهم الطرق عن مدارك معرفته وبين الآيات ونصب البينات حتى لا يعذر
أحد في ترك طاعته لم يعتور أمره التباس ولم يغير حكمه قياس نحمده حمدا يليق بكبريائه ونشكره شكرا يستوجب المزيد بعد المزيد من آلائه
ونقر بتوحيده إقرارا ينفعنا يوم لقائه ونشهد أن لا إله إلا الله ونشهد أن محمدا رسول الله الأمي الذي أتى بكتاب عجز عن نيل مبانيه
مصاقع الفصحاء وحار دون إدراك معانيه أقلام العلماء التهامي الذي شرف كل غور ونجد المكي الذي منه فاض على الآفاق كل فضيل
ومجد الاخر الذي مد الأولون عين الرجاء إلى شفاعته الخاتم الذي لم يخرج من حلقة الذل من لم يتحل بفص طاعته أرسله رحمة للعالمين
وهداية للخلق أجمعين ومؤسسا للملة السمحاء ومورد إلى الشريعة البيضاء فقام بأعباء الرسالة حتى تجدد ذكر المعارف الوحيدية
غب طموسها وانكشف بيان السرائر الإلهية بعد دروسها وكان إتمام الدين وإكمال النعمة أن نصب للخلق باب مدينة العلم هاديا إلى
ثواب الأعمال وعقابها وكاشفا عن الأمة غياهب ارتيابها وألهم الهداة المرضيين أئمة للعباد وحفظة للأحكام إلى يوم التناد
اللهم فصل عليه وآله البررة الأخيار الذين من أجمع على متابعتهم واستصحب هدى طريقتهم فاز بالبراءة من النار كما بلغوا جملة آياتك و
حلوا عن سنن بيناتك صلاة باقية ما استخرج التفاصيل من الجمل واتضح بالمبين المجمل أما بعد فيقول الراجي إلى رحمة ربه الباري
حسين بن جمال الدين محمد الخوانساري أوتيا كتابهما يمينا وحوسبا حسابا يسيرا إن العلوم على شرف
جلتها ورفعة مكانها وحلتها متفاضلة في مدى الفخار متفاوتة في المزايا والآثار وأشرفها دراية ورواية وأفضلها معلولا وغاية
وأسدها دليلا وحجة وأوضحها منارا ومحجة وأعظمها للراغب منفعة وأورثها للطالب رفعة بعد علم المعرفة علم الفقه الذي به يعرف
ما كلف به العباد ويفرق بين الغي والرشاد ويميز بين ما ينجي ويوبق يوم التناد ومنه يشرح آيات كلام رب العالمين ويوضح سنن خير المرسلين
وآثار عترته الطاهرين وبه تنال السعادة الأبدية ويدرك الفوز بالحياة السرمدية فمن تمسك بالفقه الأحمدي فله البشرى وهو الفاخر
4

بنيل منتهى المطلب في الآخرة والأولى والفقيه الذي فاز باستبصار كاف في تهذيب عمله والمهذب الجامع لخصال أدرك بها غاية مراده وأمله ولما
كان كتاب الدروس الشرعية في فقه الامامية من تصانيف شيخنا الاجل المحقق والحبر المسدد المدقق أفضل المتأخرين وأكمل المتبحرين عمدة علماء الفرقة
الناجية بل الذي لم يظفر بمثله في القرون الماضية الحائز لمرتبة السعادة الفايز بمنقبة الشهادة محمد بن مكي أعلى الله تعالى درجته كما شرف
خاتمته أحسن الكتب المصنفة تحقيقا وتهذيبا وأتقن الرسائل المؤلفة تدقيقا وتقريبا وأكثرها اشتمالا على الفروع التي تعم بها البلوى وأسدها تنقيحا
للمسائل التي تشتد الحاجة إليها أجبنا أن نشرحه شرحا يوضح مقاصده الدقيقة ويجلي مطالبه الأنيقة ويبين حقايق أنظاره ويظهر دقايق أفكاره غير مقتصرين
على حل الكتاب وبيان مبانيه ولا مكثفين بكشف الحجاب عن عرايس معانيه بل أوضحنا في كل مسألة مقاصد من تكلم فيها وأشبعنا القول فيما يصح أن يقال لها
أو عليها وأوردنا من الأدلة ما أمكن بلوغ الفهم إليها وأطلقنا النظر في متن كل دليل وسنده وأجلنا الفكر في رد كل مذهب ونقده وأنعمنا سر الأقوال
في الابرام والنقص وأمعنا الغور في ترجيح بعضها على بعض وسميناه مشارق الشموس في شرح الدروس وجعلناها تحفة للخزانة العامرة
التي هي بذخائر العز غامرة أعني خزانة السلطان الأعظم والخاقان الأفخم مالك رقاب الأمم ناشر لواء المعدلة في البسيطة الغبراء رافع أعلام المجد إلى القبة
الخضراء مالك ملاك السلطنة العظمى والدولة الكبرى دافع مهالك البغي والفساد عارف مسالك الهدي والرشاد أسنى الملوك نسبا وحسبا وأعلاهم
موروثا ومكتسبا وأعظمهم شأنا وسلطانا وأشدهم إيمانا وإيقانا وأسدهم قولا وبيانا خضع للرب فتعاظم في الورى سلطانه واستخف ميزان الدينار
كي يثقل في الحشر ميزانه النسر الطاير واقع دون قبته والسماك الرامح أعزل لدى شوكته عتبته العلية شماء بارع قدرها وحضرته السنية سماء بازغ بدرها
من وضع جبهة العبودية على بابه لم يرض بالإكليل تاجا ومن استضاء بصبح عزته أنف من القمر سراجا قبة مجده بادية لكل حاضر وباد وعين عدله صافية
يردها كل ري وصاد يطلع صبح العزة من غرته ويطلع على سر العظمة من أسرته جوده العميم دليل يدرك به أصناف الخلق مطلبهم وكفه الكريم بحر يغرف
منه كل أناس مشربهم لو كان قيصر الروم يروم العز لم يقصر في متابعته ولو أن ملك الهند صاحب الرأي لرأى السعادة في إطاعته زهر الشجرة المصطفوية
غصن الدوحة المرتضوية سراج الدولة الصفوية ماحي آثار الجور والعناد حامي أرجاء البلاد والعباد مروج أحكام الشريعة الحقة في الخافقين ناشر آثار
الفرقة المحقة في المشرقين والمغربين مولى ملوك الورى من لا يقاس به عزا ومجدا وإحسانا وتمكينا ذو العرش أعطاه سلطانا ومكنه كي يظهر العدل
في الآفاق والدينا * جنوده لا يهابون العدو وهل * يخاف حزب سليمان الشياطينا * أنى يؤثر جحد الناس قدركم * حاميم حام لكم يا آل ياسينا * دعوت يبقي
بقاء الدهر دولته * وقول كل الورى قد كان آمينا * الداعي إلى طريقة الأئمة المعصومين ظل الله في الأرضين قهرمان الماء والطين السلطان بن السلطان
بن السلطان الخاقان بن الخاقان بن الخاقان أبو المظفر السلطان شاه سليمان الصفوي الموسوي الحسيني بهادر خان لا زالت عقبان راياته المنصورة
كاسرة لأجنحة جنود المخالفين صايرة للفتح والظفر في أرجاء الأرضين ولا برحت حومة مملكته المحروسة محمية الثغور والأطراف مخضرة؟؟ والأكناف
ومن الله تعالى استمد المعونة في أن يفتح باب الهداية من كل باب ويملأ صحيفة الحسنات في شرح الكتاب وأن، يجعله خالصا لوجهه العلي وينفع به
المبتدي والمتوسط والمنتهي وها نحن نشرح فنقول متضرعا إلى الله تعالى في إجابة المسؤول قال المصنف خلد إفادات درسه وروح زكي رمسه
كتاب الطهارة خبر مبتدأ محذوف أي هذا كتاب الطهارة والكتاب فعال من الكتب بفتح الكاف لما يكتب به أو المكتوب والكتب بمعنى الجمع ومنه الكتيبة للجيش
والكتاب في العرف كلام جامع لمسائل متحدة جنسا مختلفة نوعا كما قيل وهي أي الطهارة لغة النزاهة من الأدناس أي الأوساخ ومنه
قوله تعالى يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك وقوله تعالى إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا وفي اصطلاح أهل الشرع
يطلق على معنيين أحدهما إزالة الخبث وعليه يحمل قوله عز وجل وثيابك فطهر وثانيهما ما ذكره المصنف (ره) بقوله
وشرعا استعمال الطهور
مشروط بالنية لاستباحة الصلاة والأبحاث الموردة على تعاريف الطهارة وأجوبتها ووجوه التفصي عنها تارة بمنع كونها
حقيقة بل لفظية لئلا يضرها عدم الجمع والمنع وتارة بتسليم صناعيتها وارتكاب تكلفات وتصنعات لتتميمها وترسيمها مشهورة في كتب القوم
رضوان الله عليهم فلا حاجة إلى التعرض لها مع أنها لا فائدة مهمة تحتها وهي أي الطهارة
(وضوء وغسل وتيمم) منقسمة إلى
هذه الأقسام الثلاثة منحصرة فيها وماهية كل من هذه الأقسام ستعلم في طي المباحث الآتية مشروحة وكل منها واجب وندب والواجب ما يكون
فعله مصلحة وتركه مفسدة والندب ما يكون فعله مصلحة ولم يكن تركه مفسدة وبعبارة أخرى الواجب ما يذم
تاركه بوجه والندب ما يمدح
فاعله ولم يذم تاركه فالواجب منها بحسب وجوب غايته التي هي الصلاة والطواف ومس خط المصحف قوله بحسب خبر لقوله فالواجب أي وجوب هذه الثلاثة إنما يتحقق بوجوب غاية من غاياتها الثلاثة التي هي الصلاة والطواف ومس خط المصحف وغاية الشئ
5

العرض والمقصود منه فغاية الوضوء ما يكون الوضوء لأجله أما بأن يكون له مدخل في صحته أو جوازه أو كماله أو ارتفاع كراهته ونحو ذلك من الأمور التي
تعلم في ضمن تفاصيل غاياته كما سيأتي والمفهوم من الكلام بمعونة اقتضاء المقام وكونه بصدد ضبط الأقسام إن وجوب الطهارة إنما يكون حال وجوب
إحدى هذه الغايات المذكورة فقط دون غيره من الأحوال إلا ما ذكره لخصوص الغسل والتيمم وما استدركه آخرا لثلاثتها بقوله وتحت الثلاثة أيضا
بالنذر وشبهه وحينئذ يرد عليه النقض بوجوب الطهارة لاجزاء الصلاة المنسية وسجدة السهو وسجدة التلاوة والجواب عن الأولين بأنهما داخلان
تحت الصلاة لكونهما من أجزائها ومتعلقاتها وعن الأخير بأن المصنف (ره) لم يقل بوجوب الوضوء لسجدة التلاوة كما سيجئ وأما النقص بصلاة
الجنازة من حيث إنها غاية واجبة من جملة الغايات الثلاث مع عدم وجوب الطهارات لها فمندفع أيضا من وجوه أحدها يمنع كونها صلاة
حقيقة حتى يدخل تحت الغايات المذكورة لقوله (عليه السلام) تحريمها التكبير وتحليلها التسليم ولا صلاة إلا بفاتحة الكتاب بل إنما يعد من الصلاة ومجازا
شرعيا وثانيها عدم تسليم كون المفهوم من العبارة تحقق وجوب الطهارات متى ما تحقق وجوب إحدى هذه الغايات بل القدر المسلم إنه يفهم منها عدة الوجوب في غير هذه الحال وثالثها تخصيص الغاية بما يكون للطهارة مدخل في صحته أو جوازه أو وجوده فقط لا يجعله
أعم منه بحيث يشمل ما يكون لها مدخل في كماله ورفع كراهته وغير ذلك أيضا لان هذا المعنى أقرب من معناها للشهود أي ما يكون لوجوده
وجود شئ آخر لان الصحة والجواز بمنزلة ذاتيات الشئ فإذا وجد بدونهما فكأنه لم يوجد بخلاف الكمال والفضيلة وغير
ذلك فعلى هذا لا يكون صلاة الجنازة غاية الطهارة لصحتها وجوازها بدونها فإن قلت فعلى هذا يظهر الخلل في الكلام من وجه آخر لأنه إذا
نذر أحد أن يصلي صلاة الجنازة كاملة بالكمال الذي يحصل لها من الطهارة فلا شك في صحة نذره ووجوب الوضوء حينئذ مع أنه ليس داخلا
تحت الضابطة المذكورة لعدم كون تلك الصلاة غاية على ما قررت قلت لا نسلم عدم كونها غاية حينئذ إذ يصدق عليه التعريف المذكور لان
للطهارة حينئذ مدخلا في وجودها إذ الصلاة الكاملة بالكمال الذي يستفاد من الطهارة لا يمكن أن يوجد بدونها نعم قبل النذر لم يكن
غاية بهذا المعنى ولهذا الايراد جواب آخر يظهر مما سنذكره في جواب النقض الآتي وهو أن ما ذكره المصنف (ره) منقوض بوجوب الوضوء على من نذر
أن يقرأ القرآن مثلا قراءة كاملة بالكمال المستفاد من الطهارة لأنه ليس داخلا فيما ذكره المصنف ولا ينفع الجواب المذكور آنفا إذ لا يكفي كونه
غاية بل لابد أن يكون من الغايات الثلاث وأما منع فهم الحصر من عبارة المصنف فبعيد كما لا يخفى إلا أن يجاب بأنه داخل تحت قوله ويجب الثلاثة
أيضا بالنذر وشبهه وسيجئ لهذا الكلام تتمة عند شرح هذا القول إن شاء الله تعالى ثم اعلم إن للواجب معنيين أحدهما ما مر وثانيهما ما يكون شرطا
لصحة شئ كما يقولون إن الوضوء واجب للصلاة المندوبة أي شرط لها والمراد هاهنا هو الأول بقرينة جعله قسيما للندب الذي جعل من
أقسامه ما يكون للصلاة المندوبة مع كونه شرطا لها وإن كان الوجوب بكلا معنييه حاصلا للطهارات بالنسبة إلى الأولين أي الصلاة والطواف
وكذا بالنسبة إلى الثالث أيضا إن جعل الواجب بالمعنى الثاني أعم من أن يكون شرطا لصحة شئ أو جوازه أما إذا خصص بالصحة فلا إلا على رأى من يقول
بأن النهي في العبادة مستلزم للفساد فتأمل ولما كان أحوال الطهارات الثلاث ووجوبها لتلك الغايات المذكورة ويتفاوت في بعض الأمور رأينا
الأولى أن يفصل كلا منها عن الآخرين ونذكر ما يتعلق به على حدة فنبدء بما بدأ الله تعالى به أي الوضوء ونقول أما بوجوبه بالمعنى الأول للصلاة في
الجملة فمما انعقد الاجماع عليه بل كاد أن يكون من ضروريات الدين ولا حاجة إلى الاستدلال عليه ولكن سنذكر كثيرا مما يرتبط به من الكتاب والسنة
أيضا تبركا بهما وليكون الكلام في الابتداء جاريا على وتيرة ما بعده مناسبا له فيتخيل نوع براعة إذ نريد أن نورد إن شاء الله تعالى بحسن توفيقه
وعظيم منه في أكثر مسايل الكتاب معظم ما يتعلق به من الآيات والاخبار بقدر جهدنا وطاقتنا مستعينين بلطفه وتوفيقه إنه خير موفق ومعين
وحين كان غرضنا في هذا الباب هذا لا إثبات الدعوى وثبوت المدعى لم نزد على مجرد إيراد الآية والاخبار وبيان وجه الدلالة إن كان محتاجا
إليه ولم نشتغل بذكر ما فيها من القيل والقال ولم نتعرض لأحوال الاسناد والرجال أما الكتاب فقوله تعالى في سورة المائدة يا أيها الذين آمنوا
إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الآية صيغة الامر ظاهرها الوجوب وسياق الكلام دال على أنه للصلاة لأنه إذا قيل إذا لقيت العدو فخذ
سلاحك وإذا أردت الأمير فالبس ثيابك يفهم منه عرفا إن أخذ السلاح ولبس الثياب لأجل لقاء العدو والأمير فقد دل على المدعى بتمامه وأما
الاخبار فمنها ما رواه الشيخ في التهذيب في أواخر باب آداب الاحداث الموجبة للطهارات عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل ينسى
أن يغسل دبره بالماء حتى صلى إلا إنه قد يمسح بثلاثة أحجار قال إن كان في وقت تلك الصلاة فليعد الوضوء وليعد الصلاة وإن كان قد مضى
وقت تلك الصلاة التي قد صلى فقد جازت صلاته وليتوضأ لما يستقبل من الصلاة ووجه الدلالة ظاهرا ومنها ما رواه الشيخ (ره) أيضا في
باب الأغسال المفروضات والمسنونات عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في أثناء حديث وغسل الاستحاضة واجب إذا احتشت بالكرسف فجاز
6

الدم الكرسف فعليها الغسل لكل صلاتين وللفجر فإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل يوم مرة والوضوء لكل صلاة وروى في الكافي أيضا في باب
أنواع الغسل وفي الفقيه أيضا في باب علة الأغسال ومنها ما رواه الشيخ (ره) أيضا في التهذيب في أواسط باب حكم الحيض والاستحاضة عن سماعة قال المستحاضة
إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكل صلاتين وللفجر غسلا فإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كل يوم مرة والوضوء لكل صلاة ومنها ما رواه الشيخ (ره)
أيضا في التهذيب في أواسط باب التيمم وأحكامه عن زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف أن يفوته
الوقت فليتيمم وليصل في آخر الوقت فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه وليتوضأ لما يستقبل وقد أورد الشيخ (ره) مكررا هذه الرواية في أواخر الباب المذكورة
وذكر هذه الرواية بعينها في الكافي أيضا في باب الوقت الذي يوجب التيمم بلا تفاوت في السند والمتن إلا إنه بدل فليتوضأ فليتوض ومنها ما رواه الشيخ (ره)
أيضا بعد الرواية السابقة بأسطر عن زرارة عن أحدهما (عليه السلام) قال إذا لم يجد المسافر الماء فليمسك ما دام في الوقت فإذا تخوف أن يفوته فليتيمم وليصل في
آخر الوقت فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه وليتوضأ لما يستقبل ومنها ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب أيضا في زيادات كتاب الطهارة في باب الحيض والاستحاضة
عن يونس عن غير واحد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في أثناء حديث طويل قال وسئل عن المستحاضة فقال إنما ذلك غرف أو ركضة من الشيطان فلتدع الصلاة
أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب جامع في الحايض والمستحاضة إلا إنه فيه غرف عابر والمسؤول عنه في قوله
(عليه السلام) وسئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهذا ما قصدنا إيراده من جملة الروايات الدالة على وجوب الوضوء للصلاة في الجملة والروايات الدالة على
وجوبه بدون دلالتها على أنه للصلاة فهي أكثر من أن تحصر ولم نوردها هاهنا لان الغرض هاهنا ليس متعلقا بوجوب الوضوء فقط بل وجوبه للصلاة
لكن سنوردها إن شاء الله تعالى في تضاعيف الأبواب الآتية وأما وجوب الوضوء للصلاة بالمعنى الثاني أي شرطية لها في الجملة وعدم صحتها بدونه فهو
أيضا مما انعقد عليه الاجماع ولا خلاف فيه بل يمكن أن يكون أيضا من ضروريات الدين وسنذكر طرفا من الأخبار الدالة عليه أيضا لما ذكرنا سابقا فمنها ما
رواه الشيخ (ره) في التهذيب في أواخر باب آداب الاحداث الموجبة للطهارة عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال لا صلاة إلا بطهور وكررها في
أوايل باب صفة التيمم وفي كتاب الصلاة في باب تفصيل ما تقدم ذكره وروى الصدوق (ره) في الفقيه في باب من ترك الوضوء أو بعضه مرسلا عن أبي جعفر (عليه السلام)
هذه الرواية بعينها ورواها أيضا في باب وقت وجوب الطهور عنه (عليه السلام) أيضا مرسلا مع زيادة في أولها قال قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) إذا دخل الوقت
وجب الطهور والصلاة ولا صلاة إلا بطهور ومنها ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب في أوايل باب صفة الوضوء والغرض منه عن محمد بن مروان قال قال أبو
عبد الله (عليه السلام) إنه يأتي على الرجل ستون وسبعون سنة ما قبل الله منه صلاة قلت وكيف ذلك قال لأنه يغسل ما أمر الله بمسحه وقد أوردها الشيخ (ره)
مكررا في أواخر هذا الباب ووجه الدلالة ظاهر وهذه الرواية في الكافي أيضا بعينها في باب مسح الرأس والقدمين ومنها ما رواه الشيخ في أواخر هذا الباب
عن منصور قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عمن نسي أن يمسح رأسه حتى قام في الصلاة قال ينصرف ويمسح رأسه ورجليه وقد كرر هذه الرواية في هذا الباب بأدنى
تغيير في السند وما روى أيضا بعد هذا بأسطر عن أحمد بن عمر قال سئلت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل توضأ ونسي أن يمسح رأسه حتى قام في الصلاة قال من نسي
مسح رأسه أو شيئا من الوضوء الذي ذكره الله تعالى في القرآن أعاد الصلاة ومنها ما رواه الشيخ (ره) في أواخر هذا الباب أيضا عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال
إن ذكرت وأنت في صلاتك إنك قد تركت شيئا من وضوءك المفروض عليك فانصرف وأتم الذي نسيته من وضوئك وأعد صلواتك وهذه الرواية بعينها
في الكافي أيضا في باب الشك في الوضوء ومنها ما رواه الشيخ (ره) بعيد هذه الرواية عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من نسي مسح رأسه وقدميه أو شيئا
من الوضوء الذي ذكره الله تعالى في القرآن كان عليه إعادة الوضوء والصلاة ومنها ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب في أواسط باب التيمم عن منصور بن حازم عن أبي
عبد الله (عليه السلام) في رجل تيمم فصلى ثم أصاب الماء قال أما أنا فكنت فاعلا إني أتوضأ وأعيد وما روي أيضا متصلا بهذه الرواية عن يعقوب بن
يقطين قال سئلت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل تيمم فصلى فأصاب بعد صلاته ماء يتوضأ ويعيد الصلاة أو يجوز الصلاة قال إذا وجد الماء قبل أن يمضي
الوقت توضأ وأعاد فإن مضى الوقت فلا إعادة عليه ومنها ما رواه أيضا في أواخر هذا الباب عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في أثناء حديث قال قلت
فإن أصاب الماء وقد دخل في الصلاة قال فلينصرف وليتوضأ ما لم يركع فإن كان قد ركع فليمض في صلاته فإن التيمم أحد الطهورين والمراد من المصيب
في الرواية المتيمم ورواه أيضا ثقة الاسلام (ره) في الكافي في باب الوقت الذي يوجب التيمم ومنها ما رواه الشيخ (ره) في أواخر هذا الباب أيضا عن عبد الله بن
عاصم قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل لا يجد الماء فيتمم ويقيم في الصلاة فجاء الغلام فقال هو ذا الماء فقال إن كان لم يركع فلينصرف وليتوضأ
وهذه الرواية بعينها في الكافي أيضا في الباب المذكور آنفا ومنها ما رواه الشيخ (ره) بعد هذه الرواية في آخر الباب المذكور عن الحسن بن جهم قال سئلته يعني
أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل صلى الظهر والعصر وأحدث حين جلس في الرابعة فقال إن كان قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فلا يعيد
7

وإن كان لم يشهد قبل أن يحدث فليعد ومنها ما رواه أيضا في باب صفة التيمم عن أبي بصير قال سئلته عن رجل كان في سفر وكان معه ماء فنسيه فتيمم وصلى ثم
ذكر إن معه ماء قبل أن يخرج الوقت قال عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة وفي الكافي أيضا بعينها في الباب المذكور ومنها ما رواه الشيخ في الزيادات في أول باب التيمم
عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال سألته عن رجل صلى ركعة على تيمم ثم جاء رجل ومعه قربتان من ماء قال يقطع الصلاة ويتوضأ ومنها ما رواه أيضا
في الزيادات في باب آخر تطهير الثياب والبدن من النجاسات عن علي بن مهزيار وهو كتاب ورد جوابا عن سؤال في أثنائه هذه العبارة وإذا كان جنبا أو صلى على
غير وضوء فعليه إعادة الصلاة المكتوبات اللواتي فاتته ومنها ما رواه الشيخ (ره) في كتاب الصلاة في باب تفصيل ما تقدم ذكره في الصلاة عن عبد الله بن زرارة
قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) ما فرض الله من الصلوات فقال الوقت والطهور والركوع والسجود والقبلة والدعاء والتوجه وهذه الرواية في الكافي بأدنى
تغيير في المتن والسند في باب فرض الصلاة ومنها ما رواه الشيخ (ره) متصلا بهذه الرواية عن الحلبي عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال الصلاة ثلاثة أثلاث
ثلث طهور وثلث ركوع وثلث سجود وهذه الرواية في الكافي بعينها بلا تفاوت في المتن والسند في باب المذكور وفي الفقيه رواه مرسلا قال قال الصادق
(عليه السلام) الصلاة ثلاثة أثلاث ثلث طهور وثلث ركوع وثلث سجود ومنها ما رواه ثقة الاسلام (ره) في الكافي في باب النوادر وقبل أبواب الحيض عن القداح
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) افتتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم ورواه الصدوق (ره) أيضا في الفقيه
في باب افتتاح الصلاة وتحريمها قال قال أمير المؤمنين (عليه السلام) افتتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم ومنها ما رواه الصدوق (ره)
في الفقيه في باب فيمن ترك الوضوء أو بعضه قال قال النبي (صلى الله عليه وآله) ثمانية لا يقبل لهم صلاة الآبق حتى يرجع إلى مولاه والناشز عن زوجها
وهو عليها ساخط ومانع الزكاة وإمام قوم يصلي بهم وهم له كارهون وتارك الوضوء والمرأة المدركة تصلي بغير خمار والزبين وهو الذي
يدافع البول والغايط والسكران ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب عن زيد الشحام والمفضل بن صالح عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل توضأ فنسي أن
يمسح على رأسه حتى قام في الصلاة قال فلينصرف فليمسح برأسه وليعد الصلاة هذا ما قصدنا إيراده في هذا المقام فإن قلت هلا استدللت على شرطية
الوضوء للصلاة بالآية الكريمة المتقدمة والاخبار المذكورة في المسألة السابقة على هذا المطلب لا يخلو عن إشكال إذ غاية ما يفهم منها عرفا كما ذكرنا سابقا إن الوضوء لأجل الصلاة والصلاة غاية له وقد عرفت فيما تقدم إن كون الوضوء مغيا بشئ لا
يستلزم أن يكون له مدخل في صحته بل يجوز أن يكون لأجل كماله وفضيلته أو غير ذلك فإن قلت هذا أيضا يكفينا لأنه إذا كان الوضوء واجبا
وكان الغرض من وجوبه كمال الصلاة وفضيلتها فلا بد أن يكون الصلاة الكاملة أيضا مطلوبة حتمية وإلا لم يكن الوضوء الذي لأجلها وهي
الغرض من وجوبه مطلوبا حتميا ضرورة فإذا كان المكلف به الصلاة الكاملة بالكمال المستفاد من الوضوء ولا شك إنها موقوفة على الوضوء
لا يحصل بدونه فإذا أتى بالمكلف بالصلاة بدون الوضوء فلم يأت بالمأمور به فيبقى في عهدة التكليف ولم نعن بالشرط سوى هذا وإن لم يكن
شرطا شرعيا بالمعنى المشهور أي الذي يمكن أن يوجد المأمور به بدونه لكن جعله الشارع شرطا بل نقول إن جميع الشروط الشرعية عند التحقيق
كذلك أي مما لا يمكن أن يتحقق المأمور به بدونه على ما هو معنى الشرط العقلي في الاصطلاح وإن الفرق الذي ذكره القوم بينهما بناء على عدم
التدبر وغفلة عما هو الحق لكن ليس هاهنا موضع تحقيقه وتنقيحه قلت أما أولا فلا نفهم إن المفهوم من الآية عرفا أن الغرض من الوضوء وإيجابه
هو الصلاة فقط حتى يكون مطلوبيته حتما مستلزمة لمطلوبيتها أيضا كما ذكرت بل المفهوم منها إن لها غرضية في الجملة لايق إنها أما تمام
الغرض أو جزئه ولا معنى لوجوب شئ بدون وجوب تمام غرض إيجابه أو جزئه بالضرورة لأنه لا يلزم أن يكون الصلاة تمام الغرض أو جزئه
بل يجوز أن يكون إيجاب الوضوء لأجل نفسه أو لغرض آخر تام في الاقتضاء ويكون الصلاة أيضا غرضا ومقتضيه ناقصة ولا استحالة في ذلك
لان علل الشرع معرفات ويجوز اجتماع غرضين تامين من الاغراض الشرعية فكيف بالتام والناقص والآية الكريمة لا تدل على أزيد من ذلك
وفيه بعد ولا يذهب عليك إنه على هذا لو كان المراد في المدعى الأول أيضا أي وجوب الوضوء للصلاة بالمعنى الأول هذا المعنى لكانت
الاستدلالات السابقة متجهة وأما إذا كان المراد إن الصلاة غرض تام للوضوء فلا فتأمل وأما ثانيا فلان بعد تسليم انفهام حصر الغرض
في الصلاة من الآية وكون فضيلة الصلاة وكمالها مطلوبا حتميا لا ثم إنه يلزم أن يكون المطلق في الأوامر الواردة بالصلاة الصلاة الكاملة حتى
لا يكون المكلف الآتي بها بدون الوضوء آتيا بالمأمور به بل يجوز أن يكون المطلوب طبيعة الصلاة مطلقة كما هو مقتضى الصيغة ويكون
تحصيل كمالها وفضيلتها مطلوبا حتما آخر يستفاد مطلوبيته من إيجاب الوضوء له ولا يكون شرطا لامتثال التكليف الأول ولا جزءا منه في ما إذا
8

أتى المكلف بالصلاة بدون الوضوء فقد خرج عن عهدة الامر بالصلاة المطلقة لكن يبقى في عهدة التكليف بالوضوء وتحصيل كمال الصلاة فتدبر
وقس عليه الكلام في الأخبار المتقدمة سؤالا وجوابا وقد يستدل بالآية على هذا المطلب بوجه آخر وهو أن يقال إنه قد استفيد منها وجوب الوضوء قبل
الصلاة والامر بالشئ مستلزم للنهي عن ضده فتكون الصلاة التي هي ضد الوضوء منهيا عنها فتكون فاسدة فثبت الاشتراط وفيه إنه موقوف على
ثبوت إن الامر بالشئ مستلزم للنهي عن ضده والنهي مستلزم للفساد وكلاهما ممنوعان وهاهنا شك آخر وهو إن معنى كون الامر بالشئ مستلزما للنهي
عن ضده إنه إذا كان شئ مأمور به في وقت ولم يأت المكلف في ذلك الوقت بذلك الشئ بل أتى بضده يكون ذلك الضد حراما منهيا عنه وحينئذ نقول
تحقق هذا المعنى مما لا يمكن فيما نحن فيه لأنه إذا كان الوضوء واجبا قبل الصلاة فالاتيان بالصلاة في وقته إنما يتحقق بإتيان الصلاة قبل الصلاة هف والجواب أن المراد أن وقت الوضوء إنما هو بعد إرادة الصلاة
كما هو مدلول الآية الكريمة ولا شك في إمكان الاتيان بالصلاة في ذلك الوقت فارتفع الخلف فإن قلت المأمور به في الآية أما الوضوء بعد الإرادة
المتصلة بالصلاة وبعد الإرادة المنفصلة عنها بقدر الوضوء والأول باطل لأنه تكليف بما لا يطاق وعلى الثاني يلزم ما ذكرنا أولا من عدم إمكان
الاتيان بالصلاة في وقت الوضوء لأن المفروض وقته وقت انفصال الصلاة عن الإرادة فكيف يمكن أن يصير وقتا للصلاة إذ يلزم حينئذ أن يكون
الصلاة متصلة بالإرادة منفصلة عنها هف قلت وقت الوضوء بعد الإرادة التي يمكن انفصالها عن الصلاة واتصالها بها باختيار المكلف وحينئذ
نقول إن كل جزء من أجزاء أوقات ما بعد تحقق الإرادة وقت الوضوء ويمكن الاتيان بالصلاة فيه أيضا لما ذكرنا من أن الاتصال والانفصال باختيار المكلف
فلو لم يأت المكلف بالوضوء وأتى بالصلاة فقد أتى بضد المأمور به فيكون منهيا عنه فاندفع المحذوران فإن قلت إن تلك الإرادة إن كانت تامة يجب
الاتصال وإن كانت ناقصة يجب الانفصال قلت إنها ناقصة وإنما يجب الانفصال لو لم تصر تامة هذا ثم إن في
المقام كلاما آخر وهو إنه قد ثبت بما ذكر إمكان الاتيان بالصلاة في وقت
الوضوء لكن هذا مما لا يكفي في إثبات المرام لان الاتيان بضد المأمور به في وقته إنما يكون منهيا عنه إذا كان وجوب المأمور به مضيقا وأما إذا كان موسعا
فلا كما تقرر في الأصول وعلى هذا نقول لا شك إن وقت الوضوء الذي هو أوقات حصول الإرادة متسع فلو أتى المكلف بالصلاة في جزء منها لم يأت بضد
المأمور به في وقته المضيق نعم إذا بقي من الوقت مقدار الوضوء والصلاة فعسى أن يكون جريان الدليل فيه ممكنا أما قبله فلا فتأمل فالأولى أن يستدل
بالآية على المرام بطريق آخر بأن يقال يستفاد من الآية عرفا إن الوضوء قبل الصلاة واجب وإذا أتى المكلف بالصلاة بدون الوضوء فيلزم حينئذ أن لا يمكن الاتيان
بالوضوء المأمور به إذ لا شك إن بعد الاتيان بالصلاة لا يمكن الوضوء الكائن قبل الصلاة فيلزم ترك الواجب وترك الواجب حرام وملزوم الحرام حرام
فيكون الاتيان بالصلاة الملزوم لترك الوضوء حراما وهذا مثل ما إذا كان أحد مأمورا بالصعود على السطح المتوقف على السلم فكسره باختياره
أو كان مكلفا بالوضوء فأراق الماء ونحو ذلك لا يقال إنا لا نسلم عدم الامكان الاتيان بالوضوء المتقدم على الصلاة بعد الصلاة إذ يمكن أن يتوضأ ويصلي
صلاة أخرى لان المأمور به الوضوء المتقدم على الصلاة التي يتحقق بها امتثال الامر ولا شك أن بالصلاة السابقة على تقدير صحتها يتحقق الامتثال والخروج
عن العهدة ولا يمكن تحقق هذا الوصف في الصلاة اللاحقة فلا يكون الاتيان بالوضوء المذكور إتيانا بالمأمور به كما لا يخفى واعلم إن إتمام هذا الوجه أيضا
موقوف على ثبوت أن ملزوم الحرام حرام وهو أيضا مما يقبل المنع كالمقدمتين السابقتين فتدبر بقي في المقام شئ وهو أنه قد ظهر بما ذكرنا وتلونا عليك وجوب
الوضوء بالمعنيين للصلاة في الجملة كما ذكرنا في صدر المقامين وأما وجوبه لجميع الصلاة الواجبة سوى صلاة الجنازة بكل من المعنيين كما هو مدعى القوم ففيه خفاء
وتفصيل المقام إن وجوب الوضوء بمعنى الشرطية وتوقف الصحة عليه لجميع الصلاة الواجبة بل المندوبة أيضا سوى صلاة الجنازة مما لا ينبغي أن يشك فيه للاجماع
الصريح ودلالة بعض الأخبار المتقدمة عليه أيضا مثل لا صلاة إلا بطهور إذ نفى الصحة أقرب المجازات إلى الحقيقة التي هي نفي الوجود كما لا يخفى والصلاة
ثلاثة أثلاث ونحو ذلك وأما وجوبه بالمعنى الأول لجميع الصلوات الواجبة ففيه نوع خفاء إذ لا يمكن أن يستدل عليه بالآية لأنه لو حمل الآية على العموم
بالنسبة إلى الواجب والمندوب فيلزم أن لا يمكن حمل الامر في فاغسلوا على الوجوب بل الرجحان المطلق وحينئذ لا يثبت المدعى مع أنه لو حمل على العموم
لكان قابلا للمنع إذ احتمال العهدية وكون المراد الفرد المتعارف أعني الصلاة اليومية احتمال ظاهر بل هو أولى من العموم على ما قيل أن اللام حقيقية في
العهد ولو خصص بالصلاة الواجبة وعمم بالنسبة إلى أفرادها ففيه أنه لا دليل على التخصص ولو جعل دليل التخصيص إبقاء الامر على ظاهره من الوجوب
فيرد عليه أن إبقاء الامر على ظاهره ليس أولى من إبقاء العام على ظاهره فهلا أبقيته على العموم وأخرجت الامر عن ظاهره مع ما فيه من ظهور احتمال العهدية
كما عرفت وكذا لا يتم الاستدلال بالاخبار المتقدمة إذ ليس فيها ما يدل على عموم الوجوب كما لا يخفى وكذا الاستدلال عليه بشرطيته للصلاة بأن يقال
قد ثبت بالاجماع والاخبار شرطية لجميع الصلاة الواجبة وشرط الواجب واجب فيكون واجبا لجميع الصلاة لان الكبرى ممنوعة وموضعه في الأصول
9

وبهذا ظهر الجواب عن الاستدلال بالخبر المتقدم من قوله (عليه السلام) الصلاة ثلاثة أثلاث لأنه يمكن أن يكون حكمه (عليه السلام) بأن الطهور ثلث الصلاة من باب
المبالغة المتعارفة وتنزيل كونه شرطا ضروريا ثابتا شرطيته في جميع الأحوال بخلاف ساير الشروط الأخر مثل طهارة الثوب وغير ذلك بمنزلة الجزئية
وليس هذا حملا على خلاف الظاهر خصوصا مع وجود الأدلة الدالة ظاهرا على خروجه من الصلاة مثل الآية الكريمة ونحوها وحينئذ نقول أنه بمحض الشرطية للواجب
لا يلزم الوجوب كما عرفت على إنا لو سلمنا جزئيته للصلاة ودلالة الخبر عليها لكان الاستدلال أيضا غير تام إذ وجوب جزء الواجب أيضا غير ثابت بل التحقيق أنه بمنزلة
الشرط فمن لم يسلم وجوب الشرط فله أن لا يسلم وجوبه أيضا وتحقيقه في الأصول والاستدلال بالخبر الاخر من قوله (عليه السلام) افتتاح الصلاة الوضوء فهو أضعف من
سابقه إذ ليس فيه دلالة على الجزئي أصلا كما لا يخفى بل على الشرطية أيضا وإيرادنا له في طي أدلة الاشتراط بناء على التسامح وكذا في بعض آخر كما أشرنا إليه في صدر
الباب أيضا وقس عليهما حالا الاستدلال برواية عبد الله بن زرارة المتقدمة من قوله (عليه السلام) الوقت والطهور آه وأما الاستدلال عليه بالاجماع ففيه أيضا شك
لان الوجوب بمعنى اللابدية والوجوب بمعنى استحقاق الذم على الترك كثيرا ما يشتبه أحدهم بالآخر فيمكن أن يكون إطلاق بعض القوم لفظ الوجوب على الوضوء
بالنسبة إلى جميع الصلوات الواجبة بمعنى الشرطية فاشتبه بالمعنى الاخر وظن الاجماع عليه ونقل وهذا مم لا يبعد جدا كما لا يخفى على من تتبع كلمات القوم صلوات
الله عليهم وأقاويلهم المتشابهة مع أن ها هنا شيئا آخر وهو أن كثيرا من الأصحاب قابلون بوجوب مقدمة الواجب شرطا كان أو غيره فلما رأوا إطلاق الوجوب بمعنى
الشرطية لجميع الصلوات على الوضوء إجماعا حكموا بناء على اعتقادهم بأن الوجوب بالمعنى الاخر أيضا إجماعي وبالجملة الحكم بالوجوب بمعنى استحقاق الذم على الترك
لأجل جميع الصلوات الواجبة بأصل الشرع وغيره لا يخلو من خدشة والله تعالى ورسوله وأهل الذكر (عليه السلام) اعلم تذنيب إعلم أن الظاهر من الآية الكريمة
المتقدمة وجوب الوضوء على كل مقيم إلى الصلاة حتى المتطهرين أيضا لدلالة كلمة إذا على العموم عرفا مع أن حمله ها هنا على الاهمال يجعل الكلام خاليا عن الفائدة
المعتد بها وهو لا يناسب بكلام الحكيم كما قيل لكن الاجماع واقع على وجوب الوضوء على المحدثين فقط؟ قال الشيخ (ره) في التهذيب في بحث التيمم في أثناء كلام ثم لو صح
الخبر لكان محمولا على الاستحباب كما يحمل تجديد الوضوء على الاستحباب وإن كان لا خلاف في استباحة صلوات كثيرة به وقال العلامة (ره) في المنتهى مسألة إذا توضأ لنافلة
جاز أن يصلي بها فريضة وكذا يصلي بوضوء واحد ما شاء من الصلاة وهو مذهب أهل العلم خلافا لظاهر النهاية انتهى فقال بعضهم أن الحكم كان في الابتداء كذلك
وكان الوضوء واجبا عند كل صلاة عل المتطهر والمحدث لكنه قد نسخ وهذا الوجه ضعيف من وجوه اتفاق الجمهور على أن المائدة ثابتة لا نسخ فيها وما روي عنه
(صلى الله عليه وآله) المائدة من آخر القرآن نزولا فأحلوا حلالها وحرموا حرامها وعدم ظهور ناسخ واعتبار الحديث في التيمم الذي هو بدل منه في الآية واعترض
على القول بالنسخ بوجه آخر هو أنه إذا كان الحكم العام بوجوب الوضوء باقيا في المحدثين مرتفعا عن المتطهرين فكيف يكون نسخا بل يكون تخصيصا إذ لا معنى للتخصيص
سوى ذلك وأجيب بأن التخصيص هو أن يورد لفظ عام ويراد منه ابتداء بعض أفراده لا جميعها وأما إذا أريد منه في الابتداء جميع أفراده ثم خصص ببعض فيكون
نسخا البتة والامر ها هنا كذلك وقال بعض أن الامر للندب لان تجديد الوضوء عند كل صلاة مستحب كما يشهد به الاخبار وهذا أيضا ضعيف من حيث أنه
يلزم حينئذ عدم موافقة القرينة الذي هو فاطهروا لأنه للوجوب قطعا ومن أن الندب بالنسبة إلى الجميع غير معقول لثبوت الوجوب على بعض البتة إلا أن يقال الاستحباب
ينسحب إلى الشمول والعموم وفيه بعد وقد ضعف هذا الوجه أيضا بما ضعف الوجه الأول به من حديث اعتبار الحدث وفيه تأمل لان الامر في فتيمموا محمول على
الوجوب فلا مفسدة في اعتبار الحديث فيه بدون اعتباره في المبدل منه لندبية الامر به نعم يلزم حينئذ عدم موافقة آخر بين القرينتين وقيل يحمله على الرجحان
المطلق ويكون الندب بالنسبة إلى المتوضيين والوجوب بالنسبة إلى المحدثين وفيه أيضا لزوم عدم الموافقة ولزوم عموم المجاز والاشتراك الذي هو أما
غير جايز أو بعيد جدا أيضا لو كان مراد القايل أن الندب بالنسبة إلى البعض والوجوب بالنسبة إلى آخر مدلول الصيغة وأما إذا كان مراده أنه مفهوم من الخارج وإن
مدلول الصيغة هو الرجحان مطلقا فلا والأولى أن يقال أن الآية مخصصة بالمحدثين لا بأن يكون المراد من الذين آمنوا المحدثين بل بإبقائه على العموم؟
إن كنتم محدثين في نظم الكلام فيصير المعنى حينئذ يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فإن كنتم محدثين بالحدث الأصغر فتوضؤوا وإن كنتم جنبا فاغتسلوا
وإن لم تقدروا على الماء وكنتم محدثين أما بالحدث الأصغر أو الأكبر فتيمموا فيوافق القرائن ويطابق النظائر ثم أن الشيخ (ره) روى في التهذيب في أوائل باب
الاحداث الموجبة للطهارة؟ رواية موثقة عن ابن بكير قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) قوله إذا قمتم إلى الصلاة ما يعني بذلك إذا قمتم إلى الصلاة قال إذا قمتم
من النوم وعلى هذا فلا إشكال هذا واعلم إن الحكم المذكور أي عدم وجوب الوضوء عند كل صلاة بل وجوبه على المحدثين فقط مع كونه إجماعيا كما نقل
يدل عليه أيضا روايات منها الروايات الكثيرة المتظافرة التي كادت أن تبلغ حد التواتر بالمعنى الدالة جميعا على حصر ناقض الوضوء في الاحداث من جملتها
ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب في أوائل باب الاحداث بطريق صحيح على الظاهر عن زرارة عن أحدهما (عليه السلام) قال لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك أو النوم
10

وما رواه أيضا في هذا الباب بطريق صحيح على الظاهر عن إسحاق بن عبد الله الأشعري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا ينقض الوضوء إلا حدث والنوم حدث وما رواه
أيضا في هذا الباب غير سالم أبي الفضل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك الأسفلين اللذين أنعم الله بهما عليك إلى غير ذلك ومنها
ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب في أواسط باب التيمم وأحكامه بطريق صحيح عن حماد بن عثمان قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل لا يجد الماء أيتيمم لكل صلاة قال لا هو بمنزلة الماء
ومنها ما رواه ثقة الاسلام (ره) في الكافي في باب صفة التيمم بطريق صحيح أو حسن عن زرارة قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) يصلى الرجل بوضوء واحد صلاة الليل والنهار كلها
قال نعم ما لم يحدث ومنها ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب قبيل باب الأغسال المفترضات والمسنونات في الموثق عن عبد الله بن بكير عن أبيه قال قال لي أبو عبد الله
(عليه السلام) إذا استيقنت أنك قد توضأت فإياك أن تحدث وضوء أبدا حتى تستيقن إنك قد أحدثت وهذه الرواية في الكافي أيضا بإشراك الطريق في باب الشك
في الوضوء وهذا الخبر الأخير من جملة ما استدل به العلامة في المنتهى على هذا المطلب وقد يناقش فيه بأنه يجوز أن يكون مراده (عليه السلام) التحذير عن إحداث الوضوء بالشك
في الحديث وحسبان أن الحدث المشكوك أيضا ناقض لئلا ينجر إلى الوسواس وتطرق الشيطان والحرج المنفي في الدين وعلى هذا لا دلالة له على المدعى كما لا يخفى ومما يؤيد
هذا الاحتمال أن الرواية في بعض نسخ الكافي بهذه العبارة إذا استيقنت إنك أحدثت فتوض وإياك أن تحدث وضوء أبدا حتى يستيقن إنك أحدثت وتأييده لما
ذكرنا مما يشهد به الوجدان السليم ويؤيده أيضا استحباب التجديد هذا ثم أن العلامة (ره) استدل في المنتهى بروايتين أخريين أحديهما ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب
قبيل الباب المذكور في الصحيح عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل شك في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة قال يمضي على صلاته ولا يعيد وقال
العلامة بعد نقل الحديث والنهي عن الإعادة عام في الصلاة والوضوء انتهى ولا يخفى ما في هذا الاستدلال لان قصارى ما يدل عليه الخبر أن الشك بعد الفراغ
لا حكم له وإن الوضوء والصلاة السابقين عليه صحيحان لا حاجة إلى إعادتهما وأما أنه لا يلزم وضوء آخر عند حضور وقت صلاة أخرى فهو عنه بمراحل كما يشهد
به الفطرة السليمة والعجب أن العلامة (ره) أورد ها هنا على نفسه أن حمل الإعادة على العموم يستلزم التخصيص لان من تجدد حدثه يعيد وضوئه بخلاف تخصيصه
بالصلاة إذا الصلاة السابقة لا تعاد بوجه وأجاب عنه بوجهين ثم قال على إنا نمنع أن يكون ذلك إعادة بل هو تجديد واجب آخر ولم يتنبه أنه بهذا
يبطل استدلاله أيضا لان الوضوء الواجب للصلاة الأخرى ليس إعادة للوضوء الأول كما لا يخفى وثانيهما ما رواه الشيخ قبل هذا الخبر بأسطر في الصحيح ورواه
الكافي أيضا في باب الشك في الوضوء في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال في أثناء حديث فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في
حال أخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمي الله مما أو جب الله عليك فيه وضوءه لا شئ عليك فيه وحال هذا الاستدلال أيضا كحال سابقه
في الضعف وعدم الاستقامة ووجههما ثم أنه (ره) قال بعد ذكر هذه الرواية وذلك يدل على جواز استعمال الوضوء في الصلاة المتعددة فإن قوله (عليه السلام)
وقد صرت في حال أخرى في الصلاة أو غيرها أي في غير الصلاة التي وقع فيها الشك علم في كل ما غاير تلك الصلاة لا يقال يحتمل أن يعود الضمير إلى
الحال وهي تؤنث تارة وتذكر أخرى وحينئذ يدل على الاجتزاء بذلك الوضوء إلا في تلك الصلاة ولأن الحكم معلق على الشك وهو خلاف قولكم لأنا
نجيب عن الأول بأن الصلاة أقرب فالعود إليه أولى فإن النحويين اتفقوا على أن قولنا ضرب زيد عمروا وأكرمته يعود الضمير فيه إلى عمرو لقربه وبأن
غير تلك الحال أيضا أعم من كونها في تلك الصلاة أو غيرها لا يقال تقييد المعطوف عليه يستلزم تقييد العطف لوجوب الاشتراك لأنا نقول نمنع ذلك والاشتراك
إنما يجب في الحكم الثابت لهما وهو الاجتزاء بذلك الوضوء أما في التقييد فلا وعن الثاني إن الاجتزاء إذا وجد
مع الشك فمع اليقين أولى انتهى كلامه رفع الله مقامه وهو كما ترى
وليت شعري لم لم يستدل بالروايتين اللتين استدللنا بهما مع صراحة دلالتهما وتمسك بهاتين الروايتين غير ظاهرتي الدلالة وكأنه غفل عنهما لورودهما
في غير باب الوضوء أو لأنه لما ضم إلى هذا المطلب في صدد المسألة مطلبا آخر كما نقلناه عنه سابقا وظن أن هاتين الروايتين لم يثبتا ذلك المطلب فلذا أعرض
عنهما لكن لا يخفى إن دلالة ما ذكره على هذا المطلب أيضا ليس بأزيد كثيرا مما ذكرنا كما يظهر عند التأمل فتأمل والله أعلم وإذ قد فرغنا من بيان وجوب الوضوء
للصلاة وما يتعلق به فلنشرع في بيان وجوبه للطواف ومس خط المصحف أما وجوبه للطواف فقد نقل الاجماع عليه وبه روايات أيضا وسنذكرها مفصلة مع
ما يتعلق بها من الأبحاث ومبحث الحج إنشاء الله تعالى وأما وجوبه لمس خط المصحف الواجب بنذر أو شبهه أو لاصلاح غلط لا يمكن بدونه بناء على وجوب الاصلاح
فهو مبني على تحريم اللمس على المحدث بالحدث الأصغر وفيه خلاف قال الشيخ (ره) في المبسوط بكراهته ونسب العلامة في (المختلف) القول بالكراهة إلى ابن إدريس وابن البراج أيضا
وحرمة الشيخ في التهذيب والخلاف وبه قال أبو الصلاح والمحقق والعلامة (ره) وهو الظاهر من كلام الصدوق أيضا في الفقيه احتج القائلون بالتحريم بوجوه الأول
قوله تعالى في سورة الواقعة أنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون وجه الاستدلال أن قوله تعالى لا يمسه لا يمكن أن يكون محمولا على الخيرية
والنفي وإلا يلزم الكذب لوقوع المس من غير المطهرين كثيرا فلا بد من حمله على الانشاء والنهي وظاهر النهي التحريم فيكون المس بدون الطهارة حراما وفيه أن
11

الاستدلال بهذه الآية موقوف على أن يكون ضمير لا يمسه راجعا إلى القرائن وهو مسلم لجواز رجوعه إلى كتاب مكنون كما جوزه بعض المفسرين بل هو أقرب لقربه ويكون
المعنى أنه لا يطلع على الكتاب المكنون أي المستور المصون أما عن الناس أو عن التغيير والتبديل أو الغلط والباطل أو التضييع والمراد به اللوح المحفوظ كما قال المفسرون
إلا الملائكة المطهرون من الكدورات الجسمانية أو أدناس المعاصي وقد يضعف هذا الاحتمال بوجوه أحدها إن قوله تعالى لا يمسه حينئذ يكون تأكيد لقوله تعالى مكنون
والحمل على التأسيس أولى وبما ذكرنا من الاحتمالات في معنى المكنون يظهر لك الجواب عنه وثانيها أن اطلاع الملائكة على اللوح المحفوظ غير ثابت بل في بعض الأخبار
وكلام بعض الأخيار ما يدل على خلافه وفيه أن عدم ثبوت اطلاعهم على اللوح المحفوظ لا يكفي في هذا المقام بل لا بد من ثبوت العدم وإلا لكان منعا على
المنع وما وقع في بعض الأخبار على تقدير وقوعه يمكن أن يكون المراد منه عدم اطلاعهم بدون الاذن منه سبحانه وثالثها أن سياق الكلام لاظهار شرف
القران وفضيلته لا اللوح وما فيه وفيه أن ثبوته في اللوح الذي لا يمسه إلا المطهرون شرف وفضيلة أيضا إلا ترى إلى قوله عز وجل في كتاب مكنون فإن كان
كونه في كتاب مكنون شرفا وفضيلة لكان هذا أيضا شرفا وفضلا بالطريق الأولى وإن لم يكن ذلك شرفا فقد بطل مبني لاعتراض من أن سياق الكلام
لاظهار شرف القرآن وفضله كما لا يخفى ورابعها أن قوله (عليه السلام) بعد هذه الآية متصلا بها تنزيل من رب العالمين صفة للقرآن بمعنى المفعول أو من قبيل الوصف
بالمصدر من باب المبالغة إذ لما لم ينزل نجوما من بين الكتب السماوية سواه فكأنه هو التنزيل لا الكتاب لأنه المنزل دونه وقوله سبحانه كريم وفي كتاب مكنون
أيضا صفة له فينبغي أن يكون لا يمسه أيضا صفة له وإلا لم يحسن التوسيط وفيه أنه إذا كان لا يمسه صفة لمكنون يكون من جملة متعاقبات الصفة
الثانية ومتمماتها فكان مجموع هذا الكلام صفة واحدة فلم يكن توسيطا غير مستحسن مخلا بحسن الكلام وبلاغته إلا ترى إلى توسيط مكنون مع أنه
صفة الكتاب ودفع هذا الاعتراض بمنع كون تنزيل من رب العالمين صفة لجواز كونه جملة برأسها معطوفا على جملة أنه لقرآن بحذف المبتدأ أو يكون خبرا
لأنه وكذا القول في لا يمسه وفي كتاب ليس بشئ إذ على هذا التقدير أيضا يكون في كتاب وتنزيل من جملة أحكام القرآن وأحواله فلا يكون توسيط حال
غيره مناسبا كما لا يخفى وخامسها أنه يلزم حينئذ ارتكاب المجاز في المس وهو ظاهر وكذا في المطهرون لأن الطهارة حقيقة شرعية في الوضوء وهو خلاف
الأصل وفيه إنا لا نسلم أن الحمل على الحقيقة مطلقا أولى من الحمل على المجاز إلا ترى أن علماء البلاغة أطبقوا على أن المجاز أبلغ من الحقيقة وأيضا ثبوت الحقايق
الشرعية مسلم ومع تسليمه لا نسلم أن حقيقة الطهارة الوضوء بل يجوز أن يكون انتفاء الحدث أو الخبث ولا شك في تحقق هذا المعنى في الملائكة أيضا وأيضا
ارتكاب المجاز في حمل الخبر على الانشاء كما ارتكبتم في الاستدلال ليس بأولى من ارتكاب هذا المجازين إلا أن يقال أنه مجاز واحد وهذا مجازان ثم على تقدير تسليم
رجوع الضمير إلى القرآن نقول أن دلالتها على المطلب أيضا غير تمام إذ يجوز أن يكون اتصافه بأنه لا يمسه إلا المطهرون باعتبار أصله الذي في اللوح كما أن
اتصافه في كتاب مكنون أيضا كذلك وأيضا يجوز أن يكون المراد والله أعلم أنه لا يعلم حقايقه ودقايق وأسراره إلا المطهرون من الذنوب وهم
أصحاب العصمة (عليه السلام) وعن جنيد المطهرون أسرارهم عما سوى الله تعالى وفي بعض التفاسير عن محمد بن الفضل المراد لا يقرء القرآن إلا
موحد وعن حسين بن الفضل لا يعلم تفسيره وتأويله إلا المطهرون من الكفر والنفاق وأما حديث لزوم مجازية المس والطهارة حينئذ فقد عرفت جوابه على
أنه على تقدير تسليم حمل المس على حقيقته وثبوت الحقايق الشرعية وحمل الطهارة على حقيقتها لا نسلم أن الطهارة حقيقة شرعا في رفع الحدث الأصغر أو
جميع الاحداث إذ يجوز أن يكون حقيقة في رفع كل حدث وكذا في رفع الخبث أيضا فحينئذ يجوز أن يكون المراد بالمطهرون المطهرين من الحدث الأكبر والنجاسة
ثم لو سلم أن المراد الطهارة من الحدث الأصغر أو جميع الاحداث فلا نسلم أن النهي ها هنا للتحريم وما يقال أن ظاهر النهي التحريم
(فعلى تقدير تسليمه إنما يسلم في أن يكون تصريح مبتغيه النهي فقط لا فيما يكون نفيا مستعملا بمعنى النهي أيضا والقول بأن التحريم)
أقرب المجازات إلى النفي ممنوع هذا ثم أنه قد يمسك في إفادة الآية الكريمة لمطلوبهم ورفع الاحتمالات السابقة بما رواه الشيخ (ره) في التهذيب في أواسط باب حكم الجنابة وفي الاستبصار في باب
أن الجنب لا يمس المصحف عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن (عليه السلام) قال المصحف لا تمسه على غير طهر ولا جنبا ولا تمس خطه ولا تعلقه أن الله يقول لا يمسه
إلا المطهرون وفي بعض نسخ التهذيب خيطه وهذا بالحقيقة استدلالان أحدهما من حيث دلالة الرواية في نفسها على المطلب والاخر من حيث دلالتها على أن
المراد من الآية الكريمة هذا المعنى فيتم الاستدلال بها وفي هذا التمسك أيضا نظر من وجوه أحدها أن الرواية غير نقية السند جدا لان فيها جعفر بن محمد بن
حكيم وهو غير موثق ولا ممدوح وجعفر محمد بن أبي الصباح وهو مجهول وعلي بن الحسن بن فضال وهو فطحي وإبراهيم بن عبد الحميد ونقل الشيخ أنه واقفي
وثانيها أنه يمكن أن يكون لا يمسه في الرواية نفيا لا نهيا وقد عرفت حال النفي الذي بمعنى النهي وعدم ظهوره في التحريم فيجوز أن يكون للكراهة وثالثها
أنه على تقدير أن يكون نهيا لا نسلم أن الأمر والنهي في أحاديث أئمتنا (عليهم السلام) للوجوب والحرمة وإن سلم أن صيغة الأمر والنهي لهما لشيوع استعمالهم
(عليهم السلام) هاتين الصيغتين للندب والكراهة كما يظهر من تتبع آثارهم (عليهم السلام) فيكون مجازا شايعا بالغا حد الحقيقة أو منقولا وعلى التقديرين لا يجب
12

حملهما عن الاطلاق على الوجوب والحرمة ويريد حمله على الكراهة أنه ورد في هذه الرواية النهي عن التعليق والحال أنه للكراهة فيحمل هذا أيضا عليهما
ليوافق القرائن وأما كونه للكراة فللاجماع على عدم حرمته كما نقله العلامة (ره) في المنتهى ولروايتين أيضا أحديهما ما رواه ثقة الاسلام (ره) في الكافي
في باب الحايض والنفساء تقرآن القرآن عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن التعويذ يعلق على الحايض فقال نعم إذا كان في جلد أو فضة
أو قصبة حديد وثانيتها ما سنذكره مع تفصيل القول فيه لكن يمكن أن يقال أن جواز تعليق التعويذ وإن كان فيه آيات القرآن لا ينافي حرمة تعليق المصحف
كما في الرواية إذ يجوز أن يكون لمجموع القرآن حرمة لا تكون لبعض الآيات وما أيدنا به حمل لا يمسه في الرواية على الكراهة مؤيدا حمله في الآية أيضا عليها وقرينة
عليه لان استشهاده (عليه السلام) به للكراهة إنما يكون على تقدير كونه بمعنى الكراهة كما لا يخفى فظهر أن هذه التمسك إنما يجعل الاستدلال بالآية مقلوبا
عليهم وفيه أنه يجوز أن يكون النهي عن التعليق في الرواية محمولا على رجحان العدم المشترك بين الحرام والمكروه إذ هذا لا ينافي الاجماع المذكور والتجوز
في النهي يحمل على الكراهة ليس بأولى من التجوز فيه بحمله على القدر المشترك وحينئذ نقول غاية ما يلزم أن يكون لا يمسه في الرواية محمولا على القدر المشترك بين الحرمة
والكراهة ليحصل المناسبة وهذا لا يستلزم أن يكون في الآية المستشهد بها بمعنى الكراهة حتى يصير الاستدلال مقلوبا وهو ظاهر الثاني ما رواه الشيخ (ره) في
التهذيب متصلا بالرواية المتقدمة قال وسئل علي بن جعفر أخاه موسى بن جعفر (عليه السلام) عن الرجل أيحل له أن يكتب القرآن في الألواح والصحيفة وهو على
غير وضوء قال لا وجه الاستدلال أن يقال أنه إذا كان كتابة القرآن للمحدث حراما فالمس بطريق أولى أو يقال أن أصل الكتابة لا يحرم على المحدث بلا نقل خلاف
عن أحد من علمائنا فيكون نهيه (عليه السلام) إنما يكون باعتبار عدم انفكاكه عن المس غالبا وفي الوجهين نظر من وجوه أحدها القدح في سند الرواية لان
للشيخ (ره) إلى علي بن جعفر (عليه السلام) ثلاثة طرق على ما نقل أحدها ما ذكره في آخر التهذيب من أن ما كان فيه عن علي بن جعفر فطريقي كذا وهذا الطريق ليس
بصحيح وإن وصفه العلامة (ره) في الخلاصة بالصحة لان فيه حسين بن عبد الله الغضايري ولم ينص الأصحاب على توثيقه والآخران ما نقلهما في فهرسته وهذان
الطريقان وإن كانا صحيحين إلا أنه (ره) قال في الفهرست في أثناء ذكر علي بن جعفر كلاما بهذه العبارة وله كتاب المناسك ومسايل لأخيه موسى الكاظم بن
جعفر (عليه السلام) سئله عنها أخبرنا بذلك وفي بعض النسخ به جماعة إلى آخر ما ذكره من الطريقين وهذه العبارة كما ترى ليست ظاهرة في أن كل ما يرويه الشيخ (ره)
عن علي بن جعفر (عليه السلام) إنما هو بهذين الطريقين إذ يجوز أن يكون تلك المسائل مسائل خاصة مجتمعة في كتاب مثلا ولم يكن كل ما يرويه عنه داخلا فيها
مع احتمال رجوع الضمير إلى الكتاب فقط على أن في نسخة الفهرست التي عندنا قد وضع علامة النسخة فوق قوله ومسايل إلى قوله أخبرنا وحينئذ يقوى الشك
جدا وبالجملة ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب والاستبصار مرسلا عن علي بن جعفر (عليه السلام) لا يخلو من شئ وإن كان يمكن أن يقال أن عدم توثيق حسين بن عبد الله
لا يضر إذ الظاهر أن الشيخ (ره) في الكتابين ما حذف أول سنده من الروايات إنما أخذه من الأصول المشهورة المتواترة انتسابها إلى أصحابها كتواتر انتساب
الكتابين إليه (ره) الان وكذا ساير الكتب المتواترة الانتساب إلى مصنفيها ثم في آخر الكتابين إنما ذكر طريقة إليها للتبرك والتيمن ولمجرد اتصال السند و
إلا فلا حاجة إليه كما أشار إليه نفسه (ره) أيضا في آخر الكتابين وحينئذ إذا كان في تلك الطرق من لم يوثقه الأصحاب فلا ضير والله أعلم بحقيقة الحال وثانيهما
معارضتها بما رواه ثقة الاسلام (ره) في الكافي في باب الحايض والنفساء تقرآن القرآن في الحسن بإبراهيم بن هاشم عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال سألته عن التعويذ يعلق على الحايض قال نعم لا بأس قال وقال وتقرأه وتكتبه ولا تصيبه يدها وهذه الرواية وإن رواها الشيخ في التهذيب قبل
باب التيمم وأحكامه متصلا به بطريق صحيح عن داود عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) بأدنى تفاوت في المتن إذ فيه بدل لا تصيبه يدها لا تمسكه لكن
السند الذي في الكافي مما يعتمد عليه كثيرا لان إبراهيم بن هاشم وإن لم ينص الأصحاب على توثيقه لكن الظاهر أنه من أجلاء الأصحاب وعظمائهم المشار إلى
عظم منزلتهم ورفع قدرهم في قول الصادق (عليه السلام) إعرفوا منازل الرجال منا على قدر رواياتهم عنا وبالجملة هذا الحديث ليس بأنقص في باب الاعتماد
من سابقه وتوجيه المعارضة أن يقال أنه (عليه السلام) أجاز كتابة التعويذ للحايض والظاهر أن التعويذ غالبا لا ينفك عن آيات القرآن فقد أجاز لها كتابة القرآن
وإذا كان كتابته الحايض جايزا فللمحدث بالحث الأصغر بطريق أولى وهذه الأولوية أولى من الأولوية التي أدعوها في الاستدلال ومع قطع النظر
عن دعوى الأولوية نقول أن الحايض يندر أن تخلو عن الحدث الأصغر فإطلاقه (عليه السلام) في إجازة الكتابة لها وترك الاستفصال مع أن الفرد الغالب
الكثير هو أن تكون محدثة بالحدث الأصغر يدل على أن ليس المراد حال خلوها عنه وقس عليه القول في التعويذ أيضا بالنسبة إلى اشتماله على آيات القرآن
وعدمه مع أن في الرواية ليس لفظا لحدث الأصغر بل كونه على غير وضوء ولا شك أن الحايض على غير وضوء وإذا ثبت المعارضة فيجب الجمع بينهما بحمل
رواية علي بن جعفر (عليه السلام) على الكراهة وهذه الرواية على نفي البأس بمعنى الحرمة ولا يبعد الايراد على المعارضة أما على الوجه الأول الذي تمسك
13

فيه بالأولوية فبأن يمنع الأولوية ويسند بأن المحدث لما كان ارتفاع حدثه يحصل بسهولة ولا يتوقف على زمان
طويل ومهلة فلم يجز له الكتابة حتى
يتطهر وأما الحايض فلما كان ارتفاع حدثها يتوقف على مهلة ومضي زمان كثير يمكن أن يمس الحاجة فيه كثيرا إلى الكتابة فأجيز لها الكتابة لما في منعها في ذلك
الزمان الطويل من احتمال الضرر وتعطل أمرها كما لا يخفى وأما على الوجه الثاني فبأن يقال أن في رواية علي (ره) قد سئل عن الرجل فلا يكون الرواية الثانية
الحاكمة بجواز الكتابة للحايض معارضة له والقول بأن الفرق بينهما مما لا يعقل مندفع بما ذكرته من سند المنع آنفا وعلى تقدير تسليم أن يكون
المسؤول عنه أعم من الرجل والمرأة أيضا فنقول أن تعارضهما ليس من باب التعارض الذي الذي يجب الجمع بينهما بحمل أحدهما على الكراهة وغير ذلك بل من
باب تعارض العام والخاص المتعارف في العمومات والمخصصات فليخصص العام بالخاص فيخرج ما يخرج ويبقى الحكم فيما عداه وأما حديث أن إخراج الحايض في هذا
الحكم عن تحت المحدث مع أن حدثهما قد تضاعف غير معقول فقد عرفت ما يندفع به أولا وأما الايراد على المعارضة بأن وجه الجمع بينهما غير منحصر في حمل رواية
علي بن جعفر (ره) على الكراهة فلنحملها على أن المراد فيها تحريم كتابة القرآن بقصد أن يصير مصحفا والمحكوم بجوازه في الرواية الأخرى كتابة القرآن في التعويذ فلا
منافاة فلا يخلو عن بعد لاباء قوله أيحل له أن يكتب القرآن في الألواح عن هذا الحمل كما يحكم به الوجدان والايراد بأنه يمكن الجمع أيضا بأن تحمل الرواية
الأولى على الكتابة التي يقع فيها المس والثانية على التي لا يقع فيها كما يدل عليه عجزها لا يخلو عن قوة وإن كان في حمل الرواية الأولى على المعنى المذكور
تكلف لما ذكرنا سابقا من حكاية الاطلاق وترك الاستفصال مع أن في الايرادين أن الاحتمال لا ينفع في الاستدلال فأحسن التدبر وأتقن وثالثها
بأن يقال على الوجه الأول إن الأولوية التي تدعونها في الاستدلال ممنوعة بل هي من باب القياس الذي لا نعمل ولا نقول به وحينئذ فإن ثبت الاجماع على
جواز الكتابة للمحدث فليحمل الرواية على الكراهة وإلا فلنحكم بمقتضاها من حرمة الكتابة وأما تعديته إلى المس فلا وفيه بعد وعلى الوجه الثاني إن
عدم نقل الخلاف لا يدل على الاجماع فيمكن حمل الرواية على إرادة حرمة الكتابة لنفسها وعلى تقدير التسليم أيضا فلا نسلم إن الغالب في الكتابة حصول
المس وهو ظاهر فإذا حملتم الرواية الحاكمة بحرمة الكتاب مطلقا على أن الحكم بالحرمة إنما يكون باعتبار المس الذي يقع فيه في بعض الأحيان وارتكبتم هذا
التوجيه البعيد فلم لا تحملونه على الكراهة مع كونه أقرب إذ ليس لفظ لا تحل مما يكون نصا في التحريم فتأمل الثالث ما رواه في التهذيب قيل رواية إبراهيم بن
عبد الحميد المتقدمة وفي الاستبصار أيضا كذلك عن أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عمن قرء في المصحف وهو على غير وضوء قال لا بأس ولا
يمس الكتاب وهذه الرواية في الكافي أيضا بعينها في باب الجنب يأكل ويشرب بلا تفاوت في المتن والسند ويورد عليهما أما أولا فبالطعن في السند لان
فيه الحسين بن المختار وهو وإن نقل ابن عقدة عن الحسن بن الفضال توثيقه لكن قيل أنه واقفي وأبو بصير أيضا فيه كلام وسنفصل القول فيه إنشاء الله تعالى
فيما بعد وأما ثانيا فبعدم صراحتها في التحريم لأنه يمكن أن يكون نفيا وعلى تقدير كونه نهيا أيضا لا ظهور له في التحريم وقد مر مرارا الرابع ما رواه أيضا
في التهذيب قبل الرواية السابقة وكذا في السرائر عن حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كان إسماعيل بن أبي عبد الله (عليه السلام) عنده فقال يا بني أقرأ
المصحف فقال أني لست على وضوء فقال لا تمس الكتاب ومس الورق واقرئه وهذا الاستدلال أيضا ضعيف بالارسال وعدم الظهور في التحريم كما مر
غير مرة هذا ما وجدنا مما يمكن أن يستدل به على التحريم ولم نقف على دليل آخر وقد عرفت حال جميعها من عدم صلاحيتها لتحصيل الظن الصالح
المعول عليه والأصل براءة الذمة حتى يثبت شغلها بدليل صالح فأذن الحكم بالحرمة مشكل لكن لما تكاثرت وتظافرت الاخبار ولم يوجد معارض
قوي يوجب حملها على الكراهة أو شئ آخر غير الحرمة واشتهر أيضا بين الأصحاب الحكم بالوجوب فالأولى والأحوط أن لا يترك العمل بما حكم به الأصحاب فإن الرشد
في متابعتهم والله هو الهادي إلى سبيل الرشاد واعلم أنه على تقدير ثبوت حرمة المس للمحدث إنما يكون القول بوجوب الوضوء للمس الواجب مبنيا على
القول بوجوب مقدمة الواجب لأنه إذا كان المس محدثا حراما فيجب تركه وترك المس محدثا أما بترك المس مطلقا أو بتركه على هذا الحال والمفروض عدم
جواز الأول فيكون الثاني واجبا وهو يتوقف على الوضوء فيكون واجبا هذا ثم إن ها هنا أمورا ينبغي التنبيه عليها الأول إن حرمة المس على تقدير
ثبوتها هل تختص بالمس بالجسد أم يشتمل المس بالكم وغيره أيضا الظاهر عدم الشمول لان المس ظاهره عرفا ما يكون بالجسد وعلى تقدير عدم ظهوره فيه
لا ريب في عدم ظهوره عند الاطلاق في المعنى الشامل للمس بالكم ونحوه فيكون من الافراد المشكوكة للمس والقول بأن التكليف اليقيني لا بد في امتثاله
من الاتيان بالافراد المشكوكة أيضا حتى يخرج عن العهدة بيقين مما يعسر إثباته بل القدر الثابت إن الاتيان بالقدر اليقيني أو الظني كاف في الامتثال
وأيضا الظاهر أنه لم يقل أحد من علمائنا بتحريم المس بالكم ونحوه الثاني أن تحريم المس بظاهر الجسد مختص بباطن الكف أو لا الظاهر عدم الاختصاص لتناوله له
عرفا وقيل باختصاصه بما تحله الحياة لان ما لا تحله الحياة لان ما لا تحله الحياة لا يتعلق به حكم الحدث وهو ضعيف لأنه إذا صدق المس على المس بذلك الجزء فلا شك في دخوله
14

تحت التحريم وعدم حلول الحياة مما لا دخل له والقول بأن حكم الحدث لا يتعلق به كلام خال عن التحقيق لان الحدث ليس مما يتعلق بجزء جزء من
البدن بل هو معنى قايم بالشخص بمجموعه وظهر مما ذكرنا أيضا أنه إذا غسل بعض أجزائه في الوضوء ولم يتم الوضوء لم يجز له المس بذلك العضو الذي غسل لان الحدث
لا يرتفع ما لم يتم الوضوء وارتفاع حدث ذلك العضو بغسله غير معقول الثالث هو الآية الكريمة المثبتة في غير المصحف المجيد داخلة في هذا الحكم أم لا وفيه وجهان
من حيث أن المس في المصحف المجيد أيضا إنما يتعلق بالآيات لا بالمجموع فيكون مسه خارج المصحف أيضا حراما بلا تفاوت وإشعار رواية علي بن جعفر (عليه السلام) المتقدمة أيضا
وللتعظيم ومن حيث أنه يجوز أن يكون مجتمعة لها حرمة ليس لها مع الانفراد ويقوى طرف الدخول إذا كانت الآيات في التفاسير التي يكتب فيها القرآن بتماسه لأنه
لا يعبد حينئذ صدق المصحف عليه وقد روى رواية مشعرة بجواز مس الآية في الدرهم وسيجئ في باب الجنابة إنشاء الله تعالى الرابع مس اسم الله تعالى والأنبياء
والأئمة (عليهم السلام) في دينار أو غيره وكذا مس كتب التفاسير والأحاديث والفقه هل حكمه ذلك أم لا الظاهر العدم لعدم دليل على حرمته فإن الدلائل التي قد
تقدمت لا تدل عليها أصلا ولم نجد سوى ذلك والأصل براءة الذمة حتى يثبت شغلها وقد روى ما يدل على جواز مس اسم الله تعالى ورسوله للجنب في الدرهم
كما سيجيئ فللمحدث بطريق أولى لكن لا بأس بالكراهة للتعظيم وأما جواز لمس هامش المصحف وغلافه وحمله وتعليقه على كراهيته فالظاهر أنه جماعي كما نقله العلامة
في المنتهى الخامس المنسوخ تلاوته من القرآن دون حكمه غير داخل في حكمه ظاهر أو العكس بالعكس السادس لما كان الوجوب والحرمة فرع التكليف فلم يكن مس
الصبيان مما يمكن أن يقال أنه حرام وهل يجب على الولي منعهم الظاهر أنه لا يجب لعدم الدليل وعدم المدرك مدرك العدم هذا والله أعلم وإذا قد تم القول
في وجوب الوضوء للغايات الثلاث المتقدمة فلنشرع الان في بيان وجوب الغسل لها أعلم أن الغسل له أقسام متعددة يختلف حكمها في هذه المسألة
في بعض الأمور وجمعها معا في البيان مما لا ينبغي فلذا نورد كلا منها على حدة إنشاء الله تعالى ونخص البحث ها هنا بغسل الجنابة لأنه الفرد الأكثر الأشهر
ونورد أحكام الأغسال الأخرى في بابها إنشاء الله تعالى فنقول قد علمت في بيان وجوب الوضوء أن الوجوب للصلاة له معنيان وهذان المعنيان يتحققان
في الغسل أيضا وإن كان مراد المصنف ها هنا أحدهما كما تقدم أما وجوبه بالمعنى الأول للصلاة الواجبة فقد نقل عليه الاجماع وقد يتمسك أيضا بقوله تعالى
في سورة المائدة يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا
ووجه الاستدلال ما مر في الاستدلال بها على وجوب الوضوء للصلاة وقد يناقش بأنه يجوز أن يكون جملة وإن كنتم جنبا معطوفة على جملة إذا قمتم لا على
فاغسلوا حتى يدخل إذا قمتم عليها ويدل على مطلوبكم ويوجه بأن توسطها بين جملتين الوضوء والتيمم اللتين هما مدخولتا إذا قمتم إنما يدل على
مدخوليتها أيضا وكذا إيراد كلمة أن دون إذا وسيجئ تفصيل القول فيه إنشاء الله تعالى في بيان أن الطهارات واجبة لنفسها أم لا ثم أن في الروايات وإن كان
ما يدل على وجوب الغسل أكثر من أن يعد لكن لم نجد ما يد على المعنى الذي نحن بصدده لان هذا المعنى إنما يتحقق بأمرين أحدهما أن يكون الغسل مأمورا
به بالامر الايجابي مستحقا تاركه للعقاب بتركه بخصوصه وثانيهما أن يكون دلالته على أن ذلك الايجاب والتكليف إنما هو لأجل الصلاة والأمران إنما
يتحققان بأن يقال مثلا اغتسل للصلاة أو نحو ذلك من العبارات ولم نقف على مثل ذلك والاخبار نعم في رواية الكاهلي التي سيجئ في مبحث أن
الطهارة لنفسها أم لغيرها دلالة على أن الغسل للصلاة لكن لم يدل على وجوبه وأما وجوبه المجرد وكذا شرطيته للصلاة على ما سنثبته وكذا
هما معا فلا يكفي في المطلوب إلا على رأى من يقول بوجوب الشرط للواجب المطلق كما أشرنا إليه سابقا ولا يخفى أن الاجماع الذي ذكرنا ففيه أيضا الشك الذي
تقدم في الاجماع المنقول على وجوب الوضوء للصلاة بهذا المعنى فإن قلت إذا كان الغسل واجبا وكان أيضا شرطا للصلاة فأي فائدة في هذا
النزاع وما ثمرته نعم إذا لم يثبت وجوبه وثبت شرطيته فقط لكان للنزاع فائدة على ما بينوه في مسألة مقدمة الواجب من أنه إذا ترك الشرط و
المشروط معا فإن قلنا بأن الشرط للواجب واجب فقد ترك واجبا واحدا ويظهر ثمرته في باب النذر وغير ذلك حسب ما فصلوه
وأما إذا كان وجوبه وشرطيته كلاهما ما تبين فلا طايل لان يتعرض لان وجوبه لها أم لا لان المكلف إذا ترك الغسل فقد ترك الواجبين سواء قلنا
بالوجوب للصلاة أو لا بل لا معنى للوجوب للصلاة إلا أن يكون واجبا وكان لها مدخل في صحتها أو فضيلتها قلت فرق بين أن يكون الشئ واجبا لشئ
بأن يقال إفعل هذا لذاك وبين أن يكون وجابا في نفسه ومع ذلك يكون شرطا لشئ آخر لان في الصورة الأولى يكون تضيقه تابعا لتضيق ذلك الشئ كما
يفهم من العبارة عرفا بخلاف الثاني على تقدير عدم القول بوجوب الشرط للواجب المطلق وأما على القول به فالثاني أيضا كذلك كما لا يخفى وعلى هذا
يظهر ثمرة النزاع فيما إذا تضيق وقت الصلاة مثلا فإنه إذا قلنا بأن الغسل شرط لها وواجب أيضا بسبب إنزال المني أو غيره مثلا لكن ليس واجبا لها
وترك المكلف حينئذ الغسل فلم يكن مستحقا للذم إلا بترك واجب واحد هو الصلاة لان وجوب الغسل والذي كان بسبب آخر لم يتضيق حينئذ فلم يكن مستحقا للذم
15

على تركه وأما إذا قلنا بأنه واجب للصلاة فقد ترك واجبين مضيقين واستحق الذم بتركهما ويثمر هذا المعنى في باب النذر وغيره كما قرره القوم في
ثمرة النزاع في وجوب المقدمة هذا ولا يذهب عليك أنه قد يتفرع على وجوبه لنفسه أيضا أشياء آخر غير ما ذكرناه من وجوبه مضيقا عند ظن الموت
وإن لم يكن وقت الصلاة وغير ذلك لكن لما كان غرضنا الخاص بهذا المقام بيان ما يلزم من عدم وجوبه للصلاة لا ما يلزم من وجوبه لنفسه فلذا اقتصرنا عليه
وأما بيان تلك الأمور فسيجئ إنشاء الله تعالى مفصلا في موضعه الأخص به من البحث في أن وجوب الطهارات لنفسها أم لغيرها وأما وجوب - ص 22 -
(والحاصل أن المطلوب في هذا المقام وجوب الغسل للصلاة مطلقا أعم من أن يكون
واجبا في نفسه أم لا لانحصار الوجوب فيه كما هو المطلوب في البحث الاخر والكلام
إنما هو عليه ولذلك أورد المعترض أنه بعد تسليم الوجوب والشرطية لا فائدة
في هذا النزاع وإلا فثمرة النزاع في البحث الاخر مما لا شك فيه كما ذكره ولذلك
ترى بعض العلماء مثل العلامة ره قال ها هنا بوجوب الغسل لهذه الأمور مع
اعتقاده أن الغسل واجب لنفسه وبهذا اندفع ما أورد عليه العلامة الرازي في
الارشاد من التنافي بين كلاميه فتدبر ويمكن الفرق بينهما بوجه آخر أيضا على ما
ذكرنا أن الوجوب لا يستلزم أن يكون ذلك الشئ غرضا تاما له لكنه بعيد فتدبر منه؟)
الغسل للصلاة بالمعنى الاخر
أي الشرطية فقد نقل عليه الاجماع أيضا بل كاد أن يكون من ضروريات الدين ويدل عليه أيضا الكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى في سورة النساء يا أيها
الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم إلى آخر ما حررناه سابقا وسنبسط القول فيه إنشاء الله تعالى في بيان وجوب
الغسل لدخول المساجد وأما السنة فمنها ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب قبيل باب الأغسال المفترضات والمسنونات في أثناء حديث رواه عن زرارة عن
أبي جعفر (عليه السلام) قال حماد قال حريز قال زرارة قلت له رجل ترك بعض ذراعه أو بعض جسده من غسل الجنابة فقال إذا شك وكانت به بلة وهو في
صلاته مسح بها عليه وإن كان استيقن رجع فأعاد عليها ما لم يصب بلة فإن دخله الشك وقد دخل في صلاته فليمض في صلاته ولا شئ عليه وإذا استيقن رجع
فأعاد عليه الماء وإن رآه وبه بلة مسح عليه وأعاد الصلاة باستيقان وإن كان شاكا فليس عليه في شكه شئ فليمض في صلاته وهذه الرواية في الكافي
أيضا في باب الشك في الوضوء ومنها ما رواه الشيخ (ره) أيضا في التهذيب قبل باب حكم الحيض والاستحاضة متصلا به عن الحلبي قال سئل أبو عبد الله (عليه السلام)
عن رجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج شهر رمضان قال عليه أن يقضي الصلاة والصيام ومنها ما رواه الشيخ (ره) أيضا في زيادات التهذيب
في باب التيمم وأحكامه عن الحسن الصيقل قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل تيمم ثم قام يصلي فمر به نهر وقد صلى ركعة قال فليغتسل وليستقبل الصلاة
ومنها ما رواه في الزيادات أيضا قبل باب تلقين المحتضرين متصلا به عن علي بن مهزيار أن الإمام (عليه السلام) كما هو الظاهر أجاب مسألة سليمان بن رشيد
بجواب قرائه بخطه وفي أثناء ذلك الجواب وإذا كان جنبا أو صلى على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته لان الثوب خلاف الجسد فأعمل
على ذلك إنشاء الله تعالى وأما وجوب الغسل للطواف ومسل خط المصحف فسيجئ بيانه إنشاء الله تعالى في شرح كتاب الحج ومبحث الجنابة
ولنتكلم الان في وجوب التيمم
للغايات الثلاث المذكورة ونبدأ بالصلاة فنقول لا شك في مشروعية التيمم ووجوبه في الجملة كما نطق به الكتاب والسنة والاجماع بل الضرورة من الدين وأما
وجوبه للصلاة بالمعنيين فالظاهر أيضا أنه إجماعي وقد عرفت حال الاجماع على الوجوب بالمعنى الأول في نظيريه فقس عليه ها هنا أيضا وقد يستدل
على الوجوب بالمعنى الأول بقوله تعالى في سورة المائدة تتمة الآية الكريمة المتقدمة وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحدكم من الغائط أو لمستم النساء
فلم تجدوا ماء فتيمموا الآية وقد يناقش فيه بجواز أن لا يكون جملة وإن كنتم مرضى داخلا تحت وإذا قمتم بل يكون معطوفا عليه أو على جملة وإن
كنتم جنبا وهي لا يكون داخلا تحته ويستدل بقوله تعالى أيضا في سورة النساء تتمة للآية الكريمة المتقدمة وإن كنتم مرضى الآية وفيه كلام سيجئ في
وجوب الغسل الدخول المساجد ويمكن أن يستدل عليه أيضا ببعض الروايات الذي له دلالة ما بحسب العرف وإن لم يكن دلالته ظاهرة منها ما رواه
الشيخ (ره) في التهذيب في باب التيمم وأحكامه عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون معه اللبن أيتوضأ منه للصلاة قال لا إنما هو الماء و
الصعيد ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب عن زرارة عن أحدهما قال إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل
في آخر الوقت ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب عن أبي همام عن الرضا (عليه السلام) قال يتيمم لكل صلاة حتى يوجد الماء ونظائر الروايتين الأوليين في
الروايات كثرة والرواية الأخيرة لا يخفى ظهورها في المدعى ويستدل على الوجوب الثاني أيضا بالآية الثانية وفيه أيضا كلام سيجئ ولقوله (عليه السلام)
لا صلاة إلا بطهور مع أنه ظهوركما سنبينه وكذا قول الصادق (عليه السلام) الصلاة ثلاثة أثلاث ثلث طهوره (آه) وبالجملة هذا المطلب مما لا يحتاج إلى زيادة تجشم في
الاستدلال عليه وأما وجوب التيمم للطواف فسيجئ إنشاء الله تعالى في بابه وأما وجوبه لمس خط المصحف فبناء على تحريم المس للمحدث وللجنب وحال المحدث وقد عرفت
وحكم المجنب سيجئ إنشاء الله تعالى وعلى تقدير التحريم فالمشهور بين علمائنا بل الاجماع منهم كما هو الظاهر من كلام العلامة (ره) في المنتهى حيث لم ينقل فيه
خلافا إلا من أبي محرمة من عدم تجويزه إلا المكتوبة ومن الأوزاعي من القول بكراهة المس للمتيمم أن التيمم مبيح له لكن قد نقل عن فخر المحققين (ره) القول
بعدم إباحة التيمم له فلا يكون واجبا أيضا عند وجوبه على قول هذا الفاضل وقد احتج عليه بقوله تعالى ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وسنذكر
وجه الاحتجاج وما يرد عليه ثم أن هذا الحكم لما لم يثبت وقوع ضرورة ولا إجماع ظاهر (عليه فلا بد من شرحه وتفصيل القول فيه كما سيأتي إنشاء الله تعالى
في باب وجوب التيمم لدخول المسجدين وفي اللبث فميا عداهما قال المصنف أعلى الله درجته (ويختص الغسل والتيمم بدخول مسجدي مكة والمدينة واللبث في
16

باقي المساجد) المراد بالغسل والتيمم طبيعتهما لا جميع الافراد ولا فرد معين كيف ويعد من جملة ما يجبان له صوم الحايض والجنب وحينئذ لا حاجة إلى
تقييد الغسل بغير غسل المس لأنه لم يجب للدخول واللبث وكذا لما سيجئ من قراءة العزائم على ما صرح به المصنف (ره) في البيان كما فعله المحقق الشيح علي (ره)
في شرح القواعد في هذا المقام ولا يخفى أن وجوب الغسل والتيمم للدخول واللبث وكذا قراءة العزائم إنما هو عند وجوب هذه الأمور والمصنف (ره) لم يقيد به
أما للطهور أو للاعتماد على السابق حيث قيد الحكم فيه بالوجوب أو لان معنى العبارة أن وجوب الغسل والتيمم دون الوضوء إنما يكون لهذه الأمور في الجملة و
هذا لا يستلزم وجوبهما لجميع أفرادهما حتى يلزم التقييد بل يكفي الوجوب للبعض ثم أن وجوب الغسل للامرين المذكورين إنما هو بناء على تحريمهما للجنب
والحايض ومن بحكمهما وهو قول علمائنا أجمع سوى ما نقل عن سلار من القول بالكراهة وسيجئ تفصيل القول فيه في مبحث أحكام الجنب والحايض إنشاء الله تعالى
وأما وجوب التيمم فبناء على وجوب الغسل وإباحة التيمم لهما ولنتعرض ها هنا لبيان الامر الأخير فنقول إعلم أن المستفاد ظاهرا من كلام العلامة (ره) في
المنتهى إجماع علمائنا على أن التيمم بدلا من الغسل مبيح لدخول المسجدين واللبث فيما عداهما وكذا مس خط المصحف عند علمائنا إذ لم ينقل في هذا المقام خلافا سوى
ما نقل من أبي محرمة من القول بعدم جوازه إلا للمكتوبة والأوزاعي من القول بكراهة المس للمتيمم كما ذكرنا سابقا من القول بكراهة المس للتيمم كما
ذكرنا سابقا لكن نقل عن ولده فخر المحققين (ره) المنع من إباحة التيمم لهما محتجا في الأول بقوله تعالى ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وجه الاستدلال
أنه سبحانه جعل الاغتسال غاية لحرمة القرب إلى المساجد فلو كان التيمم مبيحا له فلم يكن الغاية غاية وفي الثاني بعدم فرق الأمة بينهما في هذا الحكم ويلزم
على قوله (ره) تحريم الطواف أيضا للمتيمم لاستلزامه دخول المسجد لكنه لم يصرح به وضعف الشهيد الثاني (ره) هذا الاحتجاج بمعارضته بقول النبي (صلى الله
عليه وآله) لأبي ذر (رضي الله عنه) لما أتاه وقال يا رسول الله هلكت جامعت على غير ماء قال يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين ووجهه بأن الاطلاق
يقتضي الاكتفاء به في العبادات إذ لو أراد الاكتفاء به في الصلاة في البيت لوجب البيان حذرا عن الاجمال في وقت الخطاب الموجب للاغراء ويقول الصادق
(عليه السلام) إن الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا وبقوله (عليه السلام) التراب أحد الطهورين ولأن الصلاة المشترطة بالطهارة الصغرى والكبرى أعظم
من دخول المساجد فباجتهاد تلزم إباحته بطريق الأولى وفي الكل نظر أما في الأول فلانا لا نسلم أنه إذا كان المراد الاكتفاء به في الصلاة ألزم
تأخير البيان عن وقت الخطاب مع أنه لا فساد فيه كما بين في موضعه إذ يجوز أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله) إنما بين له قبل أن التيمم لماذا وأي شئ
يستباح به فإن قلت إذا بين له النبي (صلى الله عليه وآله) قبل أن التيمم يبيح الصلاة فمم كان جزعه واضطرابه قلت كان جزعه من أنه ظن أن التيمم وإن كان مبيح
للصلاة لكنه فيه كراهة ونقص مرتبة أو من أنه لما جامع اختيارا مع عدم الماء تخوف أن يكون فعله حراما وأيضا لو تم ما ذكره للزم أن يستفاد
أكثر مباحث التيمم من كيفيته وأحكامه وموجباته ونواقضه من ذلك الخبر وإلا يلزم تأخير البيان فما هو جوابه فهو جوابنا ولا يخفى أنه لو وجه المعارضة بأن الخبر
يدل على الاكتفاء بالتيمم في الصلاة كما هو الظاهر وكان متعارف صلواتهم وأكثر أفرادها في المسجد وكون المراد الفرد الغير المتعارف وإخراج الفرد المتعارف
مع الاطلاق في الكلام وعدم الاشعار بالمرام خلاف الظاهر لكان أولى مما ذكره وإن كان أيضا غير صحيح في نفسه إذ دلالته على الاكتفاء به في الصلاة
غير مسلم بل يجوز أن يكون واجبا لنفسه كما هو مذهب بعض وعلى تقدير التسليم ليس هذا من قبيل أن يورد في حكم لفظ عام ويراد منه فرده الغير
المتعارف فقط من غير إشعار لأنه (عليه السلام) في هذا المقام ليس في صدد بيان أنه يكفي لأي شئ ويبيح أي شئ بل مراده (عليه السلام) إن الصعيد الذي قد عرفته
وبينت لك كيفيته وإباحته لما يبيح ليس فيه نقص مرتبة وقصور وكراهة حتى أنه لو ارتكبه أحد للزم أن لا يرتكبه إلا شاذا نادرا كما يتخيله بل يكفي عشر
سنين وليس فيه قصور تسلية لأبي ذر (رضي الله عنه) وتسكينا لخاطره وما ذكرناه ظاهر لمن يراجع وجدانه وأما في الثاني فلان حكمه (عليه السلام)
بجعل التراب طهورا لا يقتضي أن يكون مبيحا لكل ما تبيحه المائية بل لا يدل على أزيد من أنه يثبت له طهوريته ما لا طهورية الماء إذا لا يلزم أن
يكون كل طهور حكمه حكم الطهور الاخر كما يشهد به الفطرة السليمة وقس عليه حال الرواية الأخرى وأما في الثالث فلان الأولوية ممنوعة إذ يجوز أن يكون الصلاة لكونها أمرا ضروريا لا ينبغي أن يترك في حال من الأحوال إنما يكتفي فيها عند الضرورة بالتيمم بخلاف دخول
المساجد فإنه لما لم يكن بهذه المثابة فلا ضرورة في أن يكتفي فيه بالتيمم ونظيرها في الوجود أكثر من أن يحصى كما لا يخفى وأيضا أحكام الله تعالى و
شرايعه وحكمته فيها ليس مما يجد العقل إليه سبيلا فالقول فيها بمثل هذه الوجود والدلايل ليس مما ينبغي إذ ليس مآله عند التحقيق إلا إلى القياس الذي
تواتر عن أصحاب العصمة (عليه السلام) إنكاره ومنع القول به فتدبر وقد أورد على الاستدلال أيضا بأنه موقوف على أن يكون المراد بالصلاة
مواضعها أما على المجاز في الاعراب بحذف المضاف أو على المجاز في اللفظ من قبيل تسمية المحل باسم الحال وهو مما إذا يجوز أن يكون المراد معناها الحقيقي
أي لا تصلوا جنبا إلا إذا كنتم مسافرين فإنه يجوز لكم حينئذ الصلاة متيمما والحاصل أن السفر لما كان مظنة تعذر الغسل استثناه سبحانه بل هذا
17

أولى لئلا يلزم ارتكاب المجاز وفيه أن ارتكاب خلاف الظاهر في هذا المعنى أيضا لازم من جهة لزوم التكرار في قوله سبحانه أو على سفر مع أن في الأول
يمكن أن يحل اللفظ على حقيقته بدون ارتكاب مجاز لان الدخول في مواضع الصلاة قرب منها واعلم إن لكل من الوجهين مرجحات ومضعفات مذكورة في
موضعها ولا يصحل منها ترجيح تام لأحدهما لكن ما رواه الصدوق (ره) في كتاب علل الشرايع في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قلت له
الحايض والجنب يدخلان المسجد أم لا قال لا يدخلان المسجد إلا مجتازين إن الله تبارك وتعالى يقول ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا مرجح قوي للمعنى
الأول وبذلك يندفع الايراد المذكور عن الاستدلال ثم أن الشهيد الثاني (ره) قال بعدما نقلناه عند وذكر الغسل في الآية لكونه أصلا اختياريا وهو لا
ينفي الاضطراري إذا دخل بدليل آخر انتهى ولا يخفى أن ما ذكرناه من وجه الاكتفاء بالغسل وجعله غاية للتحريم وجه ظاهر قريب لكن الكلام في وجود دليل دال
على كون التيمم بدلا اضطراريا له لان ما ذكره من الوجوه غير تام كما بينا ولما كان هذا المقام موضع إشكال واشتباه فلا علينا أن نشبع الكلام فيه و
نوضحه بقدر ما بلغ إليه فهمنا وطاقتنا حفظنا الله تعالى عن الخطأ والتقصير فنقول أعلم أن للأصحاب رضوان الله عليهم عبارتين أحديهما أن التيمم
يبيح كلما يبيحه المائية والثانية أنه يجب لما يجب له الطهارتان واستدل على الأولى بالروايات الدالة على كون التيمم والتراب طهورا من الروايتين السابقتين
وغيرهما مما سنذكره بعد وبقوله (عليه السلام) لأبي ذر المتقدم وقد عرفت الحال فيهما وبما رواه الشيخ (ره) في التهذيب في أواسط باب التيمم في الصحيح عن حماد بن
عثمان قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل لا يجد الماء أيتيمم لكل صلاة قال لا هو بمنزلة الماء وفيه أن لفظ المنزلة لا نسلم عمومه عرفا بل هو بمنزلة
الماء وفيه أن لفظ المنزلة لا نسلم عمومه عرفا بل هو بمنزلة الألفاظ المجملة والسؤال قرينة ظاهره ها هنا على أن المراد أنه بمنزلة الماء في استباحة صلوات كثيرة به وأما
دلالته على أزيد من ذلك فمما يأباه الوجدان ومما يمكن أن يستدل به على الثانية أنه لما ثبت أنه يستباح به كل ما يستباح بالطهارتين فإذا كان شئ من
غايات الطهارتين واجبا ولم نقدر عليهما فلا شك في وجوب التيمم حينئذ لان الاتيان بذلك الواجب صحيحا ممكن حينئذ إذ المفروض استباحته بالتيمم وهو موقوف
على التيمم وما يتوقف عليه الواجب واجب فيكون واجبا كما هو معتقدهم وفيه أنه موقوف على المقدمة الأولى ولم يثبت والسيد الفاضل صاحب المدارك (ره)
رجح أن التيمم يبيح كلما يبيحه المائية واستدل عليه ببعض ما ذكرنا ثم قال فمما ثبت توقفه على مطلق الطهارة من العبادات يجب له التيمم وما ثبت توقفه على نوع
خاص منها كالغسل في صوم الجنب مثلا فالأظهر عدم وجوب التيمم له مع تعذره إذ لا ملازمة بينهما فتأمل انتهى ولا يخفى ما فيه من الخلل والاضطراب لان
مراده (ره) بقوله فما ثبت توقفه إلى آخره أما أن ما ثبت توقفه على طبيعة الطهارة بدون خصوصية فرد يجب له التيمم وما يتوقف على خصوص فرد لا يجب
ففيه أن تفريع هذا المعنى على إباحته لكل ما يبيحه الطهارتان غير موجه لأنه على التقدير المذكور ينبغي أن يجب لكل ما يجبان له كما قررنا آنفا إلا أن يكون نظره
إلى الدقيقة التي سنذكرها بعد وحينئذ يبقى عليه بحث لفظي فقط لا معنوي من جهة عدم حسن التفريع لان هذا المعنى بناء على الدقيقة المذكورة لا يتفرع
على إباحته لكل ما يبيحانه بل على أمر آخر والامر فيه سهل لكن سنذكر إنشاء الله تعالى عند ذكر هذه الدقيقة أنه ليس نظره إليها فانتظر وأيضا فيه أنه مناف لما
سيرجحه بعد من وجوب التيمم لدخول المساجد ومس خط المصحف ونحوهما بناء على هذه الدلايل إذ ظاهر أن هذه الأمور ليس مما يثبت توقفه على طبيعة الطهارة
فقط بل على فرد خاص كما في صوم الجنب بعينه وأما أن ما ثبت توقفه على فرد ما من الطهارة يجب له التيمم وهذا أيضا مثل سابقه بعينه وأما أن ما يتوقف على
كل فرد من الطهارة يجب له وما ليس فلا كالغسل لصوم الجنب فإنه لا يتوقف على بعض الافراد لصحته من المحدث بالحدث الأصغر وفيه أيضا أن تفريعه على ظاهر قوله
إن التيمم يبيح كلما يبيحه المائية ليس بصواب وهو ظاهر إلا أن يؤول بأنه يبيح كلما يبيحه جميع الطهارات المائية وفيه بعد مع أن دلالة الأدلة التي أوردها
يصير حينئذ أضعف وأيضا أنه مناف لحكمه بوجوب التيمم للأمور التي ذكرنا آنفا لأنها أيضا ليست مما يتوقف على جميع الطهارات وإن وجه الكلام بأن مراده (ره) أن
التيمم يبيح كلما يبيحه فرد من أفراد الطهارة المائية من حيث أنه فرد للطهارة ولا يستلزم هذا المعنى وجوب التيمم لجميع ما يجب له الوضوء والغسل إذ
يجوز أن يتوقف شئ على أحدهما لا من حيث أنه فرد للطهارة والفرق بينه وبين التوجيه الأول ظاهر ففيه أيضا أنه حينئذ بم عرفت أن الصوم موقوف على الغسل
لا من حيث أنه فرد الطهارة ودخول المسجد مثلا موقوف عليه من تلك الحيثية بل ظاهر أنه لا فرق بينهما نعم لو لم يقل أحد بتوقف صحة الصوم عليه بل بوجوبه
له فقط ولزوم القضاء والكفارة مع صحة الصوم في نفسه كما يشعر به كلام بعض علمائنا (ره) لم يكن القول به بعيد جدا لأنه لما كان صحيحا مع الحدث فوجوب
الغسل له يمكن أن يقال أنه ليس لأجل فرديته للطهارة لكن حينئذ يبقى الكلام في تحقق معنى الوجوب للصوم فيه فتدبر والعجب أنه (ره) قبل هذا الكلام أورد على
عبارة المصنف المحقق (ره) والمندوب ما عدا ذلك بعد أن قال التيمم يجب للصلاة ولخروج الجنب من المسجدين أن هذا الاطلاق مناف لما سيصرح به من إباحة
التيمم لكل ما يبيحه المائية فإنه يقتضي وجوب التعميم عند وجوب ما لا يستباح إلا به انتهى ثم حكم نفسه بأن التيمم يبيح كل ما يبيحه المائية مع أنه لم يجب لما يجبا له ولعله له
18

وجها لم يصل إليه فهمي والله أعلم وهذا الكلام وقع في البين فلنرجع إلى ما كنا فيه وبالجملة ما وقفنا واطلعنا عليه من الدلايل على هذين المطلبين هو هذا
ولم نطلع على دليل آخر ظاهر الدلالة فالحكمان المذكوران في محل التوقف نعم غاية ما يمكن أن يستفاد من الاخبار إن التيمم مبيح لما يبيحه الطهارة بمعنى إن ما ورد
في الشرع أنه لا يباح بدون الطهارة أو لا تفعله بدونها أو مشروط بها أو نحو ذلك من العبادات فالتيمم مبيح له لاطلاق الطهور عليه في الشرع لورود الروايات
الكثيرة المتظافرة المستفيضة في هذا المعنى وظاهر قوله تعالى ولكن يريد ليطهركم أما ما ورد في الشرع أنه لا يباح دونه الوضوء أو الغسل أو مشروط بهما
أو نحو ذلك فإباحة التيمم له غير ثابت إلا إذا كان عليه دليل خاص من إجماع أو خبر أو نحوهما ولا بأس أن نذكر الروايات الواردة في هذا المعنى فمنها ما روي عنه
(عليه السلام) جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ومنها ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب في باب التيمم وأحكامه عن محمد بن مسلم قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل
أجنب فتيمم بالصعيد وصلى ثم وجد الماء فقال لا يعيد أن رب الماء رب الصعيد فقد فعل أحد الطهورين (ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في آخر حديث فإن التيمم أحد الطهورين) ومنها ما رواه أيضا في الزيادات في باب التيمم وأحكامه
عن محمد بن حمران وجميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في آخر حديث فإن الله تعالى جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا وهذه الرواية في الكافي أيضا عنهما في باب الرجل يكون معه الماء
القليل في السفر وفي الفقيه أيضا عنهما في باب التيمم وفي باب الجماعة وفضلها ومنها ما رواه أيضا في الزيادات في باب التيمم عن سماعة قال سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الرجل يكون معه الماء في السفر فيخاف قلته قال يتيمم بالصعيد ويستبقي الماء فإن الله عز وجل جعلهما طهورا الماء والصعيد ومنها ما رواه الصدوق (ره)
في الفقيه في باب التيمم في آخر حديث ولا ينقضها لمكان الماء لأنه دخلها وهو على طهر تيمم ثم ها هنا دقيقة أخرى وهي أنه إذا كان شئ مشروطا بالطهارة
لا خصوص الوضوء أو الغسل وكان التيمم مبيحا له كما ظهر من الروايات فهل يجب التيمم له إذا كان واجبا أو يستحب إذا كان مستحبا مع تعذر الوضوء أو الغسل بدون دليل
آخر أم لا وفيه أيضا إشكال إذ بمجرد إباحة التيمم له لا يلزم وجوبه عند وجوبه لان التيمم عبادة والعبادة لا بد أن يكون متلقاة من الشارع ومأذونا فيها من
قبله إجماعا كما هو الظاهر وهو لم يأذن في التيمم له كما هو المفروض نعم حكم بإباحته له وغاية ما يلزم منه أنه إذا تيمم المكلف لما إذن له ورخص كان ذلك الشئ أيضا
مباحا له إلا أن يجعل طلب الشارع ذلك الشئ مع حكمه بأنه لا يباح بدون الطهارة واشتراطه إياه بها وإن التيمم طهور قرينة على الاذن في التيمم
لذلك الشئ والحاصل إن في مثل هذه الصورة قد اجتمع ثلاثة أمور لا يمكن حملها جميعا على ظاهرها طلب الشئ المفروض واشتراطه بالطهارة والنهي
عن الظاهر ما لم يأذن فلا بد من أحد ثلاثة أمور أما القول بعدم وجوب ذلك الشئ بتخصيص العام الذي يشمله إذا كان الطلب لأمر يعمه أو بتقييد وجوبه
بشرط أو وقت أو نحو ذلك إذا لم يكن الطلب لأمر عام أو بتخصيص شرطية الطهارة له بشرط أو نحوه أو بتخصيص النهي عن الطهارة بدون الاذن ولا يبعد أن
يرجح الأخير لأنه في الحقيقة ليس تخصيصا للنهي المذكور بل نقول أن الامرين الأولين قرينة على الاذن (والرخصة والاذن) لا يجب أن يكون صريحا فحينئذ يخرج التيمم المذكور عن
عنوان الحكم أي الطهارة بدون الاذن لا أن يخصص من الحكم والمفرق بينهما ظاهر إذ التخصيص أن يكون لفظ دالا على أشياء ويخرج بعض الأشياء عن إرادته
من اللفظ المذكور مع بقائه تحته بحسب الدلالة وها هنا قد خرج بحسب الدلالة فتدبر وإذا لم يلزم حينئذ تخصيص بخلاف الأولين لاستلزامهما التخصيص قطعا
فتعين ارتكابه فإن قلت السيد الفاضل المذكور لعلة نظرا إلى هذه الدقيقة حيث حكم بإباحة التيمم لما يبيحه الطهارتان مع عدم وجوبه لما يجبان
له قلت إذا كان كذلك لما كان الفرقة بين ما يتوقف على نفس الطهارة وبين ما يتوقف على خصوص فرد في وجوب التيمم لهما وجه ظاهرا إذ قد عرفت أن
التيمم لا يلزم أن يكون واجبا لما يتوقف على نفس الطهارة أيضا بناء على الدقيقة المذكورة لا يقال كان تخيل أنه إذا قال الشارع هذا الامر مشروط
بالطهارة وقال أيضا أن التيمم طهارة ثم أمر بالامر المذكور كان ذلك قرينة على الرخصة في التيمم قرينة ظاهرة أما إذا قال إن هذا الامر مشروط بالوضوء
مثلا وإن التيمم طهور فلا ظهور حينئذ لكون الامر به قرينة في الاذن وإن ثبت أن التيمم مبيح لما يبيحه الوضوء أيضا فلم يتعين أذن ارتكاب الامر الأخير من الثلاثة
المذكورة فلم يثبت وجوب التيمم لان ذلك التخيل وإن كان له وجه لكنه إذا كان مراده هذا فلا ينبغي أن يفرق بين وجوبه لصوم الجنب ودخول المساجد إذ ليس في دخول المساجد
أيضا ما يدل على توقفه على طبيعة الطهارة كما في صوم الجنب بعينه بل في الآية والاخبار منع الجنب فقط كما سيأتي
إنشاء الله تعالى في باب الجنابة وإذ قد تمهد هذه المقدمات فلنعد إلى بيان المسئلتين السابقتين من وجوب التيمم للمساجد ولمس خط المصحف أما وجوب التيمم
للمساجد فالظاهر على ما ذكرنا من المقدمات العدم لأنه ليس في الآية والاخبار كما أشرنا إليه آنفا إن دخول المسجدين الحرمين واللبث فيما عداهما إنما
يبيحه نفس الطهارة أو التيمم يصلح لبدلية الغسل فيه إذا الموجود فيهما منع الجنب وغير المغتسل فقط وأما إيراده عز وجل ببيان التيمم بعد قوله سبحانه
ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا فهو وإن صلح لان يكون قرينة لبدليته للغسل في إباحة القرب من المساجد وكونه متعلقا بهذا الحكم لكن يعارضه
قوله تعالى أو جاء أحدكم من الغائط لأنه لا دخل له في هذا المعنى لإباحة القرب من المسجد بدون الوضوء فيشعر هذا بأنه استيناف حكم آخر لبدلية التيمم
19

الموضوء والغسل إجمالا وبيانه على مظهر الشريعة الصادع بها فيقصر على ما بينه وليس فيه عموم ولا اختصاص بهذا الحكم وقس عليه الحال في إيراد التيمم في الآية
الكريمة السابقة في المائدة لأنه على تقدير عدم اختصاص الحكم بالوضوء العموم ممنوع بل غايته الاجمال فيحال إلى بيانه (عليه السلام) وإذا لم يوجد دليل على
ذلك ففي إباحة التيمم لهما نظر ومع عدم الإباحة لا وجوب وإذا لم يبحهما التيمم يجب لهما فيكونان بدون الغسل حراما سواء كان واجبا بالنذر أو لا للاجماع ظاهرا لان
النهي عنهما جنبا يخصص الأوامر العامة باستحبابهما والعمومات الدالة على الايفاء بالنذر مثل أوفوا بالعقود وغير ذلك وإن كان بينهما وبين العمومات الدالة
على منعهما جنبا عموم من وجه ويكون الحكم التوقف والتخيير في أكثر مواضعه لكن الظاهر ها هنا ترجيح عمومات المنع لأن الظاهر أن المراد بالأوامر الدالة على الايفاء بالنذر إنما هو
الايفاء به إذا لم يكن مخالفا لما ثبت أصالته بالشرع وأنه لا يصير سببا لتخصص الاحكام الأصلية كما لا يخفى ولم إذا كان الوجوب بغير النذر مثل الدخول للطواف ونحوه فيحتاج
إلى النظر في أدلة الطرفين والترجيح هذا كله إذا لم يكن الحكم إجماعيا كما هو الظاهر مما نقلناه من أن الخلاف إنما وقع من الفاضل فخر المحققين (ره) دون من قبله فلا عبرة
به ومع قطع النظر عن ثبوت الاجماع أيضا نقول أنه لا شك في شهرته واستفاضته بين الأصحاب شهرة عظيمة متاخمة للاجماع ومثل هذه الشهرة كاد أن يكون متمسكا
قويا في إثبات الأحكام الشرعية إذا الظن الحاصل منه بصدور الحكم عن المعصومين (عليه السلام) ليس بما نقص من الظن الحاصل بأخبار الآحاد وحينئذ فمقتضى الاحتياط
أنه إذا كان دخول الحرمين واللبث فيما عداهما واجبا مضيقا فيتيمم ويؤتى به وأما إذا لم يكن واجبا مضيقا بل موسعا أو كان مندوبا فلم يتيمم له ولم يؤت به بل ينتظر
إمكان الغسل ولا يذهب عليك إن في الصورة الأولى إذا تيمم لما يبيحه التيمم بلا خلاف مثل الصلاة وضم إلى قصدها قصد الدخول واللبث أو تيمم تيمما آخر
بعده لهما للخروج عن عهدة القول بعدم التداخل ثم دخل أو لبث لكان أولى كما يظهر وجهه من الكلمات السابقة فتفطن هذا ما بلغ إليه ظني في هذه المسألة
والله ورسوله وأهل بيته (عليه السلام) أعلم وأما وجوب التيمم لمس خط المصحف فاعلم إن الآية الكريمة المتقدمة تدل على اشتراطه بالطهارة فيكون مما يبيحه مطلق
الطهارة ويلزم منه إباحة التيمم له كما قدمناه لكن الروايات يشعر بعضها باشتراط الوضوء وبعضهما بالمنع منه جنبا وحينئذ لا يكون مما يبيحه التيمم فلو لم نقل
بأولوية حمل الآية على الاخبار لكثرتها فلا أقل من عدم أولوية حملها عليه فيؤل إلى الشك في أن الشرط هل هو مطلق الطهارة أو خصوص فرديها وكذا
المنهي عنه أما المس بدون مطلقها أو بدون فرديها وحينئذ لا يخلو الحال أما أن نقول بأن الأوامر والنواهي اليقينية لا بد من الاتيان بأفرادها المشكوكة
للخروج عن العهدة بيقين أولا وعلى التقديرين الظاهر أن رعاية حال النهي أولى لأنه كما يكون حينئذ المس بالتيمم مما يشك في كونه داخلا تحت الأوامر العامة من جهة
وجوب إصلاحه أو من جهة النذر فيجب الاتيان به للبراءة اليقينية فلذلك مما يشك في كونه داخلا تحت النواهي العامة عن المس بدون شرطه المتعين في الواقع
المجهول عندنا فيجب الاجتناب عنه للبراءة أيضا مع أن في هذه الصورة يراعى جانب النهي العام أيضا من الاتيان بالعبادة بدون إذن الشارع المشكوك في دخول
الاتيان بالتيمم في هذه الحال تحته فيكون أولى وكذا الحال على التقدير الاخر كما لا يخفى والامر في حالة ما إذا كان الوجوب بالنذر أظهر لما مر وقس عليه الحال
فيما إذا شك في صدق الجنب على المتيمم في هذه المسألة وسابقتها مع أن الآية في المسألة السابقة تدل على منع غير المغتسل فلا يؤثر ذلك الشك كثيرا وكذا بعض الأخبار
في هذه المسألة يدل على (تعليق المنع بعدم) الوضوء هذا وحديث الاجماع والشهرة والاحتياط في هذه المسألة أيضا مثل المسألة السابقة فقس عليها ولا
تغفل قال المصنف أعلى الله تعالى مقامه وقراءة العزائم وجوب الغسل والتيمم لها موقوف على تحريمها على الجنب والحايض ومن بحكمهما وسيأتي بيانه في مبحث الجنابة
إنشاء الله تعالى ويختص وجوب التيمم بتوقفه على إباحته لها ويفهم ظاهرا من كلام العلامة (ره) في المنتهى أنه إجماع منا حيث قال ويجوز التيمم لكل ما يتطهر له من فريضة
ونافلة ومسح مصحف وقراءة عزائم ودخول المساجد وغيرها ونسب القول به إلى علماء العامة أيضا ولم ينقل خلافا سوى ما نقل عن أبي محرمة من عدم تجويزه إلا
للمكتوبة ومن الأوزاعي من أنه كره مس (المصحف للمتيمم والخلاف الذي نقل عن فخر المحققين (ره) إنما يختص بدخول المساجد والمس) فقط ولو قطع النظر عن الاجماع والشهرة
فحاله (إنما يستنبط مما ذكر في فحسا بقيه؟) وصوم الحايض والنفساء والمستحاضة والجنب إذا صادف الليل على تفصيل يأتي إنشاء الله تعالى ونشرح أيضا إنشاء الله تعالى في كل باب ما يتعلق
به ويختص التيمم بخروج الجنب من المسجدين هذا الحكم مشهور بين الأصحاب ولم ينقل فيه خلاف سوى ما
نقل من ابن حمزة من القول بالاستحباب ومستند الحكم ما
رواه الشيخ (ره) في زيادات التهذيب في باب التيمم في الصحيح عن أبي حمزة قال قال أبو جعفر (عليه السلام) إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله)
فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمم ولا يمر في المسجد إلا متيمما ولا بأس به أن يمر في ساير المساجد ولا يجلس في شئ من المساجد وما رواه ثقة الاسلام في الكافي
في باب النوادر قبل أبواب الحيض عن محمد بن يحيى مرفوعا عن أبي حمزة قال قال أبو جعفر (عليه السلام) إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله)
فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمم ولا يمر في المسجد إلا متيمما حتى يخرج منه ثم يغتسل وكذلك الحايض إذا أصابها الحيض تفعل كذلك وهاتان الروايتان مع
انضمامهما بالشهرة العظيمة بين الأصحاب حجة قوية على الوجوب فالظاهر القول به وما يتوهم من معارضتهما بالروايات الكثيرة الواردة في منع الجنب من الكون في المسجدين
20

مطلقا كما سيأتي في بابه إنشاء الله تعالى وإن تخصيصها بهما ليس بأولى من تخصيصهما بها بأن يقيد الحكم بما إذا لم يزد بسبب التيمم الكون في المسجد كما إذا أمكن التيمم
خارجا بل الامر بالعكس لكثرتها واستفاضتها ضعيف لا يعارض الشهرة بل الاجماع ظاهرا لان الخلاف المنقول من ابن حمزة فقط وهو أيضا قائل بالاستحباب مع صراحة
دلالتهما على المدعى بخلاف معارضتهما والظاهر شمول الحكم لما إذا كان زمان التيمم ناقصا عن زمان الخروج أولا لعموم اللفظ وعدم الاطلاع على القول بالفرق
ثم أن الظاهر من كلام المصنف (ره) شموله الحكم لكل مجنب سواء كان محتلما أو لا كما إذا دخل المسجدين مجنبا عمدا أو سهوا وهو خلاف ظاهر الرواية لاختصاصها بالمحتلم
ظاهرا وما قال في الذكي من عدم تعقل خصوصية الاحتلام ضعيف إذا أحلامنا الضعيفة لا سبيل لها إلى إدراك علل الشرايع وسرائرها المخفية فيها وأما المرأة
فلا يبعد إلحاقها بالرجل وإن كانت الرواية مختصة به ظاهر الشيوع إجراء الأحكام المتعلقة بالصنفين على الرجل خاصة والله أعلم وأيضا قد قرب (ره) في الذكرى
استحباب التيمم لباقي المساجد لما فيه من القرب إلى الطهارة ولا يزيد الكون فيه على الكون في التيمم في المسجدين وهو أيضا ضعيف لعدم دليل عليه وحديث القرب إلى الطهارة
بعيد لمعارضته بحرمة اللبث خرج اللبث في المسجدين بالنص فبقي الباقي وترك ما يخاف عليه العقاب أولى من فعله طمعا للثواب وقياسه على اللبث في المسجدين ليس من
باب القياسين المعمول بهما عندنا كما لا يخفى نعم لو أمكن التيمم خارجا بدون أن يزيد بسببه اللبث وكان زمانه أنقص من زمان الخروج لكان القول باستحبابه حينئذ
سالما عن معارضة حرمة اللبث لكن يخاف عليه من البدعة والتشريع والقول في الدين بالرأي وكذا الحايض في الأقرب مستنده مرفوعة أبي حمزة المتقدمة و
دلالتها على المطلق ظاهرة لكن المرفوعية رافعة لحجيتها وقال المحقق (ره) في المعتبر لا يجب على الحايض وإن استحب لأنه لا سبيل لها إلى الطهارة بخلاف الجنب واعترض
عليه المصنف في الذكرى بأنه اجتهاد في مقابلة النص وقد يعتذر عنه (ره) بأن عدم حكمه بالوجوب إنما هو لرفع الرواية وعدم صلاحيتها للحجية ولما كان يتسامح في
أمر الاستحباب ويعمل فيه بالروايات الضعيفة فلذا قال به عملا بتلك الرواية وإن كانت مرفوعة وهذا الاعتذار وإن كان يصحح مدعى المحقق (ره) لكن لا يصحح استدلاله
إذ انتفاء السبيل لها إلى الطهارة مما لا ينافي الوجوب إذ يجوز أن لا يرتفع حدثها ويكون التيمم واجبا عليها تعبدا مع أنه يرد على القول بالاستحباب أيضا
كما لا يخفى إلا أن يحمل كلامه على أنه تأييد لا استدلال مع أن في صلاحيته للتأييد أيضا مناقشته لان القول بمثل هذا الوجوه في الشرع مما لا ينبغي في طريقتنا
بل هو مناسب لطريقة العامة وبالجملة الحكم بوجوب التيمم على الحايض مما لا ظهور له أما أولا فللطعن في السند وأما ثانيا فلامكان حمل الخبر على الاستحباب لعدم
ظهور النهي في أحاديث أئمتنا (عليهم السلام) في التحريم مع أنها ها هنا بلفظ الخبر إلا أن يقال أن تشبيهها بالجنب ظاهر في الوجوب عليه وأما ثالثا فلمعارضتها بالاخبار
الدالة على تحريم كونها في المسجد خرج كونها للخروج للضرورة فبقي الباقي وبهذا ظهر أن القول بالاستحباب أيضا كما هو مختار المعتبر مشكل لان الاكتفاء
في باب السنن بغير الصحاح إنما هو عند عدم معارضته بما هو أقوى منه بل بالمساوي أيضا إذا كان دالا على الحرمة كما فيما نحن فيه إذ دفع الخوف أولى من جانب
النفع نعم لو أمكنها التيمم خارجة بحيث لا يزيد بسببه كون وكان زمانه أنقص من زمان الخروج فلا يبعد حينئذ القول بالاستحباب تمسكا بالخبر لشموله بعمومه
هذه الصورة أيضا مع خلوه عن المعارض فيها بل بالوجوب أيضا بناء على إباحة التيمم الكون في المسجد للحايض لعموم وجوب الطهارة للكون خرج الكون
بقدر زمان التيمم لعدم إمكان الطهارة له وبقي الزايد فيجب التيمم له بدلا عن الغسل واستدل العلامة (ره) في المنتهى على الوجوب (بأن الاجتياز فيهما حرام إلا
مع الطهارة وهي متعذرة) والتيمم يقوم مقامها في جواز الصلاة فكان قائما مقامهما في قطع المسجد وضعفه ظاهر مما ذكرنا ولو أمكن الغسل فيهما وسيأتي
زمان التيمم قدم الغسل كان الظاهر من إطلاق كلام الأصحاب وجوب التيمم للخروج مطلقا سواء لم يمكن الغسل فيهما وساوى زمان التيمم قدم الغسل كان الظاهر
من إطلاق كلام الأصحاب وجوب التيمم للخروج مطلقا سواء لم يمكن الغسل أو أمكن وكان زمانه مساويا أو لا والمصنف (ره) استشكل في الذكرى في تقديمه
على الغسل في صورة إمكان الغسل سواء كان زمانه مساويا لزمان التيمم أو لا وحسب الاجزاء في صورة المساواة أقوى ولا يخفى أنه في صورة النقصان بطريق
الأولى والشهيد الثاني (ره) كأنه رجح القول بتقديم الغسل في صورة المساواة أو نقصان لزمان الغسل وقال وإنما قيدنا جواز الغسل في المسجد مع
إمكانه بمساواة زمانه لزمان التيمم أو قصوره عنه مع أن الدليل يقتضي تقديمه مطلقا مع إمكانه لعدم العلم بالقائل بتقديمه مطلقا وإلا لكان القول
به متوجها والأظهر الأول لتخصيص التيمم بالذكر وعدم ما يدل على وجوب الغسل وما استدلوا به سنزيفه وعدم الدليل دليل العدم وأيضا العمومات دالة على
تحريم الكون في المسجدين مطلقا خرج الكون للتيمم بالدليل والكون حالة الخروج للضرورة وبقي الباقي تحتها فيكون الكون للغسل حراما لعدم ضرورة
ولا دليل وإذا كان الكون للغسل حراما فلا يمكن القول بتقديمه على التيمم لكن لا يذهب عليك أنه إذا كان زمان الغسل أنقص من زمان الخروج لم يجر
هذان الوجهان فيه لان الدليل حينئذ على وجوب الغسل موجود وحرمة الكون لأجله منتف أما الدليل فالعمومات الدالة على تحريم الكون مطلقا ووجوب
الغسل له خرج الكون بقدر زمان الغسل لعدم إمكان الغسل له فيبقى الزايد تحتها لامكان الغسل له شرعا لما تبين من عدم حرمة الكون لأجله فيجب الغسل وأما
21

عدم الحرمة فلان الضرورة يقتضي بجواز الكون بقدر ما يمكن أن يتخلص من الكون مجنبا في المسجد والتخلص منه يحصل بوجهين أما بالخروج عن المسجد أو بالغسل
ولا دليل على تعيين الخروج لان اللبث والمشي كليهما حرامان ولا مرجح للمشي بحيث يمكن التمسك به شرعا فكان الغسل بمنزلة طريق ثان وكما لا يجب اختيار طريق واحد من
الطريقين في المسجد فكذلك لا يجب اختيار الخروج على الغسل وحينئذ يقع التعارض بين الدلائل الدالة على وجوب الغسل والروايتين الدالتين على وجوب التيمم فكما يرجح
دلائل الغسل بالكثرة كذلك يرجح دليلا التيمم بصراحة الدلالة وأظهريتها كما يعلم من التأمل في أدلة الطرفين وكما يمكن الجمع بينهما بحمل الروايتين على أنهما
مخصوصتان بما عدا هذه الصورة كذلك يمكن تخصيص الأدلة به نعم قد يظن تخصيص الروايتين لان بناء أكثر الاحكام والاخبار على الغالب المتعارف ولما كان الغالب
عدم إمكان الغسل في المسجد خصوصا مع نقصانه عن الخروج وعدم تنجيس شئ من المسجد وآلاته مع نجاسة بعض بدن المغتسل كما فيما نحن فيه إذ مورد الخبر المحتلم فلذا أطلق
الحكم بالتيمم فعلى هذا ينبغي أما أن يصار إلى القول بالاختيار بين الغسل والتيمم إن لم نقل بوجود المرجح في طرف الغسل أو بوجوب اختيار الغسل إن قلنا بالترجيح
لكن قد يقال إن الحكم بتقديم الغسل في هذه الصورة فقط مما يخاف عليه من كونه خرقا للاجماع المركب لان القائلين بتقديم التيمم قالوا بتقديمه مطلقا والقايلين بتقديم
الغسل قالوا بتقديمه مع مساواة زمانه لزمان التيمم أو قصوره عنه وأما القول بتقديمه في هذه الصورة فلم يقل به أحد نعم لو كان في هذه الصورة زمان الغسل مساويا لزمان
التيمم أو أنقص منه لكان القول بتقديم الغسل متجها فإن قلت قد ثبت بما ذكرت وجوب الغسل إذا كان زمانه انقص من زمان الخروج وهو أعم من أن يكون زمانه مساويا
لزمان التيمم أو أنقص منه أو أكثر خرج الأكثر بالجماع لعدم القابل به وبقي الباقي فثبت الحكم في بعض صور المساواة أو النقصان وهو ما إذا كان زمان الغسل أنقص من
زمان الخروج فحينئذ نقول قد ثبت الحكم في بعض الصور فوجب أن يكون ثابتا في الباقي أيضا وإلا لزم خرق الاجماع المركب وبهذا يثبت قول المخالفين قلت يمكن قلب الدليل
أيضا عليهم بأن يقال قد ثبت بالوجهين الأولين عدم وجوب الغسل في بعض صور المساواة والنقصان وهو ما إذا كان زمان الغسل أزيد من زمان الخروج فوجب
ثبوته في الباقي أيضا وإلا لزم المحذور المذكور فإن قلت فعلى هذا فما التفصي عن ذلك وكيف الحيلة في الخروج عن الشبهة قلت أما بالمنع عن ثبوت الاجماع المركب
إذ الظاهر أن مذهب القدماء في تفاصيل تلك المسألة غير معلوم بل أكثرهم أطلقوا القول بوجوب التيمم للخروج على المحتلم في المسجدين ولم يفصلوا القول فيه والتفصيل
إنما نشاء من المتأخرين وإذا لم يثبت الاجماع فالامر واضح إذ نقول بمقتضى الدليل الأخير بوجوب تقديم الغسل في جميع ما إذا كان زمان الغسل ناقصا عن زمان
الخروج سواء كان مساويا لزمان التيمم أو أنقص أو أكثر ويعمل بمقتضى الوجهين الأولين فيما سوى ذلك ونقول بتقديم التيمم فيه وأما بتسليم الاجماع و
منع تمامية الدليل الأخير لما في بعض الشقوق من مجال المنع كما عرفت في أثناء تقريره ومع تماميته أيضا لا يبعد القول برجحان القلب المذكور على معارضته
لما في العلم بمقتضاه من التجمد على النص والوقوف مع ظاهر الخبر مع موافقته لظاهر أقوال أكثر الأصحاب ولا يخفى عليك أن في صورة مساواة زمان الغسل لزمان الخروج
أيضا لا يمكن إجراء الوجه الأخير لما ذكر في صورة النقصان بعينه لكن يمكن إجراء الوجه الأول لعدم الدليل حينئذ على وجوب الغسل إذ غاية ما يلزم مما ذكرنا أن لا يكون الغسل حراما؟ بل يكون
المجنب مخيرا بينه وبين الخروج وأما تعيينه فلا فحينئذ لا يعارض دليل وجوب التيمم بشئ فتعين العمل به فإن قلت بل لا يمكن إجراء الوجه الأول أيضا فيه إذ على
تقدير التيمم يلزم ازدياد زمان الكون في المسجد جنبا على القدر الضروري إذ يمكن الغسل في بعض ذلك الزمان وهو الذي بقدر زمان الخروج وإدراك
البعض الاخر منه وهو الذي بقدر زمان التيمم متطهرا فحينئذ يجب الغسل لادراك ذلك البعض فقد دل الدليل على وجوبه وسقط الوجه الأول وآل الامر إلى المعارضة
كما في صورة النقصان بعينه قلت ازدياد الزمان على تقدير وجوب التيمم وعلى ذلك التقدير لا يمكن القول بوجوب الغسل لأنه بمنزلة تقدير عدم وجوبه وفيه
نظر لا، ذلك التقدير ليس تقديرا واقعيا بإثبات بل تقديرا تقديريا فلا استحالة في أن يكون الغسل واجبا على ذلك التقدير ويصير حاصل الدليل
هكذا إذا كان التيمم واجبا في صورة مساواة زمان الغسل لزمان الخروج لزم أن يحصل كون زايد على القدر الضروري المباح وكل كون زايد على ذلك القدر
يجب الغسل له للعمومات الدالة على وجوب الغسل مطلقا فيجب الغسل لذلك القدر الزايد فيثبت وجوب الغسل على ذلك التقدير ولزوم وجوبه على تقدير وجوب
التيمم الذي هو بمنزلة عدم وجوبه لا يضر بالاستدلال إذ غاية ما يزلم منه استحالة عدم وجوبه وذلك غير مضر بل هو مؤيد للمطلق وبعبارة أخرى لو لم يكن
الغسل واجبا في صورة مساواة زمانه لزمان الخروج لزم أن يكون التيمم واجبا للاتفاق على عدم المخرج عنهما وإذا كان التيمم واجبا يحصل كون زائد وكل
كون زايد يجب له الغسل فإذا لم يكن الغسل واجبا لزم أن يكون واجبا (وهذا خلف) وبطريق آخر إذا كان التيمم في هذه الصورة واجبا لزم أن لا يكون واجبا (هذا خلف) بيان الملازمة
أنه على ذلك التقدير يحصل كون زايد وكل كون زايد يجب له التيمم وجوابه أنه حينئذ يكون الكلية القايلة بأن كل كون زايد يجب له
الغسل ممنوعة لان ما يجب له الغسل كون زايد يمكن له الغسل شرعا اتفاقا وهذا الكون الزايد على ذلك التقدير لا يمكن له الغسل شرعا لعدم الاذن من الشارع في الكون له نعم كل
كون زايد حرام بالعمومات لكنه حينئذ يرجع حقيقة إلى المعارضة بين وجوب التيمم والأدلة الدالة على التحريم عموما وقد ذكرنا في أول المسألة وقس عليه الحال فيما
22

إذا كان زمان الغسل أكثر من زمان الخروج لكن يكون أقل من زمان التيمم مع الخروج فتدبر هذا ثم إعلم أنه إذا كان في هاتين الصورتين وقت مشروط بالغسل كالصلاة
مثلا مضيفا فالقول بتقديم الغسل حينئذ يصير أقوى إذ دلايل وجوب الغسل للصلاة أيضا يصير مقويا ومرجحا لما يعارض وجوب التيمم وأما إذا تضيق وقت الصلاة مثلا
في غير هاتين الصورتين فالقول بتقديم الغسل لا يخلو عن إشكال إذ حينئذ يعارض الدلايل الدالة على وجوب الغسل للصلاة بروايتي وجوب التيمم والعمومات الدالة على
حرمة الكون إلا أن يكون مرجح آخر من قبله فتأمل ثم إن الشهيد الثاني (ره) استدل على ما رجحه بأن فيه جمعا بين ما دل على الامر بالتيمم مطلقا وهو الروايتان
السابقتان وبين ما دل على اشتراط عدم الماء في جواز التيمم ووجه تخصيصه القول بصورة المساواة والنقصان وإن كان الدليل عاما قد مر سابقا وفيما استدل
به نظرا ما أولا فلمنع وجود ما يدل على اشتراط عدم الماء في جواز التيمم مطلقا إذ لم نقف في الروايات على
ما يدل عليه ظاهرا وأما إيتاء التيمم ففي ظهور
دلالتهما أيضا نظر وأما آية المائدة فلاحتمال تعلقه بإذا قمتم احتمالا غير مرجوح وحينئذ يكون اشتراط عدم وجدان الماء في التيمم مخصوصا بالتيمم
للصلاة فلا عموم فيه وأما آية النساء فلذلك الاحتمال أيضا لامكان أن يكون المراد بالصلاة حقيقتها لا مواضعها فتكون مثل سابقتها وعلى تقدير
أن يكون المراد مواضعها ويكون حكم التيمم حكما مستأنفا غير متعلق بسابقة أيضا دلالتها على عموم الاشتراط بحيث يتناول ما نحن فيه ممنوعة إذ غاية ما يدل
عليه أن عدم وجدان الماء شرط في التيمم بسبب الأشياء المذكورة في الآية والاحتلام ليس داخلا فيها والاجماع على كونه بمنزلة الملامسة غير ثابت في
صورة النزاع مع أنه لا يدل على عموم الاشتراط بالنسبة إلى هذه الأشياء أيضا لعدم إرادة عموم فيها والقول بلزوم تأخر البيان وخلو الكلام من الفائدة
المعتد بها الغير المناسب لكلام الحكيم ليسا مما يثمر ظنا قويا بالمدعى كيف وأكثر الاحكام الواردة في القرآن مجمل محتاج إلى بيان وتفصيل قد بينه وفصله
النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليه السلام) والاجماع الذي نقله بعض العلماء كالمحقق (ره) في المعتبر حيث قال شرط التيمم عدم الماء أو عدم الوصلة أو حصول
مانع كالبرد والمرض أما عدم الماء فعليه إجماع أهل العلم أيضا غير ظاهر في العموم إذ يجوز أن يكون مراد الناقلين الاجماع في الافراد المتعارفة للتيمم من
التيمم للصلاة ونحوه لا مطلقا أو يكون مراد المجمعين ذلك واشتبه على الناقلين فنقلوه مطلقا ومثل هذا ليس ببعيد جدا ومع هذا الاحتمال لا
يبقى الظن بحجية والله أعلم وأما ثانيا فلانه على تقدير تسليم وجود ما يدل على الاشتراط مطلقا ليس تخصيص الحكم بالتيمم به أولى من تخصيصه بذلك الحكم فلم
لم يقل به أو بالتوقف والتخيير إلا أن يقال أنه إذا قال السيد لعبده هذا الشئ مشروط بكذا ثم قال له إفعل الشئ الفلاني فالظاهر أن مراده إفعل الشئ الفلاني بالشرط المعلوم أو يقال إن الغالب
لما كان عدم التمكن من الغسل في المسجد بالشروط المذكورة فالمظنون إن إطلاق الحكم بالتيمم بناء على الغالب كما مر هذا ثم إن السيد الفاضل صاحب المدارك
بعد نقل الاحتجاج المذكور عن جده (ره) وإيراد بعض ما أوردنا عليه قال والأظهر الاقتصار على التيمم وقوفا مع ظاهر الخبر وكما جاز أن يكون الامر بالتيمم مبنيا
على الغاب من تعذر الغسل في المسجدين فيجوز أن يكون لاقتضاء الغسل فيهما إزالة النجاسة فإن مورد الخبر المحتلم وهو ملازم للنجاسة وقد أطلق جماعة
من الأصحاب تحريم إزالتها في المسجد وصرح بعضهم بعموم المنع وإن كانت الإزالة في الكثير انتهى والظاهر أن قوله وكما جاز أن يكون (أه) مع هؤلاء القائلين
بتقديم الغسل في صورة المساواة والقصور كالمصنف وجده (ره) فإن المصنف (ره) في الذكرى وجده (ره) في شرح الارشاد ذكر أنه يجوز أن يكون الامر بالتيمم مبنيا على الغالب من تعذر الغسل في المسجد ولم
نعلم أنه وجه توجيه لان هذا الكلام منهما في مقام بيان وجه الاشكال في المسألة وتبيين طرفيه بإيراد احتمالات ظاهرة وكذا في مقام منع الاستدلال
بالرواية وعمومها وإبداء احتمال ظاهر يقدح في ظهور العموم لا في مقام الاستدلال وهو ظاهر وحينئذ تجويز احتمال آخر في مقابلة خارج عن قانون التوجيه و
على تقدير تسليم أنه في مقام الاستدلال أيضا نقول أنه لا شك أن حكمها بتقديم الغسل إنما هو بناء على القول بجواز إزالة النجاسة في المسجد وذهاب
بعض الأصحاب إلى منعه لا يقدح فيه كما لا يخفى وأيضا على تقدير القول بحرمة الإزالة يقيدون الحكم بصورة لا يلزم ذلك مثل أن يفرض أنه جاء سيل مثلا في
النوم وأحاط به وبعد التيقظ وجد بدنه متطهرا هذا بقي في المقام شئ وهو أنه إذا تيمم المجنب المذكور أما لعدم إمكان الغسل أو مع وجوده لكن رجح وجوب
التيمم وكان الغسل بعده ممكنا وكان زمانه مساويا لزمان الخروج أو أقل منه فهل يجب الغسل حينئذ لادراك القدر الزايد متطهرا في الصورة الأخيرة ويتخير
بينه وبين الخروج في الصورة الأولى والذي يقتضيه النظر أن يكون الامر كذلك إذ الدليل المذكور سابقا في صورة نقصان زمان الغسل عن زمان الخروج
على وجوب الغسل وبيان انتفاء الحرمة في الصورتين جاز ها هنا أيضا مع عدم معارضته لوجوب التيمم لكن الظاهر أن الحكم بوجوب الغسل بعد التيمم مع وجود
الماء خارج المسجد وكذا جوازه أيضا مما لم يقل به أحد وأما مع عدم الماء ففيه تفصيل سيأتي إنشاء الله تعالى ولا يخفى أنه لو تضيق وقت الصلاة مثلا في هذه
الصورة فلا ريب في أن الأولى الاتيان بالغسل إذ لا تصريح بالاجماع على عدمه في مثل هذا الموضع مع قيام الدليل على الوجوب أو التخيير ولو
تضييق الوقت في غير هذه الصورة فيقع التعارض بين أدلة وجوب الغسل وأدلة تحريم الكون فينبغي النظر فيهما وهو خروج عن البحث تذنيب
23

قد اختلف الأصحاب في أن هذا التيمم الذي للخروج هل يبيح الصلاة ونحوها أو لا فقال بعضهم بالمنع لوجوب الخروج عقيبه بغير فصل متحريا أقرب الطرق و
فصل بعضهم ومنع وجوب الخروج عقيبه بغير فصل مطلقا بل بتفصيل وهو الأقرب كما يظهر في طي التفصيل وحاصله أنه إذا تيمم المجنب المذكور في المسجدين أما لعدم
الماء أو مع وجوده لكن على القول بتقديمه على الغسل فلا يخلو الحال أما أن يكون الغسل بعد ذلك التيمم ممكنا في المسجد أو لا وعلى الأول لا يكون ذلك التيمم مبيحا للصلاة
ونحوها وإن كان مبيحا للكون في الجملة في بعض الصور كما سيظهر لأنه حينئذ أما أن يكون الغسل خارج المسجد أيضا ممكنا أو لا وعلى التقديرين لا يتصور إباحته أما على
الأول فظاهر وأما على الثاني فلان الكون للغسل أما مباح له أو لا فإن كان مباحا فقد ثبت التمكن شرعا والتمكن العقلي أيضا ثابت بالفرض فقد وجب الغسل اتفاقا
فلا يكون التيمم مبيحا وإن لم يكن مباحا فلم يتمكن من الغسل شرعا حينئذ أصلا لا في خارج المسجد لعدم الماء ولا في المسجد لعدم إباحة الكون للغسل فيلزم أن يكون
تيممه مبيحا للكون في المسجد مطلقا إذ مع عدم التمكن من الغسل رأسا يبيح التيمم الكون في المسجد مطلقا كما مر فيكون الكون للغسل أيضا مباحا مع فرض عدمه (هف) ولا يذهب
عليك أن ما ذكرنا إنما هو بناء على القول بالتداخل في الطهارات مطلقا أما لو لم نقل به بل أما بعدمه مطلقا أو به لكن مع اشتراط نية الجمع فحينئذ نقول في الصورة الثانية ذلك
التيمم لا يبيح له الكون للغسل أما مطلقا على القول بعدم التداخل مطلقا أو على تقدير أن لا ينوي الإباحة على القول باشتراط نية الجمع إذ القدر المعلوم أن ذلك التيمم
للخروج في الجملة وأما أنه للإباحة مطلقا بدلا من الغسل في صورة تعذره فليس بمعلوم فلا بد حينئذ للإباحة من تيمم آخر فعلى هذا لا يخلو الحال في الصورة المفروضة
أما أن يكون زمان الغسل أنقص من زمان الخروج أو مساويا أو أكثر فعلى الأول الظاهر أن يكون الغسل بعد التيمم المذكور واجبا ولا يجوز له التيمم الاخر لإباحة الكون
كما ذكرنا سابقا وبينا وجهه وعلى الثاني الظاهر التخيير بين الغسل وبين الخروج وعدم جواز التيمم الاخر للإباحة لما مر أيضا ولا يتوهم أن في صورة اختيار الخروج يجب التيمم
إذا كان زمانه انقص من زمان الخروج ويمكن الاتيان به خارجا لادراك القدر الزايد على زمانه متطهرا لان حال التمكن من استعمال الماء لا يجوز التيمم للإباحة و
نحوها إجماعا فإن قلت التمكن من الغسل بالنسبة إلى ذلك القدر غير متحقق وهو ظاهر فينبغي أن يكون التيمم له جائزا قلت لا يكفي في جواز التيمم مع عدم إمكان الغسل بالنسبة
إلى قدر من الكون إلا يرى أن الجنب إذا كان على باب المسجد وكان الماء موجودا على قدر خمسين ذراعا مثلا ولم يكن به مانع من الاستعمال لم يجز له حينئذ التيمم لإباحة الكون
مع أن الكون بقدر الذهاب إلى الماء لا يمكن الغسل له بل لا بد من عدم إمكان الغسل له وللكون القريب منه بحسب ما قدر في الشرع وعلى الثالث والظاهر عدم جواز
الغسل بدون التيمم للإباحة فحينئذ أما أن يمكن التيمم الاخر في المسجد أولا وعلى الثاني لا بد من الخروج ليتيمم ثم يدخل إن شاء وعلى الأول أما أن يكون زمانه أنقص من
زمان الخروج أو مساويا أو أكثر وعلى الأول الظاهر وجوب التيمم لإباحة الكون ثم الغسل إنشاء أو الخروج ووجهه ظاهر مما مر ولا يخفى ورود نظير الشبهة المذكورة
سابقا ها هنا أيضا وعلى الثاني التخيير بينه وبين الخروج ثم الغسل أو الخروج وورود الشبهة ها هنا أيضا مثل سابقه وعلى الثالث يجب الخروج ثم التيمم للدخول
إنشاء هذا وعلى الثاني أي على تقدير أن لا يكون الغسل بعد التيمم ممكنا في المسجد فحينئذ أما أن يكون الغسل ممكنا خارج المسجد أو لا وعلى الأول لا يكون ذلك التيمم
مبيحا للصلاة ونحوها بل يجب الخروج بعده إلا مع ضيق الوقت على ما بين في موضعه ولا حاجة إلى تيمم آخر لإباحة الكون وإن كان يمكن خارجا وكان زمانه
انقص من زمان الخروج ولم نقل بالتداخل أيضا للاجماع وعلى الثاني ففيه التفصيل المذكور من القول بالتداخل أو عدمه وعلى الأول عدم الاحتياج إلى
تيمم اخر للكون والصلاة وغيرهما وعلى الثاني ففيه جريان الاحتمالات الثلاثة وحكم كل منهما على ما بين انفا فتدبر (ويجب الخروج بأقرب الطرق للمتيمم) هذا الحكم
على إطلاقه ليس بصحيح ظاهرا لعدم الظفر بدليل عليه بل فيه تفصيل قد علم في تضاعيف الباحث السابقة وكان قول الأصحاب رضوان الله عليهم أيضا
بالاطلاق محمول عليه جمعا بين قولهم هذا وقولهم بإباحة التيمم لدخول المسجدين سوى ما نقل عن فخر المحققين (ره) وضابطه وجوب الخروج بعد التيمم بناء
على التفصيل المذكور أن لا يكون ذلك التيمم مبيحا للكون ولا يمكن الاتيان بطهارة مبيحة بعده بقدر زمان الخروج أو أنقص منه ويجب الثلاثة أيضا
بالنذر وشبهه) من العهد واليمين وعد التحمل عن الغير والاستيجار له أيضا من جملته ووجوب الطهارات في الجملة بالنذر والعهد واليمين كأنه إجماعي ويدل
عليه أيضا عموم قوله تعالى في سورة المائدة يا أيها الذي آمنوا أوفوا بالعقود وعموم بعض الروايات أيضا مثل ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب في باب النذر عن أبي بصير
عن أحدهما (عليهما السلام) قال من جعل عليه عهد الله وميثاقه في أمر الله طاعة فحنث فعليه صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا ويؤيد قوله (تعالى؟)
أيضا في سورة الحج وليوافوا نذورهم وفي سورة الانسان يوفون بالنذر وأما وجوبها بالمتحمل عن الغير والاستيجار له فبناء على جوازهما في مثل هذه المواضع
وسيجئ إنشاء الله تعالى في موضعه والمراد منهما أن يكون مثلا طهارة واجبة على أحد بنذر أو شبهة مثلا ثم مات قبل الاتيان بها فتحمل منه الولي واستؤجر له
وأما وجوب الطهارة بسبب تحمل الصلاة أو نحوها من الأب أو استيجارها لميت فليس من هذا الباب بل هو داخل في الوجوب للصلاة وغيرها المتقدم
ثم أن نذر الطهارة يحتمل وجهين الأول أن ينذر طبيعة الطهارة دون إفرادها وحينئذ يمتثل بالاتيان بكل ما يصدق عليه اسم الطهارة والظاهر أن لا حقيقة
24

لها في العرف وأما الشرع فصدقها على الوضوء والغسل في الجملة فمما لا ريب فيه وكذا على التيمم أيضا لما تقدم وأما صدقها على المبيح أو الرافع من الثلاثة
أو الأعم منهما بحيث يشمل وضوء الحايض مثلا ففيه خفاء وكأنه لا فائدة يعتد بها في تحقيقه والثاني أن ينذر خصوص أفرادها وحينئذ الظاهر الامتثال بكل
ما يصدق عليه هذه الثلاثة وإن لا يعتبر فيه الإباحة أو الرفع حتى أن وضوء الحايض أيضا مما يمتثل به لقضية اللفظ إلا أن يقيد بخصوصيته فحينئذ يجب ذلك الخاص
واعلم أنه لا ريب في الصورتين في أنه لا بد أن يكون متعلق النذر من الطهارات التي وضعها الشارع وأمر بها إيجابا أو استحبابا إن قلنا بجواز تعلق النذر وشبهه
بالواجبات وإلا فاستحبابا فقط سواء قلنا بلزوم رجحان متعلق النذر أو لا إذ العبادة بدون إذن الشارع مما لا يستباح أصلا بالاجماع كما هو الظاهر
وأما الطهارة التي لم يأمر بها الشارع كالوضوء مع غسل الجنابة مثلا على المشهور أو غسل الجمعة في يوم الأربعاء أو تجديد الوضوء ثانيا بدون تخلل الصلاة
على القول بعدم مشروعيته أو التيمم مع وجود الماء أو نحو ذلك فلا ينعقد نذرها ولم يتعلق وجوب بالذمة بسببه ثم أن النذر أما أن يكون مطلقا غير
مقيد بوقت من الأوقات أو لا فعلى الأول وقته العمر ويتضيق بتضيق الوفاة ويجب الاتيان به حسب ما نذر في أي وقت كان من الأوقات العمر مع رعاية
الشرايط المعتبرة في الشرع وعلى الثاني فوقته ما عينه في النذر فإن اتفق أن يكون هذا الوقت مما يصلح لايقاع المنذور فيه شرعا فيجب الاتيان به مثل
ما لو نذر أن يتوضأ في وقت الضحى مثلا وكان في ذلك الوقت محدثا متمكنا من استعمال الماء أو نذر أن يغتسل بعد يومين مثلا فاتفق أن يكون ذلك
اليوم يوم جمعة أو عيدا أو نحو ذلك مع التمكن من استعمال الماء أيضا أو نذر أن يتيمم في وقت فصادف ذلك الوقت محدثا غير قادر على استعمال الماء
وأمثال ذلك وإن لم يتفق ذلك كما لو نذر أن يتوضأ وقت الظهر مثلا فصادف ذلك الوقت متطهرا ولم نقل بشرعية التجديد قبل تخلل الصلاة
أو نقول بها لكن فرض النذر مقيدا بكونه وضوء رافعا ولم نقل برفع التجديد أو نذر أن يغتسل في وقت كذا ولم يكن ذلك الوقت وقتا لغسل
واجب أو مندوب أو نذر أن يتيمم في وقت فصادفه واجدا للماء ونحو ذلك فحينئذ لا يخلو أما أن يتمكن من الاتيان بفعل يصير سببا لصلاحية الوقت لايقاع
المنذور فيه شرعا كالتمكن من الحدث في الصورة الأولى والجنابة في الثانية وإهراق الماء في الثالثة أو لا يتمكن وعلى الثاني لا إشكال في عدم الوجوب
لعدم القدرة على الاتيان بالطهارة على الوجه المعتبر في الشرع وأما على الأول فقد حكم جماعة من الأصحاب رحمهم الله كالعلامة والشهيد الثاني (ره)
وغيرهما بعدم الوجوب أيضا واستدل عليه الشهيد الثاني (ره) في شرحه للارشاد بأن تحصيل شرط الواجب
المشروط ليس بواجب وفيه نظر لان الوجوب
المشروط الذي كان بأصل الشرع صار بسبب النذر مطلقا لأن المفروض أنه نذر الطهارة في وقت كذا ولم يقيده بأنه إذا كان محدثا والعمومات دالة
على وجوب الوفاء بالنذر مطلقا من غير اشتراط فيلزم أن يتطهر في ذلك الوقت من غير توقف وجوبه على شئ غايته أنه لما كانت الطهارة التي يتعلق بها
النذر يجب أن يكون متلقاة من الشارع والطهارة المتلقاة من الشارع إنما يكون بعد الحدث فيجب عليه الطهارة بعد الحدث لا الطهارة بشرط الحدث وهو ظاهر والطهارة بعد
الحدث موقوفة على الحدث توقفا عقليا فلا بد من الحدث ليمكن الاتيان بالواجب المطلق نعم إذا كان قرينة في اللفظ أو كان في نيته أنه إذا حصل شرائطها
الشرعية تطهر لكان الامر حينئذ كما ذكر لكن يختلج بالبال أن وقت حصول الطهارة الشرعية وعدم مطلوبية طهارة أخرى من الشارع الاتيان بالحدث
ليتطهر كأنه أمر لغو عبث لا رجحان له في نظر الشارع وكذا الحال في إتلاف الماء ليتيمم بشرط أن لا يكون متضمنا لمفسدة أخرى من الاسراف ونحوه وإلا لكان
حراما بل هذا الغى من سابقه لأنه فرار من الراجح الذي هو الطهارة المائية إلى المرجوح الذي هو الطهارة الترابية والأول فرار من الشئ إلى مسألة
نعم يمكن أن يفرض في الصورة الأخيرة فايدة ما في بعض الأحوال كما إذا علم أحد من نفسه أنه لا يتطهر بالماء في ذلك الوقت البتة لكسل أو نحوه ففي اتلافه
بطريق شرعي مصلحة ما من حصول الطهارة الترابية وعلى هذا نقول ينبغي بناء المسألة على أن ما ذكره القوم أن متعلق النذر يجب أن يكون راجحا هل
المراد به أنه لا بد من رجحانه أما في نفسه بدون أن يكون لنا مدخل في رجحانه أصلا أو مع مدخليتنا أيضا لكن بشرط أن لا يكون ما نأتي به لتحصيل رجحانه
مرجوحا أو عبأ؟ والمراد رجحانه مطلقا أعم من أن يكون في نفسه أو بمدخليتنا بالشرط المذكور أو لا فعلى الأول لا يجب الطهارة حينئذ وعلى الثاني يجب فإن
قام دليل على أحدهما فالعمل عليه وإلا لكان مما يشك في دخوله تحت إفراد الواجب إذ العمومات التي في باب النذر ليست مما يبقى الظن بشمولها
لهذه الصورة بعد الظن أو العلم بأنه مخصص بما إذا كان مطلوبا في نظر الشارع راجحا عنده فيبتني الكلام على وجوب الاتيان بالافراد المشكوكة في
التكليف اليقيني وعدمه وأمر الاحتياط واضح هذا وقس عليه الحال فيما إذا لم يأت بالنذر في الصورة الأولى أي التي لم يقيد بوقت حتى تضيق
الوقت بظن الوفاة ثم أن المفهوم ظاهرا من كلام الشهيد الثاني (ره) في شرحه للرسالة أن الوضوء المتحمل عن الغير والاستيجار له لا يشترط بالحدث
ولم يظهر له مستند ففيه إشكال إذ يمكن أن يقال بوجوبه على المتحمل والأجير بعنوان وجوبه على الميت إن ابتدائيا فابتدائي بعد الحدث وأن تجديديا
25

فتجديدي مقتضى الاحتياط في الابتدائي أن يؤتى به بعد الحدث خصوصا مع عموم موثقة ابن بكير المتقدمة وإياك أن تحدث وضوء أبدا حتى تستيقن أنك قد
أحدثت والله أعلم بحقايق الأمور (ولا يجب شئ منها وجوبا مطلقا في الأصح) أي لا يجب شئ من الوضوء والغسل والتيمم وجوبا مطلقا بدون أن يكون وجوبه الغاية
من الغايات المذكورة أو بسبب نذر من المكلف أو شبهة بل في نفسه بأصل الشرع أعلم إن كلام قدمائنا رضوان الله عليهم كما نقل خال عن التعرض لان وجوب الطهارات
هل هو في نفسها أو لغيرها وإنما طال التشاجر والتنازع بين المتأخرين رحمهم الله في خصوص غسل الجنابة هل هو واجب لنفسه أو لغيره فابن إدريس والمحقق
رحمهما الله وجماعة على الثاني والراوندي والعلامة ووالده رحمهم الله وجماعة على الأول ويفهم من كلام المصنف (ره) في الذكرى وقوع الخلاف في غير غسل
الجنابة أيضا من الطهارات حيث قال وربما قيل بطرد الخلاف في كل الطهارات لان الحكمة ظاهرة في شرعيتها مستقلة انتهى لكنه لم يشتهر كالأول فلا بد أولا
من تحرير محل النزاع وما يتعلق به عموما ثم الكلام في أدلة الطرفين في خصوص كل من الطهارات فنقول القائلون بوجوبه في نفسه مرادهم أنه إذا وقع حدث
من المكلف من الاحداث التي سيأتي ذكرها إنشاء الله تعالى فيجب بعد ذلك الحدث الطهارة التي ذلك الحدث سبب لها ولا يتوقف وجوبها على دخول وقت وجوب
العبادة التي مشروطة بها ولا على الظن بأنها سيجب والقائلون بوجوبها لغيرها يقولون أن بعد الحدث لا يجب الطهارة بل يجب بعد وجوب مشروطها ولعل
مرادهم أنها يجب بعد وجوب مشروطها إذا كان المشروط موسعا يفضل وقته منه كالصلاة وأما إذا كان مضيقا كالصوم فإنما يجب عند تضيق دخول وقته بقدر
فعلها وإنما اكتفوا بالأول لكثرته وندور الثاني معتمدا على ما ذكروه في وجوب الغسل للصوم فلا يرد ما أورد عليهم من أنه مناف للقول بوجوب الغسل للصوم قبل
وقته والظاهر أن معنى الوجوب بالغير الذي ادعوه ليس هذا بعينه بل هذا لازم من لوازمه باعتقادهم فلذا قد يفسرونه به وإنما معناه أن الغرض من وجوب الطهارة
إنما هو مشروطها من الصلاة ونحوها ولم يتعلق بها غرض في نفسها بل إنما شرع لتحصيل صحته فقط لكنهم اعتقدوا أن هذا المعنى يستلزم أن يكون وجوبها
بعد وجوب مشروطها أو عنده مضيقا ولا يخفى ما فيه إذ الاستلزام ممنوع لان غاية ما يلزم ذلك المعنى أن لا يجب الطهارة عند العلم أو الظن بأن ما هو
مقصودها والغرض منها لم يمكن الاتيان به ولم يصر واجبا في وقته وأما إذا علم أو ظن أنه سيصير واجبا ويمكن الاتيان به فلا مانع من القول بوجوبها
لذلك الغرض وإن لم يجب بعد لكن وجوبا موسعا بتضيق الغرض وقد يدعون أيضا لازما آخر لهذا المعنى وهو تضيقها بتضيق الغرض والظاهر أنه كما يدعون
وإذا عرفت هذا فاعلم أنهم ذكروا في ثمرة النزاع أن المكلف إذا خلت ذمته بعد وقوع الحدث من واجب مشروط بالطهارة فهل يوقعها إذا أراد إيقاعها
بنية الوجوب أو الندب فعلى الأول بالأول وعلى الثاني بالثاني مع اتفاق الفريقين ظاهرا على شرعية الايقاع وبما قررنا ظهر ما فيه لما علمت من
عدم استلزام الوجوب بالغير بالمعنى الذي سبق لعدم وجوب الطهارة قبل وقت وجوب المشروط بها نعم إذا خلت ذمته ولم يظن بشغلها بعده أو دل
دليل على حدة على ما يدعونه لازما للوجوب بالغير لكان الامر كما ذكروه وسيجئ إنشاء الله تعالى ما يصلح لان يكون دليلا عليه وبهذا ظهر أن ما ذكره صاحب
المدارك (ره) في بحث وجوب الغسل للصوم ومقتضى العبارة أن المكلف إذا أراد تقديمه وكانت ذمته بريئة من مشروط بالطهارة قوى الندب
إن اعتبرنا الوجه وهو كذلك بناء على القول بأن وجوبه لغيره ورجح بعض مشايخنا المعاصرين جواز إيقاعه بنية الوجوب من أول الليل وإن قلنا بوجوبه
لغيره وكأنه أراد به الوجوب الشرطي وإلا فالوجوب بالمعنى المصطلح منتف على هذا التقدير قطعا انتهى منظور فيه وحال من ظن قبل وقت وجوب المشروط
أنه سيجب لكن لم يكن غرضه من الاتيان بالطهارة إيقاع ذلك المشروط في وقته على القول بالوجوب بالغير في جواز إيقاعه إياها بنية الوجوب كحال
من يوقعها بعد الوقت لا لذلك الغرض فقس عليه ولا يذهب عليك أن الظاهر أن النزاع في أن الطهارات هل هي واجبة في نفسها أيضا أم لا بل ينحصر وجوبها
في الوجوب بالغير بعد الاتفاق على الوجوب بالغير في الجملة كما أشرنا إليه أيضا سابقا لان القائلين بالوجود لنفسها أيضا يذكرون في كتبهم إن الوضوء
يجب لكذا وكذا والغسل يجب لكذا وكذا وهو ظاهر في الوجوب بالغير خصوصا في الوضوء لوجود روايات كثيرة دالة على وجوبه للغير كما أوردناها في مفتح الكتاب فيبعد القول مع
ذلك بعدم وجوبه للغير رأسا وبهذا اندفع ما يورد على ما جعلوه ثمرة النزاع من أن الوجوب بالغير لا ينافي إيقاع الطهارة قبل وقت وجوب مشروطها
بنية الوجوب لجواز أن يكون واجبة في نفسها أيضا ومما يعد من ثمرات النزاع أيضا أنه إذا ظن المكلف بعد الحدث بالوفاة قبل أن يدخل وقت المشروط بالطهارة
فعلى القول الأول يجب الطهارة وعلى الثاني لا يجب وهو كذلك سواء قلنا باستلزام الوجوب بالغير المعنى الذي ادعوه من عدم وجوبها ما لم يجب المشروط
أو لا وكذا الحال فيما إذا ظن الوفاة بعد دخول الوقت لكن بقدر الطهارة لا بقدر الصلاة مثلا أيضا نعم لو قال أحد باللازم فقط دون الملزوم للزم
على قوله أيضا وجوب الطهارة في هذه الصورة كما على القول بوجوبها لنفسها لكن الظاهر أنه لم يقل به أحد هذا إذا جعل اللازم عدم وجوبه ما لم يدخل
الوقت وأما إذ جعل اللازم عدم وجوبه ما لم يجب الصلاة أفعلى القول به فقط أيضا الظاهر أنه لا يجب الوضوح لعدم وجوب الصلاة فافهم ولا يخفى أن
26

تضيق الطهارة بتضيق مشروطها كما يقول به القائلون بالوجوب الغيري يجب أن يقول به القائلون بالوجوب النفسي أيضا لما ذكرنا عن قولهم بالوجوب
الغيري أيضا ظاهرا لكن من جهة الوجوب الغيري وإن لم يجب أن يقولوا بتضيقها من جهة الوجوب النفسي وتظهر الفائدة فيما إذا خرج وقت الصلاة مثلا ولم
يتطهر ولم يصل فعلى عدم تضيق الطهارة وبقاء وجوبها النفسي يجب الاتيان بها بعد خروج الوقت ويرجع الامر إلى حال بعد الحدث وقبل دخول
الوقت بالنسبة إلى الصلاة المستقبلة هذا وإذا قد حرر محل النزاع وما يتعلق به فلنشرع الان في بيان أدلة الطرفين ونبدأ بالوضوء فنقول
أما الاستدلال على وجوبه لغيره في الجملة فلا نحتاج إلى التعرض له إذ قد مر مستقصى في صدر الكتاب وإنما الحاجة ها هنا إلى الاستدلال على وجوبه لغيره
فقط وعدم وجوبه في نفسه كما هو المراد ها هنا ظاهرا فمما يمكن أن يستدل عليه قوله تعالى في سورة المائدة يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا الآية
والاستدلال به من وجهين الأول أن المفهوم من الآية عرفا إن الوضوء لأجل الصلاة كما يقال إذا لقيت العدو فخذ سلاحك أي لأجل العدو فيكون الغرض منه الصلاة فلا يكون واجبا
لنفسه ويرد عليه أن غاية ما يدل عليه الآية الشريفة أن الصلاة غرض من الوضوء في الجملة إلا أنها غرض تام لا يقال كونها جزء للغرض أيضا كاف في غرضنا
هذا انتفاء الجزء مستلزم لانتفاء الكل فعند انتفاء الصلاة ينتفي الغرض وبانتفائه ينتفى الوضوء لان المراد من كونها غرضا في الجملة ليس أنها
جزء الغرض بل أن لها غرضية ناقصة مع جواز أن يكون للوضوء غرض تام آخر أما نفسه أو شئ آخر يتحقق معه دائما واجتماع العلل التامة الشرعية جايز
فكيف بالتام والناقص وقد مر هذا الاحتمال في صدر الكتاب مع الحكم ببعده ومع تسليم أن المفهوم من الآية كونها غرضا تاما فلا نسلم انفهام حصر الغرض
فيها أصلا وعلى تقدير تسليم فهم حصر الغرض فيها في الجملة إنما يسلم فهم حصر الغرض من هذا الامر فيها لا مطلقا ومما يحقق ما ذكرنا أنه إذا قال السيد لعبده
إذا لقيت اللص فخذ سلاحك وإذا لقيت الأسد فخذ سلاحك وإذا لقيت الذئب فخذ سلاحك فلا يريب من له أدنى معرفة بالعرف مع وجدان صحيح في أن ليس بين
ظواهر هذه الأوامر توهم منافاة أو شائبة معارضة فلو لا صحة ما ذكرنا من المنوع كلا أو بعضها لما كان كذلك وعلى تقدير تسليم فهم حصر الغرض مطلقا
فمعارض بما سنذكره من أدلة الطرف الآخر فينبغي النظر في الترجيح ولا يخفى جريان مثل هذا الوجه في بعض الروايات المتقدمة في صدر الكتاب أيضا
والجواب الجواب والثاني أن إذا من أداة الشرط ويفهم منها عدم المشروط عند عدم الشرط فحينئذ نقول أن معنى الآية الكريمة إذا أردتم القيام فاغتسلوا للصلاة
ويفهم منها بمقتضى الشرط عدم وجوب الغسل والمسح عند عدم إرادة الصلاة ورد عليه أما أولا فبالمنع من حجية مفهوم الشرط وفيه شئ وعلى تقدير
حجيته إنما هو حجته فيما إذا لم يظهر للشرط فائدة أخرى سوى مفهومه لئلا يكون عبثا غير جايز في كلام الحكيم والفائدة فيما نحن فيه ظاهرة أما بيان أن الصلاة
غرض للوضوء ناقصا وتاما على مأمر آنفا أو بيان اشتراطها بالوضوء أما بأن يقال أنه يفهم الاشتراط من نفس الكلام أو يقال أنه يفهم منه وجوب الوضوء
(قبل الصلاة فيكون الاتيان بالصلاة بدون الوضوء حراما لأنه ضد المأمور به وضد
المأمور به حرام والنهي في العبادة مستلزم للفساد فيمكن الصلاة بدون الوضوء
فاسدا فقد ثبت الاشتراط أو باعتبار أنه يفهم منه وجوب الوضوء)
الكائن قبل الصلاة وعند الاتيان بالصلاة بدون الوضوء يلزم ترك ذلك الوضوء وملزوم الحرام حرام فبكون الصلاة حراما فيكون فاسدا لما مر فقد
ثبت الاشتراط أيضا وقد مر الكلام في هذين الاستدلالين في صدر الكتاب وعلى تقدير عدم ظهور فائدة أخرى نقول أن مفهوم الشرط ها هنا عدم
هذا الامر الخاص بالوضوء عند عدم الشرط لا الامر به مطلقا على ما يستفاد من كلام بعض المحققين ظاهرا وعلى تقدير التسليم أيضا عموم مفهوم الشرط
ممنوع وما يقال أنه على تقدير الاهمال يخلو الكلام عن الفائدة ممنوع إذ فائدة المنطوق كافية مع أنك قد عرفت أن أكثر أحكام الكتاب مجمل يحتاج إلى بيان
أهل الذكر (عليهم السلام) لكن لا يخفى أن منع عموم المفهوم إنما هو لأجل أن يحمل عدم وجوب الوضوء عند عدم الإرادة على بعض أوقات عدم الإرادة
ولا يمكن أن يكون ذلك البعض في داخل الوقت للاجماع بل في خارجه وحينئذ يثبت المطلوب بالتمسك بالاجماع المركب كما سيجئ فلا يجدي ذلك المنع فإن
قلت بل يجدي إذ يحمل على بعض أوقات خارج الوقت الذي لا يكون حدث فحينئذ لم يثبت المطلوب قلت حينئذ لم يبق للشرط فائدة إذ ليس فرق بين حال
إرادة الصلاة وبين عدمها في ذلك المعنى إذ حال الإرادة أيضا إذا لم يكن حدث لم يجب الوضوء والمثال المذكور سابقا أيضا مما يحقق هذه
الممنوع كلا أو بعضا وأما ثانيا فلانه غير دال على المراد من عدم وجوب الوضوء قبل الوقت إذ لا قرينة على إرادة المتصلة والإرادة الغير المتصلة
بتحقق قبل الوقت أيضا فلم يثبت عدم وجوب الوضوء خارج الوقت مطلقا ويمكن أن يقال قد استفيد من الآية عدم وجوب الوضوء عند عدم إرادة الصلاة مطلقا بناء على تسليم عموم المفهوم فيشمل جميع أوقات عدم
الإرادة سواء كان داخل الوقت أو خارجه بعد الحدث أو قبله خرج داخل الوقت بالاجماع وبقي الباقي فثبت عدم وجوب الوضوء في بعض أوقات
خارج الوقت وبعد الحدث فيلزم أن لا يجب في جميعه أيضا وإلا لزم خرق الاجماع المركب لان القائلين بالوجوب النفسي أيضا لا يقولون بوجوب الوضوء
في بعض أوقات خارج الوقت وبعد الحدث فثبت المطلوب وسيجئ قلب هذا الدليل عليهم في حجج الطرف الآخر ويمكن أن يدفع هذا الايراد
أيضا بأنه لا يلزم علينا أن نحمل الآية على معنى إذا أردتم القيام حتى يرد ما ذكرتم بل نحملها على معناها الظاهر من أنه إذا تهيأتم واستعددتم لاتيان
27

الصلاة بحيث لم يبق فصل بينكم وبينها فتوضأوا ولا يخفى ظهور الآية في هذا المعنى وإنكاره مكابرة وحينئذ يقول لا يتحقق القيام بهذا المعنى خارج الوقت
فاندفع الايراد لا يقال حمل الآية على القيام الذي لا فصل بينه وبين الصلاة أصلا ممتنع وإلا يلزم أن يكون التكليف بالوضوء بعده تكليفا بما لا يطاق
فلا بد من حمله على قيام يتحقق بينه وبين الصلاة فصل ما لا أقل بقدر الوضوء وحينئذ يعود الايراد إذ يجوز تحقق هذا القيام قبل دخول الوقت بمقدار
الوضوء ويحتاج إلى تركيب الاجماع المركب مع الدليل ليتم إذ يمكن أن يقال أنه إذا وقت السيد لعبده وقتا لفعل ثم قال إذا قمت لهذا الفعل فافعل كذا
فالظاهر منه أن المراد القيام الذي يمكن الاتيان بذلك الفعل عقيبه بلا قصد ويريد العبد إيقاعه بعده إرادة تامة لولا ذلك الامر الاخر ولا شك أن ذلك
القيام لا يمكن إلا داخل الوقت الموقت ولا محذور حينئذ أصلا إذ ليس المراد قياما يجب اتصاله بالصلاة حتى يكون تكليفا بما لا يطاق بل قياما يمكن
اتصاله بالصلاة وقد مر مثل هذا سابقا فتأمل وقد يستدل أيضا على الوجوب بالغير بصحيحة زرارة المتقدمة عن أبي جعفر (عليه السلام) إذا دخل الوقت
فقد وجب الطهور والصلاة ويورد عليه أما أولا فبالمنع من حجية المفهوم وهو ضعيف وعلى تقدير حجيته إنما يكون فيما لم تظهر للكلام فائدة
أخرى سوى ذلك وفيما نحن فيه ليس كذلك إذ يمكن أن يكون الفائدة فيه الاشعار باشتراط الصلاة بالوضوء بالوجهين المذكورين سابقا وأما
منع عموم المفهوم فحاله إنما يستنبط من حاله في الدليل السابق فقس عليه وأما ثانيا فيجوز أن يكون المراد وجوب الوضوء والصلاة معا فعند عدم
دخول الوقت يلزم عدم وجوب المجموع وهو كذلك إذ الصلاة قبل الدخول ليست بواجبة فلا يكون المجموع واجبا ولا يخلو عن بعد سواء
كان المراد وجوب المجموع من حيث المجموع أو وجوب كل واحد يعني أن عند دخول الوقت يجب كل واحد من الطهور والصلاة أي يصدق هذه الكلية بخلاف قبل الدخول
إذ لا يصدق الكلية لعدم وجوب الصلاة وقد يعترض أيضا بجواز أن يكون المراد بوجوب الطهور وجوبه الغيري وهو أيضا خلاف الظاهر كما لا يخفى ولا يذهب
عليك أن هذا الاستدلال على تقدير تمامه إنما يدل على ما يدعونه لازما للوجوب الغيري أعني عدم وجوب الوضوء قبل دخول الوقت فلو كان
المراد منه الاستدلال على الوجوب الغيري فلا يكاد يتم إذ بمجرد ثبوت اللازم لا يثبت الملزوم إلا إذا ثبت المساواة بينهما والمساواة فيما نحن فيه ممنوع
إذ يجوز أن لا يجب الوضوء إلا بعد دخول الوقت ولم يكن الغرض منه الصلاة بل يكون الغرض منه شيئا آخر وهو ظاهر وتظهر الفائدة في الغرض
المذكور من بقاء المكلف بعد دخول الوقت بمقدار الوضوء فقط إذ على الأول يجب الوضوء وعلى الثاني لا يجب وكذا في التضيق إذ على الثاني
يجب تضيقه بتضيق وقت الصلاة وعلى الأول لا يجب فلو أريد اتمام الاستدلال على الوجوب الغيري فأما أن يقال إن عدم وجوب الوضوء إلا بعد
دخول وقت الصلاة قرينة على أن وجوبه لها وهو ضعيف وأما أن يتمسك بالاجماع المركب إذ كل من قال بوجوبه بعد دخول الوقت يقول بالوجوب
الغيري هذا وأما حجة القول بالوجوب النفسي فالآية الكريمة المتقدمة أيضا لأنها بإطلاقها دالة على وجوب الوضوء كلما تحققت الإرادة ولأن؟
في تحققها قبل دخول الوقت أيضا فيكون الوضوء قبل دخول الوقت واجبا إذ قد ثبت وجوبه قبل دخول الوقت في الجملة فقد ثبت في جميع أوقات قبل الدخول بعد الحدث وإلا يلزم خرق الاجماع
فقد ثبت الوجوب النفسي وهذا القلب الذي وعدناك وهو راجح على مقلوبه لان هذا استدلال بعموم المنطوق وذاك بعموم المفهوم وهو مع ضعفه
يستلزم ها هنا التخصيص في عموم المنطوق ولا شك أن عموم مفهوم كلام إذا عارض عموم منطوقه لا عبرة به ويرد عليه أنه لا نسلم أن المراد من الآية الشريفة
إذا أردتم القيام حتى يتم ما ذكرتم بل المعنى الذي تقدم وهو لا يتحقق قبل الدخول وأيضا العموم ممنوع وما يقال أن الاهمال يخرج الكلام عن الفائدة
غير ممنوع وقد مر غير مرة ومع تسليمه مخصص بالرواية المتقدمة وفيه ضعف إذ تخصيص منطوق الكتاب بمفهوم الخبر مشكل في صورة العموم المطلق
فكيف بالعموم من وجه كما فيما نحن فيه وقد يستدل عليه أيضا بما رواه الشيخ (ره) في التهذيب في باب الاحداث الموجبة للطهارة عن عبد الله بن المغيرة و
محمد بن عبد الله قالا سئلنا الرضا (عليه السلام) عن الرجل ينام على دابته فقال إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء وجه الاستدلال أنه علق وجوب
الوضوء بذهاب النوم فقط فالظاهر وجوبه عنده بدون اشتراطه بأمر آخر وبما رواه أيضا في هذا الباب عن زرارة قال قلت له الرجل ينام وهو على
وضوء يوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء فقال يا زرارة قد ينام العين ولا ينام القلب والاذن فإذا نامت العين والاذن والقلب فقد وجب
الوضوء ووجه الاستدلال ما مر وبما رواه أيضا في هذا الباب عن معمر بن خلاد عن أبي الحسن (عليه السلام) في آخر حديث إذا خفى عنه الصوت فقد وجب الوضوء
عليه وبما رواه أيضا في هذا الباب عن زيد الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام) في آخر حديث أن عليا (عليه السلام) كان يقول من وجد طعم النوم فإنما وجب عليه
الوضوء إلى غير ذلك من الروايات المفيدة لوجوب الوضوء بالحدث من غير أن يشترط فيها بشئ آخر وهي
كثيرة وفيما ذكرناه كفاية ويرد على الجميع
أن مثل هذه الاطلاقات جامع فيما إذا علم الاشتراط كالاطلاقات الواردة في وجوب غسل الثياب والاناء وغير ذلك مع كونها مشروطة بالاتفاق
28

وها هنا أيضا لما كان اشتراط وجوب الوضوء بالصلاة أمرا معلوما شايعا فلذا أطلق تلك الرواية ولم يقيد بالصلاة لعدم الاحتياج إليه وفيه أنه
وإن كان الامر كما ذكر فيما علم الاشتراط لكن علم معلومية الاشتراط وتعارفه فيما بينهم فيما نحن بصدده إذ مجرد الاحتمال لا يكفي ها هنا وإن كان المقام
مقام المنع إذ الاستدلال بظواهر الاطلاقات والعمومات لا يقدحه احتمال التقييد والتخصيص وإلا تبطل أكثر الاستدلالات بالظواهر والدلايل المتقدمة
لا يتم كما عرفت فينبغي حمل الروايات على ظواهرها حتى يظهر خلافها هذا غاية ما يمكن أن يستدل به على الطرفين وليس في شئ منها ما تسكن النفس وتطمئن إليه
لكن أصالة براءة الذمة من الوجوب قبل دخول الوقت والشهرة بين الأصحاب فإن المتقدمين وإن لم يتعرضوا لذلك المعنى صريحا لكن بعض كلماتهم يشعر
بذلك حيث يذكرون أن الوضوء يجب لكذا وكذا ولم يذكروا وجوبه في نفسه أصلا والمتأخرين الذي تعرضوا لهذا المعنى أكثرهم قايلون بالوجوب الغيري والقول
بالوجوب النفسي ليس له قايل معلوم سوى ما نقل المصنف (ره) في الذكرى مجهولا إنما يقوى طرف الوجوب الغيري وأمر ظواهر الروايات سهل لان الاطلاق في مثل هذا المقام
لا يثمر ظنا بعدم الاشتراط كما يظهر عند الرجوع إلى الوجدان وتتبع الروايات ولا يخفى عليك أن ما ذكروه في ثمر النزاع من أمر نية الوجوب أو الندب فأمره سهل
إذ الظاهر كما سيجئ إنشاء الله تعالى عدم الاحتياج إلى تعرض وجه الوجوب والندب في النية مع أنك قد عرفت أنه على تقدير الوجوب بالغير أيضا لا يبعد صحة نية الوجوب
قبل دخول الوقت إلا أن يثبت ما هو لازمه باعتقادهم من عدم الوجوب قبل وجوب غايته وأمر الاحتياط في الفائدة الأخرى واضح إذ عند ظن يتضيق الوفاء
بدون شغل الذمة بغايته ينبغي أن يؤتى به حتى يخرج عن عهدة الخلاف هذا ثم أن المفهوم من كلام الأصحاب ها هنا أن الوضوء الذي يجب بعد دخول الوقت
على القول بالوجوب بالغير إذا فعل قبل الدخول يكون ندبا ولم ينصوا على أن هذه الوضوء المندوب وخارج عن الأقسام التي يذكرونها للوضوء المستحب كما
سيجئ بعد هذا أو داخل وعلى الأول ما الدليل على استحبابه وعلى الثاني دخوله في تحت أي قسم من الأقسام المذكورة وسيجئ لهذا زيادة بسط في بيان إباحة الوضوء المندوب
للصلاة إنشاء الله تعالى ولنذكر الان أدلة الجانبين في الغسل ونخص الكلام ابتداء بغسل الجنابة لشهرة الخلاف فيه حجة القائلين بالوجوب لغيره أمور منها قوله تعالى
وإن كنتم جنبا فاطهروا والاستدلال به ومن وجوه الأول إن المفهوم منه عرفا أن الغسل للصلاة كما في قولك إذا أردت الأمير فالبس ثيابك فيكون الغرض منه
الصلاة فلا يكون واجبا لنفسه ويرد عليه مع ما تقدم في نظيره من الاستدلال على وجوب الوضوء للغير أن عطف وإن كنتم على فاغسلوا ممنوع إذ يجوز أن يكون
معطوفا على جملة إذا قمتم فإن قيل العطف بأن دون إذا يأباه قلنا يمكن أن يكون في العطف بأن دون إذا استعار المبالغة في أمر الصلاة والتأكيد فيها حيث
أتى في القيام بها بكلمة إذا الدالة على تيقن الوقوع يعني أنه أمر متيقن الوقوع البتة وليس مما يجوز العقل عدمه وفي الجنابة بكلمة أن الموضوعة للشك مع
تحقق وقوعها وتيقنها تنبيها على أنها في جنب القيام كأنه أمر مشكوك الوقوع والثاني أن المفهوم من الشرط عدم الوجوب عند عدم القيام إلى الصلاة ويرد
عليه أيضا مع ما تقدم في نظيره الايراد المذكورة آنفا الثالث أن عطفه على الوضوء يقتضي وجوبه لغيره كالوضوء لوجوب تشريك المتعاطفين في الحكم ويرد
عليه أنه إن كان المراد من عطفه على جملة فاغسلوا فقد عرفت ما فيه وإن كان المراد عطفه على جملة إذا قمتم فلا يتمشى الاستدلال إذ ليس لهذه
الجملة حكم الوجوب بالغير حتى يلزم ثبوته للمعطوف عليه وهو ظاهر نعم لا بد من المناسبة بين المتعاطفين وهي حاصلة هنا باعتبار أن كلا منهما حكم متعلق
برفع الحدث والصلاة لان الغسل على تقدير الوجوب لنفسه أيضا مما يرفع الحدث ويبيح الصلاة بل واجب للصلاة أيضا لما عرفت من أن الظاهر عدم الخلاف
في الوجوب الغيري في الجملة ولا يلزم أن يكون مناسبة تامة من جميع الوجوه مع أن الحال في الوضوء أيضا قد عرفت ما فيه الرابع أن عطف جملة التيمم عليه يقتضي
الوجوب لغيره للتشريك ويرد عليه أيضا إن التيمم المذكور بعده ليس مخصوصا بالتيمم الذي بدل من الوضوء بل يعمه وغيره من الذي يدل من الغسل أيضا
والتيمم الذي بدل من الغسل لا نسلم وجوبه لغيره بل حكمه حكم مبدله فحينئذ فالتيمم الذي يشمل الصنفين إذا أورد بعد جملتين أحديهما يكون الحكم فيها الوجوب لغيره
والثانية الوجوب لنفسه فلا يخفى ما فيه من المناسبة والملائمة وعلى تقدير أن يكون التيمم منحصرا في الواجب لغيره أيضا قد عرفت عدم وجوب المناسبة التامة
من جميع الوجوه بل يكفي كون كل منهما من متعلقات الحدث والصلاة مع أن حال التيمم أيضا كحال الوضوء في عدم الجزم بوجوبه لغيره الخامس أن توسيطه بين
جملتي الوضوء والتيمم الواجبين بالغير يقتضي وجوبه بالغير أيضا وإلا لم يناسب التوسيط وجوابه أيضا يظهر مما ذكر في سابقيه ومنها صحيحة زرارة المتقدمة
عن أبي جعفر (عليه السلام) إذا دخل الوقت فقد وجب الطهور والصلاة وقد ما مر فيه ويزيد ها هنا إيراد آخر لجواز أن يكون المراد بالطهور الوضوء لأنه الفرد السابع
المتعارف والمتبادر إلى الذهن ومنها ما رواه الشيخ (ره) في زيادات التهذيب في باب الأغسال وكيفية الغسل من الجنابة عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال سئلت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة يجامعها الرجل فتحيض وهي في المغتسل فتغتسل أم لا قال قد جاء ما يفسد الصلاة فلا تغتسل ووجه الدلالة أنه عليه السلام نفى الغسل
معللا بفساد الصلاة في أصل كلامه عليه السلام أن الفرض من الغسل الصلاة ولما جاء ما يفسدها فلا غسل وهذا دلالة ظاهرة على وجوبه لغيره لا لنفسه ويورد
29

عليه أما أولا فبعدم صحة السند لان عبد الله المذكور لم يوثقه أحد من الرجاليين بل إنما يمدح فقط نعم إنما نقلوا عن ابن إدريس (ره) أنه وصف هذه الرواية
بالصحة وهو مما لم يصلح للتعويل بعد عدم توثيق الرجاليين لعدم ظهور مراده من لفظ الصحة لجواز أن يكون مراده غير الصحة المشهورة بين المتأخرين وأما ما
ذكره العلامة (ره) في المختلف والمنتهى في هذا المقام من رواية الشيخ (ره) في الصحيح عن عبد الله بن يحيى الكاهلي فلا يدل على توثيقه إذ يجوز أن يكون مراده أنه
صحيح إلى عبد الله وكثيرا ما يجري كلامهم على هذا الاصطلاح وأما ثانيا فمنع دلالتها على المدعى لان انتفاء الغسل عند مجئ ما يفسد الصلاة ويحتمل وجهين
أحدهما أن يكون لأجل أن الصلاة غرض من الغسل فعند عدم إمكان الاتيان به لم يكن غسل وثانيهما أن يكون لأجل أن صحة الغسل موقوفة على عدم تحقق حدث
لا يمكن ارتفاعه وقد كنى عنه في الرواية بمجئ ما يفسد الصلاة فعند تحقق الحيض لم يكن غسل لعدم صحته وعلى هذا فلا يتم الاستدلال بل نقول حمل الرواية على
الاحتمال الأخير أظهر لان قوله (عليه السلام) فلا تغتسل أما نهي أو نفي وعلى الأول أما للحرمة أو للكراهة ولا شك في عدم ترتب الحرمة والكراهة على مجرد كون الغرض
من الغسل الصلاة فقط مع عدم وجوب الصلاة كيف والقائلون بوجوبه بالغير وعدم وجوبه ما لم يجب الغير أيضا قائلون باستحبابه قبل وجوب الغير ولا كذلك
الاحتمال الأخير لظهور ترتب الحرمة على عدم صحة الغسل إذ العبادة ما لم يكن متلقاة من الشارع لا يجوز الاتيان بها وعلى الثاني أيضا لما لم يمكن حمله على ظاهره
فلابد من حمله على النهي ويعود ما ذكرنا فعلى الاحتمال الأول لا بد أن يخرج الكلام عن ظاهره ويحمل على نفي الوجوب سواء كان نفيا أو نهيا حتى يستقيم بخلاف
الاحتمال الأخير مع أنك تعلم مما سبق أن ترتب نفي الوجوب أيضا على المعنى المذكور محل نظر وتأمل وإن الاستلزام الذي يدعونه ممنوع ويرد أيضا أن
حمله على نفي الوجوب ليس بأولى من حمله على نفي التضيق فكان السائل إنما سئل عن تضيق الغسل عليها وعدمه فأجاب (عليه السلام) بأنه لا تضيق حينئذ إذ ليس وقت
صلاة حتى يتضيق ولا يتوهم أن كونه مضيقا بتضيق الصلاة أيضا يدل على المراد إذ قد عرفت أن الخلاف ها هنا ظاهرا في انحصار الوجوب في الغيري وعدمه
لا في أصل الوجوب الغيري إذ لا خلاف فيه وهذا المعنى كما يلزم الأول كذلك يلزم الثاني أيضا فلا دلالة له على المراد لا يقال إذا كان الغسل واجبا لنفسه لا
وجه لتوقف صحته على انتفاء الحدث المانع من الصلاة نعم إنما يعقل ذلك إذا كان واجبا للصلاة إذ لا منافاة بينهما لجواز أن يكون شرع الغسل لتحصيل الحالة
التي يستباح معها الصلاة وإن لم يكن استباحة الصلاة غرضا بل يكون تلك الحالة أمرا مهما في نفسها أو لغرض آخر فإذا لم يمكن تحصيل تلك الحالة لم
يشرع الغسل لفوات الغرض منه فإن قلت قد روى الشيخ (ره) في زيادات التهذيب في باب الحيض عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته
عن المرأة يواقعها زوجها ثم تحيض قبل أن تغتسل قال أن شائت أن تغتسل فعلت وعلى هذا لا يمكن حمل قوله (عليه السلام) فلا تغتسل في رواية الكاهلي
على التحريم مع أن الاحتمال الأخير الذي ذكرت إنما يستلزم التحريم كما قررت فعلى تقدير الوجوب لنفسه على ما تحمل الرواية الكاهلي بناء على العمل بهذه الرواية
قلت أما أولا فقد عرفت حمله على نفي التضيق مع عدم منافاته للوجوب النفسي وأما ثانيا فنحمل فلا تغتسل على الكراهة ونقول بجواز
كون فضيلة الغسل وكماله موقوفة على انتفاء الحدث لا صحته ولا فساده أو نحمله على نفي الوجوب ولا استبعاد في أن يكون الغسل على تقدر وجوبه لنفسه أيضا
لا يجب في وقت الحدث وإن كان يصح الاتيان به كما في صورة الوجوب الغيري بعينه واستدل أيضا بجواز تأخيره إلى وقت تضيق الصلاة فلا يكون واجبا لغيرها
وضعفه ظاهر واستدل أيضا بوجوه ضعيفة لا يحسن إيرادها وأما حجة القائلين بالوجوب النفسي فأمور أيضا منها قوله تعالى وإن كنتم جنبا إلى آخره علق الوجوب
على الجنابة فقط فلم يكن مشروطا بشئ آخر وفيه أنه موقوف على كونه معطوفا على جملة إذا قمتم وهو ممنوع لجواز عطفه على فاغسلوا وإن كنتم محدثين
المقدر في نظم الكلام كما قيل ومنها قوله تعالى ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وجه الاستدلال أنه تعالى نهى عن قربان الصلاة جنبا بدون الغسل فيكون
حراما فيجب تركه وهو يحصل بأمرين ترك القربان مطلقا أو تركه على هذه الصفة وإذ لم يجز الأول فتعين الثاني فإذا فرض أن قبل دخول وقت الصلاة
يمكن الغسل ويظن أو يعلم أن وقت الدخول لم يتيسر لفقد الماء مثلا فحينئذ نقول لا شك أن المعنى الثاني الذي بينا وجوبه إنما يتوقف على الغسل في هذا الوقت
فيكون واجبا بناء على وجوب ما يتوقف عليه الواجب فإذا ثبت الوجوب في بعض أوقات خارج الوقت فقد ثبت في جميعه بشرط الحدث لئلا يلزم خرق
الاجماع المركب فثبت الوجوب النفسي أو يقال إذا ثبت الوجوب خارج الوقت في الجملة فقد بطل الوجوب الغيري لانتفاء لازمه حسب ما يعتقدون أعني عدم
الوجوب ما لم يدخل الوقت فيكون إلزاما عليهم فإن قلت هذا إنما يتم إذا كان المراد بالصلاة حقيقتها وأما إذا كان المراد مواضعها كما مر أنه الراجح
فلا قلت على هذا أيضا يمكن إجراء الدليل بأن يفرض أنه نذر أحد الاستيطان في المسجد في وقت الظهر مثلا وفرض الغرض المذكور فيلزم حينئذ أيضا وجوب
الغسل مع عدم وجوب غايته فبطل الوجوب الغيري كما قررنا إلا أن يقال أن مرادهم من نفي الوجوب النفسي أنه لا وجوب نفسيا بحسب أصل الشرع وهذا في
الحقيقة داخل في الوجوب بالنذر الذي استثنوه لكن لا يخفى أنه يتحقق وجوب الدخول بأصل الشرع أيضا بدون النذر مثل دخول المسجد الحرام للطواف
30

فإذا فرض هذا الغرض قبل دخول وقت الطواف يلزم الوجوب النفسي بحسب أصل الشرع أو يقال مرادهم نفي الوجوب النفسي بالأصالة وهذا وجوب بالتبعية
وفيه بعد أو يمنع وجوب مقدمة الواجب وهذا المنع وإن كان موجها لكن الظاهر أن القائلين بالوجوب الغيري لا يقولون بوجوبه قبل دخول الوقت ولا ببدليته
أيضا ولم يكتفوا بالأول فقط لا يقال لا نسلم التوقف على الغسل لأنه حكم سبحانه تعالى بعده ببدلية التيمم له لأنه تعلق ما بعده به لا ظهور له كما مر سابقا وعلى تقدير التسليم يفرض
الكلام فيما إذا لم يمكن الغسل والتيمم جميعا وقت دخول الوقت فحينئذ يلزم ما ذكرنا وفيه كلام سيجئ عن قريب ولا يخفى جريان مثل هذا الاستدلال في قوله (عليه السلام)
لا صلاة إلا بطهور بالنسبة إلى جميع الطهارات فتدبر ومنها ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب في باب حكم الجنابة في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال سئلته متى
يجب الغسل على الرجل والمرأة فقال إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم والاستدلال به من وجهين الأول أنه (عليه السلام) علق وجوب الغسل على الدخول فقط فلم
يكن معلقا على غيره الثاني أنه علق وجوب المهر والرجم على الادخال ولا خلاف في أنهما غيره شرطين بعبادة من العبادات فكذا الغسل قضية للعطف وفيه
ضعف ظاهر لان العطف لا يقتضي التساوي في جميع الأمور بل التساوي في أن للادخال دخلا في وجوبهما كاف إلا يرى اشتراطه كل من المهر والرجم بشرط خلاف الشرط الآخر
بل نقيضه لان المهر مشروط بالعقد والرجم بعدمه والحق أن مثل هذا الاستدلال مما لا يليق بمن له وجدان سليم ومنها ما رواه (ره) أيضا في هذا الباب
في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي (صلى الله
عليه وآله) فقال ما تقولون في الرجل يأتي أهله فيخالطها ولا ينزل فقال الأنصار
الماء من الماء وقال المهاجرون إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل فقال عمر لعلي (عليه السلام) ما تقول يا أبا الحسن فقال علي (عليه السلام) أتوجبون عليه الحد والرجم
ولا توجبون عليه صاعا من الماء إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل والاستدلال به أيضا من وجهين أحدهما من حيث تعليقه (عليه السلام) وجوب الغسل على
الالتقاء فقط ولم يشترط بشئ آخر وثانيهما أنه أنكر (عليه السلام) إيجاب الحد والرجم بدون إيجاب الغسل وكان وجهه أن إيجاب الأصعب يقتضي إيجاب الأسهل بطريق
الأولى ولا شك أنه يتحقق وجوب الأصعب وقت عدم وجوب الصلاة مثلا فيجب أن يتحقق وجوب الأسهل أيضا وإلا يلزم ما أنكره (عليه السلام) وفيه أن حمل كلامه
(عليه السلام) على هذا المعنى يقتضي ظاهر أن يكون من باب القياس الذي تواتر عنهم (عليه السلام) منعه وإنكاره إذ لا أولوية في إيجاب أسهل العقوبتين عند إيجاب أصعبهما
كما لا يخفى وحينئذ فلا بد أما أن يقال أنه إلزام لهم حيث أنهم كانوا قائلين بالقياس إن جوز البحث الإلزامي مع اعتقاد بطلانه لمصلحة مثلا كما ورد في باب القيافة
أو يقال أنه ليس بحثا إلزاميا بل إنما أنكر (عليه السلام) قولهم هذا مع مخالفته لاعتقادهم في أصل كلامه (عليه السلام) أنه استبعد منهم أولا وقال أنكم كيف تقولون
بهذا القول مع أنه مخالف لمعتقدكم من صحة القياس ثم بعد ذلك بين الحكم بقوله (عليه السلام) إذا التقى الختانان ويؤيده قوله توجبون ولا توجبون ولا يجب ولا يجب
فتأمل وعلى التقديرين لا يبقى الحجية مجالها أو يقال أن استنادا لأمور الثلاثة إلى شئ واحد كأنه كان أمرا معلوما فقال (عليه السلام) لم تسندون اثنين منهما إليه
دون الاخر لكن يأباه قوله (عليه السلام) صاعا من ماء أدنى باء كما يحكم به الوجدان إلا أن يقال التعبير بهذه العبارة كأنه للاشعار بالالزام وعلى هذا أيضا
لا دلالة لجواز معلوميته استناد كل منهما إلى الادخال بشرايط مخصوصة والله أعلم ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب عن محمد بن إسماعيل قال سئلت الرضا
(عليه السلام) عن الرجل يجامع المرأة قريبا من الفرج فلا ينزلان متى يجب الغسل فقال إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل وكذا ما رواه أيضا في هذا الباب عن علي بن
يقطين قال سئلت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يصيب الجارية البكر لا يفضي إليها أعليها غسل فقال إذا وقع الختان على الختان فقد وجب الغسل البكر
وغير البكر وكذا ما رواه أيضا عن الحلبي قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المفخذ عليه غسل قال نعم إذا أنزل والروايات الواردة بهذا المضمون كثيرة
ووجه الاستدلال في الجميع واحد وهو تعليق الوجوب على مجرد الالتقاء والانزال فلا يشترط بشئ آخر ويجاب عن جميع الاستدلالات التي بهذا
الوجه بأن الاشتراط كأنه كان أمرا معلوما شايعا فلم يحتاجوا إلى التعرض له كالاطلاقات الواردة في باب الوضوء وغسل الثوب وغير ذلك وقد عرفت
ما فيه سابقا في باب الوضوء من أنه ممنوع علم معلومية الاشتراط وشيوعه إذ مجرد الاحتمال غير كاف وإن كان المقام مقام المنع لما مر والاستدلالات التي
ذكروها على الاشتراط قد عرفت حالها والتمسك بأصالة البراءة أيضا ضعيف بعد وجود الظواهر الدالة على شغلها كيف ولو كان أصل البراءة
معارضة للظواهر لما ثبت حكم من الاحكام المظنونة نعم إنما يصلح متمسكا عند عدم ظاهر مخرج عن الأصل وهو ظاهر وقد يستدل أيضا على الوجوب
النفسي بأن القول بالوجوب الغيري والقول بفساد صوم من أصبح جنبا عامدا مما لا يجتمعان مع أنهم قايلون بالثاني فانتفى الأول وجه المنافاة أن
الوجوب بالغير إنما يلزمه عدم وجوب الغسل ما لم يجب غايته كما يعترفون به أيضا فلم يكن الغسل للصوم واجبا في الليل إذ لم يجب الصوم بعد فلم يكن الصوم المذكور
فاسدا وجوابه ما مر في تحريم محل النزاع فتذكر والشهيد الثاني (ره) تخيل أن وجه المنافاة التي ادعاها المستدل هو أن الصوم لما لم يكن مشروطا بالغسل فلم يكن
الغسل واجبا له فإذا انحصر الوجوب في الغيري لزم أن لا يفسد صوم من أصبح جنبا عامدا ثم أجاب عنه بأن عدم اشتراط الصوم بالغسل ممنوع بل القايلون بفساد
31

الصوم المذكور قايلون باشتراطه بالغسل في الجملة ولا يخفى عليك أن الحق في التوجيه ما ذكرناه لان هذا في غاية السقوط وكلام العلامة (ره) في المنتهى
أيضا يشير إلى ما ذكرناه والظاهر أن هذا الاستدلال منه وهو أعرف بمقصود وقد أيد أيضا بما رواه الشيخ (ره) في زيادات التهذيب في باب الأغسال في الصحيح عن
عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يواقع أهله أينام على ذلك قال إن الله يتوفى الأنفس في منامها ولا يدري ما يطرقه
من البلية إذا فرغ فليغتسل وجه التأييد أنه إذا لم يكن واجبا لنفسه فلا وجه لخوف الموت في النوم قبل الغسل إذ الظاهر من الرواية أن احتمال الموت إنما
يخاف منه لأجل فوات الغسل فقط لا لأجل فوات غايته والحكم عليه بالتأييد لا لاستدلال الاحتمال أن يكون الامر فيه للندب ويكون ملاقاة الله تعالى متطهرا
أمرا محبوبا فيستحب الغسل قبل النوم لاحتمال الموت فيه وقوة ذلك المعنى منه احتمالا قريبا وأنت تعلم أن القايلين بالوجوب النفسي أيضا لا يقولون بالتضييق
والعصيان بترك الغسل إذا مات في النوم ما لم يظن بالموت فلا بد من حمل كلامه (عليه السلام) المشعر بالتضيق والتعجيل ظاهرا على الاستحباب البتة وحينئذ ففي التأييد
أيضا نظر لان القايلين بالوجوب الغيري أيضا قايلون بالاستحباب قبل دخول الوقت فتأمل وأيد أيضا بالروايات الدالة على وجوب تغسيل الميت غسل
الجنابة إذا مات جنبا مثل ما رواه الشيخ (ره) في الزيادات في باب تلقين المحتضرين عن زرارة قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) ميت مات وهو جنب كيف يغسل
وما يجزيه من الماء قال يغسل غسلا واحدا يجزي ذلك للجنابة ولغسل الميت لأنهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة وما رواه أيضا في هذا الباب عن عيص عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال سئلت عن رجل مات وهو جنب قال يغسل غسلة واحدة بماء ثم يغسل بعد ذلك إلى غير ذلك من الروايات وجه التأييد أنه أوجب غسل
الجنابة على من مات جنبا وهو أعم من أن يكون بعد وجوب غايته عليه أو قبله فلو لم يكن الغسل واجبا عليه قبل وجوب غايته حال الحياة لم يجب عليه أيضا
بعد الوفاة وفي هذا التأييد أيضا نظر لان الأوامر الواردة في هذا الباب أما للوجوب أو للندب وعلى الثاني لا تأييد أصلا لان غاية ما يلزم من استحبابه
بعد الموت استحبابه حال الحياة ولا نزاع فيه وعلى الأول الفرق ظاهر بين الحالين لان أحديهما حالة ملاقاة الله تعالى وملائكته فلا بعد في أن يجب عليه الغسل
فيها ليكون متطهرا بخلاف الأخرى هذا غاية ما يمكن أن يستدل به من الجانبين وقد عرفت ما في أكثرها من الضعف فالمسألة موضع اشكال وإن كان النفس
إلى الوجوب النفسي أميل أعاذنا الله من ميلها وهواها ووفقنا للأمور التي يحبها ويرضاها لاطلاق الروايات التي تقدمت من غير معارض قوي
يصلح للمعارضة كما ذكرنا والشهرة العظيمة التي في باب الوضوء والروايات الدالة على وجوبه بالغير اللتان يرجحان طرف الوجوب الغيري مفقودة ها هنا
أيضا لان معتقد القدماء غير معلوم وإن كان بعض عباراتهم يشعر أدنى إشعار بالوجوب الغيري والمتأخرون المتعرضون لهذا الخلاف ليس أكثرهم
أيضا قايلين بالوجوب بالغير ظاهرا وقد عرفت عدم الاطلاع أيضا على الرواية بهذا المعنى فإذن الراجح في النظر أدنى ترجيح خلافه والله تعالى و
رسوله وأهل الذكر (عليه السلام) أعلم وأما حال الأغسال الأخر فمما يمكن أن تستنبط بعضا منه من البابين وسيجئ تفصيله إنشاء الله تعالى وكذا التيمم
يمكن استنباط بعض أحواله من حال مبدليه وسيأتي مشروحا في بابه إنشاء الله تعالى
تتمة إذا كان الوضوء أو الغسل أو التيمم ممكنا قبل دخول الوقت
ويعلم المكلف عدم إمكانه بعد الدخول فهل يتفرع وجوبه حينئذ مضيقا والعصيان بتركه وعدمهما على الخلاف السابق أو لا وعلى التقديرين ما الحال فيه
ظاهرا فاعلم أني لم أقف إلى الان على كلام الأصحاب في هذا الباب سوى النزر والقليل الذي سيذكر في باب التيمم مما له أدنى ارتباط به لكن ما يقتضيه
النظر أن الظاهر عدم تفريع التضيق وعدمه في هذا الحال على الخلاف المذكور لان القائلين بالوجوب النفسي لا يقولون بالتضيق بمجرد ذلك الوجوب
ما لم يتضيق وقت العمر ولا مدخل لتضيق وقت التطهر لأجل الصلاة وأما القائلون بالوجوب الغيري فظاهر عدم قولهم بالوجوب حينئذ بناء على اعتقادهم
من أنه لا يجب ما لم يجب مشروطه وإن الوجوب بالغير مستلزم لهذا المعنى ولو قطع النظر عن ذلك الاعتقاد لعدم ظهور مستند له وقيل بالوجوب بالغير كما يدل عليه
في خصوص الوضوء الروايات المتقدمة في صدر الكتاب الدالة على وجوب الوضوء للصلاة فالظاهر أنه يستلزم وجوب الوضوء في الفرض المذكور كما يستلزم
التضيق عند تضيق وقت الصلاة بلا تفاوت كما هو الظاهر ويحكم به الوجدان عند التأمل فيما إذا قال السيد لعبده إفعل الشئ الفلان بتحصيل الغرض
الكذائي في وقت الظهر مثلا على أن يكون الظرف ظرفا للتحصيل لا لافعل بل يكون هو مطلوب ثم علم العبد أنه إذا لم يفعل ذلك الشئ في الصبح مثلا
لم يكن فعله بعده إلى الظهر ويفوت بذلك غرض السيد فإنه يحكم حينئذ بتضيق وجوب ذلك الفعل على العبد وبإثمه بتركه في وقت الصبح كما يحكم
بتضيقه عليه إذا لم يفعله إلى الظهر ويتمكن منه حينئذ وهذا الوجه كما ترى مخصوص بالوضوء لعدم الاطلاع على ما يدل على هذا المعنى في أخويه كما
ذكرنا سابقا ولا يذهب عليك أن القايلين بالوجوب النفسي أيضا لا بد أن يقولوا بالوجوب في هذه الصورة بناء على هذا الدليل لان هذا الوجوب إنما
يتفرع على الوجوب للصلاة فقط لا على انحصار الوجوب فيه وقد عرفت أن الظاهر أنهم قائلون به أيضا وهؤلاء أيضا بالنظر إلى هذا القول يمكن افتراقهم
32

فرقتين فالخلاف المثمر في هذا الباب الخلاف في الاستلزام المذكور وعدمه فالقائلون بالوجوب الغيري المدعون للاستلزام المذكور وإن لم يقولوا
بالوجوب لكن لا يخفى أن محافظة الماء إذا كان ممكنا إلى دخول الوقت يلزم عليهم القول بوجوبها في بعض الصور بالدليل المذكور وعلى هذا إذا أمكن
في الصورة المذكورة كل من الوضوء خارجا الوقت ومحافظة الماء إلى الوقت كان المكلف مخيرا بين الاتيان بالوضوء وجوبا موسعا على قول وندبا على الاخر
وبين محافظة الماء إلى مجئ الوقت وإن لم يمكن المحافظة بل الوضوء خارج الوقت فقط فيجب الوضوء مضيقا على قول ويستحب على الاخر وإن أمكن المحافظة فقط
تعين ولهذا المطلب مسلكان آخران أحدهما التمسك بالروايات الدالة على عدم صحة الصلاة بدون الطهارة مثل لا صلاة إلا بطهور والصلاة ثلاثة أثلاث
وجه الاستدلال أن المكلف مأمور بالصلاة أمرا مطلقا وقد دلت الروايتان على أن الصلاة لا يكون إلا بالطهور فالصلاة المأمور بها إنما هي الصلاة المقرونة
بالطهارة وذلك يتوقف في الصورة المفروضة على الطهارة قبل الدخول فيكون واجبا بناء على وجوب ما يتوقف عليه الواجب وهذا الاستدلال كما
ترى لا يدل على وجوب خصوص الغسل والوضوء خارج الوقت إذا علم عدم إمكانهما في الوقت لان التيمم أيضا طهور كما مر نعم إذا علم أنه لا يمكن التيمم أيضا في الوقت
ففيه تفصيل يعلم بالتأمل والثاني في التمسك بقوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغتسلوا الآية وجه الاستدلال أنه أمر بالوضوء عند قيام الصلاة أمرا
مطلقا وهو في الصورة المفروضة يتوقف على محافظة الماء إلى الوقت فيكون واجبا وقس عليه الاستدلال بصحيحة إذا دخل الوقت وهذا الاستدلال
مخصوص بالوضوء ووجوب محافظة الماء للوضوء ولا يدل على وجوب الوضوء خارج الوقت ولا محافظة الماء للغسل والتراب للتيمم لجواز أن لا يكون جملتا الغسل
والتيمم معطوفتين على فاغسلوا وقد يناقش في هذا الدليل بأن إطلاق الامر بالوضوء حال القيام إلى الصلاة لجواز أن يكون جملة التيمم معطوفة على
فاغسلوا وحينئذ يكون الامر بالوضوء في تلك الحالة مشروطا بوجدان الماء لان قوله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا يدل على أن الامر بالتيمم في حال عدم
وجدان الماء وقرينة المقابلة تدل على أن الامر بالوضوء مشروط بوجدان الماء وعلى هذا لا يجب محافظة الماء إلى دخول الوقت ولا يخفى ما فيها لا يقال من يقدر على
وجدان الماء في تلك الحال ولو تنزل عن دعوى التبادر فلا أقل من عدم التبادر في خلافه فآل الامر إلى الشك فلا يبقى الظن بإطلاق الامر فإن قيل
الأمر الأول مطلق فيجب حمله على إطلاقه حتى يثبت مخصص ومقيد والقدر الذي يثبت من جملة التيمم على تقدير عدم التبادر في أحدهما تخصيصه بحال
عدم القدرة على وجدان الماء فيجب الحكم به في هذه الحال وأما الحال الاخر فيلزم بقائه تحت إطلاق الحكم قيل لا نسلم وجوب حمل المطلق على إطلاقه حتى
يثبت التقييد مطلقا بل فيما لا يكون في الكلام الذي فيه المطلق ما يجوز أن يخصصه ونقيده كما فيما نحن فيه والحاصل أن الكلام إنما يتم بآخره فلو كان
في الكلام مطلق ولم يجئ بعده شئ يحتمل أن يقيده فيحصل الظن بإطلاقه ويكون معمولا به حتى يظهر خلافه وأما إذا جاء بعده ذلك الشئ فحينئذ لم
يحصل الظن بالاطلاق حتى يتبع إلى ظهور الخلاف هذا ولا يذهب عليك أنه على تقدير تمامية الدليل إذا كان المكلف في الفرض المذكور قادرا
على محافظة الماء إلى الوقت والوضوء خارجه يكون مخيرا بين الوضوء والمحافظة ولو كان قادرا على
الوضوء فقط دون المحافظة فلا يحكم بالوجوب
عليه بناء على هذا الدليل نعم بالدليل الاخر وعلى تقدير ورود المنع إذا علم التمكن من التراب في الوقت فلا يجب محافظة الماء وإذا علم عدم التمكن
فإن كان محافظة التراب أيضا ممكنة إلى الوقت فيتخير بينها وبين محافظة الماء أو الوضوء قبل الوقت إن أمكن بناء على كفايته وإن لم يمكن محافظة
التراب بل محافظة الماء فقط ففيه إشكال ينشأ من أن قوله تعالى فلم تجدوا على تقدير كونه معطوفا على فاغسلوا هل يصير قرينة على اشتراط الوضوء
بوجدان الماء في الوقت أو على اشتراطه بعدم وجوب التيمم فعلى الأول لا يجب محافظة الماء حينئذ وعلى الثاني يجب وعلى تقدير ظهور أحد الاحتمالين الحكم
واضح وعلى تقدير التساوي فالامر كما مر آنفا فتأمل
(ويستحب الوضوء لندبي الصلاة والطواف) لا يخفى عليك بعد ما سبق في باب الوجوب إن استحباب
الوضوء للصلاة المندوبة أيضا إنما يتم بأمرين أحدهما الامر بالوضوء والثاني الاشعار بأنه للصلاة ويفتقر أيضا إلى أن لا يكون الامر أمرا إيجابيا لكونه لازما
للامرين الأولين إذ لا يعقل وجوب شئ مع عدم وجوب غايته وما يتوهم من وجوب الوضوء للصلاة المندوبة بناء على استحقاق العقاب إذا ترك الوضوء وأتى
بالصلاة كما يدل عليه بعض الروايات بل الاجماع أيضا ظاهرا ساقط لان استحقاق العقاب حينئذ ليس لترك الوضوء بل لفعل الصلاة بدون الوضوء إذ لو لم يصل
لم يكن مستحقا للعقاب نعم الوجوب بمعنى الشرطية كما في بعض الاصطلاحات ثابت للوضوء بالنسبة إليها ولم نقف في الروايات على ما يدل على الامر بالوضوء
للصلاة المندوبة مطلقا بل في بعض الصلوات بخصوصه نعم الاشتراط في الجميع يدل عليه الروايات مثل قوله (عليه لسلام) لا صلاة إلا بطهور والصلاة ثلاثة
أثلاث فحينئذ أما أن يتمسك في عموم الاستحباب للصلاة المندوبة بعموم الاشتراط بناء على أن شرط المستحب مستحب كما أن شرط الواجب واجب أو بالاجماع كما نقله العلماء
33

وأما استحبابه للطواف المندوب واشتراطه به وعدمه فسيجئ إنشاء الله تعالى في كتاب الحج وحمل المصحف لم نقف في الرواية على ما يدل عليه والعلامة (ره) في المنتهى والنهاية
والمصنف (ره) في الذكرى عللاه بالتعظم ولا يخفى إن إثبات الحكم به مشكل لكن لا بأس بالقول به للشهرة بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) بناء على التسامح في أدلة
السنن وهاهنا بحث لا بد من التنبيه له لنفعه في امتثال هذه المواضع وهو أنه قد اشتهر بين العلماء إن الاستحباب إنما يكتفي فيه بالأدلة الضعيفة وأورد عليه أن
الاستحباب أيضا حكم شرعي كالوجوب فلا وجه للفرق بينهما والاكتفاء فيه بالضعاف وأجيب عنه بأن الحكم بالاستحباب فيما ضعف مستنده ليس في الحقيقة
بذلك المستند الضعيف بل بما رواه ثقة الاسلام (ره) في أصول الكافي في باب من بلغه ثواب من الله على عمل بطريق حسن بإبراهيم بن هاشم عن هشام بن سالم
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من سمع شيئا من الثواب على شئ فصنعه كان له وإن لم يكن على ما بلغه ويؤيده ما رواه أيضا في هذا الباب عن محمد بن مروان قال
سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول من بلغه ثواب من الله على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب أوتيه وإن لم يكن كما بلغه ولا ريب أن السند الأول سند معتبر معول عليه
سيما مع انضمامه بما يؤيده ويعضده فيكون صالحا للاحتجاج وقد ذكر بعض العلماء ورود هذا المضمون بطريق صحيح أيضا ولم أره في الكتب الأربعة المشهورة
لكن رأيته في كتاب المحاسن للبرقي ولعله أراد ذلك ويخدش الجواب بعد تسليم صحة الاحتجاج بأمثال هذه الأسانيد بأن مفاد الروايتين أنه وإذا روى
إن في العمل الفلاني ثوابا كذا مثلا فعمل أحد ذلك العمل رجاء لذلك الثواب فإنما يؤتاه وإن كان ما روى خلاف الواقع لا أنه إذا روى أصل العمل
أيضا كان الآتي به مثابا والفرق بينهما ظاهرا لا أن يقال الاخبار بأن الفعل الفلاني قد أمر به يستلزم الاخبار بأن فيه ثوابا إذ الامر يستلزم الثواب
فإذا فعل ذلك الامر رجاء للثواب لزم أن يؤتاه به بناء على الروايتين فإن قلت الثواب كما يكون للمستحب كذلك يكون للواجب أيضا فلم
خصص الحكم بالمستحب قلت الامر كما ذكرت من شمول سماع الثواب على شئ للواجب والمستحب لكن الروايتين لا يدلان على الوجوب بعد السماع إذ غاية ما
يدلان عليه أنه إذا فعل أحد بعد السماع يكون مثابا وذلك إنما يستلزم رجحان فعله لا فساد تركه فيكون الفعل مستحبا فعلى هذا إذا روى الامر
الوجوبي بشئ بطريق ضعيف لكان فعله مستحبا لما ذكرنا وما ترى يفعل الأصحاب من حمل الروايات الضعيفة الدالة على الوجوب صريحا إن ظاهرا أو
احتمالا مساويا للندب على الاستحباب إنما هو بمعنى أن الحكم بالنسبة إلينا الاستحباب لما عرفت لا أنهم يحملون الامر في الرواية على الاستحباب فاعلم هذا
ينفعك في بعض المواضع ويخدش أيضا بأن بين الروايتين وبين ما يدل على عدم العمل بقول الفاسق من قوله تعالى إن جائكم فاسق بنبأ الآية عموما
من وجه ولا تصريح فيهما بأنه إذا عمل بقول الفاسق أيضا لكان يحصل الثواب لأن عدم كون الحديث كما بلغ لا يستلزم أن يكون راويه فاسقا كما لا يخفى
ولا ترجيح لحمل الثاني على الأول فلم لم يعكس ويخص سماع الثواب من العدل ويمكن أن يقال الآية دالة على عدم العمل بقول الفاسق بدون التثبت
والعمل به فيما نحن فيه بعد ورود الروايتين ليس عملا بلا تثبت ولا يتوهم تخصيص الروايتين لها حينئذ إذ بهما يخرج بعض الافراد عن عنوان الحكم لا
عن الإرادة وليس هذا تخصيصا وقد مر توضيحه في فواتح الكتاب ويخدش أيضا بأن المسألة أي ثبوت الاستحباب بالأدلة الضعيفة إنما هو من مسائل
الأصول على المشهور وجواز الاكتفاء فيه بالظن الحاصل من خبر الواحد محل إشكال ولتحقيق الكلام في هذا المقام موضع آخر وبالجملة الجواب
لا يخلو عن شائبة لكن اشتهار العمل بهذه الطريقة بين الأصحاب من غير نكير ظاهر بل بين العامة أيضا مما يجرء النفس ويشجعها عليه لعل الله يقبل عذرها ولا
يؤاخذها به ولا يخفى أن حكم مس المصحف المندوب حكم الحمل في شهرة استحباب الوضوء له بين الأصحاب فلا بأس بالقول به وكان المصنف إنما
اقتصر على الحمل ليحمل المس عليه بطريق الأولى (وأفعال الحج الباقية) سيأتي إنشاء الله تعالى في بابه (وصلاة الجنازة) هذا الحكم أيضا مشهور بين الأصحاب والذي
يدل على عدم وجوبه من الروايات ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب في الباب التالي لباب الصلاة على الأموات في الموثق عن يونس بن يعقوب قال سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الجنازة أصلي عليها على غير وضوء فقال نعم إنما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل كما تكبر وتسبح في بيتك على غير وضوء
وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب من يصلي على الجنازة وهو على غير وضوء وفي الفقيه في باب الصلاة على الميت وما روي في الكافي
أيضا في الباب المذكور عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) قال سئلته عن الرجل يفجأه الجنازة وهو على غير طهر قال فليكبر معهم لكن يمكن حمل هذه
الرواية على الاضطراري كما يشعر به لفظ يفجأه وما يدل على استحبابه ما رواه الشيخ (ره) في الباب المذكور عن عبد الحميد بن سعيد قال قلت لأبي الحسن
(عليه السلام) الجنازة يخرج بها ولست على وضوء فإن ذهبت أتوضأ فاتتني الصلاة يجزي أن أصلي عليها وأنا على غير وضوء قال تكون على طهر أحب إلي
وهذه الرواية في الكافي أيضا في الباب المتقدم بأدنى تغيير لكن يمكن أن يقال أن الظاهر من الطهر في كلام الإمام (عليه السلام) التيمم لان السائل إنما سأله (عليه السلام)
عن الحال التي لا يمكن فيه الوضوء فحكمه (عليه السلام) فهذه الحال باستحباب الطهر لا بد من حمله على التيمم كما هو الظاهر وبالجملة الامر واضح بعد حصول
34

الشهرة العظيمة وطلب الحاجة هذا أيضا مما اشتهر بينهم ويتمسك فيه بما رواه الشيخ (ره) في زيادات التهذيب في باب صفة الوضوء عن عبد الله بن سنان
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول من طلب حاجة وهو على غير وضوء فلم يقض فلا يلومن إلا نفسه ودلالته على المطلوب غير واضحة لان مفاد
إن الحاجة بدون الوضوء لم يقض فينبغي أن يطلب الحاجة في حالة ما إذا توضأ بالوضوء الذي رخص فيه من الشارع لأنه عبادة موقوفة على الاذن وليس
فيه دلالة على الاذن والرخصة للوضوء في وقت طلب الماء كما يشهد به الفطرة السليمة لكن الامر فيه أيضا واضح كما تقدم (وزيارة القبور) لم نقف فيه أيضا
على مستند سوى الشهرة وقد ذكروا أن به رواية مختصة بمقابر المؤمنين ولم أرها (وتلاوة القرآن) هذا أيضا بما لا يحصل الاطلاع على مستنده
سوى الشهرة أو التعظيم بشعائر الله تعالى كما ذكر في الحمل (والتأهب للفرض قبل وقته) أي التهئ له من الأهبة بمعنى الاستعداد قال في الصحاح تأهب أي استعد
واستدل عليه باستحباب الصلاة أول الوقت وهو موقوف على الوضوء قبله وفيه أن استحباب الصلاة أول الوقت الحقيقي غير معلوم إذ ما يدل على استحبابه
ينبغي أن يحمل على الأول العرفي لتقدم الحقيقة العرفية على اللغوية كما بين في موضعه والصلاة في أول الوقت العرفي لا يتوقف على الوضوء قبله ويمكن أن
يقال لا شك أن الأول العرفي لا يباين الأول الحقيقي وإن كان أعم منه فحينئذ نقول إذا ورد الامر مطلقا بالصلاة في أول الوقت فيكون الأول الحقيقي أيضا داخلا
تحته وإن حمل على العرفي ويستفاد منه الاستحباب فأيضا بناء على إطلاق الامر وعدم تقييده وإذا كان الصلاة في الأول الحقيقي مطلقا فلا شك أن في بعض
الأوقات يتوقف على الوضوء قبل الوقت مستحبة فيكون الوضوء قبله مستحبا أيضا لقضية التوقف وفيه كلام سيجئ عن قريب وعلل العلامة (ره) في النهاية
هذا الحكم بالخبر ولم يحصل الاطلاع عليه والكون على الطهارة بالجر عطف على ندبي أو التأهب ولما كان الكون على الطهارة أثرا من آثار
الوضوء لا نفسه صح الحكم باستحباب الوضوء له وما استند إلى المصنف (ره) من أنه حكم في مثل هذه العبارة بعدم جواز الخبر لأنه بمنزلة أنه يستحب الوضوء للكون
على الوضوء وهو فاسد وكذا الرفع على أن يكون فاعل يستحب إذ معنى الكلام أنه يستحب الوضوء ويستحب الكون على الوضوء وهو تكرار بل يجب رفعه
على أن يكون مبتدأ محذوف الخبر وهو مستحب فاسد لما عرفت ولأن التكرار في صورة كونه فاعلا ليستحب لان المذكور سابقا استحباب الوضوء لأجل الغايات
المذكورة وهذا استحباب الوضوء في نفسه مع أن فيما اختاره أيضا التكرار الذي زعمه موجود هذا والمراد من استحباب الوضوء للكون على الطهارة أن
يكون الغرض منه هذا الأثر في نفسه بدون أن يكون الغرض من هذا الأثر شئ آخر بخلاف الصور السابقة لان الغرض منه غيره من الصلاة والطواف
ونحوهما واعلم أن الحكم أيضا ليس له مستند ظاهر سوى الشهرة على ما اطلعنا عليه وقد يؤخذ من قوله تعالى أن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين وفيه
ضعف ومن قوله (عليه السلام) المؤمن معقب ما دام متطهرا وهذا أضعف ثم أن فيما ذكروه من كون الكون على الطهارة غاية برأسها أيضا خفاء إذ
وجود حالة في المكلف عقيب الوضوء سوى حصة وقوع الأشياء المتوقفة على الوضوء كمالا أو صحة منه كاملا أو صحيحا غير معلوم وأكثر ما ورد الطهر في
الروايات يحمل على نفس الفعل والبعض الذي لا يمكن حمله على نفس الفعل يجوز أن يكون المراد من الصحة المذكورة وعلى هذا يدخل الكون على الطهارة
تحت الأمور السابقة فكيف يجعل غاية برأسها والفرق بينهما بإثبات معنيين أحدهما صحة وقوع الفعل من المكلف أو كون الفعل بحيث يصح وقوعه
من المكلف والثاني كون المكلف بحيث يصح منه الفعل لا عبرة به في نظر الفقيه كما لا يخفى وسيجئ مزيد بسط في البحث لهذا (وكل هذه يرفع الحدث
ويبيح الصلاة) أعلم أنه قد تكرر وتكثر في كلام الأصحاب (رضي الله عنه) ذكر رفع الحدث واستباحة الصلاة ونحوها والظاهر أن مرادهم بالحدث
حالة يحصل في باطن المكلف عقيب البول والغايط ونحوهما مما يعد إحداثا شبيهة بالنجاسة الظاهرة وذلك يستلزم عدم إباحة الصلاة ونحوهما
مما يتوقف صحته وجوازه على الوضوء والغسل بما تقدم وكذا عدم كمال القراءة وغيرها مما لم يتوقف صحته وجوازه عليهما بل فضله وكماله و
من ارتفاع هذا المعنى يستباح الصلاة ويصح استكمال القراءة مثلا وكأنهم يدعون أيضا أن الامر بالطهارة لما يتوقف صحته أو جوازه عليها وكذا لما
يتوقف فضيلته وكماله إنما هو لأجل أن يرتفع المعنى المذكور ليمكن وقوع الغايات صحيحا أو كاملا إلا فيما لا يمكن ارتفاع هذا المعنى مثل الوضوء لنوم
الجنب وجماع المحتلم وغيرهما فإن الامر فيه ليس لذلك لعدم الامكان وعلى هذا الفرق بين رفع الحدث وبين استباحة الصلاة ظاهر وأيضا كأنهم زعموا أن
الطهارة أيضا أمرا آخر ضد للحدث يحصل في باطن المكلف بعد رفع الحدث شبيه بالطهارة الظاهرة وإذ تقرر هذه الأمور ظهر وجه ما ذكره
المصنف (ره) أما في الوضوء للصلاة المندوبة فلان الصلاة المندوبة لما لم يصح بدون الوضوء فكان مانعها الحدث ويكون الامر بالوضوء لأجل
ارتفاع ذلك المانع فإذا توضأ يلزم ارتفاعه وإذا ارتفع الحدث استباح الصلاة المفروضة أيضا لما مر من أنه متى ارتفع الحدث يستباح الصلاة
وأما الوضوء للطواف المندوب فهو أيضا كذلك بناء على شرطية الوضوء له وأما على عدم الشرطية فلان كماله
موقوف على الوضوء فيكون من جهة أن
35

الحدث مانع من كماله والوضوء لأجل زوال المانع فيلزم ما ذكر بعينه وقس عليه البواقي سوى الأخيرين فإن الاستدلال فيهما نحو آخر وأما
الوضوء للتأهب للفرض فأمره ظاهر لأنه في الحقيقة وضوء للصلاة أمر بتقديمه على الوقت استحبابا فلا شك في رفعه وإباحته وأما الوضوء للكون على
الطهارة فلما عرفت من أن الطهارة صفة تحصل بعد ارتفاع الحدث فإذا أمر بالوضوء لهذا المعنى فينبغي أن يحصل بعده وهو إنما يحصل برفع الحدث
فيلزم ارتفاعه ويلزم ما ذكرنا واعلم أن في جميع ما نقلنا من العموم نظرا أما أولا فبالمنع من وجود حالة في باطن المكلف شبيهة بالنجاسة وهو الحدث لعدم
دليل عليه وما ورد في بعض الروايات إنما يحمل على معنى آخر وأما ثانيا فبالمنع من أن متى ارتفع ذلك المعنى يستباح الصلاة ونحوها وأما ثالثا فبالمنع
من أن الغرض من الامر بالوضوء في جميع ما أمر له إلا ما استثنى إنما هو ارتفاع الحدث لم لا يجوز أن يكون شيئا آخر كما في الصور المستثناة وأما رابعا فبالمنع
من كون الطهارة صفة وراء جواز الاتيان بالصلاة ونحوها صحيحا كاملا كما مر آنفا وفيه بعد لورود الطهارة في الروايات بمعنى آخر كثيرا بحيث لا
تقبل المنع وعلى تقدير التسليم لا نسلم توقفه على رفع الحدث إذ يجوز أن يكون للطهارة مراتب أو معان مختلفة يحصل بعضها بدون ارتفاع الحدث كما
ورد فيمن اغتسل غسل الجمعة أنه في طهر إلى الجمعة الأخرى مع أنه في بعض الأوقات محدث البتة والحاصل أن ثبوت الحقايق الشرعية لهذه الأمور
غير معلوم وعلى تقديره أيضا لم يتيقن عندنا بل يفهم من الروايات إطلاقه في موارد مختلفة فيجوز أن يكون لها معان متعددة أو معنى واحد
له مراتب مختلفة بعضها يجامع الحدث وبعضها لا يجامع بل يجوز أن يكون للحدث أيضا مراتب مختلفة وكذا يجوز أن يكون لخصوص الأوقات والساعات
دخل في حصول بعض المراتب من الوضوء أو الغسل مثلا يجوز أن يحصل المرتبة التي لا يجامع الحدث من الوضوء في الوقت مثلا دون خارجه أو بقصد
الصلاة مثلا دون غيرها فعلى هذا إذا أمر بالوضوء للكون على طهارة قبل الوقت فيجوز أن يكون تلك الطهارة التي تحصل من ذلك الوضوء والطهارة
التي يجامع الحدث فلا يكفي في استباحة الصلاة بل لا بد فيه من الوضوء في الوقت ليحصل الطهارة التي لا يجامع الحدث وقس عليه الحال في الوضوء للأشياء
المذكورة إذ يجوز أن يكون الغرض من الوضوء حصوله بعض مراتب الطهارة التي لا يكفي في الصلاة فظهر أن القول بامتثال هذه الوجود والدلايل مما لا يسمن
ولا يغني من جوع بل لا بد من النظر في الروايات وعمومها وخصوصها وإطلاقها وتقييدها والترجيح على النحو المقرر المعمول فعلى هذا نقول قد
ورد الامر العام بالوضوء عند القيام إلى الصلاة من قوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة الآية فلا بد من حمله على ظاهره حتى يثبت المخصص والمخصص في الصورة
التي توضأ المكلف قبل الوقت للأمور المذكورة استحبابا غير ثابت لعدم تمام الدليل كما عرفت فيجب الحكم بوجوب الوضوء وكذا الحال في قوله (عليه السلام)
إذا دخل الوقت فقد وجب الطهور والصلاة هذا في غير التأهب وأما في التأهب فنقول فيه أن الدليل الذي ذكر سابقا على استحبابه غير تام إذ على
تقدير أن يكون الامر بالصلاة في أول الوقت عاما شاملا لأوله الحقيقي يكون معارضا بالعمومين المذكورين وحملهما عليه ليس أولى من العكس
بل الامر بالعكس لعدم صراحته في العموم كما لا يخفى والشهرة بين الأصحاب وإن عول عليها في بعض المواضع لكن ليس مما لا يمكن الاعتماد عليه حال معارضتها
للكتاب والسنة وبهذا ظهر إيراد آخر على أكثر الموارد المذكورة أيضا إذ ليس فيه مستند ظاهر سوى الشهرة كما عرفت وظهر أيضا حال الوضوء المندوب
الذي ذكره القوم في باب الوجوب لنفسه ولغيره لأن الظاهر مما ذكروه أما الوضوء للتأهب أو للكون وقد عرفت حالهما وعلى تقدير كونه فردا أيضا
يعلم حاله بالمقايسة فتدبر اللهم إلا أن يمنع عموم الآية والرواية ونقول بوجوب الوضوء في بعض الأوقات مما وقع الاجماع عليه مثلا وما
نحن فيه لما لم يكن فيه إجماع ولا دليل آخر فيحكم فيه بأصل البراءة والاستدلال بأن التكليف اليقيني لا بد له من البراءة اليقينية أيضا أجزاؤه ها هنا مشكل
لان التكليف اليقيني إنما هو بالصلاة والطهارة خارجة عنها نعم وجوبها لها في بعض الصور ثابت بالاجماع أو نحوه فيحكم بوجوبها فيه وأما
في البعض الاخر كما فيما نحن فيه فلا وعموم الاشتراط المستفاد من قوله (عليه السلام) لا صلاة إلا بطهور لا يجدي ها هنا أيضا لتحقق الطهور في فرضنا
ولا يتوهم المنافاة بين هذا وبين ما ذكرنا من جواز كون الصلاة موقوفة على مرتبة معينة من الطهارة لاندفاعه بالتأمل واعلم أن بعضهم ادعى
الاجماع على أن الوضوء المندوب الذي لا يجامع الحدث الأكبر مثل الوضوء لنوم الجنب مبيح للصلاة الواجبة المشروطة بالطهارة وهذا وإن كان الظاهر
من كلام ابن إدريس حيث قال ويجوز أن يؤدى بالطهارة المندوبة والفرض بدليل الاجماع من أصحابنا لكن ذكر في موضع آخر ما يدل ظاهرا عل خلافه
قال وإجماعنا منعقد على أنه لا يستباح الصلاة إلا بنية رفع الحدث أو بنية استباحة الصلاة بالطهارة وأما أن توضؤ الانسان بنية دخول
المساجد والكون على طهارة والاخذ في الحوائج لان الانسان مستحب له أن يكون في هذه المواضع على طهارة فلا يرتفع حدثه ولا يستبيح بذلك
الوضوء الدخول في الصلاة انتهى وحمله على أن المراد منه أن الوضوء الواجب بنية هذه الأمور لا يبيح الصلاة لا الوضوء المندوب لا يجدي نفعا
36

لأنه إذا كان الوضوء الواجب بنية هذه الأمور لا يرفع الحدث فكذا المندوب وإذا لم يرفع الحدث لم يبح الصلاة لان بناء حكمهم بإباحة الصلاة إنما هو
رفعه للحدث إلا بأن يأول بأن الوضوء لهذه الأمور بدون نية الرفع أو الاستباحة لمشروط بالطهارة لا يصح لا أنه يصح ولا يبيح فلا يكون مخالفا
للاجماع إذ الاجماع إنما هو على إباحة الوضوء المندوب إذا كان صحيحا وسيجئ لهذا زيادة بسط في مبحث النية إنشاء الله تعالى وكلام العلامة (ره) في التذكرة أيضا
يدل ظاهرا على الاجماع حيث قال يجوز أن يصلي بوضوء واحد جميع الصلوات فرايضها وسننها ما لم يحدث سواء كان الوضوء فرضا أو نفلا وسواء توضأ
لنافلة أو فريضة قبل الوقت أو بعده مع ارتفاع الحدث بلا خلاف كالمستحاضة فقولان انتهى ونسب الخلاف فيه إلى بعض الظاهر به لكن
قوله سواء توضأ لنافلة أو فريضة مما يوهم أن الاجماع إنما هو في الوضوء للصلاة المندوبة ويؤيده أيضا المنتهى ذكر هذا الاتفاق والخلاف
من الظاهر به في خصوص الوضوء للصلاة المندوبة والواجبة وكلام الشيخ في المبسوط أيضا يشعر أدنى إشعار بعدم إباحة الوضوء لدخول المساجد مثلا
للصلاة وإن كان يمكن أيضا حمله على ما حملنا كلام ابن إدريس (ره) وبالجملة إثبات الاجماع لا يخلو من اشكال ومراعاة الاحتياط يقتضي أن لا يترك الوضوء في
الوقت لأجل الصلاة إذا توضأ قبله لما الطهارة مكملة له بل لغير الصلاة المندوبة نعم إذا توضأ في الوقت لهذه الأمور مندوبا ومنعنا حكم القول
بمنعه كما سيجئ إنشاء الله تعالى لكان الاجتزاء به لا يخلو عن قوة لصدق الامتثال ظاهر أو عدم الاحتياط إلى قصد الوجوب والندب في النية ومنع استحالة اجتماعهما
وكذا الاجتزاء به في الصلاة الواجبة غير اليومية إذ ليس ما يدل على عموم وجوب الوضوء لها لجواز كون اللام في الآية للعهد ويكون المراد اليومية لتبادرها
وتعارفها والعمومات الدالة على أن لا صلاة إلا بطهور لا ينافيه لان غاية أما يستفاد منها أنه لا بد في الصلاة من الطهور وهذا أيضا طهور وعلى تقدير
الامر العام بالوضوء أيضا وجوبا حديث صدق الامتثال بحاله هذا ثم إن السيد الفاضل صاحب المدارك بعد أن زيف الاستدلال على هذا المطلب بأنه
متى شرع الوضوء كان رافعا للحدث إذ لا معنى لصحة الوضوء إلا ذلك ومتى ثبت ارتفاع الحدث انتفى وجوب الوضوء قطعا بما يستفاد مما ذكرها سابقا
من جواز أن يكون الغرض من الوضوء وقوع تلك الغاية المترتبة عليه عقيبه وإن لم يكن رافعا كما في الأغسال المندوبة عند الأكثر قال والأجود الاستدلال
عليه بعموم ما دل عليها من الوضوء لا ينقض إلا بالحدث كقوله (عليه السلام) في صحيحة إسحاق بن عبد الله الأشعري لا ينقض الوضوء إلا حدث وفي صحيحة زرارة
لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك والنوم وغير ذلك من الأخبار الكثيرة ويؤيده ما رواه عبد الله بن بكير في الموثق عن أبيه عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال إذا استيقنت إنك أحدثت فتوضأ وإياك إن تحدث وضوء أبدا حتى تستيقن إنك قد أحدثت انتهى كلامه (ره) وفيه نظرا ما أولا فلان نقض
الوضوء عبارة عن رفع حكمه ونسخ أثره المترتب عليه فمقتضى الروايتين الأوليين على هذا أن الأثر المترتب على الوضوء لا يرتفع إلا بالحدث وإذا اعترف هو نفسه
بأن أثر الوضوء في هذه المواضع يجوز أن يكون وقع تلك الغايات المترتبة عليه عقيبه وإن لم يقع رافعا كما نقلنا آنفا فلم يبق فيها دلالة على ما ادعاه أصلا
توضيحه إن حاصل ما استدل به (ره) أن مقتضى الروايات الكثيرة عدم انتقاض الوضوء إلا بالحدث فمتى لم يقع حدث فالوضوء باق بحاله فيقرر حكمه فيجوز
الدخول به في الصلاة الواجبة والايراد عليه بأن تقرير حكم الوضوء وبقائه بحاله لا يستلزم استباحة الدخول به في الصلاة لأنك اعترفت آنفا بأن حكم
الوضوء في هذه المواضع يجوز أن يكون غير رفع الحدث ومتى لم يرتفع الحدث لم يستبح الدخول في الصلاة فيحقق هذا الحكم ويقرره لا فائدة له أصلا نعم
لو ثبت أن حكمه رفع الحدث لكان كما ذكره وحينئذ لا حاجة إلى التطويل ويرجع إلى الدليل الذي زيفه فإن قلت لا ضير في تجويز كون أثر الوضوء في هذه
المواضع وقوع غايته عقيبه ومنع كونه رفع الحدث إذ به أيضا يتم ما ادعاه لان حاصل الاستدلال أنه إذا ثبت أن الحدث ينقض الوضوء فلو لم يكن الوضوء
في هذه المواضع رافعا للحدث لكان الحدث السابق باقيا بحاله فينقض الوضوء ويرفع أثره الذي وقوع غايته عقيبه فيصير عبثا قلت لا دلالة في
الروايتين إلا على أن الحدث ينقض الوضوء في الجملة لا أن كل حدث ينقض الوضوء وهو (ذا) فحينئذ يجوز أن يكون الحدث اللاحق ناقضا للوضوء لوروده على الوضوء
دون السابق لورود الوضوء عليه ونظيره مما يرد عليه ونظيره مما يرد في الأحكام الشرعية مثل تنجيس الماء القليل لورود النجاسة عليه لا وروده عليها كما قيل على أنك قد
عرفت منع ثبوت صفة مسماة بالحدث يكون أثرا من البول والغايط ونحوهما وحينئذ فما في الروايات نقض تلك الأشياء للوضوء لا أثرها فانتقض الدليل وأما
ثانيا فلان الرواية التي أوردها للتأييد إنما يصلح له لو كان المراد منها أنه إذا استيقنت إنك أحدثت توضأ ولا تتوضأ بعد ذلك الوضوء إلا إذا أحدثت
وهو ممنوع بل يجوز أن يكون المراد إنك إذا استيقنت بالحدث توضأ ولا تتوضأ أبدا بدون اليقين بالحدث فيكون منطوق الجزء الأخير مفهوم الجزء الأول و
حاصله المنع من التوضأ بسبب الشك وهذا أظهر من الأول كما يشهد به الوجدان فإن قلت لا حاجة إلى حمله على المعنى الأول حتى يكون مؤيدا بل على هذا المعنى
أيضا يصلح للتأييد لأنه إذا نهى عن الوضوء بدون يقين الحدث ولا شك أن فيما نحن فيه لا يقين به لجواز أن يكون الوضوء السابق وأفعاله فلا يجوز الوضوء
37

فثبت الظاهر قلت عدم اليقين بالحدث في الصورة المذكورة ممنوع إذ اليقين بالحدث المتقدم على ذلك الوضوء حاصل والرافع له غير متيقن لح جواز أن لا يكون ذلك
الوضوء وأفعاله كما ذكرنا وقد ورد في الاخبار أن اليقين لا ينتقض إلا باليقين فيكون الحكم اليقين السابق باقيا بحاله فالوضوء للصلاة بعد الوضوء
السابق ليس مما حذر عنه لمصادفته اليقين الشرعي وأيضا على تقدير أن يكون المراد المعنى الأول نقول أن قوله (عليه السلام) فتوضأ أمر وظاهره الوجوب فالمنع عن الوضوء
بعده حين يحصل اليقين بحدث آخر منع عن الوضوء بعد الوضوء الواجب فلا دلالة على المدعى ولا يخفى أن النسخ مختلفة في هذه الرواية ففي بعض نسخ الكافي
بالطريق الذي ذكره (ره) وفي بعض أخرى منها وفي نسخ التهذيب بهذه الطريقة إذا استيقنت إنك قد توضأت فإياك أن تحدث وضوءا أبدا حتى تستيقن أنك قد
أحدثت وعلى هذه النسخة دلالتها على المراد ظاهرا ولا يرد ما أوردنا عليه نعم يمكن المناقشة بأنه يجوز أن يكون المراد النهي عن إحداث الوضوء بسبب الشك لا المنع
عن الاحداث مطلقا كما ذكرنا في فواتح الكتاب والعجب أنه قد أورد في التأييد النسخة الغير المشهورة مع عدم ظهور دلالتها وترك النسخة المشهورة مع ظهورها
وكأنه لم يكن في نسخة (ره) هكذا هذا وأما القول بأنه يعتبر في الوضوء لهذه الأشياء المذكورة نية رفع الحدث واستباحة الصلاة مشروط بالطهارة فسيجئ
مفصلا في مبحث النية إنشاء الله تعالى (ونوم الجنب) يدل عليه ما رواه الصدوق (ره) في الفقيه في باب صفة غسل الجنابة في الصحيح قال وقال عبد الله بن علي الحلبي سئل أبو
عبد الله (عليه السلام) عن الرجل ينبغي له أن ينام وهو جنب قال يكره ذلك حتى يتوضأ وفي حديث آخر أنا أنام على ذلك حتى أصبح وذلك أني أريد أن أعود انتهى وما
يتوهم من الحديث الاخر من فعله (عليه السلام) النوم المكروه يمكن رفعه بوجهين أحدهما أنه ليس فيه أنه (
عليه السلام) إنما ينام بغير الوضوء لجواز أن يكون المراد أني أنام على
الجنابة بغير غسل وثانيهما أن يقال بكراهة النوم بدون الوضوء إذا لم يرد الإعادة أما مع إرادة الإعادة فلا كما يدل عليه آخر الحديث وبالوجه الأخير يندفع ما
يتوهم أيضا من تركه (عليه السلام) الأفضل نظرا إلى الرواية الآتية وما رواه الشيخ (ره) في زيادات التهذيب في باب الأغسال في الموثق عن سماعة قال سئلته عن الجنب يجنب
ثم يريد النوم قال إني أحب أن يتوضأ فليفعل والغسل أفضل من ذلك وإن هو نام ولم يتوضأ ولم يغتسل فليس عليه شئ إن شاء واعلم إن النوم مطلقا أيضا مما
يستحب له الوضوء لما رواه الصدوق (ره) في الفقيه في كتاب الصلاة في باب ما يقول الرجل إذا أوى إلى فراشه قال قال الصادق (عليه السلام) من تطهر ثم أوى إلى فراشه بات
وفراشه كمسجده وروى أيضا في ثواب الأعمال عن محمد بن كردوس عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من توضأ ثم أوى إلى فراشه بات وفراشه كمسجده والمصنف اقتصر على نوم الجنب
لقوة مستندة ففي تحقيق غاية النوم للوضوء كلام سيجئ إنشاء الله تعالى في مبحث النية (وجماع المحتلم) يدل عليه ما رواه الصدوق (ره) في الفقيه في باب الأوقات التي يكره فيها
الجماع قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يكره أن يغشى الرجل المرأة وقد احتلم حتى يغتسل من احتلامه الذي رأى فان فعل فخرج الولد مجنونا فلا يلومن
إلا نفسه والحكم مختص بالمحتلم فلا يكره الجماع بعد الجماع بدون الوضوء وغاسل الميت يحتمل وجهين أحدهما ان يكون عطفا على المحتلم أي يستحب لغاسل الميت
إذا أراد الجماع قبل غسل المس أن يتوضأ والثاني أن يكون معطوفا على الجماع أي يستحب لغاسل الميت أي من يريد غسله أن يتوضأ إذا كان جنبا والذي يدل
عليهما معا ما رواه الشيخ (ره) في زيادات التهذيب في أواسط باب تلقين المحتضرين عن شهاب بن عبد ربه عقال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الجنب يغسل الميت
أو من غسل ميتا أيأتي أهله ثم يغتسل قال لا هما سواء لا بأس بذلك إذا كان جنبا غسل يده وتوضأ وغسل الميت وإن غسل ميتا ثم يأتي أهله توضأ ثم أتى ويجزيه
غسل واحد لهما وهذه الرواية في الكافي أيضا في أواخر كتاب الجنايز في أول باب النوادر وذكر الحايض المشهور بين الأصحاب استحباب الوضوء لذكر الحايض وقال
علي بن بابويه بالوجوب والأظهر الأول لشهرة وعدم ما يدل على الوجوب ظاهرا مع أصالة البراءة فلنذكر الروايات الواردة في هذا الباب منها ما رواه الشيخ (ره)
في التهذيب في باب حكم الحيض في الحسن أو الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قال إذا كانت المرأة طامثا فلا تحل لها الصلاة وعليها أن تتوضأ وضوء
الصلاة عند كل وقت صلاة ثم تقعد في موضع طاهر فتذكر الله عز وجل فتسبحه وتهلله وتحمده بمقدار صلاتها ثم تفرغ لحاجتها وهذا يمكن أن يكون
متمسكا لابن بابويه (ره) باعتبار دلالته عليها على الوجوب والجواب منع كونها حقيقة في الوجوب ومع تسليمه تحمل على الاستحباب مجازا بقرينة ما سنذكره ومنها
ما رواه أيضا في هذا الباب في الحسن عن زيد الشحام قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول ينبغي للحايض أن تتوضأ عند وقت كل صلاة ثم تستقبل القبلة فتذكر
الله عز وجل مقدار ما كانت تصلي وكلمة ينبغي في هذه الرواية الدالة ظاهرا على الاستحباب قرينة على حمل كلمة على في غير الرواية السابقة على الندب فإن
قلت على تقدير كون كلمة ينبغي ظاهرة في الاستحباب لا، أصل الرجحان ثابت والأصل عدم الوجوب حتى يثبت ولم يثبت لوجود المعارض فإذن الحكم الثابت
بالنسبة إلينا الاستحباب؟ نحمل كلمة عليها على الاستحباب البتة مع أن لنا قرينة أخرى على الاستحباب كما سنذكر فترجيح على قرينة الوجوب وهاتان الروايتان
في الكافي أيضا في باب ما يجب على الحايض في أوقات الصلاة ومنها ما رواه في الكافي في هذا الباب عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال تتوضأ المرأة
38

الحايض إذا أرادت أن تأكل وإذا كان وقت الصلاة توضأت واستقبلت القبلة وهللت وكبرت وتلت القرآن وذكرت الله عز وجل وهذا أيضا قرينة على الاستحباب
من حيث اقترانه مع الوضوء للاكل الذي ليس بواجب إجماعا كما هو الظاهر ومنها ما رواه في الكافي أيضا في هذا الباب في الحسن عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الحايض تطهر يوم الجمعة وتذكر الله قال أما الطهر فلا ولكنها توضأ في وقت الصلاة ثم تستقبل القبلة وتذكر الله تعالى وهذه الرواية نسبتها إلى
الطرفين على السواء ومقتضى الاحتياط أن لا تترك الوضوء لورود تلك الروايات الكثيرة به مع وجود الخلاف (والتجديد) بالجر أو بالرفع على أنه فاعل يستحب استحباب
التجديد في الجملة كأنه إجماعي ويدل عليه أيضا روايات منها ما رواه ثقة الاسلام في الكافي في باب النوادر قبل أبواب الحيض عن سماعة قال كنت عند
أبي الحسن (عليه السلام) فصلى الظهر والعصر بين يدي وجلست عنده حتى حضرت المغرب فدعى بوضوء فتوضأ للصلاة ثم قال لي توض فقلت جعلت فداك أنا على
وضوء فقال وإن كنت على وضوء إن من توضأ للمغرب كان وضوئه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في يومه إلا الكبائر ومن توضأ للصبح كان في وضوئه ذلك
كفارة لما مضى من ذنوبه في ليلته إلا الكبائر ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب عن سعد إن عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال للطهر على الطهر عشر
حسنات ومنها ما رواه الصدوق (ره) في الفقيه في باب صفة وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال روى أن تجديد الوضوء لصلاة العشاء يمحو لا والله ويلي والله
وروى في خبر آخر أن الوضوء على الوضوء نور على نور ومن جدد وضوئه بغير حدث جدد الله توبته من غير استغفار ثم أعلم أنه لا شبهة في استحباب التجديد
بعد إن صلى بالأول وأما بدونه فقد قطع العلامة في التذكرة بالاستحباب لاطلاق الأوامر من غير تقييد وتوقف المصنف في الذكرى لعدم النقل
بهذا الطريق وهو ضعيف بعد إطلاق الاذن وعموم الامر لكن قد تعارض العمومات بموثقة عبد الله بن بكير المتقدمة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال
إذا استيقنت إنك قد توضأت فإياك أن تحدث وضوء أبدا حتى تستيقن إنك قد أحدثت خرج التجديد بعد الصلاة بالاجماع عن عموم النهي فبقي
الباقي ويحمل أحاديث التجديد على التجديد بعد الصلاة وتلك على ما عداه للجمع وقد يقال بجواز حمل الموثقة على النهي عن التجديد باعتقاد الوجوب
بسبب عروض الشك كما مر وبالجملة الأحوط ترك التجديد بدون تخلل الصلاة خوفا عن التعريض المعاقب طمعا للثواب وأيضا هل يستحب التجديد لكل صلاة
ثالثة وأربعة إلى غير ذلك أم يختص بالثانية المشهورة الأول كما ذكره العلامة (ره) في المختلف والصدوق (ره) في الفقيه حمل الأخبار الواردة بتكرار
الوضوء مرتين وإن من زاد لم يوجر على التجديد فيكون التجديد ثانيا عنده بدعة لكن لم يظهر أن المراد التجديد ثانيا وإن كان لصلاة ثالثة حتى يخالف
المشهور أو التجديد ثانيا لصلاة واحدة والعلامة (ره) في المختلف قال إن كان مراده الأول فقد خالف المشهور وإن كان الثاني فلم أقف فيه على نص
ولا يخفى جريان ما ذكرنا سابقا في هاتين الصورتين أيضا لكن الظاهر في الصورة الأولى الاستحباب للشهرة بين الأصحاب مع عدم الجزم بالخلاف من
الصدوق (ره) وعدم صراحة المعارض في خلافه وفي الثاني العكس لعدم الشهرة واحتمال كونه بدعة عند الصدوق ووجود المعارض وأدائه إلى الكثرة
المفرطة كما ذكره المصنف (ره) في الذكرى وفيه ضعف قال المصنف (ره) الأقرب لا يستحب تجديده لسجود التلاوة والشكر ولا الوضوء شرط في كماله للأصل وفي
الطواف احتمال للحكم بمساواته للصلاة انتهى ولا يخفى أنه ليس في أكثر الروايات المتقدمة الحكم بأن التجديد للصلاة بإعانة ما يستفاد منه أن إحداث
الوضوء بعد الوضوء مرغوب فيه وليس فيه كونه مغيا بغاية أو مقيدا بشئ فينبغي بناء على ظواهرها الحكم باستحبابه مطلقا سواء كان الوضوء الأول
نفلا أو فرضا للصلاة أو غيرها داخل الوقت أو خارجه يكون الغرض منه شيئا من الصلاة والطواف وغيرهما أولا بل لا يبعد أن يقال جعله مغيا بشئ
سوى ما ورد من صلاة العشاء للرواية المتقدمة ليس بشئ لعدم دليل عليه من الشرع والعقل لا سبيل له إلى هذه الأمور إذ يجوز أن يكون استحبابه لنفسه
بدون أن يكون له دخل في فضيلة الصلاة وكمالها مثلا نعم رواية سماعة السابقة أيضا لا يخلو عن إشعار بكونه للصلاة لكن لا مطلقا أيضا بل في
خصوص التجديد في المغرب والصبح فما ذكره المصنف من الأصل منظور فيه لكن لما عارض الروايات الموثقة المتقدمة فالأولى الاقتصار على المواضع
التي فيها إجماع أو شهرة أخذ بالاحتياط (وهذه لا ترفع ولا تبيح) عدم رفع الوضوء لنوم الجنب وجماع المحتلم وغاسل الميت بأحد معنييه وكذا
عدم إباحته ظاهر وأما عدمهما في وضوء الغاسل بالمعنى الاخر فبناء على كون حدث المس مانعا من الصلاة وسيجئ إنشاء الله تعالى وكذا رفع الوضوء للذكر وعدم إباحته ظاهر (وفي المجدد قول قوي بالرفع) وسيجئ إنشاء الله تعالى تفصيله في مبحث الوضوء
(ويستحب الغسل للجمعة) مشروعية الغسل ليوم الجمعة ورجحانه مما لا خلاف فيه ويدل عليه روايات كثيرة بالغة حد التواتر كما سنذكر طرفا منها إنشاء الله تعالى
وإنما الخلاف في وجوبه واستحبابه والمشهور بين الأصحاب الثاني وقال الصدوق في الفقيه وغسل يوم الجمعة واجب على الرجال والنساء في السفر و
الحضر إلا أنه رخص للنساء في السفر لقلة الماء وفي موضع آخر منه وغسل يوم الجمعة سنة واجبة ولنذكر ما يمكن أن يتمسك به من الطرفين فحجة القول
بالوجوب روايات منها ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب في باب العمل في ليلة الجمعة ويومها في الصحيح عن محمد بن عبد الله وعبد الله بن المغيرة عن أبي الحسن الرضا
39

(عليه السلام) قال سئلته عن الغسل يوم الجمعة قال واجب على كل ذكر وأنثى عبدا وحرا وروى هذه الرواية بعينها في باب الأغسال أيضا بطريق حسن وفي
الكافي أيضا في باب وجوب الغسل يوم الجمعة بهذا الطريق وفيه بعد قطع النظر عن القدح في السند لان الثاني ليس بصحيح والأولى وإن كان رجاله ثقات
لكن فيه خدشة من حيث إن الراوي فيه عن عبد الله بن المغيرة أحمد بن محمد بن عيسى وقد نقل النجاشي أنه لم يرو عن عبد الله أصلا المنع عن دلالته لفظ الوجوب على
المدعى إذ لم يعلم كونه في عرفهم (عليه السلام) بهذا المعنى المتعارف بيننا وعلى تقدير كونه أيضا بهذا المعنى ينبغي حمله على الاستحباب المؤكد للقرائن
التي سنذكر ومنها ما رواه في الكافي في باب وجوب الغسل يوم الجمعة في الصحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الغسل يوم الجمعة على الرجال
والنساء في الحضر وعلى الرجال في السفر وليس على النساء في السفر قال وفي رواية أخرى أنه رخص للنساء في السفر لقلة الماء وقد روى صدر الرواية في باب التزيين
ليوم الجمعة أيضا في كتاب الصلاة وفيه أيضا المنع عن ظهور على في الوجوب وعلى تقدير التسليم يصرف عن الظاهر للجمع ومنها ما رواه في باب التزيين أيضا في الحسن
عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال الغسل واجب يوم الجمعة وفيه أيضا مثل ما مر وقد عد هذه الرواية في المدارك والحبل المتين في الصحاح ولا يظهر له وجه
ومنها ما رواه الشيخ في التهذيب في باب الأغسال في الصحيح عن علي بن يقطين قال سئلت أبا الحسن (عليه السلام) عن النساء أعليهن غسل الجمعة قال نعم والجواب ما مر
ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال اغتسل يوم الأضحى والفطر والجمعة وفيه منع كون الامر للوجوب في عرف
أئمتنا (عليه السلام) مع أن انضمامه بيومي الأضحى والفطر قرينة ظاهرة على الاستحباب لعدم وجوبهما إجماعا كما هو الظاهر ومنها ما رواه أيضا في زيادات الجزء الثاني
في باب العمل في ليله الجمعة ويومها في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال اغتسل يوم الجمعة إلا أن تكون مريضا أو تخاف على نفسك وفيه أيضا مثل ما مر
ومنها ما رواه أيضا في باب الأغسال في الموثق عن سماعة قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن غسل الجمعة فقال واجب في السفر والحضر إلا أنه رخص للنساء في السفر
لقلة الماء وهذه الرواية في الفقيه أيضا في باب علة الأغسال وفي الكافي أيضا في باب أنواع الأغسال والجواب ما مر مع أنه حكم في تتمة هذه الرواية بالوجوب على
كثير من الأغسال التي لا خلاف في استحبابها ظاهرا ومنها ما رواه (ره) أيضا في هذا الباب في الموثق عن عمار الساباطي قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
الرجل ينسى الغسل يوم الجمعة حتى صلى قال إن كان في وقت فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة وإن مضى الوقت فقد جازت صلاته وفيه أيضا مثل ما مر مع أن الأصحاب
لم يعملوا بمضمونه ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب عن محمد بن عبيد الله قال سئلت الرضا (عليه السلام) عن غسل يوم الجمعة فقال واجب على كل ذكر وأنثى من عبد
أو حر وفيه أيضا ما مر أيضا مع ضعف السند ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب عن سهل قال سئلت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يدع غسل يوم الجمعة ناسيا
أو غير ذلك قال إن كان ناسيا فقد تمت صلاته وإن كان متعمدا فالغسل أحب إلى وإن هو فعل فليستغفر الله ولا يعود وفيه أيضا إن الاستغفار إن سلم ظهوره
في الحرمة فيعارض بلفظ أحب الظاهرة في الاستحباب مع أنه ضعيف السند ومنها ما رواه في الكافي في باب وجوب الغسل يوم الجمعة عن حريز عن بعض أصحابنا
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال لا بد من غسل يوم الجمعة في السفر والحضر فمتى نسي فليعد من الغد وروى فيه رخصة للعليل ورواه في باب التزيين يوم الجمعة أيضا
والجواب على قياس ما مر مع الارسال ومنها ما رواه في الفقيه في باب غسل يوم الجمعة قال سئل أبو بصير أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يدع غسل يوم الجمعة
ناسيا أو متعمدا فقال إذا كان ناسيا فقد تمت صلاته وإن كان متعمدا فليستغفر الله ولا يعد والجواب أيضا على قياس ما مر هذا جملة ما يمكن أن يستدل به
على الوجوب وحجة الاستحباب أيضا روايات منها ما رواه الشيخ (ره) في باب أغسال التهذيب في الصحيح عن علي بن يقطين قال سئلت أبا الحسن (عليه السلام) عن الغسل
في الجمعة والأضحى والفطر قال سنة وليس بفريضة وفيه إن لفظ السنة لا ظهور له في الاستحباب لا في اللغة إذ فيها بمعنى الطريقة ولا في عرف الأئمة (عليه السلام)
إذ أكثر ما يستعملونه إنما هو بمعنى الثابت بسنة الرسول (صلى الله عليه وآله) دون الثابت بالقرآن ظاهرا مثل ما رواه سعد بن أبي خلف عن أبي عبد الله
عليه السلام قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول الغسل في أربعة عشر موطنا واحد فريضة والباقي سنة إذ ظاهر أنه ليس بمعنى الاستحباب للاجماع على وجوب بعض الأغسال الأخر
وما رواه الحسن التفليسي قال سئلت أبا الحسن (عليه السلام) عن ميت وجنب اجتمعا ومعهما ما يكفي أحدهما أيهما يغتسل قال إذا اجتمعت سنة وفريضة بدأ بالفرض
وما رواه الحسن بن النضر الأرمني قال سئلت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن القوم يكونون في السفر فيموت منهم ميت ومعهم جنب ومعهم ماء قليل قدر ما يكفي
أحدهما أيهما يبدأ قال يغتسل الجنب ويترك الميت لان هذا فريضة وهذا سنة إلى غير ذلك واستعماله في معنى الاستحباب في عرفهم إن كان فعلى سبيل الندرة
وما يقال من أن حمل السنة هنا على ما ثبت بالسنة بعيد جدا إذ السؤال انما وقع عن تحتم فعله وعدمه لا عن مأخذ حكمه كما هو الظاهر لا ظهور له وعلى
تقدير ظهوره في الاستحباب أيضا نقول إن حمل الروايات الواردة بلفظ الوجوب على الاستحباب بقرينة هذه الرواية وللجمع بينهما ليس بأولى من حمل
هذه الرواية على معنى الثابت بالسنة للرسول (صلى الله عليه وآله) فهلا تحملونها عليه إلا أن يقال عدم أولوية خلافه يكفينا إذ مع التعارض يحكم بالتساقط
40

ويتمسك بالأصل ومنها ما رواه (ره) في هذا الباب في الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن غسل يوم الجمعة قال سنة في السفر والحضر
إلا أن يخاف المسافر على نفسه الضرر والكلام فيه أيضا كالكلام في سابقه ومنها ما رواه في الكافي في باب التزيين يوم الجمعة في الحسن عن زرارة قال قال أبو جعفر
(عليه السلام) لا تدع الغسل يوم الجمعة فإنه سنة وهذا أيضا مثل ما سبق ومنها ما رواه في التهذيب في الباب المذكور عن علي بن يقطين قال سئلت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن غسل العيدين أو أجب هو فقال سنة قلت فالجمعة قال هو سنة وهذا أظهر دلالة من سابقيه من حيث قوبل السنة فيه بالوجوب ظاهرا وهو دليل الاستحباب
لكنه ضعيف السند ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب عن الحسين بن خالد قال سئلت أبا الحسن الأول (عليه السلام) كيف صار غسل يوم الجمعة واجبا قال إن الله تعالى
أتم صلاة الفريضة بصلاة النافلة وأتم صيام الفريضة بصيام النافلة وأتم وضوء النافلة بغسل الجمعة ما كان في ذلك من سهو أو تقصير أو نسيان أو نقصان
وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب وجوب الغسل يوم الجمعة ودلالته على الاستحباب من وجهين الأول كونه نظير الصيام النافلة وصلاة النافلة والثاني
كونه لتمامية وضوء النافلة ويمكن المناقشة فيهما لكن الحق أنها مكابرة وأنه قرينة ظاهرة على حمل الروايات السابقة على الاستحباب لو لم يكن ضعيف
السند وروى هذه الرواية في باب العمل في ليلة الجمعة أيضا وفيه موضع وضوء النافلة وضوء الفريضة وحينئذ الاستدلال من وجه واحد وروى هذا
المضمون في الفقيه أيضا في باب غسل الجمعة وفيه وأتم الوضوء بدون القيدين وهذا ما يمكن أن يحتج به على الاستحباب من الروايات ومما يؤيده أيضا ضمه مع
مستحبات يوم الجمعة في صحيحة هشام ابن الحكم رواها في الكافي في باب التزيين يوم الجمعة وفي التهذيب في باب العمل ليلة الجمعة قال قال أبو عبد الله (عليه السلام)
ليتزين أحدكم يوم الجمعة يغتسل ويتطيب ويسرح لحيته ويلبس أنظف ثيابه إلى آخر الحديث وإذ قد عرفت حال الروايات فنقول على هذا الظاهر القول
بالاستحباب لأصالة براءة الذمة حتى يثبت بدليل معول عليه وقد ظهر أنه لا يحصل من دلايل الوجوب ظن صالح قوي يصلح للاعتماد خصوصا مع وجود
المعارضات المذكورة وإن كان في كل منها شئ لكن المجموع إنما يضعف الظن بنقيضه وخصوصا اشتهار خلافه بين الأصحاب ومع هذا كله الأولى الاخذ
بالاحتياط التام وعدم الاجتزاء على تركه والمواظبة على فعله مهما أمكن للتشديد العظيم والحث البليغ عليه الواقع في الشريعة واللوم والتوبيخ
على تركه والفضل والثواب في فعله فقد روى في التهذيب في باب العمل ليلة الجمعة والكافي في باب وجوب غسل الجمعة عن الأصبغ بن نباتة قال كان أمير المؤمنين
(عليه السلام) إذا أراد أن يوبخ الرجل يقول والله أنت أعجز من تارك الغسل يوم الجمعة فإنه لا يزال في طهر إلى الجمعة الأخرى وروى في التهذيب أيضا في الباب
المذكور عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من اغتسل يوم الجمعة فقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وإن محمدا عبده ورسوله اللهم صل على
محمد وآل محمد واجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين كان له طهرا من الجمعة إلى الجمعة وهذه الرواية في الفقيه في باب غسل يوم الجمعة بتكرار لفظ أشهد
وفيه أيضا عن الصادق (عليه السلام) غسل يوم الجمعة طهور وكفارة لما بينها من الذنوب من الجمعة إلى الجمعة هذا والأولى أن لا يتعرض في النية للوجوب
أو الندب بل يكتفي بالقربة لما سيجئ إنشاء الله تعالى من عدم وجوب قصد الوجوب والندب أداء ما بين طلوع الفجر إلى الزوال أما كون مبدائه طلوع الفجر فلإضافة
الغسل إلى يوم الجمعة كما مر في الروايات واليوم إنما هو من بعد طلوع الفجر لغة وشرعا وعرفا كما هو الظاهر فلا يجزي قبله ويكون مجزيا بعده أي وقت اتفق
لاطلاق الروايات السابقة ويدل على المعنيين أيضا ما رواه في الكافي في باب التزيين يوم الجمعة عن زرارة والفضل قالا قلنا له أيجزي إذا اغتسلت بعد الفجر
للجمعة قال نعم وكذلك أيضا ما رواه في التهذيب في باب الأغسال عن زرارة عن أحدهما (عليه السلام) قال إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزاك غسلت ذلك
للجنابة والجمعة إلى آخر الحديث والظاهر أن الحكمين اجماعي أيضا وأما اختصاصه من اليوم بما قبل الزوال فقد قال في المعتبر أن عليه اجماع الناس ويدل عليه أيضا
ما رواه في الكافي في باب التزيين عن زرارة قال قال أبو جعفر (عليه السلام) لا تدع الغسل يوم الجمعة فإنه سنة وشتم الطيب والبس صالح ثيابك وليكن فراغك
من الغسل قبل الزوال فإذا زالت الشمس فقم وعليك السكينة والوقار ويؤيده أيضا ما روى في الغرض منه في زيادات التهذيب في باب الأغسال عن محمد بن
عبد العزيز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كانت الأنصار تعمل في نواضحها وأموالها فإذا كان يوم الجمعة
جاؤوا فتأذى الناس بأرواح إباطهم وأجسادهم
فأمرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالغسل يوم الجمعة فجرت بذلك السنة ورواه في الفقيه بعينه في باب غسل يوم الجمعة وكذا ما رواه في التهذيب في
باب الأغسال عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل لا يغتسل ويوم الجمعة في أول النهار قال يقضيه في آخر النهار فإن لم يجد فليقضيه يوم
السبت ولما كان القضاء لم يكن صريحا في كلامهم (عليه السلام) في المعنى المتعارف بين الفقهاء حكمنا عليه بالتأييد دون الاستدلال فإن قلت الامر
بالقضاء أخيرا لا بد من حمله على المعنى المتعارف فليكن الأول أيضا كذلك للتوافق بين النظرين قلت حمل الأخير أيضا على المعنى المتعارف غير لازم لجواز
حمله في الموضعين على الاتيان وإن كان كل من الاتيان بوجه آخر في الواقع وذلك لا يخل بالتوافق بين النظيرين وكذا أيضا ما روي في هذا الباب في الموثق
41

عن عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن رجل فاته الغسل يوم الجمعة قال يغتسل ما بينه وبين الليل فإن فاته يغتسل يوم السبت
والحكم عليه بالتأييد وعلى جواز أن لا يكون مراده (عليه السلام) من قوله يغتسل ما بينه وبين الليل إن من فاته الغسل يفعل كذلك حتى يكون دالا على المدعى
بل يكون المراد بيان وقت غسل الجمعة وإعلام السائل بأنه متى يتحقق فواته ثم الافصاح بالجواب عن سؤاله وهذا ليس ببعيد وإن كان الاحتمال الأول
أظهر أدنى ظهور وأنت خبير بأنه لو لم يكن دعوى الاجماع على الحكم كما نقلنا لم يبعد القول بامتداده إلى الليل لاطلاق اليوم في الروايات وجواز حمل
الامر في رواية زرارة المذكورة على الأفضلية سيما مع كونه محفوفا بالأوامر الاستحبابية وكون الغرض من وضعه ابتداء المعنى المذكور لا ينافيه أيضا
كما لا يخفى إلا ترى أن الغرض من وضع الاذان الاعلام مع أنه يصح إخفاتا أيضا إلى غير ذلك وأما التأييدان فقد عرفت حالهما وقد نسب إلى الشيخ في الخلاف
بامتداده إلى أن تصلي الجمعة ولا يخفى أنه إن لم يكن تصريح فيه بأنه خلاف القول المشهور لأمكن حمله عليه بأن يحكم بخروج الغاية ويقال أن مراده من
وقت الصلاة الزوال لاتفاقهما في بعض الأحيان والتفاوت القليل بينهما في بعض آخر فيجوز أن يراد به الزوال وإن وجد تصريح به فيمكن حمله أذن على
المعنيين أحدهما ان يكون الغاية داخلة ويكون المراد امتداده إلى الفراغ من الصلاة والثاني أن يكون خارجه وتظهر الفائدة في بعض الأحيان التي يتخلف الصلاة
عن الزوال وكأنه حمل في المدارك على الأخير حيث قال وهو حسن تمسكا بمقتضى الاطلاق والتفاتا إلى أن ذلك محصل للغرض المطلوب من الغسل وكأنه
علمه من خارج وإلا فمجرد هذا القول لم يتعين الحمل عليه بل الأول أظهر كما لا يخفى وأيا ما كان لم يظهر له وجه لان وجهه أما إطلاق الروايات وهو لا
يصلح له إذ ما يستفاد منه الامتداد إلى الليل لا إلى هذا الحد بخصوصه وأما الاطلاق مع انضمامه إلى الغرض المذكور بعد اختصاص المراد بالاحتمال
الأخير فهو أيضا غير صالح للتعويل لما عرفت من حال الغرض مع مخالفة الاجماع أو الشهرة فالأولى الوقوف عليه والاخذ به وقد يقال بجواز
التمسك في هذا القول بموثقة عمار المتقدمة في وجوب الغسل وهو أيضا ضعيف كما لا يخفى (وتعجيلا يوم الخميس لخائف تعذره يوم الجمعة) مستند الحكم
ما رواه الشيخ (ره) في زيادات التهذيب في باب الأغسال عن محمد بن قيس عن الحسين عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال لأصحابه إنكم تأتون غدا
منزلا ليس فيه الماء فاغتسلوا اليوم لغد فاغتسلنا يوم الخميس للجمعة وما رواه أيضا في هذا الباب عن الحسين بن موسى بن جعفر عن أمه وأم أحمد بن موسى بن جعفر
قالتا كنا مع أبي الحسن (عليه السلام) بالبادية ونحن نريد بغداد فقال لنا يوم الخميس اغتسلا للغد يوم الجمعة فإن الماء غدا بها قليل فاغتسلنا يوم
الخميس ليوم الجمعة وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب وجوب غسل يوم الجمعة وفي الفقيه أيضا في باب غسل الجمعة والروايتان وإن كانتا ضعيفتي السند
لكن الشهرة تجبرهما ولا يخفى أنهما يدلان على تقديم الغسل لاعواز الماء لا التعذر مطلقا فتعميم الحكم بحيث يشتمل كل عذر كما في ظاهر الكتاب وظاهر
المبسوط ومال إليه الشهيد الثاني (ره) لا يخلو عن الاشكال إلا أن يثبت شهرة بين الأصحاب والظاهر أنه لم يثبت وكذا يدلان على التقديم يوم الخميس فإلحاق ليلة
الجمعة به أيضا مشكل إلا مع الشهرة ولو وجد المقدم للغسل يوم الخميس الماء يوم الجمعة قبل الزوال فالظاهر استحباب الإعادة لاطلاق أوامر غسل الجمعة
كما صرح به الصدوق (ره) في الفقيه وإن سلمنا إن ظاهر الروايتين بدلية هذا الغسل لغسل يوم الجمعة مطلقا لان تخصيص الروايات الكثيرة النقية السند
بمثل هاتين الروايتين مشكل وإذا وجد الماء بعد الزوال يوم الجمعة أو وجد يوم السبت فهل يستحب الإعادة أم لا الظاهر لا سيما في يوم السبت لان
أدلة القضاء كما سيجئ غير صحيحة وإنما العمل عليها باعتبار الشهرة ولا شهرة فيما نحن فيه وهل يشترط في استحباب التقديم خوف الاعواز يوم الجمعة فقط
أو فيه وفي يوم السبت أيضا احتمل العلامة (ره) في المنتهى الثاني لان القضاء أولى من التقديم كما في صلاة الليل وفيه ضعف والظاهر الأولى فإن في
الروايتين على الحكم باعواز الماء في يوم الجمعة فقط وآخر الوقتين أفضل أي وقت الأداء ووقت التقديم ففي الأول كلما قرب من الزوال كان أفضل
وفي الثاني كلما قرب من الفجر أن ألحقنا الليلة بالخميس في الحكم وإلا فكلما قرب من الليل وعلل القوم الحكم بأنه مؤكد للغرض من غسل يوم الجمعة كما
عرفت وفيه إشكال نعم الشهرة بينهم لعل أن يكون متمسكا لنا وقضاء إلى آخر السبت يدل عليه الروايتان اللتان أوردناهما للتأييد آنفا في
بيان وقت الأداء مرسلة حريز المذكورة في طي دلايل وجوب الغسل وما رواه الشيخ (ره) في زيادات الجزء الثاني من كتاب الصلاة في باب العمل لنية الجمعة
وفي الموثق عن ذريح عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل هل يقضي غسل الجمعة قال لا لا يصلح للمعارضة وإن كان أوضح سندا منهما لكثرتها واشتهار العمل
بها بين الأصحاب وإمكان الجمعة بحمل الرواية الأخيرة على نفي وجوب القضاء أو يقال أن المراد هل للرجل أن يؤخر غسل الجمعة حتى يصير قضاء والله أعلم
واعلم إن ظاهر إطلاق العبارة استحباب القضاء للفوات مطلقا سواء كان بعمد أو نسيان أو علة أو غير ذلك كما هو ظاهر عبارة المبسوط والنهاية
والصدوق (ره) في الفقيه خصص الحكم حيث قال ومن نسي الغسل أو فاته لعلة فليغتسل بعد العصر أو يوم السبت والظاهر عدم التخصيص لاطلاق
42

الروايتين وإن كانت المرسلة مختصة بالنسيان ويحتمل أن يكون مراد الصدوق (ره) أيضا التعميم وتسامح في العبادة بينها على المبالغة في أمر الغسل
حتى كان فواته لا يتصور إلا من النسيان أو العلة ثم أن ظاهر الروايات مختص بيوم السبت ففي الحاق الليلة به كما هو ظاهر عبارة المتن إشكال اللهم إلا أن
يثبت الشهرة لكن الظاهر عدم الثبوت وأوله أفضل مستندا لحكم أيضا الشهرة وحديث تأكد الغرض لا يجري ها هنا إلا بعض أوقات بعد الزوال حيث لم
تنقض الجماعة والصلاة وأنت خبير بأن التعبير في هذه المسألة وفي نظيرتها بكلما قرب من أوله وكلما قرب من آخر الوقتين أفضل لخروج ما عدا الأول والاخر مما ذكره مع
أنه داخل في الحكم أيضا وتوهم خروج الأول والاخر من العبارة المذكورة فاسد لشمولها لغة وعرفا كما لا يخفى فإذا اكتفى عنهما معا بكلما قرب من الزوال كان
أفضل وأحضر كما فعله غيره (ره) (وفرادى شهر رمضان) لم أقف فيه على نص لكن رأيت بخط بعض العلماء ما ظاهره إن السيد الجليل ابن طاووس (ره) روى في
كتاب الاقبال استحباب الغسل في فرادى رمضان وفي كل ليلة من العشر الاخر عن الصادق (عليه السلام) وأكده نصفه ذهب إليه الثلاثة ولم نطلع فيه
على رواية في الكتب الأربعة قال في المعتبر ولعله لشرف تلك الليلة فاقترانها بالطهر حسن وقال الشيخ (ره) في المصباح الكبير وإن اغتسل ليالي الافراد
كلها خاصة ليلة النصف كان فيه فضل كثير انتهى ولا يخفى إن وجه الشرف لا يصلح نعم ذهاب الثلاثة إليه عسى أن يكون متمسكا وقد رأيت بالخط المذكور
أيضا أن السيد (ره) في كتاب الاقبال روى بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال يستحب الغسل من أول الليلة من شهر رمضان وليلة نصف منه (وسبع عشر
وتسع عشر وإحدى وعشرين وثلاثة وعشرين) فيه روايات منها ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب في باب الأغسال في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام)
قال الغسل في سبعة عشر موطنا ليلة سبع عشرة من شهر رمضان وهي ليلة التقى الجمعان وليلة تسع عشرة وفيها يكتب الوفد وفد السنة وليلة إحدى
وعشرين وهي الليلة التي أصيب فيها أوصياء الأنبياء وفيها رفع عيسى بن مريم (عليه السلام) وقبض موسى (عليه السلام) وليلة ثلث وعشرين يرجي فيها
ليلة القدر ويومي العيدين وإذا دخلت الحرمين ويوم تحرم ويوم الزيارة ويوم تدخل البيت ويوم التروية ويوم عرفة وإذا غسلت ميتا أو كفنته
أو مسته بعد ما يبرد ويوم الجمعة وغسل الجنابة فريضة وغسل الكسوف إذا احترق القرص كله فاغتسل ومنها ما رواه في الفقيه في باب علة الأغسال قال
أبو جعفر الباقر (عليه السلام) الغسل في سبعة عشر موطنا ليلة سبع عشرة من شهر رمضان وليلة تسع عشرة وليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وفيها يرجى ليلة
القدر وغسل العيدين وإذا دخلت الحرمين ويوم تحرم ويوم الزيارة ويوم تدخل البيت ويوم التروية ويوم عرفة وإذا غسلت ميتا أو كفنته أو مسسته
بعد ما يبرد ويوم الجمعة وغسل الكسوف إذا احترق القرص كله واستيقضت ولم تصل فعليك أن تغتسل وتقضي الصلاة وغسل الجنابة فريضة
ومنها ما رواه أيضا في الفقيه في كتاب الصوم في باب الغسل في الليالي المخصوصة في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) أنه قال يغتسل في ثلاث ليال
من شهر رمضان في تسع عشر وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين وأصيب أمير المؤمنين (عليه السلام) في تسع عشرة وقبض في إحدى وعشرين وقال والغسل في أول
الليل ويجزي إلى آخره قال في الفقيه وروى أنه يغتسل في ليلة سبع عشر وصحيحة محمد بن مسلم هذه مذكورة في الكافي أيضا في كتاب الصوم في باب
الغسل في شهر رمضان ومنها ما روي في الكافي في هذا الباب عن سليمان بن خالد قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) كم اغتسل في شهر رمضان ليلة
قال ليلة تسع عشرة وليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين قال قلت فإن شق علي قال في إحدى وعشرين وثلاث وعشرين قال قلت فإن شق علي قال حسبك
الان ومنها ما رواه في التهذيب في كتاب الصوم في باب سنن شهر رمضان عن زرارة عن أحدهما (عليه السلام) قال سئلته عن الليالي التي يستحب فيها الغسل في شهر
رمضان فقال ليلة تسع عشرة وليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وقال في ليلة تسع عشرة تكتب وفد الحاج وفيها يفرق كل أمر حكيم وليلة إحدى
وعشرين رفع فيها عيسى (عليه السلام) وقبض وصي موسى (عليه السلام) وفيها قبض أمير المؤمنين (عليه السلام) وليلة ثلاث وعشرين وهي ليلة الجهني و
هذه الرواية في الفقيه أيضا في باب الغسل في الليالي المخصوصة في شهر رمضان ومنها ما رواه في التهذيب في باب الأغسال عن سماعة عن بي عبد الله (عليه السلام)
في آخر حديث وغسل المولود وأوجب غسل الميت واجب وغسل مس الميت واجب وغسل المحرم واجب وغسل يوم عرفة واجب وغسل الزيارة واجب إلا من علة وغسل دخول البيت واجب وغسل دخول الحرام
ويستحب أن لا يدخله إلا بغسل وغسل المباهلة واجب وغسل الاستسقاء واجب وغسل أول ليلة من شهر رمضان مستحب وغسل ليلة إحدى وعشرين سنة وغسل ليلة ثلاث وعشرين سنة لا شركها لأنه
يرجى في أحديهن ليلة القدر وغسل يوم الفطر وغسل يوم الأضحى سنة لا أحب تركها وغسل الاستخارة مستحب وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب أنواع الغسل
في الفقيه في باب علة الأغسال لكن فيهما تغييرات ومنها ما رواه الكافي في باب أنواع الغسل عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول
الغسل من الجنابة ويوم الجمعة والعيدين وحين تحرم وحين تدخل مكة والمدينة ويوم تزور البيت وحين تدخل الكعبة وفي ليلة تسع
عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين من شهر رمضان ومن غسل ميتا ومنها ما رواه التهذيب في باب الأغسال عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام)
43

قال الغسل من الجنابة وغسل الجمعة والعيدين ويوم عرفة وثلاث ليال في شهر رمضان وحين تدخل الحرم وإذا أردت دخول البيت الحرام وإذا أردت
دخول مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) ومن غسل الميت والظاهر أن ثلاث ليال ليلة تسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين من شهر رمضان ومن غسل ميتا ومنها ما رواه في التهذيب
في باب الأغسال عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال الغسل من الجنابة وغسل الجمعة والعيدين ويوم عرفة أو ثلاث ليال في شهر رمضان وحين تدخل الحرم
وإذا أردت دخول مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) ومن غسل الميت والظاهر أن الثلاث ليال ليلة سبع عشرة وإحدى وعشرين إلى غير ذلك من الروايات وأنت خبير
بأن الأولى أن يذكر المصنف أول ليلة منه أيضا بخصوصه لورود الروايات وذكر الأصحاب له واعلم إن إطلاق العبارات يقتضي إجزاء الغسل في أي جزء كان
من الليل ويدل عليه أيضا ما رواه الكافي في باب الغسل في شهر رمضان عن عيص بن قاسم قال سألت أبا عبد
الله (عليه السلام) عن الليلة التي يطلب فيها ما يطلب متى الغسل فقال من أول الليل وإن شئت حيث تقوم من آخره وسئلته عن القيام فقال تقوم أوله وآخره فما
ورد من أن الغسل أو الليل مثل رواية محمد بن مسلم المتقدمة آنفا ورواية بكير بن أعين الآتية عن قريب وحسنة زرارة وفضيل عن أبي جعفر (عليه السلام)
المتقدمة في الكافي في باب المذكور قال الغسل في شهر رمضان عند وجوب الشمس قبيله ثم يصلي ثم يفطر وفي الفقيه أيضا في باب الغسل في الليالي المخصوصة
إنما يحمل على الأفضلية جمعا بين الروايات الأخيرة كأنها تدل على وقوع الغسل قبل الليل هذا وقد روى في آخر زيادات كتاب صوم التهذيب في الصحيح
عن بريد قال رأيته والظاهر أنه الإمام (عليه السلام) اغتسل في ليلة ثلاث وعشرين مرتين مرة من أول الليل ومرة من آخر الليل ولا يأمن بالقول باستحباب الغسل
مرتين لو سلم ظهور الرواية في أنها الليلة (وليلة الفطر) يدل عليه ما رواه في التهذيب في باب الأغسال عن الحسين بن راشد قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
ما ينبغي لنا أن نعمل في ليلة الفطر قال فقال إذا غربت الشمس فاغتسل فإذا صليت الثلاث ركعات
فارفع يديك وقل تمام الحديث (ويومي العيدين) استحباب الغسل فيهما
فيما مذهب العلماء كافة كما ذكره وحكى الوجوب عن ظاهرية ويدل عليه الروايات السابقة ورواية الحلبي وعلي بن يقطين المتقدمة في غسل الجمعة وما
رواه في التهذيب أيضا في باب الأغسال عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الغسل من الجنابة ويوم الجمعة ويوم الفطر ويوم الأضحى ويوم عرفة
عند زوال الشمس ومن غسل ميتا وحين تحرم ودخول مكة والمدينة ودخول الكعبة وغسل الزيارة والثلاث الليالي من شهر رمضان والظاهر
امتداد وقت الغسل فيهما إلى الليل لاطلاق اللفظ وقال المصنف في الذكرى ويتخرج من تعليل الجمعة أنه إلى الصلاة أو إلى الزوال الذي هو وقت
صلاة العيد وهو ظاهر الأصحاب ولا يخفى ضعف التعليل لكن لو ثبت أنه ظاهر الأصحاب وظهر الاشتهار بينهم فالأولى العمل به ويؤيده أيضا ما
رواه الشيخ (ره) في زيادات الجزء الثاني من كتاب الصلاة في الموثق عن عمار الساباطي قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل ينسى أن يغتسل يوم العيد
حتى صلى قال إن كان في وقت فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة وإن مضى الوقت فقد جازت صلاته (وليلتي نصف رجب وشعبان ويوم المبعث) أما ليلة
النصف من شعبان ففيها روايتان ضعيفتان أحديهما ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب وفي باب الأغسال عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال صوموا شعبان
واغتسلوا ليلة النصف منه ذلك تخفيف من ربكم وثانيتهما ما رواه أيضا في المصباح عن سالم مولى حذيفة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال
من تطهر ليلة النصف من شعبان فأحسن الطهر وساق الحديث إلى قوله قضى الله له ثلاث حوائج ثم إن سأل أن يراني في ليلته رآني وأما ليلة النصف من رجب ويوم
المبعث وهو يوم السابع والعشرين فقد ذكرهما الشيخ (ره) في الجمل والمصباح والمبسوط وقال المصنف (ره) في الذكرى ولم يصل إلينا خبر فيهما وقال المحقق (ره)
في المعتبر وربما كان لشرف الوقتين والغسل مستحب مطلقا فلا بأس بالمتابعة فيه ولا يخفى أن استحباب الغسل مطلقا محل تأمل وقد رأيت أيضا بخط بعض
العلماء ما صورته في كتاب الاقبال عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال من أدرك شهر رجب فاغتسل في أوله وأوسطه وآخره خرج من ذنوبه كيوم ولدته
أمه (والمولد) المراد مولد النبي (صلى الله عليه وآله) وهو اليوم السابع عشر من ربيع الأول على المشهور ولم نقف إلى الان على مستنده (والغدير) وهو اليوم الثامن عشر
من ذي الحجة ذكر الشيخ (ره) في التهذيب إجماع الفرقة المحقة عليه وروى أيضا في باب صلاة الغدير عن علي بن الحسين العبدي قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول
ومن صلى فيه ركعتين يغتسل عند زوال الشمس من قبل أن يزول مقدار نصف ساعة وساق الحديث إلى أن قال عدلت عند الله عز وجل مائة الف حجة
ومائة ألف عمرة إلى آخر الحديث (والتروية وعرفة) وهما اليوم الثامن والتاسع من ذي الحجة ويدل عليه الروايات السابقة وما في بعضها من لفظ الوجوب
محمول على تأكد الاستحباب لما عرفت (والدحو) أي دحو الأرض من تحت الكعبة وهو اليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة قال المصنف في الذكرى وذكر الأصحاب
لدحو الأرض الخامس والعشرين من ذي القعدة انتهى وهذا يشعر بأن لا مستند له سوى قول الأصحاب ولا بأس به (والمباهلة) وهو الرابع والعشرون من
ذي الحجة وقيل الخامس والعشرون وقد مر ما يدل عليه ولفظ الوجوب محمول على تأكد الاستحباب (والنيروز لخبر معلى) وهو أول سنة الفرس وقد فسر
بحلول الشمس الحمل وبعاشر آيار وبأول يوم من شهر فروردين القديم الفارسي قال المصنف في الذكرى وفي المعلى قول مع عدم اشتهاره انتهى ولا
44

يخفى أن حسنة من سمع شيئا من الثواب يكفي في هذا المقام ولا حاجة إلى الشهرة وصحة المستند والاحرام والطواف ورمى الجمار وسيجئ إنشاء الله تعالى مفصلا في
كتاب الحج (والسعي إلى رؤية المصلوب بعد ثلاث عمدا) قال الصدوق (ره) في الفقيه وروى أن من قصد إلى مصلوب فنظر إليه وجب عليه الغسل عقوبة ونقل
عن أبي الصلاح القول بالوجوب ويمكن أن يكون مذهب الصدوق أيضا لان أكثر ما يرويه في هذا الكتاب مذهب له ويعول عليه ولم يحصل الاطلاع على
رواية أخرى في هذا الباب وبمجرد هذه الرواية الحكم بالوجوب ضعيف نعم القول بالاستحباب لا بأس به للرواية والشهرة ثم أن الظاهر أن مجرد السعي لا
يكفي في الاستحباب كما هو ظاهر عبارة المتن وفي بعض عبارات الأصحاب بل يتوقف على الرؤية كما يدل عليه الرواية المذكورة وأنه لا فرق بين من صلب
بحق أو ظلم وبين من صلب على الهيئة المعتبرة شرعا وغيره لاطلاق الرواية وعدم المخصص إلا أن المصلوب في عرف الشرع حقيقة في المصلوب
حقا على الهيئة الشرعية ولا يخلو من بعد لأصالة عدم النقل (وزيارة النبي (صلى الله عليه وآله) أو أحد الأئمة (عليه السلام) الأخبار الواردة في استحباب الغسل
لزيارتهم (عليه السلام) عليهم السلام كثيرة ذكرها القوم في بيان كيفية زيارتهم وأما الزيارة ويوم الزيارة الواقعتين في الروايات المتقدمة فالظاهر أن المراد منهما زيارة
البيت أي الطواف بقرينة المقام والاستسقاء مستندة ما مر من قوله (عليه السلام) وغسل الاستسقاء واجب والوجوب محمول على تأكد الاستحباب للأصل
والقرينة والاتفاق كما مر مرارا ودخول الكعبة (ومكة والحرم والمدينة ومسجديهما) قد مر ما يدل على جميع ذلك سوى المسجد الحرام إلا أن يحمل البيت
الحرام الواقع في رواية محمد بن مسلم المتقدمة على المسجد دون الكعبة أو يقال أن الغسل لدخول المسجد هو
بعينه الغسل للزيارة أي الطواف وسيجئ بعض الروايات الأخر
في هذه الأبواب في مبحث الحج إنشاء الله تعالى (ولصلاة الحاجة والاستخارة) قيل ليس المراد أي صلاة اقترحها المكلف لاحد الامرين بل المراد بذلك
ما نقله الأصحاب عن الأئمة (عليه السلام) وله مظان فليطلب منها انتهى ولا يخفى أن هذا في صلاة الحاجة موجه لان الغسل عبارة متوقفة على الاذن ولا
إذن فيه لصلاة الحاجة عموما فليقتصر على موضع الاذن أما صلاة الاستخارة فلا لاطلاق ما مر من أن غسل الاستخارة مستحب وحمله على العهد بعيد
بل الظاهر أن لا يقيد بصلاة الاستخارة أيضا بل يقال باستحبابه للاستخارة مطلقا وعلى هذا يمكن أن يجعل الاستخارة معطوفة على صلاة الحاج لا الحاجة
(والمولد حين يولد) قال ابن حمزة بوجوبه لما في رواية سماعة المتقدمة من لفظ الوجوب وجوابه قد مر مرارا نعم الاستحباب ظاهرا والكسوف المستوعب
مع تعمد الترك اختلف الأصحاب في هذه المسألة فالسيد المرتضى (ره) في المسائل المصرية الثالثة وأبو الصلاح وسلار وذهبوا إلى وجوبه كما ذكره
العلامة (ره) في المختلف وقال المفيد (ره) في المقنعة وغسل قاضي صلاة الكسوف لتركه إياها متعمدا سنة ولم يتعرض للاستيعاب والظاهر أن مراده استحباب
الغسل عند الاستيعاب لنقل الاجماع على عدم الاستحباب بدونه كما في ظاهر السرائر لكن كلام المحقق في المعتبر يشعر بخلافه حيث قال واختلف الأصحاب في
غسل قاضي الكسوف فقال الشيخ باستحبابه إذا احترق القرص كله وترك الصلاة متعمدا واقتصر المفيد وعلم الهدى على تركها متعمدا انتهى وكان المرتضى (ره)
قال بالاستحباب في غير المسايل المصرية وهو اختيار ابن البراج وابن إدريس كما ذكر في المختلف وذكر فيه أيضا وللشيخ قولان كالمذهبين ففي النهاية و
الجمل والخلاف يجب القضاء مع الغسل وفي موضع من الجمل أنه يستحب ولم يتعرض في المبسوط لوجوبه بل قال يقضيها مع الغسل وكذا قال ابن بابويه
ولم يتعرض ابن أبي عقيل لهذا الغسل بوجوب ولا استحباب انتهى وكأنه (ره) لم يراجع مبحث الأغسال في المبسوط لأنه قد صرح فيه باستحباب الغسل
قال (ره) في طي تعداد الأغسال المندوبة وغسل قاضي صلاة الكسوف إذا احترق القرص كله وتركها متعمدا وحجة القول بالوجوب روايات منها ما
رواه في الفقيه في باب علة الأغسال مرسلا عن الباقر (عليه السلام) في أثناء الخبر الذي قدمناه سابقا وغسل الكسوف إذا احترق القرص كله فاستيقظت
ولم تصل فعليك أن تغتسل وتقضي الصلاة ومنها ما رواه في التهذيب في باب الأغسال عن حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا
انكسف القمر فاستيقظ الرجل ولم يصل فليغتسل من غدو ليقضي الصلاة وإن لم يستيقظ ولم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلا القضاء بغير غسل
وروى هذه الرواية في باب صلاة الكسوف أيضا بأدنى تغيير حيث فيه موضع ولم يصل فكسل أن يصلي وهذه الرواية وإن كانت مطلقة غير مقيدة
بالاستيعاب لكن يجب تقيدها به لدلالة بعض الروايات على عدم القضاء في الترك بغير عمدا إذا لم يستوعب الاحتراق والروايتان وإن كانتا مختصتين
بالقمر صريحا وظاهرا وبالترك بعد الاستيقاظ لكن لم يعتبر التخصيصان اتفاقا كما هو الظاهر وأجيب عنهما بالطعن في السند للارسال وبمنع الدلالة على
الوجوب وفيه إشكال لان ظاهر عليك وإن لم يكن للوجوب لكن مع انضمامه بالصلاة التي هي واجبة كأنه ظاهر فيه والامر في الحديث الثاني أيضا
أمره كذلك من حيث اقترانه بالأصل بالصلاة ومنها ما رواه في التهذيب أيضا في باب الأغسال في آخر الحديث المنقول سابقا عن محمد بن مسلم وغسل
الكسوف إذا احترق القرص كله فاغتسل والرواية وإن كانت صحيحة السند لكن دلالتها على المطلب قاصرة إذ ليس فيها إن الغسل للقضاء ومع
45

تعمد الترك بل ظاهره إن الغسل بسبب احتراق كل القرص ولا بعد فيه لجواز أن يجب أو يستحب الغسل بسبب الكسوف لأنه محل الفزع إلى الله تعالى واللجاء إليه
فلا يبعد حسن التطهر وعلى هذا يبعد القول باستحباب الغسل للكسوف للرواية مع صحة سندها إن لم نقل بالوجوب لعدم ظهورها فيه وعدم قول من الأصحاب
ولا تظنن إن القول بالاستحباب أيضا أحداث قول جديد لما سيظهر من الكلام الذي نقله عن العلامة (ره) في المختلف من وجود القول به لكن يخدشه جواز
حملها على العهد إذ يجوز أن يكون الغسل لقضاء الكسوف دونه معلوما شايعا بينهم فيكون قوله (عليه السلام) وغسل الكسوف إشارة إليه وقوله إذا احترق إلى
بيان اشتراطه باستيعاب الاحتراق لا يقال صرف الكلام عن الظاهر بمجرد الاحتمال غير جايز وإلا لارتفع الأمان عن الظواهر لان هذا الاحتمال ظاهر لشيوع ذلك الغسل
للقضاء بينهم وورود الروايات فيه هذا واحتج العلامة (ره) في المختلف على الاستحباب بأصالة البراءة وقوله (عليه السلام) من فاتته صلاة فليصلها كما فاتته
وكما لا يجب في الأداء الغسل بل هو مستحب كذلك للقضاء ولحديث سعد عن الصادق (عليه السلام) المنقول سابقا من أن الأغسال أربعة عشر واحد فريضة والباقي سنة
والجواب عن الثاني إن غاية ما يستفاد من الخبر أن صلاة القضاء يجب أن يكون مثل الأداء فيما هو داخل في حقيقة الصلاة وأما في الأمور الخارجة فلا وعن
الثالث بما مر من أن السنة لا ظهور لها في الاستحباب وعلى تقدير الظهور أيضا نقول إن الحمل عليه مستلزم للتخصيص البتة لوجوب بعض الأغسال الأخر اتفاقا
والتخصيص لا رجحان له على المجاز فلم لم يجوز فيها بحملها على المعنى الثابت بالسنة مثلا وأما أصل البراءة فإنما يتمسك به إذا لم يكن مخرج عن الأصل وقد
ذكرنا ما هو المخرج لكن لا يخفى أن الكلام في صلاحيته للاخراج لان مرسلة الصدوق (ره) وإن كانت معتبره بحكمه (ره) بصحة جميع ما في الكتاب وإنه حجة فيما
بينه وبين الله تعالى خصوصا مع اعتضادها بالمرسلة الأخرى وتأييدها في الجملة بالصحيحة الأخرى لكنها ليست مما لم يناقش فيه ولم يكن للكلام فيه مجال
كما لا يخفى خصوصا مع عدم اشتهار العمل بين الأصحاب ومع هذا كله ظهور الدلالة على الوجوب أيضا ظهورا يصلح للاعتماد غير ظاهر وما ذكرنا سابقا من
وجه الظهور ليس مما يسكن إليه ويعتمد عليه فأذن الحكم بالوجوب مشكل فينبغي إبقاء الأصل على حاله لكن لا بد من الاحتياط التام فيه وعدم الترك مهما أمكن
لان الخطب أعظم من ذلك وقد ظهر في طي ما ذكرنا إن كلام المفيد والمرتضى (ره) لو حملا على ظاهرهما وجعلا قولا ثالثا لكان هو مما لا دليل عليه لان
الروايات المذكورة الحكم في اثنين منهما مقيد بالاستيعاب صريحا وفي الأخرى أيضا لا بد من التقييد لما ذكرنا وقد يقال أنه يمكن حمل الرواية على ظاهرها
والجمع بينها وبين ما يدل على عدم القضاء في صورة عدم الاستيعاب بأن يحمل قوله (عليه لسلام) وإن لم يستيقظ على أن في صورة عدم العلم بالانكشاف و
يجب القضاء في الجملة وهو حال الاستيعاب لا أنه يجب القضاء في جميع أفراده بخلاف الغسل إذ لم يجب أصلا ويخلو من بعد أو يحمل الامر بالقضاء مطلقا على نفي
الاستحباب وما يدل على نفي القضاء في صورة عدم الاستيعاب على نفي الوجوب وهذا موقوف على وجود القول بالاستحباب لئلا يكون خلافا للاجماع وأما على
مذهب المفيد (ره) من وجوب القضاء مع احتراق البعض؟ فلا إشكال ولا يخفى عليك أن المطلق وإن لم يجب حمله على المقيد في مثل هذا المقام لكن لا شك
إن التقييد في الروايتين المذكورتين إنما يضعف الظن بإطلاق هذه الرواية خصوصا مع وجود المعارض للاطلاق والاحتياج إلى ارتكاب مثل التوجيهين
المذكورين مع ما فيهما من الخدشة وخصوصا مع العمل بمفهوم الشرط فالأولى الاقتصار في الحكم بالاستحباب على صورة الاستيعاب فإن قلت قول المفيد (ره)
والمرتضى (ره) بالاستحباب يكفي في الحكم به لدلالة حسنة من سمع شيئا المتقدمة قلت الحكم بالاستحباب وإن كان يكتفي فيه بأدنى مستند لكن الظاهر أنه لا بد أن
يكون مستندا إلى رواية من أصحاب العصمة وظهور دلالة الرواية مع عدم العلم بوضعها وأما قول بعض العلماء بالاستحباب الظاهر أنه من الاجتهاد المظنون الخطأ
فلا عبرة به وكذا الشهرة التي يظن أنها ناشية من الاجتهاد ومع ظن خطأه هذا واستقرب العلامة في النهاية استحبابه لجاهل وجوب الصلاة أيضا
وفيه إشكال إذ لا ظهور للروايتين في شمول الحكم له مع وجود النسخة المذكور الظاهرة في المتعمد وكون حكمه حكم المتعمد في بعض الصور لا يستلزم الكلية
(والتوبة) مستندها ما رواه الشيخ في التهذيب في باب الأغسال قال روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) إن رجلا جاء إليه فقال أن لي جيرانا ولهم جوار يتغنين ويضربن
بالعود فربما دخلت المخرج فأطيل الجلوس استماعا مني لهن فقال (عليه السلام) لا تفعل فقال والله ما هو شئ آتيه برجلي إنما هو سماع إسماعه بأذني فقال
الصادق (عليه السلام) تالله أنت أما سمعت الله يقول أن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا فقال الرجل كأني لم أسمع بهذه الآية من كتاب الله
عز وجل من عربي ولا عجمي لا جرم وأني قد تركتها فأنى استغفر الله تعالى فقال له الصادق (عليه السلام) قم واغتسل وصل ما بدا لك فلقد كنت مقيما على
أمر عظيم ما أسوء حالك لو مت على ذلك استغفر الله وأسئله التوبة من كل ما يكره فإنه لا يكره إلا القبيح والقبيح دعه لأهله فإن لكل أهلا وهذه الرواية في أواخر كتاب اشتريته وفي الكافي أيضا في باب الغناء مسندة
وفي الفقيه أيضا في باب علة الأغسال مرسلة ثم إن بعض الأصحاب كالعلامة (ره) في القواعد قال باستحباب الغسل للتوبة عن فسق أو كفر وقال شارحه المحقق (ره)
لا فرق في الفسق بين كونه عن صغيرة أو كبيرة وعن المفيد (ره) التقييد بالكبائر والخبر يدفعه انتهى وفيه نظر لأن الظاهر أن الخبر هو الذي ذكرناه دون غيره
46

إذا لم نطلع على خبر سواه وقد اعترف الأصحاب به أيضا ودلالة الخبر على الغسل للتوبة عن الصغاير ممنوع إذ كون سماع الغناء من الصغاير غير معلوم وعلى
تقديره أيضا نقول إن الخبر دال على إصرار الرجل عليه ولا صغيرة مع الاصرار فحينئذ إصراره في الصغاير مشكل مع أن في الكبائر أيضا إشكال بناء على اختصاص الرواية
بمورد خاص من غير دلالة على الشمول قال المحقق (ره) في المعتبر وهذه مرسلة وهي متناولة لصورة معينة فلا يتناول غيرها والعمدة فتوى الأصحاب منضما إلى أن الغسل خير
فيكون مرادا ولأنه تفال بغسل الذنب والخروج من ذنبه انتهى وهذا وإن كان في قوله الغسل خير على إطلاقه أو في تأمل كما ذكرنا سابقا أيضا وكذا في
قوله ولأنه؟ لان إثبات الاحكام بمثل هذه الوجوه العقلية غير مناسب نعم إيراد هذه النكات بعد ثبوت الحكم بالدليل الشرعي لا بأس به على
سبيل الاحتمال لا عل سبيل الجزم لان حكم الله تعالى مخفية كثيرة لا سبيل للعقل إلى إدراكها والإحاطة بها ولا يذهب عليك إن كلام العلامة (ره) أيضا
يمكن أن يكون موافقا لكلام المفيد في التقييد بالكبائر لان الفسق ظاهره ما به يخرج من العدالة لا الذنب مطلقا والصغيرة لا يوجب الخروج عن العدالة
لكن كلامه (ره) في النهاية ظاهر في التعميم وبما ذكرنا ظهر إن اختصاص الحكم بالكبائر أولى لعدم ثبوت شهره التعميم هذا إذا كانت الصغيرة محتاجة إلى
التوبة إذ على عدم الاحتياج خارجة عن البحث وأما التوبة عن الكفر فالظاهر استحباب الغسل له للشهرة بالاجماع منا كما يشعر به عبارة المحقق في المعتبر قال
الكافر إذا أسلم لم يجب عليه الغسل بل يستحب كما يستحب الغسل بل يستحب كما يستحب الغسل للتائب وهو مذهب الأصحاب وأكثر علماء الجمهور وقال مالك يجب انتهى والدليل على عدم
الوجوب مع قطع النظر عن الشهرة أو الاجماع منا الأصل وعدم دليل ظاهر على خلافه ويؤيده أيضا أنه أسلم جماعة على عهد النبي (صلى الله عليه وآله)
ولم يأمرهم بالغسل إذ فلو أمر لنقل وفيه أيضا ضعف لما سيظهر وما نقل من أمره (عليه السلام) لبعض بالغسل لعله إنما يكون لوقوع بعض الأسباب منهم مثل الجنابة
إذ الغالب عدم الانفكاك عنه فإن وجوب الغسل بعد حدوث السبب مما لا خلاف فيه أو يكون أمره (عليه السلام) للندب (وقتل الوزغ) قال الصدوق (ره) في الفقيه
وروى إن من قتل وزغا فعليه الغسل وقال بعض مشايخنا أن العلة في ذلك أنه يخرج عن ذنوبه فيغتسل منها وقال المحقق في المعتبر وعندي أن ما ذكره ابن
بابويه (ره) ليس حجة وما ذكره المعلل ليس طايلا لأنه لو صحت علته لما اختص الوزغة انتهى
والظاهر أن ما رواه الصدوق (ره) يكفي حجة في هذا الباب لما مر مرارا
من التسامح في السنن والعلة التي ذكرها بعض المشايخ نكتة مناسبة فلا يحسن الايراد عليه بعدم الاطراد (ويقتضي غسل ليالي الافراد الثلاث بعد الفجر
لرواية بكير عن الصادق (عليه السلام) قد ذكر هذا الحكم في الذكرى أيضا قال وروى بكير بن أعين عنه (عليه السلام) قضاء غسل ليالي الافراد الثلاث بعد الفجر إن
فاته ليلا انتهى والظاهر أن مراده من رواية بكير ما رواه الشيخ (ره) في زيادات التهذيب في آخر باب الأغسال عنه قال سئلت أبا
عبد الله عليه السلام في أي الليالي اغتسل في شهر رمضان قال في تسع عشرة وفي إحدى وعشرين وفي ثلاث وعشرين والغسل أول الليل قلت فإن نام بعد الغسل
قال هو مثل غسل الجمعة إذا اغتسلت بعد الفجر أجزأك إذ لم نجد في الكتب الأربعة رواية أخرى عنه في هذا الباب وأنت خبير بأن حمل الرواية على ما فهمه (ره)
فاسد لمنافاته لقوله فإن نام بعد الغسل بل معناها كما هو الظاهر أن الغسل في أول الليل يجزي إلى آخره ولا يبطله النوم كما أن غسل الجمعة أيضا إذا اغتسلت
بعد الفجر أجزأك لتمام اليوم ولا حاجة إلى إعادته بعد الحديث كما أشير إليه في صحيحة محمد بن مسلم
المتقدمة اللهم إلا أن يكون الرواية في كتاب آخر أو تكون نسخة
تهذيبه مخالفة لما ذكرنا والله أعلم
(ولا يرفع الغسل المندوب الحدث خلافا للمرتضى (ره) واعلم أن ها هنا مقامين الأول عدم رفع الغسل المندوب للحدث
الأكبر وسنشرح القول فيه إنشاء الله تعالى في بيان تداخل أسباب الأغسال والثاني عدم رفعه للحدث الأصغر ولما علمت سابقا عدم تشخص معنى الحدث
ورفعه فتعبر عن هذا المطلب بعدم كفايته عن الوضوء للصلاة والحاصل أن الخلاف في أنه بمجرد هذه الأغسال هل يستبيح الدخول في الصلاة ولا يحتاج
إلى الوضوء قبلها أو بعدها أولا فالمشهور أنه لا يستباح بها الدخول بل لا بد من الوضوء قبل أو بعد والمرتضى (ره) على أنه يستباح به الدخول
ولا حاجة إلى الوضوء لا قبل ولا بعد وهو مختار ابن الجنيد أيضا كما نقل في المختلف والأظهر ما ذهب إليه المرتضى (ره) لنا ما رواه
الشيخ (ره) في التهذيب في باب حكم الجنابة في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال الغسل يجزي عن الوضوء وأي وضوء أطهر من الغسل وفي الكافي
أيضا في باب صفة الغسل والوضوء قبله وروى أي وضوء أطهر من الغسل والايراد عليه بجعل اللام للعهد الخارجي إشارة إلى غسل الجنابة أو العهد
الذهني من دون إشارة في الكلام لكن تحققه في ضمن غسل الجنابة في الواقع يدفعه سياق الكلام كما يشهد به الفطرة السليمة على أن الاحتمال الأخير
يخرج الكلام عن الفائدة المعتد بها وكذا الايراد بأنه يجوز أن يكون المراد عدم الاحتياج إلى الوضوء لتحقق الغسل لا لأجل الصلاة وهذا أبعد
من الأول بكثير لاباء لفظة يجزي عنه كل الاباء ولنا ما رواه أيضا (ره) في الباب المذكور في الصحيح عن حكم بن حكيم قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن غسل الجنابة فقال أقض وساق الحديث إلى أن قال قلت إن الناس يقولون يتوضأ وضوء الصلاة قبل الغسل فضحك وقال أي وضوء أنقى من الغسل
47

وأبلغ والسؤال وإن كان مخصوصا بغسل الجنابة لكن العبرة بعموم الجواب والايراد أن السابقان يردان ها هنا أيضا والجواب الجواب ولنا ما رواه أيضا في هذا
الباب في الموثق عن عمار الساباطي قال سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل إذا اغتسل من جنابته أو يوم الجمعة أو يوم عيد هل عليه الوضوء قبل ذلك أو
بعده فقال لا ليس عليه قبل ولا بعد قد أجزأه الغسل والمرأة مثل ذلك إذا اغتسلت من حيض أو غير ذلك فليس عليها الوضوء لا قبل ولا بعد قد أخراها
الغسل وقد اعترض عليه أيضا بالايراد الثاني وهو بعيد جدا كما يحكم به الوجدان خصوصا مع انضمام هذه الأغسال بغسل الجنابة والتسوية بينهما في
الحكم مع أنه يجزي عن الوضوء للصلاة إجماعا ولنا أيضا ما رواه في هذه الباب عن إبراهيم بن محمد أن محمد بن عبد الرحمن الهمداني قال كتب إلي أبي الحسن
الثالث (عليه السلام) يسئله عن الوضوء للصلاة في غسل الجمعة فكتب لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة ولا غيره وهذه الرواية وإن لم تكن نقية السند
لكنها مما يصلح للتأييد والتقوية للروايات الأخرى وأورد عليه أيضا أنه يجوز أن يكون المراد أنه لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة إذا لم يكن وقت
الصلاة وأما أجيب بأن الحدث عام فتخصيصه بغير وقت الصلاة يخرجه عن حقيقة تمسك بأنا نمنع العموم لدليل آخر وهو ما يدل على وجوب الوضوء
لكل صلاة وسنتكلم عليه في أثناء ذكر أدلة المخالفين ولنا أيضا ما رواه (ره) في الباب المذكور عن حماد بن عثمان عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في
الرجل يغتسل للجمعة أو غير ذلك أيجزيه عن الوضوء فقال أبو عبد الله (عليه السلام) أي وضوء أطهر من الغسل وعدم نقاوة السند لا يضر كما ذكرنا والايراد
عليه والجواب يظهر مما سبق ولنا ما رواه أيضا في هذا الباب في الموثق عن سليمان بن خالد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال الوضوء بعد الغسل بدعة ولنا
ما رواه أيضا في هذا الباب عن عبد الله بن سليمان قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول الوضوء بعد الغسل بدعة وهذه الرواية في الكافي أيضا في
صفة الغسل والوضوء قبله وجه الاستدلال بالحديثين إن القائلين بعدم إجزاء الغسل عن الوضوء يقولون بوجوب الوضوء قبل أو بعد من غير اختصاص
بالغسل اتفاقا كما يظهر من كلام ابن إدريس (ره) في السرائر حيث قال في هذا المقام وقد يوجد في بعض كتب أصحابنا في كيفية غسل الحايض مثل كيفية
غسل الجنب ويزيد بوجوب تقديم الوضوء على الغسل وهذا غير واضح من قائله بل الزيادة على غسل الجنابة أن لا يستبيح الحايض إذا طهرت بغسل حيضها
وبمجرده للصلاة كما يستبيح الجنب سواء قدمت الوضوء أو أخرت فإن أراد يجب تقديم الوضوء على الغسل فغير صحيح بلا خلاف انتهى وهذا ظاهر في
الاتفاق الذي ذكرنا إذ لا فرق في هذا المعنى بين غسل الحيض والأغسال المندوبة اتفاقا وحينئذ نقول قد دلت الروايتان على عدم جواز الوضوء
بعد الغسل فلم يكن واجبا قبله أيضا وإلا يلزم خرق الاجماع المركب لكن الظاهر من كلام بعض الأصحاب وقوع الخلاف في وجوب التقديم وحينئذ لا يتم ما ذكرنا
لكنه يكون إلزاميا على الأكثرين منهم حيث يقولون بالتخيير بين التقديم والتأخير وضعف السند الأخير قد عرفت أنه لا يضر والايراد والجواب فيهما أيضا يستنبط مما
ذكر احتج القائلون بقوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا الآية وجه الاستدلال إن سبحانه أمر مريد القيام إلى الصلاة مطلقا بالوضوء وهو عام فيمن
اغتسل وغيره فيجب الوضوء مع الغسل والجواب أما أولا فيمنع العموم لأنه كلمة إذا ليس من إدانة بل للاهمال وأما ثانيا فلوجود المخصص مما أوردنا من الروايات
فإن قلت ما أوردته من الروايات ليس نصا في المطلوب وهو ظاهر بل ظاهرا فحينئذ لم لم تحملها على خلاف الظاهر من التأويلات المتقدمة وتخصيص الآية
الكريمة مع أن التخصيص أيضا خلاف الظاهر قلت ارتكاب مثل هذا التخصيص أيضا خلاف الظاهر قلت ارتكاب مثل هذا التخصيص ليس فيه خلاف ظاهر كثيرا لشيوعه وتعارفه لخلاف التأويلات في الروايات إذ
فيها يلزم ارتكاب خلاف الظاهر كثيرا خصوصا في بعضها وأيضا لو سلم التساوي فتعارضا وتساقطها والأصل معنا وبهذا ظهر الجواب أيضا عما يقال
إن بين الآية وبين بعض الروايات المذكورة كرواية إبراهيم بن محمد عموما من وجه لشمولها الوقت وقبل الوقت فلم نخصص الآية بها ولم يعكس هذا
مع صلاحية هذه الرواية لمعارضة الآية لكنها لم يصح لضعف سندها إلا أنك قد عرفت أن إيرادها للتأييد والتقوية لا أنها بمجردها دليل
تام وقس عليه الآية الكريمة الروايات المطلقة الدالة على وجوب الوضوء وبما رواه الشيخ (ره) في الباب
المذكور عن ابن أبي عمير عن رجل عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال كل غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة ورواه الكافي أيضا في الباب المتقدم ذكره والجواب أما أولا فبالقدح في السند للارسال
وما اشتهر بينهم من قبول مراسيل ابن أبي عمير ليس مما لا يناقش فيه كما بين في موضعه وأما ثانيا فبالحمل على الاستحباب إذ لا ظهور له في الوجوب
مع أنك قد عرفت أن المخالفين أيضا لا بد أن يحملوه على الاستحباب أما بأجمعهم أو أكثرهم إلا أن يحملوه على الوجوب التخييري ولا يخلو عن بعد ثم لا
يخفى إن القائلين بوجوب التقديم إن صح ذلك القول لا يعقل منهم القول به في الأغسال المندوبة وهو ظاهر لان هذا الوضوء أما للصلاة ولا مدله له
في الغسل فلا وجه لوجوب تقديمه على كغسل خصوصا في خارج الوقت وأما للغسل ولا معنى للوجوب حينئذ أيضا لعدم معقولية وجوب المعنى بدون وجوب
الغاية إلا أن يقولوا بالوجوب بمعنى الاشتراط وبالجملة كلامهم في هذا المقام لا يخلو من تشويش وأنت خبير بأنه إذا قيل باشتراط الغسل بالوضوء وإن ذلك
48

الوضوء المتقدم إنما هو لصحة الغسل لم يقل بأن كل وضوء مندوب يستباح به الصلاة وأمكن القول بوجوب وضوء آخر بعد الوقت للصلاة وكذا على القول
باستحباب الوضوء قبل الغسل لأجل الغسل لكن الظاهر أنه لم يقل أحد به لكنه مظنة الاحتياط كما سيذكر وبما رواه في هذا الباب أيضا عن ابن أبي عمير عن حماد بن
عثمان أو غيره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في كل غسل وضوء إلا الجنابة والجواب ما مر أيضا فإن قلت إذا حملت الروايتين عل الاستحباب فكيف يجمع
بينهما وبين ما رواه أيضا في هذا الباب في الحسن عن أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال سئلته قلت كيف أصنع إذا أجنبت قال أغسل كفك وفرجك
وتوضأ وضوء الصلاة ثم اغتسل وكذا ما رواه أيضا في هذا الباب في الحسن عن محمد بن ميسر قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل
في الطريق ويريد أن يغتسل وليس معه إناء يغرف به ويداه قذرتان قال يضع يده ويتوضأ ويغتسل هذا مما قال الله عز وجل ما جعل عليكم في الدين
من حرج إذا على ما ذكرت يدل الروايتان السابقتان على نفي استحباب الوضوء مع غسل الجنابة وهاتان الروايتان يدلان لا أقل على الاستحباب قلت أما
الرواية الأخيرة فلا ظهور لها في أن المراد من التوضأ المعنى المتعارف انسياق الكلام مشعر بخلافه كما لا يخفى وأما الرواية الأولى فيمكن حملها على التقية
إذ الظاهر أنهم كانوا قائلين بالوضوء مع غسل الجنابة كما يفهم من بعض الروايات المتقدمة ويؤيده اشتهار القول بعدم الاستحباب بين الأصحاب وإنما
ذكره الشيخ (ره) فقط في التهذيب أو نقول بأنه يجوز أن يكون للاستحباب مراتب بعضها آكد من بعض ففي الروايتين المتقدمتين نفى عنه الاستحباب المؤكد
الذي في باب الأغسال وفي هذه أثبت أصل الاستحباب ويؤيده ما ذكر في الكافي في الباب المذكور وروى أنه ليس في شئ من الغسل وضوء إلا غسل يوم الجمعة
فإن قبله وضوء وعلى هذا يكون الاستحباب في غسل الجمعة آكد وبعده باقي الأغسال سوى غسل الجنابة وبعده غسل الجنابة فارتفع المنافاة وقس عليه
حال الرواية الأخيرة أيضا على تقدير تسليم ظهورها في الوضوء المتعارف فإن قلت كيف يجمع بين استحباب الوضوء قبل الغسل وبين ما رواه في التهذيب في
الباب المذكور من رواية محمد بن أحمد بن يحيى مرسلا بأن الوضوء قبل الغسل وبعده بدعة قلت أما أولا فلا عبرة به كما ذكره الشيخ (ره) في التهذيب من
أنه مرسل لم يسنده إلى إمام وأما ثانيا فيحمل قوله قبل الغسل على أنه خبر الوضوء وبعده بدعة كلام مستأنف فتطابق الروايات هذا إذا كانت الرواية
المنقولة بهذه العبارة ولم يكن ما ذكره الشيخ (ره) نقلا بالمعنى وبما رواه (ره) أيضا في هذا الباب عن علي بن يقطين عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) قال إذا
أردت أن تغتسل للجمعة فتوضأ واغتسل وفيه مع القدح في السند الحمل على الاستحباب مع أنه مخصوص بغسل الجمعة فلا يثبت المدعى بتمامه إلا أن يتمسك
بعدم القول بالفرق وبأنه قبل الغسل ممنوع من الدخول في الصلاة وكذا بعده عملا بالاستصحاب وفيه إن ممنوعيته من الدخول في الصلاة قبل الغسل أما
بالاجماع أو بالآية والروايات باعتبار عمومها فيرجع فإن كان الاجماع فلا نسلم أنه إذا انعقد الاجماع على حكم في وقت مخصوص أو حال خاص يجب
أن يستصحب ذلك الحكم في وقت آخر وحال آخر ليس فيه الاجماع وهو ظاهر وإثباته دون خرط القتاد وإن كان بالآية والروايات باعتبار عمومها فيرجع
إلى الدليل السابق ويستدرك أخذ الاستصحاب وقد عرفت الجواب وبما تقدم ظهر أنه كما لا حاجة في هذه الأغسال إلى الوضوء للصلاة كذا لا حاجة إلى
الوضوء لتحقق الأغسال لان الأوامر بها مطلقة والاخبار التي تدل على الوضوء فيها أو قبلها قد عرفت جواز حملها على الاستحباب هذا ما يمكن أن
يقال في هذا المقام وقد عرفت ما هو الأظهر من القولين لكن مقتضى الاحتياط أن لا يترك الوضوء مع هذه الأغسال للشهرة بين الأصحاب والاحتياط
التام إن كان غير وقت الصلاة أن يتوضأ قبل هذه الأغسال بينما غسل الجمعة للروايتين فيه بخصوصه ثم يحدث بعدها ثم يتوضأ للصلاة فإن
قلت ما حال ما ذكره بعض الأصحاب كالعلامة (ره) في القواعد حيث قال ولا يشترط في هذه الأغسال الطهارة من الحدثين قلت هذه المسألة إنما يستنبط
بعض شقوقها من الكلمات السابقة لأن هذه الأغسال أما أن يكون منجزية عن الوضوء كما هو الأظهر وحينئذ فلا ريب في عدم اشتراطها بارتفاع الحدث
الأصغر وهو ظاهر وأما غير مجزية عنه وعلى هذا أيضا الظاهر عدم الاشتراط لما مر من إطلاق الامر بها وما ورد من تقديم الامر الوضوء يحمل على
الاستحباب هذا حال الحديث الأصغر وأما حال الحدث الأكبر الذي يمكن ارتفاعه حال الغسل كالجنابة مثلا أو الحيض بعد الانقطاع
فسنفصل القول فيه إنشاء الله تعالى في بيان تداخل أسباب الغسل وأما الذي لا يمكن ارتفاعه حال الغسل كالحيض قبل الانقطاع فالظاهر أيضا بالنظر إلى إطلاق
الأوامر بالغسل من غير تقييد وعدم العلم بأن الغرض رفع الحدث أو التنظيف المتوقف عليه صحة الغسل معه ويؤيده أيضا صحة غسل الاحرام حال الحيض و
النفاس كما رواه في التهذيب في باب حكم الحيض عن محمد وفضيل وزرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) إن أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن أبي بكر فأمرها رسول الله
(صلى الله عليه وآله) حين أرادت الاحرام من ذي الحليفة أن تغتسل وغير ذلك وظاهر كلام الشيخ (ره) في المبسوط أيضا يدل عليه حيث قال في أوايل كتاب
الحيض ولا يصح منها الغسل ولا الوضوء على وجه يرفعان الحدث لكن روى الكافي في باب ما يجب على الحايض في أوقات الصلاة في الحسن عن محمد بن مسلم
49

قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحايض تطهر يوم الجمعة وتذكر الله قال أما الطهر فلا ولكنها توضأ في وقت الصلاة ثم تستقبل القبلة وتذكر الله تعالى
وهذا بظاهره يدل على عدم صحة غسل يوم الجمعة منها لأن الظاهر أن مراد السائل من قوله تطهر الغسل وقوله (عليه السلام) وأما الطهر فلا إنكار للغسل بل
يمكن أن يقال بظهوره في العموم أيضا أي عدم صحة الغسل مطلقا وعلى هذا فالأولى أن تترك الحايض الأغسال المندوبة في أثناء الحيض خصوصا غسل يوم الجمعة
سوى ما خرج كالاحرام بالدليل لكن إذا كان الأغسال المندوبة واجبة بالنذر وشبهه ففيه إشكال ثم أعلم إنه ظهر بما تقدم أجزاء هذه الأغسال عن الوضوء
للصلاة فهل تجزي عن الوضوء الواجب لغير الصلاة والوضوء المندوب وكالوضوء لدخول المساجد أولا الظاهر الاجزاء نظرا إلى إطلاق الروايات السابقة إلا وضوء الحايض فإن فيه ما سبق آنفا نعم إذا جوز لها الغسل حال
الحيض لم يبعد أجزاءه عن الوضوء للذكر وأهل الذكر أعلم (ويقدم ما للفعل إلا التوبة والسعي إلى المصلوب وما للزمان فيه) لا يخفى شمول ما للفعل
لما للمكان أيضا لان معنى الغسل للمكان الغسل لدخوله فيرجع إلى الفعل وجه ما ذكره ظهر مما تقدم وكان الصواب استثناء قتل الوزغ أيضا لما عرفت
من أنه بعد الفعل ويرد عليه أيضا إن حال الغسل للكسوف كحاله للتوبة لأنه يمكن أن يجعل للقضاء فيكون مقدما عليه فلا حاجة إلى الاستثناء وإن
يجعل للترك فيكون متأخرا عنه فيحتاج إليه وكذا الغسل للتوبة يمكن أن يجعل للصلاة كما يدل عليه ظاهر الرواية المتقدمة وأن يجعل للتوبة فلم لم
يستثن غسل الكسوف واستثنى غسل التوبة ويمكن أن يقال أنه لما ينسب دائما ذلك الغسل إلى التوبة بخلاف غسل الكسوف إذ قد ينسب إلى القضاء وقد ينسب
إلى الترك فلذا استثنى التوبة دون الكسوف مع أن جعل غسل الكسوف للترك مخل باختصار الضابطة لخروجه عن القسمين حينئذ فيحتاج إلى إيراد قسم آخر (فإن فات أمكن استحباب القضاء
مطلقا) الظاهر تعلقه بما للزمان ووجه استحباب القضاء مطلقا غير ظاهرا لا ما ثبت فيه نص أو شهرة كقضاء غسل الجمعة أما بدونهما فلا وما يقال
من أنه طاعة في نفسه فلا يؤثر فيها الوقت ضعيف جدا
(ويستحب التيمم بدلا عن الوضوء المستحب الرافع) في هذا الحكم على إطلاقه نظر بل استحباب التيمم إنما
يكون فيما فيه نص أو إجماع أو شهرة وليس كذلك كل ما يستحب فيه الوضوء الرافع كما هو الظاهر نعم ما ورد فيه الامر الاستحبابي بالطهارة مطلقا كما ورد في دخول
المساجد لم يبعد أيضا الحكم باستحباب التيمم حال فقدان الماء لأنه طهور أيضا وقد مر في مبحث وجوب التيمم لدخول المساجد ما ينفعك في هذا الموضع
وسيجئ في مبحث التيمم أيضا إنشاء الله تعالى ما يتعلق به (وللنوم ولصلاة الجنازة إذا خاف الفوت بالوضوء) يدل على الأول ما رواه الصدوق (ره) في الفقيه في
كتاب الصلاة باب ما يقول الرجل إذا أوى إلى فراشه مرسلا قال قال الصادق (عليه السلام) من تطهر ثم أوى إلى فراشه بات وفراشه كمسجده فإن ذكر أنه ليس على
وضوء فليتيمم من دثاره كائنا ما كان فإنه لم يزل في صلاة ما ذكر الله عز وجل ولا يخفى إن الرواية يدل على جوازه مع وجود الماء أيضا لكن بشرط أن يذكر
عدم الوضوء حال الاضطجاع ويدل ظاهر النص على عدم اشتراط التراب بل يجوز أن يضرب يده على الدثار ثم إن ظاهر الرواية مختص كما ترى بحال ما إذا
ذكر في الفراش أنه ليس على وضوء فهل يمكن إطراده في غير ذلك الحال أم لا فاعلم إن ها هنا أمور الأول جواز التيمم على الفراش للنوم مطلقا سواء ذكر في
حال الاضطجاع أنه ليس على وضوء أو لا وسواء وجد الماء أو لا وسواء وجد التراب أو لا وهذا الحكم على إطلاقه لا وجه له كما لا يخفى سوى أقسام
الصورة الأولى للرواية لكن في بعض أقسامها أيضا إشكال مثل ما إذا ذكر في الفراش عدم الوضوء وكان التراب حاضرا بحيث لم يحتج إلى القيام من الفراش فهل يجوز
في هذه الحال التيمم على الدثار أو لا نظرا إلى إطلاق الرواية والى أن الظاهر أنه من قبيل الغالب لعدم التمكن من التراب في هذا الوقت غالبا وكذا الحال
إذا تمكن من الوضوء كذلك الثاني جواز التيمم على التراب مع وجود الماء ولا وجه له إلا في الصورة السابقة التي استشكلنا فيها إذ الظاهر حينئذ جواز التيمم على
التراب لكن لما كان المشهور بين الأصحاب جوازه مع وجود الماء مطلقا الثالث جواز التيمم على التراب مع فقد الماء ولا يبعد القول حينئذ لجوازه أما على رأى
المصنف (ره) فظاهر لأنه اعتقد إن الوضوء للنوم رافع للحدث فيستحب التيمم بدلا منه كما ذكره وأما على ما ذكرنا من عدم وضوح هذه الكلية فلقوله (عليه السلام) من
تطهر لان التطهر شامل للتيمم أيضا كما مر ولا يذهب عليك أنه إذا جوز التيمم مع فقد الماء فإذا فقد التراب أيضا جاز التيمم بالدثار وإن كان
مستيقظا قبل الايواء فيحصل قسم آخر لجواز التيمم على الدثار فتدبر ويدل على الثاني ما رواه الكافي في باب من يصلي على الجنازة وهو على غير وضوء
في الحسن عن الحلبي قال سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يدركه الجنازة وهو على غير وضوء فإن ذهب يتوضأ فاتته الصلاة عليها قال تيمم وما رواه
أيضا في هذا الباب عن عبد الحميد بن سعد قال قلت لأبي الحسن (عليه السلام) الجنازة تخرج بها ولست على وضوء فإن ذهبت وأتوضأ فاتتني الصلاة إلى
أن أصلي عليها وأنا على غير وضوء قال نكون على طهر أحب إلي وهذه الرواية في التهذيب أيضا بأدنى تغيير في الباب الثاني لباب الصلاة على الأموات
والتقريب يظهر بالتأمل وقد أشرنا إليه سابقا وما رواه أيضا في الباب في الموثق عن سماعة قال سئلته عن رجل مرت به جنازة وهو على غير وضوء
كيف يصنع قال يضرب بيديه على حايط اللبن ويتيمم وهذه الرواية في التهذيب أيضا في الباب المذكور وأنت خبير بأن هذه الرواية لا تدل على
50

اختصاص التيمم بما إذا خاف فوت الصلاة واستخراجه من قوله مرت غير ظاهر لكن لم تكن ظاهرة في خلافه أيضا والحكم على خلاف الأصل فالأولى
الاقتصار على المتيقن لكن الشيخ (ره) ادعى الاجماع على جوازه مطلقا في الخلاف سواء خاف الفوت أو لا ويتمسك فيه أيضا بهذه الرواية وأورد عليه المحقق في
المعتبر أن الاجماع لا نعلمه والخبر ضعيف السند والمتن مقطوع فالتمسك بالأصل من اشتراط عدم الماء في التيمم أولا ما لم يخف فوت الجنازة ورد بأن
الاجماع المنقول بخبر الواحد حجة وعمل الأصحاب بالرواية يجبر ضعفها وأنت خبير بأن الاجماع وإن سلم عدم تحققه فلا أقل من الشهرة العظيمة من الأصحاب و
مثل هذه الشهرة يكفي فيما نحن فيه لأنه من باب المندوبات والأصل الذي ادعى لو كان ثابتا لكان الامر كما ذكره إذ حينئذ تعارض الندب والحرمة فيصار إليها مع أن دليل الندب ضعيف لكنه ليس بثابت لما علمت من أن هذه الكلية لم يستنبط من الآية والرواية بل إنما يثبت فيه بالاجماع وظاهر فقده فيما نحن فيه
نعم الاستدلال بالرواية لا يخلو من شئ لعدم صراحتها في المطلوب كما عرفت وليعلم إن ابن الجنيد (ره) لم يقل بالاطلاق بل إنما قيده بخوف الفوت كما ذكره في
الذكرى فدعوى الاجماع من الشيخ كأنه بناء على عدم الاعتداد بخلاف معلوم النسب والمصنف (ره) ذهب ظاهرا في الذكرى إلى الاطلاق لكن ظاهر كلامه في
هذا الكتاب التقييد هذا ثم إعلم أنه لا وجه لذكر النوم وصلاة الجنازة على حدة إذ هما أيضا داخلان تحت ما يستحب له الوضوء الرافع على مذهب المصنف
والاعتذار بأن إفرادهما بالذكر كأنه لأجل أن التيمم جايز لهما مع وجود الماء بخلاف ما عداهما يأباه قوله إذا خاف الفوت بالوضوء لان ما سوى صلاة الجنازة
أيضا كذلك إذ مع خوف الفوت بالوضوء يجوز التيمم وإن وجد الماء إلا أن يقال التيمم أن المندوب ليس كذلك مثلا إذا خاف فوات نافلة موقتة مثلا لو
اشتغل بالوضوء لما ساغ التيمم حينئذ نعم الحال في الواجب كذلك مع أن المحقق لم يسلم الحكم في الواجب أيضا كما سيجئ إنشاء الله تعالى (وتجديده بحسب الصلاة) على رواية
رواها الشيخ (ره) في التهذيب في باب التيمم وأحكامه في الصحيح عن أبي همام عن الرضا (عليه السلام) قال يتيمم لكل صلاة حتى يوجد الماء ويدل أيضا عليه ما
رواه أيضا في هذا الباب عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال لا يتمتع بالتيمم إلا صلاة واحدة ونافلتها وإنما حملتا على الاستحباب لعدم
الظهور في الوجوب والأصل البراءة وللجمع بينهما وبين الروايات الدالة على خلافهما منها ما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن زرارة قال قلت
لأبي جعفر (عليه السلام) يصلي الرجل بتيمم واحد يصلى صلاة الليل والنهار كلها فقال نعم ما لم يحدث أو يصيب ماء وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب
الوقت الذي يوجب التيمم ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن حماد بن عثمان قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل لا يجد الماء أيتيمم لكل صلاة
قال لا هو بمنزلة الماء ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال لا بأس بأن يصلي صلاة الليل والنهار كلها
ما لم يحدث أو يصيب الماء
(درس يجب الوضوء بالبول والغايط والريح من المعتاد طبيعيا أو عرضيا) وجوب الوضوء لخروج الثلاثة من الموضع الطبيعي مما
لا خلاف فيه ولا يشترط فيه الاعتياد بل الخارج أول مرة أيضا يوجب الوضوء ويدل عليه أيضا مضافا إلى الاجماع روايات منها ما رواه في التهذيب
في باب الاحداث الموجبة للطهارة في الصحيح عن زرارة قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام) ما ينقض الوضوء فقالا ما يخرج من طرفيك
الأسفلين من الذكر والدبر من البول والغايط أو مني أو ريح والنوم حتى يذهب العقل وكل النوم يكره إلا أن تكون تسمع الصوت وما رواها في هذا الباب
بطريق حسن أيضا وروى في الكافي أيضا في باب ما ينقض الوضوء بطريق حسن وفى الفقيه أيضا في باب ما ينقض الوضوء بإسقاط بعضه ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن سالم أبي
الفضل عن أبي عبد الله لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك الأسفلين اللذين أنعم الله بهما عليك وروى في الكافي أيضا في الباب المذكور ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب
في الصحيح عن زرارة عن أحدهما قال لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك أو النوم ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب عن أديم بن الحر أنه سمع أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول ليس ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك الأسفلين إلى غير ذلك مما سنذكر أكثرها إن شاء الله تعالى في المباحث الآتية وكذلك يوجب الوضوء بخروج
البول والغايط من المخرج الخلفي في غير الموضع الطبيعي إجماعا كما ذكر في المنتهى ولا يبعد ادعاء دلالة الروايات المذكورة عليه أيضا لصدق
الطرفين اللذين أنعم الله بهما عليه ولا يشترط في ذلك الاعتياد وكذا لو انسد الطبيعي وانفتح غيره إجماعا كما هو ظاهر المنتهى وقالوا بعدم
اشتراط الاعتياد حينئذ أيضا وإن كان ظاهر كلام العلامة (ره) في النهاية يوهم اشتراطه وأما لو لم ينسد الطبيعي وانفتح غيره ففيه أقوال أحدها النقض
بخروج البول والغايط من غير الطبيعي مطلقا سواء كان من تحت المعدة أو فوقها وسواء اعتاد أم لا وهو مذهب ابن إدريس والعلامة في التذكرة
وثانيها النقض بخروجهما من دون المعدة وبدونه فلا ولم يشترط الاعتياد وهو مذهب الشيخ (ره) في المبسوط وثالثها النقض بهما مع الاعتياد بدون
اعتبار تحتية المعدة وهو مذهب المحقق (ره) في المعتبر والعلامة في المنتهى والقواعد والمصنف في هذا الكتاب والذكرى ورابعها عدم النقض مطلقا
سواي كان تحت المعدة أم لا وسواء اعتاد أم لا ولم نعرف لهذا قائلا بعينه لكن كلام العلامة (ره) في المنتهى يشعر بعدم الاجماع على خلافه حيث
قال لو اتفق المخرج من غير المعتاد خلقة ينقض الطهارة بخروج الحدث منه اجماعا لأنه ما أنعم به وكذا لو انسد المعتاد وانفتح غيره أما لو انفتح مخرج آخر والمعتاد
على حاله فإن صار معتادا فالأقرب مساواته له في الحكم وإن كان نادرا فالوجه أنه لا ينقض انتهى والأخير أظهر لنا الأصل وعدم دليل صالح
51

للخروج عنه كما سيظهر عند رد الأدلة المخالفين والروايات المتقدمة أيضا لحصر الناقص فيها في الخارج عن الطرف الأسفل والطرف الذي أنعم الله
به أما الثلاثة الأخيرة فظاهر وأما الأولى فلان السؤال بما الدالة على الاستيعاب ظاهرا يدل على الحصر في الجواب للزوم المطابقة والحال أنه لم يصدق الطرف
الأسفل الذي أنعم الله به على الموضع المنفتح المذكور خصوصا بين في الرواية الأولى بأنه الذكر والدبر وعدم صدقهما عليه واضح جدا لكن يمكن المناقشة
في هذه الرواية بخصوصها أنها لا ظهور لها في اشتراط الخروج من الطرفين الأسفلين إذ يمكن أن يكون مراده (عليه السلام) أن الناقض شئ من شأنه وعادته أن
يخرج من الطرفين وليس ببعيد ولا يذهب عليك أن هذه المناقشة لا يتأتى في الروايات الأخيرة لبعدها حينئذ جدا لغة وعرفا فإن قلت هب أن
دلايل الخصوم في هذا الباب ليس بتمام لكن ما تقول في قوله تعالى إذا قمت إلى الصلاة الآية لأنه يدل بعمومه على وجوب الوضوء عند كل قيام خرج القيام
بعد الوضوء الذي لم يتعقبه حدث أصلا بالاجماع فبقي الباقي ومن جملته القيام بعد الوضوء المتعقب للحدث المتنازع فيه فيجب الوضوء عنده إذ لا إجماع ولا دليل آخر على خروجه فيثبت وجوب الوضوء بعد الحدث
المذكور ونقض حكم الوضوء السابق عليه وإذا يثبت في الصلاة يثبت في غيرها أيضا لعدم القول بالفصل قلت
أما أولا فبمنع العموم لان إذا
للاهمال وقد مر غير مره وعلى تقدير كونها من أدات العموم أيضا نقول قد وردت رواية موثقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن المراد إذا قمتم من النوم
وقد تقدم ذكرها ونقل العلامة في المنتهى إجماع المفسرين على ذلك وحينئذ لا دلالة وأما ثانيا فبتسليمه ومنع عدم ما يدل على خروج القيام
المذكور لما عرفت من دلالة الروايات على حصر الناقض في الخارج من الطرفين الأسفلين والخارج المتنازع فيه لما لم يكن خارجا منهما لم يكن ناقضا
فلم يجب الوضوء بعده فثبت التخصيص وأيضا موثقة ابن بكير المتقدمة من قوله (عليه السلام) إذا استيقنت أنك توضأت الحديث وما في صحيحة زرارة
الآية من قوله وإلا فإنه على يقين من وضوء ولا ينقض اليقين أبدا بالشك ولكن ينقضه بيقين آخر أيضا يخصصان القيام المذكور وما يقال
إن الشك في الحدث وكذا عدم الاستيقان به باعتبار الشك وعدم الاستيقان في الحكم الشرعي بأن الشئ الفلاني حدث مع التيقن بوجوده ليس داخلا
في الروايتين بل المراد منهما الشك وعدم الاستيقان بوجود شئ بعد العلم بأنه حدث لا ظهور له لاطلاق اللفظ لغة وعرفا نعم الشك في الحكم إنما لم يعتبر
إذا لم يتفحص المأخذ ولم يتبع المدارك وأما الشك بعد التفحص والتتبع فلا هذا ولنذكر الان حجج المخالفين أما بن إدريس (ره) فقد احتج بعموم قوله تعالى
أو جاء أحد منكم من الغائط وهذا وإن كان في باب التيمم لكن لا فرق بينه وبين الوضوء في هذا الحكم إجماعا وأيضا كان الآية يدل على وجوب التطهر
بالماء مع وجوده حينئذ وفيه نظر لأن الظاهر أن المراد بالغايط في هذا المقام معناه الأصلي وهو الموضع المطمئن من الأرض والمجئ منه كناية عن التغوط
أو أعم منه ومن التبول والظاهر كونه كناية عن التغوط من الموضع الطبيعي لشيوعه وتبادره ولا أقل من عدم الظهور في الأعم منه وتصير الحكم مشكوكا
ولا نسلم وجوب تحصيل البراءة اليقينية من المشكوك بل المسلم وجوب تحصيل البراءة من القدر اليقيني واحتج أيضا بالاخبار ولم يذكرها ونحن نورد
ما يصلح ظاهرا للاحتجاج له منه ما رواه الشيخ (ره) في الباب المذكور في الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا يوجب الوضوء إلا من الغايط أو
من البول أو ضرطة أو فسوة تجد ريحها ورواه في الزيادات أيضا بأدنى تغيير ومنه ما رواه أيضا في هذا الباب في الحسن عن زكريا بن آدم قال سئلت
الرضا (عليه السلام) عن الناسور قال إنما ينقض الوضوء ثلاث البول والغايط والريح وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب ما ينقض الوضوء وجه الاستدلال
أنه حكم بالنقض على الغايط والبول فالخارج من غير الموضع الطبيعي يجب أن يكون ناقضا إذا صدق عليه سواء خرج من تحت المعدة أو فوقها وسواء
اعتيد أم لا لاطلاق اللفظ والجواب أن نفس الغايط والبول ليس بناقض حتى يكون كل ما يصدقان عليه ناقضا وهذا ظاهر فالروايتان إما أن يقال بظهورها
في الخروج من الموضع الطبيعي كما يقال بظهور حرمت عليكم الميتة في الاكل أو بإجمالها وعلى التقديرين لا دلالة كما عرفت والقول بظهورها في الخروج
مطلقا بعيد وأما الشيخ (ره) فقد فقال في المبسوط والغايط والبول إذا خرجا من غير السبيلين من جرح وغيره فإن خرجا من موضع في البدن دون المعدة
نقض الوضوء لعموم قوله تعالى أو جاء أحد منكم من الغائط وما يروى من الاخبار أن الغايط ينقض الوضوء يتناول ذلك ولا يلزم ما فوق المعدة لان ذلك
لا يسمى غايطا انتهى والاستدلال بالآية والاخبار على العموم قد عرفت حاله وأما ما ذكره من أن ما يخرج من فوق المعدة لا يسمى غايطا فقد اعترض
عليه في المعتبر أنه ضعيف لان الغايط اسم للمطمئن ونقل إلى الفضلة المخصوصة فعند هضم المعدة للطعام وانتزاع الاجزاء الغذائية منه يبقى الثفل
فيكف خرج تناوله الاسم ولا اعتبار بالمخرج في تسميته انتهى وهذا اعتراض جيد وقد أجاب عنه بعض المتأخرين (ره) أن غرض الشيخ (ره) أنه إنما يسمى
غايطا بعد انحداره من المعدة إلى الأمعاء وخلعه الصورة النوعية الكيلوسية التي كانت عليها في المعدة أما قبل الانحدار من المعدة فليس بغايط
إنما هو من قبيل القئ وليس مراده وقوع المخرج فيما سفل من المعدة وفيما علاها إذ لا عبرة بتحتية نفس المخرج وفوقيته بل لخروج الخارج بعد انحداره
52

عن المعدة وصيرورته تحتها أو قبل ذلك غاية أنه (ره) عبر عما يخرج قبل الانحدار عنها بما يخرج من فوقها وعما يخرج بعده بما يخرج من تحتها والامر فيه سهل وأنت خبير ببعد هذا
التوجيه عن كلام الشيخ (ره) المنقول آنفا جدا وأيضا لو كان مراده ذلك لكان ينبغي أن يقال أنه إن سمى في العرف غايطا فهو ناقض وإلا فلا لان الانحدار عن
المعدة وعدمه أمر لا يعلمه كل أحد بخلاف اطلاق الغايط وعدمه فإنه معلوم لكل أحد فجعله مناطا وضابطة لصدق الاطلاق وعدمه ركيك ولا
يذهب عليك أنه على هذا التوجيه لكلام الشيخ (ره) يرتفع الخلاف بينه وبين ابن إدريس ويصير قوله قوله بعينه وأما القول الآخر فقد احتج عليه المصنف في الذكرى
بأن مع العادة يشمله عموم الآية وقول الصادق (عليه السلام) ليس ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك اللذين أنعم الله بهما عليك لتحقق النعمة بهما
وأما مع الندور فلا للأصل والخبر إذ ليس الطرفين وفيه نظر لأنا لا نسلم شمول الآية لهذا الفرد ظاهرا بل هي إما ظاهرة في المتعارف
المعتاد لأكثر الناس وأما مجملة بالنسبة إليه وإلى الأعم منه ومن المعتاد لبعض وعلى التقديرين لا يثبت المدعى كما مر مرارا وأما شمول الرواية
فغير ظاهر جدا لان الأصل في الإضافة العهد وكذا الموصول كما قيل وحينئذ فالظاهر أن يكون إشارة إلى الطرفين المتقارنين وأيضا كيف يدعى في هذا الظرف أنه
مما أنعم الله به إذ ظاهر أن الانعام إنما هو في الطرفين الطبيعيين وأما غيرهما فليس من باب النعمة بل النقمة هذا واعلم أن هذا القول الأخير وإن كان مشكلا
إثباته لكن الأحوط الاخذ به والتوضأ عند خروج البول والغايط من غير الطبيعي مع الاعتياد خصوصا إذا كان دون المعدة للاشتهار بين الأصحاب
وتحصل البراءة اليقينية للشك في شمول الآية والروايات لهذا الفرد وأكمل منه في الاحتياط الاخذ بقول ابن إدريس (ره) وتمام الاحتياط أن يحدث
بعد هذا الحدث ويتوضأ ليحصل الجزم بالنية ويتقي التحذير الذي في موثقة ابن بكير المتقدمة وقس على ما ذكرنا من حال الخارج عن غير الطبيعي
ما إذا خرجت القعدة متلطخة بالعذرة ثم عادت من غير انفصال العذرة هذا حكم البول والغايط وأما الريح فعند خروجه من الدبر الطبيعي
ظاهر حاله كما عرفت وقد قيد في الروايات بأن يكون مما يسمع صوته أو يجد ريحه كصحيحة زرارة المتقدمة في جملة أدلة ابن إدريس وفي زيادات
التهذيب زيد فيها بعد ضرطة تسمع صوتها وما رواه أيضا في الزيادات في باب الاحداث في الصحيح عن معاوية بن عمار قال قال أبو عبد الله (عليه السلام)
إن الشيطان ينفخ في دبر الانسان حتى يخيل إليه أنه قد خرج منه ريح ولا ينقض وضوئه إلا ريح يسمعها أو يجد ريحها وهذه الرواية في الكافي بطريق
حسن في باب ما ينقض الوضوء وما رواه الشيخ أيضا في هذا الباب عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له أجد الريح في بطني
حتى أظن أنها قد خرجت فقال ليس عليك وضوء حتى تسمع الصوت أو تجد الريح ثم قال إن إبليس يجئ فيجلس بين أليتي الرجل فيفسو ليشككه وهذه
الرواية في الفقيه أيضا بطريق صحيح بأدنى تغيير في باب ما ينقض الوضوء ولا يذهب عليك أنه إذا حصل الشك في خروج الريح فلا شك في عدم النقض
لدلالة هذه الرواية وما ورد رواه أيضا من أنه لا ينقض اليقين بالشك وموثقة ابن بكير وأما إذا حصل اليقين بالخروج ولم يسمع صوت ولم
يوجد ريح ففيه شك من حيث التقييد في الروايات بهما أو بأحدهما ومن حيث احتمال أن مراده حصول اليقين بالخروج وذكر هذين الوصفين
لأنهما مما يوجب اليقين ولم أقف في كلام الأصحاب على نص صريح في هذا الباب لكن الظاهر أنهم اكتفوا بحصول اليقين ولا ريب أنه الأولى والأحوط
والله أعلم وأما إذا خرج عن غير الدبر الطبيعي فإن كان من القبل فسيجئ بيانه وإن كان من غيره فإن كان من الدبر الخلقي أو غير الخلقي مع انسداد الطبيعي
فالظاهر أن إيجابه أيضا للوضوء إجماعي كالبول والغايط كما يدل عليه اطلاق كلام المنتهى المنقول سابقا وأما مع عدم الانسداد فالظاهر أن الخلاف المنقول
عن الشيخ (ره) وابن إدريس (ره) في البول الغايط ليس فيه بل الظاهر من السرائر عدم نقض الخارج من غير الدبر مطلقا والمعتبرون للاعتياد وعدمه في البول
والغايط كأنهم يعتبرون فيه أيضا كما يفهم ظاهرا من كلام المنتهى والمعتبر وقد ادعى المعتبرون للاعتياد الاجماع على أن الجشأ لا ينقض الوضوء ولا
يعلم أنهم ما يقولون في الجشأ المنتن إذا اعتيد خروج الغايط من الفم كما في بعض الأمراض هل يدخلونه تحت الاجماع أو لا وكذا الحال إذا انسد الطبيعي
وخروج الفضلة من الفم وبالجملة كلامهم في هذا الباب لا يخلو من إجمال والذي تقتضيه النظر عدم النقض في غير صورة الاجماع كما يظهر وجهه مما تقدم
وإن كان الأحوط إحداث الوضوء بعد الخروج من الموضع المعتاد للغايط بعد إيقاع حدث آخر والله أعلم بحقيقة الحال (والنوم الغالب على الحاستين)
أي السمع والبصر والمراد بالغلبة كأنه الإزالة والابطال كما سيظهر إعلم إن المشهور بين الأصحاب إيجاب النوم للوضوء مطلقا سواء كان مضطجعا أو
قائما أو قاعدا منفرجا أو لا ومع تمكن المقعدة من الأرض أو لا وسواء كان في حال الصلاة أو غيرها لكن يشترط زوال السمع والبصر وقد نسب إلى
العامة بعض التقييدات لا طايل في ذكره وقد يتخيل أيضا ذهاب بعض أصحابنا إلى التقييد لكن لم يصرح به ظاهرا قال العلامة (ره) في المنتهى وروى أبو
جعفر ابن بابويه قال سأله سماعة بن مهران عن الرجل يخفق رأسه وهو في الصلاة قائما أو راكعا فقال ليس عليه وضوء قال وسئل موسى بن جعفر
53

(عليه السلام) عن الرجل يرقد وهو قاعد هل عليه وضوء فقال لا وضوء عليه قاعدا ما لم ينفرج فإن كانت هاتان الروايتان مذهبا له فصارت المسألة خلافية
وإلا فلا على أن الشيخ (ره) أباه علي بن بابويه قال ولا يجب إعادة الوضوء إلا من بول أو مني أو غايط أو ريح يستيقنها ولم يذكر النوم انتهى ولا يخفى أنه على تقدير
كونه مخالفا بالمشهور يحتمل أن يقيد النوم بكونه في غير وقت الصلاة بالنظر إلى الرواية الأولى كما هو مذهب أبي حنيفة أو تقييده بالانفراج بالنظر إلى
الرواية الأخيرة وقد نسب إليه في المنتهى والمعتبر هذا القول الأخير وهذا أيضا يحتمل وجهين يظهر بالتأمل وإذ قد عرفت الحال فنقول المعتمد هو القول بالاطلاق
كما هو المشهور لنا صحيحتا زرارة المتقدمتان المتضمنتان للنوم وما رواه التهذيب أيضا في باب الاحداث في الصحيح عن محمد بن عبد الله وعبد الله بن المغيرة
قالا سئلنا الرضا (عليه السلام) عن الرجل ينام على دابته فقال إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء وما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن زيد الشحام قال
سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الخفقة والخفقتين فقال ما أدرى ما الخفقة والخفقتين إن الله تعالى يقول بل الانسان على نفسه بصيرة إن عليا (عليه السلام)
كان يقول من وجد طعم النوم فإنما وجب عليه الوضوء وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب ما ينقض الوضوء بزيادة قائما أو قاعدا بعد طعم النوم وما رواه
أيضا في هذا الباب في الصحيح عن زرارة قال قلت له الرجل ينام وهو على وضوء أيوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء قال يا زرارة قد ينام العين ولا ينام
القلب والاذن فإذا نامت العين والقلب والاذن فقد وجب الوضوء قلت فإن حرك إلى جنبيه شئ ولم يعلم به قال لا حتى يستيقن أنه قد نام حتى يجئ من
ذلك أمر بين وإلا فإنه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبدا بالشك ولكن ينقضه بيقين أخر وما رواه أيضا في الصحيح في هذا الباب عن معمر بن
خلاد قال سئلت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل به علة لا يقدر على الاضطجاع والوضوء يشتد عليه وهو قاعد مستند بالوسايد فربما أغفى وهو قاعد على تلك
الحال قال يتوضأ قلت له إن الوضوء يشتد عليه فقال إذا خفي عنه الصوت فقد وجب الوضوء عليه وهذا الرواية في الكافي أيضا في الباب المذكور و
الاغفاء النوم قال في الصحاح أغفيت إغفاء نمت وما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل هل ينقض
وضوئه إذا نام وهو جالس قال إن كان يوم الجمعة وهو في المسجد فلا وضوء عليه وذلك أنه في حال ضرورة والاستدلال به من حيث أن قوله (عليه السلام)
وذلك أنه في حال ضرورة يدل على أنه في غير حال الضرورة يجب الوضوء ووجه الاستدلال في الجميع أنه علق وجوب الوضوء على مطلق النوم بدون
تقييد بحال من الأحوال فيجب الحكم به ما لم يثبت مخصص ولم يثبت لما سيرد عليك من رد ما يظن كونه مخصصا ولنا أيضا ما رواه أيضا في هذا الباب
في الصحيح عن إسحاق بن عبد الله الأشعري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا ينقض الوضوء الا حدث والنوم حدث وأورد على هذا الاستدلال إن الجزء
الأول من الرواية يشتمل على عقدين سلبي وإيجابي الأول لا ينقض الوضوء غير الحدث والثاني ينقض حدث
والحدث لما كان منكرا في مقام الاثبات
يكون معناه فردا ما لا الطبيعة من حيث هي ولا جميع الافراد وظاهر أن العقد الأول لا ينتج مع الجزء الثاني لعدم اتحاد الوسط والعقد الثاني أيضا
لا يخلو إما أن يجعل صغرى أو كبرى وأيا ما كان لا ينتج لأنه إما أن يترتب القياس هكذا النوم حدث والحدث ناقض ليكون من الشكل الأول وحينئذ لا يكون
كبراه كلية بل مهملة لما عرفت فلم يتحقق شرط الانتاج وأما أن يترتب هكذا الناقض حدث والنوم حدث ليكون من الشكل الثاني ولا انتاج لعدم
اختلاف مقدمتيه في الكيف وأما أن يترتب هكذا الحدث ناقض والنوم حدث ليكون من الشكل الرابع ولا ينتج أيضا لعدم كليه الصغرى وأجاب عنه العلامة
(ره) في المنتهى والمختلف بما حاصلة أن كل واحد من الاحداث فيه جهتا اشتراك وامتياز وجهة الاشتراك وهي مطلق الحدث مغايرة لجهة الامتياز وهي
خصوصية كل واحد منها قطعا ولا شك أن تلك الخصوصيات ليست أحداثا وإلا لكان ما به الاشتراك داخلا فيما به الامتياز فيحتاج إلى مايز آخر
وننقل الكلام حتى يلزم التسلسل وإذا انتفت الحدثية عن المميزات لم يكن لها مدخل في النقض أيضا لنفيه (عليه السلام) النقض عن غير الحدث في العقد السلبي
المذكور وإذا لم يكن للخصوصيات مدخل في النقض يلزم استناد النقض يلزم استناد النقض إلى القدر المشترك الذي هو مطلق الحدث وهو موجود في النوم لحكمه (عليه السلام)
في الجزء الثاني عليه بأنه حدث وحينئذ نقول كلما تحقق النوم تحقق الحدث وكلما تحقق الحدث تحقق النقض لان وجود العلة يستلزم وجود المعلول وكلما تحقق النوم
تحقق النقض وهو المطلوب وفيه نظر إما أولا فلمنع قوله ولا شك أن تلك الخصوصيات ليست أحداثا قوله وإلا لكان ما به الاشتراك داخلا فيما به
الامتياز ولا بد من مايز آخر قلنا لا نسلم أنه على تقدير كون الخصوصية حدثا يلزم دخول ما به الاشتراك فيما به الامتياز لجواز أن يكون عارضا وتفصيل أن
يقال إن طبيعة الحدث المشترك في الاحداث لا يخلو أما أن يكون ذاتيا لها أو عرضيا وعلى الأول إما جنس أو نوع فيكون الامتياز بين الاحداث إما
بالفصول أو المشخصات وأيا ما كان لا يلزم من صدق الحدث عليها دخوله فيها ليحتاج إلى جزء آخر مميز بل إنما يصدق عليها صدقا عرضيا كما تقرر من
أن الجنس عرض عام بالنسبة إلى الفصول وحينئذ يكون الامتياز بين الأنواع والافراد وبين الفصول والمشخصات المشتركة في الحدثية بنفس الذات لا بجزء
54

مميز لعدم الاشتراك في الجزء إذ الحدث جزء ما في الأوليين وعارض في الأخيرين وعلى الثاني فالامر أظهر لان مادة المغالطة حينئذ تضمحل بالكلية كما لا يخفى وقس
عليه أيضا إذا كان ذاتيا لبعض وعرضيا لاخر وأما ثانيا فنقول على تقدير تسليم أن تلك الخصوصيات ليست أحداثا لا نسلم أن ليس لها مدخل في النقض قوله
أنه (عليه السلام) نفى النقض عن غير الحدث قلنا نفي النقض عنه إنما يستلزم أن لا يكون ناقضا برأسه لم لا يجوز أن يكون جزء للناقض فحينئذ يمكن أن يكون بعض أفراد الحدث
المشتمل على تلك الطبيعة وخصوصية معينة ناقضا فيكون الخصوصية أو لا يكون الفرد المشتمل على خصوصية غيرها ناقضا لفوات جزء العلة وقال بعض علمائنا
المتأخرين (ر ه) في توجيه هذا الاستدلال بعد أن أورد الاشكال بأنه ليس فيه شرايط الانتاج فأما أن تجعل الحدث في الصغرى بمعنى كل حدث كما قالوه في
قوله تعالى علمت نفس ما قدمت وأخرت من أن المراد كل نفس فيصير في قوة قولنا كل حدث ناقض ويؤل إلى الشكل الرابع فينتج بعض الناقض نوم وأما أن يجعل الصغرى
كبرى وبالعكس فيكون من الشكل الأول وأما أنه يستدل على استلزامه للمطلوب وإن لم يكن مستجمعا لشرايط القياس كما قالوه في قولنا زيد مقتول بالسيف
والسيف آله حديدية فإنه لا شك في انتجاه زيد مقتول بآلة حديدية مع عدم جريانه على وتيرة شئ من الاشكال الأربعة وكما في قولنا زيدا ابن عمرو وعمرو
ليس في البلد انتهى وقال في حاشية هذا المقام فإنه إذا قام الدليل في بعض الصور على استلزام المطلب لم يضر عدم استجماع شرايط القياس كما في قولنا
كل ممكن حادث وكل وجاب قديم إذ لا شك في التزامه أن لا شئ من الممكن بواجب مع عدم استجماعه شرايط القياس وقس عليه الاستدلال على وجوب
التسليم بقولنا شئ من التسليم واجب ولا شئ منه في غير الصلاة بواجب انتهى كلامه رفع مقامه وفيه نظر أما في أول الوجهين فلان النكرة في سياق
الاثبات لابد من حملها على العموم من دليل ولا دليل ههنا وما يقال من أن حمله على فرد ما يخرج الكلام عن الفائدة المعتد بها ويلزم الاغراء بالجهل ففيه
إن حصول الفايدة المعتد بها في الجزء السلبي كاف في أمثال هذا المقام إذ يستفاد منه أن غير الحدث لا ينقض وتلك فائدة تامة لوقوع الاختلاف في
نقض بعض أفراد غير الحدث ولا يلزم أن يستفاد منه أيضا نقض جميع الاحداث والاغراء بالجهل غير لازم وإنما يلزم لو لم يتبين أصلا وأما إذا بين في موضع
آخر فلا وأما في الأخير فلان ما ذكره من جواز استلزام الدليل المطلوب وإن لم يكن مستجمعا لشرايط القياس أما أن يراد به جواز الاستلزام وإن لم يكن
مستجمعا لشرايط القياس في الواقع فهو باطل ظاهرا وما نقله من قولهم زيد مقتول بالسيف فالحق أنه أيضا مستجمع لشرايط القياس في الواقع نعم لا يلزم
ملاحظة ارجاعه إلى أحد الاشكال الأربعة وليس هذا موضع ذكره وعلى تقدير تسليم عدم استجماعه نقول لا شك أن هذا الحكم مخصوص بهذا
القياس أعني ما يكون متعلق محمول صغراه موضوعا في الكبرى لحكم العقل فيه بالانتاج ضرورة ولم يقل أحد من العقلاء باطراده في غيره أصلا
كيف وهو مخالف لبديهة العقل والقياسان اللذان ذكرهما في الحاشية فاستجماعهما للشرايط وإرجاعهما إلى الأقيسة المتعارفة ظاهر لان
كبرى الأول بمنزلة لا شئ من الواجب بحادث والثاني يرجع إلى قياس استثنائي حاصله أنه لو لم يكن التسليم واجبا في الصلاة لما كان واجبا
والثاني باطل فالقدم مثله أما الملازمة فلعدم وجوبه في غير الصلاة وأما بطلان التالي فلوجوبه في الجملة وأما أن يراد به جواز حكم العقل باستلزامه
النتيجة وإن لم يلاحظ ارجاعه إلى الأقيسة المنطقية مفصلا فهو حق كما يشهد به الفطرة التسليمة لكن لابد أن يكون في الواقع مستجمعا للشرايط المعتبرة في
المنطق وحينئذ لا نسلم أن ما نحن فيه من هذا القبيل أي مما يحكم به العقل ابتداء بدون ملاحظة الارجاع كما لا يخفى بل هو خلاف البديهة ولو تنزل عن كونه خلاف البديهة فنقول لو كان
كما ذكره لكان راجعا إلى قياس جامع للشرايط في الواقع كما ذكرنا فليبين أنه ماذا هذا والأجود في توجيه هذا الاستدلال أن يقال أن قوله (عليه السلام) والنوم حدث
بعد قوله لا ينقض الوضوء إلا حدث قرينة ظاهرة على أن مراده النوم حدث ناقض للوضوء كما يحكم به الوجدان على أن الظاهر أن قوله (عليه السلام) لبيان
حكم شرعي إذ ليس شأنهم (عليهم السلام) بيان اللغة ولا بيان حكم لا دخل له في الأحكام الشرعية أو المعارف الدينية وبالجملة ما لا نفع له في الدين أو الدنيا
ولا شك أن الحكم بأن النوم حدث إن لم يتعلق به غرض شرعي يكون من باب الاحكام التي لا نفع له في الدين والدنيا والظاهر أن الغرض الشرعي الذي يتعلق
بحدثيته إنما هو النقض فثبت المرام ولنا أيضا ما رواه الشيخ (ره) في الباب المتقدم في الموثق عن ابن بكير قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) قوله تعالى إذا قمتم
إلى الصلاة ما يعني بذلك قال إذا قمتم من النوم قلت ينقض النوم الوضوء فقال نعم إذا كان يغلب على السمع ولا يسمع الصوت وما رواه
في هذا الباب أيضا عن سماعة قال سمعت أبا عبد الله عن الرجل ينام وهو ساجد قال ينصرف ويتوضأ وهذه الرواية لا يدل على تمام المدعى إذ لم يثبت
به نقض النوم قاعدا مع تمكن المقعدة من الأرض وما رواه أيضا في هذا الباب في الحسن عن عبد الحميد بن عواض عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول
من نام وهو راكع أو ساجد أو ماش على أي الحالات فعليه الوضوء وفيه أيضا عدم دلالته على الصورة المذكورة آنفا لجواز أن يكون الحالات للعهد الذكري
إشارة إلى الحالات المتقدمة وقد يقال أن التعميم أولى لرجحان التأسيس على التأكيد وما رواه الكافي أيضا في باب ما ينقض الوضوء عن سعد عن أبي عبد الله
55

(عليه السلام) قال أذنان وعينان ينام العينان ولا ينام الأذنان وذلك لا ينقض الوضوء فإذا نامت العينان والأذنان انتقض الوضوء هذا جملة ما يمكن أن يستدل
به على المطلب وأنت خبير بأنه كما دلت الروايات على نقض النوم كذلك دلت على اشتراطه بإزالة العقل وإبطال السمع والبصر فابتداء النوم الذي لم يصل
إلى ذلك الحد لم يكن ناقضا للاشتراط المذكور مع أنه لا يسمى نوما أيضا بل سنة وقال العلامة في التذكرة لو شك في النوم لم ينتقض طهارته وكذا
لو تخايل له شئ ولم يعلم أنه منام أو حديث النفس ولو تحقق أنه رؤيا نقض انتهى والظاهر أن ما ذكره آخرا من أنه لو تحقق أنه رؤيا نقض محل نظر إذ يمكن أن
يتحقق الرؤيا مع عدم إبطال السمع والعقل إذا قوي الخيال كما تشهد به التجربة وحينئذ فالحكم بالنقض مشكل والله أعلم فإن قلت كيف تجمع بين هذه
الروايات والروايات السابقة الدالة على حصر الناقض في الثلاثة أو فيما يخرج من السبيلين قلت نحمل الحصر على الحصر الإضافي بالنسبة إلى آخر غير أشياء
النوم مما وقع الخلاف في نقضه كما سيجئ أو نقول بتخصيصها بها وأما ما يمكن أن يستدل به على التقييد ببعض الأحوال فروايات أيضا منها الروايتان
المتقدمتان المنقولتان في المختلف عن الفقيه والجواب عنهما أما عن الأولى فبالقدح في السند لان سماعة واقفي وأيضا في طريق الفقيه إليه عثمن ابن عيسى
العامري وهو مجهول ويمنع دلالتها على خلاف ما ذهبنا إليه لان المراد من خفق الرأس ابتداء النوم بحيث لا يصل إلى حد النقض قال في الصحاح خفق
الرجل حرك رأسه وهو ناعس والظاهر أن النعاس ابتداء النوم وعلى تقدير ظهورها في خلافه فليحمل عليه جمعا بينها وبين ما ذكرنا وأيضا يمكن حملها على
التقية لأنهم ذهبوا إلى أن النوم في الصلاة ليس بناقض كما نسب إلى أبي حنيفة وأما عن الثاني فبالقدح في السند أيضا للارسال وبالحمل على التقية؟
إلى أن النوم قاعدا ممكن مع المقعدة من الأرض لا ينقض كما نسب إلى الشافعي ومنها ما رواه الشيخ (ره) في الباب المتقدم عن عمران بن حمران أنه سمع عبدا
صالحا يقول من نام وهو جالس لم يتعمد النوم فلا وضوء عليه وفيه أيضا القدح في السند لان عمران بن حمران مجهول والحمل على التقية مع جواز حمل
قوله (عليه السلام) وهو جالس لم يتعمد النوم على أنه لم يصل إلى حد يبطل عقله ولم يستحفظ نفسه ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب عن بكر بن أبي بكر الحضرمي
قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) هل ينام الرجل وهو جالس فقال كان أبي يقول إذا نام الرجل وهو جالس مجتمع فليس عليه وضوء وإذا نام مضطجعا فعليه
الوضوء والجواب عنه أيضا بالطعن في السند لان بكر بن أبي بكر مجهول وبالحمل على التقية كما عرفت وكان في قوله (عليه السلام) كان أبي يقول إيماء إليه ومنها
ما رواه أيضا في هذا الباب عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن الرجل يخفق وهو في الصلاة فقال إذا كان لا يحفظ حدثا
منه إن كان فعليه الوضوء وأعاده الصلاة وإن كان يستيقن أنه لم يحدث فليس عليه وضوء ولا إعادة وفيه أيضا الطعن في السند لان في طريقه محمد بن
الفضل وهو مشترك والحمل على التقية واعلم إن الشيخ (ره) أول الخبرين السابقين عليه بأن معناهما إن النوم إذا لم يغلب على العقل ويكون الانسان معه
متماسكا ضابطا لما يكون منه لم يكن ناقضا فأورد هذا الخبر الأخير للدلالة على صحة تأويله وأنت خبير بأنه (ره) إن كان معتقده النوم ناقض في نفسه وليس
نقضه باعتبار احتمال وقوع الحدث فيه لكن بشرط أن يذهب العقل والسمع كما يدل عليه ظاهر الروايات المتقدمة والظاهر أنه المشهور أيضا ففي تأييد هذه
الرواية لمطلبه نظر إذ ظاهرها أن نقض النوم باعتبار احتمال الحدث لا باعتباره في نفسه حتى إذا استيقن أنه لم يحدث لم يكن ناقضا وإن اعتقد عدم نقضه في
نفسه بل باعتبار احتمال الحدث فدلالتها حينئذ على مدعاه ظاهرة لكنه خلاف ظاهر الروايات المتقدمة وخلاف ظاهر المشهور ولذا لم نذكر هذه الرواية في طي أدلة
المذهب المشهور بل أوردناها في المعارضات فإن قلت أي فائدة في هذا الفرق إذ اليقين بعدم الحدث إنما يكون عند عدم زوال العقل والسمع ومع
زوالهما لا يقين البتة قلت يمكن أن يحصل اليقين بعدم الحدث مع زوال العقل والسمع بأخبار معصوم مثلا وحينئذ يظهر الفائدة ولا يذهب عليك أن
هذه الرواية وإن كان ظاهرها ما ذكرنا لكن يمكن حلمها على ظاهر الروايات وظاهر المشهور كما لا يخفى فليحمل عليه جمعا بين الاخبار (ولو تقديرا) أي إذا
كان فاقدا للسمع أو البصر قدر أنه لو كان واجدا لهما هل يحس أو لا وأنت خبير بأن هذا التقدير في غاية التعسر لكن قد علمت أيضا إناطة الحكم بذهاب
العقل ووجد أن طعم النوم وعلى هذا الامر سهل لسهولة الاطلاع عليها (ومزيل العقل) اختلف عبارة الأصحاب (ره) ها هنا فالشيخ (ره) في ضمن تعداد
نواقض الوضوء قال وكلما أزال العقل من اغماء وجنون وسكر وغير ذلك وقال في النهاية المرض المانع من الذكر وقال المفيد في المقنعة المرض المانع
من الذكر والاغماء ومثله قال علم الهدى في المصباح وقال في جمل العلم النوم وما أشبهه من الجنون والمرض
وقال ابن الجنيد كلما غلبت على العقل كالغشي
والفرغة إذا تطاولت والظاهر أن المراد في الكل واحد والظابط زوال العقل قال المحقق (ره) في المعتبر وضابطه كلما غلب على الحاستين وفيه ما لا يخفى لان
الجنون والسكر لا يغلب على الحالتين فالأولى ما ذكرنا لا يقال ليس مراده إن ضابط الأقوال هذا بل ما ضابط يعتقد نقضه من هذه الأمور هذا فكأنه
اعتقد نقض الغالب على الحاسين فقط لأنه يصرح بعد ذلك بنقض السكر ونقض الجنون أيضا الظاهر أنه اجماعي فلا يجوز حصر الناقض في الغالب فقط
56

هذا والمعتمد في هذا الحكم الاجماع كما ذكر العلامة في المنتهى قال كلما غلب على العقل من اغماء أو جنون أو سكر أو غيره ناقض لا نعرف خلافا فيه بين
أهل العلم انتهى واستدل عليه أيضا بأن النوم الذي يجوز معه الحدث وإن قل يجب معه الوضوء فمع الاغماء والسكر أولى قال في المعتبر وهذا الاستدلال
بالمفهوم لا بالقياس وأنت خبير بأن الروايات المتقدمة ظاهرها إن النوم ناقض مطلقا لا أن نقضه باعتبار احتمال وقوع الحدث فيه إلا رواية أبي الصباح وهي مع
عدم صحتها لا يدل أيضا على أن العلة في نقض النوم إنما هو احتمال طرو الحدث بل على أن النوم عند تطرق ذلك الاحتمال ناقض وعند عدمه لا وبمجرد هذا الدوران
لا يثبت العلية لجواز أن لا يكون له دخل في العلية أصلا أو يكون خصوصية النوم شرطا إلا يرى أن ذلك الاحتمال في اليقظة لا يوجب الوضوء بل حذر عن الوضوء
بسببه فكيف يدعي عليته مطلقا والأولوية التي ادعاها إنما يتم لو ثبت أن العلة هذا كما لا يخفى إذ التحقيق إن القياس بالطريق الأولى إنما يكون فيما يثبت فيه
عليه الجامع والفرق بينه وبين منصوص العلة إن العلة يثبت ها هنا بالنص وهناك بالعقل فتدبر ونظيره أيضا الاستدلال بقوله (عليه السلام) إذا ذهب النوم
بالعقل والنوم حتى يذهب العقل ونحوه واستدل عليه أيضا برواية معمر بن خلاد المتقدمة قال في المعتبر بعد ذكر هذا الدليل لا يقال صدر الحديث يتضمن
الاغفاء وهو من أسماء النوم لأنا نقول هذه اللفظ مطلق فلا يتقيد بالمقدمة الخاصة انتهى وأراد بهذا اللفظ قوله (عليه السلام) إذا خفي عنه الصوت فقد وجب عليه
الوضوء أورد عليه إن الضمير راجع إلى المحدث عنه وهو المريض الذي أغفى حال القعود فلا يكون مطلقا بل مقيدا بالنوم وربما يقال أن الظاهر من الاغفاء
في الرواية الاغماء أما أولا فلدلالة ربما لان الغالب فيها التكثير كما صرح به مغني اللبيب بل ذكر الشيخ الرضي (ره) إن التكثير صار لها كالمعنى الحقيقي
والتقليل كالمعنى المجازي المحتاج إلى القرينة وظاهر إن ما يتكثر في حال المرض هو الاغماء دون النوم وأما ثانيا فلدلالة تتمة الحديث المورد في الكافي فقال يؤخر الظهر
ويصليها مع العصر يجمع بينهما وكذا المغرب والعشاء لأن هذه أيضا مما يشعر بتكثير هذه الحال وتواتره كما لا يخفى والتكثر والتواتر ظاهرا في الاغماء والله أعلم
ولا يخفى عليك أن هذا الاستدلال لو فرض تمامه لا يدل على تمام المدعى بل يختص بما خفي فيه الصوت لا الجنون والسكر ونحوهما مع عدم الخفاء وهو ظاهر
فالمعتمد هو الاجماع كما ذكرنا سابقا وبعض الاستحاضة سيجئ في بابها إنشاء الله تعالى والخارج من السبيلين إذا استصحب ناقضا النقض به مع استصحاب الناقض مما
لا خفاء فيه لدلالة الروايات السابقة عليه ولما رواه الشيخ (ره) أيضا في الباب المذكور في الموثق عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئل عن
الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حب القرع كيف يصنع قال إن كان خرج نظيفا من العذرة فليس عليه شئ ولم ينقض وضوئه وإن خرج متلطخا بالعذرة
فعليه أن يعيد الوضوء وقال في الكافي وروى إذا كانت ملطخة بالعذرة أعاد الوضوء وأما عدم النقض مع عدم الاستصحاب كما هو مفهوم العبارة فليحصر
الناقض في الروايات المتقدمة في البول والغايط والريح ولهذه الرواية ولما رواه أيضا في هذا الباب عن حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله (عليه السلام)
في الرجل تسقط منه الدواب وهو في الصلاة قال يمضي في صلاته ولا ينقض ذلك وضوئه ولما رواه أيضا في هذا الباب عن عبد الله بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال ليس في حب القرع والديدان الصغار وضوء ما هو إلا بمنزلة القبل وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب ما ينقض الوضوء وفي الفقيه أيضا مرسلا في
باب ما ينقض الوضوء وكان التقييد بالصغار لان الكبار كثيرا ما يخالط الفضلة ولما رواه في باب الاحداث أيضا في الزيادات عن صفوان قال سئل
رجل أبا الحسن (عليه السلام) وأنا حاضر فقال إن لي جرحا في مقعدتي فأتوضأ ثم استنجي ثم أجد بعد ذلك الندى والصفرة يخرج من المقعدة فأعيد الوضوء
قال قد أيقنت قال نعم قال لا ولكن ترشه بالماء ولا تعد الوضوء وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب الاستبراء من البول بطريقين أحدهما عن صفوان
عن الرضا (عليه السلام) والاخر عن أبي بصير عنه (عليه السلام) ولما رواه الكافي في الباب المذكور عن فضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام في الرجل يخرج منه
مثل حب القرع قال ليس عليه الضوء وأما ما رواه الشيخ (ره) في الباب المذكور عن ابن أخي فضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال في الرجل يخرج منه
مثل حب القرع قال عليه وضوء فمحمول على أنه إذا كان متلطخا بالعذرة جمعا بين الاخبار أو على التقية لان أكثر العامة على النقض أو الاستحباب (والحق
بعض خروج الريح من الذكر) إن كان الريح الخارج من الذكر لم يكن له صوت أو ريح فعدم النقض فيه ظاهر لما عرفت سابقا من تقييد الريح في بعض الروايات
بهما وأما إذا كان له أحدهما بناء على فرض بعيد لا يخلو من إشكال خصوصا مع الاعتياد إذ يصدق عليه أنه الخارج من السبيلين إلا أن يحمل الخروج
على المعهود من خروج الريح من الدبر والظاهر فيه أيضا عدم النقض لان الروايات أما ظاهرا في الخروج العهود والامر ظاهر وأما مجملة وقد مر أنه
على تقدير الاجمال لم يثبت وجوب الاتيان بالافراد المشكوكة وقد استدل عليه أيضا بأنه لا منفذ لها إلى الجوف وهو ضعيف وأما الخارج من قبل
المرأة فحكمه أيضا كذلك قال المصنف (ره) في الذكرى أما قبل المرأة فقال الفاضلان ينقض خروج الريح منه للمنفذ وتسميته ريحا ويشكل بالحمل على
المعهود مع التمسك بالأصل حتى تعتاد انتهى وقد عرفت بما سبق إن مع الاعتياد أيضا لم يثبت الوجوب لكن الاحتياط فيه وأعلم أن العلامة (ره)
57

ذهب في المنتهى إلى عدم النقض وأطلق ولم يتعرض للاعتياد وعدمه لكن الظاهر أن مراده عدم النقض مع عدمه كما في الذكرى لان ما نقلناه عنه سابقا ظاهرا
في أن خروج الريح من غير الفرجين ناقض مع الاعتياد فمن الفرج بالطريق الأولى (وابن الجنيد الحقنة) وكأنه قائل بالنقض إذا خرجت كما يفهم من ظاهر الذكرى
وهو ضعيف لنا روايات الدالة على حصر الناقض في الثلاثة ويؤيده أيضا ما رواه الشيخ (ره) في الزيادات في باب الاحداث في الصحيح عن علي بن جعفر عن
أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال سئلته عن الرجل هل يصلح له أن يستدخل الدواء ثم يصلي وهو معه أينقض الوضوء قال لا ينقض الوضوء ولا يصلي
حتى يطرحه ووجه التأييد ظاهر بالوجدان وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب ما ينقض الوضوء ولم نقف لابن الجنيد (ره) على تمسك اللهم إلا أن يتمسك بإطلاق
ما ورد في بعض الروايات من نقض الخارج من السبيلين أو بالاحتياط لأنه فطنة المخالطة بالفضلة وكلاهما ضعيف كما لا يخفى (والمذي عن شهوة) المذي
ما يخرج عقيب الملاعبة والتقبيل كما في الصحاح والقاموس ذهب علماؤنا أجمع إلى عدم نقه إذا لم يكن عن شهوة والأكثر إلى عدم نقضه مطلقا وابن
الجنيد قال بنقضه إذا خرج عقيب شهوة وقد يشعر كلام الشيخ (ره) في التهذيب بنقضه كما إذا كان كثيرا خارجا عن المعتاد لكن لا يبعد أن لا يكون هذا مذهبا
له بل إنما أورد في مقام البحث على سبيل الاحتمال والأظهر ما ذهب إليه الأكثر لنا الروايات الدالة على الحصر في الثلاثة وما رواه التهذيب أيضا في باب الاحداث
في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن (عليه السلام) قال سئلته عن المذي فأمرني بالوضوء منه ثم أعدت عليه في سنة أخرى فأمرني بالوضوء منه وقال إن عليا
(عليه الصلوات) أمر المقداد أن يسئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) واستحيى أن يسئله فقال فيه الوضوء قلت فإن لم أتوضأ قال لا بأس به وارجاع ضمير به إلى
الوضوء بعيد جدا وما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن زيد الشحام وزرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال إن سال من ذكرك من شئ من مذي
أو وذي فلا تغسله ولا تقطع له الصلاة ولا تنقض له الوضوء إنما ذلك بمنزلة النخامة كل شئ خرج منك بعد الوضوء فإنه من الحبايل والحبايل عروق الظهر
أو عروق الذكر كما يفهم من القاموس وما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن زيد الشحام قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) المذي ينقض الوضوء قال لا
ولا يغسل منه الثوب ولا الجسد إنما هو بمنزلة البزاق والمخاط وما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال ثلاثة يخرجن
من الإحليل وهن المني فمنه الغسل والودي فمنه الوضوء لأنه يخرج من دريرة البول قال والمذي ليس فيه وضوء إنما هو بمنزلة ما يخرج من الانف ودريرة البول
موضع سيلانه أو بقية ما سال كما في القاموس وما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن ابن أبي عمير عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال ليس في المذي من الشهوة ولا من الانعاظ ولا من القبلة ولا من مس الفرج ولا من المضاجعة وضوء ولا يغسل منه الثوب ولا الجسد وما رواه الكافي أيضا في
باب المذي في الحسن عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إن سال من ذكرك شئ من مذي أو وذي وأنت في الصلاة فلا تغسله ولا تقطع الصلاة ولا
تنقض له الوضوء وإن بلغ عقيبك فإنما ذلك بمنزلة النخامة وكل شئ يخرج منك بعد الوضوء فإنه من الحبايل أو من البواسير فليس بشئ فلا تغسله من
ثوبك إلا أن تقذره وما رواه أيضا في الباب المذكور في الحسن عن بريد بن معاوية قال سئلت أحدهما (عليهما السلام) عن الوذي فقال لا ينقض الوضوء
ولا يغسل منه ثوب ولا جد إنما هو بمنزلة المخاطة والبصاق وما رواه أيضا في الحسن عن محمد بن مسلم قال سئلت أبا جعفر (عليه السلام) عن المذي يسيل
حتى يصيب الفخذ قال لا يقطع صلاته ولا يغسله من فخذه إنه لم يخرج من مخرج المني إنما هو بمنزلة النخامة وما رواه التهذيب أيضا في الباب المتقدم
في الموثق عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن المذي قال إن عليا (عليه السلام) كان رجلا مذاء واستحيى أن يسأل رسول
الله (صلى الله عليه وآله) لمكان فاطمة (عليها السلام) فأمر مقداد أن يسئله وهو جالس فسئله فقال له ليس بشئ وما رآه أيضا في هذا الباب عن عمر بن حنظلة
قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المذي فقال ما هو عندي إلا كالنخامة وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب المذي بأدنى تغيير وما رواه أيضا في
هذا الباب عن عنبسة قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول كان عليا (عليه السلام) لا يرى في المذي وضوءا ولا غسلا ما أصا ب الثوب منه إلا في الماء
الأكبر وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب المني والمذي يصيبان الثوب والجسد وما رواه أيضا في هذا الباب عن ابن رباط عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال يخرج من الإحليل المني والمذي والودي مع الوذي فأما المني فهو الذي يسترخي له العظام ويفتر منه الجسد وفيه الغسل وأما المذي يخرج من الشهوة ولا
شئ فيه وأما الودي فهو الذي يخرج بعد البول وأما الوذي فهو الذي يخرج من الأدواء جمع الداء كما في الصحاح فهذا جملة
ما يدل على ما اخترناه وأما ما يمكن أن يحتج به لابن الجنيد (ره) فروايات أيضا منها ما رواه التهذيب في الباب المذكور في الصحيح عن علي بن يقطين قال سئلت
أبا الحسن (عليه السلام) عن المذي أينقض الوضوء قال إن كان من شهوة نقض والجواب أنه محمول على الاستحباب جمعا بين الاخبار ويؤيده صحيحة ابن بزيع المتقدمة
فإن قلت إنما يجب التأويل عند تعارض يوجب التأويل وها هنا لا تعارض يوجب التأويل لان ما تقدم من الروايات سوى مرسلتي ابن أبي عمير وابن رباط مطلق وهذا
58

مقيد والمطلق يجب حمله على المقيد فلا يصح التأويل في المقيد والمرسلتان أيضا لا يصح التأويل في المقيد والمرسلتان أيضا لا يصلحان للتعارض باعتبار السند قلت أما ما ذكرت من أن المطلق
يجب حمله على المقيد فليس بمسلم مطلقا لان حمل المطلق على المقيد لا بد من ارتكاب خلاف ظاهر فيه البتة فلو جاز تأويل في المقيد لم يكن ارتكاب خلاف الظاهر
فيه أكثر منه في الأول لم يتعين حمل المطلق على المقيد بل مع التساوي يحكم بالتوقف ومع النقصان يرتكب التأويل في المقيد وما نحن فهي من قبيل الأخير
لان المذي إن لم نقل بأنه يستلزم أن يكون عقيب الشهوة كما يشعر به كلام أهل اللغة ومرسلة ابن رباط المتقدمة وكلام الفقيه حيث فسره بما يخرج قبل المني
حتى لا يكون تعارض الروايات من باب تعارض المطلق والمقيد بل من باب تعارض المطلقين أو المقيدين فلا يستريب أحد أن الغالب منه ما يكون عقيب الشهوة
فحينئذ نقول حمل تلك الروايات الكثيرة الحاكمة على عدم نقض المذي بالاطلاق وعلى الفرد النادر الغير المتعارف منه أشد خلافا للظاهر من حمل تلك
الروايات على الاستحباب خصوصا مع ما يؤيد ذلك الحمل من صحيحة ابن بزيع المتقدمة وخصوصا مع لزوم ارتكاب التأويل في الروايات الدالة على الحصر
على تقدير عدم ذلك الحمل وعلى تقدير تسليم التساوي في خلاف الظاهر فيحكم بالتساقط والأصل معنا مع
روايات الحصر وأما ما قلته من عدم
صلاحية المرسلتين للمعارضة ففيه أيضا شئ لان مراسيل ابن أبي عمير قد تلقوها بالقبول خصوصا هذه المرسلة لأنه قد رواها غير واحد من
أصحابنا خصوصا مع اعتضادها بالمرسلة الأخرى والمطلقات وقد يقال بحمل هذه الرواية على التقية لان الجمهور مطبقون على النقض بالمذي وفيه
إن إطباق الجمهور على النقض بالمذي مطلقا لا ما هو عقيب الشهوة فقط كما هو الظاهر فحمل هذه الرواية على التقية غير مناسب ومنها ما رواه أيضا
في هذا الباب في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال سئلت الرضا (عليه السلام) عن المذي فأمرني بالوضوء منه ثم أعدت عليه في سنة أخرى فأمرني بالوضوء
وقال إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أمر المقداد ابن الأسود أن يسئل النبي (صلى الله عليه وآله) واستحيى أن يسئله فقال (صلى الله عليه وآله) فيه الوضوء والجواب أن هذا الراوي روى
هذا الحديث بعينه مع زيادة كما نقلنا ولا شك أن الراوي إذا روى الحديث تارة مع زيادة وتارة بدونها عمل على تلك الزيادة إذا لم يكن مغيرة ويكون بمنزلة
الروايتين قال العلامة (ره) في المنتهى لا يقال الزيادة ها هنا مغيرة لأنها تدل على الاستحباب مع أن الخبر الخالي منها تدل على الوجوب لأنا نقول هذا
ليس بتغيير بل هو تفسير لما دل عليه لفظ الامر لأنه لو كان تغييرا لكان الخبر المشتمل على الزيادة مناقضا انتهى وأيضا قصة أمير المؤمنين (عليه السلام)
مع المقداد قد روى بطريق مخالف له كما نقلنا عن إسحاق بن عمار وذلك يضعف الظن به وأيضا يحمل على الاستحباب للجمع مع أن هذه الرواية
مطلقة ولا بد لابن الجنيد أن يحمله على المذي بشهوة حتى يصير موافقا لمذهبه وحمله على التقييد ليس بأولى من حملها على الاستحباب فإن قلت كيف
يجمع بين هذه الرواية وبين سابقتها على تقدير حملهما على الاستحباب كما حملت لان الأولى حينئذ تدل على عدم الاستحباب فيما ليس بشهوة وهذا
تدل على الاستحباب فيه مطلقا قلت إن قلنا بأن المذي ما يكون من شهوة فالامر ظاهر لعدم المنافاة وحينئذ أما أن يقال بأن المذي الواقع في كلام السايل
في الرواية الأولى مجاز عن الأعم منه ومن الماء الذي يخرج بغير شهوة أو يحمل على حقيقته ويقال أن ضمير كان في قوله (عليه السلام) راجع إلى الماء الخارج
بقرينة المقام فكان السايل انما سئله عن المذي لكن أجابه (عليه السلام) ببيان ضابطة يعلم به حكم جميع المياه التي تخرج وليس ذلك ببعيد وإن لم
نقل به بل بتعميمه فنقول يمكن أن يكون للاستحباب مراتب بعضها فوق بعض ففي الرواية الأولى المراد الاستحباب المؤكد فيما تخرج من الشهوة ونفيه
عن غيرها وفي الثانية الاستحباب المطلق فيهما معا وقد مر نظيره سابقا وأيضا يجوز حملها على التقية لما عرفت ومنها ما رواه في هذا الباب
في الصحيح عن يعقوب بن يقطين قال سئلت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يمذي وهو في الصلاة من شهوة أو من غير شهوة فقال المذي منه
الوضوء والجواب أنه محمول على التقية أو الاستحباب جمعا بين الاخبار وقيل إن كون السؤال عن المذي في الصلاة يوجب ضعف الحمل على الاستحباب
وليس بظاهر إذ لا بعد في استحباب قطع الصلاة حينئذ واستينافها بعد الوضوء كما لا يخفى والشيخ (ره) حمله في التهذيب على التعجب ولا يخلو من بعد وأنت
خبير بأن هذه الرواية لا يصلح أن يكون متمسكا لابن الجنيد للتصريح فيها بالتعميم فعلى تقدير ظهورها في الوجوب كما يكون مناقضة لمذهب
الأكثرين تكون مناقضة لمذهبه أيضا فهم يأولونها بالاستحباب وهو بالرجحان المطلق ولا رجحان لتأويله حتى يكون متمسكا له ومنها ما رواه
أيضا في هذا الباب عن الكاهلي قال سئلت أبا الحسن (عليه السلام) عن المذي فقال ما كان منه لشهوة فيتوضأ منه والجواب أما أولا فبالقدح في السند
لان الكاهلي لم يوثق وبعض رجاله أيضا غير إمامي وأما ثانيا فبالحمل على الاستحباب للجمع ولعدم الظهور في الوجوب ومنها ما رواه أيضا في هذا
الباب عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) المذي الذي يخرج من الرجل قال أحدثك فيه حدا قال قلت نعم جعلت فداك قال فقال
إن خرج منك على شهوة فتوضأ وإن خرج منك على غير ذلك فليس عليك فيه وضوء والجواب عنه أيضا بالقدح في السند وبالحمل على الاستحباب هذا
59

وأما الاحتمال الذي نقلنا من الشيخ في التهذيب فلا مستند له مما وقفنا عليه من الروايات فالقول به بعيد جدا مع أن بعض الأخبار ظاهرا
على عدم نقض هذه الصورة بخصوصها كما لا يخفى تذنيب قد ظهر مما سلف أن ما يخرج من الإحليل غير البول أربعة المني والمذي والودي بالدال
المهملة والوذي بالمعجمة أما المني فسيجئ حكمه إنشاء الله تعالى وأما المذي فقد عرفت حاله من الخلاف فيما يخرج منه بشهوة والوفاق في غيره وأما الودي
بالدال المهملة فهو ماء ثخين يخرج عقيب البول فقد نقل الاتفاق أيضا من علمائنا رحمهم الله على عدم نقضه ويدل عليه أيضا بعض الروايات
السابقة لكن يعارضه بعض آخر وسيجئ تفصيل القول فيه إنشاء الله تعالى في مبحث الاستبراء وأما الوذي بالذال المعجمة فلم يتشخص معناه لان ما وقفنا عليه
من كتب اللغة لم يذكروا شيئا مناسبا وفي الرواية السابقة فسر بما يخرج من الأدواء والأدواء كأنه جمع داء على ما في الصحاح فالمراد حينئذ ما يخرج
بسبب الأمراض ولا يخلو من بعد وفي بعض نسخ الاستبصار الأوداج بدل الأدواء وكأنها أريد بها العروق مطلقا وإن كان الودج في الأصل عرق
في العنق ولعل هذا أنسب من الأول وقال الصدوق (ره) في الفقيه الودي ما يخرج عقيب المني والحاصل أنه فيه إبهاما لكن غير ضائر لظهور الحكم في
جميع ما يخرج من الإحليل وإن شك في تسمية بعض أفراده لان ما سوى المني والبول والودي إما معلوم دخوله تحت المذي والوذي أو مشكوك أو
معلوم خروجه عنهما وعلى التقادير الظاهر فيه عدم النقض أما على الأول فإن كان داخلا تحت المذي فقد ظهر حاله وإن كان تحت الودي فالظاهر
فيه أيضا عدم النقض للأصل والروايات الدالة على الحصر وعدم نقض الطهارة بالشك في الحدث وبعض الروايات السابقة الدالة على الوذي مخصوصة
وأما على الثاني والثالث أيضا فكذلك بعين ما ذكرنا والله أعلم (والتقبيل عنها ومس الرجل فرجها) الضمير في الأول راجع إلى الشهوة وفي الثاني إلى
المرأة لدلالة الشهوة عليها ذهب إلى عدم النقض أكثر علمائنا وقال ابن الجنيد من قبل بشهوة للجماع ولذة في المحرم نقض الطهارة والاحتياط إذا كانت
في محلل إعادة الوضوء وقال أيضا أن مس ما انظم عليه الثقبان نقض وضوئه مس ظهر الفرج من الغير إذا كان بشهوة فيه الطهارة واجبة في المحرم
والمحلل احتياطا ومس باطن الفرجين من الغير ناقض للطهارة من المحلل والمحرم والظاهر قول الأكثرين لنا الأصل والروايات الدالة على الحصر وما رواه
التهذيب في باب الاحداث في الصحيح عن الحلبي قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القبلة ينقض الوضوء قال لا بأس وفي الصحيح أيضا عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)
قال ليس في القبلة ولا المباشرة ولا مس الفرج وضوء وهذه الرواية في الفقيه أيضا مرسلة في باب ما ينقض الوضوء والظاهر أن المراد بالمباشر الملامسة
بقرينة الرواية السابقة وإن أمكن إرادة الجماع أيضا لان فيه الغسل لا الوضوء وما رواه في هذا الباب أيضا عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سئلته عن
رجل مس فرج امرأته قال ليس عليه شئ وإن شاء غسل يده والقبلة لا يتوضأ منه واستدل عليه أيضا العلامة (ره) في المنتهى والمختلف والمصنف في الذكرى بمرسلة
ابن أبي عمير المتقدمة في المذي وفيه إن الظاهر أن قوله (عليه السلام) ولا من الانعاظ إلى آخر الحديث عطف على من الشهوة ويكون المعنى إن المذي من هذه الأمور ليس
فيه وضوء لا أنه معطوف على المذي حتى يدل على المدعى وذلك بوجهين أحدهما إيراد كلمة من دون في والثاني قوله (عليه السلام) في آخر الحديث ولا يغسل
من الثوب والجسد وعلى تقدير عدم الظهور فيه لا ريب في مساواته للاحتمال الاخر فلا دلالة على المطلوب والقول بأن المذي من هذه الأمور إذا لم يكن ناقضا لم
يكن أنفسها أيضا ناقضة بط واحتج ابن الجنيد بما روي أيضا في هذا الباب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا قبل الرجل المرأة من شهوة أو مس
فرجها أعاد الوضوء والجواب بعد القدح في صحة السند أنه محمول على الاستحباب للجمع ولعدم الظهور في الوجوب أو على التقية والشيخ حمله على غسل اليد
لأنه قد يسمى وضوءا أيضا وفيه بعد لا بألفظة أعاد منه (والصدوق (ره) مس باطن الدبر والإحليل أو فتحة) والمشهور بين الأصحاب عدم النقض بهذه
الأمور وقال الصدوق (ره) في الفقيه وإن مس الرجل باطن دبره أو باطن إحليله فعليه أن يعيد الوضوء وإن كان في الصلاة قطع الصلاة وتوضأ
وأعاد الصلاة وإن فتح إحليله أعاد الوضوء والصلاة والمعتمد المشهور للأصل والشهرة والرواية الدالة على الحصر وما رواه التهذيب في باب
إحداث الزيادات في الموثق عن سماعة قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل مس ذكره وفرجه أو أسفل من ذلك وهو قائم يصلي أيعيد وضوئه
قال لا بأس بذلك إنما هو من جسده وما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن معاوية بن عمار قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يعبث بذكره
في الصلاة المكتوبة قال لا بأس به حجة الصدوق (ره) ما رواه في الباب المذكور في الموثق عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئل عن
الرجل يتوضأ ثم يمس باطن دبره قال ينقض وضوئه وإن مس باطن إحليله فعليه أن يعيد الوضوء وإن كان في الصلاة قطع الصلاة ويتوضأ ويعيد الصلاة وإن
فتح إحليله أعاد الوضوء وأعاد الصلاة والجواب بعد القدح في السند بالحمل على الاستحباب للجمع أو على التقية أو على مصادقة شئ من الاحداث
كما قال الشيخ (ره) في الاستبصار وأمر الاحتياط واضح. كله لم يثبت قد ظهر وجهه مما تقدم ولا ينقض لمس المرأة يدل عليه مضافا إلى الأصل والروايات الحاصرة
60

وصحيحة زرارة المتقدمة في باب القبلة ما روى في التهذيب في باب الاحداث في الموثق عن أبي مريم قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) ما
تقول في الرجل يتوضأ ثم يدعو جاريته فتأخذ بيده حتى ينتهي إلى المسجد فإن من عندنا يزعمون أنها الملامسة فقال لا والله ما بذلك بأس و
ربما فعلته وما يعني بهذا أو لامستم النساء ألا المواقعة دون الفرج كان المراد بدون عند وقوله تعالى أو لامستم محمول على الجماع أما أولا فلقضاء
العرف وأما ثانيا فللروايتين ولا قلم الظفر وجز الشارب ونتف الإبط يدل عليه مضافا إلى ما تقدم ما رواه الشيخ في باب أحداث الزيادات
في الصحيح عن زرارة قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) الرجل يقلم أظفاره ويجز شاربه ويأخذ من شعر لحيته ورأسه هل ينقض ذلك وضؤه فقال يا زرارة
كل هذا سنة والوضوء فريضة وليس شئ من السنة ينقض الفريضة وأن ذلك ليزيده تطهيرا وهذه الرواية في الفقيه أيضا في باب ما ينقض الوضوء
وما رواه في الفقيه أيضا في هذا في باب ما ينقض الوضوء وما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن سعيد بن عبد الله الأعرج قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
آخذ من أظفاري ومن شاربي ومن أحلق رأسي فأغتسل قال لا بأس ليس عليك وضوء قلت فأمسح على أظفاري الماء فقال هو طهور ليس عليك مسح وما
رواه أيضا في هذا الباب عن محمد الحلبي قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون على طهر فيأخذ من أظفاره أو شعره أيعيد الوضوء فقال لا
ولكن يمسح رأسه وأظفاره قال قلت فإنهم يزعمون إن فيه الوضوء فقال إن خاصموكم فلا تخاصموهم وقولوا هكذا السنة والامر بالمسح بالماء كأنه على
الاستحباب جمعا بينه وبين سابقه وأكل لحم البل يدل عليه منظما إلى ما تقدم ما رواه في هذا الباب في الصحيح عن بكير بن أعين قال سألت أبا
جعفر (عليه السلام) عن الوضوء مما غيرت النار فقال ليس عليك فيه وضوء إنما الوضوء مما يخرج ليس مما يدخل وما رواه أيضا في الحسن عن سليمان بن خالد قال سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) هل يتوضأ من الطعام أشرب اللبن ألبان البقر والإبل والغنم وأبوالها ولحومها قال لا يتوضأ منه وقد روى الجمهور أنه سئل رسول
الله صلى الله عليه وآله عن لحوم الإبل فقال أتوضأ منها وأجيب بأنه منسوخ بما ذكره جابر قال كان آخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه وآله ترك
الوضوء مما مست النار أو محمول على غسل اليد والاستحباب والارتداد ذهب إلى نقضه للوضوء بعض الجمهور وهو ضعيف للأصل والروايات واحتج
الذاهب إلى النقض بقوله لئن أشركت ليحبطن عملك ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله ويقول ابن عباس الحدث حدثان حدث اللسان وحدث الفرج و
أشدهما حدث اللسان والجواب عن الآية أما أولا فبأن الاحباط عبارة عن إبطال ثواب قال في الصحاح حبط عمله حبطا بالتسكين وحبوطا بطل ثوابه
وأحبطه الله وعلى هذا لا دلالة لان إبطال الثواب لا يستلزم إبطال جميع أحكامه وأما ثانيا فبأن الاحباط مشروط بعدم العود إلى الاسلام لقوله
تعالى ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم وعن قول ابن عباس بأنه لا يصلح
للاحتجاج مع عدم ظهور دلالته
ويجب الغسل بالجنابة وجوب الغسل بالجنابة مما أجمع عليه بل كاد أن يكون من الضروريات ويدل عليه أيضا قوله تعالى وإن كنتم جنبا فاطهروا
والروايات أيضا متظافرة وقد تقدم أيضا بعض منها ولا حاجة إلى إيراد ما بقي منها لوضوح المطلب وأما إن الجنابة بأي شئ يحصل فسيجئ إنشاء الله تعالى
في مبحث الغسل والدماء الثلاثة والموت ومس الميت الادمي النجس سيجئ بيان هذه الأمور إنشاء الله تعالى في أبوابها ويجب التيمم بموجباتهما عند تعذرهما
وجوب التيمم بالموجبات المذكورة سوى الموجب الأخير كأنه إجماعي والروايات أيضا متظافرة والآية أيضا تساعد في بعضها وأما الأخير فعلى تقدير
إيجابه للغسل إن قلنا باشتراط الغسل الصلاة به فلا خفاء أيضا في إيجابه للتيمم عند تعذر الماء وإلا فمشكل وسيجئ تفصيل القول فيه إنشاء الله تعالى
في موضعه وموجبات الوضوء يتداخل أي إذا وجدت أسباب متعددة للوضوء كالبول والغائط والريح مثلا يكفي وضوء واحد للجميع وهذا الحكم موضع وفاق وأما إنه هل
يكتفى في هذا الوضوء الواحد نية القربة من دون التعرض لرفع الحدث أو لا وعلى الثاني هل يشترط نية الجميع أو الرفع المطلق أو البعض
وعلى الأخير هل يشترط عدم نفى البعض الاخر أو لا فسيجئ إنشاء الله تعالى في مبحث النية وكذا موجبات الغسل على الأقوى والاجتزاء بغسل الجنابة دون غيره
تحكم وفى تداخل أسباب الأغسال المندوبة إذا كان معها واجب قول مروى إعلم هاهنا ثلاث مقامات الأول تداخل الأغسال الواجبة والثاني
تداخل الواجبة مع المستحبة والثالث تداخل المستحبة ولنفصل القول في كل منها إن شاء الله تعالى على حدة فنقول أولا أما أن يوجد في الأسباب الجنابة أو لا
وعلى الأول فأما أن ينوى الجميع أو البعض وهو إما الجنابة أو غيرها أو يكتفى بالرفع المطلق أو الاستباحة أو يكتفى بالقربة فهي خمسة أقسام أما الأول
فالظاهر أن إجزائه موضع وفاق ويدل عليه أيضا صدق الامتثال عرفا لان تعدد الأسباب لا يوجب تعدد المسببات وإن قلنا بعدم جواز اجتماع علل مستقلة على
معلول واحد لان ذلك في الأسباب العقلية دون الشرعية وما يقال إن الأصل عدم التداخل كلام خال عن التحصيل كما لا يخفى والروايات أيضا تدل عليه
منها ما رواه الكافي في باب ما يجزى الغسل منه إذا اجتمع في الحسن عن زرارة قال إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزاك غسلك ذلك للجنابة والجمعة وعرفة
61

والنحر والذبح والزيارة فإذا اجتمعت لله عليك حقوق أجزأها عنك غسل واحد قال قال وكذلك المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها وإحرامها وجمعتها
وغسلها من حيضها وعيدها وهذه الرواية وإن كانت مضمرة حسنة ظاهرا لكنها مسندة في التهذيب في باب الأغسال إلى أحدهما عليهما السلام وأيضا ظاهرا
إن زرارة لا يروى إلا عن الإمام عليه السلام فبهذا يخرج عن الاضمار ظاهرا وأما حسنها فبإبراهيم بن هاشم ولا يبعد الول فيه بالتوثيق لان العلامة (ره) كثيرا ما
يصف الرواية التي هو فيها بالصحة ومن جملتها هذه الرواية وأيضا يقولون كثيرا أن طريق الشيخ (ره) إلى فلان صحيح وطريق الصدوق إلى فلان صحيح وهو
في الطريق مع انحصار الطريق فيه ظاهرا والظاهر أن الظنون التي في باب الرجال ليس بأقوى من هذا فإن لم نقل بصحة الرواية فلا ريب في اعتبارها خصوصا
مع معاضدتها برواية التهذيب مع أن رواية التهذيب أيضا صالحة للاعتماد لان رجالها موثقون سوى علي بن السندي وهو أيضا مما لا يبعد القول جدا
بتوثيقه كما يفهم من الرجال وأيضا ابن إدريس (ره) أورد هذه الرواية في أواخر السراير وحكم بأنه مما انتزعه من كتاب حريز بن عبد الله السجستاني وكتاب
حريز أصل معتمد معول عليه وبالجملة الظاهر أن هذه الرواية لا يقصر عن الصحاح ومنها ما رواه الكافي أيضا في الباب المذكور عن جميل بن دراج عن بعض
أصحابنا عن أحدهما (عليه السلام) أنه قال إذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر أجزأ منه ذلك الغسل من كل غسل يلزمه ذلك اليوم ومنها ما رواه الشيخ (ره) في
زيادات التهذيب أوايل باب تلقين المحتضرين في الصحيح عن زرارة قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) ميت مات وهو جنب كيف يغسل وما يجزيه من الماء قال يغسل غسلا
واحدا يجزي ذلك للجنابة ولغسل الميت لأنهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة وهذه الرواية في الكافي أيضا بطريق حسن عن إبراهيم بن هاشم في باب
الميت يموت وهو جنب ووجه الاستدلال بالرواية من حيث تعليله (عليه السلام) لأنه عام وقد وردت روايات كثيرة دالة على التداخل في خصوص بعض
الأغسال وهي وإن لم يدل على تمام المدعى لكن يمكن تتميمه بعدم القول بالفصل من جملتها ما رواه الشيخ (ره) في زيادات التهذيب في باب الحيض في الصحيح عن
عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن المرأة تحيض وهي جنب هل عليها غسل الجنابة قال غسل الجنابة والحيض واحد وهذه الرواية
في الكافي أيضا في باب المرأة ترى الدم وهي جنب ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب في الموثق عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال إذا حاضت المرأة وهي جنب أجزأها غسل
واحد وما رواه أيضا في الموثق عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئل عن رجل أصاب من امرأته ثم حاضت قبل أن يغتسل قال تجعله غسلا واحدا وما
رواه أيضا في هذا الباب في الموثق عن حجاج الخشاب قال سألت أبا عبد الله عن رجل وقع على امرأته فطمثت بعد ما فرغ أتجعله غسلا واحدا إذا طهرت أو
تغتسل مرتين قال تجعله غسلا واحدا عند طهرها ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته
عن المرأة يواقعها زوجها ثم تحيض قبل أن تغتسل قال إن شائت أن تغتسل فعلت وإن لم تفعل ليس عليها شئ فإذا طهرت اغتسلت غسلا واحدا
للحيض والجنابة ومنها ما رواه أيضا في الباب المذكور عن شهاب بن عبد ربه وقد تقدم في بحث استحباب الوضوء لغاسل الميت وقد وردت روايات أيضا
دالة على تداخل غسل الجنابة وغسل الميت لكن يمكن المناقشة في دلالتها على ما نحن فيه إذ ليس بظاهر وجوب غسل الجنابة على الميت لان تكليفات الغسل لم
يتوجه إليه وتكليف آخر وجوبي على الاحياء بتغسيله لم يثبت ولفظة الحرمة في الرواية السابقة لا ظهور لها في الوجوب هذا ثم أنه هل يجب مع ذلك الغسل
الوضوء أم لا فإن لم نقل بوجوب الوضوء مع غير الجنابة أيضا كما هو الظاهر وسيجئ إنشاء الله تعالى فالامر ظاهر وإن قلنا بالوجوب كما هو المشهور فحينئذ الظاهر من كلام
القائلين به عدم الوجوب في هذه الصورة فإن حصل الاجماع فلا بحث وإن لم يحصل فلا يخلو من إشكال لان هذا الغسل كما يصدق عليه غسل الجنابة يصدق عليه
غيره أيضا وكما ورد الأثر بعدم وجوب الوضوء مع غسل الجنابة كذلك ورد بوجوبه مع غيره على زعمهم فحينئذ يحصل التعارض بين الآثار فيتساقط ويبقى
عموم آية الوضوء بحاله إلا أن يمنع العموم كما مر مرارا وأما الثاني وهو أن ينوي في الغسل الواحد الجنابة فقط وقد ادعوا الاتفاق أيضا في أجزائه عن
الجميع ولا يخفى أن هذا القسم يحتمل وجهين نيه الجنابة مع عدم التعرض للباقي أو مع نفيه ولم يعلم أن الاجماع في الصورتين أو في الأولى فقط والظاهر
الأخير لان بعضهم كالمصنف في الذكرى قرب عدم الصحة في نظير الصورة الأخيرة في الاحداث الأصاغر ففي الأكابر أيضا كذلك بالطريق الأولى والله أعلم
وقد استدل على الاجزاء مضافا إلى الاجماع بأن الحدث الذي هو عبارة عن النجاسة الحكمية متحد وإن تعددت أسبابه فإذا نوى ارتفاعه بالسبب الأقوى
ارتفع بالإضافة إلى غيره وفيه ضعف لما عرفت سابقا من عدم ثبوت هذه المقدمات التي يدعيها القوم من وجود معنى هو الحدث مانع للصلاة وإن
الطهارة إنما شرعت لارتفاعه وبعد ارتفاعه إنما تستبيح الصلاة إلى غير ذلك من وجوه الضعف كما يظهر بالتأمل فإن قلت هل يجرى الدليلان السابقان
هنا من صدق الامتثال والروايات قلت الظاهر أجراؤهما أما الامتثال فلانه إذا طلب شئ من أحد ثم أتى به وإن لم يكن إتيانه به من جهة ذلك الطلب لما يسوغ في
العرف أن يقال له معترضا عليه لم لم تأت بذلك المطلب خصوصا إذا كان إتيانه به من جهة طلب آخر من ذلك المطالب كما فيما نحن فيه نعم القدر المسلم على تقدير تماميته
62

دليله أن في الأوامر الإلهية التي من باب العبادات لا يكفي الاتيان بالمطلوب بأي وجه كان بل لا بد من الاتيان به متقربا إليه فالمأمور به في الحقيقة في أمثال
هذه الأوامر ليس الطبيعة مطلقة بل الطبيعة مع قيد الاخلاص وسيجئ الكلام فيه إنشاء الله تعالى في مبحث النية ولا شك أن الاتيان بالمطلوب فيما نحن فيه التقرب ولا نسلم
أنه يلزم أن يكون المنظور ذلك الطلب بخصوصه لا يقال أن ما ذكرت وإن صح بحسب العرف لكن الشرع ورد بخلافه للرواية التي كادت أن تكون متواترة كما هو
المشهور من قوله إنما لامرء ما نوى لان في الصورة المذكورة لم ينو امتثال غير الجنابة فلم يكن له بدليل الحصر لأنا نقول لا نسلم عموم هذه الرواية بل هي أما مجملة لم
يعلم المراد منها أو ظاهرة في أن للمرء في أعماله ما قصده من ذلك العمل من التقرب إلى الله تعالى وطلب مرضاته والمثوبات الأخروية أو مطلبا آخر فاسد من المطالب
الدنيوية وحاصله أنه لا بد في الأعمال من الاخلاص وأن يكون الغرض منها ابتغاء مرضاته حتى يترتب عليها الثواب وقس عليه ما ورد أيضا من أنه لا عمل إلا
بنية وإنما الأعمال بالنيات وليس المراد إن ما لم يقصد في الأعمال لم يحصل للمرء أي شئ كان كما يحكم به الوجدان وعلى تقدير تسليم العموم أيضا يمكن؟
أن يقال لا نسلم أنه لم ينو في الغرض المذكور امتثال أوفر ما عدا الجنابة لان الامتثال كما عرفت إنما يحصل بإتيان الفعل مع الاخلاص فعند قصد ذلك
الفعل مع الاخلاص إنما يقصد الامتثال أيضا ضمنا وإن لم يكن صريحا ولا نسلم ظهور الرواية في القصد الصريح فإن قلت بما تقرر ظهر أن في الصورة
المذكورة يحصل الامتثال بمعنى سقوط الذم على الترك والعقاب به وعدم بقاء توجه التكليف إليه فهل يحصل الثواب والاجر على مثل ذلك الفعل قلت
الظاهر على قاعدة القايلين بأن الحسن والقبح عقليان وهو الحق كما بين في موضعه أن يكون له استحقاق مدح أو ثواب على ذلك الفعل إذ على هذه القاعدة
لا بد أن يكون للفعل في نفسه حسن حتى يأمر به الشارع فلما أمر الشارع بذلك الفعل علم أنه حسن في الواقع وحسنه لا بد أن لا يكون مشروطا بشئ إذ لو كان مشروطا
لأمر بذلك الشرط أيضا غاية ما في الباب تسليم اشتراطه بالقربة بناء على دلالة الكتاب والسنة عليه وأما اشتراطه بأن يكون الاتيان لخصوص ذلك الامر فلا
إذا قد علمت أنه لا يلزم من نفس الامر بذلك الشئ ولا دليل خارجا أيضا يدل عليه والقربة موجودة في فرضنا هذا فلا بد أن يحصل للمكلف ما يترتب على ذلك
الفعل من مدح أو ثواب أو كمال أو غير ذلك من المنافع الدنيوية والأخروية نعم لا نأبى أيضا من أن يكون الاتيان بقصد امتثال ذلك الامر بخصوصه حسنا
لحكم العقل به ظاهر أو قد فاته حينئذ ذلك الحسن هذا ولا يخفى عليك جريان ما ذكرنا من تحقق الامتثال في كلا وجهي هذا القسم السابقين لان المكلف إذا كان
عالما بأنه إذا اغتسل للجنابة يلزمه الخروج عن عهدة الغسل الاخر أيضا فلا يكون قصد نفيه قصدا حقيقيا بل يكون من باب التخيلات وإن لم يعلم فحينئذ وإن أمكن
تحقق ذلك القصد منه خطأ لكن الظاهر أنه ليس بضائر لما علمت من كفاية الاتيان بالفعل في الامتثال عرفا واشتراطه بالقربة في العبادات شرعا وأما غير ذلك
فلا حتى يثبت بدليل ولا دليل على اشتراط عدم قصد النفي وما يتخيل من دلالة الرواية المذكورة فقد عرفت ما فيه هذا حال الامتثال وأما الروايات
فلأنها بإطلاقها دالة على كفاية الغسل الواحد مطلقا هو شامل لهذه الصورة أيضا فيجب الحكم بدخولها تحته لعدم ما يخرجها نعم لو ثبت أن في مثل
هذه الصورة لم يتحقق الامتثال للجميع بل الامتثال إنما هو للمنوي فقط لكان في دلالة الروايات حينئذ إشكال لوجود المعارض بيانه أنه لو لم يتحقق الامتثال للجميع بل للمنوي فقط
لكان كفاية الغسل الواحد عنه باعتبار سقوط التكليف عن غير المنوي إذ مع التكليف لا بد في الخروج عن العهدة من الامتثال وهو ظاهر وسقوط التكليف عن
غير المنوي مستلزم لتقييد التكاليف المطلقة به إذ مع بقائها على الاطلاق لا معنى للسقوط ومعنى التقييد ها هنا إن التكليف بغسل الحيض مثلا إنما هو
مقيد بعدم الغسل للجنابة إذ معه لا يجب غسل الحيض وإذ تقرر هذا فنقول قد تعارض عموم الروايات الدالة على وجوب غسل الحيض مثلا والروايات الدالة على الكفاية
وبينهما عموم من وجه فكما يمكن تقييد روايات الوجوب بعدم غسل الجنابة كذلك يمكن تقييد روايات الكفاية بقصد الجميع لتحقق الامتثال حينئذ والظاهر
أن الثاني أولى لكثرة المعارضات وأرجحية مستندها مع أن الظاهر من رواية الكفاية أيضا بقاء وجوب الأغسال بحالها وكفاية غسل واحد لها لا سقوط
بعضها ولا يذهب عليك أن في صورة الشك أيضا في كون هذا الفعل امتثالا للجميع أو لا يمكن الاستدلال بروايات الكفاية كما في صورة اليقين بالامتثال إذ لو
بقي هذه الروايات على عمومها لم يعلم بتحقق التخصيص في روايات الوجوب لاحتمال الامتثال حينئذ ولو خصص لكان التخصيص متيقنا ولا ريب أن ارتكاب احتمال
التخصيص أدنى من ارتكابه يقينا هذا وأما حال وجوب الوضوء مع هذا الغسل وعدمه فعلى ما اخترناه ظاهر وأما على المشهور فالظاهر أيضا أنهم قائلون بعدمه وأنت خبير
بأن مع ثبوت الاتفاق لا بحث وأما مع عدم ثبوته فللبحث مجال كما علمت في سابقه نعم لو قيل بأن الكناية ها هنا
ليس من جهة الامتثال للجميع بل من جهة سقوط
غير الجنابة لكان عدم الوجوب حينئذ ظاهرا من غير مناقشة كما لا يخفى وأما الثالث وهو أن ينوي غير الجنابة ففي الاجزاء حينئذ خلاف فالمحقق في المعتبر والمصنف في الذكرى
وهذا الكتاب ذهبا إلى الاجزاء والعلامة (ره) في القواعد إلى عدمه وهذا هو الذي حكم المصنف بأنه تحكم ولما كان في كلام القوم ها هنا اشتباه فلا بد أولا من تحرير
محل النزاع وتوضيحه ثم الاشتغال بأدلة الطرفين فاعلم أولا أنهم ذكروا أن هذا الخلاف يتأتى على المشهور من وجوب الوضوء في غير الجنابة وعدمه فيها وأما
63

على ما ذهب إليه المرتضى (ره) من عدم الوجوب فيهما جميعا فلا مجال للخلاف إذ على هذا لا ريب في الاجزاء وعلى تقدير الخلاف فكلام العلامة (ره) مشتبه في كتبه أن
الخلاف فيماذا فيفهم من بعض كتبه ظاهرا أن الخلاف في ارتفاع حدث الجنابة بذلك الغسل وعدم ارتفاعه مع صحته في نفسه وأجزائه عن الحدث المنوي ومن
البعض الاخر أن الكلام في صحة هذا الغسل وإجزائه عن الحدث المنوي أيضا لا في إجزائه عن الجنابة فقط ويمكن أن يكون الاشكال في موضعين الأول في صحة
هذا الغسل وإجزائه عن المنوي والثاني في إجزائه عن الجنابة بعد صحته في نفسه ولنفرض الكلام أولا في الموضع الأول فنقول الظاهر صحة هذا الغسل للامر به مطلقا
من غير تقييد فيكون الاتيان به مجزيا وهو معنى الصحة وما يمكن أن يستدل به على خلافه كما يستنبط من كلام العلامة في كتبه فمدفوع وهو أن حد الجنابة أقوى من
غيرها من أسباب الغسل ورفع الأدنى لا يستلزم رفع الأقوى وإذا لم يرتفع الجنابة لم يرتفع غيرها أيضا لان مع بقاء الأقوى لا يمكن ارتفاع الأضعف ووجه
قوة الجنابة أن مع ارتفاعها يرتفع باقي الاحداث بخلاف ما عداها بدليل وجوب الوضوء بعد غسله دون غسلها وهذه الاستدلال ضعيف ومن وجوه
أحدها ما علمت سابقا من عدم ثبوت هذه المقدمات التي يدعيها القوم من ثبوت الحدث وغيره مما مر وثانيها منع قوة الجنابة قولهم في بيانها مع
ارتفاعها برافع باقي الاحداث نقول هذا إنما يستلزم قوة رافعها لا قوتها وهو ظاهر وفيه كلام آخر أيضا سيجئ في الموضع الثاني كما يستنبط من كلام
العلامة في كتبه والقول بأنها إذا لم تكن قوية لم يكن رافعها قويا بل يكون كرافع ما عداها ممنوع وثالثها قولهم أن رفع الأدنى لا يستلزم رفع الأقوى
إن أريد به ظاهره من عدم الاستلزام فممنوع لكن عدم الاستلزام لا يستلزم عدم ارتفاع الأقوى مطلقا إذ يجوز أن يرتفع الأقوى بارتفاع الأدنى في بعض
المواضع وإن لم يكن لازما فحينئذ لا نسلم وضع المقدم في قولهم وإذا لم يترفع الجنابة فإن قيل إذا لم يستلزم رفع الأدنى رفع الأقوى يلزم عدم ارتفاع الأقوى
فيما نحن بصدده إذ لا بد في ارتفاعه من دليل لأنه حكم شرعي لا يرتفع إلا بدليل ولا دليل ها هنا قلنا عدم الدليل ممنوع لان الأدلة الدالة على إجزائه عن الجنابة
كما سنذكرها إنشاء الله تعالى دالة عليه وإن أريد عدم رفعه للأقوى مطلقا أو فيما نحن فيه فممنوع وسنذكر إنشاء الله تعالى في الموضع الثاني ما يمكن أن يستدل به على المقدمة؟
مع جوابه ورابعها منع قولهم مع بقاء الأقوى لا يمكن ارتفاع الأضعف ثم أن العلامة (ره) استشكل في المقام بعد أن قرب عدم الاجزاء في صورة انضمام الوضوء
إلى ذلك الغسل فإن كان فرض كلامه (ره) في هذا الموضع فوجه الاستشكال إن هذا الغسل مع الوضوء لما كان مساويا لغسل الجنابة في رفع جميع الاحداث و
استباحة الصلاة فيلزم أن يرتفع به الجنابة أيضا كمساويه ومع ارتفاعها لا إشكال في ارتفاع ما عداها أيضا وأن هذا الغسل بنفسه لما لم يرفع الجنابة كما بينا فلم
ينفع انضمام الوضوء إليه لأنه لا دخل له في ارتفاع الجنابة أصلا بل إنما هو لارتفاع الحدث الأصغر وإذا لم يرتفع الجنابة فالحكم باق بحاله وإذ قد علمت الحال في
هذا الموضع فلنشرع إلا أن في الموضع الثاني فنقول الظاهر أيضا تحقق التداخل في هذا الموضع أما على ما اخترناه من عدم وجوب الوضوء في الأغسال مطلقا فظاهر أما
أولا فلما عرفت من عدم الخلاف على هذا القول وأما ثانيا فلصدق الامتثال وإطلاق الروايات المتقدمة وأما على المشهور فلثاني الوجهين وقد استدل
المحقق الشيخ على (ره) في شرح القواعد بوجوه أخر ضعيفة يظهر ضعفها بالتأمل فيما ذكرناه ولم نذكرها مخافة التطويل فمن رامها فليراجعها وأما حجة النافين
فهي إن غسل الجنابة أكمل من غيره من الأغسال وأقوى والأضعف لا يقوم مقام الأقوى فلا يكون هذا الغسل مجزيا عنه وأما بيان قوة غسل الجنابة فمن وجهين
الأول إن حدث الجنابة أقوى من غيره لما تقدم فيكون الغسل الذي رافعه أقوى من غيره والثاني إن غسل الجنابة لما رفع جميع الاحداث صغيرها وكبيرها بدليل
عدم الاحتياج إلى الوضوء يكون أقوى من غيرها مما لم يرفع الأصغر لاحتياجه إلى الوضوء وفيه نظر من وجوه أحدها عدم ثبوت هذه المعاني كما مر مرارا و
ثانيها أنا لا نسلم أن ها هنا قياما لغير غسل الجنابة مقامه لان هذا الغسل غسل الجنابة أيضا لان غسل الجنابة ما يكون بالوجه الخاص بعد الجنابة للقربة وهذه
الأوصاف متحققة فيه وأما قصد أنه غسل الجنابة صريحا فلا نسلم لزومه في تحققه وثالثها منع قوة غسل الجنابة وما ذكره في بيانه من الوجهين فاسد أما الأول
فلمنع قولهم بارتفاعها يرتفع باقي الاحداث بخلاف ما عداها قولهم في بيانه بدليل وجوب الوضوء بعد غسله دون غسلها قلنا هذا لا يستلزم المطلوب
لجواز أن لا يكون وجوب الوضوء لارتفاع الحدث الأصغر الباقي بعد ارتفاع الحدث الأكبر بل يكون لقوة هذه الاحداث بحيث لا يكفي في رفعها الغسل فقط بل
لا بد فيه من الوضوء أيضا بخلاف الجنابة إذ يكفي في رفعها الغسل فقط لضعفها وقد يؤيد قوة الحيض بالنسبة إليها ما رواه الكافي في باب المرأة ترى
الدم وهي جنب عن سعيد بن يسار قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) المرأة ترى الدم وهي جنب أتغتسل من الجنابة أو غسل الجنابة والحيض واحد فقال قد أتاها ما هو
أعظم من ذلك وأما الثاني فلمثل ما ذكرنا أيضا لان الاحتياج إلى الوضوء لا يلزم من أن يكون للحدث الأصغر بل يجوز أن يكون لما تقدم ولو سلم أنه للحدث
الأصغر فنقول لم لا يجوز أن يكون الأغسال متساوية في القوة لكن لما كان حدث الجنابة ضعيفا يقوى غسلها على رفعه مع رفع الحدث الأصغر بخلاف
باقي الاحداث لأنها لقوتها لا يقوى غسلها على رفعها مع رفع الحدث الأصغر بل إنما يرفعها فقط ويحتاج إلى الوضوء لرفع الأصغر هذا ما يقال في هذا المقام
64

من باب المناظرة وموافقة القوم والحق أن أمثال هذه الوجوه والدلايل ما لا يناسب طريقتنا بل هي مناسبة لطريقة الجمهور وقد يستدل؟ على عدم الاجزاء
بأن الافعال تابعة للقصود والدواعي فحيث لم يقصد غسل الجنابة وارتفاعها لم يحصلا وجوابه يظهر مما قدمناه ويستدل أيضا بما رواه التهذيب في الزيادات
في باب الحيض في الموثق عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام) قالا في الرجل يجامع المرأة فتحيض قبل أن تغتسل من الجنابة قال غسل الجنابة
عليها واجب وفيه بعد الطعن في السند أنه لا يستلزم المدعى لان وجوب غسل الجنابة عليها لا ينافي تداخله مع غسل الحيض إذ مع التداخل لا يرتفع الوجوب كما علمت مما
سبق فإن قلت إذا لم يكن غسل الجنابة على حدة لازما ولا نية بخصوصه أيضا كما ذهبتم إليه فأي فائدة في حكمه (عليه السلام) بوجوبه قلت لعل فأيدته رفع توهم أنه حينئذ تسقط
وجوب غسل الجنابة وإنما يجب غسل الحيض فقط وفايدة بقاء الوجوب ظاهرا حينئذ لو ترك الغسل بعد الحيض لكان العقاب بترك واجبين ولو أتى
به لكان الثواب بفعلهما إلى غير ذلك ولا ينحصر الفايدة في الافراد والنية هذا ثم أنه إذا قيل بصحة هذا الغسل ورفعه للحدث المنوي وعدم رفعه للجنابة فلا بد
له من الوضوء بناء على المشهور فمع الوضوء هل يرتفع الجنابة أو لا فقد توقف فيه العلامة (ره) في المنتهى وفى القواعد أيضا بناء على أن يكون كلامه في القواعد
في الموضع الثاني وقرب الارتفاع في التذكرة ومنشأ التوقف كما في المنتهى عموم الاذن في الدخول في الصلاة من الاغتسال من الحيض والنفاس والوضوء وذلك
يستلزم رفع كل حدث وكون الغسل الأول لم يقع من الجنابة والوضوء ليس برافع لها ووجه التقريب في التذكرة بوجود المساوي لغسل الجنابة في الرفع ولنا غنية
عن النظر في هذه الوجوه وإذا قيل بصحته ورفعه للجنابة كما اخترنا فهل يجب الوضوء أم لا قرب المحقق في المعتبر عدم الوجوب وحكم العلامة (ره) أيضا في المنتهى
بعدم الوجوب على ذلك الفرض وقرب المصنف (ره) في الذكرى وجوبه لعموم أدلة الوجوب وأنت بما ذكرنا سابقا يمكنك استنباط الحال ها هنا أيضا وأما على ما اخترناه
من عدم وجوب الوضوء في الأغسال مطلقا فالامر واضح وأما الرابع وهو ما يكفي فيه نية رفع الحدث مطلقا أو الاستباحة فالظاهر أيضا الاجزاء عن الجميع لصدق
الامتثال والروايات وكلام الأصحاب أيضا مما اطلعنا عليه دال على الاجزاء وذكروا أن نية السبب لا يحتاج إليها في الغسل الواجب لان المطلوب فيه رفع الحدث والاستباحة
كما في الحدث الأصغر إلا أن العلامة (ره) استشكل فيه في القواعد وإن كان في الاستشكال أيضا مائلا إلى طرف الاجزاء كما يظهر من عبارته ومنشأ الإشكال
كما قال شارحه المحقق (ره) من أن غسله صالح لكل من الأضعف والأقوى والرفع إنما يتحقق بانصرافه إلى الأقوى وانصرافه إليه ترجيح من غير مرجح ومن عموم قوله (عليه السلام)
إنما لكل امرء ما نوى وقد نوى بالاستباحة زوال المانع فيجب أن يحصل له وإنما يتحقق برفع حدث الجنابة فيرتفع انتهى ثم قال وقوة هذا الوجه ظاهرة و
أنت بما قدمنا لا تحتاج إلى بيان ما في الوجه الأول وأما الوجه الأخير الذي قواه أيضا فهو ضعيف إذ لا دلالة في الخبر على أن جميع ما ينوي المرء يحصل له غاية ما في الباب تسليم دلالتها على أن جميع ما لم يبق لم يحصل له
وهذا لا يستلزم الأول لان عكس نقيضه لا ينعكس كليا لايجابه وكلمة ما وإن سلم عمومها لكن في هذا المقام لا يدل على العموم ظاهرا كما يحكم به الوجدان في
ملاحظة ما هو بمنزلته من النفي والاستثناء كما يقال ما عملت إلا ما يضرني ما وصل إلي من فلان إلا ما لا ينفعني ما اكتسب فلان إلا ما هو وبال عليه إلى غير ذلك
فإنه يفهم من جميعها انتفاء ما عدا مدخول ما لا تحقق جميع أفراد مدخولها فالأولى أن يتمسك فيه بما ذكرنا من الامتثال والروايات وقد قطع القائلون
بالاجزاء حينئذ بعدم الاحتياج إلى الوضوء وأنت خبير بإمكان المناقشة فيه لو لم يتحقق الاجماع كما قدمنا وأما الخامس وهو ما ينوى فيه القربة فقط بدون الرفع
أو الاستباحة وهو على وجهين أما أن لا يقصد الوجوب أيضا أو يقصد والكلام فيه إنما يبتني على الكلام في النية فإن لم يشترط فيها نية الرفع والاستباحة و
الوجه بل يكتفي بالقربة كما هو الظاهر على ما سيجئ إنشاء الله تعالى فالظاهر حينئذ الاجزاء عن الجميع بكلا وجهيه للامتثال والروايات ويتوهم فيه أيضا الاشكال الذي نقلنا
آنفا من القواعد وإن اشترطا معا أو الأول خاصة فلم يجزء عن شئ أصلا على الوجهين وإن اشترط الثاني خاصة فلم يجزء الأول عن شئ ويجزئ الثاني عن
الجميع والوجه في الكل ظاهر وبما ذكرنا ظهر الحال في الوجوه السابقة بالنسبة إلى نية الوجوب وعدمها والعلامة (ره) في النهاية شرط في الغسل نية أحد
الامرين من الرفع والاستباحة ونيه الوجه ثم ذكر في هذا المقام الذي نحن فيه ولو نوى الاغتسال مطلقا احتمل رفع الأدنى وعدمه ولا يخفى الاحتمال
الأول بناء على أن رفع الأدنى هو أقل المراتب والزيادة لا دليل عليها فالغسل إنما يصار إليه ووجه الاحتمال الثاني ظاهر هذا وحال الوضوء في هذه الصورة
أيضا بقياس سابقها هذا بيان أحكام ما إذا اجتمعت الأغسال الواجبة وفيها غسل الجنابة وأما إذا لم يوجد فيها غسل الجنابة فالظاهر من كلام القوم
إطباقهم على جواز التداخل فيها سواء نوى الجميع أو البعض أو اكتفى برفع الحدث أو الاستباحة وذكروا في بيان السبب لا يلزم في الغسل الواجب كما نقلنا
سابقا ولو اكتفى بالقربة فيبتني على الخلاف في النية كما مر ويدل عليه أيضا صدق الامتثال وبعض الروايات السابقة وحال الوضوء فيه ظاهر إذ
على المشهور يجب قطعا على مذهب المرتضى (ره) لا يجب واعلم إن الأبحاث التي ترد في خصوصيات بعض هذه الأقسام في تطهيره من الاحداث الأصاغر مثل ما
65

لو نوى البعض ونفى الباقي واردة ها هنا أيضا فلا تظن الاطباق في جميع الشقوق والحاصل أن هذه الاحداث حالها كحال الاحداث الأصاغر بعينها في
هذا الحكم عند الأصحاب فما أورده وفيها جار ها هنا أيضا وأما المقام الثاني أي تداخل الواجبة مع المستحبة فلنذكر أولا ما هو الظاهر عندنا ثم نورد ما هو
مذهب الأصحاب (ره) فنقول الظاهر فيه التداخل مطلقا سواء نوى الجميع أم البعض أو لم ينو شيئا منها وسواء كان البعض واجبا أم ندبا لصدق الامتثال ولاطلاق روايتي زرارة ومرسلة جميل السابقة
ويؤيده أيضا ما رواه الفقيه في كتاب الصوم في باب ما يجب على من أفطر أو جامع في شهر رمضان قال وروى في خبر آخر أن من جامع في أول شهر رمضان ثم نسي الغسل
حتى خرج شهر رمضان إن عليه أن يغتسل ويقضي صلاته وصومه إلا أن يكون قد اغتسل للجمعة فإنه يقضي صلاته وصيامه إلى ذلك اليوم ولا يقضي ما
بعد ذلك وأما ما يتوهم معارضا فسنذكره في ضمن نقل مذهب الأصحاب مع جوابه وأما الأصحاب فقد ذهب الشيخ (ره) إلى الاجزاء عن الجميع إذا نوى الجميع أو
الواجب وكذا لو نوى الرفع ولو نوى الندب لم يجزء عن شئ لا من الواجب ولا من الندب أما من الواجب فلعدم نيته وأما من الندب فلان المقصود منه التنظيف و
من هو محدث بالحدث الأكبر لم يصح منه التنظيف وكذا لو لم ينو شيئا منهما وفيه نظر أما في الأول فلمنع اشتراط نية الواجب بخصوصه لصدق الامتثال بدونه وأما في الثاني فلان كون المقصود منه
التنظيف غير ممنوع ومع تسليمه لا نسلم توقفه على ارتفاع الحدث الأكبر إلا ترى صحة غسل الاحرام من الحائض وأيضا قد عرفت ارتفاع الحدث أيضا لاجزائه عن الواجب كما بينا
هذا نسب إليه جمع من علمائنا في الخلاف والمبسوط لكن الظاهر من الخلاف إن في الصورة الثانية لا يقول بالاجزاء عن الجميع بل عن الواجب فقط وعدم الاجزاء
عن شئ منهما في الصورة الثالثة كأنه مصرح به في الخلاف وأما عبارته في المبسوط فغير ظاهرة فيه بل لا يبعد إيماؤه إلى عدم الاجزاء عن الواجب فقط ووافقه المحقق
(ره) في المعتبر في الصورة الأولى واستشكل في الصورة الثانية بناء على اشتراطه نية السبب في الغسل المستحب إذ ليس المقصود منه رفع الحدث بخلاف الواجب وفيه أن اشتراط
نية السبب في الغسل المستحب ممنوع وما ذكر في بيانه غير تام لان الامر به مطلق من غير تقييد فيجب أن يكون مجرد الاتيان به كافيا في الامتثال واشتراطه بشئ آخر لا بد
له من دليل ولا دليل والمقصود منه أي شئ كان لا يستلزم التقييد سواء كان رفعا أو تنظيفا أو غيرهما كما لا يخفى لكن هذا الاشكال وارد على الشيخ (ره) من حيث أنه
يشترط في الغسل المندوب نية السبب كما هو الظاهر من كلامه وكأنه (ره) مع قوله بالاشتراط نظر ها هنا إلى أن الغسل المندوب لما كان الغرض منه التنظيف فمع رفع
الحدث يحصل ذلك الغرض بوجه أكمل فيكون مجزيا عنه ونية السبب إنما يشترط فيما لم يرتفع فيه الحدث واستشكل في الصورة؟ الثالثة أيضا وقال وفيه أيضا إشكال لأنه إن نوى الطهارة أجزء عنهما وإن نوى التنظيف دون الطهارة فقد أجزء عن الجمعة إذ ليس المراد من المندوبة
رفع الحدث بل يصح أن يجامع الحدث كما يصح غسل الاحرام من الحايض انتهى وفيه إن ما ذكره من أنه لو نوى الطهارة أجزأ عنهما لا دخل له بالمقام إذ الكلام فيما
نوى غسل الجمعة فقط أما لو نوى الطهارة فيخرج عن المبحث ويدخل في ما نوى رفع الحدث والشيخ قايل بأنه يجزي عن الجميع كما ذكرنا وأما ما ذكره من الاجزاء
عن الجمعة فحسن لما عرفت لكن تقييده الاجزاء بشرط نية التنظيف فاسد إذ لا دليل عليه ولم يقل به أيضا أحد كما هو الظاهر إلا أن يكون مراده بنية التنظيف أن لا ينوي الطهارة
بل ينوى غسل الجمعة فقط وقد يناقش أيضا في قوله إذ ليس المراد من المندوبة (آه) لان الشيخ (ره) لم يستدل على عدم الاجزاء بأن المراد منه رفع الحدث حتى يصح هذا
في مقابله بل بأن المراد التنظيف وهو لا يحصل مع بقاء الجنابة فالأولى في الرد ما ذكرنا ووافق الشيخ (ره) في الصورة الأخيرة أيضا ووجهه اشتراط الغسل الواجب
والمندوب بنية السبب أو الرفع في الواجب خاصة ولم يحصل شئ منهما ها هنا فلا يكون مجزيا والجواب منع الاشتراط كما أشرنا إليه وسيجئ أيضا زيادة بسط في
مبحث النية إنشاء الله تعالى والعلامة (ره) في التذكرة ذهب إلى أنه لو نوى الواجب والندب جميعا بطل غسله ولو نوى الجنابة ارتفع حدثه ولم يثبت على غسل الجمعة وإن
نوى الجمعة صح عنها وبقي حكم الجنابة إذ لا يراد به رفع الحدث ولهذا يصح للحايض غسل الاحرام ولو لم ينو شيئا منهما بطل ووجه البطلان في الأول
كأنه لزوم اجتماع المتضادين لتضاد وجهي الوجوب والندب بوقوعه لو قلنا عنهما والترجيح من غير مرجح إذا قيل بوقوعه عن أحدهما مع أن قصدهما
معا كأنه لا يمكن أيضا مع الالتفات إلى المنافاة ولا يذهب عليك أن هذا الاشكال لا يختص بصورة ما إذا نوى الجميع بل يجزي فيما إذا نوى الواجب فقط أو الندب
فقط أيضا إذا قيل بالجزاء عن الجميع كما اخترناه لكن تقرير الاشكال فيهما بوجه آخر وهو أن يقال لو كان الغسل الواحد مجزيا عن الجميع لكان واجبا ومندوبا
وهو محال لتضادهما وجوابه منع استحالته لاختلاف الجمعة فإن هذا الغسل الواحد من حيث أنه فرد لغسل الجمعة وامتثال للامر به مستحب ومن حيث أنه فرد لغسل الجنابة وامتثال للامر به واجب وبهذا أظهر إمكان
قصدهما أيضا مع أن الشيخ (ره) في الخلاف ادعى الاجماع على الاجزاء عن الجميع مع نية الجميع وما ذكره من عدم الثواب على غسل الجمعة في الصورة الثانية كان
وجهه مع ما ذكر اشتراط نية السبب في المندوب وتبعية الفعل للمقصود لقوله تعالى وإن ليس للانسان إلا ما سعى وإنما الأعمال بالنيات وإنما لامرء ما نوى
إلى غير ذلك مما هو من هذا القبيل والكل قاصر عن إفادة المرام كما أشرنا إلى بعضها فيما تقدم ويستنبط منه حال البعض الاخر وأما ما ذكره من بقاء حكم
66

الجنابة في الصورة الثالثة والبطلان في الأخيرة فقد عرفت ما فيه ولا حاجة إلى الإعادة وللمصنف (ره) في الذكرى بعد ما تكلم في تداخل المندوبة قال
هذا كله مع اشتراكها في الندب أما لو جامعها الواجب فيشكل من حيث تضاد وجهي الوجوب والندب إن نوي لها معه ووقوع عمل بغير نية إن لم ينوها إلا أن يقال
نية الوجوب يستلزم نية الندب لاشتراكهما في ترجيح الفعل ولا يضر اعتقاد منع الترك لأنه مؤكد للغاية ومثله الصلاة على جنازتي بالغ وصبي لدون ست
بل الصلاة الواجبة انتهى وقد عرفت رفع الاشكال وأما دفعه (ره) به ففاسد لظهور التضاد بين الوجوب والندب بديهة وكون اعتقاد منع الترك مؤكدا للغاية
لا معنى له نعم لو كان الندب محض رجحان الفعل لكان كما ذكره وظاهر كلامه مشعر باختصاص الاشكال بما إذا نوى الجميع وقد عرفت عدمه والشهيد الثاني (ره)
قال في شرحه للارشاد في هذا المقام ومع انضمام الواجب يكفي أحد الامرين نية الواجب أو نية الجميع صرح به جماعة ولا يخلو من إشكال لتضاد الوجه واعتبار
نية السبب ويمكن سقوط اعتبار السبب ها هنا دخوله تحت الوجوب كما في الأذكار المندوبة خلال الصلاة الواجبة على جنازتي من زاد على الست ونقص عنها مع أن بعض
مشايخنا المعاصرين مع حكمه بالتداخل مطلقا أسقط اعتبار السبب عملا بظاهر الرواية ولأنه حكم شرعي فلا يتوقف على اختيار المكلف فيكون معناه سقوط
الاستحباب وزيادة ثواب هذا الغسل على غيره وهو قريب انتهى وما ذكره من دخول المندوب إن أريد به استلزام نية الوجوب للندب كما قال المصنف (ره) ففاسد كما مر
وإن أريد عدم الاحتياج الندب إلى النية بل يكفي نية الوجوب ففيه إن مع دلالة الدليل على اعتبار نيه السبب في المندوب مطلقا كما هو رأيكم فما يخصص هذا إلا أن
يقال المخصص هو الروايات الدالة على التداخل وهذا إنما يصح لو لم يكن دليل اعتبار نية السبب عقليا غير قابل للتخصيص وأيضا لا يفي هذا برفع الاشكال
لان غاية ما يلزم منه ارتفاع الاشكال بحسب النية وأما لزوم كون شئ واحد واجبا وندبا كما يلزم من القول بالاجزاء عن الجميع فلا يندفع به وما ذكره
آخرا من سقوط الاستحباب فيرد عليه حينئذ أنه يشكل إثبات التداخل في صورة اجتماع الواجب والندب بيانه إن دليل التداخل أما العقل من حيث حكمه بصدق الامتثال
وأما النقل من الروايات المتقدمة بحيث اعترفتم بامتناع اجتماع الوجوب والندب وسقوط الاستحباب حينئذ فقد اعترفتم بعدم الامتثال لهما فقد بطل الدليل
الأول وأما الروايات فما يمكن أن يستدل به على هذا المطلب روايتا زرارة ومرسلة جميل وعلى هذا القول يلزم معارضتها للأحاديث الكثيرة الدالة على الاستحباب
مطلقا فنقول حينئذ على تقدير تسليم صلاحية هذه الثلاثة للمعارضة ليس تقييد الروايات الكثيرة المطلقة بعدم الاجتماع مع الواجب أولى من تأويل هذه
الثلاثة بل الاثنان منها وهو رواية زرارة في غسل الميت المجنب ورواية جميل لا يبعد القول فيهما بعدم الاحتياج إلى التأويل لظهورهما في اجتماع الواجبات
لتبادر لفظ اللزوم والحرمة في الوجوب فبم يستدل إذن على ثبوت التداخل بمعنى سقوط الاستحباب إلا أن يقال لما حصل التعارض تساقطا معا ومع سقوط
أدلة الاستحباب يسقط الاستحباب إذ الحكم الشرعي لا بد له من دليل لكن يرد أنه بم يعلم حينئذ زيادة الثواب على ذلك الفعل أو يقال إن التأويل في المعارضات أظهر منه في هذه وفيه
إن مع تسليم أظهريته معارضته بالكثرة وأظهره السند فإن قلت بم تأول الرواية الأخرى لزرارة قلت أما قوله (عليه السلام) إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر إلى
قوله غسل واحد فيمكن أن يحمل على أن المراد أن الغسل بعد الفجر مجز عن هذه الأمور بمعنى أن بعد الفجر وقت لهذه الأغسال لا أن غسلا واحدا مجزء عنهما جميعا وبعد
تعيين الوقت حكم (عليه السلام) بأنه إذا اجتمعت عليك حقوق في هذا الوقت الذي علمت أجزائها عنك غسل واحد ويقيد الحقوق بالحقوق التي من جنس واحد
في الوجوب والندب وهذا التأويل وإن كان بعيدا بالنسبة إلى الجنابة لان تعيين وقته بما بعد الفجر لا فايدة له لكن لا يخفى أنهم أيضا لا بد أن يأولوها بسقوط
الاستحباب وليس هذا بأبعد منه كثيرا ويمكن أيضا أن يحمل على ظاهره من أجزاء الغسل بعد الفجر لها جميعا لكن يقيد بما إذا كان ما سوى غسل الجنابة واجبا أيضا
بنذر أو شبهه أو يكون هو أيضا ندبا كما إذا كان قبل الوقت على القول بوجوبه لغيره وأما قوله (عليه السلام) وكذلك المرأة فيمكن أن يؤول بالأخير وبأنه ليس المراد إجزاء
غسل واحد عن الجميع بل يكون بطريق اللف والنشر ويكون المراد إجزاء غسل الجنابة عن الحيض والاحرام والجمعة عن العيد ويؤيده اقحام لفظ الغسل بعد جمعها
فتأمل فإن قلت كيف تأول رواية الفقيه المتقدمة قلت الامر فيها ظاهر لان القضاء إنما هو بأمر جديد فلم لا يجوز أن يكون صوم ذلك الرجل فاسدا لكن
بشرط وجوب القضاء بعدم غسل الجمعة وإن كان مستحبا ولا يلزم أن يتداخل مع الواجب ويكون عدم القضاء لصحة الصوم والمولى الفاضل الأردبيلي (ره)
في شرح الارشاد بعد أن ذكر وجهين في دفع هذا الاشكال من عدم وجوب الوجه أما مطلقا أو فيما نحن فيه للاخبار أو باختيار الوجوب ودخول المندوب
فيه كما قلنا من الشهيد الثاني (ره) قال والذي أظن أن الاشكال لم يندفع بالكلية بما ذكرناه في نفس الامر إلا أن يقال معنى التداخل حصول ثواب معين مثلا
لفعل واحد كما قاله في الشرح أو إن ليس حين الاجتماع أسباب بل يصير سببا واحدا فإن الظاهر أن المقصود من غسل الجمعة مثلا غسل هذه الأعضاء على الوجه المعتبر
مطلقا سواء تحقق في ضمن الواجب مثل غسل الجنابة أو الحيض أو غيره بنية غسل يوم الجمعة وغيره من التوبة والزيارة انتهى ولا يخفى ما في قوله أو
أن ليس (آه) إذ لو أريد بصيرورة الأسباب حينئذ سببا واحدا إن أسباب الاستحباب أيضا صارت أسبابا للوجوب ففساده ظاهر وإن أريد؟؟؟ سبب الاستحباب عن السببية
67

وبقاء سبب الوجوب فقط فهو بعينه ما نقله أولا من الشرح مع أن الدليل الذي ذكره لا يدل على المعنيين أصلا بل غاية ما يلزم منه أن الامر بغسل يوم الجمعة مثلا
لا يستدعي أن يكون امتثاله بغسل مستحب بل تمثيل بالغسل الواجب أيضا ولا يخفى بقاء الاشكال بحاله لأنه إذا امتثل الامر المذكور بالغسل الواجب يلزم اجتماع
الوجوب والندب في شئ لان ما يكون امتثالا للامر المذكور يكون ندبا قطعا وهو باطل بزعمهم فظهر أن لا محيص إلا بما ذكرناه من جواز الاجتماع لاختلاف
الجهة ويقرب مما ذكره هذا الفاضل (ره) ما قال له صاحب المدارك (ره) بعد أن رجح الاجتزاء بالغسل الواحد في هذه الصورة ومعنى تداخل الواجب والمستحب
أن يكون تأدي إحدى الوظيفتين بفعل الأخرى كما يتأدى صلاة التحية بقضاء الفريضة وصوم الأيام المسنون صومها بقضاء الواجب ونحو ذلك لظهور
تعلق الغرض بمجرد ايجاد المهية على أي وجه اتفق وعلى هذا فلا يرد أن ذلك ممتنع لتضاد وجهي الوجوب والندب انتهى وفيه أيضا إن هذا الكلام منه (ره) أما
لاثبات أن امتثال أمر الندب إنما يحصل بفعل الواجب ولا يستدعي الاتيان بفعل ليس واجبا فما ذكره صحيح ظاهر لكن لا يندفع الاشكال المذكور بل هو باق بحاله
فلا يصح لتفريع في قوله وعلى هذا؟ يرد وأما لدفع الاشكال فحينئذ لا يصح ما ذكره لما علمت وأما للقيام الثالث وهو تداخل الأغسال المستحبة فقط فالظاهر
تداخلها أيضا مطلقا سواء نوى الجميع أم البعض أم لم ينو شيئا منها لصدق الامتثال وإطلاق الروايات وعدم صلاحية المعارض كما سنذكره والمحقق (ره)
في المعتبر رجح التداخل مع نية الجميع ثم قال أما لو نوى البعض فالوجه اختصاصه بما نواه لأنا بينا أن نية السبب في المندوب مطلوبة إذ لا يراد به رفع الحدث بخلاف
الأغسال الواجبة فان المراد بها الطهارة فتكفي نيتها وإن لم ينوى السبب انتهى وجوابه أولا بمنع أن المراد منها ليس رفع الحدث وما يرى من مجامعتها للحدث كما في
غسل الاحرام للحايض لا ينافيه لجواز أن يكون المراد رفع الحدث في موضع يمكن حصوله فيه وأما في غيره فيكون المقصود التنظيف مثلا كالوضوء فإنه يرفع
الحدث في بعض المواضع دون بعض والفرق بينهما بأن الوضوء الرافع غير الوضوء الغير الرافع بخلاف هذه الأغسال ضعيف لان المغايرة بالنوع في الأول ممنوع
وبالشخص في الثاني متحقق نعم يمكن أن يقال مجرد تجويز أن يكون المراد منها رفع الحدث لا ينفع في المقام بل لا بد من إثباته ودونه خرط القتاد وثانيا بتسليمه
والقول بأن المراد منها التنظيف فلا يحتاج إلى نية السبب كما أن المراد من الواجب رفع الحدث ولا يحتاج إلى نية السبب وفيه أن يكون المراد منها التنظيف إن كان على
سبيل التجويز واحتمال العقل فلا ينفع وإن كان على سبيل الجزم فيحتاج إلى دليل لكن يمكن إلزامه على ظاهر كلامه (ره) وكلام الشيخ حيث يفهم منهما أن المقصود منها
التنظيف مع أنهما اشترطا ذكر السبب وثالثا بأنه على تقدير أن لا يكون المقصود رفع الحدث والتنظيف فما السبب في الاحتياج إلى ذكر السبب لان التكليف بالغسل
مطلق وليس فيه التقييد بقصد السبب وما يتوهم أنه إذا قيل اغتسل في يوم الجمعة يفهم أن الغسل له ولو قيل للجمعة فالامر أظهر فلا بد من قصد كونه للجمعة
لتحقق الامتثال باطل وسيجئ الكلام فيه إنشاء الله تعالى في مبحث النية والتمسك بقوله (عليه السلام) إنما لامرء ما نوى وانما الأعمال بالنيات ونحوهما قد عرفت حاله
والعلامة رحمه الله في التذكرة وافق المعتبر وفي المنتهى قرب الاكتفاء بغسل واحد ولم يفصل وفي القواعد والارشاد حكم بعدم التداخل من دون تفصيل أيضا
والمصنف (ره) في الذكرى وافق المعتبر والتذكرة وظاهر كلامه في هذا الكتاب القول بعدم التداخل في هذه
الصورة مطلقا كما هو ظاهر القواعد والارشاد ونسب
في الذكرى هذا الاطلاق إلى جمع متمسكا باعتبار نية السبب ويفهم من كلامه ظاهرا كون الشيخين منهم أيضا وأنت خبير بأن مرادهم لو كان ما هو الظاهر من الاطلاق
أي سواء كان مع ذكر جميع الأسباب أو لا فما تمسكوا به ظاهر الفساد إذ غاية ما يلزم منه عذر التداخل مع عدم نية الأسباب أما مع نيتها فلا نسلم إن كلام الشيخ (ره)
في المبسوط والخلاف والنهاية لا يظهر منه هذا الحكم لان في المبسوط والخلاف إنما تعرض لاجتماع الواجب والمندوب وحكم فيه بما فصلنا ولم يتعرض لاجتماع المندوبات
وفي النهاية لم تعرض لشئ منها إلا أن وجده في موضع آخر والمحقق الشيخ على (ره) رجح في شرح القواعد عدم التداخل في هذه الصورة وصرح بأنه سواء
مع تعيين الأسباب وعده متمسكا بعدم الدليل الدال على التداخل ولا يخفى ما فيه لما عرفت من الدلايل وما يقال أيضا أن الأصل عدم التداخل فكلام
خال عن التحصيل لان المراد بالأصل إن كان هو الظاهر كما هو في بعض اصطلاحاته ويصير حاصل الدليل إن كلا من هذه الأسباب؟ مستقل والظاهر استدعاء كل منهما؟
فجوابه منع الظهور بل الظاهر اقتضاء كل منها مسمى الغسل وهو متحقق في ضمن فرد واحد وإن كان المراد به الاستصحاب كما يقولون الأصل عدم الحادث ففساده ظاهر
وإنما الاشتباه من شيوع أن الأصل العدم بينهم فلم يحققوا معناه واستعملوا في غير موضعه مع أنه في موضعه أيضا محل كلام ليس هذا موضعه وإن كان المراد الغسل
والكثرة فهو أيضا باطل كما لا يخفى وأيضا مع تسليم إن الأصل عدم التداخل قلنا ما هو المخرج عن ذلك الأصل من الدليل الشهيد الثاني (ره) أيضا وافق
المعتبر والفاضل الأردبيلي وصاحب المدارك (ره) ذهبا إلى التداخل مطلقا كما هو الظاهر هذا تفصيل القول في المقامات الثلاث وفذلكة ما اخترناه التداخل في جميع المقامات في جميع صورها والله أعلم لكن مقتضى الاحتياط أن لا يترك ملاحظة خصوص
الأسباب واجبها ومندوبها خصوصا المندوبة ولا يكتفي بنية البعض سيما مع نفي الباقي حتى يحصل اليقين أو الظن القريب منه بتحقق الامتثال وترتب الثواب و
الخروج عن عهدة الروايات الدالة على أن لا عمل إلا بنية وللمرء ما نوى وفقنا الله للنية الخالصة والقصد الصحيح ثم أن التداخل على تقدير تحققه هل هو رخصة
68

أو عزيمة لم نقف في كلام الأصحاب على شئ سوى ما ذكره الفاضل الأردبيلي من أن الظاهر أنه رخصة واستدل عليه بما ورد من أن الحايض إن شائت أن تغتسل غسل الجنابة
قبل الانقطاع تغتسل وهذا لا يدل على أن حال إمكان التداخلين معا كيف الحال كما لا يخفى ولا يذهب عليك أن ما ذكرناه من تحقق الامتثال يقتضي كونه عزيمة
كان بعد الامتثال لا معنى للاتيان به ثانيا للامتثال كما هو الظاهر سواء كان الامر للوحدة أو للطبيعة من غير وحدة ولا تكرار فحينئذ يتطرق الاشكال في تعدد الغسل للاحتياط
فيما فيه الخلاف في التداخل لحرمة العبادة الغير المتلقاة من الشارع الغير المتمثلة لامره إلا أن يمنع كلية هذه المقدمة لعدم دليل عام عليها من الآية والرواية كما
هو الظاهر وإنما هي المشهورة في السنة القوم فلا يبعد إذن أن يقال بعدم البأس في الاتيان بفعل أمر الشارع بنوعه على الكيفية المتلقاة منه باحتمال أن يكون مراده
احتياطا مع عدم الحكم بوجوبه أو ندبه تذنيب؟ في اجتماع أسباب وجوب الوضوء وندبه معا وأسباب ندبه فقط أما الأول فالمشهور بينهم أن الوضوء لا يكون في حال واحدة واجبا
وندبا بل مع اشتغال الذمة بمشروطة به واجب وبدونه ندب وسيجئ الكلام فيه إنشاء الله تعالى في مبحث النية وأما الثاني فلم يحصل الاطلاع فيه على نص من كلام
الأصحاب ولكن يلوح من كلامهم كما ذكر المحقق الشيخ على (ره) إن الوضوء الرافع للحدث كاف في مثل التلاوة ودخول المساجد والكون على طهارة وزيارة المقابر
والسعي في حاجة وحيث يمتنع الرفع كما في نوم الجنب وجماع المحتلم وأمثالهما مما شرع الوضوء فيه مع وجود المانع من الرفع ينبغي التعدد انتهى والأولى أن يقال
اللائح من كلام من جوز الاجزاء عن الجميع في الغسل المندوب عند تعيين الأسباب جميعا والاختصاص بما نوى عند نية البعض فقط الاجتزاء بالوضوء الواحد إذا كان
رافعا مطلقا وكذا إن لم يكن رافعا مع تعيين الأسباب وأما إذا لم يكن رافعا ولم يقصد الأسباب جميعا فلا بد من التعدد ومن كلام من لم يجوز التداخل في الغسل
المندوب مطلقا ما ذكره (ره) ومن كلام من جوز التداخل فيه مطلقا الاجتزاء بالوضوء الواحد مطلقا سواء كان رافعا أو لا وسواء نوى الأسباب جميعا أو لا وأنت
بعد الاطلاع على ما تقدم في الغسل خبير بوجه تلويح كلامهم بما ذكرنا وأدلة كل من الاحتمالات وما فيها وما عليها وظهور الاحتمال الأخير فلا حاجة إلى
التعرض لها
(ويجب معها الوضوء إلا في غسل الجنابة) المشهور بين الأصحاب وجوب الوضوء مع الأغسال الواجبة سوى غسل الجنابة وخالف فيه السيد المرتضى (ره) وابن
الجنيد (ره) وهو الأظهر احتج الجمهور بقوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا الآية لأنه عام خرج منه غسل الجنابة للدليل فبقي الباقي والجواب منع العموم وقد
مر مرارا وعلى تقدير التسليم مخصص بالروايات التي تقدمت عند شرح قول المصنف ولا يرفع الغسل المندوب الحدث وقس عليه الاستدلال بالروايات الدالة على
وجوب الوضوء بعد الاحداث وكذا رواية افتتاح الصلاة الوضوء وبروايتي ابن أبي عمير المتقدمتين هناك أيضا وقد ذكرنا ما فيهما ولا نعيده وقال الصدوق
(ره) في الفقيه الوضوء فرض وهذه الأغسال سنة ولا يجزي السنة عن الفرض ولا يخفى ضعفه وحجه ما اخترناه الروايات السابقة في المبحث المذكور وأيضا يؤيدها
أيضا ما ورد من أن غسل الحيض والجنابة واحد وما ورد أيضا في بيان حكم الحايض والمستحاضة والنفساء من الامر بالغسل ثم الصلاة بدون تعرض للوضوء مع إيراد
الغسل مقابل الوضوء في بعض الروايات أيضا وقد قدمنا من القول في المبحث المذكور ما يكفيك في هذا المقام ومقتضى الاحتياط أن لا يترك الوضوء مع هذه الأغسال
وينبغي أن يقدم على الغسل لمرسلة ابن أبي عمير إن كل غسل قبله وضوء وما ورد من أن الوضوء بعد الغسل بدعة هذا وأما عدم وجوب الوضوء مع غسل الجنابة فإجماعي
كما ذكره الشيخ (ره) في التهذيب والعلامة في المنتهى ويدل عليه أيضا مضافا إلى الاجماع الروايات المتقدمة في المبحث المذكور ويزيده بيانا ما رواه التهذيب في
باب حكم الجنابة في الصحيح عن أحمد بن محمد قال سئلت أبا الحسن (عليه السلام) عن غسل الجنابة فقال تغسل يدك إلى أن قال ولا وضوء فيه وما رواه أيضا في هذا الباب في
الصحيح عن يعقوب بن يقطين عن أبي الحسن (عليه السلام) قال سئلته عن غسل الجنابة فيه وضوء أم لا فيما نزل به جبرئيل (عليه السلام) فقال الجنب يغتسل يبدأ فيغسل يديه إلى
المرفقين قبل أن يضمهما في الماء ثم يغسل ما أصابه من أذى ثم يصب على رأسه وعلى وجهه وعلى جسده كله ثم قد قضى الغسل ولا وضوء عليه وما رواه أيضا في هذا الباب
في الصحيح عن زرارة قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن غسل الجنابة فقال تبدأ فتغسل كفيك ثم تفرغ يمينك على شمالك فتغسل فرجك ومرافقك إلى أن قال ليس
قبله ولا بعده وضوء وما رواه أيضا في هذا الباب عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) أن أهل الكوفة يرون عن علي (عليه السلام) أنه كان يأمر بالوضوء قبل
الغسل من الجنابة قال كذبوا على علي (عليه السلام) ما وجدوا ذلك في كتاب علي (عليه السلام) قال الله تعالى وإن كنتم جنبا فاطهروا واستدل عليه أيضا بقوله تعالى
وإن كنتم جنبا فاطهروا وفيه أن الاستدلال به موقوف على أن لا يكون معطوفا على إذا قمتم كما لا يخفى وهو ممنوع وإن تمسك في دلالته على المراد بالرواية السابقة
يلزم الاستدراك وبقوله تعالى حتى تغتسلوا حيث جعل الاغتسال غاية للمنع فإذا اغتسل وجب أن لا يمنع وفيه أن المراد أما أن الاغتسال غاية المنع فيلزم أن لا يكون
منع بعده وأما أنه علق المنع بعدم الاغتسال فقط بدون شئ آخر فلا يكون مانعا فإن كان الأول فنمنع ظهوره فيما ذكروه بل المفهوم منه عرفا المنع من القربان بدون الاغتسال
وأما أنه غاية فلا وأيضا لا يدفع وجوب الوضوء سابقا على الغسل فتأمل وإن كان الثاني فإن ادعى ظهوره في عدم مانعيته شئ آخر فممنوع وإن ادعى أن ما يفهم
منه مانعية عدم الاغتسال وأما مانعية غير فينتفي بالأصل فممنوع لكن على هذا يلزم الاستدراك لان التمسك بالأصل ابتداء كاف وغسل الميت ويستحب في غسل
69

الميت) قد علم في ضمن العمومات عدم وجوب الوضوء في غسل الميت وأما ما اختص به فسيجئ إنشاء الله تعالى مع بيان الحكم التالي له في بابه (وفي التهذيب يستحب مع غسل الجنابة)
والمشهور عدم الاستحباب ومستند قول الشيخ (ره) روايتا أبي بكر الحضرمي ومحمد بن ميسر السابقتان في البحث المذكور ولا يخفى أن القول باستحباب الوضوء قبل الغسل
لا بأس به بناء على التسامح في أدلة السنن لروايتين وعدم معارض ظاهر لان ما ورد من أنه لا وضوء فيه يحمل على الوجوب وما ورد من أن الوضوء بعد الغسل بدعة
لا ينافيه ومرسلة محمد بن أحمد بن يحيى من أن الوضوء قبل الغسل وبعده بدعة فمع ضعف سنده قد عرفت سابقا توجيهه على وجه لا ينافي ما قلنا نعم الأولى
الاجتناب عن الوضوء بعد الغسل لعدم دلالة الروايتين عليه ودلالة الروايات على بدعيته ولم نعلم أن مذهب الشيخ (ره) في الاستحباب ماذا هل هو الاستحباب
قبل الغسل أو مطلقا سواء كان قبله أو بعده وما يتوهم من أن الاحتياط في الوضوء مع غسل الجنابة لرعاية جانب الآية واحتمال أن يكون نفي الوضوء معه
في الروايات نفي الوضوء لتحقق الغسل لا وضوء الصلاة فلا عبرة به في نظر الفقيه بعد ورود تلك الروايات الكثير الظاهرة الدالة على المدعى
(درس يجب على المتخلي ستر العورة عن الناظر) وجوب ستر العورة عن الناظر ليس بمختص بالمتخلي لكن لما كان ينكشف في هذا الحال العورة ذكروا هذا الحال العورة ذكروا هذا الحكم فيه بخصوصه ثم أن هذا الحكم لم نطلع فيه على خلاف ويدل
عليه أيضا ما رواه الشيخ (ره) في زيادات التهذيب في باب دخول الحمام في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال سئلته عن ماء الحمام فقال إدخله بإزار وما
رواه أيضا في هذا الباب عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) يغتسل الرجل بإزار فقال إذا لم يره أحد فلا بأس وما رواه الفقيه أيضا في باب غسل يوم
الجمعة ودخول الحمام قال وسئل الصادق (عليه السلام) عن قول الله عز وجل قل للمؤمنين يغضو من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم فقال كلما كان في كتاب الله
تعالى من ذكر حفظ الفرج فهو من الزنا إلا في هذا الموضع فإنه الحفظ من أن ينظر إليه وما رواه أيضا في الفقيه في الباب المذكور عن حنان بن سدير في أثناء حديث
ثم قال وما يمنعكم من الإزار فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال عورة المؤمن على المؤمن حرام والقائل هو على ابن الحسين (عليه السلام) وما رواه الفقيه أيضا في باب
ذكر جمل من مناهي رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أثناء حديث طويل أنه قال إذا اغتسل أحدكم
في فضاء من الأرض فليحاذر على عورته واستدل عليه أيضا بما رواه التهذيب في الباب المذكور في الصحيح عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا ينظر الرجل
إلى عورة أخيه وفيه أنه لا دلالة على وجوب الستر بل على تحريم النظر إلى أن يتمسك بأن كشف العورة على الناظر حينئذ يكون معاونة على الاثم وأما ما رواه التهذيب
في الباب المذكور عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن عورة المؤمن على المؤمن حرام فقال نعم فقلت أعني سفليه فقال حيث تذهب إنما هو إذاعة سره وما
رواه أيضا في الباب المذكور عن حذيفة بن منصور قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) شئ يقوله الناس عورة المؤمن على المؤمن حرام فقال ليس حيث يذهبون
إنما عنى عورة المؤمن أن يزل زلة أو يتكلم بشئ يعاب عليه فيحفظ عليه ليعيره يوما وما رواه أيضا عن زيد الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام) في عورة المؤمن
على المؤمن حرام فقال ليس أن يكشف فيرى منه شيئا إنما هوان يزري عليه ويعيبه فيمكن أن يقال مراده (عليه السلام) فيها أن المراد من هذه العبارة شئ آخر غير النظر إلى
السوأتين لا أنه ليس بحرام لكن ينافي هذا ما روى آنفا عن علي بن الحسين (عليه السلام) فإن فيه تفسير هذه العبارة بهذا المعنى كما لا يخفى أو يقال أن مراده
(عليه السلام) نفي حصر المراد من هذه العبارة في النظر بل إنما يشمله وغيره من إذاعة السر وهذا أيضا لا يخلو من تكلف ولو لم يكن مخافة خلاف الاجماع لأمكن
القول بكراهة النظر دون التحريم كما يشعر إليه أيضا ما رواه الفقيه في الباب المذكور عن الصادق (عليه السلام) قال إنما أكره النظر إلى عورة المسلم فأما النظر
إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار فيسهل الجمع بين الروايات حينئذ كما لا يخفى وجهه واعلم أنهم ذكروا أن المراد من الناظر المحرم وأما غيره
فلا بأس كالزوجة والمملوكة والطفل غير المميز ثم أن وجوب الستر هل هو مع العلم بالنظر أو يجب فيما هو مظنة النظر أيضا الظاهر الثاني وأما بمجرد احتمال النظر
فلا يبعد القول بعدم وجوبه والتفصيل فيه أن يقال أما مع العلم بوجود الناظر أو الظن أو الشك أو الوهم وعلى التقارير أما نظر عمدا وسهوا فالأقسام ثمانية
والظاهر عدم التحريم في القسمين الأخيرين والتحريم في الأول والثالث وأما الأربعة الباقية ففيها إشكال من حيث عموم رواية الفقيه عن الصادق (عليه السلام)
ومن حيث أن الشهرة بين الأصحاب أو الاجماع غير معلومة في هذه الصورة فبمجرد هذه المرسلة لا يمكن الحكم هذا والكلام في معنى العورة وتحقيقه سيجئ إنشاء الله تعالى
في كتاب الصلاة في المبحث اللباس (ويحرم استقبال القبلة واستدبارها ولو في الأبنية خلافا لابن الجنيد مطلقا وللمفيد في الأبنية) المشهور بين الأصحاب
تحريم استقبال القبلة واستدبارها حال التخلي مطلقا سواء كان في الصحارى أو الأبنية وسواء كان بناء المخرج عليه أو لا إلا إذا كان في موضع لا يمكن
الانحراف ولم يمكن الخروج إلى موضع آخر أيضا وكان مراد الشيخ (ره) في المبسوط أيضا هذا حيث قال فإن كان الموضع مبنيا كذلك وأمكنه الانحراف عنه وجب عليه
ذلك وإن لم يمكنه لم يكن عليه شئ ليوافق ظاهر كلامه في الخلاف حيث قال لا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها ببول ولا غايط إلا عند الاضطرار لا في الصحاري
ولا في البنيان وقال ابن الجنيد (ره) على ما نقل عنه في المنتهى والمختلف يستحب للانسان إذا أراد التغوط في الصحراء أن يجتنب استقبال القبلة وهو
70

صريح فيما نسب إليه المصنف وقال سلار على ما في المختلف وليجلس غير مستقبل القبلة ولا مستدبرها وإن كان في موضع قد بنى على استقبالها أو استدبارها فلينحرف
في تعوده هذا إذا كان في الصحارى والفلوات وقد رخص ذلك في الدور وتجنبه أفضل وهذا هو الموافق لما نسب المصنف (ره) إلى المفيد وأما المفيد (ره) فقد فقال
في المقنعة ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ولكن يجلس على استقبال المشرق إن شاء أو المغرب ثم قال بعد ذلك وإذا دخل الانسان دارا قد بنى فيها مقعده
للغايط على استقبال القبلة أو استدبارها لم يضره ذلك وإنما يكره ذلك في الصحارى والمواضع التي يمكن فيها الانحراف عن القبلة انتهى والعلامة (ره) في
المختلف نزل هذه العبارة على مذهب ابن الجنيد وكأنه لحمله لفظة الكراهة على معناها المتعارف وفي المنتهى حكم بموافقة المفيد (ره) لسلار كما في هذا الكتاب
وهذا البناء على حمل الكراهة في كلامه على التحريم وأنت خبير بإمكان حمل عبارة المقنعة على المذهب المشهور بحمل الكراهة على التحريم كما هو الشايع في عباراتهم
وارتكاب تقييد في العبارة كما يرتكب في عبارة المبسوط ولو لم يرتكب التقييد لكان الأولى حملها على مذهب رابع سوى المشهور ومذهبي ابن الجنيد وسلار بل
مذهب موافق للمبسوط لو لم يرتكب التقييد فيه أيضا وأما حملها حينئذ على مذهب سلار كما في هذا الكتاب والمنتهى والمعتبر وظاهر الذكرى فبعيد جدا لوجود
بعض التقييدات فيها ليس في كلام سلار إلا أن يقال كان استادهم هذا المذهب إلى المفيد ليس من جهة عبارة المقنعة لكنه بعيد وبما ذكرنا في حمل الكراهة في
كلامه على التحريم يمكن استنباط الحال عند حملها على المعنى المصطلح أيضا فتأمل الظاهر عدم التحريم مطلقا كما ذهب إليه ابن الجنيد والكراهة كذلك أما عدم التحريم
فللأصل وعدم دليل ظاهر في الحرمة كما سيظهر عند الجواب عن أدلتها وأما الكراهة فلدلايل الحرمة التي سنذكرها وسنذكر أيضا عدم دلالتها على التحريم
فيحمل على الكراهة واحتج المشهور بأن القبلة محل التعظيم ولهذا أوجب استقبالها في الصلاة فناسب تحريم استقبالها بالحدث ولأن فيه تعظيما لشعاير الله
وضعف الوجهين ظاهرا لان الأول من باب القياس المردود وعموم تعظيم شعاير الله إلى حد يشمل هذا أيضا ممنوع لا بد له من دليل وأنى لهم بذلك واحتج أيضا بما رواه
التهذيب في باب آداب الاحداث عن عبد الله الهاشمي عن أبيه عن علي (عليه السلام) قال قال لي النبي (صلى الله عليه وآله) إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها
ولكن شرقوا أو غربوا والجواب عنه أما أولا فبالقدح في السند وثانيا بعد ظهور النهي في التحريم في كلامهم (عليهم السلام) خصوصا مع مقارنته بشرقوا أو غربوا
الظاهر في الاستحباب عند القائلين بالتحريم أيضا لأنهم لم يعلم منهم القول بوجوب التشريق والتغريب سوى ما نقل عن واحد من المتأخرين فينبغي
أن يحمل هو أيضا على الكراهة لموافقة القرائن وبما رواه أيضا في هذا الباب عن ابن أبي عمير عن عبد الحميد بن أبي العلاء أو غيره رفعه قال سئل الحسن بن علي (عليه السلام) ما حد الغايط
قال لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ولا تستقبل الريح ولا تستدبرها وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب المواضع التي يكره أن يتغوط فيها لكن فيه سئل
أبو الحسن (عليه السلام) وهذه الرواية في الفقيه أيضا في باب ارتياد المكان للحدث وفيه أيضا القدح في السند لان مراسيل ابن أبي عمير وإن سلم مقبوليتها فإنما هو
فيما إذا كان الارسال منه ولم يظهر فيما نحن فيه كون الارسال منه بل الظاهر أنه ممن يروي هو عنه وأيضا الارسال الاخر يحتمل أن يكون ممن يروي عنه لا منه ولو سلم ففي كونه من قبيل مراسيله المقبولة إشكال والحمل
على الكراهة لما عرفت من عدم ظهور النهي في التحريم في كلامهم (عليه السلام) ويؤيده أيضا أقرانه بلا تستقبل الريح لكونه للكراهة عندهم أيضا وبما رواه أيضا في هذا الباب
عن علي بن إبراهيم رفعه قال خرج أبو حنيفة من عند أبي عبد الله (عليه السلام) وأبو الحسن موسى (عليه السلام) قايم وهو غلام فقال له أبو حنيفة يا غلام أين يضع
الغريب ببلدكم فقال اجتنب أفنية المساجد وشطوط الأنهار ومساقط الثمار ومنازل النزال ولا تستقبل القبلة بغايط ولا بول وارفع ثوبك وضع حيث شئت و
هذه الرواية في الكافي أيضا في الباب المذكور وفيه أيضا مثل ما في سابقيه وبما رواه الفقيه في باب ذكر جمل من مناهي رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله)
في أثناء حديث طويل ونهى أن يبول الرجل وفرجه باد للشمس أو القمر وقال إذا دخلتم الغايط فتجنبوا القبلة وفيه أيضا مثل ما ذكر واحتج سلار بما رواه أيضا في
هذا الباب عن محمد بن إسماعيل قال دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) وفي منزله كنيف مستقبل القبلة وعدم دلالته على ما ادعاه ظاهر لان بناء الكنيف على
الاستقبال لا يستلزم جواز الجلوس عليه من غير انحراف وهذه الرواية في باب الزيادات أيضا بدون مستقبل القبلة لكن مع ضميمة قوله سمعته يقول من بال حذاء
القبلة ثم ذكر فانحرف عنها إجلالا للقبلة وتعظيما لها لم يقم من مقعده ذلك حتى يغفر له هذا ثم أن الظاهر من الاستقبال والاستدبار استقبال أو استدبار
البدن كما هو المتعارف لا للعورة حتى لو صرفها زال المنع وقد قال به بعض ولا اعتداد به والظاهر أيضا كراهتها حال الاستنجاء أيضا لما رواه في الزيادات
أيضا عن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له الرجل يريد أن يستنجى كيف يقعد قال كما يقعد للغايط وهذه الرواية للكافي أيضا في باب القول عند
دخول الخلا وفي الفقيه أيضا في باب ارتياد المكان للحدث لكن الأصحاب لم ينصوا عليه ولا يخفى أن هذا الحكم إنما هو على تقدير الاكتفاء في الكراهة أيضا
بالأدلة الضعيفة كما في الاستحباب وللكلام فيه محال والظاهر أيضا استحباب التشريق أو التغريب لرواية عبد الله الهاشمي المتقدمة وقال بعض بوجوبه لها
وأيده بما ورد من أن ما بين المشرق والمغرب قبلة وهو ضعيف كما لا يخفى وذكر بعض الأصحاب أنه إذا تعارض الاستقبال والاستدبار قدم الاستدبار ولا وجه له خصوصا في التغوط
71

ويجب غسل موضع البول بالماء المزيل للعين الوارد بعد الزوال وجوب غسل موضع البول إجماع منا وكذا تعينه بالماء ويدل أيضا مضافا إلى الاجماع
روايات أما على وجوب الغسل فما رواه التهذيب في باب آداب الاحداث في الصحيح عن عمرو بن أبي نصر
قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أبول وأتوضأ وأنسى استنجائي
ثم أذكر بعد ما صليت قال اغسل ذكرك واعد صلواتك ولا تعد وضوءك وما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن زرارة قال توضأت يوما ولم أغسل ذكري
ثم صليت فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذلك فقال اغسل ذكرك وأعد صلاتك وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب القول عند دخول الخلاء وما رواه أيضا
في هذا الباب في الصحيح عن ابن أذينة قال ذكر أبو مريم الأنصاري ابن الحكم بن عتبة بال يوما ولم يغسل ذكره متعمدا فذكرت ذلك لأبي عبد الله (عليه السلام) فقال
بئس ما صنع عليه أن يغسل ذكره ويعيد صلاته ولا يعيد وضوئه وما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال لا صلاة إلا بطهور
ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار بذلك جرت السنة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأما البول فلابد من غسله إلى غير ذلك من الروايات وأما على تعينه
بالماء فما رواه أيضا في باب آداب الاحداث في الزيادات في الصحيح عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا انقطعت دره البول فصب الماء وهذه
الرواية في الكفي أيضا في الباب المذكور وما رواه أيضا في هذا الباب في الأصل عن يزيد بن معاوية عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال يجزي من الغايط المسح بالأحجار
ولا يجزي من البول إلا الماء وأما ما رواه أيضا في هذا الباب في الموثق عن عبد الله بن بكير قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل يبول ولا يكون عنده الماء
فيمسح ذكره بالحايط قال كل شئ يابس ذكي فلا ينافي ما ذكرناه لامكان جملة على التقية وعلى أن المراد أنه ذكى بمعنى عدم السراية إلى الغير والتعدي إليه
لا أنه طاهر في نفسه لا يقال الذكي طاهر في الظاهر لان بعد تسليم ظهوره فيه التأويل فيه وحمله على غير ظاهره أولى من حمل الروايات السابقة على غير
ظاهرها لكثرتها وصحة سندنا خصوصا مع نقل الاجماع على خلافه وأيضا حمله على الظاهر إنما يستلزم التخصيص فيه لأن النجاسة اليابسة ليست بطاهرة
بإجماع المسلمين والتخصيص ليس بأولى من المجاز وكذا ما رواه في هذا الباب عن سماعة قال قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام) أني أبول ثم أمسح بالأحجار فيجئ
البلل ما بعد الاستبراء وفي بعض النسخ ما يفسد سراويلي قال ليس به بأس أما أولا فلجهالة سندها وأما ثانيا فبالحمل على التقية لأنه موافق لمذهب
العامة والشيخ (ره) في التهذيب ذكر وجهين أحدهما أنه يجوز أن يكون مختصا بحال لم يكن فيها واجد للماء فجاز له حينئذ الاقتصار على الأحجار وثانيهما أن المراد ليس
به بأس اعتبار الوضوء لا النجاسة لان ما خرج بعد الاستبراء إنما هو الودي ولا ينقض الوضوء والظاهر أن ما ذكره من الاقتصار على الأحجار حال عدم الماء
لا يراد به أن يصير بها طاهرا لنقل الاجماع على خلافه بل أنه يجوز الصلاة والحال هذه لمكان الضرورة ولكن يجب الغسل بعد الوصول إلى الماء كما صرح به سابقا
عليه واعلم أن بعض العلماء كالمحقق (ره) في المعتبر والعلامة (ره) في المنتهى ذكر أنه لو لم يجد الماء لغسل البول أو تعذر استعماله لجرح أو نحوه يجب المسح بالحجر و
شبهه لان الواجب إزالة العين والأثر فلما تعذرت إزالتهما لم يسقط إزالة العين وفيه نظر لأنه إنما يتم ذلك لو كنا مأمورين بكل من إزالة العين والأثر
بانفراده وليس كذلك لأنا أمرنا بالغسل وصب الماء فعند تعذرهما سقط التكليف وكونهما مشتملين على أمرين لا يستلزم التكليف بكل منهما على حدة
وهو ظاهر ولكن الاحتياط فيما ذكراه للخروج عن عهدة قولهما ولا شعار الرواية الآتية أيضا به كما لا يخفى هذا وكذا لا ينافي ما ذكرناه ما رواه أيضا في باب
الاحداث في الزيادات في الموثق عن حنان بن سدير قال سمعت رجلا سئل أبا عبد الله (عليه السلام) فقال إني ربما بلت فلا أقدر على الماء ويشتد ذلك علي فقال
إذا بلت وتمسحت فامسح ذكرك بريقك فإن وجدت شيئا فقل هذا من ذاك وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب الاستبراء وفي الفقيه في باب ما ينجس الثوب والجسد
أما أولا فلعدم صحة سندها لان حسان بن سدير واقفي على ما صرح به الشيخ وثانيا لعدم دلالته على الطهارة بالمسح لأن الظاهر أن المراد إذا بلت وتمسحت
بالحجر ونحوه مثلا فامسح ذكرك أي غير موضع البول بالريق حتى إذا وجدت بللا بعده يمكنك حمله على أنه بلل الريق بناء على أصل الطهارة ولا تحتاج إلى تطهير ما
لاقاه فيسهل عليك الامر إذ لو كان المراد غير ذلك وكان المسح مطهرا لما كان لمسح الذكر بالريق وحمل البلل الذي يجد عليه فائدة لان ما يخرج بعد البول
إذا كان رأس الحشفة ظاهرا لا بأس به فلا حاجة إلى المسح بالريق لا يقال لعله لتطيب الخاطر لا لنجاسته ما يخرج بعد البول كما ورد من الامر بصبغ الثواب الذي
لا يزول منه لون دم الحيض لأنا نقول على هذا لا اختصاص له بهذا الحال فلم لم يؤمر موضع آخر بهذا الامر إلا أن يقال حال وجود الماء لا يحتاج إليه لان
ما يجد من البلل حينئذ يمكن حمله على بلل بالماء أو يقال أن الماء يقطع البول كما نقل في المنتهى فحينئذ بعد الماء لا يحتاج إلى المسح لتطيب الخاطر فإن قلت لعل المسح بالريق
لأجل تطهيره قلت أما أولا فلان هذا ليس مذهب الجمهور أيضا كما هو الظاهر لان بعض من لم يوجب الماء منهم يكتفي بالمسح بالأحجار ونحوهما وبعضهم لا يوجب
ذلك أيضا وأما وجوب المسح بالريق مثلا بعد التمسح بالحجر ونحوه فلم يقل به أحد وأما ثانيا فلانه على هذا أيضا لا فائدة في قوله فإن وجدت ماء كما مر وثالثا
للحمل على التقية لو سلم ظهوره في خلاف ما ذكرناه وصاحب المدارك (ره) حمله على أن المراد نفي كون البلل الذي يظهر على المحل ناقضا وأنت بما ذكرنا خبير بما فيه
72

ولا حاجة إلى التصريح هذا وسيجئ تتمة لهذه الحكم في بحث النجاسات إنشاء الله تعالى وإذا قد ثبت وجوب غسل مخرج البول بالماء فلنذكر أقل ما يجزي منه فنقول قد ذهب
الشيخ في المبسوط والنهاية إلى أن أقل ما يجزي مثلا ما على رأس الحشفة وهو مذهب شيخه (ره) أيضا في المقنعة وتبعه المحقق في المعتبر والعلامة في القواعد والتذكرة ونسب إلى
أبي الصلاح القول بأن أقل ما يجزي ما أزال العين عن رأس الفرج وهو مختار العلامة في المنتهى والمختلف وقال ابن إدريس (ره) في السرائر وأقل ما يجزى من الماء لغسله
ما يكون جاريا ويسمى غسلا والظاهر أن مختار أبي الصلاح وابن إدريس واحد وهو وجوب الإزالة بما يسمى غسلا سواء كان مثلين أو أزيد أو انقص كما صرح به
في المختلف وقال أنه ظاهر ابن البراج أيضا والظاهر القول الأخير لنا الروايات السابقة من حيث إطلاق الامر فيها بالغسل والصب من دون تقييد والأصل براءة
الذمة من الزايد حتى يثبت وكذا الروايات الأخرى الامرة بالغسل مطلقا من دون تقييد ولا حاجة إلى ذكرها ويدل عليه أيضا ما رواه التهذيب في باب آداب
الاحداث في الحسن عن ابن المغيرة عن أبي الحسن (عليه السلام) قال قلت له للاستنجاء حد قال لا ينقي ما ثمة قلت فإنه ينقي ما ثمة ويبقى الريح قال الريح لا ينظر إليها وهذه
الرواية في الكافي أيضا في باب القول عند دخول الخلاء واحتج الشيخ بما رواه في باب آداب الاحداث في التهذيب عن نشيط بن صالح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال
سئلته كم يجزي من الماء في الاستنجاء من البول فقال بمثلي ما على الحشفة من البلل وفيه أن الرواية غير صحيحة السند فلا يوجب تقييد ما ذكرنا مع أنها معارضة بما رواه
أيضا في هذا الباب عن نشيط المذكور عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال يجزي من البول أن يغسله بمثله ثم أن في المقام اشتباها لا بد من إيضاحه
وهو أنه لا يدري أن المراد من المثلين ماذا أهو مثلا البلل الذي على رأس الحشفة أو مثلا القطرة التي تبقى على رأسها غالب الامر بعد انقطاع البول وأيضا المراد
منه الدفعتان أو لا ففيه أربعة احتمالات الأول وجوب مثلي البلل دفعتين والثاني وجوبه لا كذلك والثالث وجوب مثلي القطرة دفعتين والرابع وجوبه لا كذلك
فإن كان المراد الأول ففيه أن بعد تسليم صحة الرواية لا دلالة لها على المدعى إذ لا ظهور لها في كون المثلين دفعة أو دفعتين وهو ظاهر وقد يستدل عليه بما ورد
في الروايات من أن البول إذا أصاب الجسد يصب عليه الماء مرتين كما سيجئ إنشاء الله تعالى وفيه منع شمولها للحشفة ظاهرا بل لا يبعد دعوى الظهور في اختصاصها
بغيرها كما يحكم به الوجدان ومع ظهور الشمول أيضا قد عرفت أن للكلام في وجوب حمل المطلق على المقيد مطلقا محالا فحينئذ لا نسلم أولوية تقييد روايات وجوب
الغسل مطلقا بها فهلا يخصصونها بغير الحشفة ومع تساوى الامرين الأصل معنا تدبر ويرد أيضا على هذا المذهب أي الاجتزاء بمثلي البلل مع وجوب كونهما
دفعتين أن الغسل إنما يتحقق إذا ورد الماء على محل النجاسة شاملا له مع الغلبة والجريان وذلك منتف مع كل واحد من المثلين لان المماثل للبلل الذي على
الحشفة لا يكون غالبا عليه وإن كان المراد الثاني فنقول إن كان الامر في الواقع إن كل ما يكون بقدر المثلين إنما يصدق عليه الغسل ويزيل النجاسة وبدونه لا
يصدق فنعم الوفاق ويرفع النزاع وهو ظاهر وإن لم يكن كذلك بل قد يتخلف الحكم فإن كان المتخلف الحكم الأول فيرد على هذا المذهب حينئذ إن الاجتزاء بالمثلين الذي
لا يصدق عليه الغسل بمجرد هذه الرواية الغير الصحيحة لا وجه له بعد ورود تلك الروايات الكثيرة الصحيحة بالغسل والصب مع أن في دلالة الرواية حينئذ أيضا
نظرا لجواز حملها على مثلي القطرة لا البلل وإن كان المتخلف الثاني فيرد ما قدمنا من إطلاق الأوامر وبرائة الذمة عن الزائد حتى يثبت بمجرد هذه الرواية
لم يثبت لكن لا يخفى أن الاحتياط في هذه الصورة في العمل بهذه الرواية لأن عدم صحتها منجبر بالشهرة بين الأصحاب وإن كان المراد الثالث فإن كان يصدق
الغسل على كل من القطرتين البتة فما يرد عليه حينئذ هو أن الرواية لا دلالة لها على العدد المدعى أما أولا فلجواز أن يكون المراد بها مثلي البلل وأما ثانيا
فلعدم دلالتها على وجوب الدفعتين حقيقة أو تقديرا فلو تمسك بالروايات الدلالة على المرتين فجوابه ما ذكرنا ويعارض حينئذ أيضا بالروايات الدالة على
الاكتفاء بمطلق الغسل والنقاء وإن لم يصدق فحاله يظهر مما ذكرنا في ثاني شقي القسم الثاني وإن كان المراد الرابع فحاله كحال الثاني بعينه فقس عليه هذا وبما
ذكرنا ظهر قوة ما ذهبنا إليه لكن الاحتياط أن يغسل مرتين مع الفصل للخروج يقينا عن عهدة الأوامر الواردة بالمرتين في البول مطلقا مع أن ظاهر
عبارة المعتبر يشعر بالاجماع عليه ويراعى مع ذلك كونه بقدر مثلي القطرة أو أزيد لاحتمال هذه الرواية ولا يبعد القول أيضا باستحباب الغسل ثلث مرات
لما رواه التهذيب في باب آداب الاحداث في الزيادات في الصحيح عن زرارة قال كان يستنجى من البول ثلاث مرات ومن الغايط بالمدر والخرق لظهور أن الضمير في مكان
راجع إلى الإمام (عليه السلام) واعلم أن المصنف (ره) قال في الذكرى ويجزي مثلاه مع الفصل للخبر مع أنه اكتفى في تحقق المرتين في غير الاستنجاء بالانفصال التقديري
ووجهه المحقق الشيخ على (ره) في شرح القواعد أن مراده وجوب الانفصال على تقدير الاكتفاء بالمثلين لان المثلين مع عدم الانفصال إنما يعد غسلا واحدا
مع أنه لا بد من التعدد وأما إذا لم يكتف به فلا يحتاج إلى الانفصال بل لو عد غسلين تقدير لكفى ولا يخفى أن وجوب التعدد كأنه بناء على الروايات
الواردة بالمرتين وإلا فهذه الرواية لا دلالة لها عليه فإن قلت ما معنى عبارة المتن وعلى أي الاحتمالات تحمل قلت الظاهر أن مراده وجوب الغسلتين
أحديهما مزيلة للعين والثانية واردة بعد الإزالة فإن تحقق هذا المعنى بدون الانفصال الحقيقي فكفى وإلا فلابد منه وهذا كما هو مختارة في
73

الذكرى ظاهرا كما ذكرنا وظاهره الانطباق على الاحتمال الثالث كما لا يخفى ويرده على العبارة حينئذ مناقشة لان الوصف الذي ذكره للماء لا يصدق على
هذا المجموع لان وإن سلم كونه مزيلا للعين عرفا فليس بوارد بعد الزوال البتة إلا أن يقال أنه من قبيل إجراء أوصاف الجزء على الكل ويحتمل أيضا أن
يكون المراد بقوله بعد الزوال بعد انقطاع البول ويصير الحاصل أنه يجب الغسل بالماء المزيل للعين بعد انقطاع البول وحينئذ ينطبق على اخترناه فإن
قلت على ما اخترته من القول على ما تحمل روايتي نشيط قلت أما الأولى فيمكن حملها على مثلي البلل وينطبق على ما ذهبنا إليه لأن الظاهر أن مثلي البلل
يبلغ حد الغسل ودونه لم يبلغ أو يحمل على مثلي القطرة ويدعى أن ما دون القطرتين لا يبلغ حد الغسل المعتبر فيه الغلبة والجريان وأما الثانية فيمكن
حملها على مثلي القطرة وتصير موافقة لمثلي البلل في الرواية الأولى ومنطبقة على قولنا ويمكن أن يحمل أيضا على أن المراد من مثله أي مثل البول لمماثلته
له في السيلان ويكون الكلام على الحصر أي إنما يجزي من البول الغسل بالماء فقط ولا يكفي المسح بالأحجار كما هو رأي الجمهور وأولها الشيخ (ره) في التهذيب
باب المراد مثل ما خرج من البول وفيه مالا يخفى للاجماع على خلافه وضعفه المحقق في المعتبر بأن البول ليس بمغسول وإنما يغسل منه ما على الحشفة والامر فيه
سهل (وغسل مخرج الغايط مع التعدي حتى يزول العين والأثر) ادعى العلامة (ره) في التذكرة أن مع التعدي عن المخرج لا بد من الماء إجماعا وكذا المحقق في
المعتبر واستدل عليه أيضا بما رواه الجمهور عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنكم كنتم تبعرون بعرا وأنتم اليوم تثلطون ثلطا فاتبعوا الماء الأحجار ثلط البعير إذا
ألقى بعره رقيقا كذا في الصحاح وبقوله (عليه السلام) يكفي أحدكم ثلاثة أحجار إذا لم يتجاوز محل العادة لكن روايات أصحابنا الدالة على جواز الاستنجاء بالأحجار
خالية عن هذا التقييد كما سيجئ إنشاء الله تعالى فلو لم يكن مخافة الاجماع لأمكن القول بجواز التمسح في الغايط مطلقا إلا أن يتفاحش ويخرج عن المعتاد بحيث لا
يصدق على إزالته اسم الاستنجاء من الغائط لان الروايتين المنقولتين مع عدم صحة سندهما لا ينافيانه أيضا بل لا
يبعد ادعاء
ظهورهما خصوصا الأخيرة فيه مع أن الرواية الأولى ظاهرها الحمل على الاستحباب إذا لم يقل بوجوب الجمع أحد وعلى هذا فكما يمكن أن يكون الاستحباب باعتبار الأحجار
فكذلك يمكن أن يكون باعتبار الماء ولا يخفى أن هذا انسب بالغرض المقصود من الرخصة في التمسح أي التخفيف وإزالة المشقة لأن عدم التعدي عن المخرج نادر جدا والله
أعلم ثم أن مع التعدي هل يجب غسل الجميع بالماء أو القدر المتعدي فقط ظاهر عبارة الكتاب الأول ولم يحصل الاطلاع على نص من الأصحاب بشئ وإثبات وجوب غسل
الجميع لا يخلو من إشكال أن لم يكن إجماع والمراد بالعين ظاهرا وكذا وجوب إزالته عرفا للاجماع ولحسنة بن المغيرة عن أبي الحسن (عليه السلام) المتقدمة ولما رواه التهذيب
أيضا في باب آداب الاحداث في الموثق عن يونس بن يعقوب قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الوضوء الذي افترضه الله على العباد لمن جاء من الغايط أو بال
قال يغسل ذكره ويذهب الغايط ثم يتوضأ مرتين ولما ورد أيضا في بعض الروايات من الامر بالغسل لان الظهار أنه ما لم تزل العين لم يصدق عليه الغسل
عرفا وأما الأثر فليس في الآثار منه عين ولا أثر ولكن الأصحاب إنما ذكروه واختلف كلامهم في المعنى المراد منه فقال بعضهم المراد منه ما يتخلف على
المحل بعد مسح النجاسة وتنشيفها وذكروا أنه غير الرطوبة لأنها من العين وتحقق هذا المعنى الذي فسروا الأثر به لا وضوح له وعلى تقدير تحققه إثبات
وجوب إزالته انما يتوقف على أن لا يصدق النقاء والذهاب والغسل قبل زواله إذ لو صدق قبله يلزم الحكم بالكفاية لما تقدم وعلى هذا يشكل الحكم بالاكتفاء
بزوال العين حين التمسح بوجوب النقاء والذهاب اللهم إلا أن يقال إن إزالة الأثر لما لم يمكن بالتمسح ووردت الروايات بجوازه ظهر أن الامر بالنقاء و
الذهاب مخصص وبعضهم فسروا الأثر باللون وذكر أنه عرض لا يقوم بنفسه فلا بد له من محل جوهري يقوم به والانتقال على الاعراض محال فوجوده دليل
على وجود العين فيجب إزالته وفيه نظر أما أولا فبالنقض بالرايحة لجريان الدليل فيها مع أنها لا يجب إزالتها ويمكن أن يقال إن كان دليل على عدم وجوب
إزالتها من إجماع أو خبر فيكون ذلك الدليل مخرجا لها عن الحكم ولا يلزم منه خروج ما ليس فيه دليل كاللون وإن لم يكن دليل فيجري الحكم فيها أيضا
وأما ثانيا فبمنع استلزام؟؟ انتقال الاعراض أن يكون العين موجودة في حال وجود اللون لجواز أن لا يكون هذا اللون اللون القائم بالعين بل يجوز
أن يكون لونا آخر حدث بالمجاورة وأما ثالثا فيمنع وجوب الإزالة على تقدير كون العين موجودا مطلقا لان ما ثبت وجوبه بالاخبار هو الانتفاء؟
إلا ذهاب والغسل فلو صدق هذه الأمور عرفا قبل زوال اللون لكان كافيا ولا يحتاج إلى إزالته ولو لم يصدق بدون إزالته لوجب وعدم الصدق؟
وجوب إزالته في صورة التمسح أيضا إلا أن يتمسك بما ذكرنا وكلام المصنف (ره) في الذكرى يوهم أن مرادهم بالأثر الرايحة حيث قال في بحث الاستنجاء بالأحجار ولا عبرة بالأثر
كالرايحة بخلاف الرطوبة لكن الظاهر أن مراده أنه لا عبرة بالأثر كما لا عبرة بالرايحة لان كلامه في هذا الكتاب صريح في أن المراد من الأثر غير الرايحة
كما سيظهر وإيراد الشهيد الثاني (ره) في شرح الارشاد على هذا التوجيه لكلام الذكرى بأنه بعيد لما ثبت من عدم اشتراط زوال الرايحة فيما هو أقوى
من الأحجار لا وجه له أصلا كما لا يخفى هذا ومحصل القول على ما مر أن القدر الثابت وجوبه ظاهرا من الروايات وجوب الغسل بالماء إلى حد يصدق عليه في العرف
74

أنه أنقاه وأذهبه وأما ما سوى ذلك سواء قلنا بوجود شئ هو الأثر أولا فلا ومن يدعيه فعليه البيان والظاهر أيضا الاكتفاء بانقاء ما ظهر على المخرج
ولا يجب إدخال القطن أو الأنملة لانقاء الباطن قال العلامة (ره) في المنتهى وهو مذهب أكثر أهل العلم وروى عن محمد تلميذ أبي حنيفة أنه قال ما لم يدخل إصبعه لا يكون
نظيفا وهذا شاذ انتهى ويدل عليه ما رواه التهذيب في باب آداب الاحداث في الصحيح عن إبراهيم بن أبي محمود عن الرضا (عليه السلام) قال سمعته يقول في الاستنجاء نغسل ما ظهر على الشرج
ولا ندخل فيه الأنملة وما رواه أيضا في هذا الباب في الزيادات عن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام قال قلت له الرجل يريد أن يستنجي كيف يقعد قال كما يقعد المغابط
وقال أنام عليه أن يغسل ما ظهر منه وليس عليه أن يغسل باطنه وهاتان الروايتان في الكافي أيضا في باب القول عند دخول الخلاء والرواية الأولى في الفقيه أيضا
في باب ارتياد المكان وروى التهذيب في هذا الباب في الأصل في أثناء حديث طويل عن عمار أيضا هذا المضمون أيضا بعينه (ولو لم يتعد أجزاءها ثلاث مسحات بجسم
طاهر مزيل للعين لا الأثر) إجزاء التمسح مع عدم التعدي إجماعي ويدل عليه أيضا روايات منها صحيحة زرارة ورواية بريد بن معاوية عن أبي جعفر (عليه السلام)
المتقدمتان في بحث وجوب غسل موضع البول بالماء وحكاية زرارة من فعل الإمام (عليه السلام) كما هو ظاهر المتقدمة أيضا في البحث المذكور ومنها ما رواه التهذيب
في باب آداب إحداث الزيادات في الصحيح عن زرارة قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول كان الحسين بن علي (عليه السلام) يتمسح من الغايط بالكرسف ولا يغسل ومنها
ما رواه أيضا في هذا الباب في الأصل في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال جرت السنة في أثر الغايط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان ولا يغسله ويجوز أن
يمسح رجليه ولا يغسلهما ويشهد له إطلاق حسنة ابن المغيرة وموثقة يونس بن يعقوب المتقدمتين فأما ما رواه أيضا في هذا الباب في الموثق عن عمار بن
موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل ينسى أن يغسل دبره بالماء حتى صلى إلا أنه قد تمسح بثلاثة أحجار قال إن كان في وقت تلك الصلاة فليعد الوضوء
وليعد الصلاة فلا يعارض ما ذكرناه من الروايات لكثرتها وصحة سندها وقد حمله الشيخ (ره) في التهذيب على الاستحباب ويمكن حمله على صورة التعدي
أيضا وكذا ما رواه أيضا في هذا الباب عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده عن علي (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا استنجا أحدكم فليوتر بها
وترا إذا لم يكن الماء لا يصلح لمعارضتها لجهالة سنده فليحمل أيضا على الاستحباب أو التعدي وكذا ما رواه أيضا في هذا الباب عن بعض أصحابنا رفعه إلى
أبي عبد الله (عليه السلام) قال جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار ويتبع بالماء لا يصلح للمعارضة للارسال فليحمل أيضا على الاستحباب أو التعدي هذا
وأما كون المسح ثلاثا فتدل عليه الروايات المتقدمة المتضمنة للثلاث ويشهد له أيضا ما رواه التهذيب في باب صفة التيمم في الموثق عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)
قال سئلته عن التمسح بالأحجار فقال كان الحسين بن علي (عليه السلام) يتمسح بثلاثة أحجار وأما كونه بمطلق الجسم سوى ما يستثنى فيما بعد فالظاهر أنه أيضا إجماع منا
كما يفهم من ظاهر المنتهى حيث قال وهو مذهب أكثر أهل العلم ونسب الخلاف إلى بعض الجمهور والشيخ رحمه الله صرح في الخلاف بالاجماع عليه لكن المصنف (ره)
قال في الذكرى إن سلار اعتبر الأرض في أصله لذكر الحجارة وابن الجنيد لا يختار الاجر والخزف إلا أن يلابسه طين أو تراب يابس وهما ضعيفان لعدم مستند
لهما فالظاهر عدم التقييد كما هو المشهور للشهرة ودلالة بعض الروايات المتقدمة عليه وأما اعتبار الطهارة فقد ادعى الاجماع عليه في المنتهى و
يؤيده أيضا قوله (عليه السلام) بثلاثة أحجار أبكار واستدل عليه أيضا بأنه إزالة النجاسة فلا يحصل بالنجاسة كالغسل وللكلام فيه محال نعم لو تعدى نجاسته إلى
المحل لكان حينئذ الوجه في عدم تطهيره ظاهرا لان الاستنجاء إنما يختص بالنجاسة المعهودة فلا يتعدى إلى غيرها وسيجئ أيضا لهذا تتمة إنشاء الله تعالى وأما إزالة العين
دون الأثر فقد ظهر حاله في الاستنجاء بالماء ولا اعتبار بالريح فيهما أي في الاستنجاء بالماء والتمسح يدل عليه حسنة ابن المغيرة المتقدمة مضافة إلى الأصل
ويشهد له أيضا إطلاق موثقة يونس بن يعقوب السابقة وأورد المصنف في هذا المقام إشكالا وهو أن وجود الرايحة يرفع أحد أوصاف الماء وذلك يقتضي
النجاسة وأجاب عنه تارة بالعفو عن الرايحة وأخرى بأن الرايحة إن كان محلها الماء نجس لانفعاله وإن كان محلها اليد أو المخرج فلا وعند الشك يحمل على
الطهارة للأصل ويمكن أيضا أن يقال أنه على تقدير كون محله الماء أيضا لا يلزم النجاسة لجواز أن يكون انفعال الماء من المحل أو اليد المتنجسين لا من النجاسة
ويجزي ذو الجهات الثلاث قال الشيخ (ره) في المبسوط والحجر إذا كانت له ثلاث قرون فإنه يجزي عن ثلاثة أحجار عند بعض أصحابنا والأحوط اعتبار التعدد
لظاهر الاخبار والمحقق في المعتبر والشرايع رجح عدم الاجزاء والمفيد وابن البراج والعلامة (ره) في جملة من كتبه رجحوا الاجزاء وهو الأقوى لنا حسنة ابن
المغيرة وموثقة ابن يعقوب منضمتين إلى الأصل حجة القول بعدم الاجزاء الروايات الواردة بالمسح بثلاثة أحجار والحجر الواحد لا يسمى ثلاثة أحجار واستصحاب
حكم النجاسة حتى يعلم لها مطهر شرعا وبدون المسح بثلاثة أحجار لم يعلم المطهر شرعا وحسنة ابن المغيرة وموثقة ابن يعقوب لا يخرجان عن الأصل لعدم صحة
سندهما خصوصا مع معارضتهما بالروايات الأخرى الواردة بالمسح بثلاثة أحجار وأصل البراءة بعد ثبوت حكم النجاسة ووجوب إزالتها لا يبقى بحاله و
الجواب عن الأول أو لا بمنع ظهور الروايات في اعتبار العدد في الأحجار لشيوع استعمال هذه العبارة فيما المراد منه تعدد الفعل لا تعدد الآلة كما يقال اضربه
75

ثلاثة أسواط والمراد ضربه ثلاث مرات ولو بسوط واحد وقد يقال بالفرق بين وجود الباء وعدمه إذ مع وجود الباء يظهر في التعدد وليس بقوي لشيوع الاستعمال
مع الباء أيضا بذلك المعنى ويؤيده أيضا أن بعض الروايات ورد بلفظ المسحات كما نقل عنه (عليه السلام) أنه قال إذا جلس أحدكم بحاجته فليمسح ثلاث مسحات وثانيا يمنع دلالتها
على الوجوب إذا لو لم يكن لفظه السنة ظاهرة في الاستحباب فلا أقل من عدم ظهورها في الوجوب وما روي عن سلمان (رض) أنه قال نهانا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن
نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار فغير صالح للتعويل لجهالة سنده مع أن لفظ النهي أيضا ليس صريحا في التحريم وكذا ما روى عنه أيضا لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار
وفي رواية ابن المنذر لا يكفي أحدكم دون ثلاثة أحجار والجواب عن الثاني بمنع حجية الاستصحاب ولما كان أصل الاستصحاب كثيرا ما يستعمله الأصحاب في الأحكام الشرعية ويبنون عليه المسائل وفي
تحقيق معناه وإثبات حجية بعض من الأبحاث كثيرة النفع في الترجيحات فلا بأس أن نذكر فيه نبذا من القول على سبيل الاجمال وإن لم يكن هنا موضعه إذ هو في الأصول
اعلم أن القوم ذكروا أن الاستصحاب إثبات حكم شرعي في زمان لوجوده في زمان سابق عليه وهو ينقسم إلى قسمين باعتبار انقسام الحكم المأخوذ فيه إلى شرعي
وغيره فالأول مثل ما إذا ثبت حكم شرعي بنجاسة ثوب أو بدن مثلا في زمان فيقولون أن بعد ذلك الزمان أيضا يجب الحكم بالنجاسة إذا لم يحصل اليقين بما يرفعها
والثاني مثل ما إذا ثبت رطوبة ثوب في زمان فبعد ذلك الزمان أيضا يحكم برطوبته ما لم يعلم الجفاف وذهب بعضهم إلى حجيته بقسميه وبعضهم إلى حجية القسم
الأول فقط واستدل كل من الفريقين بدلايل كلها مذكورة في محلها قاصرة عن إفادة المرام كما يظهر عند التأمل فيها ولم نتعرض لذكرها ها هنا بل نشير إلى ما
هو الظاهر عندنا في هذا الباب فنقول الظاهر أن الاستصحاب بهذا المعنى لا حجية فيه بكلا قسميه أصلا إذ لا دليل عليه تاما لا عقلا ولا نقلا نعم الظاهر حجية الاستصحاب
بمعنى آخر وهو أن يكون دليل شرعي على أن الحكم الفلاني بعد تحققه ثابت إلى حدوث حال كذا أو وقت كذا مثلا معين في الواقع بلا اشتراطه بشئ أصلا فحينئذ إذا حصل
ذلك الحكم فيلزم الحكم باستمراره إلى أن يعلم وجود ما جعل مزيلا له ولا يحكم بنفيه بمجرد الشك في وجوده والدليل على حجيته أمران الأول أن ذلك الحكم أما وضعي أو
اقتضائي أو تخييري ولما كان الأول أيضا عند التحقيق يرجع إليهما فينحصر في الأخيرين وعلى التقديرين يثبت ما ذكرنا أما على الأول فلانه إذا كان أمر
أو نهى بفعل إلى غاية مثلا فعند الشك في حدوث تلك الغاية لو لم يتمثل التكليف المذكور لم يحصل الظن بالامتثال والخروج عن العهدة وما لم يحصل الظن لم
يحصل الامتثال فلا بد من بقاء ذلك التكليف حال الشك أيضا وهو المطلوب وأما على الثاني فالامر أظهر كما لا يخفى والثاني ما ورد في الروايات من أن اليقين
لا ينقض بالشك فلن قلت هذا كما يدل على حجية المعنى الذي ذكرته كذلك يدل على حجية ما ذكره القوم لأنه إذا حصل اليقين في زمان فينبغي أن لا ينقض
في زمان آخر بالشك نظرا إلى الرواية وهو يعنيه ما ذكروه قلت الظاهر أن المراد من عدم نقض اليقين بالشك أنه عند التعارض لا ينقض به والمراد بالتعارض
أن يكون شئ يوجب اليقين لولا الشك وفيما ذكروه ليس كذلك لان اليقين بحكم في زمان ليس ما يوجب حصوله في زمان آخر لولا عروض شك وهو ظاهر
فإن قلت هل الشك في كون شئ مزيلا للحكم مع اليقين بوجود كالشك في وجود المزيل أولا قلت فيه تفصيل لأنه إن ثبت بالدليل أن ذلك الحكم مستمر إلى غاية معينة في
الواقع ثم علمنا حصولها عند حصول شئ وشككنا في حصولها عند حصول شئ آخر؟
فحينئذ لا ينقض اليقين بالشك وأما إذا لم يثبت ذلك بل إنما شئت أن ذلك الحكم مستمر في الجملة ويزيله الشئ الفلاني وشككنا في أن الشئ الآخر أيضا يزيله أم لا فحينئذ لا ظهور
في عدم نقض الحكم وثبوت استمراره إذ الدليل الأول ليس بجار فيه لعدم ثبوت حكم العقل في مثل هذه الصورة خصوصا مع ورود بعض الروايات
الدالة عل عدم المؤاخذة بما لا يعلم والدليل الثاني الحق أنه لا يخلو من إجمال وغاية ما يسلم منه إفادة الحكم في الصورتين اللتين ذكرناهما وإن كان
فيه بعض المناقشات لكن لا يخلو من تأييد للدليل الأول فتأمل فإن قلت الاستصحاب الذي يدعونه فيما نحن فيه وأنت قد صنعت حجيته الظاهر أنه من قبيل ما
اعترفت بحجيته لان حكم النجاسة ثابت ما لم يحصل مطهر شرعي إجماعا وهاهنا لم يحصل الظن المعتبر شرعا بوجود المطهر لان حسنة ابن المغيرة و
موثقة ابن يعقوب ليستا حجة شرعية خصوصا مع معارضتهما بالروايات كما تقدم فغاية الامر حصول الشك بوجود المطهر وهو لا ينقض اليقين
كما ذكرت فما وجه المنع قلت كونه من قبيل الثاني ممنوع إذ لا دليل على أن النجاسة ثابته ما لم يحصل مطهر شرعي وما ذكره من الاجماع
غير معلوم لان غاية ما أجمعوا عليه أن بعد التغوط لا يصح الصلاة مثلا بدون الماء والتمسح رأسا لا بثلاثة أحجار متعددة ولا بشعب حجر واحد وهذا
الاجماع لا يستلزم الاجماع على ثبوت حكم النجاسة حتى يحدث شئ معين في الواقع مجهول عندنا قد اعتبره الشارع صلى الله عليه وآله مطهرا فلا يكون من قبيل ما
ذكرنا فإن قلت هب أنه ليس داخلا تحت الاستصحاب المذكور لكن نقول أنه قد ثبت بالاجماع وجوب شئ على المتغوط في الواقع وهو مردد بين
أن يكون المسح بثلاثة أحجار متعددة أو الأعم منه ومن المسح بجهات حجرا واحد فما لم يأت بالأول لم يحصل اليقين بالامتثال والخروج عن العهدة
فيكون الاتيان به واجبا قلت الاجماع على وجوب شئ معين في الواقع منهم في نظره عليه بحيث لو لم يأت بذلك الشئ للعين لا مستحق العقاب به
76

تم بل الاجماع على أن ترك الامرين معا سبب لاستحقاق العقاب فيجب أن لا يتركهما والحاصل أنه إذا ورد نص أو إجماع على وجوب شئ مثلا
معلوم عندنا أو ثبوت حكم إلى غاية معلومة عندنا فلا بد من الحكم بلزوم تحصيل اليقين أو الظن بوجود ذلك الشئ المعلوم حتى يتحقق الامتثال
ولا يكفي الشك في وجوده وكذا يلزم الحكم ببقاء ذلك الحكم إلى أن يحصل العلم أو الظن بوجود تلك الغاية المعلومة ولا يكفي الشك في وجودها في ارتفاع
ذلك الحكم وكذلك إذا ورد نص أو إجماع على وجوب شئ معين في الواقع مردد في نظرنا بين أمور ويعلم أن ذلك التكليف غير مشروط بشئ من العلم بذلك
الشئ مثلا أو على ثبوت حكم إلى غاية معينة في الواقع مرددة عندنا بين أشياء ويعلم أيضا عدم اشتراطه بالعلم مثلا يجب الحكم بوجوب تلك الأشياء المرددة
فيها في نظرنا وبقاء ذلك الحكم إلى حصول تلك الأشياء أيضا ولا يكفي الاتيان بشئ واحد منها في سقوط التكليف وكذا حصول شئ واحد في ارتفاع
الحكم سواء في ذلك كون ذلك الواجب شيئا معينا في الواقع مجهولا عندنا أو أشياء كذلك أو غاية معينة في الواقع مجهولة عندنا أو غايات كذلك وسواء
أيضا تحقق قدر مشترك بين تلك الأشياء والغايات أو تباينها بالكلية وأما إذا لم يكن كذلك بل ورد نص مثلا على أن الواجب الشئ الفلاني ونص آخر
على أن ذلك الواجب شئ آخر أو ذهب بعض الأمة إلى وجوب شئ والآخرون إلى وجوب شئ آخر دونه وظهر بالنص أو الاجماع في الصورتين إن ترك
ذلك الشيئين معا سبب لاستحقاق العقاب فحينئذ لم يظهر وجوب الاتيان بهما معا حتى يتحقق الامتثال بل الظاهر الاكتفاء بواحد منهما سواء اشتركا في
أمرا وتباينا بالكلية وكذلك الحكم في ثبوت الحكم إلى الغاية هذا مجمل القول في هذا المقام وعليك بالتأمل في خصوصيات الموارد واستنباط
أحكامها عن هذا الأصل ورعاية جميع ما يجب رعايته عند تعارض المعارضات والله الهادي إلى سواء الطريق وتجزية المسح أي لا يجب مسح كل الموضع
بكل الحجر بل يجب مسح الجميع بالجميع وإن كان على سبيل التوزيع وهذا الحكم مشهور بين الأصحاب وذهب المحقق في الشرايع إلى عدم إجزاء التوزيع والظاهر
القول المشهور لموثقة يونس وحسنة ابن المغيرة وإطلاق روايات ثلاثة أحجار منضمة إلى الأصل وحجة المنع أن مع التوزيع لا يصدق أنه ثلاث مسحات
بل مسحة واحدة وهي ضعيفة إذ ليس في الروايات ما يدل على وجوب مسح جميع الموضع بثلاث مسحات وبما ذكرنا من مخالفة المحقق في الشرايع ظهر ما
في كلام صاحب المعالم (ره) حيث قال ويظهر من كلام بعض المتأخرين إن للأصحاب قولا بعدم إجزاء التوزيع وأظنه توهما نشأ من نسبه العلامة القول
بذلك إلى بعض الفقهاء والممارسة يطلع على أنه يعني بمثل هذه العبارة أهل الخلاف انتهى (ولو لم ينق) بالثلاثة وجب الزايد هذا الحكم إجماعي و
ويدل عليه أيضا حسنة ابن المغيرة وموثقة يونس وذكر الأصحاب أنه يستحب أن يقطع على وتر للرواية المتقدمة من قوله (عليه السلام) إذا استنجى أحدكم
فليوتر ولا بأس به (ولو نقي بالأقل وجب الاكمال على الأقوى) اختلف الأصحاب في هذا الحكم فذهب ابن إدريس والمحقق والعلامة في المنتهى إلى وجوب
الاكمال وكلام الشيخ (ره) أيضا في المبسوط كأنه ناظر إليه والمفيد على ما نقل عنه والعلامة في المختلف والتذكرة ذهبا إلى عدم الوجوب وهو الأظهر و
المسألة نظيرة المسألة السابقة من أجزاء ذي الجهات الثلاث فقس عليها سؤالا وجوابا واستدل من قبلنا أيضا بصحيحة زرارة المتقدمة كان يستنجي من
البول ثلاث مرات ومن الغايط بالمدر والخرق وفيه أن دلالته على خلاف المدعى أظهر من دلالته على المدعي لان المدر والخرق جمع وأقله ثلاثة وعلى تقدير
تطبيقه على هذا القول لا بد أما أن يقال أن الجمع باعتبار الأوقات أو يأول بجنس المدرة والخرقة فكيف يمكن جعله دليلا عليه فإن قلت على ما ذكرت
من ظهورها في الثلاثة ما الجواب عنها قلت أما أولا فبأن فعله (عليه السلام) لا يدل على الوجوب إذ يجوز أن يكون على سبيل الاستحباب وأما ثانيا فبجواز
أن لا يحصل له النقاء بدون ثلاثة واستبعاد عدم حصول النقاء بدون الثلاثة في جميع الأوقات مدفوع بأنه ليس في الرواية أنه عليه السلام يصنع في جميع
الأوقات كذلك بل الظاهر أن زرارة إنما أخبر عن الأوقات التي رأى صنيعه (عليه السلام) واستدل الموجبون ها هنا بوجه آخر أيضا غير ما سبق وهو أن الحجر الواحد
لا يحصل به الإزالة بالكلية فلا جرم يتخلف شئ من بقايا النجاسة غالبا وقليل النجاسة لكثيرها وفي الثلاثة يحصل القطع بالإزالة وهو ضعيف
لان الكلام إنما هو بعد حصول النقاء ولكن لا يبعد القول باستحباب الاكمال للروايات الواردة بالثلاثة وأمر الاحتياط في أمثال هذه المواضع
ظاهرا (وكذا لو شك في النقاء) أي لو شك في النقاء بالثلاثة وجب أن يزيد حتى يحصل اليقين بالنقاء على ما
اخترناه من وجوب عدم وجوب الاكمال لو نقى بالأقل ووجه الحكمين ظاهر لان الانقاء واجب بالاجماع والنص فمع الشك لا يحصل الامتثال (ولا يجزي
النجس) قد تقدم القول فيه (ولا الصيقل) أي ما يزلق عن النجاسة كالزجاجة ونحوها عدم الاجزاء مع عدم قلعة النجاسة طاهر وأما مع قلعها
أيضا كما يشعر به إطلاق المتن وصرح به العلامة (ره) في النهاية فغير ظاهر بل الظاهر خلافه لصدق الامتثال لما ورد في الروايات (ولا الرخو كالفحم) هذا
الحكم أيضا مع عدم قلع النجاسة ظاهرا ومعه لا يخلو من إشكال من حيث صدق الامتثال ومن حيث انفصال الاجزاء وتخلفها في المحل (ويجزي الروث
77

والعظم والمطعوم والمحترم وإن حرمت) فيه حكمان أحدهما عدم جواز الاستنجاء بهذه الأمور والثاني إجزاؤه وطهارة المحل به أما الحكم الأول فظاهر
المنتهى الاجماع في حرمة الثلاثة الأول لكنه في التذكرة احتمل الكراهة وصرح في المعتبر
بالاجماع على التحريم في الأوليين منها واستدل أيضا على التحريم
في الأوليين بما رواه الجمهور عن ابن مسعود قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن وبما رواه الشيخ (ره)
في باب آداب الاحداث في الزيادات عن ليث المرادي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته من استنجاء الرجل بالعظم أو البعر أو العود قال أما العظام والروث
فطعام الجن وذلك ما شرطوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لا يصلح شئ من ذلك والرواية وإن كانت ضعيفة السند لكنها مما تلقوها بالقبول
وعلى التحريم في الثالثة بأن له حرمة يمنع من الاستهانة به ولأن طعام الجن منهي عنه فطعام أهل الصلاح أولى والوجهان لا يصلحان للتعول لكن المعتمد
هو الشهرة العظيمة بل الاجماع ظاهرا كما ذكرنا وأما الحرمة في الأخير والمراد به ما له حرمة كورق المصحف العزيز والتفاسير وكتب الحديث والفقه وتربة الحسين
(عليه السلام) ونحوها فهو المشهور بين الأصحاب بل كاد أن يكون إجماعا لان فيه هتكا للشريعة واستخفافا لحرمتها بل يحكم بكفر فاعله على بعض الوجوه وأما
الحكم الثاني فقد اختلفت الأصحاب فيه فذهب الشيخ (ره) وابن إدريس والمحقق إلى عدم الاجزاء والعلامة (ره) في المنتهى والمختلف والتذكرة إلى الاجزاء
وهو الأظهر للروايات المتقدمة واستدل المانعون بأنه منهي عنه والنهي يدل على الفساد وباستصحاب حكم النجاسة حتى يثبت زواله وبأن الاستجمار رخصة
لموضع المشقة فإذا كان ما تعلقت به الرخصة منهيا لم يجز كسفر المعصية وبقوله (عليه السلام) لا يصلح شئ من ذلك والجواب عن الأول بالمنع عن دلالة النهي
على الفساد مطلقا ولو سلم فإنما هو في العبادات وعن الثاني بأن الزوال معلوم مع الشرع للروايات وعن الثالث بالمنع للمقدمتين وعن الرابع بمنع
الظهور في عدم الاجزاء بل يحمل على عدم الجواز ولا يخفى أن الدليل الأول والثالث لو تما لدلا على عدم الاجزاء حال العلم وأما مطلقا فلا وقد يستدل
أيضا على عدم الاجزاء بما رواه الجمهور عنه (عليه السلام) لا تستنجوا بعظم ولا روث فإنهما لا يطهرن وفيه أيضا جهالة السند (ويستحب ستر البدن) الظاهر أن المراد
من الستر أن يطلب موضعا يستتر فيه عن الناس مثل وهدة أو بناء أو بعد بحيث لا يراه أحد واستدل عليه بأن فيه تأسيا بفعل النبي (صلى الله عليه وآله)
(والبعد) الظاهر أن هذا ليس مستحبا على حده بل هو من جمله وجوه الستر (وإعداد النبل) جمع نبله وهي في الأصل الحصاة والمراد هنا أحجار الاستنجاء والمراد بإعدادها تهيئتها قبل الاشتغال بالحدث
لما في جمعها بعد الحدث من خوف انتشار النجاسة والأصل فيه ما روي عنه (صلى الله عليه وآله) إذا ذهب أحدكم إلى الغايط فليذهب معه بثلاثة أحجار فإنها يجزي
والاعتماد على اليسرى أسنده في الذكر إلى رواية عن النبي (صلى الله عليه وآله) وقال في النهاية لأنه (صلى الله عليه وآله) علم أصحابه الاتكاء على اليسرى (والدعاء داخلا)
باليسرى وخارجا باليمنى فيه حكمان أحدهما استحباب الدخول باليسرى والخروج باليمنى الثاني استحباب الدعاء عندهما أما الأول فلم يحصل الاطلاع فيه
على نص قال المحقق في المعتبر وتقديم الرجل اليسرى عند الدخول واليمنى عند الخروج ليكون فرقا بين دخول المسجد والخروج منه ولم أجد لهذا حجة غير أن ما ذكره الشيخ (ره)
وجماعة من الأصحاب حسن انتهى وأما الثاني فيدل عليه ما رواه في التهذيب في باب آداب الاحداث في الصحيح عن معاوية بن عمار قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول إذا دخلت المخرج فقل بسم الله وبالله اللهم إني أعوذ بك من الخبيث المخبث الرجس النجس الشيطان الرجيم وإذا أخرجت فقل بسم الله وبالله والحمد لله
الذي عافاني من الخبث المخبث وأماط عنى الأذى وإذا توضأت فقل أشهد أن لا إله إلا الله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين والحمد لله
رب العالمين وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب القول عند دخول الخلاء وما ذكره الفقيه أيضا في باب ارتياد المكان المحدث قال وكان (عليه السلام)
إذا دخل الخلاء يقول الحمد لله الحافظ المؤدي وإذا خرج مسح بطنه وقال الحمد لله الذي أخرج عنى أذاه وأبقى في قوته فيالها من نعمة لا يقدر القادرون
قدرها وضمير كان الظاهر أنه راجع إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ومنه يستنبط استحباب مسح البطن عند الفراغ من الاستنجاء فإسناد الاستحباب إلى قول المفيد (ره)
ومن تبعه كما قال المصنف في الذكرى والمحقق الشيخ علي (ره) في شرح القواعد ليس بشئ ويمكن توجيه كلامهما بتكلف فتدبر ويدل على استحباب الدعاء
عند خصوص الدخول ما رواه التهذيب في باب آداب الاحداث في الزيادات عن أبي بصير عن أحدهما (عليه السلام) قال إذا دخلت الغايط فقل أعوذ بالله من الرجس
النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم وإذا فرغت فقل الحمد لله الذي عافاني من البلاء وأماط عني الأذى وما رواه الفقيه أيضا في الباب المذكور قال وكان
رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أراد دخول الموضي قال اللهم إني أعوذ بك من الرجل النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم اللهم امط عني الأذى
وأعذني من الشيطان الرجيم وإذا استوى جالسا للوضوء قال اللهم إذهب عني القذى والأذى واجعلني من المتطهرين وإذا تزحر قال اللهم كما أطعمتنيه
طيبا في عافيه فأخرجه مني خبيثا في عافية ومن هذا استنبط استحباب الدعاء عند الحدث أيضا كما قال المصنف (ره) في الذكرى الدعاء دخولا وخروجا
وإخراجا وما رواه الفقيه أيضا في هذا الباب قال وكان الصادق (عليه السلام) إذا دخل الخلاء يقنع رأسه ويقول في نفسه بسم الله وبالله ولا إله إلا الله رب اخرج مني
78

الأذى سرحا بغير حساب واجعلني لك من الشاكرين فيما تصرفه عني من الأذى والغم الذي لو حبسته لهلكت لك الحمد اعصمني من شر ما في هذه
البقعة وأخرجني منها سالما وحل بيني وبين طاعة الشيطان الرجيم ومن هذا يستنبط استحباب التقنع عند الدخول وما رواه الفقيه أيضا في هذا الباب
قال ووجدت بخط سعد بن عبد الله حديثا أسنده إلى الصادق (عليه السلام) قال من كثر عليه السهو في الصلاة
فليقل إذا دخل الخلاء بسم الله وبالله أعوذ
بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم ويدل أيضا على خصوص الخروج ما رواه التهذيب في الباب المذكور في الموثق عن عبد الله بن ميمون القداح
عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه عن علي (عليه السلام) أنه كان إذا خرج من الخلاء قال الحمد لله الذي رزقني لذته وإبقاء قوته في جسدي وأخرج عني أذاه
يا لها من نعمة ثلاثا وهذه الرواية في الزيادات أيضا (وعند الاستنجاء) يدل عليه ما رواه التهذيب في باب صفة الوضوء عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال بينا أمير المؤمنين (عليه السلام) ذات يوم جالس مع ابن الحنفية إذ قال له يا محمد أيتني بإناء من ماء أتوضأ للصلاة فأتاه محمد بالماء فأكفاه بيده
اليسرى على يده اليمنى قال بسم الله والحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا قال ثم استنجى فقال اللهم حصن فرجي واعفه واستر عورتي وحرمني
على النار وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب النوادر قبل أبواب الحيض وفي الفقيه في باب صفة وضوء أمير المؤمنين (عليه السلام) ويدل أيضا رواية
الفقيه عن النبي (صلى الله عليه وآله) المتقدمة آنفا كما هو الظاهر والظاهر أن الاستنجاء شامل للغسل والمسح معا والفراغ يحتمل وجهين الفراغ من الحدث
ومن الاستنجاء ويمكن أيضا أن يريدهما معا لكن كلامه (ره) في الذكرى وكذا كلام جمع من الأصحاب ككلام المعتبر والمنتهى والتذكرة ظاهر في المعنى
الثاني والمفيد (ره) في المقنعة والشيخ (ره) في المقنعة والشيخ (ره) في المبسوط إنما صرحا بالمعنى الثاني ولم يذكر الاستحباب عند الفراغ من الحدث أصلا وكلام الصدوق (ره)
في الفقيه يشعر باستحبابه حيث قال فإذا فرغ الرجل من حاجته فليقل الحمد لله الذي أماط عني الأذى وهناني طعامي وعافاني من البلوى والاستنجاء
بثلاثة أحجار ثم بالماء انتهى ثم أن المفيد (ره) في المقنعة قال فإذا فرغ من الاستنجاء فليقم وليمسح بيده اليمنى بطنه وليقل ثم ذكر الدعائين المنقولين للخروج
في روايتي معاوية بن عمار وعبد الله بن ميمون المتقدمتين كما هو الظاهر واستدل الشيخ (ره) عليه بالروايتين المذكورتين ولا يخفى أنه على هذا لا
يكون الدعاء عند الفراغ من الاستنجاء مستحبا آخر بل هو بعينه الدعاء للخروج فلا معنى لجعله مستحبا على حدة وهذا الايراد إنما يرد على الشيخ (ره) حيث
صرح بكونه مستحبا على حدة وأفرده عن الدعاء للخروج كما في المبسوط وأما المفيد (ره) فلم يحضرني الان عبارته في المقنعة تمام حتى يظهر الامر ويمكن
أن لا يفرده عن دعاء الخروج فلا إيراد عليه ويمكن الاعتذار عن الشيخ بأن دليله على هذا المطلب كأنه غير ما ذكره ها هنا وإنما أورد هذا الدليل
على إثبات مطلب المفيد (ره) وكأنه غير مطلبه واستدل المحقق (ره) في المعتبر عليه بما في رواية معاوية المتقدمة من قوله (عليه السلام) وإذا توضأت انتهى وفيه أنه
لا طهور له في أن المراد من التوضي الاستنجاء بل الظاهر أن المراد منه الوضوء المصطلح كما هو المتبادر وإن جعل ذكره مع دخول الخلاء والخروج عنه قرينة
على الاستنجاء فليجعل ذكره بعد الخروج قرينة على المعنى المتعارف واستدل عليه العلامة في المنتهى بما في رواية أبي بصير المتقدمة من قوله (عليه السلام)
فإذا فرغت فقل انتهى وفيه أنه لا يدل على ما هو مرادهم ظاهرا من استحباب الدعاء عند الفراغ من الاستنجاء لجواز أن يكون المراد من الفراغ الفراغ من الحدث
وصاحب المدارك أيضا ذكر هذا الدعاء في هذا الموضع وكأنه بالنظر إلى هذه الرواية وقد عرفت ما فيه والشهيد الثاني (ره) في شرح الارشاد قال عند
قول المصنف (ره) وعند الاستنجاء وعند الفراغ منه والظاهر أنه الدعاء المذكور عند مسح بطنه لأنه الأقرب إلى الفراغ من التخلي وهو الحمد لله الذي أماط
عني الأذى وهناني طعامي وعافاني من البلوى انتهى ولا يخفى أن هذا الدعاء إنما ذكره الشيخ في (نه) عند مسح البطن بعد الفراغ من الاستنجاء
والقيام منه ولم نجده في الكتب الأربعة الا في الفقيه كما نقلنا وليس فيه أنه عند مسح البطن ولا ظهور له أيضا في أن المراد الفراغ من الاستنجاء بل الظاهر
خلافه كما مر والدعاء الذي ذكره المفيد (ره) عند مسح البطن بعد الفراغ من الاستنجاء إنما هو دعاء الخروج كما فصلنا وليس دعاء على حدة ويدل أيضا
على اتحادهما ما رواه الفقيه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) فإذا خرج مسح بطنه وقال انتهى كما تقدم وقد روى في الكافي أيضا في باب النوادر قبل أبواب
الحيض عن أبي أسامة قال كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فسئله رجل من المغيرية من شئ من السنن فقال ما من شئ يحتاج إليه أحد من ولد آدم إلا وقد جرت
فيه من الله تعالى ومن رسوله (صلى الله عليه وآله) سنة عرفها من عرفها وأنكرها من أنكرها فقال الرجل فما السنة في دخول الخلاء فقال تذكر الله وتتعوذ
بالله من الشيطان الرجيم فإذا فرغت قلت الحمد لله على ما أخرج منى من الأذى في يسر وعافية وهذا أيضا لا ظهور له في الفراغ من الاستنجاء والحاصل أن
الاستدلال على استحباب الدعاء بعد الفراغ من الاستنجاء غير دعاء الخروج مشكل لما عرفت من حال الدلايل وكذا على استحباب الدعاء بعد الفراغ من الحدث
لان ما يمكن الاستدلال به عليه إنما هو راية أبي بصير وعبارة الفقيه المذكورتين وهما أيضا ليستا بظاهرتين في المراد ظهورا يعتمد عليه لاحتمال الحمل
79

على الفراغ من الاستنجاء احتمالا غير بعيد لما اشتهر بين الأصحاب الاستحباب بعد الفراغ من الاستنجاء فلا بأس بالقول به على تقدير القول به الأولى أن يدعى
بالدعاء الذي في رواية أبي بصير لا بما في عبارة الفقيه كما لا يخفى وجهه (والصبر هنيهة) والمراد الصبر بعد الحدث وقبل الاستبراء ذكر هذا الحكم في الذكرى أيضا ونقله العلامة (ره)
أيضا في التذكرة ولم تجده في موضع آخر ولم نقف أيضا على مستنده بل ظاهر بعض الروايات عدم الاستحباب كما رواه التهذيب في باب آداب أحداث الزيادات في
الصحيح عن جميل ابن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا انقطعت درة البول فصب الماء وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب القول عند دخول الخلاء وما رواه
أيضا في هذا الباب عن روح بن عبد الرحيم قال بال أبو عبد الله (عليه السلام) وأنا قائم على رأسه ومعي أداوة أو قال كوز فلما انقطع شخب البول قال بيده هكذا إلي فناولته
الماء فتوضأ مكانه وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب الاستبراء وما رواه أيضا في هذا الباب في الأصل عن داود الصرمي قال رأيت أبا الحسن الثالث (عليه السلام)
غير مرة ويتناول كوزا صغيرا ويصب الماء عليه من ساعته ووجه دلالتها على عدم الاستحباب أما الأولى فلان الامر المعلق على شرط ظاهر في الفورية
عند حصول الشرط كما ذكروه في قوله تعالى فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين وأما الأخيرتين فلانه لو كان مستحبا لما تركاه (عليه السلام) ويمكن
أن يقال ظاهر الروايات عدم الفصل العرفي والفصل بمثل هذا الصبر لا يعتد به عرفا ويؤيده أيضا عدم التعرض في الروايات للاستبراء مع أنه مستحب إجماعا
والفصل به أيضا أزيد من الفصل بالصبر لا يقال خرج الاستبراء بالدليل فبقي الباقي لان هذا لا ينافي التأييد الذي ادعيناه كما يشهد به الفطرة السليمة
وعلى هذا لا يبعد القول بالاستحباب متابعة لهذين الفاضلين مع أن فيه استظهارا لخروج ما كاد يبقى من بقية البول
(والاستبراء بأن يمسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثم إلى رأسه ثم عصر الحشفة ثلاثا والتنحنح ثلاثا) المشهور بين الأصحاب استحبابا الاستبراء بعد البول فظاهر الشيخ في الاستبصار الوجوب والظاهر
المشهور للأصل وعدم ما يخرج عنه كما يظهر عند جواب دليل الخصم حجة الوجوب ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب في باب آداب الاحداث في الصحيح عن حفص بن البختري
عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يبول قال ينتره ثلاثا ثم إن سأل حتى يبلغ الساق فلا يبالي وما رواه أيضا في هذا الباب في الحسن عن محمد بن مسلم قال قلت
لأبي جعفر (عليه السلام) رجل بال ولم يكن معه ماء قال يعصر أصل ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات وينتر طرفه فإن خرج بعد ذلك شئ فليس من البول ولكنه من
الحبايل وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب الاستبراء وما رواه الجمهور عن النبي (صلى الله عليه وآله) إن أحدكم يعذب في قبره فيقال أنه لم يكن يستنتر عند بوله
والجواب عن الأولين يمنع الدلالة على الوجوب لعدم ظهور الجملة الجزئية فيه وعن الثالث بعدم صلاحيته للتعويل لجهالة السند فإن قلت ما معنى الحديث
الثاني قلت كان مراد السائل أنه إذا بال ولم يكن الماء كيف يصنع بقطعه ليمكنه الوضوء ولم ينتقض بخروجه وليس مراده السؤال عن تطهير المحل فأجابه (عليه السلام) بأنه
يستبرء فإذا خرج بعد الاستبراء شئ فليس من البول ولا ينقض الوضوء لأنه طاهر فإن قلت أي خصوصية لهذا السؤال بعدم الماء إذ مع وجود الماء أيضا
يجري السؤال قلت كان السائل كان عالما بأن مع وجود الماء إذا استبرء وغسل المحل فلا بأس بما يخرج بعده ولكن لم يعلم الحال في حال العدم أو يكون بناء
على ما يقال أن الماء يقطع البول كما ذكره العلامة (ره) في المنتهى إذ على هذا وجه الاختصاص ظاهر ثم اعلم أن كلام الأصحاب مختلف في كيفية الاستبراء قال المفيد (ره)
في المقنعة فإذا فرغ من حاجته وأراد الاستبراء فليمسح بأصبعه الوسطى تحت أنثييه إلى أصل القضيب مرتين أو ثلاثا ثم يضع مسحبة تحت القضيب وإبهامه
فوقه ويمترهما عليه باعتماد قوي من أصله إلى رأس الحشفة مرة أو مرتين أو ثلاثا ليخرج ما فيه من بقية البول وقال الشيخ في المبسوط إذا أراد ذلك مسح من
عند المقعده إلى تحت الأنثيين ثلاثا ومسح القضيب ونتره ثلاثا وكذا قال في النهاية وقال المرتضى (ره) ويستحب عند البول نتر الذكر من أصله إلى طرفه
ثلاث مرات وقال الصدوق (ره) في الفقيه ومن أراد الاستنجاء فليمسح بإصبعه من عند المقعدة إلى الأنثيين ثلاث مرات ثم ينتر ذكره ثلاث مرات ويقرب منه أيضا
كلام السرائر والعلامة (ره) في المنتهى وقال في التذكرة والنهاية بمثل ما في المتن والذي وجدنا من الروايات من طريقتنا في هذا الباب أي كيفية الاستبراء
ثلاثة اثنان منهما ما تقدم والثالث ما رواه الشيخ (ره) أيضا في التهذيب في باب الاحداث في الحسن عن عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يبول ثم يستنجي
ثم يجد بعد ذلك بللا قال إذا بال فخرط ما بين المقعدة والأنثيين ثلاث مرات وغمز ما بينهم ثم استنجى فإن سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي والظاهر بالنظر
إلى هذه الروايات التخيير بين الطرق الثلاثة التي فيها وإن الغرض الاستظهار لاخراج بقية البول بأي وجه كان وعلى هذا لو جمع بين طريقتين منها أو جميعها
لكان أبلغ في الاستظهار وأولى ثم أن ما في هذا الكتاب والتذكرة والنهاية جامع لما في الروايات الثلاثة سوى غمز ما بين المقعدة والأنثيين المذكور في الرواية
الأخيرة فلو ضم هذا أيضا إلى الأمور التسعة لكان أولى لوجوده في الرواية مع أن له دخلا عظيما في إخراج البقايا كما يشهد به التجربة وأما التنحنح المذكورة
فلم نجده في رواية وإنما المصنف (ره) نقله في الذكرى عن سلار ولا بأس به لقول الأصحاب مع مدخليته في الاستظهار وما في المبسوط والنهاية أيضا مثل ما في هذا
الكتاب جامع لما في الروايات وما في المقنعة جامع لما في الرواية الأولى والأخيرة لأن الظاهر أن المراد من النتر في الرواية الأولى عصر جميع الذكر لا نتر الحشفة
80

فقط لكن التخيير بين المرتين والثلاث ليس مما ينبغي لعدمه في الرويات فالأولى تعيين الثلاث وكلام المرتضى (ره) موافق للرواية الأولى وكلام المنتهى والفقيه
والسرائر موافق لما في المقنعة لكنه أحسن من حيث ترك التخيير والعلامة (ره) في المنتهى استدل على ما ذكره فيه بالرواية الثانية ولا يخفى ما فيه لعدم انطباقها
عليه أصلا هذا ثم إن الأصحاب ذكروا أنه إذا وجد بللا بعد الاستبراء فلا يلتفت إليه ويكون طاهرا غير ناقض للوضوء ولو وجد بدونه كان حكمه حكم البول وقد ادعى
ابن إدريس في السرائر الاجماع في الموضعين والروايات أيضا دالة عليه لكن في بعض الروايات مظنة مناقضة للحكمين وسنفصل القول فيه إنشاء الله تعالى في مبحث
استبراء المجنب (والجمع بين الحجارة والماء) هذا الحكم مشهور بين الأصحاب ويدل عليه مرفوعة أحمد بن محمد المتقدمة في بحث جواز الاستجمار والظاهر أن استحباب الجمع متحقق فيما تعين فيه الماء كما في صورة التعدي وفيما يجزي الاستجمار لاطلاق الرواية
وكلام الأصحاب وقد صرح في المعتبر بالتعميم وكذا في غيره أيضا والظاهر أيضا أن في صوره الجمع يقدم الحجارة للتصريح به في الرواية ولما فيه من تنزيه اليد عن مباشرة
النجاسة (واختيار الماء حيث يجزي الاستجمار) هذا الحكم أيضا مشهور بين الأصحاب وتمسك فيه بأنه أقوى المطهرين وأبلغهما في التنظيف وبما رواه التهذيب في باب آداب
الاحداث في الصحيح عن مسعدة بن زياد عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليه السلام) أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لبعض نسائه مري نساء المؤمنين أن يستنجين بالماء
ويبالغن فإنه مطهرة للحواشي ومذهبة للبواسير وهذه الرواية في الفقيه أيضا في باب ارتياد المكان وفي الكافي أيضا في باب القول عند دخول الخلاء
وبقوله (عليه السلام) إذا استنجى أحدكم فليوتر بها وترا إذا لم يكن الماء كما نقلناه في بحث الاستجمار ووجه الدلالة انه (عليه السلام) علق الاستجمار بعدم الماء فيجب أن
يكون محمولا على الندب لما بين من جوازه مع وجود الماء وبما رواه التهذيب أيضا في باب آداب الاحداث في الزيادات في الصحيح عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا معشر الأنصار أن الله قد أحسن عليكم الثناء فماذا تصنعون قالوا نستنجي بالماء وبما رواه في الكافي أيضا في باب القول عند دخول
الخلاء في الصحيح أو الحسن عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في قول الله عز وجل إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين قال كان الناس يستنجون بالكرسف
والأحجار ثم أحدث الوضوء وهو خلق كريم فأمر به رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصنعه فأنزل الله في كتابه إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ويشعر به أيضا
صحيحة زرارة المتقدمة في بحث الاستجمار من قوله (عليه السلام) ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار وكذا مواثقة عمار المتقدمة في ذلك المبحث أيضا ولما كان المقام
مقام الاستحباب لا يضره إمكان المناقشة في الدلايل قال صاحب المدارك (ره) في هذا المقام وأورد على هذا الحكم أن الإزالة واجبة أما بالماء أو بالأحجار
وجوبا تخييريا فكيف يكون أحدهما أفضل بل قد صرحوا في مثل ذلك باستحباب ذلك الفرد الأفضل ومنافات المستحب للواجب واضحة وأجيب عنه
بأن الوجوب التخييري لا ينافي الاستحباب العيني لان متعلق الوجوب في التخييري ليس أمرا معينا بل الامر الكلي فتعلق الاستحباب بواحد منهما لا محذور فيه و
فيه نظر فإنه إن أريد بالاستحباب ها هنا المعنى العرفي وهو الراجح الذي يجوز تركه لا إلى بدل لم يمكن تعلقه بشئ من أفراد الواجب التخييري وإن أريد به كون أحد
الفردين الواجبين أكثر ثوابا من الاخر فلا امتناع فيه كما هو الظاهر انتهى وأنت خبير بأن ما ذكره آخرا من النظر منظور فيه لان كون طبيعة واجبة مثلا وكون
خصوص فرد منها مستحبا مما لا خفاء في صحته وما عرض له من أشبهه من أنه لا يجوز تركه لا إلى بدل فكيف يكون مستحبا فمندفع بأن التحقيق إن الواجب ما
يكون تركه سببا لاستحقاق العقاب لا تركه لا إلى بدل لان ما يكون له بدل ليس هو بواجب في الحقيقة بل الواجب أحدهما فزيادة هذا القيد في تعريف الواجب
أما بناء على هو المتراءى في أول الوهلة أو غفلة عما هو الحق أو يكون المراد منه ما هو المراد بقولهم بوجه ما فتعريف الواجب ليدخل الواجبات المشروطة وعلى هذا
لا يكون الفرد واجبا بل الواجب هو الطبيعة لان ترك الفرد ليس سببا لاستحقاق العقاب بل السبب إنما هو ترك الطبيعة فيمكن استحبابه وهو ظاهر والاشكال
بأن الفرد متحد مع الطبيعة فيكون واجبا بوجوبها فكيف يكون مستحبا فعلى تقدير تسليم الاتصاف بالوجوب بالعرض مدفوع بما ذكرنا فيما سبق من جواز
اجتماع الوجوب والندب باعتبارين واعلم أنه لا حاجة لنا إلى إثبات أن الواجب بالأصالة هو الطبيعة دون الفرد إذ على تقدير أن يكون الفرد أيضا واجبا بالأصالة
يمكن دفع الايراد بالتمسك بالاعتبارين لكن لما لم يقع مثل هذا في الشريعة أي ورود الامر الايجابي والندبي في شئ بخصوصه باعتبارين وإن كان صحيحا بحسب العقل فلذلك
تعرضا بالاثبات أن الواجب بالأصالة هو الطبيعة فتدبر والاستنجاء باليسار هذا الحكم بناء على كراهة الاستنجاء باليمين كما سيجئ إنشاء الله تعالى ويتوقف على كون ضد
الخاص للمكروه مندوبا وهو محل كلام وأيضا لا وجه لتخصيص ضد هذا المكروه بالذكر والحكم عليه بالاستحباب بين أضداد المكروهات التي سيذكرها إلا أن
يقال لعله فهم الاستحباب من موضع آخر لا من كراهة الاستنجاء باليمين مثل ما روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يحب أن يجعل اليمنى لما علا من الأمور واليسرى لما دنى ونحوه
(وتقديم الدبر يدل عليه ما رواه التهذيب في باب آداب الاحداث في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن الرجل إذا أراد أن يستنجي قايما يبدأ بالمقعدة
أو بالإحليل فقال بالمقعدة ثم بالإحليل وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب القول عند دخول الخلاء وقد علل بعضهم في الحكم بأنه لعدم نجاسة اليد عند الاستبراء
(ويكره استقبال قرص الشمس والقمر في البول والغايط لا جهتهما) يدل عليه ما رواه التهذيب في الباب المذكور في الحسن عن عبد الله بن يحيى الكاهلي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال
81

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يبولن أحدكم وفرجه باد للقمر يستقبل به وما رواه أيضا في هذا الباب عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليه السلام) قال نهى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يستقبل الرجل الشمس والقمر بفرجه وهو يبول وما تقدم أيضا في مبحث استقبال القبلة من رواية الفقيه في باب ذكر جمل من المناهي
وإنما حملت على الكراهة لعدم صراحة النهي لفظا وصيغة في التحريم في عرف النبي والأئمة (عليه السلام) ولعدم صحة السند سيما في الأخيرين وللشهرة بين الأصحاب من
الروايات لا يعلم حال الغايط لاختصاصها بالبول بل حال الدبر أيضا لظهورها في الذكر كما لا يخفى أن يقال إلا أن ذكره (عليه السلام) البول فقط إنما هو من باب الاكتفاء
كما هو المتعارف من استهجان التصريح بذكر الغايط بل في غالب الامر يعبر عنهما بالبول وحينئذ يظهر أمر الدبر أيضا أو يقال أن الغايط والدبر إنما يحملان على البول والذكر
بالطريق الأولى ولا يخلو أن من شئ وكذا الروايتان مخصوصتان بالاستقبال ولذا خص المصنف الحكم به ولم يذكر الاستدبار والعلامة (ره) في النهاية صرح بعد كرهة
الاستدبار وقال الشهيد الثاني في شرح الارشاد ولا يكره استدبار هما مع احتمال للمساواة في الاحترام وقال صاحب المدارك والظاهر عدم كراهة
استدبار هما إذ لا مقتضي له وكأنهم غفلوا عما رواه الفقيه في باب ارتياد المكان حيث قال وسئل الحسن بن علي (عليه السلام) ما حد الغايط قال لا يستقبل القبلة
ولا يستدبرها ولا يستقبل الريح ولا يستدبرها وفي خبر آخر لا يستقبل الهلال ولا يستدبره إلا أن يقال أنه مخصوص بالهلال فلا يثبت الحكم به لكن الظاهر أن لم تغفلوا أن لا تتركوا التعرض للهلال وأنت خبير بأنه يمكن الاستدلال بهذه الرواية على حال التغوط أيضا لأن الظاهر أنها أيضا متعلقة
بحد الغايط وأيضا الظاهر من الروايتين استقبال قرص الشمس والقمر بالفرج أي كشفه مقابلا لهما سيما الرواية الأولى فلو كان بين الفرج وبينهما حايل من سحاب
أو ستر أو نحوه لزال الكراهة وإن كان الشخص مستقبلا القرص وعبارة المصنف وإن كان صريحة في اشتراط استقبال القرص لكنها مجملة في أن الاستقبال يعتبر بالنسبة
إلى الفرج أو الشخص وينبغي أن تحمل على الأول لعدم دلالة الروايتين لكن لا يبعد أن يعم الحكم بالنسبة إلى استقبال الشخص أيضا للرواية المنقولة عن الفقيه ولما
رواه الكافي أيضا في باب المواضع التي يكره أن يتغوط فيها قال وروى أيضا في حديث آخر لا يستقبل الشمس ولا القمر ومن هذا أيضا يمكن استنباط الحكم
بالنسبة إلى الغايط كما لا يخفى وأما تعميم الحكم بالنسبة إلى استقبال الجهة أيضا نظرا إلى هاتين الروايتين بل رواية السكوني أيضا كما في استقبال القبلة فبعيد جدا
لان المتبادر من استقبالهما استقبال قرصهما بخلاف القبلة وأيضا الظاهر عدم اشتراط الكراهة بظهور نورهما بل لو كانا منكسفين أيضا كره استقبالهما لصدق
الاستقبال وإبداء الفرج عليه وها هنا نكتة ذكرها الشهيد الثاني (ره) وهي أن عند انكساف الشمس تكون الكراهة من جهة القمر لا من جهة الشمس وتظهر الفايدة في
النذر فتأمل (واستقبال الريح واستدبارها) يدل عليه ما رواه التهذيب أيضا في أن المذكور عن عبد الحميد بن أبي العلاء وغيره رفعه قال سئل الحسن بن علي (عليه السلام)
ما حد الغايط قال لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ولا تستقبل الريح ولا تستدبرها وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب مواضع التي يكره أن يتغوط فيها
وفي الفقيه أيضا كما نقلنا آنفا والرواية وإن كان بلفظ الغايط لكن الظاهر أن المراد هنا معا وإنما اكتفى به بل لا يبعد أن يقال إن المراد منه المعنى اللغوي على قياس
قوله تعالى أو جاء أحد منكم من الغايط وحينئذ فالتعميم ظاهر وأيضا المفسدة في استقبال الريح واستدبارها بالنسبة إلى البول أشد كما هو الظاهر والتعجب من الشيخ والعلامة
والمحقق (ره) أنهم خصوا الكراهة بالبول نظرا إلى أن خوف الرد إنما هو فيه مع أن الرواية وردت بلفظ الغايط ولا تعليل فيها والتعليل إنما استنبطه
القوم فبمجرده كيف يمكن التخصيص والعجب منهم أيضا بحيث خصوا الحكم بالاستقبال نظرا إلى المعنى المذكور أيضا مع عموم الرواية وعدم التصريح بالتعليل وفي النهاية
خص كراهة الاستدبار بحال خوف الرد وفيه أيضا تأمل (والبول في الصلبة) خوفا من الانعكاس يدل عليه ما رواه التهذيب أيضا في الباب المذكور عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أشد الناس توقيا عن البول كان إذا أراد البول تعمد إلى مكان مرتفع من الأرض أو إلى مكان من الأمكنة يكون فيه
التراب الكثير كراهية أن ينضح عليه البول وهذه الرواية في الفقيه أيضا في باب ارتياد المكان وما رواه أيضا في هذا الباب عن سليمان الجعفري قال بت مع
الرضا (عليه السلام) في سفح جبل فلما كان آخر الليل قام فتنحى وصار على موضع مرتفع فبال وتوضأ وقال (عليه السلام) من فقه الرجل أن يرتاد لموضع بوله وبسط سراويله
وما رواه الكافي أيضا في باب المتقدم عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنه من فقه الرجل أن يرتاد موضعا لبوله
(والجحر) بكسر الجيم وفتح الحاء والراء المهملتين موضع الحيوانات قال العلامة (ره) في المنتهى وروى الجمهور عن عبد الله بن سرحه أن النبي (صلى الله عليه وآله)
نهى أن يبال في الجحر ولأنه لا يؤمن خروج حيوان يلسعه فقد حكى أن سعد بن عبادة بال في جحر بالشام فاستلقى ميتا فسمعت لجن ينوح عليه بالمدينة ويقول
نحن قتلنا سيد الخروج سعد بن عبادة ورميناه بسهمين فلم نخط فؤاده انتهى (والأفنية) في الصحاح فناء الدار وما امتد من جوانبها والجمع أفنية وفي
(ق) والنهاية أن الفناء هو المتسع أمام الدار فالمراد من الأفنية إن كان المعنى الأول فإن أخذ بالنسبة إلى الدور مطلقا فلا دليل عليه إنما الخبر مختص بأفنية
المساجد كما سيأتي وإن كان المعنى الثاني فيمكن تعميمه لان أبواب الدور الذي في الخبر كان قريب منه وما وجدناه من الخبر في هذا الباب ما رواه التهذيب في
الباب المذكور عن عاصم ابن حميد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رجل لعلي بن الحسين (عليه السلام) أين يتوضأ الغرباء قال يتقي شطوط الأنهار والطرق (العامة؟)
82

وتحت الأشجار المثمرة ومواضع اللعن قيل له وأين مواضع اللعن قال أبواب الدور وهذه الرواية في الكافي والفقيه أيضا في البابين المتقدمين وما رواه
أيضا في الباب المذكور عن علي بن إبراهيم رفعة قال خرج أبو حنيفة من عند أبي عبد الله وأبو الحسن موسى (عليه السلام) قائم وهو غلام فقال له أبو حنيفة يا غلام
أين يضع الغريب ببلدكم فقال اجتنب أفنية المساجد وشطوط الأنهار ومساقط الثمار ومنازل النزال ولا يستقبل القبلة بغايط ولا بول وارفع
ثوبك وضع حيث شئت وهذه الرواية في الكافي أيضا في الباب المذكور واعلم أن بعض المتأخرين فسر الفناء بما في الصحاح ثم ذكر أن المراد به ها هنا حريم
الدار خارج المملوك منها ولم يظهر أنه من أين فهم إرادة هذا المعنى وكأنه نظرا إلى أن المملوك منها يحرم الحدث فيه بدون اذن صاحبه فالحكم بالكراهة
إنما يكون في الخارج فتأمل (والشوارع والمشارع والنادي والملعن) الشوارع جمع شارع وهو الطريق الأعظم كما في الصحاح وكان المراد بها ها هنا الطرق النافذة
مطلقا لورودها في الرواية المتقدمة والمشارع جمع مشروعة وهي موارد المياه كشطوط الأنهار ورؤوس الابار والنادي مجلس القوم ومتحدثهم والملعن
موضع اللعن وهي أبواب الدور كما في الرواية المتقدمة ويمكن أن يكون المراد أعم منها ويكون قوله (عليه السلام) أبواب الدور من باب التمثيل ووجه الأول ظاهرا من الرواية
المتقدمة وكذا بعض أفراد الثاني من شطوط الأنهار وأما البعض الآخر منه من رؤس الابار فيدل عليه ما رواه التهذيب في هذا الباب في الزيادات عن السكوني
عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليه السلام) قال نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يتغوط على شفير بئر ماء يستعذب منها أو نهر يستعذب أو تحت شجرة فيها ثمرتها
ويمكن أيضا إدخاله في مواضع اللعن لما فيه من ايذاء الواردين وأما الثالث فلا نص فيه بخصوصه إلا أن يدخل تحت مواضع اللعن بل قد فسر بعضهم مواضع
اللعن به وعلى هذا لا وجه لذكره بانفراده والرابع ظاهر (وتحت المثمرة) تدل عليه الروايات المتقدمة آنفا والظاهر أن المراد وقت الثمر وإن لم يشترط في صدق
المشتق بقاء مبدأ الاشتقاق لدلالة الرواية الأخيرة وكذا ما رواه الصدوق (ره) في الفقيه مرسلا عن أبي جعفر (عليه السلام) قال إنما نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
أن يضرب أحد من المسلمين خلاء تحت شجرة أو نخلة قد أثمرت لمكان الملائكة الموكلين بها وقد جعل بعضهم مساقط الثمار في الرواية الثانية أيضا
دليلا على التقييد وفيه نظر لأنه أيضا مشتق بمنزلة المثمرة فلو لم يكن الشرط المذكور فلا دلالة فيه ويمكن أن يقال لو لم يشترط بقاء مبدأ الاشتقاق
لا يلزم أن تحمل الروايتين المطلقتين على المقيدتين لجواز أن يكون التقييد لأجل شدة الكراهة لكن لما لم يثبت عدم الاشتراط ويصلح أيضا الروايتان
المقيدتان للقرينة في الجملة والأصل أيضا العدم حتى يثبت فالأولى الاقتصار على القدر المتيقن وفي النزال أي الظل المعد لنزول القوافل والمترددين
كموضع ظل جبل أو شجرة أو نحو ذلك ويمكن أن يراد به منازلهم مطلقا ويكون التعبير عن هذا بالفئ أما بناء على الغالب أو على أنه من فاء إذا رجع نظرا إلى
أنهم يرجعون في النزول إليها والتعميم أولى لعموم مرفوعة علي بن إبراهيم المتقدمة ويدل أيضا على الحكم أما عموما أو خصوصا بناء على احتمالين ما رواه التهذيب
في هذا الباب عن إبراهيم بن أبي زياد الكرخي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاثة من فعلهن ملعون التغوط في
ظل النزال والمانع للماء المنساب وساد الطريق المسلوك وهذه الرواية في الكافي والفقيه أيضا في البابين المتقدمين (وفي الماء والجاري
أخف كراهية) يدل على الكراهية في الراكد ما رواه في التهذيب في الباب المذكور في الصحيح عن الفضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا بأس أن يبول الرجل في
الماء الجاري وكره أن يبول في الماء الراكد وقال في الفقيه آخر باب المياه وقد روى أن البول في الماء الراكد يورث النسيان وفي الجاري ما رواه التهذيب في
الباب المذكور عن مسمع عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنه نهى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أن يبول الرجل في الماء الجاري إلا
من ضرورة وقال أن للماء أهلا ويحمل نفي البأس في الرواية الأولى على خفة الكراهة جمعا بين الروايتين أو على عدم التنجيس وكذا فيما رواه التهذيب أيضا
في الباب المذكور في الموثق عن ابن بكير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا بأس بالبول في الماء الجاري وكذا فيما رواه أيضا في هذا الباب عن عتيبة بن مصعب قال
سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يبول في الماء الجاري قال لا بأس به إذا كان الماء جاريا وكذا فيما رواه أيضا في هذا الباب عن سماعة قال سألته
عن الماء الجاري يبال فيه قال لا بأس واعلم أن رواية مسمع وإن لم يصلح لمعارضته الروايات لارسالها لكن لما لم ينبغي الطرح مهما أمكن الجمع والكراهة
أيضا مما يتسامح فيها فلذا يحكم بالكراهة في الماء الجاري وقال الصدوق (ره) في الفقيه فأما الماء الجاري فلا بأس أن يبول فيه ولكن يتخوف عليه من الشيطان
وبه وردت رواية سنذكر إنشاء الله تعالى في باب كراهة البول قائما ولا يخفى أن هذا القول من الصدوق (ره) لا يدل على عدم الكراهة بل ظاهره الكراهة فتأمل ثم اعلم أن الروايات
مختصة بالبول كما ترى لكن المصنف وبعض المتأخرين عمموا الحكم في الغايط بطريق الأولى ولا يخلو عن ضعف (والاستنجاء باليمين) يدل عليه ما رواه التهذيب في
الباب المذكور عن يونس عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يستنجي الرجل بيمينه وما رواه أيضا عن السكوني عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال الاستنجاء باليمين من الجفاء وهاتان الروايتان في الكافي أيضا في الباب المتقدم وما رواه الفقيه في باب الارتياد قال وقال (عليه السلام)
83

البول قائما من غير علة من الجفاء والاستنجاء باليمين من الجفاء وقد روى أنه لا بأس إذا كانت اليسار معتلة والجفاء خلاف البر كذا في الصحاح
وقال أيضا في الباب المذكور وقال أبو جعفر (عليه السلام) إذا بال الرجل فلا يمس ذكره بيمينه ومنه يستنبط كراهة الاستبراء باليمين أيضا وأما ما رواه
الكافي في باب مقدار الماء الذي يجزي الموضوء والغسل عن هارون بن حمزة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال يجزيك من الغسل والاستنجاء ما بلت يمينك
فمحمول على أن المراد باليمين اليد وفي نسخة التهذيب ما بللت يدك وحينئذ لا إشكال واعلم أن الاستعانة باليمين ليس بمكروه كما ذكره القوم لعدم تناول
النهي له وللحاجة إليه والاستعانة مثل صب الماء ونحوه (واليسار وفيها خاتم عليه اسم الله تعالى أو نبي أو إمام (عليه السلام) يدل عليه ما رواه التهذيب في الباب المذكور
في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال لا يمس الجنب درهما ولا دينارا عليه اسم الله ولا يستنجي وعليه خاتم فيه اسم الله ولا يجامع وهو
عليه ولا يدخل المخرج الخلاء وهو عليه والظاهر أن ضمير يستنجي ونظائره راجع إلى الرجل المذكور في ضمن الجنب لا الجنب وبهذا يمكن الاستدلال على كراهة الاستصحاب
مطلقا في الخلاء كما سيجئ والرواية وإن كانت مختصة باسم الله تعالى لكن الأصحاب الحقوا أسماء الأنبياء والأئمة وكذا اسم فاطمة (عليها السلام) للتعظيم ولا بأس به و
ذكروا أن المراد باسم الأنبياء والأئمة (عليه السلام) ما كتب بقصد اسمهم أما لو كتب بقصد آخر من دون قصد فلا بأس به وأما اسم الله تعالى فلفظة الجلالة مطلقا
حكمها ذلك وكذا الصفات الغالبة وأما غيرها فكاسم الأنبياء (عليهم السلام) في اشتراط القصد وأيضا ذكروا أن الكراهة إنما هو عند عدم التلويث بالنجاسة
وأما معه فيحرم بل يكفر فاعله لو فعله بقصد الإهانة هذا وأما ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب في الباب المذكور عن وهب بن وهب عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال كان نقش خاتم أبي العزة لله جميعا وكان في يسار ويستنجي بها وكان نقش خاتم أمير المؤمنين (عليه السلام) الملك لله وكان في يده اليسر ويستنجي بها فلا يعارض ما
ذكرناه لا، وهب بن وهب عامي متروك العمل بما يختص به كما ذكره الشيخ (ره) وأيضا يمكن حمله على التقية وأجاب الشيخ بوجه آخر أيضا وهو أنه لا ينافي الكراهة بل إنما ينافي التحريم
ولم نقل به وهو بعيد لان ظاهر الرواية أنهما (عليه السلام) يواظبان على هذا الفعل ومواظبتهم على المكروه لا معنى له بل أصل فعله أيضا لو لم يكن ضرورة وكذا ما رواه أيضا في
هذا الباب عن أبي القسم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له الرجل يريد الخلاء وعليه خاتم فيه اسم الله تعالى فقال ما أحب ذلك قال فيكون اسم محمد (صلى الله عليه وآله) قال لا بأس لان
من جمله رواته سهل بن زياد وهو ضعيف وأيضا لا دلالة فيه على نفي البأس عن الاستنجاء معه بل على الاستصحاب فلا ينافي ما ذهب إليه مخصصو الكراهة
بالاستنجاء وأيضا يمكن أن يكون المراد بنفي البأس خفة كراهته بالنسبة إلى اسم الله تعالى أو يكون المراد باسم محمد ما ليس يقصد الرسول (أو فصه حجر زمزم) يدل عليه
ما رواه التهذيب في زيادات الباب المذكور عن علي بن الحسين بن عبد ربه قال قلت له ما تقول في الفص يتخذ من أحجار زمزم قال لا بأس به ولكن إذا أراد الاستنجاء
نزعه وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب القول عند دخول الخلاء وفي بعض نسخه موضع زمزم زمرد قال المصنف في الذكرى بعد نقل هذه النسخة وسمعناه
مذاكرة وأورد على نسخة زمزم إشكالا هو أنه لا يجوز إخراج الحصى من المسجد فكيف يكون هذا واجب تارة بأن هذا خارج بالنصف وتارة بأنه ليس في
الخبر جواز هذا بل أنه لو فعل ذلك لكان حكمه هكذا وليس فيه أيضا تقرير لهذا الفعل وقد يجاب أيضا بأن الحجر المذكور ما يؤخذ من البئر بقصد
الاصلاح وهو مما يجوز إخراجه كالقمامة (والكلام بغير ذكر الله تعالى وآية الكرسي أو حكاية الاذان على قول) ها هنا كلامان الأول كراهة الكلام والثاني
استثناء هذه الأمور منه أما الأول فقد استدل عليه بما رواه التهذيب في باب المذكور عن صفوان عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنه قال نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يجيب
الرجل آخر وهو على الغايط أو يكلمه حتى يفرغ وفيه أنه لا يدل على كراهة الكلام مطلقا بل كراهة التكلم مع الغير ويدل عليه أيضا ما سيجئ في البحث الثاني وقال
الصدوق (ره) في باب ارتياد المكان للحدث ولا يجوز الكلام على الخلاء لنهي النبي (صلى الله عليه وآله) عن ذلك وروى أنه من تكلم على الخلاء لم يقض حاجته انتهى
وأما الثاني فالذي يدل على استثناء الذكر ما رواه أصول الكافي في باب ما يجب من ذكر الله عز وجل في كل مجلس في الصحيح عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام)
قال مكتوب في التورية التي لم تغير أن موسى (عليه السلام) سئل ربه فقال الهي أنه يأتي على مجالس أعزك وأجلك أن أذكر لك فيها فقال يا موسى أن ذكري حسن على
كل حال وروي هذا المضمون في التهذيب والفقيه أيضا ويمكن أن يناقش فيه بعدم ظهوره في الذكر باللسان إلا أن الاطلاق يكفينا فإن قلت هذه الرواية
عامة يدل رواية النهي عن الكلام فلم تخصصها بها بدون العكس قلت أما أولا فلان ما وجدنا مما يدل على النهي في الكلام روايتان أحديهما ما تقدم
وقد عرفت عدم دلالته على العموم والثانية ما سيجئ من قوله (عليه السلام) لم يرخص في الكنيف انتهى وهي وإن كانت دالة على العموم لكن قد استثنى فيها بحمد الله
ولا شك أن الذكر مطلقا تحميد الله فلا يشمل وأما ثانيا فلانه على تقدير أن يكون العموم من الطرفين ويكون بينهما عموم من وجه يحصل التعرض والتساقط
وأصل الجواز يبقى بحاله وأيضا الظاهر أن مراد موسى (عليه السلام) من المجالس التي ذكرها الخلاء وأمثاله فلا يمكن إخراجه من عموم كل حال لما ثبت في الأصول
من عدم جواز إخراج السبب ويستنبط مما ذكر حال رواية الفقيه أيضا ويدل أيضا على استثناء الذكر ما رواه الكافي في الباب المذكور عن الحلبي عن أبي
84

عبد الله قال لا بأس بذكر الله وأنت تبول لان ذكر الله عز وجل حسن على كل حال وما رواه التهذيب في الباب المذكور في الموثق عن زرارة ومحمد بن
مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قلت الحايض والجنب يقرآن شيئا قال نعم ما شاء إلا السجدة ويذكر أن الله تعالى على كل حال والذي يدل على استثناء آية الكرسي
ما رواه الفقيه في باب ارتياد المكان للحدث في الصحيح قال وسئل عمر بن يزيد أبا عبد الله (عليه السلام) عن التسبيح في المخرج وقراءة القرآن فقال لم يرخص في الكنيف
أكثر من آية الكرسي وتحميد الله أو آية الحمد لله رب العالمين وهذه الرواية في التهذيب أيضا في زيادات باب آداب الاحداث من دون الحمد لله رب العالمين
ويمكن الحكم باستثناء كل آية نظرا إلى رواية التهذيب لكن مع وجود الزيادة في الفقيه لم يحصل الظن بالعموم فإن قلت كيف تجمع بين هذه الرواية وما رواه
التهذيب في باب حكم الجنابة في الصحيح عن عبد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته أتقرأ النفساء والحايض والجنب والرجل يتغوط
القرآن فقال يقرؤا ما شاءوا قلت يمكن الجمع بحمل رواية الحلبي على نفي الحرمة وأما حملها على التخصيص بآية الكرسي أو آية فبعيد جدا لبعد التخصيص بخروج
أكثر الافراد بل امتناعه والذي يدل على استثناء حكاية الاذان ما رواه الصدوق (ره) في كتاب علل الشرايع في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه
قال يا محمد لا تدع ذكر الله على كل حال ولو سمعت المنادي ينادي بالاذان وأنت على الخلاء فاذكر الله عز وجل وقل كما يقول وبهذا يظهر ما في كلام الشهيد الثاني (ره)
في شرح الارشاد حيث قال واستثنى المصنف (ره) أيضا حكاية الاذان وهو حسن في فصل فيه ذكر دون الحيعلات لعدم النص عليه على الخصوص إلا أن يبدل بالحوقلة كما ذكر
في حكايته في الصلاة انتهى وهذا الايراد إنما أورده صاحب المدارك على جده ويمكن أن يجاب عن قبله أن الرواية المذكورة لا ظهور لها في حكاية الحيعلات
إن لم يكن داخلة في الذكر بل يشعر بعدم حكايتها كما ينادي إليه قوله (عليه السلام) فاذكر الله عز وجل وقل كما يقول والوجدان الصحيح يحكم بما ذكرنا نعم لا يبعد
القول بإشعارها بأن الاذان بتمامه ذكر كما لا يخفى وليس ببعيد وعلى هذا يمكن أن يكون نظره إلى هذا حيث حكم بعدم النص عليه على الخصوص والمراد عدم النص
على خصوص الحيعلات لا الاذان هذا وقد استثنى أشياء آخر أيضا مثل الكلام لحاجة إن لم يقض بغيره من التصفيق باليد ونحوه ورد السلام والصلاة على النبي
(صلى الله عليه وآله) والتحميد عند العطاس ووجه الجميع ظاهرا واستثنى أيضا تسميت العاطس معللا بأنه ذكر ورد بمنع كونه ذكرا وجعل بعضهم تركه أولى (والبول
قائما) يدل عليه الرواية المتقدمة في الاستنجاء باليمنى عن الفقيه وما رواه التهذيب أيضا في زيادات آداب الاحداث عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت
له أيبول الرجل وهو قائم قال نعم ولكنه يتخوف عليه أن يلتبس به الشيطان أي يخيله فقلت يبول الرجل في الماء قال نعم ولكن يتخوف عليه من الشيطان ومطمحا بدل
عليه ما رواه التهذيب في الزيادات عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال أمير المؤمنين (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يكره للرجل أو ينهى
الرجل أن يطمح ببوله من السطح في الهواء وما رواه الكافي أيضا في باب المواضع التي يكره أن يتغوط فيها عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال نهى النبي
(صلى الله عليه وآله) أن يطمح الرجل ببوله من السطح ومن الشئ المرتفع في الهواء وقال الصدوق (ره) في باب ارتياد المكان ونهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن
يطمح الرجل ببوله في الهواء من السطح أو من الشئ المرتفع واعلم أن الاطماح بالبول يحتمل وجهين الأول البول إلى فوق وهو مناسب لما ذكره أهل اللغة في الصحاح
طمح ببصره إلى الشئ ارتفع وطمح ببوله إذا رماه في الهواء ويناسب أيضا التعليل الذي ذكره العلامة في النهاية والمحقق الثاني في شرح القواعد من خوف الرد عليه
لكنه لا يناسب ما ورد من الاطماح من السطح أو من الشئ المرتفع لان هذا المعنى لا دخل فيه لكونه من السطح أو من الشئ المرتفع كما هو الظاهر والثاني الرمي به في الهواء من
موضع مرتفع وهذا وإن لم يكن مناسبا لكلام أهل اللغة والتعليل المذكور لكنه أظهر بالنظر إلى الرواية كما ذكرنا ولا يذهب عليك أنه على التقدير؟؟
الذي هو ظاهر الرواية يرد إشكال وهو أن هذا الحكم مناف لما تقدم من استحباب ارتياد موضع مرتفع للبول ويمكن الجمع بينهما بأن يقال أن المستحب ارتفاع
يسير يؤمن معه من النضح والترشيش والمكروه ما يخرج عن هذا الحد ويكون ارتفاعا كثيرا والله أعلم ثم أنه على هذا التقدير هل البول في البلاليع العميقة هكذا
حكمه أم لا لا يبعد القول بالثاني لعدم الظن بدخوله عرفا في الطمح من الشئ المرتفع (وطول الجلوس) يدل عليه ما رواه التهذيب في الزيادات عن محمد بن مسلم
قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول قال لقمان لابنه طول الجلوس على الخلاء يورث الناسور قال فكتب هذا على باب الحش وقال الفقيه في الباب المذكور وقال (عليه السلام)
طول الجلوس على الخلاء يورث الناسور (واستصحاب ما عليه اسم الله تعالى) يدل عليه ما رواه الكافي في باب البول يصيب الثواب أو الجسد عن أبي أيوب قال قلت لأبي
عبد الله (عليه السلام) أدخل الخلاء وفي يدي خاتم فيه اسم من أسماء الله تعالى قال لا ولا تجامع فيه وما تقدم في الاستنجاء باليسار وفيها خاتم من الخبرين لكن لا
يخفى أن هذه الروايات إنما تدل على كراهة استصحاب الخاتم فقط لا مطلقا كما ذكره المصنف وتخصيص الحكم ها هنا باسم الله تعالى كأنه بالنظر إلى رواية أبي القاسم
(فتدبر واستصحاب دراهم بيض غير مصرورة) أي لا يكون في الصرة يدل عليه ما رواه التهذيب في الزيادات عن غياث عن جعفر عن أبيه (عليه السلام)
أنه كره أن يدخل الخلاء ومعه درهم أبيض إلا أن يكون مصرورا ولك أن تقول أن هذا إنما يدل على خلاف الحكم السابق لأن الظاهر أن الدرهم الأبيض يكون
85

عليه اسم الله تعالى إلا أن يقال أنه خرج بالنص فبقي الباقي تحت العموم لكن قد عرفت الحال في عدم نص عليه عموما إلا أن يتمسك بعموم رجحان التعظيم
أو غيره أو يقال المراد بالكراهة الكراهة الشديدة
(وليس الاستنجاء شرطا في صحة الوضوء والتيمم وإن روعي في التيمم التضيق) عدم اشتراط صحة الوضوء
بالاستنجاء من الغايط الظاهر أنه لا خلاف فيه ويدل عليه أيضا صدق الامتثال وأصالة براءة الذمة عن وجوب الإعادة وأما ما رواه التهذيب في باب
آداب الاحداث في الموثق عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل ينسى أن يغسل دبره بالماء حتى صلى إلا أنه قد تمسح بثلاثة أحجار قال إن كان
في وقت تلك الصلاة فليعد الوضوء وليعد الصلاة وإن كان قد مضى وقت تلك الصلاة التي صلى فقد جازت صلاته وليتوضأ لما يستقبل من الصلاة فلا يثبت
به الإعادة لعدم صحة سنده مع عدم عمل الأصحاب بمضمونه ومنافاته أيضا ظاهرا لما ثبت من جواز الاستنجاء بالأحجار ومع ذلك كله الحمل على الاستحباب
احتمال ظاهرا كما مر سابقا وأما عدم اشترطها بالاستنجاء من البول فالمشهور بين الأصحاب أنه أيضا كالاستنجاء من الغايط وقال الصدوق (ره) في الفقيه ومن
صلى فذكر بعد ما صلى أنه لم يغسل ذكره فعليه أن يغسل ذكره ويعيد الوضوء والصلاة وهو ضعيف لنا الأصل وصدق الامتثال والروايات الكثيرة
أيضا منها صحيحتا عمرو بن أبي نصر وابن أذينة المتقدمتان في بحث وجوب غسل موضع البول بالماء ومنها ما رواه التهذيب في الباب المذكور في الصحيح
عن علي بن يقطين عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال سئلته عن الرجل يبول فلا يغسل ذكره حتى يتوضأ وضوء الصلاة فقال يغسل ذكره ولا يعيد وضوئه
وقد روى في الكافي أيضا عن علي بن يقطين عن أبي الحسن (عليه السلام) مثل هذا المضمون بسند أوضح مما في التهذيب في باب القول عند دخول الخلاء
ومنها ما رواه التهذيب في الباب المذكور في الصحيح ظاهرا عن عمرو بن أبي نصر قال سئلت أبا عبد الله عن الرجل يبول فينسى أن يغسل ذكره ويتوضأ
قال يغسل ذكره ولا يعيد وضؤه ومنها ما رواه الكافي في الباب المتقدم في الموثق عن ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل
يبول وينسى أن يغسل ذكره حتى يتوضأ ويصلي قال يغسل ذكره ويعيد الصلاة ولا يعيد الوضوء ويؤيده أيضا صحيحة زرارة المتقدمة في البحث
المذكور آنفا من حيث أمره بإعادة الصلاة خاصة لترك غسل موضع البول وأما ما يمكن أن يحتج به الصدوق فروايات أيضا منها ما رواه التهذيب
في الباب المذكور في الصحيح عن سليمان بن خالد عن أبي جعفر (عليه السلام) في الرجل يتوضأ وينسى غسل ذكره قال يغسل ذكره ثم يعيد الوضوء والجواب عنه أنه لا يعارض
الروايات الكثيرة المتقدمة مع أنه غير ظاهر في الوجوب فليحمل على الاستحباب ومنها ما رواه التهذيب في الباب المذكور في الموثق عن أبي بصير قال قال أبو
عبد الله (عليه السلام) إذا أهرقت الماء ونسيت أن تغسل ذكرك حتى صليت فعليك إعادة الوضوء وغسل ذكرك والجواب عنه أيضا مثل ما سبق مع أنه غير نقي
السند والشيخ (ره) حمله على ما إذا لم يتوضأ وفيه بعد لا بألفظة الإعادة عنه ومنها ما رواه التهذيب في الباب المذكور في الموثق عن سماعة قال قال أبو
عبد الله (عليه السلام) إذا دخلت الغايط فقضيت الحاجة فقضت الحاجة فلم تهرق الماء ثم توضأت ونسيت أن تستنجي فذكرت بعد ما صليت فعليك الإعادة فإن كنت
أهرقت الماء فنسيت أن تغسل ذكرك حتى صليت فعليك إعادة الوضوء والصلاة وغسل ذكرك فإن البول مثل البراز وهذه الرواية في الكافي أيضا في الباب
المتقدم وفي بعض نسخه ليس مثل البراز والجواب عنه أيضا مثل سابقة مع أن في متنه أيضا اضطرابا كما لا يخفى ونقل العلامة (ره) في المختلف عن ابن أبي
عقيل أنه قال الأولى إعادة الوضوء بعد الاستنجاء هذا حكم الوضوء وأما حكم التيمم فالظاهر أنه أيضا كحكم الوضوء مع التوسع فيه لما ذكرنا من صدق
الامتثال وأصالة البراءة وأما مع التضيق فقد قال العلامة (ره) في القواعد بعدم صحته قبل الاستنجاء لمنافاته التضيق والمصنف (ره) حكم بخلافه نظرا إلى أن
الاستنجاء أيضا من متعلقات الصلاة كالاذان والإقامة ونحوهما فكما لا ينافي إيقاع مثل هذه الأمور والتضيق فكذا لا ينافيه وأيضا بناء التضيق على العرف
ولا عبرة في العرف بهذا القدر اليسير وسيجئ تفصيل القول إنشاء الله تعالى في مبحث التيمم (ويصح الاستنجاء في غير المخرج إذا اعتيد ولو لم يعتد فهو إزالة نجاسة) المراد
بصحة الاستنجاء في غير المخرج جريان أحكامه فيه مما يخالف أحكام إزالة البول والغايط في غير المخرجين مثل جواز الاستجمار وعدم وجوب الصب مرتين لو قيل به
في غير الإحليل على ما اخترناه ونحو ذلك من طهارة غسالته والحكم بالصحة نظرا إلى أنه مع الاعتياد حكمه حكم الموضع الطبيعي فيجزي فيه أيضا ما هو جار فيه ويشكل من حيث أن الروايات الواردة في باب الاستنجاء ظاهرها الاختصاص بالموضع الطبيعي للتبادر والتعارف فلو كان
عموم في كيفية إزالة البول والغايط فالظاهر أن يبقى على عمومه ولا يخرج منه غير الموضع الطبيعي وإن اعتيد نعم لو لم يكن عموم بل ثبت حكم بالاجماع فحينئذ
الظاهر أنه لا إشكال في إخراج الموضع المذكور عنه لعدم الاجماع فيه بخصوصه والاستصحاب ويقين البراءة أيضا قد عرفت حالهما فيما سبق هذا
على تقدير تسليم ظهور اختصاص الروايات الواردة في باب الاستنجاء بالموضع الطبيعي وأما على ادعاء ظهور شمولها للمعتاد أيضا فما ذكره المصنف ظاهرا
وكذا على تقدير الشك في الشمول وعدمه كما هو الظاهر إذ على تقدير الشك فيه لا يحصل ظن العموم بحيث يشمل الموضع المذكور أيضا من العمومات الواردة
على خلاف حكم الاستنجاء والأصل براءة الذمة فيقتصر على القدر المتيقن أو المظنون هذا وعليك بالتأمل في الروايات الواردة في الطرفين في خصوصيات
86

الاحكام واستنباط الحال منها بعد رعاية الضابطة المذكورة إذ التعرض لكل واحد منها بخصوصه وتفصيل القول فيه يفضي إلى الاطناب جدا
(ولو استعمل نجسا وجب الماء وإن كانت نجاسته مماثلة للخارج) واحتمل العلامة (ره) في المنتهى عدم وجوب الماء في الصورة الأخيرة نظرا إلى أن النجاسة
واحدة فلا يزيد بسبب استعمال ذلك النجس بنجاسة أخرى لامتناع اجتماع المثلين وفيه أن هذا لا يجري في الأحكام الشرعية إذ مع ازدياد النجاسة لا
يلزم اجتماع المثلين المستحيل إذ لو فرض أنه قال إذا لاقى بدنك هذه النجاسة فاغسله وإذا لاقى مرة أخرى فاغسله وإذا لاقى مرة أخرى فاغسله مرتين فلا فساد فيه فكذا إذا قيل لو تغوطت فاغسل أو امسح ولو
لاقى بعد التغوط بغايط آخر فاغسله البتة ووجه ما ذكره المصنف (ره) إن الروايات الواردة بالاستجمار ظاهرها الاختصاص بتطهير النجاسة المخصوصة فلو لا لاقى المحل بنجاسة أخرى لكان مندرجا تجب العمومات الواردة في غير النجاسة المخصوصة
فيكون تطهيره بما ورد فيها واعلم أن هذا إنما يتم لو تعدى نجاسة ذلك النجس إلى المحل أما لو لم يتعد كما إذا كانا يابسين فلا كما لا يخفى بل لا يبعد حينئذ
تطهيره أيضا للمحل كما أشرنا إليه سابقا ولو تعذر الاستنجاء صلى بحاله مع الجفاف بحسب الامكان ثم يستنجي عند المكنة قد مر منا ما يتعلق بهذا
الحكم في بحث إزالة البول بالماء ولو نسيه وصلى أعاد في الوقت وخارجه هذا هو المشهور بين الأصحاب وقال ابن الجنيد (ره) إذا ترك غسل البول
ناسيا تجب الإعادة في الوقت وتستحب بعد الوقت كذا في المختلف وقال الصدوق (ره) في الفقيه ومن سهى أن يستنجي من الغايط حتى صلى لم يعد
الصلاة ثم الظاهر في نسيان الاستنجاء من البول ما هو المشهور ومن الغايط وما ذهب إليه الصدوق (ره) أما الأول فلاطلاق صحيحة عمرو بن أبي
نصر المتقدمة في بحث وجوب غسل موضع البول بالماء والعجب أن العلامة (ره) في المختلف قال بعد الاستدلال بهذه الرواية لا يقال يحتمل أن الترك
كان عمدا لا سهوا لأنا نقول ترك الاستفصال في حكاية الحال يجري مجرى العموم في المقال انتهى مع أن في الرواية ورد لفظ النسيان صريحا وكذا
إطلاق موثقتي سماعة وابن بكير المتقدمتين أيضا ويؤيده أيضا صحيحة زرارة المتقدمة في البحث المذكور إذ لا يبعد ادعاء ظهور أن زرارة لم يترك
غسل الذكر حتى يصلي متعمدا وما يمكن أن يحتج به لابن الجنيد ما رواه التهذيب في باب آداب الاحداث في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام)
قال سئلته عن رجل ذكر وهو في صلاته أنه لم يستنج من الخلاء قال ينصرف ويستنجي من الخلاء ويعيد الصلاة وإن ذكر وقد فرغ من صلاته أجزأه ذلك وفيه
أنه لا بد في تطبيق هذه الرواية على مذهبه من ارتكاب التخصيص فيها وفي الروايات السابقة فالأولى أن يرتكب التخصيص فيها فقط بحملها على الغايط
وترك الروايات السابقة على إطلاقها مع أنه لا يبعد أيضا ادعاء تعارف الاستنجاء في عرفهم في الاستنجاء من الغايط نعم لو ذهب أحد إلى أن في الوقت
أيضا لا يجب القضاء لأمكنه الاستدلال بهذه الرواية لكن الظاهر من كلام المختلف في هذا المقام عدم الذهاب إليه إذ نقل الخلاف المذكور من ابن الجنيد
والصدوق فقط وإن كان كلامهم في حيث تطهير الثياب والبدن يشعر بهذا الذهاب أيضا لأنهم ذكروا في صورة نسيان النجاسة ثلاثة أقوال أحدها عدم
الإعادة مطلقا لا في الوقت ولا خارجه ولم يقيدوا بما سوى محل البول وسيجئ إنشاء الله تعالى تتمة لهذا في هذا البحث وما رواه التهذيب أيضا في الباب المذكور
في الحسن عمرو بن أبي نصر قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أني صليت فذكرت أني لم اغسل ذكري بعد ما صليت فأعيد قال لا وفيه أنه لا يعارض
الروايات السابقة لعدم صحة سنده واشتهار العمل بخلافه بين الأصحاب وحمله الشيخ (ره) على عدم إعادة الوضوء وهو بعيد وما رواه التهذيب أيضا في
الباب المذكور عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يتوضأ وينسى أن يغسل ذكره وقد بال فقال يغسل ذكره ولا يعيد الصلاة و؟
أنه ضعيف السند إذ من جملة رواته أحمد بن هلال وهو مذموم جدا مع اشتهار خلافه بين الأصحاب وأيضا لا يبعد وقوعه سهوا من الراوي بأن يدل
الوضوء بالصلاة إذ ليس في السؤال حديث الصلاة بل الوضوء فالظاهر أن الجواب أيضا متعلق به والشيخ (ره) حمله على عدم وجدان الماء ولا يخلو عن بعد لاباء
لفظة النسيان عنه واستدل العلامة (ره) في المختلف لابن الجنيد بما رواه التهذيب في الباب المذكور في الموثق عن عمار بن موسى قال سمعت أبا عبد الله
(عليه السلام) يقول لو أن رجلا نسي أن يستنجي من الغايط حتى يصلي لم يعد الصلاة ولا يخفى فساده لان كلام ابن الجنيد في البول وهذا في الغايط اللهم
إلا أن يكون (ره) فهم من موضع آخر أن كلام ابن الجنيد ليس مختصا بالبول هذا وأما الثاني فللأصل ولصحيحة علي بن جعفر المتقدمة آنفا وموثقة عمار بن
موسى هذه وحملهما على عدم الاستنجاء بالماء لكن مع الاستنجاء بالأحجار وعمل على خلاف الظاهر جدا من غير ضرورة وحجة المشهور موثقة سماعة
المتقدمة في بحث عدم اشتراط الوضوء بالاستنجاء وفيه أنها لا تعارض ما ذكرنا لعدم صحتها وأيضا فيها محمد بن عيسى عن يونس وقد ذكر الصدوق (ره)
أنه لا يعمل بروايته عن يونس مع اضطراب ما في المتن أيضا كما تقدم وموثقة عمار المذكورة في البحث المذكور أيضا وفيه أيضا عدم صلاحيتها
للمعارضة مع أنها مخصوصة بالوقت ولا يعم خارجه كما هو مدعاهم وفيها أيضا بعض الأمور التي يتطرق الشك إليها كما مر وحمل الروايتين
على الاستحباب ظاهر وسيجئ أيضا مزيد بسط لهذا إنشاء الله تعالى في بحث نجاسة الثوب والبدن (ولو جهله فلا) قد ظهر مما ذكرنا حكم الجاهل في الاستنجاء
87

من الغايط بالقياس على الناسي بالطريق الأولى وأما في الاستنجاء من البول فسيجئ إنشاء الله تعالى في البحث المذكور وجاهل الحكم لا يعذر سيجئ هذا أيضا إنشاء الله تعالى في البحث
المذكور (درس يجب في الوضوء النية المشتملة
على القربة وهي موافقة إرادة الله تعالى والوجوب والرفع أو الاستباحة) النية في اللغة العزم والقصد يقال نواك الله بخير أي قصدك ونويت السفر
أي قصدته وعزمت عليه وفي الاصطلاح القصد الخاص الذي يختلف بالنسبة إلى الافعال وبالنظر إلى المذاهب كما ستطلع عليه إنشاء الله تعالى ثم أن المحقق (ره)
في المعتبر قال النية شرط في صحة الطهارة وضوء كانت أو غسلا أو تيمما وهو مذهب الثلاثة وأتباعهم وابن الجنيد ولم أعرف لقدمائنا فيه نصرا على
التعيين انتهى لكن الشيخ (ره) في الخلاف والعلامة (ره) في المختلف نقلا الاجماع على وجوب النية وهو ظاهر المنتهى أيصا وفي الذكرى أن ابن الجنيد (ره) عطف على
المستحب قوله وإن يعتقد عند إرادة طهارته أنه يؤدي فرض الله فيها لصلوته وأنت خبير بإمكان توجيهه بحيث لا ينافي كلام الثلاثة بأن يقال مراده
استحباب أن يعتقد أنها للصلاة أي قصد الاستباحة بل قصد الوجوب أيضا كما يشعر به قوله فرض الله لا استحباب أصل النية واستدل على الوجوب
بما روى عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنما الأعمال بالنيات وإنما لا مرئ ما نوى وعن علي بن الحسين (عليه السلام) لا عمل إلا بنية وعن الرضا (عليه السلام) لا قول إلا بعمل ولا
عمل إلا بنية ولا نية إلا بإصابة السنة والكل لا يخلو عن مناقشة أما الأول والأخيران فلأنها لما كان يمكن حملها عل الحقيقة لمحذور الكذب فلا بد من ارتكاب
تجوز والتجوز فيها بحملها على نفي الصحة ليس أولى منه بحملها على نفي الثواب ولو سلم أنه أقرب المجازات إليها نقول أن حملها عليه يستلزم التخصيص لخروج كثير من
الأعمال حينئذ من الحكم اتفاقا بخلاف حملها على نفي الثواب فلا أولوية أيضا على هذا التقدير وأما الثاني فلجواز حمله على مثل ما حملناها عليه من أن المراد أن
للمرء ما نواه من المثوبات الأخروية أو الاغراض الدنيوية إلا أنه ليس له شئ أصلا مما لم ينوه لكن لا يخفى أن جواز هذا الحمل فيه لا ظهور كما في البواقي فهو أجود الدلايل
واستدل أيضا على وجوبها بالأدلة التي تدل على تقدير تمامها على وجوب بعض الخصوصيات التي سنفصلها إنشاء الله تعالى فلا حاجة في ذكرها هاهنا بل نوردها
عند الاستدلال على وجوب الخصوصيات ولنشتغل الان بذكر الخصوصيات التي يتشخص بها النية مما اتفق على وجوبه أو اختلف وما يتعلق به
من الدلايل والأبحاث ونبدأ أولا بقصد الفعل وأنه هل يجب قصده حتى ولا يعتد بوضوء الغافل مثلا أولا الظاهر الوجوب للاجماع عليه كما ادعاه العلامة (ره)
في المختلف ويمكن الاستدلال عليه أيضا بالروايات السابقة لان مع عدم القصد إلى الفعل ينتفي جميع القصود فلا نية أصلا فلا عمل ويرد عليه أيضا
ما ذكروا ما وجوب قصد القربة فقد ادعى العلامة (ره) في المختلف الاتفاق على وجوبه أيضا والشيخ (ره) وإن لم يذكرها في المبسوط لكن كأنه تركها للظهور واستدل
عليه أيضا بوجوه منها قوله تعلى وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة وفيه أنه إنما يدل
على وجوب الاخلاص بمعنى البراءة من الشرك أو البراءة من الرياء وليس مرادهم بالقربة التي ذكروها هذا القدر بل أزيد منه كما سنذكر نعم لو أكرموا بمجرد
وجوب عدم القصد إلى كونه عبادة لغير الله أو عدم الرياء لأمكن الاستدلال به مع أن فيه وجوها آخر أيضا من البحث كما سيأتي إنشاء الله تعالى في بحث بطلان الوضوء
بضم المنافي ومنها قوله تعالى فاعبدوا الله مخلصين وفيه إن كون الوضوء عبادة ممنوع ولو سلم فلا نسلم أن معنى الآية لا تعبدوا الله إلا على حال الاخلاص حتى
يكون نهيا في الحقيقة عن عدم الاخلاص بأن معناها الامر بالعبادة المقرونة بالاخلاص والامر لا يدل على الدوام والتكرار ويكفي في الامتثال به
به الاتيان بعبادة ما مخلصا إلا أن يتمسك بعدم القول بالفصل ولو سلم ففيه أيضا الايراد المذكور في سابقه ومنها قوله تعالى فاعبدوا الله مخلصا وفيه
أيضا الايرادات المذكورة مع اختصاصه بالنبي (صلى الله عليه وآله) وإشكال إثبات وجوب التأسي ومنها قوله تعالى قل الله أعبد مخلصا له ديني وفيه أيضا
الايرادات السابقة مع أنه ليس فيه أمر بالعبادة مخلصا بل بالقول إلا أن يقال أن التأسي في القول أيضا واجب ووجوب هذا القول علينا يستلزم وجوب العبادة
مخلصا أيضا كما لا يخفى ثم أنهم فسروا القربة بوجهين أحدهما ما ذكره المصنف وهو موافقة إرادة الله تعالى أي يكون الاتيان بالوضوء لأجل أنه مراد الله
تعالى وموافق رضاه وفي حكمه أيضا كونه أهلا للعبادة وكون العبادة شكر النعمة وشبهه وثانيهما طلب الرفعة عنده ونيل الثواب لديه تشبيها بالقرب
المكاني وفي حكمه أيضا الخوف من العقاب وشبهه واختلفوا بعد الاتفاق على صحة الأول وفضيلته لما أشار إليه مولينا ومقتدانا أمير المؤمنين
(عليه السلام) في قوله ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك في صحة الثاني وعدمها فقد نقل المصنف في
قواعده عن الأصحاب بطلان العبادة بهاتين الغايتين أي طلب الثواب والخوف من العقاب وبه أيضا قطع السيد رضي الدين بن طاووس (ره) محتجا بأن
قاصد ذلك إنما قصد الرشوة والبرطيل ولم يقصد وجه الرب الجليل وهو دال عل أن عمله سقيم وأنه عبد لئيم وهو الظاهر من كلام المصنف أيضا في هذا الكتاب
حيث فسر القربة بالوجه الأول فقط واختار في قواعده وفي الذكرى الصحة قال في الذكرى والظاهر أن كلا منهما محصل للاخلاص وقد توهم قوم أن قصد الثواب
يخرج عنه لأنه جعله واسطة بينه وبين الله وليس بذلك لدلالة الآي والاخبار عليه وترغيبات القرآن والسنة مشعرة به ولا نسلم أن قصد الثواب مخرج عن ابتغاء
88

الله بالعمل لان الثواب لما كان من عند الله فمبتغيه مبتغ لوجه الله نعم قصد الطاعة التي هي موافقة الإرادة أولى لأنه وصول بغير واسطة ولو قصد المكلف
في تقربه الطاعة لله أو ابتغاء وجه الله كان كافيا ويكفي عن الجميع قصد الله سبحانه الذي هو غاية كل مقصد انتهى ومراده بالآي مثل قوله تعالى ويدعوننا
رغبا ورهبا وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون أي راجين الفلاح أو لكي تفلحوا والفلاح هو الفوز
بالثواب قاله الطبرسي (ره) وقال بعض هو الفوز بالأمنية وقوله تعالى قد أفلح المؤمنون وقوله تعالى إلا أنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته بعد قوله تعالى
ويتخذ ما ينفق قربات عند الله كما ذكره في الذكرى ولا يخفي أن دلالة الآيات المذكورة وأن لم يتم على المراد سيما بعضها لكنها مما يصلح للتأييد وكذا الحال
في الترغيبات والترهيبات ويمكن الاستدلال عليه أيضا بما روى عنهم (عليهم السلام) في الصحيح عن من بلغه ثواب من الله على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب
أوتيه وإن لم يكن الحديث كما بلغه وكذا ما رواه أصول الكافي في باب العبادة في الحسن بن إبراهيم بن هاشم ظاهرا عن هارون بن خارجه عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال العبادة ثلاثة قوم عبدوا الله عز وجل خوفا فتلك عبادة العبيد وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب فتلك عبادة الاجراء وقوم عبدوا الله عز وجل
حبا له فتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادة وأيضا تخليص القصد عن النظر إلى الثواب والعقاب أمر مشكل جدا يحتاج إلى مجاهدات عظيمة ورياضات شاقة
فتكليف عامة الناس به لا يناسب الشريعة السمحة السهلة هذا كله مع أنك قد عرفت أن الدلايل التي استدلوا بها على وجوب القربة إنما يدل على تقدير تمامها
على وجوب الاخلاص الذي هو اما البراءة من الشرك أو الريا ولا يدل على أزيد من ذلك وليس ما يدل على وجوب
القربة حتى ينظر في معناها وعلى تقدير وجوده أيضا لما حصل
الشك في المعنى القربة فإما يحكم بوجوب القدر المتيقن كما مر غير مرة خصوصا مع وجود المعارضات والاجماع الذي نقلوا على وجوبها أيضا على تقدير تحققه ليس
بموجود في المعنى الأول فعلى هذا الظاهر صحة المعنى الثاني أيضا وعدم بطلان العبادة به بل لا يبعد القول بصحة العبادة لطلب الاغراض الدنيوية المباحة أيضا عن جنابه
سبحانه كما نبه عليه ما ورد أن صلاة الليل تزيد في الرزق والصدقة ترد البلاء وصلة الرحم تنسي الاجل فإن قلت ما تقول في الاتيان بالعبادة لأجل حسنها في الواقع لا
لأنها أمر بها سبحانه ولا لطلب ثواب وخوف عقاب منه أو القرب إليه أو لحبه أو نحو ذلك مما ينظر فيه إلى وجه لله تعالى قلت الظاهر على ما ذكرنا من عدم دليل على الزايد
من وجوب نفي الشرك أو الرياء صحة تلك العبادة وكذا الظاهر من كلام المتكلمين لكن لم نقف فيه على نص من الأصحاب وأنه على طريقتهم من وجوب القربة وابتغاء وجه الله
تعالى ما يقولون في مثل هذا لكن لا يذهب عليك أن ما ذكر من الفرض يحتمل وجهين الأول أن يكون الفاعل مستشعرا بأنها عبادة وطاعة لله تعالى ويفعله الاجل
حسنها في الواقع وحينئذ الظاهر أنها على طريقة القوم أيضا صحيحة وداخله تحت ابتغاء وجه الله بل هي في أعلى مراتب العبادة وأولى مما يكون لقصد الثواب والخوف
من العقاب والثاني أن لا يكون مستشعرا بذلك بل قد حصل له العلم أما من العقل والشرع بأن لوضوء مثلا حسن وانما يفعله لأجل حسنه وحينئذ فيه إشكال على طريقة
القوم ولا يخفى عليك أنه يمكن الاستدلال على وجوب القربة بالمعنى الذي ذكر بقوله (عليه السلام) إنما لامرئ ما نوى فتأمل هذا وبما ذكرنا من أن أحد إجزاء النية التي
ذكرها الأصحاب إنما هو القربة بالمعنى الذي ذكروا لا شك أنها أمر مشكل سيما إذا كانت بالمعنى الأول فإنه في نهاية الصعوبة وليست هي مجرد القصد إلى الفعل ظهر
حال ما قاله بعض الفضلاء في تسهيل أمر النية واستحسنه بعض من أنه كلف الله الصلاة وغيرها من العبادات بغير نية كان تكليف ما لا يطاق لان هذا إنما يكون
له وجه صحة لو كان المراد من النية مجرد القصد إلى الفعل وأما عدم تعرض القدماء لأمرها فكأنه لأجل أن وجوب ما سوى قصد الفعل والقربة من الزيادات التي ذكرها
المتأخرون وكذا بعض الشرايط كالمقارنة والاحكام التي يتفرع على هذه الأمور ليست بثابتة كما سنذكره إنشاء الله تعالى والامر الأول من هذين في غاية السهولة و
الأمر الثاني قد أغناهم كثرة الآيات والروايات الواردة فيه عن التعرض له والله تعالى اعلم بحقايق الأمور وأما قصد الوجوب فقد اختلف القوم فيه فالشيخ (ره) في النهاية
وظاهر المبسوط والمحقق في المعتبر على عدم وجوبه والعلامة في جملة من كتبه والمحقق في الشرايع وابن إدريس على وجوبه والأول أظهر لنا أصل البراءة وصدق الامتثال مع عدم المخرج عن الأصل
كما سيظهر من جواب دليل المخالفين ويؤيده أيضا أمرهم (عليهم السلام) بالواجبات والمندوبات بطريق واحد من غير تعرض الموجوب أو الندب ولو كان قصد الوجوب أو الندب
شرطا لما كان كذلك واحتج المخالفون بوجهين الأول أن الامتثال في العبادة إنما يتحقق بإيقاعها على الوجه المطلوب ولا يتحقق ذلك الوجه في الفعل المأتي به إلا
بالنية بدليل إنما لكل امرئ ما نوى الثاني أن الفعل لما جاز وقوعه تارة على وجه الوجوب وأخرى على الندب فاشترط تخصيصه بأحدهما حيث يكون ذلك هو المطلوب و
التخصيص لا يحصل إلا بالنية وفي الوجهين نظر أما الأول فلانه أن أريد بإيقاعها على الوجه المطلوب إيقاعها بشرائطها وأركانها المعتبرة فيها شرعا فمسلم لكن لا نسلم
أن من جملتها قصد الوجوب أو الندب وإن أريد به إيقاعها عل قصد وجهه الذي هو الوجوب أو الندب كان مصادرة محضة فإن قلت المراد الأول لكن لا ندعي أن من جملة وجوهها قصد الوجوب أو الندب حتى يكون في معرض المنع بل ندعي أن من جملتها الوجوب أو الندب
وهو لا يقبل المنع إذ لا شك أن امتثال الامر الواجبي إنما يكون بالاتيان بالفعل الواجب دون الندب وكذا الحال في الندب وهذا الوجه لا يحصل في الفعل إلا بالنية إذ بدون النية يحتمل
89

الواجب والندب ولا يصار إلى أحدهما لامتناع الترجيح من غير مرجح وهذا التوجيه هو ظاهر كلام المستدل حيث قال ولا يتحقق ذلك الوجه انتهى فاندفع النظر قلت
هذا بعينه هو الوجه الثاني ويندفع بما ندفعه به وبما قررنا من إمكان ارجاع الوجه الأول إلى الثاني بل أن الظاهر منه هو هذا أظهر ما في كلام الشهيد الثاني (ره) في
شرحه للارشاد حيث ضعف الوجه الأول وحكم بعدم صلاحية للدلالة وتأسيس حكم شرعي حتى قال إنه قيل كلام شعري ومع هذا اعترف بتمامية الوجه الثاني
في غير الوضوء إلا أن يكون إيراد على من ذكر الوجهين معا كابن إدريس في السرائر إذ حينئذ لا يمكن إرجاع أحدهما إلى الاخر فتأمل وأما الثاني فلانه إن أريد به أن
الأوامر لما كانت إيجابية أو ندبية فالفعل الذي يفعل المكلف لو لم يقصد أنه واجب أو ندب لم يتعين لكونه امتثالا لأمر إذ صرفه إلى أحدهما دون
الاخر ترجيح من غير مرجح ففيه إنا لا نسلم انه لا بد من مخصص يخصص الفعل لا أحد الأوامر إنما يكون ذلك فيما لم يجز التداخل وأما مع جوازه فلا إذ الفعل
امتثال للجميع فلا حاجة إلى مخصص وأيضا لا نسلم انحصار المخصص في قصد الوجوب والندب إذ يجوز أن يخصص شئ آخر كما إذا لاحظ وقت الفعل كونه امتثالا
لبعض الأوامر بخصوصه وإن لم يعلم أنه ايجابي أو ندبي وأيضا هذا إنما يتم فيما كان فيه أوامر مختلفة فلا يثبت الكلية كما هو مذهبهم مع أن فيما نحن
بصدده أي الوضوء ليس كذلك إذ لا يجتمع فيه أمر إيجابي مع ندبي إذ مع خلو الذمة عن مشروط به لا يجب قطعا ومع شغلها لا يندب ولا يخفى أن
هذا الحكم الأخير وإن كان قد ذكره القوم لكنه ليس له وجه ظاهر وسيجئ تفصيله إنشاء الله تعالى عن قريب وإن أريد به أن الوضوء لما كان واجبا وندبا فلا بد في
كونه امتثالا للامر الايجابي أن يكون واجبا إذ الوضوء المندوب لا يكون امتثالا للامر الايجابي ففيه أنه لو أريد توقف الامتثال على الوجوب
فممنوع ولو أريد الاستلزام فممنوع فحينئذ نقول لما كان الامر بإيجاد الطبيعة مطلوب فعند الاتيان بها يحصل الامتثال وإذا حصل الامتثال تحقق الوجوب أيضا لان ما يمتثل به
الامر الايجابي واجب هذا وخلاصته القول على ما قررنا أن اشتراط نية الوجوب والندب فيما لم يتعدد الأوامر لا ظهور له فحينئذ لو لم ينو الوجه أصلا
أو نوى خلاف الواقع عمدا أو سهوا لكان الفعل صحيحا سواء كان ذلك الامر الواحد معلوم الايجاب أو الندب أو مشكوكهما ولو ردد في صورة
الشك بين نية الوجوب والندب لكان الظاهر أيضا الصحة وما يقال من أن الترديد في النية ليس بصحيح لا وجه له ظاهر أو كذا الحال فيما تعدد الأوامر الايجابية
والندبية لكن يكون ما يجزي فيه التداخل وأما إذا لم يجز التداخل مثل الامر بنافلة الصبح وفريضتها فحينئذ لا يبعد القول لاشتراط تخصيص الفعل
بأحدهما سواء كان يقصد الوجوب والندب أو بغيره من المخصصات وكذا لا يبعد القول باشتراط التخصيص فيما تعدد الأوامر الايجابية فقط والندبية
فقط ولم يجز التداخل في متعلقاتها إذا أن لوازمها وأحكامها مختلفة وأما إذا لم تكن مختلفة فالظاهر أيضا عدم الاشتراط هذا ثم اعلم أن المتكلمين ذكروا أنه لا بد في
حسن الفعل من أن يفعل لوجوبه أو ندبه ويمكن أن يكون كلام الأصحاب أيضا ناظرا إليه كما يشعر به الوجه الأول من الوجهين المذكورين لكن هذا القول
أيضا مما لم يقيموا عليه دليلا ظاهرا بل الظاهر أنه يندفع بالقربة التي ذكرها الأصحاب لأنهم لم يقتصروا على الوجوب والندب بل عمموا الحكم بأنه لا بد
من أن يكون الفعل لوجوبه أو ندبه أو لوجههما وفسروا الوجه بالشكر ونحوه ولا ريب أن هذا داخل تحت القربة كما فصلناها سابقا وأما اشتراط
أحد الامرين من الرفع أو الاستباحة فقد اختلف فيه فالشيخ في المبسوط والعلامة في جملة من كتبه والمحقق في المعتبر وابن إدريس قالوا باشتراطه وادعى ابن إدريس
الاجماع عليه ونقلوا عن السيد المرتضى (ره) اشتراط خصوص الاستباحة وعن أبي الصلاح وابن زهرة وابن البراج وابن جمزة اشتراطهما معا والشيخ (ره)
في النهاية والمحقق في الشرايع ذهبا إلى عدم الاشتراط وقال السيد السعيد جمال الدين ابن طاوس في البشرى لم أعرف نقلا متواترا ولا آحادا يقتضي الفضل إلى
رفع الحدث واستباحة الصلاة لكن علمنا يقينا أنه لا بد من نية القربة وإلا كان هذا من باب اسكتوا عما سكت الله عنه انتهى والظاهر القول الأخير لأصالة البراءة
وصدق الامتثال بدونه وعدم دليل مخرج عن الأصل كما سيظهر احتج المشترطون لأحدهما بقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قمت إلى الصلاة الآية وجه الاحتجاج
إن المفهوم منه عرفا أن الوضوء لأجل الصلاة كما أن المفهوم من قولهم إذا لقيت الأمير فخذ أهبتك وإذا لقيت العدو فخذ سلاحك إن أخذ الأهبة والسلاح
لأجل لقاء الأمير والعدو ولا معنى لكون الوضوء للصلاة إلا أنه لاستباحتها والجواب أن كون هذا المعنى مفهوما من الآية بحسب العرف مسلم لكن لا يثبت المطلوب
لان كون الوضوء لأجل الصلاة لا يستلزم أن يقصد في الوضوء أنه لأجل الصلاة وهو ظاهر لا يرى أن في المثالين المذكورين لا يلزم من امتثالهما أن يقصد حين أخذ
الأهبة والسلاح أنه لأجل الأمير والعدو وأورد عليه أيضا أن هذا الدليل لو تم لدل على ما نسب إلى المرتضى (ره) من اشتراط الاستباحة لاحد الامرين كما هو
مدعي المحتجين وأجاب العلامة (ره) في المختلف عن الايراد بوجهين أحدهما إن وجوب الاستباحة لا ينافي ما ذكرنا من كونه أحد الفردين المخير فيهما لان فرد الواجب
المخير أيضا واجب وثانيهما أن نية رفع الحدث يستلزم الاستباحة لأنها نية لإزالة المانع من الدخول في الصلاة ليدخل المكلف في الصلاة فإنه الغاية
الحقيقية فإن إزالة الحدث ليس غاية ذاتية وإنما هو مراد بالعرض لأجل استباحة الصلاة في الوجهين نظر أما في الأول فلان مراد المورد ليس أن وجوب
90

أحد الامرين يرفع وجوب نية الاستباحة بل مراده أن الدليل على تقدير تمامه إنما يدل على وجوب خصوص هذا الامر وأما بدلية الامر الاخر فلا دليل عليه
ويمكن أن يجاب بأن العلامة (ره) قد استدل قبل هذا على الاكتفاء برفع الحدث بقوله (عليه السلام) إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى وقال فإذا
رفع الحدث مع باقي الصفات من الوجوب أو الندب أجزاه لأنه قد حصله ما نواه وهو رفع الحدث عملا بالحديث فزال المانع من الدخول في الصلاة انتهى
وهذا دليل على البداية ولك أن تقول بعد ثبوت وجوب قصد الاستباحة بالآية كما زعموا لو اكتفى في بدلية قصد الرفع له بهذا الدليل لزم أن يقال ببدليته
أيضا لقصد الوجوب والندب والقربة أيضا بهذا الدليل بعينه والجواب الجواب إلا أن يجاب بالاجماع على عدم البدلية لهما ولا إجماع هاهنا وأنت خبير
بما في دليليه المذكورين من الضعف إما الأول فظاهر وأما الثاني فلانه لا يدل على أن كل ما ينوي المرء يدركه وهو ظاهر وأما في الثاني فلانه قد ثبت
وجوب الوضوء بقصد أنه للصلاة على زعمكم ولا نسلم أن استلزام رفع الحدث لاستباحة الصلاة في الواقع انما يستلزم أن يقصد على الوضوء بقصد رفع الحدث أنه يقصد الاستباحة إذا لم يكن حين قصد الرفع الاستباحة ولزومها للردع منظورين بل على تقدير كونهما منظورين
أيضا لا نسلم صدق قصد الاستباحة إلا أن يكتفي بالقصد بالعرض ثم أنهم اكتفوا في قصد الاستباحة المعتبر في الوضوء والواجب باستباحة أي مشروط
بالطهارة كان صلاة أو غيرها واجبا أو مندوبا وهو الظاهر من كلام المصنف أيضا حيث أطلق الاستباحة بل قد حكى عن فخر المحققين الاكتفاء بقصد استباحة
مشروط بالطهارة وإن كان ممتنعا كان ينوي استباحة الطواف وهو بالعراق وكان دليلهم عليه أيضا ما نقلناه عن العلامة من الدليل على الاكتفاء برفع
الحدث وقد عرفت ما فيه والحاصل أن كلامهم في هذا المقام غير منقح جدا وأما حجة المرتضى فقد ظهرت أيضا مع جوابها وأما حجة من اشترطهما
معا فلم نقف عليها سوى ما ذكره المصنف في الذكرى من أن الرفع يوجد بدون الاستباحة في غسل الحايض إن قلنا برفعه الحدث الأكبر والاستباحة
بدون الرفع في المتيمم والطهارة الضرورية فإذا لم يتلازما لم يكف أحدهما وأيضا لا بد من رفع الحدث لأنه مانع من الدخول ومن الاستباحة لأنه
الوجه الذي لأجله يرفع الحدث فما لم ينوه لا يكون متمثلا للوجه الذي أمر به لأجله وضعف الوجهين ظاهر مما ذكرنا وحكى المصنف (ره) في شرح الارشاد
أنهم احتجوا بالجمع بين أدلة الأقوال ونية كل من الرفع والاستباحة بالمطابقة لان اللزوم غير بين والاتحاد غير حاصل ولا يذهب عليك أن الظاهر أن وجوب
الرفع فقط لا دليل عليه ولا قول به حتى يحتج بالجميع بين أدلة الأقوال فتدبر وعليك الاحتياط في جميع هذه الأمور المختلف فيها والاخذ بمجامع الأقوال مهما أمكن والله الموفق
(والمبطون والسلس والمستحاضة ينوون الاستباحة أو رفع ما مضى) قال في الذكرى ذو الحدث الدائم كالمبطون و
السلس والمستحاضة ينوي الاستباحة فلو ضم إليها رفع الحدث لغى إلا أن يقصد رفع ما مضى فحسن ولو اقتصر عليه فإن نوى رفع ما مضى صح لأنه في معنى
الاستباحة وإن نوى رفعه مع ما هو حاصل أو سيحصل فقد نوى ما بعضه ممتنع فيمكن الصحة لتضمن النية رفع مانع الصلاة والبطلان لعدم إمكان
ما نواه فكيف يحصل له انتهى وفيه أنه أما أن أريد برفع ما مضى رفع الحدث الكاين في الزمان الماضي نفسه أو رفع أثره الذي هو المنع من الصلاة فإن كان
الأول فمع أنه يلغوا حينئذ ذلك القصد لان الحدث الكائن في الزمان الماضي مرتفع في هذا الزمان سواء قصد رفعه أم لا يرد عليه أنه كيف يكون هذا
القصد في معنى قصد الاستباحة لان المانع من الصلاة موجود الان وهو الحدث الحاضر بل أثر الحدث السابق أيضا فبمجرد ارتفاع الحدث السابق كيف يستباح الصلاة
وإن كان الثاني فيرد عليه أيضا الايراد السابق إذ بمجرد ارتفاع أثر الحدث السابق لا يستباح الصلاة بل لا بد من ارتفاع أثر الحدث اللاحق أيضا و
القول بأنه مغتفر لا دليل عليه إلا أن يكون المنع كافيا في المقام وأيضا كما يصح رفع ما مضى بهذا المعنى كذلك يضح رفع الحاصل أيضا بهذا المعنى
فلم يحكم بصحة الأول وامتناع الثاني هذا وبما ذكرنا ظهر أن دايم الحدث يجب عليه أن ينوي الاستباحة فقط بناء على وجوب قصد الرفع أو
الاستباحة وأما على ما اخترناه فالامر واضح هذا على تقدير أن يكون رفع الحدث غير الاستباحة كما ذكرنا سابقا
(ولا يشترط قصد الطاعة
لله خلافا لابن زهرة) ذهب ابن زهرة إلى وجوب خمسة أمور في النية قصد الوجه والاستباحة والرفع والطاعة والقربة واستدل على الثلاثة
الأول ببعض ما ذكرنا سابقا وقال في الأخيرين وتعلقها بالطاعة لله تعالى لان بذلك الفعل عبادة والقربة ومرادنا بها طلب المنزلة الرفيعة
عنده بنيل ثوابه لأنه الغرض المطلوب بطاعته انتهى وأنت خبير بما ذكرنا سابقا بكفاية أحد الامرين الذين أراد هما من الطاعة والقربة بل غيرهما
أيضا مما فصل في بحث القربة (والمقارنة لابتداء غسل الوجه) إذ هو مبدء الافعال فلو أخر عنه لوقع بعض الأفعال الواجبة بلا نية فيكون
باطلا وببطلان الجزء يبطل الكل وكذا لو قدم ولم يبق إلى الشروع إذ حينئذ يقع جميع الأفعال بلا نية واعلم إن ها هنا إشكالا سنذكره إنشاء الله تعالى
في بحث استدامة حكم النية (ويجوز تقديمها عند غسل اليدين مستحبا وعند المضمضة والاستنشاق) المشهور بين الأصحاب جواز تقديم
النية عند غسل اليدين استحبابا للوضوء وأولى منه عند المضمضة والاستنشاق لقربهما من الواجب ووجهه أنها من جملة أفعاله فجاز إيقاع النية
91

عندها وحكم في المنتهى باستحباب التقديم ليشمل النية أفعال الوضوء الواجبة والمندوبة وجوز ابن إدريس التقديم عند غسل اليدين في الغسل
دون الوضوء وجوز في الوضوء التقديم عند المضمضة والاستنشاق معللا بأنهما من جملة العبادة وكأنه جعل غسل اليدين مستحبا خارجا لا من
جملة أفعال الوضوء وليس ببعيد لكن جعله في الغسل داخلا دون الوضوء بعيد ومنع ابن طاوس (ره) في البشرى التقديم مطلقا سواء كان عند غسل اليدين
أو المضمضة والاستنشاق نظرا إلى أن مسمى الوضوء الحقيقي غيرهما ونقلوا الاجماع على عدم جواز تقديمها عند غيرها من المسنونات كالسواك و
التسمية والظاهر ما ذهب إليه الأكثر كما سيظهر عن قريب إنشاء الله تعالى ولما لم يذكر المصنف فيما بعد غسل اليدين في مستحبات الوضوء فلا بأس أن نورد ها هنا بيان
استحبابه وشرايطه أما الاستحباب فيستدل عليه بما رواه التهذيب في باب آداب الاحداث في الصحيح ظاهرا عن عبيد الله الحلبي قال سئلته عن الوضوء كم يفرغ الرجل
على يده اليمنى قبل إدخالها في الاناء قال واحدة من حدث البول واثنتان من الغايط وثلاث من الجنابة وما رواه أيضا في هذا الباب في الحسن عن حريز عن
أبي جعفر (عليه السلام) قال يغسل الرجل يده من النوم مرة ومن الغايط والبول مرتين ومن الجنابة ثلاثا وما رواه أيضا في الموثق عن عبد الكريم بن عتبة الكوفي
الهاشمي قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يبول ولم يمس يده اليمنى شئ يدخلها في وضوءه قبل أن يغسلها قال لا حتى يغسلها قلت فإنه استيقظ
من نومه ولم يبل أيدخل يده في وضوءه قبل أن يغسلها قال لا لأنه لا يدري حيث باتت يده فليغسلها فإن قلت ما وجه حمل هذه الرواية على الاستحباب
دون الوجوب قلت للجمع بينها وبين ما رواه التهذيب أيضا في هذا الباب في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال سئلته عن الرجل يبول ولم تمس
يده اليمنى شيئا يغمسها في الماء قال نعم وإن كان جنبا وهذا وإن كان مختصا بالبول لكن الغايط والنوم أيضا الظاهر أن حكمهما حكم البول لاقترانهما به في
الروايات وكذا بينها وبين ما روي أنه (عليه السلام) عند بيان الوضوء غمس كفه في الماء من غير غسل وقال هكذا إذا كانت الكف طاهرة وسيجئ الرواية
إنشاء الله تعالى ويؤيد الاستحباب أيضا آية الوضوء حيث لم يذكر فيها غسل اليد وكذا الاختلاف الواقع في الروايات في الغسل للبول هذا كله مع أن الأصل
براءة الذمة من الوجوب ولا يذهب عليك إن استنباط غسل اليد اليسرى من الروايات مشكل لكن الشهرة بين الأصحاب كأنها يكفي في الحكم بالاستحباب
وأما الشرايط فذكروا للاستحباب شرطين الأول أن يكون الوضوء من حدث النوم أو البول أو الغايط لا الريح ووجهه ظاهر مما ذكرنا الثاني أن يكون من
ماء قليل في إناء يمكن الاغتراف منه فلو توضأ من نهر أو مصنع؟ أو إناء لا يمكن الاغتراف منه لم يستحب الغسل ووجهه غير ظاهر لان الرواية الأولى وإن كانت
مختصة بالاناء لكن الأخيرتين مطلقتان وكون علة الغسل توهم التنجيس غير ظاهر بل لو كان علته أيضا ذلك لكان هذا التوهم غير منحصر في تنجيس الماء بل
جار في تنجيس الأعضاء وعدم صحة الوضوء معه وأيضا على تقدير التسليم لكان ينبغي أن يخص بالقليل فقط لا بكونه في إناء أيضا ثم أنه لو غسل اليد بعد هذه
الاحداث بدون إرادة الوضوء فهل يستحب الغسل ثانيا عند إرادته أم لا لم أقف فيه على نص من الأصحاب والرواية الأخيرة نظرا إلى التعليل الواقع فيها
تدل على عدم الاستحباب ثانيا
بعد النوم وكذا ظاهرها في البول أيضا كما لا يخفى والرواية الثانية الامر فيها مطلق فيحصل امتثاله بالغسل قبل إرادة الوضوء أيضا كما هو الظاهر نعم
الرواية الأولى كأنها ظاهرة في الاستحباب (ولو وجب غسل اليدين لنجاسة أو استحب لا للوضوء أو أبيح فلا نية عنده) ووجهه أنه ليس حينئذ من جملة إفعال الوضوء فلا
يجوز مقارنة النية به والاستحباب لا للوضوء مثل الاستحباب للاكل والإباحة كالغسل بعد الريح أو عند الوضوء من النهر على القول بعدم الاستحباب حينئذ وكذا لو كان مكروها كما لو قصر الماء
بسببه عن الغسلات المستحبة أو حراما كما لو قصر بسببه عن الغسلات الواجبة بطريق الأولى وقال المصنف (ره) في الذكرى وفي جوازها عند الواجب كإزالة النجاسة المعلومة
وجه لأنه أولى من الندب بالمراعاة والأقرب المنع لأنه لا يعد من أفعال الوضوء انتهى وأيد الشهيد الثاني (ره) الوجه بما ورد من التعليل في النائم فإنه لا
يدري أين باتت يده فإنه يقتضي أنه لرفع نجاسة موهومة فالمحققة أولى هذا واعلم إن استفاده أن هذا الغسل من جملة إفعال الوضوء من الروايات
مشكل جدا فلو كان بناء جواز تقديم النية عليه لكان الظاهر عدم الجواز لكنا سنذكر إنشاء الله تعالى وجها آخر للجواز ولذا اخترنا المذهب المشهور (واستدامة حكمها)
إلى آخره نذكر أولا ما هو الظاهر عندنا في هذا الباب ثم نشتغل بذكر كلام القوم اعلم إن الحركات الصادرة عنا بالاختيار إنما يصدر بعد تصور الفعل والغاية
والضرورة قاضية بأن كثيرا ما نغفل في أثناء الحركة عنهما ومع ذلك يصدر تلك الحركة ولا حاجة لنا ها هنا إلى بيان كيفية الصدور وأنه كيف يصدر الامر الغير القار
عن الامر الثابت لان موضعه في الحكمة ولا مدخل لتحقيقه في هذا المقام وظاهر أيضا أن الحركة التي يصدر بعد حصول الشوق والإرادة المسماة بالاجماع الناشئين
من تصور النفع والغرض لتلك الحركة إنما يطلق عليها في العرف أنها صادرة بالإرادة لتلك الغرض والنفع وإن ذهل المتحرك في أثنائها عن تصور الفعل والنفع
لكن يكون بحيث لو رجع إلى نفسه لاستشعر به ما لم تحدث له إرادة أخرى لاصدار تلك الحركة ناشية من تصور نفع وغرض آخر وإذا تمهد هذا فنقول غاية ما ثبت
92

سابقا أنه لا بد في الوضوء من تصوره ممتازا عما عداه وأن يكون الغرض منه امتثال أمر الله وطلب مرضاته فإذا تصورنا الوضوء بالوجه الممتاز وتصورنا
أيضا النفع الحاصل منه من الامتثال وقربه تعالى وانبعث من ذلك إرادة محركة للأعضاء فعلى المقدمة السابقة إنما يصدق على ذلك الوضوء في العرف أنه صادر
بالإرادة لغرض الامتثال والقربة وإن ذهلنا في أثنائه عن تصوره والغرض منه ما لم يحدث في الأثناء إرادة محركة للأعضاء للاتيان ببعض أفعاله ناشية
من غرض آخر فيلزم أن يكون ذلك الوضوء صحيحا مخرجا عن العهدة لما علمت من عدم لزوم شئ آخر على المكلف سواه فظهر بما ذكرنا إن القدر الواجب إنما هو عدم إرادة
مخالفة للإرادة الأولى فيجب أن تفسر الاستدامة الحكمية به واعلم أنه على هذا يرد إشكال على قولهم بوجوب مقارنة النية لأول الوضوء إذ كما يجوز صدور
الفعل بالإرادة لغرض منع الذهول في أثنائه عن تصور الفعل والغرض مفصلا فكذلك يمكن صدوره أيضا بالإرادة لغرض منع الذهول عنهما مفصلا في ابتداء الفعل أيضا إذا تصور الفعل والغرض في زمان سابق عليه وصار ذلك باعثا على صدور الفعل
في هذا الزمان والضرورة حاكمة أيضا بوقوع هذا الغرض عند ملاحظة حال الافعال فحينئذ يجوز أن يصدر الوضوء لغرض الامتثال والقربة باعتبار
تصوره وتصور ذلك الغرض في الزمان السابق فيلزم أن يكون ذلك الوضوء أيضا صحيحا لما عرفت من عدم لزوم شئ على المكلف زايدا على هذا المعنى
فيبطل القول المذكور اللهم إلا أن يتمسكوا بالاجماع على وجوب المقارنة لكن الظاهران إثبات الاجماع مشكل إذ لم ينقل من القدماء شئ في أمر النية وثبوت
الاجماع من المتأخرين بحيث يظن دخول المعصوم (عليه السلام) فيه مما لا سبيل إليه مع أن المصنف (ره) في الذكرى نقل عن الجعفي أنه قال لا عمل إلا بنية ولا بأس أن
تقدمت النية العمل أو كانت معه لكن الأولى الاخذ بما هو المشهور والوقوف عليه احتياطا للدين وبهذا ظهر أيضا وجه ما اخترناه من جواز تقديم النية
عند غسل اليدين لان ما يمكن أن يتمسك به على عدم جواز التقديم على الوضوء أما الاجماع أو الشهرة وهما مفقودان في هذا التقديم هذا والقوم إنما
ذكروا في تفسير الاستدامة الحكمية معنيين أحدهما ما ذكرنا وهو المذكور في المبسوط والمعتبر والمنتهى واستدل عليه في المعتبر والمنتهى بأن استدامة النية
فعلا مما يتعسر أو يتعذر في الأكثر فاقتصر على استدامة الحكم مراعاة لليسر واستحب في المنتهى الاستدامة الفعلية ليقع جميع الأفعال مقترنة بالنية و
الأولى في الاستدلال على الاكتفاء بالاستدامة الحكمية ما ذكرناه لان هذا الدليل ربما يعترض عليه بأن عدم إمكان الاستدامة الفعلية لا يستلزم
الاكتفاء بالحكمية بل يجب مراعاة الفعلية مهما أمكن فلما لم يمكن سقط وأما عدم مراعاتها بالكلية فلا إلا بدليل وأيضا لا وجه لقولهم إن الاستدامة
الفعلية لما لم يمكن اقتصر على الحكمية لان هذا إنما يحسن إذا دل دليل على وجوب الاستدامة الفعلية ولا دليل عليه وما استدلوا به على وجوب النية
من قوله (عليه السلام) إنما الأعمال بالنيات ونحوه مما تقدم لا يدل على وجوب الاستدامة الفعلية أصلا كما لا يخفى وثانيهما البقاء على حكم النية
والعزم على مقتضاها وهذا هو الذي اختاره المصنف في الذكرى واستدل عليه أيضا بالدليل المذكور آنفا ويرد عليه أيضا الايراد إن المذكور إن
أورد أيضا على المعنى الثاني أنه بعينه الاستدامة الفعلية التي نفاها المصنف (ره) بل نفس النية إذ هي عبارة عن العزم المخصوص ويمكن أن يجاب بالفرق
بينهما بالاجمال والتفصيل فإن الاستدامة الفعلية هي أن يستحضر النية مفصلة كما هي في الابتداء إلى آخر الفعل والحكمية بهذا المعنى أن يستحضر
مجملة وأورد أيضا إن ذلك مقتض لبطلان عبادة الذاهل عن العزم المذكور في أثناء العبادة وهو باطل قطعا ويمكن أن يقال أيضا أن المراد كما عرفت من
العزم على مقتضى النية استحضارها وحصولها في النفس مجملة ولا نسلم انه مما ينتفي ما لم يحدث نية وإرادة أخرى منافية للأولى والحاصل إن المعنيين متلازمان
لكن القايل بالمعنى الثاني كالمصنف (ره) كأنه زعم أن بعد ما حصل الغفلة عن تصور الفعل والغرض منه تفصيلا فكأنما يبقى في النفس أمرا إجمالي من التفصيل السابق هو
المحرك والباعث للفعل إلى أن ينتهي الحركة وإن لم يكن لنا شعور به كما في اللعب باللحية أو نحوه فإن له سببا البتة مع عدم علمنا به ولا يخفى أنه لا دليل على بطلان
ما زعمه بل لا يبعد ادعاء الظهور في أن الامر كذلك ثم إن المصنف (ره) ذكر إن بناء التفسيرين على أن الباقي مستغن عن المؤثر أم لا فالتفسير الأول بناء على الأول
والثاني على الثاني والظاهر أن مراده (ره) بالباقي ها هنا الوضوء وبالمؤثر النية فيكون حاصل كلامه إن الباقي إن لم يكن محتاجا إلى المؤثر فالوضوء بعد
حدوثه بالنية لا يحتاج في بقائه إلى بقاء النية فيكون باقيا إلى وقت حدوث مؤثر آخر بنية أخرى بدون بقاء النية الأولى فعلى هذا تفسير الاستدامة الحكمية بأن
لا ينوى نيه مخالفة للأولى إذ على هذا لا جزم ببقاء النية الأولى حتى يفسر الاستدامة به وإن كان محتاجا إلى المؤثر فحينئذ فالجزم ببقاء النية الأولى حاصل
فلذا يفسر الاستدامة به واعترض عليه صاحب المدارك بأن هذا البناء غير مستقيم لان أسباب الشرع علامات ومعرفات لا علل حقيقية فيمكن القول
بعدم الاستغناء عن المؤثر مع عدم اشتراط الاستدامة فضلا عن الحكمية وأنت خبير بما قدمنا إن النية ليست من الأسباب الشرعية للوضوء حتى يقال أنها من
قبيل العلامات والمعرفات بل من الأسباب العقلية فاندفع ما أورده نعم يرد على المصنف أنه خلط الحدوث التدريجي بالبقاء وكأنه لاطلاق البقاء على
الحدوث التدريجي أيضا في العرف لكنه ليس المعنى الذي في معرض النزاع فزعم أن بعد حدوث النية يحدث الوضوء ويبقى إلى الاخر وليس كذلك بل إنما يحدث
93

شيئا فشيئا ومثل هذا الباقي لا بد له من سبب إلى آخر وجوده على القولين فلا يمكن أن يكون وبناء كلام من فسر التفسير الأول على عدم الاحتياج إلى السبب بل أما
بناؤه على أنه لا يرى إن السبب المستمر مع المسبب انما هو إجمال التفصيل السابق بل شئ آخر أو يقال إن تفسيره هذا لا ينافي بقاء النية نعم لا يستلزمها وفرق بينهما
فحينئذ يجوز أن يعتقد بقاء النية مع تفسيره الاستدامة بهذا المعنى لأنه أظهر وأقرب إلى الفهم من المعنى الاخر واعترض الشهيد الثاني (ره) أيضا في شرح الارشاد
على المصنف (ره) بأن ذلك البناء إنما يتجه أن لو كانت النية بعد إحضارها يحصل منها أثر خارجي يستغني عن الموجود أو يحتاج إليه وليس كذلك بل عند غروبها
عن القلب يلحق بالاعدام المفتقرة إلى المؤثر قطعا مع أن اللازم من الاحتياج إلى المؤثر وجوب إحضار النية بجميع مشخصاتها لا العزم المذكور فإنه غير الموجود
الأول وغير مستلزم له وإن دخل ضمنا لكن الدلالة التضمنية ملغاة في هذه الأحكام ونظايرها انتهى وكأنه (ره) لم يحمل كلام المصنف على ما حملناه عليه
وإلا فلا وجه لهذا الايراد أصلا والمعنى الذي حمله عليه بعيد جدا ويرد أيضا على إيراده الأخير إن استلزم الاحتياج إلى المؤثر وجوب إحضار النية
بجميع مشخصاتها ممنوع وإنما يستلزم ذلك لو ثبت إن العلة المبقية يجب أن يكون بعينها هي العلة الموجدة وهي في محل المنع هذا
(ولو نوى رفع حدث بعينه واستباحة صلاة بعينها فلا حرج) لا يذهب عليك أنه على ما اخترناه من عدم اشتراط قصد رفع الحدث أو الاستباحة الامر في هذه المسألة
ونظائرها واضح وأما على رأي القائلين بالاشتراط فالمشهور بينهم ما ذكره المصنف وعللوا الأول بأن الاحداث تتداخل عند اجتماع أسبابها فلا يرتفع
أحدها إلا بارتفاع الجميع وقد نوى رفع أحدها فوجب أن يحصل له بدلالة إنما لامرئ ما نوى فيحصل رفع الجميع وفيه إن تداخل الاحداث عند اجتماع أسبابها
ممنوع لم لا يجوز أن يحصل من كل منها حدث على حدة لا بد لنفيه من دليل وعلى تقدير التداخل أيضا لا نسلم قولهم قد نوى رفع أحدها فوجب أن يحصل له
لما علمت مرارا من عدم دلالة الرواية على أن جميع ما ينوي يحصل للمرء واحتمل العلامة (ره) في النهاية البطلان بناء على أن ما لم ينوي معه يبقى والاحداث لا يجري فإذا بقي البعض بقي الكل واحتمل أيضا رفع ما نواه خاصة بناء على أنها أسباب متعددة لمسببات متعددة
قال فإن توضأ ثانيا لرفع آخر صح وهكذا إلى آخر الاحداث ولا يخفى ما فيه فتأمل وعللوا الثاني بأنه قد نوى أمرا ممكنا فوجب أن يحصل له بدلالة
الرواية ولا يخفى إن حكمهم في هذه الصورة موجه لا من حيث الاستدلال بالرواية كما نقلنا لما عرفت من عدم تماميته بل من حيث إن وجود قصد الاستباحة
لو فرض فهمه من الآية على ما زعموا لم يفهم منها إلا وجوب قصد الاستباحة مطلقا ولا شك أن في هذه الصورة يتحقق ذلك المعنى فيجب أن يحصل الامتثال
ويخرج عن العهدة ويصح وضوءه بخلاف الصورة الأولى فإن جواز قصد الرفع والاكتفاء به عن قصد الاستباحة لا دليل عليه سوى ان رفع الحدث مستلزم
للاستباحة فنيته مستلزمه لنيتها أو أنه عند نيته لما وجب حصوله بدلالة الرواية فيحصل لزمه كما مر سابقا وهذان الوجهان على تقدير تمامهما
إنما يتمان فيما يثبت الاستلزام وما نحن فيه ليس كذلك للاحتمال الذي ذكرنا واعلم إن في الصورة الأخيرة يحصل استباحة الصلاة المنوية وغيرها
لما علمت من صحة الوضوء وعند صحته يستباح به جميع الصلوات وهو ظاهر (ولو نفى غيرهما بطل) عدم البطلان في هذه الصورة على ما اخترناه ظاهرا إذا لم
يصل تلاعبه بهذا القصد إلى تلاعبه بقصد القربة والامتثال أيضا وأما على رأيهم فقد اختلف فيه فذهب العلامة وفي القواعد إلى الصحة والمصنف في
هذا الكتاب و (ى) إلى البطلان وجه الصحة انه قد نوى رفع حدث فيجب أن يحصل له بدلالة الرواية وهو إنما يحصل برفع جميع الاحداث كما مر فيرتفع جميع
الاحداث ويصح الوضوء ويكون ضميمته النفي لغوا وكذا الحال في استباحة الصلاة وأنت بما قدمنا خبير بما فيه ووجه البطلان أنه قد نوى المتنافيين
لان رفع حدث يستلزم رفع جميع الاحداث وبقاء غيره يستلزم بقاء ذلك الحدث أيضا فلو حصل له جميع ما نواه لزم حصول المتنافيين وهو محال
وحصول أحدهما ترجيح من غير مرجح وفيه نظر لأن الظاهر أن الرواية انما تدل على أن للمرء ما ينوي من العمل إذا كان ذلك العمل مما يصلح لان ينوي منه
ذلك الشئ لا ما لا يصلح له كأن ينوي من الوضوء امتثال الصلاة مثلا وحينئذ يختار أنه يحصل له أحدهما وهو رفع الحدث ولا نسلم أنه ترجيح من غير مرجح
لان الوضوء لا يصلح لا بقاء الحدث حتى ينوي منه ويحصل بخلاف رفعه فإن قلت الرواية دلت على أن ما لم ينو لم يحصل فحينئذ نعرف أنه لم ينو رفع غير ذلك الحدث فيجب أن لا يحصل له
وإذا لم يحصل له ذلك لم يحصل له رفع ذلك الحدث أيضا فلزم اجتماع المتنافيين قلت أما أولا فيمكن أن يقال لا نسلم انه لم ينو رفع غير ذلك الحدث بل إنما نواه
استلزاما ودلالة الرواية على أن ما لم ينو صريحا لم يحصل ممنوع وأما ثانيا فنقول أنه على هذا يلزم عليكم الحكم بالبطلان في صورة عدم نفي الغير أيضا
لجريان هذا الوجه فيه بعينه مع أنكم حكمتم بصحته هذا وبما ذكرنا ظهر أن الصحة أشبه بقواعدهم (ولو نوى استباحة ما يكمل بالطهارة كالتلاوة
أجزء) اختلف كلام الأصحاب فيه فالشيخ في المبسوط قطع بأنه إذا نوى استباحة شئ ليس من شرطه الطهارة لكن يستحب له كقرائة القرآن ودخول المسجد
مثلا لم يرتفع حدثه وبه قال ابن إدريس أيضا في السرائر واستحسن المحقق في المعتبر الحكم بالاجزاء كما هو في هذا الكتاب والعلامة (ره) في القواعد والتذكرة والمنتهى
ذهب إلى أنه لو نوى ما ليس من شرطه الطهارة بل فضيلة أجزء وارتفع الحدث ولم يعلم أن مراده (ره) منه الاجزاء لو نوى استباحة ونواه بدون
94

قصد الاستباحة وقال في النهاية لو نوى ما يستحب له الطهارة كقرائة القرآن وقضاء الحاجة احتمل عدم الصحة لأن هذه الأفعال مباحة مع الحدث فلا
يستلزم قصدها قصد رفعة والصحة لأنه قصد كون ذلك الفعل على أكمل أحواله ولا يتم ذلك إلا برفع الحدث والوجه عندي التفصيل فإن كان الفعل مما
يشترط فيه الطهارة كالصلاة المندوبة صح وإن كان يمتنع فيه رفع الحدث كالحايض للذكر والغاسل للتكفين والمتيمم لصلاة الجنازة لم يصح قطعا وإن لم
يكن فإن كان الاستحباب لا باعتبار الحدث كتجديد الوضوء المقصود منه التنظيف لم يصح أيضا وإن كان باعتباره فإن قصد الكمال صح وإلا فلا وإن كان الفعل لا
يتوقف على الوضوء ولا يستحب له الوضوء كدخول السوق إذا توضأ له لم يصح انتهى وكلام المصنف (ره) في الذكرى أيضا موافق للنهاية حيث قال ولو نوى استباحة ما
الطهارة مكملة له كقرائة القرآن ودخول المساجد فالأقرب الصحة إن نوى إيقاعها على الوجه الأفضل لتوقفه على رفع الحدث انتهى وتفصيل القول في هذا المقام
أن يقال الاحتمالات في نية ما يكمل بالطهارة ثلاثة لأنه أما أن ينوي استباحته أو كماله أو ينوي هو مطلقا من دون قصد الاستباحة والكمال فإن نوى الأول
فالظاهر على مذهبهم من اشتراط قصد الاستباحة أو ما يستلزمه عدم الصحة وارتفاع الحدث به كما قال الشيخ في المبسوط وما ذكره العلامة في المنتهى بعد نقل قول الشيخ ويمكن
أن يقال بارتفاع الحدث كأحد وجهي الشافعي لأنه نوى طهارة شرعية فينبغي أن يحصل له ما نواه عملا بالخبر وكونه لم ينو رفع الحدث ولا ما يتضمنه ممنوع لأنه نوى
شيئا من ضرورته صحة الطهارة وهو الوصلة الحاصلة لمن فعل ذلك وهو على طهارة فصحت طهارته كما لو نوى ما لا يباح إلا بها انتهى فالظاهر أنه لا ينفي ما قاله
الشيخ (ره) لان ما ذكره أو لا من أنه نوى طهارة شرعية فينبغي أن يحصل له ففيه أنه لو صح ذلك فلا حاجة إلى قصد الاستباحة ورفع الحدث مطلقا والكلام
إنما هو على تقديرها وما ذكره ثانيا من أنه نوى ما يتضمن رفع الحدث فعلى تقدير تمامه إنما يتم في الاحتمال الثاني والثالث بل الثاني فقط وأما الاحتمال
الأول الذي هو صريح كلام الشيخ (ره) فلا كما لا يخفى وكذا الحال أيضا فيما ذكره المحقق في المعتبر بعد نقل قول الشيخ (ره) ولو قيل يرتفع حدثه كان حسنا لأنه
قصد الفضيلة وهي لا يحصل من دون الطهارة ولا يذهب عليك أن كلام المحقق أظهر فسادا من كلام العلامة كما يظهر عند التأمل فيه وإن نوى الثاني
فالظاهر الاجزاء وارتفاع الحدث به على ما زعموه من أن الوضوء لهذه الأشياء إنما هو لأجل صدورها كاملة بالطهارة فهي إنما يحصل برفع الحدث وأما على ما ذكرنا
سابقا من عدم ثبوت أمثال هذه المقدمات فلا وحينئذ فكلام الشيخ وابن إدريس إن كان في هذه الصورة أيضا فلا وجه له وإن كان مختصا بالأول كما هو الظاهر
فحسن وإن نوى الثالث ففيه وجهان من حيث إن القصد إلى هذا الشئ أعم من أن يكون لأجل استباحته أو كماله والعلم لا دلالة له على الخاص فلا يكون مستلزما
لرفع الحدث ومن حيث إن الوضوء القصد إنما يصرف إلى القصد الصحيح ولما كان قصد استباحته غير صحيح فيصرف إلى كماله فيستلزم رفع الحدث ويمكن أن
يرجح الأخير بأنه قد ورد في الشرع الوضوء لهذا الأشياء من غير تقييد بشئ فإذا توضأ بقصد هذه الأمور لزم أن يمتثل به أمر الشرع وعند امتثال أمر الشرع
يجب أن يترتب عليه ما هو المقصود للشارع وهو وقوع هذه الغايات كاملة ووقوعها كاملة إنما يستلزم رفع الحدث على زعمهم فثبت إن الوضوء بقصد
هذه الأمور انما يرفع الحدث فثبت ما ادعيناه إلا أن يقال على محاذاة ما ذكره المصنف (ره) في الذكرى إن تعليل فضيلة تلك الأفعال بالطهارة لا يستلزم
صحة الوضوء لها إذا الموصل إلى حصول الفضيلة وضوء رافع للحدث فلينو رفعه أو استباحة شئ مشروط به وأنت خبير بأن هذا إنما يصح فيما لم يرد الامر بالوضوء لأجل
شئ بل إنما ورد إن الشئ الفلاني مثلا كما له بالطهارة إذ على الثاني لا يبعد هذا القول إن لم يجعل تلك العبارة قرينة على أن المراد أنه توضأ المشئ الفلاني وأما
على الأول فلا إذ بعد ورود الامر به بشئ مطلقا بدون تقييد بقصد الرفع أو الاستباحة لا مجال لهذا الاحتمال نعم يمكن أن يقال أنه إذا قيل توضأ للشئ
الفلاني وكان معلوما من خارج إن إباحة ذلك الشئ لا يحتاج إلى الوضوء فيستفاد منه أن التوضي إنما هو لأجل كماله ويلزم من ذلك بناء على ما ذكروه في
بيان وجوب قصد الاستباحة وجوب قصد الاستكمال أو ما يلزمه بزعمهم من رفع الحدث أو استباحة مشروط بالطهارة نظير ما قرروه في الوضوء للصلاة ولا
يكفي قصد ذلك الشئ محملا فاندفع ما ذكر ويمكن أيضا أن يقال أن يكون الوضوء المندوب لهذه الأمور رافعا للحدث على ما ذكرتم لا يستلزم أن يكون الوضوء
الواجب أيضا بقصد هذه الأمور كذلك فتأمل هذا كله على ما اختاروه من وجوب قصد الاستباحة أو ما يستلزمها وأما على ما اخترناه فالامر ظاهر من الصحة
في جميع الاحتمالات غاية الأمر أن يكون القصد في الاحتمال الأول لغوا لحصول الاستباحة بدونه لكنه لا يضر بالصحة وهو ظاهر هذا ثم أنهم استشكلوا في أمر صحة
الوضوء للنوم ورفعه للحدث من حيث أنه كيف يعقل صحة الوضوء للحدث فالمحقق في المعتبر صححه وجعل الوضوء بقصده رافعا للحدث معللا بأنه قصد النوم على
أفضل أحواله وهو لا يحصل من دون الطهارة وليس مراده أن فضيلة النوم أن يكون حال الطهارة على قياس ما عداه لأنه ظاهر الفساد بل إن فضيلته أن يكون بعد
الطهارة وهو معنى موجه معقول وذكر المصنف (ره) في الذكرى وجها آخر مثل ما ذكرنا آنفا في وجه الترجيح وأورد عليه بما نقلنا وقد مر تفصيل القول فيه ثم قال
والتحقيق إن جعل النوم غاية مجاز إذ الغاية هي الطهارة في أن قبل النوم بحيث يقع النوم عليها فيكون من باب الكون على طهارة وهي غاية صحيحة انتهى وفيه أنه
95

لو أراد إن النوم ليس غاية أصلا وليس الوضوء لأجله بل إنما هو للطهارة في أن قبله فقط ففساده ظاهر لأنه خلاف ما في الرواية وقد ذكرنا وجها صحيحا في معنى
غايته فلم يعدل عنه وإن أراد أنه غاية لكن باعتبار الوقوع على الطهارة لا معها كما ذكرنا فهو مسلم لكن هذا لا يستلزم ممازية كونه غاية إذ غاية الوضوء ما
يحصل له إباحة أو فضيلة بسبب الطهارة الحاصلة من الوضوء سواء كانت مع ذلك الشئ أو قبله ولا استبعاد في إيراث الطهارة المتقدمة فضيلة في ذلك الشئ بعدها
كما يورث الوضوء المتقدم الطهارة بعده ولا يخفى عليك أنه على هذا يجري الاحتمالات الثلاثة المذكورة في قصد النوم أيضا مع ما يتعلق بها من الأبحاث فقس عليها
واستيقظ واعلم إن ورود الاشكال والاحتياج إلى دفعه إنما هو على رأيهم من أن الوضوء إنما هو لرفع الحدث فيما يمكن أن يكون رافعا وأما على ما ذكرنا
من عدم تسليم هذا وأشباهه فالامر ظاهر إذ يجوز أن يكون أثر الوضوء أمرا آخر غير رفع الحدث باقيا حال النوم كما لا يخفى وقد بقي في المقام شئ وهو أنه هل
يشترط في صحة الوضوء المندوب أو الواجب الذي لغير الصلاة نية رفع الحدث أو الاستباحة لمشروط بالطهارة إذا أمكن تحققهما فيه أم لا أما على ما اخترناه من
عدم اشتراطهما في الوضوء الواجب للصلاة فعدم الاشتراط فيما عداه ظاهر بالطريق الأولى سيما مع أنه لم يظهر عندنا ما ذكروه من معنى الحدث وأن الغرض
من هذه الطهارات إنما هو رفعه وأما على مختارهم فالظاهر أنهم يقولون بالاشتراط أيضا فيما يكون مشروطا برفع الحدث مثل الصلاة المندوبة والطواف
وإن كان دليلهم على تقدير تمامه إنما يدل على الاشتراط في الوضوء الواجب للصلاة إلا أن يتمسك بما ذكرناه
(سابقا وأما فيما لا يكون مشروطا فلم نظفر بشئ ظاهر فيه أو إن كان كلام المصنف في الذكرى يشعر أدنى إشعارا بالاشتراط وما يمكن أن يتمسك به ما ذكرناه)
ولا يخفى أنه على تقدير تمامه إنما يدل على وجوب أحد الأمور الثلاثة من الرفع والاستباحة والاستكمال على تقدير أن يكون قصد ما يستلزم الاستكمال الذي يجب قصده كافيا كما ذكروه في الرفع والاستباحة
في الوضوء الواجب إذ الرفع والاستباحة مستلزم للاستكمال بزعمهم كما مر وإن لم يكن قصد ما يستلزمه كافيا فإنما يجب قصد الاستكمال بخصوصه وقال المحقق الثاني (ره) في شرح القواعد في هذا
المقام ويحتمل الاكتفاء بنية الغاية متمسكا بعموم قوله (عليه السلام) إنما لكل امرئ ما نوى ويظهر من كلام المصنف (ره) في الوضوء للتكفين فإنه استحب لذلك تردد و
في الدخول به في الصلاة انتهى لا يذهب عليك إن ما ذكره من العلامة (ره) ليس ظاهرا فيما ادعاه لان كلامه إنما هو في وضوء الغاسل للتكفين قبل غسل
المس وهو مما يجامع الحدث الأكبر وعدم اشتراط قصد الرفع والاستباحة فيه مما لا ريب فيه إنما الكلام فيما عداه فإن قلت إذا كان كلامه في هذا الوضوء
فكيف يصح تردده في الدخول به في الصلاة إذ لا يصح الدخول حينئذ قطعا قلت مراده أنه يجوز به الدخول في الصلاة بانضمام الغسل يظهر ما ذكرناه من ملاحظة
كلامه في النهاية والحاصل إن الظاهر بناء على كلمات القوم الدائرة بينهم ومعتقداتهم المشهورة عندهم أن يقولوا بوجوب قصد الاستكمال أو الرفع والاستباحة
في الوضوء للغايات المذكورة ويمكن أيضا القول بالاكتفاء بقصد الغاية مجملا لما مر من أن يصرف إلى القصد الصحيح لقضاء العرف فلو لم يقولوا بأحد هذين
القولين بل أما أن يقولوا بعدم وجوب القصد إلى شئ من الأمور الأربعة أو بتعيين قصد الرفع أو الاستباحة أو غير ذلك فيتوجه عليهم الايراد بأنهم
نقضوا مقالتهم وخالفوا عقيدتهم ومن ها هنا ظهر توجه مناقشة على العلامة في بحث الوضوء للتكفين حيث قال في التذكرة الأقرب عدم الاكتفاء
بهذا الوضوء في الصلاة إذا لم ينو رفع الحدث وكذا في القواعد حاصلها أنهم كما يقولون في الغايات إلي لا تجامع الحدث الأكبر أن الغرض من شرعية الوضوء
لها إنما هو رفع الحدث فيجب قصده أو قصد ما يؤدي مؤداه فلا حد أيضا أن يقول إن الغرض من الوضوء للتكفين إنما هو رفع الحدث الحاصل من الوضوء وإن لم
يكن رفعا تاما لأنه هذا الوضوء إنما يمكن أن يرفع قدرا من الحدث كما اعترف به من أنه عند نية الرفع يصح الدخول به في الصلاة بعد انضمام الغسل فيجب حينئذ
أيضا أما قصد رفع ذلك القدر أو ما يستلزمه كما في نظائره والفرق تحكم فلم حكم بصحة هذا الوضوء للتكفين بدون القصد المذكور فتأمل في المقام هذا ليظهر
لك ما في الزوايا من الجنايا (ولو ضم المنافي بطل ولو ضم التبرد وغيره من اللوازم فوجهان) المراد بالمنافي الرياء وفيه إن القربة إن كانت هي القصد إلى امتثال أمر الله
وموافقة إرادته فقط فجميع ما سوى ذلك من القصود مناف لها سواء كان رياء أو غيره وإن كان القصد إلى موافقة أمر الله في الجملة فالرياء أيضا ليس بمناف له وإن
قيل أنها الامتثال لأمر الله بدون أن يكون القصد مراءات الناس فحينئذ كيف يمكن ضم الرياء إلى القربة والحاصل إن المنافاة إن كانت بالمعنى المتعارف
فلا يمكن الضم وإن كانت بمعنى المخالفة فلا اختصاص لها بالريا ولعل المراد المعنى المتعارف وأريد بضمة الضم بحسب بادي النظر وإن لم يكن عند التحقق
للمنافاة والامر في مثله بعد وضوح المراد سهل ثم اعلم إن الامر في وجوب القربة واشتراطها إنما يحتمل أوجها وجوبها في الجملة أي سواء كانت مستقلة
أو لاشتراطها كذلك وجوب استقلالها واشتراطه والاستقلال أما بالنسبة إلى الرياء أو غيره فها هنا ستة أمور أما الأول فقد ذكرنا سابقا أن
العلامة (ره) في المختلف ادعى الاتفاق عليه وأوردنا أيضا بعض الاستدلالات والأبحاث وأما الثاني فالظاهر وقوع الخلاف فيه لأنهم نقلوا عن المرتضى (ره)
إن الصلاة بقصد الريا صحيحة بمعنى إسقاط القضاء والعقاب لكنها لا يوجب الثواب والظاهر إطراد الحكم في غير الصلاة أيضا كالوضوء ونحوه بالطريق الأولى
وكذا في غير الرياء أيضا من القصود التي يخالف القربة فإن قلت إن كان المرتضى (ره) قائلا بأن الصلاة بقصد الرياء مسقطة للعقاب فيلزم من ذلك وقوع
96

الخلاف في الأمر الأول أيضا لأنه إذا كان قصد القربة واجبا فلا ريب في استحقاق العقاب تركه فيخالف ما ذكرته من الاتفاق قلت أما أولا فيمكن أن يقال مراده
سقوط العقاب الذي بسبب ترك الصلاة لا سقوط العقاب مطلقا كيف والظاهر أن لا خلاف في حرمة الرياء فيكون مستحقا للعقاب بسببه وأما ثانيا فنقول لا بعد في ذلك
إذ يجوز أن لا يكون المرتضى (ره) قابلا بالوجوب أيضا والاتفاق الذي أعاده العلامة (ره) كأنه من حيث عدم الاعتداد بخلافه لشذوذه وندوره الوقوع الاتفاق
بعده أو قبله والله أعلم ثم ما يمكن أن يحتج به على الاشتراط أمور الأول قوله تعالى وما أمروا إلا ليعبدوا الله الآية وجه الاستدلال أنه تعالى حصر الامر في الامر بالعبادة حال
الاخلاص فلا يكون طبيعة العباد مطلقة مأمورا بها فلا يكون الآتي بها بدون الاخلاص اتيا بالمأمور بها فيكون باطلة وهذا إن كان في حق أهل الكتاب ظاهرا لكن قوله تعالى وذلك دين القيمة أي المستمرة على نهج الصواب كما في مجمع البيان يدل على
ثبوته في حقنا أيضا وفيه نظر أما أولا فلان الحصر ممنوع إذ يجوز أن لا يكون اللام بمعنى الباء كما في قوله تعالى وأمرنا لنسلم بل بمعناها الظاهر وهو التعليل وحينئذ يجوز أن يكون
أوامر أخرى أيضا غير الامر بالعبادة حال الاخلاص لكن يكون الغرض منها هذه باعتبار أن يكون لمتعلقاتها دخل في حصول هذا المعنى وعلى تقدير كونها بمعنى الباء أيضا
يمكن أن يقال ذكر العبادة حال الاخلاص فقط كأنه من باب الاكتفاء بالأصل والعمدة كما اختص الصلاة والزكاة من بين العبادات بالذكر لفضلهما وشرفهما ويؤيده
إن الظاهر أن الأوامر التي في الكتاب كثيرا ما يتعلق بغير العبادة كما لا يخفى إلا أن يقال إن جميع ما أمر عبادة ولا يخلو عن بعد وأما ثانيا فلانه على تقدير تسليم الحصر لا نسلم
إن إخلاص الدين بمعنى القربة التي مرادهم إذ يجوز أن يكون الدين بمعنى الملة والاسلام كما في القاموس ويكون إخلاصه اختياره خالصا لله أو يكون بمعنى العبادة
أيضا لكن يكون اخلاصه أن لا يكون عبادة لغيره تعالى من الأوثان وغيرها لا أن يكون لغرض سواء موافقة إرادته وكلام القاضي محتمل للوجهين معا وأيضا يمكن
أن يكون الاخلاص ترك الرياء كما فسر به في الصحاح والقاموس وحينئذ وإن كان نافعا في بعض مدعاهم لكن لا ينفع في الجميع وأما ثالثا فلانه لا نسلم إن القيمة بمعنى المستمرة
على نهج الثواب لم لا يجوز أن يكون بمعنى الحقة والمستقيمة ولا شك أن كل شريعة حقة مستقيمة وذلك لا ينافي طريان النسخ عليها ولو سلم انه بذلك المعنى فلا نسلم
إن ذلك إشارة إلى حصر الامر في العبادة حال الاخلاص لم لا يجوز أن يكون إشارة إلى العبادة حال الاخلاص وكون تلك العبادة ثابتة في شرعنا لا يستلزم أن لا يكون
الامر بالعبادة مطلقة أيضا وأرادا فيه هذا وقد يستنبط اشتراط الاخلاص من قوله تعالى حنفاء وفيه ضعف الثاني الآيات الواردة بالامر بالاخلاص المتقدمة في
صدر بحث النية ووجوه الايراد عليها أيضا ظاهر مما ذكرنا سابقا وآنفا الثالث إن الرياء حرام للاتفاق كما هو الظاهر ولقوله تعالى الذين يراؤون الناس ولا يشرك بعبادة
ربه أحدا إلى غير ذلك من الاخبار والروايات والنهى في العبادة مستلزما للفساد وفيه أنا لا نسلم أنه من قبيل النهي في العبارة إذ يجوز أن يكون قصد مراءاة الناس حراما لا أن يكون العبادة بذلك القصد حراما ولو نسلم فلا نسلم إن النهي في العبادة مستلزم للفساد وما ذكروه في
بيانه مدخول وليس ها هنا موضعه وأنت خبير بأن هذا الوجه على تقدير تمامه لا يدل على تمام مدعاهم بل على بعضه كما سبق نظيره ويراد أيضا على الوجوه الثلاثة
جميعا منع في خصوص ما نحن فيه وهو منع إن الوضوء عبادة لم لا يجوز أن يكون من قبيل إزالة النجاسات الرابع قوله (عليه السلام) إنما لامرئ ما نوى ومن لم يقصد
القربة بالمعنى المذكور لم يقصد الامتثال ولا حصول الثواب ولا سقوط العقاب فلم يكن له شئ منها فلا يكون
عبادته صحيحة وفيه ما ذكر مرارا من الاجمال الحاصل
فيه وعدم ظهور المراد منه بحيث يصلح للاحتجاج وكان المراد منه عدم حصول الأجر والثواب بدون أن يكون القصد إلى مرضات الله تعالى فلا يتم المطلب هذا ما يقال في هذا المقام
وقد عرفت عدم تمامية شئ منها لكن الشهرة بين الأصحاب وتتبع الآيات والروايات الواردة في هذا الباب مما يثمر ظنا بالاشتراط لأنه وإن أمكن المناقشة في كل
من الآيات والروايات لكن يتخذ من جميعها إن العبادة بدون القربة ليست عبادة خصوصا مع قصد الريا فإذن الأولى الاخذ بالاحتياط التام في هذا المقام
وأما الثالث والرابع وهو وجوب الاستقلال بالنسبة إلى الرياء واشتراطه فهو أيضا مما اشتهر بين الأصحاب وخلاف المرتضى جار ها هنا أيضا اما فيهما أو في الثاني
فقط والدلايل والأبحاث أيضا يعلم مما سبق وأنت خبير بأن إثبات الحكم في هذا المقام أصعب في سابقه وأما الخامس والسادس وهو وجوب الاستقلال بالنسبة إلى
غير الرياء من التبرد والتسخن ونحوهما واشتراطه فمما اختلف فيه خلافا شايعا فالشيخ (ره) في المبسوط حكم بعدم الاشتراط وكذا المحقق في المعتبر والشرايع والعلامة
في الارشاد وقد علمت إن الظاهر ذهاب المرتضى (ره) إليه أيضا بطريق الأولى والعلامة في بعض كتبه وجمع آخر مثل المحقق الثاني والشهيد الثاني ما لوا إلى الاشتراط
والمصنف (ره) متردد في هذا الكتاب والذكرى والظاهر أن لا فرق ها هنا بين الوجوب والاشتراط فمن قال بالوجوب قال بالاشتراط ومن لم يقل بالاشتراط لم يقل بالوجوب
أيضا حجة الشيخ ومن تبعه أنه فعل الواجب وزيادة غير منافيه فيكون صحيحا وفيه إن عدم المنافاة أول البحث إلا أن يرجع كلامهم إلى منع المنافاة أول
وهم وإن كانوا مستدلين لا يقبل منهم المنع لكن استدلالهم في الحقيقة يؤول إلى أصل البراءة وعدم ثبوت قدر زايد
على ما أثبتوه في هذا الاعتبار ويتوجه منهم منع المنافاة واحتجوا أيضا بأن اللازم واجب الحصول وإن لم ينوه فيكون نيتها كعدمها وفيه أولا النقض
بالريا لان رؤية الناس أيضا لازم للفعل سواء نويت أم لا وثانيا إن لزومه لا يقتضي جواز قصده وإيقاع الفعل لأجله وهو ظاهر واحتج المشترطون
بأنه مناف للاخلاص وفيه ما مر من منع المنافاة وعدم تسليم ثبوت قدر زايد على اشتراط القربة في الجملة سواء استقلت أو لا هذا ولا يذهب عليك أن
97

الظاهر كما عرفت من المباحث ما ذهب إليه الشيخ من عدم البطلان خصوصا إذا كان قصد القربة مقتضيا تاما بمعنى أنه لو لم يكن الضميمة أيضا لكان محركا وباعثا
على الفعل واعلم أيضا إن الظاهر أن الخلاف فيما إذا لم يكن الضميمة راجحة بحسب الشرع وأما إذا كانت راجحة كقصد الامام باظهار تكبيرة الاحرام اعلام القوم
وضم الصائم إلى نية الصوم قصد الحمية ومخرج الزكاة ظاهرا اقتداء غيره به ونحو ذلك فيصح اتفاقا والله أعلم
(ولا يصح الطهارة وغيرها من العبادات من الكافر) بعد ما علمت من وجوب القربة وظهر عدم إمكانها في حقه لاخفاء في صحة هذا الحكم
(ولو نوى قطع الطهارة أو ارتد بطل فيما بقي فيبني
مع العود والبلل ويستأنف مع الجفاف) فيه حكمان عدم بطلان ما سبق وبطلان ما بقي أما الأول فلصدوره بشرايطه صحيحا والبطلان لا بد له من دليل
ولا دليل وأما الثاني فلما علمت من وجوب الاستدامة الحكمية بالمعنى المذكور فلو قطع نيته لكان ما يأتي به بعده ليس بقصد القربة وكذا لو ارتد وما
ذكره من النبأ مع عدم الجفاف والاستيناف معه فيظهر إنشاء الله تعالى في مبحث الموالاة (ولا يضر غروبها إلا مع نية المنافي أو اللازم) قد علم وجهه مما
سبق (ولو أمكن استحضاره فعلا في جميع الوضوء أو بعضه لم يجب) هذا أيضا ظهر مما تقدم وقد تقدم إن العلامة قال في المنتهى بالاستحباب وإثباته مشكل
إلا أن يقال باندراجه تحت حضور القلب المندوب إليه في الروايات (والخالي من موجب الوضوء ينوى الندب فلو نوى الوجوب أو نوى من وجب عليه الندب
بطل في الأقوى) وجه الحكم الأول ظاهر على ما اختاروه من اشتراط قصد الوجه وأما على ما اخترناه من عدم الاشتراط فلا يبطل وأما الحكم الثاني فإن كان المراد
منه إن فعل الوضوء الواجب الذي للصلاة مثلا بقصد الندب بطل فله وجه على رأيهم من اشتراط الوجه لكن الظاهر أنه ليس بمراد بل المراد أن وقت اشتغال الذمة
بموجب الوضوء لا يندب الوضوء أصلا مثل الوضوء الواجب فلو نوى الندب كان باطلا كما مر في بحث اشتراط الوجه وهذا الحكم وإن كان دايرا في
ألسنتهم لكن لم نجد له وجها ظاهرا وما يتخيل له من الوجه أمور الأول إن الامر بالشئ نهى عن ضده فلو كان الوضوء للصلاة مثلا مأمورا به وجوبا
لما كان الوضوء لشئ آخر الذي هو ضد الوضوء الأول مأمورا به ندبا وضعفه ظاهرا لان هذا الحكم على تقدير تمامه إنما هو في المأمور به المضيق لا مطلقا و
أيضا لا نسلم التضاد لان الوضوء المندوب يجامع الواجب لما ذكرنا سابقا من جواز التداخل بين الواجب والمندوب وفيه إن تداخلهما اما مع نيتهما معا
أو مع نية الندب فإن كان الأول فيمكن أن يقال هذا لا يضرهم لان مرادهم أن الوضوء حينئذ بقصد الندب فقط بطل وإن كان الثاني فنقول إن جعله امتثالا
للامر الواجبي لا يصح لما يثبت عندهم من أن الوضوء الواجب لا بد فيه من قصد الوجوب فتدبر الثاني إن تحقق الندب حينئذ يخرج الواجب عن الوجوب إذ يجوز أن
يتوضأ حينئذ ندبا وعنده يرتفع الحدث لما مر مرارا وعند ارتفاع الحدث لا يجب الوضوء فيلزم ما ذكرنا واشتراط الوجوب بعدم الاتيان به ندبا تقييد
من غير دليل وفيه أنه كما أن الامر الواجبي مطلق لا بد لتقييده من دليل فكذا الأوامر الندبية فلم يخصصونها دونه وأيضا خروج الواجب عن الوجوب
ممنوع إذ عند الاتيان به ندبا يمتثل الامر الواجبي أيضا وفيه مثل ما مر آنفا الثالث إن اجتماع أمر الوجوب والندب يستلزم اجتماع المتضادين إذ عند
اجتماعهما يكون الوضوء الواحد متعلقا لهما الصدق الامتثال وحينئذ يلزم أن يكون واجبا وندبا وهو محال وإذا لم يجز اجتماعهما فأما أن يرتفع الوجوب
أو الندب والأول بطل الاجماع فتعين الثاني وهو المراد وفيه إن الملازمة ممنوعة لجواز أن لا يجوز التداخل مطلقا كما هو رأي بعض وعلى تقدير
جوازه لا يجوز ها هنا لما ذكر ثم فيكون الامتناع قرينة على أن المراد بالامرين تعدد متعلقيهما ما في الصور التي يعلم لزوم التعدد بالدليل مثل نافلة
الصبح وفريضة ونحوهما ولو سلم فلا نسلم امتناع اجتماع الوجوب والندب وقد مر مرارا والحاصل إن هذا الحكم مما يشكل إثباته فالظاهر جواز الوضوء
المندوب حال اشتغال الذمة بموجب الوضوء فإن جوزنا التداخل كما هو الظاهر يكون كافيا عن الواجب أيضا وإلا فلا بد من وضوء آخر للواجب
(ولو نوى لكل عضو نية تامة بطل وأولى منه لو نوى رفع الحدث عنه لا غير) المراد بالنية التامة لكل عضو
أن لا ينوي في الابتداء فعل الجميع بالوجه المذكور سابقا
بل ينوي عند غسل الوجه أنه يغسل الوجه للقربة وساير الشروط المعتبرة وكذا عند غسل اليد إلى آخر الوضوء وذهب العلامة (ره) في جملة من كتبه إلى الصحة وهو الأظهر لنا
إن القدر الثابت وجوبه بالدلائل السابقة أن يفعل الفعل لمحرك قصد القربة أما مع قصد الوجوب والاستباحة أيضا كما هو رأيهم أو لا كما هو المختار ولا ريب في
تحقق هذا القدر في الفرض المذكور وأما وجوب القصد في الابتداء لجملة الفعل فلا دليل عليه والأصل براءة الذمة حتى يثبت بل قد يقال هذا أولى من القصد
الابتدائي للمجموع لان ارتباط النية الخاصة بكل عضو أقوى من ارتباط النية العامة واحتجوا على البطلان بأن الوضوء عبادة واحدة فلا يفرد بعضها عن
بعض وبالقطع بأن صاحب الشرع لم يفعل ذلك وكلاهما ممنوعان كما لا يخفى ولا يخفى إن هذا قريب مما حكم بصحته من فرض نية قطع الوضوء فتأمل وأما
الحكم الثاني فظاهره البطلان على رأيهم من وجوب قصد الرفع لان الحدث ليس ما يتعلق بعضو عضو بل إنما يتعلق بالمجموع من حيث هو مجموع وقصد رفعه
عن العضو لا يستلزم الرفع عن المجموع فلا يتحقق ما هو الواجب فيكون باطلا نعم لو قيل بقيامه بالمجموع بطريق السريان لكان للصحة وجه بناء على ما ذكر في صحة
98

الوضوء بقصد رفع حدث معين وكذا الحكم لو قصد الرفع عن الأعضاء الأربعة وأما على رأينا من عدم وجوب قصد الرفع فالحكم الصحة وهو ظاهر (ولو غسلت
اللمعة بقصد الندب جهلا بها فوجهان) اللمعة بضم اللام في الأصل قطعة من النبت إذا أخذت من اليبس والمراد هنا الموضع الذي لم يصبه الماء والوجهان
الصحة والبطلان أما الصحة فلاقتضاء النية الأولى وجوب الغسل فالطارئ لا يؤثر ولأن شرعية المندوب إنما هي بعد الفراغ من الوجاب فقبله لا يشرع فقصده
ممتنع فبقي عل الأول وكلاهم ضعيفان لأن النية الأولى إنما يؤثر ما لم يطرء نية مخالفة لها وإلا يلزم أن لا يبطل الوضوء بطريان نية ضد القربة ولأن عدم
المشروعية قبل الفراغ من الواجب إنما يستلزم امتناع القصد مع العلم بعدم الفراغ أما إذا اعتقد الفراغ فلا مانع من القصد وهو ظاهر وأما البطلان فلعدم
وقوع الوضوء بتمامه بقصد الوجوب حقيقة أو حكما مع لزومه وقد أيد الأول بأن شرعية الثاني إنما هي لتدارك ما فات في الأول فيجب أن يحصل وينبه
عليه حسنة زرارة وبكير عن الباقر (عليه السلام) إذ سألاه عن أجزاء الغرفة الواحدة فقال نعم إذا بالغت فيها والثنتان تأتيان على ذلك كله وفيه أيضا ضعف
كون الشرعية المتدارك ممنوع لا بد له من دليل والحسنة المذكورة ظاهرها الغسلة الأولى لا الثانية كما لا يخفى واعلم أن بطلان الوضوء ها هنا يمكن تعليله
بوجهين باعتبار نية الوجوب وباعتبار نية الاستباحة وما ذكر من التصحيح والابطال إنما هو بالاعتبار الثاني وإذا كان الغسلتان
واجبتين أو مندوبتين يسقط الاعتبار الأول إلا إذا اعتبر في النية قصد حيثية الوجوب والندب وبما ذكرنا ظهر أن الأظهر على مختارهم من اشتراط قصد
الوجه والاستباحة البطلان في هذه الصورة وعلى ما اخترناه من عدم اشتراطه لحكم الصحة ولا يخفى إن البطلان إنما هو عند جفاف الأعضاء وإلا
فيغسل اللمعة بقصد الوجوب والاستباحة ويأتي بما بعده (وفي تجديدها بعد) أي لو غسلت اللمعة حال تجديد الوضوء ففي الصحة حينئذ بعد ووجه
البعد بالنسبة إلى الأول ظاهر إذ قد خرج عن الوضوء الأول بالكلية والوضوء الثاني فعل آخر مباين له فإبقاء حكم نية الأول فيه بعيد ولا يخفى
إن هذا ينافي ما ذكره سابقا من أن في المجدد قول قوي بالرفع إلا أن يقال إن السابق ليس مذهبه وإن اعتقد فيه قوة أو يقال بالرجوع وكلاهما لا يخلو
من شئ ولا بأس أن نذكر ها هنا ما وعدنا سابقا من القول برفع المجدد وتوضيح الحال فيه اعلم أنه على ما ذهبنا إليه من عدم اشتراط الوجه والاستباحة لا إشكال
في القول برفع المجدد وأما على ما ذهبوا إليه من اشتراطهما فيلزم في بادي النظر عدم الحكم بالرفع باعتبارين لكن الشيخ (ره) مع القول باشتراط قصد الاستباحة
قال في المبسوط فإن توضأ ولم يحدث ثم جدد الوضوء وصلى عقيبه ثم ذكر أنه كان ترك عضوا من الأعضاء في إحدى الطهارتين كانت صلاته صحيحة لأنه أي
الطهارتين كانت كاملة صحت الصلاة بصحتها سواء كانت الأولى أو الثانية وكذا قال فيه بإعادة الصلاة الأولى فقط لو صلى بكل منهما
صلاة وبه قال أيضا في الخلاف وهذه الأقاويل يدل على اعتقاده الرفع في المجدد وتعجب العلامة (ره) منه في المختلف أنه في المبسوط اختار ما قلناه
نحن في صفة النية ثم ذكر هذا الفرع الذي لا ينسحب عليه ووجه المصنف (ره) كلام الشيخ في الذكرى بأنه إنما قال في المجدد بالرفع وإن لم يقصد مع اعتقاده
اشتراط القصد لان شرعية المجدد إنما هو لتدارك الخلل وكمالية الطهارة فيجب أن يحصل وإلا لكان لغوا فكان هذا مستثنى من القاعدة المذكورة بدليل من
الشرع وهذا هو وجه قوة القول بالرفع في المجدد الذي ذكره المصنف (ره) سابقا وفيه إن كون شرعية المجدد لتدارك الخلل ممنوع إذ لا دليل عليه وما يذكره في الذكرى
وتبعه صاحب المدارك من أنه الظاهر من فحاوي الاخبار غير ظاهر إذ لم نجد في الاخبار وما يدل عليه بل قد ورد في بعض الأخبار أن تمامية الوضوء وتدارك خلله
بغسل الجمعة كما تقدم في بابه واستدل أيضا صاحب المدارك على هذا القول بأن نية الاستباحة إنما يكون معتبرة إذا كان المكلف ذاكرا للحدث لا مع
اعتقاد حصول الإباحة بدونه وفيه إن هذا تخصيص من غير دليل واستشهد له أيضا بما رواه الفقيه من أجزاء غسل الجنابة وما أجمع عليه الأصحاب من أجزاء
صوم يوم الشك بنية الندب عن الواجب وما ورد من استحباب الغسل في أول ليلة من شهر رمضان تلافيا لما عساه فاته من الأغسال الواجبة ونحو ذلك وفيه أيضا
إن بعد تسليم تماميته ودليلهم على اشتراط قصد الوجه والاستباحة لا وجه لهذه الأمور إذ يجب على هذا القول بخروج ما خرج بالدليل وإبقاء الباقي نعم
يمكن منع دليلهم ذلك وجعل هذه الأمور شاهدا تدل على المنع لكنه غير المبحث إذ الكلام على تقدير التسليم والمحقق (ره) في المعتبر قال باشتراط الاستباحة و
حكم في المجدد بالرفع لكن اشترط فيه أن يجدد بقصد الصلاة لا أن يقصد وضوء مطلقا واستدل على الرفع بالقصد المذكور بأنها طهارة شرعية
قصد بها تحصيل فضيلة لا يحصل إلا بها وفيه إن حصول الفضيلة إنما يمكن بعد رفع الحدث فلو لم يرتفع الحدث بالوضوء الأول لكان نيته عشاء إذ النية
إنما تحصل الامر الممكن ولو سلم حصولها أيضا فلا يكفي في صحة الصلاة لان مجرد الفضيلة لا يكفي فيها بل لا بد من الرفع ولم يحصل فإن قلت لما نوى
الفضيلة فيجب أن تحصل للرواية وحصولها يتوقف على الرفع فيجب أن يحصل هو أيضا قلت أما أولا فيلزم حينئذ النقض برفعه لو قصد به وضوء مطلقا أيضا
مع أنه نفاه إذ يجري الدليل فيه فنقول أيضا أنه قصد الوضوء الشرعي فيجب أن يحصل له وضوء شرعي وحصوله يتوقف على الرفع فيحصل أيضا وأما ثانيا فلما
99

علمت من أن النية انما تحصل الامر الممكن (والفضيلة ليست بممكن لأنها موقوفة على الرفع) والرفع ها هنا ليس بممكن لأنه موقوف على الوضوء بقصد الرفع ولم يتحقق ويمكن أن يقال لا يتوقف حصول الرفع على الرفع
بقصد الرفع بل أما بقصده أو بقصد ما يستلزمه وها هنا قصد ما يستلزمه وهو الفضيلة وقد يقال إن حصول ما يتوقف عليه المنوي أما يسلم فيما يمكن حصول
المنوي وأما فيما لا يمكن كما فيما نحن فيه فلا والسند ظاهر ووجه عدم الامكان ها هنا إن هذا الوضوء لا يصلح لان يكون محصلا للرفع والفضيلة معا وإلا لكان ابتدائيا و
مجددا معا وهو محال بل عند كونه رافعا يفوت التجديد اللهم إلا أن يقال بعدم لزوم إمكان الموقوف وأنه بمنزلة قصد شيئين فإذا لم يمكن أحدهما تحقق الاخر
فتدبر وبما قررنا ظهر أن الأظهر على تقدير اشتراط الوجه والاستباحة عدم رفع المجدد كما لا يخفى هذا كله إذا حمل مراده (ره) من قصد الصلاة وتحصيل الفضيلة
على ما هو الظاهر من الاتيان بالصلاة وعلى الوجه الكامل وأما إذا حمل على قصد الاستباحة التقديرية وتدارك ما على فاته في الوضوء الأول فلا يرد ما ذكر لكن
يبنى الكلام حينئذ على اشتراط الجزم في النية وعدمه فعلى الأول لا يصح ما ذكر وعلى الثاني يصح واعلم إن المصنف (ره) في الذكرى قال إن الوضوء المجدد لا بد فيه من ذلك
القصد وبدونه لا يشرع وفيه تأمل لا يخفى وجهه (وفي الغسلة الثانية منه أشد بعدا) وجهه ظاهر (وأبعد من الجميع لو انغسلت في الثالثة) المراد الغسلة الثالثة التي
يكون بدعة سواء كانت في الوضوء الأول أو الثاني ويتفاوت البعد فيهما أيضا كما لا يخفى ووجه الأبعدية أنها بدعة ليست بشرعية فكيف يحسب في الشرعي وهو ظاهر ولا
يذهب عليك إن الظاهر على ما اخترناه أيضا عدم الصحة في هذه الصورة لما قررناه من أنه لا بد من أن لا ينوي إلى آخر الوضوء نية مخالفة للقربة وها هنا قد انتفى ذلك الشرط
نعم لو لم يعتقد بدعية الثالثة ففعلها معتقدا شرعيتها أو اعتقد لكنه غفل فأتى بها بقصد الشرعية لكان الوجه حينئذ الصحة (وطهارة الصبي تمرينية فينوي الوجوب)
ليقع التمرين موقعه والمراد بالوجوب أما الوجوب في حقه بمعنى اللابدية أو الوجوب في حق المكلف أو يقال بعدم كونه قصدا حقيقيا بل تخيليا شبيها بالقصد ليعتاد
ويمرن عليه وقد يقال أنه ينوي الندب لتحققه في حقه دون الوجوب لعدم تحققه أما الثاني فظاهر وأما الأول فلان الندب لا معنى له سوى أن يكون مطلوبا من الشارع
ويثاب على فعله ولا يعاقب على تركه وهذا المعنى متحقق في فعله أما المطلوبية فلامر الشارع الولي بأمره والامر بالامر أمر وأما الثواب فلقبح أن يأمر أحد أحدا بمشقة
بدون عوض وأما الثالث فظاهر والظاهر أنه إذا كان له تميز ويفعل ما يفعله بقصد القربة فلا يبعد حينئذ القول بأنه مثاب وأما إذا لم يكن كذلك فلا نعم القول بلزوم
العوض كأنه لا بأس به
(فلو بلغ في الوقت استأنف إن بقي قدر الطهارة وركعة وإلا فلا) وجوب الاستيناف بناء على عدم كونها طهارة شرعية وكذا ساير
أفعاله لعدم التكليف في حقه وبه قال العلامة (ره) أيضا وكلام الشيخ (ره) في المبسوط يدل على شرعية أفعاله لما حكم بأن الصبي والصبية إذا بلغا في أثناء الصلاة
بما لا ينقض الطهارة أتما وفي الخلاف أوجب إعادة الصلاة مع بقاء الوقت محتجا بأن الندب لا يجزي عن الواجب ولم يذكر الطهارة وهذا أيضا يشعر باعتقاده
شرعيتها من حيث حكمه بالندبية ومن حيث عدم ذكر الطهارة إذ لو كان اعتقد عدم الشرعية لكان الظاهر الحكم بإعادة الطهارة أيضا فإذن الظاهر اعتقاده
الشرعية لكن حكم بإعادة الصلاة للوجه المذكور ولما لم يجز هذا الوجه في الطهارة إذ بالطهارة المندوبة يستباح الصلاة الواجبة لم يحكم بإعادتها
والمحقق (ره) في المعتبر وافق المبسوط في الصبية ووجه كونها شرعية بأمر الولي بأمره كما مر واستدل على شرعية طهارته خاصة بوجه آخر وهو أنها يستباح بها
الصلاة التي هي حرام على المحدث وضعفه ظاهر والمسألة محل تردد والحكم بوجوب استيناف الطهارة لا يخلو من إشكال وما ذكره من الاشتراط سيجئ القول
فيه في كتاب الصلاة انشاء الله تعالى
(وغسل الوجه وهو ركن وكذا غسل باقي الأعضاء) المراد بالركن الجزء ويلزم الركنية بطلان الوضوء بترك واحد منها لعدم الاتيان
بالمأمور به معه والذي يدل عليها الآية والاخبار والاجماع (وهو من قصاص الشعر إلى المحادر طولا وما دار عليه الابهام والوسطى عرضا) القصاص مثليه القاف
منتهى منابت شعر الرأس من مقدمه ومؤخره والمراد هنا المقدم والمحادر جمع محدر أي محل الانحدار والمراد طرف الذقن وهو بالتحريم مجمع اللحيين اللذين
فيهما منابت الأسنان السفلى وتحديد الوجه الواجب غسله في الوضوء بهذا الحد طولا وعرضا هو المشهور بين الأصحاب بل كاد أن يكون إجماعا وفي المعتبر
والمنتهى أنه مذهب أهل البيت (عليه السلام) واستدل عليه بما رواه الفقيه في باب حد الوضوء في الصحيح قال قال زرارة بن أعين لأبي جعفر الباقر (عليه السلام) أخبرني عن
حد الوجه الذي ينبغي أن يتوضأ الذي قال الله عن رجل فقال الوجه الذي قال الله عز وجل بغسله الذي لا ينبغي لاحد أن يزيد عليه وينقص منه إن زاد عليه لم يوجر وإن نقص منه أثم ما دارت
عليه الابهام والوسطى من قصاص شعر الرأس إلى الذقن وما جرت عليه الإصبعان مستديرا فهو من الوجه وما سوى ذلك فليس من الوجه فقال الصدغ من الوجه
قال لا وهذه الرواية في التهذيب والكافي أيضا في باب صفة الوضوء وباب حد الوجه مضمرة مع أدنى تغيير ومعنى الرواية على ما فهمه القوم إن قوله (عليه السلام) ما دارت
عليه الابهام والوسطى بيان لعرض الوجه وقوله من قصاص شعر الرأس إلى الذقن بيان لمطوله وقوله (عليه السلام) ما جرت عليه الإصبعان انتهى كأنه تأكيد لبيان العرض و
حملها المحقق البهائي (ره) على معنى آخر وهو أن كلا من طول الوجه وعرضه ما اشتمل عليه الابهام والوسطى بمعنى إن الخط الواصل من القصاص إلى طرف الذقن
وهو مقدار ما بين الإصبعين غالبا إذا فرض ثبات وسطه وأدير على نفسه ليحصل شبه دايرة فذلك القدر هو الوجه الذي يجب غسله قال في الحبل المتين وذلك
100

لان الجار والمجرور في قوله (عليه السلام) من قصاص شعر الرأس أما متعلق بقوله دارت أو صفة مصدر محذوف والمعنى إن الدور أن يبتدي من القصاص منتهيا
إلى الذقن وأما حال من الموصول الواقع خبرا عن الوجه وهو لفظ ما إن جوزنا الحال عن الخبر والمعنى إن الوجه هو القدر الذي دارت عليه الإصبعان حال كونه من
القصاص إلى الذقن فإذا وضع طرف الوسطى مثلا على قصاص الناصية وطرف الابهام على آخر الذقن ثم أثبت
وسط انفراجهما ودار طرف الوسطى مثلا
على الجانب الأيسر إلى أسفل دار طرف الابهام على الجانب الأيمن إلى فوق وتمت الدائرة المستفادة من قوله (عليه السلام) مستديرا وتحقق ما نطق به قوله لما جرى عليه الإصبعان مستديرا فهو من الوجه انتهى وأنت خبير بأنه
وإن دقق في إبداء هذا الوجه لكن الظاهر أن حمل الرواية عليه بعيد جدا كما لا يخفى وأما ما استدل به على عدم صحة توجيه القوم للرواية من أنه يقتضي خروج بعض
الا جزءا من حد الوجه مع دخوله في التحديد الذي عينه (عليه السلام) فيها ودخول البعض فيه مع خروجه عن التحديد المذكور وكيف يصدر مثل هذا التحديد الظاهر
القصور الموجب لهذا الاختلاف عند الإمام (عليه السلام) فيجئ تفصيل القول فيه إنشاء الله تعالى واعلم إنه وقع في نسخة التهذيب والكافي هكذا ما دارت عليه السبابة و
الوسطى والابهام ولم يظهر المراد منه حينئذ ولم أقف عل كلام من الأصحاب فيه ولعل ذكر السبابة إنما وقع في الرواية سهوا بقرينة نسخة الفقيه أو يكون المراد التخيير بين
ما دارت عليه السبابة والابهام والوسطى والابهام أو يكون المراد مما دارت عليه الثلاثة الحد الطولي والعرضي فالطول ما دارت عليه السبابة والابهام
لان ما بين القصاص إلى الذقن بقدره غالبا والعرضي ما دارت عليه الوسطى والابهام وحينئذ يكون قوله (عليه السلام) من قصاص شعر الرأس إلى الذقن بيانا للحدين معا
ويمكن توجيهات أخر غير ما ذكره كما لا يخفى على المتأمل والله أعلم بحقيقة المراد ويدل أيضا على الحد الطولي للوجه ما رواه الكافي والتهذيب في البابين المذكورين
عن إسماعيل بن مهران قال كتبت إلى الرضا (عليه السلام) أسئله عن حد الوجه فكتب إلى من أول الشعر إلى آخر الوجه كذلك الجبينين ويمكن أن يجعل قوله (عليه السلام) كذلك الجبينين
بيانا للحد العرضي وهو قريب مما بين الإصبعين (والأنزع والأغم وقصير الأصابع وطويلها يغسلون ما يغسله المستوي) المراد بالأنزع من انحسر الشعر من بعض رأسه وبالأغم
ما يقابله وهو من أنبت الشعر على جبهته فالأنزع لا يغسل بعض بشرته الذي لا شعر فيه مما يعلو الجبهة والأغم يغسل بعض منابت شعره مما يكون تحتها وكذلك
قصير الأصابع يغسل عرض الوجه ما زاد على ما بين أصبعيه بقدر ما يغسل المستوي وطويلها يغسل نقص ما بينهما والوجه في الجميع إن الواجب غسل الوجه دون ما زاد عليه
أو نقص عنه والتحديد المذكور مبني على الغالب (وليس الصدغ والعذاران منه وإن غسلهما كان أحوط والعذار ما حاذى الاذنين بين الصدغ والعارض) الصدغ
هو المنخفض الذي ما بين أعلى الاذنين وطرف الحاجب والعذار ما ذكره بينه وبين الاذن بياض يسيرا ما عدم دخول الصدغ في القدر الواجب غسله فلم نعرف فيه خلافا
سوى ما ذكره المصنف (ره) في الذكرى من أن ظاهر الراوندي في الاحكام غسل الصدغين وتدل عليه صريحا الرواية المتقدمة ودخوله تحت التحديد المذكور لشمول الإصبعين له غالبا
ليس بضائر بعد ورود النص بخروجه وقد قيل إن التحديد المذكور إنما يعتبر في وسط التدوير من الوجه خاصة من أن في شمول الإصبعين له أيضا تأملا وكذا في
دخوله في الوجه وهذا من جملة ما ذكره المحقق البهائي أنه داخل في التحديد وخارج عن الحد وقد عرفت الحال فيه مع أن الوجه الذي ذكره أيضا قريب مما ذكره القوم
في هذا المعنى إذ على ذلك الوجه أيضا يدخل بعض الصدغ فيما حواه الإصبعان وأما عدم دخول العذار فقد اختلف فيه والظاهر من كلام الشيخ (ره) في المبسوط والخلاف وكذا
من كلام ابن الجنيد دخوله في الوجه ويلوح أيضا من كلام ابن أبي عقيل والعلامة (ره) في جملة من كتبه ذهب إلى الخروج بل ظاهر كلامه في التذكرة دعوى الاجماع منا عليه
وكذا المحقق في المعتبر وبهذا يشعر أيضا كلام الشيخ (ره) في التهذيب والظاهر أنه لا نزاع بينهم في الحقيقة بل القائلون بالدخول إنما يريدون به دخول بعض منه مما يشمله الإصبعان
والقائلون بالخروج يريدون خروج البعض الاخر كما يشعر به تتبع كلماتهم وبالجملة ما يقتضيه الدليل ظاهرا هذا التفصيل للرواية السابقة فمن ذهب إلى خلافه
أما بإدخال القدر الخارج مما بين الإصبعين أو بإخراج القدر الداخل فلا يعتد بقوله أما الثاني فظاهر لمنافاته للرواية بل للآية أيضا لان الوجه يشمله ظاهرا
وأما الأول فلمنافاته للرواية وما يقال إن لوجه يصدق عليه فإخراجه بالرواية مشكل لأنه من باب تخصيص الكتاب بالخبر وأيضا التكليف اليقيني لا بد له من البراءة اليقينية
ففيه أولا إن ظهور صدق الوجه على القدر الزايد ممنوع بل غاية الأمر الاجمال والرواية مبنية وهذا مما لا مجال للتوقف في صحته ولو سلم الظهور أيضا فنقول الظاهر أن تخصيص الكتاب بالخبر جايز وما ذكروا في عدم جوازه مدخول وموضعه في الأصول والقول بأن التكليف اليقيني لابد له من البراءة اليقينية فقد مر منعه مرارا وما يقال أيضا
إن غسله واجب من باب المقدمة وإن العارض يجب غسله قطعا وهو متصل بالعذار قريب من محاذاته وكذا شعر الخدين يجب غسله مع اتصاله به وعدم مفصل يقف الغسل
عليه دون العذار فيجب غسله أيضا فضعفه ظاهر لكن الاحتياط كما ذكره المصنف في غسله بل في غسل الصدغ أيضا وهذا أيضا من جملة ما ذكره المحقق المذكور أنه خارج
عن التجديد وداخل في الحد عند بعض المتأخرين وأنت خبير بما فيه وأما البياض الواقع بينه وبين الاذن فالظاهر أنه لا خلاف في خروجه عن الوجه وليس بداخل تحت
التحديد قطعا فلا وجوب فيه ولا احتياط (والعارضان من الوجه قطعا وهو الشعر المنحط عن القدر المحاذي للاذن إلى الذقن وهو مجمع اللحيين) والمراد هنا محله والعلامة
(ره) حكم في المنتهى بعدم وجوب غسله وكان مراده القدر الذي يخرج منه من شمول الإصبعين كما يدل عليه كلامه في النهاية والكلام في هذه المسألة أيضا كالكلام في
101

سابقه من أن الظاهر فيه أيضا التفصيل السابق وما أورده صاحب المدارك على ما استدلوا به على وجوب غسله من أنه يناله الابهام والوسطى بقوله وضعفه ظاهر
فإن ذلك إنما يعتبر في وسط التدوير من الوجه خاصة وإلا وجب غسل ما نالته الابهام والوسطى وإن تجاوز العارض وهو باطل إجماعا انتهى فضعفه ظاهر لان تخصيص
التحديد بوسط التدوير مما لا وجه له ولا قرينة عليه وما ذكره من الدليل مردودا أما أولا فإن هذا التحديد ظاهر أنه فيما يصدق عليه الوجه كما يشعر به أيضا قوله (عليه السلام)
وما جرت عليه الإصبعان من الوجه كما في نسخة التهذيب والكافي وما يتجاوز العارض لا يصدق عليه الوجه قطعا فشمول الإصبعين له لا يجدي وأما ثانيا فلان
خروج ما ذكره بالدليل لا يستلزم خروج ما لا دليل فيه وهو ظاهر (ولا يجب غسل النزعتين وهما البياضان المكتنفان للناصية في أعلى الجبينين) وهما وإن كانا
تحت القصاص حقيقة وينالهما أيضا الابهام والوسطى لكن الظاهر عدم وجوب غسلهما لان المتبادر من القصاص ما يكون منتهى الناصية وما يحاذيه وأيضا الظاهر دخولهما
في الرأس كالناصية لخروجهما عن التسطيح الذي ينفصل به الوجه عن الرأس ودخولهما في التدوير فلا يكون داخلين في التحديد وهذا أيضا من جملة ما ذكره المحقق (ره)
المذكور أنه داخل في التحديد وخارج عن الحد وقد علمت ما فيه ولم يذكر المصنف مواضع التحذيف بالذال
المعجمة وهو ما ينبت عليه الشعر الخفيف بين ابتداء العذار
والنزعة أو ما بين الصدغ والنزعة وإنما يسمى به لأن النساء والمترفين يحذفون الشعر عنه والأولى أن لا يحذفه لأنه محل الكلام والعلامة (ره) حكم في المنتهى و
التذكرة بعدم وجوب غسله ويشكل من حيث دخوله في التسطيح والتحديد وكونه منبت الشعر ليس بضاير لعدم القطع بأنه مما يعد من شعر الرأس لكن لما كان يشك
في كونه شعر الرأس وقد علمت إن القدر المشكوك لا دليل على وجوب الاتيان به في التكاليف اليقينية فالظاهر هاهنا أيضا عدم الوجوب لكن الأولى الاخذ
بالاحتياط التام وعدم ترك غسله (ولا غسل ما استرسل من اللحية) المراد به ما زاد من اللحية عن التحديد المذكور طولا وعرضا ووجه عدم وجوب غسله ظاهر
لخروجه عن التحديد وأما ما عدا المسترسل فيجب غسله لصدق الوجه عليه لأنه مما يواجه به ودخوله في التحديد والظاهر أن الحكمين إجماعي أيضا (ويجب البدأة
من الأعلى على الأصح) هذا هو المشهور بين الأصحاب وخالف فيه السيد المرتضى (ره) فقال بجواز النكس لكن كرهه ووافقه ابن إدريس احتج العلامة في المنتهى
على المشهور بما رواه التهذيب في باب صفة الوضوء في الصحيح عن زرارة بن أعين قال حكى لنا أبو جعفر (عليه السلام) وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدعا بقدح
ماء فأدخل يده اليمنى فأخذ كفا من ماء فاسد لها على وجهه من أعلى الوجه انتهى الحديث قال وفعله إذا كان بيانا للمجمل وجب اتباعه فيه وأيضا نقل عنه (عليه السلام)
حين أكمل وضوئه أنه قال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به وأيضا لاشك أنه توضأ بيانا فإن كان قد ابتدأ بأسفل الوجه لزم وجوبه ولا قائل به ويكون قد فعل
المكروه فإنه وافق على الكراهة وهو منزه عنه وإن كان قد غسل من أعلاه وجب اتباعه هذا كلامه وقد يجاب عن الأول بأنا لا نسلم إن حكاية أبي جعفر (عليه السلام)
للوضوء الذي فعله رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيانا لم لا يجوز أن يكون المراد حكاية وضوئه الذي كان يفعله غالب الأوقات ولو سلم فنقول إن
قوله أن الفعل يجب اتباعه إذا كان بيانا للمجمل ولكن لا إجمال ههنا في الغسل وفعله (عليه السلام) ليس قرينة على أن المراد الغسل بهذا الوجه لأنه من أحد جزئيات
طرق الغسل الذي لا بد له من أحدها خصوصا أنه ليس طريقا غير متعارف حتى يجعل العدول عن المتعارف إليه قرينة على أنه المراد وعن الثاني بأن هذه
الرواية لم يوجد في طريقنا سوى ما رواه الفقيه في باب صفة وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرسلا قال وتوضأ النبي (صلى الله عليه وآله) مرة مرة فقال هذا
وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به وهذا مع كونه مرسلا ليس فيه أنه ابتدء من أعلى الوجه وأيضا أما أن يحمل الوضوء في قوله (عليه السلام) هذا وضوء على الجزئي
أو الكلي وعلى الأول لا يمكن أن يحمل الكلام على ظاهره إذ يلزم ان لا يقبل الله صلاة غيره (عليه السلام) إذ ليس لها هذا الوضوء الخاص بل صلاته (عليه السلام) أيضا التي
ليست بهذا الوضوء فيجب أن يؤل بأن المراد لا يقبل الله الصلاة إلا بمثله مثلا وحينئذ لا دلالة لها لان المماثلة لا نسلم ظهورها في المساواة في جميع الصفات
والأحوال الممكنة غاية ما في الباب ظهورها هاهنا في المساواة في الأمور التي يعلم أنه ليس من باب العادات والاتفاقات وأما فيما عداه مثل الغسل من الأعلى
فيما نحن فيه فلا لأنه من قبيل الأمور الأخر من كيفيات الحركات الواقعة فيه وحدودها من السرعة والبطؤ وغير ذلك كما لا ريب في عدم وجوب
متابعته ولو لم نقل بظهور عدم وجوب رعاية المساواة فيه فلا أقل من عدم ظهور الوجوب وعلى هذا يصير من باب القدر المشكوك وقد عرفت مراد الحال
فيه وعلى الثاني فأما أن يكون المشار إليه بهذا الوضوء الخاص الذي فعله والطبيعة المتحققة فيه فإن كان الثاني فلا يبقى الدلالة بحالها لان الطبيعة التي
في ضمنه أما أن يقال بظهور عدم اعتبار مثل هذه الأمور فيها أو بعدم ظهور اعتباره وعلى التقديرين لا يفيد كما مر آنفا وأما ظهور الاعتبار فلا وإن كان
الأول فالكلام أما على الحصر أو لا فإن كان على الحصر فيلزم المحذوران المذكوران فلا بد أن يأول مثلا بأن المراد هذا ومثله وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به
ويصير مثل الشق الأول وإن لم يكن على الحصر فالامر ظاهر لان كون هذا الفرد من أفراد هذا الوضوء لا يستلزم عدم كون غيره فردا منه مع إمكان المناقشة أيضا
في استلزام عدم القبول عدم الصحة سيما على مذاق السيد (ره) وعن الثالث بأنا نختار أولا أنه ابتدء بالأسفل قوله لو كان هكذا لزم وجوبه ولا قايل به قلنا الملازمة
102

ممنوع لما تقدم من أن غسله (عليه السلام) بوجه خاص لا يستلزم وجوبه وقوله وأيضا يلزم أن يكون فعل مكروها وهو منزه عنه قلنا لعله فعل المكروه لبيان الجواز فإن
قلت لو ابتدء (عليه السلام) من الأسفل لكان ينبغي أن لا يقع الخلاف في جوازه قلت ممنوع إذ يجوز أن لا يصل هذا الخبر إلى جميع الفريقين وثانيا أنه ابتدء من الأعلى قوله فيجب
اتباعه نقول قد علمت ما فيه وقد يستدل أيضا على هذا المطلب بوجه آخر وهو أن المطلق ينصرف إلى الفرد الشايع المتعارف والشايع المتعارف في غسل الوجه غسله
من فوق إلى أسفل فينصرف الامر في قوله (عليه السلام) فاغسلوا إليه وفيه أيضا إن شيوع هذا الفرد بحيث صار اللفظ حقيقة عرفية فيه ممنوع هذا واحتج السيد المرتضى (ره)
بإطلاق الآية والاخبار وبما رواه حماد عن أبي عبد الله (عليه السلام) لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا وضعف الأخير ظاهر لان الكلام في الغسل دون المسح وإذا
عرفت المأخذ من الجانبين فنقول الظاهر مذهب السيد لقوة دليله الأول وضعف دلايل المشهور لكن الشهرة بين الأصحاب والتكليف اليقيني بالغسل بما يقتضيان
ملازمة الاحتياط وعدم الاجتزاء على خلاف المشهور واعلم إن غاية ما يلزم من دلايل المشهور على تقدير تمامها وجوب البدأة بالأعلى بمعنى صب الماء عليه ثم
اتباعه بغسل الباقي وأما عدم جواز غسل شئ من الأسفل قبل الاعلى وإن لم يكن في سمته كما تخيله بعض فلا دلالة لها عليه وإنما هو متعسر جدا بل متعذر فلا معنى
للقول به ونعم ما قيل أنه من الخرافات الباردة والأوهام الفاسدة (وتخليل ما يمنع وصول الماء إذا خف احتياطا والمشهور عدم الوجوب) المراد بالموصول بالشعر وتخفيفه أن
يتراى البشرة من خلاله في مجلس التخاطب وقد يفسر بأن يصل الماء إلى منبته من غير مبالغ ويفترق التفسيران بحسب سيوطة الشعر وجعودته ولا بد أولا من تحرير محل
النزاع الذي في هذا المقام لأنه مما اشتبه فيه كلام الأقوام ثم الاشتغال بذكر الدلائل من الجانبين وما يتعلق بها من النقض والابرام اعلم إن الشيخ (ره) في المبسوط أطلق
القول وقال ولا يلزم تخليل شعر اللحية سواء كانت خفيفة أو كثيفة أو بعضها كثيفة وبعضها خفيفة ويكفيه امرار الماء عليها وكذا قال المحقق في المعتبر لا يلزم تخليل
شعر اللحية ولا الشارب ولا العنفقة ولا الأهداب كثيفا كان الشعر أو خفيفا بل لا يستحب وأطبق الجمهور على الاستحباب وقال ابن أبي عقيل متى خرجت اللحية ولم
تكثر فعلى المتوضي غسل الوجه حتى يستيقن وصول الماء إلى بشرته لأنها لم تستر مواضعها انتهى كلام المعتبر وقال العلامة (ره) في المنتهى لا يلزم تخليل شعر اللحية ولا الشارب
ولا العنفقة ولا الأهداب سواء كانت كثيفة أو خفيفة ولا يستحب أيضا بل الواجب إن فقد الشعر غسل هذه المواضع وإن وجد فإمرار الماء على ظاهر الشعر ثم نقل العبارة
المنقولة عن ابن أبي عقيل ونسبها إلى ابن الجنيد وكذا حكم في الارشاد بعدم وجوب التخليل مطلقا وقال في المختلف قال الشيخ (ره) في المبسوط لا يجب تخليل شعر اللحية سواء كان
خفيفة أو كثيفة أو بعضها كثيفة وبعضها خفيفة وقال ابن الجنيد إذا خرجت اللحية فلم تكثر فتوارى بنباتها البشرة من الوجه فعلى المتوضي غسل الوجه كما كان قبل أن ينبت الشعر حتى
يستيقن وصول الماء إلى بشرته التي يقع عليها حس البصر أما بالتخليل أو غيره لان الشعر إذا ستر البشرة قام مقامها وإذا لم يسترها كان على المتوضي إيصال الماء إليها
وهو الظاهر من كلام السيد في المسائل الناصرية فإنه قال الأمرد وكل من لا شعر على وجهه يجب عليه غسل وجهه ومن كان ذا لحية كثيفة تغطي بشرة وجهه فالواجب عليه غسل
ما ظهر من بشرة وجهه وما لا يظهر مما تغطيه اللحية لا يلزمه إيصال الماء إليه ويجزيه أجراء الماء على اللحية من غير إيصال الماء إلى البشرة المستورة والحق عندي قول ابن الجنيد لنا
قوله تعالى فاغسلوا وجوهكم دل على وجوب غسل الوجه وإنما انتقل إلى اللحية النابتة عليه لانتقال الاسم إليها لان الوجه اسم لما يقع به المواجهة وإنما يحصل لها ذلك
مع الستر أما مع عدمه فلا فإن الوجه مرئي فهو المواجه دون اللحية لأنها لم تستر الوجه فلا ينتقل الاسم إليها انتهى ولا يخفى أن الظاهر على ما نقلنا إن الشيخ المحقق (ره)
والعلامة (ره) في المنتهى والارشاد ذهبوا إلى عدم وجوب تخليل اللحية الخفيفة وإيصال الماء إلى البشرة الظاهرة خلال الشعر وابن الجنيد والمرتضى وابن أبي عقيل
والعلامة (ره) في المختلف ذهبوا إلى وجوب إيصال الماء إلى البشرة الظاهرة خلال الشعر في الخفيف وأما ما يستر تحت الشعر ولو كان في الخفيف فالظاهر أنه لا نزاع لاحد
في عدم وجوب غسله ولا أظنك في مرية من هذا لكن المصنف (ره) في؟ بأنه لا خلاف ظاهرا بين الشيخ والمحقق والمرتضى وابن الجنيد في شئ أصلا بل الكل متفقون على
وجوب غسل البشرة الظاهرة خلال الشعر وعدم وجوب غسل المستورة وذكر أن العلامة (ره) في التذكرة حمل كلام السيد وابن الجنيد على أن مرادهما وجوب غسل ما
يستر من البشرة تحت الشعر الخفيف وتبعهما في ذلك وأوجب غسل الشعر الساتر ومنبته وحكم بأن غسل أحدهما لا يجزي عن الاخر والحال إن كلامهما يحتمل غير
هذا المعنى وهو قصر الوجوب على غسل البشرة التي لا شعر عليها بل الظاهر من كلامهما هذا خصوصا كلام السيد وعلى هذا لا نزاع بينهما وبين الشيخ واعترض
أيضا على ما في التذكرة بأنه مع مخالفته الظاهر الأصحاب يخالف مشهور العامة أيضا لأنه لم يفرق بين شعر اللحية وغيرها من الحاجب والأهداب ونحوهما في هذا الحكم
مع أنهم فرقوا بينهما والحق إن ما ذكره المصنف في الذكرى من الاتفاق على وجوب غسل البشرة الظاهرة خلال الشعر ومن أن العلامة إنما حمل كلامهما في التذكرة على
المعنى المذكور دون وجوب غسل البشرة الظاهرة منظور فيه أما الأول فلانه لا دليل على ذلك الاتفاق أصلا بل الظاهر من إطلاقاتهم خلافه كما علمت بل لا يبعد
دعوى التصريح أيضا في كلام المختلف وأنت خبير بأن بعد ظهور كلامهم في هذا المعنى وتصريح العلامة بالحمل عليه وعدم معارض يدل على خلافه لا وجه
للقول بأن مرادهم ليس ذلك وكان الباعث على هذا الدعوى حسبان إن البشرة إذا لم تستر بالشعر فيصدق عليها الوجه قطعا فكيف يمكن الحكم بعدم وجوب غسله
103

وهو ضعيف لان بعد ورود الرواية بعدم الوجوب كما سنذكره انشاء الله تعالى لا وجه لهذا القول ولو فرض عدم تمامية الدليل عليه لأن عدم تمامية الدليل
لا يدل على عدم القول بالمدلول أو ما يتوهم من الدليل الذي ذكره المحقق في المعتبر على هذا المطلب بأن الوجه اسم لما ظهر فلا يتبع المغاير من إشعاره بأن المراد
عدم وجوب ما يستر لا ما ظهر خلال الشعر لان هذا الدليل إنما يدل على الأول فقط وهذا أيضا ضعيف لان مدعى المحقق عدم وجوب تخليل الكثيف والخفيف مطلقا فيكون
هذا دليلا على بعض أجزاء مدعاه لا كله ولم يقتصر عليه حتى لا يصح بل أورد غيره أيضا مما يدل على العموم وأما الثاني فلان ما نسبه إلى التذكرة فهي بريئة منه بل
كلام التذكرة أيضا قريب من كلام المختلف ولا بأس بذكر ما فيها حتى يتضح حقيقة الحال قال فيها يجب أن يغسل ما تحت الشعور الحقيقية في محل الفرض كالعنفقة الخفيفة والأهداب
والحاجبين والسبال لأنها غير ساترة فلا ينتقل اسم الوجه إليها ولو كانت كثيفة لم يجب غسل ما تحتها بل غسل ظاهرها أما الذقن فإن كان شعره كثيفا لم يجب تخليله
ولا إيصال الماء إلى ما تحته بل غسل ظاهره أيضا ذهب إليه علماؤنا وبه قال الشافعي ثم قال وأما إن كان الشعر خفيفا لا يستر البشرة فالأقوى عندي غسل ما تحته و
إيصال الماء إليه وبه قال ابن أبي عقيل وهو مذهب الشافعي لأنها بشرة ظاهره من الوجه وقال الشيخ لا يجب تخليلها كالكثيفة والفرق ظاهر انتهى وقال في موضع آخر
لو أدخل يده وغسل بشرة اللحية لم يجز لأنها إن كانت كثيفة فالغسل للظاهر وإن كانت خفيفة فالغسل لهما فلا يجزي أحدهما ولا شك أن هذه الكلمات إنما تدل
على غسل البشرة الظاهرة تحت الشعر الخفيف لا البشرة المستورة فيكون بعينه مثل ما حمل المصنف كلام السيد وابن الجنيد عليه وليس فرق بينه وبين كلامه في المختلف
مع أن المصنف قال بأن ظاهر المختلف أنه فسر كلامهما بما فسرناه إذا تقرر هذا فنقول إذا كان مراد الشيخ ومن تبعه من عدم وجوب تخليل الشعر مطلقا سواء كانت خفيفة أو
كثيفة عدم وجوب إيصال الماء إلى البشرة التي في الشعر سواء كان ظاهرا في خلاله أو لا كما ذكرنا أنه الظاهر فالخلاف حينئذ ظاهر أنه في أي شئ هو وجوب غسل البشرة الظاهرة
خلال الشعر كما هو رأي المرتضى وابن الجنيد وابن أبي عقيل والعلامة في بعض كتبه وعدم وجوبه كما هو رأي الشيخ والمحقق والعلامة في بعض آخر وأما إذا كان مرادهم
منه عدم وجوب إيصال الماء إلى البشرة المستورة سواء كان بالكثيف والخفيف كما ذكره المصنف (ره) فحينئذ فالظاهر أنه لا خلاف بينهم وبين السيد وابن الجنيد إذ كلامهما أيضا
ظاهره ذلك نعم لما كان كلام العلامة (ره) في المختلف والتذكرة صريحا في الخلاف فلابد من توجيه له وهو أن يقال إن الخلاف حينئذ في وجوب غسل البشر المستورة
بالخفيفة وعدمه وإن اتفقوا على وجوب غسل البشرة الظاهرة خلاله والحاصل إن الشعر إذا كان كثيفا ساترا لجميع ما تحته فلا يجب تخليله وإيصال الماء إلى
تحته اتفاقا وإن كان خفيفا ساترا لبعضها غير ساتر لبعض فلا خلاف أيضا في وجوب غسل ما ليس يستره إنما الخلاف في وجوب غسل ما يستره فالشيخ المحقق
على العدم وكذا السيد وابن الجنيد وابن أبي عقيل على ما هو الظاهر من كلامهم والعلامة على الوجوب في المختلف والتذكرة وكذا الثلاثة المذكورة بزعم العلامة
ولا يذهب عليك إن الخلاف على التقدير الأخير قليل الفايدة جدا كما ذكره الشهيد الثاني (ره) في شرح الرسالة
لان خفيف الشعر إذا وجب عليه إيصال
الماء إلى البشرة الظاهرة خلال الشعر فلا شك أنه عند إيصال الماء إليها يصل إلى البشرة المستورة أيضا ويندر أن لا يصل إليها فحصول العلم أو الظن
بالوصول إلى الظاهرة لا ينفك عادة عن حصول العلم أو الظن بالوصول إلى المستورة فتقل فايدة الخلاف وبهذا ظهر فساد ما في حبل المتين حيث
واعلم أنه لا خلاف بين الفريقين في وجوب غسل ما يرى من البشرة خلال الشعر في مجلس التخاطب وفي عدم وجوب غسل ما لا يرى منها ومن ها هنا
قال بعض مشايخنا (ره) إن النزاع في هذه المسألة قليل الجدوى انتهى لأنك قد عرفت إن النزاع على هذا التقدير في عدم وجوب غسل ما لا يرى منها
وقد صرح به الشهيد الثاني (ره) في شرح الرسالة وأيضا لو كان كما ذكره من عدم الخلاف في المعنيين لما كان للنزاع معنى لأنه كان قليل الجدوى وهذا وقد بقي في
المقام شئ وهو إن الستر الذي يعتبر في عدم وجوب غسل البشرة عند العلامة والسيد وابن الجنيد على ما هو الظاهر وعند الجميع على ما هو زعم المصنف وتابعيه هل
هو الستر في جميع كيفيات مجالس التخاطب أو يكفي في بعضها الكل محتمل ولم أقف في كلامهم على نص فيه والشهيد الثاني وحج الأول مع احتماله الثاني وسنذكر
في ضمن الأدلة إن الظاهر أنهما بالنظر إلى الدليل والمحقق البهائي (ره) احتمل أن يكون النزاع في الخفيف باعتبار هذا المعنى بأن يكون الاتفاق حاصلا في أن
ما يستر بالشعر في جميع مجالس التخاطب سواء كان بالخفيف أو الكثيف لا يجب وصول الماء إليه ومالا يستر في حال أصلا يجب الوصول إليه ويكون النزاع فيما
يستر في بعض الأحوال دون بعض فالشيخ (ره) وتابعوه على عدم وجوب الوصول إليه والعلامة ومن تبعه على الوجوب وعلى هذا لا يكون النزاع قليل الجدوى
وهذا وإن كان احتمالا قريبا في نفسه لكن في حمل كلامهم عليه بعد إذ ليس في كلماتهم ما يشعر إليه ظاهرا والله أعلم بكيفية الحال ويمكن أيضا أن يكون
الاتفاق واقعا على وجوب غسل البشرة الظاهرة في جميع الأحوال وكذا على عدم وجوب غسل ما يعلوه الشعر سواء كان ساترا له في جميع الأحوال أو لا
ويكون الخلاف فيما لا يعلوه الشعر يكون ظاهرا في بعض الأحوال دون بعض والتفصيل التام في هذا المقام إن كلام الشيخ ومن يحذو حذوه أما أن
يحمل على ظاهره ولم يسلم الاتفاق على خروج شئ منه أو لا فعلى الأول لا شك إن كلام السيد وابن الجنيد وابن أبي عقيل مخالف له وذلك الخلاف ويحتمل وجوها
104

الأول أن يكون في البشرة الظاهرة في جميع الأحوال والثاني أن يكون في الظاهرة في حال أو الثالث أن يكون فيما لا يعلوه شعر ويكون الاتفاق في عدم الوجوب
فيما يعلوه سواء كان ساترا له في جميع الأحوال أو لا ويحتمل بعيدا أيضا أن يكون في مطلق بشرة الخفيف سواء كان مستورا دائما بالشعر أو لا وقس على كلامهم
كلام العلامة (ره) وأيضا على الثاني فنقول ذلك الامر المتفق على خروجه من تلك الاطلاق ووجوب غسله يحتمل أن يكون الظاهر في جميع الأحوال أو حال ما أو ما
لا يعلوه شعر وعلى التقادير أما أن يكون الحكم بعدم الوجوب في جميع ما عدا الخارج من كلام الشيخ وتابعيه اتفاقا أو لا فإن كان اتفاقيا فلا بد من حمل كلام
الثلاثة على ما يوافق كلامهم بأن يحمل ما حكموا بوجوب غسله على الامر الخارج من اطلاقاتهم بأي معنى كان لئلا يلزم أن يكون كلامهم مخالفا للاجماع ويلزم
حينئذ على العلامة غلط البتة أما حكم بخلاف الاجماع إن كان ما حكم بوجوب غسله في التذكرة والمختلف سوى ما هو المستثنى من كلام الشيخ وغيره أو عدم فهم المراد
من كلام الجماعة إن كان هو بعينه وإن لم يكن اتفاقيا فحينئذ أما أن يكون الثلاثة أيضا موافقين للشيخ أو لا وعلى الثاني فإن كان القدر الخارج هو الأول فيحتمل أن يكون
خلافهم في الثاني أو الثالث أو مطلق بشرة الخفيف على بعد وإن كان هو الثاني فالخلاف إنما هو في الأخير فقط أي في مطلق بشرة الخفيف بل في المستور منها
دائما وإن كان هو الثالث فالخلاف أما في الثاني أو في مطلق البشرة بالمعنى المذكور وقس عليه أيضا كلام العلامة وعلى الأول فيلزم غلط على العلامة من حيث حكمه
بكونهم مخالفين للشيخ مع أنه لا خلاف وحينئذ لا يخلو أما أن يكون مراده مما حكم بوجوب غسله مما هو المستثنى من كلام الشيخ فيلزم غلط آخر أيضا عليه من عدم فهمه مراد
الشيخ أو غيره وحينئذ فيه الاحتمالات السابقة وإذ قد تقرر هذا فلتشرع في ذكر أدلة طرفي الخلاف على ثلاثة تقادير ويحال الباقي عليها وترجيح ما هو الظاهر بحسب
النظر أما التقدير الأول وهو الذي ذكرنا أنه الظاهر من كلامه فالظاهر فيه ما ذهب إليه الشيخ وتابعوه من عدم وجوب التخليل مطلقا سواء كان في اللحية أو غيرها من الحاجب
والأهداب والشارب ونحوها وسواء كان كثيفا أو خفيفا وسواء كان لايصال الماء إلى البشرة الظاهرة خلال الشعر أو المستورة لوجوه الأول ما رواه الفقيه في باب
خذ الوضوء في الصحيح عن زرارة قال في آخر الحديث المنقول سابقا في حد الوجه قال زرارة قلت له أرأيت ما أحاط به الشعر فقال كل ما أحاط الله به الشعر فليس على العباد أن يطلبوه ولا يبحثوا عنه ولكن
يجري عليه الماء وهذه الروايات في التهذيب أيضا في باب صفة الوضوء في الزيادات في الصحيح مضمرة وفيه موضع يطلبوه ويغسلوه وقد يناقش فيه بأن الإحاطة إنما
يصدق إذا ستره دائما فلا يكون على تمام المدعى بل على بعضه مما لا نزاع لعلمائنا فيه بل لبعض العامة على هذا التقدير ولا يخفى أن الإحاطة ليست بمعنى الستر
لا في اللغة ولا في العرف ولا شك إن معناها العرفي حاصل في جميع ما يدعيه لان في العرف يقولون للبشرة الظاهرة في خلال الشعر أنها محاطة بالشعر نعم لو كان
الظاهر قدرا كثيرا ويكون الشعر بعيدا بعضها عن بعض جدا فحينئذ لا يصدق عليه الإحاطة في العرف وليس كلامنا أيضا فيه لان كلامنا في التخليل ومثله لا يكون محتاجا إلى
التخليل ولو سلم عدم ظهور صدق الإحاطة عليه فلا أقل من عدم ظهور عدمه فآل الامر إلى الاجمال وعند إجمال المخصص يصير الآية والروايات الواردة بغسل الوجه أيضا
بمنزلة المجمل وقد مر مرارا إن في التكليف المجمل يكفي الاتيان بالقدر الثابت كما هو الظاهر الثاني ما رواه التهذيب في الباب المذكور في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام)
قال سئلته عن الرجل يتوضأ أيبطن لحيته قال لا وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب حد الوجه وهي مخصوصة باللحية ويمكن أن يتمسك فيما عداها بالاجماع المركب
منا ويناقش فيه أيضا بأنه يدل على عدم وجوب غسل المستورة لأنه المفهوم من التبطين وهي أيضا ضعيفة لان التخليل يستلزم التبطين البتة نعم لا تبطين فيما لا يحتاج
إلى التخليل ولا كلام فيه الثالث ما ورد في الروايات كما سيجئ إنشاء الله تعالى من الاجتزاء بالغرفة الواحدة للوجه مطلقا من غير تقييد بعدم خفة الشعر ولا ريب أن الغرفة الواحدة
لا يمكن وصولها إلى جميع ما أحاط به الشعر ويمكن أن يقال على الجميع إن بينها وبين الآية والروايات الواردة بغسل الوجه عموما من وجه فلم يخصصونها بها دون
العكس بأن يخصصوا هذه الروايات بعدم وجوب غسل ما لا يصدق عليه الوجه من البشرة المستورة لكن لا يخفى أن الحكم في العموم من وجه إذا لم يكن مرجح التساقط
والتوقف والرجوع إلى الأصل ولما لم يوجد مرجح ها هنا فيحكم بالتساقط ويرجع إلى الأصل من براءة الذمة وأنت خبير بأن الأدلة المذكورة كما تدل على بعض
أجزاء المدعى المذكور سابقا مما خالف فيه علمائنا على النحو الذي ذكرنا تدل على البعض الاخر مما وقع فيه الاجماع منا من البشرة المستورة بطريق أولى كما لا
يخفى ويدل على هذا البعض أيضا مضافا إلى الاجماع عدم صدق الوجه على المستور لأنه من المواجهة وعند الستر ينتقل المواجهة إلى الشعر وما روي من أنه (صلى الله عليه وآله)
توضأ فغرف غرفة غسل بها وجهه وهو (صلى الله عليه وآله) كان كث اللحية كما وصفه علي (عليه السلام) ولا ريب إن الغرفة الواحدة لا تصل إلى أصول
الشعر مع كثه وما يمكن أن يحتج به المخالف ما نقلنا سابقا من المختلف من الاحتجاج وجوابه أن بعد ورود الروايات بعدم وجوب غسل غير المستور لا يجدي صدق
الوجه عليه لأنها بمنزلة المخصص واعلم إن الظاهر بحسب ما وجدناه من الأدلة كما علمت عدم وجوب غسل البشرة الظاهرة خلال الشعر سواء كان ظهوره في
بعض الأحوال أو الجميع لكن لما وقع دعوى الاجماع على خلافه من المصنف ظاهرا وتابعيه أما في الثاني فقط أو فيهما معا على احتمالين فالأحوط أن لا يترك غسلها
ويبالغ في وصول الماء إليها هذا وأما التقدير الثاني وهو ما فهمه المصنف من كلام العلامة وحمل تابعوه الخلاف عليه فالظاهر فيه أيضا ما ذهب إليه الشيخ ومن تبعه
105

بالطريق الأولى لدلالة الأدلة المذكورة حينئذ صريحة من غير ورود خدشة ومناقشة والاحتجاج الذي ذكرنا من المختلف يصير حينئذ ظاهر الفساد لأنه يخرج من محل
النزاع اعلم إن المصنف (ره) قال في الذكرى المشهور عدم وجوب تخليل الشعر النابت على الوجه خف كله أو كثف كله أو تبعض لرجل كان أو لامرأة حتى لا يجب تخليل لحية المرأة
نص على ذلك كله الشيخ في المبسوط وصاحب المعتبرة ثم استدل عليه بأن الوجه اسم لما يواجه به ظاهرا فلا يتبع غيره وبالأدلة الثلاثة السابقة وبما روى من وضوئه (عليه السلام)
بغرفة واحدة وهي لا تبلغ أصول الشعر خصوصا مع أنه كان كثيف اللحية كما ذكرنا وبأن كل شعرة تستر ما تحتها ضرورة فلا يجب غسله كالساتر للجميع لقيام المواجهة وأية عرض
عليه في الحبل المتين بأن دليله الأول إنما يجزي بظاهره في الكثيف وليس النزاع فيه والعلاوة التي ظنها مؤيدة لدليله الثالث تأييدها غير ظاهر بل الظاهر خلافه
وقوله في الرابع إن كل شعرة تستر ما تحتها إن أراد أن أصلها يستر نفسه منبتها الحقيقي فليس الكلام فيه وإن أراد أن الشعرة تستر شعاع البصر عن الوقوع على ما
يحاذيها من إجزاء الوجه فإن أراد إجزاء شخصية بعينها في كل مجالس التخاطب فالخفيف ليس كذلك فإن المستور به يتبدل بتبدل مجلس التخاطب بل بأدنى حركة
من الرائي والمرئي يظهر ما كان مستورا ويستر ما كان ظاهرا وإن أراد إجزاء نوعية متبدلة الافراد بتبدل المجالس توجه المنع إلى الكبرى لحصول المواجهة بها في
بعض الأوقات هذا كلامه ويمكن أن يجاب عن الأول بمنع اختصاص دليله بالكشف لأنك قد علمت أنه (ره) أعتقد أنه لا خلاف في وجوب غسل ما ظهر في خلال
الشعر فيكون مراده من عدم وجوب تخليل اللحية مطلقا عدم وجوب غسل المستور بالشعر خفيفا كان أو كثيفا ولا ريب في جريان هذا الدليل في جميع ما ادعاه ولا
اختصاص له بالكثيف وأيضا لو سلم اختصاصه بالكثيف نقول إن مراده من هذه الدلايل ليس الاستدلال على ما هو المتنازع فيه بين علمائنا فقط بل على
جميع ما ادعاه سواء كان إجماعا منا أو لا وحينئذ فيكون هذا الدليل دليلا على بعض ما ادعاه ومن الثاني بما ذكر في الوجه الأخير لأنه إذا كان المراد الاستدلال
على بعض المدعى وإن لم يكن خلافا منا فلا ريب في تأييد العلاوة المذكورة كما لا يخفى وعن الثالث ان مراده من التخليل في قوله عدم وجوب تخليل الشعر تخليله لغسل
ما يستر به لا لغسل ما هو الظاهر خلاله كما هو معتقده وحينئذ نقول أن قوله كل شعرة تستر ما تحتها ضرورة يعني به أنها تستر ضرورة في الفرض الذي فيه الخلاف
في وجوب التخليل وعدمه وحينئذ لا إيراد نعم يرد عليه أنه بعينه هو الوجه الأول فلا وجه لإعادته إلا أن يقال أن الوجه الأول مختص بالكثيف لظهور أجزائه فيه وهذا
التخفيف بقياسه عليه وادعاء جريان المذكور فيه أيضا وحينئذ لا قصور فيه ولا تكرار كما لا يخفى وأما التقدير الثالث وهو ما احتمله المحقق البهائي فالظاهر فيه أيضا عدم
وجوب التخليل للأدلة الثلاثة المذكورة سابقا والايراد عليها والجواب عنه أيضا يستنبط مما سبق فقس عليه فصار فذلكة القول على ما اخترناه عدم وجوب
تخليل الشعر مطلقا سواء كان من اللحية أو غيرها وسواء خف أو كثف وسواء كان ظاهرا خلاله البشرة في جميع الأحوال أو بعضها أو لا إن لم يكن إجماع على
الوجوب في الظاهر في جميع الأحوال أو فيه وفي الظاهر في بعضها أيضا بناء على الاحتمالين السابقين وإلا ففي ما عدا الاجماع والاحتياط في الصورتين اللتين يحتمل
الاجماع فيهما أن لا يترك غسل البشرة خصوصا في غير اللحية وكذا في المستور بالخفيف سترا دائما لاحتمال الخلاف فيه والله تعالى أعلم بحقايق أحكامه (نعم يستحب و
إن كثف) نفى المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى استحباب التخليل مطلقا لكنه حكم في التذكرة باستحباب تخليل الكثيف للاستظهار ولأنه (عليه السلام) كان تخلل لحيته والظاهر أن الخفيف إن لم يكن تخليله واجبا كان الاستحباب فيه أظهر منه في الكثيف لشدة الاستظهار فيه لكن الحكم بالاستحباب بمجرد هذا الوجه مشكل وما روي من فعله
(عليه السلام) لا يمكن إجراؤه في الخفيف والقياس عليه بالطريق الأولى لا يخلو من إشكال إلا أن يقال بدخوله تحت إسباغ الوضوء المندوب إليه (كما يستحب إفاضة الماء على
ظاهر اللحية) ذكر العلامة في النهاية إن الاصطلاح إنما وقع على إطلاق الإفاضة على غسل الظاهر فقط والغسل على غسل الظاهر والباطن معا اعلم أن ظاهر اللحية له ثلاثة
أفراد الأول ظاهر اللحية الكثيفة التي في محل الفرض وهو ليس بمراد ها هنا لأن الظاهر الاجماع منا على وجوب غسله وانتقال حكم محله إليه نعم نقل من أبي حنيفة الخلاف
فيه الثاني ظاهر اللحية الخفيفة التي في محل الفرض ولا يخفى إن الشعر الخفيف الذي في محل الفرض يحتمل وجهين أحدهما أن يكون قائما غير مائل سواء كان يستر
ما ورائه من البشرة دائما أو في بعض الأحوال أو لا ولا شك إن هذا الشعر إنما ينتقل إليه حكم منبته الحقيقي ويجب غسله لكن الكلام في أنه هل يجب غسل رأسه فقط
أو غسل ما سواه أيضا مما يظهر على حس البصر فيه وجهان فإن قلنا بالثاني فلا يكون هذا أيضا مرادا ها هنا وإن قلنا بالأول فيمكن أن يكون مرادا ها هنا
باعتبار غسل ما عد رأسه ولا يأباه لفظ الظاهر كما لا يخفى والثاني أن يكون مايلا فأما أن يحكم بانتقال حكم ما تحته إليه أما لكونه ساترا له سترا دائميا على قول
من يعتبره أو لا يستره سترا دائميا لكن على قول من يكتفي بالستر في الجملة وحينئذ يجب غسله ولا يكون مما
نحن فيه أو لا يحكم بانتقال حكم ما تحته إليه
أما لكونه غير ساتر له سترا دائميا على قول من يكتفي بالستر الدائمي أو يكون يستره سترا دائميا لكن على قول من لا يكتفي به بل يعتبر ستر الجميع كما
مر من احتمال الخلاف فيه وفيه أيضا وجهان وجوب غسله أيضا كما يجب غسل ما تحته كما يشعر به كلام التذكرة المنقول سابقا بناء على صدق الوجه عليه أيضا لأنه
106

مما يواجه به وعدم وجوب غسله بل يجب غسل ما تحته فقط بناء على أن الوجه لا يزيد بنبات اللحية فعلى تقدير وجوب غسل ما تحته لا وجه لوجوب غسله أيضا فعلى الأول لا يكون مما
نحن فيه وعلى الثاني يمكن أن يكون منه ولا يخفى أنه على الثاني وجوب غسله بقدر ما يحاذي منبته الحقيقي باق بحاله الثالث ظاهر المسترسل من اللحية عن محل الفرض طولا
وعرضا وهو أيضا مما يمكن أن يكون مرادا ها هنا إذا تقرر هذا فنقول إن المصنف (ره) استدل في الذكرى على هذا الحكم بوجهين أحدهما أنه إذا كان تخليل اللحية مستحبا
فيكون استحباب الإفاضة على ظاهرها بطريق الأولى ولا يخفى ما فيه خصوصا في المعنى الأخير الذي ذكرنا إمكان إرادته هاهنا وثانيهما ما ورد في حكاية وضوء
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيجئ إنشاء الله تعالى أنه وضع الماء على جبهته وأسدله عل أطراف لحيته وفيه أيضا عدم ظهور دلالته على أي معنى كان من المعاني المذكورة
التي يمكن إرادتها ها هنا وبالجملة هذا الحكم لا يخلو من إشكال خصوصا أنه لم نجده في كلام الأصحاب سوى المصنف (ره)
(وغسل الاذنين ومسحهما بدعة) حكم المفيد (ره)
في المقنعة بأن مسح الاذنين ظاهرهما وباطنهما بدعة واستدل عليه الشيخ بأن غسل الأعضاء في الطهارة ومسحها حكم شرعي فينبغي أن يتبع في ذلك دليلا
شرعيا وليس في الشرع ما يدل على وجوب مسح الاذنين في الوضوء ومن أثبت في الشريعة حكماء من غير دليل شرعي فهو مبدع بلا خلاف بين المسلمين ولا يخفى إن هذا الدليل
جار بعينه في الغسل أيضا ثم إن البدعة كان معناها الحرمة أو كون الامر مردود كما يفهم من المعتبر في بحث الغسلة الثالثة حيث قال وأما كون الثالثة بدعة فلأنها
ليست مشروعة فإذا اعتقد التشرع أثم ولأنه يكون إدخالا في الدين ما ليس منه فيكون مردودا لقوله (عليه السلام) من أدخل في ديننا ليس منه فهو رد ولا يعني
بالبدعة إلا ذلك انتهى ويفهم من كلام الشيخ والمحقق (ره) إن مثل هذه الأفعال إنما يكون بدعة لو فعل بقصد المشروعية والصلاة بل إن البدعة إنما هي اعتقاد
مشروعيته وأما الاتيان بهذه الافعال بدون اعتقاد الشرعية فلا وسيجئ تفصيل القول في هذا المعنى في بحث الغسلة الثالثة إنشاء الله تعالى هذا والذي يدل على عدم
وجوب غسل الاذنين ومسحهما مضافا إلى الأصل والاجماع ما رواه الشيخ في التهذيب في باب صفة الوضوء في الموثق عن زرارة قال سئلت أبا جعفر (عليه السلام) إن أناسا
يقولون أن بطن الاذنين من الوجه وظهرها من الرأس فقال ليس عليها غسل ولا مسح وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب حد الوجه وما رواه الكافي في باب مسح الرأس و
القدمين في الحسن عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الأذنان ليستا من الوجه ولا من الرأس ويدل أيضا على خروجه من الوجه التحديد الذي ذكر سابقا فأما ما رواه
التهذيب في الباب المذكور عن علي بن باب قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) الأذنان من الرأس قال نعم قلت فإذا مسحت رأسي مسحت أذني قال نعم فمع القدح في سنده لان من جملة
رجاله يونس وهو مشترك بين الموثق وغير الموثق كما في المنتهى محمول على التقية لموافقته المذهب العامة (ولا تبطل) لصدق الامتثال وحرمة ذلك الفعل لو كانت لا تستلزم
الفساد لأنها نهي في الخارج (ويجزي في الغسل مسماه) ترجع التسمية إلى العرف لأنه الحاكم في أمثال هذه الأمور وقيل أقل ما يحصل به المسمى أن يجري جزء من الماء
على جزئين من البشرة ولو بمعاونة وكان العرف أيضا يكتفي بذلك (ولو كالدهن مع الجريان) قد تكرر في الروايات ما يدل بظاهره على الاكتفاء في الوضوء بأقل من الجريان
منها ما رواه التهذيب في باب حكم الجنابة في الحسن إبراهيم ابن هاشم عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال إنما الوضوء حد من حدود الله ليعلم الله من يطيعه ومن
يعصيه وإن المؤمن لا ينجسه شئ وإنما يكفيه مثل الدهن وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب مقدار الماء الذي يجزي للوضوء بسند أحسن مما في التهذيب لضمه محمد بن إسماعيل
عن الفضل أيضا وفي الفقيه أيضا مرسلة في باب صفة وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) والدهن أما من الادهان بمعنى الاطراء بالدهن أو من دهن المطر الأرض إذا بلها
بللا يسيرا وعلى التقديرين الظاهر أنه لا جريان فيه ومنها الكافي في الباب المذكور في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال يأخذ أحدكم الراحة من الدهن فيملأ
بها جسده والماء أوسع من ذلك ومنها ما رواه التذهيب والكفي في البابين المذكورين في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في الوضوء قال إذا مس جلدك الماء
فحسبك ومنها ما رواه التهذيب في الباب المذكور عن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (عليه السلام) إن عليا (عليه السلام) كان يقول الغسل من الجنابة والوضوء يجزي منه ما أجزى من الدهن
الذي يبل الجسد والأصحاب (ره) إنما حملوها على المبالغة والمجاز لورود الامر بالغسل وهو لا يتحقق إلا مع الجريان ويؤيد أيضا عدم الاكتفاء بما دون الجريان
ما رواه التذهيب في باب صفة الوضوء في باب الزيادات في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال سئلته عن الرجل لا يكون على وضوء فيصيبه المطر حتى يسيل رأسه
ولحيته وجسده ويداه ورجلاه هل يجزي ذلك من الوضوء قال إن غسله فإن ذلك يجزيه وأنت خبير أنه لو لم يكن الشهرة بين الأصحاب بل الاجماع ظاهرا لأمكن القول بالاكتفاء
بالدهن حقيقة للروايات الكثيرة المعتمدة لكن الأولى متابعتهم واعلم إن المفيد (ره) في المقنعة قال في بحث غسل الجنابة وأدنى ما يجزي في غسل الجنابة بالماء ما يكون
كالدهن للبدن يمسح به الانسان عند الضرورة لشدة البرد أو عوز الماء ولعل رأيه في الوضوء أيضا ذلك كما نسبه إليه المصنف (ره) في الذكرى ونسب إلى الشيخ أيضا ولعل مستنده
ما رواه التهذيب في باب حكم الجنابة في الصحيح عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال أسبغ الوضوء إن وجدت ماء وإلا فإنه يكفيك اليسير ثم إن هذا الكلام منه (ره) ويحتمل وجهين
إلا وأن يكون محمولا على حقيقته من الاكتفاء بالمسح والثاني أن يكون مبالغة في الجريان القليل كما ذكره الأصحاب في الروايات فإن كان مراده الأول فإن استند في الحكم بالرواية
المذكورة ففيه أنه لا دلالة لها ظاهرا على هذا المعنى وإن استند بالروايات السابقة (بحملها على ظاهرها ففيه أنه لا تقييد فيها بالضرورة إلا أن يقال مستنده الروايات السابقة بحملها على ظاهرها
ففيه أنه لا تقييد فيها بالضرورة إلا أن يقال مستنده الروايات السابقة) وهذه الرواية قرينة التقييد والجمع بين هذه الروايات وبين الروايات الواردة بالغسل
107

وإن كان الثاني فالتقييد بالضرورة لا وجه له لجواز الاكتفاء بأقل الغسل حال الاختيار
أيضا لصدق الامتثال والروايات إلا أن يحمل على الفضيلة كما يحمل الرواية
المذكورة أيضا عليها ويمكن أن يؤيد القول بالمسح حال الضرورة بما نقله الكافي مرسلا في باب صفة الوضوء
قال وروي في رجل كان معه من الماء مقدار كف و
حضرت الصلاة قال فقال يقسمه أثلاثا ثلث للوجه وثلث لليد اليمنى وثلث لليسرى ويمسح بالبله رأسه ورجليه وهذه الرواية إن لم يكن ضعيفة بالارسال والاضمار لكان
دليلا ظاهرا على المراد هذا والاحتياط في المقام أن لا يكتفي في حال الاختيار بما دون الجريان وعند الاضطرار يجمع بينه وبين التيمم (ولا يجب الدلك فلو غمس العضو أجزء)
عدم وجوب الدلك هو المشهور بين الأصحاب وقال المصنف في الذكرى يلوح من كلام ابن الجنيد وجوب إمرار اليد على الوجه لكن ذكر أيضا أنه قال في موضع الجباير ما يدل
على عدم الوجوب حيث قال يوصل الماء إلى العضو بالصب أو الغمس والظاهر المشهور لصدق الامتثال بدون الدلك حجة الوجوب فأورد في حكاية وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله)
أنه أمر يده على وجهه وظاهر جبهته والكلام فيه توجيها ونقضا مثل ما سبق في بحث وجوب البدأة بالأعلى واحتج بأنه المعهود في الغسل وضعفه ظاهر ثم إن في
تفريع المصنف إجزاء الغسل على عدم وجوب الدلك مناقشة لأن عدم وجوب الدلك لا يستلزم جواز الغمس لجواز وجوب الصب وإن لم يجب الدلك وأيضا يفهم منه
إن وجوب الدلك مستلزم لعدم جواز الغمس وهو أيضا ممنوع لجواز أن يجوز الغمس ويجب مع ذلك الدلك لكن كأنه لم يذهب إلى هذين الاحتمالين أحد فلذا فرع المصنف (ره)
جواز الغمس على عدم وجوب الدلك هذا ويمكن أن يستدل على جواز الغمس بما رواه التهذيب في زيادات صفة الوضوء عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا
توضأ الرجل فليصفق وجهه بالماء فإنه إن كان ناعسا فزع واستيقظ وإن كان البرد فرغ ولم يجد البرد لكن يناقش فيه بأنه يجوز أن لا يكون هذا الصفق
غسل الوجه الذي هو جزء من الوضوء بل يكون فعلا آخرا سابقا على الوضوء للغرض المذكور في الرواية أو يكون المراد ضرب الماء بالوجه من باب القلب أولا
وبهذين الوجهين ظهر أيضا وجه الجمع بينها وبين ما رواه في هذا الباب عن السكوني عن جعفر (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا تقربوا وجوهكم
بالماء إذا توضأتم ولكن شنو الماء شنا وجمع الشيخ بينهما بحمل الأولى على الإباحة والثانية عل الاستحباب وفيه بعد الظهور الأول في الاستحباب ويجمع أيضا
بينهما بتخصيص الأولى بحال النعاس والبرد والثانية بغيرهما واعلم أنه يمكن الاحتجاج لوجوب الصب أيضا بما ورد في الحكاية المذكورة والجواب تم إن صاحب البشرى
(ره) ذكر أنه لو غمس العضو في الماء لم يمسح بمائه لما يتضمن من بقاء إن بعد الغسل يلزم منه استيناف المسح وذكر أيضا أنه لو نوى الغسل بعد خروجه من الماء أجزء إذ على
العضو ماء جار فيحصل به الغسل وقال المصنف في الذكرى ويمكن أن يقال المراد بماء الوضوء الممسوح به ما يخلف بعد الحكم بالغسل والعضو الخارج من الماء محكوم
بغسله وأجزاء الغسل بعد الاخراج بعيد لعدم صدق اسم الغسل عليه ومع ذلك منعه من المسح قوى انتهى ولا يخفى إن ما ذكره إن الحكم بالغسل إنما هو بعد
الخروج منظور فيه نعم يمكن أن يورد عليه بأنه لو غمس اليد في الماء ولم يستقر فيه زمانا كثيرا بل بقدر ما يصدق عليه الغسل عرفا وأخرجت فلا يصدق عليه في
العرف أنه استيناف ماء نعم لو استقر زمانا كثيرا فلا يبعد صدق الاستيناف عرفا حينئذ ويمكن تنزيل كلام المصنف (ره) أيضا عليه وسيجئ في بحث الاستيناف ما له نفع
في هذا المقام (ثم غسل اليدين من المرفقين مبتديا بهما إلى أطراف الأصابع ولو نكس بطل على الأصح) غسل اليدين أيضا من أحد أركان الوضوء ويدل على وجوبه
الآية والاخبار والاجماع ويدل على تحديده بكونه من المرفق إلى الأصابع الاخبار والاجماع أيضا وقد وقع الاجماع منا على دخول المرفقين وخالف فيه
بعض العامة مستدلا بأن إلى الغاية والغاية خارجة عن ذي الغاية وأجيب أولا بمنع كونها للغاية بل بمعنى مع كما في قوله تعالى من أنصاري إلى الله وثانيا
بمنع خروج الغاية فإن بعضهم ذهب إلى وجوب الدخول وآخرون قالوا بالوقف فإنها تارة تدخل وأخرى لا تدخل فكان مجملا وقال آخرون إن كان الحد من
جنس المحدود دخل كقولهم بعتك هذا الثوب من هذا الطرف وإلا فلا كآية الصيام وهنا المرافق من جنس الأيدي مع أنه ورد في روايات أصحابنا إن تنزيل
الآية من المرافق كما سيجئ ثم الأصحاب بعد الاتفاق على دخول المرفق ووجوب غسله اختلفوا في سبب الوجوب أنه هل هو النص والاستنباط من باب كونه مقدمة
الواجب واحتج القائلون بالأول بالآية أما لان إلى بمعنى مع كما في الآية المتقدمة أو لان الحد المجانس داخل في الابتداء والانتهاء وفيهما نظر لان كونها بمعنى مع مجاز لا
بد له من قرينة ودخول الحد المجانس ممنوع لما مر من توقف بعضهم في الدخول مطلقا واحتج أيضا بما ورد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) دار الماء على مرفقيه
وفيه بعد قصور السند أنه لا يدل على عدم كونه من باب المقدمة وتتمة الكلام فيه سيجئ إنشاء الله تعالى فبيان ما جعلوه فائدة الخلاف ممن غسل جزء من العضد
لو قطعت اليد من المرفق وأما الابتداء بالمرفق ففيه بحثان جواز الابتداء ووجوبه أما الجواز فهو أيضا مما وقع عليه الاتفاق منا بل من العامة أيضا ويدل عليه
مضافا إلى الاجتماع روايات منها ما رواه الكافي في باب صفة الوضوء في الحسن عن زرارة قال قال أبو جعفر (عليه السلام) إلا أحكي لكم وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلنا بلى
فدعا بعقب فيه شئ من ماء فوضعه بين يديه ثم حسر عن ذراعيه ثم غمس فيه كفه اليمنى ثم قال هكذا إذا كانت الكف طاهرة ثم غرف فملأها ماء فوضعها على جبهته
ثم قال بسم الله وأسدله على أطراف لحيته ثم أمر يده على وجهه وظاهر جبهته مرة واحدة ثم غمس يده اليسرى فغرف بها ملأها ثم وضعه على مرفقه الأيمن فأمر كفه
108

على ساعده حتى جرى الماء على أطراف أصابعه ثم غرف بيمينه ملأها فوضعه على مرفقه اليسرى فأمر يده على ساعده حتى جرى الماء على أطراف أصابعه و
مسح مقدم رأسه وظهر قدميه ببلة يساره وبقية بلة يمناه وهذه الرواية في الفقيه أيضا في باب صفة وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرسلة بأدنى تغيير
ومنها ما رواه التهذيب في الموثق في باب صفة الوضوء عن بكير وزرارة ابني أعين أنهما سئلا أبا جعفر (عليه السلام) عن وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
فدعا بطست أو بتور فيه ماء فغسل كفيه ثم غمس كفه اليمنى في التور فغسل وجهه بها واستعان بيده اليسرى بكفه على غسل وجهه ثم غمس كفه اليسرى في الماء فاغترف
بها من الماء فغسل يده اليمنى من المرفق إلى الأصابع لا يراد الماء إلى المرفق ثم غمس كفه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء وأفرغه على يده اليسرى من المرفق
إلى الكف لا يرد الماء إلى المرفق كما صنع باليمنى ثم مسح رأسه وقدميه إلى الكعبين بفضل كفيه ولم يجدد ماء وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب المذكور بتغييرات
لا يخل بغرضنا ومنها ما رواه التهذيب في الباب المذكور عن الهيثم بن عروة التميمي قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله تعالى فاغسلوا وجوهكم وأيديكم
إلى المرافق قال ليس هكذا تنزيلها إنما هي فاغسلوا وجوهكم وأيديكم من المرافق ثم امر يده من مرفقه إلى أصابعه وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب
حد الوجه وزيد فيه بعد إلى المرافق فقلت هكذا ومسحت ظهر كفي إلى المرافق فإن قلت هذا مناف لما في الآية من قوله تعالى إلى المرافق قلت قد سبق انه يجوز
أن يكون بمعنى مع وأيضا يمكن أن يكون التحديد للمغسول لا للغسل مع أن الرواية الأخيرة يدل على أن تنزيلها ليس هكذا وأما وجوب الابتداء فقد اختلف
فيه فالأكثر على الوجوب والسيد اختار الاستحباب وتبعه ابن إدريس والكلام فيه كما تقدم في الابتداء بأعلى الوجه (ويجب تخليل شعر اليد وإن كثف وغسله أيضا)
وجه وجوب التخليل بشرط منع وصول الماء إلى اليد توقف الواجب عليه لان اليد معناها هذا العضو الخاص وقد أمر بغسله فيجب أن يغسل بتمامه لظاهر اللفظ ولما
ورد أيضا في الروايات من التصريح بوجوب غسله بتمامه كما سيجئ إنشاء الله تعالى في بحث المسح خرج المنبت الحقيقي للشعر بالاجماع فيبقى الباقي ويمكن أن يحتج على عدم
الوجوب بالرواية المتقدمة من قوله (عليه السلام) كلما أحاط به الشعر إلى آخر الحديث لأنه بعمومه شامل لليد أيضا لكن لما كان السابق عليه الحديث عن الوجه فلا يبعد
أن يجعل قرينة على اختصاصه به ويمكن أيضا الاحتجاج بما سيجئ إنشاء الله تعالى في بحث المضمضة من قوله (عليه السلام) إنما عليك أن تغسل ما ظهر لكن الرواية ضعيف مع احتمال
أن يكون الظاهر في مقابلة الجوف بقرينة المقام فالأولى أن يؤخذ بالوجوب وأما وجه غسل الشعر ففيه إشكال من حيث عدم دليل تام عليه واحتج المصنف إلى الذكرى
بأنه من توابع اليد وفيه ضعف والظاهر عدم الوجوب للأصل إن لم يكن اجماع نعم لو قلنا بعدم وجوب إيصال الماء إلى ما تحته انتقل حكم الوجوب إليه (وغسل
الظفر وإن طال) لو لم يخرج الظفر عن سمت اليد عرفا بحيث يعد في العرف من أطراف الأصابع فوجوب غسله ظاهر وأما إذا خرج عن ذلك الحد ففيه وجهان الوجوب
لأنه من أجزاء اليد وعدمه كالمسترسل من اللحية وفرق المصنف في الذكرى بينه وبين فاضل اللحية باتصاله بمتصل دائما وليس بشئ والظاهر عدم الوجوب للأصل
وعدم دليل صالح للخروج عنه ويحتمل على القول بعدم وجوب غسله القول بوجوب قصه وتقليمه ليصل الماء إلى أطراف الأصابع فمقتضى الاحتياط أن لا يترك
الأظفار بحيث يخرج عن حد المتعارف والله أعلم (والسلعة تحت المرفق واليد الزائدة كذلك) يحتمل جر السلعة واليد عطفا على الظفر ويكون معنى قوله كذلك تحت المرفق
ورفعها على الابتداء وكذلك خبرهما أي كالظفر والأول أولى لان تحتية المرفق في اليد مرادة البتة فالأولى أن يكون في اللفظ عليه دليل ولم يكتف بالقرينة
والسلعة في اللغة زيادة تحدث في الجسد كالغدة تتحرك إذا حركت وقد يكون من حمصة إلى بطيخة ولعل المراد ها هنا كل زيادة تحت المرفق لحما أو إصبعا أو غيرهما
لم نقف على خلاف بين الأصحاب في هذا الحكم واستدلوا عليه بأنه في محل الفرض فيكون تابعا له والاستدلال وإن أمكن المناقشة فيه لكن التعويل على الشهرة بل
الاجماع ظاهرا مع رعاية الاحتياط ولو كانت فوق المرفق غسلت مع الاشتباه والا الأصلية الحكم الأول كأنه مجمع عليه والشيخ (ره) أطلق القول في المبسوط بعدم
وجوب غسل الزايد فوق المرفق لكن نزلوه على المتميز وكذا أطلق الحكم في المعتبر واستدل عليه بأن غسلهما واجب من باب المقدمة كما لو نجست إحدى يديه ولم يعلمها
بعينها وأيضا قد ورد الامر بغسل الأيدي وكل منهما تصدق عليه اليد والحكم الثاني كأنه مختلف فيه فظاهر الشرايع والمختلف الحكم بوجوب الغسل والمبسوط والمعتبر
والمنتهى على عدم الوجوب وهو الظاهر للأصل وعدم دليل مخرج واستدل في المختلف على الوجوب بصدق اليد عليها فيتناولها الامر بالغسل ثم أورد على نفسه أن
الامر يتناول المعهود مما يسمى يدا وهو إنما يكون في الأصل إذ الزايد لا يطلق عليه اسم اليد وأجاب أولا بمنع عدم تناول اسم اليد له وأسنده بصحة تقسيم اليد إلى
الزايدة والأصلية ومورد التقسيم يجب اشتراكه بين الأقسام التي قسم إليها وثانيا بالنقض بالزايدة تحت المرفق ويمكن أن يجاب عنه أما عن المنع فبأن كلامه خارج
عن القانون لأنه مستدل فليس منصبه المنع ولو صرف عن ظاهره وحمل على الاستدلال ويجعل ما هو السند بحسب الظاهر دليلا فيرد عليه منع إن اليد الحقيقي ينقسم إليهما
ولو تمسك بأن الأصل في الاطلاق الحقيقة نقول غاية ما يلزم منه أن يكون اليد صادقة على اليد الزايدة لغة وكلامنا إنما هو في العرف والعادة ولو سلم الاطلاق
في العرف أيضا فيمكن أن يقال أن الإضافة في أيديكم للعهد بناء على أصلها والمعهود إنما هو اليد الأصلية وأما عن النقيض فبان الوجوب في الزايدة تحت المرفق إن كان
109

إجماعيا أو يكون تبعيتها لمحل الفرض ظاهرا فبان الفرق إذ ليس هذان الوجهان في المتنازع فيه ولن لم يكن شئ منهما فيمنع الحكم فيها فلا نقض وفي المسألة
احتمال آخر كما ذهب إليه بعض العامة وهو وجوب غسل ما حاذى منه محل الفرض إن كان دون ما لم يحاذه تنزيلا له بمنزلة ما خلق تحت المرفق وهو أيضا ضعيف قال
بعض الفضلاء ولو لم يكن لليد الزايدة مرفق له يجب غسلها قطعا وهو جيد بناء على أن الامر ورد بغسل اليد إلى المرفق فعند عدم المرفق لا يمكن الاتيان بذلك
الامر فيسقط وجوب شئ آخر يحتاج إلى الدليل وليس ومن ها هنا أيضا يستفاد عدم وجوب غسل يد ليس لها مرفق قولان انحصر اليد فيها اللهم إلا أن يكون إجماع
على وجوب غسلها وعلى تقدير الوجوب يشكل الامر في تقدير ما يغسل منها وأنه هل يغسل الجميع أو ما هو بقدر اليد إلى المرفق والله أعلم (والأقطع يغسل ما بقي ولو
استوعب سقط واستحب غسل العضد نصا) قطع اليد أما أن يكون من دون المرفق أو من نفسه أو من فوقه فإن كان الأول فقد ادعى الاجماع على وجوب غسل ما بقي من
الذراع إلى المرفق قال في المنتهى وهو قول أهل العلم واستدل عليه أيضا بما رواه التهذيب في زيادات صفة الوضوء في الصحيح عن رفاعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال
سئلته عن الأقطع اليد والرجل كيف يتوضأ قال يغسل ذلك المكان الذي قطع منه وفي الكافي أيضا في باب حد الوجه في الحسن عن رفاعة قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الأقطع قال يغسل ما قطع منه ولا يخفى إن الاستدلال بهاتين الروايتين على هذا المطلب لا يخلو من إشكال للاجمال الواقع فيهما لجواز أن يكون المراد من الأقطع
الذي قطع من المرفق ويكون أمره (عليه السلام) بغسل محل القطع خصوصا في الرواية الأولى بل لا يبعد ادعاء ظهورها في الامر بغسل محل القطع فقط فحينئذ أما أن يحمل
القطع على القطع من دون المرفق أو منه أو الأعم منهما وعلى التقادير لا يجدي في المطلوب واستدل أيضا بما رواه التهذيب في الباب المذكور في الحسن عن محمد بن مسلم عن أبي
جعفر (عليه السلام) قال سئلت عن الأقطع اليد والرجل قال يغسلهما وهذه الرواية في الكافي أيضا في الباب المذكور وهذه أيضا لا يخلو من إجمال واستدل أيضا بالأصل
والاستصحاب وإن غسل الجميع بتقدير وجوده واجب فإذا زال البعض لم يسقط الاخر لان الميسور لا يسقط
بالمعسور وفيه ضعف لان الاستصحاب في مثل هذا الموضع مما لا
يمكن اجراؤه لان الحكم السابق إنما هو الامر بغسل المجموع من حيث هو مجموع أمرا واحدا وليس أوامر متعلقة كل جزء جزء منه ولما لم يبق متعلقه هنا فقط التكليف به
فلا بد في غسل الجزء الباقي من تكليف على حدة وقس عليه أيضا حال قولهم الميسور لا يسقط بالمعسور والحاصل إن هذه الدلايل مما يشكل اتمامه فالعمدة في التعويل
الاجماع وإن كان الثاني فقد اختلف فيه عبارة الأصحاب فالشيخ (ره) في المبسوط قال ومن كانت يده مقطوعة من المرفق أو دونها وجب عليه أن يغسل من العضو ما بقي إلى
المرفق مع المرفق وقال المحقق (ره) في المعتبر من قطعت يداه من المرفقين سقط عنه غسلهما ويستحب مسح موضع القطع بالماء ولو قطعت إحديهما غسل الأخرى ولو
بقي المرفق وجب غسله وفي الشرايع فإن قطعت من المرفق سقط فرض غسلها وقال ابن الجنيد إذا كان اقطع من مرفقه غسل ما بقي من عضده وقال العلامة (ره) في المنتهى
لو انقطعت يده من المرفق سقط غسلها لفوات المحل وحكم في الارشاد أيضا بذلك وقال في التذكرة وإن قطعت من المرفق فقد بقي من محل الفرض بقيته وهو طرق
عظم العضد لأنه من جملة المرفق فإن المرفق مجمع عظم العضد وعظم الذراع وقال المصنف (ره) في الذكرى ولو قطعت من مفصل المرفق فالأقرب وجوب غسل الباقي
لان المرفق مجموع عظم العضد وعظم الذراع فإذا فقد بعضه غسل الباقي ولا بد أولا من تحقيق معنى المرفق حتى يتضح جلية الحال إعلم أن صاحب الصحاح والقاموس فسر المرفق
بموصل الذراع والعضد وقريب منه ما في التذكرة من أنه مجمع عظم العضد وعظم الذراع وقد فسر أيضا بالمفصل وهو أيضا مثل الأول لكن المصنف (ره) فسره كما نقلنا بمجموع
العظمين وتبعه الشهيد الثاني في شرح الارشاد والظاهر أنه لا دليل عليه من كلام اللغويين لكن وقوع الخلاف فيما بين العلماء في دخول المرفق في الغسل وعدم
دخوله والتعرض لاثبات دخوله بأن إلى بمعنى مع وإن الغاية قد دخل في المغيا حيث لا مفصل محسوس وإن الحد المجانس داخل في الابتداء والانتفاء مما يؤيد هذا
التفسير لأنه إذا كان المرفق الحد المشترك بين الذراع والعضد لما كان حاجة في إثبات وجوب غسله إلى دليل لأنه إذا غسل اليد إلى هذا الحد واجبا فلابد
أن يغسل ذلك الحد أيضا إذ لا يخلو أما أن يكون منتهى الغسل هذا الحد أو لا فإن كان الأول فقد ثبت المطلوب من غسله أيضا وإن كان الثاني فلابد أن يكون بين الحد الذي
هو منتهى الغسل والحد الذي هو المرفق فصل ما البتة لامتناع تتالي الحدين فيلزم عدم الاتيان بالمأمور به وهو غسل اليد إلى المرفق اللهم إلا أن يقال أنه على الأول لا يلزم المطلوب إذ المراد بغسل
المرفق أن يكون داخلا في الغسل لا حدا له لكن لا يخفى أنه على هذا أيضا لا محصل للنزاع إذ لا بد م غسل قدر ما فوق اليد الواجب غسله من باب المقدمة وحينئذ يدخل المرفق
في الغسل قطعا أو يبنى الكلام على قاعدة المتكلمين من القول بوجود الجزء الذي لا يتجزى إذ حينئذ يوجب حد قبل المرفق فيمكن أن يكون انتهاء الغسل ذلك الحد على تقدير عدم
القول بدخول المرفق في الحكم أو يقال إن الخلاف حقيقة إنما هو في أن دخول المرفق في الغسل أما بالأصالة أو تبعية اليد لكن يخالفه ظاهر بعض
كلماتهم وانقد تقرر وهذا فنقول إن كان المرفق هو الحد المشترك كما هو الظاهر من كلام أهل اللغة فعند قطع اليد منه لا يخلو أما أن يطلق المرفق على طرف العضد بأن
يكون كل من الخطين المتداخلين اللذين هما طرف المساعد والعضد عند الوصل مرفقا فعند القطع يبقى الاطلاق على الخط الباقي أولا بل يكون إطلاق المرفق على
الحد المشترك باعتبار كونه طرف الساعد أو بشرط التداخل فعند القطع ينتفي محل الاطلاق قطعا فعلى الأول لا يخلو أيضا أما أن يقال بدخول المرفق في الغسل أصالة
110

أو تبعا فإن كان الأول فينبغي ان يحكم على طريقتهم بوجوب غسل طرف العضد حين القطع من المرفق البتة بناء على ما ذكروه في وجوب غسل بقية الساعد عند قطع
اليد من دون المرفق كما نقلنا من الاستصحاب وعدم سقوط الميسور بالمعسور لكن يرد عليه أيضا ما ذكرنا فلا تغفل واعلم أنه على تقدير القول بوجوب غسل طرف العضد حينئذ
يتحقق احتمالان وجوب غسل الخط للمحيط بالطرف بناء على أنه كان عند الوصول هو المرفق أو جميع سطحه الظاهر بناء على أن عند الوصل لما لم يكن ظاهرا فلم يمكن غسله فلما ظهر
الان وأمكن غسله وجب والأصل فيه البناء على اطلاق المرفق فعلى أيهما ثبت الاطلاق حكم بوجوب غسله وعلى تقدير الاشتباه يبنى الامر على وجوب الاتيان بالقدر المشكوك
وعدمه وإن كان الثاني فلا يجب غسله لانتفاء متبوعه وعلى الثاني فينبغي القطع بعدم وجوب غسل طرف العضد لأنه خارج من محل الفرض البتة وإنما يغسل عند الوصل
باعتبار تداخله مع المرفق وقس عليه الحال في الجزء الذي كان يغسل من العضد باعتبار كونه مقدمة لغسل اليد إلى المرفق لأنه أيضا خارج عن محل الفرض البتة وغسله إنما هو
باعتبار كونه مقدمة فإذا انتفى ذو المقدمة انتفى هو أيضا وإن لم يكن المرفق الحد المشترك بل يكون مما له عرض فعند القطع اما أن لا يبقى منه شئ فلا إشكال في عدم
وجوب غسل طرف العضد حينئذ لأنه خارج عن محل الفرض البتة سواء كان المرفق داخلا في الحكم أصالة أو تبعا أو يبقى منه شئ فحينئذ لا يخلو أما أن يقال بدخول المرفق في الحكم أصالة
أو يقال إن غسله باعتبار كونه مقدمة فعلى الأول يحكم بوجوب غسل البقية قطعا على طريقتهم كما علمت وعلى الثاني لا وجوب هذا كله بالنظر إلى ما يستفاد من نفس الامر الوارد
بغسل اليد إلى المرفق مع قطع النظر عن الروايات الواردة في القطع ولنذكر الان ما يستنبط من الروايات الواردة فيه فمنها ما رواه التهذيب في زيادات صفة الوضوء
في الصحيح عن علي بن جعفر (عليه السلام) عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال سئلته عن رجل قطعت يده من المرفق كيف يتوضأ قال يغسل ما بقي من عضده وهذه الرواية في الكافي
أيضا في باب حد الوجه وفي الفقيه أيضا مرسلة في باب حد الوضوء ولا يخفى إن هذه الرواية ظاهرة في غسل العضد ويصلح لان يحتج بها على ما هو ظاهر ابن الجنيد من وجوب
غسل العضد لكن العلامة في المنتهى ادعى الاجماع على عدم وجوب غسله وأنه مما لم يقل به أحد وحمل الرواية على الاستحباب وعلى هذا يحمل كلام ابن الجنيد أيضا على
الاستحباب ومع قطع النظر عن الاجماع أيضا يمكن ان يقال إثبات الوجوب بها مشكل لعدم ظهور الجملة الخبرية فيه مع أن صريح الامر أيضا لا ظهور له فيه في أحاديث أئمتنا (عليهم السلام)
كما مر غير مرة فيبقى أصل العدم بحاله نعم الاستحباب حسن كما هو رأي هذا الكتاب ورأي المنتهى لورود هذه الرواية الصحيحة وقال الشهيد الثاني (ره) في شرحه للارشاد بعد نقل
الاحتجاج بهذه الرواية على الاستحباب والظاهر أن المراد به رأس العضد الذي كان يغسل قبل القطع وأطلق عليه العضد لعدم اللبس للاجماع على عدم وجوب غسل جميع العضد
في حال وهو أولى من حمله على الاستحباب لأنه خبر معناه الامر وهو حقيقة في الوجوب انتهى وفيه نظر أما أولا فلما عرفت من القول في وجوب غسل رأس العضد وأنه مبني على مقدمات
يتطرق إليها المنع وأما ثانيا فلما ذكرنا آنفا من عدم ظهور الجملة الخبرية في الوجوب فليحمل العضد على ظاهره والخبر على الاستحباب كما ذكرنا من غير لزوم محذور وكان
المحقق (ره) أيضا حمل العضد على رأسه لكنه حمل الرواية على الاستحباب ولهذا حكم في المعتبر في هذه الصورة باستحباب مسح موضع القطع بالماء كما نقلنا سابقا فيه وما فيه ويمكن أن
يكون مستنده في هذا الحكم الرواية الأخرى كما سنذكره ومنها صحيحة رفاعة وحسنته المنقولتان في صدر البحث عن التهذيب والكافي وأنت خبير بأن صحيحته ظاهرة في غسل محل
القطع فالأولى أن يحمل القطع الواقع في السؤال على القطع من المرفق لا القطع من دونه للاجماع على وجوب غسل ما بقي إلى المرفق في هذه الصورة فحينئذ أما أن يقول بوجوب غسل محل القطع بناء على
تسليم المقدمات السابقة فلا إشكال وأما أن لا يقول فيحمل الرواية على الاستحباب لما علمت من عدم ظهور الخبر في الوجوب والشهيد الثاني (ره) استدل بهذه الرواية
على وجوب غسل رأس العضد وقد عرفت ما فيه والظاهر أن مستند المحقق (ره) في الحكم المذكور هذه الرواية وتوجيهه ما ذكرنا فإن قلت كيف يجمع بين هذه الرواية و
سابقها حيث حكم باستحباب غسل رأس العضد وفي السابقة باستحباب جميعها قلت لا منافاة إذ يجوز أن يكون للاستحباب مراتب فيكون غسل الجميع مستحبا ويكون بعده
استحباب غسل الرأس والظاهر أن مراد المحقق (ره) من المسح هو الغسل كما في الرواية وإن كان محمولا على ظاهره فلم نقف له على مستند ولو لم يحمل الرواية على ظاهرها من غسل
موضع القطع بل يحمل على غسل العضو الذي قطع منه فلا يخفى أنها بعمومها أيضا شاملة لهذه الصورة فيكون داله على غسل العضد ويحمل على الاستحباب كالرواية
المتقدمة لكن يستشكل حينئذ من حيث لزوم عموم المجاز أو الاشتراك لو حمل القطع في السؤال على أعم من القطع من المرفق فأما أن يقال بمنع اللزوم بناء على أن الخبر يحمل على
الرجحان المطلق وإن كان أحد فرديه واجبا والاخر ندبا أو يخص القطع بهذه الصورة ويمكن تخصيصه أيضا حينئذ بما دون المرفق وحينئذ يكون خارجا عما نحن فيه وأما الحسنة
المذكورة فهي وإن لم يكن ظاهره جدا في غسل محل القطع بل يحتمله ويحتمل غسل العضو المقطوع لكنها تحمل أيضا بقرينة الصحيحة المروية عمن يرويها على الأول وجميع
ما ذكرنا من الاحتمالات في الصحيحة جاريه فيها فقس عليها ومنها رواية محمد بن مسلم المتقدمة أيضا في صدر البحث ولما فيها من الاجمال لا يمكن استنباط حكم ظاهر منها
هذا ما يمكن أن يقال في هذا المقام وملخص القول على ما اخترناه عدم وجوب شئ في هذه الصورة نعم يستحب غسل العضد وكذا غسل محل القطع والاحتياط أن لا يترك غسل
محل القطع للرواية والخلاف من العلماء قطعا بل غسل العضد أيضا للرواية واحتمال الخلاف من ابن الجنيد وأنت بعد خبرتك بما فصلنا لا تحتاج إلى التصريح بما
في كلام القوم رحمهم الله تعالى وأما الصورة الثالثة وهو الذي يكون القطع فوق المرفق فادعى العلامة في المنتهى الاجماع على عدم شئ على هذه التقدير لفوات
111

المحل لكنه حكم باستحباب غسل الباقي من العضد مستندا إلى صحيحته المتقدمة وبها استدل المصنف أيضا في الذكرى على الاستحباب وفيه نظر لاختصاص الصحيحة
بالقطع من المرفق فإجراء الحكم في القطع من فوقه لا بد له من دليل والمصنف بعد نقل هذه الرواية قال وفي قوله (عليه السلام) إشارة إلى استحباب غسل العضد مع اليد كما
روى العامة استحباب تطويل الغرة والتحجيل انتهى وأنت خبير بما فيه وقال الشيخ في المبسوط وإن كانت مقطوعة فوق المرفق فلا يجب عليه شئ ويستحب أن يمسح بالماء وكذا قال
العلامة (ره) أيضا في التذكرة فإن كان مرادهما من المسح ظاهره فلم نطلع على مستند له وإن كان المراد الغسل فيمكن أن يستدل عليه بصحيحة رفاعة المتقدمة لشمولها بعمومها
هذه الصورة وظهورها في غسل محل القطع كما سبق وكذا حسنته ولا يخفى أنه يمكن الاستدلال بهاتين الروايتين على استحباب غسل باقي العضد كما هو رأى المنتهى والذكرى
بحملهما على غسل العضو المقطوع منه بل برواية محمد بن مسلم المتقدمة أيضا ولما كان أمر الاستحباب موسعا فالظاهر أنه لا يضر إمكان المناقشة في الدليل بعد ذهاب
جمع من الأصحاب إليه والله سبحانه أعلم بحقايق أحكامه
(ولو افتقر إلى معين بأجرة وجب من رأس ولو كان مريضا) وجوه الوجوب توقف الواجب المطلق عليه (وإن زادت عن
أجرة المثل ما لم يجحف) أي ما لم يصل إلى حد الضرر واحتمل في الذكرى عدم وجوب الزايد عن أجرة المثل لان الغبن ضرر والأول أظهر لصدق التمكن وعدم دليل ظاهر على الرخصة بمثل
هذا النحو من الضرر ويؤيده أيضا ما رواه التهذيب في الزيادات في باب صفة التيمم في الصحيح قال سئلت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل احتاج إلى الوضوء للصلاة وهو لا يقدر
على الماء فوجد قدر ما يتوضأ به بمائة درهم أو بألف درهم وهو واجد لها يشتري ويتوضأ أو يتيمم قال لا بل يشتري قد أصابني مثل هذا فاشتريت وتوضأت وما يشتري
بذلك مال كثير واعلم إن هذا الحكم في غير المريض ظاهر وأما فيه ففيه خفاء وسيجئ تفصيل القول فيه في كتاب الوصايا إنشاء الله تعالى (ولو تعذرت الأجرة قضى مع الامكان
الظاهر أنه إذا تعذرت الأجرة للوضوء ينتقل فرضه إلى التيمم ولو تعذر ذلك أيضا يكون حكمه حكم فاقد الطهورين وسيجئ إنشاء الله تعالى في بحث التيمم
(ثم مسح مقدم الرأس مسح الرأس أيضا من أحد أركان الوضوء الثابت وجوبه بالآية والاخبار والاجماع وما ذكره من كونه بمقدم الرأس يتضمن حكمين أحدهما عدم وجوب مسح جميع الرأس وثانيهما
اختصاصه بالقدم فلو مسح المؤخر أو الوسط أو جانبيه لم يجز أما الأول فيدل عليه مضافا إلى الاجماع ما رواه الفقيه في الصحيح في باب التيمم قال وقال زرارة قلت
لأبي جعفر (عليه السلام) ألا تخبرني من أين علمت وقلت إن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين فضحك وقال يا زرارة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونزل به الكتاب من الله لان الله
عز وجل قال فاغسلوا وجوهكم فعرفنا إن الوجه كله ينبغي أن يغسل ثم قال وأيديكم إلى المرافق فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه فعرفنا أنه ينبغي لهما أن يغسل إلى
المرفقين ثم فصل بين الكلامين فقال وامسحوا برؤوسكم فعرفنا حين قال برؤوسكم أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه
فقال وأرجلكم إلى الكعبين فعرفنا حين وصلها بالرأس إن المسح على بعضها ثم فسر ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) للناس فضيعوه وهذه الرواية في التهذيب
أيضا في باب صفة الوضوء وفي الكافي في باب مسح الرأس فإن قلت قد أنكر سيبويه في سبعة عشر موضعا في كتابه مجئ الباء للتبعيض وأنكر ابن جني أيضا فكيف يتمسكون بهذا
الخبر الدال على أن الباء للتبعيض لا يقال بعد ورود الرواية عن أصحاب العصمة (عليه السلام) لا مجال للالتفات إلى كلام سيبويه وابن جني لان القطع لصدوره عن المعصوم
(عليه السلام) غير حاصل وإنما العمل به باعتبار الظن وعند تحقق مثل هذا المعارض يضعف الظن بصدوره عنه فلا يبقى صالحا للاحتجاج قلت إنكار سيبويه وابن جني معارض
بإصرار الأصمعي على خلافه وقد وافقه أيضا جمع من النحويين كأبي علي وابن كيسان وابن مالك ونقل أيضا عن الكوفيين جميعا وحملت على التبعيض أيضا في قوله تعالى
عينا يشرب بها عباد الله وفي قول الشاعر شربن بماء البحر ثم ترفعت وإنكار سيبويه ونفيه له كأنه من أصحاب البصريين كما صرح به ابن جني ويمكن أن يقال أيضا إن الإمام (عليه السلام)
ما حكم بأن معنى الباء التبعيض بل أن تغيير الأسلوب وإدخال الباء ها هنا يدل على أن المراد المسح ببعض الرأس ويدل عليه أيضا بعض الروايات الموردة في المباحث الآتية وأما
الثاني فيدل عليه أيضا مضافا إلى الاجماع ما رواه التهذيب في باب المذكور في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال مسح الرأس على مقدمه وروى عنه أيضا في هذا الباب
بطريق آخر صحيح قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) امسح الرأس على مقدمه وروى الكافي أيضا في باب مسح الرأس عنه بطريق حسن بإبراهيم في آخر حديث قال وذكر المسح فقال امسح
على مقدم رأسك وامسح على القدمين وابتدء بالشق الأيمن والضمير في قال الأول لمحمد بن مسلم والثاني لأبي عبد الله (عليه السلام) وما رواه الكافي أيضا في باب صفة الوضوء
في الحسن أو الصحيح عن زرارة في آخر حديث القعب المتقدم قال وقال أبو جعفر (عليه السلام) إن الله وتر ويحب الوتر فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات واحدة للوجه واثنتان
للذراعين وتمسح ببلة يمناك ناصيتك وما بقي من بلة يمينك ظهر قدمك اليمنى وتمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسرى وهذه الرواية في زيادات التهذيب أيضا
بسنده الحسن ويؤيده أيضا ما ورد في الوضوء البياني من المسح بمقدم الرأس كما تقدم فأما ما رواه الشيخ في التهذيب في الباب المذكور عن الحسين بن عبد الله قال سئلت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يمسح رأسه من خلفه وعليه عمامة بإصبعه أيجزيه ذلك فقال نعم فلا يعارض ما ذكرناه لعدم صحة سنده مع موافقته لمذهب بعض العامة فيحمل
على التقية كما في التهذيب واحتمل الشيخ أن يكون المراد أن يدخل إصبعه من خلف ومع ذلك يمسح مقدم الرأس وفيه بعد وأما الروايات الدالة على مسح مقدم الرأس و
مؤخره مثل ما رواه التهذيب في الباب المذكور في الحسن عن الحسين بن أبي العلاء قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) امسح الرأس على مقدمة ومؤخره وما رواه أيضا في الباب المذكور
112

مرفوعا عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في مسح القدمين ومسح الرأس قال مسح الرأس واحدة من مقدم الرأس ومؤخره ومسح القدمين ظاهرهما وباطنهما وما رواه
أيضا في هذا الباب في الحسن عن الحسين بن أبي العلاء قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المسح على الرأس فقال كأني نظر إلى عكنة في قفاء أبي يمر عليها يده وسألته عن الوضوء
بمسح الرأس مقدمه ومؤخره قال كأني أنظر إلى عكنة في رقبة أبي يمسح عليها فمع عدم صحة إسنادها إنما تحمل على التقية لموافقتها لمذهب العامة والظاهر أن إجماعنا منعقد على عدم
استحباب الزايد على مقدم الرأس فلو لم يكن كذلك لأمكن حمل هذه الروايات على الاستحباب ثم اعلم إن إجماعنا انعقد على جواز المسح ببشرة مقدم الرأس وشعره المختص به ونقل من
بعض الشافعية جواز المسح على البشرة إذا كان محلوقا وإلا فيجب المسح على الشعر قياسا على اللحية وفسروا الشعر المختص بما لا يخرج بالمد عن حد المقدم وحكموا بعدم جواز المسح
على القدر الخارج وسنذكر إنشاء الله تعالى في بحث المسح على الحايل (بمسماه ولا يحصل بأقل من إصبع وقيل ثلاث مضمومة للمختار أي بما يسمى مسحا وفيه أيضا حكمان الاكتفاء بالمسمى وعدم
حصوله إلا بالإصبع والحاصل وجوب مقدار الإصبع وعدم وجوب الزايد عليه أما عدم وجوب الزايد فهو المشهور بين الأصحاب وحكموا باستحباب قدر ثلاث أصابع مضمومة والظاهر من كلام الصدوق (ره) في الفقيه حيث
قال وحد مسح الرأس أن يمسح بثلاث أصابع مضمومة من مقدم الرأس وكلام الشيخ في النهاية حيث قال والمسح بالرأس لا يجوز أقل من ثلاث أصابع مضمومة مع الاختيار فإن خاف البرد
من كشف الرأس أجزئه مقدار إصبع واحدة وجوب ذلك المقدار ونسب في المعتبر والمنتهى القول بوجوب ذلك القدر إلى المرتضى أيضا في مسائل الخلاف واحتمل العلامة (ره)
في المختلف أن يكون كلام النهاية والفقيه محمولا على الفضيلة دون الوجوب وقال أن الشيخ كثيرا ما يطلق على المندوب أنه لا يجوز تركه وبالجملة الظاهر ما هو المشهور لصدق
الامتثال وأصل البراءة عن الزايد ويدل عليه أيضا ما رواه التهذيب في الباب المذكور في الصحيح عن زرارة وبكير ابني أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال في المسح تمسح على النعلين
ولا تدخل يدك تحت الشراك وإذا مسحت بشئ من رأسك أو بشئ من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك وما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عنهما أيضا أنهما
سئلا أبا جعفر (عليه السلام) عن وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدعا بطست أو تور فيه ماء ثم حكى وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أن انتهى إلى آخر ما قاله الله تعالى وامسحوا
برؤوسكم وأرجلكم فقال فإذا مسح بشئ من رأسه أو بشئ من رجليه قدميه ما بين الكعبين إلى آخر أطراف الأصابع فقد أجزأه وهذه الرواية في الكافي أيضا بطريق حسن بإبراهيم في باب
صفة الوضوء وقد نقلنا رأس الرواية في باب نكس غسل اليدين وما في الكافي هكذا بعد اتمام صفة الوضوء ثم قال ولا يدخل أصابعه تحت الشراك ثم قال إن الله عز
وجل يقول يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم فليس له أن يدع شيئا من وجهه إلا غسله وأمر بغسل اليدين إلى المرفقين فليس له أن يدع من
يديه إلى المرفقين شيئا إلا غسله لان الله يقول اغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ثم قال وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين فإذا مسح بشئ من رأسه وبشئ من
قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه وما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن حماد بن عيسى عن بعض أصحابه عن أحدهما (عليهما السلام) في الرجل يتوضأ وعليه العمامة قال يرفع
العمامة بقدر ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدم رأسه ويمكن أن يناقض فيه بحمله على الضرورة بقرينة المقام فيكون موافقا لما في النهاية واستدل العلامة في المختلف على المشهور
بما رواه التهذيب في هذا الباب عن الحسين قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل توضأ وهو معتم وثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد فقال ليدخل إصبعه وفيه نظر لأنه
لا ينافي ظاهر كلام النهاية من عدم الاكتفاء بما دون ثلاث أصابع عند عدم الضرورة مع أنه ضعيف السند أيضا والذي يمكن أن يحتج به على ظاهر ما ذهب إليه الصدوق والمرتضى
ما رواه في التهذيب في الباب المذكور بطريقين صحيح وحسن عن زرارة قال قال أبو جعفر (عليه السلام) المرأة يجزيها من مسح الرأس أن يمسح مقدمه قدر ثلاث أصابع ولا تلقي عنها
خمارها وهذه الرواية في الكافي أيضا بالطريق الحسن في باب مسح الرأس والجواب بحمله على الفضيلة والاستحباب جمعا بين الروايات مع أنه يمكن أن يكون الحكم بالاجزاء
بالنظر إلى عدم القاء الخمار لا المسح فإن قلت لم لم تحمل الروايات المتقدمة على الضرورة ليحصل الجمع قلت أما أولا فلكثرة تلك الروايات فينبغي إن تبقى على حالها ويرتكب
التأويل في خلافها الذي ليس بتلك الكثرة وأما ثانيا فلانه على تقدير تسليم صلاحية المعارضة لما كان الأصل عدم وجوب الزايد فيصار إليه ويمكن أن يحتج أيضا عليه
بما رواه التهذيب في الباب المذكور عن معمر بن عمر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال يجزي من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع وكذلك الرجل وهذه الرواية في الكافي أيضا في
باب مسح الرأس والجواب ما عرفت مع أن الرواية ضعيفة السند ولو أخذت هاتان الروايتان مع رواية الحسين المتقدمة يكون حجة لظاهر النهاية والجواب أيضا ما عرفت وأما وجوب
قدر الإصبع فقد نسب المصنف (ره) في الذكرى القول به إلى الراوندي في أحكام القرآن وهو الظاهر أيضا من كلام المفيد (ره) في المقنعة حيث قال ويجزي للانسان في مسح رأسه أن يمسح
من مقدمه مقدار إصبع يضعها عليه عرضا مع الشعر إلى قصاصه وإن مسح منه مقدار ثلاث أصابع مضمومة بالعرض كان أسبغ وفعل الأفضل من كلام الشيخ (ره) أيضا
في التهذيب حيث قال في شرح هذا الكلام المنقول عن المقنعة يدل على ذلك قوله تعالى وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم ومن مسح رأسه ورجليه بإصبع واحدة فقد دخل تحت الاسم
ويسمى ماسحا ولا يلزم على ذلك ما دون الإصبع لأنا لو خلينا والظاهر لقلنا بجواز ذلك لكن السنة منعت منه ومن المختلف أيضا حيث قال المشهور فيما بين علمائنا الاكتفاء في
مسح الرأس والرجلين بإصبع واحدة لكن الظاهر من كلام المبسوط والمعتبر والتذكرة والمنتهى والسرائر عدم التحديد بهذا الحد أيضا بل يكفي ما يسمى مسحا وهو الظاهر أما
الأصل وصدق الامتثال وروايتا زرارة وبكير المنقولتان آنفا والذي يمكن أن يحتج به على وجوب قدر الإصبع روايتا حماد والحسين المتقدمتان وفيه إنهما لا دلالة لهما على
113

وجوب المسح بتمام عرض الإصبع لجواز أن يكون الامر بإدخال الإصبع لان يكون آلة المسح والشهيد الثاني (ره) في شرح الارشاد حمل كلام القوم أيضا في التحديد بالإصبع
على هذا المعنى وعلى هذا لا خلاف لكن كان الظاهر من التهذيب بل من الذكرى أيضا خلافه ثم أن القائلين بثلاث أصابع هل يقولون بوجوب المسح بثلاث أصابع أو بوجوب المسح بقدرها وإن كان بطول إصبع واحدة
لم أقف فيه على نص منهم لكن الظاهر من الروايتين الدالتين على مطلوبهم وجوب ذلك القدر سواء كان بثلث أصابع أو أقل منها واعلم أن ما ذكره كله إنما هو بالنسبة إلى
عرض مقدم الرأس وأما بالنسبة إلى طوله فالظاهر فيه أيضا الاكتفاء بإمرار اليد في الجملة بما يسمى مسحا نعم لا يكفي وضع الإصبع بدون إمرار لعدم صدق المسح عليه هذا
والاحتياط أن لا يترك المسح بثلاث أصابع عرضا بل طولا أيضا ولا يجوز استقبال الشعر فيه على المشهور في كونه مشهورا تأمل لان كثيرا من أصحابنا العظماء ذهبوا إلى
جواز الاستقبال كالشيخ في المبسوط وابن أبي عقيل كما نقل عنه في المختلف وابن إدريس والمحقق في المعتبر والشرايع والعلامة في جملة من كتبه وبالجملة الظاهر جواز الاستقبال
لصدق الامتثال ولما رواه التهذيب في الصحيح عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا وقد يناقش فيه بأنه لا دلالة له على جواز مسح
الرأس مدبرا لامكان اختصاصه بالقدمين ويؤيده أنه روى الشيخ في موضع آخر عن حماد أيضا بأدنى تغير في السند وفيه موضع الوضوء القدمين وهذا مما يضعف الاحتجاج
به فالتعويل على الدليل الأول واحتج السيد المرتضى على عدم جواز الاستقبال بأن مسح الرأس من غير استقبال رافع للحدث بلا خلاف بخلاف المسح مستقبلا فيجب فعل المتيقن
وجوابه ظاهر والعجب أنه (ره) ذهب في الوجه واليدين إلى جواز العكس دون الرأس مع أن الامر بالعكس أولى ويمكن أيضا أن نحتج عليه بما تقدم من الاحتجاج بالوضوء البياني على عدم
جواز النكس في الوجه واليدين والجواب الجواب ثم أن جمعا من القائلين بجواز الاستقبال صرحوا بكراهته ووجهه المحقق في المعتبر بالتفصي عن الخلاف وفيه ما فيه ولا المسح على
حايل الحائل ثلثه العامة ونحوهما من المقنعة والحناء وشبهه من الأطلية والشعر أما الأول فقد ادعى الاجماع على عدم جواز المسح عليه ويدل عليه أيضا مضافا إلى الاجماع عدم
صدق الامتثال لان المسح على العمامة لا يطلق عليه المسح بالرأس وهو ظاهر وما رواه التهذيب أيضا في زيادات صفة الوضوء في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام أنه سئل عن
المسح على الخفين وعلى العمامة فقال لا يمسح عليهما والروايتان المنقولتان سابقا أيضا عن حماد والحسين في العمامة وأما الثاني فقد ذكر المصنف في الذكرى أن المشهور عدم
جواز المسح عليه يدل عليه أيضا عدم صدق الامتثال وما رواه التهذيب في الزيادات أيضا عن محمد بن يحيى رفعه عن أبي عبد الله عليه السلام في الذي يخضب رأسه بالحناء ثم يبدو له
في الوضوء قال لا يجوز حتى يصيب بشرة رأسه الماء وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب مسح الرأس لكن يعارض بما رواه التهذيب في هذا الباب في الصحيح عن عمر بن يزيد قال
سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يخضب رأسه بالحناء ثم يبدو له في الوضوء قال يمسح فوق الحناء وما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله
عليه السلام في الرجل يحلق رأسه ثم يطليه بالحناء ويتوضأ للصلاة فقال لا بأس بأن يمسح رأسه والحناء عليه وجمع الشيخ بين الروايات بأنه إذا أمكن إيصال الماء إلى البشرة
من غير مشقة فلا يجوز غيره فإذا تعذر ذلك جاز أن يمسح فوق الحنا ولا دليل على هذا الجمع نعم لو كان الحناء للدواء لأمكن إدخاله تحت حكم الجبائر وشبهها كما سيجئ
إنشاء الله تعالى وكذا الأطلية الاخر غير الحناء ويمكن الجمع بين الروايات بحمل الروايتين الدالتين على الجواز على جوازه فوق أثر الحناء وهو اللون للمجرد أو مع قيامه أيضا
بجسم رقيق لا يعد في العرف حايلا وبالجملة الظاهر عدم جواز المسح فوق الحناء الذي له جسميته بحيث يعد في العرف حائلا وكذا شبهه من غير ضرورة
لعدم صدق الامتثال ظاهرا وعدم صلاحية الروايتين المذكورتين لاخراج هذا الفرد لاحتمال أن يكون المراد بهما الحناء الغير الحايل احتمالا غير مرجوح سيما مع وجود
قرينة المرفوعة المذكورة واما عند الضرورة فيظهر حالها في الجبائر إنشاء الله تعالى وأما الثالث فقد ذكرنا أن الاجماع واقع منا بجواز المسح على البشرة والشعر وأيضا نعلم
بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام كان على رؤوسهم الشعر ويمسحون عليه وأيضا يلزم العسر والجرح وبالجملة جواز المسح على شعر المقدم في الجملة
من ضروريات الدين إنما الكلام في تحديده فاعلم إن الشعر الذي يمسح عليه أما أن يكون شعر مقدم البشرة أو غيره والأول أما على المقدم أو استرسل منه فإن استرسل
منه فلا خفاء في عدم جواز المسح عليه إذ لا يصدق عليه المسح على المقدم وإن لم يسترسل فأما أن يكون بحيث لو مد خرج عن حد المقدم أولا ف‍ إن لم يكن كذلك فالظاهر
جواز المسح عليه للاجماع كما هو الظاهر وإن كان كذلك فأما أن يمسح على أصوله مما لا يخرج عن الحد فكالسابق أيضا وإن كان على الذي من شأنه أن يخرج فالمشهور بين القوم بحيث
لم نعرف خلافا عدم الجواز لكن في إثباته بالدليل إشكال إذا أطلق عليه في العرف أنه مسح على الرأس أو الناصية لكن الأولى متابعة القوم خصوصا مع عدم معلومية
ذلك الاطلاق وأما الثاني فإن كان على غير المقدم فالامر فيه ظاهر وإن كان على المقدم فهو أيضا مثل الاحتمال الأخير في الشق الأول بل هو أولى بعدم الجواز ثم اعلم إن الظاهر
من كلام الصدوق في الفقيه والشيخ في المبسوط والنهاية أنه يجب على النساء وضع القناع في الصبح والمغرب عند المسح ورخص لهن في ساير الصلوات فيجوز أن يكتفي
فيها إدخال الإصبع تحت القناع والعلامة والمحقق صرحا باستحباب الوضع مطلقا وتأكده في الغداوة والمغرب والظاهر عدم الوجوب للأصل والامتثال بالمسح
تحته وإطلاق صحيحة زرارة المنقولة بطريقين صحيح وحسن المتقدمة في بحث جواز الاكتفاء بمسمى المسح والذي يمكن أن يحتج به على الوجوب ما رواه التهذيب
في باب صفة الوضوء عن عبد الله بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا تمسح المرأة بالرأس كما يمسح الرجال إنما
114

المرأة إذا أصبحت مسحت رأسها وتضع الخمار عنها وإذا كان الظهر والعصر والمغرب والعشاء تمسح بناصيتها
وفيه نظر أما أولا فلانه ضعيف السند وأما ثانيا فلعدم
ظهوره في الوجوب لان الجملة الخبرية ليست بظاهرة فيه وعلى تقدير الظهور أيضا فليحمل على الاستحباب جمعا بينه وبين صحيحة زرارة ثم إن الرواية مختصة بالصبح فضم المغرب إليه
في الوجوب أو تأكد الاستحباب كما فعلوه مما لا وجه له اللهم إلا أن يكون مستندهم رواية أخرى لكن الشيخ في التهذيب استدل بهذه الرواية وكذا العلامة في المنتهى ولا يخفى
إن الاستحباب أيضا لا دليل عليه فيما سوى الصبح كم تقدم فالقول به مطلقا لا يخلو من الاشكال إلا أن يتسامح فيه ويكتفي بتسميته جمع من الأصحاب أو يقال باستنباطه من
مفهوم صحيحة زرارة بان يجعل الاجزاء الواقع فيها بالنظر إلى عدم القاء الخمار ويدعي أن الاجزاء إنما هو فيما يكون خلافه أولى والله أعلم (ويجب كونه بنداوة الوضوء
وتجويز ابن الجنيد غيرها عند عدمها شاذ ولو جف كفاه ما على اللحية والحاجب والأشفار فإن فقد استأنف الوضوء) لا خلاف بين علمائنا في جواز المسح ببقية البلل
خلافا للعمامة فإنهم أوجبوا استيناف الماء الجديد سوى مالك فإنه أجاز المسح بالبقية وكذا لا خلاف بيننا أيضا كما هو الظاهر في وجوب المسح بالبقية وعدم جواز الاستيناف
عند بقاء النداوة على اليد وأما عند جفاف اليد فالمشهور أيضا عدم جواز الاستيناف بل يؤخذ من اللحية ونحوها لو كان بها بلة ويستأنف الوضوء لو جف أيضا نعم جوزوا
في حال الضرورة كإفراط الحر مثلا بحيث لا يقدر على المسح ببقية الوضوء أن يستأنف ماء جديد وقد نقلوا عن بن الجنيد ما يدل بظاهره على جواز الاستيناف عند جفاف
اليد مطلقا سواء وجد بلل على اللحية ونحوها أو لا وسواء كان في حال الضرورة أو لا لكن يظهر من كلام بعض الأصحاب إن خلافه إنما هو حال جفاف جميع الأعضاء وحينئذ
فلفظة اليد في كلامه إنما هي على سبيل التمثيل فإن قلت سيجئ إن ابن الجنيد حاكم ببطلان الوضوء مع الجفاف فكيف يصح منه الحكم بجواز الاستيناف حال الجفاف قلت سيجئ أيضا
أنه لا يحكم بالبطلان إذا كان الجفاف لضرورة فحينئذ يمكن الحكم منه بجواز الاستيناف حال الجفاف فإن قلت الأصحاب أيضا قائلون بجواز الاستيناف حال الضرورة فما الفرق بين
مذهبهما قلت فرق بين الضرورتين لان الضرورة التي جوز معها الأصحاب الاستيناف هي أن يتعذر المسح بالبلة مع مراعاة المتابعة في الوضوء لفرط حر أو شبهة والضرورة التي
جوز معها ابن الجنيد الجفاف والاستيناف هي مثل أن ينقطع الماء في الأثناء فيجف الأعضاء إلى وصوله أو عرض حاجة فقطع الوضوء بسببها وعلى هذا فالفرق بين المذهبين ظاهر
فها هنا أمور الأول جواز المسح بالبقية والثاني وجوبه عند وجود البلل على اليد والثالث وجوبه في غير هذه الصورة أيضا وهو وجود البلل على اللحية ونحوها والرابع
وجوب الاستيناف حال جفاف جميع الأعضاء في غير حال الضرورة والخامس عدم وجوب الاستيناف بل جواز استيناف الماء الجديد عند الضرورة كإفراط الحر وقلة
الماء بحيث كلما توضأ جف أما الأول فيدل عليه مضافا إلى الاجماع صدق الامتثال والروايات الكثيرة المتظافرة التي كادت أن تبلغ حد التواتر المتضمنة لفعلهم (عليه السلام)
كذلك وقد تقدم طرف منها وأما ما رواه التهذيب في باب صفة الوضوء عن أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن مسح الرأس قلت امسح بما في يدي من النداء رأسي قال لا
بل تضع يدك في الماء ثم تمسح فمع إمكان المناقشة في صحة سنده لا يعارض الروايات الكثيرة ولما يحمل على التقية لموافقته لمذهب جمهور العامة وأوله أيضا الشيخ بأن يكون
أراد به إذا جف وجهه أو أعضاء طهارته فيحتاج أن يجدد غسله فيأخذ ماء جديد أو يكون الاخذ له أخذا للمسح وفيه ما فيه وكذا أوله أيضا بأن يكون المراد من قوله بل تضع
يدك في الماء الماء الذي بقي في لحيته أو حاجبيه وفيه أيضا ما فيه وكذا ما رواه أيضا في الباب المذكور عن جعفر بن عمارة أبي عمارة الحارثي قال سئلت جعفر بن محمد (عليه السلام)
امسح رأسي ببلل يدي قال خذ لرأسك ماء جديدا إنما يحمل على التقية سيما مع أن رجاله رجال العامة والزيدية كما ذكره التهذيب وأما الثاني فيدل عليه الاجماع واستدل
أيضا بالروايات الواردة لبيان الوضوء حيث ورد فيها أنهم (عليهم السلام) لم يجدد وإماء وفيه ما مر من أنه لا يدل على الوجوب لجواز أن يكون فعلهم (عليه السلام) من أنه أحد الافراد
لا لتعينه بخصوصه ويستدل عليه أيضا بما نقلنا عن الكافي في بحث مسح مقدم الرأس من رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) إن الله وترا إلى آخر الحديث وهذه الرواية في
التهذيب أيضا في زيادات صفة الوضوء بطريق حسن بإبراهيم بن هاشم ويناقش فيه أيضا بعدم ظهوره في الوجوب كما مر غير مرة ويستدل أيضا على محاذاة ما ذكره المحقق في
المعتبر بأن الامر بالمسح مطلق والامر المطلق للفور والآتيان به ممكن من غير استيناف ماء فيجب الاقتصار عليه تحصيلا للامتثال ولا يلزم مثله في غسل اليدين لان الغسل
يستلزم استيناف الماء وفيه أنه على تقدير تسليم إن الامر للفور فلا نسلم أن مثل ذلك الفصل ينافي الفورية لان بنائها على العرف ولا يعد فيه مثل هذا تأخيرا وهو
ظاهر وما ذكره من أن الغسل يستلزم استيناف الماء منظور فيه أيضا لامكان أن يكون في اليد بلل كثير بحيث يمكن إجراؤه على العضو ولا شبهة في ذلك والأولى أن يجاب عن النقض بأنه خارج
بالاجماع وبالجملة التعويل في هذا الحكم على الاجماع والروايات وإن أمكن المناقشة فيها كما عرفت لكنها مما تصلح للتأييد وما أورده ابن إدريس في السرائر ما استطرفه من
نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر من رواية مثنى من أنه (عليه السلام) وضع يده في الماء فلا يعارض الاجماع وأما صحيحة علي بن جعفر المتضمنة لحديث المطر المنقولة سابقا عند شرح قول
المصنف ولو كالدهن مع الجريان ففيها إجمال لا يظهر منها فهم المراد حتى يكون ظاهرا في المنافاة ويحتاج إلى التأويل فتدبر وأما الثالث فمما يمكن أن يستدل به عليه ما رواه
الصدوق (ره) في الفقيه في باب فيمن ترك الوضوء أو بعضه مرسلا قال وقال الصادق (عليه السلام) إن نسيت مسح رأسك فامسح عليه وعلى رجليك من بلة وضوئك وإن لم يكن بقي
في يدك من نداوة وضوئك شئ فخذ ما بقي منه في لحيتك وامسح به رأسك ورجليك وإن لم يكن لحيته فخذ من حاجبيك وأشفار عينيك وامسح به رأسك ورجليك وإن لم يبق
115

من بلة وضوئك شئ أعدت الوضوء وهذه الرواية صريحة في الدلالة على المدعى لكنها مما يخدشها الارسال والايراد عليها بأنها مخصوصة بحال النسيان يمكن دفعه بالشك
بالاجماع المركب ولا يبعد القول بانجبار ضعفها للارسال بالشهرة بين الأصحاب والعمل بها مع أن ما في الفقيه حكم الصدوق بصحته وإن حجة فيما بينه وبين ربه
ويمكن أن يستدل أيضا بما رواه التهذيب في الباب المذكور عن خلف بن حماد عمن أخبره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له الرجل ينسى مسح رأسه وهو في الصلاة قال إن كان
في لحيته بلل فليمسح قلت فإن لم يكن له لحية قال يمسح من حاجبيه أو من أشفار عينيه وفيه أنه مع عدم صحة السند لا ظهور له في المدعى لجواز أن يكون الامر بالمسح من بلل اللحية
لكونه من الفردين المخيرين مع عدم تيسر الفرد الآخر في هذا الحال غالبا إذ الغالب أن في حال الصلاة لا يتيسر الماء الجديد فلا دلالة على عدم جوازه ويؤيد ما
ذكرناه ما رواه التهذيب في أواخر باب أحكام السهو في الصلاة عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل نسي أن يمسح على رأسه فذكر وهو في الصلاة فقال إن كان استيقن
ذلك انصرف فمسح على رأسه وعلى رجليه واستقبل الصلاة وإن شك فلم يدر مسح أو لم يمسح فليتناول من لحيته إن كانت مبتلة وليمسح على رأسه وإن كان إمامه ماء فليتناول
منه فليمسح به رأسه ويمكن أن يستدل أيضا بما رواه التهذيب في الباب المنقول آنفا عن مالك بن أعين عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من نسي مسح رأسه ثم ذكر أنه لم يمسح رأسه فإن كان
في لحيته بلل فليأخذ منه ولمسح رأسه وإن لم يكن في لحيته بلل فلينصرف وليعد الوضوء وفيه أيضا بعد القدح في السند ما مر في سابقه والظاهر أن الكلام ها هنا في حال
الصلاة بقرينة فلينصرف ويمكن أن يقال إن الاستدلال بهذه الرواية إن كان من جهة الامر بالأخذ من اللحية لكان كما ذكر أما إذا كان من جهة الامر بالإعادة باعتبار
أنه إذا لم يكن الاستيناف مع جفاف جميع الأعضاء جايز الدلالة الامر بالإعادة حينئذ عليه فلم يجز مع جفاف بعض الأعضاء بطريق الأولى فلا نعم يمكن أن يعترض حينئذ بأن الامر
بالإعادة يجوز أن يكون لأجل جفاف جميع الأعضاء لا للاستيناف فلا يجري فيما نحن فيه وهذه إنما ينافي إذا لم يكن ابن الجنيد قائلا بالصحة مع جفاف جميع الأعضاء
للضرورة ويحمل ما نقوله عنه من الصحة عند الجفاف مع الضرورة على جفاف البعض لأنه قائل باشتراط وجود البلة على جميع الأعضاء حال الاختيار فتدبر ويمكن أن
يستدل أيضا بما رواه التهذيب في الباب المذكور سابقا في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا ذكرت وأنت في صلاتك إنك قد تركت شيئا من وضوءك المفروض
عليك فانصرف فأتم الذي نسيته من وضوئك وأعد صلاتك ويكفيك من مسح رأسك أن تأخذ من لحيتك بللها إذا نسيت أن تمسح رأسك فتمسح به مقدم رأسك و
هذه الرواية في الكافي أيضا في باب الشك في الوضوء وفيه أنه لا دلالة له على تعيين الاخذ من اللحية لم لا يجوز أن يكون الاخذ من اللحية والاستيناف كلاهما جايزين نعم لو كان
مذهب ابن الجنيد وجوب استيناف الماء الجديد حين جفاف اليد لكان حجة عليه ويرد عليه حينئذ أيضا إن عند الاخذ من اللحية والمسح به يتحقق الامتثال ولا بد للتكليف
الزايد من دليل وليس فليس ويرد على هذا الاستدلال أيضا ما أوردنا على سابقه وقس عليه أيضا الاستدلال بما رواه الفقيه في الباب المذكور آنفا قال وروى
أبو يصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل نسي مسح رأسه قال فليمسح قال لم يذكره حتى دخل في الصلاة قال فليمسح رأسه من بلل لحيته وكذا الاستدلال عليه بما رواه التهذيب في الباب المذكور عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام)
في رجل ينسى مسح رأسه حتى يدخل في الصلاة قال إن كان في لحيته بلل بقدر ما يمسح رأسه ورجليه فليفعل ذلك وليصل مع أنه ضعيف السند وأما الاستدلال بما رواه التهذيب
في الباب المذكور في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في أثناء حديث فإن شككت في مسح رأسك فأصبت في لحيتك بللا فامسح بها عليه وعلى ظهر قدميك فإن
لم تصب بللا فلا تنقض الوضوء بالشك وقد روى في الكافي أيضا في باب الشك في الوضوء بطريق حسن فأدون حالا من سابقيه كما لا يخفى ويمكن أن يستدل على جواز
الاستيناف حينئذ بصدق الامتثال وعدم دليل دال على تقييد الامر بمطلق المسح لما عرفت حال الأدلة فينبغي أن يبقى على إطلاقه وما ذكروه من تحقق الاجماع بعد ابن الجنيد
على عدم جواز الاستيناف فما لا يصلح للتعويل لان إثبات تحقق الاجماع في زمان الغيبة أمر دونه خرط القتاد لكن محافظة الاحتياط خصوصا مع وجود مرسلة الفقيه
يقتضي الاخذ بما عليه الأصحاب هذا كله إن حمل خلاف ابن الجنيد على ما يفهم من ظاهر كلامه كما ذكرنا وأما إذا حمل على ما يفهم من كلام بعض الأصحاب فيرتفع
الاشكال إذ المسألة حينئذ يصير إجماعية كما هو الظاهر ثم أنه على المشهور هل يختص جواز أخذ الماء من اللحية بحال نسيان المسح أولا وهل يختص بحال جفاف اليد أو يجوز حال
ابتلالها أيضا أما الاختصاص بالنسيان فهو وإن كان مما يشعر به ظاهر كلام المعتبر والمنتهى حيث خصصا الحكم بهذه الصورة لكن كلام التذكرة صريح
في عدم الاختصاص وهو الأقوى بالنظر إلى الدليل وإن كانت الروايات الواردة في هذا الحكم مختصة بحال النسيان لما قد عرفت من إطلاق الامر بالمسح وصدق الامتثال
عند الاخذ من اللحية والمسح به من دون معارض لأن الشهرة التي قد تحققت في عدم جواز الاستيناف ففيه ها هنا والروايات المذكورة أيضا خالية من الدلالة
في هذه الصورة رأسا فيبقى الاطلاق بحاله وأما الاختصاص بحال الجفاف فهو ظاهر من كلام الشيخ والمحقق والعلامة والمصنف (ره) لكن الشهيد الثاني وصاحب الدار أولى
ذكر أنه لا اختصاص له به وإن التعليق في عبارات الأصحاب يخرج مخرج الغالب واستدل عليه الشهيد الثاني باشتراك الجميع في كونه بلل الوضوء فلا يصدق عليه
الاستيناف ولاطلاق قول الصادق (عليه السلام) فيما رواه مالك بن أعين عنه كما نقلنا آنفا وفيه نظر لان ما ذكره من اشتراك؟ في كونه بلل الوضوء مما لا يجدي لان
ما يستدل به على عدم جواز الاستيناف أما الأحاديث التي وردت بيانا وأما الحديث الذي قد تقدم من قوله (عليه السلام) إن الله وتر إلى آخر الحديث وفى أكثر الأحاديث
116

الواردة بيانا إنما وقع المسح ببلة اليد وهذا الحديث أيضا يدل على ذلك فكما يستدل بها على عدم جواز الاستيناف يمكن أن يستدل بها أيضا على عدم جواز الاخذ من
اللحية إلا ما أخرجه الدليل وهو الاخذ حال جفاف اليد فالفرق تحكم وما ذكره من إطلاق الرواية إنما يعارضه مرسلة الفقيه المنقولة آنفا فيحمل على جفاف اليد كما هو الظاهر
لان النسيان إنما يكون مظنة الجفاف خصوصا مع ما ذكرنا سابقا إن الظاهر أنه بعد الدخول في الصلاة نعم يمكن أن يقال بجواز الاخذ حال عدم الجفاف أيضا لما عرفت من الدلائل
التي يستدل بها على عدم جواز الاستيناف ليست بتامة وإنما التعويل على الشهرة العظيمة أو الاجماع ولا يخفى أنهما منتفيان فيما نحن فيه فلا دليل على منعه والامر بالمسح مطلق
فيبقى على إطلاقه ثم أنه هل يجب مراعاة الترتيب في الاخذ من الحية والحاجب والأشفار أولا الظاهر بالنظر إلى كلام القوم عدمه لكن ظاهر مرسلة الفقيه ومرسلة خلف المتقدمتين الترتيب
إلا أنه لما لم تقويا من حيث السند والأصل جواز الاخذ من أي موضع كان والظاهر أن الأصحاب لم يعملوا بهما في حكم الترتيب مع إمكان أن يكون الامر بهذا الترتيب من باب المتعارف فلا يبعد
القول بعدم وجوب الترتيب ومقتضى الاحتياط أن لا يكتفي بالوضوء الذي أخذ فيه من اللحية في غير صورة النسيان بل يجدد وضوء آخر وكذا يراعى جفاف اليد في صورة
النسيان وغيره وكذا الترتيب بأن يأخذ أولا من اللحية لو كان ثم من الحاجب أو الأشفار ولا ترتيب فيهما والظاهر جواز الاخذ من مسترسل اللحية لاطلاق الروايات مع ما علمت
من الأصل وما يتوهم من أنه ليس فضلة الوضوء ليس بشئ إذ لا دليل على كون المسح بفضلة الوضوء بل لو كان فإنما يكون في بلة اليد فلما لم يبق معمولا به فيها للروايات
فلا وجه لاعتبار فضلة الوضوء مع أن عدم كونه فضلة الوضوء أيضا ممنوع لان غسل المسترسل أيضا من سننه وقد سبق ولا فرق أيضا في جواز الاخذ من فضلة الغسلة الأولى
أو الثانية لما عرفت وأما فضلة الثالثة لو لم يجوزها أحد فقد استشكل في الاخذ منها بناء عل أنها بدعة فلا يعد من ماء الوضوء وقربه المصنف في الذكرى
ومن حيث عدم انفكاكها عن ماء الوضوء ونصره المحقق في المعتبر والظاهر الثاني بالنظر إلى ما ذكرنا وكذا الظاهر جواز الاخذ من غير المواضع المذكورة ولا يخفى وجهه وأما الرابع
وهو الذي يفهم من كلام بعض الأصحاب إن نزاع ابن الجنيد فيه فلا يخفى أنه يحتمل وجهين لأنه أما أن يكون الجفاف مع التفريق بين إفعال الوضوء سواء كان لضرورة أم لا أو
بدون التفريق فإن كان الأول فالظاهر بطلان الوضوء ووجوب الإعادة للروايات الواردة به والاجماع أيضا على احتمال أن يكون تجويز ابن الجنيد الجفاف مع الضرورة تجويز
جفاف البعض كما أشرنا إليه سابقا لكن لا نعلم أن بطلانه لأجل الجفاف أو للاستيناف وإن كان الثاني فالظاهر أن ابن الجنيد قائل بالبطلان حينئذ إذ ما نقل عنه من تجويز الجفاف
إنما هو عند الضرورة كما صرح به المصنف في الذكرى إلا أن يعتبر الضرورة حال عدم الاشتغال لكن يحتمل أن يكون الصدوق (ره) وأبوه أيضا قائلين بالصحة وهو الظاهر بحسب الدليل
أيضا فإن تحقق قول من الأصحاب به فالظاهر الحكم بالصحة وإن لم يتحقق بل كان مختار الصدوق وأبيه من تجويز الجفاف حين الاشتغال بأفعال الوضوء مختصا بحال الغسل لا المسح
أيضا ويكون الحكم ببطلان عند الجفاف حال المسح مجمعا عليه فإنما يتبع الاجماع وإن لم يظهر له دليل سواه وسيجئ تفصيل القول فيه إنشاء الله تعالى في بحث الموالاة وأما الخامس
فقد ذكره المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى والشهيد الثاني في شرح الارشاد وقال العلامة في التذكرة لو جف ماء الوضوء للحر أو الهواء المفرطين استأنف الوضوء ولو تعذر
أبقى جزء من يده اليسرى ثم أخذ كفا غسله به وعجل المسح على الرأس والرجلين ولم يذكر استيناف الماء الجديد عند عدم إمكان ذلك المعنى وقال المصنف في الذكرى أيضا مثل ما في
التذكرة واستدل المحقق في المعتبر على جواز الاستيناف برفع الحرج ولا يخفى إنا لو اعترفنا بأن الروايات المتضمنة لبيان الوضوء إنما تدل على أن الوضوء المفروض هو الذي كان
مسحه ببلة اليد كما هو الظاهر من كلام القوم يلزم علينا أن لا نجوز الاستيناف في هذه الصورة لان المأمور به إذا كان هذا الوضوء الخاص والآتيان بغيره من عند أنفسنا بلا دليل
شرعي على أنه بدل منه لا معنى له ويكون تشريعا وما ذكر من الحرج ليس بشئ إذ لا حرج ها هنا بل يسقط الوضوء وينتقل الفرض إلى التيمم نعم لو أنه سلم دلالة الروايات على ذلك
كما ذكرنا ولم نمنع جواز الاستيناف أو منعناه أيضا لكن للشهرة أو الاجماع فحينئذ الظاهر الحكم بجواز استيناف الماء الجديد لاطلاق الامر بالمسح مع عدم شهره أو اجتماع على التقييد في
هذه الصورة والاحتياط أن يستأنف الماء الجديد ويمسح ثم يضم إليه التيمم أيضا والأحوط أيضا لو كان رجاء أن يكسر سورة الحر مثلا إلى آخر الوقت أن يؤخر الوضوء إليه ليمكن
المسح بنداوة الوضوء والله أعلم (ولا يجزي الغسل عنه) لا خفاء في عدم إجزاء الغسل المجرد عن المسح باليد عنه لعدم صدق الامتثال وكذا الغسل المقارن لامرار اليد فيما فرض
أنه لم يصدق عليه المسح في العرف لكثرة جريان الماء مثلا وأما الغسل المقارن للمسح الذي يصدق المسح عليه في العرف لكونه غسلا خفيفا فالظاهر حينئذ الاجزاء لصدق الامتثال و
عدم ما يدل على خلافه وأما ما رواه التهذيب في باب صفة الوضوء عن محمد بن مروان قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) أنه يأتي على الرجل ستون وسبعون سنة ما قبل الله منه صلاة
قلت وكيف ذلك قال لأنه يغسل ما أمر الله بمسحه فالظاهر أنه تعريض بالعامة في غسلهم الرجلين مجردا عن المسح مع أنه ضعيف السند وما نقل في التذكرة من الاجماع على عدم
إجزاء الغسل فالظاهر أنه في غير هذه الصورة كما يشعر به دليله من اشتماله على الاستيناف كما لا يخفى وما يتوهم من أنه لما وقع المسح في مقابلة الغسل فيجب أن يكون حقيقة مخالفة
لحقيقة الغسل وإلا لا معنى المتقابل ففيه أنه لو أريد بالمخالفة التباين الكلي فلا نسلم استلزام التقابل هذا المعنى وإن أريد بها أعم منه فممنوع ولكنها متحققة فيها لان بينهما
عموما من وجه إذ يصدق الغسل على الصب المجرد عن الامرار بدون المسح وبالعكس في المسح الخالي عن الجريان ويصدقان في الاجراء بالامرار ولا خفاء في كفاية هذا المعنى في صحته
التقابل ولا يخفى أن الظاهر من طريقتهم عليهم السلام أيضا ذلك لاكتفاء بالامر بالمسح ببلة اليد من غير إشعار برعاية عدم حصول الجريان مع أن الغالب أن لا ينفك اليد بعد
117

الفراغ من الوضوء عن قدر بلة يحصل معه جريان يسير وعلى هذا فإن نزل كلام المصنف (ره) وكذا كلام غيره من الأصحاب الذي يؤدي مؤداه على ما ذكرنا فنعم الوفاق وإلا
فالظاهر خلافه وقد صرح المصنف في الذكرى بما ذكرنا حيث قال من مسألة تعذر المسح بالبلل لافراط الحر وإنه يبقى حينئذ جزءا من اليسرى أو كلها ثم يغمس في الماء أو يكثر الصب ويمسح به
ولا يقدح قصد إكثار الماء لأجل المسح لأنه من بلل الوضوء وكذا لو مسح بماء جار على العضو وإن أفرط الجريان لصدق الامتثال ولأن الغسل غير مقصود انتهى ولا يخفى ضعف تعليله
الأخير (ولا المسح بآلة غير اليد) لظهور الروايات في المسح باليد والظاهر الاجزاء بأي جزء كان من اليد والحديثان المنقولان سابقا في بحث المسح على الحائل المتضمنان لذكر الإصبع
كأنهما بناء على المعتاد قال المصنف في الذكرى والظاهر أن باطن اليد أولى نعم لو اختص البلل بالظاهر وعسر نقله أجزء ولو تعذر المسح بالكف فالأقرب جوازه بالذراع انتهى و
هذا التفصيل وإن كان إثباته بالدليل مشكلا لكن الاحتياط في رعايته وقال العلامة في النهاية ولو مسح بخرقة مبلولة بماء الوضوء بأن كانت الأصابع مشدودة فالأقرب
عدم الاجزاء لان ماء الوضوء هو المتصل بالأصابع لا ما على الحاوي أما لو كان المسح على الخرقة في اليد لضرورة الجرح وشبهه فمسح به فالأقرب الجواز لو كانت اليد الأخرى
كذلك ولو كانت سليمة فإشكال انتهى وحاله أيضا كحال ما في الذكرى فتأمل
(ويكره مسح جميع الرأس وحرمه ابن حمزة وفي الخلاف بدعة اجماعا) لاخفاء في عدم استحبابه لعدم توظيفه
شرعا وأما كراهته فعلله المصنف (ره) في الذكرى بأنه تكليف ما لا يحتاج إليه وفيه ضعف وعلل ابن حمزة الحرمة بمخالفة الشرع وهو أيضا ضعيف والبدعة التي ادعى الاجماع عليها
في الخلاف لم يظهر المراد منها والحاصل أن اثبات قدر زايد على عدم الاستحباب مشكل قال المصنف (ره) في الذكرى وقال ابن الجنيد لو مسح من مقدم رأسه إلى مؤخره أجزأه إذا كان
غير معتقد فرضه ولو اعتقد فرضه لم يجزء إلا أن يعود إلى مسحه ويضعف باشتماله على الواجب فلا يؤثر الاعتقاد في الزايد وأبو الصلاح أبطل الوضوء لو تدين بالزيادة
في الغسل أو المسح وهو كالأول في الرد نعم يأثم باعتقاده انتهى وسيجئ إنشاء الله تعالى في بحث الغسلة الثالثة ما ينفع في هذا الموضع (والزايد عن إصبع من الثلاث مستحب) قال
في الذكرى لو مسح بثلاث أصابع فالأقرب إن الزائد موصوف بالاستحباب لجواز تركه ويمكن الوجوب لأنه أحد جزئيات الكلي هذا إذا أوقعه دفعة ولو أوقعه تدريجا
فالزايد مستحب قطعا انتهى والظاهر فيما إذا أوقعه دفعة خلاف ما قربه المصنف لان الامتثال إنما يتحقق بهذا المجموع فيكون من إفراد الواجب وجواز تركه مع الاتيان بفرد
آخر لا يقدح في كونه من أفراد الواجب المخير ويمكن بناء الكلام على أن حال المسح بثلاث أصابع دفعة هل إجزاء ذلك الفعل موجودة مع الكل بوجود واحد أو بوجودات
متعددة فعلى الأول يكون ذلك الفعل مما يحصل به الامتثال فيكون واجبا لكن هذا الاحتمال خلاف الظاهر لأن الظاهر أن هذه الاجزاء من قبيل الأجزاء الخارجية
فلا يكون موجوده مع الكل بوجود واحد وعلى الثاني يكون وجود الاجزاء مقدما على الكل فيحصل الامتثال
بالاجزاء فلا يكون الكل واجبا لعدم حصول الامتثال به
بل قبله إلا أن لا يعتد بالتقدم الذي أتى في العرف ويقال إن الامتثال يحصل بالمجموع أيضا وما ذكره من استحباب الزايد إذا أوقعه تدريجا منظور فيه بل الظاهر عدم الاستحباب للزوم التكرار في المسح ولا نسلم خروجه من تحت التكرار
بالامر الوارد بالمسح بثلاث أصابع لان ظاهره المسح رفعة نعم ما ذكره من استحباب الزايد إنما يصح في غير هذا الموضع مثل التسبيحات الثلاث في الركوع والسجود هذا
إذا حكمنا بأن الاتيان بالمأمور به يكفي في الامتثال وإن لم يكن بقصد أنه امتثال لذلك الامر وأما إذا اعتبر هذا القيد فحينئذ لو قرء إحدى ثلاث تسبيحات بقصد المجموع
امتثال للامر بالذكر لا ما كل واحد يكون المجموع واجبا لعدم حصول الامتثال قبله
(ثم بشرة الرجلين) وجوب مسح الرجلين دون غسلهما مما انعقد عليه إجماعنا وخالف فيه
العامة فقال أبو الحسن البصري وابن جرير الطبرسي وأبو علي الجبائي بالتخيير بين المسح والغسل وقال الفقهاء الأربعة وباقي الجمهور بوجوب الغسل دون المسح وقال داود
بوجوبهما معا ويدل على وجوب المسح مضافا إلى الاجماع الكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وجه الاستدلال إن الأرجل أما مجرورة كما
في بعض القراءات ومنصوبة كما في البعض الآخر وعلى الأول الظاهر عطفه على الرؤس فيكون في حكمها من و ح جوب المسح عليها وجعله معطوفا على الأيدي والقول بأن
الجر من باب المجاورة ضعيف لوقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه وأيضا اعراب المجاورة شاذ وإنما يقتصر على السماع وأيضا فيما لا لبس فيه مثل حجر ضبت حزب
وهاهنا اللبس حاصل وعلى الثاني أيضا الظاهر أنه كذلك للقرب ويكون النصب حينئذ لكونه معطوفا على محل الرؤس والعطف على المحل شايع فإن قلت أولوية العطف على اللفظ
يعارض القرب قلت لنا مرجح آخر من حصول التطابق بين القرائتين حينئذ وأما السنة فكثيرة كاد أن يبلغ حد التواتر فمنها الروايات المتضمنة لوصف الوضوء كما تقدم
وصحيحة زرارة المتقدمة الدالة على التبعيض في المسح ورواية محمد بن مروان المتقدمة الدالة على عدم قبول الصلاة لترك المسح ومنها أيضا ما رواه التهذيب في
باب صفة الوضوء في الصحيح عن زرارة قال قال لي لو أنك توضأت فجعلت مسح الرجلين غسلا ثم أضمرت إن ذلك من المفروض لم يكن ذلك بوضوء ثم قال ابدء
بالمسح على الرجلين فإن بدء لك غسل فغسلته فامسح بعده ليكون آخر ذلك المفروض وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب مسح الرأس ومنها ما رواه أيضا في الباب
المذكور عن غالب بن هذيل قال سئلت أبا جعفر (عليه السلام) عن المسح على الرجلين فقال هو الذي نزل به جبريل (عليه السلام) إلى غير ذلك من الاخبار وبعض الروايات الواردة
على خلافها محمول على التقية لما عرفت من مذهب الجمهور مثل ما رواه في الباب المذكور عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يتوضأ الوضوء كله إلا رجليه ثم يخوض بهما الماء خوضا
قال أجزئه ذلك وما رواه أيضا في الباب المذكور في الصحيح عن أيوب بن نوح قال كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أسئله عن المسح على القدمين فقال الوضوء بالمسح ولا
118

يجب فيه إلا ذلك ومن غسل فلا بأس ولا يخفى أن حمل الرواية على التقية لا يخلو عن مناقشة وحملها الشيخ على أن المراد الغسل للتنظيف لا للوضوء وأيد بما رواه في الصحيح
عن أبي همام عن أبي الحسن (عليه السلام) في وضوء الفريضة في كتاب الله تعالى المسح والغسل في الوضوء للتنظيف وأنت خبير ببعد الحمل المذكور وعدم صلاحية ما ذكره للتأييد
إذ ظاهره إن الفرض هو المسح لكن لو غسل أحد فيكون من باب التنظيف لا أنه مفروض متعين ولولا مخافة مخالفة الاجماع بل الضرورة كما ادعاها بعض لأمكن
القول بإجزاء الغسل عن المسح بالنظر إلى ما يستفاد من الروايات كما لا يخفى على المتأمل ثم أنه انعقد إجماعنا أيضا على أن محل المسح هو ظاهر القدم دون باطنه والروايات
أيضا ناطقة به وقد تقدم طرف منها في الأبواب السابقة ويزيده بيانا ما رواه التهذيب في الباب المذكور في الصحيح عن أحمد بن محمد قال سئلت أبا الحسن (عليه السلام) عن المسح على
القدمين كيف هو فوضع بكفه على الأصابع ثم مسحهما إلى الكعبين فقلت له لو أن رجلا قال بإصبعين من أصابعه هكذا إلى الكعبين قال لا إلا بكفه كلها وما رواه الفقيه
أيضا مرسلا في باب حد الوضوء قال وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) لولا أني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمسح ظاهر قدميه لظننت أن باطنهما أولى بالمسح وما رواه
أيضا مرسلا قال وسئل موسى بن جعفر (عليه السلام) عن الرجل يكون خفة مخرقا فيدخل يده ويمسح ظهر قدميه من تحتها أيجزيه فقال نعم وما رواه الكافي أيضا في باب مسح الرأس
والقدمين عن جعفر بن سليمان قال سئلت أبا الحسن موسى (عليه السلام) قلت جعلت فداك يكون خف الرجل مخرقا فيدخل يده فيمسح ظهر قدميه أيجزيه ذلك قال نعم إلى غير ذلك
فأما ما ورد من مسحهما ظاهرا وباطنا فشاذ ضعيف لا يعمل عليه وكأنه محمول على التقية مثل مرفوعة أبي بصير المتقدمة في بحث المسح على الرأس وحملها الشيخ
على أن المراد المسح مقبلا ومدبرا وفيه بعد ومثل ما رواه أيضا في الباب المذكور عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا توضأت فامسح قدميكم ظاهرهما
وباطنهما ثم قال هكذا فوضع يده على الكعب وضرب الأخرى على باطن قدمه ثم مسحهما إلى الأصابع واعلم إن الشهيد الثاني (ره) قال في شرح الارشاد عند قول مصنفه
ومسح بشرة الرجلين واعلم أنه يستفاد من قوله بشرة الرجلين مع قوله في الرأس كذلك أو شعره المختص أنه لا يجزي المسح على الشعر في الرجلين بل تحتم البشرة والامر
فيه كذلك انتهى وهذا الحكم مما لم أقف فيه على تصريح في كلام القوم غير أنهم أقحموا لفظة البشرة في هذا الموضع ويمكن أن يكون مرادهم الاحتراز عن الخف ونحوه لا الشعر كما
هو الظاهر بحسب النظر لان المسح على الرجلين يصدق عرفا على شعرهما أيضا إلا إذا كان طويلا جما بحيث يخرج عن المعتاد سيما ليس فيه الباء الدالة على الالصاق وأيضا عدم التعرض
له في الأحاديث مطلقا مع أن الغالب أن الرجل لا ينفك عن الشعر يؤيد ذلك لا يقال إن الغالب خلو بعض مواضع الرجل عن الشعر وسيأتي إن الاستيعاب ليس بلازم فيقع
القدر المفروض من المسح على البشرة غالبا فلهذا لم يتعرضوا (عليهم السلام) له لان الاستيعاب الطولي لازم كما سيجئ ووقوع خط طولي غالبا على البشرة معلوم الانتفاء
بل إنما يتحقق ذلك مع الملاحظة والالتفات التام وبالجملة استنباط هذا الحكم من الآية والروايات مشكل وكذا من كلام الأصحاب لان اقحام لفظة البشرة لا ظهور
له في هذا المعنى مع أنه ليس في كلام بعضهم والأصل براءة الذمة وحديث لزوم تحصيل يقين البراءة من التكليف اليقيني قد مر مرارا (من رؤوس الأصابع إلى الكعبين
وهما أعلى القدمين) تحديد الرجل الممسوح بكونه من رؤوس الأصابع إلى الكعبين مما لا خلاف فيه وكذا في جواز الابتداء من الأصابع إنما الكلام في ثلاثة مواضع في تعيين الابتداء من الأصابع وفي تحقيق معنى الكعب وفي تحديد المسح أما الأول فسيأتي إنشاء الله تعالى الكلام فيه عند شرح قوله
ولا يجزي النكس وأما الثاني فنقول الظاهر من كلام الأصحاب (ره) إن الكعب هو العظم الناشر في وسط القدم وإن إجماعنا قد انعقد عليه وخالف الجمهور في
ذلك فقالوا الكعبان هما العظمان النابتان عند مفصل الساق والقدمين عن الجنبين اللذان يقال لهما المنجمان والرهبان سوى محمد بن الحسن الشيباني منهم فإنه أيضا قال
بالأول واحتجوا رحمهم الله على نفي ما ذهب إليه العامة بوجوه وحجج وأجابوا عما استدلوا به بأجوبة ولا حاجة بنا إلى التعرض لها لان الخطب سهل إذ هو من الظهور
عندنا بحيث لا يحتاج إلى دليل نعم يجب التعرض ها هنا لشئ آخر وهو أن العلامة (ره) ذكر في جملة من كتبه إن الكعب هو المفصل بين الساق والقدم وبعبارة أخرى مجمع القدم
وأصل الساق وقد صب عبارة الأصحاب أيضا عليه وقال في كتابيه المنتهى والمختلف إن عبارة علمائنا يشتبه على من ليس له مزيد تحصيل لكن المحصل يعلم أن مرادهم
بالكعب المفصل لا العظم الذي في وسط القدم واحتج عليه أيضا بوجوه الأول ما رواه التهذيب في الصحيح في باب صفة الوضوء عن زرارة وبكير عن أبي جعفر (عليه السلام) آخر
حديث الطست المنقول في بحث جواز مسح الرأس بمسماه قلنا أصلحك الله فأين الكعبان قال ها هنا يعني المفصل دون عظم الساق فقالا هذا ما هو قال هذا عظم الساق
وفي الكافي أيضا بعد ما نقلنا في البحث المذكور بأدنى تغيير في العبارة لا يؤثر في المراد وفيه بعد قوله (عليه السلام) هذا عظم الساق والكعب أسفل من ذلك والثاني
ما روي في حديث القعب المنقول سابقا في بحث نكس غسل اليدين ومسح مقدم رأسه وظهر قدميه فإنه يعطي استيعاب المسح لجميع ظهر القدم فيجب أن يمسح إلى المفصل
الثالث أنه أقرب إلى ما حدوه أهل اللغة وقد أخذ المصنف (ره) في الذكرى والمحقق الشيخ علي (ره) في شرح القواعد والشهيد الثاني في شرح الارشاد وغيرهم أيضا في التشنيع
عليه من وجوه الأول إن عبارة الأصحاب صريحة في خلاف ما يدعيه ناطقة بأن الكعبين هما العظمان الناتيان في ظهر القدم أمام الساق حيث يكون معقد الشراك فحملها
على المفصل وادعاء إن فيها اشتباها على غير المحصل وإن المحصل لا يشتبه عليه إن مرادهم هذا عجيب جدا الثاني إن ما ذكره أحداث قول ثالث مستلزم لرفع ما أجمع عليه
الأمة لان الخاصة على أن الكعب هو العظم الناتي في وسط القدم والعامة على أنه مانعا عن يمين الرجل وشماله فالقول بأنه المفصل قول ثالث إن أراد به ظاهره وإن
119

أراد بالمفصل ما نتأ عن يمين القدم وشماله فهو بعينه مقالة العامة المخالفة لما أجمعنا عليه وهذا الايراد كأنه راجع إلى الايراد الأول عند التأمل الثالث إن ما
ذكره مخالف لظواهر الأخبار الواردة عن أصحاب العصمة (عليهم السلام) الرابع أنه مخالف لكلام أهل اللغة ولم يساعد عليه الاشتقاق الذي ذكروه فإنهم قالوا أن اشتقاقه
من كعب إذا ارتفع ومنه كعب ثدي الجارية والمفصل لا ارتفاع له وأجابوا عن دلايل الثلاثة أما عن الأول فبأن المراد من المفصل ما يقرب منه مجاز للجمع بين الاخبار وعن
الثاني بأن الظهر أطلق هنا يحمل على المقيد لان استيعاب الظهر لم يقل به أحد منا كما قال المحقق في المعتبر ولا يجب استيعاب الرجلين بالمسح بل يكفي المسح من رؤس الأصابع
إلى الكعبين ولو بإصبع واحدة وهو إجماع فقهاء أهل البيت (عليهم السلام) وعن الثالث بأنه أراد بأهل اللغة لغوية العامة فهم مختلفون وإن أراد لغوية الخاصة فهم
متفقون على أنه العظم الناتي في وسط القدم حتى إن العلامة اللغوي عميد الرؤساء صنف في الكعب كتابا مفردا وأكثر فيه من الشواهد على أنه قبة القدم هذا وينبغي
أن يذكر ها هنا عبارات الأصحاب والأخبار الواردة في هذا الباب التي ادعوا مخالفة كلام العلامة لهما ليتضح جليه الحال أما عبارات فقد قال ابن الجنيد الكعب في
ظهر القدم دون عظم الساق وهو المفصل الذي هو قدام العرقوب وقال السيد المرتضى (ره) الكعبان هما العظمان الناتيان في ظهر القدم عند معقد الشراك وقال
ابن أبي عقيل الكعبان ظهر القدم وقال أبو الصلاح الكعبان معقد الشراك وقال الشيخ في أكثر كتبه هما الناتيان في وسط القدم وقال المفيد الكعبان هما قبتا القدمين
أمام الساقين ما بين المفصل والمشط وقال ابن إدريس الكعبان هما العظمان اللذان في ظهر القدمين عند معقد الشراك وقال المحقق في المعتبر وعندنا الكعبان
هما العظمان الناتيان في وسط القدم وهما معقد الشراك وهذا مذهب فقهاء أهل البيت (عليهم السلام) وأما الاخبار فمنها ما نقلنا في الوجه الأول من وجوه العلامة
ومنها ما رواه التهذيب في باب صفة الوضوء في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال سئلته عن المسح على القدمين كيف فوضع كفه على الأصابع
فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم فقلت جعلت فداك ولو أن رجلا قال بإصبعين من أصابعه فقال لا إلا بكفه وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب مسح الرأس
والقدمين ومنها ما رواه أيضا في الباب المذكور في الحسن عن ميسر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال الوضوء واحد ووصف الكعب في ظهر القدم وأورد في موضع أخر هذه
الرواية بعينها بذلك السند لكن فيه بدل ميسر ميسرة وبدل واحد واحدة كما في الكافي في باب صفة الوضوء ومنها ما رواه أيضا في الباب المذكور عن ميسر عن أبي جعفر
(عليه السلام) قال إلا أحكي لكم وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم أخذ كفا من ماء فصبها على وجهه ثم أخذ كفا فصبها على ذراعه ثم أخذ كفا آخر فصبها على ذراعه
الأخرى ثم مسح رأسه وقدميه ثم وضع يده على ظهر القدم ثم قال هذا هو الكعب قال فأومى بيده إلى أسفل العرقوب ثم قال إن هذا هو الظنبوب وما يتعلق بهذا
البحث أيضا ما رواه في الباب المذكور في الصحيح عن زرارة وبكر بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال في المسح تمسح على النعلين ولا تدخل يدك تحت الشراك وما رواه
أيضا في الصحيح في الباب المذكور عن ثعلبة بن ميمون عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) إن عليا (عليه السلام) مسح على النعلين ولم يستبطن الشراكين ورواه الفقيه أيضا مرسلا
عن أبي جعفر (عليه السلام) في باب صفة وضوء أمير المؤمنين (عليه السلام) بأدنى تغيير وما رواه الكافي في الحسن في أثناء حديث الطست المنقول سابقا في بحث مسح الرأس بمسماه من قول
الراوي ثم قال ولا يدخل أصابعه تحت الشراك وما رواه الكافي أيضا في باب مسح الرأس والقدمين عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال توضأ علي عليه السلام فغسل وجهه و
ذراعيه ثم مسح على رأسه وعلى نعليه ولم يدخل يده تحت الشراك وإذ قد علمت هذا فاعلم أن المحقق البهائي (ره) قد تعصب للعلامة (ره) وتصدى لتصحيح كلامه ودفع
أبحاث القوم عنه فقال الكعب يطلق على معان أربعة الأول العظم المرتفع في ظهر القدم الواقع فيما بين المفصل والمشط الثاني المفصل بين الساق والقدم الثالث عظم
مايل إلى الاستدارة واقع في ملتقى الساق والقدم له زائدتان في أعلاه يدخلان في حفرتي قصبة الساق وزائدتان في أسفله يدخلان في حفرتي العقب وهو نابت في
وسط ظهر القدم أعني وسطه العرضي ولكن نتوه غير ظاهر لحس البصر الارتكاز أعلاه في حفرة الساق وقد يعبر عنه بالمفصل أيضا أما لمجاورته له أو من قبيل تسميه الحال باسم المحل
الرابع الناتئين عن يمين القدم وشماله واللذين يقال لهما المنجمان وهذا المعنى الأخير هو الذي حمل أكثر العامة الكعب في الآية عليه وأصحابنا رضي الله عنهم مطبقون على
خلافه وأما المعاني الثلاثة الأول فكلامهم قدس الله أرواحهم لا يخرج عنها وإن كان بعض عباراتهم أشد انطباقا
على بعضها من بعض فالمعنى الأول ذكره من أصحابنا اللغويين
عميد الرؤساء في كتابه الذي ألفه في الكعب وصريح عبارة المفيد طاب ثراه منطبق عليه فإنه قال الكعبان هما قبتا القدمين أمام الساقين ما بين المفصل والمشط والمعنى
الثاني ذكره جماعة من أهل اللغة كصاحب القاموس حيث قال الكعب كل مفصل للعظام والرواية الأولى ظاهرة فيه وهو المفهوم بحسب الظاهر من كلام ابن الجنيد والمعنى الثالث
هو الذي يكون في أرجل البقر والغنم أيضا وربما يلعب به الناس كما قاله صاحب القاموس وهو الذي بحث عنه علماء التشريح وقال به الأصمعي ومحمد بن الحسن الشيباني كما نقله عنهما
العامة في كتبهم وهو الكعب على التحقيق عند العلامة (ره) وعبر عنه في بعض كتبه بحد المفصل وفي بعضها بمجمع الساق والمقدم وفي بعضها بالناتي وسط القدم وفي بعضها
بالمفصل وصب عبارات الأصحاب عليه وقال في المنتهى بعد ما فسره بالناتي في وسط القدم قد يشتبه عبارة علمائنا على بعض من لا مزيد تحصيل له في معنى الكعب و
الضابط فيه ما رواه زرارة وبكير في الصحيح ثم أورد الرواية الأولى وقال في المختلف يراد بالكعبين هنا المفصل بين الساق والقدم وفي عبارة علمائنا اشتباه على غير
120

المحصل واستدل بتلك الرواية وبأن استيعاب ظهر القدم كما يعطيه بعض الروايات يوجب الانتهاء إليه وإنما عبر قدس روحه عنه بالمفصل لموافقة الرواية ولئلا
يشتبه بالمعنى الأول وأيضا فالمفصل أظهر للحس والمسح إليه مسح إلى المفصل في الحقيقة وأراد قدس الله روحه باشتباه عبارة علمائنا أنها لما كانت مجملة بحيث يحتمل المعنى
الأول والثالث بل ظاهرها أقرب إلى الأول وقع الاشتباه فيها على غير المصلحين فحملوها على المعنى الأول والتحقيق يقتضي حملها على الثالث وهو الذي انطبق عليه الرواية
الصحيحة واعتضد بكلام علماء التشريح وشاع نسبته إلى كل من قال بالمسح انتهى كلامه رفع مقامه ثم قال بعد نقل عبارات الأصحاب كما نقلنا ولا يخفى عدم إبائها عن الانطباق
على ما قاله العلامة طاب ثراه فإنه قدس الله روحه لا ينكر إن الكعب عظم نابت في وسط القدم كيف وقد فسره بذلك في المنتهى والتذكرة وغيرهما ولكنه يقول ليس هو
العظم الواقع أمام الساق بين المفصل والمشط بل هو العظم الواقع في ملتقى الساق والقدم وهو الذي ذكره المشرحون وغيرهم وأنت خبير بأن تنزيل عبارات الأصحاب
على هذا المعنى غير بعيد نعم عبارة المفيد (ره) صريحة في المعنى الأول فذكره لها في المختلف في طي هذه العبارات ليس على ما ينبغي ولعله طاب ثراه حمل المشط في كلامه على
نفس القدم وجعل قوله أمام الساقين بالنظر إلى امتداد القامة لكنه محمل بعيد والله أعلم بحقايق الأمور واعلم إن كتب العامة مشحونة بذكر ما ذهب إليه علماء الخاصة
رضي الله عنهم من أن الكعب هو ذلك العظم الواقع في ملتقى الساق والقدم المعبر عنه بالمفصل قال الفخر الرازي في تفسيره عند قوله تعالى وأرجلكم إلى الكعبين قالت الامامية
وكل من ذهب إلى وجوب المسح إن الكعب عبارة عن عظم مستدير مثل كعب الغنم والبقر موضوع تحت عظم الساق حيث يكون مفصل الساق والقدم وهو قول محمد بن الحسن وكان
الأصمعي يختار هذا القول ثم قال حجة الامامية إن اسم الكعب يطلق على العظم المخصوص الموجود في أرجل جميع الحيوانات فوجب أن يكون في حق الانسان كذلك والمفصل
يسمى كعبا ومنه كعاب الرمح لمفاصله وفي وسط القدم وفصل فوجب أن يكون هو الكعب انتهى كلامه وقال صاحب الكشف عند تفسير هذه الآية لو أريد المسح لقبل إلى الكعاب أو الكعب إذ ذاك
مفصل القدم وهو واحد في كل رجل وإن أريد كل واحد فالافراد وإلا فالجمع انتهى كلامه وشبهة هذه ضعيفة فإنه يجوز كون التثنية بالنظر إلى كل
وقال النيشابوري في تفسيره أن الامامية وكل من قال بالمسح ذهبوا إلى أن الكعب عظم مستدير تحت عظم الساق حيث يكون مفصل الساق والقدم والمفصل يسمى كعبا
ومنه كعوب الرماح لمفاصله ثم قال إن العظم المستدير الموضوع في المفصل الذي يقول الامامية شئ خفي لا يعرفه إلا علماء التشريح هذا حاصل كلامهم وليس الغرض
من نقل كلام هؤلاء الاستدلال على أن مذهب أصحابنا رضي الله عنهم في الكعب هو ما نسبه العلامة طاب ثراه إليهم فإنه قدس الله روحه مصدق في تلك النسبة غير
محتاج إلى التأييد بموافقة العامة له فيها وتلك الرواية الصحيحة الجالية عن المعارض مساعدة له على ذلك وإنما الغرض إن نسبة هذا القول إلى أصحابنا رضي الله عنهم مما
اشتهر بين العامة أيضا والله أعلم بحقايق الأمور انتهى كلامه زيد اكرامه ثم قال بعد نقل التشنيعات التي أوردها الشهيدان والمحقق الثاني على العلامة كما أشرنا إليه
ولا يخفى إن حاصل ما شنعوا به على العلامة طاب ثراه يدور إلى سبعة أمور الأول إن ما ذهب إليه مخالف لما أجمع عليه أصحابنا بل لما أجمع عليه إلا أنه من الخاصة و
العامة وهذا أقبح التشنيعات الثاني أنه مخالف للاخبار الصريحة الثالث أنه مخالف لأهل اللغة إذ لم يقل أحد منهم إن المفصل كعب الرابع أنه مخالف للاشتقاق من كعب
أو المرتفع الخامس أنه زعم إن عبارات الأصحاب تنطبق على ما ادعاه مع أنها ناطقة بما يخالف دعواه غير قابلة للتأويل السادس إن الكعب وظهر القدم والمفصل
الذي ادعا أنه الكعب ليس في ظهر القدم السابع إن قوله بوجوب استيعاب ظهر القدم بالمسح مخالف للنص والاجماع فكيف جعله دليلا على وجوب إيصال المسح إلى
المفصل والجواب عن الأول إن إجماع أصحابنا رضي الله عنهم إن تحقق فإنما يتحقق على أن الكعب عظم نأت في ظهر القدم عند معقد الشراك والعلامة طاب ثراه قال به
ومصرح بذلك في كتبه كما تلوناه عليك قبل هذا وتحقق الاجماع على ما وراء ذلك مما ينافي كلامه ممنوع وعن الثاني أنه لا خبر في هذا الباب أصرح من خبر الأخوين وعدم
مخالفته لكلامه قدس الله روحه لا يخفى على المتأمل والعجب من شيخنا الشهيد طاب ثراه كيف أهمله عند ذكر دلايل العلامة مع أنه أقوى دلائله وأما الاخبار المتضمنة
لكون الكعب في ظهر القدم فظاهر أنها لا يخالف كلامه فإن الكعب واقع عنده في ظهر القدم غير خارج عنه على أن قول ميسرة بضم الميم وميم وفتح الياء المثناة التحتانية
كسر السين المهملة المشددة في الحديث الثالث إن الباقر (عليه السلام) وصف الكعب في ظهر القدم يعطي إن الإمام (عليه السلام) ذكر للكعب أوصافا ليعرفه الراوي بها ولو
كان الكعب هذا الارتفاع المحسوس المشاهد لم يحتج إلى الوصف بل كان ينبغي أن يقول هو هذا وقس عليه قوله (عليه السلام) في الحديث الأول ها هنا بالإشارة إلى مكانه دون
الإشارة إليه وعن الثالث إن صاحب القاموس وغيره صرحوا بأن المفصل يسمى كعبا كما مر وما ذكره صاحب الصحاح من أن الكعب هو العظم الناتي عند ملتقى
الساق والقدم لا ينافي كلامه طاب ثراه وكذا ما ذكره صاحب القاموس إن الكعب هو العظم الناتي فوق القدم وعن الرابع إن دعوى المخالفة عن مسموعة
وحصول الارتفاع فيما قاله ظاهر وعن الخامس إن كون تلك العبارات ناطقة بخلاف ما ادعاه ممنوع وتطبيقها عليه غير محتاج إلى التأويل نعم تطبيق عبارة المفيد (ره)
على ذلك محتاج إلى ضرب من التأويل كما مر وعن السادس بما مر في الجواب عن الثاني وعن السابع إن المخالف للنص والاجماع إنما هو القول بوجوب إنما هو القول بوجوب استيعاب
كل ظهر القدم طولا وعرضا والعلامة غير قابل به بل نقل الاجماع على خلافه قال في المنتهى لا يجب استيعاب الرجلين بالمسح بل الواجب من رؤس الأصابع إلى
121

الكعب ولو بإصبع واحدة وهو مذهب علمائنا أجمع وإنما قال طاب ثراه بوجوب استيعاب الطولي أعني إيصال خط للمسح من رؤس الأصابع إلى الكعب على أن يكون الكعب داخلا في الممسوح
وهذا مما لم ينعقد إجماع على خلافه انتهى كلام المحقق البهائي في هذا المقام ولنبين الان بتوفيق الله تعالى ما هو الظاهر بحسب نظرنا القاصر بحسب ما يستفاد من الاخبار
وكلام القوم رحمهم الله وكلام أهل اللغة أعلم أنه لا يشك من به أدنى مسكة إن كلام الأصحاب صريح في أن الكعب هو العظم الناشر في الوسط الطولي من الرجل لوصفهم إياه
بالنتؤ وكونه في وسط القدم ومعقد الشراك إذ لا نتو لغيره وليس غيره معقد الشراك وكذا التوسط وحمله على التوسط العرضي بعيد جدا خصوصا مع انضمامه بالوصفين
الأخيرين وما ذكر من أن العظم الذي في المفصل أيضا له نتو وارتفاع فلا يخفى ما فيه لان النتو الذي لا يظهر للحس لا يمكن حمل الكلام عليه كيف وهذا العظم مما لم يعرفه إلا
علماء التشريح فإرادة القوم إياه من هذه العبارات الظاهرة في معنى آخر بلا تفسير وتوضيح له مما لا يقبله الطبع التسليم وأيضا قد اعترف هذا القائل بأن كلام المفيد (ره)
صريح في أن المراد العظم الناشز في الوسط الطولي والحال أن الشيخ (ره) في التهذيب ادعى الاجماع منا على أن الكعب بالمعنى الذي أورده المفيد (ره) وأيضا إطلاق الكعب على
هذا المعنى لم نجده في كلام أهل اللغة وكتبهم المشهورة من النهاية والصحاح والقاموس والمغرب ولنجمل بل إنما هو في كلام أهل التشريح وما ذكره المحقق المذكور من نسبة هذا
الاطلاق إلى القاموس فغير ظاهر بل الظاهر أن المراد من قوله في أثناء تفسير الكعب والذي يعلب به كالكعبة كعب النرد لا ما فهمه (ره) على محاذاة ما ذكره صاحب النهاية حيث قال
الكعاب فصوص النرد وأحدها كعب وكعبة واللعب بها حرام ولا شك أنه إذا لم يكن هذا الاطلاق في كلام أهل اللغة فحمل الكعب عليه خطأ وإن كان موافقا لكلام أهل التشريح
لان بناء الكتاب والسنة على اللغة والعرف والاصطلاح الشرعي إن كان لا على اصطلاحات الخاصة غير الشرع ولو تنزلنا عن صراحة العبارات في هذا المعنى وعدم قبول
التأويل فلا خفاء في ظهورها فيه فما الحاجة إلى ارتكاب خلاف الظاهر والتأويل فإن كان الباعث حديث الأخوين فسنذكر إنشاء الله تعالى ما يدفع المنافاة ويظهر منه انطباقه
على ظاهر العبارات وإن كان نسبة بعض المخالفين خلافه إلى علمائنا من الامام وصاحب الكشف والنيشابوري كما أورده المحقق المذكور ففيه إن كلامهم لا يصلح للاعتماد
والتعويل ولا اطلاع لهم على مذاهب الخاصة إلا ترى أن صاحب النهاية الذي هو أعرف منهم بأمثال هذه الأمور قد نسب إلى الشيعة ما هو الظاهر من عباراتهم قال في النهاية
الكعبان العظمان الناتيان عند مفصل الساق والقدم عن الجنبين وذهب قوم إلى أنهما العظمان اللذان في ظهر القدم وهو مذهب الشيعة ومنه قول يحيى بن الحرث رأيت
القتلى يوم زيد بن علي فرأيت الكعاب في وسط القدم هذا إن حمل كلام العلامة (ره) على أن مراده إن الكعب الوارد في الكتاب والسنة هذا العظم الواقع في الملتقى وصب عبارات
الأصحاب عليه وإن حمل على أن مراده إن الكعب الوارد فيهما بمعنى المفصل وحمل عبارات القوم عليه بأن جعل تفسيرهم إياه بالعظم الواقع في الملتقى من باب إطلاق الحال
على المحل ففيه بعد ما ذكرنا إن كلامهم لا يحتمل ذلك العظم أنه أي شئ دعاهم إلى تفسير المفصل الظاهر عند كل أحد بالعظم الذي يخفى على كثير من الناس وأيضا إطلاق الكعب
على المفصل مما لم يشتهر بين أهل اللغة وإنما رأيناه في كلام القاموس فقط ولعله إنما استنبطه من كعوب الرمح للنواشر في أطراف الأنابيب وليس بجيد لان إطلاق
الكعب عليه ليس باعتبار كونه مفصلا بل باعتبار النشوز والارتفاع والله أعلم وأيضا ما الدليل على الحمل على ذلك المعنى المخالف للمشهور فلن كان الحديث فسنذكر
الحال فيه وإن كان كلام المخالفين فلا عبرة به كما عرفت فإن قلت لعل الداعي إلى هذا الحمل كلام ابن الجنيد لأنه صريح في أنه المفصل كما تقدم قلت صراحته فيه بل
ظهوره أيضا ممنوع لاحتمال أن يكون الضمير في قوله وهو المفصل الذي قدام العرقوب راجعا إلى عظم الساق ويكون المراد أنه عند المفصل بقرينة سابق كلامه إن الكعب
في ظهر القدم ولو سلم ظهوره في المفصل فلا وجه لارتكاب خلاف الظاهر بل الصريح في الكتاب والسنة وكلام كثير من الأصحاب بمجرد كلام ابن الجنيد (ره) هذا ما يستفاد
بالنظر إلى اللغة وكلام الأصحاب ولنذكر ما يستفاد بالنظر إلى الروايات فنقول لا يخفى عليك إن صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر المتقدمة ظاهرة بل صريحة في العظم الناشز
في الوسط الطولي ولا مجال للكلام فيه وإنكاره مكابرة وحسنة ميسر أيضا ظاهرة فيه كما يحكم به الوجدان وإن لم يكن بمنزلة الصحيحة وما ذكره هذا المحقق من قوله على أن
قول ميسرة إلى آخره فضعيف جدا إذ المراد من وصفه (عليه السلام) الكعب في ظهر القدم بيانه (عليه السلام) إن الكعب هو ظهر القدم لا أنه (عليه السلام) ذكر له أوصافا ليعرفه الراوي
وهو ظاهر وأما الرواية الأخرى من ميسر فأظهر في المراد من أخته كما لا يخفى وأما الثلاثة الأخرى الدالة على عدم وجوب دخول الإصبع تحت الشراك فدلالتها أيضا على
هذا المعنى ظاهرة لان الشراك غالبا إنما يعقد أسفل من المفصل إلا أن يناقش فيها بأنها لا دلالة لها على أن الكعب دون المفصل لجواز أن يكون الكعب هو المفصل
لكن لم يجب لاستيعاب الطولي لكن يمكن إلزامها على العلامة (ره) حيث قال بوجوب الاستيعاب الطولي كما اعترف به ذلك المحقق أيضا في آخر كلامه مع أن الظاهر أن أحدا لم يقل
بعدم وجوب الاستيعاب الطولي وسيأتي تفصيل القول فيه إنشاء الله تعالى وأما صحيحة الأخوين التي تمسك بها العلامة (ره) فهي وإن كان يتراءى منها في بادي النظر إن الكعب هو
المفصل لكن عند التأمل يظهر خلافه نظرا إلى الصحيحة التي في الكافي من قوله (عليه السلام) والكعب أسفل من ذلك كما نقلنا وذلك لان قوله (عليه السلام) هذا عظم الساق على ما في التهذيب أو من عظم الساق على ما في الكافي أما إشارة إلى المنجم أو المنتهى عظم الساق
فإن كان الأول فهو عند المفصل كما نقلنا من النهاية أيضا فحكمه (عليه السلام) بأن الكعب أسفل منه ظاهر في أنه المعنى المعروف وإن كان الثاني فالامر أوضح فعلى هذا ظهر أنه
يجب حمل قوله ها هنا يعني المفصل على أنه أشار إلى قريب من المفصل لئلا يلزم التناقض فإن قلت يمكن حمل قوله (عليه السلام) أسفل من ذلك على التحتية أو نحوها فلا يلزم
122

التناقض لو لم يرتكب التأويل في الأول قلت التأويل الثاني أبعد من الأول ولا أقل من مساواتهما فلم يبق للرواية ظهور في المدعى سلمنا ظهورها فيه فلتحمل على التجوز
والتأويل جمعا بينها وبين ما ذكرنا من المعارضات مع كثرتها واعتضادها بالأصل وعند هذا ظهر حال ما قاله المحقق المذكور من أن هذه الرواية الصحيحة الخالية عن
المعارض مساعدة للعلامة ولا يخفى ضعف ما قاله أيضا من أن قوله (عليه السلام) في هذا الخبر ها هنا بالإشارة إلى مكان الكعب دون الإشارة إليه يعطي أنه العظم المخفي لا
الناتي ظهر القدم فتدبر فخلاصة القول على ما قررنا إن الظاهر أن الكعب هو العظم الناتي في وسط القدم وإن ما ذكره العلامة (ره) وتبعه المصنف (ره) في الرسالة والمقداد في الكنز
مما لا وجه له ظاهرا نعم الاحتياط في الاخذ بقولهم للخروج عن عهدة الخلاف ويحتمل أن يكون المصنف (ره) أيضا حكم في الرسالة بهذا المعنى رعاية للاحتياط كما يشعر به
كلامه في البيان لا أنه رجحه وقواه كيف وقد شنع كثيرا في الذكرى على هذا القول والله أعلم بحقايق أحكامه وأما الثالث وهو تحديد المسح فقد ذكرنا سابقا أن
الاجماع منعقد على أن المسح بالظاهر دون الباطن ثم الظاهر من كلام المحقق في المعتبر أن استيعاب الظاهر أيضا عرضا مما لا يجب إجماعا بل يكفي المسح ولو بإصبع واحدة قال فيه
ولا يجب استيعاب الرجلين بالمسح بل يكفي المسح من رؤس الأصابع إلى الكعبين ولو بإصبع واحدة وهو إجماع فقهاء أهل البيت (عليهم السلام) وكذا قال العلامة في التذكرة لكن
قال بعد ذلك بأسطر ويستحب أن يكون بثلاث أصابع مضمومة قال بعض علمائنا يجب وهو بظاهره مناف لسابقه إلا أن يقال أن الاجماع الذي ادعاه إنما هو على
مجرد عدم وجوب الاستيعاب لا على كفاية إصبع واحدة أيضا فها هنا مقامان وجوب الاستيعاب وعدمه ووجوب مقدار ثلاث أصابع مضمومة وعدمه أما الأول فقد
عرفت دعوى الاجماع على العدم ويدل عليه أيضا صحيحتا زرارة وبكير المنقولتان في بحث مسح الرأس بمسماه عن التهذيب وحسنتهما المنقولة عن الكافي فأما صحيحة أحمد بن
محمد بن أبي نصر المتقدمة آنفا الدالة على الاستيعاب فمحمولة على الاستحباب جمعا فان قلت لم لا تقيد الروايات المطلقة بهذه الرواية قلت أما أولا فلعدم ظهورها في الوجوب
وأما ثانيا فلدعوى الاجماع على خلافها وأما ثالثا فلكثرة الروايات واعتضادها بالأصل وقس عليه أيضا ما رواه التهذيب في زيادات صفة الوضوء في الحسن
عن عبد الأعلى مولى سام قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) عثرت فانقطع ظفري فجعلت على أصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء فقال يعرف هذا وأشباهه من
كتاب الله عز وجل قال الله ما جعل عليكم في الدين من حرج أمسح عليه وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب الجباير ويمكن أن يحمل أيضا على ظفر اليد أو جميع الأظفار
لكنه بعيد وأما الثاني فالظاهر فيه أيضا عدم الوجوب للروايات المتقدمة ولظاهر الاجماع المنقول عن المعتبر واحتج على الوجوب بالصحيحة المذكورة وفيه ضعف لعدم
دلالتها على مرادهم بل لا بد من حملها على مرادهم من ارتكاب تخصيص فيها وهو ليس بأولى من حملها على الندب مجازا على تقدير تسليم ظهورها في الوجوب وبرواية
معمر بن عمر المتقدمة في البحث المذكور أيضا والجواب بعد القدح في السند بحملها على الاستحباب للجمع وبما ذكرنا يمكن استنباط الحال في وجوب المسح بالإصبع وإجزاء
ما دونها فتدبر والاحتياط في المسح بجميع الكف للصحيحة والحسنة المتقدمتين هذا كله بالنظر إلى استيعاب العرضي أما الاستيعاب الطولي فقد تردد فيه المحقق
في المعتبر ثم رجح وجوب الاستيعاب بقوله تعالى إلى الكعبين فلابد من الاتيان بالغاية وكذا قال العلامة في التذكرة ولا يخفى إن هذا الاستدلال إنما يتم لو كانت العامة للمسح وأما
إذا كانت للممسوح فلا فحينئذ الظاهر بالنظر إلى الروايات المتقدمة جواز المسح بأي جزء كان من ظاهر الرجل سواء ابتدى من الأصابع أو لا وسواء انتهى إلى الكعب أو لا لكن لم
نقف على قول من الأصحاب به فالأولى متابعة ما اشتهر بينهم خصوصا مع اعتضاده بالحسنة المنقولة آنفا وإشعار ما أيضا في الآية به ثم الكلام في دخول الكعبين في
المسح وعدمه كالكلام في المرفقين فقس عليه واستدل المعتبر على عدم وجوب الدخول بصحيحة زرارة وبكير المتقدمة المتضمنة لعدم وجوب إدخال اليد تحت الشراك ولك
بما ذكرنا سابقا في المرفق غنية عن تفصيل القول ها هنا ولا يخفى أنه على تقدير كون الكعب العظم الناشز بتمامه واعترف بدخوله في المسح يرتفع الخلاف بين العلامة (ره)
والجمهور (بالبلة الغالبة على رطوبتهما إن كانت) أي إن كانت رطوبة ها هنا حكمان أحدهما وجوب المسح بالبلة وثانيهما ببلة غالبة على رطوبة الرجلين أما الأولى فقد مر
في بحث مسح الرأس بالبلة وعدم جواز الاستيناف ما يمكن أن يستنبط منه حال مسح الرجلين وقد بقي رواية متعلقة بالرجلين لم نوردها هناك فلنورد ها هنا وهي
ما رواه التهذيب في باب صفة الوضوء في الصحيح عن معمر بن خلاد قال سئلت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) أيجزي الرجل أن يمسح قدميه بفضل رأسه فقال برأسه لا فقلت أبماء
جديد فقال برأسه نعم وهذا مما لا كلام في عدم العمل بظاهره لمخالفته للاخبار الكثيرة المتظافرة التي كادت أن تبلغ مبلغ التواتر لكن الكلام في أنه على ما يحمل و
بأي شئ يأول لأنه لصحته لا ينبغي طرحه بالكلية فالشيخ (ره) في التهذيب حمله على التقية وأورد عليه إن العامة لم يقولوا بمسحهما لا ببقية البلل ولا بماء جديد
فكيف يحمل على التقية وأجيب بأنهم يجوزون إطلاق المسح على الغسل فيمكن تنزيل الكلام على ما يوافق زعمهم ورد بأن ما تضمنه الحديث مع المسح بفضل
الرأس يأبى هذا التنزيل وأنت خبير بأن الاباء غير ظاهر إذ لا بعد في أن يقال سئل أولا عن المسح ببقية البلل فلما لم يجوزه سال عن المسح بالماء الجديد كناية عن
الغسل فأجازه تقية بل يمكن أن لا يقدر المسح في الكلام بل يقال تقدير ما يغسل بماء جديد وقيل تنزيله على مسح الخفيف أولى وفيه بعد والأولى أن يقال
في توجيه الحمل على التقية إن العامة كما عرفت مختلفون فبعضهم يقولون بالتخيير بين الغسل والمسح وبعضهم بوجوبها معا وبعضهم بوجوب الغسل وحده
123

فالفرقتان الأوليان يمكن أن يقولا بلزوم الماء الجديد في المسح كما يقولون بلزومه في مسح الرأس وعلى هذا فالحمل على التقية موجه لموافقته لمذهب فريقين منها
قال المحقق البهائي (ره) في توجيه هذا الخبر في الحبل المتين والذي ما زال يختلج بخاطري إن إيمائه (عليه السلام) إنما نهاه عن المسح ببقية البلل فقال أبماء جديد فسمعه الحاضرون فقال (عليه السلام) برأسه نعم ومثل
ذلك يقع في المحاورات كثيرا انتهى كلامه وفيه نظر لان ما ذكره من التوجيه مع بعده لا يكاد ينفع فيما هو محل الاشكال إذ ظاهرا أن لا إشكال في الجزء الأول من الخبر لامكان حمله على
ظاهره من باب التقية لموافقته لمذاهب العامة جميعا كما هو الظاهر أو أكثرها إنما الاشكال في الجزء الأخير وهذا التوجيه لا ينفع في تصحيحه أصلا وأما الثاني فقد اختلف فيه
فذهب ابن الجنيد وابن إدريس والمحقق إلى جواز المسح على الرجلين مع كونهما رطبتين سواء كانت رطوبتهما أنقص من رطوبة اليد أو لا قال ابن إدريس من كان قائما في الماء
توضأ ثم أخرج رجليه من الماء ومسح عليهما من غير أن يدخل يده في الماء فلا حرج عليه وقال ابن جنيد من تطهر إلا رجليه فدهمه أمر احتاج معه إلى أن يخوض بهما نهرا مسح
يديه عليهما وهو في النهر إن تطاول خوضه وخاف جفاف ما وضاه من أعضائه وإن لم يخف كان مسحه بعد خروجه أحب إلى وأحوط وقال المحقق في المعتبر لو كان في ماء
وغسل وجهه ويديه ومسح برأسه ورجليه جاز وعبارة المحقق يحتمل وجهين تجويزه المسح في الماء كما ذهب إليه ابن الجنيد والمسح بعد خروجه كما هو رأي ابن إدريس
وبالجملة يظهر من كلام الثلاثة تجويز المسح مع الرطوبة أعم من أن يكون غالبة على بلة اليد أو مغلوبة ونقل العلامة (ره) عن والده في المنتهى والمختلف القول بالمنع ومال إليه
في المختلف حجة الجواز صدق الامتثال وتناول إطلاق الآية والاخبار وإن اليد لم ينفك عن ماء الوضوء فلم
يضره ما كان على القدمين من الماء وقال المصنف في الذكرى
وكان ابن الجنيد قال به بناء على مذهبه من جواز الاستيناف وفيه نظر لان قوله بجواز الاستيناف انما هو حال جفاف اليد لا مطلقا كما تقدم واحتج العلامة
في المختلف على المنع بأن المسح يجب بنداوة الوضوء ويحرم التجديد ومع رطوبة الرجلين يحصل المسح بماء جديد والظاهر القول الأول لما علمت سابقا من عدم دليل تام
على عدم جواز الاستيناف سوى التمسك بالشهرة أو الاجماع وهما منتفيان ها هنا فينبغي القول بالجواز لصدق الامتثال ثم إن الظاهر من كلام المصنف (ره) في هذا الكتاب اشتراط
غلبة رطوبة اليد على رطوبة الرجل وقال في الذكرى بعد نقل كلام المجوزين والعلامة نعم لو غلب ماء المسح رطوبة الرجلين ارتفع الاشكال وبالجملة ما ذكروه قوي
وما ذكره أحوط انتهى وهذا يدل على تجويزه المسح على الرطوبة سواء كانت رطوبة اليد غالبة ولا نعلم في صورة الغلبة يكون التجويز عنده أظهر ويرتفع في نظره الاشكال
والظاهر التجويز مطلقا بدونه اشتراط الغلبة لما عرفت واعترض المحقق الثاني على قوله بارتفاع الاشكال عند غلبة الرطوبة بأن التعليل المذكور إنما يقتضي بقاء
الاشكال حينئذ أيضا وكان نظر المصنف إلى أن في صورة الغلبة لا يصدق عليه المسح بالماء الجديد عرفا وإن صدق عليه لغة هذا والاحتياط ان راعى الجفاف مهما أمكن
(ولا يجزي النكس على الأولى) المشهور بين الأصحاب جواز النكس وهو مختار الشيخ وابن أبي عقيل وسلار وابن البراج والمحقق والعلامة في جملة من كتبه وذهب ابن إدريس إلى
عدم جوازه وهو الظاهر من كلام ابن بابويه والمرتضى رحمهم الله أيضا والظاهر المشهور لصحيحة حماد المتقدمة في جواز النكس في مسح الرأس ولما رواه التهذيب في باب صفة الوضوء
عن يونس قال أخبرني من رأى أبا الحسن (عليه السلام) بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب ومن الكعب إلى أعلى القدم وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب مسح الرأس
والقدمين وزاد فيه بعد ما ذكرنا ويقول الامر في مسح الرجلين موسع من شاء مسح مقبلا ومن شاء مسح مدبرا فإنه من الامر الموسع إنشاء الله تعالى ويرد عليه أنه يمكن أن يكون
المراد بالمسح من أعلى القدم إلى الكعب ومن الكعب إلى أعلى القدم مسح القدم ظاهرا وباطنا تقية كما ورد في مرفوعة أبي بصير ورواية سماعة المتقدمتين لا أن يكون المراد المسح
تارة مقبلا وتارة مدبرا كما هو المدعى مع أن الرواية ضعيفة بالارسال ويندفع الايراد بالزيادة التي نقلنا من الكافي كما لا يخفى نعم ما ذكره من الارسال متجه
لكن لا يدفع تأييدها للرواية السابقة إنما يدفع كونها حجة مستقلة ويؤيد جواز النكس رواية سماعة المتقدمة المتضمنة لمسح القدم ظاهرا وباطنا حجة المانعين قوله تعالى إلى الكعبين وفيه
إن الغاية يجوز أن يكون للمسوح لا المسح والروايات المتضمنة لفعلهم (عليه السلام) كذلك وفيها أيضا ما مر غير مرة والامر الاحتياط واضح (ولا تقديم اليسرى على اليمنى ولا
مسحهما معا احتياطا) قال العلامة في المختلف المشهور بين علمائنا سقوط وجوب ترتيب المسح بين الرجلين بل يجوز مسحهما دفعة واحدة بالكفين ومسح اليمين قبل اليسار
وبالعكس وقال سلار يجب مسح اليمنى قبل اليسرى قال وفي أصحابنا من لا يرى الرجل ترتيبا وقال ابن أبي عقيل عقيب ذكر ترتيب الأعضاء وكذا إن بدء فمسح رجله اليسرى
قبل اليمنى رجع فبدأ باليمنى ثم أعاد على اليسرى وقال ابن الجنيد لو بدء بيساره على يمينه في اليد أو في الرجل رجع على يساره بعد يمينه ولا يجزيه إلا ذلك قال ابن
بابويه يبدأ بالرجل اليمنى قبل اليسرى وكذا قال ولده أبو جعفر انتهى وقال المصنف في الذكرى وفي كلام بعضهم تجويز مسحهما معا لا تقديم اليسرى انتهى والظاهر
من المذاهب ما هو المشهور لاطلاق الأوامر وصدق الامتثال واحتج على وجوب الترتيب بالوضوء البياني وقد عرفت ما فيه وبما رواه الكافي في باب مسح الرأس في الحسن
عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال وذكر المسح فقال امسح على مقدم رأسك وامسح على القدمين وابتدأ بالشق الأيمن وفيه بعد المناقشة في السند إن الامر لا
ظهور له في الوجوب كما مر مرارا سيما مع شهرة خلافه بين الأصحاب نعم الاستحباب مسلم بهذه الرواية والقول بالتفصيل الذي في الذكرى لم نقف له على مستنده
124

والاحتياط كما ذكره المصنف في رعاية الترتيب والله أعلم (والمقطوع يمسح على ما بقي ولو استوعب سقط واستحب المسح على موضع القطع) حال الحكم الأول والثاني معلوم
مما سبق في قطع اليد وأما الحكم الثالث فلم نجده في كلام الأصحاب وليس في الروايات أيضا ما يدل عليه سوى ما رواه الفقيه مرسلا في باب حد الوضوء حيث قال بعد
نقل الرواية التي نقلناه عنه في باب قطع اليد وكذلك روى في قطع الرجل وهو مع إرساله لا يخلو من إجمال أيضا فالحكم بمجرده مشكل وبعض الأبحاث التي سبقت في قطع اليد جار
ها هنا أيضا فعليك بالمقايسة
(ولا يجزى المسح على حايل من خف أو غيره إلا لتقية أو ضرورة) عدم إجزاء المسح على الحايل بدون ضرورة مما انعقد عليه إجماعنا وخالف
فيه العامة ويدل عليه مضافا إلى الاجماع وعدم صدق الامتثال والأخبار الكثيرة المتظافرة منها ما رواه التهذيب في باب صفة الوضوء في الزيادات في الصحيح عن محمد بن
مسلم عن أحدهما (عليه السلام) أنه سئل عن المسح على الخفين وعلى العامة فقال لا تمسح عليهما ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن زرارة عن أبي جفر (عليه السلام)
قال سمعته يقول جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي (عليه السلام) وفيهم علي (عليه السلام) وقال ما تقولون في المسح على الخفين فقام المغيرة بن شعبة فقال رأيت رسول الله
(صلى الله عليه وآله) يمسح على الخفين فقال علي (عليه السلام) قبل المائدة أو بعدها فقال لا أدرى فقال علي (عليه السلام) سبق الكتاب الخفين إنما أنزلت المائدة قبل إن يقبض
بشهرين أو ثلاثة ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن الحلبي قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المسح على الخفين فقال لا يمسح وقال إن جدي قال سبق الكتاب الخفين
ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب عن أبي بكر الحضرمي قال سئلته عن المسح على الخفين والعمامة فقال سبق الكتاب الخفين وقال لا يمسح على خف ومنها ما رواه أيضا في هذا
الباب عن رقبة بن مصقلة قال دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فسألته عن أشياء فقال إني أراك ممن يفتي في مسجد العراق فقلت نعم فقال لي من أنت فقلت ابن عم لصعصعة فقال
مرحبا يا ابن عم صعصعة فقلت له ما تقول في المسح على الخفين فقال كان عمر يراه ثلاثا للمسافر ويوما وليلة للمقيم وكان أبي لا يراه في سفر ولا حضر فلما خرجت من عنده
فقمت على عتبة الباب فقال لي اقبل يا ابن عم صعصعة فأقبلت عليه فقال إن القوم كانوا يقولون برأيهم فيخطئون ويصيبون وكان أبي لا يقول برأيه إلى غير ذلك من الاخبار
وسيجئ بعض منها أيضا وأما جواز المسح على الحايل للتقية أو الضرورة كالبرد وشبهه فما نطق به كلام الأصحاب ولم نجد مخالفا له واستدل عليه بما رواه التهذيب في الباب
المذكور عن أبي الورد قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) إن أبا ظبيان حدثني أنه رأى عليا (عليه السلام) أراق الماء ثم مسح على الخفين فقال كذب أبو ظبيان أما بلغك قول
علي (عليه السلام) فيكم سبق الكتاب الخفين فقلت هل فيها رخصة فقال لا إلا من عذر بتقية أو ثلج تخاف على
رجليك وبانتفاء الحرج والضرر في الدين واعترض عليه
بأن أبا الورد مجهول فلا يعتد بما رواه ولزوم الحرج والضرر بدون المسح على الحايل ممنوع لجواز اندفاعه بالانتقال إلى التيمم بل هو الظاهر بالنظر إلى ما يقتضيه الدليل
إذ عند تعذر جزء من الوضوء يسقط التكليف به رأسا لانتفاء الكل عند انتفاء الجزء لأنه تكليف واحد وعند سقوط التكليف به ينتقل الفرض إلى التيمم وأما التكليف
بالامر الآخر الذي جزئه المسح على الحايل فلا بد له من دليل ولا دليل سوى رواية أبي ورد وقد عرفت عدم صلاحيتها للاعتماد ويمكن أن يقال هب إن التكليف الذي ثبت
عندنا بالوضوء قد سقط ها هنا لتعذر جزئه لكن لا نسلم إنه حينئذ ينتقل الفرض إلى التيمم لأنه معلوم الاشتراط بشرط لا يعلم تحققه حينئذ وعند الشك في تحقق الشرط يكون
وجوب المشروط مشكوكا فلا يلزم انتقال الفرض إلى التيمم غاية ما في الباب أن في هذه الصورة نعلم بالاجماع إن ترك الوضوء المشتمل على المسح على الحايل والتيمم معا
مستلزم للعقاب فلا بد من الاتيان بأحدهما وحينئذ لا يخلو أما أن يقال بوجوب تحصيل اليقين بالبراءة في أمثال هذه الصورة بالاتيان بالامرين معا أو يكتفي بأحدهما
كما ذكرنا مرارا فعلى الأول ينبغي القول بوجوبهما معا إن لم يثبت إجماع على إجزاء المسح على الحايل وعلى الثاني يكتفي بأحدهما ولا ريب أنه حينئذ الاتيان بالوضوء أولى لموافقته
للمشهور بل للاجماع بل لظاهر الآية أيضا مع تأييده بالرواية المتقدمة بل برواية عبد الأعلى مولى آل سام أيضا المتقدمة في بحث استيعاب ظهر القدم كما لا يخفى
هذا وقد يعارض الرواية المتقدمة الدالة على جواز المسح على الخف حال التقية والضرورة بما رواه التهذيب في الباب المذكور في الصحيح عن زرارة قال قلت له هل في
المسح على الخفين تقية فقال ثلاثة لا أتقي فيهن أحدا شرب المسكر ومسح الخفين ومتعة الحج وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب مسح الخف والصدوق (ره) أيضا نقلها
مرسلا عن الصادق (عليه السلام) في باب حد الوضوء وبما رواه الكافي في الباب المذكور عن إسحاق بن عمار قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المريض هل له رخصة في المسح قال
لا ودفع المعارضة الأولى بوجوه الأول ما نقل عن زرارة وهو أنه أخبر عن نفسه بأنه لا يتقي فيهن أحدا ويجوز أن يكون إخباره بذلك لعمله بأنه لا يحتاج إلى ما يتقى
فيه في ذلك ولم يقل لا تتقوا أنتم فيه أحدا والثاني أن يكون أراد لا أتقي فيه أحدا في الفتيا بالمنع من جواز المسح عليها دون الفعل لان ذلك معلوم من مذهبه فلا
وجه لاستعمال التقية وفيه إن التخصيص بالفتيا على هذا لا وجه له لأنه إذا كان ذلك معلوما من مذهبه فكما لا وجه لاستعمال التقية في الفتيا فكذا لا وجه
لاستعمالها في الفعل أيضا والثالث أن يكون أراد لا أتقي فيه أحدا إذا لم يبلغ الخوف على النفس والمال وإن لحقه أدنى مشقة احتمله وإنما يجوز التقية في ذلك عند الخوف
الشديد على النفس والمال ووجه المصنف (ره) في الذكرى بوجه آخر قال ويمكن أن يقال إن هذه الثلاثة لا يقع الانكار فيها من العامة غالبا لأنهم لا ينكرون متعة الحج وأكثرهم
يحرم المسكر ومن خلع خفه وغسل رجليه فلا إنكار عليه والغسل أولى منه عند انحصار الحال فيهما وعلى هذا يكون نسبته إلى غيره كنسبته إلى نفسه في أنه لا ينبغي التقية
125

وإذا قدر خوف ضررنا درجات التقية انتهى ويمكن أن يدفع المعارضة الثانية بأن الرواية مجملة لا ظهور لها في مخالفة الرواية المذكورة لجواز أن يكون المراد عدم الرخصة للمريض في مسح الرجل دون غسلها
بناء على التقية أو يكون المراد مسح ما يجب غسله من الأعضاء وعلى التقديرين لا منافاة واعلم إن الأصحاب الحقو المسح على العامة أيضا بالمسح على الخف في جوازه عند الضرورة
والكلام فيه أيضا كالكلام فيه لكن الامر فيه اخفى لخلوه من الرواية الدالة عليه صريحا رأسا والاحتياط في الموضعين الجمع بين الوضوء مع المسح على الحايل والتيمم (ولو زال السبب فالأقرب بقاء الطهارة
وقيل ينقض) القول بالنقض للشيخ في المبسوط والمحقق في المعتبر وقربه العلامة في التذكرة واستدل عليه بأنها طهارة مشروطة بالضرورة فيزول بزوالها ويتقدر تقدرها
قال المحقق الثاني في شرح القواعد في هذا الموضع وتحقيق البحث يتم بمقدمات الأولى امتثال المأمور به يقتضي الاجزاء والإعادة على خلاف الأصل فيتوقف على الدليل
وبيانهما في الأصول الثاني نية يجوز أن ينوي صاحب هذه الطهارة رفع الحدث لانتفاء المانع ومتى نواه يحصل له لقوله (عليه السلام) وإنما لكل امرء ما نوى الثالثة ظاهر بعد
ارتفاع الحدث إنما ينقض الرافع له حدث لانتفاء المانع للحكم إلى أن يحصل حدث آخر ومتى تقررت هذه المقدمات لزم الجزم بعدم الإعادة هنا وفي الجبيرة وهو الأصح وتقدر
الطهارة بقدر الضرورة إن أريد به عدم جواز الطهارة كذلك بعد زوال الضرورة فحق وإن أريد به عدم إباحتها فليس بحق لان المقدر هي لا إباحتها فإن ذلك هو محل
النزاع انتهى كلامه وفيه نظر أما أولا فلان ما ذكره من امتثال المأمور به يقتضي الاجزاء حق لكن لا دخل له بهذا المقام لان الاجزاء معناه الخروج به عن عهدة الامر
المتعلق به وها هنا الاتيان بذلك الوضوء أيضا إنما يستلزم الخروج عن عهدة الامر المتعلق به لكن الكلام في وجوب وضوء آخر وليس هو بإعادة للأول حتى يكون منافيا
للاجزاء فإن قلت هب أنه ليس بإعادة للأول لكن لا شك إن وجوبه إنما يحتاج إلى دليل البتة وإن لم يكن إعادة قلت الدليل عليه الأوامر الواردة بالوضوء الكذائي عند
كل صلاة خرج الصلاة التي يتحقق فيها الضرورة بالنص أو الاجماع فبقي الباقي وها هنا لا ضرورة فيجب الوضوء الكذائي وأما ثانيا فلما عرفت مرارا من إجمال الرواية وعدم
ظهورها في حصول كل ما ينوي المرء وأما ثالثا فلبناء المقدمة الثانية وما يتلوها على المقدمات التي قد مر غير مرة عدم تماميتها وانتفاء دليل عليها من ثبوت معنى
هو الحدث وارتفاعه بالوضوء واستباحة الصلاة بعد ارتفاعه وأما رابعا فلان الظاهر من كلامه (ره) إن تلك المقدمات الثلاث بجميعها دليل واحد على المطلوب والحال
إن الأولى على تقدير تمامها يستغني من الأخيرين وكذا العكس كما لا يخفى والظاهر أن يبنى الكلام على أن الامر بالوضوء عند القيام إلى الصلاة هل هو عام أو لا فإن قلنا بالعموم
فينبغي الحكم بوجوب استيناف الوضوء حينئذ لان ما خرج بالدليل عدم وجوب الوضوء الكذائي عند تحقق الضرورة وها هنا لا ضرورة إلا أن يقال قد ظهر تخصيصه بأمر يشك
في تعيينه وشموله لهذه الصورة فيكون هذه الصورة من قبيل الافراد المشكوكة مما لا ظهور له وإن لم نقل بالعموم بل نقول
بأن إذا للاهمال وإنما يفهم العموم بالاجماع فينبغي الحكم بعدم وجوب الاستيناف لعدم تحقق الاجماع في هذه الصورة وكذا لو كان الشك في العموم والاهمال وبما ذكرنا
ظهر إن الظاهر عدم وجوب الاستيناف كما لا يخفى ويمكن تأييده أيضا بموثقة ابن بكير المتقدمة مرارا من قوله (عليه السلام) إذا استيقنت إنك توضأت فإياك إن تحدث وضوءا أبدا حتى تستيقن
إنك أحدثت (فرع لو عاد السبب فإن كان قبل التمكن من الإعادة فلا إعادة وإلا فالأقرب الإعادة وإن كان كالوضوء الأول) هذا الفرع بالنظر إلى القول بالنقض ووجه الحكمين
ظاهر على قياس وجود الماء بعد التيمم وفقده قبل التمكن من الاستعمال أو بعده ففي الأول لا يلزم استيناف التيمم وفي الثاني يلزم (ويجوز المسح على العربي وإن لم يدخل يده
تحت شراكه) النعل العربي ما لا يستر ظهر القدم إعلم أن الكعب أما أن يكون هو المفصل أو قبة القدم وعلى الثاني أما أن يكون داخلا في الممسوح أو خارجا عنه لكن إنما يجب
مسح جزء منه من باب المقدمة وعلى الثاني والثالث أما أن يستر شراك النعل الكعب أو القدر الذي يجب مسحه من باب المقدمة أولا فإن لم يستر فلا خفاء في جواز المسح عليه وعدم
وجوب إدخال اليد تحت الشراك لاطلاق الأوامر وصدق الامتثال مع اعتضاده بالروايات المتقدمة الدالة على جواز المسح على اليد بدون إدخال اليد تحت
الشراك وإن ستر فإن لم ينقل بوجوب الاستيعاب الطولي فلا إشكال أيضا وإن قلنا به فيشكل من حيث وجوب الاستيعاب وعدم صراحة الروايات المتضمنة للمسح على
النعل بدون إدخال اليد تحت الشراك لاستثناء ما تحت الشراك جواز أن يكون بنائها على العرف ويكون متعارف ذلك الزمان أن لا يستر شراكهم قدر الوجوب ومن
حيث إطلاق الروايات وعلى الأول فالظاهر القول باستثناء ما يستره الشراك عن الحكم للروايات وما يقال أنها لا تدل على عدم وجوب مسح ما تحته بل على عدم إدخال اليد و
هو لا يستلزم عدم المسح فضعيف جدا لظهور الروايات في عدم المسح كما يحكم به الوجدان وحينئذ لو بقي فوق الشراك بقية إلى المفصل فالظاهر وجوب المسح عليه على القول بالاستيعاب
الطولي وعلى القول بالاستثناء هل يسري الحكم إلى غير النعل من السير المركب على الخشب أو السير المربوط بالرجل لحاجة أو عبثا أو لا الظاهر عدم السراية للوقوف
فيما خالف الأصل على القدر المتيقن إلا في الربط لحاجة فإنه يكون حينئذ من باب الجباير وسيجئ حكمها إنشاء الله تعالى (والترتيب كما ذكر ركن أيضا) قال المحقق في المعتبر الترتيب واجب
في الوضوء وشرط في صحته يبدأ بغسل الوجه ثم باليد اليمنى ثم باليسرى ثم بمسح الرأس ثم بمسح الرجلين وهو مذهب علمائنا أجمع وكذا العلامة في التذكرة ادعى إجماعنا على
وجوب الترتيب واشتراطه وفي المنتهى قال علماؤنا الترتيب واجب في الوضوء ويدل عليه أيضا مضافا إلى الاجماع روايات كثيرة متظافرة منها ما رواه التهذيب
في باب صفة الوضوء في الصحيح عن زرارة قال سئل أحدهما (عليه السلام) عن رجل بدأ بيده قبل وجهه وبرجليه قبل يديه قال يبدأ بما بدأ الله وليعد ما كان ومنها ما رواه
126

أيضا في هذا الباب في الصحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يتوضأ فيبدأ بالشمال قبل اليمين قال يغسل اليمين ويعيد اليسار ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح
عن منصور بن حازم قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عمن نسي أن يمسح رأسه حتى قام في الصلاة قال ينصرف ويمسح رأسه ورجليه ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب في الحسن عن زرارة
قال قال أبو جعفر (عليه السلام) تابع بين الوضوء كما قال الله تعالى ابدأ بالوجه ثم باليدين ثم امسح بالرأس والرجلين ولا تقدمن شيئا بين يدي شئ تخالف ما أمرت به فإن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه وأعد على الذراع
وإن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرجل ثم أعد على الرجل ابدأ بما بدء الله عز وجل به ومنها ما رواه أيضا في الباب المذكور في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال إذا نسي الرجل أن يغسل يمينه فغسل شماله ومسح رأسه ورجليه فذكر بعد ذلك غسل يمينه وشماله ومسح رأسه ورجليه وإن كان إنما ينسى شماله فليغسل الشمال ولا يعيد على
ما كان توضأ وقال اتبع وضوءك بعضه بعضا ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب المذكور في الموثق عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إن نسيت فغسلت ذراعيك
قبل وجهك فأعد على غسل وجهك ثم اغسل ذراعيك بعد الوجه فلن بدئت بذراعك الأيسر قبل الأيمن فأعد على الأيمن ثم اغسل الأيسر وإن نسيت مسح رأسك حتى تغسل رجليك
فامسح رأسك ثم اغسل رجليك وهذه الروايات الثلاث الأخيرة في الكافي أيضا في باب الشك في الوضوء ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب عن زرارة عن أبي عبد الله
(عليه السلام) في رجل ينسى مسح رأسه حتى يدخل في الصلاة قال إن كان في لحيته بلل بقدر ما يمسح رأسه ورجليه فليفعل ذلك وليصل قال وإن نسي شيئا من الوضوء المفروض
فعليه أن يبدء بما نسي ويعيد ما بقي لتمام الوضوء إلى غير ذلك وفيما ذكرناه كفاية وأما ما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام)
قال سئلته عن رجل توضأ ونسي غسل يساره فقال يغسل يساره وحدها ولا يعيد وضوء شئ غيرها فلا يعارض ما ذكرناه لجواز أن يكون المراد منه أنه لا يعيد وضوء
شئ غيرها مما تقدمها دون ما تأخرها وقس عليه الحال في الجزء الأخير من حسنة الحلبي المنقولة آنفا فإن قلت إذا خالف أحدا الترتيب فغسل يمينه ثم غسل الوجه مثلا
فهل يجب حينئذ إعادة غسل الوجه أيضا ثانيا أم يكتفي بإعادة اليمين قلت الظاهر من كلام الأصحاب الثاني وقد صرح به المحقق في المعتبر والمحقق الثاني في شرح القواعد
وهو الظاهر بالنظر إلى إطلاق الأوامر الواردة بالوضوء فإن قلت ما تقول في صحيحة زرارة ومنصور وحسنة زرارة وموثقة أبي بصير المذكورات آنفا هل يدل على خلاف
ما ذكرت أم لا قلت أما صحيحة زرارة فلا لجواز أن يكون قول السايل بدء بيده إلى آخره سؤالين وحينئذ لا دلالة في الكلام على حصول غسل الوجه في الأول وغسل اليدين في الثاني
فلا مخالفة لما ذكر ولو سلم حمله على سؤال واحد فحينئذ وإن كان الظاهر حصول غسل الوجه لكن يمكن أن يقال بجواز أن يكون الامر بالإعادة لعدم مقارنة النية إذ المتعارف
أن لا يبقى الاستدامة الحقيقية إلى آخر الضوء فحكمه (عليه السلام) بالإعادة مطلقا بناء على الغالب ويمكن أيضا ان يحمل الإعادة على إعادة ما يحصل معه الترتيب أو على الاستحباب
لكن يشكل فيما يلزم فيه قطع العمل ومما ذكرنا يستنبط حال صحيحة منصور وحسنة زرارة وأما موثقة أبي بصير فالظاهر منها خلاف ما ذكر لكن لما كان طريقها غير
نقي والظاهر أن الأصحاب لم يعملوا بها أيضا فبمجردها لا يمكن الحكم بوجوب الإعادة مع أن الامر أيضا ليس بظاهر في الوجوب لكن مقتضى الاحتياط الإعادة نعم يشكل فيما يستلزمه
قطع العمل والأولى حينئذ تركها والله أعلم
(والموالاة والأقرب إنها مراعاة الجفاف وقد حققناه في الذكرى لا خلاف بين أصحابنا في اشتراط الموالاة وإنما الخلاف في معناها
فقال بعضهم هي أن لا يؤخر بعض الأعضاء عن بعض بمقدار ما يجف ما تقدمه وهو اختيار الشيخ في الجمل والمرتضى في شرح الرسالة وأبي الصلاح وابن حمزة وابن البراج
وابن إدريس والمحقق في الشرايع والمصنف في هذا الكتاب والذكرى والبيان وقال بعضهم هي أن تتابع بين غسل الأعضاء ولا يفرق إلا لعذر وهو قول المفيد والشيخ في
النهاية والخلاف والمرتضى في المصباح والمحقق في المعتبر والعلامة في جملة من كتبه ثم أن بعض القايلين بالقول الأخير كالمحقق والعلامة صرحا بأن الاخلال بالموالاة
بهذا المعنى لا يبطل الوضوء وإن كان حراما مع الاختيار ما لم يجف الأعضاء ويفهم ظاهرا من كلام الشيخ في المبسوط مجرد الاخلال بهذا المعنى مبطل للوضوء وإن لم
يجف حال الاختيار وأما حال الاضطرار فيراعى الجفاف وكلامه في النهاية والخلاف محتمل للامرين فعلى ظاهر كلام المبسوط يكون الأقوال في المسألة ثلاثة وإن أول بما
يوافق كلام المحقق والعلامة يصير قولين كما نقله العلامة في المختلف وبالجملة الظاهر القول الأول وهو
مراعاة الجفاف لكن بمعنى اشتراطها في الوضوء لا وجوبها
بمعنى استحقاق الذم على تركها اللهم إلا أن يثبت إجماع على الوجوب أو على حرمة إبطال العمل ثم اعلم إن الظاهر من كلام علي بن بابويه إن مع مراعاة الموالاة بالمعنى الثاني
إذا جف الأعضاء فلا بأس به مطلقا نعم إذا لم يوال بهذا المعنى سواء كان لضرورة أولا وجب أعضاء الوضوء بطل والظاهر أن ابنه الصدوق أيضا قائل به حيث نقل كلام
أبيه في الفقيه ولم ينكره والمصنف (ره) في الذكرى وفي هذا الكتاب قال بالابطال مع الجفاف في الصورة الأولى أيضا إلا مع الضرورة مثل إفراط الحر وشبهه والظاهر ما ذهب
إليه الصدوقان فصار حاصل ما اخترناه ثلاثة أمور الأول عدم وجوب الموالاة بمعنى المتابعة وكذا اشتراطها سواء كان في حال الاختيار أولا الثاني بطلان الوضوء
بالجفاف مع التفريق بين أفعال الوضوء للضرورة أولا الثالث عدم بطلانه مع الجفاف بدون التفريق مطلقا أما الأول فللأصل وصدق الامتثال وعدم دليل صالح
على خلافه ما يظهر من جواب أدلة المخالفين ويدل على عدم الاشتراط أيضا بعض الروايات المتقدمة آنفا في بحث الترتيب وكذا بعض الروايات المتقدمة في بحث
الماء للمسح ويمكن أيضا أن يجعل بعض تلك الروايات مؤيدا لعدم الوجوب من حيث إن الإمام (عليه السلام) لم يذم فيه بترك المتابعة إلا أن يجيب القائل بالاشتراط عن الروايات
127

المتضمنة للنسيان بتخصيص الاشتراط بحال عدم النسيان أيضا وإن النسيان أيضا من جملة الاعذار التي جوز معها عدم الموالاة وعن الروايات الخالية عنه باغتفار أمثال
تلك الفواصل المذكورة فيها بل إنما يقول بإبطال الفصل المعتد به عرفا وقس على هذه الروايات استدلالا وجوابا ما رواه التهذيب أيضا في الباب المذكور في الصحيح عن زرارة
قال قال لي لو أنك توضأت فجعلت مسح الرجلين غسلا ثم أضمرت أن ذلك من المفروض لم يكن ذلك بوضوء ثم قال ابدأ بالمسح على الرجلين فإن بدأ لك غسل فغسلته فامسح
بعده ليكون آخر ذلك المفروض ويمكن أن يجاب عنه بوجه آخر أيضا بحمله على الفصل للضرورة وأما الثاني فللاجماع ولما رواه التهذيب في الباب المذكور في الصحيح
عن معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ربما توضأت فنفذ الماء فدعوت الجارية فأبطأت علي بالماء فيجب وضوئي قال أعد وإذا ثبت وجوب الإعادة
مع الضرورة فبدونها أولى وقد يعترض عليه بإمكان الحمل على الاستحباب وهو بعيد بعد اشتهار حرمة إبطال العمل مطلقا ولما رواه أيضا في الباب المذكور في
الموثق عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا توضأت بعض وضوءك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوئك فأعد وضوئك فإن الوضوء لا يبعض وهاتان
الروايتان في الكافي أيضا في باب الشك في الوضوء ويدل أيضا على البطلان بالجفاف في خصوص حال المسح مرسلة الصدوق عن الصادق (عليه السلام) ورواية مالك بن
أعين المتقدمتان في بحث استيناف الماء الجديد وأما ما رواه التهذيب في أواخر باب أحكام السهو في الصلاة عن أبي الصلاح الكناني قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن رجل توضأ فنسي أن يمسح على رأسه حتى قام في الصلاة قال فلينصرف وليمسح على رأسه وليعد الصلاة الدال بإطلاقه في الامر بالمسح على عدم البطلان حال الجفاف وجواز استيناف
الماء الجديد فمع عدم صحة سنده إنما يحمل على بقاء البلة جمعا بين الاخبار وأيضا الامر بالمسح يمكن أن يكون المراد منه الامر بإعادة الوضوء أي يتوضأ وضوءا يمسح فيه
رأسه وقس عليه الحال أيضا في حسنة الحلبي ورواية أبي بصير المتقدمتين في بحث الاستيناف وصحيحة منصور المتقدمة في بحث الترتيب ونظائرها وأما الثالث فللأصل وصدق
الامتثال وعدم دليل على خلافه وما ذكره المصنف في الذكرى من ورود الأخبار الكثيرة بخلافه لا وجه له لان الأخبار الواردة في هذا الباب الموجودة في الكتب الأربعة
المتداولة لا دلالة فيها على هذا المعنى رأسا إذ ما يمكن أن يستدل به من بينها هاتان الروايتان المذكورتان آنفا وهما كما ترى مخصوصتان بالتفريق ولا وجه لأجزائهما
في غير صورة التفريق وكذا مرسلة الصدوق ورواية مالك بن أعين المتقدمتان سابقا مع أنهما مختصان بحال المسح فيجوز أن يكون البطلان لأجل لزوم الاستيناف
ولا للجفاف ومما يتراءى امكان الاستدلال به على ما اخترناه ما رواه أيضا في الباب المذكور في الصحيح عن حريز في الوضوء يجف قال قلت فإن جف الأول قبل أن أغسل
الذي يليه قال جف أو لم يجف اغسل ما بقي قلت وكذلك غسل الجنابة قال هو بتلك المنزلة ابدأ بالرأس ثم افض على ساير جسدك قلت وإن كان بعض يوم قال نعم وجه
الاستدلال أنه حكم بعدم البطلان بالجفاف مطلقا خرج الجفاف مع التفريق بالدليل فيبقى الباقي وهو المطلوب لكن الظاهر أنه محمول على التقية لموافقة ظاهرة لمذهب العامة و
الشيخ (ره) إنما حمله على ما إذا لم يقطع المتوضي وضوئه وإنما تجففه الريح الشديدة أو الحر العظيم وفيه بعد واعلم أن عروض الجفاف بدون التفريق ان كان عند بقاء بعض الغسلات فالحال كما عرفت وإن كان عند تمامها
فحينئذ فيه إشكال من حيث احتمال أن يكون الحكم بالصحة حينئذ مخالفا للاجماع لان ابن الجنيد القايل بجواز الاستيناف من بين الأصحاب الظاهر أنه لا يقول بالصحة في هذه الصورة
إذ مذهبه اشتراط وجود البلة على جميع الأعضاء إلا لضرورة وها هنا لا ضرورة والصدوقين القائلين بالصحة حال الجفاف مع الاشتغال بأفعال الوضوء
لم يظهر إن مذهبهما الصحة مع لزوم الاستيناف أيضا لان كلام علي بن بابويه على ما نقل في الفقيه مخصوص بغسل ما بقي عند الجفاف مع أن الصدوق أطلق القول
بأن لا يجدد الماء للمسح فحينئذ الأولى في هذه الصورة إعادة الوضوء خوفا لمخالفة الاجماع ثم إن القائلين ببطلان الوضوء في هذه الصورة بدت واضطرار وعدمه فالظاهر معه
إنه لا متمسك لهم في الجزء الأول كما علمت وأما في الجزء الثاني فكأنهم تمسكوا بالحرج والاضطرار كما استدل به المحقق في المعتبر وفيه نظر إذ بعد تسليم دلالة الاخبار على أن الجفاف مبطل للوضوء لا وجه لاخراج هذا الفرد للحرج إذ لا حرج ولا اضطرار لانتقال الفرض إلى التيمم اللهم إلا أن يدعوا الاجماع هذا واحتج القائلون بالقول
الثاني أي وجوب المتابعة وعدم البطلان بتركها إلا مع الجفاف أما على الجزء الأول فبوجوه الأول قوله تعالى فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الآية والاستدلال به
من وجهين أحدهما أنه أمر فيقضي فيه بالفور لأنه أحوط ولقوله تعالى سارعوا بالخيرات إلى مغفرة من ربكم فاستبقوا الخيرات ثانيهما أنه أوجب غسل الوجه والبدن
والمسح عقيب إرادة القيام إلى الصلاة بلا فصل وفعل الجميع دفعة متعذر فيحمل على الممكن وهو المتابعة والجواب عنه أما عن الوجه الأول فبمنع إن الامر للفور وموضع
بحثه في الأصول ولو سلم فليس هذا الامر للفور إجماعا وإلا لزم أن يكون تأخير الوضوء عن أول الوقت ممن يريد القيام إلى الصلاة عصيانا ولم يقل به أحد وأما
عن الثاني فبمنع إن هذا الفاء للتعقيب بلا فصل لان الفاء الموضوعة له إنما هي فاء العاطفة لا الداخلة على الجراء وأيضا لو كان كذلك للزم ما ذكرنا آنفا الثاني
موثقة أبي بصير المتقدمة آنفا وجه الاستدلال حكمه (عليه السلام) بأن الوضوء لا يبعض وهو صادق مع
الجفاف وعدمه والجواب إن تعليل البطلان بالتفريق مع اليبس بأن
الوضوء لا يبعض قرينة على أن المراد بالتبعيض هو أن يصير بعضه جافا وبعضه رطبا مع التفريق وأيضا لو كان المراد بالتبعيض مجرد التفريق لزم عليهم القول ببطلان
الوضوء بدون الجفاف أيضا لأنه (عليه السلام) علل الإعادة بأن الوضوء لا يبعض مع أنهم لم يقولوا به الثالث قوله (عليه السلام) في حسنة الحلبي المتقدمة في بحث الترتيب اتبع وضوءك
128

بعضه بعضا لان المفهوم من المتابعة فعل كل واحد عقيب الاخر والجواب منع كون المفهوم من المتابعة فعل كل عقيب الاخر بلا فضل بل فعله عقيبه الذي هو الترتيب بل هو الظاهر
بقرينة السياق وأولوية التأسيس من التأكيد لا ظهور لها مطلقا سيما هاهنا لمعارضة السياق ويؤيد هذا المعنى وقوعها في رواية زرارة المتقدمة في بحث الترتيب أيضا بمعنى الترتيب الرابع
الاحتياط وجوابه ظاهر الخامس الوضوء البياني وقوله (عليه السلام) بعده هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة الآية ووجه الاستدلال والجواب عنه قد مر غير مرة السادسة صحيحة زرارة
وموثقة أبي بصير المتقدمتان سابقا في بحث الترتيب وجه الاستدلال بهما أنه لو لم يكن الموالاة واجبة لما حكم بإعادة غسل الوجه والجواب إنك قد عرفت سابقا توجيه صحيحة زرارة
وإنها لا تدل على إعادة غسل الوجه ولو سلم فقد مر أيضا أنه يمكن أن يكون الامر بالإعادة لعدم مقارنة النية فلم يتم الاستدلال على وجوب الموالاة وأيضا لا وجه للقول بأن
الإعادة ها هنا لفوات الموالاة إذ ليس في الخبر على تقدير حمل السؤال على أنه سؤال واحد إشعار بوقوع فصل بعد غسل الوجه ولو حمل على السؤالين أيضا ليس في السؤال الأول
ما يشعر بذلك فالحكم الإعادة مطلقا لأجل فوات الموالاة لا يصح إلا بارتكاب تخصيص وتقييد وليس ارتكابهما أولى من ارتكاب التجوز بحمل الإعادة لو سلم فهمها على
الاستحباب على أنه قد مر غير مرة إن الامر في أحاديثنا ليس بظاهر في الوجوب وأيضا قد ظهر من بعض الروايات المتقدمة في بحث الترتيب عدم الاحتياج إلى استيناف الوضوء
عند تقديم بعض الأعضاء على بعض أو نسيانه وكذا في بحث استيناف الماء فقد عارض هذه الصحيحة والرجحان معه لتأييده بالأصل وأما موثقة أبي بصير فيجري فيها أيضا
بعض ما ذكر مع أن الجزء الأخير منها قرينة على أن الامر بإعادة غسل الوجه في الأول ليس لفوات الموالاة وإلا لوجب إعادته في الصورة الثانية أيضا مع أن الظاهر منها عدم وجوبها
كما لا يخفى هذا كله مع أن من احتج بهما كالعلامة (ره) لا يقول بالبطلان بترك الموالاة والاستدلال بهما لو تم لدل على البطلان وقد يستدل أيضا بما رواه الكافي في باب الشك
في الوضوء عن حكم بن حكيم قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي من الوضوء الذراع والرأس قال يعيد الوضوء إن الوضوء يتبع بعضه بعضا وجه الاستدلال إن المتابعة
لو لم يكن واجبة لما حكم (عليه السلام) بالإعادة وأيضا تعليل الإعادة بأن الوضوء يتبع بعضه بعضا يدل على أن المراد بالمتابعة عدم الفصل لا الترتيب لان حصول الترتيب لا
يتوقف على إعادة الوضوء بل يكفي فيه الاتيان على العضو المنسي وبما بعده والجواب إنك خبير بأن حمل الرواية على ظاهرها من إعادة الوضوء مطلقا لا معنى له لما عرفت من
ورود الروايات الكثيرة بعدم الإعادة حال حال النسيان مع أن مذهبهم أيضا ليس الإعادة مطلقا فلا بد من الجمع بينهما بحمل هذه الرواية على الفصل الكثير أو الجفاف
والروايات السابقة على ما يقابلهما والظاهر الثاني لاشعار بعض من تلك الروايات المتضمنة لعدم الإعادة بوقوع الفصل الكثير وبعضها أيضا على مراعاة الجفاف
وعلى هذا فلا دلالة وأما ما ذكره من التعليل ففيه إن بعد ما علمت من ظهور الحمل على الإعادة مع الجفاف لا بد أن يحمل المتابعة على ما يوافقه نحو ما حملنا التبعيض عليه
آنفا ويمكن أيضا أن يحمل إعادة الوضوء على الاتيان بما نسي وإعادة ما بعده هذا كله مع أن الرواية ضعيفة السند وقس عليه أيضا الاستدلال بما رواه التهذيب في الباب
المذكور في الموثق عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من نسي مسح رأسه أو قدميه أو شيئا من الوضوء الذي ذكره الله في القرآن كان عليه إعادة الوضوء والصلاة هذا
وأما على الجزء الثاني أي عدم البطلان إلا مع الجفاف فيتحقق الامتثال مع الاخلال بالمتابعة في غسل المغسول ومسح الممسوح فلا يكون قادحا في الصحة هكذا ذكره المحقق
والعلامة رحمهما الله وأنت خبير بأن وجوب المتابعة بهذا المعنى لو استنبط من الروايات الدالة على وجوب المتابعة فما ذكراه موجه لان الامر بالوضوء مطلق وهذه الروايات
لا ظهور لها في تقييدها إياه بل إنما يدل على وجوب المتابعة فقط فعند الاتيان بالوضوء بدون المتابعة يتحقق امتثال ذلك الامر وإن خولف تلك الأوامر وأما لو استنبط
من فورية الامر أو من الوضوء البياني كما أورداهما أيضا في طي الأدلة ففيه نظر كما لا يخفى وأما القول بالثالث اي وجوب المتابعة وبطلان الوضوء بالاخلال بها اختيارا وإن لم يجف
وعدم البطلان به اضطرارا لا مع الجفاف فعلى تقدير تحققه الاستدلال على جزئيه الأولين والجواب عنه إنما يستخرج من الكلمات السابقة وأما الجزء الأخير فيمكن الاستدلال
عليه بالاجماع وبمفهوم قوله (عليه السلام) في موثوقة أبي بصير المتقدمة حتى يبس وضوئك هذا والاحتياط يقتضي الإعادة مع الجفاف (مطلقا إلا لضرورة) مثل فرط الحر وشبهه وكذا
مع الاخلال بالمتابعة اختيارا وكذا ترك الاخلال بالمتابعة اختيارا احتياطا للحرمة فلو والى رجف بطل إلا مع إفراط الحر وشبهه) قد تقدم القول فيه (ولو فرق ولم
يجف فلا أثم ولا إبطال إلا أن يفحش التراخي فيأثم مع الاختيار) وجه عدم الاثم والابطال بالتفريق مع عدم التفاحش قد ظهر مما سبق وأما الاثم مع التفاحش فلم يظهر له
وجه لان ما ذكرنا سابقا إنما يدل على عدم الاثم بالتراخي مطلقا سواء كان متفاحشا أو لا إلا إذا جف فإنه حينئذ يحصل الاثم مع الاختيار بناء على حرمة إبطال العمل أو إجماع
إن كان وأما الاثم بالتراخي مع التفاحش وإن لم يجف فلا وجه له ظاهرا ولم نقف في كلام الأصحاب أيضا على القول بهذا التفصيل الذي ذكره المصنف ولعل وجهه أنه مع
التفاحش لا يصدق عليه المتابعة ويندرج تحت التبعيض ورفعه ظاهر مما سبق مع أنه لو سلم اندراجه تحت التبعيض لكان الظاهر لزوم البطلان أيضا لا مجرد الاثم فتدبر ثم أين
الجفاف الذي يراعى في صحة الوضوء وعدمه هل هو جفاف جميع الأعضاء المتقدمة على العضو المفرق أو بعض ما تقدم والعضو السابق ظاهر الأكثر الأول وصرح ابن الجنيد بالثاني
وظاهر المرتضى وابن إدريس الثالث هكذا ذكره المصنف في الذكرى وما ذكره الشيخ في الخلاف وإن جفت أعضاء الطهارة أعاد الوضوء وإن بقي في يده نداوة بنى على
ما قطع عليه فكان مراده فيه من بقاء النداوة على اليد بقاؤها في الجملة وإنما ذكر اليد على سبيل التمثل بقرينة مقابلته لجفاف أعضاء الطهارة فيرجع إلى المشهور
129

والظاهر من الأقاويل قول الأكثر لأنه حكم على خلاف الأصل فيقتصر على القدر المتيقن ولا يقين فيما سوى جفاف الجميع والروايتان السابقتان الدالتان على الإعادة مع
الجفاف لا ظهور لهما في جفاف البعض كما لا يخفى ويؤيده أيضا الروايات السابقة في بحث استيناف الماء للمسح المتضمنة للاخذ من اللحية والحاجب والأشفار واعلم أيضا
أن الأصحاب ذكروا إن مراعاة الجفاف إنما هو بالقياس إلى الهواء المعتدل وظاهره أن تعجيل الجفاف في الهواء الحار جدا وكذا تأخيره في الهواء الرطب جدا مما لا يعتد به بل إنما
يراعى حكم التوسط لكن المصنف (ره) في الذكرى حكم بأن وجود البلل حسا كاف البتة ولم يضر الجفاف على تقدير اعتدال الهواء وحمل كلام الأصحاب على أن مرادهم من التقييد إخراج
طرف الافراط في الحرارة وهو جيد لان الإعادة إنما علقت على الجفاف لا يصدق الجفاف ها هنا لا لغة ولا عرفا والجفاف التقديري لا عبرة به وأنت خبير بأن التقييد لاخراج
طرف الافراط فقط أيضا فيه إشكال لان الحكم معلق على الجفاف وقد تحقق في هذا الفرض فالتقدير لا وجه له إلا أن يقال المتبادر منه الجفاف حال اعتدال الهواء وفيه ضعف
أو يتمسك بالحرج والاضطرار وهو أيضا ضعيف سيما في بعض الصور نعم يمكن أن يقال إن هذا الحكم على خلاف الأصل فيقتصر على القدر المتيقن ولا يقين فيما سوى الجفاف على تقدير الاعتدال
لعدم الاتفاق فيه والروايتان المنقولتان آنفا الدالتان على الإعادة مع الجفاف أحديهما موثقة فلا يصلح للتعويل والأخرى منقولة بطريقين أحدهما ما اشترك
فيه التهذيب والكافي وهو ضعيف وثانيهما ما اختص به التهذيب وهو وإن كان صحيحا لكن فيه حسين ابن سعيد عن معاوية بن عمار وهو يختلج الشك فيه من حيث بعد رواية
حسين عنه بلا واسطة فهي أيضا مما يضعف الاعتماد عليه خصوصا مع عدم عمل الأصحاب بظاهرها وأما مرسلة الفقيه عن الصادق (عليه السلام) ورواية مالك بن أعين المنقولتان
في بحث استيناف الماء للمسح فهما أيضا لا يصلحان للتعويل للارسال والجهالة مع أنهما يختصان بنسيان المسح وإعادة الوضوء مع الجفاف وعنده فحينئذ يجوز أن يكون الإعادة
لأجل عدم جواز الاستيناف للمسح لا لبطلان الوضوء بالجفاف فتأمل ثم إن الشهيد الثاني في شرح الارشاد قال والمعتبر من البلل الحسي فلا اعتبار بتقدير الهواء حال كونه مفرط الرطوبة
بكونه معتدلا ولا بتقييد بعضهم الهواء بالمعتدل ليخرج طرف الافراط في الحرارة فإن زوال البلل حينئذ مغتفر كما تقدم انتهى ولا يذهب عليك إن ما ذكره من اغتفار زوال
البلل حينئذ هو بعينه ما ذكروه من تقييد الهواء بالمعتدل لاخراج طرف الافراط بالحرارة فلا وجه للايراد عليهم أصلا فتدبر وذكر المصنف (ره) أيضا في الذكرى أنه لو أشبع الماء
بحيث لو اعتدل لجف لم يضر أيضا وهو أيضا حسن كما ظهر وجهه (ويصح نذر الولاء فيلزم ويبطل الاخلال به الوضوء إن جف وإلا ففيه وجهان ويكفر أن تعين) المراد بالولاء
المتابعة بدون فصل واعلم إن أنذر الولاء يحتمل وجهين الأول أن ينذر أن يتابع بين أعضاء الوضوء الواجبي أو الندبي إن فعله الثاني أن ينذر الاتيان بوضوء يوالي فيه ولا خفاء
في صحة النذر بالوجهين أما على تقدير عدم وجوب الموالاة فمطلقا لما فيه من المسارعة إلى الطاعة وأما على وجوبها فعلى القول بصحة نذر الواجبات وأما لو أخل بالولاء
فهل يبطل الوضوء بدون الجفاف أم لا ففيه وجهان نظرا إلى أن المعتبر في صحة الفعل حاله الذي اقتضاه النذر أم أصله وتحقيق المقام أن يقال إن النذر إن كان بالنحو الأول فلو
توضأ بالوضوء الذي نذر أن يوالي فيه ولم يوال فالظاهر صحته لان النذر المذكور لم يقيد الامر المطلق به كما هو الظاهر فيتحقق الامتثال نعم لم يأت بما نذره فإن كان مضيقا
وفات وقته لزم الكفارة وإلا فلا بل إنما يلزم الاتيان به في وقت آخر في وضوء آخر وإن كان بالنحو الثاني فإن أتى بوضوء بدون الولاء فإن قصد به المنذور فلا خفاء في عدم أجزائه عنه
فحينئذ ان كان في ذمته وضوء آخر واجب أو مندوب فلا يخلو أما إن قصده أيضا أو لا فإن قصده فإنما يجزي عنه البتة وإن لم يقصده فأجزائه عنه وعدمه بناء على وجوب قصد التكليف
بخصوصه في الامتثال وعدمه فعلى الأول الثاني وعلى الثاني الأول ثم هذا النذر إن كان مضيقا فيلزم الكفارة وإلا فلا وإن لم يقصد به المنذور فالامر واضح (والمباشرة
بنفسه مع الاختيار وعد ابن الجنيد ذلك ندبا باطل) المراد بالمباشرة بنفسه صب الماء على أعضاء الغسل والمسح بنفسه فأما صب الماء على اليد ليصيب على العضو الاخر فليس بمراد
ظاهرا لأنه ليس من أفعال الوضوء واعلم إن وجوب المباشرة بنفسه مع الاختيار قد ادعى العلامة في المنتهى الاجماع عليه وقال المحقق أيضا في المعتبر هذا مذهب الأصحاب وقال المرتضى
في الانتصار أنه انفرد به الإمامية ونقل عن ابن الجنيد أنه قال يستحب أن لا يشرك الانسان في وضوءه غيره بأن يوضيه أو يعينه عليه وهذا القول ضعيف أما أولا فلدعوى الاجماع
على خلافه وأما ثانيا فلان الأوامر الواردة بالوضوء إنما يتبادر منها توضي المكلف بنفسه لان إسناد الفعل إلى فاعله هو الحقيقة ثم أنه لا خفاء في بطلان الوضوء بدون
المباشرة وأما إنه هل يحرم ذلك أم لا ظاهر المعتبر والمنتهى الاجماع على عدم الجواز لكن الظاهر عدم حصول الظن بأمثال هذه العبارات في مثل هذا الموضع إذ كثيرا ما يستعملون
في عدم الاجزاء عدم الجواز ويشتبه أحدهما بالآخر جدا إلا أن يقال ببدعية العبادات على النحو الغير المتلقى من الشارع وإن كل بدعة حرام وكلاهما لا يخلو من إشكال أو يقال
بدخوله تحت إبطال العبادة وأنه منهي عنه وفيه أيضا خفاء ويمكن أن يستدل عليه بما رواه التهذيب في زيادات صفة الوضوء عن الحسن بن علي الوشا قال دخلت على الرضا
عليه السلام وبين يديه إبريق يريد أن يتهيأ منه إلى الصلاة فدنوت لأصب عليه فأبى ذلك وقال مه يا حسن فقلت له تنهاني إن أصب على يدك تكره أن أوجر فقال تؤجر أنت
وأوزر أنا فقلت له وكيف ذلك فقال ما سمعت الله يقول فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا وها أنا ذا أتوضأ للصلاة وهي العبادة فأكره
أن يشركني فيها أحد وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب النوادر قبل أبواب الحيض ووجه الاستدلال إن الوزر ظاهره الاثم لكنه لما كان سند الرواية لم يظهر صحته ويمكن أيضا
حمل الوزر على الكراهة سيما مع قرينة لفظة فأكره مع أن حسنات الأبرار سيئات المقربين فلم يصلح للتعويل عليها في الحرمة فإن قلت ما معنى قوله عليه السلام تؤجر أنت وأوزر أنا لأنه
إذا حصل الوزر له كيف يحصل الاجر للراوي لان معاونة الاثم إثم ومعاونة المكروه مكروه قلت كان مراده عليه السلام إنه لما كان الراوي يظن أنه إعانة على البر فهو إنما يثاب بظنه بظنه لو لم
130

ينهه ويكون هو عليه السلام مأزورا والله أعلم ثم أنه يجوز تولية الغير مع الاضطرار للاجماع كما ذكره العلامة في المنتهى والمحقق في المعتبر واستدل عليه المصنف في الذكرى و
تبعه الشهيد الثاني (ره) في شرح الارشاد بأن المجاز إنما يصار إليه عند تعذر الحقيقة وفيه نظر لان مرادهما من الصيرورة إلى المجاز أما إن الأوامر العامة الواردة بالوضوء مثل
قوله تعالى فاغسلوا الآية إنما يحمل بالنسبة إلى المختار على الغسل بنفسه الذي هو الحقيقة وبالنسبة إلى المضطر على الغسل بتولية الغير الذي هو المجاز لامتناع الحمل على الحقيقة
بالنسبة إليه ففيه أنه لو لم يصر إلى تخصيص المضطر من العموم بدلالة العقل من حيث امتناع التكليف بما لا يطاق ويصار إلى عموم المجاز الذي هو المرجوح أو الممتنع وأما إن تلك
الأوامر إنما يختص بالمختارين ويكون المضطرون مكلفون بتكليف آخر بالغسل المجازي ففيه مع بعده من العبارة أنه حينئذ ما الدليل على ثبوت تكليف آخر بالغسل المجازي لان التكاليف
المعلومة إنما هي بهذه العمومات المختصة بالمختارين على هذا التقدير فإن تمسكتم بالاجماع أو دليل آخر على ثبوت ذلك التكليف فليعول عليه ابتداء واستدل في المعتبر أيضا
بأنه توصل إلى الطهارة بالقدر الممكن وفيه أيضا نظر كما لا يخفى
(درس سنن الوضوء وضع الاناء على اليمين والاغتراف بها) المراد بالاناء الذي يغترف منه باليد لا يصب ما منه
كالإبريق أما استحباب وضعه الاناء على اليمين فذكر المحقق أنه مذهب الأصحاب واستدل عليه بأنه أمكن في الاستعمال وهو نوع من تدبير وبما روى عن النبي صلى الله عليه وآله
إن الله يحب التيامن في كل شئ وبما روي عن عايشة أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يحب التيامن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله وأما ما ورد في حديث
القعب المتقدم من أنه (عليه السلام) وضعه بين يديه فيمكن أن يقال أنه لا ينافي ما ذكر لان الوضع على اليمين أيضا يطلق عليه هذا المعنى كثيرا ولن كان على سبيل المسامحة
ولا يذهب عليك أنه لو لم يكن الشهرة بين الأصحاب لكان الأولى الحكم باستحباب الوضع بين يديه لظهوره دلالة الرواية وعدم تمامية الأدلة المذكورة لا على استحباب الوضع على اليمنى كما لا يخفى وأما الاغتراف باليمين فهو أيضا مثل سابقه في ذهاب الأصحاب
إليه وجريان الدليل المذكورة مع ما ورد في الروايات المتضمنة لورودهم عليهم السلام من الاغتراف بها ويدل عليه أيضا في حكاية الثقفي والأنصاري المنقولة في باب
نوادر الكافي قبل أبواب الحيض وفي باب فضائل الحج في الفقيه لكن لا يذهب عليك إن استحباب الاغتراف باليمين لغسل الوجه وغسل اليد اليسرى مما لا خفاء فيه وأما استحبابه لغسل نفسها
كما ذكره الأصحاب من أنه يغترف بها ويدير على اليسرى ففيه خفاء لان جميع الروايات الواردة في هذا الباب التي في الكتب الأربع على حسب ما وجدناه إنما يتضمن الاغتراف باليسرى
لغسل اليمنى سوى حديث الطست المنقول عن زرارة وبكير على النحو الذي في التهذيب فإن فيه الاغتراف باليمنى لغسل نفسها وأما على النحو الذي في الكافي فهو أيضا متضمن
للاغتراف باليسرى والذي رواه في باب صفة الوضوء في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال يأخذ أحدكم الراحة من الدهن فيملأ بها حده (جسده) والماء أوسع إلا
أحكى لكم وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) قلت بلى قال فأدخل يده في الاناء ولم يغسل يده فأخذ كفا من ماء فصبه على وجهه ثم مسح جانبيه حتى مسحه كله ثم أخذ كفا آخر بيمينه
فصبه على يساره ثم غسل به ذراعه الأيمن ثم أخذ كفا آخر فغسل به ذراعه الأيسر ثم مسح رأسه ورجليه بما بقي في يديه فحينئذ الحكم باستحباب الاغتراف باليمنى مطلقا مشكل لان الروايات
الدالة على الاغتراف باليسرى لغسل اليمنى أكثر من الدال على خلافه لأنها أربع وهي اثنتان سيما إن رواية الطست قد وقعت في الكافي على خلاف التهذيب وبهذا يتطرق ظن
الغلط إليه لأنه أثبت من التهذيب والرواية الأخرى فيها محمد بن عيسى عن يونس وفيه أيضا خدشة فالأولى الحكم باستحباب الاغتراف باليسرى لغسل اليمنى أو بالتساوي بينهما
قال الشهيد الثاني (ره) في شرح الارشاد وفي حديث عن الباقر (عليه السلام) إنه أخذ باليسرى فغسل اليمنى وهو لبيان الجواز انتهى وهو كما ترى والله أعلم (والتسمية) استحباب التسمية
عند الوضوء إجماع منا وقال الظاهرية بالوجوب والذي يدل على عدم الوجوب مضافا إلى الاجماع ما رواه التهذيب في الزيادات في باب صفة الوضوء في الصحيح عن ابن أبي عمير عن
بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا سميت في الوضوء طهر جسدك كله وإذا لم تسم لم يطهر جسدك إلا ما مر عليه الماء وما رواه أيضا في هذا الباب عن أبي بصير
عن أبي عبد الله (عليه السلام) بهذا المضمون وقال الفقيه أيضا في باب حد الوضوء وروى إن من توضأ فذكر اسم الله طهر جميع جسده وكان الوضوء إلى الوضوء كفارة لما بينهما
من الذنوب ومن لم يسم لم يطهر من جسده إلا ما أصابه الماء ويؤيده أيضا بعض ما ورد في صفة الوضوء وليس فيه ذكر التسمية كما تقدم في الأبواب السابقة وكذا ما رواه
في الباب المذكور أيضا في الصحيح عن عيص بن القاسم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من ذكر اسم الله تعالى على وضوئه فكأنما اغتسل وهذه الرواية في الفقيه أيضا مرسلة في الباب
المذكور وأما ما رواه أيضا في هذا الباب عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إن رجلا توضأ وصلى فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعد وضوءك وصلواتك
ففعل وتوضأ وصلى فقال النبي (صلى الله عليه وآله) أعد وضوئك وصلاتك ففعل وتوضأ وصلى فقال النبي (صلى الله عليه وآله) أعد وضوءك وصلاتك فأتى أمير المؤمنين (عليه السلام) فشكا ذلك إليه فقال هل سميت حين توضأت قال لا قال فسم على وضوئك
فسمى وتوضأ وصلى وأتى النبي (صلى الله عليه وآله) فلم يأمره أن يعيد فينافي ما ذكرناه لعدم ظهوره في الوجوب فليحمل على الاستحباب مع أنه مرسل وحمل الشيخ التسمية على النية
وفيه بعد والذي يدل على استحباب التسمية مضافا إلى الاجماع والروايات المنقولة آنفا ما رواه أيضا في باب صفة الوضوء في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال
إذا وضعت يدك في الماء فقل بسم الله وبالله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فإذا فرغت فقل الحمد لله رب العالمين وما رواه الفقيه في باب صفة وضوء أمير
المؤمنين (عليه السلام) قال وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا توضأ قال بسم الله وبالله وخير الأسماء لله وأكبر الأسماء لله وقاهر لمن في السماء وقاهر لمن في الأرض الحمد لله الذي
جعل من الماء كل شئ حي وأحيى قلبي بالايمان اللهم تب علي وطهرني واقض لي بالحسنى وأرني كل الذي أحب وافتح لي بالخيرات من عندك يا سميع الدعاء وأما صفة التسمية فيستفاد
131

من هاتين الروايتين والظاهر أنه لو اكتفى ببسم الله لأجزى كما يدل عليه حديث القعب المتقدم وإطلاق الروايات المنقولة آنفا وكذا ما رواه الكافي في باب النوادر قبل أبواب الحيض
عن محمد بن قيس في حديث طويل حكاية الثقفي والأنصاري وقد روى الفقيه أيضا هذه الرواية في باب فضايل الحج لكن فيه بدل بسم الله بسم الله الرحمن الرحيم ولا يخفى إنه أولى سيما
إن التسمية في العرف كأنه ينصرف إليه (والدعاء) المراد الدعاء عند التسمية وقد مر آنفا ما يتضمن طريقين منه ويتضمن طريقا آخر أيضا ما رواه التهذيب في الباب المذكور عن عبد الرحمن بن
كثير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال بينا أمير المؤمنين (عليه السلام) ذات يوم جالس مع ابن الحنفية إذ قال له يا محمد إيتني بإناء من ماء أتوضأ للصلاة فأتا محمد بالماء فأكفاه بيده اليسرى على يده
اليمنى ثم قال بسم الله والحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعل نجسا قال ثم استنجى فقال اللهم حسن فرجي واعفه واستر عورتي وحرمني على النار وقال ثم تمضمض فقال اللهم
لقني حجتي يوم ألقاك وأطلق لساني بذكرك ثم استنشق فقال اللهم لا تحرم على ريح الجنة واجعلني ممن يشم ريحها وروحها وطيبها قال ثم غسل وجهه فقال اللهم بيض وجهي
يوم تسود فيه الوجوه ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه ثم غسل يده اليمنى فقال اللهم أعطني كتابي بيميني والخلد في الجنان بيساري وحاسبني حسابا يسيرا ثم غسل يده اليسرى
فقال اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي وأعوذ بك من مقطعات النيران ثم مسح رأسه فقال اللهم غشني برحمتك وبركاتك ثم مسح رجليه فقال اللهم
ثبتني على الصراط يوم تزل فيه الاقدام واجعل سعيي فيما يرضيك عني ثم رفع رأسه فنظر إلى محمد فقال يا محمد من توضأ مثل وضوئي وقال مثل قولي خلق الله له من كل
قطرة ملكا يقدسه ويسبحه ويكبره فيكتب الله له ثواب ذلك إلى يوم القيامة وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب النوادر قبل أبواب الحيض وفي الفقيه في باب صفة وضوء أمير
المؤمنين (عليه السلام) (والسواك) استحباب السواك أيضا اجماع منا وقال بعض العامة بالوجود الذي يدل على عدم الوجوب مضافا إلى الاجماع ما رواه الكافي في باب السواك عن عبد
الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال ركعتان بالسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك
قال وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لولا أن أشق على أمتي
لامرتهم بالسواك مع كل صلاة وروى الفقيه أيضا في باب السواك هذا المضمون مرسلا عن النبي (صلى الله عليه وآله) والذي يدل على استحبابه مضافا إلى الاجماع وما ذكر ما رواه الفقيه
في الباب المذكور قال وقال الصادق (عليه السلام) نزل جبرئيل بالسواك والحجامة والخلال وقال الصادق (عليه السلام) أربع من سنن المرسلين التعطر والسواك والنساء والحناء وقال
أمير المؤمنين (عليه السلام) إن أفواهكم طرق القرآن فطهروها بالسواك وقال النبي (صلى الله عليه وآله) في وصيته لعلي (عليه السلام) يا علي عليك بالسواك عند وضوء كل صلاة والروايات
في فضل السواك كثيرة وسيجئ بعض آخر منها إنشاء الله تعالى فيما بعد ثم أنهم اختلفوا في أن السواك هل هو من سنن الوضوء أم لا فقيل أنه من سننه لأنه نوع من النظافة يؤمر به المتوضي
وقيل أنه سنة مقصوده في نفسه لأنه يؤمر به غير المتطهر كالحائض والنفساء كما يؤمر به المتطهر ويظهر الفائدة فيما لو نذر الاتيان بسنن الوضوء والظاهر الأول لما رواه الفقيه في
الباب المذكور قال وقال (عليه السلام) السواك شطر الوضوء ويؤيده أيضا ما تقدم في وصية النبي (صلى الله عليه وآله) وكون غير المتطهر أيضا مأمورا به لا ينافيه كما لا يخفى (و
المضمضة والاستنشاق ثلاثا ثلاثا) قد اتفق أصحابنا على استحبابهما أيضا إلا ابن أبي عقيل فإن الظاهر من كلامه عدم الاستحباب والوجوب جميعا وخالف بعض العامة
فقال بوجوبهما والذي يدل على عدم وجوبهما ما رواه التهذيب في الباب المذكور في الحسن عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال ليس عليك استنشاق ولا
مضمضة لأنهما من الجوف وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب المضمضة وما رواه أيضا في الباب المذكور عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال ليس المضمضة و
الاستنشاق فريضة ولا سنة إنما عليك أن تغسل ما ظهر والذي يدل على استحبابهما ما تقدم من وضوء أمير المؤمنين (عليه السلام) وما رواه أيضا في الباب المذكور في الصحيح أو
الموثق عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عنهما فقال هما من الوضوء فإن نسيتهما فلا تعدو ما رواه أيضا في الباب المذكور في الموثق عن سماعة قال سألته عنهما
فقال هما من السنة فإن نسيتهما لم يكن عليك إعادة وما رواه أيضا في هذا الباب عن عبد الله بن سنان قال المضمضة والاستنشاق مما سن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وقال الصدوق (ره) أن السنن الحنفية عشر سنن وعد من جملتها المضمضة والاستنشاق وأما ما رواه التهذيب في الباب المذكور في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)
قال المضمضة والاستنشاق ليسا من الوضوء فمحمول على أنهما ليسا من فرايض الوضوء وكذا ما رواه الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن المضمضة والاستنشاق
فقال ليسا هما من الوضوء هما من الجوف إلى غير ذلك من الأخبار الواردة بهذا المعنى وأما الرواية المتقدمة عن زرارة النافية لكونهما سنة أيضا فمع جهالة سندها محمولة
على السنة التي لا يجوز تركها لان السنة في عرفهم ليس بمعنى الاستحباب في عرفنا بل ما ثبت بسنة الرسول وما ذكره المصنف من كونهما ثلاثا ثلاثا هو المشهور بين الأصحاب ولم نطلع على
مستنده سوى ما تضمنه رواية معلى بن خنيس المنقولة آنفا من التمضمض ثلاث مرات بعد الوضوء عند نسيان السواك لكن الشهرة بين الأصحاب كأنها كافية في هذا الباب قال المصنف
في الذكرى وكيفيتهما أن يبدء بالمضمضة ثلاثا بثلاث أكف من ماء ومع الاعواز بكف واحدة فيدير الماء في جميع فيه ثم يمجه ثم يستنشق وليبالغ فيهما (والدعاء فيهما) قد
تقدم في حديث وضوء أمير المؤمنين (عليه السلام) (وتثنية الغسل) المشهور بين الأصحاب استحباب تثنية الغسلات وادعى ابن إدريس الاجماع عليه بناء على عدم الاعتداد بخلاف
معلوم النسب وفيه ضعف وخالف فيه الصدوق وقال بعدم الاستحباب وهو الظاهر من كلام الكافي أيضا كما سننقله ومن كلام أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي أيضا على ما نقل ابن
إدريس عنه أنه قال في نوادره واعلم إن الفضل في واحدة واحدة ومن زاد على اثنتين لم يؤجر ثم إن كلام الكافي صريح في عدم حرمته وبدعيته وهو الظاهر من كلام الصدوق
132

أيضا لكن ابن إدريس نسب إلى بعض الأصحاب القول بالتحريم ويظهر منه أنه الصدوق والشيخ أيضا في الخلاف ونسب التحريم إلى بعض الأصحاب وبالجملة الظاهر عدم الاستحباب وأما الحرمة
بل الكراهة أيضا فلا لنا الروايات الكثيرة المتقدمة في صفة الوضوء المتضمنة لفعلهم (عليه السلام) مرة مرة وما رواه التهذيب في باب صفة الوضوء في الصحيح عن أبي عبيدة الحذاء قال
وضأت أبا جعفر (عليه السلام) بجمع وقد بال فناولته ماء فاستنجى ثم صببت عليه كفا فغسل به وجهه وكفا غسل به ذراعه الأيمن وكفا غسل به ذراعه الأيسر ثم مسح بفضل النداء رأسه ورجليه
وما رواه الكافي في باب صفة الوضوء في الصحيح عن حماد بن عثمان قال كنت قاعدا عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدعا بماء فملأ به كفه فعم به وجهه ثم ملا كفه فعم به يده اليمنى ثم ملا كفه
فعم به اليسرى ثم مسح على رأسه ورجليه وقال هذا وضوء من لم يحدث حدثا قال الكافي يعني به التعدي في الوضوء ويمكن أن يكون مراده (عليه السلام) معناه الظاهر وكونه ما فعله (عليه السلام) وضوء
من لم يحدث باعتبار عدم غسل اليد قبل الوضوء إذ المحدث يستحب له غسل اليد كما تقدم وما رواه الكافي أيضا في الباب المذكور في الصحيح عن زرارة قال حكى لنا أبو جعفر (عليه السلام)
وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدعا بقدح وأخذ كفا من ماء فأسدله على وجه ثم مسح وجهه من الجانبين جميعا ثم أعاد يده اليسرى في الاناء فأسدلها على يده اليمنى ثم
مسح جوانبها ثم أعاد اليمنى في الاناء فصبها على اليسرى ثم صنع بها كما صنع باليمنى ثم مسح بما بقي في يده رأسه ورجليه ولم يعدهما في الاناء وهذه الرواية في التهذيب أيضا
في باب صفة الوضوء ببعض التغييرات وقد نقلنا بعضا منها في بحث البدئة بأعلى الوجه وما رواه الكافي أيضا في الباب المذكور في الحسن عن بكير بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام)
قال قال ألا أحكي لكم وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخذ بكفه اليمنى كفا من ماء فغسل به وجهه ثم أخذ بيده اليسرى كفا فغسل به يده اليمنى ثم أخذ بيده اليمنى كفا من ماء فغسل به يده اليسرى
ثم مسح بفضل يديه رأسه ورجليه وما رواه الكافي أيضا في الباب المذكور في الموثق عن عبد الكريم قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الوضوء فقال ما كان وضوء علي (عليه السلام)
إلا مرة مرة وهذه الرواية في التهذيب أيضا لكن بسند ضعيف قال الكافي بعد نقل هذه الرواية هذا دليل على أن الوضوء إنما هو مرة مرة لأنه (صلى الله عليه وآله) كان إذا
أورد عليه أمران كلاهما لله طاعة أخذ بأحوطهما وأشدهما على بدنه وإن الذي جاء عنهم (عليهم السلام) أنه قال الوضوء مرتان إنه هو لو لم يقنعه مرة واستزاده فقال مرتان ثم قال
ومن زاد على مرتين لم يوجر وهو أقصى غاية الحد في الوضوء الذي من تجاوزه أثم ولم يكن له وضوء وكان كمن قد صلى الظهر خمس ركعات ولو لم يطلق (عليه السلام) في المرتين لكان
سبيلهما سبيل الثلاثة انتهى كلامه رفع مقامه وما رواه التهذيب في الباب المذكور عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الوضوء واحدة فرض واثنتان لا يؤجر
والثالث ردعة وما رواه أيضا في هذا الباب عن يونس بن عمار قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الوضوء للصلاة فقال مرة مرة وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب صفة
الوضوء وما تقدم من حسنة زرارة أو صحيحة في بحث مسح مقدم الرأس من قوله (عليه السلام) إن الله وتر إلى آخره وما تقدم من حسنة ميسر في بحث الكعب وما رواه الفقيه في باب صفة وضوء
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال وقال الصادق (عليه السلام) والله ما كان وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا مرة مرة وتوضأ النبي (صلى الله عليه وآله) مرة مرة فقال هذا
وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به واعلم إن هذه الروايات وإن أمكن المناقشة في بعضها بحمله مثلا على أن المراد صفة الوضوء البياني وأقل ما يجب وإن عدم الاجر باعتبار
اعتقاد الوجوب وبضعف السند لكن بعضها مما لا يحتمل هذه المناقشات والبعض الذي يحتملها يؤيده في المطلب فيحصل من جميعها ظن قوى بالمراد كما يحكم به الوجدان
هذا ما يدل على عدم الاستحباب وأما عدم الحرمة والكراهة فلعدم دليل عليهما مع اعتضاده ببعض الروايات الآتية واحتج القائلون بالاستحباب بما رواه التهذيب في
الباب المذكور في الصحيح عن معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الوضوء فقال مثنى مثنى وفيه أنه لا دلالة له على الاستحباب لجواز أن يكون مراده (عليه السلام)
بيان القدر الذي رخص فيه للناس الذي لا يجوز التجاوز عن والحاصل إن الثنتين إنما هو من باب الرخصة لا الاستحباب ويؤيده ما رواه الكشي عن حمدويه
وإبراهيم قالا حدثنا محمد بن إسماعيل الرازي قال حدثني أحمد بن سليمان قال حدثني داود الترقي قال دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت جعلت فداك كم عدة الطهارة
فقال ما أوجب الله تعالى فواحدة فأضاف إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) لضعف الناس ومن توضأ ثلاثا ثلاثا فلا صلاة له فإن هذا مشعر بأن إضافة الرسول
(صلى الله عليه وآله) مرة أخرى إنما هو من باب التسهيل والرخصة لا من باب الرجحان والأولوية فإن قلت ما معنى الإضافة والازدياد لضعف الناس ورخصتهم بل ينبغي
أن يكون الامر بخلافه قلت وجهه أن المرة الواحدة إنما تحتاج إلى مبالغة كثيرة ليتحقق الغسل ويطمئن الخاطر فيسبب تجويز المرتين ورخصة الناس في التكرار يرتفع
عنهم كلفة المبالغة ومشقتها فصح تعليل الإضافة بضعفهم وأيضا يجوز أن يكون المراد بضعفهم ضعف عقولهم حيث لم يقاوم بالوساوس الوهمية التي
تعرض لهم في وصول الماء إلى جميع العضو عند الاكتفاء بالمرة الواحدة ويعلق خاطرهم كما تشاهد من أنفسنا فحيث جوز المرتان يزول عنهم ذلك الوسواس وتطمئن
قلوبهم لجزمهم التام حينئذ بأنه لو لم يصل في المرتبة الأولى إلى الجميع لوصل في الثانية البتة وها هنا كلام آخر وهو أنه يجوز أن يكون المراد بمثنى بمثنى الغرفتين لغسلة واحدة
لا الغسلتين والكلام إنما هو في الغسلتين كما صرح به المصنف (ره) في الذكرى ويؤيده ما رواه التهذيب والكافي في آخر حديث الطست المنقول سابقا حيث قال الراوي
فقلنا أصلحك الله فالغرفة الواحدة تجزء للوجه وغرفة للذراع فقال نعم إذا بالغت فيها والثنتان تأتيان على ذلك كله وحينئذ يصير توجيه ما رويناه عن الكشي أظهر
هذا وقد حمله المحقق إليها في علي معنى آخر وهو أنه يجوز أن يكون المراد غسلتين ومسحتين خلافا للعامة حيث أنهم يقولون بغسلات ومسحة وأيده بما روى ابن
133

عباس إن الوضوء غسلتان ومسحتان وليس ببعيد واحتجوا أيضا بما رواه في التهذيب في الباب المذكور في الصحيح عن صفوان عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال الوضوء مثنى مثنى والكلام فيه أيضا كالكلام في سابقه مع أن فيه كلاما آخر أيضا من حيث السند لأنهم ذكروا إن صفوان لم يرو عن أبي عبد الله (عليه السلام) بلا واسطة
فيكون في الخبر إرسال فيضعف وقد رد بعضهم هذا بأن الارسال هاهنا ليس بضائر للاجماع على تصحيح ما يصح عن صفوان وفيه شئ لاحتمال أن يكون معنى هذا الاجماع
إن ما يصح عنه صحيح باعتباره نفسه لا باعتبار ما فوقه أيضا فيكون في الحقيقة راجعا إلى تعديله وتوثيقه وحينئذ لا يجدي في المرام هذا إذا كان المراد صفوان ابن يحيى
كما هو الظاهر بالنظر إلى رواية أحمد بن محمد عنه لأن الظاهر أنه أما ابن عيسى أو ابن خالد لرواية الشيخ عنهما وهما لا يرويان عن ابن مهران وإن كان ابن مهران كما هو الظاهر بالنظر
إلى رواية عن أبي عبد الله (عليه السلام) فحينئذ الظاهر أن أحمد بن محمد هو أحمد بن محمد بن أبي نصر لأنه يروي عن ابن مهران وعلى هذا فيكون بينه وبين الشيخ واسطة وطريق الشيخ في الفهرست إلى أحد كتابيه ليس
بصحيح فكان هذه الرواية منه فإذن يحصل القدح في صحته وإن حمل أحمد بن محمد حينئذ على أحد السابقين بقرينة رواية الشيخ يحصل الارسال بينه وبين صفوان قال
الواسطة غير معلومة فعلى أي وجه لا يخلو عن قدح ولا يخفى أن أظهر الاحتمالات أن يكونا ابن أبي نصر وابن مهران لان الارسال في صدر الرواية أكثر منه في أوسطها بغير ذكر
فتدبر وبما رواه أيضا في باب أبواب الاحداث في الموثق عن يونس بن يعقوب قال قلت الوضوء الذي افترضه الله على العباد لمن جاء من الغائط أو بال قال يغسل ذكره ويذهب
الغائط ثم يتوضأ مرتين وفيه أيضا ما تقدم وبما رواه أيضا في الباب المذكور عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الوضوء مثنى مثنى من زاد لم يؤجر عليه وحكى لنا وضوء رسول
الله (صلى الله عليه وآله) فغسل وجهه مرة واحدة (وذراعيه مرة واحدة) ومسح رأسه بفضل وضوئه ورجليه وفيه أيضا ما تقدم مع أنه ضعيف السند وما في آخر الخبر من حكاية الوضوء (لا يخلو من تأييد
لما ذكرناه وبما رواه الفقيه في باب صفة وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال فرض الله الوضوء) واحدة
واحدة ووضع رسول الله (صلى الله عليه وآله) الوضوء للناس اثنتين اثنتين ويعلم حاله أيضا مما سبق مع أنه مقطوع السند وقد حمله الصدوق على الانكار لا لاخبار وهو بعيد وبما رواه
الفقيه أيضا عن عمرو بن أبي المقدام قال حدثني من سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول أني لأعجب ممن يرغب أن يتوضأ اثنتين اثنتين وقد توضأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) اثنتين اثنتين
وفيه أيضا ما تقدم مع القدح في السند وقس عليها ما رواه أيضا (إن مرتين أفضل وأنه إسباغ وقد حمل الفقيه الروايات الواردة بالمرتين والاثنتين على التجديد ولا يخلو عن بعد
والله أعلم وقد يستدل أيضا) بما رواه التهذيب في الموثق عن عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من لم يستيقن
أن واحدة من الوضوء يجزيه لم يؤجر على الثنتين وجه الاستدلال أن مفهومه هو أن مع اليقين بإجزاء الواحدة يؤجر على الثنتين فيكون الثنتان مستحبا إذ الاجر إنما
يكون على المستحب ويمكن أن يقال أنه يجوز أن يكون المراد من منطوق الخبر أن من لم يستيقن بإجزاء الواحدة لم يؤجر على الثنتين أي مجموعهما لا المرة الثانية فقط
والحاصل عدم الاجر على هذا العمل أصلا فيكون مفهومه الاجر على هذا العمل مع اليقين بإجزاء الواحدة وهو حاصل أما باعتبار جزئه وأما باعتباره مجموعا
أيضا بناء على أنه أحد الفردين الواجبين على قول من يجعل في أمثال هذه الصور الامتثال بالمجموع ولا يلزم منه حصول الاجر على المرة الثانية بنفسها فتدبر
(لا المسح فيكره) عدم الاستحباب في تكرار المسح مما لا خفاء فيه لاجماعنا عليه وللروايات المتقدمة المتضمنة لوضوئهم (عليه السلام) حيث لا تكرار فيهما في المسح ولمرفوعة
أبي بصير المتقدمة في بحث مسح مقدم الرأس ولأن الامتثال إنما يحصل بواحدة فاستحباب الزايد لا بد له من دليل لأنه حكم شرعي ولا دليل وما تقدم من الروايات
الدال على أن الوضوء مثنى مثنى مع معارضتها بما سبق أيضا وورود الايرادات المذكورة عليها غير ظاهرة في شمول المسح لاحتمال اختصاصها بالغسل وأما
مرسلة يونس المتقدمة في بحث النكس في مسح القدم فلا دلالة لها على التكرار لاحتمال المعنيين اللذين ذكرناهما هناك وأما كراهة التكرار فقد عللوه بأنه تكليف
ما لا يحتاج إليه وفيه ضعف ظاهر ويفهم من ظاهر المبسوط والخلاف التحريم وعده ابن حمزة من التروك المحرمة وابن إدريس جعله بدعة ووجه الكل غير ظاهر واحتمل
المصنف في الذكرى أن يكون مرادهم التكرار مع اعتقاد شرعيته وفيه أيضا كلام سيجئ في البحث التالي إنشاء الله تعالى نعم لا بأس بالقول بالكراهة للشهرة بين الأصحاب بل
الاجماع ظاهرا لكن لا خلاف في عدا إبطال الوضوء به كما ذكره ابن إدريس في السرائر ويحرم الثالث لاخفاء في عدم استحباب الغسلة الثالثة للاجماع وللروايات
المتقدمة آنفا في بحث تثنية الغسل وأما ما رواه التهذيب في باب صفة الوضوء في الصحيح عن داود بن زرين قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الوضوء فقال لي توضأ ثلاثا
ثلاثا قال ثم قال لي أليس تشهد بغداد وعساكرهم قلت بلى قال فكنت يوما أتوضأ في دار المهدي فرآني بعضهم وأنا لا أعلم به فقال كذب من زعم أنك فلأني
وأنت تتوضأ هذا الوضوء فقال فقلت لهذا والله أمرني فمن باب التقية كما يدل عليه عجز الرواية والقصة كما نقل في الكشي صريحة في هذا المعنى واحتمل
المحقق البهائي (ره) أن يكون المراد من تثليث الوضوء تثليث الغسل بمعنى غسل الرجل أيضا إذ التقية فيه أظهر من التقية في تثليث عدد الغسلات والله أعلم ثم المشهور بين الأصحاب
تحريمها كما في الذكرى وقال ابن بابويه في كتابه من توضأ اثنتين لم يؤجر ومن توضئ ثلاثا فقد أبدع والشيخ أيضا في المبسوط قال والثالثة بدعه وفي النهاية
أيضا حكم بذلك وقال ابن أبي عقيل وابن الجنيد بعدم التحريم وهو الظاهر من كلام المفيد في المقنعة حيث قال والثالثة كلفة واحتج القائلون بالتحريم بأنها
إحداث في الدين ما ليس منه فيحرم ويمنعها عن الموالاة الواجبة بأنها بدعة لما تقدم من رواية بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) في بحث تثنية الغسل فيكون
حراما لما رواه أصول الكافي في باب البدع عن عبد الرحيم القصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ولما رواه أيضا في هذا
134

الباب عن الفضل بن شاذان رفعه عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه لسلام) قالا كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها إلى النار إلى غير ذلك من الروايات الواردة
في ذم البدعة وقد يريد أيضا بما روى في الكافي والفقيه من أن الوضوء حد من حدود الله تعالى ليعلم الله من يطيعه ومن يعصيه ويرد على الأول أنه إن أردتم بالاحداث
في الدين ما ليس منه أنه يفعل في الوضوء ما ليس من واجباته ومستحباته فهو مسلم لكن لا نسلم تحريمه وهو ظاهر وإن أردتم أنه يدخل في أحكام الله تعالى ما ليس حكمه تعالى فحينئذ أما إن أريد بالحكم
الذي يدخله في أحكام الله مع أنه ليس منها الحكم باستحباب الثالثة أو الحكم بإباحتها فإن كان الثاني فغير مسلم إذ هو أول البحث وإن كان الأول فنقول إن غاية ما يلزم منه تحريم
اعتقاد ندبيتها لا فعلها بدون ذلك الاعتقاد بل مع الاعتقاد أيضا والكلام إنما هو في حرمة الفعل لا الاعتقاد كما هو الظاهر اللهم إلا أن يكون الكلام فيه شئ
آخر وهو إن حرمة ذلك الاعتقاد أيضا ممنوعة لان الاعتقاد لو كان ناشئا من الاجتهاد أو التقليد لا وجه لحرمته غاية الأمر أن يكون خطأ ولا إثم على الخطأ كما تقرر هاهنا
عندهم اللهم أن يجعلوا هذا الحكم من قبيل الضروريات وفيه مع أنه خلاف الواقع إنه يلزم حينئذ الحكم بكفر معتقده لا بتأثيمه فقط مع أن الظاهر أنه لا يقول به أحد أو يقول
أنه لم يصل إلى حد الضرورة لكنه ظاهر جدا قريب من الضرورة ومخالفته مثل هذه الأحكام حرام لكن لم يصل إلى حد الكفر والله أعلم وعلى الثاني أنه مبنى على وجوب
الموالاة بمعنى المتابعة وقد علمت ما فيه مع أن الظاهر أن القائلين بالوجوب أيضا لا يعتدون بأمثال تلك الفواصل وعلى الثالث إن الرواية غير نقية السند وعلى التأييد
أنه محمل لا يفهم المراد منه ظاهرا وتمسك القائلون بأنها بدعة بأنها ليست مشروعة فإذا اعتقد التشريع أثم ولأنه يكون إدخالا في الدين ما ليس منه فيكون مردودا
بقوله (عليه السلام) من أدخل في ديننا ما ليس منه فهو رد ولا نعنى بالبدعة إلا ذلك هكذا قاله المحقق في المعتبر ويمكن الاحتجاج بالمرسلة المذكورة أيضا وأنت بعد الاطلاع
على ما ذكرنا آنفا لا تحتاج إلى تفصيل القول فيه وحجة القول بعدم التحريم الأصل ورواية زرارة المتقدمة في بحث تثنية الغسل من أن الوضوء مثنى مثنى من زاد له يؤجر
عليه واعترض عليه بأن عدم الاجر لا ينافي التحريم مع أنها ضعيفة السند ولا يذهب عليك أنه يمكن إجراء جميع ما ذكرنا في تثليث الغسلات في تثليث المسح أيضا هذا
وقد ظهر بما ذكرنا إن إثبات التحريم مشكل لكن الاحتياط أن لا يزيد على الثنتين بل على الغرفتين وتمام الاحتياط أن لا يزيد على غرفة واحدة للروايات المتضمنة
لوصف وضوئهم (عليهم السلام) وعدم ظهور معارض قوي لما عرفت من الاحتمال في الروايات الواردة بالمرتين والثنتين فإن قلت ما تقول في رواية الغرفة المتقدمة
أليس لها ظهور أيضا في جواز الغرفتين قلت كأنها كذلك لما ذكره بعض الأصحاب من أنه يجوز أن يكون اللام في الثنتان إشارة إلى الغرفتين المذكورتين سابقا غرفه
للوجه وغرفه للذراع ويكون المراد أن الغرفتين تأتيان على الوجه والذراع ولا حاجة إلى الزيادة فإن قلت هب أن هذه العبارة ليست ظاهرة في جواز الغرفتين لكن ما
تقول في قوله (عليه السلام) نعم إذا بالغت فيها فإن المفهوم منه أن مع عدم المبالغة لابد من الاثنتين وهو صريح في الجواز قلت لا نسلم أن المفهوم منه إن مع عدم المبالغة لابد
من الاثنتين بل المفهوم منه أنه لا يجزي الغرفة مع عدم المبالغة وهو أعم مما ذكر لجواز البطلان مع عدم المبالغة وإيصال الماء إلى الجميع بغرفة واحدة ويبطل إن
مسح بمائها أي ماء الثالثة اختلف الأصحاب فيه على أربعة أقوال كما هو الظاهر الأول بطلان الوضوء بالغسلة الثالثة سواء مسح بمائها أو لا وهو الظاهر من أبى الصلاح
الثاني عدم البطلان مطلقا سواء مسح بمائها أو لا وهو مختار المعتبر والثالث البطلان إن مسح بمائها مطلقا سواء كانت الغسلة في اليد اليسرى أو لا وهو ظاهر
هذا الكتاب والذكرى والرابع البطلان إن كانت باليد اليسرى ومسح بمائها وهو مختار العلامة (ره) في النهاية والذكرى يمكن أن يستدل به على المذهب الأول ما رويناه
سابقا في بحث تثنية الغسل عن الكشي وذكر أيضا بعد ما روينا عنه عقيب قصة طويلة ثم قال يا داود بن زرمين توضأ مثنى مثنى ولا تزدن عليه فإنك إن زدت عليه
فلا صلاة لك وهذه الرواية ظاهرة في المراد لكن فيها أحمد بن سليمان وهو غير موثوق وما رواه الفقيه في باب صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله مرسلا
قال وقال (عليه السلام) من تعدى في وضوئه كان كناقضه وفيه أيضا القدح في السند للارسال مع أن في ظهور الدلالة أيضا مناقشة وحجة القول الثاني الأصل وصدق
الامتثال وعدم دليل صالح للاخراج لما عرفت من ضعف دليل القول الأول وستعرف ضعف دليل القولين
الأخيرين أيضا حجة القول الثالث أنه يستلزم المسح بماء
جديد فيبطل وفيه ما عرفت سابقا في بابه إن بطلان الاستيناف مطلقا مما لا دليل عليه نعم في بعض الصور كأنه يمكن التمسك بالاجماع وما نحن فيه ليس منه وأيضا
غاية ما يلزم من دلايل بطلان الاستيناف وجوب المسح ببقية ماء الوضوء وهو هاهنا حاصل لان اليد حينئذ لا ينفك عن ماء الوضوء الأصلي كما ذكر المعتبر فإن قلت قد
تقدم سابقا أن ابن الجنيد المخالف في حكم الاستيناف إنما خالف الأصحاب في جواز الاستيناف عند جفاف الأعضاء وأما عند رطوبتها فهو أيضا موافق لهم وما
ذكرته من جواز الاستيناف حينئذ يكون مخالفا للاجماع وأيضا لو لم يكن أخذ الماء الجديد مع رطوبة اليد بماء الوضوء استينافا ومبطلا باعتبار بقاء ماء الوضوء
كما هو رأي هذا الفريق فكيف يتصور حينئذ القول بأن الاستيناف مع رطوبة الأعضاء مبطل اتفاقا قلت القول بعدم جواز الاستيناف مع رطوبة الأعضاء لا ينافي
القول الذي ذكرنا لأن عدم الجواز فيما إذا كان بعض الأعضاء مثلا رطبا واليد جافة فيستأنف حينئذ ماء باليد ويمسح وهذا هو الذي نقلوا الاجماع عليه والجواز
فيما إذا كان اليد رطبة ومع ذلك يأخذ ماء جديدا مع أن ما ذكرته من خلاف الاجماع يمكن أن يدفع بوجه آخر وهو أن ابن الجنيد كما لخالف الأصحاب في جواز
135

الاستيناف حال الجفاف كذلك يخالفهم في جوازه إذا غسل وجهه أو يديه مرتين فحينئذ لو قال أحد بجواز المسح بماء الغسلة الثالثة لم يكن مخالفا للاجماع وحجة القول
الرابع أيضا لزوم الاستيناف لكن كأنه روعي فيه أن عند غسل اليسرى مرتين قد تم أخذ الماء للوضوء فكل ما أخذ بعده يكون ماء جديدا فيكون مبطلا وأما عند غسل
اليمنى والوجه فليس كذلك والحال فيه أيضا كما علمت في سابقه وبما ذكرنا ظهر إن الأظهر من الأقوال القول الثاني والأحوط هو الأول ثم الثالث ثم الرابع وإنكار ابن بابويه
التثنية ضعيف كما ضعف قول ابن عقيل بعدم تحريم الثالثة وقول أبى الصلاح بإبطالها للوضوء ولم يقيده بالمسح بمائها قد فصلنا الكلام في هذه الأمور و
بدئة الرجل بظاهر ذراعيه في الأولى وبباطنه في الثانية عكس المرأة ويتخير الخنثى وأكثر الأصحاب أطلقوا بدئة الرجل بالظهر والمرأة بالبطن الأصل في هذا الحكم ما رواه
التهذيب في باب صفة الوضوء عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال فرض الله على النساء في الوضوء أن يبدأن بباطن أذرعهن وفى الرجال بظاهر
الذراع وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب حد الوجه وروى الفقيه أيضا مرسلا في باب حد الوضوء قال وقال الرضا (عليه السلام) فرض الله عز وجل على الناس في الوضوء أن تبدأ
المرأة بباطن ذراعها والرجل بظاهر الذراع والرواية وإن كانت مجهولة السند ومرسلة لكن الشهرة بين الأصحاب وتلقيهم بالقبول مع المسامحة في الامر الاستحبابي
كافية في هذا الباب ثم أنها كما ترى لا دلالة لها على التفصيل الذي ذكره المصنف وجماعة منهم الشيخ (ره) في المبسوط فالأولى الحكم باستحباب بدئة الرجل بالظاهر والمرأة
بالباطن بدون التفصيل كما ذكره جماعة أخرى ولكن لا بمعنى استحباب البدئة بهما في الغسلتين كما هو المستفاد من كلام الشهيد الثاني وصاحب المدارك لان الرواية
لا تدل على هذا المعنى أيضا إذ غاية ما تدل عليه رجحان البدئة بالظاهر والباطن وعند الابتداء بهما في الغسلة الأولى يتحقق هذا المعنى ففي رجحانه أيضا في الغسلة
الثانية لا بد من دليل آخر إذ دلالتها على رجحان الابتداء في كل غسلة ممنوع وقس عليه كلام الأصحاب أيضا ووجه ما ذكره من تخير الخنثى ظاهر (والدعاء عند الغسل والمسح
وبعد الفراغ) قد مر في بحث استحباب التسمية والدعاء عندها ما يتضمن هذه الأدعية أيضا (وفتح العين عند الوضوء قاله ابن بابويه) ومستنده ما رواه الفقيه في باب حد
الوضوء مرسلا قال وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) افتحوا عيونكم عند الوضوء لعلها لا ترى نار جهنم ونقل في علل الشرايع أيضا عن محمد بن الحسن الصفا عن ابن عباس
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مثله وهذه الرواية وإن كانت غير ظاهرة في الاستحباب لكن لما كانت مرسلة وغير ظاهرة أيضا في الوجوب فلذا حملت على الاستحباب
مع أن الظاهر أن أحدا منا لم يقل بوجوبه إلا أن يكون غسل بعض الوجه وقوفا عليه فيكون حينئذ واجبا من باب المقدمة واعلم إن الظاهر أن مرادهم باستحباب فتح العين مجرد فتحها
استظهار الغسل نواحيها لا مع ضمه بغسلها أيضا لأنه مضرة عظيمة كادت أن تكون حراما وروى إن ابن عمر كان يفعله فعمى لذلك وأيضا الشيخ في الخلاف ادعى الاجماع
بناء على عدم وجوبه واستحبابه (والوضوء بمد) عدم وجوب الوضوء بمد مما أجمع عليه أصحابنا كما ذكر في المنتهى والنهاية وفي المعتبر مستحب عند أهل البيت (عليه السلام) وقد خالف
فيه أبو حنيفة وقال بعدم إجزاء أقل منه ويدل على عدم الوجوب مضافا إلى الاجماع والأصل الروايات السابقة في بحث إجزاء الغسل بمسماه ولو كالدهن واتفقوا أيضا
على استحبابه ويدل عليه أيضا منضما إلى الاتفاق ما رواه التهذيب في باب حكم الجنابة في الصحيح عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) أنهما سمعاه يقول كان رسول
الله (صلى الله عليه وآله) يغتسل بصاع من ماء ويتوضأ بمد من ماء وما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال كان رسول الله (صلى الله
عليه وآله) يتوضأ بمد ويغتسل بصاع والمد رطل ونصف والصاع ستة أرطال وحمله الشيخ على الرطل المدني فيكون تسعة أرطال بالعراقي وهو الظاهر لأنه رطل بلدهم
(عليه السلام) وما رواه أيضا في هذا الباب عن أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الوضوء فقال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتوضأ بمد من ماء ويغتسل
بصاع وما رواه أيضا في هذا الباب عن سماعة قال سألته عن الذي يجزي من الماء للغسل فقال اغتسل رسول الله بصاع وتوضأ بمد وكان الصاع على عهده خمسة
أرطال وكان المد قدر رطل وثلاث أواق وما رواه أيضا في هذا الباب عن سليمان بن حفص المروزي قال قال أبو الحسن (عليه السلام) الغسل بصاع من ماء والوضوء بمد من ماء
وصاع النبي خمسة أمداد والمد وزن مائتين وثمانين درهما والدرهم وزن ستة دوانيق والدانق وزن ستة حبات والحبة وزن حبتي شعير من أوساط الحب لا من
صغاره ولا من كباره وهذه الرواية في الفقيه أيضا مرسلة في باب مقدار الماء للوضوء ويحتمل أن يكون من وكان الصاع أو من وكان المد وكذا وصاع النبي
(صلى الله على وآله) أو من والمد إلى الاخر كلام الإمام (عليه السلام) كما هو الظاهر من كلام التهذيب والفقيه كما حمله
المصنف في الذكرى وما رواه الفقيه أيضا في الباب المذكور مرسلا قال وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الوضوء مد والغسل صاع وسيأتي أقوام بعدي يستقلون
ذلك فأولئك على خلاف سنتي والثابت على سنتي معي في حظيرة القدس واعلم إن ما تضمنه بعض هذه الروايات من أن الصاع خمسة أمداد وكذا تحديد المد
أو يخالف المشهور من أنه أربعة أمداد وكذا تحديد المد بالقدر المذكور يخالف ما ذكروه من أنه وزن مأتين واثنين وتسعين درهما وسيجئ تفصيل القول فيه إنشاء الله تعالى في بحث
الزكاة ثم أن المصنف (ره) قال في الذكرى هذا المد لا يكاد يبلغه الوضوء فيمكن أن يدخل فيه ماء الاستنجاء واستشهد عليه برواية ابن كثير المتقدمة في بحث الدعاء
عند التسمية وأبي عبيدة الحذاء المتقدمة في بحث استحباب تثنية الغسلات وتابعه في ذلك صاحب المدارك أيضا ولا يخفى ما في هذه الاستشهاد من الضعف لان
136

الاستشهاد بهما إن كان باعتبار أنه استنجى أيضا (عليه السلام) من هذا الماء فحينئذ إنما يتم لو ثبت أن ذلك الماء كان بقدر مد فقط وأنى لهما بذلك وإن كان باعتبار قوله (عليه السلام) اتيني
بإناء من ماء أتوضأ للصلاة مع أنه استنجى به أيضا فيدل على أن الاستنجاء أيضا داخل في الوضوء وكذا قوله وضأت أبا جعفر (عليه السلام) مع أنه ناوله الماء للاستنجاء أيضا
كما هو الظاهر من كلام الذكرى ففيه أن طلب الماء للوضوء مع إرادة الاستنجاء لا يدل أصلا على دخوله في الوضوء لشيوع أن يكتفوا في ذكر الغرض بما هو الأصل والعمدة وقس عليه
أيضا القول الآخر مع أنه ليس قول الإمام (عليه السلام) بل قول الراوي فلا يصلح للاحتجاج واعترض المحقق البهائي (ره) أيضا في الحبل المتين على هذا المتين على هذا الكلام من المصنف (ره) بقوله
وظني إن كلامه هذا إنما يتمشى على القول بعدم استحباب الغسلة الثانية وعدم كون المضمضة والاستنشاق من إفعال الوضوء الكامل وأما على القول بذلك
كما هو مختاره قدس سره فلا فإن المد على ما اعتبرناه لا يزيد على ربع المن التبريزي المتعارف في زماننا هذا بشئ يعتد به وهذا المقدار إنما يفي بأصل الوضوء
المسبع ولا يفضل منه شئ للاستنجاء فإن ماء غسل اليدين كف أو كفان وماء كل مضمضة والاستنشاق والغسلات الواجبة والمندوبة ثلاث أكف هذه
ثلاث عشرة أو أربع عشرة كفا وهذا إن اكتفى في غسل كل عضو بكف واحدة وإلا زادت على ذلك فأين ما يفضل للاستنجاء وأيضا ففي كلامه طاب ثراه بحث
آخر وهو أنه إن أراد بماء الاستنجاء الذي حسبه من ماء الوضوء ماء الاستنجاء من البول وحده فهو شئ قليل حتى قدر بمثلي ما على الحشفة وهو لا يؤثر في الزيادة
والنقصان أثرا محسوسا وإن أراد ماء الاستنجاء من الغايط أو منهما معا لم يتم استدلاله بالروايتين المذكورتين إذ ليس في شئ منهما دلالة على ذلك بل في
رواية الحذاء ما يشعر بأن الاستنجاء كان من البول وحده فلا تغفل هذا كلامه رفع مقامه (ويكره الاستعانة) الظاهر أن مرادهم من الاستعانة ها هنا الاستعانة بصب الماء على اليد
ليغسل المتوضي بنفسه لا الصب على نفس العضو لأنه من التولية المحرم ولا الاتيان بالماء ونحوه كما يشعر به عبارة المبسوط والمنتهى قال في المبسوط ويكره أن يستعين
بغيره في صب الماء وفي المنتهى يكره الاستعانة في الوضوء بصب الماء واحتجوا على الكراهة برواية الوضاء المتقدمة في بحث وجوب المباشرة بنفسه مع الاختيار وفيه أنه
يجوز أن يكون المراد منها الصب على نفس العضو بقرينة قوله (عليه السلام أوزر أنا إذ لا وزر في الاستعانة بهذا المعنى اتفاقا كما هو الظاهر وبما رواه الفقيه مرسلا في
باب صفة وضوء أمير المؤمنين (عليه السلام) قال وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا توضأ لم يدع أحدا يصب عليه الماء فقيل له يا أمير المؤمنين لم لا تدعهم يصبون عليك الماء فقال لا أحب أن أشرك في صلوتي
أحدا وفيه أيضا ما تقدم من الاحتمال لكن لا يخفى أنه لا يلائمه قوله (عليه السلام) لا أحب لان ظاهره الكراهة والصب على نفس العضو حرام فينبغي حمله على المعنى المطلوب وبأن
وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووضوء أمير المؤمنين (عليه السلام) اشتملا على ترك الاستعانة وبأن فيه زيادة مشقة في تحصيل أمر مطلق شرعا فيكون فيه زيادة
ثواب مع الاستعانة بفقد ذلك القدر وفيهما ضعف ظاهر ولا يذهب عليك أنه لما كان دأبهم المسامحة في المندوبات والمكروهات فلا يبعد القول بكراهة الصب
المشتهرة بين الأصحاب وورود الرواية ولن كانت مرسلة لانجبار إرسالها بقبول الأصحاب وأما رواية أبي عبيدة الحذاء المتقدمة في بحث تثنية الغسلات المتضمنة لصب
الماء على يده (عليه السلام) فيمكن حملها على الضرورة أو بيان الجواز مع أنه روى هذه الرواية في موضع آخر من التهذيب في الباب المذكور وفيه موضع ثم صببت عليه ثم
أخذ وحينئذ فلا إشكال وأما الاتيان بالماء ونحوه فالحكم بكراهته مشكل لما عرفت من أن الأصل في هذا الحكم الشهرة بين الأصحاب وتلقيهم الرواية بالقبول ولا
دلالة للرواية على كراهة مثله والظاهر أن الشهرة أيضا فيه مفقودة مع أن رواية ابن كثير المتقدمة في بحث الدعاء عند التسمية دالة ظاهرا على عدم الكراهة
(والتمندل في المشهور وقيل لا يكره) استدل على الكراهة بما رواه الكافي في باب النوادر قبل أبواب الحيض عن إبراهيم بن محمد بن حمران عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال
من توضأ فتمندل كانت له حسنة وإن توضأ ولم يتمندل حتى يجف وضوئه كانت له ثلاثون حسنة وهذه الرواية في الفقيه أيضا مرسلة في باب حد الوضوء وفيه
مع القدح في السند أنه لا دلالة له على الكراهة بالمعنى المصطلح بل إنما يدل على قلة الثواب إلا أن يقال إن الكراهة في العبادات بهذا المعنى كما ذكره بعضهم وفيه نظر
ليس ها هنا موضع ذكره وبرواية ابن كثير المتقدمة أيضا من قوله (عليه السلام) خلق الله له من كل قطرة إذ مع التمندل يزول التقاطر وبأن فيه إزالة أثر العبادة ولا
يخفى ضعفه والذي يحتج به على عدم الكراهة مضافا إلى الأصل ما رواه التهذيب في باب زيادات صفة الوضوء في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سئلت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن التمسح بالمنديل قبل أن يجف قال لا بأس به وأورد عليه إن نفي البأس يتبادر منه نفي التحريم وبما رواه أيضا في هذا الباب عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال لا بأس بمسح الرجل وجهه بالثوب إذا توضأ إذا كان الثوب نظيفا وفيه أيضا ما تقدم وبما رواه أيضا في الباب المتقدم عليه في الموثق عن إسماعيل بن الفضل
قال رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) توضى للصلاة ثم مسح وجهه بأسفل قميصه ثم قال يا إسماعيل إفعل هكذا فإني هكذا أفعل ودفع أيضا بأنه يجوز أن يكون فعله
(عليه السلام) وأمره لعارض وفيه بعد ويمكن أن يجمع بينه وبين رواية الكافي بأنها مختصة بالتمندل والمسح بالذيل لا يسمى تمندلا وبما رواه أيضا في باب ما يجوز
للمحرم إتيانه في الصحيح عن منصور بن حازم قال رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) وقد توضأ وهو محرم ثم أخذ منديلا فمسح به وجهه وأورد عليه أيضا بجواز أن يكون لعارض
137

وبما ذكرنا ظهر أن الحكم بالكراهة نظر إلى الروايات مشكلا إلا أن يتمسك بالشهرة بين الأصحاب هذا واعلم إن العلامة (ره) أسند الخلاف في هذه المسألة إلى الشيخ في الخلاف الظاهر
أن القول بعدم الكراهة الذي ذكره المصنف إشارة إليه وذكر في المنتهى إن الشيخ استدل على هذا القول بصحيحة محمد بن مسلم المنقولة ثم أجاب عنه بما ذكر الظاهر أن إسناد هذا القول
وهذا الاستدلال عليه إلى الخلاف خلاف الواقع لأنه قال فيه لا بأس بالتمندل من نداوة الوضوء وتركه أفضل وبه قال أكثر الفقهاء وقال مالك والثوري لا بأس به في الغسل
دون الوضوء وحكى ذلك عن ابن عباس وروى عن ابن عمر أن ذلك مكروه في الوضوء والغسل معاوية قال ابن أبي ليلى دليلنا على جوازه إن الأصل الإباحة والحظر يحتاج
إلى دليل وعليه إجماع الفرقة المحقة وروى حريز عن محمد بن مسلم قال سئلت أبا عبدا لله عليه السلام عن
المسح بالمنديل قبل أن يجف قال لا بأس به انتهى ولا يخفى إن هذا الكلام لا يدل
على ما ذكره بل الظاهر أن مراده الكراهة والاستدلال بالرواية انما هو على الجواز كما صرح به ردا على المالك والثوري لا نفي الكراهة ثم أن الكراهة عندهم هل هو مختص
بالتمندل أو يعمه والتمسح أيضا بالذيل والكم نحوهما بل يعمهما والتجفيف بالنار والشمس ونحوهما ظاهر بعض العبارات الأول وبعضها الثاني وقيل بالثالث أيضا
نظر إلى الدليلين الأخيرين والمحقق الثاني (ره) خص الحكم بالمنديل والذيل وإخراج الكم لعدم صدق المنديل عليه وضعف بأن هذا التعليل يقتضي إخراج الذيل أيضا لعدم
صدق المنديل عليه أيضا ثم الظاهر على تقدير الكراهة اختصاصها بالمنديل فقط إذ الرواية الأولى التي لا يخلو عن قوة مختصة به والدليلان الأخيران في غاية الضعف
والشهرة بين الأصحاب أيضا تحققها في غيره غير معلوم فالأولى الاقتصار في هذا الحكم المخالف للأصل عليه (والوضوء في المسجد من البول والغايط) يدل عليه ما رواه التهذيب
في زيادات في باب آداب الاحداث عن رفاعة قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الوضوء في المسجد فكرهه من البول والغايط ولا ينافيه ما رواه أيضا في هذا الباب عن
بكير بن أعين عن أحدهما (عليه السلام) قال إذا كان الحدث في المسجد فلا بأس بالوضوء في المسجد ولا يختص بما إذا كان الحدث في المسجد كالنوم مثلا ثم أن ها هنا شيئين أحدهما إن النوم إذا كان واقعا في غير المسجد فهل يكره الوضوء لأجله في المسجد
أولا الظاهر الأول نظرا إلى مفهوم الرواية الثانية ومفهوم الرواية الأولى لا يصلح لمعارضته لأنه من باب مفهوم اللقب مع أنه عبارة الراوي وعبارة الإمام (عليه السلام)
غير معلومة أي شئ هي الثاني إن البول أو الغايط إذا حدث في المسجد فكيف حال الوضوء له في المسجد يحتمل وجهين الكراهة إبقاء لاطلاق الأولى بحاله وحمل الثانية على أن
وقوع حدث البول والغايط لما كان نادرا في المسجد فلذا أطلق الحكم بعدم البأس في الوضوء في المسجد الحدث الواقع فيه وعدمها إبقاء لعموم الثانية أو إطلاقها
بحاله وحمل الأولى على أن البول والغايط لما كان حدوثهما في المسجد نادرا فلذا أطلق الحكم بكراهة الوضوء لهما في المسجد والثاني أظهر لاعتضادها بالأصل
(وتقديم المضمضة على الاستنشاق مستحب وفي المبسوط لا يجوز العكس) قال المصنف (ره) في الذكرى بعد إن قال مثل ما في المتن والمأخذ إن تغير هيئة المستحب هل يوصف
بالحرمة لما فيه من تغيير الشرع أو بترك المستحب تبعا لأصلها هذا مع قطع النظر عن اعتقاد شرعية التغيير أما معه فلا شك في تحريم الاعتقاد لا عن شبهة أما
الفعل فالظاهر لا وتظهر الفائدة في التأثيم ونقص الثواب وإيقاع النية انتهى اعلم إن هيئة المستحب أما أن يكون مستفادة من نفس الامر بذلك المستحب مثل أن
يرو في الشرع تمضمض ثم استنشق ونحوه أو من أمر آخر مثل أن يرو أولا تمضمض واستنشق ثم ورد أمر آخر بأن قدم المضمضة على الاستنشاق وحينئذ لا يخلو أما أن يستفاد من الأمر الثاني تقييد الأول واشتراطه به أولا وعلى
الأولين وغير هيئة المستحب فالظاهر عدم الامتثال لذلك المستحب أصلا لعدم الاتيان بالمأمور به وعدم استحقاق الثواب بالكلية وأما الاثم فلا إلا بدليل من خارج
وعلى الأخير الظاهر الامتثال لاحد الامرين واستحقاق الثواب به دون الامر الاخر والاثم أيضا منتف إلا بدليل خارج ثم أن ما ذكرنا إنما هو فيما ثبت الترتيب بالشرع
وما نحن فيه لا يعلم كونه من هذا الباب إذ الأوامر بالمضمضة والاستنشاق مطلقة ولا دليل على الترتيب سوى التمسك بالتأسي بفعل أمير المؤمنين (عليه السلام) فيما
رواه ابن كثير كما تقدم وفي صلاحيته للاحتجاج نظر فلو لم يسلم الدلالة على الترتيب فالامر ظاهر من أن تقديم الاستنشاق لا بأس فيه من حيث الحرمة ولا من حيث
نقض الثواب ولو سلم الدلالة فهل يدل على تقييد الأوامر المطلقة أولا الظاهر الثاني فحينئذ لو غير الترتيب فينتقص الثواب من حيث عدم الاتيان بمستحب التأسي لكن
يحصل له ثواب الأوامر المطلقة ولا تأثيم نعم لو سلم دلالته على التقييد أيضا فلا ثواب عند التغيير أصلا لكن لا تأثيم أيضا إلا أن يظهر دليل آخر على الحرمة وبما
ذكرنا ظهر ما في كلام الذكرى من الاخلال من وجهين فتأمل
(ولو شك في عدد الغسل بنى على الأقل) قال (ره) في الذكرى لو شك في عدد الغسلات السابقة بنى
على الأقل لأنه المتيقن وفي الغسلات المقارنة وجهان من التعرض للثالثة وقضية الأصل وهو أقوى انتهى وتفصيل القول فيه أن يقال الشك أما في الواحد
والاثنين أو الاثنين والثلاثة وعلى التقديرين أما في السابق أو المقارن فهاهنا أربعة أقسام اثنان منها في السابق واثنان في المقارن أما السابق فإن كان الشك فيه
في الواحد والاثنين فلا يخلو أما أن لا يكون الغسلة الثانية واجبة على ما هو أصل الشرع سواء قلنا برجحانها أو لا أو يكون واجبة بنذر وشبهه على تقدير
انعقاد نذرها على القول برجحانها وعلى الأول لا إشكال فيه وهو ظاهر وعلى الثاني فإن لم يتضيق وقت النذر فلا إشكال أيضا وإن تضيق فإن كان بعد الفراغ
من الوضوء فالظاهر عدم لزوم الكفارة إذ لا يقين ولا ظن بحث النذر عمدا لكن هل يحكم بكون ذلك الوضوء امتثالا للنذر على قياس عدم الالتفات إلى الشك
في إفعال الوضوء الأصلية بعد الفراغ وبعد ذلك الوضوء امتثالا للامر أم لا فيه إشكال ويظهر الفائدة في الشق السابق على هذا الشق إذ لو لم يتضيق وقت
138

النذر وحصل الشك بعد الفراغ في الاتيان بالغسلة الثانية فلو قلنا بعدم الالتفات إليه فلا حاجة إلى الاتيان بالغسلة الثانية في وضوء آخر وإلا فلا و
أما في هذا الشق فلا كما لا يخفى وإن كان في أثناء الوضوء فأما أن لا نقول بحرمة الغسلة الثالثة أو نقول بها فعلى الأول إن لم يلزم من الاتيان بالغسلة المشكوكة
خلل في المتابعة عند القايلين بوجوبها واستيناف مبطل على القول بعدم جوازه فلا إشكال حينئذ أيضا إذ يأتي بها وبما بعدها وإن لزوم أحدهما ففيه إشكال من حيث
أنها هل هي مثل الافعال الأصلية حتى يؤتى بها عند الشك قبل الفراغ كما سيجئ أولا وهذا الاشكال جار في صورة العلم بعدم الاتيان بالغسلة الثانية أيضا في
هذا الشق وعلى الثاني ففيه إشكال بناء على أن الاتيان بالغسل تعرض للثالثة المحرمة وإن الحرمة إنما هي بعد العلم أو الظن بها ثالثة وكان الظاهر الثاني إذ الأصل عدم
الحرمة حتى تثبت وثبوتها في هذه الصورة ممنوع ثم على القول بعدم الحرمة يجري فيه ما يجري في سابقه من الاحتمالين وحكمهما وعلى القول بالحرمة فإنما يتم وضوئه بدون
الاتيان بالغسلة المشكوكة وما بعدها ولا كفارة على ما هو الظاهر ولا الاتيان بالوضوء الاخر على النحو المنذور ولفوات وقته على ما هو المفروض وإن كان الشك فيه
في الاثنين والثلاثة فإن كان بعد الوضوء فالظاهر صحته وعدم الالتفات إلى الشك لما سيأتي من الروايات المطلقة الشاملة لهذه الصورة فيما بعد إنشاء الله تعالى وإن كان في
أثنائه فإن لم نقل بإبطال الغسلة الثالثة للوضوء سواء قلنا بتحريمها أو لا فلا شك في صحة ذلك الوضوء وعدم الاحتياج إلى الإعادة اللهم إلا أن يتطرق الشك باعتبار
احتمال لزوم استيناف الماء الجديد وأمره سهل لما علمت من ظهور عدم الفساد في المسح بماء الغسلة الثالثة يقينا فكيف بمشكوكه وإن قلنا بإبطالها فحينئذ يراد الاشكال
من حيث أن الوضوء المأمور به على هذا ما لا يكون غسلاته ثلاثة وفي هذه الصورة لا علم ولا ظن بالاتيان بهذا الوضوء فيبقى في عهدة التكليف ومن حيث إن الامر بالوضوء
مطلق والتقييد على تقدير تسليمه إنما يسلم في صورة العلم أو الظن بحصول الغسلة الثالثة وأما بدونهما فلا وهو الظاهر إذ إثبات التقييد مطلقا مشكلا والأصل عدمه
مع أن الروايات الآتية عن قريب الدالة على عدم الالتفات إلى الشك بعد الفراغ شاملة بعمومها لهذه الصورة أيضا وأما المقارن فيستنبط حاله ما ذكر في السابق
فتدبر (ولو شك في فعل أو في النية وهو بحالة أتى به) الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في وجوب الاتيان بالمشكوك وبما بعده عند عروض الشك حال الوضوء وعدم الحاجة
إلى الاستيناف والمصنف كأنه لم يتعرض لما بعده للظهور ويدل على وجوب الاتيان به مضافا إلى الاجماع لزوم تحصيل العلم أو الظن بالاتيان بالمأمور به وبدونه لا يحصل
وأما الاتيان بما بعده فيدل عليه منضما إلى الاجماع بعض ما تقدم في بحث الترتيب من أمرهم (عليهم السلام) باتباع الوضوء بعضه بعضا ويدل على عدم لزوم
الاستيناف مضافا إلى الاجماع أيضا أصالة البراءة وعدم دليل مخرج وما يتوهم معارضا من لزوم الخلل بالمتابعة والاستيناف على تقدير عدم الاستيناف فقد مر ما فيه غير مرة ويدل أيضا
على الأول والثالث ما رواه التهذيب في باب صفة الوضوء في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا
فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه إنك لم تغسله أو تمسح مما سمى الله ما دمت في حال الوضوء فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حال أخرى في
الصلاة أو في غيرها وشككت في بعض ما قد سمى الله مما أوجب الله عليك فيه وضوء لا شئ عليك فيه فإن شككت في مسح رأسك فأصبت في لحيتك بللا فامسح بها
عليه وعلى ظهر قدميك فإن لم تصب بللا فلا تنقض الوضوء بالشك وامض في صلاتك وإن تيقنت إنك لم تتم وضوئك فأعد على ما تركت يقينا حتى تأتي على الوضوء
وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب الشك في الوضوء وأما ما رواه أيضا في الباب المذكور في الموثق عن عبد الله ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا شككت
في شئ من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشئ إنما الشك إذا كنت في شئ لم تجزه فلا يصلح معارضا للرواية السابقة لعدم صحة مستنده واعتضادها بالاجماع
والاستصحاب فليحمل على أن ضمير غيره راجع إلى الوضوء ليحصل الجمع بينهما فإن قلت ما تقول فيما رواه التهذيب في الزيادات في باب أحكام السهو في الصحيح عن زرارة عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال ثم قال يا زرارة إذا خرجت من شئ ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشئ وما رواه أيضا في هذا الباب في الموثق عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام)
قال كلما شككت فيه مما مضى فامضه كما هو قلت هذان الخبران عامان والخبر المتقدم خاص فليحملا عليه مع أن الخبر الأول بعد بيان الشك في أفعال الصلاة فهو مما
يشعر بكونه مخصوصا بأفعال الصلاة والأصل في هذا الباب إن الخبر المتقدم يؤيده عدم الجزم بالامتثال بدون الاتيان بالمشكوك وكذا الاجماع على الظاهر فلذا نحكم
بتعيين التأويل فيما يعارضه ولو لم يكن كذلك لأمكن القول بحمله على الاستحباب وإبقاء ما يعارضه على العموم هذا وبما قدمنا ظهر ما في كلام الشهيد الثاني (ره) في شرح
الارشاد حيث قال في هذا المقام بعد ما ذكر أن ضمير حاله في كلام المصنف يحتمل أن يكون راجعا إلى الوضوء وإلى المتوضي واحتمال عود الضمير في حاله إلى الشئ المشكوك
فيه المذكور قبله صريحا لا دليل عليه من النقل وإن أمكن بحسب اللفظ انتهى وذلك لما عرفت من هذه الروايات الثلاثة إنما يقتضي بظاهرها هذا الاحتمال لكن يعدل
عنه للاجماع اللهم إلا أن يمنع الظهور ويقال إن الدخول في الغير وكذا الجواز عن الشئ والخروج منه ومضيه إنما يتحقق إذا وقع التلبس بذلك الشئ في الجملة وعند الشك
في فعل من أفعال الوضوء عند التلبس بفعل آخر منه لا يعلم تحقق هذه المعاني بالنسبة إلى الفعل المشكوك نعم إنما يتحقق هذه الأمور بالنسبة إلى الوضوء بعد الفراغ
والدخول في غيره لأنه قد وقع التلبس به في الجملة يقينا فتدبر فإن قلت ما تقول فيما رواه التهذيب في زيادات صفة الوضوء عن أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله
139

(عليه السلام) قال قلت جعلت فداك أغسل وجهي ثم أغسل يدي ويشككني الشيطان إني لم أغسل ذراعي ويدي قال إذا وجدت برد الماء على ذراعك فلا تعد حيث تدل بإطلاقه على عدم
الالتفات إلى الشك وإن لم يحصل الفراغ أيضا قلت أما أولا فإنه مرسل لا يصلح للاعتماد وأما ثانيا فإنه لا ينافي ما ذكر إذ عند وجدان برد الماء على الذراع فلا أقل
من أن يحصل الظن بغسله إن لم حصل اليقين فيخرج الشك وكلامنا فيه ولو سلم عدم الخروج عن الشك فليحمل على ما بعد الفراغ جمعا للاخبار ثم أن المصنف (ره) جعل النية أيضا
في حكم الافعال في هذا المعنى واستدل عليه في الذكرى بأنها أيضا من الافعال والأصل عدم فعلها إذا كان الحال باقيا وفيه إشكال من حيث أن الرواية المتقدمة كما ترى
مختصة بغير النية فما يمكن أن يستدل به حينئذ عل حكم النية أما الاجماع أو الاستصحاب وتحقق الاجماع في النية غير ظاهر والروايات المذكورة إنما يعارض الاستصحاب وتغلبه كما هو
الظاهر فحينئذ الظاهر الحكم بعدم الإعادة للشك في النية اللهم إلا أن يثبت الاجماع أو يتمسك بما ذكرنا آنفا في دفع الايراد عن الشهيد الثاني واعلم إن المصنف قال في الذكرى لو
كثر شكه فالأقرب إلحاقه بحكم الشك الكثير في الصلاة دفعا للعسر والحرج وكذا حكم ابن إدريس أيضا وليس ببعيد وقد أيده صاحب المدارك بما رواه التهذيب في الصحيح عن
زرارة وأبي بصير أنه قال في كثير الشك يمضي في شكه ثم قال لا تعود والخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطيعوه فإن الشيطان خبيث معتاد لما عود به فليمض أحدكم في
الوهم ولا يكثرن نقض الصلاة فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد إليه الشك فإن ذلك بمنزلة التعليل لوجوب المعنى فيتعدى إلى غير المسؤول عنه كما قرر في محله (ولو جف
البلل استأنف) هذا الحكم لا دخل له بالشك إذا الجفاف في أثناء الوضوء موجب للاستيناف مطلقا على زعم المصنف كما تقدم فإعادته ها هنا مما لا وجه له إلا أن يكون
للتأكيد ويمكن أن يقال أنه سيظهر فيما بعد أن مختاره طاهرا أن المراد بحاله ليس حال الاشتغال بالوضوء يشمله وما بعده أيضا ما لم يقم أو يمكث طويلا وحينئذ يظهر وجه
ما ذكره إذ لو فرض عروض الشك بعد الوضوء وقبل القيام فحينئذ لا يدخل فيما سبق ويحتاج إلى الإشارة إلى أن الجفاف حينئذ أيضا مثل الجفاف في الأثناء إذ الاتيان
بالمشكوك وما بعده من تتمة الوضوء ولم يخص الحكم بهذه الصورة بل عممه لأنه أفيد وأحضر ثم اعلم إن الظاهر من الرواية المذكورة الإعادة على العضو المشكوك مطلقا
بدون تقييده بعدم الجفاف فالتخصيص به أما لروايتي معاوية بن عمار وأبي بصير المتقدمتين في بحث الموالاة فيرد عليه إنهما لا يشملان ما نحن فيه إذ هما مختصان بصورة
خاصة فإن تمسك بعموم التعليل بأن الوضوء لا يبعض ففيه أنك قد عرفت أنه لا ظهور له في مجرد التفريق ولا
مجرد الجفاف بل يمكن أن يكون المراد منه قطع الوضوء
مع الجفاف وتحققه فيما نحن فيه ممنوع خصوصا في بعض صوره مما لم يقع فصل كثير بين الاتيان على العضو السابق والإعادة على المشكوك مع أنه عام أيضا مثل هذه الرواية
فتخصيص الرواية به دون العكس ترجيح بلا مرجح بل ينبغي أن يكون الامر بالعكس لصحتها دونه فإن قيل أنه معتضد بحصول البراءة اليقينية من التكليف اليقيني قلنا قد عرفت ما فيه
غير مرة مع أن التكليف اليقيني ها هنا ليس إلا بالغسل والمسح مطلقا وهو يصدق مع الجفاف أيضا فالبرائة اليقينية أيضا حاصلة إذ الامتثال يستلزم الاجزاء والتقييد
لا بد له من دليل وليس وأما لبعض الروايات المتقدمة في بحث استيناف الماء الجديد المتضمن للإعادة مع جفاف الأعضاء ففيه أيضا أنه مخصوص بالنسيان ولا يشمل
ما نحن فيه مع أنه مختص بالمسح فلا وجه لاجرائه في الغسل أيضا كيف ويجوز أن يكون الإعادة مع جفاف الأعضاء عند نسيان المسح لأجل لزوم الاستيناف في المسح
لا لأجل جفاف الأعضاء المتقدمة وأما للزوم الاستيناف ففيه مع اختصاصه بالشك في العضو الممسوح كما هو الظاهر ما عرفت مرارا من عدم تسليم بطلان الاستيناف
مطلقا بل في بعض الصور اللهم إلا أن يدعى الاجماع في الحكم لكن إثباته مشكل (ولو انتقل عن محله ولو تقديرا لم يلتفت) هذا الحكم إجماع منا ويدل عليه أيضا صحيحة زرارة وموثقة
عبد الله بن أبي يعفور المتقدمتان آنفا وكذا الروايتان المنقولتان عن كتاب صلاة التهذيب وما رواه أيضا في باب صفة الوضوء عن بكير بن أعين قال قلت له الرجل يشك بعد
ما يتوضأ قال هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك ويدل أيضا على خصوص بعض صوره ما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل
شك في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة قال يمضي على صلاته ولا يعيد واستدل أيضا بأنه لو شرع في التلافي للشك بعد الفراغ لأدى إلى الحرج المنتف لعسر الانفكاك
من ذلك الشك وغير عسر ضبط الانسان الأمور السالفة فإن قلت هذا الاطلاق ينافي الصحيحة المتقدمة من زرارة لأنها يحكم بوجوب المسح عند الشك بعد الفراغ لو
وجدت بلة في الأعضاء قلت كأنه محمول على الاستحباب للاجماع على خلافه مع اعتضاده بالعمومات مما عرفت والمراد من الانتقال عن المحل قيامه عن الوضوء وقوله ولو
تقديرا يعني به أنه لو طال القعود بعد الوضوء في محله فإنما هو في حكم القيام وهو بظاهره يشعر بأن الفراغ من الوضوء غير كاف ومستنده ما في صحيحة زرارة المتقدمة
من قوله (عليه السلام) فإذا قمت من الوضوء وأنت خبير بأن هذه العبارة مجملة لا ظهور لها في المراد إذ يجوز أن يكون المراد بالقيام الفراغ ويكون التعبير به عنه بناء على الأغلب
ويؤيده قوله (عليه السلام) بعده وفرغت منه لكن لما كان الحكم حكما على خلاف الأصل فينبغي أن يقتصر على القدر المتيقن إلا أن يقال بأن الامر حينئذ يؤل إلى الشك في التكليف
ويصير من قبيل الاتيان بالافراد المشكوكة وقد عرفت إن إثبات وجوبه مشكل ويمكن أن يستدل على أن المناط هو الفراغ برواية بكير بن أعين المنقولة آنفا لكن فيه إن إثبات حكم مخالف
للأصل برواية غير ظاهرة الصحة بل مضمرة لا يخلو من إشكال فإن قلت ما تقول في رواية عبد الله ابن أبي يعفور المتقدمة والروايتين المنقولتين عن كتاب صلاة التهذيب
قلت أما رواية عبد الله فلا يخلو من إجمال لجواز أن يكون المراد من الدخول في غيره الدخول في فعل آخر مثل الصلاة ونحوها إلا أن يكون مجرد الفراغ منه دخولا في غيره وأنت
140

خبير بأنه إذا تمسك بمفهوم إنما الشك إذا إلخ اندفع ذلك الايراد وأما الروايتان الاخريان فالأولى منهما حكمهما حكم الجزء الأول من رواية عبد الله وأما الثانية
فيرد عليها أن أفعال الوضوء قد خرجت عنها بالمخصص كما عرفت فلا يبقى دلالتها على المراد لا يقال ينبغي أن يحكم بخروج القدر الذي يتقن خروجه وبقاء الباقي تحت العام
كما هو المعمول لان بعد ورود مخصص مجمل لا يبقى الظن بشمول العام لجميع ما يحتمله فلم يكن حجة فيه لان مدار الحجية على الظن إلا أن يقال أنها بعمومها شاملة للوضوء بجميعه
لدخوله تحت كلما وهو لم يخرج بالصحيحة المتقدمة لأنها مخصوصة بافعاله ويصدق على الوضوء حينئذ أنه مما شك فيه وقد مضى فيجب إمضاؤه كما هو فثبت المطلوب وبالجملة الأولى
غاية القيام من الوضوء أو ما هو في حكمه كما هو ظاهر المتن واعلم أنه قد يستشكل فيما إذا كان الشك في الرجل اليسرى لعدم تحقق الاكمال حينئذ والظاهر أنه ليس بذاك إذ لا يخلو أما أن
يعتبر القيام عن المحل أو ما هو في حكمه أو لا بل يعتبر مجرد الفراغ فإن كان الأول فلا إشكال أصلا وهو ظاهر وإن كان الثاني فالظاهر أن الفراغ إنما يتحقق بأن لا
يجد نفسه مشغولا بأفعال الوضوء فعند ذلك لو طرء الشك لم يعتد به ولن كان الأحوط التدارك ما لم يحصل القيام أو ما هو في حكمه (ولو تيقن أتى به مطلقا
أي سواء كان قبل القيام أو بعده والمراد الاتيان به وبما بعده كما فيما سبق أما الاتيان به فبإجماع فقهاء الاسلام كما في المعتبر ويدل عليه أيضا مضافا إلى الاجماع
صحيحة زرارة المتقدمة آنفا وحسنة الحلبي المتقدمة في بحث استيناف الماء الجديد للمسح والروايات المتقدمة في بحث وجوب الترتيب ويدل على خصوص المسح أيضا
بعض الروايات المتقدمة في بحث الاستيناف والترتيب إلى غير ذلك وأما ما رواه التهذيب في زيادات باب صفة الوضوء عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول كلما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكرا فامضه ولا إعادة عليك فيه فغير صحيح السند لا يصلح لمعارضة ما ذكر مع أنه يمكن أن يكون المراد من التذكر الشك
ويكون من البيان فيرجع إلى الشك بعد الفراغ ويوافق حكمه حكم ما عداه من الروايات وأما الاتيان بما بعده فالظاهر أنه إجماع منا أيضا كما في التذكرة ويدل عليه
مضافا إلى الاجماع الروايات المتقدمة في بحث الترتيب ويدل أيضا على خصوص المسح بعض الروايات المتقدمة في بحث الاستيناف ثم أن المصنف (ره) في الذكرى نقل عن
ابن الجنيد أنه قال لو بقي موضع لم يبتل فإن كان دون الدرهم بلها وصلى ولن كانت أوسع أعاد على العضو وما بعده وإن جف ما قبله استأنف واستدل عليه بحديث
أبي أمامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) وزرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) وابن منصور عن زيد بن علي ولا يخفى أن هذا القول مخالف للاجماع المنقول عن التذكرة آنفا إلا أن لا
يستند العلامة بخلافه لمعلومية نسبته ولتحقق الاجماع قبله أو بعده ثم ما ذكره من الروايات لم يثبت عندنا نعم روى الفقيه مرسلا في باب من ترك الوضوء قال وسئل
أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) عن الرجل يبقى من وجهه إذا توضأ موضع لم يصبه الماء فقال يجزيه أن يبله من بعض جسده وهذا بظاهره يدل على عدم وجوب الاتيان
بما بعد المنسي كما ذهب إليه لكن خال أيضا عن التقييد بدون الدرهم كما ذكره والرواية مع ضعفها بالارسال لم يعمل الأصحاب بمضمونها فلا يصلح للتعويل وأما ما رواه
التهذيب في باب صفة الوضوء في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال سئلته عن رجل توضأ ونسي غسل يساره فقال يغسل يساره وحده ولا
يعيد وضوء شئ غيرها فمحمول على عدم إعادة غيرها مما تقدم لا ما تأخر أيضا وكذا الحال في عجز حسنة الحلبي المتقدمة في بحث الترتيب واعلم إن مراده (ره) من الاتيان به
إنما هو عند عدم الجفاف وإلا فيجب الاستيناف كما ذكر في سابقه وإنما تركه إحاله عليه والكلام فيه أيضا إنما يستنبط من الكلام في سابقه وأما ما رواه التهذيب
في باب صفة الوضوء في الموثق عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من نسي مسح رأسه وقدميه أو شيئا من الوضوء الذي ذكره الله في القرآن كان عليه إعادة الوضوء
والصلاة فمحمول على الجفاف بقرينة إعادة الصلاة إذ مع الاتيان بالصلاة لا يبقى البلة غالبا وكذا ما رواه الكافي عن حكم بن حكيم المتقدمة في بحث الموالاة
(ولو شك في الحدث أو الطهارة بنى على المتيقن) هذان الحكمان اجماعيان منا وفي الروايات أيضا ما يدل عليهما أما على الأول فما رواه التهذيب في باب صفة الوضوء
في الموثق عن أبي عبد الله بن بكير عن أبيه قال قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) إذا استيقنت أنك قد توضأت فإياك أن تحدث وضوء أبدا حتى تستيقن إنك قد أحدثت وما
رواه أيضا في باب الاحداث في الصحيح عن زرارة في أثناء حديث قال قلت فإن حرك إلى جنبيه شئ ولم يعلم به قال لا حتى يستيقن أنه قد نام حتى يجئ من ذلك أمر بين وإلا فإنه على
يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبدا بالشك ولكن ينقضه بيقين آخر وقد تقدم الخبر بتمامه في بحث النوم ويمكن أن يؤيده أيضا برواية ابن أبي يعفور والروايتين
المنقولتين عن صلاة التهذيب وصحيحة محمد بن مسلم المذكورات آنفا واستدل عليه أيضا بأنه لو وجب الوضوء مع الشك المتجدد لزم الحرج إذ الأغلب في الناس تطرق
الشك إليهم عدم الضبط في الأمور السالفة والحرج منفي بالآية وأما على الثاني فإطلاق الرواية الثانية وقد ورد بعض الروايات الأخر أيضا بهذا المضمون والمحقق (ره)
في المعتبر ادعى الاجماع على الحكم الثاني ثم قال ويؤكده ما روى عن النبي (صلى الله عليه وآله) وقد سئل عن الرجل يخيل إليه في الصلاة أنه يجد الشئ فقال لا ينصرف حتى يسمع
صوتا أو يجد ريحا ومن طريق الأصحاب ما رواه عبد الله بن أبي يعفور وذكر الرواية المتقدمة ثم استدل بما ذكرنا آنفا من لزوم الحرج وأنت خبير بأن هذه الدلايل
إنما تجري في الحكم الأول ولا يناسب الحكم الثاني فكان ذكره في هذا الحكم إنما وقع سهوا والله أعلم والمصنف (ره) في الذكرى استدل على الحكم الثاني برواية عبد الله بن بكير
المتقدمة نظرا إلى أن مفهوم إذا استيقنت يدل على اعتبار اليقين في الوضوء وفيه نظر لان مفهومه لا يدل إلا على أن لا تحذير عن إحداث الوضوء بالشك في الحدث
141

إذا لم يستيقن الوضوء وهو لا يستلزم المراد من اعتبار اليقين في الوضوء إذ يجوز أن يكفي الشك فيه أيضا لكن يكون إحداث الوضوء حينئذ غير محذر عنه بخلاف ما إذا
تيقن واعلم إن ظاهر كلام الأصحاب إن الظن أيضا حكمه حكم الشك وهو ظاهر بالنسبة إلى الحكم الأول لظهور دلالة الرواية المذكورة عليه مع تأييده بأصالة البراءة واستدل
المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى أيضا بأن الظن لم يعتبر ما لم يعتبره الشارع كالشهادة بخلاف الظن الحاصل الحاكم بما لا ينوط باعتباره فإنه لا يعمل به ولا به رجوع
عن اليقين إلى المظنون وهو باطل ولا يخفى ما في كونه رجوعا عن المتيقن إلى المظنون فتدبر قال المحقق البهائي (ره) في الحبل المتين ثم لا يخفى أن الظن الحاصل بالاستصحاب فيمن
تيقن الطهارة وشك في الحدث لا يبقى على نهج واحد بل يضعف بطول المدة شيئا فشيئا بل قد يزول الرجحان ويتساوى الطرفان بل ربما يصير الطرف الراجح مرجوحا كما
إذا توضأ عند المسح مثلا وذهل عن التحفظ ثم شك عند الغروب في صدور الحدث منه ولم يكن من عادته البقاء على الطهارة إلى ذلك الوقت والحاصل إن المدار على
الظن فما دام باقيا فالعمل عليه وإن ضعف انتهى كلامه ولا يخفى إن هذا إنما يصح لو بنى المسألة على ما تيقن بحصوله في وقت ولم يعلم أو يظن طرفا يزيله يحصل الظن
ببقائه فالشك في نقيضه لا يعارضه إذا الضعيف لا يعارض القوي لكن هذا البناء ضعيف جدا بل بنائها على الروايات مؤيدة بأصالة البراءة في بعض الصور وهي تشمل
الشك والظن معا فإخراج الظن عنه مما لا وجه له وأما في الحكم الثاني ففيه إشكال لان صحيحة زرارة المتقدمة كما يمكن أن يستدل بها على عدم اعتبار الظن نظرا إلى
مفهوم ويمكن تنقضه بيقين آخر كذلك يمكن أن يستدل بها على اعتباره بمفهوم لا ينقض اليقين بالشك مع أن الأصل براءة الذمة اللهم إلا أن يتمسك بالاجماع
وبعموم قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم الآية خرج ما إذا تيقن بالطهارة السابقة وشك في الحدث بالدليل فبقي الباقي وفيه ما مر غير مرة من منع العموم
هذا ثم أنه أورد في هذا المقام إشكال وهو أن الشك بأحد النقيضين ينافي اليقين بالنقيض الاخر فكيف يمكن اجتماع الشك في الحدث مع اليقين بالطهارة
وكذا العكس وأجاب عنه المصنف في الذكرى بقوله قولنا اليقين لا يرفعه الشك لا نعني به اجتماع اليقين والشك في الزمان الواحد لامتناع ذلك ضرورة إن الشك
في حد النقيضين يرفع يقين الا اخر بل المعنى به ان اليقين الذي كان في الزمن الأول لا يخرج عن حكمه بالشك في الزمن الثاني لأصالة بقاء ما كان فيؤول إلى اجتماع
الظن والشك في الزمان الواحد فيرجح الظن عليه كما هو مطرد في العبادات انتهى وفيه نظر لأن الشك بأحد النقيضين كما ينافي اليقين بالنقيض الاخر كذلك
ينافي الظن به أيضا البتة فالفرار من اليقين إلى الظن لا يغني من الحق شيئا اللهم إلا أن يراد بالشك الوهم والصواب أن يقال المراد بيقين الحدث البقية في زمان معين كالظهر
مثلا بوقوع حدث في زمان سابق عليه كالغداة سواء كان المراد بالحدث نفس البول مثلا أو أثره الحاصل منه وبالشك في الطهارة في ذلك الزمان أيضا
بحدوث طهارة بعد الغداة سواء كان المراد بالطهارة أيضا الوضوء أو أثره ولا شك إن اجتماع اليقين والشك بهذا المعنى مما لا شك فيه لعدم تناقض
متعلقيهما لاختلاف الزمان ولا يخفى أن ما ذكره المصنف أيضا وجه دفع لكن ينبغي ان يسقط عنه قوله فيؤول إلى الاخر وبما ذكر ظهر أنه قد قصر صاحب المدارك
في هذا المقام حيث قال المراد بالحدث هنا ما يترتب عليه الطهارة أعني نفس السبب لا الأثر الحاصل من ذلك وتيقن حصوله بهذا المعنى لا ينافي الشك في وقوع
الطهارة بعده وإن اتحد وقتهما انتهى (ولو تيقنها لا ترتيبهما تطهر) قد أطلق القول في هذا الحكم جمع من الأصحاب كالثلاثة رحمهم الله وغيرهم أيضا كالمحقق والعلامة
رحمهما الله في بعض كتبهما ونقل العلاقة (ره) في التذكرة عن الأصحاب كما هو الظاهر قولين آخرين أحدهما أنه إن لم يسبق له وقت يعلم حاله فيه أعاد وإن سبق بنى على
ضد تلك الحال وثانيهما أنه يراعى في الشق الأخير الحال السابق فيبنى عليه إن محدثا فمحدث ولن متطهرا فمتطهر ثم قال والأقرب أن نقول إن تيقن الطهارة و
الحدث متحدين متعاقبين ولم يسبق حالة علم على زمانهما تطهر ولن سبق استصحب وهذا مختاره في القواعد أيضا ومراده بقوله متحدين متعاقبين استوائهما في
العدد وكون الطهارة رافعة للحدث والحدث ناقضا لها بمعنى أنه تيقن إن لوضوء الذي علم تحققه كان وضوءا رافعا لا مجددا وكذا الحدث المتحقق وقوعه كان
حدثا ناقضا لا حدثا بعد الحدث والظاهر من المعتبر الميل إلى القول الثاني من المختلف إلى الثالث وإذ قد تقرر
هذا فلنشرع في ذكر أدلة الأقوال وما يتعلق بها
من القيل والقال حجة القول الأول كما ذكره الشيخ في التهذيب أنه مأخوذ على الانسان أن لا يدخل في الصلاة إلا بطهارة فينبغي أن يكون مستيقنا بحصول الطهارة له
ليسوغ له الدخول بها في الصلاة ومن لا يعلم إن طهارته سابقة للحدث فليس على يقين من طهارته ووجب عليه استينافها وأنت خبير بأن هذا إنما يتم لو ثبت
عموم قوله تعالى إذا قمتم الآية بالتقريب الذي ذكرنا آنفا وأما إذا لم يثبت فلا إذ لو كان إذا فيه للاهمال أو يكون مقيدا بأن كنتم محدثين كما ذكره بعض فعلى الأول
إنما يسلم وجوب الوضوء فيما لو كان إجماع أو دليل آخر ولم يتحقق فيما نحن فيه فلا وجوب ولو تمسك بأنه ثبت الوجوب في بعض الأوقات ولم يعلم بعينه فوجب الاتيان
في جميع الأوقات إلا ما أخرجه الدليل تحصيلا للبراءة اليقينية ففيه ما مر غير مرة من أن في أمثال هذه الصورة يكفي الاتيان بالقدر المتيقن وهو فيما نحن فيه
الاتيان في الوقت الذي يعلم عدم الطهارة فيه وعلى الثاني نقول إن غاية ما يسلم منه وجوب الوضوء عند اليقين بالحدث وليس ها هنا فليس مع أنه لو سلم العموم
أيضا لأمكن أن يقال إن موثقة ابن بكير قد خصصها بغير هذه الصورة لأنها دلت على أنه إذا حصلت اليقين بالوضوء فلا تتوضأ إلا إذا حصل اليقين بالحدث فها هنا يقين
142

بالحدث لا يقال اليقين بالحدث حاصل لأن الظاهر أن المراد اليقين بالحدث بعده إذ لو كان اليقين بالحدث مطلقا كافيا لكان اليقين بالحدث السابق أيضا ناقضا إلا أن لا
يكتفي بمثل هذه الرواية الغير الظاهرة الصحة في تخصيص الكتاب أو يقال أن يقال إن اليقين بالحدث مطلقا قد خرج عنه اليقين بالحدث السابق بالضرورة بقي الباقي فتأمل وحجة
القول الثاني على ما يستنبط من المعتبر والتذكرة أنه إذا علم إن في الوقت السابق كان محدثا فيلزم أن يبنى حينئذ على الطهارة إذ الحدث السابق قد ارتفع بالطهارة المتيقنة
بيقين وانتقاض تلك الطهارة بالحدث المتيقن مشكوك لجواز أن يكون ذلك الحدث واقعا بعد الحدث الأول بلا توسط الطهارة فيؤول الامر إلى اليقين بالطهارة والشك
في الحدث فيكون متطهرا وإذا علم أن الوقت السابق كان متطهرا يلزم أن يبنى على الحدث إذ الطهارة السابقة قد انتقضت بالحدث المتيقن البتة ورفع ذلك الحدث بالطهارة
المتيقنة مشكوك لجواز أن يكون واقع بقصد التجديد أو بدون قصده بل نسيانا لطهارة السابقة فآل الامر إلى اليقين بالحدث والشك في الطهارة فيكون محدثا
واعلم إن المستفاد من كلام المعتبر والتذكرة إن الحكم الثاني إنما هو على تقدير تجويز التجديد أو نحوه مما ذكرنا وأما على تقدير عدمه كما إذا تيقن إن طهارته المعلومة كانت
طهارة رافعة للحدث فإنما يبنى على الطهارة البتة ووجهه البتة ووجهه ظاهر والظاهر أن الحكم الأول أيضا إنما هو على تقدير تجويز أن يكون حدثه واقعا بعد الحدث بلا فصل وأما
إذا تيقن إن حدثه المعلوم لم يكن بعد الحدث فإنما يبنى على الحدث البتة وكأنهم لم يذكروه للظهور وعلى هذا يدخل ما قربه العلامة في التذكرة واختاره في القواعد
في ضمن هذا القول نعم هذا القول إنما يشتمل على جزء آخر من أن عند عدم العلم بالتعاقب مع العلم بالحال السابق إنما يبني على خلافها والعلامة ساكت عن هذا الحكم
فلو كان رأيه في هذا الحكم أيضا ذلك فيكون قوله في الكتابين هو هذا القول بعينه وإلا فلا وقد اعترض على هذه الحجة صاحب المدارك آخذا مما في المنتهى أن الحدث السابق
في الصورة الأولى وإن ارتفع قطعا بالطهارة المعلومة إلا أن الحدث المفروض مع الطهارة متحقق الوقوع أيضا فلا بد من العلم برافعه وهو غير معلوم لجواز تقدم الطهارة
عليه وكذا الطهارة السابقة في الصورة الثانية وإن انتقضت بالحدث المعلوم إلا أن الطهارة المفروضة مع الحدث متيقنة الوقوع فلا بد من العلم بناقضها وهو غير
معلوم لجواز تقدم الحدث عليها ونقض أيضا في الصورة الثانية بأن الطهارة المفروضة رافعة للاحداث السابقة قطعا وتأخر الحدث عنها معلوم فيجب البناء
على الطهارة على حد ما قرروه في الصورة الأولى ولا يخفى أنه يمكن النقض عليهم أيضا فيما إذا لم يعلم الحال السابق بإثبات لزوم البناء على الطهارة بعين ما ذكر في هذا
النقض وقد اعترض عليهم أيضا بأن ما ذكروه على تقدير تمامه لا ينافي كلام القائلين بالاطلاق إذ مرجعه إلى تيقن أحدهما والشك في الاخر وكلامهم إنما هو إذ من رجعه
إلى تيقن أحدهما والشك في الاخر وكلامهم إنما هو في تيقنهما معا بل وعلى الفرض الذي ذكره العلامة في التذكرة والقواعد لا يبقى الشك أصلا بل يؤل أما
إلى يقين الحدث بدون الشك في الطهارة أو العكس كما لا يخفى فحينئذ لا وجه لايراده في طي مسألة الشك أصلا ويمكن أن يدفع الاعتراض الأول والنقضان
المذكوران بعد تمهيد مقدمة وهو أن يبنى كلامهم على أن الحدث الواقع بعد حدث سابق لا يؤثر أثر الامتناع اجتماع المثلين وكذا الطهارة الواقعة بعد
طهارة أخرى ولا يذهب عليك أنه لا حاجة لهم إلى الاستدلال على نفي التأثير بل يكفيهم المنع أيضا وحينئذ نقول إن في الصورة الأولى الحدث السابق المعلوم
تأثيره قد ارتفع بالطهارة المعلومة تأثيرها قطعا لأنها أما بعده بلا فصل أو بعد الحدث الثاني وعلى التقديرين يرفع الحدث السابق قطعا والحدث المفروض
ثانيا وإن كان وقوعه متيقنا لكن تأثيره غير معلوم لجواز أن يكون واقعا بعد الحدث الأول وقد عرفت أنه حينئذ لا يؤثر أثر بناء على المقدمة الممهدة واليقين
بوقوع الحدث نفسه بدون أثره لا يجدي إذ الاستصحاب إنما في الأثر لا فيه نفسه وهو ظاهر والحاصل إن ها هنا حدثين بمعنى الأثر أحدهما متيقن والاخر مشكوك
وطهارة بمعنى بمعنى الأثر أيضا متيقن والحدث المتيقن قد ارتفع بالطهارة المعلومة قطعا وقد بقي الحدث المشكوك وظاهر إن الحدث المشكوك لا يعارض الطهارة
المعلومة وكذا الحال في الصورة الثانية لأن الطهارة السابقة المعلومة تأثيرها قد ارتفعت بالحدث المعلوم تأثيره قطعا لأنه أما بعدها بلا فصل أو بعد الطهارة
الثانية وعلى التقديرين برفعها البتة والطهارة المفروضة ثانيا وإن كان نفسها متيقنة الوقوع لكن تأثيرها مشكوك لجواز أن يكون بعد الطهارة الطهارة الأولى
فلم يكن لها تأثير بناء على المقدمة المذكورة فآل الامر أيضا إلى حدث بمعنى الأثر متيقن وطهارة بمعنى الأثر أيضا مشكوك فيبنى على الحدث وبهذا اندفع
الاعتراض والنقضان أما الاعتراض فظاهر وأما النقض الأول فلمنع قولهم الطهارة المفروضة رافعة للاحداث السابقة قطعا لان رفعها لحدث إنما يكون
عند تأثيرها وهو غير معلوم لجواز أن يكون واقعة بعد الطهارة الأولى وأما النقض الثاني فبعين ما ذكر أيضا لأن الطهارة المتيقنة حال عدم العلم بالحال السابق
لا يقين بتأثيرها لجواز أن يكون بعد طهارة سابقة وقس عليه الحال لو أورد الايراد بعنوان قلب الدليل في الحدث فتدبر ولا يذهب عليك أنه حينئذ يمكن إيراد الاعتراض
بوجه آخر وهو أن يقال هب أن الحدث اللاحق والطهارة اللاحقة لا تأثير لهما والاستصحاب إنما يجري في تأثيرهما لا فيهما نفسهما لكن نقول في الصورة الأولى أن
الحدث المفروض ثانيا وإن لم نعلم تأثيره لكنه نعلم قطعا إن حال حدوثه يتحقق حدث بمعنى الأثر البتة لأنه أما بعد الحدث الأول بلا فصل فأثر الأول باق
وقت حدوثه وأما بعد الطهارة المفروضة فهو إنما يؤثر بنفسه فعلى التقديرين يتحقق أثر الحدث حال حدوث الحدث الثاني جزما ولا بد من يقين آخر في رفعه
143

وليس إذا الطهارة المفروضة يجوز أن يكون متوسطة بين الحدثين وقس عليه الصورة الثانية وحينئذ يرجع ورود النقضين أيضا كما لا يخفى اللهم إلا أن لا يعتبروا
مثل هذا اليقين المتعلق بأمر ردد فيه بل إنما اعتبروا تعلق اليقين بأمر مشخص كالطهارة في الأولى والحدث في الثانية لكن إثبات الفرق مشكل وأما الاعتراض
الثاني بعدم منافاته لكلام القائلين بالاطلاق فيمكن دفعه بأنه يجوز أن لا يكون مرادهم إن هذا القول مخالف لكلامهم البتة بل الغرض التفصيل في هذا المقام
لئلا يعرض غلط للوهم لقلة التأمل ويحسب هذه الصورة أيضا داخلة تحت اليقين بهما والشك في الترتيب فإن كان كلام القائلين بالاطلاق أيضا مختصا بغير ما ذكره
هؤلاء فنعم الوفاق وإلا فالنزاع قائم وأما ما ذكر من أنه على الفرض الذي فرضه العلامة (ره) لا يبقى الشك بل إنما يؤل إلى اليقين فدفعه أيضا بأنه لما كان حينئذ يتراءى الشك
أول الوهلة وإن كان بعد التأمل يحصل اليقين فلذا أورد في مسألة الشك كما يوردون في مسألة الشك في مبدأ السعي فرض علم الزوجية والفردية وهو على الصفا
أو المروة مع أن هناك أيضا يرتفع الشك بعد التأمل هذا وحجة القول الثالث إن الطهارة والحدث المعلومين بعد الحال السابق تعارضا وتساقطا فيرجع إلى الحال
المعلوم أولا وضعفها ظاهر لان الحال لأول إنما ارتفع بيقين فاستصحابه مما لا معنى له أصلا واعلم إن العلامة (ره) اختار في المختلف هذا القول ظاهرا حيث قال أطلق الأصحاب
القول بإعادة الطهارة على من تيقن الحدث والطهارة وشك في المتأخر منهما ونحن فصلنا ذلك في أكثر كتبنا وقلنا أن كان في الزمان السابق على زمان تصادم
الاحتمالين محدثا يجب عليه الطهارة وإن كان متطهرا لم يجب انتهى ولا يخفى أنه ظاهر في اختيار هذا القول لكنه قال بعد ما نقلنا مثاله أنه إذا تيقن عند الزوال إنه
نقض طهارة وتوضأ عن حدث وشك في السابق فإنه يستصحب حال السابق على الزوال فإن كان في تلك الحال متطهرا فهو على طهارته لأنه تيقن أنه نقض تلك الطهارة
ثم توضأ ولا يمكن أن يتوضأ عن حدث مع بقاء تلك الطهارة ونقض الطهارة الثانية مشكوك فيه فلا يزول عن اليقين بالشك وإن كان قبل الزوال محدثا فهو الان
محدث لأنه تيقن أنه انتقل عنه إلى طهارة ثم نقضها والطهارة بعد نقضها مشكوك فيها انتهى ولا يخفى ما فيه من الخلل لان الدليل الذي ذكره إن كان لاثبات
هذا المثال الخاص الذي ذكره فمسلم لكن لا يثبت به الدعوى الكلية التي ادعاها أولا إذ هي غير منحصرة في هذا المثال لجواز أن لا يعلم أن الطهارة المعلومة كانت
رافعة والحدث المعلوم ناقضا وإن كان لاثبات الدعوى الكلية ففساده ظاهر لأنه حينئذ يكون قوله لأنه تيقن أنه نقض تلك الطهارة ثم توضأ ممنوعا لجواز أن
يكون ذلك الوضوء بعد الوضوء السابق تجديدا وكذا قوله لأنه تيقن أنه انتقل عنه إلى طهارة ثم نقضها لجواز أن يكون ذلك الحدث بعد الحدث السابق بلا فصل
فالصواب أن يقال إن مراده من الاطلاق المذكور المقيد بهذين القيدين بقرينة التمثيل بالمثال المذكور وحينئذ ينطبق الدليل على المدعى ويعتبر كلامه مثل ما ذكره
في التذكرة والقواعد يعنيه والايراد عليه حينئذ بأنه يخرج من مسألة الشك قد عرفت دفعه لكن مع هذا أيضا في كلامه بعض المناقشات إذ حينئذ لا يصيب قوله ونقض
الطهارة الثانية مشكوك فيه مرة أخرى إذ لا شك على هذا الفرض في نقض الطهارة بل إنما تيقن بعدم نقضها وكذا قوله والطهارة بعد نقضها مشكوك فيها إذ
الطهارة بعد نقضها يقينا ليست بمشكوك فيه بل إنما تيقن بعدمها اللهم إلا أن يقال أنه (ره) قد فرض التعاقب في المثال ولم يفرض الاتحاد فيجوز أن يكون لشك
في الصورتين بناء على احتمال تجويز حدث آخر غير الحدث المتيقن أو طهارة أخرى غير الطهارة المتيقنة وكذا يناقش في قوله يستصحب حال السابق لأنه ليس بالاستصحاب المصطلح ونقل عنه في دفعها إنه أراد به لازم الاستصحاب
بخبر إذنه إذا حكم بكونه متطهرا مع تخلل الحدث لمزيل لحكم الاستصحاب للطهارة الأولى أثبت لازمه وكذا الحدث هذا ثم أن الشهيد الثاني (ره) في شرح الارشاد
بعد نقله كلام القائلين بالاطلاق وكلام المختلف والمعتبر قال والذي يحصل لنا في المسألة بعد تحرير كلام الجماعة أنه إن علم التعاقب فلا ريب في الاستصحاب وإلا
فإن كان لا يعتاد التحديد بل إنما يتطهر حيث يتطهر طهارة رافعة للحدث فكلام المحقق مع فرض سبق الحدث أوجه لضعف الحكم بوجوب الطهارة مع العلم بوقوعها على الوجه
المعتبر وعدم العلم بتعقب الحدث لها المقتضي للابطال إذا علم إنه كان قبلهما محدثا ولا يرد حينئذ أن يقين الحدث مكاف ليقين الطهارة لأن الطهارة قد علم تأثيرها في رفع
الحدث أما الحدث فغير معلوم نقضه للطهارة لاحتمال أن يقع بعد الحدث الأول قبل الطهارة إذا الفرض عدم اشتراط التعاقب فلا يزول المعلوم بالاحتمال
بل يرجع إلى يقين الطهارة مع الشك في الحدث وكلام المختلف في فرض سبق الطهارة أوجه لان نفي احتمال التجديد يقتضي توسط الحدث بين الطهارتين إلا أن
هذا القسم راجع إلى التعاقب فلا يحتاج إلى استدراكه ها هنا وإن لم يتفق له تحقق هذه القيود بل إنما تحقق الطهارة والحدث وشك في المتأخر منهما من غير تحقيق لحاله كما ذكرناه وجب عليه سواء تحقق هذه القيود بل إنما الطهارة
علم حاله قبلهما أم لا لقيام الاحتمال واشتباه الحال انتهى وفيه نظر لان تقييده الحكم بالبناء على الطهارة في الصورة المذكورة بكونه متطهرا حيث يتطهر طهارة
رافعة للحدث غير مجوز للتجديد مما لا وجه له أصلا لان الدليل الذي ذكره لو سلم تماميته وقطع النظر عن الايراد الذي ذكرنا في القول الثاني لدل على البناء على الطهارة في
الصورة المذكورة وإن كان معتاد للتجديد أيضا لأنه إذا علم أن الحالة السابقة كانت حدثا فيعلم بالضرورة إن الطهارة المتيقنة بعده واقعة على الوجه المعتبر رافعة
للحدث لأنه أما أن يعلم ومدة الطهارة أولا فإن علم الوحدة فالأمر ظاهر لان تلك الطهارة الواحدة رافعة للحدث البتة لأنها أما بعد الحدث السابق بلا فصل
أو بعد الحدث الثاني وعلى التقديرين يكون رافعة البتة وإن لم يعلم الوحدة فحينئذ أيضا معلوم إن تلك الطهارات المتعددة على الاحتمال أو اليقين طهارة رافعة للحدث
144

البتة بالبيان المذكور آنفا وإذ قد ثبت العلم بوقوع طهارة رافعة للحدث فنسرد الكلام إلى آخره كما ذكره (ره) فإن قلت لعل التقييد ليس لأجل الحكم في هذه الصورة
بل إنما هو للحكم في الصورة الثانية إذ لا شك أن ذلك الحكم يحتاج إلى هذا التقييد لا يقال إن تقييد الحكم الأول أيضا لا أجل احتياج الحكم الثاني لا معنى له بل إنما يجب حينئذ تقييد
الثاني فقط لان المراد إن التقييد لمجموع الحكمين من حيث هو مجموع ولا خفاء في أن هذا المجموع محتاج إلى
التقييد باعتبار جزئة الثاني قلت هذا وإن كان نوع تأويل
لكن ينافيه تعميمه آخرا من أنه إن لم يتفق له تحقق هذه القيود فيجب عليه الطهارة سواء علم حاله قبلهما أم لا ولا يذهب عليك أنه على تقدير العلم بكونه وضوئه غير
مجدد يجب الحكم بالبناء على الطهارة إن لم يعلم الحال السابق أيضا بناء على الدليل المذكور ولا اختصاص له بالعلم لكن هذا الايراد إيرادا عليه (ره) لأنه لم يحضر الحكم في العلم
غايته أنه يلزم إهماله (ره) لهذا أولا فساد فيه مع أنه يمكن أن يقال لما كان هذا لازما لما ذكره لان السابق لا يخلو من وجهين وأوجب البناء على الطهارة على كل
وجه فاكتفى به ولم يتعرض للتصريح هذا وإذ قد عرفت مأخذ الأقوال فنقول الذي يقتضيه النظر أنه إذا حصل من جهة العادة أو فرض ما العلم بأن الواقع أيهما أو
الظن أيضا على تقدير العبرة فلا إشكال وإن لم يحصل أحدهما فالظاهر عدم وجوب الطهارة كما يعلم وجهه من التأمل في الأقاويل السابقة إلا إذا ثبت إجماع على
الوجوب في صورة خاصة والظاهر تحقق الاجماع في صورة عدم العلم بالحال السابق لان الخلاف الذي ذكروه إنما هو في صورة العلم فعلى هذا الظاهر الحكم بالوجوب في
هذه الصورة مطلقا سواء كان من عادته التجديد أو لا وبعدم الوجوب في غيرها مطلقا إن لم يكن مخافة خرق الاجماع المركب لان ما ذكروه من الخلاف في صورة
العلم أنما هو منحصر ظاهرا في القولين المذكورين من البناء على الضد أو السابق على تقدير أن يكون القائلون بالاطلاق أيضا متفقين مع القائلين بالقول
الثاني أو الأقوال المذكورة على تقدير كونهم مخالفين هلم وهذا القول مخالف لها جميعا فإذن الاحتياط في إعادة الطهارة في جميع الصور سوى ما علم تحققها
فيه بالقرينة الخارجية والله أعلم (ولو أفاد التعاقب استصحابا بنى عليه) قد مر ما يفي بشرح هذا الكلام (ولو ذكر بعد الصلاة ترك واجب إعادتهما) أي الوضوء
والصلاة تدل عليه مضافا إلى لزوم الاتيان المأمور به على وجهه موثقة سماعة المتقدمة عند قول المصنف ولو تيقن أتى به مطلقا واعلم إن الذكر لو كان في أثناء
الصلاة فالظاهر وجوب القطع والآتيان بالمنسي وما بعد مع عدم الجفاف وإعادة الوضوء مع الجفاف ثم استيناف الصلاة سواء كان المنسي الغسل أو المسح تدل
عليه مضافا إلى الامر المذكور آنفا روايات كثيرة متظافرة منها رواية سماعة المذكورة ومنها ما رواه التهذيب في باب صفة الوضوء في الصحيح عن أحمد بن عمر قال
سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل توضأ ونسي أن يمسح رأسه حتى قام في الصلاة قال من نسي مسح رأسه أو شيئا من الوضوء الذي ذكره الله تعالى في القرآن أعاد الصلاة
ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن رجل توضأ ونسي أن يمسح رأسه حتى قام في الصلاة قال ينصرف فيمسح رأسه فيعيد
ومنها صحيحة منصور المتقدمة في بحث الاستيناف ورواية أبي الصباح الكناني المتقدمة في بحث الموالاة ومنها
ما رواه الفقيه في باب من ترك الوضوء عن زيد الشحام والمفضل بن صالح عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل توضأ فنسي أن يمسح على رأسه حتى قام في الصلاة قال فلينصرف
وليمسح برأسه وليعد الصلاة ثم أن الروايات المذكورة دالة على قطع الصلاة وأما التفصيل المذكور من الاتيان بالمنسي وما بعده مع عدم الجفاف وإعادة
الوضوء معه فما يستنبط من الأبحاث السابقة
(فإن تعدد الوضوء ولم يعلم محل المتروك أجزء الواجبان والنفلان دون الواجب والنفل في الأقوى) لو توضأ أحد
ثم أحدث وضوء آخر ثم ذكر الاخلال بعضو من إحدى الطاهرتين ولم يعلم أيهما بعينه فحينئذ يتصور أربعة أقسام الأول أن يكونا واجبين الثاني أن يكونا مندوبين الثالث أن
يكون الأول واجبا والثاني مندوبا الرابع بالعكس أما الأول فيتصور بأن يتوضأ مثلا في الوقت وجوبا ثم جدد وجوبا أيضا بالنذر أو ذهل عن الأول فتوضأ
باعتقاد الوجوب وأما الثاني فيتصور بأن يتوضأ خارج الوقت ندبا ثم جدده ندبا أيضا أو ذهل عن الأول وتأهب لفريضة قبل دخول وقتها مثلا وأما الثالث
فيتصور بأن يتوضأ في الوقت واجبا ثم جدده ندبا أو ذهل عن الوقت والوضوء وظن أنه ليس بوقت صلاة فتوضأ ندبا وأما الرابع فيتصور بأن يتوضأ قبل
الوقت ندبا ثم ندر التجديد فجدد وجوبا أو ذهل عن الوضوء الأول فتوضأ في الوقت وجوبا وإذ قد تمهد هذا التصوير فنقول لا يخلو أما يكتفي في النية بالقربة
فقط أو يعتبر معها الوجه أيضا بدون إحدى الامرين من الرفع أو الاستباحة أو يعتبره هو أيضا فعلى الأول الظاهر إجزاء إحدى الطهارتين وعدم الاحتياج إلى طهارة
أخرى في جميع الصور لان الخلل أما في الأولى فالثانية صحيحة البتة لاشتمالها على القربة وإن كان في الثانية فالأولى صحيحة بطريق الأولى وعلى الثاني فلا خفاء
في الصورة في صحة إحدى الطهارتين في الصورة الأولى وكذا في الثانية أيضا لو كان الوضوان معا في وقت خلو الذمة عن مشروط بالطهارة وأما إذا كان
إحداهما وقت اشتغال الذمة به كما إذا توضأ ندبا قبل الوقت ثم جدده ندبا في الوقت عنه وعن الوقت وتوضأ ندبا ففيه إشكال سيأتي
وكذا حال في الثالثة أيضا لو كان الوضوء الأول الواجب لم يكن واجبا لأجل وجوب مشروط به بل لنذر وشبهه وتضيق وقته أو كان لأجل المشروط أيضا
لكن فات وقته والوضوء الثاني المندوب قد فعل في وقت خلو الذمة عن المشروط به وإلا ففيه الاشكال أيضا وأما في الرابع فالظاهر صحة أحديهما مطلقا وعلى
145

الثالث فلا يخلو أما أن نقول برفع المجدد أما مطلقا كما هو ظاهر المبسوط أو مع القصد إلى الصلاة كما هو رأى المعتبر أولا فإن قلنا بالرفع فالحكم في الصور الأربعة
مثل ما تقدم في الاحتمال الثاني بعينه أما مطلقا على رأي المبسوط أو حال القصد إلى الصلاة على رأي المعتبر وإن لم نقل به فالظاهر في الصورة الأولى صحة أحديهما لو كان
الثاني للذهول عن الأول وعدم صحتهما لو كان للتجديد بنذر وشبهه لاحتمال أن يكون الخلل في الأولى فلا تصح والثانية أيضا غير صحيحة لعدم قصد الرفع أو الاستباحة
وكذا الصورة الثانية سواء كانتا وقت خلو الذمة عن المشروط بالطهارة أو لا نعم إنما يتفاوت ذلك باعتبار قصد الوجه كما تقدم وقس عليهما الثالثة والرابعة أيضا هذا
ما يلفق من كلام الأصحاب بما ذكرنا ظهر ما في كلام المصنف من الخلل لان مذهبه في هذا الحكم الكتاب اشتراط قصد الوجه وأحد الامرين كما تقدم فحينئذ أما أن نقول برفع المجدد
كما هو الظاهر من كلامه في مفتح الكتاب باعتبار إن شرعيته لتدارك ما فات فيجب أن يقول بإجزاء الواجب والنفل أيضا كما يقول بإجزاء الواجبين والنفلين لان هذا الوجه
كما يدل على سقوط اعتبار قصد أحد الامرين في المجدد يدل على سقوط اعتبار قصد الوجه أيضا لا يقال أنا لا نقول بسقوط اعتبار قصد أحد الامرين في المجدد بل نقول لأنه لا بد
في المجدد من قصد أحد الامرين على تقدير أن لا يقع بالأول كما صرح به المصنف في الذكرى بخلاف قصد الوجه إذ لم نقل باعتبار قصد وجه سابقه في المجدد وحينئذ يظهر
الفرق بين الواجبين والنفلين وبين الواجب والنفل باعتبار وجوب قصد الوجه لأنا نقول ما ذكر من الوجه في رفع المجدد إنما يدل على استدراكه الخلل الواقع في الأول
البتة سواء اعتبر الوجه أو لا وسواء اعتبر قصد أحد الامرين أو لا ولا يجدي القول باعتبار ذلك القصد فيه دون الأول كما لا يخفى وأما أن لا يقول برفع المجدد كما يفهم
من كلامه ثانيا في بقاء اللمعة فيجب أن لا يقول بإجزاء الواجبين والنفلين على الاطلاق كما لا يقول بإجزاء الواجب والنفل اللهم إلا أن يخص كلامه بما عدا التجديد وأنت
خبير بأنه حينئذ أيضا لا يصح حكمه في الموضعين على الاطلاق كما يعلم وجهه مما سبق من التفصيل هذا ثم أن الاشكال الذي أشرنا إليه سابقا هو أن الوضوء الأول سواء كان
مندوبا كما في الاحتمال الثاني أو واجبا كما في الثالث لما أمكن أن يكون الخلل فيه فلا جزم برفعه للحدث فعند اشتغال الذمة بعده بمشروط بالطهارة يحتمل أن لا يكون
الذمة بريئة من الطهارة الواجبة فيكون الطهارة الثانية المندوبة به حينئذ باطلة فإذن قد بطلت الطهارتان فلا قطع بصحة أحديهما وقد يدفع الاشكال بأن تكليف الغافل
مستحيل فلا يكون قبل العلم بوقوع الخلل مكلفا بالطهارة وجوبا بل على الوجه الذي ظنه فيكون مجزيا لان الامر يقتضي الاجزاء وفيه أنه كما لا يكون مكلفا بالايقاع
على وجه الوجوب فلا دليل على كونه مكلفا على وجه الندب أيضا لان الأوامر الواردة بالتجديد إنما يدل على استحبابه حال كونه متطهرا سابقا لا مظنون التطهر إذ الظاهر أن
الألفاظ موضوعة للمعاني النفس الامرية لا المظنونة وهو على تقدير الخلل في الأول منتف فلا يكون حينئذ مستحبا وعلى هذا فلما لم يعلم تحقق شرط التكليف لم يعلم تحققه
أيضا فلم يحصل لنا القطع بأن الوضوء الثاني كان صحيحا لان صحته إنما هو على تقدير كونه امتثالا لأمر وتحقق الامر غير معلوم نعم لو توضأ ثانيا لأمر دل أمر عام
على استحباب الوضوء له فحينئذ لا يبعد القول بالاجزاء لان العموم دل على استحبابه في جميع الأوقات خرج ما إذا علم تحقق وضوء سابق قبله أو اشتغال ذمته بوضوء واجب بالجماع
فبقي ما عداهما وما نحن فيه من قبيل ما عداهما ولا يخفى أنه يرد الاشكال في الصورة الرابعة أيضا لان تجديد الوضوء وجوبا بالنذر لا يخلو أما أن يكون قبل دخول الوقت
أو بعده فإن كان الأول فنقول وجوب التجديد إنما هو بعد صحة الوضوء الأول فإذا كان الخلل واقعا فيه لا يكون التجديد بعده واجبا وهو ظاهر ولما لم نعلم وجوب التجديد
فلم نعلم إجزاء الوضوء الثاني لان إجزائه إنما يكون على تقدير كونه امتثالا لأمر واجبي وتحققه غير معلوم وإن كان الثاني فنقول أيضا إن إجزاء الثاني غير معلوم لان إجزائه أما
باعتبار كونه امتثالا للنذر وقد عرفت حاله وأما باعتبار كونه امتثالا للامر بالوضوء الثابت بأصل الشرع وهو أيضا باطل لان التكليف بالوضوء إنما يكون عند العلم
بالخلل إذ بدونه تكليف للغافل والعلم منتف لا يقال الأخير مدفوع لان العلم بالتكليف حينئذ حاصل البتة لأنه لا يخلو أما أن يكون الوضوء الأولى صحيحا أو لا فإن كان صحيحا فيتحقق
شرط النذر فيجب الوفاء به وإن كان فاسدا فيجب الوضوء الثابت بأصل الشرع للصلاة لعدم ارتفاع الحدث فالتكليف متحقق على أي وجه البتة فأن كونه الوضوء الثابت بأصل الشرع
للصلاة لعدم ارتفاع الحديث بالتكليف متحقق على أي وجه البتة فالوضوء الثاني يكون مجزيا قطعا لأنه أما امتثال لهذا أو ذاك لأنا نقول لا نسلم أنه لو كان فاسدا يجب الوضوء
الأصلي لان الفساد لا يكفي في الوجوب بل لا بد من العلم به لما عرفت وكذا يرد الاشكال في الصورة الأولى أيضا لان الوضوئين الواجبين إن كانا في الوقت وكان الثاني للذهول
عن الأول فحينئذ يمكن بطلانهما معا أما الأول فلاحتمال كون الخلل فيه وأما الثاني فلعدم كونه امتثالا لأمر إذ تكليف الغافل مستحيل فإن قلت التكليف إنما يكون مستحيلا
إذا كان جازما بالاتيان بالوضوء صحيحا وأما إذا ارتفع ذلك الجزم عنه بالنسيان كما فيما نحن فيه فلا إذ هو حينئذ معتقد بأنه مكلف وقادر على الاتيان فلا فساد في
تكليفه قلت هذا مجرد احتمال لا يكفي في الاستدلال إذ لا دليل على وقوع هذا التكليف إذ الظاهر أنه ليس مقتضي التكليف الأول فلا بد لوقوعه من دليل آخر وليس ولا يخفى أن حقيقة الحال إنما يظهر
بتحقيق إن القايل بإجزاء إحدى الطهارتين ها هنا هل هو مستدل أو مانع فإن كان مستدلا فلا ينفعه هذا الكلام أصلا وإن كان مانعا فحاله كما سنذكر إنشاء الله تعالى
فنقول أما على طريقة الأصحاب من القول بتحقق معنى مانع للصلاة هو الحدث وعدم أباحتها بدون رفعه وحجية الاستصحاب فالظاهر أن القايل بالاجزاء مستدل لان الحدث
السابق متيقن فيستصحب حكمه إلى أن يعلم زواله فلا بد من إثبات أن أحدا من الوضوئين رافع للحدث البتة حتى يحكم بارتفاع الحدث السابق وما لم يثبت ذلك يكون حكم الحدث
146

باقيا ولا بد من وضوء آخر وكذا إذا ثبت عموم الوجوب عند القيام إلى كل صلاة إلا ما خرج بالدليل إذ حينئذ أيضا يكون القايل بالاجزاء مستدلا فإن قلت لا شك أنا إذا ذهلنا
عن الاتيان بالفعل وظننا أو جزمنا بعدم الاتيان ولم نأت به ثانيا فإنا نستحق العقاب بذلك الترك فظهر أن الاتيان حينئذ إنما هو مقتضي التكليف وثبت إن الوضوء الثاني
امتثال للامر قلت على تقدير استحقاق العقاب بالترك لا نسلم حينئذ أن التلكيف الشرعي ثابت بل إنما هو بمقتضى حكم العقل إلا ترى أنه على تقدير الاتيان بالمأمور صحيحا أيضا
لو ذهل عنه فإنه يحكم بلزوم الاتيان ثانيا واستحقاق العقاب بتركه مع أنه لا شك في سقوط التكليف الشرعي حينئذ البتة لكن لا يبعد أن يقال إذا ورد أمر بشئ بدون تقييده
بشرط فالظاهر اقتضاء الامر ذلك الشئ على جميع التقادير وعدم الرخصة في تركه على حال وهذا إنما يستلزم استحقاق العقاب على عدم الاتيان به على جميع الأحوال إذ
لو لم يستحق العقاب على حال فلم يرد الامر ذلك الشئ منه على تلك الحال وإنما يتقيد ذلك الامر بشرط باعتبار حكم العقل أو تقييد من الامر وعند ذلك يسقط استحقاق
العقاب أيضا لم يأت به على تقدير فوات ذلك الشرط وأما بدونهما فلا (وإذا تقرر هذا) فنقول إن الامر قد ورد بالوضوء مطلقا بدون تقييد فيكون
مقتضيا له على جميع الأحوال ويستحب العقاب بتركه أيضا على جميعها لكن قد خرج بالعقل ما إذا ترك وظن أو قطع بعدم الترك وبقي ذلك الظن أو القطع إلى خروج الوقت
لاستحالة تكليف الغافل وأما غير هذه الحال مثل ما نحن بصدده أي مآل زوال ذلك الظن أو القطع فينبغي أن يحكم باستحقاق العقاب بالترك عليه إذ لم يحكم العقل
بخروجه لعدم استحالته ولا تقييد من الامر أيضا فيكون التكليف حينئذ باقيا والوضوء الثاني امتثالا له فتدبر فإن قلت هل لا يمكن الاستدلال بارتفاع الحدث السابق
وعدم الاحتياج إلى وضوء آخر حينئذ برواية ابن بكير المتقدمة من قوله (عليه السلام) إذا استيقنت إلخ إذ اليقين بالوضوء حاصل حينئذ فلا حاجة إلى وضوء آخر حينئذ قلت الظاهر لا أما
أولا فلانا قد ذكرنا إن النسخة في هذه الرواية مختلفة وعلى بعض نسخ الكافي لا دلالة لها على المرام وعلى نسخة التهذيب وإن كان لها دلالة لكن لم يبق الظن بصحتها مع
اختلاف النسخ وأيضا توثيق ابن بكير لا يخلو من إشكال وأما ثانيا فلان الظاهر أن المراد بالوضوء الوضوء الذي كان امتثالا لأمر الله تعالى لا الوضوء مطلقا فتأمل
فيه وأما إذا لم يقل أحد بذلك القول ولم يسلم عموم وجوب الوضوء بل إنما يسلم وجوبه فيما يثبت بإجماع أو دليل
فحينئذ يترائى في بادي الرأي إن القايل بالاجزاء مانع
وإنما يكون يكفيه احتمال أن يكون ذلك الوضوء الثاني امتثالا لأمر شرعي لكن عند التحقيق لا يكفيه ذلك الاحتمال حينئذ أيضا إذ التكليف ما لم يثبت عند المكلف يكون
مرتفعا في الواقع اللهم إلا إذا كان عد الثبوت عنده بسبب تقصير وتفريط منه كما ذكر في موضعه فالتكليف إذا كان على الاحتمال يكون متيقن الانتفاء فلا يجدي
في المرام نعم يمكن منع وجوب إعادة الوضوء حينئذ لكن لا مستندا بإجزاء أحد الوضوئين بل لما عرفت أن عموم الوجوب غير ظاهر ولا دليل فيما نحن فيه إذ الاجماع منتف
لتحقق الخلاف والاستصحاب أيضا غير جار لعدم تسليم تحقق معنى الحدث فإن قلت إن لم يتحقق معنى الحدث الذي هو الرافع فلا شك في تحقق معنى الرفع وإنكاره مكابرة
قلت هب أن هذا المعنى متحقق لكن إثبات استصحابه مشكل إذ الاثبات أما بطريق الأصحاب في حكم الاستصحاب من حديث حصول الظن واتباعه فهو من الوهن بحيث
لا يخفى وأما بما ذكرنا سابقا في بحث جواز المسح بشعب حجر واحد فإجرائه ها هنا مشكل كما لا يخفى فإن قلت الاجماع منعقد على أن استباحة الصلاة بعد الحدث إنما
يكون باعتبار وضوء صحيح والقائلون بعدم وجوب الإعادة حينئذ إنما يقولون به باعتبار أنهم اعتقدوا صحة أحد الوضوئين وإذ قد ثبت عدم صحتهما فعند ذلك
القول بعدم وجوب الإعادة يكون خرقا للاجماع قلت لا نسلم انعقاد الاجماع أصلا في هذا المعنى ولو سلم انعقاد إجماع في الجملة وقيل إن منعه مطلقا مكابرة
فنقول أما أن أريد بالوضوء الصحيح في الواقع أو في نظر المكلف فإن أريد الثاني فالمراد أما الصحيح في نظر وقت فعله أو بعده أيضا فإن أريد الصحيح في نظره وقت الفعل
فهو مسلم ولا نسلم انتفائه ها هنا وهو ظاهر وإن أريد بعد الفعل أيضا فممنوع وكذا يمنع أيضا إن أريد الصحيح في الواقع أي في حكم الله تعالى الواقعي ولو سلم فنقول إن أريد الاجماع
على صحته في الواقع مع العلم بصحته أيضا فممنوع وإن أريد به الصحة مطلقا أعم من أن يكون مع العلم أولا فمسلم لكن لا نسلم انتفاء ها هنا إذ ما ذكرنا في نفي صحته ليس قطعيا حتى
لا يمكن تجويز خلافه بل ظنيا فحينئذ نجوز أن يكون في حكم الله تعالى صحيحا كما ذكره الأصحاب وقد أخطأنا نحن في الظن بعدم صحته وأيضا الوضوء الأول لعله كان صحيحا و
ها هنا كلام آخر سيذكر بعيد هذا وقس عليه الحال إذا لم يكن الوضوءان الواجبان في الوقت بل يكونان خارجين أو أحدهما خارجا والاخر داخلا وكذا إذا كان الثاني
تجديد الأول وكذا حال الاحتمال الأول أيضا ولا يخفى جريان هذه الأبحاث في الاشكالين السابقين أيضا ثم أيضا اعلم إن في أصل المسألة قولا آخر قد قواه
العلامة في المنتهى ونسبه المصنف في الذكرى إلى ابن طاووس (ره) وهو عدم الالتفات إلى هذا الشك مطلقا لأنه يرجع إلى الشك في الوضوء بعد الفراغ لأن الشك في
إلحاق المتروك بالمعين منهما هو الشك في ترك أحد الأعضاء الواجبة وقد فرق بينهما بأن اليقين ها هنا حاصل بالترك وإنما حصل الشك في موضوعه بخلاف
الشك بعد الفراغ فإنه لا يقين فيه بوجه والمتبادر من الاخبار المتضمنة لعدم الالتفات إلى الشك في الوضوء بعد الفراغ الوضوء المتحد الذي حصل الشك فيه
بعد الفراغ منه ولا يخفى أنه لو سلم التبادر المذكور فالامر كما ذكر ولو سلم الشمول لما نحن فيه فالامر ظاهر من عدم الالتفات إلى الشك ولو كان الامر مرددا بين الشمول وعدمه
كما هو الظاهر فحينئذ يبنى الكلام على أن الأصل عموم الوجوب ويحتاج عدمه إلى دليل أو بالعكس فعلى الأول يحكم بالالتفات إلى الشك وعلى الثاني بعدمه وأنت خبير بأن
147

ما ذكرنا ها هنا من بناء الكلام على هذا الأصل وكذا نظيره مما تقدم في الاشكال السابق إنما هو بالنظر إلى الصلاة اللاحقة مثلا وإنما بقي الكلام باعتبار
نفس ذلك التكليف اليقيني بهذا الوضوء الذي قد أتى به مرتين فنقول حينئذ مستدلا على عدم إجزاء ذينك الوضوئين إذا قد علمنا يقينا إنا مكلفون بالاتيان
بهذه الافعال المعهودة امتثالا للامر وبعد ظهور الخلل في أحد الوضوئين لم يعلم الاتيان بجميع هذه الأفعال امتثالا لان الوضوء الأول يحتمل عدم تماميته والوضوء الثاني ليس امتثالا لأمر كما بينا فلا بد من وضوء آخر ليحصل العلم بالامتثال قضاء
لحق التكليف وهذا الاستدلال إنما يختص بحال بقاء الوقت ويمكن إطراده في حال الخروج أيضا بعدم القول بالفرق بعكس الاستدلال بالاستصحاب و
عموم الآية كما لا يخفى ويمكن أن يجاب أولا بمنع اقتضاء التكليف بشئ أزيد من أن يؤتى بذلك الشئ معتقدا صحته وإن ظهر الفساد بعد ذلك والآتيان ثانيا
بعد ظهور الفساد لو كان في بضع المواضع فبتكليف آخر وثانيا بتسليمه والقول بأنه إنما يقتضي الاتيان ثانيا بعد ظهور الخلل لو ائوت به مرة أخرى بظن أنه امتثال لأمر ذلك
الامر وإن لم يأمر به في الواقع لا يقال إذا لم يكن أمر في الواقع فكيف يكون ذلك الاتيان امتثالا للامر لأنا نقول إنا لا نقول بأنه امتثال للامر بل بأنه مسقط للتكليف ولا
بعد في أن لا يكون شئ امتثالا للامر مع كونه مسقطا له كما يسقط الامر بنسيانه والذهول عنه وكذا سقوط الامر بغسل الثوب بوقوعه في الماء بدون
فعل العبد مع أن ما نحن فيه أولى بهذا المعنى وبالجملة القدر اليقيني من اقتضاء التكليف اليقيني ما ذكروا الزائد عليه مشكوك لا بد له من دليل وعند الشك لا وجوب فتأمل في الكلام
لتحيط بأطراف المقام ويظهر لك ما في الزوايا من الخبايا (ولو تعدد بالنسبة إلى بعض الصلوات أعاد الأخرى) يعني أنه إذا توضأ وصلى بدون حدث فحينئذ تجب
إعادة الصلاة المتوسطة البتة لاحتمال أن يكون الخلل واقعا في الوضوء الأول وأما الصلاة الأخيرة التي تعدد الوضوء بالنسبة إليها فلا يجب إعادتها في
الأحوال التي حكم فيها بإجزاء أحد الوضوئين فيما تقدم لأنها واقعة بوضوء صحيح البتة أما الأول وأما الثاني وأما في الأحوال التي حكم فيها بعدم الاجزاء فيعيدها
أيضا هذا على القول المشهور وأما على القول بإجزائهما معا كما نقلنا من المنتهى وظهر من تضاعيف الكلمات السابقة قوته فلا يعيد شيئا من الصلاتين أصلا
(ولو علمه) أي ترك واجب من أفعال الوضوء (في صلاة يوم) أي في جميع صلواته (تام) ليس بقصر (بخمس) أي بخمس طهارات (صلى ثلاثا) أي ثلاث صلوات والحاصل إنه إذا توضأ
أحد في يوم ليس فيه تقصير لكل صلاته الخمس وضوءا لكن بشرط أن يقع حدث بعد كل صلاة ثم ذكر أنه ترك واجبا في إحدى الطهارات فحينئذ تفسد صلاة واحدة منها
البتة فيجب إعادتها فالمصنف وكثير من الأصحاب ذهبوا إلى أنه يكفي أن يصلي ثلاث صلوات صبحا ومغربا ورباعية مرددة بين الظهر والعصر والعشاء والشيخ في المبسوط و
أبو الصلاح وابن زهرة ذهبوا إلى وجوب خمس صلوات واحتج الشيخ بأن لا صلاة منها إلا وهي معرضة لا يكون إذ لها بالوضوء الفاسد ولا يبرء ذمته بيقين إلا
إذا صليها جميعا ولا يخفى أن هذه الحجة بمجردها لا يدل على وجوب الخمس إذ غاية ما يلزم منها أن يجب الاتيان بما يحصل معه اليقين باتيان ما فسد على جميع الاحتمالات
وهو يصحل بالثلاث أيضا لكن كأنهم اعتبروا اليقين أما بوجوب الجزم في النية وبطلان الترديد وأما لما روي من
أن فاتته صلاة يقضيها كما فاتته وجه الاستدلال
إن الصلاة الفايتة كانت بنية معينة لا مرددة فيجب أن يكون القضاء أيضا كذلك وفي الوجهين نظر أما في الأول فلمنع وجوب الجزم في النية ولو سلم فإنما هو فيما
يمكن الجزم وها هنا ليس يمكن إذ على ما ذكروه أيضا لا جزم في النية لأنه وإن كان الجزم حينئذ حاصلا باعتبار الصلاة لكن لا جزم باعتبار الوجوب والحاصل أنه لا بد من
عدم جزم في النية أما باعتبار الصلاة وأما باعتبار الوجوب فترجيح أحدهما على الاخر لا بد له مرجح وليس لهم بل المرجح مع المشهور كما سنذكر وأما في الثاني فبالنقض
أيضا لان الصلاة الفايتة كما كانت نيتها معينة باعتبار الصلاة كذلك كانت معينة باعتبار الوجوب فما هو جوابكم فهو جوابنا وحجة المشهور أصالة البراءة عن القدر
الزايد وما روي من أن ناسي صلاة واحدة من صلوات يوم لم يعلمها بعينها يصلي ركعتين وثلاثا وأربعا وتعجب المصنف (ره) في الذكرى عن الشيخ (ره) حيث عمل بهذه الرواية
في باب النسيان ولم يعمل بها في هذا الباب مع أن لا يعقل الفرق واعتذر عنه إن هذا الحكم لما كان مخالفا للأصل باعتقاده باعتبار وجوب اليقين فإنما اقتصر فيه
على مورد السماع ولم يقس غيره عليه وهو جيد وبما ذكرنا ظهر إن القوة مع المشهور لكن يمكن الاحتجاج على قول الشيخ بوجه آخر إلزاما على المصنف (ره) وغيره من القائلين بوجوب
الجهر والاخفات إذ القضاء لما كان يجب أن يكون مثل الفايت فعند الترديد لم يحصل اليقين بالمماثلة إذ لو جهر في الرباعية المرددة لجاز أن يكون الفايتة الظهر أو
العصر فلم يحصل المماثلة وكذا لو أخفت والرواية المذكورة مع عدم صحة سندها والارسال الواقع فيها مختصة بصورة معينة فالتعدي عنها غير جايز هذا مجمل
القول في هذا لا مقام وسيأتي تفصيله إنشاء الله تعالى في بحث قضاء الصلاة واعلم إن ما ذكر حكم الصلاة وأما حكم الوضوء فإن أحدث بعد الصلاة الأخيرة أيضا فلا إشكال
ولو لم يحدث بعدها فيكون الكلام فيه أيضا مثل الكلام في المسألة السابقة من أنه هل يرجع إلى الشك بعد الفراغ أم لا وكذا بعض الأبحاث الأخرى ولا يخفى أنه تجري
في الطهارات الاحتمالات السابقة ويرد في بعضها أيضا الاشكال بقياس أما سبق وإن هذا الحكم جار فيما إذا علم تخلل حدث بين إحدى الطهارات والصلاة بدون
خلل فيها وإنما قيدنا الحكم أولا بشرط وقوع الحدث بعد كل صلاة إذ لو لم يقع الحدث فلا يخلو أما أن يكون من قبيل ما يجزي طهارتان أولا فإن كان الأول فصلواتها
صحيحة قطعا سوى الأولى لأنها محتملة الفساد وإن كان الثاني فيجب إعادتها جميعا لجواز أن يكون الخلل في الوضوء الأول فيفسد جميع الطهارات (وفي القصر اثنين) أي لو
148

كان اليوم المذكور يوم قصر يصلى اثنين ثنائية مرددة بين أربع ومغربا والخلاف المذكور جار ها هنا أيضا وذهب ابن إدريس أيضا في هذه الصورة إلى ما ذهب إليه الشيخ
باعتبار إن الرواية الدالة على الترديد مختصة بالتمام (ولو فسدت طهارتان صلى المتيمم أربعا والمقصر ثلاثا والمشتبه خمسا مراعين للترتيب) بناء على جواز الترديد والصلاة
الأربع التي يصليها المتيمم ثنائية للصبح ثم رباعية مرددة بين الظهر والعصر والعشاء أيضا ثم مغرب ثم رباعية أيضا مرددة بين العصر والعشار الترتيب أيضا يحصل على ما ذكرنا كما
لا يخفى والثلاث التي يصليها للقصر ثنائية مرددة بين الصبح والظهر والعصر ثم مغرب ثم ثنائية أخرى مرددة بين الظهر العصر والعشاء وبهذا يحصل الترتيب
أيضا والخمس التي يصليها المشتبه بين القصر والتمام ثنائية مرددة بين الصبح والظهر والعصر ثم رباعية مرددة بين الظهرين ثم مغرب ثم ثنائية مرددة بين ما عدا الصبح ورباعية مرددة بين العصر والعشاء ولا ترتيب بين الأخيرين واعلم إن المصنف (ره) في الذكرى
قال أنه على مذهب الشيخ من وجوب التعيين يجب في هذا الغرض لكل فائتة مبهمة خمس صلوات وفيه نظر إذ ظاهر أن وجوب التعيين لا يستلزم إلا وجوب خمس صلوات فقط إذ على
تقديرها يحصل التعيين في كل من الفائتتين نعم لو رأى تصريحا من الشيخ أو أبي الصلاح وابن زهرة بهذا المعنى لكان شيئا آخر وأما مع عدم التصريح فلا وجه لنسبة هذا
إليهم ثم إن بيان وجوب إعادة الصلاة في هذه الفروض جميعا ورعاية الترتيب في صوره التعدد إنما يأتي الكلام فيه إنشاء الله تعالى في كتاب الصلاة (والجبائر تنزع أو تخلل فإن
تعذر امسح عليها ولو في موضع الغسل) الجبيرة في الأصل الخرقة مع العيدان التي يشد على العظام المكسورة لكن الفقهاء يطلقونها على ما يشد به القروح والجروح أيضا ويسون
بينهما في الاحكام واعلم إن الجبيرة أما أن يكون على أعضاء الغسل فإن أمكن نزعها وغسل العضو بدون ضرر ومشقة أو تكرار الماء عليها بحيث يصل إلى العضو ويجري
عليه مع طهارته أو إمكان إزالة نجاسة وجب أحد الامرين من النزع وتكرار الماء فإن أمكنا معا تخير وإن أمكن أحدهما فقط تعين أما الأول فللأمر بالغسل مطلقا
فيجب مع الامكان وها هنا ممكن فيجب ولما أمكن حصوله من وجهين ولا دليل على تعين أحدهما فيكون المكلف مخيرا بينهم وأما الثاني فلتوقف تحصيل الواجب المطلق
عليه وما ورد في بعض الروايات من إطلاق الامر بالنزع مع الامكان كما سنذكر إنشاء الله تعالى وكذا في عبارات الأصحاب فالظاهر أنه محمول على تعذر التكرار والاستحباب
أو يكون من قبيل الامر بأحد الفردين المخيرين والاكتفاء به أما لكونه الأغلب أو لمعلومية بدلية الفرد الآخر له فإن قلت لم لم نحمل على تعين وجوب النزع حال الامكان بل
تأوله قلت لاطلاق الأوامر بالغسل وعدم صلاحية هذه الرواية للتقييد أما أولا فلعدم ظهورها فيه بل يحتمل الوجوه المذكورة احتمالا غير مرجوح وأما ثانيا
فلان الظاهر عدم ذهاب أحد من الأصحاب إليه سوى ما يفهم ظاهرا من التهذيب كما سنذكره ويؤيده أيضا ما رواه التهذيب في زيادات باب المياه شا في الموثق عن إسحاق بن عمار أو
عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئل عن رجل ينكسر ساعده أو موضع من مواضع الوضوء فلا يقدر أن يمسح عليه بحال الجبر إذا جبر كيف يصنع قال
إذا أراد أن يتوضأ فليضع إناء فيه ماء ويضع موضع الجبر في الماء حتى يصل الماء إلى جلد وقد أجزئه ذلك من غير أن يحله وإنما حكمنا عليه بالتأييد لاحتمال
حمله على تعذر الحل واستفيد أيضا منه وجوب إيصال الماء مع الامكان فإن قلت دلالته على وجوب الايصال مطلقة فلم تحمله على حال الامكان قلت للاجماع ظاهرا
ولزوم الحرج والمشقة وللروايات الآتية وقد حمل الشيخ هذا الخبر على الاستحباب معللا بأنه قد بين أنه يجزي من الجباير أن يمسح عليها إذا لم يمكن حلها وإذا أمكن
حلها فلا بد من ذلك وفيه نظر لان ما ذكره من وجوب الحل إذا أمكن غير مسلم عند إمكان وصول الماء إليه بدونه وأيضا الحمل على الاستحباب لا معنى له ها هنا لأنه أما
أن لا يمكن إيصال الماء إليه للضرر والمشقة فلا يستحب بل يحرم وإن أمكن فالظاهر الوجوب لما عرفت حمل الخبر على إمكان إيصال الماء أما مع إمكان الحل أيضا
أولا وإن لم يكن أحد الامرين لا النزاع ولا التكرار فيجب غسل ما عدا موضع الجبيرة والمسح عليها أما غسل ما عداها فللاجماع ويدل عليه أيضا ما رواه التهذيب في
زيادات صفة الوضوء في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج فإن سئلت أبا الحسن (عليه السلام) عن الكسر
يكون عليه الجباير أو يكون به الجراحة كيف يصنع بالوضوء وعند
غسل الجنابة وغسل الجمعة قال يغسل ما وصل إليه الغسل مما طهر مما ليس عليه الجباير ويدع ما سوى ذلك مما لا يستطيع غسله ولا ينزع الجباير ويعبث
بجراحته وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب الجباير مع التصريح في بعض نسخه باسم الرضا (عليه السلام) وروى التهذيب في الباب المذكور أيضا هذه الرواية بطريق
آخر صحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم (عليه السلام) لكن فيه بعض من التغيير إذ ليس فيه أو يكون به الجراحة وزيد فيها كلمة لا قبل يعبث بجراحته وقال الصدوق
في الفقيه في باب حد الوضوء وقد روى في الجباير عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال يغسل ما حولها وأما المسح عليها فللاجماع أيضا كما هو أظهر التذكرة ويدل
عليه أيضا ما رواه التهذيب في الباب المذكور في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل عن الرجل يكون به القرحة في ذراعه أو نحو ذلك من موضع الوضوء فيعصبها
بالخرقة ويتوضأ ويمسح عليها إذا توضأ قال إن كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة وإن كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثم ليغسلها قال وسألته عن الجرح كيف
يصنع به في غسله قال يغسل ما حوله وهذه الرواية في الكافي أيضا في الباب المذكور وما ذكرنا أنه يدل على وجوب نزع الخرقة مع الامكان هو هذه وما رواه
أيضا في هذا الباب في الحسن عن كليب الأسدي قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل إذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة قال إن كان يتخوف على نفسه فليمسح
على جبائر وليصل فإن قلت هاتان الروايتان تعارضهما الرواية الصحيحة السابقة حيث قال (عليه السلام) ويدع ما سوى ذلك فيجب أن تحملا على الاستحباب جمعا
149

بين الروايات قلت المعارضة ممنوعة لأن الظاهر أن المراد بما سوى ذلك العضو الذي عليه الجبيرة وعلى تقدير المسح على الخرقة لم يقع التعرض له فلا ينافي أنه
يدعه مع أنه يمكن أن يكون المراد ترك التعرض لغسله كما يشعر به آخر الرواية هذا كله مع دعوى الأصحاب الاجماع على وجوب المسح على الخرقة وإن كان الجبيرة على أعضاء
المسح فإن استوعب محل المسح وبقي قدر ما هو المفروض فلا إشكال وإن استوعب فإن أمكن نزعها والمسح على البشرة مع طهارتها وإمكان تطهرها فيجب النزع البتة ولا
يكفي تكرار الماء عليها بحيث يصل إلى البشرة لان المسح إنما يتحقق بايصال اليد إلى البشر فيجب مع الامكان ولا يخفى إمرار الماء كما عرفت سابقا في بحث المسح وإن لم يمكن مسح على الجبيرة
للاجماع ولاطلاق الروايتين المنقولتين آنفا وبما ذكرنا من التفصيل ظهر ما في كلام المصنف من الاهمال الموجب للاخلال كما لا يخفى واعلم إن جمعا من الأصحاب ذكروا
إن المسح على الخرقة إنما يكون عند طهارتها فإن لم يكن طاهرة يضع عليها خرقة طاهرة ويمسح عليها أو يطهرها إن أمكن ويمسح عليها واحتمل المصنف (ره) في الذكرى الاكتفاء
بغسل ما حولها كالجرح المجرد على ما سيجئ والاحتياط في الأول بل الاحتياط التام أن يمسح أولا الخرقة النجسة ثم الخرقة الطاهرة فوقها لاطلاق الامر في الرواية واشتراط الطهارة غير واضح
إذ مستنده عسى أن يكون إجماعا وإثباته مشكل (وكذا الطلاء واللصوق) هذا هو المشهور بين الأصحاب ويدل عليه ما رواه التهذيب في زيادات باب صفة الوضوء في
الصحيح عن الحسن بن علي الوشاء قال سئلت أبا الحسن (عليه السلام) عن الدواء إذا كان على يدي الرجل أيجزيه أن يمسح على طلي الدواء فقال نعم يجزيه أن يمسح عليه وما رواه أيضا
في هذا الباب عن عبد الأعلى مولى آل سام وقد تقدم في بحث تجديد مسح الرجل وقد يحمل أيضا صحيحتا عمر بن يزيد ومحمد بن مسلم المتقدمتان في بحث المسح على الحايل
على الدالتان على جواز المسح على الحناء على هذا المعنى لكنه بعيد والظاهر حملها على إرادة مجرد اللون كما تقدم وأما ما رواه التهذيب في أواخر زيادات باب
المياه في الموثق عن عمار الساباطي قال سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل ينقطع ظفره هل يجوز له أن يجعل عليه علكا قال لا ولا يجعل عليه إلا ما يقدر على
أخذه عنه عند الوضوء ولا يجعل عليه ما لا يصل إليه الماء فالظاهر أنه محمول على ما إذا لم يحتج إلى وضع العلك ولم يصل إلى حد الضرورة فإن قلت إذا وضع عند عدم
الاحتياج ثم لم يمكن رفعه للضرر كيف يصنع قلت هذه المسألة موضع إشكال إذ الروايات الواردة بالمسح على الطلا يمكن أن يحمل على الاحتياج كما هو المتعارف
ولما لم يمكن الإزالة يسقط التكليف ببعض الوضوء وعند سقوط التكليف بالبعض يسقط التكليف رأسا لأنه تكليف واحد والانتقال إلى التيمم أيضا لا
يخلو من إشكال لعدم دليل شامل ظاهرا لهذه الصورة وثبوت الاجماع أيضا على أمر في هذه المسألة غير ظاهر والاحتياط أن يتوضأ ويمسح عليه ويضم إليه التيمم أيضا والله
أعلم (ويجب استيعاب ذلك بالمسح) أي استيعاب الجبيرة وما في حكمها هذا مختار الفاضلين والشيخ في المبسوط جعل الاستيعاب أحوط وحسنه المصنف في الذكرى والظاهر الوجوب
لظهور الروايتين المنقولتين في الاستيعاب والايراد عليه بمنع الظهور لصدق المسح عليها بالمسح على جزء منها كصدق المسح على الرجلين والخفين عند الضرورة لا يخلو عن بعد
لان تبعيض المسح في الرجلين إنما هو لمكان البناء في المعطوف عليه وفي الخفين لتبعية مبدلهما واستدل أيضا في المعتبر بأن المسح بدل عن الغسل فكما أن الغسل يجب به الاستيعاب
فكذا البدل ويمكن فيه المناقشة نعم لا خفاء في تأييده للوجه الأول واعلم إن وجوب الاستيعاب إنما يكون إذا كان في موضع الغسل وأما إذا كان في موضع المسح فالظاهر
عدم القول بوجوبه (ولا يجب إجراء الماء) أي على الجبيرة عند إمكانه وهو ظاهر لعدم ورود الامر به بل إنما ورد بالمسح فلا وجه لايجابه واحتمل العلامة في النهاية وجوب أقل ما
يسمى غسلا وهو بعيد (والمجروح يغسل ما حوله) المراد به جراحة لا يكون مشدودة بخرقة أو نحوها يدل عليه ما رواه التهذيب في الباب المذكور في الصحيح عن عبد الله بن
سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن الجرح كيف يصنع به صاحبه قال يغسل ما حوله وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب الجباير وكذا حسنة الحلبي المتقدمة
آنفا ونسب إلى الشافعي القول بوجوب غسل ما حوله والتيمم ولم يثبت عندنا مستنده واعلم إن الكلام فيما إذا لم يكن غسل الجرح إذ عند الامكان لا بد من غسله
وهو ظاهر به (ولو أمكن المسح عليه) أي على نفس الجرح (وجب في الأقرب) مال إليه المحقق في المعتبر والعلامة في التذكرة وهو المروي عن أحمد من العامة وإثبات الوجوب مشكل وإن كان
أحوط لعدم دليل عليه وما يقال إن فيه تحصيلا لشبه الغسل عند تعذر حقيقته لا محصل له (ولو أمكن بلصوق وجب) أي لو لم يمكن المسح على نفس الجرح وأمكن وضع
خرقة عليه والمسح عليها وجب الوضع والمسح هذا بناء على وجوب المسح عليه مع الامكان وقد عرفت الحال في المبني عليه ومع تسليم الحكم فيه يشكل إثبات هذا الحكم إذ
لا دليل عليه والقول بأن المسح بدل عن الغسل فيتسبب إليه بقدر الامكان ضعيف واحتمل المصنف في الذكرى على تقدير عدم القول بوجوب مسح الجرح أيضا وجوب وضع
الخرقة عليه ومسحها ليحاذي الجبيرة وما عليه لصوق ابتداء ثم قال والرواية مسلطة على فهم عدم الوجوب أما الجواز فإن لم يستلزم ستر شئ من الصحيح فلا إشكال
فيه وإن استلزم أمكن المنع لأنه ترك للغسل الواجب والجواز عملا بتكميل الطهارة بالمسح انتهى ولا يخفى ما في الاحتمال الأخير من البعد ثم أنه على تقدير عدم وجوب
الوضع والمسح عليه هل يجب المسح عليه إذا وضع أم لا فيه وجهان بناء على إطلاق رواية الحلبي وعلى أن المتبادر منه المسح على الخرقة التي يكون من ضروريات الجرح
ولا أقل من مستحسناته وكذا القول فيما إذا شد خرقة ابتدء ثم استغنى عنها ولم يحلها وإن كان القول بالوجوب فيه أقرب والاحتياط في المسح في جميع الصور واعلم إن
الأصحاب الحقوا الكسر المجرد عن الجبيرة أيضا بالجرح في الحكم وكذا كل داء في العضو لا يمكن بسببه إيصال الماء إليه والاثبات بالدليل مشكل لكن الأولى متابعتهم هذا
150

وقد بقي في المقام أمر لا بد من التنبيه عليه وهو أن جمعا من الأصحاب رحمهم الله ذكروا ها هنا إن ذا الجبيرة يتوضأ بالنحو المذكور وألحقوا به المجروح والمقروح وإن لم يكن جرحه وقرحه
مشدودا ثم ذكروا في بحث التيمم إن من مسوغاته القرح والجرح وما أشبههما ومن ها هنا يحصل الاشتباه والحيرة وكذا الروايات قد اختلفت في هذا الحكم فبعضها يدل على
وجوب الغسل على المجروح وبعضها على وجوب التيمم فلا بأس أن نذكر بعض عبارات الأصحاب لينظر في توجيهه وتأويله وكذا الاخبار ليتحقق جلية الحال أما العبارات فمنها ما ذكره
الشيخ في المبسوط قال فيه في بحث الوضوء وإن كان على أعضاء الوضوء جبايرا وجرح وما أشبهها وكانت عليه خرقة مشدودة فإن أمكنه نزعها نزعها وإن لم يمكنه مسح على الجباير سواء وضعت على
طهر أو غير طهر والأحوط أن يستغرق جميعه وقال أيضا ومتى أمكنه غسل بعض الأعضاء وتعذر في الباقي غسل ما يمكنه غسله ومسح على حايل ما لا يمكنه غسله وإن أمكنه وضع
العضو الذي عليه الجباير في الماء وضعه فيه ولا يمسح على الجباير ثم قال في بحث التيمم ومن كان في بعض جسده أو بعض أعضاء طهارته ما لا ضرر عليه والباقي عليه
جراح أو عليه ضرر في إيصال الماء إليه جاز له التيمم ولا يجب عليه غسل الأعضاء الصحيحة وإن غسلها وتيمم كان أحوط سواء كان الأكثر صحيحا أو عليلا وإذا حصل على بعض أعضاء
طهارته نجاسة ولم يقدر على غسلها لألم فيه أو قرح أو جراح تيمم وصلى ولا إعادة عليه انتهى وهذا الكلام يحتمل ضربين من التأويل أحدهما أن يخص الحكم بالأول بما
يكون عليه خرقة مشددة والثاني بما لا يكون عليه خرقة وثانيهما التخيير بين الوضوء والتيمم كما يشعر به قوله جاز له التيمم ولا يخفى إن القول بالتخيير إنما يمكن في
الجرح المجرد وما في حكمه من الكسر وأما ذو الجبيرة فالظاهر أن تعين الوضوء عليه إجماع منا وقال في النهاية في بحث الوضوء فإن كان على أعضاء طهارة الانسان جباير أو
جرح أو ما أشبهها وكان عليه خرقة مشدودة فإن أمكنه نزعها وجب عليه نزعها وإن لم يمكنه مسح الخرقة وإن كان جراحا غسل ما حولها وليس عليه شئ ثم قال في بحث
التيمم والمجروح وصاحب القروح والمكسور والمجدور إذا خافوا على نفوسهم استعمال الماء وجب عليهم التيمم عند حضور الصلاة وهذا الكلام يحتمل وجوها من التأويل اثنين منها
ما تقدم والاخر أن يكون كلامه في التيمم مختصا بمن لا يتمكن من استعمال الماء أصلا وقال المحقق في المعتبر في بحث الوضوء إذا كانت الجباير على بعض الأعضاء غسل ما يمكن غسله و
مسح ما لا يمكن ولو كان على الجميع جباير أو دواء يتضرر بإزالته جاز المسح على الجميع ولو استضر تيمم وقال في بحث التيمم لو كان به جرح ولا جبيرة غسل جسده وترك الجرح
ولم يذكر التيمم للجرح فعلى ظاهر كلامه لا إشكال وقال العلامة في المنتهى في بحث الوضوء والجباير تنزع مع المكنة وإلا مسح عليها وأجزء عن الغسل وكذا العصايب التي يعصب
بها الجروح والكسر وهو مذهب علمائنا أجمع وقال في بحث التيمم عند عد أسبابه السبب الرابع المرض والجرح وما أشبههما وقد ذهب علمائنا إلى أنه إذا خاف على نفسه من استعمال
الماء فله التيمم وقال في موضع آخر لو أمكن الجريح غسل بعض جسده أو بعض أعضائه في الوضوء جاز له التيمم قال الشيخ في الخلاف ولا تغسل الأعضاء الصحيحة أصلا فإن
غسلها ثم تيمم كان أحوط ثم نقل عن الشافعي وأحمد أنه يجب عليه غسل ما أمكن وتيمم للباقي ثم نقل استدلالا عن القائلين بالجمع بما رواه جابر قال خرجنا في سفر فأصاب رجلا
منا شجة في وجهه ثم احتلم فسأل أصحابه هل تجدون لي رخصة في التيمم قالوا ما نجد لك رخصة وأنت قادر على الماء فاغتسل فمات فلما قدمنا على النبي (صلى اله عليه وآله)
أخبر بذلك فقال قتلوه قتلهم الله إلا يسئلوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه ثم يمسح عليه ثم يغسل ساير جسده وأجاب (ره)
عنه بأنه يجوز أن يكون ويعصب عطفا على أن يتيمم ونحن نقول بموجبه فإنه يجوز أن يعصب على الجراح خرقة ويغسل جسده ويمسح على تلك الخرقة وحاصله حصول الاكتفاء
بالتيمم والتعصب والمسح وغسل ساير الجسد على معنى إن واحد منهما كاف ويحتمل أن يكون عطفا على لفظ تيمم ويكون الواو بمعنى أو ولا استبعاد في ذلك ثم قال بعيد
ذلك لو كان الجرح مما يتمكن من شده وغسل باقي العضو ومسح الخرقة التي عليه بالماء وجب ولا يتيمم فإن لم يتمكن من ذلك تيمم وقال أيضا لو كان الجرح في غير الأعضاء وخاف من استعمال الماء في الأعضاء سقط الوضوء ووجب التيمم كالمريض وقال في
التذكرة في بحث الوضوء إذا كان الجباير على جميع أعضاء الغسل وتعذر غسلها مسح على الجميع مستوعبا بالماء ومسح رأسه ورجليه ببقية البلل ولو تضرر
بالمسح تيمم وقال أيضا الجبيرة إن استوعب محل الفرض مسح عليه أجمع وغسل باقي الأعضاء وإلا مسح على الجبيرة وغسل باقي العضو ولو تعذر المسح على الجبيرة تيمم ولا
يجب غسل باقي الأعضاء وقال في بحث التيمم الطهارة عندنا لا يتبعض فلو كان بعض بدنه صحيحا وبعضه جريحا يتيمم وكفاه عن غسل الصحيحة ثم قال بعيد ذلك لو تمكن
من المسح بالماء على الجرح أو على جبيرة وغسل الباقي وجب ولا يتيمم وقال أيضا لو كان بعض بدنه صحيحا وبعضها جريحا وأجنب تيمم وقال أيضا لو كان على قرحه دم يخاف
من غسله تيمم للحدث وصلى وقال أيضا لو كان به جرح ولا جبيرة غسل جسده وترك الجرح وقال في النهاية بعد ما ذكر أحكام الجبيرة على النحو المشهور ولا ينتقل فرضه إلى
التيمم لان اعتلال بعض الأعضاء لا يزيد على فقدانه ولو كان مقطوع طرف لم يسقط غسل الباقي وقال أيضا ولا يجب التيمم مع التمكن من المسح على الجبيرة سواء كان ما تحت
الجبيرة يتمكن من غسله لو كان ظاهرا أو لا ولو لم يتمكن من استعمال الماء وجب التيمم بالتراب وقال أيضا فلو لم يحتج إلى القاء الجبيرة على موضع الكسر فإن لم يخف من غسله
أو مسحه وجب وإن خاف من غسله وتمكن من مسحه وجب لأنه أحد الواجبين لتضمن الغسل إياه فلا يسقط بتعذر أصله ولو خاف من غسله ومسحه غسل الصحيح بقدر الامكان
ويلطف إذا خاف سيلان الماء إليه بوضع خرقة مبلولة بقربه وتحامله عليها ليغسل بالتقاطر منها حوله من غير أن يسيل إليه وهل يسقط محل الكسر إشكال لرواية العدم
فيضع عليه خرقة أو لوحا ثم يمسح عليه للضرورة ويحتمل السقوط فيه خاصة وسقوط فرض الوضوء لتعذره وينتقل إلى التيمم وقال أيضا وحكم العضو المجروح حكم المكسور
151

ونسبة التعصب واللصوق من خرقة وقطنة ونحوهما إليه كنسبة الجباير وقال أيضا وإذا لم يكن على الجراح لصوق وظاهر المحل طاهر وجب مسحه إذا لم يتضرر ولو
كان نجسا أو تضرر لم يجب وفي وجوب وضع خرقة حينئذ إشكال وقال في بحث التيمم لو تمكن الجريح من غسل بعض جسده أو بعض أعضاء الوضوء لم يجب وساغ التيمم لتعذر
كمال الطهارة وبالبعض لا يحصل الاجزاء والجمع بين البدل والمبدل غير واجب كالصيام والاطعام في الكفارة ولعموم الامر بالتيمم للجريح وقال أيضا لو كان الجرح يتمكن
من شده وغسل باقي الأعضاء ومسح الخرقة التي وجب عليه ولا يتيمم وإلا تيمم وقال أيضا لو كان الجرح في غير الأعضاء وخاف من استعمال الماء في الأعضاء سقط ووجب التيمم
ولو كان الصحيح لا يمكن غسله إلا بالوصول إلى الجريح كان حكمه حكمه في جواز المسح هذه كلماتهم ولا يخلو ظواهرها من إجمال وتشويش والملخص الذي يلفق من
كلمات العلامة بحيث لا يأبى عن حمل جميعها عليه أن يقال إذا كان في أعضاء الطهارة كسر أو جرح أو نحوهما من القرح وكان عليه جبيرة أو خرقة يجب غسل الأعضاء الصحيحة
أو مسحها والمسح على الجبيرة ونحوها إن لم يتمكن من النزع والايصال بالتفصيل الذي علم سابقا وإن كان جرح مجردا كسر مجرد في أعضاء الغسل ولم يتمكن من غسلهما
وتمكن من مسحها وجب ولو لم يتمكن من المسح أيضا فحينئذ الأقرب عنده وضع خرقة أو نحوها عليهما والمسح عليها إن أمكن واحتمل احتمالين آخرين أيضا أحدهما عدم وجوب وضع الخرقة والاكتفاء بغسل
الصحيح والاخر الانتقال إلى التيمم وإن لم يتمك من وضع الخرقة والمسح عليها فالحكم الانتقال إلى التيمم والظاهر أنه بناء على الاحتمال الأول من الاحتمالين المذكورين
إنما يكتفي في هذه الصورة أيضا بغسل الصحيح ومنه يعلم حال ما إذا كانا في موضع المسح وإن كانا في غير أعضاء الطهارة لكن لا يمكن وصول الماء بسببهما إلى أعضاء الطهارة
فينقل إلى التيمم البتة كالمريض لعدم ورود نص فيه والظاهر أنه لا يفهم من كلامه أصلا الفرق بين ما إذا كان الجرح أو الكسر مستوعبا لتمام عضو من أعضاء الطهارة
أو لبعضه نعم يفهم من بعض كلماته التخيير بين الوضوء والتيمم في بعض الصور وكأنه أيضا ليس مختارا عنده بل إنما ذكره في مقام البحث والغرض من هذا التطويل
الاطلاق على أطراف كلماتهم ليسهل توجيه الجمع بينها ويظهر أن أي وجه من التأويل أولى على من له طبع سليم وظهر بما ذكرنا أن التأويلين اللذين ذكرهما المحقق
الثاني في شرح القواعد بين كلامي القوم أحدهما ما نقلنا من الفرق بين الاستيعاب للعضو وعدمه وثانيهما كون الحكم بالوضوء مختصا بالجرح والقرح والكسر والتيمم
بما عداها من مرض ونحوه لا يصلحا للتعويل كما لا يخفى عند التأمل هذا والاهم في هذا المقام إيراد الروايات الواردة في هذا الباب والنظر في أنه ما يستفاد منها
فمنها ما نقلنا سابقا ومنها ما رواه التهذيب في باب التيمم في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سئلت أبا جعفر (عليه السلام) عن الجنب يكون به القروح قال لا بأس بأن لا يغتسل يتيمم وقد روى عنه أيضا في الكافي
في باب الكسر والمجدور بأدنى تغيير وكذا في الفقيه في باب التيم ومنها ما رواه أيضا في الباب المذكور في الصحيح عن داود بن سرحان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل
يصيبه الجنابة وبه جروح أو قروح أو يخاف على نفسه من البرد فقال لا يغتسل ويتيمم ومنها ما رواه أيضا في الباب المذكور في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن
الرضا (عليه السلام) في الرجل يصيبه الجنابة وبه قروح أو جروح أو يخاف على نفسه البرد قال لا يغتسل يتيمم ومنها ما رواه أيضا في الباب المذكور في الصحيح عن محمد ابن أبي
عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال يؤمم المجدور والكسير بالتراب إذا أصابتهما الجنابة وهذه الرواية في الكافي أيضا في الباب المذكور ومنها ما رواه أيضا في
الباب المذكور في الموثق عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) في الرجل يكون به القروح في جسده فتصيبه الجنابة قال يتيمم ومنها ما رواه أيضا في الحسن عن محمد بن
سكين وغيره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قيل له إن فلانا أصابته جنابة وهو مجدور فغسلوه فمات فقال قتلوه إلا سألوا إلا يمموه إن شفاء العي السؤال
قال وروى ذلك في الكسير والمبطون يتيمم ولا يغتسل وهذه الرواية في الكافي أيضا في الباب المذكور وروى هذا المضمون في الفقيه أيضا مرسلا ومنها ما رواه أيضا في الباب المذكور
عن علي بن أحمد رفعه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن مجدور صابته جنابة قال إن كان أجنب هو فليغتسل وإن كان احتلم فليتيمم وهذه الرواية في الكافي أيضا
في الباب المذكور وفي الفقيه أيضا مرسلة ومنها ما رواه في الكافي في الباب المذكور عن جعفر بن إبراهيم الجعفري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إن النبي (صلى الله عليه وآله) ذكر له أن
رجلا أصابته جنابة على جرح كان به فأمر بالغسل فاغتسل فكز فمات فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) قتلوه قتلهم الله إنما كان دواء العي السؤال وهذه الرواية
إنما ذكرت استطرادا هذا ما رأينا من الاخبار في هذا الباب ولا يخفى إن هذه الأخبار التي ذكرنا ها هنا إنما هي ظاهرة في وجوب التيمم للمجروح والمقروح والكسير
مطلقا فيقع التعارض بينهما والروايات السابقة فلا بد من الجمع بينهما أما بحمل الروايات السابقة على ذي الجبيرة وهذه الروايات بعدمها لكنه بعيد بالنظر
إلى بعض الروايات السابقة وأما بحملها عل الجرح والقرح الذي يمكن مسحهما أو شدهما والمسح على الشد وهذه على ما عداهما وأما بحملها على الذي لا يتضرر
بإيصال الماء إلى الأعضاء الصحيحة وهذه بما يتضرر ويجمع بينهما بالتخيير أي بأن يكون المجروح ونحوه مخيرا بين غسل الأعضاء الصحيحة أو مسحها ومسح الأعضاء
المجروحة أو مسح الخرقة أو تركها بالكلية على الاحتمالات كما هو مقتضى الروايات السابقة وبين التيمم كما هو مقتضى هذه الروايات والحاصل إن ها هنا وجوها
من التأويل ولا دليل على تعيين أحدها فالحكم به مشكل فالصواب أن يؤخذ الحكم مما تقتضيه الأصول فنقول لما تعذر بعض أفعال الوضوء المأمور به فيجب أن
يحكم بسقوط الامر به لأنه تكليف واحد بهذا المجموع لا تكاليف متعددة بحسب الاجزاء والتكليف بالتيمم أيضا في الآية لا يشمل بظاهره هذه الصورة لأنه مشروط
152

بعدم وجدان الماء وليس ها هنا ظاهرا فيخرج عن هذا التلكيف أيضا فحينئذ نقول إذا كان الكسر وما في حكمه في موضع الطهارة وكان عليه جبيرة طاهرة فالامر فيه سهل
إذ الظاهر أن الحكم بوجوب الطهارة المائية في هذه الصورة إجماعي وإذا كان عليه جبيرة نجسة فالاحتياط كما عرفت المسح عليها ثم توضع خرقة ويمسح عليها والأحوط
ضم التيمم أيضا إليه حينئذ وتمام الاحتياط ضم التيمم في الصورة الأولى أيضا وإذا لم يكن عليه جبيرة فالظاهر نظرا إلى اقتضاء الدليل التخيير بين الطهارة المائية والترابية لعدم دليل
ظاهر على تعيين أحدهما والاجماع على عدم المخرج عنهما فلو اختير الطهارة المائية فالاحتياط المسح على نفس العضو إذا أمكن ولو لم يمكن فالمسح على الخرقة الموضوعة ولو لم
يمكن أيضا فالاكتفاء بما عداه والاحتياط في جميع الصور في الجمع بين الطهارتين وإذا لم يكن الكسر وما في حكمه في موضع الطهارة لكن يتضرر بسببه أعضاء الطهارة أيضا من الغسل
أو المسح فالظاهر حينئذ وجوب التيمم والاحتياط في ضم الطهارة المائية أيضا وقد بقي في المقام شئ وهو أن هذه الروايات المنقولة أخيرا المتضمنة لوجوب التيمم إنما هي مختصة
بالجنب ولا يشمل المحدث بالحدث الأصغر والرايات السابقة مختصة ظاهرا بالمحدث سوى رواية عبد الرحمن
بن الحجاج ورواية كليب وإن كانت مطلقة لكن لا يبعد ادعاء
ظهورها في الوضوء لأنه الفرد الأكثر المتعارف فحينئذ ظهر أن الروايات الواردة في الوضوء قد بقيت خالية عن المعارض فينبغي الحكم مطلقا بوجوب الوضوء دون التيمم
في الحدث الأصغر والقول بعدم الفرق بين الوضوء والغسل في هذا الحكم لا ظهور له لأنه نقل في المنتهى القول بالفرق وأما الحدث الأكبر فلا معارض لوجوب
التيمم فيه للمجروح والمكسور سوى رواية عبد الرحمن ورواية كليب أيضا إن سلم عمومها وهما مختصان بالجبيرة فإذن الظاهر فيما عداها وجوب التيمم لكن الاحتياط
أيضا في ضم الغسل مراعيا للأمور التي ذكرنا آنفا هذا ما بلغ إليه فهمنا والله الموفق للصواب
(ولو زال العذر فكوضوء التقية) قد مر في مبحث وضوء التقية ما يفي ببيان
هذا المقام (والسلس والمبطون يتوضآن لكل صلاة خلافا للمبسوط) والمراد بالسلس من لا يتمكن من استمساك بوله وبالمبطون من يعتريه الحدث من ريح أو غايط على
وجه لا يمكنه دفعه والمشهور في السلس أنه يتوضى عند كل صلاة كالمستحاضة وهو مختار الشيخ في الخلاف وقال في المبسوط وأما من به سلس البول فيجوز له أن يصلي بوضوء
واحد صلاة كثيرة لأنه لا دليل على تجديد الوضوء وحمله على الاستحاضة قياس لا نقول به ولا يخفى إن مختار المبسوط يحتمل وجهين أحدهما أن لا يجعل البول بالنسبة إلى
السلس حدثا أصلا بل يحصر أحداثه فيما سوى البول وثانيهما أن لا يجعل البول الذي يخرج بطريق التقاطر حدثا أما الذي يخرج بالطريق المعهود فيكون حدثا واختار
العلامة (ره) في المنتهى مذهبا ثالثا وهو تجويز وضوء واحد للظهر والعصر يجمع بينهما وللمغرب والعشاء أيضا يجمع بينهما ويفرد للصبح بوضوء وإذا صلى غير هذه
وجب تجديد الطهارة لكل صلاة واحتج المشهور بوجوه الأول إن الحدث إنما يوجب الوضوء مطلقا إلا ما أخرجه الدليل لكن الضرورة أخرج الاحداث الواقعة في أثناء
الصلاة فبقي الباقي وأيضا الامر وارد بالوضوء عند القيام إلى كل صلاة فخرج المتطهر بالدليل وبقي الباقي وما نحن فيه من قبيل الباقي وقد يناقش في الوجهين بمنع عموم إيجاب الاحداث للطهارة ووجوب الوضوء عند القيام إلى الصلاة كما مر مرارا
الثاني إن الاحتياط يقتضي ذلك فإنه محمد والحدث وإن لم يرتفع لأجل الضرورة فلا يسقط عنه وجوب الوضوء كالمستحاضة وفيه إن الاحتياط لا يصير دليل الوجوب
ولو تمسك بحديث الحدث وأنه يقتضي الطهارة فيرجع إلى الوجه الأول بعينه الثالث إن القول بتكرير الطهارة في حق المستحاضة وعدمه في حق صاحب السلس أم لا
يجتمعان والأول حق فالثاني باطل بيان التنافي إن خروج الحدث التكرر أما أن يقتضي إيجاب الطهارة المتكررة أو لا فإن اقتضى وجب التكرر في حق صاحب السلس عملا
بالمقتضى السالم عن المعارض وإن لم يقتض وجب عدم التكرير في حق المستحاضة عملا بالأصل وهو براءة الذمة السالمة عن معارضة كون الخروج المتكرر موجبا وفيه
أنا نختار الثاني قوله فيجب عدم التكرير في حق المستحاضة إلخ قلنا ممنوع لان براءة الذمة لا ينحصر معارضتها في كون الخروج المتكرر موجبا بل انما يعارضها النص
وهو مفقود في السلس وحجة مختار المبسوط أيضا وجوه أحدها ما نقلنا عنه من عدم الدليل على التجديد والحمل على الاستحاضة قياس ورد بأن الدليل على التجديد
موجود وهو ما نقلنا من عموم الايجاب والوجوب وغيره مما ذكر وقد عرفت ما فيه وثانيها ما رواه التهذيب في باب إحداث الزيادات في الموثق عن سماعة قال سألته عن
رجل أخذه تقطير في فرجه أما دم أو غيره قال فليضع خريطة وليتوضأ وليصلي فإنما ذلك بلاء ابتلي به فلا يعيدن إلا من الحدث الذي يتوضأ منه وجه الاستدلال
إن الحدث الذي يتوضأ منه لا يجوز أن يكون شاملا للبول أيضا لأنه يلزم حينئذ وجوب إعادة الوضوء أو الصلاة على احتمالين للتقطير في أثناء الصلاة والمشهور أيضا
لا يقول به وإذا لم يكن شاملا للبول فثبت المطلوب ورد بعد القدح في السند بأنه يجوز أن يكون شاملا للبول ويكون التقطير في أثناء الصلاة خارجا بالدليل كالجرح
ونحوه فإن قلت الأصل عدم التخصيص فينبغي أن يحمل الكلام على ما يحتاج إلى تخصيص قلت التعميم في الجزء الاثبات من نظاير هذا الكلام غير مسلم وقد مر نظيره و
أورد أيضا بأنه يجوز أن يكون المراد إعادة الوضوء لا الصلاة ويكون الإعادة للصلاة الأخرى وفيه بعد ولا يذهب عليك أن مراد المبسوط لو كان هو الاحتمال
الأول الذي ذكرنا يرد إيراد آخر وهو أنه يجوز أن يكون المراد بالحدث الذي يتوضأ منه ما يشمل البول الخارج لا بطريق التقاطر فيكون هو ناقضا وإنما يخرج عنه
الخارج بطريق التقاطر وإنما يخرج عنه الخارج بطريق التقاطر وعلى هذا يحصل مذهب رابع فلن قلت إذا كان الراوي عالما بأن البول الخارج لا بطريق التقاطر
ناقض وموجب للوضوء لا الخارج بالتقاطر فما الحاجة إلى السؤال قلت كان السؤال إنما هو لأجل الدم ونحوه من القيح والصديد لا للبول أيضا مع أنه يرد هذا على
153

أصل الاستدلال أيضا كما لا يخفى فتأمل وثالثها ما رواه الكافي في باب الاستبراء من البول في الحسن عن منصور بن حازم قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل يغريه
البول ولا يقدر على حبسه قال فقال لي إذا لم يقدر على حبسه فالله أولى بالعذر يجعل خريطة وجه الاستدلال إن المعذورية إنما يستلزم سقوط حكم الخارج مطلقا
وإلا لم يكن معذورا ورد بأن المعذورية لا يستلزم إلا سقوط حكم ما لا يمكن التوقي عنه إلى الحرج والمشقة وأما الوضوء لكل صلاة فليس مما
يعذر فيه واحتج العلامة على ما ذهب إليه في المنتهى بما رواه الفقيه في باب ما ينقض الوضوء في الصحيح عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) إنه قال إذا كان الرجل يقطر منه
البول والدم إذا كان حين الصلاة اتخذ كيسا وجعل فيه قطنا ثم علقه عليه وأدخل ذكره فيه ثم صلى يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر يؤخر الظهر ويعجل العصر
بأذان وإقامتين ويؤخر المغرب ويعجل العشاء بأذان وإقامتين ويفعل ذلك في الصبح وهذه الرواية في التهذيب أيضا في الباب المذكور وجه الاستدلال إما على جواز الجمع بين الصلاتين بوضوء واحد فلانه لو
لم يكف الوضوء الواحد لهما كان للجمع بينهما وجه وأما على عدم الجواز في الزيادة فلان تخصيص الصلاتين بالذكر يدل عل نفي ما عداهما وفيهما نظر أما الأول
فلمنع قوله لو لم يكف الوضوء الواحد لما كان للجمع وجه إذ يجوز أن يكون الجمع باعتبار تقليل النجاسة الحاصلة منه لا لأجل الحدث ولو سلم أنه ليس كذلك فعدم
معلوميته لنا لا يستلزم عدمه في الواقع إذا العقل لا سبيل له إلى أحكامه تعالى وأما الثاني فلانه يجوز يكون التخصيص بناء على الغالب بالنسبة إلى الأداء
هذا مأخذ الأقوال وقد علمت أن أكثرها لا يخلو عن خدشة ومتابعة الشهرة والاحتياط يقتضي العمل بوجوب الوضوء عند كل صلاة وإن كان إبطال مذهب المبسوط
مشكلا بحسب الدليل نعم لا يبعد أن يقال أن مقطوعة سماعة المتقدمة آنفا مما يومئ إلى وجوب الوضوء على صاحب السلس لأجل البول في الجملة فينافي القول بعدم
كونه حدثا بالنسبة إليه مطلقا وكذا ما رواه التهذيب في باب آداب الاحداث في الزيادات عن عبد الرحيم قال كتبت
إلى أبي الحسن (عليه السلام) في الخصي يبول فيلقى من ذلك
شدة فيرى البلل بعد البلل قال يتوضأ وينتضح في النهار مرة واحدة وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب الاستبراء وفي الفقيه أيضا في باب ما ينجس الثوب والجسد لكن لقصور
سندهما وعدم ظهور دلالتهما لا يمكن التعويل عليهما ثم اعلم أنهم ذكروا أن صاحب السلس إذا كانت له فترة معتادة تسع الطهارة والصلاة وجب انتظارها لزوال
الضرورة التي هي مناط التخفيف واحتمل بعضهم أيضا عدم وجوب الانتظار بل له أن يصلي أول الوقت لعموم أدلة الأوقات والصلاة وكون العذر موجبا للتأخير غير
متيقن وللحرج والضيق والأولى انتظار الفترة وذكروا أيضا وجوب المبادرة إلى الصلاة بعد الوضوء ولا ريب أنه أيضا أولى هذا وأما المبطون فقد قال المصنف في الذكرى
الظاهر أن المبطون يجدد أيضا لكل صلاة لمثل ما قلناه ولم أرهم صرحوا به إلا أن فتواهم بالوضوء للحدث الطاري في أثناء الصلاة يشعر انتهى وكأنه أراد بقوله (عليه السلام)
لم أرهم المتقدمين أو الجماعة وإلا فالعلامة (ره) صرح في المنتهى يشعر بوجوب الوضوء عليه ولكل صلاة قال فيه وأما المبطون فإنه مجدد الوضوء لكل صلاة لا يجمع
بين صلوتي فرض لان الغايط حدث فلا يستباح معه الصلاة إلا مع الضرورة وهي متحققة في الواحدة دون غيرها انتهى ولا يخفى إن ما ذكره جار في السلس أيضا
لكن كأنه قال بجواز الجمع فيه لأجل الصحيحة المذكورة وهي مختصة بالسلس والمحقق أيضا في المعتبر صرح بما صرح به العلامة وكذا ابن إدريس في السرائر ثم اعلم إن ظاهر
المتن إن مخالفة المبسوط في السلس والمبطون معا ولم نطلع على خلاف في المبطون (ولو فحيه في الصلاة توضأ المبطون وبنى في الأشهر) إعلم أن المبطون إما أن
لا يكون فترات يمكن أن يتحفظ نفسه فيها بقدر الطهارة والصلاة أو يكون فإن كان فالظاهر انتظار الفترة على ما تقدم في السلس ولو لم يكن فأما أن يمكنه
التلبس بالصلاة بعد الطهارة من دون تخلل حدث أو لا فإن لم يمكنه التلبس فظاهر المنتهى والمعتبر أنه لا يبالي حينئذ بوقوع الحدث في أثناء الصلاة وإن أمكنه التلبس فحينئذ
لو تلبس متطهرا ثم فجائه الحدث في الأثناء فيحتمل أن يكون محل الخلاف الذي سنذكره إن شاء الله تعالى ويمكن أن يكون فجائه الحدث في أثناء الصلاة لمن له فترة مع توخيه
زمان الفترة محلا للخلاف أيضا ولنتكلم في كل من المقامين أما الأول فإن كان بحيث يكون مفاجأة الحدث في أثناء صلاة واحدة متكررة بحيث تؤدي إعادة الوضوء
في كل مرتبة إلى الحرج والعسر فلا يبعد أن يكون الحكم بعدم وجوب إعادة الوضوء والبناء بل استمرار في الصلاة إجماعا للزوم الحرج المنتفي في الدين وإن لم
يكن كذلك ولم يصل إلى حد الحرج فحينئذ يحتمل أن يكون محل الخلاف فالمشهور كما ذكره المصنف إنه يتوضأ ويبني على صلاته ويفهم من المختلف ظاهرا أنه يستمر في
صلاته قال في المختلف بعد نقل القول بالتطهر والبناء والوجه عندي أن عذره إن كان دائما لا ينقع فإنه يبني على صلاته من غير أن يجدد وضوءا كصاحب
السلس وإن كان يتمكن من تحفظ نفسه بمقدار زمان الصلاة فإنه يتطهر ويستأنف الصلاة انتهى وقال المصنف في الذكرى بعد نقل مذهب المختلف وتشبيهه بالسلس
ينفي ما أثبته من وجوب إعادة الصلاة للمتمكن إلا أن يرتكب مثله في السلس انتهى ولا يخفى فساده لأنه شبهه في عدم تجدد الموضوع بصاحب السلس وهذا لا يستلزم
النفي المذكور بل يمكن أن يقال أن تشبيهه في الأول بالسلس دون الثاني يشعر بالفرق بينهما فكيف يكون كلامه دالا على خلافه مع أنه لا يأبى عن الارتكاب المذكور
لأنه صرح في التذكرة به كما سيجئ حجة المشهور ما رواه الفقيه في باب صلاة المريض في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) إنه قال صاحب البطن الغالب يتوضأ
ويبني على صلاته وما رواه التهذيب أيضا في باب إحداث الزيادات في الموثق بابن بكير عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال صاحب البطن الغالب يتوضأ ثم يرجع
154

في صلاته فيتم ما بقي وروى هذه الرواية في باب صلاة المضطر في الزيادات بدون كلمة ثم يرجع ويرد على الروايتين إنه يمكن أن يكون المراد صاحب البطن الذي
يمكنه التحفظ بقدر الصلاة إذ لا عموم في اللفظ فحينئذ لو فجائه الحدث فحكمه ذلك وهو غير مورد النزاع وأول العلامة الرواية الثانية بأن المراد بما بقي ما بقي من الصلاة
الأخرى لا تتمة الصلاة الأولى ولا يخلو عن بعد ويمكن مثل هذا التأويل البعيد في الرواية الأولى أيضا لا يخفى واحتج أيضا بما رواه التهذيب في أواخر باب كيفية الصلاة
في الزيادات في الصحيح عن الفضل بن يسار قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا فقال انصرف ثم توضأ وابن علي ما مضى
من صلاتك ما لم تنقض الصلاة متعمدا وإن تكلمت ناسيا فلا شئ عليك فهو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسيا قلت وإن قلب وجهه عن القبلة قال نعم وإن قلب
وجهه عن القبلة وهذه الرواية في الفقيه أيضا في الباب المتقدم وهي وإن لم يكن صريحة في المبطون لكن بإطلاقها شاملة له ويرد عليه أيضا مثل ما أوردنا
أولا بل يمكن أن يكون المبطون مطلقا خارجا عنها ويكون المراد من حدث له هذه الحالة اتفاقا واعلم أن الخبر لا يدل على خروج الحدث لكنهم حملوه على ما إذا لم يمكن أن
يملك نفسه للاجماع كما قيل على أنه بمجرد وجدان الغمر في البطن وشبهه لا يكون الحكم كذلك بل يجب المحافظة ويدل بعض الروايات أيضا على وجوب المحافظة عند
إمكان التحفظ مثل ما رواه التهذيب في الباب المذكور في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه وهو يستطيع
أن يصبر عليه أيصلي على تلك الحالة أو لا يصلي قال فقال إن احتمل الصبر ولم يخف إعجالا عن الصلاة فليصل وليصبر وهذه الرواية في الفقيه أيضا في الباب المتقدم وفي الكافي أيضا في باب ما يقطع الصلاة وفي هذه الرواية رخصة في إيقاع الحدث لخوف الاعجال
أيضا والظاهر أن الأصحاب لم يقولوا به ويمكن أن يقال أنها ليست ظاهرة في إصابة الغمز في أثناء الصلاة فيجوز أن يكون المراد قبل الصلاة فحينئذ لا ينافي كلام القوم
ويمكن أن يحتج أيضا بما رواه التهذيب في آخر باب أحكام السهو في الزيادات عن أبي سعيد القماط قال سمعت رجلا سئل أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل وجد غمزا
في بطنه أو أذى أو عصرا من البول وهو في صلاة المكتوبة في الركعة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة قال فقال إذا أصاب شيئا من ذلك فلا بأس بأن يخرج لحاجته تلك
فيتوضأ ثم ينصرف إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه فيبني على صلاته من الموضع الذي خرج منه لحاجته ما لم ينقض الصلاة بكلام قال قلت فإن التفت يمينا أو شمالا أو
ولى عن القبلة قال نعم كل ذلك واسع إنما هو بمنزلة رجل سهى فانصرف في ركعة أو ركعتين أو ثلاث من المكتوبة فإنما عليه أن يبني على صلاته ثم ذكر (عليه السلام) سهو النبي
(صلى الله عليه وآله) وفيه بعد القدح في السند ما ذكر في سابقه واعلم إن ما تضمنه هذان الخبران من جواز البناء مع الاستدبار إنما يخالف المشهور بين الأصحاب
وسيجئ بسط القول فيه أن شاء الله تعالى في كتاب الصلاة وأيد أيضا بالروايات الدالة على البناء مع سبق الحدث
في الطهارة الترابية وفيه إن قياس المائية على الترابية لا وجه له مع أن
الترابية لا تقييد فيها بالمبطون فالتقييد في المائية بالمبطون أيضا لا وجه له إلا أن يعمم في المائية أيضا لكن حينئذ يعارض الروايات الدالة على البطلان بالحدث
وسيجئ أن شاء الله تعالى مفصلة وأيضا سيجئ إن شاء الله تعالى في بحث التيمم أن الروايات المذكورة يمكن توجيهها بوجه لا نكون دالا على البناء مع الحدث واحتج العلامة (ره) على
ما في المختلف بأن الحدث المتكرر لو نقض الطهارة لأبطل الصلاة لان شرط صحة الصلاة استمرار الطهارة واعترض عليه المصنف في الذكرى بأنه مصادرة على المطلب
ورد المحقق الشيخ على (ره) بأن الطهارة شرط الصلاة إجماعا والمشروط عدم عند عدم الشرط والحدث مانع اتفاقا لا خلاله بالمشروط وليس في هذا مصادرة بوجه
ورد الرد الشهيد الثاني في شرح الارشاد بقوله وهو ضعيف جدا فإن المصادرة نشأت من ادعاء الملازمة بين نقض الطهارة وبطلان الصلاة مع ورود النص
الصحيح على فساد هذه الملازمة فلا معنى لدفعها بدعوى الاجماع على أن الطهارة شرط الصلاة مع تخلفها في مواضع كثيرة انتهى ولا يخفى أن هاهنا ليست مصادرة
بالمعنى المصطلح إذ مدعى العلامة عدم انتقاض الطهارة في هذه الصورة والدليل هو الخلف الذي يبطل به نقيض المطلوب وهو أنه لو انتقض الطهارة لانتقض الصلاة
أيضا وهو باطل فعلى هذا لا مصادرة أصلا نعم يمكن منع الملازمة وإبطالها بالرواية كذا منع الاجماع الذي يثبت به المقدمة الممنوعة إلا أن يتكلف ويقال أن
هذه الملازمة بمنزلة أصل الدعوى فمن لم يسلمه لم يسلمها أيضا فلذا تسامح وسماه بالمصادرة ويمكن أن يحتج أيضا بما رواه التهذيب في باب صلاة المضطر في
الزيادات في الموثق بابن بكير عن محمد بن مسلم قال سئلت أبا جعفر (عليه السلام) عن المبطون فقال يبني على صلاته وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب صلاة الشيخ الكبير ويرد
عليه أنه مطلق وما تقدم مقيد فيجب أن يحمل عليه مع أن في لفظ البناء أيضا اشعارا بتخلل الطهارة هذا ما يمكن أن يقال من الجانبين وقد عرفت عدم تماميته لكن يمكن أن
يقال الأصل مع العلامة لعدم دليل عام على وجوب الوضوء بعد الحدث مطلقا فإنما يتمسك بالأصل حتى يثبت خلافه لكن الاحتياط أن يتوضأ ويتم وتمام الاحتياط
أن يصلي بعد ذلك صلاة أخرى لم يتجدد الوضوء في أثناءها بل يستمر مع الحدث وأما الثاني وهو الذي للمبطون فترة تسع الطهارة والصلاة وتوخي تلك الفترة
ففاجأه الحدث في أثناء الصلاة فعلى تقدير كون الخلاف فيه المشهور التطهر والبناء ومختار المختلف التطهر والاستيناف حجة المشهور الروايات المتقدمة في المقام
الأول في احتجاج المشهور مع الرواية الأخيرة إلا التي أوردناها للعلامة ويرد على الجميع أنه يمكن أن يكون المراد المبطون الذي لا يتحفظ نفسه بمقدار الطهارة والصلاة
وقد تأول الرواية الأولى والأخيرة بأن المراد بالبناء الاستيناف وفيه بعد واحتج العلامة على الاستيناف بأنه يتمكن من فعل الصلاة كملا بطهارة فيجب عليه ما يتمكن
155

منه مما كلف به ويمكن أن يقال أنه لو أراد بأنه مكلف بفعل الصلاة كملا بطهارة أنه مكلف بأن يكون جميع أفعال صلاته مقرونا بالطهارة فمسلم لكن في صورة التطهير و
البناء أيضا هذا المعنى متحقق وإن أراد به أنه مكلف بفعل الصلاة مقرونا بطهارة سابقة عليها مستمرة إلى آخرها فممنوع إذ لا دليل عاما يدل على هذا ولو فرض وجود
عام أيضا فنقول هذه الروايات المتقدمة إن سلم عدم ظهورها في التخصيص بناء على إمكان حملها على ما ذكر فلا أقل من احتمالها للتخصيص وحينئذ يحصل الشك في العام وقد
عرفت مرارا أن الاتيان بالافراد المشكوكة لا دليل على وجوبه ويحتج أيضا بالروايات الدالة على أن الحدث يقطع الصلاة كما سيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الصلاة واعترض عليه
الشهيد الثاني (ره) في شرح الارشاد بقوله وهو ضعيف لان عام تلك الأخبار أو مطلقها مختص أو مقيد إجماعا بالمستحاضة والسلس فلا وجه لاخراج هذا الفرد مع النص عليه
بالتعيين انتهى ولا يخفى ما فيه لان كونها مخصصة أو مقيدة بالمستحاضة والسلس لا دخل له في هذا الحكم إذ الكلام في المبطون اللهم إلا أن يكون بناء كلامه على ما ذهب إليه
بعض الأصوليين إن العام المخصص لا يبقى حجة في الباقي لكن يأباه قوله فلا وجه إلى آخره كما لا يخفى وما ذكره من النص على هذا الفرد قد عرفت حاله واعلم أن الشهيد الثاني (ره)
أورد المعارضة بهذه الأخبار الدالة على أن الحدث يقطع الصلاة للاخبار السابقة في المقام الأول كما هو ظاهر لكن لما لم يظهر قول بوجوب الاستيناف في المقام الأول
فلذا لم نذكرها هناك وأوردنا هاهنا وإذ قد عرفت هذا فالظاهر بحسب الدليل المذهب المشهور والاحتياط أن يتوضأ ويبني ثم يستأنف صلاة أخرى (بخلاف السلس إلا
أن يكون له فترات فيساوي المبطون) اعلم أن السلس أيضا تجري فيه الاحتمالات المذكورة في المبطون وبعض الاحتمالات الذي ذكرنا وقوع الاجماع فيه ظاهرا في المبطون
يكون ظهور الاجماع فيه في السلس بطريق الأولى وأما الاحتمالان اللذان ذكرنا إمكان تحقق الخلاف فيهما في المبطون فكذا هاهنا أيضا لان ابن إدريس صرح بالمساواة
بينهما وذكر أن صاحب السلس أيضا عند تراخي زمان الحدث يتطهر ويبني ولا يخفى أن تراخي زمان الحدث يحتمل وجهين أحدهما التراخي بقدر الطهارة والصلاة والثاني
عدم الاتصال دائما بحيث لا يمكن الطهارة له أو بحيث يتعسر ويفضي إلى الحرج ويفهم من ظاهر كلام المبسوط والنهاية أيضا إنه يتطهر ويبني كالمبطون فكما يمكن أن يكون حكمه
بالتطهير والبناء في المبطون محمولا على الوجهين فكذا في السلس والعلامة في التذكرة ذهب إلى أن صاحب السلس عند عدم إمكان التحفظ بقدر الطهارة والصلاة يستمر
في الصلاة بدون تطهير وعند الامكان يتطهر ويستأنف فظهر من ذلك إمكان تحقق الخلاف في الموضعين فلنتكلم فيهما أما في الموضع الأول أي عندي عدم إمكان التحفظ بقدر الطهارة والصلاة
فيكون مذهب الشيخ وابن إدريس وجوب التطهر والبناء ومذهب العلامة في التذكرة وجوب الاستمرار ولا يخفى أنه لا يمكن استدلال يتجه ظاهرا بالروايات المذكورة في
هذا الباب على أحد من الجانبين سوى رواية أبي سعيد القماط المتقدمة فإنها مما يمكن أن يستدل به على مذهب الشيخ وابن إدريس لكنها ضعيفة لا تصلح للتعويل
ومع ذلك يمكن حملها على صوره إمكان التحفظ والدليل الخلفي الذي نقلنا من المختلف يمكن إجرائه هاهنا أيضا على ما ذهب إليه العلامة والجواب أيضا لكن لما كان الأصل
معه فالظاهر ما اختاره لكن الاحتياط أن يصلي صلاتين إحديهما مع التطهر والبناء والأخرى مستمرا مع الحدث وأما في الموضع الثاني أي عند إمكان التحفظ فيكون
مذهبهما وجوب التطهر والبناء أيضا ومذهب العلامة وجوب الاستيناف ويحتمل هاهنا وجها آخر أيضا وهو وجوب الاستمرار بدون تطهر وهو الظاهر من كلام بعضهم ولا
يذهب عليك أيضا إن الاستدلال بالروايات مما لا يتجه على أحد من المذاهب أصلا سوى الرواية المذكورة على المذكورة على المذهب الأول والجواب ما عرفت ويمكن
أيضا الاستدلال بالدليل المذكور على المذهب الثاني والجواب الجواب أيضا وأما المذهب الثالث لو كان فمتمسكه الأصل بلا معارض فله الدست لكن الاحتياط أن يتطهر ويبني
ثم يستأنف صلاة أخرى قال المصنف في الذكرى هل ينسحب مضمون الرواية في السلس يمكن ذلك لاستوائهما في الموجب وإشارة الروايات إلى البناء بالحدث مطلقا والوجه
العدم لان أحاديث التحفظ بالكيس والقطن مشعرة باستمرار الحدث وأنه لا مبالاة به والظاهر أنه لو كان في السلس فترات وفي البطن تواتر أمكن نقل حكم كل منهما إلى
الاخر انتهى ولا يخفى ما في القول بالاستواء في الموجب لأنه مجرد قياس والروايات قد عرفت حالها وما ذكر من إشعار التحفظ بالكيس والقطن ففيه أيضا أنه إما أن يجري
في المقام الثاني أو الأول فإن كان في الثاني فنحمله على عدم إمكان التحفظ بقدر الطهارة والصلاة سواء كان متواترا أو لا وإن كان في الأول فنحمله على التواتر ولا بعد
في شئ مما ذكر أصلا وما ذكره من الظاهر فيظهر حاله مما ذكر فتأمل في المقام لتحيط بجميع الاحتمالات والشقوق بعون الله وتوفيقه إنه خير موفق ومعين درس
(الجنابة تحصل للرجل والمرأة بإنزال المني مطلقا) لا خلاف بين المسلمين ظاهرا في أن إنزال المني سبب للجنابة الموجبة للغسل بالاجماع أيضا سواء كان في النوم
أو اليقظة وسواء كان للرجل أو المرأة إلا أنه اشترط بعض الجمهور مقارن الشهوة والدفق كما سيجئ ويدل عليه أيضا روايات كثيرة كادت أن تبلغ حد التواتر ولنذكر
طرفا منها فمنها ما رواه التهذيب في باب حكم الجنابة في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال سئلت أبا عبد الله عن المرأة ترى أن الرجل يجامعها في المنام في فرجها حتى تنزل
قال تغتسل وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب احتلام الرجل والمرأة ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن أديم بن الحر قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل عليها غسل قال نعم ولا تحدثونهن فتتخذنه علة وهذا المضمون في الكافي أيضا في الباب المذكور مرسلا ومنها ما رواه المصنف
في هذا الباب في الصحيح عن إسماعيل بن سعد الأشعري قال سئلت الرضا (عليه السلام) عن الرجل يلمس فرج جاريته حتى نزل الماء من غير أن يباشر يعبث بها بيده حتى تنزل قال إذا
156

أنزلت (من شهوة فعليها الغسل ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بديع قال سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل
يجامع المرأة فيما دون الفرج فتنزل المرأة هل عليها الغسل قال نعم ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن الحلبي قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن المرأة ترى في المنام ما يرى الرجل قال إن أنزلت) فعليها الغسل وإن لم تنزل فليس عليها الغسل وهذه الثالثة في الكافي أيضا في الباب المذكور وسابقه ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن محمد بن
إسماعيل قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المرأة ترى في منامها فتنزل عليها غسل قال نعم ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب في الحسن عن الحلبي قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن المفخذ عليه غسل قال نعم إذا أنزل وهذه الرواية في الكافي أيضا في سابق الباب المذكور ومنها ما رواه أيضا في الموثق ظاهرا عن معاوية قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
قال إذا أمنت المرأة والأمة من شهوة جامعها الرجل ولا يجامعها في نوم كان ذلك أو في يقظة فإن عليها الغسل
ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب عن محمد بن الفصيل عن أبي الحسن (عليه السلام) قال قلت تلزمني المرأة والجارية من خلفي وأنا متكي على جنب فتتحرك على ظهري
فتأتيها الشهوة فتنزل الماء أفعليها غسل أم لا قال نعم إذا جاءت الشهوة وأنزلت الماء وجب عليها الغسل وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب ما يوجب الغسل على
الرجل والمرأة إلى غير ذلك من الروايات وأما ما ورد بخلافها مثل ما رواه التهذيب في الباب المذكور في الصحيح عن عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل يضع
ذكره على فرج المرأة فيمني عليها غسل فقال إن أصابها من الماء شئ فلتغسله وليس عليها شئ إلا أن يدخله قلت فإن أمنت هي ولم يدخله قال ليس عليها الغسل فمطروق
لمعارضته إجماع المسلمين والروايات الصحيحة المستفيضة وقد أوله الشيخ بأنه يمكن أن يكون أمذت بدل أمنت فوهم السامع في سماعه فرواه على ما ظن وكذا
ما رواه أيضا عن عمر بن يزيد قال اغتسلت يوم الجمعة بالمدينة ولبست ثيابي وتطيبت فمرت بي وصيفة ففخذت لها فأمذيت أنا وأمنت هي فدخلني من ذلك ضيق
فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذلك فقال ليس عليك وضوء ولا عليها غسل وأول الشيخ هذه الرواية بوجه آخر أيضا وهو أنه يحتمل أن يكون إنما أجابه (عليه السلام)
على حسب ما ظهر له في الحال منه وعلم أنه اعتقد أنها أمنت ولم يكن كذلك فأجابه (عليه السلام) على ما يقتضيه الحكم لا على اعتقاده واحتمل العلامة في المنتهى أن يكون المنى
مجازا عن المذي للمصاحبة وقال فيه أيضا بعد ما نقل هاتين الروايتين عن عمر بن يزيد أن اختلاف روايته دال على عدم ضبطه فيجب إطراحها ولا يخفى ما فيه لأنه
لا اختلاف بين روايته أصلا وكأنه ظن أنه واقعة واحدة قد عبر عنها بهاتين العبارتين المختلفتين وأنت خبير بأنه لا دليل على ذلك لم لا يجوز أن يكونا
خبرين متعددين ولعل منشأ ما ذكره كلام الشيخ في التهذيب حيث قال بعد نقل الرواية الأولى وروى الحديث الحسن بن محبوب في كتاب المشيخة بلفظ آخر عن عمر بن يزيد
ثم ذكر الرواية الأخيرة والظاهر أن مراد الشيخ أنه روى هذا الحكم أي عدم وجوب الغسل على المراء وإن أمنت بدون الادخال كأنه الحديث الأول بعبارة أخرى وكذا
ما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) كيف جعل على المرأة إذا رأت في النوم أن الرجل يجامعها في فرجها الغسل ولم يجعل
عليها الغسل إذا جامعها دون الفرج في اليقظة فأمنت قال لأنها رأت في منامها أن الرجل يجامعها في فرجها فوجب عليها الغسل والاخر إنما جامعها دون
الفرج فلم يجب عليها الغسل لأنه لم يدخلها ولو كان أدخله في اليقظة وجب عليها الغسل أمنت أو لم تمن وأوله الشيخ (ره) أيضا بما ذكر في خبر عمر بن يزيد ولا يخفى
ما فيه لان التوجيه الأول إن أجري فيه لاقتضى أن يكون المرأة إذا أمذت في المنام يجب عليها الغسل فليس بصحيح وأما التوجيه الاخر فعدم إجرائه ظاهر وكذا
ما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن عمر بن أذينة قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) المرأة تحتلم في المنام وتهريق الماء الأعظم قال ليس عليها الغسل وروى
مثل ذلك أيضا بطريق صحيح عن عمر بن يزيد وأوله الشيخ بأنها إذا رأت الماء الأعظم في منامها فإذا انتبهت لم تر شيئا فإنه لا يجب عليها الغسل وكذا ما رواه أيضا
في هذا الباب عن عبيد بن زرارة قال قلت له هل على المرأة غسل من جنباتها إذا لم يأتها الرجل قال لا وأيكم يرضى أو يصبر على ذلك أن يرى ابنته أو أخته
أو أمه أو أحدا من قرابته قائمة تغتسل فيقول مالك فتقول احتلمت وليس لها بعل ثم قال لا ليس عليهن ذلك وقد وضع الله ذلك عليكم قال وإن كنتم
جنبا فاطهروا ولم يقل ذلك لهن واحتمل الشيخ تأويله أيضا بمثل ما ذكر ولا يخفى ما فيه ولا يذهب عليك أنه لو لم يكن دعوى الاجماع على وجوب الغسل على المرأة
بمجرد الانزال سواء كان في النوم أو اليقظة لأمكن حمل الأحاديث الدالة على الغسل عليها بالانزال على الاستحباب جمعا بين الاخبار ولكن الأولى حينئذ العمل على
الاجماع والاخذ بالاحتياط (ومع الاشتباه يعتبر برائحة الطلع والعجين رطبا وبياض البيض جافا ومقارنة الشهوة وفتور الجسد والدفق غالبا إلا في المريض
فيكفي الشهوة) إعلم أنه إذا تيقن أن الخارج مني فيجب عليه الغسل سواء كان مع الصفات المذكورة من مقارنة الشهوة وغيرها أو لا وهذا مما أجمع عليه أصحابنا ونسب
إلى أحمد ومالك وأبي حنيفة القول بأنه لا يجب إلا إذا كان مع شهوة ودفق ويدل على ذلك مضافا إلى الاجماع بعض الروايات المتقدمة المتضمنة لتعليق الغسل
على مطلق الانزال والماء بدون تقييد ولا ينافيه ما رواه التهذيب في الباب المذكور في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال سألته عن الرجل يلعب
مع المرأة ويقبلها فيخرج منه المني فما عليه قال إذا جاءت الشهوة ودفع وفتر بخروجه فعليه الغسل وإن كان إنما هو شئ لم يجد له فترة ولا شهوة فلا بأس لما
ذكره الشيخ أيضا من أن قوله (عليه السلام) وإن كان إنما هو شئ لم يجد له فترة ولا شهوة فلا بأس معناه إذا لم يكن الخارج الماء الأكبر لان من المستبعد من العادة والطبايع
أن يخرج المني من الانسان ولا يجد منه شهوة ولا لذة وإنما أراد أنه إذا اشتبه على الانسان فاعتقد أنه مني وإن لم يكن في الحقيقة منيا يعتبر بوجود الشهوة من نفسه
157

فإذا وجد وجب عليه الغسل وإذا لم يجد علم أن الخارج منه ليس بمني انتهى كلامه رفع مقامه وهذا كلام جيد مطابق لما يحكم به الوجدان وأيد أيضا بأن السائل رتب
خروج المني على الملاعبة والتقبيل مع أن الغالب حصول المذي عقيبهما لا المني فبين (عليه السلام) حكم الخارج بقسميه وقس عليه أيضا ما رواه في هذا الباب عن يحيى بن أبي طلحة
أنه سئل عبدا صالحا عن رجل مس فرج امرأته أو جاريته يعبث بها حتى أنزلت عليها غسل أم لا قال أليس قد أنزلت من شهوة قلت بلي قال عليها الغسل مع أنه غير صحيح
وأيضا الاستدلال به بطريق المفهوم الذي لا يعتد به وكذا أيضا بعض الروايات المتقدمة مثل رواية إسماعيل بن سعد ومعوية ومحمد بن الفضيل هذا وأما إذا
اشتبه الخارج ولم يعلم أنه منى أو لا فقد ذكر جمع من الأصحاب كالمحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى أنه يعتبر في حال الصحة باللذة والدفق وفتور البدن وفي المرض
باللذة وفتور البدن ولا عبرة فيه بالدفق لان قوة المريض ربما عجزت عن دفقة وزاد جمع آخر كالمصنف في الذكرى وفي هذا الكتاب علامة أخرى يرجع إليها عند الاشتباه
وهو قرب رايحته من رايحة الطلع والعجين إذا كان رطبا وبياض البيض إذا كان جافا واحتج المحقق والعلامة على ما ذكراه في الصحيح بأنها صفات لازمة في الأغلب فمع
الاشتباه يستند إليها وبصحيحة علي بن جعفر المتقدمة آنفا وفي المريض بما تقدم من العجر وبما رواه التهذيب في باب أغسال الزيادات في الصحيح عن عبد الله بن أبي يعفور
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له الرجل يرى في المنام ويجد الشهوة ويستيقظ فينظر فلا يجد شيئا ثم يمكث الهوين بعد فيخرج قال إن كان مريضا فليغتسل وإن لم
يكن مريضا فلا شئ عليه قال قلت له فما الفرق بينهما قال لان الرجل إذا كان صحيحا جاء الماء بدفعة قوية وإن كان مريضا لم يجئ إلا بعد واحتج المنتهى بما رواه أيضا
في هذا الباب في الصحيح عن معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام عن الرجل احتلم فلما انتبه وجد بللا قليلا قال ليس بشئ إلا أن يكون مريضا فإنه يضعف فعليه
الغسل وهاتان الروايتان في الكافي أيضا بطريق حسن في باب احتلام الرجل والمرأة ويمكن أن يحتج بما رواه أيضا في هذا الباب في الحسن عن زرارة قال إذا كنت مريضا
فأصابتك شهوة فإن ربما كان هو الدافق لكنه يجئ مجيئا ضعيفا ليست له قوة لمكان مرضك ساعة بعد ساعة قليلا قليلا فاغتسل منه وهذه الرواية في الكافي
أيضا في الباب المذكور ويؤيد بما رواه أيضا في هذا الباب عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) رجل رأى في منامه فوجد اللذة والشهوة ثم قام فلم ير في ثوبه شيئا
قال فقال إن كان مريضا فعليه الغسل وإن كان صحيحا فلا شئ عليه ثم إن الظاهر بل الصريح من كلامهما إنه لابد في الصحيح من الأمور الثلاثة ولا يكفي واحد منها أو اثنان و
يكفي المريض الاثنان ولا يخفى أن كل حكم من هذين الحكمين مشتمل على جزئين إيجابي وسلبي الأول أنه يجب عليهما الغسل عند وجود هذه الأوصاف الثلاثة أو اثنين منها
والثاني إنه لا يجب عند فقد أحد الثلاثة أو الاثنين أما الدليل الأول الذي أورداه في الصحيح فدلالته على الجزء السلبي ظاهر لان الأصل براءة الذمة من الوجوب حتى
ثبت والظاهر في المني بناء على الأغلب وجود هذه الأوصاف الثلاثة فمع فقد أحديها لا يحصل العلم بكون الخارج منيا فينبغي أن يعمل بأصل البراءة بأصل استصحاب
الطهارة لكن يعارضه بعض الروايات المتقدمة المتضمنة لتعليق الغسل على مجرد الشهوة كرواية إسماعيل بن سعد ومعاوية ومحمد بن الفضيل إلا أن تحمل على أنه اكتفى فيها
بالشهوة بناء على الغالب إذ في الغالب لا ينفك الشهوة عن الوصفين الأخيرين لكن لا يخفى أنه خروج عن ظاهر اللفظ فلا بد له من دليل إلا أن يجعل الدليل رواية علي بن
جعفر ونحوها وحينئذ يلزم الاستدراك إذ يكفي أن يتمسك أولا بالرواية وأما دلالته على الجزء الايجابي فالظاهر لو حصل العلم من هذه الأوصاف بكونه منيا وأما إذا لم
يحصل ففيه إشكال من حيث أنه لا دليل ظاهرا على الاكتفاء بالظن في هذه الأمور إلا أن يتمسك بالروايات ويلزم حينئذ أيضا الاستدراك وقس عليه الحال في ما ذكروه في
المريض من حديث العجر والأولى التعويل في الحكم على الروايات فلنتكلم في كيفية دلالتها ومعارضته الروايات الأخرى لها ووجه الجمع بينهما فنقول أما صحيحة علي بن جعفر
المتقدمة فمنطوق جزئها الأول صريح في وجوب الغسل مع تحقق الأوصاف الثلاثة ولا معارض له في هذا المعنى فيجب العمل فيه فقد ثبت الجزء الايجابي من المدعى المذكور
في الصحيح ومفهومه دال على عدم وجوب الغسل مع عدم تحقق هذه الأوصاف وقد عرفت سابقا أنه يلزم تأويله بما إذا لم يتيقن أنه مني وبه يثبت الجزء السلبي أيضا من
المدعى المذكور لكن يعارضه مفهوم الجزء الآخر من الرواية لان مفهومه دال على وجوب الباس مع تحقق الشهوة والفترة وإن لم يكن دفع على وجه ومع تحقق إحديهما
فقط على آخر والجمع بينهما يمكن على الوجه الأول إما بحمل الجزء الأول على أن ذكر الدفع من باب الغالب إذ الغالب وجوده مع الشهوة والفترة وأما بحمل الجزء الثاني على
الغالب أيضا لان الغالب انتفاء عند انتفائهما فاكتفى به عنه والحمل الثاني معتضدا بالأصل فتعين المصير إليه نظرا إلى مجرد هذه المعارضة وقس عليه الحال في الوجه
الثاني ويعارضه أيضا رواية إسماعيل بن سعد ومعوية ومحمد بن الفضيل ويحيى بن أبي طلحة المتقدمة والجمع بينه وبينها أيضا بالوجهين المذكورين لكن الروايات
غالبة عليه من حيث أن دلالتها من حيث المنطوق وهذه الدلالة من حيث المفهوم مع أن مفهوم الجزء الآخر أيضا معارض له فحينئذ الترجيح مع الروايات لان معاضدة الأصل لا ينفع
مع غلبة المعارض هذا كله على تسليم أن مفهوم جزاء الأول من الصحيحة رفع الايجاب الكلي لا السلب الكلي وعلى تسليم عموم المفهوم أيضا ولو لم يسلما أو أحدهما فالامر أظهر
كما لا يخفى فظهر أن ما يستنبط من النظر في هذه الرواية ومعارضاتها عدم الاعتذار بالدفع وأما الفتور فالظاهر
أنه لازم للشهوة فلا حاجة إلى التعرض له ولو فرض عدم
اللزوم فحاله يستنبط مما ذكر ويعلم منه أنه لا اعتداد به أيضا واعلم أن ما ذكر من عدم الاعتداد بالدفع والفتر نظرا إلى هذه الرواية ومعارضاتها إنما هو باعتبار
158

عدمهما مع وجود الشهوة إذ الظاهر حينئذ بالنظر إلى ما ذكر وجوب الغسل وأما وجودهما مع عدم الشهوة فالظاهر عدم الاعتداد به أيضا في وجوب الغسل إذ لا دليل عليه إلا أن يحصل به
العلم أو الظن على تقدير العمل به بأن الخارج مني والشيخ في النهاية صرح بأن مع الدفق يجب الغسل وإن لم يكن عن شهوة وأما صحيحة معاوية فالذي يمكن أن يستفاد منها
ظاهرا أن الظن بخروج المني كاف في وجوب الغسل لأن الظاهر بعد الاحتلام إن الخارج مني لكن كون البلل قليلا في الصحيح يعارض الظن المذكور فلا يجب الغسل بخلاف المريض
لأنه لضعفه لا يعارضه قلة البلل فيجب الغسل وعلى هذا يمكن الاستدلال بها على وجوب الغسل بمجرد الشهوة وكذا الخواص الاخر لو لم يعارضه شئ آخر وأما دلالته على
ما ذكروه من اعتبار الثلاثة في الصحيح والاكتفاء بالاثنين في المريض فلا ظهور لها إلا أن يكون تحقق الثلاثة في الصحيح موجبا للظن بأنه مني وبدونها لا يحصل الظن
وفي المريض إنما كان يحصل بالاثنين ولا يحصل بدونهما ويعارض ما ذكرنا إن المستفاد من الرواية ظاهرا استصحاب الطهارة وإن اليقين إنما ينقضه يقين آخر و
الجمع بينهما إما بتخصص الاستصحاب أو بحمل اليقين على ما يشمل الظن أو بحمل الصحيحة المذكورة على الاستحباب وأصالة البراءة ترجح الجمع الأخير وأما صحيحة ابن أبي يعفور
فيستفاد منها ظاهرا أن الشهوة غير كافية في الصحيح بل لابد من الدفق والقوة وإنما تكفي في المريض وحينئذ يعارض الروايات المتقدمة الدالة على وجوب الغسل
بالشهوة والظاهر كما يحكم به الوجدان أن يجمع بينهما بأن بناء الروايات على الغالب فإن قلت يمكن أن يكون هذه الرواية معارضته للروايات المذكورة إذ لا تصريح
فيها بوجود الشهوة في الواقع إذ يمكن أن يكون المراد وجدانها في النوم قلت هذا لا يخلو عن بعد مع أنه يمكن أن يستنبط ما ذكر من التعليل الواقع في الرواية كما لا يخفى
واعلم أن هذه الرواية لا ظهور لها في وجوب الغسل بمجرد الظن كما هو ظاهر الرواية المتقدمة وأما حسنة زرارة فهي مثل صحيحة ابن أبي يعفور وربما يستفاد منها وجوب
الغسل بمجرد الظن أيضا كصحيحة معاوية بناء على لفظة ربما كان هو الدافق بل بالاحتمال أيضا إلا أن يكون ربما للتكثير كما ذكره بعض وأما رواية محمد بن مسلم فهي قريبة
من صحيحة معاوية هذا ما يستفاد من الروايات والمعارضات وفذلكة ما يحصل منها ظاهرا وجوب الغسل مع تحقق الشهوة والدفق وعدم الوجوب بمجرد الشهوة
بدون الدفق في الصحيح ووجوبه في المريض وأما الدفق بدون الشهوة وكذا الخاصية الأخرى من الرايحة بدون الشهوة فالظاهر عدم الوجوب به إلا أن يقال باستفادة
الوجوب بمجرد الظن مطلقا من صحيحة معاوية ويفرض حصول الظن بالخواص الاخر بدون الشهوة فحينئذ يجب الغسل بدون الشهوة أيضا لكن لا يخلو إثباته من إشكال وأما
الفتور فإن كان لازما للشهوة فالامر ظاهر وإن لم يكن لازما فحاله كالدفق وغيره والاحتياط أن لا يترك الغسل فيما يتحقق إحدى هذه الخواص وإن لم يكن غيرها
وكذا الاحتياط في المريض أن لا يترك الغسل لو رأى في المنام أنه احتلم وإن لم يكن يرى بعد الانتباه شيئا ولو رأى بعد الانتباه بللا ولو كان قليلا ولم يكن فيه صفات
المني أصلا فالاحتياط فيه آكد بل لم يبعد القول بالوجوب لصحيحة معاوية هذا كله إذا لم يعلم أنه مني وأما مع فرض العلم فيجب الغسل وإن لم يتحقق فيه إلا صفة واحدة
بل لو لم يوجد صفة أصلا كما ذكرنا سابقا ثم إن المحقق الشيخ علي (ره) قال في شرح القواعد عند قول المصنف وصفاته الخاصة رايحة الطلع والتلذذ بخروجه
والتدفق فإن اشتبه اعتبر بالدفق والشهوة وتكفي الشهوة في المريض فإن تجرد عنها لم يجب الغسل إلا مع العلم بأنه مني هذه الصفات إنما يعتبر حال اعتدال الطبع وهي
متلازمة حينئذ ولو تجد عن بعضها فإنما يكون لعارض وحينئذ فوجود البعض وإن كان هو الرايحة وحدها كاف وقد نبه عليه في المريض فإن تجرد منيه عن الدفق لعارض
وهو ضعف القوة غير قادح لتعلق الحكم به ثم قال ويلوح من عبارة المصنف أن المعتبر عند الاشتباه إنما هو الدفق والشهوة دون باقي الصفات وليس بجيد وذكر أن
ضمير عنهما راجع إلى كل من خاصتي المريض والصحيح ثم قال ولا ينبغي حمل العبارة على غير ذلك لأنه يقتضي عدم وجوب الغسل مع وجود الرايحة وهو باطل بغير خلاف لما
قدمناه من تلازم لصفات إلا لعارض فوجود بعضها كاف وأنت بعد الاطلاع على ما قدمناه لا تحتاج إلى التصريح بما فيه والشهد الثاني (ره) أيضا تبعه في ذلك
في شرح الارشاد وذكر أن العلامة في النهاية صرح به والظاهر أنه ليس كذلك بل مراد النهاية أمر آخر ولا بأس أن نذكر عبارة النهاية حتى تعلم جلية الحال قال في النهاية
بعد ما ذكر أن للمني خواصا ثلاثا الرايحة والدفق والتلذذ وإن مني الرجل غالبا ثخين أبيض ومني المرأة رقيق أصفر ولو استيقظ ولم ير إلا الثخانة والبياض لم يجب
الغسل لاحتمال كونه وذيا فلا يجب بالشك ولو ظن أنه مني باعتبار أن الوذي لا يليق بطبعه أو تذكر وقاع تخيله احتمل استصحاب يقين الطهارة والبناء على الظن
للاحتياط ولا يشترط اجتماع الخواص فلو خرج مني بغير دفق ولا شهوة لمرض أو حمل شئ ثقيل وجب الغسل ثم قال وكيف حصل الانزال وجب الغسل سواء كان بشهوة أو لا
وسواء كان نائما أو لا ولو اشتبه الخارج اعتبره الصحيح باللذة والدفق وفتور الجسد لقول الكاظم (عليه السلام) وذكر حديث علي بن جعفر والمريض بالشهوة وفتور الجسد لضعف
قوته عن التدفق انتهى ولا يخفى أن الظاهر مراده من قوله ولا يشترط اجتماع الخواص أن في حال العلم بكونه منيا لا يشترط ذلك كما يشير إليه قوله فلو خرج مني وكذا ذكر الاشتباه
بعده وحوالة اعتباره بما ذكر فيوافق ظاهر المعتبر والمنتهى والقواعد والارشاد وبالجملة الظاهر مما يستفاد من الروايات ما ذكرنا وهو الظاهر من كلام جمع من الأصحاب كما عرفت
فإن كان مرادهم في الواقع ما هو الظاهر فنعم الوفاق وإن لم يكن ذلك بل ما فهمه المحقق الثاني والشهيد الثاني فهم مطالبون بالدليل اللهم إلا أن يثبت إجماع عليه كما هو
الظاهر من كلام المحقق الثاني هذا وبما ذكرنا ظهر ما في كلام المتن من التشويش والاجمال والله أعلم بحقيقة الحال وقد بقي في المقام شئ وهو أن المراد بالشهوة في هذا المقام
159

هل هو اللذة ومعناها الحقيقي الظاهر الأول كما يشعر به عبارة القواعد المنقولة وكذا ظاهر الروايات أيضا كما يحكم به الوجدان وقال في شرح القواعد وإنما ذكر في
الصفات التلذذ بخروجه وهاهنا الشهوة للاشعار بأنهما في حكم صفة واحدة وذلك لتلازمهما فإذا ذكرت إحديهما فكأنما ذكرت الأخرى وفيه مالا يخفى إذ الشهوة
لا يستلزم التلذذ أصلا ألا يرى أن المذي قد يكون بشهوة مع أنه لا التذاذ فيه بل الوجه في تغيير العبارة الاشعار بأن الشهوة المذكورة في هذا المقام إنما هي التلذذ
(والتقاء الختانين بمعنى التحاذي) عطف على قوله إنزال المني وإنما فسره بالتحاذي لأن الملاقاة حقيقية غير متصورة فإن مدخل الذكر أسفل الفرج وهو مخرج الولد
والحيض وموضع الختان أعلاه وبينهما ثقبة البول وحصول الجنابة بالتقاء الختانين إجماعي أيضا ويدل عليه مع ذلك روايات منها ما رواه التهذيب في باب حكم الجنابة في
الصحيح عن محمد بن إسماعيل قال سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل يجامع المرأة قريبا من الفرج فلا ينزلان متى يجب الغسل فقال إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل قلت
التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة قال نعم وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب ما يوجب الغسل ومنها ما رواه أيضا في الباب المذكور في الصحيح عن علي بن يقطين
قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يصيب الجارية البكر لا يفضي إليها أعليها غسل قال إذا وقع الختان على الختان فقد وجب الغسل البكر وغير البكر والمراد من الافضاء
إما الادخال بتمامه أو الانزال ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) فقال
ما تقولون في الرجل يأتي أهله فيخالطها ولا ينزل فقالت الأنصار الماء من الماء وقال المهاجرون إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل عليه فقال عمر لعلي (عليه السلام)
ما تقول يا أبا الحسن فقال علي (عليه السلام) أتوجبون عليه الرجم والحد ولا توجبون عليه صاعا من ماء إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل فقال عمر القول ما
قال المهاجرون ودعوا ما قالت الأنصار وقد تكلمنا في هذا الحديث في بحث كون وجوب الغسل لنفسه أو لغيره ومنها ما رواه الكافي في الباب المذكور في الصحيح
عن حسين بن علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يصيب الجارية البكر لا يفضي إليها ولا تنزل أعليها غسل وإن كانت ليست ببكر ثم أصابها ولم يفض
إليها أعليها غسل قال إذا وقع الختان على الختان فقد وجب الغسل البكر وغير البكر ومنها ما رواه الفقيه في باب غسل الجنابة في الصحيح عن الحلبي قال قال و
سئل عن الرجل يصيب المرأة فلا ينزل أعليه غسل قال كان علي (عليه السلام) يقول إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل وكان علي (عليه السلام) يقول كيف لا يوجب الغسل والحد
يجب فيه وقال يجب عليه المهر والغسل وأما ما رواه التهذيب في الباب المذكور في الحسن عن الحسين بن أبي العلاء قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يرى في المنام
حتى يجد الشهوة وهو يرى أنه قد احتلم فإذا استيقظ فلم ير في ثوبه الماء ولا في جسده قال ليس عليه الغسل وقال كان علي (عليه السلام) يقول إنما الغسل من الماء الأكبر
فإذا رأى في منامه ولم يرى الماء الأكبر فليس عليه غسل فلا ينافي ما ذكرنا لأن الظاهر أن الحصر إضافي بالنسبة إلى رؤية الجماع في المنام وغير ذلك من المذي وغيره
لا بالنسبة إلى التقاء الختانين أيضا ولو سلم الظهور في الحصر الحقيقي فيختص الالتقاء للجمع بين الروايات مع أنه غير صحيح وكذا ما رواه أيضا في الباب المذكور عن عنبسة بن
مصعب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كان علي (عليه السلام) لا يرى في شئ الغسل إلا في الماء الأكبر
(ويحصل بمواراة الحشفة أو قدرها من المقطوع) الظاهر أنه لا خلاف في وجوب
الغسل عند مواراة الحشفة مطلقا سواء حصل التقاء الختانين أو لا وإن كان إثباته في الصورة الأخيرة بالنظر إلى الروايات لا يخلو من إشكال لان ما يمكن أن يستدل به
عليه رواية محمد بن إسماعيل المتقدمة وهي لا يخلو عن مناقشة لجواز حملها على المتعارف وكذا الظاهر عدم الخلاف في عدم وجوب الغسل لو لم تغب الحشفة بتمامها والروايات
المتقدمة أيضا دالة عليه وأما ما رواه التهذيب في الباب المذكور والكافي أيضا في باب ما يوجب الغسل في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) قال سألته متى
يجب السغل على الرجل والمرأة فقال إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم فمحمول على إدخال الحشفة بقرينة الروايات المذكورة وكذا صحيحة عمر بن يزيد وصحيحة محمد بن
مسلم المتقدمتان في بحث أن الجنابة تحصل بإنزال المني مطلقا وأما مقطوع الحشفة فقد ذكر الأصحاب وجوب الغسل عليه عند غيبوبة قدر الحشفة واستدل عليه في
المنتهى بصحيحة محمد بن مسلم المذكورة آنفا وفيه نظر لأن هذه الرواية إما محمولة على الروايات المتقدمة ويكون المراد من الادخال الواقع فيها إدخال الحشفة
فلا دلالة لها على ما نحن فيه أصلا وأما محمولة على ظاهرها من الاطلاق فتدل على وجوب الغسل بمجرد الادخال سواء كان بقدر الحشفة أو أقل وكذا الكلام في صحيحة
عمر بن يزيد ومحمد بن مسلم المذكورتين لكن يمكن أن يقال لما كان الظاهر حمل هذه الروايات الثلاث على الروايات السابقة فيكون الدليل على وجوب الغسل على
مقطوع الحشفة سواء أدخل بقدر الحشفة أو لا مفقودا لكن لما كان الظاهر اتفاق الأصحاب على الوجوب في الصورة الأولى فيلزم اتباعهم وأما الصورة الثانية فلا اتفاق
فيها فيعمل فيها بأصل البراءة هذا ولا يذهب عليك أنه إذا كان بعض الحشفة مقطوعا فأدخل الباقي فإن كان بحيث يصدق مع إدخاله التقاء الختانين فالظاهر الوجوب
لصدق الالتقاء بل غيبوبة الحشفة أيضا وإن لم يصدق ففيه إشكال وعلى تقدير عدم الوجوب حينئذ هل يشترط إدخال قدر الحشفة
أو القدر الذي يحصل به الالتقاء ولعل الظاهر الثاني وقال المصنف في الذكرى ولو قطع بعض الحشفة كفى الباقي إلا أن يذهب المعظم فيثبت تقدرها انتهى وهذا
التفصيل مما لا مستند له إلا أن يرجع إلى ما ذكرنا (والدبر كالقبل مطلقا) أي سواء كان للمرأة أو الرجل إما دبر المرأة فقد اختلف فيه الأصحاب فالأكثرون ومنهم السيد
160

المرتضى وابن الجنيد وابن حمزة وابن إدريس والمحقق والعلامة في جملة مركبة على وجوب الغسل بالوطي فيه والشيخ في الاستبصار وظاهر النهاية وكذا ظاهر الصدوق
والسلار على عدم الوجوب ويظهر من المبسوط التردد فيه واحتج الموجبون بقوله تعالى وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغايط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء
فتيمموا وجه الاستدلال إن التيمم بدل من الغسل والوضوء فلو لم يجب الغسل باللمس مع وجود الماء لما وجب التيمم به مع فقده وفيه إن اللمس غير محمول على حقيقته اتفاقا
فلا بد من حمله على المجاز ولا دليل على كونه مجازا عن الوطي في الفرجين معا لم لا يجوز أن يكون مجازا عن الوطي المتعارف أي الوطي في القبل وبأن الدبر فرج
إذ الفرج موضع الحدث قبلا كان أو دبرا والجماع في الفرج موجب للغسل بالأحاديث المتقدمة وفيه منع شمول الفرج في العرف للدبر سيما فيما نحن فيه بعد ورود
الروايات بالتقاء الختانين وبصحيحة محمد بن مسلم المنقولة آنفا وفيه إنها محموله على التقاء الختانين بقرينة الروايات كما عرفت وبصحيحة زرارة المتقدمة
الحاكية عن جمع عمر المهاجرين والأنصار وجه الاستدلال أنه يفهم من كلامه (عليه السلام) أن عند وجوب الحد يجب الغسل والحد يجب في وطي الدبر فيجب الغسل وقد مر ما
فيها من الكلام في بحث وجوب الغسل لغيره وبما رواه الاستبصار في باب الرجل يجامع المرأة فيما دون الفرج عن حفص بن سوقه عمن أخبره قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الرجل يأتي أهله من خلفها قال هو أحد المائين فيه الغسل وفيه أنه ضعيف بالارسال وبأن عدم إيجاب الغسل هنا مع إيجابه عند التقاء الختانين من غير إنزال
مما لا يجتمعان والثاني ثابت فينتفي الأول بيان التنافي أن إيلاج الفرج في الفرج المشتهى طبعا بحيث تغيب الحشفة إما أن يكون موجبا للغسل أو لا وأيا ما كان
يلزم عدم الاجتماع أما إذا كان موجبا فلان الغسل يجب في صورة النزاع عملا بالمقتضى وأما إذا لم يكن فلان الغسل لا يجب هناك عملا بأصالة براءة الذمة السالمة
عن معارض كون الغيبوبة علة للغسل وأما ثبوت الثاني فللروايات والاجماع وجوابه أن المراد بالفرج إما ما هو أعم من القبل والدبر أو القبل فقط فإن كان الأول
فنختار الشق الثاني من الترديد المذكور ولا نسلم عدم وجوب الغسل حينئذ عند التقاء الختانين لان أصالة براءة الذمة معارضة بكون الغيبوبة في القبل علة للغسل وإن لم يكن الغيبوبة في القبل علة للغسل وإن لم يكن الغيبوبة في الفرج مطلقا علة
للغسل وإن كان الثاني فنختار الأول ولا نسلم وجوب الغسل حينئذ في صورة النزاع لان المقتضي ليس بمتحقق فيه وأما ما يحتج به على عدم الوجوب منضما إلى أصل البراءة
فما رواه التهذيب في الباب المذكور في الصحيح عن الحلبي قال سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصيب المرأة فيما دون الفرج أعليها غسل إن هو أنزل ولم تنزل هي
قال ليس عليها غسل وإن لم ينزل هو فليس عليه غسل وهذه الرواية في الفقيه أيضا في باب غسل الجنابة بأدنى تغيير لا يضر بالمقصود وأورد عليه إن الفرج أسم للقبل و
الدبر معا لغة وعرفا أما لغة فلانه مأخوذ من الانفراج وأما عرفا فلقوله تعالى والذين هم لفروجهم حافظون وأشار بذلك إلى ذكر الرجل وسماه فرجا للمعنى الذي
هو الانفراج كذا في المختلف وما رواه أيضا في الباب المذكور في الصحيح عن البرقي رفعه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا أتى الرجل المرأة في دبرها فلم ينزل فلا غسل عليهما
فإن أنزل فعليه الغسل ولا غسل عليها وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب ما يوجب الغسل وأورد عليه أنه ضعيف بالارسال ومعارض برواية حفص المتقدمة وأيضا
الاتيان في الدبر أعم من غيبوبة الحشفة وعدمها ولا دلالة للعام على الخاص فيحمل على عدم الغيبوبة لصحة تناول اللفظ له جمعا بين الأدلة وفيه أن التخصيص خلاف الظاهر
لا حاجة إلى ارتكابه لما عرفت من عدم دليل على خلافه حتى يحتاج إلى الجمع إلا أن يجعل على عدم الغيبوبة للجمع بينه وبين رواية حفص لأنها تصلح لمعارضته لاشتراكهما في الارسال
واحتج أيضا بمفهوم إذا التقا الختانان ورد بضعف حجية المفهوم مع أنه منفي هاهنا بالاجماع فإن الانزال إذا تحقق من غير التقاء وجب الغسل فلو دل على نفي الحكم عما عداه
لزم خرق الاجماع وفيه إن خروج بعض ما عداه عن حكم المفهوم بالاجماع لا يستلزم خروج الباقي أيضا مما لا دليل على خروجه نعم يمكن أن يقال عموم المفهوم ممنوع وحينئذ لم يثبت
ما ادعوه وبصحيحة عمر بن يزيد ومحمد بن مسلم المتقدمتين في بحث حصول الجنابة بإنزال المني وفيهما أيضا ما في الرواية الأولى هذا ما يمكن أن يستدل به على الجانبين
وظهر مما ذكر أن الظاهر بالنظر إلى الأدلة المذكورة عدم وجوب الغسل لان أصل البراءة ليس ما يعارضه كما عرفت لكن قال السيد المرتضى لا أعلم خلافا بين المسلمين أن الوطي
في الموضع المكروه من ذكر أو أنثى يجري مجرى الوطي في القبل مع الايقاب وغيبوبة الحشفة في وجوب الغسل على الفاعل والمفعول به وإن لم يكن إنزال ولا وجدت في الكتب
المصنفة لأصحابنا الامامية إلا ذلك ولا سمعت من عاصرني منهم من شيوخهم نحوا من ستين سنة يفتي إلا بذلك فهذه مسألة إجماع من الكل ولو شئت أن أقول أنه
معلوم بالضرورة من دين الرسول (صلى الله عليه وآله) إنه لا خلاف بين الفرجين في هذا الحكم ومع وجود هذا التشديد العظيم من مثل هذا السيد الكبير لا يمكن الاجتراء على
القول بعدم الوجوب فالأولى متابعة الأكثرين والاحتياط في إيقاع الحدث بعد ذلك الغسل والتوضي بعده وأما دبر الرجل ففيه أيضا الخلاف كدبر المرأة والسيد المرتضى
قايل هاهنا أيضا بالوجوب كما نقلنا وتردد الشيخ في المبسوط والمحقق ذهب هاهنا إلى عدم الوجوب حجة الموجبين وجوه الأول إنكار علي (عليه السلام) على الأنصار كما تقدم وفيه ما
تقدم أيضا الثاني أنه إيلاج فرج في دبر مشتهى طبعا فيجب الغسل كدبر المرأة وقبلها ولا يخفى ضعفه الثالث الاجماع المركب فإن كل من قال بوجوبه في دبر المرأة قايل بوجوبه
في دبر الرجل وقد ثبت الوجوب في دبر المرأة فثبت في دبر الرجل أيضا هكذا نقلوا عن السيد المرتضى (ره) وأنت خبير بأنه لا حاجة له إلى دعوى الاجماع المركب إذ قد عرفت
إنه ادعى الاجماع بل الضرورة على وجوب الغسل في وطي الدبر سواء كان للذكر أو الأنثى إلا أن يكون مراده إقامة دليل آخر على المدعى من غير ما ادعاه من الاجماع المنقول
161

سابقا ويكون المراد من ثبوته في دبر المرأة ثبوته بأدلة أخرى غير الاجماع وقد رد المحقق (ره) في المعتبر هذا الدليل بعدم ثبوت الاجماع المركب واعترض عليه بأن
الاجماع المنقول بخبر الواحد حجة وللكلام فيه مجال ويرد أيضا على الدليل إن الثبوت في دبر المرأة ممنوع كما عرفت إلا أن يتمسك بالاجماع وحينئذ لا حاجة إلى الاجماع المركب لان الاجماع
المنقول شامل لهما معا وحجة القول بعدم الوجوب الأصل ومفهوم الشرط في إذا التقى الختانان والثاني لا قوة له والأول قوي لكن هاهنا لا يجزي النفس على ذلك لما
ذكره السيد (ره) والاحتياط أن يغتسل ويحدث ويتوضأ (والقابل كالفاعل) لا خلاف في هذا الحكم كما ظهر من الكلام المنقول عن السيد (ره) والقايلون بعدم الوجوب في
الدبر أيضا لا يفرقون بين الفاعل والقابل (والحي كالميت) الأولى العكس نص عليه الشيخ في المبسوط وقال في الخلاف أما فرج الميتة فلا نص لهم فيه أصلا ثم ذكر أن الظاهر
وجوب الغسل لما روي عنهم (عليه السلام) من أن حرمة الميت كحرمة الحي ولأن الظواهر المتضمنة لوجوب الغسل على من أولج في الفرج تدل على ذلك بعمومها وطريقة الاحتياط
يقتضيه ولا يخفى أن هذه الدلايل لا تكاد تتم أما الأول فلان كون حرمته كحرمة الحي لا يدل على المرام أصلا لان وجوب الغسل بالوطي ليس لأجل حرمة الحي وأما الثاني
فلان الظواهر المذكورة إنما يحمل على المعهود المتعارف كما هو الظاهر وأما الثالث فظاهر وقد يستدل عليه أيضا بإنكار علي (عليه السلام) على الأنصار وفيه أيضا ما مر فالظاهر
التمسك بالأصل والسكوت عما سكت الله عنه اللهم إلا أن يكون إجماع عليه (والامر) الاحتياط واضح إعلم أنه لا فرق في كون الميت فاعلا أو مفعولا لاجراء الوجوه
فيهما معا (وفي البهيمة قولان أحوطهما الوجوب) القول بعدم الوجوب قول الشيخ في بحث الجنابة من الخلاف والمبسوط وإن كان ظاهر كلامه في كتاب الصوم منه الوجوب
ويفهم من كلام السيد المرتضى أيضا ذهاب أصحابنا إلى الوجوب واختاره العلامة في المختلف والأول أظهر للأصل وعدم ما يعارضه واحتج في المختلف بقول
علي (عليه السلام) في إنكار الأنصار وقد عرفت ما فيه ويحتج أيضا بقول ما أوجب الحد أوجب الغسل ولم يثبت عندنا وبأنه جماع في فرج فأشبه فرج الادمي ولا يخفى ضعفه واعلم إن العلامة في النهاية استشكل في إيجاب الغسل
بالايلاج في فرج البهيمة ثم قال في موضع آخر وكذا يجب الغسل على من غاب فرج الميت والدابة في فرجه وكان مراده إنه على تقدير القول بالوجوب في وطي البهيمة يجب على
المفعول أيضا إذا كان الفاعل بهيمة لا أنه يختصر بالفاعل وإلا فالفرق بين الفاعل والمفعول في الاستشكال وعدمه
مما وجه له ظاهرا والاحتياط هاهنا أيضا مثل ما سبق
(وواجد المني على جسده أو ثوبه المختص يغتسل ويعيد كل صلاة لا يمكن سبقها وفي المبسوط يعيد ما صلاه بعد آخر غسل رافع وهو احتياط حسن) الظاهر أن وجد أن المني على الجسد أو
الثوب المختص إنما يكون هذا حكمه إذا لم يحتمل أن يجئ من خارج وإلا فلا للاجماع على أن اليقين بالطهارة لا ينقض بالشك ثم إن وجوب الغسل على ذلك الواجد فمما لا شك فيه
إذ الفرض حصول العلم بالجنابة وبعد العلم يجب الغسل البتة لما سبق ويدل عليه أيضا ما رواه التهذيب في زيادات باب الأغسال في الموثق عن سماعة قال سألته عن الرجل
يرى في ثوبه المني بعد ما يصبح ولم يكن رأى في منامه أنه قد احتلم قال فليغتسل وليغسل ثوبه ويعيد صلاته وما رواه أيضا في هذا الباب عن سماعة في الموثق قال سألته أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الرجل ينام ولم ير في نومه أنه قد احتلم فوجد في ثوبه وعلى جسده (فخذه) الماء هل عليه غسل قال نعم وأما ما رواه في هذا الباب عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الرجل يصيب بثوبه منيا ولم يعلم أنه احتلم قال ليغسل ما وجد بثوبه وليتوضأ فسنده لا يخلو عن جهالة ويمكن حمله أيضا على ما إذا احتمل أن يكون من غيره
جمعا بين الاخبار وأما إعادة كل صلاة لا يمكن سبقها على الجنابة فبناء على وجوب قضاء الصلاة التي صليت بغير طهارة سواء كان عمدا أو نسيانا أو جهلا في الوقت
وخارجه وسيجئ القول فيه إن شاء الله تعالى في موضعه ووجه التقييد بعدم إمكان سبقها على الجنابة إنه مع الامكان يرجع إلى الشك في الحدث واليقين في الطهارة فلا عبرة
به وأما قول المبسوط فلا وجه له ظاهرا سوى الاحتياط وهو لا يصلح دليل الوجوب ولا يخفى أن لا احتياط في إعادة كل ما يكون بعد آخر الأغسال إذ ما وقع بعده وقبل
النوم لا احتياط في إعادتها أصلا وأيضا مقتضى الاحتياط أن يعيد ما صلاه قبل آخر الأغسال أيضا إذا احتمل أن يكون خروج المني سابقا عليه والأولى أن يقال
بإعادة كل صلاة لا يعلم سبقها على المني ولم يفصل بينها وبينه على تقدير سبقه غسل رافع ثم اعلم أن إعادة الصلاة هاهنا يمكن أن يكون بالنظر إلى الحدث
والخبث معا وبالنظر إلى أحدهما فقط وما ذكرنا من الشيخ إنما هو بالنظر إلى الحدث وأما بالنظر إلى الخبث فقد ذكر في المبسوط إنه يستحب أن يعيد كل صلاة صلاها
من أول نومة نامها في ذلك الثوب ويجب أن يعيد ما صلاها من آخر نومة نامها فيه ثم قوى عدم وجوب إعادة شئ من الصلوات عليه إلا ما لم يخرج وقتها بناء على
أن الظاهر عنده عدم الإعادة الجاهل بالنجاسة إذا خرج الوقت وسيجئ تفصيل القول فيه إن شاء الله تعالى واعلم أن صاحب المدارك (ره) ذكر أن الأظهر أنه إنما يحكم عليه
بالجنابة من آخر أوقات إمكانها تمسكا بأصالة عدم التيقن واستصحابا للطهارة المتيقنة إلى أن يقين الحدث وحينئذ يحكم عليه بكونه محدثا ويجب عليه قضاء ما يتوقف
على الطهارة من ذلك الوقت إلى أن يتحقق منه طهارة رافعة ثم قال وذهب الشيخ (ره) في المبسوط أولا إلى إعادة كل صلاة لا يعلم سبقها على الحدث ثم قوى ما اخترناه
وقوته ظاهرة انتهى وأنت خبير بما نقلنا عن المبسوط إن ما نقله (ره) عنه لا يوافق الواقع (ولو اشترك الثواب أو الفراش فلا غسل نعم يستحب) وجه عدم الوجوب ظاهرا
لاستصحاب يقين الطهارة وأما الاستحباب فلا دليل عليه ظاهرا إلا أن يتمسك بعموم الأدلة المقتضية لرجحان الاحتياط في الدين وبذهاب الأصحاب إليه
(ولو قيل بأن الاشتراك إن كان معا سقط عنهما وإن تعاقب وجب على صاحب النومة كان وجها) وذهب إليه الشهيد الثاني (ره) أيضا في شرح الارشاد ولا وجه له
162

ظاهرا لأنه مع احتمال أن يكون خروج المني سابقا على المنوية يرجع أيضا إلى الشك في الحدث ويقين الطهارة فلا عبرة به وكون الوجدان في نوبته لا مدخل له أصلا
إلا أن يورث علما بأنه منه فيخرج عن محل النزاع أو ظنا فيبني الكلام على العبرة بالظن وعدمها وبالجملة الفرق بين كون الاشتراك بطريق الاجتماع والتعاقب
لم يظهر له وجه فالأولى التعميم (ولو لم يعلم صاحب النوبة فكالمعية) وجهه ظاهر (وباجتماعهما يقطع بجنب على الأقرب) ذهب إليه المحقق في المعتبر وقيل بسقوط
اعتبار الجنابة في الجميع مال إليه العلامة في جملة من كتبه وتظهر فايدة الخلاف في انعقاد الجمعة بهما وإيتمام أحدهما بصاحبه إذ على الأول لا ينعقد الجمعة بهما
لان أحدهما جنب البتة ولا تصح صلاة المأموم لأنه نفسه أو إمامه جنب ونقل عن بعض الجمهور فساد صلاتهما معا وعلى الثاني ينعقد وتصح صلاتهما معا والظاهر
هو القول الثاني حجة الأول القطع بحدث أحدهما البتة وفيه أنه لو أريد القطع بخروج المني عن أحدهما فمسلم لكن خروج المني عن واحد لا بعينه لا يوجب حكما ولو أريد
القطع بكون أحدهما لا بعينه جنبا لا تصح منه الافعال التي لا تصح من الجنب وتتعلق صلاة به أحكامه فظاهر الفساد لأن عدم صحة أفعال واحد منهما لا بعينه وتعلق
أحكام الجنب به مع أن كل واحد بعينه أفعاله وأعماله صحيحة ولا يتعلق به حكم الجنب مما لا معنى له وبالجملة القدر المسلم في اشتراط انعقاد الجمعة أن تكون صلاة
كل من العدد صحيحة في الواقع وهاهنا كذلك وأما ما وراء ذلك فلا وكذا يلزم في صحة صلاة المأموم عدم علمه بفساد صلاة الامام وقد تحقق هاهنا ومن يدعي
الزايد على ذلك فعليه البيان وبما ذكرنا ظهرت حجة القول الثاني واعلم أنه لا خلاف ظاهرا في جواز دخولهما المساجد دفعة وقرائتهما العزائم دفعة ونحو
ذلك نعم لو حمل أحدهما الاخر وأدخله المسجد لكان الظاهر على القول الأول أنه فعل حراما لأنه دخل جنبا ولا يخفى أن الحكم بالحرمة هاهنا أقرب من الحكم بعدم انعقاد الجمعة
وعدم صحة صلاة المأموم وإن كان الاثبات هاهنا أيضا مشكلا ولا يبعد أن يكون الحال في إدخال من يعلم أنه جنب مع عدم علمه نفسه أيضا كذلك وكأنه أقرب
إلى الحرمة والاحتياط في الجميع واضح (ولو خرج المني من المرأة بعد الغسل أجنبت إن علمت اختلاطهما) أي مني الرجل بمنيها (أو شكت في الأقرب وإلا فلا) لاخفاء في
وجوب الغسل بعد العلم باختلاط المائين وأن الخارج منهما جميعا وأما ما رواه التهذيب في أواخر باب حكم الجنابة عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته
عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شئ قال يعيد الغسل قلت فالمرأة يخرج منها بعد الغسل قال لا تعيد الغسل قلت فما الفرق بينهما قال لان ما يخرج
من المرأة ماء الرجل وذكر أيضا إن مثل ذلك ورد بطريق آخر أيضا وذلك الطريق صحيح ورواه الكافي أيضا في باب الرجل والمرأة يغتسلان من الجنابة فكان المراد
منه أن مع عدم العلم بخروج منيها لا يجب الغسل لان ما يخرج منها يمكن أن يكون ماء الرجل وإلا فظاهره لا يخلو من إشكال إذ الظاهر إمكان أن يخرج مني المرأة من فرجها
والله أعلم وأما مع الشك فقد ذكر المصنف في الذكرى أن الأحوط حينئذ وجوب الغسل وهو أقرب من قوله في الأقرب هاهنا لأنه يرجع إلى الشك في الحدث واليقين
في الطهارة فلا عبرة به ولا دليل على الوجوب هاهنا بخصوصه مع أن الرواية المذكورة تعضد الاستصحاب المذكور وأما عدم الوجوب مع عدم التعليم والشك
فظاهر للأصل والرواية المذكورة ويدل عليه أيضا ما رواه التهذيب في الباب المذكور عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة تغتسل
من الجنابة ثم ترى نطفة الرجل بعد ذلك هل عليها غسل فقال لا وهذه الرواية في الكافي أيضا في الباب المتقدم وسيجئ لهذا تتمة في مبحث وجدان البلل
المشتبه بعد الغسل (ولا يجب ببعض الحشفة) قد تقدم الكلام فيه (ولا بإيلاج الخنثى فرجه في امرأة أو خنثى) المراد بالخنثى المشكل إذ غير حكمه حكم ما ألحق به وعدم
وجوب الغسل بإيلاج فرجه في فرج المرأة بناء على جواز أن يكون زايدا فلا يتعلق به حكم واحتمل العلامة في التذكرة وجوب الغسل عليهما معا وكأنه لعموم
إذا التقا الختانان ويمكن منعه بحمله على المتعارف وكذا إيلاجه في فرج الخنثى وفيه أيضا الاحتمال المذكور (ولا بإيلاج الرجل في قبله على الأقوى) هذا أيضا
لجواز الزيادة ووجه التذكرة الوجوب للعموم المذكور ووجوب الحد وقد يمنع الوجهان كما مر غير مرة وألزمه المصنف في الذكرى بالوجوب ولو علم رجولية المولج فيه ولا
يبعد أن يلتزمه اللهم إلا أن يكون إجماع على عدمه وحينئذ يظهر الفرق ولا نقض (ويجب لو أولج الرجل في دبره) بناء على الوجوب في الدبر ووجهه ظاهر (أو أولج رجل في
قبله وأولج الخنثى في فرج امرأة) لأنه لا يخلو من أن يكون رجلا أو امرأة فإن كان رجلا فيجب عليه الغسل بإيلاجه في فرج المرأة وإن كان امرأة فيجب بإيلاج الرجل في قبله (وأما الرجل
والمرأة فأحدهما جنب لا بعينه) إذ على تقدير الأنوثية الرجل جنب دون المرأة وعلى تقدير الذكورية بالعكس فيكون أحدهما لا بعينه جنبا ويكون الحكم كما في واجدي
المني في الثوب المشترك وعلى الاحتمال المنقول من التذكرة الجميع جنب والأقرب تعلق الاحكام بإيلاج الصبي والصبية) بناء على عموم إذا التقا الختانان ويحتمل العدم
بحمله على المتعارف وادعاء ظهوره في التعلق بالمكلفين ويعضده أصل البراءة وثمرة النزاع وجوب منعهم من المساجد ومس المصحف وقراءة العزايم ووجوب الغسل
وعليهم بعد البلوغ وفي الثمرة الأولى نظر ولو كان أحد الطرفين بالغا فقد قطع العلامة في التذكرة والمصنف في الذكرى بالوجوب عليه (والملفوف) بناء على صدق
التحاذي ويحتمل عدمه لان استكمال اللذة إنما يحصل بارتفاع الحجاب كذا في النهاية وفيه نظر نعم يمكن تعليله بمنع صدق الالتقاء والتمسك بالأصل واحتمل
في النهاية التفصيل باعتبار الخرقة فإن كانت لينة لا تمنع وصول بلل الفرج إلى الذكر ووصول الحرارة من أحدهما إلى الاخر وجب وإلا فلا ولا ظهور به أيضا إلا
163

أن يقال أن في الأول يصدق الالتقاء دون الثاني (وفي المقطوع) أي الذكر الذي قطع وانفصل من البدن (وآلة البهيمة نظر) بناء على صدق الالتقاء وعدم التعارف
والظاهر العدم تمسكا بالأصل وعدم ظهور ما يعارضه ولعل الفرق بين فرج البهيمة وإدخال آلته حيث فصل بينهما في الذكر بناء على وجوب الحد في الأول دون الثاني
فيكون دليل وجوب الغسل في الأول أظهر لكن الظاهر من كلام النهاية كما نقلنا سابقا أنه يرى الامر بالعكس ولا يبعد أن يفهم هذا من كلام المصنف أيضا حيث استشكل هاهنا
وحكم باحتياط وجوب الغسل في الأول المشعر باعتقاد عدم الوجوب ولم يظهر له وجه ويجب على الكافر بناء على أن الكفار مكلفون بالفروع لكن لا يصح منهم حال كفرهم
وقد منعه بعض وموضعه في الأصول (ولا يجبه الاسلام) والظاهر لا خلاف بيننا في عدم سقوطه بالاسلام إذ لم ينسب إلى أحد منا القول بخلافه وإنما نسب في المنتهى
القول به إلى أبي حنيفة واحتج على عدم السقوط بقوله تعالى وإن كنتم جنبا فاطهروا وكذا عموم الروايات الواردة بالغسل وبأنه لو كان محدثا بحدث أصغر لم يجز له الدخول
في الصلاة إلا بالطهارة فكذا في الغسل والأخير ضعيف واحتج المسقطون بأنه لم ينقل عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه أمر أحدا بالغسل مع كثرة من أسلم من البالغين
وهم غالبا لا يكادون يسلمون عن حدث الجنابة وبقوله (عليه السلام) الاسلام يجب ما قبله وأجيب عن الأول بالمنع من الترك إذ قد روى أبو داود عن قيس بن عاصم قال
أتيت النبي (صلى الله عليه وآله) أريد الاسلام فأمرني أن أغتسل مع أنه لا يلزم أن يأمرهم بخصوصهم بل تكفي الأوامر الواردة بالغسل عموما وهو أيضا مثل ساير التكليفات
التي لم يأمرهم بها حين الاسلام بخصوصهم وعن الثاني بالقدح بالسند ومنع عمومه بحيث يشمل ما نحن فيه
(ويتعلق بالجنابة حرمة الصلاة والطواف) بالاجماع (ومس
خط المصحف) بالاجماع أيضا قال في المعتبر وهو إجماع فقهاء الاسلام وفي المنتهى وهو مذهب علماء الاسلام ولعلهما حملا الكراهة في كلام ابن الجنيد على التحريم
أو يعتدا بخلافه أو انعقد الاجماع بعده والفاضل الأردبيلي وصاحب المدارك رحمهما الله أسندا القول بالكراهة إلى المبسوط أيضا وهو سهو لأنه إنما قال بها
في المحدث وأما في المجنب فقد صرح بالتحريم واستدل أيضا بقوله تعالى لا يمسه إلا المطهرون وقد تقدم الكلام فيه في فواتح الكتاب وقد مر أيضا في بحث تحريم المس للمحدث بعض
الروايات الذي يمكن أن يستدل به على هذا المطلب ولو لم يكن دعوى الاجماع لم يبعد القول بالكراهة لكن الأولى حينئذ الاخذ بالحرمة ثم أنه قد تقدم في أوايل الكتاب في
بحث مس المحدث الفروع التي يتعلق بالمس من المس باليد والجسد والكم وكذا مس الآيات وإن لم يكن في المصحف ونحوها فقس هاهنا عليه واعلم أنه قال المصنف (ره) في الذكرى
ولا يمنع من مس كتب الحديث ولا الدراهم الخالية من القرآن أو المكتوب عليها القرآن ففي خبر محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) إني لأوتى بالدرهم فآخذه وإني لجنب ثم
ذكر أنه عليه سورة من القرآن انتهى والظاهر أن الخبر الذي رواه ما في المعتبر قال فيه وفي جامع البزنطي عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) سألته هل يمس الرجل الدرهم
الأبيض وهو جنب فقال والله إني لأوتى بالدرهم فآخذه وإني لجنب وما سمعت أحد يكره من ذلك شيئا إلا أن عبد الله بن محمد كان يعيبهم عيبا شديد يقول جعلوا
سورة من القرآن في الدرهم فيعطى الزانية وفي الخبر ويوضع على لحم الخنزير انتهى ولا يخفى إن ما فهمه المصنف من هذا الكلام لا يخلو من شئ إذ لم يظهر أن من قوله وما
سمعت إلى الاخر كلام الإمام (عليه السلام) فحينئذ لا دلالة إلا أن يقال إنه يشعر بأن الدراهم البيض التي كانت في زمانه (عليه السلام) يجعل فيها السورة وهذا أيضا إنما يتم لكان
من كلام محمد بن مسلم أو يكون عبد الله بن محمد في زمان الإمام (عليه السلام) (وما عليه اسم الله تعالى) المراد مس نفس الاسم لا مس شئ كتب عليه الاسم وعموم ما عليه يدل على تحريم
المس وإن كان على درهم أو دينار واستدل عليه بأن فيه التعظيم لشعاير الله بما رواه التهذيب في باب حكم الجنابة في الموثق عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا يمس
الجنب درهما ولا دينارا عليه اسم الله تعالى ويمكن المناقشة في كل من الدليلين مع أن التهذيب روى في الباب المذكور في الموثق عن إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم (عليه السلام)
قال سئلته عن الجنب والطامث يمسان بأيديهما الدراهم البيض قال لا بأس وأيضا نقل المحقق في المعتبر عن كتاب الحسن بن محبوب عن خالد عن أبي الربيع عن أبي عبد الله
(عليه السلام) في الجنب يمس الدراهم وفيها اسم الله واسم رسوله قال لا بأس به ربما فعلت ذلك وقد أجاب
الشيخ عن الرواية الأولى بأنه يمكن أن يكون إنما أجازه ذلك إذا
لم يكن عليها اسم الله تعالى وإن كانت الدراهم بيضا ويمكن أن يجاب عن الأخرى أيضا بأن المراد مس موضع ليس فيه الاسلام من الدراهم لكن لا يخفى أنه خلاف الظاهر
الذي يقتضيه النظر بالنظر إلى هذه الأدلة جواز مس اسم الله تعالى سيما إذا كان في دينار أو درهم لكن رعاية التعظيم ومتابعة الأصحاب ربما يمنع النفس عن الاجتراء
على الحكم بالجواز (أو أسماء الأنبياء والأئمة (عليه السلام) قال المحقق في المعتبر قاله الشيخان ولا أعرف المستند ولعل الوجه رفع أسمائهم (عليه السلام) عن ملاقاة ما ليس بطاهر وليس حجة
موجبة للتحريم والقول بالكراهة أنسب (وقراءة العزائم) العزائم في اللغة الفرايض كما في القاموس والمراد هاهنا السور التي فيها السجدات الواجبة وهي أربع سورة ألر وحم السجدة
والنجم واقرأ باسم ربك وتسميتها بالعزائم باعتبار إيجاب السجدة عند قرائتها وتحريم قرائتها على الجنب إجماعي منا كما نص عليه المنتهى والمعتبر ويدل عليه أيضا ما رواه
التهذيب في باب حكم الجنابة في الموثق عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال الحايض والجنب يقرآن شيئا قال نعم ما شاء إلا السجدة ويذكران الله تعالى على كل حال
وما رواه أيضا في زيادات باب الأغسال في الحسن عن محمد بن مسلم قال قال أبو جعفر (عليه السلام) الجنب والحايض يفتحان المصحف من وراء الثوب ويقرآن القرآن ما شاء إلا السجدة
ويدخلان المسجد مجتازين ولا يقعدان فيه ولا يقربان المسجدين الحرمين وهاتان الروايتان وإن أمكن المناقشة فيهما من حيث السند لكن معاضدتهما بالاجماع يكفي
164

في الحكم وقد روى الصدوق (ره) في علل الشرايع رواية صحيحة عن زرارة قال قلت فهل يقرآن من القرآن شيئا قال نعم ما شاء إلا السجدة ويذكران الله من القرآن على كل حال وبهذه
يزيد الحكم تقوية وروى المعتبر أيضا ذلك الحكم عن جامع البزنطي عن الحسن الصيقل عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقد استدل الشيخ (ره) في التهذيب على الحرمة بأن في هذه
السور سجودا واجبا ولا يجوز السجود إلا لطاهر من النجاسات بلا خلاف وفيه توقف إذ لم يثبت الاجماع على ما ادعاه كما سيجئ في بابه إن شاء الله تعالى مع أنه (ره) قال بعيد هذا
باستحباب السجدة على الطامث إذا سمعتها وقد يعتذر بأن مراده من عدم جواز السجود إلا للطاهر السجود الواجب ولا يخلو عن بعد ولعل مراده من النجاسات الحكمية والعينية
وإلا فلا دلالة على ما ادعاه لو اختص بالعينية كما هو الظاهر (وأبعاضها) الظاهر أنه أيضا لا خلاف فيه بيننا وإن كان دلالة الأدلة المذكورة سابقا عليه محل نظر إذ
غاية ما يدل عليه الروايات حرمة نفس السجدة وأما غيرها فلا وكذا ما استدل به الشيخ (ره) لكن الاجماع ظاهرا هو المتبع (ولو اشتركت الآية ونواها حرمت) هذا الحكم بناء
على حرمة الابعاض ظاهر (ودخول المساجد إلا اجتياز إلا المسجدين) أي المسجد الحرام ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) حرمة لبث الجنب في المساجد وجواز اجتيازه فيها سوى المسجدين
مما أطلق عليه الأصحاب سوى ما نقل عن سلار أنه قال بكراهة اللبث في المساجد وأطلق الحكم ولم يفرق بين المسجدين وغيرهما والظاهر ما ذهب إليه الأكثر ولا يخفى إنه يرجع إلى
ثلاثة أمور اللبث في المساجد مطلقا وجواز الاجتياز فيما عدا المسجدين وحرمته فيهما فلنستدل على كل منها أما عدم جواز اللبث في المساجد مطلقا فلقوله
تعالى ولا جنبا إلا عابري سبيل إذ الظاهر أن المراد من الصلاة مواضعها يتحقق معنى العبور والقربان مع أنه فسر في الرواية الصحيحة بما ذكر وهي ما رواه الصدوق في علل
الشرايع عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قالا قلت له الحايض والجنب يدخلان المسجد أم لا فقال الحايض والجنب لا يدخلان المسجد إلا مجتازين إن الله
تبارك وتعالى يقول ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا ويأخذان من المسجد ولا يضعان فيه شيئا قال زرارة قلت له فما بالهما يأخذان منه ولا يضعان فيه قال لأنهما
لا يقدران على أخذ ما فيه إلا منه ويقدر أن على وضع ما بيدهما في غيره ولتلك الرواية الصحيحة ولما رواه التهذيب في باب حكم الجنابة في الحسن عن جميل قال سئلت أبا عبد
الله (عليه السلام) عن الجنب يجلس في المساجد قال لا ولكن يمر فيها كلها إلا المسجد الحرام ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب الجنب يأكل
ويشرب وفيه موضع الرسول النبي (صلى الله عليه وآله) ولحسنة محمد بن مسلم المتقدمة آنفا ولما رواه الكافي في الباب المذكور عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال للمجنب أن يمشي في المساجد كلها ولا يجلس فيها إلا المسجد الحرام ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) ولما رواه التهذيب في زيادات باب تحريم المدينة عن محمد
حمران عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن الجنب يجلس في المسجد قال لا ولكن يمر فيه إلا المسجد الحرام ومسجد المدينة وهذه الروايات وإن أمكن المناقشة فيها
بحملها على الكراهة لكن يدفعها شهرة الحرمة بين الأصحاب وكذا الآية مع أن في الآية مرجحا آخر للحمل على الحرمة هو كون النهي عن قربان الصلاة سكارى محمولا على
الحرمة ومما يمكن أن يستدل به لسلار الأصل وقد عرفت ما يعارضه وما رواه التهذيب في زيادات باب الأغسال في الصحيح ظاهرا عن محمد بن القاسم قال سألت أبا الحسن (عليه السلام)
عن الجنب ينام في المسجد فقال يتوضأ ولا بأس أن ينام في المسجد ويمر فيه قال في المعتبر وهذه الرواية متروكة بين أصحابنا لأنها منافية لظاهر التنزيل ويمكن أن تحمل على
التقية لموافقتها لمذهب بعض العامة ولا يذهب عليك أنه لو لم يكن الشهرة العظيمة بين الأصحاب لأمكن الجمع بين الروايات بحمل ما تقدم على الكراهة وحمل هذه
الرواية على نفي الحرمة لكن الأولى اتباع الشهرة وأما جواز الاجتياز فيما عدا المسجدين فيدل عليه مضافا إلى الاجماع الآية والروايات المنقولة واعلم أن الظاهر
من كلام القوم جواز العبور في المساجد وأما المشي في جوانبها فلم يجوزوه كما صرح به في النهاية وكذا اللبث بدون الجلوس بطريق الأولى ولا يخفى أنه الظاهر
من الآية والصحيحة المذكورة وأما الروايات الأخرى ففي ظهورها في هذا المعنى تأمل سيما رواية جميل المنقولة عن الكافي لكن الأولى العمل بما هو ظاهر الآية والصحيحة وكلام
القوم وأيضا مقتضى الاحتياط أن يكون المرور بأن يدخل من باب ويخرج من آخر لا بأن يذهب ويرجع وإن كان إثباته بالدليل مشكلا وأما حرمة الجواز في المسجدين فتدل
عليه الروايات المتقدمة واعلم أن الصدوق (ره) في الفقيه أطلق القول بجواز الجواز في المساجد ولم يستثن المسجدين ونسب المصنف في الذكرى هذا الاطلاق إلى أبيه و
المفيد أيضا وذكر أيضا في الفقيه أنه لا بأس أن ينام الجنب في المسجد وكان مستنده خبر محمد بن القاسم المذكور والحكم به مشكل مع معارضته بالروايات الكثيرة وعدم
عمل الأصحاب بمضمونه واعلم أيضا أن المصنف والشهيد الثاني (ره) ألحقا المشاهد المقدسة والضرايح المشرفة بالمساجد في هذا الحكم لاشتمالها على فايدة المسجدية وزيادة تشرفها
بمن نسبت إليه ولا يخلو من إشكال وإن كان الأحوط التجنب عنها حال الجنابة (ووضع الشئ فيها ويجوز الاخذ منها) هذا أيضا هو المشهور بين الأصحاب ونقلوا عن سلار
القول بكراهة الوضع والظاهر المشهور لما رواه التهذيب في باب حكم الجنابة في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله (عليه لسلام) عن الجنب والحايض يتناولان
من المسجد المتاع يكون فيه قال نعم ولكن لا يضعان في المسجد شيئا وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب الجنب يأكل ويشرب وللصحيحة المنقولة عن علل الشرايع حجة سلار
الأصل وبحمل الروايتين على الكراهة لكن الأصل قد خرج عنه بالدليل والحمل على الكراهة وان كان احتمالا قريبا لكن الشهرة بين الأصحاب يدفعه (ويكره قراءة
ما زاد على سبع ولم يجوز الزيادة ابن البراج وعن سلار تحريم القراءة مطلقا) المشهور بين الأصحاب جواز قراءة ما عدا العزائم مطلقا وكراهة ما زاد على السبع
165

أو السبعين وفي التذكرة إن ما زاد على السبع مكروه وما زاد على السبعين أشد كراهة وقال الفقيه ولا بأس بأن يقرأ الجنب القرآن كله ما خلا العزائم وقال ابن إدريس
له أن يقرأ جميع القرآن سوى العزائم وأنت خبير بإمكان حملهما على المشهور بأن يحملا على نفي الحرمة والجواز وقال الشيخ في النهاية ويقرأ من القرآن من أي موضع ما شاء
ما بينه وبين سبع إلا أربع سور وفي المبسوط يجوز أن يقرأ من القرآن ما شاء غير العزايم والاحتياط أن لا يزيد على سبع آيات أو سبعين آية ويمكن حملهما أيضا على المشهور
سيما عبارة المبسوط بل ظاهرها ما هو المشهور وقال العلامة في المختلف وبعض أصحابنا لا يجوز إلا ما بينه وبين سبع آيات أو سبعين آية والزايد على ذلك محرمة مثل
الأربع سور وقال في المنتهى وقال بعض الأصحاب يحرم ما زاد على سبعين وكان المراد بهذا البعض ابن البراج وحينئذ ما نسب إليه المصنف من عدم تجويزه الزيادة على سبع غير
صحيح لكن قال الشيخ في الخلاف يجوز للجنب والحايض أن يقرأ القرآن وفي أصحابنا من قيد ذلك بسبع آيات وهو موافق لما ذكر المصنف ونسب العلامة إلى الشيخ القول بتحريم
الزيادة على السبعين في كتابي الاخبار وهو إن كان ظاهر التهذيب لكن كلامه في الاستبصار يدل على تردده بين جواز ما زاد وحرمته وقد نقل المصنف في الذكرى عن
سلار قولين أحدهما ما ذكره في هذا الكتاب وثانيهما الجواز مطلقا والمرتضى في الانتصار والشيخ في الخلاف ظاهرا والمحقق في المعتبر ادعوا الاجماع على الجواز
فإن كان مرادهم الجواز مطلقا فيكون ما نسب إلى سلار وابن البراج مخالفا للاجماع وإن كان المراد الجواز في الجملة فقول سلار مخالف دون ابن البراج والظاهر الجواز
مطلقا وكراهة ما زاد على السبع واشتدادها فيما زاد على السبعين أما الجواز مطلقا فعليه مضافا إلى الأصل روايات منها ما رواه التهذيب في باب حكم الجنابة في
الصحيح عن عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن الجنب يأكل ويشرب ويقرء القرآن قال نعم يأكل ويشرب ويقرءه ويذكر الله عز وجل ما شاء وهذه
الرواية في الكافي أيضا في باب الجنب يأكل ويشرب ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب في الموثق عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر (عليه السلام) قال لا بأس أن يتلو الجنب و
الحايض القرآن ومنها ما رواه الكافي في باب الحايض والنفساء تقرأن القرآن في الحسن عن زيد الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الحايض تقرأ القرآن والنفساء
والجنب أيضا ومنها روايتا محمد بن مسلم الموثقة والحسنة المنقولتان في بحث قراءة العزايم وأما كراهة ما زاد على السبع فلما رواه التهذيب أيضا في الباب
المذكور في الموثق عن سماعة قال سألته عن الجنب هل يقرء القرآن قال ما بينه وبين سبع آيات فإن قلت لم لم يجعل هذه الرواية مخصصة ومقيدة للروايات السابقة
قلت أما أولا فلعدم صحتها وأما ثانيا فلعدم ظهورها في حرمة ما زاد ولو سلم ظهورها أيضا فتخصيص ما تقدم وتقييده بها ليس بأولى من حملها على
خلاف ظاهرها وأما اشتداد ما زاد على السبعين فلما قال الشيخ أيضا بعد نقل الرواية السابقة وفي رواية زرعة عن سماعة سبعين آية والتقريب ظاهر
والذي يمكن أن يحتج به على ما ذهب إليه ابن البراج هاتان الروايتان وقد ظهر جوابهما مما ذكر وأما ما ذهب إليه سلار فقد احتج عليه باشتهار النهي عن قراءة
القرآن للجنب في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) بين الرجال والنساء كما نقل أن عبد الله بن رواحة رأته امرأته مع جاريته فذهبت لتأخذ سكينا فقال ما
رأيتني أليس نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يقرأ أحدنا وهو جنب فقالت اقرأ فأنشد شعرا موهما أنه القرآن فقالت صدق الله وكذب بصري فجاء إلى
النبي (صلى الله عليه وآله) فضحك حتى بدت نواجده وبما نقل عن علي (عليه السلام) أنه قال لم يكن يحجب النبي (صلى الله عليه وآله) عن قراءة القرآن شئ سوى الجنابة
وعنه (عليه السلام) لا يقرء الجنب ولا الحايض شيئا من القرآن والجواب عن الجميع أنه لم يثبت عندنا وعلى تقدير ثبوته يحمل على الكراهة جمعا بين الاخبار (ومس المصحف
عطف على قراءة ما زاد هذا هو المشهور بين الأصحاب وقال المرتضى بالتحريم والظاهر الأول أما الجواز فللأصل وأما الكراهة فللشهرة بين الأصحاب مضافة إلى التعظيم وإلى ما
رواه التهذيب في الباب المذكور عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن (عليه السلام) قال المصحف لا تمسه على غير طهر ولا جنبا ولا تمس خيطه ولا تعلقه إن الله تعالى يقول لا
يمسه إلا المطهرون واحتج السيد بقوله تعالى لا يمسه وضعفه ظاهر وبهذه الرواية وفيها بعد القدح في السند أنها لا ظهور لها في التحريم كيف والسيد نفسه لا
يقول بحرمة التعليق وحمله كأنه للتعظيم (ويجوز مس الكتب المنسوخة) للأصل وعدم معارض (وما نسخ تلاوته) من القرآن للأصل أيضا وعدم صدق القرآن عليه عرفا
(والأكل والشرب والنوم ما لم يتوضأ ويكفي في الأكل والشرب المضمضة والاستنشاق عطف على مس المصحف أما الأكل والشرب فالظاهر من كلام الخمسة وهو المشهور
كراهتهما قبل المضمضة والاستنشاق ولم يتعرضوا للوضوء والمحقق في المعتبر ذهب إلى أنه يكفيه غسل يده والمضمضة والعلامة في النهاية والمنتهى ذهب إلى كراهتهما
قبل المضمضة والاستنشاق والوضوء كما هو مختار المصنف في هذا الكتاب وقال الصدوق في الفقيه غير أن الرجل إذا أراد أن يأكل ويشرب قبل الغسل لم يجز له إلا أن
يغسل يديه ويتمضمض ويستنشق فإنه إن أكل أو شرب قبل أن يفعل ذلك خيف عليه البرص وظاهر هذه العبارة التحريم لكن لا يبعد أن يكون مراده الكراهة إذ كثيرا ما يفعل مثل
ذلك وينبغي أن نذكر الروايات الذي رأيناها في هذا الباب حتى يظهر عليه الحال فمنها ما رواه التهذيب في زيادات باب الأغسال في الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله
قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يواقع أهله أينام على ذلك قال إن الله يتوفى الأنفس في منامها ولا يدري ما يطرقه من البلية إذا فرغ فليغتسل قلت أيأكل
166

الجنب قبل أن يتوضأ قال إنا لنكسل ولكن ليغسل يده والوضوء أفضل ومنها ما رواه أيضا في باب حكم الجنابة في الحسن عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال الجنب إذا أراد أن
يأكل ويشرب غسل وتمضمض وغسل وجهه وأكل وشرب وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب الجنب يأكل ويشرب ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب والكافي أيضا في
الباب المذكور عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا بأس بأن يختضب الرجل ويجنب وهو مختضب ولا بأس بأن يتنور الجنب ويحتجم ويذبح ولا يذوق شيئا حتى يغسل
يديه ويتمضمض فإنه يخاف منه الوضح ومنها ما رواه الفقيه في باب غسل الجنابة قال وقال أبو جعفر عن أبيه (
عليه السلام) إذا كان الرجل جنبا لم يأكل ولم يشرب حتى يتوضأ و
قال أيضا وروى أن الاكل على الجنابة يورث الفقر وروى أيضا في باب ذكر جمل من مناهي رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال نهى رسول الله عن الاكل
على الجنابة قال إنه يورث الفقر هذا ما رأينا من الروايات ولا يخفى أنه لا يظهر من الأولى والثانية إلا استحباب غسل اليد والوضوء قبل الاكل وكذا استحباب غسل
اليد والمضمضة وغسل الوجه ولا يدلان ظاهرا على كراهة الاكل اللهم إلا أن يقال بالفهم عرفا نعم الروايات الأربع الأخير سيما الأوليين منها والأخيرة تدل ظاهرا عليها
وهي مع انضمامها بقول الأصحاب كما فيه في هذا الباب ثم أنه يستفاد ظاهرا من الروايتين الأخيرتين كراهة الاكل قبل الغسل مطلقا ومن الرواية السابقة عليهما ارتفاعهما
بالوضوء بناء على مفهوم الغاية فأما إن تقيد الأولى بالثانية أو يقال إن الوضوء يخفف الكراهة ويفهم من رواية السكوني الكراهة قبل غسل اليدين والمضمضة و
ارتفاعها بهما وهي منافيه ظاهرا لكل من الروايات السابقة ودفع المنافاة بينها وبين الأخيرتين على قياس ما ذكر في دفع المنافاة المذكورة آنفا وأما بينها وبين
الرواية التالية لها فأما بالحمل على التخيير بين الوضوء وبين وبين غسل اليد والمضمضة وأما بأن يقال إن لرفع الكراهة مراتب فالأولى الوضوء وبعده غسل اليد والمضمضة
وأما حسنة زرارة فلا منافاة ظاهرا بينها وبين غيرها نعم نفهم منها إن غسل اليد والمضمضة وغسل الوجه مما ينبغي على أن يفعل قبل الاكل وذلك أيضا يحتمل وجهين
أما أن يكون لرفع الكراهة مطلقا ويكون بدلا آخر للوضوء فيكون حينئذ لرفع الكراهة ثلاث أمور الوضوء وغسل اليد والمضمضة وغسل الوجه وغسل اليد والمضمضة أو يكون لتخفيف الكراهة و
ح يكون بعد الوضوء ثم يجري الوجهان أيضا بينه وبين غسل اليد والمضمضة وقس عليه حال الرواية الأولى وحال غسل اليد الواقع فيها بالنظر إلى ما في الرواية الأخرى
فالذي يقتضيه الاحتياط أن لا يؤكل ولا يشرب قبل الغسل ولو أكل أو شرب لاتى بالوضوء ولو لم يتيسر فيغسل اليد ويتمضمض ويغسل الوجه وإن لم يتيسر فغسل اليد والمضمضة
وإلا فغسل اليد وحده ولا يبعد أن يقال بضم الاستنشاق أيضا إلى المضمضة في الصورتين كما ضمه الأصحاب بناء على أن المراد بالمضمضة الواقعة في الخبر هما معا وإنما
اكتفى به وحده لما يكتفي كثيرا في ذكر أمرين يتعارف اقترانهما بأحدهما وبما ذكرنا ظهر أن ما نقلنا أنه المشهور لا دليل عليه أصلا مما وصلنا إليه وكذا ما ذهب إليه العلامة
(ره) وما ذهب إليه المحقق في المعتبر يدل عليه رواية السكوني لكنه (ره) استدل عليه بحسنة زرارة ولا يخفى ما فيه وأما ما قاله الصدوق فلا دليل عليه أيضا إلا أن يأول
التأويل المذكور آنفا في رواية السكوني فتكون حينئذ مستندا له فإن قلت على تقدير كراهة الأكل والشرب قبل الغسل مطلقا أو قبل الوضوء على ما تحمل ما في صحيحة عبد
الرحمن المذكورة من قوله (عليه السلام) إنا لنكسل لأنه ينافي مرتبة الإمامة قلت قد حمله بعض علمائنا على أنه (عليه السلام) قد تكلم بلسان الحاضرين أي إنكم لتكسلون ويمكن أن
يقال المراد إنا لنكسل عن الاكل ولم نتسارع إليه قبل الغسل هذا ثم إنه هل يكفي الاتيان بالمأمور المذكور مرة واحدة أو لابد عند كل أكل مع الفصل الكثير بين
الآكلين أو مع تخلل الحدث أو مع التعدد عرفا الكل محتمل والأول أظهر والأخير أحوط والأحوط أيضا أن لا يتراخى بينهما كثيرا على وجه لا يبقى بينهما ارتباط في العادة وأما النوم
فقد أجمع علمائنا على جوازه للجنب وكراهته قبل الوضوء ويدل عليه أيضا روايات أما الجواز فيدل عليه ما رواه التهذيب في زيادات باب الأغسال في الصحيح عن سعيد الأعرج
قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول ينام الرجل وهو جنب وتنام المرأة وهي جنب وما رواه أيضا في هذا الباب في الموثق عن سماعة قال سألته عن الجنب يجنب ثم يرد النوم
قال إن أحب أن يتوضأ فليفعل والغسل أفضل من ذلك وإن هو نام ولم يتوضأ ولم يغتسل فليس عليه شئ إن شاء الله تعالى وهذه الرواية في الكافي أيضا في الباب المتقدم
أما صحيحة عبد الرحمن المتقدمة فمحمولة على الاستحباب وأما الكراهة قبل الوضوء فيدل عليه ما رواه الفقيه في الصحيح عن عبد الله بن علي الحلبي قال وسئل أبو عبد الله
(عليه السلام) عن الرجل أينبغي له أن ينام وهو جنب فقال يكره ذلك حتى يتوضى قال وفي حديث آخر أنا أنام على ذلك حتى أصبح وذلك إني أريد أن أعود فإن قلت هل يمكن أن
يستفاد من صحيحة عبد الرحمن وموثقة سماعة كراهة النوم قبل الغسل مطلقا لكن إنما يحصل التخفيف بالوضوء على قياس ما قالوه في الاكل قلت لا إذ لا دلالة لهما
إلا على استحباب الغسل قبل النوم وفضله على الوضوء وأما كراهة النوم بدونه فلا والرواية التي فيها الكراهة فقد غياها بالوضوء فيبقى عنده وقد مر سابقا
في بحث استحباب الوضوء لنوم الجنب توجيه ما نقل عن الفقيه من قوله (عليه السلام) أنا أنام الخ فتذكر (والخضاب) هذا ما ذهب إليه الثلاثة والمحقق والعلامة وجمع
آخر أيضا من الأصحاب ويفهم من ظاهر المعتبر والمنتهى نسبة القول بعدم الكراهة إلى الصدوق بناء على ما قاله في الفقيه ولا بأس أن يختضب الجنب ويجنب وهو مختضب وأنت خبير بإمكان
حمله على ما يوافق مذهبهم بإرادة الحرمة من البأس وبالجملة الظاهر الكراهة لما رواه التهذيب في باب حكم الحيض عن أبي سعيد قال قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام) أيختضب
الرجل وهو جنب قال لا قال قلت فيجب وهو مختضب قال لا ثم سكت قليلا ثم قال يا أبا سعيد أفلا أدلك على شئ تفعله قلت بلى قال إذا اختضب بالحنا وأخذ الحناء
167

مأخذه وبلغ وحينئذ فجامع ولما رواه أيضا في هذا الباب عن كرد بن المسمع قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لا يختضب الرجل وهو جنب ولا يغتسل وهو مختضب
ولما رواه أيضا في هذا الباب عن جعفر بن محمد بن يونس أن أباه كتب إلى أبي الحسن (عليه السلام) يسئله عن الجنب يختضب أو يجنب وهو مختضب فكتب لا أحب له ذلك ولما رواه
أيضا في هذا الباب عن عامر بن خداعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول لا تختضب الحايض ولا الجنب ولا تجنب وعليها خضاب ولا يجنب هو وعليه خضاب
ولا يختضب وهو جنب فإن قلت لم لا تحمل هذه الأخبار على الحرمة قلت أما أولا فلعدم صحتها وأما ثانيا فلوجود ما يعارضها من الأخبار الكثيرة مع أن السند في
بعضها صحيح منها ما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح ظاهرا عن علي عن العبد الصالح (عليه السلام) قال قلت الرجل يختضب وهو جنب قال لا بأس وعن المرأة تختضب وهي حايض قال
ليس به بأس ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب في الموثق عن سماعة قال سئلت العبد الصالح (عليه السلام) عن الجنب والحايض أيختضبان قال لا بأس ومنها رواه الكافي
في الباب المتقدم في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا بأس أن يختضب الرجل وهو جنب لكن في بعض نسخ الكافي يحتجم بدل يختضب ومنها ما رواه الكافي أيضا في
الباب المتقدم عن أبي جميلة عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) قال لا بأس بأن يختضب الجنب ويجنب المختضب ويطلي بالنورة واعلم أن المفيد علل الكراهة بأن الخضاب إنما يمنع وصول
الماء إلى ظاهر الجوارح ولما كان يرد عليه أنه لو كان يرد عليه أنه لو كان مانعا لكان يجب أن يكون حراما وجهه المحقق في المعتبر بأن اللون عرض لا ينتقل فيلزم حصول أجزاء من الخضاب في محل
اللون ليكون وجود اللون بوجودها لكنها خفيفة لا يمنع الماء منعا تاما فكرهت لذلك ولا يخفى أن مجرد هذا لا يكفي في الحكم بالكراهة إذ يمكن الايراد عليه أما أولا
فيمنع حصول الاجزاء إذ لعله كان حصول اللون بالمجاورة وأما ثانيا فبمنع الكراهة على تقدير حصول الاجزاء الخفيفة التي لا يمنع الوصول نعم هذا إنما يصلح لان يكون
ستر ما في الروايات ويكون المتمسك هي في الحقيقة (والادهان) يدل عليها رواه التهذيب في باب حكم الجنابة والكافي في الباب المتقدم عن حريز قال قلت لأبي
عبد الله (عليه لسلام) الجنب يدهن ثم يغتسل قال لا وقد زاد أيضا في الاستبصار في رواية السكوني المتقدمة آنفا قبل ولا يذوق ولا يدهن
(وكيفية الغسل النية مقارنة لما سلف في الوضوء) أي غسل اليدين وقد تقدم في بحث الوضوء ما يفي بهذا المبحث أيضا فاستنبط (أو لغسل الرأس) هذا وقتها المضيق والأول الموسع (مستدامة الحكم)
قد مر القول فيها أيضا في الوضوء (والبدأة بغسل الرأس والعنق ثم الجانب الأيمن ثم الأيسر) قد ادعى الشيخ في الخلاف الاجماع على وجوب غسل الرأس ابتداء ثم الميامن
ثم المياسر وذكروا أنه من متفردات أصحابنا واستدل عليه أيضا بوجوه الأول الروايات فمنها ما رواه التهذيب في باب حكم الجنابة في الحسن عن زرارة قال قلت له كيف
يغتسل الجنب فقال إن لم يكن أصاب كفه شئ غمسهما في الماء ثم بدا بفرجه فأنقاه ثم صب على رأسه ثلاث أكف ثم صب على منكبه الأيمن مرتين على منكبه الأيمن مرتين وعلى
منكبه الأيسر مرتين فما جرى عليه الماء فقد أجراه وهذا الخبر في الكافي أيضا في باب صفة الغسل وقد رواه المعتبر عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) فيخرج
عن الاضمار وفيه إنه لا نسلم دلالته على وجوب الترتيب لان الجملة الخبرية لا ظهور لها في الوجوب وكونه بيانا لكيفية الغسل الواجب فلا يصح اشتماله على ما ليس بواجب
لا ظهور له إلا يرى أنه ورد فيه ثلاث أكف ومرتين مع أنه غير واجب بالاجماع ظاهرا وعلى تقدير كونها للوجوب لم لا يجوز أن يكون وجوبه لكونه فردا للواجب
المخير لا بخصوصه ولو سلم فإنما يدل على وجوب الصب ابتداء على الرأس ثم الجسد ولا يدل على وجوب غسل الرأس بتمامه أولا ثم الجسد ولو سلم فإنما يدل على الترتيب
بين الرأس والجسد ولا يدل على الترتيب بين الجسد لان كلمة ثم الدالة على الترتيب إنما هي بين الرأس والجسد دون الأيمن والأيسر ومنها ما رواه أيضا في هذا
الباب والكافي أيضا في الباب المذكور في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) قال سألته عن غسل الجنابة فقال تبدأ بكفيك فتغسلهما ثم تغسل فرجك ثم تصب
على رأسك ثلاثا ثم تصب على ساير جسدك مرتين فما جرى عليه الماء فقد طهر وفيه أيضا ما تقدم مع شدة ظهور البحث الأخير فيه ومنها ما رواه أيضا في
هذا الباب والكافي أيضا في الباب المذكور في الحسن عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من اغتسل من جنابة ولم يغسل رأسه ثم بدا له أن يغسل رأسه لم يجد بدا من إعادة
الغسل وفيه أيضا ما أورد على سابقيه أخيرا مع سابقه الثاني أن النبي (صلى الله عليه وآله) اغتسل كذلك وإلا لكان خلافه واجبا أو مستحبا وهو باطل
فيكون واجبا لان فعله بيان للواجب وقد تقدم الكلام على نظير هذا الاستدلال في بحث الوضوء الثالث إن شيئا من الطهارة واجب وغير المرتب ليس بواجب
فيجب المرتب وإلا لزم شمول عدم الوجوب المنفي بالاتفاق وأيضا الطهارة واجبة وغير المرتب ليس بواجب فغير المرتب ليس طهارة وفيه إن قولهم غير المرتب ليس
بواجب إن أريد به عدم وجوبه بخصوصه فمسلم لكن لا ينتج حينئذ القياسان كما لا يخفى وإن أريد به عدم الوجوب مطلقا فممنوع لجواز أن يكون واجبا لكونه أحد الفردين
المخيرين هذا وبما ذكرنا ظهر أن إثبات وجوب الترتيب بالأدلة المذكورة سيما الترتيب بين الجسد لا يخلو من إشكال إلا أن يتمسك بالاجماع المطلق أو يقال أن
وجوب الابتداء بالرأس في الجملة قد ثبت بهذه الروايات ظاهرا سيما الرواية الأخيرة فيلزم القول بوجوب الترتيب الذي هو المدعى ليلا يلزم خرق الاجماع
المركب إذ لا قايل بالفضل كما ذكره المصنف في الذكرى قال المحقق في المعتبر واعلم أن الروايات دلت على وجوب تقديم الرأس على الجسد أما اليمين
على الشمال فغير صريحة بذلك ورواية زرارة دلت على تقديم الرأس على اليمين ولم يدل على تقديم اليمين على الشمال لان الواو لا يقتضي ترتيبا فإنك
168

لو قلت قام زيد ثم عمرو وخالد دل ذلك على تقدم قيام زيد على عمرو أما تقدم عمرو على خالد فلا لكن فقهاؤنا اليوم بأجمعهم يفتون بتقدم اليمين على
الشمال ويجعلونه شرطا في صحة الغسل وقد أفتى بذلك الثلاثة وأتباعهم انتهى ثم اعلم إن الصدوقين لم يصرحا بالترتيب بين الجسد ولا بنفيه لكن كان
الظاهر أنهما لا يريان الترتيب وإلا لأشعرا به كما صرح في الفقيه بالترتيب بين الرأس والجسد والظاهر من كلام ابن الجنيد أيضا عدم الترتيب في البدن وابن أبي عقيل عطف الأيسر
بالواو وهو مما يشعر أيضا بعدم الترتيب وعلى هذا فلا ظن الاجماع الذي ادعاه الشيخ في الخلاف كما نقلنا وابن زهرة وابن إدريس أيضا ولا بالاجماع المركب
الذي نقلنا عن المصنف في الذكرى فلا يبعد حينئذ القول بعدم وجوب الترتيب بين الميامن والمياسر للأصل وإطلاق الآية والروايات الكثيرة المشعرة به منها
ما رواه التهذيب في باب حكم الجنابة في الصحيح عن أحمد بن محمد قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن غسل الجنابة فقال تغسل يدك اليمنى من المرفقين إلى أصابعك
وتبول إن قدرت على البول ثم تدخل يدك في الاناء ثم اغسل ما أصابك منه ثم أفض على رأسك وجسدك ولا وضوء فيه ووجه الاشعار ظاهر ومنها صحيحة
محمد قبن مسلم المتقدمة آنفا ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب عن أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن غسل الجنابة فقال تصب على يدك الماء فتغسل
كفيك ثم تدخل يدك فتغسل فرجك ثم تمضمض وتستنشق وتصب الماء على رأسك ثلاث مرات وتغسل وجهك وتفيض على جسدك الماء ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب في
الموثق عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا أصاب الرجل جنابة فأراد الغسل فليفرغ على كفيه فليغسلهما دون المرفق ثم يدخل يده في إنائه ثم يغسل
فرجه ثم يصب على رأسه ثلاث مرات ملا كفيه ثم يضرب بكف من ماء على صدره وكف بين كتفيه ثم يفيض الماء على جسده كله فما انتضح من مائه في إنائه بعد ما صنع
ما وصفت فلا بأس إلى غير ذلك من الروايات الواردة بهذا الطريق ويؤيده أيضا ما رواه في باب الأغسال في الزيادات عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال اغتسل أبي من الجنابة فقيل له قد بقيت لمعة من ظهرك لم يصبها الماء فقال له ما كان عليك لو سكت ثم مسح تلك اللمعة بيده وهذه الرواية في الكافي
أيضا في باب صفة الغسل بطريق واضح الصحة وقد يستشكل في هذه الرواية من حيث إباء العصمة عن إغفال اللمعة وأجيب بأن الترك يجوز أن يكون عمدا للتعليم
وما رواه أيضا في باب حكم الجنابة عن بكر بن كرب قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يغتسل
من الجنابة أيغسل رجليه بعد الغسل فقال إن كان يغتسل في
مكان يسيل الماء على رجليه فلا عليه أن يغسلهما وإن كان يغتسل في مكان يستنفع رجلاه في الماء فليغسلهما وهذه الرواية في الكافي أيضا في الباب المذكور قال
المصنف في الذكرى وأبو الصلاح أوجب الترتيب ثم قال بعد غسل الأيسر ويختم بغسل الرجلين فإن ظن بقاء شئ من صدره أو ظهره لم يصل إليه الماء فليسبغ بإراقة
الماء على صدره وظهره وكذا قاله بعض الأصحاب انتهى وعلى هذا فالتأييدان المذكوران لا يدلان على عدم وجوب الترتيب مطلقا بين الجسد بل على ما ذهب
إليه أبو الصلاح إلا أن يثبت أن ما ذهب إليه خرق للاجماع المركب فيكونان حينئذ دالين على عدم الترتيب مطلقا بين الجسد وقد يجاب عن الأول بأنه يجوز أن يكون
تلك اللمعة في الجانب الأيسر وعن الثاني بأنه يجوز أن يكون المراد غسل الرجلين للتنظيف لا الغسل الذي من أجزاء الغسل وقد يجاب عن الروايات السابقة أيضا
بأنها مطلقة والمطلق يجب حمله على المقيد فليحمل على الروايات الدالة على الترتيب وفيه أنه بعد تسليم وجوب الحمل أن الروايات الدالة على الترتيب بين
أجزاء الجسد إذ قد عرفت عدم دلالة ما تمسكوا به نعم هذا الجواب إنما يحسن لو تمسك ببعض الروايات المذكورة على الترتيب بين الرأس والجسد إذ لا دلالة
الروايات المتقدمة على الترتيب بينهما ظاهرة مع قوة الظن أيضا بالاجماع عليه إذ لم يظهر من كلام أحد من الأصحاب خلافه وأما ما رواه أيضا في هذا
الباب في الصحيح عن هشام ابن سالم قال كان أبو عبد الله (عليه السلام) فيما بين مكة والمدينة ومعه أم إسماعيل فأصاب من جارية له فأمرها فغسلت جسدها وتركت رأسها
فقال لها إذا أردت أن تركبي فاغسل رأسك ففعلت ذلك فعلمت بذلك أم إسماعيل فحلقت رأسها فلما كان من قابل انتهى أبو عبد الله (عليه السلام) إلى ذلك
المكان فقالت له أم إسماعيل أي موضع هذا فقال لها هذا الموضع الذي أحبط الله فيه حجك عام أول فلا عبرة به لان هشام بن سالم نفسه روى عن محمد بن مسلم
هذه الواقعة بعينها خلافه قال دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فسطاطه وهو يكلم امرأة فأبطأت عليه فقال أدنه هذه أم إسماعيل جاءت وأنا أزعم أن هذا
المكان الذي أحبط الله فيه حجها عام أول كنت أردت الاحرام فقلت ضعوا إلي الماء في الخباء فذهبت الجارية بالماء فوضعته فاستحفظتها فأصبت منها فقلت
اغسل رأسك وامسحيه مسحا شديدا لا تعلم به مولاتك فإذا أردت الاحرام فاغسلي جسدك ولا تغسلي رأسك فتستريب مولاتك فدخلت فسطاط مولاتها
فذهبت تتناول شيئا فمست مولاتها رأسها فإذا لزوجة الماء فحلقت رأسها وضربتها فقلت لها هذا المكان الذي أحبط الله فيه حجك وحينئذ لا يبقى الظن به
بل الظاهر أن الراوي سهى ونقل بالعكس مما كان إذ احتمال الغلط فيه أقرب منه في الثاني للتفصيل الواقع فيه فتدبر هذا والاحتياط أن يراعى الترتيب كما
هو المعروف بين الأصحاب ولا يجري على تركه ثم اعلم أن ما ذكره المصنف من ضم العنق إلى الرأس قد نص عليه المفيد في المقنعة ونسب في الذكرى إلى الجماعة أيضا
وما وجدنا في الروايات ما يدل عليه سوى مضمرة زرارة وموثقة سماعة المتقدمتين آنفا فإن لهما أدنى إشعار به فمقتضى الاحتياط حينئذ أن يغسل الرأس بتمامه
169

أولا ويتبعه العنق بتمامه ثم يدخل نصفه في غسل الميامن ونصفه الاخر في المياسر والله أعلم (وتخليل ما يمنع وصول الماء) للاجماع على وجوب إيصال الماء إلى جميع
ظواهر البدن كما في المنتهى ولاطلاق الروايات الواردة بغسل البدن ولما رواه التهذيب في الباب المذكور في الصحيح عن حجر بن زايدة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من
ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في النار وهو مما يتوقف على التخليل فيجب بناء على وجوب المقدمة ويدل عليه أيضا ما رواه في باب صفة الوضوء في الصحيح عن علي بن جعفر عن
أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال سألته عن المرأة عليها السوار والدملج في بعض ذراعها لا تدري أيجري الماء تحتهما أم لا كيف تصنع إذا توضأت أو اغتسلت قال
تحركه حتى يدخل الماء تحته أو تنزعه وعن الخاتم الضيق لا يدري هل يجري الماء تحته إذا توضأ أم لا كيف يضع قال إن علم أن الماء لا يدخله فليخرجه إذا توضأ
وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب صفة الغسل وأما ما رواه الكافي في الباب المذكور في الصحيح عن الحسين بن أبي العلاء قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الخاتم
إذا اغتسل قال حوله من مكانه وقال في الوضوء تديره فإن نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد الصلاة وقد ذكر الفقيه أيضا في باب حد الوضوء قال و
إن كان مع الرجل خاتم فليدوره في الوضوء ويحوله عند الغسل وقال الصادق (عليه السلام) وإن نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا أمرك أن تعيد انتهى فيمكن أن
يحمل على الخاتم الذي لا يمنع الوصول ويكون الامر بالتحويل والإدارة محمولا على الاستحباب ولا يبعد أيضا القول بمضمونه الظاهر لو لم يكن إجماع على خلافه وكذا ما
رواه التهذيب في باب حكم الجنابة في الصحيح عن إبراهيم بن أبي محمود والكافي أيضا عنه في باب الجنب قال قلت للرضا (عليه السلام) الرجل يجنب فيصيب جسده ورأسه الخلوق
والطيب والشئ اللزق مثل علك الروم والطرب وما أشبهه فيغتسل فإذا فرغ وجد شيئا قد بقي في جسده من أثر الخلوق والطيب وغيره فقال لا بأس محمول على
الأثر الذي لا يمنع الوصول ولا يبعد أيضا القول بعدم الاعتداد ببقاء شئ يسير لا يخل عرفا بغسل جميع البدن إما مطلقا أو مع النسيان وهو الظاهر ويجعل هذه
الرواية دليلا عليه لو لم يكن إجماع على خلافه لكن الأولى أن لا يجري عليه وقس عليه الحال فيما رواه أيضا في زيادات باب الأغسال عن إسماعيل بن أبي زياد
عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليه السلام) قال كن نساء النبي (صلى الله عليه وآله) إذا اغتسلن من الجنابة يبقى صفرة الطيب على أجسادهن وذلك لان النبي (صلى الله عليه وآله) أمرهن أن يصبن الماء
صبا على أجسادهن مع ظهور الجل المذكور فيه وجهالة مستنده (والترتيب كما قلناه إلا في المرتمس) قد مر القول في الترتيب وأما سقوطه عن المرتمس فهو المشهور
بين الأصحاب ويدل عليه ما رواه التهذيب في باب الجنابة وفي الزيادات أيضا في الصحيح عن زرارة قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن غسل الجنابة فقال تبدأ إلى أن قال ولو
أن رجلا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزء ذلك وإن لم يدلك جسده وما رواه أيضا في هذا الباب في الحسن عن الحلبي قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول
إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك من غسله وهذه الرواية في الكافي في باب صفة الغسل وفي الفقيه أيضا في باب غسل الجنابة لكن فيه إن الحلبي قال
وحدثني من سمعه يقول إلى آخره وما رواه الكافي في باب مقدار الماء الذي يجزى للوضوء والغسل عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت الرجل يجنب فيرتمس
في الماء ارتماسة واحدة ويخرج يجزيه ذلك من غسله قال نعم وقد نقل الشيخ في المبسوط عن بعض الأصحاب أنه يرتب حال الارتماس حكما قال المصنف في الذكرى ما قاله
الشيخ يحتمل أمرين أحدهما وهو الذي نقله عنه الفاضل أنه يعتقد الترتيب حال الارتماس ويظهر ذلك من المعتبر حيث قال وقال بعض الأصحاب إنه يرتب حكما
فذكره بصيغة المتعدي وفيه ضمير يعود السى المغتسل ثم احتج بأن إطلاق الامر لا يستلزم الترتيب والأصل عدم وجوبه فثبت في موضع الدلالة والحجة تناسب ما
ذكره الفاضل الثاني إن الغسل بالارتماس في حكم الغسل المرتب بغير الارتماس ويظهر الفايدة لو وجد لمعة منفصلة فإنه يأتي بها وبما بعدها ولو قيل بسقوط
الترتيب بالمرة أعاد الغسل من رأس لعدم الوحدة المذكورة في الحديث وفيما لو نذر الاغتسال مرتبا فإنه يبرء بالارتماس لا على معنى الاعتقاد المذكور لأنه
ذكره بصورة اللازم المستند إلى الغسل أي يترتب في نفسه حكما وإن لم يكن فعلا وقد صرح في الاستبصار بذلك لما أورد وجوب الترتيب في الغسل وأورد أجزاء
الارتماس فقال لا ينافي ما قدمناه من وجوب الترتيب لان المرتمس يترتب حكما وإن لم يترتب فعلا لأنه إذا خرج من الماء حكم له أولا بطهارة رأسه ثم جانبه الأيمن
ثم جانبه الأيسر فيكون على هذا التقدير مترتبا انتهى وقال أيضا ولو قال الشيخ إذا ارتمس حكم له أولا بطهارة رأسه ثم الأيمن ثم الأيسر ويكون مرتبا لكان أظهر
في المراد لأنه إذا خرج من الماء لا يسمى مغتسلا وكأنه نظر إلى أنه ما دام في الماء ليس الحكم بتقدم بعض على الاخر أول من حكمه ولكن هذا يرد في الجانبين عند
خروجه إذ لا يخرج جانب قبل آخر انتهى ولا يذهب عليك أن ما ذكر في تفسير الترتيب الحكمي لا يرجع إلى طايل ولا فايدة في الخوض فيه بعد وضوح الحكم وقد احتج
لهم في المختلف بحجة هي أيضا مثل مدعاهم في عدم التحصيل والحاصل أن الروايتين المعتبرتين دلتا على إجزاء الارتماس وسقوط الغسل عن الذمة به فيكون
مجيزا مبريا للذمة خصوصا إطلاق الامر بإظهار في الآية والذي يظن معارضا الروايات السابقة الامرة بالصب على الرأس ثم الجسد والامر فيه سهل
لأنها تخصص بهاتين الروايتين جمعا بل يقال أنه لا حاجة إلى التخصيص لأنه بيان لاحد نحوي الغسل من دون دلالة على حصر أو تعميم وهاتين لنحو آخر وليس هذا تخصيصا
ولا خروجا عن ظاهر وأما اعتبار أمر آخر فلا وجه له أصلا أي شئ كان ولا حاجة إلى الخوض في تحقيق معناه وتبيين مؤداه (والحق به المطر والمجري وليس بذلك
170

قد أجرى الشيخ في المبسوط القفو وتحت المجرى والوقوف تحت المطر مجرى الارتماس في سقوط الترتيب به وإليه ذهب العلامة في جملة من كتبه وذهب ابن إدريس إلى
اختصاص الحكم بالارتماس كما هو مختار المتن وإليه ينظر كلام المحقق (ره) في المعتبر حجة القول الأول ما رواه في التهذيب في باب حكم الجنابة في الصحيح عن علي بن جعفر
عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال سألته عن الرجل يجنب هل يجزيه عن غسل الجنابة أن يقوم في القطر حتى يغسل رأسه وجسده وهو يقدر على ما سوى ذلك قال إن
كان يغسل اغتساله بالماء أجزئه ذلك وهذا الخبر في الفقيه أيضا في باب المياه وما رواه الكافي في باب صفة الغسل عن محمد بن أبي حمزة عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام)
في رجل أصابته جنابة فقام في المطر حتى سال من جسده أيجزيه ذلك من الغسل قال نعم قال المحقق في المعتبر معترضا على الخبر الأول إن هذا الخبر مطلق وينبغي أن يقيد
بالترتيب في الغسل وهو وارد على الثاني أيضا مع أنه ضعيف بالارسال ويرد أيضا على الأول أنه (عليه السلام) قال بالاجزاء عند كونه مثل الاغتسال بالماء وهو
إنما يكون مع الترتيب فلا بد فيه أيضا منه وقد يجاب عن الايراد الأول بمنع كونهما مع الروايات السابقة من باب المطلق والمقيد بل الروايات السابقة بيان
لاحد أنحاء الغسل وهذان لنحو آخر مباين له وليس في الروايات تعميم حتى يكون هذان مخالفين لها ولو سلم التعميم فإنما يخصص بهما كما هو المعمول وعن
الثاني أن الظاهر أن المراد مماثلتهما في الجريان وشمول البدن كله لتأييد الرواية الثانية وطهور رجوع الضمير المستتر في يغسله إلى القطر مع أن المماثلة التي
تتصور في حقه إنما هو الغسل بطريق الجريان لا الترتيب لعدم إمكانه في حقه إلا بالمجاز ولو سلم عدم ظهور الرجوع إلى القطر وكون المماثلة المتصورة في حقه
هو الجريان فقط فلا أقل من عدم ظهوره في خلافه فيؤل الامر إلى الشك في التكليف كما لا يخفى وقد مر غير مرة أن في مثله يكفي الاتيان بالقدر المتيقن فتدبر
وقد يجاب عنه أيضا بأن الاغتسال بإملاء أعم من الاغتسال المرتب وغير المرتب وقد علق (عليه السلام) الاجزاء بالمساواة لمطلق الاغتسال وهو إنما يتحقق
بدون الترتيب وفيه إن بناء هذا الايراد إنما هو على أن ظاهر المساواة المطلقة المساواة في جميع ما يمكن التساوي فيه كما تقرر في الأصول لا في شئ
ما أي شئ كان وحينئذ نقول مساواة هذا الغسل لمطلق الاغتسال ظاهرها مساواتهما في جميع ما يمكن التساوي ولا ريب أنه يمكن تساويهما في الترتيب فيجب اعتباره إلا
أن يقال حينئذ المراد أنه علق الاجزاء على المساواة لمطلق الاغتسال فيكفي فيه المساواة لأي فرد كان إذ ليس بمخصص بفرد معين فيكفي المساواة للاغتسال
الارتماسي وقد عرفت أن اعتبار المساواة إنما هو فيما يمكن التساوي فيه وإمكان التساوي هاهنا إنما هو في الجريان وشمول البدن فقط فتأمل
وبما ذكرنا ظهر وجه احتجاج ابن إدريس وموافقيه مع الجواب عنه والاحتياط أن يراعى الترتيب في هذه الصورة بأن ينوي ويدلك أولا الرأس ثم الميامن
ثم المياسر واعلم أن العلامة في التذكرة طرد الحكم في ماء الميزاب وشبهه وكان المبسوط أيضا موافق له في ذلك وإنما ذكر المجرى والمطر من باب التمثيل وفي
الاقتصاد أيضا عمم الحكم بالنسبة إلى الميزاب ونحوه ونسب في الذكرى إلى بعض الأصحاب إلحاق صب الاناء الشامل للبدن والكل مشكل لاختصاص الروايتين بالمطر
إلا أن يستنبط من قوله (عليه السلام) إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزئه أن المماثلة للاغتسال بالماء في الجريان وشمول البدن علة للاجزاء فيطرد في غير
المطر أيضا لكن للكلام في هذا الاستنباط مجال والأولى الوقوف على المطر والله أعلم (ولا يجب غسل الشعر بل إيصال الماء إلى ما تحته وإن كثف) هاهنا حكمان
أحدهما عدم وجوب غسل نفس الشعر والثاني وجوب تخليله وإيصال الماء إلى ما تحته وإن كثف أما الأول فهو المشهور بين الأصحاب بل يفهم من ظاهر المعتبر والذكرى
الاجماع عليه وظاهر عبارة المقنعة حيث حكم بأن المرأة إن كانت شعرها مشدودة حلته وإن كان يشعر بوجوب غسل الشعر لكن الشيخ حملها على أن المراد وجوب الحل
إذا لم يصل الماء إلى أصول الشعر بدونه وأما مع الوصول بدونه فلا وبالجملة الظاهر عدم الوجوب للأصل وللروايات الواردة بغسل الجسد والشعر لا يسمى جسدا
وقد تقدم طرف منها في المباحث السابقة آنفا ويزيده تأكيدا ما رواه في التهذيب في باب حكم الجنابة في الصحيح عن زرارة قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن غسل الجنابة
فقال تبدأ فتغسل كفيك ثم تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرج ومرافقك ثم تمضمض وتستنشق ثم تغسل جسدك
من لدن قرنك لأي قدميك ليس قبله ولا
بعده وضوء وكل شئ لمسته الماء فقد اتقيته ويريد أيضا عدم وجوب غسل الشعر ما رواه في هذا الباب في الصحيح عن محمد بن علي الحلبي عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام)
عن أبيه عن علي (عليه السلام) قال لا تنقض المرأة شعرها إذا اغتسلت من الجنابة وروى أيضا بطريق حسن عن محمد عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثل ذلك لكن لا
يروى فيه عن أبيه عن علي (عليه السلام) وهذا الطريق الأخير في الكافي أيضا في باب صفة الغسل وروى التهذيب أيضا في باب حكم الحيض في الموثق عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله
(عليه السلام) عن أبيه عن أبيه عن علي (عليه السلام) مثله وأما ما روى عن النبي (صلى الله عليه وآله) من أن تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعرة وأنفق البشرة وصحيحة حجر ابن زائدة المتقدمة في بحث وجوب
تحليل ما يمنع وصول الماء فالجواب عنهما أما عن الأول فبعدم ثبوته عندنا وأما عن الثانية فبعدم ظهور دلالتها على المراد إذ يحتمل أن يكون المراد من الشعرة
ما هو بقدرها من الجسد احتمالا قريبا إذ هو من المجازات الشايعة المتعارفة التي ليس حمل اللفظ عليها خروجا عن الظاهر عرفا خصوصا مع اعتضاد عدم الوجوب
بالأصل والروايات المتقدمة والشهرة بل الاجماع ظاهرا وأما ما رواه التهذيب في باب حكم الجنابة والكافي في الباب المذكور في الحسن عن جميل قال سألت أبا
171

عبد الله (عليه السلام) عما تصنع النساء في الشعر والقرون فقال لم تكن سابقا هذه المشطة إنما كن يجمعنه ثم وصف أربعة أمكنة ثم قال يبالغن في الغسل وما رواه أيضا في
هذا الباب في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال حدثني سلمى خادم رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال كان أشعار نساء رسول الله (صلى الله عليه وآله) قرون رؤوسهن مقدم رؤوسهن فكان يكفيهن من الماء شئ قليل
فأما النساء الان فقد ينبغي لهن أن يبالغن في الماء فالحق أنهما مجملان لا ظهور لهما في شئ من الطرفين هذا ولا يبعد القول بالاستحباب لرواية البل المذكورة
واحتج المصنف في الذكرى على الاستحباب بفحوى صحيحة حجر المتقدمة وفيه نظر لأنها لو حملت على الحقيقة فيدل على وجوب الغسل ولو حملت على المجاز فلا يدل
على الاستحباب أيضا وأما الثاني فللاجماع عليه ظاهرا كما في المنتهى فظاهر الروايات الواردة بغسل الجسد ولصحيحة حجر المتقدمة وبعض الروايات المتقدم في
بحث الوضوء المتضمن لان ما أحاط به الشعر فليس للعباد أن يبحثوا عنه إنما يحمل على الوضوء بقرينة المقام وكذا ما ورد من أن الغسل على الظاهر إنما المراد
به ما يقابل الجوف (والمباشرة) عطف على التخليل يدل على وجوب المباشرة الآية والروايات المتقدمة الظاهرة في تولي المكلف بنفسه ويفهم من ظاهر
كلام ابن الجنيد جواز مولى الغير وهو ضعيف (وفي الاستبراء قولان أحوطهما الوجوب على المنزل بالبول ثم الاجتهاد) والمراد هاهنا بالاستبراء الاجتهاد
في إزالة بقايا المني المختلفة في المحل بالبول أو الاستبراء المتعارف المذكور سابقا في بحث الاستنجاء قد اختلف الأصحاب في وجوب الاستبراء على المجنب بالانزال
فالشيخ في المبسوط صرح بوجوب الاستبراء بالبول أو الاجتهاد على الرجل والظاهر أن ترديده بناء على تيسر البول وعدمه فعلى الأول يجب البول وعلى الثاني
الاجتهاد وهو الظاهر من كلام المفيد في المقنعة أيضا وكذا من كلام بن البراج ويفهم من ظاهر كلام الجعفي وجوب البول والاجتهاد معا ونسب العلامة في
المختلف القول بوجوب الاستبراء إلى سلار وأبي الصلاح وابن حمزة أيضا والمصنف في الذكرى إلى ابن زهرة والكيدري أيضا وذكر المصنف أنه ظاهر الجامع لكن لم يفصلا أن
مذهبهم هذا هل هو وجوب البول والاجتهاد معا أو أحدهما مرتبا أو مخيرا وقال الصدوق في الفقيه ومن ترك البول على أثر الجنابة أو شك أن يتردد
بقية الماء في بدنه فيورثه الداء الذي لا دواء له وفي الذكرى إنه المروي في الجعفريات عن النبي (صلى الله عليه وآله) وقال ابن الجنيد يتعرض الجنب للبول وإذا بال
فخرط ونتر وهو محتمل للوجوب والندب معا والمرتضى وابن إدريس والفاضلان إنما ذهبوا إلى نفي الوجوب وهو الظاهر للأصل وعدم دليل صالح كما يظهر عند
ذكر دلايل الخصم احتج الشيخ في الاستبصار بالروايات الدالة على وجوب إعادة الغسل بخروج البلل لو لم يستبرء كما سنذكرها إن شاء الله تعالى في البحث التالي لهذا
البحث وهو ضعيف إذ وجوب الإعادة بدون الاستبراء لا دلالة له أصلا على وجوب الاستبراء كما لا يخفى والأولى الاحتجاج عليه بصحيحة أحمد بن محمد المتقدمة
في بحث وجوب الترتيب في الغسل وبما رواه التهذيب في باب حكم الجنابة عن أحمد بن هلال قال سألته عن رجل اغتسل قبل أن يبول فكتب إن الغسل بعد البول إلا أن
يكون ناسيا فلا يعيد منه الغسل والجواب عن الأول إن الجملة الخبرية لا ظهور لها في الوجوب سيما مع مسبوقيتها بالجملة الأخرى التي لغسل اليدين
مع استحبابه إجماعا وعن الثاني إنه ضعيف جدا مع أن القائلين بالوجوب الظاهر أنهم لا يعملون بظاهره إذ ظاهره وجوب إعادة الغسل لو لم يبل قبله وأن لم يجد
بللا وهم لا يقولون به ظاهرا وأيضا على تقدير العمل بظاهره إثبات وجوب الاستبراء به لا يخلو من إشكال كما لا يخفى قال المصنف في الذكرى ولا بأس بالوجوب
محافظة على الغسل من طريان مزيله ومصير إلى قوله معظم الأصحاب والاخذ بالاحتياط انتهى ولا يذهب عليك إنه لو كان مراده أن الاحتياط في الاستبراء
للمحافظة والمصير المذكورين فلا كلام معه وإن كان مراده الوجوب للوجوه المذكورة ففيه تأمل (فلو وجد بللا مشتبها بعده لم يلتفت ولو كان بعد
البول خاصة توضأ ولو كان بعد الاجتهاد لتعذر البول فلا شئ) اعلم أن البلل الخارج بعد الغسل لا يخلو إما أن يعلم أنه مني أو بول أو غيرهما أو لا يعلم فإن
علم إنه مني فلا ريب في وجوب الغسل عليه للاجماع ولبعض الروايات المتقدمة في الأبواب السابقة وإن علم أنه بول فلا ريب أيضا في وجوب الوضوء للاجماع
أيضا كما ذكروا للروايات وإن علم أنه غيرهما فلا يجب شئ منها إجماعا أيضا كما يفهم من كلام بعضهم وأما إذا اشتبه ففيه أربع صور لان الغسل إما يكون بعد
البول والاجتهاد معا أو بدونهما أو بدون أحدهما وهو إما الاجتهاد أو البول أما الأول فقد ادعوا الاجماع على عدم وجوب شئ من الغسل والوضوء
عليه ويدل عليه أيضا روايات أما على عدم وجوب الغسل فمنها الروايات الدالة على عدم نقض اليقين بالشك ومنها ما رواه التهذيب في باب حكم
الجنابة في الصحيح عن محمد قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شئ قال يغتسل ويعيد الصلاة إلا أن يكون بال قبل أن
يغتسل فإنه لا يعيد غسله قال محمد وقال أبو جعفر (عليه السلام) من اغتسل وهو جنب قبل أن يبول ثم يجد بللا فقد انتقض غسله وإن كان بال ثم اغتسل
ثم وجد بللا فليس ينقض غسله ولكن عليه الوضوء لان البول لم يدع شيئا ومنها ما رواه الفقيه عن الحلبي ظاهرا
في الصحيح قال وسئل عن الرجل
يغتسل ثم يجد بعد ذلك بللا وقد كان بال قبل أن يغتسل قال ليتوضأ وإن لم يكن بال قبل الغسل فليعد الغسل ومنها ما رواه التهذيب في الباب المذكور عن الحسن عن
الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئل عن الرجل يغتسل ثم يجد بللا وقد كان بال قبل أن يغتسل قال إن كان بال قبل الغسل فلا يعيد الغسل وهذه الرواية
172

في الكافي أيضا في باب الرجل والمرأة يغتسلان من الجنابة ويخرج منهما الشئ بعد الغسل ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب في الموثق عن سماعة قال سألته
عن الرجل يجنب ثم يغتسل قبل أن يبول فيجد بللا بعد ما يغتسل قال يعيد الغسل فإن كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد غسله ولكن يتوضأ ويستنجي و
هذه في الكافي أيضا في الباب المذكور ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب عن معاوية بن ميسرة قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في رجل رأى بعد الغسل
شيئا قال إن كان بال بعد جماعه قبل الغسل فليتوضأ وإن لم يبل حتى اغتسل ثم وجد البلل فليعد الغسل وأما على عدم وجوب الوضوء فمنها أيضا الروايات
السابقة المتضمنة لعدم نقض اليقين بالشك ومنها ما رواه التهذيب في باب الاحداث في الصحيح عن حفص بن البحتري عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يبول قال
ينتره ثلاثا ثم إن مال حتى يبلغ الساق فلا يبالي ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب والكافي في باب الاستبراء من البول في الحسن عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي جعفر
(عليه السلام) رجل بال ولم يكن معه ماء قال يعصر أصل ذكره إلى ذكره ثلاث عصرات وينتظر طرفه فإن خرج بعد ذلك شئ فليس من البول ولكنه من الحبايل ومنها
ما رواه أيضا في هذا الباب في الحسن عن عبد الملك بن عمر وعن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يبول ثم يستنجى ثم يجد بعد ذلك بللا قال إذا بال فخرط ما بين
المقعد والأنثيين ثلاث مرات وغمز ما بينهما ثم استنجى فإن سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي وقد روى الفقيه أيضا هذا الخبر مرسلا في باب ما ينقض الوضوء منها وما
رواه أيضا في باب آداب الاحداث عن سماعة قال قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام) إني أبول ثم أتمسح بالأحجار فيجئ مني البلل ما بعد استبرائي قال ليس به بأس وما رواه
التهذيب في هذا الباب في الصحيح ظاهرا عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال ثلاث يخرجن من الإحليل وهي المني فمنه الغسل والودي فمنه الوضوء فإنه يخرج
من درير البول محمول على قبل الاستبراء لوجوب حمل المطلق على المقيد أو على الاستحباب أو على العلم باختلاطه بالبول وأما ما رواه أيضا في الباب المذكور في
الصحيح عن محمد بن عيسى قال كتب إليه رجل هل يجب الوضوء مما خرج من الذكر بعد الاستبراء فكتب نعم فلا يعارض ما ذكرنا لكونه مضمرا ومكاتبته وقد حمله الشيخ على
الاستحباب وقد استبعد من حيث أن السؤال عن الوجوب ولعله ليس ببعيد لان الوجوب في العرف المتقدم كأنه لم يكن بالمعنى الذي في عرفنا كما يظهر من تتبع
الروايات فإن قلت الروايات الدالة على عدم وجوب الوضوء مع الاستبراء عامة شاملة لما بعد الجنابة وغيره والروايات المتقدمة آنفا الدالة على وجوب الوضوء لوجدان البلل
بعد البول عقيب الجنابة خاصة فيجب أن يخصص لها كما هو المعمول قلت ليس الامر كذلك بل بين الروايات عموم وخصوص من وجه لان تلك الروايات أيضا أعم من هذه
باعتبار شموله للاستبراء وعدمه فيتوقف في محل الاجتماع ويعمل على أصل البراءة سيما مع معاضدته بالاجماع كما نقله ابن إدريس مع إمكان ادعاء عدم ظهورها
في وجوب الوضوء غاية الأمر الاستحباب ولا نزاع فيه إذ نحن أيضا نقول به وأما الثاني فالمشهور بين الأصحاب وجوب إعادة الغسل وادعى ابن إدريس الاجماع عليه
ونسب المصنف في الذكرى دعوى الاجماع إلى العلامة أيضا ويظهر من كلام الصدوق (ره) في الفقيه الاكتفاء بالوضوء في هذه الصورة حجة المشهور روايات منها الروايات المتقدمة آنفا الدالة
أكثرها بمنطوقة وبعضها وهو رواية الحلبي بمفهومه على وجوب إعادة الغسل لو لم يبل ومنها ما رواه التهذيب في باب حكم الجنابة في الصحيح عن منصور عن أبي عبد الله
(عليه السلام) مثل ما رواه عن سليمان بن خالد وقد تقدم في بحث خروج البلل عن فرج المرأة بعد الغسل وقد تعارض هذه الروايات بالروايات الدالة على عدم نقض
اليقين بالشك وبما رواه التهذيب في الباب المذكور عن جميل بن دراج قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل تصيبه الجنابة فينسى أن يبول حتى يغتسل ثم يرى بعد
الغسل شيئا أيغتسل أيضا قال لا قد تعصرت ونزل من الحبايل وبما رواه أيضا في هذا الباب عن أحمد بن هلال وقد مر آنفا وبما رواه أيضا في هذا الباب
عن عبد الله بن هلال قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يجامع أهله ثم يغتسل قبل أن يبول ثم يخرج منه شيئا بعد الغسل فقال لا شئ عليه إن ذلك
مما وضعه الله تعالى عنه وبما رواه أيضا في هذا الباب عن زيد الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن رجل أجنب ثم اغتسل قبل أن يبول ثم رأى شيئا قال
لا يعيد الغسل ليس ذلك الذي رأى شيئا وقد يجاب عن الأول بأن تلك الروايات عامة وهذه خاصة فيجب أن تحمل عليها وأنت خبير بإمكان المناقشة في وجوب حملها
عليها لجواز بقائها بحالها وحمل هذه الرواية على الاستحباب مجازا لعدم أولوية التخصيص مع معاضدتها بالأصل على أنه يمكن ادعاء عدم
الظهور في الوجوب فلا مجاز أيضا لكن دعوى الاجماع المنقول ومراعاة الاحتياط مما يمنع النفس عن الاجتراء على القول بعدم الوجوب وعن الثاني بأنه غير نفي
السند لان فيه علي بن السندي وهو مجهول الحال وقد أوله أيضا الشيخ بوجهين أحدهما بحمله على العلم بأن الخارج منه بعد الغسل مذي وثانيهما باختصاصه
بحال النسيان وفيهما من البعد ما لا يخفى والاحتمال الأخير لو كان مذهبا للشيخ يحصل في المسألة قول آخر لكن لا مستند له يعول عليه وقد أول أيضا بحمله على
أنه لم يبل لتعذره لكنه اجتهد وفيه أيضا بعد لعدم قرينة عليه نعم لو ثبت هذا بدليل آخر فلا يبعد حينئذ حمل الخبر عليه وعن الثالث بالضعف أيضا مع أنه لم
يسند إلى الإمام (عليه السلام) على أنه ليس فيه خروج بلل مشتبه بعد الغسل وحمله الشيخ على الاختصاص بالنسيان كما هو صريحه وعن الرابع بجهالة السند وأول
أيضا باحتمال أن يكون قد اجتهد ولم يتأت له البول وباحتمال أن يكون المراد الجماع بدون الانزال وعن الخامس بالضعف أيضا وبمثل ما ذكر في سابقيه ولا يخفى أنه
173

لو لم يكن دعوى الاجماع لأمكن الجمع بينها بحمل الروايات السابقة على الاستحباب وهذه على نفي الوجوب لكنه مانع قوي هذا وأما الاكتفاء بالوضوء كما هو
ظاهر الفقيه فمستنده ما رواه أيضا مرسلا في باب غسل الجنابة قال بعد ما نقلنا عنه سابقا من رواية الحلبي وروى في حديث آخر إن كان قد رأى بللا ولم يكن بال
فليتوضأ ولا يغتسل إنما ذلك من الحبايل ثم قال قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه إعادة الغسل أصل والخبر الثاني رخصة انتهى ولا يخفى أنه لضعفه بالارسال
لا يعارض الروايات المتقدم اللهم إلا أن يمنع ظهورها في وجوب الغسل وقد يأول أيضا بالتأويل المذكور آنفا واعلم أن المصنف (ره) في الذكرى نقل الجزء
الأخير من صحيحة محمد المنقولة عن التهذيب في أول البحث هكذا قال محمد قال أبو جعفر (عليه السلام) من اغتسل وهو جنب قبل أن يبول ثم وجد بللا فليس ينقض غسله
ولكن عليه الوضوء المشار إليها في الفقيه عليه وعلى هذا يسلم عن الضعف لكنه ما وجدناه في التهذيب والاستبصار بهذا الطريق وقد نقله العلامة
في المنتهى على النحو الذي نقلنا أيضا وكأنه كان في نسخته هكذا أو وقع سهو في البين والله أعلم وأما الثالث وهو وجدان البلل بعد البول دون
الاجتهاد فالمعروف بينهم إعادة الوضوء حينئذ خاصة واستدل عليه بالروايات المتقدمة الدالة على عدم وجوب إعادة الغسل مع البول وإعادة
الوضوء وبمفهوم رواية حفص ومحمد بن مسلم وعبد الملك بن عمر والمتقدمة آنفا وباطلاق رواية ابن سنان المذكورة وقد نقل أيضا ابن إدريس الاجماع
عليه وقد تعارض الروايات بما رواه الكافي في باب الاستبراء من البول في الصحيح عن عبد الله بن أبي يعفور قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل بال ثم
توضأ وقام إلى الصلاة فوجد بللا قال لا يتوضأ إنما ذلك من الحبايل وهذه الرواية في الفقيه أيضا في باب ما ينقض الوضوء وبما رواه التهذيب في
باب الاحداث في الصحيح عن حريز قال حدثني زيد الشحام وزرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال إن سال من ذكرك شئ من مذي أو وذي فلا تغسله
ولا تقطع له صلاة ولا تنقض له الوضوء إنما ذلك بمنزلة النخامة كل شئ خرج منك بعد الوضوء فإنه من الخبايل ولا يذهب عليك إنه على قانون الجمع الترجيح مع هاتين
الروايتين لأنك قد عرفت أن الروايات المتقدمة الدالة على إعادة الوضوء مع البول للمجنب لو حمل على الوجوب لابد من تخصيصها بما قبل الاستبراء للاجماع والروايات
فحملها على الاستحباب أولى من أن يرتكب التخصيص فيها وفي هاتين الروايتين مع ما عرفت من أنه يمكن أن لا يكون في الاستحباب خلاف ظاهر وقس عليه الحال في
رواية ابن سنان وما مفهوم الروايات المذكورة فمع إمكان المناقشة في المفهوم لا ظهور له في الوجوب فالأولى حمله على الاستحباب وإبقاء إطلاق الروايتين
بحاله لكن دعوى الاجماع هاهنا أيضا مانع قوي والأولى الاخذ بما يقتضيه ثم اعلم أن الشيخ (ره) قال في التهذيب بعد نقل روايتي محمد ومعوية بن ميسرة المتقدمتين
فما يتضمن هذان الحديثان من ذكر إعادة الوضوء فإنما هو على طريقة الاستحباب لأنه إذا صح بما قدمنا ذكره أن الغسل من الجنابة مجزي عن الوضوء ولم
يحدث هاهنا حدث ينقض الوضوء فينبغي أن لا يجب عليه الطهارة ولا تعلق على ذمته الطهارة إلا بدليل قاطع وليس هاهنا دليل يقطع العذر ويحتمل أيضا
أن يكون ما خرج منه بعد الغسل كان بولا فيجب عليه حينئذ الوضوء وإن لم يجب الغسل حسبما تضمنه الخبر انتهى وهذا بظاهره دليل على أنه لا يرى وجوب الوضوء لو
وجد بلل مشتبه بعد البول وقبل الاستبراء لكنه قد صح في المبسوط بالوجوب وكأنه لما كانت الروايتان دالتين على إعادة الوضوء مطلقا فحملهما على الاستحباب في
أحد نوعيه وهو ما بعد الاستبراء وحمل البلل أولا على البلل الذي لا يشتبه بالبول فلذا حمل على الاستحباب وحمله ثانيا على البلل المشتبه به فحكم بوجوب الوضوء والله
أعلم ثم إن الظاهر من كلام الأصحاب أن البلل الذي يوجب إعادة الوضوء إذا خرج قبل الاستبراء إنما هو البلل المشتبه بالبول ولم يصرحوا بالمراد من الاشتباه هل هو
الشك أو مجرد الاحتمال كاف والروايات مطلقة فالأولى والأحوط إعادة الوضوء باحتمال البول وكذا الحال في البلل المشتبه بالمني وأما الرابع وهو وجدان
البلل بعد الاجتهاد دون البول فهو يحتمل وجهين لان أما أن يكون مع تيسر البول أو لا أما الأول فالظاهر من كلامهم وجوب إعادة الغسل حينئذ أيضا ويفهم من ظاهر الشرايع
والنافع عدم الوجوب ولا يخفى إن الخلاف المنقول عن الصدوق في الصورة الثانية جريانه في هذه الصورة أظهر بالنسبة إلى عدم وجوب الغسل وأما بالنسبة
إلى وجوب الوضوء فلا يعلم حاله والأول أظهر لاطلاق الروايات المتقدمة المتضمنة لإعادة الغسل بدون البول مع متابعة الأصحاب وإن كان للمناقشة مجال
والاحتياط أن يضم في هذه الصورة مع الغسل وضوء أيضا خروجا عن عهدة إطلاق رواية الفقيه وكذا في الصورة الثانية وأما الثاني فالمفيد في المقنعة
صرح بعدم وجوب شئ من الوضوء والغسل حينئذ وهو الظاهر من كلام الشيخ أيضا ومن الشرايع والنافع وكلام الصدوق ظاهر أيضا في عدم وجوب الغسل وأما عدم وجوب الوضوء فلا يعلم حاله
من كلامه واستشكل العلامة (ره) في النهاية والمنتهى حجة القول بعدم وجوب الغسل والوضوء الروايات المتقدمة الدالة على عدم وجوب شئ لخروج البلل وإنما
حملوها على عدم تيسر البول كما ذكرنا سابقا وفيه ضعف أما أولا فلعدم صحة الروايات وأما ثانيا فلعدم قرينة مخصصة بهذه الصورة والأظهر والأحوط الحكم
بوجوب إعادة الغسل لاطلاق الروايات المعتبرة المتقدمة الدالة على وجوب الإعادة مع عدم البول وإن كان يمكن المناقشة بعدم الظهور في الوجوب و
معارضتها بما يدل على أن اليقين لا ينقض إلا باليقين مع أنه لا إجماع هاهنا أيضا على الحكم وتمام الاحتياط أن يضم مع الغسل وضوء أيضا لما ذكرنا آنفا واعلم
174

أنه يفهم ظاهرا من كلام التهذيب والاستبصار والنهاية أنه يكفي في عدم وجوب إعادة الغسل الاجتهاد في إتيان البول ولا يدل على الاحتياج إلى الاستبراء المتعارف
إلا أن يكون المراد بالاجتهاد الاجتهاد بطريق الاستبراء نعم كلام المقنعة صريح في الاحتياج إليه (ولو لم يستبرء فهو جنب من حين الرؤية لا قبله) هذا هو
المعروف بين الأصحاب ونقل ابن إدريس أنه يوجب في الاخبار والكتب وجوب إعادة الصلاة التي صلاها قبل رؤية البلل وقد رده ونسب العلامة أيضا في المنتهى
القول بإعادة الصلاة إلى بعض علمائنا لكن كلام المنتهى في البلل الذي يعلم أنه مني حجة القول بإعادة الصلاة صحيحة محمد المذكورة في أول البحث السابق
واعترض عليها بإمكان حملها على الاستحباب أو على من صلى بعد وجدان البلل والأول أولى ويمكن أن يحتج عليه أيضا برواية أحمد بن هلال المتقدمة لدلالتها
ظاهرا على أن الغسل قبل البول لا اعتداد به لكنها مخصوصة بحال التعمد ويرد عليها أنها ضعيفة جدا وقد يتمسك أيضا بأن الغسل الأول فاسد لخروج
المني عن مقره وفيه ضعف لان الغسل إنما هو للخروج عن الذكر لا للخروج عن المقر ولذا لو حبسه لم يجب الغسل إلا بعد خروجه وحجة المشهور أنه صلاة صحيحة بطهارة
صحيحة والإعادة إنما يحتاج إلى دليل ظاهر وليس لما عرفت من عدم ظهور الأدلة وهذه الحجة قوية لكن الاحتياط في الإعادة عملا بالصحيحة المذكورة تذنيب
اعلم أن ما ذكر من وجوب الاستبراء وعدمه والأحكام المتعلقة به إنما هو في الرجل المجنب بالانزال على
المشهور وأما المرأة والمجنب بالجماع فلهما حكم آخر أما المرأة
فقال المفيد في المقنعة وينبغي لها أن تستبري قبل الغسل بالبول فإن لم يتيسر لها ذلك لم يكن عليها شئ وتوقف العلامة في المنتهى في استبرائها بناء على أن
مخرج البول منها غير مخرج المني فلا فائدة فيه وكذا علل الراوندي في الرابع وظاهر المبسوط أنه لا استبراء عليها ونسب هذا في الذكرى إلى ظاهر الجمل وابن البراج
في الكامل أيضا وقال أيضا وأطلق أبو الصلاح الاستبراء وابنا بابويه والجعفي لم يذكروا المرأة انتهى والشيخ في النهاية سوى بين الرجل والمرأة في الاستبراء بالبول و
الاجتهاد ونقل عن ابن الجنيد أنه قال إذا بالت تنحنحت بعد بولها فهاهنا ثلاث مقامات الأول أنها هل عليها استبراء وجوبا أو ندبا بعد الانزال أو لا الثاني
أن حكمها بعد وجود البلل المشتبه ماذا الثالث هل تستبرأ بعد البول أم لا أما الأول فالظاهر أن وجوب الاستبراء منتف رأسا لعدم دليل عليه وأما استحبابه فلا بأس به للاستظهار ولذهاب بعض الأصحاب إليه
ولاشعار رواية أحمد بن هلال المذكورة وما ذكر من أنه لا فايدة فيه فليس بظاهر إذ يمكن أن يعصر البول عند خروجه مخرج المني فيخرجه أو يكون القوة الدافعة عند
دفعها للبول تدفع بقايا المني كما يشاهد عن دفع الغايط فإن عند دفعه يدفع البول أيضا غالبا وإن اجتهد في حفظه مع أن الحال في الرجل أيضا كما في المرأة
لان مخرج منيه غير مخرج بوله إلا أنهما أشد تقاربا من مخرجي المرأة واحتمال العصر فيه أظهر على أن هذا الوجه على تقدير تمامه إنما يتأتى في الاستبراء بالبول فقط
ثم إن استبراء المرأة بالاجتهاد إنما يكون بالعرض كما ذكره القوم وأما الثاني فأما أن يكون وجدان البلل بعد الاستبراء أو قبله وعلى التقديرين إما أن يعلم أنه مني
أو يشتبه فإن كان بعد الاستبراء ويعلم أنه مني فلا يخلو إما أن يكون في فرجها مني رجل أو لا فإن لم يكن في فرجها مني رجل فالظاهر وجوب الغسل وإن كان في فرجها
مني رجل فإما أن تعلم أن الخارج مني نفسها أو لا فعلى الأول الظاهر أنه أيضا كسابقه في وجوب الغسل وعلى الثاني الظاهر عدم الوجوب للروايات الدالة على عدم نقض اليقين
بالشك ولصحيحة منصور وموثقة سليمان بن خالد المتقدمتين عند شرح قول المصنف ولو خرج المني من المرأة إلى آخره وتدل رواية عبد الرحمن المذكورة هناك أيضا على خصوص
بعض الصور وقطع ابن إدريس في هذه الصورة أيضا بوجوب الغسل وطرح الخبرين لعموم الماء من الماء وفيه ضعف لمنع شموله ما نحن فيه سيما بعد ورود الروايات الصحيحة
والموثقة بخروج هذا الفرد إلا أن يقال أنه ليس في الروايتين التصريح بخروج المني بل يخرج شئ وهو أعم من أن يكون منيا أو غيره فيكون حينئذ بين الروايات عموم
من وجه لكنه بعيد لاباء التعليل الواقع في الفرق بين الرجل والمرأة في الخبر عنه كما لا يخفى مع أن عند العموم من وجه أيضا يثبت مطلوبنا لان حكمه التوقف والرجوع
إلى أصل البراءة لكن الاحتياط في الإعادة وإن لم يعلم أنه مني فلا يخلو أيضا إما أن يكون في فرجها مني رجل أو لا فإن كان فلا خفاء في عدم وجوب الغسل للأصل والاستصحاب
والروايتين وإن لم يكن فالظاهر أيضا عدم الوجوب للأصل والاستصحاب والاحتياط في هاتين الصورتين أيضا في الإعادة وإن كان قبل الاستبراء فأما أن تعلم أنه مني
أو لا فإن علمت فلا يخلو أيضا إما أن يكون في فرجها مني رجل أو لا فإن لم يكن فالظاهر وجوب الغسل وإن كان فأما أن تعلم أنه مني نفسها أو لا فإن علمت فالظاهر أيضا الوجوب
وإن لم تعلم فالظاهر عدم وجوب الغسل للأصل والاستصحاب والروايتين والرواية الأخرى أيضا في بعض الصور وخلاف ابن إدريس هاهنا أيضا والكلام فيه على نحو ما
مر والاحتياط في الإعادة وإن لم تعلم أنه مني فلا يخلو أيضا من الوجهين فعلى الأول الظاهر عدم الوجوب للوجوه المذكورة والروايات السابقة المتضمنة لوجوب الإعادة
مع عدم البول مختصة بالرجل كما عرفت سوى رواية أحمد بن هلال فإن فيها إطلاقا ظاهرا لكنها ضعيفة لا تصلح للتعويل والاحتياط أيضا في الإعادة وتمام الاحتياط
في ضم الوضوء وعلى الثاني فالظاهر أيضا أنه مثل سابقه للأصل والاستصحاب وحال الروايات قد عرفت وأمر الاحتياط وتمامه واضح وأما حال وجوب الوضوء وعدمه
لو بالت ولم يستبرء منه فيظهر في المقام الثالث وأما الثالث فلا ريب في عدم وجوب الاستبراء عليها بعد البول وأما الاستحباب فلا بأس به لما فيه من الاستظهار ولقول
بعض الأصحاب فلو وجدت بللا مشتبها فإن كان بعد الاستبراء فالظاهر عدم الالتفات للأصل والاستصحاب والاجماع أيضا ظاهرا وإن كان قبله فالظاهر أنه أيضا كذلك
175

للأصل والاستصحاب والروايات المتقدمة الدالة على المبالاة بالبلل قبل الاستبراء إنما هي مختصة بالرجل ظاهرا لكن الاحتياط في الالتفات والله أعلم بحقايق أحكامه
وأما المجنب بالجماع بدون الانزال فلا خفاء في عدم وجوب الاستبراء عليه وأما الاستحباب فقد قطع المصنف في الذكرى بعدمه لعدم سببه ثم قال هذا مع تيقن عدم الانزال
ولو جوزه أمكن استحباب الاستبراء أخذا بالاحتياط انتهى ولا بأس به لا يبعد القول به مع التيقن أيضا احتياطا لرواية أحمد بن هلال ولو وجد هذا المجنب بللا
فإن علم أنه مني أو غيره فلا خفاء وإن اشتبه فإن كان بعد البول فلا إشكال أيضا وإن كان قبله ففيه إشكال من حيث إطلاق الروايات المتقدمة ومن حيث انصرافها
إلى المتعارف مع إشعار قوله (عليه السلام) في آخر رواية محمد المتقدمة لان البول لم يدع شيئا به والظاهر عدم الوجوب للأصل والاستصحاب وعدم الظن بعموم الروايات
وشمولها لما نحن فيه مع ما عرفت من إمكان المناقشة في ظهورها في الوجوب وأيضا الأصحاب ما عملوا بها في هذه الصورة لكن الاحتياط أيضا في الإعادة بل
مع ضم الوضوء حال عدم البول (ويستحب غسل اليدين ثلاثا) هذا الحكم إجماع منا كما في المعتبر ويتعلق به أيضا روايات قد تقدم طرف منها في بحث جواز تقديم نيه الوضوء
عند غسل اليدين وطرف منها في بحث ترتيب الغسل وطرف في غيرهما من المباحث والعلامة صرح بالاستحباب مطلقا وإن كان مرتمسا أو تحت المطر أو مغتسلا
من إناء يصبه عليه من غير إدخال لليد ويحتج عليه بإطلاق صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة في بحث الترتيب وصحيحة زرارة المذكورة في بحث الارتماس ولا بأس به وإن كان
للمناقشة مجال ثم إن الجعفي قال باستحباب الغسل إلى المرفقين أو إلى نصفهما ويحتج عليه بصحيحة أحمد بن محمد وموثقة سماعة المتقدمتين في بحث الترتيب وبصحيحة يعقوب بن
يقطين المتقدمة في بحث عدم وجوب الوضوء في غسل الجنابة وقد ورد أيضا بعض الروايات بغسل الكفين وقد تقدم أيضا في هذا البحث والظاهر أن الجميع مستحب و
إن كان الفضل في الغسل إلى المرفقين (والمضمضة والاستنشاق) لا خلاف عندنا في عدم وجوبهما ويدل عليه أيضا روايات منها ما رواه التهذيب في باب حكم الجنابة
عن أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابه قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الجنب يتمضمض قال لا إنما يجنب الظاهر وما رواه أيضا في هذا الباب عن عبد الله بن سنان قال قال
أبو عبد الله (عليه السلام) لا يجنب الانف والفم لأنهما سائلان وأما استحبابها فهو المعروف بين الأصحاب بل الظاهر أنه إجماع منا وخلاف ابن عقيل كأنه في الوضوء
فقط ويدل عليه أيضا صحيحة زرارة المتقدمة في بحث الارتماس ورواية أبي بصير المذكورة في بحث الترتيب وأما ما رواه التهذيب في الباب المذكور في الصحيح عن الحسن بن
راشد قال قال الفقيه العسكري (عليه السلام) ليس في الغسل ولا في الوضوء مضمضة ولا استنشاق فمحمول على أنهما ليسا من فرايض الغسل والوضوء جمعا بين
الاخبار وكذا الحال في الروايتين المنقولتين آنفا (وإمرار اليد على الجسد) استحباب الامرار اختيار فقهاء أهل البيت (عليه السلام) ونسب القول بالوجوب إلى بعض العامة
ويدل أيضا على عدم الوجوب مطلقا مضافا إلى الاجماع الأصل وإطلاق الأوامر الواردة بالغسل ورواية إسماعيل بن أبي زياد المتقدمة في بحث تحليل ما يمنع وصول
الماء ويؤيده صحيحة إبراهيم بن محمد المذكورة في هذا البحث وفي خصوص الارتماس صحيحة زرارة المذكورة في بحث الارتماس وأما الاستحباب فللاستظهار و
الاحتياط وللشهرة بل الاجماع أيضا ظاهرا هذا إذا وصل الماء بدون الامرار وأما مع عدم الوصول بدونه فإنما يجب من باب المقدمة (وتخليل ما يصل إليه الماء) بدون
التخليل كالشعر الخفيف ومعاطف الاذان والإبطين وعكن البطن في السمين وما تحت ثدي المرأة للاستظهار والاحتياط وأما صحيحة إبراهيم بن أبي محمود ورواية
إسماعيل بن أبي زياد المتقدمتان في بحث التخليل فلا ينافيان ما ذكر لان غاية ما يدلان عليه صحة الغسل بدون التخليل وأما عدم استحبابه فلا سيما الصحيحة
المذكورة وكذا الحال في توهم منافاتهما لاستحباب الامرار على الجسد (والدعاء) يدل عليه ما رواه التهذيب في زيادات باب الأغسال في الموثق عن عمار الساباطي قال
قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا اغتسلت من الجنابة فقل اللهم طهر قلبي وتقبل سعيي واجعل ما عندك خيرا لي اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين وإذا
اغتسلت للجمعة فقل اللهم طهر قلبي من كل آفة تمحق ديني ويبطل به عملي اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين وروى أيضا في باب حكم الجنابة عن محمد بن مروان
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال تقول في غسل الجمعة اللهم طهر قلبي من كل آفة تمحق ديني وتبطل عملي وتقول في غسل الجنابة اللهم طهر قلبي وزك عملي واجعل ما
عندك خيرا لي قال وفي حديث آخر اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين وروى الكافي في باب صفة الغسل عن علي بن الحكم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام)
مثل الحديث الأول زيادة وتقبل سعيي قبل واجعل وفي المصباح تقول عند الغسل اللهم طهرني وطهر قلبي واشرح لي صدري وأجر على لساني مدحتك والثناء عليك
اللهم اجعله لي طهورا وشفاء ونورا إنك على كل شئ قدير قال المفيد (ره) في المقنعة ويسمى الله تعالى عند اغتساله ويمجده ويسبحه فإذا فرغ من غسله فليقل اللهم
طهر قلبي إلى آخره والشيخ أورد في بيانه الحديث المنقول عن محمد ولا يخفى عدم دلالته على ما ذكر بل الظاهر استحباب هذا الدعاء عند الاشتغال بالغسل ولعله
استفادة من حديث آخر (والولاء) عدم وجوب الموالاة هاهنا بكل من المعنيين المذكورين في الوضوء هو المعروف بين الأصحاب وقد صرح به جماعة منهم الشيخان وسلار
وابن البراج وأبو الصلاح وابن زهرة والكيدري وابن إدريس وصاحب الجامع والعلامة وحكى الصدوق عن أبيه وكأنه إجماع منهم بعدم نقل خلاف فيه وعبارة التهذيب
أيضا مشعرة به قال وعندنا أن الموالاة لا يجب في الغسل وإنما يجب في الوضوء وكذا عبارة المنتهى ويدل عليه أيضا الأصل وإطلاق الأوامر الواردة بالغسل وصحيحة
176

هشام بن سالم من قصة أم إسماعيل المتقدمة في بحث ترتيب الغسل وصحيحة حريز المقطوعة المذكورة في بحث موالاة الوضوء وما رواه التهذيب في الباب المذكور والكافي أيضا
في الباب المتقدم في الحسن عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إن عليا (عليه السلام) لم ير بأسا أن يغسل الجنب رأسه غدوة ويغسل ساير جسده عند الصلاة
وأما استحبابه فلما فيه من المسارعة والاستباق إلى الخير وحصول الطهارة المطلوبة للشارع كما يظهر من الكتاب والسنة وللتحفظ من طريان المفسد في الغسل ولفتوى
جمع من الأصحاب باستحبابه قال في الذكرى ولأن المعلوم من صاحب الشرع وذريته المعصومين فعل ذلك (والغسل بصاع) لا خلاف بين علمائنا في عدم وجوب الغسل بصاع
بل يكفي عندهم أقل ما يسمى غسلا ونسب إلى أبي حنيفة القول بوجوب الصاع ويدل عليه مضافا إلى الاجماع الأصل وإطلاق الروايات المذكورة في الأبواب
السابقة ويزيده بيانا ما رواه التهذيب في الباب المذكور في الموثق عن زرارة قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن غسل الجنابة فقال أفض على رأسك ثلاث أكف
وعن يمينك وعن يسارك إنما يكفيك مثل الدهن وما رواه أيضا في هذا الباب في الحسن عن هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال يجزيك من الغسل
والاستنجاء ما بللت يدك وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب مقدار الماء الذي يجزي للوضوء والغسل بأدنى تغيير وما رواه أيضا في هذا الباب والكافي
في الباب المذكور في الحسن عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال الجنب ما جرى عليه الماء من جسده قليله وكثيره فقد أجزء ورواية إسحاق بن عمار المتقدمة
في بحث الوضوء عند قول المصنف ويجزى في الغسل مسماه ولو كالدهن وأما ما رواه التهذيب في زيادات باب الأغسال في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير عن أبي
جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) أنهما قالا توضأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) واغتسل بصاع ثم قال اغتسل هو وزوجته بخمسة أمداد من إناء واحد قال زرارة
فقلت له كيف صنع هو قال بدأ هو فضرب بيده في الماء قبلها وأنقى فرجه ثم ضربت فأنقت فرجها ثم أفاض هو وأفاضت هي على نفسها حتى فرغا فكان
الذي اغتسل به رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاثة أمداد والذي اغتسلت به مدين وإنما أجزء عنهما لأنهما اشتركا جميعا ومن انفرد بالغسل وحده فلا بد
له من صاع وروى في الفقيه أيضا أكثر هذه الرواية مرسلا عن الباقر (عليه السلام) في باب مقدار الماء للوضوء والغسل فمحمول على الاستحباب جمعا بين الروايات
وأما استحباب الغسل بصاع فهو أيضا إجماع منا ويدل عليه روايات كثيرة منها هذه الرواية منها ما رواه التهذيب في باب حكم الجنابة في الصحيح عن معاوية بن عمار
قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يغتسل بصاع وإذا كان معه بعض نسائه يغتسل بصاع ومد ومنها الروايات المذكورة
في بحث استحباب الوضوء بمد ثم اعلم أن المفيد في المقنعة قال والغسل بصاع من الماء وقدره تسعة أرطال بالبغدادي وذلك إسباغ ودون ذلك مجزي في الطهارة
وقال الشيخ في المبسوط والاسباغ بتسعة أرطال وفي النهاية والاسباغ يكون بتسعة أرطال من ماء وفي الخلاف الفرض في الغسل
إيصال الماء إلى جميع البدن وفي الوضوء إلى أعضاء الطهارة وليس له قدر لا يجوز أقل منه إلا أن المستحب أن يكون الغسل بتسعة أرطال والوضوء بمد وهذه العبارة
حسنة مطابقة للروايات لا غبار عليها لكن بعض آخر كالعلامة والمحقق غيراها قال المحقق في المعتبر والغسل
بصاع فما زاد لا خلاف بين فقهائنا في استحبابه
وقال العلامة في المنتهى الغسل بصاع فما زاد مستحب عند علمائنا أجمع قال المصنف في الذكرى والشيخ وجماعة ذكروا استحباب صاع فما زاد والظاهر أنه مقيد بعدم
أدائه إلى السرف المنهي عنه انتهى ولا يخفى أنه مع هذا التقييد أيضا محل كلام لعدم دليل على استحباب ما زاد بل ظاهر الروايات السابقة عدم استحبابه سيما مرسلة الفقيه
عن رسول الله (عليه السلام) المنقولة في بحث استحباب الوضوء بمد اللهم إلا أن يكون إجماع عليه وبما نقلنا عن عبارات الشيخ في كتبه ظهر أن ما نسب إليه في
الذكرى خلاف الواقع إلا أن يكون في غير هذه الكتب من تصانيفه ثم إنه استفيد من بعض الروايات السابقة أن استحباب الصاع إنما يكون عند الانفراد وأما
مع الاشتراك فيكفي أقل منه ويدل عليه أيضا ما رواه التهذيب في باب حكم الجنابة والكافي في باب مقدار الماء في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) قال سألته عن وقت
غسل الجنابة كم يجزي من الماء فقال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يغتسل بخمسة أمداد بينه وبين صاحبته ويغتسلان جميعا من إناء واحد واستفيد أيضا
ظاهرا إن ماء غسل الفرج محسوب من الصاع وقد ألحق به ماء غسل اليد والمضمضة والاستنشاق أيضا وليس ببعيد هذا والكلام في تحقيق الصاع سيجئ إن شاء الله تعالى
في الزكاة
تتمة قد ظهر بما سبق جوز الاكتفاء بما دون الصاع فهل يكفي المسح كالدهن أو لا بد من الجريان ظاهر الأصحاب الثاني متمسكا بعدم صدق الغسل
بدون الجريان وبصحيحة محمد وحسنة زرارة المتقدمتين في بحث الترتيب وحسنة زرارة المتقدمة آنفا وما ورد في بعض الروايات السابقة من لفظ الإفاضة
وحملوا الروايات الواردة بإجزاء الدهن ونحوه على المبالغة والتجوز وأنت خبير بأنه لو لم يكن إجماع على ما ذكروه لكان الظاهر جواز الاكتفاء بالدهن الحقيقي لظاهر
الروايات وعدم صلاحية ما تمسكوا به من الوجهين لمعارضتها أما الأول فلعدم معلومية المعنى الحقيقي للاظهار والاغتسال في عرف الشرع ولو سلم فحمل الروايات
المذكورة على المجاز ليس بأولى من حمله عليه بل الامر بالعكس لمعاضدتها بالأصل وأما الثاني فلجواز حملها على المتعارف بلا ارتكاب خلاف ظاهر ولو سلم
عدم الظهور ففيه ما ذكرنا ثانيا في الوجه الأول ولا يخفى أنه لو تحقق الصب في بعض الأعضاء ثم اكتفى بالمسح في بعض آخر فالجواز فيه أظهر إذ يصير حينئذ دعوى عدم صدق
177

الغسل ضعيفا سيما إذا كان العضو الذي اكتفى فيه بالمسح قليلا ويؤيده أيضا روايتا سماعة وزرارة المتقدمتان في بحث الترتيب المتضمنتان للأكف وكذا
قصة اغتسال رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع زوجته إذ الظاهر أن هذا القدر من الماء لا يجري على جميع البدن سيما بدن المرأة لمكان الشعور وكذا يؤيده ما روى أنه
عند نسيان شئ من الأعضاء يمسح عليه وسنذكر إن شاء الله تعالى عن قريب ولو انضم إلى ذلك الضرورة وعوز الماء فالجواز أشد ظهور التأييد ما سبق كله حينئذ بما رواه التهذيب في باب زيادات
باب المياه في الصحيح عن علي بن جعفر عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) قال سألته عن الرجل يصيب الماء في ساقية أو مستنقع أيغتسل منه الجنابة أو يتوضأ منه للصلاة
إذا كان لا يجد غيره والماء لا يبلغ صاعا للجنابة ولا مد للوضوء وهو متفرق فكيف يصنع وهو يتخوف أن يكون السباع قد شربت منه فقال إذا كانت يده نظيفة
فليأخذ كفا من الماء بيد واحدة فلينضحه خلفه وكفا عن أمامه وكفا عن يمينه وكفا عن شماله فإن خشي أن لا يكفيه غسل رأسه ثلاث مرات ثم يمسح جلده بيده فإن ذلك
يجزيه وإن كان الوضوء غسل وجهه ومسح يده على ذراعيه ورأسه ورجليه وإن كان الماء متفرقا فقدر أن يجمعه وإلا اغتسل من هذا وهذا فإن كان في مكان واحد وهو
قليل لا يكفيه لغسله فلا عليه أن يغسل ويرجع الماء فيه فإن ذلك يجزيه وقد روى أيضا في زيادات باب الأغسال عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال سألته عن الرجل يصيب
الماء في الساقية أو مستنقعا فيتخوف أن يكون السباع قد شربت منها يغتسل منه ويتوضأ منه للصلاة إذا كان لا يجد غيره والماء لا يبلغ صاعا للجنابة ولا
مد للوضوء وهو متفرق كيف يصنع قال إذا كان كفه نظيفة فليأخذ كفا من الماء بيد واحدة ولينضحه خلفه وعن أمامه وعن يمينه وعن يساره فإن خشي أن لا يكفيه
غسل رأسه ثلاث مرات ثم مسح جلده بيده فإن ذلك يجزيه إن شاء الله تعالى هذا وقد ذهب المفيد إلى جواز المسح عند الضرورة وقد نقلنا كلامه في بحث جواز كون غسل الوضوء
كالدهن مع الجريان وتكلمنا عليه فليراجع إليه وظاهر ابن الجنيد العمل لمضمون هذه الرواية وبالجملة الظاهر جواز المسح على الأعضاء لو لم يكن إجماع على خلافه خصوصا
إذا صب الماء على الرأس والجانبين وخصوصا مع الضرورة لكن الأولى أن لا يكتفي عند التوسع بمسح أي عضو كان وإن كان قليلا وعند الضرورة كعوز الماء أو البرد أو نحوه
الاحتياط أن يؤتى بالغسل على ما تيسر ثم يضم إليه التيمم (ويكره الاستعانة) علل بما ذكر في الوضوء وقد عرفت سابقا إمكان المناقشة في الوجوه المذكورة فيه مع أن
الروايتين اللتين هما أظهر الوجوه يشكل إجراءهما هاهنا لكن لما لم يضيق في أمر الكراهة لجاز الاكتفاء بها سيما مع ذهاب الأصحاب إليها إذ هو حجة برأسها لنا (ولو
وجد لمعة غسلها وما بعدها ولو كان مرتمسا أعاد) فيه حكمان غسل اللمعة وما بعدها في المرتب وإعادة الغسل في المرتمس أما الأول فهو مركب من ثلاثة أمور
عدم بطلان الغسل ووجوب غسل اللمعة ووجوب غسل ما بعدها أما الأولان فيدل عليهما مضافا إلى الاجماع ظاهرا وإطلاق الروايات المذكورة في أبواب الغسل
رواية أبي بصير المتضمنة لبقاء اللمعة على ظهر الباقر (عليه السلام) وقد تقدمت في بحث الترتيب مع ما يتعلق بها من الكلام وما رواه التهذيب في أواخر باب صفة الوضوء في الصحيح عن
زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في أثناء حديث قال قال حماد قال حريز قال زرارة قلت له رجل ترك بعض ذراعه أو بعض جسده من غسل الجنابة فقال إذا شك وكانت
به بله وهو في صلاته مسح بها عليه وإن كان استيقن رجع فأعاد عليهما ما لم يصب بلة فإن دخله الشك وقد دخل في صلاته فليمض في صلاته ولا شئ عليه وإذا
استيقن رجع فأعاد عليه الماء وإن رآه وبه بلة مسح عليه وأعاد الصلاة باستيقان وإن كان شاكا فليس عليه في شكه شئ فليمض في صلاته واعلم إن ظاهر
هذين الخبرين الاكتفاء بالمسح المطلق كما أشرنا إليه سابقا فعلى تقدير ثبوت وجوب الجريان إنما يحمل على المسح الذي يحصل معه الجريان ويستفاد أيضا من الأخير بل ظاهر الأول
أيضا الاكتفاء ببلة الأعضاء ولا حاجة إلى ماء جديد والظاهر أنه إجماع منا كما يشعر به عبارة المنتهى والأصل أيضا يعضده وأما الثالث فقد استدل عليه بوجوب
الترتيب وأنت خبير بأن إثبات وجوب الترتيب بحيث يشمل هذه الصورة من الروايات المتقدمة في بحث الترتيب مشكل جدا مع أن ظاهر الخبر الثاني الاكتفاء بمسح ما بقي ولا تخلو الروايات الأخر أيضا من نوع
تأييد له مثل ما في رواية محمد بن مسلم المتقدمة في بحث الترتيب من قوله (عليه السلام) فما جرى عليه الماء
فقد طهره وما في رواية زرارة المتقدمة في هذا البحث أيضا
من قوله (عليه السلام) فما جرى عليه الماء فقد أجزئه وما في رواية زرارة أيضا المتقدمة في بحث الارتماس من قوله (عليه السلام) وكل شئ أمسته الماء فقد أنقيته
لكن الأولى مراعاة الاحتياط وغسل ما بعدها أيضا إذ لم نعرف لاحد القول بخلافه ثم إنهم ذكروا أن وجوب غسل ما بعدها إنما يكون إذا لم يكن في الجانب الأيسر
إذ لو كان فيه لكفى غسلها فقط لان الترتيب إنما يكون بين الأعضاء الثلاثة لا في نفس الأعضاء أيضا وما ذكروه جيد مطابق لما تقتضيه الأدلة والله أعلم
وأما الحكم الثاني فقد احتمل العلامة (ره) في القواعد احتمالين آخرين غيره في هذه المسألة أحدهما الاكتفاء بغسل اللمعة فقط وثانيهما غسلها وغسل ما
بعدها كالمرتب وجعل أقوى الاحتمالات غسل اللمعة فقط وأضعفها ما ذكره المصنف وقد فصل شارحه المحقق بطول الزمان وعدمه وجعل الأصح الإعادة معه والاكتفاء بغسل اللمعة فقط مع عدمه وحكم بعدم اتجاه الاحتمال الأخير حجة الاحتمال الأول إن المأخوذ
عليه الارتماس دفعة واحدة بحيث يصل الماء إلى ساير الجسد في تلك الدفعة لما في الخبر فمع عدم الوصول إلى الجميع في تلك الدفعة لا يكون مجزيا وقد يمنع دلالة الخبر
على وجوب وصول الماء إلى جميع الأعضاء دفعة واحدة بل غاية ما يدل عليه وجوب ارتماسه واحدة والظاهر أنه إذا ارتمس أحد في الماء ولم يصل الماء إلى بعض يسير من أعضائه
يصدق عليه في العرف إنه ارتمس ارتماسة واحدة خصوصا إذا كان ذلك البعض تحت الماء ولم يصل إليه لمانع واحتج في المنتهى على الاحتمال الثاني بقوله ويمكن أن يقال بالاجتزاء
178

مع غسل تلك اللمعة لان الترتيب سقط في حقه وقد غسل أكثر بدنه فأجزأه لقول أبي عبد الله (عليه السلام) فما جرى عليه الماء فقد أجزأه انتهى ولا يخفى أن سقوط الترتيب في حقه لادخل له في عدم وجوب
الإعادة لان الكلام في أن الواجب غسل جميع الأعضاء دفعة واحدة ولم يتحقق وما ذكره أيضا من غسل أكثر البدن لا وجه له ويمكن أن يقال أن مرده من سقوط الترتيب في
حقه دفع الاحتمال الأخير ومما ذكره من غسل أكثر البدن غسل ما يصدق معه عرفا أنه ارتمس ارتماسة واحدة كما سبق وأما ما ذكره من قوله (عليه السلام) فلا دلالة له لأنه في
سياق الترتيب وقس عليه نظيريه المنقولين آنفا والأولى الاستدلال عليه بثاني الخبرين المذكورين وخبر هارون بن حمزة العنوي وخبر إسحاق بن عمار وخبر زرارة المتقدمة في بحث الغسل بصاع وقد يناقش فيها
أيضا بجواز حملها على المرتب لتعارف الترتيب وشيوعه في عهدهم (عليه السلام) والحاصل أن المسألة لا يخلو من إشكال إذ لا ظن يعتد به بظهور خبر الارتماس دفعة
واحدة في وجوب غسل جميع الأعضاء دفعة حتى الجزء الصغير جدا وكذا لا ظن بشمول هذين الخبرين للارتماس أيضا لكن لما كان غاية الأمر الشك في الحكم فلا يبعد
الاكتفاء بالقدر المتيقن وهو غسل اللمعة فقط كما مر غير مرة لكن الاحتياط في الإعادة والتفصيل الذي ذكره الشارح المحقق (ره) نظر إلى أنه مع عدم الفصل الكثير
تصدق عليه الوحدة العرفية فيكون غسلها فقط مجزيا ومع وجوده لا تصدق فلا يكون مجزيا وأنت خبير بأنه إنما يصح لو لم يخرج المغتسل من الماء ويكون تحته و
أما إذا خرج فلا لأنه إما أن يسلم دلالة الخبر على وجوب غسل جميع الأعضاء في الارتماسة الواحدة أو لا فإن لم يسلم فلا فرق في الاجزاء بين الصورتين وإن سلم
فلا يخفى إنه عند الخروج وإن لم يقع فصل كثير لم يصدق على غسل اللمعة أنه وقع في الارتماسة الواحدة ولو سلم فإنما يسلم إذا أرمسها أيضا في الماء وأما إذا مسحها
أو صب الماء عليها كما يفهم من إطلاق كلامه جوازهما أيضا فلا فتدبر وأما الاحتمال الأخير فكان بناء على أن الارتماس يترتب حكما كما سبق في بيان فايدة تلك
المسألة وقد عرفت ضعف المبنى
(ولو أحدث في أثنائه أعاد على الأقوى) الحدث المتخلل إما أن يكون أصغرا أو أكبرا فإن كان أصغر فقد اختلف الأصحاب فيه على أقوال
فالشيخ في النهاية وظاهر المبسوط على إعادة الغسل ونقل الصدوق أيضا في الفقيه عن أبيه وبه قال العلامة في جملة من كتبه والشهيد الثاني من المتأخرين وذهب
ابن البراج إلى أنه يتم الغسل ولا وضوء عليه واختاره ابن إدريس ومن المتأخرين المحقق الثاني (ره) وحكم السيد المرتضى (ره) بالاتمام والوضوء واختاره المحقق (ره)
في المعتبر ومن المتأخرين الفاضل الأردبيلي وصاحب المدارك رحمهما الله وخير المذاهب أوسطها احتج العلامة في المختلف على وجوب الإعادة بقوله لنا أن
الحدث الأصغر ناقض للطهارة لكمالها فلابعاضها أولى وإذا انتقض ما فعله وجب عليه إعادة الغسل لأنه جنب لم يرتفع حكم جنابته بغسل بعض أعضائه
ولا أثر للحدث الأصغر مع الأكبر انتهى وفيه من الخلل ما لا يخفى لان الحدث الأصغر لو كان ناقضا للغسل بعد كماله لكان موجبا له هذا خلف وأيضا فرق بين بعد
اكمال الغسل وقبله لان بعده قد ارتفع الحدث الأكبر فيؤثر الحدث الأصغر وأما قبله فلم يرتفع فلا أثر له كما اعترف به نفسه (ره) ولا يخفى أن الايراد الثالث
لا يجتمع مع الأول إذ لو حمل النقض على النقض بالكلية فلا يرد إلا ما أورد أولا ولو حمل على النقض في الجملة أي نقض الاستباحة الحاصلة من الغسل باعتبار
رفع الحدث الأصغر أيضا فلا يرد الأول فالأولى أن يستفسر ويورد الأول لو اختار الأول والثالث لو اختار الثاني والظاهر أن مراد العلامة (ره) من هذا
الاستدلال إن الحدث الأصغر أي السبب ناقض للطهارة بكمالها في الجملة فيكون ناقضا لابعاضها بطريق الأولى ولا يمكن أن يكون نقضه باعتبار إيراثه
الحدث الأصغر بمعنى الأثر حتى يكفي في رفعه الوضوء لأنه لا يجتمع مع الحدث الأكبر وهاهنا الحدث الأكبر متحقق البتة لأنه لا يرتفع بغسل بعض الأعضاء فيكون
نقضه باعتبار إبطال حكم ذلك البعض وإذا بطل حكمه فيجب الغسل بتمامه والذي يدل على أن مراده (ره) هذا قوله ولا أثر إلى آخره إذ لو لم يحمل على هذا لكان لغوا محضا
بل مناقضا لما ذكره أولا من النقض وعلى هذا اندفع الايراد الأول والثالث جميعا نعم الايراد الثاني باق لم يندفع وأيضا يمكن الايراد عليه بمنع امتناع اجتماع الحدثين
وما يستدل به عليه من أن الغسل فقط يبيح الصلاة وإن كان بعد الحدث الأصغر أيضا فهذا دليل على أن لا أثر له مع الحدث الأكبر وإلا لاحتاج إلى الوضوء ضعيف
إذ لا دليل على انحصار رافع الحدث الأصغر في الوضوء لم لا يجوز أن يكون الغسل رافعا للحدثين معا ثم إن الشهيد الثاني (ره) قد تصدى لإقامة الدليل على
هذا المطلب وتنقيحه وتحقيقه بحيث لا يرد عليه شئ وأطال الكلام بما حاصله أنه دلت الأدلة بل الاجماع على أن الاحداث المعدودة سبب لوجوب الطهارة سواء
تعددت أم اتحدت وتداخلها مع اتفاقها أو دخول الأصغر تحت الأكبر في الجنابة مع فرض الاجتماع لا يوجب سقوط ما ثبت لها من السببية ودل عليه
الدليل وانعقد الاجماع فالأصل فيها أن يكون كل واحد منها سببا تاما في سببيتها وعلى هذا فلا بد للحدث الواقع في أثناء الغسل من طهارة ترفع
أثره وهو إما الوضوء أو الغسل بتمامه لان أجزاء الغسل كلا منها مؤثر ناقض في رفع الحدث الأكبر والأصغر معا على تقدير وجوب الأصغر قبل الغسل إذ
لو أخل بلمعة يسيرة من بدنه لم يرتفع الحدث أصلا لكن الوضوء لا يمكن أن يكون رافعا هاهنا للاجماع على عدم مجامعة الوضوء الواجب لغسل الجنابة فيتعين
أن يكون الرافع الغسل بتمامه فثبت المطلوب وفيه نظر أما أولا فلمنع ما ذكره من دلالة الأدلة بل الاجماع على أن الاحداث المعدودة سبب لوجوب الطهارة
179

مطلقا أما الاجماع فظاهر انتفاؤه كيف والعلامة (ره) هاهنا صرح بأن هذا الحدث الواقع في أثناء الغسل لا يوجب الوضوء ولا غسل الجنابة بل إنما جعل
أثره نقض بعض الغسل ولو كان المراد الاجماع على أن له أثرا البتة فهو أيضا ممنوع لان ابن البراج وابن إدريس لا يقولان به وانعقاد الاجماع قبلهما أو بعدهما غير معلوم
وأما الأدلة فإن كان المراد بها العمومات التي تدل على وجوب التوضؤ عند الاحداث الأصاغر والغسل عند الأكابر كقوله (عليه السلام) إذا خفي عنك الصوت
فقد وجب الوضوء وأمثاله ففيه أنه لا يجدي هاهنا لان بعد تسليم عمومها إنما يدل على وجوب الوضوء في الاحداث الأصاغر وهو قد اعترف بعدم العمل
بها فيما نحن فيه للاجماع وإن كان غيرها فلا بد من بيانه ولو قيل المراد دلالة الدليل على أن له أثرا ويكون الدليل ما ذكره العلامة من أنه ناقض
للغسل بتمامه فلبعضه بطريق الأولى ففيه ما مر آنفا من منع الأولوية مع أنه حينئذ لا حاجة إلى التطويل الذي ارتكبه وأما ثانيا فنسلم أن لهذا الحدث أثرا في
الجملة ولا بد له من رافع لكن لا نسلم أن رافعه ليس هو الوضوء والاجماع الذي ادعاه ممنوع في صوره النزاع والسند ظاهر والأولى أن يتمسك فيه العمومات الدالة على
عدم الوضوء مع غسل الجنابة سلمنا أن رافعه ليس هو الوضوء لكن لا نسلم أنه يجب أن يكون الغسل بتمامه وما استدل به عليه من أن كل جزء علة ناقصة ولهذا
لو أخل بلمعة يسيرة لم يرتفع الحدث إنما يدل على أن كل جزء علة ناقصة لرفع مجموع الحدثين وكذا الحدث الأكبر وأما كونه علة ناقصة لرفع الحدث الأصغر فلا
بد له من دليل آخر فإن قيل لو سلم أن له أثرا فلا بد من اليقين برفعه للاستصحاب ولا يقين إلا بإعادة الغسل لان تمام الغسل رافع البتة وأما بعضه
ففي محل الشك قلنا لا نسلم أن بعضه في محل الشك توضيحه أنه قد تحقق عندنا بناء على صحة ما ذكر أحكام من الشارع أحدها أن الحدث الأصغر مطلقا سبب
لشئ ثانيها أن الوضوء لا يجوز مع غسل الجنابة ثالثها أنه يجب الغسل بعد تحقق الجنابة رابعها أن اليقين لا ينقض إلا باليقين خامسها أن العبادة يجب أن تكون
متلقاة من الشارع كما هو المشهور وحينئذ نقول إذا وقع الحدث في أثناء الغسل فبحكم الخطاب الأول يجب علينا الاتيان برافعه وبحكم الخطاب الثاني نعلم أن
رافعه ليس هو الوضوء البتة وبحكم الخطاب الخامس والثالث نعلم أن رافعه ليس هو الغسل بتمامه لعدم الامر به بل رافعه هو تتمة الغسل للامر بها فعند
الاتيان ببقية الغسل يحصل اليقين بالرافع ويعمل بمقتضى الخطاب الرابع أيضا فإن قيل الخطاب الخامس ممنوع بل إنما هو أمر مشهور بين القوم ولا مستند له ولو
سلم فلا نسلم عمومه ولو سلم فنقول لو أعيد الغسل حينئذ فلا يلزم العمل بخلاف ذلك العموم إذ غايته أنه لا يجوز الاتيان بعبادة لم تكن متلقاة من الشارع
أما صريحا أو ضمنا وهاهنا إن لم تتلق من الشارع صريحا لكن قد تلقيت ضمنا لان بعد ورود الخطاب الرابع يفهم منه إذن الشارع في فعل ما يحصل
به اليقين بالرفع وهو إنما يحصل بالإعادة فيكون مأذونا فيها متلقاة منه فلو أعيد لم يلزم مخالفة ذلك العموم قلنا لنا أن نمنع عموم اليقين
لا ينقض إلا باليقين ولو سلم فلا نسلم أن اليقين بالرفع يحصل بتمام الغسل حينئذ إذ القدر المعلوم أن الحدث الأصغر الذي قبل الغسل يرتفع بالغسل وأما الحدث
الذي في أثنائه فلا يعلم أنه يرتفع بالغسل لجواز أن لا يرتفع به بل إنما يرتفع بالبقية لان الأحكام الشرعية لا سبيل للعقل إليها فإذا احتمل أن لا يرتفع به
فلا يكون الخطاب الرابع متضمنا للاذن فيه والامر به فيكون التكليف به مشكوكا وعند الشك في التكليف لا تكليف يقينا ولا ظنا فلا تكليف بالإعادة وإنما
يلزم إتمام الغسل بالتكليف المتيقن وأما حديث أن بعد العلم بأن الحدث الواقع في أثناء الغسل مستلزم لاثر يحصل العلم بالتكليف يرفع ذلك الأثر والتكليف
اليقيني لا بد له من البراءة اليقينية فلا بد من الإعادة حينئذ من باب المقدمة وإن لم يكن واجبة بخصوصها فقد مرت المناقشة فيه غير مرة واحتج المصنف في الذكرى على
وجوب الإعادة بامتناع الوضوء في غسل الجنابة عملا بالاخبار المطلقة وامتناع خلو الحدث عن أثر هاهنا مع تأثيره بعد الكمال ولا يخفى أنه يمكن حمله
على ما وجهنا به كلام المختلف لكن كان فيه دليل أن أثر الحدث في الأثناء ليس هو الحدث الأصغر إنه لا يجوز اجتماع الحدثين وهاهنا دليله إنه لا وضوء مع
غسل الجنابة فلو كان أثره الحدث الأصغر لكان رافعه الوضوء فيلزم اجتماع الوضوء مع غسل الجنابة ويرد عليه حينئذ مع الايراد الثاني المذكور إنه لم يجوز أن يكون رافعه
بقية الغسل ولا دليل ولا إجماع على خلافه وأيضا عدم اجتماع الوضوء مع غسل الجنابة إن كان مستنده الاجماع فممنوع في صورة النزاع وإن كان العمومات
فقد يمنع شمولها لما نحن فيه وفيه كلام سيجئ ويمكن أيضا حمله على ما ذكره الشهيد الثاني لكن ظاهر قوله مع تأثيره بعد الكمال إنما يرجح الحمل الأول فتأمل حجة مختار
السيد (ره) أما على عدم وجوب الإعادة فهو إن الحدث الأصغر ليس موجبا للغسل ولا لبعضه قطعا فيسقط وجوب الإعادة وأما على وجوب الوضوء فإن الحدث المتخلل
لابد له من رافع وهو إما الغسل بتمامه وأما الوضوء والأول منتف لعدم بعضه فتعين الثاني وبوجه آخر الحدث الأصغر لو حصل بعد إكمال الطهارة أوجب وجب الوضوء
فكذا في أثنائها ولا يجب الإعادة وإلا لكان إذا بقي من جانبه الأيسر مقدار درهم ثم أحدث وجب عليه الغسل وليس كذلك وشنعوا أيضا على القول بالاكتفاء بالأمثلة
وعدم الاحتياج إلى الوضوء بأنه يلزم أن لو بقي من الغسل قدر الدرهم من جانبه الأيسر ثم تغوط أن يكتفي عن وضوئه بغسل موضع الدرهم وهو باطل و
أجاب بعض القائلين بالإعادة أما عن الوجه الأول فبأنا لا نحكم بوجوب الإعادة لان الحدث الأصغر موجب للغسل بل لأنه ناقض لما تقدم من الغسل
180

بالدليل المذكور فيلزم وجوب إعادة الغسل للجنابة الباقية بحالها فقد اشتبه الامر بين ما مع العلة والعلة وقد عرفت ما في دليلهم على نقض ما تقدم وأما
عن الوجه الثاني فبالفرق بين الحالين لان الأصغر لا أثر له مع الحدث الأكبر المتحقق قبل كمال الغسل بخلاف ما إذا ارتفع حدث الجنابة فإن الأصغر يقتضي وجوب الطهارة
الصغرى ولا يذهب عليك أنه لابد من تأويله بما ذكرنا سابقا وإلا فعلى ظاهره يكون نقضا عليهم حيث ذهبوا إلى
تأثيره في أثناء الغسل وبأن ما ذكروه من
بطلان وجوب الغسل للقدر اليسير فإنه استبعاد محض لان عندنا تجب إعادة الغسل ولو بقي جزء لا يتجزى من البدن وليس في هذا إلا استبعاد وتشنيع و
عارضوهم بمثله فإنه يلزم عليهم أن من غسل رأسه جزءا يسيرا بقدر درهم فيبول يجب عليه الغسل والوضوء وهذا أيضا شنيع والجواب عن حجتهم على القول
المختار أما عن الأول فبأن يمنع أن الحدث المتخلل لابد له من رافع إذ يجوز أن لا يحصل منه أثر لئلا يلزم توارد العلتين المستقلتين على معلول ولو سلم
فلم لا يجوز أن يكون رافعه بقية الغسل ولو أثبت المقدمتان الممنوعتان بالاجماع فمسلم ولو أثبت بالعمومات الدالة على وجوب الوضوء بعد الحدث الأصغر
فنمنع عمومها أولا ونسلم ثانيا ونقول قد ورد أيضا الحكم بأن للوضوء مع غسل الجنابة فيكون مخصصا لها ولو قيل ليس بينهما عموم وخصوص مطلق نقول
العموم من وجه أيضا يكفينا إذ على تقدير التعارض يحكم بالتساقط ويتمسك بالأصل وأما عن الثاني فبالفرق بين الحالين كما مر وأما عن التشنيع فإنه استبعاد
لا ينفع في المقام وكونه مستبعدا أيضا إنما يكون عند تسليم أن للحدث أثرا ورافعه بقية الغسل وأما لو لم يسلم فلا استبعاد أيضا وأما حجة القول المختار
فإطلاق الامر بالغسل فيكون هذا الغسل الواقع في أثنائه الحدث صحيحا مجزيا إذ الامر يقتضي الاجزاء ونقض الحدث للبعض المتقدم لا دليل عليه كما
عرفت وكذا اقتضاؤه لرافع وانحصاره في الوضوء أو الغسل بتمامه مع امتناع الوضوء هاهنا ومع إجزاء الغسل لا حاجة إلى الوضوء فلو ادعى عموم سببية الحدث
للوضوء نجيب بتخصصه بالخطايات المتضمنة لعدم الوضوء مع غسل الجنابة لو سلم العموم المطلق أو بمعارضته بها لو قيل أن بينهما عموما من وجه ثم التمسك
بالأصل كما ذكرنا واعلم أنه روى الصدوق (ره) في كتاب عرض المجالس عن الصادق (عليه السلام) قال لا بأس بتبعيض الغسل تغسل يدك وفرجك ورأسك وتؤخر غسل
جسدك إلى وقت الصلاة ثم تغسل جسدك إذا أردت ذلك فإن أحدثت حدثا من بول أو غايط أو ريح أو مني بعدما غسلت رأسك من قبل أن تغسل جسدك فأعد
الغسل من أوله وهذه الرواية نص على المذهب الأول لكن لما لم يعلم صحة سندها يشكل التمسك بها ومع ذلك الاحتياط في العمل بمضمونها بل الاحتياط
أن يضم إليه وضوء أيضا للخروج عن عهدة المذهب الثالث وبعض القائلين بهذا المذهب قد اكتفوا بنية القطع والإعادة لان بنية القطع يصير الغسل باطلا
فيقع الحدث حينئذ قبل الغسل فيكفي الغسل وحده وفيه نظر لان نية القطع لا يبطل ما تقدم نعم لو فعل بعدها شيئا مجردا عن نية القربة لكان باطلا وحينئذ فلا
يجدي نيته في الابطال هذا كله حكم الحدث الأصغر وأما الأكبر فإن كان هو الجنابة فلا إشكال في وجوب الإعادة ونقض ما فعل وإن كان غيرها فلا
خفاء أيضا في وجوب غسل كامل وأما نقض ما تقدم ففيه خفاء وتظهر الفايدة في أنه لو لم ينقض لكفى إتمامه في رفع حدث الجنابة وارتفاع أحكامها
لكن يكون الحدث الاخر باقيا ويحتاج إلى غسل آخر في رفعه وظاهر النظر يقتضي عدم النقض وارتفاع الجنابة بالاتمام لاطلاق الأوامر ثم أن الحدث الأصغر
لو وقع في أثناء غير غسل الجنابة من الأغسال الواجبة أو المندوبة فلو قلنا بعدم افتقارها إلى الوضوء كما تقدم أنه الظاهر فيجري الخلاف المذكور فيه والظاهر
المذهب الثاني لما عرفت ولو قلنا بالافتقار فيجري فيه قولان من الثلاثة المذكورة الأول والثالث والظاهر الثالث وبناء القول الأول هاهنا على تخيل
أن الوضوء والغسل بمجموعهما لرفع حدث الحيض مثلا فقط أو مع حدث أصغر مجامع له فيكون كل جزء منهما علة ناقصة لرفع الحدث فلو وقع حدث أصغر في
الأثناء ولا بد له من أثر البتة فلا بد لرفعه من المجموع لما تقدم من أن كل جزء من المجموع علة ناقضة وقد عرفت ما فيه واعترض أيضا الشهيد الثاني بمنع
كون كل جزء علة ناقضة لرفع الحدث الأصغر والأكبر مستندا بالاجماع على جواز الصوم بالغسل خاصة مع توقفه على رفع الحدث الأكبر غير المس و
كذا في جواز دخول المساجد وقراءة العزائم وغيرهما مما لا يتوقف جوازه على رفع الحدث الأصغر وما يتوقف على الوضوء كالصلاة ومس كتابة القرآن
ونحوهما يتوقف على الوضوء والغسل أيضا وهذا يدل على أن الوضوء ليس له صلاحية التأثير فيما يتوقف على الغسل خاصة هاهنا ولا جزء من المؤثر
فيه فعلم منه أن حدث الغسل المكمل بالوضوء موجب للوضوء والغسل معا فكان قائما مقام الأكبر والأصغر معا وكل واحد من الغسل والوضوء الرافعين
لم ينصرف إلى موجبه وفيه نظر لان غاية ما يلزم من السند المذكور أن الحدث الذي بإزاء الغسل ويحتاج ما يتوقف على الغسل خاصة من الصوم ودخول
المساجد ونحوهم على رفعه لا يتوقف رفعه على الوضوء وإنما يكفي فيه الغسل ولم يلزم منه أن الحدث الذي بإزاء الوضوء
ويحتاج ما يتوقف على الوضوء والغسل معا إلى رفعه إنما يكفي في رفعه الوضوء فقط ولم يحتج إلى الغسل مع أن ما ينفعنا في هذا المقام هو الثاني
دون الأول والدليل الذي نقلنا عنه سابقا في كون كل جزء علة ناقصة جار هاهنا والقول بأن الحدث الأصغر لا معنى لتوقف رفعه على الغسل أو
181

على الغسل والوضوء يرد على الأول النقص بما ذهب إليه في غسل الجنابة كما ذكرنا وعلى الثاني إنه استبعاد لا يكفي في المطلب لان أحكام الشريعة لا مجال للعقل
فيها فالأولى أن يرد بما ذكرنا سابقا وقد يتخيل طرد الوجهين فيما إذا وقع الحدث الأصغر بعد الغسل وقبل الوضوء بناء على ما ذكرنا أيضا والجواب الجواب تتمة
اعلم أن جميع ما ذكر إنما هو في الغسل المرتب وأما الارتماس فقد قال المصنف في الذكرى إن قلنا بسقوط الترتيب فيه حكما فإن وقع بعد ملاقاة الماء جميع البدن أوجب الوضوء
لا غير وإلا فليس له أثر وإن قلنا بوجوب الترتيب الحكمي القصدي فهو كالمرتب وإن قلنا بحصوله في نفسه وفسرناه بتفسير الاستبصار أمكن انسحاب البحث فيه وأورد
عليه أما أولا فأن قوله وإلا فليس له أثر ممنوع لأن الارتماس فيه أيضا تدريج والوحدة إنما هي العرفية فلو وقع الحدث بعد النية وقبل وصول الماء إلى جميع
البدن لاطراد فيه الخلاف وكان نظرة إلى أن الغسل الارتماسي إنما هو عبارة عن وصول الماء إلى جميع البدن تحت الماء والولوج في الماء ليس من أفعاله بل من مقدماته والتدريج إنما هو فيه لا في الأول والحاصل أن الغسل إنما هو بعد الولوج بجميع البدن في
الماء وبعد الولوج بالتمام وصول الماء إلى الجميع دفعي لا تدريج فيه فلا يؤثر الحدث لكن لا يخفى أن إثباته مشكل إذ يجوز أن يكون الغسل إنما يحصل تدريجا
بارتماس عضو عضو في الماء ولو استدل على خلافه بأنه لو كان كذلك للزم أن لو أخرج العضو الذي ارتمس
في الماء قبل ارتماس الجميع لصح الغسل أمكن الجواب
عنه بالالتزام أولا وبمنع الملازمة ثانيا لجواز أن يكون إبقاء العضو المرتمس في الماء إلى أن يدخل الأعضاء الأخرى شرطا في صحة الغسل فلو ثبت أحد الامرين
فيبنى عليه ولو لم يثبت فلو قلنا في الترتيب بالاكتفاء بالاتمام فلا إشكال هاهنا لأنه على أي تقدير يصح هذا الغسل ولا يحتاج إلى الوضوء ولو قلنا بالإعادة أو
إلى الاحتياج إلى الوضوء فلا يخلو من إشكال لان بناء الإعادة والوضوء على أن الحدث يؤثر البتة ولا بد له من رافع أما الغسل بتمامه على قول أو الوضوء على
آخر وحينئذ يحتمل وقوع الرافع بعده وهو الغسل فلو قيل أن اليقين لا ينقض بالشك شامل لهذه الصورة أيضا فلا بد من الإعادة أو الوضوء ولو لم يقل
بشموله لها فالظاهر عدم الاحتياج إلى الإعادة والوضوء ولا يخفى أنه لو استدل على نقض الحدث المتخلل لما تقدم بما أولنا به كلام المختلف فحينئذ الظاهر عدم الاحتياج إلى الإعادة
والوضوء على التقديرين معا لان النقض حينئذ مشكوك إذ هو إنما يتحقق لو كان في الأثناء وهو مشكوك لجواز كونه متقدما وعلى تقدير الشك في النقض لا حكم
للحدث فيحكم بصحة الغسل وإجزائه عن الوضوء لاطلاق الأوامر وهاهنا كلام آخر وهو أنه على تقدير كون الغسل إنما يحصل دفعة بعد ولوج جميع البدن في الماء لا يظهر أيضا
عدم تأثير الحدث أو وجوب الوضوء إذ يجوز أن يقع الحدث في هذا الان الذي يحصل فيه الغسل وحينئذ يشكل الامر فلا بد من تفصيل القول فيه فنقول الحدث أما
دفعي أو تدريجي وعلى الأول أما أن يكون قبل أن الغسل أو بعده أو فيه وحكم الأولين ظاهر إذ على الأول لا حكم له وعلى الثاني يصح الغسل ويجب الوضوء البتة وأما
الثالث ففيه إشكال نظرا إلى أن الحدث المقارن هل هو في حكم السابق أو اللاحق والظاهر أن القول فيه أيضا كالقول المذكور آنفا في حال الاشتباه وعلى الثاني أما
أن يكون ابتداه قبل آن الغسل أو فيه وعلى الأول أما أن ينتهي بآن الغسل أو لا فإن كان قبل الغسل وانتهى به فلا يبعد حينئذ القول بإلحاقه بالسابق لان في آن
الغسل لا تحقق له بل إنما تحقق انتهائه وفنائه فيكون سابقا في الحقيقة ويحتمل على بعد إلحاقه بالمقارن فيجري فيه ما ذكر في المقارن ولو لم ينته بل استمر بعده
أيضا فحينئذ لا يتمشى القول المختار وهو ظاهر فإنما بقي الكلام في الإعادة والاكتفاء بالوضوء ولا يخفى أن الظاهر حينئذ أن في آن الغسل الحدث متحقق فيكون حكمه حكم الحدث
المقارن ويستنبط حاله مما ذكر وإن كان في آن الغسل فلا يبعد حينئذ إلحاقه باللاحق لان في هذا الان لا تحقق له أصلا ويحتمل على بعد إلحاقه بالمقارن والكلام
فيه كما ذكر ولا يخفى أنه لو قلنا بأن الارتماس تدريجي وابتداء الحدث في آن انتهاءه لكان القول بإلحاقه باللاحق أظهر منه في الدفعي فتأمل وأما ثانيا
فإن ما ذكر أنه على تقدير الترتيب الحكمي القصدي يكون في حكم المرتب لا ظهور له إذ على ما ذكره من أن الارتماس رفعي في الواقع لا يمكن وقوع الحدث في الأثناء
وإن وجب اعتقاد الترتيب وهو ظاهر إلا أن يكون نظره إلى أن وجوب اعتقاد الترتيب يستلزم وجوب اعتقاد ما يترتب عليه أيضا ومما يترتب على الترتيب إجراء
الخلاف المذكور فيه وقد عرفت سابقا ضعف هذا القول فلا حاجة إلى الخوض فيما يتفرع عليه والاحتياط في الارتماس أيضا كما في الترتيب بأن يعيد و
يتوضأ ويزداد فيه الاحتياط بأن لو كان الحدث في أثناء الولوج أتم الولوج ثم خرج وأولج مرة أخرى وتوضأ حذرا عن إبطال العمل (وفي وجوب ثمن الماء على
الزوج نظر نعم يجب تمكينها منه) سنضم إن ساعدنا التوفيق إن شاء الله تعالى كتاب النكاح إلى المتن ونشرح هذه المسألة أيضا فيه والله الموفق (ولو قام على مكان نجس غسل
ما نجس ثم أفاض عليه الماء للغسل ولا يجزي غسل النجاسة عن رفع الحدث على الأصح) قال الشيخ في المبسوط وإن كان على يده نجاسة أزالها ثم اغتسل فإن خالف واغتسل
أولا فقد ارتفع حدث الجنابة وعليه أن يزيل النجاسة إن كانت لم تزل بالغسل وإن زالت بالاغتسال فقد أجزائه غسلها وهذا يدل على أن طهارة المحل ليست شرطا
في الغسل وعلى أن الغسل الواحد يجزي عن رفع الحدث والخبث معا وما ذكره هو الظاهر أما الأول فلان الامر بالاغتسال مطلق والتقييد بطهارة المحل خلاف
الظاهر نعم لابد من وصول الماء إلى البشرة فيجب أن لا يكون للنجاسة عين مانع من الوصول فأما إذا لم يكن لها عين أو مكان ولم يكن مانعا فلا دليل على بطلانه وإن لم يطهر بصب الماء
للغسل كما إذا كان لها غين غير مانع ولم يزل أو لم يكن لها عين لكن لابد في تطهيرها من الصب مرتين مثلا والظاهر أن مراد الشيخ من عدم زوالها بالغسل ما ذكرنا
182

لا أن يكون عين النجاسة مع منعها عن الوصول باقيا إذ لا شك في اشتراط وصول الماء إلى البشرة وأما الثاني فلمثل ذلك أيضا لان الامر بالاغتسال مطلق
وكذا الامر بالتطهير فإذا صب الماء على العضو فقد امتثل الامرين فلو كانت النجاسة مما يكفيه صب واحد فقد ارتفع الحدث والخبث معا وإن لم يكفها صب
واحد بل لابد فيه من مرتين كما إذا كانت بولا مثلا فيحسب هذا الصب بواحد ويجب صب آخر وأما النجاسة الحكمية فقد ارتفعت بالصب الأول وقال العلامة في القواعد
لا يجزي غسل النجس من البدن عن غسله من الجنابة بل يجب إزالة النجاسة أولا ثم الاغتسال ثانيا وهو الموافق لما في المتن واستدل الشارح المحقق على ما قاله بأنه إنما
وجب ذلك لأنهما سببان فوجب تعدد حكمهما لان التداخل خلاف الأصل ولأن ماء الغسل لابد أن يقع على محل طاهر وإلا لأجزء الغسل مع بقاء عين النجاسة
ولانفعال ماء القليل وماء الطهارة ويشترط أن يكون طاهرا إجماعا وفيه نظر لان قوله التداخل خلاف الأصل مما لا محصل له وقد تكلمنا فيه في مبحث
تداخل الأغسال فراجعه وقوله ماء الغسل لابد أن يقع على محل طاهر ممنوع وما استدل به عليه من لزوم إجزاء الغسل مع بقاء عين النجاسة إن أراد به الاجزاء مع
بقائه بحيث يكون مانعا من وصول الماء فبطلان التالي مسلم لكن الملازمة ممنوعة لأنا نجوز وقوع الغسل على المحل النجس بشرط عدم المنع كما أشرنا إليه
وأما ما ذكره من انفعال الماء القليل واشتراط طهارة الماء إجماعا فإن أريد به الاجماع على طهارته قبل الوصول إلى العضو فممنوع لكن لا ينفعه وإن أريد الاجماع
على الطهارة زمان الوصول فممنوع مع أن رأي العلامة أنه حال الوصول أيضا طاهر وإنما ينجس بعد الانفصال وبما قررنا ظهر ما في المختلف حيث قال
بعد نقل الكلام المنقول عن المبسوط والحق عندي أن الحدث لا يرتفع إلا بعد إزالة النجاسة لأن النجاسة إذا كانت عينية ولم تزل عن البدن لم يحصل إيصال الماء
إلى جميع البدن فلا يزول حدث الجنابة وإن كانت حكمية زالت بنيته غسل الجنابة انتهى إلا أن يأول بما ذكرنا فإن قلت هل يمكن الاستدلال على ما ذكر
بما ورد في الروايات وقد تقدم في بحث الترتيب والارتماس من الامر بغسل الفرج أولا ثم الاغتسال قلت لا لان طهوره في الوجوب ممنوع سيما بعد وقوعه بعد
الامر بغسل اليدين المستحب وأيضا القايلون بوجوب إزالة النجاسة أولا لا يقولون بوجوبها قبل غسل جميع الأعضاء بل يقولون بوجوب إزالتها عن
كل جزء حال إرادة اغتساله فلا يمكنهم حمل الأوامر المذكورة على الوجوب على أنه لو سلم الظهور في الوجوب فالتعدي عن مورد النص إلى غيره لا دليل
عليه اللهم إلا أن يتمسك بالاجماع المركب أو بالروايات المطلقة التي سنشير إليها ثم أن العلامة (ره) في النهاية قال في تعداد سنن الغسل الرابع البدئة بغسل
ما على جسده من الأذى والنجاسة ليصادف ماء الغسل محلا طاهرا فيرفع الحدث ولو زالت النجاسة به طهر المحل قطعا والأقرب حصول رفع الحدث
أيضا إن كان في ماء كثير ولو أجرى الماء القليل عليه فإن كان في آخر العضو فكذلك وإلا فالوجه عدمه لانفعاله بالنجاسة انتهى ولا يخفى أن ما ذكره في
الماء الكثير من حصول رفع الحدث والخبث معا فظاهر على ما اخترناه وكذا على ما اختاره لو كان مختاره اشتراط طهارة الماء حال الرفع أو طهارة المحل حاله لأن الماء
الكثير لا ينفعل بالنجاسة ففي حال ارتماس العضو النجس في الماء يطهره الماء الطاهر من النجاستين في حال واحد ففي حال رفع الحدث الماء والمحل كلاهما طاهران وأما
إذا كان مختاره اشتراط طهارة المحل قبل رفع الحدث ففيه تفصيل لأنه إن كان الغسل في الارتماس إنما يحصل تدريجا عند الولوج فيلزم أن لا يكفي
ذلك لفقدان الشرط المذكور وإن كان يحصل بعد الولوج في الماء فيكفي لحصول الشرط لان كلما يلج في الماء يتطهر من النجاسة وبعد الولوج يرتفع الحدث
فالشرط متحقق البتة فعلى هذا إذا ثبت أحد الامرين فيبنى عليه وإذا لم يثبت وكان الامر مشتبها فالظاهر على طريقتهم عدم الاكتفاء بارتماس العضو مرة
واحدة بل لابد من مرتين أحديهما لرفع الخبث والثانية لرفع الحدث وأما ما ذكره من عدم حصول رفع الحدث بالماء القليل إذا لم يكن النجاسة في آخر العضو لانفعاله بالنجاسة
فقد مر ما فيه من عدم دليل على اشتراط الطهارة حال الوصول مع أن نجاسته ممنوعة سيما على رأي العلامة (ره) لأنه قايل بنجاسته عند الانفصال والعجب أنه (ره)
علل في المنتهى عدم ارتفاع الحدث بذلك الماء الوارد على النجاسة بانفعاله بالنجاسة فلا يطهر المحل وما بعده ثم قال نعم الماء المزيل للنجاسة لا يلحقه حكم
الاستعمال فيندفع النجاسة العينية لأنه قائم على المحل وإنما يثبت له وصف الاستعمال بعد انفصاله انتهى وكأنه (ره) فرق بين الانفعال بالنجاسة والاستعمال
وزعم أن الانفعال إنما يحصل بملاقاة النجاسة لكن لا يثبت حكم الاستعمال ما لم ينفصل واعتبر في رفع الحدث عدم الانفعال وفي رفع الخبث عدم الاستعمال
والكل مشكل وأما الفرق الذي ذكره بين آخر العضو وغيره فلا وجه له ظاهرا لأنه إما أن يقول بأن الماء بمجرد وروده على النجاسة ينفعل بالنجاسة ويشترط في
رفع الحدث أن لا يكون الماء حال الرفع منفعلا بالنجاسة فلا فرق بين آخر العضو وغيره في عدم حصول رفع الحدث لاجراء الدليل فيهما على السواء ولو لم
يقل بالانفعال بالنجاسة بمجرد الورود بل بشرط الانفصال فلا يخلو إما أن يعتبر الانفصال عن نفس العضو النجس حتى إذا أجرى منه على ما بعده يكون في حكم
المنفصل أيضا أولا بل إنما يعتبر الانفصال عن الأعضاء بالمرة وعلى الثاني لا فرق أيضا بينهما في حصول رفع الحدث ويلزم أيضا إذا لم يكن النجاسة في آخر
العضو أن يرفع حدث ما بعد محل النجاسة أيضا بإجراء الماء المنفصل منه عليه لعدم انفعاله بالنجاسة ما لم ينفصل بالكلية وعلى الأول لا فرق أيضا بينهم في حصول
183

رفع الحدث نعم يلزم إذا لم يكن في آخر العضوان ينجس ما بعد النجس لو أجرى الماء منه عليه ولا بد حينئذ من صب الماء عليه مرة أخرى ليزول منه النجاستان وهذا
لا يصير سببا للفرق بينهم في هذا الحكم اللهم إلا أن يتكلف ويقال إن الفرق بينهما باعتبار هذا المعنى لا بعدم رفع الحدث مما عدا آخر العضو ورفعه عنه لكنه
بعيد ثم في كلامه (ره) خدشة أخرى حيث عد إزالة الأذى والنجاسة ابتداء من المسنونات معه أنه حكم بأنه ما لم يزل النجاسة ابتداء لم يرتفع الحدث وهذا يستلزم
وجوبه ويمكن أن يكون مراده إزالة النجاسة عن أي عضو كان قبل الغسل فإنه ليس بواجب على هذا المذهب أيضا كما عرفت عل هذا الرأي
إزالة النجاسة عن كل جزء حال إرادة غسله نعم يبقى المناقشة في الدليل الذي أورده على الاستحباب لأنه إنما يدل على الوجوب ولا يخفى توجيهه بتكلف ولا
يذهب عليك إنه قد تقدم من الروايات يستنبط استحباب غسل الفرج قبل الغسل بل من بعضها استحباب إزالة النجاسة من أي عضو كان كصحيحة أحمد بن
محمد المتقدمة في بحث الترتيب وفي بعض الروايات ورد الامر بغسل ما أصاب الجسد من الأذى وهو صحيحة يعقوب بن يقطين المتقدمة في بحث عدم وجوب الوضوء في
غسل الجنابة وما رواه التهذيب في باب حكم الجنابة في الصحيح عن حكم بن حكيم قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن غسل الجنابة فقال أفض على كفك اليمنى من الماء فاغسلها
ثم اغسل ما أصاب جسدك من أذى ثم اغسل فرجك وأفض على رأسك وجسدك فاغتسل فإن كنت في مكان نظيف فلا يضرك أن لا تغسل رجليك وإن كنت
في مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك ويمكن أن يكون المراد بالأذى النجاسة كما هو الظاهر ويمكن أن يكون أعم منها وبالجملة استحباب إزالة النجاسة ابتداء عن جميع
البدن لا كلام فيه وأما غير النجاسة من الأذى فلا يخلو إثباته من إشكال واعلم أن المحقق الثاني (ره) قد نقل في شرح القواعد ما نقلنا من النهاية ثم قال والتحقيق
أن محل الطهارة إن لم يشترط طهارته أجزأ الغسل مع وجود عين النجاسة وبقائه في جميع الصور ولا حاجة إلى التقييد بما ذكره خصوصا على ما اختاره من أن
القليل الوارد إنما ينجس بعد الانفصال وإن اشترط طهارة المحل لم يجز غسلة واحدة لفقد الشرط والشايع على السنة الفقهاء هو الاشتراط فالمصير إليه هو
الوجه انتهى وأنت خبير بأن ما ذكره من عدم إجزاء غسلة واحدة عند اشتراط طهارة المحل لا يصح على إطلاقه لان المراد من طهارة المحل إن كان طهارته
حال رفع الحدث فيجزي الغسلة الواحدة في الكثير وفي القليل أيضا إذا كان إزالة النجاسة محتاجة إلى الصب مرة وإن كان المراد طهارته قبل رفع الحدث فيجزي
في الكثير على وجه كما عرفت هذا والاحتياط أن يزيل النجاسة عن العضو قبل صب الماء للغسل عليه وتمام الاحتياط إزالتها عن أي عضو كان قبل الشروع في الغسل
(ولا يجب غسل باطن الفم والأنف) قد مر في بحث المضمضة ما يدل عليه ويفهم من المنتهى الاجماع عليه قال ويجب عليه إيصال الماء إلى جميع الظاهر دون الباطن
منه بلا خلاف انتهى ولو ظهر ما كان باطنا بقطع الانف والشفتين مثلا فالظاهر وجوب غسله نص عليه المصنف في الذكرى وذكر أيضا أن ما ظهر من صماخ الاذن
في حكم الظواهر ونبه عليه الشيخان والصدوق ولا يجب تتبع باطن الصماخين وحكم أيضا بوجوب غسل ما يبدو
من الشقوق وكل ذلك ظاهر أن الثقب الذي يكون
في الاذن للحلقة هل هو في حكم الظاهر أو لا الظاهر أنه لو كانت ضيقة بحيث لا يرى باطنها كانت في حكم الباطن وإلا فالظاهر وقد ذهب إليه الفاضل الأردبيلي
وصاحب المدارك رحمهما الله والمحقق الشيخ علي (ره) حكم في حاشية الشرايع بوجوب إيصال الماء إلى باطنه مطلقا والاحتياط فيما ذكره والله أعلم درس
(الماء المطلق طاهر مطهر ما دام على أصل الخلقة) المراد بالماء المطلق ما يصح إطلاق اسم الماء عليه مطلقا من دون تقييد وإن صح التقييد أيضا كما يقولون ماء
البحر وماء البر وماء النهر ونحوها والمضاف ما يقابله وهو ما لا يصح إطلاق الماء عليه مطلقا بل لا بد من تقييد كماء الورد ونحوه إذ لا يصح أن يقال عليه إنه
ماء بدون تقييد والمراد بكونه على أصل الخلقة كون لونه وريحه وطعمه الأصلي باقيا ثم كونه طاهرا مطهرا من الحدث والخبث مطلقا سواء كان نازلا
من السماء أو نابعا من الأرض أو ذائبا من الثلج أو البرد أو منقلبا عن الهواء مما وقع عليه إجماع المسلمين ويدل عليه الكتاب والسنة أيضا أما الكتاب فالدال
منه على طهارته قوله تعالى وأنزلنا من السماء ماء طهورا والدال على مطهريته قوله تعالى وننزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به وقد نوقش في دلالته
على عموم التطهير وأجاب عنها القوم ولا حاجة كثيرا إلى التعرض له وقد استدل عليه بالآية الكريمة الأولى أيضا وقد طال فيه التشاجر والتنازع ولا حاجة
إلى التعرض له أيضا لان المطلب مما لا ينحصر دليله فيها حتى يلزم أن يتجشم لا تمامها وأما السنة فالدال منها على طهارته ما رواه التهذيب في باب المياه وأحكامها
عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي بإسناده قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) الماء كله طاهر حتى يعلم إنه قذر وكذا عن حماد بن عيسى مثله وكذا عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله
(عليه السلام) مثله والرواية الأولى والأخيرة في الكافي في باب طهور الماء وروى الفقيه مرسلا في باب المياه قال وقال الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) كل ماء
طاهر إلا ما علمت أنه قذر والدال على مطهريته ما رواه التهذيب في زيادات باب آداب الاحداث في الصحيح عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كان
بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض وقد وسع الله عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض وجعل لكم الماء طهورا فانظروا
كيف تكونون وقد رواه الفقيه مرسلا عن الصادق (عليه السلام) في الباب المذكور ولا يخفى أن المناقشة التي في كون الطهور في الآية بمعنى المطهر لا يتأتى هاهنا
184

لان القرينة قائمة على إرادة هذا لا معنى وما رواه التهذيب أيضا في باب المياه والكافي في الباب المتقدم عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
الماء يطهر ولا يطهر ورواه الفقيه أيضا مرسلا في الباب المذكور إلى غير ذلك واعلم أن ما ذكرنا من إجماع المسلمين عليه بناء على إخراج ماء البحر عن موضوع
الحكم لتغير طعمه ولو جعل طعمه داخلا تحت الطعم الأصلي فالخلاف فيه موجود لبعض العامة فإن سعيد بن المسيب وعبد الله بن عمرو و عبد الله بن عمرو بن العاص
خالفوا في ماء البحر فقال سعيد إن ألجئت إليه توضأ منه وقال الآخران التيمم أحب إلينا لكن أصحابنا أجمعوا على مطهريته ويدل عليه أيضا مضافا إلى الاجماع واطلاق
الآية والروايتين المذكورتين ما رواه التهذيب في باب المياه والكافي في الباب المذكور في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن
ماء البحر أطهور هو قال نعم ورويا أيضا مثله في البابين في الموثق أو الحسن عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ولا يذهب عليك أن المناقشة في كون
الطهور بمعنى المطهر وإن صحت نظرا إلى قياس اللغة لكونه مبالغة في الطاهر فيكون معناه زياد الطهارة كالأكول والضروب ولكن الظاهر أن الطهور قد جعل اسما
لما يتطهر به وفسره به بعض من المفسرين وجمع كثير من اللغويين وتتبع الروايات مما يورث ظنا بأن الطهور في إطراقاتهم المراد منه المطهر أما لكونه صفة بهذا
المعنى أو اسما لما يتطهر به وعلى التقديرين يثبت المرام (فإن خرج بمخالطة طاهر فهو على الطهارة فإن سلبه الاطلاق فمضاف وإلا كره الطهارة) لا خلاف بين
المسلمين على ما في المنتهى إن الماء المطلق إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة بمخالطة جسم طاهر ولم يسلبه إطلاق الاسم يكون طاهرا مطهرا إذا كان الجسم المخالط
مما لا ينفك عنه الماء عادة كالتراب والطحلب وورق الشجر والملح والكبريت الذين يكونان في مقره أو ممره وكذا إذا كان التغيير بمجرد مجاورة الجسم الطاهر
لا مخالطته سواء كان مما ينفك عادة أو لا وأما إذا كان التغير بالمخالطة وكان الجسم المخلوط مما ينفك عنه الماء عادة كقليل الزعفران مثلا فقد
انعقد إجماعنا أيضا على كونه طاهرا وقد خالف فيه بعض العامة فإن مالك والشافعي لا يجوزان الطهارة به وعلى أحمد روايتان والدليل على
الحكمين الأوليين مضافا إلى إجماع المسلمين إطلاق الآيات والروايات ولزوم الحرج والمشقة ولأن الصحابة كانوا يسافرون وكان أسقيتهم الادم و
هي لا تنفك عن الدباغ المغير للماء ولم ينقل عن أحد منهم الاحتراز عنه وعلى الحكم الثالث مضافا إلى إجماعنا إطلاق الآيات والروايات ويؤيده أيضا
ما رواه التهذيب في باب المياه والاستبصار في باب الوضوء بنبيذ التمر عن الكلبي النسابة أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن النبيذ فقال حلال فقال إنا ننبذه فنطرح
فيه العكر وما سوى ذلك فقال شه شه تلك الخمر المنتنة قال جعلت فداك فأي نبيذ تعني فقال إن أهل المدينة شكوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
تغير الماء وفساد طبايعهم فأمرهم أن ينبذوا فكان الرجل يأمر خادمه أن ينبذ له فيعمد إلى كف من تمر فيقذف به في الشن فمنه شربه ومنه طهوره فقلت
فكم كان عدد التمر الذي في الكف فقال ما حمل الكف قلت واحدة أو اثنتين فقال ربما كانت واحدة وربما كانت ثنتين فقلت وكم كان يسع الشن
فقال ما بين الأربعين إلى الثمانين إلى فوق ذلك فقلت بأي الأرطال فقال أرطال مكيال العراق واعلم أن الصدوق (ره) في الفقيه قال ولا بأس بالتوضي
بالنبيذ لان النبي (صلى الله عليه وآله) قد توضأ به وكان ذلك ما قد نبذ فيه تميرات وكان صافيا فوقها فتوضأ به فإذا غير التمر لون الماء لم يجز التوضي
به انتهى وظاهر هذا الكلام يخالف ما نقلنا من المنتهى من إجماع أصحابنا على الحكم إلا أن يحمل التغير على سلب الاطلاق كما في التهذيب والاستبصار واستدل عليه
في المنتهى بحديث مسافرة الصحابة وفي جعله من باب الخلط تأمل ثم إنه لو خرج الماء بسبب المخالطة عن الاطلاق فهو مضاف وحكمه سيجئ إن شاء الله تعالى هذا كله فيما إذا
كان التغير بسبب مخالطة الجسم الطاهر أو مجاورته وأما إذا كان تغير الماء من قبل نفسه لطول المكث فإن سلب عنه الاطلاق فحكمه حكم المضاف ولو لم يسلب
فهو طاهر مطهر بإجماعنا كما هو الظاهر من المنتهى وعليه أكثر العامة وقد خالف ابن سيرين فلم يجوز الطهارة به وعندنا تكره الطهارة به أما الجواز فيدل عليه الاجماع والاطلاقات
وأما الكراهة فيدل عليها ما رواه التهذيب في الباب المذكور والاستبصار في باب حكم الماء الكثير في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في الماء الآجن
تتوضأ منه إلا أن تجد ماء غيره وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب الماء الذي فيه قلة بزيادة فتنز منه في آخرها وكذا رواها التهذيب أيضا في زيادات باب المياه و
هذه الرواية كما تدل على الكراهة تدل على الجواز أيضا واعلم أن ظاهر هذا الكتاب كراهة الطهارة بالماء المتغير مطلقا سواء تغير من قبل نفسه أو بمخالطة جسم
طاهر وهو الظاهر من الاستبصار أيضا لكن الظاهر من المعتبر والمنتهى والذكرى اختصاص الكراهة بالأول فقط وظاهر الحسنة المذكورة يساعد ما في هذا الكتاب لان أهل
اللغة على ما رأيناه في الصحاح والقاموس والنهاية فسروا الآجن بالماء المتغير الطعم واللون ولم يقيدوا بشئ لكن نقل بعض مشايخنا عن بعض أهل اللغة
أنه الماء المتغير من قبل نفسه وهو يقوى الثاني ولا يبعد أن يكون المعتبر في الكراهة التغير الذي يصير سبب النفرة واستكراه الطبخ وأما التغير الذي ليس
كذلك فلا يكون سببا للكراهة لما تشعر به رواية الكلبي المذكورة إلا أن يحمل على الضرورة والأحوط الاجتناب عن التغير بأي شئ كان وبأي نحو كان
ما لم يكن ضرورة (وإن خالطه نجس فأقسامه أربعة) باعتبار اختلاف أحكامها
(أحدها الواقف القليل وهو ما نقص عن الكر وهو ينجس بالملاقاة تغير بالنجاسة
185

أو لا) نجاسة القليل بملاقاة النجاسة مع التغير بها إجماعي ويدل عليها أيضا روايات كثيرة سنذكر إنشاء الله تعالى وأما نجاسة بالملاقات بدون التغير فهو
المعروف بين الأصحاب وقد ادعى الشيخ في الخلاف إجماع الفرقة عليه في مواضع لكن نقل الأصحاب عن الحسن بن أبي عقيل الحكم بعدم النجاسة فكان الشيخ لم
يعتد به لشذوذه أو لكون قايله معلوم النسب أو لتحقق الاجماع قبله أو بعده حجة المشهور روايات منها ما رواه التهذيب في باب آداب الاحداث في الصحيح وكذا
الاستبصار في باب مقدار الماء الذي لا ينجسه شئ عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) وسئل عن الماء تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه
الجنب قال إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ وقد روى هذا الخبر في الكافي أيضا عن محمد في باب الماء الذي لا ينجسه شئ لكن بغير طريق الشيخ باد في
تغيير في المتن والتهذيب والاستبصار أيضا روياه بالطريق الاخر مع ذلك التغير لكن لا من الكافي وإن كان أكثر السند مشتركا ومنها ما رواه التهذيب والاستبصار في
الباب المذكورين في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ ومنها ما رواه التهذيب والكافي في البابين عن عن معاوية بن
عمار قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ واعلم إن الروايات الواردة بهذا المضمون كثيرة كادت أن تبلغ حد التواتر
وسنذكر بعضا آخر منها أيضا إنشاء الله تعالى في تحديد الكر ووجه الاستدلال في الجميع إن مفهوم الشرط دل على أنه إذا لم يكن الماء كرا ينجسه شئ ولا يمكن أن
يحمل على التنجيس بالتغير إذ على هذا لم يبق فرق بين الكر وغيره لان الكر أيضا إنما ينجس بالتغير كما سيجئ إنشاء الله تعالى فلا بد من حمله على التنجس بالملاقاة في الجملة
ولما لم يفرق أحد بين أفراد الملاقاة إلا في بعض الافراد التي سنذكر إنشاء الله تعالى فيجب الحكم بالتنجس بمقتضى هذه الروايات فيما عدا المواضع المختلف فيها
لئلا يلزم خرق الاجماع المركب وأورد على هذا الاستدلال أولا بمنع حجية المفهوم وفيه ضعف إذ لا شك في حجيته عند عدم فايدة أخرى وفيما نحن فيه
لا فايدة سوى الاشتراط كما لا يخفى وثانيا بمنع كون النجاسة في عرفهم (عليه السلام) بالمعنى المصطلح الان إذ يجوز أن يكون بمعنى الاستقذار والاستكراه
وحينئذ لا يثبت نجاسة القليل بالمعنى المصطلح بل إنما يثبت استقذاره وغاية ما يلزم منه كراهة استعماله بعد ملاقاة النجاسة ولا نزاع فيه ولو سلم كونها
في عرفهم (عليه السلام) بهذا المعنى فنقول إنما يعارضها عمومات دالة على عدم نجاسة الماء ما لم يتغير كما سنذكر في حجة عدم التنجس ولا نسلم أن تخصيص العمومات
بها أولى من حملها على الجماز ولو لم يكن أولى لكان الرجحان مع الثاني لاعتضاده بالأصل والاستصحاب والعمومات المتقدمة الدالة على طهارة الماء ما لم
يعلم إنه قذر وأيد أيضا بالاختلاف الوارد في الروايات في تحديد الكر كما ستطلع عليه إنشاء الله تعالى فلو لم يكن الامر على الاستحباب والأولوية لما كان كذلك
كما لا يخفى ومنها ما رواه التهذيب في باب المياه والاستبصار في باب حكم الماء إذا ولغ به الكلب في الصحيح عن محمد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن الكلب يشرب
من الاناء قال اغسل الاناء وعن السنور قال لا بأس أن يتوضأ من فضلها إنما هي من السباع ومنها ما رواه أيضا في البابين في الصحيح عن أبي العباس قال سئلت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن فضل الهرة والشاة والبقرة والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع فلم أترك شيئا إلا سألته عنه فقال لا بأس به
حتى انتهيت إلى الكلب فقال رجس نجس لا تتوضأ بفضله وأصيب ذلك الماء وأغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء ومنها ما رواه التهذيب في باب آداب الاحداث في
الصحيح عن ابن أبي نصر قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يدخل يده في الاناء وهي قذرة قال يكفي الاناء ومنها ما رواه التهذيب في الزيادات في باب المياه والاستبصار
في باب ماء القليل الذي يحصل فيه النجاسة في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال سألته عن الدجاجة والحمامة وأشباههما تطأ العذرة
ثم تدخل في الماء يتوضأ منه للصلاة قال لا إلا أن يكون الماء كثيرا قدر كر من ماء ووجه الاستدلال إن عدم التوضأ أما لأجل عدم الطهورية فقط أو لعدم
الطهارة والأول منتف الاجماع فتعين الثاني ومنها ما رواه التهذيب في باب تطهير الثياب في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال وسألته عن خنزير يشرب
من الاناء الماء كيف يصنع به قال يغسل سبع مرات ومنها ما رواه الكافي في باب النوادر قبل أبواب الحيض في الصحيح ورواه أيضا في البابين لكن لا في الصحيح عن علي بن جعفر
عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال سألته عن رجل رعف فامتخط فصار ذلك الدم قطعا صغارا فأصاب الاناء هل يصلح الوضوء منه قال إن لم يكن شئ يستبين
في الماء فلا بأس فإن كان شيئا بينا فلا يتوضأ منه وزاد الكافي في آخره وسألته عن رجل رعف وهو يتوضأ فقطر قطرة في إنائه هل يصلح الوضوء منه قال لا وهذا أيضا
حجة أخرى ومنها صحيحة علي بن جعفر المتقدمة في بحث كون الغسل بصاع ومنها صحيحة زرارة المتقدمة في بحث غسل اليدين من المرفقين وأورد على هذه الروايات
مثل ما سبق من عدم الظهور في النجاسة ومع تسليم الظهور إنما يحمل على استحباب التنزه منه جمعا بين
الروايات كما يشعر به بعض الروايات التي سنورد في حجة
الخصم وأيضا بعضها صريح في التغير ويمكن حمل البعض الاخر عليه على بعد وفي حديثي الولوغ وجه آخر ظاهر وهو أن يكون النهي عن الوضوء من فضله والامر
بصبه بناء على دخول اللعاب فيه وكذا في حديث الخنزير مع أن فيه شيئا آخر لأنه يمكن أن يكون الامر بغسل الاناء لأجل نجاسة الاناء بالملاقاة لا الماء وكذا
الحال في صحيحة محمد هذه جملة من الروايات الصحيحة وعليه روايات كثيرة أيضا غير صحيحة أما الموثقات فمنها ما رواه التهذيب في باب آداب الاحداث والاستبصار في
186

باب الماء القليل يحصل فيه النجاسة عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا أصاب الرجل جنابة فأدخل يده في الماء فلا بأس إن لم يكن أصاب يده
شئ من المني ومنها ما رواه التهذيب في الباب المذكور عن سماعة قال سألته عن رجل يمس الطست أو الركوة ثم يدخل يده في الاناء قبل أن يفرغ على كفيه قال يهريق
من الماء ثلاث حفنات وإن لم يفعل فلا بأس وإن كانت أصابته جنابة فأدخل يده في الماء فلا بأس به إن لم يكن أصاب يده شئ من المني وإن كان أصاب يده
فأدخل يده في الماء قبل أن يفرغ على كفيه فليهرق الماء كله وأورد عليهما مثل ما سبق وأيد الحمل على الاستحباب بما رواه التهذيب في الباب المذكور في الموثق و
كذا الاستبصار في باب غسل اليدين قبل إدخالهما الاناء عن عبد الكريم ابن عتبة الكوفي الهاشمي قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يبول ولم يمس يده
اليمنى شئ أيدخلها في وضوئه قبل أن يغسلها قال لا حتى يغسلها قلت فإن استيقظ من نومه ولم يبل أيدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها قال لا لأنه
لا يدري حيث باتت يده فليغسلها فإنه محمول على الاستحباب اتفاقا فليكن هما أيضا كذلك والجزء الأخير من هذا الخبر في الكافي أيضا في باب الرجل يدخل
يده في الماء ومنها ما رواه أيضا في باب المياه عن أبي بصير قال ليس بفضل السنور بأس أن يتوضأ منه ويشرب ولا يشرب سؤر الكلب إلا أن يكون حوضا كبيرا يشرب منه وفيه يستسقى
أيضا ما ذكر سابقا ويؤيد الحمل على الاستحباب استثناء الحوض الكبير من دون تقدير بالكر ومنها ما رواه في هذا الباب والاستبصار في الباب المتقدم و
الكافي في باب الوضوء من سؤر الدواب عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئل عما يشرب منه الجماعة فقال كلما أكل لحمه يتوضؤ من سؤره ويشرب و
عما يشرب منه باز وصقر وعقاب فقال كل شئ من الطير يتوضأ مما يشرب منه إلا أن ترى في منقاره دما فإن رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه ولا تشرب
وزاد الاستبصار وسئل عن ماء شربت منه الدجاجة قال إن كان في منقارها قذر لم تشرب ولم تتوضأ منه وإن لم تعلم إن في منقارها قذرا توضأ واشرب
وهذه الزيادة في التهذيب أيضا في آخر باب تطهير الثياب في أثناء حديث طويل موثق عن عمار وفيه أيضا وعن ماء يشرب منه بازالج وروى الفقيه في باب المياه
زيادة الدجاجة مرسلة عن الصادق (عليه السلام) ومنها ما رواه التهذيب في الباب المذكور والاستبصار في باب ما ليس له نفس سائلة عن حفص بن غياث عن
جعفر بن محمد (عليه السلام) قال لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سائلة ومنها ما رواه التهذيب في الزيادات في باب المياه والفقيه أيضا في باب المياه قال وسئل
عمار بن موسى الساباطي أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يجد في إنائه فأرة وقد توضأ من ذلك الاناء مرارا وغسل منه ثيابه واغتسل منه وقد كانت الفارة
منسلخة فقال إن كان رآها في الاناء قبل أن يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثم فعل ذلك بعدما رآها في الاناء فعليه أن يغسل ثيابه ويغسل كل ما أصابه ذلك
الماء ويعيد الوضوء والصلاة وإن كان إنما رآها بعد ما فرغ من ذلك وفعله فلا يمس من الماء شيئا وليس عليه شئ لأنه لا يعلم متى سقط فيه ثم قال لعله أن
يكون إنما سقط في تلك الساعة التي رآها ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب عن سعيد الأعرج قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الجرة تسع مائة رطل من
ماء يقع فيها أوقية من دم أشرب منه وأتوضأ قال لا وفي هذه الروايات أيضا مثل ما ذكر ويمكن أيضا حمل أكثرها على التغير سيما الأخيرة منها ومنها ما رواه
التهذيب في باب تطهر المياه عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل قال سئل عن رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدري
أيهما هو وليس يقدر على ماء غيره قال يهريقهما جميعا ويتيمم وروى أيضا في هذا الباب عن سماعة مثله والرواية الأخيرة في الاستبصار أيضا في باب الماء
القليل وفي الكافي أيضا في الباب المتقدم ولا يخفى أنه لا يتوجه عليهما ما أورد على ما تقدم من الجمل على الاستحباب لان الحكم بالاهراق والتيمم مع عدم
نجاسة الماء مما لا يصح على قول إلا أن يعترض بجواز الحمل على التغير أو بالقدح في السند وأما الحسان فمنها ما رواه التهذيب في باب المياه والاستبصار في باب
استعمال أسئار الكفار والكافي في باب الموضوء من سؤر الحايض عن سعيد الأعرج قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن سؤر اليهودي والنصراني فقال لا وفيه أيضا
جواز الحمل على الاستحباب لما تقدم أنه قد ورد روايات دالة على عدم نجاسة سؤرهما وسنذكر إنشاء الله تعالى في بحث نجاسة أهل الكتاب ومنها ما رواه
الكافي في باب الرجل يدخل يده في الماء عن أبي بصير عنهم (عليه السلام) قال إذا أدخلت يدك في الاناء قبل أن تغسلها فلا بأس إلا أن يكون أصابها قذر بول
أو جنابه فإن أدخلت يدك في الاناء وفيها شئ من ذلك فأهرق ذلك الماء ومنها ما رواه الكافي أيضا في هذا الباب عن شهاب بن عبد ربه عن أبي عبد
الله (عليه السلام) في الرجل الجنب يسهو فيغمس يده في الاناء قبل أن يغسلها إنه لا بأس إذا لم يكن أصاب يده شئ ومنها مضمرة زرارة المتقدمة في بحث ترتيب
الغسل وفي هذه الروايات أيضا ما تقدم وأما الضعاف فمنها ما رواه التهذيب في باب آداب الاحداث والاستبصار في باب الماء القليل عن أبي بصير عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال سألته عن الجنب يجعل الركوة أو التور فيدخل إصبعه فيه قال إن كانت يده قذرة فليهرقه وإن كان لم يصبها قذر فليغتسل منه هذا مما قال
الله تعالى ما جعل عليكم في الدين من حرج ومنها ما رواه التهذيب في باب المياه عن حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا أولغ الكلب في الاناء فصبه و
منها ما رواه أيضا في هذا الباب والاستبصار في باب حكم الماء إذا ولغ به الكلب عن معاوية بن شريح قال سأل عذافر أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا عنده عن سؤر
187

السنور والشاة والبقرة والبعير والحمار والفرس والبغل والسباع يشرب منه أو يتوضأ منه فقال نعم إشرب منه وتوضأ قال قلت له الكلب قال لا قلت أليس
هو سبع قال لا والله إنه نجس ومنها ما رواه التهذيب في هذا الباب والكافي في باب البئر وما يقع فيها عن محمد بن يحيى رفعه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا يفسد الماء
إلا إن كانت له نفس سائله ومنها ما رواه التهذيب في باب تطهير المياه والاستبصار في باب البئر يقع فيها الفارة عن علي بن حديد عن بعض أصحابنا قال كنت مع أبي
عبد الله (عليه السلام) في طريق مكة فصرنا إلى بئر فاستقى غلام أبي عبد الله (عليه السلام) دلوا فخرج فيه فارتان فقال أبو عبد الله (عليه السلام) أرقه فاستسقى
آخر فخرجت فيه فارة فقال أبو عبد الله (عليه السلام) أرقه قال فاستسقى الثالث فلم يخرج شئ فقال صبه في الاناء ومنها ما رواه التهذيب في الزيادات في باب دخول الحمام
والكافي في باب ماء الحمام عن بكر بن حبيب عن أبي جعفر (عليه السلام) قال ماء الحمام لا بأس به إذا كانت له مادة ومنها ما رواه الكافي في الباب المذكور عن ابن أبي
يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا يغتسل من البئر التي يجتمع فيها غسالة الحمام فإن فيها غسالة ولد الزنا وهو لا يطهر إلى سبعة أيام وفيها غسالة
الناصب وهو شرهما إن الله لم يخلق خلقا شرا من الكلب وإن الناصب أهون على الله من الكلب ويرد على هذه الروايات مثل ما يرد على ما تقدم مع القدح
في السند ويرد أيضا على الأخيرة إن قوله (عليه السلام) وهو لا يطهر إلى سبعة أيام قرينة على أنه ليس المراد النجاسة بالمعنى المصطلح وأيضا المنع عن الغسل يجوز
أن يكون لأجل كون الغسالة من المستعمل لا لنجاستها ومنها رواية علي بن جعفر (عليه السلام) المتقدمة في بحث كون الغسل بصاع وفيها أيضا مثل ما تقدم
هذه حجة المشهور وسيجئ أيضا إنشاء الله تعالى في بحث ماء المطر عدة روايات يمكن أن يحتج بها عليه مع ما فيها وأما ما يمكن الاحتجاج به لابن أبي عقيل في روايات أيضا
منها ما رواه التهذيب في باب المياه والاستبصار في حكم الماء الكثير في الصحيح عن حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كلما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ
من الماء واشرب فإذا تغير الماء وتغير الطعم فلا تتوضأ منه ولا تشرب واعترض عليه أولا بأنه لا عموم له في المياه بل العموم باعتبار الغلبة وأنت خبير بأنه لو سلم
إن الماء محمول على طبيعة الماء ويكون للطبيعة فلا وقع لهذا الايراد ولو لم يسلم بل يحمل اللام على العهد إشارة إلى الماء الكثير فلا يخفى إنه خلاف
الظاهر إذ معهوديته غير ظاهرة وثانيا بتسليم العموم والقول بأن الروايات السابقة إنما تخصصه وقد مر الكلام فيه ومنها ما رواه التهذيب في باب آداب الاحداث
والاستبصار في باب مقدار الماء في الصحيح عن أبي خالد القماط إنه سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في الماء يمر به الرجل وهو نقيع فيه الميتة الجيفة فقال
أبو عبد الله (عليه السلام) إن كان الماء قد تغير ريحه وطعمه فلا تشرب ولا تتوضأ منه وإن لم يتغير ريحه وطعمه فاشرب وتوضأ ومنها ما رواه الكافي في باب الماء
الذي فيه قلة في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا جالس عن غدير وفيه جيفة فقال إذا كان الماء قاهرا ولا يوجد فيه الريح
فتوض ورواه الفقيه مرسلا عن الصادق (عليه السلام) في باب المياه بأدنى تغيير ومنها ما رواه التهذيب في باب حكم الجنابة في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال
كتبت إلى من يسئله عن الغدير يجتمع فيه ماء السماء أو تسقى فيه من البئر فيستنجي فيه الانسان من بول أو يغتسل فيه الجنب ما حده الذي لا يجوز فكتب لا
يتوضأ من مثل هذا إلا من ضرورة إليه وجه الاستدلال إنه لو كان نجسا لم يجز الوضوء منه عند الضرورة أيضا بالاتفاق وأورد على هذه الروايات
أيضا بتخصيصها بالكثير لا يقال إن الرواية الأخيرة لا يمكن فيها هذا التخصيص لأنه سأل عن حد الماء وأجاب (عليه السلام) بأنه لا يتوضأ إلا من ضرورة وهذا
يدل على أنه لا فرق بين قليله وكثيره في الحكم وإلا لما كان الجواب مطابقا لأنا نقول لا نسلم إن قوله ما حده سؤال عن قدر الماء بل عن حد حكمه والمراد
بقوله لا يجوز لا يتعدى فيكون المراد ما حكمه الذي لا يتعدى عنه ومنها ما رواه التهذيب في زيادات باب المياه الكافي في باب البئر في الصحيح عن زرارة عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستسقى به الماء من البئر هل يتوضأ من ذلك الماء قال لا بأس واعترض عليه بحمله على عدم وصول
الحبل إلى الماء ولا يخلو عن بعد وبأنه يمكن أن يكون شعر الخنزير طاهرا كما هو رأي السيد وفيه ضعف ومنها ما رواه التهذيب في زيادات باب المياه والاستبصار في
باب الماء القليل في الصحيح عن صفوان بن مهران الجمال قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحياض التي ما بين مكة إلى المدينة تردها السباع وتلغ فيها
الكلاب وتشرب منها الحمير ويغتسل فيها الجنب ويتوضأ منها قال وكم قدر الماء قلت إلى نصف الساق والى الركبة فقال توضأ منه وفيه نظر ظاهر لجواز
أن يكون الحياض المذكورة إذا كان مائها بقدر نصف الساق يكون كرا بل سؤاله (عليه السلام) عن قدر الماء يدل على خلاف المراد إذ لو لم ينجس القليل
بالملاقات لما احتاج إلى السؤال إلا أن يقول السؤال لأجل أنه إذا كان دون الكر نهاه عن الوضوء تنزيها ثم إن الكافي روى هذا الخبر في الباب المتقدم
وزاد فيه بعد قوله وإلى الركبة وأقل وعلى هذا يصير دلالته على المراد ظاهرة لكن سنده على ما فيه غير صحيح وأيضا يمكن أن يقال المراد من الأقل أقل من
الركبة لا أقل من نصف الساق أيضا ولا يخفى إنه لو لم يحمل الأقل على هذا يشكل توجيه سؤاله (عليه السلام) عن القدر ثم جوابه بما أجاب ومنها ما رواه التهذيب
في باب المياه في الموثق عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن الرجل يمر بالماء وفيه دابة ميتة قد أنتنت قال إن كان النتن الغالب على الماء فلا
188

يتوضأ ولا يشرب ومنها ما رواه أيضا في زيادات باب المياه في الموثق عن سماعة قال سألته عن الرجل يمر بالميتة في الماء قال يتوضأ من الناحية التي ليس فيها
الميتة ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب والاستبصار في باب الماء القليل في الموثق عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أنا نسافر فربما بلينا بالغدير من المطر
يكون إلى جانب القرية فيكون فيه العذرة ويبول فيه الصبي وتبول فيه الدابة وتروث فقال إن عرض في قلبك منه شئ فقل هكذا يعني افرج الماء بيدك ثم توضأ
فإن الدين ليس بمضيق فإن الله تعالى يقول ما جعل عليكم في الدين من حرج ورد عليها أيضا بعد القدح في السند أنها مخصصة بالكثير ومنها ما رواه التهذيب
في أواخر باب حكم الجنابة والاستبصار في باب الجنب ينتهي إلى البئر والكافي في باب الماء الذي فيه قلة في الحسن بن إبراهيم عن محمد بن ميسر قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق ويريد أن يغتسل منه وليس معه إناء يغرف به ويداه قذرتان قال يضع يده ويتوضأ ويغتسل هذا مما قال
الله عز وجل ما جعل عليكم في الدين من حرج ورد بعد القدح في السند بحمل القليل على العرفي لا الشرعي أو على الجاري القليل وكلاهما خلاف الظاهر كما لا يخفى
واعترض أيضا بمنع كون القذر بمعنى النجس وهو أيضا بعيد وعلى هذا دلالته على المطلوب ظاهرة نعم يخدشها
عدم صحة السند لكن لا يخفى أن سنده وإن لم يكن
صحيحا بالمعنى المصطلح لكنه معتبر جدا صالح للاعتماد لولا تطرق خدشة ضعيفة باعتبار اشتراك محمد ومنها ما رواه التهذيب في باب آداب الاحداث والاستبصار
في باب الماء القليل عن عثمان بن زياد قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أكون في السفر فأتى الماء النقيع ويدي قذرة فأغمسها في الماء قال لا بأس ومنها ما رواه
التهذيب في الباب المذكور والاستبصار في باب مقدار الماء الذي لا ينجسه شئ عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل عن الماء النقيع تبول فيه الدواب
فقال تغير الماء فلا يتوضأ منه وإن لم يغيره أبوالها فيتوضأ منه وكذلك الدم إذا سأل في الماء وأشباهه ومنها ما رواه الكافي في الباب المتقدم عن
حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال كلما غلب الماء ريح الجيفة فتوضأ واشرب ومنها ما رواه الكافي أيضا في هذا الباب والتهذيب في زيادات باب المياه
عن علي بن أبي حمزة قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الماء الساكن والاستنجاء منه والجيفة فيه فقال توض من الجانب الآخر ولا توض من جانب الجيفة ورواه
الفقيه أيضا مرسلا عن الصادق (عليه السلام) في باب المياه ومنها ما رواه التهذيب في باب المياه والاستبصار في باب حكم الماء إذا ولغ به الكلب عن ابن مسكان عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال سئلته عن الوضوء مما ولغ الكلب فيه والسؤر أو شرب منه حمل أو دابة أو غير ذلك أيتوضأ منه أو يغتسل قال نعم إلا أن تجد غيره فتنزه عنه ورد هذه
الروايات أيضا بالضعف والحمل على الكثير واعلم إن العلامة (ره) حكم في المنتهى بصحة الرواية الأخيرة لكن الظاهر أنها ليست كذلك لان في سندها حسين بن سعيد عن ابن
سنان والظاهر أنه محمد كما يظهر من تتبع الروايات ولا أقل من الاشتراك ومنها ما رواه التهذيب في زيادات باب المياه والاستبصار في باب مقدار الماء عن زرارة
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قلت له رواية من الماء سقطت فيها فارة أو جرذا وصعوة ميتة قال إذا تفسخ فيها فلا تشرك من مائها ولا تتوضأ وصبها وإن
كان غير منفسخ فاشرب منه وتوضأ واطرح الميتة إذا أخرجتها طرية وكذلك الجرة وجب الماء والقربة وأشباه ذلك من أوعية الماء قال وقال أبو جعفر (عليه السلام)
إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجسه شئ تفسخ فيه أو لم يتفسخ إلا أن يجئ له ريح يغلب على ريح الماء فإن قلت هذا لا يوافق مذهب ابن أبي عقيل أيضا لأنه إذا تنجس
القليل بالملاقاة لم يكن فرق بين التفسخ وعدمه قلت كأنه إذا تفسخ يستلزم تغير بعض الماء وإن لم يظهر على الحسن بمخالطته بالاجزاء الأخرى وقلته ولما لم
يتميز الاجزاء المتغيرة عن الاجزاء الغير متغيرة يجب صب الجميع وأيضا يمكن أن يكون النهي عن التوضأ عند التفسخ للتنزيه ورد هذه الرواية أيضا بالضعف وبالحمل على
الكثير واعترض الشيخ في التهذيب على هذا الحمل بأن الجرة والحب والقربة كيف يمكن أن يسع الكر ثم أجاب بأنه ليس في الخبر أن جرة واحدة ذلك حكمها بل ذكرها بالألف واللام
وذلك يدل على العموم عند كثير من أهل اللغة ولا يخفى ما فيه لأنه على تقدير العموم يكون المعنى إن كل جرة كذلك وهذا لا ينفعه إنما ينفعه أن يحمل الجرة على
مائها ويحمل اللام على الجلس وفيه من التكلف ما لا يخفى وأيضا في الحمل على الكثير شئ آخر إذ على هذا لا فرق بين التفسخ وعدمه والشيخ حمله على التغير وعدمه وفيه
تكلف لان عجز الرواية يأبى عنه نعم يمكن الحمل على الاستحباب والتنزه على قياس ما ذكرنا واعلم إن جمعا من الأصحاب ذكروا في جملة احتجاجات ابن أبي عقيل ما روى
عن الباقر (عليه السلام) قال سئل عن الجرة والقربة تسقط فيهما فارة أو جرذا وغير ذلك فتموت فيهما قال إذا غلبت رايحته على طعم الماء أو لونه فارقه وإن لم تغلب
فاشرب منه وتوضأ وردوه بالضعف وذكر العلامة في المنتهى إن رواية علي ابن حديد ولم نجد في الكتب الأربعة رواية علي بن حديد بالنحو الذي ذكروه وإنما
وجدنا على ما نقلنا آنفا وكأنها كانت في كتاب آخر والله أعلم ومنها ما رواه التهذيب في الباب المذكور عن زرارة قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن جلد الخنزير
يجعل دلوا يستقى به الماء قال لا بأس ورواه الفقيه أيضا في باب المياه مرسلا عن الصادق (عليه السلام) ورد بالضعف وبأنه لا دلالة له على المدعى لجواز أن يكون الاستسقاء
لأجل الزرع وسقي الدواب وشبه ذلك لا للوضوء والشرب لا يقال يكون السؤال حينئذ لغوا لان الانتفاع بالميتة مطلقا في محل التردد أنه هل يجوز أم لا فسئل عن ذلك
ومنها ما رواه التهذيب أيضا في الباب المذكور والاستبصار في باب البئر يقع فيها العذرة عن أبي مريم الأنصاري قال كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) في حايط له فحضرت
189

الصلاة فنزح دلوا للوضوء من ركى له فخرج عليه قطعة عذرة يابسة فأكفا رأسه وتوضأ بالباقي ورد أيضا بالضعف ويحمل العذر على عذره ما يؤكل لحمه وفيه
ضعف لأنها فسرت في اللغة بغايط الانسان ومنها ما رواه التهذيب في هذا الباب والاستبصار في باب الماء القليل عن العلاء بن الفضيل قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
الحياض يبال فيها قال لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول ورد أيضا بالضعف وبالحمل على الكر وهو قريب ومنها ما رواه التهذيب في الباب المذكور عن إسماعيل بن مسلم
عن جعفر عن أبيه أن النبي (صلى الله عليه وآله) أتى الماء فأتاه أهل الماء فقالوا يا رسول الله إن حياضنا هذه تردها السباع والكلاب والبهائم قال لها
ما أخذت بأفواهها ولكم ساير ذلك ورد بالضعف وبجواز أن يكون الحياض المذكورة كرا وأنت خبير بأن عموم لها ما أخذت كاف في المطلب وإن كانت الحياض
كرا لا أن يقال أنه بناء على الغالب من عدم أخذها ما يخرجها عن الكرية أو منها ما رواه التهذيب في باب المياه والكافي في باب الوضوء من سؤر الحايض عن الوشاء عمن
ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه كره سؤر ولد الزناء وسؤر اليهودي والنصراني والمشرك وكل ما خالف الاسلام وكان أشد عنده سؤر الناصب ورد بالضعف وبأن
الكراهة في عرفهم (عليه السلام) إنما يستعمل كثيرا بمعنى الحرمة أو الأعم منها ومنها ما رواه الكافي في باب الرجل يدخل يده في الماء عن بكار بن أبي بكر قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
الرجل يضع الكوز الذي يغرف به الحب في مكان قذر ثم يدخل الحب قال يصب من الماء ثلاث أكف ثم يدلك الكوز ورد بالضعف وباحتمال الحمل على الكثير أو أن لا
يكون أسفل الكوز رطبا أو لا يكون القذر بمعنى النجس والكل لا يخلو عن بعد ومنها ما رواه الكافي في باب اختلاط ماء المطر بالبول عن عمر بن يزيد قال قلت لأبي
عبد الله (عليه السلام) اغتسل في مغتسل يبال فيه ويغتسل من الجنابة فيقع في الاناء ما ينتر ومن الأرض فقال لا بأس به ورد أيضا بالضعف وبأنه لا دليل فيه على
عدم التنجس مطلقا كما هو المدعى بل على عدم تنجسه إذا كان واردا على النجاسة كما هو مذهب السيد (ره) هذا ما وجدنا مما يصلح الاحتجاج به على الطرفين وقد
عرفت إمكان المناقشة في الجميع ولو لم يكن الشهرة العظيمة بين الأصحاب لأمكن القول بعدم التنجس وتأويل الروايات الدالة على خلافه بما مر للأصل والاستصحاب
والروايات المنقولة الدالة عليه وإن كان يمكن المناقشة في كل منها لكن يحصل من المجموع كله صالح بالمراد خصوصا مع تأييدها بالاختلاف الواقع في باب الكر
كما أشرنا إليه وشيوع استعمال الأوامر والنواهي في عرفهم (عليه السلام) في الاستحباب والتنزيه وكذا شيوع استعمال الطهارة والنجاسة في غير المعنى المصطلح وسيجئ
طرف منه في بحث البئر إنشاء الله تعالى نعم ما يشكل حمله على الاستحباب والتنزيه من الروايات السابقة موثقتا عمار وسماعة المتضمنتان للاهراق والتيمم لكن أمرهما أيضا
سهل لعدم صحتهما وإمكان الحمل على التغير لان السؤال فيهما عن حكم الاشتباه وليس سبب التنجس متطورا حتى يكون إطلاق وقوع القذر مخالفا ظاهرا للحمل
على التغير وأيضا الغالب أن القذر يغير جزء من الماء وعند تغيره لا يمكن استعمال ذلك الماء فيجب الصب فيكون الامر بالاهراق محمولا على الغالب
ويمكن إجراء هذا الوجه الأخير في بعض الروايات الأخرى أيضا لكن مع هذا كله الأولى متابعة المشهور واقتفاء الجمهور سيما مع تضمنه غالبا الاحتياط
في الدين وحصول البراءة باليقين وإن كان في بعض الأوقات يتعارض الاحتياطان بل قد يصير الاحتياط في خلافه كما لا يخفى والاحتياط في الصورة الأخيرة
أن يتطهر بهذا الماء ثم يتيمم ثم اعلم أن الظاهر من كلام الأصحاب أنه لا فرق في تنجس القليل بين ملاقاته بالنجاسة والمتنجس ويمكن الاستدلال عليه أيضا بظاهر
بعض الروايات السالفة المتضمنة للتنجس بسبب إدخال اليد فيه وإن كان يمكن حمله على بقاء عين النجاسة فيها وبالجملة الأولى تعميم الحكم والله أعلم بحقايق
أحكامه (كانت النجاسة دما لا يدركه الطرف على الأصح أو لا) المشهور بين القائلين بنجاسته القليل بالملاقاة عدم التفرقة بين نجاسته ونجاسة وبين قليلها وكثيرها
والشيخ في المبسوط حكم بعدم نجاسته بما لا يمكن التحرز منه مثل رؤس الأبر من الدم وغيره فإنه معفو عنه لأنه لا يمكن التحرز منه واستدل أيضا على مختار الشيخ بصحيحة
علي بن جعفر المتقدمة في البحث السابق المتضمنة لامتخاط الرعاف واعترض عليه بأنها لا طهور لها في إلا لوصول إلى الماء لا يقال إن لم يصل إلى الماء فلا
وجه للسؤال سيما مع عظم شأن السايل لأنه لا يمكن أن يكون السؤال في موضع يكون الوصول إلى الاناء متيقنا والوصول إلى الماء مشكوكا أو مظنونا
ولا ريب أن في هاتين الصورتين سيما الأخيرة للسؤال مجالا فحينئذ يكون جواب الإمام (عليه السلام) أنه إذا كان يرى شئ في الماء ويحصل اليقين بالوصول فينجس
الماء وإلا فلا ولا يخفى أن هذا أيضا لا يخلو من خدشة إذ لا حاجة حينئذ إلى بيان أن في صورة اليقين بالوصول ينجس الماء لكن الامر سهل فإن قلت قد
تقرر أن النفي إنما يرجع إلى القيد إذا كان في الكلام قيد فحينئذ يكون النفي في قوله (عليه السلام) إن لم يكن شئ يستبين في الماء راجعا إلى الاستبانة التي
يكون صفة لشئ فيفهم منه ظاهرا وجود شئ في الماء لكن غير ظاهر قلت يمكن أن يكون يستبين خبرا لكان لا صفة لشئ فحينئذ لا دلالة فإن قلت ما تقول في
قوله (عليه السلام) فإن كان شيئا بينا لان شيئا خبر لكان واسمه الشئ الذي في الماء وحينئذ يتم الدلالة كما لا يخفى قلت ليجوز أن يكون اسمه الشئ الذي امتخط فأصاب
الاناء ولم يعلم وصوله إلى الماء فيصير المعنى فإن كان الشئ الذي امتخط شيئا يظهر في الماء فلا بأس
وعلى قاعدة رجوع النفي إلى القيد يرجع إلى الظهور في الماء لا إلى كونه شيئا وهذا ليس ينفعكم فافهم واستشهد لهذا الاعتراض بالرواية الأخرى عنه أيضا
190

المنقولة سابقا عن الكافي وفيه نظر لأن هذه الرواية إنما تدل على التنجس بالقطرة من الدم ومثل ما ذكره الشيخ لا يسمى قطرة وأيضا يرد على هذا الاستدلال
أنه على تقدير تمامه إنما يدل على الدم فقط فإجرائه في غيره كما هو مختار المبسوط لابد له من دليل وسيجئ لهذا تتمة في بحث النجاسات إن شاء الله تعالى وأجيب عن
استدلاله الأول بعدم إمكان التحرز بالمنع إن أريد معناه الظاهر وإن أريد به المشقة فربما يمنع أيضا ولو سلم فوصولها إلى حد يكون حرجا متيقنا في الدين
غير مسلم واحتج القايلون بالنجاسة بأن القليل قابل للنجاسة والدم نجس وكذا غيره فيثبت التنجيس ولا يخفى أن هذا الاستدلال إنما كان متجها لو ثبت عموم
تنجس القليل وقد ظهر مما سبق أنه ليس كذلك إذ غاية ما تدل عليه الروايات المتضمنة الحديث الكر الدالة بمفهومها على نجاسة القليل تنجسه بالملاقاة
في الجملة وأما العموم فلا إذ لا عموم لمفهومها وما يقال إنه لو لم يكن عاما لخلي عن الفايدة التامة وهو غير جايز على الحكيم غير مسلم إذ وجود الفائدة التامة
في المنطوق كاف والروايات الدالة بالمنطوق كانت مختصة ببعض الموارد ولا عموم لها أيضا وإنما كان التعدي إلى غير هذه الموارد باعتبار عدم القول بالفصل ولما وجد فيما نحن فيه القول
بالفصل كان إجزاء الحكم فيه مشكلا فإن قلت صحيحة على المتقدمة في بحث نجاسة القليل المتضمنة لدخول الدجاجة التي تطأ العذرة في الماء ظاهرة
في العموم قلت طهورها أيضا في العموم ممنوع لأن الماء في قول السائل ثم تدخل في الماء جنس معرف باللام وهو ليس في حد صيغ العموم بل إنما يحمل
عليه في كلام الحكيم عند تقنين القوانين حيث لا عهد ولا تعارض لبعض الافراد حذرا عن اللغو وهاهنا ليس كذلك إذ السؤال عن دخول الدجاجة
والحمامة قرينة على أن المراد المياه التي يتعارف كونها في الدور والمساكن من مياه الأواني والظروف وأشباهها فتأمل على أن تعميم الماء لا ينفع في مسئلتنا
هذه إذ النافع فيها تعميم النجاسة كما لا يخفى لكن مع ذلك الأولى متابعة المشهور والاحتياط وبما نقلنا عن المبسوط ظهر أن الأولى أن يضم المصنف غير الدم أيضا
من النجاسات إليه كأنه نظر إلى الاستبصار إذ فيه ذكر الدم فقط لكن الظاهر أنه أيضا لا اختصاص له بالدم بل يحتمل حمله على ما يوافق المبسوط احتمالا قريبا
كما لا يخفى على الناظر فيه (وطهره بإلقاء كر عليه دفعة يزيل تغيره إن كان ولو لم يزله افتقر إلى كر آخر وهكذا) اعلم أنه لا يوجد في روايات أصحابنا رحمهم الله تعالى
نص في تطهير المياه النجسة سوى رواية دالة على تطهير الجاري بعضه بعضا وكذا ماء الحمام كما سنذكر إن شاء الله تعالى فيما بعد والروايات المختصة بالبئر بل الظاهر من رواية الماء
يطهر ولا يطهر المتقدمة عد إمكان تطهير الماء إلا أن يحمل على أنه لا يطهر بغيره لكن الأصحاب (ره) ذكروا وجوها لتطهير الماء كما سنشرح مفصلا إن شاء الله تعالى مع ما
يتعلق بها من الأبحاث أما الماء القليل فإن كان نجاسته بالملاقاة فقط بدون تغير فذكروا أن من جملة مطهراته إلقاء كر عليه دفعة وإن كان نجاسته بالتغير
فبإلقاء كر أيضا فإن زال تغيره به فلا حاجة إلى شئ آخر وإن لم يزل فلا بد من إلقاء كر آخر وهكذا ولا يخفى أنهم لم يوجبوا إلقاء الكر في زوال التغير بل لو أزيل
بغير الماء أو بالماء القليل أو زال بنفسه كفى حينئذ إلقاء كر عليه وإن كان ظاهر بعض عباراتهم كعبارة المتن يوهم خلافه واستدلوا على تطهيره بإلقاء الكر بأن الماء
الطاري لكونه كرا لا يقبل النجاسة والنجس مستهلك به فيطهر ولا يخفى ما فيه من الضعف لان مرادهم بالاستهلاك إن كان الاستهلاك حقيقة بمعنى انعدامه
وفنائه فبطلانه ظاهر وإن كان الاستهلاك بحسب الحس والعرف ففيه أولا أنه ليس بمسلم خصوصا إذا كان القليل النجس أنقص من الكر بقليل وهو ظاهر وثانيا
أنه لو سلم الاستهلاك الحسي فما الدليل على طهارته بذلك إذ الدليل لو تم لدل على الطهارة بالاستحالة كما سيجئ إن شاء الله تعالى مع أن الأصل بقاء النجاسة حتى
يثبت مزيلها سيما على رأيهم من حجية الاستصحاب مطلقا وإذ قد عرفت ضعف الاستدلال فالذي يمكن أن يعول عليه في هذا الباب اتفاق الأصحاب إذ لم ينقل لاحد
فيه خلاف ثم أن هاهنا أمورا لابد من التنبيه عليها الأول أنه هل يشترط في التطهير الامتزاج مع كر طاهر أو لا بل يكفي الاتصال به ذهب المحقق في المعتبر و
العلامة في التذكرة والمصنف في الذكرى إلى عدم تطهيره بالاتصال والعلامة في التحرير والنهاية والمحقق الشيخ علي والشهيد الثاني رحمهم الله على الاكتفاء
بالاتصال وفي المنتهى كالمتردد واحتج على الاكتفاء بالاتصال بوجوه الأول أن الاتفاق واقع على أن تطهير ما نقص عن الكر بإلقاء الكر عليه ولا شك أن
المداخلة ممتنعة فالمعتبر إذن الاتصال الموجود هاهنا توضيحه أن حال إلقاء الكر عليه إما أن يلاقي جميع أجزائه ماء الكر وهو محال لامتناع التداخل إلا على القول
بالجزء الذي لا يتجزى وهو باطل وعلى تقدير وجوده نقول إن كان المعتبر ملاقاة الجميع فلا بد لا أقل من حصول الظن بها في الطهارة ولا شك أنه لا ظن فيما
نحن فيه بملاقاة الاجزاء بالأسر بل لا يبعد ادعاء الظن بل العلم بعدمها وأما أن لا يلاقي جميع الأجزاء بل بعضها فقط فلم يكن المطهر للبعض الاخر وصول
الماء إليه بل مجرد اتصاله بما يصل إلى الماء ولا يخفى أن عند اتصاله بالكر أيضا هذا المعنى حاصل لان بعضه متصل بالكر والبعض الاخر متصل بذلك
البعض فيجب أن يكون كافيا في التطهير الثاني إن الاجزاء الملاقية للكثير يطهر بمجرد الاتصال قطعا لطهورية الماء فتطهر الأجزاء المتصلة بذلك الاجزاء
أيضا لاتصالها بالكثير الطاهر لان الاجزاء الأول صارت طاهرة وهي مع الكر المفروض أولا بمجموعهما كر طاهر والاجزاء الثواني متصلة بذلك المجموع
وهكذا الثالث الأصل ويرد على الأول أنا نختار الثاني ونقول أن طهارة بعض الاجزاء باتصاله بما يصل إلى الماء لا يستلزم الاكتفاء بمطلق الاتصال لجواز
191

أن يكون ملاقاة أكثر الاجزاء أو القدر المعتد به منها لها مدخل في الطهارة وبالجملة التطهير إنما هو أمر شرعي لا مدخل للعقل فيه وقد ثبت بالاجماع
أن الالقاء دفعة مطهر فالتعدي إلى غيره مما لا نص فيه ليس بجايز وإن لم يظهر لنا الفرق بينهما لما عرفت من عدم مدخلية العقل في هذه الأمور فكيف مع
ظهور الفرق إذ ما لا يدرك كله لا يترك كله فلما لم يكن الملاقاة بالأسر فلا أقل من ملاقاة الأكثر أو القدر المعتد به وعلى الثاني إن عموم طهورية الماء غير
مسلم لعدم دليل إذا الدلايل الدالة على طهوريته إنما يدل على طهوريته في الجملة كما مر في بابه خصوصا مع ما قد عرفت من وجود الرواية الدالة بظاهرها
على أن الماء لا يطهر بشئ سلمنا لكن نقول إن الماء يطهر ما يلاقيه وملاقة الكر ههنا إنما هو مع سطح الماء النجس فيلزم أن يطهر ذلك السطح وليس
سطح آخر متصل بذلك السطح الامتناع تتالي السطوح حتى يطهر ذلك السطح أيضا هكذا إلى الاخر بل هذا السطح إنما هو انتهاء الماء النجس ولا دليل على
طهارة الجسم كله بطهارة سطحه وهو ظاهر ويمكن إجراء هذا التقريب بوجه آخر سيجئ إن شاء الله تعالى في بحث ماء المطهر وعلى الثالث أن الأصل لا معنى له بل الأصل مع
خلافة إذ قد تحقق النجاسة والأصل بقائها حتى يثبت المزيد هذا ويمكن أن يأتي أنك قد عرفت فيما سبق أن الروايات الدالة على نجاسة القليل بالملاقاة
مما لا يكاد يسلم عن المناقشة والعمدة في التمسك بنجاسة الشهرة بين الأصحاب ولا يخفى أن الشهرة ليست بعد الاتصال فيبنى على أصل الطهارة وانعقاد
الاجماع على أن بعد ثبوت النجاسة يستمر حكمها حتى يحصل اليقين بمزيلها مم والاستصحاب في مثل هذا الموضع قد عرفت ماله إلا أن يأتي الشهرة بين الأصحاب
قرينة على أن المراد بالروايات الدالة على النجاسة ظاهرها ومعارضاتها إنما تكون أولة وبعض الروايات كما عرفت دالة على النهى عن الوضوء بذلك الماء
والشرب منه وإراقته والنهى يدل على التكرار والدوام ظاهرا فيستصحب حكمه يثبت المزيد وللتأمل فيه مجال واسع ولا يبعد أيضا أن يقول هب أن الشهرة
دلت على ما ذكر لكن غاية ما فيه أن تكون الروايات ظاهرة في نفسها على دوام النهى لكن بعد وجود الخلاف في أن منتهاه ماذا هل هو الامتزاج أو الاتصال
وعدم شهرة أحدهما بين الأصحاب يحصل الشك في التكليف وقد عرفت مرارا حال الشك ولا يذهب عليك أن إجراء هذا النحو من الكلام في القليل متغيرا شكل
إذ ظهور دلالة الروايات الواردة فيه ليس اعتبار والشهرة فقط لعدم معارض لها بعضها ظاهر في استمرار النجاسة كما لا يخفى فيستصحب حتى يثبت المزيل
والأولى رعاية الامتزاح وعدم الاكتفاء بالاتصال احتياط سيما في المتغير الثاني إن ألقاه الكر هل يجب أن يكون دفعة بمعنى وقوع جميع أجزائه في زمان
قصير بحث يصدق عليه في العرف اسم الدفعة إذ الدفعة الحقيقية محال أو لا يجب بل يكفي وقوعه تدريجا لكن بشرط عدم الانقطاع ففي بعض كلماتهم
يوعد التقييد بالدفعة وفى بعض آخر كعبارة المبسوط والخلاف والمعتبر لا تقييد والمصنف في الذكرى لم يقيد بالدفعة وقيده بالاتصال واعترضه المحقق الشيخ
على (ره) بأن وصول أول جزء إلى النجس يقتضى نقصانه عن الكر فلا يطرح بورود النص بالدفعة وتصريح الأصحاب بها وأجيب عنه بأنه يكفي الطهارة بلوغ
المطهر الكر حال الاتصال إذا لم تغير بعضه بالنجاسة وإن نقص بعد ذلك مع أن مجرد الاتصال لا يقتضى النقصان كما هو واضح وما ادعاء من ورود
النص بالدفعة منظور فيه إذ لم يوقف عليه في كتب الحديث ولا نقله ناقل في كتب الاستدلال وتصريح الأصحاب ليس حجة مع أن العلامة في التحرير والمنتهى
اكتفى في تطهير الغدير القليل النجس بالغدير البالغ كرا ومقتضى ذلك الأكفاء في طهارة القليل باتصال الكر وإن لم يلقى كله فضلا عن كونه
دفعة ويمكن أن يقول أن ما ذكره من أنه يكفي في الطهارة بلوغ المطهر الكر حال الاتصال مم لما عرفت من عدم تمامية أدلته إلا أن يكون إلزاما على المعترض
حيث اكتفى بالاتصال وقد يقول أنه وإن اكتفى بالاتصال لكن يعتبر مساواة السطوح والاجتماع في الكر فعلى تقدير الالقاء تدريجا لما لم يبق المساواة و
الاجتماع بحالهما فعند ملاقاته بالنجس يصير نجسا فينقص عن الكر فلا يفيد التطهير وعلى هذا يندفع قوله مع أن
مجرد الاتصال الخ أيضا كما لا يخفى و
فيه أنه صرح في بعض تحقيقاته كما نسب إليه الشهيد الثاني تقوى الأسفل بالأعلى فهذا التوجيه لا يتمشى من قبله لكن لا يخفى أنا لم نقف في كلامه على هذا
المعنى وإن ما يوهم ذلك من كلامه المراد منه شئ آخر وسنشير إليه فيما بعد إن شاء الله تعالى إلا أن يستنبط من كلامه في موضع آخر هذا وقد فصل بعض
المحققين ههنا وذكروا أنه لا يخلو إما أن يعتبر في عدم انفعال الماء الكثير بالملاقاة استواء أسطحه أم لا وعلى التقديرين إما أن يعتبر الممازجة أو لا فإن لم
يعتبر استواء السطح ولم يعتبر الممازجة فحينئذ لا يشترط الذريعة بل يكفي الاتصال كما ذكره الشهيد بل لا يلزم حينئذ إلقاء جميع الكر بل يكفي وصول أوله إليه نعم لو
كان النجس متغيرا فلا بد من أن يدخل ماء الكر فيه بقدر ما يزيل تغيره ويشترط إذن أن لا يتغير بعض أجزاء الملقى ويزيد على الكر بقدر الاجزاء المتغيرة
والحاصل أنه يشترط بقاء كر غير متغير متصل بالنجس وإن اعتبر استواء السطح فلا بد من الالقاء دفعة سواء اشترط الممازجة أو لا وسواء كان النجس متغيرا
أو لا إذ مع انتفاء الدفعة يخرج الكر عن استواء السطوح فينجس جزئه الأول بالنجس وهكذا فلا يفيد التطهير فلا بد من الدفعة لئلا يخرج
عن استواء السطح ولم ينفعل عن النجاسة وإن لم يعتبر استواء السطح واعتبر الممازجة فحينئذ أيضا لا يلزم الدفعة بل لابد من شيوع أجزائه فيه وإن لم يدخل جميع الكر
192

فإن لم يكن متغيرا فيكفي الشيوع وإن كان متغيرا فيجب أن يزول التغير بشيوعه بشرط أن لا يتغير ماء الكر أو يزيد على الكر بقدر الاجزاء المتغيرة وإذ قد عرفت
هذا فيمكن أن يكون اكتفاء المصنف في الذكرى بالاتصال بناء على عدم اعتبار استواء السطح ويمكن أن يكون مراده بالاتصال الدفعة وقد حمل الشهيد الثاني
الدفعة في كلام العلامة على الاتصال نظرا إلى أن القائه متفرقا بحيث يقطع بين أجزائه يوجب تعدد دفعات الالقاء ومع اتصال بعضه ببعض يصدق الدفعة
وقد قيل بأنه لا حاجة إلى هذا الحمل لان كلامه في الحمام يعطي الحكم باشتراط استواء السطح وهو بعيد إذ الظاهر من كلماته كما سنذكر إن شاء الله تعالى عدم اعتباره
الاستواء بل إنما يقول بتقوى الأسفل بالأعلى وتوجيه كلامه في الحمام سيجئ إن شاء الله تعالى فإن قلت فعلى هذا هل يجب حمل كلام العلامة (ره) على ما حمل عليه
الشهيد الثاني (ره) أم يمكن حمله على معناه التبادر قلت لا بل يمكن حمله على المتبادر لأنه (ره) إما أن يكتفي بالاتصال في التطهير كما في بعض كتبه أم لا فإن اكتفى
بالاتصال فيمكن أن يكون مراده به الاتصال الذي يحصل به الوحدة ويعتقد أنه إنما يتحقق عند استواء السطوح فعند الالتقاء تدريجا لا يحصل ذلك
الاتصال وإن لم ينجس أجزاء الكر لتقويها بالأعلى لا يقال أن الحكم بتقوى الأسفل بالأعلى يدل على أن الوحدة عنده يحصل بدون استواء السطوح
لأنه ممنوع إذ يجوز أن يكون لأمر آخر إلا يرى إنه لم يقل بتقوى الاعلى بالأسفل ولو كان بناء الحكم على الوحدة لما كان فرق بين الصورتين ظاهرا وإن لم يكتف بالاتصال فيظهر حاله عن قريب ثم اعلم أن في بعض ما ذكر من التفصيل نظرا وهو إنه إن لم تعتبر المساواة ولا الممازجة فحينئذ لا
يشترط الدفعة مطلقا ممنوع لما ذكرت آنفا نعم لو اكتفى بالاتصال مطلقا لكان الظاهر ما ذكر وأيضا أن في صورة اعتبار الممازجة يكفي دخول الماء فيه بقدر أن يحصل
الامتزاج ولا يلزم دخول جميع الكر مما لا دليل عليه لما عرفت سابقا من أن النص في باب التطهير مفقود سوى ما ذكروا لأصل بقاء النجاسة حتى يثبت مزيلها
وغاية ما ثبت الاجماع على التطهير بالقاء الكر دفعة ولا ظاهر منه وجوب دخول جميع أجزاء الكر والحاصل أن الاجماع في غير صورة دخول جميع الأجزاء ممنوع
والقائلون باعتبار الممازجة لا يعلم أنهم يكتفون بممازجة بعض أجزاء الكر أو يعتبر ممازجة جميعه بل الظاهر من كلماتهم اشتراط ورود جميع الكر عليه فالقول
بالاكتفاء بممازجة البعض مما لا دليل عليه فيجب أن يحكم بنجاسة الماء بناء على الاستصحاب حتى يعلم المزيل إلا أن يقال على نحو ما ذكرنا سابقا أن المتمسك
في النجاسة هو الشهرة وليست هاهنا وقد حصل الشك في التكليف فلا يجب الزايد على القدر المتيقن وحينئذ ينهدم بنيان اعتبار الامتزاج وأيضا ما
ذكره من أن عند عدم اعتبار استواء السطح وعدم الاكتفاء بالاتصال لا حاجة إلى الدفعة بل يكفي شيوعه فيه ممنوع بعين ما ذكرنا آنفا والقول بعدم
تعقل الفرق حينئذ بين الدفعة واللادفعة غير محصل إذ العقل لا سبيل له إلى هذه الأمور مع أن الفرق أيضا حاصل بالقوة وكمال الاستيلاء وعدمهما
ومقتضى الاحتياط أن يعتبر الدفعة مطلقا وأن يدخل جميع أجزاء الكر في النجس الثالث أنهم ذكروا إن في صورة التغير يجب إلقاء كر يزيل تغيره وظاهر هذا
الكلام أن زوال التغير بإلقاء الكر يكفي في التطهير وإن تغير بعض الكر في ابتداء الوصول لكن الظاهر أن ليس مرادهم هذا بل لا بد من أن لا يتغير أجزاء
هذا الكر أو تكون أجزائه زايدة على الكر بقدر المتغير والحاصل أنه يشترط بقاء كر بعد تغير بعض أجزاءه كما ذكرنا في التفصيل واعلم أيضا أنه يظهر من
التفصيل السابق أنه لا بد في صورة اعتبار الممازجة وكذا في صورة التغير أن لا ينفصل أجزاء هذا الكر الملقي بعضها عن بعض وإلا ينفعل بالنجاسة
وحينئذ حصول الظن أو العلم به متعذرا أو متعسر جدا على أن في صورة اعتبار مساواة السطح لا يبعد ادعاء الخروج عن المساواة بعد الامتزاج فيشكل حينئذ
التطهير إلا أن يقال الاجماع منعقد على التطهير به وبعد انعقاد الاجماع لا مجال للاشكال وبالجملة في كل صورة ينعقد الاجماع بالتطهير يجب القول
به وإن كان يجري فيه الاشكال إذ الاجماع مخصص للحكم وأما إذا لم يكن إجماع فللاشكال مجال وهذا أيضا مما يؤيد اعتبار الدفعة فتدبر الرابع
أن ما ذكروا من وجوب إلقاء كر آخر إن لم يزل التغير بالأول إنما هو على تقدير أن لا يتميز كر طاهر غير متغير عن النجس إذ لو بقي فيكفي حينئذ في تطهير النجس
التموج حتى يزول التغير بشيوع أجزاء الكر الطاهر فيه على اعتبار الامتزاج أو يزول التغير مع الاتصال به على عدمه كما سيجئ في تنجس بعض الكثير
الواقف إن شاء الله تعالى الخامس أنه على القول بكفاية الاتصال هل يكفي الاتصال بأي وجه كان أو لابد من مساواة المطهر أو علوه يعلم من كلام
بعضهم كالشهيد الثاني (ره) اشترط أحد الامرين بل يفهم ميله إلى اشتراط الأخير فقط وقد مر آنفا إنه يمكن أن يكون ميل العلامة إلى الاتصال بطريق
المساواة والله أعلم (وكذا تطهر بالجاري) الظاهر أن تطهيره بالجاري في الجملة مما لا خلاف فيه نعم على القول باعتبار الامتزاج يشترط شيوع الجاري
فيه وعلى القول بعدمه لا يشترط بل يكفي الاتصال وعلى تقدير الاكتفاء بالاتصال الكلام في اشتراط أحد الامرين
من المساواة والعلو على قياس ما
مر آنفا ومما يتعلق بهذا المقام تحقيق الكلام في موضعين الأول فيما إذا نبع الماء من تحت النجس لان كلامهم فيه مشوش جدا والثاني فيما إذا وصل
الماء من الجاري أو الكثير إلى الماء النجس بالفوارة لكن سنذكر البحث الثاني في مبحث ماء الحمام إن شاء الله تعالى ولنذكر الان ما يتعلق بالبحث الأول ونبين أولا
ما هو الظاهر بحسب النظر ثم نذكر كلام القوم فالذي يقتضيه النظر أن لا يكون فرق بين النبع من تحت وبين إجرائه إليه من خارج فيكون حكمه حكمه من الاكتفاء
193

بالاتصال أو اشتراط الممازجة وعلى القول بعدم كفاية الاتصال من تحت لابد هاهنا من الممازجة ولما علمت من أن الاكتفاء بالاتصال لا ظهور له
خصوصا الاتصال من تحت فالأولى حينئذ رعاية الامتزاج وإن كان بعد الامتزاج أيضا إشكال لعدم ظهور إجماع فيه كما سيظهر من كلام الأصحاب ولا دليل
سواه في هذا الباب نعم لو نبع بقدر كر من دون انقطاع أجزائه بسبب ملاقاة النجس وامتزج بالنجس لكان الظاهر حينئذ تطهيره له ويقل الاشكال وأما كلام الأصحاب
فالعلامة (ره) حكم في القواعد والتحرير بعدم التطهير بالنبع من تحت وأطلق وكذا في التذكرة وبناء هذا يمكن أن يكون على أمرين الأول اشتراط العلو في المطهر ويرد عليه إنه حكم
في الكثير إذا تغير بعضه وكان الباقي كرا بالطهارة إذا تموج وزال التغير ولا شك إنه لا علو هناك إلا أن يتمسك فيه بالاجماع لكن إثباته مشكل وعلى تقدير
التسليم يرد عليه إنه حينئذ الحكم بعدم الطهر هاهنا مطلقا غير صحيح إذ لو نبع بقدر الكر وامتزج بالنجس لكان حكمه حكم ما فيه الاجماع إلا أن يقيد كلامه بغير هذه
الصورة فإن قلت لعله اشترط أحد الامرين من المساواة والعلو قلت الايراد الثاني حينئذ باق بحاله وأيضا حكم في الجاري المتغير بطهره بالتدافع والتكاثر
مطلقا وهو شامل لرأس المنبع الذي يكون نبع ماء ممن تحت إلا أن يقيد أيضا بغير ما ذكر الثاني ما هو مختاره من نجاسة الجاري بالملاقاة إذا كان قليلا
ويرد عليه أنه حينئذ حكم في طهر الجاري بالتدافع والتكاثر ولا شك أن هذا يجري فيه أيضا والتخصيص بالكثير مشترك فإطلاق القول بالطهر هناك وبعدمه
هاهنا لا وجه له إلا أن يقال الوجه إن في غير صورة النبع من تحت يمكن تحقق الكثرة وفي صورة النبع لا يمكن إذ كل ما ينبع يصير نجسا ويرد عليه حينئذ أنه يلزم على
هذا أن لا يطهر الماء الجاري الذي في منبعه نجاسة وإن كان نهرا عظيما كالدجلة والفرات ولا يقول به عاقل إلا أن يكتفي بخروج الكر دفعة عرفية
وحينئذ إطلاق الحكم في عدم الطهر بالنبع بناء على الغالب إذ الغالب عدم خروج كر دفعة عرفية أو على أن حكم ما إذا خرج كر دفعة ظاهر لاندراجه تحت إلقاء
الكر ويمكن توجيه كلامه بحمل النبع على غير النبع من الأرض أي الجريان بالشرعي بل النبع من ماء كثير تحته وسيجئ حكمه إن شاء الله تعالى أو من غيره وقال في النهاية
ولو نبع من تحته فإن كان على التدريج لم يطهره وإلا طهره ولم يعلم أن مراده من النبع هاهنا ماذا أهو النبع من الأرض أي الجاري أو النبع من الكثير فإن كان
الأول فمراده من التدريج وعدمه إن كان ما سبق من خروج الكر دفعة عرفية وعدمه فإنما ينطبق ظاهرا على ما ذهب إليه لكن في بعض صوره استبعاد وإن كان
غيره فيظهر حاله مما سيأتي وإن كان الثاني فيمكن أن يكون مراده من التدريج وعدمه القوة والفوران وعدمهما فحينئذ يكون الحكم بالتطهير في الأول بناء على القوة
والاستيلاء والكثرة الفعلية وبعدم التطهير في الثاني بناء على عدمها والفرق مشكل لعدم دليل عليه من الشرع والعقل لا مدخل له في هذه الأمور و
أمثال هذه الأمور إنما يناسب طريقة العامة اللهم إلا أن يثبت إجماع في صورة لكن ثبوته مشكل وسيجئ تفصيل القول فيه في بحث الحمام وقطع المحقق الشيخ
على (ره) بحصول الطهارة لو كان النبع بقوته وفوران ويظهر من كلامه أنه لو كان النبع ضعيفا بطريق الترشح لا يفيد التطهير ولعل الفرق بناء على أنه إذا
كان بطريق الترشح الضعيف فإنما ينقطع اتصاله بالمادة عند شيوعه في الماء النجس أو يتراخى آنات نبعه فلا يكون في حكم الجاري أو بناء على اشتراط القوة
والاستيلاء في التطهير إذا كان المطهر أسفل أو مطلقا وإثباته مشكل كما أشرنا إليه والشيخ في الخلاف قال أنه لا يطهر إلا أن يرد عليه كر من ماء وقال في المبسوط
ولا فرق بين أن يكون الطاري نابعا من تحته أو يجري إليه أو يقلب فيه وهذا بظاهره يعطي الحكم بالتطهير بالنبع مطلقا وهذا ظاهر على طريقتهم من عدم انفعال
الجاري بالملاقاة إذ الوجه الذي ذكروه في تطهير إلقاء الكر من أن الطاري لا يقبل النجاسة والنجس مستهلك به فيطهر جار هاهنا أيضا والمحقق (ره) في المعتبر
مع حكمه بعدم انفعال الجاري بالملاقاة وإن كان قليلا قال بعد نقل ما نقلنا آنفا من الخلاف والمبسوط مشيرا إلى ما في الخلاف وهذا أشبه بالمذهب لان
النابع ينجس بالملاقاة بالنجاسة إن أراد بالنابع ما يوصل به من تحته لا أن يكون نبعا من الأرض فهو صواب انتهى ولا يخفى ما فيه لان النابع من الأرض
على ما ذهب إليه لا ينجس بالملاقاة اللهم إلا أن يحمل على النابع بطريق الرشح ويتمسك بما ذكرنا من الوجهين أو يحمل على غير الجاري أما على النابع من غير
مادة أيضا أو الأعم منه وقد يحمل على البئر والكل خلاف الظاهر ومراده مما يوصل به من تحته كأنه الكر من الماء الذي يصل إليه من تحته بحيث يخالطه ويمازجه
لا أن يتصل به فقط لان مختاره في المعتبر عدم الطهارة بالاتصال وبالجملة كلامهم لا يخلو من تشويش واعلم أنهم ذكروا في تطهير القليل وجوها أخر منها
إلقائه في الكر ولا شبهة في طهارته حينئذ مع الامتزاج بدون الامتزاج فيه الكلام السابق ولو كان القليل النجس في كوز وغمس في الكثير فعلى القول بالامتزاج
لابد من دخول الماء فيه وشيوعه سواء كان ضيق الرأس أو لا وعلى القول بالاتصال يكفي أن يلاقي سطحه سطح الكثير لكن بشرط أن يكون الكثير مساويا أو أعلى وأما إذا كب
الكوز في الماء بحيث يكون مائه أعلى من الكثير فلا ولو كان في وسط الكوز ثقبة وأدخل إلى الثقبة في الماء فالظاهر على رأيهم طهارة ما تحت الثقبة ونجاسة
ما فوقها هذا على اشتراط أحد الامرين وأما بدونه فالتطهير حاصل في الكب أيضا وكذا يطهر ما فوق البقية أيضا ومنها إجراء الماء عن المادة الكثيرة إليه
وسيجئ القول فيه في ماء الحمام إن شاء الله تعالى ومنها نزول الغيث وسيجئ ما يتعلق به إن شاء الله تعالى في بابه ومنها إتمامه كرا وسيذكره المصنف (وقول أبي عقيل يتوقف نجاسته
194

على التغير شاذا) قد مر تفصيل القول فيه ولا يطهر بإتمامه كرا سواء كانا نجسين أو أحدهما على الأقوى اختلف الأصحاب في تطهير القليل بإتمامه كرا فذهب
الشيخ في الخلاف وابن الجنيد وأكثر المتأخرين إلى بقائه على النجاسة وعدم التطهير بالاتمام مطلقا سواء كان بطاهر أو نجس والمرتضى في المسائل الرسية وسلار
وابن إدريس ويحيى بن سعيد قالوا بالطهارة ثم بعض القائلين بالطهارة أطلق القول ولم يصرح بكون الاتمام بطاهر أو لا والبعض الاخر كابن إدريس صرح
بعدم الفرق بين الطاهر والنجس ونسبه إلى الشيخ في المبسوط إلى بعض أصحابنا أيضا ونقل الشيخ أيضا في المبسوط والمصنف (ره) في الذكرى القول بالفرق عن بعض فحكم بالطهارة في الاتمام بالطاهر
دون النجس وربما نسب هذا القول إلى ابن حمزة والشيخ في المبسوط كالمتردد في الحكم وإن كان يظهر منه الميل إلى جانب الطهارة احتج القائلون بالطهارة بوجوه أحدها
أن البلوغ يستهلك النجاسة فيستوي وقوعها قبل البلوغ وبعده وضعفه ظاهر لأنه قياس محض لا نعمل به إذ استهلاك النجاسة الواقعة بعد البلوغ
إنما ثبت بالنص ولا نص في استهلاك النجاسة الواقعة قبل البلوغ فيكون التسوية بينهما قياسا غير معمول به إذ لم يعلم أن العلة في الاستهلاك بلوغ
الكرية ولو سلم أن العلة هي البلوغ فلم لا يجوز أن يكون البلوغ طاهرا له قوة دافعة للنجاسة بخلاف البلوغ نجسا لانقهاره بالنجاسة قبل فلا
يصير قاهرا وثانيها أنه لولا الحكم بالطهارة عند البلوغ لما حكم بطهارة الماء الكثير إذا وجد فيه نجاسة لأنه كما يحتمل وقوعها بعد البلوغ يحتمل قبله فلا يكون الحكم بالطهارة
أولى لكن الاجماع على الحكم بطهارته وهذا أيضا ضعيف لان الحكم بالطهارة في الصورة المفروضة بناء على أن الأصل الطهارة حتى تعلم النجاسة و
لم يعلم النجاسة هاهنا الاحتمال أن يكون الوقوع بعد البلوغ لا لأنه لا فرق بين الوقوع قبل البلوغ وبعده ومنها ما روى عن النبي (صلى الله عليه وآله) إذا
بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا وجه الاستدلال أن الماء مطلق شامل للطاهر والنجس والحمل بمعنى الاظهار فيكون المعنى أن الماء مطلقا سواء كان طاهرا أو نجسا
إذا بلغ كرا لم يظهر فيه خبث وادعى ابن إدريس إجماع المخالف والموافق على هذه الرواية وأجاب عنه المحقق في المعتبر بقوله والجواب رفع الخبر فإنا لم نروه
مسندا والذي رواه مرسلا المرتضى (ره) والشيخ أبو جعفر وآحاد ممن جاء بعده والخبر المرسل لا يعمل به وكتب الحديث عن الأئمة (عليه السلام) خالية عنه أصلا
وأما المخالفون فلم أعرف به عاملا سوى ما يحكى عن صالح بن حي وهو زيدي منقطع المذهب وما رأيت أعجب ممن يدعي إجماع المخالف والموافق فيما لا
يوجد إلا نادرا فإذن الرواية ساقطة وأما أصحابنا فرووا عن الأئمة (عليه السلام) إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ وهذا صريح في أن بلوغه كرا هو المانع
لتأثره بالنجاسة ولا يلزم من كونه لا ينجسه شئ بعد البلوغ رفع ما كان ثابتا فيه ومنجسا قبله والشيخ (ره) قال بقولهم عليهم السلام ونحن فقد طالعنا كتب
الاخبار المنسوبة إليهم فلم نر هذا اللفظ وإنما رأينا ما ذكرناه وهو قول الصادق (عليه السلام) إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ ولعل غلط من غلط
في هذه المسألة لتوهمه أن معنى اللفظين واحد انتهى ويمكن أن يجاب أيضا بعد تسليم صحة السند أنه لا ظهور له فيما ذكر إذ الحمل لا ينحصر معناه في الظهور
وتفسير صاحب القاموس والنهاية هذه العبارة بلم يظهر فيه خبث ليس حجة فيمكن أن يكون محمولا على معناه المتعارف وحينئذ الأظهر منه أنه لا يتحمل الخبث بعد بلوغ الكرية
على محاذاة الروايات الأخرى وإن لم يكن ظاهرا فيه فلا أقل من عدم الظهور فيما ادعوه ومنها الاجماع على الحكم كما ادعاه ابن إدريس وأجاب عنه أيضا المحقق
في المعتبر بقوله وهو ضعيف من الأول لأنا لم نقف على هذا في شئ من كتب الأصحاب ولو وجدنا كان نادرا بل ذكره المرتضى (ره) في مسائل منفردة وبعده اثنان
أو ثلاثة ممن تابعه ودعوى مثل هذا إجماعا غلط إذ لسنا بدعوى المائة نعلم دخول الامام فيهم فكيف بفتوى الثلاثة والأربعة انتهى وقد قيل أن
الاجماع المنقول بخبر الواحد حجة فلا يضره عدم الوجدان في كلام باقي الأصحاب وأجيب بأنه حجة لو كان من ضابط وأما من مثل هذا الفاضل فلا
وقد أطال ابن إدريس في هذا المقام واحتج بوجوه أخر ضعيفة أيضا فلا فايدة في إيرادها واحتج القايلون بالنجاسة مطلقا بأن النجاسة حكم شرعي
فيقف زواله عليه ولأن النجاسة سابقة على البلوغ فيستصحب ولأن يقين النجاسة حاصل قبل البلوغ فلا يؤثر في العمل به الشك عنده وللنهي عن استعمال
غسالة ماء الحمام وهي لا تنفك عن الطاهر ولا يخفى أن الوجوه الثلاثة الأول متقاربة ويمكن المناقشة فيها بمنع حجية الاستصحاب مطلقا ومنع عموم
عدم زوال اليقين إلا بمثله ومنع توقف الزوال على الحكم الشرعي على أنه يمكن أن يقال طهارته حينئذ حكم شرعي لان نجاسته لما لم يكن دليل شرعي على استمراره حينئذ أيضا
فلا يكون مستمرا والأصل الطهارة بالدلايل الشرعية والحاصل أن نجاسة القليل كما عرفت أقوى متمسكة الشهرة ولا شهرة فيما نحن فيه والاجماع
على أن بعد ثبوت النجاسة تستمر إلى أن يعلم لها مزيل شرعي ممنوع ووجوب تحصيل البراءة يمكن أن يناقش فيه نعم قد علمت سابقا أن في صورة التغير
بالنجاسة الامر أشكل لظهور بعض الروايات في الدوام والاستمرار من غير معارض نعم يخدشها أيضا حصول الشك في التكليف ويمكن أن يقال أيضا إنه إذا
لم يتم الدليل في غير المتغير وثبت طهارته بالاتمام على الأصل يجب أن يكون الحكم في المتغير أيضا كذلك لعدم القول بالفصل وقد يقال أن هذا الدليل
يمكن قلبه بأن يقال قد ثبت بالروايات وجوب الاجتناب عن التغير مطلقا خرج ما خرج بالدليل فبقي الباقي وإذ ثبت الحكم فيه فثبت الحكم في غير المتغير أيضا لعدم القول
195

بالفصل وروايات طهارة الماء ما لم يعلم أنه قذر لا يمكن إجرائها حينئذ لوجود العلم بالقذارة بالدليل الذي ذكر فظهر أن القوة للنجاسة إلا أن يتمسك بحديث
الشك في التكليف أو يقال أن المتبادر منها وجوب الاجتناب عنه ما دام متغيرا والله أعلم وأما الوجه الاخر فيدفع أيضا بمنع نجاسة غسالة الحمام وسيجئ القول
فيه إن شاء الله تعالى والامر الاحتياط واضح وأما القول بالتفصيل فلم نقف له على مستند ظاهر
(وثانيها الواقف الكثير وهو ما بلغ ألفا ومأتي رطل أو ثلاثة أشبار
ونصفا في أبعادها الثلاثة أو ساواها في بلوغ مضروبها) اعلم أن للأصحاب في تحديد الكر طريقين أحدهما الوزن والثاني المساحة أما الوزن فالظاهر اتفاقهم
كما يفهم من ظاهر المعتبر والمنتهى على أنه ألف ومائتا رطل لكن اختلفوا في تعيين الرطل هو عراقي أو مدني والرطل العراقي مائة وثلاثون درهما والمدني مائة
وخمسة وتسعون درهما فالشيخ في النهاية والمبسوط والمفيد في المقنعة على أنه عراقي والمرتضى في المصباح والصدوق في الفقيه على أنه مدني فلنذكر أولا ما يدل
على الحكم الأول ثم لنشتغل ببيان أدلة طرفي الخلاف فالذي يدل عليه ما رواه التهذيب في باب آداب الاحداث والاستبصار في باب كمية الكر في الصحيح عن ابن أبي عمير عن
بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الكر من الماء الذي لا ينجسه شئ ألف ومأتا رطل ورواه
الكافي أيضا في باب الماء الذي لا ينجسه شئ بدون الذي
لا ينجسه شئ والروايات وإن كانت مرسلة لكن قبول الأصحاب مراسيل ابن أبي عمير عموما وهذه الرواية خصوصا مما يجبر إرسالها وأما ما رواه التهذيب في زيادات
باب المياه والاستبصار في الباب المذكور في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له الغدير فيه ماء يجتمع يبول فيه الدواب ويلغ فيه الكلاب و
يغتسل فيه الجنب قال إذا كان قدر كر لم ينجسه شئ والكر ستمائة رطل وما رواه أيضا في باب آداب الاحداث عن عبد الله يعني ابن المغيرة يرفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام)
أن الكر ستمائة رطل فسيجئ وجه الجمع بينهما وبين ما سبق في طي أدلة الفريقين وأما ما رواه التهذيب في هذا الباب والاستبصار في باب مقدار الماء الذي لا ينجسه شئ
والكافي في الباب المتقدم في الحسن عن زرارة قال إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجسه شئ تفسخ فيه أو لم يتفسخ فيه إلا أن يجئ له ريح يغلب على ريح الماء فمحمول على أن الأكثر من راوية
لا يمتنع أن يكون بقدر الأرطال المذكورة وكذا ما رواه في الأبواب المذكورة في الحسن عن عبد الله بن المغيرة عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الكر
من الماء نحو حبي هذا وأشار إلى حب من تلك الحباب التي تكون بالمدينة محمول على أن الحب يمكن أن يسع المقدار المذكور وما رواه التهذيب في زيادات باب المياه والاستبصار
في الباب المذكور عن عبد الله بن المغيرة عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا كان الماء قدر قلتين لم ينجسه شئ والقلتان جرتان ورواه الفقيه أيضا مرسلا
عن الصادق (عليه السلام) في باب المياه فأول ما فيه أنه مرسل ويحتمل أيضا أن يكون ورد مورد التقية لأنه موافق لمذهب العامة ويحتمل أن يكون القلتان إنما تسع المقدار المذكور
وقس على ما ذكرنا حال بعض الروايات الأخر الذي يتوهم منافاته لما ذكر ولنذكر الان أدلة الفريقين أما الفرقة الأولى فاحتجوا بأن الأصل طهارة الماء لأنه
خلق للانتفاع والانتفاع بالنجس لا يصح شرعا وفيه أنه لا يدل على أزيد من أن يكون الماء في أصل الخلقة طاهرا ولا نزاع فيه لكن لا ينفع هاهنا كما لا يخفى إلا أن ينضم إليه
الاستصحاب فإن قلت عدم الحكم بالطهارة في صورة الشك بالنجاسة ينافي أيضا خلقه للانتفاع كما أن نجاسته في أصل الخلقة ينافيه إذ على هذا أيضا لا يمكن
الانتفاع به قلت بعد ما ثبت بالشرع في كثير من المواضع أن احتمال النجاسة لا يعبأ به فحينئذ لا يبطل الانتفاع به بمجرد إن في صورة نادرة يعتد باحتمال النجاسة وهو ظاهر
ولقوله (عليه السلام) كل ماء طاهر حتى يعلم إنه قذر علم قذارة الأقل من الأرطال المذكورة بالعراقي بملاقاة النجاسة بدليل من خارج فبقي الباقي وهذا
جيد وقد نوقش فيه بأن المراد العلم بوقوع النجاسة لا الحكم ولا قوة لها وبأن الأقل متيقن والزايد مشكوك فيه فيجب نفيه بالأصل وهذا إنما يتجه بالنسبة
إلى بعض الأمور التي يتفرع على الكرية لا جميعها فتأمل وبأن الحمل على العراقية يفضى إلى مقاربة التقدير بالوزن للتقدير المساحة كما ستعلم فيكون أولى
من الحمل إلى المدنية لافضائه إلى التباعد بينهما وفيه أنه ممنوع إذ تباعد المدني عن المساحة على المشهور ليس بأبعد من تباعد العراقي عنه إلا أن يقال العراقي أقرب
إلى مجموع طرق المساحة سوى ما ذكره ابن الجنيد من المدني وبصحيحة محمد بن مسلم ومرفوعة عبد الله المذكورتين وجه الاستدلال أن ما تضمنتاه من ستمائة أرطال
لا يمكن أن يحمل على العراقي ولا على المدني لعدم عمل الأصحاب به رأسا فإن حمله على المكي إذ لا ثالث شايعا في عرفهم والرطل المكي يوازي رطلين بالعراقي فيثبت
المراد واعترض عليه الشهيد الثاني (ره) بأنه يجوز أن يحمل ستمائة على المدنية لأنه قريب من قول القميين ويمكن أن يجري الدليل على وجه لا يرد عليه هذا
الايراد بأن يقال لو لم يحمل على العراقي لم يمكن الجمع بين روايات الأرطال بخلاف ما إذا حمل على العراقي فإنه يمكن الجمع حينئذ فالحمل على العراقي أولى وهو ظاهر
واحتج الآخرون بالاحتياط لأنه إذا حمل على الأكثر دخل الأقل فيه وبأنهم (عليه السلام) من أهل المدينة فينبغي حمل كلامهم على عادة بلدهم وأجيب عن الأول
بأن الاحتياط ليس دليلا شرعيا مع أنه معارض بمثله لان المكلف مع تمكنه من الطهارة المائية لا يشرع له العدول إلى الترابية ولا يحكم بنجاسة الماء إلا
بدليل شرعي فإذا لم يقم على النجاسة فيما نحن فيه دليل شرعي كان الاحتياط في استعمال الماء لا في تركه وعن الثاني أن المهم في نظر الحكيم رعاية ما يفهمه السايل وذلك
إنما يحصل بمخاطبته بما يعهده من اصطلاح بلده والسايل فيما نحن فيه يجوز أن يكون عراقيا سيما أن المرسل عراقي فيمكن أن يكون الجواب على اصطلاح أهل
196

العراق وقد اعترض على الجواب الأول في المعالم بأن الأخبار الدالة على اعتبار الكرية اقتضت كونها شرطا لعدم انفعال الماء بالملاقاة فما لم يدل دليل
شرعي على حصول الشرط يجب الحكم بالانفعال ثم قال وبهذا يظهر ضعف احتجاجهم بالأصل على الوجه الذي قرروه لان اعتبار الشرط مخرج عن حكم الأصل انتهى
وفيه نظر لان كون الكرية شرطا لعدم الانفعال لا يقتضي الحكم بالانفعال في صورة عدم العلم بالشرط إذ عند عدم الشرط في الواقع ينتفي المشروط لا عند
عدم العلم به على أنه معارض بأن الأخبار المذكورة كما يدل على كون الكرية شرط العدم الانفعال كذلك يدل على كون القلة شرطا للانفعال فما لم يدل
دليل شرعي على حصول الشرط يجب الحكم بعدم الانفعال فوجوب الحكم بعدم الشروط حينئذ لا بد له من دليل آخر فأما أن يتمسك بأنا مكلفون باجتناب الماء النجس
ولما كان النجاسة إنما ينتفي إذا كان كثيرا في الواقع فعند عدم العلم بالكثرة لا يحصل العلم باجتناب الماء النجس أو بأنا مكلفون باستعمال الماء الطاهر و
الطهارة مشروطة بالكثرة فعند عدم العلم بالشرط لا يحصل لنا العلم بالمشروط فلم نخرج عن عهدة التكليف فيجاب عن الأول أولا بما مر غير مرة من أنه إذا حصل
شك في متعلق التكليف يشكل الحكم بوجوب الافراد المشكوكة وثانيا بمنع أن عند عدم العلم بالكثرة لا يحصل العلم باجتناب الماء النجس لان غاية ما يستفاد من
أخبار الكر اشتراط عدم الانفعال بالكرية وقد علمت أن مجرد عدم العلم بالشرط لا يوجب العلم بعدم المشروط بل إنما هو في مرتبة الشك وعندنا من الروايات إن
الماء طاهر ما لم يعلم أنه قذر فيجب أن يكون هذا الماء المشكوك النجاسة طاهرا فحصل لنا العلم الشرعي بالطهارة واجتناب الماء النجس على أن ثبوت التكليف باجتناب
الماء النجس ممنوع أيضا إذ ليس في الروايات تكليف بهذه العبارة بل ما يوجد في الروايات التكليف باجتناب بعض المياه المخصوصة من مثل ما في الاناء ونحوه مما ليس
مما نحن بصدده بل التكليف باجتناب الماء النجس مطلقا إنما يستفاد من الاجماع وظاهر أن الاجماع لم ينعقد على هذه العبارة حتى يلزم الاتيان بمجملاتها بل
إنما وقع الاتفاق في الموارد المخصوصة وما نحن فيه ليس منها ومما ذكر يستنبط الجواب عن الثاني أيضا وظهر أيضا صحة استدلال الفرقة الأولى بالأصل فإن
قلت على ما ذكرت من عدم لزوم الاتيان بالافراد المشكوكة يلزم أن لا يجب عند انحصار الماء فيما نحن فيه الطهارة المائية لان التكليف بها إنما يقيد بطهارة
الماء إجماعا ولا أقل من حصول الشك في أن التكليف بالطاهر ولما لم يعلم هاهنا طهارة فلم نعلم التكليف بالطهارة به فلم يجب علينا وعند عدم وجوب
الطهارة المائية يجب التيمم بالاتفاق وإذا وجب التيمم يكون هذا الماء ممنوعا من شربه واستعماله فيما يتوقف على الطهارة إجماعا وهو معنى النجاسة فثبت المدعى
قلت قد ظهر مما ذكرنا في الجواب ثانيا ما به يندفع هذا الايراد وطريقة الاحتياط في المقام أن يتجنب عن مثل هذا الماء عند وجود ماء آخر وإن يستعمله عند فقده و
يضم التيمم ثم يتطهر عند الوصول إلى ماء آخر ويطهر ما لاقي الماء الأول وأما المساحة فقد اختلف الأصحاب فيها فذهب الأكثر إلى اعتبار بلوغ تكسيره
اثنين وأربعين شبرا وسبعة أثمان شبرا واكتفى الصدوق وجماعة القميين على ما حكى عنهم ببلوغه سبعة وعشرين واختاره من المتأخرين العلامة في
المختلف والمحقق والشهيد الثاني وحدده الشلمغاني بما لا يتحرك جنباه عند طرح حجر في وسطه وقال ابن الجنيد تكسيره بالذرع نحو مائة شبر ونسب إلى الشيخ
قطب الدين الراوندي نفي اعتبار التكسير وأنه اكتفى ببلوغ الابعاد الثلاثة عشر أشبار ونصفا ويفهم من كلام المحقق في المعتبر الميل إلى قول سادس سنذكر
إن شاء الله تعالى وذهب ابن طاوس (ره) إلى رفع النجاسة بكل ما روى حجة المشهور ما رواه التهذيب في باب آداب الاحداث والاستبصار في باب كمية الكر والكافي في باب الماء
الذي لا ينجسه شئ عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الكر من الماء كم يكون قدره قال إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصفا في مثله ثلاثة أشبار ونصف في
عمقه في الأرض فذلك الكر من الماء واعترض عليه من حيث السند والمتن أما السند فلان فيه عثمان بن عيسى وهو واقفي وأبا بصير ولا يخلو من جهالة وأما المتن فلانه
ليس فيه تحديد العمق وقد يجاب عن الأول بانجبار ضعفه بالشهرة وعن الثاني بأن العرف شاهد في مثل هذا المقام بأن عمقه أيضا كذلك لاكتفاء في المحاورات
كثيرا في أمثال هذه المواضع يذكر بعض وقد يقال الظاهر أن القول بعدم تحديد العمق في الجبر لا وجه له بل لو كان عدم تحديد فإنما هو في العرض بيانه أن قوله
(عليه السلام) ثلاثة أشبار ونصف الذي بدل من مثله إن كان حال العرض فيكون في عمقه كلاما منقطعا منها فتأمل إلا أن يكون المراد في عمقه كذلك وحينئذ
يظهر تحديد العمق أيضا فيكون التحديد للعرض دون العمق مما لا وجه له بل الظاهر أن ثلاثة أشبار ونصف بدل من مثله وفي عمقه حال من مثله أو بدله أو
نعت لهما وحينئذ يكون العمق محددا والعرض مسكوتا عنه ويجاب بشيوع الاكتفاء في مثله ويعترض عليه بأنه يجوز أن يكون المراد من ثلاثة أشبار الأول تحديد
قطر الماء والثاني تحديد عمقه وحينئذ لم يكن اكتفاء في الكلام ولم يتم استدلالهم بهذا الخبر على مطلوبهم إذ لم يبلغ تكسير هذا القدر إلى ما اعتبروه ولا يخلو من
بعد وقد يوجه الخبر بوجه يستفاد منه تحديد الابعاد بأسرها بأن يجعل ضمير عمقه راجعا إلى ثلاثة أشبار ونصف بقرينة رجوع ضمير مثله إليه إذ رجوعه
إلى الماء لا محصله وفيه بعد لا يخفى إذ إضافة العمق إلى الأشبار لا محصل له مع أنه احتمال لا يكفي في الاستدلال إلا أن يقال ليس المراد بهذا التوجيه
الاستدلال على تحديد الابعاد الثلاثة إذ لا خفاء في أنه لابد أن يفهم من الخبر تحديدها جميعا إذ تجديد البعض وإهمال الباقي لا معنى له ودلالته على
197

تحديد لجميع بنحو ما ذكر في الاعتراض بعيد فلا بد أن يكون دالا على تحديد الجميع بثلاثة أشبار ونصف إذ لاحتمال سواه فهذا التوجيه إنما هو لبيان أحد محتملات
الخبر بحيث يستنبط منه تحديد كل من الابعاد الثلاثة بثلاثة أشبار ونصف فتأمل وما رواه الاستبصار في باب البئر يقع فيه ما يتغير أحد أوصافه عن الحسن بن صالح
الثوري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا كان الماء في الركي كرا لم ينجسه شئ قلت وكم الكر قال ثلاثة أشبار ونصف طولها في ثلاثة أشبار ونصف عمقها في ثلاثة أشبار
ونصف عرضها واعترض عليه بضعف السند وفيه خدشة من حيث المتن أيضا لان التهذيب رواه في زيادات باب المياه والكافي في الباب المتقدم بدون تحديد الطول
وعلى هذا يضعف الظن بما في الاستبصار لكن يمكن أن يقال أن تحديد العرض بهذا الحد مستلزم لكون الطول أيضا كذلك إذ لو كان أقل منه لما كان طولا ولو لزم زيادته
وعلى هذا الحد لكان الظاهر أن يشعر به مع أن الزيادة عليه منتف البتة لان خلاف ابن الجنيد والشلمغاني لا عبرة به كما سيجئ وقد يعترض عليه بمثل الاعتراض السابق
من جواز كون المراد بالعرض القطر وحينئذ لا يتم المقصود وهو في هذا المقام ظاهرا لورود لان ماء البئر مستدير واحتج أيضا بالاحتياط وبأن بلوغ الماء كرا شرط
في عدم الانفعال فلا بد للعلم بحصول الشرط من دليل ولا دليل على الأقل من ذلك كما سيظهر عند ذكر حجة القول الثاني والزيادة عليه منتف قطعا لما
سنذكر فيثبت هذا وفيه ما مر آنفا من معارضة الاحتياط بمثله وعدم تمامية حديث الاشتراط حجة القول الثاني ما رواه التهذيب في باب آداب الاحداث والاستبصار في
باب كمية الكر في الصحيح عن إسماعيل بن جابر قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الماء الذي لا ينجسه شئ قال كر قلت ما الكر قال ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار ويعترض عليه من حيث
السند والمتن أما السند فإن فيه محمد بن خالد البرقي وقد ضعف حديثه النجاشي وفيه نظر لان ما ذكره النجاشي ليس طعنا فيه بل مراده أنه يروي عن الضعفاء وهذا لا يوجب القدح
فيه ولا في حديث الذي يروى عن الثقات وأيضا الشيخ وإن رواه في موضع من التهذيب والاستبصار عن عبد الله بن سنان عن إسماعيل بن جابر وعلى هذا
الرواية صحيحة لكن رواه في موضع آخر من التهذيب في الباب المذكور أيضا عن محمد بن سنان بأدنى تغيير في المتن وهو أظهر بالنظر إلى تتبع الروايات وفي الكافي ذكر ابن
سنان مطلقا فعلى هذا لا يبقى الظن بصحة السند بل الظاهر وقوع الغلط فيه واشتباه محمد بعبد الله ولا أقل من الشك فلا تعويل وأما المتن فإن فيه قصورا عن
إفادة المراد لعدم تحديد الابعاد الثلاثة وأجيب كما سبق في الخبر الأول من الانفهام عرفا وشيوع الاكتفاء في مثله واحتج أيضا بالأصل وبالاحتياط وبما قربته
للأرطال ولأكثر من رواية والحب والقلتين المذكورات في الرواية المتقدمة وأما ما ذهب إليه الشلمغاني فلا مستند له وقد رده المصنف في الذكرى بأنه خلاف
الاجماع وأيضا ليس هو بتحديد منضبط لوقوع التفاوت فيه كثيرا بحسب اختلاف أوضاع المياه وأقدار الأحجار وأنحاء الطروح وكذا ما ذهب إليه ابن الجنيد لم
نقف له على مستند والروايات المذكورة في هذا الباب كلها دالة على خلاف ما ذهب إليه وبالجملة لا اعتداد بما ذهب إليه بعد مخالفته للروايات المعتبرة
ولا تأويل الأصحاب والعجب أنه حدد الكر بقلتين وبألف ومأتي رطل وبالأشبار المذكورة مع أن القلتين كما فسره
بعض أهل اللغة أقل إنما ذهب إليه الفرقة الثانية
والأرطال أيضا أقل بكثير عن مائة أشبار سواء كانت عراقية أو مدنية بل الظاهر أنهما لا يبلغاه نصف الأشبار نعم لو حملت على المكية لزادت على النصف وقد
يتعجب أيضا من الصدوق (ره) حيث ذهب في الأشبار إلى الثلاثة وفي الأرطال إلى المدنية مع أن بينهما تفاوتا كثيرا وكأنه بحذائه القائلون بثلاثة ونصف والعراقية
لأن الظاهر أن الأرطال بالعراقية تقارب ثلاثة أشبار كما نص عليه العلامة في المختلف والفاضل الأردبيلي في شرح الارشاد وإن كان يفهم من الذكرى مقاربتها
لثلاثة ونصف وعلى هذا فالمدنية يقارب ثلاثة لان التفاوت بين الرطلين بالنصف وبين الأشبار أيضا قريب منه ولو انعكس الامر لكان أظهر وأما
ما نسب إلى الراوندي فلم يفهم منه المراد ظاهرا فقد حمله بعضهم على أنه إذا ضم أبعاده الثلاثة بعضها إلى بعض حصل عشرة أشبار ونصف ويحصل في التحديد
على هذا التقدير تفاوت شديد لأن الماء الذي يكون مجموع أبعاده كذا قد يكون مساويا للمشهور وقد يكون أقل منه بقليل كما لو فرض طوله ثلاثة أشبار
وعرضه ثلاثة وعمقه أربعة ونصف وقد يكون أقل منه بكثير كما لو فرض طوله ستة وعرضه أربعة وعمقه نصف شبر وجعل الشهيد الثاني في شرح الارشاد
أبعد الفروض عن المشهور ما لو كان كل من عرضه وعمقه شبرا وطوله عشرة أشبار ونصفا واعترض عليه في الحبل المتين إنه ليس بأبعد الفروض بل يوجد أبعد منه
بكثير كما لو فرض طوله تسعة أشبار وعرضه شبرا واحدا وعمقه نصف شبر وقد يوجد أبعد منه أيضا كما لا يخفى وأيضا ما فرضه إنما هو اثني عشر شبرا ونصف لا
عشرة أشبار ونصف هذا وأيضا يلزم على هذا التحديد أن لا يكون ماء كرا مع كونه أزيد مما هو كر بكثير كما لو كان طوله ستة أشبار وعرضه ثلاثة أشبار وعمقه
أربعين وسبعة أثمان شبر بل يكفي أن يكون عشرة أشبار ونصفا لا بطريق الجمع ليلزم ما ذكر بل بالتكسير وعلى أي تقدير لا مستند له ظاهرا وكان مستنده رواية
أبي بصير المتقدمة ووجه التمسك بها أما على الأول فبعدم حمل لفظة في علي الضرب بل على ما يقيد معنى المعية والجمع وحمل ثلاثة أشبار ونصف على التمثيل فيصير
الحاصل أنه لابد أن يكون أبعاده الثلاثة بعد الجمع عشرة أشبار ونصفا وأما على الثاني فبمثل هذا أيضا لكن يسقط اعتبار الجمع بالنحو المذكور ويكتفي
198

ببلوغ الابعاد الثلاثة عشرة أشبار ونصف ويرد على الوجهين أنه خلاف الظاهر من الرواية مع ما في الاحتمال الأول من الخلل كما مر ويحتمل أيضا أن يكون مراده
أنه لا بد من كون كل أبعاده الثلاثة ثلاثة أشبار ونصفا ولا يكفي بلوغ تكسيره إلى ما بلغ تكسير ثلاثة أشبار ونصف إليه وحينئذ وجه الاستدلال بالرواية ظاهر و
يحتاج في رفعه إلى أن يقال التعبير بمثل هذه العبارة فيما يكون المراد التمثيل شايع ولا يخلو من ضعف أو يقال أنه خلاف ما ذهب إليه الأصحاب أو يقال إنه يلزم عليه الخلل
الثاني من الخللين المذكورين في الاحتمال الأول كما لا يخفى وبالجملة هذا المذهب أيضا مما لا يعتد به على أي وجه كان وقد يوجه مراده بأن الكر هو الذي لو تساوت
أبعاده الثلاثة لكان مجموعها عشرة أشبار ونصفا وحينئذ يوافق المشهور وهو جيد لو أمكن تطبيق كلامه عليه وأما ما يفهم ميل المحقق إليه في المعتبر فهو ما يدل عليه
ما رواه التهذيب في الاستبصار في البابين المتقدمتين في الصحيح عن إسماعيل بن جابر قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الماء الذي لا ينجسه شئ قال ذراعان عمقه في
ذراع وشبر سعته واعلم إن هذه الرواية أحسن وأوضح سندا من الروايات الواردة في باب الأشبار لكن متنها أيضا لا يخلو من إجمال إذ ليس فيها تحديد أحد الابعاد
ظاهرا إلا أن يقال أن تحديد سعته بذراع وشبر يستلزم تحديد طوله أيضا بذلك إذ على تقدير نقصانه عنه لا تكون السعة سعة والزيادة لو كانت لكان الظاهر الاشعار
بها إذ الاخلال يخل بمعرفة الكر عقيب السؤال عنه وهو غير لايق بالحكمة ثم بعد ذلك هل يمكن تطبيقه على أحد من الخبرين المذكورين أم لا فنقول الذراع إن كان
شبرين كما في بعض الافراد فحينئذ لا ينطبق على شئ منهما بل هو أمر متوسط بينهما إذ تكسيره يبلغ ستة وثلاثين وإن كان أزيد منهما كما في البعض الاخر فيمكن أن ينطبق على
المشهور وإن لم ينطبق فيقاربه جدا وعلى أي حال يكون أقرب إلى المشهور منه إلى القول الثاني فجعله مؤيدا للقول الثاني كما جعله بعض ليس بجيد وقد يكلف في
جعله قريبا إلى الثاني بفرض الماء مستديرا وحمل سعته على قطرة وحينئذ يقرب إلى الثاني وظاهر المعتبر مخالف للقولين وكأنه جعل الذراع شبرين وأنه ينبغي المصير
إليه لصحته وفي كل منهما نظرا ما في الأول فلما عرفت من أن الذراع قد يكون أزيد من شبرين وحينئذ يمكن تطبيقه على المشهور فلا يمكن الاستدلال به على خلافه
وقد عرفت أيضا إمكان حمله على القول الثاني وأما في الثاني فلانه وإن كان صحيحا لكن عدم عمل الأصحاب بمضمونه مما يضعف التعويل عليه لسنا ندعي الاجماع حتى
يقال أنه قد دفعه بقوله ولا تصغ إلى من يدعي الاجماع في محل الخلاف بل شهرة خلافه بين الأصحاب وعدم ظهور قايل به منهم و
يكفينا كما هو دأبه (ره) في هذا الكتاب إلا أن يقال أن رواية الأرطال يوافقه أو يقاربه جدا أزيد من مقاربتها للآخرين أو يقال أنه (ره) إنما يعمل بالشهرة بين الأصحاب
ويطرح الخبر المخالف لها وإن كان صحيحا إذا كان في طرف الشهرة رواية ظاهرة الدلالة وإن لم يكن صحيحة وهاهنا ليس كذلك بزعمه لكنه (ره) لم يقدح في دلالة رواية
أبي بصير بل إنما قدح في سنده وللكلام في هذا المقام مجال واسع لان كلامه (ره) في المعتبر في بيان ضابطة العمل بالاخبار يخالف ظاهرا ما عمل به في هذا الباب
وفي ساير الأبواب كما لا يخفى على من راجعه وهو أعلم بمراده وأما ما ذهب إليه ابن طاوس فلعل مستنده تعارض الروايات والظاهر أن مراده إن القدر الضروري للكر
هو أقل ما في الروايات والزايد من باب الندب والفضيلة ليجمع بين الروايات ثم أنه ليس بمعلوم إن مراده بدفع النجاسة لكل ما روى دفعها بكل ما في هذه الروايات
من الأرطال بقسميها والأشبار بثلاثتها والقلتين والحب والأكثر من رواية أو المراد روايات الأرطال والأشبار فإن كان الأول ففيه إشكال من حيث عدم معلومية
قدر القلتين والحب والأكثر من رواية أيضا روايتا الأرطال يمكن التوفيق بينهما فحملهما على أمرين لا بد له من دليل إلا أن لا يفرق بينهما وإن كان الثاني
فإن فرق بين حديثي الأرطال ففيه الاشكال السابق وإن لم يفرق فحينئذ ينحصر الامر في ألف ومأتي رطل بالعراقي أو المدني وثلاثة أشبار ونصف وما تضمنه
حديث الذراعين ولا يخفى أن الأقل منها ثلاثة أشبار فرجع قوله إذن إلى القول الثاني هذا وإذ قد عرفت مأخذ الأقوال وما في هذا الباب من الروايات و
الاختلاف فنقول الذي يقتضيه النظر ويرجح بحسب الدليل إن الدست لثلاثة أشبار لأنك قد علمت في بحث نجاسة القليل بالملاقاة إنه ليس ما يدل بعمومه
على المراد بل الدلايل التي يعتمد عليها بعضها مختصة بمورد خاص والبعض الاخر من الدلايل الدالة بالمفهوم له دلالة إجمالية والعمدة في تعميم نجاسة القليل
بل في أصلها الشهرة العظيمة بين الأصحاب والحال أن الشهرة العظيمة في نجاسة ثلاثة أشبار مفقودة والأصل طهارة الماء حتى يعلم القذارة مع أن الرواية
التي تمسك بها في المشهور ليست بصحيحة السند ورواية ثلاثة أشبار إن لم تكن صحيحة فليست بأدون كثيرا في الاعتبار منها مع أن دلالتها على نفي الكرية عما سوى
ثلاثة أشبار ونصف بالمفهوم ودلالة هذه الرواية على كرية ثلاثة أشبار بالمنطوق واحتمال الحمل على الاستحباب والفضيلة احتمال ظاهر كما ذهب إليه ابن طاوس مع ما في
ذلك الحمل من الجمع بين الروايات والعمل بجميعها إذ لو حمل على الوجوب يلزم إطراح بعضها ورواية الذراعين الصحيحة إن حملت على المشهور ففيه أنه لا ظهور في
هذا الحمل وعلى تقدير التسليم الحمل على الاستحباب محمل ظاهر والقرينة لو سلم الظهور في الحصر الاختلاف العظيم الواقع في تحديد الكر وتأييد ثلاثة أشبار
برواية الحب والأكثر من راويه والقلتين المفسر بالجبرتين إذ الظاهر أنها ليست بأكثر من ثلاثة أشبار وإن حملت على ستة وثلاثين ففيه بعد ترك الأصحاب العمل به الحمل على
الفضيلة كما مر وأما روايتا الأرطال فإن كان ألف ومائتا رطل بالأرطال العراقية يوافق ثلاثة أشبار فنعم الوفاق وإن كان أزيد منها بكثير فيحمل على
199

الاستحباب والقرينة وما ذكر وحينئذ يمكن أيضا أن يحمل ستمائة أرطال على المدنية ليوافقها أو يقاربها ويصير قرينة أخرى على الحمل على الاستحباب وقول الشيخ
بعدم قول الأصحاب به غير واضح إذ على تقدير موافقته لثلاثة أشبار كيف يمكن القول به هذا كله مع أن الاحتياط فيه أيضا لاطلاق الكتاب والسنة في الامر
بالطهارة وإزالة النجاسة ورعاية اجتناب النجاسة لا يعارضه لعدم عموم ظاهر في جانبه بل إنما يكون المعول فيه الاجماع وهو فيما نحن فيه مفقود ونعم ما
قيل ولولا اتفاق القائلين بضرب الأشبار وأنه لا بد من سبعة وعشرين شبرا في حد الكر لكان الحكم به أيضا مشكلا لقصور متن دليله بل سنده أيضا عند
البعض ولا يخفى أنه إذا لم يكن ضرورة لكان الاحتياط في رعاية المشهور وما ذكرنا من أن الاحتياط في القول الثاني إنما هو عند الضرورة وعدم وجدان ماء
غيره وعند ذلك الاحتياط في استعمال ذلك الماء مع ملاقاته للنجاسة وضم التيمم ثم بعد وجدان ماء آخر التطهير به وتطهير ما لاقاه الأول كما ذكرنا
في الأرطال والله أعلم بحقايق أحكامه وقد بقي في المقام شئ وهو أنه هل يعتبر في الكر مساواة سطحه الظاهر أولا وعلى الثاني هل يكفي الاتصال مطلقا سواء كان
الاختلاف بانحدار الأرض أو بغير من التسنم من ميزاب ونحوه أو لا بل يعتبر أن يكون الاختلاف بالانحدار لا بالتسنم ونحوه أو يعتبر أن لا يكون الاختلاف
فاحشا جيدا وعلى التقديرين هل يتقوى الأسفل بالأعلى فقط أو يتقوى كل منهما بالآخر وعلى التقادير هل يكفي في الاتصال الاتصال بإنبوبة أو ثقبة
ضيقة أو نحوهما أولا بل لا بد من الاتصال بما يعتد به أما المقام الأول فالظاهر من كلام الأصحاب الاحتمال الثاني بل في بعض كلماتهم التصريح به كما سنذكر
في المقام الثاني ولم نقف على نص ظاهر من كلام الأصحاب في خلافه إلا ظاهر كلام بعض المتأخرين وما يقال إن كلام العلامة (ره) في بحث الحمام حيث اعتبر كرية
المادة مطلقا مما يشعر به لأنه لو لم يعتبر مساواة السطح لم يلزم كرية المادة وحدها بل إنما يلزم أن يكون المجموع من المادة والحوض الصغير والساقية
بينهما كرا لا يقال ما ذكرتم أعم من المدعى لان اعتبار الكرية مطلقا في المادة يدل على أن عند المساواة أيضا يلزم كرية المادة فنعلم إن الوجه غير ما ذكر لأنا نقول إطلاق
الحكم إنما هو بناء على الغالب إذ الغالب أن مادة الحمام أعلى ويؤيده أنه إنما يمثل في العلو بماء الحمام كما فعله المصنف في الذكرى ففيه نظر أما أولا فلان اعتبار
الكرية في المادة وحدها ليس لأجل عدم انفعال الحوض الصغير بالملاقاة بل لكون حكمه حكم الماء الجاري وتطهير الحوض الصغير بعد نجاسته بإجراء المادة إليه واستيلائه
عليه إذ لو لم يكن المادة وحدها كرا لما كان الامر كذلك وأما ثانيا فلانه يمكن أن يكون اعتبار الكرية لأجل أن الغالب انحدار ماء الحمام بالميزاب ونحوه فيجوز أن يعتبر
عدم مثل ذلك الاختلاف وإن لم يعتبر عدم الاختلاف بالكلية وكلامنا فيه وأيضا يجوز أن يكون بناء على الغالب من أخذ الماء كثيرا من الحوض الصغير فلو لم يعتبر
كرية المادة وحدها لنقص وانفعل كما ذكره بعض وظاهر الروايات والنصوص أيضا دال عليه إذ لا شك في دخول الماء الكثير المختلف السطوح مع قلة الاختلاف
تحت عموم إذا بلغ الماء كرا لم ينجسه شئ وأما المقام الثاني فإن كان الكلام في اشتراط الانحدار وعدم كفاية الصب من ميزاب ونحوه وعدم الاشتراط فالظاهر أيضا عدم
الاشتراط من بعض إطلاقاتهم فإن العلامة في جملة من كتبه حكم من باب الغديرين الموصول بينهما بساقية يتحدان في الحكم ولم يقيد اتصالهما بالمساواة أو الانحدار
وصرح في التذكرة بأنه إذا كان أحدهما أعلى أيضا يكون الامر كذلك في حق السافل ولم يقيد العلو بشئ وكذا أطلق القول في الواقف المتصل بالجاري وحكم
باتحادهما من دون تقييد والمحقق في المعتبر أيضا حكم في المسئلتين كذلك من دون تقييد والمصنف أيضا حكم في الواقف المتصل بالجاري في هذا الكتاب كما سيجئ وفي
البيان باتحادهما إذا كان الجاري مساويا أو أعلى ولم يقيد العلو بشئ وحكم في الذكرى بعدم نجاسة القليل المتصل بالكثير إذا كان الكثير مساويا أو أعلى ومثل للأعلى
بماء الحمام وهو ظاهر في أن التسنم من ميزاب أيضا يكفي في الحكم إذ الغالب في الحمام كذلك وظاهر إن ليس مراده الاختصاص بالحمام لأنه ذكره من باب التمثيل مع أنه صرح
في موضع آخر من الذكرى بمساواة الحمام وغيره في الحكم فإن قلت اشتراط العلامة والمصنف وغيرهما الكرية في مادة الحمام يدل على أنه لا يكفي الاتصال بطريق التسنيم
من ميزاب كما هو الغالب في الحمام وإلا لكفى بلوغ المجموع كرا وما ذكروا من أن القليل الواقف المتصل بالجاري وإن كان الجاري أعلى وكذا القليل المتصل بالكثير في الحمام لا ينجس بملاقاة
النجاسة ليس لأجل أن مساواة السطوح ليس بمعتبر في الكر وعلى تقدير عدم اعتباره يكفي الاتصال بالتسنم من ميزاب ونحوه أيضا بل لأجل أن الاتصال بالكثير يكفي
في عدم التنجس وإن كان الكثير أعلى وكان العلو بطريق التسنم وأما إذا كان الكر الواحد مختلف السطوح وكان بعضه أعلى من بعض فلا يكفي في عدم التنجس نعم عبارة
العلامة (ره) صريحة في التذكرة بعدم اعتبار والمساواة في الكر لكن يجب حمله على ما إذا كان الاختلاف بطريق الانحدار لا التسنم حتى يوافق كلامه في الحمام قلت قد
عرفت سابقا إن اشتراط الكرية في الحمام يمكن أن يكون لأجل تطهير الحياض الصغار أو لتعارف الاخذ منه كثيرا لا لأجل عدم انفعال الحياض الصغار وأما حديث الفرق
بين الاتصال بالكثير وعدم اعتبار المساواة فيه وبين اتصال الكثير بعضه ببعض واعتبار المساواة فيه فسيجئ
الكلام فيه إنشاء الله وإذا عرفت هذا فاعلم إن صاحب المعالم (ره)
ذهب إلى اعتبار المساواة في الكر والخروج عن الكثيرة بالاختلاف خصوصا إذا كان الاختلاف بالتسنم ونحوه متمسكا بأن ظاهر الاخبار المتضمنة لحكم الكر أشبارا و
كمية اعتبار الاجتماع في الماء وصدق الوحدة والكثرة عليه وفي تحقق ذلك مع عدم المساواة في كثير من الصور نظر والتمسك في عدم اعتبارها بعموم ما دل على
200

عدم انفعال مقدار الكر بملاقاة النجاسة مدخول لأنه من باب المفرد المحلي باللام وقد بين في المباحث الأصولية إن عمومه ليس من حيث كونه موضوعا لذلك على حد
صيغ العموم وإنما هو باعتبار منافاة عدم إرادته الحكمة فيضان كلام الحكيم عنه وظاهر إن منافاة الحكمة حيث ينتفي احتمال العهد ولا ريب أن تقدم السؤال عن بعض
أنواع الماهية عهد ظاهر وهو في محل النزاع واقع إذ النص متضمن للسؤال عن الماء المجتمع وحينئذ لا يبقى لاثبات الشمول لغير المعهود وجه وفيه نظر لأن الظاهر في أمثال هذه
المواضع التي هو في مقام تقنين القوانين وتبيين الاحكام هو العموم وقد اعترف به أيضا من حيث منافاة عدم إرادته الحكمة وما ذكره من احتمال العهد باعتبار تقدم
السؤال عن بعض أنواع الماهية لا وجه له لان السؤال إنما هو موجود في بعض الروايات وكثير من الروايات لا سؤال فيها وبعض ما فيه سؤال أيضا لا ظهور له و
السؤال عن الماء المجتمع الذي لا اختلاف في سطوحه سلمنا عدم الظهور في العموم فلا شك في عدم الظهور في عدمه أيضا وعند الشك بني الحكم على أصل الطهارة و
استصحابها ولو سلم الظهور في عدم العموم أيضا نقول قد مر سابقا أنه لا دليل على عموم نجاسة القليل سوى عدم القول بالفصل وهو ليس يحار ها هنا لوجود
القول بالفصل لما عرفت من تصريح العلامة في التذكرة وصرح به أيضا المصنف في هذا الكتاب كما سيجئ وصرح به الشهيد الثاني في شرح الارشاد وهو الظاهر أيضا من إطلاق
كلام المحقق وكلام العلامة في غير التذكرة وبما ذكرنا ظهر إن الاختلاف وإن كان بطريق التسنم من ميزاب أو نحوه لا بأس به وهو الظاهر من بعض إطلاقاتهم هذا وإن كان
الكلام في المقام الثاني في اشتراط عدم الاختلاف الفاحش كالماء الذي يسيل من رأس جبل أو منارة أو نحوه وعدم اشتراطه فالظاهر أيضا بالنظر إلى الدليل عدم
الاشتراط على قياس ما ذكرنا ولم نقف في كلام الأصحاب على نص ظاهر وإطلاق كلامهم في عدم اعتبار المساواة يمكن أن يكون محمولا على المتعارف وقد يستبعد
على تقدير عدم الاشتراط حيث يلزم أن لا ينجس الماء الذي يصب من آنية على رأس منارة ويتصل أسفله بماء يبلغ وحده الكر أو مع ما في الآنية وكذا يلزم تطهر الماء
المذكور إذا كان نجسا باتصاله تحت المنارة بالكثير وكذا يلزم تطهر الاناء وفي الجميع ولا يخفي أن الالزام الأول متجه وقد نلتزمه والاستبعاد في أمثال
هذه المواضع لا عبرة به وأما الالزامان الأخيران فإنما يتجهان على من يكتفي في تطهير الماء بالاتصال بالكثير كيف كان سواء كان الكثير أعلى أو أسفل وأما
على ما نميل إليه من اشتراط الامتزاج فلا وكذا لو لم يشترط الامتزاج لكن اشترط علو المطهر أو مساواته وأما المقام الثالث فالظاهر أيضا من إطلاق كلام المحقق كما
ذكرنا وكذا من كلام العلامة في التحرير والمنتهى والنهاية تقوى الاعلى بالأسفل وإليه ذهب الشهيد الثاني (ره) لكن صرح العلامة في التذكرة بعدم تقوية به وقد
صرح به أيضا المصنف في هذا الكتاب وفي الذكرى والبيان وكذا المحقق الشيخ علي (ره) والظاهر هو الأول لما ذكرنا آنفا واحتج المحقق والشيخ علي على عدم التقوى بأن الأسفل والأعلى لو اتحد في الحكم للزم تنجيس كل أعلى
متصل بأسفل مع القلة وهو معلوم البطلان وحيث لم ينجس بنجاسته لم يطهر بطهره وأجيب بمنع اللزوم بيانه إن القول بتقوى الاعلى بالأسفل أما لكونهما ماء
واحدا مندرجا تحت عموم إذا كان الماء كرا أو لعدم دليل على تنجسه بناء على عدم عموم أدلة انفعال القليل كما ذكرنا فإن كان الأول فإنما يلزم ما ذكره لو ثبت
إن كل ماء واحد قليل ينجس جميعا بنجاسته بعض منه وإن كان أسفل من بعض آخر ولم يثبت لما عرفت من عدم دليل عام على انفعال القليل وعلى تقدير وجوده نقول
إنه مخصص بغير صورة النزاع للاجماع على عدم سراية النجاسة من الأسفل إلى الاعلى وذلك الاجماع لا يستلزم خروج الأسفل والأعلى من الوحدة كما لا يخفى وقس عليه
الحال في نجاسة أسفل الكثير بالتغير وعدم نجاسة ما فوقه وإن كان الثاني فالامر أظهر وقد ألزم على القول بعدم التقوى بنجاسة كل ما كان تحت النجاسة من الماء المنحدر إذا لم يكن فوقه كر أو إن كان نهرا عظيما وهو معلوم البطلان ويكون الجواب بمنع معلومية بطلانه لا بد له من دليل وقد أجاب
أيضا صاحب المعالم (ره) بقوله ويمكن دفعه بالتزام عدم انفعال ما بعد عن موضع الملاقاة بمجردها لعدم الدليل عليه إذا لأدلة على انفعال ما نقص عن
الكر بالملاقاة مختصة بالمجتمع والمتقارب وليس مجرد الاتصال بالنجس موجبا للانفعال في نظر الشارع وإلا نجس الاعلى بنجاسة الأسفل لصدق الاتصال حينئذ وهو منتفي قطعا وإذا لم يكن لاتصال بمجرده موجبا يسريان بالانفعال فلا بد في الحكم بنجاسة البعيد من دليل نعم جريان الماء النجس
يقتضي نجاسة ما يصل إليه فإذا استوعب الاجزاء المنحدرة نجسها وإن كثرت ولا تعد في ذلك فإنها لعدم استواء سطحها بمنزلة المنفصل فكما أنه ينجس بملاقاة
النجاسة له وإن قلت وكان مجموعه في غاية الكثرة فكذا هذه انتهى وفيه نظر ظاهر لأنه بعد تسليم انفعال ما نقص عن الكر بالملاقاة مع الاجماع والتقارب
لا شك إنه يلزم نجاسة جميع ماء النهر المذكور لأن النجاسة ملاق لبعضه وذلك البعض ملاق للبعض الاخر القريب منه وهكذا فينجس الجميع إذ الظاهر أن القائلين
بنجاسة القليل بالملاقاة لا يفرقون بين النجاسة والمتنجس وما ذكره من أن مجرد الاتصال بالنجس لو كان موجبا للانفعال في نظر الشارع لنجس الاعلى بنجاسة
الأسفل ففيه إنه مخصص عن العموم بالاجماع فالحاق ما عداه به مما لا دليل عليه قياس لا نقول به على أن الفارق أيضا موجود كما ذكره بعض من عدم تعقل سريان
النجاسة إلى الاعلى ثم إعلم إن الشهيد الثاني (ره) قد أخذ تناقضا في هذا المقام على جمع من المتأخرين منهم المصنف (ره) والمحقق الشيخ علي (ره) بيانه أنه ذكر أنهم قالوا إن
الماء الجاري إذا تغير بعضه بالنجاسة ولم يشترط الكرية فيه فإنما ينجس المتغير خاصة دون ما فوقه وما تحته إلا أن يستوعب التغير عمود الماء وأما إذا اشترط الكرية
أو كان الجاري لا عن مادة ولاقته نجاسة لم ينجس ما فوقها مطلقا ولا ما تحتها إن كان جميعهما كرا إلا مع تغير بعض الكر فينجس الأسفل أو مع استيعاب التغير
ما بين الحافتين فيشترط في طهارة الأسفل كريته وهذا القول إنما يستلزم تقوى الاعلى بالأسفل وإلا للزم الحكم بنجاسة الأسفل مطلقا إلا إذا كان
201

الاعلى وحده كرا ولم يستوعب التغير عمود الماء ولم يكف بلوغ المجموع من الأعلى والأسفل كرا مع عدم الاستيعاب وكذا بلوغ الأسفل كرا مع عدم الاستيعاب لان أجزاء الأسفل غير مستوية فلا يقوى
الجزء الاعلى الملاقي للنجاسة على هذا التقدير فيصير نجسا وبنجاسته ينجس الجزء الملاقي له وهكذا إلى آخر
الماء ثم ذكروا إن الاعلى لا يتقوى بالأسفل
فقد ناقضوا قولهم الأول ولا يذهب عليك إن ما نقله من التفصيل في الجاري من المتأخرين لم نجده في كلام أحد سوى المصنف (ره) في هذا الكتاب والبيان و
يمكن دفع التناقض بأن يقال إن المصنف إنما حكم باشتراط العلو أو المساواة في كتبه في اتصال الواقف القليل بالجاري (وبالكثير فلعله إنما يشترط في تقوى الاعلى بالأسفل عدم امتياز الظاهر بينهما وحكم العرف بوحدتهما والماء الجاري يزعم أنه في العرف يقال لجميعه ماء واحد
وإن كان بعضه أعلى وبعضه أسفل بخلاف الواقف المتصل بالجاري وبالكثير والحاصل إنه يشترط في التقوى وحدة المائين في العرف أو كون المقوى أعلى و
الماء الجاري وإن كان لا عن مادة يحكم باتحاد جميعه في العرف والماء الواقف المتصل بالجاري أو الكثير عند علوه ينتفي فيه الأمران معا فلا يتقوى بهما ويمكن
أن يتكلف أيضا ويخصص الأسفل في كلامه بما إذا لم يكن أجزائه منحدرة هذا وأما المقام الرابع فلم نظفر فيه بتصريح والذي يقتضيه النظر الاكتفاء بالاتصال
مطلقا وقد ظهر وجهه في تضاعيف الكلمات السابقة فقد تلخص بما ذكرنا إن الظاهر عدم اشتراط مساواة السطح في الكر مطلقا والاكتفاء بمطلق الاتصال
وكذا الظاهر تقوى الاعلى بالأسفل وإن كان الاحتياط في اعتبار المساواة والاتصال بما يعتد به والتحرز عن الكر المختلف السطح الملاقي للنجاسة عند وجود
غيره خصوصا إذا كان الاختلاف فاحشا أو يكون بطريق التسنم من ميزاب ونحوه وكذا عن الذي اتصال أجزائه ضعيف وعند فقد غيره الاحتياط في
التطهر به وعدم ملاحظة جانب النجاسة ثم ضم التيمم وإعادة الطهارة عند وجدان ماء آخر وتطهير ما لاقى الأول كما مر في نظائره غير مرة ثم إن ها هنا
كلاما آخر وهو إن صاحب المعالم بعد اعتبار المساواة في الكر للوجه الذي ذكرنا سابقا ذهب إلى أنه إذا كان الماء القليل متصلا بمادة كثيرة سواء
كان مساويا لها ويكون أسفل منها وسواء كان الاتصال بطريق الانحدار والتسنم من ميزاب ونحوه كماء الحمام فإنه لا ينفصل بملاقات النجاسة ولا
يشترط في عدم انفعال هذا الماء مساواة سطوح مادته بل لو كانت مختلفة أيضا لكانت مانعة عن انفعال هذا القليل نعم يشترط مساواتها في عدم
انفعال المادة نفسها واستدل عليه بأن المقتضي لعدم انفعال النابع بالملاقاة هو وجود المادة ولا ريب أن تأثير المادة إنما هو باعتبار إفادتها
الاتصال بالكثرة وليس الزايد منها على الكر معتبرا في نظر الشارع فيرجع حاصل المقتضي إلى كونه متصلا بالكر على جهة جريانه إليه واستيلائه عليه
وهذا المعنى بعينه موجود فيما نحن فيه فيجب أن يعمل بمقتضاه قال ويريد ذلك حكم ماء الحمام فأنا لا نعلم من الأصحاب مخالفا في عدم انفعاله بالملاقاة
مع بلوغ المادة الكر والأخبار الواردة فيه شاهدة بذلك أيضا وليس لخصوصية الحمام عند التحقيق مدخل في ذلك وتوقف العلامة في المنتهى والتذكرة
بعد اشتراط كرية مادته في الحاق الحوض الصغير ذي المادة في غيره به لا معنى له نعم يتوجه ذلك على القول بعدم اعتبار الكرية في المادة فإنه يمكن حينئذ
قصر الرخصة على موضع النص وقد بنى الشهيد في الذكرى هذا الالحاق على الخلاف في المادة فقال وعلى اشتراط الكرية في المادة يتساوى الحمام وغيره
لحصول الكرية الدافعة للنجاسة وعلى العدم فالأقرب اختصاص الحمام بالحكم لعموم البلوى وانفراده بالنص انتهى واستدل على الحكم الأخير بأن المادة المعتبرة في
النابع ليست بمستوية كما هو ظاهر وفي الكل نظرا ما في الاستدلال الأول فلان ما ذكره من أن المقتضي لعدم انفعال النابع بالملاقاة هو وجود المادة
إنما هو ناظر إلى الرواية التي سنذكرها في بحث الجاري إنشاء تعالى المتضمنة لعدم نجاسة البئر لان لها مادة وأنت خبير بأنه لو سلم عدم الاختصاص بالبئر
ولم نقل بجواز كون العلة في عدم النجاسة وجود المادة لخصوص البئر فلا نسلم صدق المادة على ما نحن فيه إذ معناه اللغوي أي الزيادة المتصلة معلوم
أنه ليس بمراد ومعناها العرفي غير ظاهر فيجوز أن يكون المراد ماء كثير يصل مدده إليه آنا فآنا سلمنا صدقها لكن لا نسلم ظهور الخبر في أن كل مادة كذلك إذ
ليس في مقام تقنين القانون وتحديد الضابطة حتى يكون الظاهر منه العموم كما لا يخفى عند الرجوع إلى الوجدان سلمنا لكن لا نسلم أن مجرد وجود المادة كاف في
عدم التنجيس إذ يجوز أن تكون العلة وصول المدد من المادة إلى ذي المادة آنا فآنا لا يقال إن العلة في الرواية إنما هي مجرد وجود المادة له فقط لان وجود المادة؟؟ ليس بظاهر
أن يكون معناه مجرد اتصاله بها بل يجوز أن يكون معناه وجودها بحيث يصل إليه مدده آنا فآنا نعم قد ورد هذه العبارة في بعض روايات الحمام و
ظاهرها فيه محض الاتصال بالمادة لكن الرواية ضعيفة وأيضا على تقدير كونها فيه بهذا المعنى بقرينة المقام لا يستلزم كونها في جميع الموارد بهذا المعنى
وما يقال من أن الأصل في الاطلاق الحقيقة فيه تفصيل ليس ها هنا موضعه ولا يتوهم أن هذا الايراد متحد مع الايراد السابق للفرق بينهما فتأمل وأيضا ما
ذكره من أن الزايد منها على الكر غير معتبر في نظر الشارع مما لا دليل عليه والأولى أن يقال علل بوجود المادة مطلقا وهو متحقق هاهنا لصدق المادة على ما نحن فيه
وما ذكره من التأييد أيضا ضعيف لجواز اختصاص الحمام بالحكم لعموم البلوى فإلحاق غيره به مجرد قياس مع ظهور الفرق وأما في الاستدلال الثاني فلان
عدم استواء مادة النابع ليس بظاهر والأولى أيضا أن يتمسك بإطلاق المادة وللمنع أيضا مجال وفي الاستدلال بهذه الرواية في تعميم الحكم بحث آخر سيجئ إنشاء الله تعالى
202

في بحث الجاري والحق أن بعد تسليم عموم انفعال القليل واعتبار التساوي في الكر إخراج هذا الفرد من الحكم بمجرد هذين الوجهين صعب جدا نعم لو لم يسلم أحد عموم
انفعال القليل أو اعتبار المساواة لكان هذان الوجهان مما يصلحان لتأييد حكمه بعدم انفعال هذا الفرق فتأمل (ولا ينجس إلا بتغير لونه أو ريحه أو طعمه بالنجاسة)
لا خلاف بين علماء الاسلام في عدم انفعال الكثير بالملاقاة كما صرح به في المنتهى ويدل عليه أيضا الروايات الكثيرة المستفيضة المتقدمة في بحث نجاسة القليل
وأما ما رواه التهذيب في باب آداب الاحداث والاستبصار في باب مقدار الماء الذي لا ينجسه شئ في الموثق عن أبي بصير قال سألته عن كر من ماء مررت به وأنا في
سفر قد بال فيه حمار أو بغل أو إنسان قال لا يتوضأ منه ولا يشرب منه فمحمول على الكراهة أو التغير جمعا بين الاخبار وكذا الاخلاف في نجاسته بالتغير بالنجاسة
ويدل عليه أيضا الروايات المتقدمة في هذا البحث وأما حسنة الحلبي المتقدمة في أوايل بحث الماء المتضمنة لجواز الطهارة من الماء الآجن فمحمولة على ما كان تغيره
بنفسه أو بمخالطة الأجسام الطاهرة جمعا بين الاخبار واعلم إن الروايات المتقدمة خالية عن التعرض للون سوى
رواية العلاء بن الفضيل فإنها بمفهومها تدل
على نجاسته بتغير اللون لكنها ضعيفة بمحمد بن سنان ونقلوا رواية عن الجمهور أيضا متضمنة لذكر اللون ولا يصلح أيضا للتعويل وذكر بعضهم إن تغير الريح والطعم
أسرع من تغير اللون أو لا ينفك تغير اللون عن تغيرهما فلا ثمرة في التعرض له ووجهه غير ظاهر وقد يستنبط اعتبار اللون من قوله (عليه السلام في صحيحة حريز
المتقدمة فإذا تغير الماء وتغير الطعم وفيه أيضا إشكال وقد يتمسك فيه بما قاله ابن أبي عقيل إنه قد تواتر عن الصادق (عليه السلام) عن آبائه إن الماء طاهر لا ينجسه شئ
إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه والظاهر أن انضمام هذه الأمور بعضها مع بعض مع اعتضادها بالاجماع يكفي في الحكم وأيضا يشكل أن يستنبط من تلك الروايات
إن تغير الطعم وحده موجب للنجاسة لان في بعض نسخ التهذيب في صحيحة أبي خالد المتقدمة قد تغير ريحه أو طعمه وفي النسخة المعتمدة وطعمه ويؤيدها آخر الحديث
والتعويل أيضا على الاجماع ثم إن ظاهر العبارة حيث قال بالنجاسة يدل على أنه إذا كان التغير بالمتنجس كما إذا تغير طعم الماء أو لونه مثلا بالدبس النجس لا
يوجب التنجس وقد صرح به العلامة في المنتهى لكن ظاهر المبسوط نجاسة به أيضا ويحتمله أيضا كلام المعتبر والظاهر الأول لأصالة الطهارة واستصحابها
والروايات المذكورة مختصة بالنجاسة فالتعدي إلى غيرها محتاج إلى دليل وليس وسيجئ تتمة لهذا في بحث المضاف إنشاء الله تعالى وقد صرحوا أيضا بأنه
إذا كان التغير بمجرد مرور الرايحة مثلا لا بوقوع النجاسة فيه فلا يصير سببا للتنجس وهو جيد للأصل وعد ظهور الروايات في خلافه (تغير محققا
لا مقدرا) هذه العبارة تشتمل صورتين أحديهما إذا كان الماء كاينا على حاله الأصلي وتكون النجاسة مسلوبة الصفات وتكون بحيث إذا لم تكن مسلوبة
الصفات لغيرت الماء فحينئذ مختار المصنف في هذا الكتاب وأخويه عدم العبرة بالتقدير وذهب العلامة في جملة من كتبه إلى اعتبار التقدير والأول أظهر لأنه
جعل في الروايات مناط النجاسة التغير والغلبة وهما غير موجودين واعتبار التقدير محتاج إلى دليل والأصل معنا واحتج العلامة بأن التغير الذي
هو مناط النجاسة داير مع الأوصاف فإذا فقدت وجب تقديرها وضعفه ظاهر واحتج عليه أيضا فخر المحققين (ره) بأن الماء مقهور بالنجاسة لأنه كلما لم يصر
الماء مقهورا لم يتغير بها على تقدير المخالفة وينعكس بعكس النقيض إلى قولنا كلما تغير على تقدير المخالفة كان مقهورا والكلية الأولى ممنوعة وهو ظاهر
واحتج المحقق الشيخ على (ره) بأن المضاف المسلوب الأوصاف إذا وقع في الماء وجب اعتباره أما بقلة الاجزاء وكثرتها أو بتقديره مخالفا في الأوصاف على
اختلاف القولين وإذا وجب الاعتبار في الجملة في المضاف فللنجاسة أولى وفيه أنه قياس لا نعمل به إذ الأولوية ممنوعة وبأن عدم وجوب التقدير يفضي
إلى جواز الاستعمال وإن زادت النجاسة على الماء أضعافا وهو كالمعلوم البطلان وفيه أنه لو كان ضرورة أو دليل في هذه الصورة فيكون خارجة
بالدليل ويكون ما عداها باقيا في الحكم وإن لم يكن فنظر الحكم فيها أيضا وكان الواقع الأول لان بعض الأصحاب ادعى الاجماع على النجاسة إذا استهلكت
النجاسة الماء هذا والاحتياط في التقدير في بعض الأوقات وعلى تقدير التقدير هل يعتبر أوصاف النجاسة على الوجه الأشد أو الأضعف أو الأوسط
الكل محتمل وجعل المحقق الشيخ على الظاهر الأخير وقال بعد ذلك وهل يعتبر أوصاف الماء وسطا نظرا إلى شدة اختلافها كالعذوبة والملوحة والرقة
والغلظة والصفار والكدورة فيه احتمال ولا يبعد اعتبارها لان له أثرا بينا في قبول التغير وعدمه انتهى وثانيتهما ما إذا كان الماء غير كائن على أوصافه
الأصلية كالمياه الزاجية والكبريتية وتكون النجاسة على صفاتها الأصلية ولم تغيره لكن يكون بحيث إذا لم يكن الماء على هذه الصفة لغيرته وظاهر
الكتاب على إطلاقه يدل على عدم التقدير حينئذ أيضا وهو الظاهر بالنظر إلى ما ذكرنا آنفا ولم نجد في كلام الأصحاب نصا على خلافه ويمكن إجراء الوجوه المذكورة
في الصورة الأولى ها هنا أيضا والجواب الجواب والعبارة المنقولة آنفا عن المحقق الثاني (ره) يمكن أن يكون مراده منها اعتبار أوصاف الماء في هذه الصورة
ويمكن أن يكون المراد اعتبار الأوصاف في الصورة الأولى عند اعتبار أوصاف النجاسة وعلى أي وجه لا وجه له كما لا يخفى ثم اعلم إن ما ذكرنا في الصورة الثانية إنما هو
إذا لم تغير النجاسة أوصاف الماء في الواقع بسبب وصفه العارضي وأما إذا غيرته في الواقع ولم يظهر للحس بسبب وصفه العارضي كما إذا كان الماء أحمر ثم وقع فيه دم فقد
203

قطع بالنجاسة فإن التغير حاصل وإن لم يكن ظاهرا للحس والمناط التغير في الواقع لا التغير الحسي وممن قطع به المصنف في البيان (ويطهر بما مر) أي بالتقاء الكر دفعة
حتى يزول التغير وإن لم يزل فكر آخر وهكذا وبالجاري وما ذكر من الأبحاث في تطهير القليل جار ها هنا أيضا فاعتبر واعلم إن المشهور بين الأصحاب عدم طهارة
المتغير بزوال التغير من قبل نفسه أو بتصفيق الرياح أو نحوه بدون ورود الماء وقد صرح بعضهم مثل يحيى بن سعيد بالطهارة به وهو من الذاهبين إلى طهارة
القليل بالاتمام كرا ونسب أيضا إلى بعض القائلين بعدم الطهارة بالاتمام القول بطهارة الكثير بزوال التغير لكن الظاهر أنه لم يذهب أحد إلى طهارة القليل
المتغير بزوال التغير كما يفهم من المنتهى وقال بعض الأصحاب كالمحقق والمصنف وغيرهما إن القول بالطهارة في الكثير بزوال التغير لازم على كل من قال بالطهارة
بالاتمام وفيه نظر لان القول بالتمام أما أن يكون من جهة خبر البلوغ أو من غيرها من الوجوه التي ذكرنا سابقا فإن كان من غيرها فعدم اللزوم ظاهر وإن كان
منها فكذلك أيضا لان خبر البلوغ إنما يدل عموما على أن الماء إذا بلغ كرا لم يظهر فيه خبث أصلا وقد خصص ذلك العموم بالروايات والاجماع بالخبث
الذي لا يكون مغيرا فعند التغير يثبت النجاسة ويكون مستصحبا إلى أن يعلم المزيل كما ذكره القائلون بعدم الاتمام فإن قيل القدر الثابت تخصيصه من ذلك
العموم المتغير ما دام متغيرا فيكون ما بعد التغير داخلا في العموم قلنا هذا على تقدير تمامه وارد على القائلين برواية إذا بلغ الماء كرا لم ينجسه شئ أيضا
كما لا يخفى حجة المشهور أن النجاسة حكم شرعي فيتوقف زواله على حكم آخر ولأنها نجسة قبل الزوال فيستصحب الحكم بعده أيضا ولأن النجاسة تثبت بوارد فلا تزول
إلا بوارد وضعف الأخير ظاهر وللمناقشة في الأولين مجال والأولى مجال أن يتمسك بالروايات المتقدمة الدالة على النجاسة بالتغير لان فيها النهي عن الوضوء
والشرب عن هذا الماء والنهي للدوام والتكرار خرج ما بعد التطهير بالالقاء ونحوه مما فيه إجماع أو دليل آخر بالدليل فبقي الباقي واستدل القايلون بالطهارة
بأن الأصل في الماء الطهارة والحكم بالنجاسة للتغير فإذا زالت العلة انتفى المعلول والجواب إن التغير لا نسلم أنه علة للنجاسة بل هو من العلامات والمعرفات
كما هو شأن العلل الشرعية ولو سلمنا العلية فيمكن أن يكون علة لحدوث النجاسة لا لبقائها إذ العلة المبقية يجوز أن يكون غير العلة المحدثة فإن قلت البقاء
لا بد له من علة كما هو الحق فلا بد أن تثبتوا تلك العلة حتى يتم مطلوبكم إذ الاحتمال لا يكفيكم لان أصل الطهارة معنا قلت لا يلزم علينا إثبات أن العلة
ماذا بل يكفي أن يثبت إن الحكم باق بعد التغير وقد أثبتنا بعموم النهي وشموله لجميع الأوقات فتأمل (ولو تغير بعضه وكان الباقي كرا طهر بتموجه وإلا نجس)
هذا الحكم معروف بين الأصحاب ولم نعرف فيه خلافا واعلم أنه لا بد في الكر الباقي من الاتصال فلو قطع بعض أجزائه عن بعض بالاجزاء المتغيرة ينجس الجميع ثم
اشتراط التموج إنما هو على القول بوجوب المزج فلو اكتفى بالاتصال لكفى زوال تغير المتغير مع اتصاله بالباقي والأولي أن يمزج جميع الكر الباقي مع المتغير
ولا يكتفي بمزج بعضه (ولا فرق بين مياه الحياض والآنية وغيرهما على الأصح) هذا هو المشهور بين الأصحاب وذهب المفيد وسلار إلى نجاسة ماء الحياض و
الأواني بملاقاة النجاسة وإن كان كرا فصاعدا والمعتمد هو الأول للأصل والروايات المتقدمة في بحث القليل الدالة على أن الكر لا ينجسه شئ واحتجا على
ما حكى عنهما بعموم النهي عن استعمال ماء الأواني مع ملاقاة النجاسة والجواب أنه محمول على الغالب إذ الغالب أن الآنية لا تسع الكر ولو سلمنا عدم ظهوره في القليل
فنقول أن بينه وبين العمومات الدالة على أن الكر لا ينجسه شئ عموما من وجه فنحكم فيما نحن بصدده بالتعارض والتساقط لو سلم عدم رجحان العمومات بالكثرة والشهرة
فيبقى أصل الطهارة بحاله ولا يذهب عليك إن هذا الدليل لو تم لدل في الأواني فقط فالحاق الحوض بها مما وجه له وقد مر في بحث القليل عدة روايات تكون
نصا في عدم نجاسة الحوض بالملاقاة فتذكر فرع (لو شك في استناد التغير إلى النجاسة فالأصل الطهارة) للأخبار الواردة بأن كل ماء طاهر حتى يعلم أنه
قذر وقد تقدمت في أول بحث المياه والأخبار الدالة على أن اليقين لا ينقض بالشك ولما رواه التهذيب في آخر باب تطهير الثياب في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال كل شئ نظيف حتى تعلم أنه قذر فإذا علمت فقد وما لم تعلم فليس عليك والحق المصنف في الذكرى الظن أيضا بالشك لعدم شمول العلم له وهو جيد
(ولو جمد الماء لحق بالجامدات فينجس الموضع الملاقي) هذا هو الظاهر لعدم صدق الماء عليه عرفا ولغة والعلامة (ره) في المنتهى حكم بأن الماء إذا جمد وكان كثيرا لم
ينجس بملاقاة النجاسة لدخوله تحت عموم إذا بلغ الماء كرا لان التجميد لا يخرج الماء عن حقيقته بل ذلك مما يؤكد ثبوت مقتضى حقيقته فإن الآثار الصادرة عن
الحقيقة كلما قويت كانت آكد في ثبوتها والبرودة من معلولات طبيعة الماء وهي تقتضي الجمود وفيه نظر ظاهر لان مناط الاحكام العرف واللغة ولا يطلق فيهما اسم
الماء على الجامد وعدم الخروج عن حقيقته بالجمود لا مدخل له وهو (ره) مع حكمه في الكثير بذلك حكم في القليل الجامد بأن النجاسة لا يسري إلى جميعه لأنه لجموده
يمنع من شيوع النجاسة فيه فلا يتعدى موضع الملاقاة بخلاف الماء القليل الذي يسري النجاسة إلى جميع أجزائه وهو حسن ولم يصرح في كلامه (ره) إن الكثير الجامد
ما حكمه إذا تغير بالنجاسة والظاهر أنه أيضا كالقليل في نجاسته موضع الملاقاة حسب ولا يخفى ما في الجميع بين هذين الحكمين من غرابة ثم بعد هذا تردد في أن الماء القليل
المايع الملاصق لما زاد على الكر من الثلج هل ينجس بملاقاة النجاسة أم لا نظر إلى أنه ماء متصل بالكر فلا يقبل التنجس وإلى أنه ماء قليل متصل بالجامد اتصال
204

مماسة لا ممازجة واتحاد فأشبه المتصل بغير الماء في انفعاله من النجاسة لقلته والتردد في هذا الحكم بعد الذهاب إلى أن الكثير الجامد لا ينجس بملاقاة النجاسة
إلا وجه له أيضا وبالجملة الظاهر نجاسة موضع الملاقاة سواء كان كثيرا أو قليلا بناء على نجاسة الرطب الملاقي للنجاسة وعدم سراية النجاسة إلى ما عداه لعدم
دليل عليه (ويطهر بإلقاء النجاسة وما يكتنفها) كالدهن النجس الذي ليس بمايع (ولو اتصل الموضع بالكثير فإن زال العين وتخلل طهر) لا خفاء في هذا الحكم وكان
المراد بالمتخلل وصول الماء إلى جميع ما لاقته النجاسة ثم اختصاص تطهيره بالكثير كما يفهم من فحوى العبارة دون القليل سيجئ تفصيل القول فيه إنشاء الله تعالى في بحث
تطهير الثياب والبدن (ولو جمد الماء النجس فطهره باختلاط الكثير به إذا صار مايعا) لا شك في حصول الطهارة بالاختلاط بالكثير بعد الميعان لأنه ماء نجس وجميع
ما مر في تطهير الماء النجس جار فيه أيضا (ولو قدر تخلله) أي تخلل الماء الكثير فيه قبل صيرورته مايعا كالثلج (أمكن الطهارة) هذا الحكم لا يخلو عن إشكال بيانه إن ما ثبت
من تطهير الماء أنه إذا لاقى الموضع الذي لاقته النجاسة وصار نجسا فإنما يطهره والأعيان الجامدة التي ليست أعيانها نجسة إذا لاقته النجاسة نجسته فكلما لاقته النجاسة
من أجزائه يصل إليه الماء أيضا بالضرورة فيطهره وأما الأعيان المايعة فلما كان بملاقاة النجاسة ينجس جميعها فلا بد من وصول الماء إلى جميعها ليطهرها
وذلك محال لامتناع التداخل فعلى هذا إذا نجس الماء ينجس جميعه فلا بد من وصول الماء إلى جميعه حتى يطهر ولا شك أنه عند الجمود لا يصل الماء إلى جميعه لامتناع التداخل فلا يطهر فإن قلنا لو تم ما ذكرت للزم أن لا يطهر بعد ميعانه أيضا بل لا يطهر الماء النجس مطلقا
قلت الاجماع دل على تطهير الماء فيتبع وما نحن فيه ليس إجماع فينبغي الحكم على مقتضى الأصول وغاية ما يمكن أن يقال أنه لما كان بعد الميعان يطهر بوصول الماء
إلى أجزائه التي يمكن وصوله إليها فقبله أيضا الظاهر طهره بوصول الماء إلى تلك الأجزاء كما هو المفروض لعدم تعقل الفرق وفيه بعد تأمل لأن عدم تعقل الفرق لا يفيد
في المقام مع أن وصول الماء إلى جميع تلك الأجزاء مما لا يمكن حصول العلم به اللهم إلا إذا فرض أخبار المعصوم مثلا ولا يخفى أنه على الوجه الذي ذكرنا آخرا يلزم
على القول بطهارة الماء النجس بالاتصال طهر هذا باتصاله بالكثير وكأنه لم يقل به أحد اللهم إلا على رأي العلامة (ره) من إدخال الجامد تحت الماء وبالجملة
الأولى أن لا يكتفي في تطهيره بتخلل الماء فيه قبل الميعان والله أعلم
(وثالثها الجاري نابعا) احترز به عما إذا كان جاريا من غير نبع فإن حكمه حكم الواقف اتفاقا
نعم القليل منه إذا كان منحدرا لا ينجس ما فوقه ما سيجئ واعلم أنه لا يشترط فيه الجريان بل يكفي مجرد النبع والمراد منه غير البئر بقرينة إفرادها بالذكر (ولا ينجس
إلا بالتغير) لا خفاء في نجاسة الجاري بالتغير للاجماع والروايات المتقدمة في بحث القليل الدالة على نجاسة كل ماء بالتغير وأما بالملاقاة فإن كان كرا فلا خفاء
أيضا في عدم نجاسته للاجماع والروايات وأما إذا لم يكن كرا فالمشهور بين الأصحاب عدم نجاسته به المحقق في المعتبر ادعى اتفاق الأصحاب عليه وتبعه العلامة (ره) في
المنتهى والعلامة مع ذلك خالف الأصحاب وحكم باشتراط كريته في عدم الانفعال بالملاقاة وتبعه بعض المتأخرين منهم الشهيد الثاني (ره) في بعض كتبه والظاهر
هو الأول للاجماع المنقول بخبر الواحد العدل وللأصل وعدم دليل مخرج عنه كما يظهر عند ذكر أدلة الخصم وللروايات المتقدمة في بحث القليل
الدالة على طهارة كل ماء ما لم يتغير خرج عنه القليل الواقف بالدليل وبقي الجاري ولا يخلو عن بعد وبما رواه التهذيب والاستبصار في ماء البئر
تقع فيه ما يغير أحد أوصافه في الصحيح عن محمد بن إسماعيل عن الرضا (عليه السلام) قال ماء البئر واسع لا يفسده شئ إلا أن يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب
الريح ويطيب طعمه لان له مادة وجه الاستدلال أنه (عليه السلام) جعل العلة في عدم فساده بدون التغير أو في طهارته بزواله وجود المادة والعلة المنصوصة
حجة كما تقرر في الأصول والمادة موجودة في الماء الجاري وأورد عليه أنه يمكن أن يكون التعليل الذهاب الريح وطيب الطعم كما يقال ألزم حتى يعطيك حقك
فإنه يكره ملازمتك وألزم الحمية حتى يذهب مرضك فإن الحمية داء كل دواء وفيه بعد لان ذهاب الريح وطيب الطعم بالنزح مما لا يحتاج إلى بيان علة
لأنه أمر بديهي محسوس فحمل كلامه (عليه السلام) مما يخرجه عن الفايدة ولا يليق بهم (عليهم السلام) وقد يمنع أيضا وجود المادة في الجاري مطلقا إذ المادة كما هو الظاهر
لا بد أن يكون كرا مجتمعا ووجود مثلها في كل جار غيره معلوم إذ يجوز أن يكون نبع بعضها بطريق الترشح عن عروق الأرض سلمنا عدم اعتبار الاجتماع لكن وجود الكر أيضا متصلا به غير معلوم يجوز أن يحصل في بعض العيون الماء بقدر ما يخرج تدريجا في الأرض أما بانقلاب الهواء كما
هو رأي الحكماء أو بإيجاد الله تعالى إياه من غير مادة أو بذوبان الثلج ونعوده في الأرض شيئا فشيئا والبعض الذي تبعد فيه هذه الاحتمالات لا ينفك عن
الكثرة وبما ورد من نفي الباطن بالبول في الماء الجاري وقد تقدم في بحث كراهة البول في الماء وفيه نظر ظاهر لان نفي البأس في البول في الماء ظاهره
أنه لا حرمة في هذا الفعل لأنه لا ينجس الماء حجه العلامة روايات الكر المتقدمة الدالة بمفهومها على نجاسة كل قليل بالملاقاة وفيه نظر لان مفهوم
الروايات لا عموم له إذ غاية ما يدل عليه نجاسة بعض ما ليس بكر وقد سبق إن القول بتعميمه بناء على عدم القول بالفصل والقائل بالفصل ها هنا موجود
قال صاحب المدارك (ره) سلمنا العموم لكن نقول عمومان تعارضان من وجه فيجب الجمع بينهما بتقييد أحدهما بالآخر والترجيح في جانب الطهارة بالأصل و
الاجماع وقوه دلالة المنطوق على المفهوم انتهى والظاهر أن مراده (ره) من العمومين عموم المفهوم وعموم الروايات الدالة على أن كل ماء لا ينجس ما لم يتغير و
فيه حينئذ أنه ليس بين العمومين عموم من وجه لان عموم المفهوم إن كل ماء قليل ينجس بالملاقاة وعموم الروايات إن كل ماء لا ينجس بالملاقاة وبينهما عموم
205

وخصوص مطلق فيجب أن يخصص العام ولو جعل مراده من العموم عموم حسنة محمد بن ميسر ففيه أنه لا معارضة حينئذ من وجه بل التعارض بينهما كلي ويمكن
أن يقال مراده عموم رواية البئر إذ التعليل بناء على عمومه بمنزلة إن كل ذي مادة لا ينجس بالملاقاة وهذا شامل للقليل وغيره وعموم المفهوم إن كل قليل
ينجس بالملاقاة وهو أعم من ذي مادة وغيره فيحصل بينهما عموم من وجه فحينئذ يظهر وجه ترجيح آخر لان تقييد العام الأول بالكثير مما يخرجه عن الفايدة لان الكثير
لا حاجة له إلى المادة هذا ولو احتج للعلامة بالروايات الدالة بالمنطوق على نجاسة القليل ففيه أيضا أنها لا عموم لها أصلا سوى صحيحة علي المتضمنة
لدخول الدجاجة في الماء وقد عرفت المناقشة في عمومها أيضا في بحث وقوع ما لا يدركه الطرف من الدم ولو سلم العموم فلا نسلم ظهورها في النجاسة ولو سلم
فإثبات الحكم بمجردها مشكل سيما مع عدم عمل الأصحاب بمضمونها فيما نحن فيه وقس عليه الحال في نظاير هذا الموضع (ولو تغير بعضه نجس دون ما فوقه وما تحته
إلا أن ينقص ما تحت النجاسة عن الكر ويستوعب التغير عمود الماء) وهو خط مما بين جانبيه عرضا وعمقا (فينجس التغير وما تحته) لا خفاء في هذه الأحكام إلا
فيما ذكره من أن عند نقصان ما تحته عن الكر واستيعاب التغير عمود الماء ينجس المتغير وما تحته وهذا الحكم وإن كان مشهورا فيما بين المتأخرين لكن ليس له
وجه ظاهر إذ ما يتخيل أنه حينئذ ينقطع اتصاله بما فوق فيصير في حكم القليل ليس بمسلم إذ الانقطاع إنما يحصل بانقطاع الماء وعدم جريانه إليه بالاتصال
وفيما نحن فيه ليس كذلك إذ الماء يجري إلى ما تحت غايته أنه في البين ماء نجس والحاصل أن الأصل الطهارة وعموم دلايل انفعال القليل قد عرفت حاله فلا بد
في نجاسة هذا الماء من دليل ولا دليل عليه اللهم إلا أن يتمسك بالشهرة أو عدم القول بالفصل وفي الكل نظر لكن الاحتياط فيه واعلم إن العلامة (ره) أنه اشترط
الكرية في الجاري أطلق القول في جملة من كتبه عند تغير البعض إذا كان كثيرا باختصاص النجاسة بالمتغير دون ما فوقه وما تحته وهذا بظاهره يعطي الحكم بعدم
اشتراط مساواة السطوح في الكر وتقوى الاعلى بالأسفل إذ لو لم يكن ذلك لما كان الحكم صحيحا على إطلاقه بل فيه تفصيل لا يخفى لكنه صرح في بعض
كتبه بعدم تقوى الاعلى بالأسفل كما نقلنا سابقا عن التذكرة فكلامه هذا أما رجوع عما في التذكرة أو إجمال في الكلام إحالة على أنه يعلم تفصيله بالتأمل
في مقتضى الأصول التي تقرر عنده أو أنه يرى في الجاري خصوصيته لا يرى في غيره بناء على أن الغالب فيه عدم الاستواء فلو اعتبرت المساواة وعدم تقوى
الاعلى بالأسفل للزم الحكم بتنجس الأنهار العظيمة بملاقاة النجاسة أوايلها التي لا يبلغ مقدار الكر ولو بضم ما فوقها وذلك معلوم الانتفاء (وطهره
بتدافعه حتى يزول التغير) الظاهر أنه لا خلاف فيه بين الأصحاب ويريده الرواية التي سنذكرها إنشاء الله تعالى في بحث الحمام من أن ماء النهر يطهر بعضه بعضا والعلامة
(ره) مع القول باشتراط الكرية أطلق هذا الحكم واستشكل عليه أنه إذا استوعب التغير جميع الماء أو بقدر ما يكون الباقي منه أقل من كر يلزم أن لا يطهر ذلك
الماء إلا بمطهر من خارج وإن كان عينا عظيما جدا وهو منتف البتة لان ما يخرج من المنبع ليس بكر فيتحسن بالملاقاة وهكذا إلا أن يكتفي بخروج الكر دفعة
عرفية ومع هذا أيضا لا يرتفع الاشكال إذ يلزم أن لا يطهر العين الذي في كمال القوة والغلبة إذ لم يخرج بقدر الكر دفعة عرفية وهذا أيضا معلوم الانتفاء وقد
أشرنا إليه أيضا سابقا وقد يجعل هذا من الشواهد على بطلان اشتراط الكريه لاستلزامه هذه المفسدة وللعلامة أن يلتزمها ويدعي عدم فسادها لكنه بعيد
جدا أو يحكم بخروج هذا الفرد من الكلية واعلم إن اشتراط التدافع حتى يزول التغير إنما هو على رأي من يعتبر الممازجة كالمصنف وأما من يكتفي بالاتصال فالظاهر على رأيه
كفاية زوال التغير وإن لم يحصل التدافع وقد نسب إلى بعض القائلين بالاتصال عدم كفايته ها هنا نظرا إلى أن الاتصال الذي يكتفي به في التطهير هو الحاصل بطريق
العلو أو المساواة وليس بمتحقق ها هنا لان المادة باعتبار خروجها من الأرض لا يكون إلا أسفل منه ولا يخفى أنه على تقدير تمامه إنما يتم في بعض الصور إذ ليس
في جميعها كذلك والأولى اعتبار التدافع والتمازج وعدم الاكتفاء بالاتصال وقد ظهر وجهه فيما سبق (ولا يشترط فيه الكرية على الأصح) قد تقدم القول فيه
(نعم يشترط دوام النبع) قد تبع الشيخ جمال الدين ابن فهد أيضا في الموجز المصنف في هذا الشرط واشتبه الامر في أن المراد منه ماذا فقال بعضهم إن المراد بالدوام عدم
الانقطاع في أثناء الزمان ككثير من المياه التي يخرج زمن الشتاء وينقطع بالصيف وهذا غريب جدا إذ لا دليل عليه من الاخبار ولا يصاعده الاعتبار ولأنه
إن أريد به ما يعم الزمان كله فلا ريب في بطلانه إذ لا سبيل إلى العلم به وإن خصص ببعضها فمحض تحكم وقد قال المحقق الشيخ (ره) في بعض فوائده إن أكثر المتأخرين
عن الشهيد (ره) لا تحصيل لهم فهموا هذا المعنى من كلامه وهو منزه عن أن يذهب إلى مثله فإنه تقييد لاطلاق النص بمجرد الاستحسان وهو أفحش أغلاط الفقهاء
وبالغ في توجيه فساده حتى قال أنه ليس محط نظر فقيه فيحتاج إلى الكلام عليه والاعتناء به وإنما قصد بذلك الإشارة إلى خطائه ليتجنبه ذو البصائر ثم أنه (ره)
حمله على معنى آخر وهو أن المراد بدوام النبع استمرار محال الملاقاة بالنجاسة وهذا المعنى وإن كان خلاف الظاهر من اللفظ في الجملة لكنه صواب إذ عند عدم استمراره
حال ملاقاة النجاسة يكون بمنزلة الماء القليل وإن كان في بعض الصور للتأمل مجال وهو ما إذا كان نبعه من الأرض بطريق الترشح ويكون انقطاعه آنا
فآنا بحيث لا يتراخى زمان معتد به بين القطع والنبع إذ حينئذ الجزم بدخوله تحت القليل وبشمول أدلة نجاسته بالملاقاة له مشكل لما عرفت أن تعميم هذه
206

الأدلة بحسب عدم القول بالفرق وهو فيما نحن فيه غير معلوم وإن كان الأولى رعاية عدم الانقطاع حال الملاقاة ولا يخفى أيضا أن هذا الشرط مما لا يحتاج
إليه لان اشتراط الجريان مغن عنه لأنهما على هذا يتحدان في آمال إلا أن يقال إن مثل هذا الماء الذي فرضنا إنما يطلق أيضا عليه في العرف الجاري وإن كان حال
انقطاعه فالتصريح بهذا الشرط لئلا يتوهم شمول الحكم له في جميع الأوقات ثم إن في مثل هذا الماء الذي فرضنا لو علم انقطاعه حال فالحال كما
عرفت وإن علم الاستمرار فلا يصير نجسا للدلايل التي ذكرناها وإن شك في الانقطاع والاستمرار فيكون حكمه كما إذا شك في الكرية والظاهر فيه كما أشرنا إليه
في بحث تحديد الكر الطهارة بناء على الأصل ثم إن صاحب المعالم (ره) بعد نقله ما نقلنا عن المحقق الثاني (ره) في توجيه كلام المصنف قال وهو حسن وتقريبه أن عدم
الانفعال بالملاقاة في قليل الجاري معلق بوجود المادة كما علمت فلا بد في الحكم بعدم الانفعال فيه من العلم بوجودها حال ملاقاة النجاسة وربما
يتخلف ذلك في بعض أفراد النابع كالقليل الذي يخرج بطريق الترشح فإن العلم بوجود المادة فيه عند ملاقاة النجاسة مشكل لأنه يترشح آنا فآنا فليس له
فيما بين الزمانين مادة وهذا يقتضي الشك في وجودها عند الملاقاة فلا يعلم حصول الشرط واللازم من ذلك الحكم بالانفعال بها عملا بعموم ما دل
على انفعال القليل لسلامته حينئذ من معارضة المادة ولا يخفى أن اشتراط استمرار النبع يخرج مثل هذا ولولاه لكان داخلا في عموم النابع لصدق اسمه عليه
وهذا التقريب وإن اقتضى تصحيح الاشتراط المذكور في الجملة إلا أنه ليس بحاسم لمادة الاشكال من حيث إن ما هذا شأنه في عدم العلم بوجود المادة له
عند الملاقاة ربما حصل له في بعض الأوقات قوة بحيث يظهر فيه أثر وجود المادة واللازم حينئذ عدم انفعاله مع أن ظاهر الشرط يقتضي نجاسته ويمكن أن يقال
إن الشرط ينزل على الغالب من عدم العلم بوجود المادة في مثله وقت الملاقاة ويكون حكم ذلك الفرد النادر محالا على الاعتبار وهو شاهد بمساواته
للمستمر انتهى ولا يذهب عليك إن الظاهر منه أنه حمل كلام المحقق المذكور على أنه يجب أن يكون الجاري ما دام موجودا بحيث يعلم في كل أن مما تلاقيه نجاسة
إن له مادة أي أنه نابع في هذا الان غير منقطع بناء على أنه يشترط وجود المادة في عدم الانفعال وما لم يعلم حصول الشرط يحكم بالانفعال وفيه نظر من
وجوه الأول أن حمل كلام المحقق عليه بعيد جدا إذ ليس في اللفظ ما يدل عليه بل ظاهره ما ذكرنا من أن الشرط الاستمرار حال الملاقاة والحكم بوجود
الشرط وعدمه والشك فيهما مسألة أخرى لا دخل لها بهذا المقام الثاني إن ما ذكره من أن عدم الانفعال معلق بوجود المادة فلا بد في عدم الانفعال
من العلم بوجودها غير ظاهر كما أشرنا إليه في بحث تحديد الكر وأيضا تعليقه على وجود المادة لا دليل عليه إذ العمدة في عدم الانفعال ما ذكرنا لا رواية
البئر المتضمنة للمادة لما عرفت من ورود الايراد عليه الثالث أن تعليل عدم العلم بوجود المادة لهذا الماء بأنه يترشح آنا فآنا فليس له بين الأنين
مادة مما لا حاجة إليه إذ لا يعلم وجود المادة لمثل هذا الماء بمعنى وجود كر من الماء يجئ هو منه أصلا وإن كان في آن الترشح أيضا وهو ظاهر لكن هذا ليس إيرادا
عليه في الحقيقة إذ إمكان التعليل بوجه آخر لا يقدح في صحة تعليله واختيار هذا الوجه كأنه لظهوره الرابع أن بعد أخذ العلم لا حاجة إلى أن يقال أنه لا بد أن
يعلم في كل آن من آنات وجود الماء أنه نابع غير منقطع حتى يرد اعتراضه الذي أورده ويحتاج إلى أن يتكلف في جوابه بما تكلف بل يكفي أن يقال أنه يشترط العلم
بوجود المادة حين الملاقاة وعلى هذا الاعتراض كما لا يخفى (ولو كان الجاري لا عن مادة ولاقته النجاسة لم ينجس ما فوقها مطلقا ولا ما تحتها إن كان
جميعه كرا فصاعدا إلا مع التغير) هذا هو العبارة التي ذكرنا إن الشهيد الثاني (ره) أخذ التناقض باعتباره وقد مر الكلام فيه وكذا الحال في الجاري القليل
أيضا عند العلامة وهو (ره) صرح في بعض كتبه بعدم نجاسة ما فوقه مطلقا ولم يتعرض لبيان حكم ما تحته ولعله أحاله على الاعتبار ثم إن الحكم بعدم نجاسة
ما فوقه مطلقا إنما هو على انحدار الماء كما يشهد به لفظة ما فوق وأما على التساوي فإنما لم ينجس مع كريته وحده أو مع ما تحت النجاسة إن كان الجميع كرا
مستويا مع اشتراط المساواة أو منحدرا أيضا على عدم اعتبارها وعدم القول بعدم تقوى الاعلى بالأسفل أما مطلقا أو مع الجريان (ومنه ماء الحمام) الداير في
السنة الأصحاب إن ماء الحمام حكمه حكم الجاري إذا كان له مادة واختلفوا في اشتراط الكرية في المادة فالأكثر على الاشتراط والمحقق (ره) في المعتبر قال بعدمه
فالكلام ها هنا في أمور الأول في المراد من ماء الحمام والثاني في معنى كون حكمه حكم الماء الجاري والثالث
في تحقيق اشتراط الكرية في مادته أما الأول فالمراد
بماء الحمام المبحوث عنه في هذا الموضع ما في حياضه الصغار التي لم يبلغ حد الكر لان ما بلغ حد الكر أمره ظاهر وأما الثاني فالمراد بتشبيهه بالجاري عدم نجاسته بالملاقاة عند
اتصاله بالمادة وطهره بعد التنجس بإجراء المادة عليه أما مع الاستيلاء أو بدونه على الاحتمالين والدليل على الأمر الأول منضما إلى الاجماع كما هو الظاهر
ما رواه التهذيب في زيادات باب دخول الحمام في الصحيح عن داود بن سرحان قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما تقول في ماء الحمام قال هو بمنزلة الجاري ولا يخفى أن
الاستدلال بهذا الخبر إنما يتم بعد ما علم إن ماء الحمام في زمانهم (عليه السلام) كيف كان قليلا أم كثيرا إذ الظاهر أن السؤال من ماء الحمام المعهود عندهم سيما
إن أصل الإضافة للعهد وما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الحمام يغتسل فيه الجنب وغيره اغتسل من مائه
207

قال نعم لا بأس أن يغتسل منه الجنب ولقد اغتسلت فيه ثم جئت فغسلت رجلي وما غسلتهما إلا مما لزق بهما من التراب وفيه أيضا عدم الظهور في الحوض
الصغير وعدم الظهور أيضا في وصول النجاسة وما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن محمد بن مسلم قال رأيت أبا جعفر (عليه السلام) جائيا من الحمام وبينه و
بين داره قذر فقال لولا ما بيني وبين داري ما غسلت رجلي ولا تجتنب ماء الحمام وفيه أيضا مثل ما سبق وما رواه أيضا في هذا الباب والكافي في باب
ماء الحمام عن بكر بن حبيب عن أبي جعفر (عليه السلام) قال ماء الحمام لا بأس به إذا كانت له مادة وهذه الرواية وإن كانت غير صحيحة لجهالة بكر لكن تلقي الأصحاب لها
بالقبول يجبر ضعفها ويمكن ادعاء ظهورها في الحياض الصغار إذ لو كان حوضا كبيرا لما كان محتاجا إلى المادة وإن كان للمنع مجال وما رواه الكافي في الباب
المذكور عن حنان قال سمعت رجلا يقول لأبي عبد الله (عليه السلام) أني أدخل الحمام في السحر وفيه الجنب وغير ذلك فأقوم فاغتسل فيتضح على بعد ما أفرغ من مائهم
قال أليس هو جار قلت بلى قال لا بأس وفيه بعد القدح في السند عدم ظهور المراد منه كما لا يخفى وهذه الرواية في التهذيب أيضا في الباب المذكور لكن ليس في
سندها حنان والظاهر أنه سقط سهوا وما رواه التهذيب في الباب المذكور عن أبي الحسن الهاشمي قال سئل عن الرجال يقومون على الحوض في الحمام لا أعرف اليهودي
من النصراني ولا الجنب من غير الجنب قال يغتسل منه ولا يغتسل من ماء آخر فإنه طهور وعن الرجل يدخل الحمام وهو جنب فيمس الماء من غير أن يغسلهما قال
لا بأس وفيه أيضا بعد القدح في السند عدم الظهور في الحوض الصغير ولا وصول النجاسة إليه والدليل على الأمر الثاني مضافا إلى الاجماع أيضا على تقدير
كون المادة كرا إذ المحقق (ره) مع قوله بعدم اشتراط الكرية يقول بأن المادة إذا لم تكن كرا لا يطهر الحوض الصغير بعد نجاسته بجريانها إليه بل إنما يشترط
في طهر الصغير بجريانها إليه كريتها ما رواه الكافي في الباب المذكور عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت أخبرني عن ماء الحمام يغتسل منه الجنب والصبي واليهودي
والنصراني والمجوسي فقال إن ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا وفي سنده ضعف ولا يذهب عليك أن هذه الروايات كما عرفت يشكل الاستدلال
بها على حكم فالمعول في عدم نجاسة الحوض الصغير بملاقاة النجاسة حال كونه متصلا بالمادة الاجماع كما هو الظاهر وكذا في تطهيره بعد النجاسة بجريان
المادة إليه إذا كانت كرا أما مع الاستيلاء أو عدمه على الاحتمالين كما سنذكره وكذا لو كان الحوض كرا ونجس بالتغير مثلا ولو قطع النظر عن الاجماع وبنى
على المقدمات المتقدمة في الأبواب السابقة في بحث الماء نقول لا يخلو أما أن يكون مادته كرا أم لا فإن كانت كر وكان متصلا بالحوض الصغير فعلى ما حققنا سابقا
من عدم طهور اشتراط تساو السطوح في الكر لا خفاء في عدم نجاسته بالملاقاة وأما تطهيره بعد النجاسة فأمره مشكل لما عرفت سابقا من عدم نص في تطهير
الماء سوى ما في البئر وهذه الرواية التي ذكرنا أخيرا أو قد عرفت ضعفها مع أن فيها نوع إجمال فأما أن يتمسك في تطهيره إن كان نجاسته من الملاقاة بأن العمدة في نجاسة القليل مطلقا إنما هي الشهرة بين الأصحاب والشهرة بين الأصحاب والشهرة إنما هي
فيما عدا ذلك الوقت وإن كانت نجاسته بالتغير بما ذكرنا سابقا من حصول الشك في التكليف وإن الظاهر من النواهي الواردة في الاجتناب عنه إنما هو الاجتناب حال التغير وبالجملة
هذه الأمور مع الاجماع ظاهرا مما يورث الظن القوى بطهارته بإجراء المادة ثم إن مجرد الاجراء كاف أو لا بد من الاستيلاء عليه وممازجته معه صرح
العلامة في المنتهى والتذكرة والنهاية بأنه لا بد من الاستيلاء والغلبة واستدل بأن الصادق (عليه السلام) حكم بأنه بمنزلة الماء الجاري والجاري إذا نجس لم يطهر إلا
بالاستيلاء واختار الشهيد الثاني (ره) أنه يكفي الاجراء فقط ونسب القول به إلى العلامة أيضا في بعض المواضع حيث اكتفى في مسألة الوصل بين الغديرين
في طهارة النجس منهما باتصاله بالطاهر منهما كما صرح به في النهاية ويظهر منه الميل إليه في المنتهى ونسب هذا القول إلى المحقق الشيخ (ره) أيضا واستدل الشهيد
الثاني (ره) بما نقلنا سابقا في بحث تطهير القليل من أدلة عدم اعتبار الممازجة وقد عرفت عدم تماميتها والأولى رعاة الامتزاج لتحقق الاجماع فيه
ظاهرا دون الأول وعدم دليل عليه مع أن الأصل بقاء النجاسة على ما كان وإن كان يتطرق إليه المناقشات كما مر غير مرة ثم اعلم إن ما نقلنا عن العلامة
(ره) كما فهمه الشهيد الثاني وتبعه بعض آخر يترائى منه تناقض وتهافت لأنه صرح في النهاية بعدم كفاية جريان المادة إلى الحوض الصغير وصرح في الغديرين
بالكافية ولا معنى لكون حكم الحمام أغلظ من غيره وهو ظاهر وكذا ما في المنتهى وهل هذا إلا تناقض وألحق إن مراده (ره) ليس كما فهموه ونسبوا إليه بل مراده من
الغديرين اللذين يكتفي فيهما بالاتصال ما إذا كانا متساويين ومادة الحمام أعلى في الغالب نعم يمكن الايراد عليه بأن الوجه الذي ذكره في كفاية
الاتصال من أن مداخلة الجميع محال فالمعتبر اذن الاتصال كما نقلنا يجري ها هنا أيضا فلم لم يكتف ها هنا بالاتصال وقد أخذ عليه (ره) أيضا أنه شرط
في مادة الحمام الكرية وصرح بتقوى الأسفل بالأعلى في الذكرة كما نقلنا عنه سابقا مع أنه استشكل في التذكرة وغيرها في انسحاب حكم الحمام إلى غيره وهو
أيضا مندفع عنه لأنه يمكن أن يكون كلامه في التذكرة في الغديرين الأسفل والأعلى وتقوى الأول بالثاني مختصا بالغديرين اللذين يكون الاختلاف بينهما بطريق
الانحدار لا بالتسنم من ميزاب ونحوه كما هو متعارف الحمام وحينئذ لا مؤاخذة وأيضا يجوز أن يكون مراده بانسحاب حكم الحمام إلى غيره ليس مجرد عدم انفعال السافل
بتقوية بالأعلى بل تطهره بالأعلى أما بالاستيلاء أو بمجرد الجريان ولا يخفى إن هذا محل الاشكال وإن حكم
بتقوى الأسفل بالأعلى في عدم الانفعال
208

وهو ظاهر والوجه الذي ذكره في التطهير بإلقاء الكر من أنه لا ينجس ويستهلك النجس وإن كان جاريا فيه لكن الظاهر أنه لم يعتمد في الحكم بهذا الوجه لضعفه كما أشرنا إليه
في بحثه وإنما اعتمد على الاجماع وهذا الوجه قد ذكره للتأييد نعم يرد عليه حينئذ مناقشة وهي أنه في التذكرة استشكل في الانسحاب وحكم في الحمام بعدم تطهره
بمجرد الجريان ثم بعد ذلك قرب طهارة الغدير الأسفل بممازجته بالغدير الاعلى مع أن هذا الحكم الأخير مستلزم لانسحاب حكم الحمام إلى غيره فلا معنى للاشكال
السابق والامر فيه سهل لأنه متعارف أن يستشكل في شئ أولا ثم يرجح أحد طرفيه على أنه يمكن أن لا يكون مراده بممازجة الغدير جريان الماء من الأعلى إلى الأسفل
حتى يحصل الامتزاج بل امتزاجهما معا حال الاستوى بناء على اعتبار الاتحاد وزعم أنه لا يحصل بدون المساواة كما ذكرنا سابقا أو على أن الماء الذي يجري
من العالي إلى السافل لما كان بدخوله في السافل وامتزاجه به ينقطع اتصاله بالأعلى يقينا أو ظنا أو لم يبق أحدهما بعدم الانقطاع مع أنه لا بد منه فيصير نجسا
فلا يفيد فإن قلت على هذا يلزم أن لا يحكم في التطهر في الحمام بل في إلقاء الكر وكذا تموج ما زاد على الكر لجريان الوجه فيها قلت هذه إنما خرجت بالاجماع فيبقى الباقي
على الأصل وقد أخذ عليه أيضا أنه قال في التذكرة وفي طهارة الكثير لو وقع في أحد جوانبه كر علم عدم شياعه فيه نظر ثم قال بعد أسطر قليلة إن الحوض الصغير في
الحمام لا يطهر بمجرد وصول المادة ثم بعد ذلك حكم بأن بالغديرين الموصول بينهما بساقية لا يطهر النجس منهما بالاتصال ولا يخفى إن بعد الجزم بالحكمين الأخيرين لا وجه
للنظر السابق وهو أيضا مندفع لان النظر السابق إنما هو في الكرين المتساويين فجزمه في الحمام لا ينافيه وأما حكمه في الغديرين
فيمكن أن يقال أنه مختص بالغديرين الغير المتساويين لأنه ذكر المتساويين أولا ثم المختلفين ثم حكم بهذا الحكم فلا يبعد أن يكون هذا الحكم مختصا بالأخير مع أنك
قد عرفت إن الاستشكال أولا ثم ترجيح أحد الطرفين ليس ببعيد هذا وبما ذكرنا ظهر أن إجراء حكم الحمام في غيره بالنظر إلى عدم انفعال الصغير ظاهر وأما بالنظر
إلى التطهير ففيه إشكال والاحتياط أن يراعى ورود كر من الأعلى إلى الأسفل بشرط امتيازه منه ثم الامتزاج بينهما والمصنف (ره) في الذكرى بنى الانسحاب على
اشتراط الكرية في المادة فإن شرط الكرية كان الحكم منسحبا وإلا فلا ثم على تقدير عدم الانسحاب هل يختص الحكم بالحياض التي في البيت الحار من الحمام أو
الحياض التي في المسلخ أيضا فذلك لا يخلو من إشكال إذ لم نعلم إن في زمانهم (عليه السلام) كان هذه الحياض أم لا بل الظاهر عدمها وإجماع الفقهاء أيضا غير معلوم
فيها والقياس على الأول للضرورة والحرج مشكل مع أن لا ضرورة فيها بمنزلة الضرورة الأول ومقتضى الاحتياط الاحتراز مهما أمكن والله تعالى أعلم وأما
الثالث فالظاهر اشتراط الكرية في المادة كما هو المشهور إذ مع عدم الكرية يدخل تحت القليل فينفعل إذ لا نص يخرجه كما ستعرف في جواب دليل الخصم احتج المحقق (ره)
بخبر بكر بن حبيب المتقدم من حيث إطلاق المادة وفيه أنه ضعيف السند ولو جبر ضعفه بالشهرة فنقول لعل المتعارف في عهدهم (عليهم السلام) كون مادة الحمام كرا
كما هو في زماننا وحينئذ الظاهر حمل الكلام على المتعارف وقد يدعى أيضا إشعار لفظة المادة بالكثرة فإن قلت قد مر مرارا إن عموم أدلة انفعال القليل غير مسلم فلم
تحكم ها هنا بالعموم وتطلب المخصص قلت قد عرفت إن الشهرة بين الأصحاب مرجح قوي وفيما نحن فيه الشهرة حاصلة إذ لم نعرف هذا الخلاف من أحد سوى المحقق (ره)
ويمكن الاحتجاج أيضا بإطلاق خبر داود بن سرحان وغيره أيضا مما تقدم والجواب أيضا مثل ما سبق واعلم إن العلامة (ره) وغيره أطلقوا القول بكرية المادة
مع أنهم أطلقوا القول بأن الغديرين إذا وصل بينهما بساقية وكان مجموعهما مع الساقية كرا لم ينفعلا بملاقاة النجاسة وهذا يقتضي أن يكون حكم الحمام
أغلظ وهو باطل وقد أجيب عنه بأن إطلاق القول بكرية المادة في الحمام مختص بما إذا لم يكونا متساويين بناء على الغالب فأما مع التساوي فيكفي بلوغ المجموع
كرا وإطلاق القول في الغديرين مقيد بالمتساويين ويرد حينئذ إن العلامة صرح في الغديرين المختلفين أيضا بتقوى الأسفل بالأعلى ودفع تخصيص مسألة
الغديرين بالاختلاف بطريق الانحدار بخلاف الحمام وقد أجاب أيضا بعض بأن اشتراط الكرية بناء على أنه يؤخذ كثيرا من ماء الحمام فلو لم تكن المادة وحدها كرا
لنقص بالأخذ وانفعل وإلا فالاجماع حاصل على أنه يكفي بلوغ المجموع كرا وإن اختلفت سطوحهما وليس بشئ ويفهم من كلام بعض إنه لا بد في الحمام من كون
المادة وحدها كرا وإن استوت السطوح وهذا أيضا ليس بشئ وكم بين القولين من التباعد ولا يذهب عليك أنه يمكن دفع المنافاة بما ذكرنا سابقا من أن اشتراط
الكرية في المادة وحدها لتطهير الحوض الصغير لا لمجرد عدم انفعاله ثم إن ها هنا أمورا لا بد من التنبيه عليها الأول أنه لو لم يكتف في تطهير الحوض الصغير
بمجرد اتصال المادة إليه بل يشترط الاستيلاء والغلبة فهل يجب أن يكون المادة زايدة على الكر بقدر ما يحصل به الممازجة أم لا فإن قلنا بأن التساوي في
سطوح الكر ليس بمعتبر فحينئذ لو كان المادة كرا فقط فبجريانها إلى الحوض الصغير لا ينجس مائها فلو حل الامتزاج لكفى في التطهير كما ذكرنا في التفصيل المتقدم في بحث
طهارة القليل عن بعض الأصحاب لكن قد عرفت أيضا ورود الاشكال عليه من أن العلم باتصال الاجزاء وعدم انقطاعها حينئذ متعذر أو متعسر وعلى تقدير
العلم أيضا الاكتفاء بورود بعض الكر مما يحصل به الامتزاج مشكل بل لا بد من ورود تمام الكر إلا أن يخص الحمام من الحكم لكن لا دليل عليه إذ الاجماع
الذي يسلم في مادة الحمام فيما إذا كان مادته زايدة على الكر ويجري إلى الحوض الصغير ويمازجه ويستولي عليه وأما في غير هذه الصورة فلا وإن قلنا باعتبار
209

المساواة فلا بد من الزيادة على الكر البتة بقدر ما يصحل به الممازجة فإن قلت على تقدير اعتبار المساواة يلزم أن لا يكون الزيادة أيضا نافعة إذ كل ما يصل
إلى القليل ينجس بالملاقاة لعدم الاستواء فلا يفيد التطهير قلت قد مر سابقا إن الماء الذي يتصل بمادة كثيرة لا يصير نجسا بالملاقاة كما ذكرنا عن صاحب المعالم
لكن فيه ما مر وأن يقال إن الاجماع منعقد على التطهير في هذه الصورة فلا مجال للاستشكال واعلم إن المحقق الشيخ علي (ره) قال في هذا الموضع وينبغي التنبيه
بشئ وهو إن المادة لا بد أن يكون أزيد من الكر إذ لو كانت كرا فقط لكان ورود شئ منها على ماء الحمام موجبا لخروجها عن الكرية فيقبل الانفعال حينئذ انتهى واعترض
عليه بأن نجاسة أوله باتصاله بالنجس فاسد لان ذلك ليس أولى من طهارة النجس باتصاله به وبأن ذلك آت في صورة الزيادة أيضا وفيه نظر
إذ على تقدير اعتبار التساوي في الكر كما هو رأي ذلك المحقق كل ما يصل إلى النجس ينجس ولا يفيد التطهير لخروجه عن الكرية إلا أن يقال إن
ذلك المحقق قد صرح بتقوى الأسفل بالأعلى فحينئذ يلزم عليه أن لا ينجس الماء المنحدر إلى الحوض ولما كان هو قايلا بأن الاتصال كاف في التطهر ولا حاجة
إلى المزج فيجب أن يحكم بطهر الحوض بالاتصال لا بنجاسة الماء المنحدر لكن لم نقف في كلامه (ره) بهذا التصريح وإن نسب إليه بعض نعم رأينا في كلامه تقوى
الأسفل بالأعلى الكثير وهو خارج عما نحن فيه وقد ذهب بعض إلى الفرق بينهما كما عرفت على أنه يمكن أن يكون نظره إلى ما ذكرنا من أنه يحصل الانقطاع
بين أجزاء الكر لشيوعه في الماء النجس فينجس وأما نقضه بصورة الزيادة فقد مر دفعه نعم يرد عليه ما أورد سابقا على العلامة من أن ما تمسكوا به في عدم
العبرة بالمزج في تطهير الماء القليل من عدم تحصيل معناه جار ها هنا أيضا فما وجه الفرق الثاني إن المادة لو كانت مساوية للحوض فحينئذ الظاهر عدم الاحتياج
إلى الزيادة بناء على كفاية مزج بعض الكر مع النجس لكن فيه الاشكال الذي ذكرنا إذ تحقق الاجماع في هذه الصورة غير معلوم الثالثة لو كانت أسفل فهل
يكفي في عدم الانفعال والتطهير وعلى تقدير الكفاية فهل يشترط بشئ أم لا أما عدم الانفعال فإن كان مساواة السطوح غير معتبر في الكر كما هو الظاهر و
قلنا بتقوى الاعلى بالأسفل فلا إشكال في عدم الانفعال حين اتصال المادة به بفوارة وشبهه ولا حاجة إلى كون المادة وحدها كرا بل لو كان المجموع
بقدر كر لكفى وأما إذا اعتبر المساواة أو لم يعتبر لكن لم يقل بتقوى الاعلى فلا يكفي بلوغ المجموع كرا وهو ظاهر وأما كفاية كون المادة وحدها كرا فالظاهر من
كلامهم ذلك نعم قد صرح بعضهم كالمصنف في الذكرى والمحقق الشيخ علي (ره) باشتراط القوة والقهر وهل يشترط حينئذ زيادتها على الكر بقدر ما يفور منه في الحوض
الظاهر ذلك إذ لو لم يكن زايد النجس إذ قد خرج عن الكرية ولا مادة تقوية وأما التطهير فإن لم يعتبر المساواة واعتبر تقوى الاعلى
أيضا بالأسفل ويكتفي في التطهير بالاتصال مطلقا فإنما يطهر بمجرد فورانه إليه وإن لم يقهره وكذا إن لم يكن زايدا على الكر وإن لم يعتبر المساواة و
يحكم بتقوى الاعلى لكن لم يكتف بالاتصال فحينئذ لابد من فورانه إليه بقدر ما يحصل به الممازجة ولا يحتاج إلى الزيادة لكن فيه الاشكال السابق وإن لم يعتبر
المساواة لكن لم يحكم بتقوى الاعلى فحينئذ الظاهر من كلام بعضهم أنه لا بد من الزيادة على الكر والفوران بالقوة والغلبة سواء قلنا بكفاية الاتصال أم لا وكذا إن
اعتبرنا المساواة مطلقا ويفهم من ظاهر كلام المحقق (ره) في غير الحمام الاكتفاء بالاتصال من تحت مطلقا سواء كان بالقهر أو لا كما نقلنا سابقا ففي الحمام
بطريق الأولى والحق إن القوة و الغلبة مما لا مستند له شرعا وإنما هو من باب الاستحسانات العقلية التي لا يناسب بطريقتنا لكن لما عرفت فقدان
النص في باب التطهير مع أن الأصل استصحاب النجاسة فالأولى حينئذ تتبع مقالتهم وما انعقد إجماعهم عليه أو اشتهر بينهم شهرة عظيمة ولما كان الاجماع
أو الشهرة غير متحقق فيما لا غلبة فيه فالأولى اعتبار الغلبة وقس عليه غير الحمام أيضا إذا كانت مادته أسفل وكان الفرق بينهما إن في صوره زيادة المادة
على الكر والفوران بالقوة والغلبة الحكم بالتطهير في الحمام إجماعي على الظاهر ويمكن تأييده أيضا بالروايات بخلاف الحكم في غيره هذا وفذلكة ما مر في
الحمام وغيره في التطهير إن المادة في الحمام إذا كانت مساوية أو أعلى وكانت زايدة على الكر بقدر ما يحصل به الممازجة وامتزج بالصغير النجس فإنما يطهره إجماعا
ظاهرا وإذا كانت أسفل وزايدة وتفور بقوة وغلبة وامتزج بالصغير فحينئذ أيضا الحكم بالتطهير كاد أن يكون إجماعا لعدم تصريح من الأصحاب بخلافه وإن
كان يمكن أن يكون حكمهم بالتطهير مطلقا بناء على الغالب من عدم تحتية المادة وبالجملة تصريح جمع من الأصحاب به وعدم ظهور خلاف من غيرهم مع ظاهر الروايات
المتقدمة وتوجه المناقشات على استصحاب النجاسة لعله كاف في الحكم بالتطهير والله أعلم وأما في غير هذه الصور فلا إجماع ظاهرا ولا دليل آخر فالأولى الحكم
باستصحاب النجاسة رعاية للاحتياط وإن كان إثباته لا يخلو من إشكال لما عرفت من مجال المناقشات وأما غير الحمام فلا إجماع ظاهرا في تطهيره بالمادة في صورة
من الصور فالأولى أيضا رعاية استصحاب النجاسة مطلقا وحصر تطهيره فيما ذكر سابقا في بحث تطهير القليل وفي المطر كما سيجئ الرابع هل يشترط العلم بعدم
نجاسة المادة أو يكفي عدم العلم بنجاستها صرح العلامة في المنتهى بالثاني معللا بالعموم والتعذر والحرج وهو جيد الخامس لو شك في كرية المادة فالظاهر
من كلامهم أنه يبنى على الأصل وهو عدم البلوغ وفيه ضعف ظاهر والظاهر البناء على طهارتها وعدم الحكم بنجاستها بملاقاة النجاسة للروايات المتقدمة
210

الدالة على أن كل ماء طاهر حتى يعلم أنه قذر ولاستصحاب الطهارة الوارد فيه النص بخصوصه كما سيجئ إنشاء الله تعالى في بحث تطهير الثياب وكذا طهارة الحوض الصغير
نعم إذا تغير الحوض الصغير فلا يمكن الحكم بتطهره بإجراء تلك المادة إليه وكذا لا يمكن تطهير شئ نجس لا فيها ولا في الحوض الصغير وكذا الحال في جميع المياه
المشكوك الكرية واعلم أنهم اكتفوا في الكرية بشهادة عدلين بها واختلف في الواحد فقد قطع المحقق الشيخ على الاكتفاء به بناء على أنه إخبار لا شهادة واستقرب
لو كان له يد على الحمام كالمالك والمستأجر والوكيل ونقل عن فخر المحققين قبول قول ذي اليد على الحمام مطلقا سواء كان عدلا أم لا وفي غير شهادة العدلين
إشكال قوي لعدم نص عليه وفيها أيضا بعض الاشكال السادس هل يعتبر في المادة تساوى سطوحها أم لا وقد نقلنا عن صاحب المعالم سابقا عدم اعتباره
وقد مر باقي دليله والظاهر أن لا عبرة به في عدم انفعال الحوض الصغير كما مر وجهه مرارا وأما في التطهير فالامر مشكل لعدم ظهور الاجماع فيه إذ يجوز أن يكون
إطلاقاتهم بناء على الغالب من مساواة سطوحها ولا دليل غيره أيضا ظاهرا والأولى رعايته آخذا باليقين والاحتياط (ولو انتزع الحمام من النابع
فبحكمه) هذا الحم مما لا خفاء فيه ويشترط فيه اتصاله بالنابع وهو ظاهر
(وماء الغيث نازلا كالنابع) المشهور بين الأصحاب إن ماء الغيث حالة تقاطره كالجاري
وقد ذكر الشيخ في التهذيب إن ماء المطر إذا جرى من الميزاب فحكمه حكم ماء الجاري لا ينجسه شئ إلا ما غير لونه أو طعمه أو رايحته ويقرب منه ما في المبسوط أيضا ولنشتغل
أولا بتحقيق ما هو المشهور ثم بيان ما ذكره الشيخ (ره) فاعلم إن كون حكمه حال التقاطر حكم الجاري إنما ينحل إلى أمور الأول عدم انفعاله بملاقاة النجاسة
الثاني تطهيره للأرض النجسة وغيرها من الظروف والثياب ما عدا الماء الثالث تطهير للماء النجس وما يمكن أن
يستدل به على الأول ما رواه التهذيب في زيادات
باب المياه والفقيه في باب المياه في الصحيح عن علي بن جعفر أنه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليه السلام) عن الرجل يمر في ماء المطر وقد صب فيه خمر فأصاب ثوبه هل يصلي فيه
قبل أن يغسله فقال لا يغسل ثوبه ولا رجله ويصلي فيه فلا بأس وفيه أن دلالته موقوفة على نجاسة الخمر وهي ممنوعة وأيضا فيه إشعار بحصول الجريان
فلا يدل على تمام المدعى وما رواه الكافي في باب اختلاط ماء المطر بالبول في الحسن عن الكاهلي عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت أمر في الطريق فيسيل علي
الميزاب في أوقات اعلم إن الناس يتوضون قال ليس به بأس لا تسئل عنه قلت فيسيل علي من ماء المطر أرى فيه التغير وأرى آثار القذر فيقطر القطرات على وينتضح على
منه والبيت يتوضأ على سطحه فكيف على ثيابنا قال ما بذا بأس لا تغسله كل شئ يراه ماء المطر فقد طهر وفيه أنه مرسل لا يصلح للتعويل وما رواه الكافي أيضا
في الباب المذكور في الصحيح عن محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) في طين المطر أنه لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيام إلا أن
يعلم أنه قد نجسه شئ بعد المطر فإن أصابه بعد ثلاثة أيام فاغسله وإن كان الطريق نظيفا لم تغسله وجه الاستدلال أنه (عليه السلام) حصر البأس في طين المطر
فيما إذا نجسه شئ بعد المطر ففيما عداه لا بأس وهو شامل لما إذا كان الأرض نجسة قبل المطر فحينئذ يستفاد منه تطهير المطر للأرض وهو مستلزم لطهارته فثبت المطلوب
وفيه أيضا القدح في السند ويمنع أيضا استلزام التطهر للطهارة وما رواه الفقيه في باب المياه قال وسئل (عليه السلام) عن طين المطر يصيب الثوب فيه البول والعذرة
والدم فقال طين المطر لا ينجس والتقريب أيضا مثل ما تقدم من إطلاق عدم نجاسة طين المطر وفيه أيضا عدم صحة السند ومنع الاستلزام مع عدم ظهور العموم
أيضا لا يقال لا حاجة إلى إثبات العموم وشموله لما إذا كانت الأرض نجسة قبل المطر لان في الخبر التصريح بوجود البول والعذرة في الطين لكن لا يمكن أخذه عاما
بحيث يشمل حال التقاطر وما بعد الانقطاع للاجماع على تنجسه بعد الانقطاع بملاقات النجاسة ويجب تخصيصه مجال النزول فظهر إن حال النزول إنما
يطهر الأرض النجسة ويمنعها عن الانفعال بالنجاسة وهو مستلزم للمطلب لأنا نقول لا تصريح في الخبر بأن الطين الذي يصيب الثوب إنما هو الذي يتصل بالبول
والعذرة فيمكن أن يكون المراد الطين الذي يقرب منهما وحينئذ لا دلالة لعدم السراية وما رواه التهذيب في زيادات باب تطهير الثياب عن أبي بصير قال سئلت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الكنيف يكون خارجا فيمطر السماء فيقطر على القطرة قال لا بأس به وفيه أيضا القدح في السند وأورد أيضا على الأربعة الأخير أنها
إنما تدل على عدم نجاسته بوروده على النجاسة لا على العكس أيضا كما هو المدعى واحتج أيضا بأن الاحتراز عن ماء الغيث يشق فلو لا التخفيف لزم الحرج و
ضعفه ظاهر واعلم إن هذه الأدلة وإن كان يتطرق إليها الأبحاث كما عرفت لكن لما مر مرارا أن عموم انفعال القليل لا دليل عليه سوى عدم القول بالفصل في
بعض الموارد والقول بالفصل ها هنا موجود فالظاهر البناء على أصل الطهارة سيما مع الشهرة بين الأصحاب والتأييد بالروايات فإن قلت ما ذكرته معارض
بما رواه التهذيب والفقيه في البابين المذكورين في الصحيح عن علي بن جعفر أنه سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن البيت يبال على ظهره ويغتسل فيه من الجنابة ثم
يصيبه المطر أيؤخذ من مائه فيتوضأ به للصلاة فقال إذا جرى فلا بأس به وفي التهذيب موضع المطر والماء وجه المعارضة أنه علق نفي البأس بالجريان فعند عدم
الجريان يوجد البأس وهو شامل لحال التقاطر الذي ادعيتم وكذا بما رواه الفقيه في الباب المذكور في الصحيح عن هشام بن سالم أنه سئل أبا عبد الله (عليه السلام)
عن السطح يبال عليه فيصيب الثوب فقال لا بأس به ما أصابه من الماء أكثر منه وجه المعارضة على قياس ما سبق أنه (صلى الله عليه وآله) علق نفي البأس بإصابة
211

الماء أكثر من البول وهو أخص مما ادعيتم قلت أما الأول ففيه أنه دلالة بالمفهوم وهو إنما يعتبر فيما لا فايدة فيه سوى الاشتراط وها هنا ليس كذلك إذ
يجوز أن يقال لما كان السؤال متضمنا للجريان فأجاب (عليه السلام) على وفق سؤاله تحقيقا وتثبيتا لنفي البأس في هذه الحال وأيضا أنه لا يدل على نجاسة ماء المطر بالملاقاة
إذا لم يكن جاريا لجواز أن يكون البأس حين عدم الجريان بناء على عدم تطهيره للأرض بدون الجريان ولما لم يطهر الأرض والغالب اختلاط أجزائها بماء المطر
فلذلك يتحقق البأس فلم يظهر دلالته على الانفعال بالملاقاة نعم على عدم تطهيره للأرض النجسة وأيضا البأس أعم من الحرمة والكراهة في العرف فيجوز أن يكون التوضي به
قبل الجريان مكروها وذلك لا يدل على نجاسته وأجاب المحقق في المعتبر بوجه آخر وهو أنه لا يدل على الاشتراط لأنه لو لم يكن طاهرا لما طهره الجريان وضعفه ظاهر
وحمل العلامة الجريان على النزول من المساء وفيه بعد إذ بعد السؤال عن إصابة المطر لا وجه للتقييد بالنزول من السماء إلا أن يكون المراد بالنزول
من السماء عدم انقطاعه وأما الثاني ففيه أيضا مثل ما سبق ويؤيد حمل البأس على الكراهة الاختلاف الواقع بين الخبرين في الشرط كما لا يخفى ويمكن أن يقال
أن قوله (عليه السلام) ما أصابه إلخ ليس تقييدا بل تقليلا بمعنى أن ما أصابه أقوى وأعظم منه فيطهره لكن فيه بعد من حيث جعل الأكثر بهذا المعنى هذا و
اعلم إن مرسلة الكاهلي المتقدمة مما يمكن أن يستدل به على نجاسة القليل بالملاقاة كما أشرنا في بحثه إلى أنه سيجئ ما يدل على نجاسته في بحث ماء المطر وجه
الاستدلال أن قوله (عليه السلام) كل شئ يراه إلخ تعليل لنفي البأس وهو ظاهر فلو لم ينفعل القليل بالنجاسة لما كان نفي البأس معللا به وفيه مثل ما سبق من أنه لما
كان الغالب اختلاط إجزاء الأرض بماء المطر فحينئذ لا بد من التعليل به في نفي البأس كما لا يخفى من أنه يمكن المناقشة في كونه تعليلا بل يجوز أن يكون حكما آخر برأسه
وفيه بعد ويمكن أيضا جعل البأس أعم وكذا صحيحتا علي وهشام ووجه الاستدلال ظاهر ودفعه أيضا بمثل ما ذكر وما يمكن أن يستدل به على الثاني المراسيل الثلاث
المتقدمة ودلالة الأولى منها على التعميم ظاهر وأما الأخريين فإنما تدلان على تطهير الأرض وإجراء الحكم في غيرها سوى الماء باعتبار عدم القول بالفصل ويمكن الاستدلال
أيضا بصحيحة علي الأولى المتضمنة للخمر باعتبار أن صب الخمر في ماء المطر يستلزم تنجيس الأرض أيضا لولا منع المطر إياه فعند المرور فيه يلزم نجاسة الرجل بل عند إصابة الثوب أيضا لان الغالب اختلاط ماء المطر بالاجزاء الأرضية عند
التقاطر كما يعرض عليه الروايات ويرد على المراسيل أنها غير صالحة للتعويل وعلى الصحيحة أن دلالتها موقوفة على نجاسة الخمر مع أن صحيحتي هشام وعلي تدلان بمفهومهما
على خلاف المدعى ولا يذهب عليك أنه بناء على أن الأصل استصحاب النجاسة حتى يثبت المزيل لا يمكن
التمسك بمثل الروايات المتقدمة على طهارة الأرض عند
التقاطر لما عرفت من ضعفها خصوصا مع معارضة الصحيحتين وفي غير الأرض من الثياب ونحوها بطريق الأولى لأن عدم القول بالفصل مما يشكل إثباته لكن
لما كان أصل الاستصحاب مما يتوجه عليه بعض المناقشات كما مر غير مره ومع ذلك انضمت الشهرة بين الأصحاب أيضا وأيدت بالروايات فلا يبعد القول بالتطهير
ودفع معارضة الصحيحتين بما سبق من حمل البأس على الأعم من الحرمة لكن الأولى رعاية أحد الامرين من الجريان والأكثرية أخذا بالاحتياط وأما الثالث فما
يمكن أن يستدل به عليه مرسلة الكاهلي وفيه نظر لأنها تدل على أن ما يراه ماء المطر فقد طهر وظاهرا أنه لا يمكن أن يرى ماء المطر جميع الماء النجس لامتناع التداخل
ومع إمكانه أيضا ظاهر أن عند التقاطر كما هو مذهبهم لا يمكن أن يصل إلى جميع أجزاء الماء إلا أن يقال إن الرواية دلت على طهارة ما يراه ماء المطر
فمقتضاها أن يطهر من الماء الموضع الذي يصل إليه قطرة المطر وذلك مستلزم لطهارة ما عداه أيضا إذ لو لم يطهر ما عداه لما طهر ذلك الموضع أما أولا
فللاجماع ظاهرا على أن عند نجاسة ما عداه ينجس ذلك الموضع أيضا وليس لكل منهما حكم برأسه بل حكمهما واحد وللمنع مجال وأما ثانيا فلعموم انفعال القليل
بملاقاة النجاسة وهذا الموضع قليل ملاق للنجاسة فيلزم أن يكون نجسا إذ التخصيص خلاف الظاهر وفيه أيضا منع العموم ولو سلم فنقول أن العموم إنما هو في
نجاسة كل ماء قليل ملاق للنجاسة وليس ها هنا ماء قليل ملاق للنجاسة لان الموضع الذي لاقته القطرة إنما هو سطح الماء ويمكن أن يقال أن ذلك الموضع
وإن كان سطحا لكن يفرض الكلام في قطعة من الماء يكون سطحه ذلك السطح ونقول أنه ملاق لبقية الماء النجس فيلزم أن ينجس جميع سطوحه كما هو شأن القليل
الملاقي ومن جملتها ذلك السطح المفروض فثبت المطلوب ولا يبعد أن يقال أن المسلم نجاسته كل ماء قليل بملاقاة النجاسة إذا كان طاهرا والقطعة المفروضة ليست
بطاهرة ويرد أيضا على تقدير تسليم العموم أنه حينئذ يحصل التعارض بين هذه الرواية وعمومات القليل إذ مقتضى العمومات نجاسة ماء المطر عند وصوله إلى الماء
النجس فيلزم أن لا يطهر ما أصابه للاجماع على أن النجس لا يطهر شيئا والترجيح مع العمومات لكثرتها وصحة مستندها ولو سلم التساوي فيكون الحكم التوقف
ومقتضى التوقف ها هنا أن يحكم بطهارة ماء المطر للأصل ونجاسة المحل الملاقي للأصل أيضا فقد بطل الاستدلال ويمكن أن يقال إن الاجماع إنما هو في
أن ما يكون نجسا قبل الوصول إلى النجس لا يطهره لا أن ما يكون نجسا حال الوصول أيضا لا يطهره كيف وقد ذهب جمع إلى نجاسة الغسالة قبل الانفصال فحينئذ
لا معارضة وأيضا يمكن أن يقال أن مقتضى عمومات نجاسة القليل نجاسته بملاقاة ما يكون نجسا حال الملاقاة وماء المطر حال وصوله إلى الماء النجس ليس
مندرجا في هذا العموم بناء على هذه الرواية لأنه يطهر الماء فلا يبقى الماء نجسا حال الملاقاة فلا تعارض فتأمل وأما المرسلتان الأخيرتان فلا يمكن
212

الاستدلال بهما إلا مع انضمام عدم القول بالفصل وهو في محل المنع هذا كله مع عدم صلاحية المراسيل للتعويل وإمكان المعارضة بالصحيحتين وأصلا
الاستصحاب إلا أن يقال على محاذاة ما سبق أن الاستصحاب مما يمكن المناقشة فيه والصحيحتان قد عرفت توجيههما والشهرة حاصلة في الحكم والروايات
مؤيدة فلو قيل به لم يكن بعيدا لكن الأولى أن لا يكتفي بالتقاطر بل ولا بالجريان أيضا لان الصحيحة المتضمنة للجريان في غير الماء والفرق بينه وبين الماء ظاهر لان في غيره يصل الماء
إلى جميع ما يصل النجاسة بخلاف الماء وقس عليه الأكثرية الواردة في الصحيحة الأخرى بل يراعى في تطهيره سيلان ماء المطر من الميزاب إليه مع ممازجته
واختلاطه به إذ الظاهر أن في هذه الصورة الاجماع متحقق على الطهارة واعلم أنه نسب إلى بعض الفضلاء القول بطهارة الماء النجس وإن كان حوضا كبيرا
مثلا بوقوع قطرة من المطر فيه وكان متمسكه مرسلة الكاهلي وقد عرفت ما فيها والآيتان الدالتان على مطهرية ماء السماء من قوله تعالى وأنزلنا من السماء
ماء ليطهركم به وأنزلنا من السماء ماء طهورا وفيه أيضا منع دلالتهما على عموم التطهير ولو سلم فإنما تدلان على تطهير ما لاقاه ماء المطر لا ما لم يلاقه فيلزم طهارة الموضع
الذي تلاقيه القطرة لا جميع الماء إلا أن يستدل على طهارة الجميع بنحو ما ذكر وقد عرفت ما فيه أو ما هو المشهور بين الأصحاب من أن ماء المطر
بمنزلة الماء الجاري والماء الجاري لما كان يطهر الماء بالاتصال فماء المطر أيضا كذلك وفيه أولا أن الشهرة بين الأصحاب لا يكفي بمجردها في
الحكم وثانيا أن المشهور أن ماء المطر عند التقاطر كالجاري والظاهر منه أنه لا بد فيه من فضل قوة وإلا لم يصدق عليه التقاطر وإن كان كلام بعض
الأصحاب خاليا عن التقاطر كما في هذا الكتاب والذكرى على أن الجاري أيضا قد سبق أن الحكم بتطهير الماء النجس بالاتصال مشكل بل الأولى الامتزاج و
الخلط واعترض أيضا صاحب المعالم (ره) بأنا وإن تنزلنا إلى القول بثبوت أحكام الجاري له مطلقا إلا إنك قد علمت أن المقتضي لطهارة الماء بمجرد
الاتصال على القول به هو كون الماء مطهرا للجزء الذي يليه وبعد الحكم بطهارته يتصل بالجزء الثاني وهو منقو بالكثير الذي منه طهره فيطهر الجزء الثاني
وهكذا ولا يذهب عليك أن هذا التقريب لا يتم ها هنا إذا قضى ما يقال في القطرة الواقعة أنها تطهر ما تلاقيه ولا ريب أن الانقطاع لا ينفك عن
ملاقاتها وهي بعده في حكم القليل للاجماع على أن بعد الانقطاع في حكم القليل فليس للجزء الذي طهر بها مقو حينئذ ليستعين به على تطهير ما يليه
بل هو معها حين الانقطاع ماء قليل فيعود إلى الانفعال بملاقاة النجس وفيه نظر لان إجراء هذا التقريب في طهارة جميع الماء بالاتصال ليس باعتبار
التدريج والترتيب بل المراد أنه في أن الاتصال يتصل الجزء الأول بالجاري أو الكثير وكذا في هذا الان يتصل الجزء الثاني بالجزء الأول وهكذا
فيلزم طهارة الجميع في هذا الان وعلى هذا نقول إذا سلم أن الماء المطر حكمه حكم الجاري مطلقا وأنه يطهر الجزء الملاقي في حال وقوعه عليه
فلا شك في إمكان إجراء التقريب المذكور لان في أن الوقوع لما فرض أن حكمه حكمه الجاري فإنه يطهر الجزء الملاقي والجزء التالي له أيضا يطهر بالجزء
الأول في هذا الان لتقويه بالجاري وهكذا وصدق الانقطاع عليه في الان الثاني لا يضر لحصول الطهارة في الان الأول ولو قيل أن الانقطاع يصدق
في الان الأول أيضا فمع كونه غير صحيح ظاهرا يكون منافيا للتسليم المذكور إذ يلزم على هذا أن لا يطهر الجزء الملاقي أيضا نعم لو استدل على طهارة
الجزء الملاقي بمرسلة الكاهلي ثم أريد إجراء هذا التقريب في طهارة الجميع لكان باطلا لان الجزء الثاني على هذا إنما يكون متصلا بماء طاهر لا مطهرا
إذ ليس هو ماء المطر حتى يكون مطهرا فتدبر هذا ما يتعلق بما هو المشهور وأما ما ذكره الشيخ (ره) ففيه احتمالات الأول أن يكون مراده أن ماء المطر
إذا كان نازلا من ميزاب فحكمه حكم الماء الجاري وأما غيره فليس كذلك وإن بلغ حد الجريان أيضا الثاني أن يكون مراده أنه إذا بلغ حد الجريان من الميزاب
يكون حكمه كذلك وإن لم يكن جاريا من الميزاب الثالث أن يكون المراد أنه إذا بلغ حد الجريان يكون حكمه كذلك وإن لم يبلغ حد الجريان من الميزاب ويكون ذكر
الميزاب على سبيل التمثيل فإن كان الأول فلا يخلو أما أن يكون الكلام في عدم انفعاله أو في تطهيره الأرض والماء فإن كان في الانفعال وعدمه فلا وجه
لما ذهب إليه لما عرفت من عدم عموم انفعال القليل خصوصا مع تحقق الشهرة وتأييد الروايات وغاية ما يتمسك به من قبله ما رواه التهذيب في زيادات
باب المياه والكافي في باب اختلاط ماء المطر بالبول في الحسن عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في ميزابين سالا أحدهما بول والاخر ماء المطر فاختلطا
فأصابا ثوب رجل لم يضر ذلك وما روياه أيضا في هذين البابين عن محمد بن مروان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لو إن ميزابين سالا ميزاب ببول وميزاب
بماء فاختلطا ثم أصابك ما كان به بأس ولا يخفى أنهما لا دلالة لهما أصلا على المراد وإن كان في تطهيره الأرض ونحوها فقد عرفت الحال فيه وظهر إن
عند جريان الماء أو أكثريته على النجاسة الظاهر أن يحكم بطهارته للروايتين الصحيحتين مع انضمام الشهرة وأما اشتراط كونه جاريا من الميزاب فلا دليل
عليه وهاتان الروايتان لا دلالة لهما أصلا وإن كان في تطهيره الماء فقد عرفت أيضا حاله وهاتان الروايتان لا تصلحان للاستدلال بهما لا
على التطهير لسيلان الميزاب ولا على عدمه وإن كان الثاني فالحال في المقامات الثلاثة أيضا على قياس ما سبق ولا يتغير الحال بهاتين الروايتين وإن كان الثالث
213

فإن كان الكلام في الانفعال فالظاهر خلافه وإن كان في تطهير الأرض ونحوهما فما ذكره قوى لا بالنظر إلى هاتين الروايتين بل بالنظر إلى صحيحة على
المتضمنة للجريان لكن قد عرفت ما فيها من الكلام وإن كان في تطهيره الماء فكذلك أيضا ما ذكره قوي نظر إلى سبق منا لا بالنظر إلى الروايتين و
قد عرفت إن الروايتين كما لا تدلان على رد المشهور من طهر الماء بالتقاطر لا تدلان على طهره بجريان الميزاب أيضا فالعمدة في التمسك الاجماع ظاهرا
إذ المخالف للمشهور في هذا الحكم الشيخ (ره) وهو أيضا قايل في هذه الصورة كما هو الظاهر هذا وخلاصته ما ظهر من الأبحاث أن الظاهر عدم انفعال ماء المطر
من النجاسة وإن لم يصل حد التقاطر لكن الأولى رعاية التقاطر وكذا الظاهر تطهيره الأرض النجسة حال جريانها أو أكثريتها على النجاسة ولا يشترط الجريان
إليه من الميزاب ولا يبعد القول بتطهيره إياها عند التقاطر أيضا وإن لم يصل حد الجريان وأما ما عدا الأرض سوى الماء فلا يبعد أيضا القول بتطهيرها
حال الجريان أو أكثريته على النجاسة وفي حال التقاطر بدونهما لا يخلو من إشكال وأما الماء ففي تطهيره في جميع الحالات إشكال سوى ما إذا جرى عليه من
الميزاب واختلط به للاجماع فيه ظاهرا والله أعلم بحقايق أحكامه فرع هل يتقوى الماء القليل الطاهر بماء المطر حال التقاطر ويمنعه من الانفعال
بالملاقاة الظاهر التقوى لعدم عموم انفعال القليل مع أن الظاهر أنه المشهور بين الأصحاب ولو كان جاريا عليه من ميزاب ونحوه فالتقوى ظاهر واعلم إن العلامة
(ره) مع اشتراط الكرية في الجاري حكم بأن ماء الغيث حال تقاطره كالجاري وإلا فكالواقف وأورد عليه أن الفرق بين الجاري والواقف إنما يظهر عند
عدم اشتراط الكرية في الجاري كما هو رأي غيره وأما على رأيه فلا فرق إلا أن يفرق بينهما باعتبار أنه لا يعتبر في الكر من الجاري مساواة السطوح وأيضا
يقول فيه بتقوى الاعلى بالأسفل وكذا يحكم في حال النجاسة بطهره بالتدافع والتكاثر وإن لم يكن الماء الطاهر المدافع قدر كر كما مر سابقا من احتمال أن
يكون مختاره (ره) هذه الأمور في الجاري بخلاف الواقف ولا يذهب عليك إن الظاهر من كلامه (ره) اشتراط الكرية في ماء المطر وقد يقال أنه يمكن أن يكون
مراده أنه كالجاري إذا أن كرا وأورد عليه حينئذ أنه ما الفرق بين الجاري وماء المطر حيث يعتبر فيه الكرية دونه واعتذر عنه بأن أدلة انفعال القليل لا
معارض لها في الجاري يصلح للمعارضة بخلاف ماء المطر لمعارضة الروايات السابقة فيه فإن قلت بين هذه الروايات وروايات انفعال القليل عموم من وجه
فلم تخصص هذه دون تلك قلت لتأييدها بالأصل هذا وقد بقي في المقام شئ وهو أن روايتي الميزاب المتقدمتين قد يستشكل فيهما من حيث أن ميزاب
البول إن سلم عدم تغييره الميزاب الماء فلا أقل من عدم استهلاكه بميزاب الماء فكيف يحكم بطهارة الماء المختلط منهما إلا أن يقال ليس المراد باختلاطهما
اختلاطهما بتمامهما بل اختلاطهما بترشح ماء أحد الميزابين إلى الاخر وحينئذ بمجرد ترشح ميزاب البول إلى ميزاب الماء لا ينجس ذلك الماء لعدم التغير فإذا
أصاب الثوب لم يكن به بأس إذا الماء لم ينجس وجزء البول لم يعلم إصابته وأيضا قد استهلك في الماء الطاهر فصار طاهرا لكن لا يخفى أن هذا الحمل بعيدا
ويقال أن البول يطهر باختلاط ماء المطر وإن لم يستهلك وفيه أيضا إشكال أو يرد الروايتان لعدم صحة سندهما وإنما علمه عند الله وأهله (وليس للجرية
حكم بانفرادها مع التواصل) المراد بالجرية الدفعة من الماء الجاري بين حافتي النهر عند جريانه على سطح منحدر هكذا فسره المحقق الثاني (ره) في شرح القواعد
والظاهر أن قيد الانحدار ليس بمعتبر ها هنا كما سيظهر واعلم أنه لا خلاف بين أصحابنا في أن الماء الجاري لا يعتبر جريانه على حدة وعليه أكثر الجمهور أيضا وقال
الشافعي إذا كانت النجاسة تجري مع الماء فما فوقها وما تحتها طاهران وأما الجرية التي فيها النجاسة فحكمها كالراكد فإن كان أقل من قلتين نجست وإلا
فلا وإن كانت النجاسة واقفة والماء يجري عليها فلكل جرية حكم نفسها فإن كانت أقل من قلتين نجست وإلا فلا هكذا ذكر في المنتهى وقال مراده بالجرية
القدر الذي بين حافتي النهر عرضا عن يمين النجاسة وشمالها ومن ها هنا ظهر إن الانحدار ليس بمعتبر ونسب هذا الخلاف في المعتبر إلى بعض الحنابلة
أيضا وألحق ما ذهب إليه الأصحاب للتواصل المقتضي للوحدة وعدم مستند ظاهر في خلافه سيما مع إجماعنا عليه قال المصنف (ره) في الذكرى ويلزم تنجس
الجرية المارة على النجاسة في الجهات الأربع نجاسة جدول طوله فراسخ بغير تغير وهو ظاهر البطلان انتهى
وفيه نظر لأنه لا يخلو أما أن تكون النجاسة تجري مع الماء
أو تكون واقفة تجري عليها الماء فعلى الأول كل جرية فيها النجاسة نجسة دون ما فوقها وما تحتها فلا يلزم نجاسته جميع الجدول وهو ظاهر وعلى الثاني فإن كان
كل جرية تمر على النجاسة تصير نجسة لكن يمكن أن يكون بعد التجاوز عنها تصير طاهرة بملاقاتها للكثير الذي بعد النجاسة إذ الجدول الذي فرضه لا بد أن
يكون ما تحته النجاسة فيه كرا وإن فرض عدم كريته فلا استبعاد في نجاسته إلا أن يكون القايل بهذا القول لم يقل بكفاية الاتصال في التطهير أو يقول به
لكن بشرط المساواة أو علو المطر فيكون الزاما عليه فإن قلت يمكن أن يكون مراده بالجدول الذي طوله فراسخ جدولا يكون طوله إلى عرض الجدول الذي
فيه النجاسة ويكون متصلا به فحينئذ طول ذلك الجدول يصير بمنزلة عرض الجدول الثاني فلو وقع نجاسة في هذا الجدول في الموضع الذي يتصل به الجدول الأول
فطول ذلك الجدول كله محسوب في الجرية التي فيها النجاسة لصدق التعريف عليه فيلزم أن يكون نجسا وهو باطل قلت هذا الجدول الطويل أما أن يكون ماؤه بقدر
214

قلتين أم لا فإن كان بقدر قلتين فلم يصر نجسا وإن لم يكن بقدر قلتين فلا استبعاد في نجاسته وإن كان مأة فرسخ (ولو اتصل الواقف بالجاري اتحدا مع مساواة
سطحها) لا خفاء في هذا الحكم والظاهر أنه إجماعي (أو كون الجاري أعلى) لا خفاء فيه أيضا وكأنه أيضا إجماعي (لا العكس) فيه إشكال وقد صرح الشهيد الثاني (ره) بانسحاب
الحكم حينئذ أيضا ولا يخفى أن ما ذكرنا من الاجماع في الصورتين إنما هو في عدم انفعال الواقف بالملاقاة إذا كان قليلا لا في تطهيره إذا كان نجسا وقد مر
الكلام في هذه المباحث مفصلا (ويكفي في العلو فوران الجاري من تحت الواقف) قد مر ما يتعلق به أيضا مشروحا
(ورابعها ماء البئر) عرف المصنف (ره) البئر في شرح الارشاد
بأنها مجمع ماء نابع من الأرض لا يتعداها غالبا ولا يخرج عن مسماها عرفا وقال المحقق الشيخ علي (ره) والقيد الأخير موجب لاجمال التعريف لان العرف
الواقع لا يظهر أي عرف هو أعرف زمانه (صلى الله عليه وآله) أم عرف غيره وعلى الثاني فيراد العرف العام أو الأعم منه ومن الخاص مع أنه يشكل إرادة عرف غيره (صلى
الله عليه وآله) وإلا لزم تغير الحكم بتغير التسمية فيثبت في العين حكم البئر لو سميت باسمه بطلانه ظاهر والذي يقتضيه النظر إن ما ثبت إطلاق اسم البئر عليه
في زمنه (صلى الله عليه وآله) أو زمن أحد الأئمة المعصومين (عليه السلام) كالتي في العراق والحجاز فثبوت الاحكام له واضح وما وقع فيه الشك فالأصل عدم تعلق
أحكام البئر به وإن كان العمل بالاحتياط أولى انتهى واعترض عليه صاحب المدارك بأنه قد ثبت في الأصول أن الواجب حمل الخطاب على الحقيقة الشرعية
أن تثبت وإلا فعلى عرف زمانهم (عليهم السلام) خاصة إن علم أو إن لم يعلم فعلى الحقيقة اللغوية أن ثبتت وإلا فعلى العرف العام إذ الأصل عدم تقدم وضع
سابق وعدم النقل عنه ولما لم يثبت في هذه المسألة شئ من الحقايق الثلاث المتقدمة وجب الحمل على الحقيقة العرفية العامة في غير ما علم عدم إطلاق
ذلك اللفظ عليه في عرفهم (عليهم السلام) ومنه يعلم عدم تعلق الاحكام بالآبار الغير النابعة كما في بلاد الشام والجارية تحت الأرض كما في المشهد الغروي على
ساكنه السلام وعدم تغير الحكم بتغير التسمية فتأمل انتهى وفي الكل بحث أما في كلام المصنف (ره) فلوجهين أما الأول فلانه لما جعل المناط إطلاق البئر
عرفا فأي حاجة إلى قوله مجمع ماء إلى آخره والجواب أنه لا يجعل المناط الاطلاق في العرف مطلقا بل بعد تحقق الصفة التي ذكرها لأنه يطلق في العرف
على آبار القناة اسم البئر مع أنها ليست البئر التي الكلام فيها ها هنا فلو لم يكن ما ذكره أولا لكانت داخلة في الحكم وأما الثاني فلانه مال الدليل على
ما ذكره وطلب الدليل في التعاريف وإن كان خارجا عن القانون لكن ما نحن فيه لا بد منه كما لا يخفى فلا بدأ أولا من بيان اشتراط النبع وكأنه إجماعي ثم اشتراط
عدم التعدي غالبا وفيه إشكال حيث يطلق عليه في العرف اسم البئر وكان متعديا غالبا ومنع الاطلاق مشكل سيما حال عدم التعدي ثم اشتراط عدم
الخروج عن اسم البئر والظاهر من كلام التهذيب خلافه ويمكن الاستدلال عليه بأن يقال العبرة أما بالعرف العام أو بعرف زمانهم (عليه السلام) فإن كان بالعرف
العام فعند عدم الاطلاق لا يثبت الحكم وإن كان بعرف زمانهم (عليهم السلام) فغير معلوم إطلاق البئر فيه على مثل هذا الماء فلا يدخل في الحكم بخلاف ما إذا
لم يتعد غالبا ولم يخرج عن مسماه في عرفنا فإن إطلاق البئر عليه في عرفهم معلوم وللمنع مجال فيما إذا لم يتعد غالبا ويطلق عليه اسم البئر في حال تعديه
لان إطلاق البئر عليه في هذا الحال في عرفهم غير معلوم ويمكن الجواب عن الاشكال الأول أيضا بجعل العبرة بعرف زمانهم (عليهم السلام) والقول بأن إطلاق البئر
البئر عليه غير معلوم في عرفهم وإن كان يطلق عليه في عرفنا وأما في كلام المحقق المذكور (ره) فلان مراده من أن القيد الأخير موجب لاجمال التعريف كما هو الظاهر
أنه يحتمل معان متعددة فلم يفهم المراد منها وهو في التعاريف غير جايز وحينئذ لا يرتبط به قوله مع أنه يشكل إلى آخره على الظاهر كما لا يخفى إلا أن يوجه بأن مراده
(ره) أن هذا القيد موجب للاجمال لعدم ظهور المراد منه مع أن حمله على أي معنى من المعاني كان موجبا لمفسدة أما على عرف غير زمانهم (عليهم السلام) فلما ذكره وأما على عرف زمانهم فلعدم
معلوميته فيكون التعريف مجملا لكنه لم يتعرض لبيان الأخير لظهوره والجواب عنه حينئذ إن المراد العرف العام كما هو المتبادر إلى الفهم فلا إجمال وما
ذكره من تغير الحكم بتغير التسمية إلى آخره ففيه أنه لا يخلو أما أن يكون العبرة بالعرف العام كما ذكره صاحب المدارك أو بعرف زمانهم (عليهم السلام) فإن كانت العبرة بالعرف
العام فيما لم يثبت فيه عرف زمانهم فيلتزم تغير الحكم بتغير التسمية ولا فساد فيه نعم إنما يلزم الايراد إذا ثبت في عرفهم (عليهم السلام) أما إطلاق البئر على بعض
إفراد مجمع ماء نابع لا يتعداه غالبا أو عدم اطلاقه عليه ويكون العرف العام مخالفا وحينئذ يمكن الجواب بأن هذا القيد أي عدم مخالفة العرف لما ثبت في
زمانهم (عليهم السلام) مأخوذ في الكلام وإنما تركه اعتمادا على الظهور وإن كان بعرف زمانهم كما ذكره هذا المحقق وهو الظاهر كما سنشير إليه فنمنع الملازمة
بيانه أنه على هذا كلما ثبت إطلاق البئر عليه في عرفهم يكون داخلا في الحكم وما لم يثبت فلا فحينئذ نقول يمكن أن يكون مراده بالعرف عرف عام زمانه (ره)
وإن كان بعيدا في الجملة وعلى هذا إنما يلزم الايراد عليه لو ثبت إن في عرف زمانه يطلق البئر على شئ لم يطلق أو لم يثبت إطلاقه عليه في عرفهم (عليهم السلام)
أو لم يطلق البئر على شئ ثبت إطلاقه عليه في عرفهم (عليهم السلام) وذلك غير ثابت ويمكن إجراء هذا
الجواب في الصورة السابقة أيضا كما لا يخفى وأيضا يرد على هذا
المحقق أن قوله فيثبت في العين حكم البئر فاسد لأنه (ره) لم يجعل العرف محض إطلاق الاسم عرفا حتى يلزم ما ذكر بل عدم التعدي مع الاطلاق وفيما ذكره
215

التعدي موجود بل الصواب أن يقال فيلزم أن يخرج البئر عن حكمه إذا سمي بالعين وأما في كلام صاحب المدارك (ره) فلان ما ذكره من أن عند عدم
ثبوت الحقايق الثلاثة وجب الحمل على العرف مما لا دليل عليه وأصالة عدم النقل وعدم تقدم وضع سابق ضعيفة نعم لو حصل ظن لامن هذه الأصالة
بعد مهما وكذا حصل ظن بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية لا من أصالة عدمها أيضا فحينئذ الظاهر الحمل على العرف العام أما مع الشك في شئ منهما فلا وتحقيق
ذلك موضعه في الأصول وحينئذ كل ما ثبت إطلاق البئر في عرفهم (عليهم السلام) فلا إشكال فيه وكذا فيما ثبت عدم إطلاقه عليه وأما المشكوك فيبنى الامر
فيه على ما تقتضيه الأصول والقواعد المستنبطة من الأبحاث السابقة في أبواب المياه وأيضا ما ذكره من عدم لزوم تغير الحكم بتغير التسمية بناء على
ما حققه باطل لظهور أنه إذا بنى الامر على العرف العام فعند تغيره يتغير الحكم إلا أن يكون مراده بتغير الحكم التغير الذي ذكره المحقق من تعلق حكم
البئر بالعين إذا سميت باسمه وعدم اللزوم حينئذ بناء على ما شرطه من أن لا يكون مما علم
عدم إطلاقه عليه ولا يخفى أنه لا بد من شرط آخر أيضا وهو أن لا يكون مما علم إطلاق البئر عليه في عرفهم (عليهم السلام) إذا لم يطلق عليه في العرف
العام وإلا يلزم أيضا تغير الحكم بتغير التسمية وكأنه إنما تركه للظهور وبما ذكرنا ظهر إن الأولى في تعريف البئر أن يقال أنها مجمع ماء نابع لا يتعداه غالبا ولم يتعده بالفعل
ويطلق عليه اسم البئر في عرفنا الان (والأشهر نجاسته بالملاقاة) اعلم أنه لا خلاف في نجاسته بالتغير ويدل عليه أيضا مضافا إلى الاجماع الروايات المتقدمة
في بحث القليل الدالة على نجاسة كل ماء بالتغير وأما نجاسته بالملاقاة ففيه خلاف والأشهر كما ذكره المصنف أنه ينجس بالملاقاة مطلقا وإليه ذهب الشيخ
في المبسوط والخلاف والنهاية والسيد المرتضى والمحقق رحمهم الله ونسب إلى المقنعة أيضا لكن لم نقف عليه بل كلامهما على ما رأينا مختص بنجاسته بالتغير ولم يتعرض
للملاقاة بل حكم بالنزح للنجاسات إلا أن يتمسك بمفهوم قوله وإن سقط فيهما بعرة غنم أو أبل أو غزلان أو أبوالها لم ينجس بذلك وذهب جماعة من الأصحاب
كالعلامة (ره) وشيخه مفيد الدين بن الجهم وولده فخر المحققين وابن أبي عقيل والحسين بن عبيد الله الغضايري وكثير من المتأخرين إلى عدم نجاسته مطلقا وذهب
الشيخ أبو الحسن محمد بن محمد البصري ومن المتقدمين إلى التفصيل والقول بعدم النجاسة إن كان كرا وبها إن لم يكن كرا وألزم على العلامة (ره) القول به حيث
اشترط في الجاري الكرية وفيه نظر لا يخفى وذكر المصنف (ره) في الذكرى إن الجعفي يعتبر فيه ذراعين في الابعاد الثلاثة حتى لا ينجس وكان الكر عنده هذا القدر
لكن لم ينقل عنه في بحث الكر أو يكون هذا مختصا بالبئر ثم القايلون بالطهارة اختلفوا في وجوب النزح لوقوع النجاسات المخصوصة كما سيأتي تفصيله إنشاء الله تعالى
والمشهور بينهم عدم وجوبه بل إنما يستحب والعلامة (ره) ذهب ظاهرا في المنتهى إلى الوجوب تعبدا لا لنجاسته ولم يصرح (ره) بأنه يحرم استعماله قبل النزح حتى يتفرع عليه
بطلان الوضوء والصلاة بنا على أن النهي في العبادة مستلزم الفساد أم لا ولا يذهب عليك إن كلام الشيخ (ره) في كتابي الحديث لا يخلو من اضطراب لأنه قال في التهذيب
بعد ما ذكر أن من استعمل ماء البئر قبل تطهيره يجب عليه إعادة ما استعمله فيه من الوضوء والصلاة وغسل الثياب قال محمد بن الحسن عندي إن هذا إذا كان قد
غير ما وقع فيه من النجاسة أحد أوصاف الماء أما ريحه أو طعمه أو لونه فأما إذا لم يغير شيئا من ذلك فلا يجب إعادة شئ من ذلك وإن كان لا يجوز استعماله
إلا بعد تطهيره والذي يدل على ذلك أنه مأمور باستعمال المياه الطاهرة في هذه الأشياء فمتى استعمل المياه النجسة فيجب أن لا يكون مجزيا عنه لأنه خلاف
المأمور به انتهى وقال في الاستبصار بعد نقل روايات قال الشيخ (ره) ما يتضمن هذه الأخبار من إسقاط الإعادة في الوضوء والصلاة عمن استعمل هذه
المياه لا يدل على أن النزح غير واجب مع عدم التغير لأنه لا يمتنع أن يكون مقدار النزح في كل شئ يقع فيه واجبا وإن كان متى استعمله لم يلزمه إعادة الوضوء
والصلاة لان الإعادة فرض ثان فليس لأحد أن يجعل ذلك دليلا على أن المراد بمقادير النزح ضرب من الاستحباب على أن الذي ينبغي أن يعمل عليه هو
أنه إذا استعمل هذه المياه قبل العلم بحصول النجاسة فيها فإنه لا يلزم إعادة الوضوء والصلاة ومتى استعملها مع العلم بذلك لزمه إعادة الوضوء والصلاة
انتهى وأنت خبير بأن كلام التهذيب فيه تشويش من وجهين الأول إن ظاهر قوله إلا بعد تطهيره يدل على نجاسته بالملاقاة وحينئذ كيف يحكم بعدم وجوب إعادة الوضوء
والصلاة وغسل الثياب ولو حكم به في الوضوء والصلاة بناء على عدم وجوب إعادة الجاهل بالنجاسة للوضوء والصلاة فلا شك في عدم إمكانه في غسل الثوب
إذ الظاهر أنه لم يقل به أحد أصلا الثاني إن ما ذكره بقوله الذي يدل على ذلك مناف لحكمه بعدم وجوب الإعادة إذ لو لم يكن ما أتى به مجزيا ومأمورا به فيجب الإعادة
لا أن يفعل حراما فقط وتوجيه كلامه (ره) أن يحمل مذهبه على عدم النجاسة بالملاقاة ووجوب النزح كما ذهب إليه العلامة (ره) في المنتهى ويأول قوله بعد
تطهيره بالتنظيف أو التطهير باعتقاد القايلين بالنجاسة وحينئذ يرتفع التشويش الأول وقد حمل بعض الأصحاب التطهير على ظاهره ونسب إلى الشيخ القول بالنجاسة لكن
لا يقول بوجوب إعادة الوضوء والصلاة وغسل ما لاقاه إذا حصلت هذه الأمور قبل العلم بالنجاسة واعترض عليه بما ذكرنا في هذا التشويش وأما التشويش الثاني
فجوابه إن قوله والذي يدل على ذلك إشارة إلى إعادة الوضوء والصلاة وغسل الثياب بعد استعماله إذا تغير لما ذكرنا من أن مذهبه عدم النجاسة بالملاقاة
216

لا أن يكون دليلا عليه وعلى حرمة استعمال الغير المتغير لا بطلانه فافهم وأما كلام الاستبصار فيمكن حمله أيضا على ما حمل التهذيب عليه من القول بعدم النجاسة
ووجوب النزح كما يشعر به أوايله حيث خص الكلام بوجوب النزح واستحبابه من دون تعرض للنجاسة وعدمها وحينئذ فرقه بين سبق العلم وعدمه ووجوب الإعادة
في الأول دون الثاني كأنه بناء على أنه في صورة العلم يحرم استعماله فيرجع إلى النهي في العبادة إذا توضئ به فيبطل وأما إذا لم يعلم فلا يحرم فلا إعادة لكن ظاهر
كلامه في مواضع منه نجاسته منها ما ذكره في بحث وقوع الخمر في البئر ولأن النجاسة معلومة بحصول الخمر فيها إلى غير ذلك إلا أن يرتكب تأويل والله أعلم فلو
حمل مذهب الشيخ في الكتابين على ما ذكرنا يصير الأقوال في البئر خمسة ويحتمل سادسا أيضا ولو حمل على
ما نسب إليه البعض فالأقوال ستة واحد منها يحتمل
وجهين وهو مختار المنتهى والظاهر من جملتها القول بعدم النجاسة مطلقا واستحباب النزح أما عدم النجاسة مطلقا فللأصل والاستصحاب والعمومات المتقدمة
في بحث القليل الدالة على عدم نجاسة الماء ما لم يتغير وقد عرفت إن المخصص لها إنما يخصصها في موارد مخصوصة وإنما يتعدى عنها بناء على عدم القول
بالفصل وهو لا يجري ها هنا وإن كان كرا فيضم مع ذلك الروايات المستفيضة الدالة على عدم نجاسة الكر بدون التغير كما تقدم ويدل أيضا على أصل الحكم
بخصوصه روايات منها ما رواه التهذيب في باب تطهير المياه من النجاسات والاستبصار في باب البئر يقع فيه ما يغير أحد أوصافه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول لا يغسل الثوب ولا تعاد الصلاة مما وقع في البئر إلا أن ينتن فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ونزحت
البئر واعترض عليه في المعتبر بوجوه الأول إن في سنده حماد وهو مشترك بين الثقة وغيرها الثاني إن لفظ البئر يقع على النابعة والغدير فلعل السؤال
عن بئر ماؤها محقون فيكون الأحاديث الدالة على نزح البئر من أعيان المنزوحات مختصة بالنابعة ويكون هذه متناولة لغيرها مما هو محقون الثالث
إنه حديث واحد يعارضه كثير والكثرة إمارة الرجحان الرابع أنه يدل بصيغة ما العامة فيما لا يعقل فيكون الترجيح لجانب الأحاديث الدالة على أعيان
المنزوحات تقديما للخاص على العام والجواب عن الأول إن ملاحظة الراوي والمروي عنه يورث الظن القوي بأنه حماد بن عيسى الثقة لتكرر مثل هذا السند
مع التصريح فيه بابن عيسى والدلايل الرجالية مما لا يزيد على هذا وعن الثاني إن لفظ البئر حقيقة في النابعة للتبادر ولذا يحمل الاحكام الواردة فيه
كلها عليا ولو سلم إطلاقه على غير النابعة أيضا فلا شك إن النابعة أشهر فرديها فحينئذ إطلاق القول وعدم التفصيل مع كون المراد الفرد الغير المشهور
بعيد جدا وعن الثالث إن كثرة معارضه غير مسلمة إذ الروايات الكثيرة إنما هي في نزح البئر وهو لا يستلزم نجاسته مع أن هذه الرواية أيضا معاضدة
بروايات كثيرة كما سنذكرها إنشاء الله تعالى وعن الرابع إن أحاديث النزح من أعيان المنزوحات ليست بمنافية له حتى يحمل عليها حملا للعام على الخاص لما مر من أن
النزح لا يستلزم النجاسة لجواز أن يكون الغرض منه طيب الماء وزوال النفرة الحاصلة من وقوع تلك الأعيان فيه أو وجه آخر لا يصل إليه عقولنا وأيضا النزح على
مذهبهم إنما هو في جميع النجاسات فحمل هذا الخبر عليها إنما هو بتخصيص ما وقع بالطاهرات ولا يخفى ما فيه من البعد ومنه ما رواه أيضا في البابين
المذكورين في الصحيح عن معاوية أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الفارة تقع في البئر فيتوضأ الرجل منها ويصلي وهو لا يعلم أيعيد الصلاة ويغسل ثوبه فقال
لا يعيد الصلاة ولا يغسل ثوبه واعترض عليه بجواز أن يخرج حية وفيه بعد ومنها ما رواه التهذيب في الباب المذكور في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال كتبت
إلى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا (عليه السلام) فقال ماء البئر واسع لا يفسده شئ إلا أن يتغير ريحه أو طعمه فينزح منه حتى يذهب الريح ويطيب طعمه لان له
مادة والاستدلال به من وجهين الأول من قوله (عليه السلام) لا يفسده شئ لأن الظاهر من الفساد في هذا المقام التنجس ولو تنزل عن الظهور فيه فلا شك أنه من إفراد
الفساد وورود النفي عليه ظاهر في نفي جميع أفراده الثاني من قوله (عليه السلام) فينزح منه إلى آخره إذ على تقدير نجاسته بالملاقاة الظاهر أنه لا يكفي في التطهير عند التغير
ذهاب الريح والطعم بل لا بد من استيفاء المقدر إذا كان زايدا عليه ومن نزح الجميع إذا كان مما يجب نزح الجميع منه على رأيهم ولا يخفى ما في هذا الخبر من
المبالغات المؤيدة للمطلب من الوصف بالسعة ووجود المادة والتعليل والحصر واعترض عليه في المعتبر بأنه مكاتبة تضعف عن الدلالة وبأنه يحمل الفساد
على فساد يوجب التعطيل كما قال النبي (صلى الله عليه وآله) المؤمن لا يخبث أي لا يصير في نفسه نجسا وكقول الرضا (عليه السلام) ماء الحمام لا يخبث مع أنه يجوز أن العرض
له النجاسة وبأنه معارض برواية محمد بن إسماعيل أيضا وسنذكرها إنشاء الله تعالى في ضمن أدلة النجاسة وأجيب عن الأول بأن المكاتبة لا تقصر عن المشافهة مع أخبار
العدل وجزمه بأنها من الإمام (عليه السلام) كيف والرسول (صلى الله عليه وآله) قد كان ينفذ رسله في المكاتبات فلو لم يكن حجة لما ساغ مع أنه ليس ما
نحن فيه من المكاتبة لأنه جزم بأنه قال (عليه السلام) أنه كتب ورجاع الضمير إلى غير الإمام (عليه السلام) من الرجل المكتوب إليه بعد الظهور أن محمد بن إسماعيل أجل
من أن ينقل مثل هذه المسألة عن غيره وأيضا سوق الكلام وقرب المرجع مما يؤيده الرجوع إليه (عليه السلام) وفيه نظر لان قول محمد بن إسماعيل قال من باب
الارسال البتة لدلالة سابقة عليه صريحا وظاهر إن مع القرينة على الارسال لا يدل مثل هذا القول على أنه صادر على سبيل الجزم كيف ولو كان كذلك
217

لكان جميع المراسيل التي من هذا القبيل لمنزلة السماع من المعصوم (عليه السلام) ولم يقل به أحد كما حقق في موضعه وحينئذ فلا اعتماد عليه لجهالة الواسطة مع أن الظاهر أن
الواسطة هو الرجل المكتوب إليه ولا يخفى أن تعبيره عنه بالرجل مما يشعر بوضاعة حاله إلا أن يقال جعله واسطة ورسولا في أخذ الحكم يدل على اعتماده عليه وثقته به وقد
يقال يمكن أن يكون غرضه أن يكاتبه (عليه السلام) بالجواب فتدبر وقد ذكر بعض الأصحاب إن هذه الرواية وإن كانت مكاتبة لكنه روى الشيخ في الاستبصار في الباب المتقدم
عن محمد المذكور في الصحيح بلا مكاتبة وواسطة عن الرضا (عليه السلام) قال ماء البئر واسع لا يفسده شئ إلا أن يتغير ريحه أو طعمه فتنزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه لأنه له
مادة أيضا روى في التهذيب في زيادات باب المياه في الصحيح عن محمد بن إسماعيل عن الرضا (عليه السلام) قال ماء البئر واسع لا يفسد شئ إلا أن يتغير وروى في الكافي أيضا في
الصحيح هذه الرواية الأخيرة في باب البئر وما وقع فيها وحينئذ لا يضر كون الرواية الأولى مكاتبة ولا يخفى أن رواية الاستبصار وإن لم يصرح فيها بالمكاتبة و
الوساطة لكن الظاهر أنها بعينها رواية التهذيب ولا أقل من عروض الشك فيها ومع هذا لا يمكن الاعتماد وأما رواية الزيادات والكافي فهي وإن لم يكن بهذه المنزلة
لكن فيها أيضا بعض الشك وعن الثاني إن التخصيص خلاف الظاهر مع أنه على هذا لم يبق الفرق بين المستثنى والمستثنى منه إذ في صورة التغير أيضا لا يحصل فساد
يوجب التعطيل والجواب عن الثالث سيجئ في ضمن ذكر أدلة النجاسة وقد يعترض على الوجه الثاني بأنه مخصص بروايات التقدير وفيه إن تخصيصه بها ليس بأولى
من حملها على الندب مجازا لو سلم كونها حقيقة في الوجوب ومنها ما رواه التهذيب في باب تطهير المياه والاستبصار في باب البئر يقع فيها العذرة في الصحيح عن علي بن
جعفر عن موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال سئلته عن بئر ماء وقع فيها زنبيل من عذره رطبة أو يابسة أو زنبيل من سرقين أيصلح الوضوء منها قال لا بأس واعترض
عليه بحمله على عذرة غير الانسان وبجواز أن لا يصل العذرة إلى الماء وبحمله على أنه لا بأس بعد نزح ما هو المقدر والجميع بعيد أما الأول فلان العذرة في العرف
واللغة مختصة بغايط الانسان خصوصا وقد أوردت مقابل السرقين وأما الثاني فلانه يبعد بل يستحيل في العادة أن يقع الزنبيل في الماء ولم يصل الماء
إلى العذرة وأما الثالث فلانه يشبه الألغاز ومنها ما رواه الفقيه في باب المياه في الصحيح قال وسئل محمد بن مسلم أبا جعفر (عليه السلام) عن البئر يقع فيها الميتة فقال
إن كان له ريح نزح منها عشرون دلوا وهذا الخبر في التهذيب أيضا في الباب المذكور في الصحيح عن محمد عن أحدهما (عليهما السلام) واعترض عليه أنه لا دلالة له على أنه إذا لم يكن لها
ريح لم ينزح شئ ولا يخلو عن بعد ومنها صحيحة زرارة المتقدمة في بحث القليل المتضمنة للاستقاء من حبل أتخذ من شعر الخنزير واعترض عليها بعدم وصول
الحبل إلى الماء وبجواز طهارة شعر الخنزير والكل بعيد جدا ومنها ما رواه التهذيب في باب تطهير المياه والاستبصار في باب البئر يقع فيه ما يغير أحد أوصافه في الموثق
بابان عنه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئل عن الفارة تقع في البئر لا يعلم بها إلا بعد ما يتوضأ منها أيعاد الوضوء فقال لا وأورد عليه بجواز الخروج حية وفيه
بعد ومنها ما رواه في البابين المذكورين في الموثق بابان أيضا عن أبي أسامة وأبي يوسف يعقوب ابن عثيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا وقع في البئر الطير و
الدجاجة والفأرة فانزح منها سبع دلاء قلنا فما تقول في صلاتنا ووضوئنا وما أصاب ثيابنا فقال لا بأس به وأورد عليه وعلى سابقه أيضا وكذا على صحيحة
معاوية بن عمار المتقدمة المتضمنة للفارة بأن المراد منها أنه لا يعلم الوقوع قبل الاستعمال ويحتمل أن يقع بعده والله أعلم ومنها ما رواه في البابين المذكورين
في الموثق عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) بئر يستقي منها وتوضأ به وغسل منه الثياب وعجن به ثم علم أنه كان فيها ميت قال لا بأس ولا تغسل الثوب ولا تعاد منه الصلاة
وهذا الخبر في الكافي أيضا في باب البئر وما يقع فيها لكن في طريقه جهل ورواه الفقيه أيضا في باب المياه مرسلا عن الصادق (عليه السلام) وأورد عليه أيضا بنحو سابقه
لكن إجرائه فيه أبعد ومنها ما رواه الفقيه مرسلا عن الصادق (عليه السلام) قال كانت بالمدينة بئر في وسط مزبلة وكانت الريح تهب فيلقى فيه القذر وكان النبي
(صلى الله عليه وآله) توضأ منها وأورد عليه بحمل القذر على غير النجاسة أو أنه ما رواه (صلى الله عليه وآله) والظاهر خلافهما ومنها رواية علي بن حديد المتضمنة لذكر
خروج الفارة بالدلو وقد تقدمت في بحث القليل ومنها رواية أبي مريم الأنصاري المتضمنة لخروج قطعة من العذرة بالدلو وقد مرت في بحث القليل
ومنها رواية زرارة المتضمنة للاستقاء بجلد الخنزير وقد تقدم القول فيه في بحث القليل وهذه الروايات الأخيرة وإن لم تكن صحيحة لكنها مما يصلح للتأييد
وسيجئ في بحث البالوعة رواية أخرى يترائى منها عدم نجاسة البئر بالملاقاة وسنتكلم عليها وأما عدم وجوب النزح فللأصل وللروايات السابقة فإن
أكثرها مما يمكن الاستدلال به على عدم وجوب النزح سيما بعض منه فإن الاستدلال به قوي جدا مثل رواية محمد بن إسماعيل كما مرت الإشارة إليه وأما الروايات
الواردة بالنزح فبعضها غير صحيح السند وبعضها ليس بصيغة الامر مع أن صيغة الامر أيضا ليست بظاهرة في الوجوب في عرف أئمتنا (عليهم السلام) كما مر مرارا وأيضا الاختلاف
الكثير الواقع في النزح كما ستطلع عليه إنشاء الله تعالى بحيث لا يمكن توجيهه بوجه أصلا مما يورث الظن القوي بأن الأوامر كانت للاستحباب وما ذكره بعض الأصحاب
في توجيه الاختلاف المذكور من أن السر في النزح أنه كتدافع الجاري ومن ثم اختلفت الروايات بالأقل والأوسط والأكثر بحسب قوة النجاسة وضعفها وسعة المجاري
وضيقها فتارة يقصر تقصير الأئمة (عليهم السلام) على أقل ما يحصل به وتارة يستظهر عن ذلك وتارة يأمر بالأفضل ففيه تشويش لأنه أما أن يحصل سبب الاختلاف في الروايات
218

اختلاف النجاسات في القوة والضعف والمجاري في السعة والضيق فحينئذ يرد عليه أنه إنما يتجه إذا كانت الأوامر الواردة بالنزح كل منها في مادة مخصوصة وليس
كذلك بل أكثرها دال على العموم وأيضا على هذا الأوجه للجمع بين الروايات بحمل الأقل على الواجب والأوسط والأكثر على الأفضل وأما أن يجمع بينها
بهذا النحو الذي ذكره أخيرا فلا حاجة إلى ما ذكره أولا والحاصل أن الجمع بين هذين الوجهين وجعل المجموع وجها واحد مما لا يحسن هذا وقد احتج على مختارنا
من عدم النجاسة بالملاقاة بوجوه أخر أيضا ذكر بعضها العلامة في المنتهى منها أنها لو نجست لما طهرت والتالي باطل اتفاقا وللحرج فالمقدم مثله بيان الملازمة
أنه لا طريق إلى التطهير حينئذ إلا النزح وإلا لزم إحداث مذهب ثالث وهو لا يصلح لذلك أما أولا فلانه لم يعهد في الشرع تطهير شئ بإعدام بعضه وأما ثانيا فلانه
غالبا قد يسقط من الدلو الأخير إلى البئر فيلزم تنجيسها ولا ينفك المكلف من النزح وذلك ضرر عظيم وأيضا ينجس الدلو والرشا وجوانب البئر ونجاستها مانعة
من حصول الطهارة ومنها أنه بجريانه من منابعه أشبه الماء الجاري ومنها أنه لو نجست كذلك لكان وقوع الكر من الماء المصاحب للنجاسة فيها موجبا لنجاسة جميع الماء
والتالي ظاهر البطلان لان الملاقي للنجاسة إذا لم يتغير بها قبل وقوعه محكوم بطهارته فيمتنع نجاسته بغير منجس وبيان الملازمة إن ماء البئر بملاقاة النجاسة
يقتضي نجاسة الماء الواقع لاستحالة أن يكون بعض الماء الواحد طاهرا وبعضه نجسا مع عدم التميز ومنها إن القول بنجاسة البئر بالملاقاة دون المصنع إذا
كان كثيرا مما لا يجتمعان والثاني ثابت إجماعا فينتفي الأول بيان المنافاة أنه لا فرق بينه وبين البئر سوى المادة وهي مما يؤكد عدم نجاسته والجميع ضعيف لا يناسب بطريقتنا
فالاعراض عنها أولى واحتج القائلون بالنجاسة بوجوه أيضا منها ما رواه التهذيب في باب تطهير المياه والاستبصار في باب البئر يقع فيه الكلب في الصحيح عن علي بن يقطين
عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) قال سئلته عن البئر يقع فيها الحمامة أو الدجاجة أو الفارة أو الكلب أو الهرة فقال يجزيك أن تنزح منها دلاء
فإن ذلك يطهرها إنشاء الله تعالى وجه الاستدلال أنه لو كان طاهرا قبل النزح لما صح قوله (عليه السلام) فإن ذلك يطهرها لان تحصيل الحاصل محال وفيه إن الطهارة
لم يثبت كونها حقيقة شرعية في المعنى المصطلح وكثيرا ما تورد في الروايات بغير هذه المعنى ولو سلم فليحمل على المجاز جمعا بينه وبين الروايات المتقدمة إذا
التأويل فيه أظهر فيها ولو سلم عدم الأظهرية فالترجيح أيضا معها لتأيدها بالأصل إلا أن يعارض بالشهرة وأيضا القايلون بالنجاسة لا يمكنهم العمل بظاهر
هذه الرواية لأنه ليس من مذهبهم الاكتفاء في جميع هذه المذكورات بنزح دلاء كما سيجئ إنشاء الله تعالى ومنها
ما رواه التهذيب في الباب المذكور والاستبصار في باب البئر
يقع فيها الدم والكافي في باب البئر وما يقع فيها في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال كتبت إلى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن (عليه السلام) عن البئر يكون
في المنزل للوضوء فتقطر فيها قطرات بول أو دم أو يسقط فيها شئ من عذرة كالبعر أو نحوها ما الذي يطهرها حتى يحل الوضوء منها للصلاة فوقع (عليه السلام)
في كتابي بخطه ينزح منها دلاء وجه الاستدلال إن قوله (عليه السلام) بمنزلة إن طهرها بأن ينزح منها دلاء ليتطابق السؤال والجواب فلو كان طاهرا قبل لزوم تحصيل
الحاصل كما مر وفيه أيضا مثل ما سبق بتمامه مع أنه يمكن المناقشة في كون قوله (عليه السلام) بهذه المنزلة إذ كثيرا ما لم ينبه على خطأ السايل ويجاب على ما هو الواقع
وحديث التقرير والاغراء بالجهل مما لا يمكن التعويل عليه ومنها ما رواه التهذيب في باب حكم الجنابة والاستبصار في باب الجنب ينتهي إلى البئر والكافي في باب الوقت
الذي يوجب التيمم في الحسن عن ابن أبي يعفور وعنبسة بن مصعب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا أتيت البئر وأنت جنب ولم تجد دلوا ولا شيئا تغرف به فتيمم بالصعيد
فإن رب الماء ورب الصعيد واحد ولا تقع على البئر ولا تفسد على القوم ماؤهم والاستدلال به من وجهين أحدهما من قوله (عليه السلام) ولا تفسد فإنه يدل على أنه
لو وقع في الماء فسد الماء وظاهر الفساد النجاسة وثانيهما من الامر بالتيمم فإن التيمم مشروط بفقد الماء الطاهر فلو لم ينجس البئر بوقوعه لما فقد الماء الطاهر فلم يبح التيمم
والجواب عن الأول إن الفساد أعم من النجاسة فيجوز أن يكون المراد به تغيره باختلاط الحماة والطين والتراب لا يقال قد حملتم الفساد في رواية ابن بزيع المتقدمة على
النجاسة وها هنا تحملونه على غيرها وهو تحكم قلت كانت القرينة فيها موجودة كما لا يخفى وأيضا كان هناك في سياق النفي فيعم بخلافه ها هنا وعن الثاني
بأنا لا نسلم اشتراط صحة التيمم بفقد الماء مطلقا بل يجوز أن يكون مثل هذه الاعذار أيضا من مشقة النزول في البئر وخوف الضرر وتغير الماء وخلطه
بالحماة الموجب لنفرة الطباع وكذا وقوع الجنب الموجب لها مسوغة له ويريده ما رواه الكافي في الباب المذكور عن الحسين بن أبي العلاء قال سئلت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الرجل يمر بالركية وليس معه دلو قال ليس عليه أن ينزل الركية إن رب الماء هو رب الأرض فليتيمم حيث جوز التيمم للرجل مع أنه ليس فيه أنه جنب أو
نجس ومنها الروايات الكثيرة المستفيضة المتضمنة للنزح كما سيجئ وشهرته بين الخاص والعام مع أنه لو لم ينجس بالملاقاة لما كان للنزح فايدة وأيضا في بعض
منها الدلالة على عدم تجويز الوضوء والشرب قبل النزح والجواب إن انحصار الفائدة في النجاسة ممنوع لجواز أن يكون لطيب الماء وزوال النفرة والكراهة مع أن
عدم معلومية الوجه لنا لا يدل على المطلب إذ عقولنا الضعيف لا سبيل لها إلى هذه الأمور والبعض الذي يدل ظاهرا على عدم جواز الوضوء والشرب قبل
النزح يحمل على الكراهة جمعا بين الروايات سيما مع ما عرفت من القرينة الظاهرة على استحباب النزح من جهة الاختلاف العظيم الواقع في رواياته على أنه لو حمل
219

على ظاهره لم يثبت به النجاسة لجواز أن لا ينجس ويكون النزح واجبا ولم يجز استعماله قبله كما هو الظاهر من الاستبصار ومنها الشهرة بين الأصحاب وفيه إن الشهرة بمجردها ليست حجة نعم إنما تصير
مرجحة ومؤيده لو لم يعارضها ما هو أقوى منها وفيما نحن فيه كذلك كما ظهر وجهه في تضاعيف الكلمات وسيجئ في بحث البالوعة ما يدل بظاهره على نجاستها بالملاقاة
وسنجيب عنه إنشاء الله تعالى وأما البصروي أن كان مستنده في عدم نجاسته إذا كان كرا روايات الكر وفي نجاسته بدونه أدلة انفعال القليل بالملاقاة وقد يحتج له أيضا بما
رواه التهذيب في زيادات باب المياه والاستبصار في باب البئر يقع فيها العذرة في الموثق عن عمار قال سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن البئر يقع فيها زنبيل عذرة يابسة
أو رطبة فقال لا بأس إذا كان فيها ماء كثير وبرواية حسن بن صالح المتقدمة في بحث تحديد الكر ولا يخفى أن الجزء الأول من مذهبه لا نزاع لنا وهو كما قال
وأما الجزء الثاني فالجواب عن أدلتها أما عن الأول فبمنع عموم أدلة انفعال القليل بالملاقاة ولو سلم فتخصص بالروايات المتقدمة فإن قلت بينهما عموم
من وجه لا المطلق فلم لم يعكس الامر قلت لتأييدها بالأصل والاستصحاب وأما عن الثاني فبعدم صحة سنده وبحمله على الاستحباب جمعا وعن الثالث أيضا كذلك
مع أن رواية زيدي متروك العمل بما يختص بروايته وأما الجعفي فلم نقف له على مستند أصلا وأما ما ذهب إليه العلامة في المنتهى والشيخ في ظاهر كتابيه من وجوب
النزح فدليله الروايات الواردة بالنزح كما سيجئ وجوابه أنها تحمل على الاستحباب لعدم ظهورها في الوجوب ولو سلم الظهور فللجمع مع ما فيها من الاختلاف
العظيم الذي قرينته ظاهرة عليه وحيث لم يثبت وجوب النزح فلا فايدة في التعرض لجواز الاستعمال قبله وعدمه والقول بالعدم لعل مستنده بعض الروايات
التي ذكرنا أنه يدل على عدم جواز الوضوء والشرب قبل النزح كما سيجئ ومكاتبه محمد بن إسماعيل المذكورة ثانيا أيضا مما يمكن الاستدلال بها عليه ولو لم يكن
العلامة (ره) قايلا به أمكنه الجواب بالحمل على الكراهة وأما الاحتمال الذي نسبه بعض إلى الشيخ كما ذكرنا فعلى تقدير تحققه كان مستنده في النجاسة الأدلة المتقدمة
وفي عدم وجوب الإعادة مع عدم سبق العلم الروايات المتقدمة أولا الدالة على عدم وجوب الإعادة هذا ما بلغ إليه فهمنا في هذا الباب والله تعالى هو الملهم
للصواب والاحتياط الاجتناب عن مائها عند ملاقاة النجاسة بدون النزح في بعض الأوقات حيث يوجد ماء غيره وأما إذا لم يوجد فلا والله تعالى أعلم
بحقايق أحكامه (وطهره بنزح جميعه للمسكر) المراد بالمسكر ها هنا المايع بالأصالة لعدم نجاسة الجامد كالحشيشة اتفاقا واعلم إن أكثر القائلين بنجاسة البئر بالملاقاة
أوجبوا نزح الجميع لوقوع الخمر مطلقا سواء كان قليلا أو كثيرا ونقل عن الصدوق في المقنع أنه فرق بين قليله وكثيره فحكم بوجوب عشرين دلوا لوقوع قطرة
منه ويفهم من ظاهر المعتبر الميل إليه حجة الأكثر ما رواه التهذيب في باب تطهير المياه والاستبصار في باب البئر يقع فيها البعير والكافي في باب البئر في الصحيح عن الحلبي
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا سقط في البئر شئ صغير فمات فيها فانزح منها دلاء فإن وقع فيها جنب فانزح منها سبع دلاء وإن مات فيها بعير أو صب فيها خمر
فلينزح وزاد في الاستبصار في آخره الماء كله وما رواه أيضا في البابين في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إن سقط في البئر دابة صغيرة
أو نزل فيها جنب ينزح منها سبع دلاء فإن مات فيها ثورا ونحوه أو صب فيها خمر نزح الماء كله وليس في الاستبصار أو نحوه وما رواه أيضا في البابين في الصحيح عن
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في البئر يبول فيها الصبي أو يصب فيها بول أو خمر فقال ينزح الماء كله ولا يخفى إن دلالة هذه الروايات على ما اتفق عليه
القايلون بالنجاسة من وجوب نزح الجميع لوقوع الخمر الكثير ظاهرة وأما ما خالف فيه الصدوق ومن وقوع قطرة منه فغير ظاهرة إذ المتبادر من الصب وقوع
الكثير ولا أقل من عدم ظهور تناوله لوقوع القطرة وعند عدم الظهور لا دلالة واحتج الصدوق بما رواه أيضا في البابين عن زرارة قال قلت لأبي عبد
الله (عليه السلام) بئر قطر فيها قطرة دم أو خمر قال الدم والخمر والميت أو لحم الخنزير في ذلك كله واحد ينزح منه عشرون دلوا فإن غلبت الريح نزحت حتى يطيب
واعترض عليه أولا بأنه غير صحيح السند وثانيا بأنه غير ظاهر في القطرة بل شامل لها وللكثير أيضا وهو لا يعمل به بيانه أنه لو كان مختصا لما صح قوله (عليه السلام) فإن
غلبت الريح لظهور إن القطرة لا تغلب الريح وأجيب عن الثاني بأنا نعرف إن الرواية مشتملة على حكم التغير ولكن ما الذي يقتضي صرفه إلى الخمر ليلزم المستبعد أو
المحال مع عدم الاقتصار في الرواية عليه بل جمع فيها بينه وبين الميت ولحم الخنزير فأي مانع من إرادة التغير الحاصل من الميت وقرينة مع كونه الظاهر بقرينة
الحال ومع التنزل فلا أقل من الاحتمال ولا يخفى ما في دعوى الظهور وأجيب أيضا بأنه يمكن أن يكون المراد فإن غلبت الريح بالصب وضعف بالاضمار وبأن الانصباب
موجب لنزح الجميع فمع التغير أولى واحتج أيضا للصدوق بما رواه في البابين عن كردويه قال سئلت أبا الحسن (عليه السلام) عن البئر يقع فيها قطرة دم أو نبيذ
مسكر أو بول أو خمر قال ينزح منها ثلاثون دلوا وهذا أيضا ليس بصحيح مع أنه لا يدل على مدعى الصدوق إلا أن يكون مراده من الاحتجاج نفي وجوب نزح الجميع ثم
يجمع بين هذا الخبرين وسابقه بحمله على الاستحباب وإذ قد عرفت مأخذ القولين فاعلم إن ما يقتضيه النظر على تقدير نجاسة البئر بالملاقاة أن يقال أما أن لا يسلم
الاجماع المركب على أن ليس حكم القطرة حكم ما لا نص فيه أو يسلم فإن لم يسلم فالظاهر دخوله في حكم ما لا نص فيه لعدم ظهور شمول الروايات الصحيحة لها والروايتان الأخيرتان
لا عبرة بهما وسيجئ القول فيه إنشاء الله تعالى وإن سلم فحينئذ أما أن يقال بوجوب القدر المشكوك في التكاليف المشكوكة أولا فعلى الأول يجب نزح الجميع وعلى الثاني عشرون دلوا
220

وبالجملة الاحتياط في نزح الجميع هذا واعلم إن الشيخ (ره) وجماعة من الأصحاب ألحقوا المسكرات مطلقا بالخمر ولا دليل عليه وقد احتج في المعتبر بما روى إن
كل مسكر خمر وإن كل ما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر وفيه ضعف إلا أن يجعل مؤيدا للشهرة بين متأخري الأصحاب ويريدها أيضا تسوية قطرة النبيذ المسكر
لقطرة الخمر في خبر كردويه وبالجملة الاحتياط في نزح الجميع لها إذ على تقدير عموم شمول هذه الروايات لها يكون داخلة فيما لا نص فيه والاحتياط فيه أيضا
ذلك والفقاع ألحق الشيخ الفقاع أيضا بالخمر ولا نص فيه بخصوصه واحتج عليه في المعتبر بروايات وردت في أن الفقاع خمر وسنذكرها إنشاء الله تعالى مع ما يتعلق بها
في بحث النجاسات والحكم فيه أيضا كالحكم في ساير المسكرات فقس عليه (والمني) هذا أيضا لا دليل عليه لكن ذكره الشيخ (ره) وتبعه جماعة من الأصحاب وحكم المصنف في الذكرى
بشهرته قال المحقق في المعتبر أما المني فلم أقف على ما يدل بمنطوقه على وجوب نزح الماء بل يمكن أن يقال ماء محكوم بنجاسته ولم تثبت طهارته بإخراج بعضه فيجب
نزحه ولكن هذا يعود في قسم ما لم يتناوله نص على التعيين انتهى وهذا الاستدلال إنما يتجه على القول بالنجاسة وأما على القول بوجوب النزح دون النجاسة فلا
وسيجئ ما يتعلق بالمني في بحث اغتسال الجنب (واحد الدماء الثلاثة) الحيض والاستحاضة والنفاس ولا رواية فيها أيضا لكن قال به الشيخ (ره) ومن تبعه من المتأخرين و
احتج العلامة في المختلف بنحو ما ذكرنا من المعتبر في المني وكذا المصنف في الذكرى وقال في المعتبر ولعل الشيخ (ره) نظر إلى اختصاص دم الحيض بوجوب إزالة قليلة وكثيرة
عن الثوب فغلظ حكمه في البئر وألحق به الدمين الأخيرين لكن هذا التعلق ضعيف فالأصل إن حكمه حكم بقية الدماء عملا بالأحاديث المطلقة انتهى وما ذكره من ضعف
التعلق قوى لكن إلحاقها ببقية الدماء غير ظاهر إذ لم يوجد حديث مطلق في الدماء كما ستطلع عليه إنشاء الله تعالى سوى خبر زرارة وكردويه المتقدمتين آنفا وهما مع كون
ظاهرا أحدهما ومحتمل الاخر الاختصاص بالقطرة غير صحيحين فلم يصح التعلق بهما فحينئذ يدخل فيما لا نص فيه (وموت الثور) هذا قول أكثر الأصحاب ويدل عليه صحيحة
عبد الله بن سنان المتقدمة في الخمر وقد نسب إلى بعض الأصحاب الاقتصار على الكر وقال العلامة في المختلف إن الشيخين وأتباعهما لم يذكروا حكمه لكنهم أوجبوا نزح كر للبقرة
ونقل صاحب الصحاح إطلاق البقرة على الذكر فيجب الكر حينئذ ولا يخفى أن في عبارة المقنعة قريبا من التصريح بذلك لان فيها فإن مات فيها حمار أو بقر أو فرس
وأشباهها من الدواب ولم يتغير بموته الماء نزح منها كر من الماء وحينئذ إن كان الثور داخلا في البقر على ما في الصحيح فالامر ظاهر وإن لم يكن داخلا فيه فدخوله في الأشباه
ظاهر وبالجملة نزح الكر للثور مما لا دليل عليه والرواية الصحيحة ناطقة بالجميع مع اعتضادها بالشهرة فالظاهر العمل عليها (والبعير) لم يعرف فيه خلاف من الأصحاب
ويدل عليه صحيحة الحلبي المذكورة في بحث الخمر وكذا صحيحة عبد الله بن سنان على رواية التهذيب من زيادة أو نحوه وأما ما رواه التهذيب في باب تطهير المياه والاستبصار
في باب البئر يقع فيها البعير عن عمرو بن سعيد بن هلال وفي بعض نسخ التهذيب في موضع آخر عن ابن هلال قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عما يقع في البئر ما بين الفأرة
والسنور إلى الشاة فقال كل ذلك نقول سبع دلاء حتى بلغت الحمار والجمل فقال كر من ماء فلا يعارض ما ذكرنا لعدم صحة سنده سواء كان كلمة عن أو لا لكن تلقى
الأصحاب له بالقبول كما سيجئ مما يجبر ضعفه وأوله الشيخ في الاستبصار بأنه جواب عن الحمار فقط وعول في حكم الجمل على ما سمع منه من وجوب نزح الماء كله ولا يخفى
ما فيه وسيجئ لهذا تتمة في بحث الحمار (ولنجاسة لا نص فيها على الأحوط في غير المنصوص وقيل أربعون وقيل ثلاثون) اختلف الأصحاب في حكم ما لا نص فيه بخصوصه أي لم يرد
في الشرع تقدير نزح لها ولو بالعموم فقال الشيخ في المبسوط فالاحتياط يقتضي نزح جميع الماء وإن قلنا بجواز أربعين دلوا منها لقولهم (عليهم السلام) ينزح منها أربعون دلوا إن صارت منجزة
كان سايغا غير أن الأول أحوط انتهى ونسب إلى بعض الأصحاب أيضا القول بالأربعين وهو اختيار العلامة في بعض كتبه والمصنف (ره) في شرح الارشاد حكى عن السيد
جمال الدين بن طاوس أنه اختار في البشرى نزح ثلاثين دلوا وذهب ابن إدريس وابن زهرة إلى وجوب نزح الجميع أما حجة القول بالأربعين فما رواه الشيخ في المبسوط
واعترض عليه بأنه لم يوجد في الكتب المتعارفة للحديث وحال سنده غير معلوم وفي متنه أيضا قصور لان متعلق نزح الأربعين غير مذكور والدلالة موقوفة عليه
وقد أجيب عن الاشكالين بأن الشيخ ثقة ثبت فلا يضر إرساله لأنه لا يرسل إلا من الثقاة والظاهر من احتجاجه به دلالة صدره المحذوف وعلى محل النزاع وفيه من الضعف ما لا يخفى
وأما القول بالثلاثين فلا مستند له طاهرا سوى رواية كردويه التي سيجئ إنشاء الله تعالى في بحث وقوع ماء
المطر المخالط ببعض النجاسات وفيه أولا إنها ضعيفة السند و
ثانيا إن الامر بالثلاثين فيها في شئ مخصوص بقرينة السؤال عنه فلا يدل عموما حتى يقال إنها دلت عموما على وجوب نزح الثلاثين لجميع النجاسات خرج ما فيه تقدير بالدليل وبقي الباقي
وأما حجة القول بوجوب نزح الجميع فاستصحاب النجاسة وعدم ثبوت مزيل له سوى نزح الجميع للاتفاق وفيه بعض المناقشات التي سبقت في الاستصحاب وأيضا عدم ثبوت مزيل
سوى نزح الجميع فيما لا نص فيه بخصوصه مطلقا غير مسلم لدلالة بعض الروايات على أنه إذا تغير نزح حتى يذهب التغير مثل صحيحة ابن بزيع المتقدمة وغيرها وهي شاملة
لما لا نص فيه ولما فيه نص خرج الثاني بالدليل وبقي الباقي فإذا ثبت عدم وجوب نزح الجميع في حال التغير فبدونه بطريق الأولى قيل وربما يترجح بهذا الاعتبار
القول بالأربعين لانحصار أقوال الأصحاب ظاهرا في الثلاثة وقد انتفى الجميع بهذا الحديث ولا دليل على الاجتزاء بالثلاثين فتعين المصير إلى الأربعين لكن في
الاكتفاء بمثله في إثبات الحكم نظر لتوقفه على العلم بانحصار الأقوال في العدد المخصوص وحصوله عزيز والغالب في مثله عدم العلم بخلافها لا العلم بعدم الخلاف و
221

بينهما فرق جلي ثم قيل بعد ذلك والمتجه عندي الاكتفاء بنزح ما يزيل التغير لو كان إن وجد إلى العلم به سبيل وإلا فالجميع وليس ذلك بطريق التعيين على التقديرين
بل لان المقدار المطهر غير معلوم ومع بلوغ أحدهما يعلم حصوله لاشتمال كل منهما عليه انتهى والظاهر أن عند تقدير التغير إنما يقدر أقل مراتبه ولا يخفى أنه لو لم
يسلم وجوب القدر المشكوك ولا الاستصحاب فالمتجه على تقدير التغير النزح حتى يزول التغير وعلى تقدير عدمه نزح ثلاثين دلوا لعدم القول بأقل منه إن أمكن
حصول العلم بقدر ما يزيل التغير التقديري وكان زايدا على الثلاثين وكذا إن لم يمكن العلم به وأما إذا أمكن ولم يكن زايدا على الثلاثين فاكتفى به واعلم أنه قال المحقق
في المعتبر بعد نقل القول بنزح الجميع وبنزح الأربعين ويمكن أن يقال فيه وجه ثالث وهو أن كل ما لم يقدر له منزوح لا يجب فيه نزح عملا برواية معاوية
المتضمنة قول أبي عبد الله (عليه السلام) لا يغسل الثوب ولا تعاد الصلاة مما يقع في البئر إلا أن ينتن ورواية ابن بزيع ماء البئر واسع لا يفسده شئ
إلا أن يتغير ريحه أو طعمه وهذا يدل بالعموم فيخرج منه ما دلت عليه النصوص بمنطوقها أو فحواها ويبقى الباقي داخلا تحت هذا العموم وهذا يتم لو قلنا إن
النزح للتعبد لا للتطهير أما إذا لم نقل ذلك فالأولى نزح مائها أجمع انتهى وبما ذكرنا ظهر حال ما ذكره (ره) فتأمل (ولعرق الجنب حي أما وعرف الإبل الجلالة
والفيل عند ابن البراج) نسب المصنف في الذكرى القول بوجوب نزح الجميع في الأولين إلى ابن أبي البراج وفي الأخير إلى بعضهم وظاهره أنه غير ابن البراج وفي هذا الكتاب
نسب الجميع إليه وبالجملة لا دليل على شئ منها والظاهر إلحاقها بما لا نص فيه إن قلنا في الأولين بالنجاسة وكأنه أيضا أدخلها فيه واعتقد فيه وجوب نزح الجميع
لكن لا وجه لافراد هذه الأمور من جملته ويمكن إدخال الفيل في نحو الثور المذكور في صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة (ولروث وبول غير المأكول عند أبي
الصلاح) نسب العلامة في المختلف هذا القول بإطلاقه كما في المتن إلى أبي الصلاح لكن في الذكرى استثنى بول الرجل والصبي وعلى أي حال لا دليل عليه إلا
أن يجعله من باب ما لا نص فيه وكان معتقده فيه وجوب نزح الجميع (وكر للدابة والبغل والحمار والبقرة) قال العلامة في المنتهى إن نزح الكر في الحمار مذهب أكثر أصحابنا ونسبه
المحقق في المعتبر إلى الخمسة وأتباعهم قال والمستند رواية عمرو بن سعيد عن أبي جعفر (عليه السلام) وإن ضعف سندها فالشهرة تؤيدها فإني لم اعرف من الأصحاب
رادا لها في هذا الحكم والطعن فيها بطريق التسوية بنى الجمل والحمار والبغل غير لازم لان حصول التعارض في أحد الثلاثة لا يسقط استعمالها في الباقي وقد
أجاب بعض الأصحاب بأنه من الجايز أن يكون الجواب وقع عن الحمار والبغل دون الجمل إلا أن هذا ضعيف لأنه يلزم منه التعمية في الجواب وهو ينافي حكمة المجيب انتهى
واعترض عليه بأن في هذا الكلام نظرا لان حصول التعارض في بعض المدلول مع رجحان المعارض يوجب الحمل على إرادة خلاف الظاهر مع إمكانه وإلا فالاطراح
وما تضمنته الرواية من نزح الكر وقع جوابا للسؤال عن مجموع الامرين وعبارة الجواب متحدة فكيف يمكن التأويل أو الرد في بعض وإبقاء البعض الاخر مع أن اللازم
من التأويل أن يكون المجيب أراد من اللفظ الواحد ظاهره بالنظر إلى بعض ما تضمنه السؤال وخلاف ظاهره في البعض الاخر وأي تعمية أقوى من هذه فقد لزمه
ما أنكره ومقتضى الاطراح أن يكون السايل توهم ما ليس بمراد ومعه كيف يبقى الوثوق في البعض الاخر وفيه نظر لان قوله (عليه السلام) كر من ماء في جواب السؤال عن
الحمار والبغل والجمل بمنزلة إن في كل منها كر من ماء فيكون عاما فحينئذ يخصص الجمل من بينها بالرواية الأخرى فلا فساد فيه كيف ولو كان مثل هذا تعمية والغاز
إلا نسد باب التخصيص مطلقا ويجب الحكم ببقاء الباقي لعدم دليل على إخراجه وقد يقال أنه ليس من باب العموم بل من باب التنصيص وللتأمل مجال نعم يتوجه الايراد على المحقق
بأنه يمكن حمل كلام بعض الأصحاب وكان مراده الشيخ (ره) على ما ذكره بعينه وإن كان الظاهر خلافه وإذ قد عرفت هذا فاعلم إن نزح الكر للحمار مما لا إشكال فيه أما على
رأينا من استحباب النزح فظاهر وأما على القول بالوجوب فلما عرفت من وجود الرواية المنجبر ضعفها بالشهرة بل بالاجماع الظاهري مع أن الشيخ (ره) في باب أوقات
صلاة التهذيب أورد خبر معتمدا يدل على رفعة حال عمرو بن سعيد بل على توثيقه لكن فيه خدشة من حيث إن فيه عمر بن سعيد بن هلال دون عمرو وها هنا عمرو
وأيضا في بعض نسخ التهذيب عن نقل هذه الرواية مرة ثانية عن ابن هلال كما نقلنا وحينئذ وإن سلم إن عمرو بن سعيد هو المدايني الثقة لكن ابن هلال
لم نعرفه بعينه وأما للبغل والفرس والبقر ففيه إشكال وإن كان الامر في البغل أسهل بيانه إن في رواية عمرو بن سعيد والاستبصار وكذا في نسخ التهذيب عند
نقلها في المرة الأولى ليس ذكر البغل لكن في بعض نسخة في المرة الثانية يوجد البغل والمحقق (ره) أورد ذكر البغل كما نقلنا وحينئذ وإن لم يوجد في الاستبصار ولا
في المرة الأولى من التهذيب لكن وجوده في بعض نسخ المرة الثانية مع نقل المحقق العدل الثبت كأنه يكفي في الحكم بثبوته ولما عرفت إن الرواية تلقاها الأصحاب
بالقبول فظهر انسحاب الحكم في البغل أيضا وأما الفرس والبقر فقد الحقهما الثلاثة بالحمار وقال المحقق في المعتبر ونحن نطالبهم بدليل ذلك فإن احتجوا برواية
عمرو بن سعيد قلنا هي مقصورة على الجمل والحمار والبغل فمن أين يلزم في البقرة والفرس فإن قالوا هي مثلها في العظم طالبناهم بدليل التخطي إلى المماثل
من أين عرفوه لا بد له من دليل ولو ساغ البناء على المماثلة في العظم لكان البقرة كالثور ولكان الجاموس كالجمل وربما كان فرس في عظم الجمل فلا تعلق
إذا بهذا وشبهه ومن المقلدة من لو طالبته بدليل ذلك لادعى الاجماع لوجوده في كتب الثلاثة وهو غلط وجهالة إن لم تكن مجاهلة فالأوجه أن يجعل
222

الفرس والبقرة في قسم ما لم يتناوله نص على الخصوص انتهى وما ذكره جيد سوى إن إدخالهما في قسم ما لا نص فيه مشكل أما البقرة فلان صحيحة عبد
الله بن سنان المتقدمة في بحث وقوع الخمر متناولة لها صريحا حيث فيها ثورا ونحوه إلا أن يقال وجود نحوه غير معلوم لخلو الاستبصار عنه وهو مما يضعف
الاعتماد وكذا يشملهما صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة في بحث نجاسة البئر المتضمنة لنزح عشرين للميتة إذا كان له ريح حيث يدل على كفاية العشرين
مع عدم الريح بطريق الأولى وكذا يشملهما رواية زرارة المتقدمة في بحث وقوع الخمر المنضمة للميت بعمومها إلا أن يقال لا عبرة بها لعدم صحة مستندها مع عدم
عمل الأصحاب بمضمونها وكذا يشملهما ما رواه التهذيب في باب تطهير المياه والاستبصار في باب البئر يقع فيها الكلب في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم وبريد بن
معاوية العجلي عن أبي عبد الله (عليه السلام) وأبي جعفر (عليه السلام) في البئر يقع فيها الدابة والفارة والكلب والطير فيموت قال يخرج ثم ينزح من البئر دلاء ثم إشرب و
توضأ وكذا ما رواه في البابين عن أبي العباس الفضل البقباق قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) في البئر يقع فيها الفارة أو الدابة أو الكلب أو الطير فيموت
قال يخرج ثم ينزح من البئر دلاء ثم يشرب منه ويتوضأ إلا أن يمنع شمول الدابة للبقرة ويقال إنها مختصة بالفرس كما ذكره بعض أو بكل ما يركب كما في الصحاح
ويقال المراد ما يركب في العادة والبقرة ليست كذلك وأما الفرس فاندراجه في الأخيرتين ظاهرا على أي معنى من المعاني اللغوية أو العرفية حملت الدابة كانت
شاملة للفرس وكذا في الثانية وبما ذكرنا ظهر أنه لا يبعد الاكتفاء في الفرس بالدلاء وإن روعي مع ذلك عدة العشرين ليتحقق العمل بمقتضى رواية محمد
وزرارة أيضا لكان أحسن ومراعاة الكر أخذا بالشهرة أحوط وأما البقرة فالظاهر أن يكتفي فيها بنزح الكر إذا كان عشرين دلوا إذ حينئذ يتحقق العمل بمقتضى الروايات
الثلاث الأخيرة والشهرة وصحيحة عبد الله ليست بصريحة في نقيضه أما أولا فلتطرق الشك في وجود نحوه وأما ثانيا فلامكان الحمل على الفضيلة كما نقلنا
سابقا من قاعدة الجمع بين روايات النزح من بعض الأصحاب وهو المحقق (ره) والاحتياط في نزح الجميع ليتحقق العمل بهذه الصحيحة أيضا واعلم إن العلامة (ره)
في المنتهى بعد أن أثبت نزح الكر للحمار برواية عمرو بن سعيد المتقدمة قال وأما البقرة والفرس فقد قال الشيخ (ره) والسيد المرتضى والمفيد بمساواتهما
للحمار في الكر ولم أقف في ذلك على حديث إلا ما رواه الشيخ في الصحيح ونقل صحيحة الفضلاء المتقدمة ثم قال قال صاحب الصحاح الدابة اسم لكل ما يدب على
الأرض والدابة اسم لكل ما يركب فنقول لا يمكن حمله على المعنى الأول وإلا لعم وهو باطل لما يأتي فيجب حمله على الثاني فنقول الألف واللام في الدابة
ليست للعهد لعدم سبق معهود يرجع إليه فأما أن يكون للعموم كما ذهب الجبائيان أو لتعريف الماهية على المذهب الحق وعلى التقديرين يلزم العموم
في كل مركوب أما الأول فظاهر وأما الثاني فلان تعليق الحكم على الماهية يستدعي ثبوته في جميع صور وجودها وإلا لم يكن علة هذا خلف وإذا ثبت العموم دخل فيه الحمار
والفرس والبغال والإبل والبقر غير إن الإبل والثور خرجا بما دل بمنطوقه على نزح الجميع فيكون الحكم ثابتا في الباقي فإن قلت يلزم التسوية بين ما عدده
الامامان (عليه السلام) قلت خرج ما استثنى لدليل مفضل فيبقى الباقي لعدم المعارض وأيضا التسوية حاصلة من حيث الحكم بوجوب نزح الدلاء وإن افترقت بالكثرة
والقلة وذلك شئ لم يتعرضا له إلا أن لقايل أن يقول ما ذكرتموه لا يدل على بلوغ الكرية ويمكن التمحل بأن يحمل الدلاء على ما يبلغ الكر جمعا بين المطلق و
المقيد خصوصا مع الاتيان بصيغة جمع الكثرة لا يقال إن حمل الجمع على الكثرة استحال إرادة القلة منه وإلا لزم الجمع بين إرادتي الحقيقة والمجاز وإن حمل على القلة
فكذلك لأنا نقول لا نسلم استحالة التالي سلمناه لكن إن حمل على معناه المجازي وهو مطلق الجمع يلزم ما ذكرتم على أن لنا في كون الصيغ المذكورة حقايق أو مجازات
في القلة والكثرة نظرا وبعض المتأخرين استدل بهذه الرواية على وجوب النزح للحمار دون الفرس والبقر وألحقهما بما لم يرد فيه نص وقد ظهر بطلانه وقد روى
مثل هذه الرواية البقباق عن أبي عبد الله (عليه السلام) انتهى واعترض عليه صاحب المعالم (ره) بأنا إذا سلمنا إرادة المركوب من لفظ الدابة وإن التعريف فيها يفيد
العموم فلا ريب إن ظاهر الحديث استواء جميع ما تضمنه السؤال في مقدار النزح لا في أصله وحينئذ فالعدول عنه في بعض ذلك إلى القول بخلاف ما دل عليه يقتضي
قصر الجواب على بعض ما تضمنه السؤال من غير قرينة ولا بيان حاله ولا يخفى سلمنا ولكن من أين يعلم إن المراد بالدلاء ما يبلغ الكر ولو دل على ذلك دليل لم يكن
لارتكاب هذا الشطط أوجه من البين إن الداعي إلى تجشم هذه الحجة عدم الدليل على الحكم وما ذكره حسن سوى قوله وحينئذ فالعدول عنه إلى آخره لما عرفت سابقا من أنه لو
صح هذا لا نسد باب التخصيص لكن ألحق إن ارتكاب التخصيص في هذه الرواية أشد مخالفة للظاهر من حمل الروايات المعارضة لها على الفضيلة والاستحباب فالظاهر
حملها على ظاهره المعارضات على الفضيلة والحكم بكافية نزح الدلاء لجميع ما تضمنه لكن الشهرة بين الأصحاب مما يزاحمه ويمانعه ثم لا يخفى أنه لا حاجة
للعلامة (ره) في هذا الاستدلال إلى نفي كون الدابة بالمعنى الأول إذ لو كانت بالمعنى الأول أيضا فلا يضره غايته إنه خرج بعض الأشياء بالدليل المنفصل عن
الحكم فيبقى الباقي وهو لا يتحاشى عنه كما صرح به وعلى هذا المنع الذي ذكره صاحب المعالم (ره) أولا مما لا يضر بالمقصود واعلم إن مراد العلامة (ره) بهذه الرواية
في أواخر كلامه رواية عمرو بن سعيد فتدبر (وسبعين دلوا للانسان) هذا مما اتفق عليه القايلون بالنجاسة كما في المعتبر والمنتهى ومستنده ما رواه التهذيب في باب تطهير المياه
223

في الموثق عن عمار الساباطي قال سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل ذبح طير فوقع بدمه في البئر فقال ينزح منها دلاء إذا كان ذكيا وما سوى ذلك مما يقع في
بئر الماء فيموت فيه فأكثره الانسان ينزح منها سبعون دلوا وأقله العصفور ينزح منها دلوا واحدا وما سوى ذلك فيما بين هذين قال المحقق في المعتبر لا يقال هذا
السند فطحية لنا نقول هذا حق لكن من الثقاة مع سلامته عن المعارض ثم هذه الرواية معمول عليها بين الأصحاب عملا ظاهرا وقبول الخبر بين الأصحاب مع
عدم الراد له يخرجه إلى كونه حجة فلا يعتد إذن بمخالف فيه ولو عدل إلى غيره لكان عدولا عن المجمع على الطهارة به إلى الشاذ الذي ليس بمشهور وهو باطل
بخبر عمر بن حنظلة المتضمن لقوله (عليه السلام) خذ ما اجتمع عليه أصحابك واترك الشاذ الذي ليس
بمشهور انتهى واعترض عليه صاحب المعالم بأن في هذا التوجيه
نظرا واضحا لأنه إن كان الاجماع واقعا على مضمون الخبر كما يدل عليه قوله ولو عدل عنه إلى غيره لكان عدولا عن المجمع على الطهارة به فهو الحجة ولا حاجة إلى
التكلف الذي ذكره وإن لم يتحقق الاجماع الذي ينهض بانفراده حجة لم يكف الاعتبارات التي قربها في إثبات الحكم وقد أنكر حجية مثلها في مواضع فقناعته
بها ها هنا لا يخلو عن غرابة ولا يذهب عليك إن مراد المحقق (ره) من الاجماع الشهرة كما يدل عليه قوله الشاذ الذي ليس بمشهور وما ذكره صاحب المعالم من أنه حينئذ
لم تكف الاعتبارات إلى آخر ما قاله غير ظاهر إذ الظاهر أن وجود الرواية الغير الصحيحة خصوصا إذا كانت من الثقات مع عدم معارض لها وشهرتها بين الأصحاب جدا
مما يكفي في ثبوت الحكم وإلا لا نسد باب العمل بأخبار الآحاد إلا نادرا إذ الأخبار الصحيحة أيضا مع وجود أدنى معارض لها أو مع عدم شهرتها بين الأصحاب شهرة
عظيمة مما لا يزيد على هذه الرواية في إيراث الظن وظاهر إن مناط العمل حصول الظن لا كون الراوي عدلا إماميا وإن لم يحصل الظن برواته لان إثباته مما لا سبيل
إليه وما نسب إلى المحقق (ره) من إنكار حجية مثلها في مواضع أيضا مما ليس بظاهر إذ إنكاره (ره) في المواضع أما لعدم تحقق الشهرة العظيمة وأما لوجود المعارض وأما لعدم
الرواية بل اكتفى بمجرد الشهرة وبالجملة إنكاره (ره) في مثل ما نحن فيه غير ظاهر نعم يمكن أن يعترض عليه بأن سلامته من المعارض غير مسلم لان صحيحة محمد بن مسلم ورواية زرارة
المتضمنتين لنزح عشرين للميتة مطلقا إنما تعارضانه إلا أن يقال هذه ليست بالمعارضة المرادة ها هنا لأنهما عامتان ورواية عمار خاصة والعام يجب حمله على
الخاص كما هو المعمول والمعارضة المرادة ها هنا ما لم يجب حمل أحد المتعارضين فيها على الاخر لكن الحق إن وجوب حمل العام على الخاص فيما يمكن ارتكاب مجاز في الخاص
ليس مخالفته للظاهر أشد من مخالفة التخصيص ليس بظاهر مع أن فيما نحن فيه لا ظهور للخاص في وجوب نزح سبعين وبالجملة التعويل في الحكم على الشهرة بين الأصحاب
وعدم ظهور أدلة من القائلين بالنجاسة وأما نحن معاشر القايلين باستحباب النزح فالامر علينا سهل بحمد الله تعالى ثم اعلم إن المشهور بين الأصحاب أنه لا فرق
في ذلك بين المسلم والكافر وقال ابن إدريس بالفرق وذهب إلى وجوب نزح الجميع للكافر واحتج بأن الكافر نجس فعند ملاقاته حيا يجب نزح البئر أجمع والموت
لا يطهر فلا يزول وجوب نزح الماء وذكر أنه لو تمسك بعموم الانسان لكان معارضا بما ورد أنه إذا ارتمس الجنب في البئر نزح منها سبع دلاء فإنه يشترط
فيه الاسلام إذ لا يقدم أحد من الأصحاب على القول في الجنب بنزح سبع دلاء ولو كان كافرا كما اشترط ها هنا الاسلام فكذا ثمة وأيضا قد خصص الكافر
من العموم بالاجماع قال المحقق في المعتبر والجواب قوله ملاقاة الكافر موجبة لنزح الماء قلنا لا نسلم قوله أجمع الأصحاب قلنا هذه دعوى مجرده بل نحن نقول إنا
لم نقف على فتوى بذلك فكيف يدعى الاجماع ولو قال ذكر الشيخ ذلك في المبسوط قلنا قوله في المبسوط ليس دليلا بمجرده فضلا أن يدعى به الاجماع ثم الشيخ لم يجزم بذلك لأنه
يقول ما لم يرد فيه مقدر منصوص يجب منه نزح الماء احتياطا وإن قلنا بجواز أربعين دلوا للخبر كان سايغا غير أن الأحوط الأول والشيخ إنما صار إلى الاحتياط
استظهارا لا قطعا ثم أنه علل إيجاب نزح الماء في الكافر لأنه لا دليل على مقدر ونحن نقول الدليل موجود لان لفظ الانسان إذا كان متناولا للكافر والمسلم
جرى مجرى النطق بهما فإذا وجب في موته سبعون لم يجب في مباشرته أكثر لان الموت يتضمن المباشرة فيعلم نفي ما زاد من مفهوم النص وهذا كما نقول في الجواب
عن الخنزير إذا وقع وخرج حيا فإنه لا يجب له أكثر من أربعين وإن كان لم يرد على عينه نص بل فحواه دل على ذلك فالشيخ (ره) لم يصر إلى إيجاب الكل إلا لتوهمه إن النص
لا يدل بمفهومه على نفي ما زاد عن سبعين ولو قال سلمنا للعموم لكنه مخصوص قلنا تخصيص العموم بالاحتياط غير جايز وإنما يخص بالدليل القاطع أما الاحتياط
فليس من مخصصات العموم في شئ لأنه إنما يصار إليه عند عدم الدليل والعموم دليل فيسقط الاحتياط معه وكذا المطلق دليل فلا يعتبر معه الاحتياط ومعارضته
بالجنب غير واردة لأنا نجيب من وجوه أحدها إن الارتماس من الجنابة أنما يراد الطهارة فيكون ذلك قرينة دالة على من له عناية بالطهارة وهو المسلم ولهذا
قال الشيخ في المبسوط ينزح منها سبعة دلاء ولم يطهر الثاني أن نقول أما أن يكون ها هنا دليل يمنع من تنزيل خبر الجنب على الكافر والمسلم وأما أن لا يكون فإن
كان فالامتناع إنما هو لذلك الدليل وإن لم يكن قلنا بموجبه سواء كان مسلما أو كافرا فإنا لم نره زاد على الاستبعاد شيئا والاستبعاد ليس حجة في بطلان
المستبعد الوجه الثالث إن مقتضى الدليل العمل بالعموم في الموضعين وامتناعنا من استعمال أحد العمومين في العموم لا يلزم منه إطراح العموم الاخر لأنا نتوهم
لاحد العمومين مخصصا فالتوقف عنه إنما هو لهذا الوهم فإن صح وإلا قلنا به مطلقا فالالزام غير وارد ثم هذا ليس بنقض على مسئلتنا بل نقض على
224

استعمال اللام في الاستغراق أين كان فيلزم أن لا ينزل قوله الزانية والزاني على العموم ولا قوله السارق والسارقة لأنا لم ننزل الجنب ها هنا على العموم انتهى و
اعترض عليه صاحب المعالم (ره) بأن الحيثية معتبرة في جميع موجبات النزح فمعنى وجوب نزح السبعين لموت الانسان إن نجاسة موته يقتضي ذلك فالعموم
الواقع فيه إنما يدل على تساوي المسلم والكافر في الاكتفاء لنجاسة موتهما ينزح السبعين فإذا انضم إلى ذلك جهة أخرى للنجاسة كالكفر ونحوه لم يكن للفظ
دلالة على الكناية إلا ترى أنه لو كان بدن المسلم متنجسا بشئ من النجاسات وكانت العين غير موجودة لم يكف نزح المقدر عن الامرين ولو تم ما ذكروه لاقتضى الاكتفاء
وهم لا يقولون به جملة فالكفر أمر عرضي للانسان كملاقاة النجاسة ولكل منهما تأثير في بدنه بالتنجس لكن الأول يشمل جميع بدنه والثاني يختص بما يلاقيه
فكما أن العموم غير متناول النجاسة الملاقاة لا يتناول نجاسة الكفر وبهذا يظهر إن المعارضة في محلها إذ حاصلها إن الحيثية متبادرة من اللفظ ولذلك
فرقوا بين المسلم والكافر في مسألة الجنب فينبغي مثل ذلك ها هنا وقول المحقق إن الارتماس من الجنابة إنما يراد للطهارة إلى ضعيف لخلو أكثر الأخبار الواردة
في الجنب عن ذكر الاغتسال وإنما ذكر فيها النزول والوقوع وقوله أما أن يكون ها هنا دليل إلى آخره قد ظهر جوابه مما ذكرنا وكذا قوله إن مقتضى الدليل العمل
بالعموم في الموضعين وقوله هذا ليس ينقض على مسئلتنا بل نقض على استعمال اللام في الاستغراق إلى آخره واه جدا لأن اللازم من عدم عموم لفظ الجنب لنجاسة
الكفر عدم تناول الزاني والسارق ونحوهما لغير حيثية الزنا والسرقة بحيث يكون الحد المذكور لكل واحد منهما كافيا عنه وعن غيره وهذا مما لا ريب فيه ونحن لا ندعي
خلافه والحاصل إن ملاحظة الحيثية يرشدك إلى رد كلام المحقق في هذا المقام من أصله لابتنائها على إغفالها انتهى ولا يذهب عليك إن ما ذكره صاحب
المعالم (ره) لا يصلح توجيها لكلام ابن إدريس ولا يدفع إيراد المحقق (ره) عليه نعم قد يورث شكا في حقية كلام المحقق في الواقع بيانه إن ابن إدريس (ره)
استدل على اشتراط الاسلام في نزح سبعين بوجهين أحدهما إن الاجماع واقع على أن اليهودي وكل كافر من أجناس الكفار إذا باشر ماء البئر ببعض من أبعاضه
نجس الماء ووجب نزح جميعها مع الامكان أو التراوح وهذا الوجه له احتمالان أحدهما أن يكون مراده إن الاجماع وقع على أن مباشرة الكافر موجب لنزح
الجميع والكافر الميت أيضا يصدق عليه الكافر وثانيهما إن الاجماع وقع على أن مباشرة الكافر في حال الحياة موجب لنزح الجميع ففي حال الموت بطريق الأولى لان
الموت يزيد النجس نجاسة والظاهر أن مراده الثاني لأنه يظهر من كلماته أنه يدعى الاجماع على المباشرة حال الحياة وثانيهما إن الاجماع واقع على أن الكافر إذا نزل إلى الماء وباشره يجب نزح الجميع فعند نزوله إلى الماء قبل الموت وجب نزح
الجميع وظاهر إن الموت ليس بمطهر فكيف يسقط وجوب الجميع ولا يخفى إن الوجه الأول شامل للواقع ميتا بخلاف الثاني ثم اعترض على نفسه أنه قد ورد في الرواية
أنه إذا مات انسان في البئر ينزح منه سبعون وهو عام في المؤمن والكافر ولم يفصل وكذا أورد الشيخان وابن بابويه هذا الحكم مطلقا من غير تفصيل فيجب
العمل به وأجاب بوجهين أولا بالنقض وثانيا بالحل أما النقض فإن الرواية وردت في الجنب أيضا عاما من غير تفصيل وكذا أورد الثلاثة المذكورة حكم الجنب من غير
تفصيل فيلزم على ما ذكرتم أن يكون الجنب الكافر أيضا كذلك مع أنه باطل بالاتفاق وأما الحال هو أنه وإن كانت الرواية عامة لكن عند تعارض العام والخاص
يجب العمل بالخاص وقد أورد لذلك شواهد وها هنا قد تعارض العام والخاص لان الرواية عامة وما ذكر من الاجماع خاص فيجب أن يحمل الرواية على الانسان المسلم
لئلا يلزم التناقض هذا حاصل كلامه (ره) ومحصل اعتراض المحقق (ره) عليه إن الاجماع على ما ادعاه ممنوع ولو تمسك بما ذكره الشيخ في المبسوط من أن الكافر إذا
أنزل البئر وباشر الماء وجب نزح الماء أجمع فقول الشيخ بمجرده ليس حجة فضلا أن يكون إجماعا مع أن الشيخ لم يجزم به بل ذكره من باب الاحتياط وأيضا احتياط الشيخ
إنما هو لأجل أنه لم يرد فيه نص كما صرح به والحال إن النص موجود فيضمحل احتياطه بالكلية وبيان وجود النص إن لفظ الانسان عام للمؤمن والكافر فيكون
بمنزلة النطق بهما فيصير الرواية في قوة إن الانسان المسلم والانسان الكافر إذا وقعا في البئر وماتا نزح منها سبعون دلوا ولا شك إن هذا إنما يدل ظاهرا
على أن الكافر إذا باشر الماء حيا لم يجب له أزيد من سبعين لأنه إذا كان مع الموت يجب له سبعون فبدونه لا يجب أزيد منه كيف والموت لا يخفف نجاسته بل
يزيد كما صرح به ابن إدريس (ره) فثبت بالنص فحوى أن مباشرة الكافر للماء لا يوجب نزح الجميع بل إنما يوجب سبعين أو أقل منه فخرج مما لا نص فيه فلم يكن الاحتياط
نزح الجميع وجه ولا يمكن لابن إدريس (ره) منع هذه الدلالة والقول بأن هذه العبارة إنما يدل على أن نزح سبعين إنما هو لأجل نجاسة الموت فإن
انضم إليها نجاسة أخرى لا يكفي نزح سبعين كما إذا كان بدن الانسان نجسا على ما ذكره صاحب المعالم أما أولا فلان سياق كلامه (ره) ها هنا يدل على أن هذا
العموم لو كان باقيا بحاله لكان نزح السبعين متعينا لكنه منع بقاء العموم وقال إنه قد خصص بالاجماع وخرج منه الكافر فلو كان نظره إلى اعتبار الحيثية
لما احتاج إلى منع العموم وادعاء التخصيص بالاجماع وأما ثانيا فلانه ذكر في بحث وقوع الكلب إنه وردت رواية بنزح سبعة دلاء لخروجه حيا لكنها ضعيفة
فيجب نزح أربعين كما في موته ثم اعترض على نفسه بقوله فإن قيل إذا لم يعمل بالرواية فلم ينزح منها أربعون دلوا ولم لا ينزح جميع مائها لأنه داخل في
حكم ما لم يرد به نص معين قيل له لا خلاف بين أهل النظر والتأمل في أصول الفقه أن الموت يزيد النجس نجاسة فإذا كان الكلب بموته في البئر ينزح منها
225

أربعون فما يكون وقوعه فيها وهي حي يزيد على نجاسة موته وبعد فإنه يلزمه ما ألزمناه في نزول الانسان الكافر إلى البئر وتنجيسه لها ووجوب نزح
جميع مائها لأنه عنده لم يرد به نص فإذا مات بعد ذلك فيها وجب نزح سبعين دلوا أتراه انقلب جنسه وزال ذلك الحكم ولا خلاف أن الموت ينجس
الطاهر ويزيد النجس نجاسة وهذا قلة فقه ثم أصول المذهب تدفعه لان نجاسة البئر لا يرفعها إلا إخراج بعضه أو جميعه وهذا ما أخرج شيئا حتى يغير
حكمه انتهى وهذا صريح فيه أنه إذا أورد أمر بأن الشئ الفلاني إذا ورد في البئر ومات وجب نزح كذا يلزم منه أن لا يجب لخروجه حيا أزيد من كذا ولو كان الحيثية
معتبرة لما كان هكذا إذ يجوز أن يكون نزح كذا لأجل نجاسة الموت فلا يلزم أن يكون مع انضمام نجاسة أخرى أيضا كذلك وبما ذكرنا ثانيا أشار المحقق
(ره) بقوله وهذا كما تقول في الجواب إلى آخره فظهر أن كلام المحقق (ره) تمام على ابن إدريس ولا قصور فيه فإن قلت ظهر من كلام ابن إدريس المنقول آخرا أن الاستدلال بعدم
ورود النص في حال الحياة مما لا يصح في إثبات نزح جميع الماء في هذا الباب ونظائره فما متمسكه في نزح جميع الماء للانسان الكافر قلت قد مر أن متمسكه الاجماع
ويقول بأنه مخصص للكافر من العموم فلم يكن داخلا في الحكم حتى يلزم أن لا يجب لمباشرته حيا نزح أزيد من سبعين وبما ذكرنا ظهر اندفاع جميع ما أورده صاحب المعالم
(ره) على المحقق (ره) سوى ما أورده بقوله وقول المحقق (ره) أن إلى آخره ويمكن دفعه أيضا بأنه بناء على مذهبه من اشتراط الاغتسال كما سيجئ نعم يمكن إيراد منع على المحقق (ره)
في الواقع لا من قبل ابن إدريس بأن دلالة الرواية وإن كانت عامة على أن نجاسة الكفر لا يوجب نزح الزيادة على سبعين ممنوعة لجواز اعتبار الحيثية فإن قلت
لاشك أنه إذا قيل إذا وقع الكافر في البئر ومات أنزح سبعين دلوا يدل دلالة صريحة على أنه لا يجب لمباشرته الماء شئ وراء السبعين وإنكاره مكابرة ولما
ثبت أن العموم أيضا بمنزلة النطق بالمسلم والكافر فيكون إيراد المنع في صورة العموم أيضا مكابرة قلت ما ذكرته من كون المنع مكابرة عند التصريح بالكافر
ظاهرا يكن في صورة العموم غير ظاهر وكونه بمنزلة النطق غير مسلم في جميع الأحكام ألا ترى إن في صورة النطق لا يجوز التخصيص بخلاف صورة العموم ما ذكرنا من الفرق
بين الصورتين في ورود هذا المنع وعدمه مما يشهد به الوجدان الصحيح وكان السر أن في صورة التصريح لما كانت حيثية الكفر والموت متلازمتين فالظاهر عند الامر
بوجوب نزح قدر معين في هذا الحال إنه لهما معا بخلاف صورة العموم إذ لا تلازم بين مطلق موت الانسان ونجاسة الكفر فعند تعيين قدر لأحدهما لا يلزم
تعيين القدر للاخر وللمتكلف أن يوجه كلام ابن إدريس نظرا إلى هذا الفرق ويقال أن تسليمه في الكلب لورود النص فيه بخصوصه بخلاف الكافر لكنه بعيد عن سوق
كلامه فتدبر ويمكن أن يقال بعد تسليم ورود المنع أنه لا شك إنه إذا كان الانسان عاما في المسلم والكافر فإذا ورد الامر بنزح السبعين لموته في البئر فهو يدل على عدم وجوب نزح الجميع لمباشرة الكافر حيا إذ لو وجب لها نزح الجميع لكان الامر بعد ذلك بنزح سبعين مما لا
معنى له فبقي إما أن يجب له ثلاثون أو أربعون لعدم القول بوجوب ثالث وهما إنما يتداخلان مع السبعين فثبت عدم وجوب شئ سوى السبعين لكن إجراء هذا الكلام من
قبل المحقق لا يصح لعدم قوله بالتداخل نعم لو كان مراده إثبات عدم وجوب نزح الجميع لكان متجها ويرد مناقشة أخرى على المحقق (ره) إن الوجه الثالث الذي ذكره
إنما هو داخل في الوجه الثاني فلا وجه لجعله وجها على حدة هذا ثم إن العلامة (ره) قال في المختلف ذهب علماؤنا إلى أن الانسان إذا مات في البئر ينزح منها
سبعون دلوا ولم يفصلوا وقال ابن إدريس هذا في حق المسلم وأما الكافر فإنه ينزح له الجميع واحتج بأن الكافر حالة حياته ينزح له الماء أجمع فكذا بعد موته
لان الموت يزيد النجس نجاسة والحق تفريعا على القول بالتنجيس أن يقول إن وقع ميتا نزح له سبعون للعموم ويمنع من زيادة نجاسته فإن نجاسته حيا إنما
هو بسبب اعتقاده وهو منتف بعد الموت وإن وقع حيا ومات في البئر فكذلك لأنه لو باشرها حيا نزح له ثلاثون لحديث كردويه وابن إدريس بنى ذلك على أن النجاسة
التي لم يرد فيها نص ينزح لها الماء أجمع ونحن نمنع ذلك انتهى واعترض عليه صاحب المدارك بوجوه أما أولا فلان ذلك مخالف لما هو المفروض في النصوص
وكلام ابن إدريس وغيره فإن موضع المسألة في كلامهم موت الانسان في البئر ووقوعه فيها حيا كما لا يخفى على من تتبع كلامهم وأما ثانيا فلان ابن إدريس
لم يستدل على وجوب نزح الجميع في هذه الحالة بمفهوم الموافقة ليتوجه عليه ما ذكره من المنع وإنما احتج عليه بثبوته في حال الحياة وعدم اقتضاء الموت التطهير فلا
يزول وجوب نزح الجميع الثابت قبله وهو استدلال جيد لو سلم انتفاء التقدير فيه وأن كل ما كان كذلك وجب فيه نزح الجميع وأما ثالثا فلان زوال الاعتقاد المقتضي
لنجاسة الكفر لا يقتضي زوال تلك النجاسة الحاصلة عنه كما حققناه فيما سبق من أن كل ما حكم الشارع بنجاسته فيجب إبقاؤه على ذلك إلى أن يثبت له المطهر شرعا
وأن هذا ليس من باب الاستصحاب بل مرجعه إلى الأدلة العامة الدالة على ذلك فتأمل انتهى وفيه نظر أما في الوجه الأول فلانه (ره) لم يخص الكلام بالوقوع
ميتا فقط بل أورد حكم الصورتين معا فلا وجه للايراد وأما في الوجه الثاني فلأنك قد علمت أن الوجه الأول من وجهي احتجاج ابن إدريس هو هذا بعينه وأيضا
ليس في كلامه (ره) إن منع زيادة النجاسة إنما هو مع ابن إدريس بل يجوز أن يكون منعا لما يتوجه في هذا المقام وإن لم يكن من ابن إدريس وأما ما نقله (ره) من احتجاج
ابن إدريس فيمكن حمله على الوجهين المنقولين سابقا عنه كما لا يخفى فلا يرد الايراد عليه بأنه لم لم ينقل وجهه الثاني مع أنه أظهر من الأول فإن قلت إذا لم يحمل
العلامة (ره) كلامه على الوجه الأول فقط ولم يكن المنع الذي ذكره منعا لكلامه فلم يندفع كلام ابن إدريس ويبقى وجهه الثاني بحاله فكيف يصح كلام العلامة (ره)
226

قلت قد عرفت إن الوجه الثاني إنما يختص بالوقوع حيا ثم الموت ولا يجزي في صورة الوقوع ميتا فلا يلزم أن يدفعه العلامة (ره) في الصورة الأولى بل إنما يلزم
دفعه في الصورة الأولى بل إنما يلزم دفعه في الصورة الثانية وهو إنما دفعه فيها كما سنذكره عن قريب إن شاء الله تعالى وأما في الثالث فلان وجود العمومات الدالة على بقاء
نجاسة الكفر بعد الموت ممنوع وما ذكره بعض من أن عدم وجوب غسله وعدم جواز دفنه في مقابر المسلمين يدل على ذلك غير مسلم إذ لا ملازمة بين المعنيين كما لا
يخفى وقد اعترض صاحب المعالم (ره) أيضا على المختلف بقوله ولقد أغرب العلامة في المختلف هاهنا حيث منع بقاء نجاسة الكافر بعد الموت وحكم بوجوب نزح تسعين
بناء على القول بالتنجيس لوقوعه ميتا نظرا إلى العموم ثم قال وإن وقع حيا ومات فكذلك ومن أحاط خبرا بما حققناه لم يتخالجه شك في فساد التسوية التي ذكرها
بعد منعه لبقاء نجاسة الكفر بعد الموت وجعله مورد الحديث الوقوع ميتا كما أفصح به تمسكه في حكم الوقوع ميتا بالعموم فإن اللازم من ذلك كون نزح السبعين
واجبا لنجاسة الموت فقط إذ ليس هناك غيرهم بزعمه وحينئذ فإذا وقع حيا ومات اقترن بها أمرا آخر غير منصوص عنده وهو المباشرة حيا فيجب لها ما يجب لغير
المنصوص فكيف يقول بعد هذا إنه وقع حيا ومات فكذلك انتهى وفيه نظر ظاهر لان ما ذكره من فساد التسوية بعد منع نجاسة الكفر بعد الموت وجعله مورد
الحديث الوقوع ميتا فاسد قوله وحينئذ فإذا وقع حيا ومات انتهى قلنا مسلم أنه اقترن بنجاسة الموت أمرا آخر وهو (ره) لم ينكره لكنه إنما دفعه بأن مالا نص فيه يجب له
نزح ثلاثين لرواية كردويه وهو إنما يتداخل مع السبعين لان مذهبه (ره) تداخل النزح سواء كان النجاسات متحدة في الجنس ومختلفة كما صرح به في كتبه نعم إنما يرد
عليه منع صحة الاحتجاج برواية كردويه لكنه خارج عن هذا البحث وقد مر في بحث ما لا نص فيه وهذا ما وعدنا إتيانه أنفا ولا يخفى إن الوجه الذي ذكره في الصورة
الأخيرة يمكن إجرائه في الصورة الأولى أيضا لكنه تمسك فيها بالوجه الاخر ثم ما نسب إليه (ره) من جعله مورد الحديث الوقوع ميتا باطل وإفصاح تمسكه فيه بالعموم
به غير مسلم لان التمسك به باعتبار أنه عام في وجوب نزح سبعين لنجاسة الموت كما اعترف به صاحب المعالم أيضا وليس هاهنا سوى نجاسة الموت بزعمه أنه لا
يبقى نجاسة الكفر فيجب أن لا ينزح سبعين فقط ولا يتوجه منع العموم بأن الرواية إنما وردت في الموت في البئر للاتفاق على أن الموت في البئر لا مدخل له في الحكم
ولا فرق بين الموت فيها وفي خارجها بالنظر إلى النجاسة الحاصلة من الموت نعم قد يفرق بينهما باعتبار النجاسة الأخرى وليس الكلام هاهنا فيه هذا ولا يخفى
عليك أنه يرد على العلامة (ره) إن ابن إدريس ما بنى الكلام ها هنا على وجوب نزح الجميع لما لا نص فيه بل إنما بنى على الاجماع فحينئذ الوجه في دفع كلامه ما ذكره
المحقق (ره) لا منع تلك المقدمة فتأمل وقد بقي في المقام شئ وهو إن الشهيد الثاني (ره) في شرح الارشاد منع منع العلامة (ره) بقاء نجاسة الكفر بعد الموت
ومع ذلك فرق بين الوقوع ميتا والوقوع حيا ثم الموت وحكم في الأول بالاكتفاء بنزح سبعين لعموم الرواية وفي الثاني بوجوب نزح الجميع إن قلنا بوجوبه لما لا
نص فيه وبنزح ثلاثين أو أربعين زايدا على السبعين إن قلنا بوجوبهما لما لا نص فيه ولم نجوز التداخل وإن جوزنا فسبعون فقط ولا يخفى ما فيه لان الرواية
صريحة في الوقوع حيا والموت بعده فإن عمل بعمومها ولم ينظر إلى حيثية النجاسة فيلزم الاكتفاء بالسبعين في الموضعين وإن لم يعمل بعمومها أو يعتبر
الحيثية يجب أن لا يكتفي به على التقادير المذكورة إذ كما في الصورة الثانية يجتمع جهتا النجاسة الكفر والموت فكذا في الصورة الأولى لأنه منع زوال النجاسة
الكفرية بعد الموت نعم إنما يصح الفرق لو منع البقاء كما فعله العلامة (ره) هذا وقد تلخص مما ذكرنا إن وجوب نزح الجميع للكافر سواء وقع ميتا أو حيا مما
لا طهور له لان بنائه أما على الاجماع أو وجوب نزح الجميع لما لا نص فيه والأول غير ثابت والثاني أيضا قد عرفت حاله في بحثه بل القدر المسلم على تقدير
الوجوب الثلاثون أو الأربعون وهما إنما يتداخلان مع السبعين كما سيجئ إنشاء الله تعالى من ظهور التداخل مع أن الدلالة التي ادعاها المحقق كما سبق ليس ببعيد وإن كان
للمنع مجال لكن الاحتياط في وجوب نزح الجميع والله أعلم (وخمسين للعذرة الرطبة أو الذائبة) أوجب الشيخ في المبسوط خمسين للعذرة الرطبة وعشر لليابسة
والمفيد في المقنعة أوجب عشرا لليابسة وخمسين للرطبة والذائبة كما في هذا الكتاب وكذا قال المرتضى (ره) في المصباح على ما حكى عنه في المعتبر والصدوق (ره) قال وللعذرة
عشر فإن ذابت فأربعون أو خمسون وهو اختيار المحقق وما ذهب إليه الثلاثة لا مستند له وأما ما ذهب إليه الصدوق (ره) فمستنده ما رواه التهذيب في باب تطهير المياه والاستبصار
في باب البئر يقع فيها العذرة اليابسة أو الرطبة عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن العذرة تقع في البئر فقال ينزح منها عشر دلاء فإن ذابت
فأربعون أو خمسون دلوا وما رواه الكافي في باب البئر عن علي بن حمزة عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثل الخبر السابق وهذان الخبران واضحا الدلالة على المراد لكنها
ضعفا السند فالذي يقتضيه النظر أن يقال أنه لو اكتفى في التكاليف المتيقنة الغير المعلومة المراد بالاتيان بالقدر المتيقن فيكفي الأربعون في الذائبة وإن
قبل بلزوم تحصيل البراءة اليقينية فلا بد من خمسين للاتفاق على عدم وجوب الزايد وأما ما يدل على نفي البأس من العذرة من صحيحة علي بن جعفر المتضمنة
للزنبيل وموثقة عمار المتضمنة له أيضا ورواية أبي مريم المتضمنة لخروج قطعة يابسة من العذرة بالدلو المتقدمة في بحث نجاسة البئر بالملاقاة فلا
ينظر إليها ها هنا لان الكلام على تقدير نجاسة البئر أو وجوب النزح وإن لم ينجس وهذه الروايات واجبة التأويل والاطراح على هذا التقدير وأما رواية
227

كردويه الآتية إنشاء الله تعالى فمع كونها ضعيفة السند لا تنافي ما ذكر لان فيها نزح ثلاثين للعذرة المخلوطة بماء المطر فلعل نجاستها قد خففت بسبب المطر
فلا يمكن التعدي إلى غيرها ثم إن الرواية كما رأيت متضمنة لحكم الذائبة وغيرها ولا تعرض فيها للرطبة واليابسة فإلحاق الرطبة بالذائبة مشكل وقال
العلامة (ره) في المنتهى بإمكان التعدية إلى الرطبة لاشتراكها مع الذائبة في شياع الاجزاء ولأنها تصير حينئذ رطبة والاشتراك ممنوع وأيضا لو حصل شياع الاجزاء
والتفرق بحيث يصدق الذوبان فتكون ذائبة حقيقة لا أنها ملحقة بها والوجه الأخير غير محصل المعنى والمراد بالذوبان كما ذكره بعض الأصحاب تحلل
الاجزاء وشيوعها في الماء بحيث يستهلكها ويمكن أن يكتفي فيه بتفرق الاجزاء وتقطعها لصدق الذوبان حينئذ عرفا ثم أنه هل يكفي ذوبان البعض أو يشترط
ذوبان جميعها فقيل بالثاني نظرا إلى أن الرواية أسندت الذوبان إلى العذرة الواقعة في البئر وهو إنما يحصل بذوبان جميعها وللمنع مجال وقيل
بالأول نظرا إلى أن القلة والكثرة غير معتبرة فلو سقط مقدار البعض الذائب منفردا وذاب لاثر فانضمام غيره إليه لا يمنعه التأثير وقد يمنع هذا أيضا
فبالجملة الاحتياط في القول الثاني (والدم الكثير كدم ذبح الشاة مثلا) اختلف الأصحاب في حكم الدم فالمفيد (ره) في المقنعة حكم بوجوب خمسة دلاء
للقليل وعشرة للكثير وقال الشيخ (ره) في النهاية والمبسوط للقليل عشرة وللكثير خمسون والصدوق (ره) قال بوجوب ثلاثين إلى أربعين في الكثير وبوجوب دلاء
يسيرة في القليل وإليه مال في المعتبر وحسنة المصنف في الذكرى وقال المرتضى في الصباح في الدم ما بين الدلو الواحدة إلى عشرين واحتج التهذيب المفيد (ره)
بمكاتبة ابن بزيع المتضمنة لوقوع قطرات البول والدم في البئر كما تقدم في بحث نجاسة البئر وقال الشيخ وجه الاستدلال من هذا الخبر هو أنه قال ينزح
منها دلاء وأكثر عدد يضاف إلى هذا الجمع عشرة فيجب أن نأخذ به ونصير إليه إذ لا دليل على ما دونه واعترض عليه بوجوه أحدها أنه ليس في الحديث إشعار
بالكثرة بل ظاهره إرادة القلة والثاني أنه مبني على كون الدلاء جمع قلة كما يدل عليه قوله وأكثر عدد إلى آخره وليس كذلك لانحصار جموع القلة في أوزان
أربعة مشهورة أو خمسة عند بعضهم وليس هو منها فيكون من جموع الكثرة وهو في الاستبصار قد اعترف به والثالث إن حمل الدلاء على جمع القلة يقتضي
الاجتزاء بأقل مدلولاته وهو الثلاثة لان إطلاق اللفظ يدل على أن المطلوب تحصيل الماهية بأي فرد اتفق مما يتحقق فإذا حصلت بالأقل كان الزايد منفيا
بالأصل واعترض في المعتبر أيضا بأنا نسلم إن أكثر عدد يضاف إلى الجمع عشر لكن لا نسلم أنه إذا جرد عن الإضافة كانت حاله كذلك فإنه لا يعلم من قوله عندي دراهم أنه
لم يخبر عن زيادة من عشرة ولا إذا قال أعطه دراهم يعلم أنه لم يرد أكثر من عشرة فلن دعوى ذلك باطلة ولا يذهب عليك إن ظاهر قول الشيخ وأكثر عدد يضاف
إلى هذه الجمع عشرة حيث أقحم لفظة هذا إن مراده أن هذا الجمع جمع قلة لا أن يكون بناء كلامه على أن الجمع إذا كان مميزا فأكثر ما يكون هو مميزا له عشرة حتى يرد عليه
إيراد المحقق أحدهما صريحا والاخر فحوى نعم إنما يرد عليه الايراد السابق من منع كونه جمع قلة وكذا الايرادان الآخران وأما ما ذهب إليه المبسوط والنهاية
فلا مستند له في الكثير أصلا وأما القليل فقد يستند فيه بالمكاتبة المذكورة تارة بأن يقال أن ظاهرها إن الكلام في قليل الدم لان القطرات جمع صحة ونص سيبويه
على أن جمع الصحة للقلة والدلاء جمع قلة وأكثرها عشرة فيجب الأكثر تحصيلا ليقين البراءة وفيه أولا منع كون الدلاء جمع قلة كما مر وثانيا منع وجوب الأكثر بل الظاهر أنه يكفي أقل ما يصدق
عليه وتارة بأن الكلام في قليل الدم كما قلنا والدلاء جمع كثرة وأقله العشرة وفيه أولا منع كون أوزان الجمع متفاوتة بالقلة والكثرة حقيقة بل الظاهر
ورود كل من وزني القليل والكثير على مصطلحهم بمعنى الاخر ورودا شايعا ذايعا فهو أما حقيقة فيه أيضا وأما مجاز مشهور بالغ حد الحقيقة وعلى التقديرين
لا يتم المقصود وثانيا أنه لو تم هذا لزم أن يجب نزح أحد عشر لأنه أقل جمع الكثرة لا العشرة وأما ما ذهب إليه الصدوق (ره) فمستنده في القليل المكاتبة المذكورة
ووجه الاستدلال ظاهر وكذا موثقة عمار المتقدمة في بحث وجوب سبعين لموت الانسان ويدل عليه أيضا ما رواه التهذيب في زيادات باب المياه والاستبصار
في باب البئر يقع فيها الدم والكافي في باب البئر في الصحيح عن علي بن جعفر (عليه السلام) قال سئلته عن
رجل ذبح شاة فاضطربت فوقعت في بئر ماء وأوداجها تشخب دما هل
يتوضأ من ذلك البئر قال ينزح منها ما بين الثلاثين إلى الأربعين دلوا ثم يتوضأ منها ولا بأس قال وسئلته عن رجل ذبح دجاجة أو حمامة فوقعت في بئر
هل يصلح أن يتوضأ منها قال ينزح منها دلاء يسيرة ثم يتوضأ منها قال وسألته عن رجل يستقي من بئر فرعف فيها هل يتوضأ منها قال ينزح منها دلاء يسيرة
والخبر وإن كان مضمرا في التهذيب والاستبصار لكنه مسند في الكافي إلى أبي الحسن (عليه السلام) والجزء الأول منه رواه الفقيه أيضا عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام)
في باب المياه والجزء الأخير رواه التهذيب في باب تطهير المياه أيضا ومستنده في الكثير الجزء الأول من الخبر الأخير وهذا المذهب منصور من حيث قوة مستنده وصراحة
دلالته لكن التعدي من الدماء التي فيه إلى غيرها كما فعله جمع من الأصحاب مشكل فالظاهر إلحاق ما عداها بما لا نص فيه كما ذكره بعض الفضلاء إن لم نقل بدخوله
تحت عمومات التغير لأن الظاهر أنه لا ينفك عن التغير وأما رواية كردويه وزرارة المتقدمتان في بحث وقوع الخمر الدالة أحديهما على نزح الثلاثين لقطرة
الدم والأخرى على نزح عشرين لها أو للدم مطلقا فلا تصلحان معارضا لما ذكر لعدم صحة مستندهما مع أن الحمل على الاستحباب أيضا احتمال ظاهر نعم إنما
228

يعارضه الاخبار المتضمنة للتغير وأنه يكفي عنده ما يزيل التغير وسيجئ بسط القول فيه إنشاء الله تعالى في بحثه وأما ما ذهب إليه المرتضى (ره) فكان مستنده رواية زرارة
المذكورة ولا يخفى ما فيه لعدم دلالتها على مدعاه مع أنه ضعيفة وأسند المحقق في المعتبر إلى أبي العباس رواية بمضمون رواية زرارة ولم نطلع عليها في الكتب
الأربعة ثم اعلم إن جماعة من الأصحاب قدروا القليل بمثل دم الطير والرعاف والكثير بدم ذبح الشاة ونقل عن الراوندي إن الاعتبار في ذلك بماء البئر في الغزارة
والنزارة فربما كان دم الطير كثيرا في بئر قليلا في أخرى وقد نقل العلامة الرازي (ره) عن العلامة (ره) ما يوافقه وأنت خبير بأن تحقيق هذين المعنيين إنما كان
نافعا لو كانا في لفظ الحديث لكن في الحديث ما سمعت فلا وجه له فلنقتصر على ما فيه (وأربعون للثعلب والأرنب والكلب والخنزير والسنور والشاة وبول الرجل)
وجوب أربعين دلو للستة الأول ولأشباهها في الجثة هو مختار الشيخين والمرتضى وأتباعهم وقال الصدوق في الفقيه في الكلب ثلاثون إلى أربعين وفي
السنور سبع دلاء وفي الشاة وما أشبهها تسع دلاء إلى عشرة وقال في المقنع إن وقع فيها كلب أو سنور فانزح ثلاثين دلوا إلى أربعين وقد روى سبع دلاء
وإن وقعت في البئر شاة فانزح منها سبع دلاء واحتج الشيخ على مختاره بما رواه التهذيب في باب البئر يقع فيها الكلب عن علي قال سئلت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن الفارة تقع في البئر قال سبع دلاء قال وسألت عن الطير والدجاجة تقع في البئر قال سبع دلاء والسنور عشرون أو ثلاثون أو أربعون دلوا والكلب
وشبهه وبما روياه أيضا في البابين في الموثق عن سماعة قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الفارة تقع في البئر والطير قال إن أدركته قبل أن ينتن نزحت
منها سبع دلاء وإن كان سنورا وأكبر منه نزحت منها ثلاثين دلوا أو أربعين دلوا وإن أنتن حتى توجد ريح النتن في الماء نزحت البئر حتى يذهب النتن في الماء
قال في التهذيب وليس لاحد أن يقول كيف عملتم على أربعين دلوا في السنور والكلب وشبهها وفي الدجاجة والطير على سبع دلاء وفي هذين الخبرين ليس
القطع على أربعين دلوا بل إنما يتضمنه على جهة التخيير وهلا عملتم بغير هذين الخبرين مما يتضمن نقصان ما ذهبتم إليه لأنا إذا عملنا على ما ذكرناه من نزح
أربعين دلوا مما وقع فيه الكلب وشبهه ونزح سبع دلاء مما وقع فيه الدجاج وشبهه فلا خلاف بين أصحابنا في جواز استعمال ما بقي من الماء ويكون أيضا
الاخبار التي يتضمن الأقل من ذلك داخلة في جملته وإذا عملنا على غير ذلك نكون دافعين لهذين الخبرين جملة وصايرين إلى المختلف فيه فلأجل هذا
عملنا على نهاية ما وردت به الاخبار انتهى ولا يخفى ما فيه من الضعف وحجة الفقيه أما في السنور فلعلها رواية عمرو بن سعيد بن هلال المتقدمة وأما في الكلب
فموثقة سماعة المذكورة آنفا وأما في الشاة وما أشبهها فما رواه التهذيب والاستبصار في البابين عن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه إن عليا (عليه السلام) كان يقول الدجاجة
ومثلها تموت في البئر ينزح منها دلوان وثلاثة فإذا كانت شاة وما أشبهها فتسعة أو عشرة وأما حجة المقنع ففي الكلب والسنور موثقة سماعة رواية السبع
كأنها رواية عمرو بن سعيد ويحتمل أن يكون صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة في بحث صب الخمر وفي الشاة وشبهها كأنها هاتان الروايتان أيضا وأنت خبير بما
في هذه الوجوه من الضعف واعلم إنه قد وردت أخبار كثيرة تدل على خلاف ما ذكر فمنها ما روياه في البابين المذكورين في الصحيح صريحا في الاستبصار وظاهرا
في التهذيب عن أبي أسامة عن أبي عبد (عليه السلام) في الفارة والسنور والدجاجة والطير والكلب قال فإذا لم يتفسخ أو لم يتغير طعم الماء فيكفي نزح خمس دلاء
وإن تغير الماء فخذ منه حتى يذهب الريح ورواه الكافي أيضا في باب البئر في الحسن والتهذيب أيضا روى عن الكافي مرة أخرى وأجاب الشيخ عنه بوجهين أحدهما إن الجواب
إنما هو عن الدجاجة والطير فقط ويحال الحكم في الكلب والسنور إلى ما علم شايعا من مذاهبه أو إلى خبر آخر وثانيهما بحمله على أنه خرج الكلب حيا ولا يخفى ما
فيهما من الضعف الظاهر وقال المحقق في المعتبر رواية أسامة قوية السند لكنها متروكة بين المفتين ومنها صحيحة علي بن يقطين المتقدمة في بحث نجاسة البئر المتضمنة
لنزح دلاء ومنها صحيحة الفضلاء ورواية الفضيل المتقدمتان في بحث وقوع الفرس المتضمنتان أيضا للدلاء وأجاب الشيخ عنها بحمل الدلاء على الأربعين
وفيه ما فيه ومنها ما روياه في البابين في الصحيح عن أبي مريم قال حدثنا جعفر قال كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول إذا مات الكلب في البئر نزحت وقال جعفر (عليه السلام) إذا
وقع فيها ثم أخرج منها حيا نزح منها سبع دلاء وحمله الشيخ على التغير والمعتبر على أن المراد نزحت أربعون ولا يخفى ما فيه ومنها ما روياه في البابين في الموثق
عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال وسئل عن بئر يقع فيها كلب أو فارة أو خنزير قال ينزف كلها والشيخ حمله أيضا على التغير وقال المحقق في
المعتبر ورواية عمار وإن كان ثقة لكنه فطحي فلا يعمل بها مع وجود المعارض السليم والظاهر أن المراد بالمعارض السليم رواية علي التي استدل بها على مختاره من وجوب
الأربعين ولا يخفى ما فيه ومنها ما رواه الكافي في باب البئر عن أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عما يقع في الابار فقال الفارة وأشباهها فينزح منها
سبع دلاء إلا أن يتغير الماء فينزح حتى تطيب فإن سقط فيها كلب فقدرت أن تنزح مائها فافعل كل شئ يسقط في البئر ليس له دم مثل العقرب والخنافس وأشباه
ذلك فلا بأس وهذا الخبر ضعيف السند وأنت خبير بأن مثل هذا الاختلاف العظيم شاهد عدل على استحباب النزح وعدم نجاسة البئر ثم أنه لو قيل بالاستحباب
فأمر الاختلاف سهل ولو قيل بالوجوب فالظاهر نظرا إلى مقتضى الروايات الاكتفاء في الجميع بخمسة دلاء بل بثلاثة إلا أن يكون خرقا للجماع والاحتياط في أربعين
229

والله أعلم وأما وجوب أربعين لبول الرجل فهو مذهب الخمسة واتباعهم واستدل عليه بما رواه التهذيب في الباب المذكور والاستبصار في باب بول الصبي
تقع في البئر عن علي أبي حمزة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن بول الصبي العظيم يقع في البئر فقال دلو واحد قلت بول الرجل قال ينزح منها أربعون دلوا و
قد عارضه أخبار منها صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في بحث وقوع الخمر المتضمنة لنزح الجميع عند صب البول ويجاب بحملها على الاستحباب ويشكل مع الحمل في قرينة
من الخمر على الوجوب وعلى التغير ومنها مكاتبة ابن بزيع المتقدمة في بحث نجاسة البئر المتضمنة لنزح دلاء لقطرات البول ومنها رواية كردويه المتقدمة في بحث
صب الخمر المتضمنة ثلاثين لقطرة البول ومنها رواية كردويه أيضا الآتية في بحث وقوع ماء المطر والجواب عن الأخيرة ظاهر لأنها مختصة بالبول المختلط بماء المطر والرواية
الأخرى منه أيضا يمكن القدح فيها باعتبار السند وأما المكاتبة فقوية واستقرب العلامة في المنتهى العمل بها لكنه حمل الدلاء فيها على ثلاثين لرواية كردويه
وفيه ما لا يخفى والمحقق في المعتبر بعد إن استدل برواية علي بن أبي حمزة وأورد معارضاتها من صحيحة معاوية وروايتي كردويه قال والترجيح لجانب الأولى لاشتهارها
في العمل وشذوذ غيرها بين المفتين لا يقال علي بن أبي حمزة واقفي لأنا نقول تغيره إنما هو في زمن موت موسى (عليه السلام) فلا يقدح فيما قبله على أن هذا الوهن لو كان حاصلا
وقت الاخذ عنه لانجبرت بعمل الأصحاب وفتواهم بها انتهى واعترض عليه صاحب المعالم بقوله وفيما قاله نظر واضح لان حال الشهرة معلوم وظاهره في كثير
من المواضع عدم اعتبارها كما سبق التنبيه عليها وقوله ابن أبي حمزة إنما تغير في زمن موسى (عليه السلام) إلى آخره عجيب إذ ليس الاعتبار في عدالة الراوي بحال التحمل
بل بزمان الرواية وكيف يعلم بمجرد إسنادها إلى الصادق (عليه السلام) إن روايته بها وقعت قبل تغيره وما هذا إلا محض التوهم مع أن الجزم بإرادة ابن أبي حمزة
البطائني الذي هو واقفي لا وجه له الاشتراك الاسم بينه وبين أبي حمزة الثمالي وأي قرينة واضحة على التميز والثمالي حكى الكشي عن حمدويه بن نصير يوثقه
انتهى وفي إيراده الأول ما مر من أنه لا ظهور في عدم اعتباره (ره) مثل هذه الشهرة والثاني موجه وأما الثالث فليس بشئ إذ لم يعلم أن المحقق (ره) جزم بأنه البطائني
بل لما كان مشتركا بينه وبين الثمالي والضعف إنما ينشأ باعتباره فقد تعرض لدفعه على هذا الحال وأما الاحتمال الاخر فلا حاجة إلى التعرض لأنه
ثقة هذا ثم على القول بالاستحباب لا إشكال وعلى القول بالوجوب قيل المتجه العمل بصحيحة معاوية بن عمار في الكثير لدلالة الانصباب عليه وبصحيحة محمد بن إسماعيل
في القليل لظهورها فيه كما سبق إلا أن يتحقق إجماع على خلافه لا مجرد عدم ظهور القايل به وفيه إشكال حيث إن الرواية الصحيحة بمجردها لا ظهور جدا في وجوب
العمل بها بل لا بد من انضمامها بعمل الأصحاب أما جميعا بحيث لم يظهر مخالف أو مع ظهور المخالف أيضا لكن شاذا نادرا ولا أقل من أن لا يشتهر خلافه بحيث لم
يظهر عامل به أو يكون العمل به نادرا شاذا والجميع مفقود فيما نحن فيه فالعمل بهما لا يخلو من إشكال خصوصا رواية معاوية لمخالفتها للأصل واحتمالها
الاستحباب احتمالا ظاهرا نعم العمل بصحيحة محمد لا يخلو من وجه لتأييدها بالأصل وعدم ظهور وجوب العمل بالمشهور سيما مع عدم صحة متمسكه على أنه
مطلق بالنسبة إلى صحيحة محمد وهي مقيدة فيجب حمله عليها مع أن احتمال الاستحباب ظاهر أيضا والله أعلم إن الأصحاب رحمهم الله اختلفوا في بول المرأة
فحكم ابن إدريس بمساواته لبول الرجل في وجوب الأربعين وبه قال العلامة في التحرير والأكثر فرقوا بينهما واحتج ابن إدريس بتناول لفظ الانسان لهما قال
المحقق (ره) في المعتبر ونحن نسلم إنها إنسان ونطالبه أين وجد الأربعين معلقة على بول الانسان ولا ريب أنه وهم منه انتهى وهو حسن إذ لم نقف في الروايات على ما
يدل عليه ثم القائلون بالفرق الحقة جماعة منهم بما لا نص فيه والمحقق في المعتبر أوجب له ثلاثين دلوا سواء كان من صغيرة أو كبيرة لرواية كردويه وحكم بالاستحباب
نزح الجميع لرواية معاوية بن عمار وفي القولين نظر أما الأول فلورود النص فيه متعددا من صحيحتي معاوية وابن بزيع وروايتي كردويه إلا أن يقال صحيحة معاوية
لم يعمل به الأصحاب في حكم البول فلا عبرة بها وقد يقال إن عدم عمل الأصحاب بها إنما هو في بول الرجل لوجود مخصص في الخارج فذلك لا يستلزم عدم
العمل بها في بول المرأة إلا أن يقال إذا ثبت عدم العمل في بول الرجل فالتخصيص ليس بأولى من المجاز فليحمل على الاستحباب وكذا الحال في صحيحة ابن بزيع وأما
روايتا كردويه فأحديهما خارجة عن البحث لاختصاصها بالمخالط بماء المطر وأما الأخرى فغير نقي السند فالعمل بها مشكل مع أن الأصحاب لم يعملوا بمضمونها
وأيضا أنها مختصة ظاهرا بقطرة البول فلا نص فميا عداها وأما الثاني فلان رواية كردويه لا يصلح للاعتماد مع أنها ظاهرة في القطرة والذي يقتضيه
النظر أن يكتفي في القليل منه بدلاء لصحيحة ابن بزيع مع تأييدها بالأصل وعدم معارض لها سليم وأما في الكثير فلا يبعد الاكتفاء بالثلاثين لأنه
القدر المتيقن ولا دليل على الزايد والأولى الأربعون والأحوط الجميع ثم إن المتقدمين حتى ابن إدريس القايل بالفرق بين موت المسلم والكافر لم يفرقوا
بينهما في البول لتناول العموم لهما واحتمل بعض المتأخرين الفرق لان لنجاسة الكفر تأثيرا ولهذا لو وقع في البئر ماء متنجس بملاقاة بدن الكافر لوجب له
النزح فكيف يكتفي للبول مع ملاقاته لبدنه بأربعين والحكم إنما هو منوط بنجاسة البول لا بنجاسة الكفر وقال وهذا وارد في ساير فضلاته كعذرته
وبوله ومثل دم نجس العين وفيه أولا إن نجاسة البول بمجاورة بدن الكافر ممنوع إذ لا عموم بحيث يظهر شموله وله لو سلم فنقول مثل ما سبق في مسألة بول الانسان
230

إن الخبر دل بعمومه على وجوب أربعين دلوا للبول مطلقا وهو شامل للكافر فظهر أنه لا يجب نزح الجميع بسبب وقوع ما لاقى بدنه في البئر وإلا لا معنى لوجوب
نزح الأربعين بعده فبقي أما أن يكون يجب أربعون أو ثلاثون إذ لا خارج عنهما لو لم ندع ظهور الخبر في عدم وجوب نزح شئ آخر كما ادعاه المحقق في المسألة السابقة
وسنبين بعد ذلك إنشاء الله إن النجاسات يتداخل فظهر وجوب الأربعين فقط نعم يشكل على القائلين بعدم التداخل كالمحقق (ره) إلا أن يتمسك بالدعوى
المذكورة واحتمل بعض آخر من المتأخرين الفرق في العذرة نظرا إلى زيادة نجاسة عذرة الكافر بمجاورته
وجزم في البول بعدم الفرق لعموم لفظ الرجل وفيه من التعجب
ما لا يخفى وثلاثين لماء المطر المخالط للبول والعذرة وخرء الكلاب هذا هو المشهور بين الأصحاب ومستنده ما رواه التهذيب في زيادات باب المياه والاستبصار
في باب البئر يقع فيها العذرة والفقيه في باب المياه عن كردويه قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن بئر يدخلها ماء المطر فيه البول والعذرة وأبوال الدواب
وأرواثها وخرء الكلاب قال ينزح منها ثلاثون دلوا وإن كانت منجزة وفي الفقيه بدل المطر الطريق وقد استشكل في هذا الخبر بأن ترك الاستفصال عن النجاسات
المذكورة يقتضي تساوي جميع محتملاتها في الحكم فيستوي حال العذرة رطبة ويابسة وحال البول إذا كان بول رجل أو غيره وقد حكموا بنزح خمسين للعذرة
الرطبة وأربعين لبول الرجل مع انفراد كل منهما فكيف يجزي بالثلاثين مع انضمام أحدهما إلى الاخر وانضمام غيرهما إليهما وهو مقتض لزيادة النجاسة وأجيب
عنه بالحمل على استهلاك ماء المطر لأعيان النجاسات ولا بعد في أن يكون ماء النجاسة أخف منها ورد بأنه على تقدير الاستهلاك لا يبقى فرق بين ماء المطر وغيره
وقد فرقوا مع أن لفظ الرواية ظاهر في كون الأعيان باقية موجودة فالأولى إبقاء الرواية على إطلاقها وعدم الالتفات إلى مثل هذا الاشكال فإنه استبعاد
غير مسموع بعد قيام الدليل خصوصا في أحكام البئر فإن الفرق بين المتماثل والجمع بين المتباين فيها كثير مع أنه يمكن تخفيف نجاستها بماء المطر قال صاحب المعالم
(ره) وهذا الكلام إنما يتوجه إذا كان دليل الحكم ناهضا بإثباته وليس لأمر كذلك ها هنا فإن راوي هذا الحديث أعني كردويه مجهول الحال إذ لم يتعرض له
الأصحاب في كتب الرجال انتهى ولا يخفى أنه وإن كان مجهول الحال لكن قبول الأصحاب لروايته والعمل بها من غير راد لها ظاهرا يجبر ضعفه سيما إن المعتمد في
وجوب الخمسين والأربعين للعذرة والبول إنما هو الشهرة بين الأصحاب وأما الاخبار فقد عرفت حالها وحينئذ فالشهرة كافية في إخراج خصوص هذا
الفرد سيما مع معاضدة أصالة البراءة وبالجملة الحكم كأنه ظاهر والله أعلم ولا يذهب عليك إن الخبر على ما في الفقيه غير مختص ظاهرا بماء المطر لكن لما
كان في الكتابين لفظ المطر والأصحاب أيضا خصوا به فالظاهر عدم التعدي منه ثم الظاهر أن ماء المطر إذا خالطه بعض من المذكورات يكون حكمه أيضا كذلك بالطريق
الأولى أما إذا زاد عليها شئ أو بدل بعضها بشئ فالتعدي مشكل واعلم إن المصنف (ره) ذكر في شرح الارشاد أنه وجد بخط الشيخ في الاستبصار مبخرة بضم
الميم وسكون الباء وكسر الخاء معناها المنتنة ويروى بفتح الميم والخاء موضع النتن ولا يخفى أن في الخبر إشكالا آخر من حيث إن ظاهره الاكتفاء بالثلاثين وإن كان
النتن باقيا وفيه إشكال لمنافاته للروايات الكثيرة الدالة على وجوب النزح حتى يذهب النتن بل للاجماع ظاهرا فينبغي أن يقيد بما إذا ذهب النتن بالثلاثين
ويكون فايدة الوصل أن لا يتوهم وجوب نزح الجميع عند حصول النتن وإن زال النتن بما دونه والله أعلم (وقطرة نبيذ مسكر في رواية كردويه) قد تقدم
الرواية (وعشرين لقطرة الخمر عند الصدوق وللدم ولحم الخنزير في رواية زرارة لغاية الدم عند المرتضى والمبدء دلو وعشر ليابس العذرة وقليل الدم
وتسع أو عشر للشاة عند الصدوق) قد تقدم القول في جميع ذلك مشروحا (وسبع لموت الطير) هذا هو المعروف بين الأصحاب ويفهم من ظاهر الاستبصار جواز
الاكتفاء بالثلاث ويدل على المشهور موثقة أبي أسامة وأبي يوسف يعقوب بن عيثم المتقدمة في بحث نجاسة البئر وموثقة سماعة ورواية علي المتقدمتان في
بحث وقوع الكلب وشبهه ويعارضها أخبار أخرى مثل صحيحة أبي أسامة المذكورة في بحث الكلب المتضمنة لخمس دلاء ما لم يتفسخ أو يتغير طعم الماء وصحيحة الفضلاء
ورواية الفضل المتقدمتان في بحث الفرس المتضمنتان النزح الدلاء وصحيحة علي بن يقطين المتقدمة في بحث نجاسة البئر المتضمنة لنزح الدلاء للدجاجة والحمامة ورواية
إسحاق بن عمار المتقدمة في بحث وقوع الشاة المتضمنة للدلوين أو ثلاثة وقد جمع في الاستبصار بين رواية علي ورواية إسحاق بحمل رواية علي على الاستحباب أو على التفسخ ولا
ولا يخفى أنه لو كان الدال على السبع منحصرا في رواية علي لكان لهذا الجمع وجه لعدم صحة المستند فيهما جميعا لكن قد عرفت وجود روايتين أخريين مع قوة سندهما سيما
موثقة أبي أسامة فإنها في حكم الصحيح لان توثيقه بابان وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه وحينئذ ارتكاب التأويل في هذه الروايات بمجرد ضعيفة إسحاق
لا وجه له ولو قيل أنه ليس بتأويل إذ ظهورها في الوجوب ممنوع فينهدم بنيان القول بوجوب النزح مطلقا لكن لما كان طريقتهم رحمهم الله غير ما هو المعروف في زماننا
في اصطلاح الصحيح وأخواته فلعل هذه الرواية كانت معتبرة عندهم بالقرائن ثم الظاهر على اصطلاح هذا العصر العمل بصحيحة أبي أسامة المتضمنة للخمر وحمل الروايات
المتضمنة للدلاء عليها وحمل السبع على الاستحباب أو التفسخ وطرح رواية إسحاق لضعفها ويمكن أيضا الاكتفاء بالثلاثة نظرا إلى روايات الدلاء وحمل الزايد عليها على
الاستحباب والأول أولى والأحوط نزح السبع (واغتسال الجنب) هذا هو المشهور بين الأصحاب وقال ابن إدريس لارتماس الجنب وهو الظاهر من كلام الشيخين ولا يفهم منه
231

إن القصد إلى مجرد الارتماس أو الارتماس للغسل ورجح بعض الأصحاب لوقوعه فيها ومباشرته لمائها وإن لم يرتمس ولم يغتسل ولنذكر أولا الروايات
الواردة في هذا الباب المتضمنة لوجوب نزح السبع ثم نشتغل بذكر ما يتعلق بها فالروايات أربع صحيحة الحلبي المتقدمة في بحث وقوع الخمر المتضمنة لنزح السبع لوقوع
الجنب في البئر وصحيحة ابن سنان المتقدمة في ذلك البحث أيضا المتضمنة لنزول الجنب وصحيحة محمد بن مسلم المروية في التهذيب في باب تطهير المياه بطريقين صحيحين عنه عن
أحدهما (عليهما السلام) إذا دخل الجنب البئر نزح منها سبع دلاء ورواية أبي بصير المتقدمة في بحث وقوع العذرة المتضمنة للسؤال عن اغتسال الجنب فيها وأمره (عليه السلام)
بوجوب السبع وإذ قد تقدم هذا فنقول لا خفاء في نزح السبع وجوبا أو استحبابا على الرأيين للروايات المعتبرة مع عدم معارض وأما كونه لأي معنى من
المعاني الثلاثة فأنت خبير بأنه لا يفهم من الروايات الارتماس أصلا وابن إدريس إنما تمسك بوقوع الاجماع عليه دون غيره وأنكره المحقق في المعتبر فعلى هذا لا
عبره به وأما الاغتسال فهو أيضا لا يفهم ظاهرا من الروايات الظاهرة بالنظر إلى إطلاق الثلاث الأول خلافه والمشترطون للاغتسال تمسكوا بأن رواية أبي بصير مقيدة
والباقي مطلق فيحمل عليها وفيه أنه لا منافاة حتى يجب الحمل إذ يجوزان يجب السبع للوقوع والاغتسال جميعا فإن قلت ليس المراد أنه مما يجب فيه حمل المطلق على المقيد
حتى يشترط المنافاة بل إن التقييد بالاغتسال قرينة على أن المراد في الروايات الأخرى من الوقوع والنزول والدخول الاغتسال مع أن له ظهورا في الجملة أيضا
بحسب العرف سيما مع تأييده بالأصل قلت هذا لا يصلح قرينة أيضا لان التقييد بالاغتسال ليس في كلامه (عليه السلام) بل السايل إنما سئل عن الاغتسال وأجاب
(عليه السلام) بنزح السبع فيجوز أن يكون أمره (عليه السلام) بالنزح فيه لأنه من أحد أفراد الوقوع وهو ظاهر إن الرواية غير نقي السند وما ذكرته من ظهور الدلالة بحسب العرف
ممنوع والتأييد بالأصل لا وجه له بعد ورود الروايات الصحيحة بخلافه إلا أن يقال لما لم يشتهر العمل بإطلاقها بين الأصحاب فذلك شك عظيم في تعيين معناها و
قد عرفت الحال عند حصول الشك في معنى التكليف مرارا من احتمال الاكتفاء بالقدر المتيقن المظنون وقد يتمسك أيضا بأنه لو لم يحمل على الاغتسال فلا
وجه للنزح لأن المفروض إن بدنه خال عن النجاسة العينية منيا أو كان غيره أما الغير فلا خفاء فيه وأما المني فلان للمني يجب نزح الجميع فلا معنى لايجاب السبع
فظهر أن إيجاب النزح ليس للنجاسة بل لزوال الطهورية الحاصلة من الاغتسال فقد ظهر اشتراطه وقد اعترض أولا بأن خلو بدنه عن النجاسة ممنوع لجواز أن تكون
الروايات محمولة على الغالب من عدم انفكاك بدنه عن المني ووجوب نزح الجميع له ممنوع لما عرفت في بابه من عدم نص فيه وقد اعترف به الشيخ أبو علي ابن الشيخ (ره)
وفيه بعد لعدم ظهور قايل به من الأصحاب وإطلاق الروايات من غير قرينة ظاهرة على التقييد مع شهرة وجوب نزح الجميع للمني وثانيا بأن حصر تنجيس البئر في
النجاسات العينية ممنوع لجواز أن يكون بدن الجنب أيضا مما ينجسها فإن الذي نجس غيرها بهذه الأشياء هو الذي نجسها بهذا الشئ مع أن البئر قد
اشتمل على أحكام مختلفة من اختلاف المتفقات واتفاق المختلفات وفيه أيضا بعد لان العدول عن الأصول الموضوعة والقواعد المسلمة بمجرد الاحتمال
من غير نص صريح في غاية الاشكال وثالثا بأن حصر سبب النزح في زوال الطهارة والطهورية ممنوع لجواز أن يكون لزوال النفرة أو غيره كما في النزح للوزغة
ونحوها وبالجملة العقل لا سبيل له إلى هذه الأمور وهو جيد ورابعا بأن وجوب النزح لزوال الطهورية مما لا يكاد يصح لان صحيحة ابن أبي يعفور
المتقدمة في بحث نجاسة البئر المتضمنة لنهي الجنب عن الوقوع في البئر وإفساد مائها على القوم مما يدل على حرمة الاغتسال فيكون فاسدا لان النهي
في العبادة مستلزم للفساد وعند فساده لا يصير ماء البئر مستعملا زايلا عنه حكم الطهورية لان الاستعمال إنما يتحقق بعد صحة الاغتسال ويعترض
عليه بأن النهي لا يدل على الفساد مع أن النهي ليس عن الاغتسال بل عن الوقوع في البئر وإفساد الماء فيجوز أن يكون المراد بالوقوع النزول ويكون
النهي عنه لخوف الضرر على النفس ويكون المراد بالافساد الافساد الذي يحصل من إثارة التراب ونحوه بسبب النزول على أن ظهوره في الحرمة أيضا ممنوع هذا
وبما ذكرنا ظهر أن القول بالنزح بمجرد الوقوع لا يخلو من وجه ثم أنه استشكل في أن سبب النزح ماذا ولا يخفى أنه على القول باشتراط وجود المني كما مال إليه
صاحب المعالم واحتمله العلامة أيضا لا إشكال لان سببه النجاسة وأما على اشتراط الخلو عن النجاسة مطلقا فلا يخلو أما أن يشترط الاغتسال أم لا فإن
لم يشترط الاغتسال فيشكل الامر فتارة يقولون إن النجاسة الحكمية التي في بدن الجنب بنجسها كما ذكرنا فالنزح لزوال النجاسة وفيه ما تقدم وأيضا
يلزم أن يكون ماء البئر أسوء حالا من القليل والمصاف إذ هما لا ينجسان بها إجماعا وفيه من البعد ما لا يخفى وأنت خبير بأن هذا الوجه لو كان على سبيل
الاحتمال فليس ببعيد وإن كان على سبيل الجزم ويفرع عليه الحكم بالنجاسة فالامر كما ذكرنا وتارة يقولون أن النزح لزوال النفرة أو غيره مما لم يصل إليه
عقولنا وليس ببعيد وإن اشتراط الاغتسال فقد يعلل بزوال الطهورية ويرد عليه أولا ما ذكرنا من حديث النهي عن الاغتسال وقد عرفت ما فيه
واعترض عليه أيضا بوجوه أخر الأول ما أورد الشهيد الثاني في شرح الارشاد من منع إن النهي عن العبادة بل عن الوقوع في الماء وإفساده وهو إنما
يتحقق بعد الحكم بطهر الجنب لا بمجرد دخوله في البئر فلا يضر هذا النهي لتأخره وعدم كونه عن نفس العبادة إلا أن يقال الوسيلة إلى المحرم محرمة وإن كانت قبل زمانه
232

وفيه إن بعد تسليم إن الافساد إنما هو بسبب الغسل وزوال الطهورية عن الماء للاستعمال لا معنى لتأخره عن الغسل وعدم كون النهي حينئذ متعلقا بالغسل
لان الافساد حينئذ عين الغسل نعم الفساد إنما يترتب عليه ويحصل عقيبه سلمنا أنه غير الغسل لكنه ليس فعلا وراء الغسل بل إنما هو أمر اعتباري وسببه الغسل وقد انعقد
الاجماع على أن الامر بالمسبب أمر بالسبب وكذا النهي ورد أيضا بأنه (ره) إنما حقق أن المراد بالوقوع الغسل حملا للمطلق على المقيد فيكون النهي متوجها إليه خاصة وفيه أنه (ره)
إنما حمل روايات النزح على الاغتسال لتقييد رواية أبي بصير وذلك لا يستلزم تقييد تلك الرواية أيضا إذ ليس في الروايات ما يدل على النهي عن الاغتسال
حتى نقيدها به وهو ظاهر نعم كان عليه أن يبين المراد من الوقوع وإن سبب حرمته ماذا فإن فيه خفاء لان الوقوع إن كان هو الغسل فيبطل ما ذكره وإن كان
الدخول فماذا سبب حرمته مع أن الغسل قد يكون من أفراد الدخول فيلزم أن يكون حينئذ منهيا عنه فيبطل فلا يحصل الاستعمال فلم يجب النزح مع أنه عام
في جميع الصور إلا أن يقال المراد بالوقوع النزول إليه ويكون سبب حرمته خوف الضرر على النفس وإيثار التراب ونحوه أو يكون المراد الدخول وكون الغسل
في بعض الصور فردا له لا يضره لان القايل بفساد الغسل بورود النهي إنما تمسك به في الفساد مطلقا فيكفيه حينئذ تحقق صوره لا يلزم الفساد وفيه إن
القايل بفساد الغسل إنما هو المحقق الشيخ علي (ره) وهو لم يستدل بالنهي على الفساد بل إنما اعترض به على القول بأن سبب النزح زوال الطهورية فيجوز
أن يكون مراده إثبات بطلان الغسل في بعض الصور حتى لا يتم تعليلهم كلية الثاني إنه إنما نهي في الحديث عن الوقوع في البئر ولعل وجهه الخوف على النفس
معه أو كونه مقتضيا لإثارة الطين والحماة فتغير الماء مع الحاجة إليه في الشرب وربما لا يحصل ذلك مع النزول الثالث إن الحكم في الحديث مفروض
في بئر غير مملوكة للمغتسل كما يدل عليه قوله فيه ولا يفسد على القوم ماؤهم فلا دلالة على النهي حيث يكون البئر ملكا له فيمكن وقوع الغسل
فيه على الوجه المعتبر حينئذ ويرد عليهما إن إمكان صحة الغسل في بعض الصور لا ينفع في هذا المقام لان القايلين بوجوب النزح للاغتسال لم يخصوا
الحكم ببعض الصور به إنما يقولون بالوجوب مطلقا وكيف يمكنهم التخصيص مع إطلاق الروايات من دون معارض بمجرد عدم جريان هذا الوجه الذي
استنبطوه برأيهم لسبب النزح في بعض الصور مع ظهور عدم لزوم انحصار الوجه فيه فحينئذ مراد المعترض
على التعليل إن ما ذكرتم لا يصلح وجها مطلقا
لورود النهي عن الاغتسال في بعض الصور فيكون فاسدا فلا يكون سبب النزح حينئذ زوال الطهورية فلا ينفع وجدان صوره يصح فيها الغسل نعم لو أستدل
أحد بهذا الوجه على بطلان الاغتسال مطلقا لكان الايراد متجها وثانيا إن انتفاء الطهورية عن المستعمل موضع خلاف وقد قال بوجوب النزح
ها هنا من لا يرى زوال الطهورية عن المستعمل فلا يحسم مادة الاشكال وفيه ضعف لان القائل بهذا التعليل لعل مذهبه زوال الطهورية عن المستعمل ولا
يجب أن يكون تعليله موافقا لمذهب الآخرين الذي يعتقد بطلانه نعم لو ذكر هذا التعليل القائلون بعدم زوال الطهورية لكان يرد عليهم الايراد
لكنهم لم يذكروا وثالثا إن قصارى ما يدل عليه الاخبار وجوب النزح وهو أعم من أن يكون لعدم الطهورية ولا يدل عليه إذ العام لا يدل على الخاص ولا يخفى
إن القول بهذا التعليل إن كان على سبيل الاحتمال فلا يرد هذا الايراد وإن كان على سبيل الجزم فالايراد متجه ثم أنهم لو حكموا بعدم الطهورية بمجرد انحصار
الوجه فيه فباطل أيضا وإن حكموا بوجه آخر فإنما يظهر الحال بعد ملاحظة الوصول وسيأتي القول فيه إنشاء الله ويمكن تعليل النزح بالتعبد عند اشتراط الاغتسال
أيضا كما في عدمه واعلم إن الظاهر من كلام الشهيد الثاني أنه علة النزح النجاسة لكنه يشترط الاغتسال فيكون حاصل كلامه إن مباشرة بدن الجنب لماء البئر بهذا النحو
المخصوص أي بطريق الاغتسال منجسة له لا مطلقا وحينئذ يزداد البعد المذكور سابقا كما لا يخفى وبما ذكرنا ظهر أن تعليل وجوب النزح أو استحبابه بأمر على سبيل الجزم
مما لا سبيل إليه فالأولى أن يحال إلى علمه تعالى وهو أعلم بحقايق أحكامه ثم أنه اختلف في أنه هل يرتفع حدث الجنابة بالغسل في البئر أم لا الظاهر من كلام الشيخين
(ره) أنه لا يرتفع واعترض عليه العلامة (ره) في المختلف إن المقتضي لسلب حكم الطهورية عن الماء تحمله للنجاسة الحكمية عنا لجنب وهو إنما يحصل بارتفاع حدث
الجنابة وفيه نظر إذ لا نسلم أن المقتضي لسلب حكم الطهورية عن الماء ذلك كما عرفت والشيخ (ره) أيضا لم يعلله به ليكون إلزاما عليه بل هذا الوجه إنما ذكره العلامة
من جانب الشيخين ولعلهما لم يرضيا به بل يعللان النزح بالتعبد كيف وقد مر سابقا إن الشيخ كأنه ذهب إلى أن النزح في النجاسات أيضا تعبدي لا للنجاسة
نعم يرد على هذا القول أنه لا دليل عليه إذ ليس في الروايات الواردة بالنزح سوى وجوب النزح وهو لا يدل على بطلان الغسل بوجه وأما رواية ابن أبي يعفور
المتقدمة فقد عرفت ما يرد على التمسك بها في بطلان الغسل مطلقا ولو سلم دلالتها ففي بعض الصور كما سبق وقد أورد عليه الشهيد الثاني إيرادا
آخر أيضا وهو أنه لو لم يطهر لم يتحقق الافساد الذي هو متعلق النهي ومتى لم يتحقق فلا حرج فيجوز الاغتسال وفيه أنه إنما يتم لو كان الافساد إزالة طهوريته
وهو إنما يتحقق الغسل الصحيح وكلاهما ممنوعان لجواز أن يكون فساده أمر آخر لم نعلمه ويجوز أيضا أن يزول طهوريته بمجرد الغسل وإن لم يكن صحيحا والعلامة
(ره) في المنتهى والنهاية صرح بارتفاع الحدث وهو الظاهر لصدق الامتثال وعدم دليل على خلافه كما عرفت ثم إن بعض القايلين بنجاسة البئر حينئذ ذهب إلى أنه إن
233

اغتسل مرتمسا طهر بدنه من الحدث ونجس بالخبث وإن اغتسل مرتبا أجزئه غسل ما غسله قبل وصول الماء إلى البئر إن كان خارجا عن الماء وإلا فما قارن
به النية خاصه ولا دليل له على هذا التفصيل واعترض عليه الشهيد الثاني (ره) في صورة الترتيب بأن الحكم معلق على الاغتسال ولا يتحقق إلا بالاكمال وهو
أيضا مشارك له في عدم الدليل كما ظهر مما سبق وخلاصة الكلام في هذا المقام أنه على القول بعدم نجاسة البئر بالملاقاة واستحباب النزح لا خفاء في أن بمجرد
دخول الجنب في البئر وكذا باغتساله سواء كان على بدنه نجاسة أم لا لا ينجس البئر نعم يستحب النزح وأما غسله فالظاهر أيضا صحته لعدم دليل تام على خلافه كما مر وأما
خروج البئر عن المطهرية فسيعلم حاله إنشاء الله تعالى في بحث الماء المستعمل وأما على القول بنجاستها بالملاقاة ووجوب النزح فإن كان على بدنه مني فلا يبعد القول
حينئذ بالاكتفاء بنزح سبع وإن كان الأولى نزح الأربعين والاحتياط في نزح الجميع ولو اغتسل في هذه الحالة فيكون ما غسله قبل وصول المني إلى الماء مجزيا
وما بعده فاسدا وإن لم يكن على بدنه مني فإن لم يغتسل فلا يبعد القول بعدم وجوب النزح والأولى النزح سيما مع الارتماس ولو اغتسل فحينئذ أيضا لو لم نقل
بوجوب النزح لم يكن بعيدا سواء ارتمس أو لا لان وجوب النزح في مواضع أخرى عند ملاقاة النجاسة لا يستلزم وجوبه ها هنا أيضا والأوامر لا ظهور لها في
الوجوب فيمكن حملها على الاستحباب خصوصا مع منافاتها في الجملة للقواعد المقررة لكن الأولى أن ينزح وأما نجاسة ماء البئر أو زوال طهوريته فالظاهر عدمهما
سيما الأول سواء ارتمس أولا وسواء تم الغسل أو لا والظاهر أيضا صحة غسله والاحتياط في عدم استعماله حتى ينزح وفي إعادة الغسل والله تعالى أعلم (وللفارة
مع التفسخ والانتفاخ) المراد بالتفسخ تفرق الاجزاء والقول بوجوب السبع مع التفسخ أو الانتفاخ والثلاث بدونهما قول المفيد في المقنعة ونسب الجزء الأول في
المعتبر إلى أبي الصلاح وسلار أيضا والشيخ أيضا في المبسوط والنهاية حكم بهذا التفصيل ولكن لم يذكر الانتفاخ وقال المرتضى (ره) في المصباح في الفارة
سبع وقد روى ثلاث وقال الصدوق في الفقيه وإن وقع فيها فارة فدلو واحدة وإن تفسخت فسبع دلاء حجة المفيد الجمع بين الروايات المتضمنة لنزح السبع
للفارة مطلقا وهي صحيحة أبي أسامة وأبي يوسف المتقدمة في بحث نجاسة البئر وموثقة سماعة ورواية علي المتقدمتان في بحث الكلب وشبهه ورواية
عمرو بن سعيد بن هلال المتقدمة في بحث الحمار والفرس ورواية أبي بصير المتقدمة المنقولة عن الكافي في بحث الكلب وصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة
بحث وقوع الخمر وما رواه التهذيب في باب تطهير المياه في الصحيح عن منصور قال حدثني عدة من أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال ينزح سبع دلاء إذا بال فيها الصبي
أو وقعت فيه فأره أو نحوها وبين ما رواه التهذيب فالباب المذكور والاستبصار في باب البئر تقع فيه الفارة في الصحيح عن معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الفارة والوزغة تقع في البئر قال ينزح منها ثلاث دلاء وروياه أيضا في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله واستشهد لهذا الجمع بما روياه في
البابين المذكورين عن أبي سعيد المكاري عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن الفارة تقع في البئر فقال إذا خرجت فلا بأس وإن تفسخت فسبع دلاء وكذا
استشهد بصحيحة أبي أسامة المتقدمة في بحث الكلب المتضمنة لنزح خمس دلاء ما لم يتفسخ فإنها تدل على أنه مع التفسخ لا يكفي ثلاث دلاء ولا خمس فثبت وجوب
السبع إذ لم يقل أحد بالزيادة عليه وبقي التعارض بينها وبين روايتي الثلاث في صورة عدم التفسخ فيحمل الخمس على الاستحباب جمعا وأما صحيحة الفضلاء ورواية الفضل
المتقدمتان في بحث الفرس وصحيحة علي بن يقطين المتقدمة في بحث نجاسة البئر المتضمنة جمعا لنزح الدلاء للفارة مطلقا فأمرها سهل لحمل الدلاء أما على
الثلاثة ويقيد بعدم التفسخ أو السبعة ويقيد به أو يكون مطلقة شاملة لهما وأما ما روياه في البابين المذكورين عن خديجة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئل عن الفارة
تقع في البئر قال إذا ماتت ولم تنتن فأربعين دلوا وإذا تفسخت فيه ونتنت نزح الماء كله فمحمول على الاستحباب لعدم القول به ظاهرا مع عدم سنده ومعارضته
بالاخبار الكثيرة السابقة وكذا موثقة عمار المتقدمة في بحث خبث الكلب المتضمنة لنزح الجميع للفارة محمولة على الاستحباب أو على التغير لما ذكر بعينه ولا يخفى أن
في الروايات المتقدمة لم يذكر الانتفاخ بل التفسخ والتسلخ فإلحاق الانتفاخ بالتفسخ مشكل والأولى الاقتصار على التفسخ كما فعله الشيخ وتبعه المعتبر قال في المعتبر وقال
بعض المتأخرين حد تفسخها انتفاخها وهو غلط انتهى والمراد بالبعض ابن إدريس (ره) ولا يبعد إلحاق التسلخ بالتفسخ لوروده في رواية أبي سعيد لكن نسخ
التهذيب فيه مختلفة كما ذكرنا والمحقق أيضا نقلها بلفظ التفسخ فتخصيص روايتي الثلاث بما عدا التسلخ أيضا مشكل بمجرد هذه الرواية سيما مع اعتضادهما
بالأصل وعدم قول أحد من الأصحاب به ظاهرا وبما ذكرنا ظهر وجه احتجاج الشيخ وكذا ما ذكره الصدوق في التفسخ وأما اكتفاؤه بالواحدة بدونه فلم نقف
له على مستند وأما المرتضى (ره) فكأنه اقتصر على السبع مطلقا لورود الروايات الكثيرة به فكأنها تواترت عنده ومعارضها لم يصل إلى هذا الحد وللاجماع
على عدم الزيادة عليه ولم يتحقق على ما دونه فوقف عليه ودفعه ظاهر والاحتياط في نزح سبع دلاء مع التفسخ وخمس مع عدمه وتمام الاحتياط في السبع فيه أيضا
ولو نزح الجميع لكان أتم (ولخروج الكلب حيا) ذهب إليه أكثر الأصحاب وأوجب ابن إدريس أربعين وأطلق القول في الفقيه بوجوب ثلاثين إلى أربعين في الكلب ولم
234

يفصله حجة الأكثر رواية أبي مريم المتقدمة في بحث الكلب ولولا الشهرة بين الأصحاب لأمكن الاكتفاء بخمس دلاء لصحيحة أبي سامة وحمل السبع على الاستحباب
بل بالثلاث أيضا لصحيحة علي بن يقطين للدلاء وحمل الخمس والسبع على الاستحباب وأما ابن إدريس فقد طرح هذه الرواية وذكر أنها ليست بشئ
يعتمد عليه والواجب العدول عن الرواية الضعيفة ونزح أربعين دلوا ولعل حكمه بالضعف وعدم التعويل بناء على أصله من عدم العمل بخبر الواحد ثم اعترض على
نفسه بأنك إذا لم تعمل بالرواية فلم لم تقل بنزح الجميع لأنه مما لا نصف فيه حينئذ وأجاب بما نقلنا عنه سابقا في بحث موت الانسان من أنه إذا كان حال موته يجب له
أربعون ففي الحياة بالطريق الأولى لان الموت يزيد النجس نجاسة قال صاحب المعالم وهذه الحجة جيدة على أصل ابن إدريس في ترك العمل بخبر الواحد انتهى و
أنت خبير بأن ما حمل عليه كلام ابن إدريس في بحث نجاسة موت الانسان واعتقد صحته ينافي ما ذكره ابن إدريس ها هنا واستحسنه (ره) كما لا يخفى وقد أشرنا إليه سابقا فتذكروا
العلامة (ره) اعترض على ابن إدريس (ره) بعد نقله ما ذكرنا عنه بقوله والجواب المنع من عدم النص وقد ذكرنا حديث أبي مريم ونمنع عدم أولوية الحي فإن هذه أحكام شرعية
تتبع الاسم ولهذا وجب في الفارة مع تفسخها وتقطع أجزائها وانفصالها بالكلية نزح سبع دلاء وأوجب نزح الجميع في البقرة منها لعدم ورود النص هنا وثبوته
هناك مع أن الأولوية هناك ثابتة ولم يعتد بها هو فلم يوجب نزح الجميع انتهى ولا يخفى أن دعوى ابن إدريس عدم النص بناء على أصله كما ذكرنا فلا يحسن المناقشة
معه ها هنا بوجود الرواية وأما منع عدم أولوية الحي بالنجاسة أو بالنزح واستناده بأن الاحكام تابعة للاسم أي بورود الاسم في النص فغير متجه أيضا لان مراد ابن إدريس أنه ورد النص
بنزح أربعين لموت الكلب في البئر وهو إنما يتضمن لملاقاته حيا مع زيادة نجاسة الموت فلا معنى لزيادة النزح له إذا خرج حيا ولم يضم إليه نجاسة الموت وهذا
المعنى مما لا يمكن إنكاره نعم لو كان مراده أن الكلب ميتا أنجس منه حيا لأمكن المنع حينئذ إذ العقل لا سبيل له إلى هذه الأمور فيجوز أن يكون له في حال حياته صفة
يقتضي زيادة نجاسة وكون الموت منجسا للحيوان لا يفيد في هذا المقام إذ يجوز أن ترتفع نجاسته التي في حال الحياة وتحدث نجاسة الموت التي عامة في ساير الأموات
ويكون هذه النجاسة أخف من الأولى ولا استبعاد أصلا فإن قلت نجاسة حال الحياة مستصحبة حال الموت أيضا لعموم أدلة نجاسته وليس بالاستصحاب الذي ليس
حجة ففي حال الموت تجتمع النجاستان فلو اكتفى فيه بالأربعين لاكتفى في الخروج حيا بالطريق الأولى كما في صورة موته بعد وقوعه حيا فلا فرق في عدم ورود المنع
بين الوجهين قلت العمومات الدالة على نجاسته لا يدل على أزيد من أنه بعد الموت أيضا نجس فيمكن أن يكون نجاسته حينئذ بسبب الموت ولم تكن النجاسة التي في حال
الحياة باقية لا يقال على هذا لا يجزم في النجاسات الأخر أيضا بتساوي منزوحاتها في جميع الأحوال لجواز أن يكون نجاستها في الأحوال مختلفة لان العمومات والاطلاقات
موجودة فيها مع انضمام الاجماع بل الضرورة أيضا وأما ما ذكره آخرا من أنه وجب في الفارة سبع دلاء مع تفسخها مع أنها أولى من البعرة وكان نظره إلى أن في
حال التفسخ يدخل البعرة أيضا في الماء مع زيادة نجاسته أجزاء الفارة فيلزم عليه بمقتضى حكمه ها هنا الاكتفاء فيها بالسبع أيضا ولم يوجب نزح الجميع مع أنه أوجب
نزح الجميع لعدم النص فكلام موجه إلا أن يكون نظر ابن إدريس إلى أن التفسخ لا يستلزم وقوع البعرة في الماء لجواز أن لا يكون بعرة في جوفها بخلاف ملاقاته حيا ها هنا
واعترض صاحب المعالم على العلامة (ره) بأن هذه المناقشة ليست بشئ فإن منع عدم قوة نجاسته حيا بالنسبة إلى كونه ميتا على ما هو حاصل مراده من منع عدم أولوية
الحي مما لا سبيل إليه بعد القول بأن الموت منجس لكل ذي نفس سواء كان طاهرا أم لا وهو مما لا خلاف فيه وقوله أن الأحكام الشرعية تتبع الاسم مسلم لكن ليس المدعى
إن الدليل الدال على تعيين نزح الأربعين لموته يدل على تعيين نزحها لوقوعه وخروجه حيا وإنما الغرض أن صورة الوقوع حيا والخروج ليس عليها دليل معتمد
فيكون من قبيل غير المنصوص إلا أن إيجاب نزح الجميع لغير المنصوص على ما هو مختاره لا ينافي ها هنا لدلالة الاكتفاء بالأربعين في صورة الموت على نفي الزايد عنها
في هذه الصورة أيضا بطريق أولى كما قرر وليس على ما دون ذلك دليل يصار به إليه فتعين الأربعون لتوقف يقين البراءة عليها فظهر إن إيجابها حينئذ ليس بمجرد
إيجابها في الصورة الأخرى بل بالتقريب الذي بنياه انتهى وأنت خبير بما في قوله فإن منع عدم قوة نجاسته إلخ لما ذكرنا آنفا وأما قوله وقوله إن الأحكام الشرعية
إنما يتبع الاسم ففيه إن مراده أن الأولوية ممنوعة لان الأحكام الشرعية إنما تتبع النص والعقل لا مدخل فيها ولا
يعلم الوجه فلعله يكون حيا نجس منه بعد الموت فالأولوية التي يتبادر إليها العقل لا عبرة بها كما لا تعتبر
الأولوية التي يحكم بها العقل في البعرة والفارة وحينئذ لا يكون ما ذكره (ره) في مقابله نعم يرد ما أشرنا إليه من أن مراد بن إدريس ليس أن نجاسته بعد الموت يزيد
على نجاسته حيا حتى يمكن المنع بل إن النص وقع على الأربعين لوقوعه حيا ثم الموت فقد ظهر إن الوقوع حيا لا يزيد على الأربعين بالنص لا بحكم العقل فإن
قلت النص إنما دل على عدم وجوب الزيادة على الأربعين لوقوعه حيا إذا مات بعده فالتعدي منه إلى صورة عدم الموت لا نص فيه والعقل لا مدخل له كما
قررت والعلامة (ره) نظر إلى هذا لا إلى أن النص لم يرد في الوقوع حيا أصلا بقرينة أنه أيده بتفسخ الفارة حينئذ ولا يذهب عليك إن التأييد بتفسخ الفارة إنما
يصلح قرينة على قول المعترض إذا كان نظر العلامة (ره) فيه على التوجيه الذي مر آنفا وأما إذا كان نظره على أن الفارة أولى بالنجاسة من البعرة فلا وحينئذ يرد عليه منع
آخر أيضا والظاهر أن منظوره الأول فتأمل قلت عدم نقصان قدر النزح بسبب حصول نجاسة أخرى مما وقع الاجماع عليه بل كاد أن يكون من الضروريات إلا أن
235

يقال لا نقول أنه بمجرد وقوعه حيا يجب نزح الزايد على الأربعين حتى يلزم علينا نقصان قدر النزح بسبب حدوث نجاسة الموت بل نقول أنه يجوز أن يكون الوقوع
حيا بشرط الخروج حيا موجبا النزح الزايد على الأربعين فلو لم يتحقق هذا الشرط يجب نزح أربعين إلى وأما حديث أن نزح أربعين يجوز أن يكون لحيثية موته لا مطلقا فقد مر الكلام فيه في بحث موت الانسان
(وبول الصبي غير الرضيع) هذا مختار الشيخين وجماعة والصدوق في المقنع والفقيه أوجب ثلاث دلاء واختاره المرتضى (ره) حجة الأول مرسلة منصور المتقدمة
في بحث الفاره وهي مع إرسالها يعارضها صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في بحث وقوع الخمر المتضمنة لنزح الجميع لبول الصبي ورواية علي بن أبي حمزة
المتقدمة في بحث بول الرجل المتضمنة لنزح دلو واحد لبول الصبي الفطيم وقد حمل الأولى على التغير أو الاستحباب والثانية على الرضيع وأنت خبير بأن
ارتكاب التأويل في الصحيحة بمجرد هذه المرسلة مشكل لكن يدفعه الشهرة بين الأصحاب بل الاجماع منهم ظاهرا على عدم وجوب الزايد على سبع وأما حمل
الثانية على الرضيع فغير مستقيم أصلا لأنه وقع فيها التصريح بالفطيم فلو قدح فيها بالضعف وعدم عمل الأصحاب بمضمونها لكان أولى وأما القول
الثاني فلم نقف له على حجة نعم يمكن الاستدلال على قليله بصحيحة ابن بزيع المتقدمة في بحث نجاسة البئر المتضمنة لنزح الدلاء لقطرات البول لان أقلها
ثلاثة لكن لا يمكن إجرائه في الكثير اللهم إلا أن يتمسك بالاجماع المركب ومع ذلك يرد عليه أنها مطلقة والمرسلة مقيدة فتحمل عليها وللكلام فيه مجال
ثم المراد بالصبي غير البالغ والرضيع الذي لم يأكل الطعام كما يفهم من كلام الشيخ وقيده بعض بكونه غالبا على اللبن أو مساويا له وفسره ابن إدريس بمن
كان له دون حولين سواء أكل أو لا وسواء فطم أو لا ولا فايدة في تحقيقه لعدم وروده في لفظ الحديث (وخمس لذرق الدجاج وخصه جماعة بالجلال) القول
بالخمس مطلقا للشيخ ومقيدا للمفيد وجماعة والكل مما لا دليل عليه في الروايات قال المحقق في المعتبر وفي القولين إشكال أما الاطلاق فضعيف لان ما ليس بحلال
ذرقه طاهر وكل رجيع طاهر لا يؤثر في البئر تنجيسا أما الجلال فذرقه نجس لكن تقدير نزحه بالخمس في موضع المنع ويطالب قائله بالدليل وقال أبو الصلاح
جزء ما لا يؤكل لحمه يوجب نزح الماء ويقرب عندي أن يكون داخلا في قسم العذرة ينزح له عشرون فإن ذاب فأربعون أو خمسون ويحتمل أن ينزح له ثلاثون لخبر المبخرة
انتهى وما أورده على القول بالاطلاق وحسن إلا أن يكون حكم الشيخ به نظرا إلى أحد قوليه من نجاسة ذرق الدجاج وكذا ما أورده على القول بالتقييد من عدم الدليل
على هذا القدر إلا أن يتمسك بالاجماع على عدم وجوب الزايد على الخمس وبالأقل لا يتيقن بالبراءة فيجب الخمس لكن دعوى الاجماع مشكل لمخالفة أبي الصلاح إلا أن يحمل كلامه
على ما لا يؤكل لحمه أصالة أو لم يعتد بخلافه لأنه معلوم النسب وما ذكره (ره) من إدخاله في قسم العذرة منظور فيه لان العذرة في اللغة فضلة الانسان وكذا ما
ذكره من احتمال نزح الثلاثين لخبر المبخرة وهي رواية كردويه المتضمنة لوقوع ماء المطر المخالط بالبول وخرء الكلب وغيرهما لأنها مختصة ظاهرا بالأشياء المذكورة
مع مخالطة ماء المطر فالتعدي عنها مشكل ولا يبعد إدخاله فيما لا نص فيه والاكتفاء مع ذلك بخمس كما لا يخفى وجهه (وثلاث للفارة مع عدم الامرين) أي التفسخ و
الانتفاخ قد مر تفصيل القول فيه (وروى خمس) هي صحيحة أبي أسامة المتقدمة في بحث الكلب وشبهه (وللحية ولا شاهد به) وجوب الثلاثة لموت الحية ذكره
الشيخان والفاضلان وكثير من الأصحاب وليس فيه نص بخصوصه قال في المعتبر ويمكن أن يستدل على الحية بما رواه الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا سقط
في البئر حيوان صغير فمات فيها فانزح منها دلاء فنزل على الثلاث لأنه أقل محتملاته انتهى وفيه أولا أنه أقل محتملاته أولا أنه موقوف على كون الحية ذات
نفس سائلة إذ لو لم تكن كذلك لكانت خارجة عن العموم بالروايات التي سيجئ في بحث العقرب وهو ممنوع وثانيا أنه مقيد بصحيحة ابن سنان المتقدمة في بحث وقوع
الخمر المتضمنة لنزح سبع دلاء لوقوع دابة صغيرة لوجوب حمل المطلق على المقيد إلا أن يمنع الوجوب ويقال إن حمل المطلق على المقيد ليس بأولى من حمل المقيد على
المجاز لو سلم ظهوره في وجوب النزح واحتج العلامة في المختلف برواية عمار المتقدمة في بحث موت الانسان وجه الاستدلال إن الحية يجب فيها أكثر من العصفور وإلا
لم يختص القلة بعصفور وإنما أوجب الثلاث لمساواتها الفارة في قدر الجسم تقريبا وبرواية إسحاق بن عمار المتقدمة في بحث الشاة وما أشبهها وجه الاستدلال
إن الحية لا يزيد على قدر الدجاجة في الجسم ولا يخفى ما في الوجهين من الضعف من وجوه واعلم إن العلامة في المختلف أسند إلى علي بن بابويه في بحث الحية القول
بنزح سبع دلاء لها وقال في مسألة العقرب وقال علي بن بابويه في رسالته إذا وقعت فيها حية أو عقرب أو خنافس أو بنات ورد أن فاستق منها للحية سبع دلاء
وليس عليك فيما سواها شئ لكن نقل المحقق في المعتبر عبارة الرسالة بنحو آخر إذ فيه موضع سبع دلاء أو دلوا واحدا وقال صاحب المعالم وفيما عندنا من نسخة الرسالة
القديمة التي عليها أثار الصحة دلاء بدون السبع واحتج العلامة للسبع بأنها في قدر الفارة والفارة تجب فيها السبع ولا يخلو من وهن والأولى الاستدلال عليه بصحيحة ابن سنان
المذكورة ووجوب الدلو الواحد على ما في المعتبر لا دليل عليه والنسخة التي فيها الدلاء يمكن الاستدلال عليها بصحيحة الحلبي المذكورة بل بصحيحة الفضلاء ورواية
الفضل المتقدمتين في بحث الفرس والبقر والاحتياط في نزح سبع دلاء (وللوزغة) القول بوجوب الثلاثة للوزغة للصدوق والشيخين وجمع من الأصحاب و
أوجب سلار وأبو الصلاح دلوا واحدا وابن إدريس لم يوجب شيئا وقال المحقق في المعتبر والذي أراه وجوب النزح في الحية لان لها نفسا سائلة وميتتها نجسة
236

أما العقرب والوزغة فعلى الاستحباب لان ما لا نفس له سايلة ليس بنجس ولا ينجس شئ بموته فيه بل روي إن له سما فيكره لذلك انتهى حجة القول بالثلاث صحيحتا معاوية
بن عمار وابن سنان المتقدمتان في بحث الفارة وأما ما رواه التهذيب في باب تطهير المياه والاستبصار في باب البئر يقع فيها الفارة والفقيه في باب المياه عن يعقوب بن
عثيم قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) سام أبرص وجدناه قد تفسخ في البئر قال إنما عليك أن تنزح منها سبع دلاء قلت فثيابنا التي قد صلينا نغسلها ونعيد الصلاة
قال لا فغير نقي السيد مع عدم عمل الأصحاب بمضمونه فليحمل على الاستحباب جمعا بين الاخبار والشيخ (ره) كأنه عمل بمضمونه وحمل الروايتين السابقتين على عدم
التفسخ كما يفهم من ظاهر التهذيب وحجة القول بالدلو الواحد ما رواه التهذيب في زيادات باب المياه عن يعقوب بن عثيم أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) فقال له
بئر ماء في مائها ريح يخرج منها قطع جلود فقال ليس بشئ لان الوزغ ربما طرح جلده إنما يكفيك من ذلك دلو واحد وما رواه الكافي في الحسن عن عبد الله بن المغيرة عمن ذكره عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال قلت بئر يخرج في مائها قطع جلود قال ليس بشئ إن الوزغ ربما طرح جلده وقال يكفيك دلو من ماء قال المحقق في المعتبر وليس في
هذا دلالة صريحة وقد يقال بل لا دلالة عند التحقيق والامر كما قيل إن كان مرادهم من هذا الاستدلال إثبات عدم وجوب الباب الثلاث به فقط وأما إذا
كان مرادهم إثبات وجوب الدلو الواحد به ويتمسكون في نفي الزيادة بالأصل فله وجه لكن الأصل لا عبرة به بعد ورود النص ولو قيل بعدم ظهور الروايتين
في الوجوب بل يحتمل الاستحباب فهذا المعنى في خبريهم أيضا جار فلم قالوا بوجوب الواحد دون الثلاث إلا أن يكون القول بوجوب الواحد للاجماع على
الواحد دون ما زاد عليه واحتج ابن إدريس بأنه لا نفس له سايلة فلا ينجس الماء بموته والروايات لا تصير حجة عليه لعدم عمله بخبر الواحد ويمكن أن يحتج عليه
أيضا بما روياه في البابين والفقيه في باب المياه عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه سأله عن السام أبرص يقع في البئر فقال ليس شئ حرك الماء بالدلو
وقد يقال أنه يمكن أن يكون المراد من تحريك الماء بالدلو نزح دلو واحد فيكون حجة لأبي الصلاح وأن يحمل على عدم موته وسيجئ في البحث الآتي ما يصلح احتجاجا لابن
إدريس (والعقرب) هذا مختار الشيخ في النهاية والمبسوط وتبعه ابن البراج وأبو الصلاح وذهب الشيخ علي بن بابويه في رسالته إلى عدم وجوب شئ للعقرب كما
نقلنا سابقا وهو مختار ابن إدريس حجة الشيخ ما روياه في البابين عن هارون بن حمزة العنوي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن الفارة والعقرب وأشباه
ذلك يقع في الماء فيخرج حيا هل يشرب من ذلك الماء ويتوضأ منه قال نسكب منه ثلاث مرات قليلة وكثيرة بمنزلة واحدة ثم يشرب منه ويتوضأ منه غير
الوزغ فإنه لا ينتفع بما يقع فيه وجه الاستدلال أنه إذا وجب أن ينزح لها مع خروجها حيا ثلاث دلاء فمع الموت بالطريق الأولى واحتج أيضا بأن المقتضي للنزح
في الوزغة وهو السم موجود في العقرب وأما ما رواه التهذيب في باب المياه والاستبصار في باب ما ليس له نفس سايلة يقع في الماء عن منهال قال قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام) العقرب يخرج من البئر ميتة قال استق منه عشرة دلاء قال قلت فغيرها من الجيف قال الجيف كلها سواء إلا جيفة قد أجيفت فإن كانت جيفة قد أجيفت البئر بها فاستق منها مائة دلو
فإن غلب عليها الريح بعد مائة دلو فانزحها كلها فغير نقي السند ولم يعمل الأصحاب بمضمونه فليحمل على الاستحباب وأما حجة ابن بابويه فإنه حيوان لا نفس
له سايلة فلا يجب بموته شئ كالذباب والخنافس وفيه إن بعد ورود النص بالنزح لا وجه لهذا القول لجواز أن لا يكون النزح لنجاسته بل لسميته لكن الكلام
في ورود النص إذ الحجة المذكورة لا ظهور لها فيما نحن فيه بل الظاهر أنه في غير البئر بل في الأواني والظروف بدلالة عجزها عليه من عدم الانتفاع بما يقع فيه الوزغة
إذ لم يقل أحد بعدم الانتفاع بالبئر التي يقع فيها الوزغة لا وجوبا ولا استحبابا وأيضا الظاهر أن هذه الأوامر مما لا ظهور لها في الوجوب مع أنها ليست بلفظة
الامر أيضا واحتج أيضا بما روياه في البابين المذكورين سابقا في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل قال سئل عن الخنفساء والذباب
والجراد والنملة وما أشبه ذلك يموت في البئر والزيت والسمن وشبهه فقال كل ما ليس له دم فلا بأس به وأجيب أيضا بالتخصيص بما ذكر وفيه أيضا ما ذكر وبرواية
أبي بصير المنقولة عن الكافي في بحث الكلب وبما رواية أيضا في البابين عن حفص بن غياث عن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سايلة و
روى التهذيب مثله عن محمد بن يحيى مرفوعا عن أبي عبد الله (عليه السلام) نقلا عن الكافي والكلام فيهما أيضا كما تقدم (وقيل يستحب لهما) كما نقلنا عن المعتبر وإليه ذهب العلامة
أيضا وهو الصحيح لوجود الروايات من عدم ظهورها في الوجوب فليحمل على الاستحباب ولما لم يضيق في أمر الاستحباب فالمناقشة في بعض الأخبار من حيث السند أو من حيث
الدلالة لا تضر بالمقصود ولو لبول الرضيع) هذا مختار الشيخين وكثير من الأصحاب وقال أبو الصلاح وابن زهرة ينزح له ثلاث دلاء واحتج الشيخ برواية علي بن حمزة المتقدمة
في بحث بول الصبي وفيه ما لا يخفى لان فهيا التصريح بالفطيم فكيف يحمل على الرضيع إلا أن يقال إذا كان يكفي دلو واحدا للفطيم فللرضيع بالطريق الأولى لكن
هذا الاستدلال إنما يصح ممن لا يقول بوجوب السبع للصبي وأما من قال به كالشيخ فلا كما لا يخفى وأما ما ذهب إليه أبو الصلاح فقد قيل أنه لا مأخذ له وليس
كذلك إذ يمكن أن يستدل عليه بصحيحة إسماعيل بن بزيع المتقدمة في بحث نجاسة البئر المتضمنة لنزح الدلاء لقطرات البول وجه الاستدلال أنها عامة فيشمل المتنازع
فيه وأقل الدلاء ثلاث ورواية علي بن أبي حمزة لا تصلح معارضا لعدم ظهور صحتها مع أن الأصحاب لم يعملوا بمضمونها قط إذ العاملون بها أيضا كأنهم
237

لم يعملوا بها لما ظهر آنفا فإن قلت بصحيحة ابن بزيع المذكورة إنما يختص ظاهرا بالقليل من البول فلا يتم الاستدلال على وجوب الثلاث للكثير من بول الرضيع
لجواز أن يجب أزيد منها قلت هذا إنما يكون منفيا بالاجماع (وللعصفور دلو) هذا هو المشهور بين الأصحاب ولا يعرف خلاف فيه إلا أن الصدوق (ره) قال في الفقيه و
أكبر ما يقع في البئر الانسان فيموت فيها فينزح منها سبعون دلوا وأصغر ما يقع في البئر الصعوة فينزح منها دلو واحد وفيما بين الانسان والصعوة على قدر
ما يقع فيها وكذا قال أبوه (ره) في الرسالة وهو بظاهره يخالف المشهور إذ الصعوة ليس مطلق العصفور بل عصفور صغير كما نص عليه في القاموس لكن
الظاهر أن مرادهما منها مطلق العصفور أما بإطلاق الخاص على العام أو بأنه لم يثبت الأخصية بل يكونان
مترادفين ومستند المشهور وموثقة عمار المتقدمة في
بحث موت الانسان وهي وإن كانت غير صحيحة لكن عمل الأصحاب بها والشهرة العظيمة فيما بينهم مما يرجحها وقد يعارض بصحيحة الحلبي المتقدمة في بحث
وقوع الخمر حيث أمر فيها بنزح الدلاء لسقوط الشئ الصغير وأقلها ثلاثة لكنها ضعيفة لان موثقة عمار مع اعتضادها بعمل الأصحاب وعدم راد لها ظاهرا
مما يصلح لتخصيص الصحيحة قطعا مع أن الأوامر الواردة في أحاديثنا ليست بظاهرة في الوجوب سيما في هذا الباب لما علمت من كثرة الاختلاف فيها المشعر بالاستحباب
على أن المحقق حكى الصحيحة بلفظ حيوان صغير وشمول الحيوان للطير عرفا ممنوع وقس عليه الحال في معارضتها بالروايات الواردة في الطير مطلقا هذا ثم اعلم إن بعض
الأصحاب فسر العصفور بما دون الحمامة قيل وهو الظاهر من تفسيرهم الطير بالحمامة ونحوها فما فوقها مضافا إلى عدم القول بالواسطة بين نزح الدلو والسبع ولا يخلو
من تأمل وفيه أن بعض هذا التفسير إن كان للمعنى الموضوع له فلا شاهد عليه من حيث اللغة والعرف إذ ذكر بعضهم إنه نوع من الطير وذكر جماعة أنه الأهلي
الذي يسكن الدور وإن كان للمراد ها هنا من حيث الحكم باعتبار التعدي منه إلى شبهه أيضا كما قال أكثرهم للعصفور وشبهه فلا دليل عليه من حيث الشرع إذ
النص مخصوص بالعصفور والتعدي منه إلى شبهه في القدر والجثة لا بد له من دليل والشهرة بمجردها من غير نص لا يكفي في الحكم وأيضا لو كفت المشابهة في الجثة
لكان ينبغي أن يكون الحكم كذلك في صغير كل طاير ما دام بقدر جثة العصفور ولم يقل به أحد منهم سوى الشيخ نظام الدين الصهرشتي شارح النهاية على ما حكى عنه
واعترض عليه المحقق (ره) بقوله ونحن نطالبه بدليل التخطي إلى المشابهة ولو وجده في كتب الشيخ أو كتب المفيد لم يكن حجة ما لم يوجد الدليل انتهى اللهم إلا أن يفرق
بينهما بأن التعدي إلى ما يشبه نوعه في الجثة أظهر من أن يشبه شخصه فحينئذ الظاهر بحسب النظر لو لم يكن إجماع إن ما ثبت عليه إطلاق العصفور يكون حكمه كذلك وما
ثبت عدم إطلاقه عليه وإن كان شبهه في الجثة يحكم باخراجه عنه واندراجه في الطاير أو الشئ الصغير وقد ورد في كل منهما نزح الدلاء وقد ورد أيضا في الطير كما
سبق تحديدها بالسبع والخمس فإن قلنا بتقييد الدلاء بأحدهما فيحكم فيه أيضا به وإن لم نقل بالتقييد فيكتفي فيه بثلاثة دلاء التي هي أقل ما يطلق عليه الدلاء
إلا أن يقال إن شهرة وجوب دلو واحد للعصفور وشبهه مما يورث شكا في التكليف بالدلاء فيؤخذ بالقدر المتيقن وأما ما يشك في إطلاق العصفور عليه فالاكتفاء
فيه بدلو واحد لا يخلو من قوة كما لا يخفى وجهه واعلم إن الراوندي (ره) حكم بخروج الخفاش عن شبه العصفور معللا بأنه نجس واعترضه المحقق في النجاسة فإنه لا
دليل عليها لو علل بأنه مسخ فمنع مسخه ثم نجاسة المسخ ولا يذهب عليك أنه على تقدير تسليم نجاسته تصير المسألة حينئذ نظيرة مسألة موت الكافر فقس عليها
(فإن تغيرت البئر نزحت أي جميع مائها فإن غلب الماء اعتبر أكثر الامرين من زوال التغير والمقدر وقيل بالتراوح مع الأغلبية) إذا تغير ماء البئر بالنجاسة فلا يخلو أما أن يقال
بعد انفعاله بالملاقاة واستحباب النزح للمقدرات المتقدمة أولا فإن قيل به فالظاهر حينئذ وجوب النزح حتى يزول التغير وكأنه اتفاق من القائلين به وإن لم يقل به
فإن قيل بالانفعال فحينئذ في المسألة أقوال الأول نزح الجميع فإن تعذر فالتراوح ذهب إليه الصدوقان ويحكى عن المرتضى وتبعهم سلار الثاني النزح حتى يزول
التغير وهو مختار أبي الصلاح والمصنف في البيان ونسبه بعض إلى المفيد وهو الظاهر من عبارته في المقنعة ولا يخفى أن هذا القول لا يخلو من إجمال إذ يحتمل أن يكون
مرادهم الاكتفاء بزوال التغير مطلقا أو فيما لا يكون له مقدر ويكون الحكم فيما له مقدر إزالة التغير ثم استيفاء المقدر أو فيما لا يكون له مقدر وما يكون له مقتدر
أيضا لكن يستوفي مقدره بإزالة التغير وعلى الأولين قول على حدة وعلى الأخير يرجع إلى القول الثامن الثالث نزح الجميع فإن تعذر فإلى أن يزول التغير وهو مختار
الشيخ في المبسوط ونسبه المحقق إلى المفيد أيضا وفي هذا القول أيضا الاجمال السابق في صورة التعذر وفيه ثلاث احتمالات ويكون على احتمال قولا على حده وعلى احتمال يرجع إلى ما يحتمله
كلام المعتبر كما سنذكره وعلى احتمال يرجع إلى القول السادس الرابع نزح الأكثر مما يحصل به زوال التغير واستيفاء المقدر وهو قول ابن زهرة واختاره المصنف في
الذكرى الخامس نزح أكثر الامرين من المقدر ومزيل التغير إن كان للنجاسة المغيرة مقدر وإلا فالجميع فإن تعذر فالتراوح ذهب ابن إدريس إليه ووافقه المحقق
الشيخ علي (ره) على القول بالانفعال واختاره الشهيد الثاني أيضا السادس نزح الجميع فإن غلب الماء اعتبر أكثر الامرين من زوال التغير والمقدر وهو مختار هذا الكتاب
وظاهر المعتبر ويحتمل كلام المعتبر أن يكون مراده في صورة تعذر الجميع وجوب نزح ما يزيل التغير ثم استيفاء المقدر وهذا القول أيضا غير صريح فيما إذا تعذر نزح
الجميع ولم يكن له مقدر لكن الظاهر الاكتفاء بزوال التغير السابع نزح ما يزيل التغير أولا ثم المقدر بعده إن كان لتلك النجاسة مقدر وإلا فالجميع فإن تعذر فالنزوح
238

وهو قول بعض الأصحاب ونسب إلى المحقق أيضا ولا وجه له الثامن نزح الامرين مما يزول معه التغير ويستوفي به المقدر إن كان هناك مقدر وإلا اكتفى
بزوال التغير ذهب إليه بعض المتأخرين واختاره صاحب المعالم وهو الظاهر على القول بالانفعال واعلم إن مختار الذكرى أما أن يكون راجعا في الحقيقة
إلى هذا القول أو القول الخامس كما لا يخفى فليس قولا على حدة وإن لم يقل بالانفعال لكن قيل بوجوب النزح فلم أظفر على تصريح من الأصحاب فيه وما تقتضيه
ظاهرا النظر إجراء هذه الاحتمالات فيه أيضا وإذ قد تقرر هذا فلنشرع في ذكر الأدلة على المذاهب أما حجة القائلين بعدم الانفعال في الاكتفاء بزوال التغير
فروايات منها صحيحة ابن بزيع المتقدمة في بحث نجاسة البئر ومنها صحيحة أبي أسامة المتقدمة في بحث وقوع الكلب وشبهه ومنها موثقة سماعة المتقدمة في
ذلك البحث أيضا ومنها رواية زرارة المتقدمة في بحث وقوع الخمر وأما ما يعارضها من صحيحة معاوية المتقدمة في بحث نجاسة البئر حيث قال (عليه السلام)
فلن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ونزحت البئر وهو ظاهر في نزح الجميع وصحيحة أبي مريم المتقدمة في بحث الكلب وموثقة عمار المتقدمة في ذلك البحث أيضا
ورواية أبي خديجة المتقدمة في بحث الفارة فالجواب عن الجميع بحملها على الاستحباب لا ظهور لها في الوجوب ولو سلم الظهور فليحمل عليه أيضا للجمع
أو يحمل على ما لم يزل التغير ما لم ينزح الجميع مع إمكان المناقشة في ظهور صحيحة معاوية في نزح الجميع بل صحيحة أبي مريم أيضا على أنه ليس في صحيحة أبي مريم وموثقة
عمار حكاية التغير بل حكم بنزح الجميع مطلقا وإنما حملها القوم على التغير جمعا بينهما وبين الروايات الأخر التي تدل على وجوب قدر خاص كما سبق وحينئذ فتخصيصهما
بصوره التغير ليس بأولى من حملهما على المجاز مع أن رواية أبي خديجة لم يحمل الجزء الأول منها على الوجوب اتفاقا فالظاهر أن الجزء الثاني أيضا كذلك وأما صحيحة
محمد بن مسلم المتقدمة في بحث وقوع الجنب في الماء حيث يدل ظاهرا على الاكتفاء بنزح عشرين إن كان للبئر ريح فمحمولة على زوال التغير بنزح عشرين جمعا
بين الروايات مع أنه انعقد الاجماع على خلاف ظاهره وكذا الحال في رواية كردويه المتقدمة في بحث وقوع ماء المطر المخالط للنجاسات وقس عليه الحال في صحيحة علي بن
جعفر المتضمنة لوقوع الشاة المذبوحة في البئر وأما حجة القول الأول من القائلين بالانفعال أما في نزح الجميع مع عدم التعذر فالمعارضات المذكورة ها هنا
وأما في التراوح مع التعذر فلانه قايم مقام نزح الجميع فيما يكون واجبا مع تعذره وعليه رواية سيجئ إنشاء الله تعالى في البحث الآتي وقد ظهر بما ذكر جواب المعارضات
وسيجئ ما في الرواية واحتج أيضا بأنه ماء محكوم بنجاسته فيجب إخراجه أجمع وفيه أن بعد ورود النص بتطهيره بالنزح حتى يزول التغير لا مجال لهذا القول وأما حجة
القول الثاني فإن كان مراد القائلين به الاحتمال الأول فحجته إطلاق الروايات المتقدمة في احتجاج القايلين بعدم الانفعال ويرد عليها أنها مخصصة بالروايات
الدالة على نزح أقدار مخصوصة مما تقدم توضيحه إن بين هذه الروايات والروايات المذكورة عموما من وجه ولا معنى لحمل روايات التقدير على هذه الروايات
إذ لا يجوز أن ينقص قدر النزح مع التغير فتعين حمل هذه الروايات عليها فلم يبق عمومها وإن كان مرادهم الاحتمال الثاني فحجته في صورة ما لم يكن له مقدر العمومات
المذكورة ودلالتها ظاهرة وأما في ما يكون له مقدر فسيجئ حجته في القول السابع وإن كان مرادهم الاحتمال الأخير فيرجع إلى القول الثامن وسنذكر دليله
إنشاء الله تعالى وأما القول الثالث فإن كان المراد منه الاحتمال الأول فحجته الجمع بين الروايات المذكورة الدالة على نزح الجميع والروايات الدالة على نزح ما يزيل
التغير بحمل الأولى على صورة الامكان والثاني على التعذر وفيه أن طريق الجمع غير منحصر فيما ذكر بل يحتمل وجهين آخرين مما ذكرنا مع أنهما أولى منه أما الاستحباب
فلما عرفت إن ليس فيه خلاف ظاهر وأما الثاني فلانه يلزم حينئذ تخصيص واحد في روايات الاكتفاء بما يزيل التغير وعلى ما ذكر تخصيصان بيانه أنه ظهر مما ذكرنا
أنه لا بد من تخصيص هذه الروايات بما إذا استوفى المقدر مع زوال التغير فلو جمع بين الروايات بحمل روايات نزح الجميع على ما إذا لم يحصل الزوال بدونه فلم
يحصل تخصيص آخر في الروايات المذكورة وأما إذا جمع بينهما بما ذكر فيلزم تخصيص آخر بصورة التعذر ولا شك إن تقليل التخصيص أولى وإن كان المراد الاحتمال
الثاني فسيجئ وجهه وإن كان الاحتمال الثالث فهو القول السادس وسنذكر حجته إنشاء الله تعالى وأما القول الرابع فقد عرفت أنه ليس قولا على حدة وأما القول الخامس
فحجته في وجوب أكثر الامرين فيما له مقدر قد ظهر مما سبق وأما حجته في وجوب نزح الجميع أو التراوح فيما ليس له مقدر وكأنها أنها مما لا نص فيه ومذهبهم أن فيما لا نص
فيه يجب نزح الجميع مع عدم التغير ففي التغير بالطريق الأولى وبدلية التراوح له في صورة التعذر قد مر وجهه ويرد عليها أنه لا نسلم وجوب نزح الجميع فيما لا
نص فيه مع عدم التغير وقد مر تفصيل القول فيه وأما القول السادس فحجته مركبة من الحجة المذكورة للقول الثالث وما ذكر من وجه وجوب استيفاء المقدر و
قد ظهر دفعها مما سبق وأما احتمال كلام المعتبر فوجهه الجمع بين الروايات وبعض ما سيجئ في القول السابع وأما الجمع فقد ظهر دفعه وأما ما سيجئ فسيجئ أيضا دفعه
وأما القول السابع فحجته فيما له مقدران وقوع النجاسة ذات المقدر موجب لنزحه بمجرده فإذا انضم إليه التغير الموجب لنزح ما يزول به صارا سببين ولا منافاة
بينهما فيعمل كل منهما عمله وتقديم مزيل التغير لكون الجمع بين الامرين لا يتم إلا به وفيما لا مقدر له ما ذكر في الخامس والجواب عن الأول أنا سنبين إنشاء الله تعالى إن
النجاسات تتداخل وعن الثاني قد مر وأجاب عنه صاحب المعالم إن صحيحة ابن بزيع ظاهر في الاكتفاء في حصول الطهارة بزوال التغير ونفي الزايد عنه وكذا
239

صحيحة أبي أسامة وإنما صرنا إلى التخصيص بما يحصل معه استيفاء المقدر لضرورة الجمع من حيث إن إيجاب نزح المقدر مع عدم التغير يقتضي إيجابه معه على
ما مر تحقيقه وإذا اندفعت المنافاة بهذا القدر من التخصيص لم يجز تجاوزه وقد ظهر بذلك إن قوله ولا منافاة بينهما خلاف الواقع انتهى وفيه مناقشة
لأنه قد نقلنا عنه سابقا إن جميع روايات النزح مقيد بالحيثية فحينئذ صحيحتا ابن بزيع وأبي أسامة لا تدلان على أزيد من أن الاكتفاء في حصول الطهارة
بزوال التغير من جهة التغير وذلك لا ينافي وجوب شئ آخر لأمر آخر غير التغير وهو (ره) غير قائل بالتداخل أيضا فيلزم عليه المصير إلى القول السابع في هذا الحكم إلا
أن يقال إن اعتباره (ره) الحيثية إنما هو في النجاسات والتغير ليس بنجاسة برأسها فالنزح له إنما هو باعتبار النجاسة التي سبب له فاعتبار الحيثية يرجع إلى
النجاسة المذكورة لا إليه فحينئذ إذا ورد النص بأنه مع التغير يجب نزح كذا يكون الظاهر أنه لا يجب نزح الزايد عليه للنجاسة التي حصل منه التغير مطلقا بخلاف ما إذا
ورد النص مثلا بأن في وقوع الميت يجب كذا فإنه لا يدل على أنه إذا كان متنجسا بنجاسة أخرى أيضا لا يجب له أزيد منه فتأمل وأما القول الثامن وهو الظاهر
على القول بالانفعال كما ذكرنا فحجته في الاكتفاء بزوال التغير فيما لا مقدر له العمومات المذكورة من غير مخصص ومعارض يصلح الاعتماد وأما في وجوب نزح أكثر الامرين فيما
له مقدر فالجمع بينها وبين روايات التقدير كما ذكرنا قال صاحب المعالم لا يقال هذا يقتضي اختصاص الخبر بما لا مقدر له إذ لم يعمل بظاهره إلا فيه ولا ريب أن أكثر
النجاسات له مقدر ومن المستبعد أن يكون الحديث واردا في حكم الأقل مع ما في ألفاظه من العموم والشمول لأنا نقول لما كان الغالب تأخر زوال التغير عن استيفاء
المقدر وعكسه إنما ذكر بطريق الاحتمال فإن اتفق وقوعه فبقلة لم يكن التخصيص بإخراج كل ما له مقدر ليلزم قصر العموم على غير المخصوص فيحصل الاستبعاد بل إنما
يقع التخصيص بإخراج ما يتأخره مقدره عن زوال التغير ولا ريب أنه أقل قليل بالنسبة إلى المجموع من غير المنصوص وما يتوقف زوال تغيره على الزيادة عن المقدار
ويساويه والتخصيص بمثل ذلك مما لا إشكال فيه انتهى وهو كلام حسن وأما حال الاحتمالات على القول بوجوب النزح تعبدا فقد ظهر من تضاعيف هذه الكلمات
فقس عليها (كما في كل موضع يجب نزحها فينزح أربعة رجال مثنى يوما إلى الليل وإن قصر النهار ولا يجزي الليل ولا الملفق منه ومن النهار ولا النساء على الأقرب ولا
الخناثي ويجزي ما فوق الأربعة من الرجال) المشهور بين الأصحاب أنه إذا وقع في البئر ما يوجب نزح جميع مائها وتعذر نزحه لكثرة الماء يجب التراوح وذكر العلامة في
المنتهى أنه لا نعرف فيه مخالفا من القائلين بالتنجيس ولا يخفى عليك إن هذا الاتفاق في غير صورة التغير وإلا
فقد عرفت إن بعض القائلين بوجوب نزح الجميع فيها لا
يقولون بالتراوح عند تعذره ومستندهم في هذا الحكم ما رواه التهذيب في باب تطهير المياه في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل قال
وسئل عن بئر يقع فيها كلب أو فارة أو خنزير قال ينزف كلها ثم قال أعني أبا عبد الله (عليه السلام) فإن غلب عليه الماء فلينزف يوما إلى الليل ثم يقام عليها قوم يتراوحون
اثنين اثنين فينزفون يوما إلى الليل وقد طهرت واعترض عليه بوجوه الأول إن في سنده جماعة من الفطحية فلا تعويل عليه الثاني إن متنه يتضمن إيجاب نزح الماء
كله للأشياء المذكورة وهو متروك في فتوى الأصحاب الثالث إن ظاهره يدل على وجوب النزح يومين ولم يقل به أحد وأجيب عن الأول بأن رواته وإن كانت
فطحية لكنها ثقات فيعمل بما رووه مع سلامته من المعارض واعتضاده بعمل الأصحاب كيف والشيخ ادعى في العدة إجماع الإمامية على العمل برواية عمار وأمثاله
وعن الثاني إن نزح الجميع أما محمول على الاستحباب أو على التغير كما حمله الشيخ في التهذيب فليس مما ترك الأصحاب العمل به وفيه أنه لو حمل على الاستحباب يكون التراوح أيضا
مستحبا فكيف يتمسك به في وجوبه ولو سلم الوجوب فهو وارد في أشياء مخصوصة والتعدي عنها يحتاج إلى دليل آخر وعن الثالث أنه يجوز أن لا يكون ثم لترتيب الخارجي وقد
يقع لغير ذلك المعنى كثيرا مثل قوله تعالى كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون إلى غير ذلك واتفاق الأصحاب في تفاهم هذا المعنى منه قرينة ظاهرة على المراد ويحتمل احتمالا بعيدا
أن يكون ثم من كلام الراوي على أن المحقق لم يورد في المعتبر عند نقل هذا الخبر كلمة ثم واستدل المحقق في المعتبر على التراوح بوجه آخر وهو أنه إذا وجب نزح الماء كله و
تعذر فالتعطيل غير جايز والاقتصار على نزح البعض تحكم والتراوح يوما يتحقق معه زوال ما كان في البئر فيكون العمل به لازما ولا يخفى ضعفه هذا ثم إن التراوح
وهو تفاعل من الراحة لان كل اثنين يريحان صاحبهما إنما يتحقق بأن ينزح اثنان وقتا بأن يكون أحدهما فوق البئر والاخر في البئر يملأ الدلو وينزح الاخر ثم يريحان
فيقوم الآخران مقامهما هكذا ذكره بعض الأصحاب ولا يخفى أنه لا دليل على لزوم كون أحدهما فوق البئر والاخر فيها ولا يبعد ن يتحقق بكونهما فوق البئر يتشاركان
في النزح وقد استثنى المصنف (ره) زمان الصلاة جماعة والاجتماع في الاكل وعلله باقتضاء العرف له واقتصر بعض الأصحاب على الأول فارقا بينهما بأن الثاني يمكن
حصوله حال الراحة لأنه من تتمتها بخلاف الأول فإن الفضيلة الخاصة لا يحصل إلا به وربما نفى بعضهم الاستثناء من أصله وهو الأحوط وقد اختلف أيضا
كلام الأصحاب في تحديد يوم النزح وقال المفيد (ره) من أول النهار إلى آخره وتبعه الحلبي وسلار وابن زهرة وقال الصدوق والمرتضى من غدوة إلى الليل وقال الشيخ في المبسوط والنهاية من
غدوة إلى العشي قال في المعتبر ومعاني هذه الألفاظ متقاربة فيكون النزح من طلوع الفجر إلى غروب الشمس أحوط لأنه لا يأتي على الأقوال وقال المصنف في الذكرى
بعد أن ذكر الاختلاف في العبارات والظاهر أنهم أرادوا به يوم الصوم فليكن من طلوع الفجر إلى غروب الشمس لأنه المفهوم من اليوم مع تحديده بالليل قال صاحب المعالم وما ذكره
240

المحقق من الأحوطية حسن وأما كلام الشهيد الثاني (ره) ففي موضع النظر لان الحمل على يوم الصوم يقتضي عدم الاجزاء باليوم الذي يفوت من أوله جزء وإن قل وعباراتهم لا
تدل عليه بل ظاهرها ما هو أوسع من ذلك ولفظ الراوية محتمل أيضا لصدق اسم اليوم وإن فات منه بعض الاجزاء إذا كانت قليلة وبالجملة فهذا التدقيق اللازم
من جعله يوم صوم مستبعد وقد تبعه على ذلك المتأخرون فأوجبوا تفريعا على القول بالوجوب إدخال جزء من الليل أولا وآخرا من باب مقدمة الواجب في الذكرى أولى ليتحقق حفظ النهار وربما أوجب بعضهم تقديم تأهب الآلات قبل الجزء المجعول مقدمة وهذه الفروع كلها غير واضحة
كالأصل انتهى وهو جيد ولا فرق في اليوم بين الطويل والقصير لصدق اليوم عليهما سواء قال المصنف في الذكرى ولا يجب مجرى الأطول والأولى استحبابه حيث لا ضرر لما فيه
من المبالغة في التطهير والحكم بالاستحباب لا يخلو من إشكال ولا يجزي الليل ولا الملفق منه ومن النهار لخروجهما من النص والقياس لا يعبأ به وقد اختلفوا في اشتراط كون
المتراوحين رجالا فالأكثر على الاشتراط فلا يجزي النساء والصبيان والخناثي محتجا بأن القوم لا يشمل النساء والصبيان إذ لا يتبادر منه في العرف إلا الرجال ولنص
جماعة من أهل اللغة على ذلك قال الجوهري القوم الرجال دون النساء وقال ابن الأثير في النهاية القوم في الأصل مصدر قام فوصف به ثم غلب على الرجال دون النساء
ولذلك قابلهن به يعني في قوله تعالى لا يسخر قوم من قوم ولا نساء من نساء وقد قابلهن الشاعر أيضا حيث قال أقوم آل حصن أم نساء وقال المحقق في المعتبر إن علمنا بالخبر
المتضمن لتراوح القوم أجزء النساء والصبيان ويوافقه ما في القاموس وقد نسب إلى غيره أيضا من إطلاق القوم على النساء أيضا لكن بقي الكلام في الصبيان وشرط بعض الأصحاب
في الاجتزاء بهن عدم قصور نزحهن عن نزح الرجال وكأنه نظر إلى اشتراك العلة ولا يخلو من إشكال والأولى اختيار الرجال ثم الظاهر من الرواية جواز الزايد عن الأربعة
وما وقع في بعض كلمات الأصحاب من الأربعة فكأنه للاقتصار على أقل ما وقع به التراوح وقال المصنف في الذكرى الظاهر إجزاء ما فوق الأربعة لأنه من باب مفهوم الموافقة ما لم
يتصور بطؤ بالكثرة ولا يخفى أن الاشتراط الذي ذكره لا يخلو من وجه لكن تعليله إجزاء ما فوق الأربعة بمفهوم الموافقة لا يخلو من إشكال إذ الخبر لا يختص ظاهره بالأربعة
فكأنه نظر إلى اثنين اثنين ولا يخفى ما فيه وهل يجزي أقل من الأربعة الظاهر لا لمخالفته لظاهر الرواية واستقرب في التذكرة الاجزاء بالاثنين القويين اللذين ينهضان
بعمل الأربعة وفيه إشكال وكأن كلام المصنف في الذكرى أيضا ناظر إليه حيث قال وأما الاثنان الدائبان فالأولى المنع للمخالفة حيث قيد الاثنين بالدائبين
(ولو اتصلت بالجاري طهرت وكذا بالكثير مع الامتزاج وأما لو تسنما عليهما من أعلى فالأولى عدم التطهير لعدم الاتحاد في المسمى) إعلم أن كلام الأصحاب في هذا المقام
مختلف فقد نقل عن جماعة أنهم صرحوا بعدم انحصار طريق تطهير البئر في النزح حيث حكم بنجاسته بل هو طريق اختص به وشارك غيره من المياه في الطهارة بوصول الجاري
إليه ووقوع ماء الغيث عليه وإلقاء الكر على ما مر تفصيله وظاهر كلام المعتبر انحصار طريقه في النزح حيث قال إذا أجرى إليها أي البئر الماء المتصل بالجاري لم يطهر لان الحكم
متعلق بالنزح ولم يحصل وقد حكم العلامة (ره) في المنتهى بطهارته باتصاله بالجاري حيث قال لو سيق إليها نهر من الماء الجاري وصارت متصلة به فالأولى على التخريج
الحكم بالطهارة لان المتصل بالجاري كأحد إجزائه فخرج عنه حكم البئر وقال في القواعد لو اتصلت بالنهر الجاري طهرت والمصنف (ره) اختلف فتواه في هذه المسألة ففي
هذا الكتاب حكم بما ترى ووافقه الذكرى حيث قال وامتزاجه بالجاري مطهر لأنه أقوى من جريان النزح باعتبار دخول ما ينافي اسمه ثم قال وكذا لو اتصل بالكثير
أما لو وردا من فوق عليها فالأقوى أنه لا يكفي لعدم الاتحاد في المسمى لكن ظاهر البيان مخالف لهما حيث قال
وينجس ماء البئر بالتغير ويظهر بمطهر
غيره وبالنزح ثم قال والأصح نجاسته بالملاقاة أيضا وطهره بما مر وبنزح كذا وذكر المقادير والظاهر من تلك الأقاويل قول المحقق (ره) لان التطهير أمر شرعي لا بد له من
دليل ولا دليل ظاهرا على ما عدا النزح كما يظهر من جواب أدلة التطهير بغيره فيستصحب حكم النجاسة اللهم إلا أن يناقش في الاستصحاب بنحو ما مر غير مرة وأما حجج القول
بعدم انحصار طريق التطهير في النزح فأحديهما ما نقلنا عن العلامة في تطهيره باتصاله بالجاري وفيه منع ظاهر وثانيتها ما أشار إليه في الذكرى في التطهير بالامتزاج
بالجاري وفيه أيضا منع ظاهر إذ لا نسلم إن العلة في النزح حصول الجريان لجواز أن يكون أمرا آخر لا نعلمه وثالثها ما أشار إليه صاحب المعالم حيث قال والتحقيق عندي
مساواته لغيره من المياه في الطهارة بما يمكن تحققه فيه من الطرق التي ذكرناها سابقا ووجهه على ما اخترناه من اشتراط الامتزاج بالمعنى الذي حققناه واضح فإن
ماء البئر والحال هذه يصير مستهلكا مع المطهر فلو كان عين نجاسة لم يبق له حكم فكيف وهو متنجس ولا ريب أنه أخف وأما على القول بالاكتفاء بمجرد الاتصال فلان
دليلهم على تقدير تماميته لا يختص بشئ دون شئ إذ مرجعه إلى عموم مطهرية الماء فيدخل ماء البئر تحت ذلك العموم انتهى وفيه نظر لان الاستهلاك الذي ذكره ممنوع كيف
ويكتفي في تطهير البئر على هذا القول بمجرد إلقاء كر مثلا وإن كان ماء البئر أضعاف أضعافه فالحكم بالاستهلاك حينئذ لا يعقل أصلا إلا أن يقال لا شك أنه يمكن أن يحصل
الاستهلاك في بعض الصور كما إذا كان الماء الوارد عليه أضعاف أضعافه فحينئذ يطهر بالوجه الذي ذكر وإذا طهر في هذه الصورة لزم طهارته في غيرها أيضا لعدم القول بالفصل لكن إثبات عدم القول بالفصل مشكل
على أنه يمكن منع التطهير في حال الاستهلاك أيضا وما ذكره من طهارة النجاسة عند استهلاكه لا يصلح دليلا لأنه قياس مع وجود الفارق إذ النجاسة استهلكت
في النماء وسلب عنها اسمها فلم يبق نجاستها التابعة للاسم بخلاف الماء إذ لم يسلب عنه اسمه وإن اختلط بغيره بحيث لم يميزه الحس وبالجملة إثبات الحكم بمحض هذا الوجه
مشكل وأما ما ذكره في الاتصال فقد علمت فيما سبق عدم تمامية دليلهم على الاتصال هذا ثم أنه (ره) بعد ذكره ما نقلنا عنه قال وبما ذكرناه ظهر ضعف تفصيل
241

الشهيد (ره) لا سيما بعد اشتراط الامتزاج كما صرح به فلن اعتبار الاتحاد مع ذلك مما لا وجه له ولعل المصنف (ره) لم يكن نظره في الحكم بالطهارة بامتزاج الجاري إلى ما ذكره (ره)
لعدم تماميته كما ذكرنا بل إنما كان نظره إلى أنه يحصل حينئذ الاتحاد في الاسم ويخرج من اسم البئر كما يشعر به كلامه وكلام العلامة (ره) أيضا وإن كان هذا أيضا غير تمام
ولذلك فرق بين الحالين فتدبر ثم أنه على القول بالطهارة بغير النزح إذا حصل الطهارة بغير فهل يسقط وجوب النزح أم لا فقد قيل أنه لو كان النزح للنجاسة فالظاهر
حينئذ سقوطه وإن كان للتعبد فإن حصل الامتزاج بالجاري أو الكثير فالظاهر أيضا السقوط لان النزح إنما تعلق به في حال البقاء على حقيقته وعند الاستهلاك يصير في
حكم المعدوم وإن حصل الاتصال فالظاهر عدم السقوط لعدم خروجه عن حقيقته فتأمل (ولا يطهر بإجرائها) قال المصنف في الذكرى لو أجريت فالظاهر أنها بحكم الجاري لا ينجس بالملاقاة
ولو نجست ثم أجريت ففي الحكم بطهارته ثلاثة أوجه طهارة الجميع لأنه ماء جار تدافع وزال تغيره ولخروجه عن مسمى البئر وبقاؤه على النجاسة لان المطهر النزح وطهارة ما
بقي بعد جريان قدر المنزوح إذ لا يقصر ذلك عن الاخراج بالنزح انتهى لا خفاء في الحكم الأول لما عرفت سابقا إن الظاهر تعلق أحكام البئر بما يثبت إطلاقها عليه
في عرفهم عليهم السلام ولم يثبت فيه فيبقى على أصل الطهارة وعدم التنجس إلا بالتغير وإن كان قليلا لما عرفت أيضا من عدم عموم أدلة انفعال القليل وأما الحكم
الثاني فالظاهر فيه الوجه الأول لأن الظاهر من الامر بالنزح لتطهير البئر إنما هو حال بقاؤها على حالها من البئرية وأما عند الخروج عنها كما هو الظاهر فيما نحن فيه
فلا والعمل باستصحاب النجاسة أيضا حينئذ مشكل جدا كما لا يخفى لكن الاحتياط في الوجه الثاني (ولا بزوال تغيرها من نفسها ولا بتصفيق الرياح ولا بالعلاج بأجسام
طاهرة) وجه الجميع ظاهر على القول بنجاسة البئر بالملاقاة وإنما الكلام في أنه حينئذ هل يجب نزح الجميع أو يكتفي بما يزول معه التغير لو كان فيه قولان واختار العلامة
الأولى في التذكرة وصححه ولده فخر المحققين وقواه المصنف (ره) في الذكرى ووافقهم عليه بعض المتأخرين وظاهر المصنف في البيان الثاني واختاره الشهيد الثاني (ره) وصاحب المعالم
ولا يخلو من قوة احتج الأولون بأنه ماء محكوم بنجاسته وقد تعذر ضابطة تطهيره فيتوقف الحكم بطهارته على نزح الجميع وأجيب يمنع تعذر الضابط مطلقا فإنه يمكن في
كثير من الصور أن يعلم المقدار الذي يزول معه التغير تقريبا نعم لو فرض عدم العلم في بعض الصور توقف الحكم بالطهارة حينئذ على نزح الجميع إذ لا سبيل إلى العلم بنزح القدر
المطهر إلا به وأما على القول بعدم نجاستها بالملاقاة فالظاهر حصول الطهارة بالزوال إذ الامر إنما ورد بالنزح حتى يزول التغير وقد سقط هذا التكليف لعدم بقاء
متعلقه ولا دليل حتى على نجاسة ذلك الماء ويشكل التمسك باستصحاب النجاسة الأولى فيبني على أصل الطهارة ونسب إلى ظاهر بعض الأصحاب توقف طهارته على
النزح على هذا القول أيضا قيل ولعل وجهه إن التدافع والتكاثر لا يحصلان إلا مع النزح ولهذا قالوا إن السر في النزح كونه بمنزلة إجراء الماء ليزول عنه الأثر
الحاصل من النجاسة وفيه ضعف لكن الأحوط النزح بقدر ما يزول التغير لو كان مع إمكان العلم به والجميع مع عدمه (وكذا حكم باقي المياه النجسة وقد مر الكلام فيه
(ويلزم من قال بالطهارة بإتمامها) اي المياه النجسة (كرا طهارتها بذلك كله) قد قدمنا ما يتعلق بذلك في بحث تطهير الماء الكثير فليراجع إليه (ولا يعتبر في
المزيل للتغير دلو حيث لا مقدر) لا خفاء في هذا لا حكم والظاهر إطراده في نزح الجميع وإن لم يتغير وكذا في نزح الكر لاتحاد العلة وكأنه لم يقع التعرض لهما في كلام
الأصحاب وإنما اكتفى بالأول إحالة على الظهور (وفي المعدود نظر أقربه اعتبارها وقيل يجزي آلة تسع العدد) ما قربه هو مختار المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى و
التحرير وجماعة من المتأخرين منهم الشهيد الثاني (ره) والقول الاخر للعلامة في أكثر كتبه والمصنف في الذكرى والظاهر الأول لورود الروايات بالعدد ولعل الحكمة متعلقة به
فقيام غيره مقامه لا بد له من دليل وليس ولعلم الأصحاب حجة القول الأخير إن الامر بالنزح وارد على الماء والدلاء مقدار فيكون القدر هو المراد وتقييده بالعدد
ولانضباطه وظهوره بخلاف غيره وأيضا إن الغرض من الامر بالنزح إخراج الماء من حد الواقف إلى كونه جاريا جريانا يزيل التأثير الحاصل من النجاسة ويفيده
التطهير ولذلك اختلف فيه التقدير لاختلاف النجاسات بقوة التأثير وضعفه وتفاوت الابار بسعة المجاري وضيقها وهذا الغرض يحصل بإخراج المقدار المعين
بأي وجه اتفق والجواب عن الأول بالمنع من كون المراد إخراج هذا القدر من الماء مطلقا لجواز أن يكون الغرض متعلقا بإخراجه بوجه خاص يستفاد من الرواية
فالتعدي عنها غير جايز وعن الثاني أنا سلمنا إن الغرض ما ذكر من إخراج الماء إلى الجريان لكن طرقه مختلفة والأدلة إنما وردت ببعض معين منها فإلحاق غيره به
قياس مع أن الفارق ربما كان موجودا من حيث أن تكرار النزح موجب لكثرة اضطراب الماء وتموجه وهو مقتض لاستهلاك إجزاء النجاسة الشايعة فيه (والدلو
هي المعتادة وقيل هجرية ثلاثون رطلا وقيل أربعون) لما لم يثبت في الشرع حقيقة للدلو ولا عرف لزمانهم (عليه السلام) عرف فليحمل على العرف العام وإن كان في
أصل المسألة إشكال كما أشرنا سابقا في تعريف البئر لكن فيما نحن فيه الظاهر أنه لا مندوحة عنه والقولان الآخران مما لم يعرف لهما مأخذ ثم المراد بالمعتاد هل
هو معتاد تلك البئر أولا بل معتاد الابار المتعارفة وعلى الأول هل يعتبر اعتباره لتلك البئر بحسب المتعارف أو بحسب عادة أهل تلك البئر لا يبعد الاكتفاء بالقدر الأقل
في جميع تلك الصور لكن بشرط عدم الخروج عن اسم الدلو عرفا والاحتياط في الاخذ بما هو الأكثر والله أعلم (ولو تضاعف المنجس تضاعف النزح تخالف) كالانسان
والكلب (أو تماثل في الاسم) كإنسانين (أو في المقدر) كالكلب والسنور اختلف الأصحاب في هذه المسألة فذهب العلامة (ره) إلى تداخل النجاسات مطلقا سواء كانت
242

متخالفة أو متماثلة في القدر أو الاسم وذهب جماعة من المتأخرين منهم المحقق الثاني والشهيد الثاني (ره) إلى عدم التداخل مطلقا كما هو رأي هذا الكتاب وساير كتب المصنف (ره)
وحكم المحقق (ره) في المعتبر بعدم التداخل إذا كانت الأجناس مختلفة كالطير والانسان وإن تماثلت في القدر كالكلب والسنور وتردد فيما إذا كانت متساوية كإنسانين والظاهر
قول العلامة رحمه الله لصدق الامتثال بالنزح لأكثر الامرين مع التخالف والمقدر لهذا النوع مع التماثل إذ لا ظهور في الروايات على وجوب كون النزح لنوع غير النزح لاخر وهو ظاهر
وقد يستدل على صوره التماثل بوجه آخر وهو تناول الاسم للقليل والكثير وقد يعترض بأن ظاهر الأدلة في الأكثر تعلق الحكم بالفرد من الجنس واحتج المانعون مطلقا بأن الأصل
في الأسباب أن يعمل عملها ولا يتداخل مسبباتهما وفيه ضعف ظاهر وقد مر في بحث تداخل الأغسال ما يتعلق بذلك فتدبره والمحقق (ره) كان متمسكه في الحكم بالعدم في صوره
التخالف ما ذكرنا آنفا وقد عرفت ما فيه وأما التردد في صورة التماثل فوجهه بأن النجاسة من الجنس الواحد لا تتزايد إذ النجاسة الكلبية والبولية موجودة في كل جزء فلا يتحقق زيادة
يوجب زيادة النزح فيتداخل وإن كثرة الواقع يؤثر الكثرة في مقدار النجاسة فيؤثر شياعا في الماء زايدا ولهذا اختلف النزح بتعاظم الواقع وموته وإن كان طاهرا
في الحياة فلا يتداخل ولا يخفى إن الثاني من الوجهين أرجح من الأول لكن التعويل في التداخل على ما ذكرنا وما ذكره (ره) من قوله ولهذا اختلف الحكم لم نقف له على معنى
محصل فتدبر ثم إن المانعين للتداخل استثنوا من الحكم ما إذا حصل بالتكثر في المماثل انتقال إلى حال لها مقدر كما إذا وقع دم قليل ثم وقع بعده ما يخرجه من القلة إلى
حد الكثرة فاكتفوا فيه بمنزوح الكثير ولا يخلو من قوة وإن كان للمناقشة مجال وزاد المصنف في الذكرى في الاستثناء ما إذا كان التكثر داخلا تحت الاسم كزيادة كثرة الدم فلا زيادة
في القدر حينئذ لشمول الاسم وفيه أيضا تأمل واعلم إن الحكم بعدم التداخل على تقدير سعة ماء البئر لنزح التقادير المتعددة واضح وأما مع قصوره عنها فالظاهر الاكتفاء بنزح الجميع
إذ به يتحقق إخراج الماء المنفعل والحكم بالنزح إنما تعلق به وكذا الحال فيما لو زاد المقدر الواحد عن الجميع كذا ذكره بعض المتأخرين وفيه حل يظهر انشاء الله تعالى في بحث
غور الماء ثم على تقدير الاكتفاء بنزح الجميع إذا كان متعذرا هل يكتفي بتراوح يوم للجميع أو يتراوح لكل نجاسة يوما قال صاحب المعالم فيه نظر من حيث أنه قائم مقام الجميع ويدل عنه
وقد فرض الاكتفاء في المبدل بالمرة فكذا البدل ومن أن الاكتفاء بالمرة في المبدل إنما هو لزوال متعلق الحكم بالنزح أعني الماء المنفعل كما ذكرنا وذلك مفقود
في البدل ولا يلزم من ثبوت البدلية المساواة من كل وجه ويمكن ترجيح الوجه الأول بأن ظاهر أدلة المنزوحات كون نزح الجميع أبعد غايات النزح عند ملاقاة النجاسات
وقيام التراوح مقامه حينئذ يقتضي نفي الزيادة عليه انتهى ولا يخفى أنه على القول بعدم التداخل بالدليل المذكور كما هو مختاره (ره) الظاهر الحكم بوجوب التراوح لكل من النجاسات
وأما رجح به الوجه الأول مما لا محصل له لان دلالة الأدلة على كون نزح الجميع أبعد غايات النزح إنما هو في نجاسة واحدة فيكون بدله أيضا أبعد الغايات لتلك النجاسة
وحدها لا مع انضمامها بغيرها أيضا وهو ظاهر وها هنا فرعان الأول إن أبعاض المقدر ما حكمه فقد الحقها جماعة من الأصحاب بكله ولا وجه له لمغايرة الكل والجزء فلا
يتناوله النص الوارد في الكل وألحقها بعض كالعلامة (ره) بما لا نص فيه وفصل صاحب المعالم وقال إن كان مقدر الكل أقل من منزوح غير المنصوص اكتفى به للجزء لان الاجتزاء
به في الكل يقتضي الاجتزاء به في الجزء بالطريق الأولى وإن كان المقدر زايدا فالمتجه عدم وجوب نزح الزايد وهذا الكلام قوي وإن كان للمناقشة في الأولوية المذكورة
أدنى مجال ويمكن أن لا يبني الحكم على الأولوية أيضا بأن يمنع استصحاب النجاسة ويقال أن القدر المتيقن من النزح المتوقف حصول الطهارة عليه هذا القدر للاجماع على عدم
كفاية ما دونه فيجب هو وينتفي الزايد ثم أنه لو اتفق وقوع الاجزاء كلها في أكثر من دفعة فالمصنف (ره) مع قوله بإلحاق الجزء بالكل اكتفى فيه وبنزح مقدر الكل بناء على
صدق الاسم وقد سبق أنه مستثنى من قاعدة عدم التداخل وكان القائل بدخوله فيما لا نص فيه أيضا يقول به ويلزم على هذا القول نقصان النزح بسبب زيادة النجاسة مستعد بيانه
أنه إذا وقع جزءان من الحيوان دفعتين بحيث لم يتم كله فعلى القول بالالحاق وعدم التداخل يجب نزح مقدار ذلك الحيوان مرتين وعلى القول بإدخاله فيما لا نص فيه يجب
نزح ما يجب فيه مرتين وإذا وقع حينئذ الجزء الآخر الذي به يتم الحيوان يجب نزح مقدره مرة فيلزم ما ذكرنا على الأول مطلقا وعلى الثاني إذا كان هذا المقدر أقل من
منزوح ما لا نص فيه مرتين وكأنهم يلتزمونه لان الاستبعاد في الأمور الشرعية لا مجال له خصوصا في أحكام البئر ولا يخفى إن هذا الالزام لا يرد على مختار صاحب المعالم (ره)
لأنه وإن لم يقل بالتداخل لكن الظاهر على ما يفهم من دليله الذي نقلنا أنه إذا وقع جزءان دفعتين ويكون منزوحهما جميعا على مختاره زايدا على منزوح الكل فلا يقول
حينئذ بوجوب الزيادة بل إنما يكتفي بمنزوح الكل فحينئذ لا يلزم ما ذكرنا ولو وقع جزءان من انسانين سواء كانا تمام انسان أو لا فعلى القول بإلحاق الجزء بالكل يجب نزح مقدر
الانسان مرتين ولا يكتفي بالمرة في الصورة الأولى لعدم إجراء الدليل المذكور فيه وعلى القول بإدخاله فيما لا نص فيه يجب منزوح ما لا نص فيه مرتين وعلى قول
صاحب المعالم يجب نزح أقل الأمرين من المقدر للكل من كل منهما ومن منزوح غير المنصوص هذا كله على تقدير القول بعدم التداخل وأما على مختارنا من التداخل فالامر
في الصورتين ظاهر الثاني الحيوان الحامل إذا مات وكذا ذو الرجيع النجس فقد الحقهما المصنف في الذكرى بغيرهما أما لانضمام المخرج المانع من الدخول في الماء أو لاطلاق
قدر النزح ثم قال نعم لو انفتح المخرج أو غيره تضاعف قال صاحب المعالم (ره) وكلامه متجه غير إن اعتبار
التعليل الثاني في الحيوان الحامل مشكل من حيث أن الاطلاق
انما يجدي فيما يغلب لزومه لذي المقدر كالرجيع الكائن في الجوف وليس الحمل منه كما لا يخفى فالاعتماد على التعليل الأول انتهى وهذا كلام حسن لكن ظاهره ينافي
243

ما زعمه (ره) من اعتبار الحيثية في تقديرات النزح إذ على هذا لا يكون الحكم في اللازم كالرجيع أيضا كذلك كما في موت الكافر في البئر كما لا يخفى وفي كلام المصنف أيضا
مناقشته إذ تعليله الحكم بإطلاق قدر النزح ينافي ما ذكره من قوله نعم إذ لو سلم الاطلاق ولم يعتبر الحيثية فلا فرق في الحالية إذ الكلام على فرض وصول الماء إلى الجنين والرجيع في
الجوف اللهم إلا أن يفرق بين كونهما في الجوف وبين خروجهما هذا وقس عليه الحال إذا خرج غير المأكول حيا (ويعفى عن المتساقط من الدلو إذا كان بالقدر المعتاد أي لا يصير المتساقط
سبب لنجاسة البئر سوى ما كان له سواء كان من غير الدلو الأخير أو منه وهذا الحكم مما لا خفاء فيه وكاد أن يكون من الضروريات إذ لو لم يكن ذلك لما أمكن تطهير البئر
بالنزح في المعتاد وأما إذا كان المتساقط زايدا على المعتاد أما بأن ينضب جميعه أو لا ففيه خلاف فالعلامة (ره) قال في المنتهى تفريعا على القول بالنجاسة أنه إذا صب ما عدا
الدلو الأخير فلا يجب نزح ما زاد عل العدد عملا بالأصل ولأنه لم يزد النجاسة بالنزح والالقاء وأما إذا صب الدلو الأخير بعد انفصاله عنها فالوجه دخوله تحت
النجاسة التي لم يرد فيها نص وقال المصنف في الذكرى ولو انصب أزيد من المعتاد كملت ولو انصب بأسره أعيد مثله في الأصح وإن كان الأخير للأصل وفي كل من القولين
نظرا ما في قول العلامة فلان الفرق بين الدلو الأخير وما عداه إلا وجه له إذ الوجهان المذكوران فيما عداه جاريان فيه وكذا وجه إدخاله فيما لا نص فيه جاز فيما
عداه إذ الظاهر أن وجهه أنه ماء نجس لاقى البئر فانفعل عنه كغيره من أنواع النجاسات ولم يرد له مقدر فيكون من إفراد غير المنصوص وهو جار فيما عداه أيضا ولو كان
الفرق باعتبار إن البئر طاهرة في صورة صب الدلو الأخير نجسة في غيرها فلا يصلح فارقا إذ لا ريب في أن ثبوت الانفعال بنوع من أسبابه لا يمنع من تأثير سبب آخر إلا
يرى أن القائلين بالتداخل أوجبوا نزح الأكثر وإن كان الموجب له متأخرا في الوقوع عن الموجب للأقل والوجهان المذكوران أيضا منظور فيهما أما الأصل فلوجود
المخرج عنه وهو ما ذكرنا من وجه إدخال الدلو الأخير فيما لا نصف فيه وقد عرفت إن النجاسة لا يمنع من التأثير وأما الوجه الاخر فلانه من باب القياس الغير المعمول به وأما
في قول المصنف فلما ذكرنا في تزييف الأصل واختار صاحب المعالم (ره) وجوب نزح أقل الأمرين من مقدار النجاسة المقتضية للنزح ومنزوح غير المنصوص على حسب ما يرجح
فيه لنحو ما مر في حكم الجزء فإن الاكتفاء بالمقدر لتلك النجاسة إذا كان هو الأقل يقتضي الاكتفاء به للمتنجس بها بطريق أولى لأنه أضعف حكما منها كالجزء وأما إذا كان
الأقل منزوح غير المنصوص فلان النجاسة مغايرة للمتنجس بها قطعا فالدليل الدال على وجوب المقدر لها لا يتناوله فيتوقف إيجاب الزيادة له على الدليل وما
ذكره في الصورة الأخيرة حسن لكن الأولوية التي ادعاها في الصورة الأولى ممنوع ودعواه الأولوية في الجزء أظهر منه ها هنا كما لا يخفى لكن يمكن أن يتمسك بنحو ما ذكرنا
في الجزء (وعن جوانبها وحماتها) الظاهر أن المراد من العفو عن جوانبها أي جدرانها وحماتها أي طينها انه بعد تمام النزح تصير طاهرا لا أنها لا تنجس بتساقط ماء
الدلو إذ هذا الحكم وإن لم يستبعد في الجدران لكن لا معنى له في الحمأة على الظاهر وكلام المنتهى والمعتبر صريح في عدم نجاسة الجدران بماء الدلو وعللاه بالمشقة
المنفية وفيه نظر إذ المشقة إنما يكون إذا لم تطهر بعد تمام النزح وقال المصنف في الذكرى وأجمعوا على طهارة الحمأة والجدران وهذه أيضا ظاهر المراد وبالجملة الحكم
بطهارة جدران البئر قبل تمام النزح إذا سقط عليها ماء الدلو مشكل والأولى الاجتناب عنه
(ولو غارت ثم عادت فلا نزح) ذكره كثيرا من الأصحاب معللا بأن
المقتضي للطهارة ذهاب الماء وهو يحصل بالغور كما يحصل بالنزح ولا نعلم كون العايد هو الغاير فالأصل فيه الطهارة وبأن النزح لم يتعلق بالبئر بل بمائها
المحكوم بنجاسته ولا نعلم وجوده والحال هذه فلا يجب النزح والوجهان ضعيفان أما الأول فلانا لا نسلم إن المقتضي للطهارة ذهاب الماء لجواز أن يكون المقتضي
النزح باعتبار أنه يوجب جريان الماء فيطهر أرض البئر ومائها وهذا المعنى مفقود في الغور فلم يطهر أرض البئر فكلما ينبع منها الماء يصير نجسا لملاقاته بالنجاسة
على القول بانفعال البئر بالملاقاة وأما الثاني فلان تعلق النزح بمائها لا دخل له في هذا المقام إذ الكلام في أن أرض البئر كانت نجسة ولم يعلم لها مزيل إذ ما علم من الشرع أنه مزيل لها إنما
هو النزح وقياس الغور عليه قياس مع الفارق كما ذكرناه فيستصحب نجاستها فكلما ينبع منها الماء يصير نجسا وهذا الدليل لا يدفع هذا الكلام نعم لو كان
وجوب النزح تعبدا لكان هذا الدليل لعدم الوجوب بعد الغور متجها ولا يبعد أن يتمسك في دفع الكلام المذكور بمنع استصحاب النجاسة كما مر مرارا واحتج عليه
المصنف بالعفو عن الحمية وعدم معرفة كون العايد هو الغاير وفيه إن القدر المسلم من العفو عن الحمية العفو عنها بعد تمام النزح لا أنها قبل النزح أيضا طاهرة
بل الظاهر أنه لم يقل به أحد ولا يخفى أنه يلزم على الوجه الأول الحكم بطهارة بقية ماء البئر إذ أغار منه القدر الذي يجب نزحه والظاهر أنه لم يقولوا به فإن قلت إذا طهرت أرض البئر بعد الغور
بالشمس أو بالمطر مثلا فهل يطهر الماء الذي ينبع بعده أم لا قلت فيه إشكال إذ بسبب غور الماء النجس صار عمق الأرض أيضا نجسا فينجس الماء بوصوله إليه نعم إذا طهر
القدر الذي علم وصول الماء الغاير إليه فحينئذ يكون الماء الخارج طاهرا ويمكن أن يمنع نجاسة الماء بوصوله إلى العمق إذ لا دليل عليه لان أدلة نجاسة البئر لا يشمله
ولا دليل سواه هذا واعلم إن بعض القائلين بالطهارة ها هنا وسقوط النزح نفاها إذا أجريت وأوجب النزح واعترض عليه صاحب المعالم بأن التوجيه المذكور ها هنا
جار بعينه هناك ويزيد عليه بحصول الجزم بأن الآتي غير الذاهب فإن الجريان يذهب الموجود قلعا وما يأتي بعده ماء جديد مضافا إلى أن الحكم بالنزح متعلق
بالبئر والاجراء يخرجها عن الاسم قال ولعلنا في الحكم في صورة الاجراء يريد به إجراء لا يعلم معه ذهاب الماء المحكوم بنجاسته ومع ذلك فلا أراه يسلم من
244

المناقشة انتهى ولا يخفى أن هذا القائل لو تمسك بالطهارة ها هنا بالوجهين الأولين كما هو الظاهر من كلام صاحب المعالم فأن الاعتراض وارد ولو تمسك بالوجه
الذي نقلناه عن المصنف فلا بل لا يرد على تقدير التمسك بالوجه الثاني أيضا كما لا يخفى (وبطهرها يطهر المباشر والدلو والرشا) طهارة الدلو والرشا كأنه مما لا خلاف فيه ووجه المحقق في
المعتبر الحكم بالدلو بأنه لو كان نجسا لم يسكت عنه الشرع ولأن الاستحباب في النزح يدل على عدم نجاستها وإلا لوجب نجاسة ماء البئر عند الزيادة عليه قبل غسلها والمعلوم
من عادة الشرع خلافه وتبعه في هذا التوجيه العلامة في المنتهى والمصنف في الذكرى وكان الظاهر ما ذكروه وهذا الوجه جار في الرشا أيضا بل في المباشر كما لا يخفى و
تحسين صاحب المعالم هذا التوجيه في الدلو مع حكمه في المباشر بالنجاسة ليس بحسن والاحتياط في تطهير المباشر بدنه وثيابه مما أصاب إليه ماء النزح ولو طهر
الدلو والرشا أيضا لكان أتم في الاحتياط (ولو شك في تقديم الجيفة فالأصل عدمه) هذا الحكم مع تأييده بالأصل كأنه اتفاقي ويؤيده موثقة عمار المتقدمة
في بحث الماء القليل المتضمنة لوجدان الفارة في الاناء متسلخة وقد توضأ منه مرارا (ولا يلحق بول المرأة ببول الرجل خلافا لابن إدريس) قد مر تفصيل القول
فيه والظاهر أن حكم الخنثى أيضا حكم المرأة (والنزح بعد إخراج النجاسة أو عدمها) أي استهلاكها وفنائها هذا الحكم ظاهر على القول بنجاسة البئر بالملاقاة إذ مع
وجودها في البئر لا ينفع النزح أصلا إذ كل ما يكون باقية يصدق على البئر أنها لاقتها النجاسة فيجب أن ينزح منها ما يجب لتلك النجاسة ولا يخفى أن للمناقشة في
دلالة روايات النزح على ذلك مجالا لكن الوجدان السليم يدفعها مع أن الظاهر عدم القول بخلافه من أحد ويدل عليه في خصوص بعض الافراد صحيحة الفضلاء
ورواية الفضل المتقدمة في بحث وقوع الكلب ويمكن أن يجعلا قرينة للحكم في باقي الافراد نعم إذا كانت النجاسة موجبة لنزح الجميع ولم يتعذر فالظاهر في هذا الحال عدم
وجوب إخراج النجاسة ابتداء كما لا يخفى وقال في المعالم يجب إخراج النجاسة قبل الشروع في النزح إذا كان لها مقدر وكانت عينها باقية وقلنا بالانفعال بالملاقاة
ووجهه ظاهر فإن الملاقاة الموجبة لنزح القدر يبقى ما بقيت العين فلا يظهر للنزح فائدة ولا يعتبر ذلك في غير المقدر لفقد العلة انتهى وفيه نظر إذ لا فرق في
المقدر وغير المقدر في هذا المعنى إذ غير المقدر أيضا يجب له قدر على حسب ما قدر من الجميع أو الثلثين أو الأربعين نعم إذا قدر له الجميع فلم يجب إخراجه ابتداء لكن حكم
المقدر أيضا كذلك إذا كان مقدره الجميع فلا فرق وهو ظاهر اللهم إلا أن يقال مراده بغير المقدر ما قدر له الجميع واعلم إن المحقق الشيخ علي (ره) قال إن الحكم الأول أي
وجوب النزح بعد إخراج النجاسة مطلقا ظاهرا وأما الحكم الثاني مطلقا فإنما يستقيم على رأي من يوجب في التغيير نزح الامرين معا وأما على رأي من يوجب أكثر الامرين فلا إذ على هذا إذا انتشر الدم في الماء فلا يجب استحالته
قبل النزح بل يكفي أن ينزح حتى يزول التغير وفيه تأمل إذ على القول بنجاسة البئر بالملاقاة لو كان العلم بوجود الدم وعدم استحالته حاصلا في الماء لا يكفي
نزح أكثر الامرين نعم إنما يكفي إذا ظن استحالته وكان لونه باقيا فتأمل (ولو تمعط) أي انبث وانتشر (الشعر فيها كفى غلبة الظن بخروجه) بناء على كفاية الظن في
الامتثال (وإن كان شعرا نجسا الظاهر أن مراده وإن لم يكن شعر نجس العين لكن يكون شعرا نجسا وهذا الحكم ظاهر بناء على ما سبق لكنه في الذكرى بعد ما حكم به في
شعر نجس العين قال ولو كان شعر طاهر العين أمكن الالحاق لمجاورته النجس مع الرطوبة وعدمه لطهارته في أصله ولم أقف في هذه المسألة على فتيا لمن سبق منا انتهى
ولا يخفى إنه لا مجال للتردد بعد القول بالانفعال ماء البئر بالملاقاة وعدم تطهيره الأشياء النجسة (ولو استمر خروجه استوعب) أي نزح الجميع (فإن تعذر واستمر عطلت)
حتى يظن خروجه أو استحالته) وجه الحكم ظاهر (ولا ينجس بالبالوعة مطلقا) سواء كان فوقا أو تحتا أو كانت الأرض صلبة أو سهلة (القريبة إلا أن يغلب الظن بالاتصال
فينجس عند من اعتبر الظن والأقوى العدم) عدم نجاستها بالبالوعة مطلقا مع الشك في الاتصال مما لا شك فيه للأصل والاتفاق كما يظهر من المنتهى والروايات المتقدمة في
بحث المياه من أن كل ماء طاهر حتى يعلم أنه قذر ولقوله (عليه السلام) في موثقة عمار المنقولة في التهذيب آخر باب تطهير الثياب كل شئ نظيف حتى يعلم إنه قذر ولما رواه
التهذيب في زيادات باب المياه والاستبصار في باب مقدار ما يكون بين البئر والبالوعة والكافي في باب البئر يكون إلى جنب البالوعة عن محمد بن القاسم عن أبي الحسن (عليه السلام) في البئر
يكون بينها وبين الكنيف خمسة أذرع وأقل وأكثر يتوضى منها قال ليس يكره من قرب ولا بعد يتوضأ منها ويغتسل ما لم يتغير الماء قال الصدوق في الفقيه في باب المياه
وقال الرضا (عليه السلام) ليس يكره من قرب ولا بعد بئر يغتسل منها ويتوضأ ما لم يتغير الماء فإن قلت هل في هذا الخبر دلالة على عدم نجاسة البئر بالملاقاة قلت لا
لجواز أن يكون جعله (عليه السلام) مناط النجاسة التغير بناء على أن في المتعارف لا يحصل العلم بوصول ماء البالوعة إلى البئر ما لم يتغير واستدل عليه أيضا بما رواه الفقيه
في الباب المذكور قال وروى عن أبي بصير إنه قال نزلنا في دار فيها بئر وإلى جانبها بالوعة ليس بينهما إلا نحو من ذراعين فامتنعوا من الوضوء منها وشق ذلك عليهم
فدخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام) فأخبرناه فقال توضأوا منها فإن لتلك البالوعة مجاري تصب في واد ينصب في البحر وفيه نظر إذ لا دلالة له على المراد لجواز أن
يكون أمره (عليه السلام) بالتوضي منها لعلمه (عليه السلام) بعدم وصول مائها إلى البئر كما يظهر من تعليله (عليه السلام) وأما مع الظن ففيه خلاف والظاهر العدم أيضا للأصل
ولبعض هذه الأدلة وسيجئ بسط القول فيه إن شاء الله تعالى في بحث النجاسات (ولو حصل العلم بالاتصال فينجس) هذا على المشهور من نجاسة البئر بالملاقاة وأما
على ما اخترناه فلا بد من التغير ولا يكفي العلم بالاتصال وهو ظاهر فإن قلت ما تقول فيما رواه الكتب الثلاثة في الأبواب المذكورة في الحسن عن زرارة ومحمد بن مسلم
245

وأبي بصير قالوا قلنا له في أعلى الوادي والوادي يجري فيه البول من تحتها وكان بينهما قدر ثلاثة أذرع أو أربعة أذرع لم ينجس ذلك شئ وإن كانت البئر إلى
يتوضأ منها يجري البول قريبا منها أينجسها فقال إذا كانت البئر في أسفل الوادي ويمر الماء عليها وكان بين البئر وبينه تسعة أذرع لم ينجسها وما كان
أقل من ذلك لم يتوضأ منه قال زرارة فقلت له فإن كان يجري بلزقها وكان لا يلبث على الأرض فقال ما لم يكن له قرار فليس به بأس وإن استقر منه قليل
فإنه لا ينقب الأرض ولا يقو له حتى يبلغ البئر وليس على البئر منه بأس فتوضأ منه إنما ذلك إذا استنقع كله وفي الكافي بعد لم ينجس ذلك شئ وإن كان أقل
من ذلك ينجسها قلت أما على ما اخترناه من عدم نجاسة البئر بالملاقاة فهذا الخبر إما أن يورد نقضا على هذا الحكم أو على أن البئر لا ينجس بالبالوعة
بمجرد المقاربة فإن أورد على الأول فنقول قد دلت الروايات المتقدمة على عدم النجاسة بالملاقاة فيجب أن يأول هذا الخبر يحمل النجاسة على الاستقذار
والنهي عن التوضي على الكراهة جمعا بين الاخبار وتعين التأويل في هذا الخبر لتأييد معارضاته بالكثرة والأصل وصحة السند في بعضها مع أن ظاهر
هذا الخبر نجاستها بالمقاربة واحتمال الاتصال وهو غير معمول به اتفاقا فتقييده بالعلم بالاتصال ليس بأولى من حمله على ما ذكرنا وإن أورد على الثاني
فنقول إنما يعارضه الأخبار المذكورة المتضمنة لعدم العبرة بالشك ورواية محمد بن القاسم فيجب أن يأول بما ذكر لما ذكرنا آنفا بعينه مع أنه لم يعمل بظاهره أحد
وأما على المشهور فيحمل أيضا على ما ذكر للجمع بينها وبين الروايات الدالة على عدم العبرة بالشك ورواية محمد بن قاسم مع تأييدها بالأصل واتفاق القوم ويمكن
أن يحمل أيضا على ما إذا حصل العلم بالملاقاة بالقراين أو الظن عند من يعتبره وقد رد الرواية أيضا بالاضمار وليس بشئ إذ ظاهرا إن هؤلاء الفضلاء لا يروون
إلا عن الإمام (عليه السلام) فرع قال المحقق في المعتبر إذا تغير ماء البئر تغيرا يصلح أن يكون من البالوعة ففي نجاسته تردد لاحتمال أن يكون لا منها وإن بعد والأحوط
التنجيس لان سبب النجاسة قد وجد فلا يحال على غيره لكن هذا ظاهر لا قاطع والطهارة في الأصل متيقنة فلا يزال بالظن انتهى وجزم العلامة (ره) في المنتهى
ببقائه على الطهارة وقواه المصنف في الذكرى قال وهذا من باب عدم النجاسة بالظن وهو كما قال وسيجئ القول فيه إن شاء الله تعالى وجعل (ره) رواية أبي بصير المنقولة آنفا
عن الفقيه مؤمية إلى عدم النجاسة حينئذ ولا يخفى ما فيه
(ويستحب تباعدهما خمسة أذرع مع فوقية البئر أو صلابة الأرض وإلا فسبع وفي رواية إن كان الكنيف
فوقها فاثنتا عشرة ذراعا) استحباب التباعد بينهما بالخمسة مع وجود أحد الامرين وبالسبعة مع عدمهما هو المشهور بين الأصحاب ومستندهم ما رواه الكتب
الثلاثة في الأبواب المتقدمة عن الحسن بن رباط عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن البالوعة يكون فوق البئر قال إذا كان أسفل من البئر فخمسة أذرع وإن
كانت فوق البئر فسبعة أذرع من كل ناحية وذلك كثير وما رووه أيضا عن قدامة بن أبي زيد الحمار عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته كم أدنى
ما يكون بين بئر الماء والبالوعة فقال إن كان سهلا فسبعة أذرع وإن كان جبلا فخمسة أذرع ثم قال يجري الماء إلى القبلة إلى يمين القبلة ويجري عن يمين القبلة إلى يسار القبلة
ويجري عن يسار القبلة إلى يمين القبلة ولا يجري من القبلة إلى دبر القبلة وجه الاستدلال بهما إن في كل منهما إطلاقا وتقييدا فيجمع بينهما بحمل المطلق على المقيد فيتحصل ما هو المقصد كما
لا يخفى وفيه إن طريق الجمع لا ينحصر فيما ينحصر فيما ذكر إذ كما يقيد الحكم بالسبعة في الموضعين يمكن أن يقيد الحكم بالخمسة فيهما مع أن فيه استظهارا لكن الأولى
متابعة المشهور مع التأييد بالأصل وفسر قوله (عليه السلام) من كل ناحية بأنه لا يكفي البعد بهذا المقدار من جانب واحد من جوانب البئر إذا كان البعد بالنظر إليها متفاوتا
وذلك مع استدارة رأس البئر فربما يبلغ المساحة السبع إذا قيس إلى جانب ولا يبلغه بالقياس إلى جانب آخر فالمعتبر حينئذ البعد بذلك المقدار فما زاد بالقياس إلى الجميع
وأنت خبير بأن فرض الاستدارة مما لا حاجة إليه إلا أن يكون على سبيل التمثيل ويمكن أن يكون المراد من أي جهة كان أي سواء كانت في غربها أو شرقها أو غير ذلك
والله أعلم ولا يخفى أن هذين الخبرين وإن كانا غير نقي السند لكن أمر الاستحباب واسع فلا بأس بالعمل بهما سيما مع قبول الأصحاب لهما وعملهم بهما لكن الأولى الوقوف على
ما تضمنه حسنة الفضلاء المتقدمة من استحباب التباعد بتسعة أذرع إذا كانت البالوعة فوقها ولم يعتبر السهولة والصلابة لأنها أحسن سندا منهما وأقرب
إلى الاحتياط أو لا شهرة خلافه بين الأصحاب مع أنه على المشهور يمكن الجمع بين الروايات الثلاث بحمل الحسنة على شدة الاستحباب وهو أولى من الطرح والعبرة في
الفوقية على ما ذكره الأصحاب بقراريهما لا بوجه الأرض واعلم إن ابن الجنيد خالف المشهور في الحكم المذكور وحرر مختاره العلامة (ره) في المختلف بأنه قال إن كانت
الأرض رخوة والبئر تحت البالوعة فليكن بينهما اثنا عشر ذراعا وإن كانت صلبة أو كانت البئر فوق البالوعة فليكن بينهما سبع أذرع واحتج له بما رواه التهذيب و
الاستبصار في البابين المذكورين عن محمد بن سليمان الديلمي عن أبيه قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن البئر يكون إلى جانبها الكنيف فقال إلى أن مجرى العيون كلها من
مهب الشمال فإذا كانت البئر النظيفة فوق الشمال والكنيف أسفل منها لم يضرها إذا كان بينهما أذرع وإن كان الكنيف فوق النظيفة فلا أقل من اثني عشر ذراعا
وإن كانت تجاها بحذاء القبلة وهما مستويان في مهب الشمال فسبعة أذرع واعترض عليه بأنه لا يدل على ما ذهب إليه ابن الجنيد إذ غاية ما يدل عليه إنه
يستحب التباعد بأثني عشر ذراعا إذا كانت البالوعة في طرف الشمال وبسبع إذا كانتا مستويتين في جهة الشمال وبأذرع إذا كانت البئر في جهته من غير تعرض
246

للصلابة والرخوة وفوقية القرار وتحتيته وأين هو مما اختاره إلا أن يتمسك في اعتبار فوقية القرار والصلابة بالخبرين السابقين لكن حينئذ يختل نظم الاستدلال
كما لا يخفى وذكر صاحب المعالم (ره) إن مما نسب إلى ابن الجنيد خلاف الواقع بل مختاره كما في المختصر إنه يكره الطهارة من بئر تكون بئر النجاسة التي يستقر فيها من أعلاها
في مجرى الوادي إلا إذا كان بينهما في الأرض الرخوة اثنتا عشرة ذراعا وفي الأرض الصلبة سبعة أذرع فإن كانت تحتها والنظيفة أعلاها فلا بأس وإن كانت
محاذيتها في سمت القبلة فإذا كان بينهما سبعة أذرع فلا بأس ولا يخفى إنه على هذا وإن كانت الرواية المذكورة أقرب دلالة على مختاره لكن لا يتم أيضا كما لا يخفى
ثم إنه قد جمع بعض الأصحاب بين هذه الرواية وبين روايتي المشهور بحمل إطلاق الأذرع في صورة فوقية البئر على خمس وتقييد التقدير بالسبع في صورة المحاذاة
برخاوة الأرض وتحتية البئر وحمل الزايد على السبع في صورة فوقية الكنيف على المبالغة في القدر المستحب واعترض عليه في المعالم بأن في الحمل الأول تكليفا
وأما التقييد ففاسد لان فرض المحاذاة كما هو صريح لفظ الحديث ومقتضى المقابلة لصورتي علو كل منهما كيف يجامع الحمل على تحتية البئر نعم حمل الزيادة
في الاثنتي عشرة على المبالغة ممكن انتهى وأنت خبير بأن رواية ابن رباط قرينة على الحمل فلا تكلف وما ذكره من فساد التقييد فاسد لان المحاذاة التي في الحديث إنما هو المحاذاة بالنسبة إلى
جهة الشمال وكذا علو كل منهما إنما هو بالنسبة إليها وهو ظاهر فحينئذ لا ينافيان تحتية البئر بالنظر إلى القرار كما هو مراد ذلك البعض ولا يذهب عليك إنه لا
حاجة في الجمع إلى اعتبار تحتية البئر لما سنذكر أن المشهور بينهم استحباب السبع في صورة التساوي وعدم دلالة رواية ابن رباط على خلافه نعم لا بد من اعتبار عدم فوقية
قرارها وكذا لا بد في الصورة الأولى من اعتبار عدم فوقية قرار البالوعة ليطابق المشهور فإن قلت ما القرينة على هذه التقييدات قلت الخبران المذكوران فتدبر و؟
جمع أيضا بحمل التقدير بالاثنتي عشرة على ما إذا كان علو الكنيف بالقرار والجهة وحمل السبع في الرواية السابقة على ما يكون بالقرار فقط أو بأحدهما
وبالجملة الخطب سهل لان المقام مقام الاستحباب ثم اعلم إن جماعة من الأصحاب القائلين بالمشهور صرحوا باعتبار الفوقية بالجهة أيضا كما بالقرار بناء على أن
جهة الشمال أعلى فحكموا بفوقية ما يكون فيها منهما وإن كان قراره مساويا ومستندهم رواية محمد بن سليمان المذكورة ومرسلة قدامة المتقدمة وللمناقشة مجال
وفي صوره يقع التعارض بين الفوقتين يجعلونها بمنزلة التساوي وقد بقي هاهنا شئ وهو أن ظاهر عبارة هذا
الكتاب كما هو ظاهر أكثر عباراتهم دال على أن في
صورة التساوي يستحب التباعد بسبع وكلام العلامة (ره) في الارشاد يدل على التباعد بخمس ورواية ابن رباط المذكورة خالية عن الدلالة على أحدهما
لكن لما كان أكثر عباراتهم دالة على السبع مع كونه أقرب إلى الاحتياط ينبغي المصير إليه على أن مرسلة قدامة تدل على السبع في صورة التساوي مع الرخاوة كما
هو مختارهم من غير معارض لا يقال إن مفهوم الجزء الآخر من رواية ابن رباط معارض لان عموم المفهوم ممنوع ولو سلم فيعارضه عموم مفهوم الجزء الأول لعدم الواسطة
بين الخمس والسبع اتفاقا فيتساقطان وتبقى المرسلة بلا معارض لان عموم المفهوم مع أن رواية محمد بن سليمان أيضا تدل على السبع في صورة التساوي في الجهة
مطلقا غاية الأمر أن يقيد بعدم فوقية قرار البئر لرواية ابن رباط كما ذكرنا وأما التقييد بالتحية فلا بد له من دليل وإذا ثبت السبع في التساوي باعتبار الجهة
يثبت فيه باعتبار القرار أيضا لعدم القول بالفرق واعلم إنه على اعتبار فوقية الجهة يتحصل في المسألة أربع وعشرون صورة باعتبار وقوع البئر من البالوعة
في جهة الشمال أو الجنوب أو الشرق أو الغرب وصلابة الأرض ورخاوتها وتساوي القراين وعلو أحدهما وعليك بالتأمل في استخراج الجميع واستنباط أحكامها
وفي كلام جمع من الأصحاب هاهنا تأمل ظاهر إذ ذكروا أن التباعد بسبع في سبع وبخمس في الباقي والاعتبار يقتضي أن لون التباعد بسبع في ثمان أو ست لان فوقية القرار أما أن يعارض
فوقية الجهة ويصير بمنزلة التساوي أو لا فعلى الأول الأول وعلى الثاني الثاني وأما اعتبار الجهة في البئر دون البالوعة فتحكم فتأمل والله هو الهادي إلى جهة الرشاد
درس (المستعمل في الوضوء طهور) حكى العلامة في المنتهى إجماع الأصحاب عليه وقال المحقق في المعتبر انه مذهب فقهائنا ولم يعلم فيه خلاف ويدل عليه مضافا
إلى الاتفاق أما على طهارته فالعمومات الدالة على طهارة الماء ما لم يعلم إنه قذر وما رواه التهذيب في باب المياه والاستبصار في باب الماء المستعمل عن عبد الله بن
سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا بأس بأن يتوضأ بالماء المستعمل فقال الماء الذي يغسل به الثياب أو يغسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضأ منه وأشباهه
وأما الماء الذي يتوضأ الرجل به فيغسل به وجهه ويده في شئ نظيف فلا بأس أن يأخذه غيره ويتوضأ به ويؤيده ما رواه التهذيب أيضا في الباب
المذكور عن زرارة عن أحدهما (عليه السلام) قال كان النبي (صلى الله عليه وآله) إذا توضأ أخذ ما يسقط من وضوئه فيتوضؤن به وأما على مطهريته فالعمومات
الدالة على استعمال الماء المطلق في رفع الحدث وإزالة الخبث وهذا الماء مطلق والروايتان المذكورتان (وكذا في الأغسال المسنونة) هذا أيضا الظاهر أنه
اتفاق من الأصحاب ويدل عليه مضافا إلى الاتفاق العمومات المذكورة (وفي رفع الحدث الأكبر طاهر) هذا أيضا مما أجمع عليه الأصحاب على ما في المعتبر والمنتهى و
يدل عليه أيضا مضافا إلى الاجماع العمومات المذكورة وغيرها من الروايات منها ما رواه التهذيب في باب صفة الوضوء في الصحيح من الفضيل قال سئل أبو عبد الله (عليه السلام)
عن الجنب يغتسل فينتضح الماء من الأرض في الاناء فقال لا بأس هذا مما قال الله تعالى ما جعل عليكم في الدين من حرج ونقل أيضا هذه الرواية عن الكافي عن الفضيل
247

بطريق حسن بأدنى تغيير ومنها ما رواه الكافي في باب اختلاط ماء المطر بالبول في الصحيح ظاهرا عن شهاب بن عبد ربه عن أبي عبد الله (عليه السلام) إنه قال في الجنب يغتسل
فيقطر الماء عن جسده في الاناء وينتضح الماء من الأرض فيصير في الاناء إنه لا بأس بهذا كله ومنها ما رواه التهذيب في الباب المذكور في الموثق عن عمار بن موسى الساباطي
قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يغتسل من الجنابة وثوبه قريب منه فيصيب الثوب من الماء الذي يغتسل منه قال نعم لا بأس ومنها ما رواه أيضا في الباب
المذكور في الموثق عن يزيد بن معاوية قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أغتسل من الجنابة فيقع الماء على الصفا فينزو فيقع على الثوب فقال لا بأس به ومنها
موثقة سماعة المتقدمة في بحث ترتيب الغسل ومنها رواية عمر بن يزيد المنقولة عن الكافي في بحث نجاسة القليل ومنها صحيحتا محمد بن مسلم المنقولتان في بحث
ماء الحمام ومنها ما رواه في باب دخول الحمام والكافي في باب ماء الحمام عن أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال سئل عن مجتمع الماء
في الحمام من غسالة الناس يصيب الثوب قال لا بأس وروى الفقيه في باب المياه مرسلا عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) مثله ويؤيده ما رواه التهذيب في هذا الباب في الصحيح
عن زرارة قال رأيت أبا جعفر (عليه السلام) يخرج من الحمام فيمضي كما هو لا يغسل رجله حتى يصلي وأما رواية حنان المنقولة عن الكافي في بحث ماء الحمام فمع إمكان
القدح في سنده ليست بظاهرة الدلالة على خلاف ما ذكرنا فلا خدشة (وفي طهوريته) أي رفعه للحدث لا للخبث لان حكمه سيذكر إن شاء الله تعالى وليس هاهنا بمراد (قولان
أقربهما الكراهية) اختلف الأصحاب في هذه المسألة فالشيخان والصدوقان على عدم جواز رفع الحدث به ثانيا ونسبه الشيخ في الخلاف إلى أكثر أصحابنا والمرتضى وابن زهرة
والمحقق في بعض كتبه والعلامة على الجواز وهو الأظهر للعمومات الدالة على استعمال الماء المطلق من غير تقييد وهذا الماء مطلق ولصحيحة علي بن جعفر المتقدمة
في بحث استحباب الغسل بصاع والشيخ في الاستبصار حملها على الضرورة وليس ببعيد فالتعويل إذن على الدليل الأول ويفهم من هذا الحمل إن مذهبه (ره)
جواز الاستعمال عند الضرورة لكنه لم ينسب أحد هذا القول إليه حجة الأكثر وجوه منها رواية ابن سنان المنقولة أيضا آنفا وفيه إنها ضعيفة السند إذ
من جملة رواتها أحمد بن هلال مع أن في متنها أيضا شيئا من الاضطراب ومنها ما رواه التهذيب في باب دخول الحمام في الصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) قال سألته
عن ماء الحمام فقال أدخله بإزار ولا تغتسل من ماء آخر إلا أن يكون فيه جنب أو يكثر أهله فلا تدري فيهم جنب أم لا وفيه إنه لا نهي فيه عن الاغتسال حال
وجود الجنب بل فيه عدم النهي عن الاغتسال من ماء أخرج وهو أعم من النهي عن الاغتسال من مائه إذ يجوز أن يكون التنزه عن مائه عند عدم وجود الجنب وعدم الشك
فيه حراما أو مكروها ولا يكون التنزه عند وجوده أو الشك فيه حراما أو مكروها بل يكون مباحا ولو سلم دلالته على النهي فلا نسلم ظهوره في الحرمة بل
يجوز أن يكون للكراهة ونحن أيضا نقول به مع أنه لا يمكن العمل بظاهره على تقدير تسليم الظهور في الحرمة على قولهم أيضا إذ لا خلاف في أن الشك في حصول
المقتضي لا يوجب المنع فلا بد أن يصرف عن ظاهره في الجزء الأخير وحمله على الكراهة وحينئذ يضعف الاعتماد على الظهور في الجزء الأول أيضا كما لا يخفى وأورد
أيضا أن الاغتسال فيه مطلق بحيث يصلح لإرادة رفع الحدث وإزالة الخبث أيضا والمانعون من رفع الحدث به قايلون لجواز استعماله في إزالة الخبث
فلا بد من التأويل بالنسبة إليه فيضعف الدلالة وفيه نظر لان ظاهر الاغتسال رفع الحدث ولا يستعمل في رفع الخبث في العرف وهو ظاهر ومنها ما رواه
التهذيب في الباب المذكور عن حمزة بن أحمد عن أبي الحسن (عليه السلام) قال سئلته أو سأله غيري عن الحمام فقال أدخله بميزر وغض بصرك ولا تغتسل من البئر التي يجتمع
فيها ماء الحمام فإنه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب وولد الزنا والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم وفيه أنه ضعيف السند ولا نسلم ظهوره في الحرمة ولو سلم
فيجوز أن يكون باعتبار النجاسة إذ الغالب عدم انفكاك الجنب من النجاسة وهذا وارد في الخبر السابق أيضا ومنها رواية بكر بن كرب المتقدمة في بحث ترتيب
الغسل ومنها رواية حنان المتقدمة في بحث ماء الحمام وهاتان الروايتان مع عدم صحة مستندهما لا دلالة لهما على المراد كمالا يخفى ومنها أنه ماء لا يقطع
بجواز استعماله في الطهارة فلا يتيقن معه رفع الحدث فيكون الأصل بقاء الحدث وفيه إن عدم القطع ممنوع كيف وهو مدلول الظواهر التي يجب العمل بها مع
عدم معارض وها هنا كذلك لما عرفت وأيد أيضا هذا القول بما رواه الجمهور عن النبي (صلى الله عليه وآله) لا يبولن أحدكم في الماء الدايم ولا يغتسل فيه من جنابة
وضعفه ظاهر هذا ما قيل في هذا المقام والاحتياط في متابعة الأكثر ثم إن هاهنا أمورا لابد من التنبيه عليها الأول تحقيق معنى الماء المستعمل وفيه في
بادي الرأي احتمالات أحدها فضل الماء الذي يتطهر منه سواء كان بعد تمام التطهير أو لا وظاهر إنه ليس بمراد هاهنا ولا خلاف في جواز رفع الحدث به و
يدل عليه مضافا إلى الاجماع أما على فضل الوضوء فما رواه الفقيه في باب المياه قال وسئل علي (عليه السلام) أيتوضأ من فضل وضوء جماعة المسلمين أحب إليك أو
يتوضأ من ركو أبيض مخمر فقال لابل فضل وضوء جماعة المسلمين فإن أحب دينكم إلى الله الحنفية السمحة السهلة وهذا كما يدل على الجواز يدل على الاستحباب
أيضا وأما على فضل الغسل فالروايات المتضمنة لاغتساله (صلى الله عليه وآله) مع زوجته من إناء واحد وقد تقدمت في استحباب الغسل بصاع وهذه
الروايات دالة ظاهرا على جواز استعمال الفضل قبل التمام ولا يبعد أن يفهم من بعضها شموله لما بعد التمام أيضا كما لا يخفى وسيجئ لهذا تتمة في بحث
248

سؤر الحايض وثانيها ما يتقاطر من العضو عند الطهارة مطلقا سواء كان قطره أو أزيد منها ويفهم من كلام العلامة في المنتهى إن النزاع واقع فيه لكن
كلام الفقيه يشعر بخلافه لأنه مع منعه التطهير بغسالة الجنب قال وإن اغتسل الجنب فنرى الماء من الأرض فوقع في الاناء أو سال من بدنه في الاناء فلا
بأس وهذا يشعر بما ذكرنا ولا يخفى إنه لو كان النزاع فيه تكون الروايات المتقدمة آنفا في روايتي الفضل ورواية شهاب ورواية سماعة ورواية عمر بن يزيد دالة على ما اخترناه من
جواز رفع الحدث به فيقوى طرفنا جدا واعلم إن الشيخ (ره) مع كونه من المانعين روى أكثر هذه الروايات في التهذيب ولم يتعرض لرد أو تأويل أو إيرادا ومعارض و
هذا أيضا مشعر بعدم الخلاف فيه وثالثها القدر المعتد به الذي يكون زايدا على القطرة والرشحة بحيث لا يشمله هذه الروايات أما أن ينفصل مرة عن البدن
أو لا بل اجتمع مما انفصل عنه مرارا والظاهر أن النزاع فيه وحينئذ لا يمكن الاستدلال على مختارنا بهذه الروايات لكن صحيحة على المذكورة في الاستدلال كأنها ظاهرة
الدلالة على المدعي إذ ظاهرها إنه (عليه السلام) جوز رجوع الغسالة إلى الماء الذي يغتسل منه ليصير سببا لزيادة فيفي بالاغتسال وظاهر إن هذا لابد أن يكون له قدر يعتد به
نعم يرد عليها ما نقلنا عن الشيخ في الاستبصار من حملها على الضرورة إذ الكلام مفروض في قلة الماء وهذا الاحتمال إن كان مذهبا لاحد لا يمكن رده بهذه الرواية
بل التعويل في رده على الدليل الأول كما ذكرنا وإن لم يكن مذهبا فيمكن الاستدلال على المطلب بهذه الرواية بأن يثبت الحكم في حال الضرورة بها ويتمسك في غيرها بعدم
القول بالفصل ويفهم من كلام صاحب المعالم إن النزاع في الماء المنفصل عن جميع البدن أو أكثره وهو مع كونه مما لا محصل له لا دليل عليه إذ ظاهر عباراتهم مطلقة
في المنع عن الماء الذي اغتسل به غايته إنه يفهم من بعض كلماتهم كما نقلنا عدم المنع من القطرة والرشحة وهذا لا يستلزم كون النزاع فيما ذكره بل الظاهر ما
ذكرنا والتفسير الذي ذكره العلامة (ره) في النهاية من أنه الذي جمع من المتقاطر من الأعضاء يؤيد ما ذكرنا الثاني إنه هل يشترط في الاستعمال الانفصال عن البدن أو لا عند
القائلين بالمنع فالذي يفهم من كلام العلامة في المنتهى والنهاية إن الشيخ لم يشترط الانفصال حيث قال في المنتهى لو اغتسل من الجنابة وبقيت في العضو لمعة لم يصبها
الماء فصرف البلل الذي على العضو إلى تلك اللمعة جاز أما على ما اخترناه نحن فظاهر وأما على قول الحنفية فكذلك لأنه إنما يكون مستعملا بانفصاله عن البدن
وفي اشتراط استقراره في المكان خلاف عندهم وأما في الوضوء فقالوا لا يجوز صرف البلل الذي في اليمين إلى اللمعة التي في اليسرى لان البدن في الجنابة كالعضو الواحد
فافترقا وليس للشيخ فيه نص والذي ينبغي أن يقال على مذهبه عدم الجواز في الجنابة فإنه لم يشترط في المستعمل الانفصال انتهى وفي هذه النسبة إلى الشيخ إشكال لأنه
يقتضي عدم الاجتزاء بإجراء الماء في الغسل من عضو إلى عضو آخر وهذا مما يوجب تعذر الغسل إلا أن يشترط الاستقرار ويستثنى حالة الغسل أو يجوز في الأعضاء
المتقاربة دون المتباعدة وبالجملة القدر الذي يظن إنه معتقدهم تحقق الاستعمال بعد الانفصال عن البدن وأما قبله فلا ونقل العلامة من الشيخ غير ظاهر
لعدم التصريح به في كتبه المشهورة مع استلزامه ما ذكر والأدلة التي تمسكوا بها على تقدير تمامها لا يدل على أزيد من ذلك الثالث إن للمستعمل فردا غير الذي
ذكرناه من المتقاطر عن الأعضاء وهو الماء الذي يرتمس فيه بقصد الاغتسال والظاهر أنه لا خلاف في كونه مستعملا وأما الماء الذي غمس فيه عضو بقصد
التطهير فالظاهر من كلام العلامة (ره) في المنتهى إنه أيضا داخل في المستعمل وقد توقف في النهاية في صدق الاستعمال فيما إذا غسل الرأس مثلا ثم أدخل يده
في الاناء بقصد أخذ الماء لا بقصد الغسل فكان وجه التوقف إنه لا دخل للقصد في غسل اليد بل بإدخاله في الاناء يحسب من الغسل وإن لم يقصده فيصير به مستعملا
ولا يخفى إن لهذا الوجه قوة سيما إذا كان عند إدخال اليد ذاهلا عن إنه يقصد الغسل والاخذ إذ حينئذ يقوى الاشكال وما ذكر بعضهم من أنه لا وجه لهذا التوقف
لا وجه له الرابع إن المرتمس إذا نوى خارج الماء سواء كان جميع بدنه خارجا أو لا فهل يحكم باستعمال ذلك الماء بعد تمام الغسل ويحكم بصحة غسله أو لا بل يصير بمجرد
إدخال عضو في الماء بعد النية مستعملا ويكون غسله باطلا بناء على قولهم بالمنع فالعلامة (ره) في المنتهى قرب الأول وقال في النهاية لو نوى قبل تمام الانغماس
أما في أول الملاقاة أو بعد غمس بعض البدن احتمل أن لا يصير مستعملا كما لورود الماء على البدن فإنه لا
يحكم بكونه مستعملا بأول الملاقاة لاختصاصه بقوة
الورود وللحاجة إلى رفع الحدث وعسرا فراد كل موضع بماء جديد وهذا المعنى موجود سواء كان الماء واردا أو هو انتهى وهذا الوجه وإن كان يمكن المناقشة
فيه بأن جواز هذا المعنى في الغسل الترتيبي للضرورة ورفع الحرج لا يستلزم جوازه في الارتماسي لانتفائهما فيه إذ يمكن فيه أن ينوي بعد تمام الانغماس لئلا
يلزم المحذور لكن تأييده بأن الصحيحة التي وردت في إجزاء الارتماس مطلقة ولا تقييد فيها بكونه في الكثير أو يكون النية بعد تمام الانغماس وهذه الأدلة
التي ذكروها في منع استعمال المستعمل على تقدير تمامها لا شمول لها بحيث يشمل ما نحن فيه أيضا حتى يصير مقيدا للصحيحة المذكورة فيجب حملها على إطلاقها
والحكم بإجزاء الارتماس بأي وجه كان ولا يذهب عليك إنه إذا غمس في الترتيبي العضو في الماء تدريجا يكون هذا الاشكال فيه أقوى كما لا يخفى الخامس إذا حكمنا
بعدم تحقق الاستعمال إذا نوى قبل الانغماس ما لم ينغمس جميع بدنه فهل يحكم بالاستعمال بعد انغماس جميع البدن وإن لم يخرج من الماء أو لا بل يشترط الخروج وكذا
إذا نوى بعد تمام الانغماس هل يشترط الخروج أو لا بل يحكم بالاستعمال بعد النية فالعلامة (ره) في المنتهى جزم بعدم الاشتراط الانفصال في تحقق الاستعمال بالنسبة
249

إلى نفسه واستوجه بالنسبة إلى غيره وجزم في النهاية بالأول وتردد في الثاني نظرا إلى أنه مستعمل في حقه فكذا في حق غيره وإلى أن الماء ما دام مترددا على
أعضاء الطهارة لا يحكم باستعماله وقال المصنف في الذكرى يصير الماء مستعملا بانفصاله عن البدن فلو نوى المرتمس في القليل بعد تمام الارتماس ارتفع حدثه وصار
مستعملا بالنسبة إلى غيره وإن لم يخرج انتهى وقد اعترض عليه بأن ما ذكره من عدم اشتراط الخروج ينافي ما ذكره أولا من اشتراط الانفصال واعتذر عنه بأن كان مراده
اعتبار الانفصال عن البدن بالنسبة إلى نفس المغتسل وإن كان ظاهر عبارته العموم ولا يخفى ما فيه من البعد لعدم صحة تفريع فلو نوى على ما قبله والظاهر أنه (ره) جعل
تمام الارتماس في حكم الانفصال كما صرح به الشهيد الثاني (ره) في شرح الارشاد وهو الظاهر بالنظر إلى الاعتبار إذ يصدق عليه بعد تمام الارتماس إنه ماء اغتسل
به في غسل الجنابة فيشمله رواية ابن سنان فيجب بناء على العمل بمقتضاها التحرز عن التطهر به والتوقف على الخروج مما لا دليل عليه سواء كان في حقه أو حق غيره والوجه
الذي ذكره في النهاية لا يخفى ضعفه قال صاحب المعالم بعد نقل الكلام المنقول عن النهاية وفيما ذكره نظر والتحقيق أن الانفصال إنما يعتبر في صدق الاستعمال
بالنظر إلى المغتسل فما دام الماء مترددا على العضو لا يحكم باستعماله بالنسبة إليه وإلا وجب عليه إفراد كل موضع من البدن بماء جديد ولا ريب في بطلانه إذ الاخبار ناطقة
بخلافه والبدن كله في الارتماس كالعضو الواحد وأما بالنظر إلى غير المغتسل فيصدق الاستعمال بمجرد إصابة الماء للمحل المغسول بقصد الغسل وحينئذ فالمتجه هنا
صيرورة الماء مستعملا بالنسبة إلى غير المغتسل بمجرد النية والارتماس وتوقفه بالنظر إليه على الخروج أو الانتقال وقد حكم في المنتهى بصيرورته مستعملا
بالنسبة إليها قبل الانفصال والوجه ما ذكرناه ويظهر الفايدة بالنظر إلى المغتسل فيما لو تبين إبقاء لمعة من بدنه كان يحس بساتر لها قبل خروجه من الماء
وانتقاله فيه ولم نقل بفساد الغسل حينئذ بل اكتفينا بغسلها أما مطلقا أو مع بقاء صدق الوحدة على ما يأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى فإن قلنا بتوقف صيرورته مستعملا
على الانفصال أجزئه غسلها من ذلك الماء حينئذ وإلا لم يجزه بل يتعين غسلها بماء آخر إن منعنا من المستعمل انتهى وهذا التحقيق مما لا أصل له لان بناء هذا
الفرق إما على أن المانعين إنما ذهبوا إليه فغير صحيح إذ لم يقع منهم تصريح به وأما على ما يستفاد من النظر في الأدلة التي ذكروها وعلى هذا نقول لا شك
أن رواية ابن سنان إنما يشمل هذا الماء بعد تمام الاغتسال كما اعترف به في حق غير المغتسل فيجب أن لا يستعمل ثانيا مطلقا وحينئذ فخروج المغتسل لا بد له من دليل
والدليل الذي ذكره مردود لان الملازمة التي ذكرها ممنوعة إذ بعد تسليم صدق الاستعمال على الماء المتردد على العضو حال الاغتسال نقول خروجه بالدليل
الخارج من الضرورة ونفي الحرج مثلا لا يستلزم خروج ما نحن فيه لعدم الدليل عليه وغاية ما يسلم استلزامه له خروج الماء المتردد على العضو حال الانغماس
قبل تمام الغسل إذا نوى خارج الماء وأما بعد التمام وقبل الخروج فلا وهو ظاهر ويلزم عليه أيضا إنه إذا لم يخرج من الماء مدة مديدة كيوم مثلا لا يحكم بالاستعمال
بالنسبة إليه ويجوز له التوضي والاغتسال منه بل وإن خرج أيضا بعض بدنه ولم يخرجه بتمامه والتزامه لا يخلو من استبعاد وقد يناقش فيه أيضا بأن حكمه بأن الانتقال
بمنزلة الخروج في صدق الاستعمال معه أيضا لا وجه له لان جميع هذا الماء أما في حكم الماء الواحد أو لا فإن كان في حكمه فما لم ينفصل عنه بتمامه يجري فيه الدليل
الذي ذكره فيلزم أن لا يكون مستعملا بالنسبة إليه وإن لم يكن في حكمه فيلزم جواز أن يتطهر به شخص آخر في موضع آخر منه وإن انتقل وخرج أيضا ولم يقولوا به
وبما ذكرنا ظهر إن الأولى أن يحكم باستعمال الماء بعد تمام الغسل سواء كان في حق المستعمل أو في حق غيره والاحتياط أن لا ينوي قبل تمام الانغماس بل ينوي بعده
بقي هاهنا شئ وهو إنه إذا بقيت لمعة في بدن المرتمس فما الحكم فيه فإن قلنا بصحة الغسل سواء اطلع عليه بعد الخروج أو قبله فإن كان الاطلاع قبل الخروج فيحتمل أن لا يحكم باستعمال الماء قبل
غسل اللمعة لأنه ما لم يغسل اللمعة لم يرتفع الحدث بالكلية فلم يكن مستعملا ويحتمل الحكم به قبله إذ يصدق عليه إنه ماء اغتسل به من الجنابة وإن كان بعد الخروج
فكذلك أيضا وإن كان إجراء الاحتمال الثاني فيه أظهر وإن قلنا بفساد الغسل فحينئذ أيضا يجري الاحتمالان بناء على أنه لم يرتفع به الحدث فلم يصر مستعملا وعلى أنه
يصدق عليه إنه اغتسل به من الجنابة فيشمله رواية ابن سنان إذ الصحة ليست معتبرة في مفهوم الغسل وقس عليه الحال فيما إذا فسد الغسل بسبب آخر كالغصبية
مثلا سواء كان ارتماسيا أو ترتيبيا والاحتياط في هذه المواضع جميعا الاجتناب عن التطهر به وأولى بالاحتياط ما إذا طرء الفساد والله أعلم السادس هل يختص الاستعمال
بالقليل فقط أو يجري في الكثير أيضا فلو ارتمس فيه صار مستعملا الظاهر من كلماتهم الأول وإن كان بعض دلايلهم عاما ويفهم من كلام المقنعة كراهة الاغتسال منه أيضا
إذا صار مستعملا لأنه حكم بكراهة الارتماس في الماء الكثير الراكد والظاهر أن وجهه صيرورته مستعملا يكره الطهارة به ولا يخفى إن هذا الحكم على إطلاقه مشكل إذ
يلزم كراهة الاغتسال من البحر بمجرد اغتسال جنب فيه ولا يخلو عن بعد إلا أن يكون البحر وأمثاله مستثنى من القاعدة ويكون الحكم مختصا بالمياه المحصورة السابع إذا
بلغ الماء المستعمل كرا هل يزول عنه حكم الاستعمال أو لا حكم الشيخ في المبسوط بزواله وتردد في الخلاف والعلامة (ره) أيضا في المنتهى حكم بالزوال والمحقق على عدم
الزوال واحتج العلامة بأن بلوغ الكرية مانع من الانفعال بالنجاسة فمنعه عن الانفعال من ارتفاع الحدث أولى وبأنه لو اغتسل في كر لما انفعل فكذا هاهنا
وضعف الوجهين ظاهر واحتج أيضا بخبر إذا بلغ الماء كرا لم يحتمل خبثا وفيه أيضا عدم صحة إسناده والظاهر ما قاله المحقق لو سلم حجية الاستصحاب هاهنا بناء على ورود
250

النهي في رواية ابن سنان وهو ظاهر في الدوام والتكرار ومع ذلك أيضا يمكن المناقشة باعتبار وقوع الشك في التكليف ويمكن الاستدلال عليه أيضا بدون التمسك
بالاستصحاب بأن يتمسك بإطلاق رواية حمزة بن أحمد المتقدمة فتدبر الثامن إنه على المختار من جواز الاستعمال هل يكره أم لا الظاهر الكراهة لرواية ابن سنان
وصحيحة محمد ورواية حمزه بن أحمد ومكاتبة ابن بزيع المتقدمة في بحث نجاسة القليل ولما كان أمر الكراهة مما يتوسع فيه فلا يضر إمكان المناقشة في الأدلة
سيما مع عمل الأصحاب ولا يخفى إنه يمكن الاستدلال بالمكاتبة المذكورة على الكراهة في الكثير أيضا كما صرح به المفيد ويؤيده ما رواه الكافي في كتاب التزيين باب الحمام عن
محمد بن علي بن جعفر عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال من أخذ من الحمام خرقة فحك بها جسده فأصابه البرص فلا يلومن إلا نفسه ومن اغتسل من الماء
الذي اغتسل فيه فأصابه الجذام فلا يلومن إلا نفسه التاسع إنه على القول بعدم جواز رفع الحدث بالماء المستعمل في الاغتسال هل يجوز إزالة الخبث به أم لا ادعى
العلامة (ره) في المنتهى الاجماع على الجواز وكذا ولده فخر المحققين وقال المصنف في الذكرى بعد نقله عن الشيخ والمحقق جواز إزالة الخبث به وقيل لا لان قوته استوفيت فالتحق بالمضاف
وقد جعل بعضهم هذا القول من المصنف منشأ الرد على الدعوى المذكورة وفيه نظر لجواز أن يكون هذا القول من العامة كما يشعر به تعليله الواهي أو يكون مستحدثا
بعد الفاضلين وبالجملة التعويل على دعواهما أظهر والدليل على المدعي مع قطع النظر عن الاجماع يظهر مما سبق فتأمل العاشر إعلم إنه قال الصدوق في الفقيه فإن
اغتسل الرجل في وهدة وخشي أن يرجع ما ينصب عنه إلى الماء الذي يغتسل منه أخذ كفا وصبه أمامه وكفا عن يمينه وكفا عن يساره وكفا من خلفه واغتسل منه وقال
أبوه في رسالته وإن اغتسلت من ماء في وهدة وخشيت أن يرجع ما ينصب عنك إلى المكان الذي تغتسل فيه أخذت له كفا وصببته عن يمينك وكفا عن يسارك
وكفا خلفك وكفا عن أمامك واغتسلت وقال الشيخ في النهاية متى حصل الانسان عند غدير أو قليب ولم يكن معه ما يغترف به الماء للوضوء فليدخل يده فيه
ويأخذ منه ما يحتاج إليه وليس عليه شئ وإن أراد الغسل للجنابة وخاف إن نزل إليها فساد الماء فليرش عن يمينه ويساره وأمامه وخلفه ثم ليأخذ كفا كفا من
الماء فليغتسل به ومستند هذه الأقاويل صحيحة علي بن جعفر المتقدمة المشار إليها آنفا وروايته الأخرى أيضا المتقدمة في بحث استحباب الغسل بصاع وما رواه التهذيب في
زيادات باب المياه عن ابن مسكان قال حدثني صاحب لي ثقة إنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل ينتهي إلى الماء القليل في الطريق فيريد أن يغتسل وليس معه إناء
والماء في وهدة فإن هو اغتسل يرجع غسله في الماء كيف يصنع قال ينضح بكف بين يديه وكفا من خلفه وكفا عن يمينه وكفا عن شماله ثم يغتسل وما رواه
المحقق في المعتبر عن جامع البزنطي إنه روى عن عبد الكريم عن محمد بن ميسر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئل عن الجنب ينتهي إلى الماء القليل والماء في وهده فإن
هو اغتسل رجع غسله في الماء كيف يصنع قال ينضح بكف بين يديه وكف خلفه وكف عن يمينه وكف عن شماله ويغتسل وقد استشكل في هذا المقام في أن متعلق
النضح ماذا وما الحكمة فيه فقال بعضهم متعلقة الأرض والحكمة فيه اجتماع إجزائها فيمنع سرعة انحدار ما ينفصل عن البدن إلى الماء ورده ابن إدريس بأن اشتد
الأرض برش الجهات المذكورة موجب لسرعة نزول ماء الغسل ولا ريب إن ما ذكره صحيح في بعض الأراضي وإن كان ما ذكروه أيضا صحيحا في بعضها وقال بعضهم متعلقة
بدن المغتسل وذكروا في الحكمة وجهين أحدهما إنه يبل الجسد فيمكن استعجال الاغتسال قبل انحدار المنفصل عن جسده إلى الماء ورد بأن خشية العود إلى الماء
مع تعجيل الاغتسال ربما كانت أكثر لان الاعجال موجب لتلاحق الأجزاء المنفصلة عن البدن من الماء وذلك أقرب إلى الجريان والعود ومع الابطاء يكون تساقطها على
سبيل التدريج فربما بعدت بذلك عن الجريان والظاهر أن ليس شئ من هذا الرد ومردوده بكلي ولا أكثري وثانيهما إنه يكتفي بترديده عن إكثار معاودة الماء هكذا ذكره
المصنف في الذكرى قال صاحب المعالم فيه إشعار بأنه جعل الغرض من ذلك التحرز من تقاطر ماء الغسل عن بعض الأعضاء المغسولة في الماء الذي يغتسل منه عند المعاودة
وقد عرفت تصريح بعض المانعين من المستعمل عدم تأثير مثله ودلالة الاخبار أيضا عليه فالظاهر أن محل البحث هذا هو رجوع المنفصل عن بدن المغتسل بأجمعه إلى الماء
أو أكثره انتهى وقد عرفت ما في الذي جعله ظاهرا وفي إشعار كلام المصنف بما ذكره أيضا نظر لان كلام المصنف محتمل المعان متعددة تفصيله إن المراد من قوله معاودة
الماء إما معاودة المستعمل إلى الماء أو معاودة المغتسل أو يكون المراد معاودة الصب على البدن والأول يحتمل وجهين الأول أن يكون المراد إن بل الجسد قبل
الغسل يصير سببا لان لا ينفصل الماء كثيرا عن البدن فلم يرجع ماء كثيرا إلى الماء الذي اغتسل منه فلا يفسده وأما القليل فلا بأس به أو إنه لما لم يكن كثيرا فلا
يصل إلى الماء الثاني إنه يصير سببا لتعجيل الاغتسال فلم يرجع الماء الكثير إلى الماء أو لعدم الكثرة لا يصل إلى الماء وعلى هذا يصير هذا الوجه للحكمة بعينه الوجه
الأول والثاني أيضا يحتمل وجهين لان الخوف من إكثار المعاودة إلى الماء إما لخوف تكاثر التقاطر أو لخوف أصل التقاطر والثالث أيضا يحتمل وجهين لأن عدم
الاحتياج إلى إكثار الصب إما أن يفيد تعجيل الاغتسال أو يفيد عدم كثرة الانفصال وكل منهما أيضا يحتمل وجهين على قياس ما ذكر والاشعار الذي ذكره إنما
هو على بعض الاحتمالات المذكورة كما لا يخفى وليس ذلك الاحتمال أظهر من غيره وأنت خبير بأن في بعضها إشعارا بما ذكرنا في تحرير النزاع فتأمل هذا ما
ذكروه في هذا المقام وفي الجميع ضعف ظاهر والظاهر بناء على ما اخترناه من جواز الاستعمال ثانيا إن الامر للاستحباب ومتعلق النزح الأرض والحكمة فيه إزالة النجاسة
251

الوهمية التي في الأرض بالرش ويمكن أن يكون الحكمة إزالة النجاسة الوهمية التي يحصل في الماء كما يشعر به صحيحة علي حيث قال فيها وهو يتخوف أن يكون السباع
قد شربت منه لكن على هذا لا يناسب الصب على الجوانب إذ يكفي في هذا المعنى مطلق الصب وإن كان على جانب واحد ويمكن أن يكون الحكمة كلا المعنيين ويريد ما ذكرنا
من الاستحباب وإن متعلق النضح الأرض ما رواه التهذيب في زيادات باب المياه في الحسن عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول إذا أتيت ماء وفيه قلة
فأنضح عن يمينك وعن يسارك وبين يديك وتوضأ وجه التأييد إما للاستحباب فلان الوجوب في هذا الموضع مما
لا وجه له بناء على أصولهم
المقررة لان فضل الوضوء لافساد فيه وإذا كان الامر فيه للاستحباب فهو قرينة على الاستحباب هاهنا أيضا كما لا يخفى وأما لكونه على الأرض فلظهور قوله
بين يديك فيه أنه استشكل في الكلام المنقول عن النهاية فإن ظاهره كون المحذور في الفرض المذكور هو فساد الماء بنزول الجنب إليه واغتساله فيه ولا ريب
إن هذا يزول بالأخذ من الماء والاغتسال خارجه فلا وجه للرش ووجه تارة بإرجاع الضمير المستتر في قوله نزل إلى الماء الغسل لا إلى مزيده وتارة بأن في
بعض النسخ أن ينزل بلفظ المضارع وأن مفتوحة الهمزة على أنها مصدرية وحينئذ فاعل ينزل فساد الماء ولا فساد فيه فيمكن أن يحصل الاشتباه في بعض النسخ الذي
ليس كذلك والظاهر أن الكل تكلف مستغن عنه إذ لا ظهور له في أن الرش إنما هو لدفع محذور النزول بل يفهم منه إنه لو خاف من فساد الماء بالارتماس يغتسل
مرتبا لكن يرش الماء على الجوانب وهذا لا يستلزم أن يكون لأجل فساد الماء بالارتماس بل يجوز أن يكون لوجه آخر من الوجوه المذكورة وهو ظاهر وحينئذ لا إشكال (واستحب
المفيد التنزه عن مستعمل الوضوء) وكذا عن مستعمل الأغسال المندوبة بل لا يبعد أن يفهم من ظاهر كلامه استحباب التنزه عن المستعمل في الغسل المستحب أيضا كغسل اليد
للطعام مثلا ولا شاهد له على هذا الحكم مما وقفنا عليه بل الظاهر من رواية زرارة المتقدمة في بحث طهورية مستعمل الوضوء يدل على استحباب الوضوء منه
إلا أن يقال إنه مختص بمستعمل وضوئه (صلى الله عليه وآله) لشرفه واحتج في الحبل المتين للمفيد (ره) برواية محمد بن
علي بن جعفر المنقولة آنفا عن الكافي وفيه نظر لأن الظاهر إنها في ماء الحمام كما يشعر به صدر الرواية ويدل عليه ظاهرا عجزها لأنه ذكر بعد ما نقلنا سابقا قال محمد بن
علي فقلت لأبي الحسن (عليه السلام) إن أهل المدينة يقولون فيه شفاء من العين فقال كذبوا يغتسل فيه الجنب من الحرام والزاني والناصب الذي هو شرهما وكل من خلق
الله ثم ذكر ما يكون فيه شفاء من العين إنما شفاء العين قراءة الحمد والمعوذتين وآية الكرسي والبخور بالقسط والمرو اللبان وحينئذ لا دلالة لان الكراهة في الاغتسال من ماء
الحمام باعتبار إنه لا ينفك غالبا من اغتسال الجنب من الحرام والناصب وغيرهما لا يقتضي كراهة مستعمل الأغسال مطلقا مع أنه لو سلم التعميم في الأغسال فأين
الدلالة على مستعمل الوضوء إلا أن يكون مراده (ره) من الاحتجاج المذكور الاحتجاج على كراهة مستعمل الأغسال المندوبة فقط
(والمستعمل في الاستنجاء طاهر ما لم
يتغير أو يلاقيه نجاسة أخرى وقيل هو عفو) الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب كما في الذكرى في جواز مباشرة ماء الاستنجاء مطلقا وعدم وجوب إزالته عن الثوب والبدن
للصلاة وغيرها على الشروط التي سنذكرها إن شاء الله تعالى وإنما الكلام في أنه طاهر أو معفو عنه فلنذكر أولا ما يدل على الحكم الأول من الروايات ثم نتكلم في كونه
طاهرا أو معفوا عنه وثمرة النزاع وما يتعلق به ثم نبين الشروط التي ذكروها وما فيها من الكلام أما الروايات فمنها ما رواه التهذيب في باب صفة الوضوء في الصحيح
ظاهرا عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به أينجس ذلك ثوبه فقال لا ومنها ما رواه
أيضا في هذا الباب في الصحيح عن محمد بن النعمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له أستنجي ثم يقع ثوبي فيه وأنا جنب فقال لا بأس به ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب
والكافي في باب اختلاط ماء المطر بالبول والفقيه في باب ما ينجس الثوب والجسد في الحسن عن محمد بن النعمان الأحول قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أخرج من الخلاء فأستنجي
بالماء فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به فقال لا بأس به وزاد الفقيه ليس عليك شئ وهذه الروايات وإن كانت مختصة بنفي البأس عن وقوع
الثوب فيه لكن جماع الأصحاب على عدم التخصيص وظهور عدم مدخلية خصوص الثوب مما يكفي في الحكم بعموم نفي البأس سيما مع تأييده بالأصل وأما ما رواه العيص بن
القاسم قال سألته عن رجل أصابه قطرة طست فيه وضوء فقال إن كانت من بول أو قذر فيغسل ما أصابه فعام وما ذكروه خاص فيجب حمله عليه مع أن في سنده
كلاما سيجئ وقس عليه الحال في الروايات المتقدمة في بحث نجاسة القليل بالملاقاة مع أن في عمومها كلاما كما مر غير مرة خصوصا في نجاسته بوروده على النجاسة وأما
إنه طاهر أو معفو عنه فاعلم إن المحقق (ره) قال في المعتبر وأما طهارة ماء الاستنجاء فهو مذهب الشيخين وقال علم الهدى في المصباح لا بأس بما ينضح من ماء الاستنجاء
على الثوب والبدن وكلامه صريح في العفو وليس بصريح في الطهارة ويدل على الطهارة ما رواه الأحول وذكر الخبر المذكور آنفا ثم ذكر رواية عبد الكريم ثم قال
ولأن التقصي عنه عسير فيسوغ العفو دفعا للعسر انتهى وقال العلامة في المنتهى عفى عن ماء الاستنجاء إذا سقط منه على ثوبه أو بدنه سواء رجع عن الأرض الطاهرة
وصرح الشيخان بطهارته انتهى وقال المصنف في الذكرى وفي المعتبر ليس في الاستنجاء تصريح بالطهارة إنما هو بالعفو وتظهر الفائدة في استعماله ولعله أقرب ليقين البراءة
بغيره انتهى وإذ قد عرفت هذا فنقول ما نسبه المحقق إلى المفيد (ره) من الحكم بالطهارة ظاهر لتصريحه به في المقنعة وأما الشيخ فلم نظفر في كلامه من كتبه المشهورة
252

بما يدل عليه ولعله (ره) وجده في غيرها وما ذكره من عدم صراحة عبارة المرتضى (ره) في الطهارة فكذلك ثم كلامه هل هو صريح في الطهارة أم العفو فالذي
يتراءى ظاهرا من قوله ويدل على الطهارة الأول لكن التأمل يشهد بالثاني فيكون مراده بالطهارة العفو بيانه إنه أورد في الاستدلال رواية الأحول وظاهر إنه
لا تفاوت بينها وبين عبارة المرتضى في المعنى فحيث صرح بأن ليس في عبارته تصريح بالطهارة فكيف يجوز أن يجعل الرواية دليلا عليها وأما دليله الاخر
من رواية عبد الكريم فهو أيضا ليس بصريح في الطهارة لأن عدم تنجيسه الثوب لا يستلزم طهارته إذ كونه معفوا عنه مطلقا أيضا يستلزم ذلك لا يقال إن
كونه معفوا عنه مطلقا مع نجاسته يستلزم نجاسة ما يلاقيه غايته إنه يكون أيضا معفوا عنه فحيث حكم بعدم تنجيسه الثوب ظهر إنه ليس بنجس فاستدلال المحقق
بهذه الرواية يدل على أن مختاره الطهارة ويكون حينئذ استدلاله بالرواية الأولى استدلالا على بعض مدعاه أو يجري في تمام المدعى بالتقريب الذي ذكر بأن يقال
نجاسة الماء مستلزم لوجوب إزالته عن الثوب والبدن ووجود البأس فيه فحيث نفي البأس عنه ثبت طهارته لأنا نقول الاستلزام ممنوع وغاية ما يتمسك به في قضاء
النجاسة هذه الأمور الاجماع وهو فيما نحن فيه مفقود ولو فرض تحقق عمومات دالة على ذلك نقول الروايات المتقدمة في بحث القليل تدل على نجاسة هذا
الماء على زعم المحقق وأمثاله من الذاهبين إلى عموم هذه الروايات واحتياج إخراج فرد منها إلى مخصص
والنجاسة كما يقتضي الأشياء التي ذكرتم كذلك يقتضي أشياء
أخرى من عدم جواز رفع الحدث ورفع الخبث والتناول للاتفاق على عدم الفرق بين هذه الأمور وبين تلك وهذان الخبران إنما دلا على ارتفاع بعض أحكامها
مما ذكروا أما البعض الاخر من عدم جواز استعماله في رفع الحدث والخبث وتناوله فينبغي أن يكون على حاله حتى يثبت ارتفاعه أيضا بدليل آخر ونفى البأس غير ظاهر
في الجميع بل ظاهره عدم النجاسة أو العفو فإن قلت لو لم يرتفع هذه الأحكام أيضا يلزم التخصيص في العمومات المفروضة قلت هذا معارض بلزوم التخصيص في عمومات
القليل والترجيح لها كما لا يخفى وأيضا نجاسة الثوب لا معنى له سوى وجوب التجنب عنه في الصلاة والطواف ونحوهما وحيث لم يحصل فيه هذه الأمور بملاقاة هذا الماء
فيصدق عليه إنه لم ينجس بخلاف الماء فتدبر على أن إجراء هذا التوجيه في الرواية الأولى يستلزم إمكان إجرائه في عبارة المرتضى أيضا فيصير مصرحة بالطهارة فكيف
يحكم عليها بعدم التصريح ولا يخفى إن آخر العبارة المنقولة عن المعتبر أيضا يشعر بأن مختاره العفو وإذ قد تقرر هذا ظهر إن ما نسبه المصنف في الذكرى إلى المعتبر كما ذكرنا
وتبعه المحقق الشيخ علي (ره) في شرح القواعد والشهيد الثاني في شرح الارشاد صحيح ومراد الذكرى من أن في المعتبر ليس في الاستنجاء تصريح بالطهارة إنه ليس في الروايات
لا في كلام الأصحاب وهو كذلك كما قررنا وبهذا ظهر اندفاع ما أورده صاحب المدارك على المصنف وتابعيه من أن هذه النسبة إلى المعتبر غلط بل كلامه فيه كالتصريح
في الطهارة وظهر أيضا ما في كلام صاحب المعالم حيث قال وأجمل المحقق كلامه في ذلك فهو محتمل للقولين وربما كان احتمال القول بالطهارة فيه أظهر وقد كثر في كلام
المتأخرين نسبة القول بالعفو إليه ولا وجه له والعجب إن الشهيد في الذكرى حكى عنه إنه قال ليس في الاستنجاء تصريح بالطهارة وإنما هو بالعفو ثم قال الشهيد ولعله أقرب لتيقن البراءة بغيره وهذه الحكاية وهم ظاهر فإن المحقق حكى عن الشيخين صريحا القول بالطهارة وإنما
ذكر هذا الكلام عند نقله عبارة علم الهدى انتهى من الخلل من وجهين كما لا يخفى وقد يتعجب من الشهيد الثاني (ره) حيث نسب في موضعين من شرح الارشاد إلى
العلامة في المنتهى دعوى الاجماع على الطهارة تبعا للمحقق الشيخ علي في شرح القواعد وعبارة المنتهى على ما وصل إلينا في هذا المقام ما نقلنا وليس فيها ما
ذكراه ولعل نسختها كانت كما ذكراه والله أعلم وبما ذكرنا ظهر أيضا ما في كلام المحقق الشيخ علي (ره) في شرح القواعد بعد نقل القولين قلت اللازم أحد الامرين أما عدم
إطلاق العفو عنه أو القول بطهارته لأنه إن جاز مباشرته من كل الوجوه لزم الثاني لأنه إذا باشره بيده ثم باشر به ماء قليلا ولم يمنع من الوضوء به كان طاهرا
لا محالة وإلا وجب المنع من مباشرة نحو ماء الوضوء به إذا كان قليلا فلا يكون العفو مطلقا وهو خلاف ما ظهر من الخبر وكلام الأصحاب انتهى ولا يذهب عليك
إنه ظهر في تضاعيف الكلمات إن ثمرة النزاع إنما هو جواز استعمال هذا الماء في رفع الحدث والخبث وتناوله وعدم جوازه فعلى القول بالطهارة يجوز على القول
بعدمها وأما ما سوى ذلك من أحكام النجاسات فالظاهر أن لا خلاف في ارتفاعها والظاهر أيضا عدم الخلاف في عدم جواز رفع الحدث به كما سننقل دعوى الاجماع
من المعتبر والمنتهى عليه إن شاء الله تعالى فبقي ثمره الخلاف في الامرين الآخرين فإن قلت أي من القولين أظهر قلت القول بالطهارة وجواز رفع الخبث به وتناوله لان
الأصل في الأشياء الطهارة والإباحة وقد عرفت إن أدلة نجاسة القليل لا عموم لها بحيث يشمل ما نحن فيه وإنما كان التعدي عن الموارد المخصوصة التي وردت فيها
الروايات إلى بعض الصور لأجل الشهرة وعدم القول بالفصل وكلاهما مفقودان فيما نحن فيه فيبني على الأصل فثبت جواز الطهارة والتناول وأما جواز رفع
الخبث فلان الأوامر إنما وردت بالغسل بالماء وهذا يصدق عليه الماء فيحصل الامتثال واحتج الشهيد الثاني (ره) على الطهارة برواية عبد الكريم المتقدمة
لأن عدم تنجيسه الثوب يستلزم طهارته وقد عرفت ما فيه وبأن في الحكم بالنجاسة حرجا ومشقة لعموم البلوى وكثرة تكرره ودورانه بخلاف باقي النجاسات وفيه إن
الحرج على تقدير تسليمه إنما يرتفع بالعفو ولا يتوقف على طهارته إذ لا حرج في عدم جواز استعماله في رفع الخبث والتناول وهو ظاهر وبالاجماع المنقول عن المنتهى
وقد عرفت ما فيه هذا وأما الشرايط التي ذكروها فمنها عدم تغيره بالنجاسة في أوصافه الثلاثة والظاهر أنه إجماع وإلا لأمكن المناقشة إذا الروايات الدالة
253

على نجاسة المتغير عامة وهذه الرواية خاصة ومنها عدم ملاقاته لنجاسة أخرى خارجة أما عن محله كما إذا وقع على الأرض النجسة ونضح على الثوب أو عن حقيقته
كالدم المستصحب واشتراط الأول ظاهر إذ المتبادر من نفي البأس عن ماء الاستنجاء نفي البأس عنه باعتبار النجاسة المخصوصة لا باعتبار غيرها إذ ظاهرا أن ماء الاستنجاء
لا يزيد قوة على مياه أخرى مما لم يستنج به فحيث ينجس هي فهو أيضا لابد من نجاسته وأما اشتراط الثاني فمحل كلام لاطلاق اللفظ مع أن الغالب عدم انفكاك
الغايط من شئ آخر من الدم والاجزاء الغير المنهضمة من الغذاء والدود على أن في صحيحة محمد بن النعمان المنقولة آنفا إشعارا بالعفو عنه وإن كان على الذكر مني
كما لا يخفى ومنها عدم كون الخارج من أحد المخرجين غير الحدثين من النجاسات لعدم صدق الاستنجاء معه ولا بأس به ومنها عدم انفصال أجزاء من النجاسة متميزة
معه إذ يكون حكمها حينئذ حكم النجاسة الخارجة وفيه إشكال وقد نسب إلى بعض الأصحاب اشتراط سبق الماء على اليد وفيه أيضا نظر لان وصول النجاسة إليها لازم على كل
حال والظاهر على ما ذكره بعض الأصحاب إن نجاسة اليد إنما يكون مستثنى إن كانت بسبب جعلها آلة للغسل فلو اتفقت لغرض آخر كانت في معنى النجاسة الخارجية
وقد زاد المصنف في المشروط عدم زيادة الوزن على محاذاة ما ذكره العلامة في النهاية من اشتراطه في مطلق الغسالة ولا وزن له في نظر الاعتبار كما لا يخفى
(ولا فرق بين المخرجين) لاطلاق اللفظ (ولا بين المتعدي وغيره) لذلك أيضا وقد قيل إلا أن يتفاحش بحيث يخرج به عن مسمى الاستنجاء ولا بأس به (وفي إزالة النجاسة)
سوى ما ذكر (نجس) أن تغير بالاجماع وإلا فنجس (في الأولى على قول ومطلقا على قول وكرافع الأكبر على قول وطاهر إذا ورد على النجاسة على قول والأولى إن ماء الغسلة كمغسولها قبلها) اختلف
الأصحاب في حكم الماء المستعمل في إزالة النجاسات سوى الاستنجاء إذا لم يتغير فذهب الشيخ في الخلاف إلى نجاسته إذا كان ممن الغسلة الأولى دون الثانية
في تطهير الثوب وأما الماء المستعمل في تطهير الآنية فليس بنجس عنده سواء كان من الأولى أو غيرها وقوى في المبسوط والطهارة مطلقا سواء كان من الأولى أو من
غيرها وسواء كان في تطهير الثياب أو الأواني وجعل الأحوط في تطهير الثياب النجاسة مطلقا وفي الأواني النجاسة في الغسلة الأولى وهذا ظاهر المصنف (ره) والمحقق
في المعتبر والعلامة في المنتهى ذهبا إلى نجاسته مطلقا ثم القول الأول يحتمل وجهين أحدهما أن يكون الماء
المستعمل في الأولى حكمه حكم المحل قبل الغسلة بمعنى إنه كما
يجب غسله مرتين كذلك يجب غسل ما أصابه هذا الماء أيضا مرتين وثانيهما أن يكفي غسل ما أصابه مرة واحدة وقد خصه بعض الأصحاب في الاحتمال الثاني وكذا القول الثاني أيضا يحتمل وجهين أحدهما أن يكون حكم هذا الماء حكم المحل بعد تمام الغسل بمعنى أن لا يجب غسل ما أصابه هذا
الماء أصلا وثانيهما أن يكون حكمه حكم المحل بعد الغسلة فلو كان من الغسلة الأولى يجب غسل ما أصابه مرة ولو كان من الثانية لم يجب غسل ما أصابه أصلا
ولا يخفى إنه على تقدير تحقق الاحتمال الثاني في كلام القولين يرتفع النزاع من البين والقول الثالث يحتمل وجوها أحدها الاكتفاء بغسل ما أصابه مرة واحدة
سواء كان من الأولى أو الثاني وثانيها أن يكون حكمه حكم المحل قبل الغسل بمعنى إنه إذا وجب غسله مرتين مثلا فيجب غسل ما أصابه هذا الماء أيضا مرتين سواء
كان من الغسلة الأولى أو الثانية وثالثها أن يكون حكمه حكم المحل قبل الغسلة فلو كان من الغسلة الأولى يجب غسل ما أصابه مرتين وإن كان من الثانية يجب غسله
مرة واحدة فيما إذا وجب غسل المحل مرتين وقس عليه الحال فيما وجب غسله أزيد من مرتين كما في الأواني إذ القائلون بهذا القول لم يفرقوا بين الثياب والأواني ثم
إن المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى نقلا الاجماع على عدم جواز رفع الحدث بالماء المستعمل في إزالة النجاسة مطلقا وإن كان في الاستنجاء وعلى هذا يكون
حكمه عند القائلين بطهارته حكم المستعمل في الحدث الأكبر على القول بعدم طهوريته وهذا هو المراد من قول المصنف وكرافع الأكبر على قول لا أن حكمه كحكم رافع
الأكبر حتى لو قيل فيه بالمطهرية قيل فيه أيضا لما عرفت من الاجماع على خلافه واعلم أيضا إن الظاهر من كلام القايلين بالقول الثاني كالشيخ وابن إدريس والمرتضى
رحمهم الله إنه يشترط في إزالة النجاسة ورود الماء على المحل لا العكس فلو عكس نجس الماء ولم يطهر المحل كما سيجئ إن شاء الله تعالى في بحث التطهير وحينئذ يكون قول الشيخ
وموافقيه بطهارة الغسالة مشروطا بورود الماء على المحل بل لا يتحقق معنى الغسالة بدون الورود فعلى هذا يصير القول بأنه كرافع الأكبر عين القول
باشتراط الورود فلا وجه لجعل المصنف إياهما قولين اللهم إلا أن يكون بعض من الأصحاب سوى المرتضى والشيخ وتابعيهما قايلا بنجاسة الغسالة مطلقا ولم يشترط في
إزالة النجاسة الورود كما يفهم من ظاهر الذكرى الميل إليه وحينئذ يكون قوله وكرافع الأكبر إشارة إلى هذا القول وما بعده إلى قول الشيخ وتابعيه وحينئذ يتجه مناقشة
لفظية أمرها سهل أو يكون بعضهم قائلا بجواز إزالة النجاسة بدون الورود لكن يكون حينئذ نجسا عنده وأما إذا ورد فلا وحينئذ يكون الأخير إشارة إلى هذا القول و
الأول إلى قول الشيخ والذكرى أو يكون الأخير إشارة إلى هذا القول وقول الشيخ والأول إلى ما في الذكرى ولا يخفى إنه على الأول يكون الفصل بين قول الشيخ و
هذا القول باعتبار التفاوت في التعبير وإن كان مال الحكم واحدا وعلى الثاني يتجه المناقشة اللفظية التي أشرنا إليها آنفا باعتبار قول الشيخ فافهم (وإذ تقرر
هذا فلنشرع في بيان أدلة الأقوال وما هو الظاهر منها بحسب النظر أما ما ذهب إليه الشيخ في الخلاف فقد استدل في الخلاف على الجزء الأول منه بأنه ماء قليل
معلوم حصول النجاسة فيه فيجب أن يحكم بنجاسته وبما رواه عن العيص بن القاسم قال سألته عن رجل أصابته قطرة من طست فيه وضوء فقال إن كان الوضوء من بول أو
قذر فيغسل ما أصابه وإن كان وضوء الصلاة فلا يضره وعلى الجزء الثاني بأن الماء على أصل الطهارة والنجاسة يحتاج إلى دليل وبالروايات المتقدمة في بحث طهارة
254

ماء الاستنجاء من رواية الأحول والفضيل وعبد الكريم وعلى الجزء الثالث بأن الحكم بالنجاسة يحتاج إلى الدليل وليس في الشرع ما يدل عليه وبأنه لو حكم بالنجاسة
لما طهر الاناء أبدا (وفيه نظر) أما في دليله الأول فلأنك قد عرفت مرارا إن أدلة نجاسة القليل لا عموم له أو إنما يكون مناط التعميم في بعض الصور عدم القول
بالفصل والشهرة بين الأصحاب وهما مفقودان فيما نحن فيه والأولى أن يقال غاية ما يدل عليه أدلة نجاسة القليل نجاسته بورود النجاسة عليه وأما العكس
فلا فحينئذ لو اشترطنا في التطهير الورود كما هو رأي الشيخ لا نسلم جريان تلك الأدلة في الغسالة وهو ظاهر وأما في الثاني فلان هذه الرواية لم يوجد في الكتب
الأربعة ولم يظهر حال سندها فلعله لا يكون معولا عليه وكان الشيخ إنما أخذها من كتاب العيص حيث ذكر في الفهرست أن له كتابا وقال في التهذيب والاستبصار
إنه إذا ترك فيهما بعض إسناد حديث يبدء في المذكور منه باسم الرجل الذي أخذ الحديث من كتابه فعسى أن يكون نقل في الخلاف جاريا على تلك
القاعدة فحينئذ يقرب أمر الاسناد لكن الاعتماد على مجرد هذا الاحتمال مشكل مع أنها مضمرة وأيضا وجوب العمل بمجرد الرواية بدون انضمامها
بعمل الأصحاب جميعا أو الأكثر غير ظاهر فإثبات الحكم المخالف للأصل بها لا يخلو من إشكال ويرد على الشيخ أيضا إنه لو تم هذان الدليلان لدلا
على النجاسة في المرة الثانية أيضا بناء على إطلاقها فالتخصيص بالأولى مما لا وجه له وأما في الثالث فلان الدليل موجود على زعمه وهو ما ذكروه
في الجزء الأول وأما في الرابع فلعدم دلالة الروايات على المتنازع فيه أصلا وأما في الخامس فبمثل ما مر في الثالث وأما في السادس فلمنع المنافاة بين
النجاسة وطهر الاناء إذ لا استبعاد في أن يقول الشارع إذا صببت عليه الماء مرتين يطهر الاناء ويكون الماء نجسا والاجماع على عدم تطهير النجس إنما هو
فيما إذا كان نجسا قبل الوصول إلى المحل وأيضا لو تم هذا الدليل لزم الحكم بالطهارة في غسالة الثياب أيضا وقد يستدل أيضا على الجزء الثاني
بأن المحل بعد الأخيرة طاهر مع بقاء بعض مائها فيه والماء الواحد لا يختلف إجرائه في الطهارة والنجاسة (ويجاب) باختصاص المتصل بالعضو للجرح والضرورة بخلاف المنفصل ويعارض أيضا
بماء الأولى للقطع ببقاء شئ منه ويمكن دفع المعارضة بأن ماء الأولى المتخلف في الثوب يمكن أن يقول الشيخ بنجاسته لكن يطهر في المرة الثانية بخلاف
ماء الثانية إذ لا مطهر له وفي الجواب الأول أيضا كلام بيانه إنه كما ثبت بالعمومات نجاسة كل قليل بالملاقاة كذلك ثبت تنجيس كل نجس رطب ما يلاقيه
فحينئذ تخصيص العموم الثاني ليس بأولى من تخصيص الأول بل الامر بالعكس لتأييده بالأصل لكن الشأن في إثبات العموم الثاني إذ ليس يوجد في الروايات وإنما
التعويل فيه على الاجماع ولا يوجد فيما نحن فيه فتدبر (ولا يذهب) عليك إن مختار الخلاف لو كان هو الاحتمال الأول من الاحتمالين فالدليل المذكور
في الجزء الأول على تقدير تمامه لا يدل عليه إلا إذا ضم إليه أن النجاسة اليقينية لابد لها من مزيل يقيني والزايد على المرتين منتف بالاتفاق
ولا دليل على ما دونه فتعين هو وللمنع مجال (وأما ما ذهب) إليه في المبسوط فاستدل عليه بما نقلنا آنفا من أن
ما يبقى في الثوب جزء منه
وهو طاهر بالاجماع فيكون المنفصل أيضا كذلك وفيه إن المراد بما يبقى في الثوب هو الباقي في المرة الثانية أو الأعم فإن كان الثاني فالاجماع
ممنوع وإن كان الأول فنقول هب أن الاجماع واقع على طهارته لا العفو عنه لكن لا يثبت هذا المدعى بتمامه إذ اللازم منه طهارة ماء الغسلة الثانية
لا مطلقا واستدل أيضا بأنه لو كان نجسا لما أفاد التطهير والجواب منع الملازمة نعم النجس قبل ملاقاة المحل لا يفيد التطهير وأنت خبير بإمكان إجزاء
الكلام المذكور آنفا فيه مع ما فيه فتدبر والعلامة في المختلف والتزم في جواب هذا الاستدلال إنه ليس بنجس حال الاتصال بالمحل لكنه ينجس بعد
الانفصال وهو ضعيف جدا إذ ملاقاة النجس لو كان منجسا للقليل مطلقا سواء ورد عليه أو لا فيلزم أن ينجس الماء المتصل أيضا غايته أن يستفاد العفو عنه
من دليل آخر وإن لم يكن منجسا مطلقا فما الدليل على نجاسته بعد الانفصال فإن قيل قد دلت الروايات على أن القليل إذا لاقى النجاسة ينجس دائما حتى يطرء
عليه مطهر شرعي لكن الروايات المتضمنة للامر بغسل النجس بالقليل قد خصت من هذا العموم بعض الأوقات وهو حال الاتصال ضرورة أن النجس لا يفيد التطهير
فبقي باقي الأوقات وهو حال الانفصال بحاله حتى يرد عليه مطهر شرعي قلت لا شك إن ملاقاة النجاسة مقتضية للتنجيس ودوام النجاسة حتى يرد المطهر إنما
هو فيما حصلت نجاسته عند الملاقاة فيستصحب حكمها فلو سلم إن عند الملاقاة لا يحصل النجاسة فلا معنى لحصولها بعد الانفصال وارتفاع الملاقاة
وإنكار هذا مكابرة صرفة نعم لو قيل بالعفو عنه حال الاتصال وعدم العفو حال الانفصال لم يكن بعيدا لكن ليس الكلام فيه ثم إن هذا المذهب لو كان
محمولا على الاحتمال الأول من الاحتمالين المذكورين كما هو الظاهر فتقريب الاستدلالين ظاهر وكذا ورود الممنوع المذكورة وإن كان محمولا على الاحتمال الثاني
فيصير بعينه مثل المذهب الأول على الاحتمال الثاني ويرجع الدليل الأول إلى ما ذكرنا آخرا من الدليل على الجزء الثاني من المذهب الأول وحينئذ يندفع عنه
ما ذكرنا بقولنا هب أن الاجماع الخ لكن على هذا لا يكون هذا الدليل دليلا على تمام المدعى كما لا يخفى وأما الدليل الثاني فتقريبه حينئذ إن المراد إن ما يكون
حكمه حكم المحل لا يمكن أن يحدث في المحل طهارة ما فلا بد أن يكون الماء في كل غسلة حالة أعلى من المحل في هذا الحال فيجب أن يكون في الغسلة الأولى حاله مثل
255

حال المحل بعدها وهكذا ولا يخفى ما فيه من الضعف وأما ما ذهب إليه المحقق والعلامة ومن تبعهما فاستدل عليه بالروايات الواردة في باب نجاسة
القليل وبرواية العيص المتقدمة آنفا وبرواية ابن سنان المنقولة في بحث ماء الغسل وبالخبر المتضمن للمنع عن الاغتسال من ماء الحمام وبإيجاب تعدد الغسل
وإهراق الغسلة الأولى بالكلية من الظروف ووجوب العصر فيما يجب العصر وعدم تطهير ما لا يخرج عنه الماء بالماء القليل بل بالماء الكثير وبما ذكره العلامة في
المنتهى حيث قال متى كان على جسد المجنب أو المغتسل من حيض وشبهه نجاسة عينية فالمستعمل إذا قل عن الكر نجس إجماعا بل الحكم بالطهارة إنما يكون مع الخلو من
النجاسة العينية انتهى والفرق بين ما إذا قصد إزالة النجاسة وغيره أو بين الاستعمال في الغسل وغيره بعيد جدا مع أن الظاهر أنه لم يقل به أحد وبتخصيص ماء
الاستنجاء بالاخراج وتعليله بأنه حرج واشتراط عدم وصوله إلى نجاسة خارجة وأجيب عن الأول بمنع دلالة الروايات على نجاسة القليل بالورود أيضا
إذ الروايات الدالة بالمفهوم مثل روايات الكر إنما يدل على نجاسته في الجملة ولا عموم لها أصلا غاية الأمر أن يحكم بالنجاسة فيما لم يتحقق فيه الخلاف وهاهنا
ليس كذلك والروايات الأخرى إنما يختص بورود النجاسة عليه فانسحابها في العكس أيضا مما لا دليل عليه فعلى هذا إذا اشترط في التطهير ورود الماء على النجس
فلا يدل هذه الروايات على نجاسة الغسالة مطلقا وإن لم يشترط الورود فلا تدل على نجاسة بعضها نعم الظاهر دلالتها على البعض الاخر مما لم يرد على النجس
إذ الفرق بين ما إذا كان ورود النجاسة بقصد التطهير أو بدونه بعيد جدا وعن الثاني بما سبق من الاضمار وعدم صحة السند مع أن الجملة الخبرية لا ظهور لها في
الوجوب وعن الثالث بعدم صحة السند وعدم دلالتها على المراد إذ غاية ما يدل عليه عدم جواز رفع الحدث به وهو غير المتنازع فيه مع أن اقترانه بماء الغسل
يشعر بطهارته وعن الرابع بعدم الدلالة على المراد أيضا مع أنه معارض ببعض الروايات الدال على نفي البأس عن غسالة الحمام كما تقدم وعن الخامس بأنه يجوز
أن يكون للتعبد وأيضا يمكن أن يزول عن هذا الماء الطهورية واحتيج إلى ماء آخر مطهر يرد على جميع المحل فلذا يجب إهراق الأول بالكلية لكن لم نقف على القايل
بأنه يزول عنه الطهورية بمعنى إزالة الخبث بدون الطهارة وعن السادس أيضا بالتعبد ويجوز أن يكون العصر لوصول الماء إلى جميع الأجزاء وعن السابع أيضا
بالتعبد مع أن فيه كلاما سيجئ إن شاء الله تعالى وعن الثامن بأن الظاهر أن مراد العلامة (ره) الاستعمال بطريق الارتماس كما يشعر به قوله بعد ما نقلنا متصلا به
فإذا ارتمس فيه ناويا للغسل الخ وعن التاسع ظاهر وعن العاشر إن الاشتراط بناء على نجاسة القليل بالورود أو يفرض الكلام فيما يحصل ورود النجاسة عليه
واستدل أيضا بأن فيه إجزاء النجاسة كالمحل ولو في بعض الأوقات ولا يظهر القايل بالفرق وفيه أيضا إنه لو حصل فيه إجزاء النجاسة بحيث يشمله بعض روايات
نجاسة القليل فنحكم بالنجاسة وإلا فلا وعدم ظهور القول فيه بالفرق غير ظاهر وقال الفاضل الأردبيلي (ره) ويدل عليه أيضا عدم الامر بجمعه بعده ثم الوضوء
والغسل به على تقدير الاحتياج إلا أن يقال بخروجه عن الطهورية دون الطهارة ولكن لا فرق بين خروجه عن الطهورية أو الطهارة ولهذا لم يظهر القايل به
انتهى ولا يخفى ما فيه لما عرفت من نقل الاجماع على عدم جواز رفع الحدث فالأولى أن يبدل الوضوء والغسل بإزالة النجاسة والتناول وحينئذ أيضا فيه
ضعف ظاهر كما لا يخفى ثم إن هذا المذهب الثالث لو كان محمولا على الاحتمال الأول فتقريب الدلايل إنه ثبت بهذه الأدلة نجاسة فيجب الإزالة ولا دليل
على تعدد الغسل والقدر المتيقن إنما هو المرة الواحدة فيكتفي به ولو حمل على الثاني فبناؤه على أن النجاسة اليقينية لابد لها من مزيل يقيني ولا
يقين فيما عدا ذلك والاحتمال الثالث بناء على عدم جواز زيادة الفرع على الأصل فلو كان المحل يجب غسله مرة مثلا فلا معنى لوجوب غسل ما
أصابه الماء الوارد مرتين والأقل مما يجب في المحل لا دليل عليه فيتعين ما يجب فيه وأقوى الثلاثة الأول ثم الأخير والاحتياط في الثاني وإذ قد
تقرر هذه الأمور فنقول الذي يقتضيه النظر كما عرفت الطهارة مطلقا إذا كان الماء واردا عليه لعدم شمول أدلة القليل له وعدم دليل ظاهر آخر
كما مر مع أن الأصل الطهارة فيبنى عليه وأما بعض الروايات المتقدمة في بحث ماء المطر مما يشعر بنجاسة القليل بالورود فقد مر فيه أيضا ما يصلح للجواب
عنه فتذكر لكن الاحتياط في المذهب الثالث والاحتمال الثالث والاحتمال الثاني منه وقد بقي في المقام شئ وهو إنه على القول بنجاسة الغسالة مطلقا إذا كمل عدد الغسلات
وطهر المحل إجماعا فالذي ينفصل عنه في المرة الأخيرة بنفسه بحسب المتعارف فالظاهر بنجاسته لكن الكلام في أمرين الأول إنه هل يجب العصر بقدر المتعارف حتى
يخرج منه بعض آخر أو لا والثاني إنه على التقديرين هل يكون الباقي في المحل طاهرا أو معفوا أو نجسا أما الأول فسيجئ تفصيل القول فيه إن شاء الله تعالى في بحث
التطهير وأما الثاني فيظهر من كلام المعتبر إنه معفو عنه دفعا للحرج وقد قطع به جمع من الأصحاب لكن حكى المصنف في حاشية الألفية عن بعض الأصحاب
ولم يسمه إن ماء كل غسلة كمغسولها قبل الغسل وإن حكم بطهارة المحل بل وإن ترامت لا إلى نهاية ما لم يبس المحل محتجا بأنه ماء قليل لاقى نجاسة
لان طهارة المحل بالقليل على خلاف الأصل المقرر من نجاسة القليل بالملاقاة فيقتصر فيه على موضع الحاجة وهو المحل دون الماء وفيه الكلام
المذكور سابقا فلا تغفل قال الشهيد الثاني في شرح الارشاد معترضا على هذا القول ويدفعه حكم الشارع بالطهارة عند تمام الغسلات فلا اعتبار بما حصل
256

بعد ذلك وللزوم الجرح المنفي انتهى وفيه إن حكم الشارع بطهارة المحل بعد تمام الغسلات لا يدفع ذلك إذ هو أيضا قايل به لكن يقول إن الماء الذي فيه
نجس لعموم أدلة نجاسة القليل فكلما يرد عليه ماء آخر ينجس به إلا أن يكون مراده حكم الشارع بطهارته وعدم التجنب عنه أصلا مع أنه لو كان الماء الذي فيه
نجسا لما كان كذلك ولا يخفى إن ما ذكره لو ثم لدل على كونه معفوا عنه بحيث لا ينجس شيئا آخر من ماء أو غيره ولا يدل على طهارته حتى لو عصر وجمع لجاز
تناوله وإزالة النجاسة به إذ لو لم يكن ذلك لما كان فيه حرج ولا منافاة لحكم الشارع بالطهارة وعدم التجنب عنه وهو ظاهر وقد نسب هذا القول إلى العلامة أيضا
قيل ومنشأ هذه النسبة ما ذكره من أن المتخلف في الثوب بعد عصره طاهر فإن انفصل فهو نجس والظاهر أن هذا لا دخل له في هذه النسبة بل الظاهر أن الحكم بنجاسة
الغسالة منشأ له سواء قيل بنجاستها بعد الانفصال أو قبله أيضا بل القول بالنجاسة قبله آكد في هذه النسبة إذ لو كان الماء في المحل نجسا فكلما يرد عليه
ماء آخر يصير نجسا وأما إذا لم يكن في المحل نجسا فلا ينجس الماء بوروده عليه بل إنما ينجس إذا حصل العلم بانفصال الماء السابق معه وبالجملة الذي يظهر من
كلماتهم إن بعد تمام الغسلات المعتبرة شرعا وانفصال ما ينفصل عنه بنفسه لا شك في طهارة المحل وعدم وجوب الاجتناب عنه وعن الماء الذي فيه أما
بعد العصر المتعارف أو لا على الاحتمالين السابقين للضرورة والحرج لكن لا يخفى إن الحرج إنما هو في وجوب الاجتناب عن البلة التي نفصل عنه و
أما القدر المعتد به الذي يحصل من العصر من العصر أما أولا على تقدير عدم وجوبه بعد الغسلات أو ثانيا على تقدير وجوبه فلا حرج في الاجتناب عنه فلا يبعد الحكم
بنجاسته فلو غسل زايدا على القدر المعتبر شرعا وعصر بحيث يحصل العلم بخروج الماء السابق معه قدرا معتدا به زايدا على البلة فلا بعد في القول بنجاسته
والاحتياط فيه هذا ما يستنبط من كلماتهم والله أعلم بحقايق أحكامه ثم اعلم إن العلامة (ره) في النهاية استقرب إجراء زيادة الوزن مجرى التغير في الأوصاف
الثلاثة ولا وجه له ظاهرا فلا عبرة به (وفي الخلاف حكم بطهارة غسلتي الولوغ والاخبار مصرحة بنجاسته) قد مر ما يتعلق به (والمضاف ما لا يتناوله
إطلاق الماء) أي لا يصح إطلاق الماء عليه مطلقا بدون قيد (كماء الورد والممزوج بما يسلبه الاطلاق) أي الماء المطلق الممزوج بما يسلبه الاطلاق كالزعفران مثلا
إذا مزج بالماء المطلق بحيث لم يطلق عليه في العرف اسم الماء بدون قيد طاهر إجماعا ويدل عليه أيضا موثقة عمار من قوله (عليه السلام) كل شئ نظيف حتى يستيقن إنه قذر
(وينجس بالملاقاة وإن كثر) هذا الحكم إجماعي أيضا على الظاهر قال المحقق في المعتبر هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه خلافا وقال العلامة في المنتهى لا خلاف بيننا إنه ينجس
بالملاقاة وإن كثر سواء كانت النجاسة قليلة أو كثيرة وسواء غيرت أحد أوصافه ولم تغيره وقد يستدل على الحكم بوجهين آخرين أحدهما ما رواه زرارة في الصحيح عن أبي
جعفر (عليه السلام) قال إذا وقعت الفارة في السمن فماتت فإن كان جامدا فألقها وما يليها وكل ما بقي وإن كان ذائبا فلا تأكله واستصبح الزيت مثل ذلك وما رواه
السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) إن أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن قدر طبخت فإذا في القدر فارة فقال يهراق مرقها فيغسل اللحم ويؤكل وثانيهما إن المايع قابل
للنجاسة والنجاسة موجبة لنجاسة ما لاقته فيظهر حكمها عند الملاقاة ثم يسرى النجاسة بممازجة المايع بعضه بعضا وفي الوجهين نظر أما الخبر الأول فلانه ليس
فيما نحن فيه إذ المضاف في الاصطلاح لا يشمل الدهن والزيت وقياسه عليهما باعتبار الاشتراك في الميعان إنما يتم لو ثبت عليه مطلق الميعان ولم يثبت وأيضا
لا تصريح فيه بالنجاسة بل إنما نهى عن الاكل وهو لا يستلزم النجاسة إذ يجوز أن يكون أكله حراما ولم يكن نجسا مع أن حرمة الاكل أيضا غير ظاهرة لعدم ظهور النهي في
التحريم والخبر الثاني غير صحيح مع عدم ظهوره في النجاسة وأما الوجه الثاني فلعدم دليل عام يدل على نجاسة جميع المايعات بملاقاة النجاسة أو المتنجس بأي نحو
كان فإذن التعويل في الحكم على الاجماع (ويطهر بصيرورته مطلقا وقيل باختلاطه بالكثير وإن بقي الاسم) اختلف الأصحاب في طريق تطهير المضاف فقال الشيخ في المبسوط
ولا طريق إلى تطهيرها بحال إلا أن يختلط بما زاد على الكر من المياه الطاهرة المطلقة ثم ينظر فيه فإن سلبه إطلاق اسم الماء لم يجز استعماله بحال وإن لم يسلبه اطلاق
اسم الماء وغير أحد أوصافه أما لونه أو طعمه أو رايحته فلا يجوز أيضا استعماله وإن لم يتغير أحد أوصافه ولا سلبه اسم الماء جاز استعماله في جميع ما يجوز استعمال
المياه المطلقة انتهى وكان المحقق في المعتبر أيضا قابل بهذا القول حيث نقله ولم يتعرض له برد وأيضا قد ذكر سابقا على هذا القول بكثير ما يشعر به واختار العلامة
(ره) في التحرير هذا القول لكن لم يشترط الزيادة على الكر كما في عبارة المبسوط ولعله وقع فيه أيضا على سبيل التساهل واختار في المنتهى والقواعد تطهيره باختلاطه
بالكثير وإن تغير أحد أوصاف المطلق بل وإن سلب عنه الاطلاق لكن في الصورة الثانية يزول عنه حكم الطهورية لا الطهارة ويصير في حكم المضاف فينجس بملاقاة
النجاسة واختار في النهاية والتذكرة والمختلف تطهيره باختلاطه بالكثير بشرط أن لا يخرج عن الاطلاق وإن
تغير أحد أوصافه وإليه ذهب المصنف في الذكرى
وهذا الكتاب والمحقق الشيخ علي والشهيد الثاني (ره) حجة المبسوط إن المضاف بعد تنجسه صار في حكم النجاسة فكما ينجس الماء بالتغير بها ينجس بالتغير به أيضا وفيه نظر إذ
صيرورته في حكم المضاف في جميع الأحكام مما لا دليل عليه والرويات المتقدمة الدالة على نجاسة الماء بالتغير إنما يختص بتغيره بعين النجاسة ولا شمول لها بحيث يشمل
المتنجس أيضا ويمكن أن يحتج عليه باستصحاب النجاسة حتى يثبت المزيل ولم يثبت فيما عدا هذه الصورة إذ لا دليل عليه وأما في هذه الصورة فإنما ثبت بالاجماع لكن قد
257

مر إن التمسك بالاستصحاب في أمثال ما نحن فيه مشكل إذ ثبوت أصل النجاسة فيه بالاجماع وهو مفقود في هذه الصورة فيصير بمنزلة المتيمم الواجد
للماء في أثناء الصلاة وفيه أيضا كلام آخر وهو إنه كما يحكم باستصحاب النجاسة في المضاف يجب أن يحكم باستصحاب الطهارة أيضا في المطلق بل فيه أولى لوجود أدلة أخرى
أيضا دالة عليه سوى أصل الاستصحاب من الروايات الدالة على طهارته ما لم يتغير بالنجاسة وحينئذ نقول مقتضي الاستصحابين أن يحكم ببقاء المضاف على نجاسته المطلق
على طهارته فإذا أدخل اليد مثلا في هذا الماء فإن علم بملاقاة الاجزاء المضافة أيضا يحكم بنجاسة اليد وإلا فيبني على أصل الطهارة ولا يذهب عليك إنه على
هذا يمكن أن يستدل على طهارة الجميع بأن الظاهر تحقق الاجماع على أن هذا الماء له حكم واحد ولا اختلاف لاجزائه في الحكم ولا ترجيح لتغليب أحد الاستصحابين
على الاخر فيحكم بتساقطهما ويبني الحكم على أصالة الطهارة في جميع الأشياء سميا في الماء وأصالة حل التناول وحصول الامتثال باستعماله في الأوامر
الواردة بالتطهير بالماء لكن في تحقق الاجماع المذكور للمنع مجال وحجة المنتهى والقواعد إن بلوغ الكرية سبب لعدم الانفعال دون التغير بالنجاسة فلا يؤثر
المضاف في تنجيسه باستهلاكه إياه لقيام السبب المانع وليس ثمة عين نجسة يشار إليها يقتضي التنجيس وأجيب عنه بأن بلوغ الكرية وصف الماء المطلق فإنما
يكون سببا لعدم الانفعال مع وجود موصوفه ومع استهلاك المضاف للمطلق وقهره إياه يخرج عن الاسم فيزول الوصف الذي هو السبب لعدم الانفعال
فينفعل حينئذ ولو بالمتنجس ولا يخفى إن هذا الجواب إنما يتم لو تمسك باستصحاب نجاسته إن غاية ما ذكر في الجواب أن الماء المطلق بعد صيرورته مضافا لما ينجس بملاقاة النجاسة
لكن الشأن في أنه حينئذ أين النجس الذي ينجسه المضاف وقد عرفت عدم تماميته إذ الاجماع فيما نحن فيه أيضا مفقود بيانه إذ المضاف الذي كان نجسا قبل الاختلاط
لم يعلم نجاسته حينئذ أيضا إذ نجاسته قبل الاختلاط بالاجماع ولا إجماع فيما نحن فيه لتحقق الخلاف في طهارته نعم لو ثبت حجية الاستصحاب فيما نحن فيه أيضا وسلم
شمول روايات عدم جواز نقض اليقين بالشك له لكان الامر كما ذكر إذ نجاسته المستصحبة تبقى إلى صيرورة المطلق مضافا وحينئذ ينجس به والمحقق الشيخ علي (ره) قال في
شرح القواعد عند نقل هذا القول من مصنفه وهو مشكل لان طهارة النجس متوقفة على شيوع الماء الطاهر في جميع أجزائه واختلاطها به وذلك غير معلوم
على أنه بالشيوع يفضل أجزاء المطلق بعضها عن بعض فيزول وصف الكثرة فينجس بالملاقاة انتهى وفيه إن التوقف على الشيوع ممنوع إلا أن يتمسك بالاستصحاب وأيضا
لو تم هذا لزم أن لا يطهر بعد سلب الإضافة أيضا إذ شيوع الماء في جميع أجزائه ممنوع لامتناع التداخل ولو اكتفى بجميع الاجزاء في العرف فذلك غير معلوم كما ذكره
إلا أن يقال معلومية الشيوع في جميع الأجزاء عرفا معلوم بديهة وإنما كان منعه (ره) بناء على أن شيوع الماء الطاهر غير معلوم إذ طهارته إنما يكون بعدم
صيرورته مضافا وهو غير معلوم أو يقال إنه يسلم عدم المعلومية في صورة سلب الإضافة أيضا لكنه أخرجت بالاجماع بخلاف ما نحن فيه وما ذكره من العلاوة
وأيضا منقوض بصورة سلب الإضافة إلا أن يجاب بمثل ما ذكرنا آنفا ثم إنهم ذكروا إن موضع النزاع ما إذا أخذ المضاف النجس وألقى في المطلق فسلبه الاطلاق
أما إذا انعكس الفرض فوجب الحكم بعدم الطهارة هنا جزما لان مكان المضاف متنجس به وما لم يصر مطلقا لا يطهره وملاقاته له مستمرة فيرده إلى النجاسة
لو فرضنا طهارته وحجة القول الأخير أما على اشتراط بقاء الاطلاق فهو إن المضاف يتوقف طهره على شيوعه في المطلق بحيث يستهلك وهذا لا يتم بدون
بقاء المطلق على إطلاقه وإذا لم يحصل الطهارة للمضاف وصار المطلق بخروجه عن الاسم قابلا للانفعال فلا جرم ينجس الجميع وأما على عدم تأثير تغير
أحد الأوصاف به فإن الأصل في الماء الطهارة والدليل إنما دل على نجاسته مع التغير بالنجاسة ولم يحصل إذ التغير إنما هو بالمتنجس وبينهما فرق واضح
وللنظر في دليله الأول مجال إلا أن يتمسك بالاستصحاب كما ذكرنا والدليل الثاني متجه لكن إنما يدل على عدم نجاسة المطلق وأما طهارة المضاف فلا بد لها
من ضميمة إن الجميع له حكم واحد إجماعا وقد ثبت أن جزئه المطلق طاهر فجزئه الاخر أيضا كذلك ويرد عليه إن طهارة جزء المطلق بالاستصحاب وقد تعارضه استصحاب
نجاسة جزء الاخر إلا أن يجاب بتعارض الاستصحابين وتساقطهما وبناء الحكم على أصل الطهارة والحل وحصول الامتثال كما ذكرنا سابقا وبما قررنا ظهر أن القوة
مع القول الثاني لعدم تمامية الاستصحاب مع أن الأصل الطهارة لكن الاحتياط في الثالث وتمامه في الأول لكن في بعض الأوقات كما لا يخفى ثم إن ما ذكره في
المبسوط من الزيادة على الكر لم نطلع له على مستند وكأنه من باب التساهل كما ذكرنا أو لان قدر الكر لا ينفك غالبا عن تغير أحد أوصاف جزء ما منه فينقص عن
الكرية فينجس البتة فلا بد من الزيادة عليه بقدر ما يبقى كرا غير متغير واعلم إنه لم يفهم من كلام المبسوط إنه إذا لم يتغير أحد أوصاف المطلق لكن بقي المضاف
ممتازا ولم يسلب عنه الإضافة زالت أوصافه أولا فما حكمه وكذا لم يعلم على القول الثالث إن حكمه مع الامتياز وعدم سلب الإضافة ما إذا وإن كان حجتهم المتضمنة
للاستهلاك ويشعر بعدم طهارته ولم يعلم على القول الثاني أيضا إنه هل يكفي اتصال المضاف بالمطلق كما يشعر به عبارة الذكرى أو لابد من الامتزاج و
الاختلاط كما يشعر به بعض عباراتهم كما في هذا الكتاب والاحتياط في الثاني وإن كان إثباته مشكلا ثم اعلم إن المذاهب الثلاثة المذكورة في كلام الشيخ
والعلامة على النحو الذي نقلنا على ما صرحا به لكن نقل المصنف (ره) مذهبين منهما في هذا الكتاب والثلاثة في الذكرى حيث قال في بحث نجاسة المضاف وطهره في
258

المبسوط بأغلبية كثير المطلق عليه وزوال أوصافه لزوال التسمية التي هي متعلق النجاسة والفاضل جمال الدين (ره) تارة بزوال الاسم وإن بقي الوصف لأنه
تغير بجسم طاهر في أصله وتارة بمجرد الاتصال وإن بقي الاسم لأنه لا سبيل إلى نجاسة الكثير بغير تغير بالنجاسة وقد حصل انتهى إنما يغاير ما ذكراه كما لا يخفى ولا نذهب
عليك أنه على النحو الذي قرره المصنف (ره) يعلم حال الصورتين اللتين ذكرنا أنه لم يعلم حالهما إذ على هذا لا يكون المضاف طاهرا فيهما لعدم سلب الاسم لكن لا شاهد
له (ره) على أن مرادهما ما ذكره ولا هو لازم أيضا بكلامهما وقوله آخر أو قد حصل لم يفهم له محصل ظاهرا فتأمل
(ولا يرفع حدثا خلافا لابن بابويه) جمهور الأصحاب
على أن الماء المضاف لا يرفع الحدث بل ادعى عليه الاجماع جماعة منهم المحقق في الشرايع والعلامة في النهاية والمنتهى والمصنف في الذكرى لكن قال الصدوق في
الفقيه ولا بأس بالوضوء والغسل من الجنابة والاشتباك بماء الورد وهذا صريح في الخلاف فكأن دعواهم الاجماع بناء على معلومية نسب المخالف أو لانعقاده
بعده وحكى الشيخ في الخلاف عن قوم من أصحاب الحديث منا إنهم أجازوا الوضوء بماء الورد والمعتمد المشهور لوجوه منها قوله تعالى فإن لم تجدوا ماء فتيمموا
أوجب التيمم عند فقد الماء المطلق فعلم اسقاط الواسطة ومنها ما رواه التهذيب في باب التيمم والاستبصار في باب حكم المياه المضافة عن أبي بصير عن أبي عبد الله
(عليه السلام) عن الرجل يكون معه اللبن أيتوضأ منه للصلاة قال لا إنما هو الماء والصعيد وجه الاستدلال إن كلمة إنما للحصر فنفى التطهير عن غير الماء والصعيد فثبت
المطلوب ومنها إن المنع من الصلاة مع الحدث مستفاد من الشرع فيجب استمراره إلى أن يثبت له رافع شرعي والذي ثبت التعبد باستعماله وكونه رافعا للحدث
هو الماء المطلق فينتفي بدونه ويمكن المناقشة فيه بمنع حجية الاستصحاب وكذا لو تمسك بأن التكليف اليقيني لابد له من البراءة اليقينية فالتكليف بالطهارة
لابد له من براءة يقينية ولا يقين مع ماء الورد أمكن المناقشة فيه كما مر غير مرة حجة الصدوق ما رواه التهذيب في باب المياه والاستبصار في الباب المذكور عن
محمد بن عيسى عن يونس عن أبي الحسن (عليه السلام) قال قلت له الرجل يغتسل بماء الورد ويتوضأ به للصلاة قال لا بأس بذلك وأجاب عنه الشيخ في التهذيب بأنه خبر
شاذ شديد الشذوذ وإن تكرر في الكتب والأصول فإنما أصله يونس عن أبي الحسن (عليه السلام) ولم يروه غيره وقد أجمعت العصابة على ترك العمل بظاهره وما
يكون هذا حكمه لا يعمل به ولو سلم لاحتمل أن يكون أراد به الوضوء الذي هو التحسين وقد بينا فيما تقدم إن ذلك يسمى وضوءا ثم قال وليس لاحد أن يقول إن
في الخبر أنه سأله عن ماء الورد يتوضأ به للصلاة فإن ذلك لا ينافي ما قلناه لأنه يجوز أن يستعمل للتحسين ومع هذا يقصد به الدخول في الصلاة من حيث
أنه متى استعمل الرايحة الطيبة لدخوله في الصلاة ولمناجاة ربه كان أفضل من أن يقصد به التلذذ حسب دون وجه الله تعالى وفي هذا إسقاط ما ظنه السائل
ويحتمل أيضا أن يكون أراد (عليه السلام) بقوله ماء الورد الماء الذي وقع فيه الورد لان ذلك يسمى ماء ورد وإن لم يكن معتصرا منه لان كل شئ جاور غيره فإنه يكسب
اسم الإضافة إليه انتهى واعلم إن المحقق في المعتبر ادعى اتفاق الناس على عدم جواز التوضي بغير ماء الورد سوى النبيذ فإنه حكى عن أبي حنيفة جواز الوضوء به
مطبوخا مع عدم الماء في السفر وما رواه التهذيب في الباب المتقدم والاستبصار في باب الوضوء بنبيذ التمر عن عبد الله بن المغيرة عن بعض الصادقين قال إذا كان الرجل
لا يقدر على الماء وهو لا يقدر على اللبن فلا يتوضأ باللبن إنما هو الماء أو التيمم فإن لم يقدر على الماء وكان نبيذا فإني سمعت حريزا يذكر في حديث أن
النبي (صلى الله عليه وآله) قد توضأ بنبيذ ولم يقدر على الماء فقد أجاب عنه الشيخ بقوله فأول ما في هذا الخبر إن عبد الله بن المغيرة قال عن بعض الصادقين و
يجوز أن يكون من أسنده إليه غير إمام وإن كان اعتقد فيه أنه صادق على الظاهر فلا يجب العمل به والثاني أنه جمعت العصابة على أنه لا يجوز الوضوء بالنبيذ فسقط
أيضا الاحتجاج به من هذا الوجه ولو سلم من هذا كله كان محمولا على الماء الذي طيب بتمرات طرحن فيه إذا كان الماء مرا وإن لم يبلغ حدا يسلبه إطلاق اسم الماء
لان النبيذ في اللغة هو ما نبذ فيه الشئ والماء المر إذا طرح فيه تميرات جاز أن يسمى نبيذا وقد استشهد للحمل الأخير برواية الكلبي النسابة المتقدمة في
أوايل بحث المياه وله شواهد أخرى أيضا مذكورة في الكافي في باب النبيذ وقد اعترض على الوجه الأول إن الظاهر أنه كناية عن الصادق (عليه السلام) فالحمل على
غيره بعيد والأولى أن يقال إن ما رواه حريز عن النبي (صلى الله عليه وآله) الذي هو موضع البحث مرسل فلا تعويل عليه فإن قلت هذا النقل من الحريز دليل قطعا
على أن بعض الصادقين غير الإمام (عليه السلام) فاندفع الايراد قلت يجوز أن يكون هذا كلاما مستأنفا من عبد الله لا أن يكون من تتمة قول بعض الصادقين (ولو
اضطر إليه تيمم ولم يستعمله خلافا لابن أبي عقيل) هذا أيضا هو المشهور بين الأصحاب ويدل عليه الدلايل السابقة وخلاف ابن أبي عقيل ضعيف واعلم إن أكثر الأصحاب
إنما أورد وإخلاف ابن أبي عقيل في رفع الخبث بالمضاف وأنه جوزه في حال الضرورة ولم يوردوا في مسئلتنا هذه لكن المصنف أسند الخلاف في هذه المسألة أيضا فيها
نظر إلى ظاهر كلامه حيث أطلق تجويز استعمال المضاف مع الضرورة (ولا يزيل الخبث خلافا للمرتضى) ونسب إلى المفيد (ره) أيضا في المسائل الخلافية حجة المنع وجوه منها ورود
الامر بغسل الثوب والبدن بالماء في عدة من أخبار سيجئ إنشاء الله تعالى في بحث التطهير وهو حقيقة في المطلق فيجب حمله عليه ولا ينافي ذلك إطلاق الامر بالغسل
في بعضها أيضا لان المقيد يحكم على المطلق على أن الغسل أيضا لا يبعد أن يدعي أنه حقيقة في الغسل بالماء المطلق عرفا واعترض عليه أن الأوامر المذكورة
259

مخصوصة بنجاسات معينة والبحث مطلق والمدعى عام وأجاب عنه المحقق بأنه لا قايل بالفرق منا ومنها أن ملاقاة المايع للنجاسة يقتضي نجاسته والنجس
لا يزال به النجاسة ونقض بالمطلق القليل فإن النجاسة يزول به مع تنجسه بالملاقاة وأجاب عنه المحقق أيضا في المعتبر بالمنع من نجاسة القليل عند وروده على
النجاسة كما هو مذهب المرتضى (ره) في بعض مصنفاته وبأن مقتضى الدليل التسوية بينهما لكن ترك العمل به في المطلق للاجماع ولضرورة الحاجة إلى الإزالة والضرورة
يندفع بالمطلق فلا يسوى به غيره لما في ذلك من تكثير المخالفة للدليل ولا يخفى أن المنع الأول مشترك والوجه الأخير يمكن تعكيسه إلا أن يضم إليه الاجماع ومنها
إن منع الشرع في استصحاب الثوب النجس مثلا في الصلاة ثابت قبل غسله بالماء فثبت بعد غسله بغير الماء بالاستصحاب ويرد عليه أن الاستصحاب إنما يكون حجة
إذا كان دليل الحكم غير مقيد بوقت دون وقت وها هنا ليس كذلك إذ العمدة في إثبات المنع المذكور بطريق العموم الاجماع وهو في منع استصحاب النجس
قبل الغسل مطلقا لا قبل الغسل بالماء ومنها أنها طهارة يراد لأجل الصلاة فلا يجوز إلا بالماء كطهارة الحدث بل اشتراط الماء هنا أولى لان اشتراطه في
النجاسة الحكمية يعطي أولوية اشتراطه في النجاسات الحقيقية واعترض بأنه قياس وأجاب العلامة بمنع كونه قياسا وإنما هو استدلال بالاقتضاء فإن
التنصيص على الأضعف يقتضي أولوية ثبوت الحكم في الأقوى كما في دلالة تحريم التأنيف على تحريم الضرب ولا يخفى ما فيه لان دعوى كونه من باب الاقتضاء
أي مفهوم الموافقة موقوفة على تحقق الأولوية بين المنطوق والمفهوم كالمثال الذي ذكره ولا ريب في انتفاء ذلك هنا لان كون النجاسة الحكمية أضعف
من الحقيقة في حيز المنع كيف والحكمية لا يرتفع عندهم إلا بالنية ويعتبر في صدورها وتعلقها ما لا يعتبر في العينية وبالجملة لا بد في مفهوم الموافقة من
العلم بالعلة وظهور كونها في المسكوت عنه أقوى وادعاء ذلك في موضع النزاع مجازفة وقد استدل أيضا بقوله تعالى وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به وجه
الاستدلال أنه تعالى خصص التطهير بالماء فلا يقع بغيره أما الأولى فلانه تعالى ذكره في موضع الامتنان فلو حصلت الطهارة بغيره كان الامتنان بالأعم أولى ولم
يكن للتخصيص فائدة وأما الثانية فظاهرة وفيه ضعف إذ يجوز أن يكون التخصيص بالذكر والامتنان بأحد الشيئين الممتن بهما إذا كان أحدهما أبلغ أو أكثر
وجودا أو أعم نفعا فجاز كون التخصيص بالماء لذلك لا لكونه مختصا بالحكم واحتج المرتضى (ره) أيضا بوجوه الأول الاجماع الثاني قوله تعالى وثيابك فطهر حيث
أمر بتطهير الثوب ولم يفصل بين الماء وغيره والعلامة (ره) حكى في المختلف هذا الاستدلال عن المرتضى (ره) وقال أنه اعترض على نفسه بالمنع من تناول الطهارة
للغسل بغير الماء ثم أجاب باب تطهير الثوب ليس بأكثر من إزالة النجاسة منه وقد زالت بغسله بغير الماء مشاهدة لان تطهير الثوب لا يلحقه عبادة الثالث إطلاق
الامر بالغسل من النجاسة من غير تقييد بالماء في عدة من الاخبار كما سيجئ إنشاء الله تعالى وقد اعترض أيضا على نفسه بأن إطلاق الامر بالغسل يصرف إلى ما يغسل به في العادة
ولم تقض العادة بالغسل بغير الماء ثم أجاب بالمنع من اختصاص الغسل بما يسمى الغاسل به غاسلا عادة إذ لو كان كذلك لوجب المنع عن غسل الثوب بماء الكبريت
والنفط وغيرهما مما لم تجر العادة بالغسل به ولما جاز ذلك وإن لم يكن معتادا إجماعا علمنا عدم الاشتراط بالعادة وإن المراد بالغسل ما يتناوله اسمه حقيقة
من غير اعتبار العادة الرابع إن الغرض من الطهارة إزالة عين النجاسة كما يشهد به ما رواه الفقيه في باب ما ينجس الثوب والجسد في الصحيح والكافي في باب البول
يصيب الثوب في الحسن عن حكم بن حكيم الصيرفي قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أبول فلا أصيب الماء وقد أصاب يدي شئ من البول فأمسحه بالحايط والتراب
ثم يعرق يدي فأمس وجهي أو بعض جسدي أو يصيب ثوبي قال لا بأس به وما رواه التهذيب في زيادات باب تطهير الثياب عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن
أبيه عن علي (عليه السلام) قال لا بأس بأن يغسل الدم بالبصاق وأجاب الأولون عن جميع هذه الوجوه أما الأول فقال في المختلف لو قيل أن الاجماع على خلاف
دعواه أمكن أن أريد به إجماع أكثر الفقهاء إذ لم يوافقه على ما ذهب إليه من وصل إلينا خلافه وفيه نظر لان وفاق المفيد له يحكي في غير موضع من كتب
الأصحاب وقد حكاه هو أيضا في بعض كتبه وقال المحقق في بعض تصانيفه إن المفيد والمرتضى أضافا القول بالجواز هنا إلى مذهبنا أما علم الهدى فإنه
ذكر في الخلاف أنه إنما أضاف ذلك إلى المذهب لان من أصلنا العمل بدليل العقل ما لم يثبت الناقل وليس في الأدلة النقلية ما يمنع من استعمال المايعات في
الإزالة مروي عن الأئمة (عليه السلام) ثم قال أما نحن فقد فرقنا بين الماء والخل فلم يرد علينا ما ذكره علم الهدى وأما المفيد فنمنع دعواه ونطالبه بنقل ما
ادعاه وأشار بقوله أما نحن فقد فرقنا إلى آخره إلى كلام ذكره في الجواب عن الاحتجاج بالآية وسنحكيه إنشاء الله تعالى وأما الثاني فأجاب عنه العلامة في المختلف بأن
المراد على ما ورد في التفسير لا تلبسها على معصيته ولا على غدر فإن الغادر الفاجر يسمى دنس الثياب سلمنا أن المراد الطهارة المتعارف شرعا لكن لا دلالة
فيه على أن الطهارة بأي شئ يحصل بل دلالتها على أن الطهارة إنما يحصل بالماء أولى إذ مع الغسل بالماء يحصل الامتثال قطعا وليس كذلك لو غسلت بغيره
وقوله النجاسة قد زالت حسنا قلنا لا يلزم من زوالها في الحسن زوالها شرعا فإن الثوب لو يبس بلله بالماء النجس أو بالبول لم يطهر وإن زالت النجاسة عنه مع أنه
260

يعني المرتضى (ره) أجاب حين سئل عن معنى نجس العين ونجس الحكم بأن الأعيان ليست بنجسة لأنها عبارة عن جواهر مركبة وهي متماثلة فلو نجس بعضها نجس
سايرهما وانتفى الفرق بين الخنزير وغيره وقد علم خلافه وإنما التنجيس حكم شرعي ولا يقال نجس العين الاعلى وجه المجاز دون الحقيقة وإذا كانت النجاسة
حكما شرعيا لم يزل عن المحل إلا بحكم شرعي فحكمه (ره) بزوالها عن المحل بزوالها حسا ممنوع والمحقق أيضا أجاب عن الآية بمنع دلالتها على موضع النزاع لأنها دالة
على وجوب التطهير والبحث ليس فيه بل في كيفية الإزالة ثم اعترض بأن الطهارة إزالة النجاسة كيف كان وأجاب بأن هذا أول المسألة وأورد ثانيا أن الغسل
بغير الماء يزيل عين الدنس فيكون طهارة وأجاب ا ولا بالمنع فإن النجاسة إذا مازجت المايع شاعت فيه فالباقي في الثوب منه تعلق به حصة من النجاسة ولأن
النجاسة ربما سرت في الثوب فسدت مسامه فيمنع غير الماء من الولوج حيث هي ويبقى مرتبكة في محلها ثم سلم زوال عين النجاسة ثانيا وقال لكن لا نسلم زوال
تخلفها فإن المايع بملاقاة النجاسة يصير عين نجاسة فالبلة المتخلفة منه في الثوب بعض المنفعل المتنجس فيكون نجسا أو نقول للنجاسة الرطبة أثر في تعدي حكمها
إلى المحل كما أن النجاسة عند ملاقاة المايع يتعدى نجاستها إليه فعند وقوع النجاسة الرطبة يعود أجزاء الثوب الملاقية لها نجسة شرعا وتلك العين المنفعلة
لا يزول بالغسل وأما الثالث فجوابهم عنه أولا إن الغسل حقيقة في استعمال الماء وهم بين مطلق اللفظ الحقيقة ومقيد لها بالشرعية والمطلقون
احتجوا لما قالوه بسبقه إلى الذهن عند الاطلاق كما يسبق عند إطلاق الامر بالسقي وثانيا إن الاطلاق الوارد في الأوامر التي ذكروها محمول على
المقيد في الأوامر المذكورة في حجة المنع وأما الرابع فأجاب عنه المحقق في المعتبر بأن خبر حكم بن حكيم مطرح لان البول لا يزول عن الجسد بالتراب باتفاق
منا ومن الخصم وأما خبر غياث فمتروك لان غياثا تبرى ضعيف الرواية فلا يعمل على ما يتفرد به ولو صحت نزلت على جواز الاستعانة في غسله بالبصاق لا
ليطهر المحل به منفردا فإن جواز غسله به لا يقتضي طهارة محله ولم يتضمن الخبر ذلك والبحث ليس إلا فيه هذا ما ذكروه في هذا المقام من الجانبين ولا يذهب
عليك إن للكلام في أكثره مجالا ظاهرا لا حاجة إلى التعرض له لكن الأولى الاخذ بما هو المشهور للشهرة
العظيمة بين الأصحاب مع تأييدها بالاحتياط والتعارف
والله أعلم بحقايق أحكامه ثم أنه قد مر إن ابن أبي عقيل قد جوز رفع الخبث أيضا بالمضاف عند الضرورة ولا مستند له والأولى أن يتعرض له المصنف) ها هنا
أيضا (ولو مزج بالمطلق موافقا له في الصفات اعتبرت المخالفة المقدرة والشيخ يعتبر حكم الأكثر فإن تساويا استعمل وابن البراج مطرح) اختلف الأصحاب في ما إذا
مازج الماء المطلق مضاف عاد عن الصفات كماء الورد المنقطع الرايحة فهل يكون حينئذ مطهر أم لا قال العلامة في المختلف قال الشيخ إذا اختلط
المطلق بالمضاف كماء الورد المنقطع الرايحة حكم للأكثر فلن تساويا ينبغي القول بجواز استعماله لان الأصل الإباحة وإن قلنا يستعمل ذلك ويتيمم كان
أحوط قال ابن البراج والأقوى عندي أنه لا يجوز استعماله في رفع الحدث ولا إزالة النجاسة ويجوز في غير ذلك ثم نقل مباحثة جرت بينه وبين الشيخ (ره)
وخلاصتها تمسك الشيخ (ره) بالأصل الدال على الإباحة وتمسكه هو بالاحتياط والحق عندي خلاف القولين معا وإن جواز التطهير به تابع لاطلاق
الاسم فإن كانت الممازجة أخرجته عن الاطلاق لم يجز الطهارة به وإلا جاز ولا اعتبر في ذلك المساواة والتفاضل فلو كان ماء الورد أكثر وبقي إطلاق
اسم الماء أجزأت الطهارة به لأنه امتثل المأمور به وهو الطهارة بالماء المطلق وطريق معرفة ذلك أن يقدر ماء الورد باقيا على أوصافه ثم يعتبر ممازجته
حينئذ فيحمل عليه منقطع الرايحة انتهى كلامه رفع مقامه ولا يذهب عليك أن ما اختاره العلامة (ره) من التقدير أمر لا مستند له أصلا لا عقلا ولا شرعا وهل هو
إلا مثل ما يقال فيما إذا جاور مضاف مطلقا ولم يخالطه أنه يقدر أنه لو خالطه هل يخرجه عن الاطلاق أم لا كيف وبناء الاحكام على الأسماء فإذا أمر بالطهارة
بالماء وفرض أنه يصدق على شئ بالفعل أنه ماء فلا شك أنه يجوز الطهارة به ولا يقدح فيه أنه لو فرض أمر لما كان مطلقا وهو ظاهر فتحقيق الكلام في هذا المقام أن يقال الحق
أن يعتبر حال الماء بالفعل فإن سلبه الاطلاق فلا يجوز التطهر به وإلا فلا لكن في ذلك الاعتبار خفاء إذ على تقدير انتفاء الصفات في المضاف واتفاقه فيها
مع المطلق لا يظهر سلب الاطلاق بحال ولم يميز بينه وبين المطلق ولو فرض أنه خالطه المضاف المفروض أضعافا مضاعفة فلا بنى الكلام على الاطلاق
وعدم تميزه من ماء المطلق لاشكل الامر ضرورة كيف وعلى هذا يلزم الاشكال أيضا في نفس المضاف المفروض وإن لم يخالط مع المطلق إذ لا تميز بينه و
بين المطلق بل كان من يراه يظن أنه مطلق ويطلق عليه الماء بالاطلاق مع أنه لا شك في أنه لا يجوز التطهر به مطلقا على القول بعدم جوازه بالمضاف فالظاهر أن المناط في المقام إطلاق المطلق عليه ممن هو مطلع على حقيقة الحال أي على أنه معتصر من الورد مثلا أما مطلقا ومضافا مع المطلق وحينئذ ففيما فرضنا
أخرا من المضاف المطلق فالاطلاق ممتنع ضرورة فلا إشكال وأما فيما نحن فيه من المضاف فلعل بنائه على الاستهلاك فإذا استهلك أحدهما في الآخر
عرفا فالاسم للاخر والحكم له وهذا الاستهلاك إنما يتصور في فرضنا هذا بحسب المقدار كما لا يخفى ولو لم يستهلك ففيه إشكال إذ لا يطلق عليه حينئذ أحد
الاسمين ليتبعه الحكم فكلما يحكم عليه تحكم ولا يبعد أن يقال حينئذ أنه لا شك إن الماء المطلق موجود في الذي فرض شايع في أجزائه ولم يعدل على الاطلاق
261

بالحقيقة والعدل التقديري لا عبرة به كما عرفت فلو فرض لو أنه توضأ مثلا المكلف من ذلك المفروض وصب على أعضاء وضوئه منه بقدر ما يحصل اليقين
أو الظن بأن ما فيه من أجزائه المطلقة يجري على تمام العضو لينبغي القول بأنه ممتثل للامر بالوضوء إذ غسل أعضائه بالماء المطلق ولا دليل على قدح أضافه
المضاف إليه على النحو المفروض نعم لو لم يتقن أو يظن بأن أجزاؤه المطلقة يجري على تمام العضو فلا سبيل إلى الحكم بالامتثال هذا ثم قد يعرض شك في
مسح الوضوء حيث أنه لا بد على ما ذكرنا من أن يكون النداوة التي يمسح بها بقدر ما يحصل اليقين أو الظن بأن النداوة المائية منه يكفي في المسح وحينئذ لعله ينجر الامر في
بعض الصور إلى الجريان فلو قيل إن الجريان القليل في المسح لا يضر مطلقا فلا إشكال ولو فرض عدم إجزائه فهل ما نحن فيه أيضا كذلك أم لا فيه إشكال من
حيث أنه يمكن أن يقال إن جريان الماء قد ثبت أنه غير مجز وهذا الجريان ليس من الماء فقط وبالجملة الصورة التي لا تنجر إلى الجريان في المسح فالاجزاء لا يخلو عن قوة
والاحتياط إن وجد ماء آخر أن يتطهر بذلك الاخر وإن لم يوجد فيتطهر به ويتيمم هذا ما يتعلق برفع الحدث وأما إزالة الخبث فمع استهلاك أحدهما الاخفاء
في الحكم فيه وأما مع عدم الاستهلاك فالظاهر عدم جواز الإزالة به لان ما فيه من المضاف ينجس بملاقاة النجاسة وهو موجود في المحل وتطهير الاجزاء المطلقة
له غير ظاهر مع أن الأصل بقاء النجاسة في المحل والمضاف جميعا بحالها هذا ثم لا يبعد حمل كلام الشيخ (ره) على ما ذكرنا بأن يكون مراده من الكثرة الاستهلاك
اطلاقا للازم على الملزوم وبالتساوي عدمه وحينئذ يكون كلامه مجملا منطبقا على ما ذكرنا مفصلا ثم على تقدير المخالفة هل يعتبر الأوصاف في نهاية الشدة
أو نهاية الضعف أو الوسط رجح المصنف في الذكرى الأخير وكذا المحقق الثاني وذكر له دليلا في بعض فوائده ونحن بعد ما أبطلنا أصل التقدير نكون
في سعة من بيان كيفية وتحقيق الحال فيه
(ويطهر الخمر بالحلية وإن عولج إذا كان بطاهر والعصير المشتد بها وبذهاب ثلثيه بالغليان) الضمير في بها راجع
إلى الحلية وهذه الأحكام سيجئ عن قريب في محلها الأنسب بها من هنا وسنتكلم عليها هناك إنشاء الله تعالى ولم يظهر وجه إتيانه بها ها هنا مع ذكرها فميا بعد (و
المرق المنجس بقليل الدم يطهر بالغليان في المشهور واجتنابه أحوط) قال المصنف (ره) في الذكرى أما غليان القدر فغير مطهر وإن كانت النجاسة دما في الأحوط و
المشهور الطهارة مع قلة الدم للخبر عن الصادق (عليه السلام) والرضا (عليه السلام) صححه بعض الأصحاب وطعن فيه الفاضل (ره) في المختلف بجهالة بعض رواته ويندفع بالمقبولية
ونسبه ابن إدريس إلى الشذوذ من اشتهاره وإلى مخالفة الأصل من طهارة غير العصير بالغليان وهو مصادرة والخبر معلل بأن النار تأكل الدم ففيه إيماء
إلى مساواة العصير في الطهارة بالغليان وبجريانه مجرى دم اللحم الذي لا يكاد ينفك منه والحمل على دم طاهر بعيد انتهى كلامه ولنذكر أولا ما يوجد من
الروايات في هذا الباب ثم نتكلم عليها بما يليق بالمقام فمنها ما رواه الكافي في كتاب الذبايح باب الدم يقع في القدر في الصحيح عن سعيد الأعرج قال سئلت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن قدر فيها جزور وقع فيها قدرا أوقية من دم أيؤكل قال نعم فإن النار تأكل الدم وهذا الخبر رواه الصدوق (ره) أيضا في الفقيه في أواخر
باب الصيد والذبائح في الموثق قال وسأل سعيد الأعرج أبا عبد الله (عليه السلام) عن قدر فيها لحم جزور وقع فيها أوقية من دم أيؤكل منها قال نعم فإن النار تأكل الدم ومنها ما
رواه الشيخ في التهذيب في أواخر باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات عن زكريا ابن آدم قال سئلت أبا الحسن (عليه السلام) عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر
فيه لحم كثير ومرق كثير قال يهراق المرق أو يطعم أهل الذمة أو الكلب واللحم اغسله وكله قلت فإنه قطر فيه دم قال الدم تأكله النار إنشاء الله تعالى قلت فخمر أو نبيذ قطر في عجين
أو دم قال فقال فسد قلت أبيعه من اليهود والنصارى وأبين لهم قال نعم فإنهم يستحلون شربه قلت والفقاع هو بتلك المنزلة إذا قطر في شئ من ذلك قال فقال
أكره إن آكله إذا قطر في شئ من طعامي ومنها ما رواه التهذيب في أواخر باب الذبايح والأطعمة عن زكريا ابن آدم مثل ما سبق بعينه كذا بأدنى تغيير لكن بطريق آخر غير طريقة
وروى الاستبصار أيضا هذا الخبر بعينه إلى قوله إنشاء الله تعالى بالطريق الأخير في باب الخمر يصير خلا بما يطرح فيه وهذه الرواية بعينها كذا بأدنى تغيير في الكافي أيضا في
كتاب الأشربة في باب المسكر يقطر منه في الطعام والطريق الأخير في التهذيب والاستبصار مأخوذ من الكافي هذا ما وجدنا من الرواية ثم إن الشيخ (ره) في النهاية قال
القدر إذا كان يغلي على النار فإن حصل فيها شئ من الدم فإن كان قليلا ثم على جاز أكل ما فيها لان النار يحيل الدم وإن كان كثيرا لم يجز كل ما وقع فيه
وقال المفيد (ره) في المقنعة فإن وقع دم في قدر يغلي على النار جاز أكل ما فيها بعد زوال عين الدم وتفرقها بالنار وإن لم يزل عين الدم فيها حرم ما
خالطه الدم وحل ما أمكن غسله بالماء ونقل العلامة (ره) في المختلف عن سلار أيضا مثل ما نقل عن المفيد وعن ابن البراج أيضا مثل ما نقلنا عن الشيخ (ره) ثم قال
نقلا عنه وقيل إن هذا إنما جاز في الدم بغير غسل اللحم لان النار يحيل الدم ولأن اللحم لا يكاد يعرى عنه وقد جاز أكله بعد الغسل مع أنه كذلك والأحوط
عندي في الوجهين جميعا أن لا يؤكل شيئا انتهى ما نقل عن ابن البراج وبالغ ابن إدريس في إنكار ما نقل عن الشيخ وتبعه المتأخرون وقال العلامة في المختلف
والمعتمد أنه لا يحل أكل اللحم والتوابل حتى يغسل ثم أورد الاحتجاج من قبل الشيخ بالحديثين المذكورين وأجاب بحمل الدم على ما ليس بنجس كدم السمك و
شبهه وبمنع صحة السند قال فإن سعيد الأعرج لا أعرف حاله والاحتجاج يتوقف على معرفة عدالته وفي طريق الثانية أي طريق الكافي محمد بن موسى وفيه
262

ضعف هذا حاصل ما ذكره العلامة في المختلف ولا يخفى أن طريق الثانية على النحو الذي في التهذيب أيضا غير صحيح لان فيه الحسين بن المبارك وإذ قد عرفت هذا فنقول
الظاهر القول بالطهارة لان طريق الكافي إلى سعيد صحيح وطريق الفقيه إليه أيضا قريب من الصحة لان طريقه إليه وإن كان موثقا بعبد الكريم بن عمرو لكن روى
النجاشي في كتب سعيد في الصحيح عن صفوان عنه والشيخ (ره) في الفهرست روى جميع كتب صفوان ورواياته عن جماعة عن محمد بن علي بن الحسين في الصحيح عن صفوان والظاهر أن خبر سعيد من كتابه وما ذكره العلامة من أن سعيد إلا أعرف حاله ليس شئ إذ النجاشي وثقه ونقله عن ابن نوح وابن عقده مع أن العلامة نفسه أيضا وثقه في
الخلاصة كالنجاشي سواء بسواء والقول بأنه لعله كان شاكا في أن سعيدا الذي ها هنا هو سعيد بن عبد الله الأعرج أيضا بعيد لان الصدوق يقول في مشيخته
وما كان فيه عن سعيد الأعرج فقد رويته عن جماعة سماهم عن سعيد بن عبد الله الأعرج فظهر إن سعيد الأعرج هو سعيد بن عبد الله والشك بعد ذلك
أيضا غير معقول وكذا ا لقول بأنه لعله لم يعتمد على توثيق ابن نوح وابن عقده وهو ظاهر وبالجملة الاخفاء في قوة طريق هذا الخبر بحيث يصلح للاعتماد ومع ذلك
قد تأيد بالخبرين الآخرين وبالشهرة بين الأصحاب رواية وعملا به على ما ذكره المصنف في الذكرى كما نقلنا وعند هذا لا وجه للتوقف في العمل به على تقدير العمل بالاخبار وما أورد
على دلالته من احتمال الحمل على الدم الطاهر كما نقلنا عن العلامة كدم السمك وشبهه أو دم لا يعلم أنه أي دم على ما ذكره بعض من أن مثل هذا الدم أيضا
حكمه الطهارة فبعيد لفظا وهو ظاهر وأيضا حيث فرق بين المسكر والدم وعلل بأن الدم يأكله النار ولو كان طاهرا لعلل بطهارته ولو قيل بأن الدم الطاهر يحرم
أكله فتعليله بأكل النار ليذهب التحريم وإن لم يكن نجسا ففيه إن استهلاكه في الرق أن كفى في حله لم يتوقف على النار وإلا لم يؤثر النار في حله كذا قال
الشهيد الثاني (ره) في شرحه للشرايع ولا يبعد أن يقال لعل التعليل بأكل النار لإزالة النفرة التي يحصل للطبع بل يمكن أن يحمل على دم ليس بنجس ولا حرام أيضا
كالدم المتخلف ويقال إن التعليل بأكل النار لأجل زوال الاستنكار ثم إن الشهيد الثاني (ره) في شرحه المذكور قال الأولى أن يقال إن هذه الرواية مخالفة للأصل شاذة
في حكمها فيطرح لذلك وإن كانت صحيحة انتهى وفيه نظر إذ لم يعلم إن مراده بالأصل ماذا فإن كان مراده به إن الأصل بقاء نجاسة القدر بعد حصولها بملاقاة
الدم حتى يثبت المزيل ففيه بعد تسليم حجية هذا الأصل إن المزيل قد ثبت بتلك الرواية الصحيحة المعتمدة المؤيد بالروايتين الأخيرتين والشهرة ولو كان
مخالفة مثل هذا الأصل موجبة لطرح الرواية لينبغي أن يطرح أكثر الروايات لمخالفتها لمثل هذا الأصل أو نظيره ولا أقل من أصل البراءة وإن أراد به
مقدمة كلية قايلة بأن ما ليس من المطهرات المعهودة المتعارفة ليس مطهرا فأين تلك المقدمة الكلية وعلى تقدير وجودها أي مانع من أن يخصص تلك الروايات على ما يخصص ساير
العمومات النقلية بمخصصاتها الصالح للتخصيص وإن أراد به إن أكثر أفراد المضاف النجس لا يطهر بمثل ذلك فيغلب على الظن عدم طهر هذا أيضا بذلك
فيكون الأصل بمعنى الراجح المظنون ففساده أظهر من أن يخفى وكذا مراده بالشذوذ وإن كان الشذوذ في نقلها فليس كذلك إذ هي موجودة في الفقيه والكافي و
يوجد الخبر بمضمونها أيضا في الكافي والتهذيب والاستبصار والظاهر وجوده في الأصول إذ كتاب سعيد من الأصول ظاهرا وإن كان الشذوذ في حكم الأصحاب فالمتحقق
خلافه على ما نقلنا من المصنف في الذكرى من أن المشهور الحكم بالطهارة وكذا ما ذكره في هذا الكتاب وإن أراد أنه حكم شاذ حيث لم يوجد في الاحكام تطهير
المضاف بمثل هذا فإن أراد أنه لم يوجد مطلقا فهو أول النزاع وإن أراد أن الغالب ليس كذلك فلا حكم للغالب مع وجود الرواية الغالبة عليه وبالجملة طرح
هذه الروايات بمثل هذه الوجوه مما لا وجه له نعم لو كان عمل الأصحاب سيما القدماء منهم أما جميعا أو أكثريا على خلاف رواية معتمدة فلا يبعد حينئذ ترك العمل
بها إذ في ترك الأصحاب العمل فيها مظنة وقوع أمر فيها إذ هم سيما القدماء أعرف بحقيقة الاحكام والأحوال الصادرة عن أصحاب العصمة سلام الله عليهم ومع تطرق مثل هذا الوهن إليها
الحكم ببقاء قوتها وحجيتها مشكل كما لا يخفى والحاصل إن الظاهر على ما ذكرنا القول بطهارة المرق المذكورة
بالغليان كما تبين وجهه وأما الوجه الذي نقلنا عن
ابن براج من قوله ولأن اللحم لا يكاد يعرى عنه الخ وعن الذكرى أيضا من قوله وبجريانه مجرى دم اللحم إلى آخر إذ الظاهر أنه معطوف على قوله لتخبر عن الصادق وتعليل الحكم
بالطهارة فليس بوجه بل هو قريب من القياس المعمول عند العامة هذا ثم ينبغي التنبيه لأمور الأول أنه هل يعتبر القلة على ما اختاره الشيخ (ره) أولا كما يظهر من المقنعة
الظاهر لا إذ الخبر الصحيح فيه الأوقية وهي ليست بقليلة ولا خبر الاخر وإن كان فيه في كلام السايل وإن قطر فيه دم المشعر بالقلة لكن العبرة بكلام الإمام (عليه السلام)
وفيه الدم يأكله النار الظاهر في الاطلاق والعموم وعلى تقدير تسليم حمل اللام على العهد أي الدم الذي في كلام السائل فليس بضار إذ التخصيص في الجواب بالدم
الذي في السؤال ليكون على طبقة لا يدل على نفي الحكم عما عده ليكون معارضا للخبر الأول مع أنه لا يصلح لان يكون معارضا له لعدم صحته على أنه من قبيل
معارضة المفهوم بالمنطوق نعم لو خص الحكم بمثل الأوقية لم يكن بعيدا إذ الزايد عليها إلا دليل عليه إلا أن يقال إن الأوقية في كلام السايل وكلام الإمام (عليه السلام)
إن النار يأكل الدم الظاهر في الاطلاق أو العموم إلا أن يحكم برجحان العهد وبالجملة الحكم في الأوقية وما دونها مما لاخفاء فيه ولو كان مراد الشيخ (ره) بالقلة
مقدار الأوقية فما دونها فنعم الوفاق الثاني إن الاحتياط في الاجتناب الذي ذكره المصنف كيف حاله فنقول على ما قررنا من ظهور طهارته الاجتناب عنه
263

بعنوان إهراقه مثلا فيه إشكال عظيم لأنه مظنة الاسراف الشديد فلو قيل بجواز بيعه ممن يستحله أو سقيه للدواب والصبيان وفرض أنه لا إسراف فيه
فحينئذ ينبغي أن يكون التجنب عنه بهذا النحو ولو انتفى ذلك فلا يبعد أن يقال حينئذ الاحتياط في بيعه ممن يستحله إن أمكن أو أكله نعم بعد الاكل ينبغي أن يطهر ما لاقاه من بدنه ثم يصلي وكذا
يطهر القدر وساير ما لاقاه وحمل كلام المصنف أيضا على ما ذكرنا ليس ببعيد الثالث أن هذه المسألة أيضا كان الأليق بها أن يذكر فيما بعد حيث يعد المطهرات
(ولو اشتبه المطلق بالمضاف وفقد غيرهما تطهر بكل منهما بخلاف المشتبه بالنجس أو المغصوب) أما الحكم الأول فظاهر لأنه مأمور بالطهارة بالماء المطلق عند وجوده والتمكن من استعماله
أمرا مطلقا ولا شك إن الماء المطلق موجود في هذا الفرض وكذا التمكن من استعماله فيجب الامتثال بالاتيان بالطهارة به ولما كان لا بد في الامتثال من أن يحصل
اليقين أو الظن بالاتيان بالمأمور به وذلك اليقين أو الظن في الفرض المذكور لا يحصل بدون الطهارة بهما جميعا فلا بد من الطهارة بهما سواء قلنا بوجوب
مقدمة الواجب المطلق أولا إذ لا نزاع في لا بديتها وليس غرضنا ها هنا سوى اللابدية وأما الوجوب المتنازع فيه فلا غرض يتعلق به فيما نحن فيه كما لا يخفى
وما يتوهم في المقام من أن لا بد من الجزم في النية ولا جزم فيها في الطهارة بكل منهما فليس بشئ إذ لا جزم بل ولا ظن بأن لا بد من مثل هذا الجزم في النية ولو
سلم ففي صورة الجزم أو الظن وأما فيما لم يتيسر كما فيما نحن فيه فلا وكأنه قد مر في مبحث النية في الوضوء ما يكفي مؤنة هذا المقام فعلى هذا ينوي في كل من
الطهارتين القرية وطلب الامتثال لأمر الله وتحصيل الطهارة المطلوبة بالماء المطلق بأيهما كان ماء مطلقا أما هذا وأما ذاك ثم أنه هل يصح الطهارة بهذين
المائين المشتبهين مع وجود ماء غير مشتبه صرح الشهيد الثاني في شرحه للارشاد بعدم الصحة للقدرة على الجزم التام في النية فلا يصح بدونه وللنزاع مجال
وإن كان الاحتياط فيه فرع لو انقلب أحد هذين المائين فالحكم ماذا الظاهر كما نص عليه صاحب المدارك إن الأصحاب قطعوا بوجوب الوضوء بالباقي والتيمم
مقدما الأول على الثاني قال الشهيد الثاني في روض الجنان ولو فرض انقلاب أحدهما قبل الطهارة وجب الطهارة بالآخر ثم التيمم لما تقدم من أن الجمع
مقدمة الواجب المطلوب ولا الحكم بوجوب الاستعمال تابع لوجود المطلق وقد كان وجوده مقطوعا به فيستصحب إلى أن يثبت العدم ويحتمل ضعيفا عدم الوجوب
فتيمم خاصة لان التكليف بالطهارة مع تحقق وجود المطلق وهو منتف ولأصالة البراءة من وجوب الطهارتين وجوابهما يعلم مما ذكرناه فإن الاستصحاب كاف
في الحكم بوجود المطلق وأصالة البراءة ها هنا منتفية لوجوب تحصيل مقدمة الواجب المطلق وهي لا يتم إلا بفعلهما معا فلن قيل ما ذكرتم من الدليل يقتضي عدم
وجوب التيمم فإن استصحاب وجود المطلق إن تم لا يتم معه وجوب التيمم إذ هو مع الاشتباه لا مع تحقق الوجود قلنا الاستصحاب المدعى إنما هو استصحاب وجوب
الطهارة به بناء على أصالة عدم فقد المطلق وذلك لا يرفع أصل الاشتباه لان الاستصحاب لا يفيد ما في نفس الامر فالجمع بين الطهارتين يحصل اليقين
انتهى وقال صاحب المدارك بعد نقل مذهب الأصحاب على ما نقلا وقد يقال أن الماء الذي يجب استعماله في الطهارة إن كان هو ما علم كونه ماء مطلقا فالمتجه
الاجزاء بالتيمم وعدم وجوب الوضوء به كما هو الظاهر وإن كان هو ما لا يعلم كونه مضافا اكتفى بالوضوء فالجمع بين الطهارتين غير واضح ومع ذلك فوجوب
التيمم إنما هو لاحتمال كون المنقلب هو المطلق فلا يكون الوضوء بالآخر مجزيا وهذا لا يتفاوت الحال فيه بين تقديم التيمم وتأخيره كما هو واضح انتهى
وفي كل من الكلامين نظر أما في كلام الشهيد الثاني (ره) فنقول أولا إن التمسك باستصحاب وجود الماء المطلق غير جيد لأنه استصحاب في الأمور الخارجية لا الشرعية حجية الاستصحاب فيها ضعيفة جدا مع أنه معارض باستصحاب وجود الماء المضاف فالأولى أن يتمسك باستصحاب وجوب الطهارة
قبل الانقلاب لينقلب الاستصحاب إلى الاستصحابات في الأمور الشرعية من دون معارض لكن هذا إنما يصح في بعض الصور لا مطلقا وثانيا إن ما ذكره في جواب فإن قيل من
أن الاستصحاب لا يرفع الاشتباه لأنه لا يفيد ما في نفس الامر لا يظهر له وجه لان الاستصحاب على تقدير حجية وإن لم يفد ما في نفس الامر لكن لا شك أنه
يفيد الحكم بالنسبة إلى المكلف وإلا فما الفائدة فيه وهو ظاهر وحينئذ نقول إذا ثبت وجود الماء بالاستصحاب وكان هذا الوجود معتبرا شرعا فلا مرية في أنه
يجب الطهارة به البتة عند التمكن من استعماله ضرورة وجوب الطهارة عند وجود الماء والتمكن من استعماله فلا معنى لوجوب التيمم حينئذ فإن قلت لا نسلم وجوب
الطهارة عند وجود الماء الاستصحابي قلت هذا القول لا يجتمع مع حجية الاستصحاب في الأمور الخارجة شرعا وهو ظاهر بل هو في الحقيقة نفي لحجيته وأيضا فما الفائدة
حينئذ في التمسك به إذ لو لم تجب الطهارة بالماء الاستصحابي قطعا فلأي شئ يتعرض له لان احتمال وجوب الطهارة يكفي فيه احتمال وجود الماء وهو غير متوقف
على الاستصحاب وثالثا إن قوله الجمع بين الطهارتين يحصل اليقين إن أراد أنه يحصل اليقين بامتثال الطهارة المائية التي ثبت بالاستصحاب وجوبها ففساده ظاهر لعدم مدخلية التيمم فيه
قطعا وإن أراد به إن ها هنا يقينا بالتكليف ولا ندري أنه تكليف بالطهارة المائية بناء على بقاء الماء المطلق أو
الترابية بناء على انقلابه لان كلا منهما
مشتبه في نظرنا فيجب الاتيان بهما جميعا ليحصل اليقين بالبراءة ففيه بعد تسليم وجوب تحصيل اليقين في مثل هذه الصورة إنه لا حاجة حينئذ إلى الاستصحاب لان
بناء الحكم على ما عرفت على احتمال وجود المطلق وهو غير محتاج إليه وهو ظاهر وبالجملة كلامه (ره) مضطرب جدا وأما في كلام صاحب المدارك (ره) فنقول في جوابه
إن الماء الذي يجب استعماله في الطهارة هو الماء المطلق الواقعي بناء على أن الألفاظ موضوعة للمعاني النفس الامرية من غير دخول العلم والظن فيها
264

لا هذا ولا ذاك وحينئذ نقول لما احتمل عند العقل وجود الماء بالواقعي الذي هو شرط الطهارة المائية فيحتمل وجوبها أيضا ولما احتمل عدمه الذي هو شرط
الطهارة الترابية احتمل وجوبها أيضا فلا بد من الجمع بينهما ليحصل العمل بمقتضى الاحتمالين تحصيلا للبراءة اليقينية فلا إيراد نعم لمنع وجوب تحصيل اليقين بالبراءة
في مثل هذه الصورة مجال لكنه كلام آخر لا تعلق له بكلام صاحب المدارك وأما ما أورده على وجوب التقديم فهو كما أورده إلا أن يقال لعل حكمهم بوجوب التقديم
بناء على رعاية ضيق الوقت في التيمم نعم لو وجد هذا الحكم في كلام من لا يقول بوجوب التضيق لما أمكن هذا التوجيه وكان وجوده فيه غير معلوم هذا ولما كان
تحقيق الكلام في أصل المسألة محتاجا إلى زيادة بسط فلا بأس أن نتعرض له فنقول لا يخفى أن الامر في الكتاب العزيز بالطهارة المائية مطلق بحسب اللفظ و
بالترابية مقيد بعدم وجدان الماء فلا يخلو أما أن يترك المطلق بحاله أو يقال إن تقييد الترابية قرينة على أن المراد إن وجدتم الماء فتطهروا والأول كأنه هو
الأظهر ثم الامر المقيد بقيد مثل إن وجدتم الماء فتطهروا هل الظاهر فيه أنه يجب تحصيل اليقين أو الظن على تقدير الاكتفاء به بأنه تطهر على تقدير وجود الماء
في الواقع أو لا بل يكفي أن يحصل على تقدير وجود العلم أو الظن بوجود الماء اليقين أو الظن بالتطهر به ولعل الأظهر هو الثاني بناء على أصالة البراءة حتى يثبت
وكان إثبات الاحتمال الأول مشكل فيصار إلى الثاني محصل ها هنا أربعة احتمالات الأول أخذ الامر بالطهارة المائية مطلقا والامر المقيد مبتنيا على الاحتمال الأول
والثاني أخذه مطلقا وابتناء الامر المقيد على الاحتمال الثاني والثالث أخذه مقيدا وأخذ المقيد على الاحتمال الأول والرابع ظاهر فعلى الأول نقول الامر
المطلق أيضا مثل تطهر بالماء هل يجب تحصيل اليقين فيه بحصول الطهارة على أي وجه كان سواء كان وجود الماء الذي هو شرطه العقلي مثلا متيقنا أو مظنونا أو مشكوكا
أو موهوما أو لا بل يجب عند اليقين أو الظن بوجوده أو عند الشك أيضا ولا يبعد ادعاء الظهور في الأول ولا أقل من الاكتفاء بإخراج الموهوم فقط وأدون منه إخراج
المشكوك أيضا وأدون منهما الاقتصار على اليقين فقط هذا بالنظر إلى مجرد اقتضاء الامر بحسب العرف من دون أمر خارج وعند وجوده يجرى الامر على حسب مقتضاه
كيفما كان وعلى الوجه الأول بل على الثاني أيضا عند فرض تساوي الاحتمالين في الماء المفروض من دون ترجيح يجب الحكم بوجوب التطهر به وكذا بالتيمم لأنه
ما لم يتيمم حينئذ لم يحصل العلم بأنه تيمم على تقدير عدم وجدان الماء لجواز أن لا يكون الماء موجود إلا أن يقال الاتفاق حاصل على أن بعد وجوب الطهارة المائية لا
يجب التيمم لان هذا الاتفاق ممنوع كيف وهو أول المسألة والوجه الثالث والرابع بعيد مع أخذ المشروط على النحو الأول ضرورة أن المطلق لا يكون أدون من المشروط
وعلى الثاني الامر في الطهارة المائية ظاهر على الوجه الأول وعلى الثاني على قياس ما ذكرنا وأما الطهارة الترابية فينبغي أن لا يجب لعدم العلم أو الظن بتحقق شرطها
لكن الاحتياط في الاتيان بها سيما مع قطع الأصحاب بوجوبهما مطلقا وعلى الوجهين الآخرين لا يثبت وجوب الطهارة المائية إلا على الوجه الثالث إلا
إذا فرض الظن بأن الباقي هو الماء وقد عرفت أيضا عدم ثبوت وجوب التيمم فحينئذ يمكن أن يقال تارة إذا لم يجب الوضوء فيجب التيمم قطعا إذ لا مخرج عنهما اتفاقا و
تارة أن لا نسلم ذلك ونقول لم يثبت وجوب شئ من الطهارتين بمقتضى الأوامر الواردة بهما لكن نعلم بالضرورة والاجماع إن ها هنا تكليفا ولا يكون التكليف
بالطهارة مطلقا ساقطا فلا بد من الاتيان بهما جميعا تحصيلا اليقين البراءة وتارة أن يقال لا يلزم الاتيان بهما جميعا بل في مثل هذه الصورة يكفي عدم تركهما
جميعا الذي يوجب استحقاق العقاب ضرورة كما مر غير مرة في تضاعيف المباحث السابقة فتخيير بين الماء والتراب والاحتياط في الثاني وإن كان في الأخير
قوة كما أن في الأول ضعفا وعلى الثالث يجب الحكم بالطهارتين لان وجود شرطهما مشكوك وتوهم أنه على تقدير وجوب المائية لا يجب الترابية قد عرفت
بطلانه وعلى الرابع لا يثبت وجوب شئ منهما بمقتضى الأوامر ويجري فيه أيضا الاحتمالات الثلاثة المذكورة وقد عرفت حالها ثمة فها هنا أيضا كذلك
وبالجملة الاحتياط على جميع التقادير والاحتمالات في الجمع كما قطع عليه الأصحاب والله الهادي إلى طريق الصواب وأما الحكم الثاني ففيه تفصيل إذ لو فرض أنه
يمكن أن يتطهر بأحد المائين ويصلي ثم يغسل أعضاء الطهارة بالماء الاخر ثم يتطهر به ويصلي فحينئذ يحصل له الطهارة والصلاة الصحيحة البتة أما أولا أو ثانيا نعم
يفتقر في الصلاة الأخرى إلى غسل الأعضاء مرة أخرى وإذا لم يمكن ذلك فالطهارة بهما لغو عبث وهو ظاهر هذا إذا لم نقل بأن الماء المشتبه بالنجس حكمه حكم
النجس ويحرم استعماله وسيجئ الكلام فيه وأما الحكم الثالث فنقول لا يخلو أم أن يتطهر بأحدهما أو بكل منهما فعلى الأول لا شك أنه لا يحصل الطهارة
إذ لم يحصل اليقين أو الظن بأنه تطهر بماء مباح كما هو المأمور به (وكون المأمور به هو الطهارة بالماء المباح كأنهم يدعون الاجماع فيه ولولا ذلك لأمكن النزاع فيه وعلى هذا لا يثبت بطلان
هذه الطهارة بل ولا بطلان الطهارة بالماء المغصوب بشئ أيضا إلا مع انحصار الماء فيه كما سنشير إليه آخر المبحث) وقد عرفت أنه لا بد منه في الامتثال ومع هذا كأنه فعل حراما أيضا بناء على أنه لا بد
من الاحتراز عن التصرف في مال الغير بغير إذنه وهذا الاحتراز إنما يحصل بالاحتراز عن كل من المائين فتصرفه في كل منهما منهي عنه وعلى الثاني فلا شك أنه
حرام غير مأمور به لأنه مستلزم للتصرف في الغصب البتة لكن لو فرض أنه فعل ذلك فحينئذ الظاهر أنه يحصل له الطهارة صحيحة وإن فعل حراما لان أحدهما ماء مباح
ولا شك أنه قد وقعت الطهارة فيلزم أن يكون صحيحة وأمر النية قد عرفت حاله فإن قلت استعمال كل منهما حرام منهي عنه والنهي في العبادة موجب للفساد
قلت لو لم نقل بأن استعمال كل منهما حرام بل إن استعمالهما معا حرام فالامر ظاهر وإن قلنا بحرمته أيضا فالظاهر الحكم بصحة الطهارة إذ كون النهي في العبادة موجبا
265

للفساد ممنوع وقد مر سابقا غير مرة ثم هنا دقيقة هي أنه أما يكون ماء غيرهما موجودا أولا فعلى الأول الامر كما ذكرنا وأما على الثاني فلا إذا الظاهر حينئذ إن الغرض ليس هو
الطهارة المائية بل التيمم لأنه بمنزلة عدم الماء شرعا فلو تطهر بهما يلزم أن لا يكون مجزيا لأنه ليس مأمورا به (ويمزج المطلق بالمضاف غير السالب وجوبا عند
عدم ماء مطلق ويتخير بينهما عند وجودهما) أي إذا كان لاحد من الماء المطلق ما لا يكفيه لطهارته لكن عنده من المضاف ما يمكن أن يمزج به ولم يسلبه الاطلاق
ويكفي للطهارة فحينئذ إن لم يكن ماء مطلق غيرهما يجب معيننا مزج المضاف بالمطلق والتطهر به وإن وجد ماء آخر فيتخير بين أن يمزج المضاف بالمطلق ويتطهر به وبين
أن يتطهر من المطلق الصرف والضميران الظاهران راجعان إلى الممتزج المستفاد من المزج والماء المطلق الثاني وأراد به ماء مطلقا مقيدا بكفايته للطهارة
بقرينة المقام كما أن الأول مقيد بعدمها هذا الحكم مما لا خفاء فيه بناء على أن الامر بالطهارة الترابية عند عدم وجدان الماء والامر بالطهارة المائية
يمكن امتثاله في الفرض المذكور بأن يمزج المضاف بالمطلق ويتطهر ولا يصدق حينئذ أنه غير واجد للماء في العرف فلا يكون فرضه التيمم والشيخ في المبسوط خالف
هذا الحكم وقال وإذا كان معه مثلا رطلان من ماء واحتاج في طهارته إلى ثلاثة أرطال ومعه ماء ورد مقدار رطل فإن طرحه فيه لا يغلب عليه ولا يسلبه إطلاق
اسم الماء ينبغي أن يجوز استعماله وإن سلبه إطلاق اسم الماء لم يجز استعماله في رفع الاحداث إلا أن هذا وإن كان جايزا فإنه لا يجب عليه بل يكون فرضه التيمم لأنه
ليس معه من الماء ما يكفيه لطهارته انتهى ثم أنه يفهم من بعض كلماتهم أنه حمل كلام الشيخ (ره) على أنه لا يجب المزج ولو مزج لا يجب التطهر به بل يتخير بعد المزج أيضا
بين الطهارة به وبين التيمم معللا بأن الاشتباه في الحس لا يستلزم اتحاد الحقيقة والوجوب تابع لاتحاد الحقيقة فلا يجب الطهارة به وأما جوازها فلصدق الاسم
ومن بعضها إن مراده إن المزج غير واجب لكن لو مزج فلا شك في وجوب الطهارة به بعد المزج معللا بأن الطهارة المائية مشروطة بوجود الماء وقبل المزج لا يوجد
الماء ولا يخفى أن كلام الشيخ (ره) المذكور لا يأبى عن الحملين وكيفما كان مما لا يظهر له وجه صحة أما الأول فظاهر جدا إذ بعد تسليم صدق الاسم لا مجال لمنع الوجوب
إذ الاحكام تابعة للأسماء فلو كان هذا الممتزج يصدق عليه في العرف أنه ماء فلا شك إنه واجد للماء وعند وجدان الماء يلزم التطهر به ضرورة وكون حقيقة
غير الماء في الواقع لا يقدح في المقصود إذ المناط في الأحكام الشرعية العرف لا الواقع مع أنه عند صيرورة المضاف مستهلكا في المطلق لعله يصير ماء في الواقع
أيضا بأن ينقلب صورته النوعية إلى الصورة المائية لكن الاحتمال لا يكفي في المقام إلا أن يتمسك بأنه لا شك أن الماء المفروض بعد المزج متصل واحد وقد ثبت في
الحكمة إن الامر المتصل الواحد لا ينقسم إلى الاجزاء المختلفة بالحقيقة لكن كلتا المقدمتين ممنوعتان وأيضا لا يخلو أما أن يلزم في الطهارة المائية وجود الماء
الواقعي والعرفي وعلى الأول يجب أن لا يجوز التطهر به فكيف نجوزه وعلى الثاني يجب أن يتطهر به وبالجملة أي مستند له في أن الماء العرفي الذي ليس بماء حقيقة
يجوز التطهر به وعدمه وهو ظاهر لا يقال لو كفى كون الشئ ماء في الحس في وجوب الطهارة للزم أن يكون المضاف المسلوب الأوصاف أيضا يجب التطهر به لأنه ماء في الحس
لأنا لا نقول إن عدم الامتياز في الحس موجب للطهارة بل المراد إن عند اطلاق الماء على شئ في العرف بعد الاطلاع على حقيقة الحال إنه ما كان وما مزج به
يجب التطهر به وفيما نحن فيه إن فرض إن الماء المفروض يصدق عليه في العرف بعد الاطلاق على حقيقة الامر إنه ماء مطلق فحينئذ نقول بوجوب التطهر به وهو كذلك وإن لم يكن كذلك
بل إطلاق الماء عليه بمجرد اشتباه الحس لكن بعد الاطلاع على الحال لا يبقى الصدق بحاله فلا نقول فيه بوجوب التطهر وإنه خارج عن محل النزاع على أنه على هذا أيضا
تجويز الطهارة لا وجه له كما لا يخفى وأما الثاني لأن عدم وجدان الماء قبل المزج ممنوع لصدق الوجدان عليه في العرف كيف وهو ليس بأبعد من الوجدان مما إذا أمكن
حفر بئر مثلا والظاهر أنه لا نزاع في أنه إذا أمكن حفر البئر مثلا ليحصل الماء لوجب فلم لم يحكم بالوجوب هنا والتفرقة خلاف ما يحكم به الوجدان قال العلامة في المختلف
مشير إلى هذا القول للشيخ وهذا القول عندي ضعيف لاستلزامه التنافي بين الحكمين فإن جواز الاستعمال يستلزم وجوب المزج لان الاستعمال إنما يجوز بالمطلق فإن كان هذا الاسم صادقا
عليه بعد المزج وجب المزج لأن الطهارة بالمطلق واجبة مع التمكن ولا يتم إلا بالمزج وما يتم الواجب إلا به فهو واجب وإن كذب الاطلاق عليه لم يجز استعماله في
الطهارة ويكون خلاف الفرض فظهر التنافي بين الحكمين والحق عندي وجوب المزج إن بقي الاطلاق والمنع من الاستعمال إن لم يبق انتهى كلامه والظاهر أن العلامة (ره)
حمل كلام الشيخ على الوجه الثاني وجعل الخلاف في وجوب المزج والتيمم ولعله الأولى إذ الوجه الأول في غاية البعد وما ذكره من أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب
ليس مما لا بد منه في المقام إذ ظاهر إن المقصود ها هنا مجرد أنه لا بد من المزج بحيث لو لم يمزج لكان يلزم منه ترك واجب واستحقاق عقاب أولا سواء كان واجبا أو لا
كما في ساير مقدمات الواجبات المطلقة إذ لا شك إن من لم يقل بوجوب مقدمة الواجب المطلق أيضا يقول أنه لا بد من الاتيان بها ولو لم يؤت بها يلزم استحقاق
العقاب وإن لم يكن على تركها بل على ترك ذي المقدمة بخلاف مقدمة الواجب المشروط فإنه على تقدير تركها لا عقاب أصلا وظاهر إن المقصود في هذا المقام
ليس سوى أنه عند ترك المزج هل يستحق للعقاب أم لا ولا غرض في أنه واجب بالمعنى المتنازع فيه في الأصول أم لا بل هو مسألة برأسها لا اختصاص لها بهذه
المقدمة وموضعها في الأصول ولعل مراده بالوجوب الأبدية فلا استدراك ثم قد أورد فخر المحققين (ره) على والده أن الطهارة واجب مشروط بوجوب الماء
266

والتمكن منه فلا يجب إيجاده لان شرط الواجب المشروط غير واجب وهذا الايراد مندفع بما قررنا آنفا من أن شرط الطهارة المائية وهو وجدان الماء موجود
فيما نحن فيه عرفا إذ في العرف يقولون أنه يوجد الماء وهذا نظير ما إذا فرض إن شرط الحج هو الزاد والراحلة وكان لاحد مال غير الزاد والراحلة ولكن أمكنه أن يشتريهما
به فحينئذ في العرف يقولون أنه واجد للزاد والراحلة وإن شرط وجوب حجة متحقق بخلاف ما إذا لم يكن له مال أصلا ولكن يقدر على الاكتساب إذ حينئذ لا يقولون إن شرط وجوب
الحج متحقق ودفع هذا الايراد بهذا النحو الذي ذكرنا أولى مما ذكره المحقق الثاني في شرحه للقواعد في دفعه حيث قال وجوابه إن أراد بإيجاد الماء ما لا يدخل تحت قدرة
المكلف فاشتراط أمر الطهارة به حق ولا يضرنا وإن أراد به الأعم فليس بجيد إذ لا دليل يدل على ذلك والايجاد المتنازع فيه معلوم كونه مقدور للمكلف والامر بالطهارة
خال عن الاشتراط فلا يجوز تقييده إلا بدليل انتهى وذلك لأنه لا خلاف في أن الطهارة المائية مشروطة بوجدان الماء كما يدل عليه قوله تعالى فإن لم تجدوا ماء فتيمموا
لأنه يدل على أن عند عدم وجدان الماء الفرض التيمم فيكون وجوب الطهارة بالماء مشروطا بوجدانه وهو ظاهر
وحينئذ لا وجه لابطال كون الطهارة بالماء مشروطا
بوجود الماء بل الجواب بإثبات إن الشرط متحقق فيما نحن فيه إن أمكن كما بينا فإن قلت على هذا كلام العلامة (ره) أيضا ليس بجيد حيث تعرض لأنه مقدمة الواجب
المطلق ولا بد من الاتيان بها قلت ليس كذلك إذ العلامة لعله لم يجعل وجود الماء مقدمة للواجب المطلق إذ يمكن أن يكون مراده إن الطهارة بالمطلق واجبة مع المكنة
ووجدان الماء وهذه الحال حالة الوجدان والمكنة كما قررنا فيكون واجبة ولا يمكن الاتيان بها حينئذ إلا بالمزج وهو كذلك فيكون المزج مقدمة للواجب المطلق فيكون
واجبا وعلى هذا لا خدشة فيه أصلا ولا يبعد حمل كلام المحقق الثاني أيضا على ما ذكرنا بغاية وبما قررنا ظهر أنه ليس كلام الشيخ (ره) بذلك البعيد بأن يكون
بناءه على الخلط بين الواجب المشروط والمطلق بل بناءه على منع إطلاق وجدان الماء في الصورة المفروضة وهو ليس ببعيد جدا ولا مما فيه حكمان متنافيان ظاهرا
نعم بعد أن يثبت إن المكنة والوجدان الذي هو شرط الطهارة متحقق ها هنا وهو المقدمة التي لم يسلمها الشيخ (ره) يمكن الالزام عليه بتنافي الحكمين ومثل هذا
الالزام أمره سهل كما لا يخفى أنه إذا ثبت إن الوجدان للماء متحقق في الصورة المفروضة عرفا فلا إشكال وكذا إن ثبت عدمه وأما إذا كان الامر مشكوكا فما الحال
فيه فنقول يمكن أن يقال إن الأوامر الواردة بالوضوء والغسل من الكتاب والسنة فيجب العمل بإطلاقها حتى يثبت تقييد والقدر الثابت من التقييد هو ما عدا الصورة
المفروضة من صور عدم الوجدان فيلزم أن يبقى الامر في الصورة المفروضة على الاطلاق وفيه كلام من وجهين أحدهما أن لا يسلم أنه يجب العمل بالاطلاق في مثل
هذه الصورة بل إذا ظهر إن أمرا مطلقا بحسب اللفظ مقيد في الواقع بشئ ولم نعلم إفراد مقيداتها يقينا ففي الافراد المشكوكة لا يجب العمل بإطلاق ذلك الامر بل
إنما يعمل بأصل البراءة حتى يثبت أن لا تقييد في صوره وثانيهما أنه بعد تسليم ما منع إنما يكون العمل بالاطلاق في صورة لا يتحقق أمر آخر مقابل له وها هنا كذلك
إذا مر بالتيمم أيضا على تقدير عدم الوجدان ولا بد من حصول الجزم أو الظن بأنه على تقدير عدم الوجدان قد أتى بالتيمم ففي صورة الشك لا بد من التيمم حتى يحصل الجزم أو الظن
المذكور والفرق بين الصورتين بأن التقييد في الثاني حاصل في اللفظ فأثبت أنه فرد شرط الامر يجب أن يؤتى بالمشروط عند حصوله وما لم يثبت فلا وأما
في الأول فلا تقييد في اللفظ بل قد ثبت بالاجماع أو باعتبار آية التيمم إن ها هنا تقييدا ففي مثل هذه الصورة ينبغي أن يكون الامر بالعكس أي إذا ثبت فرد
أنه من إفراد شرط عدم الطهارة المائية لا يجب الطهارة المائية عنده وما لم يثبت فيجب الطهارة المائية عنده كأنه غير تمام جدا بحيث لا تقبل المنع فالدست
للوضوء والغسل وإن قبل المنع فيبقى الامر على التردد فأما أن يقال في مثل هذه الصورة أنه لما لم يظهر ترجيح من أحد الجانبين ومعلوم أيضا بالضرورة والاجماع
أنه إذا ترك الطهارتين جميعا يستحق بسببه العقاب فيلزم الاتيان بأحدهما فقط على سبيل التخيير إذ الأصل براءة الذمة من الزايد ولا شئ سوى ذلك أو يقال
لما ثبت التكليف بأحديهما لا على التعيين يقينا ولا بد في التلكيف اليقيني من اليقين ببراءة الذمة واليقين بها فيما نحن فيه يمكن تحصيله بأن يمزج بين
المائين ويتطهر فيجب المزج وبالجملة المسألة لا يخلو من إشكال والاحتياط في المزج والسؤر تتبع الحيوان طهارة ونجاسة وكراهة السؤر في اللغة البقية كما
في القاموس والنهاية وما نسب إلى الجوهري في المعالم من أنه بقية الشرب لم نجده في الصحاح والمراد ها هنا أما الماء القليل الذي باشر فم الحيوان أو غيره من أعضائه
أيضا أو أعم من الماء القليل والمضاف أو يشمل الجوامد أيضا مع ملاقاة الفم لها أو ملاقاة أي عضو كان بشرط الرطوبة وبالجملة حكم الجميع يعلم إنشاء الله تعالى ثم
ها هنا ثلاثة أحكام التبعة في النجاسة ومعناهما ظاهران والتبعة في الكراهة ومعناها أنه إذا كان الحيوان يكره لحمه فسؤره مكروه
أي يكره استعماله في الطهارة والأكل والشرب أما الحكم الأول ففيه خلاف فذهب الفاضلان وجمهور المتأخرين إلى طهارة سؤر كل حيوان طاهر كما في الكتاب
وهو مختار الخلاف والنهاية أيضا لكن استثنى في النهاية سؤر ما أكل الجيف من الطير ونسبه المحقق في المعتبر إلى المرتضى في المصباح أيضا لكن ذكر أنه استثنى فيه
سؤر الجلال ونقل في المعالم عن ابن الجنيد أنه قال لا ينجس الماء بشرب ما لم يؤكل لحمه من الدواب والطيور وكذلك السباع وإن ماسه بأبدانها ما لم يعلم بما
ماسه بنجاسة ولم يكن جلالا وهو الاكل للعذرة ولم يكن أيضا كلبا ولا خنزيرا ولا مسخا وذهب الشيخ في المبسوط إلى عدم جواز استعمال سؤر ما لا يؤكل لحمه
267

من الحيوان الانسي سوى ما لا يمكن التحرز منه كالفارة والحية والهرة وجواز استعمال سؤر الطاهر من الحيوان الوحشي وسؤر الطير مطلقا وقال فيه ولا بأس
بسؤر البغال والدواب والحمير لان لحمها ليس بمحظور وإن كان مكروها لكراهة لحمها وأما ما يؤكل لحمه فلا بأس بسؤره إلا ما كان جلالا وكلا وظاهر كلامه في التهذيب
وكذا الاستبصار منعه من سؤر ما لا يؤكل لحمه مطلقا إلا أنه استثنى منه في الاستبصار الفارة ونحو البازي والصقر من الطيور وفي التهذيب الطير مطلقا والسنور ولا
يخفى إن منعه الجواز في استعمال السؤر فيما منع في كتبه الثلاثة لم يعلم أنه من جهة النجاسة أو غيرها وإن كان الظاهر من منع التوضؤ ونحوه أن يكون من جهة النجاسة ومن الشرب
ونحوه يحتمل أن يكون من جهة النجاسة أو الحرمة والله أعلم ثم أنه استثنى الانسان أيضا من بين ما لا يؤكل لحمه فإن سؤره عنده لا بأس به إلا إذا كان كافرا وسيجئ
تفصيل القول في الكفر إنشاء الله تعالى ونسب العلامة في المختلف إلى ابن إدريس أنه حكم بنجاسة سؤر ما لا يؤكل لحمه من حيوان الحضر من غير الطير مما يمكن التحرز منه وهو مثل
قول المبسوط وسيجئ تفصيل القول في هذه المسألة وبيان ما هو الظاهر من الأقوال بعيد هذا إنشاء الله تعالى وأما الحكم الثاني فإن كان المراد بالسؤر الماء القليل فقد مر الكلام
فيه بما لا مزيد عليه في مبحث الماء القليل وإن كان أعم منه ومن المضاف فقد مر في بحث المضاف أيضا ما يتعلق بالمضاف وإن دخلت الجوامد أيضا فالظاهر أن الحكم بنجاسة الجامد
أيضا بملاقاة فم الحيوان النجس له أو عضوه الاخر مع الرطوبة إجماعي ولم نعلم فيه مخالفا ويؤيده ما رواه التهذيب في أواخر باب المياه وأحكامها في الصحيح عن علي بن جعفر
عن أخيه موسى (عليهما السلام) قال سئلته عن الفارة والكلب إذا أكلا من الخبز أو شماه أيؤكل قال يطرح ما شماه ويؤكل ما بقي وأما الحكم الثالث فقد عمم الحكم جماعة كما في
الكتاب وبعضهم قال في البغال والحمير والحق بعضهم الخيل أيضا قال في المعالم وعلل على التقديرين بأن فضلات النعم التي لا ينفك عنها تابعة للحم ولم ينقل في ذلك
حديث بل الأخبار السابقة مصرحة بنفي البأس عنه كرواية الفضل وصحيحة جميل بن دراج انتهى ولا يخفى إن التعليل المذكور ليس بمعتمد إذ التابعية ممنوع وأيضا
إذا كان الكلام عاما في الماء وغيره من الجوامد فالحكم ببقاء الفضلات بعد يبسها مشكل في أكثر الأحوال فيشكل أيضا ترتب كراهة السؤر عليه مطلقا ويمكن أن يستدل
عليه بما رواه التهذيب في أواخر الباب المذكور أيضا عن سماعة قال سئلته هل يشرب سؤر شئ من الدواب ويتوضأ منه قال أما الإبل والبقر فلا بأس وهذه الرواية
في الكافي أيضا في باب الوضوء من سؤر الدواب والسباع وفيها الغنم أيضا بعد البقر وهذا الخبر وإن لم يصلح مستندا لما في الكتاب لكن شموله للبغال والحمير والخيل ظاهر
ثم أنه وإن كان مضمرا لكن الظاهر أن إضمار لا يضره إذ ظاهرا إن سماعة يروي عن الإمام (عليه السلام) وكذا جهالته بأبي داود ومعارضته بروايات كثيرة دالة على نفي البأس
عن سؤر الأشياء التي يكره لحمها كما سنوردها مفصلة في الأبواب الآتية إنشاء الله تعالى إذ يتسامح في باب الكراهة والاستحباب كثيرا ويعمل بالضعاف فيهما كما مر مرارا
وطريق الجمع بين الروايات واضح بحمل البأس على الكراهة ونفيه على نفي الحرمة كما هو الشايع في الروايات جدا هذا مع معاضدته بقول جمع من الأصحاب وعدم وجدان
قول صريح من أحد بخلافه ولا يخفى إن الخبر الذي نقلنا مختص ظاهرا بالماء المطلق فالحكم في المضاف والجامد مشكل ولعل إبقائهما على الإباحة أولى
(ويكره سؤر الجلال) وهو الذي يأكل العذرة محضا قد مر إن المرتضى في المصباح استثنى الجلال من المباح وحكم بنجاسة سؤره وكذا نقل عن ابن جنيد والمبسوط وذهب الفاضلان و
جماعة من الأصحاب إلى ما ذهب إليه الكتاب ويحكى عن المرتضى أيضا الذهاب إليه في جمل العلم والعمل والظاهر أنه لا مستند للحاضرين سوى ما قيل إن رطوبة أفواهها ينشأ
من غذاء نجس فيجب الحكم بالنجاسة وفيه بعد تسليم جميع رطوبات أفواهها من الغذاء النجس إذ يجوز أن يكون بعضها من الماء نجاستها ممنوعة إذ الاحكام تابعة
للأسماء وبعد الاستحالة لا يبقى الاسم والحكم ونقض أيضا ببصاق شارب الخمر ما لم يتغير وبما لو أكلت غير العذرة مما هو نجس وبالجملة مقتضى الأصل الطهارة والإباحة
والروايات الآتية أيضا دالة عليه لكن القول بالكراهة أيضا ليس ببعيد عن الصواب للخروج عن خلاف الأصحاب والاحتياط التام في الاجتناب ثم لا يبعد أن يعلل المنع
بما ورد في نجاسة عرق الجلال وسيظهر إنشاء الله تعالى تحقيق الحال (وأكل الجيف مع الخلو عن النجاسة) الجيفة الميتة المنتنة قد مرا إن النهاية استثنى سؤر ما أكل الجيف من الطير
من المباح والعلامة في المنتهى حكم بكراهة سؤر أكل الجيف لكن قيده بالطير وكذا المحقق في المعتبر ونسباه إلى المرتضى أيضا وحكم في المختلف بكراهة سؤره لكن لم يقيده
بالطير كما في الكتاب ولا مستند ظاهرا للشيخ (ره) إلا أن يعلل بنحو ما مر في الجلال وقد عرفت ما فيه والعلامة في المختلف قال إن الشيخ احتج فيه بمفهوم والرواية التي سنوردها
في بحث سؤر ما لا يؤكل لحمه إنشاء الله تعالى وفيه من الضعف ما لا يخفى إذ بعد تسليم الدلالة إنما يثبت الحكم في بعض ما أكل الجيف الذي لا يؤكل لحمه وأيضا الحكم إنما هو
باعتبار إنه هو لا يؤكل لحمه ولا مدخل فيه لاكل الجيفة وهو ظاهر ثم إن الظاهر فيه أيضا الطهارة والإباحة بمقتضى الأصل والرويات الآتية والخروج عن الخلاف وذهاب
جمع من الأصحاب يدعوا إلى القول بالكراهة والاحتياط يحدو إلى الاحتراز والظاهر أن الحكم يعم المطلق والمضاف والجامد هذا مع خلو موضوع الملاقاة عن النجاسة
وأما مع عدمه فالحكم في المطلق والمضاف قد مر مفصلا والجامد أيضا كأنهم يدعون الاجماع فيه ثم إن هذا القيد في كلام المصنف يجب إرجاعه إلى الجلال
أيضا (والحايض المتهمة) الشيخ في المبسوط أطلق القول بكراهة سؤر الحايض وكذا نقل عن المرتضى في المصباح وابن الجنيد أيضا وفي النهاية قيد بالمتهمة كما هنا وكذا
نقل عن سلار وإليه ذهب الفاضلان والشهيد الثاني وقال الصدوق في الفقيه ولا بأس بالوضوء بفضل الجنب والحايض ما لم يوجد غيره وكأنه أيضا موافق للمبسوط
268

إن لم يكن مراده بالفضل ما يبقى مما يغتسل به من الحيض ويفهم من ظاهر التهذيب والاستبصار عدم جواز التوضؤ بسؤرها إذا لم يكن مأمونة واحتمل أيضا فيهما استحباب
التنزه عنه إذا كانت مأمونة أيضا حجة المبسوط ما رواه الكافي في باب الوضوء من سؤر الحايض في الصحيح ظاهرا عن عيص بن القثم قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام هل يغتسل الرجل
والمرأة من إناء واحد فقال نعم يفرغان على أيديهما قبل أن يضعا أيديهما في الاناء قال وسئلته عن سؤر الحايض فقال لا يتوضأ منه وتوض من سؤر الجنب إذا كانت
مأمونة ثم يغتسل يديهما قبل أن تدخلهما الاناء وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يغتسل هو وعايشة في إناء واحد ويغتسلان جميعا وفيه أولا أنه لا يدل على
تمام المدعى من كراهة سؤرها مطلقا لأنه مختص بعدم التوضؤ عنه نعم هو حجة لما نقلنا من التهذيب والاستبصار لو لم يكن إطلاقه وثانيا إن هذا الخبر قد روى
في التهذيب والاستبصار عن عيص بنحو آخر كما سنذكره وهو يدل على جواز التوضؤ من سؤرها إذا كانت مأمونة والاعتماد وإن كان على ما في الكافي أكثر لكن مثل
ذلك الاختلاف مما يورث وهنا في الاحتجاج ولو تمسك بهذا الخبر لما في التهذيب والاستبصار بتقريب أنه يدل على عدم جواز التوضؤ بسؤرها مطلقا خرج
ما إذا كانت مأمونة بالروايات التي سنذكرها بل الاجماع ظاهرا فبقي الباقي ففيه ما ذكرنا أخيران النهي في أحاديث أئمتنا (عليهم السلام) شايع في الكراهة مع اعتضاد
عدم الحرمة بالأصل والشهرة بين الأصحاب وأيضا في بعض الأخبار التي سنذكرها إشارة إلى استحباب التنزه كما سنشير إليه وما رواه التهذيب في باب المياه وأحكامها
في الموثق عن الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الحايض يشرب من سؤرها ولا يتوضأ منه وهذا الخبر في الاستبصار أيضا في باب استعمال فضل وضوء الحايض
والجنب وسؤرها وفي الكافي أيضا في الباب المذكور عن الحسين بن أبي العلاء بطريق آخر وأدنى تغيير في المتن إذ فيه قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحايض يشرب من
سؤرها قال نعم ولا يتوضأ منه وفيه أيضا عدم الدلالة على تمام المدعى وعند جعله حجة للتهذيب والاستبصار فيه عدم صحة السند واحتمال الحمل على الكراهة لما
ذكرنا آنفا وما رواه التهذيب أيضا في هذا الباب عن عنبسة بن مصعب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سؤر الحايض يشرب منه ولا يتوضأ وهذا الخبر في الاستبصار أيضا
في الباب المذكور بعينه من غير تغيير لا في السند ولا في المتن وفي الكافي أيضا في الباب المذكور سابقا بسند آخر عن عنبسة وأدنى تغيير في المتن إذ فيه أشرب من
سؤر الحايض ولا تتوضأ منه والكلام فيه أيضا كالكلام في سابقه وأما ما رواه التهذيب أيضا في الباب المذكور عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته هل
يتوضأ من فضل الحايض قال لا وهذا الخبر في الاستبصار أيضا في الباب المذكور بعينه والكلام فيه أيضا كالكلام في سابقه وما رواه الكافي أيضا في الباب المذكور
عن ابن أبي يعفور قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) أيتوضأ الرجل من فضل المرأة قال إذا كانت تعرف الوضوء ولا يتوضأ من سؤر الحايض وقسه على سابقه أيضا
وحجة ما في الكتاب ما رواه التهذيب في الباب المذكور والاستبصار أيضا في الباب المذكور عن عيص بن
القاسم قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن سؤر الحايض قال
توضأ منه وتوضأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة وتغسل يدها قبل أن تدخلها الاناء وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يغتسل هو وعايشة في
إناء واحد ويغتسلان جميعا وقد عرفت حال هذا الخبر من الاختلاف في نقله ومع ذلك أيضا لا يدل على تمام المدعى لأنه مخصوص بالوضوء نعم يصلح حجة
لما في التهذيب والاستبصار وفيه حينئذ احتمال الحمل على الكراهة مع أنه بهذه الطريق غير صحيح وما رواه التهذيب والاستبصار أيضا في البابين المذكورين عن علي بن
يقطين عن أبي الحسن (عليه السلام) في الرجل يتوضأ بفضل الحايض قال إذا كانت مأمونة فلا بأس وفيه أيضا القدح في السند مع عدم الدلالة على تمام المدعى وعند جعله
حجة للتهذيب والاستبصار فيه القدح في السند والحمل على الكراهة وقد يتمسك أيضا لما في الكتاب بأن المراد بالمأمونة المتحفظ من الدم وبالمتهمة ضدها أي التي
لا تحفظ ولا تبالي بها ولا ريب أن تطرق ظن النجاسة الذي هو المقتضي للكراهة هنا استظهار للعبادة واحتياطا لها إنما يتأتى مع عدم التحفظ وفيه إن التمسك
في طريقتنا بمثل هذه التعليلات مما لا وقع له وحجة احتمال الاستحباب الذي ذكرنا عند التهذيب والاستبصار ما روياه أيضا في البابين المذكورين عن أبي هلال
قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) المرأة الطامث اشرب من فضل شرابها ولا أحب أن تتوضأ منه والخبر ضعيف هذا ما يوجد من الروايات في هذا الباب وقد عرفت
حال الاحتجاج بها على المذاهب والذي يقتضيه النظر أن يحكم بعدم الكراهة في غير الوضوء من الشرب ونحوه من سؤر الحايض مطلقا سواء كانت مأمونة أولا إذ لم
نجد نهيا أصلا في الروايات في غير الوضوء وقد صرح في بعضها بجواز الشرب فالقول بتعميم الكراهة في الاستعمالات مما لا وجه له والتعليل العقلي الذي ذكرنا
وإن كان يجري في جميع الاستعمالات لكن ليس بكاف في الحكم الشرعي ثم بعد ذلك هل التوضؤ ليس بجائز إذا لم تكن مأمونة كما هو ظاهر التهذيب والاستبصار أو مطلقا
أو مكروه بالقيد المذكور أو مطلقا أما عدم الجواز مطلقا ففيه مع أن الظاهر أنه خلاف الاجماع إن النهي غير ظاهر في الحرمة مع أن الروايات المطلقة التي نقلنا مقيده
بالروايتين المقيدتين أعني رواية علي بن يقطين ورواية عيص بن القاسم على ما في التهذيب والاستبصار وهاتان الروايتان ولن لم يصح سندهما لكن الروايات المطلقة
كذلك سوى رواية عيص على ما في الكافي وقد عرفت ما فيه من الوهن مع أن في خبر أبي هلال إشارة إلى أن المراد الاستحباب وهو وإن كان ضعيفا لكن لا ريب في
تأييده للحمل على الكراهة وأما عدم الجواز مقيدا كما هو الظاهر التهذيب والاستبصار ففيه أيضا مظنة أن يكون مخالفا للاجماع إذ لم ينقل هذا القول أحد في نقل المذاهب
269

ومع قطع النظر عنه قد عرفت شيوع النهي في الكراهة مع تأييد رواية أبي هلال ولها ومعاضدة الأصل والشهرة وأما الكراهة مطلقا فلا بأس بها للنواهي
المطلقة ورواية أبي هلال الظاهرة في الكراهة والخبران الدالان على نفي البأس إذا كانت مأمونة يمكن حملهما على نفي شدة الكراهة لكن فيه بعد وأما الكراهة مقيدة
فقوته جدا لوجود الروايتين المقيدتين وحمل المطلقات عليهما مع تأييدها بالتعليل العقلي المذكور لكن يخاف على هذا القول من عدم قايل به وبالجملة الاحتياط
في الاجتناب عن التوضي بسؤرها مطلقا سواء كانت مأمونة أو لا وعن التوضي وغيره من الشرب ونحوه إذا لم يكن مأمونة والله أعلم ثم إن المصنف (ره) في البيان الحق بالحايض المتهمة كل متهم واستحسنه الشهيد الثاني (ره) وفيه تأمل لعدم دليل عليه
والتعليل العقلي المذكور لا يصلح للاستناد والاعتماد ولعل الاجتناب المذكور لا يكون مناسبا للشريعة الحنفية السمحة السهلة وقد روى الصدوق في الفقيه
في باب المياه عن علي (عليه السلام) قال وسئل علي (عليه السلام) أيتوضأ من فضل وضوء جماعة المسلمين أحب إليك أو يتوضأ من ركو أبيض مخمر فقال لا بل من فضل وضوء جماعة
المسلمين فإن أحب دينكم إلى الله الحنيفية السمحة السهلة (والدجاج) قد أطلق العلامة وغيره كراهة سؤر الدجاج وعلل بعدم انفكاك منقارها عن النجاسة غالبا والمعتبر
حكى عن الشيخ في المبسوط أنه قال يكره سؤر الدجاج على كل حال ثم قال المحقق وهو حسن إن قصد المهملة لأنها لا تنفك من الاغتذاء بالنجاسة قال المحقق الشيخ حسن وما
شرطه في الحسن هو الحسن لا يخفى إن الحكم بالكراهة بمجرد هذا الوجه مشكل إلا أن يقال إن الامر بالاحتياط في الدين الذي ورد في بعض الروايات يشمل مثل هذه الصورة
أيضا لكن لا يخفى أن بعد ورود الروايات العامة والخاصة الدالة بعمومها أو خصوصها على جواز التوضؤ والشرب من سؤره أو نفي البأس عنه مطلقا لا وجه للحكم
بالكراهة وحمل الرويات على نفي الحرمة فقط من دون معارض من الروايات بل بمجرد ذلك الوجه العقلي بل الأولى إبقاء الروايات بحالها أما الروايات العامة فمنها ما
رواه الكافي في باب الوضوء من سؤر الدواب والسباع في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا بأس أن يتوضى مما شرب منه ما يؤكل لحمه ومنها ما
رواه أيضا في الباب المذكور في الموثق عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئل عما يشرب منه الحمامة فقال كل ما أكل لحمه تتوضأ من سؤره وتشرب وعن
ماء يشرب منه باز أو صقر أو عقاب فقال كل شئ من الطير يتوضأ مما يشرب منه إلا أن ترى في منقاره دما فإن رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه ولا تشرب وهذه الرواية
في التهذيب أيضا في أواخر باب المياه وفي الاستبصار في باب سؤر ما يؤكل لحمه ولا يؤكل لحمه من طريق الكافي لكن زاد في الاستبصار وسئل عن ماء شربت منه الدجاجة قال
إن كان في منقارها قذر لم تشرب ولم تتوضأ منه وإن لم تعلم إن في منقارها قذرا أتوضأ منه وأشرب ويمكن أخذ تعميم هذه الرواية النسبة إلى الدجاجة من
وجهين أحدهما من جهة كل ما أكل لحمه والاخر من جهة الطير إن لم يمنع حمل الطير عليه عرفا وقد روى التهذيب الجزء الأول من هذه الرواية منفردا أيضا في الباب المذكور
بعين هذا السند ومنها ما رواه التهذيب في أواخر باب تطهير الثياب في الموثق عن عمار أيضا لكن لا من طريق الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في أثناء حديث وعن ماء شربت
منه الدجاجة قال إن كان في منقارها قذر لم يتوضأ منه ولم يشرب وإن لم تعلم إن في منقارها قذرا توضأ منه واشرب وقال كل ما يؤكل لحمه فتتوضأ منه واشربه
وعن ماء يشرب منه بازا وصقر أو عقاب قال كل شئ من الطير يتوضأ مما يشرب منه إلا أن ترى في منقاره دما فإن رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه ولا تشرب
والتعميم في هذه الرواية أيضا كما تقدم والظاهر أن الزيادة المذكورة أخذها الاستبصار من هذه الطريق وأسندها إلى طريق الكافي والله يعلم وأما في الروايات
الخاصة فمنها ما نقلنا من الاستبصار والتهذيب من الزيادة المذكورة ومنها ما رواه الكافي في الباب المذكور أيضا عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال فضل
الحمامة والدجاجة لا بأس به والطير وهذا الخبر في التهذيب أيضا في أواخر باب المياه من طريق الكافي ومنها
ما رواه الفقيه في باب المياه مرسلا قال وسئل الصادق (عليه السلام)
عن ماء شربت منه الدجاجة فقال إن كان في منقارها قذر لم يتوضأ منه ولم يشرب وإن لم يعلم في منقارها قذر توضأ منه واشرب والله يعلم
(وسؤر غير مأكول اللحم على الأقرب) قد مر إن الشيخ (ره) في المبسوط حكم بنجاسة سؤر غير مأكول اللحم من الحيوان إلا نسي إلا ما قلنا من أنه استثناه وكذا نقلنا عن ابن إدريس وفي التهذيب و
الاستبصار حكم بعدم جواز استعمال سؤر غير مأكول اللحم مطلقا سوى ما ذكرنا مما استثناه فيهما والفاضلان والشهيد الثاني وجمهور المتأخرين ذهبوا إلى
ما ذهب إليه المصنف في الكتاب وهو الظاهر بالنظر إلى الأدلة المتعارفة أما أولا فلأصالة الطهارة لأن النجاسة يرجع حقيقة إلى وجوب الاجتناب عن موصوفها
في الأكل والشرب ونحوهما من الاستعمالات وكذا وجوب الاجتناب عنه في الصلاة ونحوها من العبادات المشروطة بالطهارة ووجوب إزالتها عن المصاحف
والمساجد ونحوهما وبالجملة مرجعها إلى اقتضاء وتكليف حتمي والأصل براءة الذمة من التكاليف حتى يثبت وكذا الكلام في أصالة الحل ويؤيد الأصل العقلي أيضا
ما ورد في الروايات إن كل شئ نظيف حتى يستيقن أنه قذر وكل ماء طاهر حتى تعلم أنه قذر وكذا كل شئ مطلق حتى يرد فيه نهى والحاصل إن العقل والنقل
متطابقان في هذا الأصل ولا مخرج فيما نحن فيه عنه لضعف حجة المخالف كما سيظهر فيتعين العمل به وأما ثانيا فللآيات الكريمات أحديهما قوله تعالى حرمت عليكم
الميتة والدم ولحم الخنزير الآية مع انضمام قوله تعالى وما لكم أن لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم الآية وجه الاستدلال إن قوله تعالى وقد
فصل لكم إشارة إلى الآية المذكورة كما ذكروه وحينئذ فالظاهر أن المحرمات كلها مفصلة فيها وإلا فلا وجه لانكار عدم أكل ما ذكر اسم الله عليه معللا بأن المحرمات
270

قد فصلت عليكم وهو ليس منها وما نحن فيه من سؤر غير مأكول اللحم ليس داخلا فيما في الآية الكريمة فيكون حلالا ويلزم منه طهارته أيضا ثانيها وقوله تعالى قل لا أجد فيما
أوحى محرما إلى علي طاعم يطعمه الآية ووجه الاستدلال ظاهر وثالثها قوله تعالى إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير الآية ووجه الاستدلال إن إنما للحصر ويرد على
الجميع أنه يجوز أن يكون حرمة السؤر المذكور بعد نزول الآيات إذ لم نعلم بعد نزول هذه الآيات لم ينزل حكم لو تمسك بأن الأصل عدم النزول بعدها فرجع
إلى الدليل الأول حقيقة وأما ثالثا فللروايات أي الروايات الدالة على عدم النجاسة والحرمة أما في سؤر جميع ما وقع فيه النزاع مما لا يؤكل لحمه أو بعضه ويتم
الدليل بتقريب عدم القول بالفصل واعلم أن بعض هذه الروايات قد تقدم منا نقله في الأبواب السابقة لكن لا بأس بتكراره وإعادته لما في الحوالة البعيدة
من انتشار الفهم وهذا هو العذر في ساير ما يوجد في هذا الكتاب من أمثال ذلك فمنها ما رواه التهذيب في باب المياه في الصحيح عن الفضل أبي العباس قال سألت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن فضل الهرة والشاة والبقر والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع فلم أترك شيئا الا سألته عنه فقال لا بأس به حتى انتهيت
إلى الكلب فقال رجس نجس لا تتوضأ بفضله وأصيب ذلك الماء واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء وهذه الرواية في الاستبصار أيضا في باب حكم الماء إذا ولغ
فيه الكلب ومنها ما رواه التهذيب والاستبصار أيضا في البابين المذكورين عن معاوية بن شريح قال سأل عذافر أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا عنده عن سؤر السنور
والشاة والبقر والبعير والحمار والفرس والبغل والسباع يشرب منه أو يتوضأ منه فقال نعم إشرب منه وتوضأ قال قلت له الكلب قال لا قلت أليس هو سبع قال لا والله
أنه نجس لا والله أنه نجس وقال بعد نقل الخبر سعد عن أحمد عن الحسن بن علي بن فضال عن عبد الله بن بكير عن معاوية بن ميسرة عن أبي عبد الله (عليه السلام) وذكر مثله انتهى
ولا يخفى أن معاوية بن ميسرة إن كان هو معاوية بن شريح فتعدد النقل باعتبار تعدد السند ويحتمل تعدد المتن وإن كان غيره فهذا الاحتمال فيه أظهر والطريق الأول إلى معاوية
صحيح والثاني موثق ومعاوية نفسه ابن شريح كان أو ابن ميسرة ليس بموثق ويمكن أن يناقش في هذا الخبر بأن ما في هذا الخبر مما لا يؤكل لحمه هو السنور والسباع
والسنور قد استثناه الشيخ (ره) من بين ما لا يؤكل لحمه فليس محلا للنزاع والسباع لا نسلم شمولها للحيوانات الانسية غير الهرة ونزاع الشيخ فيما لا يؤكل لحمه من الحيوانات
الانسية في المبسوط نعم يدل على خلاف مختاره في التهذيب والاستبصار ومنها ما رواياه أيضا في البابين المذكورين في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألته عن الكلب
يشرب من الاناء قال اغسل الاناء وعن السنور قال لا بأس أن يتوضأ من فضلها إنما هي من السباع والاستدلال بهذا الخبر ليس من جهة السنور لما علمت من عدم
النزاع فيه بل من جهة إشعاره بأن السباع لا بأس بالتوضي من سؤرها وفيه أيضا المناقشة المذكورة واعلم إن قوله (عليه السلام) أما أن يراد به أنه من السباع الطاهرة
أو يقال إن الكلب والخنزير لا يطلق عليه السبع في العرف على ما يشعر به روايتا أبي العباس ومعاوية المتقدمتان آنفا ومنها ما رواه الكافي في باب الوضوء من سؤر الدواب
والسباع في الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إن في كتاب علي (عليه السلام) إن الهرة سبع ولا بأس بسؤره وإني لأستحي من الله أن ادع طعاما لان هرا أكل منه
وهذه الرواية في التهذيب أيضا في الباب المذكور في الصحيح لكن لا من طريق الكافي والكلام في هذا الخبر أيضا كالكلام في سابقه استدلالا ومناقشة ومنها ما رواه التهذيب
في الباب المذكور في الصحيح عن جميل بن دراج قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن سؤر الدواب والغنم والبقر أيتوضأ منه ويشرب فقال لا بأس ويناقش في هذا الخبر أيضا
بجواز حمل الدواب على الخيل كما نقل إن الدابة نقلت في العرف إلى الفرس خاصة سيما مع انضمامها بالغنم والبقر ومنها ما رواه التهذيب في زيادات كتاب الطهارة في باب
المياه في الصحيح عن صفوان بن مهران الجمال قال سئلت أبا عبد الله عن الحياض التي بين مكة إلى المدينة يردها السباع ويلغ فيها الكلاب ويشرب منها
الحمير ويغتسل منها الجنب ويتوضأ منها فقال وكم قدر الماء فقلت إلى نصف الساق وإلى الركبة فقال توضأ منه وهذا الخبر في الاستبصار أيضا بهذا الطريق في
باب الماء القليل وفي الكافي أيضا في باب الماء الذي فيه قلة وقد تكلمنا عليه فيما مضى في بحث نجاسة الماء القليل فراجعه ومنها ما رواه التهذيب في الباب المذكور عن أبي الصباح عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال كان علي (عليه السلام) يقول لا تدع فضل السنور أن تتوضأ منه إنما هي سبع والاستدلال والمناقشة كما مر وهذا الخبر وصفه العلامة (ره)
في المنتهى بالصحة لكن ليس بظاهر لان فيه محمد بن الفضيل وهو مشترك بين الثقة وغيرها ولا دليل على أنه هنا الثقة ومنها ما رواه التهذيب أيضا في الباب
المذكور عن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) كل شئ يجتر فسؤره حلال ولعابه حلال
وروى الفقيه أيضا هذا الخبر في باب المياه مرسلا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) والاستدلال به إنما هو بعد أن يثبت إن كل ما لا يؤكل لحمه يجتر وإن لم
يثبت فإن كان جميعه مما لا يجتر فينعكس الاستدلال إذ للشيخ (ره) أن يستدل على مطلوبه بمفهوم الخبر وإن كان فيه ما يجتر وما لا يجتر فيمكن الاستدلال به من الجانبين منطوقا ومفهوما مع انضمام
القول بعدم القول بالفصل والظاهر أن الرجحان للمنطوق ومنها ما رواه التهذيب والاستبصار أيضا في البابين المذكورين عن ابن مسكان عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال سئلته عن الوضوء مما ولغ الكلب فيه والسنور أو شرب منه جمل أو دابة أو غير ذلك أيتوضأ منه أو يغتسل قال نعم إلا أن تجد غير فتنزه عنه وأورد عليه أنه يحمل على
الكر بقرينة ولوغ الكلب والشيخ أيد هذا الحل في الكتابين بروايتين أوردهما فيهما في البابين المذكورين أحديهما في الصحيح ظاهرا عن محمد بن مسلم قال سئلته
271

عن الماء يبول فيه الدواب أو تلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب قال إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ والأخرى في الموثق عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال ليس
بفضل السنور بأس أن يتوضأ منه ويشرب ولا يشرب سؤر الكلب إلا أن يكن حوضا كبيرا يسقي منه وفيه أنه خلاف ظاهر اللفظ والروايتان يمكن حملهما على الكراهة فوافقان
تلك الرواية نعم لو ثبت إن الماء القليل ينجس بملاقاة النجاسة فلا بد من ذلك الحمل لكن قد مر في مبحثه الكلام مفصلا وأنه يمكن النزاع فيه ومنها ما رواه التهذيب
في باب المياه في الزيادات عن إسماعيل بن مسلم عن جعفر عن أبيه إن النبي (صلى الله عليه وآله) أتى الماء فأتاه أهل الماء فقالوا يا رسول الله إن حياضنا هذه تردها
السباع والكلاب والبهائم قال لها ما أخذت بأفواهها ولكم ساير ذلك وهذا الخبر في الفقيه أيضا في باب المياه قال وأتى أهل البادية رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فقالوا يا رسول الله إن حياضنا هذه تردها السباع والكلاب والبهائم فقال لهم (عليه السلام) لها ما أخذت أفواهها ولكم ساير ذلك وفيه أنه لعل
الحياض كانت كرا كما هو الظاهر هذا ما يمكن أن يستدل به على عدم النجاسة والحرمة في سؤر ما لا يؤكل لحمه وأما كراهته فيمكن أن يستدل عليه بما رواه الكافي في الباب
المذكور عن الوشاء عن من ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه كان يكره سؤر كل شئ لا يؤكل لحمه ولا يبعد تأييده أيضا برواية ابن مسكان المنقولة آنفا ومضمرة سماعة
المتقدمة في بحث تبعية السؤر لذي السؤر في الكراهة وقد يعلل أيضا بوقوع الخلاف فيه وفيه شئ ولا يخفى إن الحكم بكراهة سؤر السنور من بين ما لا يؤكل لحمه مشكل
مع ما ذكرنا في حقه آنفا وقد روى التهذيب أيضا في الباب المذكور في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الهرة أنها من أهل البيت ويتضامن سؤرها وروى أيضا
في الباب المذكور في الموثق عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) إن عليا (عليه السلام) قال إنما هي من أهل البيت روى أيضا في باب الذبايح والأطعمة عن أبي مريم الأنصاري
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال في كتاب علي (عليه السلام) لا امتنع من طعام طعم منه السنور ولا من شراب شرب منه السنور وقال الفقيه في باب المياه وقال الصادق (عليه السلام) أني لا
أمتنع من طعام طعم منه السنور ولا من شراب شرب منه فعلى هذا الأولى استثناؤه من الحكم بالكراهة وتخصيص رواية الوشاء وابن مسكان وسماعة إذ الظاهر أنه لا إجماع على
عدم إباحته بل لا يبعد الحكم باستحباب استعماله كما يفهم من بعض الروايات المنقولة ثم لا يخفى إن أكثر الروايات المذكورة تدل على نفي الحرمة والنجاسة عن سؤر
ما لا يؤكل لحمه إذا كان ماء مطلقا ولا يدل على المضاف والجامد سوى صحيحة أبى العباس فإنه لا يبعد حملها على العموم وكذا رواية الاجترار أيضا وصحيحة زرارة ورواية
أبي مريم ومرسلة الفقيه أيضا تدل على الحكم في الجامد من سؤر السنور وبالجملة فيما لا ظهور له في العموم يتم التقريب بانضمام عدم القول بالفصل وفيه شئ هذا وحجة الشيخ
على مختاره أما على عدم جواز استعمال سؤر ما لا يؤكل لحمه فما في رواية عمار المتقدمة من طريق الكافي وغيره من قوله (عليه السلام) كل ما أكل لحمه يتوضأ من سؤره ويشرب
وجه الاستدلال أنه يفهم منه إن ما لا يؤكل لحمه لا يتوضأ من سؤره ولا يشرب قال لأنه إذا شرط في استباحة سؤره أن يؤكل لحمه دل على أن ما عداه بخلافه ويجري
هذا مجرى قول النبي (صلى الله عليه وآله) في سايمة الغنم الزكاة في أنه يدل على أن المعلوفة ليس فيها الزكاة وهذا الدليل لو كان دليلا على ما اختاره في المبسوط فلم
يكف في إثبات مطلوبة لأنه يدل على المنع في غير المأكول مطلقا الظاهر أنه ليس للشيخ (ره) ما يدل على تخصيص الحيوان البري منه إذ لم نجد دليلا عليه أصلا ولعل مستنده
في التخصيص الخبر الذي فيه إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتى الماء وفيه ما فيه نعم يدل على تقدير تمامه على مختاره في التهذيب والاستبصار إذ يوجد شئ يمكن الاستدلال
به على تخصيص ما استثناه فيهما وأجاب العلامة في المختلف من هذه الحجة بقوله والجواب أنه استدلال بالمفهوم فلا يعارض المنطوق ثم يدل على غير مطلوبه لان
السؤال وقع عن الحمام فقال (عليه السلام) كل ما يؤكل لحمه وهو يفهم منه إن المراد من كل ما يؤكل لحمه من الحمام وأيضا فالطريق ضعيف سلمنا دلالة المفهوم لكن يكفي في دلالة المفهوم
مخالفة المسكوت عنه للمنطوق في الحكم الثابت للمنطوق وهذا الحكم الثابت للمنطوق الوضوء بسؤر ما يؤكل لحمه والشرب منه وهو لا يدل على أن كل ما لا يؤكل لحمه لا
يتوضأ ولا يشرب بل جاز اقتسامه إلى قسمين أحدهما يجوز الوضوء والشرب منه والاخر لا يجوز فإن الاقتسام حكم مخالف لاحد القسمين ونحن نقول بموجبه فإن ما لا يؤكل
لحمه من الكلب والخنزير ولا يجوز الوضوء بسؤرهما ولا شربه والباقي يجز لا يقال لو ساوى أحد قسمي المسكوت عنه المنطوق في الحكم لانتفت دلالة المفهوم ونحن إنما
استدللنا بالحديث على تقديرها لأنا نقول لا نسلم انتفاء الدلالة لحصول الشافي بين المنطق والكلي المسكوت عنه فهذا خلاصته ما أفدناه في كتاب استقصاء
الاعتبار في تحقيق معاني الأخبار انتهى كلامه أقول ويمكن الجواب أيضا بأن مفهومه ليس ظاهرا في حرمة التوضي والشرب من سؤر ما لا يؤكل لحمه إذ منطوقه بلفظ الخبر
أي يتوضأ ويشرب فالظاهر أن مفهومه لا يتوضأ ولا يشرب أيضا بعنوان الخبر والخبر لا دلالة له ظاهرا على الحرمة مع أن النهي الصريح أيضا لا ظهور له في الحرمة في أحاديث أئمتنا
عليهم السلام كما مر غير مرة فليحمل على الكراهة كما هو مختارنا مع أنه يؤيد هذا الحمل ظاهر لفظ الكراهة في رواية الوشاء المتقدمة آنفا ثم لا يخفى إن الجواب الأول للعلامة
لا يخلو عن قوة لان المفهم على تقدير حجيته لا يقوى على معارضة المنطوق سيما مع كثرة المنطوق معاضدته بالأصل وأما جوابه الثاني فليس بجيد لان تخصيص
السؤال لا يوجب تخصيص الجواب وهو ظاهر أما الثالث فقوى أيضا لان العمل بالخبر الموثق لو جاز فإنما يجوز عند اشتهاره واعتضاده بعمل كل الأصحاب أو جلهم وعند عدم معارض قوي له وأما
عند انتفاء هذه الامر كلا أو بعضا فلا الظاهر فيما نحن فيه انتفاؤها رأسا لكن لا يخفى أن ها هنا حديثا آخر صحيحا قد غفل القوم عنه في ذكر الاحتجاج للشيخ وهو
272

صحيحة عبد الله بن سنان المنقولة عن الكافي في بحث الدجاجة وحينئذ لا يرد هذا البحث لكن الأبحاث الأخرى
باقية بحالها وفي هذا الحديث أيضا وإن كان المقوم كلام في
الصحة حيث إن فيه محمد بن عيسى عن يونس لكن الظاهر الاعتماد عليه سيما مع انضمامه برواية عمار وبالجملة اعتراض العلامة (ره) لا يرد على هذا الحديث على أي حال لأنه اعترف
في الخلاصة بقبول روايته وأما الجواب الرابع فكلام حسن وتحقيق مستحسن لكن ما قرره في ذيل لأنا نقول لا يحسم مادة ما ذكره في لايق بالكلية إذ مجال الكلام باق بعيد
بأن يقال إذا كان أحد قسمي المسكوت موافقا للمنطوق فما الفايدة في إخراجه عن المنطوق وإدخاله في المسكوت فلا بد من المخالفة ليظهر الفايدة في الكلام ويخرج عن العبث
واللغو الذي لا يليق بالحكيم كيف وبناء حجية المفهوم على هذا فإنهم يقولون لو لم يكن المسكوت مخالفا للمنطوق في الحكم لم يكن في تحقيقه به فائدة فيصير الكلام لغوا وعبثا غير لايق بالحكيم هذا المعنى موجود فيما نحن فيه كما عرفت وحينئذ لا ينفع ما ذكره في دفعه بل ينبغي أن يقال يجوز أن
يكون معنى كل شامل لافراد متعددة أمرا مشهورا ظاهرا وكان لمقابله ومبانيه قسمان أحدهما يوافق ذلك المعنى المشهور في خصوص حكم مثلا والاخر يخالفه لكن لا
يوجد أمر مشهور ظاهر مشترك بين أفراد ذلك المعنى المشهور وخصوص ذلك القسم الموافق على هذا فربما يكون إذا أريد أن يحكم بالحكم المذكور أن يجعل عنوان الموضوع
الامر المشهور المفروض ويحكم على أفراد بخصوصه كليا ويكتفي في المخالفة التي لا بد ما بين المنطوق والسكوت بمجرد أن أفراد المنطوق وكلية كذلك بخلاف أفراد المسكوت لولا يضم القسم الموافق للمنطوق ومن المسكوت إليه في الحكم لعدم تحقق أمر متعارف مشهور يصلح عنوانا لهما في الحكم كما هو
المفروض ويهمل حال ذلك القسم حينئذ حتى يبين وقت الحاجة إليه بعنوان مختص به ومثل هذا ليس مما يعد في العرف عبثا مستهجنا مثل أن يقال كل إنسان طويل
بادي البشرة فإن قلت مرجع ما ذكرت عند التحقيق إلى أنه يجوز أن يكون التخصيص الحكم وجه غير المخالفة وهذا غير مجد إذ أصل دلالة المفهوم أيضا عند عدم ظهور
وجه للتخصيص سوى المخالفة والقائلون بحجية المفهوم معترفون به أيضا كما بين في الأصول فحينئذ يكون حاصل كلامك أنه يجوز أن لا يدل المفهوم بناء على تحقق فايدة للتخصيص
سوى المخالفة على هذا أي حاجة كانت إلى التدقيق الذي أورده العلامة (ره) إذا أمكن أن يقال في أصل الحكم أيضا أنه يجوز أن يكون للتخصيص فايدة سوى المخالفة وعند
ذلك لا يدل المفهوم كما قررنا قلت الامر كما ذكرت من رجوع ما ذكرنا إلى ما ذكرت لكن نقول إذا حكم أحد على عنوان حكما كليا فقد يكون بحيث لا يظهر لتخصيص هذا
الحكم بهذا العنوان دون ما عداه موجه سوى المخالفة فلا بد من التزامه إذا كان القايل حكيما عارفا بدقايق الكلام لكن لا يكفي مجرد ذلك في أن يحكم بالمخالفة بين
المنطوق والمسكوت بالكلية بأن لا يكون شئ من أفراد ما عداه متصفا بهذا الحكم بل يكفي المخالفة في الجملة وهو ظاهر ثم لو فرض بعد ذلك أنه لم يظهر لاخراج بعض أفراد
ما عداه من الحكم أيضا وجه أصلا فحينئذ ينبغي الحكم بالمخالفة كلية وهذا الوجه الذي ذكرنا قلما يوجد حكم كلي على عنوان مخصوص بحيث ينفك عنه ففي الصورة التي لم
يظهر وجه لتخصيص أصل الحكم يتمسك به كما فيما نحن فيه وعند فرض عدم ظهور هذا الوجه أو نظيره نلتزم أنه يحكم بالمخالفة الكلية على أنه يمكن أن يقال من رأس أن مجرد
تخصيص حكم بشئ موافقة آخر له ليس مما يستدعي نكتة في التخصيص وإلا لكان مفهوم اللقب أيضا حجة الجريان العلة فيه مع أنه لا حجية فيه عند المحققين أصلا بل متعارف
التخاطب والمحاورة كما يظهر من تتبع محاورات العقلاء يقضي بأن تخصيص شئ بصفة أو تقييد بشرط مثلا عند الحكم عليه بأمر يستدعي نكتة فإذا لم يظهر نكتة سوى
المخالفة بين المنطوق والمسكوت يحكم به ويكفي في تلك المخالفة في الأحكام الكلية المخالفة في الجملة ولا يحكم العرف بأزيد من ذلك والتخصيص الذي يلزم في صورة المخالفة
في الجملة على ما قرر لا نسلم أنه يستدعي نكتة بل هو كالتخصيص الذي في مفهوم اللقب وعلى هذا الاشكال أصلا هذا ثم إن صاحب المعالم (ره) أورد على الجواب الأخير للعلامة (ره)
بقوله وفيه نظر لان فرض حجية المفهوم يقتضي كون الحكم الثابت للمنطوق ومنفيا عن غير محل النطق والمعنى بالمنطوق في مفهومي الشرط والوصف ما يتحقق فيه القيد المعتبر
شرطا أو وصفا مما جعل متعلقا له وبغير محل النطق ما ينتفي عنه القيد من ذلك المتعلق ولا يخفى أن متعلق القيد أيضا هنا هو قوله كل ما أي كل حيوان والقيد
المعتبر وصفا هو كونه مأكول اللحم فالمنطوق هو مأكول اللحم من كل حيوان والحكم الثابت له هو جواز الوضوء من سؤره والشرب وغير محل النطق ما انتفى عنه الوضوء وهو عبادة عن غير مأكول اللحم من كل حيوان وانتفاء الحكم الثابت للمنطوق عنه يقتضي ثبوت المنع لأنه اللازم لرفع الجواز وذلك
واضح وإن قدر عروض اشتباه فيه فليوضح بالنظر في مثاله المشهور الذي أشار إليه الشيخ (ره) أعني قوله (صلى الله عليه وآله) في سائمة الغنم الزكاة فإنه على تقدير
اعتبار المفهوم فيه يدل على نفي الوجوب في مطلق الغنم المعلوفة بلا إشكال ووجهه بتقريب ما ذكرناه إن التعريف في الغنم للعموم وهو متعلق القيد أعني وصف
السوم فالمنطوق وهو السائمة من جميع الغنم والحكم الثابت له وجوب الزكاة فإذا فرضنا دلالة الوصف على النفي عن غير محله كان مقتضاه هنا نفي الوجوب عما انتفى
عنه الوصف من جميع الغنم وذلك بثبوت نقيضه الذي هو العلف فيدل على النفي عن كل معلوف من الغنم فتأمله انتهى كلامه وفيه نظر لان المعنى الذي ذكره
للمنطوق وغير محل النطق وإن الحكم لابد أن ينتفي عن غير محل النطق بهذا المنى جميعا مما لا شاهد له لا عقلا ولا عرفا ولا لغة وإنما هو مجرد ادعاء والقدر
المسلم إن العرف يقضي بمخالفة ما بين الحكم فيما قيد بالوصف أو الشرط ونحوهما وفيما عداه إذا لم يظهر وجه آخر للتقييد مثلا إذا كان الحكم كليا مثل في كل غنم
سائمة زكاة فلا بد أما أن لا يكون شئ من الغير السائمة فيه الزكاة أو لا يكون في بعضها الزكاة وإذا كان جزئيا بشرط لا مثلا كما يقال بعض الانسان الطويل فقط
كذلك يجب أن لا يكون شئ من الانسان القصير كذلك أو يكون كله كذلك وهذا ظاهر عند تتبع محاورات العقلاء ومخاطبات الناس من دون التباس نعم ربما يتطرق في
المقام الشبهة التي أوردناها ودفعها بما مر وكلام هذا المحقق مما لا تعلق له بها وهو ظاهر ثم أنه قد ظهر من كلامه إن لمثاله المشهور دخلا في توضيح الحال ووجهه غير
273

معلوم إذ ما زاد في توجيه المثال على ما ذكره في الحكم الذي نحن بصدده أصلا كما لا يخفى هذا ويمكن أن يحتج أيضا للشيخ (ره) بمضمرة سماعة المتقدمة في بحث تبعية السؤر
لدى السؤر في الكراهة وجه الدلالة أنه نفى البأس عن الإبل والبقر أو الغنم أيضا على رواية فقط فثبت لما سواها خرج ما خرج من مأكول اللحم بالدليل فبقي الباقي وفيه
مع الاضمار وعدم صحة السند وجهالته ومعارضته بالروايات الكثيرة معارضة المنطوق بالمفهوم أن البأس يمكن حمله على الكراهة وليس ظاهرا في الحرمة وأما استدلال الشيخ (ره)
على استثنائه ما استثنى فأما استثناؤه الحيوان البري كما في المبسوط فقط عرفت أنه لا وجه له وأما استثنائه الاخر في المبسوط وهو ما يشق التحرز عنه كالهرة والفارة و
نحوهما وكذا استثنائه الطير مطلقا فدليله في الطير روايتا أبي بصير وعمار بن موسى المتقدمتان في حجج ما
ذهب إليه المصنف في المسألة وأما دليله فيما يشق الاجتناب
عنه فلعله المشقة والجرح والرويات الواردة في أمثال تلك الأشياء كما مرت في الهرة وسيجئ في الفارة وغيرها أيضا وأنا بعد ما بينا ظهور جواز الاستعمال في
سؤر كل ما يؤكل لحمه لفي فراغ من تحقيق حال هذا الاستثناء ثم الظاهر أن استثناء الشيخ في الاستبصار مراده ما هو في المبسوط بعينه وإن ذكر خصوص بعض
الطيور وخصوص الفارة بقرينة ما ذكره من الدليل خصوصا في الطير إذ لا يبعد أن يقال إن ظاهر عبارته أيضا لا يوهم التخصيص كما يظهر لمن ينظر فيها نعم لا يظهر أن
مذهبه في التهذيب ماذا في الأمور التي يشق الاحتراز عنها لأنه استدل على نفي البأس عن سؤر الهرة فقط ولم يتعرض لغيرها من الأمور المذكورة بنفي ولا إثبات
(ومنه الفارة) الحكم بكراهة سؤرها هو المشهور ويفهم من المعتبر أنه لا يكره وكلام الشيخ (ره) في بعض المواضع من النهاية يدل على عدم جواز استعماله وإن كان
صرح في موضع آخر بخلافه قال في باب المياه منها وإذا وقعت الفارة والحية في الآنية وشربتا منها ثم خرجتا لم يكن به بأس والأفضل ترك استعماله على كل
حال وقال في باب تطهير الثياب من النجاسات منها وإذا أصاب ثوب الانسان كلب أو خنزير أو ثعلب أو أرنب أو فارة أو وزغة وكان رطبا وجب غسل الموضع الذي
أصابه فإن لم يتعين الموضع وجب غسل الثوب كله وإن كان يابسا وجب أن يرش الموضع بعينه فإن لم يتعين رش الثوب كله وكذلك إن مس الانسان بيده أحد ما
ذكرناه انتهى ولا يخفى ما في بين الكلامين من البين وحمل الوجوب على الاستحباب المؤكد في الفارة ونحوها بعيد سيما مع اقترانها بالكلب والخنزير وكذا يبعد أيضا
الفرق بين الصورتين أي الماء الذي وقعت فيه الفارة أو شربت منه وما إذا أصابت رطبا ثوب إنسان أو بدنه وكذا كلامه في المبسوط لأنه في بحث الأسئار
استثنى الفارة ونحوها مما يشق التحرز عنه عن الحكم بعدم جواز استعمال السؤر فميا لا يؤكل لحمه من الحيوان إلا نسي على ما نقلنا عنه سابقا ثم قال في باب
تطهير الثياب ما مس الكلب والخنزير والثعلب والأرنب والفارة والوزغة بساير أبدانها إذا كانت رطبة أو أدخلت أيديها وأرجلها في الماء وجب غسل الموضع
وإراقة ذلك الماء ولا يراعي في غسل ذلك العدد لان العدد يختص الولوغ وإن كان يابسا رش الموضع بالماء فإن لم يتعين الموضع غسل الثوب كله أو رش و
كذلك إن من بيده شيئا من ذلك وكان واحد منهما رطبا وجب غسل يده وإن كان يابسا مسحه بالتراب وقد رويت رخصة في استعمال ما يشرب منه ساير الحيوانات في
البراري سوى الكلب والخنزير وما شربت منه الفارة في البيوت والوزغ أو وقعا فيه وخرجا حيين لأنه لا يمكن التحرز من ذلك انتهى ولعله كما يفهم من سوق كلامه أنه
قايل بالفرق بين الصورتين اللتين ذكرنا وإن كان بعيدا أو إن حكمه بالجواز في النهاية والمبسوط إنما هو بالجواز في الصورة الأولى بناء على ورود الرواية في خصوصها بزعمه
والمفيد (ره) في المقنعة لم يحكم في بحث الأسئار في باب الفارة بشئ وقال في باب تطهير الثياب بعد ذكر الكلب والخنزير وكذلك الحكم في الفارة والوزغة برش الموضع الذي
مساه بالماء من الثوب إذا لم يؤثرا فيه وإن رطباه وأثرا فيه غسل بالماء وكذلك إن مس واحد مما ذكرناه جسد الانسان أو وقعت يده عليه وكان رطبا غسل ما أصابه
منه وإن كان يابسا مسحه بالتراب انتهى وكان كلامه أيضا مخصوص بالصورة الثانية وقال الصدوق في الفقيه في باب ما ينجس الثوب والجسد وإن وقعت فارة في الماء ثم خرجت
فمشت على الثياب فاغسل ما رأيت من أثرها وما لم تره أنضحه بالماء وعزى العلامة في المختلف إلى سلار الحكم بنجاسة الفارة وإلى ابن البراج كراهتها وإلى ابن إدريس
طهارتها وهو أيضا (ره) اختار الطهارة وقال أنها مختار والده وشيخه أبي القاسم بن سعيد أيضا وذكر المحقق أنها الظاهر من كلام المرتضى في بعض كتبه وعليه جمهور
المتأخرين أيضا وإذ قد تقرر حكاية الأقوال فنقول الظاهر هو ما اختاره المصنف من كراهة سؤرها وكذا الظاهر أنه لا فرق بين سؤرها وملاقاتها لشئ بالرطوبة بالنظر إلى
الدلايل المتعارفة وفي الحقيقة هنا أحكام طهارة سؤرها وإباحتها واستحباب التنزه عنه أما الأولان فالحجة فيهما أولا الأصل إذ النجاسة حقيقة حكم مخالف
لحكم أصالة البراءة كما أشرنا إليه سابقا فالطهارة ما وفقه لها وكذا الأصل كل شئ نظيف حتى يعلم أنه قذر وكل ماء طاهر حتى تعلم أنه قذر وأصالة الإباحة
ظاهرة وفيه أن الأصل إنما يدل على الحكم إذا لم يوجد مخرج عنه وها هنا المخرج موجود كما سيجئ في أدلة المخالف غاية الأمر وجود المعارض لها فيرجع الامر إلى
المعارضة ولا بد من النظر في الترجيح نعم إذا فرض تساوي الأدلة المتعارضة من الجانبين وحكم بتساقطها كان حينئذ الحكم الأصل وثانيا الروايات العامة و
الخاصة أما العامة فصحيحة أبي العباس المتقدمة في البحث السابق ورواية ابن مسكان المتقدمة فيه أيضا ويرد عليهما أنهما عامتان وما سيجئ من أدلة الخلاف خاص
فينبغي حمل العام على الخاص ولا يبعد المناقشة فيه بعدم حمل العام على الخاص إذ يمكن ارتكاب المجاز في الخاص بحمله على استحباب الاجتناب ولا نسلم ترجيح التخصيص عليه وإن كان شايعا متعارفا لان مثل هذا المجاز
274

أيضا شايع متعارف في أحاديثنا بحيث لا يقصر عن شيوع التخصيص لكن هذا الكلام لا يليق بحال الاستدلال نعم لو استدل المخالف بالخاص وقال لا بد من تخصيص
عامكم به فثبت مدعانا لكان حينئذ هذا القول متجها في مقابله لكن لا يخفى أنه مع ذلك ينفع هذا القول من جهة أخرى حيث أنه بناء على هذا القول يؤل الامر إلى المعارضة
بين العام والخاص من دون ترجيح للخاص فيحكم بالتساقط والعمل بالأصل الكائن من قبلنا وأما الخاصة فمنها ما رواه التهذيب في باب الذبايح والأطعمة في الصحية عن سعيد الأعرج
قال سئلت أبا عبد (عليه السلام) عن الفارة تقع في السمن والزيت ثم تخرج منه حيا فقال لا بأس بأكله وهذا الخبر في الكافي أيضا في كتاب الذبايح باب الفارة تموت في الطعام
والشراب بسند صحيح غير سند التهذيب عن سعيد الأعرج ومنها ما رواه التهذيب أيضا في زيادات كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن
جعفر (عليه السلام) قال في أثناء حديث وسئلته عن فارة وقعت في حب دهن فأخرجت قبل أن تموت أنبيعه من مسلم قال نعم ويدهن منه وهذا الخبر في الاستبصار أيضا في
كتاب الطهارة باب حكم الفارة والوزغة والحية والعقرب إذا وقعت في الماء وأفتى بمضمونه الفقيه أيضا في باب المياه حيث قال فإن وقعت فارة في حب دهن فأخرجت
قبل أن تموت فلا بأس بأن يدهن منه ويباع من مسلم ويرد عليه أنه لا ظهور له في الحل والطهارة إذ يجوز أن يكون مراده (عليه السلام) أنه يباع من مسلم ليدهن منه على أن
يكون الواو بمعنى اللام على ما قالوا في قوله تعالى يا ليتنا نرد ولا نكذب على قراءة النصب إن الواو بمعنى اللازم والادهان لا يستلزمها لامكان أن يدهن ويغسل بدنه
ومع قطع النظر عن كون الواو بمعنى اللام أيضا حتى يقال أنه بعيد نقول لا بعد بحسب اللفظ أن يكون قوله (
عليه السلام) ويدهن متعلقا بقوله نعم لا أن يكون حكما على حده
ويكون بيانا لفايدة البيع من المسلم وحينئذ أيضا يكون الحكم مختصا بجواز الادهان وقد عرفت عدم استلزامه للمدعى بل نقول لو سلم أنه حكم على حدة أيضا لا يلزم المدعى
إذ جواز البيع لا يستلزم المطلوب لامكان الانتفاع منه بدون الطهارة والحلية في الاستصباح والادهان ونحوهما لكن لا يبعد أن يقال حينئذ إن الحكم بجواز البيع مطلقا
من دون تفصيل القول فيه بأن البيع لأجل أي شئ وعدم الامر بوجوب الاعلام للمشتري بالحال مع أن المقام مظنة أن يكون جواز البيع لطهارته وحليته لا يخلو عن بعد
وكذا يمكن أن يقال على التقديرين الأولين أيضا أن الحكم بجواز الادهان من دون الاعلام بأنه لا بد من تطهير البدن بعده مع أنه في مقام المظنة يشعر بالطهارة إلا
أن يقال على التقادير جميعا إن ذكر الادهان بخصوصه الذي لا يشترط فيه الطهارة والحلية بعد إن البيع سواء كان متعلقا به أو لا من بين ساير الاستعمالات كأنه يشعر
بعدم طهارته وحلته وإن البيع لأجل مثل هذا الاستعمال فلا حاجة حينئذ إلى التصريح بوجوب تطهير البدن واعلام المشتري بالحال كما لا يخفى على من له دراية بأسلوب المقال
ومنها ما رواه الفقيه في باب المياه في الموثق عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) كان يقول لا بأس بسؤر الفارة إذا شربت من الاناء إن الشرب
منه ويتوضأ منه وهذا الخبر في التهذيب أيضا في الباب المتقدم مرسلا عن إسحاق بن عمار وفي الاستبصار أيضا في باب سؤر ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل لحمه عن إسحاق مرسلا
ومنها ما رواه التهذيب في باب تطهير المياه في الحسن عن هارون بن حمزة الغني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن الفارة والعقرب وأشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حيا هل
يشرب من ذلك الماء ويتوضأ منه قال يسكب منه ثلاث مرات وقليله وكثيره بمنزلة واحدة ثم يشرب منه ويتوضأ منه غير الوزغ فإنه لا ينتفع بما يقع وفيه وهذا الخبر في
الاستبصار أيضا في باب حكم الفارة والظاهر أن المراد بالماء في الخبر غير البئر بقرينة السكب إذ لم يعهد إطلاق السكب على النزح من البئر وحينئذ فوجه الدلالة على المطلب ظاهر
والعجب أن الشيخ (ره) في التهذيب ذكر هذا الخبر في طي أدلة وجوب نزح ثلاث دلاء من البئر إن ماتت فيها فارة مع ظهوره في أن المراد غير البئر كما ذكرنا وتصريحه بحيوة الفارة
إلا أن يقال أنه استدلال بطريق الأولى لأنه إذا كان في الحياة كذلك ففي الموت بطريق الأولى وهذا إنما يصح إذا كان قايلا بوجوب النزح في حال الحياة أيضا وهو غير معلوم ثم
المراد بالسكب ثلاث مرات كأنه الصب منه ثلاث أكف استحبابا أو وجوبا للنزاهة والنظافة وزوال النفرة أو توهم التسمية وعلى أي حال يدل على المطلب إذ القائلون بالنجاسة
لا يكتفون بصب ثلاث أكف منه إذا كان قليلا ولا يخفى أيضا إن حمل الماء على الكر ولفظة القليل على القليل في العرف بعيد كثيرا وبالجملة دلالة الخبر على المراد من حيث المتن حسنة نعم من
حيث السند ليست بحسنته لأنه حسن لكن مع انضمامه بالروايات السابقة يوثق المطلب ويصححه ويؤيده ويرجحه جدا وثالثا التعليل بالحرج والمشقة على تقدير النجاسة بل الحرمة
أيضا حيث لا يمكن التحرز من سؤر الفارة في البيوت غالبا كما ذكره الشيخ في المبسوط والاستبصار وفيه ضعف هذا وأما الثالث أي استحباب التنزه عنه فلمرسلة الوشاء ورواية ابن
مسكان ومضمرة سماعة المتقدمة في البحث السابق ولوقوع الخلاف وفيه ما فيه ولما نذكر من جانب المخالفية حيث تبين أنه ينبغي حمله على الكراهة حجة القول بالنجاسة أيضا
روايات منها ما رواه التهذيب في باب تطهير الثياب من النجاسات بثلاثة طرق كلها صحيحة عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال سئلته عن الفارة الرطبة قد وقعت
في الماء يمشي على الثياب أيصلي فيها قال اغسل ما رأيت من أثرها وما لم تره فانضحه بالماء وهذا الخبر في الكافي أيضا في باب الكلب يصيب الثوب والجسد بطريق صحيح عن علي
بن جعفر (عليه السلام) وقد كرر في التهذيب أيضا في زيادات الجزء الأول من كتاب الصلاة باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس والجواب أن استعمال الامر بمعنى الاستحباب
شايع جدا في أحاديث أئمتنا (عليه السلام) فلا ظهور له في الوجوب حتى يستدل بوجوب الغسل على النجاسة سيما مع معارضته لما ذكرنا من الروايات ثم لا يخفى أن ما
ذكرنا من الروايات تدل على طهارة سؤرها وحليته من المياه المطلقة والمضافة وهذا الخبر على تنجيس ما لاقته برطوبة من الثياب ويمكن أن يقال لا منافاة بينهما
275

ظاهرا فلا معارضة فينبغي بقائهما جميعا على حالهما لكن نقول لا يخلو الحال أما أن يفرق القائلون بالنجاسة بين الحالين كما ذكرنا أنه يفهم ظاهرا من سوق كلام
المبسوط والاستبصار ولا يفرقوا وعلى الثاني فالامر ظاهر إذ بعد ثبوت الحكم في السؤر يثبت فيما لاقته برطوبة أيضا بضميمة عدم القول بالفصل وأما على الأول فنقول
بعد شيوع الامر في الاستحباب وعدم معاضدة الوجوب بعمل جل الأصحاب القول به في هذه المادة سيما مع الحكم بالطهارة في السؤر واستحباب التنزه عنه من دون وجوب ولزوم على
أنه لا يعقل فرق ظاهر بينهما بعيد جدا فالأولى الرجوع إلى أصل الطهارة قال المحقق في المعتبر بعد ما ذكر أن خبر علي هذا معارض بخبر سعيد الذي ذكرنا آنفا ومن
البين استحالة أن ينجس الجامد ولا ينجس المايع ولو ارتكب هذا مرتكب لم يكن له في الفهم نصيب انتهى لكن يمكن المناقشة في دعوى عدم الفرق بأن الأحكام الشرعية مما لا
مجال للعقل إلى إدراكها فالاستناد فيها إلى مثل هذه الوجوه مشكل مع أنه يجوز أن يقال لعل الفرق باعتبار أن الصورة الثانية أقل وقوعا من الصورة الأولى فلعله
رخص في الأولى للحرج والمشقة دون الثانية وبالجملة سواء تم القول بعدم معقولية الفرق أو لم يتم يتم المراد بمجرد التمسك بالأصل وعدم ظهور الامر في الوجوب من دون
معاضدة عمل كل الأصحاب أو جله ومنها ما رواه التهذيب في باب المياه وأحكامها في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال سئلته عن الفارة والكلب
إذا أكلا من الخبز أو شماه أيؤكل قال يطرح ما شماه ويؤكل ما بقي وفيه أيضا مثل ما في سابقه من المعارضة وعدم الظهور في الوجوب سيما وليس بلفظة الامر أيضا بل بلفظة
الخبر ويؤيد الاستحباب أيضا إطلاق الحكم بالطرح من دون تفصيل مع أن الشم قد ينفك من ملاقاة الرطوبة وأيضا يمكن أن يكون الطرح باعتبار الاحتراز عن
السمية والضرر لجواز أن يكون في لعاب الكلب والفارة ورطوبة أنفهما سميته وضرر ومنها ما رواه أيضا في باب تطهير المياه في الصحيح عن معاوية بن عمار قال سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الفارة والوزغة تقع في البئر قال ينزح منها ثلاث دلاء وهذه الرواية في الاستبصار أيضا في باب البئر يقع فيها الفارة في الصحيح وفيه أنه
محمول على موتها حملا غير بعيد كما حمله الشيخ (ره) أيضا عليه واعلم أنه يوجد في غير هذه الرواية أيضا من الروايات الامر بنزح البئر عند وقوع الفارة من غير تقييد بالموت
والجواب الجواب ولا حاجة إلى ذكره بعد وضوح المراد ومنها ما رواه التهذيب أيضا وآخر باب تطهير الثياب في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في أثناء حديث
طويل وسئل عن الكلب والفارة إذا أكلا من الخبز وشبهه قال يطرح منه ويؤكل الباقي وفيه مثل ما في مثله مع القدح في السند (والوزغة) قد اختلف في سؤرها أيضا فظاهر
النهاية والمبسوط الحكم بنجاسته على ما نقلنا في البحث السابق وكذا المقنعة على ما نقلناه أيضا وكلام الصدوق أيضا يشعر به ونسب إلى ابن إدريس القول بالطهارة
وذكر المحقق إنه الظاهر من كلام المرتضى في بعض كتبه وإليه ذهب الفاضلان ووالد العلامة وجمهور المتأخرين وهو الأقوى بالنظر إلى ظاهر الأدلة المتعارفة وها هنا
أيضا ثلاثة أحكام على قياس البحث السابق أما الأولان أي الطهارة والحلية فبالأصل على ما قررنا وبالروايات العامة والخاصة أما العامة فصحيحة أبي العباس و
رواية ابن مسكان المتقدمتان وما رواه التهذيب في باب المياه في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل قال سئل عن الخنفساء والذباب
والجراد والنمل وما أشبه ذلك يموت في البئر والزيت والسمن وشبهه قال كل ما ليس له دم فلا بأس به وهذا الخبر في الاستبصار أيضا في باب ما ليس له نفس سائلة
يقع في الماء في الموثق وأورد في التهذيب تمام الحديث في أواخر باب تطهير الثياب وما روياه أيضا في البابين المذكورين عن حفص بن غياث عن جعفر بن حمد (عليه السلام)
قال لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سائلة وما رواه التهذيب أيضا في الباب المذكور عن محمد بن يحيى رفعه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا يفسد الماء إلا ما
كانت له نفس سائلة وهذا الخبر في الكافي أيضا في باب البئر وما يقع فيها وهذه الروايات وإن اختصت بالماء المطلق لكن حكم المضاف والجامد أيضا يظهر من عدم القول
بالفصل ومن أنه لو كانت نجسة لنجست الماء أيضا لكن فيه اشكال حيث أنه يجوز أن يكون بناءها على عدم نجاسة القليل بالملاقاة وفيه أنه على ذلك لا فرق بين
ما له نفس سائلة وما ليس له إذ مع التغيير يفسد كل منهما وبدونه لا يفسد ثم لا يخفى أن الكلام في هذه العمومات أيضا كالكلام في العامين المذكورين في البحث
السابق فتذكر وأما الخاصة فما رواه التهذيب في زيادات كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) في أثناء
حديث قال وسألته عن العضاية والحية والوزغ تقع في الماء فلا تموت أيتوضأ منه للصلاة قال لا بأس وهذا الخبر في الاستبصار أيضا في باب حكم الفارة والوزغة
وأما الأخير أي استحباب التنزه فلمرسلة الوشاء ورواية ابن مسكان ومضمرة سماعة المتقدمة ولوقوع الخلاف أن صلح وجها ولما استدل به المخالفون باعتبار حمله على
الكراهة حجة المخالف أيضا روايات منها صحيحة معاوية بن عمار المنقولة آنفا في بحث الفارة وجه الاستدلال أنه لولا نجاسة الوزغة لما وجب لها النزح بالموت فإن الموت
إنما يقتضي التنجيس في محل له نفس سائله لا مطلقا هكذا وجهه العلامة في المختلف ولا يخفى أنه ليس في الخبر حديث الموت فلا حاجة إلى هذا التوجيه إلا أن يقال لعل أحدا يقول
بحمله على الموت كما في الفارة التي هي قرينتها إذ حمل الوقوع في البئر على الموت لا بعد فيه وحينئذ لا بد من هذا التوجيه ليتم وفيه بعد قطع النظر عن جواز مخالفة البئر وغيرها
في الحكم وإمكان أن يجب النزح لأجل الوزغة في البئر مع طهارتها إذ كثير من أحكام البئر على خلاف المعهود المتعارف كما صرحوا به لكن كأنه بعيد فيما نحن فيه نقول بمنع ظهوره
في وجوب النزح سيما وليس بلفظة الامر أيضا ومع ذلك معارض بما ذكرنا وأيضا يجوز أن يكون الامر بالنزح للتسمية كما يفهم من الرواية الآتية ومنها ما رواه التهذيب
276

في الموثق في آخر باب تطهير الثياب عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل متصلا بما نقلنا آنفا عنه وعن العضاية تقع في اللبن قال يحرم اللبن وقال
أن فيها السم وفيه مع القدح في السند أنه لا يدل على النجاسة لأنه صريح في أن حرمته لأجل التسمية ومنها حسنة هارون بن حمزة الغنوي المتقدمة في بحث الفارة وفيه
أيضا مع القدح في السند جواز الحمل على استحباب التنزه أو يكون عدم الانتفاع به باعتبار التسمية ويمكن أن يستدل عليه أيضا بما مر في مبحث البئر ما يدل على النزح وجوابه
يظهر مما ذكرنا فيه فراجعه (والحية) أما ما يدل على طهارة سؤرها وحليته فالأصل من غير ظهور مخرج عنه والعمومات التي أوردنا في الوزغة منضمة إلى حسنة هارون بن
حمزة الغنوي المتقدمة وصحيحة علي بن جعفر المنقولة آنفا الدالة على الحكم بخصوصها وما رواه التهذيب في زيادات كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها عن أبي بصير قال سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن حية دخلت حبا فيه ماء وخرجت منه قال إن وجد ماء غيره فليهرقه وهذه الرواية في الاستبصار أيضا في باب حكم الفارة والوزغة وفي الكافي أيضا
في باب النوادر آخر أبواب التيمم وجه الاستدلال انه لو كانت نجسة لما قيد الاهراق بوجود ماء غيره ولعل الحكم بالاهراق مع وجود ماء غيره للتسمية أو للعلة العامة
المخفية التي في ساير ما لا يؤكل لحمه وأما استحباب التنزه فلمرسلة الوشاء ورواية ابن مسكان ومضمرة سماعة المتقدمة ولهذه الرواية عن أبي بصير قال صاحب المعالم بعدما
نقل عن الشيخ أنه قال إذا وقعت الفارة والحية في الآنية أو شربتا منها ثم خرجتا لم يكن به بأس والأفضل ترك استعماله على كل حال على ما نقلنا عن النهاية يتوجه عليه
المطالبة بدليل ما ذكره من أفضلية ترك الاستعمال ولعله نظر في الفارة إلى ما سيأتي في باب النجاسات إنشاء الله تعالى من دلالة بعض الأخبار على رجحان الغسل مما لاقته
برطوبة وفي الحية إلى ما يخشى من تأثير سمها في الماء فإن ذلك ونحوه كاف في أفضلية العدول عن الماء إلى غيره انتهى كلامه وقد عرفت بما قررنا وجوها متعددة
للأفضلية في كل منهما هذا ثم أنى لم أجد نقل خلاف في الحية وحينئذ كأنه ينضم الاجماع أيضا إلى ما ذكرنا ثم لا يخفى أن الأحوط اجتناب ما وقعت فيه لمظنة السم
ولو فرض استعمال الماء الذي وقعت فيه وخرجت حية فالأحوط أن يصب عنه ثلاث أكف لحسنة الغنوي المتقدمة في بحث الفارة (والثعلب والأرنب) قد اختلف
الأصحاب فيهما أيضا أما الشيخ فقد ظهر حال أقاويله فيما نقلنا عنه في مبحث تبعية السؤر لذي السؤر في الطهارة والكراهة في بحث الفارة وأما المفيد فلم يقل
شيئا في خصوصهما في المقنعة والظاهر أنه قائل بطهارتهما ونسب إلى ابن زهرة القول بنجاستهما وحكى في المختلف عن أبي الصلاح أنه أفتى بنجاستهما وعزى إلى ابن إدريس
القول بالطهارة وذكر المحقق أنه الظاهر من كلام المرتضى في بعض كتبه واختاره الفاضلان ووالد العلامة وجمهور المتأخرين وهو الأقرب إلى طريقتهم ثم ها هنا
أحكام أيضا طهارة سؤرهما وحلية واستحباب التنزه عنه ولا يخفى أنه بعد ثبوت طهارة السؤر وحليته يثبت طهارتهما أيضا إذا كان ثبوت طهارة السؤر مطلقا أي
في المطلق والمضاف والجامد وأما إذا ثبت في المطلق ففيه إشكال إذ يجوز أن يكونان نجسين ولم يكن سؤرهما من الماء المطلق نجسا بناء على عدم تنجس القليل بالملاقاة
ونحن نأتي بالكلام على نحو يظهر حال نفسهما أيضا فنقول أما طهارة سؤرهما وحلية وكذا طهارة نفسهما فمما يدل عليه أصل براءة الذمة والإباحة والطهارة
في كل شئ لما علمت إن النجاسة في الأشياء يرجع حقيقته إلى ثبوت تكليف بالنسبة إلينا والأصل عدمه وسنبين إن ما يتمسك به في الاخراج عن الأصل ضعيف لا يصلح للاخراج
ويدل عليها أيضا جميع الروايات التي احتججنا بها على ما دعانا في بحث طهارة سؤر غير مأكول اللحم سوى
رواية الاجترار إن لم يتحقق الاجترار فيهما وأنت خبير بأن أكثر هذه
الروايات إنما تدل على طهارة السؤر في خصوص الماء المطلق فإثبات طهارة السؤر من الباقيين وطهارة نفسهما به مشكل كما علمت وقد يستدل على المطلوب أيضا
بما ورد في جواز لبس جلدهما كما سيجئ إنشاء الله تعالى في بحث لباس المصلي موجها بأنهما لو كانا نجسين لما قبلا التذكية وكانا ميتة واستعمال الميتة لا يجوز وهذا
الاستدلال على تقدير تمامه يدل على طهارة نفسهما وغاية الامر على طهارة سؤرهما أيضا وأما حليته فلا إلا أن يتمسك آخرا بأصالة الحل حجة القول
بالنجاسة ما رواه التهذيب في باب تطهير الثياب عن يونس بن عبد الرحمن عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته هل يجوز أن يمس الثعلب والأرنب أو شيئا
من السباع حيا أو ميتا قال لا يضره ولكن يغسل يده وهذا الخبر رواه التهذيب في موضعين من هذا الباب بلا تفاوت في المتن والسند وفي الكافي أيضا في باب
الكلب يصيب الثوب والجسد عن يونس مرفوعا لكن بغير سند التهذيب وفيه بدل يجوز يحل ويرد على هذه الحجة إن الخبر مرفوع لا يصلح للاحتجاج مع أن فيه محمد بن
عيسى عن يونس وفيه كلام وأيضا لا يبعد حمل الغسل على الاستحباب ويؤيده أنه أطلق الامر بالاغتسال ولم يقيد بحال الرطوبة في أحد المتماسين وتنجيس اليابس
وإن قيل به في الميت لكن في غيره كأنه لا قايل به ونقل عن ابن زهرة الاحتجاج على نجاستهما بالاجماع ولا تعويل عليه وأما استحباب التنزه عن سؤرهما وعن نفسهما
فلمرسلة الوشاء ورواية ابن مسكان ومضمرة سماعة المتقدمة وهذه المرفوعة والاحتياط في الاجتناب مطلقا للرواية ولوقوع الخلاف (والمسوخ ونجسها الشيخ)
الظاهر أن الضمير راجع إلى المسوخ وإرجاعه إلى جميع ما تقدمه مشكل من حيث دخول الحية ولم نجد قولا للشيخ (ره) بنجاستها اختلف الأصحاب في المسوخ أيضا فالظاهر من
كلام الشيخ القول بنجاستها قال في الخلاف في كتاب البيوع يحرم بيع القرد لأنه مسخ نجس ونسب العلامة في المختلف القول بالنجاسة إلى سلار وابن حمزة أيضا وقال صاحب
المعالم أن سلار صرح في رسالته بنجاسة لعاب المسوخ لكن ربما يظهر من سوق كلامه كونها في معنى الكلب فيوافق قول الشيخ أي نجاستها عينا وقد نقلنا سابقا عن ابن جنيد
277

أنه استثناها مما حكم بطهارة سؤره وقرنها في الاستثناء بالكلب والخنزير وهذا أيضا يعطي أما نجاسة العين أو نجاسة اللعاب وقد حكى الفاضلان عن بعض
الأصحاب القول بنجاسة لعابها والباقون مما نقلنا على طهارتها عينا ولعابا سوى الخنزير على ما ذكره صاحب المعالم وهو الأقرب بالنظر إلى طريقتهم للأصل
على ما مر غير مرة ولخبر فضل المتقدم في بحث كراهة سؤر ما لا يؤكل لحمه ولبعض الاخبار الأخرى المذكورة في هذا البحث أيضا ولا حاجة إلى التصريح بخصوصه قال صاحب المعالم
بعد الاحتجاج على هذا المطلب بحديث الفضل ولا يخفى أن الحديث كما يدل على طهارة العين لكون نجاستها منافية لطهارة السؤر كذلك يدل على طهارة اللعاب
لعدم انفكاك السؤر عن ملاقاته انتهى وهو حسن إذا كان الحديث ظاهرا في طهارة سؤرها مطلقا أي سواء كان مطلقا أو مضافا أو جامدا لكن في ذلك الظهور خفاء
بيانه أنه وإن وقع السؤال عن فضل الأشياء المذكورة في الحديث وأجيب بنفي البأس عنه والفضل لا يبعد أن يقال أنه شامل للثلاثة المذكورة لكن أخر الحديث حيث قال
عليه السلام لا تتوضأ بفضله وأصيب ذلك الماء ربما يشعر بأن المراد من الفضل هو الماء كما لا يخفى وأما إذا كان مختصا بالماء المطلق ففيه ما ذكرنا من أنه يجوز أن يكون طهارة
السؤر لأجل أن القليل لا ينفعل عن ملاقاة النجاسة لا لطهارة ذي السؤر نعم مثل هذا الاحتجاج من القائلين بنجاسة القليل بالملاقاة صحيح وصاحب المعالم منهم
واستدل أيضا على الطهارة بأن الفيل منها ولو كان نجسا لكان عظمه نجسا كعظم الكلب والتالي باطل لما رواه التهذيب في أواخر كتاب المكاسب عن عبد الحميد بن سعيد
قال سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن عظام الفيل يحل بيعه وشرائه للذي يجعل منه الأمشاط فقال لا بأس قد كان لأبي مشط أو أمشاط وهذا الخبر في الكافي أيضا في كتاب المعيشة
فباب جامع فيما يحل الشراء والبيع منه وسند الرواية غير نقي ولا يدل أيضا على عدم نجاسة اللعاب كما ذهب إليه بعض وأيضا إنما يتم الاستدلال بها على مذهب من يجعل ما
لا يحله الحياة من نجس العين نجسا ثم لا يخفى أن النجاسة لا ينافي البيع إلا أن يكون المراد النجاسة العينية واحتج للقول بالنجاسة بأن بيعها حرام ولا مانع إلا النجاسة وأما
حرمة البيع فلما رواه التهذيب في الموضع المذكور والكافي أيضا في الباب المذكور عن مسمع عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن القرد أن يشترى
أو يباع وفيه أنه ضعيف السند غير صالح للاحتجاج وأيضا مخصوص بالقرد فتعميم الحكم مما لا وجه له إلا أن يتمسك بعدم القول بالفصل وانحصار المانع في النجاسة
أيضا ممنوع مع أنه يمكن أن يكون النهي نهي تنزيه هذا وأما القول بنجاسة اللعاب فقط فلم نقف له على دليل هذا وبما ذكرنا مرارا في كراهة سؤر ما حكم المصنف بكراهته ظهر
الحكم بالكراهة ها هنا أيضا ولا حاجة إلى أن نعيده والأحوط الاجتناب للخروج عن عهدة الخلاف (وولد الزنا) اختلف العلماء فيه أيضا قال العلامة في المختلف قال
الشيخ أبو جعفر بن بابويه لا يجوز الوضوء بسؤر اليهودي والنصراني أو ولد الزنا والمشرك وجعل ولد الزنا كالكافر وهو منقول عن السيد المرتضى وابن إدريس وباقي
علمائنا حكموا بإسلامه وهو الحق عندي انتهى والحق ما حققه من إسلامه وكذا طهارة سؤره لنا أصل الطهارة سواء أريد طهارة نفسه أو سؤره والخبر المستفيض عن
النبي (صلى الله عليه وآله) كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ولزوم التكليف بما لا يطاق إذ الظاهر القول بأن ولد الزنا غير مكلف خلاف
الاجماع بل الضرورة من الدين وعلى تقدير كونه مكلفا يكون تكليفه تكليفا بما لا يطاق سواء كان التكليف بالأصول أو بالفروع لان الاسلام شرط في الفروع
أيضا وهو لا يقدر عليه وليس أيضا مما يكون عدم القدرة ناشيا من اختيار المكلف ليس بمحال
كما يقولون في تكليف أبي لهب مما أخبر الله تعالى بأنه لا يؤمن ويمكن أن يقال أنه يجوز أن يكون ولد الزنا أيضا مثل أبي لهب وأضرابه من الذين أخبر الله تعالى بعدم إيمانهم بأن
يقال إن هذه الصفة ليست موجبة للكفر حتى لا يكون موصوفها مختارا في الايمان وما يشترط به فيكون تكليفه تكليفا بما لا يطاق من دون استناد عدم الطاقة
إلى قدرته واختياره بل إن الله تعالى علم إن من له هذه الصفة يختار الكفر على الايمان دائما من غير إكراه وإجبار فأخبر بأنه ليس بمؤمن أبدا كما أخبر عن أبي لهب وأضرابه ولا
فرق بينهما سوى أخبر عنهم بخصوصهم وعن هؤلاء بعنوان كلي هو كونهم أولاد زنا ومجرد هذا الفرق لا دخل له في المقام فما أجيب به عن لزوم التكليف بما لا يطاق
هناك يجاب به ها هنا أيضا ثم لا يخفى أنه ينبغي على هذا أنه لو حكم بنجاسته لحكم بها بعد بلوغه إلا أن يثبتوا نجاسته قبل البلوغ من طريق آخر غير كفره ولا يتوهم أنه
بهذا أيضا يمكن الجواب عن الخبر المستفيض بأن يقال نحن نقول بموجبه إذ هو يولد على الفطرة لكن يخرج
عنها باختياره لأنه إذا ثبت أنه عند الولادة مولود على الفطرة
فيكون ظاهرا والأصل بقاؤه حتى يثبت المزيل فمجرد تجويز الخروج ليس بنافع نعم لو كان لهم دليل فننظر حينئذ في صلاحيته لرفع الأصل وعدمها وقد احتج للقول بكفره
بما رواه التهذيب في باب المياه عن الوشاء عمن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه كره سؤر ولد الزنا واليهودي والنصراني والمشرك وكلما خالف الاسلام وكان أشد ذلك
عند سؤر الناصب وهذا الخبر في الاستبصار أيضا في باب استعمال أسئار الكفار وفي الكافي أيضا في باب الوضوء من سؤر الحايض والجنب ووجهه العلامة (ره) وفي المنتهى بأنه
لا يريد بلفظ كره المعنى الظاهر له وهو النهي عن الشئ نهي تنزيه لقوله واليهودي فإن الكراهة فيه يدل على التحريم فلم يبق المراد إلا كراهة التحريم ولا يجوز أن يراد معا وإلا
لزم استعمال المشترك في كلا معنييه أو استعمال اللفظ في معنى الحقيقة والمجاز وذلك باطل ثم أجاب عن الاحتجاج بالمنع من الحديث فإنه مرسل سلمنا لكن قول
الراوي كره ليس إشارة إلى النهي مقابل بل الكراهة التي في مقابل الإرادة وقد يطلق على ما هو أعم من المحرم والمكروه سلمنا لكن الكراهة قد يطلق على النهي المطلق فليحمل عليه
278

ولا يلزم ما ذكرتم انتهى ولا يخفى ما في جوابه الثاني والآخران جيدان ويمكن أن يستدل أيضا على نجاسته بل على كفره إذ الظاهر أن نجاسته عند القائلين بها لا وجه لها سوى
الكفن بما رواه الكافي في كتاب المعيشة باب بيع اللقطة وولد الزنا وعن أبي خديجة قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لا يطيب ولد الزنا ولا يطيب ثمنه أبدا والممزاد لا يطيب إلى
سبعة أيام فقيل له وأي شئ الممزاد فقال الرجل يكسب مالا من غير حله فيتزوج به أو يتسرى به فيولد له فذلك الولد هو الممزاد وفيه منع من أن الطيب هو الطهارة العرفية أو
الاسلام سيما مع اقترانه بطيب الثمن فإنه ليس بهذا المعنى قطعا مع القدح في السند ويمكن أن يستدل عليه أيضا بما رواه التهذيب في زيادات كتاب الطهارة باب دخول الحمام عن
حمزة بن أحمد عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) قال سألته أو سئله غيري عن الحمام قال أدخله بميزر وغض بصرك ولا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام فإنه يسيل فيها ما
يغتسل به الجنب وولد الزنا والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم وبما رواه الكافي في باب ماء الحمام عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال لا تغتسل من البئر الذي
يجتمع فيها غسالة الحمام فإن فيها ولد الزنا وهو لا يطهر إلى سبعة آباء وفي بعض النسخ سبعة أيام وفيها مع القدح في السند واحتمال حمل النهي على التنزيه وكون النهي
باعتبار كون الماء مستعملا في غسل الجنابة أو في غسل النجاسة لكن حينئذ لا مدخل لخصوصية ولد الزنا إلا أن يقال ويجوز أن يصير سببا لشدة النجاسة وإن لم يكن نجسا وفيه
بعد وحديث عدم الطهر قد مر آنفا وقد احتج أيضا على نجاسة سؤره بالاجماع وفيه ما فيه قال المحقق في المعتبر ربما يعلل المانع يعني من سؤر ولد الزنا بأنه كافر ونحن نمنع ذلك
ونطالبه بدليل دعواه ولو ادعى الاجماع كما ادعاه بعض الأصحاب كانت المطالبة باقية فإنا لا نعلم ما ادعاه انتهى ثم لا يخفى أن الحكم بكراهة سؤره مما لا بأس به للخبر ولا ينافي
هذا ما نقلنا سابقا عن علي (عليه السلام) بفضل الوضوء عن فضل وضوء جماعة المسلمين لأنه عام بالنسبة إلى هذا الخبر وما من إلا وقد خص والاحتياط التام في الاجتناب
عنه وعن سؤره مطلقا (وما مات فيه العقرب اختلف فيه أيضا فقال الشيخ في النهاية وكلما وقع في الماء فمات فيه مما ليس له نفس سائلة فلا بأس باستعمال ذلك الماء إلا الوزع
والعقرب خاصة فإنه يجب إهراق ما وقع فيه وغسل الإناء وقال العلامة في المختلف قال ابن البراج إذا أصاب شيئا وزغ أو عقرب فهو نجس وأطلق وأوجب أبو الصلاح النزح
لها من البئر ثلاث دلاء والوجه عندي الطهارة وهو اختيار ابن إدريس وهو الظاهر من كلام السيد المرتضى وإنه حكم بأن كل ما ليس له نفس سائلة كالذباب والجراد والزنابير
وما أشبهها لا ينجس بالموت ولا ينجس الماء إذا وقع فيه قليلا كان أو كثيرا أو كذا علي بن بابويه قال إن وقعت فيه عقرب أو شئ من الحيات وبنات وردان والجراد وكل ما
ليس له دم فلا بأس باستعماله والوضوء منه مات أو لم يمت انتهى والوجه ما في الكتاب موافقا لما وجهه العلامة أما الطهارة والحلية فللأصل كما مر غير مرة لكن فيه ها هنا أن
أصل الطهارة والحلية قد انتقض بعموم نجاسة الميتة كما سيجئ فلا يمكن التمسك به نعم لو لم يسلم وجود دليل عام على نجاسة الميتة ويقال أن نجاستها إنما ثبتت بالاجماع ففي موضع لم يثبت الاجماع
فيه لم يكن الحكم ثابتا كما زعمه بعض الأصحاب فالأصل باق بحاله في موضع لم يثبت فيه إجماع كما فيما نحن فيه وسيجئ الكلام فيه مفصلا ولموثقة عمار ورواية حفص ومرفوعة
محمد بن يحيى المتقدمة كلها في بحث الوزغة والكلام فيها ها هنا أيضا كالكلام فيها ثمة فتذكر ولا يخفى أن ها هنا بعد وقوع المعارضة بين العام والخاص لا يمكن
ترجيح طرف العام بالأصل كما ثمة لما ذكرنا آنفا من عموم نجاسة الميتة إلا أن نمنع ذلك العموم كما نقلنا عن بعض واحتج العلامة في المختلف بما رواه التهذيب في باب تطهير باب المياه
عن ابن مسكان قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عما يقع في الابار إلى أن قال وكل شئ يسقط في البئر ليس له دم مثل العقارب والخنافس وأشباه ذلك فلا بأس وهذا الخبر في
الاستبصار أيضا في باب ما ليس له نفس سائلة يقع في الماء فيموت فيه ووصف هذه الرواية بالصحة وفيه نظر أما أولا فلانه لا يدل على المطلب لجواز أن يخالف حكم البئر
حكم غيرها وهو ظاهر وأما ثانيا فلانه ليس في الخبر حكاية الموت فلعله كان المراد خروج العقارب حيا فلا يبطل مذهب الشيخ نعم ينافي مذهب ابن البراج إلا أن يقال يكفي الاطلاق
الذي في الخبر للمطلب مع أن الظاهر أن وقوع مثل هذه الأشياء في البئر لا ينفك غالبا عن الموت وأما ثالثا فلان الصحة ممنوعة كيف وفيه ابن سنان عن ابن مسكان وابن سنان هو محمد لا
عبد الله كما هو الظاهر والظاهر أن العلامة (ره) أيضا حمله على محمد لكن وصف الخبر بالصحة باعتبار توثيقه لمحمد بن علي ما نقله عن بعض الأصحاب كما أشاره إليه في المنتهى ثم أن
العلامة (ره) بعد ما تمسك في هذا المطلب بالأصل وبأن القول بالنجاسة يفضي إلى الحرج فيكون منفيا قال ولأن القول بنجاسة العقرب مع الموت مع القول بطهارة
ميت ما لا نفس له سائلة مما لا يجتمعان والثاني ثابت فينتفي الأول بيان التنافي إن الموت أما أن يقتضي النجاسة في هذا لا نوع أولا وعلى كلا التقديرين يثبت
المنافاة أما على تقدير اقتضائه فلانه يلزم منه تنجيس ميت ما لا نفس له سائلة عملا بالمقتضي وأما على تقدير عدم اقتضائه فلانه يلزم منه طهارة المتنازع عملا
بالأصل السالم عن معارضة كون الموت مقتضيا للنجاسة في هذا النوع لا يقال بمنع لزوم التنجيس على تقدير الاقتضاء لان اللازم حينئذ الطهارة عملا بالنص الدال على
طهارة ما لا نفس له سائلة لأنا نقول نمنع دلالة النص والا وقع التعارض بين النص والمقتضى التنجيس وهو الموت والتعارض على خلاف الأصل لاستلزامه ترك أحد
الدليلين انتهى كلامه وفيه ما فيه أما أولا فلان مراده بالقول بطهارة ميت ما لا نفس له سائلة وأما القول بها كلية وحينئذ يرد عليه أنه على هذا مع أنه لا حاجة إلى بيان التنافي
لظهور التناقض بينها وبين نجاسة العقرب بالموت فالتعرض له عبث ثبوت الثاني ممنوع لأنه أما أن يتمسك فيه بالاجماع فمنعه ظاهر وأما بالعمومات التي نقلنا آنفا الدالة
على نفي البأس والافساد عما ليس له نفس سائلة وقد يحتج بها بعد هذا الاحتجاج على حدة ويجعلها مؤيدة لاحتجاجاته السابقة من الأصل والحرج وعلى هذا لا يكون الدليل
279

دليلا على حده بل يصير إلى الدليل الأخير بعينه وأما بالأصل فيرجع هذا الدليل إلى الدليل الأول وأيضا حينئذ في كلا شقي بيان التنافي قصور سواء أريد بالاقتضاء في قوله
إن الموت أما أن يقتضي النجاسة في هذا النوع الاقتضاء التام أو الاقتضاء في الجملة أما على الأول فإنه على هذا يصير حاصل الكلام في الشق الأول إن الموت إذا كان مقتضيا
تاما للنجاسة في هذا النوع يلزم تنجيس ميت ما لا نفس له سائلة مطلقا وهو ينافي طهارته وإن لم يكن مقتضيا تاما فيلزم طهارة المتنازع بناء على الأصل السالم عن
معارضة اقتضاء الموت ويرد عليه في الشق الأول أنه ليس فيه بيان منافاة بين المتقدمتين المذكورتين بل غاية ما فيه أنه يلزم على تقدير اقتضاء التام ما ينافي المقدمة
الكلية المذكورة في الشق الثاني أيضا كذلك إذ ليس فيه بيان المنافاة أصلا بل غاية ما يلزم منه أن يكون المطلوب ثابتا على تقدير عدم الاقتضاء التام إلا أن يوجه الكلام
بأن المراد في بيان المنافاة أنه لا يخلو أما أن لا يكون الاقتضاء التام على هذا التقدير أو يكون لا جابر أن لا يكون وإلا لانتفى المطلوب وإذا كان فيلزم ما ينافي المقدمة
المذكورة وعلى هذا يخرج الكلام عن عدم الاستقامة والانتظام لكن لا يخفى ما فيه من الاستدراك التام كما أشرنا إليه لظهور المنافاة بين المطلب والمقدمة المذكورة ولا حاجة
إلى إلزام شئ من الاقتضاء التام يكون منافيا لها وهو ظاهر أيضا وأيضا يرد على الشق الأخير أنه لا نسلم إنه على تقدير عدم الاقتضاء التام ينتفي المطلوب إذ يجوز أن يكون الموت مقتضيا في
خصوص بعض المواد كالعقرب مثلا فلا يلزم الانتفاء ولو تمسك في نفى الاقتضاء في خصوص المادة بالأصل فيرجع إلى الدليل الأول وليس وجها على حدة وأما القول بها في الجملة
وحينئذ أيضا المراد بالاقتضاء أما التام أو في الجملة فلو كان المراد الاقتضاء التام ووجه بيان التنافي على نحو ما وجهنا لكان الكلام منتظما سالما عن الاستدراك إذ حاصلة انه
لا يجوز حينئذ أن يكون الاقتضاء التام وإلا لم يثبت المطلوب فيكون الاقتضاء التام ويلزم منه ما ينافي المقدمة المذكورة فثبت التنافي بين المطلوب والمقدمة وهذا
موجه ليس فيه استدراك لكن يرد عليه المنع المذكور آنفا من أنه لا يلزم على تقدير عدم الاقتضاء التام انتفاء المطلب كما بينا ولو كان الاقتضاء في الجملة ووجه الكلام على
نحو ما ذكر فحينئذ أيضا وان كان سالما عن عدم الانتظام والاستدراك وكان شقه الأخير سالما أيضا عن المنع ضرورة أنه إذا لم يكن الموت مقتضيا أصلا لكان أصل الطهارة
السالم عن المعارضة وهو ظاهر لكن يرجع المنع حينئذ إلى شقه الأول إذ على تقدير الاقتضاء في الجملة لا يلزم ما ينافي المقدمة المذكورة كما لا يخفى وأما ثانيا فلان الظاهر أن
المراد بالاقتضاء الاقتضاء في الواقع وحينئذ ما ذكره في لا يقال ظاهر البطلان إذ على تقدير اقتضاء الموت التنجيس في الواقع أما تاما أو في الجملة على أي وجه حمل الكلام لا معنى
نتحقق النص الدال على طهارة ما لا نفس له سائله والعمل به على خلاف المقتضى المذكور ولا يذهب عليك أنه لا يمكن حمل كلامه في لأنا نقول على ما ذكرنا لأنه بنى الكلام
على أن التعارض خلاف الأصل وهو غير ما ذكرنا ولو قيل أن المراد الاقتضاء بحسب دلالة دليل نقلي عليه فيرد عليه إن بناء الكلام في الاستدلال على الواقع فهذا
لا دخل له بالمقام وأيضا ما ذكره في لأنا نقول لا محصل له أصلا إذ منع دلالة النص على الطهارة غير معقول بعد ما قرر أن القول بأن طهارة ميت ما لا نفس له
سائلة ثابت وغاية توجيه الكلام بعد التكلف التام بحيث يوافق أجزاء ويطابق أطرافه أن يقال حاصل الدليل إن لنا مقدمة أما كلية أو جزئية على الاحتمالين هي
طهارة ما لا نفس له سايله ونجاسة ميت العقرب تنافيها إذ لا يخلو أما أن يكون مقدمة كلية أو جزئية على الاحتمالين أيضا دالة على نجاسة الميت من ذي النفس
السائلة أو لا وعلى الثاني لا يكون المطلب متحققا فتعين الأول ويلزم منه ما ينافي في المقدمة المذكورة فثبت المنافاة بين المقدمتين ولما كانت المقدمة الأولى ثابتة
انتفت الثانية وحينئذ نقول أن لا يقال كأنه أخذ أولا المقدمة الأولى جزئية ويقول إن لنا مقدمة كلية تدل على نجاسة ميت ذي النفس السائلة مطلقا لكن خرج عنه
بعض النص وحاصل لأنا نقول أنه نمنع أن يكون نص دال على خلاف ما يدل عليه أمر آخر وحاصله منع وجود الامر الاخر لا هذا النص فيصير مال الكلام إن لنا أمرا
دالا على طهارة ميت ما لا نفس له سائلة فلو لم يكن شئ دال على نجاسته مطلقا لانتفى مطلوبكم البتة ووجود شئ كذلك خلاف الأصل لأنه يلزم المعارضة بين الدليلين
والتعارض خلاف الأصل وهذا بعد كما ترى لا ترى لان المراد بالامر الدال على طهارة ميت ما لا نفس له سائلة إنما هو أصل البراءة والطهارة والإباحة كما قررنا
فيرد عليه أنه حينئذ يرجع هذا الدليل إلى الدليل الأول الذي ذكره من الأصل إذ حاصله أن الأصل طهارة ميت ذي النفس السائلة والأصل أن لا يخرج عنه إلا بدليل
ولم يثبت وهو بعينه معنى التمسك بالأصل وأما العمومات الدالة على نفس البأس والافساد عما لا نفس له سائلة مما أوردنا وحينئذ يرجع إلى الدليل الأخير الذي
ذكره من التأييد بالروايات إذ حاصله أن لنا روايات دالة على العموم ولا تخصيص إلا بدليل والأصل عدمه حتى يثبت وليس معنى التمسك بالعمومات أيضا إلا هذا و
بالجملة يرجع أما إلى الدليل الأول وأما إلى الدليل الأخير وليس وجها على حدة على أي وجه كان ولقد أطنبنا الكلام تشحيذ الأذهان ورفعا للالتباس بين طرق البرهان هذا وأما استحباب
التنزه فلمرسلة الوشاء ورواية ابن مسكان ومضمرة سماعة المتقدمة وما سنذكره من حجة المخالف باعتبار حمل ما فيه على الكراهة وحجة الشيخ (ره) ما رواه التهذيب في باب
المياه في الموثق عن سماعة قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن جرة وجد فيها خنفساء قد مات قال القه وتوضأ منه وإن كان عقربا فارق الماء وتوضأ من ماء غيره وهذا
الخبر في الكافي أيضا في باب الوضوء من سؤر الدواب وفي الاستبصار في باب ماء القليل وفيه بعد القدح في السند أنه لا ظهور له في الوجوب كما مر مرارا فليحمل على
الاستحباب لأجل السمية أو لغيرها وعلى تقدير الظهور في الوجوب أيضا قد عرفت في نظايرها أنه لا يتعين تخصيص العمومات الدالة على خلافه به لم لم يحمل هذا
280

على المجاز ولو لم يرجح كثرة العمومات فلا أقل من التساوي والتساقط والأصل معنا سلمنا حمله على ظاهره من الوجوب لم لا يجوز أن يكون لأجل السمية لا للنجاسة
لأنه احتمال غير بعيد بل ظاهر وحينئذ لا يثبت المطلب وما رواه التهذيب أيضا في الباب المذكور في الموثق عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال سئلته عن الخنفساء تقع في الماء
أيتوضأ منه قال نعم لا بأس به قلت فالعقرب قال أرقه وهذا الخبر في الاستبصار أيضا بطريق التهذيب في باب ما ليس له نفس سائلة يقع في الماء وفيه مع ما في سابقه جميعا أنه لا يدل
على الموت كما هو مطلوب الشيخ (ره) نعم يصلح حجة لابن البراج حيث لم يقيد الحكم بالموت ولو قيل إذا ثبت التنجيس في حال الحياة ففي الموت بطريق الأولى ففيه إن هذا
انما يصبح إذا كان القائل قائلا بالتنجيس حال الحياة وأما مع عدمه فلا إذ لا بد حينئذ من أن يحمل الامر على
الاستحباب وعلى هذا لا يبقى للدلالة وجه غايته أنه
يدل على استحباب الإراقة حال الموت أيضا بطريق الأولى فإن قلت يمكن أن يقول لما ثبت أن حال الحياة لا ينجس الماء فلا بد من حمل الكلام على حالة الموت لئلا
يلزم خروج الامر عن ظاهره قلت حينئذ يرد أنه لا بد على هذا من ارتكاب أحد خلافي ظاهرين أما التقييد بالميت وأما خروج الامر عن الوجوب وليس معك ما يرجح الأول
على الثاني فلم لم يرتكبه مع أنه الراجح لشيوع حمل الامر على الاستحباب جدا في الأحاديث واعتضاده بالعمومات ولو فرض التساوي فغايته السقوط و
الرجوع إلى الأصل ويمكن أن يحتج أيضا بما سبق في بحث البئر من رواية منهال حيث أمر باستقاء عشرة دلاء لخروج العقرب من البئر ميتة وفيه أيضا القدح في السند
واحتمال الحمل على الاستحباب احتمالا ظاهرا أو عدم عمل الأصحاب بمضمونه مع إمكان المناقشة بجواز اختلاف حكم البئر وغيرها لكنها بعيدة فيما نحن فيه وبما ذكرنا
ظهر حال ما ذهب إليه ابن البراج أيضا وأما ما ذهب إليه أبو الصلاح فقد مر تفصيل القول فيه في بحث البئر هذا ولا يذهب عليك أن الاحتياط في الاجتناب عما مات
فيه العقرب لوقوع الخلاف وللروايات ولكونه مظنة السم والضرر بل عما خرجت عنه حية أيضا لظاهر خبر أبي بصير وظاهر كلام ابن البراج ولاحتمال السمية ثم لو فرض
استعماله في الصورة الأخيرة فالأحوط أن لا يترك صب ثلاث أكف منه لحسنة هارون المتقدمة في بحث الفارة
(ويحرم استعمال الماء النجس والمشتبه به في الطهارة) واختلف
كلماتهم في معنى الحرمة ها هنا فالعلامة (ره) في النهاية صرح بأن المراد بها عدم الاعتداد بالطهارة وعدم أجزائه لا الاثم والمحقق الثاني صرح في شرحه للقواعد بأن
المراد المعنى المتعارف واستدل عليه بأن استعمال المكلف الماء النجس في الطهارة وإزالة النجاسة إدخال لما ليس من الشرع فيه فيكون حراما لا محالة وفيه نظر إذ كونه
من قبيل الادخال الذي يكون حراما ممنوع لا بد له من دليل ويمكن الاستدلال على الحرمة بالمعنى المتعارف في استعمال الماء النجس في الطهارة بما ورد كثيرا في الروايات
من النهي عن الوضوء والغسل عن المياه النجسة مثل ما ورد في الماء المتغير بالنجاسة وغيره بحيث يفضي إحصائه إلى تطويل زايد ولا يبعد أن يقال كون مثل هذه النواهي
ظاهرة في الحرمة ممنوع بل يجوز أن يكون كناية عن عدم أجزاء الطهارة جوازا غير مرجوح كما لا يخفى وقد يؤيد أيضا بما نقلنا في بحث البئر من رواية ابن بزيع حيث
وقع في السؤال ما الذي يطهرها حتى يحل الوضوء منها للصلاة وقرره الإمام عليه السلام وفيه أيضا بعد تسليم كون ما وقع الإمام عليه السلام تقريرا الجميع ما في السؤال
لجواز أن يكون تقريرا للتطهير فقط الذي هو الأصل في السؤال أنه يجوز أن يكون الحلية بمعنى الاجزاء جوازا مساويا وقال الشهيد الثاني في شرحه للشرايع أنه
حرام مع اعتقاد شرعيته أما بدونه فلا وفيه بحث قد أومأنا إليه في بحث تثليث الغسلات وحاصله أن الاعتقاد لو حصل من الاجتهاد فينبغي أن لا أثم عليه ولا
على الاستعمال المترتب عليه وإن كان خطأ بناء على ما هو معتقدهم من عدم أثم المخطي في الاجتهاد إلا أن يقال ليس هذه المسألة مما يجري فيه الاجتهاد بل هي من
القطعيات فالخطأ فيها غير مغتفر وكيف كان الاحتياط في عدم الاستعمال ثم إن الحكم في عدم إجزاء الطهارة وضوء كان أو غسلا بالماء النجس كأنه إجماعي ويعلل
أيضا بأن الطهارة تقرب إلى الله تعالى وهو لا يحصل بالنجاسة وضعفه ظاهر ويمكن أن يستدل عليه بصحيحة علي بن مهزيار وموثقة عمار ومرسلة إسحاق وسنوردها إنشاء
الله تعالى في شرح المسألة التالية وبما ذكرنا آنفا من النهي الوارد في الروايات لكن هذا إنما يتم إذا ثبت أن النهي في العبادة يستلزم الفساد إذ يجوز أن يكون النواهي
للحرمة لا لعدم الاجزاء ومجرد الحرمة لا يكفي في عدم الاجزاء وبالجملة لا شك في أن الاحتياط في عدم التطهر به في أكثر الصور نعم في بعض الصور النادرة كما إذا
لم يكن إلا الماء النجس ويعلم المكلف إن بعد التطهر به يمكن أن يصل إلى ماء طاهر لكن لا يتسر له إلا تطهير أعضائه التي لاقاها الماء النجس لا الطهارة لا يبعد أن
يكون الاحتياط في الطهارة بالماء النجس ثم تطهير الأعضاء ثم التيمم خصوصا إذا كان نجاسة الماء بما يختلف فيه لا بالمتفق عليه هذا ما يتعلق بالطهارة بالماء
النجس وأما الطهارة بالماء المشتبه به فقد ادعى الشيخ في الخلاف والعلامة في المختلف الاجماع على عدمها وادعى المحقق أيضا في المعتبر الاتفاق على المنع منها وعلل أيضا
فيه بأن يقين الطهارة في كل منها معارض بيقين النجاسة ولا رجحان فيتحقق المنع وأورد عليه صاحب المعالم بأن يقين الطهارة في كل واحد بانفراده إنما يعارضه
الشك في النجاسة لا اليقين وهو جيد وأيضا لو تم المعارضة من دون رجحان فما الوجه في المصير إلى المنع لم لا يصار إلى البراءة والطهارة وتمسك العلامة في المنتهى
تبعا للخلاف بأن الصلاة بالماء النجس حرام فالاقدام على ما لا يؤمن معه ان يكون نجسا إقدام على ما لا يؤمن معه فعل الحرام فيكون حراما وبأنه متيقن لوجوب الصلاة فلا يجوز
إلا بمثله لصحيحة زرارة من أن اليقين لا ينقض بالشك أبدا وإنما ينقضه يقين آخر ويرد على الوجه الأول أنه إنما يتم لو كان هناك آية أو رواية حاكمة بأن الصلاة بالماء النجس
281

حرام إذ حينئذ لا يبعد أن يقال أنا مكلفون بترك الصلاة بالماء النجس ولا بد في الامتثال من تحصيل الظن أو اليقين بالمكلف به وذلك لا يتم إلا بترك استعمال كل من
المائين لكن كأنها ليست غاية الأمر أنه علم بالضرورة أو الاجماع أو بحجج أخرى المنع من الصلاة بالنجاسة المتيقنة أو المظنونة على وجه وهذه الوجوه لا يجزي فيما نحن فيه
وأيضا لا نسلم أنه لا يؤمن عند استعماله من الاقدام على الصلاة بالنجاسة لان كلا من المائين بانفراده طاهر بناء على أنه كان متيقن الطهارة واليقين لا يزول إلا باليقين
والنجاسة مشكوك فيها فيرجع إلى يقين الطهارة فعند استعماله يكون آمنا من الصلاة بالنجاسة وعلى الوجه الثاني إن اليقين بوجوب الصلاة يقتضي اليقين بالاتيان
بإجزائها وشرايطها التي ثبتت بالدليل وقد علمت أنه لم يثبت بالدليل سوى اشتراطها بالطهارة بالماء وبعدم التطهر بالمياه النجسة المتيقنة أو المظنونة على وجه وليس هذا
منها سلمنا ثبوت اشتراطها بالطهارة بالماء الطاهر لكن نقول أنه طاهر بالوجه الذي قررنا نعم لو حصل يقين بالتكليف بأمر ولم يظهر معنى ذلك الامر بل يكون مترددا
بين أمور فلا يبعد حينئذ القول بوجوب تلك الأمور جميعا ليحصل اليقين بالبراءة وكذا لو قال الامر إن الامر الفلاني مشروط بكذا ولم يعلم أو يظن المراد من كذا فعلى هذا
أيضا الظاهر وجوب الاتيان بكل ما يمكن أن يكون كذا حتى يحصل اليقين أو الظن بحصوله واستدل أيضا على المطلوب بما رواه التهذيب في باب المياه في الموثق عن سماعة قال
سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) إلى أن قال وعن رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدري أيهما هو وليس يقدر على ماء غيره قال يهريقهما ويتيمم وهذا
الخبر قد كرر في التهذيب في باب تطهير المياه وأورد في الاستبصار أيضا في باب الماء القليل وفي الكافي أيضا في باب الوضوء من سؤر الدواب والسباع وبما رواه التهذيب في باب
تطهير المياه في الموثق أيضا في حديث طويل عن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر ولا يدري أيهما هو وليس يقدر على
ماء غيره قال يهريقهما جميعا ويتيمم وقد كرر هذا الخبر في التهذيب في زيادات كتاب الطهارة باب التيمم وأحكامه والخبران وإن لم يكونا صحيحين لكن تلقى الأصحاب
لهما بالقبول كأني قربهما إلى الصحة قال العلامة في المنتهى وسماعة وعمار وإن كانا ضعيفين إلا أن الأصحاب تلقت هذين الحديثين بالقبول وأيضا شهدوا لهما بالثقة وبالجملة لولا دعوى الاجماع من الشيخ والعلامة والاتفاق من المحقق وتلقي الأصحاب للروايتين بالقبول لأمكن النزاع في الحكم لأنا
مكلفون بالطهارة بالماء عند وجود الماء وبالتراب عند عدم وجوده ولا شك أنه يصدق في هذه الصورة أن الماء موجود والمانع الذي يتوهم من احتمال
النجاسة قد عرفت عدم صلاحية للمنع مفصلا لكن مع تلك الدعوى وذلك التلقي كأنه لا مجال للنزاع وإن كان مع ذلك أيضا العمل بالاحتياط في بعض
الصور النادرة أي التي فرضنا عند شرح قول المصنف بخلاف المشتبه بالنجس بأن يتطهر بهذا الماء ثم يتيمم لا يخلو من وجه لان تحقق الاجماع في مثل هذه الصورة
وكذا شمول الروايتين لها غير ظاهر لجواز أن يكون الحكم إجماعا أو رواية في الافراد المتعارفة الشايعة والله يعلم ثم ها هنا أمور أحدهما أن المشتبه بالنجس ما هو أقول
إن للاشتباه المراد ها هنا صور الأول أن يكون ماء طاهر وماء نجس ثم اشتبه أحدهما بالآخر ولم يدر الطاهر من النجس الثاني أن يكون ماءان طاهران وعلم
بوقوع القذر في أحدهما لكن لم يعلم في أيهما وقع الثالث أن يكون ماءان طاهر ونجس وتلف أحدهما ولم يعلم أيهما التالف فالباقي مشتبه وقد ذكروا
للاشتباه صورتين أخريين بناؤهما على تعارض الشهادات وسنذكرهما بعيد هذا ثانيها إن الحكم مخصوص بالانائين أو يشملهما والزايد عليهما بل وغير الاناء
أيضا من الغديرين والقليبين ونحوهما قد صرح الشيخان والفاضلان بتعميمه في الزايد على الإنائين ونية بعضهم على ما ذكره صاحب المعالم على التعميم في غير الاناء
أيضا وقد عرفت مما قررنا أنه لو ثبت إجماع في صورة فهو المتبع وإلا فالحكم غير ظاهر لان الروايتين المقبولتين مخصوصتان بالانائين فإجراؤهما في غيرهما مشكل
والتعليلات الأخرى معتلة فالعدول عن الأصل لا داعي إليه لكن أمر الاحتياط واضح ثالثها إن العلامة قال في المنتهى لو كان أحد الإنائين متيقين الطهارة
والاخر مشكوك النجاسة كما لو انقلب أحد المشتبهين ثم اشتبه الباقي بمتيقن الطهارة وجب الاجتناب وفيه منع إذ ظاهرا أن الروايتين لا تشمل هذه الصورة و
تحقق الاجماع فيها أيضا غير ظاهر ولم نر في كلام أحد دعواه فيها والتعليلات المذكورة غير تامة فالظاهر الرجوع إلى الأصل لكن الاحتياط في التجنب
في بعض الصور وفي الاستعمال في بعضها مع ضم التيمم ثم بعد التمكن من الماء الطاهر يقينا تطهير ما لاقاه ذلك الماء فإن قلت ظاهر في بعض الصور الاحتياط في
استعمال ذلك الماء ثم التيمم مثل ما لو أمكن بعد الطهارة به تطهير الأعضاء لا الطهارة لكن إذا لم يمكن تطهير الأعضاء ففي هذه الصورة هل الاحتياط في
الاستعمال أو التجنب حذرا عن تنجس الأعضاء قلت الظاهر أن الاحتياط في الاستعمال لان حذر النجاسة ليس له قوة دليل الطهارة ودليل وجوب التطهر به لكن الاحتياط
بعد التمكن من التطهير تطهير الأعضاء الملاقية كما أشرنا إليه ولو ضم مع ذلك الاحتياط إعادة الصلاة أيضا لكان أحوط وتوهم التشريع كأنه لا قوة له رابعها إن
هذا الماء المفروض حكمه حكم النجس في خصوص عدم إجزاء استعماله في الطهارة وإزالة النجاسة أو مطلقا حتى إذا لاقى شيئا نجسه صرح العلامة في المنتهى بالثاني حيث قال
لو استعمل أحد الإنائين وصلى به لم يصح صلاته ووجب عليه غسل ما أصابه المشتبه بماء متيقن الطهارة كالنجس وحكى عن بعض العامة أنه نفى وجوب الغسل منه معللا
بأن المحل طاهر بيقين فلا يزول بالشك في النجاسة وأجاب عنه بأنه لا فرق في المنع بين يقين الطهارة وشكها هنا وإن فرق بينهما في غيره والظاهر أن لم يكن إجماع
هو الأول لما حكى عن بعض العامة وما أجاب به العلامة غير تمام لمنع عدم الفرق في المنع بين يقين الطهارة وشكها هنا إذ غاية ما يلزم من الحديثين إهراقهما
282

ووجوب التيمم وأما كونهما بمنزلة الماء النجس في جميع الأحكام فلا والتعليلات قد عرف حالها فما بقي إلا الاجماع لو كان وإثباته مشكل وقد قيل في الاحتجاج المختار
العلامة هنا إن المفروض كون الاشتباه موجبا للالحاق بالنجس في الاحكام فملاقيه أما نجس أو مشتبه بالنجس وكلاهما موجب للاجتناب واعترض عليه صاحب المعالم بقوله
وفساده ظاهر فإن إيجاب الاشتباه للالحاق بالنجس إن كان في جميع الأحكام فهو عين المتنازع وإن كان في الجملة فغير مجد وكون مطلق الاشتباه موجبا للاجتناب في حيز المنع
وإنما الموجب لذلك على ما هو المفروض اشتباه خاص كما لا يخفى انتهى وأنت خبير بأن منعه الأول لا مدخل له في المقام إذ المستدل لا يدعي إلا لحاق بالنجس في جميع الأحكام
البتة كيف ولو ادعى ذلك لما احتاج إلى ضم المقدمة الأخرى التي ذكرها إليه وهو ظاهر بل في الجملة أي في الاجتناب فقط وهو مجد له بضم المقدمة الأخرى نعم يرد المنع على تلك
المقدمة وقد أورده بقوله وكون مطلق الاشتباه إلى فالأولى الاكتفاء به وإسقاط ما قبله هذا ثم أمر الاحتياط ها هنا أيضا ظاهر خامسها أنه هل الاشتباه المراد
ها هنا يشمل ما إذا شك أحد في وقوع النجاسة في الماء أو وقع الاشتباه في أن الواقع نجاسة أولا الظاهر لا للأصل ولما أورد في الروايات من أن الماء طاهر ما لم يعلم
أنه قذر والظاهر أن أحدا من الأصحاب أيضا لم يقل به نعم قد وقع الخلاف بينهم فيما إذا حصل الظن بالنجاسة فحكى عن أبي الصلاح أنه يحكم بالتنجيس مطلقا وعن ابن البراج
إنه يحكم بالطهارة مطلقا وقال العلامة في التذكرة إن استند الظن إلى سبب كقول العدل فهو كالمتيقن وإلا فلا وقال في المنتهى لو أخبره عدل بنجاسة الماء لم يجب القبول
أما لو شهد عدلان فالأولى القبول وقال في موضع آخر لو أخبر العدل بنجاسة إنائه فالوجه القبول ولو أخبر الفاسق بنجاسة إنائه فالأقرب القبول أيضا وحكم في المختلف بقبول شهادة عدلين ونسبه إلى ابن إدريس
أيضا وجزم المحقق في المعتبر بعدم القبول في العدل الواحد وجعل القبول في العدلين أظهر ونص بعض الأصحاب على ما ذكره صاحب المعالم على اشتراط القبول في العدلين
بتبيين السبب المقتضي للنجاسة لوقوع الخلاف فيه إلا أن يعلم الوفاق فيكتفي بالاطلاق وقيد جماعة الحكم بقبول أخبار الواحد بنجاسة مائه بما إذا وقع الاخبار قبل
الاستعمال فلو كان الاخبار بعده لم يقبل بالنظر إلى نجاسة المستعمل له فإن ذلك في الحقيقة إخبار بنجاسة الغير فلا يكفي فيه الواحد وإن كان عدلا ولأن الماء يخرج
بالاستعمال عن ملكه إذ هو في معنى الاتلاف أو نفسه وبهذا التقييد وقد صرح في التذكرة هذا ملخص الأقوال في المسألة والأقرب بالنظر إلى طريقتهم قول
ابن البراج للأصل وعدم وجود دليل مخرج عنه بحيث يصلح للاعتماد كما يظهر عند تزييف أدلة الأقوال الأخرى وحكى عنه الاحتجاج على مذهبه بأن الطهارة معلومة
بالأصل وشهادة الشاهدين لا تقيد إلا الظن فلا يترك لأجله المعلوم وظاهره ضعيف إلا أن يرجع إلى ما ذكرنا أما أبو الصلاح فقد حكى عنه الاحتجاج بأن الشرعيات
كلها ظنية وإن العمل بالمرجوح مع قيام الراجح باطل وضعفه ظاهر إذ لا نسلم إن الشرعيات كلها ظنية وإن العمل يجب بالظن مطلقا بل إنما يجب العمل به لو وجب في مواضع
مخصوصة بدلايل خاصة ولا دليل فيما نحن فيه فالتعدي منها إليه مجرد قياس وما ذكره من بطلان العمل بالمرجوح مع قيام الراجح فإنما يسلم لو سلم فيما إذا
كان دليلان على شئ راجح ومرجوح وها هنا ليس كذلك إذ الراجح ها هنا وصول النجاسة إلى الماء مثلا والمرجوح عدم وصولها إليه وهما ليسا بدليلين ولا دليل
راجح على أن ما رجح وصول النجاسة إليه يجب الاجتناب عنه حتى يقال أنه يجب العمل بالدليل الراجح فإن قلت الدليل الراجح هو إن هذا الماء وصل إليه النجاسة وكل ماء وصل
إليه النجاسة يجب الاجتناب عنه أما الصغرى (فبالظن وأما الكبرى فمعلومة من الشرع والدليل المرجوح هو إن هذا الماء لم يصل إليه النجاسة وكل ماء لم تصل إليه
النجاسة لا يجب الاجتناب عنه أما الصغرى) فبالوهم وأما الكبرى فكما ذكروا رجحان الأول على الثاني ظاهر لرجحان صغراه على صغراه قلت كبرى القياس الأول
ممنوعة إذ المسلم إن ما وصل إليه النجاسة وعلم الوصول يجب الاجتناب عنه وأما بدون العلم فلا لا بد له من دليل ويمكن الاحتجاج لأبي الصلاح من وجه آخر ولعله
أمكن إرجاع وجهه الثاني إليه بعناية بل الأول وهو أن يقال انا مكلفون بالطهارة بالماء الطاهر وكذا بالصلاة في الثوب الطاهر مثلا مطلقا ولا شك إن امتثال
الامر المطلق إنما يحصل اليقين بالاتيان بما يحصل اليقين إن لم نكتف بالظن أو الظن أيضا إن اكتفينا به بأن المأمور به قد أتى به ولا شك أيضا إن عند الطهارة بالماء
المفروض أي الذي ظن وقوع النجاسة فيه أو الصلاة في الثوب الذي لاقاه أو ظن أنه لاقى غيره من النجاسات لان كلام أبي الصلاح ليس في خصوص الماء بل كل ما
ظن وقوع النجاسة فيه يحكم بوجوب الاجتناب عنه ماء أو غيره لا يحصل الظن بالطهارة بالماء الطاهر وكذا الصلاة في الثوب الطاهر إذ الألفاظ موضوعة للمعاني
النفس الامرية ولا يدخل العلم أو الظن فيها فالظاهر هو الطاهر في الواقع وظاهر أنا لا نظن به حينئذ بالطهارة في الواقع بل لو سلم دخول العلم أو الظن فيها فلا يضر
أيضا بل ينفع إذ انتفاء العلم أو الظن بالطهارة بالماء المظنون الطهارة أو معلومها أو الصلاة في ثوب كذلك أظهر فيما نحن فيه فلا بد من الاجتناب عما يظن ملاقاة
النجاسة له ليحصل الظن المذكور لان مقدمة الواجب المطلق مما لا بد منها ولا يخفى أن الاحتجاج على هذا من القوة بمكان وحينئذ فالجواب أن يقال أنا لم نجد في الآيات و
الروايات على ما يحضرنا الان ما يكون قابلا بأن تطهروا بالماء الطاهر أو صلوا في الثوب الطاهر مثلا بالمعنى المراد ها هنا وقوله تعالى وثيابك فطهر بظاهره مخصوص
بالرسول صلى الله عليه وآله وإثبات تعميمه مشكل مع إمكان المناقشة في ظهور كون الطهارة بالمعنى المراد بناء على عدم ثبوت الحقيقة الشرعية بل الأوامر فيها
إنما هو بالطهارة بالماء مطلقا وكذا الأوامر بالصلاة أيضا مطلقة من دون تخصيص بالثياب الطاهرة وغاية ما يدل فيها على التقييد هو مثل ما وقع إن
الماء إذا تغير مثلا فلا تتوضأ منه أو أنه إذا وقع قذر في الاناء فلا يتوضأ منه وأنه إذا وصل البول مثلا أو خصوص شئ آخر من النجاسات إلى الثوب أو البدن
283

فاغسله أو اغسل البول مثلا عن الثوب أو اليدين أو مثل إن الشئ الفلاني إذا كان طاهرا فلا بأس بالصلاة فيه الدال بمفهومه على أنه إذا لم يكن طاهرا فيتحقق
البأس فيه وهكذا في مثل هذه العبارات يتطرق وجهان على ما مر غير مرة أحدهما أن يقال أنه إذا ورد في أنه إذا وقع قذر في الاناء فلا يتوضأ منه فالامتثال إنما يحصل بأن يحصل اليقين أو
الظن بأن عند وقوع القذر في الاناء لم يتوضأ والاخر أنه لا يلزم ذلك بل الامتثال يحصل بأن يحصل اليقين أو الظن بأن لا يتوضأ من الاناء عند حصول
اليقين أو الظن بوقوع القذر فيه وقس عليه الحال في العبارات الأخرى ولعل الظاهر هو الثاني ولو سلم عدم الظهور فلا أقل من التساوي والأصل مع الثاني
فيرجع إليه وكون التكليف اليقيني لا بد فيه من البراءة اليقينية غير مسلم مطلقا بل إن كان ففي بعض الصور ليس ها هنا موضع تفصيله وما نحن فيه ليس منه
فينبغي بناء الكلام على الاحتمال الثاني والتكلم فيه فنقول إن قلنا إن المتبادر الشايع في التكليفات بمثل هذه العبارات إنه عند اليقين بوقوع القذر لا بد من
اليقين أو الظن بعدم التوضي فالامر ظاهر إذ اليقين فيما نحن فيه مفقود وإن قلنا أنه يكتفي بالظن أيضا فنقول بعد الاغماض عن إن ما نراه من الشيوع والتبادر إنما
هو في تكاليف العباد بعضهم بعضا فلعل تكاليفه سبحانه للعباد ليس كذلك لما نرى من نهيه عز وجل من اتباع الظن وذمه عليه أنا لو خلينا وهذه الأوامر المذكورة
لحكمنا بمثل ما حكم به أبو الصلاح لكن ها هنا أمور أخرى يوجب العدول عنه الأول ما ورد في الاخبار من أن الماء كله طاهر حتى يعلم أنه قذر وإن كل شئ نظيف
حتى تعلم أنه قذر وما لم تعلم أنه قذر وما لم تعلم فليس عليك وما ورد أنه لا يبالي أبول أم ماء فإذا لم يعلم وإنه إذا كنت على يقين من طهارتك أي طهارة ثوبك وبدنك ثم
شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا وإن الفراء والكيمخت لا بأس به ما لم تعلم أنه ميتة وإن الخفاف التي تباع في السوق يشترى ويصلى
فيها حتى يعلم أنه ميت بعينه وإن الثوب إذا أعير ذمي يعلم إنه يأكل الخمر ولحم الخنزير يصلي فيه ولا يغسل من ذلك لأنه أعير وهو طاهر ولم يستيقن إنه
نجسة فلا بأس أن يصلي فيه حتى يستيقن أنه نجسة وإن طين المطر لا حاجة إلى غسله إلى ثلاثة أيام مع أن المظنون ملاقاة النجاسة له ومن أنه لا حاجة إلى غسل
الرجل بعد الخروج من الحمام مع أن الظاهر فيه أيضا ملاقاة النجاسة ومن أن الوضوء من فضل وضوء المسلمين أحب مع الظن المذكور أيضا إلى غير ذلك من النظاير
التي يطول الكلام بذكرها الثاني لزوم الحرج والمشقة المنتفيين في الدين لزوما ظاهرا الثالث إن الأدوار والأعصار متشابهة فالظاهر أن عصر النبي صلى الله
عليه وآله والأئمة (عليهم السلام) أيضا مثل عصرنا في كون أسواقه وبيوته مما يظن بملاقاة النجاسة لأكثر أهلها وآلاتها وأسبابها أوانيها وظروفها بل لعل
الامر في عصرهم (عليهم السلام) أشد لقرب الاسلام واختلاط أهله بالكفار وعدم رسوخ القوانين الاسلامية في طبعهم وقلة الماء وكون مدارهم على
الابار والمياه القليلة مع أنه لم ينقل عنهم (عليهم السلام) الاجتناب عن السوق وأهله والصبيان والخدام ونحوهم الرابع عمل جل الأصحاب ومعظمهم وبما قررنا
ظهر حال ما إذا وجد في الأوامر الشرعية أمر مطلق بالطهارة بالماء الطاهر أو الصلاة في الثوب الطاهر ونحوهما لجريان هذا الجواب فيه أيضا ولا يخفى أن
بعد ما ذكرنا من الوجوه لا يبقى سيرا اعتداد بقول أبى الصلاح ولعل الصلاح من حيث الاحتياط أيضا ليس في
رعايته إذ في بعض الأمور التي مما نحن فيه مثل فضل
وضوء المسلمين فقد ورد النص باستحباب استعماله وترك التنزه عنه فلا وجه للاحتياط فيه وفي البعض الاخر فأما أن يراعى الاحتياط فيه جميعا فلا شك أنه
يؤدي إلى الحرج والمشقة ويمنع عن تحصيل كثير من الكمالات العلمية والعملية وكذا من اكتساب المعيشة الدنيوية والالتذاذ بطيباتها التي خلقها الله تعالى
لعباده ومن عليهم بها وإن روعي في بعض دون بعض فمع أنه ترجيح بلا مرجح لا يظهر فايدة فيه إذ بعد ملاقاة البدن والثياب بكثير مما حصل فيه ظن النجاسة
أي فايدة في الاجتناب عنه لان رجحان التخفيف والقلة في ملاقاة مثل ذلك مما لا شاهد له يعول عليه نعم لورد في خصوص شئ من هذه الأشياء خبر يدل
على استحباب التنزه عنه فحينئذ يجتنب عنه عملا بهذا الخبر فأما فيما سواه فلا مثل ما ورد في الثوب الذي عمله أهل الكتاب إن غسله أحب هذا وأما حجة القول بقبول
قول شاهدين عدلين فهي إن شهادتهما معتبرة في نظر الشارع قطعا ولهذا لو كان الماء مبيعا فادعى المشتري فيه العيب لكونه نجسا وشهد له عدلان
ثبت له جواز الرد وهو مبني على ثبوت العيب وهذا وإن كان يمكن المناقشة فيه بأن اعتبار شهادتهما في نظر الشارع مطلقا بحيث يشمل ما نحن فيه ممنوع وقبول
شهادتهما في الصورة المفروضة لا يدل على أزيد من ترتب جواز الرد وأخذ الأرش عليه وأما أن يكون حكمه حكم النجس في ساير الأحكام فلا بد له من دليل لكن
الأولى الاخذ به رعاية للاحتياط مع معاضدته بعمل جمع كثير من الأصحاب إذ هو القول بالمشهور بين المتأخرين وإن كانت الشهرة بينهم ليست بمنزلة الشهرة بين القدماء
إذ الشهرة بينهم مظنة وصول نص إليهم أو اطلاع منهم على حال المعصوم وخواصه رضي الله عنهم بخلاف الشهرة بين المتأخرين فإن فيها ليس ذلك المعنى لكن
مع ذلك لا يخلو عن تأييد للمطلب ولا أقل من جهة حصول الاعتماد بالرأي لما رأى من موافقته لآرائهم مع كونهم علماء محققين مدققين طالبين للصواب
محترزين عن الخطأ ولو فرض المخالفة فحينئذ يضعف الاعتماد على الرأي ولا يبقى قوته فافهم ثم إن التقييد الذي نقلنا عن بعض من تبيين السبب المقتضي للنجاسة
فكأنه لا بأس به ووجهه ظاهر ولا يخفى إن رعاية هذا القول أي قبول قول شاهدين عدلين للاحتياط أمره واضح في بعض الصور كما إذا وجد ماء غيره وأما إذا لم
284

يوجد فالامر فيه مشكل وأما قبول شهادة العدل الواحد فقد وجهه العلامة في النهاية بأن الشهادة في الأمور المتعلقة بالعبادة كالرواية والواحد
فيها مقبول فيقبل فيما يشبهها من الشهادة وضعفه من الظهور بحال لا يحتاج إلى شاهد وأما قبول قول المالك عدلا كان أو فاسقا فلم أظفر له على حجة
وقد يؤيد بما رواه التهذيب في زيادات الجزء الأول من كتاب الصلاة باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس والمكان عن إسماعيل بن عيسى قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن
جلود الفرا يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل أيسئل عن زكاته إذا كان البايع مسلما غير عارف قال عليكم أنتم أن تسئلوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك وإذا
رأيتم يصلون فيه فلا تسئلوا عنه وجه التأييد إن ظاهره إن قول المشركين يقبل في أموالهم إنها زكية أولا وإلا فلا فائدة للسؤال عنهم وإذا قبل قول المشركين
فقول المسلمين بطريق الأولى لكن سند الرواية غير نقي مع أن في الظهور المذكور تأملا أيضا ولا يبعد أن يؤيد أيضا بما رواه متصلا بهذا الخبر في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا (عليه السلام)
قال سئلته عن الخفاف يأتي السوق فيشتري الخف لا يدري أزكى هو أم لا ما تقول في الصلاة فيه وهو لا يدري أيصلي فيه قال نعم أنا أشتري الخف من السوق ويصنع
لي وأصلي فيه وليس عليكم المسألة إذ فيه إشعار ما بأن المسألة إذ فيه إشعار ما بأن المسألة لها نفع وفيه أيضا تأمل وبالجملة إثبات الحكم بهذين الخبرين مشكل ولا يخفى إن في الحكم
أربع صور الاخبار بالطهارة من غير سبق علم بالنجاسة ولا حاجة حينئذ إلى إخباره لان أصل الطهارة كاف في الحكم بها والاخبار بها مع سبق العلم بالنجاسة و
حكمه مشكل لما عرفت من عدم دليل تام على القبول مع ما ورد من أن اليقين لا ينقضه إلا يقين مثله والاخبار عن النجاسة بدون سبق العلم بالطهارة والحكم
فيه أيضا مشكل لما عرفت من عدم الدليل على القبول مع معارضته لأصل الطهارة والاخبار بها معه والحكم فيه أشكل لانضمام أصل الاستصحاب المذكور
أيضا مع أصل الطهارة ثم على تقدير القبول التقييد الذي نقلنا عن بعض من وقوع الاخبار قبل الاستعمال فلا يخلو من قوة وقد يؤيد بما ورد في الاخبار
من أن رجلا إذا صلى في ثوب رجل أيا ما ثم صاحب الثوب أخبره بأن ثوبه لا يصلي فيه فلا يعيد شيئا من صلاته لكن فيه إنه يجوز أن يكون عدم الإعادة للجهل والخروج
الوقت لا لعدم قبول قول صاحب الثوب هذا والمصنف في الذكرى بعد نقل الخلاف في اعتبار ظن إصابة النجس للماء رجح في غير المستند إلى إخبار عدلين الطهارة ثم
حكم باستحباب الاجتناب عند عروض هذا الاشتباه بشرط أن يكون الظن ناشيا عن سبب ظاهر كشهادة العدل وإدمان الخمر واستحسنه صاحب المعالم وقال
له وجه وأقله الخروج من خلاف من حكم بالنجاسة في مثله وبما قررنا ظهر عليك حاله وإن الحكم بالاستحباب لا وجه له والخروج عن الخلاف على فرض كونه صالحا
لتعليل الاستحباب به لا يعارض الأمور التي ذكرنا وبالجملة ما لم يكن نص في موضع بخصوصه أو مطلقا في مثل تلك الأمور يشكل الحكم بالاستحباب جدا ولا
يذهب عليك إنه على تقدير قبول قول العدل في الشهادة بالنجاسة والطهارة واحدا أو اثنين إذا حصل التعارض بين البينتين فقد جعله جمع من الأصحاب
من صور الاشتباه الذي نحن فيه وقد ذكروا له صورتين ولا بأس إن نذكرهما ونبين حقيقة الحال فيهما الأولى أن يقع التعارض في إناء واحد بأن
يشهد إحدى البينتين بعروض النجاسة له في وقت معين ويشهد الأخرى بعدمه لادعائها ملاحظته في ذلك الوقت والقطع بعدم حصول النجاسة له
فيه وللأصحاب فيه أقوال أحدها إلحاقه حينئذ بالمشتبه بالنجس وهو قول العلامة في التذكرة والقواعد وجعله فخر المحققين في الشرح أولى وقواه الشهيد الثاني (ره)
في بعض فوايده على ما نقله عنه ابنه (ره) وثانيها العمل ببينة الطهارة لاعتضادها بالأصل حكاه فخر المحققين عن بعض الأصحاب وثالثها الحكم بتساقط
البينتين والرجوع إلى أصالة الطهارة ذكره المصنف في البيان وقال إنه قوى بعد أن استقرب الالحاق بالمشتبه بالنجس ونسبه فخر المحققين إلى الشيخ مع القول الذي
قبله ورابعها العمل ببينة النجاسة لأنها ناقلة عن حكم الأصل وبينة الطهارة مقررة والناقل أولى من المقرر ولموافقتها الاحتياط ولأنها في معنى الاثبات
والطهارة في معنى النفي وهذا القول ينسب إلى ابن إدريس ومال إليه بعض المتأخرين على ما ذكره صاحب المعالم (ره) والظاهر من الأقوال على طريقتهم المعهودة
القول الثالث لظهور التعارض بين البينتين من دون مرجح فيحكم بالتساقط والرجوع إلى الأصل وأما القول الأول فلا شاهد له لان الاشتباه
الذي يحكم بنجاسة الماء بسبب غايته أنه يحكم به على تقدير اشتباه خاص هو أن يعلم بوقوع النجاسة في أحد الإنائين أما بناء على الاجماع أو على الروايتين
لما عرفت من ضعف الوجوه الأخرى وفيما عداه الحكم غير مسلم لعدم تسليم شمول الاجتماع والروايتين له غاية الأمر إن سلمنا قبول قول الشاهد عند عدم
التعارض وأما إذا تعارضا وتساقطا فأي وجه حينئذ للحكم باشتباه الماء ثم الحكم بنجاسته بناء عليه فإنا من وراء القدح في المقامين وأما القول الثاني فهو أيضا
ضعيف وإن وافقنا في الحكم لكن باعتبار آخر ووجه ضعفه إن القول برجحان قبول إحدى البينتين بمثل هذا الوجه مشكل جدا بل لا بد في المرجح أن يكون أمرا
اعتبره الشارع مرجحا أو حكم العقل به قطعا ولاحد أن يرجع هذا القول إلى القول الثالث وحينئذ فلا نزاع وضعف القول الرابع أيضا ظاهر لان الترجيح بالناقلية
والمقررية والاثبات والنفي كأنه لا شاهد له يصلح للتعويل والاحتياط ليس مما يقتضي الايجاب والالزام بل غايته الأولوية والرجحان مع أن الاحتياط في بعض
الصور في خلافه كما لا يخفى الثانية أن يتعارضا في إنائين بأن يشهد أحديهما بأن النجس هو هذا بعينه والأخرى بأنه الاخر فقد ذهب جمع من الأصحاب إلى أنه يدخل
285

تحت المشتبه بالنجس ويكون حكمها النجاسة ومن ذلك الجمع المحقق في المعتبر والعلامة في التحرير والمصنف (ره) في الذكرى والشيخ علي في شرح القواعد والشهيد الثاني في
بعض فوايده على ما نقل عنه ابنه (ره) وقال الشيخ (ره) في الخلاف إنه يسقط الشهادتان ويبقى الماء على أصل الطهارة وقال العلامة في المختلف لو شهد عدلان
بأن النجس أحد الإنائين وشهد عدلان بأن النجس هو الاخر فإن أمكن العمل بشهادتهما وجب وإن تنافيا طرح الجميع وحكم بأصل الطهارة لكن مال في آخر البحث إلى إلحاقه
بالمشتبه بالنجس وكلام الشيخ في المبسوط أيضا ناظر إلى ذلك حيث قال لا يجب القبول سواء أمكن الجمع أو لم يمكن والماء على أصل الطهارة أو النجاسة فأيهما كان معلوما عمل
عليه وإن قلنا إذا أمكن الجمع بينهما قبل شهادتهما وحكم بنجاسة الإنائين كان قويا لان وجوب قبول شهادة الشاهدين معلوم في الشرع وليسا متنافيين وحكى في
المختلف عن ابن إدريس (ره) التفصيل بإمكان الجمع بينهما وعدمه وأنه حكم بنجاسة الإنائين في الأول واضطرب في الثاني فتارة أدخله تحت عموم وجوب القرعة في كل
مشكل وتارة أخرجه منه واستبعد استعمال القرعة في الأواني والثياب ولا أولوية للعمل بإحدى الشهادتين دون الأخرى فيطرح الجميع لأنه ماء طاهر في الأصل وحصل
الشك في النجاسة فيبني على اليقين ثم أفنى بعد ذلك كله بنجاسة الإنائين وقبول الشهود الأربعة لان ظاهر الشرع يقتضي صحة شهادتهم لان كل شاهدين قد
شهدا بإثبات ما نفاه الشاهدان الآخران وعليه انقطع نظره حجة الذاهبين إلى إلحاقه بما لو اشتبه الطاهر بالنجس إن الاتفاق حاصل من البينتين على نجاسة أحد
الإنائين والتعارض إنما هو في التعيين فيحكم بما لا تعارض فيه ويتوقف في موضع التعارض واحتج الشيخ في الخلاف بأن الماء على أصل الطهارة وليس على وجوب القبول
من الفريقين ولا من واحد منهما دليل فوجب طرحهما وبقي الماء على حكم الأصل وتمسك العلامة في المختلف بأنه مع إمكان الجمع يحصل المقتضي لنجاسة الإنائين فيثبت
الحكم ومع امتناع الجمع يكون كل واحد من الشهادتين منافية للأخرى ونعلم قطعا كذب أحديهما وليس تكذيب واحدة بعينها أولى من تكذيب الأخرى فيجب طرح الجميع والرجوع إلى الأصل وهو الطهارة
هذا حاصل ما ذكروه ولا يخفى أن سوق حجة المذهب الأول صريح في الاختصاص بصورة عدم إمكان الجمع وكأنهم في صوره إمكان الجمع يحكمون بنجاسة الإنائين باعتبار
قبول الشهادتين كما هو الظاهر ولعله لظهوره لم يتعرضوا له وكلام الشيخ في الخلاف وإن كان ظاهره عدم الفرق بين صورتي عدم إمكان الجمع وإمكانه لكن الظاهر أن يكون
كلامه في صورة عدم إمكان الجمع لبعد الحكم بعدم الفرق بينهما إلا أن يكون حكمه في الخلاف بعدم قبول الشهادتين بناء على ما ذهب إليه ابن البراج لا على التعارض وحينئذ عدم
الفرق بين الصورتين معقول وبالجملة الراجح هو ما ذهب إليه العلامة في المختلف أما الحكم في صورة إمكان الجمع فظاهر وأما في صورة عدمه فقد أورد عليه صاحب المعالم
إنه لا مقتضى للاطراح إلا التعارض وهو منفي بالنظر إلى أحد الإنائين من غير تعيين وإنما وقع التعارض في التعيين والاطراح فيه لا يقتضي الاطراح مطلقا
فيبقى معنى الاشتباه موجودا انتهى كلامه ويمكن أن يقال لا نسلم اتفاق الشهود على شئ في هذه الصورة لان أحد الإنائين الذي يلزم نجاسته من شهادة إحدى البينتين
هو إحدى الإنائين الذي تحققه في ضمن الإنائين الخاص الذي شهدت تلك البينة على نجاسته وأحد الإنائين الذي يلزم نجاسته من شهادة البينة الأخرى هو الأحد
الذي تحققه في ضمن الاناء الاخر الذي شهدت هذه البينة بنجاسته وعلى تقدير عدم قبول الشهادة في الخصوصين باعتبار التعارض والتساقط يرتفع
قبولها في أحد الإنائين أيضا لان تحققه كان في ضمن الخصوصين وقد بطلت الشهادة في الخصوصين فبطلت فيه أيضا نعم لو فرض أنه يحصل من قول المجموع علم
أو ظن وقيل بكافية الظن فيما نحن فيه إن النجاسة وقعت في أحد الإنائين لكن تعيينه مشتبه فحينئذ يدخل تحت المشتبه لكنه يخرج عن محل النزاع إذ النزاع في أنه باعتبار
شهادة البينة الحكم ماذا والحاصل أنا لا نسلم إن الدليل الذي تمسكوا به في قبول شهادة البينة في طهارة الماء ونجاسته شامل لمثل هذه الشهادة أيضا فإثبات
قبوله محتاج إلى شاهد آخر فإن قلت ليس إذا شهد الشهود الأربعة إن النجاسة وقعت في أحد الإنائين ولم يقولوا بشئ آخر قبل شهادتهم وحكم بإدخالهما تحت
الإنائين المشتبهين فلم لم يحكم ها هنا بذلك لان هذا المعنى متحقق في كلامهم غايته أنهم اختلفوا في أمر آخر هو التعيين وهو لا يضر بالمطلب إذ غايته أن يحكم
بالتساقط في التعيين وهو غير فارح في المقصود قلت قبول شهادتهم حينئذ باعتبار عدم تحقق معارض واحتمال أن يكون شهادة كل من البينتين باعتبار زعمه
الوقوع في إناء غير ما زعم الاخر الوقوع فيه ليس بمانع للقبول إذ غايته احتمال التعارض والأصل عدمه فلا وجه لعدم قبول الشهادة بناء على احتمال يكون
الأصل عدمه وفيما نحن فيه التعارض موجود بالفعل وهو يوجب إسقاط قول كل في خصوص الاناء فيسقط أيضا نجاسة الأحد إلا بشرط الذي تحققه في ضمنه ألا
ترى أنه لو شهد البينة بأن إناء خاص نجس فتقبلها مع جواز أن يكون لها معارض لكن ما لم يظهر المعارض تبنى الحكم على أصالة عدمه وأما إذا ظهر المعارض و
شهد بطهارته فحينئذ تطرحها ولا تقبلها ولا يعقل حينئذ أن يقال لو فرض أنه لم يكن هذا المعارض لكان شهادة البينة الأولى مقبولة فلم لم تسمع حينئذ فكما لا يعقل
هذا القول لا يعقل ما قلته أيضا لعدم الفرق بينهما عند التأمل التام فتأمل وبعد اللتيا والتي يمكن أن يقال أيضا
سلمنا قبول شهادتهما على نجاسة أحد
الإنائين لا بعينه لكن ما الدليل على أنهما بحكم النجس إذ قد ظهر سابقا أن بناء هذا الحكم على الاتفاق والروايتين إذ العلل الأخرى معلولة والاتفاق فيما
نحن فيه مفقود وشمول الروايتين له ممنوع وهو ظاهر غاية الأمر أن يكون حكم الإنائين حينئذ أن يكون استعمالهما جميعا موجبا للتنجس ويكون شربهما معا حراما
286

ونحو ذلك وأما أنه لا يجوز استعمال كل واحد منهما منفردا فلا إلا أن يتمسك بالاجماع المركب لكن إثباته مشكل ثم إن صاحب المعالم قال بعد ما نقلنا والعلامة (ره)
تنبه ورود المناقشة على ما ذكره في الصورة الثانية بما أشرنا إليه وحاول الجواب عنها فقال لا يقال يحكم بنجاسة أحد الإنائين وصحة إحدى الشهادتين فيكون
بمنزلة الإنائين المشتبهين لأنا لا نقول بمنع حصول العلم بنجاسة أحد الإنائين وصحة إحدى الشهادتين لان صحة إحدى الشهادتين إنما يثبت مع انتفاء الكذب أما مع وجوده
فلا وهذا الكلام ظاهر الضعف فإن التكذيب إنما وقع في التعيين لا مطلقا كما عرفت ولما كان مجال المناقشة باقيا بحاله استدرك العلامة في آخر كلامه فقال على
أنه لو قيل بذلك يعني جعله كالمشتبه كان وجها ولهذا يردهما المشتري سواء تعدد أو اتحد وأراد بقوله ولهذا يردهما (اه) أنه لو اشترى هذين الإنائين مشتر أو اثنان
ثم شهد الشهود كما ذكر ثبت له أو لهما الخيار ولولا قبول الشهادة بالنجاسة لما ثبت الخيار وقد اعترض بأنا لا نعلم ثبوت الخيار إلا على تقدير قبول شهادة النجاسة فلو
جعل دليلا على قبولها لزم الدور وأجيب بأن الخيار يثبت جزما لان شهادة الشهود بالعيب لا سبيل إلى ردها إلا سيما مع اتفاقهم على وجود العيب في أحد الإنائين في
الجملة مضافا إلى أن حقوق الأميين مبنية على الاحتياط التام فكيف يقال يبقى الخيار استنادا إلى الأصل نعم يمكن أن يقال إن ثبوت الخيار لا يصلح دليلا على الاشتباه
وإنما يدل على عدم التمسك بالأصل هذا انتهى كلامه وحال ظهور الضعف الذي ادعاه قد عرفتها وما ذكره من أن شهادة الشهود بالعيب لا سبيل إلى ردها لا سبيل إلى قبوله وأي استبعاد
في أن لا يقبل شهادة الشهود بالعيب مع وجود المعارض ولو قيل إن الشهادة في أحدهما لا على اليقين لا معارض لها بل التعارض في التعيين فهو ما ذكره في لا سيما وهو
كلام وقد عرفت الحال فيه أيضا وكذا ما أضاف إليه من بناء حقوق الأميين على الاحتياط التام أوليس البايع أيضا آدميا وما قال من أن ثبوت الخيار لا يصلح دليلا
على الاشتباه فكان فيه اشتباها إذ لا وجه لثبوت الخيار في الفرض سوى ثبوت العيب وهو ليس إلا النجاسة فثبوت الخيار دال على ثبوت النجاسة أما في المعنيين أو في
أحدهما لا على التعيين هذا وبما ذكرنا ظهر حال حجة الذاهبين إلى إلحاقة بالمشتبه وأما الخلاف فإن بنى كلامه على الاختصاص بصورة عدم إمكان الجمع فنعم الوفاق
وإن بنى على التعميم وعدم الفرق فإن كان بناء على ما ذهب إليه ابن البراج فخارج عن محل النزاع لان النزاع على تقدير القول بقبول شهادة البينة في النجاسة وإن لم يبن
على ذلك بل بنى على عدم القبول على تحقق التعارض فكلامه في صورة عدم إمكان الجمع صحيح موافق لما قلنا وفي الصورة الأخرى فساده ظاهر من غير حاجة إلى بيان وأما ما ذكره
ابن إدريس (ره) فأكثره موافق لما ذكرنا وإنما المخالفة في أمرين قال صاحب المعالم أحدهما إيجاب القرعة وهو مستبعد كما اعترف به لعدم ظهور تناول دليل اعتبارها
لمثله خصوصا بعد ملاحظة عدم التعرض لاحتماله في مسألة اشتباه الاناء الطاهر بالنجس فضلا عن القول به والثاني الحكم بنجاسة الإنائين معللا بأن ظاهر الشرع يقتضي
صحة شهادتهم لان كل شاهدين قد شهدا بإثبات ما نفاه الآخران وتوضيح هذا الكلام إن كل واحدة من البينتين تضمنت إثباتا ونفيا والاثبات هو الشهادة
بالنجاسة والنفي الشهادة بالطهارة ومن القواعد المقررة تقديم شهادة الاثبات على شهادة النفي فيقبل هنا الشهادة بالنجاسة فيهما ويرد عليه أن اللازم من قبول البينتين الحكم بطهارة
الإنائين لاتفاقهما عليه والاختلاف في التعيين لا ينافيه وحديث تقديم شهادة الاثبات ليس على إطلاقه لو سلمنا كون الشهادة بالطهارة في صوره عدم إمكان
الجمع التي هي محل البحث شهادة النفي انتهى كلامه وقال في الحاشية قال بعض الأصحاب إنما تقدم شهادة الاثبات على شهادة النفي حيث لا يمكن العمل بهما وليس الامر كذلك
ها هنا لامكان العمل بهما في شئ لان البينتين قد اتفقتا على نجاسة أحد الإنائين وطهارة أحدهما واختلفتا في التعيين فثبت نجاسة أحدهما لا بعينه وبقي التعارض
في التعيين من غير احتياج إلى الترجيح لان طلب الترجيح إنما هو لتحصيل حكم شرعي وزوال اللبس شرعا وقد حصلا فإن الإنائين حينئذ يكونان كاللذين في أحدهما نجاسة
واشتبه وحكمها وجوب اجتنابهما معا لا على معنى النجاسة فيهما بل لاشتباه الطاهر بالنجس فتأمل انتهى أقول الوجه في الرد على ابن إدريس (ره) إن بعد تسليم كون الشهادة على الطهارة شهادة على
النفي لا نسلم تقديم شهادة الاثبات على شهادة النفي فيما نحن فيه إذ لا مستند له أصلا وأما ما أورده ففيه أولا أنه بعد ما أبطل قبول شهادة الطهارة بأنها شهادة على النفي
لا وجه للالزام بالحكم بطهارة أحد الإنائين لاتفاقهما عليه إذ شهادة كل منهما بطهارة أحد الإنائين إنما هو باعتبار شهادته بها في ضمن شهادته بطهارة
الخصوص وتحقق الأحد في ضمنه وإذا بطل طهارة الخصوص ولم يسمع الشهادة عليه بطل طهارة إلا بشرط في ضمنه أيضا فلم يبق شئ وقع عليه اتفاق الشهادتين
وهذا كما يقولون أن انتفاء النوع مستلزم لانتفاء الجنس في ضمنه وإن نسخ الوجوب لا يستلزم ثبوت الجواز وثانيا بعد تسليم إن شهادة الاثبات تقدم على
شهادة النفي حيث لا يمكن الجمع يحصل مراد ابن إدريس ضرورة لأنه إذا بطل طهارة الخصوص كل من الإنائين باعتبار شهادة إحدى البينتين على نجاسته وعدم
سماع شهادة البينة الأخرى على طهارته على ما هو المفروض فطهارة أحدهما في ضمن أي فرد يتحقق وهو ظاهر وبالجملة لا يفهم محصل لما ذيل به الكلام في الحاشية
ولا يرجع إلى طايل تتمة قال صاحب المدارك (ره) في بحث اشتباه الإنائين بعد ما ذكر إن الاجتناب عنهما مذهب الأصحاب ومستنده رواية عمار وهي ضعيفة السند
بجماعة من الفطحية واحتج عليه في المختلف أيضا بأن اجتناب النجس واجب قطعا وهو لا يتم إلا باجتنابهما وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وفيه نظر فإن اجتناب النجس لا نقطع بوجوبه الا مع تحققه
بعينه لا مع الشك فيه واستبعاد سقوط حكم هذه النجاسة شرعا إذا لم تحصل المباشرة بجميع ما وقع فيه الاشتباه غير ملتفت إليه وقد ثبت نظيره في حكم
287

واحد المني في الثوب المشترك واعترف به الأصحاب في غير المحصور أيضا والفرق بينه وبين المحصور غير واضح عند التأمل ويستفاد من قواعد الأصحاب أنه لو تعلق
الشك بوقوع النجاسة في الماء وخارجه لم ينجس الماء بذلك ولم يمنع من استعماله وهو مؤيد لما ذكرناه فتأمل انتهى كلامه وقد عرفت إن العمدة في مستند الحكم الاجماع
الذي ادعاه الشيخ والمحقق والعلامة والرواية وإن لم يكن صحيحة لكن تلقيت بالقبول وبالجملة كأنه لا خفاء فيه بعد ما ذكرنا وما نقله من الاحتجاج في المختلف لم نجد فيه
ثم قال بعد ما نقلنا متصلا به وها هنا أبحاث الأول إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في ذلك بين ما لو كان الاشتباه حاصلا من حين العلم بوقوع
النجاسة وبين ما لو طرء الاشتباه بعد تعين النجس في نفسه والفرق بينهما محتمل لتحقق المنع من استعمال ذلك المتعين فيستصحب إلى أن يثبت الناقل عنه انتهى
ولا يخفى إن ما ذكره من اقتضاء إطلاق النص وكلام الأصحاب ظاهر لكن الفرق الذي احتمله فيه خفاء لان الحكم بتحقق المنع من استعمال ذلك المعين إن كان باعتبار
أنه نجس في الواقع يقينا فأحدهما أيضا كذلك كما اعترف به حيث يفهم من كلامه عدم جواز المباشرة بجميع ما فيه الاشتباه إذ ليس ذلك إلا لنجاسة أحدهما قطعا فلو
ثبت إن ما هو نجس في الواقع يجب الاجتناب عنه بأي وجه كان فكما يلزم وجوب الاجتناب في المعين يلزم في أحدهما أيضا ولو لم يثبت ذلك بل ثبت أنه يجب الاجتناب
ما دام علم نجاسة بعينه فكما لم يثبت وجوب الاجتناب في أحدهما لا بعينه لم يثبت في المعين أيضا بعد حصول الاشتباه فيه فإن قلت الامر المعين إذا كان نجسا في الواقع يجب الاجتناب عنه كيف كان وأما
الغير المعين فلا قلت ما الدليل على ذلك وأيضا على هذا يكون الدليل دليلا آخر لا حاجة فيه إلى التمسك بالاستصحاب كمالا يخفى وإن كان لا بذلك الاعتبار
بل يقال حاصل الدليل أنه لا شك أنا كنا ممنوعين من استعمال المعين قبل الاشتباه فينبغي أن يكون بعده أيضا للاستصحاب من دون تعرض لحديث النجاسة فنقول أولا إن
الحكم باق بحاله استصحابا والمنع متحقق بالنسبة إلى ذلك المعين في الواقع وجواز استعمالنا لأحدهما بناء على أنه غير معلوم أنه ذلك المعين ولهذا لا يجوز استعمالهما جميعا
إذ يعلم حينئذ استعمال ذلك المعين فإن قلت إذا كان استعمال ذلك المعين ممنوعا في الواقع فلا بد من حصول اليقين بالاجتناب عنه وهو لا يصحل مع استعمال
أحدهما قلت لا نسلم إن ما كان واجبا في الواقع يجب تحصيل اليقين بامتثاله إنما يجب تحصيل اليقين بعد كونه معلوما في نظرنا لكن يمكن أن يقال لو كان استعمال ذلك
المعين ممنوعا في الواقع لما جاز استعمال الإنائين معا من شخصين أيضا لان أحدهما مستعمل لذلك المعين البتة فيلزم أن يكون فعله حراما مع أن كلا منهما
لم يفعل حراما على الفرض وثانيا إن المسلم إن ممنوعية استعمال ذلك المعين باعتبار إنه نجس معلوم نجاسة بعينه والاستصحاب إنما يعتبر ما دام لم يعلم زوال
ذلك الوصف وعند الاشتباه يعلم زوال الوصف عنه قطعا فلا يبقى اعتبار ثم على ما ذكره لو فرض إن واحدا من الاناء وغيره كان نجسا وكان معلوما بعينه
ثم اشتبه ولم يعلم أنه الاناء أو غيره لكان الاجتناب من الاناء واجبا وكأنه لم يقل به أيضا أحد فتدبر
(فلو صلى به أعاد في الوقت وخارجه على الأقوى) ظاهر
الاطلاق يدل على شمول الحكم للعامد والناسي والجاهل كما هو رأيه في الذكرى وقد اختلف الأصحاب في هذه المسألة قال العلامة (ره) في المختلف قال الشيخ
(ره) في المبسوط إذا استعمل النجس في الوضوء أو غسل الثوب عالما أعاد الوضوء والصلاة وإن لم يكن علم أنه نجس نظر فإن كان الوقت باقيا أعاد الوضوء والصلاة و
إن كان خارجا لم يجب إعادة الصلاة ويتوضأ لما يستأنف من الصلاة وأما غسل الثوب فلا بد من إعادته على كل حال وإن علم حصول النجاسة فيه ثم نسيه فاستعمله
وجب عليه إعادة الوضوء والصلاة ذكروا ذلك في موضعين منه وكذا قال في النهاية في باب المياه ولم يفرق في ذلك بين الوضوء والغسل بالماء النجس وبين
غسل الثوب منه وقال في باب تطهير الثياب لو صلى في ثوب فيه نجاسة مع العلم بذلك وجب عليه إعادة الصلاة فإن كان علم بحصول النجاسة في الثوب فلم يزله
ونسي ثم صلى في الثوب ثم ذكر بعد ذلك وجب عليه إعادة الصلاة فإن لم يعلم حصولها في الثوب ثم علم إنه كان فيه نجاسة لم يلزمه إعادة الصلاة فأطلق هنا عدم
الإعادة ولم يخصصه بخروج الوقت وكذا ذكر هذه العبارة الثانية في الكتاب المذكور في باب السهو وقال علي بن بابويه في الماء المتغير من البئر بالنجاسة فلن توضأت فيه
أو اغتسلت أو غسلت ثوبك فعليك إعادة الوضوء والغسل والصلاة وغسل الثوب وأطلق ولم يفصل إلى العلم وعدمه ولا في الوقت وخروجه ثم قال عن
الدم فإن كان دون الدرهم الوافي فقد يجب عليك غسله ولا بأس بالصلاة فيه وإن كان الدم دون حمصة فلا بأس بأن لا تغسله إلا أن يكون دم حيض فاغسل ثوبك
منه ومن البول والمني قل ذلك أم كثر واعد منه صلاتك علمت به أو لم تعلم وقد روى في المنى إذا لم تعلم به من قبل أن تصلي فلا إعادة عليك وقال ابنه محمد فإن
توضأ رجل من الماء المتغير أو اغتسل أو غسل ثوبه فعليه إعادة الوضوء والغسل والصلاة وغسل الثوب ثم قال ومن بال فأصاب فخذه نكتة من البول فصلى
ثم ذكر أنه لم يغسله فعليه أن يغسله ويعيد صلاته وأطلق ثم قال دم الحيض يجب غسل الثوب منه ومن البول والمني قليلا كان أو كثيرا أو يعاد منه الصلاة
علم به أو لم يعلم وقال علي (عليه السلام) ما أبالي أبول أصابني أو ماء إذا لم أعلم قال وقد روى في المني إنه إذا كان الرجل حيث قام نظر فطلب فلم يجد شيئا فلا شئ عليه
وإن لم ينظر ولم يطلب فعليه أن يغسله ويعيد صلاته وقال ابن الجنيد وإذا تيقن الانسان إنه غسل ثوبه أو تطهر بالماء النجس من البئر أو غيره غسل الثوب بماء
طاهر وأعاد الطهارة وغسل ما أصاب بدنه وثوبه وأعاد الصلاة ما كان في الوقت ثم قال في موضع آخر ولو صلى فيه أو عليه ثم علم بنجاسته اخترت له الإعادة في
288

الوقت وغير الوقت وهي في الوقت أوجب منها إذا خرج وأطلق سلار إعادة الصلاة في الثوب النجس وقال المفيد في المتغير بالنجاسة لو توضأ منه قبل تطهيره أو اغتسل
منه لجنابة أو شبهها وصلى بذلك الوضوء والغسل لم تجزه الصلاة ووجب عليه إعادة الطهارة بماء طاهر وإعادة الصلاة وكذلك إن غسل منه ثوبا أو ناله منه شئ
ثم صلى فيه وجب عليه تطهير الثوب منه بماء طاهر يغسل به ولزمه إعادة الصلاة وأطلق ولم يفصله مع العلم وبدونه وفي الوقت وخارجه وقال في موضع آخر ومن
صلى في ثوب يظن إنه طاهر ثم عرف بعد ذلك إنه كان نجسا ففرط في صلاته فيه من غير تأمل لها أعاد ما صلى فيه في ثوب طاهر وقال ابن البراج الماء النجس أن تطهر به
مع علمه أو سبق علمه أعاد في الوقت وخارجه وإن لم يسبقه العلم أعاد في الوقت دون خارجه وقال ابن حمزة إذا صلى في ثوب نجس قد سبقه العلم أعاد مطلقا في الوقت وخارجه
وإن لم يسبقه العلم لم يعد إذا قضى الوقت وقال ابن إدريس إن توضأ أو اغتسل أو غسل الثوب بالماء النجس أعاد الوضوء والغسل وغسل الثوب والصلاة إن كان
عالما أو سبقه العلم وإن لم يسبقه لم يجب عليه إعادة الصلاة ولا الطهارة بل غسل الثوب سواء كان الوقت باقيا أو لم يكن على الصحيح من المذهب والأقوال قال
وقال المفيد يجب عليه إعادة الصلاة وهو الذي يقوى في نفسي وأفتى به وهذا يدل على اضطرابه والوجه عندي إعادة الصلاة والوضوء والغسل إن وقعا بالماء
النجس سواء كان الوقت باقيا أو لا وسواء سبقه العلم أو لا أما لو كان الثوب نجسا فإن كان عالما أو سبقه العلم
أعاد مطلقا في الوقت وخارجه وإن لم يسبقه العلم أعاد
في الوقت دون خارجه انتهى كلامه في المختلف والظاهر من بين المذاهب المنقولة في المسألة التي نحن فيها أي في الطهارة بالماء النجس إن العامد والناسي يعيد أن في الوقت
وخارجه وأما الجاهل فلا يعيد مطلقا كما هو ظاهر ابن إدريس وأما حكم نجاسة الثوب والبدن فسيجئ على حدة إنشاء الله تعالى لنا على الجزء الأول أي إن العامد والناسي يعيد إن
مطلقا ما رواه التهذيب في باب تطهير الثياب واليد من الزيادات والاستبصار في باب الرجل يصلي في الثوب فيه نجاسته قبل أن يعلم في الصحيح عن علي بن مهزيار قال كتب إليه سليمان بن
رشيد يخبر أنه بال في ظلمة الليل وأنه أصاب كفه برد نقطة من البول لم يشك أنه أصابه ولم يره وإنه مسحه بخرقة ثم نسي أن يغسله وتمسح بدهن فمسح به كفيه ووجهه و
رأسه ثم توضأ وضوء الصلاة فصلى فأجابه بجواب قرأته بخطه أما ما توهمت مما أصاب يدك فليس بشئ إلا ما تحقق فلن حققت ذلك كنت حقيقا أن تعيد الصلوات
التي كنت صليتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها وما فات وقتها فلا إعادة عليك لها من قبل إن الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلا ما كان في وقت
وإذا كان جنبا أو صلى على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته لان الثوب خلاف الجسد فاعمل على ذلك إنشاء تعالى وجه الاستدلال إن قوله عليه السلام
فإن حققت ذلك يشمل بظاهره العامد والناسي لان الناسي أيضا يصدق عليه أنه حقق ذلك فكأن داخلا في الحكم وشمول الجاهل غير ظاهر لان السائل فرض إن الاطلاع على
إصابة البول وقع قبل الوضوء والصلاة فالتوهم والتحقيق الذي قسم عليه السلام الحال إليهما لعله في الاطلاع الذي فرضه السايل والحكم بالإعادة في الوقت صريح
وأما خارج الوقت فإنه وإن كان يترائى أنه حكم بعدم الإعادة فيه لكنه ليس كذلك لان معنى الخبر والله يعلم إنه إن حققت ذلك تعد الصلوات التي في الوقت وأما ما فات
وقتها فلا إعادة عليك لها باعتبار إنك صليت بالنجاسة بل باعتبار أنك صليت على غير وضوء والحاصل أنه عليه السلام رق بين الصلاة مع نجاسة الثوب والبدن و
بينها بدون طهارة أو طهارة فاسدة بأن في الأول يجب إعادة الصلاة في الوقت دون خارجه وفي الوقت وخارجه جميعا وعلى هذا فمراده عليه السلام يكون ثوبه نجسا النجاسة
الخبيثة سواء كان في الثوب والجسد ويؤيده أنه لم يكن في السؤال ذكر نجاسة الثوب أصلا بل نجاسة البدن فقط ومراده عليه السلام بأن الثوب خلاف الجسد إن النجاسة الخبثية
خلاف النجاسة الحدثية ووجه التعبير عن النجاسة الحدثية بالجسد ظاهرة لأنها متعلقة بالجسد ولا يتعلق بالثوب وباعتبار تعلق النجاسة الخبثية بالثوب أيضا وقع التعبير عن
النجاسة الخبثية بالثوب رعاية للمقابلة كما عبر عنها بنجاسة الثوب أيضا سابقا كما ذكرنا والقرينة عليه أيضا إنه علل حكم الصلاة جنبا وعلى غير وضوئه وظاهر إن في
هذه الحال يكون الجسد نجسا بالنجاسة الحكمية لا الحقيقية هذا وقد يورد على هذا الاستدلال إن الكاتب غير معلوم فلعله ليس هو المعصوم ولا يخفى بعده إذ ظاهر إن
علي بن مهزيار لا يقول في غير الإمام عليه السلام فأجابه بجواب قرأته بخطه مع شيوع المكاتبة للإمام عليه السلام في عصر علي (عليه السلام) منه ومن غيره وما رواه التهذيب أيضا
في الباب المذكور مرسلا عن عمار الساباطي قال وسئل عمار بن موسى الساباطي أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يجد في إنائه فارة وقد توضأ من ذلك الاناء مرارا
وغسل منه ثيابه واغتسل منه وقد كانت الفارة متسلخة فقال إن كان رآها في الاناء قبل أن يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثم فعل ذلك بعد ما رآها في الاناء فعليه أن
يغسل ثيابه ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء ويعيد الوضوء والصلاة وإن كان إنما رآها بعد ما فرغ من ذلك وفعله فلا يمس من الماء شيئا وليس عليه شئ لأنه لا يعلم متى سقطت فيه ثم قال لعله أن يكون إنما سقطت
تلك الساعة التي رآها وهذه الرواية في الفقيه أيضا مرسلة عن عمار في باب المياه وجه الاستدلال إن ظاهر قوله عليه السلام إن كان رآها في الاناء يشمل العامد والناسي وظاهر
قوله عليه السلام يعيد الوضوء والصلاة من دون تفصيل يشمل الوقت وخارجه سيما وظاهر سؤال الراوي حيث قال قد توضأ من ذلك الاناء مرارا يدل على خروج
وقت بعض صلواته كما لا يخفى وهذه الرواية طريقها في الفقيه قوى فيصلح للاعتماد خصوصا مع كونها مودعة في الفقيه الذي حكم صاحبه بأن ما أورده فيه حجه
بينه وبين ربه وإنه أخذه من أصول يعول عليها ويرجع إليها وما رواه الاستبصار في باب البئر يقع فيها ما يغير أحد أوصاف الماء مرسلا عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله
289

عليه السلام مثل الخبر السابق بعينه وهذا الخبر وإن كان طريقه ليس معتمدا لكن يصلح للتأيد والتقوية وهذه هي الروايات التي أشرنا في بحث عدم إجزاء الطهارة بالماء النجس
إنها سيجئ في بحثنا هذا ما يدل عليه من الروايات ووجه دلالتها على ذلك المطلوب ظاهر ثم لا يخفى أنه قد يناقش في الخبر الأول بأن كون المراد ما ذكرتم غير ظاهر بل يمكن أن
يوجه بثلاثة أوجه أخرى أحدها أن يكون المراد ما فات وقتها لا إعادة عليك لان الرجل إذا صلى بالنجاسة لا يعيد في خارج الوقت وإن توضأ أيضا بالماء النجس
كما هو المفروض في السؤال ولكن إذا صلى بغير غسل وبغير وضوء فيعيد في الوقت وخارجه وحاصله الفرق بين ترك الطهارة مطلقا وبين الاتيان بها وإن كانت فاسدة وفيه
مع قطع النظر عن المقابلة حينئذ بين الثوب والجسد والتعبير عن فساد الطهارة باعتبار النجاسة بنجاسة الثوب وعن تركها مطلقا بنجاسة الجسد مما لا يظهر له وجه وجيه
لان الفرق بين عدم الطهارة رأسا وبين الطهارة الفاسدة كأنه لم يقل به أحد الخبر عليه بعيد جدا ولا يخفى انه على هذا الوجه أيضا الاستدلال بالخبر على
عدم إجزاء الطهارة بالماء النجس باق بحاله إذ بمجرد تسليم إن الطهارة فاسده بسبب نجاسة الماء ثبت المدعى المذكورة سواء ثبت أنه يقتضي الإعادة في خارج الوقت
أولا وهو ظاهر فإن قلت لعله يكون فساده الطهارة لأجل نجاسة الماء قلت على هذا أيضا يلزم المدعى لان نجاسة الماء يستلزم نجاسة المحل وهي
يستلزم الفساد فنجاسة الماء يستلزم الفساد وهو المطلوب إذ ليس المطلوب سوى الاستلزام في الجملة وأما الاستلزام بالذات فلا وثانيها أن يكون المراد إن ما فات وقته لا
إعادة عليك لان الصلاة بالنجاسة لا يستلزم إلا الإعادة في الوقت نعم الصلاة بغير طهارة يستلزمه مطلقا وها هنا ليس كذلك لأن الطهارة بالماء النجس مجزية
وعلى هذا يبطل الاستدلال به على عدم إجزاء الطهارة بالماء النجس وفي هذا التوجيه وإن لم يلزم ما ذكرنا في التوجيه السابق من عدم حسن التعبيرين لكن مثل الايراد
الأول باق بحاله لان إجزاء الطهارة بالماء النجس أيضا كأنه لم يقل به أحد ويرد عليه أيضا أنه لا يلايم قوله عليه السلام كنت حقيقا أن تعيد الصلوات التي كنت صليتهن
بذلك الوضوء لاشعاره بوقوع فساد في الوضوء وهذا الوجه مبني على صحته وثالثها أن يكون المراد مثل ما في سابقه لكن يبنى صحة الطهارة على عدم نجاسة الماء القليل
بالملاقاة وعلى هذا أيضا يبطل الاستدلال المذكور وهذا أقرب من سابقيه لكن فيه أيضا عدم الملايمة المذكورة آنفا وأيضا على هذا يجب القول بأن طهارة المحل
ليست شرطا في الطهارة ولعل القايل به أيضا ليس بمتحقق إلا أن يقال كان الماء بوروده يزيل الخبث والحدث معا وفيه من حيث أن في حال الوضوء بالطريق المعهود
المتعارف لا يصل الماء غالبا إلى جميع الوجه بالوجه الذي لابد منه في التطهير وأيضا القائلون باشتراط طهارة المحل كأنهم يقولون باشتراط طهارته السابقة لا
حال الطهارة فقط إذ قد عرفت حال الأوجه الثلاثة فالظاهر حمله على الوجه الأول الذي ذكرنا في الاستدلال ويتم المطلوب والحق إن متن الخبر لا يخلو من انغلاق
وفهم المراد منه بحيث يكون صالحا للاحتجاج به في خارج الوقت كما ذكرنا مشكل لكن مع انضمامه بالخبرين الآخرين مع قوة طريق أحدهما واعتضاده بعمل أكثر الأصحاب
إذ الظاهر أن أكثرهم متفقون في هذا الجزء من الحكم وتأيده بالاحتياط وبما سيجئ من أدلة مذهب العلامة كأنه يقرب الحكم جدا وإن كان يرد على الروايات كلها
إن الامر في الأحاديث لا يدل على الوجوب فإن قلت هل يرد عليها أيضا إن الامر بالإعادة لعله لنجاسة الثوب والبدن لا لأجل الطهارة قلت لا أما أولا
فلانه خرق للاجماع المركب إذ لم يقل أحد كما هو الظاهر بإعادة العامد والناسي في الوقت وخارجه لنجاسة الثوب والبدن لا لفساد الطهارة وأما ثانيا فلان
الطهارة بالماء النجس يستلزم نجاسة البدن أيضا فيستلزم الإعادة وهو المطلوب وإن لم يكن الاستلزام بالذات لكن فيه أنه قد يتفق أن يتوضأ بالماء النجس ثم
يغسل أعضاؤه بالماء الطاهر ثم يصلي هذا وأما على الجزء الثاني أي عدم إعادة الجاهل مطلقا في الوقت وخارجه فلان الظاهر أن الامتثال بالصلاة مثلا يحصل
بمجرد الاتيان بتلك الافعال المخصوصة مقترنا بظن تحقق شرائطها المعلومة كالطهارة مثلا إذ تحصيل الجزم بحصول الشرايط متعذرا ومتعسر بحيث يفضي إلى الحرج
المنفي في الدين ولو سلم لزوم الجزم أيضا فلا شك إن الجزم المطابق للواقع ليس بشرط لأنه أما تكليف بما لا يطاق أو بما هو أقرب إليه من النور إلى الأحداق وحينئذ
فلو فرض إن المكلف أتى وقت الظهر مثلا بالصلاة ظانا أو جازما بحصول الطهارة الشرعية فقد أتى بالمأمور به فإذا ظهر بعد ذلك إن طهارته كانت فاسدة فلزوم
الإعادة عليه سواء كان في الوقت أو خارجه يحتاج إلى تكليف آخر لان التكليف بالصلاة عند دلوك الشمس لا نسلم أنه يقتضي أزيد مما فرض الاتيان به والأصل
عدمه حتى يثبت وقد يثبت في حال النسيان بالدليل الذي ذكرنا وبقي حالة الجهل إذ لا دليل عليه لما ستطلع عليه من تزييف دليل المخالف ثم لو فرض إن العقل لم يحكم في
الصورة المفروضة بتحقق الامتثال جزما فلا شك إنه لا يجزم أيضا بعدم الامتثال والأصل براءة الذمة حتى يثبت شئ ولو قيل إن التكليف اليقيني السابق لا بد
له من تحصيل البراءة اليقينية ولا أقل من الظنية فلا يكفي الشك على ما فرضت ففيه أيضا محل الكلام ومجال النزاع وقد يؤيد أيضا أدنى تأييد بما نقل عن علي
(عليه السلام) لا أبالي أبول أصابني أم ماء إذا لم أعلم والله أعلم احتج العلامة في المختلف على الحكم الأول مما استوجهه الذي هو مسئلتنا هذه بقوله إن من صور النزاع
الطهارة بالمتغير من الماء وهو منهي عنه والنهي يدل على الفساد أما الأول فلما رواه حريز بن عبد الله في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال فإذا تغير الماء و
تغير الطعم فلا يتوضأ منه ولا يشرب منه وأما المقدمة الثانية فلانه يأت بالمأمور به فيبقى في عهدة التكليف أما الصغرى فلانه أتى بالمنهي عنه والمأمور به
290

غير المنهي عنه وإلا لزم التكليف بالضدين وأما الكبرى فظاهرة ومن صور النزاع ما ولغ فيه الكلب وقد نهى عن استعماله رواه في الصحيح الفضل أبو العباس عن الصادق عليه السلام وسئلته عن أشياء حتى انتهى إلى الكلب
قال رجس نجس لا يتوضأ بفضله وأصبب ذلك الماء والتقريب ما تقدم لا يقال هذا لا يدل على المطلوب لاختصاصه بالعالم فإن النهي مختص به لأنا نقول لا نسلم الاختصاص
فإنه إذا كان نجسا لم يكن مطهرا لغيره وما رواه معاوية في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول لا تغسل الثوب ولا تعاد الصلاة مما وقع في
البئر إلا تنتن فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ونزحت البئر وهذا مطلق سواء سبقه العلم أو لا ولأن الماء نجاسة عينية حقيقة فلا يزيل النجاسة الحكمية وهمية وهو
الحدث انتهى كلامه وفيه نظر أما أولا فلان قوله المأمور به غير المنهي عنه وإلا لزم التكليف بالضدين إن أراد به لزوم التكليف بالضدين متعلقا بشئ مخصوص الذي هو الممتنع فلزومه ممنوع إذ لو فرض إن الامر أمر بالوضوء
بالماء مطلقا ونهى عن الوضوء بالماء المتغير فإذا اختار المكلف الوضوء بالماء المتغير وجمع بين الأمر والنهي بأن جعل أمر واحدا فردا لهما فلم يلزم تعلق التكليفين بشئ
مخصوص بل التكليفان تعلقا بطبيعتين كليتين لكن جعل المكلف فعلا واحدا جزئيا لهما وإن أراد به مجرد جمعهما في شئ واحد باختيار المكلف فاستحالته ممنوعة
لا بد لها من بيان وأما ثانيا فلان ما ذكره في جواب لا يقال مع أنه خارج عن الآداب ظاهرا لان المنع لا يناسب منصب الاستدلال غير موجه لان كون النجس غير مطهر لغيره
ممنوع حتى يقوم عليه دليل وبعد إقامة الدليل عليه لا أدري أي حاجة له إلى التمسك بالنهي وإنه يدل على الفساد إذ يكفي أن يقال الطهارة بالماء النجس لا يرفع الحدث فلا
يكون مجزيه ويكون الصلاة معها فاسدة بل لا بد حينئذ من إقامة الدليل بهذا النحو إذ لا يستقيم ضم هذه المقدمة إلى المقدمتين اللتين ذكرهما أولا فظهر إنه على
هذا تغير الدليل إلى دليل آخر ويصير الدليل الأول فاسدا محضا وأيضا غاية ما يلزم من عدم كون الماء النجس مطهرا لغيره ان يكون طهارته فاسدة في الواقع فيجاب؟
بعد ظهور فسادها إلى طهارة أخرى لما يستقبل واما إعادة الصلاة التي صليها بها فلا إذ لا يلزم شئ على المكلف الا باعتبار التكليف والتكليف بالصلاة
أي وقت كان قد علمت أنه لا يقتضي الا الاتيان بها مقترنا بظن تحقق شرايطها أو الجزم به مرة واحدة وقد حصل ذلك بالفرض والآتيان به مرة أخرى لابد له
من تكليف آخر وليس وأما ثالثا فلان ظهور عموم صحيحة معاوية محل كلام كيف وليس فيها حكاية الطهارة بماء البئر المنتنة ويحتمل باطلاقها ملاقاته للثوب
أو البدن فقط والحكم بالإعادة حينئذ مطلقا اي في الوقت وخارجه ومع سبق العلم وبدونه ليس بصحيح لا في الواقع كما سيجئ ولا على مذهب العلامة (ره) أيضا فليحمل الرواية
على وجه يصح في صورة الطهارة وعدمها ولعله أولى من أن يحمل على العموم في بعض الصور والخصوص في بعضها وبالجملة الحكم بظهور العموم في خصوص الطهارة
والعمل به مع مخالفته للأصل مشكل جدا سيما مع شيوع استعمال الامر في الاستحباب في أحاديثنا على أنه ليس بلفظ الامر أيضا بل بلفظ الخبر وأما رابعا فلان دليله
الأخير يرجع إلى ما ذكره في جواب لا يقال وقد عرفت ما فيه فلا نعيده هذا وقال المصنف (ره) في الذكرى يحرم استعمال الماء النجس والمشتبه به في الطهارة مطلقا لعدم التقرب بالنجاسة
فيعيدها مطلقا وما صلاه ولو خرج الوقت لبقاء الحدث انتهى ولعل مراده الدليل الأخير للعلامة وفيه ما فيه وقد
يستدل أيضا على مطلوبهم بأن الصلاة
والطهارة ونحوهما موضوعة للمعان النفس الامرية كجميع الألفاظ والعلم والظن خارجان عن موضوعهما نعم يعتبر العلم أو الظن في تحقق الامتثال بمعنى انه إذا
صدر امر بالطهارة بالماء الطاهر مثلا فالمأمور به الطهارة بالماء الطاهر الواقعي البتة لكن يقال إنه هل يجب في الامتثال تحصيل العلم بحصول المأمور به أو يكفي الظن
لا ان المأمور به يكون الطهارة بالماء المظنون الطهارة أو معلومها مثلا وهو ظاهر وحينئذ نقول إذا امر بالصلاة والطهارة بالماء الطاهر فقد ظهر ان المأمور به
ماذا وفي الفرض المذكور ظاهر انه لم يحصل ذلك المأمور به وان سلم تحقق الامتثال على ما ذكرتم وقد ورد مستفيضا ان من فاتته الصلاة فليقضها كما فاتته
فيجب قضاء تلك الصلاة إذ يصدق عليها الفوات لما بينا من عدم حصولها وإذا ثبت وجوب القضاء في خارج الوقت ثبت وجوب الإعادة في الوقت أيضا والا لزم خرق
الاجماع المركب فقد ثبت المدعى بتمامه وفيه أيضا نظر اما أولا فلان الصلاة اسم للأفعال المخصوصة والطهارة خارجة عنها وكذا الصحة والبطلان لأنها يطلق
على الصلاة الفاسدة أيضا في الشرع كصلاة الحايض ونحوها وفي الفرض المذكور لم تفت تلك الأفعال وأما ثانيا فنسلم ان الطهارة داخلة فيها لما
ورد ان الصلاة ثلاثة أثلاث ثلث طهور الخ لكن الطهارة أيضا ليست الا الافعال المخصوصة التي ليست طهارة الماء من اجزائها بل قد علم من خارج انها من
شرايط صحتها والصحة والفساد قد علمت انهما خارجان من مدلولات الألفاظ وحينئذ ففي الفرض المذكور لم يصدق فوات الطهارة أيضا وأما ثالثا فنسلم ان
المأمور به هو الطهارة بالماء الطاهر لكن لا نسلم انه إذا صدر من مكلف ما يحصل به امتثال تكليف وان لم يكن ذلك المكلف به في الواقع ان يصدق عليه في العرف انه
فاته ذلك المكلف به وان يصدق لغة ويمكن ان يستدل أيضا بالروايات الكثيرة الصحيحة والحسنة وغيرها المتضمنة لان من صلى على غير طهور فليقضها على ما
سنوردها انشاء الله تعالى في باب القضاء بل بصحيحة سليمان المنقولة آنفا أيضا لان أولها وإن لم يشمل الجاهل ظاهرا كما ذكرنا لكن آخرها حيث قال عليه السلام إذا صلى جنبا أو
على غير وضوء إلى آخره يشمله ظاهرا والعبرة به لا بما يقتضيه السؤال لان تخصيص السبب لا يقتضي تخصيص الحكم على ما تقرر والايراد عليه أيضا بمثل ما ذكرنا من منع كونه على
غير طهور في الفرض المذكور وبالجملة اثبات وجوب الإعادة في الوقت والقضاء خارجه في صورة الجهل وان كان يورد عليه بعض المناقشات لكن الاحتياط
يقتضي بالإعادة والقضاء قضاء مبرما لان دليله من القوة والاعتماد بمكان كما عرفت فلا يترك مهما أمكن وأما ما ذهب إليه الشيخ (ره) في المبسوط والنهاية في
خصوص مسئلتنا هذه اي في الطهارة بالماء النجس من إعادة العالم والناسي مطلقا والجاهل في الوقت دون خارجه وكذا ابن البراج على ما نقلنا عنه من المختلف
فالدليل على جزئه الأول الذي وافقناهما عليه قد وقفت عليه واما جزئه الآخر الذي يخالفنا ويخالف ما ذهب إليه العلامة والمصنف فلم نطلع له على دليل
ولعلهما قاسا الطهارة على النجاسة وسيجئ فيها من الروايات ما لعلهما يتمسكان به وأما ظاهر ما ذهب إليه ابن الجنيد في أحد موضعي كتابه من الإعادة في الوقت دون
291

خارجه سواء كان عامدا أو ناسيا أو جاهلا فذلك أيضا لم نجد له دليلا في الطهارة ولعله أيضا قاس على قياسهما أو ظن أنه مادا في الوقت لم يبرء الذمة عن عهدة
التكليف حتى اتى بذلك المكلف به الواقعي وأما خارج الوقت فلابد له من دليل من خارج ويجوز ان يكون هذا الظن مستندا للشيخ وابن البراج أيضا فيما خالفنا
وقد علمت الحال فيه بما لا مزيد عليه وأما ما ذهب إليه في موضع اخر فكأنه موافق لما ذهب إليه العلامة والمصنف وقد عرفت دليله وما فيه وكذا ظاهر ما ذهب إليه
الصدوقان والمفيد رحمهم الله يوافق ما ذهب إليه العلامة في خصوص المسألة اي الطهارة فدليله دليل لهم وعليهم ما عليه (وفي إزالة الخبث) عطف على قوله في
الطهارة والكلام هاهنا أيضا في كون التحريم بالمعنى التعارف أو عدم الاجزاء به وعدم الاعتداد كالكلام في سابقه ولعل كونه بالمعنى المتعارف هاهنا أبعد منه ثمة ثم
عدم اجزاء إزالة الخبث بالماء النجس والمشتبه به كأنه اجماعي ويدل أيضا على عدم الاجزاء في الماء النجس مرسلة عمار المنقولة آنفا ويؤيد عدمه في الماء المشتبه الروايتان
السابقتا في الإنائين المشتبهين إذ مع جواز إزالة الخبث به يبعد الامر بالاحراق وبالجملة الحكم كأنه واضح مع موافقته للاحتياط (فيعيد ان علم قبله ويقضي وان جهل
فلا) الظاهر أن مراده ان العامد والناسي يعيدان مطلقا في الوقت وخارجه اي إذا صليها بالثوب النجس الذي أزيل نجاسة بالماء النجس أو المشتبه به والجاهل بالنجاسة
لا يعيد مطلقا في الوقت وخارجه كما سيصرح به فيما بعد في بحث النجاسات ولما كان الظاهر أنه لا فرق بين هذه المسألة وبين ما سيجئ فنحيل شرحها إلى شرح ما سيجئ
انشاء الله تعالى (ويجوز شربه للضرورة) يدل الكلام بمفهومه على أنه لا يجوز شربه لا للضرورة والحكم مفهوما ومنطوقا كأنه اجماعي ويدل أيضا على المفهوم وما ورد في
الروايات من النهي عن شرب الماء المتغير بالنجاسة وغيره من سؤر الكلب ونحوه على ما تقدم في المباحث السابقة وعلى المنطوق فحوى قوله تعالى الا ما اضطررتم
إليه ولما كان الموضع الأخص بهذا الحكم كتاب الأطعمة والأشربة وسيفصل المصنف (ره) الكلام فيه رأينا الأول ان نؤخر الكلام في تفصيل المقام إليه انشاء الله تعالى
(ولا يشترط في التيمم عند اشتباه الآنية اهراقها على الأقرب) قد اختلف الأصحاب في هذا الحكم فظاهر كلام الشيخين والصدوقين وجوب الإراقة لكن كلام الصدوقين
ربما يشعر باختصاص الحكم بحال اراده التيمم وعدم وجدان ماء آخر وكلام المفيد في المقنعة صريح في عدم الاختصاص حيث قال ولو أن انسانا كان معه إناءان فوقع
في أحدهما ما ينجسه ولم يعلم في أيهما هو يحرم عليه الطهور منهما جميعا ووجب عليه اهراقهما والوضوء بماء من سواهما وكلام الشيخ (ره) في النهاية يحتمل للامرين وابن إدريس
والفاضلان فجماعة من المتأخرين لا يوجبون الاهراق لا مطلقا ولا عند إرادة التيمم وعدم وجدان ماء آخر والمصنف (ره) كأنه حمل كلام الموجبين جميعا على
وجوب الاهراق عند إرادة التيمم حيث خص الكلام بكون الاهراق شرطا في التيمم أو لعله لم يعتد بالقول بوجوب الاهراق مطلقا لان ما تمسكوا به على
تقدير تمامه لا يدل على أزيد من وجوب الاهراق حال التيمم كما سيظهر حجة الموجبين الروايتان السابقتان في الإنائين حيث قال فيهما يهريقهما ويتيمم واحتجوا أيضا
بأنه لو لم يهرقهما لكان واجدا للماء فلا يباح له التيمم لاشتراطه بعدم الوجدان وهذان الدليلان كما ترى لا يدلان على أزيد مما ذكرنا كما لا يخفى ثم إن العلامة
في المختلف أجاب عن الروايتين أولا بالطعن في السند فإن عمارا فطحي وسماعة واقفي واعترض عليه بأنه في المنتهى استدل بهذين الحديثين على نجاسة الماء و
وجوب التيمم وذكر ان ضعفهما يندفع بتلقي الأصحاب لهما بالقبول والقول بأن التلقي لعله من جهة الدلالة على التيمم ونجاسة الماء وعدم التلقي من جهة
الدلالة على الاهراق تكلف جدا وثانيا بحمل الإراقة على التسويغ بمعنى انه لا يجب عليه استعمال أحدهما بل ولا يجوز للمنع من التجري كما ذهب إليه الجمهور قال المحقق
الامر بالإراقة محتمل ان يكون كناية عن الحكم بالنجاسة لان استبقاؤه قد يتعلق به غرض كالاستعمال في غير الطهارة واستوجهه صاحب المعالم وقال لهذا الكلام وجه
لورود الامر بالإراقة في ادخال اليد القذرة في الماء القليل وهو في عدة اخبار ولا قايل ثم بالوجوب فيما نعلم والظاهر أن ذلك لفهمهم منها إرادة الحكم بالنجاسة
على طريق الكناية والنكتة في هذه الكناية هي التفخيم في المنع على ما ذكره المحقق ويحتمل ان يكون هي النظر إلى عسر تطهيره بناء على توقفه على الامتزاج فيكون مؤيدا للقول
باعتباره في حصول التطهير انتهى ولا يخفى ان القول بانا نحمل الإراقة على التسويغ وبأنه يحتمل ان يكون كناية عن الحكم بالنجاسة مما لا يناسب المقام لان المقام وان كان مقام
المنع ويكفيه التجويز لكن لا في الدلايل الظنية المبنية على الظواهر بل لابد في مقام منعها من منع ظهورها فيما ادعاه المستدل أو ابداء احتمال آخر مكاف لما ادعاه
ولا يكفي مجرد احتمال معنى آخر ولو كان مرجوحا وحينئذ نقول لا شك انه بناء على كون الامر للوجوب ان ظاهر الرواية وجوب الاهراق والاحتمال الذي ذكروه خلاف الظاهر
فلينظر هل الأمور التي ذكروها مع هذا التجويز يصلح للخروج عن الظاهر أولا اما ان الاستبقاء قد يتعلق به غرض كالاستعمال في غير الطهارة كسقي الدواب أو شربه
عند خوف العطش أو امكان تطهيرهما أو تذكر الطاهر منهما على ما ذكره العلامة في المختلف فكأنه لا يصلح لذلك إذ المصالح الشرعية لا سبيل للعقل إليها غاية الأمر
ان في بعض الصور مثل خوف العطش ان كان علم قطعا بدليل من خارج وجوب استبقاؤه حكم به في خصوص هذه الصورة ويكون خارجا عن الرواية بدليل خارج فلم
يتعدى الحكم إلى غيره أيضا وأما انه ورد الامر بالإراقة في عدة أخبار في موضع آخر مع أنه لم يقل فيه أحد بالإراقة فهو أيضا ليس بذلك وان كان أقرب من الأول
وحديث التفخيم وعسر التطهير فعدم جدواه ظاهر لان بنائهما على الاحتمال وقد عرفت انه لا ينفع بحال الا ان يدعي الشيوع في استعمال الامر بالإراقة حيث يكون
292

الغرض منه عدم الانتفاع ومن الاستعمال حتى يعارض ظاهر اللغة ولعل هذه الدعوى ليست ببعيدة وبالجملة الأظهر منع كون الامر في أحاديث أئمتنا عليهم السلام بمعنى الوجوب
ولكن فيه أيضا انه وان لم يكن ظاهرا في الوجوب في الأحاديث فلا أقل من القدر المشترك بينه وبين الاستحباب وفيما نحن فيه لا يقول النافون للوجوب بالاستحباب أيضا
هذا وأجاب في المختلف عن الحجة الثانية بأن المراد من الوجدان التمكن من الاستعمال وهو ممنوع من استعمال هذين الإنائين فلم يكن واجدا شرعا واحتج في المختلف على ما
ذهب إليه بقوله لنا انه مما ينتفع به اما لسقي الدواب أو لشربه عند خوف العطش أو لامكان تطهيرهما أو لامكان تذكر الطاهر منهما انتهى وفيه نظر لان وجود
نفع ظاهر لشئ لا يعارض امر الشارع باهراقه لان المصالح الخفية كثيرة ليس للعقل إليها سبيل إليها الا ترى ان شرب الخمر كبيرة مع أن فيه منافع كثيرة ولو فرض
تحقق عمومات دالة على عدم جواز اتلاف مثل هذا الشئ للاسراف ونحوه يكون هذا الامر مخصصا لها وان كان بينه وبين بعضها عموم من وجه مثل ما وقع من وجوب
حفظ النفس فحينئذ ينظر في طلب الترجيح غاية الأمر ان يكون ذلك البعض راجحا فيخصص هذا الامر به في تلك الصورة فلم لم يعمل به في الصور الأخرى ولو قيل الامر
بالاهراق ولا تعويل عليه بناء على عدم صحة مستنده فعند ذلك لا حاجة إلى القول بأنه مما ينتفع به إذ يكفي ان وجوب الاهراق لا دليل عليه فينتفي بالأصل
الا ان يقال مراده أيضا التمسك بالأصل وعدم مخرج عنه لكن أورد هذا الكلام للتأييد وهو كما ترى وبالجملة تحقيق الكلام في المقام ان يقال لما لم يتم دلالته الروايتين
على وجوب الاهراق اما لعدم صحة السند وأما لعدم الظهور في الوجوب بناء على شيوع استعمال هذه العبارة في المنع من الاستعمال وكذا الدليل الآخر ولم يوجد
غيرهما فلا وجوب بالأصل ثم إنه هل الاحتياط في الاهراق أم لا ففيه تفصيل وهو انه إذا كان في موضع يخاف العطش والهلاك على نفس محترمة فظاهر انه لا احتياط
في الاهراق بل يجب حفظه ولو لم يكن كذلك لكن يتصور فيه بعض المنافع كشرب الشجر ونحوه أو يتصور تطهيره ويخاف على اتلافه الاسراف فحينئذ أيضا لا احتياط في الاهراق
ولو لم يتصور له منفعة أصلا فالاحتياط في اتلافه درس
(النجاسات عشر البول والغايط من غير المأكول) ادعى الفاضلان في المعتبر والمنتهى والتذكرة اجماع علماء
الاسلام على نجاسة بول الانسان وغايطه وقد حكيا في المعتبر والتذكرة عن بعض العامة القول بطهارة بول رسول الله صلى الله عليه وآله والروايات الدالة على
نجاستهما أيضا اما خصوصا أو عموما كثيرة مستفيضة لا حاجة إلى ذكرها لا غناء الاجماع المتاخم للضرورة عنه وسنورد أكثرها أيضا انشاء الله تعالى بتقريب المسائل
الأخرى وقد استثنى عن هذا الاجماع بول الرضيع فإن فيه خلافا سيجئ وكذا ادعيا اجماع علماء الاسلام على نجاسة بول وروث ما لا يؤكل لحمه مما له نفس
سائلة والمراد بالنفس الدم وسيلانه خروجه بقوة ودفع إذا قطع شئ من عروق صاحبه لاجتماعه فيها وكان على المصنف ان يقيد به والعلامة (ره) استثنى بعضا شاذا
من أهل الخلاف من الاجماع المذكور فحكى عنه في المنتهى القول بطهارة أبوال البهائم كلها وذكر انه لا يعرف له دليلا وفي التذكرة القول بطهارة أبوال وأرواث
جميع البهائم والسباع وحكم بخرقة للاجماع ثم إنه سيجئ الخلاف من علمائنا في خرء الطير فعدم استثناء الفاضلين له من دعوى الاجماع اما للاكتفاء بنقلهما الخلاف
بعدها قريبا وأما لعدم اعتدادهما به بناء على معلومية نسب صاحبه والروايات الدالة على نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه اما عموما أو خصوصا كثيرة مستفيضة يطول
الكلام بذكرها وأما غايطه فليس بتلك المنزلة وما وجدنا من الروايات الدالة على نجاسة ما رواه التهذيب في باب تطهير الثياب عن ابن مسكان قال حدثني أبو بصير إلى أن
قال وسئلته عن العذرة تقع في البئر فقال ينزح منها عشر دلاء وهذا الخبر في الاستبصار أيضا في باب البئر يقع فيها العذرة وما رواه التهذيب أيضا في باب
تطهير الثياب في الصحيح عن زرارة بن أعين قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل وطي على عذرة فساخت رجله فيها أينقض ذلك وضوئه وهل يجب عليه غسلها فقال لا يغسلها
الا ان تقذرها ولكنه يمسحها حتى يذهب اثرها ويصلي ومعنى يقدرها يكرهها وما رواه التهذيب أيضا في هذا الباب عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال سئل عن الكوز إلى أن قال وعن الدقيق يصيب فيه جزء الفار هل يجوز اكله قال إذا بقي شئ فلا باس بأكله يؤخذ أعلاه فيرمى به ومنها ما رواه التهذيب أيضا في زيادات
كتاب الطهارة باب المياه في الموثق عن عمار قال سئل أبو عبد الله عن البئر يقع فيها زنبيل عذرة يابسة أو رطبة
فقال لا بأس إذا كان فيها ماء كثير وهذا
الخبر في الاستبصار أيضا في باب البئر يقع فيها العذرة والدلالة باعتبار مفهوم الشرط وما رواه التهذيب أيضا في هذا الباب في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن
جعفر عليه السلام قال سألته عن الدجاجة والحمامة وأشباهها تطأ العذرة ثم تدخل الماء يتوضأ منه للصلاة قال لا الا ان يكون الماء كثيرا قدر كر من ماء
وهذا الخبر في الاستبصار أيضا في باب الماء القليل وما رواه التهذيب أيضا في الزيادات باب تطهير الثياب عن علي بن محمد قال سألته إلى أن قال وسألته عن الفارة
والدجاجة والحمام وأشباهها يطأ العذرة ثم يطأ الثوب أيغسل قال إن كان استبان من اثره شئ فاغسله والا فلا باس وما رواه التهذيب أيضا في زيادات الجزء
الأول من كتاب الصلاة عن أبي يزيد القمي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام انه سئل عن جلود الدارش التي يتخذ منها الخفاف قال لا تصل فيها فإنها تدبغ بخرء
الكلاب وما رواه التهذيب أيضا في كتاب الصيد والذبايح باب الذبايح باب الصيد والزكاة عن موسى بن أكيل عن بعض أصحابه عن أبي جعفر عليه السلام في شاة شربت بولا ثم
ذبحت فقال يغسل ما في جوفها ثم لا باس به وكذلك إذا اعتلفت بالعذرة ما لم يكن جلالة والجلالة التي يكون ذلك غذاؤها وما رواه التهذيب في زيادات الجزء
293

الأول من كتاب الصلاة باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس والاستبصار في باب الرجل يصلي في ثوب فيه نجاسة قبل ان يعلم في الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله
قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي وفي ثوبه عذرة من انسان أو سنور أو كلب أيعيد صلاته قال إن كان لم يعلم فلا يعيد والدلالة باعتبار مفهوم
الشرط وهذا الخبر في الكافي أيضا في باب الرجل يصلي في ثوب وهو غير طاهر بتغير في السند وما رواه الكافي في باب البئر عن علي بن أبي حمزة قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام
عن العذرة تقع في البئر قال ينزح منها عشرة دلاء وما رواه الكافي أيضا في باب الرجل يطأ على العذرة في الحسن عن محمد بن مسلم قال كنت مع أبي جعفر عليه السلام إذا مر
على عذرة يابسة فوطي عليها فأصابت ثوبه فقلت جعلت فداك قد وطئت على عذرة فأصابت ثوبك فقال أليس هي يابسة فقلت بلى فقال لا باس ان
الأرض يطهر بعضها بعضا وقد يستشكل في هذا الخبر من حيث إن قوله عليه السلام ان الأرض إلى آخره لا ينتظم مع سابقه وأيضا في معنى قوله تطهير الأرض بعضها بعضا وقد تعرض صاحب منتقى الجمان لدفع الاشكال و
بيان معنى التطهير ولا بأس ان نورده بعبارته قال قلت لا يخفى ان الأرض الخ لا ينتظم مع نفي البأس إذ لا دخل للأرض في الحكم المسؤول عنه فهو كلام مستقل افاده
الإمام عليه السلام لمحمد بن مسلم ولعله كان مفصولا عن الأول نطقا أو بواو الاستيناف فسقطت من سهو الناسخين ووجه المناسبة في ايراده مع الكلام الأول
واضح وهو البينة على أن العذرة لو كانت رطبة لكان الامر بالنسبة إلى الوطي عليها سهلا أيضا لان الأثر الحاصل منها في النعل أو القدم يطهر بالأرض و
كان معنى تطهير بعضها بعضا ان النجاسة الحاصلة في أسفل القدم وما هو بمعناه من الوطي على الموضع النجس وعلوق شئ منه بأحدها كما هو الغالب يزول
بالوطي على موضع آخر منها بحيث يذهب تلك الأجزاء التي علقت بالمحل فسمى إزالة الأثر الحاصل منها في المحل تطهيرا لها توسعا كما يقال الماء يطهر البول مثلا
وعلى هذا يختص الحكم المستفاد من هذه العبارة بالنجاسة الحاصلة من الأرض المنجسة ولا ضير فيه إذ حكم غيرها يؤخذ من محل آخر انتهى كلامه أقول لا يبعد ان
يوجه بوجه آخر لا يحتاج إلى أن يجعل الكلام مفصولا وهو انه لما قال محمد ان العذرة كانت يابسة قال عليه السلام لا باس اذن لان العذرة لما كانت يابسة فالثوب
الثوب الذي أصابها يطهر بإصابته الأرض كما هو الغالب في تلك البلاد من تطويل الثياب وأيضا اصابته العذرة التي على الأرض يشعر بإصابته الأرض أيضا
ويكون التطهير التطهير التنزيهي كما ذكروا ان عند مصافحة الكافر ونحوها إذا لم يكن رطوبة يضرب اليد مثلا بالحايط أو التراب وهذا شايع ويكون المراد من
تطهير الأرض بعضها بعضا ان ما نجس من بعض الأرض وان كان باعتبار ما فيه من العذرة ونحوها يطهر من بعضها الآخر الذي ليس فيه قذر وظاهر ان هذا
الحمل ليس ببعيد وحينئذ ينتظم الكلام ولعله أقرب مما ذكر في المنتقى لان حمل الكلام على الفصل بعيد وأيضا وجه المناسبة في ايراده مع الكلام الأول الذي
ذكره وحكم عليه بالوضوح خفي جدا لان الكلام في الأول كان في الثوب فلو كان في الكلام الثاني تنبيه على أن العذرة لو كانت رطبة لكان الامر بالنسبة
إلى الثوب أيضا سهلا لكان شيئا وأما ان الامر بالنسبة إلى الوطي عليها سهل فلا ويرد عليه أيضا ان ما ذكره من معنى تطهير الأرض بعضها بعضا وجعله الحكم مختصا
في هذا الخبر بالنجاسة الحاصلة من الأرض النجسة يستر وجه المناسبة الذي بينه إذ حينئذ لا يظهر من الكلام الثاني ان العذرة لو كانت رطبة لكان الامر بالنسبة إلى الوطي
عليها سهلا وهو ظاهر وما رواه الكافي أيضا متصلا بما نقلنا في الموثق عن محمد الحلبي قال نزلنا في مكان بيننا وبين المسجد زقاق قذر فدخلت على أبي عبد الله
عليه السلام فقال أين نزلتم فقلت نزلنا في دار فلان فقال إن بينكم وبين المسجد زقاقا قذرا أو قلنا له ان بيننا وبين المسجد زقاقا قذرا فقال لا بأس الأرض يطهر
بعضها بعضا قلت فالسرقين الرطب أطأ عليه فقال لا يضرك مثله بناء الدلالة على أن مثله إشارة إلى الحكم السابق اي هذا أيضا لا يضر مثل ما ذكرنا
من أن الأرض يطهر بعضها بعضا أو يكون الضمير راجعا إلى الزقاق القذر ولا يخفى انه على هذا لابد من جعل التطهير بالمعنى الذي ذكرنا إذ حمله على ما في المنتقى
لا يستقيم لكن يمكن ان يحمل الخبر على المعنى الآخر بأن يكون ضمير مثله راجعا إلى السرقين الرطب ويكون محمولا على السرقين الطاهر وحينئذ ينتفي الدلالة ولا يخل أيضا بمعنى
التطهير الذي في المنتقى ولا يبعد ان يرجح الحمل الأول بعدم الاحتياج إلى التقييد بالطاهر الا ان يقال الشايع في السرقين اطلاقه على سرقين ما يؤكل لحمه من الدواب
والبغال ونحوهما وما رواه الكافي أيضا متصلا بما نقل عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يطأ في العذرة أو البول أيعيد الوضوء قال لا ولكن يغسل ما اصابه
ولا يخفى ان بناء دلالة أكثر هذه الأخبار على المراد باعتبار كونه لفظة العذرة شاملة لعذرة غير الانسان أيضا وسنتكلم عليه انشاء الله تعالى هذا فإن قلت نجاسة
البول والغايط مما لا يؤكل لحمه هل يختص بماله نفس سائلة ولا قلت الظاهر الاختصاص إذ لم ينقل خلاف في طهارتهما مما ليس له نفس سائلة لاحد من علمائنا
على ما رأينا والعلامة في التذكرة نسب الخلاف إلى الشافعي وفي المنتهى إلى الشافعي وأبي حنيفة وأبي يوسف ولم ينسبه إلى أحد من علمائنا فالظاهر أنه اتفاقي واحتج
عليه في المنتهى بأصل الطهارة وبأن التحرز عنه متعذر أو حرج فيكون منفيا وفي التذكرة بأن دم ما لا نفس له
وميتة طاهر فرجيعه أيضا كذلك ولا يخفى ان
الاستدلال الأخير قياس لا تعويل عليه والاستدلال الأول انما يتم إذا لم يكن الأدلة الدالة على نجاسة البول والغايط شاملة لما لا نفس له سائلة أيضا
إذ بعد شمولها له أيضا لا وجه للتمسك بالأصل ولعله لا يبعد منع الشمول والقول بأن الظاهر أن البول والعذرة الواقعين في الروايات ظاهرهما الافراد
294

المتعارفة الظاهرة مع أن في شمول العذرة لعذرة غير الانسان أيضا كلاما سيجئ وكأنه أيضا لا يتحقق البول فيما لا نفس له سائلة وأما الدليل الثاني فجيد لكن في
مثل البق والبراغيث ونحوهما والمحقق أيضا تمسك بمثل ما في التذكرة قال أما رجيع ما لا نفس له كالذباب والخنافس ففيه تردد أشبهه أنه طاهر لان ميتة ودمه
ولعابه طاهر فصارت فضلاته كعصارة النبات انتهى وقد عرفت إنه قياس وكلامه كأنه يشعر بأن لا يثبت عنده الاتفاق وإلا لتمسك به وبالجملة الحكم فيما
يكون التحرز عنه متعذرا أو متعسرا كأنه لا خفاء فيه وأما فيما عداه فالاحتياط في التحرز والمصنف كأنه ذاهب إلى نجاسة إذ لم يقيد الحكم هنا مما له نفس سائلة كما
قيد في المني والدم والميتة لكن يبعد القول به مع عدم وجدان موافق في الأصحاب مع أنه في الذكرى والبيان صرح بالاختصاص ولعله لم يذكر هنا اعتمادا على
ما يذكره في المني والدم وفيه بعدا ووقع الغفلة عنه في الكتاب وهو أقرب ثم وجه تخصيص الحكم بغير المأكول فسنذكره إنشاء الله تعالى في بحث بول الدابة والبغل والحمار
(وإن عرض تحريمه) كالموطوء للانسان والجلال وشارب لبن الخنزيرة حتى يشتد لحمه الظاهر من كلام العلامة في التذكرة إنه أيضا إجماعي قال فيها رجيع الجلال من كل
الحيوان وموطوء الانسان نجس لأنه حينئذ غير مأكول ولا خلاف فيه وفي المختلف ادعى الاجماع على نجاسة ذرق الدجاج الجلال ويدل أيضا على الحكم إطلاق البول
والعذرة في الروايات الدالة على نجاستهما وعموم ما رواه التهذيب في الحسن في باب تطهير الثياب عن عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد الله عليه السلام اغسل ثوبك من
أبوال ما لا يؤكل لحمه ومفهوم ما رواه التهذيب أيضا في الباب المذكور في الحسن عن زرارة أنهما قالا لا تغسل ثوبك من بول شئ يؤكل لحمه وهذان الخبران في الكافي أيضا
في باب أبوال الدواب وأرواثها والخبر الأخير كرر في التهذيب في باب تطهير المياه بتبديل لفظة شئ بما ومفهوم ما رواه التهذيب أيضا في الباب المذكور في الصحيح عن عبد الرحمن بن
أبي عبد الله قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يمسه بعض أبوال البهائم أيغسله أم لا قال يغسل بول الحمار والفرس والبغل فأما الشاة وكل ما يؤكل لحمه
فلا بأس ببوله وهذا الخبر في الاستبصار أيضا في باب أبوال الدواب وكرر في التهذيب في باب تطهير المياه ومفهوم ما رواه أيضا في الباب المذكور في الموثق عن عمار
الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال كل ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه ومفهوم ما رواه أيضا في باب تطهير الثياب والبدن في الزيادات عن عبد الرحمن بن أبي
عبد الله قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصيبه أبوال البهائم أيغسله أم لا قال يغسل بول الفرس والبغل والحمار وينضح بول البعير والشاة وكل شئ
يؤكل لحمه فلا بأس ببوله ولا يذهب عليك أنه يمكن معارضة هذه الروايات بما ورد في خصوص بعض الحيوانات بطهارة بوله وروثه مثل الشاة والبعير الواردين
في طي الروايات التي ذكرنا وغيرهما من الدواب والبغال والحمير كما سنذكر إنشاء الله تعالى في بحث أبوالها والدجاج والحمام وسنذكر أيضا إنشاء الله تعالى في ذرقه طريق
المعارضة أن يقال ورد النص بطهارة بول البعير مثلا وهو شامل لحال جلله وغيرها وورد النص أما منطوقا أو مفهوما بنجاسة بول ما لا يؤكل لحمه وهو شامل
للبعير حالة الجلل وغيره مما لا يؤكل لحمه بالأصالة فيكون بينهما عموم من وجه فلم يخصص الأول بالثاني دون العكس مع أن الأول منطوق وكثير من الثاني مفهوم
على أن حمل ما لا يؤكل لحمه على ما لا يؤكل لحمه بالأصالة حمل ظاهر وكذا ما يؤكل لحمه وعلى فرض التساوي والتساقط الأصل مع الأول فيرجح هذا بالنسبة
إلى معارضة هذه النصوص بالروايات التي فيها المنع عما لا يؤكل لحمه منطوقا أو مفهوما وأما بالنسبة إلى الروايات المطلقة في البول والعذرة فالامر أظهر
إذ بينها وبينها عموم وخصوص مطلق فينبغي تخصيصها بها لكن لما عرفت إن الحكم كأنه إجماعي ومع ذلك الاحتياط فيه في أكثر
الأوقات فالمصير إليه أولى ولو فرض نادر احتمال احتياط في خلافه كما إذا فرض وجود ماء وقع فيه مثل ذلك ولم يوجد ماء غيره وفرض أنه لو توضأ به
تيسر تطهير الأعضاء بماء آخر قبل الصلاة بدون تيسر الوضوء به فحينئذ يتوضأ ويتيمم احتياطا وأمر خوف التشريع كأنه سهل إذ لم يظهر أمر الاجماع في المسألة بحيث يحصل
به ظن قوي (أو كان طيرا على الأقوى) اختلف الأصحاب فيه قال العلامة في المختلف قال الشيخ في المبسوط بول الطير وذرقها كلها طاهر إلا الخشاف فإنه نجس وقال
ابن أبي عقيل كلما استقل بالطيران فلا بأس بذرقه وبالصلاة فيه وقال ابن بابويه لا بأس بخرء ما طار وبوله ولا بأس ببول كل شئ أكل لحمه والمشهور نجاسة
جميع ما لا يؤكل لحمه من الطيور وغيرها وهو المعتمد انتهى ويمكن الاحتجاج على المشهور إن كان للطير بول أما على نجاسة بولها فبالمطلقات الواردة في البول وبعموم
حسنة ابن سنان المتقدمة آنفا وبالعمومات المتقدمة أيضا وأما على نجاسة خرؤها فأولا بعدم القول بالفصل بين البول والخرء ثبت نجاسة البول فكذا الخرء وثانيا بما ذكرنا آنفا
من الروايات الدالة على نجاسة العذرة وبمفهوم موثقة عمار الساباطي المنقولة آنفا وإن لم يكن لها بول فيستدل على نجاسة خرءها بالدليل الثاني
فقط وقد يقال أما أولا فيمنع شمول العذرة لخرء الطير بل الظاهر من كلام النهاية أنها غايط الانسان وكذا نقل عن الهروي ولا يعلم من القاموس والصحاح
في باب العذرة لا عمومها ولا خصوصها وأما مفهوم الموثقة فقد مر إن المفهوم على تقدير حجيته لا عموم له فيكفي فيما لا يؤكل وجود البأس بما يخرج عن
بعض أفراده وأما ثانيا فبتقييد الروايات وتخصيصها منطوقا أو مفهوما بما رواه التهذيب في الحسن بإبراهيم بن هاشم عن أبي بصير عن أبي
عبد الله عليه السلام قال كل شئ يطير فلا بأس بخرئه وبوله وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب أبوال الدواب والبول فيه مقدم على الخرء ويمكن دفع الأول بأن ما في
295

النهاية معارض لما وقع في صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله المنقولة في البحث السابق عن الاستبصار من إطلاق العذرة على عذرة السنور والكلب والأصل في الاطلاق
الحقيقة لكن هذا الأصل ما لا عبرة به عندنا نعم إن المحقق كما سننقل عنه شهد بأن العذرة شاملة الخرء الطير وإنها مرادفة للخرء وشهادته (ره) إن لم يكن أزيد من شهادة
أهل اللغة فليس بأنقص منها وهو ظاهر تفسير الخرء في الصحاح والقاموس بالعذرة ولا يبعد أن يقال إن العذرة وإن كانت بحسب اللغة عامة لكن لا بعد في ادعاء كونها في الروايات
أما مخصوصة بعذرة الانسان أو يعمها وغيرها أيضا لكن لا بحيث يشمل خرء الطاير أيضا لأن الظاهر حمل الروايات على الافراد المتعارفة الشايعة وخرء الطير ليس منها ولو لم يدع
الظهور في التخصيص فلا أقل من عدم الظهور في عدمه فيبقى الحكم على الطهارة فتأمل ودفع الثاني بأنه لا يخلو أما أن يكون للطير بول أولا فإن كان فحينئذ لا يصلح هذه الرواية لتقييد
الروايات الكثيرة الدالة على نجاسة البول وتخصيصها لأنها من الكثرة بمكان وأيضا يوجد فيها الصحاح وهذه الرواية الواحدة مع عدم صحتها لا يصلح لمعارضتها مع أن عمل أكثر الأصحاب على خلافها على ما نقلنا من المختلف وإن لم يكن فحينئذ يضعف الرواية لأنها مشتملة على خلاف واقع فلا يجوز نسبتها إلى المعصوم إلا لتقية فاندفعت
المعارضة ومع ذلك للكلام مجال بأن نقول نختار الثاني كما هو الظاهر من عدم وجود البول للطير ونقول بمجرد ذلك لا يلزم طرح الرواية لجواز حمل البول على التجوز بإطلاقه
على رطوبات الطير ونحوها وسندها وإن لم يكن صحيحة على الاصطلاح لكنها صالحة للاعتماد لان إبراهيم بن هاشم كأنه لا يقصر عن الموثقين وأبا بصير أيضا من
الوثوق بحال وحينئذ إن لم يسلم إطلاق العذرة على خرء الطير فالامر واضح حيث أنه لا يبقى في الطرف الآخر من الروايات إلا مفهوم موثقة عمار والمفهوم على تقدير عمومه لا
يصلح هذه الحسنة بمنطوقها مخصصة له كما لا يخفى مع تأييدها بالأصل خصوصا مع عدم صراحة البأس في النجاسة وإن سلم فنقول لا عموم ظاهرا في شئ من الروايات
الدالة على نجاسة العذرة والاطلاق لا نسلم قوة التمسك به في عموم الاحكام سيما مع وجود مقيد صالح للاعتماد مع أن تخصيص العمومات أيضا شايع واقع في الروايات
فالعمومات وإن كانت كثيرة لا يبعد ارتكاب تخصيصها بخبر واحد سيما مع عدم ظهور الامر في الوجوب في أحاديثنا وبما ذكرنا ظهر أنه لو سلم إن للطير بولا أيضا يمكن
المناقشة في الحكم لكن ليست في قوة المناقشة على تقدير عدم تسليمه مع أنها وإن ضعفت من وجه لكن قويت من وجه آخر بيانه إنه حينئذ يوجد في طرف النجاسة الاطلاقات
الواردة في البول والعذرة وحسنة ابن سنان وفي طرف الطهارة حسنة أبي بصير وقد عرفت إن الاطلاقات وإن سلم عمومها كأنه يصلح هذه الحسنة لتخصيصها وإن وجد فيها
الصحيح لان الدليل على حجية خبر الواحد الصحيح على تقدير تمامه لا نسلم شموله مثل هذه الصورة أيضا أي صورة معارضتها بمثل هذه الحسنة مع أن في إطلاقات
العذرة منع عدم الشمول لخرء الطاير أيضا وأما حسنة ابن سنان فعلى تقدير صحة العمل بها يصح تخصيصها أيضا بالحسنة الأخرى ولو قيل إنها أقوى من هذه الحسنة
باعتبار إن إبراهيم مشترك بينهما وباقي رجالها إماميون موثقون وفي هذه الحسنة يوجد أبو بصير وحاله غير معلوم فعلى تقدير التسليم مثل هذه القوة لا يوجب
العمل بها وطرح الأخرى لما عرفت إن الصحيح مع معارضته لمثل هذه الحسنة يشكل العمل به فكيف بالحسن وأيضا هذه القوة معارضة بقوة دلالة هذه الحسنة
إذ لا شك أن شمول هذه الحسنة للأفراد الغير المأكولة من الطير أظهر من شمول حسنة ابن سنان لها ففي التعارض لا رجحان لتخصيص حسنة أبي بصير بها من دون العكس لان لكل منهما قوة من جهة المتن والسند مع أن حسنة أبي بصير معتضدة بالأصل وأما
وجه ضعف المناقشة من وجه وقوتها من وجه الذي ذكرنا حينئذ فهو أنه يعارض حسنة أبي بصير حسنة ابن سنان أيضا في هذه الصورة دون الصورة الأولى لكن الوهن الذي
كان فيها باعتبار تضمن البول الذي هو خلاف الواقع يندفع حينئذ هذا فإن قلت إذا فرض إن العذرة لا يشمل الخرء وفرض إن للطير بولا فهل يمكن أن يستدل على
طهارة بول الطير بأن يقال قد ثبت طهارة خرءها من دون معارض ولا قايل بالفصل فطهر بولها أيضا قلت الظاهر لا لان طهارة الخرء إن تمسك فيها بحسنة أبي بصير
فهي ليست من القوة بحيث يمكن إثبات الحكم بها نعم في صورة معارضتها لشئ يضعف الاعتماد على ذلك الشئ بحيث لا يصلح التعويل وذلك لا يوجب صحة إثبات
الحكم بها وأيضا وإن لم يكن معارض بالذات في الخرء وبالفرض لكن المعارضات التي في البول يصير معارضته في الخرء أيضا بواسطة عدم القول بالفصل فيرجع الامر أيضا
إلى المعارضة بين هذه الحسنة وبين الروايات التي في البول من حسنة ابن سنان وغيرها وإن تمسك فيها بالأصل فلا عبرة به في مقابل تلك المعارضات لما عرفت إنها
معارضات حينئذ أيضا بالواسطة ولو قيل إن الحسنة ليست حجة والاطلاقات لا عموم لها فهو كلام آخر ولا حاجة حينئذ إلى التمسك بالأصل في الخرء وانضمام عدم القول
بالفصل إليه حتى يثبت الحكم في البول فليتمسك أولا في البول بالأصل وإنه لا مخرج عنه وهو ظاهر ثم إن العلامة (ره) في المنتهى بعد ما ذكر تعارض الحسنتين قال إلا
أن لقايل أن يقول أنها غير مصرحة بالتنجيس أفضى ما في الباب إنه أمر بالغسل منه وهذا غير دال على النجاسة إلا من حيث المفهوم ودلالة المنطوق أقوى انتهى وضمير
إنها راجع إلى حسنة ابن سنان وفيه نظر إذ مع الاغماض عن المسامحة التي وقعت منه في الاصطلاح حيث سمى هذا مفهوما نقول إن النجاسة يثبت في أكثر الأشياء النجسة بمثل
هذا أي وجوب الغسل ونحوه بل لا معنى لها بالنظر إلينا سوى ذلك إذ لا نريد من النجاسة في الاحكام سوى إنها يجب غسلها في الصلاة ونحوها فإذا ثبت وجوب الغسل فلذلك
يكفينا نعم لو نوقش فيه بأن الامر لا يدل على الوجوب في عرف الأحاديث فلا يثبت النجاسة لكانت متجهة على ما أشرنا إليه لكن لا يمكن حمل كلام العلامة (ره) عليها
هذا ثم لا يخفى إن مع هذا كله الاحتياط في اتباع المشهور في أكثر الأحوال وإن كان في بعض الفروض النادرة في خلافه فاحتط وتثبت والشيخ وموافقوه احتجوا بما نقلنا
296

من رواية أبي بصير والأصل وحالها ظهرت في طي ما ذكرنا بما لا مزيد عليه وقيل في التذكرة قول الشيخ بالطهارة لرواية أبي بصير ضعيف لان أحدا لم يعمل بها وضعفه
ظاهر إلا أن يراد عمل الأكثر على خلافه أو يدعي الاجماع قبل الشيخ وهو أيضا مشكل والعلامة (ره) في المختلف احتج على ما رجحه بحسنة ابن سنان المنقولة وبأن الذمة مشغولة
بالصلاة ولا تبرء بأدائها قطعا مع ملاقاة الثوب أو البدن لهذه الأبوال فيبقى في عهدة التكليف ثم نقل احتجاج الشيخ برواية أبي بصير وبأن الأصل الطهارة وقال
والجواب عن الأول إنه مخصوص بالخشاف إجماعا فيخص بما شاركه في العلة وهو عدم كونه مأكولا وعن الثاني بالمعارضة بالاحتياط وحال الحسنة قد عرفتها واليقين
ببراءة الذمة مع أنه يمكن منع وجوب تحصيله في مثل ما نحن فيه على ما مر غير مرة بل يكفي تحصيل اليقين بقدر حصل اليقين به نقول اليقين حاصل على بناء إن الأصل
في الماء الطهارة حتى لا يعلم إنه قذر وفيما نحن فيه لا يعلم ولو قيل نعلم بالرواية فقد خرج عن هذا الاستدلال ورجع إلى الاخر وقد علم حاله مع أن يقين البراءة
في بعض الصور في خلافه والجواب الأول أيضا مردود بأن التخصيص بالخشاف بدليل من خارج خاص به لا يوجب التخصيص بما شاركه في عدم أكل اللحم إذ لم يعلم أن
علة التخصيص ماذا ومن ادعى إن العلة عدم أكل اللحم فعليه البيان وأما أمر الاحتياط فقد ظهر أمره ثم دعواه الاجماع على تخصيص الخشاف مشكل إذ الظاهر من قول ابن أبي عقيل
والصدوق أنهما يقولان بعدم البأس بخرء الطير مطلقا من دون تخصيص بالخشاف إلا أن يكون مراده الاجماع من الشيخ ومنهم حتى يكون إلزاما على الشيخ هذا ثم إن
صاحب المعالم قال فيه قال المعتبر بعد الإشارة إلى قول الشيخ في المبسوط ولعل الشيخ استند إلى رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال كل شئ يطير فلا بأس بخرئه
وبوله ثم احتج المحقق لما ذهب إليه من مساواة الطير لغيره بأن ما دل على نجاسة العذرة مما لا يؤكل لحمه يتناول موضع النزاع لان الخرء والعذرة مترادفان ورد
الاستناد إلى رواية أبي بصير بأنها وإن كانت حسنة لكن القايل بها من الأصحاب قليل ولى في كلامه هذا تأمل لان الاجماع الذي ادعاه على نجاسة البول والغايط من مطلق
الحيوان غير المأكول إن كان على عمومه فهو الحجة في عدم التفرقة بين الطير وغيره وإن كان مخصوصا بما عدا الطير فأين الأدلة العامة على نجاسة العذرة مما لا يؤكل والحال
إنا لم نقف في هذا الباب إلا على حسنة عبد الله بن سنان ولا ذكر أحد من الأصحاب الذين وصل إلينا كلامهم في احتجاجهم لهذا الحكم سواها وهي كما ترى واردة في البول
ولم يذكرها هو في بحثه المسألة بل اقتصر على نقل الاجماع كما حكيناه عنه فلا ندري لفظة العذرة أين وقع معلقا عليه الحكم ليضطر إلى بيان مرادفة الخرء له و
يجعلها دليلا على التسوية التي صار إليها ما هذا إلا عجيب من مثل المحقق (ره) انتهى أقول قد نقلنا آنفا الروايات الدالة على نجاسة العذرة بإطلاقها مع صحة بعضها
فإنكاره (ره) كون لفظة العذرة معلقا عليها مما لا وجه له ولو كان كلامه في العموم وإن الروايات المذكورة لا عموم لها فمع بعده عن العبارة حيث أنكر كون لفظة العذرة
معلقا عليها للحكم فأمره أيضا أسهل إذ ظاهر إن الاطلاق في تلك الروايات الكثيرة وترك الاستفصال في شئ منها مع قيام الاحتمال ظاهره العموم مع أن المحقق (ره) ذهب
إلى أن المفرد المحلى باللام حيث لا عهد ويكون المقام مقام بيان الاحكام يكون ظاهره العموم ويقوم مقام الألفاظ العامة وصاحب المعالم قد استحسن هذا الرأي منه
وتبعه فيه وظاهر إن فيما نحن فيه لا عهد فيثبت العموم وبعد ذلك لا مجال لانكاره فلا عجب من المحقق (ره) نعم لو نوقش معه في شمول العذرة لخرء الطير أما لغة أو عرفا
لكان لا يخلو عن وجه كما أشرنا إليه هذا وقد احتج أيضا للشيخ (ره) وموافقيه بما رواه الفقيه في باب ما يصلي فيه وما لا يصلي فيه في الصحيح عن علي بن جعفر عليه السلام قال و
سئل علي بن جعفر أخاه موسى بن جعفر عليه السلام عن الرجل يصلي إلى أن قال وعن الرجل يرى في ثوبه خرء الطير أو غيره هل يحكه وهو في صلاته قال لا بأس وجه الاحتجاج
إن ترك الاستفصال مع قيام الاحتمال يفيد العموم وفيه ضعف لان إفادة ترك الاستفصال مع قيام الاحتمال للعموم إنما يسلم فيما إذا كان الغرض متعلقا بحكم
مثلا إذا كان الغرض بيان حكم الطير وخرئه وإنه يجب الاجتناب عنه أولا وقيل في هذا المقام إن خرء الطير لا بأس به من دون تفصيل لكان الظاهر العموم لكن لا مطلقا
أيضا على ما ذهب إليه المحقق وصاحب المعالم محتجا بأنه يخرج الكلام عن الإفادة ولا يليق بالحكيم لان احتجاجهم ضعيف كما لا يخفى سيما إذا كان أكثر الافراد داخلا في الحكم و
يلزم عليهم أن لا يوجد في كلام الحكيم مجمل من دون أن يكون مبينه معه وفساده ظاهر بل مع انضمام قرينة مثل ما إذا تكرر وتكثر ولم يقع التقييد في شئ من المواضع
سيما مع انضمام عمل الأصحاب كلا أو جلا على ما ادعينا آنفا في روايات العذرة ونحو ذلك مما يظهر في خصوصيات المقامات وأما إذا لم يكن الغرض متعلقا به
كما فيما نحن فيه فلا إذ ظاهر إن الغرض من السؤال إن حك شئ من الثوب ينافي الصلاة أم لا وذكر خرء الطير من باب المثال وفي مثل هذا المقام إذا أجيب بأنه لا بأس به ولم
يفصل الكلام في الطير بأنه مما يؤكل لحمه أو لا لا يدل أصلا على أن خرء الطير مطلقا طاهر وهو ظاهر لمن له أدنى دربة بأساليب الكلام وتوهم تأخير البيان عن وقت
الحاجة أيضا لا مجال له كما لا يخفى إلا ترى أن غيره أيضا في كلام السائل يشمل النجس وغيره سواء جعل عطفا على الطير أو الخرء مع أن الإمام عليه السلام لم يفصل فيه أيضا
ولو قيل لعله كان الحكم فيه معلوما ولذا لم يفصله ففي خرء الطير أيضا نقول كذلك من دون تفاوت أصلا ثم الاستثناء الذي نقلنا من الشيخ (ره) للخفاش
فقد احتج عليه بما رواه التهذيب في باب تطهير الثياب والاستبصار في باب بول الخفاش عن داود البرقي قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن بول الخشاشيف يصيب ثوبي
فأطلبه ولا أجده قال اغسل ثوبك وفيه مع ضعف السند جدا احتمال كون الامر للاستحباب على أنه معارض أيضا بما روياه متصلا بما ذكر عن غياث عن جعفر
297

عن أبيه قال لا بأس بدم البراغيث والبق وبول الخشاشيف مع رجحان هذه الرواية عليه من حيث السند ومن حيث الدلالة ومن حيث الاعتضاد بالأصل ورد الشيخ على هذه الرواية بأنها شاذة
ويجوز أن يكون وردت للتقية والشذوذ إن كان باعتبار العمل بها فمشكل لان المستثنين للطير عما لا يؤكل لحمه لم ينقل عن غير الشيخ منهم استثناء الخفاش عنه
فلعله باعتبار النقل وعدم تكررها في الأصول والله أعلم وتجويز التقية أيضا ليس بنافع في المقام كما لا يخفى وبالجملة بعد القول باستثناء الطير عما لا يؤكل
لحمه استثناء الخفاش عنه بمجرد خبر داود كأنه لا وجه له إلا أن يدعي الاجماع عليه كما هو ظاهر كلام العلامة في المختلف وحينئذ فأما أن يقال بتقييد كلام الصدوق وابن
أبي عقيل أيضا ويقال إن الاجماع وقع قبلهما أو بعدهما وأما إذا لم يستثن الطير ولم يعمل برواية أبي بصير فلا بد من عدم استثناء الخفاش أيضا استنادا إلى خبر
غياث أما أولا فلضعف سنده وعدم صلاحيته لمعارضته ما ذكرنا من الروايات الدالة على نجاسة البول والعذرة مطلقا مع معارضته لخبر داود وأما
ثانيا فللزوم خرق الاجماع المركب ثم إن صاحب المعالم في هذا المقام قال فإن تحقق للخشاف بول وعملنا بالحديث الحسن تعين إطراح هذه لدلالة حسنة عبد الله
بن سنان على نجاسة البول من كل حيوان غير مأكول فيتناول بعمومها الخفاش ويقصر هذه عن تخصيصها وكذا إن ثبت عموم محل الاجماع وإلا فالأصل يساعد
على العمل بهذه وإن ضعفت ويكون ذكر البول محمولا على التجوز انتهى وهذه في مواضع كلامه إشارة إلى رواية غياث وفي كلا شقي كلامه نظر أما الأول فلان حسنة
عبد الله على تقدير تحقق البول للطير لا تخصص بمجرد خبر غياث حتى يقال أنه يقصر عن تخصيصها بل تخصص بحسنة أبي بصير مع تأييدها بخبر غياث بل بصحيحة علي بن جعفر عليه السلام
المنقولة أيضا ولا شك إن حسنة أبي بصير سيما مع التأييد يصلح لتخصيص حسنة ابن سنان لان أبا بصير وإن سلم أنه ليس ليثا وإنه واقفي فليس مما لا يصلح خبره مخصصا للحسنة إذ
بعد تجويز العمل بالحسن ينبغي تجويز العمل بالموثق أيضا بل لا يبعد أولويته بذلك إلا أن يقال إن حسنة إبراهيم حكمها حكم الصحاح ولذا قد يصف العلامة (ره) الخبر الذي هو في
طريقه بالصحة لكن ظاهر إن نظر صاحب المعالم ليس إلى هذا بل بنى الكلام على تجويز العمل بالحسن مطلقا وأما الثاني فبعد الاغماض عن إن التجوز ليس منحصرا في حمل البول على الخرء
إذ يجوز أن يكون المراد شيئا آخر منه نقول إن مثل هذا الخبر الضعيف وإن ساعده الأصل لا يعارض ما ذكرنا
من الروايات الدالة على نجاسة العذرة مطلقا إلا أن
يتمسك برواية أبي بصير وحينئذ لا حاجة إلى التمسك بهذا الخبر إلا أن يجعل مؤيدا لتلك الرواية أو بمنع فهم العموم أو إطلاق العذرة على خرء الطير وحينئذ أيضا لا حاجة إلى
هذا الخبر بل يكفي التمسك بالأصل سيما مع تأييده بما هو أقوى منه من رواية أبي بصير اللهم إلا للتأييد وتفنن الطريق هذا ثم لا يذهب عليك إن الاحتياط في الاجتناب
عن خرءه وبوله سواء قلنا باستثناء الطير من غير مأكول اللحم أولا أما على الثاني فظاهر لما في القول بطهارة خرئه وبوله فقط من دون الطيور من خرق للاجماع المركب
وأما على الأول فلما نقلنا من العلامة من دعوى الاجماع وطريق الاحتياط في صورة فرض الاحتياط في خلافه واضح (أو بول رضيع لم يأكل اللحم خلافا لابن الجنيد
قال العلامة (ره) في المختلف المشهور أن بول الرضيع قبل أن يأكل الطعام نجس لكن يكفي صب الماء عليه من غير عصر حتى إن السيد المرتضى ادعى إجماع العلماء على نجاسة
قال ابن الجنيد بول البالغ وغير البالغ من الناس نجس إلا أن يكون غير البالغ صبيا ذكرا فإن بوله ولبنه ما لم يأكل اللحم ليس بنجس والمعتمد الأول انتهى كلامه و
تحقيق أكل الطعام سيجئ إنشاء الله تعالى في بحث إزالة النجاسات ولعل مراد ابن الجنيد من أكل اللحم أيضا أكل الطعام لا خصوص اللحم ثم إن الأقرب هو المشهور للروايات
المستفيضة الواردة في نجاسة البول مطلقا من دون تقييد وفي خصوص بول الصبي أيضا من دون تقييد بحيث يفضي ذكرها إلى تطويل وسنورد إنشاء الله تعالى في المباحث الآتية هذا مع عمل جل الأصحاب بل
كلها على ما نقل عن المرتضى والعلامة (ره) أيضا في التذكرة ادعى إجماع العلماء عليه سيما مع تأييد الاحتياط واحتج ابن الجنيد بما رواه التهذيب في باب يظهر الثياب
عن السكوني عن جعفر عن أبيه إن عليا عليه السلام قال لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل إن تطعم لان لبنها يخرج من مثانة أمها ولبن الغلام لا يغسل منه
الثوب ولا من بوله قبل أن يطعم لان لبن الغلام يخرج من العضدين والمنكبين وهذا الخبر في الاستبصار أيضا في باب بول الصبي ورواه الفقيه أيضا مرسلا عن أمير
المؤمنين عليه السلام في باب ما ينجس الثوب والجسد وبأنه لو كان نجسا لوجب غسله كبول البالغ ولم يكتف بالصب كغيره من الأبوال على ما هو رأي القائلين بالنجاسة والجواب
عن الأول بعد القدح في سند الخبر أنه لا ينفى ما نقوله لأنا نقول أيضا بعدم وجوب الغسل بل وجوب الصب فقط على ما يدل عليه الروايات وسنذكرها إنشاء الله تعالى
في بحث إزالة النجاسات وعن الثاني بالمنع من المشاركة في كيفية الإزالة فإن النجاسات تتفاوت وتقبل الشدة والضعف فجاز أن يكون بول الرضيع ضعيف
النجاسة فاكتفى فيه بالصب دون بول غيره وهو ظاهر (وفي بول الدابة والبغل والحمار قولان أقربهما الكراهة) إعلم إن ها هنا أحكاما ثلاث الأول طهارة بول ما يؤكل لحمه
وروثه سوى هذه الثلاثة والثاني طهارتهما من هذه الثلاثة والثالث كراهتهما منها أما الأول فالظاهر أنه إجماعي ويدل عليه أيضا روايات منها صحيحة عبد
الرحمن بن أبي عبد الله المتقدمة في بحث نجاسة البول والغايط مما عرض تحريمه ومنها حسنة زرارة المتقدمة في البحث المذكور أيضا ومنها حسنة ابن سنان المتقدمة
فيه أيضا الدالة بمفهومها على المدعى ومنها موثقة عمار المتقدمة فيه أيضا ومنها رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله المتقدمة فيها أيضا ومنها ما رواه التهذيب في
باب تطهير الثياب والكافي في باب أبوال الدواب في الحسن عن محمد بن مسلم قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن البان الإبل والبقر والغنم وأبوالها ولحومها فقال
298

لا توضأ منه وإن أصابك منه شئ أو ثوبا لك فلا تغسله إلا أن تنظف قال وسألته عن أبوال الدواب والبغال والحمير فقال اغسله فإن لم تعلم مكانه فاغسل
الثوب كله فإن شككت فانضحه وهذه الرواية في الاستبصار أيضا في باب أبوال الدواب ويمكن التمسك بالأصل العقلي والنقلي أيضا إن لم يسلم إن الاطلاقات
التي وقعت في البول ظاهرها العموم وكذا في العذرة مع أن في العذرة شيئا آخر وهو منع شمولها لأرواث ما يؤكل لحمه أما لغة أو عرفا وبالجملة الحكم واضح بحمد الله تعالى وأما
الثاني فقد اختلف فيه قال العلامة (ره) في المختلف مسألة وفي أبوال البغال والحمير والخيول وأرواثها قولان أحدهما وهو المشهور الطهارة على كراهية وهو اختيار الشيخ (ره)
في كتابي الاخبار ومذهب ابن إدريس وقال في المبسوط ما يكره لحمه يكره بوله وروثه مثل البغال والحمير والدواب وإن كان بعضه أشد كراهة من بعض وفي أصحابنا من
قال بول البغال والحمير والدواب وأرواثها نجس يجب إزالة قليله وكثيره وهذا كما اختاره في كتابي الاخبار وقال في النهاية يجب إزالتها وهو اختيار ابن الجنيد
والمعتمد الأول انتهى كلامه واستدل على الطهارة بوجوه أحدها الأصل على ما ذكره العلامة في المختلف وصاحب المعالم وفيه نظر لما عرفت إن الظاهر من المطلقات
الواردة في البول العموم وكذا في العذرة إلا أن يمنع إطلاق العذرة على أرواثها وليس ببعيد بل هو الظاهر لكن بعد ظهور العموم في البول يمكن التمسك في الروث أيضا
بعدم القول بالفصل ظاهر أولا يمكن القلب بأن يقال لما كان الروث طاهرا بالأصل كان البول أيضا كذلك لعدم القايل بالفصل لان الأصل لا يعارض الخبر الصالح للاحتجاج
وقد مر نظيره سابقا وثانيها على ما ذكره صاحب المعالم اتفاق من عدا ابن الجنيد من أصحاب الذين نعرف فتاويهم فإنهم ما نسبوا الخلاف إلا إلى الشيخ في النهاية وابن
الجنيد والشيخ في الاستبصار قال بالطهارة وظاهر كلامه في الاستبصار إن تصنيفه متأخر عن النهاية فالشيخ أيضا رجع عن القول بالنجاسة فلم يبق إلا ابن الجنيد وهذا
لا يصلح للاحتجاج نعم يصير مؤيدا بعد تحقق دليل آخر على المطلب وثالثها ما ذكره العلامة في المختلف وهو إن طهارة أبوال الإبل مع نجاسة هذه الأبوال مما
لا يجتمعان والأول ثابت فينتفي الثاني وجه المنافاة إن كون الحيوان مأكول اللحم أما أن يقتضي طهارة رجيعة أولا وعلى كلا التقديرين يلزم التنافي أما على الأول
فلوجود المشترك في صورة النزاع وأما على الثاني فلانه يلزم نجاسة أبوال الإبل عملا بالعموم الدال على نجاسة البول مطلقا السالم عن معارضته كون الحيوان مأكولا
وأما ثوبت الأول فبالاجماع وضعفه ظاهر لان مراده بالاقتضاء أما الاقتضاء التام أو في الجملة فإن كان المراد الاقتضاء التام أما بحسب الاثبات أو بحسب الثوب فنختار الشق الثاني ولا نسلم
إنه يلزم حينئذ نجاسة أبوال الإبل أما إذا كان الكلام في الاثبات فلانه يجوز أن يثبت الحكم لا باعتبار معارضة كون الحيوان مأكولا بل بمعارضة أمر آخر كالاجماع الذي ادعاه
في ثبوت الأول أو الروايات الدالة على خصوص الإبل على ما نقلنا أو باعتبار تلك المعارضة أيضا لكن لا من حيث الاقتضاء التام بل من حيث الخصوص ويكون الخصوصية
مفهومة من استثناء الثلاثة مما يؤكل لحمه على ما سيجئ من الروايات وأما إذا كان في الثبوت فلانه يجوز أن يكون علة الحكم أمرا آخر غير أكل اللحم مما لا نعلمه إذ علل الأحكام الشرعية
لا يهتدي العقل إليها سبيلا أو يكون أكل اللحم أيضا لكن باعتبار خصوصيته يوجد في الإبل دون الثلاثة ككونه مما يعد للاكل وغيره مما لا نتصوره وإن كان المراد
الاقتضاء في الجملة إثباتا أو ثبوتا أيضا فنختار الأول ونمنع لزوم الطهارة في الثلاثة وهو ظاهر ويمكن اختيار الشق الثاني أيضا ومنع لزوم نجاسة أبوال الإبل لجواز
أن يكون المقتضي للطهارة إثباتا أو ثبوتا غير أكل اللحم مطلقا أما الاجماع أو الخبر في الاثبات أو أمر آخر لا نعلمه في الثبوت ورابعها الروايات فمنها حسنة زرارة
المنقولة في بحث ما عرض له التحريم ومنها حسنة ابن سنان المنقولة فيه أيضا الدالة بمفهومها على الحكم ومنها موثقة عمار المنقولة فيه أيضا ومنها ما رواه التهذيب في باب
تطهير الثياب والاستبصار والكافي في باب أبوال الدواب عن زرارة عن أحدهما عليهما السلام في أبوال الدواب يصيب الثوب فكرهه فقلت أليس لحومها حلالا
قال بلى ولكن ليس مما جعله الله للاكل وكرر هذه الرواية في التهذيب في باب تطهير الثياب من الزيادات بتغيير في السند ويمكن المناقشة بجواز حمل الكراهة على الحرمة
أو المطلق ويكون تحققها في ضمن الحرمة وليس مثل هذا الحمل مما يعد مخالفا للظاهر ومنها ما رواه التهذيب في باب تطهير الثياب من الزيادات عن المعلى بن خنيس و
عبد الله بن أبي يعفور قالا كنا في جنازة وقربنا حمار فبال فجائت الريح ببوله حتى صكت وجوهنا وثيابنا فدخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام) فأخبرناه فقال
ليس عليكم شئ وهذا الخبر في الاستبصار أيضا في باب أبوال الدواب ومنها ما رواه الفقيه في باب ما ينجس الثوب والجسد قال وسئل أبو الأغر النخاس أبا عبد الله
(عليه السلام) فقال أني أعالج الدواب فربما خرجت بالليل وقد بالت وراثت فنضرب أحديهما بيدها أو برجلها فينتضح على ثوبي فقال لا بأس به وهذا الخبر
في الكافي أيضا في باب أبوال الدواب عن الأغر النخاس لكن لا بطريق الفقيه وبتغيير ما في المتن حيث فيه فيضرب أحدهما برجله أو بيده فينتضح على ثيابي فأصبح فأرى أثره
فيه فقال ليس عليك شئ وأكثر هذه الروايات مختص بالبول لكن يمكن أجراؤه في الروث بعدم القول بالفصل وفي خصوص الروث أيضا روايات سنذكرها إنشاء
الله تعالى في طي ذكر الاحتجاج للقول بالنجاسة ووجدت أيضا رواية مختصة بالروث في كتاب قرب الإسناد لعبد الله بن جعفر الحميري روى عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن
عيسى عن الحسن بن محبوب عن علي بن رتاب قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الروث يصيب ثوبي وهو رطب قال إن لم تقذره فصل فيه وهذه الرواية مع صحة
سندها واضحة الدلالة على المطلوب ويمكن إجرائها في البول بعدم القول بالفصل إلا أن يناقش فيها بعدم ثبوت انتساب الكتاب إلى مؤلفه ولا يخلو عن بعد هذا ما
299

وجدنا من الروايات المتعلقة بهذا البحث وأما حجة القول بالنجاسة فأما أولا فإنها غير مأكولة بالعادة فدخلت تحت حكم ما لا يؤكل لحمه وفيه ضعف لان
ما لا يؤكل لحمه ظاهره أنه لا يؤكل لحمه لا ما لا يعتاد أكله تنزلنا عن الظهور فلا أقل من عدم الظهور في خلافه فكيف يمكن الاستدلال إلا أن يقال الاطلاقات الواردة
في البول تدل ظاهرا على العموم وما يصلح مخصصا لها حسنتا زرارة وابن سنان المنقولتان في البحث المذكور الدالة أحديهما منطوقا والأخرى مفهوما على
التخصيص وموثقه عمار المتقدمة أيضا لان باقي الروايات من الضعف بحال وفي هذه الثلاثة علق الحكم بأكل اللحم نفيا وإثباتا وعلى تقدير تساوي الحملين
المذكورين لا يثبت التخصيص في الثلاثة فبقي حكم النجاسة فيها على عمومها لكن للمناقشة في العموم مجال كما مر غير مرة وعلى تسليمه أيضا نقول إذا وردت مخصصات لم يتيقن
المراد منها فلا نسلم إن في الافراد المشكوكة يجب الحكم بالعام لم لا يحكم بأصل البراءة وغيرها ووجوب تحصيل اليقين ببراءة الذمة من التكليف اليقيني قد مر القول فيه
غير مرة وأما ثانيا فالروايات فمنها صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله المنقولة في البحث المذكور ومنها ما رواه التهذيب في باب تطهير الثياب في الصحيح عن الحلبي قال سئلت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن أبوال الخيل والبغال فقال اغسل ما أصابك منه وحكم الحمار أيضا يعلم منه بعدم القول بالفصل وهذا الخبر في الاستبصار أيضا في باب
أبوال الدواب ومنها ما رواه التهذيب في البابين المذكورين في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا بأس بروث الحمير واغسل أبوالها وفيه إنه دليل على النجاسة
لا لها لأنه نفى البأس عن روث الحمير صريحا الدال على طهارته فيكون بوله أيضا كذلك لعدم القول بالفصل ويكون الامر الوارد بالغسل محمولا على الاستحباب والتنزه
مع أن ورود الامر بالاستحبابي في أحاديث أئمتنا (عليهم السلام) شايع ذايع من دون حاجة له إلى قرينة ومنها حسنة محمد بن مسلم المنقولة في الحكم الأول ومنها ما رواه التهذيب
في باب تطهير الثياب من الزيادات والاستبصار في باب أبوال الدواب في الموثق عن سماعة قال سئلته عن بول السنور والكلب والحمار والفرس فقال كأبوال الانسان
وأجاب الشيخ في الاستبصار بجواز حمله على أن بول السنور والكلب كأبوال الانسان ولا يخفى بعده وبجواز حمله على التقية وهو قريب لان كثيرا من عظماء العامة قالوا بنجاسة
بول ما يؤكل لحمه مطلقا ومنها ما رواه التهذيب في باب تطهير الثياب والاستبصار والكافي في باب أبوال الدواب عن أبي مريم قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما تقول في
أبوال الدواب وأرواثها قال أما أبوالها فاغسل ما أصابك وأما أرواثها فهي أكثر من ذلك قال في المعتبر يعنى أن كثرتها يمنع التكليف بإزالتها وعلى هذا يرد
عليه أيضا إنه دليل للقول المخالف بتقريب ما تقدم من أن طهارة الروث يستلزم طهارة البول لعدم القول بالفصل فيكون الامر محمولا على الاستحباب إلا أن يقال يحتمل أن
يكون معناه إن الروث أكثر من البول في اقتضاء الغسل وفي بعض النسخ بالباء الموحدة وحينئذ حمله على هذا المعنى أظهر لكن مجرد الاحتمال لا يكفي في الاستدلال
لجواز أن يكون المراد المعنى الأول فينقلب الحال إلا أن يقال الأصل في الامر الوجوب فينبغي أن يبقى على أصله حتى يظهر مخرج والمخرج غير معلوم حينئذ لجواز الحمل على المعنى الثاني
وإذا بقي الامر على أصله فيثبت الحكم في البول ويتعدى إلى الروث أيضا باعتبار عدم القول بالفصل بل يقال لما وجب إبقاء الامر على الوجوب فيلزم حمل الخبر على المعنى
الثاني وإلا يلزم خروجه عنه وبعبارة أخرى يجب الحمل على المعنى الثاني وإلا يلزم حمل لفظ الامر على خلاف حقيقته وهو خلاف الأصل لكن أنت خبير بما في أصالة
وجوب الامر وأصالة كون الاطلاق حقيقة وعلى تسليمهما أيضا لا نسلم إن مع قيام مثل ذلك الاحتمال القريب في الخبر تبقى حجيته بحالها بل لا يبعد الرجوع إلى أصل البراءة
والطهارة ومنها ما رواه التهذيب والاستبصار في البابين المذكورين عن عبد الأعلى بن أعين قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أبوال الحمير والبغال فقال اغسل ثوبك
قال قلت فأرواثها قال هو أكثر من ذلك والكلام فيه أيضا كالكلام في سابقه ومنها رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله (عليه السلام) المنقولة في بحث عروض التحريم عن
زيادات التهذيب ومنها ما رواه التهذيب في باب آداب الاحداث والاستبصار في باب مقدار الماء الذي لا ينجسه شئ عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل عن الماء النقيع تبول فيه
الدواب فقال إن تغير الماء فلا تتوضأ منه وإن لم تغيره أبوالها فتوضأ منه وكذلك الدم إذا سال في الماء وأشباهه
هذا جملة ما وجدنا من الروايات في هذا
الباب وقد تكلمنا على بعضها وبعضها ضعيف السند مما لم نصفه بالصحة والحسن والتوثيق فلا يصلح للاحتجاج إلا أن يجعل مؤيدا وإذ قد أطلعت على الاخبار
من الطرفين وبعض ما فيها فلا بأس أن نتصدى لتتميم الكلام وترجيح ما هو الراجح من القولين على حسب ممشى القوم وطريقتهم فنقول قد حمل الشيخ (ره) في التهذيب و
الاستبصار هذه الأخبار المتضمنة للامر بالغسل من بول هذه الثلاثة وروثها على ضرب من الاستحباب والتنزه وكراهة الأبوال والأرواث قال في الاستبصار
والذي يدل على ذلك ما أوردناه من أن ما يؤكل لحمه لا بأس ببوله وروثه وإذا كانت هذه الأشياء غير محرمة اللحوم لم يكن أبوالها وأرواثها محرمة واستدل
أيضا على ذلك الحمل برواية زرارة المنقولة آنفا المتضمنة لحديث الكراهة ثم قال فجاء هذا الخبر مفسرا لهذه الأخبار كلها ومصرحا بكراهة ما تضمنه ويجوز أن
يكون الوجه في هذه الأحاديث أيضا ضربا من التقية لأنها موافقة لمذهب بعض العامة انتهى وقد عرفت المناقشة في ظهور الكراهة في المعنى المصطلح وقد أيد
صاحب المعالم أيضا الحمل على الاستحباب بما في حسنة محمد بن مسلم المنقولة من الامر بالنضح مع الشك وهو للاستحباب باعتراف الخصم مع أنه وقع في الحديث مجردا
عن القرينة الدالة على ذلك فلا بعد في كون الأوامر الواقعة في ضمنه مثله بل المستبعد من الحكم سوق الكلام على نمط يعطي الاتفاق في الحكم والحال على الاختلاف
300

وهو جيد وإن كان يوجد مثله في الروايات كثيرا مع أنك قد علمت إن الحمل على الاستحباب لا حاجة له إلى تأييد وتقوية في أحاديثنا ثم أورد على ما نقلنا من الشيخ (ره)
بقوله ولا يخفى ما في قوله يدل على ذلك ما أوردناه من أن ما يؤكل لحمه إلخ فإن هذا المضمون عام والاخبار التي يحاول تأويلها خاصة فطريق الجمع بينهما حمل العام على
الخاص لا ما ذكره وقد كان الصواب التمسك في ذلك بالاخبار التي ذكرناها في الاحتجاج للطهارة فإنها خاصة كأخبار النجاسة فيقع التعارض انتهى ويمكن أن يقال
إن ما أورده الشيخ وإن كان عاما لكن لا دليل على وجوب تخصيصه بالاخبار الخاصة لجواز الجمع بينهما بحمل الأخبار الخاصة على التجوز ولا نسلم رجحان التخصيص على مثل هذا
التجوز الشايع في الروايات ولو فرض أدنى رجحان له أيضا فيعارضه موافقة العام للأصل ولعمل جل الأصحاب ولا شك إنه حينئذ الرجحان للعام فلذا ارتكب الشيخ
التجوز في الخاص إلا أن يقال إن المطلقات الواردة في البول والعذرة الظاهرة في العموم مرجحة للخاص إذ على تقدير التجوز في الخاص يلزم زيادة تخصيص مع ارتكاب
التجوز فيها وعلى تقدير تخصيص العام الذي أورده الشيخ يلزم التخصيص فيه فقط فيكون أولى القلة المحذور لكن قد عرفت المناقشة في ظهور تلك المطلقات في العموم
ظهورا بينا مع أن العذرة لا شمول لها للأرواث ومع ذلك عمل الأصحاب وأصالة البراءة والطهارة مرجحان قويان لا يعارضهما ما ذكر وبعد ذلك أورد صاحب
المعالم الاعتراض على استقامة الجمع الذي ذكره الشيخ من الحمل على الكراهة والتقية وقال إن تكلف الجمع فرع حصول التعارض والمصير إلى التأويل إنما يصح عند قيام
المعارض وذلك مفقود هنا فإن في أخبار التنجيس ما هو صحيح السند وليس في جانب الطهارة حديث صحيح وبين وجه عدم الصحة في روايات الطهارة جميعا ثم بالغ جهدا
في تقوية بعض تلك الروايات سيما رواية الأغر النخاس بما ذكره يفضي إلى التطويل وأثبت أن لا تفاوت بين روايات الطهارة والنجاسة في الصلاحية للاحتجاج على
طريقة القوم وإن على طريقته لا شئ منها جميعا وبصحيح ورجح على الوجهين جانب الطهارة لأنه لا يبقى عليهما المقتضى الأصل المعتضد بعمل جمهور الأصحاب ومخالفة ما عليه
أهل الخلاف معارض وأنا أقول لا يخفى أنه لو فرض التفاوت بين الروايات أيضا وإن في طرق النجاسة يوجد ما هو صحيح دون طرق الطهارة لكان الترجيح أيضا للطهارة
لان الاستدلال على النجاسة أما باعتبار المطلقات التي في الأبوال والعذرة التي ظاهرها النجاسة ويوجد فيها ما هو صحيح وأما باعتبار الروايات الواردة في خصوص
هذه الثلاثة التي بعضها صحيح أما الأول فقد عرفت الحال فيه مرارا وإن تلك المطلقات قاصرة عن إفادة المرام مع وجود تلك المعارضات وأما الثاني فغير تمام أيضا لما ظهر
من أن بناء دلالة الروايات جميعا إلا موثقه سماعة على الامر بالغسل والامر حاله ظاهر في عدم ظهوره في الوجوب سيما مع وجود تلك المعارضات الكثيرة التي لا يخلو
عن قوة وإن لم يوجد فيها صحيح ومع وجود تلك الروايات الدالة على طهارة الروث من دون معارض لعدم شمول العذرة له المستلزمة لطهارة البول أيضا
لعدم القول بالفصل مع أن حمل الامر على الوجوب يوجب إطراح هذه الروايات وأمر موثقة سماعة أيضا سهل بعد ملاحظة تلك الأمور ومعارضتها بما هو
أقوى منها وهذا كله مع معاضدة الأصل العقلي والنقلي وعمل جل الأصحاب ولزوم العسر والمشقة الغير المناسبين للشريعة السمحة السهلة وبالجملة الخبر الواحد
وإن كان صحيحا لا جزم في وجوب العمل به مع عدم معاضدته بعمل الأصحاب ومخالفته للأصل سيما مع وجود المعارضات له وإن لم يكن صحيحة وخصوصا مع تحقق
قوة ما لبعض تلك المعارضات كما فيما نحن فيه إذ الدليل على وجوب العمل بخبر الواحد الصحيح لا نسلم شموله لهذه الصورة أيضا فتدبر ولكن مع ذلك الاحتياط في
الاجتناب غالبا سيما في البول الذي هو مورد النصوص هذا وأما الحكم الثالث فقد ظهر مما ذكر من دون حاجة إلى التصريح به
(والمني والدم من ذي النفس) أما
المني فقد ادعى العلامة في التذكرة إنه نجس عند علمائنا أجمع من كل حيوان ذي نفس سائلة آدميا كان أو غيره وظاهر المنتهى أيضا ذلك حيث قال قال علماؤنا
المني نجس ويدل عليه أيضا مضافا إلى الاجماع قوله تعالى وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان قال هو التفسير المراد بذلك أثر
الاحتلام هكذا استدل العلامة في المنتهى ثم قال واستدل المرتضى بهذه الآية في المسائل الناصرية بوجه آخر وهو إن الرجز والرجس بمعنى واحد لقوله تعالى
والرجز فاهجر وأراد به عبادة الأوثان فعبر عنها مرة بالرجز والأخرى بالرجس فاتحد معناهما وإذا سمى الله تعالى المني رجسا ثبت نجاسته ولأنه تعالى أطلق اسم
التطهير ولا يراد شرعا إلا في إزالة النجاسة أو غسل الأعضاء الأربعة انتهى كلام المنتهى وفي كلا الاستدلالين نظر أما في استدلال العلامة (ره) فلان قول
المفسرين بأن الرجز أثر الاحتلام بعد ما سلم صحة التعويل عليه يحتمل أن يكون المراد به النجاسة الحديثة التي يحصل عقيب الاحتلام لا المني ولو سلم أنه المني فلا
يدل على نجاسة إذ لا شك في كراهته للطبع واستقذاره له فيجوز أن يكون امتنان الله تعالى سبحانه بإذهابه باعتبار إذهاب تلك الكراهة والاستقذار
لا باعتبار النجاسة ولو تمسك بإطلاق التطهير فيرجع إلى الوجه الأخير الذي نقله عن المرتضى (ره) وسنتكلم
عليه وأما في الاستدلالي المرتضى (ره) ففي الأول بعد
تسليم كون المراد من الرجز هو المني إن إطلاق الرجز والرجس على عباده الأوثان لا يدل على اتحاد معناهما وهو ظاهر وأيضا الرجس الذي أطلق على عبادة الأوثان لا يجوز أن يكون
المراد منه النجس بل لا بد من حمله على معنى آخر وإن كان مجازيا للرجس فغاية ما يلزم من إطلاق الرجز أيضا عليه اتحاد معنى الرجز مع هذا المعنى للرجس لا
بمعناه الاخر الذي هو النجس لو كان وفي الثاني إن إطلاق التطهير شرحا على الغسل مما لا شك فيه وحينئذ نقول يجوز أن يكون المراد منه في الآية غسل الجنابة
301

وإذهاب رجز الشيطان أيضا أما المراد به إزالة النجاسة الحكمية التي يتفرع على غسل الجنابة فلا يتم الاستدلال أو إزالة المني ولم يطلق عليها التطهير حتى يقال
أن التطهير لا يستعمل إلا في إزالة النجاسة أو غسل الأعضاء الأربعة بل أطلق عليها الا ذهاب وهو لا يدل على المراد كما علمت والتطهير حكم آخر وتدل أيضا على نجاسة
المني روايات كثيرة مستفيضة فمنها ما رواه التهذيب في باب تطهير الثياب في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال ذكر المني فشدده وجعله أشد من البول وكرر
هذا الخبر في التهذيب في كتاب الصلاة باب ما يجوز الصلاة فيه وما لا يجوز وروى الفقيه أيضا في باب ما يصلى فيه ومنها ما رواه التهذيب أيضا في الباب المذكور
وكرر أيضا في كتاب الصلاة في الباب المذكور في الصحيح عن محمد عن أحدهما (عليهما السلام) قال سئلته عن المذي يصيب الثوب فقال ينضحه بالماء إن شاء وقال في المني الذي
يصيب الثوب فإن عرفت مكانه فاغسله وإن خفي عليك فاغسله كله ومنها ما رواه الفقيه في باب ما ينجس الثوب والجسد في الصحيح قال وسئل محمد الحلبي أبا عبد
الله (عليه السلام) عن رجل أجنب في ثوبه وليس معه ثوب غيره فقال يصلي فيه فإذا وجد الماء غسله قال وفي خبر آخر وأعاد الصلاة وهذا الخبر في التهذيب أيضا
في الباب المذكور بطريق صحيح عن أبان عن محمد وفي الاستبصار أيضا في باب عرق الجنب والحايض ومنها ما رواه التهذيب أيضا في الباب المذكور والكافي في باب
المني والمذي يصيبان الثوب والجسد وكرر في التهذيب في كتاب الصلاة في الباب المذكور في الموثق عن سماعة قال سئلته عن المني يصيب الثوب قال اغسل الثوب
كله إذا خفي عليك مكانه قليلا كان أو كثيرا ومنها ما رواه التهذيب في باب تطهير الثياب من الزيادات في الموثق عن أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الثوب
يجنب فيه الرجل ويعرق فيه قال أما أنا فلا أحب أن أنام فيه وإن كان الشتاء فلا بأس ما لم تعرف فيه ومنها ما رواه التهذيب في باب آداب الاحداث والاستبصار في باب
الماء القليل في الموثق عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا أصاب الرجل جنابة فأدخل يده في الاناء فلا بأس إن لم يكن أصاب يده شئ من المني ومنها
ما رواه التهذيب في الباب المذكور عن سماعة قال سئلته عن رجل يمس الطست أو الركوة إلى آخر الحديث وقد مر في مبحث الماء القليل وقد مر فيه غيره أيضا من الروايات
مما يدل على نجاسة المني ومنها ما رواه التهذيب في باب تطهير الثياب والكافي في باب المني في الحسن بن إبراهيم الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا احتلم الرجل فأصاب
ثوبه مني فليغسل الذي أصابه فإن ظن إنه أصابه مني ولم يستيقن ولم ير مكانه فلينضحه بالماء وإن استيقن إنه أصابه ولم ير مكانه فليغسل ثوبه كله فإنه أحسن وفي الكافي
يدل المني في الموضعين شئ ومنها ما روياه أيضا في البابين المذكورين عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن المني يصيب الثوب قال إن عرفت
مكانه فاغسله فإن خفي عليك مكانه فاغسله كله ومنها ما رواه التهذيب في الباب المذكور عن عنبسة بن مصعب قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المني يصيب الثوب
فلا يدري أين مكانه قال يغسله كله وإن علم مكانه فليغسله وها هنا روايات أخرى تدل على المرام سنوردها إنشاء الله تعالى في بحث الصلاة مع نجاسة الثوب
أو البدن وما يتعلق به فأما ما رواه التهذيب في باب تطهير الثياب من الزيادات والاستبصار في باب عرق الجنب والحايض في الصحيح عن زرارة قال سئلته عن الرجل يجنب
في ثوبه أيتجفف فيه من غسله فقال نعم لا بأس به إلا أن يكون النطفة فيه رطبة فإن كانت جافة فلا بأس فيمكن حمله على التقية وحمله الشيخ في الاستبصار على أنه إذا
لم يتنشف بالموضع الذي يكون فيه المني لأنه لو تنشف بذلك الموضع لتعدى النجاسة إليه إذا ابتل وفيه مع بعده إنه حينئذ لا فرق بين أن يكون النطفة رطبة
أو يابسة إلا أن يقال إن في الرطبة مظنة التعدي وكذا ما رواه الكافي في باب الجنب يعرق في الثوب في الحسن بن إبراهيم عن أبي أسامة قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) يصيبني
السماء وعلى ثوب فيبله وأنا جنب فيصيب بعض ما أصاب جسدي من المني أفأصلي فيه قال نعم يحتمل حمله على التقية وقد حمل أيضا على بلة لا يسري نجاسة المني إليها ولا
يخلو من بعد وكذا ما رواه الكافي في الباب المذكور في الموثق عن أبي أسامة قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الثوب يكون فيه الجنابة فيصيبني السماء حتى يبتل
علي قال لا بأس يحتمل الحملين المذكورين ويحتمل أن يحمل على إصابة المطر للثوب بحيث طهره وليس ببعيد وما رواه الكافي في الباب المذكور والتهذيب في باب
تطهير الثياب والاستبصار في باب عرق الجنب عن علي بن أبي حمزة قال سئل أبو عبد الله (عليه السلام) وأنا حاضر عن رجل أجنب في ثوبه فيعرق فيه قال لا أرى به بأسا
قال إنه يعرق حتى لو شاء أن يعصره عصره قال فقطب أبو عبد الله (عليه السلام) في وجه الرجل وقال إن أبيتم فشئ من ماء فانضحه به فمع ضعف سنده يحتمل الحملين
المذكورين ويحتمل الحمل على أن لا يكون في الثوب مني ويكون مراد السائل من قوله أجنب في ثوبه أنه وقعت الجنابة فيه لا المني ويكون السؤال باعتبار توهمه إن عرق
الجنب كأنه فيه بأس وهذا أيضا ليس ببعيد جدا ثم لا يخفى أن الروايات التي أوردنا لا يبعد أن يقال أن ظاهرها الاختصاص بمني الانسان لأنه الفرد المتعارف
وغالب ملاقاة الانسان معه فظاهر السؤالات والاحكام اختصاصها به فعلى هذا إذا كان الحكم إجماعيا مطلقا كما نقلنا عن التذكرة فلا بحث وإن لم يثبت
ذلك فللبحث مجال مستندا إلى أصالة الطهارة وأصالة البراءة لكن مع دعوى العلامة الاجماع وعدم ظهور مخالف الاجتراء بمثل ذلك كأنه ليس بمستقيم والاخذ
بالاحتياط هو الطريق القويم وقال صاحب المعالم يمكن أن يحتج له أي لتعميم الحكم في مني الانسان وغيره بجعله أشد من البول في صحيح محمد بن مسلم الذي نقلنا آنفا
فإنه وإن شهدت القرائن الحالية في مثله بإرادة مني الانسان إلا أن فيه إشعارا بكونه أولى بالتنجيس من البول فكل ما حكم بنجاسة بوله ينبغي أن يكون لمنيه هذه
302

الحالة وربما كان هذا القدر كافيا مع الاجماع المنقول وعدم ظهور مخالف فيه وفيه نظر لأنه بعد تسليم إن الظاهرة فيه إرادة مني الانسان فما يدل عليه الخبر إن
مني الانسان أشد من بوله وهذا لا يستلزم أن يكون مني غيره أيضا كذلك أصلا وحمل المني والبول في غيره على منيه وبوله ليس إلا القياس المعمول بين الناس ولا
يناسب طريقتنا الامامية مع أنه لا يثبت أيضا المطلوب بتمامه هذا وأما مني ما ليس له نفس سائلة فالمحقق في المعتبر تردد فيه وجعل الأشبه الطهارة والعلامة في المنتهى
قرب طهارته وقال صاحب المعالم ظاهر جماعة من الأصحاب القطع بطهارته ووجه التردد كأنه إطلاق المني في الروايات الكثيرة التي عرفت المقيد بظاهره حيث لم يفصل فيه
العموم وإن المتعارف من أفراده والمعهود منها حيث يسئل عن حالها وطهارتها ونجاستها وغير ذلك أما مني الانسان بخصوصه أو ما يعمه وغيره مما له نفس سائلة وأما
تعميمه بحيث يشمل ما لا نفس له أيضا فلا يبقى الحكم فيه على أصل الطهارة ولعل الأقرب الثاني إذ ظهور العموم في الروايات بحيث يشمل هذا الفرد أيضا محل كلام
والأصل الطهارة وبرائة الذمة حتى يثبت وأمر الاحتياط ظاهر وأما الدم من ذي النفس فقد قال العلامة في التذكرة إنه نجس وإن كان مأكولا بلا خلاف ومعنى النفس
السائلة قد مر سابقا وقال المحقق في المعتبر الدم كله نجس عدا دم ما لا نفس له سائلة قليله وكثيره وهو مذهب علمائنا عدا ابن الجنيد فإنه قال إذا كانت سعته
دون سعة الدرهم الذي سعته كعقد الابهام الاعلى لم ينجس الثوب والكلام في هذا الخلاف سيجئ إنشاء الله تعالى وقال في المنتهى قال علماؤنا الدم المسفوح من كل حيوان
ذي نفس سائلة أي يكون خارجا بدفع من عرق نجس وهو مذهب علماء الاسلام ثم إن ها هنا مقامات الأول نجاسة الدم في الجملة الثاني اختصاصها بدم ذي
نفس سائلة الثالث إن دمه نجس مطلقا أو دمه المسفوح فقط وعلى التقديرين فأحال دمه المتخلف بعد الذبح فلنفصل الكلام فيها ولنبين جميع ما يتعلق بها
إنشاء الله تعالى أما المقام الأول فيدل عليه مضافا إلى الاجماع على ما نقلنا من الفاضلين روايات كثيرة مستفيضة منها ما رواه التهذيب في زيادات الجزء الأول من
كتاب الصلاة باب كيفية الصلاة وصفتها في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سئلت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يأخذه الرعاف والقئ في الصلاة كيف يصنع قال
ينتقل فيغسل أنفه ويعود في صلاته الحديث وروى هذا الحديث في الاستبصار أيضا في كتاب الصلاة باب الرعاف عن محمد أيضا بطريق صحيح لكن غير طريق التهذيب
وفي الكافي أيضا في باب ما يقطع الصلاة بطريق التهذيب ومنها ما رواه التهذيب في الزيادات باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس والاستبصار في الباب المذكور في
الصحيح عن علي بن جعفر (عليه السلام) عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال سئلته عن الرجل يكون به الثالول أو الجرح هل يصلح له أن يقطع الثالول وهو في صلاته
أن ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح ويطرحه قال إن لم يتخوف أن يسيل الدم فلا بأس وإن تخوف أن يسيل الدم فلا يقطعه وهذا الخبر في الفقيه أيضا في باب
ما يصلي فيه وما لا يصلي فيه ومنها ما رواه الفقيه مقدما على ما ذكر بسطر في جملة سؤالات علي بن جعفر (عليه السلام) عن أخيه قال وعن الرجل تحرك بعض أسنانه وهو
في الصلاة هل ينزعه قال إن كان لا يدميه فلينزعه وإن كان يدمي فلينصرف ومنها ما رواه الفقيه في باب صلاة المريض في الصحيح عن عمر بن أذينة عن أبي عبد الله
(عليه السلام) أنه سأله عن الرجل يرعف وهو في الصلاة وقد صلى بعض صلاته فقال إن كان الماء عن يمينه أو عن شماله أو عن خلفه فليغسله الحديث ومنها ما رواه
التهذيب في الزيادات باب كيفية الصلاة في الصحيح عن طريق محمد بن عيسى عن يونس والكافي أيضا في الباب المتقدم عن أحدهما (عليهما السلام) في الرجل يمس أنفه في
الصلاة فيرى دما كيف يصنع أينصرف فقال إن كان يابسا فليرم به ولا بأس ومنها ما رواه التهذيب في باب أحكام السهو في الصلاة والكافي في الباب المتقدم
والاستبصار في الباب المذكور في الحسن بن إبراهيم بن هاشم عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن الرجل يصيبه الرعاف وهو في الصلاة فقال إن
قدر على ماء عنده يمينا وشمالا بين يديه وهو مستقبل القبلة فليغسله عنه الحديث ومنها ما رواه التهذيب في باب تطهير الثياب من الزيادات والكافي في باب
الثوب يصيبه الدم في الموثق عن عمار الساباطي قال سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل يسيل من أنفه الدم هل عليه أن يغسل باطنه يعني جوف الانف فقال
إنما عليه أن يغسل ما ظهر منه ومنها ما رواه التهذيب في باب الاحداث الموجبة للطهارة في الموثق عن أبي بصير قال سمعته يقول إذا قاء الرجل وهو على طهر
فليتمضمض وإذا أرعف وهو على وضوء فليغسل أنفه فإن ذلك يجزيه ولا يعيد وضوئه ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب عن أبي حبيب الأسدي عن أبي عبد
الله (عليه السلام) قال سمعته يقول في الرجل يرعف وهو على وضوء قال يغسل آثار الدم ويصلي وهذان الخبران في الاستبصار أيضا في باب الرعاف من كتاب الطهارة
ومنها ما رواه التهذيب في زيادات الطهارة باب الاحداث الموجبة للطهارة عن أبي هلال قال سئلت أبا عبد الله أينقض الرعاف والقئ ونتف الإبط الوضوء قال
فقال وما تصنع بهذا هذا قول المغيرة بن سعيد لعن الله المغيرة يجزيك من الرعاف والقئ أن تغسله ولا تعيد الوضوء ومنها ما رواه التهذيب في باب كيفية الصلاة من
الزيادات والاستبصار في باب الرعاف من كتاب الصلاة عن إسماعيل بن عبد الخالق قال سئلته عن الرجل يكون في جماعة من القوم يصلي المكتوبة فيعرض له رعاف
كيف يصنع قال يخرج فإن وجد ماء قبل أن يتكلم فليغسل الرعاف ثم ليعد فليبن على صلاته ومنها ما رواه التهذيب في الباب المذكور عن معاوية بن وهب البجلي
قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرعاف أينقض الوضوء قال لو إن رجلا رعف في صلاته وكان عنده ماء أو من يشير إليه بماء فيناوله فقال اغسل برأسه فغسله فليبن
303

على صلاته لا يقطعها وها هنا روايات كثيرة أخرى صحيحة وغير صحيحة تقدم بعضها في بحث الماء القليل وبعضها في بحث البئر ووقوع الدم فيها وسنورد بعضها
إنشاء الله في بحث العفو عن مقادر الدرهم من الدم وبعضها إنشاء الله تعالى في بحث الصلاة في الثوب النجس وما يتعلق به وبالجملة المطلب واضح لا حاجة له إلى ذلك
التطويل لكن تعرضنا لذكر هذه الروايات لما التزمنا من إيراد كل ما يوجد من الروايات أو أكثرها في أي بحث كان ثم لا يخفى أن الروايات التي أوردناها كان أكثرها في باب الرعاف
ومع ذلك الظاهر أن نجاسة دم الرعاف مما لا خلاف فيه أيضا فما رواه التهذيب في باب الاحداث الموجبة للطهارة والاستبصار في باب الرعاف من كتاب الطهارة عن جابر عن
أبي جعفر قال سمعته يقول لو رعفت دورقا ما زدت على أن أمسح مني الدم وأصلي لا يعمل عليه مع معارضته للاجماع وتلك الروايات المتكثرة على أنه ضعيف السند و
يحتمل أيضا حمل المسح على الغسل يجوز أو الحمل على التقية أيضا ممكن لكن فيه إن ظاهر الخبر إن مراد عليه السلام أني ما أزيد على مسح الدم وأصلي من دون أن أتوضأ على ما يراه العامة
وحينئذ الحمل على التقية مما لا يتصور إلا أن يقال بعد ما سلم إن الحصر بالنسبة إلى الوضوء لا غسل العضو أنه يجوز أن لا يتقي بالنسبة إلى القائلين بالوضوء وإن اتقى بالنسبة إلى
القائلين بجواز مسح العضو من دون حاجة إلى غسله بناء على تحقق مغايرة بين القايلين وكذا ما رواه أيضا في
الباب المذكور من الزيادات في الحسن عن الحسن بن علي
بن الوشاء قال سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول كان أبو عبد الله (عليه السلام) يقول في الرجل يدخل يده في أنفه فيصيب خمس أصابعه الدم قال ينقيه ولا يعيد الوضوء
يجري فيه جميع ما ذكرناه في سابقه بعينه سوى تبديل ضعف السند بعدم صحته بعد أن سلم إن الانتقاء ظاهره أن يكون بغير غسل وإلا فلا معارضة أصلا حتى يحتاج
إلى الجواب وما رواه بعيد الرواية السابقة عن عبد الأعلى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن الحجامة أفيها وضوء قال لا ولا يغسل مكانها لان الحجام مؤتمن إذا كان ينظفه ولم يكن صبيا صغيرا لدال على طهارة دم
الحجامة مع أن الظاهر أن نجاسة أيضا إجماعية فالوجه فيه أيضا أن نحمله على التقية أو يقال المراد إنه لا حاجة إلى غسله إذا كان الحجام نظفه بالغسل مع أنه ضعيف السند فأما
ما رواه في الزيادات باب كيفية الصلاة عن أبي حمزة قال قال أبو جعفر (عليه السلام) إن أدخلت يدك في أنفك وأنت تصلي فوجدت دما سائلا ليس برعاف ففته بيدك
فلعله وقع فيه تحريف من النساخ وكأنه كان غير سايل فأبدل سايلا لان الدم السائل الذي في الانف ليس برعاف لا معنى له وإن فرض توجيهه بأنه يجوز أن يكون دم
سايل من جرح أو قرح في الانف ومثل هذا لا يسمى رعافا كيف يستقيم قوله (عليه السلام) ففته بيدك لان الفت يستعمل في الشئ اليابس ولو تنزلنا عن جميع ذلك فطريق
جمعه مع الاجماع قد علمت والطرح أيضا غير بعيد لضعف السند وما رواه في باب تطهير الثياب والكافي في باب الثوب يصيبه الدم عن الحلبي قال سئلت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن دم البراغيث يكون في الثوب هل يمنعه ذلك من الصلاة فقال لا وإن كثر ولا بأس أيضا بشبهه من الرعاف ينضحه ولا يغسله ففيه أيضا القدح في السند
والحمل على التقية فأما ما رواه في الزيادات في باب الاحداث عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن الدمل يكون بالرجل فينفجر وهو في الصلاة
قال يمسحه ويمسح يده بالحايط أو بالأرض ولا يقطع الصلاة حيث فيه أيضا مخالفة الاجماع ظاهرا باعتبار عدم الامر بغسل اليد فالوجه فيه أولا بحمله على أنه يجوز
أن لا يكون دم فيصل إلى اليد بل إنما وصل إليها القيح والصديد ومع فرض وصول الدم فحمله على التقية أو ضيق الوقت أو نطرحه هذا وأما المقام الثاني فقد
ادعى العلامة في المنتهى الاجماع عليه أي على أن دم ما لا نفس له سائلة ليس بنجس قال دم ما لا نفس له سائلة كالبق والبراغيث والذباب ونحوه طاهر وهو مذهب علمائنا وقال في التذكرة أما ما لا نفس سائلة كالبق
والبراغيث والسمك فإنه طاهر سواء تفاحش أو لا ذهب إليه علماؤنا وظاهر كلام المحقق في المعتبر الذي نقلنا صدر المسألة أيضا الاجماع عليه وصرح به في موضع
آخر حيث قال دم السمك طاهر لا يجب إزالته عن الثوب والبدن تفاحش أو لم يتفاحش وهو مذهب علمائنا أجمع وكذا كل دم ليس لحيوانه نفس سائلة كالبق والبراغيث
وادعى الشيخ أيضا في الخلاف الاجماع عليه قال مسألة دم ما ليس له نفس سائلة طاهر ولا ينجس بالموت وكذلك دم السمك ودم البق والبراغيث والقمل وبه قال
أبو حنيفة وقال الشافعي نجس دليلنا إجماع الفرقة وقال العلامة في المختلف قسم الشيخ النجاسة في المبسوط والجمل إلى دم وغير دم ثم قال والدم على ثلاثة أقسام
أحدها يجب إزالة قليله وكثيره وهي دم الحيض والاستحاضة والنفاس والثاني لا يجب إزالة قليله ولا كثيره وهي خمسة أصناف دم البق والبراغيث والسمك والجروح
اللازمة والقروح الدامية وظاهر هذا التقسيم يعطي حكمه بنجاسة دم السمك والبراغيث وقال سلار النجاسات على ثلاثة أضرب أحدها يجب إزالة كثيره وقليله
ومنها ما يجب إزالة كثيره دون قليله ومنها ما لا يجب إزالة قليله ولا كثيره وهو دم السمك والبراغيث والقروح إذا شق إزالته ولم يقف سيلانه وهذا التقسيم في الحكم بالتنجيس أقوى من الأول وقال ابن الجنيد الدماء
كلها ينجس الثوب بحلولها فيه وأغلظها نجاسة دم الحيض فأما ما يظهر من السمك بعد موته فليس ذلك عندي دما وكذلك دم البراغيث وهو إلى أن يكون نجوا لها
أولى من أن يكون دما وقال السيد المرتضى دم السمك طاهر وكذلك ما لا دم له سائل نحو البراغيث والبق وهو المعتمد انتهى ووجه قوة دلالة كلام السلار على
نجاسة مثل دم البق ونحوه أنه قسم النجاسة إليه فأما الشيخ فلم يقسم النجاسة إليه بل قسم النجاسة إلى دم وغيره وقسم الدم إليه وإلى غيره فيجوز أن يكون الدم أعم من النجاسة من وجه لان ما يكون قسما في
الظاهر قد يكون أعم من المقسم من وجه كما في تقسيم الحيوان إلى الأبيض وغير الأبيض ثم الظاهر على ما ذكره صاحب المعالم إن الشيخ ليس غرضه نجاسة هذه الأشياء لأنه قال في الخلاف
بعد ما نقل عنه من دعوى الاجماع مثل ما في المبسوط والجمل وظاهره أنه لم يقصد منه النجاسة بعد ما ادعى قبله بسطر الاجماع على الطهارة وبالجملة لا يبقى مخالف ظاهر في
304

الحكم سوى سلار وكأنه أيضا تسامح في العبارة وكيف كان الأقرب طهارته ولما جرت عادتهم بأفراد السمك من بين ما لا نفس له وتخصيصهم إياه ببحث على حده في مسئلتنا
هذه لما فيه من بعض الأمور الذي ليس في غيره فنحن أيضا نقتفي أثرهم ونجعل الكلام بحثين بحثا في السمك وبحثا في غيره مما لا نفس له سائلة فنقول أما السمك فقد قال العلامة
في المنتهى دم السمك طاهر وهو مذهب علمائنا لأنه ليس له نفس سائلة وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد قولان أحدهما التنجيس وهو قول أبي ثور لنا قوله تعالى أحل
لكم صيد البحر وطعامه والتحليل يقتضي الإباحة من جميع الوجوه وذلك يستلزم الطهارة وقوله تعالى أو دما مسفوحا ودم السمك ليس بمسفوح فلا يكون محرما فلا يكون
نجسا ولأنه لو كان نجسا لتوقفت إباحته على سفحه كالحيوان البري ولأنه لو ترك صار ماء احتجوا بقوله تعالى حرمت عليكم الميتة والدم لأنه دم مسفوح فدخل تحت قوله تعالى أو دما مسفوحا
والجواب عن الآية الأولى إن المراد بالدم إنما هو المسفوح ويدل عليه التقييد في الآية الأخرى ولأن الميتة مقيدة به أيضا ولأنه ليس من ألفاظ العموم فيحمل على المسفوح
توفيقا بين الأدلة وعن الثاني بالمنع من كونه مسفوحا والمراد منه ما له عرق يخرج الدم منه بقوة لا رشحا كالسمك انتهى كلامه ويرد على دليله الأول إن
المتعارف من جل الصيد حل ما يعهد أكله منه كاللحم ونحوه لا الدم كما يقولون إن حرمت عليكم الميتة ليس مجملا لان المعهود حرمة أكلها ولو سلم شموله الدم أيضا
فيعارض بالروايات الواردة في نجاسة الدم فإن بينه وبينها عموم من وجه وتخصيصها ليس بأولى من تخصيصه إلا أن يقال لا عموم في الروايات بل بعضها مخصوص
بالرعاف ونحو وبعضها مطلق وغاية ما يستفاد من التعميم هيهنا بانضمام إن ترك الاستفصال والتقييد في روايات شتى يفيد العموم تعميمه للأفراد المتعارفة الشايعة
وكان دم السمك ليس منها ولو سلم العموم مطلقا فنقول تخصيص الروايات أولا أما أولا فلقوة الكتاب وأما ثانيا فلموافقة الأصل وعلى دليله الثاني إن انحصار
المحرم فيما ذكر إلى وقت نزول الآية لا يدل على انحصاره فيه بعده أيضا ولا دليل على أنها آخر الآيات نزولا بل الدليل على خلافه وعلى تقدير أن يكون آخر الآيات
أيضا يمكن أن حرم شئ آخر بعدها لا من الآية وإن تمسك بأن الأصل العدم فليتمسك أولا بالأصل من دون حاجة
إلى التمسك بالآية لكن قد ورد في روايتين صحيحتين
التمسك بالآية نحو مما فيه وهو يؤيد صحة الاستدلال فإن صح كونهما من المعصوم فلعله باعتبار علمهم (عليهم السلام) بعدم ورود حكم بالحرمة بعدها أو كأنه (عليه السلام) ذكرها
إرشادا للأمة إلى طريق الاستدلال بها تأييدا للأصل وتقوية له والله يعلم وأما دليله الثالث فقوي جدا إذ لو كان دمه نجسا لما أمكن أكل لحمه لأنه لا يخلو
من دم وليس مما يذكى حتى يكون ما يخرج منه بالسفح نجسا وما بقي طاهرا ولو قيل يترك حتى يخرج جميع دمائه أو يصير ماء كما يشعر به دليله الاخر من أنه لو ترك يصير ماء
ففيه أيضا أنه ليس بمعلوم أنه متى يصير كذلك مع أنه لا شك أنه يجوز أكل السمك بعد خروجه من الماء بلا فصل ميتا وحيا مطبوخا ونيا إلا أن يقال بأنه إذا خرج منه دم
يحكم بنجاسة وإذا لم يخرج ولم يظهر فهو طاهر وإن كان في اللحم وكونه تحكما لا يبعد دفعه بأن الاحكام تابعة للأسماء فبعد الخروج لما يصدق عليه الدم فيكون
داخلا تحت الحكم بالنجاسة وأما قبله فلا صدق فلا حكم فلا تحكم فتأمل وأما دليله الاخر فضعفه ظاهر وما أورد على حجتهم الأولى فيرد عليه إن وجوب التقييد بالمسفوح
بناء على الآية الأخرى إنما يتم إذا ثبت أنها تقدمت عليها وأما إذا تأخرت فلا ولم يثبت فتأمل فيه وأيضا فيه كلام آخر سيجئ وتقيد الميتة لدليل لا يوجب التقييد
في الدم وهو ظاهر ممنوع لا يخفى ما في قوله ولأنه ليس من ألفاظ العموم إلى أداء الحمل على المسفوح توفيقا بين الأدلة لا يبتني على كونه مطلقا لا من لفظ العموم إذ لو كان من
ألفاظ العموم أيضا لكان الامر كذلك بعد ما يثبت المنافاة وبالجملة العمدة في إثبات الحكم الأصل وعدم دليل ظاهر مخرج عنه لما عرفت من عدم طهور الروايات في العموم
بحيث يشمل دم الميتة والسمك وكذا الآية ولو فرض تأخيرها عن الآية الأخرى مع انضمامه بدعوى الاجماع من الأصحاب على ما نقلنا من الخلاف والمعتبر والمنتهى وقد
يؤيد أيضا بما رواه التهذيب في باب تطهير الثياب عن السكوني عن جعفر عن أبيه أن عليا (عليه السلام) كان لا يرى بأسا بدم ما لا يزك ويكون في الثوب يصلي فيه الرجل يعنى دم السمك
وهذا الخبر في الكافي أيضا في باب الثوب يصيبه الدم وفيه عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إن عليا صلوات الله عليه وآله كان الحديث وهذه الرواية مع ضعف
سندها لا ظهور لها في الطهارة لجواز أن يكون نفي البأس باعتبار العفو ثم إن صاحب المعالم بعدما نقل دليلي العلامة من الآيتين قال والاستدلال بالآية الأولى
محل تأمل وكأنه الذي أشرنا إليه ثم قال وأما الثانية ففي الاحتجاج بها قوة لظهور دلالتها على مثله واقتضاء التحليل الطهارة إلا أن التمسك بذلك يستدعي القول
بحل دم السمك وظاهر كلام كثير من الأصحاب خلافه بل لا أعلم تصريحا بتحليله إلا في هذه العبارة أي عبارة المنتهى وفي نهايته ما يقرب منها ثم نقل من ابن زهرة والشهيد الثاني
والقواعد ما يدل على عدم حلية ثم قال وبالجملة فعباراتهم ظاهرة في تخصيص التحليل بدم الذبيحة وتعميم التحريم في غير من الدماء ووقع التصريح بذلك أيضا
في كلام بعضهم والتنصيص على تحريم دم السمك بالخصوص وليس لهم عليه حجة غير الاستحباب وهو موضع نظر وإذا لم يثبت تحريمه تكون الآية دليلا قويا على طهارته انتهى وقد
عرفت الحال في تحريم دمه وكذا قوة دلالة الآية على طهارته وقد استدل أيضا في المختلف بأن أكل الدم المتخلف في عروق الحيوان المأكول اللحم سائغ وهو طاهر
لا يجب غسل اللحم منه إجماعا لانتفاء المقتضي للتنجيس وهو السفح فيكون في السمك كذلك لوجود العلة وضعفه ظاهر لان كون العلة ذلك غير مسلم وبعد التسليم يجوز
أن يكون العلة ذلك منضما إلى خصوصية غير السمك والحاصل إنه من باب القياس الغير المعمول به عندنا هذا وأما غير السمك كالبق والبراغيث والذباب ونحوه فقد
305

استدل العلامة في المنتهى على طهارته بعد ما ذكر إنه مذهب علمائنا على ما نقلنا عنه بقوله تعالى أو دما مسفوحا وهذا ليس بمسفوح فلا يكون نجسا وبقوله تعالى
ما جعل عليكم في الدين من حرج وهو حرج وبأنه ليس بأكثر من الميتة وميتة طاهرة وبأنه ليس بمسفوح فلا يكون نجسا كالدم في العروق بعد الذكاة وأيده بالروايات
التي سننقلها ثم قال ويلحق بذلك الدم المتخلف في اللحم المذكى إذا لم يقذفه الحيوان لأنه ليس بمسفوح وقد علمت الكلام على دليله الأول وأما دليله الثاني
فلا يخلو عن قوة في بعض الافراد كالبق والبراغيث ونحوهما مما لا ينفك الانسان عن مخالطته وأما الثالث فقياس وأما الرابع فلعل الفرق بينه وبين
الأول بأن الأول تمسك بالآية والثاني تمسك بقياسه بالدم المتخلف بعد الذبح والجامع هو عدم السفح وفيه مع كونه قياسا لا نعمل به إنه لا يناسب الاستدلال بهذا النحو قوله آخر أو يلحق بذلك إلخ إذ بعد ما جعله أصلا ثابتا حكمه حتى يقاس عليه ما نحن فيه لا يناسب جعله من الملحقات به وهو ظاهر
والعمدة في الحكم أيضا على قياس ما مر الأصل وعدم دليل مخرج وادعائهم الاجماع على ما نقلنا من الخلاف والمعتبر والمنتهى والتذكرة وادعى المصنف (ره) أيضا في
الذكرى مع تأييد لزوم الحرج في بعض المواد فإن قلت لزوم الجرح إنما هو على تقدير وجوب إزالته وأما إذا كان عفوا كما ذهب إليه القايل بنجاسته فلا قلت
إن قيل بالعفو عنه مطلقا يعني في الصلاة وغيرها حتى لو فرض إن اليد لاقته برطوبة يجوز أن يستعمل في الاكل ونحوه مما يشترط فيه الطهارة من غير غسل إلى غير
ذلك فهو الطهارة التي أردناها إذ ليس حاصل الطهارة سوى ذلك والنزاع في اللفظ وإن قيل بمجرد جواز الصلاة معه فالحرج باق بحاله كما لا يخفى وأيد أيضا
بما رواه التهذيب في باب تطهير الثياب في الصحيح على ما نص عليه العلامة في المنتهى عن عبد الله بن أبي يعفور قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما تقول في دم البراغيث قال
ليس به بأس قال قلت إنه يكثر ويتفاحش قال وإن كثر وبما رواه أيضا في الباب المذكور في الموثق ظاهرا عن غياث عن جعفر عن أبيه قال لا بأس بدم البراغيث والبق و
بول الخشاشيف وبما رواه أيضا في الباب المذكور عن محمد بن الريان قال كتبت إلى الرجل هل يجري دم البق عليه مجرى دم البراغيث وهل يجوز لاحد أن يقيس بدم
البق على البراغيث فيصلي فيه وأن يقيس على نحو هذا فيعمل به فوقع (عليه السلام) يجوز الصلاة والطهر منه أفضل وبرواية الحلبي المتقدمة آنفا في طي معارضات نجاسة
الدم والحكم بالتأييد على الروايات باعتبار عدم ظهورها في الطهارة لجواز أن يراد بها العفو وأنت خبير بأنه لو ادعى الظهور أيضا في الطهارة لما كان في غير محله
لان نفي البأس إنما يكون مع جميع أفراده وهو إنما يكون مع الطهارة وأما المقام الثالث فتقول لا شك أنه لا يفرق أحد بين أفراد ذا النفس السائلة في الحكم بنجاسة دمه آدميا وغيره سوى
ما وقع من الخلاف دم الرسول صلى الله عليه وآله وهذا الخلاف مما لا ثمرة له الان والكلام ها هنا في أقسام دم ما له نفس سائلة فاعلم إن الظاهر
من كلام الأصحاب إن دم ذي النفس مطلقا نجس سوى ما استثنوه من المتخلف بعد الذبح أي سواء كان يخرج من العرق بقوة وانصباب أو لا وسواء كان فيه كثرة أو لا
كأثر الشوكة والخدشة ونحوهما لأنهم يعبرون عن الحكم بأن دم ما له نفس سائلة نجس ولا يقيدون بشئ ولا
يخصصون بأمر كما نقلنا من عبارة المعتبر والتذكرة و
قال المصنف (ره) في الذكرى عند تعداد النجاسات المني والدم من كل ذي نفس سائلة وقال المحقق في المعتبر معللا على نجاسة العلقة لأنها دم حيوان له نفس إلى غير
ذلك من عبارات الأصحاب التي يفضي إحصاؤها إلى التطويل وما وقع في المنتهى من التقييد بالمسفوح في العبارة التي نقلنا عنه أول البحث فكأنه أراد به مقابل
المتخلف بعد الذبح لأنه أراد به إخراج ما عدى المسفوح مطلقا وكذا في بعض الكتب الأخرى من العلامة ومع قطع النظر عن كلام الأصحاب أيضا يقول ينبغي أن يكون الامر كذلك
بالنظر إلى مأخذ الحكم لان الروايات واردة كثيرا بتعليق حكم النجاسة على الدم من غير تقييد والظاهر في مثل هذا المقام عدم التقييد وإلا لوقع التصريح به في موضع قطعا
غاية الأمر أن لا يسلم عمومها في الافراد الغير المتعارفة التي قل ما يقع البحث عنها والسؤال عن حالها وأما الافراد المتعارفة فكان منع الشمول لها أيضا مكابرة
وظاهر إن جميع أقسام الدم من الادمي مثلا متعارف معهود يشيع البحث عنه وعن أحواله وإذا ثبت الحكم في الانسان ثبت في غيره أيضا لعدم الفصل ضرورة مع أن في غيره أيضا
لا يبعد دعوى التعارف في جميع أقسام دمه ولو قيل إن الآية الكريمة مقيدة لها من جهة تقييد الدم بالمسفوح فدعوى عدم وقوع التقييد في موضع غير مسموعة
نقول قد عرفت بما ذكرنا إن لا منافاة بين الآية الكريمة والروايات حتى يجب تقييدها بها إذ يجوز أن لا يكون إلى نزول الآية الكريمة محرم غير ما فصلى لكن بعده
حرمت أشياء أخر والروايات بعد الآية فلو كان في الروايات تخصيص أو تقييد لما اكتفى بالتقييد الذي في الآية بل يصرح به في موضع لا أقل والروايتان اللتان
ذكرنا أنهما يدلان على صحة التمسك بالآية في مثل هذا الموضع فالظاهر أن أحدا من الأصحاب لم يعمل بظاهرهما ومع قطع النظر عن ذلك أيضا في هذا التقييد كلام
سيجئ وبالجملة لا ريب أن الاحتياط في التجنب عنه مطلقا هذا ثم إن صاحب المعالم (ره) بعد ما ذكر إن الظاهر من كلام الأصحاب الاتفاق على نجاسة دم ذي النفس مطلقا
أورد كلاما طويل الزيل متعلقا بعبارة المنتهى ولما كان في نقله بطوله بعض الفوايد فلا نبالي بتطويل الكلام بنقله قال وربما يتوهم من ظاهر كلام العلامة في
جملة من كتبه طهارته بل وطهارة القسم الذي قبله حيث قيد الدم المحكوم بنجاسته في كثير من عباراته بالمسفوح وأقربها إلى هذا التوهم عبارة المنتهى فإنه قال
فيه قال علماؤنا الدم المسفوح من كل حيوان ذي نفس سائلة أي يكون خارجا بدفع من عرق نجس وهو مذهب علماء الاسلام لقوله تعالى قل لا أجد فيما أوحي إلي
محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس ثم ذكر جملة من الروايات المتضمنة للامر بالغسل من الدم بقول مطلق ويلوح
306

من كلامه أنه بنى الحجة على مقدمتين مطويتين أحديهما إن المراد من الرجس في الآية النجس والثانية إن الاطلاق الواقع في الاخبار محمول على التقييد بالمسفوح
في الآية ولهذا البناء في كلامه شاهد وهو أنه ذكر في أثر هذا الحكم دم ما لا نفس له وأنه طاهر وأشار إلى الخلاف الواقع فيه من أهل الخلاف ثم قال لنا قوله تعالى
أو دما مسفوحا وهذا ليس بمسفوح فلا يكون نجسا ولا يخفى وجه دلالة هذا الكلام على ما قلناه فإنه لولا تخيل كون الأخبار المطلقة في الامر
بإزالة الدم محمولة على المقيد في الآية لم يتم هذا الاحتجاج لجواز التمسك بإطلاقها في عدم التفرقة بين المسفوح وغيره لا سيما وفي الروايات التي نقلها
ما هو من طريق الجمهور فللخصم أن يتشبث به فيما ذهب إليه فإقامة الحجة عليه لا يتم إلا بملاحظة ما ذكرناه من حمل المطلق في الاخبار على المقيد في الآية وقد
اتضح وجه إيهام العبارة القول بطهارة الدماء المذكورة فإن حصر النجس في المسفوح يقتضي طهارة ما سواء لكن الكلام منظور فيه أما أولا فلان المقدمتين
اللتين بنى الاحتجاج عليهما ضعيفتان أما الأولى فلان إرادة النجس من الرجس غير ثابتة إذ لم يعده أهل اللغة من معانيه فضلا عن أن يقولوا إنه معناه
وقد ذكر داله معا في كثيرة منها القدر ولا يخفى أنه أعم من النجس وباقي المعاني لا دلالة لها عليه وأما الثانية فلان حمل المطلق على المقيد إنما هو مع تحقق
التنافي بينهما ولا تنافي هنا إذ الحكم على المسفوح بالنجاسة لا ينافي نجاسة غيره معه وأما ثانيا فلانه احتج بعد هذا بقليل لطهارة دم السمك بقوله تعالى أو
دما مسفوحا وقربه بأن دم السمك ليس بمسفوح فلا يكون محرما فلا يكون نجسا وقد حكينا هذا فيه عنه آنفا وأنت تعلم إنه بعد ثبوت انحصار النجس في
المسفوح ليس بمحتاج إلى إثبات الحل ها هنا وجعله وسيلة إلى إثبات الطهارة فربما كان في ذلك إشعار بعدم ثبوت التقييد كما هو التحقيق إذا تقرر هذا فاعلم
إن الباعث للعلامة فيما يظهر على اعتبار التقييد بالمسفوح في العبارات التي اتفق له إدراج القيد فيها إنما هو الاحتراز عن الدم المختلف في الذبيحة حيث إنه طاهر باتفاق
الكل فلا يستقيم الحكم بنجاسة دم ذي النفس على الاطلاق وليس في قصده إخراج شئ من أصناف دم ذي النفس غير ما ذكره يشهد بذلك تتبع كلامه وقد أخذ هذا
القيد في عبارة النهاية ثم فصل بعده أنواع الدم وذكر حكمها في النجاسة والطهارة ولم يزد في عداد الطاهر على ما عليه الأصحاب وقال عند ذكر الدم المختلف
في الذبيحة إنه طاهر لعدم كونه مسفوحا وفي هذا الكلام قرينة واضحه على ما قلناه حيث تعرض للتفصيل واقتصر في بيان محل انتفاء الحكم لعدم الوصف
على المتخلف في الذبيحة وبالجملة فعدم التزام العلامة بما يقتضيه ظاهر التقييد الذي تفرد به أظهر من أن يخفى وقد بان لك أن ترك القيد كما فعل الأكثر هو الأنسب فإن
الاشكال الحاصل فيه باعتبار عدم استقامة الحكم بنجاسة الدم من ذي النفس على العموم نظرا إلى دم الذبيحة يندفع بتصريحهم باستثنائه فيما بعد وإن اتفق في
بعضها بعد العهد وأما الاشكال الوارد على التقييد بإبهام ما قد ذكره فيحتاج في دفعه إلى فضل تدبر والأصوب تفصيل المقام وترك التعبير بما يتطرق
إليه الاشكال والايهام انتهى كلامه وفيه مواضع من النظر أما أولا ففي قوله فإنه لولا تخيل كون الاخبار إلخ وجهه إن العلامة ها هنا في مقام بيان الأدلة على ما
اختاره من غير نظر إلى معارضاتها ولا شك إن الآية مما يصلح للاستدلال عليه ولا حاجة فيه إلى تقييد الدم الوارد في الروايات بالمسفوح فلا يكون بناء
الاستدلال عليه كما ذكره ثم لو عورض بالروايات فلعله يدفعها بأمر آخر غير التقييد بالمسفوح بل بدم ما له نفس سائلة معللا بلزوم الحرج والعسر لو عمم بالنسبة
إلى غير ذي النفس على ما تمسك به في دليله الاخر كما نقلنا أو بأن دم ما لا نفس له ليس من الافراد المتعارفة للدم فشمول الروايات له غير ظاهر على ما زعمه صاحب المعالم
أيضا وبالجملة لا يلزم أن يكون بناء كلامه على تقييد الدم الواقع في الروايات بالمسفوح وبهذا اتضح إن ما ذكره من أنه قد اتضح بهذا وجه إبهام العبارة انتهى غير متضح
فإن قلت إذا لم يترك العلامة المسفوح الواقع في الآية بحاله فكيف يصح استدلاله به على الخصم قلت خروج بعض الدماء من الحصر المذكور في الآية بدليل من خارج
لا يوجد ذلك الدليل في محل النزاع لا يضر الاستدلال بالحصر إذ حاصله إن الآية تدل على طهارة غير المسفوح مطلقا إلا ما أخرجه الدليل فبقي الباقي الذي
هو محل النزاع وما أخرجه الدليل مثل الدم الغير المسفوح مما له نفس سوى المتخلف في الذبيحة والدليل أما الاجماع ظاهرا وإطلاق الدم أو عمومه الواقع في
الروايات وعدم جريان الدليل في المتنازع فيه أي دم ما لا نفس له أما الاجماع فظاهر وأما الاخر فلمنع ظهور شموله لذلك الفرد الغير المتعارف بناء على عدم تعارفه
أو للزوم الحرج فيه والبناء على الأول أولى إذ لو بنى على الثاني يصير بالحقيقة الاستدلال بالآية مستدركا إذ يرجع الامر آخرا إلى الاستدلال بلزوم الحرج كما استدل
به على حدة ومع ذلك أنت خبير بأن دأبهم سيما العلامة (ره) أنهم يستدلون كثيرا على مطالبهم بما يصلح للاستدلال بادي الرأي وإن كان بعد التفتيش وملاحظة المعارضات
لا تبقى الصلاحية بحالها لكن مع وجود دليل آخر كما فيما نحن فيه يظهر ذلك عند تتبع كلماتهم وحينئذ يجوز أن يكون العلامة (ره) استدلاله بالآية هنا من هذا القبيل والله
أعلم والأولى أن يتمسك في أن العلامة (ره) قايل بتقييد الدم الواقع في الآية وحينئذ الروايات المسفوح بما نقلنا عن المنتهى في جواب حجة القائلين بنجاسة دم السمك حيث صرح بأن الدم في الآية مقيد بالمسفوح باعتبار الآية الأخرى وأما ثانيا ففي قوله وأما الثانية فلان حمل المطلق
إلى آخره وجهة إن حمله المطلق على المقيد ها هنا لو كان فلا يكون لأجل إنه تعالى حكم بالرجس بمعنى النجس على الدم المسفوح فيجب أن يحمل الدم المحكوم بنجاسة في الروايات أيضا
على المسفوح لوجوب حمل المطلق على المقيد حتى يرد ما ذكره بل لأجل إن الآية باعتبار حصر الحرمة في الدم المسفوح يدل ظاهرا على أن الدم الغير المسفوح طاهر إذ لو كان
307

نجسا لكان حراما فكان منافيه للحصر فمفاد الآية إن الدم الغير المسفوح طاهر فلو كان في الروايات إن الدم مطلقا أو عاما نجس لوجب تقييدها أو تخصيصها بالآية
لأنهما حينئذ من قبيل المطلق والمقيد والعام والخاص المتنافيين وهو ظاهر وفيه إنه كلام ظاهري وعند التحقيق ليس إلا كذلك لان آية قل لا أجد فيه أمران أحدهما
الحكم العام بعدم وجدان حرمة شئ والثاني استثناء الدم المسفوح منه فالمنافاة بين هذه الآية وبين آية حرمت عليكم والروايات الواردة بنجاسة الدم وحرمته
أما باعتبار الجزء الأول أو باعتبار الجزء الثاني فإن كان باعتبار الجزء الأول فحينئذ ينعكس الامر لان هذا الجزء عام والآية الأخرى والروايات خاصة لان حاصله إنه
لا شئ بمحرم وحاصل الآية والروايات إن الدم حرام فيجب تخصيصه بهما وإن كان باعتبار الجزء الثاني فلا منافاة إذ حاصل الجزء الثاني إن الدم المسفوح حرام وهذا
لا ينافي حرمة الدم مطلقا حتى يجب التقييد فلن قلت المنافاة باعتبار مفهوم الجزء الثاني لا منطوقه لأنه مفهومه إن الدم غير المسفوح ليس بحرام وهو ينافي
تحريم الدم مطلقا فيجب أن يقيد المطلق بالمسفوح قلت قد عرفت إن المفهوم على تقدير حجيته لا عموم له وحينئذ فغاية الامر أن يستفاد من قوله تعالى أو دما مسفوحا
إن الدم الغير المسفوح ليس بمستثن من الحكم بالحل في الجملة كما أن المسفوح مستثن منه بالكلية وذلك لا يوجب طهارة جميع الدماء الغير المسفوحة بل شئ منها وذلك
متحقق في ضمن الدم المتخلف في الذبيحة ودم ما لا نفس له فلا يلزم إذن تقييد الدم الواقع في الآية والروايات بالمسفوح وإخراج غير المسفوح منه مطلقا إلا
أن يتمسك بأنه قد ثبت من حيث دلالة المفهوم إن الآية والروايات مخصصة مجملا والعام إذا علم تخصيصه مجملا لا يبقى حجية في شئ أصلا إذ يحتمل في كل فرد إنه المخصص
ولا يبعد أن يقال إذا ثبت تخصيص فرد معين من خارج كتخصيص الدم المتخلف في ما نحن فيه فالظاهر حينئذ حمل التخصيص المعلوم إجمالا عليه وقصره فيه لان التخصيص خلاف
الأصل والظاهر فيقتصر على قدر الضرورة هذا ولا يخفى إنه لا يمكن حمل كلام صاحب المعالم على ما ذكرنا لأنه سيصرح بعد هذا بقليل إن قوله تعالى دما
مسفوحا يدل على حل غير المسفوح مطلقا يخرج عنه ما وقع الاتفاق على تحريمه فيبقى الباقي وسننقل كلامه هذا في مسألة نجاسة العلقة (ثم يمكن أن يقال إن هذه الآية بعد ملاحظة
الاستثناء يصير أعم من وجه من الآية الأخرى والروايات فتخصيصها بها ليس أولى من العكس بل الامر بالعكس لأنها الموافقة للأصل) وأما ثالثا ففي قوله
وأما ثانيا فلانه احتج انتهى وجهه ما عرفت آنفا إن العلامة (ره) لا يدعي انحصار النجس في المسفوح إلا من جهة انحصار المحرم فيه وعلى هذا لا بد في الاستدلال على طهارة
دم السمك مما أخذه من الحلية كما لا يخفى هذا وقد بقي في المقام بيان حكم المتخلف بعد الذبح وهو قسمان لأنه أما في مأكول اللحم أو في غيره أما الأول فالظاهر طهارته سواء
بقي في العروق أو في البطن أو غيرهما سوى ما يكون في العضوي الذي ليس بمحلل كالطحال مثلا أما أولا فلقوله تعالى أو دما مسفوحا وقد عرفت ما في التمسك به وأما ثانيا
فللأصل براءة وطهارة عقلا ونقلا وفيه أيضا إن بعد ورود الروايات بنجاسة الدم من غير تقييد فلا يبقى التمسك بالأصل بحال إذ ليس هذا الدم من
الدماء الغير المتعارفة حتى يمنع شمول الروايات له وأما ثالثا وهو المعتمد فلاجماع الأصحاب ظاهرا إذ لم يعرف فيه خلاف مع إنا نعلم ضرورة حلية اللحم وإن في
زمان النبي صلى الله عليه وآله وفي زمان الأئمة عليهم السلام كان يتعارف أكله ولا شك أنه لا ينفك من دم البتة ولو سلم إن الدم يجوز أن يكون طاهرا أو حلالا ما لم
يظهر للحس لكن بعد ظهوره يكون نجسا ومحرما فنقول لا شك إن اللحم في طبخه يظهر منه الدم البتة فلو كان نجسا لما أمكن أكل اللحم أصلا وهو خلاف الضرورة من
الدين ولو قيل إنه يجوز أن يكون عفوا فإن كان المراد العفو المطلق فهو عبارة أخرى للطهارة على ما ذكرنا سابقا وإن أريد العفو في الاكل فقط فالحرج وكونه
خلاف الضرورة أيضا باق بحاله إذ يعلم ضرورة أنهم بعد أكل اللحم لا يتحرزون عنه ولا يغسلون أيديهم وأفواههم وجميع ما يلاقيه من القدر والأواني ونحوها
فإن قلت ما حال ما يكون في العضو الذي ليس بمحلل في الحلية والطهارة قلت أما الحلية فلعل الظاهر عدمها لأنه إذا حكم على الطحار مثلا بأنه حرام فالظاهر أن دمه
أيضا كذلك مع أنه علل في بعض الروايات حرمة الطحال بكونه دما وكأنه لا خلاف فيه أيضا ظاهرا مع تأييده بإطلاق الآية الدالة على حرمة الدم والروايات الدالة
على حرمته ونجاسته والاحتياط وأما الطهارة فالحكم بعدمها مشكل لعدم ظهور شمول الروايات له بحيث لا يكون فيه للمنع مجال مع أن الأصل الطهارة ومذهب
الأصحاب أيضا غير ظاهر فلو لم يثبت إجماع على نجاسته لم يبعد القول بالطهارة لكن لا شك إن الاحتياط في التجنب عنه غالبا إلا على فرض نادر على ما مر نظيره مرارا
ثم لا يخفى إن طهارة المتخلف إنما هو بعد الذبح الشرعي إذ لو لم يكن ذبحا شرعيا فيصير ميتة ويكون جميع أجزائه نجسا إلا ما استثنوه من الميتة ويجب أيضا أن لا يعلم
دخول شئ من الدم المسفوح في غير المسفوح وإلا فيكون نجسا أيضا واشترطوا أيضا أن يكون بعد القذف المعتاد فلو تخلف لعارض كجذب الحيوان له بنفسه ولذبحه في أرض منحدرة
ورأسه أعلى فإن ما في البطن حينئذ نجس هكذا قال الشهيد الثاني في روض الجنان والاشتراط المذكور كما قاله وغيره أيضا مما لا بأس به لكن لا ندري وجه التخصيص بالبطن في
قوله فإن ما في البطن حينئذ نجس إذ الظاهر أنه لا فرق بين ما في البطن وما في العروق وغيرهما وكأنه من باب المثال وأما الثاني أي ما يتخلف بعد الذبح في غير مأكول اللحم مما
يقبل التذكية إذ ما لا يقبلها يكون نجسا فالظاهر حرمته ونجاسته أما الحرمة فلان ما يدل على تحريم الحيوان الذي هو دمه يدل على حرمته أيضا إذ الحيوان اسم للمجموع ولا
ظهور له في خصوص اللحم ولا يرد النقض بالطهارة بأن يقال الامر الدال على طهارة الحيوان يلزم أن يكون دالا على طهارة جميع أجزائه مع أنه ليس كذلك لان خروج
بعض الاجزاء بدليل من خارج لا ينافي شمول الحكم ظاهرا لجميع الاجزاء وهو ظاهر مع أن الظاهر إطباق الأصحاب أيضا عليه حيث حصروا الدم الطاهر من ذي النفس فيما يبقى
308

بعد الذبح في الذبيحة كما نص عليه صاحب المعالم والذبيحة في عرفهم يتبادر منها مأكول اللحم ويؤيده إطلاق الآية والروايات والاحتياط أيضا وأما الآية
الكريمة فبعد تسليم صحة الاحتجاج بها نقول أما ما يدل عليه من حيث عموم لا أجد فمخصص بما يدل على حرمة الحيوان الشامل لجميع أجزائه وأما دلالة مفهوم المسفوح على أن
غير المسفوح ليس بمستثن وداخل في حكم الحل فقد عرفت إن المفهوم على تقدير حجته لا عموم له فغايته إنه غير المسفوح غير مستثنى في الجملة ويكفي لتحقق مصداقه غير
المسفوح من مأكول اللحم ومما لا نفس له سائلة وفيه أيضا مثل ما ذكرنا فيما ألحق سابقا وأما النجاسة فلما ذكرنا من إطباق الأصحاب عليه ظاهرا وتأييد إطلاق الآية والروايات والاحتياط وقد تردد
بعض الأصحاب في الحكمين من إطلاق الأصحاب الحكم بنجاسة الدم مما له نفس مدعين الاتفاق عليه وهذا بعض أفراده ومن ظاهر قوله تعالى أو دما مسفوحا حيث دل على
حل غير المسفوح وهو يقتضي طهارته وقد عرفت الحال في دلالة الآية على الحل وعلى الطهارة بالقياس (وإن كان بحريا كالتمساح) لشمول ما يدل على النجاسة له ظاهرا
وإطباق الأصحاب عليه أيضا ظاهرا مع التأييد بالاحتياط أو كان علقه في البيضة أو غيرها قال الشيخ في الخلاف العلقة نجسة واستدل عليه بإجماع الفرقة وبأن ما
يدل على نجاسة الدم يدل على نجاسة العلقة لأنها دم وبدليل الاحتياط وقال المحقق في المعتبر العلقة التي يستحيل إليها نطفة الادمي نجسة والشيخ استدل بإجماع
الفرقة لنا أنها دم حيوان له نفس فيكون نجسة وكذا العلقة التي يوجد في بيضة الدجاج وشبهه انتهى وذكر الادمي كأنه من باب التمثيل وإلا فالظاهر أنه لا اختصاص
للحكم بعلقة الادمي ودليله أيضا يعطي عدم الاختصاص وقال المصنف في الذكرى بعد نقل ما ذكره المحقق وفي الدليل منع وكونها في الحيوان لا يدل على أنها منه و
استوجهه صاحب المعالم وقال وهو متجه لا سيما بالنظر إلى ما يوجد في البيضة مع أن كونه علقة ليس بمعلوم أيضا فالاجماع الذي ادعاه الشيخ لو ثبت على وجه
يكون حجة لكان في تناوله له نظر ومقتضى الأصل طهارته ويعضده ظاهر قوله تعالى أو دما مسفوحا حيث إنه دال على حل غير المسفوح مطلقا خرج عن ذلك ما
وقع الاتفاق على تحريمه فيبقى الباقي وإثبات الحل مقتض لثبوت الطهارة كما مر غير مرة انتهى وقال في حاشية الكتاب قال بعض الأصحاب ما يوجد في البيضة أحيانا من
الدم لا يعلم كونه من ذلك الحيوان والعلم بكونه علقة له أشد بعدا والامر كما قال انتهى أقول لا يخفى إن منع كون العلقة دما للحيوان بعد تسليم كونها دما
وإن كان في البيضة وكذا علقة له بعد تسليم كونها علقة لا يخلو عن غرابة لان دم الحيوان ليس إلا ما يتكون فيه سواء كان في عروقه أو غيره والامر في العلقة أغرب إذ
بعد كون ما في البيضة علقة فعلقة أي شئ هو مع أن الشيخ ادعى الاجماع على نجاسة العلقة ولم يقيد بعلقة
الحيوان نعم منع كونها علقة متجه ولعله يمكن حمل كلام بعض الأصحاب أيضا على منع كونه علقة لا منع كونه علقة ذلك الحيوان وكذا ما ذكره صاحب المعالم من أن ما ذكره المصنف متجه
لا سيما بالنظر إلى ما يوجد في البيضة يحمل على أن ما في البيضة لا يعلم أنه دم ذلك الحيوان لا أنه لا يعلم إنه علقة ذلك الحيوان وأيضا منع كونه دم ذلك الحيوان مما لا وجه
له إذ الروايات الدالة على نجاسة الدم معلقة لحكم النجاسة على الدم لا دم الحيوان فيكفي في إثبات الحكم صدق الدم عليها ولا يهمهم صدق دم الحيوان عليها حتى
يمنع ولو قيل إن شمول الدم لمثل هذا الدم محل نظر لعدم تعارفه فهو كلام آخر ولا حاجة فيه إلى منع كونه دم حيوان إلا أن يقال لعل هذا المنع باعتبار أنه جعلوا
الحجة في نجاسة الدم مطلقا الاجماع لا الروايات لأنها لا عموم لها والاجماع إنما وقع على نجاسة دم الحيوان ذي النفس فحينئذ ينفع منع كونها من ذلك الحيوان وأنت
خبير بأن الأولى حينئذ أيضا منع شمول الاجماع لمثل هذا الدم بناء على حمله على الافراد المتعارفة كالروايات بعينها وهذا ليس منها لا منع كونه من ذلك الحيوان لبعده جدا ثم
الظاهر في غير العلقة التي في البيضة النجاسة بناء على دعوى الاجماع من الشيخ مع تأيده بالروايات الدالة على نجاسة الدم مطلقا وبالاحتياط وأما ما في البيضة فالحكم
بنجاسته مشكل من حيث عدم العلم بكونه علقة حتى يحتج عليها بدعوى الاجماع من الشيخ مع أن شمول الاجماع له أيضا محل نظر فما بقي إلا صدق الدم عليه لو سلم و
الدم قد عرفت أن إثبات عموم نجاسته بحيث يشمل مثل هذا الفرد لا يخلو عن إشكال سواء تمسك بالاجماع أو بالروايات والأصل الطهارة لكن لا شك إن الاحتياط
في التجنب عنه وعدم الملاقاة له (أما الدم المتخلف في اللحم بعد الذبح والقذف فظاهر وكذا دم البراغيث وقيل عفو) قد مر الكلام فيهما بما لا مزيد عليه (والميتة من ذي
النفس حل أو حرم) لا خلاف عندنا في نجاسة ميتة ذي النفس مطلقا آدميا أو غيره حلالا أو حراما قال العلامة (ره) في المنتهى الميتة من الحيوان ذي النفس السائلة نجسة
سواء كان آدميا أو غير آدمي وهو مذهب علمائنا أجمع وقال المحقق في المعتبر الميتات مما له نفس سائلة نجسة وهو إجماع الناس والخلاف في الادمي وعلماؤنا مطبقون
على نجاسة عينية كغيره من ذوات الأنفس السائلة قال صاحب المعالم وقد تكرر في كلام الأصحاب ادعاء الاجماع على هذا الحكم وهو الحجة فيه إذ النصوص لا ينهض باثباته
ثم ذكر إن جملة ما وقف عليه من الروايات في هذا الباب روايتان أحديهما حسنة الحلبي والأخرى رواية إبراهيم بن ميمون وسنوردهما إنشاء الله تعالى في طي الروايات
ثم قال وقصور هذين الحديثين عن إفادة الحكم بكماله ظاهر مع أن الصحة منفية عن سنديهما وورد في عدة روايات معتبرة الاسناد المنع من أكل نحو السمن الذايب
والزيت إذا مات فيه الفارة وظاهره الحكم بنجاسته وقد تقدم منها في بحث المضاف حديث صحيح عن زرارة وهذا الحكم خاص أيضا كما لا يخفى فلا يمكن جعله دليلا
على العموم وحينئذ فالعمدة في إثبات التعميم هو الاجماع المدعى في كلام الجماعة انتهى ولا يخفى إن الامر ليس كما ذكره بل يوجد في الروايات في هذا الباب غير ما ذكره كثيرا
309

ويمكن أن يستفاد منها العموم سيما علي رأيه من أن المفرد المحلى باللام للعموم في كلام الحكيم المقنن للقوانين مع أن حسنة الحلبي التي أوردها أيضا كذلك ولا يظهر فيها اختصاص
نعم رواية إبراهيم مختصة بالانسان إلا أن يقال في حسنة الحلبي لفظة الميت والميت عند الاطلاق ينصرف إلى الانسان إذ في الحيوانات الاخر يستعمل الميتة لكن في صدر
هذا الحديث في الكافي وقع إطلاق لفظة الميت على غير الانسان أيضا بل كان فيه ما يشعر بأن لفظة الميت التي في آخر الحديث أيضا يعم الانسان وغيره لأنه أورد الحسنة
هكذا في باب غسل من غسل الميت عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن الرجل يمس الميت أينبغي له أن يغسل منها قال لا إنما ذلك من الانسان وحده قال و
سئلته إلى آخر ما ننقله ونحن نورد إنشاء الله تعالى جملة ما وجدنا من النصوص في هذا الباب ليعلم كيفية الحال فمن جملة ما وجدنا من الروايات الكثيرة المستفيضة الصحيحة و
غير الصحيحة الواردة في وقوع الميتة والجيفة في الماء وإنها إذا تغير الماء فلا تشرب ومنه لا تتوضأ وقد مرت في بحث المياه ومنها الروايات الكثيرة المستفيضة الصحيحة وغير الصحيحة أيضا
الواردة في وقوع الميتة من الحيوانات في البئر والامر بالنزح منها مع التغير وبدونه وقد تقدمت في مبحث البئر ومنها ما رواه التهذيب في باب الذبايح والأطعمة في الصحيح
والكافي في باب الفارة يموت في الطعام والشراب في الحسن بن إبراهيم بن هاشم عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال إذا وقعت الفارة في سمن فماتت فإن كان جامدا
فألقها وما يليها وكل ما بقي وإن كان ذايبا فلا تأكله واستصبح به والزيت مثل ذلك ومنها ما رواه التهذيب متصلا بما ذكر في الصحيح عن الحلبي قال سئلت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن الفارة والدابة يقع في الطعام والشراب فيموت فيه فقال إن كان سمنا أو عسلا أو زيتا فإنه ربما يكون بعض هذا فإن كان الشتاء فانزع
ما حوله وكله وإن كان الصيف فارفعه حتى تسرج به وإن كان ثردا فاطرح الذي كان عليه ولا تترك طعامك من أجل دابة ماتت عليه ومنها ما رواه أيضا متصلا بما ذكر
في الصحيح عن سعيد الأعرج قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الفارة تقع في السمن والزيت ثم يخرج منه حيا فقال لا بأس بأكله وعن الفارة تموت في السمن والعسل
فقال قال علي (عليه السلام) خذ ما حولها وكل بقيه وعن الفارة تموت في الزيت فقال لا تأكله ولكن أسرج به وهذا الخبر في الكافي أيضا في الباب المذكور إلى قوله لا بأس
بأكله وزيد فيه بعد لفظة الفارة لفظة والكلب ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له جرذ مات في سمن أو
زيت أو عسل فقال أما السمن والعسل فيؤخذ الجرذ وما حوله وأما الزيت فيستصبح به وقال في بيع ذلك تبيعه وتبينه لمن اشتراه ليستصبح به وهذا الخبر في الكافي
أيضا في الباب المذكور من دون وقال إلى آخره ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب والكافي في الباب المذكور والاستبصار في باب حكم الفارة والوزغة عن السكوني عن
أبي عبد الله (عليه السلام) إن أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن قدر طبخت وإذا في القدر فارة قال يهراق مرقها ويغسل اللحم ويؤكل ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب عن
سماعة قال سئلته عن السمن يقع فيه الميتة فقال إن كان جامدا فالق ما حوله وكل الباقي فقلت الزيت فقال أسرج به ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب والصحيح
عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال سئلته عن آنية أهل الأرض فقال لا تأكلوا من آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيه الميتة والدم ولحم الخنزير وهذا الخبر في الفقيه
أيضا في باب الصيد والذبايح وفيه بدل الأرض الذمة وبدل فيه فيها ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب والكافي في باب ما ينتفع به من الميتة والاستبصار
في باب ما يجوز الانتفاع به من الميتة في الحسن بن إبراهيم بن هاشم عن حريز قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) لزرارة ومحمد بن مسلم اللبن واللبأ والبيضة والشعر و
الصوف والقرن والناب والحافر وكل شئ يفصل من الشاة والدابة فهو ذكي وإن أخذته منه بعد إن يموت فاغسله وصل فيه ومنها ما رواه التهذيب في
باب تطهير الثياب والكافي في باب غسل من غسل الميت والاستبصار في باب الثوب يصيب جسد الميت في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن الرجل
يصيب ثوبه جسد الميت فقال يغسل ما أصاب الثوب ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب والكافي في باب الكلب يصيب الثوب والجسد وفي باب غسل من غسل الميت
أيضا عن إبراهيم بن ميمون قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يقع ثوبه على جسد الميت قال إن كان غسل الميت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه وإن كان
لم يغسل الميت فاغسل ما أصاب ثوبك منه ومنها ما ورد في مس الثعلب والأرنب وقد أوردناه في مبحث سؤرهما ومنها ما رواه التهذيب في باب المياه من الزيادات
عن أحمد بن محمد بن عبد الله بن الزبير عن جده قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن البئر يقع فيها الفارة أو غيرها من الدواب فيموت فيعجز بمائها أيؤكل ذلك الخبر قال
إذا أصابته النار فلا بأس بأكله وجه الاستدلال إنه علق نفي البأس على ما أصابة النار ولو كانت الميتة طاهرة لما احتيج إلى ذلك ومنها ما رواه أيضا متصلا بما ذكر
عن محمد بن أبي عمير عمن رواه عن أبي عبد الله (عليه السلام) في عجين وخبز ثم علم إن الماء كانت فيه ميتة قال لا بأس أكلت النار ما فيه وجه الاستدلال ما تقدم ومنها ما رواه
أيضا في هذا الباب عن عمار بن موسى الساباطي في الرجل يجد في إنائه فارة وقد توضأ مرارا منه وقد أوردناه في بحث إعادة الصلاة إذا تطهر بالماء النجس
ومنها ما رواه الاستبصار عن إسحاق بن عمار في الرجل المذكور وأوردناه أيضا في البحث المذكور ومنها ما رواه التهذيب أيضا في آخر هذا الباب والاستبصار في باب
حكم الفارة والوزغة عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال أتاه رجل فقال له وقعت فارة في خابية فيها سمن أو زيت فما ترى في أكله فقال له أبو جعفر (عليه السلام)
لا تأكله فقال له الرجل الفارة أهون على من أن أترك طعامي من أجلها قال فقال له أبو جعفر (عليه السلام) إنك لم تستخف بالفارة وإنما استخففت بدينك إن
310

إن الله حرم الميتة من كل شئ وجه الاستدلال إن الظاهر أن قوله (عليه السلام) إن الله حرم الميتة من كل شئ علقه لما ذكره من الاستخفاف بالدين وحينئذ لا بد من حمل الحرمة على
النجاسة أو ما يستلزمها ليصح التعليل وإلا فالحرمة بمجردها لا يوجب عدم أكل الزيت الذي مات فيه الفارة وإنما يوجب طرح الفارة وعدم الاكل منها والقول
بأن عدم الاكل منه لعله لأجل إن أجزاء الفارة تخالطه وحينئذ التعليل بالحرمة مستقيم لأنه إذا كان الميتة حراما وكان يحتمل أن يكون أجزاؤه فاشية في الزيت فيجب أن لا
يؤكل من الزيت من باب المقدمة فمع بعده إذ ليس كلما مات الفارة في الزيت نفش أجزاؤها فيه بل إنما يكون ذلك عند التفسخ فالحكم مطلقا بعدم الاكل منه من غير
استفصال غير ملايم وأيضا لو كان العلة فشو أجزاء الفارة فيه لما احتيج إلى التعليل بحرمة الميتة لان أجزاء الفارة حرام سواء كانت حية أو ميتة ويؤيد حمل
الحرمة على ما ذكرنا ما رواه التهذيب أيضا في باب الذبايح والأطعمة والكافي في باب ما يقطع من أليات الظأن
عن الحسن بن علي قال سئلت أبا الحسن (عليه السلام) فقلت جعلت
فداك إن أهل الجبل يثقل عندهم ليات الغنم فيقطعون لياتها فقال حرام هي قلت جعلت فداك فيصطبح بها فقال ألم تعلم إنه يصيب اليد والثوب وهو حرام إذ
الظاهر أن الحرام ها هنا بمعنى النجس فظهر إنهم (عليهم السلام) قد يستعملون الحرام كذلك ومنها ما رواه التهذيب في آخر باب تطهير الثياب في الموثق عن عمار الساباطي في حديث طويل عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئل عن الكوز إلى أن قال وقال اغسل الاناء الذي يصيب فيه الجرد ميتا سبع مرات ومنها موثقة عمار ورواية حفص ومرفوعة محمد بن
يحيى في بحث سؤر الوزغة الدالة على فساد الماء بوقوع ماله نفس سائلة هذا ما وجدنا من الأخبار الواردة في هذا الباب وأنت خبير بأن بعد ورود تلك الروايات
الكثيرة مع صحة بعضها وتعليق الحكم في كثير منها على مطلق الميتة والجيفة وفي بعضها على مطلق الدابة الظاهر بقرينة المقام إن المراد منها ما يدب على الأرض
لا ذات القوائم الأربع من دون تخصيص وتقييد في موضع من المواضع بشئ التوقف في عموم الحكم مما لا وجه له سيما على رأي المحقق وصاحب المعالم من أن المفرد المحلى
باللام يفيد العموم في كلام الحكيم إذا لم يكن عهد وليس في الميتة أيضا أفراد متعارفة وغير متعارفة حتى يحمل على الافراد المتعارفة ومع ذلك كان في بعض الروايات
أداة العموم أيضا كرواية جابر وبالجملة لا يقصر في نظري إفادة تلك الروايات المتكثرة للعموم من إفادة ما فيه أداة العموم له أصلا وكذا يبعد النزاع في أن من الروايات
لا يستنبط النجاسة إذ استنباط النجاسة في ساير ما يستنبط ليس بأزيد من ذلك كيف وإذا ورد الحكم بعدم شرب ماء غيرته الجيفة وعدم التوضؤ منه وإراقة ما
وقع فيه الفارة مثلا وعدم الاكل منه وغسل الثوب وغيره مما لاقى الميتة وعدم الاكل فيما أكل فيه الميتة فما معنى النجاسة المرادة سوى ذلك ولو نوزع في دلالة الأمر والنهي
على الوجوب والحرمة فهذا أيضا نزاع سهل إذ بعد ورود الأوامر والنواهي الكثيرة بشئ وعن شئ في مواضع متعدد ومسائل متكثرة من دون وقوع
رخصة في الترك أو الفعل في موضع ومسألة يحصل الظن القوي بأن المراد الوجوب والحرمة سيما إذا لم يظهر بين الأصحاب خلاف فيه فإن قلت فقد رجعت أيضا أخرا
إلى التمسك بالاجماع قلت ليس كذلك فإن ما ذكرنا من باب العلاوة وأيضا لا يلزمنا مؤنة دعوى الاجماع وإثباته مع ما فيه من الاشكالات والايرادات بل
يكفينا في هذا المقام ادعاء الشهرة وعدم ظهور خلاف بين الأصحاب وظاهر إن هذا الامر ظاهر لا إشكال في إثباته ولا ندعي حجية مثل هذه الشهرة حتى يمنع
بل ندعي إن مثل هذه الشهرة قرينة طاهرة على أن الأوامر والنواهي على الوجوب والحرمة والحاصل إن الحكم في غاية الظهور سيما مع انضمام الاجماع الذي ادعاه
الأصحاب ثم لا يخفى أن الشيخ في الخلاف لم يقل بنجاسة ميتة الحيوان المائي فدعوى الاجماع منهم أما بناء على عدم اعتدادهم بخلاف الشيخ من حيث معلومية النسب
على ما هو رأيهم أو باعتبار أنهم يدعون تحقق الاجماع قبله أو بعده أو أطلقوا القول اعتمادا على ظهور الخلاف في الحيوان المائي فيعلم بالقرينة أن مرادهم الاجماع
في غير الحيوان المائي وسنتكلم إنشاء الله تعالى في هذا الخلاف هذا وأما ما رواه التهذيب في باب تطهير الثياب والاستبصار في باب الثوب يصيب جسد الميت في الصحيح عن علي
بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال سئلته عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميت هل يصح له الصلاة فيه قبل أن يغسله قال ليس عليه غسله وليصل فيه ولا بأس
فيحمل على حال يبوسة الثوب والحمار وهو حمل طاهر من دون تكلف وأيضا الغالب وقوع الملاقاة مع الشعر وهو ليس بنجس وحمله الشيخ في التهذيب والاستبصار
على أنه إذا أتى على ذلك سنة فصار عظما فإنه لا يجب غسل الثوب منه وأيده بما رواه فيهما عن إسماعيل الجعفي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن مس عظم الميت قال إذا
جاز سنه فلا بأس به وأنت خبير يبعد هذا الحمل ولعل الباعث له على ارتكاب مثل ذلك التأويل البعيد إنه يقول بسراية نجاسة الميت رطبا ويابسا وسيجئ الكلام فيه
إنشاء الله تعالى وما رواه أيضا الكتابان متصلا بما ذكر في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال سئلته عن الرجل وقع ثوبه على كل ميت قال ينضحه و
يصلي فيه ولا بأس فهو أيضا يحمل على حال اليبوسة إن لم نقل بأن النضح مطهرا أيضا وإلا فلا حاجة إليه لأنه حينئذ لا منافاة بين ما في هذا الخبر وما دل على نجاسة الميتة
والشيخ (ره) في الاستبصار ارتكب تكلفا بعيدا حيث أراد جمع هذا الخبر مع حسنة الحلبي المنقولة آنفا الحاكمة بغسل ما أصاب الثوب جسد الميت فقال إن حسنة الحلبي
مخصوصة بميت الانسان ويجب الغسل فيه لما أصابه وأما الكلب فحكمه حيا وميتا سواء في نضح الماء على الثوب الذي أصابه إذا كان جافا وجه التكلف بعد
تخصيص الميت في حسنة الحلبي بالانسان من دون قرينة اللهم إلا التعارف أنه لا يخلوا اما أن يقيد الحكم في الحسنة بالرطوبة أو يعمها واليبوسة أيضا وعلى الثاني
311

يبعد أن يكون ميت الانسان أدون حالا من ميت الكلب حيث يجب غسل الثوب عند ملاقاته رطبا ويابسا ولا يجب الغسل عند ملاقاة ميت الكلب يابسا بل يكفي
النضح وأيضا إذا كان الشيخ قايلا بأن نجاسة الميت يسري مع اليبوسة أيضا فكيف يكتفي في الكلب بالنضح إذ الظاهر أن النضح عندهم ليس بمطهر إلا أن يقول بالسراية في الانسان خاصة كما
نسب إلى بعضهم وسيجئ تفصيل القول فيه إنشاء الله تعالى وعلى الأول فأي حاجة إلى التخصيص بالانسان إذا الكلب أيضا كذلك أي يجب الغسل عند ملاقاة ميتة رطبة
ثم لا يخفى أنه على ما نقلنا لا خلاف بيننا في نجاسة ميت الانسان وإنما منعها الشافعي معللا بأنه لو كان نجسا لما قبل التطهير كساير النجاسات وأجيب بالمنع لجواز
أن يكون حكم النجاسات مختلفا فبعضها يقبل التطهير وبعضها لا والعقل لا سبيل له إلى إدراك الأمور الشرعية وعللها وأسبابها وأيضا ساير النجاسات أيضا
يقبل التطهير بالاستحالة والانقلاب ونحوهما غاية الأمر أن يلزم أن يكون طرق التطهير مختلفة ولا بعد في ذلك كيف وهو كذلك مع قطع النظر عن هذا الحكم فإن
العصير مثلا يطهر بالنقص دون غيره وعارض أيضا العلامة في المنتهى والمصنف في الذكرى والشهيد الثاني في روض الجنان بأنه لو لم يكن نجسا لما أمر بالغسل وتطهيره
وفيه نظر ظاهر إذ ليس بمعلوم أن الغسل للنجاسة العينية لم لا يجوز أن يكون للنجاسة الحكمية كغسل الجنابة والحيض وغيرهما ثم أنهم استثنوا عن ميت الادمي المحكوم
بنجاسة ما إذا حكم بطهره شرعا أما لتطهيره بالغسل وإن كان متقدما على موته كالمأمور به ليقتل أو لكونه لم ينجس بالموت لكونه شهيدا أو معصوما وما كان قبل
البرد بالموت هذا وقد بقي الكلام ها هنا في خلاف الشيخ في الحيوان المائي فاعلم أن الشيخ (ره) قال في الخلاف إذا مات في الماء القليل ضفدع أو ما لا يؤكل لحمه
مما يعيش في الماء لا ينجس الماء وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي إذا قلنا إنه لا يؤكل لحمه فإنه ينجسه دليلنا أن الماء على أصل الطهارة والحكم بنجاسته يحتاج إلى
دليل وروى عنهم (عليهم السلام) أنهم قالوا إذا مات فيما فيه حياته فلا ينجسه وهو يتناول هذا الموضع انتهى وقد احتج العامة أيضا بقوله (عليه السلام) في البحر هو الطهور
ماؤه والحل ميتة والجواب عن الأصل إن المخرج عنه موجود من الأدلة الدالة على نجاسة الميتة من ذي النفس مطلقا نعم لو نوزع باعتبار إن الماء القليل لا نسلم نجاسته
بالملاقاة فأمر آخر ليس نظر الشيخ إليه لأنه ادعى الاجماع على نجاسة الماء القليل بالملاقاة وأما الرواية فلم نجدها في موضع مستنده حتى ينظر في صحتها وضعفها
وأما الخبر الآخر فهو أيضا غير معلوم الاسناد ومع ذلك يقال إن حل الميتة مخصوص بالسمك إذ غيره ليس كذلك وحينئذ لا يثبت المدعى قال صاحب المعالم وفي تمسك الشيخ (ره)
ها هنا بالأصل قوة إلا أن يثبت تناول ما يدعيه الأصحاب من الاجماع في أصل المسألة لموضع النزاع وأنت بما ذكرنا قد عرفت حاله (وكذا ما قطع من الحيوان) ظاهر
الأصحاب على ما في المعالم اتفاقهم على أن ما قطع من الحيوان مما فيه الحياة نجس كالألية ونحوها وكذا أبعاض الميتة سوى ما يشعر به كلام الفقيه من قوله بطهارة
جلدها وسيجئ الكلام فيه إنشاء الله تعالى واستدل العلامة (ره) في المنتهى على الحكمين بوجود معنى الموت فيها وهو ضعيف لان المراد بالموت إن كان عدم الحياة فيما من
شأنه الحياة فهو ليس علة للنجاسة قطعا لان الحيوان المذكى أيضا لا حيوة فيه مع طهارته وإن أريد به كونها غير مذكى ففيه إن غاية ما ثبت أن الحيوان
الذي لا يذكى فجملته نجسة وإن عدم التذكية علة النجاسة الابعاض أيضا فهو أول
البحث مع أن إجراؤه حينئذ في البعض المقطوع من الحيوان لا يخلو عن إشكال نعم إجراؤه في خصوص أعضاء الانسان ليس كذلك إذ يمكن فيه أن يقال إن الانسان إذ أعرضه
الموت بنجس فعلة نجاسة الموت وهو حاصل في العضو المبان ولو أريد التعميم لاحتيج إلى أن يقال عروض الموت بدون التذكية علة النجاسة الحيوان والعضو المبان
عرضه الموت بدون وقوع التذكية على الحيوان فكان نجسا وعلى أي وجه كان قد عرفت عدم تمامية وقد يستدل أيضا بمساواة الجزء للكل وضعفه ظاهر
وطريق أجزائه في الحكم الأول أن يقال الكل ينجس إذا عرضه الموت أما مطلقا كالانسان أو بدون التذكية كغيره فالجزء أيضا كذلك وقد يتمسك في نجاسة
القطعة المبانة من الميت بالاستصحاب فإنه قبل الانفصال نجس فيكون بعد الانفصال أيضا كذلك وقد يمنع النجاسة قبل الانفصال لجواز أن يكون النجس
المجموع من حيث المجموع وبعد تسليمه يمنع كون المقام الذي يصح فيه التمسك بالاستصحاب ويمكن أن يستدل على الحكم الأول بروايات منها ما أورده الفقيه في باب
الصيد والذبايح في الصحيح عن أبان عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) ما أخذت الحبالة وقطعت منه فهو ميتة وما أدركت
من ساير جسده حيا فذكه وكل منه وهذا الخبر في التهذيب أيضا في باب الذبايح والأطعمة وفي الكافي في باب الصيد بالحبالة لكن بطريق غير صحيح ومنها ما رواه
التهذيب والكافي في البابين المذكورين في الحسن بن إبراهيم بن هاشم عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه ما أخذت الحبالة
صيد فقطعت منه يدا أو رجلا فذروه فإنه ميت وكلوا ما أدركتم حيا وذكرتم اسم الله عليه وفي الكافي بعد اسم الله زيادة عز وجل ومنها ما روياه أيضا في
البابين المذكورين عن الوشاء عن عبد الرحمن بن عبد الله (عليه السلام) قال ما أخذت الحبالة فقطعت منه شيئا فهو ميت وما أدركت من ساير جسده
حيا فذكه ثم كل منه وليس في التهذيب ثم كل منه ومنها ما رواه التهذيب في باب تلقين المحتضرين من الزيادات عن أيوب ابن نوح عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة ومنها ما رواه الكافي في الباب المذكور عن عبد الله بن سليمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال ما أخذت الحبالة وانقطع منه
312

شئ أو مات فهو ميتة ومنها ما رواه الكافي في الباب المذكور عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال ما أخذت الحبالة فقطعت منه شيئا فهو ميت وما أدركت
من ساير جسده فذكه ثم كل منه ومنها رواية حسن بن علي المتقدمة في المسألة السابقة الواردة في قطع أليات الغنم ومنها ما رواه التهذيب في باب الذبايح والأطعمة و
الكافي في باب ما يقطع من أليات الظأن والفقيه في باب الصيد والذبايح عن الكاهلي قال سئل رجل أبا عبد الله وأنا عنده عن قطع أليات الغنم فقال لا بأس بقطعها
إذا كنت تصلح بها مالك ثم قال إن في كتاب علي (عليه السلام) إن ما قطع منها ميت لا ينتفع به ومنها ما رواه الكافي في الباب المذكور عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام)
إنه قال في أليات الضأن نقطع وهي أحياء أنها ميتة أنها ميتة مقول قول الإمام (عليه السلام) والضمير فيها راجع إلى الأليات ويقطع وهي أحياء قول أبي بصير والجملة حال من أليات
الضأن باعتبار أنها في حكم المفعول به والضمير المستتر راجع إلى الأليات والظاهر إلى الضأن ثم أن صاحب المعالم قد أورد في هذا البحث الروايات الثلاث الأخيرة و
غفل عن الروايات الأخرى وقال في الأولى منها إن فيها إشعارا بالنجاسة لكن في طريقها ضعف وفي الأخيرين أنه لو تم سنداهما لاحتاجا في الدلالة على النجاسة
إلى وجود دليل عام في نجاسة الميتة ليكون إثبات كون المنقطع منه ميتة مقتضيا لدخوله في عموم الدليل على نجاسة الميتة وقد علم إن العمدة في التعميم الاجماع
المدعى في كلام الأصحاب وحينئذ فالتمسك به موقوف على كونه متنا ولا لهذا المنقطع ومعه لا حاجة إلى توسيط الاحتجاج بما دل على أنه ميتة وعلى كل حال فالحكم
ها هنا ليس بموضع خلاف انتهى وأنت خبير بأن إيراده على السند مندفع عما أوردنا لان في جملة ما أوردنا ما هو صحيح وهو خبر أبان وما قيل أنه ناو ليس بقادح كما
تقرر في موضعه وخبر محمد بن قيس أيضا كالصحيح ومع وجود هذين الخبرين سيما مع تأييدهما بالاخبار الاخر لا يعقل المناقشة من حيث السند وأما المناقشة من حيث
المتن وأنه لا دليل عام على نجاسة الميتة سوى الاجماع فقد عرفت دفعها أيضا بما قررنا في البحث السابق من أن الدلالة على نجاسة الميتة عموما من حيث الاخبار واضحة
هذا ثم إن في المقام تفصيلا ينبغي التعرض له حتى يظهر ما في الزوايا من الخبايا فنقول إن في أجزاء الميتة احتمالين أحدهما أن يكون الجزء متصلا والآخران يكون
منفصلا وفي أجزاء الحي احتمالات الأول أن يكون الجزء متصلا بالبدن وقد عرضه الموت الثاني أن يكون قد انفصل عن البدن في الجملة لكن لم يبن منه بالكلية عرضه
الموت أو لم يعرضه الثالث أن يكون عرضه الموت وبأن عن البدن بالكلية الرابع أن يكون بأن عن البدن قبل عروض الموت له أما جزء الميتة فالظاهر أنه لا خلاف في نجاسته
إذا كان متصلا سوى ما لا تحله الحياة كما سيجئ فإنه مستثنى اتفاقا وسوى الجلد فإنه يشك في حصول الاتفاق على نجاسة حيث إن ما في الفقيه يشعر بخلافه وسيجئ
القول فيه إنشاء الله تعالى ولا يخفى أن الجزء لو كان بحيث يطلق عليه الميتة أو الجيفة في العرف لأمكن أن يستدل على نجاسة بالروايات أيضا لما عرفت من أنه يستفاد منها
نجاسة الميتة سيما إذا كان كبيرا بحيث يمكن أن ينتن الماء إذا نتن إذ حينئذ لو فرض إنه وقع في الماء وأنتن الماء يدخل تحت عموم أن الميتة أو الجيفة غلبت على ريح الماء أو طعمه
فيلزم أن يكون الماء نجسا وهو مستلزم لنجاسة الجزء أيضا والقول بأنه لعله كان نجسا عند النتن لا مطلقا بعيد جدا لظهور أن لا قول بالفصل أصلا
لا يقال فقد تمسكت أخيرا بالاتفاق فليتمسك به أولا من دون حاجة إلى توسيط الاخبار قلت دعوى الاتفاق ابتداء في نجاسة الاجزاء ليس ظهورها بمنزلة
هذه الدعوى وهو ظاهر لمن تتبع كلماتهم وأقاويلهم ولا يخفى أن الجزء الصغير جدا بحيث لا يطلق عليه في العرف الميتة أو الجيفة يشكل الاستدلال على نجاسة بالاخبار
وشمول الاجماع له أيضا لا يخلو عن خدشة لكن الاحتياط التام في التجنب عنه وترك الاجتراء على ملاقاته وأما إذا كان جزء الميتة منفصلا فالظاهر أيضا اتفاقهم على نجاسة وقد
مر ما يتمسك به أيضا على نجاسة من الاستصحاب وحديث الاستدلال بالروايات أيضا على نجاسة إذا كان كبيرا وأمكن أن ينتن الماء مثل ما في المتصل وكذا الاشكال في
الجزء الصغير ولعل الاشكال في النجاسة فيه أقوى من الاشكال في المتصل وبالجملة لا ريب أن الاحتياط في الاجتناب عنه بالكلية وأما جزء الحي فالقسم الأول منه لم
أوقف على تصريح من القوم فيه سوى ما في كلام صاحب المعالم مما يدل على أنه لا ريب في عدم نجاسة لكن ظاهر كلامه اختصاصه بالاجزاء الصغيرة وأما الاجزاء الكبيرة فلا يعلم حالها والذي
يقتضيه النظر لو لم يتحقق اتفاق الأصحاب على معنى أن الاجزاء الصغيرة وأما الاجزاء الكبيرة فلا نعلم حالها ولدى نقتضيه النظر ولم يتحقق اتفاق لأصحاب على معنى أن لاجزاء الصغيرة التي لم يعهد في العرف صدق
الميتة والجيفة عليها سيما إذا لم يمكن أن يغير الماء فلا خفاء في طهارتها لما ظهر من أن الاخبار حينئذ لا يدل على نجاستها لا الاخبار التي ذكرنا في بحث نجاسة الميتة
ولا الاخبار التي ذكرنا في بحثنا هذا وأما الاستدلال بالوجهين المذكورين من وجود معنى الموت ومساواة الجزء للكل فقد عرفت ضعفهما ولم نقف على مأخذ آخر
والأصل عدمه فيرجع إلى أصل الطهارة والبراءة مع أن الحكم بالنجاسة في خصوص أجزاء الانسان لا يخلو عن حرج ومشقة فإن قلت يمكن الاستدلال على النجاسة برواية
عبد الله بن سليمان المتقدمة إذ معناها أنه إذا أخذت الحبالة فقطعت من الصيد شيئا أو مات منه شئ فهو ميتة وهذا يدل على أن الجزء المتصل الذي مات
أيضا نجس لأنه في مقابل المنقطع قلت فيه أولا أنه غير نقي السند وثانيا إن المتعارف في أخذ الحبالة الاجزاء الكثيرة فليحمل عموم ما على الافراد المتعارفة وثالثا أنه
يمكن أن يكون معنى الخبر أنه إذا أخذت الحبالة فقطعت شيئا من الصيد أو مات الصيد بسبب أخذ الحبالة فالقطعة أو الصيد ميتة وعلى هذا لا دلالة وأما الكبيرة
التي يصدق عليها الميتة والجيفة سيما إذا أمكن أن يغير الماء ففيه إشكال من حيث التردد في شمول الاخبار لها بناء على أن المعهود المتعارف غيرها مع أنه لا يخلو الحكم
بالنجاسة في خصوص الانسان عن مشقة وحرج في بعض الأحيان وعلى أي حال لا خفاء في أن الاحتياط في الاجتناب عنها بأي وجه كان وأما القسم الثاني فإذا لم
313

يعرضه الموت فالامر فيه ظاهر إذ لا شئ يدل على نجاسته أصلا من الأمور التي في هذا الباب من أخبار الدالة على نجاسة الميتة والأخبار الدالة على نجاسة القطعة والاجماع والوجهين المذكورين مع
أن الأصل الطهارة والبراءة وأما إذا عرضه الموت فإن كان من الاجزاء الصغيرة سيما إذا كان مما لا يغير فالظاهر طهارته وإن لم يكن كذلك ففيه مع الاشكال السابق
وأما الثالث فهو أيضا إن كان من الاجزاء الصغيرة فينبغي الحكم بطهارته مطلقا إذا لم يكن إجماع على خلافه في صورة وإلا فيتبع وإن كان من الاجزاء الكبيرة فالظاهر
بالنظر إلى ما ذكرنا النجاسة كما علمت ولما كان في كلام القوم التعرض لهذا القسم ظاهرا فلا بأس أن نذكر هاهنا ما ذكروه قال العلامة في المنتهى الأقرب طهارة
ما ينفصل من بدن الانسان من الاجزاء الصغيرة مثل البثور والثالول وغيرهما لعدم إمكان التحرز عنها فكان عفوا دفعا للمشقة وتعرض له صاحب المعالم
بكلام طويل الذيل ولما كان في نقله بطوله من الفوايد فلا بأس أن ننقله بعبارته قال ويظهر من تمسكه بعدم إمكان التحرز عنها أنه يرى تناول دليل نجاسة المبان من
الحي لها وإن المقتضي لاستثنائها من الحكم بالتنجيس والقول بطهارتها هو لزوم الحرج والمشقة من التكليف بالتحرز عنها وهذا عجيب فإن الدليل على نجاسة المبان
من الحي كما علمت أما الاجماع بالاخبار التي ذكرناها والاعتبار إن اللذان حكيناهما من بعض الأصحاب أعني مساواة الجزء للكل ووجود معنى الموت فيه والاجماع لو كان
متناولا لما نحن فيه لم يعقل الاستثناء منه والاخبار على تقدير صحتها ودلالتها وعمومها إنما يقتضي نجاسة ما انفصل في حال وجود الحياة فيه لا ما زالت عنه
الحياة قبل الانفصال كما في موضع البحث والنظر إلى دينك الاعتبارين يقتضي ثبوت التنجيس وإن لم ينفصل تلك الأجزاء لتحقق معنى الموت فيها قبله ولا ريب في بطلانه
والتحقيق إنه ليس لما يعتمد عليه من أدلة نجاسة الميتة وأبعاضها وما في معناها من الاجزاء المبانة من الحي دلالة على نجاسة نحو هذه من الاجزاء التي يزول عنها أثر
الحياة في حال اتصالها بالبدن فهي على أصل الطهارة وإذا كان للتمسك بالأصل مجال فلا حاجة إلى تكلف دعوى لزوم الحرج وتحمل عب ء في إثباته في جميع الأحوال
ليتم الحكم بالطهارة مطلقا وقد ذكر العلامة في النهاية أيضا حكم هذه الاجزاء واستقرب الطهارة كما قال في المنتهى وعللها بعدم إمكان التحرز وبالرواية ولم
يبينها ولعله أراد بها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال سئلته عن الرجل يكون به الثالول أو الجرح هل يصلح له أن يقطع الثالول وهو في صلاته أو
ينتف بعض لحمه من ذلك الحرج ويطرحه قال إن لم يتخوف أن يسيل الدم فلا بأس وإن تخوف أن يسيل الدم فلا يفعله وهذه الرواية ظاهرة في الطهارة عاضدة
لما يقتضيه الأصل من حيث إطلاق نفي البأس عن مس هذه الاجزاء في حال الصلاة فإنه يدل على عدم الفرق بين كون المس عن رطوبة ويبوسة إذ المقام مقام
تفصيل كما يدل عليه اشتراط نفي البأس بانتفاء تخوف سيلان الدم فلو كان مس تلك الأجزاء مقتضيا للتنجيس ولو على بعض الوجوه لم يحسن الاطلاق بل كان اللايق
البيان كما وقع في خوف السيلان هذا أن اشترطا في تعدي النجاسة من القطع المبانة من الحي الرطوبة وأما على القول بالتعدي مطلقا فدلالة الرواية
على انتفاء التنجيس فيما نحن فيه واضحة جلية ولبيان المختار من القولين محل آخر يأتي إنشاء الله تعالى وبالجملة فانضمام هذه الرواية إلى الأصل يذهب عن القول
بالطهارة هنا دون الشك انتهى وكلامه جيد حسن لكن في بعض مواضعه مناقشات منها ما في قوله ويظهر من تمسكه إلى آخره وهو إن التمسك بالحرج لا يستلزم أنه
يرى التناول المذكور إذ على تقدير عدمه أيضا يصح التمسك المذكور غاية الأمر أن يكون الاستدلال بالأصل أيضا حينئذ متيسرا إذ ذلك لا يقدح في التمسك بغيره
وهو ظاهر ومنها ما في قوله والاجماع لو كان متناولا إلى آخره وهو إنه يجوز أن يكون الاجماع الذي نقل إنما
نقل على عبارة يكون ظاهرها التناول لما نحن فيه مثلا
نقل أنهم أجمعوا على نجاسة كل ميتة أو نجاسة ما يبان من الحي وظاهرا إن هذا يتناول ما نحن فيه لكن ظاهر إلا قطعا فلا مانع من أن يستثني ويخرج منه شئ بدليل
من خارج كالحرج ونحوه نعم لو كان التناول قطعيا لما صح الاستثناء فان قلت إذا كان الاجماع متناولا ظاهرا فكيف يصح الاخراج منه بدليل الحرج ولم لا
يخصص الحرج به بل هو الظاهر لان ذلك الاجماع خاص بالنسبة إليه فينبغي تخصيص العام به قلت أولا هذا كلام آخر غير أنه لا يعقل الاستثناء من الاجماع إذ ظاهره أنه لا يعقل الاستثناء منه مطلقا وثانيا
أنه ليس بين هذا الاجماع ودليل الحرج عموم وخصوص مطلقا حتى يحمل العام على الخاص بل بينهم عموم من وجه فينبغي النظر في الترجيح ولعل الراجح دليل الحرج بالنظر
إلى معاضدة الأصل له ومنها ما في قوله كما في موضع البحث إذ ليس بمعلوم اختصاص البحث به لم لا يجوز أن يكون شاملا لما زالت عنه الحياة قبل الانفصال
وغيره والتمثيل بالبثور والثالول لو سلم أنهما كذلك لا يفيد ذلك كما لا يخفى بل يؤيد التعميم استدلاله بالصحيحة المذكورة على النحو الذي يبينه لان بعض اللحم
المذكور فيه بإطلاقه يتناول الميت منه والحي والمقام مقام التفصيل على ما ذكره فلو لم يكن الحكم عاما لفضل ومنها ما في قوله ولا ريب في بطلانه إذ عدم
الريب غير ظاهر ومنها ما في قوله وإذا كان للتمسك بالأصل مجال إلى آخره لما عرفت من أن إمكان التمسك بالأصل لا يقدح في التمسك بغيره بل لعله الأولى لان التمسك
بالأصل أمر ظاهر لا حاجة إلى التعرض له فينبغي إذا أمكن التمسك بأمر آخر أن يتمسك به تكثيرا للطريق وتقوية للأصل ومنها ما في قوله وهذه الرواية ظاهرة في الطهارة
إلى آخره إذ الظهور ممنوع لأنه يجوز أن يكون السؤال لأجل أن مثل هذا الفعل هل يخل بالصلاة أم لا وليس المنظور فيه نجاسة الثالول واللحم وطهارته وحينئذ لا نسلم أن المقام
مقام تفصيل المس وأنه برطوبة أو يبوسة إذ لعله كان حكم الطهارة والنجاسة في الثالول واللحم المذكور وكذا حكم ملاقاة النجاسة بالرطوبة واليبوسة معلوما
314

من خارج فلا حاجة إلى التعرض له وعلى تقدير أن لا يكون معلوما أيضا لا يلزم أن يذكر جميع الأحكام المتعلقة ب‍ مسألة في جوابها وهو ظاهر وكون المحل محل الحاجة حتى يكون
تأخير البيان عنه غير جايز غير مسلم وأما أنه فصل (عليه السلام) الامر في تخوف السيلان وعدمه فلعله لأجل عدم معلومية حال الدم السايل للسايل حين ذلك السؤال أو لان سيلان
الدم لما كان عند قطع الثالول ونتف اللحم عن الجرح كثيرا فينبغي التفصيل فيه وبيان الفرق بين حالة التخوف وعدمه لئلا يذهب وهم السائل عند إطلاق الحكم بنفي البأس
إن حالة التخوف أيضا كذلك بناء على تكثر تلك الحال في فرض المسألة وإن كان المقصود من السؤال أمرا آخر ثم لو فرض أيضا إن المقصود ليس ما ذكرنا بل المقصود السؤال عن النجاسة
والطهارة فنقول أيضا إن رطوبة اليد لما كانت حالة عارضة والحالة الأصلية يبوستها فلذا لم يفصل القول فيه إذ المتعارف في أجوبة السؤالات رعاية الأمور
المتعارفة الشايعة ولا يتعارف أن يقال في جواب سؤال جميع ما يتعلق به من الأحوال اللهم إلا أن يكون وقت حاجة لا يجوز التأخير عنه أو مصلحة يقتضي بيان بعض الخصوصيات
الغير الشايعة وأما تخوف السيلان فلما لم يكن كذلك بل كان أمرا غالبا على عدمه ولا أقل من التساوي له أو نقصه عنه بقليل فلذا فصل القول فيه لئلا يتوهم تعميم الحكم
له وكل ما ذكرنا ظاهر عند تتبع السؤالات والجوابات الواقعة في محاورات الناس سيما في أحاديث أئمتنا (عليهم السلام) فإن قلت على تقدير صحة الاستدلال بالصحيحة على نحو
ما ذكروه فدلالتها على أي قسم من الاجزاء قلت أما بالنسبة إلى ما يعرض له الموت قبل القطع وما يعرض له بعده فقد علمت إن دلالتها عامة ولا اختصاص
لها بالنسبة إلى ما يعرض لها الموت قبل القطع وأما بالنسبة إلى الصغيرة والكبيرة فالظاهر اختصاصها بالصغيرة إذ المتعارف في الثالول الصغيرة وكذا لا يتعارف
قطع اللحم الكبير في أثناء الصلاة خصوصا الكبيرة التي اعتبرنا أي بحيث يكون مغيرا للماء عند النتن وكذا يختص بأجزاء الانسان دون غيره وبالجملة قد عرفت طريق
الاستدلال على هذا القسم الثالث بأقسامها طاهرها ونجسها طهارة ونجاسة وعلمت أيضا إنه بناء على عدم تحقق الاجماع وإلا ففي صورة ثبت تحققه فيه
أما على الطهارة أو النجاسة فهو المتبع وأما الرابع فإن كان الجزء كبيرا مثل الالية ونحوها فالظاهر أن نجاسة إجماعي ويدل عليها أيضا الروايات التي نقلنا في هذا البحث
كما عرفت وما كان من الاجزاء الكبيرة بحيث يجري فيه ما ذكرنا من التغيير فيصير الدلالة على نجاسته أظهر وإن كان صغيرا ولا يجري فيه التغير فالحكم فيه لا يخلو من إشكال
إذ لم نقف على تصريح من القوم عليه سوى ما وجدنا في كلام المعالم من العبارة التي نقلنا إن موضع البحث في طهارة ما ينفصل عن بدن الانسان من الاجزاء الصغيرة
ما زالت عنه الحياة قبل الانفصال فإنه يدل بظاهرة على أن الاجزاء الصغيرة التي لم تزل عنها الحياة قبل الانفصال نجاستها إجماعية ولا كلام فيه وبمجرده لا يثبت
الاجماع بحيث يصلح أن يكون معولا في المسألة على أنا قد ذكرنا إن استدلال العلامة بالصحيحة المذكورة يدل على تحقق النزاع فيما زالت عنه الحياة بعد الانفصال
أيضا وعلى تقدير عدم ثبوت الاجماع الظاهر الحكم بالطهارة لما عرفت من عدم دليل على النجاسة مع أن الأصل الطهارة مع إمكان تأييده بالصحيحة المذكورة على نحو ما
ذكروه بل بلزوم الحرج والمشقة أيضا على تقدير خلافها وإن كان للكلام فيه مجال فإن قلت بل لا يمكن الاستدلال بعموم كثير من الروايات المذكورة من رواية
أبان وعبد الرحمن وأيوب وعبد الله بن سليمان وزرارة والكاهلي قلت المتعارف في أخذ الحبالة والقطع كأنه الجزء الكبير فيحمل العموم على الافراد المتعارفة مع أن في رواية
الكاهلي مع ضعف سندها يمكن أن يكون ضمير منها راجعا إلى الالية لا إلى الضأن بأن يكون من للبيان لا للابتداء ويصير حاصل الكلام إن كل آلية قطعت ميتة
لا ينتفع بها هذا ثم إن أمر الاحتياط في جميع الأقسام واضح لا حاجة إلى بيانه فليؤخذ به ولا يترك مساواة سبيله بحال فرع قال العلامة (ره) في المنتهى فارة المسك إذا
انفصلت عن الظبية في حيوتها أو بعد التذكية طاهرة وإن انفصلت بعد موتها فالأقرب النجاسة وقال في التذكرة فارة المسك طاهرة سواء أخذت منه
حية أو ميتة وقال في النهاية على ما نقل عنه صاحب المعالم فارة المسك إذا انفصلت في حيوتها أو بعد التذكية طاهرة وإن انفصلت بعد موتها فالأقرب
ذلك أيضا للأصل وقال المصنف (ره) في الذكرى بعد ما حكم بطهارة القيح والصديد إن خلا من الدم وكذا المسك إجماعا وفارته وإن أخذت من غير المذكي
لان النبي صلى الله عليه وآله كان يتطيب به ثم ها هنا أبحاث الأول إن المسك دم فكيف يحكم بطهارته والجواب بعد تسليم كونه دما وشمول أدلة نجاسة الدم
له أنه طهر بالاستحالة إذ ظاهرا إن بعد صيرورته مسكا لا يطلق عليه الدم والاحكام تابعة للأسماء وأيضا قد خرج عن حكم الدم بالاجماع كما نقلنا عن الذكرى
وادعى في المنتهى أيضا وبما ثبت أنه صلى الله عليه وآله يتطيب به ومن المعلوم أيضا قطعا أنه لا يغسل بعد التطيب جميع ما لا قاه المسك ويؤيده أيضا الروايتان
اللتان نذكرهما وبالجملة ما يفوح من الحكم من رايحة الصحة أزكى مما يفوح من المسك الثاني أن الفارة هي الجلد أو نحوه وبالجملة هي من أجزاء الظبية وعندهم
أن ما ينفصل من الحي من الاجزاء التي تحلها الحياة نجس فكيف حكم العلامة في كتبه الثلاثة بطهارتها إذا انفصلت في حال الحياة أيضا ويمكن الجواب أولا بأن
نجاسة كل جزء مما تحله الحياة ينفصل من الحي غير مسلم إذ لا دليل عليه من الاخبار والاجماع ممنوع في جميع الصور وهذا مما يؤيد ما ذكرنا من أن ما يفهم من ظاهر
كلام المعالم من تحقق الاجماع على نجاسة ما زالت عنه الحياة بعد الانفصال غير ظاهر وثانيا بتخصيص ما يدل على نجاسة عاما سواء كان إجماعا أو خبرا لما علمت أن
الاجماع أيضا يصح تخصيصه في بعض الصور بما رواه التهذيب في باب ما يجوز الصلاة فيه من الزيادات في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام)
315

قال سئلته عن فارة المسك يكون مع الرجل وهو يصلي وهي معه في جيبه أو ثيابه قال لا بأس بذلك وهذا الخبر في الفقيه أيضا في باب ما يصلي فيه وهذا وإن كان
مطلقا لكن على ما ذكروه من أن المطلقات في مثل هذا المقام يفيد العموم يمكن تخصيص الحكم به لأنه وإن كان بينه وبين العمومات لو كانت عموم وخصوص
من وجه لكن معاضدته بالأصل يرجح تخصيص العمومات به وقد يناقش فيه بأن جواز الصلاة لا يدل على الطهارة لجواز أن يكون عفوا وفيه بعد ولا يعارض
هذا بما رواه التهذيب في الباب المذكور في الصحيح عن عبد الله بن جعفر قال كتبت إليه يعني أبا محمد (عليه السلام) هل يجوز للرجل أن يصلي ومعه فارة مسك فكتب
لا بأس به إذا كان ذكيا لأنه يجوز أن يكون الضمير راجعا إلى الظبي المدلول عليه بالفارة ويؤيده تذكير الضمير والمراد بكونه ذكيا كونه مذكى أي لا يكون ميتا لا أن يكون مذبوحا
لشيوع إرادة ما ذكر من هذا الكلام وحينئذ لا منافاة وهذا الجواب إنما يصح من قبل من لا يقول بطهارتها إذا انفصلت من الميتة ولو رجع إلى الفارة يجوز
أن يكون المراد بكونها ذكيا ما ذكرنا أيضا ويحتمل أن يكون المراد كونها طاهرة أي لم يعرضها نجاسة من خارج وهو بعيد إذ لا خصوصية لها بالفارة و
ينبغي أن يكون في جواب السؤال عن حال الفارة أن يذكر ما له مزيد ربط بها كما لا يخفى فإن قلت إن لم نقل إن حمل الذكي على المذبوح أظهر من حمله على ما ليس
بميت فلا أقل من مساواته له وحينئذ فينبغي الحمل عليه لان لا يلزم زيادة التخصيص في العمومات الدالة على نجاسة جميع الأجزاء المنفصلة عن الحي والميت إذ الكلام
على تقدير وجودها لان زيادة التخصيص خلاف الأصل كأصله فمهما أمكن التقليل فيه لوجب قلت أما أولا فيمكن أن يقال إذا كان عام على خلاف أصل ثم
وجد مخصص له احتمالان على أحدهما يلزم زيادة التخصيص من الاخر ففي هذه الصورة لا قطع بأنه يجب العمل بالعام فيما سوى ما تيقن تخصيصه إذ يجوز أن
يقال أنه يجب العمل به فيما يتقن عدم تخصيصه والتكليف اليقيني في مثل هذه الصورة لا نسلم لزوم تحصيل يقين البراءة منه بل إنما يجب تحصيل يقين البراءة من القدر
اليقيني منه وها هنا القدر اليقيني ما تيقن عدم تخصيصه أي ما سوى الاحتمالين المذكورين جميعا لا ما سوى الاحتمال الأخص فقط وأما ثانيا فلان فيما نحن فيه
تحقق أمر يمنع من العمل بما ذكرته على تقدير تسليم وجوب العمل به لان الحمل على المذبوح وإن استلزم قلة التخصيص في العمومات لكنه يستلزم زيادته في صحيحة علي بن
جعفر (عليه السلام) ولعله رعاية جانبها أقوى لمعاضدتها بالأصل مع أنك قد عرفت أن لا عموم ظاهرا فظهر إن الحكم بالطهارة فيما انفصل عن الحي لا يخلو من وجه من
حيث المأخذ مع أنه لا يعرف قايل ظاهر بخلافه لكن الأحوط التجنب عنه لان حمل الذكي على المذبوح احتمال ظاهر راجح بحسب اللغة وإن لم يسلم رجحانه بحسب العرف
وإن كان بعد حمله عليه أيضا كلام سيجئ في البحث الآتي الثالث ما الحال في الخلاف المذكور بين المنتهى وبين التذكرة والنهاية والذكرى فاعلم إن حجة المنتهى صحيحة عبد الله بن
جعفر ووجه الاحتجاج إن الذكي أما بمعنى ما لا يعرضه النجاسة وهو بعيد كما علمت وأما بمعنى المذبوح كما وقع في كثير من الروايات بهذا المعنى وأما بمعنى غير الميت وأما بمعنى
الطاهر في نفسه ولا شك إن عدم طهارة الفارة في نفسه لا وجه له إلا كونها مأخوذة من غير المذبوح حيا أو ميتا أو مأخوذة من خصوص الميت وعلى جميع تلك التقادير
سوى الاحتمال الأول الغير الظاهر الذي لا يصح حمل الخبر عليه يكون المأخوذ عن الميت داخلا في الحكم فلا بد من الحكم باستثنائها من نفي البأس وفيه أنه وإن كان كذلك لكن
وجود البأس في الصلاة فيها إذا انفصلت عن الميت لا يدل على نجاستها لجواز أن تكون طاهرة لكن لا يجوز الصلاة فيها باعتبار أخذها عن الميت لكن لا يخلو هذا عن
إشكال حيث أنه لم يعرف قايل بطهارتها مع عدم جواز الصلاة فيها ويمكن أن يقال أيضا أنه يجوز حمل البأس على البأس التنزيهي لا التحريمي ووروده في أحاديثنا بهذا المعنى شايع
جدا فالخروج عن الأصل مع تقويته بصحيحة علي بن جعفر بمجرد هذا الخبر المحتمل لما ذكر لا يخلو عن صعوبة وبالجملة لا ريب أن الاحتياط في الاجتناب عنه مطلقا سيما
في عدم الصلاة معه الذي هو مورد الرواية ثم إن المنتفى نسب إلى الذكرى أنه حمل الذكي الواقع في الخبر على الطاهر ولم نجد فيها هذا (مما تحله الحياة) الظاهر أن
يجعل متعلقا بالميتة وما عطف عليها أي ما قطع من الحيوان لان الحكم مقيد به فيهما جميعا عندهم فالأولى جعل الكلام شاملا لهما وها هنا مقامان الأول
بيان أن ما لا تحله الحياة ماذا والثاني الدلالة على إخراجه من الحكم بالنجاسة في الميت والمقطوع من الحي أما الأول فالظاهر أنه عشرة أشياء لا يعرف من الأصحاب
خلاف في طهارتها على ما في المعالم والمنتهى وهي الصوف والشعر والريش والوبر والعظم والقرن والظلف والحافر والبيض والإنفحة وأما الثاني فالدليل
على طهارتها أصالة الظهارة إذ عموم دلالة نجاسة الميتة بحيث يشمل هذه الاجزاء غير ظاهر كما عرفت والاتفاق ظاهرا وعدم صدق اسم الميتة عليها لان الموت
فرع الحياة لولا يخفى أنه لو كان نص يدل على أن الميتة نجسة فلا يبعد أن يقال أن الظاهر أن جميع أجزائها نجسة كما يقولون أن جميع أجزاء الكلب مثلا نجس باعتبار إنه ورد النص
بنجاسة الكلب وهو ظاهر في نجاسة جميع أجزائه وكون بعض أجزائها مما لا تحمله الحياة لا يقدح فيه فالعمدة عدم وجود النص الدال على تعليق الحكم بالنجاسة على الميتة كما
يقولون لا عدم حلول الحياة كيف وظاهر أن زوال الحياة ليس سببا للنجاسة وإلا لزم أن يكون الحيوان المذكى أيضا نجسا بل عدم التذكية يصير سببا لنجاسة الحيوان
ولا استبعاد في أن يصير سببا لنجاسة جميع أجزائه سواء حلته الحياة أو لا وعدم وجود النص الكذائي فيه كلام كما ظهر لك مما سلف وقد نوقش أيضا في عدم حلول
الحياة في العظم لقوله تعالى قل يحييها الذي إنشاءها أول مرة إذ الاحياء مستلزم للحيوة وأجيب بأن الاحياء حقيقة
لصاحب العظام نسب إليها تجوز أو بدل أيضا على الحكم
316

روايات منها ما رواه التهذيب في باب ما يجوز الصلاة فيه من الزيادات في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف
الميتة أن الصوف ليس فيه روح وهذا يدل على طهارة جميع ما لا روح فيه إذ الظاهر أن قوله (عليه السلام) إن الصوف تعليل لنفي البأس
ثم المناقشة بأنه يجوز أن يكون نفي البأس في الصلاة للعضو لا للطهارة ضعيفة جدا وهذا الخبر وإن كان ظاهره مختصا بصوف الميتة لكن لا يبعد أن يستفاد
من التعليل تعدية الحكم إلى الصوف المقطوع عن الحي مع أنه لا قايل بالفصل مع قطع النظر عن أنه لا قايل بالنجاسة أصلا ومنها ما رواه التهذيب في باب الذبايح و
الأطعمة والاستبصار في باب ما يجوز الانتفاع به من الميتة والفقيه في باب الصيد والذبايح في الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن الإنفحة يخرج
من الجدي الميت قال لا بأس به قلت اللبن يكون في ضرع الشاة وقد ماتت قال لا بأس به قلت والصوف والشعر وعظام الفيل والجلد والبيض يخرج من الدجاجة قال كل هذا
لا بأس به لا يخفى أن الظاهر أن مراد زرارة من الصوف وغيره مما تضمنه السؤال ما هو من الميت بقرينة المقام وأما ما في الخبر من نفي البأس عن الجلد أيضا فسيجئ الكلام فيه
إنشاء الله تعالى عند نقل المصنف خلاف الصدوق في جلد الميتة ومنها حسنة حريز المتقدمة في بحث نجاسة الميتة المتضمنة للبن واللبأ ومنها ما رواه التهذيب في الباب
المذكور والكافي في باب ما ينتفع به من الميتة في الحسن عن الحسين بن زرارة قال كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) وأبي يسئله عن السن من الميتة واللبن من الميتة والبيضة
من الميتة فقال كل هذا ذكي قال قلت فشعر الخنزير نعمل به حبلا يستقي به من البئر الذي يشرب منها ويتوضأ منها فقال لا بأس به وزاد فيه علي بن الحسن بن رباط
قال والشعر والصوف كله ذكى ومنها ما رواه التهذيب في الباب المذكور في الحسن عن الحسين بن زرارة قال وسأله أبي عن الإنفحة تكون في بطن العناق والجدي
وهو ميت فقال لا بأس به قال حسين وسأله أبي وأنا حاضر عن الرجل يسقط سنه فيأخذ سن إنسان ميت ليجعله مكانه قال لا بأس وقال عظام الفيل يجعل
شطرنجا قال لا بأس بمسها وقال أبو عبد الله (عليه السلام) العظم والشعر والصوف والريش كل ذلك نابت لا يكون ميتا قال وسألته عن البيضة يخرج من بطن
الدجاجة الميتة فقال لا بأس بأكلها وصدر هذه الرواية إلى قوله قال حسين في الاستبصار أيضا في باب تحريم جلود الميتة ومنها ما رواه التهذيب في
الباب المذكور والكافي أيضا في الباب المذكور عن إسماعيل بن مرار عن يونس عنهم (عليهم السلام) قال خمسة أشياء ذكية مما فيها منافع الخلق الإنفحة والبيضة
والصوف والشعر والوبر ولا بأس بأكل الجبن كله مما عمله مسلم أو غير مسلم وإنما يكره أن يؤكل سوى الإنفحة مما في آنية المجوس وأهل الكتاب لأنهم لا يتوقون
الميتة والخمر ومنها ما رواه الكافي في باب المذكور قال وفي رواية صفوان عن الحسن بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الصوف والشعر والريش و
كل نابت لا يكون ميتة قال وسئلته عن البيضة تخرج عن بطن الدجاجة الميتة قال تأكلها ومنها ما رواه التهذيب والكافي في البابين المذكورين عن الفتح
بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن (عليه السلام) قال كتبت إليه أسئله عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها إن ذكى فكتب لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب وكل ما كان من السخال
من الصوف وإن جز والشعر والوبر والإنفحة والقرن ولا يتعدى إلى غيرها إنشاء الله تعلى ولا يخفى أن في متن هذا الحديث خللا وكأنه سقط منه شئ ومنها ما رواه الفقيه
في باب الصيد والذبايح قال وقال (عليه السلام) عشرة أشياء من الميتة ذكية القرن والحافر والعظم والسن والإنفحة واللبن والشعر والصوف والريش والبيض
وقد ذكرت ذلك مسندا في كتاب الخصال في باب العشرات ولم يحضرني الان هذا الكتاب حتى ننظر في سنده ومنها ما رواه الكافي في الباب المذكور عن أبي
حمزة الثمالي قال في ذيل حديث طويل قال قتادة أخبرني عن الجبن فتبسم أبو جعفر (عليه السلام) وقال رجعت مسائلك إلى هذا قال ضلت عني فقال لا بأس به فقال إنه
ربما جعل فيه إنفحة الميت قال ليس بها بأس إن الإنفحة ليس بها عروق ولا فيها دم ولا لها عظم إنما يخرج من بين فرث ودم ثم قال وإنما الإنفحة بمنزلة دجاجة
ميتة أخرجت منها بيضة فهل تؤكل تلك البيضة قال لا ولا أمر بأكلها فقال له أبو جعفر (عليه السلام) ولم قال لأنها من الميتة قال فإن حضنت تلك البيضة
فخرجت منها دجاجة أتأكلها قال نعم قال فما حرم عليك البيضة وأحل لك الدجاجة ثم قال (عليه السلام) فكذا الإنفحة مثل البيضة فاشتر الجبن من أسواق
المسلمين من أيدي المصلين ولا تسأل عنه إلا أن يأتيك من يخبرك عنه وفي هذا الخبر بحثان الأول إن نفي العروق والدم عن الإنفحة مما يناسب المقصود من كونها
مما لا تحله الحياة لان العرق مما تحله الحياة وأيضا هو محل الدم والدم مما تعلق به الروح وأما نفي العظم عنه فوجه مناسبة غير ظاهر لان العظم ليس مما تحله
الحياة ولا مما تعلق به الروح ولعل وجهه إن العظم وإن لم يكن كذلك لكن العضو الذي فيه العظم كأنه لا بد أن يكون مما تحله الحياة ومتعلقا للروح إلا ترى لا يرى أنهم
يقولون إن العضو الذي فيه العظم يجب غسله وكفنه وإن لم يكن العظم المجرد كذلك الثاني إنه بعد ما بين (عليه السلام) إن الإنفحة لا بأس بها وإن كانت من الميتة فأي
حاجة إلى قوله (عليه السلام) فاشتري الجبن إلى آخره لان دغدغة السائل في الجبن من حيث الإنفحة وقد ارتفعت بما قال (عليه السلام) وكأن مراده عدم السؤال عن حال الجبن
من جهة أخرى من النجاسة ونحوها لا من جهة الإنفحة فكان حكما مستأنفا لا تعلق له بجواب سؤال السائل أو يقال لعله جواب آخر عن سؤاله بعد التنزيل
عن الجواب الأول والاغماض عنه والله يعلم ولا يخفى أن الحكم المذكور بعد ما ذكرنا من الحجج لا يبقى فيه خفاء لكن في المقام مباحث لا بد من التنبيه عليها الأول
317

تحقيق إن الإنفحة أي شئ هو أعلم أن أهل اللغة اختلفوا في تفسيرها فقال الجوهري الإنفحة بكسر الهمزة وفتح الحاء مخففة كرش الحمل والجدي ما لم يأكل فإذا أكل
فهو كرش وقال صاحب القاموس الإنفحة بكسر الهمزة وتشدد الحاء وقد يكسر الفاء والمنفحة والتنفحة شئ يستخرج من بطن الجدي الراضع أصفر فيعصر في صوفة في
اللبن فيغلظ كالجبن وإن أكل الجدي فهو كرش ثم قال وتعبير الجوهري الإنفحة بالكرش سهو ووقع في كلام علمائنا أيضا الاختلاف في تفسيرها ففسرها
ابن إدريس في السرائر بنحو ما ذكره الجواهري على ما قاله صاحب المعالم وفسرها العلامة في غير موضع من كتبه بما يوافق كلام القاموس فقال إنها لبن مستحيل في جوف
السخلة ثم الظاهر تفسير العلامة لأنه يظهر من الروايات المذكورة إن الإنفحة شئ يصنع به الجبن والظاهر أن الجبن إنما يعمل من الشئ الذي في جوف السخلة مثل اللبن لا من كرشها الذي هو
للحيوان بمنزلة المعدة للانسان وما في رواية الثمالي من أنها يخرج من بين فرث ودم يشعر أيضا بأنه مثل اللبن وعلى هذا فالظاهر أن الكرش محلها وعلى أي حال هل يشترط
أن يكون الجدي راضعا أم لا قال المصنف في الذكرى بالثاني حيث قال الإنفحة طاهرة من الميتة والمذبوحة وإن أكلت السخلة غير اللبن وهو مشكل على التفسير الأول إذ
الظاهر أن الإنفحة لو كان هو الشئ الذي يقال له الكرش فلا يطلق عليه الإنفحة بعد أن يأكل السخلة بل إنما يطلق عليه الكرش كما يظهر من الصحاح وإذا لم يطلق عليه الإنفحة
فما الدليل على طهارته والتمسك بالأصل في مثل ما نحن فيه ضعيف جدا كما ظهر من المباحث السابقة وأما على التفسير الثاني فلا يخلو من وجه إذا كان بعد الاكل
أيضا يبقى ذلك اللبن الأصفر ويعمل به الجبن إذ لم يظهر من اللغة إنه لا يطلق عليه بعد الاكل الإنفحة مع أن الظاهر من بعض الروايات طهارة ما يعمل به الجبن لأجل منفعة
وهو لا يختص بما قبل الاكل هذا ثم إن صاحب المدارك (ره) بعدما ذكر التفسيرين المذكورين للإنفحة قال ولعل الثاني أولى اقتصارا على موضع الوفاق وإن كان مستثنيا
نفس الكرش أيضا غير بعيد تمسكا بمقتضى الأصل انتهى ولا يخفى أن الحكم بأن الثاني موضع وفاق لا يخلو عن إشكال بعد ما فسر بعضهم من الفقهاء واللغويين الإنفحة
بالكرش وكذا استثناء نفس الكرش أيضا تمسكا بمقتضى الأصل لما قد عرفت سابقا إن من الروايات يظهر نجاسة الميتة عموما والظاهر أنه إذا قيل إن الميتة نجسة أن يكون
جميع أجزائها نجسا إلا ما أخرجه الدليل كما اعترف صاحب المدارك نفسه بأن الحكم على الكلب بالنجاسة يقتضي نجاسة جميع أجزائه لأنه داخل في مسماه ثم لو نوقش في ظهور
العموم في جميع الأجزاء وفرض صحتها فإنما يصح في الاجزاء الصغيرة التي لا تعد في العرف ميتة وأما في ما هو مثل الكرش من الاجزاء الكبيرة سيما إنه مما يصلح لان ينتن الماء
فمما لا وقع لها وقد مر تفصيل القول فيه فتذكر وقال صاحب المعالم بعد نقل التفسيرين المذكورين وليس لهذا الاختلاف أثر في اللبن لان احتمال غسل موضع
الملاقاة للميتة على قياس ما ذكر في نحو الصوف المقلوع واحتمل في البيض إنما يأتي فيما له طاهر يقبل التطهير واللبن باعتبار ما يعنيه لا يتصور ذلك فيه فيتعين
كونه بأجمعه طاهرا نعم يظهر أثر الخلاف في الجلد الذي يحويه فيمنع من الانتفاع به ويحكم بنجاسة ما يلاقيه برطوبة على التفسير الثاني وينتفي الأمران على الأول
هذا وفي احتياج ظاهر الجلد إلى الغسل بتقدير طهارة ذاته احتمالان اختار أولهما والدي في بعض فوائده وتوقف في الروضة ولا نعلم من الأصحاب مصرحا بالثاني
وربما كان في إطلاقهم الحكم بالطهارة إشعار به وقال الشهيد الثاني في الذكرى الأول تطهير ظاهرها من الميتة للملاقاة انتهى ولا يخفى أن نفيه تأثير الاختلاف
في اللبن لعله بناء على ما نقلنا من صاحب المدارك من أن طهارة اللبن المذكور موضع وفاق وإلا فلا خفاء في طهور أثر الخلاف فيه إذ على التفسير الأول لا يلزم طهارته
وأيضا الظاهر أنها ليست مايعة بحيث لا يقبل التطهير بل كأنها منجمدة يقبل ظاهرها التطهير ثم تطهير ظاهر الإنفحة بناء على التفسير الأول أو على التفسير الثاني أيضا بناء على ما ذكرنا من انجماده
كأنه الأولى على ما في الذكرى لان ما يستنبط من الروايات لا يزيد على عدم نجاستها من حيث الذات وأما من حيث العارض أيضا فمشكل وأمر الاحتياط واضح الثاني
أنه هل يشترط في طهارة الصوف والشعر والريش والوبر أخذها بالجزا ولا بل إذا قلعت أيضا يكون طاهرة المشهور بين الأصحاب هو الثاني لكن حكموا في صورة القلع
بغسل موضع الاتصال والشيخ (ره) في النهاية ذهب إلى اشتراط الجز والظاهر هو الأول أما أولا فلان الروايات المتقدمة الدالة على طهارتها مطلقة لا تقييد فيها
بالجز والأصل عدمه وأما ثانيا فلان حسنة الحلبي المتقدمة في بحث نجاسة الميتة المتضمنة للبن واللبأ وقع فيه الامر بغسل هذه الأشياء وظاهر أنه لا يجب الغسل اتفاقا
مع الجز فهو يشعر بأن المراد قلعها واحتج الشيخ بأن أصولها المتصلة باللحم من جملة أجزائه وإنما يستكمل استحالتها إلى أحد المذكورات بعد تجاوزها عنه ورد أولا
بالمنع لأنه يصدق على المجموع من المتصل باللحم والمتجاوز عنه اسم هذه الأشياء وهو لا يجامع كون شئ منها جزؤا من اللحم ولو فرض مجامعته إياه أيضا في الواقع بأن
يكون أصولها لحما في الواقع فلا شك أنه يكفينا إطلاق اسم الأشياء المذكورة على المجموع في العرف إذ الظاهر بناء الاحكام على العرف لا الحقيقة الواقعية وهو ظاهر
وثانيا بأن الاخبار مطلقة في الاخذ فالتقييد يحتاج إلى الدليل هكذا نقل في المعالم وفيه نظر لان جعل الايراد الثاني إيراد على حدة مشكل إذ لا يخلو أنه يسلم إن أصولها
يطلق عليها اللحم في العرف أو لا فإن لم يسلم الجواب فهو الأول وإن سلم فلا يجدي إطلاق الاخبار لان غاية ما في الاخبار إن هذه الأشياء من الميتة طاهرة والمفروض إن أصول هذه الأشياء
ليست منها فلا يتناولها الاخبار ولو فرض إنه يستفاد من الاخبار أنه كلما أخذ الشعر مثلا من الميتة فهو طاهر وهو شامل للاخذ قلعا وجزا فحينئذ أيضا للتأمل
مجال لأنه على هذا يكون بينها وبين ما يدل على نجاسة لحم الميتة عموم ومن وجه ولا بد لترجيح أحد العمومين من مرجح إلا أن يقال الترجيح للطهارة لأنها الأصل ويمكن
318

أن يقال أيضا سيما على مذاقهم إن عموم نجاسة جميع أجزاء الميتة بحيث يشمل مثل هذه الاجزاء الصغيرة من اللحم أيضا غير مسلم ثم أنه يمكن أن يستدل أيضا للشيخ رحمه الله
برواية الفتح بن يزيد الجرجاني المتقدمة في هذا البحث حيث فيها الاشتراط بالجز لكن فيه بعد القدح في السند إنه قد عرفت إن النسخ فيها مختلفة ومع ذلك فهم
المرام منها غير متضح ومثل هذا لا يصلح للاستدلال كما لا يخفى ثم حكم الأصحاب بالغسل في صورة القلع فبناء على عموم نجاسة الملاقي للنجس بالرطوبة والميتة نجسة
وأصول هذه الأشياء ملاقية لها بالرطوبة فيجب غسلها ويدل عليه أيضا حسنة الحلبي المذكورة مع معاضدة الاحتياط ولا يذهب عليك إن الأحوط عدم
الاكتفاء بغسل موضع الاتصال بل غسل جميعها بل وعلى تقدير الجز أيضا لان الرواية المذكورة المتضمنة للامر بالغسل مطلقة لا تقييد فيها بموضع الاتصال
وحالة القلع هذا ثم أنه هل الحكم في القرن والظلف والحافر والسن أيضا كالحكم في الأشياء الأربعة المذكورة أي في اشتراط النشر والبري والكسر مثلا
وعدمه وفي وجوب غسل موضع الاتصال على تقدير عدم الاشتراط أم لا أما الاشتراط فلم أطلع على خلاف الأصحاب فيه بل إنما نقلوا الخلاف من الشيخ في
الأشياء الأربعة المذكورة والظاهر بحسب الروايات عدم الاشتراط على ما عرفت ثم غسل موضع الاتصال إن كان فيه رطوبة فلا يبعد القول بوجوبه لأجل ملاقاة
الميتة النجسة بالرطوبة ولا يبعد دلالة الحسنة المذكورة أيضا عليه لان قوله (عليه السلام) في آخر الرواية فاغسله وصل فيه لا يلزم أن يكون مختصا بالشعر و
نحوه مما يصلح للبس لجواز حمل الظرفية على المحمولية وحينئذ يشمل جميع ما ينفصل من الميتة سوى اللبن واللبأ المذكورين في الرواية لأنهما لا يقبلان الغسل بل
مقتضى الاحتياط على ما عرفت آنفا غسل جميع هذه الأشياء لا مجرد موضع الاتصال فقط بل وفي حال النشر
والبري أيضا ولو روعي في حال غسل هذه
الأشياء وكذا الأربعة المتقدمة أن يدلك بحيث يزول عنها الاجزاء المتوهمة من اللحم أو الجلد لكان أقرب إلى الاحتياط سيما لأجل الصلاة فيها الثالث أنه قد يظهر
من كلام ابن سينا في بعض المواضع أن السن مما تحله الحياة فكيف على هذه الحال فيه هل هو طاهر من الميتة أم لا والظاهر الطهارة للرواية الكثيرة المتقدمة المتضمنة
لطهارة السن أيضا وكلام الشيخ أبي علي على تقدير صحته لا يقدح فيها إذ التعويل في الطهارة ليس على عدم حلول الحياة بل على الروايات سواء كان مما تحله الحياة أو لا
فلو فرض أن السن مما تحله الحياة وورد الخبر الذي يصح التعويل عليه بطهارته لنحكم بالطهارة كيف وقد عرفت سابقا إن مناط النجاسة ليس زوال الحياة لأنه
مشترك بين المذكى والمذبوح بل عدم التذكية جعله الشارع سببا للنجاسة فيجوز أن يكون سببا لنجاسة ما لا تحله الحياة وكذا يجوز أن لا يكون سببا في بعض ما
تحله الحياة وهو ظاهر إذ علل الأحكام الشرعية خفية لا يجد العقل إليها سبيلا الرابع إنه هل يكون فرق بين أن يؤخذ هذه الأشياء المذكورة من الحيوان المحلل
أو غيره الظاهر عدم الفرق لاطلاق الروايات الكثيرة المتقدمة من غير تقييد في موضع بالمحلل وقد نص المصنف في الذكرى على عدم الفرق وقال صاحب المعالم لا نعرف
فيه خلافا إلا من العلامة (ره) فإنه فرق في البيض بين كونه من مأكول اللحم وغيره فحكم بطهارة الأول ونجاسة الثاني قال في النهاية أما بيض الجلال وما لا يؤكل
لحمه مما له نفس سائلة فالأقوى فيه النجاسة وذكر نحوه في المنتهى ولا نرى لكلامه وجها ولا عرفنا له عليه موافقا انتهى وما ذكره في موضعه كما عرفت ثم
إن صاحب المعالم تردد في خصوص الإنفحة من غير المحلل كالموطوء ففي طهارتها احتمالان منشأهما من كون أكثر الأخبار الدالة على طهارتها
واردة بالحل أو مسوقة لبيانه ومنه استفيدت الطهارة وذلك مفقود في غير المحلل ومن عدم الدليل العام على نجاسة الميتة بحيث يتناول أمثال هذه الاجزاء
كما أشرنا إليه ومقتضى الأصل هو الطهارة إلى أن يقوم الدليل ولم أقف لاحد من الأصحاب في ذلك على كلام وربما يكون إطلاقهم الحكم بالطهارة قرينة
على عدم التفرقة ولا يخفى أن فرق العلامة في حكم البيض يقتضي الفرق هاهنا أيضا انتهى وفيه نظر أما أولا فلان كون أكثر الأخبار الدالة على طهارتها واردة
بالحل أو مسوقة لبيانه ممنوع كيف ولم نطلع على الروايات الواردة في هذا الباب سوى ما نقلنا وفي تلك الروايات ليس الامر كذلك بل في صحيحة زرارة حكم عليها بنفي
البأس وهو ليس بظاهر في الحل بل حكم في هذه الرواية بنفي البأس على أشياء أخر مما لا يصلح للاكل كالصوف والشعر والعظام وهو قرينة على أن نفي البأس باعتبار
الطهارة وكذا الحال في رواية حسن بن زرارة وفي رواية يونس حكم عليها بأنها زكية وظاهر الذكي الطاهر سيما مع أنها قرنت بأشياء ليست من شأنها الاكل
وكذا مرسلة الفقيه وليس في رواية الفتح أيضا ما يشعر بالحل بل اقترانها بالأشياء التي لا تؤكل قرينة على الطهارة وليس ما يشعر بالحل سوى رواية الثمالي فإن
سياقها الحل وفي آخر حديث يونس أيضا حديث الاكل وعلى هذا أين يكون أكثر الاخبار واردة بالحل أو مسوقة لبيانه فحينئذ الظاهر طهارتها مطلقا كأخواتها لاطلاق
الروايات سيما مع اتفاق الأصحاب بحسب الظاهر وأما ثانيا فلما مر غير مرة من أن عدم الدليل العام على نجاسة جميع أجزاء الميتة محل كلام الخاص إن طهارة البيضة
المأخوذة من الميتة مطلقة أو مشروطة بشئ ظاهر الأصحاب الاطباق على اشتراطه باكتساء القشر الا على ما في المعالم وكان مستندهم ما رواه التهذيب في باب الذبايح
والأطعمة والكافي في باب ما ينتفع به من الميتة في الموثق عن غياث ابن إبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن بيضة خرجت عن أست دجاجة ميتة قال إن كانت اكتست
الجلد الغليظ فلا بأس بها ولولا اتفاق الأصحاب ظاهرا لأمكن القول بعدم الاشتراط لاطلاق الأخبار الكثيرة المتقدمة مع صحة بعضها وقرب بعضها منها
319

ومعاضدتها بالأصل لان الأخبار الواردة بنجاسة الميتة لا نسلم شمولها للبيضة لان كون البيضة من أجزائها غير مسلم لعلها مثل الجنين وهذا الخبر الواحد مما
لا يصلح لمعارضتها مع عدم سلامة سنده وأمر الاحتياط واضح قال صاحب المعالم بعد نقل أطباق الأصحاب على الاشتراط والرواية المذكورة وكأنهم حملوا الاطلاق
الواقع في تلك الأخبار على التقييد المستفاد من هذه الرواية مع أن طريقها غير سليم وتلك الأخبار وإن كانت أيضا كذلك إلا أنها موافقة المقتضى الأصل كما بيناه
ومتعاضدة بكثرتها ولم يتعرض الصدوق في المقنع لهذا الشرط بل أطلق القول كما في أكثر الاخبار انتهى وأنت خبير بأن الحكم بعدم سلامة طريق جميع الأخبار المذكورة
غير سليم لان منها صحيحة زرارة المتقدمة لكن صاحب المعالم بناء على أصله من أن المزكى للراوي لا بد أن يكون اثنين حكم بعدم سلامة طريق الجميع لان في طريق
تلك الصحيحة علي بن رباب وهو لم يوثقه من المتقدمين إلا الشيخ لكن لا يخفى أن أصله المذكور مع عدم تماميته واستقامته يشكل إجرائه في مثل ما نحن بصدده
لان من المتقدمين وإن لم يوثقه غير الشيخ لكن العلامة وثقه وهذا يكفي في كون المذكي اثنين وكون توثيق العلامة من توثيق الشيخ غير معلوم وأيضا التوقف في مثل
هذا مع معاضدته بحسنة زرارة التي هي كالصحيح لان وجه حسنها إبراهيم بن هاشم وحاله ليس مما لا يخفى وغيرها من الروايات الحسنة وغيرها كأنه لا يخلو عن
تجمد ثم إن موافقة الاخبار لمقتضى الأصل أيضا قد عرفت حالها مرارا لان بناء ما ذكره ليس على ما ذكرنا من أن البيضة لا نسلم كونها جزءا بل بناؤه على أنه لا دليل يعم
جميع أجزاء الميتة إذ ما بينه هو هذا إلا ذاك وقد عرفت أنه محل كلام هذا ثم إن صاحب المعالم قال إن كلام الأصحاب مختلف في التعبير عن الشرط الذي ذكروا لطهارة
البيض فبعض المتقدمين اقتصر على لفظ الحديث فعبر بالجلد الغليظ ووافقه الشيخ في النهاية وبعض الأصحاب على التفسير بالجلد لكنهم أبدلوا الغليظ بالفوقاني
وعبر جماعة منهم المحقق والشهيد الثاني بالقشر الاعلى وفي كلام العلامة في جملة من كتابه الجلد الصلب وقد مر في العبارة التي حكينا عنه آنفا وتبعه على التقييد بالصلابة بعض
المتأخرين والاختلاف في مؤدى هذه العبارات معنوي كما لا يخفى وحيث إن المرجع في الاشتراط إلى رواية غياث فينبغي أن يكون العمل على ما دلت عليه والظاهر أن وصف الصلابة زايد على القيد المعتبر في الرواية وقد حكى العلامة في بعض كتبه من بعض الجمهور إنه ذهب إلى طهارة البيض وإن لم يكتس القشر الاعلى محتجا بأن
عليها غاشية رقيقة يحول بينه وبين النجاسة ثم قال والأقرب عندي أنها إن كانت قد اكتست الجلد الاعلى وإن لم يكن صلبا فهي طاهرة لعدم الملاقاة وإلا فلا
وما استقر به هو المتجه انتهى ولا يخفى أنه لا يبعد أن يكون الاختلاف في الجميع بحسب اللفظ أما في سوى ما نقل عن العلامة في جملة من كتبه فظاهر وأما كلام العلامة
فلعل مراده من الصلب أنه الصلب غالبا فلو فرض عدم صلابته في بعض الصور لما كان قادحا كما صرح به فيما نقله عنه آخرا وبالجملة ما ذكره من أنه ينبغي أن يكون العمل على
ما دلت عليه الرواية متجه وما ذكره من العلامة واستحسنه محل نظر لان حكمه بأن عند عدم اكتساء القشر الاعلى يكون ملاقيا للميتة فينجس غير مسلم بعد ورود
الروايات الكثيرة المعتبرة في أن البيضة من الميتة طاهرة إلا أن يمنع إطلاق لفظة البيضة عليها حينئذ ولا يخلو عن بعد وأيضا الغاشية الرقيقة لا نسلم إنها غير مانعة من
الملاقاة لا بد له من دليل فالأولى أن يكون التعويل في الاشتراط على رواية غياث وإطباق الأصحاب لا على مثل هذه الوجود السادس أنه هل يجب تطهير ظاهر
البيضة أم لا أكثر الأصحاب لم يتعرضوا على ما في المعالم لحال ظاهرها من حيث ملاقاته بالرطوبة للميتة النجسة ولعل الأولى الحكم بوجوب التطهير لملاقاته بالرطوبة
للميتة النجسة لما مر غير مرة أن الظاهر نجاسة الميتة مطلقا وإن القول بأنه لم يثبت نجاستها أو نجاسة جميع أجزائها إلا بالاجماع والاجماع عليها بحيث يؤثر نجاستها
فيما نحن فيه غير ظاهر على ما قد يذكره صاحب المعالم وصاحب المدارك في نظاير هذا الموضع ليس مما ينبغي أن يلتفت إليه خصوصا في نجاسة مجموعها على ما
يظهر من كلام المعالم الانكار فيها أيضا نعم لو نوقش في نجاسة الاجزاء الصغيرة جدا منها سيما إذا انفصلت لما كانت بذلك البعيد على ما مر مفصلا قال صاحب
المعالم إن الظاهر فيه على قياس ما ذكروه في أصول نحو الصوف المقلوع احتياجه إلى الغسل ولكن الاخبار وردت مطلقة كما رأيت وما تضمن منها الامر بالغسل مخصوص
بالصوف والشعر ونحوهما بقرينة قوله بعده وصل فيه وفي الكلام العلامة مما يدل على أنه يرى نجاسته ظاهرها حيث قال في النهاية البيضة من الدجاجة الميتة طاهرة
إن اكتست الجلد الفوقاني الصلب لأنها صلبة القشر لا قت نجاسة فلم يكن نجسة في نفسها بل بالملاقاة وذكر في المنتهى ما هذا محصله انتهى ولا يخفى أن ورود
الروايات مطلقة لا طهور له في عدم الاحتياج إلى غسل الظاهر لان سياقها لبيان طهارتها بالذات ولا يلزم حين كون الفرض ذلك أن يتعرض لنجاستها العرضية
لأنه أمر آخر قد علم من خارج ولا يحتاج إلى البيان ها هنا وهو ظاهر واختصاص الامر بالغسل في الرواية بالصوف والشعر غير ظاهر أيضا لجواز أن يحمل النظر فيه على ما
يشمل المحمولية كما مر سابقا نعم الاستدلال بشموله للجميع غير مستقيم إذ لا أقل من أن يكون حمل في علي الظرفية المتعارفة مساويا لحملها على ما يشمل المحمولية إن
لم ندع الرجحان ومع قيام الاحتمال المساوي لا يبقى الاستدلال الظاهري ولعل مراده بالاختصاص بحسب الظاهر السابع أنه قد وقع في بعض الروايات
المتقدمة اللبن أيضا فما حكمه أعلم إن بين الأصحاب في هذه المسألة خلافا فذهب الصدوق في المقنع على ما ذكره صاحب المعالم والشيخ في الخلاف والنهاية و
كتابي الحديث وكثير من الأصحاب على ما ذكره أيضا على أن اللبن من الميتة طاهر وابن إدريس والفاضلان وجماعة من الأصحاب ذهبوا إلى نجاستها وقال العلامة (ره)
320

في المنتهى إن القول بالنجاسة هو المشهور عند علمائنا والظاهر هو الأول لصحيحة زرارة المتقدمة وغيرها من الروايات الأخرى مع أن الشيخ في الخلاف ادعى إجماع
الفرقة على الطهارة واحتج العلامة في المنتهى على النجاسة بأنه مايع في وعاء نجس فكان نجسا كما لو أحلب في وعاء نجس ولأنه لو أصاب الميتة بعد حلية نجس فكذا لو
انفصل قلبه لأن الملاقاة ثابتة في البابين وأجاب عن الروايات بأنها معارضة بما ذكره من الوجهين المذكورين وبرواية الفتح بن يزيد الجرجاني المتقدمة وبما رواه التهذيب
في الباب المذكور والاستبصار في باب ما يجوز الانتفاع به من الميتة عن وهب عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) إن عليا (عليه السلام) سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن فقال
علي (عليه السلام) ذلك الحرام محضا وأجاب في الملح بحملها على ما إذا قاربت الشاة الموت جمعا بين الأدلة والجواب عن الوجه الأول إن العموم الدال على نجاسة الملاقى
للنجاسة إن كان مخصص بالروايات المذكورة إذ لا شك إنها صالحة للتخصيص فما المانع منه وعن الوجه الثاني إنه قياس وعن رواية الفتح بأنها خبر واحد غير
نقي السند لا يصلح لمعارضة الأخبار الكثيرة المعتبرة مع أنك قد عرفت أن متنها لا يخلو عن تشويش ولا يصلح للتعويل وأيضا ما فيها من قوله (عليه السلام)
ولا يتعدى إلى غيرها عام بالنسبة إلى هذه الروايات الواردة بطهارة اللبن فيجب أن يخصص بها وعن رواية وهب بأنها لا يصلح لمعارضة ما ذكر قال
الشيخ في التهذيب هذه رواية شاذة لم يروها غير وهب بن وهب وهو ضعيف جدا عند أصحاب الحديث ولو كان صحيحا لجاز أن يكون الوجه فيه ضربا
من التقية لأنها موافقة لمذاهب العامة لأنهم يحرمون كل شئ من الميتة ولا يجيزون استعماله على حال انتهى وعن الحمل المذكور بأنه مع بعده أي حاجة إلى
تكلفه لان الأدلة التي ذكرها قد علمت أنها لا تصلح للمعارضة حتى يضطر إلى الجمع وقال ابن إدريس في السرائر اللبن نجس بغير خلاف عند المحصلين من
أصحابنا لأنه مايع في ميتة ملامس لها قال وما أورده شيخنا في نهايته رواية شاذة مخالفة لأصول المذهب لا يعضدها كتاب الله ولا سنته مقطوع بها
ولا إجماع انتهى وفساده بما ذكرنا ظاهر لا يحتاج إلى بيان هذا وقال صاحب المعالم والعجب من العلامة (ره) بعد تفسيره للإنفحة باللبن المستحيل وحكم بطهارتها
للأخبار الدالة على ذلك مع تحقق وصف المايعية فيها كيف يجعل اعتبار الملاقاة مع المايعية ها هنا معارضا للخبر انتهى وكأنه لا عجب على ما ذكرنا سابقا
من أن الإنفحة كأنها ليست مايعة على الاطلاق بل هي لبن منجمد وأيضا قد فرق العلامة في المنتهى بين الإنفحة واللبن بالحاجة لكن فيه ضعف ثم أنه لو
أريد الاحتياط في المسألة فإن مكن أن يباع اللبن المذكور من مستحلي الميتة فينبغي أن يباع منهم وإن لم يمكن فإن أكله غير البالغين فأحوط وإن أكله البالغ
فيحتاط في تطهير ما لاقاه وكذا يحتاط في تطهير الأطفال لو أكلوه واعلم إن العلامة (ره) في المنتهى جعل محل النزاع لبن الميتة المأكولة لحمها بالذكاة ولم يتعرض للغير المأكولة
ولم أقف في كلامه غيره على الفرق بينهما والظاهر بالنظر إلى الروايات عدم الفرق وصاحب المعالم بعد تردده في إنفحة الميتة الغير المأكولة اللحم بالوجه
الذي نقلنا منه كأن ينبغي أن يتردد في لبنها أيضا لجريان الوجه من غير تفرقة على ما نعلم لكنه لم يتعرض له أصلا ووجهه غير ظاهر ولا يخفى إن الاحتياط
هنا في الاجتناب عنه وإهراقه لو لم يتصور فيه منفعة ولو تصور فضبط واحتيط في تطهير ما لاقاه (ولا ينجس ميتة ما لا نفس له ولا دمه ولا منيه) أما الدم و
المني فقد مر الكلام فيهما مفصلا وأما الميتة فقد قال العلامة في المنتهى اتفق علماؤنا على أن ما لا نفس له سائلة من الحيوانات لا ينجس بالموت ولا يؤثر في
نجاسة ما يلاقيه وقال المحقق في المعتبر إن عدم نجاسة ما هذا شأنه وانتفاء التنجيس به مذهب علمائنا أجمع
والشيخ أيضا في الخلاف ادعى الاجماع على عدم
نجاسته بالموت وقد عرفت سابقا إن الشيخ في النهاية حكم بنجاسة العقرب بالموت وهو يناقض ما ادعوه من الاجماع ولعلهم أرادوا الاجماع فيما سوى العقرب
بقرينة إنهم يذكرون حكم العقرب على حدة ولا يخلو عن بعد وبالجملة حكم العقرب قد عرفته مشروحا وأما ما سواها فيدل على عدم نجاسة بالموت مضافا إلى ما
ادعوه من الاجماع موثقه عمار ومرفوعة محمد بن يحيى ورواية حفص المتقدمة في بحث سؤر الوزغة ويؤيده أيضا لزوم الحرج والمشقة بل الأصل أيضا عند
من لم يعتقد وجود دليل عام على نجاسة الميتة وكيف كان فالحكم واضح لا خفاء فيه
(والكلب والخنزير ولعابهما) ذكر الشيخ في الخلاف إن الكلب نجس العين نجس اللعاب
نجس السؤر وادعى عليه إجماع الفرقة وذكر فيه أيضا إن الخنزير نجس بلا خلاف وقال العلامة في التذكرة الكلب والخنزير نجسان عينا ولعابا ذهب إليه
علماؤنا أجمع وقال في المنتهى الكلب والخنزير نجسان قال علماؤنا أجمع وقال المحقق في المعتبر إذا لاقى الكلب أو الخنزير أو الكافر المحكوم بنجاسة عينه ثوبا أو
جسدا وهو رطب غسل موضع الملاقاة وجوبا وإن كان يابسا رش الثوب بالماء استحبابا وهو مذهب علمائنا أجمع ويدل على نجاستهما أيضا مضافة إلى
الاجماع روايات كثيرة متظافرة أما على الكلب فمنها ما رواه التهذيب في آخر باب الاحداث الموجبة للطهارة في الصحيح ظاهرا عن محمد بن مسلم قال سئلت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن الكلب يصيب شيئا من جسد الرجل قال يغسل المكان الذي أصابه وكرر هذه الرواية عن محمد بسند أصح مما هنا في باب تطهير الثياب وغيرها
من النجاسات وهذه الرواية في الكافي أيضا بطريق صحيح حسن بن إبراهيم عن محمد في باب الكلب يصيب الثوب والجسد ومنها ما رواه التهذيب أيضا في هذا
الباب الأخير في الصحيح عن الفضل أبي العباس قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله وإن مسه جافا فأصبب عليه الماء
321

قلت لم صار بهذه المنزلة قال لان النبي صلى الله عليه وآله أمر بقتلها وفي بعض النسخ بغسلها ولعلها الأظهر وهذا يدل على نجاسة لعابه أيضا كما لا يخفى ومنها ما
رواه التهذيب أيضا في باب المياه وأحكامها والاستبصار في باب حكم الماء إذا ولغ فيه الكلب في الصحيح عن محمد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن الكلب يشرب من الاناء
قال اغسل الاناء ومنها ما رواه التهذيب في هذا الباب الأخير والاستبصار في الباب المذكور في الصحيح عن الفضل أبي العباس قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن فضل الهرة
والشاة والبقر والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع فلم أترك شيئا إلا سئلته عنه فقال لا بأس به حتى انتهيت إلى الكلب فقال رجس نجس لا تتوضأ بفضله
واصبب ذلك الماء واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء ومنها ما رواه التهذيب في باب المياه في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال سئلته عن الفارة و
الكلب إذا أكلا من الخبز أو شماه أيؤكل قال يطرح ما شماه ويؤكل الباقي ومنها ما رواه في آخر باب تطهير الثياب في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في أثناء
حديث طويل قال وسئل عن الكلب والفارة إذا أكلا من الخبز وشبهه قال يطرح منه ويؤكل الباقي ومنها موثقة عمار التي سيجئ في بحث نجاسة المسكر ومنها ما رواه التهذيب
في باب تطهير الثياب عن حريز قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الكلب يصيب شيئا من جسد الانسان قال يغسل المكان الذي أصابه ومنها ما رواه التهذيب في هذا
الباب الأخير عن علي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن الكلب يصيب الثوب قال انضحه وإن كان رطبا فاغسله ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب عن حريز عمن أخبره
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا مس ثوبك كلب فإن كان يابسا فانضحه وإن كان رطبا فاغسله وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب الكلب يصيب الثوب والجسد لكن فيه على
ما رأينا عن حريز عن محمد عن المغيرة عن أبي عبد الله (عليه السلام) وكأنه سهو ومنها ما رواه أيضا في باب المياه عن حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا ولغ الكلب
الاناء فصبه ومنها ما رواه في هذا الباب أيضا عن معاوية بن شريح قال سئل عذافر أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا عنده عن سؤر السنور والشاة والبقر والبعير والحمار
والفرس والثعلب والسباع يشرب منه أو يتوضأ فقال نعم إشرب منه وتوضأ قال قلت له الكلب قال لا قلت أليس هو سبع قال لا والله إنه نجس لا والله إنه نجس وروى عن
معاوية بن ميسرة أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله وهاتان الروايتان في الاستبصار أيضا في باب حكم الماء إذا ولغ فيه الكلب ومنها ما رواه التهذيب في كتاب الصيد
والذبايح والكافي في باب جامع في الدواب من كتاب الأطعمة عن أبي سهل القرشي قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن لحم الكلب فقال هو مسخ قلت هو حرام قال هو نجس أعيدها
عليه ثلاث مرات كل ذلك يقول هو نجس ومنها خبر برد الذي سيجئ في بحث نجاسة ما لا يحله الحياة من الكلب والخنزير ومنها ما تقدم في باب البئر في بحث وقوع الكلب فيها
فأما ما رواه الكافي في باب الفارة يموت في الطعام والشراب من كتاب الأطعمة في الصحيح عن سعيد الأعرج قال سألت أبا عبد الله عن الفارة والكلب يقع في السمن والزيت
ثم يخرج منه حيا قال لا بأس بأكله فخبر واحد شاذ لا يصلح لمعارضة الأخبار الكثيرة المتظافرة سيما مع انضمام دعوى الاجماع من أجلة العلماء ولعل لفظ الكلب وقع سهوا
من قلم النساخ ويؤيده إن هذه الرواية في التهذيب أيضا عن سعيد بدون هذه اللفظة وكذا ما رواه قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه (عليهما السلام) قال وسألته
عن فارة أو كلب شربا من زيت أو سمن أو لبن قال إن كان جرة أو نحوها فلا تأكله ولكن ينتفع به بسراج أو نحوه وإن كان أكبر من ذلك فلا بأس بأكله إلا أن يكون صاحبه
موسرا يحتمله أن يهريقه فلا ينتفع به في شئ خبر شاذ مع أنه ليس بنقي السند وصحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) المتضمنة لوقوع الثوب على الكلب الميت المتقدمة في
بحث نجاسة الميتة قد مر الكلام فيها في ذلك البحث وما رواه التهذيب في باب المياه والاستبصار في باب حكم الماء إذا ولغ فيه الكلب عن ابن مسكان عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال سئلته عن الوضوء مما ولغ الكلب فيه والسنور أو شرب منه جمل أو دابة أو غير ذلك أيتوضأ منه أو يغتسل قال نعم إلا أن تجد غيره فتنزه عنه فأول ما فيه إنه ليس
بنقي السند لان فيه ابن سنان والظاهر أنه محمد وفيه ما فيه وأيضا لا يبعد حمله على الكر كما حمله الشيخ في التهذيب واستشهد عليه بروايتين أحديهما ما رواه التهذيب
والاستبصار في البابين المذكورين والكافي في باب الماء الذي لا ينجسه شئ في الصحيح على الظاهر عن محمد بن مسلم قال سألته عن الماء يبول فيه الدواب أو تلغ فيه
الكلاب ويغتسل فيه الجنب قال إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ وروى التهذيب هذه الرواية في باب آداب الاحداث الموجبة للطهارة عن محمد بسند أصح مما هنا
والفقيه مرسلا عن الصادق (عليه السلام) في باب المياه وروى التهذيب أيضا في باب المياه من الزيادات والاستبصار في باب كمية الكر في الصحيح عن محمد بن مسلم عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له الغدير فيه ماء مجتمع تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب قال إذا كان قدر كر لم ينجسه شئ والأخرى ما رواه
التهذيب والاستبصار في البابين المذكورين في الموثق عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال ليس بفضل السنور بأس أن يتوضأ منه ويشرب ولا يشرب سؤر الكلب إلا أن يكون
حوضا كبيرا يستقى منه وأيضا لعل الماء القليل لا ينجس بملاقاة النجاسة فلا يلزم طهارة الكلب وقد استدل أيضا على طهارة الكلب بقوله تعالى فكلوا مما أمسكن
عليكم وجه الاستدلال إنه تعالى لم يقيد الاكل مما أمسك عليه الكلب بالغسل فيكون طاهرا والجواب إن التقييد ثبت بالسنة على ما بينا مشروحا وفيه أن تقييد الكتاب
بالروايات ليس بأولى من تخصيص الروايات به مع أن روايات كثيرة أيضا يوافق الكتاب في إطلاق الاكل مما أمسك عليه الكلب وهذا وإن لم يستلزم عدم النجاسة لان
غاية ما يلزم منه أن يخصص عموم نجاسة ما يلاقيه بما عدا هذا الموضع لكن الغرض التنبيه على أن تقييد الكتاب والروايات المذكورة بهذه الروايات مشكل إلا
322

أن يثبت إجماع على نجاسة ما أمسك عليه ووجوب غسله ويمكن أن يقال أيضا إن إطلاق الآية والروايات في أكل ما أمسك عليه الكلب لا ينافي عموم نجاسة ما لاقاه لأن الظاهر أن الكلام فيه الآية والروايات سوق لبيان حلية وإن ما قتله الكلب ليس ميتة وليس المنظور فيه نجاسته فإذا ورد شئ من خارج يدل على نجاسة الكلب ويلزم منها
نجاسة ما لاقاه فليس بحيث يكون بينه وبين ذلك الاطلاق شايبة معارضة حتى يحتاج إلى الجمع بينهما كما لا يخفى على من له دربة بأساليب الكلام وأفانين الكتاب
والسنة هذا وأما على نجاسة الخنزير فما رواه الشيخ في التهذيب في باب تطهير الثياب والكافي في باب الكلب يصيب الثوب والجسد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام)
قال سئلته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر وهو في صلاته كيف يصنع به قال إن كان دخل في صلاته فليمض وإن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه
إلا أن يكون فيه أثر فليغسله قال وسألته عن خنزير شرب من إناء كيف يصنع به قال يغسل سبع مرات ولعل قوله (عليه السلام) إن كان دخل إلى قوله (عليه السلام)
إلا أن يكون محمول على أن الملاقاة ليست بالرطوبة فيصير الحاصل إن الملاقاة إن لم يكن بالرطوبة فإن دخل في الصلاة فليمض وإن لم يدخل فلينضح وإن كانت بالرطوبة
وكان فيه أثر فليغسله مطلقا سواء دخل في الصلاة أولا ويدل عليه أيضا صحيحة محمد بن مسلم المتضمنة لعدم الاكل من آنية أهل الأرض المتقدمة في بحث
نجاسة الميتة وروايات كثيرة أيضا سنذكرها إنشاء الله تعالى في بحث نجاسة ما لا تحله الحياة منه وفي بحث نجاسة المسكر وما مر في باب البئر ويؤيده ما رواه التهذيب
في باب تطهير الثياب من الزيادات عن علي بن محمد قال سئلته عن خنزير أصاب ثوبا وهو جاف هل يصح الصلاة فيه قبل أن يغسله قال نعم ينضحه بالماء ثم يصلي
فيه فأما ما رواه التهذيب في باب الذبايح والأطعمة والكافي في باب طعام أهل الذمة من كتاب الأطعمة في الصحيح عن إسماعيل بن جابر قال قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام) ما تقول في طعام أهل الكتاب فقال لا تأكله ثم سكت هنيئة ثم قال لا تأكله ولا تتركه تقول إنه حرام ولكن تتركه تنزه عنه إن في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير
ففيه إنه يجوز أن يكون المراد إن آنيتهم لما كانت مظنة أن يكون فيها الخمر ولحم الخنزير فاترك طعامهم تنزها لا إن مع العلم أيضا يترك تنزها وأنت خبير بأن هذا الحمل ليس
ببعيد مع أن خبر واحد لا يصلح لمعارضته الأخبار الكثيرة المعتضدة باتفاق الأصحاب وكذا ما رواه التهذيب في باب المياه من الزيادات عن زرارة قال سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن جلد الخنزير يجعل دلوا يستقي به الماء قال لا بأس وروى الفقيه أيضا في باب المياه مرسلا قال وسئل الصادق (عليه السلام) عن جلد الخنزير
يجعل دلوا يستقى به الماء فقال لا بأس ففيه إن في طريق التهذيب أبا زياد النهدي وحاله مجهول وطريق الفقيه مرسل ومثل هذا لا يصلح لمعارضة الأخبار الكثيرة
مع صحة بعضها سيما مع انضمام ادعاء الاجماع إليها وأيضا يمكن أن يحمل كما حمله الشيخ على أنه لا بأس بأن يستقى به غير أنه لا يجوز استعمال ذلك الماء
في الوضوء ولا الشرب بل يستعمل في غير ذلك من سقى الدواب والبهايم وما أشبه ذلك وفيه إنه ينافي ما تقرر عندهم من أن استعمال الميتة مطلقا حرام إلا
أن يحمل على حال الضرورة وعلى هذا لا ضرورة في تخصيصه بسقي الدواب ونحوه بل يجوز أن يعم الشراب أيضا ويمكن أن يقال أيضا على قياس ما ذكر آنفا إن الماء
القليل لعله لا ينجس بالملاقاة لا أن جلد الخنزير طاهر ويجوز حمله أيضا على التقية لان بعض العامة لا يجتبون الخنزير وفروعهما الظاهر أن المراد بالفروع
ما يتولد منهما أي تولد بين الكلب والخنزير بأن نرى أحدهما على الاخر ويمكن أن يكون المراد أعم منه بأن يشمل المتولد من الكلب فقط والخنزير فقط أيضا
ويكون الفائدة فيه الحكم بنجاسة ما لو فرض أن تولد من الكلب والخنزير ما لا يشاركهما في الاسم أو تولد من أحدهما ومن الحيوان الطاهر ثم إن ها هنا أقساما خمسة
الأول المتولد بينهما مع مشاركة في الاسم لأحدهما الثاني المتولد بينهما مع المباينة في الاسم الثالث المتولد من أحدهما مع المباينة في الاسم الرابع
المتولد من أحدهما ومن حيوان طاهر مع المشاركة في الاسم لأحدهما الخامس المتولد من أحدهما ومن حيوان طاهر مع المباينة لأحدهما أما الأول فالظاهر
أنه لا خلاف في نجاسته ويدل عليها أيضا الروايات المذكورة لصدق الاسم من دون نزاع وأما الثاني فالظاهر من كلام المصنف (ره) في الذكرى القول بنجاسته
حيث قال المتولد من الكلب والخنزير نجس في الأقوى لنجاسة أصلية وأطلق والشهيد الثاني (ره) صرح في غير موضع من كتبه على ما ذكره صاحب المعالم بنجاسته
والعلامة (ره) في المنتهى حكم بنجاسته على إشكال وقال في النهاية المتولد منهما يعني الكلب والخنزير نجس لأنه بعضهما وإن لم يقع عليه اسم أحدهما على إشكال
منشأ الأصالة السالمة عن معارضة النص وقال في التذكرة الحيوان المتولد منهما يحتمل نجاسته مطلقا واعتبار اسم أحدهما قال
صاحب المعالم ولا يخفى قوة وجه الاشكال والتوقف في محله غير إن الخطب سهل إذ البحث فيه بمجرد الفرض انتهى ولا يخفى إن وجه الاشكال لا قوة له من جانب
النجاسة والتوقف ليس في محله لان كونه بعضا منهما بعد الاستحالة وانقلاب الاسم لا تأثير له أليس كل حيوان طاهر من المني النجس مع أنه طاهر فليس ذلك
بحيث يعارض أصالة الطهارة والبراءة نعم الاحتياط في التجنب عنه وأما الثالث فلم أقف على نص من الأصحاب فيه وأنت خبير بأنه يجري فيه أيضا من الكلام
ما يجري في القسم الثاني والظاهر أيضا طهارته لكن الاحتياط في الاجتناب وأما الرابع فالظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في نجاسته والروايات أيضا دالة عليها
لصدق الاسم وأما الخامس ففي كلام صاحب المعالم إن كثيرا من الأصحاب قالوا بطهارته ولم ينقلوا فيه خلافا
لكن في كلام العلامة في النهاية والمنتهى ما
323

يلوح بالخلاف حيث قال في المنتهى وأما المتولد من أحدهما ومن الظاهر فالأقرب عندي فيه اعتبار الاسم وقال في النهاية الوجه عندي اعتبار الاسم
وبالجملة الظاهر الطهارة لما عرفت ولا فرق في ذلك بين أن يكون تابعا في الاسم للحيوان الطاهر الذي تولد منه أو الحيوان طاهر آخر أو لا يكون تابعا لحيوان آخر
أصلا بل كان حيوانا مباينا لجميع الحيوانات المعلومة الاسم والحكم فرع هل الكلب المائي والخنزير المائي نجس أم لا قال صاحب المعالم إن أكثر الأصحاب قال بطهارته
وعزى في التذكرة إلى ابن إدريس المخالفة في ذلك ثم قال لا ولا يجوز حمل اللفظ على الحقيقة والمجاز بغير قرينة وكأنه إشارة إلى رد حجة ابن إدريس إذ الظاهر أن تمسكه
في ذلك بصدق الاسم فجوابه منع كونه حقيقة في النوعين وإرادة الحقيقة والمجاز يتوقف على وجود القرينة وقد وقع في كلام العلامة ها هنا اختلاف في النهاية والتحرير
إن لفظ الكلب حقيقة في المعهود مجاز في غيره وكلام التذكرة موافق لهما كما رأيت وذكر في المنتهى إنه مشترك بين النوعين بالاشتراك اللفظي وأنت خبير بأن رد
كلام ابن إدريس على التقدير الأول واضح وأما على الثاني فيحتاج إلى ضميمة دعوى وجود القرينة على إرادة المعهود والواقع كذلك فإن قيام القرينة الحالية عليه
ظاهر هذا وكلام جماعة من الأصحاب منهم الشهيد في الذكرى يوافق ما ذكره العلامة في غير المنتهى وربما يظهر من بعض المتأخرين الوفاق لما ذكره في المنتهى
انتهى ولا يخفى أن الظاهر أن المتبادر من لفظة الكلب والخنزير البريان منهما وعلى هذا لا خفاء في طهارة مائيهما بناء على أصالة الطهارة والبراءة مع عدم وجود
معارض لعدم شمول الروايات والاجماع المنقول له ولو سلم الاشتراك أيضا لكان الامر كذلك إذ مع تحقق الاجماع على نجاسة البري وكونه شايعا متعارفا لا يبقى
شك في إرادته من الروايات ومع إرادته إرادة المعنى الاخر خلاف الظاهر بناء على أن استعمال اللفظ المشترك بين معنيين فيهما خلاف المتعارف الظاهر وإن فرض
إن استعماله فيهما حقيقة وتحقيقه في الأصول ولو سلم أنه لم يعلم بالقراين إرادة البري فحينئذ أيضا إثبات نجاسة المائي مشكل إذ غاية ما يلزم أن يكون لفظة الكلب
والخنزير الواقعة في الروايات مجملة ولا نسلم إن المجمل يجب حمله على جميع محتملاته بناء على أن التكليف اليقيني لا بد له من البراءة اليقينية بل غاية ما ثبت إن القدر
اليقيني منه يجب امتثاله والقدر اليقيني فيما نحن فيه خصوص البري فيبقى المائي على أصل الطهارة نعم لو ثبت إن إطلاق اللفظ عليهما على سبيل الاشتراك المعنوي لثبت
الحكم بنجاسة المائي أيضا لكن دون إثباته خرط القتاد ولا يذهب عليك إنه لو فرض إنه لم يظهر إن اللفظة حقيقة ومجاز فيهما أو مشترك لفظي بل حصول الاشتباه في
أنه أحد الامرين المذكورين أو أنه مشترك معنوي لكان الظاهر أيضا طهارة المائي لما ظهر وجهه مما ذكر من عدم حصول اليقين أو الظن بشمول اللفظة له وما لم يحصل
أحدهما لا يمكن الحكم بالنجاسة وقد يؤيد الحكم بالطهارة بما رواه التهذيب في كتاب الصيد والذبايح عن ابن أبي يعفور قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أكل لحم
الخز قال كلب الماء إن كان له ناب فلا تقربه وإلا فأقربه وجه التأييد إنه (عليه السلام) أطلق عليه أنه كلب الماء مع أنه لا شك في طهارة شعره كما تدل عليه الروايات وأيضا
أمر في هذه الرواية بالقرب منه فلو كان نجسا لما كان كذلك ويمكن أن يقال لعل كلمة إن متعلقة بما قبلها فيكون المعنى إن كان له ناب فهو كلب الماء فلا تقربه وإن لم يكن
له ناب فليس بكلب فأقربه وحينئذ يصير الامر في التأييد منعكسا لكن لا يخفى أن هذا الحمل بعيد هذا والاحتياط في التجنب مهما أمكن والله يعلم (وإن كان كلب صيد لم
يكف الرش خلافا لابن بابويه) قال الصدوق في الفقيه في أواخر باب ما ينجس الثوب والجسد من أصاب ثوبه كلب جاف ولم يكن بكلب صيد فعليه أن يرشه بالماء وإن كان
رطبا فعليه أن يغسله وإن كان كلب صيد وكان جافا فليس عليه شئ وإن كان رطبا فعليه أن يرشه انتهى ولم نقف له على مستند في هذا الفرق فالظاهر عدمه وتحقيق
معنى الرش سيجئ إنشاء الله تعالى في بحث إزالة النجاسة (وينجس منهما ما لا تحله الحياة كالعظم والشعر خلافا للمرتضى) قال العلامة في المنتهى اختلف علماؤنا في شعر الكلب والخنزير
فقال الأكثر إنه نجس وهو قول أكثر الجمهور وقال السيد المرتضى في المسائل الناصرية إنه طاهر سواء كانا حيين أو ميتين انتهى وقال في المعالم إنه نسب إلى المرتضى القول
بطهارة ما لا تحله الحياة في مطلق نجس العين احتجوا للنجاسة بقوله تعالى أو لحم خنزير فإنه رجس والضمير عايد إلى أقرب المذكورين والرجس هو النجس والشعر كالجزء منه
هكذا استدل العلامة في المنتهى وفيه ضعف من وجهين أحدهما عدم ظهور كون الضمير راجعا إلى الخنزير دون اللحم إذ مجرد هذا القدر من القرب والبعد لا نسلم أنه يصير
منشأ لظهور رجع الضمير وهو ظاهر والاخر عدم تسليم كون الرجس بمعنى النجس وقد يناقش أيضا في شمول الحكم للجزء ولا يخلو عن بعد وبما وقع في بعض الروايات المتقدمة في
بحث نجاستهما من إطلاق النجس على الكلب والتقريب ما تقدم آنفا من أنه جزءه وداخل في مسماه وفيه أيضا المناقشة المذكورة وبما وقع في الروايات المتقدمة أيضا
من إطلاق الامر بالغسل بسبب أصابتهما وهو بظاهره يشمل الشعر وغيره بل غالب الإصابة يكون بالشعر والعجب إن صاحب المدارك (ره) ذهب إلى الحكم بالنجاسة واستدل
عليه بهذين الدليلين الأخيرين وبرواية أخرى ضعيفة ولم يشر إلى ضعف في الدليل الأول ثم قال وأما الكافر فلم أقف على نص يقتضي نجاسة ما لا تحله الحياة منه فلو
قيل بطهارته كان حسنا انتهى مع أن مثل الدليل الأول يجري في الكافر أيضا لان القرآن العزيز حكم عليه بالنجاسة بأبلغ وجه وآكده كما قال عز من قايل إنما المشركون نجس
بحصر حالهم في النجاسة فيكون شعرهم نجسا لدخوله في مسماهم على ما قال في الكلب والخنزير من دون تفرقة أصلا إلا أن يقال لعله لم يعتمد على الدليل الأول
بانفراده بناء على توهم المناقشة التي ذكرناها بل إنما اعتمد على مجموع الأدلة وفيه بعد فإن قلت لعله لم يعتمد على دلالة الآية الكريمة على النجاسة لما فيه من بعض المناقشات
324

كما سيجئ في بحث نجاسة الكافر إنشاء الله تعالى قلت ذكر (ره) الاستدلال بهذه الآية على نجاسة الكفار ولم يعترض عليه إلا بوجهين أحدهما إن النجس في اللغة بمعنى المستقذر وهو
أعم من المعنى المصطلح عليه والثاني إنه سلمنا أن النجس بمعنى المصطلح عليه لكن لا يثبت عموم نجاسة الكفار إذ منهم من ليس بمشرك والظاهر أن الوجه الثاني لا دخل له فيما نحن
فيه والوجه الأول مشترك بين الآية والرواية فلم اعتمد على الرواية دون الآية إلا أن يفرق بين عرف الكتاب وعرف الأئمة (عليهم السلام) ويقول إن عرف الأئمة (عليهم السلام)
مثل عرفنا سيما من زمان الباقر والصادق (عليهما السلام) إلى آخرهم (عليهم السلام) فمخالطتهم مع الفقهاء والعلماء اللذين اشتهر هذا العرف بينهم بخلاف عرف الكتاب في
زمان رسول الله صلى الله عليه وآله فإنه لم يكن هذه الاصطلاحات المتداولة بين الفقهاء شايعة في ذلك الزمان وبالروايات التي وردت في باب شعر الخنزير
منها ما رواه التهذيب في باب الذبايح والأطعمة والفقيه في باب الصيد والذبايح عن برد الإسكاف قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) جعلت فداك إنا نعمل بشعر الخنزير
فربما نسي الرجل فصلى وفي يده شئ منه قال لا ينبغي له أن يصلي وفي يده منه شئ وقال خذوه فاغسلوه فما كان له دسم فلا تعملوا به وما لم يكن له دسم فاعملوا به
واغسلوا أيديكم منه ومنها ما رواه التهذيب في الباب المذكور عن سليمان الإسكاف قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شعر الخنزير نحرز به قال لا بأس به ولكن
يغسل يده إذا أراد أن يصلي ومنها ما رواه التهذيب في كتاب المكاسب عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قلت له إن رجلا من مواليك يعمل الحمائل بشعر الخنزير
قال إذا فرغ فليغسل يده ومنها ما رواه أيضا في هذا الكتاب عن برد الإسكاف قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شعر الخنزير يعمل به قال خذ منه فاغسله بالماء
حتى يذهب ثلث الماء ويبقى ثلثاه ثم اجعله في فجارة جديدة ليلة باردة فإن جمد فلا تعمل به وإن لم يجمد ليس عليه دسم فاعمل به واغسل يدك إذا مسته عند
كل صلاة قلت ووضوئي قال لا اغسل اليد كما تمس الكلب وهذه الروايات وإن لم تكن صحيحة السند لكن تظافرها وتكاثرها ربما يعضد المطلوب ويرد عليها أيضا
إن الامر بالغسل لا نسلم ظهوره في الوجوب فلعله يكون للاستحباب فإن قلت هل يرد هذا الايراد على الدليل المتقدم على هذه الروايات قلت كأنه لا يرد إذ لا
خلاف لاحد منا أن الامر بالغسل عند إصابة الكلب والخنزير رطبا للوجوب ويمكن أن يقال لا خلاف لاحد في أن إصابة الكلب والخنزير بما تحله الحياة منهما يوجب
الغسل أما إن الامر المطلق الوارد بالغسل عند إصابتهما الشامل بإطلاقه لإصابة ما لا تحله الحياة منهما كالشعر بل المحمول عرفا عليه على ما هو الغالب
كما ذكر في الاستدلال للوجوب فلا نسلم إنه لا خلاف فيه بل لقايل أن يقول لعله للاستحباب إذا كان الإصابة محمولة على ما هو الغالب من إصابة الشعر أو
للقدر المشترك بين الوجوب والندب إذا كانت محمولة على الأعم منهما ومن غيرها لكن لا يخفى أن حمل تلك الأوامر الكثيرة كلها على الاستحباب والقدر المشترك
مع عدم معارض يصلح للمعارضة كما سيظهر عند نقل حجج المرتضى سيما مع معاضدة الشهرة بين الأصحاب بل قال في المعالم إنه لم تعرف الخلاف فيه إلا من المرتضى (ره)
بوجوه منها إن ما لا تحله الحياة ليس من نجس العين لأنه إنما يكون من جملته إذا كان محلا للحيوة وفيه إن الجزء يتناول ما لا تحله الحياة عرفا ولغة فاستثنائه
من الجزء لا وجه له ومنها إن ما لا تحله الحياة من نجس العين مثله من الميتة فيكون منه أيضا طاهرا وفيه إنه قياس مع الفارق فإن المقتضي للتنجيس في الميتة صفة
الموت وهي غير حاصلة فيما لا تحله الحياة بخلاف نجس العين فإن نجاسته ذاتية هكذا في المدارك وهو كما ترى على ما طهر وجهه في بحث طهارة ما لا تحله الحياة
من الميتة والأولى أن يقال في الجواب إن استثناء ما لا تحله الحياة من الميتة باعتبار الروايات التي قدمنا ولولاها لحكمنا بنجاسة من الميتة أيضا والرواية التي
تصلح للتعويل مفقودة فيما نحن فيه كما سيظهر ومنها ما رواه التهذيب في باب المياه من الزيادات والكافي في باب البئر وما يقع فيها في الصحيح عن زرارة عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقي به الماء من البئر أيتوضأ من ذلك الماء قال لا بأس ومنها رواية الحسين بن زرارة أيضا
بهذا المضمون وقد تقدم في بحث طهارة ما لا تحله الحياة من الميتة والجواب عنهما أولا بالحمل على أنه لم يصل إلى الماء كما حمله الشيخ في التهذيب ولا يخلو
عن بعد وثانيا بأنه يجوز أن لا ينجس البئر والماء القليل بملاقاة النجاسة وعن الثاني خاصة بالقدح في السند واعلم إن العلامة في المنتهى أورد هذا الخبر
الأخير وتكلم عليه بأن في طريقه ابن فضال وفيه ضعف وبأنه لا يلزم من ذلك ملامسته بالرطوبة وإن كان الأغلب ذلك فيحمل على النادر جمعا بين
الأدلة وقال صاحب المعالم وما ذكره من عدم صحة السند صحيح إلا أن في تعليله نظرا من حيث اشتمال الطريق على جماعة ليست بصفة رجال الصحيح وابن
فضال أحدها فلا وجه لذكره وحده ثم إن الطعن في هذا السند غير مجد بعد كون المتن مرويا بالطريق الآخر الصحيح على رأيه وأما الحمل على عدم الملاقاة
فمحتمل لكن فيه بعد وملاحظة الجمع بين الأدلة إن كانت باعتبار الخبر السابق الدال على وجوب غسل الثوب إذا أصابه خنزير وحصل فيه تأثير فيرد عليها
إن دلالة ذلك الخبر على نجاسة الشعر ليست بأظهر من دلالة هاتين الروايتين على طهارته فيشكل جعل التأويل في هذا الجانب وإن كانت باعتبار ما رواه
الشيخ وذكر الروايات التي أوردنا آنفا في باب شعر الخنزير فيرد عليها إن في طريق الروايات ضعفا ولعل انضمام عمل الأصحاب بمضمونها مضافا إلى
325

الخبر السابق يقرب حمل بينك الروايتين على ما ذكره العلامة انتهى ولا يخفى إن ملاحظة الجمع بين الأدلة ليست باعتبار الخبر الصحيح السابق المذكور في باب
الخنزير وهذه الروايات الضعيفة فقط بل باعتبار الاخبار المتكثرة المستفيضة الصحيحة وغير الصحيحة التي نقلنا في باب الكلب أيضا إذ لا قايل بالفرق بين شعر
الخنزير وشعر الكلب سيما إذا كان الكلام مع السيد وهو ليس بقايل بالفرق فإذا عمل بظاهر هاتين الروايتين في الخنزير يجب أن يأول جميع تلك الروايات و
هاتان الروايتان مع عدم صحة أحديهما مما لا يصلح لمعارضة تلك الأخبار المتكثرة مع صحة كثير منها وقد علمت إنه نها على رأي من لا يقول بنجاسة البئر والقليل
بالملاقاة لا يلزم حمل هاتين الروايتين أيضا على محمل بعيد أصلا فظهر بما قررنا إنه على أي حال يكون القوة لجانب النجاسة مع معاضدتها بالاحتياط ثم لا يذهب
عليك إنه لو لم يكن مخافة خرق الاجماع المركب لما بعد القول بالفرق بين شعر الكلب والخنزير بل بين شعر الخنزير إذا كان عليه وبينه إذا انفصل عنه إذ على هذين
الوجهين سيما على الأخير يصير طريق الجمع بين الروايات أسهل كما يظهر من التأمل فيما ذكرنا فتأمل ثم إن ها هنا رواية أخرى رواها التهذيب في باب الذبائح
والأطعمة والفقيه في باب الصيد والذبايح عن برد الإسكاف قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إني رجل خراز لا يستقيم عملنا إلا بشعر الخنزير نخوز به قال خذ منه
وبرة فاجعلها في فخارة ثم أوقد تحتها حتى يذهب دسمه ثم اعمل به وهي بإطلاقها يصلح أن يجعل دليلا للسيد حيث لم يؤمر بغسل اليد لكن فيه ضعف حيث إن هذا
الاطلاق بعد التقييد في روايات كثيرة سيما في روايتين آخريين من هذا الراوي بعينه لا يؤثر في شئ كما لا يخفى
(والمسكرات خلافا لابن بابويه والحسن والجعفي)
قال العلامة (ره) في المختلف الخمر وكل مسكر والفقاع والعصير إذا غلا قبل ذهاب ثلثيه بالنار أو من نفسه نجس ذهب إليه أكثر علمائنا كالشيخ المفيد والشيخ أبي جعفر
والسيد المرتضى وسلار وابن إدريس وقال أبو علي بن أبي عقيل من أصاب ثوبه أو جسده خمرا ومسكر لم يكن عليه غسلهما لان الله تعالى إنما حرمهما تعبدا لا أنهما
نجسان وكذلك سبيل العصير والخل إذا أصاب الثوب أو الجسد وقال أبو جعفر ابن بابويه لا بأس بالصلاة في ثوب أصابه خمر لان الله تعالى حرم شربها ولم يحرم الصلاة في
ثوب أصابه مع أنه قد حكم بنزح ماء البئر أجمع بانصباب الخمر فيها انتهى وقال صاحب المعالم بعد نقل خلاف الصدوق والحسن بن أبي عقيل وعزى في الذكرى إلى الجعفي
وقال الصدوق وابن عقيل ولا يعرف هذا القول لسواهم من الأصحاب انتهى وقال المحقق في المعتبر الخمر نجسة العين وهو مذهب الثلاثة وأتباعهم والشافعي وأبي حنيفة
وأكثر أهل العلم وقال محمد بن بابويه وابن أبي عقيل منا ليست نجسة ويصح الصلاة مع حصولها في الثوب وإن كانت محرمة انتهى ونحن نأتي بالكلام في بحثين الأول في الخمر والثاني
في ساير المسكرات أما الأول فنقول احتج القائلون بنجاسة الخمر بوجوه منها ما قال العلامة في المختلف بقوله الأول الاجماع على ذلك فإن السيد المرتضى قال لا خلاف
بين المسلمين في نجاسة الخمر إلا ما يحكى عن شذاذ لا اعتبار بقولهم وقال الشيخ الخمر نجسة بلا خلاف وكل مسكر عندنا حكمه حكم الخمر والحق أصحابنا الفقاع بذلك
وقول السيد المرتضى والشيخ حجة في ذلك فإنه إجماع منقول بقولهما وهما صادقان فيغلب على الظن ثبوته والاجماع كما يكون حجة إذا نقل متواترا فكذا إذا نقل أحادا
انتهى ومنها قوله تعالى إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه واستدل به في المعتبر والمختلف بوجهين أحدهما إن الموصف بالرجاسة وصف بالنجاسة لترادفهما
في الدلالة والثاني إنه أمر بالاجتناب وهو موجب للتباعد المستلزم للمنع من الاقتراب لجميع الأنواع لان معنى اجتنابها كونه في جانب غير جانبها فيستلزم المنع من أكله
وملاقاته وتطهير المحل بإزالته ولا معنى للنجس إلا ذلك وزاد في المنتهى وجها آخرا وهو إن ما حرم على الاطلاق كان نجسا كالدم والبول وفي الوجوه جميعا نظر أما الأول
فلان الرجس لا نسلم إنه مرادف للنجس وقول الشيخ في التهذيب الرجس هو النجس بلا خلاف لا حجة فيه لان أهل اللغة لم يذكروا النجس في معناه بل ذكروا له معاني أخر لا يقرب
منه أيضا سوى ما ذكروا من القذر والظاهر أن القذر ليس هو النجس المصطلح بل هو ما يستقذره الطبع ويستكرهه وهو غير معنى النجس المصطلح مع أنه لو فرض أنهم ذكروا
النجس في معناه أيضا لا شكل الحكم إذ لم يعلم أن النجس في اللغة بالمعنى المصطلح بين الفقهاء المراد ها هنا وكونه في العرف والشرع أيضا بهذا المعنى ممنوع إذ لا دليل عليه
أصلا مع أن في الآية الكريمة وقع خبرا عن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام جميعا في الظاهر فلا يخلو أما أن يقدر مضاف محذوف ليصح حمله على الجميع مثل التعاطي
ونحوه وعلى هذا ظاهر أنه لا يصح جعله بمعنى النجس لان تعاطي الخمر مثلا ليس نجسا بل لا بد من حمله على معنى آخر مثل الماء ثم لأنه من بعض معانيه أو العمل المستقذر
أو القذر الذي يعاف منه العقول كما يوجد في كلام جماعة من المفسرين أو يقال إن المراد إن كل واحد رجس وحينئذ أيضا لا يصح الحمل على النجس وإلا يلزم استعمال
اللفظ في معنييه الحقيقيين بل الحقيقي والمجازي أو يجعل الرجس المذكور خبرا عن الخمر فقط ويقدر لكل من الأمور الأخر خبرا آخر وعلى هذا أيضا لا يصح حمل الرجس
على النجس لان القرينة على التقدير دلالة المذكور على المحذوف فلو حمل الرجس على النجس يلزم أن يكون الرجس المقدر أيضا كذلك ولو فرض جواز الاكتفاء في الدلالة
بمجرد الاشتراك في اللفظ وإن لم يكن المعنى في الجميع واحدا فلا ريب أنه المرجوح بالنسبة إلى الاحتمالات السابقة ولا أقل من التساوي وعلى هذا كيف يستقيم
الاستدلال وأما الثاني فلان المتبادر من الاجتناب من كل شئ الاجتناب عما يتعارف في الاقتراب منه مثلا المتعارف في اقتراب الخمر الشرب منه وفي اقتراب الميسر اللعب به وفي اقتراب الأنصاب
عبادتها فعلى هذا يكون الامر بالاجتناب عن الخمر المتبادر منه الاجتناب عن شربه كما أن الاجتناب في أخواته أيضا كذلك لا الاجتناب من جميع الوجوه وهذا كما
326

يقولون إن حرمت عليكم الميتة لا إجمال فيه إذ المتبادر تحريم أكلها قال صاحب المعالم في الرد على هذا الوجه وأما الاستناد إلى الامر بالاجتناب فموقوف
على تحقيق مرجع الضمير فيه أو لا وقد ذكر المفسرون له وجوها مبنية على الوجهين المذكورين في الوصف بالرجس أحدها أن يكون راجعا إلى المضاف
المحذوف في صدر الآية المقدر بالتعاطي أو ما أشبهه وهو خيرة الكشاف وثانيها أن يكون عايدا إلى عمل الشيطان ذكره العلامة الطبرسي (ره) واحتمل خلافه
وثالثها أنه راجع إلى الرجس قاله بعض واحتمله الطبرسي بعد ما ذكر ما حكيناه عنه ورابعها أن يكون عايدا إلى ما ذكر يعني المذكورات من الخمر وما عطف عليها
لكن بعد تأويله بما ذكر ليطابق الضمير المذكور وهذه الوجوه كلها محتملة ولا يخفى أن تعميم الاجتناب المأمور به بحيث يمكن جعله دليلا في موضع النزاع
إنما يتم على بعض هذه الوجوه وذلك البعض إن لم يكن مرجوحا بالإضافة إلى الباقي فلا أقل من مساواة له وعلى التقديرين لا يتجه الاحتجاج به انتهى وأنت خبير
بأن تعميم الاجتناب المأمور به بحيث يمكن جعله دليلا في موضع النزاع يستقيم على جميع الوجوه المذكورة مثلا يمكن أن يقال على تقدير رجوع الضمير إلى
التعاطي أن تعاطي الخمر يجب الاجتناب عنه مطلقا ومن جملة تعاطيه مزاولتها ومباشرتها في الصلاة ونحوها وهكذا القياس في البواقي فإن قلت فعلى هذا
يلزم أن يكون الأمور المذكورة الاخر من الميسر وغيره أيضا نجسة لجريان الدليل فيه قلت خروج بعض أنواع التعاطي في الأشياء الاخر لدليل خارج لا يستلزم
خروجه فيما لا دليل عليه أيضا وهو ظاهر نعم يمكن أن يقال أن تعاطي الخمر مثلا المتبادر منه شربه فيجب الاجتناب عنه لا من جميع أنواع تعاطيها لكنه غير ما أورده (ره)
وبالجملة طريق الايراد عليه أن جعل الضمير راجعا إلى التعاطي هو ما ذكرنا آنفا وإن جعل راجعا إلى الخمر ما ذكرنا سابقا ويستنبط منهما طريقه على الاحتمالات الأخر
فاستنبط وأما الثالث فضعفه ظاهر إذ ما الدليل على أن ما حرم على الاطلاق يكون نجسا والحمل على البول والدم مجرد قياس ومنها الروايات الواردة
في هذا الباب فمن جملتها الروايات الكثيرة الواردة في نزح البئر عن صب الخمر مع صحة كثير منها وقد تقدمت في بحث البئر ومن جملتها ما رواه التهذيب في
باب تطهير الثياب والكافي في باب الرجل يصلي في الثوب وهو غير طاهر والاستبصار في باب الخمر يصيب الثوب في الصحيح عن علي بن مهزيار قال قرأت في كتاب عبد الله بن
محمد إلى أبي الحسن (عليه السلام) جعلت فداك روى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام) في الخمر يصيب ثوب الرجل أنهما قالا لا بأس أن يصلي فيه إنما
حرم شربها وروى غير زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) إنه قال إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ يعنى المسكر فاغسله إن عرفت موضعه وإن لم تعرف موضعه فاغسل كله
وإن صليت فيه فأعد صلاتك فأعلمني ما أخذ به فوقع (عليه السلام) وقرأته خذ بقول أبي عبد الله (عليه السلام
) وجه الاستدلال ظهور إن المراد بقول أبي عبد الله (عليه السلام) قوله
منفردا وهو ما رواه غير زرارة ومنها ما رواه التهذيب في باب الذبايح والأطعمة في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سئلت أبا جعفر (عليه السلام) عن آنية أهل الذمة والمجوس
فقال لا تأكلوا في آنيتهم ولا من طعامهم الذي يطبخون ولا في آنيتهم الذي يشربون فيها الخمر ومنها ما رواه التهذيب في باب ما يجوز الصلاة فيه من الزيادات في
الصحيح عن عبد الله بن سنان قال سأل أبي أبا عبد الله (عليه السلام) عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجري ويشرب الخمر فيرده أفيصلي فيه قبل أن يغسله قال لا يصلي حتى
يغسله ومنها ما رواه أيضا متصلا بالسابق في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال سأل أبي أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا حاضر أني أعير الذمي ثوبي وأنا أعلم أنه يشرب
الخمر ويأكل لحم الخنزير فيرد على فاغسله قبل أن أصلي فيه فقال أبو عبد الله (عليه السلام) صل فيه ولا تغسله من أجل ذلك فإنك أعرته إياه وهو طاهر ولم تستيقن
أنه نجسه فلا بأس أن تصلي فيه حتى تستيقن أنه نجسه وهذان الخبران في الاستبصار أيضا في باب الصلاة في الثوب الذي يعار لمن يشرب الخمر ومنها ما رواه التهذيب
في باب الذبايح والأطعمة والكافي في باب من اضطر إلى الخمر لدواء في الصحيح عن الحلبي قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن دواء عجن بالخمر فقال لا والله ما أحب أن
أنظر إليه فكيف أتداوى به أنه بمنزلة شحم الخنزير أو لحم الخنزير ترون أناسا يتداوون به ومنها ما رواه التهذيب في باب تطهير الثياب والاستبصار في باب الخز يصيب
الثوب في الموثق عن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا يصلي في بيت فيه خمر ولا مسكر لان الملائكة لا تدخله ولا يصلي في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتى يغسل
ومنها ما رواه التهذيب في هذا الباب والكافي في باب الأواني يكون فيها الخمر من كتاب الأشربة في الموثق عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته
عن الدن يكون فيه الخمر هل يصلح أن يكون فيه الخل وماء كامخ أو زيتون قال إذا غسل فلا بأس وعن الإبريق يكون فيه خمرا يصلح أن يكون فيه ماء قال إذا
غسل فلا بأس وقال في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر قال تغسله ثلاثة مرات سئل يجزيه أن يصب الماء فيه قال لا يجزيه حتى يدلكه بيده ويغسله ثلاث مرات وهاتان
الروايتان كررهما التهذيب في باب الذبايح والأطعمة ومنها ما رواه التهذيب في الباب المذكور والاستبصار في باب الخمر يصيب الثوب عن خيران الخادم قال كتبت
إلى الرجل أسئله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير أيصلي فيه أم لا فإن أصحابنا قد اختلفوا فيه فكتب لا تصل فيه فإنه رجس وهذا الخبر في الكافي أيضا في باب الرجل يصلي في الثوب وهو
طاهر بتغير إذ فيه بعد قوله قد اختلفوا فيه فقال بعضهم صلى فيه فإن الله حرم شربها وقال بعضهم لا تصل فيه فكتب (عليه السلام) لا تصل فيه فإنه رجس وأورده التهذيب بهذا الطريق أيضا في باب ما يجوز الصلاة فيه من الزيادات
وفي الكافي بعد ما نقلنا قال وسألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجري أو يشرب الخمر فيرده أيصلي فيه قبل أن يغسله قال
لا يصلي فيه حتى يغسله ولا يخفى ما في هذا السند من الاشتباه لأن الظاهر أن ضمير قال راجع إلى خيران وهو يبعد أن يكون رأي أبا عبد الله (عليه السلام) وسأل عنه ومنها
327

ما رواه التهذيب في باب تطهير الثياب والاستبصار في باب الخمر يصيب الثوب والكافي في الباب المذكور عن يونس عن بعض من رواه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال
إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ مسكر فاغسله إن عرفت موضعه وإن لم تعرف موضعه فاغسله كله فإن صليت فيه فأعد صلاتك ومنها ما رواه التهذيب في
باب الذبائح والأطعمة والكافي في باب أن رسول الله صلى الله عليه وآله حرم كل مسكر عن عمر بن حنظلة قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما ترى في قدح من مسكر
يصب عليه الماء حتى يذهب عاديته ويذهب سكره فقال لا والله ولا قطرة يقطر منه في حب إلا أهرق ذلك الحب ومنها ما رواه التهذيب في هذا الباب والكافي في باب من اضطر
إلى الخمر لدواء عن أبي بصير قال دخلت أم خالد العبدية على أبي عبد الله (عليه السلام) وأنا عنده فقالت جعلت فداك أنه يعتريني قراقر في بطني وقد وصفت لي
أطباء العراق النبيذ بالسويق وقد عرفت كراهيتك له فأحببت أن أسئلك عن ذلك فقال لها وما يمنعك من شربه قالت قد قلدتك ديني فألقى الله حين
ألقاه فأخبره إن جعفر بن محمد أمرني ونهاني فقال يا أبا محمد إلا تسمع هذه المسائل لا ولا تذوقي منه قطرة فإنما تندمين إذا بلغت نفسك ها هنا وأومى
بيده إلى حنجرته يقولها ثلاثا أفهمت قالت نعم ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام) ما يبل الميل بنجس حبا من ماء وجه الاستدلال إنه لا فرق بين النبيذ والخمر بالاتفاق
ومنها ما رواه التهذيب في هذا الباب عن هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل اشتكى عينه فبعث له كحل يعجن بالخمر فقال هو خبيث
بمنزلة الميتة فإن كان مضطرا فلنحكم فليكتحل به ومنها ما رواه التهذيب في باب تطهير الثياب والكافي في باب الرجل يصلي في الثوب وهو غير طاهر عن أبي جميلة البصري
قال كنت مع يونس ببغداد وأنا أمشي معه في السوق ففتح صاحب الفقاع فقفز فأصاب ثوب يونس فرأيته قد اغتم لذلك حتى زالت الشمس فقلت له يا
أبا محمد إلا تصلي قال فقال لي ليس أريد أصلي حتى أرجع إلى البيت وأغسل هذا الخمر من ثوبي فقلت له هذا رأي رأيته أو شئ ترويه فقال أخبرني هشام بن الحكم
أنه سئل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الفقاع فقال لا تشربه فإنه خمر مجهول فإذا أصاب ثوبك فاغسله وروى التهذيب هذا الخبر في باب الذبايح والأطعمة أيضا بطريق
مغاير لطريق ما رواه في هذا الباب وروى الاستبصار أيضا في باب تحريم شرب الفقاع بهذا الطريق الأخير وجه الاستدلال عدم الفرق بين الفقاع والخمر
بالاتفاق وإشعار قوله (عليه السلام) بأن ثبوت الحكم المذكور له باعتبار إنه خمر كما لا يخفى ومنها ما رواه التهذيب في هذا الباب في الصحيح عن محمد بن مسلم عن
أحدهما (عليهما السلام) قال سئلته عن نبيذ قد سكن غليانه فقال قال رسول الله صلى الله عليه وآله كل مسكر حرام قال وسئلته عن الظروف فقال نهى رسول
الله صلى الله عليه وآله عن الدبا والمزفت وزدتم أنتم الختم يعني الغضار والمزفت يعنى الزفت الذي يكون في الزق ويصب في الخوابي ليكون أجود للخمر قال وسئلته
عن الجراد الخضر والرصاص قال لا بأس بها وهذا الخبر في الكافي أيضا في باب الظرف من كتاب الأشربة واعلم إن التهذيب نقل هذا الخبر في هذا الباب عن الحسين
بن سعيد مرسلا بهذا النحو الذي ذكرنا ونقله في باب تطهير الثياب عن الكافي منتهيا إلى الحسين بن سعيد إلى آخر السند لكن سقط ثمة فقال قال رسول الله صلى
الله عليه وآله إلي فقال نهى ولعله سقط سهوا إذ على هذا لا يصير الكلام مستقيما مع أن أصله المأخوذ منه ليس كذلك ولم يذكر أيضا ثمنه قال وسئلته عن الجراد إلى آخره
ومنها ما رواه التهذيب في هذا الباب والكافي أيضا في الباب المذكور عن أبي ربيع الشامي عن أبي عبد الله (
عليه السلام) قال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله
عن كل مسكر وكل مسكر حرام قلت ما الظروف التي يصنع فيها قال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الدبا والمزفت والختم والنقير قلت وما ذاك قال
الدبا القرع والمزفت الدنان والحنتم الجرار الذرق والنقير الخشب كان أهل الجاهلية ينقرونها حتى يصير لها أجواف ينبذون فيها ومنها رواية زكريا بن
آدم المتقدمة عند شرح قول المصنف والمرق المنجس بقليل الدم يطهر بالغليان ومنها رواية إسماعيل بن مرار عن يونس المتقدمة في بحث طهارة مما لا تحله الحياة
من الميتة واحتجوا للقول بالطهارة بالأصل والاستصحاب والروايات أيضا منها ما رواه قرب الإسناد في الصحيح عن علي بن رباب قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الخمر والنبيذ والمسكر يصيب ثوبي أغسله أو أصلي فيه قال صل فيه إلا أن تقذره فتغسل منه موضع الأثر إن الله تبارك وتعالى إنما حرم شربها ومنها
ما رواه الاستبصار في باب الخمر يصيب الثوب في الصحيح عن الحسن بن أبي سارة قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إن أصاب ثوبي شئ من الخمر أصلي فيه قبل إن
أغسله قال لا بأس أن الثوب لا يسكر وهذا الخبر في التهذيب أيضا في باب تطهير الثياب لكن في نسخة بدل الحسن حسين وعلى هذا نخرج الخبر عن الصحة لان حسينا
ليس مذكور في كتب الرجال والظاهر أن التهذيب وقع تحريف بقرينة ما في الاستبصار وإن الحسين ليس مذكورا في كتب الرجال وبالجملة يكفي في صحة الخبر ما
في الاستبصار ومنها صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدمة في بحث نجاسة الخنزير ومنها ما رواه التهذيب في باب المياه وأحكامها من الزيادات في الصحيح قال و
سأل علي بن جعفر أخاه موسى بن جعفر (عليه السلام) عن الرجل يمر في ماء المطر وقد صب فيه خمر فأصاب ثوبه هل يصلي فيه قبل أن يغسله فقال لا يغسل ثوبه
ولا رجله ويصلي فهي ولا بأس وهذا الخبر في الفقيه أيضا في باب المياه ومنها ما رواه التهذيب في باب ما يجوز الصلاة فيه من الزيادات في الصحيح عن
معاوية بن عمار قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الثياب السابرية يعملها المجوس وهم أجناب وهم يشربون الخمر ونساؤهم على تلك الحال ألبسها ولا
328

أغسلها وأصلي فيها قال نعم قال معاوية فقطعت له قميصا وخطته وفتلت له إزارا ورداء من السابري ثم بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع النهار وكأنه
عرف ما أريد فخرج فيها إلى الجمعة ومنها ما رواه التهذيب في باب تطهير الثياب والاستبصار في الباب المذكور في الموثق عن عبد الله بن بكير قال سأل رجل أبا عبد
الله (عليه السلام) وأنا عنده عن المسكر والنبيذ يصيب الثوب قال لا بأس وهذا الخبر في قرب الإسناد وأيضا بطريق عال إذ فيه محمد بن الوليد عن عبد الله بن بكير قال سئل
رجل إلى آخر الحديث وفيه بدل يصيب يصيبان والراوي في التهذيب والاستبصار عن أبي بكير حسن بن علي بن فضال وباقي سنده صحيح ولا يخفى أن هذا الخبر
باعتبار انتهائه إلى ابن بكير بالطريقين المعتبرين إذ الظاهر أن محمد بن الوليد هو الثقة كما يظهر من ملاحظة الرجال وكون ابن بكير ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما صح
عنه قوي معتبر جدا ومنها ما رواه التهذيب والاستبصار في البابين المذكورين عن الحسن بن أبي سارة قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أنا نخالط اليهود والنصارى
والمجوس وندخل عليهم وهم يأكلون ويشربون فيمر ساقيهم فيصب على ثيابي الخمر فقال لا بأس به إلا أن تشتهي أن تغسله لاثره ومنها ما روياه في البابين المذكورين
عن حماد بن عثمان قال حدثني الحسين بن موسى الحناط قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يشرب الخمر ثم يمجه من فيه فيصيب ثوبي فقال لا بأس ومنها ما روياه في
البابين المذكورين عن عبد الحميد بن أبي الديلم قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل يشرب الخمر فيبصق فأصاب ثوبي من بصاقه فقال ليس بشئ وكرر هذا الخبر في
التهذيب في باب الذبايح والأطعمة ومنها ما رواه التهذيب في باب الذبايح والأطعمة عن زكريا بن إبراهيم قال دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت أني رجل من أهل
الكتاب وأني أسلمت وبقي أهلي كلهم على النصرانية وأنا معهم في بيت واحد لم أفارقهم بعد فآكل من طعامهم فقال لي يأكلون لحم الخنزير قلت لا ولكنهم يشربون
الخمر قال لي كل معهم وأشرب ومنها ما رواه التهذيب في هذا الباب والكافي في باب الأواني يكون فيها الخمر عن حفص الأعور قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الدن
يكون فيه الخمر ثم نجففه نجعل فيه الخل قال نعم ومنها ما رواه التهذيب في الباب المذكور عن علي الواسطي قال دخلت الجويرية وكانت تحب عيسى بن موسى على
أبي عبد الله (عليه السلام) وكانت صالحة فقالت أني أتطيب لزوجي فنجعل في المشطة التي أمتشط بها الخمر وأجعل في رأسي قال لا بأس ومنها مرسلة زرارة التي تضمنتها
صحيحة علي بن مهزيار المتقدمة في دلايل النجاسة ومنها ما رواه قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال وسئلته عن رجل مر بمكان قد رش فيه خمر قد
شربته الأرض وبقي نداه أيصلي فيه قال إن أصاب مكانا غيره فليصل غيره وإن لم يصب فليصل ولا بأس هذا ما يمكن أن يستدل به من الجانبين وفي حجج الطرفين
جميعا نظر أما حجج النجاسة فالحجة الأولى منها أي الاجماع ففيه أن بعد نقل الخلاف من الصدوق والحسن والجعفي كيف يعتد بدعوى الاجماع فإن قلت هؤلاء
معلومو النسب فلا عبرة بمخالفتهم قلت لا بد لك من تحقيق القول في الاجماع على وجه الاجمال ليظهر حقيقة الحال أعلم إن الاجماع الذي يدعي أصحابنا أما
أن يكون في زمان الغيبة أو في زمان حضور الأئمة (عليهم السلام) فإن كان في زمان الغيبة أي يدعون إن الاجماع وقع في زمان الغيبة فالتمسك بمثل هذا الاجماع مشكل
إذ بعد ما فرض أنا علمنا أو ظننا إن جميع العلماء الامامية ذهبوا إلى قول فلا حجة فيه لان العبرة عندنا بقول المعصوم (عليه السلام) فقول جميع العلماء مع الخلو
عن قول المعصوم (عليه السلام) لا حجة فيه وما يقال أنه حينئذ يجب على المعصوم (عليه السلام) أن يظهر القول بخلاف ما أجمعوا عليه لو كان باطلا فلما لم يظهر ظهر أنه حق ليس مما لا يخلو
عن المناقشة سيما إذا كانت في جملة روايات أصحابنا رواية بخلاف ما أجمعوا عليه إذ لا فرق ظاهرا بين أن يكون إظهار الخلاف على تقدير وجوبه بعنوان أنه قول
ففيه وإن لم يعلم أنه المعصوم (عليه السلام) إذ لم يقل القائلون بوجوب الاظهار حينئذ إنه يجب على الإمام (عليه السلام) أن يظهر القول بالخلاف مع تعريفه نفسه (عليه السلام) للناس
بل يقولون أنه يكفي أن يظهر القول وإن لم يعلم العلماء إنه الإمام (عليه السلام) وبين أن يكون الخلاف مدلولا عليه بالرواية الموجودة في أحاديث أصحابنا ولا يخفى
أنه على هذا لا يبعد القول أيضا بأن قول الفقيه المعلوم النسب أيضا يكفي في ظهور الخلاف فتدبر وإن كان في زمان الحضور أي يدعون أنه وقع الاجماع في زمان
حضور إمام من الأئمة (عليهم السلام) وحينئذ فأما أن يدعوا الاجماع من الأصحاب فقط دون الإمام (عليه السلام) فحاله مثل ما سبق وإن ادعوه مطلقا وحينئذ وإن أمكن دفع ما
يقال عليه بأن دعوى مثل هذا الاجماع مما لا فائدة فيها على رأينا من أن العبرة بقول المعصوم (عليه السلام) لا بالاتفاق إذ يكفي أن ينقل أن المعصوم (عليه السلام)
قال هكذا ولا حاجة إلى أن يضموا إليه قول الأصحاب أيضا بأن يقال لعلهم لم ينقل إليهم خبر خاص من المعصوم (عليه السلام) بالحكم لكنهم عرفوا بالنقل المتواتر
وغيره أن الإمام (عليه السلام) قايل بهذا الحكم فلذا لم ينقلوا الخبر عنه بل نقلوا أنه (عليه السلام) قايل بهذا الحكم ولا شك أن مثل هذا مما لا استبعاد فيه بل كثيرا ما
يقع في الوجود أمثال ذلك بأن يعلم أو يظن أن شخصا مثلا معتقده وطريقته كذا من غير أن يكون خصوص خبر منقولا عنه في هذا الباب وأنت خبير بأن إنكار
تحقق مثل هذا مكابرة بلا مرية إذ نعلم قطعا في بعض المسايل أن الإمام (عليه السلام) قايل به مع قطع النظر عن خبر ورود عنه مثل المسح على الرجلين ونحوه كيف
وإنكار الضروريات مما لا سبيل إليه وهي أيضا من هذا القبيل إذ ليس علمنا بها من قبل الأحاديث المنقولة بل بنحو آخر لا نرى أن العوام أيضا يعلمونها ضرورة
من دون علمهم بالاخبار قطعا وإذا جاز أن يصل مثل ذلك إلى حد الضرورة التي يعلمها الخواص والعوام قطعا فأي استبعاد في أن يصل إلى حد القطع أو الظن
329

للخواص أو لبعضهم وهو ظاهر وأما ضم قول الأصحاب حينئذ إلى قوله (عليه السلام) فكأنه لتقوية الحكم وتأييده إذ بعد ما ثبت إن أحدا من الأصحاب أيضا لم يذهب إلى
خلاف حكم يقوى العلم أو الظن بأن الإمام (عليه السلام) كان قايلا به ومعتقدا له لكن لا يخفى إن في أكثر الاجماعات التي ادعوها لا يحصل العلم أو الظن بأن مراد مدعيها
أن الامام الظاهر (عليه السلام) داخل في جملة القائلين بالحكم باعتبار نقل وصل إليهم أو غيره من القراين والامارات بل يختلج بالبال أن يكون حكمهم بالاجماع أما لأنهم
رأوا أن علمائنا ذهبوا إلى قول في زمان الغيبة ولم يظهر له مخالف أو ظهر مخالف معلوم النسب فأطلقوا القول بالاجماع بناء على معتقدهم أنه لو كان مخالفا للحق
لوجب على الإمام (عليه السلام) أن يظهر الحق ويفشه بين الناس وكذا في زمان الحضور أيضا وقد عرفت ما في هذا البناء أو يكون مرادهم بالاجماع الشهرة ويكون الشهرة
معتبرة عندهم بناء على ما نقل عنهم (عليهم السلام) خذ المجمع عليه بين أصحابك واترك الشاذ النادر إذ المجمع عليه ها هنا بمعنى المشهور بقرينة واترك الشاذ
النادر وحينئذ أيضا لا مجال للقول بحجيته وهذا الاحتمال الأخير وإن قيل ببعده لان الثقة إذا قال أن الحكم الفلاني مجمع عليه وكان للاجماع معنى مصطلح في
عرفهم فالقول بأنه أراد معنى آخر غير مصطلح عليه من دون إقامة قرينة عليه فيه سوء ظن به واتهام له لكن الاحتمال الأول لا بعد فيه إذ بعد ما يكون المقدمة
المذكورة من وجوب إظهار الحق على الإمام (عليه السلام) لو وجد مخالفا له متفقا عليه بين الأصحاب معتقده لشخص فلا فساد في حكمه بالاجماع على أمر بمجرد
اعتقاد ذهاب الأصحاب إليه بناء على المقدمة المذكورة على أن الاحتمال الأول أيضا كأنه يرتفع البعد عنه بعد تتبع المواضع التي يدعي فيها الاجماع
ولعله كان هذا الاصطلاح أيضا مشهورا بينهم ومع هذا كله في المقام شئ آخر وهو أنه سواء قلنا أنه يبنون الامر على الاحتمال الأول أو على الاحتمال الثاني
أنه قد يقع في بعض المواضع بل في كثير منه كما يظهر بالتبع أن بعضهم يدعي الاجماع في حكم مع أن ذلك الحكم ليس مما لم يظهر فيه مخالف بل وليس مما يكون مشهورا أيضا بحيث يكون
مخالفه شاذا نادرا وعند ذلك يظهر أن بعضهم كأنه لم تثبت حق التثبيت في تفتيش الأقوال وتحقيق الحال وحينئذ يضعف الظن من هذه الجهات التي ذكرنا بما ادعوه من
الاجماع وغاية ما يمكن أن يقال في هذا الباب إن من الاجماعات ما وصل إلى حد حصل القطع بأن الإمام (عليه السلام) قايل به وأنه من طريقته وسنته كمسح الرجلين
ونحوه فلا خفاء في حجيته ولا كلام فيه ما لم يصل إلى ذلك الحد فإن كان جمع من أجلة الأصحاب ادعوه ولم يظهر من أحد منهم دعوى مخالفة لدعواهم وكذا
لم يظهر أيضا خلاف بين أصحابنا المتقدمين فيه فلا يبعد القول حينئذ بحجيته لان ما ادعوه من الاجماع وإن فرضنا أنه ليس بمعنى أن الإمام (عليه السلام) قايل
بالحكم بل بمعنى أن ما سواه قايل به فيكون هو أيضا قايلا به بناء على المقدمة التي ذكرنا من أنه لو كان باطلا لوجب عليه (عليه السلام) إظهار الحق أو بمعنى الشهرة
وزعموا أنها حجة أو بمعنى أنه لم يظهر لهم مخالف في هذا الحكم ويكون معتقدهم أن مثل هذا كاف في الحكم أو بمعنى آخر يقرب مما ذكرنا إن كان لكن لا شك
أن حكما من الاحكام إذا لم يظهر به قايل من أصحابنا الإمامية (عليهم السلام) وكان فتاواهم وأقوالهم مطابقة على خلافه فحينئذ يحصل الظن القوي بأنهم أخذوه
خلافه من الإمام (عليه السلام) بعنوان لم يبق فيه ريب ولا خلاف إذ العادة لم تجر بأن ما لا يكون كذلك لم يقع فيه خلاف بينهم مع كثرتهم ومخالفة أذهانهم في
إدراك الأمور واستنباط الفروع ومباينة مشربهم في تأسيس المباني وتأصيل الأصول سيما إذا وجدت الروايات المتعارضة عن الأئمة (عليهم السلام)
في طرفي المسألة إذ على هذا يصير الظن أقوى لما نرى من عادتهم ونشاهد من ديدنهم انه قلما يكون أن يكون رواية في حكم ولم يوجد به قايل من أصحابنا
وسيما إذا كانت الروايات الواردة في خلاف ما أجمعوا عليه كثيرة معتبرة وخصوصا إذا كانت الروايات الدالة على ما أجمعوا عليه ضعيفة شاذة
نادرة وإذا لم يوجد عليه رواية فبطريق الأولى واحتمال أن يكون مخالف من الأصحاب المتقدمين ولم يصل خلافه إلى مدعى الاجماع بعيد أيضا جدا لما
نرى من شدة اجتهادهم في تتبع الأقاويل وتفحص المذاهب حتى أنا نراهم في المسايل النادرة قد تتبعوا الأقاويل ونقلوا خلافا نادرا من الأصحاب إن كان
بل بعضهم قد آل جهدا في تتبع أقوال العامة أيضا بحيث لم يفت منه شئ إلا ما شذ وندر فكيف ظنك بأقوال الخاصة وبالمسائل المتعارفة التي تعم البلوى
بها وبالجملة في مثل هذا المقام إن لم يحصل القطع بالحكم بعد ملاحظة ما ذكرنا فلا كلام في حصول الظن القوي وإنكاره مكابرة ومثل هذا الظن لا يقصر
عن الظن الذي يحصل من خبر الواحد بل يكون في أكثر المواضع أقوى منه وأشد فحينئذ ان لم يكن على خلاف ما أدعوه من الاجماع خبر صحيح معتمد عليه فلا إشكال وإن كان
فإن لم نقل برجحان الاجماع عليه فلا أقل من التساوي إذ أدلة حجية خبر الواحد أيضا على تقدير تمامها ليست بحيث يوجب العمل به مع معارضة مثل هذا
الظن القوي له سيما مع تأييده بما ورد في الروايات من أنه خذ المجمع عليه بين أصحابك واترك الشاذ النادر لشموله لما نحن فيه ظاهرا فيحكم بالتساقط و
يرجع إلى ما اقتضاه أصل ودليل آخر ولا يخفى أنه حينئذ إذا ظهر خلاف من واحد من أصحابنا المتأخرين أو جمع منهم فالظاهر أنه لا اعتداد به ووجهه بعد
تأمل ما ذكرنا ظاهرا لا يحتاج إلى بيان وأما إذا لم يكن كذلك بل ادعى بعض الأصحاب إجماعا على حكم وادعى
بعضهم الاجماع على خلافه أو ادعى الخلاف فيه من المتقدمين
أو نقل مدعى الاجماع نفسه خلافا منهم أو لم يدع أحد خلافا لكن رأينا في كلام القدماء خلافه أو ظهر لنا بدليل أنهم خالفوا فيه فحينئذ لا سبيل إلى حجيته
330

ولا وجه للتعويل عليه نعم إذا ثبت أنه كان مشهورا بين قدماء الأصحاب بحيث كان مخالفه شاذا نادرا فلا يبعد حينئذ جعله من مرجحات الدليل ومؤيدات المدلول
باعتبار الرواية التي نقلنا آنفا وباعتبار أن الظن يذهب غالبا إلى أن في مثل هذه المواضع وقوع الخطأ من القليل أكثر منه من الكثير وأما جعله حجة برأسها وأخذه دليلا
بانفراده فلا وإذ قد تمهدت هذه المقدمات فنقول إن ما نحن فيه ظاهر أنه ليست من الاجماعات القطعية التي لا كلام فيها كمسح الرجلين ولا من القسم الاخر الذي أيضا
ذكرنا إن الظاهر حجيته إذ لم يدع جمع من الأصحاب الاجماع في نجاسة الخمر بحيث لم يظهر خلافه إذ ليس دعوى الاجماع في كلام القدماء سوى الشيخ فإنه قال به في المبسوط
والاستبصار والسيد المرتضى أيضا على ما نقله العلامة منه ليس في كلامه دعوى الاجماع بل قال أنه مخالف شاذ نادر ومع ذلك ظهر الخلاف من الصدوق (ره)
والحسن والجعفي بحيث لا كلام فيه على أنه يظهر من بعض الروايات التي نقلنا في نجاسة الخمر أنه كان بين قدمائنا من أصحاب الأئمة (عليهم السلام) أيضا خلاف في هذه المسألة
كصحيحة علي بن مهزيار ورواية خيران وعلى هذا يكون ما نحن فيه من قبيل القسم الأخير الذي لا تعويل عليه بانفراده بل لا يبعد أن يمنع كون نجاستها مشهورة أيضا بين
أصحاب الأئمة (عليهم السلام) بل الشهرة بين المتأخرين منهم وبالجملة مثل هذا الاجماع والشهرة لا يصلح حجة على حدة بل إن كان ولا بد فللتأييد فينبغي حينئذ النظر في الدلايل
الاخر ومعارضاتها حتى يظهر أن القوة لا يهما هذا وأما الحجة الثانية أي الآية الكريمة فقد مر الكلام فيها مفصلا وأما الروايات فما يتعلق منها بالبئر
ففيه أنه قد تقدم في بحث البئر إن روايات النزح معارضة بما يدل على خلافها ولا يبعد حملها على الاستحباب بل هو ظاهر وعلى تقدير حملها على الاستحباب لا يبقى
دلالتها على نجاسة الخمر إذ استحباب النزح لعله لأجل الاستقذار الذي فيه لكن لا بحيث يكون واصلا إلى حد النجاسة التي بالمعنى المراد ها هنا أو لأجل امتزاج ماء
البئر بالاجزاء الخمرية التي لا يكاد يسلم شارب ماء البئر من شربها بل على تقدير حمل أمر النزح على الوجوب أيضا لا يبعد أن يقال لعله للتعبد أو للاستقذار المذكور
لا للنجاسة لكن فيهما بعد أو لأجل الامتزاج المذكور وليس ببعيد وأما صحيحة علي بن مهزيار ففيه إن صيغة خذ لا ظهور لها في الوجوب في عرف أئمتنا (عليهم السلام)
نعم إذا وردت في روايات متعددة صيغة الامر ولم يوجد ما يدل على الاستحباب في روايات أخرى بل ولم يظهر أيضا قول من الأصحاب بالاستحباب فحينئذ لا يبعد أن
يقال بظهورها في الوجوب كما ذكرنا سابقا وفيما نحن فيه ليس كذلك إذ يوجد الروايات الدالة على الاستحباب وكذا القول بخلاف الوجوب من الأصحاب ويمكن أيضا
أن يقال أنه لا ظهور للرواية في أن المراد بقول أبي عبد الله (عليه السلام) هو قوله الذي انفرد به (عليه السلام) إذ لعله يكون قوله الذي مع قول أبي جعفر (عليه السلام) ويكون التعبير بهذه
العبارة المشتبهة للتقية إذ سيجئ أنه يمكن أن يكون التقية في القول بالنجاسة وأما صحيحه محمد بن مسلم ففيها إن النهي لا يدل على الحرمة كما ذكرنا في الامر وأيضا يجوز أن يكون
النهي عن الاكل في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر باعتبار أنها قل ما ينفك عن الاجزاء الخمرية التي ربما لا يسلم الطعام الموضوع فيها عن مخالطتها والامتزاج بها وأما
صحيحة ابن سنان ففيها أيضا إن النهي عن الصلاة لا ظهور له في الحرمة على ما مر من أن صحيحتها الأخرى المنقولة قرينة على حمل النهي الوارد في هذه الصحيحة على الاستحباب
ومع الحمل على الاستحباب لا يبقى الدلالة على النجاسة إذ الاستحباب يكفيه القذارة الغير الواصلة إلى حد النجاسة كما مر وأما صحيحتها الأخرى الدالة بظاهرها أنه قرر
الإمام (عليه السلام) السايل بأن الخمر ينجس الثوب ففيها أن كونه من باب التقرير الذي يكون حجة منظور فيه إذ لا يجوز أن يكون قوله (عليه السلام) على تقدير التنزل والاستظهار
ولا نسلم أنه حينئذ يكون من باب الاغراء بالقبيح القبيح أو من باب تأخير البيان عن وقت الحاجة وهو ظاهر وأما صحيحة الحلبي ففيها أن كون الخمر بمنزلة شحم الخنزير أو لحم الخنزير لا يدل
على نجاستها إذ يجوز أن يكون بمنزلتهما في الحرمة وحرمة الاستعمال إذ المنزلة لا عموم لها في جميع الأوصاف مع أنه يمكن أن يكون الحكم عليها بأنها بمنزلتهما من باب المجاز والمبالغة
وهو وإن كان في خلاف الظاهر لكن لا يبعد المصير إليه بعد حصول المعارض وأما موثقة عمار والأولى ففيها بعد القدح في السند حمل النهى على الكراهة مع أن النهي الأخير
الذي فيها محمول على الكراهة عند القائلين بالنجاسة فينبغي حمل هذا النهي أيضا عليها رعاية للمقارنة وأما موثقة الأخرى ففيها أيضا القدح وحملها على استحباب
الغسل مع أن القائلين بالنجاسة الظاهر أنهم لا يقولون بوجوب غسل الإناء الذي يشرب فيه الخمر ثلث مرات فلا بد من حمله على الاستحباب وبعد ذلك الحمل لا يبقى الدلالة
على النجاسة بحالها كما عملت وأما رواية خيران فمع ضعف سندها يحمل النهى الواقع فيها على التنزيه وحكمه على الخمر بأنها رجس لا يدل على النجاسة كما علمت في
الآية والمعنى المناسب للرجس في هذه الرواية هو القذر على تقدير حمل النهي على الاستحباب كما لا يخفى وأما الضميمة التي لهذه الرواية في الكافي فجوابها علم مما قلنا في الصحيحة
الأولى لابن سنان مع ما فيها من ضعف السند والاشتباه فيه وأما مرسلة يونس ففيها مع الارسال حمل الامر على الاستحباب وكذا رواية عمر بن حنظلة فيها مع القدح
في السند حمل الامر الوارد فيها بالاهراق على الاستحباب على أنك قد عرفت في مبحث الماء القليل أنه لا يبعد القول بعدم نجاسته بالملاقاة فمن هذه الجهة أيضا لا بد من
حمل هذا الامر على الاستحباب وأيضا يجوز أن يكون الامر بالاهراق للحرمة باعتبار أنه لا يكاد يسلم شارب ماء الحب الذي وقع فيه الخمر عن شرب ما مازجه من أجزائها وأما رواية أبي
بصير ففيها أيضا بعد القدح في السند أن لفظة ينجس الواقعة فيها لا يظهر أن يكون بمعنى النجاسة التي في عرفنا المرادة ها هنا مع أن باب المجاز مفتوح وبعد حصول
التعارض لا حجر في ارتكابه وأما رواية هارون ففيها أيضا ضعف السند وإن الحكم على الخمر بالجنابة وأنها بمنزلة الميتة لا يدل على النجاسة على قياس ما مر مرارا وأما
331

رواية أبي جميلة فيعلم حالها بمقايسها إلى ما ذكر أيضا وأما صحيحة محمد بن مسلم ففيها إن النهي عن الدبا والمزفت من ظروف الخمر لا يدل على النجاسة إذ لعله يكون
للتنزيه وأيضا يجوز أن يكون باعتبار الحرمة تجنبا عن أن يخالط ما يقع فيه بالاجزاء الخمرية الباقية فيهما وهو ظاهر مع أنه نفي البأس في ذيل هذه الرواية عن الجراد
الخضر والرصاص ودلالة هذا على الطهارة أصرح من دلالة سابقة على النجاسة كما لا يخفى وأما رواية أبي ربيع ففيها أيضا مثل ما في سابقه سوى ما قلنا في ذيل مع
ضعف السند وأما رواية زكريا فمع ضعف سندها يمكن حملها على استحباب الاهراق وإن الحكم بالفساد للتنزه مع أنه يجوز أن يكون الاهراق والفساد لأجل حرمتها
لا لنجاستها على قياس ما مر غير مرة وأما رواية إسماعيل بن مراد ففيها أيضا القدح في السند مع أن فيها لفظة الكراهة والكراهة ليست ظاهرة في الحرمة إن لم يكن
ظاهرة في خلافها وعلى تقدير كونها بمعنى الحرمة أيضا يجوز أن يكون حرمة الاكل في آنية أهل الكتاب باعتبار ما خالطه من الاجزاء الخمرية المحرمة لا النجسة واقترانها
بالميتة أيضا لا يدل على حرمتها لجواز أن يكون الاقتران باعتبار اشتراكهما في رجحان التنزه عنهما أعم من أن يكون باعتبار الوجوب أو الندب أو باعتبار اشتراكهما
في الحرمة هذا ما يتعلق بحجج النجاسة وأما حجج القول بالطهارة فالحجة الأولى منها أي التمسك بالأصل فيه أنه لا عبرة بالأصل بعد وقوع المخرج عنه من الروايات و
غيرها لكن قد عرفت حال الجميع وسيظهر أيضا حقيقة الحال بوجه أتم وأما الثانية أي الاستصحاب ففيه أنه لا نسلم أنه من الاستصحاب الذي يكون حجة وقد فصلنا
القول سابقا في الاستصحاب بعض التفصيل فراجعه وأما الروايات فأما صحيحة ابن رباب فيقال أنها يحمل على التقية جمعا بين الأدلة وأورد عليه أنه لا تقية فيه إذ
أكثر علماء العامة أيضا على نجاسة الخمر وأجيب بأن التقية لعلها من السلاطين إذ سلاطين ذلك الوقت يزاولون الخمر ولا يجتنبون عنها فلعل الحكم بالنجاسة يكون
شاقا عليهم وشناعة لهم وإزراء بهم وقس عليها الحال في صحيحة ابن أبي سارة أيضا وأما صحيحة ابن جابر ففيها ما تقدم أن الحكم بالتنزه لعله باعتبار أن آنيتهم مظنة
وقوع الخمر لا أنه مع اليقين بإصابة الخمر وعدم غسلها أيضا يكون النهي على سبيل التنزه بقرينة ضمها مع لحم الخنزير وأما صحيحة علي بن جعفر ففيها محامل كثيرة
إذ يجوز أن يحمل على أن صب الخمر كان قبل وقوع المطر وبعد وقوع المطر قد طهر المكان فلا بأس بأن يصيب الثوب ماء المطر حينئذ وأن يحمل على أن صب الخمر في الماء كان في أثناء
التقاطر وكذا إصابة ماء المطر للثوب أيضا كان في أثنائه وأن يحمل على أن ماء المطر لعله كان كرا وأن يحمل على أن القليل لا ينجس بملاقاة النجاسة ومع وجود
هذه المحامل وإن كان بعضها بعيدا لا يبقى الظن بطهارة الخمر وأما صحيحة معاوية فجوابها ظاهر إذ بمجرد أن المجوس يشربون الخمر لا ينجس الثياب التي يعملونها وإن كانت
الخمر نجسة لجواز أن لا يصيبها الخمر وأن لا يباشروها برطوبة وأما موثقة ابن بكير فيحمل أيضا على التقية مع أن سندها لا يخلو عن مناقشة ويحتمل أيضا
أن يكون نفي البأس عن لبس الثوب والتمتع به أي لا يحرم لبسه لا أنه طاهر وأما رواية ابن أبي سارة ففيها مع ضعف السند الحمل على التقية والاحتمال المذكور
في سابقها وأما رواية حسين بن موسى ففيها أيضا ضعف السند والحمل على التقية والاحتمال السابق مع أنه يجوز أن يكون المراد أن بصاق شارب
الخمر أصاب الثوب من دون أن يكون مخالطا للخمر وهذا ليس بنجس لكن فيه بعد إذ الظاهر أن ضمير يمجه فيصيب ثوبي راجع إلى الخمر وإن كان مذكرا بتأويل وعلى
هذا لا يستقيم ذلك الاحتمال وأما رواية عبد الحميد فالاحتمال المذكور ظاهر فيها مع ضعف السند واحتمال التقية والمعنى الاخر وأما رواية زكريا بن
إبراهيم ففيها القدح في السند واحتمال التقية وأيضا يجوز على بعد أن يكون الامر بالاكل والشرب معهم باعتبار أنه ليس بمعلوم مباشرتهم للخمر وإن
كانوا ممن يشربونها فإن قلت فعلى هذا ينبغي أن لا ينهى عن الاكل معهم باعتبار أكل لحم الخنزير أيضا سواء بسواء قلت لعل النهي عنه تنزها باعتبار
غلظة نجاسة لحم الخنزير بالنسبة إلى الخمر وأما رواية حفص ففيها أيضا القدح في السند والتقية واحتمال أن يكون المراد أنه يجعل فيه الخل بعد الغسل تعويلا
على ما ظهر من نجاسة الخمر من خارج لا يقال على تقدير معلومية نجاستها من خارج أي حاجة إلى السؤال الذي في هذه الرواية لان السؤال لعله باعتبار مظنة أنه
بعد الغسل أيضا لا يصلح لان يجعل فيه الخل أما باعتبار نجاسة الاجزاء القليلة التي كادت أن يبقى في الدن بعد الغسل كما نشاهد من بقاء الاجزاء
في الفرج والمسامات الضيقة بعد الغسل أو باعتبار حرمتها وعلى أي حال الاخفاء في الحاجة إلى السؤال وأما رواية علي الواسطي ففيها أيضا القدح
في السند والتقية واحتمال أن يكون نفي البأس باعتبار عدم حرمة هذا الفعل ولا ينافي أن يجب غسل الرأس بعد ذلك الفعل وأما مرسلة زرارة ففيها مع
الارسال احتمال التقية وأما ما رواه قرب الإسناد فمع ضعف سنده يحتمل التقية ويحتمل أيضا أن يكون المراد بنفي البأس عن الصلاة في ذلك المكان نفي البأس عنها مع
عدم السجود عليها وعدم ملاقاته بالرطوبة لا يقال حينئذ لا حاجة إلى السؤال لأنه ممنوع إذ يجوز أن يتوهم أنه لا يصلح الصلاة في مكان إصابة الخمر وإن لم يلاق برطوبة
كما ورد أنه لا يصلي في بيت فيه خمر لكن لا يخفى أن هذا الاحتمال لا يخلو عن بعد إذ ترك الاستفصال مع قيام الاحتمال فيه دلالة ما على العموم مع أن الظاهر أن الشايع في ذلك العصر أنهم كانوا يصلون على الأرض ويسجدون عليها من دون أن يبسطوا ثوبا عليها ويضعوا أشياء للسجدة نحو تربة الحسين (عليه السلام)
ونحوها وعلى هذا فالفرد المتعارف لما كان أن يسجد على المكان فدلالة الرواية على طهارة الخمر ظاهرة هذا ما يتعلق بحجج الطهارة وإذ قد أطلعت
332

على هذا التفصيل فنقول لا ريب أن الروايات التي أوردت للنجاسة لو كانت مخلاة وطبعها لكان يظهر من مجموعها النجاسة وإن كان في كل منها إمكان مناقشة وكذا
روايات الطهارة أيضا فلا بد من الجمع بينهما وطريق الجمع أما بحمل روايات النجاسة على الاستحباب وأنت خبير بأن حمل روايات
الطهارة على التقية بالتوجيه الذي ذكرنا من التقية من الامراء والسلاطين المولعين بها المزاولون بها فيه كمال البعد إذ بعد أنهم (عليهم السلام) لا يتقون منهم في
باب الحكم بحرمة الخمر ويبالغون فيها كل المبالغة حتى أنهم حكموا (عليهم السلام) أن مدمن الخمر كعابد الوثن إلى غير ذلك من التشديدات العظيمة والمذمات الجسمية كما يظهر
من تتبع ما ورد في باب الخمر مع كمال ولوعهم لعنهم الله تعالى في شربها وحرصهم فيه فأي معنى للتقية منهم في الحكم بطهارتها إذ التقية لو كانت لكانت في الحكم
بالحلية أولى فإن قلت الحرمة لما كانت صريحة في القرآن المجيد وكانت من ضروريات الدين فالحكم بها لا فساد فيه إذ لا مجال لاحد أن ينكر على من حكم
بها ويتعرض له قلت أصل حرمتها وإن كان في صريح القرآن ومن ضروريات الدين لكن لا شك أن عظم حرمتها وكونها بالغة إلى ما بلغت من المراتب التي في أحاديثنا
ليس في صريح القرآن ولا من ضروريات الدين فينبغي أن يتقوا فيه فترك التقية فيه وإيصال المبالغة إلى حد لا يتصور أبلغ منه واستعمالها في الحكم بالطهارة لا
نعلم له وجها أصلا مع أنه لو حكم بالنجاسة لما كان فيه فساد الحكم بالحرمة كما لا يخفى على أن أكثر علمائهم أيضا بل جميعهم إلا شاذا نادرا كما يظهر مما نقل عن السيد
المرتضى (ره) على النجاسة وإن كان في الاستبصار أن كثيرا من العامة على الطهارة فحينئذ إذا حكم أئمتنا (عليهم السلام) أيضا بالنجاسة موافقا لعلمائهم لما كان فيه خوف ومفسدة
ظاهرا ولعل إنكار ذلك مكابرة وبما ذكرنا ظهر أنه لو حملت الأخبار الواردة بالنجاسة على التقية لكان أولى من العكس لأنه موافق لمذاهب أكثر علمائهم مع أن
في ظاهر القرآن ما يمكن أن يتمسك به في نجاستها كما استدل به جماعة على ما نقلنا فلو كان الحكم الواقعي الطهارة وأظهروه (عليهم السلام) لكان فيه مظنة أن يشنع عليهم
أكثر العامة القائلين بالنجاسة ويستدل عليهم بظاهر القرآن ويجعل ذلك وسيلة إلى الطعن فيهم وفي أقاويلهم (عليهم السلام) عند العوام إذ ليس كل أحد بحيث
يصل فهمه إلى الدقايق التي ذكرنا في الايراد على التمسك بهذه الآية بل نظرهم إلى الظاهر وفي الظاهر لا يخلو الآية من الدلالة على النجاسة وكفى بهذا شاهدا أن كثيرا من
علمائنا وعلمائهم استدلوا بهذه الآية على نجاستها فما ظنك بالعوام وبالجملة الحمل على التقية في الأخبار الدالة على النجاسة لو لم يكن أولى من العكس لما كان
بأنقص منه فتخصيص هذا به مما لا وجه له وإذا كان احتمال التقية مشتركا والأخبار الدالة على النجاسة يحتمل الاستحباب أيضا فلا شك أنه حينئذ يقوى جانب الطهارة
ولو سلم أن الحمل على التقية لا يتصور في جانب النجاسة فحينئذ أيضا القوة للطهارة لان الحمل على الاستحباب أقرب من الحمل على التقية لما عرفت في الحمل على التقية من
الكلام والحمل على الاستحباب شايع ذايع في أحاديث أئمتنا (عليهم السلام) وأما الاحتمالات الأخر التي ذكرنا في طي الايراد على الاخبار الموردة من الجانبين التي بها أيضا يمكن
الجمع بينهما فقد عرفت أنها متحققة في الجانبين جميعا ولا اختصاص لها بروايات الطهارة حتى تحصل بها رجحانا للنجاسة فإن قلت الشهرة مرجحة لجانب النجاسة
قلت الشهرة التي يمكن أن يجعل مرجحة لعلها الشهرة بين أصحاب الأئمة (عليهم السلام) وفيما نحن فيه لم يعلم أن الحكم بالنجاسة كان مشهورا فيما بينهم إذ من صحيحة ابن مهزيار
ورواية خيران يظهر وقوع اختلاف بينهم وأما أن النجاسة هي المشهورة بينهم فلا يعلم ولعل الشهرة حصلت بعدهم باعتبار استنباطهم النجاسة من ظاهر
القرآن وقد عرفت حال هذا الاستنباط ومثل هذه الشهرة لا نسلم أنه يصلح للترجيح سلمنا أنه يصلح للترجيح لكن الظاهر أن الرجحان الحاصل به لا يبلغ حد رجحان
حمل الاستحباب المذكور على التقية ولو فرض وصوله إليه أيضا فنقول يرجح جانب الطهارة أن فيه خبرين صحيحين صريحي الدلالة وهما خبر ابن رباب وخبر ابن أبي سارة
وفي جانب النجاسة خبر واحد صحيح غير صريح وهو خبر ابن مهزيار وهو مرجح قوي سلمنا أن الشهرة يقاوم كل ذلك فترجيح أصلي الطهارة والبراءة الطهارة
لا معارض له والقول بأن الخطر مقدم على الإباحة ليس بمعتمد إذ لا دليل عليه نعم أصل الطهارة والبراءة يدل عليهما العقل والنقل ودلايل حجية خبر الواحد
على تقدير تمامها لا نسلم أنها يدل على وجوب العمل به مثل ما نحن فيه أيضا أي في موضع حصل له مثل المعارض الذي فيما نحن فيه وحديث كثرة الأحاديث في باب
النجاسة أيضا ليس بمعول عليه لان في جانب الطهارة أيضا الأحاديث كثيرة بحيث لم ينقص عنها إلا بقليل كما سمعت وعلمت فعلى هذا لو قيل بطهارة الخمر
لما كان بعيدا لكن لا ريب أن الاحتياط العظيم في الاجتناب عنها والتنزه منها وإن في مزاولتها ومباشرتها لجرئة عظيمة لا ينبغي أن يقدم عليها من له أدنى
احتياط في الدين اللهم إلا في حال الاضطرار والله عالم بحقايق أحكامه وحججه الاختيار تذنيب أعلم أن العلامة (ره) في المختلف استدل على طهارة الخمر
تشحيذ للأذهان واختبارا للطباع بأن المسكر لا يجب زالته عن الثوب والبدن بالاجماع لوقوع الخلاف فيه وكل نجس يجب إزالته عن الثوب والبدن بالاجماع إذ لا
خلاف في وجوب إزالة النجاسة عنهما عند الصلاة وينتج أن المسكر ليس بنجس وأجاب عنه بأن الاجماع المذكور في المتقدمتين أخذ فيهما لا بمعنى واحد فإنه تارة
جعل كيفية للربط يدل على وثاقته خارجا عن طرفي القضية في أحديهما وتارة جعل في الأخرى جزءا من المجهول فلا يتحد الوسط فلا إنتاج وأنت خبير بأن ما ذكره
(ره) لا يحسم مادة الشبهة إذ لا حد أن يقال إن الاجماع الذي ذكر أنه في إحدى المقدمتين جهة الحمل وكيفية الربط ويدل على وثاقته لا يخفى أنه بمنزلة الضرورة والتي
333

يقع جهة للقضية إذ محصل معناه القطع فكأنه قيل كل نجس يجب إزالته عن الثوب والبدن قطعا وقد تقرر أن الضرورة التي كانت جهة القضية وكانت القضية
صادقة إذا جعلت جزءا للمحمول يكون القضية أيضا صادقة الجهة أيضا الضرورة فحينئذ لنا أن نجعل الاجماع بمعنى القطع الذي جهة الحمل في قولنا كل مسكر نجس يجب إزالته عن الثوب و
البدن قطعا جزء للمحمول حتى يصير القضية هكذا كل مسكر نجس ضروري وجوب إزالته عن الثوب والبدن بالظاهر وهي مع المقدمة الأخرى أي أن كل مسكر ليس بقطعي وجوب
إزالته عن الثوب والبدن ينتج أن المسكر ليس بنجس ضرورة لان شرايط الانتاج حاصلة حينئذ لاتحاد الوسط وثبت أيضا صدق المقدمتين جميعا وعلى هذا لا ينفع
ما ذكره العلامة (ره) والجواب حينئذ أن الضرورة التي تقرر أنها إذا كانت جهة لقضية صادقة إذا جعلت جزءا للمحمول كانت القضية أيضا صادقة مع كون جهتها
الضرورة إنما هي الضرورة التي من المواد الثلاث المقابل للامكان والامتناع لا القطع المراد ها هنا الذي هو لازم الاجماع لأنه بمعنى الجزم لا الضرورة
بالمعنى المذكور ولا نسلم أن القطع بمعنى الجزم إذا كانت جهة للقضية الصادقة يكون لقضيته عند جعله جزءا للمحمول أيضا صادقة مطلقا بل يصدق على جهة ولا
يصدق على أخرى وتفصيل الكلام إن العلم وأنواعه من الجزم والظن ومتعلقاته من الضرورة والاكتساب إذا كانت جهة لقضيته مثلا تقول كل أربعة زوج
بالظاهر أي بالبداهة لا الضرورة المقابلة للامكان فإذا جعل الضرورة جزءا للمحمول وقيل كل أربعة ضروري الزوجية أي بديهيتها فحينئذ إن أريد إن كل أربعة
يحكم العقل عليها بالزوجية ضرورة إذا تصور بعنوان مفهوم الأربعة الكلي أي إذا أدرك هذه القضية الكلية أي كل أربعة زوج يحكم حكما بديهيا بها
بحيث يسري إلى جميع أفراد الأربعة فصدقها مسلم وإن أريد إن كل أربعة بأي وجه تصورت يحكم العقل عليها بالزوجية بديهة فممنوع والسند ظاهر إذ الدراهم
الأربعة التي في كيس زيد مثلا إذا لم نعلمها أنها أربعة وتصورناها بعنوان أنها في كيس زيد لم نحكم عليها بالبديهة أنها زوج نعم نحكم عليها في
ضمن الحكم بكل أربعة زوج بالزوجية ضرورة لان الحكم الضروري الذي في هذه القضية أما على الافراد جميعا ومن جملتها هذا الفرد وأما على المفهوم بحيث
يسري إلى جميع الافراد على الرأيين وعلى أي حال له تعلق بجميع الافراد ومرادنا من الحكم ها هنا ليس إلا ذلك والسر فيه إن ملاحظة الشئ بالعنوانات المختلفة
قد يكون لها أثر في تعلق علمنا بأحواله وصفاته مثلا سمعنا أن ابن زيد عالم وجزمنا به لكن لم نشاهده ولم نعرفه فقد يتفق أن نشاهده ولم نعرفه
أنه ابن زيد وحينئذ يجوز أن لا تعلم حينئذ أن هذا الشخص عالم بل نشك أنه عالم أو لا بل قد نظن أنه ليس بعالم
لحصول بعض الامارات مثل أن لا يكون لباسه لباس
العلماء فحينئذ يجوز أنا إذا تصورنا أفراد الأربعة بعنوان مفهوم الأربعة بحكم عليه ضرورة بالزوجية بناء على اللزوم الذي يجده العقل بين مفهوم الأربعة
ومفهوم الزوجية لكن إذا تصور بعض أفرادها الواقعة بعنوان آخر مثل أنه في كيس زيد كما ذكرنا فحينئذ لا يجب أن نحكم عليه بالزوجية ضرورة إذ لا لزوم بين مفهوم
الكائن في كيس زيد ومفهوم الزوجية وإذا تقرر هذا فنقول إذا صدق أن كل نجس يجب إزالته عن الثوب والبدن بالاجماع فسواء قيل أن المراد بالاجماع
لازمه أي القطع أي كل نجس يجب إزالته قطعا أو قيل أن الاجماع بمعناه الحقيقي أي حكم كل الأمة بأن كل نجس يجب إزالته فلما كان راجعا إلى العلم وكان
جهة للقضية فلو جعل جزءا للمحمول فإن أريد بالقضية حينئذ أن كل نجس حكم عليه الأمة أو حصل القطع في ضمن قضيته كل نجس يجب إزالته بوجوب إزالته
فصدقها مسلم لكن نقول حينئذ أيش أردتم بالمقدمة الأخرى أي إن المسكر لا يجب بالاجماع إزالته إن أردتم أن المسكر لم يحصل الاجماع على خصوصه بوجوب
الإزالة فمسلم لكن لا ينتج حينئذ لعدم اتحاد الوسط وإن أردتم أنه لم يحصل الاجماع عليه بوجوب إزالته مطلقا أي سواء كان بخصوصه أو في ضمن كل نجس يجب
إزالته فعلى هذا وإن اتحد الوسط لكن صدقها ممنوع والسند ظاهر وإن أريد بالقضية إن كل نجس حكم عليه الأمة بخصوصه أو حصل القطع بأنه يجب إزالته
فصدقها ممنوع كما عرفت وهذه الشبهة نظيرة ما يقال إن العالم ليس بمتغير لان العالم ليس بحادث بديهة أي ليس ببديهي الحدوث وهو ظاهر وكل متغير حادث بالظاهر والجواب
كما علمت مفصلا فإن قلت إذا كان الاجماع على أن كل نجس يجب إزالته فكان كل نجس يجب إزالته بالظاهر أيضا بالمعنى المقابل للامكان والامتناع وعند
هذا يعود الشبهة خدعا قلت حينئذ وإن صدق إن كل نجس ضروري وجوب إزالته لكن لا نسلم إنه يصدق أن المسكر ليس بضروري وجوب إزالته إذ لعله كان نجسا في الواقع وكان وجوب إزالته ضروريا وهو ظاهر
هذا وقد يجاب عن أصل الشبهة بوجه آخر وهو أنا لا نسلم إن كل نجس يجب إزالته عن الثوب والبدن بالاجماع مطلقا بل مع العلم بأنه نجس إذ النجس ما لم يعلم
أنه نجس لا يجب إزالته مثلا إذا لم يعلم إن البول مثلا نجس لا يجب إزالته وكذا إذا أصاب ثوبنا شئ ولم نعلم أنه أي شئ هو وكان في الواقع من النجاسات
فلا يجب إزالته وحينئذ نقول المسكر أيضا إذا علم نجاسته كان يجب إزالته بالاجماع وهو ساقط لأنه لا شك إن الاجماع وقع على أن كل نجس يجب إزالته مطلقا
ولم يقع على أن المسكر يجب إزالته وعدم وجوب إزالة النجس ما لم يعلم أنه نجس لا ينافي إطلاق الحكم الأول لان هذا إنما يرجع إلى وجوب العمل والأول تراد
به الوجوب الواقعي كما في جميع الأحكام التي يذكرها الفقهاء على الطريقة المصوبة التي للمخطية مثلا يقول الفقيه السورة واجبة في الصلاة أي حكم الله تعالى
الواقع هو ذلك ولا يقيد هذا بالعلم بوجوبها وكذا يقول البول نجس أي هو حكم الله في الواقع ولا يقيد أيضا بالعلم بنجاسته وكذا الحكم بأن البول يجب إزالته
334

أو النجس يجب إزالته لا تقييد فيه مطلقا والحاصل إن هذا الجواب إنما نشأ من اشتباه الوجوب الواقعي الكائن في علم الله تعالى وحكمه الذي هو مراد الفقهاء المخطية رضوان
الله عليهم فيما يحكمون فيه بالوجوب الذي يرجع إلى وجوب العمل وكم ما بينهما من البين هذا ما تعلق بالخمر وأما البحث الثاني أي البحث عن ساير المسكرات فنقول
الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في عدم الفرق بين الخمر وساير المسكرات فمن قال بنجاسة الخمر قال بنجاسة المسكرات جميعا ومن قال بطهارة الخمر قال بطهارتها أيضا واحتج القائلون
بالنجاسة بأن المسكر خمر فيتناوله حكم الخمر أما أنه خمر فلان الخمر إنما سمى بذلك لكونه يخمر العقل ويستره فما ساواه في المسمى يساويه في الاسم ولما رواه التهذيب
في باب الذبايح والأطعمة والكافي في باب الخمر إنما حرمت لفعلها في الصحيح عن علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال إن الله تعالى لم يحرم الخمر لاسمها ولكن
حرمها لعاقبتها فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو حرام ولما رواه أيضا في هذا الباب والكافي في باب أن رسول الله صلى الله عليه وآله حرم كل مسكر عن عطا بن يسار
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله كل مسكر حرام وكل مسكر خمر ومثله روى نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وآله هكذا
استدل المحقق في المعتبر وفيه نظر أما أولا فلان الظاهر أن الخمر اسم للمسكر من عصير العنب حقيقة فيه لتبادره منها لغة وعرفا وليست صفة مأخوذة من التخمير والستر حتى
بعد ما ثبت إن الخمر حقيقة في المسكر من عصير العنب فالظاهر أن يحمل قولهم (عليهم السلام) إن المسكر خمر أنه مجاز باعتبار أنه شريك لها في الحرمة والقرينة عليه إن
سياق الكلام للحرمة وإلا يلزم الاشتراك المخالف للأصل المرجوح بالنسبة إلى المجاز واعلم إن الروايات الواردة بهذا النحو أي الدالة على أن ساير المسكرات خمر
غير ما أورد المحقق كثيرة بل بعضها كأنه أصرح في المقصود مما أورده فمنها ما رواه التهذيب في الباب المذكور والكافي في باب ما يتخذ منه الخمر في الحسن كالصحيح عن عبد الرحمن بن
الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله الخمر من خمسة العصير من الكرم والنقيع من الزبيب والتبع من العسل والمرز من الشعير والنبيذ من
التمر ومنها ما رواه الكافي في هذا الباب عن الحسن الحضرمي عمن أخبره عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال الخمر من خمسة أشياء من التمر والزبيب والحنطة والشعير والعسل
وعن عامر بن السمط عن علي بن الحسين صلوات الله عليهما مثله وعن علي بن إسحاق الهاشمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله
الخمر من خمسة العصير من الكرم والنقيع من الزبيب والتبع من العسل والمرز من الشعير والنبيذ من التمر ولا يخفى أن الروايات التي أوردها المحقق أعم من هذه الروايات
لكن هذه الروايات كأنها أصرح منها في الدلالة كما لا يخفى ومنها ما رواه الكافي في باب إن الخمر إنما حرمت لفعلها عن علي بن يقطين عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال
إن الله عز وجل لم يحرم الخمر لاسمها ولكن حرمها لعاقبتها فما فعل فعل الخمر فهو خمر ومنها ما رواه أيضا في هذه الباب عن أبي الجارود قال سئلت أبا جعفر عليه السلام
عن النبيذ أخمر هو فقال (عليه السلام) ما زاد على الترك جودة فهو خمر ومنها رواية الكلبي النسابة في المقدمة في بحث خروج الماء المطلق عن أوصافه بمخالطة طاهر ولا يخفى أنه و
إن أمكن المناقشة في كل من هذه الروايات على النحو الذي ذكرنا مع ما في أكثرها من عدم صحة السند لكن الظاهر أنه يحصل من مجموعها ظن في الجملة بأن الخمر الذي يستعمل في
عرفهم يعم ساير المسكرات وبهذا يلزم شراكة الجمع مع العصير العنبي في جميع الأحكام الشرعية التي ثبت له ويمكن أن يستدل أيضا على نجاسة كل مسكر من قبل القائلين
بالنجاسة بالاجماع المركب إذ كل من يقول بنجاسة الخمر يقول بنجاسة ساير المسكرات فإذا ثبت الأول ثبت الثاني وإلا يلزم خرق الاجماع المركب وبما تقدم في بحث
البئر من نزحها بوقوع المسكر فيها وبصحيحة علي بن مهزيار وموثقة عمار ورواية يونس وعمر بن حنظلة وأبي بصير وصحيحة محمد بن مسلم ورواية أبي الربيع وزكريا بن
آدم المتقدمة في نجاسة الخمر وبموثقة عمار المتقدمة في بحث نجاسة الكلب فأما ما رواه التهذيب في باب تطهير الثياب في الحسن عن أبي بكر الحضرمي قال قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام) أصاب ثوب نبيذ أصلي فيه قال قطرة من نبيذ أصلي فيه قال نعم قلت قطرة من نبيذ قطرت في حب أشرب منه قال نعم إن أصل النبيذ حلال وإن أصل
الخمر يمكنك أن تستنبط منه حال ساير المسكرات أيضا وإن الظاهر بالنظر إلى الأدلة عدم نجاسته لكن أمر الاحتياط واضح ولا ينبغي تركه في حال سيما في مثل هذه
الحال ثم لا يخفى إن الحكم بنجاسة المسكر مخصوص عند الأصحاب بما هو مايع بالأصالة كما نبه عليه كثير منهم على ما في المعالم فالجامد بالأصالة طاهر وإن عرض له
الميعان والمايع بالأصالة نجس وإن عرض له الجمود وقال صاحب المعالم وهو جيد لان الدليل على إلحاق الخمر من المسكرات بها لا يصلح دليلا في غير
المايع فيبقى على حكم الأصل وما ثبت نجاسة من المايع يتوقف الحكم بطهارته مع الجمود على الدليل وهو مفقود انتهى وما ذكره جيد لان الروايات التي
تدل على نجاسة المسكر كلها مشعرة بالميعان كما عرفت سوى موثقة عمار من قوله (عليه السلام) ولا تصل في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتى تغسل والحكم بمجرد تلك
الموثقة مشكل على أنه لا يبعد أن يقال إن فيها أيضا إشعارا بالميعان لان الامر بالغسل مطلقا من دون تقييد بالرطوبة ربما يشعر بأن المراد بالمسكر المايع
نعم الروايات التي أوردنا في أن كل مسكر خمر لا إشعار فيها بالميعان مع صحة بعضها لكن لما كان فيها أيضا بعض المناقشات التي ذكرنا وكان مع ذلك لم
335

يظهر خلاف بين الأصحاب في أن غير المايع ليس بنجس مع أن الأصل الشرعي والعقلي الطهارة والبراءة فلا التفات أذن إلى نجاسته ولو لم يكن ظهور اتفاق الأصحاب
وعدم ظهور الخلاف لكان مظنة للاحتياط وأما إن المايع لا يطهر بالجمود فكأنه أيضا كما قال للاستصحاب وصدق الاسم نعم لو خرج عن الاسم بحيث لا يطلق
عليه الخمر والنبيذ في العرف واللغة لكان فيه اشكال وحكم الاحتياط ظاهر والفقاع قال العلامة في المنتهى أجمع علمائنا على أن أحكم الفقاع حكم الخمر وقال المحقق
في المعتبر أما الفقاع فقد قال الشيخ وألحق أصحابنا الفقاع بالخمر يعني في التنجيس وهذا انفراد للطايفة ويمكن أن يقال الفقاع خمر فلحقه أحكامه أما أنه خمر
فلما ذكره علم الهدى قال قال أحمد حدثنا عبد الجبار ين بن محمد الجلالي عن ضمرة قال الغبيراء التي نهى النبي صلى الله عليه وآله عنها هي الفقاع قال وعن
أبي هاشم الواسطي الفقاع نبيذ الشعير فإذا نش فهو خمر قال وعن زيد بن أسلم الغبيراء التي نهى النبي صلى الله عليه وآله عنها هي الأسكركة وعن أبي موسى
أنه قال الأسكركة خمر الحبشة ومن طريق الأصحاب ما رواه سليم بن جعفر قلت للرضا (عليه السلام) ما تقول في شراب الفقاع قال هو خمر مجهول وعن الوشاء
قال كتبت إليه يعني الرضا (عليه السلام) أسئله عن الفقاع فقال حرام وهو خمر وعنه (عليه السلام) قال هي خمرة استصغرها الناس قال ابن الجنيد وتحريمه من جهة
نشيشه ومن ضراوة إنائه إذا كرر فيه العمل لا يقال الخمر من الستر وهو ستر العقل ولا ستر في الفقاع لأنا نقول التسمية ثابتة شرعا والتجوز على خلاف الأصل
فيكون حقيقة في المشترك وهو مايع حرام لنشيشه وغليانه وإذا ثبت إن الفقاع خمر وقد بينا حكم الخمر فاطلب حكم الفقاع هناك انتهى كلامه رفع مقامه ولا
يخفى إن ما نقله عن ضمره لا يدل على مقصوده من أن الفقاع هو الخمر ثم أنه يرد برد على أدلته ما أوردنا على أدلة إن المسكر كله خمر وما ذكره من أن التجوز
على خلاف الأصل فيه إن الاشتراك أيضا على خلاف الأصل مع أن المجاز أولى منه سواء قيل إن الشارع جعل الخمر اسما للقدر المشترك بين هذه الخمر المعروفة
وبين الفقاع أي المايع الحرام لنشيشه وغليانه كما يظهر من كلامه (ره) وللفقاع خاصة فإن قيل وضع الشارع الخمر لأيهما كان ليس من الاشتراك لان الاشتراك
هو أن يكون الوضعان من اصطلاح واحد قيل النقل أيضا على خلاف الأصل وليس أولى من المجاز فإن قيل لعله لا يقول بالنقل بل يقول إن في أصل اللغة
للقدر المشترك ولا يلزم التجوز قيل أولا أنه على هذا لا وجه لقوله التسمية ثابتة شرعا إلا أن يقال المراد بالتسمية
الاطلاق والاستعمال فيكون حاصل الدليل أنه
ها هنا جف قلمه الشريف
والسلام
قد تمت هذه النسخة الشريفة في يوم الأربعاء
الرابع من شهر ربيع الثاني
سنة العاشر وثلاثمائة
بعد الألف من الهجرة
النبوية
على يد العبد الأقل الجاني الحاج ميرزا عبد الله الطهراني
غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات ولمن دعانا
بالخير.
336

ترجمة المولى النحرير الناقد الخبير
رضي الدين أسكنه الله مساكن قربه
ابن ركن الطايفة وعماد الفرقة المحقة ظهير الاسلام والمسلمين عز الدنيا
والدين ينبوع المعارف والحكمة ودستور جوامع الكلم شيخ الأتقياء
المصطفين عين الانسان وإنسان العين أستاد الكل في الكل مولانا الاغا
حسين بن جمال الدين محمد المعروف بالمحقق الخوانساري روح الله روحه الشريف
كان هذا النحرير النقاد أعني الاغا رضى الدين (ره) قد ولد في حجر العلم وتربى
في كنف الكمال وانتشأ هو وأخوه الأكبر منه المحقق الماهر والبحر الزاخر
جمال المحققين الاغا جمال الدين في الاصبهان وقرءا على أبيهما المعظم ذكره
وعلى خالهما الفاضل الكامل المتبحر المولى محمد باقر بن محمد مؤمن السبزواري
صاحب الذخيرة والكفاية وكانا قرتي عين من حضر بمحضرهما وبلغا
إلى ما بلغا ولما لم يتم كتاب والده المسمى بمشارق الشموس في شرح
الدروس وانقضت أيامه رفع مقامه
أراد هذا الخلف الصالح
تكميل الشرح فشرع فيه
مما ترى إلى ما
ترى
ولقد أجاد فيما أفاض وأفاد والله الهادي إلى سبيل الهداية
والرشاد وولي يوم المعاد
337