الكتاب: رياض المسائل
المؤلف: السيد علي الطباطبائي
الجزء: ١١
الوفاة: ١٢٣١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢٠
المطبعة:
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك: ٩٦٤-٤٧٠-٠٤٦-٥
ملاحظات:

رياض المسائل
تأليف
الفقيه المدقق
السيد علي الطباطبائي
المتوفى سنة 1231 ه‍ ق
الجزء الحادي العشر
تحقيق
مؤسسة النشر الاسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
1

شابك 5 - 046 - 470 - 964
رياض المسائل
في بيان أحكام الشرع بالدلائل
(ج 11)
المؤلف: الفقيه المدقق اليد علي الطباطبائي قدس سره
الموضوع: الفقه
تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: الأولى
المطبوع: 1000 نسخة
التاريخ: 1420 ه‍. ق
مؤسسة النشر الاسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
2

بسم الله الرحمن الرحيم
خدمة للقارئ الكريم ننقل متن كتاب " المختصر النافع " للمحقق
الحلي (قدس سره) - وهي النسخة المطبوعة المتداولة - بقدر ما جاء في هذا الجزء
من " رياض المسائل " لآية الله السيد علي الطباطبائي (رحمه الله)، ولا يخفى أن
بين النسخة المذكورة والنسخ المتعددة من الرياض اختلافات لم نذكر
مواردها بل تركناها للقارئ العزيز.
كتاب الطلاق
والنظر في أركانه وأقسامه ولواحقه.
الركن الأول في المطلق
ويعتبر فيه البلوغ والعقل والاختيار والقصد.
فلا اعتبار بطلاق الصبي.
وفيمن بلغ عشرا رواية بالجواز فيها ضعف.
ولو طلق عنه الولي لم يقع إلا أن يبلغ فاسد العقل، ولا يصح طلاق
المجنون ولا السكران ولا المكره ولا المغضب مع ارتفاع القصد.
الركن الثاني في المطلقة
ويشترط فيها الزوجية والدوام والطهارة من الحيض والنفاس إذا كانت
مدخولا بها، وزوجها حاضرا معها، ولو كان غائبا صح.
وفي قدر الغيبة اضطراب، محصله: انتقالها من طهر إلى آخر.
ولو خرج في طهر لم يقربها فيه صح طلاقها من غير تربص ولو اتفق
في الحيض.
3

والمحبوس عن زوجته كالغائب.
ويشترط رابع، وهو أن يطلق في طهر لم يجامعها فيه، ويسقط اعتباره
في الصغيرة واليائسة والحامل.
أما المسترابة، فإن تأخرت الحيضة صبرت ثلاثة أشهر، ولا يقع طلاقها
قبله.
وفي اشتراط تعيين المطلقة تردد.
الركن الثالث في الصيغة
ويقتصر على طالق تحصيلا لموضع الاتفاق، ولا يقع بخلية ولا برية.
وكذا لو قال: اعتدي، ويقع لو قال هل طلقت فلانة؟ فقال: نعم.
ويشترط تجريده عن الشرط والصفة.
ولو فسر الطلقة باثنين أو ثلاث صحت واحدة وبطل التفسير.
وقيل: يبطل الطلاق.
ولو كان المطلق يعتقد الثلاثة لزم.
الركن الرابع في الإشهاد
ولا بد من شاهدين يسمعانه.
ولا يشترط استدعاؤهما إلى السماع.
ويعتبر فيهما العدالة، وبعض الأصحاب يكتفي بالإسلام.
ولو طلق ولم يشهد ثم أشهد كان الأول لغوا ولا تقبل فيه شهادة النساء.
النظر الثاني في أقسامه
وينقسم إلى بدعة وسنة:
فالبدعة طلاق الحائض مع الدخول وحضور الزوج أو غيبته دون المدة
4

المشترطة، وفي طهر قد قربها فيه.
وطلاق الثلاث المرسلة. وكله لا يقع.
وطلاق السنة ثلاث: بائن، ورجعي، وللعدة.
فالبائن ما لا يصح معه الرجعة، وهو طلاق اليائسة على الأظهر.
ومن لم يدخل بها، والصغيرة، والمختلعة والمبارأة ما لم ترجعا في البذل،
والمطلقة ثلاثا بينها رجعتان، والرجعي ما يصح معه الرجعة ولو لم يرجع.
وطلاق العدة ما يرجع فيه ويواقع ثم يطلق، فهذه تحرم في التاسعة تحريما
مؤبدا، وما عداها تحرم في كل ثالثة حتى تنكح غيره.
وهنا مسائل خمس:
الأولى: لا يهدم استيفاء العدة تحريم الثلاثة.
الثانية: يصح طلاق الحامل للسنة كما تصح للعدة على الأشبه.
الثالثة: يصح أن يطلق ثانية في الطهر الذي طلق فيه وراجع فيه، ولم يطأ
لكن لا يقع للعدة.
الرابعة: لو طلق غائبا ثم حضر ودخل بها ثم ادعى الطلاق لم تقبل دعواه
ولا بينته، ولو أولدها لحق به.
الخامسة: إذا طلق الغائب وأراد العقد على أختها أو على خامسة تربص
تسعة أشهر احتياطا.
النظر الثالث في اللواحق
وفيه مقاصد:
الأول
يكره طلاق المريض، ويقع لو طلق، ويرث زوجته في العدة الرجعية
5

وترثه هي ولو كان الطلاق بائنا إلى سنة ما لم تتزوج أو يبرأ من مرضه ذلك.
المقصد الثاني في المحلل
ويعتبر فيه البلوغ والوطء في القبل بالعقد الصحيح الدائم.
وهل يهدم ما دون الثلاث؟ فيه روايتان، أشهرهما: أنه يهدم.
ولو ادعت أنها تزوجت ودخل وطلقها فالمروي القبول إذا كانت ثقة.
المقصد الثالث في الرجعة
تصح نطقا كقوله: راجعت، وفعلا كالوطء والقبلة واللمس بالشهوة، ولو
أنكر الطلاق كان رجعة، ولا يجب في الرجعة الإشهاد بل يستحب.
ورجعة الأخرس بالإشارة.
وفي رواية: يأخذ القناع، ولو ادعت انقضاء العدة في الزمان الممكن قبل.
المقصد الرابع في العدد، والنظر في فصول:
الأول: لا عدة على من لم يدخل بها عدا المتوفى عنها زوجها، ونعني
بالدخول الوطء قبلا أو دبرا، ولا تجب بالخلوة.
الثاني: في المستقيمة الحيض، وهي تعتد بثلاثة أطهار على الأشهر إذا
كانت حرة، وإن كانت تحت عبد.
وتحتسب بالطهر الذي طلقها فيه ولو حاضت بعد الطلاق بلحظة، وتبين
برؤية الدم الثالث.
وأقل ما تنقضي به عدتها ستة وعشرون يوما ولحظتان، وليست
الأخيرة من العدة بل دلالة الخروج.
الثالث: في المسترابة، وهي التي لا تحيض وفي سنها من تحيض، وعدتها
ثلاثة أشهر، وهذه تراعي الشهور والحيض وتعتد بأسبقهما.
6

أما لو رأت في الثالث حيضة وتأخرت الثانية أو الثالثة، صبرت تسعة
أشهر لاحتمال الحمل ثم اعتدت بثلاثة أشهر.
وفي رواية عمار تصبر سنة ثم تعتد بثلاثة أشهر.
ولا عدة على الصغيرة، ولا اليائسة على الأشهر.
وفي حد اليأس روايتان، أشهرهما: خمسون سنة.
ولو رأت المطلقة الحيض مرة ثم بلغت اليأس أكملت العدة بشهرين.
ولو كانت لا تحيض إلا في خمسة أشهر أو ستة اعتدت بالأشهر.
الرابع: في الحامل، وعدتها في الطلاق بالوضع ولو بعد الطلاق بلحظة، ولو
لم يكن تاما مع تحققه حملا.
ولو طلقها فادعت الحمل تربص بها أقصى الحمل.
ولو وضعت توأما بانت به على تردد، ولا تنكح حتى تضع الآخر.
ولو طلقها رجعيا ثم مات استأنفت عدة الوفاة.
ولو كان بائنا اقتصرت على إتمام عدة الطلاق.
الخامس: في عدة الوفاة، تعتد الحرة بأربعة أشهر وعشرة أيام إذا كانت
حائلا، صغيرة كانت أو كبيرة، دخل بها أو لم يدخل. وبأبعد الأجلين إن
كانت حاملا.
ويلزمها الحداد، وهو ترك الزينة دون المطلقة، ولا حداد على أمة.
السادس: في المفقود، لا خيار لزوجته إن عرف خبره أو كان له ولي ينفق
عليها.
ثم إن فقد الأمران ورفعت أمرها إلى الحاكم أجلها أربع سنين، فإن
وجده وإلا أمرها بعدة الوفاة ثم أباحها النكاح، فإن جاء في العدة فهو أملك
بها، وإن خرجت وتزوجت فلا سبيل له.
7

وإن خرجت ولم تتزوج فقولان، أظهرهما: أنه لا سبيل له عليها.
السابع: في عدد الإماء والاستبراء، عدة الأمة في الطلاق مع الدخول
قرءان، وهما طهران على الأشهر.
ولو كانت مسترابة فخمسة وأربعون يوما، تحت عبد كانت أو تحت حر.
ولو أعتقت ثم طلقت لزمها عدة الحرة.
وكذا لو طلقها رجعيا ثم أعتقت في العدة أكملت عدة الحرة.
ولو طلقها بائنا أتمت عدة الأمة.
وعدة الذمية كالحرة في الطلاق والوفاة على الأشبه.
وتعتد الأمة من الوفاة بشهرين وخمسة أيام، ولو كانت حاملا اعتدت مع
ذلك بالوضع.
وأم الولد تعتد من وفاة الزوج كالحرة، ولو طلقها الزوج رجعية ثم مات
وهي في العدة استأنفت عدة الحرة.
ولو لم تكن أم ولد استأنفت عدة الأمة للوفاة.
ولو مات زوج الأمة ثم أعتقت أتمت عدة الحرة، تغليبا لجانب الحرية.
ولو وطئ المولى أمته ثم أعتقها اعتدت بثلاثة أقراء.
ولو كانت زوجة الحر أمة فابتاعها بطل نكاحه، وله وطؤها من غير
استبراء.
تتمة:
لا يجوز لمن طلق رجعيا أن يخرج الزوجة من بيته إلا أن تأتي بفاحشة،
وهو ما يجب به الحد.
وقيل: أدناه أن تؤذي أهله.
8

ولا تخرج هي، فإن اضطرت خرجت بعد انتصاف الليل وعادت قبل
الفجر.
ولا يلزم ذلك في البائن ولا المتوفى عنها زوجها، بل تبيت كل واحد منهما
حيث شاءت.
وتعتد المطلقة من حين الطلاق، حاضرا كان المطلق أو غائبا إذا عرفت
الوقت، وفي الوفاة من حين يبلغها الخبر.
* * *
كتاب الخلع والمباراة
والكلام في العقد والشرائط واللواحق
وصيغة الخلع أن يقول: خلعتك، أو فلانة مختلعة على كذا.
وهل يقع بمجرده؟ قال علم الهدى: نعم. وقال الشيخ: لا حتى يتبع
بالطلاق.
ولو تجرد كان طلاقا عند المرتضى وفسخا عند الشيخ لو قال بوقوعه
مجردا.
وما صح أن يكون مهرا صح فدية في الخلع، ولا تقدير فيه، بل يجوز أن
يأخذ منها زائدا عما وصل إليها منه، ولا بد من تعيين الفدية وصفا أو إشارة.
أما الشرائط: فيعتبر في الخالع: البلوغ وكمال العقل والاختيار والقصد.
وفي المختلعة مع الدخول الطهر الذي لم يجامعها فيه إذا كان زوجها
حاضرا وكان مثلها تحيض. وأن تكون الكراهية منها خاصة صريحا.
9

ولا يجب لو قالت: لأدخلن عليك من تكره، بل يستحب.
ويصح خلع الحامل مع الدم لو قيل: إنها تحيض.
ويعتبر في العقد حضور شاهدين عدلين وتجريده عن الشرط، ولا بأس
بشرط يقتضيه العقد، كما لو شرط الرجوع إن رجعت.
وأما اللواحق فمسائل:
الأولى: لو خالعها والأخلاق ملتئمة لم يصح، ولم يملك الفدية.
الثانية: لا رجعة للخالع، نعم لو رجعت في البذل رجع إن شاء.
ويشترط رجوعها في العدة، ثم لا رجوع بعدها.
الثالثة: لو أراد مراجعتها ولم ترجع في البذل افتقر إلى عقد جديد في العدة
أو بعدها.
الرابعة: لا توارث بين المختلعين ولو مات أحدهما في العدة لانقطاع
العصمة بينهما.
والمباراة
هو أن يقول: بارأتك على كذا، وهي تترتب على كراهية الزوجين كل
منهما صاحبه.
ويشترط إتباعها بالطلاق على قول الأكثر.
والشرائط المعتبرة في الخالع والمختلعة مشترطة هنا، ولا رجوع للزوج
إلا أن ترجع هي في البذل.
وإذا خرجت من العدة فلا رجوع لها، ويجوز أن تفاديها بقدر ما وصل
إليها منه فما دون، ولا يحل له ما زاد عنه.
* * *
10

كتاب الظهار
وينعقد بقوله: أنت علي كظهر أمي، وإن اختلفت حروف الصلة.
وكذا يقع لو شبهها بظهر ذوي رحم نسبا ورضاعا.
ولو قال كشعر أمي أو يدها لم يقع، وقيل: يقع برواية فيها ضعف.
ويشترط أن يسمع نطقه شاهدا عدل.
وفي صحته مع الشرط روايتان، أشهرهما: الصحة، ولا يقع في يمين
ولا إضرار ولا غضب ولا سكر.
ويعتبر في المظاهر: البلوغ، وكمال العقل، والاختيار، والقصد.
وفي المظاهرة طهر لم يجامعها فيه، إذا كان زوجها حاضرا ومثلها تحيض.
وفي اشتراط الدخول تردد، المروي: الاشتراط.
وفي وقوعه بالتمتع بها قولان، أشبههما: الوقوع.
وكذا الموطوءة بالملك، والمروي: أنها كالحرة.
وهنا مسائل:
الأولى: الكفارة تجب بالعود وهو إرادة الوطء، والأقرب أنه لا استقرار
لوجوبها.
الثانية: لو طلقها وراجع في العدة لم تحل حتى يكفر.
ولو خرجت فاستأنف النكاح فيه روايتان، أشهرهما: أنه لا كفارة.
الثالثة: لو ظاهر من أربع بلفظ واحد لزمه أربع كفارات، وفي رواية كفارة
واحدة.
وكذا البحث لو كرر ظهار الواحدة.
الرابعة: يحرم الوطء قبل التكفير.
11

فلو وطئ عامدا لزمه كفارتان. ولو كرر لزمه بكل وطء كفارة.
الخامسة: إذا أطلق الظهار حرمت مجامعتها حتى يكفر، ولو علقه بشرط
لم تحرم حتى يحصل الشرط.
وقال بعض الأصحاب: أو يواقع وهو بعيد، ويقرب إذا كان الوطء هو
الشرط.
السادسة: إذا عجز عن الكفارة قيل: يحرم وطؤها حتى يكفر، وقيل:
تجزي بالاستغفار وهو أشبه.
السابعة: مدة التربص ثلاثة أشهر من حين المرافعة، وعند انقضائها
يضيق عليه حتى يفئ أو يطلق.
* * *
كتاب الإيلاء
ولا ينعقد إلا باسم الله سبحانه، فلو حلف بالطلاق أو العتاق لم
يصح، ولا تنعقد إلا في الإضرار.
فلو حلف لصلاح لم ينعقد كما لو حلف لاستضرارها بالوطء أو لإصلاح
اللبن، ولا يقع حتى يكون مطلقا أو أزيد من أربعة أشهر.
ويعتبر في المولي: البلوغ، وكمال العقل، والاختيار، والقصد.
وفي المرأة: الزوجية، والدخول.
وفي وقوعه بالمتمتع بها قولان، المروي: أنه لا يقع.
وإذا رافعته أنظره الحاكم أربعة أشهر، فإن أصر على الامتناع ثم رافعته
12

بعد المدة خيره الحاكم بين الفيئة والطلاق، فإن امتنع حبسه وضيق عليه في
المطعم والمشرب حتى يكفر ويفئ أو يطلق، وإذا طلق وقع رجعيا، وعليها
العدة من يوم طلقها.
ولو ادعى الفيئة فأنكرت فالقول قوله مع يمينه.
وهل يشترط في ضرب المدة المرافعة؟ قال الشيخ: نعم، والروايات
مطلقة.
ولنتبع بذلك بذكر الكفارات، وفيه مقصدان:
الأول في حصرها
وتنقسم إلى مرتبة ومخيرة، وما يجتمع الأمران وكفارة الجمع.
فالمرتبة: كفارة الظهار، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين
متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا.
ومثلها كفارة قتل الخطأ.
وكفارة من أفطر يوما من قضاء شهر رمضان بعد الزوال عامدا إطعام
عشرة مساكين، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام متتابعات.
والمخيرة: كفارة شهر رمضان، وهي عتق رقبة أو صيام شهرين
متتابعين أو إطعام ستين مسكينا.
ومثله كفارة من أفطر يوما منذورا على التعيين.
وكفارة خلف العهد على التردد.
وأما كفارة خلف النذر ففيه قولان، أشبههما: أنه لصغيرة.
وما فيه الأمران: كفارة يمين، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين
أو كسوتهم، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام متتابعات.
13

وكفارة الجمع: كقتل المؤمن عمدا عدوانا، وهي عتق رقبة وصيام
شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا.
مسائل ثلاث:
الأولى: قيل: من حلف بالبراءة لزمه كفارة ظهار.
ومن وطئ في الحيض عامدا لزمه دينار في أوله ونصف في وسطه وربع
في آخره.
ومن تزوج امرأة في عدتها فارقها وكفر بخمسة أصواع من دقيق.
ومن نام عن العشاء الآخرة حتى جاوز نصف الليل أصبح صائما،
والاستحباب في الكل أشبه.
الثانية: في جز المرأة شعر رأسها في المصاب كفارة شهر رمضان، وقيل:
كفارة مرتبة. وفي نتفه في المصاب كفارة يمين، وكذا في خدش وجهها. وكذا في
شق الرجل ثوبه بموت ولده أو زوجته.
الثالثة: من نذر صوم يوم فعجز عنه تصدق عنه بإطعام مسكين مدين
من طعام، فإن عجز عنه تصدق بما استطاع، فإن عجز استغفر الله.
المقصد الثاني في خصال الكفارة
وهي: العتق، والإطعام، والكسوة، والصيام.
أما العتق: فيتعين على الواحد في المرتبة، ويتحقق ذلك بملك الرقبة أو
الثمن مع إمكان الابتياع.
ولا بد من كونها مؤمنة أو مسلمة، وأن تكون سليمة من العيوب التي
تعتق بها.
وهل يجزي المدبر؟ قال في النهاية: لا، وفي غيرها بالجواز وهو أشبه.
14

ويجزي الآبق ما لم يعلم موته، وأم الولد.
وأما الصيام: فيتعين مع العجز عن العتق في المرتبة.
ولا تباع ثياب البدن ولا المسكن في الكفارة إذا كان قدر الكفاية،
ولا الخادم.
ويلزم الحر في كفارة قتل الخطأ أو الظهار صوم شهرين متتابعين،
والمملوك صوم شهر.
فإذا صام الحر شهرا ومن الثاني شيئا ولو يوما أتم.
ولو أفطر قبل ذلك أعاد إلا لعذر كالحيض والنفاس والإغماء والمرض
والجنون.
وأما الإطعام: فيتعين في المرتبة مع العجز عن الصيام.
ويجب إطعام العدد لكل واحد مد من طعام، وقيل: مدان مع القدرة.
ولا يجزي إعطاؤه لما دون العدد.
ولا يجوز التكرار من الكفارة الواحدة مع التمكن، ويجوز مع التعذر.
ويطعم ما يغلب على قوته.
ويستحب أن يضم إليه أدما أعلاه اللحم، وأوسطه الخل، وأدناه الملح.
ولا يجزي إطعام الصغار منفردين ويجوز منضمين.
ولو انفردوا احتسب الاثنان بواحد.
مسائل:
الأولى: كسوة الفقير ثوبان مع القدرة. وفي رواية يجزي الثوب الواحد
وهو أشبه.
وكفارة الإيلاء مثل كفارة اليمين.
الثانية: من عجز عن العتق فدخل في الصيام ثم تمكن من العتق لم يلزمه
العود وإن كان أفضل.
15

الثالثة: كل من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعجز صام ثمانية عشر
يوما، فإن لم يقدر تصدق عن كل يوم بمد من طعام، فإن لم يستطع استغفر الله
سبحانه.
الرابعة: يشترط في المكفر: البلوغ، وكمال العقل، والإيمان، ونية القربة،
والتعيين.
* * *
كتاب اللعان
والنظر في أمور أربعة:
الأول: السبب
وهو أمران:
الأول: قذف الزوجة بالزنا مع ادعاء المشاهدة وعدم البينة.
ولا يثبت لو قذفها في عدة بائنة، ويثبت لو قذفها في رجعية.
الثاني: إنكار من ولد على فراشه لستة أشهر فصاعدا من زوجة
موطوءة بالعقد الدائم ما لم يتجاوز أقصى الحمل.
وكذا لو أنكره بعد فراقها ولم تتزوج أو بعد أن تزوجت وولدت لأقل من
ستة أشهر منذ دخل.
الثاني في الشرائط
ويعتبر في الملاعن: البلوغ، وكمال العقل.
16

وفي لعان الكافر قولان، أشبههما: الجواز، وكذا المملوك.
وفي الملاعنة: البلوغ، وكمال العقل، والسلامة من الصمم والخرس،
ولو قذفها مع أحدهما بما يوجب اللعان حرمت عليه.
وأن يكون عقدها دائما.
وفي اعتبار الدخول قولان، المروي: أنه لا يقع قبله، وقال ثالث بثبوته
بالقذف دون النفي للولد.
ويثبت بين الحر والمملوكة، وفيه رواية بالمنع، وقول ثالث بالفرق.
ويصح لعان الحامل، لكن لا يقام عليها الحد حتى تضع.
الثالث: الكيفية
وهو أن يشهد الرجل أربعا بالله إنه لمن الصادقين فيما رماها به، ثم يقول:
إن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ثم تشهد المرأة أربعا إنه لمن الكاذبين
فيما رماها به، ثم تقول: إن غضب الله عليها إن كان من الصادقين.
والواجب فيه النطق بالشهادة.
وأن يبدأ الرجل بالتلفظ باللفظ العربي مع القدرة.
والمستحب أن يجلس الحاكم مستدبر القبلة.
وأن يقف الرجل عن يمينه والمرأة عن يساره، وأن يحضر من يسمع اللعن
ووعظ الرجل بعد الشهادة قبل اللعن. وكذا المرأة قبل ذكر الغضب.
الرابع في الأحكام
وهي أربعة:
الأول: يتعلق بالقذف وجوب الحد على الزوج. وبلعانه سقوطه وثبوت
الرجم على المرأة إن اعترفت أو نكلت ومع لعانها سقوطه عنها، وانتفاء الولد
17

عن الرجل، وتحريمها عليه مؤبدا.
ولو نكل عن اللعان، أو اعترف بالكذب حد للقذف.
الثاني: لو اعترف بالولد في أثناء اللعان لحق به وتوارثا وعليه الحد.
ولو كان بعد اللعان لحق به وورثه الولد ولم يرثه الأب ومن لا يتقرب به،
وترثه الأم ومن يتقرب بها.
وفي سقوط الحد هنا روايتان، أشهرهما: السقوط.
ولو اعترفت المرأة بعد اللعان بالزنا لم يثبت الحد إلا أن تقر أربعا على
تردد.
الثالث: لو طلق فادعت الحمل منه فأنكر، فإذا أقامت بينة أنه أرخى
عليها الستر لاعنها وبانت منه، وعليه المهر كملا، وهي رواية علي بن جعفر
عن أخيه.
وفي النهاية: وإن لم تقم بينة لزمه نصف المهر وضربت مائة سوط،
وفي إيجاب الجلد إشكال.
الرابع: إذا قذفها فماتت قبل اللعان فله الميراث، وعليه الحد للوارث.
وفي رواية أبي بصير: إن قام رجل من أهلها فلاعنه فلا ميراث له.
وقيل: لا يسقط الإرث لاستقراره بالموت، وهو حسن.
* * *
كتاب العتق
والنظر في الرق وأسباب الإزالة.
18

أما الرق
فيختص بأهل الحرب دون أهل الذمة، ولو أخلوا بشرائطها جاز تملكهم.
ومن أقر على نفسه بالرقية مختارا في صحة من رأيه حكم برقيته.
وإذا بيع في الأسواق ثم ادعى الحرية لم يقبل منه إلا ببينة.
ولا يملك الرجل ولا المرأة أحد الأبوين وإن علوا، ولا الأولاد وإن
سفلوا.
وكذا لا يملك الرجل ذوات الرحم من النساء المحرمات كالخالة والعمة
وبنت الأخت وبنت الأخ، وينعتق هؤلاء بالملك، ويملك غيرهم من الرجال
والنساء على كراهية، ويتأكد فيمن يرثه.
وهل ينعتق عليه بالرضاع من ينعتق بالنسب؟ فيه روايتان، أشهرهما:
أنه ينعتق. ولا ينعتق على المرأة سوى العمودين.
وإذا ملك أحد الزوجين صاحبه بطل العقد بينهما وثبت الملك.
أما إزالة الرق
فأسبابها أربعة: الملك، والمباشرة، والسراية، والعوارض. وقد سلف
الملك.
أما المباشرة: فالعتق، والكتابة، والتدبير، والاستيلاد.
وأما العتق: فعبارته الصريحة التحرير.
وفي لفظ العتق تردد، ولا اعتبار بغير ذلك من الكنايات وإن قصد بها
العتق، ولا تكفي الإشارة ولا الكتابة مع القدرة على النطق.
ولا يصح جعله يمينا، ولا بد من تجريده عن شرط متوقع أو صفة.
ويجوز أن يشترط مع العتق شئ.
19

ولو شرط إعادته في الرق إن خالف فقولان، المروي: اللزوم.
ويشترط في المعتق: جواز التصرف، والاختيار، والقصد، والقربة.
وفي عتق الصبي إذا بلغ عشرا رواية بالجواز حسنة، ولا يصح عتق
السكران.
وفي وقوعه من الكافر تردد، ويعتبر في المعتق أن يكون مملوكا حال
العتق مسلما.
ولا يصح لو كان كافرا، ويكره لو كان مخالفا. ولو نذر عتق أحدهما لزم.
ولو شرط المولى على المعتق الخدمة زمانا معينا صح.
ولو أبق ومات المولى فوجد بعد المدة فهل للورثة استخدامه؟ المروي: لا.
وإذا طلب المملوك البيع لم تجب إجابته.
ويكره التفريق بين الولد وأمه. وقيل: يحرم.
وإذا أتى على المملوك المؤمن سبع سنين يستحب عتقه، وكذا لو ضرب
مملوكه ما هو حد.
مسائل سبع:
الأولى: لو نذر تحرير أول مملوك يملكه فملك جماعة تخير في أحدهم،
وقيل: يقرع بينهم، وقال ثالث: لا يلزمه عتق.
الثانية: لو نذر عتق أول ما تلده فولدت توأمين عتقا.
الثالثة: لو أعتق بعض مماليكه فقيل له: هل أعتقت مماليكك؟ فقال: نعم، لم
ينعتق إلا من سبق عتقه.
الرابعة: لو نذر أمته إن وطأها صح فإن أخرجها عن ملكه انحلت اليمين
وإن عادت بملك مستأنف.
الخامسة: لو نذر عتق كل عبد قديم في ملكه أعتق من كان له في ملكه
ستة أشهر فصاعدا.
20

السادسة: مال المعتق لمولاه وإن لم يشترط، وقيل: إن لم يعلم به فهو له،
وإن علم ولم يستثنه فهو للعبد.
السابعة: إذا أعتق ثلث عبيده استخرج الثلث بالقرعة.
وأما السراية: فمن أعتق شقصا من عبده عتق كله، ولو كان له شريك
قوم عليه نصيبه إن كان موسرا، وسعى العبد في فك باقيه إن كان المعتق
معسرا.
وقيل: إن قصد الإضرار فكه إن كان مؤسرا، وبطل العتق إن كان
معسرا.
وإن قصد القربة لم يلزمه فكه، وسعى العبد في حصة الشريك، فإن امتنع
العبد استقر ملك الشريك على حصته.
وإذا أعتق الحامل تحرر الحمل ولو استثنى رقه لرواية السكوني. وفيه مع
ضعف السند إشكال منشأه عدم القصد إلى عتقه.
وأما العوارض: فالعمى، والجذام، وتنكيل المولى بعبده.
وألحق الأصحاب الاقعاد، فمتى حصل أحد هذه الأسباب فيه انعتق.
وكذا إذا أسلم العبد في دار الحرب سابقا على مولاه.
وكذا لو كان العبد وارثا ولا وارث غيره دفعت قيمته إلى مولاه.
* * *
كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد
أما التدبير
فلفظه الصريح: أنت حر بعد وفاتي. ولا بد فيه من النية ولا حكم لعبارة
21

الصبي ولا المجنون ولا السكران ولا المحرج الذي لا قصد له.
وفي اشتراط القربة تردد.
ولو حملت المدبرة من مولاها لم يبطل تدبيرها، وتنعتق بوفاته من الثلث.
ولو حملت من غيره بعد التدبير فالولد مدبر كهيئتها، ولو رجع في
تدبيرها لم يصح رجوعه في تدبير الأولاد، وفيه قول آخر ضعيف.
ولو أولد المدبر من مملوكة كان ولده مدبرا.
ولو مات الأب قبل المولى لم يبطل تدبير الأولاد وعتقوا بعد موت المولى
من ثلثه، ولو قصر سعوا فيما بقي منهم. ولو دبر الحبلى لم يسر إلى ولدها، وفي
رواية إن علم بحبلها فما في بطنها بمنزلتها.
ويعتبر في المدبر جواز التصرف والاختيار والقصد.
وفي صحته من الكافر تردد، أشبهه: الجواز.
والتدبير وصية يرجع فيه المولى متى شاء، فلو رجع قولا صح قطعا.
أما لو باعه أو وهبه فقولان، أحدهما: يبطل به التدبير، وهو الأشبه،
الآخر: لا يبطل ويمضي البيع في خدمته، وكذا الهبة.
والمدبر رق، ويتحرر بموت المولى من ثلثه.
والدين مقدم على التدبير سواء كان سابقا على التدبير أو متأخرا. وفيه
رواية بالتفصيل متروكة.
ويبطل التدبير بإباق المدبر. ولو أولد له في حال إباقه كان أولاده رقا.
ولو جعل خدمة عبده لغيره ثم قال: هو حر بعد وفاة المخدوم صح على
الرواية، ولو أبق لم يبطل تدبيره وصار حرا بالوفاة ولا سبيل عليه.
وأما المكاتبة
فتستدعي بيان أركانها وأحكامها.
22

والأركان أربعة: العقد والملك والمكاتب والعوض.
والكتابة مستحبة مع الديانة وإمكان الاكتساب، وتتأكد بسؤال المملوك،
وتستحب مع التماسه ولو كان عاجزا.
وهي قسمان: فإن اقتصر على العقد فهي مطلقة، وإن اشترط عوده رقا
مع العجز فهي مشروطة.
وفي الاطلاق يتحرر منه بقدر ما أدى. وفي المشروطة يرد رقا مع العجز.
وحده أن يؤخر النجم من محله. وفي رواية أن يؤخر نجما إلى نجم، وكذا
لو علم منه العجز.
ويستحب للمولى الصبر لو عجز، وكل ما يشترطه المولى على المكاتب
لازم ما لم يخالف المشروع.
ويعتبر في المالك جواز التصرف والاختيار والقصد.
وفي اعتبار الاسلام تردد، أشبهه: أنه لا يعتبر. ويعتبر في المملوك التكليف.
وفي كتابة الكافر تردد، أظهره: المنع.
ويعتبر في العوض كونه دينا مؤجلا معلوم القدر والوصف مما يصح تملكه
للمولى، ولا حد لأكثره لكن يكره أن يتجاوز قيمته.
ولو دفع ما عليه قبل الأجل فالولي في قبضه بالخيار. ولو عجز المطلق
عن الأداء فكه الإمام من سهم الرقاب وجوبا.
وأما الأحكام فمسائل:
الأولى: إذا مات المشروط بطلت الكتابة وكان ماله وأولاده لمولاه.
وإن مات المطلق وقد أدى شيئا تحرر منه بقدره وكان للمولى من تركته
بنسبة ما بقي من رقبته ولورثته بنسبة الحرية إن كانوا أحرارا في الأصل،
23

وإلا تحرر منهم بقدر ما تحرر منه والزموا بما بقي من مال الكتابة، فإذا أدوه
تحرروا.
ولو لم يكن لهم مال سعوا فيما بقي منهم، وفي رواية يؤدون ما بقي من مال
الكتابة وما فضل لهم.
والمطلق إذا أوصى أو أوصي له صح نصيب الحرية وبطل في الزائد. وكذا
لو وجب عليه حد أقيم عليه من حد الأحرار بنسبة ما فيه من الحرية ومن
حد العبيد بنسبة ما فيه من الرقية.
ولو زنى المولى بمكاتبته المطلقة سقط عنه من الحد بقدر نصيبه منها وحد
بما تحرر.
الثانية: ليس للمكاتب التصرف في ماله بهبة ولا عتق ولا إقراض إلا
بإذن المولى، وليس للمولى التصرف في ماله بغير الاستيفاء، ولا يحل له وطء
المكاتبة بالملك ولا بالعقد.
ولو وطأها مكرها لزمه مهرها، ولا تتزوج إلا بإذنه.
ولو حملت بعد الكتابة كان حكم ولدها حكمها إذا لم يكونوا أحرارا.
الثالثة: يجب على المولى إعانته من الزكاة، ولو لم يكن استحب تبرعا.
وأما الاستيلاد
فهو يتحقق بعلوق أمته منه في ملكه وهي مملوكة، لكن لا يجوز بيعها ما
دام ولدها حيا إلا في ثمن رقبتها إذا كان دينا على مولاها ولا جهة لقضائه
غيرها.
ولو مات ولدها جاز بيعها، وتتحرر بموت المولى من نصيب ولدها.
ولو لم يخلف الميت سواها عتق منها نصيب ولدها وسعت فيما بقي.
24

وفي رواية تقوم على ولدها إن كان موسرا، وفي رواية محمد بن قيس
عن أبي جعفر (عليه السلام) في وليدة نصرانية أسلمت وولدت من مولاها غلاما
ومات فأعتقت وتزوجت نصرانيا وتنصرت فقال: ولدها لابنها من سيدها
وتحبس حتى تضع وتقتل.
وفي النهاية: يفعل بها ما يفعل بالمرتدة، والرواية شاذة.
* * *
كتاب الإقرار
والنظر في الأركان واللواحق.
والأركان أربعة:
الأول الإقرار:
وهو إخبار الانسان بحق لازم له، ولا يختص لفظا، وتقوم مقامه الإشارة.
ولو قال: لي عليك كذا، فقال: نعم أو أجل فهو إقرار. وكذا لو قال: أليس
لي عليك كذا؟ فقال: بلى.
ولو قال: نعم، قال الشيخ: لا يكون إقرارا. وفيه تردد.
ولو قال: أنا مقر، لم يلزمه إلا أن يقول به. ولو قال: بعنيه أو هبنيه
فهو إقرار.
ولو قال: لي عليك كذا فقال: اتزن أو انتقد، لم يكن شيئا.
وكذا لو قال: أتزنها أو انتقدها.
أما لو قال: أجلتني بها أو قضيتكها فقد أقر وانقلب المقر مدعيا.
25

الثاني المقر:
ولا بد من كونه مكلفا حرا مختارا جائز التصرف، فلا يقبل إقرار الصغير
ولا المجنون ولا العبد بماله. ولا حد ولا جناية ولو أوجبت قصاصا.
الثالث في المقر له:
ويشترط فيه أهلية التملك، ويقبل لو أقر للحمل تنزيلا على الاحتمال وإن
بعد، وكذا لو أقر لعبد ويكون للمولى.
الرابع في المقر به:
ولو قال: له علي مال قبل تفسيره بما يملك وإن قل.
ولو قال: شئ فلا بد من تفسيره بما يثبت في الذمة.
ولو قال: ألف ودرهم رجع في تفسير الألف إليه.
ولو قال: مائة وعشرون درهما فالكل دراهم.
وكذا كنايته عن الشئ، فلو قال: كذا درهم فالاقرار بدرهم.
وقال الشيخ: لو قال: كذا كذا درهما، لم يقبل تفسيره بأقل من أحد عشر.
ولو قال: كذا وكذا لم يقبل أقل من أحد وعشرين.
والأقرب الرجوع في تفسيره إلى المقر ولا يقبل أقل من درهم.
ولو أقر بشئ مؤجلا فأنكر الغريم الأجل لزمه حالا، وعلى الغريم اليمين.
واللواحق ثلاثة
الأول في الاستثناء، ومن شروطه الاتصال العادي، ولا يشترط الجنسي
ولا نقصان المستثنى عن المستثنى منه.
فلو قال: له علي عشرة إلا ستة لزمه أربعة.
26

ولو قال: ينتقص ستة لم يقبل منه.
ولو قال: له عشرة إلا خمسة إلا ثلاثة لزمه ثمانية.
ولو قال: له عشرة إلا ثلاثة إلا ثلاثة كان الاقرار بالأربعة.
ولو قال: درهم ودرهم إلا درهمان لزمه درهمان.
ولو قال: له عشرة إلا ثوبا سقط من العشرة قيمة الثوب ويرجع إليه
تفسير القيمة ما لم يستغرق العشرة.
الثاني في تعقيب الإقرار بما ينافيه.
فلو قال: هذا لفلان بل لفلان فهو للأول ويغرم القيمة للثاني.
ولو قال: له علي مال من ثمن خمر لزمه المال.
ولو قال: ابتعت بخيار وأنكر البائع الخيار قبل إقراره في البيع
دون الخيار.
وكذا لو قال: من ثمن مبيع لم أقبضه.
الثالث الإقرار بالنسب، ويشترط في الاقرار بالولد الصغير إمكان البنوة
وجهالة نسب الصغير وعدم المنازع.
ولا يشترط التصديق لعدم الأهلية. ولو بلغ فأنكر لم يقبل. ولا بد في
الكبير من التصديق.
وكذا في غيره من الأنساب، وإذا تصادقا توارثا بينهما، ولا يتعدى
المتصادقين.
ولو كان للمقر ورثة مشهورون لم يقبل إقراره بالنسب ولو تصادقا.
فإذا أقر الوارث بآخر وكان أولى منه دفع إليه ما في يده، وإن كان
مشاركا دفع إليه بنسبة نصيبه من الأصل.
ولو أقر باثنتين فتناكرا لم يلتفت إلى تناكرهما.
27

ولو أقر بأولى منه ثم بمن هو أولى من المقر له فإن صدقه الأول دفع
إلى الثاني، وإن كذبه ضمن المقر ما كان نصيبه.
ولو أقر بمساو له فشاركه ثم أقر بمن هو أولى منهما فإن صدقه المساوي
دفعا إليه ما معهما، وإن أنكر غرم للثاني ما كان في يده.
ولو أقر للميتة بزوج دفع إليه مما في يده بنسبة نصيبه. ولو أقر بآخر
لم يقبل إلا أن يكذب نفسه فيغرم له إن أنكر الأول.
وكذا الحكم في الزوجات إذا أقر بخامسة.
ولو أقر اثنان عادلان من الورثة صح النسب وقاسم الوارث.
ولو لم يكونا مرضيين لم يثبت النسب ودفعا إليه مما في أيديهما بنسبة
نصيبه من التركة.
* * *
كتاب الأيمان
والنظر في أمور ثلاثة:
الأول: ما به ينعقد
ولا تنعقد إلا بالله وبأسمائه الخاصة وما ينصرف إطلاقه إليه كالخالق
والباري دون ما لا ينصرف إطلاقه إليه كالموجود، ولا ينعقد لو قال: أقسم
أو أحلف حتى يقول: بالله.
ولو قال: لعمر الله كان يمينا، ولا كذا لو قال: وحق الله.
ولا ينعقد الحلف بالطلاق والعتاق والظهار ولا بالحرم ولا بالكعبة
28

ولا بالمصحف.
وينعقد لو قال: حلفت برب المصحف.
ولو قال: هو يهودي أو نصراني أو حلف بالبراءة من الله أو رسوله
أو الأئمة (عليهم السلام) لم يكن يمينا.
والاستثناء بالمشيئة في اليمين يمنعها الانعقاد إذا اتصل بما جرت العادة.
ولو تراخى عن ذلك عن غير عذر لزمت اليمين وسقط الاستثناء إلى
أربعين يوما وهي متروكة.
الثاني: الحالف
ويعتبر فيه البلوغ والتكليف والاختيار والقصد، فلو حلف عن غير نية
كانت لغوا ولو كان اللفظ صريحا.
ولا يمين للسكران ولا المكره ولا الغضبان إلا أن يكون لأحدهم قصد
إلى اليمين.
وتصح اليمين من الكافر، وفي الخلاف: لا يصح.
ولا ينعقد يمين الولد مع الوالد إلا بإذنه، ولو بادر كان للوالد حلها إن لم
تكن في واجب أو ترك محرم. وكذا الزوجة مع زوجها والمملوك مع مولاه.
الثالث: في متعلق اليمين
ولا يمين إلا مع العلم.
ولا يجب بالغموس كفارة.
وتنعقد لو حلف على فعل واجب أو مندوب أو على ترك محرم أو مكروه.
ولا ينعقد لو حلف على ترك فعل واجب أو مندوب أو فعل محرم
أو مكروه.
29

ولو حلف على مباح - وكان الأولى مخالفته في دينه أو دنياه - فليأت
لما هو خير له، ولا إثم ولا كفارة.
وإذا تساوى فعل ما تعلقت به اليمين وتركه وجب العمل بمقتضى اليمين.
ولو حلف لزوجته أن لا يتزوج أو لا يتسرى لم تنعقد يمينه.
وكذا لو حلفت هي أن لا تتزوج بعده.
وكذا لو حلفت أن لا تخرج معه.
ولا تنعقد لو قال لغيره: والله لتفعلن. ولا يلزم أحدهما.
وكذا لو حلف لغريمه على الإقامة بالبلد وخشي مع الإقامة الضرر.
وكذا لو حلف ليضربن عبده فالعفو أفضل، ولا إثم ولا كفارة.
ولو حلف على ممكن فتجدد العجز انحلت اليمين.
ولو حلف على تخليص مؤمن أو دفع أذية لم يأثم ولو كان كاذبا، وإن
أحسن التورية ورى.
ومن هذا لو وهب له مالا وكتب له ابتياع وقبض ثمن فتنازعه الوارث
على تسليم الثمن حلف ولا إثم، ويوري بما يخرجه عن الكذب.
وكذا لو حلف أن مماليكه أحرار وقصد التخلص من الظالم لم يأثم ولم
يتحرروا.
ويكره الحلف على القليل وإن كان صادقا.
مسألتان:
الأولى: روى ابن عطية فيمن حلف أن لا يشرب من لبن عنزة له
ولا يأكل من لحمها أنه يحرم عليه لبن أولادها ولحومهم لأنهم منها. وفي
الرواية ضعف.
30

وقال في النهاية: إن شرب لحاجة لم يكن عليه شئ والتقييد حسن.
الثانية: روى أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل أعجبته جارية
عمته فخاف الإثم فحلف بالأيمان أن لا يمسها أبدا، فورث الجارية، أعليه
جناح أن يطأها؟ فقال (عليه السلام): إنما حلف على الحرام ولعل الله رحمه فورثه إياها
لما علم من عفته.
* * *
كتاب النذور والعهود
والنظر في أمور أربعة:
الأول: الناذر
ويعتبر فيه التكليف والاسلام والقصد.
ويشترط في نذر المرأة إذن الزوج. وكذا نذر المملوك، فلو بادر أحدهما
كان للزوج والمالك فسخه ما لم يكن فعل واجب أو ترك محرم. ولا ينعقد في
سكر يرفع القصد ولا غضب كذلك.
الثاني: الصيغة
وهي أن تكون شكرا كقوله: إن رزقت ولدا فلله علي كذا. أو استدفاعا
كقوله: إن برئ المريض فلله علي كذا، أو زجرا كقوله: إن فعلت كذا من
المحرمات أو إن لم أفعل كذا من الطاعات فلله علي كذا. أو تبرعا كقوله: لله
علي كذا. ولا ريب في انعقاده مع الشرط.
31

وفي انعقاد التبرع قولان، أشبههما: الانعقاد.
ويشترط النطق بلفظ الجلالة، فلو قال: علي كذا لم يلزم.
ولو اعتقد أنه: إن كان كذا فلله عليه كذا، ولم يتلفظ بالجلالة فقولان،
أشبههما: أنه لا ينعقد وإن كان الإتيان به أفضل.
وصيغة العهد أن يقول: عاهدت الله متى كان كذا فعلي كذا. وينعقد نطقا.
وفي انعقاده اعتقادا قولان، أشبههما: أنه لا ينعقد.
ويشترط فيه القصد كالنذر.
الثالث: في متعلق النذر
وضابطه ما كان طاعة لله مقدورا للناذر، ولا ينعقد مع العجز، ويسقط لو
تجدد العجز.
والسبب إذا كان طاعة لله وكان النذر شكرا لزم، ولو كان زجرا لم يلزم.
وبالعكس لو كان السبب معصية.
ولا ينعقد لو قال: لله علي نذر واقتصر به.
وينعقد لو قال: علي قربة، ويبر بفعل قربة ولو صوم يوم أو صلاة
ركعتين.
ولو نذر صوم حين صام ستة أشهر.
ولو قال: زمانا صام خمسة أشهر.
ولو نذر الصدقة بمال كثير كان ثمانين درهما.
ولو نذر عتق كل عبد قديم أعتق من كان له في ملكه ستة أشهر
فصاعدا، هذا إذا لم ينو شيئا غيره.
ومن نذر في سبيل الله صرفه في البر.
32

ولو نذر الصدقة بما يملك لزم، فإن شق قومه وأخرج شيئا فشيئا
حتى يوفي.
الرابع: اللواحق
وهي مسائل:
الأولى: لو نذر يوما معينا فاتفق له السفر أفطر وقضاه.
وكذا لو مرض أو حاضت المرأة أو نفست.
ولو شرط صومه سفرا وحضرا صام وإن اتفق في السفر.
ولو اتفق يوم عيد أفطر، وفي القضاء تردد.
ولو عجز عن صومه أصلا قيل: يسقط. وفي رواية يتصدق عنه بمد.
الثانية: ما لم يعين بوقت يلزم الذمة مطلقا. وما قيد بوقت يلزم فيه.
ولو أخل لزمته الكفارة.
وما علقه بشرط ولم يقرنه بزمان فقولان، أحدهما: يتضيق فعله عند
الشرط، والأخير: لا يتضيق، وهو أشبه.
الثالثة: من نذر الصدقة في مكان معين أو الصوم والصلاة في وقت معين
لزم، فإن فعل ذلك في غيره أعاد.
الرابعة: لو نذر إن برئ مريضه أو قدم مسافره فبان البرء والقدوم قبل
النذر لم يلزم، ولو كان بعده لزم.
الخامسة: من نذر إن رزق ولدا حج به أو حج عنه ثم مات حج به أو
عنه من أصل التركة.
السادسة: من جعل دابته أو جاريته هديا لبيت الله بيع ذلك وصرف ثمنه
في معونة الحاج والزائرين.
33

السابعة: روى إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم (عليه السلام) في رجل كانت عليه
حجة الاسلام فأراد أن يحج، فقيل له: تزوج ثم حج، قال: إن تزوجت قبل أن
أحج فغلامي حر فبدأ بالنكاح، وقال: تحرر الغلام وفيه إشكال إلا أن يكون
نذرا.
الثامنة: روى رفاعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل نذر الحج ولم يكن له
مال فحج عن غيره، أيجزي عن نذره؟ قال: نعم وفيه إشكال إلا أن يقصد
ذلك بالنذر.
التاسعة: قيل: من نذر أن لا يبيع خادما أبدا لزمه الوفاء وإن احتاج إلى
ثمنه، وهو استناد إلى رواية مرسلة.
العاشرة: العهد كاليمين يلزم حيث تلزم، ولو تعلق بما الأعود مخالفته دينا
أو دنيا خالف إن شاء، ولا إثم ولا كفارة.
* * *
34

رياض المسائل
كتاب الطلاق
35

* (كتاب الطلاق) *
وهو إزالة قيد النكاح بغير عوض بصيغة طالق وما في معناه، حيث قلنا
به مع الشرائط المعتبرة.
* (والنظر في أركانه، وأقسامه، ولواحقه) *.
* (الركن الأول:) *
* (في) * بيان * (المطلق) *
* (ويعتبر فيه البلوغ، والعقل، والاختيار، والقصد) * إليه بلا خلاف، بل
إجماعا فيما عدا الأول، وفيه في الجملة، والنصوص بها مع ذلك مستفيضة،
ستأتي إليها الإشارة.
* (فلا اعتبار بطلاق الصبي) * الغير المميز إجماعا، وفيه أيضا على الأشهر،
بل عليه كافة من تأخر. وهو الأظهر، للأصل، وأدلة الحجر عموما في الأكثر،
وفحوى في الجميع إن ادعي اختصاصها بالمال، إذ المنع عن التصرف في المال
ولا سيما قليله ملازم للمنع عنه في الطلاق بطريق أولى. كيف لا! ولتعلقه بأمر
الفروج أمره أشد من أمر المال بمراتب شتى جدا، وفاقا نصا وفتوى.
هذا، مضافا إلى إطلاق خصوص المعتبرة المستفيضة:
37

منها القريب سنده من الصحة: ليس طلاق الصبي بشئ (1). ونحوه
المنجبر قصور سنده بالشهرة (2).
ومنها: كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه أو الصبي أو مبرسم أو مجنون أو
مكره (3).
ومنها المروي عن قرب الإسناد: لا يجوز طلاق الغلام حتى يحتلم (4).
هذا، مع أن في الصحيح: عن الصبي يتزوج الصبية، قال: إذا كان أبواهما
اللذان زوجاهما فنعم جائز (5).
ولكن لهما الخيار إذا أدركا، وقد حمل الشيخ وغيره الخيار فيه على الطلاق
فيدل حينئذ على اشتراطه بالإدراك الدال بمفهومه على العدم بعدمه.
* (و) * لكن ورد * (فيمن بلغ) * بحسب السن * (عشرا رواية) * المراد بها
الجنس لتعددها * (بالجواز) * عمل بها النهاية (6)، وتبعه عليه جماعة
كالقاضي (7) وابن حمزة (8).
أحدها الموثق: يجوز طلاق الصبي إذا بلغ عشر سنين (9). ونحوه المرسل
كالصحيح (10).
وهي وإن لم يكن * (فيها ضعف) * بالمعنى المصطلح، إلا أنها قاصرة عن
المقاومة لما مر، من حيث الاستفاضة، والاعتضاد بالأصل، والعمومات،

(1) الوسائل 15: 324، الباب 32 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 1.
(2) الوسائل 15: 324، الباب 32 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 4 و 3.
(3) الوسائل 15: 324، الباب 32 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 4 و 3.
(4) قرب الإسناد: 50.
(5) الوسائل 15: 326، الباب 33 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 2.
(6) النهاية 2: 448.
(7) المهذب 2: 288.
(8) الوسيلة: 323.
(9) الوسائل 15: 325، الباب 32 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 6 و 7.
(10) الوسائل 15: 325، الباب 32 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 6 و 7.
38

والشهرة العظيمة، والأولوية المتقدمة.
فحمل تلك على هذه بالتقييد المناقشة فيه واضحة مع بعد جريانه في
بعضها مما جعل فيه غاية الجواز إلى الاحتلام لكونه كالصريح في المنع عن
طلاق ذي العشر بعدم كونه الغاية.
فالقول بهذه الرواية ضعيف البتة، كالجواز المطلق في ذي التمييز كما عن
الإسكافي (1) وجماعة وإن وردت بها روايات بحسب الأسانيد معتبرة،
كالموثقين: يجوز طلاق الصبي إذا كان قد عقل ووصيته وصدقته وإن لم
يحتلم (2)، ونحوهما الرضوي: إذا طلق للسنة فطلاقه جائز (3)، لتطرق النظر
إليها بما مضى، مع لزوم تقييدها بالخبرين المقيدين إن عملنا بهما كتقييدهما بها.
* (ولو طلق عنه الولي لم يقع) * مطلقا، أبويه كان أم الحاكم، للأصل،
ولعموم الطلاق بيد من أخذ بالساق، كما في المستفيضة، مضافا إلى الإجماع
المحكي في كلام جماعة، وخصوص المعتبرة المستدل بها في الأولين بالمنطوق،
وفي الثالث بالأولوية منها الصحيح وغيره: هل يجوز طلاق الأب؟ قال: لا (4).
والفرق بينه وبين المجنون حيث قلنا بجواز طلاقه عنه ترقب مدة يمكن
زوال المنع فيها واندفاع الضرر به فيها دون المجنون، كما لا يخفى، مضافا إلى
استفاضة النصوص المخرجة عن الأصل فيه دون الصبي، ولا مخرج عنه فيه
منها قطعا، وهي كافية في الفرق.
ويخرج ما ذكرناه من الاعتبار شاهدا قطعا * (إلا أن يكون (5) بلغ فاسد

(1) كما في المختلف: 589 س 12.
(2) الوسائل 15: 325، الباب 32 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 5 وذيله.
(3) فقه الرضا: 243.
(4) الوسائل 15: 326، الباب 33 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 1 و 2.
(5) في متن المطبوع: " إلا أن يبلغ فاسد العقل ".
39

العقل) * فسادا لا يمكنه معه القصد إلى الطلاق أصلا فيجوز طلاق الولي عنه
حينئذ مطلقا، مطبقا كان أو أدواريا لا يفيق حال الطلاق أبدا على الأظهر
الأشهر، بل في الإيضاح الإجماع عليه (1). وهو الحجة فيه، كالمستفيضة.
منها الصحيحان:
في أحدهما: عن الأحمق الذاهب العقل أيجوز طلاق وليه عنه؟ قال: ولم لا
يطلق هو؟ قلت: لا يؤمن إن طلق هو أن يقول غدا لم أطلق أو لا يحسن أن
يطلق، قال: ما أرى وليه إلا بمنزلة السلطان (2). ونحوه الثاني (3) مبدلا فيه
" السلطان " " بالإمام ".
وإجمال المنزلة فيهما مبين بسياقهما المعرب من حيث وجوب المطابقة بين
السؤال والجواب عن إرادة جواز الطلاق منها، وبالمعتبرة.
منها: في طلاق المعتوه، قال: يطلق عنه وليه فإني أراه بمنزلة الإمام (4).
وقريب منه آخر: المعتوه الذي لا يحسن أن يطلق يطلق عنه وليه (5).
وقصور سندهما منجبر بالشهرة، مع احتمال الأول الصحة كما عليه من
المحققين جماعة.
خلافا للخلاف (6)، مدعيا على المنع الوفاق، وتبعه الحلي (7)، لعموم
المستفيض، ويخص بما مر، والإجماع مع معارضته بأقوى منه موهون بمصير
الأكثر إلى الخلاف. وعلى تقدير صحته وخلوه فغايته أنه خبر صحيح، ولكنه
واحد لا يعارض المستفيضة المتعددة صحاحها والمنجبرة بالشهرة باقيها.

(1) الإيضاح 3: 292.
(2) الوسائل 15: 329، الباب 35 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 1.
(3) المصدر السابق: 327، الباب 34 الحديث 1.
(4) المصدر السابق: 329، الباب 35 الحديث 3 و 2.
(5) المصدر السابق: 329، الباب 35 الحديث 3 و 2.
(6) الخلاف 4: 442، المسألة 29.
(7) السرائر 2: 673.
40

ثم ظاهر الحصر في العبارة انحصار جواز طلاق الولي في اتصال الجنون
بالصغر، وهو مخالف للإجماع، ولإطلاق النصوص إن أريد بالولي المطلق،
وللأخير خاصة إن أريد به من عدا الحاكم، كما هو الظاهر، ولعله مبني على ما
مضى في بحث النكاح من انقطاع ولايته في غير هذه الصورة، لكنه معارض
بمثله في جانب الحاكم، كما عرفت ثمة، مع اعتضاده بإطلاق أخبار المسألة، بل
عمومها الناشئ عن ترك الاستفصال فيها، بل ربما كان أظهر أفرادها غير
المفروض في العبارة، ولعله لذا أطلق الجواز جماعة وإن صرح بما في العبارة
شيخنا في الروضة (1).
ثم ليس في النصوص كالعبارة اشتراط الغبطة، لكنه مشهور بين الطائفة،
فإن تم إجماع، وإلا فطريق المناقشة فيه غير منسدة. كيف لا! وغاية ما يستفاد
من الأدلة مراعاة عدم الضرر لا الغبطة، وأحدهما غير الآخر بالضرورة.
* (ولا يصح طلاق المجنون) * مطلقا عدا الأدواري حال إفاقته * (ولا
السكران) * البالغ حدا يصير نحو المجنون الذي لا ينتظم أموره ولا يتوجه إلى
أفعاله قصده، وفي معناه المغمى عليه والنائم، لانتفاء القصد المشترط في
الصحة بالإجماع والمعتبرة الآتية، والنصوص به مع ذلك مستفيضة، مضى منها
في الأول، مضافا إلى الصحيح فيه.
وفي الثاني: عن طلاق السكران وعتقه، فقال: لا يجوز، وعن طلاق
المعتوه، قال: وما هو؟ قلت: الأحمق الذاهب العقل، قال: لا يجوز (2).
ومنها في الثاني: المستفيضة:
منها الصحيح: عن طلاق السكران، فقال: لا يجوز ولا كرامة (3).

(1) الروضة 6: 18.
(2) الوسائل 15: 328، الباب 34 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 5.
(3) المصدر السابق: 330، الباب 36 الحديث 1.
41

وأما ما ورد في شواذ الأخبار من جواز طلاق المعتوه (1) فمحمول - وإن
صح سنده - على الأدواري حال إفاقته، أو طلاق الولي عنه فإنه طلاقه، أو
الناقص العقل الغير البالغ حد الجنون، لكونه أعم منهما، كما يستفاد من أخبار
هذا الباب، بل وربما كان حقيقة في المحمول عليه خاصة، كما حكاه عن جماعة
من أهل اللغة بعض الأصحاب (2).
* (ولا المكره) * عليه لفقد الاختيار المشترط في الصحة هنا وفي سائر
تصرفاته عدا ما استثني بإجماع الأمة، كما حكاه بعض الأجلة (3)، والنصوص
المستفيضة.
منها الصحيح: عن طلاق المكره وعتقه، فقال: ليس طلاقه بطلاق ولا
عتقه بعتق، الخبر (4).
ويتحقق الإكراه بتوعده بما يكون مضرا به في نفسه أو من يجري مجراه
من إخوانه.
ففي الصحيح: أمر بالعشار ومعي مال فيستحلفني فإن حلفت تركني وإن
لم أحلف فتشني، فقال: احلف له، قلت: فإنه يستحلفني بالطلاق، فقال: احلف
له، فقلت: فإن المال لا يكون لي، قال: فعن مال أخيك، الخبر (5).
ويناط الضرر بحسب حاله مع قدرة المتوعد على فعل ما توعد به والعلم
أو الظن بفعله به مع عدم فعله المأمور به.
ولا فرق بين كون المتوعد به قتلا أو جرحا أو أخذ مال وإن قل أو شتما
أو ضربا أو حبسا، ويستوي في الأولين جميع الناس، أما الأربعة فتختلف

(1) المصدر السابق 328، الباب 34 الحديث 8.
(2) الحدائق 25: 158.
(3) نهاية المرام 2: 11.
(4) الوسائل 15: 331، الباب 37 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 1.
(5) المصدر السابق: 298، الباب 18 الحديث 5.
42

باختلاف الناس ضعة ورفعة فقرا وغنى، فربما يؤثر قليلها في الوجيه والفقير
اللذين ينقصهما ذلك، وقد يحتمل بعض الناس شيئا لا يؤثر في قدره وفقره.
والضابط فيه حصول الضرر عرفا بوقوع المتوعد به. وربما يشرك الثالث
مع الأولين في استواء الناس فيهما. ولا وجه له بعد مشاهدة اختلاف الناس
فيه، وعدم صدق الإكراه في بعض صوره في العرف المنوط به إلا ما ربما يتوهم
من إطلاق النصوص هنا بحصول الإكراه بالخوف على المال على الإطلاق،
ولكن المتبادر منه ما ذكرناه.
ولو خيره بين الطلاق أو غيره من أفعاله المنوطة صحتها باختياره ودفع
مال غير مستحق فهو إكراه بلا خلاف.
وربما كان في الموثق (1) المتضمن لإفساده (عليه السلام) الطلاق الذي خير الراوي
فيه بينه وبين منع زوجته الأخرى عنه ففعله دلالة عليه، فإن منع الزوجة غير
مستحق عليه، وهذا بخلاف ما لو خير بينه وبين ما يستحقه المخير من مال
وغيره.
وإن حتم أحدهما الغير المعين عليه فإنه لا إكراه فيه بلا خلاف.
وفي بعض النصوص دلالة عليه، كالخبر: إن امرأة عارفة أحدث زوجها
فهرب في البلاد فتبع الزوج بعض أهل المرأة فقال: إما طلقت وإما رددتك
فطلقها ومضى الرجل على وجهه فما ترى للمرأة، فكتب بخطه: تزوجي
يرحمك الله (2). فتدبر.
كما لا إكراه على طلاق معينة فطلق غيرها أو على طلقة فطلق أزيد أو
على طلاق المعينة ففعلها مرة قاصدا إليه، بلا إشكال ولا اختلاف في الأول

(1) الوسائل 15: 332، الباب 38 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 1.
(2) الوسائل 15: 308، الباب 26 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 4.
43

ومعهما في الآخرين وإن كان الأقوى في الأخير ما ذكرناه، لحصول القصد
واللفظ المشترطين في الصحة في الأول، مع عدم المانع عنها سوى إطلاق
النصوص بمنع الإكراه الغير المنصرف إلى مثل هذا، لانصرافه إلى ما لا
يتضمن القصد إلى الطلاق أصلا، ولا يبعد انسحابه في الأول إن تعدد الطلقات
في العبارة، لاختصاص الأخبار بالواحدة (1) فيخلو عنه الطلقات الزائدة.
ولو أكرهه على طلاق إحدى الزوجتين مريدا بها المشخصة في الخارج
فالأقوى أنه إكراه، لعدم تحقق مقتضى أمره المشار إليه بدون إحداهما، بخلاف
ما لو أكرهه على ذلك من دون إرادة المتشخصة، كأن يقول: قل إحداهما
طالق، فالأقوى عدم الإكراه في طلاق إحداهما المعينة، لعدم الإكراه عليه
واندفاعه بما لم يأت به.
* (ولا المغضب مع ارتفاع القصد) * المشترط في صحة الطلاق، بل مطلق
التصرفات بالوفاق كما حكاه جماعة وساعده الاعتبار، مع استفاضة
النصوص به في المضمار.
منها: لا طلاق إلا ما أريد به الطلاق (2).
ومنها: لا يقع الطلاق بإكراه ولا إجبار ولا على سكر ولا على غضب (3).
ومنها الرضوي: ولا يقع إلا على طهر من غير جماع بشاهدين عدلين
مريدا للطلاق (4).
ونحو المغضب الساهي والنائم والغالط والهازل والعجمي، ونحوه الملقن
بالصيغة مع عدم معرفة المعنى.

(1) الوسائل 15: 311، الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه.
(2) المصدر السابق: 286، الباب 11 الحديث 3.
(3) الفقيه 3: 497، الحديث 4754.
(4) فقه الرضا: 241.
44

* (الركن الثاني:) *
* (في) * بيان * (المطلقة) *
ومن يصح طلاقها في الشريعة
* (ويشترط فيها الزوجية) * بالفعل، فلا يقع بالأمة ولا الأجنبية ولو علقه
بعقد المناكحة بإجماع الطائفة حكاه جماعة، اقتصارا فيما خالف الأصل على
المتيقن جوازه من السنة النبوية، وما جعله الشارع سببا للبينونة، وليس إلا
الطلاق في الزوجة، مضافا إلى النصوص المستفيضة:
منها الصحيح: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك (1). ونحوه
أخبار أخر (2).
وليس المراد بالنكاح فيها الوطء إما لما مضى من كونه حقيقة في العقد
خاصة في الشريعة، أو لعدم تمامية الحصر على تقدير إرادة الوطء بإجماع
الأمة، أو لظهور القرينة من بعض المعتبرة، كالموثق: لا يكون طلاق حتى يملك
عقدة النكاح (3).
* (والدوام) * فلا يقع بمتمتع بها ولا المحللة بلا خلاف، لما مضى هنا من
الأصل، والنصوص الحاصرة للطلاق في النكاح المتبادر منه الدوام مع عدمه
بمعنييه في الأخيرة، مضافا إلى خصوص النصوص في الأولى.
منها الصحيح: وتبين بغير طلاق، قال: نعم (4).
والخبر: كيف يتزوج المتعة؟ قال: يقول يا أمة الله أتزوجك كذا وكذا

(1) الوسائل 15: 286، الباب 12 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 1.
(2) المصدر السابق: 286، الباب 12.
(3) المصدر السابق: 288، الباب 12 الحديث 5.
(4) الوسائل 14: 478، الباب 25 من أبواب المتعة الحديث 1.
45

يوما، فإذا مضت تلك الأيام كان طلاقها في شرطها (1).
* (والطهارة من) * دم * (الحيض والنفاس إذا كانت مدخولا بها) * وحائلا
* (وزوجها معها حاضر) * فلا يجوز من دونها بإجماع العلماء حكاه بعض
أصحابنا (2). ولو طلق والحال هذه فسد بإجماعنا، للأصل، والصحاح
المستفيضة، التي كادت أن تكون هي مع غيرها من المعتبرة بحسب المعنى
متواترة، كما صرح به بعض الأجلة (3).
ففي الصحيح: الرجل يطلق امرأته وهي حائض قال: الطلاق على غير
السنة باطل (4).
وفيه: إذا طلق الرجل في دم نفاس أو طلقها بعد ما يمسها فليس طلاقه
إياها بطلاق (5).
وفيه: كيف طلاق السنة؟ قال: يطلقها إذا طهرت من حيضها قبل أن
يغشاها بشاهدين عدلين، كما قال الله تعالى في كتابه فإن خالف ذلك رد إلى
كتاب الله تعالى (6).
وإطلاق هذه النصوص كغيرها وإن شملت المدخول بها وغيرها ممن لم
يدخل بها أو غاب عنها زوجها والحبلى، إلا أنها قيدت بمن عداها لأخبار
أخر يأتي ذكر ما يتعلق منها بالثانية.
وأما المتعلق بالأولى والأخيرة فالمستفيضة:
منها الصحيح: خمس يطلقهن أزواجهن متى شاؤوا الحامل المستبين حملها

(1) المصدر السابق: 466، الباب 18 الحديث 3.
(2) قاله في نهاية المرام 2: 15.
(3) الحدائق 25: 177.
(4) الوسائل 15: 277، الباب 8 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 2.
(5) المصدر السابق: الحديث 5.
(6) المصدر السابق: 282، الباب 10 الحديث 4.
46

والجارية التي لم تحض والمرأة التي قعدت عن المحيض والغائب عنها زوجها
والتي لم يدخل بها (1). ونحوه الصحيحان المروي أحدهما في الكافي (2)،
والآخر في الخصال (3) وغيرهما (4).
* (و) * منه يظهر الوجه في أنه * (لو كان) * المطلق حين الطلاق * (غائبا
صح) * طلاقه ولو صادف الحيض أو طهر المواقعة، مضافا إلى الإجماع عليه
في الجملة.
ثم إن إطلاق هذه الأخبار في استثناء الغائب وإن شمل الغائب العالم بحال
زوجته إلا أن ظاهرهم الاتفاق على التقييد بالجاهل بها، ولعله للأصل، وعدم
تبادر العالم من إطلاق النص.
وكيف كان فلا خلاف في التقييد.
* (و) * لكن * (في) * تعيين * (قدر الغيبة) * المجوزة للطلاق المصححة له وإن
ظهر مصادفته الحيض اختلاف بين الأصحاب و * (اضطراب) * في أخبار
الباب (5).
فبين مطلق للجواز من دون تقدير للمدة بقدر كما عن المفيد (6) ووالد
الصدوق (7) والعماني (8) والديلمي (9) والحلبي (10)، التفاتا إلى عموم المستفيضة
الماضية، ونحوها من المعتبرة. كالصحيح: عن رجل يطلق امرأته وهو غائب،
قال: يجوز طلاقه على كل حال وتعتد امرأته من يوم طلقها (11). والخبر:

(1) الوسائل 15: 306، الباب 25 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 4.
(2) الكافي 6: 79، الحديث 2.
(3) الخصال: 303، الحديث 81.
(4) الوسائل 15: 306، الباب 25 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه.
(5) المصدر السابق: 307، الباب 26.
(6) المقنعة: 526، 527.
(7) كما في المختلف: ج 7 ص 356 و 357.
(8) كما في المختلف: ج 7 ص 356 و 357.
(9) المراسم: 161.
(10) الكافي في الفقه: 306.
(11) الوسائل 15: 307، الباب 26 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 1.
47

في الرجل يطلق امرأته وهو غائب فيعلم أنه يوم طلقها كانت طامثا، قال:
يجوز (1). والرضوي: واعلم أن خمسا يطلقن على كل حال ولا يحتاج ينتظر
طهرهن: الحامل، والغائب عنها زوجها، والتي لم يدخل بها، والتي لم تبلغ
المحيض، والتي قد يئست من المحيض (2).
ومقدر لها بشهر كما عن النهاية (3) وابن حمزة (4) لبعض المعتبرة المقيد
به إطلاق المستفيضة. ففي الخبرين، أحدهما الموثق: " الغائب إذا أراد أن يطلقها
تركها شهرا " (5). وقصور السند وقلة العدد والمعارضة بما يأتي من الثلاثة
أشهر الذي لراوي هذين الخبرين يمنع عن المكافأة لما مر.
ومقدر لها بثلاثة أشهر كما في المختلف (6) وعن الإسكافي (7)، للصحيح:
الرجل إذا خرج من منزله إلى السفر فليس له أن يطلق حتى يمضي ثلاثة
أشهر (8)، ونحوه غيره (9)، ولأنها كالمسترابة في الجهالة.
ومقدر لأدناها بالأول، وأوسطها بالثاني، وأقصاها بالخمسة أو الستة
أشهر، جمعا بين ما مر وبين الموثق: الغائب الذي يطلق كم غيبته؟ قال: خمسة
أشهر أو ستة أشهر، قلت: حد دون ذا، قال: ثلاثة أشهر (10).
وفي هذا الجمع نظر، بل الجمع بالاستحباب أظهر، لشدة الاختلاف
فيما مر، مع كون الجميع لراو واحد، ويشير إليه الخبر الأخير للتخيير أولا بين

(1) الوسائل 15: 307، الباب 26 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 6.
(2) فقه الرضا: 244.
(3) النهاية 2: 434.
(4) الوسيلة: 323.
(5) الوسائل 15: 307، الباب 26 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 3.
(6) المختلف: ج 7 ص 358.
(7) كما في المختلف: ج 7 ص 357.
(8) الوسائل 15: 308، الباب 26 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 7.
(9) المصدر السابق: 311، الباب 28 الحديث 2.
(10) المصدر السابق: 308، الباب 26 الحديث 8.
48

العددين في الصدر، ثم التحديد بالثلاثة أشهر بعد سؤال الراوي.
وبالجملة الظاهر بعد ما مر من الجميع كالجمع المحكي عن أكثر من تأخر،
تبعا للحلي (1) والطوسي (2) ممن تقدم.
و * (محصله) * التقدير بمدة يعلم * (انتقالها) * فيها * (من طهر إلى آخر) *
بحسب عادتها، وتحمل اختلاف النصوص على اختلاف عادات النساء في
الحيض، فذو العادة شهرا مدة طلاقها التقدير الأول، وذو الثلاثة الثاني، وذو
الخمسة أو الستة الثالث. ولا شاهد عليه سوى الشهرة المتأخرة، وليست
بنفسها حجة، مع استلزامه حمل أخبار الثلاثة وكذا الخمسة أو الستة على
الفروض النادرة، مع ورودها بعنوان القاعدة الكلية.
والذي يقتضيه التدبر في النصوص قوة القول الأول، لاستفاضتها، بل
وعن العماني دعوى تواترها (3)، مع صحة أكثرها، ووضوح دلالتها على
العموم، سيما بملاحظة سياقها الذي كاد أن يلحقها بالخصوص، وقصور
الأخبار المقيدة سندا في بعض، ودلالة في آخر، وعددا في الجميع، مع اختلافها
في نفسها، ووضوح قرائن الاستحباب منها زيادة على الاختلاف.
فحملها على الاستحباب ليس بذلك البعيد، لرجحانه هنا لما مضى على
التقييد.
إلا أن الأحوط المصير إلى اعتبار الثلاثة أشهر اقتصارا فيما خالف الأصل
على المتيقن استفادته من النص المعتبر، وليس إلا هذه المدة، لما في الرواية
الدالة عليها من الصحة.
وعلى اعتبار المدة فلا خلاف في الصحة لو طلق مع استمرار الاشتباه

(1) السرائر 2: 691.
(2) الاستبصار 3: 295، ذيل الحديث 1043.
(3) كما في المختلف: ج 7 ص 356.
49

أو تبين الوقوع في حالة الحيض أو طهر غير المواقعة، لاجتماع الشرائط النفس
الأمرية في الصورة الأخيرة، واتفاق النصوص والفتاوي بالاغتفار في الثانية،
وعدم مانعية الاشتباه بعد مراعاة المدة المعتبرة التي هي الشرط خاصة في
الصحة في مفروض المسألة في الأولى.
كما لا خلاف في البطلان لو طلق قبلها مع تبين الوقوع في الحيض أو طهر
المواقعة، لفقد الشروط هنا قطعا.
وإنما الخلاف في مقامين:
الأول: الصحة في الشق الأول مع تبين الوقوع في طهر المواقعة، فالأظهر
الأشهر الصحة، كما في الصورة السابقة، لحصول المدة المشترطة والأولوية
المستفادة من الحكم في الصورة الثانية، لاستلزام ثبوت الصحة فيها مع
تضمنها فقد الشرطين الطهر وطهر غير المواقعة ثبوتها هنا بطريق أولى، من
حيث تضمنه فقد الشرط الثاني خاصة. وقيل: بالبطلان، لفقد الشرط النفس
الأمري، وكون اشتراط المدة هنا مراعى بعدم ظهوره.
وفيه نظر، لمنع اشتراط الأول هنا، ومنع التقييد الثاني وإن هو إلا تقييد
للأدلة من غير دلالة.
الثاني: البطلان في الشق الثاني مع تبين الوقوع في الطهر غير طهر المواقعة
ففيه وجهان، البطلان، من حيث فقد المدة المشترطة في الصحة في المقام،
والصحة، لحصول الشرائط النفس الأمرية، وهي غير بعيدة بالنظر إلى الجاهل
باشتراط المدة أو الوقوع قبلها، نظرا إلى الأولوية المستفادة من صحة مثل هذا
الطلاق في الحاضر فثبوتها في الغائب بطريق أولى، لأضعفية حكمه عن الأول
قطعا نصا وفتوى، فيكون اعتبار المدة واشتراطها في الصحة حينئذ مراعى.
فتأمل جدا.
50

ولا كذلك العالم بالاشتراط والوقوع قبل المدة، فإن البطلان فيه متوجه
جدا، لعدم إمكان القصد منه إليه حينئذ أصلا.
* (ولو خرج) * إلى السفر * (في طهر لم يقربها فيه صح طلاقها من غير
تربص) * وانتظار للمدة المعتبرة * (ولو اتفق) * وقوعه * (في الحيض) * جهلا منه
بذلك بلا إشكال على القول بعدم اعتبارها. وكذا على اعتبارها مع تبين
الوقوع في الطهر، للأولوية الماضية المقيد بها إطلاق المعتبرة باعتبار المدة،
ومعه على القول الثاني مع تبين الوقوع في الحيض لإطلاق كل من النصوص
المشترطة للطهر من الحيض (1) والمعتبرة للمدة (2).
فإطلاق الحكم بالصحة ولو في هذه الصورة في العبارة تبعا لجماعة
كالقاضي (3) والشيخ في النهاية (4) محل تردد ومناقشة. ولا وجه بالمرة سوى
ما في المسالك (5) من حصول شرط الصحة من الاستبراء بالانتقال من طهر
إلى آخر، وأن الحيض بعد ذلك إنما هو مانع من صحة الطلاق.
ولا يشترط في الحكم بصحة الفعل العلم بانتفاء موانعه، بل يكفي عدم
العلم بوجودها.
وفيه نظر، لاستلزامه أولا تقييد إطلاق ما دل على اعتبار المدة من غير
وجه يظهر. وابتنائه ثانيا على انحصار الشرط في الاستبراء، وكون العلم
بالحيض مانعا، لا كون فقده شرطا، وهو خلاف النصوص الماضية المعربة
عن اشتراط الطلاق بفقد الحيض في نفس الأمر، لا بعدم العلم به، وأحدهما
غير الآخر.

(1) الوسائل 15: 304، الباب 24 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه.
(2) المصدر السابق: 307، الباب 26.
(3) المهذب 2: 287.
(4) النهاية 2: 445.
(5) المسالك 9: 40.
51

* (والمحبوس عن زوجته كالغائب) * فيطلق مع الجهل بحالها مطلقا أو بعد
المدة المعتبرة شهرا أو ثلاثة على اختلاف الأقوال المتقدمة، ولو صادف
الحيض أو طهر المواقعة على الأظهر الأشهر، بل عليه كافة من تأخر إلا بعض
من ندر، للصحيح: عن رجل تزوج امرأة سرا من أهلها وهي في منزل أهلها
وقد أراد أن يطلقها وليس يصل إليها ليعلم طمثها إذا طمثت ولا يعلم بطهرها
إذا طهرت، قال: فقال: هذا مثل الغائب عن أهله يطلقها بالأهلة والشهور،
قلت: أرأيت إن كان يصل إليها الأحيان والأحيان لا يصل إليها فيعلم حالها
كيف يطلقها؟ فقال: إذا مضى له شهر لا يصل إليها فيه فيطلقها إذا نظر إلى غرة
الشهر الآخر بشهود، الخبر (1).
خلافا للحلي (2) فكالحاضر، للأصل، وطعنا في الخبر بأنه من الآحاد،
وهو خروج عن طريقة السداد.
وحمل الرواية على العلم بمصادفة الطلاق لطهر غير المواقعة، كما ارتكبه
بعض الأجلة يأباه التشبيه بالغائب بالضرورة، ولا داعي إليه عدا عدم حجية
الآحاد. وفيه ما مر، أو عدم المقاومة لما دل على اشتراط الخلو من الحيض
والوقوع في الطهر غير المواقعة من حيث استفاضته واعتضاده بالأصل دون
هذا الخبر.
وفيه نظر، فإن الشهرة العظيمة أرجح من الأمرين، مضافا إلى جواز
تخصيص قطعي السند بمثله ولو من دونها على الأقوى. فتخصيص مثل هذه
المستفيضة بمثل هذه الرواية الصحيحة المعتضدة بالشهرة العظيمة أولى ثم أولى.
وفي حكم الحاضر: الغائب المطلع بلا خلاف، كما تقدم مع وجهه.

(1) الوسائل 15: 310، الباب 28 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 1.
(2) السرائر 2: 687.
52

* (ويشترط رابع وهو أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه) * بإجماعنا حكاه
جماعة من أصحابنا (1)، وبه استفاض أخبارنا، بل وربما احتمل تواترها،
وقد مضى شطر منها ونحوها غيرها:
ففي الصحيح: المرأة إذا حاضت وطهرت من حيضها أشهد رجلين عدلين
قبل أن يجامعها على تطليقه، الحديث (2).
* (ويسقط اعتباره في الصغيرة) * التي لم تبلغ تسعا * (واليائسة) * التي
قعدت عن المحيض * (والحامل) * المستبين حملها إجماعا حكاه جماعة (3)،
للنصوص المستفيضة الماضية القائلة إن خمسا يطلقن على كل حال، وعد منها
الثلاثة.
ومنها يظهر السقوط في الغائب عنها زوجها أيضا لعدها منها وإن أهملت
العبارة ذكرها، ولعله غفلة، أو مصير إلى القول بالبطلان الذي مضى في طلاق
الغائب بعد المدة، مع تبين الوقوع في طهر المواقعة، أو من حيث اختياره
اعتبار العلم بالانتقال من طهر إلى آخر، كما عليه أكثر من تأخر، والظاهر أنه
الوجه في الإهمال.
ثم إن تفسير الصغيرة بغير البالغة صريح النهاية (4)، وظاهر الجماعة،
وبعض المعتبرة كالصحيح المعبر عنها بالتي لم تبلغ المحيض (5)، وعليه يحمل
إطلاق المستفيضة (6) المعبرة عنها بالتي لم تحض التي هي أعم من الصغيرة
والبالغة التي لم تحض مثلها عادة، بل ربما كانت ظاهرة في الأولى خاصة،

(1) منهم نهاية المرام 2: 22 و 23.
(2) الوسائل 15: 351، الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه الحديث 7.
(3) منهم نهاية المرام 2: 22 و 23.
(4) النهاية 2: 441.
(5) الوسائل 15: 306، الباب 25 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 5.
(6) الوسائل 15: 305، الباب 25 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه.
53

كما يكشف عنه التتبع في أخبارهم (عليهم السلام)، ولا سيما الواردة في العدة.
ففي بعض المعتبرة الذي ليس في مسنده سوى سهل الثقة عند جماعة،
ولا بأس بضعفه على المشهور بين الطائفة: ثلاث يتزوجن على كل حال التي
لم تحض ومثلها لا تحيض، قال: قلت: وما حدها؟ قال: إذا أتى لها أقل من تسع
سنين، الحديث (1).
وتحديدها بذلك كاشف عن عدم اختصاصها بالمورد.
خلافا لبعض الأجلة، فاستوجه العمل بإطلاق المستفيضة. ولا ريب في
ضعفه، بل المقطوع به إلحاق البالغة بالمسترابة ولو لم تحض مثلها عادة.
* (وأما المسترابة) * بالحمل، وهي التي في سن من تحيض ولا تحيض،
سواء كان لعارض من رضاع، أو مرض، أو خلقيا * (فإن أخرت الحيضة) *
لذلك مع كونه خلاف عادتها * (صبرت ثلاثة أشهر) * من حين المواقعة عنها
ثم يطلقها * (ولا يقع طلاقها قبله) * بالإجماع المحكي في كلام جماعة والمعتبرة:
منها الصحيح: عن المسترابة كيف تطلق؟ قال: تطلق بالشهور (2). وأقل
الشهور ثلاثة.
وأظهر منه المرسل عن المرأة تستراب بها ومثلها تحمل ومثلها لا تحمل
ولا تحيض وقد واقعها زوجها كيف يطلقها إذا أراد طلاقها؟ قال: ليمسك عنها
ثلاثة أشهر ثم يطلقها (3). وقريب منه الخبر (4).
وقصور سندهما بالعمل منجبر ووجه التقييد بكون التأخير خلاف
عادتها تفصيا من احتمال من يكون ذلك عادتها، فإن حكم هذه غير الأولى،
بل يجب الصبر بها إلى أن تحيض ولو زاد عن ثلاثة أشهر، تمسكا بعموم ما دل

(1) الوسائل 15: 406، الباب 2 من أبواب العدد الحديث 2 و 17.
(2) الوسائل 15: 406، الباب 2 من أبواب العدد الحديث 2 و 17.
(3) الوسائل 15: 335، الباب 40 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 1.
(4) المصدر السابق: 311، الباب 28 الحديث 2.
54

على اعتبار الطهر غير المواقعة، والتفاتا إلى عدم تبادرها من إطلاق المسترابة
في هذه المعتبرة مع كونها من الأفراد النادرة الغير الصالحة لأن يحمل عليها
الإطلاق البتة، وبما ذكرنا صرح بعض الأجلة.
* (وفي اشتراط تعيين المطلقة) * إن تعددت الزوجة لفظا أو نية * (تردد) *
ينشأ.
من أصالة بقاء النكاح، فلا يزول إلا بسبب محقق السببية، وأن الطلاق
أمر معين فلا بد له من محل معين، وحيث لا محل فلا طلاق، وأن الأحكام من
قبيل الأعراض فلا بد لها من محل تقوم به، وأن توابع الطلاق من العدة
وغيرها لا بد لها من محل معين.
ومن أصالة عدم الاشتراط وتعارض بالأولى.
ومن عموم مشروعية الطلاق ومحل المبهم جاز أن يكون مبهما، وهما
ممنوعان.
ومن أن إحداهما زوجة وكل زوجة يصح طلاقها، وكلية الكبرى
ممنوعة، ولا دليل عليها سوى العموم المدعى.
وفيه بعد المنع المتقدم أنه ليس بنفسه دليلا آخر قطعا.
فإذا القول الأول هو الأقوى والأشهر بين أصحابنا المتأخرين منهم
والقدماء كما حكاه بعض الأجلاء (1) بل ادعى عليه في الانتصار إجماعنا (2)
ويشهد له بعض المعتبرة الآتية في أول الركن الرابع، وهو الشهادة.
خلافا للمبسوط (3) والفاضلين (4) والشهيد (5) في أحد قوليهم.

(1) الحدائق 25: 181.
(2) الإنتصار: 139.
(3) المبسوط 5: 78.
(4) القواعد 2: 61 س 5، والشرائع 3: 15.
(5) غاية المراد: 114 س 8 (مخطوط).
55

وعليه فهل الصيغة المبهمة هي بنفسها مؤثرة في البينونة في الحال أم لها
صلاحية التأثير عند التعيين؟ قولان.
ويتفرع على الخلاف حرمة الزوجات جمع إلى تعيين الواحدة، ويكون
العدة من حين الطلاق على الأول ولا على الثاني. ويتفرع على هذا القول
فروع كثيرة قد كفانا ضعفه مؤنة الاشتغال بذكرها.
* (الركن الثالث:) *
* (في الصيغة) *
القاطعة لعلاقة الزوجية مطلقا أو في الجملة. وهي قسمان صريحة وكناية.
والأولى: هي ما لا يتوقف فهم إنشاء الطلاق به على نية أي على قرينة
دالة على إرادة الطلاق من العبارة.
وتقابلها الثانية: وهي المحتاجة إلى النية والقرينة الكاشفة عن إرادته من
الصيغة، وإلا القصد إلى الطلاق مطلقا لازم بالضرورة، وظاهر أصحابنا عدم
الوقوع بالثانية بأقسامها عدا ما وقع فيه الخلاف وتأتي إليه الإشارة.
* (و) * المشهور بينهم وجوب أن * (يقتصر على) * الأولى، وهي أن يقول
أنت أو هذه أو فلانة ويذكر اسمها أو ما يفيد التعيين أو زوجتي مثلا * (طالق) *
فلا يكفي أنت طلاق وإن صح إطلاق المصدر على اسم الفاعل وقصده فصار
بمعنى طالق * (تحصيلا لموضع) * النص (1) و * (الاتفاق) * واستصحابا للزوجية،
ولأن المصادر إنما تستعمل في غير موضوعها مجازا وإن كان في اسم
الفاعل شهيرا، وهو غير كاف في استعمالها في مثل الطلاق من الأمور
التوقيفية وإن انضم إليها القرينة المعربة عن النية، لعدم كفايته بمجرده عند
الطائفة إلا في أنت مطلقة مع الضميمة المزبورة، فقد جوز الوقوع بها شيخ

(1) الوسائل 15: 295، الباب 16 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 4.
56

الطائفة (1) في أحد قوليه، ولا وجه له بعد الاعتراف بالمنع فيما مر، وأنت
الطالق (2) أو من المطلقات مع وجود تلك الضميمة، ولذا اشتهر بين الطائفة
عدم الوقوع بهذه الصيغة أيضا لأنها ليست فيه صريحة، ولأنها إخبار ونقلها
إلى الإنشاء على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على موضع الوفاق، وهو صيغ
العقود. واطراده في الطلاق قياس، والنص فيه دل على طالق، ولم يدل على
غيره، بل ربما دل على نفيه، كما ستقف عليه من حيث الحصر فيه في الخبر
وغيره، فيقتصر عليه.
ومنه يظهر وجه القدح فيما احتج الشيخ (3) من كون صيغة الماضي في غير
الطلاق منقولة إلى الإنشاء * (و) * أنه * (لا يقع ب‍) * نحو أنت * (خلية وبرية) *
وغيرهما من الكنايات، كالبتة، والبتلة، وحرام، وبائن، واعتدي وإن ضم إليها
قرينة دالة على النية بلا خلاف بيننا فيما عدا الأخير، بل ادعى إجماعنا عليه
جماعة، وأخبارنا به عموما وخصوصا مستفيضة.
فمن الأول: المعتبرة الآتية.
ومن الثاني: المعتبرة المستفيضة: منها الصحيح: عن رجل قال لامرأته
أنت مني خلية أو برية أو بتة أو بائن أو حرام، فقال: ليس بشئ (4). ونحوه
الحسن (5) وغيره (6).
خلافا للعامة، فحكموا بالوقوع بمطلق الكناية مع النية.
* (وكذا) * لا يقع * (لو قال) * للزوجة * (اعتدي) * على الأشهر الأظهر، بل
كاد أن يكون إجماعا، بل حكاه في الانتصار (7) صريحا، لما مر. ومنه الحصر

(1) المبسوط 5: 25.
(2) في " مش " و " ش ": الطلاق.
(3) الخلاف 4: 459 المسألة 17.
(4) الوسائل 15: 292، الباب 15 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 1 و 3 و 4.
(5) الوسائل 15: 292، الباب 15 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 1 و 3 و 4.
(6) الوسائل 15: 292، الباب 15 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 1 و 3 و 4.
(7) الإنتصار: 129.
57

في الخبر المروي في المختلف عن أحمد بن محمد بن أبي نصر في كتابه الجامع
عن محمد بن سماعة عن محمد بن مسلم عن مولانا الباقر (عليه السلام): في رجل قال
لامرأته: أنت حرام أو بائنة أو بتة أو خلية أو برية، فقال: هذا ليس بشئ،
إنما الطلاق أن يقول لها من قبل عدتها قبل أن يجامعها أنت طالق ويشهد على
ذلك رجلين عدلين (1). والأصل في الحصر العموم.
وجعله هنا إضافيا بالنسبة إلى المذكورات في الخبر غير معقول بعد ما
تقرر في الأصول من أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المحل، وتلقاه أيضا
الفحول بالقبول، ولا داعي إليه سوى الصحيحين المماثل أحدهما للخبر في
المتن والحصر، لكن بزيادة قوله: " اعتدي " بعد قوله " أنت طالق " (2)، ونحوها
الآخر (3)، لكن مقتصرا على الحصر وما بعده.
وليسا مكافئين لما مر، من حيث اعتضاده بالأصل، وعمل الأكثر، مع
احتمال الثاني التقية، مع عدم صراحتهما بوقوع الطلاق بالصيغة، فيحتملان
الوقوع من حيث الدلالة على وقوع الطلاق قبلها، وتكون هي إخبارا عنه لا
إنشاء لإيقاعه حينها، وعليه حملهما الشيخ (4) وجماعة، وهي وإن بعد بالإضافة
إلى سياقهما إلا أنه لا بأس به للجمع.
وربما يستأنس به بملاحظة بعض المعتبرة، كالصحيح لراويهما أيضا:
الطلاق للعدة أن يطلق الرجل امرأته عند كل طهر يرسل إليها أن اعتدي
فإن فلانا قد طلقك، الخبر (5)، ونحوه الموثق: يرسل إليها فيقول الرسول
اعتدي فإن فلانا قد فارقك، قال ابن سماعة - وهو في سند الرواية -:

(1) المختلف: ج 7 ص 344، مع اختلاف يسير.
(2) الوسائل 15: 295، الباب 16 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 3 و 4.
(3) الوسائل 15: 295، الباب 16 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 3 و 4.
(4) التهذيب 8: 37، ذيل الحديث 110.
(5) الوسائل 15: 296، الباب 16 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 5.
58

وإنما معنى قول الرسول: اعتدي فإن فلانا قد فارقك يعني الطلاق أنه
لا يكون فرقة إلا بطلاق (1).
أقول: لعل تفسيره بذلك لما روي عنه في الكافي قال: وقال الحسن: وليس
الطلاق إلا كما روى بكير بن أعين أن يقول لها وهي طاهر من غير جماع: أنت
طالق ويشهد شاهدين عدلين، وكل ما سوى ذلك، و [فهو] هو ملغى (2)
وهو مؤيد لما قدمناه من الخبر المتضمن للحصر فيما عليه الأكثر.
فخلاف الإسكافي (3) وبعض من تأخر (4) في عدم تجويز الوقوع باعتدي
شاذ ضعيف لا يلتفت إليه، وفي مصير الإسكافي تأييد للحمل على التقية،
كما مر.
* (ويقع) * الطلاق * (لو قال) * أحد له * (هل طلقت فلانة؟ قال: نعم) *
قاصدا به الإنشاء، وفاقا للنهاية (5) والقاضي (6) وابن حمزة (7) والفاضلين
هنا وفي الشرائع (8) والإرشاد (9)، للخبر: في الرجل يقال له: أطلقت
امرأتك؟ فيقول: نعم، قال: قد طلقها حينئذ (10)، ولتضمنه السؤال فتكون في
قوة طلقت فلانة، وهو مما يقع به الطلاق، وفي الخبر قصور بالجهالة والضعف
بالسكوني في المشهور، مع عدم صراحته في المطلوب.
فيحتمل الحكم عليه بالطلاق حينئذ من حيث الإخبار به اللازم منه
الإقرار، ولا كلام فيه إلا مع العلم بعدمه، ويكون المراد من طلقها حينئذ إيجاده

(1) الوسائل 15: 295، الباب 16 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه.
(2) الكافي 6: 70، الحديث 4.
(3) كما في المختلف: ج 7 ص 344.
(4) انظر نهاية المرام 2: 29.
(5) النهاية 2: 427.
(6) المهذب 2: 278.
(7) الوسيلة: 324.
(8) الشرائع 3: 18.
(9) الإرشاد 2: 43.
(10) الوسائل 15: 296، الباب 16 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 6.
59

السبب الموجب للحكم به عليه، وهو إقراره لا وقوع الطلاق من حينه، وفي
الثاني منع الوقوع بالأصل أولا، ثم بعد تسليمه منع الوقوع بما في قوته ثانيا.
هذا، مضافا إلى عدم مكافأة الجميع لما مر، من الأصل، والحصر الذي
عليه ثمة وهنا عمل الأكثر، بل عليه الإجماع في الانتصار (1).
وبه يجاب عن الموثق القريب من الخبر الأول - بل قيل: لعله بحسب
الدلالة أيضا منه أظهر -: في رجل طلق امرأته ثلاثا فأراد رجل أن يتزوجها
كيف يصنع؟ قال: يأتيه فيقول قد طلقت فلانة، فإذا قال: نعم تركها ثلاثة
أشهر ثم خطبها إلى نفسها (2)، وجه الأظهرية عدم احتمال " نعم " فيه الإخبار،
نظرا إلى خبرة الراوي بالوقوع قبله، فينحصر في الإنشاء.
وفيه نظر، إذ الظاهر من حال القائل " نعم " الإخبار.
ولا ينافيه علم السائل بالوقوع في السابق، فليس فيه دلالة على الوقوع
باللفظة.
وعلى تقديرها تصير الرواية شاذة، لما عرفت من ظهور إرادة الإخبار من
اللفظة لا الإنشاء، كما فهمه بعض الأجلة (3)، حيث استدل بها مع أنها شاذة
من وجه آخر يأتي إليه الإشارة في المسألة الآتية.
ولعله لذا ترك الأصحاب الاستدلال به وبأمثاله من المعتبرة المستفيضة
التي أكثرها موثقة، وإلا فكان الأولى الاستدلال بها في المسألة.
نعم يبقى الكلام في وجه الحكمة في أمر السائل بعد اعترافه بوقوع الطلاق
منه بالسؤال عن طلاقه، ولا بد من التأمل.

(1) الإنتصار: 129.
(2) الوسائل 15: 323، الباب 31 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 1.
(3) الحدائق 25: 210.
60

وقد تلخص من جميع ما مر انحصار صيغة الطلاق في أنت أو هذه
ونحوهما طالق، وعليه فتوى الأكثر، وعمل كافة من تأخر وادعى عليه
الإجماع في الانتصار (1).
ومنه يظهر اشتراط العربية كما هو الأشهر بين الطائفة، لعين ما مر من
الأدلة.
خلافا للنهاية (2) وجماعة لرواية ضعيفة (3)، راويها من أكذب البرية، ومع
ذلك فهي غير صريحة، محتملة للحمل على الضرورة، وعليه في الظاهر اتفاق
الطائفة.
* (ويشترط تجريده عن الشرط) * وهو ما أمكن وقوعه وعدمه كقدوم
المسافر ودخولها الدار * (والصفة) * وهو ما قطع بحصوله عادة كطلوع الشمس
وزوالها.
والأصل في المسألة بعد ما مر من الأصل والحصر في المعتبرة الإجماعات
المحكية في كلام جماعة، كالانتصار (4) والسرائر (5) وبعض شروح الكتاب (6)
والروضة (7).
ويستثنى من الشرط ما كان معلوم الوقوع حالة الصيغة، كما لو قال: أنت
طالق إن كان الطلاق يقع بك وهو يعلم وقوعه، ولا بأس به، لأنه حينئذ غير
معلق، وإن كان الأحوط تركه، خوفا من مخالفة ما مر من الحصر. فتأمل.
* (ولو فسر الطلقة باثنين أو ثلاث) * كأن قال: أنت طالق طلقتين أو ثلاثا

(1) الإنتصار: 129.
(2) النهاية 2: 429.
(3) الوسائل 15: 297، الباب 17 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 1.
(4) الإنتصار: 127.
(5) انظر السرائر 2: 695.
(6) التنقيح 3: 308.
(7) الروضة 6: 16.
61

* (صحت واحدة وبطل) * الزائد المعبر عنه ب‍ * (التفسير) * على الأظهر الأشهر
بين الطائفة، بل ربما أشعر بالإجماع عليه عبارة الناصرية (1)، وصرح به في
نهج الحق شيخنا العلامة (2). وهو الحجة فيه، المخصصة لما مر من الأدلة،
مضافا إلى وجود المقتضي، وهو الصيغة المشتملة على شرائط الصحة عدا
اشتماله على الزائد، وهو غير صالح للمانعية إلا على تقدير ثبوت اشتراط قصد
قيد الوحدة في صحة الطلقة الواحدة، وليس بثابت من الأدلة.
كيف لا! وقصاراها الدلالة على عدم وقوع الطلقات المتعددة في مجلس
واحد بالصيغة مطلقا، واحدة كانت أم متعددة، وهو غير ملازم لاعتبار قيد
الوحدة في النية، وأنه يتوقف عليه الصحة.
هذا، مضافا إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة بالشهرة العظيمة.
ففي الصحيح: عن رجل طلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد وهي طاهر،
قال: هي واحدة (3). ونحوه (4) باقي المستفيضة.
وجه الدلالة عمومها لكل من الطلقات الثلاث المرسلة والمفصلة، الناشئ
عن ترك الاستفصال فيها، مع احتمال السؤالات فيها الأمرين البتة، لكونها
مطرحا بين الخاصة والعامة، ولذا حصل التردد في حكمها لأصحاب الأئمة
[عليهم السلام]، كحصوله لعلماء الطائفة.
فحملها على خصوص الأخيرة بدعوى تبادرها من العبارة ليس في محله.
كيف لا! واتفقت الخاصة والعامة على فهم الأولة أيضا من العبارة، ولذا
استدل بعض أصحابنا القائل بالقول الثاني بالأخبار الآتية المشابهة أكثرها

(1) الناصريات: ص 343.
(2) نهج الحق: 529.
(3) الوسائل 15: 311، الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 2.
(4) المصدر السابق: 311، الباب 29.
62

لهذه المعتبرة في تأدية الثلاث المرسلة بتلك العبارة ولم يجب عنها الأصحاب
بتلك المناقشة، بل ردوها بمناقشات أخر تأتي إليها الإشارة. وكل ذا أمارة
واضحة وشهادة بينة على اتفاقهم على فهم الثلاث المرسلة من تلك العبارة.
فالمناقشة المزبورة فاسدة البتة.
كيف لا! ولا قرينة لنا (1) على وضوح الدلالة أوضح واضح من فهم علماء
الطائفة، بل هو أقوى القرائن المعتبرة المتمسك بها في تعيين الدلالة بالضرورة.
ووجهه ما ذكرناه من كون الثلاث المرسلة مما وقع التشاجر في حكمها بين
الخاصة والعامة، وكثرة الأسئلة فيها والأجوبة.
وبالجملة لا يخفى ما ذكرناه على ذي فطنة ودرية.
ثم لو فرضنا فقد هذه الروايات أو ثبوت عدم دلالتها لكفانا في الحكم
بوقوع الواحدة من الثلاث المرسلة حكايات الإجماع المتقدمة، فإنها في حكم
الصحيح الصريح، المعتضد بالشهرة العظيمة، ولا يقاومها شئ من الأخبار
الآتية ولو كانت صريحة. وكذا الأصول المتقدمة، مع ما ستعرفه في الأدلة من
أنها ما بين ضعيف وقاصر الدلالة.
هذا، مع ما يظهر من تلك المستفيضة بعد ضم بعضها إلى بعض إرادة
الثلاث المرسلة من تلك العبارة.
ألا ترى إلى الخبر: عن رجل طلق ثلاثا في مقعد واحد، قال: فقال: أما
أنا فأراه قد لزمه، وأما أبي فكان يرى ذلك واحدة (2). قد اتقى (عليه السلام) فيه من
العامة وحكم بلزوم الثلاث بتلك العبارة. ويظهر من بعض المعتبرة الواردة
عنه (عليه السلام) أن الذي كان يتقي فيه العامة إنما هو الثلاث المرسلة خاصة.

(1) في المطبوع: لها.
(2) الوسائل 15: 314، الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 14.
63

ففي الخبر: أن عليا (عليه السلام) كان يقول: إذا طلق الرجل المرأة قبل أن يدخل
بها ثلاثا في كلمة واحدة فقد بانت منه ولا ميراث بينهما ولا رجعة ولا تحل له
حتى تنكح زوجا غيره وإن قال: هي طالق هي طالق هي طالق فقد بانت منه
بالأولى، وهو خاطب من الخطاب، الخبر (1).
وهو صريح في أن اتقاءه (عليه السلام) إنما هو في المرسلة خاصة، وأنها التي عليها
العامة في تلك الأزمنة من الحكم بالبينونة، وإلا لما كان التفصيل بين الصورتين
إذا قالوا بعدمه في الثانية أيضا. واتحادهما في الحكم بالبينونة موافقا للتقية،
مع أن حملها عليها متفق عليه بين الطائفة.
وبمعونة ذلك يظهر أن حكم أبيه (عليه السلام) بصحة الواحدة في الرواية السابقة
إنما هو في الثلاث المرسلة التي اتقى (عليه السلام) فيها عن العامة، كما يظهر من هذه
الرواية. ولا يضر قصور سندهما، لانجبارهما بالشهرة العظيمة.
هذا، وفي الخبر: عن مولانا الصادق (عليه السلام) في حديث قال فيه: فقلت:
في رجل قال لامرأته أنت طالق ثلاثا، فقال: ترد إلى كتاب الله تعالى وسنة
نبيه (صلى الله عليه وآله) (2).
وهو صريح في المرسلة، ومع ذلك لم يحكم (عليه السلام) بالبطلان، بل أوجب الرد
إلى السنة.
والمراد به الرد إلى الواحدة لا البطلان، كما يفصح عنه بعض المعتبرة.
ففي الصحيح: عن مولانا الصادق (عليه السلام) في حديث قال: قلت: فطلقها ثلاثا
في مقعد، قال: ترد إلى السنة، فإذا مضت ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء فقد بانت
منه بواحدة (3). ونحوه بعينه رواية أخرى (4).

(1) الوسائل 15: 314، الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 15.
(2) الوسائل 15: 314 و 312، الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث
5 و 4 و 13.
(3) الوسائل 15: 314 و 312، الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث
5 و 4 و 13.
(4) الوسائل 15: 314 و 312، الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث
5 و 4 و 13.
64

وفي معناهما الصحيح: طلق عبد الله بن عمر امرأته ثلاثا فجعلها
رسول الله (صلى الله عليه وآله) واحدة فردها إلى الكتاب والسنة (1).
وهي صريحة الدلالة في أن المراد بالرد إلى السنة هو امضاء الواحدة
وإبطال الطلقات الزائدة.
وبمعونتها يظهر أن المراد بالرد إلى السنة في الثلاث المرسلة في تلك الرواية
إنما هو الرد إلى الواحدة لا البطلان بالمرة. فتأمل.
هذا، مع أنه يظهر بما قدمناه من الأخبار وغيرها شيوع استعمال تلك
العبارة في المستفيضة في الثلاث المرسلة في زمن الأئمة (عليهم السلام)، ومعه يتقوى
دلالة العموم الناشئ عن ترك الاستفصال على الحكم في المسألة.
كيف لا! وشيوع الاستعمال الذي لا أقل منه يقوي الاحتمال، ومعه يلزم
الاستفصال. فتركه مع ذلك أوضح شاهد على العموم في المقال.
وبجميع ما قدمناه يندفع حذافير الإشكال الذي أورده بعض الأبدال في
هذا المجال.
* (و) * منه يظهر ضعف ما * (قيل) *: من أنه * (يبطل الطلاق) * رأسا،
ولا يقع منه شئ ولو واحدا، كما عن الانتصار (2) وسلار (3) والعماني (4) وابن
حمزة (5)، مع أن عبارة الأول في ذلك غير ظاهرة، بل المستفاد منها إنما هو الرد
على العامة في الحكم بوقوع المتعددة.
وأما الواحدة فليس فيها على نفيها دلالة، بل ولا إشارة، بل ربما أشعر
سياقها بقبول الواحدة، مع تصريحه في مسألة فساد الطلقات الثلاث المتعاقبة

(1) الوسائل 15: 318، الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 26.
(2) الإنتصار: 134.
(3) المراسم: 161.
(4) كما في المختلف: ج 7 ص 353.
(5) الوسيلة: 322.
65

من دون تخلل رجعة بصحة الواحدة، بل ربما أشعر عبارته بكونه مجمعا عليه
بين الإمامية، بل وربما كانت العبارة في ذلك ظاهرة.
وكيف كان فلا ريب في ضعف هذا القول، لما مر وضعف حججهم، فإن
منها الأصل. ويدفع بما مر.
ومنها: أن المقصود وهو الواحدة المقيدة بقيد الوحدة غير واقع، والصالح
للوقوع غير مقصود، لأنه غير مريد للواحدة المقيدة بقيد الوحدة.
وهو مع أنه اجتهاد في مقابلة النص غير مسموع، مندفع بما مر من عدم
الدليل على اعتبار قيد الوحدة في النية، بل غايته الدلالة على كون ما زاد
عليها بدعة، وهو غير ملازم لاعتبار قيد الوحدة في النية، وهي حاصلة من
الثلاث المرسلة، غاية الأمر أن الزائد عليها غير واقعة، ويحتمل أن تكون
ضميمة مؤكدة.
ومنها الأخبار:
ففي الصحيح: من طلق ثلاثا في مجلس فليس بشئ من خالف كتاب الله
تعالى رد إلى كتاب الله (1).
والمكاتبة روى أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام): في الرجل يطلق امرأته
ثلاثا بكلمة واحدة على طهر بغير جماع بشاهدين أنه يلزمه تطليقة واحدة،
فوقع بخطه: أخطأوا على أبي عبد الله (عليه السلام) لا يلزم الطلاق، ويرد إلى كتاب الله
تعالى والسنة (2).
وفيهما نظر. أما أولا فلعدم مقاومتهما لما مر. وثانيا ضعف الدلالة
في الأول، لاحتماله نفي الثلاث لا الواحد، بل في الرد إلى كتاب الله والسنة، كما

(1) الوسائل 15: 313، الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 8.
(2) الوسائل 15: 316، الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 19.
66

في ذيله إشعار، بل دلالة على وقوعه، بمعونة ما مر، وقصور السند الثاني من
وجوه، مع دلالة صدره على اشتهار الحكم بوقوع الواحدة في أصحاب زمانه.
ولا ينافيه الحكم منه بتخطئته، لاحتمال المصلحة فيه من حيث كونه مكاتبة،
وهي غير منحصرة في التقية، بل محتملة لها ولغيرها من المصالح العامة.
هذا، مع أن بعض الأجلة (1) حمل الطلاق في كلامه (عليه السلام) على الثلاث
لا الواحدة، ويؤيده ما فيه من الرد إلى الكتاب والسنة، بملاحظة ما قدمناه من
تفسيره بالرد إلى الواحدة.
ولا ينافيه الحكم بالتخطئة بعد احتمال كونه لمصلحة خفية غير نفي
الواحدة المؤيدة بكون الرواية مكاتبة.
والذي يسهل الخطب في ارتكاب أمثال هذه التوجيهات وإن كانت بعيدة
قوة ما قدمناه من الأدلة، وبعد خطأ اتفاق أصحاب الأئمة (عليهم السلام) على وقوع
الواحدة على ما تشهد به نفس الرواية.
ولقد تكلف بعض المعاصرين (2) لنصرة هذا القول بأخبار هي ما بين
قاصرة السند وغير واضحة الدلالة، مع كون أكثرها شاذة، كما اعترف به
جماعة.
فمنها المروي عن كتاب الخرائج عن هارون بن خارجة عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: قلت: إني ابتليت فطلقت أهلي ثلاثا في دفعة فسألت
أصحابنا فقالوا: ليس بشئ وأن المرأة قالت لا أرضى حتى تسأل أبا
عبد الله (عليه السلام)، فقال: ارجع إلى أهلك فليس عليك شئ (3).
وهو مع عدم وضوح سنده غير واضح دلالته، لاحتمال تعلق نفي الشيئية

(1) الحدائق 25: 239.
(2) الحدائق 25: 240.
(3) الخرائج والجرائح 2: 642، الحديث 49.
67

في كلام الإمام وأصحابه إلى الطلقات المتعددة ودفع الابتلاء اللازم بتقدير
صحتها خاصة كما توهم راوي الرواية لا إلى الواحدة، بل ربما أشعر الرواية
بوقوع الواحدة، لما أفصحت عنه الرواية السابقة من حال أصحاب الأئمة، ولما
في لفظ الرجوع في كلام المعصوم (عليه السلام) التي تضمنتها هذه الرواية. فأين الدلالة
على بطلان الواحدة في الثلاث المرسلة؟ كما هو ظاهر هذه الرواية.
ومنها الأخبار القائلة بأن المطلقات ثلاثا ذوات أزواج والناهية لذلك
عنهن في الصحيح: إياكم والمطلقات ثلاثا فإنهن ذوات أزواج (1).
وضعفه أوضح من أن يخفى، لأنها شاذة لو حملت على الثلاث المرتبة، كما
ادعى هذا الفاضل (2) وغيره ظهورها من عبارة طلق ثلاثا في تلك
المستفيضة، إذ لا قائل بها من الطائفة، لإجماعهم على وقوع الواحدة بالثلاث
المرتبة، كما ادعاه جماعة، وصرحت به المعتبرة. وكذا لو حملت على الثلاث
المرسلة، بناء على وجوب حمل الإطلاقات على الفروض الشائعة، وهي في
هذه الروايات صدور الثلاث عن العامة لا أصحابنا الإمامية، فإن وقوعها
منهم إن أمكن نادر بالبديهة. وحينئذ تكون هذه الطلقات صحيحة إلزاما لهم
بمعتقدهم، كما تفصح عنه الأخبار الآتية، وعليه إجماع الإمامية كما حكاه
جماعة.
هذا، مع أن المستفاد من بعض المعتبرة كون النهي عن تزويجهن احتياطا،
لا ناشئا من فساد الواحدة.
ففي الصحيح: رجل من مواليك يقرؤك السلام وقد أراد أن يتزوج امرأة
قد وافقته وأعجبه بعض شأنها وقد كان لها زوج فطلقها ثلاثا على غير السنة

(1) الوسائل 15: 316، الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 21.
(2) انظر الحدائق 25: 240.
68

فكره أن يقدم على تزويجها حتى يستأمرك فتكون أنت تأمره، فقال أبو
عبد الله (عليه السلام): هو الفرج. وأمر الفرج شديد، ومنه يكون الولد ونحن نحتاط
فلا تتزوجها (1).
ولعل وجه الاحتياط هو ما ذكره جماعة منهم شيخ الطائفة (2) عدم مبالاة
العامة في وقوع الطلقات والمرأة غير طاهرة، وعليه حمل الأخبار السابقة
مستشهدا ببعض المعتبرة الذي شهادته عليه واضحة.
فالاستدلال بأمثال هذه الأخبار مع ما هي عليه من الشذوذة والندرة
كيفما حملت غفلة واضحة. ونحوه الاستدلال بما مضى من المعتبرة المستفيضة
في وقوع الطلاق بنعم في جواب السؤال عنه.
وبالجملة لا إشكال في المسألة بحمد الله سبحانه.
* (ولو كان المطلق) * مخالفا * (يعتقد الثلاث) * أو عدم اشتراط شئ مما مر
في الطلاق فطلق * (لزمه) * معتقده وجاز لنا مناكحة مطلقاته، كذلك بلا خلاف
فيه يظهر بيننا، بل ادعى عليه جماعة اتفاقنا، وبه عموما وخصوصا استفاض
نصوصنا:
فمن الأول: الموثق: عن الأحكام، قال: يجوز على أهل كل ذي دين بما
يستحلون (3). والموثق: خذوا منهم ما يأخذون منكم في سنتهم وقضائهم
وأحكامهم، الخبر (4).
ومن الثاني: المعتبرة المستفيضة:
منها الصحيح: في المطلق ثلاثا إن كان ممن لا يتولانا ولا يقول بقولنا

(1) الوسائل 14: 193، الباب 157 من أبواب مقدمات النكاح وشرائطه الحديث 1.
(2) الخلاف 4: 453، المسألة 4.
(3) الوسائل 17: 484، الباب 4 من أبواب ميراث الأخوة والأجداد الحديث 4 و 1.
(4) الوسائل 17: 484، الباب 4 من أبواب ميراث الأخوة والأجداد الحديث 4 و 1.
69

فاختلعها منه، فإنه إنما نوى الفراق بعينه (1).
والخبر: عن المطلقة على غير السنة أيتزوجها الرجل؟ فقال: ألزموهم من
ذلك ما ألزموه أنفسهم وتزوجوهن فلا بأس بذلك (2).
ومقتضى التعليلين كعموم الثاني اطراد الحكم فيما ألحقناه بالمتن، مضافا
إلى الاتفاق عليه، وشمول الموثقين السابقين له.
وأما الأخبار المعارضة الناهية عن تزويج المطلقات ثلاثا لأنهن ذوات
أزواج فقد عرفت الجواب عنها.
ثم إن إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في المطلقة كذلك
بين المخالفة والمؤمنة، وهو كذلك.
واحتمال الفرق وتخصيص الحكم بالأولى - كما يوجد في بعض العبارات
جمعا بين النصوص - ضعيف لا يلتفت إليه.
* (الركن الرابع:) *
* (في الإشهاد) *
* (ولا بد) * في صحة الطلاق * (من شاهدين يسمعانه) * بإجماعنا حكاه
جماعة من أصحابنا (3)، وبه استفاض أخبارنا ففي الصحيح: طلاق السنة
يطلقها تطليقة على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين (4).
وفيه: وإن طلقها في استقبال عدتها طاهرا من غير جماع ولم يشهد على
ذلك رجلين عدلين فليس طلاقه إياها بطلاق (5).
* (ولا يشترط استدعاؤهما إلى السماع) * بل يكفي سماعهما على الإطلاق

(1) الوسائل 15: 320، الباب 30 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 1 و 5.
(2) الوسائل 15: 320، الباب 30 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 1 و 5.
(3) نهاية المرام 2: 36، المسالك 9: 111.
(4) الوسائل 15: 334، الباب 1 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه الحديث 2.
(5) المصدر السابق: 282، الباب 10 الحديث 3.
70

بلا خلاف، لأنه حكم الشهادة، وللمعتبرة:
منها الصحيح: عن رجل كانت له امرأة طهرت من حيضها فجاء إلى
جماعة فقال: فلانة طالق أيقع عليها الطلاق ولم يقل اشهدوا؟ قال: نعم (1).
ونحوه آخر (2).
ومقتضاهما الاكتفاء في الإشهاد بتعريف المطلقة لهما ولو بالاسم خاصة أو
الإشارة، لترك الاستفصال فيهما عن حال الجماعة، وأن علمهم بالمطلقة هل
هو بشخصها وعينها أم باسمها خاصة، بل ربما كانا ظاهرين في الصورة
الأخيرة.
هذا، مع إطلاقات المستفيضة المكتفية بشهادة الشاهدين للصيغة خاصة
من دون مراعاة للزائد عليها بالمرة.
وهي وإن اقتضت صحة الطلاق مطلقا ولو من دون علمهما بالمطلقة ولو
بالاسم أو الإشارة بالمرة، إلا أن اللازم مراعاة المعرفة في الجملة بنحو من
الاسم أو الإشارة، تحقيقا لفائدة الشهادة، والتفاتا إلى بعض المعتبرة، كالخبر
أني تزوجت نسوة لم أسأل عن أسمائهن ثم أريد طلاق إحداهن وتزويج
امرأة أخرى، فكتب (عليه السلام): انظر إلى علامة إن كانت بواحدة منهن فتقول:
اشهدوا أن فلانة التي لها علامة كذا وكذا هي طالق ثم تزوج الأخرى إذا
انقضت العدة (3)، وبه صرح شيخنا في النهاية (4).
ولعل هذا أيضا مراد بعض متأخري الطائفة من اعتباره في صحة
الإشهاد علم الشاهدين بالمطلق والمطلقة.

(1) المصدر السابق: 302، الباب 21 الحديث 1.
(2) المصدر السابق: 302، الباب 22 الحديث 2.
(3) الوسائل 14: 400، الباب 3 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 3.
(4) النهاية 2: 427.
71

ولو أراد العلم بهما من جميع الوجوه لكان بعيدا غاية البعد، بل فاسدا
بالضرورة، لاستلزامه تقييد الأدلة من غير دلالة، مع استلزام مراعاته الحرج
المنفي عنه آية (1) ورواية (2)، ومخالفة الطريقة المستمرة بين الطائفة، مع اندفاعه
بخصوص الصحيحين.
في أحدهما: عن رجل تزوج أربعة نسوة في عقدة واحدة أو قال في
مجلس واحد ومهورهن مختلفة، قال: جائز له ولهن، قلت: أرأيت إن أخرج
إلى بعض البلدان فطلق واحدة من الأربع وأشهد على طلاقها قوما من أهل
تلك البلاد وهم لا يعرفون المرأة ثم تزوج امرأة من أهل تلك البلاد بعد
انقضاء عدة المطلقة ثم مات بعد ما دخل بها كيف يقسم ميراثه؟ قال: إن كان
له ولد فإن للمرأة التي تزوجها أخيرا من تلك البلاد ربع ثمن ما ترك،
الخبر (3). ونحوه الآخر (4).
وربما أشعرت بذلك عموم أخبار صحة طلاق الغائب، لكون الغائب في
شهوده عدم المعرفة بالمطلقة، وسيما إذا كان الغيبة إلى البلاد البعيدة.
وبالجملة الظاهر من الأدلة كفاية المعرفة بنحو من الاسم أو الإشارة من
دون لزوم مبالغة تامة في المعرفة.
ثم إن ظاهر العبارة كالجماعة لزوم اجتماعهما معا، لسماع الصيغة، وأنه
لا يقع الطلاق مع التفرقة، وهو مقتضى الأصل، والوقوف على المتبادر من
إطلاق الأدلة، وخصوص الصحيح: عن رجل طلق امرأته على طهر من غير

(1) الحج: 78.
(2) الوسائل 1: 327، الباب 39 من أبواب الوضوء الحديث 5.
(3) الوسائل 15: 303، الباب 23 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 1.
(4) المصدر السابق: ذيل الحديث 1.
72

جماع وأشهد اليوم رجلا ثم مكث خمسة أيام ثم أشهد آخر، فقال: إنما أمر أن
يشهدا جميعا (1). ونحوه الصحيح الآخر (2) إلا أن في صدره ما ربما ينافي ذيله،
لكنه محمول على الأداء خاصة.
* (ويعتبر فيهما العدالة) * بإجماع الطائفة كما في الانتصار (3)، وهو ظاهر
الآية (4) والنصوص المستفيضة:
منها الصحيح: أن الطلاق الذي أمر الله تعالى به في كتابه وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله)
إنه إذا حاضت المرأة وطهرت من حيضها أشهد رجلين عدلين قبل أن
يجامعها على تطليقة (5).
والحسن: وإن طلقها للعدة بغير شاهدي عدل فليس طلاقه بطلاق (6).
ومقتضى هذه الأدلة - كالنصوص المستفيضة التي كادت تكون متواترة
الواردة في البينة - أن العدالة شئ زائد على ظاهر الإسلام بالبديهة، وهو إما
حسن الظاهر كما هو الأظهر أو الملكة كما عليه أكثر متأخري الطائفة. وعلى
القولين فلا يكتفي بظاهر الإسلام بالضرورة.
* (و) * منه يظهر ضعف ما يحكى عن * (بعض الأصحاب) * كالنهاية (7)
والراوندي (8) وجماعة من القول: بأنه * (يكتفى بالإسلام) * في الشهادة. كضعف
حججهم من الأخبار القاصرة السند الضعيفة الدلالة، القابلة لتأويلات قريبة
تجمع بها، مع الأدلة السابقة.

(1) المصدر السابق: 301، الباب 20 الحديث 1.
(2) المصدر السابق: 301، الباب 20 الحديث 2.
(3) الإنتصار: 127.
(4) الطلاق: 2.
(5) الوسائل 15: 351، الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه الحديث 7.
(6) الوسائل 15: 282، الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 2.
(7) النهاية 2: 426.
(8) فقه القرآن 2: 165.
73

وربما استدل لهم هنا بإطلاق أخبار الشهادة، وهو مقيد بما مر من الأدلة
وبالمعتبرين:
أحدهما الصحيح: كل من ولد على الفطرة وعرف بصلاح في نفسه جازت
شهادته (1).
وثانيهما الحسن: من ولد على الفطرة أجيزت شهادته بعد أن يعرف منه
خيرا (2).
ولأجلهما اختار هذا القول بعض الأجلة من المتأخرين فقال: بأن
" الخير " نكرة تفيد الإطلاق فيتحقق بالصلاة والصوم وإن خالف في الاعتقاد
الصحيح، قال: وفي تصديره الخبر - باشتراط العدالة ثم الاكتفاء بما ذكر - تنبيه
على أن العدالة هي الإسلام (3).
وفيه نظر، أما أولا: فلأن القول المزبور الذي صار إليه ظاهره الاكتفاء
بظاهر الإسلام من دون اشتراط أن يعرف منه الخير، بل يكتفى بشهادة المسلم
الغير المعروف منه ذلك أصلا، وصريح الخبرين اشتراطه.
وثانيا: أن ظاهرهما الاكتفاء بالإسلام بالمعنى الأعم، لا اشتراط المرادف
للخاص، ولعله لم يقل به النهاية، ومن تبعه من الجماعة وإن أوهمت عبارته
ذلك في المسألة، إلا أن عبارته في بحث الشهادة صريحة في اعتبار الإيمان (4)
البتة، مع تصريحه في التهذيب بكفر الفرق المخالفة للإمامية (5) فكيف يستدل له
بأمثال المعتبرة؟!

(1) الوسائل 18: 290، الباب 41 من أبواب الشهادات الحديث 5.
(2) الوسائل 15: 282، الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 4.
(3) المسالك 9: 114.
(4) النهاية 2: 52.
(5) التهذيب 1: 335.
74

وثالثا: أن المتبادر من الخير والصلاح في الخبرين ما يعم الاعتقاد وزائد
عليه بالبداهة، وليس المراد منهما مصداقهما ولو في الجملة، كما أفصح عنه
عبارته المتقدمة.
كيف لا! وهو مخالف للإجماع والضرورة، لاشتمالها (1) على ذلك التقدير
على قبول شهادة الفاسق البتة، إذ ليس من فاسق إلا ويوجد فيه خير ما أو
صلاح من جهة ولو في الجملة.
ولم يقل بذلك أحد حتى هذا القائل والنهاية وغيره من الجماعة، لاتفاقهم
على اشتراط عدم ظهور الفسق البتة، ودلت عليه مع ذلك النصوص
المستفيضة (2)، ومثل ذلك أوضح شاهد وأفصح قرينة على إرادة معنى خاص
من الخير والصلاح.
وليس بعد انتفاء إرادة مطلقهما إلا ما عليه الجماعة من الإيمان وحسن
الظاهر أو الملكة.
هذا، مع أن المعتبرة مستفيضة، بل كادت تكون متواترة بأنه ليس في
المخالف خير أصلا وصلاح بالمرة وإن اشتغلوا بالعبادات الموظفة وراعوا
الأمور اللازمة، فقد ورد عن أهل العصمة سلام الله عليهم أنهم ليسوا إلا
كالجدر المنصوبة (3)، وأن عباداتهم بأسرها فاسدة (4). وحينئذ فأي خيرية
في أعمال قد قام الدليل على بطلانها.
وكونها في الظاهر بصورة العبادة لا يجدي نفعا، لأن خيرية الخير وشرية

(1) في " م، ق ": لاشتمالهما.
(2) الوسائل 18: 291 و 293، الباب 41 من أبواب الشهادات الحديث 6 و 7 و 18.
(3) الوسائل 5: 388، الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1.
(4) ثواب الأعمال: 250، الحديث 17.
75

الشر إنما هو باعتبار ما يترتب على كل منهما من النفع والضرر، كما ينادي به
النبوي: لا خير بخير بعده النار، ولا شر بشر بعده (1) الجنة.
هذا، مع ما في بعض المعتبرة من رد شهادة بعض الفرق المخالفة (2) كما
حكاه بعض الأجلة، مضافا إلى وقوع التصريح باشتراط الإيمان في بعض
المعتبرة.
ففي العيون: عن مولانا الرضا (عليه السلام) قال علي (عليه السلام) في قوله تعالى: " ممن
ترضون من الشهداء " من ترضون دينه وأمانته وصلاحه وعفته وتحصيله
وتميزه فما كل صالح مميز ولا كل محصل مميز (3).
وبالجملة القول بقبول شهادة المخالف الذي عرف منه خير أو صلاح في
الجملة فاسد بالبديهة، كالاكتفاء بظاهر الإيمان خاصة من دون اعتبار حسن
الظاهر ولا الملكة، بل اللازم مراعاة الإيمان، مع حسن الظاهر خاصة وإن كان
اعتبار الملكة أحوط البتة، إلا أن الأدلة ظاهرة في الأول، وبإثبات الثاني
غير ناهضة.
* (ولو طلق ولم يشهد) * العدلين على انشاء الطلاق * (ثم أشهد) * هما بعد
ذلك * (كان) * الطلاق * (الأول لغوا) * لعدم اشتماله على شرط الصحة، وصح
الثاني إن اشتمل على شرائطها، وإلا فلا، لعموم الأدلة.
وعليه يحمل إطلاق العبارة المشعرة بالصحة في الشهادة الثانية، وكذا

(1) الفقيه 4: 392، الحديث 5834، وفيه اختلاف.
(2) انظر دعائم الاسلام 2: 511، الحديث 1834، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 143، الحديث 47.
(3) لم نعثر عليه في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ووجدناه عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في تفسير
الإمام العسكري (عليه السلام) 672، الحديث 375، والوسائل 18: 295، الباب 41 من أبواب
الشهادات الحديث 23.
76

إطلاق الصحيح: عن رجل طلق ولم يشهد ثم أشهد بعد ذلك بأيام فمتى تعتد؟
قال: من اليوم الذي أشهد فيه على الطلاق (1).
* (ولا تقبل شهادة النساء) * هنا مطلقا لا منفردات ولا منضمات بلا
خلاف، اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد النصوص، الظاهرة بعضها،
والصريح باقيها في الذكور، مضافا إلى خصوص المستفيضة:
منها الصحيح: فيمن طلق على طهر من غير جماع بشاهد وامرأتين، فقال:
لا يجوز شهادة النساء في الطلاق الخبر (2).
* * *

(1) الوسائل 15: 284، الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 10.
(2) الوسائل 15: 282، الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 4.
77

* (النظر الثاني) *
* (في أقسامه) *
* (وينقسم إلى) * قسمين * (بدعة) * محرمة * (وسنة) * جائزة ولو بعنوان
الوجوب أو الكراهة أو الاستحباب أو الإباحة.
* (فالبدعة) * على ما ذكره الأصحاب ثلاثة:
أحدها * (طلاق الحائض مع الدخول وحضور الزوج أو غيبته دون المدة
المشترطة) * على تقدير اعتبارها مع عدم حملها.
* (و) * ثانيها طلاقها * (في طهر قد قربها فيه) * مع عدم الغيبة أو مطلقا مع
ثبوت الوقوع فيه على الخلاف الذي مضى.
* (و) * ثالثها * (الثلاث المرسلة) * مع اعتقاد وقوعها.
* (وكله) * أي البدعي بأقسامه * (لا يقع) * إلا الأخير خاصة فواحدة كما
سبق إليه وإلى مستند بدعية الجميع الإشارة، وتقييد الثلاث بالمرسلة يفيد
عدم بدعية المرتبة ولو لم يتخللها رجعة، كما أن الحصر في الثلاثة يفيد عدم
بدعية الطلقات الأخر الفاسدة، كالواقع بغير إشهاد أو معه من دون الصيغة
المعتبرة.
وكل ذلك محل مناقشة إن أريد بالبدعية الباطلة، ولا إن كان ذا مجرد
78

اصطلاح. كيف لا! وليس فيه مشاحة، إلا أنه على هذا ليس القسمة حاصرة.
* (وطلاق السنة) * قسمان الأول: وهو المراد به هنا ما قابل البدعة، ويقال
له: طلاق السنة بالمعنى الأعم. والثاني: ما هو أخص منه، وهو أن يطلق على
الشرائط ثم يتركها حتى تخرج من العدة الرجعية لا البائنة، كما يستفاد من
النصوص المستفيضة:
منها الصحيح: طلاق السنة يطلقها تطليقة على طهر من غير جماع بشهادة
شاهدين ثم يدعها حتى تمضي أقراؤها فإذا مضت أقراؤها فقد بانت منه
وهو خاطب من الخطاب، إن شاءت نكحته، وإن شاءت فلا، الخبر (1). ونحوه
غيره (2).
وليس فيهما كما ترى ما ذكره جماعة من اعتبار التزويج بها ثانيا بعد
الخروج من العدة، بل غايتها الدلالة على اعتباره خاصة، وليس فيها الشمول
للثانية.
وكيف كان يقال لهذا القسم: طلاق السنة بالمعنى الأخص.
والأول على أقسام * (ثلاثة: بائن، ورجعي، والعدة) *.
* (فالبائن ما لا يصح معه الرجعة) * بلا عقد.
إما لعدم العدة بالمرة * (وهو) * أقسام ثلاثة.
أحدها * (اليائسة) * عن المحيض ومثلها لا تحيض * (على الأظهر) * الأشهر
بين الطائفة كما سيأتي إليه الإشارة * (و) * ثانيها * (من لم يدخل بها) * مطلقا.
* (و) * ثالثها * (الصغيرة) * ولو دخل بها بلا خلاف في الأولى وعلى الأشهر
في الثانية مع الدخول بها بين أصحابنا وستأتي إليه الإشارة أيضا.

(1) الوسائل 15: 344، الباب 1 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.
(2) المصدر السابق: الحديث 1.
79

وإما لعدم إمكان الرجوع في العدة ابتداء وإن أمكن في الجملة.
* (و) * هو اثنان طلاق * (المختلعة والمباراة ما لم ترجعا في البذل) * المعتبر
فيهما أو مطلقا * (و) * هو في * (المطلقة ثلاثا بينها رجعتان) * أو عقدتان أو
رجعة وعقد.
* (والرجعي) * هو * (ما يصح معه الرجعة) * في العدة * (ولو لم يرجع) *
ويكون فيما عدا الأقسام الستة المتقدمة في البائن.
وعلى هذا وما تقدم فيه يكون طلاق المختلعة تارة من القسم الأول وهو
مع الشرط المتقدم فيه، وأخرى من هذا القسم مع عدمه.
* (وطلاق العدة) * على ما فسره بعض الأجلة (1)، وفاقا لجماعة كالعلامة
في التحرير (2) والقواعد (3) والماتن في الشرائع (4) أن يطلق على الشرائط ثم
يراجعها قبل خروجها من عدتها ويواقعها ثم يطلقها في غير طهر المواقعة ثم
يراجعها ويواقعها ثم يطلقها في طهر آخر، وهو المستفاد من المعتبرة.
ففي الصحيح: إذا أراد الرجل منكم أن يطلق امرأته طلاق العدة فلينتظر
بها حتى تحيض وتخرج من حيضها، ثم يطلقها تطليقة من غير جماع ويشهد
شاهدين عدلين، ويراجعها من يومه ذلك إن أحب أو بعد ذلك بأيام قبل أن
تحيض ويشهد على رجعتها ويواقعها حتى تحيض، فإذا حاضت وخرجت من
حيضها طلقها تطليقة أخرى من غير جماع ويشهد على ذلك ثم يراجعها أيضا
متى شاء قبل أن تحيض ويشهد على رجعتها ويواقعها، وتكون معه إلى أن
تحيض الحيضة الثالثة، فإذا خرجت من حيضتها الثالثة طلقها التطليقة الثالثة
بغير جماع ويشهد على ذلك، فإذا فعل ذلك فقد بانت منه، ولا تحل له حتى

(1) الحدائق 25: 269.
(2) التحرير 2: 54 س 31.
(3) القواعد 2: 64 س 19.
(4) الشرائع 3: 24.
80

تنكح زوجا غيره، الخبر (1). ونحوه غيره (2) مما وقفت عليه.
والمستفاد من قوله في تفسيره: * (ما يرجع فيه ويواقع ثم يطلق) * هو أن
المعتبر فيه أن يطلق ثانيا بعد الرجوع والمواقعة خاصة، وعن بعضهم عدم
اعتبار الطلاق ثانيا، والاقتصار على الرجعة (3) وعن النهاية (4) وجماعة أن
الطلاق الواقع بعد المراجعة والمواقعة يوصف بكونه عديا وإن لم يقع بعده
رجوع ووقاع، لكن الطلاق الثالث لا يوصف بكونه عديا، إلا إذا وقع بعد
الرجوع والوقاع. قيل: وفي بعض الروايات دلالة عليه (5).
وظاهر القولين الأولين اتصاف الطلاقين الأولين بالعدي دون الثالث،
لحصول شرائطه عليهما فيهما من المراجعة والمواقعة معا، كما في القول الأول،
أو الأول خاصة كما في الثاني، ولا كذلك الطلاق الثالث، لفقد الشرط فيه على
القولين، وينعكس الأمر على القول الثالث فيتصف الأخيران بالعدي دون
الأول، لوقوعهما بعد المراجعة والمواقعة دونه لعدمهما قبله.
ثم إن إطلاق العدي عليه من حيث الرجوع في العدة وجعله في العبارة
قسيما للأولين يعطي المغايرة بينه وبينها بالضرورة، مع أنه أخص من
الأخير قطعا، فإنه من جملة أفراده، بل أظهرها جدا، لمكان الرجوع في العدة.
فلو جعله قسمين ثم قسم الرجعي إليه وإلى غيره كان أجود.
نعم جعله قسيما لهما متجه على ما ذكرناه في تفسير العدي، لتوقفه عليه
على الطلقة الثالثة المتعقبة عن الرجعتين، وهي بائنة بالضرورة، فيرجع الأمر
إلى تركب العدي من البائن والرجعي.

(1) الوسائل 15: 348، الباب 2 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
(2) المصدر السابق: الحديث 2.
(3) انظر القواعد 2: 64 س 19.
(4) النهاية 2: 436.
(5) القائل هو الحدائق الناضرة 25: 273.
81

ولا ريب أن المركب منهما مخالف لأحدهما، ولعله لهذا جعله قسيما في
الشرائع (1) والتحرير (2) أيضا، كما هنا.
وبه اندفع الاعتراض الذي أورده في المسالك (3) على الماتن، وهو الذي
أشرنا إليه هنا، مع إمكان اندفاعه عنه هنا أيضا وإن لم يفسر العدي بما ذكرنا،
بناء على مخالفة تفسير العدي كلا من تفسيري البائن والرجعي، لامتيازه
باشتراط الرجعة عن الأول، وباشتراط الطلقة بعدها وبعد المواقعة عن الثاني،
بناء على عدم اعتبار المواقعة والطلقة الثانية في تفسيره للاكتفاء فيه بمجرد
الرجعة، وهو ظاهر في عدم اعتبار شئ آخر ورائها، فاعتباره ينافيه جدا.
وكيف كان * (فهذه) * أي المطلقة للعدة خاصة * (تحرم في) * الطلقة
* (التاسعة تحريما مؤبدا) * إذا كانت حرة * (وما عداها) * من أقسام الطلاق
الصحيح وهو ما إذا رجع فيها وتجرد عن الوطء أو بعدها بعقد جديد وإن
وطئ * (تحرم) * المطلقة * (في كل ثالثة) * للحرة وفي كل ثانية للأمة * (حتى
تنكح) * زوجا * (غيره) * كحرمتها كذلك لو طلقت للعدة.
فالفارق بين الطلاق للعدة وغيرها حصول التحريم المؤبد بالتاسعة في
الأول خاصة دون الثاني، فلا تحرم فيه أبدا، ولو ارتفع إلى مائة بعد حصول
المحلل بعد كل ثلاثة كما تقدمت إليه الإشارة، مع الأدلة فيه وفي المسألة السابقة،
وهي الحرمة بالتاسعة في العدية في السبب الرابع بعد الثالث في المصاهرة.
* (وهنا مسائل خمسة) *
* (الأولى: لا يهدم استيفاء العدة) * وانقضاؤها وعدم رجوع الزوج فيها
في كل مرة * (تحريم الثالثة) * حتى تنكح زوجا غيره، وكذا لو استوفت العدة

(1) الشرائع 3: 23.
(2) انظر التحرير 2: 54 س 29.
(3) المسالك 9: 129.
82

في إحدى الطلقات خاصة بإجماع الطائفة كما حكاه جماعة، بل ربما ادعى
عليه بعض الأجلة الإجماع عليه من العلماء كافة (1). والأصل فيه بعد الإجماع
عموم الكتاب (2) والسنة:
منها الصحيح: في امرأة طلقها زوجها ثلاثا قبل أن يدخل بها، قال:
لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره (3).
مضافا إلى خصوص الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة:
منها الصحيح: في رجل طلق امرأته ثم تركها حتى انقضت عدتها ثم
تزوجها ثم طلقها من غير أن يدخل بها حتى فعل ذلك ثلاثا، قال: لا تحل له
حتى تنكح زوجا غيره (4).
خلافا لابن بكير، استنادا إلى رواية أسندها إلى زرارة قال: سمعت أبا
جعفر (عليه السلام) يقول: الطلاق الذي يحبه الله تعالى والذي يطلق الفقيه وهو العدل
بين المرأة والرجل أن يطلقها في استقبال الطهر بشهادة شاهدين، وإرادة من
القلب ثم يتركها حتى تمضي ثلاثة قروء، فإذا رأت الدم في أول قطرة من
الثالث وهو آخر القروء، لأن الأقراء هو الأطهار فقد بانت منه وهي أملك
بنفسها، فإن شاءت تزوجته وحلت له، فإن فعل هذا بها مائة مرة هدم ما
قبله وحلت بلا زوج، الحديث (5).
ونحوه روايات أخر هي كهذه الرواية قاصرة الأسانيد ظاهرة الدلالة على
عدم صحة الإسناد في هذه الرواية إلى زرارة، لتضمنها أنه قال حين ما سئل
عنه: " هذا مما رزق الله تعالى من الرأي " (6).

(1) انظر التنقيح 3: 320.
(2) الطلاق: 4.
(3) الوسائل 15: 350 الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه الحديث 3.
(4) المصدر السابق: الحديث 4.
(5) المصدر السابق: 455، الحديث 16.
(6) التهذيب 8: 36، ذيل الحديث 107.
83

وليس مثل ذلك قدحا فيه ومنافيا لدعوى إجماع العصابة على صحة
ما صحت عنه من الروايات كما ذكره جماعة، لاحتمال رؤية المصلحة في ذلك
لتشييد ما رآه وصححه بأدلة هي مستند عنده وحجة شرعية، بعد أن رأى
أن قدماء الرواة وأصحابه في تلك الأزمنة لا يقبلون منه ذلك بالمرة لنسبة
ذلك إلى رأيه، فالتجأ إلى اختراع تلك النسبة إلى زرارة إعلاء لما هو المذهب
عنده والحجة، ويكون ذلك عنده كذبا لمصلحة، ولعل مثل ذلك عنده لا ينافي
العدالة.
وكيف كان فلا ريب في ضعف هذا القول وإن ذهب إليه في الفقيه (1) تبعا
للرضوي (2)، وأخباره تنادي بضعفه في الأزمنة السابقة، لدلالتها - كما مضى -
على وقوع أصحاب القائل فيه في فتواه بالهدم باستيفاء العدة.
* (الثانية: يصح طلاق الحامل) * المستبين حملها مطلقا مرة إجماعا حكاه
جماعة (3) للأدلة الآتية منطوقا وفحوى، وصاعدا أيضا مطلقا، ولو كان
* (للسنة) * بالمعنى الآتي * (كما يصح للعدة) * بالمعنى المقابل له وغيره * (على
الأشبه) * الأشهر في المقامين، بل عليه الإجماع في الشرائع (4) والقواعد (5)
والإيضاح (6) وشرح الأول للصيمري (7) في الأخير في الجملة. وهو الحجة
فيه، كعموم الكتاب والسنة، وخصوص الموثقات الثلاث في المقامين:
في إحداها: عن رجل طلق امرأته وهي حامل ثم راجعها ثم طلقها ثم
راجعها ثم طلقها الثالثة في يوم واحد تبين منه، قال: نعم (8).

(1) الفقيه 3: 495.
(2) فقه الإمام الرضا (عليه السلام): 241.
(3) منهم السيد السند في نهاية المرام 2: 51.
(4) الشرائع 3: 24.
(5) القواعد 2: 65 س 3.
(6) الإيضاح 3: 318.
(7) غاية المرام: 131 س 18 (مخطوط).
(8) الوسائل 15: 381، الباب 20 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه الحديث 6 و 8 و 10.
84

وهي كما ترى مطلقة، بل عامة شاملة لطلاقي العدة والسنة، مضافا إلى
خصوص الخبرين في العدة:
في أحدهما: عن طلاق الحبلى، قال: يطلقها واحدة للعدة بالشهور
والشهود، قلت: فله أن يراجعها، قال: نعم، وهي امرأته، قلت: فإن راجعها
ومسها ثم أراد أن يطلقها تطليقة أخرى، قال: لا يطلقها حتى يمضي لها بعد ما
مسها شهر، قلت: فإن طلقها ثانية وأشهد ثم راجعها وأشهد على رجعتها
ومسها ثم طلقها التطليقة الثالثة وأشهد على طلاقها لكل غرة شهر هل تبين
منه كما تبين المطلقة على العدة التي لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجا غيره،
قال: نعم، الخبر (1).
وفي الثاني: في الرجل يكون له المرأة الحامل وهو يريد أن يطلقها، قال:
يطلقها فإذا أراد الطلاق بعينه يطلقها بشهادة الشهود، فإن بدا له في يومه أو
من بعد ذلك أن يراجعها ويريد الرجعة بعينه فليراجع وليواقع، ثم يبدو له
فيطلق أيضا، ثم يبدو له فيراجع كما راجع أولا، ثم يبدو له فيطلق فهي التي
لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره إذا كان راجعها يريد المواقعة والإمساك
ويواقع (2).
والمناقشة بقصور سند هذه الأخبار سيما الأخيرين مدفوعة بالاعتضاد
والانجبار بالشهرة العظيمة، والموافقة لعموم الكتاب والسنة، مع ما في
الأخيرين من الاعتضاد بالإجماعات المحكية.
خلافا للصدوقين (3) وبعض متأخري الطائفة (4) فمنعوا عن الزيادة على

(1) المصدر السابق: الحديث 11.
(2) المصدر السابق: الحديث 9.
(3) كما في المختلف: ج 7 ص 362، والمقنع: 116.
(4) نهاية المرام 2: 54.
85

الواحدة في المقامين مطلقا، لعموم الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة
الظاهرة في أن طلاقها واحد، مع تصريح بعضها بالنهي عن الزيادة على
الإطلاق إلى الخروج عن العدة التي هي هنا وضع الحمل، إما مطلقا كما هو
الأظهر الأشهر بين الطائفة، أو بشرط عدم مضي الأشهر الثلاثة، وإلا فهو
العدة خاصة كما عن الصدوقين القائلين بالمنع مطلقا في هذه المسألة.
ومنه يظهر ما في نسبة القول بتقييد المنع بقبل الأشهر والجواز بعدها
ولو قبل الوضع إليهما، فإن التقييد في كلامهما إنما هو لبيان محل جواز الرجعة
لا لتحديد محل الرخصة في الطلقة الزائدة بعد الرجعة.
وكيف كان، فمن النصوص الأولة الصحيح طلاق الحامل واحد فإذا
وضعت ما في بطنها فقد بانت منه (1). ونحوه غيره (2).
ومن الثانية: الخبران:
أحدهما: في الرجل يطلق امرأته وهي حبلى قال: يطلقها، قلت:
فيراجعها، قال: نعم يراجعها، قلت: فإن بدا له بعد ما راجعها أن يطلقها، قال:
لا حتى تضع (3).
وثانيهما الرضوي: وأما طلاق الحامل فهو واحد وأجلها أن تضع ما في
بطنها، وهو أقرب الأجلين، فإذا وضعت أو أسقطت يوم طلقها أو بعده متى
كان فقد بانت منه وحلت للأزواج، فإن مضى بها ثلاثة أشهر من قبل أن
تضع فقد بانت منه، ولا تحل للأزواج حتى تضع، فإن راجعها من قبل أن
تضع ما في بطنها أو يمضي ثلاثة أشهر ثم أراد طلاقها فليس له ذلك حتى تضع
ما في بطنها وتطهر ثم يطلقها (4).

(1) الوسائل 15: 380، الباب 20 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه الحديث 1.
(2) المصدر السابق: الباب 20.
(3) المصدر السابق: الحديث 7.
(4) فقه الإمام الرضا (عليه السلام): 244.
86

وفيها نظر، لعدم المقاومة لما مر، فلتحمل على الفضيلة، أو على الوحدة
الصنفية، يعني طلاقها صنف واحد، وهو ما عدا السنة بالمعنى الأخص المتقدم
المستفاد من الأخبار، وهو وإن تعدد صنفا أيضا من حيث شموله للعدة بالمعنى
المتقدم وغيرها إلا أنهما يجمعهما شئ واحد، وهو كونهما للرجعة، ولعله لهذا
قسم الطلاق في الأخبار إلى قسمين خاصة السني والعدي. فتأمل.
وللنهاية (1) وجماعة في الأول بالمعنى الآتي فمنعوا عنه وجوزوا العدة
المقابلة له خاصة، جمعا بين النصوص الماضية، بحمل ما دل على الوحدة على
السنة بالمعنى المتقدم خاصة، وتقييد ما دل على الزيادة بالعدية خاصة،
للخبرين الماضيين ذيل الموثقات لتصريحهما بالعدة.
وفيه نظر، لعدم استفادة التقييد من الأول، لأن غايته فرض الثبوت في
المورد، وهو لا يلازم النفي عما عداه. والثاني: وإن ظهر منه التقييد من حيث
الأمر إلا أنه مقطوع، والمنسوب إليه الحكم مجهول، فلا يصلح للتقييد،
للمعتبرة، مع ما هي عليه من المرجحات الكثيرة المنصوصة والاعتبارية،
الموجبة لرجحانها على هذه الرواية ولو كانت صحيحة السند واضحة الدلالة.
وأما المناقشة في هذا القول بعدم معلومية المراد من السنة هل هو الأعم
أو الأخص، مع أن إرادة كل منهما هنا فاسدة. أما الأول: فبتصريح الموثق
الأول بجواز التعدد الذي ليس بعدي، وهو السني بهذا المعنى، مع أن العدي
يتمشى بهذا المعنى، وحمله على ما عدا العدي بعيد، وخلاف الظاهر، وخلاف
ما يقتضيه الجمع. وأما الثاني: فلشمول النصوص المجوزة له ولغيره مع عدم
تحققه بهذا المعنى هنا إلا بعد انقضاء العدة، وهو وضع الحمل، وبعده لا تكون
حاملا، والكلام في طلاقها.

(1) النهاية 2: 442.
87

ولا يمكن تمييزه بالنية، بمعنى أنه إذا نوى أن يطلقها وهي حامل فلا
يراجعها إلى أن تضع ثم يتزوجها فيصير حينئذ منهيا عنها، لأن النية لا تؤثر
بنفسها في تحقق العدي والسني، بل يتوقفان على شرط متأخر عنها وهو إما
الرجعة في العدة والوطء، أو الصبر إلى انقضاء العدة وتجديد العقد، وحينئذ
لا تكون حاملا.
فلا يظهر النهي عن طلاق الحامل كذلك، إلا أن يقال: إن تحريم نكاحها
بعد الوضع يكون كاشفا عن جعل الطلاق السابق سنيا، فيلحقه حينئذ النهي
وهذا أيضا في غاية البعد، لأن خبري النهي إنما دلا عليه وهي حامل مدفوعة
بحذافيرها، بأن المراد بالسنة هو الثاني، لا بالمعنى الذي يتعقبه المناقشة، بل
بالمعنى الذي يظهر من عبارة النهاية (1) بوجوه سياقية واعتبارات خارجية
وصرح به في باب أن المواقعة بعد الرجعة شرط لمريد الطلاق للعدة، وهو أن
يطلقها بعد الرجوع من غير وقاع، ويقابله طلاق العدة، وهو ما يكون بعد
الرجعة والمواقعة، وبإرادته هنا ذلك صرح جماعة.
وعليه اندفعت المناقشات السابقة إلا النقض بالموثقة الأولة من حيث
توهم التصريح فيها بجواز الطلاق لغير العدة، ويدفعه فساد التوهم، لعدم
التصريح فيها إلا بوقوع الطلقات في يوم واحد وهو غير ملازم لعدم المواقعة
بعد كل رجعة إلا على تقدير اشتراط طهر غير طهر المواقعة، وهو مع مخالفته
لإجماع الطائفة مدفوع بالنصوص المستفيضة المتقدمة.
وحينئذ فلا مانع من وقوع الطلقات الثلاث للعدة بوقوع المواقعة بعد كل
رجعة، ولا استحالة في وقوعه في يوم أو ليلة حتى يدعى لأجلها الصراحة.

(1) النهاية 2: 442.
88

نعم هو خلاف الظاهر، لكنه غير الصراحة، ولا بأس بارتكابه إذا اقتضاه
الجمع بين الأدلة.
وأما ما يقال عليه أيضا: من عدم التمامية لدلالة بعض الروايات باشتراط
طلاق العدة ثانيا بوقوعه بعد شهر من حين المواقعة وهو لا يلائم إطلاق
القول بجوازها، فمدفوع بأنه كذلك لولا الموثقة المتقدمة المصرحة بجواز وقوع
الطلقات الثلاث في يوم واحد، وهي مع أوضحيتها سندا من الرواية السابقة
مصرحة بعدم اعتبار تلك المدة، فليحمل اعتبارها فيها على الفضيلة، والموثقة
وإن لم تصرح بكون الطلاق للعدة إلا أنه مقتضى الجمع بين الأدلة، فتكون
كالنص في العدة.
وبالجملة المناقشة في هذا الجمع بأمثال ما ذكر غير واضحة.
والأولى الجواب عنه بما قدمناه من المناقشة. ومع ذلك فقول النهاية ليس
بذلك البعيد، لابتناء ما قدمناه من المناقشة على عدم ظهور المقيد للموثقات
المجوزة لضعف الخبرين عن الدلالة والمقاومة لها، إلا أن هنا رواية معتبرة
لراوي تلك الموثقات بعينه ظاهرة الدلالة في ذلك، ستأتي إليها الإشارة في
المسألة الآتية في الطلقات الثلاث في الطهر الواحد مع الرجعة من دون مواقعة.
فقوله لا يخلو عن قوة، والاحتياط لا يترك البتة.
وللإسكافي (1) في الثاني، فمنع عنه إلا بعد شهر، لما مضى من الخبر.
وهو مجاب بما مر.
وحمله على الاستحباب أو شدة الكراهة بدون الشهر أظهر، كما عليه كافة
من تأخر.
* (الثالثة: يصح أن يطلق ثانية في الطهر الذي طلق فيه وراجع فيه

(1) كما في المختلف: ج 7 ص 362.
89

ولم يطأ) * وكذا في غير ذلك الطهر على الأظهر الأشهر، بل لعله عليه عامة من تأخر،
لعموم الكتاب والسنة بجواز طلاق الزوجة التي منها هذه المطلقة، لحصول
الزوجية بمجرد الرجعة ولو من دون مواقعة بإجماع الطائفة، مضافا إلى الأدلة
الآتية، وللموثق في الأول: رجل طلق امرأته ثم راجعها بشهود ثم طلقها ثم
بدا له فراجعها بشهود تبين منه، قال: نعم، قلت: كل ذلك في طهر واحد، قال:
تبين منه، قلت: فإنه فعل ذلك بامرأة حامل أتبين منه؟ قال: ليس هذا مثل
هذا (1).
وهو بالفحوى يدل على الثاني أيضا، مضافا إلى المعتبرة فيه بالخصوص.
منها الصحيحان:
في أحدهما: عن رجل طلق امرأته وأشهد على الرجعة ولم يجامع ثم طلق
في طهر آخر على السنة أتثبت التطليقة الثانية من غير جماع؟ قال: نعم إذا هو
أشهد على الرجعة ولم يجامع كانت التطليقة الثانية ثابتة (2). ونحوه الثاني (3)،
والحسن (4).
خلافا للعماني (5) فاشترط في الطلاق بعد المراجعة الوقاع، للمستفيضة:
ففي الصحيح: في الرجل يطلق امرأته أله أن يراجع؟ قال: لا يطلقن
التطليقة الأخرى حتى يمسها (6).
وفيه: كل طلاق لا يكون على السنة أو على العدة فليس بشئ (7).
وجه الدلالة عدم دخول الطلاق في العدة من دون وقاع في شئ من

(1) الوسائل 15: 379، الباب 19 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه الحديث 5.
(2) المصدر السابق: 15: 378 الحديث 1.
(3) المصدر السابق: الحديث 2.
(4) المصدر السابق: الحديث 4.
(5) كما في كشف الرموز 2: 219.
(6) الوسائل 15: 376، الباب 17 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه الحديث 2.
(7) المصدر السابق: 344، الباب 1 الحديث 1.
90

الأمرين، لتفسيرهما فيه بما قدمناه.
وفي الموثق: عن رجل يطلق امرأته في طهر من غير جماع ثم راجعها من
يومه ذلك ثم يطلقها أتبين منه بثلاث طلقات في طهر واحد؟ فقال: خالف
السنة، قلت: فليس ينبغي له إذا هو راجعها أن يطلقها إلا في طهر آخر، قال:
نعم، قلت: حتى يجامع، قال: نعم (1).
وفي الخبر: لا يقع الطلاق الثاني حتى يراجع ويجامع (2).
وفي آخر: المراجعة هي الجماع، وإلا فإنما هي واحدة (3).
وجه الدلالة يظهر من ذيل الرواية المعرب عن أن المراد من المراجعة التي
حصرت في المجامعة المراجعة الخاصة التي يتعقبها التطليقة الثانية لا مطلق
المراجعة حتى يرد على نفيه المناقشة بمخالفة الإجماع والأدلة.
وكيف كان، فالجواب عنها أجمع بالقصور عن المقاومة، لما مر من حيث
اعتضاده بعمومي الكتاب والسنة، والشهرة العظيمة، مع صراحة الدلالة.
وليس شئ منها في المستفيضة، ولا ما يقابلها عدا الاستفاضة خاصة
وليست تقاوم شيئا من المرجحات المذكورة البتة. فلتحمل على الاستحباب
والأفضلية وربما أومأت إليه الموثقة المتقدمة. ولا ينافيه الأخبار المصرحة
بعدم الوقوع، أو أنه ليس بشئ، لقصور سند بعضها، وقبوله مع الباقي حمل
المنفي وقوعه وشيئيته على الفرد الكامل، كما في: لا صلاة لجار المسجد إلا في
المسجد (4).

(1) المصدر السابق: 377، الباب 17 الحديث 3.
(2) الوسائل 15: 377، الباب 17 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه الحديث 5.
(3) المصدر السابق: الحديث 1.
(4) الوسائل 3: 478، الباب 2 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1.
91

وأما الجواب عن الأخبار الناهية بأن غايتها ثبوت الحرمة لا البطلان
الذي هو مفروض المسألة - لأن المنهي عنه ليس بعبادة - فليس في محله، لعدم
القائل بالفرق بين الحكمين، فمن قال: بالحرمة أثبت البطلان، ومن قال: بعدمه
قال: بنفي الحرمة.
وربما أجيب عنها بمحامل أخر يجمع بينها وبين ما مضى.
منها: ما فعله الشيخ (1)، فحمل هذه على العدي، للخبر: الذي يطلق ثم
يراجع ثم يطلق فلا يكون بين الطلاق والطلاق جماع، فتلك تحل له قبل أن
تتزوج غيره، والتي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره هي التي تجامع فيما بين
الطلاق والطلاق (2). وفي الحسن: عن الطلاق الذي لا تحل له حتى تنكح
زوجا غيره، فقال: أخبرك بما صنعت أنا بامرأة كانت عندي فذكر أنه طلقها
للعدة ثلاثا مع المواقعة في كل رجعة (3).
وفيهما مع قصور سندهما سيما الأول مخالفة لما اتفقوا عليه.
ومنها: ما فعله بعض الأصحاب فحمل هذه على ما إذا كان غرضه من
الرجعة الطلاق، لحصول البينونة، وتلك على ما إذا كان الغرض أن تكون في
حبالته ثم بدا له أن يطلقها (4). قيل: وله شواهد من النصوص (5). وفيه مع
مخالفته الإجماع نظر، فإن من النصوص المانعة الصحيح، وهو طويل. وفيه:
فإن طلقها على طهر ثم راجعها فانتظر بها الطهر من غير مواقعة فحاضت
وطهرت ثم طلقها قبل أن يدنسها بمواقعة بعد الرجعة لم يكن طلاقه لها طلاقا،

(1) التهذيب 8: 45، ذيل الحديث 138.
(2) الوسائل 15: 379، الباب 19 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه الحديث 3.
(3) المصدر السابق: 358، الباب 4 الحديث 3.
(4) مفاتيح الشرائع 2: 320، مفتاح 784.
(5) انظر الوافي 23: 1046، ذيل الحديث 10.
92

لأنه طلقها التطليقة الثانية في طهر الأولى، ولا ينقضي الطهر إلا بمواقعة
بعد الرجعة (1)، الخبر.
وهو كما ترى صريح في العموم للصورتين من حيث عموم التعليل،
وهو مناف للتعليل الذي بني عليه المنع في الجمع.
ولا ينافي الحمل على الاستحباب. فتدبر.
وبالجملة الأصح الوقوع في المقامين * (لكن لا يقع للعدة) * لاشتراطها
بالمواقعة بإجماع الطائفة والمعتبرة.
* (الرابعة: لو طلق) * حال كونه * (غائبا) * بائنا أو رجعيا * (ثم حضر
ودخل بها) * بعد البينونة * (ثم ادعى الطلاق لم يقبل دعواه) * فيما يتعلق بحق
الزوجة خاصة دون حقه، لأن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز * (ولا بينته) *
التي أقامها بنفسه دون غيره فتقبل في الثاني لو ورخت بما ينافي فعله، ويحكم
عليه بالفرقة في مفروض المسألة وهو الدخول بعد البينونة، وإلا فيعد فعله
رجعة * (و) * يتفرع على عدم قبول قوله وبينته أنه * (لو أولدها لحق به) *.
والأصل في المسألة رواية - في سندها جهالة، إلا أنها مجبورة بعمل
الجماعة من غير خلاف بينهم أجده مع ما في المجهول، وهو إسماعيل بن مرار
من قوة -: عن رجل طلق امرأته وهو غائب وأشهد على طلاقها ثم قدم فقام
مع المرأة أشهرا ولم يعلمها بطلاقها ثم إن المرأة ادعت الحبل فقال الرجل: قد
طلقتك وأشهدت على طلاقك، قال: يلزمه الولد، ولا يقبل قوله (2).
وليس فيها عدم قبول البينة، لكنه مأخوذ من الإطلاق والقاعدة،
وهي أنها بفعله مكذوبة. وهو حسن إن لم يظهر لفعله تأويلا كنسيان أو

(1) الوسائل 15: 349، الباب 2 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه الحديث 2.
(2) الوسائل 15: 374، الباب 15 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه الحديث 4.
93

جهالة، وإلا فلا وجه له بالمرة، مع عموم ما دل على لزوم قبول البينة.
* (الخامسة: إذا طلق الغائب) * زوجته * (وأراد العقد على أختها أو على
خامسة) * واحتمل حمل المطلقة * (تربص تسعة أشهر) * من حين الطلاق على
المفهوم من العبارة هنا وكلام جماعة، وبه صرح بعض الأجلة (1)، إلا أن
التعليل هنا وفي كلام جماعة بكونه * (احتياطا) * عن احتمال الحمل ربما أشعر
بكون مبدأ التسعة من حين المواقعة، وقد صرح بإفادة التعليل ذلك بعض
الأجلة.
إلا أن الأحوط الأول، عملا بظاهر الصحيحة التي هي المستند لإثبات
الحكم في المسألة: في رجل له أربع نسوة طلق واحدة منهن وهو غائب
عنهن متى يجوز له أن يتزوج؟ قال: بعد تسعة أشهر، وفيها أجلان فساد
الحيض وفساد الحمل (2).
إلا أن التعليل ربما أشعر بالثاني، ويكون الحكم في المسترابة بالحمل
خاصة، ولذا قيد به العبارة تبعا للجماعة، والتفاتا فيما عداها إلى عموم
المستفيضة القائلة: أن عدتها ثلاثة أقراء، أو أشهر ثلاثة (3)، مضافا إلى
خصوص الصحيحة: إذا طلق الرجل امرأته وهو غائب فليشهد عند ذلك،
فإذا مضى ثلاثة أقراء فقد انقضى عدتها (4).
وهي وإن كانت مطلقة إلا أنها كما عداها من المستفيضة محمولة على غير
المسترابة بالحمل، جمعا بينها وبين الصحيحة المتقدمة، إما لظهورها فيها كما

(1) انظر نهاية المرام 2: 60.
(2) الوسائل 15: 479، الباب 47 من أبواب العدد الحديث 1.
(3) المصدر السابق: 410، الباب 4.
(4) المصدر السابق: 443، الباب 26 الحديث 1.
94

يستشعر به من التعليل في ذيلها، أو لحمل إطلاقها عليها، جمعا بين الإطلاقين،
التفاتا إلى النصوص المفصلة في البين، كالموثق وغيره (1).
ومن هنا ينقدح الوجه في تعميم الماتن الحكم لما عدا مورد الرواية وهو
التزويج بالأخت، وأنه كالتزويج بالخامسة، لظهور أن العلة في الأمر بالصبر
إلى انقضاء التسعة إنما هو الاسترابة بالحبل كما أفصح عنها التعليل في الرواية،
وظهرت من النصوص المفصلة، فلا يضر اختصاص المورد بالتزويج
بالخامسة.
فعدم الفرق أقوى، وفاقا لأكثر أصحابنا.
خلافا للحلي (2) فخص الحكم بالمورد، لوجوه بما ذكرناه مدفوعة.
ثم هنا قول باعتبار السنة دون التسعة لقواعد العلامة (3)، إما لكونها
أقصى مدة الحمل، أو للأمر بها في أخبار المسترابة.
وفيهما نظر، مع كونهما اجتهادا في مقابلة صريح النص المعتبر الذي عليه
عمل أكثر الأصحاب قد استقر.
* * *

(1) انظر الوسائل 15: 442، الباب 25 من أبواب العدد.
(2) السرائر 2: 692.
(3) القواعد 2: 65 س 20.
95

* (النظر الثالث) *
* (في اللواحق) *
* (وفيه مقاصد) * أربعة:
* (الأول) *
* (يكره الطلاق للمريض) * على الأشهر، بل كاد أن يكون إجماعا بين من
تأخر، للنهي عنه في المعتبرة المستفيضة:
منها الصحيح: ليس للمريض أن يطلق وله أن يتزوج (1).
وحملت على الكراهة، للجمع بينها وبين ما دل على الوقوع من المعتبرة
الأخر المستفيضة الآتية.
وفيه نظر، فإن الوقوع لا ينافي الحرمة في نحو المسألة، من حيث أنها
ليست بعبادة.
نعم في الصحيح: عن الرجل يحضره الموت فيطلق امرأته هل يجوز
طلاقها؟ قال: نعم، وإن مات ورثته، وإن ماتت لم يرثها (2).
وهو كما ترى ظاهر في الجواز، إلا أن القائل حمله على أن المراد به الوقوع

(1) الوسائل 15: 383، الباب 21 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه الحديث 1.
(2) الوسائل 15: 385، الباب 22 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه الحديث 2.
96

لا نفي التحريم، لكنه بعيد، وهو مع الشهرة العظيمة وأصالة الإباحة لعله كاف
في نفي الحرمة، إلا أن الأحوط المصير إليها، وفاقا للمقنعة (1).
* (و) * لكن * (يقع لو طلق) * والحال هذه إجماعا حتى من القائل بها لما مر،
ويأتي إليه الإشارة من المستفيضة.
* (ويرث زوجته في العدة الرجعية) * إجماعا، كما حكاه جماعة. وهو الحجة
فيه، كعموم المستفيضة:
ففي الصحيح: أيما امرأة طلقت ثم توفي عنها زوجها قبل أن تنقضي
عدتها ولم تحرم عليه فإنها ترثه وتعتد عدة المتوفى عنها زوجها، وإن توفيت
وهي في عدتها ولم تحرم عليه فإنه يرثها، الخبر (2).
وفيه: إذا طلق الرجل امرأته توارثا ما كانت في العدة، فإذا طلقها التطليقة
الثالثة فليس له عليها رجعة، ولا ميراث بينهما (3).
وفي الموثق: عن الرجل يطلق المرأة، قال: ترثه ويرثها ما دام له عليها
رجعة (4).
وفي الخبر: في رجل طلق امرأته ثم توفي عنها وهي في عدتها أنها ترثه وتعتد
عدة المتوفى عنها زوجها، وإن توفيت وهي في عدتها فإنه يرثها، الحديث (5).
وهي كما ترى عامة، سيما الأول والأخير، ولا ينافيها ما تقدم من الصحيح
النافي إرثه منها مطلقا وإن كان نصا في المريض، لاحتماله الحمل على الطلاق
البائن.

(1) المقنعة: 672.
(2) الوسائل 17: 531، الباب 13 من أبواب ميراث الأزواج الحديث 8، وفيه اختلاف يسير.
(3) المصدر السابق: الحديث 10.
(4) الوسائل 17: 530، الباب 13 من أبواب ميراث الأزواج الحديث 4.
(5) الوسائل 15: 465، الباب 36 من أبواب العدد الحديث 7.
97

ولا ينافيه الحكم فيه باستيراث الزوجة فيه، لما ستقف عليه من اتفاق
النص والفتوى بذلك.
وعلى نفي الاستيراث بعد انقضاء العدة صرح به شيخ الطائفة (1). ولا
بأس به كالسابق، جمعا بين الأدلة ولو لم يكن عليه شاهد ولا قرينة، بل ومع
فرض الصراحة لا تضرنا الرواية، لكونها على هذا التقدير شاذة، لا يترك
لأجلها عموم المعتبرة المتقدمة المعتضدة بالشهرة العظيمة والإجماعات
المحكية، وأصالة بقاء عصمة الزوجية، الموجبة لتوارث الزوجين أحدهما من
الآخر بالبديهة.
ثم إن ظاهر العبارة كعموم المعتبرة المستفيضة المتقدمة عدا الأخيرة
اختصاص الحكم بإرثه منها بكونها في العدة الرجعية، وهو الأظهر الأشهر
بين الطائفة، بل عليه الإجماع عن الخلاف (2)، وأشعر به أيضا عبارة بعض
الأجلة (3).
خلافا للنهاية (4) وجماعة فأثبتوا الإرث له في العدة البائنة كالرجعية،
لعموم الرواية الأخيرة من المستفيضة، وتخص بما تقدمها من المعتبرة، ولعموم
خصوص الخبرين:
في أحدهما: عن رجل طلق امرأته آخر طلاقها، قال: نعم يتوارثان
في العدة (5).
وفي الثاني: المطلقة ثلاثا ترث وتورث ما دامت في عدتها (6).

(1) المبسوط 5: 68.
(2) الخلاف 4: 484، المسألة 54.
(3) نهاية المرام 2: 63.
(4) النهاية 2: 424.
(5) الوسائل 15: 388، الباب 22 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه الحديث 12.
(6) المصدر السابق: الحديث 13.
98

وهما مع قصور السند والنهوض لمقاومة ما مر ليسا نصين في المريض،
وإطلاقهما مخالف للإجماع، وإخراجهما عن المخالفة بالتقييد بالمريض يحتاج إلى
دلالة هي في المقام مفقودة، ومع ذلك ليسا نصين في طلاق البينونة، لاحتمال
آخر الطلاق في الأول الآخر المتحقق منه في الخارج، ويجامع أول الطلقات
والثاني، ولا ينحصر في الثالث، فيقبل الحمل على الأولين، والمطلقة ثلاثا
في الثاني المطلقة كذلك مرسلة، وقد مر أنها تقع واحدة، فيرجع عدة الطلاقين
في الروايتين إلى الرجعية فتلائمان بذلك المعتبرة المتقدمة.
وبالجملة لا وجه لهذا القول بالمرة.
* (وترثه هي) * أي الزوجة في العدة وبعدها * (ولو كان الطلاق بائنا) * لكن
* (إلى سنة) * خاصة، فلا ترث بعدها ولو لحظة بلا خلاف في ذلك، بل ادعى
عليه الإجماع جماعة، والأصل فيه المعتبرة المستفيضة:
منها الصحيح: عن رجل طلق امرأته وهو مريض، قال: ترثه في مرضه ما
بينه وبين سنة إن مات في مرضه ذلك، الخبر. وفي آخره: وإن مات بعد ما
يمضي سنة لم يكن لها ميراث (1).
والموثق: رجل طلق امرأته وهو مريض تطليقة وقد كان طلقها قبل ذلك
تطليقتين، قال: فإنها ترثه إذا كان في مرضه، قال: قلت: وما حد المرض؟ قال:
لا يزال مريضا حتى يموت وإن طال ذلك إلى سنة (2).
وهما كغيرهما وإن عما صورتي تزويج المرأة بعد العدة بغيره وعدمه إلا
أنه ينبغي تقييدهما ب‍ * (ما إذا لم تتزوج) * فلو تزوجت حرمت الميراث،
للإجماع المحكي المتقدم، والمعتبرة:

(1) الوسائل 15: 387، الباب 22 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه الحديث 11.
(2) المصدر السابق: الحديث 8.
99

منها المرسل كالصحيح: في رجل طلق امرأته وهو مريض، قال: إن مات
في مرضه ولم تتزوج ورثته، وإن كانت تزوجت فقد رضيت بالذي صنع
لا ميراث لها (1). ونحوه غيره (2).
وهذه النصوص متفقة الدلالة كفتوى الجماعة على تقييد الحكم بقيد آخر،
وهو المشار إليه في العبارة بقوله: * (أو يبرأ من مرضه ذلك) * فلو برئ منه
ومات بمرض غيره قبل مضي السنة حرمت الميراث ولو لم تتزوج بغيره.
ثم إن إطلاق النصوص كالعبارة يقتضي عموم الحكم مع الشرطين
لصورتي الطلاق بقصد الإضرار وعدمه، وهو الأظهر الأشهر بين الطائفة، بل
ربما أشعر عبارة الخلاف (3) والمبسوط (4) بإجماعهم عليه. وهو الحجة فيه،
مضافا إلى إطلاق الأدلة المعتضدة بالشهرة العظيمة.
خلافا للفقيه (5) والاستبصار (6) والمختلف (7) وجماعة، فخصوه بالأولى،
حملا للإطلاق عليها، نظرا إلى الغلبة، والتفاتا إلى خصوص الموثقة: عن رجل
طلق امرأته وهو مريض، قال: ترثه ما دامت في عدتها وإن طلقها في حال
إضرار فهي ترثه إلى سنة فإن زاد على السنة يوم واحد لم ترثه (8).
ولا يخلو عن قوة، ويعضده الرواية: لا ترث المختلعة والمباراة والمستأمرة
في طلاقها من الزوج شيئا إذا كان ذلك منهن في مرض الزوج وإن مات في
مرضه، لأن العصمة قد انقطعت منهن ومنه (9). فتأمل.

(1) المصدر السابق: الحديث 6.
(2) المصدر السابق: الحديث 5.
(3) الخلاف 4: 486، المسألة 55.
(4) المبسوط 5: 69.
(5) الفقيه 3: 546، الحديث 4881.
(6) الاستبصار 3: 306، ذيل الحديث 1089.
(7) المختلف: ج 7 ص 338.
(8) الوسائل 15: 385، الباب 22 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه الحديث 4.
(9) الوسائل 15: 496، الباب 5 من أبواب الخلع والمباراة الحديث 4.
100

إلا أن الخروج عن الإطلاقات المعتضدة بالشهرة وحكاية الإجماع
المتقدمة مشكل، سيما مع احتمال العموم في أكثر النصوص، لترك الاستفصال
المفيد له عند الفحول، وليس كالمطلق يقبل الحمل على الغالب.
فالاحتياط لا يترك مع الإمكان، وإلا فالعمل على المشهور.
* (المقصد الثاني في المحلل) *
* (ويعتبر فيه البلوغ) * فلا تحليل بالصغير إجماعا منا، كما حكاه جماعة،
وكذا المقارب للبلوغ المعبر عنه بالمراهق على الأظهر الأشهر، بل عليه كافة
من تأخر إلا من ندر، للأصل، وصريح الخبر (1)، وضعفه بالشهرة منجبر،
وبظواهر أخبار العسيلة (2) معتضد.
خلافا للإسكافي (3) وأحد قولي الطوسي (4) لإطلاق الزوج في الآية (5).
ويضعف بعدم التبادر أولا، وظهور * (فإن طلقها) * في الذيل في غيره ثانيا،
وبتقييده بما مر من الخبر ثالثا.
* (والوطء) * فلا تحليل بمجرد العقد إجماعا من العلماء إلا سعيد بن
المسيب (6)، للأصل، والنبوي المشهور من الجانبين لا حتى تذوقي عسيلته
ويذوق عسيلتك (7)، وهي لذة الجماع أو الإنزال، وليسا بدون الدخول قطعا.
ويشترط أن يكون * (في القبل) * لظاهر الخبر (8)، ولأنه المعهود، وأن
يكون موجبا للغسل.
وحده غيبوبة الحشفة، لأن ذلك مناط أحكام الوطء، وظاهرهم الاتفاق

(1) الوسائل 15: 367، الباب 8 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه الحديث 1.
(2) المصدر السابق: 366، الباب 7.
(3) كما في المختلف: ج 7 ص 387.
(4) المبسوط 5: 110.
(5) البقرة: 230.
(6) كما نقله عنه في المبسوط 5: 109.
(7) سنن البيهقي 7: 374.
(8) الوسائل 15: 366، الباب 7 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ذيل الحديث 1.
101

على الاكتفاء به. وهو الحجة فيه إن تم، وإلا فهو محل نظر، للأصل، وظاهر
الخبر (1) المشترط لذوق العسيلة، الغير الحاصلة بمجرد غيبوبة الحشفة ظاهرا
إن فسرت بلذة الجماع، وقطعا إن فسرت بالإنزال، لعدم حصوله بذلك غالبا.
وأن يكون * (بالعقد الصحيح) * فلا عبرة بالوطء المجرد عنه مطلقا، حراما
كان، أو شبهة، أو المشتمل على الفاسد منه، لأنه كالعدم، والأصل فيه بعد
الإجماع الأصل، وظاهر قوله U: " زوجا " (2) الغير الصادق على مثل ذلك.
ومنه يظهر عدم التحليل بالوطء بالملك أو التحليل، إما لعدم العقد،
أو لعدم صدق الزوج على الواطئ بهما، مضافا إلى الخبرين في الأول:
في أحدهما: عن رجل زوج عبده أمته ثم طلقها تطليقتين أيراجعها إن
أراد مولاها؟ قال: لا، قلت: أفرأيت أن يطأها مولاها أيحل للعبد أن
يراجعها؟ قال: لا، حتى تزوج زوجا غيره ويدخل بها فيكون نكاحا مثل
نكاح الأول (3)، الخبر. ونحوه الثاني (4).
وحيث إن الزوج حقيقة في الدائم دون المتمتع أو يتبادر منه خاصة دونه
انقدح وجه تقييد العقد ب‍ * (الدائم) * مضافا إلى إشعار ذيل الآية (5) بذلك، مع
أنه نص المعتبرة المستفيضة:
منها الصحيح: عن رجل طلق امرأته ثلاثا ثم تمتع منها رجل آخر
هل تحل للأول؟ قال: لا (6). ونحوه الموثق (7)، وغيره (8).
وفيهما زيادة على ما مر " حتى تدخل فيما خرجت منه " ومن الزيادة يظهر

(1) المصدر السابق: الحديث 3.
(2) البقرة: 230.
(3) الوسائل 15: 397، الباب 27 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه الحديث 2.
(4) المصدر السابق: الحديث 3.
(5) البقرة: 230.
(6) الوسائل 15: 368، الباب 9 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه الحديث 2.
(7) المصدر السابق: الحديث 3.
(8) المصدر السابق: الحديث 5.
102

عدم التحليل بالتحليل وملك اليمين.
ثم إن إطلاق النص والفتوى يشملان العبد أيضا، مضافا إلى خصوص
بعض الأخبار: عن رجل طلق امرأته طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا
غيره فتزوجها عبد ثم طلقها هل يهدم الطلاق؟ قال: نعم، لقول الله عز وجل
في كتابه: " حتى تنكح زوجا غيره "، وهو أحد الأزواج (1).
وحينئذ يسهل الخطب في تحصيل المحلل إن خيف عدم طلاقه أو إبطاؤه
به فيحتال بتزويجها من العبد ثم نقله إلى ملكها، فإنه كطلاقها.
* (وهل يهدم) * المحلل بشرائطه * (ما دون الثلاث) * فيكون معه كالعدم أم
لا، بل يحتسب من الثلاث بأن كان واحدا كانت عنده على ثنتين، وإن كان
اثنتين كانت عنده على واحدة * (فيه روايتان أشهرهما أنه يهدم) * بل ربما
أشعر كثير من العبارات بالإجماع عليه.
ففي الموثق: عن رجل طلق امرأته حتى بانت منه وانقضت عدتها ثم
تزوجت زوجا آخر فطلقها أيضا ثم تزوجت زوجها الأول أيهدم ذلك
الطلاق الأول؟ قال: نعم (2). ونحوه خبران آخران (3).
وفي رابع: طلق امرأته تطليقة واحدة فتبين منه ثم تزوجها آخر فطلقها
على السنة ثم تزوجها الأول على كم هي عنده؟ قال: على غير شئ، ثم قال:
يا رفاعة كيف إذا طلقها ثلاثا ثم تزوجها ثانية استقبل الطلاق، وإن طلقها
واحدة كانت على ثنتين (4).
وقصور هذه النصوص بالشهرة مجبور، ومع ذلك مطابق لمقتضى الأصل،

(1) المصدر السابق: 370، الباب 12 الحديث 1.
(2) الوسائل 15: 363، الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه الحديث 1.
(3) المصدر السابق: ح 2 و 3.
(4) المصدر السابق: 363، الباب 6 الحديث 4.
103

ولزوم الاقتصار في الثلاث المحرم على المتيقن المتبادر من النص الدال عليه
وهو الثلاث التي لم يتخللها المحلل، ومع ذلك مخالف لما عليه أكثر العامة،
كما حكاه بعض الأجلة وإن حكي الهدم عن أبي حنيفة وجماعة (1)، لرجحان
الكثرة على القلة، مع التأيد بصريح بعض المعتبرة (2) بوجود المجمع على
تصحيح رواياته في سنده من حيث الدلالة على كون الهدم مذهب علي (عليه السلام)،
وعدمه مذهب عمر.
وأما ما دل على كون الثاني مذهب علي (عليه السلام) فغير ظاهر المنافاة، لضعف
السند أولا، واحتمال التقية في النسبة ثانيا، وليس فيه أن مذهب عمر الهدم.
وأما الرواية الثانية فهي الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
منها الصحيح: عن رجل طلق امرأته تطليقة واحدة ثم تركها حتى مضت
عدتها فتزوجت زوجا غيره ثم مات الرجل أو طلقها فراجعها زوجها الأول،
قال: هي عنده على تطليقتين (3).
إلا أنها متروكة كما هو الظاهر من جماعة، وصرح به بعض الأجلة (4)،
ومع ذلك فلا يعرف بها قائل من الطائفة وإن نسب إلى قيل (5)، وكل ذلك
أمارة الشذوذ، ورجحان الأخبار الأولة.
* (ولو ادعت أنها تزوجت) * المحلل * (و) * أنه * (دخل) * بها * (وطلق
فالمروي) * صحيحا (6) * (القبول إذا كانت ثقة) * إلا أن المشهور القبول مع
الإمكان مطلقا. وحمل الرواية على الاستحباب، تمسكا بعموم المعتبرة المجوزة

(1) الحاكي هو الحدائق 25: 340.
(2) الوسائل 15: 363، الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه الحديث 3.
(3) الوسائل 15: 364، الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه الحديث 6.
(4) انظر نهاية المرام 2: 68 و 69.
(5) قاله في كفاية الأحكام: 203 س 9.
(6) الوسائل 15: 370، الباب 11 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه الحديث 1.
104

للتزويج بمن لا يعلم حالها، معللة بأنها هي المصدقة على نفسها كما في
بعض (1)، وإنما عليك أن تصدقها في نفسها (2) كما في آخر، المؤيد بأنها
أخبرت عن أمر ممكن متعلق بها من غير منازع.
والمستفاد من كلمة الأصحاب وكذا الأخبار القبول مطلقا في نحو ذلك.
ففي الخبر: عشرة كانوا جلوسا وفي وسطهم كيس فيه ألف درهم فسأل
بعضهم بعضا ألكم هذا الكيس؟ فقالوا كلهم: لا وقال واحد منهم: هو لي
فلمن هو؟ قال: للذي ادعاه (3).
مع أن عدم القبول ربما أوجب العسر والحرج المنفيين آية (4) ورواية (5).
وإلى هذا التعليل يشير بعض الأخبار: أرأيت لو سألها البينة كان يجد من
يشهد أن ليس لها زوج (6). وربما يؤيده النهي عن السؤال بعد التزويج بلا
سؤال مع التهمة في كثير من النصوص.
ومن هنا ينقدح عموم الحكم وانسحابه في كل امرأة كانت مزوجة
وأخبرت بموته وفراقه وانقضاء العدة في وقت محتمل. ولا فرق بين أن تعين
الزوج وعدمه، ولا بين استعلامه وعدمه وإن كان طريق الورع غير خفي
بالسؤال المعلوم، والتوقف مع ظن كذبها. قيل: والمراد بالثقة من تسكن النفس
إلى خبرها وإن لم تكن متصفة بالعدالة المعتبرة في الشهادة (7).

(1) الوسائل 14: 456، الباب 10 من أبواب المتعة الحديث 1.
(2) الكافي 5: 462، الحديث 1.
(3) الوسائل 18: 200، الباب 17 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى الحديث 1.
(4) الحج: 78.
(5) الوسائل 1: 327، الباب 39 من أبواب الوضوء الحديث 5.
(6) الوسائل 14: 457، الباب 10 من أبواب المتعة الحديث 5.
(7) قاله السيد العاملي في نهاية المرام 2: 70.
105

* (المقصد الثالث في الرجعة) *
بالكسر والفتح، والثاني أفصح، وهي لغة المرة من الرجوع، وشرعا رد
المرأة إلى النكاح السابق من غير طلاق بائن في العدة، وفسرت به أيضا في
القاموس (1) والصحاح (2). والأصل في شرعيتها الكتاب (3)، والسنة (4)،
وإجماع العلماء حكاه جماعة من أصحابنا.
* (وتصح) * بكل ما دل على قصد الرجوع في النكاح بلا خلاف بين العلماء
إذا كان * (نطقا، كقوله: راجعت) * ورجعت وارتجعت متصلا بضميرها فتقول:
راجعتك، وارتجعتك ورجعتك، وهذه، الثلاثة صريحة غير محتاجة في بيان نية
الرجعة إلى ضميمة ولو مثل " إلي " أو " إلى نكاحي " بلا خلاف، إلا أنه ينبغي
إضافتهما، واستحب كما قيل، وبها تصير أصرح.
وفي معناها رددتك وأمسكتك، لورودهما في القرآن في قوله تعالى:
" وبعولتهن أحق بردهن..... فامساك بمعروف " (5)، فلا يحتاج إلى نية الرجعة
أي قرينة معربة عنها كما هو الشأن في الألفاظ الغير الصريحة. وقيل: يفتقر
إليها فيهما، لاحتمالهما غيرها كالإمساك باليد أو في البيت ونحوه (6)، وهو حسن.
* (و) * ظاهر بيننا إذا كان * (فعلا كالوطء والقبلة واللمس بشهوة) * مع
قصد الرجعة. فلا عبرة بها سهوا وغفلة، أو مع قصد عدم الرجعة، أو لا معه
مع عدم قصد الرجعة، فإن ذلك لا يفيد الرجوع وإن فعل حراما في غير
الأول، لانفساخ النكاح بالطلاق وإن كان رجعيا، ولولا ذلك لم تبن بانقضاء

(1) القاموس المحيط 3: 28.
(2) الصحاح 3: 1217.
(3) البقرة: 228.
(4) الوسائل 15: 348، الباب 2 من أبواب أقسام الطلاق.
(5) البقرة: 228 و 229.
(6) أورده بعينه في الروضة 6: 49، ثم قال: وهو حسن.
106

العدة، إلا أنه لا حد عليه وإن استحق التعزير، إلا مع الجهل بالتحريم.
والأصل في حصول الرجعة بها - بعد الإجماع والاندراج في العمومات،
فإن المعتبر معنى الرجعة لا لفظها - ما ورد في معتبر الأخبار: الصحيح إلى
المجمع على تصحيح رواياته، الغير الضائر قصور السند بعده، مع انجباره بعمل
الكل. وفيه: من غشى امرأته بعد انقضاء العدة جلد الحد، وإن غشيها قبل
انقضاء العدة كان غشيانه إياها رجعة (1).
وإطلاقه وإن شمل الخالي عن قصد الرجعة، إلا أن اللازم التقييد به، جمعا
بينه وبين ما دل على اعتباره من العقل والنقل.
نعم لا يبعد أخذه دليلا على كون الأصل في الفعل الرجعة، كالألفاظ
الصريحة.
فلا يسمع دعوى عدمها إلا مع البينة، فيرجع التقييد على هذا إلى التقييد
بعدم ظهور عدم قصد الرجعة، لا ظهور قصدها.
خلافا للروضة فقيده بقصد الرجوع لا بعدم قصد غيره (2). وهو حسن
لولا إطلاق النص المعتبر.
* (ولو أنكر الطلاق كان رجعة) * بلا خلاف، بل عليه الوفاق في
المسالك (3)، للصحيح: إن كان أنكر الطلاق قبل انقضاء العدة فإن إنكار
الطلاق رجعة لها، وإن كان إنكار الطلاق بعد انقضاء العدة فإن على الإمام أن
يفرق بينهما بعد شهادة الشهود (4)، ونحوه الرضوي (5)، ولدلالته على ارتفاعه
في الأزمنة الثلاثة ودلالة الرجعة على رفعه في غير الماضي، فيكون أقوى.

(1) الوسائل 18: 400، الباب 29 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
(2) الروضة 6: 50.
(3) المسالك 9: 187، وفيه: ظاهرهم الاتفاق.
(4) الوسائل 15: 372، الباب 14 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه الحديث 1.
(5) فقه الإمام الرضا (عليه السلام): 242.
107

ولا يقدح فيه كون الرجعة من توابع الطلاق فينتفي حيث ينتفي المتبوع،
لأن غايتها التزام ثبوت النكاح، والإنكار يدل عليه، فيحصل المطلوب منها
وإن أنكر سبب شرعيتها.
ثم إن إطلاق النص والفتوى يقتضي حصول الرجعة به مطلقا ولو مع
ظهور أن الباعث عليه عدم التفطن إلى وقوع المنكر. ولو ذكره لم يرجع.
وهو مشكل، للقطع بعدم قصد الرجعة حينئذ، وهو معتبر إجماعا.
وتنزيلهما على ذلك بعيد، لبعد شمولهما لمثل ذلك، وغايتها حينئذ إثبات
أصالة الرجعة في الإنكار، كما في الألفاظ الصريحة، إلا مع وجود الصارف عنها
كما فيها أيضا، ولا كذلك الإنكار في غير الطلاق مما يجوز الرجوع، فلا يحكم
به فيه بمجرده، لأعميته عنه، واحتماله ما ذكرنا من عدم التفطن إلى آخره.
* (ولا يجب في) * صحة * (الرجعة الإشهاد) * بلا خلاف، بل عليه إجماعنا
في عبائر جماعة. وهو الحجة فيه، كفحوى المعتبرة بعدمه في النكاح فهنا إلى
خصوص النصوص الآتية * (بل يستحب) * للمستفيضة:
ففي الصحيح: أن الطلاق لا يكون بغير شهود وأن الرجعة بغير شهود
رجعة، ولكن ليشهد بعد، فهو أفضل (1).
وفيه: الذي يراجع ولم يشهد، قال: يشهد أحب إلي، ولا أرى بالذي صنع
بأسا (2).
وفيه: إنما جعل الشهود لمكان الميراث (3).
وفي الرضوي: وإنما تكره الرجعة بغير شهود من جهة الحدود والمواريث
والسلطان (4).

(1) الوسائل 15: 371، الباب 13 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه الحديث 3.
(2) المصدر السابق: الحديث 2.
(3) المصدر السابق: الحديث 1.
(4) فقه الإمام الرضا (عليه السلام): 243.
108

* (ورجعة الأخرس بالإشارة) * المفهمة كسائر تصرفاته، على المشهور
بين الطائفة. خلافا للصدوقين (1) فبإلقاء القناع عنها عملا بضد ما هو أمارة
طلاقها، وهو وضعه عليها كما في الخبر (2). وهو شاذ ومستنده مزيف.
وفي قول الماتن * (وفي رواية يأخذ القناع) * عنها إشارة إلى وجود الرواية
بصريحها فيه ولو لم نقف عليها.
* (ولو ادعت) * المطلقة * (انقضاء العدة في الزمان الممكن) * ويختلف أقله
باختلاف أنواع العدة، فهو من المعتدة بالأقراء ستة وعشرون يوما ولحظتان
في الحرة وثلاثة عشر يوما ولحظتان في الأمة، وقد يتفق نادرا انقضاؤها في
الحرة بثلاثة وعشرين يوما وثلاث لحظات، وفي الأمة بعشرة وثلاث لحظات
بأن يطلقها بعد الوضع - قبل رؤية دم النفاس بلحظة ثم تراه لحظة ثم تطهر
عشرة ثم تحيض ثلاثة ثم تطهر عشرة ثم ترى الحيض لحظة والنفاس معدود
بحيضة، ومنه يعلم حكم الأمة. ومن المعتدة بالوضع تاما ستة أشهر ولحظتين
من وقت النكاح لحظة للوطي ولحظة للولادة وسقطا مصورا مائة وعشرون
يوما ولحظتان ومضغة ثمانون يوما ولحظتان وعلقة أربعون كذلك كما في
المعتبرة المستفيضة.
منها الصحيح: تصل النطفة إلى الرحم فتردد فيه أربعين يوما ثم تصير
علقة أربعين يوما ثم تصير مضغة أربعين يوما (3)، الحديث. ونحوه الموثق (4)
وغيره بزيادة: " فإذا أكمل أربعة أشهر بعث الله تعالى ملكين خلاقين " (5)،

(1) كما في المختلف: ج 7 ص 374، والمقنع: 119.
(2) الوسائل 15: 300، الباب 19 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 3.
(3) الكافي 6: 13، الحديث 4.
(4) المصدر السابق: 16، الحديث 7.
(5) المصدر السابق: 13، الحديث 3.
109

الخبر. وفي معناها النبوي (1).
وقيل (2): في الثلاثة بالرجوع إلى الإمكان عادة، ولا ثمرة إلا مع ظهور
المخالفة.
وهي غير معلومة، وعلى تقدير تحققها فالأظهر العمل بالمعتبرة.
وكيف كان لو ادعت الانقضاء كذلك ولا منازع لها * (قبل) * دعواها من
دون يمين بلا خلاف يظهر فيه وفي دعوى الانقضاء بالأشهر، للصحيحين:
الحيض والعدة إلى النساء (3)، وزيد في أحدهما: " إذا ادعت صدقت ".
وإطلاقهما - ككلام أكثر الأصحاب - يقتضي عدم الفرق بين دعوى
المعتاد وغيره.
خلافا للمعة في الثاني، فلا يقبل إلا بشهادة أربع من النساء المطلعات على
أمرها (4). مسندا ذلك إلى ظاهر الروايات، ولم نقف عليها إلا على رواية (5)
هي مع قصور سندها غير صريحة في المدعى.
ولا ريب أن العمل بها أحوط، سيما مع التهمة. وكذا الحكم لو كان لها
منازع فيقبل قولها في انقضاء العدة بالحيض والوضع، لكن مع اليمين بلا
خلاف.
وأما بالأشهر فقد قطع جماعة من الأصحاب منهم الماتن في الشرائع (6)
بعدم قبول قولها وتقديم قول الزوج المنكر، لرجوع النزاع إلى الاختلاف
في وقت الطلاق، والأصل عدم تقدمه.

(1) سنن البيهقي 10: 266.
(2) انظر المسالك 9: 194 و 195.
(3) الوسائل 2: 596، الباب 47 من أبواب الحيض الحديث 1 و 2.
(4) اللمعة: 124.
(5) الوسائل 2: 596، الباب 47 من أبواب الحيض الحديث 3.
(6) الشرائع 3: 31.
110

ومنه يظهر الوجه في تقديم قولها مع اليمين هنا لو انعكس الفرض فادعت
البقاء لطلب النفقة مثلا. ولا ريب فيه، ويساعده إطلاق النص.
ويشكل في أصل الفرض، لما ذكر من الإطلاق الذي هو بالنظر إلى
الأصل المتقدم، كالخاص بالإضافة إلى العام، فالوجه تقديمه عليه لا العكس،
مع أنه لو تعين لانسحب الحكم هنا، وهو تقديم قول الزوج في الصورتين
الأوليين، وهما دعوى الانقضاء بالحيض أو بالوضع أيضا، فإن الأصل عدم
الانقضاء. والعمل بالإطلاق فيهما وتركه هنا لا أعرف وجهه أصلا.
وبالجملة فإن عمل بالأصل عمل به في المقامين، وإن عمل بإطلاق
الصحيحين فليكن كذلك. فالتفكيك لا وجه له في البين.
اللهم إلا أن يقال: بأن النزاع هنا حقيقة ليس في العدة ليقبل قولها وإن
توجه إليها في الظاهر، بل هو في زمان وقوع الطلاق، وليس مثله داخلا في
الإطلاق. فتدبر.
فظهر أن المراد بالأصل هنا ليس أصالة عدم الانقضاء، بل المراد به أصالة
عدم تقدم الطلاق. فلا وجه للنقض أصلا.
* (المقصد الرابع في العدد) *
جمع عدة، وقد عرفت بأنها اسم لمدة معلومة يتربص فيه المرأة لمعرفة
براءة رحمها، أو للتعبد، أو للتفجع على الزوج، وشرعت صيانة للأنساب
وتحصينا لها عن الاختلاف.
* (والنظر) * هنا * (في فصول) *:
* (الأول: لا عدة على من لم يدخل بها) * إجماعا من العلماء، كما حكاه
أصحابنا، وهو نص الآية: " ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن
111

من عدة تعتدونها " (1). والنصوص به مع ذلك مستفيضة:
منها الصحيح: إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فليس عليها عدة
تزوج من ساعتها إن شاءت وتبينها تطليقة واحدة (2).
* (عدا المتوفى عنها زوجها) * فعليها العدة مطلقا، لما يأتي.
* (ونعني بالدخول الوطء قبلا أو دبرا) * وطئا موجبا للغسل بلا خلاف
يعرف، بل ظاهرهم الإجماع عليه، لإطلاق النصوص بإيجاب الدخول المهر
والعدة.
منها الصحيح: إذا أدخله وجب المهر والغسل والعدة (3).
ولولا الوفاق لأمكن المناقشة بعدم تبادر مثل الدخول في الدبر من
الإطلاق. ونحوه المناقشة في تعميم الداخل للكبير والصغير الذي لم يبلغ سنا
يمكن التولد منه، لكن المحكي عن جماعة ذلك.
وهو أحوط، كإلحاق دخول المني المحترم مع ظهور الحمل بالوطء فتعتد
بالوضع، ولكن لا عدة قبل الظهور، لعدم الموجب له من دخول أو حبل.
* (ولا تجب بالخلوة) * من دون مواقعة على الأشهر الأظهر بين الطائفة،
للنصوص الماضية، المعتضدة بالأصل، والشهرة.
خلافا للإسكافي (4)، فأوجب، وله بعض المعتبرة (5)، المحتمل للتقية. وقد
مضى الكلام في باب المهر مستقصى فلا وجه للإعادة.
ولا بوطي الخصي على رواية صحيحة: عن خصي تزوج امرأة على ألف

(1) الأحزاب: 49.
(2) الوسائل 15: 404، الباب 1 من أبواب العدد الحديث 4.
(3) الوسائل 15: 65، الباب 54 من أبواب المهور الحديث 1.
(4) كما في المختلف: ج 7 ص 522.
(5) الوسائل 15: 67، الباب 55 من أبواب المهور الحديث 2.
112

درهم ثم طلقها بعد ما دخل بها قال: لها الألف الذي أخذت منه ولا عدة
عليها (1).
لكنها مع مخالفتها إطلاق النصوص المتقدمة القائلة بأن بالدخول يجب
المهر والغسل والعدة (2) مطرحة عند الأصحاب، معارضة بصحيحة أخرى
هي أقوى منها بالاحتياط والفتوى: عن خصي تزوج امرأة وهي تعلم أنه
خصي، فقال: جائز، فقيل: فإنه مكث معها ما شاء الله تعالى ثم طلقها هل
عليها عدة. قال: نعم، أليس قد لذ منها ولذت منه، الحديث (3).
والجمع بينهما بحمل هذه على الاستحباب - كما فعله شاذ من متأخري
المتأخرين - شاذ لا يلتف إليه، ولا بمباشرة المجبوب، وهو المقطوع الذكر على
الأشهر الأظهر، للأصل، مع عدم اندراجه تحت الإطلاق الذي مر.
خلافا للمبسوط (4)، فأوجب، لإمكان المساحقة.
وفيه أنه غير كاف، فإن المناط هو الدخول لا ما ذكر، لعدم الدليل عليه.
نعم لو ظهر بها حمل لحقه الولد، واعتدت منه بوضعه، كما مر. ونحوه
الكلام في الممسوح الذي لم يبق له شئ، ولا يتصور منه دخول، إلا أنه يزيد
عليه بعدم إلحاق الولد به والعدة مع ظهور الحبل، كما عن أكثر الأصحاب.
خلافا للمحكي عن بعضهم فحكمه حكم المجبوب (5). وهو بعيد. فتأمل.
* (الثاني: في المستقيمة الحيض) * التي يأتيها حيضها في كل شهر مرة على
عادة النساء، وفي معناها من كانت تعتاد الحيض فيما دون الثلاثة أشهر. وقيل:

(1) المصدر السابق: 52، الباب 44 الحديث 1.
(2) المصدر السابق: 65، الباب 54.
(3) المصدر السابق 14: 608، الباب 3 من أبواب العيوب والتدليس الحديث 4.
(4) المبسوط 5: 238.
(5) انظر الحدائق 25: 397.
113

إنها التي تكون لها فيه عادة مضبوطة وقتا، سواء انضبط عددا، أم لا (1). ورد
بأن معتادة الحيض فيما زاد على ثلاثة أشهر لا تعتد بالأقراء وإن كانت لها
عادة وقتا وعددا (2).
* (و) * كيف كان * (هي تعتد) * من الطلاق والفسخ ووطء الشبهة، بل الزنا،
وفاقا لجماعة من أصحابنا، لاشتراك المناط، وهو خوف اختلاط الأنساب،
وللنصوص:
منها: قلت له: الرجل يفجر بالمرأة ثم يبدو في تزويجها هل تحل له ذلك؟
قال: نعم إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدتها باستبراء رحمها من ماء الفجور
فله أن يتزوجها (3)، الخبر.
ونحوه المروي في تحف العقول: عن مولانا الجواد (عليه السلام) أنه سئل عن
رجل نكح امرأة على زنا أيحل له أن يتزوجها؟ فقال: يدعها حتى يستبرئها
من نطفته ونطفة غيره، إذ لا يؤمن منها أن يكون قد أحدثت مع غيره حدثا
كما أحدثت معه ثم يتزوج بها إذا أراد (4). فتأمل.
خلافا للمحكي عن الأكثر فلا يجب فيه، للأصل، وعدم حرمة للزنا.
* (بثلاثة أطهار على) * الأظهر * (الأشهر) * بل لم نقف فيه على مخالف
صريحا، بل ظاهر الاستبصار (5) والحلي (6) والطبرسي (7) وجماعة وصريح
الانتصار الإجماع عليه (8). وهو الحجة فيه، كالنصوص المستفيضة التي كادت

(1) القائل الشهيد الثاني في الروضة 6: 58.
(2) نهاية المرام 2: 78.
(3) الوسائل 15: 476، الباب 44 من أبواب العدد الحديث 1.
(4) تحف العقول: 454.
(5) الاستبصار 3: 330، الحديث 1172.
(6) السرائر 2: 746.
(7) مجمع البيان 2: 326.
(8) الإنتصار: 151.
114

تكون متواترة، وأكثرها صحاح ومعتبرة:
ففي الصحيحين: القرء ما بين الحيضتين (1).
وفي الحسن: الأقراء هي الأطهار (2).
وفي عدة من المعتبرة كالصحاح والموثقة: أنه أملك برجعتها ما لم تقع
في الدم من الحيضة الثالثة (3).
وبإزاء هذه الأخبار نصوص كثيرة، وحملها الأصحاب على التقية، والمفيد
على ما إذا طلقها في آخر طهرها، وحمل الأولة على ما إذا طلقها في أوله (4).
والأول أولى، للصحيح: رجل طلق امرأته على طهر من غير جماع
بشهادة عدلين، فقال: إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها وحلت
للأزواج، قلت له: أصلحك الله تعالى إن أهل العراق يروون عن علي (عليه السلام)
يقول: هو أملك برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة، فقال: كذبوا (5).
ثم إن اعتداد المطلقة بالأقراء الثلاثة إنما هو * (إذا كانت حرة) * مطلقا
* (وإن كانت تحت عبد) * وأما إذا كانت أمة فعدتها قرءان ولو كانت تحت حر
بالنص، والإجماع، كما يأتي.
* (وتحتسب بالطهر الذي طلقها فيه) * قرء واحدا * (ولو حاضت بعد
الطلاق بلحظة) * لصدق الطهر على تلك اللحظة، ولا خلاف فيه. ولو لم تطهر
لحظة بعد الطلاق بل اتصل خروج الدم بانتهاء الصيغة لم تحسب الطهر الذي
طلقت فيه قرء، لأن العبرة به بعد الطلاق لا حينه.

(1) الوسائل 15: 424، الباب 14 من أبواب العدد الحديث 1 و 2.
(2) المصدر السابق: الحديث 3.
(3) الوسائل 15: 426، الباب 15 من أبواب العدد.
(4) انظر التهذيب 8: 127، ذيل الحديث 438.
(5) الوسائل 15: 426، الباب 15 من أبواب العدد الحديث 1.
115

* (وتبين برؤية الدم الثالث) * قطعا في ذات العادة الوقتية ومطلقا ظاهرا،
بناء على الأشهر الأظهر من تحيض النسوة مطلقا ذوات عادات كن أو
مبتدئات أو مضطربات بمجرد الرؤية.
خلافا للماتن في الشرائع (1)، فخص الحكم بذات العادة المزبورة، بناء
على أصله.
ويدل على أصل الحكم في الجملة - مع عدم الخلاف فيه بين الطائفة - ما
مضى من المعتبرة من أن الأقراء هي الأطهار، وبالدخول في الحيضة الثالثة مع
تقدم الطهر الحيضة الأولى ولو لحظة بتحقق الأطهار الثلاثة، مضافا إلى صريح
النصوص الأخيرة القائلة: أنه أملك برجعتها ما لم تقع في الحيضة الثالثة (2).
* (و) * بما ذكرنا يظهر أن * (أقل ما تنقضي به عدتها ستة وعشرون يوما
ولحظتان) * كما قدمناه، لاحتمال أن تطلق وقد بقي من الطهر لحظة ثم تنقضي
أقل الحيض للثلاثة، ثم أقل الطهر عشرة ثم تحيض وتطهر كذلك ثم تطعن (3)
في الحيض لحظة.
* (وليست) * هذه اللحظة * (الأخيرة) * جزء * (من العدة، بل) * هي * (دالة
على الخروج) * عنها لتصريح الآية (4) والمعتبرة بأن العدة هي الأطهار (5) خاصة
من دون ضميمة حيضة. ولا تنافيهما المعتبرة المشترطة في البينونة الدخول في
الحيضة الثالثة (6)، لظهور أن الاشتراط من باب المقدمة. وهذا هو الأشهر.

(1) الشرائع 3: 34.
(2) الوسائل 15: 426، الباب 15 من أبواب العدد.
(3) كذا في نسخة " ق، ش " وفي المطبوع: قطعن.
(4) البقرة: 228.
(5) الوسائل 15: 424، الباب 14 من أبواب العدد.
(6) المصدر السابق: 426، الباب 15 الحديث 1.
116

خلافا للشيخ، فجعله جزء، لأن الحكم بانقضاء العدة إنما يتحقق برؤية
الدم من الحيضة الثالثة (1).
وهو أعم من المدعى فقد يكون توقف الحكم بالانقضاء على ذلك من
باب المقدمة، لا أنه جزء من العدة. ويتفرع على القولين عدم جواز الرجعة أو
التزويج بالغير في تلك اللحظة على الأول دون الثاني.
* (الثالث: في المسترابة) * بالحمل * (وهي التي لا تحيض وفي سنها من
تحيض وعدتها) * إن كانت حرة * (ثلاثة أشهر) * هلالية إن طلقت عند الهلال،
وإلا أكملت المنكسر خاصة بثلاثين بعد الهلالين على الأشهر الأظهر. والأصل
في المسألة بعد الآية (2) والإجماع المحكي في كلام جماعة المعتبرة المستفيضة:
منها الصحيح: لا ينبغي للمطلقة أن تخرج إلا بإذن زوجها حتى تنقضي
عدتها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إن لم تحض (3). مضافا إلى النصوص الآتية.
وإطلاقها - كالعبارة وصريح جماعة - يقتضي عدم الفرق في عدم الحيض
بين أن يكون خلقيا أو لعارض من حمل أو رضاع أو مرض.
خلافا للقاضي (4) والمفلح الصيمري (5)، فخصا الحكم بما عدا الأخيرين،
وقالا: إن عدتها فيهما بالأقراء، ويظهر من الثاني تخصيص محل البحث بالأول.
وإطلاق النصوص - كأكثر الفتاوى وصريح بعضها - حجة عليه، ولا
حجة له سوى إطلاق الأدلة باعتداد المطلقات بالأقراء، وهو مع الشك في
شموله لمثل ما نحن فيه مقيد بما هنا من الإطلاقات، مضافا إلى صريح الموثق،
بل الصحيح: عن رجل طلق امرأته بعد ما ولدت وطهرت وهي امرأة لا ترى

(1) التهذيب 8: 122، ذيل الحديث 422.
(2) الطلاق: 4.
(3) الوسائل 15: 421، الباب 12 من أبواب العدد الحديث 1.
(4) المهذب 2: 320.
(5) غاية المرام: 133 س 8 (مخطوط).
117

دما ما دامت ترضع ما عدتها؟ قال: ثلاثة أشهر (1).
* (وهذه تراعي الشهور والحيض فتعتد بأسبقهما) * إلى الطلاق، فتعتد
بالأشهر إن مرت بها بعد الطلاق بلا فاصلة خالية من الحيض، كما أنها تعتد
بالأقراء إن مرت بها كذلك، أما لو مرت بها الأشهر البيض بعد أن رأت
الحيض ولو مرة بعد الطلاق اعتدت بالأقراء. والأصل في ذلك بعد الاتفاق
المستفاد من كلام جماعة المعتبرة المستفيضة:
منها الصحيح: أمران أيهما سبق بانت به المطلقة: المسترابة تستريب
الحيض إن مرت بها ثلاثة أشهر بيض ليس فيها دم بانت منه، وإن مرت
ثلاث حيض ليس بين الحيضتين ثلاثة أشهر بانت بالحيض (2). ونحوه
الموثق (3) وغيره (4).
وإطلاقها وإن أوهم الاكتفاء بالثلاثة الأشهر البيض مطلقا ولو كانت بعد
حيضة أو حيضتين إلا أن ظاهر الأصحاب الاتفاق إلا من شذ ممن تأخر على
التقييد بالأشهر المتصلة بالطلاق، للنصوص الآتية، المصرحة: بأنها لو رأت
في الثلاثة المتصلة بحين الطلاق تعتد بالثلاثة الأشهر بعد الصبر تسعة أشهر
أو سنة لتعلم أنها ليست من ذوات الأقراء.
فاكتفاء الشاذ المتقدم إليه الإشارة بالثلاثة الأشهر البيض المطلقة ولو بعد
حيضتين أو حيضة ضعيف البتة.
نعم على ما ذكرناه ربما يستشكل الحكم بلزوم اختلاف العدة باختلاف
وقت الطلاق الواقع بمجرد الاختيار، مع كون المرأة من ذوات العادة المستقرة

(1) الوسائل 15: 412، الباب 4 من أبواب العدد الحديث 6.
(2) المصدر السابق: الحديث 5.
(3) المصدر السابق: الحديث 12.
(4) المصدر السابق: الحديث 13.
118

في الحيض. فلو كان عادتها أن تحيض في كل أربعة أشهر مثلا مرة فإنه على
تقدير طلاقها في أول الطهر أو ما قاربه بحيث يبقى له منه ثلاثة أشهر بعد
الطلاق تنقضي عدتها بالأشهر، كما تقرر.
لكن لو فرض طلاقها في وقت لا يبقى من الطهر ثلاثة أشهر تامة كان
اللازم من ذلك اعتدادها بالأقراء، فربما صارت عدتها سنة أو أكثر على تقدير
وقوع الطلاق في وقت لا يتم بعده ثلاثة أشهر بيضاء، والاجتزاء بالثلاثة على
تقدير سلامتها.
ويمكن الذب عنه بأن غايته الاختلاف في العدة على ذلك التقدير، ولا
ضير فيه بعد تحقق النظير. ألا ترى إلى المطلقة في آخر طهرها بحيث يبقى بعده
منه لحظة عدتها أقل من المطلقة في ابتدائه.
وبالجملة هذا الاستبعاد مع اندفاعه بما مر من النظير غير ملتفت إليه، بعد
قيام الدليل عليه.
* (و) * بالجملة إذا مضت بها بعد الطلاق بلا فاصل الأشهر الثلاثة خالية
عن الحيضة فقد انقضت العدة.
* (أما لو رأت في) * الشهر * (الثالث حيضة) * أو حيضتين * (وتأخرت
الثانية أو الثالثة) * إلى أن انقضت الأشهر انتظرت تمام الأقراء، لأنها قد
استرابت بالحيض غالبا فإن تمت الأقراء قبل أقصى الحمل انقضت عدتها.
وإلا * (صبرت تسعة أشهر) * على أشهر القولين وأظهرهما * (لاحتمال
الحمل) * غالبا، فإن وضعت ولدا أو اجتمعت الأقراء الثلاثة فذلك هو
المطلوب في انقضاء العدة.
* (ثم) * إن لم يتفق أحد الأمرين * (اعتدت) * حينئذ * (بالأشهر) * وليست
الأشهر التسعة المتقدمة من العدة، بل إنما اعتبرت لتعلم أنها ليست من ذوات
119

الأقراء. والأصل في المسألة - بعد التأيد بالشهرة العظيمة - بعض المعتبرة
المنجبرة بها وبوجود المجمع على تصحيح رواياته في سندها، فلا تضر جهالة
راويها: إن كانت شابة مستقيمة الحيض فلم تطمث في ثلاثة أشهر إلا حيضة
ثم ارتفع طمثها فلم تدر ما رفعها فإنها تتربص تسعة أشهر من يوم طلقها ثم
تعتد بعد ذلك ثلاثة أشهر ثم تتزوج إن شاءت (1).
* (وفي رواية عمار) * الموثقة * (تصبر سنة ثم تعتد بثلاثة أشهر) * (2) أفتى
بها الشيخ في النهاية (3)، لكن مقيدا لها بصورة تأخر الحيضة الثالثة.
ولا دليل عليه، مع عدم مقاومة الرواية للرواية المتقدمة، من اعتضادها
بالشهرة العظيمة وغيرها من المعتبرة المستفيضة:
منها الصحيح: إذا طلق الرجل امرأته فادعت حبلا انتظر تسعة أشهر فإن
ولدت وإلا اعتدت بثلاثة أشهر ثم قد بانت منه (4).
والموثق المرأة الشابة تحيض مثلها يطلقها زوجها ويرتفع حيضها كم
عدتها؟ قال: ثلاثة أشهر، قلت: فإنها ادعت الحبل بعد الثلاثة أشهر، قال:
عدتها تسعة أشهر، قلت: فإنها ادعت الحبل بعد تسعة أشهر، قال: إنما الحبل
تسعة أشهر، قلت: تتزوج، قال: تحتاط بثلاثة أشهر، قلت: فإنها ادعت بعد
ثلاثة أشهر، قال: لا ريبة عليها تزوجت إن شاءت (5). ونحوهما (6) غيرهما.
واطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق بين استرابتها (7) بالحبل
وعدمه في وجوب التربص تسعة أو سنة ثم الاعتداد بعدها حتى لو كان

(1) الوسائل 15: 423، الباب 13 من أبواب العدد الحديث 2.
(2) المصدر السابق: الحديث 1.
(3) النهاية 2: 481.
(4) الوسائل 15: 441، الباب 25 من أبواب العدد الحديث 1.
(5) المصدر السابق: الحديث 2.
(6) المصدر السابق: الحديث 4.
(7) في " مش، ش ": استبرائها.
120

زوجها غائبا عنها أو حاضرا ولم يقربها مدة مديدة فحكمها كذلك، وإن كان
ظاهر الحكمة يقتضي اختصاصه بالمسترابة، كما تقرب عنها المعتبرة الأخيرة،
لكن ليس فيها كالتعليل في العبارة ما يوجب تقييد الحكم بالمسترابة، كما
توهمه بعض من عاصرناه في هذه الأزمنة (1).
نعم عن الشهيد في بعض تحقيقاته الاكتفاء بالتسعة لزوجة الغائب (2)،
محتجا بحصول مسمى العدة، وهو الأشهر البيض الثلاثة المندرجة في الأشهر
التسعة.
وهو مصادرة غير مسموعة، سيما في مقابلة إطلاق الفتاوى والرواية،
وهذه العدة أطول عدة تفرض.
والضابط أن المعتدة المذكورة إن مضى لها ثلاثة أقراء قبل ثلاثة أشهر
انقضت عدتها بها، وإن مضى عليها ثلاثة أشهر لم تر فيها دم حيض أصلا
انقضت عدتها بها وإن كان لها عادة مستقيمة فيما زاد عليها بأن كانت ترى
الدم في كل أربعة أشهر مرة، أو ما زاد عليها وما نقص بحيث يزيد عن ثلاثة
ولو بلحظة.
ومتى رأت في الثلاثة دما ولو قبل انقضائها بلحظة فحكمها ما فصل
سابقا من انتظار أقرب الأمرين من تمام الأقراء ووضع الولد، فإن انتفيا
اعتدت بعد تسعة أشهر بثلاثة أشهر، إلا أن يتم لها ثلاثة أقراء قبلها ولو مبنية
على ما سبق.
ولا فرق في ظاهر إطلاق النص والفتوى بين أن يتجدد لها دم آخر
في الثلاثة أو قبلها وعدمه.

(1) الحدائق 25: 424.
(2) نقله عنه الشهيد الثاني في الروضة 6: 61.
121

خلافا للمفلح الصيمري في الأول، فأبطل العدة بها وعين اعتدادها
بالأقراء، قال: لأنا بينا أنها من ذوات الأقراء، فيلزمها الاعتداد بها (1).
وعليه فهل يجب عليها ثلاثة أقراء غير الأقراء المتخللة بين الطلاق وغاية
التربص؟ وجهان. فعن المبسوط (2) الأول، معللا بأن مدة التربص ليست من
العدة، فلا عبرة بها. وعن الشهيد الثاني (3)، وقواه المفلح الصيمري قال: لأنها
لما رأت الدم بعد انقطاعه ثبت أنها من ذوات الأقراء، وعدتهن ثلاثة أقراء
من حين الطلاق لا أزيد من ذلك، وهو حسن. ثم قال: أما لو رأت الدم الثالث
قبل مضي مدة التربص ولو بيوم انقضت عدتها إجماعا (4).
أقول: ويدل عليه صحيح المفسر للأخذ بأسبق الأمرين أنه إن مرت بها
ثلاثة أشهر إلا يوما فحاضت ثم مرت بها ثلاثة أشهر إلا يوما فحاضت فهذه
تعتد بالحيض على هذا الوجه ولا تعتد بالشهور، فإن مرت بها ثلاثة أشهر
بيض لم تحض فيها بانت (5). ونحوه غيره (6).
* (ولا عدة على الصغيرة) * وهي التي لم تبلغ التسع سنين عند الجماعة،
وقد مضى إليه الإشارة.
* (ولا) * على * (اليائسة) * التي لم تحض ومثلها لا تحيض مع عدم الدخول
إجماعا.
وكذا معه أيضا * (على) * الأظهر * (الأشهر) * بين الطائفة، بل ربما كان

(1) غاية المرام: 133 س 15 (مخطوط).
(2) المبسوط 5: 237.
(3) لم نعثر عليه، ونقله عنه في المقتصر: 283.
(4) غاية المرام: 133 س 18 (مخطوط).
(5) الوسائل 15: 411، الباب 4 من أبواب العدد الحديث 5.
(6) المصدر السابق: الحديث 12.
122

مجمعا عليه بين متأخريهم، كما تنادي به عبارة التهذيبين (1)، للأصل، والمعتبرة
المستفيضة، التي كادت تكون متواترة:
منها الصحيح: عن التي قد يئست من المحيض والتي لا تحيض مثلها، قال:
ليس عليها عدة (2).
وهي مع استفاضتها واعتبار سند أكثرها وانجبار باقيها بالشهرة العظيمة
التي كادت تكون إجماعا بل إجماع في الحقيقة معتضدة بأصالة البراءة، والمخالفة
للتقية، وفقد الحكمة الموجبة للعدة.
خلافا للسيدين (3)، لظاهر الآية (4).
وهي غير واضحة الدلالة، بل ربما كانت بالخلاف واضحة المقالة، سيما
بملاحظة بعض المعتبرة (5) وعبارة الكافي (6) والطوسي (7) المصرحة برجوع
الريبة إلى حال النسوة، إما بالنظر إلى الحيض وعدمه كما يستفاد من الأول، أو
اليأس وعدمه كما يستفاد من الثاني. فانهدم مبنى الاستدلال بها من رجوع
الريبة إلى حكم عدة اليائسة، مع ما فيه من مناقشة أخرى واضحة.
وأضعف منه الاستدلال بالرواية " عدة التي لم تبلغ الحيض ثلاثة أشهر
والتي قد قعدت من الحيض ثلاثة " (8)، إذ مع ضعفها وقطعها غير صريحة
الدلالة، فتحتمل كبعض المعتبرة الأخر (9) الحمل على المسترابة. ومع ذلك

(1) الاستبصار 3: 338، ذيل الحديث 1205، والتهذيب 8: 68، ذيل الحديث 224.
(2) الوسائل 15: 405، الباب 2 من أبواب العدد الحديث 1.
(3) الإنتصار: 146، والغنية: 383.
(4) الطلاق: 4.
(5) الوسائل 15: 412، الباب 4 من أبواب العدد الحديث 7.
(6) الكافي في الفقه: 312.
(7) الخلاف 5: 53، المسألة 1.
(8) الوسائل 15: 407، الباب 2 من أبواب العدد الحديث 6.
(9) المصدر السابق: الحديث 8.
123

فهي موافقة لما عليه العامة العمياء، كما حكاه جماعة. فلا اعتداد بمثلها
ولو كانت صريحة.
* (وفي حد اليائس) * عن المحيض * (روايتان) * بل روايات باختلافهما
اختلف الأصحاب، إلا أن * (أشهرهما) * أنه * (خمسون سنة) *.
ففي الصحيح أو ما يقرب منه: حد التي قد يئست من المحيض خمسون
سنة (1).
ونحوه خبران (2) في سندهما سهل، مع ما في الثاني منهما من الإرسال، إلا
أن الأول سهل أو ثقة كما عليه من المحققين جماعة (3)، والثاني غير قادح بعد
كون الراوي ممن أجمعت على تصحيح رواياته العصابة، مع انجبار الجميع، أو
اعتضاده بالشهرة المحكية في العبارة وكلام جماعة.
خلافا لأحد قولي الماتن في الشرائع فستون (4)، للموثق (5) وفيه قصور
عن المقاومة لما مر، سيما مع ندرة القول به على إطلاقه.
ولآخرين - بل ادعى عليه الشهرة المتأخرة جماعة - فالتفصيل بين
القرشية فالثاني - والحق بها النبطية جماعة للرواية وهي مرسلة (6) - وغيرها
أو غيرهما فالأول، جمعا، للمرسل كالصحيح: إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر
حمرة إلا أن تكون امرأة من قريش (7).
ورد بقصور السند أولا، وليس كذلك، وعدم الصراحة ثانيا.

(1) الوسائل 2: 580، الباب 31 من أبواب الحيض الحديث 1.
(2) المصدر السابق: الحديث 6 و 3.
(3) منهم رجال الطوسي: 416.
(4) الشرائع 1: 29.
(5) الوسائل 15: 409، الباب 3 من أبواب العدد الحديث 5.
(6) الوسائل 2: 581، الباب 31 من أبواب الحيض الحديث 9.
(7) الوسائل 15: 409، الباب 3 من أبواب العدد الحديث 4.
124

وفيه منع لو أريد من حيث عدم التصريح بالستين، لعدم القائل بالفرق،
وتسليم إن أريد من حيث عدم الحكم صريحا بالحيضة. إلا أن الظهور قائم،
وهو كاف.
فالقول به لا يخلو عن قوة، مع اعتضاده بالعمومات الدالة على تحيض
المرأة بمجرد رؤية الدم خرج منها ما زاد عن الخمسين فيما عدا القرشية أو
النبطية أيضا، وبالمعتبرة المتقدمة وبقيت هي أو هما في العمومات مندرجة.
ولا يرد ذلك بعموم المعتبرة المتقدمة بالخمسين الشاملة للقرشية أيضا،
فإن خصصت العمومات بها فيمن عداها خصصت بها فيها أيضا، لمنع
العموم، وإنما غايته الإطلاق المنصرف إلى الأفراد المتكثرة الشائعة دون
النادرة. ولا ريب أن القرشية من الثانية، سيما في أزمنة صدور المعتبرة.
وبالجملة هذا القول قوي غاية القوة وغير بعيد إلحاق النبطية، لعين ما
عرفت في القرشية من العمومات، مع عدم انصراف إطلاقات المعتبرة إلى
مثلها، لكونها من الأفراد النادرة.
نعم ربما ينافيه الحصر في الرواية الأخيرة.
ويمكن الذب عنه بالورود مورد الغلبة.
* (ولو رأت المطلقة الحيض مرة ثم بلغت) * سن * (اليأس أكملت العدة
بشهرين) * بلا خلاف أجده، بل حكي صريحا، لصريح الخبر: في امرأة طلقت
وقد بلغت في السن فحاضت حيضة واحدة ثم ارتفع حيضها، قال: تعتد
بالحيضة وشهرين مستقبلين فإنها قد يئست من الحيض (1).
ولا يضر قصور السند للانجبار بالفتوى، مع تصريح جماعة بحسنه، بل
وصحته.

(1) الوسائل 15: 416، الباب 6 من أبواب العدد الحديث 1.
125

ولو رأت حيضتين ثم بلغت اليأس ففي وجوب اعتدادها بشهر أم لا
وجهان، أحوطهما الأول، وأقواهما الثاني، للأصل، وعموم ما دل على نفي
العدة عن اليائسة خرج عنه مورد الرواية المنجبرة بالشهرة وتبقى المفروضة
فيه مندرجة.
* (ولو كانت) * المطلقة ذات عادة مستقيمة إلا أنها * (لا تحيض إلا في
خمسة أشهر أو في ستة اعتدت بالأشهر) * للصحيح: في التي تحيض في كل
ثلاثة أشهر مرة أو في ستة أشهر أو في سبعة أشهر أن عدتها ثلاثة أشهر (1).
وإطلاقه كالعبارة وإن اقتضى الاكتفاء بالأشهر الثلاثة مطلقا ولو تخللها
حيضة إلا أنه يجب تقييده بما مضى من المعتبرة المشترطة في الاعتداد
بالأشهر خلوها عن الحيض ولو مرة.
وعليها تحمل إطلاق معتبرة أخر، كالصحيح: في المرأة يطلقها زوجها
وهي تحيض كل ثلاثة أشهر حيضة، فقال: إذا انقضت ثلاثة أشهر انقضت
عدتها يحسب لها كل شهر حيضة (2).
وفي حكم المفروضة في العبارة من لا تحيض إلا في سنتين أو سنة أو
غيرهما، ويجمعه ما يزيد على الأشهر الثلاثة.
والفرض في العبارة على المثل والإشارة، دون الحصر في الخمسة أو
الستة، لعموم الصحيحة وغيرها من المعتبرة، كالحسن: عن التي لا تحيض إلا
في ثلاث سنين أو أربع سنين، قال: تعتد بثلاثة أشهر (3).
لكن بإزاء هذه الصحيحة معتبرة أخر (4) دالة على لزوم اعتداد من هي

(1) المصدر السابق: 410، الباب 4 الحديث 1.
(2) المصدر السابق: الحديث 2.
(3) الوسائل 15: 413، الباب 4 من أبواب العدد الحديث 11.
(4) المصدر السابق: الحديث 19.
126

موردها بعادتها السابقة ولو نقصت عن الأشهر الثلاثة. ولم أر عاملا بها إلا
الشيخ في كتابي الحديث (1). قيل: وهي مطرحة عند الأصحاب.
فالعمل بها مشكل، والجمع بحمل هذه على الغالب من التحيض في كل
شهر مرة ممكن، فتكون عليه دالة على الأشهر الثلاثة كما في الرواية السابقة.
ثم إن ذكر حكم هذه في العبارة مع اندراجها في المسترابة المتقدم حكمها
في صدر الفصل وجهه غير واضح إلا بتخصيص السابقة باليائسة عن المحيض،
إلا أن في سنها من تحيض دون هذه فإنها غير يائسة، بل ذات عادة مستقيمة،
لكن على خلاف العادة، لتحيضها في كل شهر مرة.
* (الرابع: في الحامل وعدتها في الطلاق) * وما في معناه كالفسخ والوطء
بشبهة أو مطلقا على قول * (بالوضع) * للحمل بتمامه بشرط كونه من المطلق
* (ولو بعد الطلاق بلحظة) * بالكتاب والإجماع والسنة المستفيضة التي كادت
تكون متواترة، وأكثرها صحاح ومعتبرة:
ففي الصحيح: في الرجل يطلق امرأته وهي حبلى، قال: أجلها أن تضع
حملها (2). وفيه: فإن وضعت قبل أن يراجعها فقد بانت منه، وهو خاطب من
الخطاب (3).
وإطلاقها - كالآية الكريمة (4) وصريح الجماعة - يقتضي الاكتفاء بالوضع
مطلقا * (ولو لم يكن تاما) * لكن * (مع تحقق كونه حملا) * ومبدأ لنشو الآدمي
قطعا.
ولا يكفي فيه مجرد كونه نطفة إجماعا، كما صرح به بعض، وينص على

(1) التهذيب 8: 121، ذيل الحديث 416، والاستبصار 3: 327، ذيل الحديث 1162.
(2) الوسائل 15: 230، الباب 7 من أبواب النفقات الحديث 1.
(3) الوسائل 15: 419، الباب 9 من أبواب العدد الحديث 8.
(4) الطلاق: 4.
127

الاطلاق، - مضافا إلى الإجماع - الصحيح: كل شئ وضعته يستبين أنه حمل
تم أو لم يتم فقد انقضت عدتها وإن كان مضغة (1).
ثم إن ظاهر العبارة - كالأدلة - انحصار العدة في الوضع خاصة مضى لها
قبله أشهر ثلاثة أم لا، وهو الأظهر الأشهر بين الطائفة، بل لعله المجمع عليه في
أمثال هذه الأزمنة، وقد صرح به بعض الأجلة (2).
خلافا للصدوق (3) وابن حمزة (4) في الأول، فجعلاه العدة، لكن صرحا
بأن ليس لها التزويج إلا بعد الوضع، للخبر: طلاق الحامل واحدة، وعدتها
أقرب الأجلين (5)، وفي سنده اشتراك.
وفي دلالته نظر فقد يكون المراد بأقرب الأجلين هو الوضع خاصة، بمعنى
أنه هو العدة وإن كان أقرب من الأطهار أو الأشهر، ويرجع المعنى حينئذ إلى
أن عدتها قد يكون بأقرب الأجلين، وهو ما إذا كان هو الوضع، بخلاف عدة ا
الوفاة فإنه لا يكون إلا بأبعد الأجلين. وهو وجه حسن في الجمع، بل لعل
في بعض المعتبرة إشعارا به، كالصحيحين: وأجلها أن تضع حملها وهو أقرب
الأجلين (6).
فإنهما مع تصريحهما بأن الأجل هو الوضع المشعر بالحصر صرحا بأنه
أقرب الأجلين. ولا وجه له إلا ما ذكرناه. فتدبر.
نعم في الرضوي (7) دلالة على هذا القول، ولعله يأبى عن قبول نحو هذا
التأويل، إلا أن قصوره عن المقاومة لما مر من الأدلة المعتضدة بالشهرة

(1) الوسائل 15: 421، الباب 11 من أبواب العدد الحديث 1.
(2) نهاية المرام 2: 94.
(3) الفقيه 3: 509، ذيل الحديث 4787.
(4) الوسيلة: 325.
(5) الوسائل 15: 418، الباب 9 من أبواب العدد الحديث 3.
(6) المصدر السابق: الحديث 2 و 6.
(7) فقه الإمام الرضا (عليه السلام): 244.
128

العظيمة التي كادت تكون إجماعا بل إجماع في الحقيقة كفانا مؤنة الاشتغال
بتأويله، ولا حاجة لنا إليه بالمرة.
* (ولو طلقها فادعت الحبل تربص بها أقصى) * مدة * (الحمل) * إجماعا،
والنصوص به مستفيضة.
منها الصحيح: إذا طلق الرجل امرأته فادعت أنها حبلى انتظر تسعة
أشهر فإن ولدت وإلا اعتدت بثلاثة أشهر، ثم قد بانت منه (1).
وظاهره - كجماعة منهم الشيخ في النهاية (2) - وجوب التربص سنة، ولا
ريب فيه على القول بكونها أقصى المدة.
وأما على القول بأنها التسعة كما هو الأظهر ومختار هؤلاء الجماعة
فكذلك، لظاهر الرواية، فيرجع الأمر حينئذ إلى وجوب التربص بعد الأقصى
بأشهر ثلاثة.
خلافا للحلي (3) وآخرين، فجعلوه حينئذ أحوط، للمستفيضة:
منها الحسن: في المرتابة بالحمل أن عدتها تسعة أشهر، قلت: فإنها
ارتابت بعد تسعة أشهر، قال: إنما الحمل تسعة أشهر، قلت: فتزوج، قال:
تحتاط بثلاثة أشهر، الخبر (4). ونحوه غيره (5).
وفيه نظر، فإنها مع قصور السند ليس فيها سوى الأمر بالتربص أقصى
الحمل، والأمر بالاحتياط بعده بثلاثة أشهر، وهو غير الاستحباب بالمعنى
المصطلح، إلا على تقدير ثبوت كون الاحتياط يراد به الاستحباب حيثما
يطلق.

(1) الوسائل 15: 441، الباب 25 من أبواب العدد الحديث 1.
(2) النهاية 2: 484.
(3) السرائر 2: 690.
(4) الوسائل 15: 442، الباب 25 من أبواب العدد الحديث 4.
(5) المصدر السابق: الحديث 2.
129

وفيه نظر، فلا وجه لصرف الأمر بالاعتداد بالثلاثة الأشهر بعد الأقصى
في الصحيح الذي مضى إلى الاستحباب، مع كونه كالأمر بالاحتياط في
الحسن وغيره حقيقة في الوجوب.
هذا، مضافا إلى اعتضاده بفحوى ما دل على وجوب التربص بذلك في
المسترابة، ففي المسألة من حيث إنها فيها مدعية أولى.
فإذا مختار الأولين أظهر وأقوى.
ثم ليس في الصحيح المتقدم دلالة على كون أقصى الحمل هو السنة، بل
هو ظاهر في التسعة، كما صرحت به تلك المستفيضة:
فإذا الاستدلال به على السنة فاسد البتة.
* (ولو وضعت توأما بانت به) * كما عن النهاية (1) والقاضي (2) وابن
حمزة (3)، للخبر: عن رجل طلق امرأته وهي حبلى وكان في بطنها اثنان
فوضعت واحدا وبقي واحد، قال: تبين بالأول، ولا تحل للأزواج حتى تضع ما
في بطنها (4).
وفي سنده قصور وجهالة، مع مخالفته لإطلاق الآية (5)، والمعتبرة
المصرحة بأن العدة وضع الحمل (6)، ولا يكون إلا بوضع التوأمين فما زاد
لو كان.
اللهم إلا أن يدعى انجبار الرواية بفتوى هؤلاء الجماعة، وهو محل ريبة.
كيف لا! والأشهر بين الطائفة - بل ربما ادعى عليه الشيخ في الخلاف إجماع

(1) النهاية 2: 484.
(2) المهذب 2: 316.
(3) الوسيلة: 325.
(4) الوسائل 15: 420، الباب 10 من أبواب العدد الحديث 1.
(5) الطلاق: 4.
(6) الوسائل 15: 418، الباب 9 من أبواب العدد.
130

العلماء إلا من عكرمة - هو عدم الانقضاء إلا بوضع الحمل أجمع (1). ولعله لهذا
كان الحكم عند المصنف * (على تردد) *.
وليس في محله، بل الظاهر هو القول الآخر، لقوة أدلته، مضافا إلى الأصل،
سيما مع وهن القول الأول برجوع الشيخ - الذي هو عمدة القائلين به - عنه إلى
الثاني، مع دعواه إجماع الكل عليه إلا من ندر.
* (و) * كيف كان * (لم) * يجز لها أن * (تنكح) * زوجا غيره * (إلى أن تضع
الأخير) * بلا خلاف، بل عليه الإجماع قد حكي، وبه نص ما مر من الخبر،
مضافا إلى الأصل.
وثمرة الاختلاف فيما مر حينئذ جواز الرجعة ووجوب النفقة، فيثبتان على
المختار، وينتفيان على غيره * (ولو طلقها) * طلاقا * (رجعيا ثم مات) * عنها
* (استأنفت عدة الوفاة) * أربعة أشهر وعشرا من حين الوفاة بلا خلاف،
لأنها بحكم الزوجة، والنصوص به مع ذلك مستفيضة:
منها الصحيح: أيما امرأة طلقت ثم توفي عنها زوجها قبل أن تنقضي عدتها
ولم تحرم عليه فإنها ترثه ثم تعتد عدة المتوفى عنها زوجها (2).
* (و) * يستفاد من مفهوم القيد بعدم التحريم عليه - بناء على أن الظاهر
مغايرة المعطوف للمعطوف عليه، وأن العطف التفسيري خلاف الأصل - أنه
* (لو كان) * طلقها * (بائنا اقتصرت على إتمام عدة الطلاق) * مضافا إلى الأصل،
وعدم الداعي إلى استئناف عدة الوفاة، لبينونة المطلقة، مع أنه لا خلاف فيه.
ثم مقتضى الأصل واختصاص النصوص بحكم التبادر والغلبة بغير عدة
المسترابة اعتدادها بالأشهر الثلاثة بعد الصبر تسعة أشهر أو سنة. ولا إشكال

(1) الخلاف 5: 60، المسألة 8.
(2) الوسائل 15: 464، الباب 46 من أبواب العدد الحديث 3.
131

فيه إذا بقي من المدة ما يزيد على عدة الوفاة أو يساويها.
ويشكل في الناقص، كما إذا صبرت التسعة أو السنة ثم مات عنها، لما
يظهر مما قدمناه من أنها بحكم الزوجة، وبعض المعتبرة من وجوب الحداد
واستئنافها عدة الوفاة حينئذ، فتزيد على الثلاثة أشهر أربعين يوما، ليتم لها
عدة الوفاة. ومرجع هذا إلى لزوم مراعاتها في هذه الصورة أبعد الأجلين مما
بقي من العدة، ومن عدة الوفاة. وقيل: فيه وجوه أخر (1). والأصح ما قلناه.
* (الخامس: في عدة الوفاة، تعتد الحرة) * المنكوحة بالعقد الصحيح
* (بأربعة أشهر وعشرة أيام إذا كانت حائلا) * بالكتاب، والسنة، والإجماع.
قال الله سبحانه: " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن
بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا " (2).
والصحاح بها مستفيضة كغيرها من المعتبرة التي كادت تكون متواترة،
بل متواترة، وسيأتي إلى جملة منها الإشارة.
وإطلاقها كالآية الشريفة وصريح الإجماع عموم الحكم لكل امرأة
* (صغيرة كانت أو كبيرة، دخل بها أو لم يدخل) * بها، بالغا كان الزوج أو
غيره، مضافا إلى صريح المستفيضة في غير المدخول بها:
منها الصحيح: في المتوفى عنها زوجها إذا لم يدخل بها، إن كان فرض لها
مهرا فلها مهرها الذي فرض لها ولها الميراث وعدتها أربعة أشهر وعشرا
كعدة التي دخل بها، وإن لم يكن فرض لها مهرا فلا مهر لها وعليها العدة ولها
الميراث (3).
وأما الموثق: عن المتوفى عنها زوجها من قبل أن يدخل بها، قال: لا عدة

(1) قاله في نهاية المرام 2: 98.
(2) البقرة: 234.
(3) الوسائل 15: 76، الباب 58 من أبواب المهور الحديث 22.
132

عليها (1). فمع قصوره سندا ومكافأة لما مر قطعا محتمل للتقية عن جماعة من
العامة، الذين لم يظهر قولهم بذلك في هذه الأزمنة أصلا، كما صرح به بعض
أصحابنا، وشهد به بعض أخبارنا، كالموثق: عن رجل طلق امرأته قبل أن
يدخل بها أعليها عدة؟ قال: لا، قلت له: المتوفى عنها زوجها قبل أن يدخل
بها أعليها عدة؟ قال: أمسك عن هذا (2). فتدبر.
ولا فرق أيضا بين الدائمة والمتمتع بها على الأشهر الأقوى كما مضى.
خلافا للمفيد (3) والمرتضى (4) فكالأمة. وهو ضعيف جدا.
ويعتبر مدة العدة بالهلال ما أمكن، فإن مات الزوج في خلال الشهر
الهلالي وكان الباقي أكثر من عشرة أيام أكمل ثلاثين يوما ويضاف إليه ثلاثة
أشهر بالأهلة وعشرة أيام فإذا انتهت إلى الوقت الذي مات فيه الزوج يوم
مات فقد انتهت العدة، وإن كان الباقي عشرة أيام أو أقل منها ضم إليها أربعة
أشهر هلالية وتمام العشرة في الثاني. وفي عد المنكسر ثلاثين أو الاكتفاء بإتمام
ما فات خلاف، الأحوط الأول.
* (و) * إطلاق الآية والمستفيضة المتقدمة وإن شمل المتوفى عنها مطلقا، إلا
أن الإجماع منعقد باعتدادها * (بأبعد الأجلين) * من المدة المزبورة ومدة وضع
الحمل * (إن كانت حاملا) * مضافا إلى النصوص المستفيضة، وفيها الصحيح (5)
وغيره (6).
خلافا للعامة (7) فجعلوا عدتها الوضع كالطلاق.

(1) المصدر السابق: 462، الباب 35 الحديث 4.
(2) المصدر السابق: الحديث 5.
(3) المقنعة: 536.
(4) الإنتصار: 114.
(5) الوسائل 15: 456، الباب 31 من أبواب العدد الحديث 3.
(6) المصدر السابق: الحديث 2.
(7) المجموع 18: 127.
133

وهو مع مخالفته الآية (1) هنا السليمة عن معارضة الآية (2) الأخرى في
اعتداد الحامل بالوضع مطلقا من حيث ظهورها في المطلقات جدا أخبارنا
برده منصوصة:
ففي الصحيح: عن المرأة الحبلى المتوفى عنها زوجها تضع وتزوج قبل أن
يخلو أربعة أشهر وعشرا، قال: إن كان زوجها الذي تزوجها دخل بها فرق
بينهما واعتدت ما بقي، من عدتها الأولى وعدة أخرى من الأخير، وإن لم يكن
دخل بها فرق بينهما واعتدت ما بقي من عدتها وهو خاطب من الخطاب (3).
ونحوه غيره (4).
* (ويلزمها الحداد) * ما دامت هي في العدة بالنص، والإجماع.
ففي المستفيضة وفيها الصحاح: المتوفى عنها زوجها تعتد من يوم يأتيها
الخبر، لأنها تحد (5).
وفي الموثق: عن المتوفى عنها زوجها، فقال: لا تكتحل للزينة، ولا تطيب،
ولا تلبس ثوبا مصبوغا، ولا تبيت عن بيتها، وتقضي الحقوق، وتمتشط
بغسله، وتحج وإن كانت في عدتها (6). ونحوه غيره في النهي عن الاكتحال
للزينة والتطيب ولبس الثوب المصبوغ (7).
* (وهو) * كما يستفاد منها * (ترك الزينة) * للعدول فيها عن الأمر بالحداد
إلى النهي عن الأمور المزبورة، الملازمة للزينة غالبا في العرف والعادة.

(1) البقرة: 234.
(2) الطلاق: 4.
(3) الوسائل 15: 456 الباب 31 من أبواب العدد الحديث 6.
(4) الوسائل 14: 346، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 9.
(5) الوسائل 15: 446، الباب 28 من أبواب العدد الحديث 3.
(6) الوسائل 15: 450، الباب 29 من أبواب العدد الحديث 2.
(7) المصدر السابق: الحديث 3.
134

وأوضح منها الخبر: المتوفى عنها زوجها ليس لها أن تطيب ولا تزين إلا
أن تنقضي عدتها أربعة أشهر وعشرة أيام (1)، للعدول فيه عن الأمر بالحداد
إلى النهي عن الزينة.
هذا، مع تفسيره بتركها في كلام جماعة عن أهل اللغة، فاللازم عليها ترك
ما يعد زينة عرفا من الثياب والأدهان والكحل والحنا والطيب وغير ذلك.
ويختلف ذلك باختلاف العادات، فلو فرض عدم عد استعمال الأمور
المزبورة في بعض العادات زينة كان محللا، تمسكا بالأصل، والتفاتا إلى
انصراف إطلاق النهي عن استعمالها في الروايات إلى العادة الجارية في
الأعصار الماضية من عد مثلها زينة.
ومنه يظهر الوجه في عدم لزوم ترك التنظيف، ودخول الحمام، وتسريح
الشعر، والسواك، وقلم الأظفار، والسكنى في المساكن العالية، واستعمال الفرش
الفاخرة، وغير ذلك مما لا يعد مثله في العرف والعادة زينة.
قالوا: ولا فرق في الحكم بين الصغيرة والكبيرة، والمسلمة والذمية، والمجنونة،
وظاهرهم الاتفاق عليه. وهو الحجة فيه إن تم دون النصوص، لانصرافها إلى
ما عدا الأولى والأخيرة، من حيث تضمنها توجه التكليف إلى نفس المرأة، لا
وليها كما قالوه فيهما، مع أن تكليفه بذلك مدفوع بالأصل، مع أن المحكي عن
الحلي العدم في الأولى (2) بعين ما مضى. وهو جار في الأخيرة أيضا.
ثم إن غاية ما يستفاد من الأدلة إجماعا ورواية (3) كون الحداد واجبا على
حدة لا شرطا في العدة، فلو أخلت به ولو عمدا إلى أن انقضت العدة حلت
للأزواج، ولكن تكون آثمة خاصة. وهو أصح القولين في المسألة.

(1) المصدر السابق: الحديث 4.
(2) السرائر 2: 739.
(3) الوسائل 15: 449، الباب 29 من أبواب العدد.
135

خلافا لنادر في العمد، فأبطل به العدة أيضا. وهو لمخالفته الأصل وإطلاق
الأدلة ضعيف البتة.
ثم إن الحكم مختص بالمتوفى عنها خاصة * (دون) * أقاربها و * (المطلقة) *
مطلقا رجعيا أو بائنا بلا خلاف، بل عليه الإجماع في الانتصار (1)، للأصل،
والمعتبرة: المطلقة تكتحل وتختضب وتطيب وتلبس ما شاءت من الثياب، لأن
الله تعالى يقول: " لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا " (2).
وأما الخبر: المطلقة تحد كما تحد المتوفى عنها زوجها ولا تكتحل ولا
تطيب ولا تختضب ولا تتمشط (3)، فضعيف سندا، غير مكافئ لما مر جدا، سيما
مع موافقته لمذهب أكثر العامة، ومنهم أبو حنيفة في البائنة (4).
وأما حمله على البائنة فيستحب - كما فعله الشيخ في التهذيبين (5) - فلا
وجه له أصلا.
* (ولا حداد على الأمة) * مطلقا على الأظهر الأشهر بين الطائفة ومنهم
الشيخ في النهاية (6)، للأصل، والصحيح: أن الحرة والأمة كلتيهما إذا مات عنهما
زوجهما سواء في العدة، إلا أن الحرة تحد والأمة لا تحد (7).
خلافا للطوسي (8) والحلي (9) فتحد أيضا، لإطلاق النبوي المرسل (10).

(1) الإنتصار: 154.
(2) الوسائل 15: 437، الباب 21 من أبواب العدد الحديث 2.
(3) الوسائل 15: 438، الباب 21 من أبواب العدد الحديث 5.
(4) المجموع 18: 185.
(5) التهذيب 8: 160، ذيل الحديث 555، والاستبصار 3: 352، ذيل الحديث 1256.
(6) النهاية 2: 491.
(7) الوسائل 15: 472، الباب 42 من أبواب العدد الحديث 2.
(8) المبسوط 5: 265.
(9) السرائر 2: 745.
(10) سنن البيهقي 7: 437.
136

وهو مع قصور السند وعدم المكافأة لما مر سيما الخبر - مقيد به لإطلاقه
بل ومنصرف (1) إلى الحرة، لكونها المتبادرة الغالبة فلا معارضة بين الخبرين
بالمرة.
* (السادس: في المفقود، لا خيار لزوجته إن عرف خبره) * بحياته أو
موته، بل عليها الصبر في الأول إلى مجيئه أو تحقق فوته. وعلى الحاكم الإنفاق
عليها من ماله إن أمكن الوصول إليه، وإلا طالبه بالنفقة بالإرسال إليه، أو إلى
من يخبره عليه، ومن بيت المال إن تعذر الأمران، مع عدم متبرع. وعليها عدة
الوفاة في الثاني، وحلت للأزواج بعدها، وحل لكل من شاركها في العلم
بالوفاة، أو اختص عنها بالجهل بها وبحالها أيضا، مع تعويله في الخلو عن
الزوج بدعواها نكاحها.
* (أو) * جهل خبره ولكن * (كان له ولي) * أو متبرع * (ينفق عليها) *
فلا خيار لها هنا أيضا بلا خلاف هنا وفيما مضى، للأصول المعتمدة مضافا
إلى النصوص الآتية.
* (ثم إن فقد الأمران) * فجهل خبره ولم يوجد من ينفق عليها، فإن صبرت
فلا بحث، وإن أبت فمقتضى الأصول وجوب الصبر عليها إلى ثبوت الوفاة، إلا
أن ظاهر الأصحاب الاتفاق على أنها إن لم تصبر * (ورفعت أمرها إلى
الحاكم) * جاز لها و * (أجلها أربع سنين) * من حين الرفع على الأظهر الأشهر
بين الأصحاب، لأكثر أخبار الباب. وما يستفاد منه التحديد من حين الفحص
ولو قبل الرفع فلا يعارضه بوجه أصلا، مع عدم إبائه عن الانطباق عليه.
وكيف كان يجب الفحص في تلك المدة، كما يستفاد من أكثر المعتبرة لا
بعدها، كما ربما يتوهم من بعضها.

(1) كذا، والأولى في العبارة: مقيد إطلاقه به، بل منصرف....
137

* (فإن وجده) * كان له حكمه * (وإلا) * بأن فقده ولم يعلم حاله * (أمرها
بعدة الوفاة ثم أباحها النكاح) * قيل: بلا خلاف (1) للموثق: عن المفقود، فقال:
إن علمت أنه في أرض فهي منتظرة له أبدا حتى يأتيها موته أو يأتيها طلاقه،
وإن لم تعلم أين هو من الأرض كلها أو لم يأتها منه كتاب ولا خبر فإنها تأتي
الإمام فيأمرها أن تنتظر أربع سنين، فيطلب في الأرض فإن لم يوجد له أثر
حتى تمضي أربع سنين أمرها أن تعتد أربعة أشهر وعشرا ثم تحل للرجال،
فإن قدم زوجها بعد ما تنقضي عدتها فليس عليها رجعة، وإن قدم وهي في
عدتها أربعة أشهر وعشرا فهو أملك برجعتها (2).
وظاهره - كالعبارة والشيخين (3) والقاضي (4) والحلي (5) كما حكي -
الاكتفاء في الاعتداد بالأمر به ولو من دون طلاق.
خلافا لجماعة من المتأخرين، تبعا للصدوق (6) والإسكافي (7) فأوجبوه،
لصريح المعتبرة:
منها الصحيح: عن المفقود كيف يصنع بامرأته؟ فقال: ما سكتت عنه
وصبرت يخل عنها، فإن هي رفعت أمرها إلى الوالي أجلها أربع سنين ثم
يكتب إلى الصقع الذي فقد فيه فيسأل عنه، فإن خبر عنه بحياة صبرت، وإن
لم يخبر عنه بشئ حتى تمضي الأربع سنين دعا ولي الزوج المفقود فقيل له:
هل للمفقود مال؟ فإن كان له مال أنفق عليها حتى يعلم حياته من موته، وإن
لم يكن له مال قيل للولي: أنفق عليها، فإن فعل فلا سبيل لها إلى أن تتزوج

(1) القائل هو كشف اللثام 2: 142 س 22.
(2) الوسائل 14: 390، الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
(3) المقنعة: 537، النهاية 2: 494.
(4) المهذب 2: 338.
(5) السرائر 2: 736.
(6) المقنع: 119.
(7) كما في المختلف: ج 7 ص 382.
138

ما أنفق عليها، وإن أبى أن ينفق عليها أجبره الوالي على أن يطلق تطليقة
في استقبال العدة وهي طاهر، فيصير طلاق الوالي طلاق الزوج، فإن جاء
زوجها من قبل أن تنقضي عدتها من يوم طلقها الوالي فبدا له أن يراجعها
فهي امرأته وهي عنده على تطليقتين، وإن انقضت العدة قبل أن يجئ ويراجع
فقد حلت للأزواج، ولا سبيل عليها (1). ونحوه الصحيح وما يقرب منه (2).
وهو الأصح، وعليها تحمل الموثقة (3)، لعدم صراحتها في عدم الطلاق،
فيقبل ذلك، كقبول هذه الروايات حمل العدة فيها على عدة الوفاة، كما صرح
بها في الموثقة، لعدم التصريح فيها بعدة المطلقة، ولذا اتفق الكل على اعتبار
عدة الوفاة.
وقصور الموثقة سندا وعددا عن المقاومة للمعتبرة منجبر بالشهرة
العظيمة، بل وفاق الطائفة، كما حكاه بعض الأجلة (4). فمخالفة من ندر في
العدة واعتباره عدة الطلاق دون الوفاة فاسدة البتة.
قيل: وتظهر الثمرة في المدة والحداد والنفقة (5). فيجب الأخير على عدة
الطلاق دون الوفاة بعكس الثاني كما قيل (6).
وفيه نظر، لتصريح بعض من صرح بعدة الوفاة هنا بعدم لزوم الحداد (7)،
للأصل، واختصاص ما دل على لزومه بحكم التبادر بصورة تيقن الموت لا
مطلقا. وهو الأظهر.
وانتفاء النفقة على تقدير الثاني حسن مع استمرار الجهل أو تحقق الموت،

(1) الوسائل 15: 389، الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه الحديث 1.
(2) المصدر السابق: الحديث 4.
(3) المصدر السابق: الحديث 5.
(4) كشف اللثام 2: 142 س 23.
(5) الروضة 6: 67.
(6) القائل هو الإيضاح 3: 354.
(7) لم نعثر عليه.
139

أما مع تحقق البقاء وحضوره قبل انقضاء العدة ففيه إشكال، من كونها عدة
بينونة فلا نفقة، ومن كونها في حباله ولا نشوز منها، فتجب النفقة. وهو
الأولى، وفاقا لبعض أصحابنا.
وكيف كان * (فإن جاء في العدة فهو أملك بها) * وإن حكم بكونها عدة
وفاة بائنة بلا خلاف، للأصل، وصريح ما مضى من المعتبرة.
* (و) * يستفاد منها أنه لا يصير أحق بها إلا مع الرجعة، فلو لم يرجع
بانت منه. ووجهه أن ذلك لازم حكم الطلاق الصحيح.
ثم المستفاد منها أيضا أنها * (إذا خرجت) * من العدة * (وتزوجت فلا
سبيل له) * عليها، مضافا إلى الإجماع عليه كما حكاه جماعة من أصحابنا.
* (و) * أما * (إن خرجت) * منها * (ولم تتزوج فقولان، أظهرهما) *
وأشهرهما * (أنه لا سبيل له عليها) * هنا أيضا، للحكم ببينونتها شرعا.
فالسبيل حينئذ مخالف للأصل جدا، مع دلالة النصوص الماضية عليه صريحا.
والقول الثاني للطوسي في النهاية (1) مدعيا هو كالماتن في الشرائع (2) أن
به رواية. ولم نقف عليها، وقد صرح به جماعة، فهو ضعيف كضعف ما علل به
- من بطلان ظن وفاته، فيبطل ما يترتب عليه - أولا: بأنه يتجه لو لم يوجب
طلاقها بعد البحث، أما معه كما مضى فلا. وثانيا: بإمكان المناقشة فيه على
تقدير عدم إيجابه والاكتفاء بأمر الشارع بالاعتداد فإنه قائم مقام الطلاق، ولذا
صح لها النكاح، وانتفى سبيله عنها بعده بلا خلاف.
هذا، مع أنه اجتهاد صرف في مقابلة النص، سيما الموثق (3)، لتصريحه
بالحكم المزبور مع ظهوره في الاكتفاء المذكور.

(1) النهاية 2: 495.
(2) الشرائع 3: 39.
(3) الوسائل 14: 390، الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
140

ومن هنا يظهر وجه القدح في القول بالتفصيل بأنها إن بانت بالطلاق
فالأول، وإن بانت بأمر الحاكم فالثاني.
* (السابع: في عدة الإماء والاستبراء) * وهو لغة طلب البراءة، وشرعا
التربص بالمرأة مدة بسبب ملك اليمين حدوثا أو زوالا لبراءة الرحم، أو تعبدا.
هذا هو الأصل. وإلا فقد يجب الاستبراء بغير ذلك، كأن وطأ أمة غيره
شبهة. وخص بهذا الاسم، لأن التربص مقدر بما يدل على البراءة من غير
تكرير وتعدد فيه، بخلاف التربص الواجب بسبب النكاح فإنه مأخوذ من
العدد لما يقع فيه من تعدد الأقراء والشهور، فخص باسم العدة وحكمه مضى
في بحث التجارة. بقي حكم العدة.
فنقول: * (عدة الأمة في الطلاق) * ونحوه * (مع الدخول) * بنكاح أو شبهة
هذا القيد مستدرك. كيف لا! ولا عدة على من لم يدخل بها مطلقا، كما مضى.
وكيف كان عدتها * (قرءان) * بالنص وإجماع علماء الإسلام، إلا داود
فجعل عدتها ثلاثة أقراء (1)، وهو مسبوق بالإجماع، وملحوق به، مضافا إلى
أنها تكون على النصف مما عليه الحرة في الأحكام.
والقرء لا يتبعض، وإنما يظهر نصفه إذا ظهر كله بعود الدم، وفي النبوي:
يطلق العبد تطليقتين وتعتد الأمة بقرءين (2)، ونحوه الباقري المروي
صحيحا (3).
* (وهما) * أي القرآن * (طهران على الأشهر) * بين الأصحاب، لتفسير
القرء بقول مطلق بما بين الحيضتين في الصحاح المستفيضة، المتقدم إليها
الإشارة في عدة الحرة، وعليه يكون المراد بالقرءين في الخبرين الطهرين.

(1) الحاوي الكبير 11: 223.
(2) الحاوي الكبير 11: 224.
(3) الوسائل 15: 469، الباب 40 من أبواب العدد الحديث 2.
141

خلافا للإسكافي (1) والعماني (2) على احتمال فحيضتان، لصريح الصحيحين
وغيرهما: طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان (3)، وحملت الحيضة الثانية
على الدخول فيها. ولا بأس به، جمعا بين الأدلة.
وإن كان المصير إلى هذا القول لولا الشهرة العظيمة بخلافه في غاية القوة،
لعدم معارض لتلك المعتبرة الصريحة صريحا، إلا ظواهر تلك المستفيضة
المطلقة القابلة للتقييد بالحرة، وجعل الألف واللام فيها إشارة إلى أقرائها
المذكورة في الآية (4).
وهذا الجمع أقوى مما ذكر بالبديهة، والاحتياط العمل به البتة. كل ذا إذا
كانت ذات عادة مستقيمة.
* (و) * أما * (لو كانت مسترابة) * بالحيض فلا تحيض وهي في سن من
تحيض * (ف‍) * عدتها * (خمسة وأربعون يوما) * إن طلقت في أثناء الشهر أو في
أوله وكان الشهر تاما. وأما إذا فقد الأمران كأن طلقت في الأول ونقص
الشهر فأربعة وأربعون يوما، نظرا إلى قاعدة التنصيف المستفادة من
العمومات، وخصوص الصحيح هنا: عدة الأمة حيضتان، وإذا لم تكن تحيض
فنصف عدة الحرة (5)، والصحيح: أجلها شهر ونصف (6)، ونحوهما غيرهما من
المعتبرة (7).
ويحتمل قويا حمل إطلاق بعض الفتاوى كالعبارة وغيرها على ذلك

(1) كما في المختلف: ج 7 ص 524.
(2) كما في التنقيح 3: 351.
(3) الوسائل 15: 469، الباب 40 من أبواب العدد الحديث 1 و 5.
(4) الطلاق: 4.
(5) الوسائل 15: 470، الباب 40 من أبواب العدد الحديث 3.
(6) المصدر السابق: الحديث 2.
(7) المصدر السابق: 473، الباب 42 الحديث 10.
142

بورودها مورد الغالب، وهو وقوع الطلاق في أواسط الشهر أو أوله مع غلبة
تماميته، ونحوه الكلام فيما أطلق فيه العدد في العبارة من المعتبرة، كالموثق: عدة
الأمة التي لا تحيض خمسة وأربعون يوما (1)، مع قصوره عن المقاومة، لما مر
سندا وعددا. ولكنه أحوط.
وأما الصحيح: عن الأمة إذا طلقت ما عدتها، قال: حيضتان أو شهران (2)
فشاذ لا عمل عليه، يمكن حمله على ما حمل عليه صدره، ولعله بمعونة الإجماع
هنا قرينة واضحة على صحة الحمل في الصدر من إرادة الدخول في الحيضة
الثانية. فيقوى القول المشهور في المسألة السابقة.
ولا ينافي الإجماع هنا احتياط الإسكافي بالشهرين (3) كما حكي، لظهور
الاحتياط في الاستحباب الغير، المنافي لما عليه الأصحاب، وعلى تقدير المنافاة
فلا قدح عليه أيضا، لمعلومية نسبه.
ولو كانت مسترابة بالحمل كان عليها الصبر بأشهر تسعة، وفاقا لشيخنا
العلامة (4) وبعض الأجلة، التفاتا إلى ظواهر النصوص (5) الآمرة به في الحرة،
التي هي كالصريحة في أن الصبر في تلك المدة لاستعلام البراءة.
ولا يتفاوت فيه الحرة والأمة، لكن ظاهرها أن الصبر في تلك المدة ليس
للعدة، بل إنما هو لمعرفة البراءة، وأما العدة فهي الأشهر الثلاثة التي بعدها.
وبمقتضى ذلك يجب عليها الصبر هنا بعد التسعة بشهر ونصف البتة، إلا أني
لم أقف على مفت بذلك، بل هم ما بين مفت بتسعة ومصرح بعدم وجوبها
والاكتفاء بأشهر ثلاثة، التفاتا إلى ظهور الحمل في هذه المدة، واختصاص

(1) المصدر السابق: الحديث 7.
(2) المصدر السابق: الحديث 1.
(3) كما في المختلف: ج 7 ص 524.
(4) المختلف: ج 7 ص 525.
(5) الوسائل 15: 441، الباب 25 من أبواب العدد.
143

الآمرة بالزيادة بالحرة. والمناقشة فيه بعد ما عرفت واضحة.
وأما لو كانت حاملا فعدتها كالحرة بوضع الحمل، وفاقا لجماعة، بل
حكي عليه الإجماع، لعموم آية " وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن " (1).
ولا يتفاوت الحكم في جميع ذلك باختلاف الأزواج بالحرية والرقية، بل
يعم الصورتين * (تحت عبد كانت أو تحت حر) * بلا خلاف، لعموم الأدلة.
ومقتضاها أيضا عموم الحكم لكل أمة، قنا كانت أو مدبرة أو مكاتبة أو
أم ولد زوجها مولاها فطلقها الزوج.
وأما المبعضة، فليست داخلة في عموم الأدلة، لعدم التبادر، وكونها من
الأفراد النادرة، فتعتد عدة الحرة لدخولها في أدلتها، لعين ما مر من المناقشة،
بل للاقتصار فيما خالف أصالة بقاء أحكام الزوجية التي منها حرمة النكاح
من الغير على المتيقن من العدة، وهي عدة الحرة بلا خلاف، مضافا إلى إشعار
بعض العبارات بالإجماع عليه.
* (ولو أعتقت) * الأمة * (ثم طلقت لزمها عدة الحرة) * إجماعا، لأنها
حينئذ حرة * (وكذا لو طلقها رجعيا ثم أعتقت في) * أثناء * (العدة أكملت عدة
الحرة، ولو طلقها بائنا أتمت عدة الأمة) * بلا خلاف بين الطائفة في المقامين،
للصحيحين (2) المطلقين في العدتين.
لكن يجمعهما - بعد الوفاق المفصل - المعتبر سندا بالعمل ووجود المجمع
على تصحيح رواياته فيه فلا يضر جهالة راويه: في أمة تحت حر طلقها على
طهر بغير جماع تطليقة ثم أعتقت بعد ما طلقها بثلاثين يوما ولم تنقص عدتها،
قال: إذا أعتقت قبل أن تنقضي عدتها اعتدت عدة الحرة من اليوم الذي طلقها

(1) الطلاق: 4.
(2) الوسائل 15: 483، الباب 50 من أبواب العدد الحديث 3 و 4.
144

وله عليها الرجعة قبل انقضاء العدة، فإن طلقها تطليقتين واحدة بعد واحدة
ثم أعتقت قبل انقضاء عدتها فلا رجعة له عليها وعدتها عدة الأمة (1).
وهو وإن لم يدل على عموم الحكم في البائنة مطلقا صريحا إلا أنه ربما
يستشعر من صدره بل وذيله اشتراط جواز الرجعة في ثبوت عدة الحرة،
ودورانه مداره، مع عدم القائل بالفصل في أنواع المطلقة البائنة.
ووجه التفصيل زيادة على الرواية بأنها في الأول في حكم الزوجة وقد
أعتقت فيلزمها عدة الحرة، وفي الثاني في حكم الأجنبية فلا يقدح عتقها في
العدة في الحكم عليها بعدة البائنة.
* (وعدة الذمية) * التي ليست بأمة * (كالحرة) * المسلمة * (في) * كل من
* (الطلاق والوفاة على الأشبه) * الأشهر بين الطائفة، بل ادعى عليه الوفاق
بعض الأجلة (2). وهو الحجة، مضافا إلى عموم الكتاب والسنة، مضافا إلى
خصوص المعتبرة في العدة الأخيرة.
منها الصحيح: عن النصرانية مات عنها زوجها وهو نصراني ما عدتها؟
قال: عدة الحرة المسلمة أربعة أشهر وعشرا (3). ونحوه الموثق (4).
إلا أنه صريح في أن عدتها في الطلاق عدة الإماء، معللا بأنهن مماليك
الإمام، ولأجل هذا التعليل لا يمكن حمله على كون النصرانية المسؤول عنها
أمة لا مطلقا. وهذا التعليل مستفيض في النصوص لأجله تنهض بالدلالة على
المستفادة من هذه الموثقة: من أن عدتها في الطلاق عدة الأمة، مع تأيده بمفهوم
الخبرين.

(1) المصدر السابق: الحديث 2.
(2) لم نعثر على قائله ونقله في نهاية المرام 2:. 11.
(3) الوسائل 15: 478، الباب 45 من أبواب العدد الحديث 2.
(4) المصدر السابق: الحديث 1.
145

أحدهما الصحيح: في أم ولد لنصراني أسلمت أيتزوجها المسلم، قال: نعم،
وعدتها من النصراني إذا أسلمت عدة الحرة المطلقة ثلاثة أشهر أو ثلاثة
قروء (1)، الخبر.
وأظهر منه الثاني: عدة العلجة إذا أسلمت عدة المطلقة إذا أرادت أن
تتزوج غيره (2). إلا أن فيه قطعا، وجهالة.
وفي الصحيح وما تقدمه من الموثقة والتعليل المأثور في المستفيضة قصورا
عن المقاومة، لما مر من عموم الكتاب والسنة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي
كادت تكون إجماعا، بل إجماع في الحقيقة، كما حكاه بعض الأجلة (3). ومع
ذلك مؤيدة بأصالة بقاء حرمة الزوجية، مضافا إلى ندرة القائل بما في الموثقة،
بل لم نقف عليه بالمرة، وقد صرح بذلك جماعة ونص بعضهم بأنها مطرحة (4).
وما هذا شأنه لا سبيل للعمل به البتة.
* (وتعتد الأمة) * غير ذات الولد من مولاها * (من الوفاة) * وفاة الزوج
* (بشهرين وخمسة أيام) * عند أكثر القدماء والمتأخرين، بل لعله عليه عامتهم
إلا من ندر من متأخريهم، لقاعدة التنصيف مما عليه الحرة، وللصحاح
المستفيضة وغيرها من المعتبرة بنفسها في بعض، وبالشهرة العظيمة في آخر.
ففي الصحيح: الأمة إذا توفي عنها زوجها فعدتها شهران وخمسة أيام (5).
خلافا للصدوق (6) والحلي (7) وظاهر الكليني (8) فكالحرة، للصحاح

(1) المصدر السابق: 478، الباب 46 الحديث 1.
(2) الوسائل 15: 479، الباب 46 من أبواب العدد الحديث 2.
(3) قاله في نهاية المرام 2: 110.
(4) التنقيح 3: 352.
(5) الوسائل 15: 473، الباب 42 من أبواب العدد الحديث 9.
(6) المقنع: 121.
(7) السرائر 2: 735.
(8) الكافي 6: 170.
146

المستفيضة وغيرها من المعتبرة، إلا أن بعضها مختص بذات الولد من المولى،
وسيأتي إليه الإشارة.
وفي الصحيح: كل النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة، حرة كانت أو أمة،
أو على أي وجه كان النكاح منه، متعة أو تزويجا أو ملك يمين، فالعدة أربعة
أشهر وعشر، الخبر (1).
وفيه: أن الحرة والأمة كلتيهما إذا مات عنهما زوجهما سواء في العدة، إلا أن
الحرة تحد والأمة لا تحد (2).
وفي القوي: عدة المملوكة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة
أيام (3).
وحملت هذه الروايات في المشهور بين المتأخرين بذات الولد من الموالي
والأخبار المتقدمة بغيرها، جمعا، والتفاتا إلى الصحيحين الآتيين الصريحين
في اعتداد ذات الولد بعدة الحرة.
وفيه نظر، لأنه فرع التكافؤ، وليس، لمخالفة الأخبار الأولة لظاهر إطلاق
الكتاب (4)، وموافقتها للتقية، كما حكاه خالي العلامة طاب ثراه (5). ومع ذلك
فإن بعض الروايات الأخيرة كالصريح في العموم لغير ذات الولد، ومع ذلك
فإن هذه الأخبار معتضدة بإطلاق كثير من المعتبرة باعتداد الزوجة على
الإطلاق أربعة أشهر وعشرا الشاملة للحرة والأمة، وبما مضى من اعتداد
المتعة في الوفاة بعدة الحرة، الظاهرة في الدلالة على الحكم في المسألة بضميمة

(1) الوسائل 15: 484، الباب 52 من أبواب العدد الحديث 2.
(2) المصدر السابق: 472، الباب 42 الحديث 2.
(3) المصدر السابق: 473، الباب 42 الحديث 5.
(4) في " مش، ش ": والسنة.
(5) ملاذ الأخيار 13: 298.
147

صحيحة زرارة أن على المتعة ما على الأمة (1)، ومؤيدة بما مضى في المسألة
السابقة من المعتبرة الصريحة في أن عدة الذمية في الوفاة كعدة الحرة، مع
تصريح بعضها بالحكم في الأمة، وأنها كذلك أيضا، وبأن الذمية أمة
للإمام (عليه السلام)، كما صرحت به المعتبرة الأخر.
فيرجع دلالتها بمعونة التعليل إلى أن كل أمة حكمها في عدة الوفاة
كالذمية التي هي أمة.
وليس في الرواية الأولة من المرجحات سوى الشهرة العظيمة في خلاف
هذا القول، ولعلها بمجردها غير مكافئ لما في هذه الروايات من المرجحات
المذكورة، المورثة للظن القوي غاية القوة، ومع ذلك فالاحتياط بمراعاتها البتة،
بل لا يجوز العدول عنه، تمسكا بأصالة الحرمة.
وأما الاستشهاد بالصحيحين على التفصيل فليس في محله، إذ غايتهما
إثبات الحكم في ذات الولد، وهو غير ملازم لنفيه عما عداها، إلا بنوع من
التوجيه المتمشى في أحدهما خاصة قد قررناه في بحث عدة المتعة. ولكنه
معارض بما في ذيله المنافي له، المشعر بالعموم، كما يأتي. كل ذا إذا كانت حائلا.
* (ولو كانت حاملا اعتدت مع ذلك) * وهو العدد شهران (2) وخمسة أيام
* (بالوضع) * بأن تجعل العدة أبعدهما إجماعا حكاه جماعة، جمعا بين عمومي
الآية " وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن " (3) مع عدم مخصص لها
صريحا، وما قدمناه من المعتبرة باعتبار المدة بحملها على الحائل أو الحامل
التي تضع في أقل من المدة، وحمل الآية على غيرها. كل ذا في الأمة غير ذات
الولد من المولى.

(1) الوسائل 15: 485، الباب 53 من أبواب العدد الحديث 2.
(2) كذا في النسخ عندنا والصواب: شهرين.
(3) الطلاق: 4.
148

* (و) * أما * (أم الولد) * منه ف‍ * (تعتد من وفاة الزوج) * مطلقا كانت ذات
ولد منه أم لا إجماعا * (كالحرة) * على الأظهر الأشهر، بل لعله عليه عامة من
تأخر لعموم الأدلة المتقدمة من الكتاب والسنة، السليمة عن معارضة الأخبار
المتقدمة باعتدادها بالنصف مما على الحرة، لاختصاصها بحكم التبادر والغلبة
بغير ذات الولد البتة، مضافا إلى الصحيحين.
في أحدهما: عن رجل كانت له أم ولد فتزوجها من رجل فأولدها غلاما
ثم إن الرجل مات فرجعت إلى سيدها أله أن يطأها؟ قال: تعتد من الزوج
أربعة أشهر وعشرا، ثم يطأها بالملك من غير نكاح (1).
وفي الثاني: أن عليا (عليه السلام) قال في أمهات الأولاد: لا يتزوجن حتى يعتددن
أربعة أشهر وعشرا وهن إماء (2).
وهما مع صحتهما وصراحتهما في المطلوب واعتضادهما بالأصول
والعمومات معتضدان بالشهرة العظيمة المتأخرة، التي كادت تكون إجماعا،
ومع ذلك سليمان عما يصلح للمعارضة لما مر إليه الإشارة.
وليس فيهما إشارة إلى التقييد بذات الولد المستلزم للنفي عما عداها.
نعم في الثاني ربما كان فيه دلالة عليه من حيث وقوع السؤال في صدرها
عن عدة مطلق الأمة، واختصاص الجواب المتضمن لعدة الحرة بأم الولد،
المشعر بذلك.
وفيه نظر، إذ هو حيث لا يمكن استفادة حكم مطلق الأمة منه، وليس إلا
مع فقد قوله في الذيل: " وهن إماء " المشعر بالعموم وورود الحكم على مطلق
الأمة، وكأنه (عليه السلام) أراد بيان حكم مطلق الأمة بقضية علي (عليه السلام) في أمهات الولد،

(1) الوسائل 15: 472، الباب 42 من أبواب العدد الحديث 3.
(2) المصدر السابق: الحديث 1.
149

لكن لما كان ربما يتوهم منه الاختصاص بهن ذكر (عليه السلام) أن حكمه عليهن كان
في حال كونهن إماء، ولسن بحرائر، وهذه الحالة بعينها موجودة في فاقدة الولد.
وكيف كان فاعتداد ذات الولد بعدة الحرة ليس محل شبهة وإن حكي عن
أكثر القدماء المخالفة والاعتداد بنصف ما على الحرة، إلا أنها ضعيفة البتة.
ثم إن ظاهر العبارة عدم اعتداد أم الولد من المولى من موته بتلك المدة،
بل اعتدادها بها من موت الزوج خاصة، وحكي عن الحلي (1) صريحا، مع
حكمه بأن عليها الاستبراء خاصة، ونفى عنه البأس في المختلف (2)، وجزم به
في موضع من التحرير شيخنا العلامة (3)، للأصل، واختصاص العدة بالزوجة.
وفيه نظر، للمنع عنهما بعد ورود المعتبرة باعتداد الأمة من موت المولى
عدة الحرة، منها الصحيح السابق: في أمهات الأولاد لا يتزوجن حتى يعتددن
أربعة أشهر وعشرا، وهو نص في أم الولد، وعام لموت الموالي والأزواج.
ولعله ظاهر في الأول، ويؤيده الصحيح المتقدم المعمم للحكم في كل
زوجة وموطوء ولو بالملك. والصحيح: يكون الرجل تحته السرية فيعتقها،
فقال: لا يصلح لها أن تنكح حتى تنقضي ثلاثة أشهر، وإن توفي عنها مولاها
فعدتها أربعة أشهر وعشرا (4). والموثق: عن الأمة يموت سيدها، فقال: تعتد
عدة المتوفى عنها زوجها (5). وفي الخبر بل الحسن: في الأمة إذا غشيها سيدها
ثم أعتقها فإن عدتها ثلاث حيض، فإن مات عنها فأربعة أشهر وعشرا (6).
وفي الاستدلال بهذه الرواية مع قصور سندها وكذا بالصحيحة الثانية

(1) السرائر 2: 735.
(2) المختلف: ج 7 ص 483.
(3) التحرير 2: 74 س 31.
(4) الوسائل 15: 474، الباب 43 من أبواب العدد الحديث 1.
(5) المصدر السابق: 472، الباب 42 الحديث 4.
(6) المصدر السابق: 475، الباب 43 الحديث 5.
150

كما وقع عن جماعة نظر، لظهورهما في الاعتداد بعدة الحرة بعد أن صارت
معتقة، وليستا حينئذ من محل البحث في شئ، بل لموردهما حكم على حدة
تأتي إليه الإشارة.
فانحصر الأدلة في الصحيحين الأولين، والموثقة، وهي كافية في الحجة،
سيما مع اعتضادهما بالشهرة، كما يظهر من بعض الأجلة (1)، وحكي عن
الطوسي (2) والحلبي (3) وابن حمزة (4) وموضع من التحرير (5) وشيخنا الشهيد
في اللمعة (6)، واختاره من المتأخرين عنهم جماعة، مدعين كون تلك المعتبرة
عن المعارض سليمة، وليس كذلك، فإن الرواية الأخيرة ظاهرة في اشتراط
الغشيان ثم الإعتاق في الاعتداد بالمدة المزبورة، ولازمه عدمه بعدم الإعتاق.
وحيث لا قائل بعد ثبوت العدم بعدة أخرى سوى الاستبراء استقر
دلالتها بعدم الاعتداد مطلقا، مع عدم الإعتاق، كما هو مفروض البحث.
وسند الرواية ليس بذلك الضعف، بل ربما يعد من الحسن، ومع ذلك
معتضد بالأصل المتيقن، وعمومات ما دل على أن على الأمة الاستبراء خاصة
من دون تفصيل بين موت مواليهن وعدمه، ومؤيد بموافقته فتوى من لا يرى
العمل بأخبار الآحاد.
فالقول به لا يخلو عن قوة، إلا أن الشهرة في جانب الأخبار السابقة ربما
غلبت المرجحات المزبورة، مع الاعتضاد بأصالة بقاء الحرمة. فهو الأقوى
في المسألة، إلا أن منشأ القوة إنما هو الشهرة فلتدر مدارها وإنما هو ذات الولد
خاصة.

(1) الحدائق 52: 514.
(2) انظر المبسوط 5: 284.
(3) الكافي في الفقه: 313.
(4) الوسيلة: 328.
(5) التحرير 2: 96 س 15.
(6) اللمعة: 125.
151

وأما غيرها كالأمة المحضة الغير المتشبثة بذيل الحرية فإن المشهور أن
عليها الاستبراء خاصة، عملا بما قدمناه من الأدلة.
خلافا للطوسي (1) فساوى بينهما في العدة، عملا باطلاق تلك المعتبرة (2).
وهي مع عدم الشهرة غير مكافئة لأصالة البراءة والعمومات السابقة، مع
مفهوم الرواية المتقدمة، المعتضدة جميع ذلك هنا بالشهرة العظيمة، فيخص بها
عموم الصحيحة (3) والموثقة (4)، ويجعل المراد منها أمهات الأولاد خاصة.
ومفهوم الرواية السابقة وإن عمت أمهات الأولاد، إلا أنها مخصصة بغيرهن
بعموم الصحيحة المتقدمة فيهن، الشاملة لذوات الأزواج وغيرهن. فتأمل.
ولعل هذا هو وجه الحكمة في عدم موافقة أحد من الطائفة للشيخ في
المسألة، ولا عجب كما ذكره بعض الأجلة (5).
ثم كل ذا إذا لم تكن حين وفاته مزوجة، وإلا فلا عده عليها من وفاته
بإجماع الطائفة كما حكاه جماعة، للأصل، واختصاص المثبتة من المعتبرة (6)
بحكم التبادر بالضرورة.
ثم ظاهر اشتراط الغشيان في الرواية السابقة أنه لا عدة عليها مع عدمه،
ونحوها المعتبر بل الصحيح: في المدبرة إذا مات مولاها أن عدتها أربعة أشهر
وعشرا من يوم يموت سيدها إذا كان سيدها يطأها، الخبر (7).
وهو وإن كان مورده المدبرة إلا أنه بالفحوى يدل على الحكم في المسألة،

(1) التبيان 2: 262.
(2) الوسائل 15: 472، الباب 42 من أبواب العدد الحديث 1.
(3) الوسائل 15: 475، الباب 43 من أبواب العدد الحديث 5.
(4) المصدر السابق: الحديث 7.
(5) المسالك 9: 306 و 307.
(6) الوسائل 15: 472، الباب 42 من أبواب العدد الحديث 4.
(7) المصدر السابق: 475، الباب 43 الحديث 7.
152

فإنها مع حريتها إذا كانت لا تعتد بالأربعة أشهر وعشرا فالأولى أن لا تعتد
بها مع رقيتها جدا. وهو ظاهر الفتاوى أيضا، لاختصاصها بالمدخول بها
دون غيرها.
وبهما يقيد إطلاق ما مضى من المعتبرة، مع أنها المتبادرة منهما خاصة،
لكن هذا في العدة عن عدة وفاة المولى. وأما الزوج فالحكم عام للمدخول
وغيرها قطعا، لإطلاق النص والفتوى، مع عدم معارض لهما أصلا.
* (و) * يتفرع على ما ذكرناه من اعتداد الأمة ذات الولد من وفاة الزوج
بعدة الحرة وغيرها بعدة الأمة: أنه * (لو طلقها) * أي ذات الولد * (الزوج) *
طلاقا * (رجعيا ثم مات وهي في العدة استأنفت عدة الحرة) * لأنها بمنزلة
الزوجة، ويدل عليه إطلاق أكثر المعتبرة (1) بإثبات هذا الحكم في الحرة
المطلقة المتوفى عنها زوجها في عدتها الرجعية.
* (و) * لازم ذلك أنها * (لو لم تكن ذات ولد استأنفت عدة الأمة للوفاة) *
وأنها لو طلقت بائنة استمرت على عدتها السابقة، لعين ما ذكرناه في الحرة
المتوفى عنها زوجها في العدة البائنة من الأصل وغيره، سوى الرواية، لظهور
اختصاصها بحكم السياق بالحرة دون الأمة، ولكن فيما عداها كفاية، مع
إمكان الاستدلال لها بفحواها، كما لا يخفى. فتأمل جدا.
* (ولو مات زوج الأمة) * غير ذات الولد * (ثم أعتقت) * في العدة * (أتمت
عدة الحرة تغليبا لجانب الحرية) * واستصحابا للحرمة السابقة، والتفاتا إلى
عموم الأدلة من الكتاب (2) والسنة (3) باعتداد مطلق الزوجة حرة كانت

(1) الوسائل 15: 463، الباب 36 من أبواب العدد.
(2) البقرة: 234.
(3) الوسائل 15: 451، الباب 30 من أبواب العدد.
153

أو أمة بأربعة أشهر وعشرا، خرجت منه الأمة المحضة الغير المعتقة بالمرة
بأخبارها الماضية، المختصة على تقدير تسليمها بها من حيث التبادر جدا.
مضافا إلى خصوص بعض النصوص هنا كالصحيح: في أمة طلقت ثم
أعتقت قبل أن تنقضي عدتها، قال: تعتد بثلاثة حيض، فإن مات عنها زوجها
ثم أعتقت قبل أن تنقضي عدتها فإن عدتها أربعة أشهر وعشرا (1). ونحوه
غيره (2).
* (ولو وطئ المولى أمته ثم أعتقها) * في حياته * (اعتدت بثلاثة قروء) * إن
كانت غير مسترابة، وتعتد هي بالأشهر الثلاثة على الأظهر الأشهر بين
الطائفة، للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة:
ففي الصحيح: في المدبرة إذا مات مولاها أن عدتها أربعة أشهر وعشرا
من يوم يموت سيدها إذا كان سيدها يطأها، قيل له: فالرجل يعتق مملوكته
قبل موته بساعة أو بيوم ثم يموت، فقال: هذه تعتد بثلاثة حيض أو ثلاثة
قروء من يوم أعتقها سيدها (3).
وبمعناه الخبران الآخران: في اعتبار الاعتداد بالأقراء (4).
وفي الصحيحين وغيرهما: لا يصلح للسرية المعتقة أن تنكح حتى تنقضي
عدتها ثلاثة أشهر (5).
خلافا للحلي (6)، فأوجب الاستبراء خاصة، لما مضى من الأدلة قريبا.
وهي مخصصة بهذه النصوص، التي هي مع صحة أكثرها واعتبار باقيها

(1) الوسائل 15: 482، الباب 50 من أبواب العدد الحديث 1.
(2) المصدر السابق: الحديث 2.
(3) المصدر السابق: 475، الباب 43 الحديث 7.
(4) المصدر السابق: الحديث 5 و 6.
(5) المصدر السابق: الحديث 1 و 4 و 8.
(6) السرائر 2: 735.
154

معتضدة بالشهرة ومؤيدة بأصالة بقاء الحرمة، ولذا لم يوافقه أحد من الطائفة.
فخلافه ضعيف كضعف خلافه فيما يستفاد من الصحيحة الأولى من
اعتداد المدبرة الموطوءة من وفاة المولى بأربعة أشهر وعشرا (1).
وهي مع صحة سندها واعتضادها بالشهرة المحكية وتأيدها بالأصالة
المتقدمة معتضدة بإطلاق كثير من المعتبرة:
منها الصحيح: الرجل يكون تحته السرية فيعتقها، فقال: لا يصلح لها أن
تنكح حتى تنقضي عدتها ثلاثة أشهر، وإن توفي عنها مولاها فعدتها أربعة
أشهر وعشرا (2).
وقيده وعبره أكثر الأصحاب تبعا للشيخ (3) بالتدبير.
وفيه نظر، لأنه كالنص في العتق المنجز.
وأصرح منه المرسل كالصحيح، إلا أن فيه قطعا: في رجل أعتق أم ولده
ثم توفي عنها قبل أن تنقضي عدتها، قال: تعتد بأربعة أشهر وعشرا، وإن
كانت حبلى اعتدت بأبعد الأجلين (4). فتأمل.
والعمل بهما أحوط، سيما مع تأيدهما بإطلاق الخبرين، بل ظاهرهما.
في أحدهما: في الأمة إذا غشيها سيدها ثم أعتقها فإن عدتها ثلاث حيض،
فإن مات عنها فأربعة أشهر وعشرا (5).
وفي الثاني: عن رجل أعتق وليدته عند الموت، فقال: عدتها عدة الحرة
المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا (6).
ولكن في تعين المصير إليهما نظر، لعدم مكافأتهما لما مر من الصحيح

(1) الوسائل 15: 475، الباب 43 من أبواب العدد الحديث 7.
(2) المصدر السابق: 474 الحديث 1.
(3) الاستبصار 3: 349 ذيل الحديث 1246.
(4) الوسائل 15: 476، الباب 43 من أبواب العدد الحديث 9.
(5) المصدر السابق: الحديث 5.
(6) المصدر السابق: الحديث 6.
155

المصرح بعدم الاعتداد بعدة الوفاة، مع تنجز الإعتاق المعتضد بفتوى أكثر
الأصحاب، وإطلاق ما مر من النصوص من اعتداد الأمة المطلقة بالإعتاق
بالأقراء أو الأشهر من دون تفصيل بين موت المولى وعدمه، مضافا إلى
قصور الأخبار الأخيرة بالقطع في الأول، والضعف على الأشهر في الثاني، وبلا
خلاف في الثالث، مع ورود خبرين منها في أم الولد، المحتمل قولهم بذلك فيها،
ومخالتهما الاعتبار من حيث إن الإعتاق كالطلاق البائن ومن في حكمه، كما مر
عدم استئناف عدة الوفاة لو تحقق في عدته.
إلا أن المسألة بعد لا تخلو عن ريبة، لكثرة الروايات المقابلة للصحيحة،
وبلوغها حد الاستفاضة، وهي مع ذلك ما بين صريحة، وظاهرة، ومعتبر
إسناد بعضها، مع اعتضادها أجمع بأصالة بقاء الحرمة وفتوى جماعة، كإطلاق
عبارة الحلبي (1)، وظاهر عبارة ابن حمزة (2)، ويظهر من المختلف (3) الميل إليها
أو التردد فالاحتياط فيها لازم البتة.
* (ولو كانت زوجة الحر أمة فابتاعها) * كلا أو بعضا * (بطل نكاحه) * بلا
خلاف، بل قيل: إجماعا (4)، لصيرورتها بالشراء مملوكة فيبطل النكاح رأسا،
لأن التفصيل في الآية (5) قاطع للشركة جدا.
والأجود الاستدلال عليه بالموثق مع ضميمة عدم القول بالفصل: عن
رجلين بينهما أمة فزوجاها من رجل ثم إن الرجل اشترى بعض السهمين،
فقال: حرمت عليه (6).
مضافا إلى الاستئناس لذلك بالإجماع والمعتبرة المستفيضة ببطلان نكاح

(1) الكافي في الفقه: 313.
(2) الوسيلة: 328.
(3) المختلف: ج 7 ص 483.
(4) القائل هو غاية المرام 2: 115.
(5) المعارج: 29 و 30.
(6) الوسائل 14: 553، الباب 46 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
156

الحرة إذا اشترت زوجها المملوك أو انتقل إليها مطلقا، مع ما في بعضها من
التعليل الذي يناسب التعميم والشمول لما نحن فيه، وهو الصحيح: عن امرأة
حرة تكون تحت المملوك فتشتريه هل يبطل نكاحه؟ قال: نعم، لأنه عبد
مملوك لا يقدر على شئ (1).
* (وله وطؤها) * مع شرائها كلا * (من غير استبراء) * إجماعا، لعموم الأدلة
بحل وطء المملوك الشاملة لمفروض المسألة، مضافا إلى استصحاب الإباحة
السابقة.
ومنه يظهر عدم لزوم الاستبراء مع أصالة البراءة عن أصله إلا ما قام
الدليل على إثباته فيه. وليس ما نحن فيه منه، لاختصاص المثبت له بغيره، مع
انتفاء حكمة أصل مشروعيته من عدم اختلاط المياه واضطراب الأنساب فيه.
كيف لا! والماء لواحد فلا اختلاط ولا اضطراب، مضافا إلى التأيد
بالنصوص المثبتة للحكم في نظير المسألة، وهو جواز تزويج الرجل بجاريته
المعتقة من قبله من غير عدة.
منها الصحيح: الرجل يعتق سريته أيصلح له أن ينكحها بغير عدة؟ قال:
نعم، قلت: فغيره، قال: لا حتى تعتد ثلاثة أشهر (2). ونحوه غيره من
المعتبرة (3). فلا إشكال بحمد الله تعالى في المسألة.
وأما مع شرائها بعضا فليس له وطؤها جدا، لما مضى، إلا مع تحليل
الشريك إذا كان غيرها على قول قد مضى في بحث النكاح.
خلافا لأكثر أصحابنا.

(1) المصدر السابق: 557، الباب 49 الحديث 2.
(2) الوسائل 14: 511، الباب 13 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
(3) الوسائل 14: 512، الباب 13 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2.
157

وأما إذا كانت هي الشريك فلا يحل وطؤها بتحليها إجماعا نصا وفتوى.
* (تتمة) *
النفقة واجبة للرجعية في زمن العدة، وكذا السكنى والكسوة بالشرائط
المعتبرة، وكذا للبائنة إذا كانت ذات حمل، أما بدونه فلا. والبحث في جميع ذلك
قد مضى.
* (و) * يتفرع عليه في الجملة أنه * (لا يجوز لمن طلق) * زوجته * (طلاقا
رجعيا أن يخرج الزوجة من بيته) * الذي طلقت فيه إذا كان مسكن أمثالها،
وإن لم يكن مسكنها الأول، فإن كان دون حقها فلها طلب المناسب والخروج
إليه أو فوقه فله ذلك، اقتصارا في المنع على المتيقن المتبادر من الإطلاق،
ويحتمل العموم، فليس لهما ذلك في المقامين. وهو أحوط.
ولا فرق بين منزل الحضرية والبدوية البرية والبحرية، والأصل فيه
- مضافا إلى ما مر من وجوب الإسكان - الكتاب (1) والسنة (2) والإجماع من
علماء الإسلام، لكن دلالة الثاني على الحرمة قاصرة، إلا أنها بمعونة طرفيه
متممة فلا ريب في الحرمة.
* (إلا أن تأتي بفاحشة) * مبينة بنص الأدلة الثلاثة * (وهو) * على ما يتبادر
منه عند الإطلاق في العرف والعادة وصرح به جماعة * (ما يجب به الحد) *
فينبغي الاقتصار في الخروج عن المنع المتيقن على القدر المقطوع به المسلم،
مضافا إلى المرسل في الفقيه: عن قول الله عز وجل: " لا تخرجوهن من بيوتهن
ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة "، قال: إلا أن تزني فتخرج ويقام
عليها الحد (3).

(1) الطلاق: 1.
(2) الوسائل 15: 439، الباب 23 من أبواب العدد.
(3) الفقيه 3: 499، الحديث 4759.
158

وقصور السند بالأصل المتقدم مجبور، وضعف الدلالة على العموم في
مطلق ما يوجب الحد كما هو المطلوب متمم بالإجماع المركب.
* (وقيل) * وهم الأكثر بل في الروضة أنه المشهور (1) وعن الخلاف الإجماع
عليه (2): إن * (أدناه أن تؤذي أهله) * بقول أو فعل، لعمومه لغة لذلك، وهو
مقدم على العرف، مضافا إلى المرسلين المفسرين للآية (3) بذلك.
وفي الأول منع من حيث التقديم، مع أنه على تقديره مخالف للإجماع من
حيث شموله لفواحش أخر، كترك الصلاة والصوم ونحو ذلك مما لا قائل بجواز
الإخراج به.
وفي الثاني قصور السند المانع عن العمل، سيما مع معارضتهما بالمرسل
المتقدم المعتضد بالأصل المتيقن، إلا أن الشهرة والإجماع المتقدم لعلهما ينجبران
جميع ذلك. فلا بعد في المصير إليه وإن كان الأحوط الأول.
* (و) * كما * (لا) * يجوز له إخراجها لا يجوز لها أن * (تخرج هي) * بنفسها
من دارها التي طلقت فيها، لعين ما مضى من الأدلة الثلاثة، بزيادة ظهور دلالة
السنة على الحرمة من حيث تضمنها الأوامر باعتداد المطلقة في بيتها، التي هي
في الوجوب وحرمة الترك ظاهرة، وهي مستفيضة:
ففي موثقات ثلاثة عن المطلقة أين تعتد؟ قال: في بيتها (4). وزيد في
أكثرها: " لا تخرج وإن أرادت زيارة خرجت بعد نصف الليل ولا تخرج بها
نهارا وليس لها أن تحج حتى تنقضي عدتها " (5).

(1) الروضة 6: 77.
(2) الخلاف 5: 70، المسألة 23.
(3) الوسائل 15: 439، الباب 23 من أبواب العدد الحديث 1 و 2.
(4) الوسائل 15: 434، الباب 18 من أبواب العدد الحديث 3 و 4 و 6.
(5) المصدر السابق: 435، الباب 19 الحديث 1.
159

وإطلاقها كالآية وغيرها من المعتبرة وظاهر العبارة وصريح جماعة بل
ادعى عليه الشهرة جماعة عموم الحرمة لكل من صورتي الإذن من الزوج
بالخروج وعدمه.
خلافا للحلبي (1) وجماعة، فقيدوها بالصورة الثانية، بل ظاهر عبارة
الفضل المحكية في الكافي الإجماع عليه في الأزمنة السابقة، بل وادعى أنها
المفهومة من عبارة الآية في اللغة، قال: وإنما الخروج والإخراج أن تخرج
مراغمة أو يخرجها زوجها مراغمة وعلى أنها لا تريد العود إلى بيتها
وإمساكها (2) لأن المستعمل في اللغة الذي وصفناه، وهذا الذي نهى الله تعالى
عنه. وهو غير بعيد، والمعتبرة شاهدة به.
ففي الصحيح ونحوه: المقطوع لا ينبغي للمطلقة أن تخرج إلا بإذن زوجها
حتى تنقضي عدتها، الخبر (3).
وفي الموثق: المطلقة تحج في عدتها إن طابت نفس زوجها (4).
ولا قائل بالفرق، وبه يقيد ما أطلق فيه الإذن بالخروج إلى الحج وأداء
الحقوق، كالصحيح المقطوع: المطلقة تحج وتشهد الحقوق (5).
ويحتمل الحمل على الواجب، فلها الخروج إليه، كالاستمرار به لو كانت
قبل الطلاق خارجة له، بخلاف غيره فيجب عليها العود إلى منزله، كما لو
طلقت وهي في غير مسكن.
ولا يتفاوت الحكم على هذا بين حالتي قبل الطلاق وبعده، ولعل الحكمة

(1) الكافي في الفقه: 312.
(2) الكافي 6: 95.
(3) الوسائل 15: 434، الباب 81 من أبواب العدد الحديث 1 و 7.
(4) المصدر السابق: 439، الباب 22 الحديث 2.
(5) المصدر السابق: 438، الحديث 1.
160

في التعرض للنهي عن الخروج والإخراج في هذه الصورة احتمال توهم انقطاع
أحكام الزوجية التي منها النهي عن الأمرين بعد الطلاق، فلا يجعل مثل هذا
التعرض دليلا أو شاهدا للأول. ولكنه أحوط.
وعليه فلو كانت في سفر مباح أو مندوب ففي وجوب العود إن أمكن
إدراكها جزء من العدة أو مطلقا أو تتخير بينه وبين الاعتداد في السفر أوجه،
من إطلاق النهي عن الخروج من بيتها فيجب عليها تحصيل الكون به، ومن
عدم صدق النهي هنا، لأنها غير مستوطنة، وللمشقة، وانتفاء الفائدة حيث لا
تدرك جزء من العدة. وهذا أقوى، لاختصاص النهي المطلق في النص
والفتوى بحكم الوضع أو التبادر (1) بغير محل الفرض جدا، كل ذلك مع إمكان
الرجوع وعدم الضرورة إلى عدمه ولا يجب العود معها قطعا، لمكان الضرورة
المبيحة لعدمه على تقدير وجوبه، وللخروج أيضا.
* (فإن اضطرت خرجت) * إجماعا، لكن * (بعد انتصاف الليل وعادت قبل
الفجر) * وجوبا على الأشهر، بل لم أقف على مخالف إلا من بعض من ندر ممن
تأخر. والأصل فيه الموثق الذي مر.
ولا قدح فيه من حيث الموثقية والإضمار، كما هو المقرر، مع أنه على
تقديره فهو بالشهرة العظيمة منجبر، فهو أظهر إن ارتفع به، وبغيره الضرر،
وإلا بأن كان الدفع بالغير منحصرا جاز قولا واحدا.
* (ولا يلزم ذلك) * أي المنع عن كل من الخروج والإخراج * (في) * الطلاق
* (البائن) * مطلقا حائلا كانت المطلقة أو حاملا * (ولا المتوفى عنها زوجها) *
مطلقا كذلك * (بل تبيت كل منهما) * وتعتد * (حيث شاءت) * بلا خلاف

(1) في " مش، ش، ق ": والتبادر.
161

في الظاهر في المقامين، بل عليه الإجماع في كلام جماعة. وهو الحجة فيه،
مضافا إلى الأصل السالم عن معارضة ما دل على المنع، لاختصاص الآية
بحكم ما في آخرها من العلة بالرجعية.
وعلى تقدير الإطلاق يلزم تقييده كإطلاق الروايات في المطلقة بها
للمعتبرة المستفيضة:
منها الصحيح: إذا طلق الرجل امرأته طلاقا لا يملك فيه الرجعة بانت منه
ساعة طلقها، وملكت نفسها، ولا سبيل له عليها، وتعتد حيث شاءت ولا نفقة
لها (1). ونحوه غيره (2).
ولا معارض لها من النصوص صريحا، سوى الإطلاقات المقيدة بها،
وبالإجماع جدا.
وفي الصحيح: عن امرأة توفي عنها زوجها، أين تعتد في بيت زوجها
أو حيث شاءت؟ قال: حيث شاءت، الخبر (3). ونحوها غيره (4).
ولا معارض لها من إطلاقات الآية والأخبار أصلا.
نعم في كثير من المعتبرة النهي عن بيتوتتها عن بيتها (5)، ولم أر عاملا بها،
لأنهم ما بين مصرح بحملها على الاستحباب، وراد لها من أصلها. وربما
يوجد في المتأخرين عامل بها مدعيا عدم التعارض بينها وبين ما تقدمها،
لتضمنه التخيير والرخصة في الاعتداد بالعدة أينما شاءت، وليس فيها التعرض
للنهي عن البيتوتة عن مكان العدة، وقد تضمنته هذه المعتبرة.
فالعمل بها غير ملازم لترك ما قابلها، بل فيه جمع بينهما، وهو أحوط.

(1) الوسائل 15: 231، الباب 8 من أبواب النفقات الحديث 1.
(2) المصدر السابق: الحديث 2.
(3) الوسائل 15: 457، الباب 32 من أبواب العدد الحديث 1.
(4) المصدر السابق: الحديث 3.
(5) المصدر السابق: الحديث 2.
162

وإن كان في تعينه نظر من حيث عدم القائل بها، بل وظهور اتفاقهم على
ردها، وما هذا شأنه يلحق بالنادر الذي يجب رده أو تأويله.
ثم المطلقة بائنا وإن جاز إخراجها ولو حاملا إلا أنه في الأخيرة ليس
على إطلاقه جدا، بل ينبغي تقييده بما إذا أخرجها إلى مسكن آخر لا مطلقا،
فإن لها النفقة والسكنى كتابا (1) وسنة (2) وإجماعا.
فالفرق بينهما وبين المطلقة رجعية حينئذ هو عدم جواز إخراجها مطلقا
ولو إلى مسكن آخر دون هذه فيجوز إخراجها إليه. فتأمل جدا.
* (وتعتد المطلقة من حين الطلاق) * مطلقا * (حاضرا كان المطلق أو
غائبا) * إجماعا في الأول، وعلى الأظهر الأشهر في الثاني، للصحاح المستفيضة
وغيرها من المعتبرة:
ففي الصحيح: في الغائب إذا طلق امرأته أنها تعتد من اليوم الذي طلقها (3).
وإطلاقه كغيره إما ظاهر فيما * (إذا عرفت الوقت) * الذي طلقت فيه بالبينة
الشرعية، أو القرائن القطعية أو مقيد به للصحاح المصرحة بذلك، المعتضدة
بفتوى الطائفة:
منها الصحيح: عن المطلقة يطلقها، فلم تعلم إلا بعد سنة، قال: إن جاء
شاهدا عدل فلا تعتد، وإلا فلتعتد من يوم يبلغها (4).
وإطلاقها كالصحيحين (5) الآخرين يقتضي الاعتداد من يوم البلوغ مطلقا
ولو حصل القطع بتقدم الطلاق عليه يوما أو أزيد.

(1) الطلاق: 1.
(2) الوسائل 15: 231، الباب 8 من أبواب النفقات.
(3) الوسائل 15: 444، الباب 26 من أبواب العدد الحديث 3.
(4) المصدر السابق: 446، الباب 27 الحديث 3، وفيه يطلقها زوجها.
(5) المصدر السابق: 446 و 448، الباب 28 الحديث 1 و 8.
163

وربما يقيد بصورة احتمال وقوع الطلاق فيه، لقرب المسافة ونحوه.
وأما مع انتفائه وتيقن سبق الطلاق يوم البلوغ فتعتد بالمتيقن سبقه، وتتمه
بالملتحق به، ويكون المراد حينئذ من الاعتداد يوم البلوغ البناء عليه ولو
باحتساب ما سبقه جزء من العدة، وليس المراد جعله ابتداءها.
وهو غير بعيد، إلا أن المصير إلى الإطلاق أحوط، وفاقا لظاهر الماتن في
الشرائع (1).
وخلاف الحلبي (2) هنا بالمصير إلى لزوم الاعتداد من حين البلوغ كالوفاة
بعد الثبوت شاذ، ومستنده من أن العدة عبادة فتفتقر إلى نية، مع ما فيه من
المنع فيه إطراح للصحاح.
* (و) * تعتد الزوجة * (في الوفاة) * من حينه مع الحضور و * (من حين
يبلغها الخبر) * مع الغيبة على الأظهر الأشهر بين الطائفة، للمعتبرة المستفيضة:
منها الصحاح: أحدها: في الرجل يموت وتحته امرأة وهو غائب، قال:
تعتد من يوم يبلغها وفاته (3).
خلافا للإسكافي، فجعلها كالأولى في الاعتداد من حين الوقوع بعد
الثبوت ولا قبله، بل من حين البلوغ (4)، للخبرين:
أحدهما الصحيح: امرأة بلغها نعي زوجها بعد سنة، فقال: إن كانت حبلى
فأجلها أن تضع حملها، وإن كانت ليست بحبلى فقد مضت عدتها إذا قامت لها
البينة أنه مات في يوم كذا وكذا، وإن لم يكن لها بينة فلتعتد من يوم سمعت (5).

(1) الشرائع 3: 46.
(2) الكافي في الفقه: 313.
(3) الوسائل 15: 446، الباب 28 من أبواب العدد الحديث 1.
(4) كما في المختلف: ج 7 ص 498.
(5) الوسائل 15: 448، الباب 28 من أبواب العدد الحديث 10.
164

ونحوه الثاني (1)، إلا أنه قاصر السند.
وهو كالأول ضعيف المكافأة للمستفيضة المتقدمة، من حيث الاعتضاد
بالاستفاضة والشهرة العظيمة، والاحتياط لأصالة بقاء الحرمة، فليطرحا، أو
يأولا، أو يحملا على التقية، كما فعله بعض الأجلة (2) وحملهما على الرخصة كما
في المسالك (3)، وارتضاه جماعة فرع المكافأة، ومناف للزوم العمل بالأخبار
الراجحة، وطرح المرجوحة.
وبالجملة لا ريب في شذوذ هذا القول وضعفه، كمختار التهذيب المفصل
بما في الصحيح: " المرأة يموت زوجها أو يطلقها وهو غائب، قال: إن كان
مسيرة أيام فمن يوم يموت زوجها تعتد، وإن كان من بعد فمن يوم يأتيها،
الخبر. لأنها لا بد أن تحد له " (4) لعين ما مضى، بل بطريق أولى.
ثم لا فرق في الزوجة بين الحرة والأمة في ظاهر العبارة، كأكثر
النصوص (5) والفتاوى.
ولا يعارضها التعليل في بعضها بلزوم الحداد عليها، وهو مختص بالحرة
جدا، لغلبة أخصية علل الشرع عن معلولاتها. فلا يجبر مع ذلك على تقييد
أكثر النصوص والفتاوى بها.
فجمود الروضة على العلة ونفي العدة عن الأمة وجعلها كالمطلقة لعله
ضعيف جدا، ولذا لم يمل إليه في المسالك أصلا.
ولا فرق أيضا في الخبر الذي تعتد من يومه بين صدوره ممن يقبل قوله
ويثبت الحكم بإخباره أم لا، في ظاهر إطلاق أكثر النصوص والفتاوى،

(1) المصدر السابق: الحديث 9.
(2) الحدائق 25: 542.
(3) المسالك 9: 353.
(4) التهذيب 8: 165، الحديث 572.
(5) الوسائل 15: 446، الباب 28 من أبواب العدد.
165

بل صرح به جماعة من أصحابنا.
لكن ربما ينافيهما بعض النصوص، كالخبر: إن مات عنها يعني وهو غائب
فقامت البينة على موته فعدتها من يوم يأتيها الخبر أربعة أشهر وعشرا،
الحديث (1).
إلا أنه ضعيف السند قاصر عن المقاومة لما مر، فإذا ما قالوه أظهر، لكن
ليس لها بعد انقضاء العدة بعد الخبر التزويج من دون ثبوت شرعي، فلو
تزوجت فسد في الظاهر وصح في الباطن، مع الجهل بالتحريم إن تبين بعد ذلك
موته، وانقضاء عدتها قبل العقد.
وأما مع العلم به فقيل: يجب القطع بالفساد، لانتفاء القصد إلى العقد
الصحيح (2).
وفيه نظر، لعدم الملازمة هنا بين الحرمة والفساد، فلا يلزم من العلم بها
انتفاء القصد إلى ضده المستلزم له.
فإلحاق هذه الصورة بالأولى متجه جدا، لعموم الأمر بالوفاء، مع عدم
مانع أصلا، وبه صرح جماعة من أصحابنا.
* * *

(1) الوسائل 15: 449، الباب 29 من أبواب العدد الحديث 1.
(2) قاله في نهاية المرام 2: 124.
166

رياض المسائل
كتاب الخلع والمباراة
167

* (كتاب) *
* (الخلع [والمباراة]) *
* (الخلع) * بالضم من الخلع، بالفتح وهو النزع كأن كلا منهما ينزع لباس
الآخر " هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ".
* (والمباراة) * بالهمزة، وقد تقلب الفاء، وهي المفارقة، وكل منهما طلاق
بعوض لازم لجهة الزوج.
ويشترط فيهما ما يشترط في الطلاق، وزيادة شرط فيهما هو رضاها
بالبذل، وآخر في الخلع وهو كراهتها له، وآخرين في المباراة هما كراهة كل
منهما لصاحبه وعدم زيادة العوض على المهر، ولا خلاف في شئ من ذلك،
للمعتبرة المستفيضة (1)، إلا ما يأتي في كون الخلع طلاقا، وسيأتي إلى جميع
ذلك مفصلا الإشارة.
وشرعيتهما ثابتة بالكتاب والإجماع والسنة المستفيضة الآتية.
قال الله سبحانه " فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت
به " (2).

(1) الوسائل 15: 487، الباب 1 من أبواب الخلع والمباراة.
(2) البقرة: 229.
169

وظاهره الوقوع عند الحاكم، ولعله لهذا حكى عن الإسكافي اشتراطه (1)،
وله مضافا إليه بعض النصوص (2) بالخصوص، " ولا يكون ذلك إلا عند
سلطان " والأشهر خلافه، بل في التنقيح الإجماع عليه (3)، للأصل، وقصور
الآية عن إفادة الاشتراط، مع احتمال ورودها مورد الغالب، والرواية ضعيفة
السند وإن انجبرت بوجود المجمع على تصحيح ما يصح عنه من الرواية في
سندها، لقصورها عن المقاومة، للأصل المعتضد بالشهرة العظيمة، وحكاية
الإجماع المزبورة، وإطلاقات الأخبار المستفيضة.
فإذا ما اختاروه أقوى، وإن كان الاحتياط ما ذكره جدا.
* (و) * كيف كان * (الكلام) * في الكتاب يقع * (في العقد والشرائط
واللواحق) * ولما كان كل منهما من العقود المفيدة لإبانة الزوجة بفدية
مخصوصة لزم فيهما مراعاة الصيغة الصريحة، كسائر العقود اللازمة.
* (و) * قد ذكر الأصحاب وحكاه عنهم جماعة أن * (صيغة الخلع) *
الصريحة * (أن يقول) * الزوج: خلعتك أو * (خالعتك) * أو أنت * (أو فلانة
مختلعة على كذا) * ولا ريب في الأوليين، إلا أن في الأخيرتين لجماعة مناقشة،
لا جدوى في التعرض لها بعد الاتفاق عليهما هنا، واستظهر جماعة وقوعه
بأنت طالق على كذا من دون لفظ الخلع أصلا، بل ادعى جماعة منهم المبسوط
الاتفاق عليه (4). وهو الحجة فيه، مع أنا لم نقف فيه على مخالف.
ولولاه لكان محل نظر، فإن مقتضى الأصل والاقتصار على المتيقن من
النص العدم، نظرا إلى أن المتبادر منه المتيقن هو الوقوع بلفظه دون غيره.

(1) حكاه في التنقيح 3: 360.
(2) الوسائل 15: 493، الباب 3 من أبواب الخلع والمباراة الحديث 10.
(3) التنقيح 3: 360.
(4) المبسوط 4: 344.
170

فالحكم بأحكامه التي من جملتها عدم الرجعة والبينونة بمجرده مشكل.
والالتفات في إثباته إلى أنه وإن تجرد عن لفظ الخلع لكنه عقد معاوضة فيلزم
لعموم الأمر بمطلقه غير جيد، مع الحكم بجواز رجوع المرأة في البذل.
نعم يمكن الاستدلال عليه بالصحيح: إذا قالت المرأة لزوجها جملة لا أطيع
لك أمرا مفسرا أو غير مفسر حل له أن يأخذ منها، وليس له عليها رجعة (1).
وهو كما ترى ظاهر في ترتب الحكم بالبينونة على مجرد البذل مع الكراهة
أعم من وقوعها بلفظ الخلع أو الطلاق، وهو وإن أمكن دعوى ظهوره في
الأول بملاحظة ما عداه من النصوص، إلا أن فتوى الأصحاب مع حكاية
جماعة الإجماع عليه وظهور صدقه بعد التتبع أوضح شاهد على العموم،
مضافا إلى إشعار بعض النصوص به أيضا.
فلا إشكال فيه بحمد الله تعالى، وإن كان الأحوط الإتيان بلفظ الخلع.
قالوا: ولا بد من قبول المرأة عقيبه بلا فصل معتد به أو تقدم سؤالها قبله
كذلك.
ولا ريب أنه أحوط، وإن كان في استفادته كملا من النصوص نظر، فإن
غايتها الدلالة على اعتبار قبولها إما مطلقا كما يقتضيه إطلاق بعضها، أو إذا
كان مقدما كما يقتضيه أكثرها، وأما لزوم المعاقبة من دون فصل معتد به فلم
يظهر منها.
نعم لو تحقق فصل بعيد بعد أن سئلت بحيث يحتمل رجوعها أمكن
اشتراط عدمه هنا لا مطلقا، ولكنه غير ما يظهر من عبائرهم والعمل على
ما ذكروه.
* (وهل يقع) * الخلع بكل من الألفاظ المذكورة * (بمجرده) * من دون اتباع

(1) الوسائل 15: 487، الباب 1 من أبواب الخلع والمباراة الحديث 1.
171

بالطلاق؟ * (قال) * المرتضى * (علم الهدى) * وأكثر أصحابنا بل ادعى عليه
في الناصريات (1) إجماعنا، * (نعم) *. والحجة بعده النصوص المستفيضة، منها
الصحاح الصراح:
في أحدها: " عن المرأة تباري زوجها أو تختلع منه بشهادة شاهدين
عدلين على طهر من غير جماع هل تبين منه بذلك أو هي امرأته ما لم يتبعها
بطلاق؟ فقال: تبين منه - إلى أن قال -: فقلت: إنه قد روى لنا أنها لا تبين
منه حتى يتبعها بطلاق، قال: ليس ذلك إذا خلع " (2). بفتح الثلاثة كما ضبطه
بعض مشائخنا (3).
ويكون إذا حينئذ شرطية، ولعل المراد أنه ليس الحكم الذي ذكره
السائل من عدم البينونة إلا بالاتباع بالطلاق في صورة ما إذا خلع، بل يختص
ذلك بغيرها كالمباراة، لاشتراطه فيها، كما عليه أكثر أصحابنا، وسيأتي الكلام
فيه إن شاء الله تعالى.
وأما إذا خلع فلا يشترط، بل يحصل البينونة بمجرده، ولذا سئل الراوي
بعد ذلك، فقلت: تبين منه، قال: نعم.
وهذه النسخة أجود النسخ من قراءة الخلع بسكون اللام وضم العين، أو
خلعا بفتحها، ليكون خبر ليس لما فيها من الدلالة حينئذ على اشتراط الخلع
بعدم الاتباع بالطلاق. ولا قائل به، بل مثله خلع، بل وأحسنه إجماعا، بل ولو
تجرد عن لفظ الخلع واكتفى بلفظ الطلاق لكان خلعا أيضا بلا خلاف، بل قيل
إجماعا (4)، كما مضى، مع ما في الأولى من النسختين من حزازة بحسب العربية.

(1) الناصريات: 351، المسألة 165.
(2) الوسائل 15: 493، الباب 3 من أبواب الخلع والمباراة الحديث 9.
(3) غاية المراد: 115 س 11 (مخطوط).
(4) الناصريات: ص 351، المسألة 165.
172

وكيف كان فالرواية كغيرها من المعتبرة الكثيرة في المطلوب صريحة
وبالشهرة العظيمة والأعدلية والكثرة وحكاية الإجماع المزبورة المعتضدة بها
تكون غالبة على بعض الروايات، وإن كان معتبرا بوجود المجمع على تصحيح
رواياته في سنده، فلا يضر ضعفه. وفيه: المختلعة يتبعها بالطلاق ما دامت
في العدة (1).
وهي مع ذلك متضمنة لما لا يقول به أحد من الطائفة، لاتفاقهم في الظاهر
على اعتبار وقوع الطلاق بعد تلك الصيغة بلا فاصلة، وما هذا شأنه يجب
طرحه ولم يبق لها من المرجحات، عدا المخالفة للعامة، وهي أحد المرجحات
المنصوصة وما قدمناه أكثرها.
كيف لا! وكما أمرونا بالأخذ بما خالفهم أمرونا بالأخذ بالأعدل والمشتهر،
ويترجحان على السابق عددا واعتبارا ولو كان كل عن الآخر منفردا، فضلا
أن يكون مع الآخر مجتمعا، مع ما هما عليه هنا من كثرة العدد، والاعتضاد
بالإجماع المحكي.
فخلاف الشيخ (2) العامل به ضعيف، وإن اعتضد بفتوى جماعة من قدماء
الرواة، لكنهم فاسدو المذهب، معارض فتواهم بفتوى أجل الرواة القدماء،
وهو جميل (3) كما في الكافي.
وقول المصنف * (وقال الشيخ: لا) * يقع * (حتى يتبع بالطلاق) * (4) من دون
رد له ولسابقه مشعر بالتردد، ونحوه الشرائع والقواعد. وليس في محله، وإن
كان أحوط، للأصل.

(1) الوسائل 15: 492، الباب 3 من أبواب الخلع والمباراة الحديث 5.
(2) التهذيب 8: 97، الحديث 329.
(3) الكافي 6: 141، الحديث 9.
(4) الخلاف 4: 422، المسألة 3.
173

* (ولو تجرد كان طلاقا عند المرتضى) * (1) وعليه أكثر أصحابنا المتأخرين
والقدماء. وهو أظهر، للصحاح المستفيضة:
منها: خلعها طلاقها (2).
ومنها: إذا قالت المرأة لزوجها ذلك حل له ما أخذ منها، وكانت عنده
على تطليقتين (3).
ومنها: وكانت تطليقة بغير طلاق يتبعها (4).
ومنها: الخلع والمباراة تطليقة بائن، وهو خاطب من الخطاب (5).
* (وفسخا عند الشيخ (6) لو قال بوقوعه مجردا) * لوجوه مدخولة، هي مع
ذلك اجتهاد صرف في مقابلة النصوص المعتبرة، التي هي مع ذلك مستفيضة،
وبالشهرة العظيمة معتضدة.
ومظهر الثمرة عده من الطلقات الثلاث المحرمة، فيعد منها على الأول،
ولا على الثاني، وصرح بهذا بعض الصحاح المتقدمة.
* (وما صح أن يكون مهرا صح) * أن يكون * (فدية في الخلع) * إجماعا،
للآية (7)، والنصوص (8) إطلاقا وعموما.
* (و) * يستفاد منها من جهة أنه * (لا تقدير فيه) * أي في المجعول فدية
في طرفي النقصان والزيادة بعد أن يكون متمولا * (بل يجوز أن يأخذ منها) *
ما تبذله برضاها ولو كان * (زائدا مما وصل إليها منه) * مضافا إلى الأصل،

(1) الناصريات: ص 351 المسألة 165.
(2) الوسائل 15: 491، الباب 3 من أبواب الخلع والمباراة الحديث 4.
(3) المصدر السابق: الحديث 2.
(4) الوسائل 15: 491، الباب 3 من أبواب الخلع والمباراة الحديث 3.
(5) المصدر السابق: 495، الباب 5 الحديث 2.
(6) الخلاف 4: 422، المسألة 3.
(7) البقرة: 229.
(8) الوسائل 15: 493، الباب 4 من أبواب الخلع والمباراة.
174

والإجماع، والنص الصحيح: في المباراة يؤخذ منها دون الصداق والمختلعة
يؤخذ منها ما شئت أو ما تراضيا عليه من صداق قل أو كثر، وإنما صارت
المباراة يؤخذ منها دون المهر، والمختلعة يؤخذ منها ما شاء، لأن المختلعة تعتدي
في الكلام (1). ونحوه غيره من المعتبرة (2).
* (و) * حيث أن الخلع معاوضة * (لا بد) * فيه * (من تعيين الفدية وصفا) *
يحصل به التعيين، سواء كانت عينا شخصية أو كلية * (أو إشارة) * كهذا الثوب
وهذا العبد وهذه الصبرة من الحنطة مثلا، بلا خلاف في الظاهر دفعا للغرر،
واقتصارا في الخلع، المخالف للأصل على القدر المتيقن بالإجماع والنص، وليس
فيه سوى ما يقع عليه التراضي، ولا تكون في الأغلب إلا مع التعيين بأحد
الأمرين.
وإطلاق العبارة كغيرها يقتضي أنه لا يعتبر في الوصف كونه رافعا
للجهالة، بل يكفي عنه ما يحصل به التعيين.
وعلى هذا فلو بذلت مالها في ذمته من المهر جاز وإن لم يعلما قدره، لتعينه
في نفسه، وإن لم يكن معلوما لهما.
واعتبر الماتن في الشرائع في الغائب ذكر جنسه ووصفه وقدره، مع أنه
اكتفى في الحاضر بالمشاهدة وإن لم يكن معلوم القدر (3). وهو أحوط، وإن
كان في وجه الفرق نظر.
ويتفرع على هذا الشرط فساد الخلع لو وقع على ألف غير معين بأحد
ما مر، وهو إجماع، مع عدم قصدهما أو أحدهما إلى معين، ومحتمل على قوله
معه أيضا.

(1) المصدر السابق: الحديث 1.
(2) المصدر السابق: 493، الباب 4.
(3) الشرائع 3: 50.
175

خلافا للأكثر فيصح حينئذ، وعلل بأن المقصود أن يكون العوض معلوما
عند المتعاقدين، فإذا توافقا على شئ بالنية كان كما لو توافقا بالنظر. وهو
أظهر، لعموم النص (1) بصحة الخلع مع التراضي بالفدية، وما نحن فيه من
أفرادها التي يقع عليها التراضي بالنية، إلا أن الأحوط الأول.
* (وأما الشرائط) *:
* (فيعتبر في الخالع والمختلعة البلوغ، وكمال العقل، والاختيار، والقصد) *
فلا خلع لفاقد أحد الأوصاف إجماعا، حتى من القائل بكونه فسخا، لعموم
الأدلة على عدم الاعتبار بالعقود، والإيقاعات الصادرة من فاقد الأوصاف
المزبورة، ويزيد عليها على المختار من أنها طلاق في الدلالة على اعتبار
الأوصاف في الخالع ما دل على اعتبارها في الطلاق.
* (و) * يستفاد منه شرطه * (في المختلعة) * إذا كان خلعها * (مع الدخول) *
بها، وهو * (الطهر الذي لم يجامعها فيه إذا كان زوجها حاضرا وكان مثلها
تحيض) * مع أنه إجماع أيضا، لعموم النصوص المستفيضة:
منها الصحيح: لا طلاق ولا خلع ولا مباراة إلا على طهر من غير
جماع (2).
والصحيح: عن المرأة تباري زوجها أو تختلع منه بشاهدين على طهر من
غير جماع هل تبين منه؟ فقال: إذا كان ذلك على ما ذكرت فنعم (3).
* (و) * من الشرائط في المختلعة * (أن تكون الكراهة منها خاصة صريحا) *
بإجماع الطائفة والصحاح المستفيضة:

(1) الوسائل 15: 493، الباب 4 من أبواب الخلع والمباراة الحديث 1.
(2) الوسائل 15: 497، الباب 6 من أبواب الخلع والمباراة الحديث 3.
(3) الكافي 6: 143، الحديث 7.
176

منها الصحيح: المختلعة لا يحل خلعها حتى تقول لزوجها: والله لا أبر لك
قسما ولا أطيع لك أمرا ولا أغتسل لك من جنابة ولأوطئن فراشك ولآذنن
عليك بغير إذنك وقد كان الناس يرخصون فيما دون هذا، وإذا قالت المرأة ذلك
لزوجها حل له ما أخذ منها وكانت عنده على تطليقتين باقيتين وكان الخلع
تطليقة، قال: ويكون الكلام من عندها. يعني من غير أن تعلم (1).
ويستفاد منه كغيره عدم الاكتفاء بكراهتها، بل لا بد من الوصول إلى هذا
الحد الذي فيها، وهو تعديها في الكلام بما يدل على خوف وقوعها مع عدم
الطلاق في الحرام، وهو ظاهر الآية " لا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن
شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله " (2).
وبمضمونها أفتى الشيخ (3) وغيره، حتى قال الحلي في السرائر: إن إجماع
أصحابنا منعقد على أنه لا يجوز الخلع، إلا بعد أن يسمع منها ما لا يحل ذكره
من قولها: لا اغتسل لك من جنابة ولا أقيم لك حدا ولأوطئن فراشك من
تكرهه، أو يعلم ذلك منها فعلا (4)، ونحوه في الخلاف (5). وهو أحوط، بل أولى
وأظهر.
خلافا لإطلاق العبارة والأكثر فالكراهة المطلقة. ولا وجه له، لما عرفت
من النصوص التي هي في خلافه ظاهرة، بل ربما دل بعضها على أن الاكتفاء
بأقل من ذلك قول العامة (6)، وربما أشعر أكثرها على اعتبار عبارات
مخصوصة، وألفاظ فيها مرسومة، إلا أن إطلاق الآية وإجماع الطائفة مع

(1) الوسائل 15: 487، الباب 1 من أبواب الخلع والمباراة الحديث 3.
(2) البقرة: 229.
(3) النهاية 3: 470.
(4) السرائر 2: 724.
(5) الخلاف 4: 421، المسألة 1.
(6) المجموع 17: 6.
177

اختلاف تلك الألفاظ المرسومة قرينة واضحة على استحباب ما هي عليها من
الهيئة، وأنها على الفضيلة، مضافا إلى صريح بعض المعتبرة، كالصحيح: إذا
قالت المرأة جملة: لا أطيع لك أمرا - مفسرا وغير مفسر - حل له ما أخذ
منها (1)، ونحوه غيره (2).
وبالجملة المستفاد من النصوص جملة هو اعتبار تعديتها في الكلام خاصة
تعدية يوهم وقوعها في الأمور المحرمة لولا البينونة، وأما أن ذلك بعبارة
مخصوصة فلا البتة.
فاعتبارها كما وجدناه في عبارة بعض من عاصرناه (3) فاسد بالضرورة.
ويتفرع على هذا الشرط فساد الخلع مع عدمه مطلقا ولو اتبع بالطلاق
جدا، فإنه حينئذ يكون رجعيا لا بائنا.
* (ولا يجب) * الخلع * (لو قالت: لأدخلن عليك من تكرهه) * على الأظهر
الأشهر، بل لعله عليه عامة من تأخر، للأصل السالم عن المعارض.
خلافا للشيخ (4) وجماعة، فيجب لو قالت ذلك أو خيف عليها الوقوع في
المعصية، لكون ذلك منها منكرا ودفعها واجب، ولا يتم إلا بالخلع.
وفيه منع، مع عدم انحصاره فيه، وإمكانه بالفراق المطلق، فلا يجب * (بل
يستحب) * في المشهور، ومستنده من النصوص غير واضح، لأن غايتها الدلالة
على الإباحة لا الاستحباب والفضيلة.
نعم هو متوجه من حيث المسامحة في أدلة الكراهة، والاكتفاء في الحكم
بها بمجرد الخروج عن الشبهة.

(1) الوسائل 15: 495، الباب 5 من أبواب الخلع والمباراة الحديث 1.
(2) المصدر السابق: الحديث 3.
(3) الحدائق 25: 599.
(4) الخلاف 4: 421، المسألة 1.
178

وربما قيل: باستحباب مطلق الفرقة لا الخلع خاصة. وقيل: بنفي
الاستحباب والاقتصار على الإباحة (1)، اقتصارا على النصوص، لعدم تجويزه
المسامحة في دليل الكراهة كسائر الأحكام الشرعية.
* (ويصح خلع الحامل مع) * رؤيتها * (الدم ولو قيل: إنها تحيض) * لصحة
طلاقها معه إجماعا كما مضى، وهو طلاق أيضا، كما في المستفيضة المتقدمة،
فيصح معه جزما.
وقيل: بالعدم (2)، لعموم ما تقدم في اشتراط الوقوع في الطهر.
وفيه منع، لعدم تبادر المقام منه للندرة مع ظهور سياقه في اتحادها مع
المطلقة، ولذا ذكرت معها في الحكم في المسألة، فقال: لا طلاق ولا خلع ولا
مباراة إلا على طهر من غير جماع (3). والأول هو الأظهر، ومختار الأكثر، بل
عليه عامة من تأخر.
* (ويعتبر في العقد حضور شاهدين عدلين) * إجماعا، لأنه كما مضى
طلاق ومن حكمه ذلك، وأما على القول بأنه فسخ فللمعتبرة منها الصحيح
المتقدم في اعتبار الطهر.
* (و) * يعتبر أيضا * (تجريده عن الشرط) * وما في معناه إجماعا، لاعتباره
في الطلاق، وليعتبر هنا أيضا إن قلنا بكونه طلاقا، وكذا إن قلنا بالعدم لا
لذلك، بل للأصل، ولزوم الاقتصار على المستفاد من النص، وليس إلا الخلع
المنجز.
* (ولا بأس بشرط يقتضيه العقد، كما لو شرط الرجوع إن رجعت) *
ووجهه ظاهر، مع أنه لا خلاف فيه.

(1) قاله في نهاية المرام 2: 137.
(2) نقله عن قائل مجهول في المصدر السابق.
(3) الوسائل 15: 497، الباب 3 من أبواب الخلع والمباراة الحديث 3.
179

* (وأما اللواحق فمسائل) * أربع:
* (الأولى: لو خالعها والأخلاق ملتئمة لم يصح) * الخلع المفيد للبينونة
بالضرورة، لفقد شرطه الذي هو كراهة الزوجة بالإجماع، والمستفيضة
المتقدمة، مضافا إلى الإجماع عليه في خصوص المسألة.
ويتفرع عليه أنه لم يملك الفدية، لاشتراطه بصحة الخلع المتوقفة على
كراهة المرأة، التي هي كما عرفت منتفية، مضافا إلى الإجماع عليه، مع إطلاق
الآية (1)، والمستفيضة (2) بعدم حل أخذها منها إلا بعد الكراهة.
وفي وقوع الطلاق رجعيا حينئذ لو اتبع الخلع أو اكتفى به عن الخلع، أم لا
وجهان، ظاهر الماتن في الشرائع (3) والفاضل في القواعد (4) وجماعة نعم.
وهو حسن إن عرف المطلق فساد البذل، وعدم لزومه بطلاقه، وإلا فهو
مشكل، لانتفاء النص، مع اقتضاء الأصل والقاعدة ذلك، من حيث عدم تحقق
القصد إلى الطلاق المجرد عن البذل، وإنما المقصود الطلاق المعلق عليه المشروط
به، المستلزم فساده لفساده، بخلاف الصورة المستحسنة من حيث انتفاء هذه
الشبهة فيه من حيث المعرفة فإنه بها قاصد إلى الطلاق المنجز البتة، لعلمه
بعدم حل الفدية بالمرة. إلا أن يقال: في الصورة الأولى بكون البذل الفاسد
سببا لوقوع الطلاق المجرد وداعيا إليه، وهو غير ملازم لكونه شرطا فيه يفسد
بفساده. وهذا أقوى.
ثم من النظر في المسألة ينقدح كون الطلاق بالعوض من أقسام الخلع،
وأنه يشترط فيه كراهة الزوجة، ليحصل به حل الفدية والبينونة كالمختلعة.

(1) البقرة: 229.
(2) الوسائل 15: 487، الباب 1 من أبواب الخلع والمباراة.
(3) الشرائع 3: 55.
(4) القواعد 2: 77 س 23.
180

فما في المسالك (1) والروضة (2) من عدم الاشتراط بها وفيه صحة البذل
وحصول البينونة بدونها، غير جيد، لما فيه من المنافاة لما دل على اشتراط
حل البذل بالكراهة من الكتاب والإجماع والسنة.
ومع ذلك فإفادته البينونة مخالفة للأصول الممهدة، فإن الأصل في الطلاق
بنفسه عدمها، بل الرجعة والخروج عنها يحتاج إلى دلالة، وهي مع كراهة
الزوجة ثابتة، لما عرفت من إجماع الطائفة، لا النصوص، لاختصاصها بالمخالفة
دون الطلاق بفدية.
وإما مع عدمها فلا، لعدم الإجماع والنص هنا بطريق أولى، لظهور فتاوى
أصحابنا والنصوص في خلافه جدا، بحيث يظن إجماعهم عليه ظاهرا، مع
أنه صرح بعض الأجلة بعدم الموافقة له أصلا (3).
* (الثانية) * إذا صح العقد مع الفدية كان بائنا إجماعا، ف‍ * (لا رجعة
للخالع) * مطلقا، طلاقا كان الخلع أو فسخا بلا خلاف، للمعتبرة المستفيضة
المتقدم بعضها، وسيأتي بعض آخر أيضا.
* (نعم لو رجعت في البذل رجع إن شاء) * بلا خلاف، للمعتبرة:
منها الصحيح: إن شاءت أن يرد إليها ما أخذ منها وتكون امرأته
فعلت (4).
والموثق: المختلعة إن رجعت في شئ من الصلح، يقول: لأرجعن في
بضعك (5).
وظاهره جواز رجوعها مطلقا، كما هو الأشهر الأقوى.

(1) المسالك 9: 433.
(2) الروضة 6: 90.
(3) نهاية المرام 2: 139.
(4) الوسائل 15: 499، الباب 7 من أبواب الخلع والمباراة الحديث 2.
(5) المصدر السابق: الحديث 3.
181

خلافا لابن حمزة (1)، فاشترط في جوازه الاشتراط أو الرضا، لأنه عقد
معاوضة، فيعتبر في فسخه رضاهما، ونفى عنه البأس في المختلف (2). وهو
اجتهاد في مقابلة النص.
نعم المعتبر إمكان رجوعه في صحة رجوعها وإن لم يعتبر رضاه، لأن
ظاهر الرواية تلازم الحكمين، ولا دليل على رجوعها مطلقا، مع مخالفته
الأصل جدا، مع أنه في الجملة إجماع ظاهرا، ولذا قال: * (ويشترط رجوعها
في العدة ثم لا رجوع بعدها) *.
لكن إطلاق العبارة يقتضي جواز الرجوع في العدة البائنة. وهو مشكل،
لما عرفت من الدلالة على اعتبار إمكان الرجوع مطلقا، مع أنه المشهور بين
الطائفة كما في الروضة (3).
وعلى هذا فلو كانت المطلقة بائنة أو رجعية وكانت عدتها منقضية لم يجز
لها الرجوع البتة، لعدم إمكان رجوعه في البضع.
ولو رجعت مع الإمكان إلا أنها ما أعلمت الزوج حتى انقضت العدة
فالأقرب وفاقا لجماعة عدم الصحة، قصرا للرجعة المخالفة للأصل على مورد
النص، وليس محل الفرض.
ثم إنه حيث ترجع المرأة في البذل تصير العدة رجعية، سواء رجع أم لا،
لكن في ترتب أحكام العدة الرجعية عليها مطلقا كوجوب النفقة والإسكان
وغير ذلك وجهان.
والعدة بائنة قبل رجوعها إجماعا، فيصح له التزويج بأخت المختلعة
والرابعة، مضافا إلى الأصل، وصريح الصحيح في الأول خاصة: عن رجل
اختلعت منه امرأته أيحل له أن يخطب أختها من قبل أن تنقضي عدة المختلعة؟

(1) الوسيلة: 332.
(2) المختلف: ج 7 ص 399.
(3) الروضة 6: 106.
182

قال: نعم، قد برئت عصمتها منه، وليس له عليها رجعة (1). والتعليل ظاهر في
انسحاب الحكم في البائنة، مع عدم القول بالفرق.
ومتى تزوج بها امتنع رجوعها لاشتراط إمكان رجوعه فيه (2) كما
عرفت، وليس بممكن هنا إجماعا، إلا إذا طلقها بائنا في العدة فيجوز له
الرجوع حينئذ، لزوال المانع.
* (الثالثة: لو أراد مراجعتها ولم ترجع) * هي * (في البذل افتقر) * تزويجها
* (إلى عقد جديد في العدة) * كان * (أو بعدها) * بلا خلاف، للمعتبرة:
منها الصحيح: كانت بائنا بذلك، وكان خاطبا من الخطاب (3).
* (الرابعة: لا توارث بين المختلعين ولو مات أحدهما في العدة) * بلا
خلاف، للأصل، وعدم المقتضي له * (لانقطاع العصمة بينهما) * الموجبة لذلك،
مضافا إلى صريح الخبر:
وفيه: وأما الخلع والمباراة فإنه يلزمها - إلى أن قال -: ولا ميراث بينهما
في العدة (4).
ونحوه الموثق في المباراة: المباراة تبين من ساعتها من غير طلاق ولا
ميراث بينهما، لأن العصمة بينهما قد بانت من ساعة كان ذلك منها ومن
الزوج (5). ونحوه الحسن الآتي والتعليل موجب للتعدية.
* (والمباراة) *
وأصلها المفارقة، قال الجوهري: تقول بارأت شريكي إذا فارقته، وبارأ

(1) الوسائل 15: 504، الباب 21 من أبواب الخلع والمباراة الحديث 1.
(2) لم يرد " فيه " في المطبوع. وعلى فرض ثبوته فالمناسب: فيها.
(3) المصدر السابق: 491، الباب 3 الحديث 3.
(4) الوسائل 15: 497، الباب 6 من أبواب الخلع والمباراة الحديث 4.
(5) المصدر السابق: 501، الباب 9 الحديث 3.
183

الرجل امرأته وهي طلاق بعوض مترتب على كراهة كل من الزوجين
صاحبه، كما يأتي.
والكلام في صيغتها كما في الخلع من الافتقار إلى استدعاء المرأة مع
الكراهة والقبول كذلك.
واللفظ الدال عليه من قبل الزوج * (هو أن يقول: بارأتك) * بالهمزة * (على
كذا) * فأنت طالق.
ولو قال بدلا من بارأتك: فاسختك أو أبنتك أو غيره من الألفاظ متبعا
لها بالطلاق صح، إذ المقتضي للفرقة التلفظ به لا بها، بل لو تجرد عنها وقال:
أنت طالق على كذا صح، وكان مباراة، إذ هي - كما عرفت - عبارة عن الطلاق
بعوض مع منافاة بين الزوجين.
وليس الطلاق بالعوض إيقاعا خارجا عن الخلع والمباراة، بل هو إما خلع،
أو مباراة، فإن قصد به الخلع وجمع شروطه وقع خلعا كوقوعه مباراة لو
قصدها، مع اجتماع شرائطها، ويجوز انصرافه إلى أحدهما مع اجتماع شرائطهما.
ولو جمع شروط أحدهما انصرف إليه ولو انتفت شروط كل منهما وقع
باطلا أو رجعيا، لما مضى من انحصار الطلاق البائن بالعوض في الأمرين.
خلافا لمن شذ وقد مر، فاستوجه الصحة مع البينونة حيث لم يقصد به
أحدهما، لعموم الأدلة الدالة على جواز الطلاق مطلقا، وعدم وجود ما ينافي
ذلك في خصوص البائن. وقد مر وجه ضعفه من اتفاق الطائفة، واستفاضة
المعتبرة بفساد البذل مع عدم كراهة المرأة.
وفساده بذلك كما هو المفروض هنا إما مستلزم لفساد الطلاق المترتب
عليه أيضا كما قيل (1)، أو موجب لعدم البينونة وإن صح الطلاق، لخروجه

(1) لم نعثر عليه.
184

عن الأمرين المنحصر فيهما الطلاق البائن بالبذل بمقتضى المستفيضة كما قاله
الأكثر. وعموم الأدلة لا يستفاد منه سوى الصحة دون البينونة.
اللهم إلا أن يقول: بمجرد الصحة دون البينونة، لكن فيه منافاة لما قدمنا عنه.
* (و) * كيف كان * (هي) * أي المباراة تمتاز عن الخلع بأنها * (تترتب) *
صحتها * (على كراهة الزوجين كل منهما صاحبه) * بلا خلاف، بل عليه
الإجماع كما حكاه جماعة.
وبه ظاهر بعض المعتبرة، المنجبر قصور سنده مع حجيته في نفسه
بالشهرة، كاعتضاد الدلالة بها، فلا ضير إن لم تكن صريحة، وهو الموثق: عن
المباراة كيف هي؟ قال: يكون للمرأة على زوجها شئ من صداقها، أو من
غيره، ويكون قد أعطاها بعضه، فيكره كل واحد منهما صاحبه، فتقول المرأة:
ما أخذت منك فهو لي، وما بقي عليك فهو لك وابارؤك، فيقول لها الرجل:
فإن رجعت فيما تركت فأنا أحق ببضعك (1).
ويستفاد منه كغيره اعتبار صدور القول المذكور من الزوج. وهو أحوط
وإن لم يذكره من الأصحاب أحد، ولذا حمله على الاستحباب، أو إرادة بيان
التنبيه للمرأة على عدم جواز ارتجاعها البذل، إلا مع إمكان رجوع الزوج في
البضع متجه.
* (ويشترط إتباعها بالطلاق على قول الأكثر) * بل لم نقف فيه على مخالف
صريحا، وبالإجماع صرح جماعة. وهو الحجة فيه خاصة، لا النصوص، فإنها
في عدم الاشتراط ظاهرة، بل صريحه، كالحسن: المبارئة تبين من ساعتها من
غير طلاق، ولا ميراث بينهما، لأن العصمة منهما قد بانت ساعة كان ذلك منها
ومن الزوج (2).

(1) الوسائل 15: 500، الباب 8 من أبواب الخلع والمباراة الحديث 3.
(2) المصدر السابق: 501، الباب 9 الحديث 3.
185

لكنها شاذة، والظاهرة منها - لعدم الصراحة - للتأويل بالحمل على
المباراة الشرعية المستجمعة للشرائط، التي منها الاتباع بالطلاق قابلة،
والصريحة عن المقاومة للأصل والإجماعات المحكية المستفيضة بحسب السند
قاصرة. فليس عما ذكره الأصحاب مندوحة وإن لم يوجد، لما ذكروه من
الأخبار شاهد، ولا قرينة كما اعترف به جماعة.
والذي يختلج بالفكر الكليل والفهم العليل إمكان الاستناد لما ذكروه إلى
الصحيح: عن المرأة تباري زوجها أو تختلع منه بشهادة شاهدين على طهر
من غير جماع، هل تبين منه بذلك، أو هي امرأته ما لم يتبعها بالطلاق؟ فقال:
تبين منه - إلى أن قال -: قلت: أنه قد روي أنها لا تبين حتى يتبعها بالطلاق،
قال: ليس ذلك إذا خلع (1) الخبر. لما مر من ظهور " إذا " في الشرطية وخلع
في فعلها.
فعلى هذا يفهم منه أن عدم اشتراط الاتباع بالطلاق المشار إليه بذلك
مخصوص بالخلع، ويلزم منه ثبوته في المباراة المسؤول عنها أيضا، وإلا لما كان
لتخصيص النفي بالخلع وجه أصلا.
نعم ربما نافاه الحكم بالبينونة من دون الاتباع فيها في صدر الرواية.
ولكن يمكن تخصيصه بالخلع خاصة، بمعنى عدم توجه الحكم المزبور إلى
المباراة لضرب من المصلحة، ولا بعد في ارتكاب مثل ذلك بعد قيام القرينة في
ذيل الرواية، مضافا إلى إجماع الطائفة. فلا إشكال في المسألة بحمد الله سبحانه.
* (والشرائط المعتبرة في) * كل من * (الخالع والمختلعة مشترطة هنا) *
بالإجماع، والمعتبرة، الدالة على أن المباراة طلقة بائنة (2) فيعتبر فيها وفي

(1) الوسائل 15: 492، الباب 3 من أبواب الخلع والمباراة الحديث 9.
(2) المصدر السابق: 501، الباب 9 الحديث 2.
186

المباري ما يعتبر في المطلق والمطلقة كما في الخلع، مضافا إلى صريح الصحيح:
لا طلاق ولا خلع ولا مباراة ولا خيار إلا على طهر من غير جماع (1)،
وفي آخر: ما يدل على أنه يعتبر في المباراة حضور شاهدين (2)، إلى غير ذلك
من الأخبار.
* (و) * كذا يثبت أحكام الخلع هنا إلا ما وقع عليه الاستثناء، ومنها أنها
طلقة بائنة * (لا رجوع للزوج إلا أن ترجع الزوجة في البذل) * ولا رجوع لها
فيه إلا مع إمكان رجوعه في البضع * (فإذا خرجت من العدة فلا رجوع لها) *
لما مضى هنا وفي الخلع أيضا.
قيل: إلا أن الأولى هنا اشتراط الرجوع في البضع لو رجعت للموثق
المتقدم، مضافا إلى الصحيح: المباراة أن تقول المرأة لزوجها لك ما عليك
واتركني فيتركها، إلا أنه يقول لها فإن ارتجعت في شئ منه فأنا أملك
ببضعك (3)، ولا معارض لهما في البين انتهى (4).
وليس فيهما سوى اشتراط الزوج رجوعه في البضع لو رجعت في البذل،
وهو غير اشتراطها الرجوع في البذل، فلا يكون فيهما حجة على المشهور
المجوزين لرجوعها من دون اشتراطها الرجوع مطلقا وإن لم يرجع الزوج (5)،
بل ظاهرهما جواز رجوعها مطلقا ولو مع عدم اشتراطها ورضا من الزوج
أصلا.
فإذا ما هو الأشهر أقوى. فتأمل.

(1) المصدر السابق: 497، الباب 6 الحديث 3.
(2) المصدر السابق: الحديث 4.
(3) الوسائل 15: 500، الباب 8 من أبواب الخلع والمباراة الحديث 1.
(4) انظر نهاية المرام 2: 146.
(5) في المخطوطات: لم يرض.
187

ثم إن إطلاق العبارة باعتبار شروط المختلعة في المباراة حسن على طريقة
الأصحاب، حيث لم يشترطوا فيها في المختلعة عدا مجرد الكراهة وإن لم تكن
شديدة. ومشكل على ما قدمناه من اعتبار الشدة، بل ينبغي استثناؤها هنا
والاكتفاء بمجرد الكراهة، للأصل، والإطلاق، وخصوص الصحيح: المباراة
يؤخذ منها دون الصداق، والمختلعة يؤخذ منها ما شاء، لأن المختلعة تعتدي
في الكلام وتتكلم بما لا يحل لها (1).
* (ويجوز أن يفاديها بقدر ما وصل إليها منه) * من تمام المهر * (فما دون) *
على الأشهر الأظهر، للأصل والصحيح: لا يجوز أن يؤخذ منها إلا المهر فما
دون (2)، وليس في سنده اشتراك كما ظن، وعلى تقديره بالأصل والشهرة
منجبر، ومترجح بذلك على الصحيح المتقدم قريبا، وإن عمل به الصدوقان (3)
والعماني (4) كما حكي، مع أنه حسن في المشهور، فلا يعارض الضعيف المنجبر
بما مر، مع ظهور احتمال كونه من الصحيح.
وأما القدح فيه بالقطع فليس على ما ينبغي، لاستناده إلى أبي جعفر (عليه السلام)
في الكافي (5)، وهو أضبط من التهذيب، الذي قطع فيه (6).
* (و) * كيف كان هما نص في أنه * (لا يحل له ما زاد عنه) * مع أنه أيضا
إجماعي، وهو أحد الفوارق بين المقام والخلع.
* * *

(1) الوسائل 15: 493، الباب 4 من أبواب الخلع والمباراة الحديث 1.
(2) المصدر السابق: 500، الباب 8 الحديث 4، وفيه لا يحل.
(3) كما في المختلف: ج 7 ص 400، والمقنع: 117.
(4) نفس المصدر السابق.
(5) الكافي 6: 142، الحديث 2.
(6) القطع في بعض نسخ التهذيب 8: 101، الحديث 340.
188

رياض المسائل
كتاب الظهار
189

* (كتاب الظهار) *
وهو فعال من الظهر اختص به الاشتقاق، لأنه محل الركوب في المركوب،
والمرأة مركوب الزوج.
والمراد به هنا تشبيه المكلف من يملك نكاحها بظهر محرمة عليه أبدا
بنسب أو رضاع أو مصاهرة أيضا، وهو محرم وإن ترتب عليه الأحكام، لقوله
سبحانه: " وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا " (1).
لكن قيل: إنه لا عقاب فيه، لتعقبه بالعفو (2).
ويضعف بأنه وصف مطلق، فلا يتعين كونه عن هذا الذنب المعين. لكن
المستفاد من بعض المعتبرة تعلقه به، إلا أنه بالنظر إلى المظاهر الذي نزلت
الآية في شأنه.
* (وينعقد بقوله: أنت علي كظهر أمي) * قاصدا إليه إجماعا، والنصوص به
مستفيضة (3). لكنها متفقة بذكر هذه العبارة التي لم تختلف فيها حروف الصلة.
لكن ظاهر الأصحاب الاتفاق على الانعقاد * (وإن اختلفت حروف

(1) المجادلة: 2.
(2) لم نعثر عليه.
(3) الوسائل 15: 506، الباب 1 من أبواب الظهار.
191

الصلة) * بأن بدلت " أنت " ب‍ " هذه " أو زوجتي أو فلانة و " علي " ب‍ " مني " أو
" عندي " أو " معي "، بل صرح بالإجماع بعضهم. وهو الحجة فيه، مع إمكان
التمسك بإطلاق الآية (1)، وبه يصح ما عن الأكثر من الانعقاد ولو مع حذف
الصلة، كأن يقول: أنت كظهر أمي.
خلافا للتحرير (2)، فاستشكل فيه، لعدم الصراحة، واحتمال إرادة التحريم
على غيره.
ورد بالبعد، وكفاية الظهور. وهو حسن إن قام دلالة الكفاية، وإلا فأصالة
الإباحة تنافيها، بل تحوج إلى الصراحة كما في الطلاق. ولا ريب أن ما ذكروه
أحوط.
* (وكذا يقع لو شبهها بظهر) * امرأة * (ذي رحم) * مطلقا * (نسبا) * كان * (أو
رضاعا) * على الأشهر الأقوى، بل ربما أشعر عبارة الطوسي (3) والمهذب (4)
بالإجماع عليه منا. وهو الحجة، مضافا إلى الصحيحين:
في أحدهما: عن الظهار، فقال: هو عن كل ذي محرم أم أو أخت أو عمة أو
خالة، ولا يكون الظهار في يمين، قلت: فكيف؟ قال: يقول الرجل لامرأته
وهي طاهر في غير جماع أنت علي حرام مثل ظهر أمي أو أختي، وهو يريد
بذلك الظهار (5).
وفي الثاني: الرجل يقول لامرأته أنت علي كظهر عمتي أو خالتي، قال:
هو الظهار (6).

(1) المجادلة: 2.
(2) التحرير 2: 61 س 8 - 9.
(3) المبسوط 5: 149.
(4) المهذب 2: 299.
(5) الوسائل 15: 509 و 511، الباب 2 و 4 من أبواب الظهار الحديث 2 و 1.
(6) المصدر السابق: الحديث 2.
192

وعموم الأول يشمل المحرمات الأبدية ولو بالمصاهرة، وبه أفتى في
المختلف (1)، ووافقه جماعة. ولا يخلو عن قوة.
خلافا للحلي (2) فيمن عدا الأم النسبي مطلقا فنفاه، اقتصارا فيما خالف
الأصل على مورد الكتاب، وما أجمع عليه الأصحاب.
وهو حسن على أصله، مدفوع على غيره، لمكان الصحيحين:
نعم في الصحيح: يقول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أختي أو عمتي أو
خالتي، فقال: إنما ذكر الله تعالى " الأمهات " وإن هذا لحرام (3).
ورد بأنه لا دلالة فيه على نفيه، مع أنه أجاب بالتحريم.
وفيه نظر، فإن ظهوره فيما ذكره لا يمكن أن ينكر.
نعم ما ذكره محتمل فليست الدلالة صريحة، ومعه قصرت الرواية عن
المقاومة، للخبرين، مع تعددهما واعتضادهما بالفتوى، وبالإجماع الذي مضى،
ووافقه غيره، لكن عمم الأم للرضاعية إما لصدق الأم عليها حقيقة، أو
لحديث يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (4).
وفيهما نظر، سيما الأول، ووافقه القاضي (5) في تخصيص الأم بالنسبية كما
حكي، إلا أنه عدى الحكم إلى من عدا الأم النسبية من ذوات الأرحام نسبا،
تمسكا في التخصيص بالنسب إلى ما مر من الأصل، وفي التعميم إلى من عدا
الأم بالصحيحين، زاعما عدم عموم فيهما يوجب التعدية إلى المحرمات
رضاعا، لتبادر المحرم النسبي من ذي محرم وعمة وأخت.

(1) المختلف: ج 7 ص 415.
(2) السرائر 2: 709.
(3) الوسائل 15: 511، الباب 4 من أبواب الظهار الحديث 3.
(4) الوسائل 14: 280، الباب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع.
(5) المهذب 2: 299.
193

وفيه نظر، لعدم حكم للتبادر مع العموم اللغوي وما في حكمه، فهو
ضعيف، كموافقة الأكثر له في عدم التعدية إلى المحرمات بالمصاهرة، لعموم كل
ذي محرم، لها مضافا إلى الاشتراك في العلة، وهي كونه منكرا وزورا كذا ذكره
شيخنا العلامة (1) ولعله لا يختلف عن مناقشة.
* (ولو) * شبهها بكلها، كأنت مثل أمي أو بغير الظهر من أعضائها، كما لو
* (قال:) * أنت * (كشعر أمي أو يدها) * أو شبه عضوا منها بكلها، كأن يقول:
يدك كأمي أو بأحد أعضائها * (لم يقع) * على الأصح، وفاقا للأكثر، بل في
الانتصار الإجماع عليه (2)، اقتصارا فيما خالف الأصل على محل الوفاق،
والنص المعتبر، مضافا إلى النظر إلى الاشتقاق وظهور الصحيح المتقدم في
الحصر في التشبيه بالظهر، حيث سئل عن الظهار وأنه كيف هو؟ فأجاب:
بأنت حرام مثل ظهر أمي (3).
* (وقيل: يقع) * لاعتبارات قياسية غير مسموعة في نحو المسألة.
نعم للمصير إلى الوقوع في الثاني خاصة وجه * (بسبب رواية) * سدير عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: الرجل يقول لامرأته: أنت علي كشعر أمي
أو كبطنها أو كرجلها، قال: ما عنى إن أراد به الظهار فهو الظهار (4) ونحوها
أخرى (5).
لكن * (فيها) * كالثانية * (ضعف) * ومع ذلك موافقة للعامة، كما في
الانتصار (6)، فلا تخرج بهما عن الأصل، سيما مع اعتضاده بالشهرة والإجماع

(1) المختلف: ج 7 ص 415.
(2) الإنتصار: 142.
(3) الوسائل 15: 509، الباب 2 من أبواب الظهار الحديث 2.
(4) الوسائل 15: 517، الباب 9 من أبواب الظهار الحديث 2.
(5) المصدر السابق: الحديث 1.
(6) الإنتصار: 142.
194

المتقدم، ويعارض به الإجماع المدعى في الخلاف (1) على الوقوع في الثاني
لو تمسك به، مع أنه موهون، بمصير الأكثر إلى الخلاف.
لكن الأحوط ذلك، بل الوقوع مطلقا، سيما لو شبهها بكلها، لاحتمال
الوقوع فيه بالفحوى، وإن كان لا يخلو عن نظر جدا.
* (ويشترط) * فيه ما يشترط الطلاق فيعتبر * (أن يسمع نطقه شاهدا
عدل) * بلا خلاف، بل في الانتصار (2) وعن الحلي عليه الإجماع (3). وهو
الحجة، كالمعتبرة المستفيضة العامة والخاصة.
فمن الأولى الصحيح: لا يكون الظهار إلا على موضع الطلاق (4). ونحوه
غيره (5).
ومن الثانية الصحيح وغيره: لا يكون ظهار إلا على طهر بغير جماع
بشهادة شاهدين مسلمين (6).
وظاهره الاكتفاء في الشهود بالإسلام، إلا أن ظاهر الأول وصريح
الأصحاب اعتبار العدالة، كاعتبارها في شهود الطلاق.
وعليه يحمل إطلاق الثاني، مضافا إلى الاستقراء الكاشف عن اعتبارها
في الشهود مطلقا، فلا وجه لنظر بعض من تأخر فيما ذكر.
* (وفي صحته مع) * التعليق على * (الشرط) * كأن يقول: أنت كظهر أمي إن
فعلت كذا غير قاصد للزجر أو البعث فإنه مع القصد إليهما يمين لم يقع بإجماعنا
فتوى ونصا، كما يأتي * (روايتان) * باختلافهما اختلف الأصحاب.

(1) الخلاف 4: 530، المسألة 9.
(2) الإنتصار: ص 141.
(3) السرائر 2: 710.
(4) الوسائل 15: 509، الباب 2 من أبواب الظهار الحديث 3 وذيله.
(5) الوسائل 15: 509، الباب 2 من أبواب الظهار الحديث 3 وذيله.
(6) الوسائل 15: 510، الباب 2 من أبواب الظهار الحديث 4.
195

إلا أن * (أشهرهما) * كما هنا وفي المسالك بين متأخري أصحابنا (1)
* (الصحة) * بعد تحقق الشرط، واختاره من المتقدمين الصدوق (2) والطوسي (3)
وجماعة، وهو مع ذلك صحيح السند متكثر العدد.
ففي الصحيح: الظهار على ضربين أحدهما: الكفارة فيه قبل المواقعة،
والآخر: بعدها والذي يكفر قبل الشروع فهو الذي يقول: أنت علي كظهر
أمي، ولا يقول: إن فعلت بك كذا وكذا والذي يكفر بعد المواقعة هو الذي
يقول أنت علي كظهر أمي إن قربتك (4). ونحوه صحيحان آخران معتضدان (5)
كالأول بإطلاق الآية (6) والنصوص.
وثانيهما عدم الصحة اختاره المرتضى في الانتصار مدعيا عليه الإجماع (7)،
ونسب الأول إلى باقي الفقهاء، واختاره ابن زهرة (8) والحلي (9) وجماعة، ومن
المتأخرين منهم الماتن في الشرائع (10) والمقداد في التنقيح (11) وغيرهم.
وهو الأقوى: للأصل، وضعف إطلاق الآية والنص. إذ لا يقال: للمظاهر
بشرط أنه مظاهر، وعلى تقديره فليس بمتبادر، ويؤيده بملاحظة شأن نزول
الآية والإجماع المحكي والمعتبرة المستفيضة بالعموم والخصوص.
فمن الأول الصحيح المتقدم: لا يكون الظهار إلا على موضع الطلاق (12).
ونحوه غيره (13)، ولا طلاق بشرط إجماعا.

(1) المسالك 9: 478.
(2) المقنع: 118.
(3) المبسوط 5: 150.
(4) الوسائل 15: 529، الباب 16 من أبواب الظهار الحديث 1 وفيه اختلاف يسير.
(5) المصدر السابق: الحديث 7 و 8.
(6) المجادلة: 2.
(7) الإنتصار: 141.
(8) الغنية: 336.
(9) السرائر 2: 709.
(10) الشرائع 3: 62.
(11) التنقيح 3: 371.
(12) الوسائل 15: 509، الباب 2 من أبواب الظهار الحديث 3 وذيله.
(13) الوسائل 15: 509، الباب 2 من أبواب الظهار الحديث 3 وذيله.
196

ومن الثاني: الخبران.
المعتبر أحدهما بوجود جملة من المجمع على تصحيح رواياته في سنده
فلا يضر إرساله قال: قلت لأبي الحسن: إني قلت لامرأتي: أنت كظهر أمي
إن خرجت من باب الحجرة فخرجت، فقال: ليس عليك شئ، الخبر (1).
والثاني وإن ضعف إلا أنه كالأول لو كان كذلك بالشهرة العظيمة بين
القدماء كما يفهم من الحلي (2)، بل والمتأخرين أيضا كما يفهم من الشرائع (3)،
والإجماع المتقدم، ومخالفة العامة العمياء معتضد، مضافا إلى الأصل القطعي،
الذي لا مخرج عنه سوى الصحاح المتقدمة. وحملها على التقية - لما عرفت من
كلام المرتضى - متعين.
ودعوى اعتضادها بالشهرة المتأخرة وإطلاقات الكتاب والسنة بما
عرفت مدفوعة.
هذا، مع أن الإطلاقات لو كانت تنهض هنا حجة للزم الصحة بالتعليق
على الصفة والمدة، ولم يقل به أكثرهم وإن خالفهم المبسوط (4). فتأمل.
هذا ولا ريب أن ما ذكروه أحوط، وإن كان ما قدمناه أقوى وأظهر.
* (ولا يقع في يمين) * إذا جعل جزاء على فعل أو ترك قصدا للزجر أو البعث،
وهو الفارق بينه وبين الشرط، فإن المقصود منه مجرد التعليق لا أحد الأمرين.
وربما يفرق أيضا: بعدم تعلق اليمين بفعل غير المكلف قطعا، بخلاف
الشرط فقد يتعلق. والأصل في عدم الوقوع بعد الأصل الإجماع المستفيض
النقل، والمعتبرة المستفيضة:

(1) المصدر السابق: 529 و 530، الباب 16 الحديث 3 و 4.
(2) السرائر 2: 709.
(3) الشرائع 3: 62.
(4) المبسوط 5: 150.
197

منها الصحيح لا يكون في يمين (1)، وعلل أيضا بالنهي عن اليمين بغير الله
سبحانه.
وفيه نظر، فإن تعلق النهي بمثله لا يستلزم الفساد. كيف لا! والظهار من
أصله منهي عنه إجماعا، ومع ذلك فهو في الجملة صحيح اتفاقا.
* (و) * كذا * (لا) * يقع إذا قصد به * (إضرار) * الزوجة، وفاقا للنهاية (2)
والعلامة (3) وجماعة، وربما ادعي عليه الشهرة في الكفاية (4). ولا يخلو عن
قوة، للأصل، وبعض المعتبرة، المنجبر قصور سنده بالجهالة بأن فيه من
اجتمعت على تصحيح ما يصح عنه العصابة، وفيه: لا يكون ظهار في يمين ولا
في إضرار ولا غضب (5).
خلافا لظاهر المفيد (6) والإسكافي (7) والحلي (8)، فأطلقوا الوقوع ولم
يقيدوا، للعموم. وهو أوجه، إلا أن تصح الشهرة فتعتضد به الرواية، وتصلح
للعموم مخصصة. وإلا فمجرد اعتبار السند مع عدم الصحة غير معلوم
الصلاحية، لتخصيص مثل عموم الآية (9) والسنة المقطوع بها، المخصص بهما
الأصالة المتمسك بها في المسألة.
ولا ريب أن الوقوع أحوط إن لم يكن أقرب.
* (و) * كذا * (لا) * يقع في * (حال غضب) * مطلقا وإن لم يرتفع معه القصد
أصلا * (ولا سكر) * بلا خلاف في الظاهر فيهما. وهو حجة منهما، كالأدلة

(1) الوسائل 15: 509، الباب 2 من أبواب الظهار الحديث 1.
(2) النهاية 2: 465.
(3) القواعد 2: 85 س 11.
(4) كفاية الأحكام: 212 س 4.
(5) الوسائل 15: 509، الباب 2 من أبواب الظهار الحديث 1.
(6) المقنعة: 524.
(7) كما في المختلف: ج 7 ص 412.
(8) السرائر 2: 708.
(9) المجادلة: 2.
198

القاطعة في الثاني، والصحيح في الأول: الظهار لا يقع على غضب (1)، مضافا
إلى المعتبر المتقدم، وبذلك يخص العموم.
* (ويعتبر في المظاهر البلوغ، وكمال العقل، والاختيار، والقصد) * بلا
خلاف في الأربعة، لعموم الأدلة، وخصوص ما دل على أن الظهار كالطلاق
لا يقع إلا حيثما يقع وقد مر ما دل على اعتبارها في الطلاق، مضافا إلى
خصوص المستفيضة في الرابع:
ففي الصحيح: في بيان الظهار يقول الرجل لامرأته وهي طاهر في غير
جماع: أنت علي حرام مثل ظهر أمي أو أختي، وهو يريد بذلك الظهار (2).
ونحوه الموثق (3) وغيره.
فلا إشكال في شئ من ذلك إلا على القول بجواز طلاق المراهق المتجه
عليه صحة الظهار أيضا، إلا أنه لا خلاف في العدم هنا، ولعله لكون مورده
آية (4) ورواية (5) إنما هو المكلف، ولذا وصف بالمنكر والزور، ووجب لأجلها
الكفارة، وليس شئ منهما جاريا في الصبي أصلا.
ثم في اقتصار الماتن كغيره في الشرائط هنا على الأربعة إشعار بل دلالة
على عدم اعتبار الحرية والإسلام، وصحته من العبد والكافر. وهو إجماع
في الأول، للعموم، ومع ذلك منصوص في الصحيح وغيره: عن المملوك أعليه
ظهار؟ قال: نصف ما على الحر من الصوم، وليس عليه كفارة صدقة،
ولا عتق (6). ومذهب الأكثر في الثاني، للعمومات مع انتفاء المانع، إذ ليس
عبادة يمتنع وقوعها منه.

(1) الوسائل 15: 515، الباب 7 من أبواب الظهار الحديث 1.
(2) المصدر السابق: 509، الباب 2 الحديث 2.
(3) المصدر السابق: 510 الحديث 4.
(4) المجادلة: 2.
(5) الوسائل 15: 509، الباب 2 من أبواب الظهار الحديث 3.
(6) الوسائل 15: 522، الباب 12 من أبواب الظهار الحديث 1.
199

خلافا للشيخ (1) فاستقرب المنع، لأنه لا يقر بالشرع والظهار حكم
شرعي، ولأنه لا يصح منه الكفارة، لاشتراط نية القربة فيها، فيمتنع منه
الفئة، وهي من لوازم وقوعه.
ويضعف بأنه من قبيل الأسباب، وهي لا تتوقف على اعتقادها والتمكن
من التكفير متحقق بتقديمه الإسلام، لأنه قادر عليه، ولو لم يقدر على
العبادات لامتنع تكليفه بها عندنا، وإنما تقع منه باطلة، لفقد شرط مقدور،
مضافا إلى اختصاص ما ذكر بصورة استمرار كفره. أما لو أسلم بعد الظهار
فليس ذلك بجار فيه.
* (و) * يعتبر * (في المظاهرة) * وقوعه في * (طهر لم يجامعها فيه إذا كان
زوجها حاضرا) * أو في حكمه * (ومثلها تحيض) * بلا خلاف، بل عليه الإجماع
في كلام جماعة. وهو الحجة، مضافا إلى الأصل، والمعتبرة المتقدمة، المنزلة
للظهار منزلة الطلاق، المعتبر فيه ذلك اتفاقا فتوى ونصا، وخصوص
الصحيح: عن الظهار، فقال: يقول الرجل لامرأته وهي طاهر في غير جماع:
أنت علي حرام مثل ظهر أمي، الخبر (2)، وقد مر، ونحوه آخر (3).
* (وفي اشتراط الدخول) * بها * (تردد) * من العمومات كتابا (4) وسنة (5)
المقتضية للعدم * (و) * من أن * (المروي) * في الصحيحين * (الاشتراط) *.
ففي أحدهما: في المرأة التي لم يدخل بها زوجها، قال: لا يقع عليها إيلاء
ولا ظهار (6).

(1) المبسوط 5: 145.
(2) الوسائل 15: 209، الباب 2 من أبواب الظهار الحديث 2.
(3) المصدر السابق: الحديث 4.
(4) المجادلة: 2.
(5) الوسائل 15: 509، الباب 2 من أبواب الظهار.
(6) المصدر السابق: 516، الباب 8 الحديث 2.
200

وفي الثاني: عن مملك ظاهر من امرأته، قال: لا يلزمه شئ ولا يكون
ظهار ولا إيلاء حتى يدخل بها (1).
وبهما يخص العموم القطعي إن جوزنا تخصيصه بمثلهما، وإلا فالعدم أقوى،
كما هو مختار الحلي (2) والمرتضى (3)، لأن ذلك أصلهما. إلا أن الأول أقوى،
وفاقا لأكثر أصحابنا هنا.
وفي الأصل أيضا، وقد تحقق الكلام في تحقيقه في الأصول مستقصى،
وأنه يجوز العمل به مطلقا وإن لم يشتهر المخصص بين أصحابنا، ومع اشتهار
العمل به - كما هنا - يجوز العمل به بطريق أولى، بل لا محيص عنه جدا. كيف
لا! وعدمه حينئذ مستلزم لعدم جواز تخصيص عموم الكتاب ونحوه بشئ
من الآحاد أصلا، إلا ما أجمع عليه أو حفت به القرائن القطعية. والاقتصار
عليه كاد أن يلحق بالفساد جدا.
فإذا مختار الأكثر هنا أقوى ثم أقوى.
وأما ما ربما يتوهم هنا من التأيد للخلاف - بما مضى من المعتبرة المنزلة
للظهار منزلة الطلاق، ولا يشترط فيه ذلك اتفاقا ونصا، فينبغي أن يكون
الظهار كذلك أيضا - فوهنه أظهر من أن يخفى، فإن مقتضاها ليس إلا أن
الظهار لا يقع إلا حيثما يقع الطلاق، وليس فيه دلالة على أنه حيثما يقع الطلاق
يقع الظهار، وهو ظاهر، كما لا يخفى.
* (وفي وقوعه بالتمتع بها قولان) * مضى ذكرهما في بحث التمتع، وأن
* (أشبههما) * وأشهرهما * (الوقوع، وكذا) * القولان في وقوعه * (بالموطوءة
بالملك) * وأشهرهما بين المتأخرين أنه كالأول. وهو أظهر، للعمومات،
وخصوص المعتبرة المستفيضة:

(1) المصدر السابق: 516، الباب 8 الحديث 1.
(2) السرائر 2: 710.
(3) الإنتصار: 141.
201

منها الصحيح: في رجل كان له عشر جوار فظاهر منهن كلهن جميعا
بكلام واحد، فقال: عليه عشر كفارات (1).
والموثق بل الصحيح: عن الرجل يظاهر من جاريته، فقال: الحرة والأمة
في هذا سواء (2). ونحوه الحسن كالصحيح (3).
وقريب منها الصحيح: عن الظهار على الحرة والأمة، قال: نعم (4).
خلافا لجماعة من القدماء، فاختاروا العدم، للأصل. ويضعف بما مر. ولأن
المفهوم من النساء الزوجة. وفيه منع. ولورود السبب فيها. وفيه أنه لا
يخصص. وللخبر: فيمن ظاهر عن أمته، قال: يأتيها وليس عليه شئ (5).
وفيه قصور سندا عن المكافأة لما مر جدا، وإن اعتبر بوجود المجمع على
تصحيح رواياته في سنده، فلا يضر جهالة راويه، مضافا إلى قصوره عن ذلك
عددا، ومخالفة للعمومات والشهرة العظيمة وإن كانت متأخرة، مع احتماله
للتقية. ولأن الظهار كان في الجاهلية طلاقا، وهو لا يقع بها. وفيه أن فعل
الجاهلية لا حجة فيه، مع أنه قد نقل أنهم كانوا يظاهرون من الأمة أيضا.
ولو استدلوا بعموم المعتبرة (6) القائلة أنه كالطلاق كان أجود، إلا أنه
مخصص أو مؤول بما مر، لكونه في الرجحان أظهر.
وفي اكتفائه بقوله: * (والمروي أنها كالحرة) * (7) سيما بعد الحكم بالوقوع
صريحا في السابق نوع إشعار بالتردد، وليس في محله.
* (وهنا مسائل) * سبع
* (الأولى: الكفارة تجب بالعود) * لا بمجرد الظهار، بالكتاب (8)،

(1) الوسائل 15: 521 و 520، الباب 11 من أبواب الظهار الحديث 3 و 1.
(2) الوسائل 15: 521 و 520، الباب 11 من أبواب الظهار الحديث 3 و 1.
(3) المصدر السابق: الحديث 4 و 2 و 6.
(4) المصدر السابق: الحديث 4 و 2 و 6.
(5) المصدر السابق: الحديث 4 و 2 و 6.
(6) الوسائل 15: 509، الباب 2 من أبواب الظهار الحديث 3 و 5.
(7) الوسائل 15: 509، الباب 2 من أبواب الظهار الحديث 3 و 5.
(8) المجادلة: 3.
202

والسنة (1)، وإجماع العلماء كما حكاه بعض أصحابنا (2)، وهو إرادة الوطء على
الأظهر الأشهر للآية (3)، فإن الظاهر في معنى العود فيها إرادة استباحة الوطء ء
الذي حرمه الظهار، كما صرح به المرتضى وجماعة، حكاه عنهم بعض
الأجلة (4)، وللصحيحين:
في أحدهما: عن الظهار متى يقع على صاحبه فيه الكفارة، فقال: إذا أراد
أن يواقع امرأته، قلت: فإن طلقها قبل أن يواقعها أعليه كفارة؟ قال: لا،
سقطت الكفارة (5).
وفي الثاني: عن الرجل يظاهر من امرأته ثم يريد أن يتم على طلاقها، قال:
ليس عليه كفارة، قلت: فإن أراد أن يمسها، قال: لا يمسها حتى يكفر، قلت:
فإن فعل عليه شئ، قال: إي والله أنه لآثم ظالم، قلت: عليه كفارة غير
الأولى. قال: نعم يعتق أيضا رقبة (6).
خلافا للإسكافي، فيما إذا قام على إمساكها بعد الظهار بالعقد الأول زمانا
وإن قل (7)، فأوجب به الكفارة وإن لم يرد الوطء، قال: لأن العود إنما هو
المخالفة، وهي متحققة بذلك.
وأجيب بأن بقاءها في عصمته لا ينافي تحريمها عليه، وإنما ينافيه إرادة
الاستمتاع أو نفسه، والثاني غير مراد بإجماعنا، ولقوله تعالى: " من قبل أن
يتماسا "، فيتعين الأول (8).

(1) الوسائل 15: 517، الباب 10 من أبواب الظهار.
(2) نهاية المرام 2: 161.
(3) نهاية المرام 2: 161.
(4) المجادلة: 3.
(5) الوسائل 15: 518، الباب 10 من أبواب الظهار الحديث 4.
(6) الوسائل 15: 527، الباب 15 من أبواب الظهار الحديث 4.
(7) كما في المختلف: ج 7 ص 426.
(8) مفاتيح الشرائع 2: 329، مفتاح 792.
203

هذا وفي الحسن (1) وغيره (2) تفسير العود بغير ما عليه الأصحاب، من
إرادة الوطء كما عليه المشهور، أو المخالفة كما عليه الإسكافي (3) وهو أن قوله
تعالى: " ثم يعودون لما قالوا "، يعني به ما قال الرجل الأول لامرأته: أنت علي
كظهر أمي، فمن قالها بعد ما عفا الله تعالى وغفر للرجل الأول " ف‍ " إن عليه
" تحرير رقبة " الآية.
إلا أنه يستفاد من بعض الروايات ما قدمناه، كالمرسل: في رجل ظاهر،
قال: سقطت عنه الكفارة إذا طلق قبل أن يعاود المجامعة، الخبر (4). فتأمل.
وكيف كان لا مخالفة فيه للمشهور من حيث الثمرة الثابتة بالصحيحين (5).
* (و) * يستفاد من صريحهما مضافا إلى الأصل ما هو الأشهر * (الأقرب
أنه لا استقرار لوجوبها) * بمجرد الإرادة، بحيث تلزمه مع انتفائها، بل وجوبها
شرطي، بمعنى تحريم الوطء حتى يكفر.
خلافا للتحرير، فقال: بالاستقرار (6)، لترتبه في الآية على العود بمجرده،
بناء على التفسير المشهور.
وأجيب بأن المفهوم منه إنما هو توقف التماس عليها، مع أنها مقيدة بقبلية
التماس التي هي من الأمور المتضايفة التي لا يتحقق إلا بالمتضايفين (7).
ثم في إضافة الإرادة في العبارة إلى الوطء خاصة إشارة بل دلالة على عدم

(1) الوسائل 15: 506، الباب 1 من أبواب الظهار الحديث 2.
(2) المصدر السابق: 519، الباب 10 الحديث 9.
(3) كما في المختلف: ج 7 ص 426.
(4) الوسائل 15: 519، الباب 10 من أبواب الظهار الحديث 6.
(5) الوسائل 15: 518، الباب 1 من أبواب الظهار الحديث 4، والآخر ص 527، باب 15 من
أبواب الظهار الحديث 4.
(6) التحرير 2: 62 س 6.
(7) مفاتيح الشرائع 2: 329، مفتاح 792.
204

ترتب الكفارة بإرادة مقدماته من اللمس والقبلة. وهو أصح القولين
وأشهرهما في المسألة، بل عن الحلي (1) نفي الخلاف عنه، بناء على الأصل
وتفسير المسيس هنا، بل مطلقا بالوطء خاصة في المعتبرة:
منها الخبران المفسران (2) للعود بما قدمنا، فإن فيهما: فإن عليه تحرير رقبة
من قبل أن يتماسا، يعني مجامعتها.
ومنها الصحيح (3) الأول من الصحيح المشترط في وجوب الكفارة إرادة
المواقعة التي هي الجماع بالضرورة، الدال بمفهومه على عدم الكفارة عند عدمها.
هذا، مع استفاضة المعتبرة (4) بترتب الكفارة على المواقعة الظاهرة في
الحصر، ولا يبعد كونها متواترة.
هذا، مع أن المتبادر منه عرفا وعادة ذلك البتة.
ومنه يظهر ضعف القول بترتب الكفارة على مطلق المسيس ولو كان نحو
قبلة، كما عن المبسوط (5) والخلاف (6)، وحجته من عموم المسيس لغة لذلك.
وأما الاستناد له إلى تنزيلها منزلة المحرمة مؤبدا فهو مصادرة، مع
استلزامه حرمة النظر بلذة، وليس في الآية دلالة عليها بوجه، مع عدم مصير
المخالف إليه أيضا.
واعلم أنه إنما يحرم الوطء عليه بالظهار لا عليها، إلا إذا تضمن الإعانة
على الإثم فيحرم لذلك لا للظهار، فلو تشبهت عليه على وجه لا تحرم عليه أو
استدخلته وهو نائم مثلا لم يحرم عليها، لثبوت الحل لها قبله، والأصل بقاؤه.

(1) السرائر 2: 711.
(2) الوسائل 15: 527، الباب 15 من أبواب الظهار الحديث 4 و 5.
(3) الوسائل 15: 518، الباب 10 من أبواب الظهار الحديث 4.
(4) المصدر السابق: 508، الباب 1 الحديث 4.
(5) المبسوط 5: 155.
(6) الخلاف 4: 539، المسألة 22.
205

* (الثانية: لو طلقها وراجع في العدة لم تحل) * مجامعتها * (حتى يكفر) *
إجماعا حكاه جماعة، لإطلاق الآية (1)، وصريح بعض المعتبرة الآتية. ومما
ينافيه باطلاقه مما يأتي محمول على الصورة الثانية، بما مر، والمعتبرة المفصلة.
* (و) * أما * (لو) * طلقها بائنا أو رجعيا وقد * (خرجت) * من العدة
* (فاستأنف النكاح) * فإنه * (فيه روايتان، أشهرهما) * وأظهرهما * (أنه لا
كفارة) * عليه.
ففي الصحيح: عن رجل ظاهر من امرأته ثم طلقها قبل أن يواقعها فبانت
منه أعليه كفارة؟ قال: لا (2).
وفيه كالخبر بل الحسن: عن رجل ظاهر من امرأته ثم طلقها تطليقة،
فقال: إذا هو طلقها تطليقة فقد بطل الظهار، وهدم الطلاق الظهار قيل له: فله
أن يراجعها، قال: نعم، هي امرأته، فإن راجعها وجب عليه ما يجب على
المظاهر من قبل أن يتماسا، قلت: فإن تركها حتى يخلو أجلها وتملك نفسها ثم
تزوجها بعد ذلك هل يلزمه الظهار من قبل أن يمسها؟ قال: لا، قد بانت منه،
وملكت نفسها (3).
وعليهما يحمل إطلاق الصحيحين: في المظاهر إذا طلق سقطت عنه
الكفارة (4)، والرواية الأخرى الحسنة: عن رجل ظاهر من امرأته ثم طلقها
بعد ذلك بشهر أو شهرين فتزوجت ثم طلقها الذي تزوجها فراجعها الأول
هل عليه الكفارة للظهار الأول؟ قال: نعم، الخبر (5). وقد عمل به الديلمي (6)
والحلبي (7).

(1) المجادلة: 3.
(2) الوسائل 15: 517، الباب 10 من أبواب الظهار الحديث 1 و 2.
(3) الوسائل 15: 517، الباب 10 من أبواب الظهار الحديث 1 و 2.
(4) المصدر السابق: الحديث 4 و 5 و 9.
(5) المصدر السابق: الحديث 4 و 5 و 9.
(6) المراسم: 160.
(7) الكافي في الفقه: 303.
206

وفيه قصور سندا وعددا عن المقاومة لما مر جدا، ومع ذلك محتمل للتقية.
وبها أجاب عنه الشيخ قائلا أنه: مذهب جماعة من العامة (1).
والأجود حمله على الاستحباب كما ذكره جماعة، أو على صورة إرادته
الفرار بالطلاق من الكفارة، للخبر: إن كان إنما طلقها لإسقاط الكفارة عنه ثم
راجعها فالكفارة لازمة له أبدا إذا عاود المجامعة، وإن كان طلقها وهو لا ينوي
شيئا من ذلك فلا بأس، ولا كفارة عليه (2).
إلا أنه مع قصور سنده بالإرسال وضعفه عن المقاومة لما مر شاذ، لا
يلتفت إليه. ومع ذلك فإطلاق نفي الكفارة فيه بعد الرجوع مع عدم قصد
الفرار مخالف للإجماع بالضرورة، إلا أنه يمكن تقييده بصورة تحقق البينونة.
* (الثالثة: لو ظاهر من أربع) * نسوة * (بلفظ واحد) * وكلمة واحدة فقال:
أنتن علي كظهر أمي * (لزمه أربع كفارات) * على الأظهر الأشهر بين الطائفة،
لإطلاق الآية (3)، والسنة، وخصوص المعتبرة:
أصرحها الصحيح: في رجل كان له عشر جوار فظاهر منهن كلهن جميعا
بكلام واحد، فقال: عليه عشر كفارات (4).
* (وفي رواية) * موثقة: أن عليه * (كفارة واحدة) * (5) عمل بها
الإسكافي (6). ولقصورها سندا وعددا عن المقاومة لما مر جدا حملها الشيخ (7)
على الوحدة الجنسية. ولا بأس به وإن بعد، جمعا بين الأدلة.
* (وكذا البحث لو كرر ظهار) * المرأة * (الواحدة) * يلزمه بكل مرة كفارة

(1) التهذيب 8: 17، ذيل الحديث 27.
(2) الوسائل 15: 519، الباب 10 من أبواب الظهار الحديث 6.
(3) المجادلة: 3.
(4) الوسائل 15: 525، الباب 14 من أبواب الظهار الحديث 1 و 3.
(5) الوسائل 15: 525، الباب 14 من أبواب الظهار الحديث 1 و 3.
(6) كما في المختلف: ج 7 ص 436.
(7) التهذيب 8: 22، ذيل الحديث 43.
207

على حدة لبعض ما مر، وللمستفيضة. منها الصحاح:
في أحدها: عن رجل ظاهر من امرأته خمس مرات أو أكثر، قال:
قال علي (عليه السلام): مكان كل مرة كفارة (1). ونحوه الباقي (2).
وإطلاقها - كالعبارة - يقتضي عدم الفرق في الحكم بين التراخي أحدهما
عن الآخر، أو تواليهما بقصد التأكيد، أم لا تعدد المشبه بها كالأم والأخت، أم
لا تخلل التكفير بينهما، أم لا اختلف المجلس، أم تعدد. وهو الأظهر الأشهر بين
الطائفة.
خلافا للطوسي في المتواليين مع قصد التأكيد فواحدة مطلقا (3).
وللإسكافي (4) فيما إذا اتحد المشبه بها مع عدم تخلل التكفير مطلقا. ولغيرهما فيما
إذا اتحد المجلس فكذلك مطلقا.
ولم أقف لهم على حجة، سوى عدم الخلاف الذي ادعاه الأول، والصحيح
الذي احتج به للثالث: في رجل ظاهر عن امرأته أربع مرات في مجلس واحد،
قال: عليه كفارة واحدة (5). وهو كالأول قاصر عن المكافأة لما مر، فليطرحا،
أو يؤولا إلى ما يؤولا به إلى الأول.
هذا، وفي الأول وهن، لمصير الأكثر إلى خلافه، وفي سند الثاني ركاكة
واشتراك عند جماعة، وقد حمله الشيخ (6) على ما حمل عليه الرواية السابقة
من إرادة الوحدة الجنسية لا الشخصية.

(1) الوسائل 15: 523، الباب 13 من أبواب الظهار الحديث 1.
(2) المصدر السابق: 523.
(3) المبسوط 5: 152.
(4) كما في المختلف: ج 7 ص 431.
(5) الوسائل 15: 524، الباب 13 من أبواب الظهار الحديث 6.
(6) التهذيب 8: 22، ذيل الحديث 43.
208

* (الرابعة: يحرم الوطؤ قبل التكفير) * اتفاقا فتوى ونصا، كتابا (1)
وسنة (2).
* (فلو وطأ عامدا لزمه كفارتان) * إحداهما للظهار، والأخرى للمواقعة
بلا خلاف بين الطائفة. إلا من الإسكافي (3)، فلا يجب بالمرة الأولى أصلا، وأما
الثانية فكذلك إلا مع القدرة على العتق والصيام، وأما الإطعام فلا يجب في
الثانية أيضا. ولم نقف له على شاهد.
نعم في الصحيح (4) وغيره (5): قلت: إن واقع قبل أن يكفر، قال: يستغفر
الله تعالى، ويمسك حتى يكفر.
وهما مع قصور سند الثاني ليسا نصين في المطلق، بل ولا ظاهرين. وعلى
تقدير الظهور فليس فيهما التفصيل المذكور.
فإذا هما شاذان، ومع ذلك معارضان بالمعتبرة المستفيضة، المعتضدة
بالشهرة العظيمة. منها الصحيحان:
في أحدهما: لا يمسها حتى يكفر، قلت: فإن فعل فعليه شئ، قال: إي والله
إنه لآثم ظالم، قلت: عليه كفارة غير الأولى، قال: نعم يعتق أيضا رقبة (6).
وفي الثاني: إذا واقع المرة الثانية قبل أن يكفر فعليه كفارة أخرى ليس في
هذا اختلاف (7). ونحوهما الثالث (8).
وهو وإن قصر سنده بجهالة الراوي، إلا أن فيه المجمع على تصحيح

(1) المجادلة: 3.
(2) الوسائل 15: 526، الباب 15 من أبواب الظهار.
(3) كما في المختلف: ج 7 ص 437.
(4) الوسائل 15: 526، الباب 15 من أبواب الظهار الحديث 2.
(5) المصدر السابق: الحديث 3 و 4.
(6) المصدر السابق: الحديث 3 و 4.
(7) الوسائل 15: 526، الباب 15 من أبواب الظهار الحديث 1 و 5.
(8) الوسائل 15: 526، الباب 15 من أبواب الظهار الحديث 1 و 5.
209

رواياته، مع انجباره بالشهرة، ومفهوم الصحيح: ليس له أن يواقعها حتى يكفر
فإن جهل وفعل فإنما عليه كفارة واحدة (1) وظاهر العبارة اغتفار التعدد في
الجاهل. ويدل عليه الأصل أيضا، مع انتفاء المانع، لاختصاص المعتبرة
المتقدمة بحكم السياق في بعض، والتبادر في آخر بالعامد.
ومنه يظهر وجه انسحاب الحكم في الناسي وإن اختص الصحيح
بالجاهل، مضافا إلى الاعتبار، والإجماع المركب، مع احتمال التعدي منه إليه
بالفحوى. فتأمل جدا.
هذا، وفي تفريع الماتن تعدد الكفارة على الحرمة مناقشة، لعدم التلازم
بينها وبين الكفارة. فالأجود إبدال الفاء بالواو.
* (ولو كرر) * الوطء * (لزمه بكل وطء كفارة) * مطلقا، كفر عن الأول أم
لا، على الأشهر الأقوى، لإطلاق ما مضى.
خلافا لابن حمزة في الثاني (2)، فاكتفى فيه بالواحدة، والنص حجة عليه.
* (الخامسة: إذا أطلق الظهار حرمت مجامعتها حتى يكفر) * إجماعا، لما
مضى.
* (ولو علقه بشرط) * من غير وجه يمين * (لم تحرم حتى يحصل الشرط) *
فتحرم حينئذ إن قلنا به، وتجب الكفارة لو أراد الوطء ثانيا، وفاقا للأكثر،
للأصل، وصريح ما دل على تحقق التحريم به، وهو الصحيح: الظهار ضربان:
أحدهما الكفارة فيه قبل المواقعة، والآخر بعدها (3)، ونحوه غيره (4).
فالذي يكفر قبل المواقعة هو الذي يقول: أنت علي كظهر أمي، ولا يقول

(1) الوسائل 15: 526، الباب 15 من أبواب الظهار الحديث 8.
(2) الوسيلة: 335.
(3) الوسائل 15: 529، الباب 16 من أبواب الظهار الحديث 1 و 8.
210

إن فعلت بك كذا وكذا. والذي يكفر بعد المواقعة هو الذي يقول: أنت علي
كظهر أمي إن قربتك.
* (وقال بعض الأصحاب) * وهو الشيخ في النهاية (1): والضرب الثاني
لا تجب فيه الكفارة إلا بعد أن يفعل ما شرط أنه لا يفعل * (أو يواقعها (2)
وهو بعيد) * إذ لا وجه له، مع مخالفته ما مر، لعدم ترتب الظهار عليه.
* (ويقرب إذا كان الوطء هو الشرط) * كما في الصحيح المتقدم، ولكن حمل
عبارته عليه تحكم.
ثم إن كان هو الوطء تحقق بالنزع فتحرم المعاودة قبلها.
ولا تجب قبله وإن طالت مدته على أصح القولين، حملا على المتعارف.
خلافا للشيخ، فأوجبها بأول من صدق الوطء، بناء على أن الاستمرار
وطء ثاني. ويضعف بما مر.
* (السادسة: إذا عجز عن الكفارة) * وخصالها الثلاث، وإبدالها إن قلنا
بها، سوى الاستغفار.
* (قيل) * وهو مذهب الأكثر وقد صرح به جماعة: * (يحرم وطؤها حتى
يكفر) * أخذا بظاهر الكتاب والسنة، والتفاتا إلى صريح الصحيح: كل من
عجز عن الكفارة التي تجب عليه من عتق أو صوم أو صدقة في يمين أو نذر أو
قتل أو غير ذلك مما يجب على صاحبه فيه الكفارة فإن الاستغفار له كفارة، ما
خلا يمين الظهار، فإنه إذا لم يجد ما يكفر به حرمت عليه أن يجامعها، وفرق
بينهما، إلا أن ترضى المرأة أن تكون معها ولا يجامعها (3).

(1) النهاية 2: 462.
(2) في المتن المطبوع: أو يواقع.
(3) الوسائل 15: 554، الباب 6 من أبواب الكفارات الحديث 1.
211

* (وقيل) * كما عن الحلي (1): * (تجزئ بالاستغفار، وهو أشبه) * وتبعهما
الفاضل في المختلف (2)، تمسكا بأصالة البراءة، وأن إيجاب الكفارة مع العجز
عنها تكليف بغير مقدور فيكون مدفوعا، والموثق بل الصحيح: أن الظهار إذا
عجز صاحبه عن الكفارة فليستغفر ربه، ولينو أن لا يعود قبل أن يواقع ثم
ليواقع، وقد أجزأ ذلك عنه من الكفارة، فإذا وجد السبيل إلى ما يكفر به يوما
من الأيام فليكفر (3).
وفي الجميع نظر، لانقطاع الأول بأدلة الظهار المثبتة لما يضاده، فالأصل
يقتضي بقاؤه. واندفاع الثاني بعدم التكليف بالكفارة نفسها ابتداء، بل هو بعد
إرادة الوقاع، ومع عدمها لا تكليف بها أصلا كما مضى.
اللهم إلا أن يقال: يتعلق التكليف بها إذا أتى زمان يجب على المظاهر فيه
المواقعة، والأمر بها يستلزم الأمر بالكفارة ولو من باب المقدمة، فلو لم يجتزئ
بالاستغفار مكانها لزم ما تقدم من الملازمة، وهو التكليف بغير المقدور البتة.
لكن فيه منع التكليف بالمواقعة في هذه الصورة، من حيث كونها بفقد
الكفارة غير مقدورة.
وعلى تقدير التنزل عن ظهور المنع نقول: لا أقل من احتماله. وعدم القدرة
على الكفارة كما يمكن صيرورته قرينة للاجتزاء بالاستغفار كذا يمكن خروجه
شاهدا على عدم التكليف بذي المقدمة. وحينئذ ترجيح الأول على الثاني
موقوف على دلالة هي في المقام مفقودة.
هذا، مع عدم جريان ذلك في التي لم يجب على المظاهر وطؤها، كالأمة
والمتمتع بها على القول بوقوع مضاهرتهما، كما هو مذهب الخصم، والأشهر

(1) السرائر 2: 713.
(2) المختلف: ج 7 ص 435.
(3) الوسائل 15: 555، الباب 6 من أبواب الكفارات الحديث 4.
212

الأقوى كما مضى، والدليل أخص من المدعى.
وأما الخبر فمع قصور سنده لعدم معلومية صحته معارض بالصحيح
المتقدم، وهو أقوى منه بمراتب، لظهور صحته، نظرا إلى ثبوت عدم اشتراك
راويه بين الثقة ومن ينظر في وثاقته، مع اعتضاده بظاهر ما مر من الكتاب
والسنة وفتوى الأكثر، التي هي أقوى المرجحات، كما مر غير مرة وتقرر.
فإذا هو أظهر، ومع ذلك فهو أحوط.
* (السابعة:) * إن لم يرد الوقاع وصبرت المظاهرة عليه فلم ترافعه إلى
الحاكم فلا اعتراض لأحد في ذلك، لأن الحق لها فجاز إسقاطها له جزما،
مضافا إلى الأصل. وكذا لو لم تكن ذات حق كالموطوءة بالملك والمتمتع بها
وإن طالبتاه جدا.
وأما إذا كانت ذات حق فلم تصبر فرافعته إلى الحاكم خيره بين العود
والتكفير وبين الطلاق، فإن أبى عنهما كان * (مدة التربص) * التي ينظر فيها
لينظر في أمره * (ثلاثة أشهر من حين المرافعة) * وعند انقضائها، مع عدم
اختياره أحد الأمرين، يحبس و * (يضيق عليه) * في المطعم والمشرب، بأن يمنع
عما زاد على سد الرمق * (حتى يفئ أو يطلق) * أو يختار أحد الأمرين، ولا
يجبر على أحدهما، بل يخير بينهما. ولا خلاف في شئ من ذلك، بل ظاهر
جماعة الإجماع عليه. وهو الحجة فيه.
دون الموثق: " عن رجل ظاهر من امرأته، قال: إن أتاها فعليه عتق رقبة،
أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا، وإلا ترك ثلاثة أشهر، فإن
فاء، وإلا أوقف حتى يسأل ألك حاجة في امرأتك أو تطلقها؟ فإن فاء فليس
عليه شئ وهي امرأته، وإن طلقها واحدة فهو أملك برجعتها " (1) لقصوره

(1) الوسائل 15: 533، الباب 18 من أبواب الظهار الحديث 1.
213

عن إفادة المدعى بتمامه، مضافا إلى قصور سنده، فلا يصلح حجة للكل، مع
تضمنه لكثير مما لم يقل به أحد.
وتطرق الإشكال إلى العمل بإطلاقه - من حيث شموله لغير ذات حق
ولصاحبته، مع عدم فوت شئ من حقوقها، كما إذا رافعته عقيب الظهار بلا
فصل بحيث لا يفوت لها الواجب من الوطء بعد المدة المضروبة، فإن سائر
الحقوق غير مناف للظهار، لكنه كما مر - مدفوع بالوفاق، وعكوف الكل على
العمل به.
ولعل مستندهم في الحبس والتضييق عليه في المطعم والمشرب الخبران (1)
المتضمنان لذلك في المولى، كما يأتي، مع عدم تعقل الفرق بينه وبين المظاهر،
مضافا إلى شهادة الاعتبار، فتأمل جدا. والحمد لله أولا وآخرا.
* * *

(1) الوسائل 15: 545، الباب 11 من أبواب الإيلاء الحديث 1 و 4.
214

رياض المسائل
كتاب الإيلاء
215

* (كتاب الإيلاء) *
وهو مصدر آلى يؤلي إذا حلف مطلقا كذا لغة، وأما شرعا فهو الحلف
على ترك وطء الزوجة الدائمة المدخول بها قبلا، أو مطلقا أبدا، أو مطلقا من
غير تقييد بزمان، أو به مع زيادته على أربعة أشهر، للإضرار بها، فهو جزئي
من جزئيات الإيلاء الكلي أطلق عليه. والحلف فيه كالجنس يشمل الإيلاء
الشرعي وغيره. والمراد الحلف بالله سبحانه كما سيأتي.
وتقييده بترك وطء الزوجة يخرج اليمين على غيره، كترك المضاجعة
والتقبيل ونحوهما، فإنه لا يلحقه أحكام الإيلاء المختصة به، بل يترتب عليه
حكم مطلق اليمين.
وإطلاق الزوجة يشمل الحرة والأمة المسلمة والكافرة، لعموم الأدلة،
وخرج بها الحلف على ترك وطء الأمة الموطوءة بالملك.
وبتقييدها بالدائمة المتمتع بها، فإن الحلف على ترك وطئها لا يعد إيلاء،
بل يمينا مطلقا على الأشهر الأقوى، كما سيأتي. فيتبع الأولى في الدين والدنيا،
فإن تساويا انعقد يمينا يلزمه حكمه. وكذا الحلف على ترك وطء الدائمة مدة لا
تزيد على أربعة أشهر.
217

وزدنا في التعريف قيد الدخول بها لما هو المشهور بين أصحابنا من
اشتراطه من غير نقل خلاف فيه، ويأتي الكلام فيه، مع دليله.
وقيد القبل أو مطلقا احتراز عما لو حلف على ترك وطئها دبرا، فإنه
لا ينعقد إيلاء، بل يمينا مطلقا، ويلحقه حكمه.
ولا يحصل به الفئة أيضا، لأن الجماع على هذا الوجه لا حق للزوجة فيه،
بل هو إحسان إليها لا إضرار.
هذا، مع ما في الإيلاء وأحكامه من المخالفة، للأصل، فيقتصر فيه على محل
الوفاق والنص، وليس إلا الحلف على ترك الوطء طلقا أو قبلا، لعدم تبادر
غيره منه جدا.
واعلم أن كل موضع لا ينعقد إيلاء مع اجتماع شرائط اليمين يكون يمينا،
والفرق بينه وبين الإيلاء مع اشتراكهما في الحلف والكفارة الخاصة جواز
مخالفة اليمين في الإيلاء، بل وجوبها على وجه ولو تخييرا، مع الكفارة دون
اليمين المطلقة، وعدم اشتراط انعقاده مع تعلقه بالمباح بأولويته دينا أو دنيا
أو تساوي طرفيه، بخلاف مطلق اليمين، فيشترط فيها ذلك.
واشتراطه بالإضرار بالزوجة - كما علم من تعريفه، وسيأتي دليله -
بخلاف مطلق اليمين فلا يشترط فيها ذلك. واشتراطه بدوام عقد الزوجة - كما
مضت إليه الإشارة وسنعيده مع الأدلة بخلاف اليمين المطلقة، وانحلال اليمين
على ترك وطئها بالوطء دبرا مع الكفارة دون الإيلاء، إلى غير ذلك من
الأحكام المختصة بالإيلاء المذكورة في بابه.
والأصل فيه الكتاب، قال الله سبحانه: " للذين يؤلون من نسائهم تربص
أربعة أشهر * فإن فاؤا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع
عليم " (1) مضافا إلى الإجماع والسنة المستفيضة، وسيأتي إلى بعضها الإشارة.

(1) البقرة: 226 و 227.
218

* (ولا ينعقد إلا باسم الله سبحانه) * المختص به أو الغالب فيه كاليمين
المطلقة، لعموم أدلتها، وخصوص المعتبرة المستفيضة:
منها الصحيح: الإيلاء أن يقول: والله لا أجامعك كذا وكذا (1)، الخبر.
ونحوه غيره (2).
مضافا إلى عدم الخلاف فيه، وأصالة البراءة عن أحكامه، التي منها
الكفارة بالمخالفة.
* (و) * يتفرع عليه أنه * (لو حلف) * على ترك وطئها * (بالطلاق أو العتاق
لم يصح) * بلا خلاف بيننا، ووافقنا عليه كثير ممن خالفنا (3)، وقال بعضهم: لا
يختص به (4)، بل لو قال: إن وطئتك فعبدي حر أو قال: صدقة أو حلائلي
محرمات كان موليا، فيلزمه مع الوطء كفارة الإيلاء أو الوفاء بالملتزم، ومثله
ما لو قال: إن أصبتك فعلي كذا، بل أولى بعدم الوقوع، لأنه كناية لا يقع به
عندنا وإن ذكر اسم الله تعالى.
* (ولا ينعقد إلا في إضرار) * بلا خلاف، للخبرين:
أحدهما الصحيح: إن تركها من غير مغاضبة أو يمين فليس بمول (5).
وثانيهما الخبر بل القوي: ليس في الإصلاح إيلاء (6).
ويتم بعدم القول بالفصل، وضعف السند بالشهرة منجبر. وبهما يخص
عموم الأدلة، مع عدم انصراف أكثرها إلى هذه الصورة.

(1) الوسائل 15: 535، الباب 1 من أبواب الإيلاء الحديث 1.
(2) المصدر السابق: 542، الباب 9 الحديث 2.
(3) المجموع 17: 291 و 192.
(4) المجموع 17: 291 و 192.
(5) الوسائل 15: 535، الباب 1 من أبواب الإيلاء الحديث 2.
(6) المصدر السابق: 537، الباب 4 الحديث 1.
219

* (فلو حلف للصلاح لم ينعقد، كما لو حلف لاستضرارها بالوطء أو
لصلاح اللبن) *.
* (ولا ينعقد) * أيضا * (حتى يكون مطلقا) * غير مقيد بزمان * (أو) * مقيدا
به مع كونه * (أزيد من أربعة أشهر) * للأصل، وتوقف أحكامه من الإيقاف
للفئة أو الطلاق عليه، مضافا إلى الإجماع عليه في كلام جماعة، وبه صريح
بعض المعتبرة، وليس في سنده سوى القاسم بن عروة، وقد حسنه بعض
الأجلة (1)، بل ربما قيل بوثاقته، وهو مع ذلك معتضد بعمل الطائفة، وقد جعله
فخر المحققين مذهب الإمامية والشافعية ومالك وأبي حنيفة (2).
وفيه: رجل آلى أن لا يقرب امرأته ثلاثة أشهر، قال: فقال: لا يكون
إيلاء حتى يحلف على أكثر من أربعة أشهر (3).
* (ويعتبر في المولي البلوغ، وكمال العقل، والاختيار، والقصد) * إلى مدلول
اللفظ، فلا يقع من الصبي، والمجنون، والمكره، والساهي، والنائم، والعابث به،
ونحوهم ممن لا يقصد الإيلاء، ولا خلاف في شئ من ذلك، لكونه من اليمين
المعتبر فيها ذلك، كما يأتي.
* (و) * يعتبر * (في المرأة الزوجية) * فلا يقع بالأجنبية والموطوءة بالملك،
للأصل، واختصاص الكتاب (4) والسنة (5) بما عدا الأجنبية، بل الثانية أيضا،
لمنافاة الإيلاء بهما أحكامه المرتسمة فيهما، من لزوم الفئة، أو الطلاق الغير
الجاري في شئ منهما قطعا. وفي القريب من الصحة - بل قربها فيه جماعة -:

(1) وهو الشيخ الحر كما نقله عنه صاحب تنقيح المقال 2: 21 (أبواب القاف).
(2) الإيضاح 3: 423.
(3) الوسائل 15: 538، الباب 5 من أبواب الإيلاء الحديث 2.
(4) البقرة: 226.
(5) الوسائل 15: 538، الباب 6 من أبواب الإيلاء.
220

لا يقع الإيلاء إلا على امرأة قد دخل بها زوجها (1).
* (و) * منه يستفاد اعتبار * (الدخول) * بها أيضا ونحوه في اشتراطه معتبرة
أخر مستفيضة، فيها الصحيح (2) وغيره (3)، معتضدة بعمل الطائفة كافة، كما
يعطيه كلام جماعة.
* (وفي وقوعه بالمتمتع بها قولان) * من عموم الآية (4) والسنة (5)، ومن
الأصل واختصاصهما بحكم التبادر والسياق المتضمن للإجبار على الفئة
أو الطلاق بغيرها. ومع ذلك * (فالمروي) * في خصوص الصحيح: * (أنه لا
يقع) * (6) وهذا أشهر وأقوى.
خلافا للقاضي (7) فيقع، لما مر من العموم. ويضعف بما مر.
وأما ما يجاب عن السياق بضعفه من حيث عدم ثبوت تخصيص العام
بالضمير المتعقب له الراجع إلى بعض أفراده مدفوع بثبوت ذلك، كما تقرر
في محله.
ومع التنزل فلا أقل من التوقف فيه، فإن ضعف القول بعدم التخصيص
ولزوم ارتكاب التجوز في الضمير مما لا يدانيه شوب الشك والريبة.
وحينئذ، فلا بد من الرجوع إلى حكم الأصل، وهو ما قدمناه بلا شبهة،
وحيث لم يقع انعقد يمينا إن اجتمع شرائطها، كما مضى.
واعلم أنه حيثما وقع الإيلاء، فإن صبرت فلا بحث وإن مضت المدة
فصاعدا، لأن الحق لها بعد مضيها فلها إسقاطه، فلا حق لها قبله، بل هو له فله

(1) المصدر السابق: الحديث 2 و 4 و 3.
(2) المصدر السابق: الحديث 2 و 4 و 3.
(3) المصدر السابق: الحديث 2 و 4 و 3.
(4) البقرة: 227.
(5) الوسائل 15: 368، الباب 9 من أبواب أقسام الطلاق.
(6) التهذيب 8: 8، الحديث 22.
(7) لم نعثر عليه.
221

تركه، وليس لأحد حتى الزوجة مطالبته، مضافا إلى الأصل، والصحيح
في المقامين:
وفيه: إذا آلى الرجل أن لا يقرب امرأته فليس لها قول ولا حق في
الأربعة أشهر، ولا إثم عليه في كفه عنها في الأربعة أشهر، فإن مضت الأربعة
أشهر قبل أن يمسها فسكتت ورضيت فهو في حل وسعة، فإن رفعت أمرها
إلى الحاكم قيل له: إما أن تفئ وإما أن تطلق، الخبر (1).
وله وطؤها في المدة وبعدها بلا خلاف فيه وفي ثبوت الكفارة في الأول،
بل حكى الإجماع عليه جماعة. وهو الحجة فيه، كعموم الأدلة المثبتة لها في
الحنث لكل يمين.
ومنه ينقدح الوجه في ثبوتها في الثاني أيضا، كما هو الأشهر، بل عن
الخلاف الإجماع عليه (2). وهو الأظهر لذلك، مضافا إلى الخبر الذي قصور
سنده بقاسم بن عروة ومتنه بما على خلافه الأكثر بالشهرة منجبر.
وفيه: عن رجل آلى من امرأته فمرت به أربعة أشهر، قال: يوقف، فإن
عزم الطلاق بانت منه وعليها عدة المطلقة، وإلا كفر يمينه وأمسكها (3).
خلافا للشيخ، فلا كفارة (4). وهو مع مخالفته ما مر غير واضح المستند.
وربما وجه بأن المحلوف عليه إذا كان تركه أرجح لم تجب الكفارة بالحنث.
ويضعف بأن يمين الإيلاء يخالف غيره من الأيمان في هذا المعنى، ومن ثم
انعقد ابتداء وإن كان تركه أرجح أو كان واجبا، كما لو آلى في وقت يجب فيه
الوطء.

(1) الوسائل 15: 536، الباب 2 من أبواب الإيلاء الحديث 1.
(2) الخلاف 4: 520، المسألة 18.
(3) الوسائل 15: 547، الباب 12 من أبواب الإيلاء الحديث 3.
(4) المبسوط 5: 135.
222

* (وإذا) * لم يطأها و * (رافعته) * إلى الشرع * (أنظره الحاكم أربعة أشهر) *
من حين الإيلاء، للمعتبرة المستفيضة، فإن فاء بعد الإنظار فلا بحث.
* (وإن (1) أصر على الامتناع ثم رافعته بعد المدة خيره الحاكم بين الفئة
والطلاق) * بلا خلاف، للمعتبرة المستفيضة المتقدمة بعضها، ونحوه غيره من
الصحيح وغيره القريب منه صحة:
قال: الإيلاء أن يقول الرجل لامرأته: والله لأغيظنك ولأسؤنك، ثم
يهجرها ولا يجامعها حتى تمضى أربعة أشهر، فإذا مضت أربعة أشهر فقد وقع
الإيلاء، وينبغي للإمام أن يجبره على أن يفئ أو يطلق (2).
وظاهرها - كالعبارة وصريح الجماعة - عدم جواز الإجبار على أحد
الأمرين على التعيين، وينبغي تقييده بما إذا حصل أحد الأمرين بتخير الحاكم.
وإلا فلو امتنع من أحدهما كالفئة مثلا أمكن اجباره على الطلاق، للصحيح:
يتربص بها أربعة أشهر ثم يؤخذ ويوقف بعد الأربعة أشهر، فإن فاء وهو أن
يصالح أهله فإن الله غفور رحيم، وإن لم يف جبر على أن يطلق (3).
وما يقال من أن الإجبار عليه مستلزم للإكراه المنافي مدفوع، لأنه إجبار
بحق، مع ورود ذلك في الاجبار على أحدهما. فتأمل.
ثم الفئة تتحقق في القادر على الوطء به ولو بمسماه، بأن تغيب الحشفة
وإن لم ينزل، وفي العاجز عنه بإظهار العزم عليه في أول أوقات الإمكان.
* (فإن امتنع) * عن الأمرين * (حبسه) * الحاكم * (وضيق عليه في المطعم
والمشرب حتى يكفر ويفئ أو يطلق) * بلا خلاف فيه، إلا في الكفارة، لوقوع
الخلاف فيها، كما مضت إليه الإشارة. ومستندهم هنا الأخبار.
ومنها: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يجعل له حظيرة من قصب ويجعله فيها

(1) في المتن المطبوع: فإن.
(2) الوسائل 15: 542، الباب 9 من أبواب الإيلاء الحديث 3 و 1.
(3) الوسائل 15: 542، الباب 9 من أبواب الإيلاء الحديث 3 و 1.
223

ويمنعه من الطعام والشراب حتى يطلق (1). والمراد من منعه عنهما المنع عن
تمامهما.
والآخر: إذا أبى المولي أن يطلق جعل له حظيرة من قصب وأعطاه ربع
قوته حتى يطلق (2).
وقصور سندهما بالعمل مجبور، مضافا إلى الاعتبار الشاهد بصحتهما.
وفي الخبر: في المولي إما أن يفئ أو يطلق، فإن فعل، وإلا ضربت عنقه (3).
وهو مع ضعف السند بالإرسال شاذ، مخالف للإجماع.
* (وإذا طلق وقع رجعيا) * حيث لا سبب للبينونة * (وعليها العدة من يوم
طلاقها) * إجماعا فيها نصا وفتوى، ووفاقا للأكثر في الأول، للعمومات،
وخصوص المعتبرة.
منها الصحيحان: هو أحق برجعتها ما لم تمض الثلاثة الأقراء (4).
وفي غيرهما فإن عزم الطلاق فهي واحدة، وهو أملك برجعتها (5).
وقيل: يقع بائنا مطلقا (6)، للصحيح (7) وغيره (8). وهو شاذ، ومستنده
لعدم مكافأته لما مر مطروح أو مؤول بحصول سبب البينونة، ككونها عنده
على طلقة واحدة أو حمل البينونة فيهما على مجرد الفرقة وإن لم تكن قاطعة
لعلاقة الزوجية ذكره بعض الأجلة (9).
ولا بأس به كالأول، جمعا بين الأدلة. وربما يشهد للأول ما رواه في الكافي
في الصحيح عن منصور بن حازم، قال: إن المولي يجبر على أن يطلق بتطليقة

(1) المصدر السابق: 545، الباب 11 الحديث 1.
(2) الوسائل 15: 545، الباب 11 من أبواب الإيلاء الحديث 3 و 2.
(3) الوسائل 15: 545، الباب 11 من أبواب الإيلاء الحديث 3 و 2.
(4) المصدر السابق: 543، الباب 10 الحديث 1 و 2.
(5) المصدر السابق: 543، الباب 10 الحديث 1 و 2.
(6) قاله صاحب كفاية الأحكام: 214 س 14.
(7) الوسائل 15: 544، الباب 10 من أبواب الإيلاء الحديث 5 و 4.
(8) الوسائل 15: 544، الباب 10 من أبواب الإيلاء الحديث 5 و 4.
(9) نهاية المرام 2: 182.
224

بائنة، وهو عن غير منصور: أنه يطلق تطليقة يملك الرجعة، فقال له بعض
أصحابه: أن هذا منتقض، فقال: لا، التي تشكو فتقول: يجبرني ويضرني
ويمنعني من الزوج يجبر على أن يطلقها تطليقة بائنة، والتي تسكت ولا تشكو
شيئا إن شاء يطلقها تطليقة يملك الرجعة (1). فتأمل.
* (ولو) * اختلفا ف‍ * (ادعى) * المولي * (الفئة وأنكرت) * هي * (فالقول قوله
مع يمينه) * بلا خلاف أجده، ولعلة الحجة وإن خالف القاعدة المقررة، ولعل
وجه المخالفة تعذر البينة، وخصوص بعض المعتبرة، كالموثق: عن المرأة تزعم
أن زوجها لا يمسها ويزعم أنه يمسها قال: يحلف ويترك (2).
* (وهل يشترط في ضرب المدة المرافعة) * فلا تحسب إلا من حينها * (قال
الشيخ) * (3) وأكثر الأصحاب: * (نعم) * لأنه حكم شرعي يتوقف على حكم
الحاكم، ولأصالة عدم التسلط على الزوج بحبس وغيره قبل تحقق السبب،
ولأنه حقها فيتوقف على مطالبتها.
والأصح أنه من حين الإيلاء، وفاقا للقديمين (4) والمختلف (5) وجماعة،
لظاهر الآية (6)، حيث رتب التربص عليه من غير تعرض للمرافعة * (و) * كذا
* (الروايات) * فإنها * (مطلقة) * غير مقيدة بالمرافعة.
ففي الصحيح: والإيلاء أن يقول: والله لا أجامعك كذا وكذا، والله لأغيظنك
ثم يغاضبها، فإنها تربص به أربعة أشهر ثم يؤخذ بعد الأربعة أشهر فيوقف،
الخبر (7).

(1) الكافي 6: 131، الحديث 5.
(2) الوسائل 15: 547، الباب 13 من أبواب الإيلاء الحديث 1.
(3) النهاية 2: 467.
(4) كما في المختلف: ج 7 ص 452.
(5) كما في المختلف: ج 7 ص 452.
(6) البقرة: 226.
(7) الوسائل 15: 539، الباب 8 من أبواب الإيلاء الحديث 1.
225

وفيه: إذا آلى الرجل أن لا يقارب امرأته ولا يمسها ولا يجامع رأسه
ورأسها فهو في سعة ما لم تمض الأربعة، فإذا مضت الأربعة أشهر وقف (1)،
الحديث. ونحوهما غيرهما من الصحيح (2) وغيره (3).
ولا يعارضها ما ذكر من الأدلة، إذ نمنع احتياج المدة إلى الضرب، بل هو
مقتضى الحكم الثابت بالنص، ولا دليل على توقفه على المرافعة، والأصالة
المذكورة بالإيلاء المقتضي للتسلط بالنص والإجماع منقطعة، وتوقف الحق
على المطالبة لا يقتضي ضرب المدة من حين المرافعة، بل بعد انقضائها من
حين الإيلاء يثبت لها الحق، فإذا طالبته وجب الوفاء به لها من حين المطالبة،
لا الصبر به إلى انقضاء المدة من حين المرافعة.
وعلى المختار، فلو لم ترافعه حتى انقضت المدة أمره بأحد الأمرين منجزا.
* (ولنتبع ذلك) * أي بحث الإيلاء والظهار * (بذكر الكفارات) * من حيث
تضمنهما الكفارة، ولذا اكتفى عن بيان كفارتهما بذكر مطلق الكفارات،
لتضمنها لها.
* * *
* (الكفارات) *
* (وفيه مقصدان) *:
* (الأول:) *
* (في حصرها) * وبيان أقسامها
* (وتنقسم إلى مرتبة، ومخيرة، وما يجتمع فيه الأمران، وكفارة الجمع) *
فأقسامها أربعة.

(1) المصدر السابق: 543، الباب 10 الحديث 1.
(2) المصدر السابق: 546، الباب 12 الحديث 2 و 1.
(3) المصدر السابق: 546، الباب 12 الحديث 2 و 1.
226

* (ف‍) * الأول: وهو * (المرتبة: كفارة الظهار، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد
فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا) * والأصل فيها
بعد الإجماع المستفيض حكاية في كلام جماعة نص الآية.
فقال سبحانه: " والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير
رقبة - إلى أن قال: - فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن
لم يستطع فإطعام ستين مسكينا " (1).
مضافا إلى الاستئناس له ببعض المعتبرة وإن لم تكن صريحة.
ففي الموثق: جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله ظاهرت
من امرأتي، فقال: اذهب فأعتق رقبة، فقال: ليس عندي، فقال: فاذهب فصم
شهرين متتابعين، قال: لا أقوى، قال: فاذهب فأطعم ستين مسكينا، قال:
ليس عندي، الخبر (2).
وفي المرسل كالصحيح على الصحيح: في رجل صام من كفارة الظهار ثم
وجد نسمة، قال: يعتقها ولا يعتد بالصوم (3).
ولا قائل بالفرق. فتأمل.
وأما ما يستفاد من المعتبرة المستفيضة وفيها الصحاح (4) والموثقة (5) من
كونها مخيرة فشاذ، لا عمل عليه إن حملت على ظاهرها، لمخالفتها الكتاب،
وإجماع الأصحاب، وما مر من روايات الباب والاعتبار، فإن شغل الذمة
اليقيني يستدعي البراءة اليقينية، وهي بمراعاة الترتيب حاصلة، وبدونها

(1) المجادلة: 3 و 4.
(2) الوسائل 15: 548، الباب 1 من أبواب الكفارات الحديث 2.
(3) المصدر السابق: 553، الباب 5 الحديث 2.
(4) المصدر السابق: 548، الباب 1.
(5) المصدر السابق: الحديث 2.
227

مشكوكة، ولا ينقض اليقين بالشك أبدا كما في المعتبرة المستفيضة (1)، فلتطرح،
أو تؤول إلى ما يؤول إلى الأول، كأن يحمل على أن المراد بها بيان ماهية
الخصال الثلاث خاصة، لا كونها مخيرة.
* (ومثلها) * في الخصال الثلاث وترتيبها * (كفارة قتل الخطأ) * على
الأشهر الأقوى، بل عن المبسوط نفى الخلاف (2) عنه، وكذا في المسالك (3) في
كتاب الديات، لقوله تعالى: " ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة - إلى قوله: -
فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين " (4).
قيل: وفي معناه النصوص المستفيضة (5).
منها الصحيح: إذا قتل خطأ أدى ديته إلى أوليائه ثم أعتق رقبة، وإن لم
يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا (6).
خلافا للمفيد (7) والديلمي (8)، فجعلاها مخيرة وإن لم أقف على
مستندهما.
وعلى تقديره، فلم يبلغ قوة المعارضة لما قدمناه جدا، لوجوه شتى.
ومثلهما كفارة الجماع في الاعتكاف الواجب عند الصدوق (9) وجماعة،
للصحيح: عن المعتكف يجامع أهله، قال: إذا فعل فعليه ما على المظاهر (10)،
ونحوه الصحيح الآخر (11).

(1) الوسائل 1: 174، الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 1.
(2) المبسوط 7: 245.
(3) المسالك 2: 489 س 31.
(4) النساء: 92.
(5) القائل صاحب مفاتيح الشرائع 1: 261، مفتاح 261.
(6) الوسائل 15: 559، الباب 10 من أبواب الكفارات الحديث 1.
(7) المقنعة: 570 و 737.
(8) المراسم: 187.
(9) المقنع: 57.
(10) الوسائل 7: 406، الباب 6 من أبواب الاعتكاف الحديث 1 و 6.
(11) الوسائل 7: 406، الباب 6 من أبواب الاعتكاف الحديث 1 و 6.
228

خلافا للأكثر، فالتخيير بين الخصال الثلاث، للموثقين: عن معتكف واقع
أهله هو بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان (1)، وزيد في ثانيهما: متعمدا
عتق رقبة أو صوم شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا.
والجمع بينهما بحمل كل منهما على الآخر ممكن، إلا أن الشهرة التي هي
أقوى المرجحات النصية والاعتبارية ترجح الثاني. ولكن الاحتياط يقتضي
المصير إلى الأول.
ومثلها كفارة من حلف بالبراءة على قول يأتي ذكره.
* (و) * مثلها في الترتيب خاصة دون الخصال الثلاث المتقدمة * (كفارة من
أفطر يوما قضاء شهر رمضان بعد الزوال عامدا) * (2) فإنها * (إطعام عشرة
مساكين، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام متتابعات) * (3) على الأشهر الأظهر، بل
عليه الإجماع في الانتصار (4)، لصريح الخبر، الذي قصور سنده للجهالة
بالشهرة والتضمن لمن أجمع على تصحيح ما يصح عنه العصابة منجبر.
وفيه: إن كان أتى أهله - يعني القاضي لرمضان قبل الزوال - فلا شئ
عليه إلا يوما مكان يوم، وإن كان أتى أهله بعد الزوال فإن عليه أن يتصدق
على عشرة مساكين، فإن لم يقدر صام يوما مكان يوم وصام ثلاثة أيام كفارة
لما صنع (5).
ويمكن الاستدلال عليه أيضا بالصحيح: في القاضي لرمضان إن كان وقع
عليها قبل صلاة العصر فلا شئ عليه ويصوم يوما بدل يوم، وإن فعل بعد
العصر صام ذلك اليوم وأطعم عشرة مساكين، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيام

(1) المصدر السابق: الحديث 2 و 5.
(2) أثبتناها من المتن المطبوع.
(3) أثبتناها من المتن المطبوع.
(4) الإنتصار: 69.
(5) الوسائل 7: 253، الباب 29 من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 1.
229

كفارة لذلك (1)، لما ذكره الشيخ من أنه إذا كان وقت الصلاتين عند زوال
الشمس، إلا أن الظهر قبل العصر جاز أن يعبر عما قبل الزوال بأنه قبل العصر،
لقرب ما بين الوقتين، ويعبر عما بعد العصر بأنه بعد الزوال، لمثل ذلك (2).
أقول: ويخرج الشهرة بل الإجماع والمعتبرة السابقة شاهدا لما ذكره.
خلافا للحلبي (3) فخير بينهما، وكذا ابن زهرة (4) مدعيا عليه إجماعنا
وللقاضي (5) فجعلها كفارة يمين. وهما مع مخالفتهما لما مضى لم نقف على مستندهما.
وللعماني فأسقطها (6)، للموثق: عن القاضي لرمضان المفطر بعد ما زالت
الشمس، قال: قد أساء، وليس عليه شئ إلا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن
يقضيه (7).
وهو وإن اعتبر سندا واعتضد بالأصل جدا، إلا أنه غير مكافئ لما مر
قطعا، لوجوه شتى [منها موافقته للعامة العمياء، كما صرح به في المنتهى،
مدعيا على خلافه إجماعنا من عدا العماني (8)] (9).
وللصدوقين فجعلاها كفارة شهر رمضان (10)، للموثق: عن رجل قضى
من شهر رمضان فأتى النساء، قال: عليه من الكفارة ما على الذي أصاب
في رمضان، لأن ذلك اليوم عند الله تعالى من أيام رمضان (11).

(1) الوسائل 7: 253، الباب 29 من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 2.
(2) الاستبصار 2: 121، الحديث 4.
(3) الكافي في الفقه: 184.
(4) الغنية: 142.
(5) المهذب 2: 422.
(6) كما في المختلف: ج 8 ص 219.
(7) الوسائل 7: 255، الباب 29 من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 4.
(8) المنتهى 2: 576 س 29.
(9) لا يوجد في " مش، ش "، وفي " ق " كتب عليه حاشية منه.
(10) المقنع: 63.
(11) الوسائل 7: 254، الباب 29 من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 3.
230

وفيه مضافا إلى ما مر في سابقه المخالفة للأصل، وعدم التقييد فيه بما قبل
الزوال، بل ظاهر التعليل العموم له جدا، ولم أر بذلك قولا حتى منهما.
فليطرح، أو يحمل على الاستحباب.
وهنا أقوال أخر شاذة، تبلغ هي مع ما مر ثمانية على ما حكاه بعض
الأجلة (1).
* (والمخيرة: كفارة) * من أفطر في * (شهر رمضان) * مع وجوب صومه عليه بما
يوجبها * (وهي عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين
مسكينا) * مطلقا على الأشهر، بل في الانتصار (2) والغنية (3) عليه الإجماع.
وهو الأظهر، للأصل، والصحيح: عن رجل أفطر في شهر رمضان متعمدا
يوما واحدا من غير عذر، قال: يعتق نسمة، أو يصوم شهرين متتابعين،
أو يطعم ستين مسكينا (4).
خلافا للعماني (5)، فجعلها مرتبة كالظهار، ووافقه الشيخ (6) في أحد قوليه،
لكن في الإفطار بالجماع خاصة، لخبر الأعرابي (7) المشهور. وهو مع ضعف
سنده ليس نصا في الترتيب، بل ولا ظاهرا، مع أنه روي بسند آخر بعبارة
أخرى قد بدأ فيها بالتصدق، وفي آخره قال الراوي: فلما رجعنا قال أصحابنا:
إنه بدأ بالعتق، قال: أعتق أو صم أو تصدق (8). وهذا أيضا يدل على التخيير.
هذا، ولو دل على الترتيب لنزلناه على الاستحباب جمعا، ويحتمل التقية،
لكونه مذهب أبي حنيفة وأصحابه والشافعي كما في الانتصار (9).

(1) التنقيح 3: 392.
(2) الإنتصار: 69.
(3) الغنية: 142.
(4) الوسائل 7: 28، الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.
(5) كما في المختلف: ج 8 ص 216.
(6) المبسوط 6: 207.
(7) الوسائل 7: 29 - 30، الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 5 و 2.
(8) الوسائل 7: 29 - 30، الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 5 و 2.
(9) الإنتصار: 70.
231

وللصدوق في الإفطار (1) بالمحرم، فجعله من القسم الرابع، للخبر: متى
جامع الرجل حراما أو أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفارات
عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا وقضاء ذلك اليوم،
وإن كان نكح حلالا أو أفطر على حلال فعليه كفارة واحدة (2).
وعليه تحمل الأخبار المتعارضة الحاكم بعضها بالتخيير كما مر، وآخر
بالجمع، كالموثق: عن رجل أتى أهله في شهر رمضان، قال: عليه عتق رقبة،
وإطعام ستين مسكينا، وصيام شهرين متتابعين، وقضاء ذلك اليوم، وأنى له
بمثل ذلك اليوم (3).
لكن في سند الأول جهالة، وفي الثاني كالأول قصور عن المكافأة لما مر،
مع اعتضاده بالأصل والشهرة العظيمة.
وغاية ما قيل في سند الرواية المفصلة من القوة والصحة كما عن
التحرير (4) بعد تسليمه لا يوجب حصول المكافأة، بل غايته كونها رواية
صحيحة، وهي لا تكافئ الرواية الضعيفة المعتضدة بالشهرة خاصة، فضلا عن
الصحيحين، المتعين الصحة، المعتضدة بأصالة البراءة.
فإذا الأشهر أظهر، فليحمل الرواية كالموثقة على الفضيلة، جمعا بين
الأدلة. ولكن الاحتياط فيما دلت عليه البتة، فلا يترك مهما أمكن.
* (ومثلها) * في الخصال والتخيير * (كفارة من أفطر يوما منذورا على
التعيين) * من غير عذر على الأشهر الأظهر، بل عليه الإجماع في الانتصار (5)،
لعموم ما سيأتي، لكن لا يمكن أن يكون مستندا للماتن هنا.

(1) الفقيه 2: 118، ذيل الحديث 1892.
(2) الوسائل 7: 35، الباب 10 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 و 2.
(3) الوسائل 7: 35، الباب 10 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 و 2.
(4) التحرير 2: 110 س 13.
(5) الإنتصار: 68.
232

كيف لا! ومعه قد جعل الكفارة في مطلق النذر غير المقام صغيرة، بل
الظاهر استناده فيه إلى خصوص بعض المعتبرة:
منها المكاتبة الصحيحة: رجل نذر أن يصوم فوقع ذلك اليوم على أهله ما
عليه من الكفارة؟ فكتب: يصوم يوما بدل يوم وتحرير رقبة مؤمنة (1).
لكنها مع كونها مكاتبة معارضة بمثلها لراويها: في الناذر صوم كل يوم
سبت إن كنت أفطرت فيه من غير علة فتصدق بعدد كل يوم لسبعة مساكين
الخبر (2). ومع ذلك قاصرة عن إفادة تمام الخصال، وظاهرها تعين الرقبة.
فإذا المستند حقيقة عموم ما سيأتي من الأدلة. وإن كان يمكن الجواب
عن المناقشات المزبورة في الرواية:
أما عن كونها مكاتبة فلا بأس بها هنا، لمكان الشهرة، ولأن منشأ القدح
بها خوف الفتوى بطريق العامة، وهو غير جار في المسألة، لعدم إيجابهم هذه
الكفارة كما في الانتصار (3)، مع أن فتواهم ورواياتهم تفيد أنها صغيرة.
وأما عن المعارضة بالمثل فبعدم معارضته لها، مع شذوذه، لعدم القائل
بمضمونه من التصدق لكل يوم لسبعة.
نعم عن الصدوق رواية له مبدلا ل‍ " السبعة ": ب‍ " العشرة " (4) لكن على
هذا لما عرفت يحتمل الحمل على التقية، سيما مع كونه مكاتبة، مع تأيد الأولى
بمكاتبة أخرى: رجل نذر أن يصوم يوما لله فوقع في ذلك اليوم على أهله ما
عليه من الكفارة؟ فأجابه: يصوم يوما بدل يوم وتحرير رقبة مؤمنة (5).
وأما عن المناقشة في الدلالة فبعدم القول بالفرق بين الطائفة، فإن كل من

(1) الوسائل 7: 277، الباب 7 من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 3 و 4.
(2) الوسائل 7: 277، الباب 7 من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 3 و 4.
(3) الإنتصار: 69.
(4) الفقيه 3: 367، الحديث 4298.
(5) الوسائل 7: 277، الباب 7 من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 3.
233

أوجب العتق خير بينه وبين الخصلتين الباقيتين، لكن على هذا لا وجه لجعلها
دليلا على كون الكفارة كبيرة لا صغيرة، بل يحتمل العكس، لتضمنها لعتق
الرقبة أيضا، كما ستأتي إليه الإشارة.
وحينئذ فلم يبق مستند للحكم في هذه الصورة سوى ما سيأتي من عموم
الأدلة. فلا وجه لجزم الماتن به فيها بالمرة، إلا أن يدعى عدم جزمه، وارجاع
التردد إليه أيضا، لكن مع ذلك إفراده إياها عن مطلق النذر عداها لتردد
لا يخلو عن نظر.
وكيف كان الحكم فيها كما مر، لما سيأتي.
* (و) * مثلها في الأمرين * (كفارة خلف العهد على التردد) * الناشئ من
الخبرين:
في أحدهما: من جعل عليه عهدا لله تعالى وميثاقه في أمر لله طاعة
فحنث، فعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا (1).
ويدل في الثاني ب‍ " أو يتصدق " المطلق المحمول على الأول، ومن الأصل
وقصور سند الخبرين بجهالة بعض رواتهما، فيلزم الاقتصار على القدر المتيقن،
وهو كفارة اليمين. والأصح الأول، وفاقا للأكثر، بل في الغنية الإجماع عليه (2).
وهو الحجة الجابرة كالشهرة للجهالة، ويصح الخبران من هذه الجهة،
ويكونان كالجهة موجبين للخروج عن الأصالة المتقدمة. فالتردد ضعيف.
وأضعف منه الحكم بالثاني كما عن الماتن في الشرائع (3) في كتاب النذور
والعهود، والعلامة في جملة من كتبه (4)، ويؤيدهما أدلة كفارة النذر الآتية،

(1) الوسائل 15: 576، الباب 24 من أبواب الكفارات الحديث 1 و 2.
(2) الغنية: 143.
(3) الشرائع 3: 193.
(4) المختلف: ج 8 ص 213، الإرشاد 2: 97، التحرير 2: 109 س 10.
234

لأن العهد في معناه كالعكس، كما سيأتي عن الجماعة إليه الإشارة.
* (وأما كفارة خلف النذر ففيه) * أقوال كثيرة، ولكن * (قولان) * منها
مشهوران، أشهرهما أنها ككفارة الإفطار في شهر رمضان، بل عليه في
الانتصار (1) والغنية (2) الإجماع. وهو الأظهر، لأن النذر كالعهد في المعنى،
كما ذكره عن الجماعة بعض أصحابنا (3)، وكفارته كذلك كما مضى، فتأتي أدلته
هنا، مضافا إلى خصوص الإجماعين، وبعض الروايات المنجبر قصور سنده
بهما، وبالشهرة العظيمة، والمخالفة للعامة، كما سيأتي إليه الإشارة في البين، مع
أنه صحيح عند جماعة، وحسن عند آخرين.
وفيه: من جعل لله أن لا يركب محرما فركبه، قال: ولا أعلمه إلا قال:
فليعتق رقبة أو ليصم شهرين متتابعين أو ليطعم ستين مسكينا (4).
* (وأشبههما) * عند الماتن هنا والفاضل في التحرير (5) وجماعة وفاقا
للصدوق (6) * (أنها) * كفارة * (صغيرة) * أي كفارة يمين، لما مر في العهد،
وللخبرين:
أحدهما الصحيح: فإن قلت: لله علي فكفارة يمين (7).
والخبر: كفارة النذر كفارة اليمين (8).
وفي الجميع نظر، لاندفاع الأول بما مر، وقصور الخبرين وإن صح سند
الأول عن المقاومة لما مر من الإجماعين، والخبر المنجبر بعمل الأكثر، مضافا
إلى اشتمال سند الثاني لعدة من الضعفاء، وموافقته صدرا وذيلا لما روته العامة

(1) الإنتصار: 162.
(2) الغنية: 143.
(3) التنقيح 3: 394.
(4) الوسائل 15: 575، الباب 23 من أبواب الكفارات الحديث 7.
(5) التحرير 2: 109 س 11.
(6) الفقيه 3: 467، ذيل الحديث 4298.
(7) الوسائل 15: 574، الباب 23 من أبواب الكفارات الحديث 1 و 4.
(8) الوسائل 15: 574، الباب 23 من أبواب الكفارات الحديث 1 و 4.
235

العمياء، كما حكاه خالي العلامة المجلسي طاب ثراه (1).
ولأجل ذلك حمله وما في معناه على التقية، وربما حمله جماعة تبعا لشيخ
الطائفة (2) على صورة العجز عن الكبيرة، للصحيح: كل من عجز عن نذر نذره
فكفارته كفارة يمين (3). وليس فيه دلالة، بل ظاهره شاذ لا عمل عليه بالمرة.
نعم ظاهر الانتصار (4) بل صريحه الإجماع عليه، لكنه معارض بإطلاق
إجماع الغنية (5)، وإطلاق سائر الأدلة المتقدمة، المعتضدة بالشهرة، الموهنة له
هنا البتة.
فالقول به ضعيف، كالمحكي عن موصليات السيد (6) من الجمع بين
الأخبار، بحمل ما مر على نذر الصوم وما هنا على نذر غيره، للمناسبة. وهي
لعدم الشاهد غير قابلة للتقييد والجمع بين الأدلة وإن ارتضاه في الإرشاد
شيخنا العلامة (7).
وأضعف من الجمع جعلها ككفارة قتل الخطأ كما عن المفيد (8)
والديلمي (9)، إذ لا وجه له أصلا وإن كان أحوط جدا.
* (و) * أما * (ما فيه الأمران) * التخيير والترتيب ف‍ * (كفارة اليمين وهي
عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فإن لم يجد) * شيئا من ذلك
* (صام ثلاثة أيام متتابعات) * بإجماع علماء الإسلام حكاه بعض الأعلام (10)،
لنص القرآن الكريم بذلك.

(1) ملاذ الأخيار 14: 73.
(2) التهذيب 8: 306، ذيل الحديث 13.
(3) الوسائل 15: 575، الباب 23 من أبواب الكفارات الحديث 5.
(4) الإنتصار: 162.
(5) الغنية: 143.
(6) المسائل الموصليات (المجموعة الأولى): 246.
(7) الإرشاد 2: 97.
(8) المقنعة: 562.
(9) المراسم: 187.
(10) كشف اللثام 2: 241 س أخير.
236

قال عز من قائل: " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما
عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم
أو كسوتهم أو تحرير رقبة. فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا
حلفتم " (1). والنصوص به مع ذلك مستفيضة:
منها الصحيح: في كفارة اليمين يطعم عشرة مساكين لكل مسكين مد من
حنطة أو مد من دقيق وحنطة، أو كسوتهم لكل إنسان ثوبان، أو عتق رقبة،
وهو في ذلك بالخيار، أي الثلاثة صنع، فإن لم يقدر على واحد من الثلاثة
فالصيام عليه ثلاثة أيام (2).
ومثلها كفارة خدش المرأة وجهها حتى أدمت، ونتفها شعر رأسها في
المصائب على المشهور، كما يأتي.
* (و) * أما * (كفارة الجمع) * بين خصالها الثلاث الآتية ف‍ * (لقتل (3) المؤمن
عمدا عدوانا وهي عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين
مسكينا) * بالإجماع، والمعتبرة المستفيضة:
منها الصحيح: سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمدا أله توبة؟ فقال: إن
كان قتله لإيمانه فلا توبة له، وإن كان قتله لغضب أو لسبب من أمر الدنيا فإن
توبته أن يقاد منه، وإن لم يكن علم به أحد انطلق إلى أولياء المقتول فأقر
عندهم بقتل صاحبهم، فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية، وأعتق نسمة،
وصام شهرين متتابعين، وأطعم ستين مسكينا (4).
ومثلها كفارة من أفطر على محرم في شهر رمضان على قول تقدم ذكره.

(1) المائدة: 89.
(2) الوسائل 15: 560، الباب 12 من أبواب الكفارات الحديث 1.
(3) في المتن المطبوع: كقتل.
(4) الوسائل 15: 579، الباب 28 من أبواب الكفارات الحديث 1.
237

خلافا للأكثر فالتخيير، ومر أنه أظهر.
ويلحق بالمقام * (مسائل ثلاث) *:
* (الأولى: قيل) * كما عن الشيخين (1) وجماعة من القدماء: * (من حلف
بالبراءة) * من الله تعالى ورسوله والأئمة الميامين من آله سلام الله تعالى عليهم
على الاجتماع أو الانفراد * (لزمه كفارة ظهار) * فإن عجز فكفارة يمين، إما
بمجرده كما عن الطوسي (2) والقاضي (3) بل في الغنية (4) الإجماع عليه وعلى
أصل الوجوب، أو بعد الحنث كما عن المفيد (5) والديلمي (6)، ووافقهم ابن
حمزة (7) في أصل الكفارة، إلا أنه جعلها كفارة نذر.
ولم أقف لهم على نص في ثبوتها رأسا، فضلا عما يدل على أنها مرتبة أو
مخيرة، ومع ذلك لا دليل عليه من الأصول، ولا الإجماع المقطوع به، لشدة
الاختلاف، ولا المحكي سوى ما تقدم، وهو مع وهنه بالاختلاف الشديد
ومصير أكثر المتأخرين إلى العدم معارض بمثله من الشيخ في الخلاف (8)، فإنه
ادعى إجماع الإمامية وأخبارهم على العدم.
ومنه يظهر رجوع الشيخ في الكتاب (9)، بل وادعى الحلي رجوعه في
المبسوط أيضا (10)، ومع تعارضهما لا بد من المصير إلى حكم الأصل، وهو
النفي مطلقا، مع تأيده بخلو الأخبار عنها، بل ودلالة المستفيضة:
منها على عدم انعقاد اليمين بغير الله تعالى (11).

(1) المقنعة: 558، النهاية 3: 65.
(2) النهاية 3: 65.
(3) المهذب 2: 421.
(4) الغنية: 141.
(5) المقنعة: 558.
(6) المراسم: 185.
(7) الوسيلة: 349.
(8) الخلاف 6: 112، المسألة 4.
(9) المبسوط 6: 194.
(10) السرائر 3: 39.
(11) الوسائل 15: 537، الباب 3 من أبواب الإيلاء.
238

ولعلها المراد من الأخبار التي ادعاها الشيخ، وإلا فلم نقف على ما سواها
مما يدل على النفي صريحا، بل ولا ظاهرا، إلا أنها تدفع القول الثاني،
وهو ترتبها على الحنث لا مطلقا.
فالمصير إلى العدم مطلقا أقوى، وفاقا للحلي (1) وأكثر متأخري أصحابنا.
وهنا قولان آخران:
أحدهما: للصدوق (2)، فأوجب الكفارة لكن غير ما مر، بل الصيام ثلاثة
أيام والتصدق على عشرة مساكين. ولم نقف على مستنده.
وثانيهما: لشيخنا في التحرير (3) والمختلف (4) وتبعه من المتأخرين بعض
الأجلة (5)، وهو التكفير بإطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد ويستغفر الله
تعالى، للصحيح (6). لكنه مكاتبة، ومع ذلك فهو شاذ، كما صرح به بعض
الأجلة (7). ولكنه أحوط. وأحوط منه المصير إلى الأول.
هذا، ولا خلاف في تحريمه، بل ويحتمل الكفر في بعض صوره، وادعى على
ذلك الإجماع، ويدل عليه بعض المعتبرة:
كالمرسل كالصحيح على الصحيح: سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجلا يقول: أنا
برئ من دين محمد (صلى الله عليه وآله)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ويلك إذا برئت من دين
محمد فعلى دين من تكون؟ قال: فما كلمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى مات (8).
وتأمل.

(1) السرائر 3: 40.
(2) المقنع: 136.
(3) التحرير 2: 109 س 19.
(4) المختلف: ج 8 ص 141.
(5) نهاية المرام 2: 195.
(6) الوسائل 16: 126، الباب 7 من أبواب الإيمان الحديث 3.
(7) لم نعثر عليه.
(8) الوسائل 16: 125، الباب 7 من أبواب الايمان الحديث 1.
239

وأصرح منه آخر: لا تحلف بالبراءة منا، فإنه من حلف بالبراءة صادقا
أو كاذبا فقد برئ منا (1).
* (ومن وطئ) * المرأة * (في الحيض عامدا لزمه دينار في أوله، ونصف في
وسطه، وربع في آخره) * على قول مشهور بين متقدمي الأصحاب، مستفيض
نقل الإجماع عليه في كلام جماعة، ولهم صريح بعض المعتبرة (2)، بل ظواهر
كثير منها، بعد حمل مطلقها على مقيدها. وهو أحوط لو لم يكن أقوى.
خلافا لكثير من متأخري أصحابنا فالاستحباب. والبحث هنا في بحث
أحكام الحيض، قد مضى مستقصى.
* (ومن تزوج امرأة في عدتها فارقها وكفر بخمسة أصواع من دقيق) *
وجوبا، وفاقا لظاهر الشيخين (3)، وصريح ابن حمزة (4) والعلامة في المختلف (5)
والقواعد (6) وولده في شرحه (7)، وهو ظاهره في التحرير (8)، وظاهر الشهيد
في الدروس (9) وغيرهم، للمعتبرة:
منها المرسل كالصحيح على الصحيح: في الرجل يتزوج المرأة ولها زوج،
فقال: إذا لم ترفع إلى الإمام فعليه أن يتصدق بخمسة أصوع دقيقا (10).
ومنها الخبر: عن امرأة تزوجها رجل فوجد لها زوجا، قال: عليه الحد
وعليها الرجم (11).

(1) الوسائل 16: 125، الباب 7 من أبواب الايمان الحديث 2.
(2) الوسائل 15: 573، الباب 22 من أبواب الكفارات الحديث 1.
(3) المقنعة: 572، النهاية 3: 68.
(4) الوسيلة: 354.
(5) المختلف: ج 8 ص 220.
(6) القواعد 2: 44 س 20.
(7) الإيضاح 4: 83.
(8) التحرير 2: 31.
(9) الدروس 2: 178.
(10) الوسائل 15: 585، الباب 36 من أبواب الكفارات الحديث 1.
(11) الوسائل 18: 397، الباب 27 من أبواب حد الزنا الحديث 5.
240

لأنه قد تقدم بعلم وتقدمت هي بعلم، وكفارته إن لم يقدم إلى الإمام
أن يتصدق بخمسة أصوع دقيقا.
وليس في سنده كالأول اشتراك كما ظن. نعم في بعض رواته جهالة، إلا أن
فيه قوة، كما قرر في محله، وصرح به بعض، وفاقا لجماعة، ومع ذلك منجبرة
هي كالارسال في الأول، والاشتراك فيهما لو كان بفتوى الجماعة.
وليس فيهما قصور بحسب الدلالة للفظة على الظاهرة في الوجوب، بل
الصريحة فيه في الأول. وظاهر الجملة الخبرية الراجعة إلى الإنشاء المفيد له في
الثاني وعمومهما من حيث ترك الاستفصال يشمل ذات البعل والمعتدة بالعدة
الرجعية. والتعدية إلى المعتدة بالعدة البائنة ناشئة من عدم القائل بالفرق بين
الطائفة، وقد صرح به بعض الأجلة (1).
ومن جميع ذلك يظهر الوجه في عدم الفرق بين الجاهل والعالم. ولا ينافيه
التعليل في الرواية الثانية، المشعر باختصاص الحكم فيها بالثاني، ونحوه لفظ
التكفير فيها، فإن إثبات الشئ لا ينفي ما عداه.
فاندفع بما مر وجوه القدح في الروايتين، ولزوم الرجوع إلى حكم الأصل،
فإنه يجب الخروج عنه بعدهما وإن ذهب إليه الحلي (2). وتبعه كثير من
متأخري أصحابنا.
نعم ربما يتطرق إليهما القدح بدلالتهما على اختصاص التكفير بصورة عدم
الرفع إلى الإمام وعدمه معه، ولا قائل به.
ودفع ذلك بصرف الشرط عن ظاهره بمعونة الإجماع وإن أمكن، إلا أنه
ليس بأولى من صرف ما ظاهره الوجوب فيهما إلى الاستحباب، لكن لا بد
من الأول هنا أيضا ففيه مجازان، دون الأول ففيه مجاز واحد، وهو أولى من

(1) المهذب البارع 3: 563.
(2) السرائر 3: 77.
241

ارتكابهما قطعا. لكن الأصل والشهرة المتأخرة المقطوع بها وخلو أخبار
التزويج في العدة عنها - مع كون راوي بعضها بعينه راوي هذه المعتبرة - ربما
يؤيد المصير إلى الثاني.
فالإنصاف عدم خلو الوجوب عن الإشكال، ولذا توقف فيه في
اللمعة (1)، وهو في محله، إلا أن المصير إليه أحوط.
والدقيق في ظاهر النص والفتوى مطلق. وربما خص بنوع يجوز إخراجه
كفارة، وهو دقيق الشعير والحنطة. ولا دليل عليه، سوى التبادر والغلبة،
ولزوم تفريغ الذمة عما اشتغلت به البتة. ولا بأس به.
وفي جواز القيمة أم لا قولان، وعن المرتضى التكفير بخمسة دراهم،
وادعى عليه في الانتصار الإجماع (2). وحمل على القيمة. ولا دليل عليها من
أصلها، فضلا أن يكون دراهم خمسة.
فالأجود الاقتصار على الدقيق، وإن كان الأحوط المصير إلى القيمة
مع الضرورة.
* (ومن نام عن) * صلاة * (عشاء الآخرة حتى جاوز) * وقتها وهو * (نصف
الليل) * قضاها * (وأصبح صائما) * كما في المرسل كالموثق (3)، بل الصحيح عند
جماعة، لعدم ثبوت الوقف في راويه، مع تصريح جماعة كالخلاصة (4)
والنجاشي (5) بتوثيقه على الاطلاق. فتأمل.
وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، كما صرح به
الكشي (6)، فلا يضر الإرسال بعده، ولذا عد كالموثق، بل ومع ذلك معتضد

(1) اللمعة: 47.
(2) الإنتصار: 166.
(3) الوسائل 3: 157، الباب 29 من أبواب المواقيت الحديث 8.
(4) خلاصة الأقوال: 109.
(5) رجال النجاشي: 215.
(6) رجال الكشي: 556، رقم 1050.
242

بصريح فتوى جماعة من القدماء وظاهر باقيهم، لأمرهم به، الظاهر في
الوجوب، بل عده في الانتصار مما انفردت به الإمامية (1)، ونحوه ابن زهرة (2).
وهو حجة أخرى مستقلة. ويجب الخروج بها وبالرواية عن أصالة البراءة.
فلا إشكال في المسألة.
خلافا لأكثر المتأخرين تبعا للحلي (3) فالاستحباب، تمسكا بالأصالة
المزبورة، وطعنا في الإجماع بعدم المعلومية، فإن غاية الأصحاب الأمر به
وليس نصا في الوجوب وفي الرواية بأنها مقطوعة.
والأجوبة عن جميع ذلك بملاحظة ما مر واضحة. فالقول بالوجوب
لا يخلو عن قوة.
* (و) * منه مع ما مر في المسائل السابقة يظهر ضعف القول ب‍ * (الاستحباب
في الكل) * وإن كان في البعض * (أشبه) * لما مر.
ثم لا فرق بين النائم كذلك عمدا أو سهوا، لإطلاق النص والفتوى.
ولا يلحق ناسي غير العشاء بناسيها قطعا.
وفي إلحاق السكران بالنائم قول ضعيف. وكذا المتعمد لتركها والناسي لها
من غير نوم، للأصل، واختصاص النص بغيرهما، وإن أمكن إلحاق الأول به،
للفحوى، لكنه هنا بملاحظة نظائره ضعيف جدا.
ولو أفطر ذلك اليوم ففي وجوب الكفارة من حيث تعينه على القول
بوجوبه، أولا بناء على الأصل وأنه كفارة ولا كفارة في تركها وجهان،
أجودهما الثاني.
ولو سافر فيه لضرورة أو غيرها مطلقا أفطره ولا قضاء، للأصل.

(1) الإنتصار: 165.
(2) الغنية: 141.
(3) السرائر 3: 77.
243

وقيل: بوجوبه (1). ولا أعرف مستنده.
نعم يجب ترك السفر في غير الضرورة تحصيلا للواجب، ولكن مخالفته
غير ملازم لوجوب القضاء جدا. وكذا لو مرض أو حاضت المرأة أو وافق
العيد أو أيام التشريق، بل احتمال سقوطه هنا أظهر وأولى.
ولو صادف يوما متعينا تداخلا وإن كان من أصله خلاف الأصل،
لموافقته له هنا. فاحتمال القضاء ضعيف جدا.
* (الثانية: في جز المرأة شعر رأسها في المصائب كفارة شهر رمضان) *
المخيرة، وفاقا للشيخ (2) وجماعة، للخبر: إذا خدشت المرأة وجهها أو جزت
شعرها أو نتفته ففي جز الشعر عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام
ستين مسكينا (3). وفي سندها ضعف.
* (وقيل) * كما عن الديلمي (4) والحلي (5): إنها * (كفارة) * ظهار * (مرتبة) *
بل ادعى الثاني كالمرتضى في الانتصار الإجماع (6) عليه، لكن عبارة الأخير
ذيلها ظاهرة في التخيير وإن حكم في صدرها بأنها كفارة ظهار، ونحوه كلام
الشيخ كما حكاه في التحرير (7)، لكن الصدر أصرح، فليحمل الذيل كالرواية
بمعونة فتوى الجماعة على بيان الجنس على التفصيل، لا كونها مخيرة، كما ذكره
بعض الأجلة (8).
فتكون الرواية حينئذ حجة في المسألة، لانجبار ضعفها بالشهرة العظيمة،
وحكاية الإجماعين المتقدمة، مع أنها بنفسها حجة مستقلة، مؤيدة بظاهر

(1) القائل الشهيد في الدروس 2: 178.
(2) النهاية 3: 69.
(3) الوسائل 15: 583، الباب 31 من أبواب الكفارات الحديث 1.
(4) المراسم: 187.
(5) السرائر 3: 78.
(6) الإنتصار: 166.
(7) التحرير 2: 109 س 19.
(8) انظر التنقيح 3: 399.
244

العبارة كغيرها، المشعرة بل الدالة على عدم الخلاف في أصل وجوب هذه
الكفارة، بل لم نقف على منكره، ولا على من نسب القول به إلى أحد عدا
الماتن في الشرائع (1) والفاضل في الإرشاد (2) والقواعد (3)، وقد اعترف
جماعة كالشهيد في النكت (4) بعدم الظفر بقائله.
وهو ضعيف - وإن صار إليه من المتأخرين جماعة، للأصل، وقصور سند
الرواية - لضعف الأصل بما مر، واعتبار السند بعمل الأكثر، بل الكل كما مر،
مع عدم انحصار الحجة فيها، لما مر من الإجماعين، اللذين هما - كما عرفت -
حجة مستقلة برأسها، مع عدم ما يوجب وهنهما هنا أصلا، مع تأيدهما
بدعوى ابن زهرة في الغنية (5) الإجماع على وجوب الصوم هنا.
فتحاشي هؤلاء عن العمل بهما مع اعترافهم بحجية الإجماع المنقول
غريب، سيما مع اعتضاده بعدم الخلاف، أو شذوذه وتأيده بالرواية ولو في
الجملة، بل مطلقا كما مرت إليه الإشارة.
فالقول بالوجوب في غاية القوة.
وليس في الرواية - ككلام المرتضى (6) - التقييد بالمصائب وإن كان ظاهر
السياق في الأول والغلبة التي توجب صرف المطلقات المخالفة للأصل عن
الأفراد النادرة فيهما يوجب المصير إلى التقييد، وإن كان العموم - نظرا إلى
إطلاق عبارة المرتضى البعيد حمله على التقييد - أحوط مع احتمال الأولوية
وإن كانت هنا ضعيفة، لأن في جز الشعر في المصيبة إشعارا بعدم الرضا بقضاء
الله سبحانه.

(1) الشرائع 3: 68.
(2) الإرشاد 2: 97.
(3) القواعد 2: 144 س 17.
(4) غاية المراد: 138 س 4.
(5) الغنية: 141.
(6) الإنتصار: 166.
245

ولا فرق في المصاب إن اشترطناه بين القريب والبعيد، للإطلاق.
وهل يفرق بين كل الشعر وبعضه، ظاهر إطلاق الرواية العدم، واستقربه
في الدروس (1)، قال: لصدق جز الشعر وشعرها عرفا بالبعض. وهو أحوط،
بل لعله أقرب، لكون جز الكل نادرا، فيبعد أن يحمل النص عليه.
وفي إلحاق الحلق والإحراق بالجز إشكال، والأصل يقتضي العدم. لكن
الإلحاق غير بعيد، وفاقا للدروس (2)، للأولوية. فتأمل.
* (وفي نتفه) * وهو قلعه بخلاف الجز فإنه قرضه * (في المصاب كفارة يمين،
وكذا في خدشها وجهها، وكذا في شق الرجل ثوبه لموت ولده أو زوجته) *
على الأظهر الأشهر، بل لم ينقل الخلاف فيه أحد ممن تقدم وتأخر، بل صرح
شيخنا في الروضة (3) وغيره بعدم الخلاف في المسألة.
نعم، بعض من ندر ممن تأخر نسب القول بالاستحباب إلى الحلي. وهو
ضعيف، فإنه وإن صرح به في أول كلامه منزلا للرواية الآتية عليه بعد
تسليمها، إلا أنه استدرك ذلك فقال: إلا أن أصحابنا مجمعون عليها في
تصانيفهم وفتاويهم فصار الإجماع هو الحجة بها، وبهذا أفتي انتهى (4).
وهو كما ترى صريح في الموافقة للأصحاب في القول بالإيجاب، مدعيا
عليه الإجماع كالمرتضى في الانتصار (5). وهو الحجة في المضمار، مضافا إلى
بعض المعتبرة بالانجبار.
وفيه: إذا شق زوج على امرأته أو والد على ولده فكفارته كفارة حنث
يمين، ولا صلاة لهما حتى يكفرا ويتوبا من ذلك، وإذا خدشت المرأة وجهها أو
جزت شعرها أو نتفت ففي جز الشعر - إلى أن قال: - وفي الخدش إذا أدميت

(1) الدروس 2: 178.
(2) الدروس 2: 178.
(3) الروضة البهية 3: 16.
(4) السرائر 3: 78.
(5) الإنتصار: 166.
246

وفي النتف كفارة حنث يمين، ولا شئ في اللطم على الخدود سوى الاستغفار
والتوبة (1).
فلا إشكال في المسألة وإن استشكلها بل ربما مال إلى الاستحباب بعض
متأخري الطائفة (2)، للأصل، وقصور سند الرواية وضعفهما ظاهر بعد ما
عرفت.
والرواية - كعبارة الانتصار هنا - في الخدش مطلقة، غير مقيدة بالمصاب،
فالأمر فيه كما مضى، وفيهما تقييد الخدش بالإدماء.
خلافا لإطلاق العبارة وغيرها. وهو أحوط وإن كان الأول أقوى، وفاقا
لجماعة من أصحابنا.
والمعتبر منه مسماه، فلا يشترط استيعاب الوجه، ولا شق جميع الجلد.
ولا يلحق به خدش غير الوجه وإن أدمى، ولا لطمه مجردا، اقتصارا فيما
خالف الأصل على مورد النص والفتوى.
نعم في الأخير الاستغفار، كما في ذيل الرواية المتقدمة.
ويعتبر في الثوب مسماه عرفا. قيل: ولا فرق فيه بين الملبوس وغيره،
ولا بين شقه ملبوسا ومنزوعا، ولا بين استيعابه بالشق وعدمه (3). للإطلاق
ولعل في شموله للأخيرين من الشقين الأولين نوع تأمل، وإن كان الأحوط بل
الأولى التعميم.
ولا فرق بين الولد للصلب وولد الولد وإن نزل ذكرا أو أنثى لذكر.
وفي ولد الأنثى قولان، أجودهما عدم اللحوق، للأصل، وعدم صدق الولد
عليه حقيقة، أو كونه غير متبادر منه عند الإطلاق، وهو وإن جرى في ولد

(1) الوسائل 15: 583، الباب 31 من أبواب الكفارات الحديث 1.
(2) التحرير: ج 2 ص 109 س 28.
(3) القائل الشهيد في الروضة البهية 6: 17.
247

الذكر أيضا، إلا أن التعميم بالإضافة إليه لعله مستفاد من الاستقراء (1).
فتأمل جدا.
ولا ريب أن الأحوط التعميم مطلقا، بل لا يبعد الحكم به، للفحوى.
ثم المتبادر من الزوجة في النص والفتوى هو الزوجة الدائمة قطعا، فيرجع
في المتمتع بها إلى الأصل جدا.
خلافا لجماعة من أصحابنا فألحقوها بالأولى. فإن كان إجماع، وإلا فيأتي
فيه ما مضى، مضافا إلى احتمال كون الصدق عليها مجازا، بل هو الظاهر من
الأصول، كما مر مرارا، إلا أن يستدل عليه بالفحوى.
ومنه يظهر الوجه في عدم إلحاق الأمة الموطوءة بالملك بها مطلقا وإن
كانت سرية أو أم ولد، بل بطريق أولى، إلا أن يتمسك في الإلحاق بالفحوى،
لكن المنع هنا هو المفتى به قولا واحدا.
ثم مقتضى الأصل المستفاد من الأدلة القاطعة حرمة شق الثوب مطلقا
ولو على الأب والأخ، لما فيه من إضاعة المال المحرم المحترمة جدا.
خلافا لجماعة، فأجازوه فيهما، لما ينقل من شق بعض الأنبياء
والأئمة (عليهم السلام) فيهما. والأحوط تركه جدا.
ثم لا كفارة في شق المرأة على الميت مطلقا، زوجا كان أو ولدا، وإن حرم
قولا واحدا، اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد النص والفتوى، مع حرمة
القياس عندنا.
* (الثالثة: من نذر صوم يوم) * معين * (فعجز عنه تصدق بإطعام مسكين
مدين من طعام) * وفاقا للشيخ في النهاية (2)، للخبر: في رجل يجعل عليه

(1) في " مش، ش ": " الأخبار " بدل " الاستقراء ".
(2) النهاية 3: 66.
248

صياما في نذر ولا يقوى، قال: يعطي من يصوم عنه كل يوم مدين (1).
وفي سنده جهالة، وفي المتن شذوذ بحسب الدلالة، ومع ذلك مخالف
للقواعد المقررة من عدم لزوم النذر مع العجز، المستلزم لعدم الكفارة.
ومنه يظهر الجواب عن رواية أخرى في المسألة: عن رجل نذر صياما
فثقل عليه الصوم، قال: يتصدق عن كل يوم بمد من حنطة (2).
ويأتي فيها أيضا ما في السابقة من الضعف والشذوذ ولو من غير تلك
الجهة.
ونحوهما في الشذوذ ما مر من (3) الصحيح (4): أن من عجز عن نذر نذره
فعليه كفارة يمين (5). مع أن الأصحاب حملوه على خلاف ظاهره، كما عرفت.
فإذا الأقوى عدم وجوب هذه الكفارة، بل هي مستحبة، وفاقا لجماعة.
وعلى تقدير الوجوب * (فإن عجز عنها) * أيضا * (تصدق بما استطاع) *
فإن الميسور لا يسقط بالمعسور (6).
* (فإن عجز) * أصلا * (استغفر الله تعالى) * ولم أقف على مستنده، مع كون
الإفطار عن عجز مرخص، ولا معنى للزوم الاستغفار حينئذ. فهو غريب.
وأغرب منه ما يوجد في بعض الحواشي المنسوبة إلى المحقق الشيخ
علي (7) للأمر به ثلاثا. ولعل لهم مستندا في ذلك لم نظفر به.
وكيف كان فالاستحباب لا بأس به.

(1) الوسائل 16: 195، الباب 12 من أبواب النذر والعهد الحديث 1 و 2.
(2) الوسائل 16: 195، الباب 12 من أبواب النذر والعهد الحديث 1 و 2.
(3) في " م " والمطبوع: زيادة مستقصى.
(4) لا توجد في " م ".
(5) الوسائل 15: 575، الباب 23 من أبواب الكفارات الحديث 5.
(6) عوالي اللئالي 4: 58، الحديث 205.
(7) لا يوجد لدينا.
249

* (المقصد الثاني) *
* (في) * بيان * (خصال الكفارة) * وأحكامها
* (وهي) * كثيرة، إلا أن المهم الذي يجب التعرض لذكره في المقام هو
الخصال الأربع المشهورة: * (العتق، والإطعام، والكسوة، والصيام) *.
فنقول: * (أما العتق، فيتعين على الواجد في المرتبة) * دون المخيرة.
* (ويتحقق) * الوجدان المعلق عليه بالأصل ومفهوم الآية * (بملك الرقبة) *
مع عدم الاحتياج إليها لضرورة كالخدمة * (أو الثمن) * كذلك * (مع إمكان
الابتياع) * لصدق الوجدان بذلك لغة وعرفا، بخلاف حال الضرورة، إما
لانتفاء الصدق فيها، أو لاستثنائها معها في الدين الذي هو حق الناس،
المستلزم للاستثناء هنا بطريق أولى.
* (ولا بد من كونها مؤمنة أو مسلمة) * إذا كانت كفارة عن القتل مطلقا
ولو كان عمدا إجماعا، كما حكاه جماعة مستفيضا. وهو الحجة فيه مع
الاحتياط اللازم المراعاة في نحو المقام. مضافا إلى الآية الكريمة (1) وإن وردت
في الخطأ خاصة إلا أنهم حملوا عليه العمد من غير خلاف، بل حكي عليه
الإجماع، لاتحاد جنس السبب، مع احتمال الأولوية، وإطلاق النصوص:
منها الصحيحان والمرسل كالصحيح على الصحيح، لكون الإرسال
بالرجال، الظاهر وجود ثقة فيهم ولو واحدا في ظاهر الحال.
وفي اثنين منها: " كل العتق يجوز له المولود إلا في كفارة القتل، فإن الله
تعالى قال: " فتحرير رقبة مؤمنة "، يعني بذلك مقرة قد بلغت الحنث " (2).
فتأمل.

(1) النساء: 92.
(2) الوسائل 15: 556، الباب 7 من أبواب الكفارات الحديث 6.
250

وفي الثالث وهو صحيح: لا يجوز في القتل إلا رجل، ويجوز في الظهار،
وكفارة اليمين صبي (1).
والأكثر على اشتراط الإسلام في سائر الكفارات أيضا، بل في
الانتصار (2) وكشف الصدق للفاضل الإجماع عليه (3)، حملا للمطلق على المقيد
وإن لم يتحد السبب. وفيه نظر.
وللخبر: أيجوز للمسلم أن يعتق مملوكا مشركا؟ قال: لا (4).
وأجيب بضعف السند والقصور عن تمام المدعى والمعارضة بالمثل. وفيه:
أن عليا (عليه السلام) أعتق عبدا له نصرانيا ثم أسلم حين أعتقه (5).
ولقوله سبحانه: " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " (6).
وأجيب بمنع صدق الإنفاق على التكفير، مضافا إلى خروجه عن محل
النزاع بملاحظة ما ذكره فيه أهل التفسير.
وفي الجميع نظر، لأن ضعف الأول بالشهرة منجبر، كانجبار قصور الدلالة
بها، وبعدم القائل بالفرق فيمن تقدم وتأخر.
ومنه يظهر ضعف المعارضة بتلك الرواية، لقصورها ولو كانت صحيحة،
مع أنها ضعيفة بالبديهة عن المقاومة له، وهو بهذه المثابة.
وأما الجواب عن الآية فمدفوع بقسميه، بأن فيها نوع تعليق للحكم على
الوصف، المشعر بالعلية، والظاهر أنها الخباثة من حيث هي هي مطلقا، كانت
لرداءة المال وقلته، أو لفساد العقيدة، بل ربما كانت الخباثة من هذه الجهة أولى

(1) الوسائل 15: 556، الباب 7 من أبواب الكفارات الحديث 4.
(2) الإنتصار: 169.
(3) لم نعثر عليه.
(4) الوسائل 16: 20 و 19، الباب 17 من أبواب العتق الحديث 5 و 2.
(6) البقرة: 267.
251

بالعلية في نحو المسألة المعتبرة فيها قصد القربة بالإجماع، والمعتبرة (1): وأي
قربة في عتق رقبة محادة لجنابه سبحانه، فإنه موادة صرفة منعت عنها الآية
الشريفة (2)، إلا أنها في المشرك خاصة، لتصريح الآية الأخرى بالجواز في أهل
الذمة (3)، المؤيدة هنا بفعل علي (عليه السلام)، كما تضمنته الرواية (4).
لكن يمكن الذب عن الاختصاص بعدم القائل بالفرق، فإن كل من منع
المشرك منع عن غيره أيضا.
والمعارضة بالمثل هنا وإن أمكن، إلا أن دفعها ممكن هنا جدا، بعد اشتهار
الأخذ بالآية الأولى (5). وهذا من أقوى المرجحات نصا واعتبارا.
هذا، ويدل على اعتبار الإسلام في كفارة الظهار صريحا الصحيح الوارد
فيه، وفيه: والرقبة يجزئ عنه صبي ممن ولد في الإسلام (6).
ولولا اعتباره لكان التقييد بمن ولد في الإسلام لغوا. ولا قائل بالفرق
جدا، مضافا إلى الخبر المعتبر الوارد في كفارة الإفطار في رمضان وفيه:
من أفطر يوما من شهر رمضان فعليه عتق رقبة مؤمنة (7)، والمعتبرين
المتقدمين في كفارة المفطر وما نذره على التعيين من غير عذر وفيهما: وتحرير
رقبة مؤمنة (8).
فإذا القول بالاشتراط أقوى، مضافا إلى التأيد بلزوم تحصيل البراءة

(1) الوسائل 16: 6، الباب 4 من أبواب العتق الحديث 1.
(2) المجادلة: 22.
(3) الممتحنة: 7.
(4) الوسائل 16: 19، الباب 17 من أبواب العتق الحديث 2.
(5) البقرة: 267.
(6) الوسائل 15: 555، الباب 7 من أبواب الكفارات الحديث 1.
(7) الوسائل 7: 31، الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 11.
(8) الوسائل 15: 574، الباب 23 من أبواب الكفارات الحديث 2 وذيله.
252

اليقينية في نحو المسألة، وبما في الانتصار من أن في جعل الكافر حرا تسليطا له
على مكاره أهل الدين والإيمان، قال: وذلك لا يجوز (1).
خلافا للخلاف (2) والمبسوط (3) والإسكافي (4)، فلا يشترط، للأصل،
والإطلاق.
ويندفعان بما مر، كما يندفع به ما مر من النصوص في صدر البحث وإن
استدل بها، لخروجها عن محله، فإن غايتها إجزاء المولود فيما عدا القتل، وهو
غير إجزاء عتق الكافر، فقد يكون المراد به المتولد من المسلمين أو أحدهما.
وهو مجز فيما عدا القتل قولا واحدا في الظاهر لتلك النصوص، ومطلقا
على الأشهر.
خلافا للإسكافي فيه، فالبالغ (5)، لظاهرها، ويظهر من جماعة الميل إليه.
ولا ريب أنه أحوط، بل ولا يبعد كونه أقرب، للاحتياط، واعتبار سند
النصوص واستفاضتها.
ففي الخبر - زيادة على ما مر - في قول الله عز وجل: " فتحرير رقبة
مؤمنة "، قال: يعني مقرة (6).
المؤيد بظاهر الكتاب، فإن المؤمن حقيقة فيمن صدر عنه الإيمان بنفسه،
لا من حكم بإيمانه للتبعية.
فالمصير إليه لا بد له من القرينة، وهي في المقام مفقودة، سوى الشهرة،
ولعلها بمجردها لذلك غير كافية، ولم نقف للمشهور على دلالة سوى ما في
الخلاف من إطلاق الإيمان عليه، لأنه محكوم بإيمانه.

(1) الإنتصار: 169.
(2) الخلاف 4: 542، المسألة 27.
(3) المبسوط 6: 212.
(4) كما في المختلف: ج 8 ص 229.
(5) كما في المختلف: ج 8 ص 229.
(6) الوسائل 15: 556، الباب 7 من أبواب الكفارات الحديث 5.
253

وهو كما ترى، فإن أقل ما فيه أن غايته الاستعمال وهو أعم من الحقيقة
جدا، مع أنه اجتهاد في مقابلة النص المعتبر، فلا عبرة به أصلا.
نعم في الخبر: الرجل يجب عليه عتق رقبة مؤمنة فلا يجد كيف يصنع؟
فقال: عليكم بالأطفال فأعتقوهم، فإن خرجت مؤمنة فذاك، وإلا فليس
عليكم شئ (1).
وفي سنده ضعف، وفي الدلالة قصور، لاختصاصه بحال الضرورة، ومع
ذلك قاصر عن المقاومة لما مر.
لكن لجبر جميع ذلك بالشهرة وجه، مضافا إلى عدم القائل بالفرق بين
حالتي الاختيار والضرورة.
وليس في الرواية نفي الجواز في غيرها. والأحوط ما ذكرناه.
ثم من النهي عن إنفاق الخبيث يظهر اشتراط الإيمان بالمعنى الأخص هنا،
وقواه في القواعد (2) وولده في شرحه (3)، حاكيا ذلك عن الحلي وعلم الهدى،
وخطأه في الحكاية الفاضل الصيمري (4)، مدعيا الإجماع على عدم الاشتراط،
وأن فتواهما باعتبار الإيمان إنما هو لكفر المخالف عندهما بالكفر المقابل
للإسلام، مؤيدا ذلك بشهادة سياق عبارتهما به. وهو حسن، إلا أن لفخر
الإسلام (5) كالفاضل (6) المقداد المشارك له في الحكاية الاعتراض باستفادتها
من الدليل، الذي أثبتا به اشتراط الإيمان ولو بالمعنى الذي عندهما، وهو النهي
عن إنفاق الخبيث والاحتياط. ولا ريب في جريانه هنا.
ولو قالا بإسلامه لخبثه إجماعا وتحقق الاحتياط بحصول الشبهة فيه

(1) الوسائل 15: 556، الباب 7 من أبواب الكفارات الحديث 3.
(2) القواعد 2: 145 س 1.
(3) الإيضاح 4: 85.
(4) غاية المرام: 138 س 13 (مخطوط).
(5) الإيضاح 4: 85.
(6) التنقيح 3: 401.
254

من الخلاف والأدلة والأمارات جدا فلا اعتراض له عليهما أصلا، ولذا صار
اعتباره قويا وإن كان خلاف ما عليه أكثر أصحابنا، إلا أن يتم ما ادعى
من الإجماع.
نعم في الصحيح: الرقبة تعتق من المستضعفين، قال: نعم (1).
لكنه غير صريح في المستضعف من العامة، فيحتمل كونه من الشيعة
خاصة. ولا في كونها في الكفارة، فيحتمل العتق المطلق.
وكيف كان فلا ريب أن ما ذكرناه أحوط إن لم يكن أقوى.
ومما ذكر يظهر عدم إجزاء عتق المسبي من أطفال الكفار وإن انفرد به
السابي المسلم عن أبويه، وفاقا للتحرير (2)، وفي المسالك (3) أنه المشهور.
خلافا للشهيد (4) وجماعة بناء على حكمهم بإسلامه بالتبعية، كحكمهم
بإسلام ولد الزنا بها.
وفيه بعد تسليمه أنه لا يلازم جواز التكفير، لاعتبار الإيمان فيه حقيقة
لا تبعا، كما مضى، خرج عنه مسبي المسلم بما مر ويبقى الباقي، مضافا إلى
الصحيح المتقدم: في الظهار المعتبر في عتق الولد الولادة في الإسلام (5)، وهي
غير حاصلة في أولاد الكفار كل ذا فيما عدا الحمل.
وأما فيه فلا يجوز مطلقا قولا واحدا، لعدم إطلاق المولود والصبي عليه
جدا، فيقتصر فيما خالف الأصل على المتيقن.
* (و) * يعتبر * (أن تكون سليمة من العيوب التي تعتق بها) * وهي العمى

(1) الوسائل 16: 19، الباب 17 من أبواب العتق الحديث 1.
(2) التحرير 2: 110 س 26.
(3) المسالك 10: 42.
(4) الدروس 2: 182.
(5) الوسائل 15: 555، الباب 7 من أبواب الكفارات الحديث 1.
255

والإقعاد والجذام والتنكيل الصادر من المولى بلا خلاف، وبه صرح في
المبسوط (1) والخلاف (2) في العمى. ولا شبهة فيه، لانعتاقه بمجرد حصول هذه
الأسباب على المشهور، فلا يتصور إيقاع العتق عليه ثانيا. وللخبر بل الموثق:
لا يجزئ الأعمى في الرقبة، ويجزئ ما كان منه مثل الأقطع والأشل والأعرج
والأعور ولا يجزئ المقعد (3). ونحوه آخر في سنده وهب بن وهب (4) ويلحق
الباقي بعدم القائل بالفرق.
ويستفاد منهما ومن العبارة كغيرها ظاهرا عدم اشتراط السلامة من
غيرها من العيوب، فيجزئ الأعور والأعرج والأقرع والخصي والأصم
ومقطوع أحد الأذنين واليدين ولو مع أحد الرجلين والمريض وإن مات في
مرضه. وهو المشهور، بل وفي المبسوط (5) والخلاف (6) في الأعور عليه
الإجماع صريحا، وفي المسالك (7) كالأول في المجموع ظاهرا. إلا أن الشيخ في
الكتاب (8) المزبور نفى الخلاف عن المنع أولا، ولذا عد منه الاختلاف المزبور
غريبا. وليس في محله، لتصريحه أخيرا بأن نفي الخلاف الذي ادعاه سابقا إنما
هو بين الناس لا عندنا.
وكيف كان فالجواز مطلقا هو المذهب، لما مر من الإطلاق.
خلافا للإسكافي في الناقص في الخلقة، وببطلان الجارحة إذا لم تكن في
البدن سواها كالخصي والأصم والأخرس دون الأشل من يد واحدة والأقطع
منها (9). وهو شاذ، ومستنده غير واضح.

(1) المبسوط 6: 212.
(2) الخلاف 4: 551، المسألة 44.
(3) الوسائل 15: 578، الباب 27 من أبواب الكفارات الحديث 2.
(4) المصدر السابق: الحديث 1، وليس فيه وهب بن وهب.
(5) المبسوط 6: 212.
(6) الخلاف 4: 551، المسألة 44.
(7) المسالك 10: 44.
(8) الخلاف: 4: 552، المسألة 44.
(9) كما في المختلف: ج 8 ص 244.
256

هذا، وفي المسالك الإجماع على الجواز إن لم ينقص ماليته، ولا تخل
باكتسابه، كقطع بعض أنامله، ونقصان إصبع من أصابعه، ونحو ذلك (1).
* (وهل يجزئ المدبر؟ قال) * الشيخ * (في النهاية (2): لا) * يجزئ، للصحيح:
في رجل جعل لعبده العتق إن حدث به حدث وعلى الرجل تحرير رقبة في
كفارة يمين أو ظهار أيجزئ عنه أن يعتق عبده ذلك في تلك الرقبة الواجبة
عليه؟ قال: لا (3). ونحوه الموثق، إلا أن فيه بدل " أيجزئ عنه " " أله أن يعتق
عبده " الخبر (4).
* (و) * قال * (في غيرها) * وهو المبسوط (5)، وربما أشعرت العبارة بجميع
كتبه (6)، وهو ظاهر في الرجوع عن المنع إلى القول: * (بالجواز، وهو أشبه) *
وأشهر، بل لعله عليه عامة من تأخر، للإطلاق، مع عدم المانع صريحا،
لاحتمال الخبرين المتقدمين الإعتاق عنه بعد الموت.
ولا خلاف (7) حينئذ، للصحيح: عن رجل جعل لعبده العتق إن حدث
لسيده حدث الموت فمات السيد وعليه تحرير رقبة واجبة في كفارة أيجزئ عن
الميت عتق العبد الذي كان السيد جعل له العتق بعد موته في تحرير الرقبة التي
كانت على الميت؟ قال: لا (8).
هذا، مع استفاضة المعتبرة بكون التدبير وصية يجوز التصرف فيها بنحو
البيع والعتق:

(1) المسالك 10: 45.
(2) النهاية 3: 63.
(3) الوسائل 15: 558، الباب 9 من أبواب الكفارات الحديث 2.
(4) الوسائل 16: 82، الباب 12 من أبواب التدبير الحديث 1.
(5) المبسوط 6: 213.
(6) الخلاف 4: 545، المسألة 31.
(7) في " ق " زيادة: في المنع.
(8) الوسائل 15: 558، الباب 9 من أبواب الكفارات الحديث 1.
257

ففي الصحيحين: هو مملوكه إن شاء باعه، وإن شاء أمسكه حتى يموت،
فإذا مات السيد فحر من ثلثه (1).
وهما نص في المطلق، وفي الانتصار (2) الإجماع على جواز بيعه، وعليه
يدل الخبران (3) أيضا، وكثير من المعتبرة.
وبفحوى ذلك يستدل على جواز الإعتاق بالأولوية. كيف لا! وهو
إحسان محض، بخلاف البيع. كل ذا مع عدم نقض التدبير أولا.
وأما بعده فله الإعتاق قولا واحدا.
ومن بعض ما مر ينقدح الوجه فيما عليه الأكثر من إلحاق المكاتب
المشروط قبل الإيفاء، والمطلق الذي لم يؤد شيئا بالمدبر.
خلافا للخلاف (4)، فجعل المنع أظهر. ومستنده بعد لم يظهر، سوى ما ذكر
له الماتن في الشرائع من نقصان الرق (5)، وضعفه أظهر من أن يسطر. فالأول
أظهر.
أما المطلق المؤدي لوجه الكتابة ولو بعضا فلا يجوز قولا واحدا.
* (و) * كذا * (يجزئ الآبق ما لم يعلم موته) * وفاقا للنهاية (6)، وتبعه الأكثر،
بل عن الحلي (7) الإجماع عليه، للصحيح: عن رجل قد أبق منه مملوكه يجوز
أن يعتقه في كفارة الظهار، قال: لا بأس به ما لم يعرف منه موتا (8).
وفي الاستدلال به نظر، لوجود " ما علم أنه حي مرزوق " بدل " ما لم

(1) الوسائل 16: 71 و 79، الباب 1 و 8 من أبواب التدبير الحديث 1 و 3.
(2) الإنتصار: 172.
(3) الوسائل 16: 71، الباب 1 من أبواب التدبير الحديث 1 و 2.
(4) الخلاف 4: 544، المسألة 29.
(5) الشرائع 3: 71.
(6) النهاية 3: 64.
(7) السرائر 2: 718.
(8) الوسائل 16: 53، الباب 48 من أبواب العتق الحديث 1.
258

يعرف " في لفظ آخر مروي في الكافي، وهو أضبط، إلا أن يرجح الأول
بالشهرة. وما ذكره الحلي (1) تبعا للشيخ (2) من أنه يدل على ذلك أخبار
أصحابنا المتواترة، مع أنه بنفسه حجة مستقلة.
ويمكن الاستدلال عليه بأصالة البقاء، ولذا يجري عليه وعلى أمثاله
أحكام الأحياء، وهو وإن أمكن فيه المناقشة بالمعارضة بأصالة بقاء شغل
الذمة، لكنها بالإضافة إلى الأصالة الأولى مرجوحة، من حيث اعتضاد تلك
بالشهرة، مع أنها مجمع عليها ولو في الجملة.
خلافا للخلاف (3)، فقيد الجواز بالعلم بالحياة، وحجته من الأصل
والصحيحة بتقدير النسخة الثانية بما ذكرناه مردودة.
والثالث ففصل بين صورتي الظن بالبقاء فالأول والشك فيه فالثاني
اختاره الفاضل المقداد في التنقيح (4) تبعا لشيخنا في المختلف (5). ويأتي فيه ما
مر في طرف الشك وزيادة في طرف الظن، إذ لا دليل على اعتباره في نحو المقام
من الموضوعات. فلا وجه لتخصيص أدلة المنع والجواز مع عمومها
للصورتين.
* (و) * كذا * (أم الولد) * مطلقا، مات ولدها أم لا إجماعا في الأول، وبلا
خلاف إلا من الإسكافي (6) في الثاني، للخبر: " أم الولد تجزئ في الظهار " (7). ولا
قائل بالفصل، ولبقاء الملك وإن امتنع البيع على بعض الوجوه، وهو غير ملازم
لانتقائه رأسا، ولذا صح بيعها في وجه إجماعا، وعتقها تبرعا كذلك، كما حكي.

(1) السرائر 2: 718.
(2) النهاية 3: 64.
(3) الخلاف 4: 546، المسألة 34.
(4) التنقيح 3: 404.
(5) المختلف: ج 7 ص 446 و ج 8 ص 245.
(6) المختلف: ج 7 ص 446 و ج 8 ص 245.
(7) الوسائل 15: 577، الباب 26 من أبواب الكفارات الحديث 1.
259

وكذا ولد الزنا بعد بلوغه وإسلامه، وفاقا للأكثر، بل إجماعا كما عن
الشيخ في الخلاف (1). وهو الحجة فيه، مضافا إلى الخبر: " لا بأس أن يعتق
ولد الزنا " (2) وهو عام في الكفارات وغيرها.
خلافا للإسكافي (3) والسيد (4). للإجماع. وهو موهون بمصير الأكثر إلى
الخلاف، ومعارض بالإجماع المتقدم، الذي هو أرجح منه بلا ارتياب. وللنهي
عن إنفاق الخبيث (5). وهو حسن إن سلم الخباثة، لكنها بعد الإسلام محل
مناقشة.
* (وأما الصيام فيتعين مع العجز عن الرقبة) * ولو أدناها * (في المرتبة) *
ويتحقق بفقد ما مر من أسباب القدرة، ومنه الاحتياج إلى الثمن للنفقة
والكسوة له ولعياله الواجبي النفقة، ووفاء دينه وإن لم يطالب به.
وهل المعتبر في النفقة الكفاية على الدوام بأن يملك ما يحصل من نمائه ما
يقوم بكفايته في كل سنة، أو قوت السنة، أو اليوم والليلة فاضلا عما يحتاج إليه
في الوقت الحاضر من الكسوة والأمتعة؟ أوجه.
واستوجه الأخير جماعة، وفاقا للدروس (6) ولعله لصدق الوجدان لغة،
ويعارض بعدم الصدق عرفا وعادة. وهو الأرجح حيثما حصل بينهما معارضة،
مع التأيد بأصالة البراءة، والأولوية المستفادة من نفي الزكاة، التي هي أعظم
الفرائض بعد الصلاة عن مثله بالإجماع والأدلة، مع منافاة الوجوب حينئذ
للملة السهلة السمحة، واستلزامه العسر والحرج في الشريعة المحمدية على
المتصدع بها ألف صلاة وسلام وتحية.

(1) الخلاف 4: 544 المسألة 30.
(2) الوسائل 16: 19، الباب 16 من أبواب العتق الحديث 1.
(3) كما في المختلف: ج 8 ص 242.
(4) الإنتصار: 166.
(5) البقرة: 227.
(6) الدروس 2: 180.
260

فالقول بذلك بعيد غايته، كالقول الأول.
فإذا الأوسط أوجه وإن كان الأخير أحوط، للاتفاق في الظاهر على
صحة العتق من المتكلف العادم، إلا في بعض الوجوه، المستلزم للنهي عنه،
المفسد لكونه عبادة، ومثل بما إذا كان له دين طولب به. وهو حسن إن وجد
نهي عن العتق من الخارج، وإلا فالمطالبة بمجردها وإن أمر بها غير صالحة
للنهي عنه، لما تقرر من أن الأمر بالشئ لا يستلزم النهي عن ضده، والممثل
معترف به.
* (ولا تباع ثياب البدن ولا المسكن في الكفارة إذا كان) * كل منهما * (قدر
الكفاية) * اللائقة بحاله * (و) * كذا * (لا) * تباع * (الخادم) * إذا كان كذلك بلا
خلاف أجده. وهو الحجة فيه مع بعض ما مر، مضافا إلى الأولوية المستفادة
من استثنائها في الدين بلا خلاف، فإن ثبوته فيه - مع كونه حق الناس الذي
هو أعظم من حق الله سبحانه - مستلزم لثبوته في حقه تعالى كما هنا بطريق
أولى، كما هو واضح لا يخفى.
مضافا إلى التأيد بالصحيح: عن الرجل له دار أو خادم أو عبد يقبل
الزكاة، قال: نعم إن الدار والخادم ليسا بمال (1). فتدبر.
* (ويلزم الحر في كفارة قتل الخطأ والظهار) * بعد العجز عن العتق * (صوم
شهرين متتابعين) * بلا خلاف، بل عليه الإجماع كما في كلام جماعة. وهو
الحجة، مضافا إلى صريح الكتاب (2) والسنة (3).
ثم إن ابتدأ في الصوم من الهلال اعتبر الشهر الهلالي وإن نقص بلا خلاف،

(1) الوسائل 6: 162، الباب 9 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 2.
(2) النساء: 92.
(3) الوسائل 15: 559، الباب 10 من أبواب الكفارات الحديث 1.
261

لأنه المراد شرعا، بل وعرفا عند الإطلاق، إلا أن يمنع مانع من حمله عليه،
وإن شرع فيه في الأثناء أتم العدد ثلاثين يوما، لعدم إمكان حمله على الهلالي،
فلو وجب عليه شهران وشرع في الأثناء احتسب الثاني بالهلال، وأكمل
الأول من الثالث ثلاثين يوما. وقيل: بل يكمله منه بقدر ما فات من أوله،
لإمكان اعتبار الهلال فيه.
وقيل: مع انكسار الأول ينكسر الجميع ويبطل اعتبار الأهلة، لأن الثاني
لا يدخل حتى يكمل الأول (1). وهو أحوط وإن كان الأول أشهر، والثاني
أظهر، لظواهر النصوص.
وتظهر الثمرة ما لو صام من آخر رجب يوما وهو ناقص ثم أتبعه بشعبان
وهو كذلك، فيقضي تسعة وعشرين على الأول، وناقصا منه بواحد على
الثاني، وينتفي التتابع على الثالث في محل الفرض، لكون الذي صامه ثلاثين،
وهو نصف ما عليه، وفي غيره بأن لم يكن بعد الشهرين رمضان صح التتابع
إن صام بعد العدد يوما ولكن يصوم معه ثلاثين، وذلك واضح.
* (و) * أما * (المملوك) * فالأشهر الأظهر، بل لعله عليه عامة من تأخر أن
عليه * (صوم شهر) * التفاتا إلى الأصل وقاعدة التنصيف الثابتة بالاستقراء،
واستنادا إلى المعتبرة في الظهار، مع عدم القائل بالفرق.
منها الصحيح: الحر والمملوك سواء، غير أن على المملوك نصف ما على
الحر من الكفارة، وليس عليه صدقة، ولا عتق، إنما عليه صيام شهر (2). ونحوه
بعينه خبران آخران (3)، إلا أن في سند أحدهما محمد بن حمران، وفي الآخر
سهل بن زياد، والأول وإن اشترك بين الثقة والضعيف إلا أن الراوي عنه

(1) نقله صاحب مفاتيح الشرائع 1: 267، مفتاح 299.
(2) الوسائل 15: 522، الباب 12 من أبواب الظهار الحديث 2 و 1 و 3.
(3) الوسائل 15: 522، الباب 12 من أبواب الظهار الحديث 2 و 1 و 3.
262

في سند الفقيه ابن أبي عمير، والثاني وإن ضعف على المشهور إلا أنه سهل،
مع أنه عند جمع من المحققين ثقة، ومع ذلك قصورهما بالشهرة وما قدمناه
من الأصلين منجبر.
فيخص بهما مع الصحيح المتقدم عموم الكتاب لو كان، مع أنه محل نظر
عند جمع من الأعيان، وهو ظاهر لا يحتاج إلى بيان.
ومن هنا يظهر ضعف المحكي عن الحلبي (1) وابن زهرة (2) والحلي (3) من
اتحاده مع الحر وحجتهم.
ثم إن التتابع هنا ليس المراد منه معناه المفهوم منه لغة وعرفا * (فإذا صام
الحر شهرا ومن الثاني شيئا ولو يوما أتم) * إجماعا منا حكاه جماعة من
أصحابنا، للصحاح:
منها: التتابع أن يصوم شهرا ويصوم من الآخر أياما أو شيئا منه، فإن
عرض له شيئا يفطر منه أفطر ثم قضى ما بقي عليه، وإن صام شهرا ثم عرض
له شئ فأفطر قبل أن يصوم من الآخر شيئا ولم يتابع فليعد الصوم كله،
الخبر (4).
والأكثر على جواز التفريق بعد ذلك اختيارا من دون إثم، للأصل، وظاهر
الصحيح المعرب عن كون التتابع المأمور به هو ذلك.
خلافا للمفيد (5) والحلي (6)، وابن زهرة (7) في الغنية والمرتضى
في الانتصار (8) مدعين عليه الإجماع، وحكي عن الحلبي (9) فيأثم. ولعلهم

(1) الكافي في الفقه: 304.
(2) الغنية: 369.
(3) السرائر 2: 713.
(4) الوسائل 7: 273، الباب 3 من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 9.
(5) المقنعة: ص 361.
(6) السرائر 1: 411.
(7) الغنية: 142.
(8) الانتصار: 167.
(9) الكافي في الفقه: 189.
263

نظروا إلى اشتراط عروض الشئ في الرخصة في الإفطار في الصحيح المزبور،
الكاشف عن كون المراد من التتابع المعرف فيه بصوم شهر ويوم من الثاني
التتابع المجزئ، وهو غير ملازم لجواز التفريق بعده، وإلا لما كان لاشتراط
العروض في رخصة الإفطار وجه.
وأظهر منه الموثق كالصحيح: الرجل يكون عليه صوم شهرين متتابعين
أيفرق بين الأيام؟ فقال: إذا صام أكثر من شهر فوصله ثم عرض له أمر فأفطر
فلا بأس، وإن كان أقل من شهر أو شهرا فعليه أن يعيد الصيام (1).
ويمكن الجواب بأن الظاهر من المعارضة فيهما ما لم يبلغ حد الضرورة
المرخصة لترك الواجب، وإلا فلا فرق بين صورتي الإفطار قبل التتابع بالمعنى
المتقدم وبعده معها إجماعا ونصا، والحال أنهما فرقا بينهما. فعلى هذا يجب حمل
البأس المستفاد من مفهومهما على الكراهة، أو استحباب المتابعة، مع أن البأس
المفهوم في الثانية أعم من الحرمة، فيرجع في مثله إلى أصالة البراءة النافية لها.
فما عليه الأكثر أقوى لولا ما مر من الإجماعين المتقدمين المعتضدين بفتاوى
كثير من القدماء.
وكيف كان الاحتياط لا يخفى، سيما لمن لا يرى العمل بأخبار الآحاد،
لظهور الآية في الأمر (2) بالمتابعة العرفية، الظاهرة في الوجوب، ولا معارض
سوى الإجماع على إجزاء التتابع بالمعنى المتقدم، وهو غير ملازم للرخصة في
ترك المتابعة المأمور بها في الآية، ولعل ذلك هو المنشأ لفتوى الحلي (3)
بالوجوب. وهو حسن على أصله الغير الحسن.
وفي تحقق التتابع بخمسة عشر يوما في الشهر الواحد كفرض العبد

(1) الوسائل 7: 272، الباب 3 من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 5.
(2) النساء: 92.
(3) السرائر 1: 411.
264

والنادر قولان، أشهرهما ذلك، لخبرين وردا في الأخير.
ففي أحدهما: في رجل جعل على نفسه صوم شهر فصام خمسة عشر يوما
ثم عرض له أمر، فقال: جائز له أن يقضي ما بقي عليه، وإن كان أقل من خمسة
عشر يوما لم يجزه حتى يصوم شهرا تاما (1) ونحوه الثاني (2).
وقصور السند بموسى بن بكر بالشهرة منجبر. مع أنه قيل: بحسنه (3)،
وروي عنه في الأول فضالة، وقد حكي على تصحيح ما يصح عنه إجماع
العصابة. ومنشأ التعدية إلى فرض العبد عدم القول بالفرق.
وربما قيل: بالمنع، للأصل، وضعف الروايتين. ويجابان بما مر.
فإذا ما عليه الأكثر أظهر وإن كان العدم أحوط.
* (و) * يستفاد من هذه المعتبرة أنه * (لو أفطر قبل ذلك) * ولو بعد تمام
الشهر الأول أو اليوم الرابع عشر في الفرض الأخير أعاد، ولا خلاف فيه على
الظاهر المصرح به في السرائر (4)، وفي الغنية (5) والخلاف (6) والتحرير (7) عليه
الإجماع، وعن المنتهى أنه قول علماء الإسلام (8). ولا شبهة تعتريه، لعدم
الامتثال، مضافا إلى الإجماع، وغير ما مر من الأخبار الواضحة المنار.
وفي حكمه الأخذ في الصيام في الزمان الذي لا يحصل معه التتابع ولو كان
صائما بعده بلا خلاف، وللصحيح: في رجل صام في ظهار شعبان ثم أدركه
شهر رمضان، قال: يصوم شهر رمضان ويستأنف الصوم، فإن صام في الظهار
فزاد في النصف يوما قضى بقيته (9).

(1) الوسائل 7: 276، الباب 5 من أبواب بقية الصوم الحديث 1 وذيله.
(2) الوسائل 7: 276، الباب 5 من أبواب بقية الصوم الحديث 1 وذيله.
(3) قاله المجلسي كما نقله عن خطه تنقيح المقال 3: 254.
(4) السرائر 1: 411.
(5) الغنية: 142.
(6) الخلاف 4: 553، المسألة 47.
(7) التحرير 2: 112 س 4.
(8) المنتهى 2: 621 س 12.
(9) الوسائل 7: 275، الباب 4 من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1.
265

ولا فرق في الإفطار بين المستند إلى الاختيار، والمأمور به من جهة
الشرع بسبب كالعيد وأيام التشريق.
فلا يجوز له أن يبتدئ زمانا لا يسلم فيه * (إلا) * إذا كان عدم السلامة
* (لعذر كالحيض والنفاس والإغماء والمرض والجنون) * فيجزئ حينئذ بلا
خلاف، للصحاح:
منها: عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين فصام شهرا ومرض، قال:
يبني عليه، الله حبسه، قلت: امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين فصامت
فأفطرت أيام حيضها، قال: تقضيها، قلت: فإنها تقضيها ثم يئست من المحيض،
قال: لا تعيدها قد أجزأها ذلك (1).
وفي رواية: هذا مما غلب الله تعالى عليه، وليس على ما غلب الله تعالى
عليه شئ (2).
ويستفاد من التعليلين انسحاب الحكم فيما عدا المذكورات من الأعذار
التي لم يعلم عروضها في الأثناء كالسفر الضروري، وإنما اعتبرنا عدم العلم
بالعروض، لأنه معه يكون في ترك التتابع كالمختار، لتمكنه من الإتيان في زمان
يحصل فيه، وليس ذلك شرطا في الحيض، للزومه في الطبيعة عادة، والصبر إلى
سن اليأس تغرير بالواجب وإضرار بالمكلف.
نعم يمكن اعتباره فيه فيما إذا اعتادته فيما زاد على شهرين، مع احتمال
العدم، لإطلاق النصوص - كالعبارات - بعدم الضرر في عروضه، إلا أن
في شموله لمحل الفرض إشكالا، لندرته المانع عن حمل الإطلاق عليه. فتدبر.
ومنه يظهر الوجه في اعتبار ما مر في النفاس فلا يجوز للمرأة الابتداء في
زمان تقطع بعدم السلامة فيه، بل احتماله هنا أقوى، لعدم الإطلاق المتقدم فيه

(1) الوسائل 7: 274، الباب 3 من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 10 و 12.
(2) الوسائل 7: 274، الباب 3 من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 10 و 12.
266

وإن أطلقت العبارات، مع احتمال أن يراد منها صورة ما إذا ابتدأت بالصوم من
زمان لا تعلم بحدوثه فيه وإن احتمل، لعدم ضرره، لأصالة التأخر والعدم.
ثم إن الأصح وجوب المبادرة بعد زوال العذر، وقوفا فيما خالف الأصل
الدال على لزوم التتابع على محل العذر.
خلافا للدروس (1)، فلا يجب الفور. وهو ضعيف.
والمراد بالوجوب هنا هو الشرطي، بمعنى توقف التتابع عليه، وإلا
فالشرعي لا دليل عليه. عدا ما ربما يقال: من أن الإخلال به ملازم لفساد
العبادة المنهي عنها في الآية (2). وفيه نظر، فإن العبادة هي الصوم لا تتابعه،
والإخلال مفسد له دون الصوم. فتدبر.
* (وأما الإطعام فيتعين في المرتبة مع العجز عن الصيام) * بالمرض المانع
منه، وما حصل به مشقة شديدة وإن رجا برؤه وما خاف به عن زيادته ونحو
ذلك لا السفر، إلا مع تعذر الإقامة، وحيث انتقل الفرض إليه يتخير فيه بين
التسليم إلى المستحق وبين أن يطعمه بلا خلاف أجده.
* (و) * على الأول ففي مقدار ما * (يجب إطعام العدد) * به أقوال، أظهرها
وأشهرها سيما بين المتأخرين أنه يعطي * (لكل واحد مد من طعام) * اقتصارا
فيما خالف الأصل على أقل ما يتحقق به الامتثال، وهو ذلك غالبا. وهو وإن
تحقق بالأقل إلا أنه مندفع بالإجماع، مضافا إلى الصحاح المستفيضة وغيرها
من المعتبرة، المماثل لها في الاستفاضة، لكن أكثرها مروي في كفارة اليمين (3).
ويتعدى الحكم منه إلى كفارة رمضان وقتل الخطأ بالإجماع، مضافا إلى
الصحيح في الأول: عليه خمسة عشر صاعا لكل مسكين مد (4)، ونحوه غيره،

(1) الدروس 2: 185.
(2) المجادلة: 4.
(3) الوسائل 15: 564، الباب 14 من أبواب الكفارات.
(4) الوسائل 7: 30، الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 5.
267

كحديث الأعرابي المشهور المروي فيه (1)، والصحيح في الثاني: فإن لم يستطع
أطعم ستين مسكينا مدا مدا (2).
ومن الأخبار الأولة الصحيح: يطعم عشرة مساكين لكل مسكين مد (3).
والصحيح: عمن قال: والله ثم لم يف، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): كفارته إطعام
عشرة مساكين مدا مدا (4). ونحوهما صحيحان آخران (5) مرويان هما
كالأولين. وباقي المعتبرة المستفيضة في الكافي وغيره، مضافا إلى روايات ثلاث
مروية في تفسير العياشي - كما حكي - منها: يجزئ لكل إنسان مد (6).
ولا معارض لهذه الأخبار مع كثرتها، واستفاضة كل من الصحيح
والمعتبرة منها، مع اعتضادها بالأصول، والشهرة العظيمة، فيجب المصير إليها
البتة.
خلافا للخلاف، فمدان (7)، للإجماع، والاحتياط. وهما ممنوعان في مقابلة
ما مر، ولا شاهد له من الأخبار سوى الصحيح الوارد في الظهار (8)، وحمله
على الاستحباب متعين.
واحتمال العمل به - مع تخصيصه بمورده كما وقع لبعض المتأخرين مع كونه
خرقا للإجماع - ضعيف كضعف حمله على صورة الاختيار وما مر على صورة
الاضطرار، جمعا لعدم الشاهد عليه وإن حكي القول بذلك عن النهاية (9)

(1) الوسائل 7: 31، الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 10.
(2) الوسائل 15: 559، الباب 10 من أبواب الكفارات الحديث 1.
(3) الوسائل 15: 560، الباب 12 من أبواب الكفارات الحديث 1 و 4 و 2 و 5.
(4) الوسائل 15: 560، الباب 12 من أبواب الكفارات الحديث 1 و 4 و 2 و 5.
(5) الوسائل 15: 560، الباب 12 من أبواب الكفارات الحديث 1 و 4 و 2 و 5.
(6) تفسير العياشي 1: 136، الحديث 167 و 168 و 171.
(7) الخلاف 4: 560، المسألة 62.
(8) الوسائل 15: 566، الباب 14 من أبواب الكفارات الحديث 6.
(9) النهاية 3: 64.
268

والمبسوط (1) وتبعه ابن حمزة (2) وإليه أشار بقوله: * (وقيل: مدان مع القدرة) *
وواحد مع الضرورة.
نعم يستحب أن يزيد على المد حفنة، لمؤونة نحو طحنه وخبزه إن توقف
على ذلك، كما في الصحيح وغيره، المروي عن (3) تفسير العياشي (4). وأوجبه
الإسكافي (5) لظاهرهما. ويندفع بالأصل، وصدق الامتثال، وما مر من
الأخبار، لخلوها عنه، مع ورودها في مقام الحاجة.
وعلى الثاني قدر في المشهور بالإشباع ولو مرة كما يطعموا ضحى أو
عشية للأصل وصدق الامتثال وفحوى ما مر من الأخبار وخصوص
الصحيح يشبعهم مرة واحدة (6).
خلافا للمفيد (7) والديلمي (8) والقاضي (9)، فقدروه بإشباع يوم، وهو
ظاهر في المرتين، وبه صرح الإسكافي (10). ولا دليل عليه.
* (و) * اعلم أنه لا خلاف في أنه * (لا يجوز اعطاؤه لما دون العدد) * لتعلق
الأمر بذلك، فكما لا يحصل الامتثال في الدفع إلى غير المساكين كذا لا يحصل
بالدفع إلى ما دون الستين.
* (ولا يجوز التكرار في الكفارة الواحدة مع التمكن) * لتبادر الغير، إذ
لا يسمى المسكين الواحد المطعم ستين مرة ستين مسكينا، وهو واضح،

(1) المبسوط 6: 207.
(2) الوسيلة: 353.
(3) في المخطوطات والشرح المطبوع: عنه من.
(4) تفسير العياشي 1: 336، الحديث 167.
(5) كما في المختلف: ج 8 ص 224.
(6) الوسائل 15: 566، الباب 14 من أبواب الكفارات الحديث 5.
(7) المقنعة: 568.
(8) المراسم: 186.
(9) المهذب 2: 415.
(10) كما في المختلف: ج 8 ص 224.
269

ولا خلاف فيه بيننا، وبه صريح بعض المعتبرة من أخبارنا. كالموثق: عن
إطعام عشرة مساكين أو إطعام ستين مسكينا أيجمع ذلك لانسان واحد
يعطاه؟ قال: لا، ولكن يعطي إنسانا إنسانا، كما قال الله تعالى (1). وقريب منه
الخبر الآتي مفهوما.
* (و) * هل * (يجوز مع العذر) * لفقد العدد في البلد مع تعذر الإيصال إليه
من غيره؟ قولان، أظهرهما وأشهرهما ذلك، بل لم نقف على مخالف هنا، وبه
اعترف جماعة من أصحابنا، للخبر بل القوي: إن لم يوجد في الكفارة إلا
الرجل والرجلين فيكرر عليهم حتى يستكمل العشرة يعطيهم اليوم ثم يعطيهم
غدا (2). وقصور السند منجبر بالشهرة العظيمة.
واحتمال التقية بوروده موافقا لمذهب أبي حنيفة (3) - مع كون الراوي من
قضاة العامة - مدفوع بأن مذهبه الإطلاق. وفيه اشتراط الحكم بالضرورة.
وكون الراوي من قضاتهم محل مناقشة لجماعة، وادعوا كونه من الإمامية.
فاللازم أن يقيد به الأصول والرواية السابقة، بحملها على حالة التمكن
دون الضرورة، مع كونها من الأفراد النادرة، فلا تحمل عليها إطلاق الرواية.
فاندفع بذلك حجج من ظن وجوب المصير إلى التمكن من العدد.
واحترز بالواحدة عن المتعددة، لجواز التكرار فيها بقدرها، وبه صرح في
الدروس (4)، ولعله لا خلاف فيه.
* (و) * الواجب في الجنس أن * (يطعم ما يغلب على قوته) * وفاقا
للمبسوط (5) وجماعة، حملا للإطلاق عليه.

(1) الوسائل 15: 569، الباب 16 من أبواب الكفارات الحديث 2 و 1.
(2) الوسائل 15: 569، الباب 16 من أبواب الكفارات الحديث 2 و 1.
(3) المجموع 17: 377.
(4) الدروس 2: 187.
(5) المبسوط 6: 207.
270

خلافا للخلاف، فكل ما يسمى طعاما (1)، مدعيا عليه الوفاق. ولا بأس
به، لموافقته للغة، المترجح هنا على العرف والعادة، لحكاية الإجماع المزبورة،
مع أنه لم يثبت منه الحكم بكون إطلاق الطعام على غير الغالب بعنوان المجاز
دون الحقيقة.
والإجماع المزبور هو المستند في التعميم، حتى في كفارة اليمين.
خلافا للحلي (2) فيها خاصة، فأوجب فيها الإطعام من أوسط ما يطعم به
الأهل، تمسكا بظاهر الآية " من أوسط ما تطعمون أهليكم " (3).
وهو محمول على الاستحباب، لما مر من الإجماع المحكي في الباب،
المعتضد بالشهرة بين الأصحاب، مع احتماله الورود مورد الغالب، فلا تعارض
بينه وبين الإطلاق، واستقرب في المختلف (4) إيجاب الحنطة والشعير والدقيق
والخبز، وجزم الشهيدان بإجزاء التمر والزبيب (5). والأولى الاقتصار على
إطعام المد من الحنطة والدقيق، كما في الصحيح (6) وغيره (7).
* (ويستحب أن يضم إليه أداما) * ولا يجب، وفاقا للأكثر، بل لعله عليه
عامة من تأخر، للأصل، وصدق الامتثال بدونه، وخلو أخبار المد والمدين
عنه، ولصريح الصحيح: وإن شئت جعلت لهم أداما (8).
خلافا للمفيد (9) والديلمي (10)، كما حكي فيجب، للخبرين:
أحدهما الصحيح: من أوسط ما تطعمون أهليكم، فقال: ما تقوتون به

(1) الخلاف 4: 563، المسألة 66.
(2) السرائر 2: 718.
(3) المائدة: 89.
(4) المختلف: ج 8 ص 239.
(5) الدروس 2: 186، الروضة 3: 28.
(6) الوسائل 15: 560، الباب 12 من أبواب الكفارات الحديث 4 و 1.
(7) الوسائل 15: 560، الباب 12 من أبواب الكفارات الحديث 4 و 1.
(8) المصدر السابق: 565، الباب 14 الحديث 3.
(9) المقنعة: 568.
(10) المراسم: 186.
271

من عيالكم من أوسط ذلك، قلت: وما أوسط ذلك؟ فقال: الخل والزيت والتمر
والزبيب (1)، الحديث. ونحوه الخبر (2).
لكنه مع قصور السند قاصر هو كالأول عن إفادة الوجوب صريحا، ومع
ذلك مفسران للأوسط المأمور به بالأدام الخالص، المشعر بل الظاهر في عدم
إجزاء غيره ولم يقولا به، مضافا إلى عدم مكافأتهما لما مر، وظهور الأمر فيهما
في الاستحباب لما ظهر.
والمراد بالأدام ما جرت العادة بأكله مع الخبز مائعا كان كالزيت والدبس
أو جامدا كالجبن واللحم، وهو بحسب الجنس مختلف نفاسة ورداءة * (وأعلاه
اللحم وأوسطه الخل) * والزيت * (وأدناه الملح) * للصحيح: والأدام أدناه ملح،
وأوسطه الخل والزيت، وأرفعه اللحم (3) وفي الخبر: والوسط الخل والزيت،
وأرفعه الخبز واللحم (4).
* (و) * اعلم أنه * (لا يجزئ إطعام الصغار) * إذا كانوا * (منفردين) * بعدد
الستين بلا خلاف أجده، إلا من بعض المتأخرين، فقال: بالإجزاء للإطلاق.
وهو كما ترى، لعدم انصرافه إليهم عند الإطلاق.
نعم ربما يستفاد من بعض المعتبرة الآتية الإجزاء فيما عدا كفارة اليمين،
لكنها مع قصور أسانيدها غير صريحة في الانفراد فيحتمل الانضمام.
* (و) * قد حكم الماتن تبعا للشيخ في النهاية (5) بأنه * (يجوز) * إطعامهم
إذا كانوا * (منضمين) * مع الكبار واحتسابهم من العدد بلا زيادة. لكنهم لم

(1) الوسائل 15: 566، الباب 14 من أبواب الكفارات الحديث 5.
(2) المصدر السابق: الحديث 2.
(3) الوسائل 15: 565، الباب 14 من أبواب الكفارات الحديث 3 و 2.
(4) الوسائل 15: 565، الباب 14 من أبواب الكفارات الحديث 3 و 2.
(5) النهاية 3: 64.
272

يفرقوا بين كفارة اليمين وغيرها، ونفى عنه في المبسوط (1) والخلاف (2) الخلاف.
وهو الحجة فيه إن تم، لا الصحيح: أيعطي الصغار والكبار سواء والرجال
والنساء أو يفضل الكبار على الصغار والرجال على النساء؟ فقال: كلهم
سواء (3)، لأنه ظاهر في صورة التسليم لا الإشباع، ولا خلاف فيه كما في
المسالك (4)، وهو ظاهر غيره.
نعم في الصحيح: يكون في البيت من يأكل أكثر من المد ومنهم من يأكل
أقل من المد فبين ذلك بقوله تعالى: " من أوسط ما تطعمون أهليكم " (5) وهو
ظاهر فيما ذكروه وإن رد بأن الاختلاف في الأكل يتحقق في الكبار أيضا،
لكفاية الإطلاق، مع كون الاختلاف بالصغر والكبر من أظهر الأفراد.
لكن في الموثق: لا يجوز إطعام الصغير في كفارة اليمين، ولكن صغيرين
بكبير (6). وهو مطلق لصورتي الانفراد والاجتماع، بل أظهر في الثاني جدا.
وأظهر منه القوي الآتي، إلا أنهم حملوه على الأولى، فقالوا: * (ولو انفردوا
احتسب الاثنين بواحد) * جمعا بينه وبين الصحيح المتقدم، الظاهر في الثاني.
وهو حسن، إلا أن العمل بإطلاق الموثق أحوط وأولى، فيعد الصغيران
بكبير مطلقا ولو مجتمعا، وفاقا لابن حمزة (7)، وهو ظاهر إطلاق الإسكافي (8)
والصدوق في المقنع (9)، لكن في كفارة اليمين خاصة، وظاهرهما جواز إطعام

(1) المبسوط 5: 178.
(2) الخلاف 4: 564، المسألة 68.
(3) الوسائل 15: 570، الباب 17 من أبواب الكفارات الحديث 3.
(4) المسالك 10: 95.
(5) الوسائل 15: 565، الباب 14 من أبواب الكفارات الحديث 3 والخبر منقول بالمعنى.
(6) المصدر السابق: 570، الباب 17 الحديث 1.
(7) الوسيلة: 353.
(8) كما في المختلف: ج 8 ص 235.
(9) المقنع: 136.
273

الصغار فيما عداها، وأنهم كالرجال، لمفهوم الموثقة المزبورة وغيرها من
المعتبرة، كالقوي: من أطعم في كفارة اليمين صغارا وكبارا فليزد الصغير بقدر
ما أكل الكبير (1). فتدبر. لكن الأحوط الإطلاق.
ومن جميع ما مر يظهر اشتهار جواز إطعام الصغير في الكفارة ولو في
الجملة، بل مر عن المبسوط والخلاف نفي الخلاف عنه.
خلافا للمفيد (2)، فمنع عن إطعامهم مطلقا، منفردين كانوا أو مجتمعين، عد
واحد منهم باثنين، أم لا.
وهو شاذ وإن كان أحوط، ولكن ليس بذلك اللازم، بل هو ما قدمناه من
عد اثنين منهم بكبير في كل من صورتي الانفراد والاجتماع، سيما في كفارة اليمين
وإن كان المصير إلى ما عليه الأكثر غير بعيد.
* (مسائل) *
* (الأولى) *: مر أن كفارة اليمين مخيرة ابتداء بين أمور ثلاثة: العتق،
والإطعام، والكسوة، ومر ما يتعلق بالأولين.
وأما الثالث: ف‍ * (كسوة الفقير ثوبان مع القدرة) * وواحد مع الضرورة،
وفاقا للشيخ (3) والقاضي (4) والحلبي (5)، واختاره الفاضل في القواعد (6)
وولده في شرحه (7)، جمعا بين النصوص المطلقة في الأمرين، ولا شاهد له،
بل ظاهر نصوص التعدد يدفعه.

(1) الوسائل 15: 570، الباب 17 من أبواب الكفارات الحديث 2.
(2) المقنعة: 568.
(3) النهاية 3: 65.
(4) المهذب 2: 415.
(5) الكافي: 227.
(6) القواعد 2: 148 س أخير.
(7) الإيضاح 4: 107.
274

فلا بد من المصير إما إلى الأول، كما عن المفيد (1) والديلمي (2)
والصدوق (3)، وفي المعتبرة دلالة عليه: منها الصحيح: أو كسوتهم لكل إنسان
منهم ثوبان (4). ونحوه الخبران (5): والكسوة ثوبان. لكنهما ضعيفان، إلا أن في
أحدهما المجمع على تصحيح رواياته.
وإما إلى الثاني، كما عن الحلبي (6) ووالد الصدوق (7)، واختاره المحقق (8)
وأكثر من تأخر عنه، كالفاضل في قوله الثاني (9)، والشهيدين (10) والفاضل
المقداد (11) في شرح الكتاب، كالسيد (12) فيه والمفلح الصيمري (13) وكثير من
المتأخرين، للأصل، والإطلاق.
* (و) * ما * (في رواية) * صحيحة، بل روايات مستفيضة: من أنه * (يجزئ
الثوب الواحد) * منها الصحيحان:
في أحدهما: قلت: كسوتهم، قال: ثوب واحد (14).
وفي الثاني: قلنا: فمن وجد الكسوة، قال: ثوب يواري عورته (15).
ونحوه الخبر المحتمل للصحة، لوجود " معمر بن يحيى " بدل " ابن عثمان " في
بعض النسخ (16)، ومع ذلك في سنده كالثاني المجمع على تصحيح رواياته كابن

(1) المقنعة: 568.
(2) المراسم: 186.
(3) المقنع: 137.
(4) الوسائل 15: 560، الباب 12 من أبواب الكفارات الحديث 1 و 9 و 13.
(5) الوسائل 15: 560، الباب 12 من أبواب الكفارات الحديث 1 و 9 و 13.
(6) الكافي في الفقه: 127.
(7) كما في المختلف: ج 8 ص 225.
(8) الشرائع 3: 77.
(9) المختلف: ج 8 ص 226.
(10) اللمعة: 47، الروضة 3: 29.
(11) التنقيح 3: 411.
(12) نهاية المرام 2: 215.
(13) غاية المراد: 140 س 8.
(14) الوسائل 15: 566، الباب 14 من أبواب الكفارات الحديث 5.
(15) المصدر السابق: 568، الباب 15 الحديث 1.
(16) المصدر السابق: الحديث 2، وفيه " معمر بن عمر بدل بن يحيى ".
275

أبي نصر وابن محبوب، ولا اشتراك في راوي الصحيحين كما ظن، مع
وجود القرينة على الثقة في أحدهما، والمجمع على تصحيح رواياته في الثاني.
فإذا الأسانيد في غاية الاعتماد، معتضدة بما مر، مع الشهرة المتأخرة * (و) *
لذا كان هذا القول * (هو الأشبه) * وإن كان الأول أحوط. واحتاط الإسكافي
بدرع وخمار للمرأة وثوب واحد مما يجزئ فيه الصلاة للرجل (1)، حملا على
عرف الشرع في الصلاة، جمعا بين النصوص. ولا شاهد له.
والأجود الجمع بحمل الأولة على الفضيلة، أو ما إذا لم يحصل بالواحد
ستر العورة، ولذا قيد بالستر في أكثر ما مر من المعتبرة، بخلاف الأخبار
الأولة، وهذا أولى.
فيكون المعيار في الكسوة ما يحصل به ستر العورة، مع صدق الكسوة
عرفا وعادة، كالجبة والقميص والسراويل دون الخف والقلنسوة بلا خلاف
ولا إشكال في شئ من ذلك، إلا في الأخير ففيه إشكال، وقول بالعدم كما عن
المبسوط، لعدم صدق الكسوة عليه عرفا (2). وهو متجه إلا مع اعطاء قميص
أو جبة معه، لصدق الكسوة حينئذ جزما.
ومن هنا يظهر الحكم فيه نحو الإزار والرداء وإن جزم بهما كالأول
الشهيدان (3) وغيرهما.
وظاهر الأصحاب هنا جواز إعطاء الكسوة للصغار مطلقا، والنصوص
خالية عن ذكر ذلك، بل المتبادر منها كالآية (4) الكبار، لكن اتفاق الفتاوى
على العموم هنا كاف في الخروج عن العهدة.
ويستحب الجديد بلا خلاف خاما كان أو مقصورا. ويجزئ غيره إذا

(1) كما في المختلف: ج 8 ص 226.
(2) المبسوط 6: 212.
(3) الدروس 2: 188، والروضة 3: 29.
(4) المائدة: 89.
276

لم يكن منخرقا، ولا منسحقا. وهما لا يجزئان، للأصل، وعدم انصراف
الإطلاق إليهما وجنسه ما اعتيد لبسه كالقطن والكتان والصوف والحرير
الممتزج والمحض للنساء والصغار دون الخناثى والكبار والفرو والجلد
المعتادين والقنب والشعر إن اعتيد لبسهما.
* (وكفارة الإيلاء مثل كفارة اليمين) * بلا خلاف، تمسكا بالإطلاق، لأنه
يمين خاص، فيترتب عليه أحكامه.
* (الثانية: من عجز عن العتق فدخل في الصيام ثم تمكن من العتق لم
يلزمه العود) * مطلقا * (وإن كان أفضل) * على الأشهر الأقوى، للصحيح
المروي في التهذيب بسندين صحيحين أكثر رواة أحدهما، المجمع على تصحيح
ما يصح عنه.
وفيه: وإن صام وأصاب مالا فليمض الذي ابتدأ فيه (1) خلافا للإسكافي
فيما إذا لم يتجاوز النصف فأوجب العتق (2) للمرسل كالصحيح في رجل صام
شهرا من كفارة الظهار ثم وجد نسمة، قال: يعتقها، ولا يعتد بالصوم (3).
ولقصوره عن المقاومة لما مر سندا وعددا واشتهارا حمله الأصحاب على
الاستحباب. ولا ريب فيه، مع اعتضاده في جانب نفي الوجوب بصدق الفاقد
عند الشروع، وسقوط الأعلى، وتحقق البدلية، فيستصحب. وهو وإن أمكن
فيه المعارضة باستصحاب شغل الذمة إلا أن اعتضاد الأول بالشهرة يقتضي
المصير إليه البتة.
ومنه يظهر الوجه في انسحاب الحكم إلى الأخذ في الإطعام للعجز
عن الصيام القادر عليه بعد ذلك، مضافا إلى عدم الخلاف فيه، وفقد المعارض،

(1) التهذيب 8: 17 و 322، الحديث 53 و 9.
(2) نقله عنه في المسالك 10: 112.
(3) الوسائل 15: 553، الحديث 2.
277

للأصل من جهة النص وإن خلا عنه من أصله.
ثم إنه يتحقق الشروع بصوم جزء من اليوم في الصوم ولو لحظة، وبتسليم
مد واحد في أكل الطعام في الإطعام لإطلاق الدليل.
* (الثالثة: كل من وجب عليه صوم شهرين متتابعين) * في نذر أو كفارة
مطلقا مرتبة كانت أو مخيرة كما يقتضيه عموم العبارة * (فعجز) * عنهما * (صام
ثمانية عشر يوما، فإن لم يقدر تصدق عن كل يوم بمد من الطعام، فإن لم
يستطع استغفر الله سبحانه) * كما عن الشيخ (1) وجماعة، بل ادعى في
المسالك (2) الشهرة في كل من الأحكام الثلاثة. ولم نقف على ما يدل عليها من
آية أو أصل أو رواية.
والأجود التفصيل بين الظهار ورمضان والنذر.
فيرتضى الحكم الأول في الأولين، لكن بعد العجز عن الخصال الثلاث،
وفاقا للنهاية (3) والقاضي (4) وابن حمزة (5) في الأول، وللمفيد (6) والمرتضى (7)
والحلي (8) في الثاني.
للموثق في الأول: عن رجل ظاهر من امرأته فلم يجد ما يعتق ولا ما
يتصدق ولا يقوى على الصيام، قال: يصوم ثمانية عشر يوما (9).
وللخبر المنجبر ضعفه بالشهرة في الثاني أيضا: عن رجل عليه صيام
شهرين متتابعين فلم يقدر على الصيام ولم يقدر على العتق ولم يقدر على
الصدقة، قال: فليصم ثمانية عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام (10).

(1) الاستبصار 4: 52، ذيل الحديث 5.
(2) المسالك 10: 121.
(3) النهاية 3: 66 و 67.
(4) المهذب 2: 423.
(5) الوسيلة: 354.
(6) المقنعة: 380.
(7) نقله عنه في المختلف: ج 3 ص 444.
(8) السرائر 1: 379.
(9) الوسائل 15: 558، الباب 8 من أبواب الكفارات الحديث 1.
(10) الوسائل 7: 279، الباب 9 من أبواب بقية الصوم الحديث 1.
278

على إشكال فيه دون الأول، لخلوصه عن المعارض، دون هذا، لما يأتي.
خلافا للمفيد (1) والإسكافي (2) في الأول، فلم يجعلا له بعد الخصال بدلا،
تمسكا بالأصل. ويندفع بما مر.
وللصدوقين (3) فيه أيضا، فجعلا البدل التصدق بما يطيق. ولا شاهد لهما
سوى التمسك بما يأتي من النص، أو القاعدة، ولكن الأول قياس، والثاني
حسن لولا ما مر من الموثقة (4)، المعتضدة بالشهرة.
ولهما ولجماعة من المتأخرين في الثاني، فجعلوا البدل هو التصدق بما
يطيق، للصحيحين: في رجل أفطر في شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من
غير عذر، قال: يعتق نسمة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين
مسكينا، فإن لم يقدر يتصدق بما يطيق. وهو ظاهر الكليني (5)، لاقتصاره بنقل
أحدهما، والتهذيبين (6) للفتوى بهما صريحا، مع ذكره رواية الثمانية عشر بلفظة
" روى " في الاستبصار ولفظة " قيل " في التهذيب، المشعرين بالتمريض.
ولا يخلو عن قوة، لذلك، ولموافقة قاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور (7)
في الجملة، بملاحظة أن الواجب عليه أحد الأمور الثلاثة، التي منها التصدق
والإطعام، فإذا اختاره ولم يمكنه التمام اجتزأ بالممكن منه، للقاعدة.
وللدروس (8)، تبعا للفاضل في المختلف (9) أيضا، فخيرا بين الأمرين،

(1) المقنعة: 568.
(2) كما في الإيضاح 3: 417.
(3) كما في الإيضاح 3: 417، والمقنع: 108.
(4) الوسائل 7: 28 و 29، الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 و 3.
(5) الكافي 4: 101، الحديث 1.
(6) التهذيب 7: 207، ذيل الحديث 7، الاستبصار 2: 96، ذيل الحديث 4.
(7) عوالي اللئالي 4: 58، الحديث 205.
(8) الدروس 1: 277، الدرس 72.
(9) المختلف: ج 3 ص 445.
279

جمعا، والتفاتا إلى ثبوت التخيير بين نوعيهما في المبدل فكذا في البدل. وللثاني
في قوله الآخر مطلقا، فأوجب الإتيان بالممكن من الصوم والصدقة وإن
تجاوز الثمانية عشر، لعموم: " إذا أمرتكم بشئ فاتوا منه ما استطعتم " (1)، حتى
لو أمكن الشهران متفرقين وجب مقدما على الثمانية عشر.
وهو حسن فيما عدا مورد ما مر من النص المعتبر، وهو النذر الذي هو
القسم الثالث.
ومنه يظهر وجه دفع الحكم الأول فيه. والرواية المتقدمة بالثمانية عشر
مشعرة بحكم السياق صدرا وذيلا باختصاص الحكم بصيامها بصورة العجز
عن الخصال الثلاث، التي هي في الكفارة خاصة، فهذا القسم خارج عن
موردها البتة.
فيذب عن هذا الحكم فيه، كما يذب عن الحكمين الأخيرين فيه، وفي
صوم رمضان، وفي كفارة الظهار، لعدم الدليل عليهما فيها، مع تصريح بعض
المعتبرة المعتضدة بالشهرة، كما مرت إليه الإشارة بنفي الثالث في الثالث وإن
عورض بالموثق، لضعفه بما مر، وعن أولهما فيما عداها أيضا، لما مر.
ويرتضى ثانيهما فيه، للمعتبر الذي مر في بحث الظهار، النافي له فيها من
دون معارض له هنا، مضافا إلى الاتفاق عليه في الظاهر، والموثق: في كفارة
اليمين، قلت: فإن عجز عن ذلك، قال: فليستغفر الله عز وجل، ولا يعود (2).
والمعتبر منه مرة واحدة بالنية عن الكفارة، مضافا إلى اللفظ الدال على
الندم على ما فعل، والعزم على عدم العود إن كان عن ذنب.
وفي وجوب الكفارة مع تجدد القدرة وجهان، وفي الموثق: في المظاهر أنه

(1) عوالي اللئالي 4: 58، الحديث 206.
(2) الوسائل 15: 562، الباب 12 من أبواب الكفارات الحديث 6.
280

يستغفر الله سبحانه ويطأ، فإذا وجد الكفارة كفر (1). وعمل به الشيخ في
التهذيبين (2).
ثم في وجوب التتابع في الثمانية عشر حيث قلنا بوجوبه قولان،
والأحوط ذلك، لخبر الميسور لا يسقط بالمعسور (3) وإن كان النص الدال
عليه مطلقا.
وهل المراد بالأيام التي يتصدق عنها بمد بعد العجز عن الصيام ثمانية
عشر هي، أو الستون؟ وجهان، والأحوط الثاني وإن كان الأصل يقتضي
الأول.
* (الرابعة: يشترط في المكفر البلوغ، وكمال العقل) * لارتفاع التكليف عن
فاقدهما، المقتضي لعدم توجه الخطاب إليه * (والإيمان) * لأن التكفير عبادة،
ومن شروطها الايمان، إجماعا في المقدمتين حكاه بعض الأجلة (4). وهو
الحجة فيهما، مضافا إلى النصوص الكثيرة (5)، المتضمنة لبطلان عبادة المخالف
في الأخيرة.
* (ونية القربة) * في جميع الخصال ولو كان إطعاما أو كسوة بلا خلاف،
لأنها عبادة، فيشملها عموم الأدلة على اعتبارها فيها، ومضت الوجوه المفسرة
به القربة في مباحث الوضوء، ومنها قصد الامتثال، وموافقة الأدلة مر.
ومن هنا ينقدح دليل آخر لاعتبار الإسلام في المكفر، بناء على عدم تأتي
نية القربة بالمعنى المزبور من الكافر. كيف لا! وهو لا يعتقد بموجب الكفارة.

(1) الوسائل 15: 555، الباب 6 من أبواب الكفارات الحديث 6، وفيه بالمضمون.
(2) التهذيب 8: 321، ذيل الحديث 7، الاستبصار 4: 57، ذيل الحديث 3.
(3) عوالي اللئالي 4: 58، الحديث 205.
(4) حكاه في نهاية المرام 2: 219.
(5) الوسائل 1: 90، الباب 29 من أبواب مقدمة العبادات.
281

ولا يكون الخصال مكفرة له مأمورا بها لذلك، لكونه إما منكرا له سبحانه
كالدهرية وبعض عباد الأصنام، أو جاحدا للنبي (صلى الله عليه وآله) المبين لذلك الأمر به
عنه سبحانه، فإذا صام بعد الظهار مثلا لا يمكنه قصد الامتثال بذلك، والعزم
على أن الصيام كفارة لما وقع منه، فإنه لا يعتقد تحقق الحرمة بالموجب، فضلا
عن كون الصيام مكفرا لها، بل يجعلها حراما وبدعة بقصد التشريع في شرعه.
ولعل هذا هو السر والحكمة في حكم الأصحاب بفساد عبادة الكفار،
لعدم تحقق قصد القربة بهذا المعنى منهم.
والعجب من شيخنا في المسالك (1)، حيث اعترضهم في ذلك، وجوز
صدور نية القربة بهذا المعنى عنهم. فيالله كيف يقصد الكافر بما يأتي به من
هيئة صلاتنا أنه عبادة مقربة إلى جنابه سبحانه؟ مع اعتقاده كون مثل ذلك
بدعة وضلالة، فإتيانه بذلك على تقديره يكون على طريق الاستهزاء
والسخرية. وما أرى مثل هذه الدعوى من نحو هذا الفاضل إلا غفلة واضحة.
نعم قد تحصل له نية القربة في بعض الخصال إذا كانت عنده وفي شرعه
مقربة، ولكن مثل هذه القربة غير كافية، بل لا بد من نية القربة التي هي القصد
إلى امتثال أمر الكفارة، ولذا أن أحدنا لو صام ندبا من دون نية التكفير لم يجز
عنه إجماعا. فتأمل.
* (والتعيين) * للسبب الذي يكفر عنه، سواء تعددت الكفارة في ذمته أم لا،
وسواء تغاير الجنس أم لا، كما يقتضيه الإطلاق، وصرح به في الدروس (2)،
وأطلق في اللمعة (3) كالعبارة. ووجهه أن الكفارة اسم مشترك بين أفراد
مختلفة والمأمور به إنما يتخصص بمميزاته عن غيره مما يشاركه (4).

(1) المسالك 10: 61 و 62.
(2) الدروس 2: 184، الدرس 155.
(3) اللمعة: 47.
(4) وجهه الشهيد في الروضة 3: 24.
282

قيل: ويشكل بأنه مع اتحادها في ذمته لا اشتراك فتجزئ نيته عما في
ذمته من الكفارة، لأن غيره ليس مأمورا به، بل ولا يتصور وقوعه منه
في تلك الحالة شرعا، فلا وجه للاحتراز عنه كالقصر والتمام في غير موضع
التخيير (1) انتهى.
وربما يتأمل فيه وإن كان الحكم المترتب عليه غير بعيد، للإجماع فيه في
الخلاف (2) على عدم الاعتبار في المتعدد، مع اتحاد جنس السبب المستلزم له
هنا بطريق أولى، بل ظاهره في المبسوط (3) عدم اعتبار التعيين مطلقا عندنا،
لكنه مخالف لما اختاره في الأول - كالأكثر - من الاعتبار فيما عدا محل الإجماع
والعدم فيه. وهو الأقوى.
فلو تعدد ما في ذمته مع اتحاد نوع سببه كإفطار يومين من شهر رمضان
وخلف نذرين كان حكمه كالمتحد، للإجماع المتقدم ذكره، ولو اختلف أسبابه
توجه ذلك ليحصل التمييز وإن اتفق مقدار الكفارة.
وفي المسألة أقوال أخر. والأصح ما قدمناه.
وعليه لو أطلق برئت ذمته من واحدة لا بعينها فتعين في الباقي الإطلاق،
سواء كان بعتق، أو غيره من الخصال المخيرة أو المترتبة على تقدير العجز.
ولو شك في نوع ما في ذمته أجزأه الإطلاق عن الكفارة على القولين، كما
يجزئه العتق عما في ذمته لو شك بين كفارة ونذر، ولا يجزئ ذلك في الأول فإنه
لا بد فيه من نية التكفير كما لا يجزئ العتق مطلقا بدون قصد ما في الذمة،
لاحتماله التطوع، بل وظهوره فيه، ولا بنية الوجوب، لأنه قد يكون في كفارة
فلا بد من نية التكفير.

(1) قاله الشهيد في الروضة 3: 25.
(2) الخلاف 5: 27، المسألة 29.
(3) المبسوط 6: 209.
283

رياض المسائل
كتاب اللعان
285

* (كتاب اللعان) *
هو لغة المباهلة المطلقة، أو فعال من اللعن، أو جمع له، وهو الطرد والإبعاد
من الخير، والاسم اللعنة. وشرعا المباهلة بين الزوجين بكلمة مخصوصة في
إزالة حد أو نفي ولد عند الحاكم. والأصل فيه بعد الإجماع الكتاب والسنة.
قال الله سبحانه: " والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا
أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن
لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرؤ عنها العذاب أن تشهد أربع
شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من
الصادقين " (1). وأما السنة فمستفيضة ستأتي إليه الإشارة.
* (والنظر في أمور أربعة) *:
* (الأول: السبب) *
* (وهو أمران) *:
* (الأول: قذف الزوجة) * المحصنة أي رميها * (بالزنا) * ولو دبرا على

(1) النور: 6 - 9.
287

الأظهر الأشهر بين الطائفة، بل وعليه الإجماع في الانتصار (1) والغنية (2). وهو
الحجة فيه بعد عموم الآية، ومع ذلك النصوص به مستفيضة.
خلافا للصدوق في المقنع (3) فحصر السبب في الثاني، للخبرين: أحدهما
الموثق: لا يكون إلا في نفي الولد (4).
وهو شاذ، ومستنده سندا وعددا قاصر عن المكافأة لما مر جدا، مع
تضمن ذيل أحدهما ما هو صريح في المختار.
وعليه لا يكون إلا * (مع دعوى المشاهدة وعدم البينة) * على الأظهر
الأشهر بين الطائفة، بل في الانتصار (5) على الأول الإجماع، وفي الغنية (6) على
الثاني. وهو الحجة فيهما، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة في الأول.
منها الصحيح: إذا قذف الرجل امرأته فإنه لا يلاعنها حتى يقول رأيت
بين رجليها رجلا يزني بها (7). ومثله آخران (8).
وفي رواية: إذا قال: إنه: لم يره قيل له: أقم البينة، وإلا كان بمنزلة غيره
جلد الحد (9).
والأصل المؤيد بمفهوم الآية " ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم " (10)
في الثاني.
خلافا لشيخنا الشهيد الثاني (11) في الأول، فلم يعتبر المشاهدة، بل اكتفى
عنها بما إذا حصل له العلم بالقرائن. والأصل والنصوص حجة عليه.

(1) الإنتصار: 144.
(2) الغنية: 378.
(3) المقنع: 120.
(4) الوسائل 15: 604، الباب 9 من أبواب اللعان الحديث 1 و 2.
(5) الإنتصار: 144.
(6) الغنية: 378.
(7) الوسائل 15: 593، الباب 4 من أبواب اللعان الحديث 4 و 1 و 2.
(8) الوسائل 15: 593، الباب 4 من أبواب اللعان الحديث 4 و 1 و 2.
(9) الوسائل 15: 594، الباب 4 من أبواب اللعان الحديث 5.
(10) النور: 6.
(11) المسالك 10: 181.
288

وللخلاف (1) والمختلف (2) في الثاني، فلم يعتبرا العجز عن البينة، للأصل،
وضعف مفهوم الوصف، ولعله مبني على الغالب أو الواقع.
وهو كما ترى فإن الأصل هنا يقتضي المختار، لكون اللعان وظيفة شرعية،
نظرا إلى إسقاطه الحد من الطرفين المخالف للأصول، فكيف يدعى الأصل على
خلافه وهو عدم الاشتراط!
وحينئذ فما قدمناه من الأصل كاف في الإثبات، ولم نحتج إلى المفهوم، مع
أنه صالح للتأييد إن لم يكن دليلا.
نعم، النصوص مطلقة إلا أن في شمولها لصورة القدرة على البينة نظرا لغلبة
عدمها كما ادعاه الخصم في مفهوم الآية، حيث لم يعتبره للورود مورد الغلبة،
وهذه الدعوى لا تجامع الاستدلال، للعموم بالإطلاقات.
ومن هنا انقدح وجه التعجب عن العلامة حيث استند للعموم بإطلاق
النصوص، وأجاب عن المفهوم بعدم العموم للغلبة.
وليت شعري كيف غفل عن أن قدح الغلبة في المفهوم الذي هو لغة
للعموم ملازم للقدح في الإطلاق الذي ليس له فيها بطريق أولى!
وبالجملة الظاهر ورود إطلاق النصوص مورد الغالب، وهو عدم القدرة
على البينة، ويشير إليه حكمها بالحد بمجرد النكول الغير المجامع للبينة، فيبقي
اللعان المخالف للأصول في محل النزاع خاليا عن الدليل، فالواجب فيه
الاقتصار على القدر الثابت منه بالدليل.
هذا، مع أن في التمسك بمثل هذا الإطلاق، نظرا لوروده لبيان حكم آخر،
ومن شرائط رجوعه إلى العموم عدم ذلك، كما قرر في محله.

(1) الخلاف 5: 8.
(2) المختلف: ج 7 ص 471.
289

وأما الرواية (1) العامية فغير واضحة الدلالة على العموم، مضافا إلى
قصور سندها ومعارضتها بمثلها.
* (و) * مما قدمناه من الأصل يظهر الوجه في الحكم بأنه * (لا يثبت) *
اللعان * (لو قذفها في عدة بائنة) * لاختصاص الأدلة من الإجماع والكتاب
والسنة بالزوجة ومن بحكمها، وليست إحداهما بالضرورة.
* (ويثبت لو قذفها في) * عدة * (رجعية) * لكونها حينئذ زوجة، للإجماع،
وثبوت أكثر أحكام الزوجة بالفعل لها بالاستقراء، مضافا إلى خصوص
الإجماع هنا في الغنية (2).
* (الثاني: إنكار من ولد على فراشه) * ممن يلحق به مطلقا شرعا لولا
لعانه كأن يولد * (لستة أشهر فصاعدا) * من وطئه * (من زوجة موطوءة بالعقد
الدائم ما لم يتجاوز أقصى الحمل وكذا لو أنكره بعد فراقها ولم تتزوج أو بعد
أن تزوجت وولدت لأقل من ستة) * أشهر * (منذ دخل) * الثاني فإذا ولد بدون
الشرائط انتفى بغير لعان، والنفي المحتاج إليه إنما هو بالولادة معها.
ولا يجوز له النفي به إلا مع العلم بانتفائه عنه، لأن الولد للفراش، ومع
عدمه يجب إلحاقه بنفسه، كما أنه يجب نفيه عنه مع العلم به. ولا خلاف في
شئ من ذلك.
* (الثاني في الشرائط) * لصحة اللعان
* (ويعتبر في الملاعن البلوغ والعقل) * فلا عبرة بلعان الصبي والمجنون
إجماعا، لعدم العبرة بكلامهما مع رفع القلم عنهما، مضافا إلى الأصل المتقدم،
واختصاص الأدلة سياقا بالمكلفين.
* (وفي) * اعتبار الإسلام فيه وفي الملاعنة فلا يصح * (لعان الكافر) *

(1) تقدمت: ص 1269.
(2) الغنية: 378.
290

والكافرة * (قولان، أشبههما) * وأشهرهما * (الجواز) * لعموم الأدلة المعتبرة
الآتية، المصرحة بجواز لعان الذمية والنصرانية، الدالة على الحكم في المسألة،
لعدم القائل بالفرق بين الملاعن والملاعنة، فإن كل من اعتبر الاسلام في الأول
اعتبر في الثانية أيضا، ومن نفاه فيه نفاه فيها جدا.
وهي وإن عورضت بأخبار أخر مانعة عنه في الذميين، لكنها قاصرة عن
المقاومة لتلك، كما سيأتي إليه الإشارة.
وممن حكي عنه اعتباره الإسلام فيهما الإسكافي (1) مطلقا، والحلي (2) إذا
كان للقذف خاصة.
ومستندهما إن كان ما تقدم من الروايات - كما يظهر من الماتن في
الشرائع (3) وغيره - ففيه ما تقدم وإن كان ما قيل من إنه شهادات كما يظهر
من قوله سبحانه: " فشهادة أحدهم " (4) وهما ليسا من أهلها، فمع عدم إفادته
القول الثاني بتمامه بل مناقضته له ولو في الجملة قد منع منه بجواز كونه أيمانا،
لافتقاره إلى ذكر اسم الله تعالى، واليمين يستوي فيه العدل والفاسق والحر
والعبد والمسلم والكافر والذكر والأنثى. وللخبر: مكان كل شاهد يمين (5).
وفيه أنه ملازم لكون الاستثناء في الآية منقطعا، إذ ليس المراد بالشهداء
المستثنى منهم الحلفاء بل الشهود بالمعنى المتعارف جدا، مع ما سيأتي في لعان
المملوكة من بعض الروايات المانع عنه، معللا بقوله تعالى: " ولا تقبلوا لهم
شهادة أبدا " (6). وفيه إيماء بل ظهور إلى أن اللعان شهادة، فيعارض به ما مر
من الخبر.

(1) كما في المختلف: ج 7 ص 460.
(2) السرائر 2: 697.
(3) الشرائع 3: 96.
(4) النور: 6.
(5) الوسائل 15: 594، الباب 4 من أبواب اللعان الحديث 6.
(6) المصدر السابق: الحديث 3.
291

والأجود الجواب عنه بما قدمناه من المعتبرة مع ما ذيلناها به من
الضميمة، مضافا إلى معارضة ما ذكر بوقوعه من الفاسق بإجماع الطائفة،
مع أن شهادته غير مسموعة.
* (وكذا) * الأشبه الأشهر، بل ادعى عدم الخلاف فيه جمع ممن تأخر عدم
اشتراط الحرية في الملاعن فيصح لعان * (المملوك) * مطلقا ولو كان تحته حرة
لما مر، مضافا إلى خصوص الصحاح:
في أحدها: عن عبد قذف امرأته، قال: يتلاعنان كما يتلاعن الأحرار (1).
وفي الثاني: عن الحر بينه وبين المملوكة لعان، فقال: نعم، وبين المملوك
والحرة، وبين العبد والأمة (2). ونحوهما الثالث (3).
خلافا للمفيد (4) والديلمي (5) فاشترطاها مطلقا، وللحلي (6) ففصل بما
مضى. وحجتهم مع الجواب كما تقدم، مضافا إلى الصحاح المتقدمة الخالية هنا
عما يصلح للمعارضة.
والعجب من شيخنا في المسالك (7) وسبطه في شرح الكتاب (8)، حيث
ادعيا عدم الخلاف هنا، مع ما عرفت من خلاف العظماء، وقد حكاه عنهم
جماعة من الأجلاء كالفاضل المقداد في شرح الكتاب (9) والمفلح الصيمري في
شرح الشرائع (10) وغيرهما.
* (و) * يعتبر * (في الملاعنة البلوغ والعقل) * لما مر في الملاعن * (والسلامة
من الصمم والخرس) *.

(1) المصدر السابق: الحديث 12.
(2) الوسائل 15: 596، الباب 5 من أبواب اللعان الحديث 2 و 7.
(3) الوسائل 15: 596، الباب 5 من أبواب اللعان الحديث 2 و 7.
(4) المقنعة: 542.
(5) المراسم: 164.
(6) السرائر 2: 297.
(7) المسالك 10: 214.
(8) نهاية المرام 2: 228، وليس فيه " عدم الخلاف ".
(9) التنقيح 3: 420.
(10) غاية المرام: 142 س 20.
292

* (ولو قذفها مع أحدهما بما يوجب اللعان) * من رميها بالزنا مع دعوى
المشاهدة وعدم البينة * (حرمت عليه) * مؤبدا من دون لعان بلا خلاف ولا
إشكال في قذفها مع الأمرين أو الثاني، وكذا الأول على الأقوى، بل عليه
الإجماع في كلام جماعة من أصحابنا والتحقيق في جميع ذلك قد مضى.
* (وأن يكون عقدها دائما) * فلا يجوز لعان المتمتع بها مطلقا على الأشهر
الأقوى، بل عليه الإجماع في نفي الولد، كما في كلام جماعة، بل مطلقا كما
في الغنية (1).
خلافا للمفيد (2) والمرتضى (3) في القذف خاصة. وتمام التحقيق مضى
في بحث المتعة.
* (وفي اعتبار الدخول) * بها في لعانها ولو دبرا * (قولان، والمروي) *
في المستفيضة: * (أنه لا يقع قبله) * مطلقا.
ففي الموثق: لا يقع اللعان حتى يدخل الرجل بأهله (4).
والخبر: لا يلاعن إلا بعد الدخول (5). ونحوهما آخر مروي بسندين.
في أحدهما: جعفر بن بشير وأبان (6)، الملحقان للسند بالصحيح أو ما
يقرب منه، فقد قيل في الأول يروي عن الثقات ويروون عنه (7).
وفي الثاني: أنه ممن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه (8)، ومع
ذلك هما كالأولين منجبران بحسب السند بفتوى الأكثر، بل عليه في الخلاف (9)

(1) الغنية: 378.
(2) المقنعة: 542.
(3) الإنتصار: 144.
(4) الوسائل 15: 590، الباب 2 من أبواب اللعان الحديث 2 و 5 و 8.
(5) الوسائل 15: 590، الباب 2 من أبواب اللعان الحديث 2 و 5 و 8.
(6) الوسائل 15: 590، الباب 2 من أبواب اللعان الحديث 2 و 5 و 8.
(7) قاله النجاشي في رجاله: 119، باب الجيم.
(8) رجال الكشي 2: 673، رقم 705.
(9) الخلاف 5: 49، المسألة 69.
293

والغنية (1) الإجماع. وهو حجة أخرى بعد المعتبرة، مضافا إلى الأصل المتقدم
ذكره غير مرة، الخالي هو - كالإجماع والمعتبرة - عما يصلح للمعارضة،
فإن عموم الآية والسنة يحتمل قريبا الانصراف بحسب السياق والغلبة إلى
المدخول بها خاصة.
ثم على تقديره وعدم قرب الاحتمال فيه فلا أقل من جوازه ومساواته
لغيره، فيجب التخصيص فيه بالمستفيضة المعتضدة بالشهرة وحكاية
الإجماعين المزبورة.
فهذا القول قوي غاية القوة.
خلافا لشيخنا العلامة في القواعد (2)، فلم يعتبر مطلقا تبعا للمحكي
عن المفيد (3).
ومستنده مع الجواب يظهر مما تقدم، مضافا إلى الإجماع على انتفاء الولد
مع عدم الدخول بمجرد النفي، من دون احتياج إلى لعان، بناء على أن القول
قول الزوج مع اليمين حينئذ، فلا يتم القول بإطلاق عدم الاشتراط.
وربما أنكر هذا القول جماعة، مستبعدين ذلك عن قائله إن وجد.
وهو كما ترى، لأنه صريح القواعد (4) حيث جعله فيه مقابلا للقول
بالتفصيل ومحكي عن المفيد في شرح الشرائع للمفلح الصيمري ونقل حكايته
قولا عن الحلي (5).
وأما الاستبعاد فهو في محله، لما عرفت.
* (وقال ثالث) * وهو الحلي (6) * (بثبوته) * أي اللعان بدون الدخول

(1) الغنية: 378.
(2) القواعد 2: 92 س 7.
(3) لم نعثر عليه.
(4) القواعد 2: 92 س 7.
(5) غاية المرام: 142 س 16 (مخطوط).
(6) السرائر 2: 698.
294

* (بالقذف دون نفي الولد) * وتبعه كثير من المتأخرين، للعمومات، وقصور سند
الروايات أو عدم حجيتها، لكونها أخبار آحاد.
والكل ممنوع مع عدم انحصار الحجة فيها، لوجود الإجماعين المحكيين،
اللذين هما في حكم خبرين صحيحين يكفياننا الاشتغال بالاستدلال
بالروايات في البين.
والعجب من الحلي حيث جعل قوله جامعا بين القولين الأولين، والأدلة
من الطرفين، مع تصريح جماعة منهم بالإطلاق كبعض الروايات، وهو الخبر
الأخير، فإن فيه: لا يكون ملاعنا حتى يدخل يضرب حدا وهي امرأته
ويكون قاذفا (1)، وصرح بما ذكرناه جماعة، بل قال شيخنا الشهيد في النكت
بعد حكاية الجمع عنه - ولنعم ما قال -: وفيه نظر، لأن انتفاء اللعان هنا
مقطوع به، لإجماعهم على انتفاء الولد عند عدم شرائط اللحوق، فالخلاف في
الحقيقة إنما هو في الرمي بالزنا (2) لكن فيه ما قدمناه من وجود القول بعدم
الاشتراط في نفي الولد أيضا.
* (ويثبت) * اللعان * (بين الحر و) * زوجته * (المملوكة) * والكافرة على
الأشهر بين الطائفة. وهو الأظهر، لعموم الكتاب والسنة، مضافا إلى الصحاح
المتقدمة، المصرحة بعدم اعتبار الحرية في الملاعن بالجارية في المسألة، لعدم
القائل بالفرق في اعتبارها بينه وبين الملاعنة، إذ كل من لم يعتبرها فيه لم
يعتبرها فيها، ومع ذلك الصحاح به مستفيضة:
منها: عن الحر بينه وبين المملوكة لعان، قال: نعم (3).

(1) الوسائل 15: 592، الباب 2 من أبواب اللعان الحديث 8.
(2) نكت الإرشاد: 120 س 5.
(3) الوسائل 15: 596، الباب 5 من أبواب اللعان الحديث 2.
295

ومنها: بين الحر والأمة والمسلم والذمية لعان (1).
ومنها: عن الحر تكون تحته المملوكة فيقذفها، قال: يلاعنها (2).
والمملوكة في بعض هذه الأخبار وإن كانت تشمل الموطوءة بالملك،
إلا أنها خارجة بالإجماع.
ومنها الصحيح: عن الحر يلاعن المملوكة، قال: نعم إذا كان مولاها الذي
زوجها إياه (3). فتأمل.
* (وفيه رواية بالمنع) * بل فيهما روايات.
منها الصحيح: لا يلاعن الحر الأمة ولا الذمية ولا التي يتمتع بها (4).
والخبران:
في أحدهما: عن رجل مسلم تحته يهودية أو نصرانية أو أمة فأولدها
وقذفها هل عليه لعان؟ قال: لا (5).
وفي الثاني: ليس بين خمسة نساء وبين أزواجهن ملاعنة اليهودية تكون
تحت المسلم فيقذفها والنصرانية والأمة تكون تحت الحر فيقذفها والحرة
تكون تحت العبد فيقذفها والمجلود في الفرية (6).
والأمة تكون تحت الحر فيقذفها والحرة تكون تحت العبد فيقذفها،
واختارها المفيد (7) والديلمي (8). وهو ضعيف، لاحتمال الصحيح منها، كالخبر
الأول، لإطلاقهما الحمل على الموطوءة بالملك وإن بعد، للصحيح المفصل، وقد
تقدم، مضافا إلى قصور الثاني كالثالث بجهالة الراوي، مع عدم جابر في السند
ولا غيره، مضافا إلى تطرق الوهن إليهما وإلى الصحيح باحتمال التقية، كما ذكره

(1) الوسائل 15: 596، الباب 5 من أبواب اللعان الحديث 6 و 10.
(2) الوسائل 15: 596، الباب 5 من أبواب اللعان الحديث 6 و 10.
(3) المصدر السابق: 596.
(4) المصدر السابق: الحديث 4 و 11 و 12.
(5) المصدر السابق: الحديث 4 و 11 و 12.
(6) المصدر السابق: الحديث 4 و 11 و 12.
(7) المقنعة: 542.
(8) المراسم: 164.
296

شيخ الطائفة (1)، ويشير إليه في الجملة بعض المعتبرة كالمرسل: قلت له: مملوك
كانت تحته حرة فقذفها، فقال: ما يقول فيها أهل الكوفة؟ قلت: يقولون: يجلد،
قال: لا، ولكن يلاعنها كما يلاعن الحرة (2)، فتأمل.
لكنه بعيد في الصحيحة، ومع ذلك جميعها قاصرة عن المكافأة لما مر من
وجوه عديدة. فهذا القول ضعيف غايته.
وأضعف منه التفصيل بين لعان القذف فالثاني ونفي الولد فالأول، كما عن
الحلي (3)، وإليه أشار بقوله: * (وقول ثالث بالفرق) * وهو عكس ما تقدم منه
من الفرق.
ولا مستند له سوى الأصل، واختصاص أدلة الكتاب والسنة بصورة ما
إذا حصل بالقذف حد يسقطه اللعان، ولا حد على قاذف المملوكة والذمية، بل
التعزير ولم تفد الأدلة إسقاط اللعان له فيجب فيه المصير إلى الأصل. وهو
حسن لولا ما قدمناه من صريح المستفيضة. فتكون هي المثبتة لإسقاط اللعان
في المسألة.
ثم لا يمكن الجمع بهذا القول بين الأخبار المختلفة، كما عن فخر المحققين (4)
بحمل الأولة على صورة اللعان لنفي الولد والثانية على الصورة الأخرى، لفقد
الشاهد عليه، مع إباء بعض الأخبار الأولة عنه، للتصريح فيه باللعان في
صورة القذف.
والعجب من شيخنا العلامة في المختلف (5)، حيث طعن على الحلي بالأخذ
بهذه الرواية سندا للتفصيل. مع أنه ليس فيها عليه دلالة، مضافا إلى أنها من

(1) الاستبصار 3: 374، و 375، ذيل الحديث 6 و 10.
(2) الوسائل 15: 597، الباب 5 من أبواب اللعان الحديث 9.
(3) السرائر 2: 698.
(4) الإيضاح 3: 444.
(5) المختلف: ج 7 ص 459.
297

الآحاد، وأي آحاد، حيث إنه من الضعاف منها، بل الظاهر اعتماده على ما
قدمناه من الأصول المعتمدة كما حكى عنه الجماعة. وهو في غاية القوة على
أصله، بل وعلى أصلنا أيضا لولا تلك المعتبرة المستفيضة المعتضدة بالشهرة.
* (ويصح لعان الحامل) * في القذف مطلقا وفي نفي الولد بشرط تحقق
الحمل على الأشهر الأقوى.
* (لكن لا يقام عليها الحد) * اللازم بالنكول أو الإقرار * (حتى تضع) *
للعمومات، وخصوص الصحيح المروي مستفيضا: عن رجل لاعن امرأته
وهي حبلى قد استبان حملها وأنكر ما في بطنها فلما ولدت ادعاه وأقر به
وزعم أنه منه، قال: يرد عليه ولده ويرثه ولا يجلد، لأن اللعان قد مضى (1).
خلافا للمفيد (2) والديلمي (3) والحلبي (4)، فلا تلاعن حتى تضع، للخبر:
يلاعن على كل حال، إلا أن تكون حاملا (5).
ولضعف سنده وقصوره عن المقاومة لما مر يطرح أو يؤول، بعدم إقامة
الحد، ولا خلاف فيه، للموثق: إذا كانت المرأة حبلى لم ترجم (6).
وربما حمل عليه عبارة المخالف أو على تخصيصها بنفي الولد مع الاشتباه
في الحمل. ولا بأس به.
* (الثالث في الكيفية) *
والكلام الذي يتحقق به اللعان
* (وهو أن يشهد الرجل) * أولا * (أربعا بالله إنه لمن الصادقين فيما رماها به) *

(1) الوسائل 15: 600، الباب 6 من أبواب اللعان الحديث 4.
(2) المقنعة: 542.
(3) المراسم: 164.
(4) الكافي في الفقه: 310.
(5) الوسائل 15: 607، الباب 13 من أبواب اللعان الحديث 3 و 2.
(6) الوسائل 15: 607، الباب 13 من أبواب اللعان الحديث 3 و 2.
298

متلفظا بما رمى، به فيقول: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا
وإن نفى الولد زاد وإن هذا الولد من زنا وليس مني كذا عبر في التحرير، وزاد
أنه لو اقتصر على أحدهما لم يجز (1) ويشكل فيما لو كان اللعان لنفي الولد
خاصة من غير قذف فإنه لا يلزم استناده إلى الزنا، لجواز الشبهة، فينبغي
حينئذ أن يكتفي بقوله: إنه لمن الصادقين في نفي الولد المعين.
* (ثم يقول) * بعد شهادته أربعا كذلك: * (أن لعنة الله عليه) * مبدلا لضمير
الغائب بياء المتكلم * (إن كان من الكاذبين) * فيما رماها به من الزنا أو نفي
الولد، كما ذكر في الشهادات * (ثم تشهد المرأة) * بعد فراغه من الشهادة واللعنة
* (أربعا إنه لمن الكاذبين فيما رماها به) * من الزنا * (ثم تقول أن غضب الله
عليها إن كان من الصادقين) * فيه مقتصرة على ذلك في كل من القذف ونفي
الولد ولا يحتاج إلى انضمام أمر آخر كما في الزوج أن نفي الولد والأصل في ذلك
بعد الإجماع صريح الكتاب (2) والسنة، وفيها الصحيح (3).
* (و) * حيث إن اللعان وظيفة شرعية كالعبادة لا مجال للعقل فيه بالمرة
كان * (الواجب فيه) * الاقتصار على ما ورد به الكتاب والسنة، وهو * (النطق
بالشهادة) * على الوجه المذكور فيهما. فلو أبدلها بمعناها كأحلف أو أقسم أو
شهدت أو أبدل الجلالة بغيرها من أسمائه سبحانه أو أبدل اللعن والغضب
والصدق والكذب بمرادفها أو حذف لام التأكيد أو علقه على غير من كقوله:
إني لصادق ونحو ذلك من التعبيرات لم يصح.
* (وأن يبدأ الرجل بالتلفظ) * ثم المرأة على الترتيب المذكور، فلو تقدمت
المرأة لم يصح، لما مر، مضافا إلى أن لعانها لإسقاط الحد الذي وجب عليها

(1) التحرير 2: 67 س 4.
(2) النور: 6 و 9.
(3) الوسائل 15: 586، الباب 1 من أبواب اللعان.
299

بلعان زوجها وأن يعينها ويميزها عن غيرها تميزا يمنع المشاركة إما بالذكر
لاسمها، أو برفع نسبها بما يميزها، أو يصفها بما يميزها عن غيرها، أو بالإشارة
إليها إن كانت حاضرة.
وأن يكون الإيراد بجميع ما ذكر * (باللفظ العربي) * الصحيح * (مع
القدرة) * وإلا فيجزئ بمقدورهما منه، فإن تعذر تلفظهما أصلا أجزأ غيرها من
اللغات، من غير ترجيح، وظاهرهم الاتفاق على إجزاء الأمرين مع العجز،
ولعله الحجة، وإلا فالأصل يقتضي المصير حينئذ إلى انتفاء اللعان ولزوم الحد.
وتجب البدأة من الرجل بالشهادة ثم الختم باللعن، كما ذكر. وكذا المرأة إلا
أنها تبدل " اللعن " ب‍ " الغضب ".
وكما يجب الترتيب المذكور تجب الموالاة بين كلماتها، فلو تراخى بما يعد
فصلا أو تكلم في خلاله بطل.
وأن يكون كل منهما قائما عند إيراد الشهادة واللعن على الأظهر الأشهر،
كما في التنقيح (1) والروضة (2)، للمعتبرين (3)، أحدهما الصحيح.
خلافا للصدوق (4)، فأوجب قيام كل عند تلفظه وإن جلس الآخر،
للخبر (5)، وتبعه الطوسي (6) والحلي (7) والماتن في الشرائع (8).
* (ويستحب أن يجلس الحاكم مستدبر القبلة) * ويقيمهما مستقبلين بحذائه،
كما في الصحيح (9).

(1) التنقيح 3: 422.
(2) الروضة 6: 206.
(3) الوسائل 15: 586 و 587، الباب 1 من أبواب اللعان الحديث 1 و 4.
(4) المقنع: 120.
(5) الوسائل 15: 587، الباب 1 من أبواب اللعان الحديث 3.
(6) المبسوط 5: 198.
(7) السرائر 2: 699.
(8) الشرائع 3: 98.
(9) الوسائل 15: 587، الباب 1 من أبواب اللعان الحديث 2.
300

* (وأن يقف الرجل عن يمينه والمرأة عن شماله) * كما في آخر.
* (وأن (1) يحضر من يسمع اللعان) * ولو أربعة عدد شهود الزنا من أعيان
البلد وصلحائه لأنه أعظم للأمر وللتأسي، فقد حضر اللعان الواقع في
حضرة النبي (صلى الله عليه وآله) جماعة من الصحابة.
* (ووعظ الرجل بعد الشهادة قبل اللعن، وكذا المرأة قبل ذكر الغضب) *
ويخوفهما الله سبحانه، فيقول لهما: إن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا،
ويقرأ عليهما: " إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا " (2)، وإن اللعن
والغضب للنفس يوجبان ذلك لو كانا كاذبين، كل ذلك للتأسي، وللصحيح
المتضمن لكيفية اللعان الواقع بمحضر منه (صلى الله عليه وآله) (3).
ثم مقتضى الأصل واختصاص أدلة اللعان كتابا وسنة بحكم السياق أو
التبادر بوقوعه بين يدي الإمام اشتراطه، وعليه الأكثر. وألحقوا به النائب
الخاص والعام.
خلافا للمبسوط (4)، فعند ما يتراضى به الزوجان، وهو ظاهر الماتن
في الشرائع (5) ومال إليه بعض المتأخرين، لعموم الأدلة. والمناقشة فيه بعد ما
عرفت واضحة.
* (الرابع في الأحكام) *
* (وهي أربعة) *:
* (الأول: يتعلق بالقذف وجوب الحد على الزوج) * كالأجنبي * (وبلعانه

(1) الوسائل 15: 587، الباب 1 من أبواب اللعان الحديث 5.
(2) آل عمران: 77.
(3) الوسائل 15: 586، الباب 1 من أبواب اللعان الحديث 1.
(4) لم نعثر عليه في المبسوط ونقله في التنقيح 3: 423.
(5) الشرائع 3: 98.
301

سقوطه) * عنه، وبه يفترق عن الأجنبي * (وثبوت الرجم على المرأة) * مطلقا،
سواء لها * (أن اعترفت) * بالزنا * (أو نكلت) * لأن لعانه حجة شرعية * (ومع
لعانها) * يترتب * (سقوطه) * أي الحد * (عنها وانتفاء الولد عن الرجل) * دونها
إن كان اللعان لنفيه لا مطلقا * (وتحريمها عليه مؤبدا) * مطلقا.
والأصل في ذلك بعد الكتاب في الجملة والإجماع المحكي في كلام جماعة
المعتبرة:
منها الصحيح: عن رجل يقذف امرأته، قال: يلاعنها، ثم يفرق بينهما،
ولا تحل له أبدا (1). وسيأتي إلى بعض آخر منها الإشارة.
* (ولو نكل) * الزوج * (عن اللعان أو اعترف بالكذب حد للقذف) * إن
كان اللعان له لا مطلقا، ولم ينتف عنه الولد مطلقا بلا خلاف، لإيجاب القذف
الحد، والفراش لحوق النسب، ولا ينتفيان إلا باللعان، وقد أبى عنه في المقام،
مضافا إلى الخبرين:
أحدهما الصحيح: في الملاعن إن أكذب نفسه قبل اللعان ردت إليه امرأته،
وضرب الحد (2). ونحوه الثاني (3).
* (الثاني: لو اعترف بالولد في أثناء اللعان لحق به وتوارثا) * لأصالة بقاء
حكم الفراش مع عدم المسقط له ومنه يظهر الوجه في انسحاب الحكم إلى
صورة النكول عن إكمال اللعان * (وعليه) * أي على الأب * (الحد) * إن كان
اللعان لإسقاطه، وأما لو كان لنفي الولد مجردا عن القذف بتجويزه الشبهة
فلا حد بلا خلاف ولا إشكال. وعلى ذلك يحمل إطلاق الصحيحين:
في أحدهما: عن رجل لاعن امرأته فحلف أربع شهادات بالله ثم نكل

(1) الوسائل 15: 592، الباب 3 من أبواب اللعان الحديث 2.
(2) الكافي 7: 160، الحديث 3.
(3) الوسائل 15: 600، الباب 6 من أبواب اللعان الحديث 3.
302

الخامسة، قال: إن نكل عن الخامسة فهي امرأته، وجلد، وإن نكلت المرأة
عن ذلك إذا كان اليمين عليها فعليها مثل ذلك (1).
* (ولو كان) * الاعتراف * (بعد اللعان) * منهما لا يعود الحل للحكم بالتحريم
شرعا، واعترافه لا يصلح لإزالته، للمعتبرة:
منها الصحيح: عن الملاعنة التي يرميها زوجها وينتفي من ولدها ويلاعنها
ويفارقها ثم يقول بعد ذلك الولد ولدي ويكذب نفسه، فقال: أما المرأة
فلا ترجع إليه أبدا، وأما الولد فأنا أرده إليه ولا أدع ولده، وليس له ميراث،
ويرث الابن الأب، ولا يرث الأب الابن، ويكون ميراثه لأخواله، فإن لم يدعه
أبوه فإن أخواله يرثونه ولا يرثهم، وإن ادعاه أحد ابن الزانية جلد الحد (2).
ويستفاد منه ما ذكره المصنف من أنه بالاعتراف بعده * (لحق به الولد
وورثه الولد ولم يرثه الأب، ولا من يتقرب به، وترثه الأم ومن يتقرب بها) *.
وعلل الحكم بإرث الولد أباه دون العكس، بأن اعترافه إقرار في حق
نفسه بإرثه منه. ودعوى ولادته قد انتفت باللعان شرعا، فيثبت إقراره على
نفسه، ولا يثبت دعواه على غيره، ولذا لا يرث الابن أقرباء الأب، ولا يرثونه
إلا مع تصديقهم على نسبه في قول، لأن الإقرار لا يتعدى المقر (3). وتمام
الكلام في ذلك يأتي في كتاب الفرائض إن شاء الله تعالى.
* (وفي سقوط الحد هنا روايتان، أشهرهما) * وأظهرهما * (السقوط) *
وهو الصحيحان:
في أحدهما: في رجل لاعن امرأته وهي حبلى ثم ادعى ولدها بعد ما
ولدت وزعم أنه منه، قال: يرد إليه الولد، ولا يجلد، لأنه قد مضى

(1) المصدر السابق: 592، الباب 3 الحديث 3.
(2) الوسائل 15: 599، الباب 6 من أبواب اللعان الحديث 1.
(3) علله الشهيد في الروضة 6: 211.
303

التلاعن (1). ونحوه الثاني (2).
والرواية الثانية لمحمد بن الفضيل المشترك بين الضعيف والثقة: عن رجل
لاعن امرأته وانتفى من ولدها ثم أكذب نفسه جلد الحد، ورد عليه ابنه،
ولا ترجع عليه امرأته (3).
وإليها ذهب المفيد (4) والعماني (5) والفاضل في القواعد (6) وولده في
شرحه (7)، لوجوه اعتبارية. مدفوعة هي كالرواية، مع قصور سندها بما
قدمناه من الصحيحين الصريحين المعللين المعتضدين بالشهرة المحكية في
العبارة، والاستصحاب، وإطلاق الأدلة الدالة على درء الحد عنه بالملاعنة،
مضافا إلى مفهوم الصحيحين الآخرين:
في أحدهما: فإذا أقر على نفسه قبل الملاعنة جلد حدا وهي امرأته (8).
وفي الثاني: إن نكل في الخامسة فهي امرأته وجلد الحد (9). ونحوهما
غيرهما (10).
وفيهما زيادة على المفهوم الدلالة من وجه آخر، وهو التعرض للأحكام
المرتبة على التكذيب، من دون تعرض لذكر الحد أصلا، مع كون المقام فيهما
مقام الحاجة جدا. ونحوهما في الدلالة من هذا الوجه غيرهما، ومنه الرواية
لراوي الثانية (11). فلا شبهة في المسألة أصلا. وعلى تقديرها تدرأ الحد بها
اتفاقا نصا وفتوى.

(1) الوسائل 15: 600، الباب 6 من أبواب اللعان الحديث 2 و 4 و 6.
(2) الوسائل 15: 600، الباب 6 من أبواب اللعان الحديث 2 و 4 و 6.
(3) الوسائل 15: 600، الباب 6 من أبواب اللعان الحديث 2 و 4 و 6.
(4) المقنعة: 542.
(5) المختلف: ج 9 ص 74.
(6) القواعد 2: 94 س 3.
(7) الإيضاح 3: 453.
(8) الوسائل 15: 592، الباب 3 من أبواب اللعان الحديث 2 و 3.
(9) الوسائل 15: 592، الباب 3 من أبواب اللعان الحديث 2 و 3.
(10) المصدر السابق: 599، الباب 6.
(11) الوسائل 15: 601، الباب 6 من أبواب اللعان الحديث 5.
304

نعم في الانتصار (1) الإجماع على ثبوت الحد، إلا أنه لا يكافئ ما قدمناه
من الأدلة، مع أن غايته حصول الشبهة، وتقدم إلى حالها الإشارة.
* (ولو اعترفت المرأة بالزنا بعد اللعان لم يثبت الحد) * بمجرده إجماعا
* (إلا أن تقر أربعا) * فيجب عند الأكثر * (على تردد) * من الماتن هنا وفي
الشرائع (2) والفاضل في القواعد (3)، ينشأ من عموم ما دل على ثبوت الحد
بذلك، ومن الأصول المتقدمة مع النصوص، لمكان التعليل فيها بمضي (4) اللعان
الظاهر في العموم لغير موردهما، مع خلوها عن المعارض هنا.
وبها يخرج عن العموم الأول لو كان، مع عدم انصرافه إلى نحو المقام من
تعقب الإقرار اللعان (5). وهذه الشبهة وإن كانت ممكنة السريان في العمومات
الدالة على سقوط الحد باللعان من حيث أن المتبادر منها عدم التعقب له
بالاستمرار وكونها مستمرة على الإنكار، إلا أن موجب ذلك فقد العمومين
المستلزم هو مع الأصل عدم الحد في البين.
وعلى تقدير ثبوت العموم من الطرفين بنحو يشمل المقام فاللازم فيه
الرجوع إلى الأصل، لفقد المرجح لأحدهما، عدا الشهرة في الأول، وهي
معارضة بمفهوم التعليل في النصوص في الثاني، الذي هو بنفسه حجة مستقلة
دون الشهرة، إذ غايتها كونها مرجحة.
فهذا القول في غاية القوة ولو لم يكن كذلك فلا أقل من الشبهة، وهي كما
عرفت للحد دارئة، ولذا اختار هذا القول فخر المحققين (6).
* (الثالث: لو طلق) * الرجل امرأته * (فادعت الحمل منه وأنكر) * فإن كان
بعد اتفاقهما على الدخول لحق به الولد، ولم ينتف إلا باللعان إجماعا، وإن كان

(1) الإنتصار: 145.
(2) الشرائع 3: 100.
(3) القواعد 2: 94 س 11.
(4) في " م، ق ": بمعنى.
(5) في " ش، مش، ق ": للعان، وفي " م ": باللعان.
(6) الإيضاح 3: 454.
305

بعد الاتفاق على العدم انتفى بغير لعان، وإن كان بعد الاختلاف فيه فادعته
الزوجة وأنكره الزوج * (فإن أقامت بينة) * على * (أنه أرخى عليها الستر
لاعنها وبانت منه وعليه المهر كملا) * وفاقا للنهاية (1)، عملا بالرواية
الصحيحة وهي رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) (2)، والتفاتا إلى
ظاهر الحال الناشئ من خلوة الشاب بها، مع ظهور حملها، وأصالة الصحة
في فعلها لإسلامها.
خلافا لأكثر من تأخر، وفاقا للحلي (3)، فصاروا إلى مقتضى الأصول،
وهو توجه اليمين إلى الزوج، وانتفاء الولد عنه بها، ولزوم نصف المهر لها.
والرواية وإن صح سندها إلا أنها مخالفة للأصول الثابتة بالأخبار (4)
الصحيحة في كل من مسألتي اشتراط اللعان بالدخول (5)، الذي هو حقيقة في
الوطء خاصة دون الخلوة، وعدم لزوم تمام المهر بها كما في بحثه قد مضى.
فحملها لذلك على التقية متوجه جدا، سيما بملاحظة كونها عن مولانا
الكاظم (عليه السلام)، لاشتدادها في زمانه فمع جميع ذلك كيف ينفع صحة الرواية؟!
ومن هنا يفضي العجب من شيخنا في المسالك (6) والعلامة في المختلف (7)،
حيث أنهما بعد تزييفهما القول بمضمون الرواية استشكلا ردها بصحة سندها.
وليت شعري أفلا يرون إلى أن الأخبار الدالة على خلاف مضمونها صحيحة
أيضا! ومع ذلك عديدة، بل مستفيضة (8) معتضدة بسائر ما قدمناه من الأدلة.
وأما الوجه الاعتباري بعد تسليمه فغير صالح لتخصيص الأصل، كما هو

(1) النهاية 2: 455.
(2) الوسائل 15: 590، الباب 2 من أبواب اللعان الحديث 1.
(3) السرائر 2: 702.
(4) في المخطوطات: بالآثار.
(5) الوسائل 15: 590، الباب 2 من أبواب اللعان.
(6) المسالك 2: 113 س 9.
(7) المختلف 2: ج 7 ص 466.
(8) الوسائل 15: 590، الباب 2 من أبواب اللعان.
306

الشأن في مواضع عديدة، مع أنه اجتهاد في مقابلة النصوص المعتبرة (1)
وغيرها من الأدلة فهذا القول قوي غاية القوة.
* (و) * قال * (في النهاية) * (2) بعد ذلك * (وإن لم تقم بينة لزمه نصف المهر
وضربت مائة سوط) * ولا إشكال في الأول، لما مضى، مضافا إلى مفهوم الرواية.
* (و) * لكن * (في إيجاب الحد) * الذي ذكره * (إشكال) * للأصل السالم عما
يصلح للمعارضة، لعدم دلالة الرواية عليه، وفساد ما علل به من اعترافها
بالوطء والحبل، وعدم ثبوت السبب المحلل الذي ادعته، لعدم استلزام ذلك
كونه عن زنا، ولا يلزم من انتفاء السبب الخاص انتفاء غيره من الأسباب، مع
أن انتفاء الخاص غير معلوم أيضا، فإن عدم البينة غير ملازم له، بل مجامع
لحصوله في نفس الأمر.
وعلى تقدير تسليم جميع ذلك لا وجه لإطلاق ثبوت الحد بمجرد
الاعتراف، بل لا بد من اشتراط الإقرار أربعا.
* (الرابع: إذا قذفها فماتت قبل) * صدور * (اللعان) * منهما * (فله الميراث) *
لبقاء الزوجية الموجبة له * (وعليه الحد للوارث) * بسبب القذف الغير المصادف
للمسقط، وإليه ذهب الأكثر، وفاقا للحلي (3). وهو الأظهر.
وفي جواز اللعان حينئذ لإسقاط الحد قولان:
للمنع - كما عليه شارح الكتاب كالسيد (4)، تبعا للفاضل المقداد (5) - أنه
وظيفة شرعية موقوفة على النقل، ولم ينقل صحته عن الزوج بعد موت الزوجة.
وللجواز - كما عليه الأكثر كالماتن في الشرائع (6) والفاضل وولده

(1) الوسائل 15: 590، الباب 2 من أبواب اللعان.
(2) النهاية 2: 456.
(3) السرائر 2: 703.
(4) نهاية المرام 2: 239.
(5) التنقيح 3: 427.
(6) الشرائع 3: 101.
307

في القواعد (1) وشرحه (2) والشهيدين في اللمعتين (3) - أنه إما أيمان أو
شهادات، وكلاهما لا يتوقف على حياة المشهود عليه والمحلوف لأجله،
ولعموم الآية (4)، وقد تقدم أن لعانه يسقط عنه الحد ويوجبه عليها ولعانهما
يوجب أحكاما أربعة، فإذا انتفى الثاني بموتها بقي الأول خاصة فيسقط، ولعله
أظهر. كل ذا إذا ماتت قبل لعانه.
وأما لو ماتت بعده فينبغي القطع بسقوط الحد عنه به، للأصل.
* (وفي رواية أبي بصير) * عن أبي عبد الله (عليه السلام): * (إن قام رجل من أهلها) *
مقامها * (فلاعنه فلا ميراث له) * وإن أبى أحد من أوليائها أن يقوم مقامها
أخذ الميراث (5). ونحوها رواية أخرى (6). وعمل بهما القاضي (7) وابن
حمزة (8)، تبعا للشيخ في النهاية (9). وضعفهما - لإرسال الأولى وتزيد رواة
الثانية - يمنع عن العمل بهما، مضافا إلى مخالفتهما الأصل، من حيث إن اللعان
شرع بين الزوجين، فلا يتعدى إلى غيرهما، وأن لعان الوارث متعذر، لأنه إن
أريد مجرد حضوره فليس بلعان حقيقي، وإن أريد ايقاع الصيغ المعهودة من
الزوجة فبعيد، لتعذر القطع من الوارث على نفي فعل غيره غالبا، وإيقاعه على
نفي العلم تغيير للصورة المنقولة شرعا، ولأن الإرث قد استقر بالموت، فلا
وجه لإسقاط اللعان المتجدد له.
* (و) * كذا * (قيل: لا يسقط الإرث) * بهذا اللعان وإن جوزناه لإسقاط
الحد * (لاستقراره بالموت) * فلا يرفعه اللعان المتجدد. والحمد لله رب العالمين.

(1) القواعد 2: 94 س 16.
(2) الإيضاح 3: 455.
(3) اللمعة والروضة 6: 214.
(4) النور: 8.
(5) الوسائل 15: 608، الباب 15 من أبواب اللعان الحديث 1 و 2.
(6) الوسائل 15: 608، الباب 15 من أبواب اللعان الحديث 1 و 2.
(7) المهذب 2: 312.
(8) الوسيلة: 337.
(9) النهاية 2: 457.
308

رياض المسائل
كتاب العتق
309

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله أجمعين
* (كتاب العتق) *
وهو لغة الخلوص، ومنه سمي البيت عتيقا لخلوصه من أيدي الجبابرة.
وشرعا خلوص المملوك الآدمي أو بعضه من الرق. وبالنسبة إلى عتق
المباشرة المقصود بالذات من الكتاب تخلص المملوك الآدمي أو بعضه من
الرق منجزا بصيغة مخصوصة.
وفضله متفق عليه بين المسلمين كافة، كما حكاه جماعة، والأصل فيه بعده
الكتاب والسنة المستفيضة، بل المتواترة الخاصية والعامية.
قال سبحانه وتعالى: " وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه " (1).
قيل: وقال المفسرون: أنعم الله عليه بالإسلام وأنعمت عليه بالعتق.
وفي النبوي المستفيض من الطرفين ولو بعبارات مختلفة: من أعتق مسلما
أعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار (2)، وزيد في بعضها: فإن كانت أنثى

(1) الأحزاب: 37.
(2) الوسائل 16: 5، الباب 3 من أبواب كتاب العتق الحديث 1 وذيله.
311

أعتق الله العزيز الجبار بكل عضوين منها عضوا من النار (1).
* (والنظر في) * هذا الكتاب في أمرين: الأول في بيان متعلق * (الرق) * ومن
يجوز استرقاقه * (و) * الثاني في بيان * (أسباب الإزالة) * أي إزالة الرق.
* (أما الرق) *
* (فيختص بأهل الحرب) * من أصناف الكفار * (دون أهل الذمة) *
الملتزمين بشرائطها * (و) * أما * (لو أخلوا بشرائطها جاز تملكهم) * بلا خلاف،
بل قيل إجماعا، ولعله كذلك فتوى ونصا مستفيضا.
والمراد بأهل الحرب من يجوز قتالهم إلى أن يسلموا وبأهل الذمة اليهود
والنصارى العاملون بشرائطها المعهودة، المذكورة في كتاب الجهاد، ولو أخلوا
بها صاروا أهل حرب وجاز تملكهم (2) اتفاقا.
ولا فرق في جواز استرقاق الحربي بين أن ينصبوا الحرب للمسلمين،
أو يكونوا تحت حكم الإسلام وقهره، كالقاطنين تحت حكم المسلمين من
عبدة الأوثان والنيران والغلاة وغيرهم.
ويتحقق دخولهم في الرق بمجرد الاستيلاء عليهم، سواء وقع بالنضال
أو على وجه السرقة والاختلاس، سواء كان المستولي مسلما أو كافرا.
ويجوز شراؤهم من الغنيمة وإن كان للإمام (عليه السلام) فيها حق، لإذنهم
لشيعتهم في ذلك، كما تضمنته الأخبار المستفيضة (3)، وعن القواعد والتذكرة
التصريح بأنه لا يجب إخراج حصة غير (4) الإمام من الغنيمة ولعل وجهه
ظاهر ترخيصهم لشيعتهم من غير اشتراط إخراج الحصة المزبورة. فتأمل.

(1) الوسائل 16: 5، الباب 3 من أبواب كتاب العتق الحديث 1 وذيله.
(2) في " م ": أيضا.
(3) الوسائل 6: 378، الباب 4 من أبواب الأنفال.
(4) كذا في النسخ، والظاهر زيادة: غير.
312

* (ومن أقر على نفسه بالرقية) * حال كونه * (مختارا) * وهو * (في صحة من
رأيه) * ببلوغه وعقله * (حكم برقيته) * مع عدم العلم من الخارج بحريته
بلا خلاف أجده، لعموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز (1)، وخصوص
الصحيح: الناس كلهم أحرار إلا من أقر على نفسه بالعبودية وهو مدرك من
عبد أو أمة (2)، الحديث.
* (وإذا بيع في الأسواق ثم ادعى الحرية لم يقبل منه) * دعواه * (إلا ببينة) *
بلا خلاف، لأن ظاهر اليد والتصرف يقتضي الرقية، حملا لأفعال المسلمين
على الصحة، وللصحيحين:
في أحدهما: عن شراء جارية من السوق تقول إنها حرة، فقال: اشترها،
إلا أن يكون لها بينة (3).
وفي الثاني: عن مملوك ادعى أنه حر ولم يأت ببينة على ذلك أشتريه؟
قال: نعم (4).
* (ولا يملك الرجل ولا المرأة أحد الأبوين وإن علوا ولا الأولاد وإن
سفلوا، وكذا لا يملك الرجل خاصة) * دون المرأة * (ذوات الرحم من النساء
المحرمات، كالخالة والعمة والأخت وبنتها وبنت الأخ، وينعتق) * جميع
* (هؤلاء بالملك) * بمجرده بلا خلاف، بل عليه الإجماع في عبارة جماعة. وهو
الحجة، مضافا إلى النصوص المستفيضة، منها الصحاح المستفيضة:
في أحدها: عما يملك الرجل من ذوي قرابته، فقال: لا يملك والديه ولا
أخته ولا ابنه ولا ابنة أخته ولا عمته ولا خالته، ويملك ما سوى ذلك من

(1) الوسائل 16: 111، الباب 3 من أبواب كتاب الاقرار الحديث 2.
(2) الوسائل 16: 33، الباب 29 من أبواب كتاب العتق الحديث 1.
(3) الوسائل 13: 31 و 30، الباب 5 من أبواب بيع الحيوان الحديث 2 و 1.
(4) الوسائل 13: 31 و 30، الباب 5 من أبواب بيع الحيوان الحديث 2 و 1.
313

الرجال من ذوي قرابته، ولا يملك أمه من الرضاعة (1).
وفي الثاني: إذا ملك الرجل والديه أو أخته أو عمته أو خالته عتقوا عليه،
ويملك ابن أخيه وعمه وخاله ويملك أخاه وغيره من ذوي قرابته من
الرجال (2). ونحوه الصحيح الآتي وغيره.
ومنها: عن المرأة ما تملك من قرابتها؟ قال: كل أحد إلا خمسة أبوها وأمها
وابنها وابنتها وزوجها (3).
يعني بالزوج ما دام كونه زوجا، وإلا فهي تملكه كما أنه يملكها إجماعا
فتوى ورواية، إلا أن الزوجية تنفسخ بالملك، لتنافيهما، لأن المالك إن كان
هو الزوجة حرم عليها وطء مملوكها، وإن كان الزوج استباحها بالملك.
والمراد بالملك المنفي في العبارة وبعض النصوص المتقدمة المستقر منه، وإلا
فأصل الملك يتحقق في الجميع، ومن ثمة ترتب عليه العتق المشروط بالملك
فتوى ورواية، ويومئ إلى المراد ذيل العبارة وباقي النصوص، كالصحيحة
الثانية والرابعة: إذا ملك الرجل والديه أو أخته أو عمته أو خالته أو بنت أخته
وذكر أهل هذه الآية من النساء عتقوا جميعا، ويملك عمه وابن أخيه وابن
أخته والخال، ولا يملك أمه من الرضاعة ولا أخته ولا عمته ولا خالته إذا
ملكن عتقن (4).
وقال: ما يحرم من النساء ذات رحم قد يحرمن من الرضاع، وقال: يملك
الذكور ما عدا والديه أو ولد ولا يملك من النساء ذات رحم محرم، قلت: يجري
في الرضاع مثل ذلك، قال: نعم (5).

(1) الوسائل 16: 9، الباب 7 من أبواب كتاب العتق الحديث 5، وانظر الحديث 1 و 2.
(2) الوسائل 16: 9، الباب 7 من أبواب كتاب العتق الحديث 5، وانظر الحديث 1 و 2.
(3) المصدر السابق: 13، الباب 9 الحديث 1.
(4) الوسائل 13: 29، الباب 4 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1.
(5) الوسائل 13: 29، الباب 4 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1.
314

* (و) * يستفاد منها كما تقدمها أنه * (يملك غيرهم) * أي المذكورين * (من
الرجال والنساء) * مضافا إلى عدم الخلاف فيه وفي أنه * (على كراهية، و) *
أنه * (تتأكد) * الكراهية * (فيمن يرثه) * للنصوص:
منها الموثق: في رجل يملك ذا رحمه هل يصلح له أن يبيعه أو يستعبده؟
قال: لا يصلح له بيعه، ولا يتخذه عبدا، وهو مولاه وأخوه في الدين، وأيهما
مات ورثه صاحبه، إلا أن يكون أقرب منه (1).
والخبر: لا يملك الرجل أخاه من النسب، ويملك ابن أخيه (2).
وإنما حملت على الكراهة جمعا، مع قصورها سندا، وإشعار الرواية الأولى
وما ضاهاها بالكراهة جدا.
* (وهل ينعتق عليه بالرضاع من ينعتق) * عليه * (بالنسب؟ فيه روايتان،
أشهرهما أنه ينعتق) * وهي الصحاح المتقدمة ونحوها غيرها.
كالصحيح: عن امرأة ترضع غلاما لها من مملوكة حتى تفطمه هل لها أن
تبيعه؟ فقال: لا، هو ابنها من الرضاعة حرم عليها بيعه وأكل ثمنه، ثم قال:
أليس قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (3)؟!
والصحيح: عن المرأة ترضع عبدها أتتخذه عبدا؟ قال: تعتقه وهي
كارهة (4). ونحوهما غيرهما المروي عن المقنع وكتاب علي بن جعفر (عليه السلام) (5).
والرواية الثانية أخبار عديدة.

(1) الوسائل 16: 16، الباب 13 من أبواب كتاب العتق الحديث 5.
(2) المصدر السابق: 10، الباب 7 الحديث 7.
(3) الوسائل 14: 307، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.
(4) الوسائل 16: 11، الباب 8 من أبواب كتاب العتق الحديث 2.
(5) مسائل علي بن جعفر: 111، الحديث 25.
315

منها الصحيح: في بيع الأم من الرضاعة، قال: لا بأس بذلك إذا احتاج (1)،
والخبران:
في أحدهما: إذا اشترى الرجل أباه أو أخاه فملكه فهو حر، إلا ما كان من
قبل الرضاع (2). وقريب منه الثاني (3).
وهي مع قصور سند أكثرها غير مكافئة لما مضى من وجوه شتى،
فلتطرح، أو تؤول إلى ما يؤول إلى الأول، بالحمل إما على ما ذكره جماعة
كالشيخ في الكتابين (4) وغيره، أو على التقية، كما يستفاد من عبارة الخلاف
المحكية، حيث نسب مضامينها إلى جميع فقهاء العامة.
واعلم أنه ظهر من قوله: " لا يملك الرجل خاصة " ما أشار إليه بقوله:
* (ولا ينعتق على المرأة سوى العمودين) * يعني الآباء والأمهات وإن علوا
والأولاد وإن سفلوا، فلا وجه لإعادته.
* (وإذا ملك أحد الزوجين صاحبه بطل العقد بينهما وثبت الملك) * كما
مضى هنا قريبا وفي كتاب النكاح مفصلا.
و * (أما إزالة الرق) *
* (فأسبابها) * الموجبة لها ولو في الجملة * (أربعة: الملك، والمباشرة،
والسراية، والعوارض) *.
وهذه الأسباب منها تامة في العتق كالإعتاق بالصيغة والشراء القريب
والتنكيل والجذام والإقعاد، ومنها ما يتوقف على أمر آخر كالاستيلاد لتوقفه
على موت المولى وأمور أخر، والكتابة لتوقفها على أداء المال، والتدبير لتوقفه

(1) التهذيب 8: 245، الحديث 886.
(2) التهذيب 8: 245، الحديث 885.
(3) التهذيب 8: 244، الحديث 881.
(4) التهذيب 8: 245، ذيل الحديث 886، والاستبصار 4: 19 ذيل الحديث 62.
316

على موت المولى ونفوذه من ثلث ماله، وموت المورث لتوقفه على دفع القيمة
إلى مالكه، وغيره مما يفصل إن شاء الله تعالى في محله.
* (و) * اعلم أنه * (قد سلف) * بيان الإزالة بالسبب الأول، وهو * (الملك) *
بقي الكلام في بيانها بالثلاثة الباقية.
فنقول: * (أما) * الإزالة ب‍ * (المباشرة فالعتق والكتابة والتدبير
والاستيلاد) * وسيأتي بيان الثلاثة الأخيرة إن شاء الله في كتاب على حدة.
* (وأما العتق فعبارته الصريحة) * فيه المتحقق بها * (التحرير) * كأنت أو
هذه أو فلان حر بلا خلاف، بل عليه الإجماع في عبارة جماعة، وصراحته فيه
واضحة، قال سبحانه: " ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة " (1).
* (وفي) * وقوعه ب‍ * (لفظ العتق) * كأعتقتك مثلا * (تردد) * واختلاف.
منشؤه الشك في كونه مرادفا للتحرير فيدل عليه صريحا أو كناية عنه، فلا
يقع به. والأصح القطع بوقوعه به، لدلالته عليه صريحا لغة وعرفا وشرعا، بل
استعماله فيه أكثر من التحرير جدا، وقد اتفق الأصحاب على صحته في قول
السيد لأمته: أعتقتك وتزوجتك... إلى آخره.
* (ولا اعتبار بغير ذلك من الكنايات) * كقوله فككت رقبتك أو أنت
سائبة * (وإن قصد بها العتق) * بلا خلاف يظهر، بل عليه الإجماع في المسالك
وغيره. وهو الحجة فيه، مضافا إلى أصالة بقاء الرق إلى أن يثبت خلافه،
وليس بثابت، إذ لا عموم من نحو أوفوا بالعقود (2) وغيره.
وبعض الإطلاقات باللزوم على تقدير وجوده غير معلوم الشمول
لمحل الفرض، لانصرافه إلى صورة وقوع العتق بصريح لفظه، مع وروده لبيان
حكم آخر. فتدبر.

(1) النساء: 92.
(2) المائدة: 1.
317

* (و) * من هنا يظهر بطريق أولى أنه * (لا تكفي الإشارة ولا الكتابة مع
القدرة على النطق) * بالصريح، ولا خلاف فيه أيضا، وادعى الإجماع عليه
بعض الأصحاب صريحا.
ويستفاد من العبارة مفهوما كفايتهما مع العجز، ولعله لا خلاف فيها أيضا،
ويدل عليه - مضافا إلى فحوى ما دل عليها في سائر العقود والإيقاعات
كالطلاق والوصية ونحوهما - خصوص بعض النصوص، كالصحيح المتقدم في
كتاب الوصية في نظير المسألة.
وفي الصحيح: عن رجل قال لرجل يا فلان اكتب إلى امرأتي بطلاقها أو
إلى عبدي بعتقه يكون ذلك طلاقا أو عتقا، فقال: لا يكون ذلك طلاقا ولا
عتقا حتى ينطق به لسانه، أو يخط بيده، وهو يريد الطلاق أو العتق، ويكون
ذلك منه بالأهلة والشهود، ويكون غائبا من أهله (1).
وفيه دلالة على الاكتفاء في العتق بالكتابة مع الغيبة، ولم أر عاملا به، فلا
تصلح لاثباته، مع معارضته بخصوص الصحيح الظاهر وروده في الغائب:
" رجل كتب بطلاق امرأته أو بعتق غلامه فمحاه، قال: ليس ذلك بطلاق ولا
عتاق حتى يتكلم به " (2) فتأمل.
* (ولا يصح جعله يمينا) * على المشهور فيه * (و) * في أنه * (لا بد من
تجريده عن شرط متوقع أو صفة) * مترقبة، بل في التنقيح وعن المختلف
الإجماع عليه. وهو الحجة، مضافا إلى أصالة بقاء الرق السليمة عما يصلح
للمعارضة.
خلافا للمحكي عن ظاهر الإسكافي والقاضي، فجوز التعليق عليهما
والرجوع فيه قبل حصولهما كالتدبير، تبعا للعامة العمياء ولا مستند لهما

(1) الوسائل 15: 291، الباب 14 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3 و 2.
(2) الوسائل 15: 291، الباب 14 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3 و 2.
318

ظاهرا، عدا رواية إسحاق بن عمار الآتية في المسألة السابعة من المسائل
الملحقة بالنذر (1). ويحتمل حملها على التقية زيادة على ما يرد عليها من
المخالفة للقاعدة، كما سيظهر ثمة.
وقد تقدم بيان الفرق بين الشرط والصفة، وأن المراد بالأول ما جاز
وقوعه في الحال وعدمه كمجئ زيد، وبالثاني ما لا يحتمل وقوعه في الحال
وتيقن وقوعه عادة كطلوع الشمس. والفرق بينهما وبين اليمين، مع اشتراكها في
التعليق قصد الزجر به عن فعل أو البعث عليه في الأخير دونهما.
* (ويجوز أن يشترط مع العتق شئ) * سائغ مطلقا مالا كان أو خدمة بلا
خلاف يظهر، بل عليه في شرح الكتاب للسيد الإجماع عليه (2). وهو الحجة،
مضافا إلى عمومات النصوص المعتبرة بلزوم الوفاء بالشروط (3)، السليمة
عن المعارض، لكونه عتقا مع شرط، لا عتقا بشرط، كما هو مفروض العبارة.
فتأمل.
مضافا إلى خصوص الصحاح:
في أحدها: الرجل يقول لعبده: أعتقتك على أن أزوجك ابنتي فإن
تزوجت عليها أو تسريت فعليك مائة دينار فأعتقه على ذلك فيتزوج أو
يتسرى، قال: عليه مائة دينار (4).
وفي الثاني: رجل أعتق جاريته وشرط عليها أن تخدمه عشر سنين
فأبقت ثم مات الرجل فوجدوها ورثته ألهم أن يستخدموها؟ قال: لا (5).

(1) الوسائل 16: 191، الباب 7 من أبواب كتاب النذر والعهد الحديث 1.
(2) كذا في النسخ، والظاهر زيادة: عليه.
(3) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور الحديث 4.
(4) الوسائل 16: 15، الباب 12 من أبواب كتاب العتق الحديث 3.
(5) الوسائل 16: 14، الباب 11 الحديث 1.
319

وفي الثالث: قال: غلامي حر وعليه عمالة كذا وكذا، قال: هو حر وعليه
العمالة (1).
وظاهرها عدا الثاني لزوم الوفاء بالشرط، وعدم توقفه على قبول المملوك.
خلافا للمحكي في التنقيح عن بعضهم في الأول فحكم بالاستحباب.
وهو ضعيف.
والتحرير والقواعد في الثاني فاشترط فيهما القبول إما مطلقا كما في الأول،
أو إذا كان المشروط مالا لا خدمة كما في الثاني، واختاره فخر الإسلام،
استنادا في صورة عدم الاشتراط إلى الأصل، وزاد عليه في الكفاية الاستناد
إلى الصحيحة الثالثة، وفي صورة الاشتراط إلى الصحيح بزعمه عن رجل قال
لمملوكه: أنت حر ولي مالك، قال: لا يبدأ بالحرية قبل المال فيقول له: لي مالك
وأنت حر برضا المملوك (2) فالمال للسيد. وفي الصحة التي زعمها مناقشة.
قيل: ولا بأس بالمصير إلى هذا القول، اقتصارا في الحكم بإلزام العبد شيئا
لسيده بدون رضاه على موضع اليقين.
وفيه نظر، فإنه إن أريد باليقين معناه الأخص كان حصوله في الشق الآخر
وهو اشتراط الخدمة محل نظر لمكان الخلاف وعدم استفادة شئ لعدم
الاشتراط فيه من الصحيحة الأخيرة سوى المظنة، وإن أريد به معناه الأعم
الشامل لها صح، نظرا إلى حصولها فيه من إطلاق هذه الصحيحة، إلا أنها
حاصلة من إطلاق الصحيحة الأولى في الشق المقابل المشروط فيه المال، كما
هو محل البحث.
وبالجملة فإن كان الظن الحاصل من الإطلاق كافيا في هذا الحكم المخالف

(1) الوسائل 16: 14، الباب 11 الحديث 2.
(2) الوسائل 16: 29، الباب 24 من أبواب كتاب العتق الحديث 5.
320

للأصل في غير مورد البحث فليكن كافيا فيه، وإلا فلا يكون كافيا مطلقا.
والفرق تحكم واليقين بمعناه الأخص لمكان الخلاف غير متحقق.
* (ولو شرط إعادته في الرق إن خالف) * الشرط * (ف‍) * في صحة العتق
والشرط * (قولان) *.
اختار أولهما الطوسي والقاضي، عملا بالشرط، وخصوص الموثق: عن
الرجل يعتق مملوكه ويزوجه ابنته ويشترط عليه إن هو أغارها أن يرده
في الرق، قال: له شرطه (1).
ورد الأول: بأن مقتضاه عود من ثبت حريته رقا، وهو غير جائز، ولا
معهود شرعا، ولا يرد مثله في المكاتب المشروط، لأنه لم يخرج عن مطلق
الرقية، فإن معنى قول السيد: فإن عجزت فأنت رد في الرق المحض الذي ليس
بكتابة، لا مطلق الرق، لأنه لم يثبت بالكتابة، وعدم الأخص أعم من عدم
الأعم.
والثاني: لشذوذه، وقصور سنده، ومنافاته لأصول المذهب، فيجب
إطراحه.
وبهذا أجاب عنه الماتن في النكت، واختار فيه القول بفساد الأمرين،
كالفاضل في المختلف وعن الحلي وفخر الدين القول بصحة العتق دون الشرط،
استنادا في فساده إلى ما مر، وفي صحة العتق إلى بنائه على التغليب.
ورد بأنه لا يدل على صحته من دون القصد. وربما يستفاد من قوله:
* (والمروي اللزوم) * الميل إلى الأول. ويتوجه عليه ما أجاب به عنه في النكت
من الشذوذ ونحوه.
* (ويشترط في) * المولى * (المعتق جواز التصرف) * بالبلوغ، وكمال العقل

(1) الوسائل 16: 15، الباب 12 من أبواب كتاب العتق الحديث 2.
321

* (والاختيار، والقصد) * إلى العتق، فلا يقع من الصبي، ولا المجنون المطبق،
ولا غيره في غير وقت كماله، ولا السفيه، ولا المكره، ولا الناسي، ولا الغافل،
ولا السكران، بلا خلاف في شئ من ذلك، حتى الصبي إذا لم يبلغ عشرا،
ولا شبهة، لعموم أدلة الحجر (1) في بعض، والمعتبرة المستفيضة فيه وفي غيره،
منها الصحيحان:
في أحدهما: عن عتق المكره، فقال: عتقه ليس بعتق (2).
وفي الثاني: أن المدله ليس عتقه عتقا (3). ومنها الخبران.
أحدهما الموثق: لا يجوز عتق السكران (4).
* (والقربة) * بأن يقصد بعتقه التقرب إلى جنابه سبحانه، أي الطاعة له،
أو طلب الثواب من عنده على حد ما يعتبر في سائر العبادات بلا خلاف،
للمعتبرة، وفيها الصحيح وغيره: لا عتق إلا ما أريد به وجه الله (5) تبارك
وتعالى.
* (وفي عتق الصبي إذا بلغ عشرا) * عاقلا * (رواية بالجواز) * (6) قال الماتن:
إنها * (حسنة) * ولا وجه له، فإن في سنده موسى بن بكر، ومع ذلك مرسلة في
بعض طرقها، ومقطوعة إلى زرارة في آخر.
ويمكن أن يكون مراده بالحسن غير المعنى المعروف، كما يستفاد منه
مكررا، ولعل وجه الحسن بهذا المعنى تأيدها بما ورد في أمثال المسألة، من

(1) الوسائل 13: 142، الباب 2 من أبواب كتاب الحجر.
(2) الوسائل 16: 24، الباب 19 من أبواب كتاب العتق الحديث 1.
(3) الوسائل 16: 25، الباب 20 من أبواب كتاب العتق الحديث 1.
(4) الوسائل 16: 25، الباب 21 من أبواب كتاب العتق الحديث 2، والآخر حديث 3.
(5) الوسائل 16: 6، الباب 4 من أبواب كتاب العتق الحديث 1.
(6) الوسائل 16: 57، الباب 56 من أبواب كتاب العتق الحديث 1.
322

نحو الوصية والصدقة ونحوهما من النصوص المعتبرة (1)، وسيما الطلاق،
فإن الدال منها على جوازه منه يدل على جواز العتق منه أيضا بالأولوية.
وهو حسن إن صرنا إلى تلك النصوص، وإلا - كما قدمنا في تلك المباحث -
فلا تأييد، ولا أولوية.
فإذا الأصح المنع، وفاقا للأكثر. خلافا للشيخ وجماعة، للرواية المزبورة،
وقد عرفت ما فيها من المناقشة.
* (ولا يصح عتق السكران) * لما مر. وفي اعتباره القصد سابقا كان له غنى
عن ذكره هذا (2) ثانيا.
* (وفي وقوعه) * وصحته * (من الكافر تردد) * واختلاف.
ينشأ من إطلاق الأدلة أو عمومها، وأن العتق إزالة ملك، وملك الكافر
أضعف من ملك المسلم، فهو أولى بقبوله الزوال، ولا ينافيه اشتراطه بنية
القربة، لأن ظاهر الأخبار المعتبرة له أن المراد منها إرادة وجه الله سبحانه،
سواء حصل الثواب له أم لا، وهذا القدر يمكن ممن يقر بالله.
ومن أنه عبادة تتوقف على القربة، وأن المعتبر ترتب أثرها من الثواب
لا مطلق طلبها، كما ينبه عليه حكمهم ببطلان صلاته وصومه لتعذر القربة منه،
فإن القدر المتعذر منه هو هذا المعنى لا ما ادعوه أولا، فإن العتق شرعا ملزوم
للولاء، ولا يثبت ولاء الكافر على المسلم، لأنه سبيل منفي عنه، وانتفاء
اللازم يستلزم انتفاء الملزوم، وفي الأدلة من الجانبين نظر.
والمصير إلى التفصيل بين الكافر المقر بالله تعالى والمعتقد حصول التقرب
إليه بالعتق فالأول وبين المنكر له أو الغير المعتقد حصول التقرب به إليه

(1) الوسائل 15: 324، الباب 32 من أبواب مقدمات الطلاق.
(2) في " ش ": هنا، وليس في " م ".
323

فالثاني - كما وقع لجماعة من المتأخرين - أظهر إن كان هناك عموم أو إطلاق
ينفع.
استنادا في الأول إلى وجود المقتضي، وهو العتق الجامع للشرائط، التي
منها إرادة وجه الله تعالى، فإن الكافر إذا كان مقرا به عز وجل واعتقد شرعية
العتق عنده أمكن وقوع ذلك منه، وقد عرفت أنه لا يلزم من اشتراطه
بالإرادة المذكورة حصول المراد، فإنه أمر خارج عن الشرط المعتبر. وكونه
عبادة مطلقا ممنوع، بل هو عبادة خاصة يغلب فيها فك الملك، فلا يمنع من
الكافر مطلقا.
وفي الثاني بقسميه إلى عدم تصور تحقق الشرط منه فيهما فيفسد عتقه من
هذا الوجه.
* (ويشترط في) * العبد * (المعتق أن يكون مملوكا حال العتق) * لمولاه
المعتق له * (مسلما، ولا يصح) * عتقه * (لو كان كافرا) * بلا خلاف في الأول،
للمعتبرة وفيها الصحيح وغيره: لا عتق إلا في ملك (1). وعلى الأشهر الأظهر
في الثاني، بل عليه الإجماع في الانتصار ونهج الحق. وهو الحجة، مضافا إلى
الأصل، وعدم ما يدل على لزوم عتق كل عبد، وخصوص بعض النصوص:
أيجوز أن يعتق مملوكا مشركا؟ قال: لا (2).
وقصور سنده كاختصاصه بالمشرك مجبور بالشهرة، وعدم القائل بالفرق
بين الطائفة، مع أن في عتق الكافر إعانة على الإثم محرمة، كما صرح به من
القدماء جماعة. فكيف يحصل معها قصد القربة المشترطة في الصحة لو لم نقل
بعدم حصوله بالمرة ولو لم يكن فيه الإعانة المزبورة؟! وما أبعد ما بين هذا

(1) الوسائل 16: 7، الباب 5 من أبواب كتاب العتق الحديث 1.
(2) الوسائل 16: 20، الباب 17 من أبواب كتاب العتق الحديث 5.
324

وبين ما يدعيه من المتأخرين جماعة من إمكان قصد القربة بأن رجي
بعتقه إسلامه.
فما اختاروه من الصحة في هذه الصورة تبعا للمبسوط والخلاف ضعيف
غايته. والرواية المصححة (1) له - مع كونها ضعيفة غير مجبورة - قضية في
واقعة، فلم تكن عامة، ومع ذلك أخص من المدعى، وهو شئ قد ضعفوا به
دلالة الرواية السابقة. فكيف يمكنهم الاعتماد عليها وجعلها حجة مع اشتمالها
عليه ومخالفتها الأدلة المتقدمة التي هي أقوى منها في الحجية بمراتب عديدة؟!
* (ويكره) * عتقه * (لو كان مخالفا) * في المذهب، للخبر: ما أغنى الله تعالى
عن عتق أحدكم تعتقون اليوم يكون عليكم غدا، لا يجوز لكم أن تعتقوا إلا
عارفا (2). ولقصور سنده حمل على الكراهة، مع أنها وجه الجمع بينه وبين
الرواية الآتية.
* (ولو نذر عتق أحدهما) * أي الكافر أو المخالف * (صح) * في الثاني،
لصحيحة أبي علي بن راشد قال: قلت: لأبي جعفر (عليه السلام): إن امرأة من أهلنا
اعتل لها صبي فقالت: اللهم إن كشفت عنه ففلانة حرة والجارية ليست بعارفة
فأيهما أفضل جعلت فداك تعتقها أو تصرف ثمنها في وجوه البر؟ فقال: لا يجوز
إلا عتقها (3).
وغير العارفة أعم من المستضعفة والمخالفة، بل ربما كانت ظاهرة في
الأخيرة، وكذا في الأول عند الشيخ في النهاية، وتبعه الماتن هنا والشهيد في
اللمعة. ولا وجه له سوى الجمع بين الروايتين المتعارضتين في المسألة السابقة.
وهو حسن إن وجد له شاهد أو أمارة، ولا وجود لهما كما صرح به جماعة.

(1) الوسائل 16: 19، الباب 17 من أبواب كتاب العتق الحديث 2 و 3.
(2) الوسائل 16: 19، الباب 17 من أبواب كتاب العتق الحديث 2 و 3.
(3) الوسائل 16: 63، الباب 63 من أبواب كتاب العتق الحديث 1.
325

نعم ربما يمكن الاستدلال عليه بالرواية السابقة المصححة لنذر عتق
الجارية الغير العارفة، لكنها - كما عرفت - غير ظاهرة الشمول للمستضعفة.
فكيف تكون شاملة للكافرة؟ مع أن عتق الكافر إذا كان حراما كان نذره
نذرا في معصية، وهو محرم إجماعا فتوى ورواية.
* (ولو شرط المولى على المعتق الخدمة زمانا معينا صح) * إجماعا،
للصحاح المتقدمة (1) صريحا في بعض، وفحوى في الباقي. وفي صحته مع عدم
تعيين المدة بل تعليق الخدمة على مدة حياته قولان.
* (ولو أبق ومات المولى فوجد بعد المدة) * أو فيها * (فهل للورثة
استخدامه) * في تلك المدة إن كانت بعينها باقية ومطالبة أجرة مثلها إن كانت
منقضية؟ * (المروي) * في بعض الصحاح المتقدمة * (لا) * يستخدم مطلقا، عمل
به الإسكافي والنهاية ومن تبعه.
وليست الرواية في مطلوبهم صريحة، لاحتمالها الاختصاص بصورت انقضاء
المدة، أو كون المشروط له الخدمة نفس المولى خاصة. ونفي استحقاق الخدمة
لا يستلزم نفي استحقاق الأجرة، فمع ذلك لا يمكن تخصيص القاعدة المقتضية
لجواز مطالبته بالخدمة مع بقاء المدة، وعدم اختصاص المشروط له بالميت
خاصة، وجواز مطالبة الأجرة مع عدم الأمرين، ولذا اختار المتأخرون كافة
خلاف هؤلاء الجماعة، وعينوا المصير إلى مقتضى القاعدة، وهو في غاية الجودة.
* (وإذا طلب المملوك) * من مولاه * (البيع) * أي بيعه * (لم يجب إجابته) *
للأصل، وفقد المعارض. نعم يمكن القول باستحبابها مع إيمانه وعدم ما يقتضي
خلافه.
* (ويكره التفريق بين الولد وأمه، وقيل: يحرم) * مر مستند القولين

(1) الوسائل 16: 13، الباب 10 من أبواب كتاب العتق.
326

في كتاب البيع فلا نعيده.
* (وإذا أتى على المملوك المؤمن) * عند مولاه * (سبع سنين استحب
عتقه) * للمرسل: من كان مؤمنا فقد عتق بعد سبع سنين أعتقه صاحبه أم لم
يعتقه؟ ولا تحل خدمة من كان مؤمنا بعد سبع سنين (1). وهو محمول على
الاستحباب، للإجماع على أنه لا ينعتق بنفسه، كما في المسالك. والتمسك به مع
ذلك للاستحباب، بناء على المسامحة في أدلته.
* (وكذا لو ضرب مملوكه ما هو حد) * استحب له أن يعتقه كما ذكره الشيخ
وجماعة، ولا بأس به وإن لم يوجد له دلالة، بناء على المسامحة المزبورة.
* (مسائل سبع) *
* (الأولى: لو نذر تحرير أول مملوك يملكه فملك جماعة تخير في) * عتق
* (أحدهم) * مع بقائه وقدرته، وإلا فالقرعة على قول الماتن هنا والشهيد في
النكت، تبعا للإسكافي، وظاهر الطوسي في كتابي (2) الحديث، للخبر: عن
رجل قال: أول مملوك أملكه فهو حر فأصاب ستة، قال: إنما كانت نيته على
واحدة فليتخير أيهم شاء (3) وضعف سنده يمنع من العمل به.
* (وقيل: يقرع بينهم) * مطلقا، وهو الأظهر، وفاقا للأكثر، ومنهم الصدوق
والطوسي في النهاية والقاضي للمعتبرين:
أحدهما الصحيح (4)، والثاني القريب منه: في رجل قال: أول مملوك أملكه
فهو حر فورث سبعة جميعا، قال: يقرع بينهم، ويعتق الذي يخرج سهمه (5).

(1) الوسائل 16: 36، الباب 33 من أبواب كتاب العتق الحديث 1.
(2) التهذيب 8: 226، ذيل الحديث 812، والاستبصار 4: 5، ذيل الحديث 17.
(3) الوسائل 16: 59، الباب 57 من أبواب كتاب العتق الحديث 3.
(4) الوسائل 16: 58، الباب 57 من أبواب كتاب العتق الحديث 1 و 2.
(5) الوسائل 16: 58، الباب 57 من أبواب كتاب العتق الحديث 1 و 2.
327

* (وقال ثالث: لا يلزمه عتقه) * وهو الحلي، لأمر اعتباري، مع ضعفه
غير معارض لما مر من النص الجلي، ونحوه القول بلزوم عتق الكل.
ثم كل ذا إذا ملك جماعة، ولو ملك واحدا وجب عتقه، سواء ملك بعده
آخر أم لا على الأشهر الأقوى، إذ الأولية عرفية تتحقق بعدم سبق الغير،
ولا يتوقف على تحقق شئ بعده.
* (الثانية: لو نذر عتق أول ما تلده) * الجارية * (فولدت توأمين) * أي
ولدين في بطن وأحدهما توأم على وزن فوعل * (عتقا) * معا بلا خلاف فيه في
الجملة، للمرفوع: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل نكح وليدة رجل أعتق
ربها أول ولد تلده فولدت توأما، فقال: أعتق كلاهما (1).
وإطلاقه بل عمومه الناشئ عن ترك الاستفصال يشمل صورتي ولادتهما
معا أو متعاقبا، بل لعله بمقتضى الغلبة ظاهر في الأخيرة جدا، ولذا أطلق
الحكم في العبارة تبعا للنهاية والقاضي وجماعة، وخصه الآخرون تبعا للحلي
بالأولى خاصة، تضعيفا للرواية، أو حملا لها عليها خاصة، أو كون المنذور
حملها دون أول ما تلده، وذكر جماعة إن الأول أكثر. وبه يمكن جبر الخبر،
مضافا إلى إمكان توفيقها مع الأصل على تقدير ترجيح العرف على اللغة، إذ
يصدق على مجموع التوأمين أنهما أول ما ولدته ولو ولدتهما على التعاقب
عرفا وإن لم يصدق ذلك لغة.
قالوا: والفرق بين هذه المسألة والمسألة السابقة إن " ما " موصولة فتعم،
بخلاف لفظة " مملوك " في المسألة السابقة فإنه نكرة في سياق الإثبات، ولو كان
المنذور في الأولى أول ما يملكه وفي الثانية أول مولود تلده انعكس الحكم.

(1) التهذيب 8: 231، الحديث 834.
328

وفيه نظر، للحوق الحكم بالمضاف دون المضاف إليه، وهو نكرة على
الإطلاق مع النص في المسألة متضمن للسؤال عن عتق أول ولد تلده،
وهو بعينه كالمسألة الأولى.
* (الثالثة: لو أعتق بعض مماليكه فقيل له: هل أعتقت مماليكك فقال: نعم
لم ينعتق) * عليه في نفس الأمر * (إلا من سبق عتقه) * لأن قوله: نعم في جواب
السؤال لا يكفي في حصول العتق، وللموثق: عن رجل قال لثلاثة مماليك له:
أنتم أحرار وكان له أربعة، فقال له رجل من الناس: أعتقت مماليكك؟ قال:
نعم أيجب العتق للأربعة حين أجملهم أو هو للثلاثة الذين أعتق؟ فقال: إنما
يجب العتق لمن أعتق (1).
وإطلاقه - كالعبارة وعبائر أكثر الجماعة - وإن دل على شمول الحكم
للظاهر، إلا أنه ينبغي تقييده بما قدمناه من الواقع ونفس الأمر، وإلا ففي
الظاهر يجب الحكم عليه بعتق الجميع، لأن قوله: نعم عقيب الاستفهام عن عتق
عبيده الذي هو جمع مضاف مفيد للعموم، فيفيد الإقرار بعتق جميع عبيده.
واعتبر الفاضل في القواعد الكثرة في المعتق، لتطابق لفظ الإقرار.
ويضعف بأن ذلك لا يجري على اعتبار نفس الأمر ولا الظاهر، لأنا إن
اعتبرنا الأول لم يحكم عليه إلا بعتق من سبق عتقه خاصة، واحدا كان أو
متعددا كما أطلقوه، وإن اعتبرنا الثاني حكمنا بعتق الجميع كما يفيده العموم
المستفاد من الجمع المضاف.
* (الرابعة: لو نذر عتق أمته إن وطأها فخرجت عن ملكه انحلت اليمين
وإن عادت) * إليه * (بملك مستأنف) * وفاقا للصدوق والطوسي والقاضي وكثير
من المتأخرين، بل عامتهم كما يظهر من المسالك، للصحيح: عن رجل تكون له

(1) الوسائل 16: 59، الباب 58 من أبواب كتاب العتق الحديث 1.
329

الأمة فيقول: يوم يأتيها فهي حرة ثم يبيعها من رجل ثم يشتريها بعد ذلك،
قال: لا بأس أن يأتيها قد خرجت عن ملكه (1).
وليس فيه ذكر النذر، بل مجرد التعليق، لكن حمله الأصحاب عليه،
لإجماعهم على منع العتق المعلق على شرط. وخلاف الحلي في المقام شاذ،
والصحيح حجة عليه، مضافا إلى أن الوطء شرط النذر، وهو يستتبع الملك،
فإذا خرجت عن ملكه فقد انحل النذر، لزوال الشرط الذي باعتباره يتحقق
النذر، فإذا عاد الملك لم يعد النذر بعد زواله. وفي التعليل المذكور في الصحيح
تنبيه عليه.
ثم إن ذا إذا أطلق الوطء أما لو عممه ولو بالنية بحيث يشمل الوطء متى
ملكها كقوله: " متى وطئت " وشبهه فلا كلام في عدم الحل، كما في التنقيح
وغيره، وفي التعليل إيماء إلى تعدي الحكم إلى غير الأمة، وإلى التعليق بغير
الوطء، وتردد فيه في المسالك، لذلك، ولأن الخروج عن الملك لا مدخل له في
انحلال النذر، لأن غايته أن تصير أجنبية منه، والنذر يصح تعلقه بها كنذر
عتقها إن ملكها، وهي في ملك غيره ابتداء.
وفي هذا الوجه نظر، إذ مع مخالفته ظاهر النص الظاهر باعترافه في
الشمول لمحل الفرض يدفعه ما قدمناه من التعليل في رد الحلي. فتأمل.
* (الخامسة: لو نذر عتق كل عبد قديم في ملكه أعتق من كان له في ملكه
ستة أشهر فصاعدا) * للمرسل (2)، المنجبر بعمل الأكثر، بل الإجماع كما عن
فخر الإسلام. ولا ينافيه عدم تعرض جماعة من القدماء للعمل به كالإسكافي
والصدوق والديلمي، لمعلومية نسبهم، مع أن عدم الفتوى لا يستلزم عدم الرضا.

(1) الوسائل 16: 60، الباب 59 من أبواب كتاب العتق الحديث 1.
(2) الوسائل 16: 34، الباب 30 من أبواب كتاب العتق الحديث 1.
330

فالأقوى عدم خروج الإجماع المنقول عن الحجية بمثل ذلك، فهو أيضا
حجة أخرى معتضدة هي كالمرسلة بالشهرة المحققة والمستفيضة الحكاية،
وعمل من لا يرى العمل بالأخبار الغير المتواترة ولا غير المحفوفة بالقرائن
القطعية، كالحلي ومن ضاربه.
فإذا هذه الرواية في أعلى درجات الحجية.
وفيها: رجل قال عند موته: كل مملوك قديم فهو حر لوجه الله تعالى، قال
إن الله عز وجل يقول في كتابه: " حتى عاد كالعرجون القديم "، فما كان من
مماليكه أتى له ستة أشهر فهو قديم حر (1).
وهي كما ترى عامة لكل مملوك ذكرا كان أو أنثى. فاختصاص العبارة
وغيرها من عبائر الجماعة بالأول إن كان للمثل، وإلا فلا وجه له أصلا، مع
عموم المستند لهما نصا وتعليلا.
ومنه يظهر انسحاب الحكم إلى ما شابه محل البحث كنذر الصدقة بالمال
القديم والإقرار به وإبراء كل غريم قديم، وتردد فيه جماعة، لذلك، ولمخالفة هذا
الحكم الأصل، مع ضعف المستند، وقصر الإجماع على مورده. ثم إن كل ذا إذا
مضى على بعض مماليكه المدة المزبورة.
أما لو لم تمض بل قصر ملك جميعهم عنها ففي عتق أولهم - تملكا اتحد أم
تعدد أو بطلان النذر - وجهان. وعلى الصحة لو اتفق ملك الجميع دفعة ففي
انعتاق الجميع - أو البطلان لفقد الوصف - الوجهان.
والأقوى الرجوع فيما لو يساعده الإجماع والنص إلى العرف إن حصل،
وإلا فيبطل النذر.
* (السادسة: مال) * العبد * (المعتق لمولاه) * مطلقا * (وإن) * علم به و * (لم

(1) الوسائل 16: 34، الباب 30 من أبواب كتاب العتق الحديث 1.
331

يشترطه) * وفاقا للحلي وغيره، بناء على أنه لا يملك وماله لمولاه، وأن لفظ
العتق لا يتضمن غير فك الرق دون إباحة المال. وهو حسن لولا ما سيأتي
من الأخبار.
* (وقيل) * كما عن الصدوق والشيخ والتقي والإسكافي: إنه * (إن لم يعلم) *
المولى * (به) * أي بالمال * (فهو له وإن علم ولم يستثنه فهو للعبد) * ونسبه
في الدروس إلى كافة القدماء، وفي شرح الكتاب للسيد إلى الأكثر، وبنى
الخلاف فيه على ما مر في البيع من الخلاف في مالكيته وعدمها. وبنى القول
الثاني على الأولى.
وفيه نظر أولا: بما عرفت ثمة من الإجماعات المحكية على عدم المالكية
الظاهرة في مصير هؤلاء الأجلة القائلين بهذا القول إليه.
وثانيا: بعدم انطباقه بهذا التفصيل على القول بالمالكية إن قالوا به، لأنه
على تقديره يكون المال للعبد مطلقا، ولو كان السيد لم يعلم به أو علم به
واستثناه، فلا ريب في ضعف هذا البناء وفساده.
والظاهر أن مستندهم على التفصيل إنما هو المعتبرة:
منها الصحيح: عن رجل أعتق عبدا له وللعبد مال لمن المال، فقال: إن
كان يعلم أن له مالا تبعه ماله، وإلا فهو له (1). ونحوه الموثقان القريبان منه في
الصحة بابن بكير (2) وأبان (3)، اللذين أجمع على تصحيح ما يصح عنهما
العصابة. وربما قال بوثاقتهما جماعة.
فالمصير إليها لا يخلو عن قوة، سيما بعد اعتضادها بالشهرة المحققة
والمحكية، فيخصص بها كل من قاعدتي المالكية وعدمها. ولكن مع ذلك

(1) الوسائل 16: 29، الباب 24 من أبواب كتاب العتق الحديث 4.
(2) الوسائل 16: 28، الباب 24 من أبواب كتاب العتق الحديث 1 و 6.
(3) الوسائل 16: 28، الباب 24 من أبواب كتاب العتق الحديث 1 و 6.
332

المسألة لا تخلو عن ريبة، لاحتمالها - ككلام القائلين بها - الحمل على صورة
حصول عادة مقتضية لكون علم السيد أمارة على الإباحة.
وبه يندفع منافاتها للقول بعدم المالكية، وما دل عليه من الأدلة، ويظهر
أن دفعه إلى العبد مع العلم بطريق الإباحة، لا من حيث كونه مالكا، ويؤيده
ورود نحو هذا التفصيل في الصحيح الوارد في بيعه (1)، وأن ماله للمشتري لا له
لو علم به، إذ لو كان الوجه في الدفع هنا مع العلم الملكية لما صح دفعه معه إلى
المشتري في صورة البيع، بل كان الدفع إليه أولى البتة.
ومما يضعف التمسك بظواهر إطلاقات هذه الأخبار ورود النصوص (2)
من الصحيح وغيره في البيع برد ما تضمنته هذه من التفصيل وإن كان من
الصحيح وإطلاق كون المال للمولى على أي تقدير، وقد عرفت ثمة أن العمل
بتلك النصوص دون الصحيح المقابل لها أظهر وأشهر بين الطائفة.
فيحتمل (3) كون نصوص المسألة مثله في المتروكية، ولولا شهرة العمل
بها في المسألة لكان طرحها أو تأويلها بما قدمناه هنا وفي البيع متعينا.
ثم إن إطلاق الماتن هنا بكون مال العبد لمولاه كحكمه به في البيع مما لا
يلائم ما اختاره ثمة من مالكيته في الجملة، بل كان عليه في المقامين تخصيصه
بما لا يملكه، لإطلاقه.
* (السابعة: إذا أعتق ثلث عبيده) * ولم يعين أو عين وجهل * (استخرج
الثلث بالقرعة) * بلا خلاف أجده، بل عليه الإجماع في صريح التنقيح وظاهر
الكفاية. وهو الحجة، مضافا إلى عموم ما دل على اعتبار القرعة في كل أمر
فيه جهالة، ومنه مفروض المسألة، ويعضده ما مر في نظيرها في كتاب الوصية،

(1) الوسائل 13: 32، الباب 7 من أبواب بيع الحيوان الحديث 2.
(2) المصدر السابق.
(3) في المطبوع: ويحتمل.
333

ومر فيه وجه المنع عن عتق ثلث كل واحد منهم من ورود الرواية بالتجزئة،
واستلزامه الإضرار بالورثة، وموردها مفروض العبارة، وهو عتق الثلث
فيجيزون ثلثه.
فحينئذ يقرع بكتابة أسماء العبيد، فإن أخرج عن الحرية كفت الواحدة،
وإلا اخرج رقعتان، ويجوز كتابة الحرية في رقعة والرقية في رقعتين ويخرج
على أسمائهم.
وفي المسألة وجه ثالث استوجهه في المختلف، وعينه، وهو أن يكتب ستة
رقاع بأسماء الستة ويخرج على أسمائهم واحدة واحدة على الحرية والرقية إلى
أن يستوفي المطلوب، أو يكتب في اثنتين حرية وفي أربع رقية ثم يخرج على
واحد واحد إلى أن يستوفيه.
وهذا الوجه أعدل، لأن جمع الاثنين على حكم واحد يمنع من افتراقهما في
الحرية والرقية، ومن الممكن خروج أحدهما دون الآخر بالضرورة.
لكن المشهور بين القدماء ما سبق كما في الكفاية، لوروده في الرواية.
ويمكن تنزيلها على هذا الوجه، ويجمع بينهما بأن يكون أقرع (صلى الله عليه وآله) (1) أولا
في استخراج صورة الجمع من الصور الممكنة ثم أقرع على الوجه المذكور في
الرواية. وهذا أحوط بلا شبهة.
ثم إن تساووا عددا وقيمة أو اختلفوا مع إمكان التعديل أثلاثا فلا خفاء
في المسألة وإن اختلفت القيمة ولم يكن التعديل عددا وقيمة، بل أحدهما
خاصة كما إذا كانوا ستة قيمة أحدهم ألف وقيمة اثنين ألف وقيمة ثلاث ألف،
فإن اعتبرت القيمة كانت أثلاثا ولكن اختلف العدد، وإن اعتبر العدد كان
أثلاثا لكن اختلفت القيمة، ففي ترجيح اعتبارها أو العدد وجهان.

(1) سنن البيهقي 10: 285.
334

ولعل أظهرهما الأول، وفاقا للأكثر على ما يظهر، ومنهم الشيخ قائلا: إنه
أصح عندنا. وهو ظاهر في الإجماع عليه كما ترى، ولعله الحجة، دون ما يقال
من أن المقصود الذاتي من العبد المالية، لعدم المعلومية في نحو المسألة وإن صلح
للتقوية.
واحتمل في المختلف الثاني موافقة للرواية، بناء على استبعاد استواء الستة
التي هي موردها قيمة، والتفاتا إلى إضافة الثلث إلى العبيد لا إلى القيمة،
فتقديرها على خلاف القاعدة.
ويضعفان بعدم مسموعيتهما في مقابلة الإجماع المحكي على الظاهر المعتضد
بما مر، مع فتوى الأكثر، مع عدم معلومية ثبوت الحكم بمثل هذا الاستبعاد،
واندفاع الأخير بأنا لا نقدر القيمة، بل نقول: إن إضافة الثلث إلى العبيد
باعتبار المالية، فيكون كالقرينة على ترجيح القيمة، لكن في ثبوت هذه
الدعوى مناقشة يعسر معها جعلها حجة وإن أمكن جعلها مؤيدة.
* (وأما) * العتق ب‍ * (السراية) * وهو انعتاق باقي المملوك إذا أعتق بعضه
بشرائط خاصة * (فمن أعتق شقصا) * بكسر الشين أي جزء * (من عبده) * أو
أمته وإن قل الجزء منه * (عتق) * عليه * (كله) * أجمع وإن لم يملك سواه على
الأظهر الأشهر، بل ظاهر العبارة وكثير من الأصحاب عدم الخلاف فيه، وفي
الروضة ربما كان إجماعا، لكن فيها وفي المسالك نسب القول بعدم السراية إلى
جمال الدين بن طاووس خاصة. ولا ريب أنه الأوفق بالأصل، وظاهر كثير
من النصوص (1) المتضمنة للصحيح وغيره، إلا أن ظاهر اتفاق الأصحاب
- الذي كاد أن يلحق بالإجماع، بل وربما يقطع بتحققه بعد معلومية نسب
السيد، وعدم حصول قدح فيه بخروجه - يخصص الأصل، ويوجب طرح

(1) الوسائل 16: 63، الباب 64 من أبواب كتاب العتق.
335

ما بعده أو تأويله بما لا ينافي السراية، سيما بعد اعتضاده بروايتين، هما حجة
أخرى مستقلة بانجبارهما بالشهرة العظيمة وإن لم تبلغ درجة الإجماع، مع أن
الفرض خلافه، مع أن إحداهما موثقة: إن رجلا أعتق بعض غلامه، فقال
علي (عليه السلام): هو حر ليس لله فيه شريك (1). فميل صاحب الكفاية إلى موافقة
السيد ضعيف غايته.
* (ولو كان له) * أي للمعتق * (شريك) * في العبد الذي أعتق شقصه * (قوم
عليه نصيبه) * أي الشريك * (إن كان) * المولى المعتق * (موسرا) * وذلك - كما
ذكر الشهيدان وغيرهما - بأن يملك زيادة عما يستثنى في الدين من داره
وخادمه ودابته وثيابه اللائقة بحاله كمية وكيفية وقوت يوم له ولعياله ما يسع
قيمة نصيب الشريك، فيدفع إليه ويعتق بلا خلاف فيه لو قصد بالعتق
الإضرار على الشريك، إلا من المحكي عن الحلبي، فأطلق وجوب السعي على
العبد كما يأتي. وكذا لو لم يقصده عند الأكثر.
خلافا للشيخ، فأوجب السعي على العبد في الفك حينئذ كما سيذكره.
وللإسكافي، فخير الشريك بينه وبين إلزام المعتق قيمة نصيبه. ولا شاهد له.
* (وسعى العبد في فك باقيه إن كان) * المولى المعتق * (معسرا) * بلا خلاف
إن لم يقصد الإضرار، بل قصد القربة خاصة. وكذا إن قصده عند الأكثر،
ومنهم المفيد والديلمي والصدوق والمرتضى، مدعيا عليه وعلى ما مر إجماع
الإمامية. وهو الحجة فيهما، مضافا إلى الصحيحين:
في أحدهما: من كان شريكا في عبد أو أمة قليلا كان أو كثيرا فأعتق
حصته وله سعة فليشتره من صاحبه فيعتقه كله، وإن لم يكن له سعة من المال
نظر قيمة يوم أعتق منه ما أعتق، ويسعى العبد في حساب ما بقي (2).

(1) الوسائل 16: 63، الباب 64 من أبواب كتاب العتق الحديث 1.
(2) الوسائل 16: 21، الباب 18 من أبواب كتاب العتق الحديث 3، وفيه اختلاف.
336

وفي الثاني: في جارية كانت بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه، قال: إن كان
موسرا كلف أن يضمن، وإن كان معسرا أخدمت بالحصص (1).
ويذب عما يرد على ذيله من المناقشة بحمل الإخدام على السعاية،
أو تقييده بصورة عجز الجارية عنها لا مطلقا. ونحوه المرسل (2) كالصحيح.
وبها - مضافا إلى الإجماع المتقدم - يجمع بين الأخبار المطلقة الدالة
بعضها على السراية عليه مطلقا، كالصحيح: عن المملوك يكون بين شركاء
فيعتق أحدهم نصيبه، قال: إن ذلك فساد على أصحابه فلا يستطيعون بيعه
ولا مؤاجرته، قال: يقوم قيمة فيجعل على الذي أعتقه عقوبة، وإنما جعل ذلك
لما أفسده (3). والموثق بعثمان: عن مملوك بين الشركاء فيعتق أحدهم نصيبه،
قال: يقوم قيمة ويضمن الذي أعتقه، لأنه أفسده على صاحبه (4). والخبر:
عن قوم ورثوا عبدا جميعا فأعتق بعضهم نصيبه منه كيف يصنع بالذي أعتق
نصيبه منه هل يؤخذ بما بقي؟ قال: يؤخذ. بما بقي (5).
والدال بعضها على عدم السراية عليه كذلك، كالخبرين. أحدهما الموثق:
رجل أعتق شركة له في غلام مملوك عليه شئ، قال: لا (6). وفي آخر: عن
مملوك بين أناس فأعتق بعضهم نصيبه، قال: يقوم قيمة ثم يستسعي فيما بقي
ليس للباقي أن يستخدمه، ولا يؤخذ منه الضريبة (7).
بحمل الأولة: على صورة اليسار منه.
والثانية: على صورة الإعسار، مع احتمال الأولين منها الحمل على نفي الإثم
خاصة، دون نفي السراية.
والجمع بينهما بالحمل على القول الآتي وإن كان ممكنا إلا أن هذا أقرب

(1) المصدر السابق: الحديث 7 و 11 و 1.
(2) المصدر السابق: الحديث 7 و 11 و 1.
(3) المصدر السابق: الحديث 7 و 11 و 1.
(4) الوسائل 16: 22، الباب 18 من أبواب كتاب العتق الحديث 5 و 6 و 8 و 10.
(5) الوسائل 16: 22، الباب 18 من أبواب كتاب العتق الحديث 5 و 6 و 8 و 10.
(6) الوسائل 16: 22، الباب 18 من أبواب كتاب العتق الحديث 5 و 6 و 8 و 10.
(7) الوسائل 16: 22، الباب 18 من أبواب كتاب العتق الحديث 5 و 6 و 8 و 10.
337

وأرجح جدا، للشهرة، وحكاية الإجماع المتقدمة، وتعدد ما دل عليه من
النصوص المعتبرة (1).
وكيف كان لا محيص من الجمع بين هذه الأخبار المطلقة بأحد الأمرين،
لعدم ظهور قائل بإطلاق شئ منها في البين، إلا ما يحكى في الكفاية عن
الحلبي من الفتوى بمضمون الرواية الأخيرة من إطلاق الحكم على العبد
بالسعاية، ووجوه القدح فيها ظاهرة، ولعله لذا لم يحك عن أحد من الأصحاب
المصير إليه بالكلية.
* (وقيل) * كما عن الشيخ في صريح (2) النهاية والقاضي: إنه * (إن قصد) *
بعتقه * (الإضرار) * على الشريك * (فكه إن كان موسرا وبطل العتق إن كان
معسرا، وإن قصد القربة) * خاصة * (لم يلزمه فكه) * وإن استحب * (وسعى
العبد في حصة شريكه (3) فإن امتنع العبد) * عن السعاية أو لم يكن له عليها
قدرة * (استقر ملك الشريك على حصته) * للصحيح: " رجل ورث غلاما وله
فيه شركاء فأعتق لوجه الله تعالى نصيبه، فقال: إذا أعتق نصيبه مضارة وهو
موسر ضمن للورثة، وإذا أعتق لوجه الله كان الغلام قد أعتق من حصة من
أعتق، ويستعملونه على قدر ما أعتق منه له ولهم، فإن كان نصفه عمل لهم
يوما وله يوم، وإن أعتق الشريك مضارا وهو معسر فلا عتق له، لأنه أراد أن
يفسد على القوم ويرجع القوم على حصتهم " (4).
وبه جمع بين الأخبار المطلقة المتقدمة، بحمل ما دل منها على السراية على
ما إذا قصد الإضرار، وما دل منها على عدمها على ما إذا قصد القربة خاصة.

(1) المصدر السابق: 21، الباب 18.
(2) في " ش ": كما عن الشيخ في الخلاف وصريح.
(3) في المتن المطبوع: الشريك.
(4) الوسائل: 16: 23، الباب 18 من أبواب كتاب العتق الحديث 12.
338

وهو وإن أمكن - كما تقدم - إلا أن الجمع بما مر أظهر، لقلة التقييد فيما دل
على الإطلاق على السراية على هذا دون ما ذكره، لزيادة تقييد فيه بقصد
الإضرار. والأصل عدمه، مضافا إلى ما مر من وجوه الترجيح الأخر، مضافا
إلى قصور الصحيح المفصل بما ذكر عن إفادة جميع ما حرره، لإشعار ذيله
باختصاص بطلان العتق في صورته بحصص الشركاء خاصة، لا بطلانه
بالكلية كما ذكره، ودل عليه قوله (عليه السلام): " فلا عتق له قبيله "، وعدم دلالته على
وجوب السعي على العبد في صورته، وانعتاقه بسعايته، لدلالته على بقاء رقية
نصيب الشريك وحصته.
وتقييده بأحد ما مر في بعض الأخبار المفصلة بغير ما اختاره المتضمنة لما
يرد عليه نحو هذه المناقشة فرع وجود دلالة عليه، أو قرينة، وليست
بموجودة، ولا كذلك ثمة، لوجودها عليه بلا شبهة، للإجماع على أنه حيث
صح عتق المعتق في نصيبه ولم يسر عليه في نصيب شريكه يجب على العبد
السعاية إن أمكنه، وإلا فيستخدم بقدر الحصة، ولا إجماع في هذه الصحيحة لو
حمل الحكم فيها في هذه الصورة على إطلاقه، بل يختص بما إذا قيد بصورة
إعسار المعتق خاصة، مع أن سياقها وصريح القائل بها يدفع التقييد بها
ويثبتان الحكم مطلقا.
اللهم إلا أن يبدل الإجماع بالصحيح: عن رجلين كان بينهما عبد فأعتق
أحدهما نصيبه، قال: إن كان مضارا كلف أن يعتقه كله، وإلا استسعى العبد
في النصف (1).
ويذب عن إطلاق صدره الشامل لما إذا كان معسرا بتقييده بما إذا كان
موسرا، للصحيح الماضي.

(1) الوسائل 16: 21، الباب 18 من أبواب كتاب العتق الحديث 2.
339

والعجب من (1) الشيخ (2) حيث حمل الأخبار المفصلة على التفصيل الذي
ذكره، بحمل صدرها الدالة على السراية مع السعة بصورة قصد الإضرار،
وتقييد ذيلها الدال على السعاية بصورة قصد القربة خاصة، مع أنه كما ترى
يوجب التفكيك بين موردهما، والحال حصول ما يقرب من القطع بوحدة
الموردين بحكم السياق جدا.
وبالجملة ما ذكره الأكثر أظهر، وضعف هذا القول أظهر من أن يذكر، سيما
مع ما يرد عليه في الحكم بصحة العتق مع نية الإضرار واليسار من الإشكال،
لمنافاته الإخلاص، وإن ذب عنه جماعة منهم الفاضل في المختلف، بحمل نية
الإضرار على ما لا ينافي القربة، وهو ما لو كانت تابعة للقربة وكون القربة
بالذات مقصودة، لا صورتي العكس وتجردها عن القربة، لفساد العتق فيهما
بلا شبهة.
ثم إنه على المختار في وقت الانعتاق خلاف، فبين من جعله وقت العتق
كالحلي، ومن جعله وقت أداء القيمة كالأكثر كما يستفاد من عباراتهم المحكية
في المختلف، ومن جعله وقت العتق لكن مراعى بالأداء إن حصل تبين
الانعتاق حينه وإلا فلا عتق في نصيب الشريك، وخير هذه الأقوال أوسطها،
استصحابا لعدم العتق السابق إلى حين الأداء، والتفاتا إلى الإجماع عليه،
المستفاد من ظاهر المرتضى، وأول الصحيحين المتقدم سندا للأكثر فيما سبق،
المتضمن لقوله (عليه السلام): " فليشتره من صاحبه فيعتقه كله " (3) لعطف الإعتاق فيه
على الشراء بإلغاء المقتضي لتعقبه عن الأداء، وهو ينافي العتق سابقا.
هذا، مضافا إلى التأيد بما قيل: من أن للأداء مدخلا في العلية، ولهذا

(1) في المخطوطات: عن.
(2) التهذيب 8: 220، ذيل الحديث 787.
(3) الوسائل 16: 21، الباب 18 من أبواب كتاب العتق الحديث 3.
340

لا ينعتق مع الإعسار، وأنه لو انعتق بالإعتاق لزم الإضرار بالشريك، بتقدير
هرب المعتق وتلف ماله.
ويتفرع على الخلاف فروع جليلة، ذكرها الأصحاب في كتبهم المبسوطة.
وظاهر الصحيحة - كما ترى - اعتبار الشراء حقيقة، إلا أن في المسالك:
أن المراد به أداء القيمة لا حقيقتها إجماعا. وفي دعواه الإجماع عليه مع تعبير
كثير من الأصحاب بعين ما في الرواية من دون قرينة صارفة مناقشة، لكنه
أعرف بمراد الجماعة.
ثم ظاهرها أيضا اعتبار الإعتاق ثانيا بعد الشراء. ونحوها في هذا عبائر
كثير من القدماء، كالنهاية والقاضي والصدوق. ولكن ظاهر متأخري
الأصحاب عدم الخلاف في حصول الانعتاق قهرا بمجرد أداء القيمة، وهو
الظاهر من عبائر كثير من القدماء، كالمفيد والحلي والمرتضى، بل ظاهره
الإجماع عليه، كما يستفاد من عبارته التي ادعى فيها في أصل المسألة إجماعنا.
فينبغي صرف الإعتاق في الرواية وكلام هؤلاء الجماعة إلى الانعتاق.
ولو احتيط بالظاهر لكان أحوط.
* (وإذا أعتق) * المولى أمته * (الحامل) * برق * (تحرر الحمل) * مطلقا * (ولو
استثنى رقه لرواية السكوني) *: " في رجل أعتق أمته وهي حبلى فاستثنى
ما في بطنها، قال: الأمة حرة وما في بطنها حر، لأن ما في بطنها منها " (1)،
وأفتى بها في النهاية، وتبعه القاضي وابن حمزة، وحكى في المختلف وغيره عن
ظاهر الإسكافي.
* (وفيه مع ضعف السند) * به وبالنوفلي، والموافقة للعامة كما في المسالك
والمختلف وغيرهما من كتب الجماعة، وربما يؤيده مصير الإسكافي إليه،

(1) الوسائل 16: 67، الباب 69 من أبواب كتاب العتق الحديث 1.
341

وكون الراوي من قضاة العامة * (إشكال، منشؤه عدم القصد إلى عتقه) * سيما
مع استثنائه، مع عدم كونه جزء من أمته على الأشهر الأظهر، كما في كتاب
البيع قد مر.
فكيف يسري عتقه إليه! مع أن الأصل عدمها، وأدلتها لا تشمل مفروض
المسألة، لاختصاصها بسراية العتق في الإشقاص لا الأشخاص، ولذا اختار
الحلي وعامة المتأخرين خلافه. وهو في غاية القوة، سيما مع اعتضاده بما يأتي
من المعتبرة (1) الواردة في نظير المسألة من تدبير الأمة الحامل، الدالة على عدم
السراية إلى ولدها، إما مطلقا كما في بعضها، أو بشرط عدم علم المولى بما في
بطنها كما في آخر منها (2).
فلا وجه لما يستفاد من العبارة هنا وفي الشرائع من التردد في المسألة، سيما
مع الاعتراف بضعف السند والمخالفة للقاعدة.
* (وأما) * العتق ب‍ * (العوارض) * التي تعرض المملوك فيحصل بأمور:
منها * (العمى، والجذام، وتنكيل المولى لعبده) * بقطعه أنفه أو لسانه أو أذنيه أو
شفتيه أو نحو ذلك بلا خلاف في الأولين، بل في ظاهر المسالك والروضة
وغيرهما الإجماع عليهما. وهو الحجة، مضافا إلى المستفيضة في الأول:
منها الصحيح إذا عمى المملوك فقد عتق (3).
والخبر المنجبر ضعفه أو قصوره - كما عدا الصحيحة من المستفيضة -
بالعمل في الثاني، وفيه: إذا جذم المملوك فلا رق عليه (4). وألحق به البرص
ابن حمزة والحجة عليه مع مخالفته الأصل غير واضحة.

(1) الوسائل 16: 75، الباب 5 من أبواب كتاب التدبير.
(2) الوسائل 16: 76، الباب 5 من أبواب كتاب التدبير الحديث 3.
(3) الوسائل 16: 27، الباب 23 من أبواب كتاب العتق الحديث 1 و 2.
(4) الوسائل 16: 27، الباب 23 من أبواب كتاب العتق الحديث 1 و 2.
342

وعلى الأظهر الأشهر في الثالث، للنصوص المستفيضة.
منها الصحيح المروي في الفقيه عن أبي بصير بطريق حسن، وصحيح
ولا اشتراك فيه على الأشهر الصحيح: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) فيمن نكل
بمملوكه أنه حر لا سبيل له عليه سائبة، الحديث (1).
ومنها المرسل فيه أيضا: في امرأة قطعت يدي [ثدي خ ل] وليدتها أنها
حرة لا سبيل لمولاتها عليها (2). ونحوهما خبران آخران (3)، منجبران
- كالثالث - بالشهرة العظيمة، التي لا مخالف لها عدا الحلي، وتبعه الماتن في
الشرائع، لكن على تردد ولا وجه له، عدا الأصل، وضعف المستند. ويندفعان
بما مر على طريقة الماتن والأكثر، لكن يشكل دفعهما على طريقة الحلي، لكونه
من الآحاد الغير المعمول عليها عنده وإن انجبر بعمل الأكثر، لكن ضعف هذه
الطريقة أوضح من أن يذكر.
* (وألحق الأصحاب) * بالعوارض الثلاثة في حصول العتق بها قهرا
* (الإقعاد) * والزمانة. وفي نسبة ذلك إلى الأصحاب إيذان بعدم وقوفه على
دليله من نص أو غيره سوى الإجماع المحكي عن الخلاف.
والمستفاد من ظاهر عبارته كغيره - ولعله كاف في الحجية، سيما مع
اعتضاده بدعوى ظاهر المسالك - عدم الخلاف فيه، حيث قال بعد ذلك الحكم
فيه: لكن لا يظهر فيه مخالف حتى ابن إدريس وافق عليه، لشبهة أنه إجماع.
هذا، مع ما في المختلف عن الإسكافي أنه قال: وفي حديث أهل
البيت (عليهم السلام): أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إذا عمي المملوك أو جذم فلا رق عليه،

(1) الفقيه 3: 142، الحديث 3519.
(2) الوسائل 16: 26، الباب 22 من أبواب كتاب العتق الحديث 3.
(3) المصدر السابق: 26، الباب 22.
343

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): إذا أصابه زمانة في جوارحه وبدنه ومن نكل
بمملوكه فهو حر لا سبيل عليه سائبة.
وهو كما ترى ظاهر الدلالة على وجود رواية فيه، لكنها مرسلة، إلا أنها
لا تقصر عن المراسيل السابقة، فتكون حجة بعد الانجبار بالشهرة العظيمة.
وبالجملة * (فمتى حصل أحد هذه الأسباب فيه) * أي في المملوك
* (انعتق) * على مولاه قهرا كما مضى * (وكذا) * ينعتق عليه قهرا * (لو أسلم العبد
في دار الحرب سابقا على مولاه) * وخرج إلينا قبله إجماعا، كما في صريح
المختلف، وظاهر غيره. وهو الحجة، مضافا إلى الخبر: أيما عبد خرج إلينا قبل
مولاه فهو حر، وأيما عبد خرج إلينا بعد مولاه فهو عبد (1).
وكذا إن لم يخرج كما في المختلف عن ظاهر المبسوط، وفي المسالك والتنقيح
عن صريح الحلي، ولكن في النسخة الموجودة عندي من المختلف نسب إليه
خلافه، وهو البقاء على الرقية، كما هو المشهور بين الطائفة، واستند لهم
- ككثير من الأصحاب - بالاستصحاب، وظاهر الرواية السابقة. وللمبسوط
بآية نفي السبيل (2). وأجابوا عنها بما لا يخلو عن مناقشة، كاستنادهم بالرواية.
وتحقيق الكلام في المسألة يطلب من كتاب الجهاد، فإنه محله.
* (وكذا لو كان العبد وارثا) * لقريبه * (و) * الحال أنه * (لا وارث) * له
* (غيره دفعت قيمته إلى مولاه) * وعتق قهرا بلا خلاف، بل عليه في ظاهر
الكفاية وغيره الإجماع عليه. وهو الحجة، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة،
وفيها الصحيح وغيره، يأتي إليها وإلى ما يتعلق بالمسألة الإشارة في كتاب
المواريث، فإنه محله.
* * *

(1) الوسائل 11: 89، الباب 44 من أبواب جهاد العدو الحديث 1.
(2) النساء: 141.
344

كتاب التدبير
والمكاتبة والاستيلاد
345

* (كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد) *
* (أما التدبير) *
وهو تعليق العتق على الوفاة، إما مطلقا كما في المفاتيح وغيره، أو وفاة
المولى خاصة كما عليه الحلي، أو وفاة المجذوم والزوج أيضا كما عليه الأكثر،
وسيظهر في آخر هذا البحث أنه أظهر.
وكيف كان * (فلفظه الصريح: أنت حر بعد وفاتي) * وإذا مت فأنت حر
أو عتيق أو معتق أو نحو ذلك. وفي المسالك وغيره أن المعتبر في هذا الإيقاع
التلفظ به بلفظ صريح في معناه فلا يقع بالكناية عندنا وإن قصد. وفيه إشعار
بل ظهور بالاتفاق، مع أنهما حكيا في وقوعه بأنت مدبر أو دبرتك، مقتصرا
عليه أقوالا ثلاثة:
ثالثها القول بكونهما كناية يقع بهما التدبير مع النية، ونسب إلى الإسكافي
والقاضي.
إلا أن يقال: بعدم القدح في الإجماع بخروج معلوم النسب عندنا.
فتأمل جدا.
وفي مقابل هذا القول قولان آخران.
347

أحدهما: الحكم بتحقق العتق بهما، كما عن المبسوط والفاضل، واختاره
جمع كثير، قالوا: لأن التدبير ظاهر في معناه مشهور عند كل أحد كالبيع
وأمثاله، حتى أن التدبير كان معروفا في الجاهلية وقرره صاحب الشريعة،
ولا يخلو عن قوة إن كانت دعوى الظهور لغة أو عرفا صحيحة.
وإلا فالقول الثاني وهو المنع عن الوقوع بهما مطلقا أقوى، لاستصحاب
بقاء الرق اللازم سابقا، ونسب إلى الخلاف والماتن.
ثم إنه كما يقع مطلقا كذا يجوز مقيدا، كقوله: إذا مت في سفري هذا أو
مرضي هذا أو سنتي هذه أو قتلت أو نحو ذلك على قول مشهور في الظاهر
مصرح بشهرته في الكفاية، قيل: خلافا للمبسوط، وفي الخبر: رجل قال:
إن حدث بي حدث في مرضي هذا فغلامي فلان حر، قال: يرد من وصيته
ما يشاء ويجيز ما يشاء (1).
أما تعليقه على شرط أو صفة فالمشهور عدم جوازه. خلافا للإسكافي.
* (ولا بد فيه من) * القصد و * (النية) * بلا خلاف أجده، بل عليه الإجماع في
صريح الانتصار، وظاهر غيره، فلا يقع من الساهي، ولا الغافل، ولا النائم.
* (ولا حكم لعبارة الصبي) * مطلقا * (ولا المجنون) * كذلك * (ولا السكران،
ولا المحرج) * بالحاء المهملة، وهو الملجأ إلى التدبير * (الذي لا قصد له) *
بلا خلاف، إلا في الصبي المميز ذي العشر فجوز، وقد مر مع الجواب عنه.
والوجه في الجميع واضح.
* (وفي اشتراط القربة تردد) * واختلاف، فبين معتبر لها كالمرتضى والحلي
والفاضل في ظاهر المختلف وادعى عليه الأول إجماع الإمامية، وبين ناف لها

(1) الوسائل 13: 387، الباب 18 من أبواب الوصايا الحديث 8.
348

كالشيخ والشهيدين وتبعهم من متأخري المتأخرين جماعة، مستندين
إلى الأصل.
ولا ندري ما يعنون به فإن عنوا به أصالة الصحة مع قطع النظر عن
إطلاق الأدلة فالمناقشة فيه واضحة، لعدم أصل لهذا الأصل، بل الأدلة على
خلافه، وهو أصالة الفساد قائمة، وإن عنوا به الإطلاق فحسن إن وجد منه ما
يجدي فائدة وليس، إذ ليس هنا سوى إطلاقات الأخبار الواردة في بيان
حكم غير محل المسألة، فتكون بالإضافة إليه مجملة، كما برهن في محله،
ومر غير مرة. فلا جدوى لمثل هذا الإطلاق، ولا فائدة.
فإذا القول الأول لا يخلو عن قوة، سيما مع حكاية الإجماع المتقدمة التي
هي بنفسها حجة مستقلة، مضافا إلى ما يستفاد من تضاعيف الأخبار من
كونه عتقا حقيقيا، فيشمله عموم ما دل على أنه: لا عتق إلا ما أريد به وجه
الله سبحانه (1)، وفي الصحيح: إن كان على مولى العبد دين فدبره فرارا من
الدين فلا تدبير له، وإن كان في صحة وسلامة - أي من الدين كما فهمه جماعة -
فلا سبيل للديان - أي الديان الذي حصلوا بعد التدبير - عليه ويمضي تدبيره.
وبنى خالي العلامة (رحمه الله) في حاشيته المنسوبة إليه على هذه الرواية فساد
التدبير مع قصد الفرار على اشتراط القربة الغير الحاصلة معه، فتكون الرواية
شاهدة على اشتراطها وإن لم تبلغ درجة الحجية بحسب الدلالة، لعدم خلو
البناء عن مناقشة.
ويتفرع عليهما تدبير الكافر لعبده مطلقا وتدبير العبد الكافر، فيصحان
على القول الثاني دون الأول. وعلى الفساد في الفرع الأول ادعى المرتضى
الإجماع، مضافا إلى الإجماع المتقدم.

(1) الوسائل 16: 6، الباب 4 من أبواب كتاب العتق الحديث 1.
349

واعلم أن المعروف من مذهب الأصحاب من غير خلاف يعرف - كما
صرح به في الكفاية - أن المدبر باق على ملك المولى، فله التصرف فيه
بالاستخدام والبيع ونحوهما، والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة معتضدة بالأصل
مع عدم تضمن التدبير ما يدل على خروجه عن الرقية، لأنه عدة بالحرية
بعد الوفاة لا تنجيز لها حال الحياة.
منها الصحيح: هو مملوكه إن شاء باعه، وإن شاء أعتقه، وإن شاء أمسكه
حتى يموت، فإذا مات السيد فهو حر من ثلثه (1).
والخبر: في المدبر والمدبرة يباعان يبيعهما صاحبهما في حياته، فإذا مات
فقد عتقا، لأن التدبير عدة وليس بشئ واجب، فإذا مات كان المدبر من ثلثه
الذي يترك، وفرجها حلال لمولاها الذي دبرها، وللمشتري الذي اشتراها
حلال لشرائه قبل موته (2).
ومنها المعتبرة في جواز بيعه إذا احتاج إلى ثمنه.
أحدها الصحيح: عن رجل دبر مملوكا له ثم احتاج إلى ثمنه، فقال: هو
مملوكه إن شاء باعه، وإن شاء أعتقه، وإن شاء أمسكه حتى يموت، فإذا مات
السيد فهو حر من ثلثه (3). ونحوه الموثق (4) وغيره. والمعارض (5) الدال على
المنع محمول على الاستحباب.
ويستفاد من إطلاق الصحيح الأول وصريح الخبر الذي بعده أنه إن كان
أمة كان لمولاها وطؤها، ويدل عليه أيضا صريح الموثق كالصحيح بفضالة
وأبان، بل ربما عد من الصحيح: عن الرجل يعتق جاريته عن دبر أيطأها إن

(1) الوسائل 16: 71، الباب 1 من أبواب كتاب التدبير الحديث 1 و 2.
(2) الوسائل 16: 71، الباب 1 من أبواب كتاب التدبير الحديث 1 و 2.
(3) الوسائل 16: 71، الباب 1 من أبواب كتاب التدبير الحديث 1 و 2.
(4) المصدر السابق: 79، الباب 8 الحديث 3.
(5) المصدر السابق: 72، الباب 1 الحديث 1.
350

شاء أو ينكحها أو يبيع خدمتها حياته؟ فقال: نعم أي ذلك شاء فعل (1).
* (ولو حملت هذه المدبرة من مولاها لم يبطل تدبيرها) * بل اجتمع لعتقها
سببان التدبير والاستيلاد * (وتنعتق بوفاته من الثلث) * بالأول، لسبقه، فإن
لم يف الثلث ضم إليه الثاني.
* (ولو حملت من غيره بعد التدبير) * حملا يدخل في ملك المولى * (فالولد
مدبر كهيئتها) * بلا خلاف أجده، والنصوص به مع ذلك مستفيضة:
منها الصحيح أولاده منها كهيئتها، فأما إذا مات الذي دبر أمهم فهم
أحرار، الحديث (2).
وإطلاق بعضها - كالعبارة هنا وفي الشرائع وغيرهما من كتب الجماعة -
يقتضي عدم الفرق في الأولاد بين الملحقين بها شرعا، كالمتولدين منها بعقد
أو شبهة، أو غيرهم كالمتولدين منها من زنا. ولا خلاف في الأول ولا إشكال.
واستشكل جماعة في الثاني، ولعله في محله، للأصل، وعدم المخرج عنه سوى
الإطلاق المتقدم، وهو لا ينصرف بحكم الغالب، والأصل في أفعال المسلمين
إلى محل الفرض.
فالأحوط عدم الاكتفاء في تدبيرهم بتدبير أمهم، بل يدبرون تدبيرا آخر،
والأحوط التزامه أيضا مهما أمكن.
* (ولو رجع المولى في تدبيرها) * جاز بلا خلاف، لما يأتي، مضافا إلى
خصوص الصحيح: قلت: أيجوز للذي دبر أمهم أن يرد في تدبيره إذا احتاج؟
قال: نعم، قلت: أرأيت إن ماتت أمهم بعد ما مات الزوج وبقي أولادها من
الزوج الحر أيجوز لسيدها أن يبيع أولادها ويرجع عليهم في التدبير؟ قال: لا،

(1) الوسائل 16: 74، الباب 3 من أبواب كتاب التدبير الحديث 1.
(2) الوسائل 16: 75، الباب 5 من أبواب كتاب التدبير الحديث 1.
351

إنما كان له أن يرجع في تدبير أمهم إذا احتاج ورضيت هي بذلك (1).
وهو كما ترى صريح في أنه * (لم يصح رجوعه في تدبير الأولاد) * الذين
دبروا بتدبير أمهم مطلقا لا في تدبير أمهم ولا منفردا، وعليه الشيخ والقاضي
وابن حمزة، ونسبه إلى الأكثر على الإطلاق في الكفاية، وعن الخلاف أن عليه
إجماع الفرقة. وهو حجة أخرى مستقلة بعد الرواية.
* (وفيه قول آخر) * بالصحة للحلي وجماعة ونسب إلى أكثر متأخري
الطائفة، للعمومات الدالة على أن التدبير وصية، وأنها يجوز فيه الرجعة،
وللأولوية المستفادة من جواز الرجوع في تدبير الأم، لأن تدبيرهم فرع
تدبيرها، فلا يزيد على أصله.
وهو * (ضعيف) * للزوم العدول عن العموم بالتخصيص بالنص الصحيح
الصريح، المعتضدة بالشهرة المطلقة المحكية، وحكاية الإجماع المتقدمة. وضعف
الأولوية بوضوح الفرق بما ذكره جماعة - منهم الفاضل المقداد في شرح
الكتاب والشهيد الثاني - من أن تدبير الأصل إنما هو بفعل المالك فجاز له
الرجوع، بخلاف تدبير الولد فإنه بالسراية، فلا اختيار فيه له.
والمسألة لا تخلو عن شبهة، لإمكان الذب عن الجوابين.
فعن الأول: بأن لزوم التخصيص إنما هو بعد التكافؤ المفقود في الصحيح،
لتضمنه ما لا يقول به المشهور من رقية ولد الزوج الحر، وتوقف الرجوع في
تدبير الأم على رضاها، والاحتياج والذب عن الأول بتقييده بصورة اشتراط
رقية الولد.
وعن الثاني: بالحمل على الاستحباب لا يدفع الوهن الموجب، لعدم
التكافؤ.

(1) الوسائل 16: 78، الباب 7 من أبواب كتاب التدبير الحديث 1.
352

مع عدم تمامية الذب عن الأول: بما مر على الأصح من عدم إفادة
الاشتراط الرقية، كما مر في النكاح، ولا يجبر هذا الوهن الشهرة المحكية،
لكونها بالشهرة المتأخرة معارضة، ولا حكاية الإجماع المتقدمة، لأنها شهرة
الخلاف بين متأخري الطائفة. وعدم ظهور قائل بالمنع عن الرجوع سوى
الناقل له وبعض من تبعه ممن تقدم إليه الإشارة موهونة، مضافا إلى نسبة
الحلي جواز الرجوع إلى مقتضى مذهب الإمامية.
وعن الثاني: بأن غايته على تقدير تسليمه نفي الأولوية، وهو لا يستلزم
انتفاء الحجة على جواز الرجعة بالكلية، فإن العمومات - كما عرفت - بعد
بحالها باقية. فتأمل.
وبالجملة فالاحتياط لازم في المسألة وإن كان القول الأول لا يخلو
عن قوة.
* (ولو أولد) * العبد * (المدبر من مملوكه) * ولدا يملكهم مولاه * (كان أولاده
مدبرين) * (1) كهيئته بلا خلاف ظاهر، للصحيح: في رجل دبر مملوكا له تاجرا
مؤسرا فاشترى المدبر جارية فمات قبل سيده، فقال: أرى أن جميع ما ترك
المدبر من مال أو متاع فهو للذي دبره، وأرى أن أم ولده للذي دبره، وأرى
أن ولدها مدبرون كهيئة أبيهم (2).
* (و) * يستفاد منه ومن الصحيحة المتقدمة في عدم جواز الرجوع في تدبير
أولاد الأمة المدبرة أنه * (لو مات الأب) * أو الأم * (قبل المولى لم يبطل تدبير
الأولاد) * مضافا إلى الأصل، وعدم ثبوت بطلان تدبيرهم بموتهما، وبطلان
تدبيرهما بموتهما إنما هو لفوات متعلق التدبير بالنسبة إليهما، وهو غير حاصل

(1) في المتن المطبوع: كان ولده مدبرا.
(2) الوسائل 16: 77، الباب 6 من أبواب كتاب التدبير الحديث 1.
353

في تدبيرهم، ولا ملازمة بين تدبيرهما وتدبيرهم نصا، سيما على القول بجواز
الرجوع في تدبيرهما دونهم.
* (وعتقوا بعد موت المولى من ثلثه، ولو قصر) * الثلث عن قيمتهم * (سعوا
فيما بقي منهم) * لأنه من لوازم التدبير، كما سيأتي، وللحسن: عن جارية أعتقت
عن دبر من سيدها، قال: فما ولدت فهم بمنزلتها وهم من ثلثه، فإن كانوا
أفضل من الثلث استسعوا في النقصان، الحديث (1).
* (ولو دبر) * الأمة * (الحبلى) * بمملوك له * (لم يسر) * التدبير * (إلى ولدها) *
مطلقا، علم حين تدبيرها بحبلها، أم لا على الأشهر الأقوى، ونسبه في موضع
من المبسوط إلى روايات أصحابنا، وفي آخر منه إلينا، مشعرا بأن عليه
إجماعنا، وكذا الحلي نسبه إلى مقتضى مذهبنا.
ويدل عليه - بعد الإجماع الظاهر النقل من مجموع هذه النسب - الموثق
بعثمان - المجمع على تصحيح رواياته، كما مر في غير مكان -: عن امرأة دبرت
جارية لها فولدت الجارية جارية نفيسة فلم تدر المرأة المولود مدبر أو غير
مدبر، فقال لي: متى كان الحمل بالمدبر قبل أن دبرت أو بعد ما دبرت؟ فقلت:
لست أدري، ولكن أجبني فيهما، فقال: إن كانت المرأة دبرت وبها حبل ولم
تذكر ما في بطنها فالجارية مدبرة والولد رق، وإن كان إنما حدث الحمل بعد
التدبير فالولد مدبر في تدبير أمه (2).
مضافا إلى الأصل، وعدم المخرج عنه سوى تدبير الأم، ولا دلالة فيه على
تدبير الولد بوجه من الدلالات الثلاث، لتغاير الأمة وحملها، وعدم كونه جزء
منها لغة وعرفا، ولذا لا يتبعها في البيع ونحوه على الأشهر الأقوى (3)، مضافا

(1) الوسائل 16: 76، الباب 5 من أبواب كتاب التدبير الحديث 4.
(2) الوسائل 16: 75، الباب 5 من أبواب كتاب التدبير الحديث 2.
(3) في " م ": الأظهر.
354

إلى الاتفاق هنا ولو في الجملة على عدم الجزئية قطعا.
كيف! ورقيته مع عدم العلم به حين التدبير مجمع عليه بيننا وإن حكي في
المبسوط المخالفة لنا عن العامة العمياء، حيث حكموا بالدخول مطلقا.
* (و) * لكن * (في رواية) * حسنة (1) عمل بها الإسكافي والشيخ في النهاية
وتبعه القاضي وابن حمزة وربما نسبها في المفاتيح إلى الأكثر - وهو خطأ
بلا شبهة -: أنه * (إن علم بحبلها فما في بطنها بمنزلتها) * وإن كان لا يعلم فما
في بطنها رق.
وهي مع قصورها عن المقاومة لما مضى من الموثق من حيث السند على
الأقوى، واعتباره دون هذه بالشهرة المتحققة والمحكية في كلام جماعة
كالمسالك والكفاية، والإجماع الظاهر من مجموع النسب المتقدمة، والأصل
القطعي المتقدم إليه الإشارة، مع زيادة بعد فيه عن طريقة العامة دون هذه
الحسنة. فتقييده مع ما هو عليه من القوة والاعتبار بما مضى بها - مع ما هي
عليه من عدم التكافؤ له جدا - ضعيف قطعا، سيما مع بعده عن سياقه،
وإمكان الجمع بينهما، بحمل هذه الحسنة فيما دلت عليه من السراية في صورة
العلم على ما إذا كانت هناك قرينة على إرادة تدبير الحمل من عرف أو عادة،
وهو قريب لولاه لزم خلو الحكم بالسراية بمجرد العلم عن السبب والحكمة،
وكونه تعبدا محضا، ولعله بعيد جدا.
فهذا القول ضعيف غايته، كالمحكي في المسالك والكفاية وغيرهما من كتب
الجماعة من القول بإطلاق السراية، مع أنهم لم يشيروا إلى قائله، ولعله العامة،
كما صرح به في المبسوط والخلاف (2)، وتقدم إليه الإشارة، والقاضي كما

(1) الوسائل 16: 76، الباب 5 من أبواب كتاب التدبير الحديث 3.
(2) المبسوط 6: 176، والخلاف 6: 416، المسألة 15.
355

يستفاد من عبارته المحكية في المختلف، لكن فيه قبل الحكاية نسبه إلى متابعة
الشيخ في النهاية (1)، ولعله قول آخر له، وإلا لتنافت النسبة مع صريح عبارته
المحكية.
* (ويعتبر في) * المولى * (المدبر جواز التصرف) * برفع الحجر عنه ببلوغه
وعقله ورشده ومالكيته * (والاختيار والقصد) * إلى إيقاعه بلا خلاف فتوى
ونصا.
ولقد كان فيما ذكره سابقا من قوله: " ولا بد فيه من النية " إلى قوله: " وفي
اشتراط القربة " غنى عن ذكر هذه الشروط جملة، فلا وجه للإعادة مرة ثانية.
نعم يمكن تخيله لذكر شرط الأول وهو إخراج العبد والسفيه، لعدم
خروجهما بما ذكر سابقا، ولكن يبقى ذكر الأخيرين خاليا عن الوجه أصلا،
بعد معلوميتها مما ذكر سابقا. فتأمل جدا.
* (وفي صحته) * أي التدبير * (من الكافر تردد) * (2) واختلاف، فبين
مصحح مطلقا كالشيخ وجماعة، ومانع كذلك كالحلي وغيره، ومفصل بين
الكافر المقر بالله المعتقد حصول التقرب به فالأول وغيره فالثاني كالفاضل
المقداد في التنقيح وغيره، ولعله أقرب إن كان عموم أو إطلاق يتبع على صحة
التدبير بقول مطلق كما مر في العتق.
ويظهر مما ذكر ثمة وجه التردد في المسألة، لكون التدبير ضربا من العتق
يشترط فيه القربة على الأصح، كما مر إليه الإشارة، فلا فرق بينهما من هذه
الجهة التي يبني عليها التردد هنا وثمة.
نعم يتحقق الفرق بينهما بزيادة وجه احتمال الصحة هنا قوة باحتمال كونه
وصية لاعتقا، فلا يشترط فيه القربة كما عليه جماعة، ويأتي على مختارهم

(1) المختلف: 635 س 30.
(2) في المتن المطبوع زيادة: أشبهه الجواز.
356

عدم التردد هنا، ولزوم اختيارهم الصحة مطلقا.
* (والتدبير) * المتبرع به * (وصية يرجع فيه المولى متى شاء) * إجماعا،
مستفيض النقل في كلام جماعة كالمرتضى والحلي والفاضلين المقداد والعلامة
وغيرهم من الجماعة. وهو الحجة، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة:
ففي الصحيح: هو بمنزلة الوصية يرجع فيما شاء منها.
وفي الموثق: عن المدبر أهو من الثلث؟ قال: نعم، وللموصي أن يرجع في
وصيته أوصى في صحة أو مرض.
وظاهره - كصريح العبارة - أنه وصية حقيقة.
والتحقيق أنه بمنزلتها لا عينها، كما في صريح الخبر الأول وفي الشرائع
وكلمة الأكثر، لرجحان الصحيح على الموثق، سيما مع صراحة الدلالة،
واعتضاده بغيره من النصوص وفتوى الأكثر، وأنه لو كان وصية محضة
لافتقر في عتقه بعد الموت إلى صيغة، والحال أنه صرح من الأصحاب جماعة
من دون ذكر خلاف بعدم الافتقار إليها. وهو الظاهر من تتبع الأخبار جملة.
ولكن أرى ثمرة الخلاف هيئة، لعدم ظهورها إلا في النذر وما شاكله،
فيتحقق الامتثال بالتدبير لو التزم وصية على ما في العبارة والموثقة، ولا على
المختار، بل لا بد من وصية أخرى حقيقة.
وهنا قول آخر هو أنه عتق معلق كما عن الحلي، وتشهد له النصوص،
ومر إلى تقويته الإشارة. ولا ينافيه كونه بمنزلة الوصية يجوز الرجوع فيه،
لاحتمال أن يكون ذلك من خصائص العتق المعلق.
وبالجملة الأقوال في المسألة ثلاثة: أحدها: أنه وصية كما في العبارة،
وثانيها: عتق معلق، وثالثها: إيقاع مستقل، لكنه بمنزلة الوصية في الأحكام من
نفوذه من الثلث وجواز الرجوع فيه، وعليه - كما عرفت - أكثر الطائفة.
357

وكيف كان * (فلو رجع قولا) * كأن قال: رجعت أو أبطلت أو نقضت أو
نحو ذلك * (صح) * قطعا. وكذا لو رجع بالفعل كالبيع والهبة والوقف والوصية
وإن لم يقبض ولم يقبل في الجميع صح أيضا إن صرح بقصد الرجوع به،
أو يكون متعلقه الرقية، فلا خلاف في شئ من ذلك وفي بقاء التدبير مع الفعل
لو صرح بكون متعلقه المنفعة، صرح بذلك الفاضل المقداد في شرح الكتاب.
* (أما لو باعه أو وهبه) * من دون تصريح بأحد الأمرين * (ف‍) * في صحتهما
وبطلان التدبير بهما * (قولان) *.
* (أحدهما) *: أنه يصح، و * (يبطل) * به * (التدبير وهو الأشبه) * وفاقا
للمرتضى في الناصرية والانتصار، مدعيا فيه إجماع الإمامية، وهو الظاهر من
عبارة الإسكافي المحكية في المختلف، وتبعهما الحلي وكثير من المتأخرين، بل
أكثرهم كالفاضلين والشهيدين وغيرهما، وحكي عن المبسوط وموضع من
الخلاف، مدعيا عليه الإجماع، لأنه وصية، أو بمنزلتها يجوز الرجوع فيه، كما
مضى. والبيع وما في معناه يتضمن الرجوع جدا، ولذا أبطلوا بهما الوصية.
هذا، مضافا إلى الإجماع المتقدم المعتضد بما في المختلف عن الحلي من جعل
ذلك من مقتضيات أصول مذهبنا، ومع ذلك المعتبرة مستفيضة بجواز بيعه، إما
مطلقا كما في بعضها، أو بشرط الحاجة كما في كثير منها، وفيها الصحيح
وغيره، وقد مر ذكرها في بيان كون المدبر رقا ونحوها غيرها. ومبنى
الاستدلال بها على حمل البيع فيها على الصحيح، المنصرف إلى الرقية دون
الخدمة، وكونه أعم من تقدم الرجوع وعدمه.
* (و) * القول * (الآخر) * للمفيد والنهاية والقاضي والحلبي ونسبه في التنقيح
إلى الأكثر: وهو أنه * (لا يبطل ويمضي البيع ويجوز في خدمته) * دون رقيته،
ويتخير المشتري مع عدم المعرفة، وكذا الهبة، للخبرين:
358

في أحدهما: إن أراد بيعها باع خدمتها حياته (1).
وفي الثاني: باع رسول الله (صلى الله عليه وآله) خدمة المدبر ولم يبع رقبته (2).
وللجمع بين ما دل على جواز البيع كالأخبار المتقدمة، وما دل على المنع
عنه كالصحيح: ليس له أن يبيعه إلا أن يشاء العبد أن يبيعه قدر حياته (3)
الخبر، بحمل الأول في الجواز بعد النقض أو كون المراد به بيع الخدمة لا الرقبة،
والثاني على المنع قبل النقض.
وفي الجميع نظر، لقصور الخبرين سندا بقاسم بن محمد وصاحبه في الأول
والسكوني ورفيقه في الثاني، ودلالة، فالأول بعدم النهي عن بيع الرقبة وإنما
غايته تجويز بيع المنفعة، وكذلك الثاني، فإن بيعه الخدمة غايته الجواز. وعدم
بيعه الرقبة أعم من المنع عنه وعدمه، فلا دلالة فيه على ممنوعيته. ونحوهما في
القصور سندا والضعف دلالة الموثق: عن الرجل يعتق جاريته عن دبر أيطؤها
إن شاء أو ينكحها أو يبيع خدمتها حياته؟ قال: أي ذلك شاء فعل (4).
هذا، مضافا إلى قصورهما مقاومة لما مر من وجوه شتى، لاعتضاده
بالكثرة والصحة والإجماعات المحكية.
وبهذا يجاب عن الجميع، مضافا إلى شذوذ المعارض وإن صح بحسب
السند، للدلالة على توقف بيع الخدمة على مشيئة العبد، ولم يقل به أحد
من الطائفة.
فكيف يمكن أن يعترض به إطلاق الأخبار السابقة! فتقيد به أو تصرف
عن ظاهرها. ولا ريب في فساده ولا شبهة، سيما مع احتمال وروده - كالخبرين
المتقدمين - على تقدير تسليم دلالتهما على المنع والتمامية على التقية عن جماعة

(1) الوسائل 16: 74، الباب 3 من أبواب كتاب التدبير الحديث 3.
(2) الوسائل 16: 74، الباب 3 من أبواب كتاب التدبير الحديث 4 و 2 و 1.
(3) الوسائل 16: 74، الباب 3 من أبواب كتاب التدبير الحديث 4 و 2 و 1.
(4) الوسائل 16: 74، الباب 3 من أبواب كتاب التدبير الحديث 4 و 2 و 1.
359

من العامة، منهم أبو حنيفة ومن تبعه، فإنهم قالوا: بالمنع عن بيع الرقبة كما في
الانتصار، ويشهد له كون راوي أحدهما السكوني، الذي هو من قضاة العامة.
هذا، مع ما في بيع المنفعة من الإشكال، فإن متعلق البيع الأعيان لا المنافع
مع جهالتها، فلا يمكن بيعها من هذه الجهة أيضا، فلا بد من طرح ما دل على
جواز بيعها، أو حمله على الصلح كما عن الحلي، أو الإجارة مدة معينة، فإذا
انقضت أجرة أخرى، وهكذا كما ذكره الفاضل في المختلف، وجمع فيه بين
الأخبار المجوزة للبيع والمانعة عنه، بحمل الأولة على التدبير المتطوع به كما هو
الفرض، والثانية على الواجب. وفيه بعد عن سياق الأخبار وإن كان حقا
محكيا عليه الإجماع في الانتصار.
وللصدوق والعماني قول آخر في المسألة هو جواز بيع خدمته دون رقبته
إلا بشرط العتق على المشتري، وزاد الأول عند موته أي المدبر، وله الصحيح:
في الرجل يعتق غلامه وجاريته عن دبر منه ثم يحتاج إلى ثمنه، قال: لا، إلا أن
يشترط على الذي يبيعه إياه أن يعتقه عند موته (1).
والجواب عنه كالجواب عما سبقه من القصور عن المقاومة لأدلة المختار،
فليطرح، أو يحمل على الاستحباب.
وأما الخبر: لا يباع المدبر إلا من نفسه (2) فمع ضعفه بوهب شاذ، غير
معلوم القائل لا منا ولا من المخالف، إلا ما يحكى في الانتصار من نسبته إلى
الأوزاعي، إلا أنه زاد بعد قوله: " من نفسه أو من رجل يجعل عتقه وولاه لمن
اشتراه ما دام الأول حيا فإذا مات الأول " إلى آخر ما ذكر.
* (والمدبر رق) * بلا خلاف فيه فتوى ورواية تقدم إلى ذكرهما الإشارة.

(1) الوسائل 16: 72، الباب 1 من أبواب كتاب التدبير الحديث 6.
(2) الوسائل 16: 75، الباب 4 من أبواب كتاب العتق الحديث 2.
360

* (ويتحرر بموت المولى من ثلثه) * لأنه وصية متبرع بها أو بمنزلتها كما
مضى فيكون بحكمها، مضافا إلى خصوص المعتبرة المستفيضة، المتقدم إليها
الإشارة في تضاعيف المباحث السالفة. وبها يصح الحكم على القول بكونه
عتقا معلقا لا وصية، فإن لم يف بها الثلث عتق منه بقدره، فإن كانوا جماعة
عتق منهم من يحتمله، وبدئ بالأول فالأول. ولو جهل الترتيب استخرج بالقرعة.
هذا إذا كان معلقا بموت المولى متبرعا به. فلو علقه بموت غيره وقلنا
بصحته ومات في حياة المولى وصحته أو مطلقا على القول بكون المنجزات
من الأصل مطلقا لم يعتبر من الثلث، إذ لا وجه له، فإنه كتعجيل العتق في حال
الحياة، والأخبار المطلقة - كالعبارة وعبائر أكثر الجماعة في كونه من الثلث -
محمولة على الغالب من كونه معلقا بموت المولى، مع أنه قد وقع التصريح به في
بعضها (1).
ولو مات المعلق على وفاته بعد موت المولى خاصة أو في مرضه أيضا إن
قلنا بخروج منجزات المريض من ثلثه فهو من الثلث، كالمعلق على وفاة المولى.
ولو كان واجبا بنذر وشبهه حال الصحة أو مطلقا فهو من الأصل مطلقا،
كان النذر بصيغة لله علي عتق عبدي بعد وفاتي ونحوه، أو بصيغة لله علي أن
أدبر عبدي، كما عن التحرير ونسبه في الدروس إلى ظاهر الأصحاب، مشعرا
بدعوى الإجماع عليه، وبانعقاده صرح في الانتصار. وهو الحجة، مضافا إلى
أن الغرض من مثل هذا النذر التزام الحرية بعد الوفاة لا مجرد الصيغة، كما
ذكره شيخنا في المسالك والروضة، تبعا لبعض العامة.
وعلى التقديرين لا يخرج بالنذر عن ملكه، فيجوز له استخدامه ووطئه
إن كان جارية.

(1) الوسائل 13: 389، الباب 19 من أبواب الوصايا، و 16: 78، الباب 8 من أبواب العتق.
361

نعم لا يجوز نقله عن ملكه إجماعا، كما في الانتصار وغيره، لاستلزام
الحنث في نذره.
فلو فعل صح، للعموم، مع عدم المخرج عنه سوى النهي الغير المستلزم
للفساد في المعاملات.
نعم يأثم وتلزمه الكفارة مع العلم، لا مع النسيان على الظاهر، لعدم
الحنث، وفي الجاهل وجهان.
* (والدين) * وما في معناه من الوصايا الواجبة والمتقدمة عليه لفظا
والعطايا المنجزة مطلقا * (مقدم على التدبير) * المتبرع به في الخروج من أصل
التركة مطلقا * (سواء كان سابقا على التدبير، أو متأخرا) * عنه، فإن استوعب
الدين التركة بطل التدبير على الأظهر الأشهر، بل لعله عليه عامة من تأخر،
وربما أشعر العبارة بالإجماع عليه. ولعله الحجة، مضافا إلى كونه وصية
متبرعا بها. ومقتضاها ذلك إجماعا، وعموم خصوص الخبر المنجبر ضعفه
بعمل الأكثر، وتضمن سنده قبل الضعيف ابن أبي نصر المجمع على تصحيح
رواياته، وفيه: أن أبي هلك وترك جاريتين قد دبرهما وأنا ممن أشهد لهما
وعليه دين كثير فما رأيك؟ فقال: قضاء دينه خير له إن شاء الله (1).
* (و) * لكن * (فيه رواية) * بل روايتان صحيحتان (2) * (بالتفصيل) * بين
سبق الدين على التدبير فالأول، وتأخره عنه فلا سبيل للديان عليه، وقد
عمل بها الشيخ في النهاية وتبعه القاضي، ولكنها * (متروكة) * غير مكافئة لما
قدمناه من الأدلة من وجوه عديدة، مضافا إلى ظهورهما في اشتراط قصد
الفرار في الحكم في الشق الأول، وهو دال بمفهومه على صحة التدبير مع عدم
هذا القصد، ولم يقل به أحد. فتأمل.

(1) الوسائل 16: 80 و 79، الباب 9 من أبواب كتاب التدبير الحديث 3 و 1 و 2.
(2) الوسائل 16: 80 و 79، الباب 9 من أبواب كتاب التدبير الحديث 3 و 1 و 2.
362

مضافا إلى ضعف الدلالة على أن منشأ الحكم بتقدم التدبير إنما هو تقدمه
على الدين، بل هي مجملة محتملة له، ولكون السبب عدم قصد الفرار، بل لعل
هذا أظهر منها، نظرا إلى سياقها، فإن متنها هكذا: إن كان على مولى العبد دين
فدبره فرارا من الدين فلا تدبير له، وإن كان دبره في صحة وسلامة فلا سبيل
للديان عليه، ويمضي تدبيره (1).
وهو كما ترى ظاهر في كون متعلق الصحة والسلامة هو نية الفرار لا
الدين، كما فهمه الجماعة. وعلى هذا فهي أعم من المدعى، لشمول الحكم بنفي
السبيل في صورته صورتي تقدم الدين وتأخره، فلا حجة على التفصيل
المزبور في مثل هذه الرواية المجملة المحتملة لما ذكر، ولوجه آخر، وهو كون
متعلق الصحة والسلامة المرض، لما مر.
وبتعينه صرح بعض الأصحاب، ولعله لتبادره من اللفظين حيث يطلقان.
وهو غير بعيد، لكنه مخالف السياق.
وعلى ما ذكره لعل الوجه فيه أنه في الصحة تأمل قضاء دينه بغيره مما
يحصل بعد، بخلافه في المرض.
* (ويبطل التدبير بإباق المدبر) * مطلقا، ذكرا كان أو أنثى من مولاه.
ولو ولد له في حال إباقه أولاد من أمة لسيده أو غيره حيث يلحق به
الولد أو حرة عالمة بتحريم نكاحه * (كان أولاده أرقاء) * مثله بلا خلاف
ظاهر كما في التنقيح والمسالك وغيرهما من كتب الأصحاب، بل عن صريح
الشيخ وظاهر الحلي الإجماع عليه. وهو الحجة، مضافا إلى الخبرين المنجبر
قصور سندهما بعمل الطائفة.
في أحدهما: رجل دبر غلاما له فأبق الغلام فمضى إلى قوم فتزوج منهم

(1) الوسائل 16: 79، الباب 9 من أبواب كتاب التدبير الحديث 1.
363

ولم يعلمهم أنه عبد فولد له وكسب مالا ومات مولاه الذي دبره فجاء ورثة
الميت الذي دبر العبد فطالبوا العبد فما ترى؟ فقال: العبد رق وولده رق لورثة
الميت، قلت: أليس قد دبر العبد؟ فذكر أنه: لما أبق هدم تدبيره ورجع
رقا (1). ونحوه الثاني (2).
لكن في الجارية وفي قوله: " حال إباقه " احتراز عما ولدته قبله، فإنه يحكم
ببقاء تدبيرهم، للأصل، واختصاص الفتوى والنص بالأولاد حال الإباق، وبه
صرح جماعة من دون ذكر خلاف.
وهل يبطل تدبيرهم بإباقهم أنفسهم وجهان، أجودهما العدم، تمسكا
بالأصل المعتضد بكون تدبيرهم بالسراية وحكم الشرع، وليس حكمها حكم
المباشرة، ولذا يجوز الرجوع في تدبير آبائهم دونهم كما تقدم إليه الإشارة.
ولا يلحق بالإباق الارتداد، للأصل، وعدم حجية القياس.
نعم إن التحق بدار الحرب بطل، لأنه إباق. وإبطال الإسكافي إياه بأحد
الأمرين شاذ.
* (ولو جعل خدمة عبده لغيره ثم قال: هو حر بعد وفاة المخدوم صح
على) * الأصح الأشهر، بل لعله عليه عامة من تأخر، وفاقا للإسكافي والنهاية
والقاضي وابن حمزة، والمستند * (الرواية) * الصحيحة: عن الرجل يكون له
الخادم فيقول: هو أو هي لفلان يخدمه ما عاش فإذا مات فهي حرة فتأبق
الأمة قبل أن يموت الرجل بخمس سنين أو ست سنين ثم تجدها ورثته ألهم أن
يستخدموها بعد ما أبقت؟ فقال: لا إذا مات الرجل فقد عتقت (3).
خلافا للحلي خاصة، فخصه بوفاة المولى، قال: عملا بالمتيقن، وادعى أنه

(1) الوسائل 16: 81، الباب 10 من أبواب كتاب التدبير الحديث 2 و 1.
(2) الوسائل 16: 81، الباب 10 من أبواب كتاب التدبير الحديث 2 و 1.
(3) الوسائل 16: 81، الباب 11 من أبواب كتاب التدبير الحديث 1.
364

شرعا كذلك، ولبطلانه بالإباق.
وفي الجميع نظر، لاندفاع الاقتصار بالنص الصحيح المعتضد بعمل
الأصحاب، والثاني مصادرة، والملازمة بين إباقه من المالك ومن المخدوم
ممنوعة، مع إمكان الفرق بمقابلته نعمة السيد بالكفران فقوبل بنقيضه كقاتل
العمد في الإرث بخلاف الأجنبي.
نعم ربما يمكن التأمل في دلالة الرواية، لعدم صراحتها في تعليق التدبير
على موت المخدوم، إلا على تقدير تعين رجوع الضمير في عاش والعهد في
الرجل إلى المولى المخدوم، وليس بمتعين، لاحتمال العكس.
ويمكن الذب عنه بمخالفته الظاهر، بناء على أقربية المخدوم إلى الضمير،
والعهد بحسب الذكر، ولعله لذا فهم الأصحاب ذلك كافة حتى الحلي، حيث
اعترف بالدلالة، وإنما أجاب عن الرواية بأنها من الآحاد، مضافا إلى
صراحته في عدم بطلان التدبير بإباقه، وهو لا ينطبق إلا على الاحتمال الأول،
لمخالفته على الثاني الإجماع.
واحتمال الذب عن هذه المخالفة بتخصيص التدبير بما إذا أوجب بنذر
وشبهه مخالف للظاهر بلا شبهة، مع استلزامه حمل الرواية على الفرد النادر
بلا شبهة.
وبالجملة الظاهر تمامية الدلالة وإن كان يظهر من التنقيح فيه المناقشة بما
مر إليه الإشارة.
* (و) * يظهر من الرواية أنه * (لو أبق) * المدبر في المسألة * (لم يبطل تدبيره
وصار حرا بالوفاة ولا سبيل) * لأحد عليه، مع أنه لا خلاف فيه أيضا.
والمشهور كما في اللمعة إلحاق الزوج بالمخدوم، فلو علق التدبير بوفاته
صح، وبه صرح الفاضلان، ويظهر من الشهيدين وغيرهما عدم وجود رواية
365

به، وأنه إنما هو لأجل المناسبة للمخدوم الذي هو مورد الرواية، ويظهر من
الماتن في الشرائع وجود رواية به، وصرح بها في الكفاية، فقال: ويدل عليه
صحيحة محمد بن مسلم، ونحوه في المفاتيح، فقال بعد الحكم باللحوق: ففي
الخبر: في رجل زوج أمته من رجل حر ثم قال إذا مات زوجك فأنت حرة
فمات الزوج، فقال: إذا مات فهي حرة تعتد منه عدة الحرة (1).
أقول: روي هذا الخبر في التهذيب (2) في باب السراري وملك الأيمان في
بحث أنه لا يجوز للمملوك أن يعقد على أكثر من حرتين أو أربع إماء، وليس
في سنده سوى محمد بن حكيم، المشترك بين الحسن والضعيف، المجبور
بالشهرة المحكية، ورواية الحسن بن محبوب عنه، مع كونه ممن أجمعت العصابة
على تصحيح ما يصح عنه والصحيحة المحكية في الكفاية لو وجدناها لكانت
حجة أخرى مستقلة، أقوى من هذه الرواية وإن كانت لنا الآن كالرواية
المرسلة، التي هي حجة أيضا بعد الانجبار بالشهرة، فلا شبهة في المسألة بحمد
الله سبحانه.
* * *
* (وأما المكاتبة) *
واشتقاقها من الكتب، وهو الجمع، لانضمام بعض النجوم إلى بعض، ومنه
كتبت الحروف، وهو مبني على الغالب أو الأصل من وضعها بآجال متعددة،
وإلا فهو ليس بمعتبر عندنا وإن اشترطنا الأجل كما في الروضة وعن الكشاف
الكتاب والمكاتبة كالعتاب والمعاتبة.

(1) الوسائل 16: 81، الباب 11 من أبواب كتاب التدبير الحديث 2.
(2) التهذيب 8: 213، الحديث 760.
366

* (ف‍) * هي * (تستدعي بيان أركانها وأحكامها) *.
* (والأركان أربعة) *:
* (العقد، والمالك، والمكاتب، والعوض) *
أما الأول: فصيغته أن يقول السيد: كاتبتك على أن تؤدي إلي كذا في
وقت كذا فإذا أديت فأنت حر، فيقبل العبد كما عن الخلاف والحلي.
وعن المبسوط أنه لا حاجة إلى قوله: فإذا أديت، لأنه غاية الكتاب،
فهي دالة عليه، كما لا تجب ذكر غاية البيع والإجارة نعم لا بد من قصد ذلك.
ويضعف بأن الكتابة لا يعرفها إلا العلماء، فلا يحكم عليه بمجرد لفظها من
دون العتق بالأداء. ولا شك أن الأول أحوط وأولى.
وهل هي عتق معلق على مال كما عن بعض الفقهاء، أو بيع العبد من نفسه
كما عن التقي والحلي، أو عقد مستقل كما في المختلف وغيره؟ أقوال، أجودها
الأخير، ولعله الأشهر. لضعف الأول، لمفارقتها العتق في التنجيز والقربة،
لاعتبارهما فيه دونها. والثاني بمفارقتها البيع في أمور احتياجها إلى الأجل
عند الأكثر دونه، وامتداد خيار العقد فيها بخلافه، لعدم امتداد خيار الشرط
فيه، وجواز اشتراط البائع الخيار لنفسه في العقد دون المكاتب، وأن البيع
انتقال عين مملوكة من مالك إلى آخر، فلا بد فيه من تحقق إضافة الملك بين
المبيع والمشتري، وهي فرع التغاير المفقود في الكتابة.
ثم هل هو لازم من الطرفين مطلقا، كما عليه الفاضلان وغيرهما، أم في
المطلق خاصة وجائز في المشروط من جهة العبد دون السيد كما عن الخلاف
والمبسوط والحلي، أم جائز من الطرفين في المشروط لازم من جهة السيد
جائز من جهة المكاتب في المطلق كما عن ابن حمزة؟ أقوال، أجودها الأول،
لعموم ما دل عن لزوم الوفاء بالعقود، بناء على كون الكتابة عقدا إجماعا.
367

ولا معارض له سوى ما يحكى عن الشيخ من الدليل على الجواز من
جهة العبد في المشروط من الإجماع، على أن المكاتب المشروط متى عجز كان
لمولاه رده في الرق، وله تعجيز نفسه، وهو المراد من الجواز من جهته، لا أنه
له الفسخ كالعامل في القراض.
وهو كما ترى، فإنا نمنع أن له التعجيز، بل يجب عليه السعي والأداء، ولو
امتنع أجبر، لاقتضاء عقد الكتابة وجوب الأداء والفرض إمكانه، فيجبر عليه
كباقي الواجبات.
نعم لو عصى وعجز نفسه بحيث لا يقدر على الأداء كان لمولاه رده في
الرق، ولعله مراد الشيخ من الجواز، إذ هذا المعنى لا ريب فيه، إلا أنه لا
يستلزم الجواز المطلق المستلزم لجواز تعجيز نفسه كما هو المتنازع.
* (و) * اعلم أن * (الكتابة مستحبة مع الديانة وإمكان التكسب، وتتأكد
بسؤال) * العبد * (المملوك) * بلا خلاف أعرفه، للأمر بها في الآية الكريمة والسنة
المطهرة.
قال الله سبحانه: " والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن
علمتم فيهم خيرا " (1).
وفي الموثق: عن العبد يكاتبه مولاه وهو يعلم أنه لا يملك قليلا ولا
كثيرا، قال: يكاتبه ولو كان يسأل الناس ولا يمنعه المكاتبة من أجل أن ليس
له مال فإن الله تعالى يرزق العباد بعضهم من بعض والمؤمن معان (2).
وأقل مراتب الأمر الاستحباب حيث لا يمكن حمله على الوجوب، كما
هنا، للإجماع منا عليه ومن أكثر العامة المحكي في كلام جماعة، وتفسير الخير

(1) النور: 33.
(2) الوسائل 16: 84، الباب 2 من أبواب المكاتبة الحديث 1.
368

في الآية بالأمرين في العبارة مروي في الرواية الصحيحة: قال: إن علمتم لهم
دينا ومالا (1). ونحوها أخرى (2)، إلا أنه أبدل الدين فيه بالشهادتين خاصة،
ولعله للتقية، أو إحالة إلى الظهور، كما ورد في نظيره التشهد في الصلاة وغيره،
ولكن فسر في أخرتين (3) بالمال خاصة.
ومقتضاهما استحباب الكتابة معه مطلقا ولو لم يكن مؤمنا أو مسلما،
ومرجعه إلى جواز مكاتبة العبد الكافر، وهو خلاف التحقيق كما سيظهر، بل
استحبابه خلاف مذهب الأكثر كما في المسالك، بل الأصحاب كافة كما في
الروضة، حيث قال: إما مع عدمها - أي الديانة - وإمكان التكسب أو أحدهما
فلا يستحب في ظاهر الأصحاب.
هذا، مضافا إلى أن الصحيحين الأوليين مثبتان للوصف الآخر، والمثبت
مقدم مع قوة احتمال ورود الأخيرتين للتقية كما يظهر من الانتصار، حيث
جعل مضمونهما مذهب فقهاء العامة. ويظهر منه أن الخير في الآية هو الدين
خاصة.
* (و) * مقتضاه أنه * (تستحب) * الكتابة * (مع) * تدينه و * (التماسه) * مطلقا
* (ولو كان) * عن المال وكسبه * (عاجزا) * ويشهد له الموثق المتقدم.
ولا يعارضه الصحيح السابق، إذ ليس فيه إلا تفسير الخير في الآية
بالأمرين، وغايته أن الأمر بالكتابة في الآية إنما هو مع الأمرين خاصة، وهو
لا ينافي ثبوت الأمر بها مع الديانة خاصة أيضا في الموثقة.
نعم يمكن المناقشة في دلالة الأمر فيها على الاستحباب باحتمال وروده
مورد توهم الحظر، فلا تفيد سوى الإباحة على الأصح، كما قرر في محله، مع
أنه ليس فيها قيد الالتماس كما في العبارة.

(1) المصدر السابق: 83، الباب 1 الحديث 1 و 5 و 2 و 3.
(2) المصدر السابق: 83، الباب 1 الحديث 1 و 5 و 2 و 3.
(3) المصدر السابق: 83، الباب 1 الحديث 1 و 5 و 2 و 3.
369

وكيف كان، فيستفاد منها الإباحة في هذه الصورة، وعليها أكثر الطائفة.
وعن المبسوط القول بالكراهة. ولا وجه له.
ثم إنه لا يتوهم التنافي في العبارة حيث جعل الأمرين شرطا في استحباب
الكتابة أولا، واكتفى فيه بالديانة أخيرا، لإمكان فرقه بينهما، بجعله اشتراطهما
مع عدم السؤال، والاكتفاء بأحدهما معه، ولعل الفرق ظاهر من العبارة.
* (وهي قسمان) * فإنه * (إن اقتصر على العقد) * من دون اشتراط العود في
الرق مع العجز عن أداء تمام مال الكتابة * (فهي مطلقة. وإن اشترط عوده رقا
مع العجز فهي مشروطة) * ولا خلاف فيهما بين الأصحاب كافة، بل عليه
الإجماع في ظاهر كلمة جملة منهم، وصريح الانتصار، والنصوص به مع ذلك
بالغة حد الاستفاضة، منها الصحاح:
في أحدها: إن المكاتب إذا أدى شيئا أعتق بقدر ما أدى، إلا أن يشترط
مواليه إن هو عجز فهو مردود في الرق (1).
خلافا للعامة في الأول.
ويشتركان في أكثر الأحكام * (و) * يفترقان * (في) * أن المكاتب مع
* (الإطلاق يتحرر منه بقدر ما أدى) * من مال الكتابة * (وفي المشروط) *
لا ينعتق منه شئ حتى يؤدي جميع المال، وللمولى الخيار في فسخ الكتابة،
فله أن * (يرد) * ه * (رقا مع العجز) * ولو عن بعض المال.
ولا فرق في الخيار مع العجز بين القسمين، لكن الأول ينعتق منه بقدر ما
أدى ويعود الباقي رقا بعد الفسخ، والثاني يرجع جميعه في الرق ولو أدى أكثر
مال الكتابة.
* (وحده) * أي علامة العجز وسببه الدال عليه * (أن يؤخر النجم) * أي

(1) الوسائل 16: 85، الباب 4 من أبواب المكاتبة الحديث 2.
370

المال * (عن محله) * ووقته على الأظهر الأشهر، بل لعله عليه عامة من تأخر،
وفاقا للمحكي عن المفيد والإسكافي والشيخ في أحد قوليه والحلي، لأنه
إخلال بالشرط، وقضيته قدرة المولى على الفسخ، وللصحاح:
في أحدها: ما حد العجز؟ فقال: إن قضاتنا يقولون: إن عجز المكاتب أن
يؤخر النجم إلى النجم الآخر حتى يحول عليه الحول قلت: فما تقول أنت؟
فقال: لا ولا كرامة ليس له أن يؤخر نجما عن أجله إذا كان ذلك في شرطه (1).
ومرجع الإشارة بحكم الوضع هو العجز، لا عدم تأخير النجم عن
الأجل. فاندفع ما يرد عليه من قصور الدلالة باحتمال الإشارة الرجوع إلى
الأخير، فيخرج عما نحن فيه، إذ على هذا لا نزاع في فسخ كتابته.
وفي ثانيها: عن مكاتبة أدت ثلثي مكاتبتها وقد شرط عليها إن عجزت
فهي رد في الرق ونحن في حل مما أخذنا منها وقد اجتمع عليها نجمان، قال:
ترد، وتطيب لهم ما أخذوا، وقال: ليس لها أن تؤخر النجم بعد حده شهرا
واحدا إلا بإذنهم (2).
وما يقال: من أن الروايتين ليستا نصين في المطلوب إذ عدم جواز التأخير
غير دال على جواز الفسخ مدفوع، بظهور الدلالة في الأول بقرينة السياق
والانكار على من اعتبر أمرا زائدا عليه، فيصير قرينة للدلالة في الثاني، فإن
أخبارهم (عليهم السلام) يكشف بعضها عن بعض.
* (وفي رواية) * موثقة (3) عمل بها النهاية وبعض من تبعه: حده * (أن
يؤخر نجما إلى نجم) * فيجب على المولى الصبر إلى نجم الثاني.
وهي قاصرة عن المقاومة لما مر سندا ودلالة من وجوه شتى، بل ربما

(1) الوسائل 16: 88، الباب 5 من أبواب المكاتبة الحديث 1 و 2.
(2) الوسائل 16: 88، الباب 5 من أبواب المكاتبة الحديث 1 و 2.
(3) الوسائل 16: 87، الباب 4 من أبواب المكاتبة الحديث 13.
371

دل سياقها على الاستحباب جدا.
مع أنها محتملة للتقية كما صرح به جماعة، وأفصحت عنه الصحيحة
السابقة، مضافا إلى أنها مطلقة في الحكم شاملة لصورتي العلم بعجزه عند
حلول النجم الثاني وعدمه، ومن قال بها لم يقل بهذا الإطلاق جدا، بل قيده
بالصورة الثانية، معتذرا بعدم الفائدة في التأخير إلى النجم الثاني في الصورة
الأولى، فلا يجب على المولى.
ويضعف الاعتذار بأن المعتبر في مثل هذا الظن الغالب لتعذر العلم
الحقيقي، ويمكن وقوع خلاف الظن ببذل متبرع أو مزك أو غيرهما. فهذا القول
في غاية السقوط، كالقول بلزوم التأخير على المولى إلى ثلاثة أنجم، كما عن
الصدوق وإن دل عليه خبران (1)، لضعفهما سندا ومقاومة لما مضى، فليحملا
على الاستحباب كسابقهما.
وأعلم أن قول الماتن: * (وكذا لو علم منه العجز) * لا يستقيم جعله مقابلا
لما اختاره في العجز من أنه تأخير النجم عن محله، لأن العلم بالعجز إن كان
قبل حلول النجم لم يتسلط السيد على الفسخ كما صرح به الشهيدان وغيرهما
من غير خلاف يعرف، بل صرح ثانيهما بالإجماع عليه وإن كان بعد الحلول،
فهو بعينه تأخير النجم إلى النجم كما نقلناه عن العاملين بالموثقة. فكيف يمكن
للماتن أن يقول به ويختاره؟!
* (ويستحب للمولى الصبر) * عليه إن عجز بلا خلاف، لما فيه من الإعانة
على التخلص من الرق وإنظار المعسر بالدين، لأنه عليه بمنزلته وللأمر
بإنظاره سنة وسنتين وثلاثا، المحمول على الاستحباب كما عرفت، جمعا.
* (وكل ما يشترطه المولى) * في العقد * (على المكاتب) * من نحو عدم

(1) الوسائل 16: 86 و 88، الباب 4 من أبواب المكاتبة الحديث 9 و 14.
372

تأخير النجم عن الوقت فهو * (لازم) * عليه، لأنه جزء من العقد، فيشمله
عموم ما دل على لزوم الوفاء بالعقود (1)، مضافا إلى لزوم الوفاء بالشروط،
المستفاد من عموم كثير من النصوص، وخصوص الأخبار الواردة في المكاتب
المشروط، فإنها صريحة الدلالة على أن المؤمنين عند الشروط (2)، وللخبر:
عن المكاتب، قال: يجوز عليه ما شرطت عليه (3).
* (ما لم يخالف المشروع) * كأن يشترط عليه ترك التكسب فيبطل الشرط،
ويتبعه بطلان العقد، كما هو شأن العقود المشروطة بشئ فاسد من الشروط.
* (و) * أما الثانية (4): فبيانه أنه * (يعتبر في المالك جواز التصرف) * برفع
الحجر عنه بالبلوغ والعقل * (والاختيار والقصد) * (5) كما مر في نظائر البحث.
* (وفي اعتبار الإسلام) * فيه * (تردد) * ينشأ، من أن الكتابة هل هي عتق
بعوض فيشترط فيه الإسلام، أو معاملة مستقلة بين السيد والعبد على عوض
معلوم فلا يشترط كسائر المعاملات؟ * (أشبهه) * عند الماتن والأكثر، بل لعله
عليه عامة من تأخر، بل صرح بعض بجهالة القائل بالاعتبار * (أنه لا
يعتبر) * لضعف القول بأنه عتق، مضافا إلى وقوع العتق من الكافر مطلقا، أو
إذا كان مقرا بالله تعالى، فلا يتم الدليل إلا على القول بعدم صحة العتق من
الكافر مطلقا ولو كان بالله تعالى مقرا.
وهو ضعيف، كما مضى، وظاهر الجماعة الاتفاق على عدم الاعتبار،
مع ثبوت ضعف دليل هذا القول، لعموم ما دل على صحة هذه المعاملة،

(1) المائدة: 1.
(2) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور الحديث 4.
(3) الوسائل 16: 86، الباب 4 من أبواب المكاتبة الحديث 4.
(4) كذا، والصحيح " الثاني " أي الركن الثاني.
(5) أثبتناها من المتن المطبوع و " م ".
373

فإن صح إجماعا، وإلا ففي العموم مناقشة إن أريد به عموم أدلة مشروعية
المكاتبة من الكتاب (1) والسنة (2).
لاختصاص الخطاب في الأول بالمسلمين الذين هم المخاطبون بالآية،
بقرينة أن متعلقه من يعلم الديانة خيرا لا مطلقا، والكافر لا يعلمها بالمعنى
المراد في الآية، أي الايمان خيرا، بل بزعمه شرا، فلا يمكن أن يتوجه هذا
الخطاب إليه جدا. والتعدية إلى الكفار لا بد فيه من دلالة، وهي في المقام
مفقودة، لعدم نص - كما هو ظاهر، وسيأتي إليه الإشارة - ولا إجماع في محل
النزاع بلا شبهة.
وعدم عموم في الثاني، بل ولا إطلاق سوى الموثقة المتقدمة، والمتبادر
منها كون المولى مؤمنا لا مطلقا، مضافا إلى ظهور قوله (عليه السلام): " والمؤمن
معان " (3) في كون العبد مؤمنا، ولا يكون عبدا للكافر غالبا، فلا تحمل الرواية
على ما هو فرد نادر جدا. مع أنه لا يصح مكاتبة الكافر له عند جماعة،
لوجوب إخراج المسلم عن ملك الكافر فورا، والمكاتبة لا يقتضي الإخراج
خروجا تاما، ولا يرفع السلطنة، خصوصا في المشروطة، فلا يمكن أن يحمل
عليه إطلاق الرواية من هذه الجهة أيضا. وكذا إن أريد به عموم أوفوا
بالعقود (4).
أما على القول بكون الكتابة عقدا جائزا مطلقا أو في الجملة فظاهر، لعدم
دخولها من أصلها حينئذ فيه أصلا، وكذا على المختار من كونه لازما، لما مضى
في عموم الآية السابقة، من اختصاص الخطاب بالمسلم، وعدم موجب

(1) النور: 33.
(2) الوسائل 16: 83، الباب 1 من أبواب المكاتبة.
(3) الوسائل 16: 84، الباب 2 من أبواب المكاتبة الحديث 1.
(4) المائدة: 1.
374

للتعدية لا من إجماع ولا سنة. وثبوتها إلى الكافر في كثير من المعاملات بأحد
الأمرين لا يوجب ثبوتها مع انتفائهما في المسألة، والقياس حرام في الشريعة.
فالقول بالاعتبار لو لم يكن على عدمه إجماع لعله لا يخلو عن قوة ولو
قلنا بأن الكتابة معاملة مستقلة، لعدم المقتضي لصحتها كلية حتى في المسألة،
لما عرفت من ضعف المقتضيات المزبورة. ولم أقف من دونها على دلالة.
فتأمل.
مع أن الأصل على الفساد أقوى حجة، سيما إذا كان العبد مسلما، لما
مضى. وكذا إذا كان كافرا على القول بعدم صحة مكاتبة العبد الكافر، كما هو
الأقوى، وسيأتي أن المرتضى ادعى عليه إجماعنا مطلقا من دون تقييد بكون
المولى مسلما.
ومن هنا ينقدح وجه آخر في الجواب عن العمومات. ولو سلمت فإن
الإجماع المزبور ينفي جواز مكاتبة الكافر لمثله، كما أن ما مر في كلام جماعة
ينفي جواز مكاتبته لضده فيهما تخصيص العمومات المزبورة، ولا فرد آخر
للمسألة تشمله ليكون ثمرة النزاع والمشاجرة.
* (و) * أما الثالث: فبيانه أنه * (يعتبر في المملوك التكليف) * فلا يصح
مكاتبة الصبي ولا المجنون بلا خلاف أجده، حتى من المسالك والروضة وإن
ناقش في دليل الحكم المنقول عن جماعة بعض المناقشة، لكنه نسبه في الثاني
كالشهيد في الدروس إلى الخيال، المشعر بل الظاهر في تمريضه، وحكى في
الأول بعدها الإجماع عن بعض، وجعله حجة من دون تزلزل ولا ريبة.
فلا مجال للمناقشة في الحكم في المسألة، سيما مع حكاية الإجماع المزبور
وإن لم نعرف ناقله الأصلي، مع احتمال كونه الشهيد في شرح الإرشاد، كما
حكاه عنه صريحا السيد في شرح الكتاب، وجعل هو أيضا الحكم مقطوعا به
375

بين الأصحاب، واستدل عليه أيضا بعد الإجماع بوجوب الاقتصار في هذه
المعاملة المخالفة للأصل على مورد النص والوفاق، وليس إلا كتابة المكلف، وبه
استدل على ما سيأتي من اعتبار الإسلام في العبد.
وهو حسن لو انحصر المخرج عنه في عموم أدلة مشروعية المكاتبة،
وليس بمنحصر، لوجود عموم ما دل على لزوم الوفاء بالعقود، الشامل لمحل
الشبهة والمناقشة في المسألة، وهو ما إذا حصل القبول من المولى أو نحوه
كالأب والجد ممن له الولاية عليهما، لصدق العقد على مثله جدا.
هذا، والعجب منه (رحمه الله) أنه استدل لعدم اعتبار الإسلام في السيد بالعموم،
وما احتمل الاعتبار لما ذكره هنا من لزوم الاقتصار فيما خالف الأصل على
المتيقن من النص والفتوى، مع أنه لا يكاد يظهر فرق بين المقامين بوجه
أصلا، إذ كما أنه ليس مكاتبة غير المكلف متيقنا من الأمرين ولا موردهما،
كذا ليس مكاتبة مولى الكافر متيقنا من أحدهما ولا موردهما، كما مضى بيانه
مشروحا، وكما أن عموم الوفاء بالعقود (1) يشمل مكاتبة المولى الكافر على
تقدير تسليمه، كذا يشمل على اليقين مكاتبة غير المكلف في الفرض المذكور
سابقا.
فهذا الاستدلال ضعيف، كالاستدلال بأنهما ليس لهما أهلية القبول
والابتغاء لما ذكره في المسالك والروضة.
* (وفي) * جواز * (كتابة) * العبد * (الكافر تردد) * يظهر من جماعة أن وجهة
الاختلاف في تفسير الخير في الآية هل هو المال والديانة أو الأول دون الثاني
أو بالعكس فيصح على الثاني دون الباقي؟
وهذا منهم ظاهر في فهمهم من مفهوم الآية المنع عن الكتابة مع عدم

(1) المائدة: 1.
376

الخير لا عدم الأمر بها مع عدمه، كما فهمه الشهيد الثاني، واعترض لأجله
توجيه المنع بتفسير الخير بما عدا الأول والثالث.
فقال: ولمانع أن يمنع من دلالة الآية على المنع على جميع التقادير،
لأن الشرط المذكور إنما وقع للأمر بها الدال على الوجوب أو الاستحباب،
لا لمطلق الإذن فيها، ولا يلزم من توقف الأمر بها على شرط توقف إباحتها
عليه، والدليل على تسويغ عقد المكاتبة غير منحصر في الآية،
انتهى.
ولعل وجه فهم الجماعة لما ذكروه تبادره لا ما ذكروه.
* (و) * كيف كان * (الأظهر المنع) * وفاقا للأكثر كالمبسوط والانتصار،
مدعيا عليه الإجماع المعتضد بعدم نقل خلاف فيه عن أحد من القدماء.
وإنما المخالف الفاضل في المختلف والشهيدان في الروضتين، مع أن الأول
قال في أكثر كتبه كالقواعد والتحرير والإرشاد بالأول.
وناهيك هذه الحجة المعتضدة بعدم خلاف ظاهر بين قدماء الطائفة،
مضافا إلى ما مر في العتق من وجوه أخر غير اعتبار قصد القربة.
* (و) * أما الرابع: فبيانه أنه يعتبر في العوض أمور:
منها * (كونه دينا) * فلا يجوز أن يكون عينا، بلا خلاف أجده.
وهو الحجة، مضافا إلى ما في كلام جماعة من أنها إن كانت ما بيد العبد
فلا معاوضة، لأنها للسيد، وإن كانت لغيره فهي كجعل ثمن المبيع من غير
المشتري، وهو غير جائز، لأن المعاوضة إنما تتحقق مع ملك باذل كل من
العوضين ما وقع بذله.
377

وهذا بخلاف الدين، فإن المكاتب يخرج عن محض الرقية ويصير قابلا
للملك بالكسب المتجدد، فيجوز جعله عوضا.
وهذا التوجيه لا يتمشى في الصورة الأولى على المختار من عدم مالكية
العبد، لصحة التعليل بأنها للسيد على هذا التقدير. وأما على غيره من مالكية
العبد مطلقا أو على بعض الوجوه فغير صحيح، لأنها للعبد، وغاية ما يكون
ثبوت الحجر عليه في التصرف فيه، وهو بالإذن بالكتابة عليه مدفوع عنه.
فلا وجه للمنع عن صحة الكتابة على العين في هذه الصورة، فعدمه فيها على
هذا القول لا يخلو عن قوة إن لم ينعقد على المنع إجماع الطائفة، ولكن لعله
ظاهر الانعقاد، كما يستفاد من تتبع كلماتهم في المسألة.
نعم استوجه عدم المنع على هذا القول السيد في شرح الكتاب، ولكن
الظاهر أنه مسبوق بعدم الخلاف، بل الإجماع. فلا يقدح خروجه، سيما مع
كونه معلوم النسب، وهذا أيضا من أعظم الشواهد على المختار من عدم
مالكية العبد على الإطلاق.
ومنها كونه * (مؤجلا) * فلا يصح حالا لفظا أو حكما عند الأكثر، وفاقا
للشيخ وابن حمزة، تبعا للسلف، فإنهم ما كانوا يكاتبون إلا على العوض
المؤجل، فيكون ذلك منهم إجماعا أو كالإجماع، والتفاتا إلى عجزه عن الأداء
في الحال، لأن ما في يده للسيد، وما ليس في يده متوقع الحصول، فلا بد من
ضرب الأجل لئلا يتطرق الجهالة الموجبة للغرر المنهي عنه في الشريعة.
وفي الجميع نظر.
لاندفاع الأول - على تقدير تسليمه - بعدم ثبوت المنع به عما عدا
المؤجل، إذ غايته الاتفاق على ثبوت المؤجل، وهو أعم من فساد الحال.
وبالجملة الإجماع النافع في المقام على ما وقع فساد الحال، بل على صحة
378

المؤجل، مع إمكان ورود مكاتبتهم مورد الغالب من عجز المكاتب عن الأداء
في الحال، وهو لا يستلزم اتفاقهم على فساد الفرد النادر مع التحقق.
والثاني: بمنع الجهالة، لإمكان حصول المال في كل وقت بتعقب العقد
ولو بالاقتراض ونحوه.
فما عن الخلاف والحلي من عدم اشتراط هذا الشرط لا يخلو عن قوة،
للأصل، والعمومات، سيما على القول بكونها بيعا أو عتقا بعوض، ومال إليه
الشهيدان في نكت الإرشاد والمسالك والروضة.
وينبغي القطع به فيما لو كان بعضه حرا فكاتبه على قدره فما دون حالا،
وحيث يعتبر أو يراد يشترط ضبطه - كأجل النسيئة - بما لا يحتمل النقصان
والزيادة.
ولا يشترط زيادته عن أجل عندنا، كما في الدروس والمسالك والروضة،
لحصول الغرض.
ومنها كونه * (معلوم القدر والوصف) * بلا خلاف أجده، لاستلزام عدم
المعلومية الغرر المنهي عنه في الشريعة. ويعتبر ضبطه - كالنسيئة - وإن كان
عرضا فكالسلف، ويمتنع فيما يمتنع فيه.
ومنها كونه * (مما يصح تملكه للمولى) * بلا خلاف فيه أيضا. فلو كاتب
المسلم عبده الذمي على ما لا يملكه كخمر وخنزير بطل، لعدم دخوله في
ملكه، وإنما عدل إلى التعبير بالمولى عن التعبير بالمسلم ليدل على صحة
مكاتبة الكافر على ما يملكه وإن كان لا يملكه المسلم، كما هي مذهبه.
وعليه فلو كانا ذميين وأوقعا المكاتبة على الخمر والخنزير، فإن أسلما بعد
التقابض لم يكن عليه شئ للمولى أصلا، وإن كان قبله فهل له عليه قيمة
العوض أم قيمة نفسه أم تبطل الكتابة من أصلها؟ أقوال، أجودها الأول كما
379

عليه الشيخ والأكثر، استنادا في صحة المكاتبة إلى الأصل وعدم ظهور المخرج
عنه، وفي لزوم قيمة العوض إلى أن الواجب بالعقد عينه، ومع تعذره شرعا
ينتقل إلى قيمته ويندرج في عموم ما يملكه المولى الأعيان والمنافع حتى منفعة
المكاتب مدة معينة، وبه صرح جماعة، ولا خلاف فيه أجده، وفي الخبر
المروي في الفقيه في هذا الكتاب: عن رجل قال غلامي حر وعليه عمالة كذا
وكذا سنة، فقال: هو حر وعليه العمالة، الحديث (1). فتأمل.
* (ولا حد لأكثره) * بلا خلاف، للإطلاقات المؤيدة بظاهر كثير من
النصوص.
* (لكن) * ظاهر الأصحاب الاتفاق على أنه * (يكره أن يتجاوز قيمته) *
وقت الكتابة، وحجتهم غير واضحة. وفي المرسل لأبان: " رجل ملك مملوكا
فسأل صاحبه المكاتبة أله أن لا يكاتبه إلا على الغلاء؟ قال: نعم " (2)، لكن
لا بأس بمتابعتهم، فإن المقام مقام الكراهة.
* (ولو دفع ما عليه قبل) * حلول * (الأجل فالمولى بالخيار) * بين قبوله
والامتناع منه بلا خلاف، بل عليه في التنقيح الإجماع إلا من الإسكافي
فأوجب عليه القبول في بعض الصور. ويدفعه - بعد الأصل، ومنافاته لمقتضى
العقد والشرط - صريح الخبر: " إن مكاتبا أتى عليا (عليه السلام) وقال: إن سيدي
كاتبني وشرط علي نجوما في كل سنة فجئته بالمال كله ضربة فسألته أن
يأخذه كله ضربة فيجيز عتقي فأبى علي، فدعاه علي (عليه السلام) فقال: صدق، فقال
له: مالك لا تأخذ المال وتمضي، عتقه فقال: ما آخذ إلا النجوم التي شرطت
وأتعرض من ذلك إلى ميراثه، فقال علي (عليه السلام): أنت أحق بشرطك " (3).

(1) الفقيه 3: 127، الحديث 3475.
(2) الوسائل 16: 99، الباب 18 من أبواب المكاتبة الحديث 1.
(3) الوسائل 16: 98، الباب 17 من أبواب المكاتبة الحديث 2.
380

ولم أقف للمخالف على دليل.
نعم في الصحيح: في مكاتب ينقد نصف مكاتبته ويبقى عليه النصف فيدعو
مواليه فيقول خذوا ما بقي ضربة واحدة، فقال: يأخذون ما بقي ويعتق (1).
ولكن لم يقل بإطلاقه إلا بعض العامة، فيحتمل الحمل على التقية، أو
الاستحباب، أو مجرد الرخصة، كما يفصح عنها (2) الرواية السابقة.
* (و) * اعلم أنه يجوز الدفع من سهم الرقاب إلى المكاتب مطلقا إجماعا،
فتوى ونصا، كتابا وسنة، بل قالوا: * (لو عجز المطلق عن الأداء فكه
الإمام (عليه السلام) من سهم الرقاب وجوبا) * لكن لم أقف لهم على حجة أصلا.
نعم في الخبر المرسل: عن مكاتب عجز من مكاتبته وقد أدى بعضها،
قال: يؤدى عنه من مال الصدقة فإن الله تعالى يقول في كتابه: وفي الرقاب (3).
وهو بعد الإغماض عن سنده غير واضح الدلالة على ما ذكروه من الوجوب
من وجوه، ولذا يظهر من الكفاية التردد فيه، تبعا للسيد في شرح الكتاب،
ولعله في محله إن لم ينعقد الإجماع على خلافه.
* (وأما الأحكام) * المتعلقة بالمقام
* (فمسائل) * ثلاث:
* (الأولى: إذا مات) * المكاتب * (المشروط) * ولم يؤد المال جميعا * (بطلت
الكتابة، وكان ماله وأولاده) * من أمته * (لمولاه) * مطلقا، خلف ما فيه وفاء
بمال الكتاب أم لا على الأشهر الأقوى، استصحابا للعبودية، فإن المشروط لا
ينعتق إلا بأداء مجموع ما عليه، لا بأداء بعضه، ولا بالقدرة على الأداء،

(1) الوسائل 16: 98، الباب 17 من أبواب المكاتبة الحديث 1.
(2) في المطبوع: عنه.
(3) الوسائل 16: 102، الباب 21 من أبواب المكاتبة الحديث 1.
381

والمفروض أنه لم يؤد ما شرط عليه، فيكون مات عبدا يرث أمواله وأولاده
المولى، ومع ذلك الصحاح به مستفيضة جدا، سيأتي إلى جملة منها الإشارة إن
شاء الله تعالى.
خلافا للخلاف، ففصل بين صورتي الإطلاق ووافق القوم في الثانية،
وحكم في الأولى بوجوب وفاء ما عليه من وجه الكتابة وكون الباقي إن كان
للورثة.
وهو مع مخالفته الأدلة المتقدمة شاذ، غير واضح الحجة، لم أر من يوافقه
من الطائفة سوى الصدوق، حيث أطلق الحكم بوجوب إيفاء ما بقي عليه من
كتابته من تركته على ابنه من جاريته وأنه يرث ما بقي، ولم يفصل بين
المشروط والمطلق، لكن ربما يشعر سياق عبارته بإرادته الثاني، فيوافق
الإسكافي في الآتي.
* (وإن مات المطلق) * ولم يؤد شيئا فكذلك كان ماله وأولاده التابعون له
في الكتابة للمولى بلا خلاف أجده، بل نسبه في الدروس إلى ظاهر الأصحاب
كافة. لكن احتمل فيه بعد النسبة أن يرث قريبه ما فضل من مال الكتابة،
لأنه كالدين، واستوجهه السيد في شرح الكتاب. وهو ضعيف وإن كان
يناسب الرواية الآتية سندا للإسكافي.
* (و) * إن كان * (قد أدى شيئا تحرر منه بقدره، وكان للمولى من تركته
بنسبة ما بقي من رقيته ولورثته بنسبة الحرية) * ولم يكن عليهم شئ من مال
الكتابة * (إن كانوا أحرارا في الأصل) * للأصل * (وإلا) * يكونوا أحرارا في
الأصل بأن كانوا أولادا له من أمته بعد الكتابة * (تحرر منهم بقدر ما تحرر
منه، والزموا) * في نصيبهم * (بما بقي من مال الكتابة، فإذا أدوه تحرروا ولو لم
يكن لهم مال سعوا فيما بقي منهم) * للنصوص، منها الصحيحان:
382

في أحدهما: عن رجل كاتب عبدا له على ألف درهم ولم يشترط عليه
حين كاتبه إن هو عجز عن مكاتبته فهو رد في الرق وإن المكاتب أدى إلى
مولاه خمسمائة درهم ثم مات المكاتب وترك مالا وترك ابنا له مدركا، قال:
نصف ما تركه المكاتب من شئ فإنه لمولاه الذي كاتبه والنصف الباقي لابن
المكاتب، لأن المكاتب مات ونصفه حر ونصفه عبد للذي كاتبه، فابن
المكاتب كهيئة أبيه نصفه حر ونصفه عبد للذي كاتب أباه، فإن أدى إلى الذي
كاتب أباه ما بقي على أبيه فهو حر لا سبيل لأحد من الناس عليه (1).
وفي الثاني: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في مكاتب توفي وله مال، قال: يقسم
ماله على قدر ما أعتق منه لورثته، وما لا يعتق منه يحتسب لأربابه الذين
كاتبوه هو مالهم (2).
ومنها الخبر القريب من الصحيح - بتضمن سنده ابن أبي عمير وجميل -:
عن المكاتب يموت وله ولد، فقال: إن كان قد اشترط عليه فولده مماليك، وإن
لم يكن يشترط عليه شئ يسعى ولده في مكاتبة أبيهم، وعتقوا إذا أدوا (3).
وهذا، مضافا إلى صحيحين (4) آخرين آمرين للابن بالأداء، لكنهما دالان
على مذهب الإسكافي. وهو الحجة في إلزامهم بأداء ما بقي من مال الكتابة
دون الأولين، إذ ليس فيهما الإشارة إلى ذلك.
نعم في الأول: " إن الوارث إذا أدى إلى الذي كاتب أباه ما بقي على أبيه
صار حرا "، وهو غير إلزامهم بذلك.

(1) الوسائل 16: 91، الباب 7 من أبواب المكاتبة الحديث 1.
(2) الوسائل 16: 99، الباب 19 من أبواب المكاتبة الحديث 1، وفيه: هو ماله.
(3) الوسائل 16: 92، الباب 7 من أبواب المكاتبة الحديث 4.
(4) الوسائل 17: 411، الباب 23 من أبواب موانع الإرث الحديث 5، والآخر الحديث 6.
383

وما تضمنه العبارة - كالصحيحين (1) - من قسمة المال بين المولى
والأولاد بقدر نسبة الحرية والرقية وخروج مال الكتابة من نصيب الورثة
دون أصل التركة هو الأظهر الأشهر بين الطائفة.
* (و) * لكن * (في رواية) * بل روايات صحيحة مستفيضة عمل بها
الإسكافي: أن الورثة * (يؤدون ما بقي من مال الكتابة) * من أصل التركة * (وما
فضل) * منها بعد الأداء * (لهم) * من دون أن تقسم التركة بينهم وبين المولى.
ففي الصحيح: مكاتب يموت وقد أدى من بعض كتابته وله ابن من
جاريته، قال: إن اشترط عليه إن عجز فهو مملوك رجع ابنه مملوكا والجارية،
وإن لم يكن اشترط عليه أدى ابنه ما بقي من مكاتبته وورث ما بقي (2).
وهذه الروايات وإن كانت مع صحتها مستفيضة، إلا أن ذينك الصحيحين
أقرب إلى الترجيح، لاعتضادهما بالشهرة العظيمة، والأصول الظاهرة، التي
لأجلها أفتى الحلي بما عليه الأكثر.
فقال: والذي ينبغي تحصيله في ذلك أن نقول: يرث السيد بمقدار ما فيه
من العبودية وابنه أو وراثه بقدر ما تحرر منه، ويؤخذ بقية مال الكتابة من
نصيب وارث المكاتب إذا صار إليه نصيبه، لأن الدين الذي هو مال الكتابة
يخرج من نصيب الوارث للأجزاء الحرية دون جميع ما خلفه وتركه الميت،
لأن الأجزاء الباقية على العبودية لا تملك شيئا، لأنه مال سيده دونه، وإنما
الدين يتعلق بما فيه الحرية ونصيبها دون جميع التركة، انتهى.
ولا ريب أن مجرد الاستفاضة لا يكافئ شيئا من المرجحات المزبورة،
سيما الشهرة، فلتطرح المستفيضة، أو يجمع بينهما وبين الأولين بما ذكره الشيخ

(1) الوسائل 16: 99، الباب 19 من أبواب المكاتبة الحديث 1 و 2.
(2) الوسائل 16: 100، الباب 19 من أبواب المكاتبة الحديث 3.
384

في الكتابين (1).
* (و) * المكاتب * (المطلق إذ أوصى أو أوصي له صح) * الوصية منه، وله
* (في نصيب الحرية، وبطل في الزائد) * إجماعا، للصحيحين (2).
ولو لم يتحرر منه شئ أو كان مشروطا لم تصح الوصية منه إجماعا،
للصحيح (3) وغيره (4). ولا له مطلقا على الأشهر الأقوى، للصحيح (5).
هذا إذا كان الموصي غير المولى. أما هو فتصح وصيته مطلقا، ويعتق منه
بقدر الوصية. وقد مضى في كتابها تمام التحقيق في المسألة وشقوقها.
* (وكذا لو وجب عليه حد أقيم عليه من حد الأحرار بنسبة ما فيه من
الحرية ومن حد العبد بنسبة ما فيه من الرقية) *.
ثم إن قسمت الأسواط على صحة، وإلا قبض بنسبة الجزء، وإن لم يتحرر
منه شئ أو كان مشروطا حد حد العبيد وإن كان قد خرج عنهم من وجه،
لأنه لم يصر حرا محضا، والحد مبني على التخفيف، فرجح فيه جانب الأقل،
وفي الصحيح: المكاتب يجلد الحد بقدر ما أعتق منه (6). وتمام الكلام في المقام
موكول إلى كتاب الحدود.
* (ولو زنى المولى بمكاتبته المطلقة سقط عنه من الحد بقدر نصيبه منها
وحد بما تحرر) * لأنه وطء محرم بمن قد صارت أجنبية فيجب الحد، ولا
يجب كماله، لما له فيها من الملك الموجب لانتفاء الحد وإن كان متزلزلا فيجب

(1) التهذيب 8: 274، ذيل الحديث 999، والاستبصار 4: 38، ذيل الحديث 128.
(2) الوسائل 16: 99، الباب 19 من أبواب المكاتبة الحديث 1 و 2.
(3) المصدر السابق: 101، الباب 20 الحديث 2.
(4) الوسائل 13: 469، الباب 81 من أبواب أحكام الوصايا الحديث 2.
(5) المصدر السابق: 468، الباب 80 الحديث 1.
(6) الوسائل 16: 102، الباب 22 من أبواب المكاتبة الحديث 1.
385

بالنسبة، ولصريح بعض المعتبرة: " عن رجل كاتب أمة له فقالت: الأمة ما
أديت من مكاتبتي فأنا به حرة على حساب ذلك فقال لها: نعم فأدت بعض
مكاتبتها وجامعها مولاها هنا بعد ذلك، فقال: إن أكرهها بعد ذلك ضرب من
الحد بقدر ما أدت من مكاتبتها ودرئ عنه من الحد بقدر ما بقي لها من
مكاتبتها وإن كانت تابعته كانت شريكة له في الحد ضربت مثل ما
يضرب " (1). ولو كانت مشروطة أو لم تؤد شيئا فلا حد، لكن يعزر، لتحريم
وطئه لها مطلقا، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
* (الثانية: ليس للمكاتب التصرف في ماله بهبة ولا عتق ولا إقراض) *
ولا بيع بلا خلاف فيه في الجملة. وهو الحجة، مضافا إلى الأصل والمعتبرة:
منها الصحيح: " في رجل كاتب على نفسه وماله وله أمة وقد شرط عليه
ألا يتزوج فأعتق الأمة وتزوجها، قال: لا يصلح له أن يحدث في ماله إلا
الأكلة من الطعام ونكاحه فاسد مردود، قيل: فإن سيده علم بنكاحه ولم يقل
شيئا، قال: إذا صمت حين يعلم فقد أقر، قيل: فإن المكاتب عتق أفترى أن
يجدد النكاح أو يمضي على النكاح الأول؟ قال: يمضي على نكاحه " (2). ونحوه
في الجملة المعتبران الآتيان.
وإطلاقه - كالعبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة - يقتضي عدم الفرق
في المكاتب بين نوعيه، وبه صرح في الروضة، ولا في التصرفات بين كونها
منافية للاكتساب أم غير منافية.
خلافا للمعتبرين في الأول، فقيداه بالمشروط.

(1) المصدر السابق: 93، الباب 8 الحديث 1.
(2) الوسائل 16: 90، الباب 6 من أبواب المكاتبة الحديث 1، وذيله في 14: 525، الباب 36
من أبواب نكاح العبيد الحديث 2.
386

أحدهما الصحيح: المكاتب لا يجوز له عتق ولا هبة ولا تزويج حتى
يؤدي ما عليه إن كان مولاه شرط عليه إن هو عجز فهو رد في الرق، ولكن
يبيع ويشتري فإن وقع عليه دين في تجارة كان على مولاه أن يقضي دينه
لأنه عبده (1). ونحوه الثاني القريب من الصحيح (2)، لانجبار ضعف بعض
رواته برواية ابن محبوب عنه، وهو كالضعيف عمن حكى على تصحيح ما
يصح عنهم إجماع العصابة، وزيد فيه بعد الثلاثة ولا حج ولا شهادة.
وهما شاذان كالصحيح: " في المكاتب يشترط عليه مولاه ألا يتزوج إلا
بإذن منه حتى يؤدي مكاتبته، قال: ينبغي له ألا يتزوج إلا بإذن منه فإن له
شرطه " (3)، من حيث دلالته بمفهوم التعليل، على أنه لولا الشرط لجاز نكاحه.
ويمكن الذب عن شذوذ المعتبرين بصرف الشرط فيهما إلى عدم جواز
التصرفات بالكلية إلى حين أداء جميع وجه الكتابة، لا إلى أصل المنع عنها،
الشامل له ولو في الجملة.
ولا ريب فيهما حينئذ فإن الذي يمنع التصرفات بالكلية إلى أداء جميع مال
الكتابة إنما هو المشروط خاصة، وأما المطلق فلا يمنع عن التصرفات كذلك،
لجوازها في حقه ولو على بعض الوجوه، كما إذا أدى بعض المكاتبة فإنه تصح
تصرفاته بنسبة الحرية، كما مضى إليه الإشارة.
وبالجملة الشرط ليس شرطا لأصل المنع فيرد الشذوذ بل شرط الكلية
إلى الأداء.
ولجماعة في الثاني، فقيدوا التصرفات الممنوعة بما ينافي الاكتساب
خاصة، ومنهم الشهيد الثاني في المسالك والروضة، حيث قيد الهبة بما لا

(1) الوسائل 16: 90، الباب 6 من أبواب المكاتبة الحديث 3.
(2) المصدر السابق: الحديث 2.
(3) المصدر السابق: الحديث 5.
387

يستلزم عوضا زائدا عن الموهوب، قال: وإلا فلا منع للغبطة، وفي صحة
العوض المساوي وجه، إذ لا ضرر حينئذ كالبيع بثمن المثل والشراء به
والعتق بما فيه ضرر، قال: وله قبول هبة من ينعتق عليه مع عدم الضرر، بأن
يكون مكتسبا قدر مؤنته فصاعدا والإقراض بعدم الغبطة، قال: فلو كانت في
طريق خطر يكون الاقراض أغبط من بقاء المال أو خاف تلفه قبل دفعه إلى
المولى أو بيعه أو نحو ذلك، فالمتجه الصحة والبيع بنحو البيع نسيئة بغير رهن
ولا ضمين موسرا ومحاباة أو بغبن، قال: لا مطلق البيع فإن له التصرف بالبيع
والشراء وغيرهما من أنواع التكسب التي لا حظر فيها ولا تبرع. ثم إنه (رحمه الله) بعد
التقييدات قال مشيرا إلى الأصحاب: ولكنهم أطلقوا المنع فيما ذكر.
وهو كما ترى مشعر بالوفاق على الإطلاق، فإن تم، وإلا كما هو الظاهر،
وإلا لما خالفهم هو ولا غيره ممن تقدم عليه وتأخر عنه.
فالأجود التقييد بما ذكره، لأن المكاتب وإن كان عبدا لا يجوز له التصرف
بحال اتفاقا، فتوى ونصا، ومنه الصحيح المتقدم المعلل للزوم أداء دينه على
سيده بأنه عبده، إلا أن جوازه له حيث لم يوجد فيه قيود المنع ويجمعه ما لم
يناف الاكتساب، مستندا إلى إذن المولى الناشئ من كتابته له، بناء على أن
مقتضاها حصول العتق بالأداء، ولا يمكن في الأغلب، سيما على المختار من عدم
مالكيته إلا بالتكسب، فقد أذن له فيه بالالتزام، وهو عام يشمل التصرفات
المذكورة إذا لم يناف الاكتساب. فتأمل.
مع أن فيه جمعا بين عموم الصحيح الأول المانع له عن التصرفات غير
المستثنى منه الشاملة للبيع والشراء، وإطلاق الصحيح الثاني بجوازهما له،
بحمل الأول على محل القيد، والثاني على غير محله.
ويمكن تنزيل إطلاق العبائر على هذا التفصيل، بأن يقال قولهم بعد المنع:
388

* (إلا بإذن المولى) * يدل على اختصاص المنع بصورة عدم الإذن وارتفاعه
في محله، وهو يعم الصريح والضمني الشامل لما لا يتحقق فيه قيد المنع،
فلا خلاف.
واعلم أن السند في الجواز مع الإذن بعد الأصل والإجماع على الظاهر
أولوية ثبوته للقن معه، وحيث يعتق بإذنه فالولاء له إن عتق، وإلا فللمولى.
ولو اشترى من ينعتق عليه لم يعتق عليه في الحال، فإن عتق تبعه، وإلا
استرقهما المولى.
ولو مات العتيق في زمن الكتابة وقف ميراثه توقعا لعتق المكاتب، وحيث
لا يأذن المولى فيما لا غبطة فيه ولم يبطله حتى عتق المكاتب نفذ، لزوال المانع
كالفضولي، بل هو بالنفوذ أولى، وربما دل عليه الصحيح الأول، ولا قائل
بالفصل. وقيل: يبطل من أصله، ولوقوعه على غير الوجه المشروع. وهو كما
ترى، فإن النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد على الأشهر الأقوى.
* (و) * كما أنه ليس للمكاتب التصرف في ماله بنحو ما مر كذا * (ليس
للمولى التصرف في ماله بغير الاستيفاء) * مطلقا، مشروطا كان أو مطلقا بلا
خلاف ظاهرا. قيل: لخروجه بالكتابة عن محض الرقية وانقطاع سلطنة المولى
عنه، ولذا امتنع عن المولى بيعه وعتقه قبل فسخ الكتابة، وجاز له معاملة
المولى بالبيع والشراء إجماعا.
وليس المراد بجواز التصرف بالاستيفاء جواز أخذه من المكاتب قهرا
لأجل الاستيفاء مطلقا، لأن المكاتب كالمديون في تخيره في جهة الوفاء وتعيين
الدين في أعيان ما بيده موكول إليه، بل المراد جواز ذلك في الجملة، وهو ما إذا
كان مشروطا وحل النجم فلم يؤده وكان بيده مال بقدره، وأما لو زاد
فالتعيين موكول إليه أو إلى الحاكم حيث يمتنع عنه، كما في كل ممتنع.
389

* (ولا يحل له) * أي للمولى * (وطء) * أمته * (المكاتبة) * ولو برضاها مطلقا
لا * (بالملك ولا بالعقد) * إجماعا، لخروجها بالمكاتبة عن محض الرقية المسوغ
لوطئها بملك اليمين، وعدم صيرورتها حرة تستباح بضعها بالعقد، لأن المكاتب
على مرتبة بين الرق والعتق.
هذا، مضافا إلى بعض المعتبرة المتقدم في زنا المولى بمكاتبته المطلقة
الصريحة في حرمة الوطء بالأول، وإطلاق المعتبرين المتقدمين، الدالين على
أنه لا يجوز للمكاتب عتق ولا هبة ولا نكاح، وبما دل على المنع عن نكاحه
ولو من المولى والمكاتب فيهما وإن كان بلفظ التذكير، إلا أن الظاهر منه إرادة
الجنس الشامل للمؤنث، بناء على اشتراكها مع المذكر في المنع عن الأمور
المزبورة في الخبرين عند الأصحاب. فتأمل.
* (ولو وطأها مكرها) * لها * (لزمه مهرها) * بلا خلاف ظاهر، للقوي في
مكاتبة يطأها مولاها فتحمل، قال: يرد عليها مهر مثلها وتسعى في قيمتها،
فإن عجزت فهي من أمهات الأولاد (1) وإطلاقه بل عمومه يشمل صورتي
الإكراه وعدمه، وبه صرح الشهيدان، قال ثانيهما: لأنها لم تستقل بملكه
ليسقط ببغيها.
ومنه يظهر الوجه في تقييد العبارة لزوم المهر بالإكراه وجوابه، مضافا إلى
عموم الخبر المخصص لحديث " لا مهر لبغي " على تقدير شموله لمحل الفرض.
وفي تكرر المهر بتكرر الوطء أوجه، ثالثها ذلك مع تخلل الأداء بين
الوطئين، ورابعها ذلك مع العلم بتعدد الوطء وعدمه مع الشبهة المستمرة.
ويضعفهما والقول بالتكرر على الإطلاق عموم القوي السابق، بل ظاهره
الناشئ من ظهور السؤال في تكرر الوطء، حيث عبر في الأخبار عنه ب‍ " يطأ "

(1) الوسائل 16: 97، الباب 14 من أبواب المكاتبة الحديث 2.
390

المفيد للتجدد والاستمرار، وظاهر الجواب ليس إلا ثبوت المهر الواحد.
* (ولا) * يجوز لها أن * (تتزوج إلا بإذنه) * بلا خلاف، لإطلاق المعتبرين
المتقدمين، بناء على التوجيه المتقدم، مضافا إلى استصحاب عدم الجواز قبل
الكتابة وعدم المخرج عنه سوى عقدها، ولا يتضمن سوى الإذن بالاكتساب،
وليس منه التزويج. وعلى تقديره فيمنع عنه من وجه آخر، وهو تعقبه الضرر
بالحمل المستلزم لاحتمال الفوت بالطلق، والكسب المرخص فيه ليس سوى
الذي لم يتعقبه الضرر غالبا بالإجماع، ولذا يمنع عن نحو البيع نسيئة والقراض.
ولو أذن لها في التزويج صح وملكت المهر والفرق بين تزويجها من غير
المولى وتزويجها منه حيث اتفقوا على الصحة في الأول وعدمها في الثاني أن
الملك له غير تام لتشبثها بالحرية والعقد كذلك غير تام، لعدم استقلالها، والبضع
لا يتبعض، أما الغير فلما كان الحق منحصرا فيهما وزوجته نفسها بإذن المولى
فقد أباحت نفسها بوجه واحد.
* (ولو حملت بعد الكتابة كان حكم ولدها حكمها) * في رقه برقها وانعتاقه
بعتقها، لأنه كسبها فيتبع حريتها ورقيتها كسائر اكتسابها. وليس المراد
سراية الكتابة إلى أولادها كالتدبير، كما صرح به جماعة من أصحابنا، ودل
عليه ما مضى من الأخبار المستفيضة في ميراث المكاتب، الصريحة في تبعية
الأولاد له في الانعتاق والرقية. وهي الحجة في المسألة، مضافا إلى الإجماع
الظاهر، والحسن: المكاتبة ما ولدت في مكاتبتها فهم بمنزلتها إن ماتت فعليهم
ما بقي عليها إن شاؤوا، فإذا أدوا عتقوا (1). والحكم فيه وفي العبارة وإن
اختص بولد الأمة إلا أن ولد العبد كذلك لباقي الأدلة.
ثم إن هذا * (إذا لم يكونوا) * أي الأولاد * (أحرارا) * وإلا لم يتبعوا أبويها

(1) الوسائل 16: 76، الباب 5 من أبواب المكاتبة الحديث 4.
391

في الرق حيث يعودان فيه قطعا.
* (الثالثة: يجب على المولى إعانته) * مشروطا كان أو مطلقا * (من
الزكاة) * إن وجبت عليه * (ولو لم تكن) * واجبة عليه * (استحب) * له إعانته
* (تبرعا) * وفاقا للخلاف وكثير من المتأخرين، وادعى فيه على ذلك إجماع
الفرقة وأخبارهم. وهو الحجة في الوجوب والتخصيص بالمولى، مضافا إلى
ظاهر الآية (1) فيهما، الناشئ عن كون الأمر حقيقة في الوجوب.
ولا ينافيه استعمال الأمر بالكتابة قبله في الاستحباب، وظهور السياق في
اختصاص الضمير المتعلق به الأمر بالمولى، فلا يعم من عداه، وفي تخصيص
المال بالزكاة وإن كانت الآية فيه مطلقة، وتخصيص الآية بصورة وجوبها
والاستحباب في غيرها تبرعا، لكن في الخبر عن قول الله عز وجل:
" فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم "، قال:
تضع عنه من نجومه التي لم تكن تريد أن تنقصه، ولا تزيد فوق ما في نفسك،
فقلت كم؟ فقال: وضع أبو جعفر (عليه السلام) عن مملوك ألفا من ستة آلاف (2).
وهو كما ترى مناف لما مر من حيث تفسيره المؤتى بوضع بعض النجوم.
لكنه ضعيف بابن سنان في المشهور، ومع ذلك كاد أن يلحق بالشواذ، لعدم
مفت بمضمونه بالخصوص.
فإن الأصحاب ما بين مفت بما مر وحاكم بالوجوب على المولى، جاعلا
متعلق الوجوب، وهو الحط عن مال الكتابة مع إتيانه شيئا يستعين به على
الأداء، وجبت على المولى الزكاة أم لا، كما عن المبسوط وجماعة. ومخصص
للحكم بالمشروط (3) العاجز عن توفية ثمنه، مفصلا بين وجوب الزكاة على

(1) النور: 33.
(2) الوسائل 16: 94، الباب 9 من أبواب المكاتبة الحديث 2.
(3) في " م، ش ": بغير المشروط.
392

المولى فتجب عليه الإعانة منها وعدمه، فعلى الإمام أن يفكه من سهم
الرقاب، كما عليه الحلي. وناف للوجوب من أصله حاكم باستحباب الإعانة
للسيد بدفعه إلى مكاتبته شيئا من ماله من سهم الرقاب، كما عن ابن حمزة
والقاضي.
وهذه الأقوال - كما ترى - ليس فيها ما يوافق مضمون الرواية عدا ما في
المبسوط، لتفسيره الإيتاء بالحط عن بعض النجوم كما فيها، لكن زاد ويؤتيه
شيئا يستعين به على الأداء، فتخالفا من هذه الجهة.
فلا يمكن المصير إليها بعد كونها بهذه المثابة لم يعلم قائل بمضمونها أصلا.
نعم عن الإسكافي أنه قال بعد ذكر الآية: ويحتمل أن يكون ذلك أمرا
بأن يدفع إلى المكاتب من سهم الرقاب من الصدقات إن عجزوا، ويحتمل أن
يكون ندبا للسيد أن يضع عنه جزء من مكاتبته.
واحتماله الأخير موافق للرواية إن حملت على الاستحباب.
* * *
* (وأما الاستيلاد) *
للإماء بملك اليمين المترتب عليه أحكام خاصة، منها بطلان كل تصرف
فيها ناقل للملك عنه إلى غيره غير مستلزم للعتق أو مستلزم للنقل كالرهن،
ومنها عتقها بموت المولى قبلها مع خلو ذمته عن ثمن رقبتها أو وفاء التركة
وحياة الولد وغير ذلك * (فهو يتحقق بعلوق أمته منه) * أي حملها منه * (في
ملكه) * بما يكون مبدأ نشوء آدمي ولو مضغة لا بعلوق الزوجة الأمة ولا
الموطوءة لشبهة وإن ولدته حرا، أو ملكهما بعد على الأظهر الأشهر، بل عليه
عامة من تأخر، بل عن ظاهر المبسوط الإجماع عليه في بعض الصور مع أحد
393

الأمرين. وهو الحجة في الجملة، مضافا إلى الأصل مطلقا المعتضد بالخبر
- المنجبر قصوره بعمل الأكثر -: في رجل يتزوج الأمة ويولدها ثم يملكها ولم
تلد عنده بعد، قال: هي أمته إن شاء باعها ما لم يحدث بعد ذلك حمل، وإن شاء
أعتق (1).
خلافا للشيخ وابن حمزة، فأثبتا بذلك الاستيلاد، نظرا إلى إطلاق
النصوص الدالة على حكمه، بناء على الوضع اللغوي.
ويضعف أولا: بعدم عموم في الإطلاق، لانصرافه بحكم التبادر إلى التي
علقت به في الملك لا في الأمرين.
وثانيا: بعد تسليمه بلزوم تقييده بما مر من الخبر المعتبر ولو بالعرض.
ولا بالنطفة، وفاقا للأكثر، للأصل، وعدم تسميتها ولدا في العرف، وهو
وإن جرى في نحو المضغة على تقدير تسليمه لكنه ملحق بالولد بالإجماع.
خلافا للنهاية، فألحقها به أيضا، نظرا منه إلى بناء الاستيلاد على التغليب،
ولذا يقيد بالعلقة والمضغة والنطفة بعد استقرارها واستعدادها للصورة
الانسانية يشبه العلقة في الجملة. وهو كما ترى.
ثم إن إطلاق العبارة وغيرها من عبائر الجماعة كالنصوص - وبه صرح
من الأصحاب جملة - أنه لا يشترط الوطء، بل يكفي مطلق العلوق منه.
ولا حل الوطء، ولا ريب فيه مع عروض التحريم كالصوم والحيض،
وأما مع أصليته - بتزويجه الأمة من الغير مع العلم بالتحريم أو بالرضاع إذا
قلنا بعدم العتق عند ملكها - فقد قطع الشهيد الثاني بالعدم، لتوجه الحد إليه،
فلا يلحق به النسب الذي هو مناط الاستيلاد، ومال إليه في الدروس.
خلافا للمحكي فيه عن المبسوط، فجعله كالأول، ويشترط مع ذلك

(1) الوسائل 16: 105، الباب 4 من أبواب الاستيلاد الحديث 1.
394

الحكم بحرية الولد، فلا يحصل بوطء المكاتب أمته قبل الحكم بعتقه، فلو عجز
استرق المولى الجميع.
نعم لو عتق صارت أم ولد، وليس له بيعها قبل عجزه وعتقه، لتشبثها
بالحرية.
ولا بوطء العبد أمته التي ملكه إياها مولاه لو قلنا بملكه * (وهي مملوكة) *
للأصل السالم عن المعارض، فيجوز استخدامها ووطؤها بالملك وتزويجها
ولو بغير رضاها وإجازتها وعتقها بلا خلاف، ويستفاد من النصوص.
* (لكن لا يجوز بيعها ما دام ولدها حيا إلا في ثمن رقبتها إذا كان دينا على
المولى ولا جهة) * له * (لقضائه غيرها) * ميتا كان مولاها أم حيا بلا خلاف في
كل من المنع والجواز، إلا من المرتضى في الأخير، فمنعه على الإطلاق. ويدفعه
بعد الإجماع في الظاهر الخبران:
أحدهما الصحيح: أيما رجل اشترى جارية فأولدها ثم لم يؤد ثمنها ولم
يدع من المال ما يؤدى عنه أخذ ولدها منها وبيعت فأدي عنها، قلت: فيبعن
فيما سوى ذلك من دين؟ قال: لا (1).
وثانيهما: الخبر - المنجبر ضعفه بعمل الأكثر -: عن أم الولد تباع في الدين،
قال: نعم في ثمن رقبتها (2).
وعن ابن حمزة فيه أيضا، فخصه بصورة موت المولى خاصة، أخذا
بالأصل، واختصاص ظاهر الصحيح لهذه الصورة، فلا يشمل صورة الحياة
وضعف الخبر.
ويدفعه انجبار الخبر بالعمل، فيخصص الأصل، ولا محذور حينئذ في

(1) الوسائل 16: 104، الباب 2 من أبواب الاستيلاد الحديث 1.
(2) الوسائل 13: 51، الباب 24 من أبواب بيع الحيوان الحديث 2.
395

اختصاص الصحيح بصورة الوفاة، مع احتماله عدم الاختصاص، وشموله
لصورة الحياة كما فهمه شيخنا الشهيد الثاني، وأكثر الأصحاب، وبينا الوجه
فيه في كتاب النكاح في تزويج الإماء.
ومقتضى الأصل وكلام الأصحاب كصريح الصحيح وظاهر الخبر
اختصاص الجواز بصورة كون الدين ثمن رقبتها.
وألحق بعضهم مواضع أخر، كبيعها إذا مات قريبها لتعتق وترث وعلى من
تنعتق عليه، وإذا جنت على غير مولاها ليدفع ثمنها أو رقبتها في الجناية، وإذا
كان علوقها بعد الارتهان أو بعد الإفلاس، وإذا عجز عن نفقتها، وإذا مات ولم
يخلف سواها وعليه دين مستغرق وفي كفنه إذا لم يخلف سواها، وإذا أسلمت
قبل مولاها الكافر، وإذا كان ولدها غير وارث.
ومنهم من زاد ما لو جنت على مولاها أو قتلته خطأ. ومنهم من زاد
غير ذلك.
وفي كثير من هذه الصور نظر. ومن الصحيح في الأول: عن أم الولد، فقال:
أمة تباع وتورث (1). وحمل على موت الولد، لعدم معارضته للإجماع الظاهر
والمحكي في الانتصار، وخصوص النصوص المتقدمة.
وعليه فيكون المراد منه الرد على العامة، المانعين عن بيعها على الإطلاق.
* (و) * يظهر منه - بناء على هذا الحمل - أنه * (لو مات الولد جاز بيعها) *
مضافا إلى الاتفاق والنصوص المستفيضة:
منها الصحيح: وإن مات ولدها قبل أن يعتقها فهي أمة إن شاؤوا أعتقوا،
وإن شاؤوا استرقوا (2).

(1) الوسائل 13: 51، الباب 24 من أبواب بيع الحيوان الحديث 3.
(2) التهذيب 8: 239، الحديث 864.
396

والموثق: عن رجل اشترى جارية فولدت منه ولدا فمات، قال: إن شاء
أن يبيعها باعها (1).
ثم إن ذا إذا لم يخلف ولدها ولدا.
ولو خلفه ففي كون حكمه حكمه فلا يجوز بيعها، أم لا؟ وجهان، بل قيل
قولان أظهرهما الثاني، لعموم المستفيضة برجوعها إلى محض الرقبة بموت
الولد، بناء على أن المتبادر منه عند الإطلاق إنما هو الولد للصلب.
وبه يجاب عن دليل الأول من عموم ما دل على المنع عن بيع أم الولد،
بناء على كونه ولدا حقيقة.
قيل: وهو متجه لو كان وارثا لجده، لانعتاقها عليه دون ما إذا لم يكن
وارثا، لانتفاء الملك المقتضي للعتق، وربما جعل هذا التفصيل قولا في محل
النزاع.
وهو حسن إن أريد انعتاقها من قدر نصيبه منها، لكنه غير محل النزاع،
ومحل نظر إن أريد إلحاقه بالولد مطلقا، حتى في عدم جواز البيع، وأنه لو كان
له نصيب من التركة غيرها انعتق عليه منه أيضا، كالولد فإنه مخالف للأصل
ولو في الولد، إلا أن الحكم فيه خرج عنه بالإجماع، وإطلاق ما سيأتي من
النص، فيبقى غيره مندرجا تحت الأصل.
* (وتتحرر بموت المولى من نصيب ولدها) * من التركة، لا منها خاصة
إجماعا فيه وفي عدم انعتاقها من أصل التركة، للمعتبرة المستفيضة:
منها الصحيح: إن كان لها ولد وترك مالا جعلت في نصيب ولدها (2).
والمرسل كالصحيح على الأشهر الصحيح: وإن كان لها ولد قومت

(1) المصدر السابق: الحديث 865.
(2) الوسائل 16: 107، الباب 6 من أبواب الاستيلاد الحديث 1.
397

على ولدها من نصيبه (1). ونحوهما الصحيح وغيره (2) مما يأتي.
* (ولو لم يخلف) * المولى * (الميت) * تركة * (سواها) * وكان له وارث سواه
* (عتقت من نصيب ولدها وسعت فيما بقي) * من قيمتها ولا اعتبار بملك ولدها
من غير الإرث، لأن عتقها عليه قهري، فلا يسري عليه على الأشهر الأقوى،
للأصل المعتضد بظاهر ما مر من النصوص، من حيث الحكم فيها بالعتق من
النصيب على الإطلاق المشعر، بل الظاهر في عدم انعتاقها عليه من ماله على
الإطلاق، بل هو من خصوص ما وصل إليه من النصيب، وإلا لعبر بماله دون
نصيبه، مضافا إلى صريح المقطوع: وإذا كانت بين شركاء فقد عتقت من
نصيب ولدها وتستسعى في بقية ثمنها (3).
خلافا للمبسوط والإسكافي، فحكموا بالسراية عليه، للنبوي: من ملك ذا
رحم فهو حر (4).
وقصوره سندا ومكافأة لما مر من الأدلة - المعتضدة بالشهرة العظيمة،
التي كادت تكون إجماعا، بل لعلها إجماع حقيقة - يمنع من العمل به جدا * (و) *
إن أيده ما * (في رواية) * موثقة عمل بها في النهاية (5): من أنه يقوم على
ولدها إن مات المولى وعليه دين وكان الولد موسرا، وأنه إن كان صغيرا
انتظر بلوغه (6)، لقصورها كالرواية السابقة عن المقاومة لما مر من الأدلة.
وهي مع ذلك مهجورة العمل عند غير النهاية، بل وعنده أيضا، حيث رجع
عنه في باقي كتبه، مع أنه لم يعمل بإطلاقها في النهاية، لعموم الدين فيها لثمن

(1) الوسائل 16: 105، الباب 5 من أبواب الاستيلاد الحديث 2.
(2) الوسائل 16: 105 - 107، الباب 5 و 6 من أبواب الاستيلاد.
(3) المصدر السابق: 106، الباب 5 الحديث 3.
(4) عوالي اللئالي 3: 439، الحديث 23.
(5) النهاية 3: 25.
(6) التهذيب 8: 239، الحديث 865.
398

الرقبة وغيرها، وفي النهاية قيده بالأول خاصة.
والعجب من السيد في شرح الكتاب وصاحب الكفاية، حيث جعلا هذه
الرواية حجة للشيخ في قوله السابق ولم يذكروا قوله في النهاية، وكأنهما زعما
أن مورد القولين مسألة واحدة، وليس كما زعما، لوضوح الفرق بين مورديهما
كما ترى وإن تشابها، ولذا أن شيخنا في الدروس كالمختلف ذكرا لهما عنوانين
وبحثوا عن كل منهما على حدة، مستدلين لكل منهما بحجة مستقلة، وجعلا هذه
الرواية حجة لما في النهاية، واستندوا لما في المبسوط إلى الرواية السابقة.
ثم ظاهر هذه الأقوال الإطباق على عدم السراية على الولد مع إعساره.
خلافا للمحكي عن ابن حمزة، فقال: بوجوب الاستسعاء عليه حينئذ.
وحجته مع منافاته الأصل غير واضحة، عدا المقطوعة السابقة (1) إن قرئت
يستسعي بالياء، ولكنها بالتاء في النسخة المصححة مضبوطة.
نعم ذكر الصيمري أن به رواية يونس بن يعقوب، ولم أقف عليها عدا
المقطوعة، وهي وإن كانت له، إلا أنها واضحة الدلالة على المختار، بناء على
النسخة الصحيحة.
* (وفي رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام): في وليدة نصرانية
أسلمت وولدت من مولاها غلاما ومات فأعتقت وتزوجت نصرانيا
وتنصرت فولدت، فقال (عليه السلام): ولدها لابنها من سيدها وتحبس حتى تضع
وتقتل) * (2).
وهي وإن رويت في التهذيب (3) في أواخر باب السراري وملك الأيمان

(1) الوسائل 16: 106، الباب 5 من أبواب الاستيلاد الحديث 3.
(2) الوسائل 18: 550، الباب 4 من أبواب حد المرتد الحديث 5.
(3) التهذيب 8: 213، الحديث 761.
399

موثقا بابن فضال - بل ذكر السيد في شرح الكتاب كونها فيه مروية صحيحا،
ولم أقف عليها كذلك - إلا أنها مخالفة للأصول القطعية، من حيث تضمنها
استرقاق ولدها الحر المتولد من نصراني محترم وقتل المرأة المرتدة، خصوصا
عن ملة.
* (و) * لذا أن الشيخ * (في النهاية) * أعرض عن العمل بها، وقال: إنه
* (يفعل بها) * أي بالمرأة التي تضمنتها الرواية * (ما يفعل ب‍) * المرأة * (المرتدة) *
من استتابتها وحبسها دائما مع إبائها عن التوبة وضربها أوقات الصلاة.
وبالجملة الرواية شاذة لم يعمل بها أحد من الطائفة، مخالفة للأصول
القطعية، مع أنها قضية في واقعة محتملة إناطتها بمصلحة لم تكن لنا ظاهرة.
والحمد لله سبحانه
400

كتاب الإقرار
401

* (كتاب الإقرار) *
* (والنظر) * فيه * (في) * أمرين: * (الأركان، واللواحق) *.
* (والأركان أربعة) *:
* (الأول) *: اللفظ الصريح * (في الإقرار، وهو) * ما يتضمن * (اخبار الانسان
بحق لازم له) * ولو كان مثل " نعم " في جواب " لي عليك كذا " كما يأتي.
والحق يعم نحو العين والمنفعة واستحقاق الخيار والشفعة.
وخرج ب‍ " لازم " للمخبر الإخبار عما ليس له بلازم، فإنه شهادة لا إقرار.
والأصل في شرعيته ولزوم ما يترتب عليه من حكمه - بعد الإجماع
المحقق على الظاهر المستفيض النقل في كلام جماعة - النصوص المستفيضة، التي
كادت تكون متواترة، كما صرح به جماعة.
منها النبوي العام: إقرار العقلاء على أنفسهم جائز (1) وقولوا الحق
ولو على أنفسكم (2).
وبمعناه قوله سبحانه " كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على

(1) الوسائل 16: 111، الباب 3 من أبواب كتاب الإقرار الحديث 2.
(2) كنز الفوائد 2: 31.
403

أنفسكم (1) ". وقريب منها آيات أخر (2).
ولا يختص لفظا، بل يكفي فيه كل لفظ يفيد الإخبار بأي لغة كانت
بلا خلاف، بل عن التذكرة عليه الإجماع (3). وهو الحجة، مضافا إلى اشتراك
الجميع في التعبير عما في الضمير، المعبر عنه بالإقرار عرفا.
والمعتبر فيه الدلالة العرفية دون اللغوية، فيقدم عليها حيث حصل بينهما
معارضة، لأن الظاهر من حال المقر تكلمه بحسب عرفه، إلا أن يكون عارفا
باللغة ووجدت القرينة (4) على إرادته معناها دون عرفه، فتكون حينئذ عليه
مقدمة، ولكنه غير مفروض المسألة. ويتفرع على هذا الأصل أحكام كثيرة:
منها: ما إذا قال: إن شهد لك علي فلان فهو صادق فالأقرب - وفاقا
لأكثر المتأخرين، كما في المسالك (5) والكفاية (6) أنه ليس إقرارا، بناء على أن
المفهوم منه عرفا أن هذه الشهادة ممتنعة الوقوع من الشخص المذكور، لامتناع
الكذب عليه بحسب اعتقاد المتكلم، فالغرض أن ذلك لا يصدر عنه، ونحو هذا
كثير في المحاورات العرفية، سيما العوام ومن لا معرفة له بمعاني الألفاظ اللغوية،
فيقال: إن شهد فلان أني لست من أبي أو واجب القتل فهو صادق.
خلافا للمبسوط (7) وجماعة، فجعلوه إقرارا لحجة معلومة الجواب مما
تقدم إليه الإشارة، فلا يخصص الأصل المقطوع به الدال على براءة الذمة.
وحيث إن العرف المرجوع إليه خاصة على المختار ليس بمنضبط - بل
تختلف باختلاف المواضع والأحوال - وجب أن يجعل النظر إلى القرائن
والخصوصيات الواقعة في كل مقام هو الضابط والمعيار.

(1) النساء: 135.
(2) آل عمران: 81، والتوبة: 102.
(3) التذكرة 2: 144 س 13.
(4) في المطبوع: قرينة.
(5) المسالك 11: 12.
(6) كفاية الأحكام: 230 س 24.
(7) المبسوط 3: 22.
404

فلو كان اللفظ صريحا في التصديق لكن انضم إليه قرائن تصرفه إلى
الاستهزاء بالتكذيب - كطريقة أداء اللفظ وتحريك الرأس الدال على الإنكار،
كما إذا ادعى عليه أحد أنه أقرضه مالا فقال: صدقت على سبيل الاستهزاء،
أو قال لي عليك ألف فقال: بل ألوف - لم يكن إقرارا، وحكي التصريح بذلك
عن التذكرة (1)، وتبعه جماعة.
ولو قال لك: علي كذا إن شهد به فلان أو إن شئت أو إن قدم زيد أو إن
رضي فلان أو نحو ذلك مما يدل على التعليق وعدم التنجيز لا يكون إقرارا بلا
خلاف، بل عليه في الأول الاتفاق في المسالك (2). وهو الحجة فيه، مضافا إلى
الأصل، وأن وقوع المعلق مشروط بوجود المعلق عليه. وهو مناف لمقتضى
الخبر اللازم في الإقرار في الجميع.
ثم الألفاظ التي يقع بها الإقرار صريحا على أنواع، منها ما يفيد الإقرار
بالدين كذلك (3) ك‍ " في ذمتي "، ومنها ما يفيده ظاهرا ك‍ " علي "، ومنها ما يفيد
الإقرار بالعين صريحا ك‍ " في يدي كذا "، ومنها ما يفيده ظاهرا ك‍ " عندي "،
ومنها ما هو صالح لهما ك‍ " لدي ".
وتظهر الفائدة فيما لو ادعى خلاف مدلول اللفظ، فإنه لا يقبل، صريحا
كان أو ظاهرا، ويقبل في الإقرار المجمل ما يحتمله حقيقة.
* (وتقوم الإشارة) * المفهمة * (مقامه) * فيكتفي بها عنه مطلقا. قيل: لأن المقصود
التعبير عما في الضمير، ويحصل بها وعن بعض المتأخرين اشتراط التعذر في
الاكتفاء، ولعله للشك في تسمية مثلها الإقرار (4) وإن عبرت عما في الضمير،
ومناط الحكم في الأدلة هو دون التعبير، ولا تلازم بينهما، فلا يخصص بها الأصل.

(1) التذكرة 2: 144 س 19.
(2) المسالك 11: 12.
(3) في " م ": كذلك أي صريحا.
(4) في " م، ش ": إقرارا.
405

وهذا التوجيه وإن أفاد المنع عنها مطلقا إلا أن الاكتفاء بها حالة
الضرورة، مستندا إلى الإجماع والأولوية الناشئة من ثبوت الاكتفاء بها
حالتها في العقود، سيما التزويج القابلة للتوكيل، فلو لم يوجب التوكيل فيها مع
الضرورة واكتفى فيها بالإشارة معها لزم الاكتفاء بها في المقام الغير القابل
للتوكيل على المختار بطريق أولى، لاندفاع الحاجة بالتوكيل وإن لم يجب ثمة،
دون الإقرار، لانحصار وجه اندفاعها فيه في الإشارة.
* (ولو قال: عليك كذا فقال: نعم أو أجل فهو إقرار) * بلا خلاف فيهما ولا
إشكال إذا كان المقر عارفا بترادف اللفظين، لكونهما كلمة تصديق إذا كان قول
عليك خبرا، واثبات إذا كان استفهاما، ويشكل في الأخير على المختار من
تقديم العرف على اللغة إذا لم يكن عارفا بالترادف وكون أجل بمعنى نعم - كما
يتفق لكثير من أهل هذه الأزمنة - ونحو اللفظتين صدقت أو بررت أو قلت
حقا أو صدقا أو بلى في جواب من قال " لي عليك كذا " مخبرا بلا إشكال حتى
في الأخير، بناء فيه على المختار من جعل العرف هو المعيار، لفهمه منه
التصديق وإن وضع في اللغة، لإبطال النفي، فلا يجب بها الإثبات.
* (وكذا لو قال " أليس لي عليك كذا " فقال بلى) * كان إقرارا، لأنها
بمقتضى الوضع المتقدم يتضمن نفي النفي الذي هو إقرار. وهو وإن اختص
باللغة - كما مر إليه الإشارة - إلا أن العرف وافقها في هذه الصورة. وعلى
التنزل فمخالفته لها فيها غير معلومة، فيؤخذ بها، عملا بالاستصحاب السالم
فيها عن المعارض بالكلية.
* (ولو قال) * بعد القول المذكور * (نعم قال الشيخ (1) (رحمه الله): لا يكون إقرارا) *

(1) المبسوط 3: 2.
406

لوضعها في اللغة لتقرير ما سبق من السؤال، فإذا كان نفيا اقتضى تقرير النفي،
فيكون في المثال إنكارا.
* (وفيه) * عند الماتن * (تردد) * ينشأ من ذلك، ومن استعمالها بعد النفي،
بمعنى بلى عرفا استعمالا شائعا، فليتقدم على مفادها لغة، كما مضى، مضافا إلى
ما حكي عن جماعة من التصريح بورودها لغة كذلك، واختار هذا الشهيد في
الدروس (1) والسيد في شرح الكتاب. ولا ريب فيه إن ثبت كون استعمال
العرف بعنوان الحقيقة. ولكنه محل مناقشة، إذ مجرد الاستعمال ولو كان شائعا
لا يقتضيها بلا شبهة، فإنه أعم من الحقيقة، سيما إذا وجد للفظة معنى حقيقي
آخر لغة.
ومنه يظهر الجواب عما ذكره الجماعة من ورودها بنهج الاستعمال الشائع
العرفي في اللغة.
ثم على تقدير تسليم ثبوت الحقيقة بذلك لم يثبت الإقرار بها أيضا،
لاحتمال الاشتراك.
ودفعه غير ممكن إلا على تقدير ثبوت كون هذه الحقيقة غالبة على
الحقيقة الأخرى اللغوية تكون في جنبها مهجورة.
وهو محل مناقشة. كيف لا! ونحن في عويل في ثبوت أصل الحقيقة،
فكيف يتأتى لنا دعوى ثبوت الغلبة، التي هي المناط في ثبوت الإقرار بها، إذ
لولاها لكان اللفظة من قبيل الألفاظ المشتركة، التي لا تحمل على أحد معانيها
إلا بقرينة صارفة.
وبالجملة فهذا القول ضعيف غايته، كما في التنقيح (2) من التفصيل بين كون
المقر عارفا باللغة فالأول وإلا فالثاني، لعدم وضوح وجه له، ولا حجة له.

(1) الدروس 3: 122.
(2) التنقيح 3: 487.
407

فإذا المصير إلى قول الشيخ لا يخلو عن قوة، عملا بأصالتي براءة الذمة
وبقاء الحقيقة اللغوية.
* (ولو قال) * بعد قول: لي عليك كذا * (أنا مقر لم يلزمه) * الإقرار به، لعدم
مذكورية المقر به، فيجوز تقديره بما يطابق الدعوى وغيره، ولا دلالة للعام
على الخاص، فيرجع حينئذ إلى الأصل * (إلا أن يقول به) * أي بدعواك
فيلزمه، لأصالة عود الضمير إلى الكلام.
خلافا للدروس (1)، فلم يجعله إقرارا أيضا، إذ غايته الإقرار بالدعوى،
وهو أعم من الإقرار بها للمدعى ولغيره.
ويضعف بتبادر الأول فيؤخذ به، بل لا يبعد حصول الإقرار بالأول
أيضا، وفاقا لمحتمل الفاضل المقداد (2) والسيد في شرحهما على الكتاب، لأن
وقوعه عقيب الدعوى يقتضي صرفه إليها، عملا بالقرينة، والتفاتا إلى قوله
سبحانه: " أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا " (3)، وأنه لو جاز
تعلقه بغير الدعوى لزم حمله على الهذر، فإن من ادعي عليه بدين فقال: أنا
مقر بكون السماء فوقنا والأرض تحتنا عد هذرا، ودفعه عن كلام العاقل
مقصود شرعا.
وبالجملة فالمرجع في حصول الإقرار إلى فهم المعنى من اللفظ عرفا،
وربما اختلف باختلاف حال المتكلم، وكونه من أهل التورية وعدمه.
* (ولو قال) * بعد القول المتقدم * (بعنيه أو هبنيه فهو إقرار) * بعدم ملك
المقر، لأنه (4) طلب شرائه أو اتهابه.

(1) الدروس 3: 122.
(2) التنقيح 3: 488.
(3) آل عمران: 81.
(4) في " م " ونسخة بدل المطبوع بدل " لأنه ": إلى.
408

وهل يكون إقرارا للمخاطب بالملكية فيه وجهان، أجودهما نعم، عملا
بالظاهر المتبادر، الناشئ من أن الأغلب في البائع والواهب كونه هو المالك
دون الوكيل، فإنه نادر.
وبه يظهر ضعف وجه احتمال العدم.
وكيف كان فهو إقرار له باليد قولا واحدا، فإذا ادعاه ولم يوجد له منازع
حكم له به.
ولو قال: اشترى مني أو أهب فقال: نعم كان إقرارا، ويجري فيه الوجهان
في كونه إقرارا بالملك أم مطلق اليد.
* (ولو قال: لي عليك كذا، فقال: أتزن أو انتقد) * أو شد هميانك * (لم يكن
شيئا) * ولا يعد إقرارا.
* (وكذا لو قال: أتزنها أو انتقدها) * ونحوهما من الألفاظ المستعملة في
التهكم والاستهزاء. والوجه فيه واضح، كما مضى (1).
* (أما لو قال: أجلتني بها أو قضيتكها فقد أقر وانقلب المقر (2) مدعيا) *
على ما قطع به الأصحاب، كما في شرح السيد (3) والكفاية (4)، بل فيهما عن
ظاهر التذكرة أن عليه إجماع العلماء كافة (5)، لدلالته التزاما على ثبوتها في
ذمته. وادعاء التأجيل أو القبض يحتاج إلى بينة.
* (الثاني: المقر ولا بد من كونه مكلفا حرا مختارا جائز التصرف) * بلا
خلاف، بل عليه الإجماع عن التذكرة (6). وهو الحجة في الجميع، مضافا إلى
الأصل، وحديث رفع القلم (7) في الأول، وما دل على عدم مالكية العبد،

(1) ليس في المخطوطات " كما مضى ".
(2) أثبتناها من المتن المطبوع.
(3) لم نعثر عليه.
(4) كفاية الأحكام: 230 س 35.
(5) نقله عنه كفاية الأحكام: 230 س 35.
(6) التذكرة 2: 145 س 39.
(7) الوسائل 1: 32، الباب 4 من أبواب مقدمات العبادات الحديث 11.
409

ومحجوريته في الثاني في الجملة، والاعتبار والاستقراء في الباقي، بل يجري
في الجميع.
* (فلا يقبل إقرار الصبي) * بمال، ولا عقوبة وإن بلغ عشرا إن لم نجز وصيته
ووقفه وصدقته، وإلا قبل إقراره بها، لأن من ملك تصرفا في شئ ملكه ملك
الإقرار به أيضا بلا خلاف فيه ظاهرا.
* (ولا) * إقرار * (المجنون) * إلا من ذوي الدور وقت الوثوق بعقله.
* (ولا) * إقرار * (العبد بمال ولا حد ولا جناية ولو أوجبت قصاصا) * إلا
مع تصديق المولى له في المال فيقبل، وتدفع العين المقر بها إلى المقر له إذا كانت
موجودة. وإذا كانت تالفة أو لم يصدقه المولى أو كانت مستندة إلى جناية أو
إتلاف مال فالظاهر تعلقها بذمته يتبع به بعد عتقه، لعموم نفوذ إقرار العقلاء
على أنفسهم جائز (1)، خرج منه نفوذه حال عبوديته، لأن إقراره فيها إقرار
في حق غيره، وبقي مندرجا فيه نفوذه حال حريته، لخلوه عن المانع المذكور
في حال عبوديته.
والفرق بينه وبين المحجور عليه لسفه حيث نفذ فيه الإقرار بعد العتق ولم
يقع لاغيا، بخلاف السفيه إن المملوك كامل في نفسه معتبر القول، لبلوغه
ورشده، فيدخل تحت العموم، وإنما منع من نفوذ إقراره حق السيد، فإذا زال
المانع عمل السبب عمله، بخلاف السفيه فإن عبارته في المال مسلوبة في الشرع
بالأصل، لقصوره كالصبي والمجنون، فلا ينفذ في ثاني الحال، كما لا ينفذ
إقرارهما بعد الكمال.
ولو كان مأذونا في التجارة فأقر بما يتعلق بها فالمشهور نفوذه مطلقا مما
في يده، والزائد يتبع به بعد عتقه.

(1) الوسائل 16: 111، الباب 2 من أبواب كتاب الإقرار الحديث 2.
410

خلافا للتذكرة (1) والمسالك (2)، فاستشكلا النفوذ بما يرجع حاصله إلى
منع استلزام الإذن في التجارة الإذن فيما يتعلق بها من نحو الاستدانة.
وفصل في الكفاية (3) بين ما كان من لوازمها عرفا فالأول لثبوت التلازم
بينهما فيه، وما ليس من لوازمها وإن تعلق بها فلا يقبل، لفقد التلازم هنا.
ولا إقرار السكران مطلقا ولو اختار السبب المحرم على الأشهر.
خلافا للإسكافي (4)، حيث ألزمه بإقراره إن شرب المسكر باختياره.
ولا المكره فيما أكره على الإقرار به إلا مع ظهور أمارات اختياره، كأن
يكره على أمر فيقر بأزيد منه.
ولا السفيه، إلا إذا أقر بغير المال كجناية توجب القصاص ونكاح وطلاق
فيقبل للعموم.
ولو اجتمع قبل في غير المال، كالسرقة بالنسبة إلى القطع.
ولا يلزم بعد زوال حجره ما بطل قبله، كما مر. وكذا يقبل إقرار المفلس
في غير المال مطلقا، بل فيه أيضا إذا كان دينا على قول، فيؤخذ من ماله إذا
فضل عن حق غرمائه، وإلا انتظر يساره.
وفي اقتصار الماتن على الشرائط المزبورة دلالة على عدم اشتراط العدالة،
كما هو الأظهر الأشهر بين الطائفة.
خلافا للمحكي عن الشيخ (رحمه الله) (5)، فاعتبرها. ولا وجه له.
* (الثالث: في المقر له، ويشترط فيه أهلية التملك) * بلا خلاف، إذ مع عدمه
يلغو الإقرار، فلا عبرة به، فلو أقر لدار أو جدار ونحوهما بطل.

(1) التذكرة 2: 147 س 27.
(2) المسالك 11: 92.
(3) كفاية الأحكام: 231 س 14.
(4) كما في المختلف: ج 6 ص 47.
(5) المبسوط 3: 2.
411

* (ويقبل) * إقراره * (لو أقر لحمل) * بلا خلاف ولا إشكال إذا بين سببا
يفيد للحمل الملك كوصية أو إرث يمكن في حقه، لجواز الوصية له وارثه وإن
كان استقرار ملكه له مشروطا بسقوطه حال حياته، لأن ذلك لا يمنع من
صحته في الحال في الجملة. وكذا إذا بين سببا لا يفيده الملك كالجناية عليه
والمعاملة معه على الأظهر الأشهر، كما في المسالك (1)، وفاقا للمبسوط (2)،
للعموم، مع ضعف ما سيذكر من المخصص.
خلافا للإسكافي (3) والقاضي (4) فلا يقبل، لأن الكلام كالجملة الواحدة،
ولا يتم إلا بآخره، وقد نافى أوله، فلا عبرة به كالإقرار المعلق على الشرط.
وفيه نظر، لمنع كون الكلام هنا كالجملة الواحدة لا يتم إلا بآخره، إذ هو
حيث يكون الآخر من متمماته كالشرط والصفة لا مما لا يتعلق به، بل ينافيه،
كما نحن فيه. ومن ثم أجمعوا على بطلان المعلق على الشرط دون المعقب
بالمنافي، والفرق بينهما أن الشرط المعلق عليه مناف للإخبار بالاستحقاق
في الزمن الماضي فلم يتحقق معه ماهية الإقرار، بخلافه مع المنافي المتعقب،
فإنه إخبار تام، وإنما تعقبه ما يبطله، فلا يسمع. فتأمل.
وكذا لو لم يبين سببا، بل بطريق أولى على المختار.
وأما على غيره فكذلك، أخذا بالعموم، و * (تنزيلا) * للإقرار * (على
الاحتمال) * المصحح له * (وإن بعد) * ولا خلاف فيه هنا، بل في ظاهر التنقيح (5)
الإجماع عليه.
نعم فيه عن المبسوط (6) أنه نقل عن بعض الحكم بالبطلان. وهو مع
جهالة قائله ضعيف.

(1) المسالك 11: 103.
(2) المبسوط 3: 14.
(3) كما في الايضاح 2: 434.
(4) المهذب 1: 409.
(5) التنقيح 3: 489.
(6) المبسوط 3: 14.
412

واعلم أن ملك الحمل المقر به مشروط بسقوطه حيا ولو مات بعده،
إذ ينتقل حينئذ إلى وارثه، فلو سقط ميتا لم يملكه، ورجع إلى بقية ورثة
مورث الحمل إن كان السبب المبين هو الإرث، وإلى ورثة الموصي إن كان
الوصية، ويبطل الإقرار مع عدم إمكان البيان بموت المقر على قول، ويصح
على آخر أظهر، بل وأشهر. وعليه فيكون المقر به مالا مجهول المالك.
* (وكذا) * يقبل * (لو أقر لعبد) * بلا خلاف، كما في شرح الكتاب للسيد (1).
وهو الحجة، مضافا إلى عموم نفوذ إقرار العقلاء، السليم هنا عن المخصص، أما
على مالكيته فظاهر، وأما على غيره المختار فكذلك، لجواز نسبة المال إليه
مجازا فإنه شائع * (ويكون) * المقر به * (للمولى) * كسائر ما في يده.
وهنا شرط آخر، وهو أن لا يكذب المقر له المقر، فلو كذبه لم يسلم إليه،
بل يحفظه الحاكم أو يبقيه في يد المقر أمانة بشرط عدالته أو مطلقا، وإنما لم
يذكره الماتن، نظرا منه إلى أنه ليس شرطا في نفوذ أصل الإقرار، بل شرط
لتملك المقر له المقر به.
* (الرابع: في المقر به) * وهو إما مال أو نسب أو حق كالقصاص وخيار
الشفعة. وينعقد الإقرار بكل واحد بلا خلاف، للعموم، وعدم مانع.
ولا يعتبر في المال أن يكون معلوما، إذ ربما كان على ذمة المقر ما لم يعلم
قدره فدعت الحاجة إلى إقراره ليتوصل إلى براءة ذمته بالصلح أو الإبراء.
ف‍ * (لو قال: له علي مال قبل) * وإن امتنع عن البيان حبس وضيق عليه حتى
يبين، إلا أن يدعي النسيان.
ويقبل * (تفسيره) * المال * (بما يملك) * ويتمول * (وإن قل) * بلا خلاف،

(1) لم نعثر عليه فيه.
413

بل عليه وعلى أصل قبول الإقرار الإجماع في التذكرة (1). وهو الحجة، مضافا
إلى أصالة براءة الذمة عن الزائد السليمة عن المعارض، لصدق المال على
القليل كصدقه على الكثير.
وهل يندرج فيه غير المتمول كحبة من حنطة فيقبل تفسيره به أم لا؟
قولان من أنه مملوك شرعا وإن لم يكن له قيمة عادة والحقيقة الشرعية
مقدمة على العرفية وأنه يحرم أخذه بغير إذن مالكه ويجب رده، ومن أن
الملك لا يستلزم إطلاق اسم المال عليه شرعا.
وعلى تقدير الاستلزام فالعرف يأباه، وهو مقدم كما تقدم، مع أن طريقة
الإقرار يقتضي ثبوته في الذمة، ولا يثبت فيها ما لا يتمول ولا قيمة له بلا
خلاف أجده، وبه صرح جماعة. وهذا أجود، وعليه الأكثر، وحكي في
الدروس (2) الأول عن الفاضل، ولعله قال به في التذكرة (3) كما يظهر من
المسالك (4) والكفاية (5).
* (ولو قال) * له علي * (شئ وجب تفسيره بما يثبت في الذمة) * دون ما لا
يتمول، كحب من حنطة على الأشهر هنا أيضا.
خلافا للتذكرة (6) والروضة (7)، فجوزا له التفسير به، لكن الثاني خصه
بالشئ دون المال، ولم يفرق الأول بينهما في هذا وإن افترقا في غيره، وهو
أعمية الشئ من المال، لاختصاصه بما يعد مالا دون غيره، كحق الشفعة
ونحوه، وشمول الشئ لهما، ومقتضاه جواز تفسيره برد السلام والعيادة،
وتسميت العاطس لتسميتها شيئا.

(1) التذكرة 2: 152 س 36.
(2) الدروس 3: 137، الدرس 225.
(3) التذكرة 2: 152 س 36.
(4) المسالك 11: 31.
(5) كفاية الأحكام: 231 س 24.
(6) التذكرة 2: 151 س 35.
(7) الروضة 6: 390.
414

ولكن الأشهر كما في الروضة (1) خلافه. وهو الأصح، لأنه خلاف المتعارف،
وبعدها عن الفهم في معرض الإقرار ومرجعه إلى أنه خلاف المتفاهم عرفا
فلا يشملها الشئ وإن عم لغة لوجوب تقديمه عليها كما تقدم، مع أنها تسقط
بالفوات، فلا يثبت في الذمة، وطريقة الإقرار ب‍ " علي " يقتضي الثبوت فيها.
هذا، ولم أر قائلا بالأول صريحا، بل ولا ظاهرا وإن احتمل في الكتابين
المتقدمين.
* (ولو قال) * علي * (ألف ودرهم) * ألزم بالدرهم * (ورجع في تفسير
الألف) * لإجماله * (إليه) * ولا خلاف فيه وفي قبول تفسيره بما شاء حتى لو
فسرها بحبات من حنطة قبل، وصرح به جماعة أولهم الفاضل في التذكرة (2).
* (ولو قال: مائة وعشرون درهما) * أو ألف وثلاثة دراهم أو ما شاكلها
من الأعداد المتعاطفة المتخالفة في التميز المتعقبة لها بحسب الإفراد والجمع
والجر والنصب * (فالكل دراهم) * في المشهور بين الأصحاب، سيما المتأخرين.
وفاقا للشيخ (3) والحلي (4)، لتطابق اللغة والعرف على أن المفسر إذا وقع
بين المبهمين أو المبهمات عاد إلى الجميع، حتى لو قال المتكلم له مائة درهم
وعشرون درهما عد مستهجنا، قال الله تعالى: " إن هذا أخي له تسع وتسعون
نعجة " (5)، وفي الخبر: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) توفي وهو ابن ثلاث وستين سنة (6)،
ونحوهما ورد في الشعر.
خلافا للفاضل في المختلف (7)، فجعل المائة والألف في المثالين مبهمين

(1) الروضة 6: 390.
(2) التذكرة 2: 154 س 21.
(3) المبسوط 3: 7.
(4) السرائر 2: 501.
(5) ص: 23.
(6) كشف الغمة 1: 14.
(7) المختلف: ج 6 ص 41.
415

فيرجع في تفسيرهما إليه، قال: لأن المميزين ليسا مميزين للعددين، وكما
يحتمل أن يكون مميزا للجميع يحتمل أن يكون مميزا للأخير، فلا يثبت في
الذمة بمجرد الاحتمال.
ويظهر من التعليل عدم اختصاص ما ذكره بالمثالين، بل جار فيما يجرى
فيه التعليل، وقد حكي التصريح بهذا التعميم في المسالك (1) عن بعض
الأصحاب، ويظهر من المقدس الأردبيلي الميل إليه في شرح الإرشاد (2)، لما مر
من التعليل، وهو عليل بعد ما مر من تطابق العرف واللغة على فهم رجوع
التميز إلى الجميع، بحيث لو عقب كل عدد، بمميز لحكما فيه بالاستهجان.
* (و) * اعلم أن لفظة * (كذا كناية عن الشئ) * على الأشهر الأقوى، بناء
على استعماله مكانه عرفا، فيقبل تفسيره بما يقبل به تفسير الشئ، وعليه
الحلي (3).
خلافا للخلاف (4)، فجعله كناية عن العدد، وحكي في التنقيح (5) عليه
إجماع الأدباء.
ويتفرع على الخلاف في الجملة ما أشار إليه بقوله: * (فلو قال) * علي * (كذا
درهم) * بالحركات الثلاث أو الوقف * (فالإقرار بواحد) * مطلقا على المختار،
لاشتراكه بين الواحد فما زاد وضعا، فتحمل على الأقل، لأنه المتيقن إذا لم
يفسره بأزيد، فمع الرفع يكون الدرهم بدلا والتقدير شئ درهم، ومع النصب
يكون مميزا له، ومع الجر تقدر الإضافة بيانية كحب الحصيد، والتقدير شئ
هو درهم.

(1) المسالك 11: 43.
(2) مجمع الفائدة 9: 445.
(3) السرائر 3: 503.
(4) الخلاف 3: 365 - 367، المسألة 8 و 9 و 10 و 11.
(5) التنقيح 3: 491.
416

قيل: ويشكل بأن ذلك وإن صح إلا أنه يمكن تقدير ما هو أقل منه،
بجعل الشئ جزء من الدرهم أضيف إليه، فيلزم جزء يرجع في تفسيره إليه،
لأنه المتيقن، ولأصالة البراءة من الزائد، ومن ثم حمل الرفع والنصب على
الدرهم مع احتمالهما أزيد منها (1)، واستوجهه السيد في الشرح (2). وهو كذلك،
واختاره الفاضل في التذكرة (3).
وأما مع الوقف فيحتمل الرفع والجر لو أعرب لا النصب، لوجوب إثبات
الألف فيه وقفا، فيحمل على مدلول ما احتمله من الرفع والجر، فعلى ما
اختاره الماتن والأكثر من لزوم الدرهم مطلقا ولو حالة الجر، فيشترك
الاعرابان في احتمال الدرهم، فيحمل عليه، وعلى قول التذكرة يلزمه جزء
درهم خاصة، لأنه باحتماله لهما حصل الشك فيما زاد على الجر، فيحمل على
المتيقن، وهو ما دلت عليه الإضافة.
* (وقال الشيخ) * في المبسوط والخلاف (4): أنه يلزمه عشرون درهما،
لأنه أقل عدد مفرد ينصب مميزه، ومع الجر مائة درهم، لأنه أقل عدد يكون
مميزه مجرورا، ووافقه هنا وفيما يأتي الفاضل في المختلف والإرشاد (5) في
الجملة، وحكاه في التذكرة (6) عن أبي حنيفة، وهو بناء على الأصل المتقدم.
وقال أيضا: * (لو قال: كذا كذا درهما) * بالنصب * (لم يقبل تفسيره بأقل
من أحد عشر) * لأنه أقل عدد مركب مع غيره ينتصب بعده مميزه، إذ فوقه
اثني عشر إلى تسعة عشر، فيحمل على المتيقن.

(1) قاله الشهيد الثاني في الروضة 6: 393.
(2) لم نعثر عليه فيه.
(3) التذكرة 2: 153 س 35.
(4) المبسوط 3: 13، والخلاف 3: 365، المسألة 8.
(5) المختلف: ج 6 ص 41، والإرشاد 1: 410.
(6) التذكرة 2: 35 س 40.
417

* (ولو قال: كذا وكذا درهما لم يقبل) * في تفسيره ب‍ * (أقل من أحد
وعشرين) * درهما، لأنه أقل عددين عطف أحدهما على الآخر وانتصب
المميز بعدهما، إذ فوقه اثنان وعشرون إلى تسعة وتسعين، فيحمل على الأقل.
ويستفاد من تخصيص الماتن في الذكر خلاف الشيخ (1) بالمثالين
اختصاص خلافه بهما، وليس كذلك، لما عرفت من خلافه السابق، مضافا إلى
تعليله المثبت لما ذكره من الحكم فيما عداهما مما يشابههما.
* (و) * كيف كان ف‍ * (الأقرب الرجوع في تفسيره) * أي كذا مطلقا * (إلى
المقر) * لأن هذه الألفاظ لم توضع لهذه المعاني لغة ولا اصطلاحا، كما صرح به
جماعة من أصحابنا.
ومناسباتها على الوجه المذكور لا توجب اشتغال الذمة بمقتضاها، مع
أصالة البراءة، واحتمالها لغيرها على الوجه الذي بين.
ولا فرق في ذلك بين كون المقر من أهل العربية وغيرهم لاستعمالها على
الوجه المناسب للعربية في غير ما ادعوه استعمالا شهيرا.
خلافا للفاضل في المختلف والإرشاد والتذكرة (2) والمقداد في شرح
الكتاب (3)، ففرقا بين كون المقر من أهل اللسان فما اختاره الشيخ (4)، وغيره
فمذهب الأكثر. وهو ضعيف.
* (ولا يقبل) * تفسيره مطلقا، أو في غير حالة الجر ب‍ * (أقل من درهم) *
بناء على أنه المتيقن.
* (ولو أقر بشئ مؤجلا) * كأن قال له: علي ألف مؤجلة إلى سنة
* (فأنكر الغريم الأجل لزمه) * الشئ قطعا وكان * (حالا) * إجماعا إن فصل

(1) المبسوط 3: 13.
(2) المختلف: ج 6 ص 41، والإرشاد 1: 410، وفيه: إن عرف، والتذكرة 2: 154 س 4.
(3) التنقيح 3: 492.
(4) المبسوط 3: 12 و 13.
418

وصف التأجيل عن الكلام المتقدم ولو بسكوت طويل.
وكذا لو وصله به على إطلاق العبارة وصريح المحكي عن الشيخ (1)
والقاضي (2)، لزيادة دعوى الأجل على أصل الإقرار، فلا تسمع كما لو أقر
بالمال ثم ادعى قضاءه.
خلافا للأول في قوله الآخر المحكي في كلام جمع من الأصحاب،
وللإسكافي (3) والحلبي (4) وتبعهم كثير من المتأخرين، لأن الكلام الصادر منه
جملة واحدة لا يتم إلا بآخره، وإنما يحكم عليه بعد كماله، كما لو عقبه باستثناء
أو وصف أو شرط، وأنه لولا قبول ذلك منه لأدى إلى انسداد باب الإقرار
بالحق المؤجل.
وإذا كان على الانسان دين مؤجل وأراد التخلص، فإن لم يسمع منه لزم
الإضرار به، وربما كان الأجل طويلا بحيث إذا علم عدم قبوله منه لا يقر
بأصل الحق، خوفا من إلزامه حالا والإضرار، فيؤدي تركه إلى الإضرار
بصاحب الحق، وهذا غير موافق للحكمة الإلهية، وللصحيح: كان أمير
المؤمنين (عليه السلام) لا يأخذ بأول الكلام دون آخره (5).
هذا، مضافا إلى التأيد بأصالة عدم إلزام المقر بالمال حالا.
* (وعلى) * الأول يلزم * (الغريم اليمين) * لكونه منكرا، فيتوجه عليه، كما
يتوجه البينة على المقر عليه أيضا، لكونه مدعيا، وإنما يلزمه حالا بعد عجزه
عن إقامتها جدا.

(1) الخلاف 3: 377، المسألة 28.
(2) المهذب 1: 414.
(3) كما في المختلف: ج 6 ص 46.
(4) لم نقف عليه في الكافي للحلبي، ولعل الصواب: الحلي، كما نقله عنه في المختلف: ج 6 ص 46،
راجع السرائر 2: 513.
(5) الوسائل 18: 158، الباب 4 من أبواب آداب القاضي الحديث 3.
419

* (واللواحق ثلاثة) *:
* (الأول في) * بيان
أحكام * (الاستثناء) * المقبول المتعقب للإقرار
* (ومن شروطه) * مطلقا عدم استيعابه المستثنى منه و * (الاتصال العادي) *
بينهما. والمراد به ما جرت به العادة، فيغتفر التنفس بينهما والسعال ونحوهما مما
لا يعد معه الاستثناء منفصلا عرفا. ولا خلاف في شئ من ذلك بين العلماء،
إلا من الحلي في الأخير، حيث يحكى عنه تجويزه الاستثناء إلى شهر.
قيل: ولم يثبت ذلك عنه، وربما حمل كلامه على أن المراد أنه لو أخبر به
في تلك المدة قبل منه. وهو بعيد، لكنه أقرب من حمل كلامه على ظاهره.
* (ولا يشترط) * فيها الاتحاد * (في الجنس) * بأن يكون المستثنى من
جنس المستثنى منه، بل يصح أن يكون من غير جنسه، ويعبر عنه بالمنقطع،
والحكم ثابت بإجماع النحاة، وأهل اللغة، كما في التنقيح (1). وهو الأشهر بين
الأصوليين والفقهاء، واختاره الماتن هنا، وتردد فيه في الشرائع (2). ووجهه
غير واضح، مع ندرة القائل بالاشتراط، حتى أن بعض الأصحاب أنكره،
وقال: أنه غير موجود في كتب الأصول، بل صرح القاضي في شرح المختصر (3)
بأنه لا يعرف خلافا في صحته لغة، ووروده في كلام العرب والقرآن.
أقول: ومنه قوله سبحانه: " لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما *
إلا قيلا سلاما سلاما " (4)، " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا
أن تكون تجارة عن تراض منكم " (5) " فسجد الملائكة كلهم أجمعون " (6)

(1) التنقيح 3: 494.
(2) الشرائع 3: 149.
(3) لا يوجد لدينا.
(4) الواقعة: 25 و 26.
(5) النساء: 29.
(6) الحجر 30.
420

" إلا إبليس كان من الجن " (1).
واختلفوا في كونه حقيقة أو مجازا، والمحققون على الثاني، لعدم التبادر،
وهو الأصح.
فلو قال: له ألف إلا درهما فالجميع دراهم على المختار ومبهم على غيره
يرجع في تفسيره إليه، لأن الاستثناء حقيقة أيضا، فيكون الاستثناء مشتركا
بينه وبين المنقطع اشتراكا لفظيا، كما عن بعض، أو معنويا كما عن آخر نقلهما
في المسالك، قال: وفي المسألة قول ثالث نادر: إنه غير جائز لا حقيقة ولا
مجازا، وهو الذي تردد فيه المصنف (2).
وهو كما ترى ظاهر في وجود القول بالاشتراط، وأنه ليس الأمر كما
ذكره البعض المتقدم من عدم وجوده.
وأظهر من ذلك كلام الفاضل المقداد في شرح الكتاب، حيث قال بعد
دعواه الإجماع المتقدم: واختلف فيه الأصوليون والفقهاء فشرطه - أي الاتحاد
في الجنس - بعض، ومنع اشتراطه آخرون، واختاره المصنف (3) انتهى.
مع أنه حكاه في التذكرة (4) عن جماعة من العامة كزفر وأحمد بن حنبل
وأبي حنيفة، لكنه خص المنع بما عدا المكيل والموزون، ونقل التفتازاني في
شرح الشرح المصير إليه في الجملة عن الآمدي.
وبالجملة لا ريب في ضعف هذا القول وشذوذه.
* (ولا) * يشترط أيضا * (نقصان المستثنى) * عن الباقي * (من المستثنى منه) *
بل يكفي في صحة الاستثناء أن يبقى بعده بقية قلت أو كثرت، وفاقا للمحققين
من الأصوليين، والأكثر كما في المسالك (5) وشرح الكتاب للسيد.

(1) الكهف: 50.
(2) المسالك 11: 69.
(3) التنقيح 3: 494.
(4) التذكرة 2: 164 س 38.
(5) المسالك 11: 69.
421

قال فيه: وذهب شاذ منهم إلى أنه يجب أن يكون الباقي من المستثنى منه
أكثر من النصف، ويدفعه قوله تعالى: " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان
إلا من اتبعك من الغاوين "، و " من " هنا بيانية، لأن الغاوين كلهم متبعون،
فاستثنى الغاوين وهم أكثر من غيرهم، بدليل قوله عز وجل: " وما أكثر
الناس ولو حرصت بمؤمنين "، فإنه يدل على أن الأكثر ليس بمؤمن وكل من
ليس بمؤمن غاو ينتج أن الأكثر غاو.
وفي كل من دعوى شذوذ هذا القول والاستدلال على رده نظر (1).
فالأول: بأنه مذهب جماعة من المحققين من النحاة والأصوليين، بل في
التنقيح أنه مذهب أكثر النحاة وجماعة من الأصوليين (2).
والثاني: بتوقفه على أن المراد من العباد هو الناس فقط، وهو في حيز
المنع، سيما مع إفادة اللفظ العموم اللغوي، فيشمل الملائكة وغيرهم من عباد
الله تعالى، وما بقي من المستثنى منه على هذا التقدير أكثر من المستثنى قطعا.
ولا ينافيه نفي الإيمان عن أكثر الناس في الآية الأخيرة، إذ نفيه عن أكثرهم
لا يستلزم النفي عن أكثر العباد.
هذا، مع أن سند هذا القول قوي متين. وتمام التحقيق في الأصول.
والمستفاد من التنقيح (3) أن القول الأول هو الحق عند الفقهاء، مؤذنا بدعوى
إجماعهم عليه. ولعله كذلك، إذ لم أقف في هذا الكتاب على مخالف منهم، بل
ظاهرهم الإطباق على ما في المتن.
وعليه * (فلو قال: له علي عشرة إلا ستة لزمه أربعة) * ويلزم المستثنى منه
كملا على القول الآخر، لبطلان الاستثناء على تقديره وإن هو إلا نحو قول

(1) لم نعثر عليه فيه.
(2) التنقيح 3: 494.
(3) التنقيح 3: 494.
422

القائل له علي عشرة إلا عشرة، وقد اتفقوا فيه على لزوم العشرة كاملة،
لبطلان الاستثناء بالاستيعاب.
* (ولو قال) * بدل " إلا " في المثال * (ينقص ستة لم يقبل) * بل يلزم بالعشرة،
لأنه رجوع عن الإقرار بها، فلا يكون مسموعا. والفرق بينه وبين الاستثناء
وقوع الاتفاق - كما في شرح الكتاب للسيد (1) - بل الإجماع، كما في التنقيح (2)
على قبوله، لوقوعه في فصيح الكلام، بخلاف غيره من الألفاظ المتضمنة
للرجوع عن الإقرار، كذا قيل (3).
والأظهر في بيان وجه الفرق أن الاستثناء مع المستثنى منه يعد جملة
واحدة يكون الاستثناء جزء منها لا يمكن فصله عنها، ولا كذلك ينقص في
المثال، لكونه جملة أخرى منفصلة عما سبقها، فيكون كالمنافي لها فلا يسمع.
نعم لو أبدلها بالوصف فقال: عشرة ناقصة ثم فسر الناقص بالستة قبل،
لكونه كالاستثناء مما لا يتم إلا بسابقة جدا، بخلاف بدله، لإمكان فصله عنه
وتماميته بدونه بخلافهما، ولذا لا خلاف على القبول في ناقصة، بل عليه الإجماع
في شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي (رحمه الله) (4)، دون ينقص فلم يقبلوه من غير
خلاف أجده، إلا من السيد في شرح الكتاب، حيث قال: ويحتمل قويا القبول
مع الاتصال، لأن الكلام إنما يتم بآخره، ولأنه لو قال ناقصة لم يلزمه غيرها
وهذه في معناها. وهو كما ترى، لظهور ضعفه مما قدمناه.
* (ولو قال: له) * علي * (عشرة إلا خمسة إلا ثلاثة لزمه ثمانية) * بناء على
مقدمات.
إحداها: ما مر من عدم اشتراط نقصان المستثنى من المستثنى منه.

(1) لم نعثر عليه فيه.
(2) التنقيح 3: 493.
(3) لم نقف على قائله.
(4) مجمع الفائدة 9: 462.
423

والثانية: كون الاستثناء من الإثبات نفيا، كما هو إجماع محقق ظاهرا
ومحكي في كلام جمع صريحا، ومنه إثباتا، كما هو أصح القولين للأصوليين،
لكلمة التوحيد. خلافا لبعضهم، لوجه غير واضح، مطرد في الأول أيضا، مع
كونه مسلما.
والثالثة: لزوم رجوع كل استثناء إلى متلوه ولا خلاف فيه، وذلك لقربه
واستلزام عوده إلى البعيد ترجيحه على الأقرب من غير سبب، وعوده إليهما
يوجب التناقض، إذ المستثنى والمستثنى منه متخالفان نفيا واثباتا، كما مضى.
وحيث ثبتت هذه المقدمات ثبت لك صحة الحكم بلزوم الثمانية في المثال،
لأن الاستثناء الأول ينفي من العشرة المثبتة خمسة، والثاني يثبت من الخمسة
المنفية ثلاثة، فتضم إلى الخمسة الباقية من العشرة فيلزمه ثمانية، ولو زاد في
المثال إلا واحدا لزمه سبعة، لاستلزام الاستثناء نفيه عن الثلاثة المثبتة، فيبقى
اثنان وينضمان إلى الخمسة الباقية فيلزمه سبعة. وقس على هذا ما يرد
عليك من سائر الأمثلة.
ومنها ما لو قال له عشرة إلا تسعة إلا ثمانية إلا سبعة إلا ستة إلا خمسة
إلا أربعة إلا ثلاثة إلا اثنين إلا واحدا فيلزمه خمسة.
والضابط أن تسقط المستثنى الأول من المستثنى منه وتجبر الباقي منه بما
ثبت بالاستثناء الثاني وتسقط ما نفاه الاستثناء الثالث من مجموع ما ثبت
وتجبر الباقي منه بالرابع وهكذا، أو يجمع الأعداد المثبتة على حدة والمنفية
كذلك وتسقط جملة المنفي من جملة المثبت، فهو في المثال الأول أحد عشر
والمنفي فيه ستة إذا أسقطته من الأول بقي سبعة، ومن المثال الثاني ثلاثون
والمنفي منه خمسة وعشرون والباقي بعد الإسقاط خمسة.
ثم إن كل ذا إذا لم يتعدد الاستثناء بعاطف ولم يكن مساويا للأول
424

ولا أزيد منه، وإلا رجع الجميع إلى المستثنى منه الأول. إما مع العطف فللزوم
اشتراط المتعاطفين في الحكم فيهما كالجملة الواحدة، ولا فرق فيه بين تكرر
حرف العطف وعدمه، ولا بين زيادة الثاني عن الأول ومساواته له ونقصانه
عنه. وإما مع زيادة الثاني عن الأول أو مساواته له فلاستلزام عوده إلى
الأقرب الاستغراق، وهو باطل، فيصان كلامه عن الهذر مهما أمكن بعودهما
جميعا إلى المستثنى منه.
* (و) * حينئذ ف‍ * (لو قال: له علي عشرة إلا ثلاثة إلا ثلاثة كان إقرارا
بأربعة) *.
واعلم أنه لا يلزم من عود الجميع إليه صحته كلا، بل يراعى بعدم
استلزام العود الاستغراق، فإن لم يستغرق المستثنى منه كما في المثال صح،
وإلا لغى ما يلزم منه الاستغراق خاصة، لأنه هو الذي أوجب الفساد، فلو
قال له عشرة إلا خمسة إلا خمسة لغى الثاني خاصة وكان إقرارا بخمسة، وكذا
مع العطف، سواء كان الثاني مساويا للأول كما ذكر، أم أزيد، كله عشرة
إلا ثلاثة وإلا سبعة، أو أنقص، كما لو قدم السبعة على الثلاثة.
* (ولو قال:) * له علي * (درهم ودرهم إلا درهمان لزمه درهمان) * وفاقا
للخلاف (1) والمختلف والقواعد والتذكرة (2) وجماعة، بناء على اختصاص
الاستثناء المتعقب للجمل المتعاطفة بالرجوع إلى الأخيرة، كما هو الأظهر
الأشهر بين الطائفة، إذ يلزم حينئذ بطلان الاستثناء للاستغراق.
خلافا للشيخ (3) في قوله الآخر وتبعه الحلي (4)، بناء منهما على رجوع

(1) الخلاف 3: 364، المسألة 6، وفيه: فإنه يلزم درهم واحد.
(2) المختلف: ج 6 ص 42، والقواعد 1: 284 س 13، والتذكرة 2: 165 س 23.
(3) المبسوط 3: 10.
(4) السرائر 2: 502.
425

الاستثناء إلى الجمل جميعا. وهو ضعيف جدا كما بين في الأصول مستقصى.
ثم إن بناء الخلاف في المسألة على تلك المسألة الأصولية مشهور بين
الطائفة، ومنهم الشيخ والحلي والماتن في الشرائع (1).
خلافا للفاضل في كتبه المذكورة والسيد في شرح الكتاب وغيرهما، فلم
يصححوا البناء وقالوا: بلزوم الدرهمين مطلقا ولو قلنا برجوع الاستثناء إلى
الجميع إذ هو حيث يصح ويمكن وليس منه الفرض، لاستلزام التناقض،
لورود الإقرار على الدرهم بلفظ يفيد الخصوصية، فلم يصح إخراج أحدهما
بعد أن نص على ثبوته، كما لو قال جاء زيد وعمرو إلا زيدا، ولا كذلك
درهمان إلا درهما، لجواز التجوز في المستثنى منه فلا يكون تناقضا.
ويضعف بصحة التجوز في كل من الدرهمين عن نصفه أيضا، كما في له
درهم إلا نصفه فيمكن أن يكون استثنى من كل درهم نصفه ونصفا درهم
تمامه، فارتفع النصوصية الموجبة للتناقض.
وقياس المفروض على المثال المذكور قياس مع الفارق، لعدم احتمال
التجوز فيه عن الشخصين ببعضهما بالاستثناء (2).
وما أبعد ما بين هذا وبين القول بصحة الاستثناء ولزوم درهم مطلقا ولو
قلنا باختصاصه بالعود إلى الأخيرة، نظرا (3) إلى أن الاختصاص إنما هو حيث
يمكن، وأما مع عدم الإمكان - كما في الفرض للاستغراق - فيجب عوده إلى
الجميع، كما يجب عوده إلى المستثنى منه لو كان مستغرقا للاستثناء، لأن إلغاء
الاستثناء ومخالفة قوله أشد مخالفة للأصل من عوده إلى الجميع، فيجب صونه
عن الهذرية. ولعله لا يخلو عن وجه، سيما مع أن الأصل براءة الذمة.

(1) الشرائع 3: 151.
(2) في المطبوع: عن التخصيص.
(3) في " م، ش ": من القائل.
426

* (ولو قال: له) * علي * (عشرة إلا ثوبا) * قبل و * (سقط من العشرة قيمة
الثوب) * بناء على ما مر من قبول الاستثناء المنقطع ولو كان مجازا، فإنه يجب
قبوله بعد قيام القرينة عليه، وهي هنا عدم إمكان إرادة المتصل الذي هو
الحقيقة، مع أنه ربما قيل بكون هذا الاستثناء متصلا.
* (و) * إذا قبل * (رجع (1) إليه في تفسير القيمة) * وقبل منه كل ما به فسره
* (ما لم يستغرق العشرة) *.
وأما مع استغراقها ففي بطلان الاستثناء فيؤخذ بتمام العشرة لأصالة
الحقيقة السليمة عن معارضة الاستثناء لاستغراقه لها بتفسيره فيكون كما لو
ذكر ابتداء استثناء مستغرقا، أو بطلان التفسير خاصة لأن الاستغراق إنما نشأ
منه فيطالب بتفسير آخر ليصح الأصل قولان، احتملهما في القواعد (2)،
واختار أولهما في الروضة (3)، وثانيهما الفاضل في الإرشاد (4) والسيد في شرح
الكتاب. وفي تعليله السابق نظر، إلا أنه أوفق بأصالتي براءة الذمة وبقاء
صحة الاستثناء السابقة.
واعلم أنه يتصور وقوع الإقرار على الوجه المذكور في المثال بأن يكون
للمقر له على المقر عشرة، فيندفع إليه الثوب قضاء، ولا يحاسبه عليه، فيسقط
قيمته من العشرة التي في ذمته.
* (الثاني في تعقيب الإقرار بما ينافيه) *
واعلم أنه * (لو قال: هذا) * مشيرا به إلى شئ معين مملوك له بظاهر اليد
* (لفلان) * ثم أضرب عنه فقال: * (بل لفلان فهو) * أي المقر به * (للأول) * التفاتا
إلى مقتضى إقراره للأول * (ويغرم قيمته للثاني) * لأنه حال بينه وبين الشئ

(1) في المتن المطبوع: ويرجع.
(2) القواعد 1: 284 س 12.
(3) الروضة 6: 417.
(4) الإرشاد 1: 415.
427

المقر به باقراره الأول، فيغرم للحيلولة الموجبة للغرم، فكان كما لو أتلف عليه
مالا إلا أن يصدقه المقر له الأول في أنها للمقر له الثاني فيدفع إليه من غير
غرم للأول، لتصديقه الموجب لإقراره بانتفائه عن نفسه.
* (ولو قال: له علي مال من ثمن خمر) * أو خنزير أو ما شاكلهما مما لا يصح
تملكه شرعا * (لزمه المال) * إذا فصل بين الإقرار ورافعه بسكوت أو كلام
أجنبي بلا خلاف، بل عليه الإجماع في التذكرة (1). وكذا إذا لم يفصل مطلقا في
ظاهر إطلاق العبارة وغيرها من عبائر الجماعة، بل ادعى عليه الإجماع منا
ومن أكثر العامة بعض الأجلة، ولكنه قوى ما سيأتي من التفصيل بعد أن
حكاه عن بعض العامة. وهو ينافي دعواه المزبورة، مع أن في الروضة أفتى
بما قواه.
فقال بعد تعليل الحكم بنحو ما في العبارة بقوله: لتعقيبه الإقرار بما يقتضي
سقوطه لعدم صلاحية الخمر وما بعدها مبيعا يستحق به الثمن في شرع
الإسلام نعم لو قال المقر كان ذلك من ثمن خمر أو خنزير فظننته لازما لي
وأمكن الجهل بذلك في حقه توجهت دعواه وكان له تحليف المقر له على نفيه
إن ادعى العلم بالاستحقاق ولو قال لا أعلم الحال حلف على عدم العلم
بالفساد ولو لم يمكن الجهل بذلك في حق المقر لم يلتفت إلى دعواه (2). ويظهر
من المقدس الأردبيلي (رحمه الله) الميل إليه.
قال: لأن الإقرار مبني على اليقين، فكلما لم يتيقن لم يلزم بشئ، ولا يخرج
عنه بالظن وغيره، ويسمع فيه الاحتمال وإن كان نادرا، ولا شك أنه محتمل
اعتقاده بلزوم الثمن بمبايعة هذه الأشياء، لاعتقاده صحة ذلك مطلقا، أو إذا

(1) التذكرة 2: 166 س 3.
(2) الروضة 6: 419.
428

كان الشراء من الكافر، أو لزوم ذلك إذا كان في زمان الكفر ونحو ذلك.
وبالجملة مع إمكان الاحتمال لا يلزمه معه شئ، ولا يصير الكلام لغوا محضا
ومتناقضا بحسب اعتقاده، ويشكل الحكم باللزوم بمجرد ما تقدم للأصل
والقاعدة (1).
وهو كما ترى في غاية القوة إن لم ينعقد الإجماع على خلافه، كما هو الظاهر.
* (ولو قال: ابتعت بخيار وأنكر البائع الخيار قبل الإقرار في البيع دون
الخيار. وكذا لو قال) * له: علي عشرة * (من ثمن مبيع لم أقبضه) * ألزم بالعشرة،
ولم يلتفت إلى دعواه عدم قبض المبيع، كما هنا وفي الشرائع (2) والإرشاد (3)
واللمعة (4)، ونسب الأخير في المسالك (5) والكفاية (6) إلى الشهرة. قيل (7):
للتنافي بين قوله " علي وما في معناه "، وكونه مع الخيار وعدم قبض المبيع، لأن
مقتضى الأول ثبوت الثمن في الذمة ووجوب أدائه إليه في جميع الأحوال،
ومقتضى الثاني عدم استقراره فيها لجواز الفسخ وتلف المبيع قبل القبض
وعدم وجوب أدائه إليه مطلقا، بل مع تسليم المبيع.
خلافا للمسالك والروضة (8) وسبطه في شرح الكتاب، وتبعهما
الفاضل الأردبيلي (رحمه الله) في شرح الإرشاد (9) وصاحب الكفاية (10)، وحكي
في الأولين (11) والتذكرة (12) عن الشيخ، وفي المختلف (13) عنه في المبسوط

(1) مجمع الفائدة 9: 459.
(2) الشرائع 3: 155.
(3) الإرشاد 1: 413.
(4) اللمعة: 139.
(5) المسالك 11: 122.
(6) كفاية الأحكام: 231 س 35.
(7) لم نعثر على قائله.
(8) المسالك 11: 121، والروضة 6: 418.
(9) مجمع الفائدة 9: 460.
(10) كفاية الأحكام: 231 س 38.
(11) المسالك 11: 121، والروضة 6: 418.
(12) التذكرة 2: 166 س 31.
(13) المختلف: ج 6 ص 45.
429

والخلاف وعن القاضي (1)، واختاره فيه.
ولعله لا يخلو عن قوة، للأصل، وكون الكلام جملة واحدة لا يتم إلا
بآخره، وإنما يحكم بإلغاء الضميمة، إذا كانت رافعة لأول الكلام، ومناقضة له
- كما في المسألة السابقة - مطلقا أو في بعض صورها، وليس المقام من هذا
القبيل، لأن ثبوت الخيار وعدم القبض لا ينافي الابتياع وإن كانا قد يؤولان
إلى رفع الإقرار به على بعض الوجوه، كما إذا فسخ البيع أو تلف المبيع قبل
القبض فإن ذلك بمجرده لا يوجب إلغاء دعوى الأمرين، وإنما المقتضي لإلغاء
الضميمة مناقضتها لصريح أول الكلام، وهي - كما عرفت - مفقودة في المقام.
هذا، مضافا إلى التأيد بأن للانسان أن يخبر بما في ذمته، وقد يبتاع شيئا
بخيار أو لم يقبضه فيخبر بالواقع، فلو ألزم بغير ما أقر به كان ذريعة إلى سد
باب الإقرار، وهو مناف للحكمة الإلهية.
* (الثالث في الإقرار بالنسب) *
وهو مقبول كالإقرار بالمال بلا خلاف بين العلماء، وادعى عليه إجماعهم
كافة السيد في شرح الكتاب وصاحب الكفاية (2). وهو الحجة، مضافا إلى
عموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز (3) في الجملة، والمعتبرة المستفيضة
في الولد خاصة، وفيها الصحاح وغيرها، مضى إلى بعضها الإشارة في كتاب
النكاح في بحث حكم الأولاد، ومنها زيادة عليه الخبران.
أحدهما القوي المرتضوي: إذا أقر الرجل بالولد ساعة لم ينتف منه
أبدا (4).

(1) المهذب 1: 414.
(2) كفاية الأحكام: 232 س 7.
(3) الوسائل 16: 111، الباب 3 من أبواب كتاب الإقرار الحديث 2.
(4) الوسائل 17: 565، الباب 6 من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث 4.
430

وثانيهما: المرسل: عن رجل ادعى ولد امرأة لا يعرف له أب ثم انتفى
من ذلك، قال: ليس له ذلك (1).
ويعضدهما فحوى النصوص الواردة في اللعان الدالة على لحوق الولد
بالملاعن بدعواه إياه بعد انتفائه عنه باللعان.
* (و) * اعلم أنه * (يشترط) * في المقر هنا ما اشترط فيه سابقا، من البلوغ،
والعقل، ورفع الحجر و * (في الإقرار بالولد الصغير) * أو الكبير مطلقا ذكرا
كان أو أنثى * (إمكان البنوة) * للمقر، فلو أقر ببنوة من هو أسن منه أو مساويه
أو أصغر بحيث لا يمكن تولده منه عادة لم ينفذ. وكذا لو كان بين المقر وبين أم
الولد مسافة لا يمكن الوصول إليها في مثل عمر الولد أو علم عدم وصوله المقر
إليها * (وجهالة نسب‍) * - ه مطلقا صغيرا كان أو كبيرا.
ولا وجه لتخصيص * (الصغير) * بهذا الشرط وغيره المتقدم والآتي، فلو
أقر ببنوة من انتسب إلى غيره شرعا لم يعتد بإقراره، لأن النسب المحكوم به
شرعا لا ينتقل وإن صدقه الولد، ومن انتسب إليه شرعا لم يلتفت إليه.
ولو أقر ببنوة المنفي نسبه عن أبيه باللعان ففي قبوله وجهان، من أنه أقر
بنسب لا منازع له فيه، ومن بقاء شبهة النسب، ولذا لو استلحقه الملاعن بعد
ذلك ورثه الولد.
* (وعدم المنازع) * له في نسب المقر به، فلو أقر ببنوة من استلحقه غيره
ممن يمكن اللحاق به لم ينفذ، فإن الولد حينئذ لا يلحق بأحد المتنازعين إلا
ببينة أو قرعة. ولا خلاف في شئ من ذلك، بل لعلة مجمع عليه، ويساعده
الاعتبار، مضافا إلى الصحاح المستفيضة المتقدمة في البحث المتقدم من النكاح
في مسألة وطء الشركاء الأمة المشتركة مع تداعيهم جميعا ولدها في الأخير.

(1) الوسائل 17: 565، الباب 6 من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث 3.
431

ففيها: أنهم يقرع بينهم فمن خرج كان الولد ولده (1).
والخبر في الأول: في المرأة يغيب عنها زوجها فتجئ بولد، أنه لا يلحق
الولد بالرجل إذا كانت غيبته معروفة، ولا يصدق أنه قدم فأحبلها (2).
وبهذه الأدلة تقيد الأخبار المتقدمة وغيرها بلحوق الولد بالمقر به مطلقا،
مع بعد شمول إطلاقها للإقرار بالولد، مع عدم هذه الشرائط جدا كبعد شموله
لغير الولد للصلب، لانصرافه بحكم التبادر إلى الولد للصلب، فينبغي الرجوع
في غيره إلى الأصل الدال على ثبوت النسب بالإقرار. فلو أقر ببنوة ولد ولده
فنازلا اعتبر التصديق، كغيره من الأقارب نص عليه الشهيدان (3) وغيرهما،
لكن يثبت بالإقرار ما يتعلق بالمال والنسب من جهة المقر، كوجوب الإنفاق
وحرمة التزويج، لعموم إقرار العقلاء.
ثم إن إطلاق العبارة وغيرها من عبائر الجماعة يقتضي عدم الفرق في المقر
بالولد بين كونه أبا أو أما، وهو أحد القولين في المسألة، ولكن أصحهما عند
الشهيدين (4) وغيرهما الفرق، واختصاص ذلك بإقرار الأب، أما الأم فيعتبر
التصديق لها لاختصاص النصوص المتقدمة بالرجل فلا يتناول المرأة.
واتحاد طريقهما ممنوع، لإمكان إقامتها البينة على الولادة دونه، ولأن
ثبوت نسب غير معلوم على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على القدر المتيقن من
النص والفتوى.
لكن في الصحيحين: عن المرأة تسبى من أرضها ومعها الولد الصغير
فتقول: هو ابني والرجل يسبى فيلقى أخاه فيقول: أخي ويتعارفان وليس لهما

(1) الوسائل 14: 566، الباب 57 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
(2) الوسائل 15: 213، الباب 100 من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
(3) الدروس 3: 150، الدرس 229، والروضة 6: 424.
(4) الدروس 3: 150، الدرس 229، والروضة 6: 424.
432

على ذلك بينة إلا قولهما، فقال: ما يقول من قبلكم؟ قلت: لا يورثونهم لأنهم
لم يكن لهم على ذلك بينة إنما كانت ولادة في الشرك، فقال: سبحان الله إذا
جاءت بابنها. أو بنتها معها ولم تزل مقرة وإذا عرف أخاه وكان ذلك في صحة
من عقلهما ولم يزلا مقرين ورث بعضهم من بعض (1).
ولا يبعد المصير إليهما في موردهما، وهو كون الأم والأخ مسبيين، بل
مطلقا، كما يستفاد من قوله: " سبحان الله "، الذي هو في حكم التعليل جدا.
هذا بالإضافة إلى النسب المطلق، وأما بالإضافة إلى ما يتعلق بالمال
والنسب من جهتها فيثبته الإقرار قولا واحدا، للعموم الذي مضى.
* (ولا يشترط) * في الصغير المقر به * (التصديق) * منه للمقر بلا خلاف، بل
عليه الإجماع في كثير من العبارات. وهو الحجة، مضافا إلى إطلاق الأخبار
المتقدمة، و * (لعدم الأهلية) * منه لذلك، لسلب العبرة عن أقواله في الشرع.
ولا يتوقف نفوذ الإقرار به على بلوغه إجماعا كما حكاه بعض أصحابنا (2).
* (ولو بلغ فأنكر لم يقبل) * إنكاره بلا خلاف بين علمائنا فيه أيضا، للحكم
ببنوته حال صغره، فلا يرتفع إلا بما عده الشارع رافعا، ولم يثبت كون الإنكار
كذلك جدا.
واعلم أنه ألحق الأصحاب من غير خلاف يعرف بينهم بالصغير المجنون
مطلقا، ذكرا كان أو أنثى، والميت كذلك وإن كان بالغا عاقلا ولم يكن ولدا،
فقالوا: لا يعتبر تصديقهما، بل يثبت نسبهما بالنسبة إلى المقر بمجرد إقراره، لأن
التصديق إنما يعتبر مع إمكانه، وهو ممتنع منهما (3). والظاهر أنه مجمع عليه
بينهم، وقد صرح به في المجنون بعض الأصحاب (4).

(1) الوسائل 17: 569، الباب 9 من أبواب ميراث ولد الملاعنة... الحديث 1.
(2) كفاية الأحكام: 232 س 15.
(3) منهم الشهيد الثاني في الروضة 6: 423.
(4) جامع المقاصد 9: 349.
433

ويظهر من الروضة دعواه في الميت، حيث قال بعد أن استشكل حكمه
كثيرا مما تقدم: ومن إطلاق اشتراط تصديق البالغ العاقل في لحوقه، وأن
تأخير الاستلحاق إلى الموت يوشك أن يكون خوفا من إنكاره، إلا أن فتوى
الأصحاب على القبول. قال: ولا يقدح فيه التهمة باستيثاق مال الناقص
وإرث الميت (1).
وهو كذلك، للإطلاق، مع عدم ظهور مخالف فيه من الأصحاب، وإنما رد
بذلك بعض العامة.
* (ولا بد في) * الولد * (الكبير) * إذا لم يكن ميتا ولا مجنونا * (من
التصديق) * للمقر في دعواه، فلو لم يصدقه لم ينسب إليه، وفاقا للإسكافي (2)
والمبسوط (3) والحلي (4) وأكثر الأصحاب، بل في المختلف عن الأول أنه لا
يعلم فيه خلافا (5). وهو الحجة، مضافا إلى أصالة عدم الانتساب، وأنه إقرار
في حق الغير، فلا ينفذ.
خلافا لظاهر إطلاق النهاية (6)، فلم يعتبر فيه التصديق كالصغير. وحجته
غير معلومة وإن احتج له في المختلف (7) بأمر موهوم.
نعم ربما دلت عليه إطلاقات الأخبار المتقدمة، إلا أن عدم تبادر الكبير
من إطلاق الولد فيها يقتضي تخصيصها بالصغير.
ثم إن مقتضى كلامهم أنه إذا ثبت النسب بين المقر والصغير ثبت نسبه
مثل الفراش، فيكون أب المقر جدا وأمه جدة وإخوته وأخواته أعماما وعمات
وولده إخوة وأخوات، نبه على ذلك المقدس الأردبيلي (رحمه الله)، وحكى عن

(1) الروضة 6: 423.
(2) كما في المختلف: ج 6 ص 50.
(3) المبسوط 3: 38.
(4) السرائر 3: 308.
(5) المختلف: ج 6 ص 50.
(6) النهاية 3: 272.
(7) المختلف: ج 6 ص 50.
434

التذكرة ماله على ذلك دلالة، فقال: قال فيها: إذا أقر بالولد وحصلت الشرائط
ثبت النسب بينه وبين الولد، وكذا بين الولد وكل من بينه وبين الأب نسب
مشهور (1)، وبذلك صرح جماعة.
* (وكذا) * يعتبر التصديق * (في) * الإقرار ب‍ * (- غيره من الأنساب) * بلا
خلاف ظاهر، وصرح به في الكفاية (2) والسيد في شرح الكتاب. وهو الحجة،
مضافا إلى ما مر من الأدلة، وأنه في الحقيقة إلحاق بغير المقر به، فإنه إذا قال:
هذا أخي كان معناه أنه ابن أبي أو أمي، وكذا باقي الأنساب.
وظاهر العبارة كغيرها عدم اعتباره ما عدا التصديق.
خلافا للتذكرة (3) والمسالك (4) والسيد في الشرح، فاشترطوا موت
الملحق به، حتى أنه ما دام حيا لم يكن لغيره الإلحاق به وإن كان مجنونا،
وزاد الثاني اشتراط أن لا يكون الملحق به قد نفى المقر.
قال: إذا نفاه ثم استلحقه وارثه بعد موته ففي لحوقه وجهان، من سبق
الحكم ببطلان هذا النسب وفي إلحاقه به بعد الموت إلحاق عار بنسبه وشرط
الوارث أن يفعل ما فيه حظ المورث لا ما يتضرر به، ومن أن المورث لو
استلحقه بعد ما نفاه باللعان وغيره لحق به وإن لم يرثه عندنا، وهذا أقوى (5).
وللقاصر في فهم المراد بالمشروط بهذين الشرطين عجز. فإنه إن كان
ثبوت النسب بين المتصادقين بحيث يتوارثان ويتعدى توارثهما إلى غيرهما
فللاشتراط وجه، إلا أنهم - كما يأتي - لا يقولون به، بل صرحوا بأن غاية
هذا الإقرار بعد التصادق ثبوت التوارث بين المتصادقين خاصة، وأنه لا
يتعدى التوارث إلى غيرهما، إلا أن يقترن الدعوى بالبينة. وإن كان

(1) مجمع الفائدة 9: 448.
(2) كفاية الأحكام: 232 س 18.
(3) التذكرة 2: 172 س 32.
(4) المسالك 11: 129.
(5) المسالك 11: 129.
435

ثبوت النسب بينهما خاصة بحيث يتوارثان من دون تعدية - كما هو الظاهر من
حكمهم المذكور بعدم تعدي التوارث عنهما إلى غيرهما من الأقارب - فلا وجه
للاشتراط، ولا لما مر في توجيه اشتراط الشرط الثاني من أن شرط الوارث
أن لا يفعل ما يضر بالمورث، وذلك فإن المشروط بهذا المعنى يحصل بمجرد
الإقرار والتصديق الذي هو بمنزلته، وليس فيهما ما يوجب الضرر على
المورث، لعدم استيراث المقر به من إرثه، ولا من إرث أقاربه، وإنما يرث المقر
بعد وفاته إذا لم يكن له وارث غيره.
* (و) * كيف كان * (إذا تصادقا) * أي المقر والمقر به * (توارثا بينهما) * حيث
لا وارث لهما بلا خلاف، كما في كثير من العبارات. وهو الحجة، مضافا إلى
النصوص الكثيرة.
منها - زيادة على الصحيحين المتقدمين في ثبوت نسب الصغير بإقرار الأم
من دون تصديق - الصحيح المروي عن الكافي (1) والتهذيب (2): عن رجلين
جئ، بهما من أرض الشرك فقال أحدهما لصاحبه: أنت أخي فعرفا بذلك ثم
أعتقا ومكثا يعرفان بالاخاء ثم إن أحدهما مات، قال: الميراث للأخ يصدقان.
مع أن الحق لهما فلا يعدوهما.
* (ولا يتعدى) * التوارث إلى غير * (المتصادقين) * بلا خلاف أيضا، لأن
النسب هنا لم يثبت بالبينة وإنما ثبت بالإقرار. وحكمه لا يتعدى إلى غير المقر
بلا خلاف، للأصل.
وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين الإقرار بالولد الكبير الذي
يعتبر تصديقه وغيره من الأنساب، وعليه يتفاوت الإقرار بالولد بالنسبة إلى
الصغير والكبير، لثبوت النسب الموجب للتوارث، وعلى الإطلاق بالإقرار

(1) الكافي 7: 166، الحديث 2.
(2) التهذيب 9: 347، الحديث 1248.
436

في الأول، وعدم ثبوته كذلك ولو مع التصادق في الثاني.
خلافا لظاهر عبارة الماتن في الشرائع (1)، فدلت على أن قصر الحكم على
المتصادقين إنما هو في غير الولد للصلب، وصرح بذلك في المسالك من دون
إشكال ولا حكاية خلاف.
فقال بعد نقل العبارة الدالة على الحكم: هذا من جملة من افترق فيه
الإقرار بالولد من غيره، فإن الإقرار بالولد مع التصديق بدونه يثبت به النسب
ويتعدى التوارث إلى غيرهما من أنسابهما بشرطه، وأما الإقرار بغير الولد
للصلب وإن كان ولد ولد فيختص حكمه مع التصديق بالمتصادقين، لما تقرر
أن ذلك إقرار بنسب الغير فلا يتعدى المقر، ولو لم يحصل تصديق افتقر إلى
البينة (2).
ويظهر من سبطه في شرح الكتاب التردد في ذلك، واحتماله ما يستفاد من
إطلاق العبارة من عدم تعدي التوارث إلى غير المتصادقين، من دون فرق بين
الولد الكبير وغيره من الأنساب، لأصالة عدم التعدي إلى غيرهما، قال:
وليس في المسألة نص يرجع إليه في هذا الحكم، لكن الذي يقتضيه الأصل،
عدم التعدي إلى غير المتصادقين، فيقتصر فيه على موضع الوفاق (3).
وهو كما ترى في غاية الجودة.
اللهم إلا أن يقال: قد انعقد على ما ذكر جده الإجماع، وهو غير واضح.
وربما يظهر منه أيضا التردد في الفرق في الروضة، حيث قال: ومقتضى
قولهم غير التولد أن التصادق في التولد يتعدى، مضافا إلى ما سبق من الحكم
بثبوت النسب في إلحاق الصغير مطلقا، والكبير مع التصادق، والفرق بينه

(1) الشرائع 3: 157.
(2) المسالك 11: 128.
(3) النسخة المتوفرة لدينا لا يوجد فيها كتاب الإقرار.
437

وبين غيره من الأنساب مع اشتراكهما في اعتبار التصادق غير بين (1).
* (ولو كان للمقر ورثة مشهورون) * في نسبه * (لم يقبل) * في النسب
* (إقراره) * حينئذ مطلقا ولو تصادقا قالوا: لأن ذلك إقرار في حق الغير، بناء
على أن الإرث ثابت شرعا للورثة المعروفين بنسبهما فإقراره بوارث آخر
وتصديقه له يقتضي منعهم عن جميع المال أو بعضه، فلا يسمع (2).
ومقتضى هذا التعليل كإطلاق العبارة وغيرها من عبائر أكثر الطائفة كما
حكاه جماعة عدم الفرق في الحكم بين الإقرار بالولد مطلقا وغيره.
خلافا لظاهر المحكي عن النهاية، حيث خص الحكم بغير الإقرار بالولد (3)،
والأجود الأول، اقتصارا في الحكم بالتوارث، المخالف للأصل على مورد
القطع، وهو ما إذا لم يكن للمتصادقين ورثة، فإنه الذي يثبت فيه الحكم بالتوارث
بالإجماع. ولولاه لكان الأوفق بالأصل الحكم بعدم التوارث فيه أيضا.
لكن يشكل ذلك في الإقرار بالولد الصغير، لظهور إطلاق النصوص (4)
الواردة في الإقرار به في ثبوت نسبه بذلك، وهو مستلزم للحكم بالتوارث بينه
وبين من أقر به مطلقا، كان لهما ورثة، أم لا، بل وربما استلزم تعدي التوارث
إلى غيرهما، ولعله غير محل النزاع، وإنما هو الولد الكبير الذي يتوقف ثبوت
نسبه بالإقرار على التصادق، بل لا يبعد أن يقال: بخروجه أيضا عن محل
النزاع، وأن المراد من إطلاقات العبائر الإقرار بغير الولد من الأنساب، وذلك
لتصريحهم بثبوت نسبه بالتصادق، وهو مستلزم لثبوت التوارث على
الإطلاق، فلا خلاف بينها وبين ما عن النهاية (5).

(1) الروضة 6: 426.
(2) منهم الشهيد في المسالك 11: 129.
(3) النهاية 3: 272.
(4) الوسائل 17: 564، الباب 6 من أبواب ميراث ولد الملاعنة....
(5) النهاية 3: 272.
438

نعم يبقى التأمل حينئذ في وجه إلحاقه بالولد الصغير في الحكم المذكور،
لاختصاص النصوص الدالة عليه به، فلا يتعدى الحكم إلى غيره، لمخالفته
الأصل كما مر، فإن كان إجماع، وإلا ففي التعدية به نظر.
* (وإذا أقر الوارث) * المحكوم بكونه وارثا ظاهرا * (بآخر وكان أولى
منه) * في الميراث كما إذا أقر الأخ بولد الميت * (دفع إليه ما في يده) * من المال
وجوبا، لاعترافه بكونه أولى منه بالإرث.
* (وإن كان) * المقر به غير أولى بل * (مشاركا) * له في الميراث كما إذا أقر
الابن بابن آخر للميت * (دفع إليه بنسبة نصيبه من الأصل) * أي من أصل
التركة، وهو في المثال " النصف "، ولا خلاف في عدم ثبوت نسبه بذلك، لما مر،
ويأتي.
وإن أقرا بثالث شاركهما في التركة، ويثبت نسبه إن كان المقران عدلين،
كما يأتي.
ولو أقر بالثالث أحدهما وأنكر الآخر أخذ المنكر نصف التركة والمقر
ثلثها والآخر السدس على المشهور، لأنه الفاضل من نصيب المقر باعترافه.
وقيل: إن النصف يقسم بين المقر والثالث بالسوية، لاعتراف المقر بأنه
كلما حصل له شئ كان للثالث مثله لمساواته له باعترافه، وأن المنكر غصبهما
بعض حقهما فيكون الموجود لهما والذاهب عنهما عليهما اختاره في الكفاية (1)
والسيد في الشرح تبعا لجده في المسالك (2). ولا يخلو عن قوة.
* (ولو أقر باثنين) * دفعه * (فتناكرا لم يلتفت إلى تناكرهما) * لأن
استحقاقهما الإرث ثبت في حالة واحدة بسبب واحد، فلم يكن أحدهما أولى
من الآخر، ولا كذلك ما إذا أقر بأحدهما ثم أقر بآخر، فإن الثاني ثبت له

(1) كفاية الأحكام: 232 س 30.
(2) المسالك 11: 131.
439

النصف أولا باعتراف الأول، فلا يستحق الثالث فيه شيئا ما لم يقر به الثاني
أو تقوم له بدعواه بينة.
ومن التفصيل الذي ذكرناه يظهر ما في العبارة من المسامحة، إلا أن ينزل
إطلاقها بحكم التبادر إلى الصورة الأولى خاصة.
* (ولو أقر) * الوارث ظاهرا كالعم مثلا * (بأولى منه) * في الإرث الذي في
يده كالأخ نفذ إقراره بالإضافة إلى المال، لأنه أقر في حق نفسه.
* (ثم) * لو أقر بعد ذلك * (بمن هو أولى) * منه و * (من المقر له) * كالولد
* (فإن صدقه) * المقر له ب‍ * (الأول دفع) * جميع التركة * (إلى) * المقر له * (الثاني) *
وهو الولد، لاعترافهما بكونه أولى منهما * (وإن أكذبه) * (1) أي أكذب الأخ العم
في كون المقر به ثانيا ولد الميت لم يدفع إليه، لاستحقاقه المال باعتراف ذي اليد
له، وهو العم، ولم تعلم أولوية الثاني إلا بإقراره، وهو حينئذ خارج، فلا يقبل
إقرار، في حق الأخ، لأنه إقرار في حق الغير.
نعم * (ضمن) * العم * (المقر) * للولد * (ما كان نصيبه) * من المال إن دفعه إلى
الأخ، لإتلافه له بإقراره، مع مباشرته لدفع المال. وكذا يضمن لو لم يباشر
الدفع إذا أقر بانحصار الإرث فيه، لأنه بإقراره بالولد بعد ذلك يكون رجوعا
عن إقراره الأول، فلا يسمع، ويغرم للولد للحيلولة بينه وبين التركة بإقراره
الأول، كما لو أقر بمال لواحد ثم أقر به لآخر.
ولا فرق في الحكم بضمانه حينئذ بين حكم الحاكم عليه بالدفع إلى الأخ
وعدمه، لأنه مع اعترافه بإرثه مفوت بدون الحكم.
نعم يتجه الفرق بينهما في صورة الدفع بالحكم بالضمان مع الدفع بدون إذن
الحاكم، والحكم بعدمه مع إذنه، لعدم اختياره في الدفع. وأما مع عدم الأمرين

(1) في المتن المطبوع: وإن كذبه.
440

من الدفع والإقرار بانحصار الإرث فيه فيشكل الحكم بالضمان، لأن إقراره
بكون المقر له الأول أخا لا يستلزم كونه وارثا، بل هو أعم منه جدا، فليس
فيه تفويت للمال عليه أصلا.
* (ولو أقر) * الوارث المتقدم * (بمساو له) * في الإرث كعم آخر للميت في
المثال * (فشاركه) * بعد تصديقه * (ثم أقر بمن هو أولى منه) * في ذلك كالولد
أو الأخ أو نحوهما * (فإن صدقه) * أي الأول * (المساوي) * وهو العم * (دفعا إليه
ما معهما) * إلى الأول، لما مضى * (وإن أنكر) * المساوي للأول استحق ما أخذه
من نصيبه من التركة، و * (غرم) * المقر * (ل‍) * - لمقر له * (الثاني) * الذي أولى منهما
بزعمه وإقراره * (ما كان في يده) * أي المنكر مع أحد الأمرين المتقدمين من
الدفع أو الإقرار بانحصار الإرث في المنكر. ويشكل الحكم بدونهما، كما مضى.
* (ولو أقر ل‍) * - لمرأة * (الميتة) * التي يرثها المقر ظاهرا * (بزوج دفع) * المقر
إليه * (ما في يده بنسبة نصيبه) * أي الزوج وهي النصف إن كان المقر به غير
الولد والربع إن كان هو الولد.
وقد أطلق الحكم كذلك الماتن هنا وفي الشرائع (1) والفاضل في
الإرشاد (2) والشهيد في اللمعة (3).
وهو إنما يستقيم إن قلنا: إن الموجود في يد المقر من التركة بينه وبين المقر
له بمقتضى الشركة، كما هو الظاهر، وقد تقدم إليه الإشارة.
أما على القول المشهور من أن الواجب على المقر أن يدفع الفاضل مما في
يده عن نصيبه خاصة فيجب على المقر له هنا دفع الفاضل خاصة. إن تحقق
مطلقا، بلغ أحد المقدارين كما إذا كان المقر به الأخ أو الولد، أو لا كما لو كان

(1) الشرائع 3: 159.
(2) الإرشاد 1: 412.
(3) اللمعة: 140.
441

المقر به الأبوين أو أحدهما وكان معهما بنت فإن نصيبهما على تقدير فقد الزوج
الخمسان وعلى تقدير وجوده السدسان والتفاوت بينهما الذي يجب عليهما
دفعه إليه لا يبلغ ربع ما في يديهما. وإن لم يتحقق فاضل، كما إذا كان المقر
الأبوين أو أحدهما وكان للزوجة ولد ذكر فإنه لا يجب عليه دفع شئ أصلا
والحال هذه، إذ ليس حينئذ في يد المقر شئ يلزمه دفعه بإقراره، فإن الأبوين
لم يتغير نصيبهما في الصورة المذكورة بوجود الزوج وعدمه.
ونبه على هذا الإشكال جماعة كالشهيد في المسالك والروضة (1) وسبطه
في شرح الكتاب، وتبعهما في الكفاية (2)، قالوا: ولو نزلنا حصة المقر به على
الإشاعة صحت المسألة على إطلاقها من دون تقييد.
* (ولو أقر) * لها * (ب‍) * زوج * (آخر لم يقبل إلا أن يكذب نفسه) * في اقراره
الأول بلا خلاف في القبول مع التكذيب، بمعنى غرمه للثاني معه ما أقر به
للأول.
لا قبوله في حق الزوج الأول، لما يأتي، ولذا فرع على الاستثناء المثبت
للقبول خصوص ما ذكرناه بقوله: * (فيغرم له إن أنكر الأول) * لاعترافه
بالتكذيب بتفويته حق الثاني من التركة بإقراره فيغرم له.
ولا في عدمه في حق الزوج الأول مطلقا مع التكذيب وعدمه، فلا يزيل
الإرث الذي ثبت له شرعا، لكونه حينئذ خارجا، فلا يكون إقراره في حقة
مسموعا.
وفي قبوله في حق الثاني مع عدم التكذيب بمعنى غرمه له مع عدمه أم
العدم قولان، أشهرهما الثاني، كما في المسالك والروضة (3) وشرح الكتاب

(1) المسالك 11: 143، والروضة 6: 431.
(2) كفاية الأحكام: 232 س 33.
(3) المسالك 11: 144، والروضة 6: 432.
442

للسيد، لأن الإقرار بزوج ثان إقرار بأمر ممتنع شرعا، فلا يترتب عليه أثر.
خلافا للمحكي في الشرح عن المحقق الثاني، وتبعه فيه كجده الشهيد
الثاني، لأصالة صحة إقرار العقلاء على أنفسهم، مع إمكان كونه هو الزوج،
وأنه ظنه الأول فأقر به ثم تبين خلافه.
وإلغاء الإقرار في حق المقر، مع إمكان صحته مناف للقواعد الشرعية.
نعم لو أظهر لكلامه تأويلا ممكنا في حقه كتزويجه إياها في عدة الأول فظن
أنه يرثها زوجان فالوجه القبول (1).
وفيه مناقشة، سيما مع مخالفته لأصالة البراءة عن الغرامة المعتضدة
بالشهرة، ولعله لذا تردد فيه شيخنا في الدروس (2)، ولعله في محله.
* (وكذا الحكم في) * الإقرار ب‍ * (الزوجات) * للميت فإذا أقر بواحدة
فالربع إن كان المقر غير الولد والثمن إن كان هو. هذا على المختار، أو التنزيل
المتقدم في الإقرار بالزوج.
وأما على غيرهما فيتم الحكم في إقرار الولد خاصة، وأما غيره فيدفع
إليها الفاضل في يده عن نصيبه على تقديرها، ولو كان بيده أكثر من نصيبها
اقتصر على دفع نصيبها.
فالحاصل أن غير الولد يدفع أقل الأمرين من نصيب الزوجة، وما زاد
عن نصيبه على تقديرها إن كان معه زيادة، فأحد الأبوين مع الذكر لا يدفع
شيئا، ومع الأنثى يدفع الأقل، والأخ يدفع الربع والولد الثمن، فإن أقر بأخرى
وصدقته الزوجة المقر لها أولا اقتسما الربع أو الثمن أو ما حصل، وإن أكذبتها
غرم المقر لها نصيبها وهو نصف ما غرم للأولى إن كان باشر تسليمها كما
مضى، وإلا فلا. وهكذا لو أقر بثالثة ورابعة، فيغرم للثالثة مع تكذيب الأوليين

(1) الروضة 6: 432.
(2) الدروس 3: 153، الدرس 230.
443

ثلث ما لزمه دفعه، وللرابعة مع تكذيب الثلث ربعه.
و * (إذا أقر بخامسة) * كان كالإقرار بزوج ثان يغرم لها مع تكذيب نفسه
أو مطلقا على ما مضى، بل هنا أولى، لإمكان الخامسة الوارثة في المريض إذا
تزوج بعد الطلاق وانقضاء العدة ودخل ومات في سنة، كما مر في كتاب
الطلاق. ويمكن فيه استرسال الإقرار، فلا يقف عند حد إذا مات في سنته
مريضا.
* (ولو أقر اثنان من الورثة) * بوارث مساو لهما في الإرث، فإن كانا ممن
يقبل شهادتهما * (صح النسب) * الموجب للإرث * (وقاسم الورثة) * ولو كانوا
غير المقرين ولو كان المقر له أولى بالإرث منهما كما لو أقر الأخوان العدلان
بولد اختص بالميراث دونهما * (ولو لم يكونا) * ممن يقبل شهادتهما بأن كانا غير
* (مرضيين لم يثبت النسب، ودفعا إليه) * أي إلى المقر له * (مما في أيديهما بنسبة
نصيبه من التركة) * إن كان، وإلا فلا، الزاما لهما بمقتضى إقرارهما. ولا خلاف
في شئ من ذلك فتوى ونصا.
ففي الخبر إن أقر بعض الورثة بأخ إنما يلزمه في حصته (1)، ومن أقر
لأخيه فهو شريك في المال، ولا يثبت نسبه، فإن أقر اثنان فكذلك، إلا أن
يكونا عدلين، فيلحق نسبه ويضرب في الميراث معهم (2).
* * *

(1) الوسائل 13: 402، الباب 26 من أبواب أحكام الوصايا الحديث 5 و 6.
(2) الوسائل 13: 402، الباب 26 من أبواب أحكام الوصايا الحديث 5 و 6.
444

كتاب الأيمان
445

* (كتاب الأيمان) *
الأيمان جمع يمين، وهو لغة تطلق تارة على الجارحة المخصوصة، وأخرى
على القدرة والقوة.
وشرعا: الحلف بالله تعالى أو أسمائه الخاصة لتحقيق ما يمكن فيه المخالفة
إمكانا عقليا، فلا ينعقد على الواجب أو الممتنع بالذات.
وهي على أقسام:
يمين انعقاد، وهي الحلف على المستقبل فعلا أو تركا مع القصد إليه، وهو
المقصود من هذا الكتاب.
ويمين لغو، ولها تفسيران، أحدهما: الحلف لا مع القصد على ماض أو آت،
وثانيهما: أن يسبق اللسان إلى اليمين من غير قصد أنه يمين، وفي الموثق:
في تفسيره: هو قول الرجل: " لا والله " و " بلى والله " ولا يعقد على شئ (1).
ويمين غموس، وهي على ما ذكره الأكثر الحلف على أحد الأمرين مع
تعمد الكذب، وسمي به لأنه تغمس الحالف في الإثم أو النار، ولا خلاف في
حرمتها، والنصوص بها مستفيضة (2).

(1) الوسائل 16: 144، الباب 17 من أبواب الأيمان الحديث 1.
(2) المصدر السابق: 127، الباب 9.
447

في بعضها: أنها من الكبائر (1) وفي المستفيض منها وفيه الصحيح وغيره:
أنها تذر الديار بلاقع (2).
وفي بعضها: اليمين الغموس ينتظر بها أربعين ليلة (3).
وفي آخر: أنها تنقل الرحم (4) يعني انقطاع النسل. ولا كفارة فيها سوى
الاستغفار، كما يأتي.
ويمين حلف على الحال أو الماضي مع الصدق. ولا خلاف في جوازها
وجواز الأولين، وعدم المؤاخذة في الثانية، لقوله سبحانه: " لا يؤاخذكم الله
باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان " (5). وكراهة هذه وتأكدها
مع إكثارها للكتاب والسنة.
قال سبحانه: " ولا تطع كل حلاف مهين " (6).
وفي الصحيح: اجتمع الحواريون إلى عيسى على نبينا وآله وعليه السلام،
فقالوا: يا معلم الخير أرشدنا، فقال لهم: إن موسى نبي الله أمركم أن لا تحلفوا
بالله كاذبين، وأنا آمركم أن لا تحلفوا بالله كاذبين ولا صادقين (7). ونحوه
الموثق بترك الحكاية، وزيادة التعليل بقوله: فإنه عز وجل يقول: ولا تجعلوا الله
عرضة لأيمانكم (8).
وفي القوي: من أجل الله تعالى أن يحلف به أعطاه الله تعالى خيرا مما
ذهب منه (9).
ويستفاد منه استحباب ترك الحلف على إثبات المال مطلقا وإن ذهب منه

(1) الوسائل 11: 252، الباب 46 من أبواب جهاد النفس الحديث 2.
(2) الوسائل 16: 119، الباب 4 من أبواب الأيمان الحديث 2 و 5 و 9 و 1.
(3) الوسائل 16: 119، الباب 4 من أبواب الأيمان الحديث 2 و 5 و 9 و 1.
(4) الوسائل 16: 119، الباب 4 من أبواب الأيمان الحديث 2 و 5 و 9 و 1.
(5) المائدة: 89.
(6) القلم: 10.
(7) الوسائل 16: 115، الباب 1 من أبواب الأيمان الحديث 2 و 5.
(8) الوسائل 16: 115، الباب 1 من أبواب الأيمان الحديث 2 و 5.
(9) المصدر السابق: 121، الباب 4 الحديث 13.
448

به وكان ما كان، ويعضده غيره مما دل على ترك علي بن الحسين (عليهما السلام) الحلف
على نفي أربعمائة دينار عن نفسه، وغرامته لذلك إياها لزوجته المدعية لها
عليه، معللا بالإجلال (1).
لكن في المرسل: إذا ادعي عليك مال ولم يكن له عليك فأراد أن يحلفك،
فإن بلغ مقدار ثلاثين درهما فأعطه ولا تحلف، وإن كان أكثر من ذلك فاحلف
ولا تعطه (2).
والجمع بين الأخبار يقتضي الكراهة مطلقا، مع تأكدها في ثلاثين درهما
فما دون.
ويستثنى من الكراهة ما وقع لحاجة كتأكيد كلام أو تعظيم أمر، لورودهما
في النصوص، وكل ما ورد يرجع إلى هذين، لكن عن الأكثر عدم الاستثناء.
والأصل في شرعيتها بالمعنى المقصود هنا بعد ما مر من قوله سبحانه:
" ولكن يؤاخذكم " الآية (3) الإجماع المستفيض النقل في كلام جماعة
والنصوص المستفيضة التي يأتي إليها الإشارة في تضاعيف المباحث الآتية.
* (والنظر في) * هذا الكتاب يقع في * (أمور ثلاثة) *:
* (الأول) * في بيان * (ما ينعقد به) * اليمين
بحيث يحنث بالمخالفة، ويجب بها عليه الكفارة.
* (و) * اعلم أنه * (لا ينعقد إلا بالله) * تعالى، أي بذاته المقدسة، من غير
اعتبار اسم من أسمائه سبحانه، كقوله: " والذي خلق الحبة وبرئ النسمة

(1) المصدر السابق: 117، الباب 2 الحديث 1.
(2) الوسائل 16: 118، الباب 3 من أبواب استحباب الغرم على الحلف الحديث 1.
(3) المائدة: 89.
449

والذي نفسي بيده " ونحو ذلك * (أو ب‍) * اسم من * (أسمائه الخاصة) * كقوله:
والله والرحمن ونحوهما * (أو ما ينصرف إطلاقه إليه، كالخالق والبارئ) *
والرب * (دون ما لا ينصرف إطلاقه إليه كالموجود) * الحي والسميع والبصير،
فلا ينعقد به وإن نوى به الحلف، لأنه بسبب اشتراكه بين الخالق والمخلوق
إطلاقا واحدا ليس له حرمة.
ولا خلاف في شئ من ذلك، إلا من الإسكافي (1)، وهو شاذ، كما يأتي، بل
على عدم الانعقاد بغيره تعالى الإجماع في صريح كلام الغنية (2) والسيد (3)
والفاضل المقداد في شرحي الكتاب (4)، ونسبه في الكفاية (5) إلى مذهب
الأصحاب، وهو ظاهر فيه، ككلامي الشيخين في المقنعة (6) والنهاية (7)، وفيهما
الدلالة له أيضا على تحققه على انعقادها بكل ما يدل على الذات المقدسة. وهو
الحجة، مضافا إلى الأصل، والنصوص المستفيضة، منها الصحيحان:
في أحدهما: إن لله أن يقسم من خلقه بما شاء، وليس لخلقه أن يقسموا
إلا به (8).
وفي الثاني وفي بعض الأخبار: لا أرى أن يحلف الرجل إلا بالله تعالى (9).
وربما علل المنع أيضا زيادة على ذلك بأن القسم بشئ يستلزم تعظيما له،
ولما لم يكن مستحقا للتعظيم المطلق وبالذات سوى الله تعالى لم يجز القسم
إلا به.
وخلاف الإسكافي (10) في المضمار بتجويزه الانعقاد بحق النبي (صلى الله عليه وآله) شاذ،

(1) كما في المختلف: ج 8 ص 142.
(2) الغنية: 391.
(3) نهاية المرام 2: 326.
(4) التنقيح 3: 503.
(5) كفاية الأحكام: 226 س 34.
(6) المقنعة: 554.
(7) النهاية 3: 40.
(8) الوسائل 16: 160، الباب 30 من أبواب الأيمان الحديث 3 و 4.
(9) الوسائل 16: 160، الباب 30 من أبواب الأيمان الحديث 3 و 4.
(10) كما في المختلف: ج 8 ص 142.
450

ولذا مع معلومية نسبه استفيض حكاية الإجماع على خلافه، فلا عبرة به.
كما لا عبرة بما احتمله السيد في الشرح (1)، من اختصاص الحلف بلفظ
الجلالة للأخبار المتقدمة ونحوها، المعلقة للحكم بالجواز والانعقاد، بناء على
أن المتبادر من ذلك وقوع اليمين بهذه اللفظة المخصوصة، لمخالفته الإجماع في
الظاهر والمحكي في كلام الشيخين (2)، ومنع التبادر بعد ملاحظة سياق تلك
الأخبار الشاهد بأن المراد بهذه اللفظة ذاته المقدسة لا خصوصيتها، مع أن في
الصحيح الأولى وقع التعبير ب‍ " إلا به " لا ب‍ " إلا بالله ".
وعليه ينتفي خصوصية اللفظ جدا، ويشهد له أيضا ما سيأتي في الصحيح
الدال على انعقاد اليمين بعمر الله وبياهناه ياهناه، من التعليل في الأول بقوله:
فإنما ذلك بالله عز وجل، وفي الثاني بقوله: فإنما ذلك طلب الاسم (3).
وليس المراد بالله فيه ما ذكره من الخصوصية قطعا، بل ما ذكرناه من
مطلق الذات المقدسة. وحينئذ فيدل التعليل على انعقاد اليمين بكل ما دل عليها.
ولو كان غير لفظ جلالة فلا وجه لما احتمله، ولذا لم يحتمله أحد من أصحابنا،
بل أطبقوا على عدم الفرق بين هذه اللفظة وغيرها من أسمائه المقدسة.
واعلم أن الحروف التي يقسم بها عند أهل اللسان الباء والواو والتاء.
قيل: ويجوز حذفها على الأصح، كأن يقول: الله بالجر لأفعلن كذا، مع قصد
اليمين، لوروده في اللغة والحديث (4)، ومنه: قول النبي (صلى الله عليه وآله) لابن ركانة: " آلله ما
أردت إلا واحدة " (5). وكذا يجوز الاتيان بهاء التنبيه بعد الواو، كوهاء الله
تعالى، وعند حذفها مع قطع همزة الجلالة ووصلها، ومع إثبات الألف وحذفها.

(1) نهاية المرام 2: 328.
(2) المقنعة: 554، والنهاية 3: 40.
(3) الوسائل 16: 160، الباب 30 من أبواب الأيمان الحديث 4.
(4) القائل هو مفاتيح الشرائع 2: 39، مفتاح 482.
(5) سنن ابن ماجة 1: 661، الحديث 2051.
451

وفي الجميع تردد لذلك، ولعدم استمرار العادة بالحلف كذلك، وعدم
المعرفة به إلا من خواص الناس، مضافا إلى الأصل السليم عما يصلح
للمعارضة، سوى ما مر من الورود في الحديث واللغة. وفي الاستناد إليهما
مناقشة، سيما مع عدم معلومية سند الرواية. وأولى منه بالتردد ما لو لحن
بآخر الاسم أو نصبه أو حذف ألف الجلالة مع نية الحلف.
* (ولا ينعقد لو قال: " أقسم " أو " أحلف " حتى يقول: " بالله ") * فينعقد بلا
خلاف في كلا الحكمين، بل على الأول: الإجماع عن الخلاف (1)، وعلى الثاني:
الإجماع في شرح الكتاب (2). وهو الحجة فيه، مضافا إلى أنه إنشاء يمين
شرعا ولغة وعرفا، مع أن الفعلين مقدران حيث يحذفان، فذكرهما أولى.
وأما عدم الانعقاد مع الاقتصاد عليهما عن لفظ الجلالة، فلعدم معلومية
المقسم به هل هو الله سبحانه أم من لا ينعقد به؟ مضافا إلى الأصل، وعدم
صدق القسم المعتبر بهما، والقوي: إذا قال الرجل: أقسمت وحلفت فليس
بشئ حتى يقول: أقسمت بالله أو حلفت بالله (3).
* (ولو قال: " لعمر الله " كان يمينا) * بغير خلاف ظاهر، مصرح به في
المفاتيح (4) والكفاية (5) والشرح للسيد (6)، بل عن الخلاف (7) الإجماع عليه.
وهو الحجة، مضافا إلى الصحيح المروي في الفقيه: وأما قول الرجل: يا هناه
ياهناه، وإنما ذلك طلب الاسم، ولا أرى به بأسا، وأما لعمر الله وأيم الله فإنما
هو بالله (8).

(1) الخلاف 6: 14، المسألة 14.
(2) نهاية المرام 2: 328.
(3) الوسائل 16: 142، الباب 15 من أبواب الأيمان الحديث 3.
(4) مفاتيح الشرائع 2: 39، مفتاح 481.
(5) كفاية الأحكام: 226 س 39.
(6) نهاية المرام 2: 328.
(7) الخلاف 6: 125، المسألة 15.
(8) الفقيه 3: 363، الحديث 4288.
452

وهو بفتح العين مرفوع على الابتداء والخبر محذوف، والمعنى لعمر الله
قسمي، وهو بمعنى الحياة والبقاء، وهو قريب من العمر بالضم، لكنه لم
يستعمل في القسم إلا مفتوحا، وهو بهذا المعنى محتمل للمعاني المانعة من
انعقاد اليمين كالقدرة والعلم وغيرهما من الصفات المشتركة، لكنه لما استعمل
في اليمين عرفا وشرعا حكموا بانعقاده به.
ويستفاد من الصحيح، انعقادها بأيم الله، كما هو المشهور، إلا أنه بدل
ب‍ " لاهاه " في نسخة الكافي (1)، وب‍ " لا هلاه " في نسخة التهذيب (2).
* (ولا كذا لو قال: وحق الله) * تعالى فإنه لا ينعقد مطلقا، وفاقا
للخلاف (3)، والحلي (4) والفاضلين (5)، للأصل، واشترك الحق بين أمور كثيرة
لا ينعقد بها اليمين، كالعبادات التي أمر بها، لإطلاقه عليها في الخبر: ما حق الله
على عباده؟ قال: أن لا تشركوا به شيئا، ويعبدوه، ويقيموا الصلاة ويؤتوا
الزكاة (6)، وكالقرآن، لإطلاقه عليه فيه، قال تعالى: " وأنه لحق اليقين " (7).
خلافا للمبسوط (8)، فقال: ينعقد مطلقا، لأن الحق إذا أضيف إلى الله
تعالى، كان وصفا، كسائر صفات ذاته من العظمة والعزة ونحوهما، وقواه في
الدروس (9) إذا قصد به لله الحق والمستحق للإلهية، دون ما إذا قصد به المعاني
الأولة.
ويضعف الأول: بأنها المفهوم من حقه عند الإطلاق، والتجرد عن
القرينة، وهي عن الوصف بعيدة غايته.

(1) الكافي 7: 449، الحديث 2.
(2) التهذيب 8: 278، الحديث 1010.
(3) الخلاف 6: 125، المسألة 16.
(4) السرائر 3: 37.
(5) الشرائع 3: 170، والإرشاد 2: 84.
(6) الحاوي الكبير 15: 275.
(7) الحاقة: 51.
(8) المبسوط 6: 197.
(9) الدروس 2: 162.
453

والثاني: في محل الانعقاد، بأن الحق بالمعنى الذي ذكر فيه غير مفهوم من
اللفظ، ومجرد القصد إليه غير كاف في الانعقاد إذا لم ينضم إليه ما ينعقد به.
وللمختلف (1) والتنقيح (2) تفصيل آخر، وهو الرجوع إلى عرف الحالف،
فإن قصد به الحلف بالله تعالى، انعقد يمينا، وإلا فلا. ويمكن إرجاعه إلى سابقه،
فيرد عليه ما ورد فيه.
* (ولا ينعقد الحلف بالطلاق والعتاق والظهار، ولا بالحرم والكعبة،
ولا بالمصحف) * ونحو ذلك من الأمور المعظمة على الأظهر الأشهر بين الطائفة،
بل عليه الإجماع في الانتصار (3) في الثلاثة الأول، ودل عليه الإجماعات
المستفيضة المتقدمة فيها، وفي الثلاثة الأخيرة.
خلافا للإسكافي (4)، فجوز اليمين بها.
وهو محجوج بما قدمناه من الأدلة، سيما الأصل، والنصوص المستفيضة،
مضافا إلى الصحيح وغيره في الأولين: إني حلفت بالطلاق والعتاق والنذور،
فقال: إن هذا من خطوات الشيطان (5).
هذا مع أن مخالفته، للقوم غير معلومة، كما يستفاد من التنقيح، حيث قال
- بعد نقل مذهبه -: فإن أراد بذلك ما يوجب الكفارة بمخالفته فهو باطل، لما
تقدم، وإن أراد غير ذلك، فالظاهر جوازه على كراهة شديدة (6).
* (وتنعقد لو قال: حلفت برب المصحف) * قطعا، لأنه حلف به تعالى.
* (ولو قال هو يهودي أو نصراني) * أو حربي أو نحو ذلك إن فعل كذا

(1) المختلف: ج 8 ص 170.
(2) التنقيح 3: 506.
(3) الإنتصار: 157.
(4) كما في الدروس 2: 162.
(5) الوسائل 16: 139، الباب 14 من أبواب الأيمان الحديث 4.
(6) التنقيح 3: 506.
454

مثلا * (أو حلف بالبراءة من الله تعالى أو رسوله (صلى الله عليه وآله) أو الأئمة (عليهم السلام) لم يكن
يمينا) * لما مضى من عدم انعقاد الحلف بغير الله تعالى، ولا خلاف في تحريمه.
ومضى الكلام فيه وفي سائر ما يتعلق به من أحكام الكفارة في بحثها.
* (والاستثناء بالمشيئة) * لله تعالى * (في اليمين) * بأن يتبعها بقوله: " إن شاء
الله تعالى " جائز إجماعا، فتوى ونصا مستفيضا.
و * (يمنعها الانعقاد إذا اتصل) * بها * (بما جرت العادة) * ولو انفصلت بتنفس
أو سعال أو نحوهما إجماعا، لو لم يكن متعلقها فعل الواجب أو المندوب أو
ترك الحرام والمكروه، وبه صرح في التنقيح (1). وهو الحجة، مضافا إلى
الخبرين:
أحدهما النبوي: من حلف على يمين فقال: إن شاء الله لم يحنث (2).
وثانيهما القوي بالسكوني: من استثنى في يمين فلا حنث عليه، ولا
كفارة (3).
ومطلقا على الأقوى، وفاقا لأكثر أصحابنا، لإطلاق الخبرين: المعتبر
أحدهما في نفسه، المنجبرين بفتوى الأكثر، بل الكل سوى النادر، وهو
الفاضل في القواعد (4)، حيث قصر الحكم بعدم الانعقاد على المجمع عليه دون
غيره، وهو ما إذا كان المتعلق أحد الأمور المذكورة، لأن غيرها لا يعلم فيه
حصول الشرط - وهو تعلق المشيئة به - بخلافها، للعلم بحصول الشرط فيها،
نظرا إلى الأمر بها وجوبا أو ندبا.
وهو مع كونه اجتهادا في مقابلة النص غير مسموع، محل نظر وتأمل،

(1) التنقيح 3: 506.
(2) سنن البيهقي 10: 46.
(3) الوسائل 16: 157، الباب 28 من أبواب الأيمان الحديث 1.
(4) القواعد 2: 130 س 14.
455

وفاقا للكفاية (1) لمنع العلم بتعلق المشيئة بها على الإطلاق، فقد لا يشاءها
في حق هذا الحالف، لعارض لا يعلم به هذا. وربما يظهر من شيخنا في
الدروس (2) مخالفة هذا القول للإجماع، حيث نسبه إلى الندور.
ثم إن إطلاق الخبرين والعبارة وغيرها من عبائر الجماعة يقتضي عدم
الفرق في الحكم بين قصد التعليق بالمشيئة أو التبرك، وبه صرح شيخنا في
الروضة (3).
خلافا لسبطه في الشرح (4)، فقال: بالفرق، واختصاص الحكم بعدم
الانعقاد بالأول، وأوجب في الثاني الرجوع إلى قواعد اللغة، نظرا إلى ضعف
سند المستند في هذا الحكم. ويرد عليه، ما مر من الانجبار بالعمل.
* (ولو تراخى) * الاستثناء * (عن ذلك) * الحلف * (من غير عذر) * من
سعال * (لزمت اليمين، وسقط الاستثناء) *، ولغي بلا خلاف بيننا فتوى والرواية
الآتية المخالفة لذلك شاذة مؤولة أو متروكة جدا.
وهل يعتبر في الاستثناء حيث يعتبر التلفظ به، أم يكفي فيه النية؟ قولان.
المشهور - كما في التنقيح (5)، وغيره، ومنهم المبسوط (6) والحلي (7) -
الأول، آخذا بالعمومات الدالة على انعقاد اليمين وترتب أحكامها من الحنث
والكفارة عليها، واقتصارا فيما خالفها، مما دل على عدم انعقادها بتعليقها على
المشيئة على المتيقن منه بحكم التبادر وغيره، وهو التعليق باللفظ دون النية.
خلافا للفاضل في المختلف، فاكتفى بالنية، لأن المعتبر في الأيمان إنما هو النية

(1) كفاية الأحكام: 227 س 13.
(2) الدروس 2: 165، الدرس 152.
(3) الروضة 3: 53.
(4) نهاية المرام 2: 331.
(5) التنقيح 3: 506.
(6) المبسوط 6: 200.
(7) السرائر 3: 37.
456

والضمير، فإذا استثناه كذلك لم ينو شمول اليمين لما استثناه، فلا يندرج في
الحلف (1).
ونزل عليه الرواية المشار إليها في المتن بقوله: * (وفيه رواية بجواز
الاستثناء إلى أربعين يوما) * (2) بحملها على ما إذا استثنى بالنية وأظهره قبل
تلك المدة. وهو لا يخلو عن وجه.
لكن يضعف التنزيل، بأن مثل هذا الاستثناء عند القائل به لا يتقيد بالمدة
المزبورة. وكون التقدير بها واردا للمبالغة محل مناقشة، لأن الاستثناء بها إذا
وقفت اليمين دائما يكون التقييد بالدوام أو بما زاد على الأربعين أبلغ وأولى،
ولعله لهذا لم يجب الماتن عن الرواية هنا وفي الشرائع (3) إلا بقوله: * (وهي
متروكة) * مخالفة للإجماع، إذ لم نر عاملا بها.
* (الثاني في) * بيان * (الحالف) *
* (و) * اعلم أنه * (يعتبر فيه التكليف بالبلوغ) * والعقل * (والاختيار،
والقصد) * إلى مدلول اليمين، بلا خلاف في شئ من ذلك، بل على الأخير
الإجماع في ظاهر الغنية (4) والدروس (5) وغيرهما. وهو الحجة فيه بعد الآية
الكريمة: " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم
الأيمان " (6)، فإن مقتضى المقابلة أن اللغو من الأيمان ما وقع بغير قصد ونية،
مضافا إلى وقوع التصريح به في بعض المعتبرة الواردة في تفسيرها، وقد مر

(1) المختلف: ج 8 ص 172.
(2) الوسائل 16: 158، الباب 29 من أبواب الأيمان الحديث 6.
(3) الشرائع 3: 170، وفيه: مهجورة.
(4) الغنية: 391.
(5) الدروس 2: 166، الدرس 152.
(6) المائدة: 89.
457

في صدر الكتاب إليه الإشارة. والسند في اعتبار ما عداه - بعد عدم الخلاف
فيه الظاهر بل الإجماع المقطوع به حديثا - رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ،
والمجنون حتى يفيق (1)، ورفع عن أمتي تسعة، وعد منها، ما استكرهوا
عليه (2)، مضافا إلى الخبرين الآتيين.
* (و) * يتفرع على ذلك، أنه * (لو حلف) * صبي أو مجنون أو بالغ عاقل
* (من غير نية كانت) * يمينهم * (لغوا ولو كان اللفظ صريحا) *.
نبه بهذا على خلاف بعض العامة، حيث حكم بانعقاد اليمين بالقسم
الصريح وإن لم يقصد، وأنه إنما يتوقف على القصد ما ليس بصريح كالكتابة،
ذكر الماتن في الشرائع (3) قبول قوله في دعوى عدم القصد إلى اليمين ولو من
اللفظ الصريح، وارتضاه غيره، معللا بأن القصد من الأمور الباطنة التي لا
يطلع عليها غيره، فوجب الرجوع إليه، وبجريان العادة كثيرا بإجراء ألفاظ
اليمين من غير قصد، بخلاف الطلاق ونحوه فإنه لا يصدق، لتعلق حق الآدمي
به، وعدم اعتياد عدم القصد فيه. فدعواه: عدمه خلاف الظاهر. وهو حسن.
ولو فرض اقتران اليمين بما يدل على قصده ففي قبول دعواه وعدمه
وجهان، من مخالفته الظاهر، ومن عموم العلة الأولى؟ ولعل هذا أوجه، إلا أن
يكون المقارن ما يدل على قصده قطعا.
* (ولا يمين) * منعقدة توجب الحنث والكفارة * (للسكران، ولا المكره،
ولا الغضبان، إلا أن يكون لأحدهم قصد إلى اليمين) * الصادرة عنه فتنعقد معه
بلا اشكال فيه، وفي العدم مع العدم لما تقدم، مضافا إلى صريح الخبرين: لا يمين

(1) الوسائل 1: 32، الباب 4 من أبواب مقدمات العبادة الحديث 11.
(2) الوسائل 11: 295، الباب 56 من أبواب جهاد النفس... الحديث 3.
(3) الشرائع 3: 172.
458

في غضب، ولا في قطيعة رحم، ولا في جبر، ولا في إكراه. وفسر فيهما الجبر،
بما كان من جهة السلطان، والإكراه بما كان من الزوجة والأم والأب (1).
* (ويصح اليمين من الكافر) * مطلقا، وفاقا للأكثر ومنهم الشيخ في
المبسوط، بل الخلاف (2) أيضا - كما يأتي - قيل (3): لإطلاق الكتاب والسنة
والصحيحين:
في أحدهما: عن أهل الملل يستحلفون، قال: لا تحلفوهم إلا بالله
عز وجل (4).
وفي الثاني: لا تحلفوا اليهودي، ولا النصراني، ولا المجوسي إلا بالله تعالى (5).
وفي الجميع نظر، لعدم إطلاق يشمل مفروض المسألة، لاختصاصه في
الكتاب وبعض السنة بمقتضى قاعدة خطاب المشافهة بحاضري مجلسه،
والمتيقن منهم المسلمون خاصة. والتعدية إلى غيرهم ومنهم الكفار مطلقا،
يحتاج إلى دلالة، هي في المقام مفقودة، إذ ليست إلا الإجماع، وهو مفقود في
محل النزاع.
وأما إطلاقات باقي السنة فغير نافعة أيضا، لورودها لبيان حكم آخر
غير حكم المسألة، ولا اعتداد بمثلها فيها، كما مر غير مرة.
وأما الصحيحان فليسا من مفروض المسألة، لكونه اليمين على المستقبل
الموجب مخالفتها للحنث والكفارة، ولا كذلك موردهما، لتعلقه باستحلافهم
في مقام الدعوى، وهو غير الحلف الذي قدمنا.

(1) الوسائل 16: 143، الباب 16 من أبواب الأيمان الحديث 1 وذيله.
(2) المبسوط 6: 194، والخلاف 6: 117، المسألة 117.
(3) الظاهر نهاية المرام 2: 334.
(4) الوسائل 16: 164، الباب 32 من أبواب الأيمان الحديث 3 و 2.
(5) الوسائل 16: 164، الباب 32 من أبواب الأيمان الحديث 3 و 2.
459

نعم يمكن الاستدلال بهما بالفحوى، فإن انعقاد حلفهم في الدعاوي
المتضمنة للفروج والأموال يستلزم انعقاده هنا بطريق أولى.
هذا، مع إمكان أن يكون الاستناد إليهما دفعا لما سيذكر، لعدم الانعقاد من
عدم معرفته بالله تعالى، بناء على أن صحة التعليل يقتضي عدم الانعقاد مطلقا
ولو في الدعاوي، والحال أن الصحيحين قد دلا على الانعقاد فيها، فدلا على
فساد التعليل جدا.
* (و) * ذكر الشيخ * (في الخلاف) * (1) أنه * (لا يصح) *، لما مضى، وللأصل
السليم عن المعارض، بناء على ما قدمناه من عدم إطلاق، أو عموم يدل على
الانعقاد هنا. ولحديث الإسلام يجب ما قبله (2). ويضعف الأولان، بما مضى.
والثالث: بأن الجب هو قطع ما ثبت وجوبه، كالصلاة الواجبة عليهم
ونحوها، وهو غير منعه عن الثبوت في حال الكفر، فلعل اليمين ينعقد عليهم
حال كفرهم، بحيث توجب مخالفتها عليهم الحنث والكفارة وإسلامهم بعد
يجب ما وجب عليهم قبله بالمخالفة من الكفارة.
هذا، ويضعف الأول - زائدا على ما مر - بأنه أخص من المدعى،
لاختصاصه بمن لا معرفة له بالله تعالى دون من يعرفه. فلا بد من التفصيل
بينهما، بالانعقاد في الثاني دون الأول، كما في المختلف (3) والتنقيح (4)
والمسالك (5) وسبطه في شرح الكتاب للسيد (6)، وعليه كثير ممن تبعهما. وهو
قوي جدا، للأصل، واختصاص الصحيحين المجوزين اللذين هما الأصل في
الجواز بالثاني وضعف الإطلاقات بما مضى، مع ضعفها في الشمول الغير المقر

(1) الخلاف 6: 116، المسألة 9.
(2) عوالي اللئالي 2: 54، الحديث 145.
(3) المختلف: ج 8 ص 151.
(4) التنقيح 3: 509.
(5) المسالك 11: 204.
(6) نهاية المرام 2: 334.
460

بأن مواردها الحلف بالله، وحلف المنكر له به لا يعد حلفا جدا، بل يكون
في حلفه به على معتقده لاغيا.
هذا، ويظهر من الخلاف (1) التردد فيما ذكره أولا، والرجوع إلى ما عليه
الأكثر، للعمومات، وفيها ما مر من المناقشات.
وكيف كان يحصل من رجوعه الاتفاق على الجواز في الجملة، وهو حجة
أخرى له مستقلة، إلا أن المحكي عن الحلي (2) المخالفة، والمصير إلى القول
الثاني. ولعله لا عبرة به، لمعلومية نسبه، مع حصول ما يقرب من القطع
بالإجماع من اتفاق غيره.
وفائدة الصحة بقاء اليمين لو أسلم في المطلقة أو قبل خروج وقت الموقتة،
وفي العقاب على متعلقها لو مات على كفره ولما يفعله، لا في تدارك الكفارة لو
سبق الحنث الإسلام، لأنها تسقط عنه به بلا خلاف يظهر إلا من السيد في
الشرح (3). فتأمل فيه.
ولا وجه له بعد دلالة الخبر المتقدم المعتضد بالعمل، مضافا إلى دعوى
الإجماع عليه في المهذب (4)، وفحوى ما دل عليه الإجماع من سقوط قضاء
نحو الصلاة، فسقوط الكفارة التي هي أدنى منها أولى.
* (ولا ينعقد) * انعقادا تاما * (يمين الولد مع الوالد إلا بإذنه، ولو بادر) * إليها
قبله * (كان للوالد حلها إن لم تكن) * يمينه * (في) * فعل * (واجب أو ترك محرم،
وكذا الزوجة مع زوجها، والمملوك مع مولاه) * بلا خلاف في شئ من ذلك في
الجملة، بل عليه الإجماع في الغنية (5)، للمعتبرين.

(1) الخلاف 6: 117، المسألة 9.
(2) السرائر 3: 48.
(3) نهاية المرام 2: 334.
(4) المهذب 4: 129.
(5) الغنية: 392.
461

أحدهما الصحيح: لا يمين لولد مع والده، ولا للمرأة مع زوجها، ولا
المملوك مع سيده (1).
ومقتضاها كصدر العبارة هنا وفي الشرائع (2) عدم الصحة بدون الإذن،
لأنه أقرب المجازات إلى نفي الماهية، حيث يكون إرادته على الحقيقة ممتنعة،
مضافا إلى شهادة السياق في الصحيح بذلك، حيث زيد فيه: " ولا نذر في
معصية ولا يمين في قطيعة رحم " (3)، فإن النفي فيهما راجع إلى الصحة إجماعا،
فليكن النفي المتقدم عليهما كذلك أيضا، وبه أفتى الفاضل في الإرشاد (4)
وشيخنا في المسالك (5) وجملة من تبعه، لذلك، ولأن اليمين إيقاع فلا يقع
موقوفا.
خلافا لذيل العبارة هنا وفي الشرائع (6) والدروس (7)، فجعلوا اليمين
بدونه صحيحة والنهي عنها مانعا، ونسبه في المسالك (8)، والمفاتيح (9) إلى
المشهور، واحتج له - كالتنقيح - بالعمومات الدالة على وجوب الوفاء
باليمين (10).
ويضعف باختصاصها إجماعا بالأيمان الصحيحة، وكون اليمين في المسألة
منها أول الكلام، ودعواه مصادرة.
وعلى تقدير تسليمها نخصصها بالمعتبرين (11) الظاهرين في نفي الصحة

(1) الوسائل 16: 128، الباب 10 من أبواب الأيمان الحديث 1.
(2) الشرائع 3: 172.
(3) الوسائل 16: 130، الباب 11 من أبواب الأيمان الحديث 5.
(4) الإرشاد 2: 84.
(5) المسالك 11: 206.
(6) الشرائع 3: 172.
(7) الدروس 2: 166، الدرس 152.
(8) المسالك 11: 206.
(9) مفاتيح الشرائع 2: 41، مفتاح 485.
(10) التنقيح 3: 510.
(11) الوسائل 16: 128، الباب 10 من أبواب الأيمان الحديث 1 و 2.
462

مفهوما وسياقا. وطرحهما والاقتصار في التخصيص على المتيقن منه بالإجماع
- وهو صورة المنع لا عدم الإذن - لا وجه له أصلا، إلا على تقدير عدم العمل
بالأخبار الآحاد، أو عدم تخصيص العمومات القطعية بها، أو قصور الخبرين
بضعف ثانيهما، ووجود إبراهيم بن هاشم في سند أولهما، ولم يصرح بتوثيقة،
بل حسن، وليس بحجة.
ويضعف الجميع بحجية الآحاد المعتبرة الاسناد، وجواز التخصيص
للقطعيات بها - كما برهن في محلهما - ووثاقة إبراهيم على الرأي الصحيح، مع
أن الخبر الذي هو حسن به مروي في الفقيه (1) بطريق صحيح.
وبالجملة فلا ريب في ضعف هذا القول، وإن كان للأكثر. ونحوه في
الضعف استثناء اليمين على فعل الواجب وترك المحرم، كما هنا وفي الشرائع (2)
والإرشاد (3)، لإطلاق النص، وعدم دليل على إخراج هذا الفرد. وتعين الفعل
عليه وجودا وعدما لا يقتضي ترتب آثار انعقاد الحلف عليه، حتى ترتب
الكفارة على الحنث. وبما ذكرنا صرح السيد في الشرح (4)، وصاحب
الكفاية (5).
ويمكن أن يوجه كلام الجماعة بما لا ينافي ما ذكرناه، بأن يراد من الإخلال
جواز الأمر بترك ما حلف على فعله، أو فعل ما حلف على تركه، ونفي جواز
الإخلال بهذا المعنى لا ينافي عدم انعقاد اليمين أصلا، وربما يشير إلى إرادة هذا
المعنى عبارة الدروس الموافقة للعبارة في الاستثناء، حيث قال في كتاب النذر
والعهد: وللزوج حل نذر الزوجة، فيما عدا فعل الواجب، وترك المحرم حتى

(1) الفقيه 3: 359، الحديث 4273.
(2) الشرائع 3: 172.
(3) الإرشاد 2: 84.
(4) نهاية المرام 2: 335.
(5) كفاية الأحكام: 227 س 31.
463

في الجزاء عليهما، وكذا السيد لعبده، والوالد لولده على الظاهر (1) فتدبر.
ثم إن مقتضى عموم الأصل الدال على لزوم الوفاء باليمين واختصاص
النص والفتاوى بعدم الصحة والتوقف على الإذن بالوالد عدم التعدية إلى
الوالدة.
وفي شمول الحكم للجد إشكال، من عدم تبادره من إطلاق الوالد، ومن
إطلاقه عليه كثيرا واشتراكهما في الأحكام غالبا، والأحوط الأول وإن كان
الثاني لعله لا يخلو عن قرب، وجزم به شيخنا في الدروس (2).
وأما الزوجة، فينبغي القطع باختصاص الحكم فيها بالدائم دون المتعة،
لعدم تبادرها منها عند الإطلاق، مضافا إلى قوة احتمال كون صدقها عليها
على سبيل المجاز، دون الحقيقة.
* (الثالث في) * بيان * (متعلق اليمين) *
* (واعلم أنه لا يمين إلا مع العلم) * بما يحلف عليه من صوم، أو صدقة، أو
صلاة، أو نحو ذلك، وتقييد المعلوم بذلك قد صرح به الفاضل المقداد (3)
والسيد في شرحي الكتاب، قال الثاني بعده: ولا يمكن أن يكون المراد به العلم
بوقوع ما يحلف عليه، لأن المستقبل لا يعلم وقوعه (4). ولم يذكر الماتن في
الشرائع ولا غيره هذا الشرط في هذا الباب، وإنما يعتبرونه في اليمين المتوجهة
إلى المنكر، أو المدعي مع الشاهد، ولا ريب في اعتباره هناك، وكما يأتي إن
شاء الله سبحانه.
* (ولا يجب ب‍) * اليمين * (الغموس) * المتقدم تعريفه * (كفارة) * سوى

(1) الدروس 2: 149.
(2) الدروس 2: 166، الدرس 152.
(3) التنقيح 3: 511.
(4) نهاية المرام 2: 336.
464

الاستغفار، وإن كانت محرمة بلا خلاف أجده، بل عليه في صريح الخلاف (1)
وظاهر المسالك (2) إجماع الإمامية للأصل، والمرسل: الأيمان ثلاث: يمين ليس
فيها كفارة ويمين فيها كفارة ويمين غموس يوجب النار فاليمين التي ليست فيها
كفارة الرجل يحلف على باب بر أن لا يفعله فكفارته أن يفعله، واليمين التي
تجب فيها الكفارة الرجل يحلف على باب معصية أن لا يفعله فيفعله فيجب
عليه الكفارة، واليمين الغموس التي توجب النار الرجل يحلف على حق امرء
مسلم على حبس ماله (3). ويستفاد منه ومن مرسل آخر (4) والمحكي عن أهل
اللغة تعريف الغموس بالأخص مما مر عن الأكثر.
* (وتنعقد) * اليمين * (لو حلف على فعل واجب أو مندوب أو على ترك
محرم أو مكروه، ولا تنعقد لو حلف على ترك واجب أو مندوب أو فعل محرم
أو مكروه) * بلا خلاف في شئ من ذلك أجده، وبه صرح جماعة، والنصوص
به مع ذلك مستفيضة، منها الصحاح المستفيضة.
في أحدها: كل يمين حلف عليها ألا يفعلها مما له فيه منفعة في الدنيا
والآخرة فلا كفارة عليه، وإنما الكفارة في أن يحلف الرجل والله لا أزني والله
لا أشرب الخمر والله لا أسرق والله لا أخون وأشباه هذه أو لا أعصي ثم فعل
فعليه الكفارة (5).
وفي الثاني: ليس كل يمين فيها الكفارة، أما ما كان منها مما أوجب الله
تعالى عليك أن تفعله فحلفت أن لا تفعله فليس عليك فيه الكفارة، وأما
ما لم يكن مما أوجب الله تعالى عليك أن لا تفعله فحلفت أن لا تفعله،

(1) الخلاف 6: 134، المسألة 7.
(2) المسالك 11: 209.
(3) الوسائل 16: 127، الباب 9 من أبواب الأيمان الحديث 1 و 3.
(4) الوسائل 16: 127، الباب 9 من أبواب الأيمان الحديث 1 و 3.
(5) الوسائل 16: 151، الباب 23 من أبواب الأيمان الحديث 3.
465

فإن عليك فيه الكفارة (1).
وفي الثالث والرابع: عن الرجل يحلف على اليمين فيرى أن تركها أفضل
وإن لم يتركها خشي أن يأثم أيتركها؟ قال: أما سمعت قول رسول الله (صلى الله عليه وآله):
إذا رأيت خيرا من يمينك فدعها (2).
وفي الخبرين: لا يجوز يمين في تحليل حرام، ولا تحريم حلال، ولا قطيعة
رحم (3).
وفي الموثق: لا يمين في معصية (4).
إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة التي لا يبقى معها ومع فتوى
الأصحاب بها شبهة ولا ريبة.
إلا أنه استشكل في الكفاية فيما لو كان متعلقها راجحا دينا ومرجوحا
دنيا أو بالعكس، قال: لتعارض عموم الأخبار وظاهر الأصحاب الانعقاد
هاهنا، ويشكل نظرا إلى قول أبي عبد الله (عليه السلام) في صحيحة زرارة: كلما كان لك
فيه منفعة في أمر دين، أو دنيا فلا حنث (5) عليك، وموثقة زرارة عن أبي
جعفر (عليه السلام): كل يمين حلفت عليها لك فيها منفعة في أمر دين أو دنيا فلا شئ
عليك فيهما، وإنما يقع عليك الكفارة فيما حلفت عليه فيما لله معصية ألا تفعله
ثم تفعله (6) (7).
وفيما ذكره نظر، بل المصير إلى ما نقله عن الأصحاب مشعرا بدعوى

(1) المصدر السابق: 152، الباب 24 الحديث 1.
(2) المصدر السابق: 145، الباب 18 الحديث 1 وذيله.
(3) المصدر السابق: 130، الباب 11 الحديث 6 و 7 و 9.
(4) المصدر السابق: 130، الباب 11 الحديث 6 و 7 و 9.
(5) الوسائل 16: 199، الباب 17 من أبواب النذر والعهد الحديث 1.
(6) الوسائل 16: 151، الباب 23 من أبواب الأيمان الحديث 2.
(7) كفاية الأحكام: 227 س 36.
466

الإجماع عليه أظهر، لرجحان العموم الدال عليه بعملهم، مع اعتضاده
بعمومات الكتاب والسنة بلزوم كل يمين والخبران المستشكل بهما في الحكم
غير ظاهري الشمول لمحل الفرض، من تعارض الرجحان من جهة،
والمرجوحية من أخرى، بل ظاهرهما المتبادر منهما عند الإطلاق هو
المرجوحية من جهة لا يعارضها رجحان من أخرى، كما لا يخفى.
مع أن نحو هذا المتعلق يكون كالمباح المتساوي الطرفين، والحكم فيه
الانعقاد عند أصحابنا، كما يأتي وإن تأمل فيه أيضا، ولكنه ضعيف جدا.
* (ولو حلف على) * فعل * (مباح) * أو تركه * (وكان الأولى) * له * (مخالفته
في دينه أو دنياه فليأت ما هو خير له، ولا إثم) * عليه * (ولا كفارة) * بلا
خلاف، بل عليه الإجماع في كثير من العبارات. وهو الحجة، مضافا إلى
النصوص المستفيضة.
منها: الصحيحان الأخيران من الصحاح المستفيضة المتقدمة في المسألة
السابقة، ونحوهما أخبار أخر، وفيها المرسل كالموثق: من حلف على يمين
فرأى ما هو خير منها فليأت الذي هو خير فهو كفارة يمينه، وله حسنة (1).
وفي بعضها: إنما ذلك من خطوات الشيطان (2).
ويستفاد منها مضافا إلى الاتفاق في الظاهر المحكي في بعض العبارات
كون الأولوية متبوعة ولو طرأت بعد اليمين، فلو كان البر أولى في الابتداء ثم
صارت المخالفة أولى اتبع ولا كفارة.
وفي عود اليمين بعود الأولوية بعد انحلالها وجهان، أجودهما العدم،
للأصل. وكذا لو لم تنعقد ابتداء للمرجوحية، بل عدم العود هنا أولى،

(1) الوسائل 16: 146، الباب 18 من أبواب الأيمان الحديث 3 و 2.
(2) الوسائل 16: 146، الباب 18 من أبواب الأيمان الحديث 3 و 2.
467

ولذا قطع في الروضة (1) به، وتردد فيه في السابق.
* (وإذا تساوى فعل ما تعلقت به اليمين وتركه) * دينا ودنيا بحيث لا
يترجح أحدهما على الآخر أصلا * (وجب العمل بمقتضى اليمين) * بغير خلاف
ظاهر، مصرح به في الدروس (2) والروضة (3)، بل عليه الإجماع في ظاهر
المسالك (4) وصريح الغنية (5)، وبه اعترف في الكفاية (6) وخالي العلامة
المجلسي (7) (رحمه الله).
لكنهما استشكلا فيه كالمفاتيح (8)، فقال الأول: نظرا إلى رواية زرارة
ورواية حمران ورواية عبد الله بن سنان ورواية أبي الربيع الشامي وما رواه
الشيخ عن الحلبي في الصحيح قال: كل يمين لا يراد بها وجه الله تعالى فليس
بشئ في طلاق وغيره (9).
وليس في محله، للإجماعات المنقولة المعتضدة بإطلاقات الكتاب والسنة
بلزوم كل يمين، وعدم ظهور الخلاف فيه من معتبري الطائفة عدا الشهيد
في اللمعة (10)، لكنه شاذ، ولضعف الروايات ما عدا الصحيحة، ومعارضتها
بمفاهيم الأخبار السابقة، الدالة على عدم انعقاد الحلف على المباح إذا كان في
المخالفة أولوية، ومفهومها الانعقاد مع عدم أولوية المخالفة مطلقا (11)، ونحوها
عموم الصحاح وغيرها من المعتبرة وما لم يكن عليك واجبا أن تفعله فحلفت

(1) الروضة 3: 55.
(2) الدروس 2: 167، الدرس 152.
(3) الروضة 3: 55.
(4) المسالك 11: 210.
(5) الغنية: 392.
(6) كفاية الأحكام: 228 س 2.
(7) مرآة العقول 24: 325.
(8) مفاتيح الشرائع 2: 38، مفتاح 480.
(9) التهذيب 8: 288، الحديث 1062، وفيه: ولا غيره.
(10) اللمعة: 49.
(11) في " ش " زيادة: سواء كان عدم المخالفة أولى أم لا.
468

أن لا تفعله ثم فعلته فعليك الكفارة (1).
وهذه الأخبار بالترجيح أولى لوجوه شتى مضى ذكرها، فليطرح المخالفة
لها، أو تؤول بتخصيص موردها بما مخالفته أولى وإن كان بعيدا، أو تحمل على
النذر، لإطلاق اليمين عليه في كثير من النصوص، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وبعض من تلك الروايات وإن لم يقبل هذا الحمل إلا أن الأمر فيه سهل،
لضعفه، فلا عبرة به، ولا عناية لنا في تصحيحه.
وتلخص مما ذكرنا انعقاد اليمين في كل متعلق إلا ما يكون مرجوحا دينا
ودنيا أو في أحدهما خاصة، من دون رجحان في المقابل له.
* (ولو حلف لزوجته أن لا يتزوج) * عليها أو بعدها دائما أو منقطعا * (أو
لا يتسرى لم ينعقد يمينه) * للصحيح: في الحالف لها بمثل ذلك، قال: ليس عليك
فيما أحلفت عليه شئ (2).
* (وكذا لو حلفت هي ألا تتزوج بعده) * للصحيح الآخر: عن امرأة
حلفت لزوجها بالعتاق والهدي إن هو مات ألا تتزوج بعده أبدا ثم بدا لها أن
تتزوج، قال: يتبع مملوكها إني أخاف عليها الشيطان، وليس عليها في الحق
شئ، فإن شاءت أن تهدي هديا فعلت (3). فتأمل.
* (وكذا لو حلفت أن لا تخرج معه) * للصحيح أيضا: عن امرأة حلفت
بعتق رقبتها أو بالمشي إلى بيت الله تعالى أن لا تخرج إلى زوجها أبدا وهو
ببلد غير الأرض التي هي بها فلم يرسل إليها نفقة واحتاجت حاجة شديدة
ولم تقدر على نفقة، فقال: فإنها وإن كانت غضبى فإنها حلفت حيث حلفت

(1) الوسائل 16: 153، الباب 24 من أبواب اليمين الحديث 4.
(2) الوسائل 16: 143، الباب 16 من أبواب الأيمان الحديث 2، وفيه أحلفتك.
(3) الوسائل 16: 176، الباب 16 من أبواب الأيمان الحديث 1.
469

وهي تنوي أن لا تخرج إليه طائعة وهي تستطيع ذلك، ولو علمت أن ذلك
لا ينبغي لها لم تحلف فلتخرج من المدينة إلى زوجها، وليس عليها شئ في
يمينها فإن هذا أبر (1).
ولا خلاف في شئ من هذه الثلاثة، وبه في الأول صرح في الكفاية (2).
وهو الحجة، مضافا إلى الصحاح المتقدمة وأن اليمين على كل منها يمين على
مرجوح أو معصية.
نعم لو عرض رجحان للمحلوف عليه دينا أو دنيا بالأمور الخارجة
كانت اليمين منعقدة، وبه صرح في الخلاف في التسري (3)، كما حكاه عنه جماعة
وارتضوه، ومنهم صاحب الكفاية (4)، إلا أنه خصه بما إذا لم تتعارض
الرجحان والمرجوحية، واستشكل فيه بناء على قاعدته السابقة. وقد ظهر لك
ما فيها من المناقشة.
* (و) * اعلم أنه * (لا ينعقد) * اليمين * (لو قال لغيره والله) * أو أسألك بالله أو
أقسم عليك أو نحو ذلك * (لتفعلن) * كذا وتسمى بيمين المناشدة * (ولا تلزم
أحدهما) * بلا خلاف ظاهر، بل عليه إجماعنا كما في الشرح للسيد (5). وهو
الحجة، مضافا إلى الأصل، وعدم ثبوت موجب اللزوم في حقهما، أما المقسم
عليه فلأنه لم يوجد منه لفظ ولا قصد، وأما القائل فلأن اللفظ ليس صريحا
في القسم، لأنه عقد اليمين لغيره لا لنفسه، وللنصوص.
ففي الصحيح: عن الرجل يقسم على الرجل في الطعام يأكل معه فلم يأكل
هل عليه في ذلك كفارة؟ قال: لا (6).

(1) الوسائل 16: 176، الباب 16 من أبواب الأيمان الحديث 2.
(2) كفاية الأحكام: 228 س 5 و 6.
(3) الخلاف 6: 187، المسألة 106.
(4) كفاية الأحكام: 228 س 5 و 6.
(5) نهاية المرام 2: 338.
(6) الوسائل 16: 174، الباب 42 من أبواب الأيمان الحديث 3.
470

وفي الموثق: عن الرجل يقسم على أخيه، قال: ليس عليه شئ إنما أراد
إكرامه (1). وقريب منهما خبر آخر (2).
وأما الحسن " إذا أقسم الرجل على أخيه فيما يبر قسمه فعلى المقسم كفارة
يمين " (3) فشاذ، غير مكافئ لما مر، محمول على التقية أو الاستحباب
ويستحب للمقسم عليه إبرار القسم للنبوي الآمر بسبع عد منها (4)، والأمر
فيه للاستحباب قطعا، للسياق، مع قصور السند، واتفاق الأصحاب.
* (وكذا) * لا ينعقد * (لو حلف لغريمه على الإقامة بالبلد وخشي مع
الإقامة الضرر) * ولفحوى النصوص المتقدمة الدالة على جواز المخالفة لو كان
فيها أولوية فجوازها مع خوف الضرر أولى، وللخبر: في الرجل عليه دين
فيحلفه غريمه بالأيمان المغلظة أن لا يخرج عن البلد، قال: لا يخرج حتى يعلمه،
قلت: إن أعلمه لم يدعه، قال: إن كان عليه ضرر أو على عياله فليخرج
ولا شئ عليه (5).
* (وكذا) * لا تنعقد * (لو حلف ليضربن عبده ف‍) * إن * (العفو أفضل، ولا
إثم) * عليه * (ولا كفارة) * لذلك، وللخبر: سافرت مع أبي جعفر (عليه السلام) إلى مكة
فأمر غلامه بشئ فخالفه إلى غيره، فقال (عليه السلام): والله لأضربنك يا غلام فلم أر
ضربه، فقلت: جعلت فداك: إنك حلفت لتضربن غلامك فلم ارك ضربته،
فقال: أليس الله تعالى يقول: " وإن تعفوا أقرب للتقوى " (6)؟!
* (ولو حلف على ممكن) * في وقت معين * (فتجدد العجز) * فيه * (انحلت
اليمين) * ولو حلف عليه مطلقا أو مقيدا فتجدد العجز ثم القدرة قبل خروجه

(1) الوسائل 16: 174، الباب 42 من أبواب الأيمان الحديث 1 و 2 و 4.
(2) الوسائل 16: 174، الباب 42 من أبواب الأيمان الحديث 1 و 2 و 4.
(3) الوسائل 16: 174، الباب 42 من أبواب الأيمان الحديث 1 و 2 و 4.
(4) الخصال: 341، الحديث 2.
(5) الوسائل 16: 172، الباب 40 من أبواب الأيمان الحديث 1.
(6) الوسائل 16: 171، الباب 38 من أبواب الأيمان الحديث 1.
471

وجب في الوقت الممكن، ولو لم يتجدد قدرة فكالأول. ولا خلاف في شئ
من ذلك، ولا إشكال.
* (ولو حلف على تخليص المؤمن) * أو ماله * (أو دفع أذية) * عنه أو عن
نفسه جاز، و * (لم يأثم ولو كان كاذبا) * بلا خلاف، لحسن الكذب النافع. وقد
يجب إذا انحصر طريق التخلص فيه، وكذلك الحلف عليه، للنصوص المستفيضة:
ففي الصحيح: ما صنعتم من شئ أو حلفتم عليه من يمين في تقية فأنتم
في سعة (1).
وفي آخر: عن رجل يخاف على ماله من السلطان فيحلف لينجو به منهم،
قال: لا جناح عليه. وعن رجل يحلف على مال أخيه كما يحلف على ماله، قال:
نعم (2).
وفي القوي: احلف كاذبا ونج أخاك من القتل (3).
وإطلاقها - كالعبارة - يقتضي عدم الفرق في الجواز مع خوف الضرر على
النفس أو المال بين الكثير منه والقليل، وهو كذلك، إلا أنه يأتي كراهة الحلف
على المال القليل.
* (و) * قد ذكر الأصحاب أنه * (إن أحسن التورية) * وهي إرادة شئ
وإظهار غيره * (ورى) * والنصوص المتقدمة خالية عن ذلك كما ترى، ولذا
تنظر في وجوبه جماعة من أصحابنا، وهو في محله، وإن كان الأحوط ارتكابها
مهما أمكن، فرارا من العمومات الناهية عن اليمين الكاذبة، والتورية وإن لم
تخرجها عن الكذب إلا أنها قريبة من الصدق، ولذا تنفع المحق دون المبطل.
* (ومن هذا) * أي جواز الحلف للضرورة * (لو وهب له مال أو كتب له
ابتياع وقبض ثمن فنازعه الوارث على تسليم الثمن فحلف) * لو طلبه منه

(1) الوسائل 16: 134، الباب 12 من أبواب الأيمان الحديث 2 و 1 و 4.
(2) الوسائل 16: 134، الباب 12 من أبواب الأيمان الحديث 2 و 1 و 4.
(3) الوسائل 16: 134، الباب 12 من أبواب الأيمان الحديث 2 و 1 و 4.
472

* (ولا إثم) * عليه * (ويوري ما يخرجه عن الكذب) * لما مر، ولخصوص الصحيح:
إن أمي تصدقت علي بنصيب لها في دار فقلت لها: إن القضاة لا يجيزون هذا
ولكن اكتبيه شراء فقالت: اصنع في ذلك ما بدا لك وكل ما ترى أنه يسوغ
لك فتوثقت فأراد بعض الورثة أن يستحلفني أني قد نقدتها الثمن ولم أنقدها
شيئا فما ترى؟ قال: احلف له (1).
* (وكذا لو حلف أن مماليكه أحرار وقصد التخلص من ظالم لم يأثم ولم
يتحرروا) * لما مر، والخبر المعتبر بصفوان: مررت بالعاشر فسألني فقلت: هم
أحرار كلهم فدخلت المدينة فقدمت على أبي الحسن (عليه السلام) فأخبرته بقولي
للعاشر، فقال: ليس عليك شئ (2)، وفي الصحيح: عن رجل أحلفه السلطان
بالطلاق وغير ذلك فحلف، قال: لا جناح عليه (3).
* (ويكره الحلف على) * المال * (القليل وإن كان صادقا) * بل يكره الحلف
عليه وعلى سائر الأمور الدنيوية مطلقا، وإن كان في القليل أشد كراهة.
وقد مضى الكلام فيه وتفسير القليل بثلاثين درهما في صدر الكتاب.
* (مسألتان) *
* (الأولى) *: لو حلف على ترك شرب لبن العنزة (4) وأكل لحمها اعتبر في
انعقاده رجحان جانب اليمين أو تساوي طرفيها دينا أو دنيا، ولو كان محتاجا
إلى الأكل لم ينعقد، ولو تجددت الحاجة انحلت، ومثله لو كان الأكل راجحا
كالهدي والأضحية، وحيث انعقدت لا يتعدى التحريم إلى الأولاد لحما

(1) الوسائل 13: 310، الباب 9 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 5.
(2) الوسائل 16: 60، الباب 60 من أبواب العتق الحديث 1.
(3) الوسائل 16: 134، الباب 12 من أبواب الأيمان الحديث 1.
(4) في المطبوع: العنوق.
473

ولا لبنا على الأقوى، وفاقا للحلي (1) وعامة المتأخرين، لعدم تناول اللفظ
لها مطلقا.
لكن * (روى) * في التهذيب (2) عن عيسى * (بن عطية فيمن حلف لا
يشرب من لبن عنزة له ولا يأكل من لحمها أنه يحرم عليه لبن أولادها
ولحومهم، لأنهم منها، وفي) * سند هذه * (الرواية ضعف) * من وجوه شتى، وفي
متنها مخالفة للقاعدة جدا، فلا عمل عليها * (و) * إن * (قال) * بها الإسكافي (3)
والشيخ * (في النهاية) * (4) وبعض من تبعه، وقيدها بعدم الحاجة إلى ترك ما
حلف عليه، فقال: * (إن شرب) * من لبنها أو لبن ولدها * (لحاجة لم يكن عليه
شئ) * من حنث أو كفارة.
* (و) * هذا * (التقييد حسن) * لما مر من أن من حلف على شئ فرأى
غيره خيرا فليأت به، إلا أن العمل بالرواية ضعيف غايته.
* (الثانية: روى أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): في رجل أعجبته جارية
عمته فخاف الإثم فحلف بالأيمان أن لا يمسها أبدا فورث الجارية أعليه
جناح أن يطأها؟ فقال: إنما حلف على الحرام ولعل الله رحمه فورثه إياها لما
علم من عفته (5) * وفي سندها ضعف، إلا أنه ذكر جماعة من الأصحاب أنه
يستقيم المصير إليها، إذ الظاهر أن الحلف إنما وقع على الوطء المحرم لا مطلقا،
ولو قصد التعميم روعي حال الرجحان وعدمه، وبني على ما مر من الأصول.
والحمد لله
* * *

(1) السرائر 3: 46.
(2) التهذيب 8: 292، الحديث 1082.
(3) كما في المختلف: ج 8 ص 148.
(4) النهاية 3: 49.
(5) الوسائل 16: 180، الباب 49 من أبواب الأيمان الحديث 1.
474

كتاب النذر والعهود
475

* (كتاب النذر والعهود) *
هو في اللغة الوعد بخير أو شر. وشرعا على ما في المهذب (1)
والدروس (2) وغيرهما: التزام الكامل المسلم المختار القاصد الغير المحجور
عليه بفعل أو ترك بقول " لله " - تعالى - ناويا القربة.
والأصل في مشروعيته ولزوم الوفاء - بعد إجماع الأمة المتحقق
المستفيض النقل في كلام جماعة - الآيات الكريمة.
قال سبحانه: " وليوفوا نذورهم " (3)، " وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم " (4)
والسنة المطهرة به مع ذلك مستفيضة.
منها - زيادة على ما أتى إليه الإشارة - النبوي (صلى الله عليه وآله): من نذر أن يطيع الله
تعالى فليطعه ومن نذر أن يعصي الله تعالى فلا يعصه (5).
* (والنظر) * في هذا الكتاب يقع * (في أمور أربعة) *:
* (الأول في الناذر) *
* (و) * اعلم أنه * (يعتبر فيه التكليف) * بالبلوغ، والعقل، والاختيار

(1) المهذب البارع 4: 133.
(2) الدروس 2: 149.
(3) الحج: 29.
(4) النحل: 91.
(5) سنن ابن ماجة 1: 687، الحديث 2126.
477

* (والإسلام، والقصد) * إلى مدلول الصيغة، فلا ينعقد نذر الصبي والمجنون
مطلقا، إلا في ذوي الأدوار حال إفاقته مع الوثوق بعقله، ولا المكره، ولا غير
القاصد كالعابث أو اللاعب بصيغته، ولا الكافر مطلقا، لتعذر القربة منه على
وجهها، وإن استحب له الوفاء به لو أسلم، للنبوي المتضمن لقوله (صلى الله عليه وآله): " أوف
بنذرك " بعد أن سأله عمر كنت نذرت اعتكاف ليلة في الجاهلية (1)، ولضعفه
حمل على الاستحباب. ولا خلاف في شئ من ذلك أجده، إلا في اعتبار
الإسلام فقد تأمل فيه السيد في الشرح (2)، وتبعه في الكفاية.
قال بعد نسبة الاعتبار إلى الشهرة وذكر تعليلهم المتقدم إليه الإشارة:
وفيه منع واضح، فإن إرادة التقرب ممكنة من الكافر المقر بالله تعالى (3).
ولا يخلو عن قوة إن لم يكن انعقد الإجماع على خلافه، كما هو الظاهر، إذ
لم أر مخالفا سواهما، والاحتياط لا يخفى.
* (ويشترط في) * صحة * (نذر المرأة إذن الزوج، وكذا في نذر المملوك) *
إذن المالك، بلا خلاف في الأخير، بل عليه الإجماع في صريح المدارك (4)،
مضافا إلى عموم أدلة الحجر عليه من الكتاب والسنة، وخصوص ما يأتي.
والمروي في الوسائل عن قرب الإسناد: أن عليا (عليه السلام) كان يقول: ليس
على المملوك نذر إلا أن يأذن له سيده (5)، وتردد في الكفاية (6) ولا وجه له
على المشهور بين الأصحاب سيما المتأخرين كما قيل في الأول (7)، استنادا إلى
خصوص الصحيح: ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق ولا صدقة ولا تدبير

(1) مسند أحمد بن حنبل 1: 37.
(2) نهاية المرام 2: 347.
(3) كفاية الأحكام: 228 س 29.
(4) المدارك 7: 94.
(5) الوسائل 16: 198، الباب 15 من أبواب النذر والعهد الحديث 2.
(6) كفاية الأحكام: 228 س 38.
(7) القائل الشهيد في المسالك 11: 310.
478

ولا هبة ولا نذر في مالها، إلا أن يأذن زوجها إلا في حج أو زكاة أو بر
والديها أو صلة رحمها (1). فتأمل.
مضافا إلى المعتبرين المتقدمين في اليمين، بناء على شيوع إطلاقها على
النذر في النصوص المستفيضة.
منها: ما وقع الإطلاق فيه في كلام الأئمة (عليهم السلام)، كالمعتبرين.
أحدهما الموثق بعثمان عن سماعة: لا يمين في معصية إنما اليمين الواجبة التي
ينبغي لصاحبها أن يفي بها ما جعل الله عليه في الشكر إن هو عافاه من مرضه
أو عافاه من أمر يخافه أو رد عليه ماله أو رده من سفره أو رزقه رزقا قال:
لله علي كذا وكذا شكرا فهذا الواجب على صاحبه أن يفي به (2).
والثاني: الخبر وليس في سنده سوى السندي بن محمد، وفيه: جعلت على
نفسي مشيا إلى بيت الله تعالى، فقال: كفر بيمينك فإنما جعلت على نفسك يمينا
فما جعلته لله تعالى فف به (3).
ومنها: ما وقع الإطلاق فيه في كلام الرواة مع تقرير الأئمة (عليهم السلام) لهم على
ذلك، وهو مستفيض.
منها الخبر: إن لي جارية ليس لها مني مكان وهي تحتمل الثمن إلا أني
كنت حلفت فيها بيمين فقلت: لله علي أن لا أبيعها أبدا ولي إلى ثمنها حاجة مع
تخفيف المؤنة، فقال: ف لله تعالى بقولك (4). ونحوه آخر (5).
وفي الثالث: عن الرجل يحلف بالنذور ونيته في يمينه التي حلف عليها

(1) الوسائل 16: 198، الباب 15 من أبواب النذر والعهد الحديث 1.
(2) المصدر السابق: 199، الباب 17 الحديث 4.
(3) المصدر السابق: 192، الباب 8 الحديث 4.
(4) الوسائل 16: 201، الباب 17 من أبواب النذر والعهد الحديث 11.
(5) الوسائل 16: 146، الباب 18 من أبواب الأيمان الحديث 5.
479

درهم أو أقل قال: إذا لم يجعله لله فليس بشئ (1).
وفي الرابع: إني كنت أتزوج المتعة فكرهتها وتشاءمت بها فأعطيت الله
تعالى عهدا بين الركن والمقام وجعلت علي في ذلك نذرا أو صياما أن لا
أتزوجها، ثم إن ذلك شق علي وندمت على يميني ولم يكن بيدي من القوة
ما أتزوج به في العلانية، فقال: عاهدت الله أن لا تطيعه والله لئن لم تطعه
لتعصينه (2).
هذا، مضافا إلى النصوص المتقدمة في اليمين الدالة على اشتراطها بالقربة،
ومنها الصحيحان.
ولا يمكن حمل اليمين فيها على ما قابل النذر، للإجماع ظاهرا ومحكيا - كما
مضى - على عدم اشتراطه بالقربة، فتكون محمولا على النذر الذي يشترط بها
اتفاقا فتوى ورواية، كما سيأتي إليه الإشارة، جمعا بين الأدلة.
وحيث ثبت إطلاق اليمين على النذر، فإما أن يكون على سبيل الحقيقة.
أو المجاز والاستعارة، وعلى التقديرين فدلالة المعتبرين على المقصود واضحة،
لكون النذر على الأول من جملة أفراد الحقيقة المنفية، وعلى الثاني مشاركا لها
في أحكامها الشرعية، ومنها انتفاؤها عند عدم إذن الثلاثة.
هذا، مضافا إلى التأيد بالاستقراء والتتبع التام الكاشف عن اشتراك النذر
واليمين في كثير من الأحكام، ولذا يقال: إنه في المعنى نفسها.
وبالجملة بملاحظة جميع ما ذكرنا يظهر الظن المعتمد عليه بصحة ما عليه
الأكثر.
ويستفاد منه مشاركة الولد للزوجة والمملوك في توقف نذره على إذن

(1) الوسائل 16: 183، الباب 1 من أبواب النذر والعهد الحديث 4.
(2) الوسائل 14: 444، الباب 3 من أبواب المتعة الحديث 1.
480

والده، كما صرح به العلامة في جملة من كتبه (1) والشهيد في الدروس (2).
فلا وجه لاقتصار العبارة ونحوه من عبائر الجماعة على ذكر الأولين خاصة،
كما لا وجه لاقتصار السيد في شرح الكتاب على المملوك (3)، لتطرق القدح
إلى ما زعمه من انحصار ما دل على إطلاق النذر على اليمين في بعض ما مر من
الأخبار وضعفه وقصور دلالته بأن الاستعمال أعم من الحقيقة بعدم الحصر،
لاستفاضة النص كما مر، وفيه ما هو معتبر السند بالصحة والموثقية مع احتمال
الضعف.
منها الانجبار بالشهرة التي اعترف بها، وأن مبنى الاستدلال ليس دعوى
ثبوت كون الإطلاق بعنوان الحقيقة خاصة ليرد ما ذكره، بل إما هي على
القول بها، أو ما قدمناه إليه الإشارة من كونه مجازا واستعارة يقتضي الشركة
مع الحقيقة فيما ثبت لها من الأحكام الشرعية.
ومنها عدم الصحة عند عدم إذن أحد من الثلاثة.
* (فلو (4) بادر أحدهما) * وكذا الولد بإيقاع النذر من دون إذن * (كان
للزوج والمالك) * والوالد * (فسخه) * وإبطاله * (ما لم يكن) * على * (فعل واجب
أو ترك محرم) * الكلام على ما يستفاد من هذه العبارة من بطلان النذر، لا
مانعية النهي عنه مطلقا حتى في فعل الواجب وترك المحرم، وفروعات المسألة
كما مر في اليمين، لاتحاد المأخذ.
* (ولا ينعقد) * النذر * (في سكر يرفع القصد) * إلى المدلول * (ولا في غضب
كذلك) * أي رافع للقصد، لما مر من اعتباره، وللخبر المعتبر المنجبر قصور

(1) الإرشاد 2: 90، والقواعد 1: 76 س 22.
(2) الدروس 2: 149.
(3) نهاية المرام 2: 348.
(4) في المتن المطبوع: ولو.
481

سنده باشتراك راويه برواية صفوان بن يحيى عنه.
وفيه: جعلت فداك إني جعلت لله علي أن لا أقبل من بني عمي - إلى أن
قال: - فقال: إن كنت جعلت ذلك شكرا فف به، وإن كنت إنما قلت ذلك من
غضب فلا شئ عليك (1).
* (الثاني) * في * (الصيغة) *
* (وهي) * قد تكون برا، وهو إما * (أن يكون شكرا) * على حدوث النعمة
* (كقوله: إن رزقت ولدا فلله علي كذا، أو استدفاعا) * للبلية * (كقوله: إن
برئ) * الله تعالى * (المريض فلله علي كذا) * ويسمى هذان نذرا مجازاة * (و) * قد
يكون * (زجرا كقوله: إن فعلت كذا من المحرمات أو إن لم أفعل كذا من
الطاعات فلله علي كذا أو تبرعا، كقوله: لله علي كذا) * من دون تعليق على
شرط وهذا من أقسام نذر البر أيضا.
* (ولا ريب) * ولا خلاف بين العلماء كافة، بل ادعى إجماعهم جماعة * (في
انعقاده) * ولزوم الوفاء به * (مع) * التعليق على * (الشرط) * واستجماعه
الشرائط المعتبرة وعمومات الكتاب والسنة وخصوصياتها على ذلك متفقة.
* (و) * إنما الريبة * (في انعقاد التبرع) * ففيه * (قولان) * بين الطائفة كالعامة
* (أشبههما) * وأشهرهما بيننا سيما المتأخرين، بل عن الخلاف (2) الإجماع عليه
* (الانعقاد) * عكس هؤلاء المردة، للإجماع المزبور المعتضد بالشهرة العظيمة،
وإطلاقات الكتاب والسنة، بناء على أن النذر المذكور فيهما حقيقة في الأعم
من المتبرع وغيره، إما مطلقا، أو في العرف خاصة، لوجود خواصها فيه أيضا
بلا شبهة، فيرجع إليه مطلقا ولو خالفته اللغة، لرجحانه عليها حيث حصل

(1) الوسائل 16: 205، الباب 23 من أبواب النذر والعهد الحديث 1.
(2) الخلاف 6: 191، المسألة 1.
482

بينهما معارضة، كما حقق في محله، مع أن مخالفتها له في المسألة محل مناقشة،
كما سيأتي إليه الإشارة.
هذا، مع أن النصوص الدالة على أحكام النذر غير مرتبة كلها لها
على لفظه، بل جملة منها رتبها على صيغة لله علي ونحوها من دون ذكر للفظ
النذر بالمرة.
ففي الصحيح: من جعل لله عليه أن لا يركب محرما سماه فركبه، فليعتق
رقبة، أو ليصم شهرين، أو ليطعم ستين مسكينا (1).
ونحوه الخبر: في العهد من جعل عليه عهدا لله تعالى وميثاقه في أمر الله
طاعته فحنث فعليه عتق أو صيام، الحديث (2).
وفي الصحيح: إن قلت: لله علي فكفارة يمين (3).
وفيه: فما جعلته لله تعالى فف به (4).
وفيه: ليس من شئ هو لله طاعة يجعله الرجل عليه إلا ينبغي له أن يفي،
الحديث (5).
وفي الموثق: رجل جعل على نفسه لله عتق رقبة فأعتق أشل - إلى أن
قال: - قال: فعليه ما اشترط وسمى (6). ونحوها الخبران المتقدمان في نذر عدم
بيع الجارية.
وهذه النصوص وإن احتملت التقييد بصورة التعليق إلا أنه فرع وجود
الدليل، وليس كما يأتي.

(1) الوسائل 16: 203، الباب 19 من أبواب النذر والعهد الحديث 1.
(2) المصدر السابق: 206، الباب 25 الحديث 2.
(3) الوسائل 15: 574، الباب 23 من أبواب الكفارات الحديث 1.
(4) المصدر السابق: الحديث 3.
(5) الوسائل 16: 200، الباب 17 من أبواب النذر والعهد الحديث 6.
(6) الوسائل 16: 27، الباب 23 من أبواب العتق الحديث 3.
483

ودعوى ورودها مورد الغالب وهو المعلق دون المطلق مردودة. كدعوى
ورودها لبيان حكم آخر غير الصيغة، فإن الدعويين لا تجريان إلا في نحو
المطلقات، وليس منها الأخبار المزبورة فإنها ما بين عامة لغة وعامة بترك
الاستفصال، لإفادته إياه على الأشهر الأقوى.
هذا، ويعضده ما مر من النصوص المطلقة لليمين على النذر المقتضية لذلك
اشتراكه معها في الأحكام، ومنها لزومها مطلقا فليكن النذر كذلك أيضا.
ولولا تخيل كون هذا الحكم من الأفراد النادرة غير المنساقة إلى الذهن عند
إطلاق أحكام اليمين لكانت هذه النصوص حجة أخرى مستقلة في المسألة، كما
كانت كذلك في المسألة السابقة، مع أن الظاهر فساد التخيل، فأخذها حجة
أولى من جعلها معاضدة.
فإذا هذا القول في غاية القوة.
خلافا للمرتضى (1) وابن زهرة (2)، فأبطلاه، للأصل. ويندفع بما مر.
والإجماع.
ويعارض بالمثل الذي هو أرجح بالشهرة، مع ظهور وهنه بعدم وجود
مفت بما ذكره سوى ابن زهرة (3). فكيف يكون دعوى مثل هذا الإجماع
مسموعة؟ وما نقل عن تغلب من أن النذر عند العرب وعد بشرط، والشرع
نزل بلسانهم.
والأصل عدم النقل، ويعارض بما نقل عنهم من أنه وعد بغير شرط
أيضا. ولو سلم فقد المعارض من اللغة واتفاق أهلها على ما ذكره يعارض
بالعرف المتقدم عليها، كما مر إليه الإشارة.
نعم ربما يستأنس له ببعض المعتبرة، كالصحيح: إذا قال الرجل: علي

(1) الإنتصار: 161.
(2) الغنية: 393.
(3) الغنية: 393.
484

المشي إلى بيت الله تعالى وهو محرم بحجة أو علي هدي كذا وكذا، فليس
بشئ حتى يقول: لله علي المشي إلى بيته، أو يقول لله علي هدي كذا وكذا إن لم
أفعل كذا وكذا (1). والموثق: عن رجل جعل عليه أيمانا أن يمشي إلى الكعبة أو
صدقة أو نذرا أو هديا إن كلم هو أباه أو أخاه أو ذا رحم أو قطع قرابة أو
مأثما يقيم عليه أو أمرا لا يصلح له فعله، فقال: لا يمين في معصية، إنما اليمين
الواجبة التي ينبغي لصاحبها أن يفي بها ما جعل لله عليه في الشكر إن هو
عافاه الله تعالى من مرضه أو عافاه من أمر يخافه أو رد عليه ماله أو رده من
سفره أو رزقه رزقا قال لله علي كذا وكذا شكرا، فهذا الواجب على صاحبه
ينبغي له أن يفي به (2).
ويمكن الذب عنهما بأن المقصود منهما بيان لزوم ذكر الله تعالى في النذر
وعدم تعلقه بالمحرم، لا لزوم التعليق كما يتوهم، فلا عبرة بمفهومهما وإن هما
حينئذ إلا كالمطلق المنساق لبيان حكم آخر غير محل الفرض.
هذا، مع احتمال ورود التعليق فيهما مورد الغالب، فإن الغالب في النذر ذلك
لا المطلق، مضافا إلى ما يقال في الصحيح: من كون الظاهر أن الشرط فيه
متعلق بالجملة الثانية خاصة.
وعليه فليس أيضا له على ما ذكر دلالة، بل فيه على القول المختار شهادة،
وأي شهادة؟!
وبالجملة فهذا القول ضعيف غايته، كالتوقف الظاهر من الفاضل في
الإرشاد (3) والشهيد في الدروس (4) والسيد في الشرح (5) وصاحب الكفاية (6).

(1) الوسائل 16: 182، الباب 1 من أبواب النذر والعهد الحديث 1.
(2) الوسائل 16: 199، الباب 17 من أبواب النذر والعهد الحديث 4.
(3) الإرشاد 2: 91.
(4) الدروس 2: 150.
(5) نهاية المرام 2: 349.
(6) كفاية الأحكام: 229 س 4.
485

لكنهما قربا الأول.
* (ويشترط) * في صحته * (النطق بلفظ الجلالة) * والقصد إلى معناه المعبر
عنه عندهم بالقربة * (فلو قال: علي كذا) * من غير أن يقصد القربة * (لم يلزم) *
بلا خلاف أجده، بل عليه الإجماع في كلام جماعة. وهو الحجة، مضافا إلى
النصوص المستفيضة.
منها - زيادة على المعتبرين المتقدمين حجة للسيد في المسألة السابقة
القريب من الصحيح -: ليس النذر بشئ حتى يسمي لله شيئا (1). ونحوهما
الخبر المنجبر ضعف راويه بدعوى الشيخ الإجماع على العمل بروايته.
وفيه: ليس بشئ حتى يسمي النذر فيقول: علي صوم لله، الخبر (2)
ومقتضى العبارة - كالمحكي عن الأكثر في الشرح للسيد (3) والكفاية (4) -
اعتبار خصوص لفظ الجلالة، ونسباه إلى مقتضى النصوص المزبورة.
وفيه مناقشة، فإن المراد من الله فيها بحكم سياقها والتأمل الصادق فيها
إنما هو ذاته المقدسة، لا خصوص هذه اللفظة، ولعله لذا أن شيخنا في الدروس
اكتفى بأحد أسمائه الخاصة (5). وهو في غاية القوة، كاحتمال انعقاد النذر بابدال
لفظ الجلالة بمرادفه من الألفاظ الغير العربية. وإن استشكلاه في الكتابين
المتقدم إلى ذكرهما الإشارة، إلا أن ظاهر الانتصار اعتبار خصوص اللفظة،
مدعيا عليه إجماع الإمامية (6).
ثم إن المستفاد من النصوص أنه يكفي في القربة ذكر لفظ الجلالة مع النية

(1) الوسائل 16: 183، الباب 1 من أبواب النذر والعهد الحديث 3.
(2) التهذيب 8: 303، الحديث 1126.
(3) نهاية المرام 2: 350.
(4) كفاية الأحكام: 229 س 18.
(5) الدروس 2: 149.
(6) الإنتصار: 161.
486

من غير اشتراط جعل القربة غاية بعد الصيغة، فلا يحتاج بعدها إلى قوله:
" قربة إلى الله " ونحوه، وبه صرح الشهيدان (1) وغيرهما.
خلافا لنادر فاشترطه (2). ووجهه مع ندرته غير واضح.
* (ولو اعتقد أنه إن كان كذا فلله تعالى علي كذا ولم يتلفظ بالجلالة) *
بل نواه في ضميره خاصة ففي انعقاده * (قولان، أشبههما) * وأشهرهما بين
المتأخرين، وفاقا للإسكافي (3) والحلي (4) * (أنه لا ينعقد) * للأصل، وأنه في
الأصل وعد بشرط أو بدونه، والوعد لفظي، والأصل عدم النقل، مضافا إلى
أنه المتبادر من النذر في العرف.
وعلى تقدير التنزل وتسليم عدم ثبوت اعتبار اللفظ فيه نقول لا أقل من
الشك في كونه بمجرد النية نذرا حقيقيا أمرنا بالوفاء به شرعا، ومعه لا يمكن
الخروج من الأصل القطعي السليم بحسب الظاهر عما يصلح للمعارضة، كما
سيأتي إليه الإشارة، سيما مع اعتضاده بظواهر النصوص المتقدمة، الدالة على
اعتبار التلفظ بالجلالة.
وإنما لم نتخذها حجة لاحتمال كون المراد بها اشتراط قصد القربة خاصة،
لا اشتراط الصيغة، ويظهر ذلك من سياقها بلا شبهة، وإنما ذكر التلفظ
والتسمية تبعا للنذور الغالبة، حيث إنها ملفوظة لا منوية، ولعله لهذا لم يستدل
بها شيخنا في الروضة، مع أنه استدل بها في المسالك (5)، وتبعه عليه من بعده
جماعة منهم سبطه في الشرح (6) وصاحب الكفاية (7).

(1) الدروس 2: 150، والروضة 3: 39.
(2) فوائد الشرائع: 244 (مخطوط).
(3) كما في المختلف: ج 8 ص 195.
(4) السرائر 3: 58.
(5) المسالك 11: 316.
(6) نهاية المرام 2: 350.
(7) كفاية الأحكام: 229 س 11.
487

والقول الآخر للشيخين (1) والقاضي (2) وابن حمزة (3). واستدل لهم في
الروضة بالأصل (4). ولا أصل له. وبعموم الأدلة، وهو فرع صدق النذر على
المتنازع بعنوان الحقيقة. وقد ظهر لك ما فيه من المناقشة. وبقوله (صلى الله عليه وآله) إنما
الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى (5)، وإنما للحصر، والباء للسببية، فدل
على حصر السببية، وهو فيها فرع كون المسبب هو وجوب الأعمال بها
لا صحتها أو كمالها. ولم يثبت، بل الظاهر العكس، كما يستفاد من استدلال
العلماء على احتياج الأعمال صحة أو كمالا إلى النية بالقول المزبور.
ولم يستدل أحد به، لوجوبها بها، ولذا أن بعض من وافق على هذا القول
رد هذا الدليل.
فقال - بعد التنظر فيه -: إذ لا كلام في اعتبار النية، وإنما الكلام في
الاكتفاء بها، وبأن اللفظ في العقود إنما اعتبر ليكون دالا على الإعلام بما في
الضمير، والعقد هنا مع الله تعالى العالم بالسرائر (6).
وهو حسن إن وجد ما يدل على لزوم الوفاء بمطلق العقد بحيث يشمل
مثل هذا، وليس، إذ ليس هنا سوى ما يدل على لزوم الوفاء بالنذر، والمتيقن
منه - كما عرفت - ليس إلا النذر الملفوظ لا المنوي. فاعتبار اللفظ ليس
للإعلام بما في الضمير، بل لقصر الحكم المخالف للأصل على المتيقن من الدليل.
وبالجملة فهذا القول ضعيف، كالتوقف الظاهر من المختلف (7) والمهذب (8)
والدروس (9) والروضة (10).

(1) المقنعة: 563، والنهاية 3: 53.
(2) المهذب 2: 409.
(3) الوسيلة: 350.
(4) الروضة 3: 44.
(5) الوسائل 7: 7، الباب 2 من أبواب وجوب الصوم الحديث 12.
(6) مفاتيح الشرائع 2: 30، مفتاح 472.
(7) المختلف: ج 8 ص 195.
(8) المهذب البارع 4: 137.
(9) الدروس 2: 150.
(10) الروضة 3: 44.
488

* (وإن كان الإتيان به أفضل) * حذرا عن شبهة الخلاف، والتفاتا إلى أن
المنذور لا بد أن يكون طاعة، كما سيجئ بيانه قريبا، وفعلها حسن مطلقا.
* (وصيغة العهد أن يقول: عاهدت الله) * تعالى أنه * (متى كان كذا فعلي
كذا) *.
ومقتضى هذه العبارة كعبارته في الشرائع عدم وقوعه إلا مشروطا (1).
والأقوى وقوعه مطلقا أيضا، وفاقا للمحكي عن الفاضل في جملة من كتبه (2)
والشيخ في الخلاف مدعيا عليه الإجماع (3)، لإطلاق الكتاب والسنة بلزوم
الوفاء به، بناء على صدقه على المتبرع به حقيقة عرفا ولغة.
قال سبحانه: " أوفوا بعهدي أوف بعهدكم " (4).
وقال تعالى: " والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه " (5) الآية.
وفي الخبرين: عن رجل عاهد الله تعالى في غير معصية إن لم يف بعهده،
قال: يعتق رقبة أو يتصدق بصدقة أو يصوم شهرين متتابعين (6).
وفي آخر: من جعل عليه عهدا لله تعالى وميثاقه في أمر الله طاعة فحنث،
فعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا (7).
* (وينعقد نطقا) * إجماعا.
* (وفي انعقاده اعتقادا قولان، أشبههما) * وأشهرهما * (أنه لا ينعقد) *
كالنذر، والخلاف هنا كالخلاف فيه، والمختار المختار، والدليل الدليل.
* (ويشترط فيه القصد) * إلى المدلول * (كالنذر) * لاتحاد الدليل.

(1) الشرائع 3: 193.
(2) القواعد 2: 44، والإرشاد 2: 96.
(3) الخلاف 6: 192، المسألة 1.
(4) البقرة: 40.
(5) الرعد: 25.
(6) الوسائل 16: 206، الباب 25 من أبواب النذر والعهد الحديث 1.
(7) المصدر السابق: الحديث 2.
489

* (الثالث في متعلق النذر) *
أي الملتزم بصيغته.
* (وضابطه ما كان طاعة لله) * تعالى مأمورا بها وجوبا أو استحبابا،
فلا ينعقد نذر المحرم والمكروه مطلقا إجماعا، كما في الانتصار (1) والروضة (2)،
لقولهم (عليهم السلام): لا نذر في معصية (3). وكذا المباح مطلقا، تساوى طرفاه أم ترجح
دينا أو دنيا في ظاهر إطلاق العبارة هنا وفي الشرائع (4) والإرشاد (5) وغيرهما
من كتب الأصحاب، وفي المسالك عزاه إلى المشهور (6)، بل في ظاهر المختلف
في مسألة نذر صوم أول يوم من رمضان الإجماع عليه، حيث قال - بعد
اختيار جوازه ردا على المبسوط والحلي -: للإجماع منا على أن النذر إنما
ينعقد إذا كان النذر طاعة بأن يكون واجبا أو مندوبا، إلى آخر ما ذكره (7).
وهو الحجة، مضافا إلى النصوص المتقدمة، الدالة على اشتراط القربة، ولا
تحصل إلا فيما إذا كان متعلق النذر طاعة.
خلافا للدروس، فحكم بانعقاده مطلقا إذا لم يكن مرجوحا (8)،
للخبرين المتقدمين: في الجارية حلف منها بيمين فقال: لله علي أن لا أبيعها،
فقال: ف لله بنذرك (9).
وفيهما قصور من حيث السند، فلا عمل عليهما، سيما في مقابلة تلك

(1) الإنتصار: 162.
(2) الروضة 3: 42.
(3) الوسائل 16: 199، الباب 17 من أبواب النذر والعهد الحديث 2 و 3.
(4) الشرائع 3: 186.
(5) الإرشاد 2: 91.
(6) المسالك 11: 318.
(7) المختلف: ج 8 ص 207.
(8) الدروس 2: 149.
(9) الوسائل 16: 201، الباب 17 من أبواب النذر والعهد الحديث 11: والآخر 16: 146،
الباب 18 من أبواب كتاب الأيمان الحديث 5.
490

النصوص المعتبرة المعتضدة بالشهرة، مع احتمالهما الضعف في الدلالة، لعدم
الصراحة باحتمال اختصاصهما بصورة رجحان ترك بيع الجارية، بحيث يحصل
معه نية القربة.
وترك الاستفصال في الجواب وإن كان يأباه إلا أنه لا يوجب الصراحة،
بل غايته الظهور في العموم، وهو يقبل التخصيص بتلك الصورة، جمعا بينهما
وبين ما مر من المستفيضة.
ولا مسرح عن هذا الجمع ولا مندوحة، لاستلزام تركه والعمل بهما طرح
تلك المستفيضة مع ما هي عليه من الاعتبار سندا وعملا، والاستفاضة،
والاعتضاد بالشهرة جدا، والصراحة التي معها لا يمكن حملها على ما يجتمع
معهما.
هذا، مع أنهما تضمنا لزوم الوفاء بالنذر مع رجحان تركه للحاجة، وهو
مناف لما ذكره جماعة من جواز المخالفة في هذه الصورة، بل في المختلف في
مسألة موردهما عن الحلي أنه نفى الخلاف فيه بين أصحابنا الإمامية (1)، وبه
رد على القاضي والنهاية في عملهما بمضمون الروايتين المتقدم إليهما الإشارة.
ولا ريب فيما ذكره، للإجماع المحكي في كلامه، مضافا إلى بعض المعتبرة الواردة
في النذر كلما كان ذلك فيه منفعة في دين أو دنيا فلا حنث عليك فيه (2).
ويعضده ما ورد بنحوه في اليمين، بناء على اشتراك النذر معها غالبا، واقتضاء
إطلاقها عليه اشتراكهما في الأحكام، كما مضى.
ولللمعة، ففصل بين المشروط فالأول والتبرع فالثاني، مع تخصيص
المباح بالراجح دينا أو دنيا (3).

(1) المختلف: ج 8 ص 192.
(2) الوسائل 16: 199، الباب 17 من أبواب النذر والعهد الحديث 1.
(3) اللمعة: 49.
491

ولا وجه له وإن نسبه في شرحها إلى المشهور (1).
ولا يذهب عليك ما بين نسبة هذا إليهم في هذا الكتاب ونسبة القول
الأول إليهم في الكتاب الأول من التنافي، ووافقه في النسبة الثانية خالي العلامة
المجلسي طاب ثراه (2)، ولم يظهر للعبد وجه صحة لها، بل الذي يظهر من تتبع
كلمات القوم هو صحة النسبة الأولى (3).
وهنا قول رابع حكاه جماعة، وهو كالثالث، إلا أنه أطلق فيه جواز نذر
المباح في الشق الثاني، وقال: بصحته مطلقا ولو كان متساوي الطرفين.
ولم أقف على قائله، مع أنه ضعيف كسابقه.
نعم يمكن اختيار الصحة في المباح الراجح دينا إذا كان راجعا إلى الطاعة،
كما إذا قصد به التقوي على العبادة، ومنع النفس عن الشهوات المهلكة،
لرجوعه إلى قصد القربة.
ويشترط فيه أيضا كونه " مقدورا للناذر " بلا خلاف، لاستحالة التكليف
بالممتنع مطلقا.
والمراد بمقدوريته صلاحية تعلق القدرة منه به عادة في الوقت المضروب
له، فعلا كان، أو قوة، فإن كان وقته معينا اعتبرت فيه، وإن كان مطلقا فالعمر.
واعتبرنا ذلك مع كون المتبادر من كلامهم القدرة الفعلية، لأنها غير
مرادة لهم كما صرحوا به كثيرا، لحكمهم بأن الناذر للحج العاجز عنه بالفعل
الراجي للقدرة ينعقد نذره ويتوقعها في الوقت، فإن خرج وهو عاجز بطل.
وكذا الناذر للصدقة بمال وهو فقير، ونحو ذلك.
وإنما خرجوا بالقيد الممتنع عادة كنذر الصعود إلى السماء، أو عقلا كالكون

(1) الروضة 3: 42.
(2) ملاذ الأخيار 14: 83.
(3) في " م، ش " زيادة: مع رجحان المباح دينا أو دنيا.
492

في غير الحيز والجمع بين الضدين، أو شرعا كالاعتكاف جنبا مع القدرة على
الغسل. وهذا القسم يمكن دخوله في كونه طاعة أو مباحا، فيخرج بهذا القيد،
أو به وبالأول أيضا.
* (و) * يتفرع على القيد أنه * (لا ينعقد) * النذر * (مع العجز) * من الناذر عن
المنذور مطلقا * (ويسقط) * التكليف به عنه * (لو تجدد) * له * (العجز) * عنه بعد
قدرته عليه ابتداء.
وفي الخبر - المنجبر ضعفه بصفوان وعمل الأعيان -: من جعل لله شيئا
فبلغ جهده فليس عليه شئ (1).
وظاهره - كالعبارة ونحوها من عبائر الجماعة - عدم لزوم شئ عليه من
حنث أو كفارة. لكن في الصحيح: كل من عجز عن نذر نذره فكفارته كفارة
يمين (2).
وفي الخبر: رجل يجعل عليه صياما في نذر ولا يقوى، قال: يعطي من
يصوم عنه في كل يوم مدين (3).
وظاهرهما لزوم كفارة. وقد قدمنا الكلام عليهما في بحث الكفارات،
فليطلب ثمة، ويأتي الكلام على نحوهما أيضا إن شاء الله تعالى.
* (والسبب) * أي الشرط المعلق عليه النذر المشروط * (إذا كان طاعة لله
وكان النذر) * المعلق عليها * (شكرا لزم) * النذر * (ولو كان) * النذر * (زجرا) *
عنها * (لم يلزم و) * الأمر * (بالعكس لو كان السبب معصية) * فيلزم لو كان النذر
زجرا عنها، ويبطل لو كان شكرا على فعلها. ولا خلاف في شئ من ذلك.

(1) الوسائل 16: 193، الباب 8 من أبواب النذر والعهد الحديث 5.
(2) الوسائل 15: 575، الباب 23 من أبواب الايلاء والكفارات الحديث 5.
(3) الوسائل 16: 195، الباب 12 من أبواب النذر والعهد الحديث 1.
493

والوجه فيه أن الشكر على الطاعة طاعة والزجر عنها معصية، كما أن
الزجر عن المعصية طاعة والشكر عليها معصية، فلو قال: إن حججت فلله
تعالى علي كذا وقصد الشكر انعقد، ولو قصد الزجر يبطل، وبالعكس لو قال:
إن زنيت فلله علي كذا انعقد لو قصد به الزجر، ويبطل لو قصد به الشكر.
ويعلم من ذلك أن صيغتي الشكر والزجر واحدة، وإنما يتميزان بالقصد
والنية.
ولا يخفى أن سبب النذر قد لا يكون طاعة ولا معصية كالشفاء من
المرض وحصول الولد مثلا اتفاقا فتوى ورواية، والمعتبر فيه صلاحيته لتعلق
الشكر به.
* (ولا ينعقد) * النذر * (لو قال: لله علي نذر واقتصر عليه) * بلا خلاف
ظاهر، لعدم ذكر متعلقه، وللمعتبرين المتقدمين.
في أحدهما القريب من الصحيح: عن رجل قال: علي نذر، قال: ليس
النذر بشئ حتى يسمي شيئا لله صياما أو صدقة أو هديا أو حجا (1).
ونحوه الثاني: عن الرجل يقول: علي نذر، قال: ليس بشئ حتى يسمي
النذر فيقول: علي صوم لله أو صدقة أو يعتق أو يهدي هديا (2).
* (وينعقد لو قال) *: لله تعالى * (علي قربة) * بلا خلاف، لاجتماع شرائطه
التي من جملتها ذكر المتعلق، وهو فعل القربة.
* (ويبرأ) * أي يمتثل * (بفعل) * كل * (قربة) * مطلقا * (ولو) * كان * (صوم يوم
أو صلاة ركعتين) * ونحوهما من وجوه القرب، كعيادة المريض، وإفشاء
السلام، والتسميت، ونحو ذلك.

(1) الوسائل 16: 182، الباب 1 من أبواب النذر والعهد الحديث 2.
(2) المصدر السابق: الحديث 3.
494

وفي الاجتزاء بمفردة الوتر قولان، أجودهما ذلك، وفاقا للحلي (1)
وجماعة، لأنها من حيث انفرادها عن ركعتي الشفع بتكبيرة وتسليمة عندنا
صلاة مستقلة، فيشملها عموم قوله (عليه السلام): " الصلاة خير موضوع " (2).
خلافا للشيخين (3) وابني بابويه (4) والقاضي (5) والشهيد في الدروس (6)،
للنهي في النبوي: عن البتراء، المفسر في النهاية الأثيرية بأن يوتر بركعة
واحدة (7)، وللخبر: عن رجل نذر ولم يسم شيئا، قال: إن شاء صلى ركعتين،
وإن شاء صام يوما، وإن شاء تصدق برغيف (8).
وفيهما قصور من حيث السند بالضعف والدلالة بعدم الصراحة، لإجمال
البتراء في الرواية الأولى غير ما بني عليه الاستدلال مما في النهاية، وهو
المحكي فيها عن بعض في تفسيره من أنه هو الذي شرع في ركعتين فأتم
الأولى وقطع الثانية، وعدم إفادة اقتصاره (عليه السلام) في الرواية الثانية على الركعتين
المنع عن الركعة الواحدة، ألا ترى إلى اقتصاره (عليه السلام) في الصدقة على الرغيف،
والحال أنه لا يجب فيها، بل يجوز أقل منه قطعا.
فالمراد منها بيان نوع ما يتحقق به امتثال النذر المطلق، لا مقداره. فتدبر.
مع شذوذهما في الظاهر.
فالأولى: بأن النهي فيها عن البتراء على تفسير النهاية المبني عليه الحجة
على إطلاقه غير مستقيم إلا على مذهب العامة، الناهين عنها مطلقا ولو كان

(1) السرائر 3: 69.
(2) الوسائل 3: 518، الباب 42 من أبواب الصلاة الحديث 1.
(3) المقنعة: 564، والنهاية 3: 54.
(4) نقله عنهما في المختلف: ج 8 ص 197.
(5) المهذب 2: 412.
(6) الدروس 2: 151.
(7) النهاية لابن الأثير 1: 93 وفيها: " البتيراء ".
(8) الوسائل 16: 185، الباب 2 من أبواب النذر والعهد الحديث 3.
495

ركعة الوتر، بناء على إيجابهم وصلها بركعتي الشفع وجعلها كصلاة المغرب، أما
على مذهبنا من تعين انفصالها عنهما بتسليمة فلا بد من تقييد الرواية بما
عداها، أو التقية، ويشهد له كون الرواية من العامة. وعلى التقديرين لم يثبت
النهي فيها عن ركعة الوتر في الشريعة. وتقييدها بصورة النذر خاصة مجازفة
محضة، لا يرتكبها ذو مسكة.
والثانية: بأن المذكور فيها أنه نذر ولم يسم شيئا حتى القربة، فتخرج عن
موضوع المسألة، وتدخل في المسألة الأولى، وقد حكموا فيها ببطلان النذر من
أصله. وتقدير القربة ونحوها فيها خلاف الأصل، لا داعي على ارتكابه.
وبالجملة فالاستناد إلى الروايتين لا وجه له من وجوه متعددة، ولعله لهذا
لم يستند إليهما السيد في الشرح (1) وصاحب الكفاية (2) على هذا القول، مع
ميلهما إليه، وإنما استندا فيه إلى النصوص الدالة على أن الوتر اسم للركعات
الثلاث، لا لخصوص المفردة. ومشروعية فعلها على الانفراد غير ثابتة.
وفي هذا الاستناد أيضا مناقشة، فإن مبناه على عدم ثبوت شرعيتها
مفردة، وهو ممنوع لما عرفت من كونها عندنا صلاة مستقلة، فيشملها عموم
الرواية السابقة، ولذا أن الشهيد في الدروس خص ما ذكره من عدم الاجتزاء
بها بصورة ما إذا نذر صلاة وأطلق، أما لو قيدها بركعة واحدة، قال: الأقرب
الانعقاد (3)، ونحوه الشهيد الثاني في المسالك، حيث خص محل النزاع بتلك
الصورة، قال: ولو صرح في نذره أو نوى أحد هذه الأمور المشروعة فلا
إشكال في الانعقاد (4) وصرح قبل ذلك بثبوت مشروعية ركعة الوتر، فقال
في تعليل المنع بالاجتزاء بها: والركعة نادرة، إذ لم تشرع إلا في الوتر (5). فتأمل.

(1) نهاية المرام 2: 353.
(2) كفاية الأحكام: 229 س 28.
(3) الدروس 2: 151.
(4) المسالك 11: 352 و 351.
(5) المسالك 11: 352 و 351.
496

هذا، ولا ريب أن الأحوط عدم الاجتزاء بها مع نذر الصلاة مطلقة
لا مقيدة بركعة الوتر، أما مع التقييد بها بل مطلق الركعة الواحدة فينعقد،
ويلزم الإتيان بها بلا شبهة.
* (ولو نذر صوم حين كان) * اللازم * (عليه صوم ستة أشهر ولو قال) *: لله
علي أن أصوم * (زمانا كان) * اللازم * (عليه صيام خمسة أشهر) * لرواية
السكوني فيهما: في رجل نذر أن يصوم زمانا، قال: الزمان خمسة أشهر والحين
ستة أشهر، لأن الله تعالى يقول: تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها (1)، ورواية أبي
الربيع في الأول: عن رجل قال: لله علي أن أصوم حينا وذلك في شكر،
فقال (عليه السلام): قد أتي علي (عليه السلام) في مثل هذا فقال: صم ستة أشهر، فإن الله يقول
وذكر الآية، معقبا لها بقوله: يعني ستة أشهر (2).
ولا خلاف في الحكمين أجده إلا من المسالك (3) وسبطه (4)، فيظهر منهما
نوع مناقشة فيهما، لقصور سند الروايتين، مع صدق اللفظين، كالوقت في
العرف واللغة على القليل والكثير، فيحصل الامتثال بصوم يوم.
وهو حسن لولا عدم الخلاف بين الأصحاب، الذي كاد أن يلحق
بالإجماع، كما يظهر منهما ومن غيرهما، بل في الانتصار الإجماع عليه (5)، مع أن
السكوني وإن ضعف في المشهور إلا أنه ادعى الشيخ إجماع العصابة على
قبول روايته (6)، وكذلك أبو الربيع وإن جهل حاله كخالد بن حريز الراوي
عنه إلا أن رواية الحسن بن محبوب عنهما جبرت قصورهما، لدعوى إجماع
العصابة على تصحيح ما يصح عنه (7).

(1) الوسائل 7: 284، الباب 14 من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 2.
(2) المصدر السابق: الحديث 1.
(3) المسالك 11: 350.
(4) نهاية المرام 2: 354.
(5) الإنتصار: 160.
(6) عدة الأصول 1: 380.
(7) الكشي: 556، الرقم 1050.
497

* (ولو نذر الصدقة بمال كثير كان ثمانين درهما) * بلا خلاف ظاهر في
أصل العدد حتى من الحلي (1)، بل عليه في ظاهر المسالك (2)، وصريح
التنقيح إجماعنا (3). وهو الحجة، مضافا إلى الخبرين.
أحدهما الحسن: عن رجل مرض فنذر لله شكرا إن عافاه الله تعالى أن
يتصدق من ماله بشئ كثير ولم يسم شيئا فما تقول؟ قال: يتصدق بثمانين
درهما، فإنه يجزئه، وذلك بين في كتاب الله تعالى، إذ يقول لنبيه (صلى الله عليه وآله): " لقد
نصركم الله في مواطن كثيرة " الكثير في كتاب الله تعالى ثمانون (4).
ونحوه الثاني المرسل، المتضمن لفتوى مولانا الهادي (عليه السلام) في قصة المتوكل
لما نذر الصدقة بمال كثير إن عوفي من مرضه، فقال له الفقهاء أقوالا مختلفة،
فأفتاه (عليه السلام) بالثمانين (5) معللا بالآية (6).
ولكن لم يقيدها بالدراهم، ولذا اختلفوا في التقييد بها أو غيره على
أقوال، فبين من قيده بها كالماتن هنا وفي الشرائع (7) وفاقا للشيخين (8)
والديلمي (9) والقاضي (10)، وبين من أطلقه كالصدوقين (11) ومن ردها إلى
المتعامل به درهما أو دينارا كالحلي (12)، ومن فصل بين نذر المال المطلق
فالأول والمقيد بنوع فالثمانون منه كالفاضل في المختلف (13)، وللدروس تفصيل
آخر بين النذر به من ماله فالأول والنذر بمال كثير بقول مطلق فالتوقف (14)،

(1) السرائر 3: 61.
(2) المسالك 11: 362.
(3) التنقيح 3: 521.
(4) الوسائل 16: 186، الباب 3 من أبواب النذر والعهد الحديث 2.
(5) المصدر السابق: الحديث 1.
(6) التوبة: 25.
(7) الشرائع 3: 190.
(8) المقنعة: 564، والنهاية 3: 57.
(9) المراسم: 186.
(10) المهذب 2: 411.
(11) نقله عنهما في المختلف: ج 8 ص 186.
(12) السرائر 3: 61.
(13) المختلف: ج 8 ص 188.
(14) الدروس 2: 155، الدرس 151.
498

ونزل الأقوال على هذه الصورة.
ولعل ما عدا القولين الأولين شاذ، وبشذوذ ما عليه الحلي صرح في
المسالك (1). والقاعدة تقتضي رجحان القول الأول، لاعتبار سند مستنده، مع
صراحة دلالته بالتقييد، الموجب لحمل إطلاق المرسل مع ضعف سنده عليه.
* (ولو نذر عتق كل عبد) * له * (قديم) * في ملكه * (أعتق من له ملكه ستة
أشهر فصاعدا) * وقد مضى الكلام في المسألة في كتاب العتق مستوفى، فلا
نعيده ثانيا.
ثم إن * (هذا) * الحكم الذي ذكره في هذه المسائل الأربع إنما هو فيما * (إذا لم
ينو شيئا) * آخر * (غيره) * أي غير ما ورد الشرع به ولو نوى اتبع ما نواه
قطعا ولو كان لما ورد به الشرع مخالفا، ولعله لا خلاف فيه أيضا. وإطلاق
النصوص منزل على غير هذه الصورة جدا.
* (ومن نذر) * شيئا * (في سبيل الله تعالى صرفه في) * وجوه * (البر) * من
الصدقة ومعونة الحاجين والزائرين وطلبة العلم وعمارة المساجد ونحو ذلك،
لأن السبيل لغة الطريق، فسبيل الله طريق ثوابه الموصل إليه، فيتناول كلا من
الأمور المذكورة ونحوها من وجوه القربة. وللشيخ (رحمه الله) قول في المسألة مضى
الإشارة إليه، وإلى تمام الكلام فيها في كتاب الوقف، فليطلبها ثمة.
* (ولو نذر الصدقة ب‍) * جميع * (ما يملكه) * في الحال * (لزم) * الوفاء به ما لم
يضر بحاله في الدين أو الدنيا، لرجحان الصدقة في حد ذاتها مع عدم ما
يوجب لمرجوحيتها في فرضنا * (فإن) * فرض وجوده بأن تضربه دينا أو دنيا
و * (شق) * عليه الوفاء به * (قومه) * على نفسه * (وأخرج) * منه في مصرف
الصدقات * (شيئا فشيئا حتى يوفي) * كما قطع به الأصحاب واعترف به جماعة

(1) المسالك 11: 362.
499

منهم مؤذنين بدعوى الإجماع عليه. وهو الحجة، مضافا إلى الرواية
الصحيحة الصريحة في ذلك، وهي طويلة (1).
ولولاهما لأشكل الحكم بانعقاد هذا النذر، لمرجوحيته الموجبة لعدم
انعقاده بمقتضى القواعد المتقدمة، الدالة على أن متعلقه لا بد أن يكون طاعة.
ومثل هذا النذر المستعقب للضرر ليس منها بلا شبهة، إلا أنه بعد وجود
الرواية الصحيحة المعتضدة بفتوى الأصحاب كافة - كما اعترف به الجماعة -
لا مسرح عنه ولا مندوحة.
فاستشكال السيد في الشرح (2) لا وجه له، كفتوى المفاتيح
بالاستحباب (3)، مع أنه شاذ.
وهل يلحق بمورد النص ما خرج عنه من النذر ببعض المال مع خوف
الضرر فاندفاعه بالتقويم للمشاركة في المقتضي وكون كل فرد من أفراد ماله
على تقدير نذر الجميع منذور الصدقة، أم لا لخروجه عن الأصول والقواعد
المتقدمة فيقتصر على مورد الرواية؟ وجهان، أجودهما الثاني عند الشهيد
الثاني (4)، ولعل الأول أظهر، للفحوى، بناء على أن النذر بجميع المال أضر من
النذر ببعضه فلزوم الوفاء به يستلزم لزومه فيه بطريق أولى، إلا أن اللازم من
هذا إنما هو ثبوت الانعقاد لا جواز التقويم والإخراج شيئا فشيئا.
واعلم أن مورد الإشكال هو نذر التصدق بعين المال، أما لو كان المقصود
به نذر التصدق به عينا أو قيمة وقلنا أن النذر المطلق لا يقتضي التعجيل - كما
هو الأقوى - فلا إشكال في انعقاده قطعا، إذ لا مخالفة فيه للقواعد أصلا.

(1) الوسائل 16: 197، الباب 14 من أبواب النذر والعهد الحديث 1.
(2) نهاية المرام 2: 356.
(3) مفاتيح الشرائع 2: 37، مفتاح 479.
(4) المسالك 11: 367.
500

* (الرابع في اللواحق) *
* (وهي مسائل) *:
* (الأولى: لو نذر) * أن يصوم * (يوما معينا فاتفق) * له فيه * (السفر) *
الشرعي الذي يجب فيه القصر * (أفطر) * ذلك اليوم * (وقضاه. وكذا لو مرض
أو حاضت المرأة أو نفست) * بلا خلاف في وجوب الإفطار في الجميع.
إلا من المفيد في أحد قوليه (1)، والمرتضى في الأول (2)، فلم يجوزاه، إما
لاختصاص الصوم الممنوع منه في السفر برمضان كما عليه الأول، أو استثناء
المقام منه.
وهما شاذان، وبالمعتبرة المستفيضة عموما وخصوصا المعتضدة بفتوى
الأصحاب كافة عداهما محجوجان.
منها الصحيح: ليس من البر الصيام في السفر (3).
والموثق: عن امرأة جعلت عليها نذرا إن رد الله عليها بعض ولدها من
شئ كانت تخافه عليه أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه ما بقيت فخرجت
معنا مسافرة إلى مكة فأشكل علينا لمكان النذر أتصوم أم تفطر؟ قال: لا
تصوم، وضع الله عز وجل عنها حقه، وتصوم هي ما جعلت على نفسها؟
قلت: فما ترى إذا رجعت إلى المنزل أتقضيه؟ قال: لا، قلت: أفتترك ذلك؟ قال:
لا، إني أخاف أن ترى في الذي نذرت فيه ما تكره (4).
وتمام التحقيق في المقام وبيان ما دل على الحكم في الثلاثة الأخيرة يطلب
من كتاب الصوم.

(1) المقنعة: 566.
(2) الإنتصار: 67.
(3) الوسائل 7: 126، الباب 4 من أبواب من يصح الصوم منه الحديث 11.
(4) المصدر السابق: 139، الباب 10 الحديث 3.
501

وكذا في وجوب القضاء في ظاهر العبارة والمختلف (1) والمسالك (2)، حيث
لم يجعلوه محل الخلاف، وقطعوا به من غير إشكال، وجعله السيد في الشرح
مقطوعا به بين الأصحاب مؤذنا بدعوى الإجماع عليه (3)، كما صرح به في
الخلاف في المرض (4). وهو الحجة، مضافا إلى النصوص.
منها الصحيح: رجل نذر أن يصوم يوما معينا من الجمعة دائما ما بقي
فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو يوم جمعة أو أيام التشريق أو
سفر أو مرض هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه أو كيف يصنع يا سيدي؟
فكتب (عليه السلام): قد وضع الله تعالى الصيام في هذه الأيام كلها، ويصوم يوما بدل
يوم (5). ونحوه رواية أخرى في سندها جهالة (6).
ونحوها ثالثة في قصور السند بالجهالة: عن رجل جعل على نفسه نذرا
صوما فحضرته نية في زيارة أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: يخرج ولا يصوم في
الطريق فإذا رجع قضى ذلك (7).
وقصورهما بالجهالة كالأولين بالإضمار والمكاتبة مجبور بعمل الطائفة، مع
أنه لا قدح بالأخيرين في مثل الخبرين في الحجية كما برهن في محله.
وكذا تضمن الرواية الأولى سقوط الصوم يوم الجمعة المخالف لما عليه
الأصحاب كافة غير قادح، إذ ليست إلا كالعام المخصص وهو في الباقي حجة،
مع أن نسخة الكافي (8) المروية هذه الرواية عنها كذلك في التهذيب (9)

(1) المختلف: ج 8 ص 209.
(2) المسالك 11: 345.
(3) نهاية المرام 2: 358.
(4) الخلاف 6: 198، المسألة 10.
(5) الوسائل 16: 194، الباب 10 من أبواب النذر والعهد الحديث 1.
(6) الوسائل 7: 139، الباب 10 من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 2.
(7) المصدر السابق: الحديث 5.
(8) الكافي 7: 456، الحديث 12.
(9) التهذيب 4: 234، الحديث....
502

عن هذه الزيادة خالية.
فلا إشكال في المسألة بحمد الله سبحانه، وإن اختصت الروايات الثلاث
بمن عدا الحائض والنفساء، وعارضتها في النذر الموثقة المتقدمة وغيرها
المصرحة بعدم لزوم القضاء بعد أن سئل عنه، لسهولة الذب عن الأول بعدم
القائل بالفصل، وعن الثاني بعدم التكافؤ في الموثق من حيث السند والعمل
والعدد، مع خلو نسخة الكافي المروية فيه في هذا الكتاب عن ذلك سؤالا
وجوابا.
وأما التردد في الروايات بحسب الدلالة كما في الكفاية (1) فوجهه غير
واضح، إلا على تقدير عدم رجوع الجمل الخبرية إلى الانشائية، أو عدم إفادة
الأمر الوجوب في عرف الأئمة (عليهم السلام)، وهما بمحل من الضعف والشذوذ، كما
برهن عليه مستقصى في الأصول.
* (ولو شرط صومه) * أي اليوم المنذور * (سفرا) * أو سفرا * (وحضرا
صام) * وجوبا مطلقا * (وإن اتفق في السفر) * بلا خلاف كما في السرائر (2).
ولعله كذلك، إذ لا يظهر إلا من الماتن في كتاب الصوم من هذا الكتاب
والمعتبر، حيث نسبه إلى الأشهر.
واستضعف ما دل عليه من الخبر (3): نذرت أن أصوم كل يوم سبت فإن
أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب (عليه السلام) وقرأته: لا تتركه إلا من علة،
وليس عليك صومه في سفر ولا مرض، إلا أن تكون نويت ذلك، الحديث (4).
وفيه نظر، لصحة السند وعدم ضعف بالكتابة والإضمار كما مر، مع أنه

(1) كفاية الأحكام: 229 س 36.
(2) السرائر 3: 60.
(3) المعتبر 2: 684.
(4) الوسائل 7: 139، الباب 10 من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 1.
503

على تقديره فهو بالعمل قد انجبر، فلا بأس بالعمل به، وإن اشتمل على ما لم
يقل به أحد من مساواة المرض للسفر في وجوب الصوم ولو معهما إذا كان
كذلك قد قصد، وإن هو حينئذ إلا كالعام المخصص الذي هو حجة في الباقي.
نعم ربما يستشكل فيه باستفاضة النصوص بالنهي عن الصوم في السفر
بقول مطلق، فيكون نذره كذلك نذرا في معصية فلا ينعقد، لاستفاضة النص
واتفاق الفتاوى على ذلك جدا.
اللهم إلا أن يذب عن ذلك بتخصيص النهي بغير النذر المعين بالنص
فليس نذره نذرا في معصية. فتدبر.
ولا ريب أن الأحوط عدم إيقاع النذر على هذا الوجه.
* (ولو اتفق) * اليوم الذي نذر صومه * (يوم عيد أفطر) * إجماعا، كما في
ظاهر العبارة وصريح الشرائع (1) وجماعة، والنصوص به مع ذلك مستفيضة:
منها الصحيح ونحوه المتقدمتين قبيل المسألة.
* (وفي) * وجوب * (القضاء تردد) * واختلاف.
فبين من قال به كالصدوق (2) والشيخ في النهاية (3) وموضع من
المبسوط (4) وابن حمزة (5)، لورود الأمر به في تينك الروايتين المتقدمتين.
ومن قال بالعدم كالشيخ في موضع آخر من المبسوط (6) والقاضي (7)
والحلبي (8) والحلي (9) والماتن في الشرائع (10) والفاضل في المختلف (11) ونسبه
في الكفاية (12) إلى الشهرة، لقصور الروايتين سندا بالضعف والمكاتبة، ودلالة

(1) الشرائع 3: 188.
(2) المقنع: 137.
(3) النهاية 3: 56.
(4) المبسوط 1: 281 و 282.
(5) الوسيلة: 350.
(6) المبسوط 1: 281 و 282.
(7) المهذب 2: 411.
(8) الكافي في الفقه: 185.
(9) السرائر 3: 60.
(10) الشرائع 3: 188.
(11) المختلف: ج 8 ص 185.
(12) كفاية الأحكام: 229 س 37.
504

بمنافاة وجوب القضاء لتعليقه بالمشيئة بأن المختصة بالمحتمل لا المحقق،
فليحملا على الاستحباب.
وفيه نظر، لانجبار قصور الأول بما مر، والثاني بأن الظاهر كون هذا
التعليق للتبرك لا للشك، مع أن المندوب مساو للواجب في المشيئة، ولذا
استدلوا بهما على ما اتفقوا عليه مما مر مع وحدة الجواب المتضمن للمحذور
عنه وعن محل الفرض.
فإذا القول الأول أظهر، مع أنه أحوط.
* (ولو عجز عن صومه أصلا) * بعذر لا يكاد يرجى زواله مطلقا * (قيل) *
كما عن الأكثر: أنه * (سقط) * عنه صومه ولا كفارة عليه، للأصل، وما مر في
مسألة تجدد العجز من الرواية المعتبرة، الدالة على أن من جعل لله شيئا فبلغ
جهده فليس عليه شئ (1).
* (و) * لكن * (في رواية) * بل روايات عديدة * (أنه يتصدق عنه) * أي عن
اليوم المنذور * (بمد) * من حنطة أو تمر كما في الصحيح (2)، أو " شعير " بدل
" تمر " كما في الخبر (3)، ونحوهما خبر آخر، لكن اقتصر فيهما على " الحنطة "
خاصة (4).
وقصور سند أكثرها وعدم مقاومتها أجمع لما مر من الأصل والخبر
المنجبر به وبمن في سنده وعمل الأكثر - مع صراحته في نفي الوجوب دونها
لظهورها فيه - أوجب حملها على الاستحباب، سيما مع شذوذها، وعدم

(1) الوسائل 16: 193، الباب 8 من أبواب النذر والعهد الحديث 5.
(2) الوسائل 7: 286، الباب 15 من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 3.
(3) الوسائل 7: 285، الباب 15 من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1.
(4) الوسائل 16: 195، الباب 12 من أبواب النذر والعهد الحديث 2.
505

قائل بها، ولا مائل إليها، عدا الشهيد كما حكي عنه (1) والسيد في الشرح (2)،
حيث إن ظاهره ذلك، لصحة سند بعضها، وخلوها بزعمه عن المعارض
أصلا، وكأنه غفل عن الخبر الذي قدمناه. وظاهر العبارة ما ذكرنا من عدم
وجود قائل بها.
نعم مر في بحث الكفارة فتوى الماتن والشيخ في النهاية (3) بوجوب هذه
الصدقة لكن بمدين.
والروايات كما ترى خالية عن ذكرهما، لاقتصارها على المد الواحد،
فتكون شاذة، كالصحيح الدال على أن كل من عجز عن نذر نذره فكفارته
كفارة يمين (4)، والخبر الدال على التصدق بالمدين على من يصوم عنه (5)، لخلو
فتواهما عن القيد الأخير فيه (6). فلا يمكن أن يجعل مستندا لهما.
فإذا القول بالاستحباب أقوى.
ويعضده اعتضادا تاما زيادة على ما مضى اختلاف هذه النصوص
المتضمنة للكفارة جدا، فبين ما جعلت فيه كفارة يمين، وما جعلت فيه صدقة
بمد من طعام (7)، وما جعلت فيه صدقة بمدين من حنطة خاصة كما في
بعضها (8)، أو شعير أيضا كما في بعضها، أو تمر كما في غيرهما.
هذا، مع عدم استقامة معنى للكفارة الحقيقة هنا، لأنها لتكفير الذنب

(1) حكاه عنه الشهيد في المسالك 11: 393.
(2) نهاية المرام 2: 361.
(3) النهاية 3: 66 و 67.
(4) الوسائل 15: 575، الباب 23 من أبواب الكفارات الحديث 5.
(5) الوسائل 16: 195، الباب 12 من أبواب النذر والعهد الحديث 1.
(6) لا توجد في " م، ش ".
(7) الوسائل 7: 287، الباب 15 من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 7.
(8) الوسائل 15: 567، الباب 14 من أبواب الكفارات الحديث 10.
506

وستره ولا ذنب هنا أصلا، إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
هذا، ولا ريب أن التصدق بالمد بل المدين أحوط وأولى.
* (الثانية: ما) * أي النذر الذي * (لم يعين بوقت يلزم الذمة مطلقا) * ووقته
تمام العمر لا يتضيق إلا بظن الوفاة كسائر الواجبات الموسعة، لإطلاق الأمر
* (وما قيد بوقت) * يمكن أداؤه فيه * (يلزم) * الإتيان به * (فيه) * عملا بمقتضى
النذر * (ولو أخل) * بما لزمه في المسألتين * (لزمته الكفارة) * المتقدم بيانها في
بحثها. ولا خلاف في شئ من ذلك فتوى وحجة.
* (و) * أما * (ما علقه بشرط ولم يقرنه بزمان ف‍) * فيه * (قولان) *:
* (أحدهما) *: أنه * (يتضيق فعله عند) * حصول * (الشرط) * ونسبه جماعة
إلى ابن حمزة (1) خاصة، والفاضل المقداد إلى الشيخ وأتباعه (2). ولم أقف على
من وافقه على هذه النسبة، بل ظاهر الجماعة خلافها.
وكيف كان حجة هذا القول غير واضحة إلا على القول بإفادة الأمر
الفورية، أو لزومها بآيتي الأمر بالاستباق والمسارعة (3)، وهما ضعيفان غايته،
كما برهن عليه في محله.
* (و) * القول * (الآخر) *: أنه * (لا يتضيق) *، بل هو كالنذر المطلق موسع،
لما مر من إطلاق الأمر * (و) * لذا كان * (هو أشبه) * وأشهر، بل عليه عامة من
تأخر، بل يستفاد من المختلف التردد من مخالفة ابن حمزة، حيث احتمل إرادته
من الفورية التي حكم بها فورية تعلق الوجوب لا الأداء الراجعة إلى القول
الأول. وهو غير بعيد عن عبارته المحكية فيه، حيث نفى فيها وجوب الكفارة
بالإخلال بالفورية، فقال: لزمه بعد الحكم بالفورية فإن لم يفعل لم يلزمه

(1) الوسيلة: 350.
(2) التنقيح 3: 525.
(3) البقرة: 148 وآل عمران: 133.
507

الكفارة إلا بموته (1). فتأمل.
* (الثالثة: من نذر الصدقة في مكان معين أو الصوم أو الصلاة) * فيه أو
* (في وقت معين لزم) * المنذور بشخصه * (ولو فعل ذلك في غيره أعاد) * مطلقا
أيا ما كان من هذه الثلاثة، بلا خلاف أجده إلا من الشيخ (2) وجماعة في
الصوم في مكان معين، فأوجبوا الصوم وأسقطوا القيد وخيروه بينه وبين
غيره، نظرا إلى أن الصوم لا يحصل له بإيقاعه في مكان دون آخر صفة زائدة
على كماله في نفسه، فإذا نذر الصوم في مكان معين انعقد الصوم خاصة،
لرجحانه دون الوصف، لخلوه عن المزية.
ويضعف بعد تسليم خلو المكان عن المزية أن النذر لم يتعلق بمطلق الصوم
نطقا ولا قصدا وإنما تعلق بالصوم المخصوص الواقع في المكان المعين، فمتى قلنا
بانعقاد نذره لم يحصل الامتثال بدون الإتيان به على ذلك الوجه، وإلا لم يجب
الوفاء به مطلقا، أما صحة النذر وجواز الإتيان بالمنذور في غير ذلك المكان
فلا وجه له أصلا.
هذا، مع أنه أخص من المدعى، لاختصاصه بالمكان الذي ليس له مزية
أصلا. وأما ذو المزية فلم يجر فيه هذا الدليل قطعا، ولذا أن جملة ممن تبعه على
التخيير قيدوه بغير ذي المزية وحكموا فيه بلزومه، مدعيا بعضهم الإجماع
عليه (3)، لكن ظاهره تنزيل الخلاف حتى من الشيخ على غيره.
وكيف كان لا ريب في ضعفه مطلقا، لما مضى.
وحاصله أن المنذور وإن كان مباحا أو مرجوحا بالخصوصية إلا أنه
من حيث كونه فردا من المطلق الراجح عبادة بل المطلق لا وجود له إلا في

(1) المختلف: ج 8 ص 209.
(2) النهاية 1: 412.
(3) الإيضاح 4: 59.
508

ضمن فرد خاص، فإذا تعلق النذر به انحصرت الطاعة فيه، كما تنحصر
عند الإتيان بها في متعلقاتها، فلا يجزئ غيرها، مع أن فتح باب المنع في مثله
يؤدي إلى عدم تعيين شئ بالنذر أصلا، وهو باطل اتفاقا، ويوجب فساد ما
حكموا به من غير خلاف، بل ادعى بعضهم عليه الوفاق من تعين الوقت
للصلاة إذا عينه (1).
وكذا المكان في التصدق وأنه لو تعلق بعبادة مخصوصة لا يجزئ غيرها
وإن كان أفضل منها، ونحو ذلك، وليس ذلك إلا لبطلان العذر المتقدم لعدم
لزوم المكان المعين، وإن زيد في تعين المكان في التصدق بأنه يرجع إلى تعيين
أهله فهو في قوة تعيين المتصدق عليه.
ولكن فيه نظر، لمنع التلازم، لصدق الامتثال بالتصدق به في المكان المعين
على غير أهله. فأين التلازم؟ إلا أن يدعى دلالة عرف الناذر عليه.
* (الرابعة: لو نذر إن برئ مريضه أو قدم مسافره فبان البرء أو القدوم (2)
قبل النذر لم يلزم) * لأن الظاهر الإلزام بالمنذور إن حصل هذا الشرط بعد
النذر، فلا يجب بدونه، ويشهد له الصحيح: عن رجل وقع على جارية له
فارتفع حيضها وخاف أن يكون قد حملت فجعل لله تعالى عتق رقبة أو صوم
أو صدقة إن هي حاضت وقد كانت الجارية طمثت قبل أن يحلف بيوم أو
يومين وهو لا يعلم، قال: ليس عليه شئ (3). ونحوه (4) غيره.
* (الخامسة: من نذر إن رزق ولدا حج به أو حج عنه) * انعقد نذره
إجماعا، لأنه طاعة مقدورة للناذر فينعقد، وللحسنة الآتية.

(1) المسالك 11: 354.
(2) في المتن المطبوع: والقدوم.
(3) الوسائل 16: 188، الباب 5 من أبواب النذر والعهد الحديث 2.
(4) المصدر السابق: الحديث 1.
509

ومقتضى هذه الصيغة على ما صرح به جماعة تخيير الناذر بين أن يحج
بالولد وبين أن يستنيب من يحج عنه، فإن اختار الثاني نوى النائب الحج
عن الولد، عملا بمقتضى النذر، وإن أحج الولد نوى عن نفسه إن كان مميزا،
وإلا أجزأ الوالد إيقاع صورة الحج به، كما لو صحبه في الحج تبرعا.
ولو أخر الوالد الفعل إلى أن بلغ الولد، فإن اختار الحج عنه لم يجزه
عن حجة الإسلام، وإن أحجه أجزأه عنها، لأن ذلك بمنزلة الاستطاعة بالبذل
المنذور.
* (ثم) * لو * (مات) * الوالد قبل أن يفعل أحد الأمرين * (حج به) * الوصي
أو من في حكمه * (أو عنه من أصل التركة) * بغير خلاف يظهر، وبه صرح
بعض (1)، لأنه حق مالي تعلق بتركته فيجب قضاؤه منها.
قيل: وللحسن القريب من الصحيح، سيما مع اشتمال سنده على الحسن بن
محبوب المجمع على تصحيح روايته وفيه بعد السؤال عن مورد المسألة،
قال (عليه السلام): إن رجلا نذر لله عز وجل في ابن له إن هو أدرك أن يحجه أو يحج
عنه فمات الأب وأدرك الغلام بعد فأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك الغلام فسأله عن
ذلك، فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يحج عنه مما ترك أبوه (2).
وفي الاستناد إليه لإثبات الحكم في محل الفرض إشكال، لم أر من تنبه له،
فإن المفروض حصول الشرط المعلق عليه النذر الموجب لإخراجه من أصل
التركة، إما مطلقا كما في ظاهر إطلاق العبارة والمحكي في شرح الكتاب للسيد
عن أكثر الجماعة (3)، أو بشرط تمكن الناذر من فعل المنذور في حياته كما

(1) نهاية المرام 2: 364.
(2) الوسائل 16: 198، الباب 16 من أبواب النذر والعهد الحديث 1.
(3) نهاية المرام 2: 363.
510

صرح به جده في المسالك (1)، والحال أن ما في الرواية عدم حصول الشرط
الذي هو الادراك إلا بعد الوفاة، ومعه لم يشتغل ذمة الناذر بالمنذور جدا.
فلا وجه لإخراجه من تركته أصلا، لأنه فرع تعلقه بذمته حال حياته،
ليصير دينا عليه يجب إخراجه منها أولا.
اللهم إلا أن يكون تعبدا محضا، لكنه فرع وجود القائل به، وليس لاتفاق
الفتاوى بتصوير المسألة بنحو ما قدمناه، ولذا استدل عليها بما أسلفناه أولا،
ومع ذلك فيه إشكالات أخر. ولكن يسهل الذب عنها بنوع من التوجيهات.
فإذا الدليل على الحكم إنما هو ما قدمناه أولا، مضافا إلى عدم الخلاف
فيه الظاهر والمصرح به، لكن مقتضاه بمعونة القاعدة الأصولية اختصاص
الحكم بصورة تمكن الناذر من المنذور في حال الحياة كما في المسالك، لا مطلقا
كما عن أكثر الأصحاب.
ولو مات الولد قبل أن يفعل الوالد أحد الأمرين يقضى الحج عنه، سواء
كان قبل تمكنه من الحج بنفسه، أم لا، لأن النذر لم ينحصر في حجة حتى
يعتبر تمكنه في وجوبه.
نعم لو كان موته قبل تمكن الأب من أحد الأمرين احتمل السقوط كما
عن الدروس (2)، لفوات متعلق النذر قبل التمكن منه، لأنه أحد الأمرين.
والثاني منهما غير أحدهما الكلي والعدم، لأن الحج عنه متعلق النذر أيضا،
وهو ممكن.
واشتراط القدرة على جميع الأفراد المخير بينها في وجوب أحدها ممنوع،
وإن هو حينئذ إلا كما لو نذر الصدقة بدرهم من دراهمه، فإن متعلقه أمر كلي،
وهو مخير في الصدقة بأيها شاء.

(1) المسالك 11: 335.
(2) الدروس 1: 318، الدرس 83.
511

ولو فرض ذهابها إلا درهما واحدا وجب الصدقة به، ولعله أحوط،
بل وأجود، وفاقا للمسالك (1).
* (السادسة: من جعل دابته) * أو عبده * (أو جاريته هديا لبيت الله) *
تعالى، فإن قصد مصرفا معينا تعين، وإن أطلق * (بيع ذلك وصرف ثمنه في
معونة الحاج والزائرين) * للمعتبرة.
منها الصحيح المروي كذلك في التهذيب في باب الزيادات من كتاب الحج:
عن رجل جعل ثمن جاريته هديا للكعبة كيف يصنع؟ قال: إن أبي أتاه رجل
قد جعل جاريته هديا للكعبة فقال له: مر مناديا يقوم على الحجر فينادي
ألا من قصرت به نفقته أو قطع به أو نفذ طعامه فليأت فلان بن فلان، فأمره
أن يعطي أولا فأولا حتى يتصدق بثمن الجارية (2). والخبران.
في أحدهما: جاء رجل إلى أبي جعفر (عليه السلام) فقال: إني أهديت جارية
فأعطيت بها خمسمائة دينار فما ترى؟ قال: بعها ثم خذ ثمنها ثم قم على حائط
الحجر ثم ناد واعط كل منقطع به وكل محتاج من الحاج (3).
وفي الثاني: إن قوما قد أقبلوا من مصر فمات رجل منهم فأوصى بألف
درهم للكعبة فسأل أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) عن ذلك، فقال له: إن الكعبة
غنية عن هذا انظر إلى من أم هذا البيت فقطع به أو ذهبت نفقته أو ضلت
راحلته أو عجز أن يرجع إلى أهله فادفعها إلى هؤلاء الذين سميت لك (4).
وقصورهما بالجهالة مجبور بأن في سند كل منهما من أجمعت على
تصحيح ما يصح عنه العصابة، وهو أبان في الأول، وحماد بن عيسى في الثاني،

(1) المسالك 11: 336.
(2) التهذيب 5: 440، الحديث 1529.
(3) الوسائل 9: 354، الباب 22 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 8.
(4) المصدر السابق: الحديث 6.
512

مع أنهما معتضدان كالصحيحة بالشهرة العظيمة، التي لا يوجد لها مخالف،
بل الظاهر من الماتن في الشرائع (1) وغيره الإجماع عليه، لكن في الثلاثة
المذكورة دون غيرها من نحو الأمتعة والأقمشة، حيث جعله خاصة موردا
للخلاف في صحة نذر إهداء غير النعم وفساده.
إلا أن الظاهر من بعض المتأخرين عدم الفرق بينه وبين الثلاثة في تحقق
الخلاف المزبور فيهما، حيث قال: ولو نذر اهداء غير النعم، قيل: صرف ثمنه في
معونة الحاج أو الزائرين كما في الصحيح الوارد في إهداء الجارية، وفيه قول
بالبطلان، لما ورد فيمن قال: أنا أهدي هذا الطعام أنه ليس بشئ إنما يهدي
البدن (2)، وفي الصحيح: ليس بشئ إن الطعام لا يهدى (3) انتهى (4).
وهو كما ترى ظاهر في عدم الفرق الذي ذكرنا.
وكيف كان فالقول بالبطلان في الثلاثة على تقدير وجوده فيها ضعيف
غايته، لصراحة النصوص المتقدمة في صحتها مع سلامتها عن المعارض، عدا
مفهوم الحصر في أولى الروايتين الأخيرتين، وهو مع مخالفته الإجماع - كما
صرح به في المسالك (5) - مردود بضعف الرواية الدالة عليه سندا ومكافأة،
لما مضى من النصوص من وجوه شتى.
واختصاص الخبرين الأولين منها بالجارية غير ضائر، بعد ثبوت التعدي
إلى أخويها من الإجماع في المسالك (6). والرواية الثالثة المتضمنة للعلة
العامة الموجبة لتلك التعدية وتعدية أخرى هي إلحاق المشاهد المشرفة

(1) الشرائع 3: 191.
(2) الوسائل 16: 183، الباب 1 من أبواب النذر والعهد الحديث 3.
(3) الوسائل 16: 188، الباب 4 من أبواب النذر والعهد الحديث 1.
(4) مفاتيح الشرائع 2: 32، مفتاح 473.
(5) المسالك 11: 373 و 374.
(6) المسالك 11: 373 و 374.
513

والضرائح المقدسة ببيت الله سبحانه في حكم المسألة، ونسب التعديتين في
التنقيح (1) إلى الأصحاب، مشعرا بدعوى الإجماع عليهما. ومع ذلك لم يخص
التعدية الأولى بإلحاق أخرى الجارية خاصة بها، بل عمم التعدية إلى غيرها،
بحيث يشمل ما عداهما مما جعله الماتن في الشرائع (2) محل الخلاف.
وتعميمها كذلك غير بعيد لولا الصحيحة الأخيرة، لما مر من الرواية
المعتبرة المعللة، مع تصريحها بصحة النذر باهداء الدراهم التي ليست من
الثلاثة، مع أنه أحوط في الجملة.
* (السابعة: روى إسحاق بن عمار) * في الموثق به: * (عن أبي إبراهيم (عليه السلام)
في رجل كانت عليه حجة الإسلام فأراد أن يحج فقيل له تزوج ثم حج فقال:
إن تزوجت قبل أن أحج فغلامي حر فبدأ بالنكاح) * قبل أن يحج * (فقال (عليه السلام):
تحرر الغلام) * فقلت له: لم يرد بعتقه وجه الله تعالى؟ فقال: إنه نذر في طاعة الله
والحج أحق من التزويج وأوجب عليه منه، قلت: إن الحج تطوع، قال: إن
كان تطوعا فهو طاعة لله عز وجل قد أعتق غلامه (3).
وأفتى بمضمونها في النهاية (4) كما في التنقيح (5).
* (وفيه إشكال) * لا من حيث السند - كما قيل - لكونه من الموثق مع
تضمنه صفوان المجمع على تصحيح رواياته، بل من حيث المتن. لتضمنه أولا:
الحكم بلزوم العتق مع أن اللفظ لا يقتضي الالتزام به لخلوه عن صيغة النذر
والعهد واليمين. وثانيا: أن المملوك إنما يتحرر بصيغة العتق، فإذا نذر صيرورته
حرا فقد نذر أمرا ممتنعا فحقه أن يقع باطلا (6).

(1) التنقيح 3: 527.
(2) الشرائع 3: 191.
(3) الوسائل 16: 191، الباب 7 من أبواب النذر والعهد الحديث 1.
(4) النهاية 3: 55 و 56.
(5) التنقيح 3: 528.
(6) قاله في نهاية المرام 2: 366.
514

اللهم * (إلا) * أن يذب عن الأول: بأن المراد بذلك اللفظ الإخبار عن
الصيغة المقتضية للالتزام، ويشهد له قوله (عليه السلام): إنه نذر في طاعة الله تعالى
لا أن هذا اللفظ هو الملزم.
وعن الثاني: ب‍ * (أن يكون) * المراد أنه جعل العتق فيما بعد * (نذرا) * يعني
نذر أنه يعتقه إن تزوج، فإنه حينئذ يصح النذر ويجب العتق وحصل التحرير
به، ولعل المراد بقوله: " فغلامي حر " أنه حيث صار منذور العتق فكأنه قد
صار حرا لأن ما له الحرية. كذا بين وجه الإشكال مع الجواب وظني دلالة
الرواية على لزوم العتق المعلق على الشرط، وقد مر في بحثه أنه مذهب
العامة، فيمكن حملها على التقية، سيما مع كون الرواية عن مولانا الكاظم (عليه السلام)،
وقد كانت التقية في زمانه في غاية الشدة. وربما يعضده سياق الرواية، فتدبره
تجده.
* (الثامنة: روى رفاعة) * في الصحيح: * (عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل نذر
الحج ولم يكن له مال فحج عن غيره أيجزئ عن نذره؟ فقال: نعم) * (1).
وقد أفتى بها أيضا في النهاية (2).
* (وفيه) * أيضا * (إشكال) * من حيث إن نذر الحج مطلقا يوجب استقراره في
ذمة الناذر فيفتقر إيقاعه إلى نية وقصد، لما تقرر في افتقار كل عبادة إلى ذلك،
وحجه عن غيره ليس فيه قصد الحج عن نفسه بذلك الوجه الذي في ذمته،
فلا يقع مجزئا، كما ذهب إليه القاضي (3) والأكثر. وهو الأظهر، عملا بالقاعدة
المعتمد عليها المعتضدة بعملهم.
فلا تعارضها الرواية وإن كانت صحيحة، فلتطرح، أو تؤول بما يؤول

(1) الوسائل 16: 204، الباب 21 من أبواب النذر والعهد الحديث 1.
(2) النهاية 3: 61.
(3) المهذب 2: 412.
515

إليها، بأن تحمل إما على صورة العجز عن المنذور واستمراره كما في
المختلف (1)، أو على ما أشار إليه الماتن بقوله: * (إلا أن يقصد ذلك بالنذر) * أي
يقصد في نذره الحج المطلق الشامل لحجه عن نفسه وغيره، فإن ذلك لا
يوجب تعين الحج في ذمته عن نفسه، بل أعم من الأمرين.
وحينئذ لو حج عن غيره فقد أتى بالمنذور على وجهه، لأنه أحد
الأمرين الواجبين على التخيير بمقتضى نذره.
* (التاسعة: قيل) * والقائل الشيخ في النهاية (2) وتبعه القاضي (3): إنه * (من
نذر أن لا يبيع خادما) * له * (أبدا لزمه الوفاء) * به * (وإن احتاج إلى ثمنه) *
حاجة ضرورية * (وهو استناد إلى رواية) * بل روايتين مضى الكلام عليهما
في بحث اشتراط كون المنذور طاعة مستقصى، ووصف الماتن لها بكونها
* (مرسلة) * غير واضح، كما صرح به جماعة، لأنها مسندة ضعيفة لا مرسلة.
اللهم إلا أن يريد بالإرسال الإضمار فيصح ما قاله، لأن إحداهما وإن
كانت عن أبي الحسن (عليه السلام) مروية إلا أن الأخرى في باب أقسام الأيمان من
الاستبصار (4) مضمرة مروية. وإطلاق الإرسال على الإضمار شائع فلا
اعتراض على الماتن.
* (العاشرة) *: اختلف الأصحاب: في أن * (العهد) * هل هو * (كاليمين يلزم
حيث تلزم) * فينعقد على المباح المتساوي الطرفين وما لم يعلق على شرط، أم
كالنذر فلا يلزم إلا على الطاعة والمعلق على شرط؟
الأصح الأول، وفاقا للماتن هنا وفي الشرائع (5) والفاضل في الإرشاد (6)

(1) المختلف: ج 8 ص 208.
(2) النهاية 3: 60.
(3) المهذب 2: 412.
(4) الاستبصار 4: 43، الحديث 148.
(5) الشرائع 3: 193.
(6) الإرشاد 2: 96.
516

وشيخنا في المسالك (1)، عملا بالعمومات الدالة على لزوم الوفاء به من
الآيات (2)، وتقييدها بما إذا كان متعلقه طاعة ومشروطا يحتاج إلى دلالة هي
في المقام مفقودة، كما سيأتي إليه الإشارة.
خلافا للشيخ في النهاية (3) والشهيد في الدروس (4) واللمعة (5) وتبعه في
الروضة (6) فالثاني.
وحجتهم عليه غير واضحة عدا أصالة براءة الذمة فيما عدا المتفق عليه،
ومفهوم الرواية من جعل عليه عهدا لله تعالى وميثاقه في أمر طاعة فحنث
فعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا (7)،
والأولى مخصصة بما مر من عموم الأدلة، والرواية ضعيفة، لتخصيصها غير
صالحة، ومع ذلك بمثلها معارضة.
وفيه: عن رجل عاهد الله تعالى في غير معصية ما عليه إن لم يف بعهده؟
قال: يعتق رقبة، أو يتصدق بصدقة، أو يصوم شهرين متتابعين (8).
فعلق الكفارة على العهد في غير معصية (9) الشامل للمباح والمكروه وما
هو خلاف الأولى من المباح، إلا أن الأخيرين خارجان بالإجماع، كما في
المسالك (10)، فيبقى الأول.
نعم ربما أيد ما ذكروه بعض النصوص الواردة في العهد على ترك المتعة
الظاهرة في ترادفه مع النذر (11) وكون كفارته كفارة النذر على الأشهر

(1) المسالك 11: 396.
(2) المائدة: 1، والنحل 91.
(3) النهاية 3: 54.
(4) الدروس 2: 157.
(5) اللمعة: 49.
(6) الروضة 3: 48.
(7) الوسائل 16: 206، الباب 25 من أبواب النذر والعهد الحديث 2.
(8) المصدر السابق: الحديث 1.
(9) في " م ": المعصية.
(10) المسالك 11: 395.
(11) الوسائل 14: 444، الباب 3 من أبواب المتعة الحديث 1.
517

الأظهر، لكنهما غير صالحين لتخصيص العموم، سيما مع قصور سند الأول.
ويظهر ثمرة الخلاف فيما مر وتوقفه على إذن من يعتبر إذنه على القول
الأول دون الثاني إن قلنا بعدم توقف النذر على إذنهم، وإلا فلا ثمرة هنا، كما لا
ثمرة فيما مر من المقامين أيضا إن قلنا بانعقاد النذر في المباح المتساوي الطرفين
والمتبرع به الغير المعلق على شرط، كما هو الأظهر. ولكن الأولان خلافه،
فيتحقق فيهما الثمرة.
* (ولو تعلق) * العهد * (بما الأعود) * الأنفع * (مخالفته دينا أو دنيا خالف) *
ذلك * (إن شاء (1)، ولا كفارة) * عليه بلا خلاف ظاهرا. ووجهه واضح لثبوت
الحكم في اليمين والنذر إجماعا فتوى ونصا. وهو لا يخلو من أحدهما إجماعا،
فليكن الحكم فيه أيضا ثابتا.
* * *

(1) في المتن المطبوع زيادة: ولا إثم.
518