الكتاب: الحدائق الناضرة
المؤلف: المحقق البحراني
الجزء: ١٩
الوفاة: ١١٨٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك:
ملاحظات:

الحدائق الناضرة
في
أحكام العترة الطاهرة
تأليف
العالم البارع الفقيه المحدث الشيخ يوسف البحراني قدس سره
المتوفى سنة 1186 هجرية
الجزء التاسع عشر
مؤسسة النشر الاسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
1

الكتاب: الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة (ج 19)
المؤلف: العالم البارع الفقيه المحدث الشيخ يوسف البحراني (قدس سره)
الناشر: مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين ب‍: قم المشرفة
المطبوع: 2000 نسخة
2

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الفصل الثاني في الخيار
والكلام هنا يقع في أقسامه وأحكامه، فالواجب بسط ذلك في مقامين:
الأول في أقسامه، فبعضهم عدها خمسة، وآخر سبعة، وثالث ثمانية، وأنهاها رابع
إلى أربعة عشر قسما، ونحن نذكر الثمانية الدائرة في كلام الأكثر إن شاء الله
(تعالى) ونبين ما دلت عليه الأدلة الشرعية من أحكامها، وما لم يقم عليه دليل
والله (سبحانه) الهادي إلى سواء السبيل، والموفق للنجاة من مهاوي الضلال
والتضليل.
فنقول: ينبغي أولا أن يعلم أن مقتضى البيع اللزوم، قال في التذكرة: والأصل
في البيع اللزوم، لأن الشارع قد وضعه مفيدا لنقل الملك من البايع إلى المشتري
والأصل الاستصحاب، وكون الغرض تمكن كل من المتعاقدين من التصرف فيما
صار إليه، وإنما يتم باللزوم ليأمن من نقض صاحبه عليه، وإنما يخرج عن أصله
بأمرين: أحدهما ثبوت الخيار، والثاني ظهور عيب في أحد العوضين انتهى وهو
3

جيد، ويدل على اللزوم الكتاب أو السنة، نحو قوله (تعالى) (1) " أوفوا بالعقود "
وأخبار (2) " المؤمنون عند شروطهم " ونحوها وحينئذ فيجب الوقوف على مقتضى
هذه القاعدة حتى يقوم الدليل على الخروج عنها في بعض الموارد، وهي ما ذكروه
في هذا المقام من الخيار، ونحن نذكر أقسامه واحدا واحدا، معطين البحث فيها حقها
من التحقيق، مستمدين الإعانة ممن بيده التوفيق.
الأول خيار المجلس
هكذا اشتهر التعبير عن هذا النوع في ألسنة الفقهاء، قال في المسالك: إضافة
هذا الخيار إلى المجلس، إضافة إلى بعض أمكنته، فإن المجلس موضع الجلوس،
وليس بمعتبر في تحقق هذا الخيار، بل المعتبر فيه مكان العقد مطلقا، أو في معناه (3)
والأصل فيه قوله النبي صلى الله عليه وآله (4) " البيعان بالخيار ما لم يفترقا " وهو
أوضح دلالة من عبارة الفقهاء. انتهى.
أقول: والظاهر أن التسمية خرجت بناء على ما هو الغالب من وقوع ذلك
حال الجلوس، والاستقرار في مكان، وباب التجوز في مثله واسع، وهو ثابت
للمتبايعين سواء كانا مالكين، أو وكيلين، أو متفرقين بعد انعقاد البيع بالايجاب
والقبول.

(1) سورة المائدة الآية 1.
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب المهور الرقم 4.
(3) أقول: لعل المراد بما في معناه، هو قيامها في موضع العقد مصطحبين
بحيث لم يفارق أحدهما الآخر، زيادة على ما كانا عليه وقت العقد، فإن
الخيار باق لهما، وأولى منه لو تقاربا. منه رحمه الله.
(4) الكافي ج 5 ص 170 الوسائل الباب 1 من أبواب الخيار الرقم 2.
4

ويدل عليه زيادة على الاتفاق الأخبار المتضافرة:
منها ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة (1) عن أبي جعفر
عليه السلام " قال: سمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: البيعان بالخيار حتى
يفترقا، وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام الحديث ".
ورواه المشايخ الثلاثة بسند آخر عن زرارة (2) عن أبي جعفر عليه السلام
" قال: قلت له: الرجل يشتري المتاع " الحديث إلى آخر ما نقلناه منه، وسيأتي
انشاء الله تعالى.
وروى في الكافي عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام
" قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: البيعان بالخيار حتى يفترقا وصاحب
الحيوان بالخيار ثلاثة أيام ".
وروى في الكافي والتهذيب في الصحيح عن الفضيل (4) وهو ابن يسار عن
الصادق عليه السلام " قال: قلت: ما الشرط في الحيوان؟ فقال: إلى ثلاثة أيام للمشتري، قلت:
وما الشرط في غير الحيوان؟ قال: " البيعان بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا خيار بعد

(1) الكافي ج 5 ص 170 الوسائل الباب 1 من أبواب الخيار
الرقم 2.
(2) الكافي ج 5 ص 171.
(3) الكافي ج 5 ص 170 الوسائل الباب 1 من أبواب الخيار
الرقم 1.
(4) الكافي ج 5 ص 170 الوسائل الباب 1 من أبواب الخيار
الرقم 3.
5

الرضا منهما ".
وروى المشايخ الثلاثة عن الحلبي في الصحيح (1) عن أبي عبد الله عليه السلام
" قال: أيما رجل اشترى من رجل بيعا فهما بالخيار حتى يفترقا، فإذا افترقا وجب
البيع ".
وزاد في الكافي والتهذيب قال: وقال أبو عبد الله عليه السلام: أن أبي اشترى
أرضا يقال لها: العريض، فلما استوجبها قام فمضى، فقلت يا أبت عجلت بالقيام،
فقال: يا بني إني أردت أن يجب البيع ".
وروى في الكافي عن محمد بن مسلم (2) في الصحيح أو الحسن " قال:
سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: بايعت رجلا، فلما بعته قمت فمشيت خطأ، ثم
رجعت إلى مجلسي ليجب البيع حين افترقنا ".
وأما ما رواه الشيخ (3) عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي
عليه السلام " قال: قال علي عليه السلام: إذا صفق الرجل على البيع فقد وجب وإن
لم يفترقا " فقد أجاب الشيخ عنه في الإستبصار بالبعيد، والأظهر حمله إما على أن المراد
بالصفقة على البيع يعني إمضاء البيع والتزامه والرضا به، كما سيأتي انشاء الله
ذكره في مسقطات الخيار، أو على التقية، وهو الأقرب، فإنه مذهب أبي حنيفة.
وقد نقل عنه، أنه رد على رسول الله صلى الله عليه وآله في أربعمأة حديث.
منها حديث " البيعان بالخيار ما لم يفترقا " نقله عنه الزمخشري في كتاب ربيع

(1) الكافي ج 5 ص 170 الوسائل الباب 1 من أبواب الخيار
الرقم 6.
(2) الكافي ج 5 ص 171 الوسائل الباب 2 من أبواب الخيار
الرقم 1.
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب الخيار الرقم 7.
6

الأبرار مع أنه حنفي المذهب.
وقد نقلنا جملة من هذه الأحاديث التي رد بها على النبي صلى الله عليه وآله
في مطاعنه، في مقدمة كتابنا سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد بنقل ابن الجوزي
من علمائهم ويؤيد ذلك أن الراوي عامي.
وبالجملة فهو على ظاهره غير معمول عليه في مقابلة هذه الأخبار التي سردناها،
المؤيدة باتفاق الطائفة المحقة على الحكم المذكور، واطلاق الأخبار المذكورة
شامل لما قدمنا ذكره من كون المتبايعين مالكين أو وكيلين أو بالتفريق، لصدق البيعان
على الجميع، وهما من وقع منهما الإيجاب والقبول.
ثم إن العلامة في التذكرة ومن تأخر عنه، ذكروا أن مسقطات الخيار في هذا
المقام أربعة.
أحدها اشتراط سقوطه في العقد، ولا خلاف فيه بين الأصحاب رضي الله
عنهم، ويدل عليه الأخبار الدالة على وجوب الوفاء بالشروط إلا شرطا حرم
حلالا، أو حلل حراما، إنما الخلاف فيما لو شرطاه قبل العقد.
قال في الخلاف: " مسألة: إذا شرطا قبل العقد أن لا يثبت بينهما خيار بعد
العقد صح الشرط، ولزم العقد بنفس الإيجاب والقبول، ثم نقل الخلاف عن بعض
أصحاب الشافعي، ثم قال: دليلنا أنه لا مانع من هذا الشرط، والأصل جوازه،
وعموم الأخبار في جواز الشرط يتناول هذا الموضع انتهى.
وقال في المختلف بعد نقل ذلك عنه: وعندي في ذلك نظر، لأن الشرط إنما
يعتبر حكمه لو وقع في متن العقد، نعم لو شرطا قبل العقد، وتبايعا على ذلك الشرط
صح ما شرطاه. انتهى.

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الخيار.
7

أقول: الظاهر أن كلام الشيخ رحمه الله لا يخرج عما ذكره أخيرا بقوله
" نعم " وإنما مراده ذلك، ولو شرط أحدهما خاصة سقط خياره وحده.
وثانيها ايجابهما العقد بعد وقوعه، والتزامهما به بأن يقولا: تخايرنا، أو اخترنا
إمضاء العقد، أو أمضينا العقد أو التزمنا به، ونحو ذلك من الألفاظ الدالة على هذا
المعنى، ونقل عليه في التذكرة الاجماع.
ولقائل أن يقول: إنه حيث لا نص على ما ذكروه هنا، وقد عرفت أن مقتضى
العقد اللزوم كما تقدم ذكره في صدر البحث، وهذا الكلام من قولهما اخترنا أو أمضينا
لا يدل على أزيد مما دل عليه العقد بمقتضاه، وإن كان ذلك مؤكدا لما دل عليه العقد
من اللزوم، والروايات دلت على أنهما بعد هذا العقد مؤكدا أو خاليا من التأكيد
لهما الخيار إلى أن يفترقا، فيصدق هنا أن لهما الخيار، وإن قالا ما قالاه من هذه
الألفاظ، إلا أن يقال: إن هذه الألفاظ في قوة اشتراط سقوط الخيار، فيرجع
إلى الأول.
وبالجملة فإن باب المناقشة غير مسدود فيما ذكروه هنا.
ثم إنهم ذكروا أنه لو اختار أحدهما ورضي الآخر، فهو في حكم الاختيار أيضا،
إذ لا يختص بلفظ، بل كل ما دل على التراضي فهو كاف، ولو أوجبه أحدهما خاصة
سقط خياره، ولو وقع ذلك في العقد، فالظاهر أنه من قبيل الشروط التي دلت
الأخبار على وجوب الوفاء بها، وقبله يبني على ما تقدم في المسقط الأول.
ولو خير أحدهما صاحبه فسكت، فلا خلاف في بقاء خيار الساكت، وأما
المخير فالمشهور أيضا بقاء خياره، وهو قول الخلاف والمبسوط، ووجهه أنه لم
يحصل منه ما يدل على سقوط الخيار، ومجرد تخييره صاحبه لا يدل على الامساك بشئ
من الدلالات الثلاث.
ونقل عن الشيخ أيضا القول بسقوط خياره، استنادا إلى ما روي عن النبي
8

صلى الله عليه وآله بعد قوله ما لم يفترقا " أو يقل أحدهما لصاحبه اختر " ورد بعدم
ثبوت هذه الزيادة في أخبارنا.
وأجاب العلامة في المختلف بعد تسليم صحة الخبر، بأنه خيره فاختار.
وفي هذا الجواب ما لا يخفى، إذ لا يخفى أن محل الكلام إنما هو المخير بصيغة
اسم الفاعل، وأن تخييره لصاحبه يدل على اختياره الامساك، وظاهر كلامه أن الذي
اختار إنما هو المخير بصيغة اسم المفعول وهو ليس محل البحث، وبالجملة فالحديث
غير ثابت في أخبارنا فلا حجة فيه.
ثالثها: التصرف، فإن كان من البايع في المبيع فهو فسخ منه للعقد، فيبطل
البيع، ويبطل خيارهما، وإن كان من المشتري في المبيع فهو التزام بالبيع، ويبطل
خياره، ويبقي خيار البايع، وإن كان التصرف في الثمن فالظاهر أن الأمر بالعكس،
ولو كان التصرف من المشتري في المبيع، ومن البايع في الثمن فهو التزام بصحة
البيع، وبالعكس التزام ببطلانه، ولو تصرفا في المبيع أو الثمن فظاهر كلامهم
أنه يقدم من تصرفه فسخ، فلو تصرفا في المبيع قدم تصرف البايع، وفي الثمن
قدم تصرف المشتري.
وهكذا لو فسخ أحدهما وأجاز الآخر قدم الفاسخ، وإن تأخر عن الإجازة،
لأن اثبات الخيار إنما قصد به التمكن من الفسخ، دون الإجازة لأصالتها، وكذا يقدم
الفاسخ على المجيز: في كل خيار مشترك، لاشتراك الجميع في العلة المذكورة،.
قال في التذكرة: " لو اختار أحدهما الامضاء والآخر الفسخ قدم الفسخ على
الإجازة، إذ لا يمكن الجمع، ولا انتفاؤهما، لاشتماله على الجمع بين النقيضين،
فيتعين تقدم أحدهما، لكن الذي اختار الامضاء قد دخل في عقد ينفسخ باختيار صاحبه
الفسخ، ورضي به، فلا أثر لرضاه به لازما ما بعد ذلك. انتهى.

(1) المستدرك ج 2 ص 473.
9

قيل: والمراد من التصرف هنا: ما هو أعم من الناقل وغيره، وأكثر عبارات
الأصحاب إنما اشتملت على التصرف بقول مطلق، ولهذا أن ظاهر المحقق الأردبيلي
هنا المناقشة في ذلك، بل في أصل الحكم حيث لم يرد به دليل في النصوص، حيث
قال: ثم إن المراد بالتصرف غير ظاهر، وهل هو اللازم والمخرج عن الملك أو أعم
فهو مجمل، وكذا دليله أيضا غير واضح، إذ مجرد التصرف في المبيع مثلا لا يدل
على الفسخ من جانب البايع، إذ قد يكون سهوا أو لغرض آخر مباح أو حرام.
وبالجملة أنه أعم، إلا أن تدل قرينة، ومع ذلك قد لا يكون الفعل كافيا في
اختيار الفسخ، يحتاج إلى اللفظ فتأمل انتهى.
وبالجملة فإن جملة من شقوق المسألة لا تخلو من الاشكال، سيما لو وقع
التصرف الناقل للمبيع من المشتري مع بقاء خيار البايع كما نبه عليه في المسالك (1).
ورابعها التفرق بمعنى مفارقة كل منهما صاحبه، ويصدق بانتقال أحدهما
من مكانه بحيث يبعد عن صاحبه، ولا يشترط القيام والمشي خطأ، وإن كان أظهر
في التفرق كما دلت عليه جملة من الأخبار المتقدمة ولو قاما مصطحبين بحيث لم يحصل
التباعد بينهما زيادة على حال العقد، فالخيار باق، لعدم حصول الافتراق.
وكذا لو ضرب بينهما بستر رقيق كالثوب ونحوه أو غليظ كالجدار أو مانع
من الاجتماع كالنهر العظيم له يمنع الخيار لعدم صدق الافتراق بشئ من ذلك الذي
هو كما عرفت عبارة عن التباعد عن الحد الذي كانا عليه وقت العقد خلا فالبعض
العامة هنا حيث أسقط به الخيار.
وكذا لو أكرها على التفرق فإنه لا يسقط الخيار، والوجه فيه أن الذي دلت الأخبار
على كونه مسقطا إنما هو التفرق الذي هو فعل اختياري لهما، والتفريق بينهما قهرا ليس
كذلك، فلا يكون داخلا تحت النص.
وبذلك يظهر أن ما ذكره في الكفاية بقوله ولا أعلم نصا في هذا الباب وكذا

(1) حيث قال: بعد أن ذكر أنه لا فرق في التصرف بين الناقل للملك وغيره
ما لفظه لكن لو وقع الناقل من المشتري مع بقاء خيار البايع ففي صحته
اشكال. انتهى منه رحمه الله.
10

قول المحقق الأردبيلي وقيد المفارقة المسقطة بالاختيار وما رأيت له دليلا في النص،
ولعل وجهه ما يتخيل أن الفعل الجبري بمنزلة العدم، فإنه ما فعله باختياره فكأنه
بعد باق في محله خصوصا إذا كان عارفا بالمسألة وأراد الجلوس لعله يظهر له
وجه يدل على مصلحته في هذا العقد. انتهى غير موجه.
وفيه ما عرفت من أن النص الموجب لسقوط الخيار هو الافتراق والتفرق، الظاهر
في كونهما باختيار المكلف وإرادته، وهذا هو الذي يناسب الاسقاط بأن يفعل
ذلك لأجل اسقاط الخيار كما سمعت من أخبار مولانا الباقر عليه السلام.
وأما الجبر على التفرق فلا يدخل تحت اطلاق اللفظين المذكورين، ولا
يصح كونه سببا للغرض المترتب على ذلك.
وبالجملة فإن كلام هذين الفاضلين عندي غير ظاهر.
واعلم أن الأصحاب رضي الله عنهم عبروا هنا بأنه لو أكرها على التفرق
ولم يتمكنا من التخاير بمعنى اختيار العقد والبقاء عليه، وهو المسقط الثاني الذي
قدمناه، ويتحقق الاكراه بمنعهما من الكلام فعلا بسد أفواههما أو تهديد، فإنه
لا يسقط خيارهما حينئذ بالتفرق، بل لهما الفسخ عند زوال المانع لكن هل يعتبر
في مجلس الزوال، أو يكون الخيار على الفور، وجهان: وكذا لو أخرج أحدهما
كرها ومنع، فالحكم فيه كذلك.
وفيه أن عدم التمكن من التخاير بمعنى اختيار العقد، لا يدخل تحت العقد،
لأن التزام العقد واختيار البقاء عليه لا يتوقف على الكلام. بل لو تفرقا ساكتين حصل
اللزوم فيه، وإنما يتوقف على الكلام الفسخ، فيكون الاكراه والمنع من الكلام بسد
أفواههما أو تهديدهما هو المعتبر فيه، لا في التخاير بالمعنى المذكور، إلا أن يراد
بالتخاير الكناية عن الفسخ، والاختيار، وعبائرهم لا تساعد عليه.
والمفهوم من كلام الأصحاب وهو الظاهر من الأخبار المتقدمة ثبوت هذا
11

الحكم لمن أوقع العقد مالكا كان أو وكيلا، ويثبت للوكيل بمجرد التوكيل على العقد،
لأنه من توابع العقد قيل: ولا يبعد ثبوت الخيار للمالك على تقدير كون العاقد وكيله،
لأن يده يد الموكل.
وفيه اشكال، لخروجه عن ظواهر الأخبار، وعدم صدق البايع والمشتري
عليه، وهي قد ناطت الحكم المزبور بالبيعين، يعني من وقع منهما عقد البيع
والشراء.
قال في التذكرة على ما نقل عنه: لو اشترى الوكيل أو باع أو تعاقد الوكيلان،
فالأقرب تعلق الخيار بهما و " بالموكلين جميعا، وإلا فبالموكلين " وفيه ما عرفت من
الخروج عن ظواهر النصوص.
وهل يثبت الافتراق بموت أحدهما أو جنون أحدهما أو الاغماء عليه أم لا؟
صرح بالثاني في الدروس فقال: " ولو مات أحدهما، أو ماتا فللوارث أو الولي،
ولو جن أو أغمي عليه فللولي " وهو صريح في ثبوت الخيار للوارث والولي، لعدم
تحقق الافتراق بذلك، واحتمل في القواعد سقوط الخيار وثبوته، وعلل الأول بأن
مفارقة الدنيا أولى من مفارقة المجلس، فيسقط بطريق أولى.
ورده المحقق الشيخ علي في شرح القواعد بمنع الأولوية قال: فإن المراد من
الافتراق التباعد في المكان، وهو إنما يكون في الجسم، فلا يعقل إرادة الروح، ثم إن
المحقق المذكور اختار الثبوت تمسكا بالاستصحاب، لأن ثبوته معلوم بالعقد،
والمسقط غير متيقن. انتهى.
وفي الاعتماد على هذا الاستصحاب نظر تقدم ذكره في مقدمة الاستصحاب من
مقدمات كتاب الطهارة (1) وظاهر المحقق الأردبيلي التوقف في ذلك، لعدم صدق
البايع والمشتري في الأخبار عليهم.

(1) ج 1 ص 53.
12

أقول: والحكم محل اشكال لعدم الدليل الواضح في ذلك.
تنبيهات
الأول قد صرحوا بأنه لو كان العاقد واحدا عن اثنين، ففيه احتمالات ثلاثة:
الأول: ثبوت الخيار ما لم يشترط سقوطه، أو يلتزمه عنهما، أو يفارق المجلس الذي
عقد فيه على قول، وهو ظاهر الشرايع والقواعد.
الثاني ثبوته دائما ما لم يلتزماه أو يشترطا سقوطه، ونقل عن التذكرة، وهو
ظاهر اختيار الدروس.
الثالث عدم ثبوت الخيار أصلا، واختاره بعض فضلاء متأخر المتأخرين،
والظاهر أنه الأقرب.
وتفصيل هذه الجملة هو أن الواحد عاقد عن اثنين يشمل ما لو كان العاقد
وليا شرعيا يبيع ماله من ولده، أو بالعكس، أو مال ولديه أحدهما على الآخر،
ويشمل ما لو كان وكيلا عن المتبايعين، وكما لو كان أحد المتبايعين وكيلا عن الآخر
وفي دخول هذا الفرد (1) تحت العبارة المذكورة ما لا يخفى، وما قيل من أنه يصدق
أيضا من أن الواحد عاقد عن اثنين وقائم مقامهما وإن كان هو أحدهما لا يخلو
من خفاء.
ولهذا أن المحقق الشيخ علي (رحمة الله عليه) في شرح القواعد اعترض
على عبارة المصنف، وهي مثل هذه العبارة فقال: واعلم أن في قوله: العاقد عن
اثنين مناقشة، لأن العاقد عن واحد مع نفسه يخرج من العبارة، ولا وجه لاخراجه
بل ينبغي ادراجه، فيكون الحكم واردا عليهما. انتهى.
والخيار المحكوم بثبوته أعم من كونه لذلك العاقد ولو بالولاية، كما لو كان

(1) إشارة إلى ما ذكره في المسالك حيث إنه ادعى الصدق في ذلك منه رحمه الله.
13

أبا أوجدا يبيع من نفسه، فإن له الخيار وللطفل، وله مراعاة الجانبين، لكن في
الطفل يراعي المصلحة أو كونه لغير العاقد، كما لو كان وكيلا في العقد خاصة،
فإن الخيار للموكلين، لإله إن قلنا به، وقولهم: ما لم يشترط سقوطه أو يلتزم به عنهما
إنما يتم فيمن له الاشتراط والالتزام كالأب والجد، وأما لو كان وكيلا في ايقاع
العقد خاصة لم يكن له ذلك، ولو أريد العموم كان المراد ما لم يشترط أو يلتزم حيث
يكون له ذلك.
وكيف كان فالالتزام عنهما لا يدخل فيه ما لو كان هو أحدهما إلا بتكلف
شديد.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنهم ذكروا أن الوجه في الاحتمال الأول بالنسبة إلى
مفارقة المجلس أن المعتبر في سقوط خيار المتبايعين مفارقة أحدهما مجلس العقد
ولما كان ذلك متعذرا هنا لأن الواحد لا يفارق نفسه اعتبر فيه التمكن، وهو مفارقته
مجلس العقد، لأنه مشبه بمفارقة أحد المتعاقدين، وأصل هذا القول نقله في المبسوط
بلفظ قيل ولم يذكر قائله (1) ووجهه ما ذكر.
ورد هذا التوجيه جملة من المتأخرين بأن الواقع في الأخبار هو الافتراق،
لا مفارقة المجلس، فلو فارقاه مصطحبين لم يبطل خيارهما كما تقدم ذكره
وإن بقيا مدة طويلة. وهو جيد.
وأما الوجه في الاحتمال الثاني. وهو بقاء الخيار، وإنما يسقط بالالتزام بعد

(1) قال في المبسوط: إذا أراد أن يشتري لولده من نفسه وأراد الانعقاد
ينبغي أن يختار لزوم العقد عند انعقاد العقد، أو يختار بشرط بطلان
الخيار، وعلى كل حال قد قيل إنه ينتقل من المكان الأول الذي عقد فيه
العقد، فيجري ذلك مجرى تفرق المتبايعين، كذا قال ابن البراج ولم
يسند هذا القول إلى أحد من علمائنا بالنصوصية، قال في المختلف بعد
نقل ذلك وهذا القول عندي محتمل. انتهى منه رحمه الله.
14

العقد، أو اشتراط السقوط فهو أن ظاهر قولهم (عليهم السلام) " البيعان بالخيار " يعم
البايعين بوكيلهما أو وليهما فيثبت في الصورة المذكورة: وأما قولهم (عليهم السلام)
" ما لم يفترقا " فهو محمول على إرادة السلب، بمعنى أن الخيار ثابت ما لم يحصل
افتراق، وهنا لم يحصل افتراق، لعدم ما يحصل به الافتراق، وهو التعدد: ومع كونه
محتملا لعدم الملكة أي عدم الافتراق عما شأنه الافتراق فيبطل الخيار هنا بناء
على هذا الاحتمال، فإنه يمكن أن يقال: إن صدر الخبر وهو قوله " البيعان بالخيار " دل
على ثبوت الخيار، فيثبت الخيار بذلك ويحصل الشك في المسقط بناء على الاحتمالين
المذكورين، فيجب استصحاب الحكم الأول إلى أن يثبت المزيل.
قال في الدروس والعاقد عن اثنين له الخيار ويبطل كلما يبطل به خيار المتعاقدين،
وهو ظاهر في اختيار هذا الاحتمال.
وأما الوجه في الاحتمال الثالث وهو عدم ثبوته أصلا فلأن ظاهر الأخبار
المتقدمة هو المغايرة بين المتعاقدين والتعدد فيها، ودعوى عموم ذلك الوكيل
أو الولي عن اثنين خروج عن ظاهر اللفظ، ومع تسليمه فإن الاطلاقات في الأخبار
إنما تحمل على الأفراد الشايعة المتكررة، وهي المتبادرة عند الاطلاق، كما قرروه في
غير موضع.
وما أورده على ذلك القول الذي نقله الشيخ في المبسوط، وضعفوه به وارد
عليهم في هذا المقام، وأنه إن وجب الوقوف على ظاهر النص ففي الموضعين،
وإن قيل بالتخريج والتحمل في التأويل والخروج عن الظاهر، فلا معنى لردهم
ذلك القول، كما لا يخفى على المنصف.
وأما ما ذكروه في قوله " ما لم يفترقا " من احتمال الحمل على السلب فلا
يخلو من مسامحة، فإن المتبادر من هذه العبارة بالنظر إلى صدر الخبر هو توجه النفي
إلى القيد خاصة دون المقيد. وهم قد صرحوا في محاوراتهم في هذا البحث بأن
15

معناه أن المتبايعين بالخيار ما لم يفارق أحدهما الآخر، ويحصل البعد بينهما بما يزيد على
وقت العقد، فالمنفي إنما هو الافتراق، دون من يترتب عليه الافتراق، وهما البيعان،
ومبنى كلامهم المتقدم إنما يتم على رجوع النفي إلى القيد والمقيد، وهو خلاف
ظاهر سياق الخبر كما عرفت.
ويؤيد ما ذكرناه ما قدمنا ذكره من أن مقتضى العقد اللزوم كتابا وسنة،
واثبات الخيار الموجب للخروج عن ذلك يحتاج إلى دليل واضح، والركون إلى هذه
التعليلات العليلة وبناء الأحكام الشرعية عليها مجازفة ظاهرة.
وبذلك يظهر رجحان وجه المذكور وأنه لا خيار في هذه الصورة، وإليه يميل
كلام المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد والفاضل الخراساني في الكفاية.
وبالتوقف في هذه المسألة من أصلها صرح شيخنا المحقق الشيخ على في
شرع القواعد، حيث قال بعد البحث في المسألة: وأنا في المسألة من المتوقفين
وهو في محله، وإليه يميل كلام المسالك، إلا أنه قال بعد ذلك " والأوسط أوسط "
الثاني 1 - المشهور في كلام الأصحاب أنه لو اشترى من ينعتق عليه كالأب
والابن ونحوهما فإنه لا خيار للمشتري، والظاهر أن الوجه فيه الترجيح لأدلة
العتق الدالة على أن من اشترى أباه مثلا فإنه ينعتق عليه، فلا خيار له بأن يجعله
رقا بعد أن صار معتقا، ولأنه لم يعهد من الشارع عود المعتق رقا.
وربما قيل باحتمال عدم الملك في زمن الخيار، وفيه ما تقدم من أن مقتضى
العقد اللزوم، فالعقد مملك ومتى ثبت الملك ترتب عليه الانعتاق: وإلى القول
بذلك يميل كلام المحقق الأردبيلي " قدس سره " في شرح الإرشاد، وكذا ظاهرهم
أيضا أنه لا خيار للبايع، خصوصا مع علمه بانعتاقه على المشتري.
وإليه يميل أيضا كلام المحقق المشار إليه قال بعد الكلام في المسألة: " ولعل ترجيح
العتق الذي يرجح عندهم بأدنى شئ لا يبعد عملا بمقتضى العقد من غير لزوم محذور
16

إلا تخصيص دليل الخيار على تقدير القول بعمومه، على أن في عمومه تأملا فتأمل.
ولا اجماع حتى يلزم خلافه، بل تخصيصه أيضا.
أقول: والتحقيق هنا هو أنه قد تقابل اطلاق الأخبار الدالة على العتق في
مثل هذه الصورة، واطلاق الأخبار الدالة على خيار المجلس هنا، وتخصيص أحد
الاطلاقين بالآخر يحتاج إلى دليل واضح، وليس فليس، والركون إلى
هذه الاحتمالات المذكورة الناشئة عن مجرد الدعوى ليس بشئ في مقام
التحقيق.
هذا بالنسبة إلى المشتري وأما بالنسبة إلى البايع فلا أعرف لهم حجة واضحة
في اسقاط خياره، وبه يعظم الاشكال في هذا المجال.
قال: في الدروس: أسقط الفاضل الخيار في شراء القريب، أما المشتري
فلعتقه عليه، ولأنه وسن نفسه على الغبن، إذ المراد به العتق، وأما البايع فلما ذكر
ولتغليب العتق، يحتمل ثبوت الخيار لهما بناء على أن الملك نافذ بانقضاء الخيار
وثبوته للبايع، لأن نفوذ العتق لا يزيل حقه السابق، وحينئذ يمكن وقوف العتق
ونفوذه فيغرم المشتري القيمة لو فسخ البايع ويجري مجرى التلف الذي لا يمنع من
الخيار، انتهى.
وظاهره التوقف في المسألة حيث نسب الاسقاط إلى الفاضل، وأردفه بهذا
الاحتمال الذي جمد عليه، ولم يتعرض للقدح فيه.
وحاصل معنى ما ذكره تخصيص أدلة العتق بأدلة الخيار، بأن يقال: إنه
يحتمل ثبوت الخيار بناء على أن الانعتاق يتوقف على الملك، والملك النافذ
الذي يترتب عليه العتق إنما يحصل بانقضاء الخيار، واسقاطه بأحد المسقطات المتقدمة
منهما معا.
ويحتمل ثبوت الخيار للبايع خاصة، أما المشتري فإنه ينعتق عليه بمجرد
17

الشراء وانعتاقه على المشتري لا يزيل حق البايع الحاصل بمجرد العقد السابق على
لانعتاق، وحينئذ يمكن وقوف العتق على انقضاء الخيار كما هو الاحتمال الأول،
ويمكن نفوذه بناء على الاحتمال الثاني بأن ينعتق على المشتري ويبقى خيار البايع،
فإن اختار الفسخ فليس له تسلط على العبد لانعتاقه وإنما يرجع بقيمته اجراء
للعبد هنا مجرى المبيع التالف.
ومن ذلك يظهر لك أن المسألة محل توقف واشكال ومنشأ الاشكال ما عرفت
من تعارض أخبار العتق واطلاق أخبار الخيار.
وظاهر الأصحاب ابقاء أخبار العتق على اطلاقها، وتخصيص أخبار الخيار
بها، فخيار المجلس عندهم ثابت إلا في هذا الموضع.
وظاهر الاحتمال الذي ذكره شيخنا المذكور العكس، ولا أعرف مرجحا
لأحد الطرفين. وبه يظهر الاشكال. والله سبحانه وأولياؤه العالمون بحقيقة الحال.
الثالث قد صرح غير واحد من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن
هذا الخيار مختص بالبيع بجميع أنواعه إلا ما عرفت مما وقع فيه الاشكال والخلاف
ولا يثبت في غير البيع من عقود المعاوضات، وإن قام مقام البيع كالصلح، ووجهه
ظاهر لأن الأخبار إنما وردت في البيع، وحمل غيره عليه قياس لا يوافق أصول
المذهب.
ونقل عن الشيخ في المبسوط أنه أثبته في العقود الجائزة، مثل الوكالة
والمضاربة والوديعة.
ورد بأنه غير جيد، لأن العقود الجائزة يصح فسخها في المجلس وبعده،
فلا معنى لاثبات خيار المجلس فيها. وهو جيد.
الرابع قال في الدروس: ويثبت في بيع خيار الرؤية، ولا يمنعه اجتماع
الخيارين، وكذا بيع خيار الشرط والحيوان، وكذا يثبت في بيع الصرف تقابضا
18

أولا فإن التزما به قبل القبض وجب على القابل، فلو هرب أحدهما عصى،
وانفسخ العقد، ولو هرب قبل الالتزام فلا معصية، ويحتمل قويا عدم العصيان مطلقا،
لأن للقبض مدخلية في اللزوم فله تركه.
الخامس قال أيضا في الكتاب المذكور: لو تنازعا في التفرق حلف المنكر
ولو تنازعا في الفسخ وكانا قد تفرقا قدم منكره، ولو قال أحدهما، تفرقنا قبل
الفسخ، وقال الآخر: فسخنا قبل التفرق احتمل تقديم الأول لأصالة بقاء العقد،
وتقديم الثاني، لأنه يوافقه عليه ويدعي فساده والأصل صحته، ولأن الفسخ فعله
انتهى.
وروى الشيخ عن الحسين بن عمر بن يزيد (1) عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إذا التاجران صدقا بورك لهما،
فإذا كذبا وخانا لم يبارك لهما وهما بالخيار ما لم يفترقا، فإن اختلفا فالقول قول رب
السلعة أو يتتاركا ".
السادس قال: لو تناديا بالعقد على بعد مفرط صح العقد ولهما الخيار على
الأقوى وإن تقاربا بالتنقل، ووجه عدم الخيار أنه لا يجمعهما مجلس عرفا.
الثاني خيار الحيوان
والشرط فيه ثلاثة أيام والمشهور أن الخيار للمشتري خاصة، وعن المرتضى
ثبوته للبايع أيضا ويظهر من المسالك ترجيحه وكذا من المحدث الكاشاني في
المفاتيح.

(1) التهذيب ج 7 ص 26 الكافي ج 5 ص 174 الوسائل الباب 1
من أبواب الخيار الرقم 6.
19

وقيل بثبوته لهما فيما لو كان الثمن حيوانا، ونفى عنه البعد المحقق الشيخ
على في شرح القواعد قال: لأن فيه جمعا بين الأخبار إلا أنه استوجه العمل بالمشهور،
ونقل عن أبي الصلاح أنه ذهب إلى ثبوت الخيار في الإماء مدة الاستبراء.
واستدل للقول المشهور بصحيحة الفضيل (1) وقد تقدمت في روايات خيار
المجلس: وموثقة الحسن بن علي بن فضال (2) " قال: سمعت أبا الحسن علي بن
موسى الرضا (عليه السلام) يقول: صاحب الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيام ".
ورواية علي بن أسباط (3) عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) " قال:
سمعته يقول: الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري " الحديث.
وصحيحة الحلبي المروية في الفقيه (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال:
في الحيوان كله شرط ثلاثة أيام للمشتري، فهو بالخيار إن اشترط أو لم يشترط "
ورواه الشيخ أيضا في الصحيح عن الحلبي مثله.
وصحيحة ابن رئاب (5) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: الشرط في
الحيوان ثلاثة أيام للمشتري اشترط أو لم يشترط " الحديث.
وفي الكفاية ادعى دلالة صحيحة زرارة (6) وصحيحة محمد بن مسلم (7)
على هذا القول فإن أراد بهما الروايتين الآتيتين في أدلة المرتضى (رضي الله عنه)
فهما بالدلالة على خلاف ما يدعيه أشبه، وإلا فليس في الباب سواهما، وهذه روايات

(1) الكافي ج 5 ص 170.
(2) التهذيب ج 7 ص 67 الوسائل الباب 3 من أبواب الخيار.
(3) التهذيب جم 7 ص 64 الكافي ج 5 ص 216.
(4) الفقهية ج 3 ص 126 التهذيب ج 7 ص 24.
(5) التهذيب ج 7 ص 24 الكافي ج 5 ص 169.
(6) التهذيب ج 7 ص 23 و ص 24.
(7) التهذيب ج 7 ص 23 و ص 24.
20

المسألة قد استوفيناها فيما ذكرنا وما يأتي في المقام إن شاء الله تعالى.
أقول: ويدل عليه بأصرح دلالة لا تقبل التأويل ما رواه الثقة الجليل عبد الله
ابن جعفر الحميري في قرب الإسناد عن عبد الله وأحمد ابني محمد بن عيسى عن الحسن
ابن محبوب عن علي بن رئاب (1) " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى
جارية لمن الخيار؟ للمشتري أو للبايع أو لهما كلاهما؟ فقال: الخيار لمن اشترى ثلاثة
أيام نظرة، فإذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب الشراء ".
والحديث مع صحة سنده صريح الدلالة على القول المذكور.
واستدل للمرتضى بصحيحة محمد بن مسلم (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" قال: المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان وما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا ".
ويدل عليه أيضا صحيحة زرارة (3) عن أبي جعفر (عليه السلام) " قال: سمعته
يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) البيعان بالخيار حتى يفترقا، وصاحب الحيوان
ثلاثة أيام " ونحوه عن محمد بن مسلم في الصحيح (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام).
والتقريب في الخبرين الأخيرين أن المتبادر من صاحب الحيوان هو
البايع، ويخدشه أن موثقة الحسن بن علي بن فضال قد فسرت صاحب الحيوان هنا بأنه
المشتري، وهو الأقرب، لأن ظاهر هذه العبارة تدل على انحصار الخيار فيه، ولا قائل
بانحصار الخيار في البايع، وبالحمل على المشتري يصح الانحصار، بناء على القول
المشهور والمؤيد المنصور.
قال في المسالك بعد قول المصنف " والشرط فيه كله ثلاثة أيام للمشتري
خاصة دون البايع على الأظهر ": ما صورته: " نبه بالأظهر على خلاف المرتضى
(رضوان الله عليه) حيث ذهب إلى أن الخيار لهما، وصحيحة محمد بن مسلم

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب الخيار الرقم 9.
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب الخيار الرقم 3 التهذيب ج 7 ص 23.
(3) الكافي ج 5 ص 170 التهذيب ج 7 ص 24.
(4) الكافي ج 5 ص 170 التهذيب ج 7 ص 24.
21

عن الصادق عليه السلام قال: " المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان " صريحة
الدلالة على ما يدعيه.
وما تقدم في صحيحة الحلبي من اثبات خياره للمشتري غير مناف لثبوته
للبايع إلا من حيث المفهوم المخالف وهو ضعيف، فالقول به في غاية القوة إن لم
يثبت اجماع على خلافه: وحملت الرواية على ما لو باع حيوانا بحيوان وهو تخصيص
بغير مخصص وعلى أن الخيار للمشتري وعلى البايع، فهو بالنسبة إليهما
مدة ثلاثة أيام.
ويضعف بأن مقتضى الخبر كونه لهما كما في قوله " البيعان بالخيار ما لم يفترقا "
وعلى أن الخيار للمجموع من حيث هو مجموع فلا يدل على ثبوته للأفراد وفيه ما مر.
وفي الدروس الشهرة بل الاجماع على خلافه، وهو يؤذن بدعوى الاجماع، فإن
ثبت فهو الحجة، وإلا فلا. انتهى.
أقول: لا يخفى أن ما ذكروه إن سلم في روايات المسألة المشهورة في كلامهم
إلا أنه لا يجري في صحيحة ابن رئاب (1) التي قدمنا نقلها عن قرب الإسناد، فإنها صريحة
في القول المذكور، وبها يتأيد ذلك المفهوم الذي دلت عليه تلك الأخبار العديدة.
على أن لقائل أن يقول: إنه وإن كان المفهوم كما ذكره ليس بحجة إلا أن سوق
الكلام في جملة من الأخبار المذكورة تدل على إرادته واعتباره هنا، مثل قولهما
(عليهم السلام) في صحيحتي زرارة ومحمد بن مسلم " البيعان بالخيار ما لم يفترقا وصاحب
الحيوان ثلاثة أيام " ونحوهما صحيحة الفضيل المتقدمة في خيار المجلس.
والتقريب في الجميع أنه لو كان الخيار لهما في الحيوان كما هو المدعى
لما كان لتخصيص أحدهما به وجه بعد أن ذكر الخيار لهما في غيره ويفصل في
المقام، بل ينبغي أن يقول هما بالخيار في كل من الموضعين.
ويؤيد القول المشهور الظاهر أن وجه الحكمة في هذا الخيار أن الحيوان

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب الخيار الرقم 9.
22

مظنة للعيوب، وهي قد تخفى كثيرا ولا تظهر غالبا، وأيضا قد يتعلق به أغراض لا يمكن
الاطلاع عليها إلا بالاختبار ومرور الأيام، فضرب الشارع للمشتري هذه المدة لامكان
ظهور عيب خفي فيها، وهذه الحكمة لا يظهر وجهها بالنسبة إلى البايع المطلع على
عيوب حيوانه، فلا يكون الخيار مشروعا في حقه لانتفاء وجه الحكمة.
ويؤيده أيضا ما قدمنا ذكره من أن مقتضى العقد كتابا وسنة اللزوم من الجانبين
حتى يقوم دليل على خلافه.
وبالجملة فإن العمدة في رد القول المزبور إنما هي صحيحة ابن رئاب المروية
في قرب الإسناد الغير القابل للتأويل بوجه من الوجوه، وإن كانت جميع هذه الوجوه
مؤيدة لذلك. ومن ذلك يعلم أنه يجب جعل التأويل في جانب صحيحة محمد بن مسلم
المذكورة بالحمل على أحد المحامل المتقدمة التي أقربها الحمل على ما لو باع
حيوانا بحيوان.
وقول شيخنا المتقدم بأنه تخصيص بغير مخصص مدفوع بأن ضرورة الجمع
بين الأخبار أوجب التخصيص. على أنه قد اختار القول بذلك، وجعله وجه جمع بين
الأخبار، كما سيأتي في كلامه إن شاء الله تعالى. وأما ما عداها مما ظاهره ذلك أيضا
فقد عرفت الجواب عنه.
واحتمل في الوسائل حملها على التقية، ولعه الأقرب وإن كان لا يحضرني
الآن مذهب العامة في هذه المسألة لما عرفت في مقدمات كتاب الطهارة (1) من أن الحمل
على التقية لا يتوقف على وجود القائل بذلك منهم، فإنه لما كان الأصحاب سلفا وخلفا
سوى المرتضى (رضي الله عنه) على هذا القول المشهور، وأخبارهم كما عرفت متظافرة
به، فإنه يعلم بذلك كونه مذهب الأئمة (عليهم السلام) وليس لما خالف ذلك مما ورد
عنهم محمل غير التقية.

(1) ج 1 ص 5.
23

ومن روايات المسألة المؤيدة للقول المشهور أيضا زيادة على ما
قدمناه ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن ابن سنان (1) والظاهر أنه
عبد الله " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يشتري الدابة أو العبد
ويشترط إلى يوم أو يومين فيموت العبد أو الدابة أو يحدث فيه حدث، على من ضمان
ذلك؟ فقال: على البايع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام ويصير المبيع للمشتري " (2).
وزاد في التهذيب " شرط له البايع أو لم يشترط قال وإن كان بينهما شرط
أياما معدودة فهلك في يد المشتري قبل أن يمضي الشرط فهو من مال البايع ".
ورواه في الفقيه مرسلا (3) كما في الكافي. إلا أنه " قال: لا ضمان على
المبتاع حتى ينقضي الشرط ويصير المبيع له " (4)
والعجب من المرتضى (رضوان الله عليه) المانع من العمل بأخبار الآحاد
والدائر في أقواله مدار الاجماع كيف اعتمد على هذا الخبر في هذا المقام مع
مخالفته الأخبار الكثيرة المعتضدة بالشهرة بل الاجماع المدعى في المقام، والظاهر أن
دليله شئ آخر غير الخبر من الأمور العقلية كما هي قاعدته، فإن تعلقه بالأخبار
نادر جدا.

(1) الكافي ج 5 ص 169 التهذيب ج 7 ص 24.
(2) ظاهر الخبر المذكور عدم انتقال المبيع في مدة الخيار إلى المشتري
كما هو قول الشيخ، والمشهور يحملونه على استقرار الملك وسيأتي
تحقيق المسألة في محله انشاء الله تعالى.
(3) الفقيه ج 3 ص 128.
(4) ومما يدل على ما دل عليه هذا الخبر من أن التلف أو الحدث زمن الخيار
مضمون على البايع. رواية ابن رباط عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: إن حدث بالحيوان حدث قبل ثلاثة أيام فهو من مال البايع "
والظاهر أن الحكم لا خلاف فيه. منه رحمه الله.
24

وبالجملة فالمعتمد هو القول المشهور. والله العالم. وتحقيق البحث في
المقام يتم برسم المسائل. الأولى لم نقف لأبي الصلاح فيما ذهب إليه من ثبوت الخيار في الإماء
مدة الاستبراء على دليل، وظاهر أخبار المسألة المتقدمة يرده، مثل قوله
(عليه السلام) في صحيحة الحلبي المتقدمة " الخيار في الحيوان كله شرط ثلاثة أيام
للمشتري " وقوله (عليه السلام) في صحيحة (2) ابن رئاب " الشرط في الحيوان
ثلاثة أيام للمشتري، اشترط أو لم يشترط ".
وأظهر من جميع ذلك صحيحة علي بن رئاب (3) المتقدم نقلها عن قرب الإسناد،
لأن موردها الجارية بخصوصها، وقد حكم (عليه السلام) " بأن الخيار فيها ثلاثة أيام
للمشتري وأنه إذا مضت الثلاثة فقد وجب الشراء ولزم " وصحيحة عبد الله بن سنان
(4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: عهدة البيع في الرقيق ثلاثة أيام إن كان
بها خبل أو برص أو نحو هذا " الحديث وبذلك يظهر ضعف القول المذكور
الثانية لو باع الدراهم أو المتاع بالحيوان كأن يقول: بعتك هذه الدراهم
أو هذا المتاع بهذا الحيوان، فيقول المشتري اشتريتها به.
فالظاهر أن خيار الحيوان هنا ثابت لمن أنتقل له الحيوان بهذا العقد، وهو
البايع للدراهم أو المتاع، نظرا إلى ما قدمنا ذكره، من وجه الحكمة في هذا الخيار.
وثبوت الخيار هنا للبايع غير مناف لما تقدم بناء على القول المشهور وما دل
عليه من الأخبار، من أن خيار الحيوان للمشتري خاصة، لأن مبنى تلك المسألة في

(1) التهذيب ج 7 ص 24.
(2) الكافي ج 5 ص 169.
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب الخيار الرقم 9.
(4) الكافي ج 5 ص 172.
25

النصوص وكلام الأصحاب إنما هو على كون المبيع هو الحيوان بغيره من
الأثمان، فجعل الخيار فيها لمشتريه. وهيهنا الحيوان إنما وقع ثمنا وقيمة لمبيع آخر
فيكون الخيار إنما هو لمن أنتقل إليه وهو البايع، نظرا إلى ما أشرنا إليه من وجه
الحكمة في هذا الخيار.
ويمكن الاستدلال عليه في هذه الصورة بالأخبار الدالة على أن لصاحب
الحيوان الخيار ثلاثة أيام، وهو من أنتقل إليه ثمنا أو مثمنا، لما تقدم من أنه لا يصح حمل
صاحب الحيوان هنا على المالك، وإنما حملناه سابقا على المشتري بقرينة موثقة
ابن فضال، من حيث وقوع البيع على الحيوان، وكونه مثمنا، وأما لو جعل ثمنا،
فإنه يكون الخيار فيه لمن أنتقل إليه، وإن سمي بحسب هذه الصورة بايعا.
أو إلى ما اخترنا في هذا المقام يشير كلام شيخنا الشهيد الثاني في المسالك
والروضة وبه صرح المحقق الأردبيلي (رحمة الله عليه) في شرح الإرشاد، إلا أن
كلامه لا يخلو من خلل في تأدية المطلوب منه والمراد، فإنه قال بعد ذكر الفرع
المذكور.
وبالجملة أنه ثابت لمن ينتقل إليه الحيوان بعقد البيع، سواء يقال له البايع
أو المشتري، وأتى بالصيغة بلفظ البيع أو الشراء قدمها أو أخرها، لأن الحكمة في الخيار
فيه أن الحيوان مظنة العيب ويختفي فيه كثيرا، ولا يظهر غالبا، فشرع الخيار ليعلم ذلك
وهو يدل على ثبوته لكل من ينتقل إليه.
والعمدة في ذلك الأخبار المتقدمة، مثل صحيحة زرارة أو حسنته (1) قال:
قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) " البيعان بالخيار حتى يفترقا وصاحب الحيوان
ثلاثة أيام " الظاهر أن المراد أن صاحبه الذي عنده ومالكه بالفعل لا الذي كان يخبر
ثلاثة أيام، ثم ذكر صحيحة محمد بن مسلم الموافقة لصحيحة زرارة في هذا المتن.

(1) الكافي ج 5 ص 170.
26

كما قدمناه ثم قال: الظاهر شمول هذه الأخبار لمن قلناه، وإن قلنا بشمولها لغيره
أيضا. انتهى.
ومحل الاشكال في قوله: الظاهر أن المراد صاحبه الذي عنده إلى آخره مع قوله
قبله إن الخيار ثابت لمن ينتقل إليه الحيوان مؤيدا ذلك بوجه الحكمة المذكورة
في كلامه، فإنه لا يخلو من مدافعة ومناقضة.
الثالثة هل مبدء الخيار هنا وكذا في خيار الشرط الآتي إن شاء الله تعالى
من حين العقد أو التفرق؟ قولان: نقل ثانيهما عن الشيخ (رحمة الله عليه) ومن تبعه.
وبالأول صرح جملة من محققي متأخري الأصحاب، والظاهر أنه الأقرب.
ويؤيده أن المتبادر من الأجل المذكور بعد العقد هو اتصاله بزمان العقد،
وهكذا كل ما اشترط من الأجل في العقود، فإن المتبادر منه كون ابتدائه من حين العقد.
ويعضده ظاهر جملة من الأخبار المتقدمة، مثل قوله (عليه السلام) في صحيحة
زرارة (1) " البيعان بالخيار حتى يفترقا " وصاحب الحيوان ثلاثة أيام.
وقوله في صحيحة محمد بن مسلم (2) " المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان
وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا " فإن المفهوم منهما أن كلا الخيارين في البدء سواء
وإنما الاختلاف بينهما باعتبار الآخر، فنهايته في خيار المجلس التفرق، وفي خيار
الحيوان إلى ثلاثة أيام تمام الكلام في المقام يأتي انشاء الله تعالى في المقام الثاني
في الأحكام.
الرابعة يسقط هذا الخيار عند الأصحاب باشتراط سقوطه في العقد، وباسقاطه
بعد العقد وبالالتزام بالعقد، وبالتصرف، والوجه في الأول العمل بما دل على لزوم
الوفاء بالشرط وفي الثاني أنه حق لصاحبه، فمتى أسقطه سقط.
وأما الثالث فقد تقدم الكلام فيه في خيار المجلس، إلا أن الظاهر هنا لزوم العقد

(1) التهذيب ج 7 ص 24 الكافي ج 5 ص 170.
(2) التهذيب ج 7 ص 24 الكافي ج 5 ص 170.
27

بالالتزام به، وسقوط الخيار بذلك، لما في رواية عبد الله بن الحسن بن زيد بن علي بن
الحسين عن أبيه (1) " عن جعفر بن محمد (عليهم السلام) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
في رجل اشترى عبدا بشرط ثلاثة أيام فمات العبد في الشرط قال: يستحلف بالله
ما رضيه، ثم هو برئ من الضمان " فإنه ظاهر في أنه متى التزم بالعقد ورضي به سقط الخيار.
وأما الرابع فيدل عليه بعد الاجماع المدعى في التذكرة جملة من الأخبار
منها صحيحة علي بن رئاب (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: الشرط
في الحيوان ثلاثة أيام " للمشتري اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى
حدثا قبل الثلاثة (الأيام) فذلك رضي منه فلا شرط، قيل له: وما الحدث؟ قال:
إن لامس أو قبل أو نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء ".
وصحيحة محمد بن الحسن الصفار " قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه
السلام) في الرجل اشترى من رجل دابة فأحدث فيها حدثا من أخذ الحافر أو نعلها
أو ركب ظهرها فراسخ، أله أن يردها في الثلاثة أيام التي له فيها الخيار بعد الحدث
الذي يحدث فيها أو الركوب الذي ركبها فراسخ؟ فوقع عليه السلام: إذا أحدث
فيها حدثا فقد وجب الشراء إن شاء الله تعالى ".
وروى في قرب الإسناد عن علي بن رئاب في الصحيح (4): " قال: سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى جارية لمن الخيار؟ فقال: الخيار لمن اشترى
" إلى أن قال:) قلت له: أرأيت إن قبلها المشتري أو لامس، قال: فقال: إذا قبل أو

(1) التهذيب ج 7 ص 80 الوسائل الباب 5 من أبواب الخيار.
(2) الكافي ج 5 ص 169 التهذيب ج 7 ص 24 وفيه (أيام) الوسائل
الباب 4 من أبواب الخيار.
(3) التهذيب ج 7 ص 75 الوسائل الباب 4 من أبواب الخيار.
(4) الوسائل الباب 4 من أبواب الخيار الرقم 3.
28

لامس أو نظر منها إلى ما يحرم على غيره فقد انقضى الشرط ولزمته ".
قال في المسالك بعد نقل مضمون صحيحة علي بن رئاب الأولى: واطلاق
التصرف والحدث يشمل الناقل وغيره، بل مطلق الانتفاع كركوب الدابة وتحميلها
وحلب ما يحلب ونحو ذلك، ولو قصد به الاستخبار ففي المنع من الرد قول لا بأس
به، فإن استثنياه اعتبر منه ما يعلم به الحال، بأن يركب الدابة قدرا يظهر به فراهتها
وعدمه، ويحلب الشاة بحيث يعلم حالها ونحو ذلك فلو زاد عنه منع، ولو ساق
الدابة إلى منزله فإن كان قريبا بحيث لا يعد تصرفا عرفا فلا أثر له، وإن كان بعيدا
كثيرا احتمل قويا منعه، وبالجملة فكل ما يعد تصرفا وحدثا يمنع وإلا فلا. انتهى
وهو جيد.
ونقل المحقق الأردبيلي (رحمه الله) في شرح الإرشاد عن بعض المحققين قال:
قال بعض المحققين: المراد بالتصرف المسقط للخيار هو ما يكون المقصود منه التملك
لا الاختبار، ولا حفظ المبيع كالركوب لسقي الدابة، ثم قال: وفيه تأمل، لأن ظاهر
الروايات أعم من ذلك.
أقول: إن ما ذكروه من التصرف لأجل الاختبار لا وجه له في المقام، فإن مقتضى
العادة أن المشتري للحيوان لا يشتريه ولا يعقد صيغة البيع حتى يختبره بركوبه
معرفة حسن مشيه وعدمه، والجارية لا يشتريها حتى ينظر منها إلى ما يتعلق به غرضه
بنظره بإذن المالك، ومن هذه الجهة أطلقت الأخبار كون التصرف بعد البيع مسقطا
للخيار، فإن جميع ما يتوقف عليه غرضه من ذلك الحيوان قد علم قبل البيع، وإنما جعل
له هذا الخيار هذه المدة بالنسبة إلى شئ لم يحصل له الاطلاع عليه من العيوب الخفية.

(1) أقول ظاهر المحقق الشيخ على في شرح القواعد الميل إلى هذا القول
حيث قال: ولو قصد به الاختبار فقد استثناه من التصرف المسقط
وليس ببعيد منه رحمه الله.
29

وأما ما ذكره ذلك المحقق من السقي، فإنه لا يتوقف على الركوب ليكون
ذلك مستثنى من التصرف المانع من الرد، والظاهر أنه أراد بالتملك، معنى الالتزام
بالبيع وإلا فالتملك حاصل بأصل العقد.
نعم يبقى الكلام في التصرف الذي يتوقف عليه حفظ الدابة في ضمن تلك
الثلاثة أيام، من علفها وسقيها وربطها، ونقلها من مكان إلى مكان لأجل حفظها من الحر
أو البرد ونحو ذلك، والأقرب أنه لا يعد من التصرف المانع من الرد لخوف تطرق
الضرر بدونه.
وأما مناقشة المحقق الأردبيلي " رحمه الله " في هذا المقام في عموم التصرف
وشموله لجميع التصرفات حيث طعن في دلالة صحيحة علي بن رئاب الأولى بالحصر
في الجارية، فلم يعلم غيرها من الحيوانات واختصاصه بالأفراد المذكورة فيها،
وأنه يمكن ما كان مثلها أو أعلى وأما الأدنى فلا.
وفي صحيحة الصفار بأنها وإن دلت بظاهرها على أن كل حدث مسقط للخيار
إلا أن الحدث مجمل، ويمكن أن يكون كل ما هو عيب يكون مسقطا فالظاهر أنها
من المناقشات البعيدة الاحتمال، فإن الظاهر أن ما ذكر في الخبرين المذكورين
من الجارية والدابة والتصرف فيهما بما ذكره في الخبرين إنما خرج مخرج التمثيل،
لا الاختصاص وذكر في كل منهما من التصرف ما هو المناسب له من قبيل التمثيل
أيضا لا الحصر.
فالمراد من الخبرين إنما هو ما فهمه الأصحاب (رضوان الله عليهم)، من عموم
الحكم في الحيوان مطلقا، والتصرف بجميع وجوهه في كل منها بما يناسبه، والله
العالم.

(1) أقول بذلك يظهر أيضا ما في كلام الفاضل الخراساني حيث قال
واعلم أني لا أعلم دليلا على كون شئ من التصرفات موجبا للزوم، سوى
ما ورد في صحيحة علي بن رئاب، وصحيحة محمد بن الحسن الصفار،
وما في قوته أو أقوى منه، وإن ثبت اجماع في غيرها كان متبعا، وإلا كان للتأمل
فيه مجال. انتهى.
وكأنه تبع في هذا المقام المحقق المشار إليه في الأصل وقد عرفت
ما فيه من أن ما ذكر في الخبرين إنما خرج مخرج التمثيل لا الحصر كما
لا يخفى، وإليه يشير قوله " فأحدث حدثا من أخذ الحافر إلى آخره " فإن
المراد بالحدث هو ما فهمه الأصحاب من التصرف مطلقا، وإن مثل له
في الخبر ببعض الأفراد كما لا يخفى على المتأمل. منه رحمه الله.
30

الخامسة قد عرفت فيما تقدم أن من جملة الأقوال في المسألة ثبوت الخيار
لهما فيما إذا كان الثمن أيضا حيوانا واختاره في المسالك، نظرا إلى تحقق الحكم
من الجانبين، قال: فإن اختصاص الخيار بالحيوان لاشتماله على أمور باطنة لا يطلع
عليها غالبا إلا بالتروي والاختبار مدة، وفيه جمع بين الأخبار المختلفة ظاهرا.
وهو جيد، سيما على مذهبه في ترجيح قول السيد المرتضى ثم إنه في المسالك قال:
ولو كان الثمن خاصة حيوانا ثبت الخيار للبايع خاصه على الأقوى. انتهى.
وبنحوه في الموضعين صرح في الروضة أيضا (1)
وبالجملة، فإن مرجع الكلام في هذه المسألة إلى ما قدمناه في الفائدة
الثانية، قد عرفت أنه أحد الوجوه في حمل الخبر الذي استدل به المرتضى (رضي الله عنه) كما أشار إليه شيخنا المذكور هنا بقوله: وفيه جمع بين الأخبار المختلفة
ظاهرا، وإن كان قد رده في كلامه المتقدم نقله عنه في صدر البحث بقوله وهو
تخصيص بغير مخصص وقد عرفت ما فيه آنفا.
الثالث خيار الشرط
والأصل فيه بعد الاجماع في التذكرة الأدلة العاملة من الأخبار الدالة
على وجوب الوفاء بالشرط إلا ما حرم حلالا وحلل حراما، والخاصة لهذا المقام
وها نحن نتلوا عليك جملة الأخبار المتعلقة بذلك عامها وخاصها، كما هي قاعدتنا

(1) حيث قال: ولو كان حيوانا بحيوان قوى ثبوته لهما كما يقوى ثبوته
للبايع وحده لو كان الثمن خاصة وهو ما قرن بالباء حيوانا، انتهى
منه رحمه الله.
31

في الكتاب في كل حكم وباب.
فمنها ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان (1)
عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: سمعته يقول: من اشترط شرطا مخالفا لكتاب
الله فلا يجوز له، ولا يجوز على الذي اشترط عليه، والمسلمون عند شروطهم فيما
وافق كتاب الله عز وجل.
وما رواه في الفقيه والتهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
(عليه السلام) " قال: المسلمون عند شروطهم، إلا كل شرط خالف كتاب الله عز وجل
فلا يجوز ".
وما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار (3) عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) " أن
علي بن أبي طالب (عليه السلام) كأن يقول: من شرط لامرأته شرطا فليف لها به، فإن
المسلمين عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما ".
ومنها ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (4) عن أبي
عبد الله (عليه السلام) " قال: سألته عن الشرط في الإماء ألا تباع ولا تورث ولا توهب؟
فقال: يجوز ذلك غير الميراث، فإنها تورث، وكل شرط خالف كتاب الله فهو "
(مردود) ".
ونحو هذه الرواية بهذا المضمون مرسلة جميل بن دراج، ومرسلة ثانية
له، والمشهور في كلام الأكثر أنه لو شرط ما ينافي مقتضى العقد كما لو شرط أن لا يبيعه

(1) الكافي ج (5) ص 169 التهذيب ج 7 ص 22.
(2) الفقيه ج 3 ص 127 التهذيب ج 7 ص 22.
(3) التهذيب ج 7 ص 467.
(4) الكافي ج 5 ص 212 في الكافي فهو (رد).
(5) التهذيب ج 7 ص 25.
32

أو لا يعتقه أو لا يطأ أو أو لا يهب، فهذه الشروط باطلة، والمشهور بطلان العقد بها أيضا.
ويظهر من بعض الأصحاب القول بلزوم أمثال هذه الشروط المشروعة،
والأخبار المذكورة تدل عليه، وعلى المشهور يمكن حملها على الاستحباب، بناء على
قواعدهم في أمثال هذه الأبواب.
ثم إن الفرق بين الميراث وغيره مما ذكر في الأخبار المذكورة لا يخلو من خفاء
وربما قيل بأن الفرق هو أن اشتراط عدم البيع والهبة اشتراط ما يتعلق بنفسه، واشتراط
عدم التوريث يتعلق بغيره، ولا أثر فيه لرضاه، ولا يخلو من تكلف، ومقتضى العقد
كتابا وسنة هو التصرف فيه بما شاء من أنواع التصرفات، فاشتراط منعه من ذلك كما
دلت عليه هذه الأخبار مشكل.
ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب في الموثق عن إسحاق بن عمار (1) قال:
" أخبرني من سمع أبا عبد الله (عليه السلام) " قال سأله رجل وأنا عنده فقال له: رجل مسلم
احتاج إلى بيع داره فمشى إلى أخيه فقال له: أبيعك داري هذه وتكون لك أحب إلي من
أن تكون لغيرك على أن تشترط لي إن أنا جئتك بثمنها إلى سنة أن ترد علي؟ فقال: لا بأس
بهذا إن جاء بثمنها إلى سنة ردها عليه قلت: فإنها كانت فيها غلة كثيرة فأخذ الغلة لمن
تكون؟ فقال: الغلة للمشتري، ألا ترى أنه لو احترقت لكانت من ماله).
ورواه الصدوق بطريقه إلى إسحاق بن عمار (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
سأله رجل الحديث.
وما رواه في التهذيب عن معاوية بن مسيرة (3) " قال: سمعت أبا الجارود يسأل

(1) الكافي ج 5 ص 171 التهذيب ج 7 ص 23.
(2) الفقيه ج 3 ص 128.
(3) التهذيب ج 7 ص 176.
33

أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل باع دارا له من رجل، وكان بينه وبين الرجل الذي
اشترى منه الدار حاصر، فشرط أنك إن أتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك
فأتاه بماله قال: له شرطه، قال له أبو الجارود: فإن ذلك الرجل قد أصاب في ذلك
المال في ثلاث سنين قال: هو ماله، وقال أبو عبد الله (عليه السلام): أرأيت لو أن الدار
احترقت من مال من كانت تكون الدار دار المشتري ".
وما رواه في الكافي عن سعيد بن يسار (1) في الصحيح قال: " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): إنا نخالط أناسا من أهل السواد وغيرهم، فنبيعهم ونربح عليهم
العشرة اثنا عشر والعشرة ثلاثة عشر ونؤخر ذلك فيما بيننا وبينهم السنة ونحوها،
ويكتب لنا الرجل على داره أو أرضه بذلك المال الذي فيه الفضل الذي أخذ منا شراء
(وقد باع) وقبض الثمن منه، فنعده إن هو جاء بالمال إلى وقت بيننا وبينه أن نرد
عليه الشراء، فإن جاء الوقت ولم يأتنا بالدراهم فهو لنا. فما ترى في ذلك الشراء؟
قال: أرى أنه لك إن لم يفعل، وإن جاء بالمال للوقت فرد عليه "
وما رواه الشيخ عن أبي الجارود (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) " قال: إن بعت
رجلا على شرط فإن أتاك بما لك وإلا فالبيع لك " والبيع في الخبر بمعنى الشراء، فإنه
من الأضداد كما ذكره أهل اللغة.
وتحقيق البحث في المقام بما يحصل به الإحاطة بأطراف الكلام وبيان ما يدخل
فيه من الأحكام يقع في مواضع.
الأول الأشهر الأظهر هو أنه متى كان الشرط سائغا في العقد، وجب على
المشروط عليه الوفاء به فإن امتنع كان للمشروط له اجباره عليه، فإن لم يمكنه رفع
أمره إلى الحاكم الشرعي فإن تعذر كان له خيار الفسخ، وقيل متى امتنع كان للمشروط
له اختيار الفسخ، وسيأتي إن شاء الله تعالى مزيد تحقيق للمسألة في محله (3)

(1) الكافي ج 5 ص 172 الفقيه ج 3 ص 128 وفيه (بأنه قد باعه).
(2) التهذيب ج 7 ص 23.
(3) وهو في المسألة الأولى من المقام الثاني في أحكام الخبار.
34

الثاني يجوز اشتراط مدة يرد فيها البايع الثمن إذا شاء ويرتجع المبيع
وفي هذا المقام أحكام.
الأول قد دلت موثقة إسحاق بن عمار وما بعدها من الأخبار على أنه يجوز
اشتراط مدة مضبوطة يرد فيها البايع الثمن إذا شاء ويرتجع المبيع، وظاهر الأخبار
المذكورة أنه يكفي مجرد اعطاء الثمن، والمفهوم من كلام الأصحاب من غير خلاف
بعرف أنه لا بد من الفسخ وأنه لا يكفي مجرد رد الثمن.
الثاني لو شرط في العقد رد المثل أو القيمة في تلك المدة لزم أيضا، قال في
الدروس: فليس للبايع الفسخ بدون رد الثمن أو مثله ولا يحمل الاطلاق على العين،
ولو شرط رد العين احتمل الجواز انتهى.
الثالث المشهور أنه لا يتوقف الفسخ أو الامضاء على حضور الآخر أو الحاكم.
نعم ثبوته يتوقف على الاشهاد مع النزاع، ونقل في الدروس عن ابن الجنيد أنه يشترط
في الخيار المختص للفسخ أو الامضاء الحضور أو حكم الحاكم أو الاشهاد قال:
وفي المشترك لا ينفذا لفسخ والامضاء إلا بحضورهما ونقل عن ابن حمزة أنه لا بد في
المشترك من اجتماعهما على الفسخ أو لا إمضاء.
وفي المبسوط لا خلاف في جواز الامضاء بغير حضور الآخر، والظاهر أن
ما ذهب إليه ابن الجنيد هنا هو مذهب العامة، فإنه قد نقل المحقق الشيخ علي (رحمه الله)
في شرح القواعد توقف الفسخ على أحد الأمرين المذكورين عن أبي حنيفة.
وأنت خبير بأن الروايات المذكورة خالية من التعرض لذكر الفسخ، كما
قدمنا الإشارة إليه، وليس فيها أزيد من رد الثمن في المدة المضروبة وظاهره هو الرد على المشتري ودفعه إليه، ولو جعل رد الثمن فيها كناية عن الفسخ مثلا،
فظاهرها اشتراط حضور المشتري ليفسخ البايع بعد دفع الثمن أو مثله إليه، فما
ذكروه من جواز الفسخ مع عدم حضور المشتري وجعل الثمن أمانة إلى أن يجئ
35

المشتري، وإن كان ظاهرهم الاتفاق عليه عدا من تقدم ذكره، إلا أنه بعيد عن سياق
الأخبار المذكورة كما لا يخفي على المتأمل فيها.
الرابع الظاهر أنه لا فرق (1) في هذا الشرط بين وقوعه من البايع بأن يقول:
بعتك هذه الدار بشرط أن تردها علي إذا أتيتك بالثمن في ضمن شهر، أو من المشتري
بأن يشترط له أنك إن أتيتني بالثمن في ضمن المدة المعلومة، رجعت عليك المبيع
والذي تضمنته الأخبار المتقدمة الثاني.
قال في الدروس: يجوز اشتراط ارتجاع المبيع عند رد الثمن مع تعيين المدة
فليس للبايع الفسخ بدون رد الثمن أو مثله، ثم قال: ولو شرط المشتري ارتجاع الثمن
إذا رد المبيع جاز، ويكون الفسخ مشروطا برد المبيع، فلو فسخ قبله لغى انتهى.
أقول ظاهر الأخبار المتقدمة أنه بعد وقوع العقد مشتملا على هذا الشرط من
البايع أو المشتري فإنه بمجرد رد البايع الثمن في المدة المضروبة يجب على المشتري
رفع اليد عن المبيع وتسليط البايع عليه لقوله (عليه السلام) في موثقة إسحاق (2)
" إن جاء بثمنها إلى سنة ردها عليه " وفي رواية معاوية فأتاه بماله قال: له شرطه،
وقوله في صحيحة سعيد بن يسار (3) " إن جاء بالمال في الوقت فرد عليه ".
وظاهر هذه العبارات أن الفسخ يحصل بمجرد رد الثمن في المدة المضروبة وأنه
يجب على المشتري رد المبيع ورفع يده عنه.
وبه يظهر ما في عبارة الدروس المذكورة وغيرها من اعتبار الفسخ وتفريع

(1) لقوله في خبر إسحاق إن جئت بثمنها إلى سنة، وفي رواية معاوية
إلى ما بين ثلاث سنين وقوله في رواية سعيد بن يسار ولم يأتنا بالدراهم
وفي رواية أبي الجارود فإن أتاك بمالك والجميع كما ترى ظاهر في أنه
لا بد من رده على المشتري منه رحمه الله.
(2) الوسائل الباب 8 أبواب الخيار الرقم 1 التهذيب ج 237 الرقم 13
(3) التهذيب ج 7 ص 23 الرقم 12.
36

ما ذكروه من الأحكام عليه فإن دخوله تحت الأخبار المذكورة لا يخلو من غموض
وخفاء.
الخامس قال في الدروس لو شرط ارتجاع بعضه ببعض الثمن أو الخيار في
بعضه ففي الجواز نظر.
أقول: الظاهر أن وجه النظر المذكور ينشأ من مخالفة النصوص الواردة
في المسألة وكون هذا الفرد خارجا عنها، ومن عموم " المؤمنون عند شروطهم ".
وفي المسالك استوجه الثاني ولا يخلو من قرب، فإن النصوص المذكورة
لا دلالة فيها على حصر الصحة في الصورة المذكورة فيها، وأن ما عداها غير جائز
مع أن هذا الشرط سائغ في حد ذاته ولا مانع منه.
الثالث من المواضع المتقدمة هل يملك المبيع بالعقد أو بمضي مدة الخيار
قولان، وسيأتي تحقيق المسألة انشاء الله تعالى في المقام الثاني في الأحكام.
الرابع قد دلت الأخبار المتقدمة على أن منافع المبيع ضمن مدة الخيار
للمشتري، وتلفه من المشتري فيكون ملكا له، وهو موافق للمشهور من أن التلف بعد
القبض في زمن الخيار من مال من لا خيار له.
وهذا في صورة ما لو كان الخيار للبايع، وأما لو كان الخيار للمشتري كما
تقدم في خيار الحيوان فإن تلفه من البايع، كما تضمنته صحيحة عبد الله بن سنان (1)
المتقدمة في خيار الحيوان وقوله فيها " فإن كان بينهما شرط أياما معدودة فهلك في يد
المشتري قبل أن يمضي الشرط فهو من مال البايع " وهذا أيضا جار على مقتضى
القاعدة المتقدمة، وهي أن تلف المبيع بعد القبض فهو من مال من لا خيار له.
وتمام الكلام في ذلك يأتي انشاء الله تعالى في المقام الثاني.

(1) التهذيب ج 7 ص 24 الرقم 20 الوسائل الباب 8 من أبواب الخيار
الرقم 2.
37

الخامس قد تقدم أنه لا بد من كون الشرط في متن العقد بين الإيجاب والقبول
قال في التذكرة: ولا اعتداد بالشرط قبله أو بعده.
السادس خيار الشرط ثابت لمن اشترطه سواء كانا هما معا، أو أحدهما
أو أجنبيا، أو أحدهما مع أجنبي، من غير خلاف يعرف ومستنده عموم أدلة وجوب
الوفاء بالشروط المتقدم ذكرها.
السابع يجب أن يكون المدة مضبوطة، والوجه فيه رفع الجهالة المبطلة
للعقد، وأن الأجل كما صرحوا به له قسط من الثمن، فيؤول إلى جهالة أحد العوضين، وأن
تكون متصلة بالعقد أو منفصلة عنه مع ضبطها، فلو شرطاها متأخرة صار العقد لازما بعد
المجلس وجائزا فيها، أما اتصالها بالعقد فوجهه ظاهر مما تقدم في خيار الحيوان،
وأما جواز اشتراط تأخيرها فوجهه كون الشرط المذكور سائغا، فيصح اشتراطه، وفي
جواز جعل المدة متفرقة قولان، ولو لم تكن المدة مضبوطة كقدوم الحاج مثلا
أو ادراك الغلة بطل الشرط قولا واحدا.
وهل يبطل العقد قولان: المشهور البطلان، وهذا جار في كل عقد اشتمل على
شرط فاسد، وقيل بصحة العقد وإن بطل الشرط.
وقد تقدم تحقيق هذه المسألة والكلام فيها في المقدمة الحادية عشر (1) من
مقدمات كتاب الطهارة، ولو أطلقا ولم يعينا مدة فالمشهور أنه لا يصح ونقل عن الشيخ
الصحة وأنه ثلاثة أيام مدعيا فيه النص والاجماع، ورد بعدم وجود خيار الثلاثة في
الأخبار إلا في خيار الحيوان وأما الاجماع فأوضح، حيث لم يقل ذلك سواه.
والظاهر أن الوجه في وجوب ضبط المدة كما اشترطوه هو رفع الجهالة
المبطلة للعقد وأن الأجل له قسط من الثمن فيؤول إلى جهل أحد العوضين.
الثامن قد تقدم النقل عن الشيخ بأن مبدأ هذا الخيار بعد التفرق من المجلس
ولم نقف له على دليل، وثبوت خيار المجلس بأصل الشرع لا يدل على كون مدة
الخيار المشروط غير ذلك، حتى يكون ابتداؤه بعد انقضاء ذلك، إذ لا مانع من

(1) ج 1 ص 133.
38

التداخل في بعض المدة كما مر في خيار الحيوان (1).
التاسع قال بعض المحققين (2) والظاهر عدم سقوط هذا الخيار بالتصرف
لما مر وسيجئ ولا بالشرط، وهو ظاهر. نعم يمكن بالاسقاط والالتزام بعده كما
في غيره.
والعمدة في ذلك قول الأصحاب (رضي الله عنهم) في الكل والتسلط
للانسان على ماله، والترغيب على العمل بالقول وعدم مخالف له، ولأنه لا شك
في لزوم الفسخ باختياره، وكذا اللزوم.
ويدل عليه أيضا رواية السكوني (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " أن
أمير المؤمنين صلوات الله عليه قضى في رجل اشترى ثوبا بشرط إلى نصف النهار فعرض
له ربح فأراد بيعه، قال: ليشهد أنه قد رضيه واستوجبه ثم ليبعه إن شاء، فإن أقامه في
السوق ولم يبع فقد وجب عليه ". انتهى. وهو جيد.
وحمل بعض الأصحاب الأمر بالاشهاد هنا على الارشاد لرفع النزاع أو
الاستحباب، والخبر صريح في أنه مع الالتزام بالعقد يسقط الخيار، وظاهره أيضا
أنه يسقط بالتصرف، وأن إقامته في السوق وجعله في معرض البيع وإن لم يبعه تصرف
مسقط للخيار.
العاشر قد صرح الأصحاب بأنه يجوز اشتراط المؤامرة يعني اشتراطهما أو
أحدهما استيمار من سمياه والرجوع إلى أمره مدة مضبوطة، فيلزم العقد من جهتهما
ويتوقف على أمره، فإن أمر بالفسخ جاز للمشروط له استيماره والفسخ، والظاهر أنه
لا يتعين عليه، لأن الشرط إنما هو مجرد استيماره لا الالتزام بقوله، وإن أمر بالالتزام

(1) ص 25.
(2) هو المحقق الأردبيلي قدس سره في شرح الإرشاد منه رحمه الله.
(3) الكافي ج 5 ص 173 التهذيب ج 7 ص 23.
39

لم يكن له الفسخ قطعا، وإن كان الفسخ أصلح عملا بالشرط
قال: في التذكرة: وليس للشارط أن يفسخ حتى يستأمر ويأمره بالرد، لأنه جعل
الخيار إليه دونه. قيل: ويمكن أن يكون له الفسخ قبلها، والمخالفة لعدم لزومه. إلا
أن يشترط ذلك. قال في التذكرة: هذا القول الثاني للشافعي. كما أن الأول قوله الأول،
وهو المعتمد. مع أنه في التحرير قال بهذا القول الثاني فقال: وله الفسخ قبل الاستيمار.
أقول لا ريب أن جواز اشتراط الاستيمار كما هو أصل المسألة لا اشكال فيه،
لأنه من الشروط السائغة، فلا مانع من اشتراطها، فإن أمره بالفسخ تسلط على الفسخ،
وله الخيار بين أن يفسخ وبين أن لا يفسخ، كما في سائر مواضع الخيار، وإن أمره
بالالتزام الذي هو مقتضى العقد فليس له المخالفة، وإن كان الفسخ أصلح، لأنه
لا يتسلط على الفسخ إلا بالشرط، له وهو لم يشترط لنفسه والفرق بين المؤامرة وجعل
الخيار لأجنبي أن الغرض من المؤامرة الانتهاء إلى أمره، فليس لذلك المستأمر بفتح
الميم الفسخ أو الالتزام، وإنما إليه الأمر والرأي خاصة بخلاف من جعل له الخيار.
الرابع خيار الغبن
بسكون الباء وأصله الخديعة، والمراد هنا البيع والشراء بغير القيمة مع الجهالة
إذا كان الغبن بما لا يتسامح به غالبا بأن شراه بزيادة على القيمة أو باع بنقصان عنها
فالمرجع فيه إلى العادة لعدم تقديره شرعا، وهذا النوع من الخيار لم يذكره كثير
من المتقدمين، والقول به إنما ثبت عن الشيخ وأتباعه، ونقل في الدروس وكذا
في المسالك عن المحقق في الدرس القول بعدمه.
ويظهر من التذكرة عدم الخلاف فيه بين علمائنا (1)، والمشهور بين

(1) قال في التذكرة: وهو أي خيار الغبن ثابت عند علمائنا وبه قال مالك
وأحمد لقوله لا ضرر ولا ضرار في الاسلام، ولقوله إلا أن تكون تجارة عن
تراض منكم، ومعلوم بأن المغبون لو عرف الحال لم يرض، ولأن النبي
صلى الله عليه وآله أثبت الخيار في التلقي وإنما أثبته للغبن، وقال إنما
يثبت للمغبون خاصة اجماعا منه رحمه الله.
40

المتأخرين ثبوته، واعترف جمع من المتأخرين بأنهم لم يقفوا في النصوص على نص
عليه بالخصوص، وإنما ورد في تلقي الركبان تخيرهم إذا غبنوا.
واستدلوا عليه أيضا بحديث الضرار (1)، وما ذكروه من حديث الغبن في
تلقي الركبان لم أقف عليه في كتب الأخبار، ولا في كتب الفروع أيضا ويمكن أن
يستدل عليه بما رواه في الكافي (2) عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" قال: غبن المسترسل سحت ".
وعن ميسر (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: غبن المؤمن حرام " وفي
رواية " لا يغبن المسترسل فإن غبنه لا يحل ".
قال في كتاب مجمع البحرين: والاسترسال: الاستيناس، والطمأنينة إلى
الانسان والثقة به فيما يحدثه وأصله السكون والثبات، ومنه الحديث أيما مسلم استرسل
إلى مسلم فغبنه فهو كذا، ومنه غبن المسترسل سحت، انتهى، وظاهره وجود حديث
رابع زائد على ما نقلناه.
وبالجملة فهذه الأخبار وإن كانت مطلقة إلا أنها دالة باطلاقها على ما نحن
فيه من تحريم الغبن في البيع والمنع منه، وحينئذ فيثبت لصاحبه الخيار.
وكيف كان فثبوته عند الأصحاب مشروط بأمرين كما تقدمت الإشارة إليه.
أحدهما جهالة المغبون بالقيمة وقت العقد، فلو عرف القيمة ثم زاد أو نقص مع علمه،
أو تجددت الزيادة أو النقيصة بعد العقد فلا غبن والأخيار اجماعا، كما نقله المسالك.
ثانيهما أن يكون الغبن الذي هو عبارة عن الزيادة والنقيصة فاحشا لا يتسامح
بمثله عادة، مثل أن يبيع ما يساوي مئة: بخمسين ونحوها فلو كان يسيرا

(1) أقول من أخبار الضرار موثقة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في
حديث أن الرسول صلى الله عليه وآله قال: لا ضرر ولا ضرار. ورواية عقبة
ابن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث أن الرسول صلى الله عليه
وآله قال: لا ضرر ولا ضرار على مؤمن ونحوهما غيرهما منه رحمه الله.
(2 3) الكافي ج 5 ص 153 التهذيب ج 7 ص 7 الفقيه ج 3 173
41

يتسامح به كالدرهم بل الأربعة والخمسة في المأة فلا غبن.
وقد عرفت أن مرجع ذلك عندهم إلى العرف حيث لا تقدير له في الشرع
وطريق معرفة الثاني ظاهرة، لأنه يمكن إقامة البينة على القيمة فيناط بها.
وأما الأول فإن أمكن إقامة البينة عليه فكذلك وإلا فإن ادعاه مع معلومية عدم إمكان
ذلك في حقه حيث يعلم ممارسته لذلك النوع في ذلك الزمان بحيث لا يخفى عليه
قيمته لم يقبل قوله، وإلا ففي القبول اشكال ينشأ من أصالة عدم العلم، ولأن العلم
والجهل من الأمور التي تخفى غالبا ولا يطلع عليها إلا من قبل من هي به، ومن أصالة لزوم العقد ووجوب الوفاء به فيستصحب إلى أن يثبت المزيل.
وقوى في الروضة الأول، قال: والأقوى قبول قوله في الجهالة بيمينه مع
إمكانها في حقه، واستظهره في المسالك أيضا إلا أنه احتمل فيه الثاني، ثم استشكل
فيه بأنه ربما تعذر إقامة البينة، ولم يمكن معرفة الخصم بالحال، فلا يمكنه الحلف على
عدمه فتسقط الدعوى بغير بينة ولا يمين. وما ذكره قدس سره جيد بناء على قواعدهم
إلا أن المسألة لخلوها من النص الواضح موضع توقف.
وحيث ثبت الغبن فإنه يتخير المغبون بين الرد والامساك مجانا، وليس له
الأرش اجماعا كما ذكره في التذكرة، والمشهور في كلام المتأخرين أنه لا يسقط
الخيار ببذل الغابن التفاوت، وإن انتفى موجبه استصحابا لما ثبت قبله.
نعم لو اتفقا على اسقاطه بالعوض صح كغيره من الخيار، وفيه نظر لأنه إن كان
مدرك هذا النوع من الخيار خبر الضرار كما اعترفوا به، فقضية ذلك أن يكون الضرار،
هو المدار، وظاهر أن بذل التفاوت يدفعه، فينبغي القطع بعدم الخيار اقتصارا فيما
خالف الأصل على القدر المتيقن ومحل الضرورة، وإن كان الاجماع فقد عرفت
عدم ثبوته، لما ذكره في الدروس وغيره من عدم ذكر كثير من المتقدمين لهذا الخيار
وما نقل عن المحقق آنفا.
42

وتردد العلامة في التذكرة هنا فقال: ولو دفع الغابن التفاوت احتمل سقوط خيار
المغبون لانتفاء موجبه وهو النقص، وعدمه لأنه ثبت له، فلا يزول عنه إلا بسبب شرعي
انتهى. مع أنه قد ادعى الاجماع على عدم ثبوت الأرش به، قالوا ولا يسقط الخيار
هنا بالتصرف وظاهرهم أنه سواء كان المتصرف الغابن في مال المغبون أو بالعكس
خرج به عن الملك كالبيع أم منع من الرد كالاستيلاد أم لا.
ولهم في هذه المسألة تفاصيل وشقوق عديدة أنهاها شيخنا في الروضة والمسالك
إلى ما يزيد على مأتي مسألة، وأطال في تقريرها، وليس في التعرض لذكرها مزيد فايدة
مع خلوها من النصوص على العموم والخصوص. فمن أحب الوقوف عليها فليرجع
إلى أحد الكتابين المشار إليهما.
والمشهور أن الخيار هنا فوري وقيل: بأنه على التراخي، وعلل الأول
بعموم الأمر، بالوفاء بالعقود، وإن الأصل بناء العقود على اللزوم، فيقتصر فيما
خالفه على موضوع اليقين، وهو المقدار الذي يمكن حصوله فيه، ولاقتضاء التراخي
الاضرار بالمردود عليه حيث يختلف الزمان، ويؤدي إلي تغيير المبيع.
ولا يخفى ما في بناءا الأحكام الشرعية على مثل هذه الوجوه من المجازفة
وعلل الثاني بثبوت أصل الخيار فيستصحب إلى أن يثبت المزيل لانتفاء الدليل على
خصوص الفورية، ولا يخفى أن هذا هو الأقرب، والأنسب بقواعدهم والأربط
بضوابطهم.

(1) وجه المدافعة هوان مقتضى دعوى الاجماع من أنه لا يجب عليه به أرش
أن يكون له الخيار وإن بذل الغابن الغبن، وذلك لأن اللازم من الغبن والمترتب
عليه إنما هو إما هو الخيار بين الامساك مجانا أو الرد، لا التفاوت بين الثمن
والقيمة الموجب للغبن سواء بذله الغابن أم لا وهذا هو الذي ادعى عليه
الاجماع، فكيف يتردد مع بذل الغابن الغبن، مع أنه ليس بما يترتب على الغبن
وإنما يترتب عليه مجرد الخيار منه رحمه الله.
43

وبالجملة فأصالة العدم أقوى مستند في المقام حتى يقوم دليل على خلاف
ذلك ولو جهل الخيار أو الفورية فالظاهر أنه لا خلاف في العذر إلى أن يعلم ذلك.
الخامس خيار التأخير
أي تأخير اقباض الثمن أو المثمن عن ثلاثة أيام، فلو باع ولم يقبض الثمن
ولا سلم المبيع ولا اشترط تأخير الثمن، فالبيع لازم ثلاثة أيام، فإن جاء المشتري
بالثمن فيها، وإلا كان البايع أولى بالمبيع، والأصل فيه بعد الاجماع الأخبار الواردة
عن أهل العصمة عليهم السلام.
ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح (1) عن علي بن يقطين " أنه سأل أبا الحسن
(عليه السلام) عن الرجل يبيع البيع، ولا يقبضه صاحبه ولا يقبض الثمن قال: الأجل
بينهما ثلاثة أيام، فإن قبض بيعه، وإلا فلا بيع بينهما ".
وعن إسحاق بن عمار (2) عن عبد صالح عليه السلام قال: " من اشترى
بيعا فمضت ثلاثة أيام، ولم يجئ فلا بيع له " ورواه في الفقيه بطريقه إلى إسحاق
ابن عمار مثله.
وما رواه في الكافي والتهذيب (3) عن عبد الرحمن بن الحجاج " قال:
اشتريت محملا، وأعطيت بعض ثمنه، وتركته عند صاحبه ثم احتبست أياما ثم
جئت إلى بايع المحمل لأخذه فقال: قد بعته فضحكت ثم قلت: لا والله لا أدعك
أو أقاضيك فقال لي: أترضى بأبي بكر بن عياش؟ قلت: نعم فأتيناه فقصصنا عليه قصتنا،
فقال أبو بكر: بقول من تحب أن أقضي بينكما بقول صاحبك أو غيره؟ قال: قلت:
بقول صاحبي قال: سمعته يقول: من اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه وبين ثلاثة
أيام وإلا فلا بيع له ".

(1) التهذيب ج 7 ص 22 الرقم 9.
(2) التهذيب ج 7 ص 22 الرقم 8.
(3) التهذيب ج 7 ص 21 الرقم 7 الكافي ج 5 ص 172.
44

وما رواه في الفقيه (1) في الصحيح عن جميل عن زرارة عن أبي جعفر (ع)
" قال: قلت له: الرجل يشتري من الرجل المتاع ثم يدعه عنده، فيقول: حتى
آتيك بثمنه؟ قال: إن جاء بثمنه فيما بينه وبين ثلاثة أيام، وإلا فلا بيع له " ورواه
في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة مثله:
ورواه في التهذيب بسند فيه علي بن حديد عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)
مثله، وطعن في هذه الرواية المحقق الأردبيلي (رحمه الله) في شرح الإرشاد
بوجود علي بن حديد بناء على نقله لها عن التهذيب، وغفل عن مراجعة الكتابين
الآخرين ثم اعتذر عن ضعفها بما هو أضعف، من اصطلاحه الذي بنا عليه.
وأما ما رواه الشيخ بسند معتبر عن علي بن يقطين (2) قال: " سألت أبا
الحسن (عليه السلام) عن رجل اشترى جارية وقال: أجيئك بالثمن، فقال: إن
جاء فيما بينه وبين شهر، وإلا فلا بيع له " (3) فهو غير معمول عليه عند الأصحاب،
ولا قائل به، وربما حمل على استحباب الصبر له، وعدم الفسخ إلى مضي المدة
المذكورة.
وتحقيق البحث في المقام وبيان ما فيه من الأحكام يقع في مواضع:
الأول هذا الخيار مشروط عند الأصحاب بشروط ثلاثة، أحدها عدم قبض
الثمن، والثاني عدم قبض المبيع، والثالث عدم اشتراط التأجيل في الثمن والمثمن
وبعض كل منهما ولو ساعة، والثلاثة ظاهرة من الأخبار المذكورة وقبض
بعض من كل منهما كلا قبض، مجتمعا ومنفردا لصدق عدم قبض الثمن واقباض المثمن
الذي دلت عليه الروايات.
ولو قبض الجميع أو أقبض فلا خيار لاختلال أحد الشروط المتقدمة، وهو

(1) الفقيه ج 3 ص 127 الكافي ج 5 ص 171 التهذيب ج 7 ص 21
الرقم 5.
(2) التهذيب ج 7 ص 80 الرقم 56.
(3) ظاهر الصدوق في المقنع القول بالخبر المذكور حيث قال: " إذا
اشترى رجل من رجل جارية وقال: أجيئك بالثمن فإن جاء فيما بينه وبين
شهر وإلا فلا بيع له " منه رحمه الله.
45

الأول (1) على الأول، والثاني على الثاني، وشرط القبض المانع من الخيار كونه
بإذن المالك، فلا أثر لما يقع بدونه، وكذا لا أثر لما لو ظهر مستحقا لغير المالك
أو بعضه.
الثاني قد صرحوا بأنه لا يسقط هذا الخيار بمطالبة البايع بالثمن بعد الثلاثة،
وإن كان قرينة الرضا بالعقد، مستندين في ذلك إلى الاستصحاب، وهو جيد، بناء
على أصولهم من حجية مثل هذا الاستصحاب وقد تقدم الكلام فيه في مقدمات
الكتاب.
ومن ظاهر اتفاقهم على توقف بطلان العقد وانفكاكه على الفسخ فيما لم
يختر الفسخ بعد الثلاثة، فإن البيع باق وله المطالبة بالثمن، وأن المطالبة لا يستلزم
زوال خياره وإن كانت مؤذنة بالرضا بالعقد.
وأنت خبير بأن المفهوم من ظواهر الأخبار المذكورة هو انفساخ البيع من
نفسه بعد مضي الثلاثة، من غير توقف على فسخ لقوله (عليه السلام) في الأخبار المتقدمة،
وإلا فلا بيع له ومقتضاه بطلان البيع بعد الثلاثة إذا لم يحصل قبض الثمن أو الثمن
في ضمن تلك الثلاثة، لا أنه يبقى البيع، وكذا الخيار.
بل ظاهر الأخبار أنه لا خيار هنا بالكلية، فإن غاية ما تدل عليه الأخبار هو أن
البيع مع عدم القبض والاقباض وعدم اشتراط التأجيل صحيح، ولزومه مراعى بهذه
الثلاثة، فإن حصل القبض والاقباض أو أحدهما فيها لزم البيع، وإلا بطل من أصله

(1) وهو الأول أي الشرط الأول بناء على الفرض الأول هنا وهو قولنا
قبض الجميع، والثاني أي اختلال الشرط الثاني على الفرض الثاني هنا،
هو قولنا أو أقبض منه رحمه الله.
46

وأما أن البيع بعد الثلاثة باق والبايع مخير في الفسخ أو الصبر إلى أن يأتي المشتري
بالثمن، فلا دلالة في الأخبار عليه بوجه كما لا يخفى على المتأمل في سياقها.
وقد نقل القول بالبطلان هنا عن ظاهر ابن الجنيد والشيخ، وبه اعترف
العلامة في المختلف، وإن أجاب بما لا يجدي نفعا قال في الكتاب المذكور: قال
ابن الجنيد (رحمة الله عليه): إذا خرجت الثلاثة ولم يأت بالثمن فلا بيع.
وفي المبسوط روى أصحابنا إذا اشترى شيئا بعينه بثمن معلوم، وقال للبايع
أجيئك بالثمن ومضى فإن جاء في مدة الثلاثة كان المبيع له، وإن لم يجئ في هذه
المدة بطل البيع.
وظاهر هذه العبارة يوهم بطلان البيع بعد مضي الثلاثة.
والذي نص عليه المفيد والشيخ في النهاية أنه يكون للبايع الخيار إن شاء
فسخ البيع، وإن شاء طالب بالثمن، وهو الحق، لنا الأصل بقاء صحة العقد. والأخبار
تعطي الذي قاله الشيخ أولا وابن الجنيد، ثم نقل صحيحة زرارة المتقدمة وصحيحة
علي بن يقطين، ثم قال: والجواب الحمل على أنه لا بيع لازم له.
أقول: فيه إن ما ذكره من التأويل مع تعسفه وبعده يتوقف على وجود المعارض
ولا معارض هنا إلا ما يدعيه من أن الأصل بقاء صحة العقد، وهو أصل غير متأصل (1)

(1) أقول: فإن فرض عدم لزومه في الثلاثة باعتبار تطرق البطلان عليه من جهة
عدم التقابض، وإنما يلزم تصير بيعا مانعا من الرجوع بذلك، وعدم
اللزوم بعد الثلاثة باعتبار الخيار الذي للبايع كما يدعونه فإنه مسلط
على الفسخ فالحالان مشتركان في عدم لزوم البيع وتمامه وإن اختلف
الوجه في كل منهما.
وأما قولهم إن البيع لازم ثلاثة أيام فإنما يريدون به من حيث عدم
الخيار في ضمن ثلاثة أيام، فلو لم يحصل بطل على أحد القولين،
وصار غير لازم من جهة الخيار على القول المشهور، منه رحمه الله.
47

وكيف يكون الأصل بقاؤه مع تصريح الأخبار بأنه لا بيع بعد مضي الثلاثة،
وكيف يختص النفي باللزوم كما ادعاه مع أنه في ضمن الثلاثة كذلك، لأن لزومه
مراعى بحصول التقابض في ضمن الثلاثة منهما أو قبض أحدهما، وإن اختلف وجه
عدم اللزوم في الحالين.
وبالجملة فإن الحق هو ما ذهب إليه ابن الجنيد والشيخ هنا كما هو ظاهر
الأخبار المذكورة والله العالم.
الثالث لو بذل المشتري الثمن بعد الثلاثة، قيل، يحتمل سقوط الخيار:
وهو الذي قطع به العلامة في كتبه، محتجا بزوال المقتضي لثبوته، وهو الضرر
بالتأخير.
وقيل: يحتمل بقاؤه، عملا بالاستصحاب، وزوال مقتضيه بعد ثبوته لم يؤثر
في نظائره.
أقول والأظهر بناء على ما قدمنا تحقيقه من بطلان البيع بعد الثلاثة أن
لا ثمرة لهذا الفرع بالكلية، حتى يترتب عليه هذان الاحتمالان، ومع الاغماض
عما ذكرنا والجري على مقتضى كلامهم في هذا المقام، فإن الأقوى ما ذهب إليه
العلامة، لأن التمسك بهذا الاستصحاب الذي يكررونه في هذه الأبواب غير مجد نفعا
كما حققنا في مقدمات الكتاب.
الرابع الظاهر أنه لا خلاف في أنه لو تلف المبيع بعد الثلاثة، فإنه من مال
البايع لما تقرر من القاعدة من أنه متى تلف قبل القبض فهو من مال البايع.
ويعضده ظواهر الأخبار المتقدمة الدالة على أنه بعد الثلاثة لا بيع له، وسيما على
ما اخترناه من بطلان البيع بعد الثلاثة فإنه من مال بايعه، إنما الخلاف فيما لو هلك في
الثلاثة، فالمشهور أنه كذلك.

(1) ج 1 ص 51.
48

وقال المفيد: يكون التلف من المشتري، وهو مذهب المرتضى (رضي الله عنه)
وسلار وجمع ممن تبعهم، وعن ابن حمزة أنه إن عرض البايع تسليمه على المشتري
ولم يتسلمه فهو من مال المشتري، وإلا فمن البايع. وهو ظاهر أبي الصلاح حيث قال:
فإن كان تأخيره من قبل المبتاع فهلاكه ونقصه من ماله.
وأورد على القول المذكور بأن العرض على البايع لا يقوم مقام القبض إلا أن
يمتنع المشتري من القبض، ولا يرضى به البايع ببقائه في يده، وحينئذ فلا فرق بين
التلف في الثلاثة أو بعدها في كونه من المشتري، بل يخرج على هذا الفرض عن محل
المسألة، وهذا المعنى أقرب في عبارة أبي الصلاح.
ويدل على القول المشهور رواية عقبة بن خالد المروية في الكافي (1) عن أبي
عبد الله (عليه السلام) " في رجل اشترى متاعا من رجل وأوجبه غير أنه ترك المتاع عنده
ولم يقبضه قال: آتيك غدا إن شاء الله تعالى فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال:
من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع، ويخرجه من بيته، فإذا أخرجه
من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد إليه ماله ".
ونقل بعض المحققين (2) أنه روي عنه صلى الله عليه وآله " كل مبيع تلف
قبل قبضه فهو من مال بايعه "، ولم أقف عليها فيما وصل إلينا من الأخبار.
ويؤيده أيضا دخوله تحت القاعدة المتقدمة، لأنه يصدق عليه أنه تلف قبل القبض
وهذه الرواية من أدلة هذه القاعدة، وظاهرها أنه مضمون على البايع ما دام لم يقبضه
المشتري، ويخرجه من بيته في الثلاثة وبعد الثلاثة.

(1) الكافي ج 5 ص 172 الوسائل الباب 10 من أبواب الخيار الرقم 1
(2) هو المحقق الأردبيلي قدس سره في شرح الإرشاد ونقله في موضع
آخر عن العلامة في التذكرة منه رحمه الله.
(3) المستدرك ج 2 ص 473.
49

وعن المفيد التعليل لما ذهب إليه بأن المبيع انتقل إليه، فيكون ضمانه عليه،
والتأخير لمصلحته، وأجاب في المختلف بالمنع من الملازمة، ونفى البأس عن قول
ابن حمزة، وظاهر أبي الصلاح، مع اختياره القول المشهور، وقد عرفت ما فيه.
وبالجملة فالظاهر هو القول المشهور لما عرفت والله العالم.
الخامس قد عرفت سابقا أنه لو قبض البايع الثمن أو المشتري المبيع فإنه
لا خيار، ونقل في الدروس عن الشيخ بأن له قولا بأنه لو قبض المبيع وتعذر
الثمن فإن للبايع الفسخ، ثم قال: وفيه قوة.
قال في المسالك: " وكان مستنده خبر الضرار، إذ لا نص فيه بخصوصه،
وليس ببعيد، إلا أن التمسك بلزوم العقد ووجوب الوفاء به أقوى، وأخذه مقاصة لدفع
الضرر إن تمكن من أخذ العين، وإلا فلا يدفع بالفسخ انتهى وهو جيد.
السادس قال في المختلف: لو قبضه المشتري ثم تلف، فإن كان في مدة
الثلاثة كان من مال المشتري دون البايع، وإن هلك بعدها فكلام الشيخ يشعر بأنه من
مال البايع.
واحتج بأن له الخيار بعد انقضاء الثلاثة، لأن عبارته هكذا إذا باع الانسان
شيئا ولم يقبض المتاع ولا قبض الثمن ومضى المبتاع، فإن العقد موقوف ثلاثة
أيام، فإن جاء المبتاع في مدة ثلاثة أيام كان المبيع له، وإن مضى ثلاثة أيام كان
البايع أولى بالمتاع، فإن هلك المتاع في هذه الثلاثة أيام ولم يكن قبضه إياه كان
من مال البايع دون مال المبتاع، وإن كان قبضه إياه ثم هلك في مدة الثلاثة كان
من مال المبتاع دون مال البايع، وإن هلك بعد الثلاثة أيام كان من مال البايع على
كل حال. وفيه نظر إذ مع القبض يلزم البيع. انتهى.
وهو جيد إلا أن من المحتمل وإن بعد بالنسبة إلى سياق العبارة المذكورة
إلا أنه غير بعيد بالنسبة إلى طريقة الشيخ في التعبير، وهو الموافق للقواعد،
50

إذ يبعد من الشيخ كل البعد إرادة ما دلت عليه العبارة بظاهرها أن يكون قوله أخيرا
" وإن هلك بعد الثلاثة أيام " إنما هو بالنسبة إلى صورة عدم القبض، فيكون قسيما لقوله
فإن هلك المتاع في هذه الثلاثة، ولم يكن قبضه إياه كان من مال البايع دون مال
المبتاع، وإن هلك بعدها كان من مال البايع على كل حال. يعني أنه أولى بأن
يكون من مال البايع لمضي الثلاثة القاطعة لتعلق المشتري به بخلاف ما إذا كان
في ضمن الثلاثة التي هو فيها مال المشتري، ويكون جملة وإن كان قبضه إياه ثم
هلك إلى آخره متوسطة بين الجملتين المتعاطفتين.
السابع قال في المختلف أيضا لم يفرق الشيخان وأتباعهما بين الحيوان
وغيره في التربص ثلاثة أيام، وقال في المقنع إذا اشترى رجل من رجل جارية فقال
أجيئك بالثمن، فإن جاء فيما بينه وبين شهر وإلا فلا بيع له، وإذا اشترى ما يفسد
من يومه كالبقول فإن جاء ما بينه وبين الليل وإلا فلا بيع له، وإذا اشترى ما لا يفسد
من يومه فإن جاء فيما بينه وبين ثلاثة أيام وإلا فلا بيع له. انتهى.
ليس في كلام المقنع رحمه الله هنا مما يدل على مخالفة الأصحاب في هذه
المسألة بالنسبة إلى الحيوان، لأن قوله " وإذا اشترى ما لا يفسد " إلى آخره شامل للحيوان
وغيره وقوله " إذا اشترى رجل جارية " إلى آخره لا يدخل على أن هذا خيار الحيوان
بجميع أفراده بأن يحمل ذكر الجارية على التمثيل.
وإنما هذا فتوى برواية علي بن يقطين (1) المتقدمة المشتملة على هذا الحكم
المخصوص بالجارية إذ يبعد منه رحمه الله اطراح أخبار الثلاثة الواردة في خيار
الحيوان (2) مع تعددها وصحتها، والاقتصار على هذا الخبر الشاذ النادر مع
عدم ظهوره في العموم.

(1) التهذيب جلد 7 ص 80 الرقم 56.
(2) التهذيب جلد 7 ص 24.
51

فالظاهر أن هذا الحكم الذي ذكره مخصوص بالجارية كما هو مورد الخبر
المشار إليه، وربما كان منشأ التوهم عدم ذكر خيار الحيوان في هذا المقام
والكتاب لا يحضرني الآن.
وبالجملة فالأظهر حمل كلامه على ما ذكرنا تحاشيا عن خروجه عن مقتضى
الأخبار الواردة في خيار الحيوان، وأنه ثلاثة أيام للمشتري، أو مع البايع على
الخلاف المتقدم.
ويعضد ما قلناه أنه في الفقيه روى موثقة الحسن بن علي بن فضال (1) المقدمة
في روايات خيار الحيوان الدالة على أنه ثلاثة أيام، ومع هذا قال في الكتاب المذكور
: ومن اشترى جارية وقال للبائع أجيئك بالثمن فإن جاء فيما بينه وبين شهر وإلا فلا بيع له،
والعهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول والبطيخ والفواكه يوم إلى الليل. انتهى.
وحينئذ فالظاهر حمل قوله " ما لا يفسد " على ما هو أعم من الحيوان وغيره،
ليوافق فتوى الأصحاب
نعم يخرج من ذلك حكم الجارية بناء على عمله بخبر علي بن يقطين (2)
المشار إليه وقد تقدم.
السادس خيار ما يفسد ليومه
والأصل في هذا النوع من الخيار ما رواه في الكافي والتهذيب عن أبي حمزة (3)
أو غيره عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام وأبي الحسن عليهما السلام " في الرجل
يشتري الشئ الذي يفسد من يومه، ويتركه حتى يأتيه بالثمن؟ قال: فإن جاء فيما بينه
وبين الليل بالثمن وإلا فلا بيع له ".

(1) الفقيه ج 3 ص 127 الرقم 7 الوسائل الباب 3 من أبواب الخيار
الرقم 2.
(2) التهذيب ج 7 ص 80 الرقم 56.
(3) التهذيب ج 7 ص 25 الرقم 25 الوسائل الباب 9 من أبواب الخيار.
52

ونقل في الوسائل عن الصدوق أنه روى بإسناده عن ابن فضال عن ابن رباط (1)
عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) في حديث " قال العهدة فيما يفسد من يومه مثل
البقول والبطيخ والفواكه يوم إلى الليل ".
أقول: روى في التهذيب عن الحسين بن سعيد عن ابن فضال (2) وفي الفقيه
عن ابن فضال عن ابن رباط عمن رواه عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: إن حدث بالحيوان
حدث قبل ثلاثة أيام فهو من مال البايع ".
وزاد في الفقيه " ومن اشترى جارية وقال للبايع أجيئك بالثمن فإن جاء فيما بينه
وبين شهر وإلا فلا بيع له، والعهدة فيما يفسده من يومه " إلى آخر ما تقدم.
والظاهر أن هذه الزيادة إنما من كلامه الذي يدخله بين الأخبار، وهو إشارة إلى
ما تضمنه مرسلة ابن أبي حمزة (3) المذكورة ورواية علي بن يقطين المتقدمة
كما أشرنا إليه آنفا، لا أنه من متن الرواية المذكورة.
وكيف كان فإن الرواية المذكورة لا تخلو عن الاشكال بالنسبة إلى ما يترتب
على هذا الخيار، وذلك لأن الظاهر أن الخيار إنما شرع لدفع الضرر، وإذا توقف
ثبوته على دخول الليل مع كون الفساد يحصل في يومه، ولا يندفع به الضرر وإنما
يندفع بالفسخ قبل الفساد.
وفي الدروس عنونه بما يفسده المبيت وهو جيد، إلا أن فيه خروجا عن النص
ولعله لتلافيه بخبر الضرار، واستقرب تعديته إلى كل ما يتسارع إليه الفساد عند خوفه،

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب الخيار.
(2) التهذيب ج 7 ص 67 الفقيه ج 3 ص 127 الرقم 7.
(3) التهذيب ج 7 ص 25 الرقم 25.
(4) التهذيب ج 7 ص 80 الرقم 56.
53

ولا يتقيد بالليل (1) واكتفى في الفساد بنقص الوصف وفوات الرغبة كما في الخضروات
واللحم والعنب وكثير من الفواكه، واستشكل فيما لو (التزم) التأخير فوات السوق
فعلى هذا لو كان مما يفسده في يومين تأخر الخيار عن الليل إلى حين خوفه.
وهذا كله وإن كان متجها في حد ذاته إلا أنه خارج عن مدلول النص الوارد في
هذا الحكم كما عرفت إلا أن خبر الضرار (2) يفيده في الجميع.
تنبيهات
الأول الظاهر أن هذا الخيار فرد من أفراد خيار التأخير كما يشير إليه كلام
العلامة في التذكرة حيث ذكره في مسألة من مسائل خيار التأخير، فكأنه قال: خيار التأخير
فيما لا يفسد إلى ثلاثة أيام، وفيما يفسد في يومه إلى الليل، وإلى ذلك يشير أيضا عبارة
المقنع المتقدمة.

(1) قال المحقق الشيخ على في شرح القواعد والذي ينبغي أن يعرف أن
لزوم البيع هيهنا إلى حين خوف الفساد بحسب العادة المستمرة وقرائن
الأحوال الموجودة بحيث إن يتربص به زيادة فد، لأنه ينبغي لزوم البيع،
مدة بقائه، ثم حين الشروع في الفساد يثبت الخيار كما توهمه كثير من العبارات
لأن الخيار حينئذ مما لا فائدة فيه لتحقق الضرر، وليس في النص ما ينافي
شيئا من ذلك مردود بأنه كيف لا ينافي ما ذكره، وهو قد اشتمل على السؤال
مما يفسد في يومه، والخيار بناء على ما يدعونه إنما يناط بدخول الليل
وهو ظاهر منه قدس سره.
(1) الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار.
54

ويعضده ظاهر كلامهم هنا من حيث عدم القبض والاقباض، كما في خيار
التأخير المتقدم، وهو ظاهر النص الوارد في المسألة أيضا، فحينئذ فعده قسما برأسه ليس
مما ينبغي.
الثاني إن مقتضى كلامهم أنه بعد مضي اليوم يتخير البايع بين الصبر وإن
فسد، فأخذ الثمن من المشتري، وبين الفسخ وبيعه، أو يتصرف فيه بأي نحو أراد،
ولا يرجع إلى المشتري، بنحو ما قالوه في الخيار بعد الثلاثة والمفهوم من الرواية المتقدمة
هنا إنما هو ما ذكرناه في روايات خيار التأخير ثلاثة أيام من بطلان البيع حيث إن العبارة
في الموضعين واحدة إذ مؤدى (لا بيع له) هو البطلان، لا ثبوت الخيار، وهو يرجع إلى
ما قدمنا تحقيقه من أنه ليس هنا خيار بالكلية.
وإنما غاية ما يدل عليه الخبر المذكور هنا كالأخبار في تلك المسألة أنه يبقى
البيع مراعى بمضي المدة المذكورة، فإن قبضه المشتري فيها أو أقبض الثمن صح
البيع، وإلا بطل من أصله.
هذا هو ظاهر الأخبار المشار إليها كما عرفت.
وحاصل الخبر هنا أنه يجب على البايع الصبر إلى أول دخول الليل، فإن أتى
المشتري بالثمن فهو له، فسد أو لم يفسد، وإلا بطل البيع كذلك.
هذا ظاهر الخبر المذكور، ووجه الاشكال فيه وجوب الصبر المدة المذكورة
وإن تضرر بفساد المبيع فيها، ويمكن التفصي عنه بأن رضاه بذلك مع علمه بالحكم
الشرعي، وقدومه على البيع والحال هذه بدفع الاشكال المذكور.
الثالث قد عرفت سابقا أن ظاهر كلام الأصحاب وهو ظاهر الخبر الوارد في هذه
المسألة أن الشرط هنا عدم التقابض، لا من الطرفين ولا من أحدهما، وحينئذ فلو قبض
المشتري السلعة، ولم يقض البايع الثمن، فإن البيع يكون لازما، ولا يقدر بالمدة المذكورة
وكذا بالعكس، ولو قبض بعض الثمن أو سلم بعض المبيع فكالعدم، لصدق عدم
55

قبض الثمن، وعدم قبض المبيع المترتب عليهما الحكم المتقدم في الخبر، وفي
كلام الأصحاب والله العالم.
السابع خيار الرؤية
وهو ثابت لمن لم ير، إذا باع أو اشترى بالوصف، ثم ظهر مخالفا، فإن كانت
المخالفة بظهور الزيادة على الوصف تخير البايع، وإن كانت بالنقص عنه تخير
المشتري، والأصل فيه أيضا مضافا إلى الاتفاق هو اشتراط الرؤية أولا في صحة
البيع ولزومه، كما يدل عليه ما رواه في الكافي (1) عن عبد الأعلى بن أعين " قال:
نبئت عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه كره بيعين اطرح وخذ على غير تقليب، وشراء
ما لم ير ".
وروى في التهذيب (3) قال: نبئت عن أبي جعفر عليه السلام أنه يكره
شراء ما لم ير. والكراهة هنا بمعنى التحريم كما وقع مثله كثيرا في الأخبار، بل هو
الأغلب الأكثر فيها.

(1) الكافي ج 5 ص 154 الوسائل الباب 18 من أبواب الخيار الرقم 1
(2) قال بعض مشايخنا المحققين من متأخر المتأخرين قوله عليه السلام
(اطرح وخذ) أي يقول البايع للمشتري اطرح الثمن، وخذ المتاع من غير
أن يكون المشتري قلب المتاع واختبره.
والفرق بينه وبين الثاني أنه في الثاني لم ير أصلا، وفي الأول رأى من بعيد
ولم يختبره، أو يقول المشتري اطرح المتاع، وخذ الثمن الذي أعطيك،
فيكون الفساد لجهالة الثمن، وفي الثاني لجهالة المبيع، وعلى التقديرين
لا بد من تقيده بعدم الوصف الرافع للجهالة. والله العالم. منه قدس سره.
(3) التهذيب ج 7 ص 9 الرقم 30.
56

وثانيا ما رواه الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب (1) في الصحيح عن
جميل بن دراج " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى ضيعة وقد كان
يدخلها ويخرج منها فلما أن نقد المال صار إلى الضيعة " ففتشها " ثم رجع فاستقال
صاحبه فلم يقله فقال أبو عبد الله (عليه السلام): لو قلبها ونظر منها إلى تسع وتسعين
قطعة ثم بقي منها قطعة لم يرها لكان له في ذلك خيار الرؤية ".
وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن زيد الشحام (3) " قال: سألت
أبا عبد الله عن رجل اشترى سهام القصابين من قبل أن يخرج السهم فقال: لا يشتري شيئا
حتى يعلم أين يخرج السهم، فإن اشترى شيئا فهو بالخيار إذا خرج ".
وتوضيح معنى هذا الخبر ما ورآه الشيخان المذكوران في الصحيح عن
عبد الرحمان بن الحجاج عن منهال القصاب (4) " قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
اشتري الغنم، أو يشتري الغنم جماعة ثم ندخل دارا ثم يقوم رجل على الباب فيعد واجدا
واثنين وثلاثة وأربعة وخمسا ثم يخرج السهم قال: لا يصلح هذا، إنما يصلح السهام
إذا عدلت القسمة.
والمراد منه أنه إذا اشترى عشرة مثلا، مائة من الغنم، فيدخل بيتا فيخرج من الغنم
كيف ما اتفق، فإذا بلغ المخرج خمسة مثلا أخرج اسم رجل، فمن خرج اسمه يعطيه
هذه الخمسة، فلم يجوزه (عليه السلام) للغرر وعدم تحقق شرايط القسمة، إذ من
شروطها تعديل السهام أولا، فربما وقع في سهم بعضهم كلها سمانا وفي سهم
الآخر هزالا.

(1) الفقيه ج 3 ص 171.
(2) التهذيب ج 7 ص 200 الرقم 29 وفيها (فقلبها) بدل (ففتشها).
(3) الكافي ج 5 ص 223 الرقم 3 التهذيب ج 7 ص 79 الرقم 54.
(4) التهذب ج 7 ص 79 الرقم 53 الكافي ج 5 ص 223.
57

ومن أجل هذا أنه لو اشترى والحال هذه فإن له الخيار كما صرح به في صحيح
الشحام (1) " إذا خرج الردئ في ذلك السهم ".
وأما إذا أمكن القسمة بعد تعديل السهام، فإنه لا مانع لأنه يشتري متاعا فإن اقتسموا
بالتعديل فلا خيار، وإلا فإن خرج في سهمه الردئ كان له الخيار في القسمة، فالمنع في
صحيح الشحام مبني على ما هو دأبهم من شرائهم مجهولا غير معدل، كما يشير إليه قوله
في رواية منهال إنما يصلح السهام إذا عدلت القسمة.
وكيف كان فمورد الخبرين المذكورين إنما هو المشتري، والمدعى كما
هو المتفق عليه بينهم ثبوت ذلك أيضا للبايع إلا أن يجبر ذلك بخبر الضرار (2)
وربما احتمل بعض الأصحاب في صحيحة جميل أن يكون التفتيش من البايع
بأن يكن البايع باعه بوصف المشتري، وحينئذ فيكون الجواب عاما بالنسبة إليهما
على تقدير هذا الاحتمال، إلا أن الظاهر بعده غاية البعد عن سياق الخبر المذكور،
ومع تسليمه فثبوت كون الجواب عاما أيضا محل خفاء واشكال.
وبالجملة فالظاهر أن مستند العموم إنما هو خبر الضرار المجبور باتفاق الأصحاب
على الحكم المذكور، قالوا: ولا بد في هذا النوع من الخيار من ذكر الجنس والوصف
الرافعين للجهالة، وضابط ذلك أن كل وصف يتفاوت الرغبات بثبوته وانتفائه، ويتفاوت
به القيمة تفاوتا ظاهرا لا يتسامح بمثاله، فإنه يجب ذكره، فلا بد من استقصاء صفات
السلم كلها كما صرح به العلامة في التذكرة.
فروع
الأول: لو وصف بها فوقع البيع والشراء بوصف الغير ثم ظهر الزيادة والنقصان
من جهتين تخيرا معا، ويقدم قول الفاسخ كما تقدم بيانه.

(1) التهذيب ج 7 ص 79 الرقم 54.
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الرقم 3 4.
58

الثاني: قال في الدروس: ولو شرطا دفعه فالظاهر بطلان العقد، للغرر، أقول:
والوجه فيه أن الوصف قائم مقام الرؤية، فإذا شرط عدم الاعتداد به كان المبيع غير مرئي
ولا موصوف، ويلزم من ذلك الغرر المنهي عنه المبطل للبيع، والظاهر أنه لا خلاف
بينهم في صحة اسقاط خيار المجلس والحيوان والعيب، وأما خيار الغبن والتأخير
ففيهما احتمال والصحة أظهر، وأما خيار الرؤية فالحكم فيه ما عرفت.
الثالث: ظاهر كلام أكثر الأصحاب اشتراط الفورية في هذا الخيار.
الرابع: قال في الدروس: لو شرط البايع ابداله إن لم يظهر على الوصف فالأقرب
الفساد، أقول: ظاهر كلامه أن الحكم بالفساد أعم من أن يظهر على الوصف أم لا، وفيه أنه
لا موجب للفساد مع ظهوره على الوصف المشروط، ومجرد شرط البايع الابدال
مع عدم الظهور على الوصف لا يصلح سببا في الفصاد لعموم الأخبار المتقدمة.
نعم لو ظهر مخالفا فإنه يكون فاسدا من حيث المخالفة، ولا يجره هذا الشرط
لاطلاق الأخبار في الخيار، والأظهر رجوع الحكم بالفساد في العبارة إلى الشرط
المذكور، حيث لا تأثير له مع الظهور وعدمه.
وبالجملة فإني لا أعرف للحكم بفساد العقد في الصورة المذكورة على الاطلاق
وجها يحمل عليه، والله العالم.
الخامس: لو اشترى برؤية قديمة تخير أيضا لو ظهر بخلاف ما رآه، وكذا
من طرف البايع، إلا أن هذا ليس من أفراد هذ الخيار الذي هو محل البحث، لأنه
مقصور على ما لم ير، حيث اشترط فيه الوصف عوضا عن الرؤية، ولا يشترط
وصف ما سبقت رؤيته، وإنما يباع ويشترى بالرؤية السابقة، غاية الأمر أنه إذا ظهر بخلاف
ذلك، لطول المدة أو عروض عارض أو نحو ذلك تخير، بايعا كان أو مشتريا.

(1) أقول موجب الفساد على ما هو الظاهران الشرط المذكور لما كان
مخالفا للسنة فاسدة واقتضى فساد العقد قضاء للشرطية منه رحمه الله.
59

" الثامن خيار العيب "
وضابطه في الحيوان كلما زاد عن أصل الخلقة أو نقص وزاد بعضهم عينا كان
كالإصبع الزائدة أو الناقصة، أو صفة كالحمي ولو يوما بأن يشتريه فيجده محموما
أو يحم قبل القبض.
أقول: ويدل على الأول ما رواه في الكافي عن أحمد بن محمد السياري (1)
" قال: روى عن ابن أبي ليلى أنه قدم إليه رجل خصما له فقال: إن هذا باعني هذه الجارية
فلم أجد على ركبها حين كشفتها شعرا وزعمت أنه لم يكن لها قط قال: فقال: له ابن أبي
ليلى: إن الناس ليحتالون لهذا بالحيل حتى يذهبوا به فما الذي كرهت؟ فقال: أيها القاضي
إن كان عيبا فاقض لي به. فقال: اصبر حتى أخرج إليك فإني أجد أذى في بطني
ثم دخل وخرج من باب آخر حتى أتى محمد بن مسلم الثقفي فقال له أي شئ تروون عن
أبي جعفر (عليه السلام) في المرأة لا يكون على ركبها شعرا يكون ذلك عيبا ".
فقال: له محمد بن مسلم: أما هذا نصا فلا أعرفه، ولكن حدثني أبو جعفر عن أبيه
عن آبائه (عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله " أنه قال: كلما كان في أصل الخلقة
فزاد أو نقص فهو عيب، فقال له ابن أبي ليلى: حسبك ثم رجع إلى القوم فقضى
لهم بالعيب ".

(1) التهذيب ج 7 ص 65 الرقم 26 الكافي ج 5 ص 215 الوسائل
الباب 1 من أبواب العيوب الرقم 1.
60

وعلى الثاني في الجملة ما رواه في الكافي عن داود بن فرقد (1) " قال: سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى جارية مدركة فلم تحض عنده حتى مضى
لها ستة أشهر وليس بها حمل، قال إن كان مثلها تحيض ولم يكن ذلك من كبر، فهذا
عيب ترد منه " ورواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن محبوب.
وللمشتري الخيار بين الرد والقبول مع الأرش الجهل بالعيب عند الشراء،
ويسقط الرد خاصة دون الأرش بالتصرف في المبيع، سواء كان قبل علمه بالعيب أم
بعده، وسواء كان التصرف ناقلا للملك أم لا، مغير اللعين أم لا.
ونقل عن ابن حمزة أنه إذا تصرف المشتري بعد العلم بالعيب سقط الرد والأرش معا،
وهو مردود بالأخبار الآتية، وكذا يسقط الرد خاصة دون الأرش بحدوث عيب
بعد القبض، فإنه مانع من الرد بالعيب السابق، ويسقطان معا بالعلم بالعيب قبل العقد،
فإن قدومه عليه عالما به رضى بالعيب.
وكذا يسقطان بالرضا به بعده، وفي حكمه اسقاط الخيار وكذا يسقطان ببراءة
البايع من العيوب، والأصل في بعض هذه الأحكام الأخبار الجارية في هذا المضمار.
ومنها ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح أو الحسن عن جميل (2) عن بعض
أصحابنا عن أحدهما (عليهما السلام) " في الرجل يشتري الثوب من الرجل
أو المتاع فيجد به عيبا، قال: إن كان الثوب قائما بعينه رده على صاحبه وأخذ الثمن،
وإن كان خاط الثوب أو صبغه أو قطعه رجع بنقصان العيب ".
وما رواه في الكافي والتهذيب (3) عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)

(1) التهذيب ج 7 ص 65 الفقيه ج 2853 الكافي ج 5 ص 213.
(2) الفقيه ص 136 الرقم 33 الكافي ج 54 ص 207 مع اختلاف يسير،
التهذيب ج 7 ص 60 الرقم 2.
(3) الكافي ج 5 ص 207 الرقم 3 التهذيب ج 7 ص 60 الرقم 1.
61

" قال: أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب أو عوار لم يتبرأ إليه منه ولم يبرأ به وأحدث
فيه بعد ما قبضه شيئا وعلم بذلك العوز أو بذلك العيب أنه يمضي عليه البيع ويرد
عليه بقدر ما ينقص ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك لو لم يكن به ".
وما رواه في الكافي عن أبي صادق (1) " قال: دخل أمير المؤمنين (عليه السلام)
ورواه الصدوق مرسلا قال دخل أمير المؤمنين (عليه السلام) سوق التمارين فإذا
امرأة قائمة تبكي وهي تخاصم رجلا تمارا، فقال لها: ما لك؟ فقالت: يا أمير المؤمنين
اشتريت من هذا تمرا بدرهم فخرج أسفله رديا وليس مثل هذا الذي رأيت فقال له:
رد عليها، فأبى حتى قال له ثلاث مرات فأبى، فعلاه بالدرة حتى رد عليها، وكان
عليه السلام يكره أن يجلل التمر. "
وما رواه المشايخ الثلاثة عن ميسر بن عبد العزيز (2) " قال: قلت لأبي
عبد الله (عليه السلام): رجل اشترى زق زيت فوجد فيه درديا فقال: إن كان ممن
يعلم أن ذلك يكون في الزيت لم يرده عليه، وإن لم يكن يعلم أن ذلك يكون
في الزيت رده عليه ".
وما رواه في التهذيب عن جعفر بن عيسى (3) " قال: كتبت إلى أبي الحسن (ع)
جعلت فداك المتاع يباع فيمن يزيد، فينادي عليه المنادي فإذا نادى عليه برئ من
كل عيب فيه، فإذا اشتراه المشتري ورضيه، ولم يبق إلا نقده الثمن فربما زهده
فإذا زهد فيه ادعى فيه عيوبا وأنه لم يعلم بها فيقول له المنادي: قد برئت منها، فيقول له
المشتري: لم أسمع البراءة منها أيصدق فلا يجب عليه الثمن، أم لا يصدق فيجب
عليه الثمن؟ فكتب (عليه السلام): عليه الثمن "

(1) الكافي ج 5 ص 230 الفقيه ج 3 ص 172 الرقم 2.
(2) الفقيه ج 3 ص 172 التهذيب ج 7 ص 66 الكافي ج 5 ص 229.
(3) التهذيب ج 7 ص 66 الرقم 29.
62

إلا أن ظاهر الأصحاب عدم القول بهذه الرواية كما سيأتي تحقيقه انشاء الله
تعالى. في فصل العيوب.
وما رواه في التهذيب أيضا عن السكوني عن جعفر عن أبيه عليهم السلام
" أن عليا (عليه السلام) قضى في رجل اشترى من رجل عكة فيها سمن احتكرها حكرة
فوجد فيها ربا فخاصمه إلى علي (عليه السلام) فقال له علي (عليه السلام): لك بكيل
الرب سمنا، فقال له الرجل: إنما بعته منك حكرة، فقال له (عليه السلام): إنما
اشترى منك سمنا ولم يشتر منك ربا ".
قال في الوافي والحكر الجمع والامساك يقال: اشترى المتاع حكرة أي جملة.
انتهى، إلى غير ذلك من الأخبار الآتية انشاء الله في الفصل الذي في حكم العيوب،
وقد تقدم في المباحث السابقة ما يدل على بعض هذه الأحكام أيضا.
والعجب من صاحب الكفاية هنا حيث قال: ولو تصرف المشتري سقط
الرد دون الأرش للأخبار المتعددة، لكن الأخبار مختصة بمن اشترى جارية فوطأها
ثم وجد بها عيبا انتهى.
وكأنه لم يقف على هذه الأخبار التي قدمناها صريحة في الأرش مع التصرف
في المبيع مطلقا جارية أو غيرها، إلا أن عندي في المقام اشكالا، وهو أن المذكور
في كلامهم أنه مع ظهور العيب السابق قبل العقد أو القبض فللمشتري الخيار بين
الرد والقبول مع الأرش، والروايات المتقدمة خالية من ذكر الأرش، وإنما المذكور
فيها الرد، والأرش إنما ذكر في صورة التصرف المانع من الرد، ومثلها الأخبار
الآتية انشاء الله تعالى في شراء الجواري، ولم أقف على من تنبه لذلك ولا نبه عليه.

(1) التهذيب ج 7 ص 66 الرقم 30.
(2) أقول إلى ما ذكرنا من الاشكال هنا أشار المحقق الأردبيلي في شرحه
63

وبالجملة فالدليل على التخيير المذكور غير ظاهر من الأخبار إلا أن يكون
الاجماع، لظهور اتفاقهم على الحكم المذكور.
نعم ذلك مذكور في الفقه الرضوي (1) حيث قال (عليه السلام) " فإن خرج في
السلعة عيب وعلم المشتري، فالخيار إليه إن شاء رد وإن شاء أخذه أورد عليه بالقيمة مع
أرش العيب " وظاهر العبارة التخيير بين الرد وبين أخذه من غير أرش أو أخذه مع الأرش
ويحتمل أن لفظة (أو) غلط، وإنما هو بالواو فيكون مخيرا بين الأول والثالث.
والظاهر أن هذه العبارة هي المستند في ذلك، في كلام المتقدمين وجرى عليه
جملة المتأخرين كما في جملة من الأحكام التي أسلفنا ذكرها في غير مقام.
وأما باقي شقوق المسألة مما لا يظهر وجهه من هذه الأخبار، فيمكن استفادته من
الرجوع إلى القواعد المقررة والضوابط المعتبرة.
والأرش المذكور في الأخبار المتقدمة عبارة عن نسبة التفاوت بين قيمته صحيحا
وقيمته معيبا، فيؤخذ من الثمن بتلك النسبة، لا تفاوت ما بين الصحيح والمعيب، لأنه قد
يحيط بالثمن أو يزيد عليه، فيلزم أخذه العوض والمعوض، كما إذا اشتراه بخمسين
وقوم معيبا بها، وقوم صحيحا بمئة أو أزيد، وعلى اعتبار النسبة يرجع في المثال المذكور
بخمسة وعشرين، وعلى هذا القياس.
وتمام تحقيق المسألة يأتي انشاء الله تعالى في الفصل المعقود للعيب، وهذا
ما وعدنا به آنفا من ذكر ثمانية من أفراد الخيار المذكورة في كلام أكثر الأصحاب،
وزاد شيخنا في اللمعة ستة على هذه الثمانية بحيث يبلغ المجموع أربعة عشر، وإنما
أعرضنا عن ذكرها لعدم وجود النصوص على كثير من أحكامها وسيأتي انشاء الله
التعرض لذكرها كل في مقامه وبيان ما يتعلق بنقضه وإبرامه.

على الإرشاد إلا أنا لم نقف عليه إلا بعد تجاوز هذا المقام فاستثناه بعد
ذلك فيما يأتي في مسألة الرد من أحداث السنة في فصل العيوب فليتراجع
منه قدس سره.
(1) المستدرك ج 2 ص 474.
64

المقام الثاني في أحكام الخيار
وقد تقدم ذكر كثير منها في المباحث المتقدمة في المقام الأول، وبقي الكلام
هنا في مسائل:
الأولى: قد صرح جمع من الأصحاب رضي الله عنهم بأن خيار الشرط يثبت
في كل نوع من أنواع العقود، سوى النكاح والوقف والابراء والطلاق والعتق.
أما جواز الشرط في العقود، فلعموم الأخبار المتقدمة في خيار الشرط الدالة على
جواز الاشتراط إذا كان الشرط سائغا لا يخالف الكتاب والسنة، وقد استثنى من البيع
ما يتعقبه العتق، كشراء القريب الذي ينعتق عليه، فإنه لا يثبت فيه خيار الشرط، ولا
المجلس، وكذا شراء العبد نفسه إذا جوزناه، فإنه مناف لمقتضاه، وسيأتي تحقيق المسألة
انشاء الله تعالى في محلها. وأما استثناء ما ذكر، فعلل بأن النكاح لا يقصد فيه المعاوضة، والوقف إزالة
ملك على وجه القربة، ومثله العتق، وقريب منه الابراء
وادعى في المسالك الاجماع على استثناء هذه المذكورات أولا، والظاهر أنه
هو العمدة عندهم، وإلا فهذه التعليلات لا تمنع تطرق المناقشة، فإنها لا تصلح لتخصيص
عموم تلك النصوص.
قال في التذكرة: والأقرب عندي دخول خيار الشرط في كل عقد معاوضة،
خلافا للجمهور، وهو مؤذن بعدم الخلاف عند الأصحاب، وقد ألحق بالطلاق الخلع
والمبارات، وبالعتق التدبير والمكاتبة المطلقة، وقد عرفت ما في المحلق به.
والحق أن المسألة لا يخلو عن شوب الاشكال بالنظر إلى اطلاق النصوص، وعدم
وجود مخصص يصلح الاعتماد عليه، وإن كان الأحوط الوقوف على ما ذكروه (رضي الله عنهم).
65

الثانية: لا خلاف بين الأصحاب في أن الضابط في صحة الشرط هو أن لا يكون
مؤديا إلى الجهالة في المبيع أو الثمن، ولا مخالفا للكتاب والسنة، فلو كان مؤديا إلى
الجهالة في أحدهما بطل، كاشتراط تأخير المبيع في يد البايع أو الثمن في يد المشتري
ما شاء كل واحد منهما، فإنه يلزم منه الجهالة، فإن للأجل قسطا من الثمن، وإذا كان مجهولا
يجهل الثمن، وكذا القول في جانب المبيع.
ومتى كل مخالفا للكتاب والسنة، فإنه يبطل أيضا كاشتراط عدم وطئ الأمة،
أو شرط وطئ البايع إياها بعد العقد مرة أو أزيد، واشتراط أن لا يبيعه أو لا يعتقه
أو لا يهب.
قال في المسالك بعد عد هذه الأفراد: وضابط ما ينافي مقتضى العقد، بأن
يقتضي عدم ترتب الأثر الذي جعل الشارع العقد من حيث هو يقتضيه، وترتبه عليه،
كذا حققه جماعة انتهى.
ثم استشكل اشتراط عدم الانتفاع زمانا معينا، واشتراط سقوط خيار المجلس
والحيوان وما شاكل ذلك مما أجمع على صحة اشتراطه.
أقول: ويمكن دفع الاشكال بالنسبة إلى الأولى بالوقوف على مقتضى الضابطة
المذكورة، والقول ببطلان هذا الشرط حيث لا دليل عليه، وعن الثاني بجميع أفراده
بأن ذلك ليس من مقتضى العقد، فإن مقتضاه اللزوم كما تقدم، وإنما جاز الفسخ في هذه
المواضع بدليل خارج أوجب الخروج عن مقتضى العقد.
وأما ما ذكره هنا هو وغيره من اشتراط أن لا يبيع ولا يهب فجيد، بناء على الضابطة
المذكورة، إلا أنه قد ورد في جملة من الأخبار ما يؤذن بصحة هذا الشرط مثل مرسلة (1)
جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما السلام) في الرجل اشترى جارية وشرط
لأهلها أن لا يبيع ولا يهب قال: يفي بذلك إذا شرط لهم.

(1) التهذيب ج 7 ص 25 الرقم 23.
66

ومرسلته الثانية (1) عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما السلام) " في الرجل
يشتري الجارية ويشترط لأهلها أن لا يبيع ولا يهب ولا يورث؟ قال: يفي بذلك إذا شرط
لهم إلا الميراث) ونحوهما في ذلك صحيحة الحلبي (2) وقد تقدمت في القسم الثالث
في خيار الشرط وتقدم نبذة من الكلام فيما يتعلق بهذا المقام.
وكذا يبطل الشرط باشتراط غير المقدور للمشروط عليه، كاشتراط حمل
الدابة في ما بعد، أوان الزرع يبلغ السنبل، سواء شرط عليه أن يبلغ ذلك بفعله
أو بفعل الله تعالى، لاشتراكهما في عدم المقدورية.
ولو شرط تبقية الزرع في الأرض إلى أوان السنبل إذا وقع البيع على أحدهما
دون الآخر جاز، لأن ذلك مقدور له ولا يعتبر تعيين مدة البقاء بل يحمل على ما هو المتعارف
عن البلوغ لأنه منضبط.
وفي كل موضع يبطل الشرط فهل يختص البطلان به لأنه الممتنع
شرعا دون البيع ولتعلق التراضي بكل منهما، أو يبطل العقد من أصله؟ لأنه غير
مقصود بانفراده وما هو مقصود لم يسلم، ولأن للشرط قسطا من الثمن، فإذا بطل
يجهل الثمن قولان: وما تقدم من قوله تعلق التراضي بهما يضعف بعدم تعلق التراضي
وقصده منفردا وهو شرط الصحة.
أقول وما ذكروه في هذه المسألة في هذا الموضع وغيره من بطلان العقد
باشتماله على الشرط الباطل، وعللوه من أن القصد إنما تعلق بالجميع والعقود
تابع بالقصود، فما تعلق به القصد غير حاصل، وما حصل غير مقصود جيد، إلا أن
جملة من الأخبار قد دلت على بطلان الشرط في مواضع مع صحة العقد، وبعض الأخبار
يدل على ما ذكروه.

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب بيع الحيوان في ذيل حديث الثاني.
67

فهذه القاعدة غير مطردة بالنسبة إلى ما دلت عليه الأخبار في الباب كما حققنا
ذلك في المقدمة الحادية عشر من مقدمات الكتاب.
ولو شرط عتق المملوك جاز لأنه شرط سائغ بل راجح، لكن إن شرط عتقه
عن المشتري أو أطلق فلا خلاف في الصحة، وإن شرط عتقه عن البايع، فقولان:
أصحهما العدم، لقوله عليه السلام " لا عتق إلا في ملك " (2) والبايع ليس مالكا
وعن التذكرة الحكم بالجواز.
ولو مات العبد قبل العتق كان للبايع الخيار أيضا، فإن اختار الفسخ رجع
بجميع القيمة.
وفي تعيين وقتها أقوال تقدم نقلها في الموضع الثالث من المسألة السابعة
من المقام الثالث في العوضين (3) ورد ما قبضه من الثمن لبطلان البيع بالفسخ،
وإنما يرجع بالقيمة، لأنه مضمون على المشتري بعد القبض.
أما لو اختار الامضاء فهل يرجع على المشتري بما يقتضيه شرط العتق من القيمة،
فإنه يقتضي نقصانا من الثمن أم يلزم مع إجازة ما عين من الثمن خاصة قولان: (4)

(1) ج 1 ص 133
(2) التهذيب ج 8 ص 217
(3) ج 18 ص 468
(4) أحدهما ما ذهب إليه العلامة وجماعة، وهو الأول.
وثانيهما ما يظهر من الدروس محتجا عليه بأن الشروط لا يوزع عليه الثمن
ورد بأن الثمن لم يوزع على الشرط بحيث يجعل بعضه مقابلا له، وإنما
الشرط محسوب مع الثمن، وقد حصل باعتباره نقصان في القيمة، وطريق تداركه
ما ذكر وطريق معرفة ما يقتضيه الشرط أن يقوم العبد بدون الشرط، ويقوم معه،
وينظر التفاوت بين القيمتين، وينسب إلى القيمة التي هي مع شرط العتق،
ويؤخذ من المشتري مضافا إلى الثمن بمقدار تلك النسبة من الثمن.
فلو كانت قيمته بدون الشرط مائة ومعه ثمانين فالتفاوت بعشرين ونسبتها
إلى الثمانين الربع فيؤخذ من المشتري مقدار ربع الثمن مضافا إليه وذلك
هو الذي سامح به البايع في مقابلة شرط العتق منه قدس سره.
68

ولو شرط أن لا خسارة على المشتري لو باع المبيع بل على البايع فخسر، فإن
هذا الشرط باطل، لمنافاته لمقتضى البيع.
ويدل عليه رواية عبد الملك بن عتبة " قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام)
عن الرجل ابتاع منه متاعا على أن ليس على منه وضيعة هل يستقيم هذا وكيف يستقيم
وحد ذلك؟ قال: لا ينبغي " ولفظ لا ينبغي وإن كان في العرف الآن بمعنى الكراهة، إلا أن
وروده بمعنى التحريم في الأخبار أكثر كثير، والمراد منه هنا ذلك.
ولو شرط في البيع أن يضمن انسان كل الثمن أو بعضه جاز، كما صرح به جملة
من الأصحاب،
وكل شرط لم يسلم لمشترطه بأن امتنع المشروط عليه من الوفاء به، فهل الواجب
جبره على الوفاء به؟ لعموم الأمر بالوفاء بالعقد (2) الدال على الوجوب، وقولهم
(عليهم السلام) " المؤمنون عند شروطهم " (3) الدال على وجوب الوفاء بالشرط،
فعلى هذا لو امتنع من الوفاء بالشرط أثم وعوقب بتركه ووجب اجباره على ذلك،
ولو لم يمكن اجباره رفع الأمر إلى الحاكم الشرعي ليجبره عليه، إن كان مذهبه ذلك
وإن تعذر فسخ انشاء.
أو أنه لا يجب على المشروط عليه، لأن الأصل عدم الوجوب، وللمشروط له
وسيلة إلى التخلص بالفسخ، فغاية الشرط حينئذ جعل البيع اللازم عرضة للزوال عند
فقد الشرط، ولزومه عند الاتيان به، قولان: أظهرهما الأول لما عرفت من حجج القولين.
ويؤكده أيضا أنه في مثل شرط العتق فيه حق لله سبحانه وللعبد، فكيف ابطاله.

(1) التهذيب ج 7 ص 238 الرقم 62.
(2) سورة المائدة الآية 1.
(3) الوسائل الباب 20 من أبواب المهور الحديث 4.
69

وعن الشهيد في بعض تحقيقاته تفصيل في هذا المقام، وهو أن الشرط الواقع
في العقد اللازم إن كان العقد كافيا في تحققه، ولا يحتاج بعده إلى صيغه فهو لازم
لا يجوز الاخلال به كشرط الوكالة في العقد، وإن احتاج بعده إلى أمر آخر وراء ذكره
في العقد كشرط العتق فليس بلازم، بل يقلب العقد اللازم جائزا، وجعل السر فيه أن
اشتراطه للعقد كاف في تحققه كجزء من الإيجاب والقبول فهو تابع لهما في اللزوم
والجواز، واشتراط ما سيوجد أمر منفصل عن العقد، وقد علق عليه العقد والمعلق على
الممكن ممكن، وهو معنى قلب اللازم جائزا.
واستحسن هذا التفصيل في المسالك، لكنه اختار القول الأول وهو الأظهر كما
عرفت، وهذا التفصيل من حيث الاعتبار بالتقريب الذي ذكره لا يخلو من وجه، لكن
قد عرفت في غير موضع ما تقدم أن بناء الأحكام الشرعية على هذه الاعتبارات العقلية
مشكل، والقول الأول مطابق لمقتضى النصوص كما عرفت والله العالم.
الثالثة: قد صرح الأصحاب رضي الله عنهم بأنه إذا مات من له الخيار انتقل
إلى وارثه، من أي أنواع الخيار كان، والوجه فيه أنه حق مالي قابل للانتقال فيدخل
تحت عموم الأخبار الدالة على إرث مثل ذلك، وحينئذ فلو كان الخيار خيار شرط ثبت
للوارث في بقية المدة المضروبة، ولو كان غائبا أو حاضرا ولم يبلغه الخبر حتى انقضت
مدة الخيار سقط خياره بانقضاء المدة كالمورث.
وإن كان خيار غبن اعتبر فيه الفورية حين بلوغه الخبر وعلمه بالفورية على القول
بها وإن طالت المدة.
وإن كان خيار مجلس وكان الوارث حاضرا في مجلس البيع قام مقامه في الخيار
وفيه تأمل، لدلالة ظاهر الأخبار على تعلق ذلك بالبيعين الذين أوقعا العقد، وعلى تقدير
قيامه مقامه، فهل يقوم مقامه في اعتبار التصرف، أو يبقى الحكم معلقا على المفارقة من
الميت أو الوارث وجهان.
70

رجح ثانيهما في المسالك قال: عملا بظاهر النص فإن ضمير يتفرقا عائد إلى
المتبايعين، والتفرق هنا يصدق بانتقال الحي، وبنقل الميت مع عدم المصاحبة،
ومعها يبقى إلى أن يتفرقا.
وأما احتمال سقوط الخيار بالموت لأن مفارقة الدنيا أبعد من مفارقة المجلس
فقد تقدم ما فيه في قسم خيار المجلس.
هذا كله مع اتحاد الوارث، فلو تعدد في كل من هذه الأقسام فإن اتفقوا فلا اشكال
وإن فسخ بعضهم، وأجاز الآخر، قدم الفاسخ عند الأصحاب وفي انفساخ الجميع أو في
حصته خاصة، ثم يتخير الآخر لتبعض الصفقة وجهان:
وفي خيار المجلس مع عدم حضورهم جميعا للمجلس اشكال.
وبالجملة فإن أكثر هذه الفروع لا يخلو عن الاشكال والله العالم.
الرابعة: المشهور بين الأصحاب رضي الله عنهم أن المبيع يملك بالعقد
ملكا متزلزلا قابلا للفسخ مدة الخيار. ونقل عن الشيخ أنه إنما يملك بانقضاء الخيار
إذا كان الخيار للبايع أو لهما، أما لو كان للمشتري فإنه يملك من حين العقد.
وعن ابن الجنيد أنه إنما يملك بانقضاء الخيار مطلقا، وربما نقل الاطلاق عن
الشيخ أيضا، إلا أن عبارته في الخلاف دالة على التفصيل المتقدم، لكن ظاهرها إنما
هو زوال ملك البايع عن المبيع بنفس العقد، متى كان الخيار للمشتري، أنه لا ينتقل
إلى المشتري حتى ينقضي الخيار، فإذا انقضى ملكه بالعقد الأول، وهذا خلاف
ما نقلوه عنه، من أنه متى كان الخيار للمشتري فإنه يملك من حين العقد.
ومقتضى ما نقلناه عنه في الخلاف أن الفرق بين الأمرين إنما هو باعتبار زوال ملك
البايع، وأنه لا يزول في صورة ما لو كان الخيار له أولهما، ويزول فيما كان الخيار
للمشتري، وأما المشتري فإنه لا يملكه ولا ينتقل إليه إلا بانقضاء الخيار مطلقا.
وهذه صورة عبارته في الكتاب ننقلها ليزول بذلك عما ذكرناه شبهة الشك
والارتياب.
71

قال رحمه الله: العقد يثبت بنفس الإيجاب والقبول فإن كان مطلقا فإنه يلزم
بالافتراق بالأبدان، وإن كان مشروطا فإنه يلزم بانقضاء الشرط، فإن كان الشرط لهما
أو للبايع، فإذا انقضى الخيار ملك المشتري بالعقد المتقدم، وإن كان الخيار للمشتري
وحده زال ملك البايع عن الملك بنفس العقد، لكنه لا ينتقل إلى المشتري حتى ينقضي
الخيار فإذا انقضى ملك المشتري بالعقد الأول انتهى.
ومقتضاه أنه في صورة ما إذا كان الخيار للمشتري وحده زال ملك البايع عن.
المبيع بنفس العقد، ويبقى المبيع مدة الخيار بلا مالك لزوال ملك البايع بنفس العقد، وعدم
دخوله في ملك المشتري حتى ينقضي الخيار، ولم أقف على من تنبه لذلك من عبارته
مع أنها ظاهرة فيما قلناه (1).

(1) نعم قد وقفت في كلام شيخنا الشهيد في كتاب غاية المراد في شرح
نكت الإرشاد ما يؤيد على ما قلناه حيث قال: بعد ذكر آخر عبارة الشيخ
المتقدمة وهذا الكلام يشم منه التناقض، لكون الملك لا يخلو عن مالك،
ولا مالك غيرهما قطعا، وقد زال ملك البايع مع الحكم بعدم انتقاله إلى المشتري
مع أنه إذا لم ينتقل إليه كان ملكا للبايع، فيكون ملك البايع زايلا غير زايل
وملك المشتري ثابتا غير ثابت، وأنه تناقض.
ثم أجاب عن ذلك فقال قد يجاب بأن الموقوف هو الملك المستقر، وعلى هذا
يرتفع الخلاف انتهى، وهو جيد.
وبالجملة فالأمر دائر بين العمل بكلام الشيخ بناء على ظاهره الذي نقله
الأصحاب عنه، واللازم منه ما عرفت من الاشكال في الموردين المذكورين
وبين تأويل كلامه بما ذكر من الملك المستقر وبه يرجع إلى كلام الأصحاب.
ويزول الخلاف من البين بمعنى أن العقد سبب تام في الملك غاية ما في الباب
أنه متزلزل في موضع الخيار حتى يسقط فرفع الخيار موجب للقرار لا جزء
علة نقله للملك (منه قدس سره)
72

وفيه أيضا أن مقتضى ما ذكره في صورة ما لو كان الخيار مشتركا أو للبايع خاصة
من جعل ملك المشتري معلقا على انقضاء الخيار، وأنه ينبغي أيضا أن يكون ملك البايع
الثمن أيضا معلقا على ذلك، ومتوقفا عليه، وهذا اشكال آخر في العبارة المذكورة.
ثم إنه على تقدير هذا القول مطلقا أو مقيدا كما ذكروه، فهل يكون انقضاء الخيار
مع عدم الفسخ كاشفا عن ملك المشتري من حين العقد أم ناقلا؟ كل محتمل ولكن ظاهر
عبارة الشيخ المذكورة الأول.
ويظهر فائدة الخلاف في مواضع:
منها النماء المنفصل كاللبن والحمل والثمرة المتجددة زمن الخيار، فإنه على
القول المشهور وكذا على القول بالكشف إذا لم يفسخ يكون للمشتري وعلى القول
بالنقل يكون للبايع.
ومنها - الأخذ بالشفعة زمن الخيار، فعلى تقدير عدم الانتقال لا يأخذ بها إلا
بعد الخيار، وعلى تقدير الانتقال يأخذ بها من بعد العقد.
ومنها جريانه في حول الزكاة لو كان زكويا، فإنه بعد العقد على تقدير الانتقال
به، وبعد الخيار على تقدير القول الآخر.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن ما ذكروه من الحكم المذكور غير مطرد بالنظر إلى
الأخبار، فإنها مختلفة في ذلك بالنسبة إلى اختلاف الخيارات، ففي بعضها ما يوافق
المشهور وفي بعض آخر ما يوافق القول الآخر.
فمن الأخبار الدالة على الأول الأخبار الواردة في خيار الشرط، وقد تقدمت
في الموضع المذكور كموثقة إسحاق بن عمار، (1) ورواية معاوية بن ميسرة، (2)
فإنهما صريحتان في كونه زمن الخيار ملكا للمشتري، وأنه لو تلف في تلك المدة كان

(1) الكافي ج 5 ص 171.
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب الخيار الرقم 3.
73

من ماله، ويحمل عليهما ما أطلق من أخبار المسألة.
ويؤيده أيضا أن المتبايعين أقدما على أن يكون المبيع للمشتري، وإنما شرطا
خيارا في مدة معينة، فالبيع على اللزوم كما هو مقتضاه، وليس للبايع إلا مجرد الخيار.
ومن الأخبار الدالة على القول الآخر صحيحة ابن سنان (1) المتقدمة في
القسم الثاني في خيار الحيوان الدالة على أنه " إذا اشترى الدابة أو العبد واشترط إلى
يوم أو يومين، فيموت العبد أو الدابة أو يحدث، فضمان ذلك على البايع حتى
ينقضي الشرط، ويصير المبيع للمشتري " فإنها ظاهرة في عدم الملك للمشتري، وإن
كان الأصحاب حملوها على استقرار الملك.
وموثقة عبد الرحمان بن أبي عبد الله (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن رجل اشترى أمة بشرط من رجل يوما أو يومين، فماتت عنده، وقد قطع الثمن على
من يكون الضمان؟ فقال: ليس على الذي اشترى ضمان حتى يمضي بشرطه ".
والجواب عنه بعدم علمه بخيار الحيوان أو التأكيد أو بعد الثلاثة تكلف بعيد
عن سياق الخبر.
ومرسلة ابن رباط (3) عمن رواه عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: إن حدث
بالحيوان حدث قبل ثلاثة أيام فهو من مال البايع ".
ورواية عبد الله بن الحسن بن زيد بن علي بن الحسين (عليه السلام) عن أبيه
عن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): في رجل اشترى
عبدا بشرط ثلاثة أيام، فمات العبد في الشرط، قال: يستحلف بالله ما رضيه وهو برئ
من الضمان.

(1) الكافي ج 5 ص 169 الوسائل الباب 5 من أبواب الخيار.
(2) الكافي في ج 5 ص 171.
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب الخيار 5 و 4.
(4) الوسائل الباب 5 من أبواب الخيار 5 و 4.
74

وهي ظاهرة كما ترى في أن موت الحيوان في الشرط من البايع، إلا أن يلتزم
المشتري بالبيع المسقط للخيار.
وبالجملة فروايات خيار الحيوان كما ترى مشتركة في أن تلفه مدة الخيار من
مال البايع.
وهو خلاف ما عليه القول المشهور، من أن المبيع ملك المشتري الموجب لكون
التلف من ماله. وخلاف ما نقلوه عن الشيخ من أنه متى كان الخيار للمشتري، فإنه يوافق
القول المشهور في هذه الصورة، مع أن الخيار هنا للمشتري كما هو الأشهر الأظهر.
وهذه الأخبار إنما نصت على قول ابن الجنيد، وإن مضي مدة الخيار ناقل
لا كاشف، مع أنه قول مرغوب عنه في كلامهم.
وقد تقدم في قسم خيار التأخير ذكر رواية عقبة ابن خالد (1) الدالة على تلف
المتاع عند البايع، وأنه مضمون على البايع حتى يقبضه المشتري، مع أن مقتضى قاعدتهم
وقولهم أن المبيع يملك بالعقد هو كونه من ملك المشتري، لخروجه بالعقد عن ملك
البايع، وكونه ملكا للمشتري، وأما البناء ثمة على ما ذكروه من قاعدة التلف قبل
القبض موجب للضمان على البايع.
ففيه أنه لا مستند شرعيا لهذه القاعدة، ولعل قول الشيخ المفيد والمرتضى ومن
تبعهما ثمة بكونه من مال المشتري، التفاتا إلى هذه القاعدة المذكورة هنا من حصول
الملك بالعقد، فإنه موجب لذلك إلا أن الرواية كما ترى بخلاف ذلك.
ومن ذلك يظهر أن الأولى، والأليق هو الوقوف في كل حكم على ما يقتضيه
النصوص المتعلقة بذلك الحكم، وعدم الوثوق بهذه القواعد التي يؤسسوها.
والله العالم.
الخامسة قالوا إذا تلف المبيع قبل قبضه، فهو من مال بايعه، والمراد أنه ينفسخ

(1) الكافي ج 5 ص 171.
75

العقد بتلفه من حينه، ويرجع الثمن إلى ملك المشتري، ولو كان قد تجدد له نماء بعد
العقد وقبل التلف فهو للمشتري، وليس للمشتري مطالبة البايع بالمثل أو القيمة، وإن
كان الحكم بكونه من البايع يوهم ذلك.
وإنما عبروا بذلك تبعا للنص (1) والمراد منه ما ذكر، وحينئذ فيقدر دخوله في
ملك البايع قبل التلف آنا ما ويكون التلف كاشفا عنه، ومثله دخول الدية في ملك الميت،
والعبد المأمور بعتقه في ملك المعتق عنه.
وحكى في التذكرة وجها بأن الفسخ هنا يكون من أصله، وعليه فلا يحتاج إلى
التقدير.
هذا كله إذا كان تلفه من الله سبحانه، أما لو كان من أجنبي أو من البايع تخير
المشتري بين الرجوع بالثمن وبين مطالبة المتلف بالمثل أو القيمة، ولو كان التلف
من المشتري ولو بتفريطه فهو بمنزلة القبض، فيكون التلف منه ولو كان التلف
في زمن الخيار.
فإنه قد قرر له في المسالك ضابطة، وهي أن المتلف إن كان هو المشتري فلا ضمان
على البايع مطلقا، لكن إن كان له خيار أو لأجنبي فاختار الفسخ يرجع إلى المشتري
بالمثل أو القيمة.
وإن كان التلف من البايع أو من أجنبي تخير المشتري بين الفسخ والرجوع
بالثمن، وبين مطالبة المتلف بالمثل أو القيمة إن كان له خيار، وإن كان الخيار للبايع

(1) وهو ما نقله في التذكرة من قوله (صلى الله عليه وآله) " كل مبيع تلف قبل
قبضه فهو من مال بايعه " وهذا الخبر لم نقف عليه فيما وصل إلينا من كتب الأخبار
ووجه الايهام فيه قوله " من مال بايعه " فإنه دال على خروج ذلك عن ملكه بالبيع
فليس معنا قوله من ماله إلا باعتبار ضمانه مثله أو قيمته، منه رحمه الله.
وأخرج هذا الحديث في المستدرك ج 2 ص 473 عن عوالي اللئالي.
76

والمتلف أجنبي، تخير كما مر ورجع على المشتري أو الأجنبي.
وإن كانت التلف بآفة من الله تعالى سبحانه، فإن كان الخيار للمشتري أو له
أو لأجنبي، فالتلف من البايع، وإلا فمن المشتري، هذا خلاصة كلامهم في هذا
المقام.
وأنت خبير بأن ما ذكر من الكلام في هذا المقام مبني على ثبوت القاعدة
القائلة " بأن التلف قبل القبض مضمون على البايع " مع أنها معارضة بالقاعدة الأخرى
المتقدمة القائلة " بأن المبيع يملك بالعقد ".
والتفصي عن المعارضة بما ذكر هنا من أن المراد بكونه من مال البايع أنه ينفسخ
العقد بتلف المبيع من حينه، بمعنى أنه يقدر دخوله في مال البايع آنا ما قبل التلف
ويكون التلف كاشفا عنه لا يظهر له وجه من النص الوارد في هذه المسألة، وهو
خبر عقبة بن خالد المتقدم، بل ظاهره إنما هو ما نقل عن العلامة من الوجه المتقدم،
وهو أن الفسخ يكون من أصله وبه يحصل الاشكال لتصادم القاعدتين في المقام.
وإلى ما ذكرنا هنا يشير كلام المحقق الأردبيلي رضوان الله عليه في شرح
الإرشاد حيث قال: بعد كلام في المسألة مما شاة للجماعة ما لفظه " فتأمل فإن
الأمر مشكل لكون الملك للمشتري مثلا قبل القبض في زمن الخيار على ما مر و
بعده، والبايع غير مقصر، والقاعدة تقتضي كونه من ماله وأيضا قالوا إن
المراد بكونه من البايع فسخ العقد، فيكون التالف من مال البايع مثلا
وفي ملكه، وليس للمشتري إلا الثمن أو مثله لو أعطاه، وليس له طلب مثل المبيع
وقيمته والنماء الحاصل إلى حين التلف أيضا مثل الولد والكنز الذي وجده
المملوك والمال الذي وهب له وقبل وقبض، وقال: وهو مشكل أيضا إذا كان ملكا
للمشتري وتلف كيف يصير التلف في ملكه. فقيل بتجدد الملك للبايع قبل الهلاك بجزء
لا يتجزى من الزمان، مثل دخول العبد المأمور بعتقه في ملك المعتق عنه، ودخول
77

الدية في ملك الميت، فتأمل فيه " انتهى كلامه (1) وهو جيد وإن كانت عباراته
لا تخلو من تعقيد من حيث غلبة الأعجمية عليه.
وبالجملة فالواجب هو الوقوف على الروايات في كل حكم حكم كما
قدمنا ذكره، والروايات المتعلقة بهذه المسألة هي ما قدمنا ذكر بعضها في المسألة
المتقدمة، وأشرنا إلى البعض الآخر فيما تقدم، وهي أخبار خيار الشرط الدالة على كون
المبيع ملكا للمشتري، وأن تلفه منه، وأخبار خيار الحيوان المتقدمة على أن تلفه
في زمن الخيار من ملك البايع، وخبر عقبة بن خالد (2) الدال على كون التلف من
ملك البايع، وعدم البناء وعلى هذه القاعدة التي لا مستندة لها من النصوص وكل
ما يتفرع عليها من الفروع أما اقتضته قواعد آخر من الأخبار، والله العالم.

(1) أقول: وحاصل هذا الكلام يرجع إلى ملاحظة القاعدة الدالة على
أنه بالعقد يدخل المبيع في ملك المشتري، والجمع بينها وبين القاعدة
المذكورة هنا، وهي " إن تلف المبيع قبل القبض من مال البايع " بأن
يقال: إنه بالتلف ينفسخ البيع من حينه، ويرجع المبيع إلى ملك البايع،
والثمن إلى ملك المشتري، فيقدر دخوله في ملك البايع آنا ما قبل التلف
ويكون التلف كاشفا عنه، ولا ينافي ذلك كونه قبل ذلك ملكا للمشتري،
وأن له نماؤه.
ومن أجل ذلك أنه لا يرجع المشتري بالمثل أو القيمة لخروجه عن ملكه
قبل التلف، وصيرورته للبايع في ذلك الآن المقدر، وإنما يرجع بالثمن
لبطلان البيع. منه رحمه الله.
(2) الكافي ج 5 ص 171.
78

الفصل الثالث في أحكام العيوب
وفيه مسائل
الأولى قد صرح غير واحد منهم (رضي الله عنهم) بأن مقتضى العقد السلامة،
والمراد من ذلك هو اللزوم معها، والخيار مع عدمها، إلا ما ربما يتسارع إلى الذهن
من وقوع العقد على السالم دون المعيب، وإلا لزم البطلان لو ظهر معيبا مع وقوع
البيع على معين، ومع الاطلاق يجب طلب السالم إن وجد، وإلا بطل العقد إن حصل
اليأس منه، ولا يكون المعيب داخلا تحت العقد ولا موردا له. وهو خلاف ما عليه
الاتفاق نصا وفتوى.
ولو شرطا الصحة فهو لا يزيد على مقتضى العقد، فإن فائدته التأكيد، لأنك
قد عرفت أن الاطلاق يقتضي (السلامة) لأنها الأصل في الأعيان.
وربما قيل: إن فائدته جواز الفسخ وإن تصرف لو ظهر عيب، فيفيد فائدة
زائدة على الاطلاق، كاشتراط الحلول
وكيف كان فإن ظهر في المبيع عيب سابق على العقد، تخير المشتري بين
الرد والأخذ بالأرش، وقد تقدمت الأخبار الواردة في ذلك، إلا أنها كما أشرنا إليه
آنفا قاصرة عن ذلك، وإنما تدل على الرد مع ظهور العيب قبل التصرف، والأرش
79

بعد التصرف إلا ما عرفت من عبارة الفقه الرضوي وقد تقدمت أيضا مسقطات هذا
الخيار، والأخبار الدالة عليه.
ومنها التصرف قبل العلم بالعيب أو بعده، فإنه يسقط به الخيار إلا في موضعين
قد صرحوا باستثنائهما.
أحدهما: إذا اشترى أمة ووطأها ثم ظهر أنها كانت حاملا فإن له الرد، ومن
المعلوم أن الحمل عيب، لأنه زيادة معرضة للتلف ومانعة من بعض الانتفاعات
في الجملة.
ولا شك أيضا أن الوطئ تصرف، فمقتضى القاعدة عدم جواز الرد
حينئذ، بل الاقتصار على الأرش كما في غير هذا الموضع من التصرفات مع ظهور العيب،
لكن قد ورد استثناء هذا الموضع من القاعدة، وظاهر الأصحاب الاتفاق على ذلك أيضا.
ومن الأخبار الدالة على أن حكم الجارية إذا ظهر بها عيب غير الحمل حكم
غيرها من أفراد تلك القاعدة المشار إليها ما رواه في الكافي والتهذيب عن طلحة
ابن زيد (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل
اشترى جارية فوطأها ثم وجد فيها عيبا، قال: تقوم وهي صحيحة، وتقوم وبها الداء، ثم
يرد البائع على المبتاع فضل ما بين الصحة والداء ".
وما رواه فيهما أيضا في الصحيح عن منصور بن حازم (2) عن أبي عبد الله (ع)
" في رجل اشترى جارية فوقع عليها وقال: إن وجد فيها عيبا فليس له أن يردها،
ولكن يرد عليه بقيمة ما نقصها العيب " قال: قلت: هذا قول على السلام؟ قال: نعم ".
وما رواه في التهذيب عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله " قال: سمعت أبا عبد الله

(1) الكافي ج 5 ص 214 التهذيب ج 7 ص 16 وفي التهذيب (وفيها).
(2) الكافي ج 5 ص 214 التهذيب ج 7 ص 16 وفي التهذيب (وفيها).
(3) التهذيب ج 7 ص 60 الوسائل الباب 40 من أبواب أحكام العيوب
80

(عليه السلام) يقول: أيما رجل اشترى جارية فوقع عليها فوجد بها عيبا لم يردها
ورد البايع عليه قيمة العيب ".
وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم (1) عن أحدهما
(عليهما السلام) " أنه سئل عن الرجل يبتاع الجارية فيقع عليها، ثم يجد بها عيبا بعد
ذلك قال: لا يردها على صاحبها، ولكن يقوم ما بين العيب والصحة فيرد على المبتاع،
معاذ الله أن يجعل لها أجرا ".
وما رواه في الفقيه عن ميسرة، (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: كان
علي (عليه السلام) لا يرد الجارية بعيب إذا وطئت، ولكن يرجع بقيمة العيب، وكان
علي (عليه السلام) يقول: معاذ الله أن أجعل لها أجرا ".
وما رواه في التهذيب عن حماد بن عيسى في الصحيح " قال: سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قال علي بن الحسين: كان القضاء الأول في الرجل إذا
اشترى الأمة فوطأها ثم ظهر على عيب أن البيع لازم وله أرش العيب. "
وهذه الأخبار كما ترى جارية على مقتضى القاعدة المذكورة، واطلاقها شامل
لما إذا كان العيب حملا أو غيره، إلا أنه قد وردت الأخبار باستثناء الحمل من حكم
العيب المذكور هنا مع الاجماع عليه.
ومن الأخبار الدالة عليه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن ابن سنان (4)
" قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى جارية حبلى ولم يعلم بحبلها
فوطأها، قال: يردها على الذي ابتاعها منه، ويرد عليه نصف عشر قيمتها لنكاحه إياها،

(1) الكافي ج 5 ص 215 التهذيب ج 7 ص 61 الوسائل الباب 4 من أبواب
أحكام العيوب.
(2) الفقيه ج 3 ص 139 وفيه عن محمد بن ميسر الوسائل الباب 4 من أبواب
أحكام العيوب.
(3) التهذيب ج 7 ص 61 الوسائل الباب 4 من أبواب أحكام العيوب.
(4) الكافي ج 5 ص 214 التهذيب ج 7 ص 61.
81

وقد قال علي (عليه السلام) لا ترد التي ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها ويوضع عنه
من ثمنها بقدر عيب إن كان فيها ".
وما روياه فيهما أيضا عن عبد الملك بن عمرو (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" قال: لا ترد التي ليست بحبلى إذا وطئها صاحبها وله أرش العيب، وترد الحبلى ويرد
معها نصف عشر قيمتها ".
وزاد في الكافي قال: وفي رواية أخرى " إن كانت بكرا فعشر ثمنها، وإن لم تكن
بكرا فنصف عشر ثمنها ".
وما رواه في التهذيب عن فضيل مولى محمد بن راشد (2) " قال: سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل باع جارية حبلى وهو لا يعلم، فنكحها الذي اشترى،
قال: يردها ويرد نصف عشر قيمتها ".
ورواه بسند آخر صحيح (3) مشتمل على إرسال ابن أبي عمير عن سعيد بن يسار
عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله.
وبإزاء هذه الأخبار ما يدل على معارضتها فيما دلت عليه من وجوب رد نصف العشر.
ومنها ما رواه في الفقيه والشيخ في التهذيب عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله (4)
قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يشتري الجارية فيقع عليها فيجدها حبلى
قال: يردها ويرد معها شيئا ".
وما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن محمد بن مسلم (5) عن أبي جعفر
(عليه السلام) في الرجل يشتري الجارية الحبلى فينكحها وهو لا يعلم؟ قال: يردها
ويكسوها ".

(1) الكافي ج 5 214 وفيه (بن عمير) التهذيب ج 7 ص 62.
(2) التهذيب ج 7 ص 62.
(3) التهذيب ج 7 ص 62.
(4) الفقيه ج 3 ص 139 التهذيب ج 7 ص 62.
(5) الكافي ج 5 ص 215 التهذيب ج 7 ص 62 الفقيه ج 3 ص 139.
82

وما رواه في التهذيب (1) عن عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" في الرجل يشتري الجارية وهي حبلى فيطأها قال: يردها، ويرد عشر ثمنها ".
والشيخ (رحمه الله) حمل الشئ في الحديث الأول على نصف العشر، وكذا
الكسوة في الحديث الثاني على ما يكون قيمتها ذلك.
واحتمل بعض مشايخنا حملها على ما إذا رضي البايع بهما.
وأما الحديث الثالث فحمله في التهذيب على غلط الراوي والناسخ، باسقاط
لفظ " نصف " ليطابق ما رواه هذا الراوي بعينه وغيره، ثم قال: ولو كانت الرواية مضبوطة
لجاز أن تحمل على من وطأ الجارية مع العلم بأنها حبلى، فحينئذ يلزمه عشر قيمتها عقوبة،
وإنما يلزمه نصف العشر إذا لم يعلم بحبلها ووطأها ثم علم بالحبل، انتهى.
وكتب عليه بعض مشايخنا في الحاشية ما صورته: أنت خبير بأن هذا
ليس ببعيد من جهة اللفظ، لكن الحكم بالرد والحال هذه مشكل. انتهى (3)

(1) التهذيب ج 7 ص 62 الكافي ج 5 ص 215 وفي بعض النسخ ابن عمير
(2) هو الشيخ علي بن سليمان البحراني (قدس سره) في حواشيه على الكتاب.
منه رحمه الله.
(3) قال المحقق الأردبيلي (قدس سره) في شرح الإرشاد: ولولا
الاجماع لأمكن الجمع بينهما بحمل ما فيه العشر ونصف العشر على
الاستحباب، والباقية على كفاية ما يصدق عليه الشئ والكسوة، وفيه من
البعد ما لا يخفى، ولو تم هذا لأمكن أيضا القول بحمل الرد في هذه الأخبار على الاستحباب لولا الاجماع، لمعارضتها بما ذكرناه من الأخبار
الواردة على أن وطئ الأمة ثم ظهور العيب فيها إنما يوجب الأرش خاصة،
كما هو مقتضى القاعدة المعتضدة بالاتفاق والنصوص، مع أنه لا يقول به،
منه رحمه الله.
83

أقول: نقل في الدروس عن الحلبي (1) وجوب رد العشر في الصورة
المذكورة، وحينئذ فتصلح هذه الرواية دليلا له.
وعن ابن إدريس التفصيل بالبكارة والثيوبة، ويمكن حمل هذه الرواية أيضا
على ذلك، وإن ندر الفرض.
قال بعض أصحابنا: ولا استبعاد في اجتماع البكارة مع الحمل، فإنه ممكن وإن
كان نادرا. انتهى. وحينئذ فلا يبعد حمل الرواية على أنها كانت بكرا وإن ندر الفرض،
لجواز حصول الحمل بالمساحقة والجماع في الدبر كما صرحوا به، ويؤيده مرسلة
الكافي المتقدمة.
قال بعض محققي متأخر المتأخرين: ولزوم نصف العشر في أكثر الأخبار مبني على
ما هو الغالب من ثيبوبة الحبلى، فإن كانت بالفرض النادر بكرا فعليه أن يرد معها عشر قيمتها
لما مر في النكاح من أن قيمة بضع الأمة الباكرة إنما هو العشر. انتهى.
وفي الدروس عن ابن الجنيد التقييد بكون الحمل من المولى، قال: ويلوح من
النهاية.

(1) قال في الدروس: ولو وطئ ما بعد العلم بالحمل فعليه الأرش
ويظهر من التهذيب جواز الرد ويلزمه عشر قيمته عقوبة، وجعله محتملا
للرواية، وأكثر الأخبار مقيدة بعدم العلم. انتهى.
وهو ما أشار إليه شيخنا المذكور في الأصل من الاشكال، وظاهرهم
رضوان الله عليهم أن التصرف بالوطئ بعد العلم بالحبل إنما يوجب الأرش
خاصة دون الرد، والرد ووجوب نصف العشر إنما هو موضع الجهل.
والظاهر أن المستند فيه الوقوف على ظواهر نصوص المسألة من الجهل
بالحمل، لأنها على خلاف القاعدة المقررة المؤيدة بالأخبار والاتفاق،
فيقتصر محل الخلاف على مورد النص منه قدس سره.
84

أقول: وهو ظاهر اختيار العلامة في المختلف، ويرد عليه أولا أنه يدافع اطلاق
النصوص المتقدمة، فإن ظاهرها وجوب الرد في الصورة المذكورة، سواء كان الحمل
من المولى أو من غيره.
وثانيا أنه لا وجه للتقييد بالتصرف بالوطئ بل اللازم هو الرد على كل حال،
لبطلان البيع بظهور كونها أم ولد.
وكيف كان فالأظهر هو القول المشهور للأخبار المتقدمة، وارتكاب التأويل
فيما عارضها بأحد الوجوه المذكورة.
ولشيخنا في المسالك هنا كلام جيد في المقام لا بأس بنقله، وإن طال به زمان الكلام
لما فيه من الفوايد الجمة الظاهرة لذوي الأفهام، قال رحمه الله بعد ذكر المصنف أصل
المسألة، ما صورته: تحرير هذه المسألة يتوقف على مقدمات:
الأولى أن تصرف المشتري في المبيع المعيب يمنع من رده، وإن جاز له
أخذ الأرش.
الثانية أن الحمل في الأمة عيب سواء شرط خلوها عن الحمل أم لا، ولأن ولادتها
تشتمل على الخطر، وهو نقص محض إن قلنا أن الحمل لا يدخل في بيع الأمة كما هو
المشهور، وإلا كان نقصا من وجه، وزيادة من وجه، وهو كاف في ثبوت الخيار أيضا.
الثالثة أن الوطئ تصرف بل هو من أقوى أنواع التصرف والأصل فيه أن يكون
مانعا من الرد.
الرابعة أن وطئ المالك حال الوطئ لا يستعقب عليه ضمانا للبضع، لأنه تصرف
في ماله وإن فسخ المبيع بعد ذلك بوجه من الوجوه المجوزة له.
الخامسة أن المولى لو وطأ أمته جاز له بيعها مع عدم تيقن الحمل، ثم وإن
ظهر بها حمل منه تبين بطلان البيع لكونها أم ولد، وهذه المقدمات كلها اجماعية.
السادسة إن وطء أمة الغير جهلا بتحريمه يوجب على الواطئ عشر قيمتها إن
كانت بكرا ونصف العشر، إن كانت ثيبا، لدلالة النصوص على هذا التقدير.
85

السابعة. أن الفسخ بالعيب يبطل العقد من حينه لا من أصله، لتحقق الملك بالعقد،
وجواز الاستمرار عليه، فلا معنى لرفع ما قد ثبت. (1)
إذا تقرر هذه المقدمات فنقول: إذا اشترى أمة وتصرف فيها ثم علم بعيب سابق
لم يجز له ردها، بل يتعين الأرش، لكن وردت النصوص هنا باستثناء مسألة وهي ما لو كان
العيب حبلا، وكان التصرف بالوطئ فإنه حينئذ يردها ويرد معها نصف العشر لمكان
الوطي.
وهذا الحكم كما ترى مخالف لهذه المقدمات من حيث جواز الرد مع التصرف
وفي وجوب شئ على المشتري مع أنه وطأ أمته، وفي اطلاق وجوب نصف العشر مع أن
ذلك عقر الثيب، والمسألة مفروضة فيما هو أعم منها.

(1) أقول: هذا مبني على أن المبيع بالعقد ينتقل إلى المشتري، وأن الانتفاعات
والنماء في مدة الخيار له وإن رد المبيع بالعيب بعد ذلك، إلا أنك عرفت مما
سبق أن النصوص مختلفة في ذلك، وأخبار خيار الحيوان متفقة على أن تلفه
في زمن الخيار من مال البايع، وهو مؤذن بعدم الانتقال للمشتري، ولهذا
نقل عن بعض الأصحاب أن المبيع زمن الخيار والنماء للبايع، وحينئذ فلا
استبعاد هنا بأن الفسخ بالعيب يبطل العقد من أصله.
وبذلك يظهر أيضا المناقشة فيما ذكره في المقدمة الرابعة من أن وطئ
المالك حال الوطئ لا يستعقب عليه ضمان للبضع، فإنه تصرف في ملكه،
فإنه بناء على ما قلنا ليس في ملكه، فالضمان حينئذ ثابت، وتخصيصه بنصف
العشر على ما هو الأغلب الأكثر من ثيبوبة الحامل، لما عرفت فيما تقدم في غير
موضع من الكتاب من الاطلاق في الأحكام الشرعية إنما يحمل على الغالب
الأكثر، دون الفروض النادرة.
وبالجملة فإن باب المناقشة فيما ذكره قدس سره، غير منسد، وبه يظهر صحة
القول المشهور والله العالم، منه قدس سره.
86

ولأجل هذه المخالفات التجأ بعض الأصحاب (1) إلى حملها على كون الحمل
من المولى البايع، فإنها تكون حينئذ أم ولد، ويكون البيع باطلا، والوطئ في ملك الغير
جهلا، فيلزم فيه العقر، واطلاق نصف العشر مبني على الأغلب من كون الحبل مستلزما
للثيبوبة ولو فرض على بعد كونها حاملا بكرا كان اللازم العشر.
وفي هذا دفع لهذه الاشكالات، إلا أنه مدافع لاطلاق النص بالحمل، وبنصف
العشر من غير تقييد بكونه من المولى وكونها ثيبا.
وفيه أيضا أنه لا وجه لتقييد بكونه بالوطئ بل اللازم حينئذ الرد على كل حال،
لبطلان البيع، وليس تقييد الحمل المطلق في النصوص الصحيحة وفتوى أكثر الأصحاب
وكون المراد رد نصف العشر خاصة، أولى من استثناء هذا النوع من التصرف من بين
سائر التصرفات.
وكون المنفعة مضمونة على المشتري إما بناء على أن الفسخ يبطل العقد من أصله،
نظرا إلى أن العيب يقتضي تزلزل العقد، فمع اختيار الرد ينكشف لنا عن عدم الملك، وأن
العقد موقوف على اختيار الرضا بالعيب أو أن ضمان المنفعة قد وجد في المصراة على
ما يأتي، ويكفي في التخصيص بكون المردود نصف العشر، موافقته للغالب الأكثر من
أن الحامل لا تكون بكرا.
وبالجملة فالعدول عن ظواهر هذه الأخبار والنصوص الكثيرة مع قول أكثر
الأصحاب بها لمناسبة الأصول غير واضح.
وعلى هذا فيكون الرد على وجه الجواز لا اللزوم إن لم يكن الحمل من المولى
ويختص بالوطئ انتهى.
أقول: والأظهر ما قدمنا لك ذكره في غير مقام من أن الأولى هو الدوران في

(1) الظاهر أنه ابن الجنيد والشيخ في النهاية والعلامة في المختلف حيث
إنهم كما عرفت حملوا النصوص على ذلك، وقد عرفت ما فيه وإليه أشار بقوله
هيهنا بقوله: إلا أنه مدافع لاطلاق النص إلى آخره، منه قدس سره.
87

الأحكام مدار النصوص، وما دلت عليه بالعموم أو الخصوص، وافقت قواعدهم أم لم
توافق، وإليه يشير هنا قوله في اجمال البحث المتقدم بقوله: وبالجملة فالعدول عن
ظواهر النصوص إلى آخره.
الموضع الثاني حلب المصراة وسيجئ حكمه إن شاء الله (تعالى).
الثانية قد عرفت أنه متى كان العيب سابقا على العقد، فإن للمشتري الخيار بعد
ظهوره بين الرد، والأخذ بالأرش.
وأما لو تجدد بعد العقد وقبل القبض، فإنه لا خلاف في أن له الرد، وإنما الخلاف في
أنه مع أخذه والرضا به هل له الأرش أم لا؟ قولان: كلاهما للشيخ.
قال في النهاية: من اشترى شيئا ولم يقبضه ثم حدث فيه عيب كان له رده، فإن أراد
أخذه وأخذ الأرش كان له ذلك.
وقال في الخلاف: إذا حدث في المبيع عيب في يد البايع كان للمشتري الرد
والامساك، وليس له إجازة البيع مع الأرش، فلا يجبر البايع على بذل الأرش بلا خلاف،
فإن تراضيا على الأرش كان جائزا، وكذا قال في المبسوط، وتبعه ابن إدريس على ذلك.
وإلى الأول ذهب العلامة في المختلف، ونقله عن ابن البراج وأبي الصلاح،
واحتج في المختلف لما ذهب إليه، قال: لنا إن المبيع لو تلف لكان من ضمان البايع فكذا
أبعاضه وصفاته، لأن المقتضي لثبوت الضمان في الجميع وهو عدم القبض موجود
في الصفات، ثم نقل عن الشيخ أنه احتج بأن الأصل ثبوت البيع ولزومه، وعدم التسلط
بالأرش، وإنما أوجبنا له الخيار بين الرد والقبول، لدفع الضرر اللاحق بايجاب القبول
فيبقى الباقي على الأصل.
ثم أجاب عنه بأن التزامه بأحد هذين نوع ضرر، إذا الحاجة قد مست إلى
المعاوضة، وإلا لم توجد، والتزامه جميع الثمن ضرر عظيم، لأنه دفعه في مقابلة
الجميع بصفاته فلا يجب دفعه عن البعض. انتهى.
88

وما ذكره رحمه الله في تعليل ما اختاره، وكذا في الجواب عما نقله عن
الشيخ وإن كان لا يخلو عن قوة، إلا أن المسألة لما كانت عارية عن النص سيما
مع ما عرفت من أنه لا وجود للأرش إلا في صورة التصرف وأنه ليس له الرد،
وإنما له الأرش أشكل الحكم بذلك.
وأما ما هو المشهور من أنه مع ظهور العيب مطلقا تقدم على العقد
أو تأخر عنه فإنه مخير بين الرد والأرش، فلم نقف له في الأخبار على أثر، وإنما
تضمنت الرد خاصة، كما قدمنا ذكره في خيار العيب.
وبالجملة فلتوقف في الحكم المذكور مجال، وربما حمل الاجماع الذي
ادعاه في الخلاف على عدم الأرش على اجماع العامة، وفيه ما لا يخفى.
ولو قبض بعضه ثم حدث في الباقي عند البايع حدث كان الحكم في الباقي
ما تقدم في تجدد العيب بعد العقد ولو قبل القبض على أحد القولين، نظرا إلى أن
سبب الرد هو العيب الحادث في البعض، وقد حدث حين كون ذلك البعض
مضمونا وحده، فيتعلق به وحده جواز الرد دون المقبوض.
وفيه أنه يستلزم تبعيض الصفقة المنهي عنه، وقيل: وهو الأظهر أنه
يتخير بين رد الجميع وأخذ أرش العيب (1).
ولو حدث فيه عيب بعد القبض يمنع من الرد بالعيب السابق، دون الأرش
عند الأصحاب، ولم أقف فيه على نص.
قالوا: ولا فرق بين العيب الحادث بين كونه من جهة المشتري أو غير جهته

(1) بناء على ما عرفت من ظاهر اتفاقهم على أنه بظهور العيب السابق
على العقد يتخير بين الرد والأرش، وكذا ما هو المشهور في العيب المتأخر
عن العقد قبل القبض كما عرفت، فإن هذه المسألة من فروع تلك المسألة
وقد عرفت ما في الأصل منه رحمه الله.
89

واستثنوا من ذلك ما لو كان المبيع حيوانا وحدث فيه العيب في الثلاثة من غير جهة
المشتري، فإنه لا يمنع من الرد ولا الأرش لأنه (حينئذ) مضمون على البايع، وسيأتي الكلام
في هذه المسألة.
قيل: والظاهر أن كل خيار مختص بالمشتري كذلك.
ولو اشترى شيئين صفقة وعلم بالعيب في أحدهما، لم يجز رد المعيب منفردا، لما
يتضمنه من ضرر تبعيض الصفقة على البايع، وإنما له ردهما معا إن لم يتصرف فيهما ولا في
أحدهما أو أخذ أرش المعيب متى تصرف في أحدهما، وإن كان الصحيح، سقط رد
المعيب، لأنهما بمنزلة مبيع واحد، وكذا الحكم فيما اشترى اثنان شيئا واحدا كان لهما رده
أو إمساكه مع الأرش، وليس لأحدهما رد نصيبه دون صاحبه، للزوم تبعيض الصفقة.
هذا هو المشهور في هذه الصورة.
ونقل عن الشيخ وجماعة: جواز التفرق في هذه الصورة، لجريانه مجرى عقدين
بسبب تعدد المشتري، فإن التعدد في المبيع يتحقق بتعدد البايع، وبتعدد المشتري، وبتعدد
العقد، ولأن العيب جاء من قبله حيث باع من اثنين، وارتكب التشقيص، فإن كل واحد
منهما صار مشتريا للبعض، فهو بمنزلة البيعين. (1)
وأنت خبير بأن هذا إنما يتم مع علمه بالتعدد، وحينئذ فلو قيل بالتفصيل بين علمه
بالتعدد فيجوز التفرق، وجهله بذلك، فليس لهما إلا الاتفاق في الرد أو الأرش، كما اختاره
العلامة في التحرير لكان قريبا.
وظاهر المحقق الأردبيلي الميل إليه، وكذا شيخنا الشهيد الثاني في المسالك
إلا أنه قال: وإن كان القول بالجواز مطلقا متوجها.

(1) وأيده المحقق الأردبيلي بعدم ثبوت كون التشقيص عيبا مطلقا بالدليل،
مع عموم دليل ثبوت الخيار بين الرد والأرش منه رحمه الله.
90

وفيه أن الظاهر أن الجهل عذر شرعي كما مر تحقيقه في مقدمات الكتاب (1)
على تفصيل فيه.
الثالثة المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف
أنه إذا قال البايع: بعت بالبراءة، وأنكر المشتري، ولم يكن للبايع بينة فالقول قول
المشتري بيمينه، للخبر المتفق عليه (2) " البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر "
ولأن الأصل عدم صدور البراءة منه حتى يتحقق.
قال المحقق الأردبيلي (قدس سره، في شرح الإرشاد بعد ذكر نحو ما قلناه:
" ولا يلتفت إلى ما في الخبر عن جعفر بن عيسى في مكاتبته إلى أبي الحسن (عليه السلام)
" فيقول له المنادي: قد برئت منها، فيقول له المشتري: لم أسمع البراءة منها، أيصدق
فلا يجب عليه الثمن، أم لا يصدق، فيجب عليه الثمن؟ فكتب: عليه الثمن " لضعفه مع الكفاية،
ومخالفة القاعدة " انتهى.
والعجب هنا من صاحب الكفاية حيث جعل هذا الخبر مؤيدا لعموم " البينة على
المدعى، واليمين على من أنكره " وهو على العكس من ذلك.
أقول: والمفهوم من سياق الخبر المذكور أن انكار المشتري إنما وقع مدالسة،
لعدم رغبته في المبيع، وإلا فهو عالم بتبري البايع، والإمام (عليه السلام) إنما ألزمه
الثمن من هذه الجهة، ونحن قدمنا الخبر المذكور في خيار العيب، ولكن نعيده هنا
إزاحة لثقل المراجعة، ليظهر لك صحة ما ادعيناه.
وهو ما رواه الشيخ في التهذيب عن جعفر بن عيسى (3) " قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) جعلت فداك المتاع يباع فيمن يزيد فينادي عليه المنادي،

(1) ج 1 ص 77.
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى.
(3) التهذيب ج 7 ص 66.
91

فإذا نادى عليه برئ من كل عيب فيه، فإذا اشتراه المشتري ورضيه ولم يبق إلا نقده
الثمن فربما زهده، فإذا زهد فيه ادعى فيه عيوبا وأنه لم يعلم بها، فيقول له المنادي:
قد برئت منها، فيقول المشتري: لم أسمع البراءة منها أيصدق فلا يجب عليه الثمن
أم لا يصدق فيجب عليه الثمن؟ فكتب: عليه الثمن ".
فإنه ظاهر في أنه عالم بالنداء بالبراءة، وأنه رضيه مع ذلك، إلا أنه لما تجدد
له زهده وعدم الرغبة فيه، ادعى عدم علمه بالعيوب وعدم سماعه النداء، فهده الدعوى
إنما نشأت من حيث زهده فيه وعدم رغبته، لا من حيث العيوب.
وحينئذ فلا يكون الخبر مخالفا للقاعدة المتفق عليها، ولا يحتاج إلى طرحه، وكثيرا
ما يحكمون (عليهم السلام) في بعض الأحكام بمقتضى علمهم بالحال، فكيف مع ظهور
ذلك في السؤال.
الرابعة التصرية تدليس يثبت به الخيار بين الرد والامساك بالثمن بلا أرش،
كما في خيار التدليس في غير هذا الموضع والتصرية مصدر من قولك صريت إذا جمعت
بين الصرى، وهو الجمع.
يقال: صرى الماء في الحوض إذا جمعه، وصريت الشاة تصرية إذا تركت
حبلها أياما حتى يجتمع اللبن في ضرعها، والشاة مصراة وتسمى المصراة محفله
أيضا، وهو من الحفل، ومنه قيل للمجمع: محفل.
والمراد هنا أن يربط احلاف الشاة ونحوها يومين أو ثلاثة، فيجتمع اللبن في
ضرعها، ويظن الجاهل بحالها أنها لكثرة ما تحلبه كل يوم، فيرغب في شرائها.
قال في المسالك: " والأصل في تحريمه مع الاجماع النص

(1) قال في المصباح المنير: وصرى الماء صريا طال مكثه، ويتعدى
بالحركة فيقال: صريته صريا من باب رمى إذا جمعته فصار كذلك، وصريته
بالتشديد مبالغة، منه رحمه الله.
92

عن النبي (صلى الله عليه وآله) وهو من طرق العامة (1) وليس في أخبارنا تصريح به، لكنه
في الجملة موضع وفاق، انتهى.
أقول: وروى الصدوق (عطر الله مرقده) في كتاب معاني الأخبار عن محمد
ابن هارون الزنجاني علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد (2) رفعه إلى النبي (صلى الله عليه وآله)
" قال: لا تصروا الإبل والغنم فإنه خداع، من اشترى مصراة فإنه بأحد النظرين، إن
شاء ردها ورد معها صاعا من تمر.
والظاهر أن الصدوق نقل هذا الخبر من طريق الجمهور، لعدم وجوده في كتب
الأخبار، حسبما اعترف به شيخنا المتقدم ذكره.
وكيف كان فالكلام هنا يقع في مواضع، الأول أنه إذا اختار الرد قالوا
يرد معها لبنها الموجود وقت البيع، لأنه جزء من المبيع، فإذا فسخ البيع رده، كما
رد المصراة، فإن تعذر فمثله، وإن تعذر فقيمته وقت الدفع ومكانه.
أما اللبن المتجدد بعد العقد ففي رده وجهان، من اطلاق الرد في الأخبار، ومن
أنه نماء المبيع الذي هو ملكه، والعقد إنما ينفسخ من حينه، قال في المسالك:
وهو الأقوى.
أقول: قد عرفت أنه لا نص في المسألة، كما اعترفوا به كيف يستند في الوجه
الأول إلى اطلاق الأخبار.
اللهم ان يراد أخبار العامة، وفيه ما لا يخفى، وبه يظهر قوة الوجه الثاني مضافا
إلى ما ذكره في تعليله.
ثم إنه لو امتزج الموجود حالة البيع بالمتجدد صار شريكا ورجعا إلى الصلح،
وللشيخ قول بأنه مع ردها يرد معها ثلاثة أمداد.

(1) سنن البيهقي ج 5 ص 318.
الوسائل الباب 13 من أبواب الخيار الرقم 2 لكن عن القاسم ابن
سلام باسناد متصل.
93

واستدل له بعض المحققين (1) بحسنة الحلبي (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
في رجل اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيام ثم ردها، قال: إن كان في تلك الثلاثة الأيام
يشرب لبنها رد معها ثلاثة أمداد، وإن لم يكن لها لبن فليس عليه شئ " قال: والرواية
مختصة بصورة شرب اللبن، ولا يبعد العمل بمضمونها لحسنها مع اعتضادها بغيرها.
أقول: فيه أولا إن الشيخ إنما حكم بذلك في المصراة، وما تضمنه الخبر المذكور
ليس كذلك، فلا يكون منطبقا على المدعى.
وثانيا إن الرواية المذكورة تضمنت جواز الرد بعد الثلاثة " وهو مخالف
لمقتضى القاعدة المتفق عليها نصا وفتوى، وأن المشتري ليس له الخيار في الحيوان
إلا في ضمن الثلاثة، وأما بعدها فلا، وحمل الرواية على كون الرد في الثلاثة بعيد
عن مقتضى سياقها، وحاق لفظها.
وثالثا إن مقتضى كلامهم أنه بالعقد ينتقل إلى ملك المشتري، فالمشتري في
ضمن الثلاثة إنما تصرف في ملكه، فكيف يضمنه، ويعطي بعد الرد ثلاثة أمداد
عوضا عنه، (3).
ورابعا أنه لا ريب في أنه ضمن الثلاثة قد أنفق على الشاة ما لعله أكثر من قيمة
لبنها، فكيف أهمل ذلك في الرواية، أو مثلها، وبالجملة فالاستناد في الحكم المذكور
إلى هذه الرواية مع ما عرفت لا يخلو من غفلة أو مسامحة.
ونقل عن الشيخ قول آخر، وهو أنه: يرد معها صاعا من تمر أوبر، قيل: وهو

(1) هو الفاضل الخراساني في الكفاية منه رحمه الله.
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب الخيار الرقم 1.
(3) أقول هذا الوجه الثالث الزامي حيث أنهم يقولون بذلك وإلا فقد عرفت
من أخبار الحيوان أنه إنما ينتقل للمشتري بعد الثلاثة كما تقدم تحقيقه
منه رحمه الله.
94

منصوص عن النبي (1) (صلى الله عليه وآله) من طريق العامة ولعله في رواية أخرى
غير التي قدمنا نقلها عن الصدوق فإنها اشتملت على صاع التمر خاصة.
الثاني قد صرحوا بأنه لو ثبتت التصرية باقرار البايع أو البينة قبل أن يحلبها
ثبت له الخيار، ولا يحتاج إلى الاختبار بمضي ثلاثة أيام لو لم يثبت ذلك.
وربما صرح بعضهم بالفورية، لأن التصرية التي هي تدليس وموجبة لجواز
الرد قد ثبتت، فيكون مقتضاها أيضا ثابتا، إلا أن الظاهر من كلام بعض أنه لا مانع
من جواز الصبر والاختبار، لاحتمال الارتفاع بهبة من الله عز وجل، فلا يثبت له بزوال
الموجب، لأن التصرية غير موجبة من حيث هي هي، وإنما هي موجبة من حيث
الاستظهار بمعرفة ما فيه، ما يوجب زيادة الثمن والرغبة.
قال في المسالك: فلو ثبت باقرار البايع أو البينة جاز الفسخ قبل الثلاثة،
لكن بشرط النقصان، فلو تساوت أو زادت هبة من الله تعالى فالأشهر زوال الخيار
لزوال الموجب له مع احتمال بقائه، ومثله ما لو لم يعلم العيب حتى زال انتهى.
ونقل عن الشيخ في الخلاف أنه قوى جواز الرد مع ثبوت التصرية وإن
زالت، وصار اللبن زايدا كل يوم على لبن الأول، أو ساواه.
وفي المبسوط صرح بسقوط الخيار كما هو المشهور. ولو لم يثبت بأحد
الأمرين المتقدمين فلا بد من اختبارها ثلاثة أيام، فإن اتفقت فيها الحلبات عادة، أو زادت
اللاحقة فليست مصراة، وإن اختلفت في الثلاثة وكان بعضها ناقصا عن الأول نقصانا
خارجا عن العادة، وإن زاد بعد الثلاثة ثبت الخيار بعد الثلاثة بلا فصل على الفور.
الثالث ظاهر الأصحاب الاجماع على ثبوت التصرية في الشاة، والمشهور
ذلك أيضا في الناقة والبقرة، بل قيل: إنه اجماع.
قال شيخنا في الروضة: فإن ثبت فهو الحجة، وإلا فالمنصوص الشاة، والحاق
غيرها بها قياس، انتهى.

(1) سنن البيهقي ج 5 ص 318.
95

أقول: وأي نص هنا ورد في الشاة وبذلك اعترف " قدس سره " في المسالك،
أنه في الموضعين إنما التجأ إلى الاجماع، قال في الكتاب المذكور بعد قول
المصنف (رحمه الله): وتثبت التصرية في الشاة قطعا، وفي الناقة والبقرة على
تردد، ما لفظه:
وجه التردد من عدم النص ظاهر عندنا على هذا الحكم، لكن الشاة محل وفاق
فيحتمل الحاق الناقة والبقرة بها، لمساواتهما لها في العلة الموجبة للخيار، وهي كون
اللبن مقصود مع التدليس، كما ادعى الشيخ الاجماع على الحاقها بها، فإن ثبت فهو
الحجة، وإلا ففي اثبات الحكم المخالف للأصل، بغير النص والاجماع اشكال.
ثم نقل عن ابن الجنيد أنه طرد الحكم في ساير الحيوانات حتى الآدمي، قال
وفي بعض الأخبار من طرق العامة ما يدل عليه، وهو مناسب لمقابلة المدلس، وفي
الدروس أنه ليس بذلك البعيد. انتهى.
ويظهر من المحقق الأردبيلي (عطر الله مرقده) الميل إلى الحاق البقرة والناقة
في الموضع المذكور، لكن لا من حيث التصرية، بل من حيث التدليس وحصول
الضرر المنفي عقلا ونقلا لو لم يتخير، قال في بيان وجه الاشكال في الحاق الفردين
المذكورين: ووجه الاشكال عدم وجود النص والاجماع، ووجود العلة الموجبة
في الشاة، فالثبوت ليس ببعيد، لما تقدم من العلة في الشاة، إذ لا نص، بل التدليس
الموجب لذلك، وإلا لزم الضرر المنفي عقلا ونقلا، مؤيدا بأخبار العامة، انتهى.
هذا خلاصة كلامهم في هذه المسألة.
وقد عرفت خلو أصل المسألة من المستند، والظاهر أن أصل هذه المسألة إنما
هي في كلام العامة، لأنها مروية في أخبارهم، والأصحاب كثيرا ما يستلقون الأخبار
والأحكام والفروع من كتبهم.
قال المحقق الأردبيلي (قدس سره) في بعض مواضع البحث في هذه المسألة
ما لفظه:
96

والظاهر أنه لا دليل للأصحاب على رد الشاة واللبن عينا أو مثلا أو قيمة بعد
التصرف الموجب للسقوط، بل في هذه المسألة مما لا نص فيه للأصحاب، كما قال
المصنف والشارح وغيرهما، وإنما هي مذكورة في بعض كتب العامة وأخبارهم.
ولهذا قالوا المراد برد اللبن رد اللبن الموجود حال البيع، وقبل أن تصير الشاة
للمشتري، وهو بناء على مذهبهم من كون المبيع زمن الخيار ملك البائع فلا اشكال
حينئذ، ولكن يشكل ذلك على مذهب الأصحاب بناء على ما تقرر عندهم (1) إلى آخر
كلامه زيد في مقامه والله سبحانه العالم بأحكامه.
الرابع قد عرفت مما تقدم في المسألة الأولى أنهم استثنوا من التصرف
المسقط للرد بالعيب أمرين، ثانيهما حلب الشاة المصراة وهو مبني على أن التصرية
من قبيل العيوب.
والظاهر من كلام جملة منهم أنها تدليس، وخيار العيب وأحكامه على حده
وخيار التدليس وأحكامه على حده ولا يدخل إحديهما في الآخر، ولهذا عد في اللمعة
كلا منهما على حدة وجعل التصرية في التدليس.
والمفهوم من كلامهم أن خيار حكم التدليس هو التخيير بين الرد والامساك
بغير أرش، تصرف أو لم يتصرف متى ظهر التدليس، وحكم خيار العيب هو التخيير
قبل التصرف، بين الرد والامساك بالأرش، وبعد التصرف ليس إلا الامساك مع
الأرش، وليس له الرد.
والمفهوم من كلامهم أيضا أن التدليس إنما هو عبارة عن اشتراط أمر زايد،
ثم يظهر عدمه، وأما العيب فإنما يتعلق بذات المبيع مما يوجب نقصه وخروجه عن
أمثاله أو أبناء نوعه.

(1) أقول المراد بما تقرر عندهم ما تقدم ذكره من أن المبيع ينقل بالعقد
إلى ملك المشتري منه رحمه الله.
97

وبالجملة فإنه متى جعلت التصرية من قبيل التدليس لم يتوجه الاستثناء الذي
ذكروه كما عرفت. والله العالم.
الخامسة أطلق جمهور الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن الثيوبة ليست عيبا،
نظرا إلى أن أكثر الإماء لا يوجدون إلا ثيبات، فكانت الثيوبة بمنزلة الخلقة الأصلية،
وإن كانت عارضة.
واستشكل ذلك في المسالك في الصغيرة التي ليست محل الوطئ، فإن أصل
الخلقة والغالب في مثلها البكارة، فينبغي أن يكون الثيوبة عيبا.
قال: ونقل مثل ذلك في التذكرة عن بعض الشافعية، ونفى البأس عنه، وهو
كذلك، بل يمكن القول بكونها عيبا مطلقا، نظرا إلى الأصل، وهو ظاهر ابن
البراج انتهى.
أقول: صورة عبارة التذكرة هكذا اطلاق العقد في الأمة لا يقتضي البكارة
ولا الثيوبة، فلا يثبت الخيار بأحدهما مع الاطلاق.
وقال بعض الشافعية: إلا أن تكون صغيرة، وكان المعهود في مثلها البكارة،
ولا بأس به عندي، لأن البكارة أمر مرغوب إليه، وإنما بذل المشتري المال بناء على
بقائها على أصل الخلقة، فكان له الرد قضاء للعادة. انتهى.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه على المشهور لو اشترط البكارة فظهر كونها ثيبا
حال البيع بالبينة، أو اقرار البائع، أو قرب زمان الاختبار لزمان البيع، بحيث لا يمكن
تجدد الثيوبة فيه، فالمشهور أنه يتخير بين الرد والامساك، وإن جهل ذلك لم يكن
له الرد، لأن ذلك قد يذهب بالنزوة والعلة ونحو ذلك.
وقال الشيخ في النهاية: من اشترى جارية على أنها بكر فوجدها ثيبا لم يكن
له الرد لأن ذلك قد يذهب بالنزوة والعلة ونحو ذلك.
وقال الشيخ في النهاية: من اشترى جارية على أنها بكر فوجدها ثيبا لم يكن
له ردها، ولا الرجوع على البائع بشئ من الأرش، لأن ذلك قد يذهب من العلة
والنزوة انتهى.
98

ومثله ابن البراج في الكامل حيث قال: إن ابتاعها على أنها بكر فوجدها ثيبا
لم يكن له ردها، ولا أرش في ذلك انتهى.
أقول: ويدل على هذا القول موثقة سماعة (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن رجل باع جارية على أنها بكر فلم يجدها على ذلك قال: لا ترد عليه ولا يجب
عليه شئ لأنه يكون يذهب في حال مرض أو أمر يصيبها ".
والعلامة في المختلف تأول كلام الشيخ بالحمل على ما إذا لم يعلم سبق الثيوبة
على العقد، وعلى هذا يمكن حمل الرواية أيضا، وفي التعليل اشعار بذلك.
وهل يثبت له الأرش مع اختيار الامساك؟ الظاهر من كلام الأكثر ذلك.
ويدل عليه ما رواه في الكافي والتهذيب عن يونس (2) " في رجل اشترى
جارية على أنها عذراء فلم يجدها عذراء قال: يرد عليه فضل القيمة إذا علم أنه صادق ".
والظاهر أن وجوب الأرش هنا مبني على العلم بالثيوبة حال البيع بأحد
الوجوه المتقدمة، جمعا بينه وبين الخبر المتقدم، والخبر الأول قد عرفت أنه محمول
على الجهل بذلك.
قال: في الدروس: إن مع فوات الشرط يتخير بين الفسخ والامضاء بغير أرش
إلا في اشتراط البكارة، فظهر سبق الثيوبة، فإن الأرش مشهور، وإن كانت رواية
يونس به مقطوعة، وفي المسالك الأقوى ذلك لأن فواته مما يؤثر في نقصان القيمة
تأثيرا بينا، ثم قال: ويحتمل العدم، لأن الأرش جزء من الثمن، وهو لا يوزع على
الشروط انتهى.
وظاهره في الكفاية التوقف هنا، وهو في محله، لعدم اسناد الرواية المذكورة
إلى الإمام (عليه السلام)، ولو كانت مسندة لما كان عنها معدل.

(1) التهذيب ج 7 ص 65 الكافي ج 5 ص 215 الرقم 11.
(2) الكافي ج 5 ص 216 التهذيب ج 7 ص 64.
99

ونقل في المسالك عن بعض الأصحاب: أنه ذهب إلى عدم التخيير بفوات
البكارة مطلقا، يعني مع الشرط وعدمه، والظاهر أنه إشارة إلى ما قدمنا نقله عن
الشيخ في النهاية وابن البراج في الكامل.
ثم إنه لو انعكس الفرض بأن شرط الثيوبة فظهرت بكرا قيل: فالأقوى
تخييره أيضا بين الرد والامساك، لكن بغير أرش، لجواز تعلق غرضه بذلك، لعجزه
عن البكر وقيل: لا رد هنا لزيادة قيمة البكر.
السادسة الإباق الحادث عند المشتري لا يرد به العبد، وإنما يرد به إذا حصل
عند البائع أو غيره من الملاك السابقين، وبالجملة حصوله قبل البيع، وهل يكفي
في ثبوت ذلك حصوله ولو مرة واحدة؟
ظاهر جمع منهم ذلك وبه صرح في التذكرة، وشرط بعض الأصحاب
الاعتياد، قيل: وأقل ما يتحقق به مرتين.
والذي وقفت عليه من الأخبار هنا ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن أبي همام (1) " قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: يرد المملوك من أحداث
السنة من الجنون والجذام والبرص، فقلت: كيف يرد من أحداث السنة قال:
هذا أول السنة وإذا اشتريت مملوكا به شئ من هذه الخصال ما بينك وبين ذي
الحجة رددته على صاحبه، فقال له محمد بن علي: فالإباق من ذلك، فقال: ليس
الإباق من ذلك إلا أن يقيم البينة أنه كان آبق عنده ".
وظاهر هذا الخبر أنه لا بد من ثبوت الإباق عند البايع، وأنه تكفي المرة
الواحدة، كما صرح به في التذكرة.

(1) الكافي ج 5 ص 217 التهذيب ج 7 ص 63 الوسائل الباب 1 من
أبواب أحكام العيوب الرقم 2.
100

إلا أنه قد روى في التهذيب في الموثق عن محمد بن قيس (1) عن أبي جعفر
(عليه السلام) " قال: قضى علي (عليه السلام) أنه ليس في إباق العبد عهدة إلا أن
يشترط المبتاع ".
وروى في الكافي في الصحيح عن محمد بن قيس (2) عن أبي جعفر (عليه
السلام) " قال: ليس في الإباق عهدة ".
والظاهر أن المراد بالعهدة هنا الخيار، لما في حديث يونس (3) أن العهدة
في الحيوان وحده إلى سنة وفي حديث عبد الله بن سنان (4) " وعهدته يعني الرقيق
السنة ".
وحينئذ فمقتضى الخبرين المذكورين بعد الجمع بينهما لحمل مطلقهما على
مقيدهما هو أنه لا خيار في الإباق إلا أن يشترط المشتري عدم ذلك وهو مشكل، لما
عرفت من كلام الأصحاب مما ظاهرهم الاتفاق عليه، مع الصحيحة المتقدمة، ولم
أطلع على من تعرض لذكر هذين الخبرين في المقام، فضلا عن الجواب عنهما،
قالوا ولو تجدد عند المشتري في الثلاثة فهو كما لو وقع عند البائع.
السابعة المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم)، أنه إذا اشترى
زيتا أو بذرا (5) أو نحوهما فوجد فيه ثفلا فإن كان مما جرت العادة بمثله لم يكن
له رد ولا أرش، وكذا لو كان كثيرا وعلم به قبل البيع. وفي حسنة ميسر. المتقدمة
في قسم العيب التفصيل بنحو آخر.
قال إن كان المشتري يعلم أن الدردي يكون في الزيت فليس عليه أن يرده،

(1) التهذيب ج 7 ص 237.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب العيوب.
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام العيوب الرقم 5.
(4) الكافي ج 5 ص 172.
(5) البذر هو دهن الكتان وهو على حذف مضاف أي دهن البذر والثفل
بالضم والسافل ما استقر تحت الشئ من الكدر منه رحمه الله.
101

وإن لم يكن يعلم فله أن يرده، ويمكن ارجاع الرواية إلى ما ذكروه بمعنى أنه إن
كان يعلم أن هذا بحسب العادة مما يكون في الزيت ونحوه لم يكن له الرد، وإلا فله،
إلا أنه يبقى فرد آخر وهو ما إذا لم يعلم ذلك وظن أنه خالص من الثفل.
والأقرب أن الحكم فيه ما ذكره الأصحاب، تنزيلا للعادة منزلة العلم بذلك،
كما في كثير من المواضع، ونظرا إلى أن مثل ذلك هنا ليس عيبا، لاقتضاء طبيعة
الدهن كون ذلك فيه غالبا.
إلا أنه ربما أشكل ذلك فيما لو كان كثيرا وعلم به، باعتبار الجهل بقدر
المقصود بالذات الموجب للغرر، والمشاهدة في مثل ذلك غير كافية.
ويمكن اندفاع ذلك بأن معرفة مقدار الجميع كافية، كما في معرفة مقدار
السمن بظروفه جملة من دون العلم بالتفصيل، ونحوه التراب في الحنطة والشعير
ونحوهما والتبن في الأولين، أما ما عدا ذلك فلا اشكال في كونه عيبا يترتب
عليه أحكامه.
الثامنة إذا قال المشتري: هذا العيب كان عند البايع، وأنكر البايع ذلك
فالقول قول البايع مع يمينه عملا بالقاعدة المنصوصة، ولأصالة عدم التقدم إلا أن يكون للمشتري بينة أو شاهد حال.
والمراد بشاهد الحال نحو زيادة الإصبع واندمال الجرح مع قصر زمان البيع،
بحيث لا يحتمل تأخره عادة.
ويعتبر في شاهد الحال هنا كونه مفيدا للقطع، فيقدم قول المشتري حينئذ
بغير يمين، ولو شهد الحال للبايع كذلك، كطراوة الجرح مع تطاول زمان البيع
فلا يمين عليه أيضا، وحيث يفتقر البايع إلى اليمين، فلا بد أن يحلف على القطع
بعدم العيب، لا على عدم العلم، إن كان اختبر المبيع قبل البيع، واطلع على
خفايا أمره، كما يشهد بالقطع على الاعتبار، وبالعدالة وغيرهما مما يكتفى فيه
بالاختبار، الظاهر، ولو لم يكن اختبره ففي جواز حلفه على القطع، عملا بأصالة
102

العدم واعتمادا على ظاهر السلامة نظر، واستقرب في التذكرة هنا الاكتفاء بالحلف
على نفي العلم، واستحسنه في المسالك لاعتضاده بأصالة عدم التقدم، فيحتاج المشتري
إلى اثباته.
التاسعة قالوا إذا اشترى أمة لا تحيض في ستة أشهر ومثلها تحيص كان ذلك عيبا، لأنه
لا يكون إلا لعارض غير طبيعي.
أقول: هذا قول الأكثر، وعليه تدل رواية داود بن فرقد (1) " قال:
سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى جارية مدركة فلم تحض عنده
حتى مضى لها ستة أشهر وليس بها حمل، فقال: إن كان مثلها تحيض ولم يكن
ذلك من كبر فهذا عيب ترد منه ".
وأنت خبير بأنه وإن اشتمل السؤال على تأخر الحيض ستة أشهر، إلا أن
الجواب لم يتقيد به، فإنه (عليه السلام) إنما علق الحكم على حيض مثلها، وأراد به
نفي الصغر واليأس، وإن كان مستفادا من الادراك، فإن من المعلوم أن من كانت
كذلك فإن مثلها تحيض في تلك المدة، وحينئذ فلو قيل بثبوت الخيار متى تأخر حيضها
عن عادة أمثالها في تلك البلاد من غير تقييد بالستة الأشهر كان حسنا.
ويظهر من ابن إدريس على ما نقله عنه في المسالك نفى الحكم رأسا، وانكار
كون عدم الحيض عيبا، والرواية به صريحة في رده كما عرفت.
ثم إن ما دل عليه الخبر من جواز الرد بعد ستة أشهر مما لا اشكال فيه إذا لم
يتصرف تصرفا موجبا لسقوط الخيار كما تقدم، وأما مع التصرف فظاهر الخبر كونه
كذلك أيضا، فإن عدم التفصيل دليل على العموم، في أمثال هذا المقام، ويؤيده
أن العادة قاضية بأنه لا تمضي على المملوك قدر هذه المدة من غير تصرف، بأن يأمره
مولاه افعل كذا وافعل كذا من الأغراض والمطالب التي تتعلق غرض السيد بها وهو
مشكل، لقيام الأدلة كما عرفت سابقا على أن التصرف مسقط للخيار، إلا أن يقال:

(1) الكافي ج 5 ص 213.
103

باستثناء هذا العيب للرواية المذكورة.
العاشر قد صرح الأصحاب وبه نطقت الأخبار بأنه يرد المملوك من أحداث
السنة، بمعنى أن هذه الأمراض إذا حدثت ما بين الوقت البيع إلى تمام السنة كان
للمشتري رد المملوك بها، وإن لم يكن الرد في السنة، لأن خيار العيب ليس
على الفور.
ويؤيده رواية أسباط الآتية، وعدها بعضهم بالجنون والجذام والبرص، وزاد
بعض القرن، والذي وقفت عليه من الأخبار هنا صحيحة أبي همام (1) المتقدمة
قريبا في المسألة السادسة وقد تضمنت الثلاثة المتقدمة.
ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن علي (2) وهو مجهول، وإن
احتمل بعض مشايخنا كونه الحلبي قال: " سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: يرد
المملوك من أحداث السنة من الجنون والجذام والبرص والقرن، قال: فقلت: وكيف
يرد من أحداث السنة؟ قال: فقال: هذا أول السنة يعني المحرم فإذا اشتريت مملوكا
فحدث فيه من هذه الخصال ما بينك وبين ذي الحجة رددته على صاحبه ".
وما رواه ثقة الاسلام في الكافي (3) والشيخ في التهذيب عن ابن فضال عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) " أنه قال: ترد الجارية من أربع خصال: من الجنون
والجذام والبرص والقرن والحدبة " كذا في التهذيب، وفي الكافي والقرن الحدبة
إلا أنها تكون في الصدر تدخل الظهر وتخرج الصدر ".

(1) التهذيب ج 7 ص 63.
(2) التهذيب ج 7 ص 64.
(3) الكافي ج 5 ص 216 التهذيب ج 7 ص 64.
(4) الكافي ج 5 ص 216 التهذيب ج 7 ص 64.
104

وما رواه في الكافي عن علي بن أسباط عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)
" قال: سمعته يقول: الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري، وفي غير الحيوان أن
يتفرقا وأحداث السنة ترد بعد السنة، قلت: وما أحداث السنة؟ قال المجنون والجذام
والبرص والقرن، فمن اشترى فحدث فيه هذه الأحداث فالحكم أن يرد صاحبه إلى
تمام السنة من يوم اشتراه ".
وما رواه الصدوق في كتاب الخصال في الموثق عن ابن فضال (1) عن أبي الحسن (عليه السلام) " قال: في أربعة أشياء خيار سنة، الجنون والجذام والبرص
والقرن " وأكثر هذه الأخبار قد اشتمل على هذه الأربعة، فيجب حمل ما عداها عليها.
بقي الكلام هنا في مواضع: الأول ذكر الحدبة في رواية ابن فضال على
تقدير رواية الكافي الظاهر أنه تفسير للقرن، وهو خلاف المعروف، لأن القرن كما
هو المشهور بين الفقهاء واللغويين هو شئ كالسن يكون في باطن الفرج يمنع من
الجماع، وعلى تقدير رواية التهذيب يكون معطوفة على الأربع المذكورة، وهو
بعيد أيضا، لخلو الأخبار المذكورة في المسألة عن ذلك: سيما مع اختلاف الكتابين
في ذلك.
وقيل: إن المراد به أن القرن والحدبة يشتركان في كونهما بمعنى النسق،
لكن أحدهما في الفرج والآخر في الصدر، ولا يخفى ما فيه، وبالجملة فإنه يشكل
الاعتماد على هذه الرواية في عد الحدبة.
الثاني ظاهر المحقق الأردبيلي هنا الاستشكال في عد القرن في جملة هذه
العيوب، لعدم عده في صحيحة أبي همام المقطوع بصحتها، وعدم ظهور القول به.
وأنت خبير بما فيه، فإن روايات المسألة كلها عدا الصحيحة المذكورة
قد اشتملت عليه، ورد هذه الأخبار كلها باعتبار خلو تلك الرواية عنه مع إمكان تقييدها

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام العيوب الرقم 7.
105

بهذه الأخبار بعيد، فإن غاية الأمر أنها مطلقة، لا أن فيها ما يدل على نفيه، لتحصل
المخالفة الموجبة لترجيحها لصحتها، بناء على هذا الاصطلاح الذي بنى عليه.
وأما قوله لعدم ظهور القول به، فإن فيه أن الشهيد في الدروس قد عده في
جملة هذه الأربعة، بل قال في المسالك والمشهور ثبوت الحكم للأربعة المذكورة
في رواية علي بن أسباط، مع أن منها القرن كما عرفت.
ثم إن المحقق المذكور استشكل أيضا في عد البرص هنا، لورود أن العهدة
فيه ثلاثة أيام في حسنة عبد الله بن سنان، (1) وهي ما رواه عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: عهدة البيع في الرقيق ثلاثة أيام إن كان بها خبل أو برص أو نحو هذا، وعهدته
السنة من الجنون فما بعد السنة فليس بشئ ".
وأقول: والاشكال هنا ظاهر، إلا أن الأظهر هو العمل بهذه الأخبار الكثيرة التي
فيها الصحيح باصطلاحهم، سيما مع اعتضادها باتفاق الأصحاب على عد البرص منها،
ويحتمل وإن بعد أن لفظ البرص في الحسنة المذكورة تحريف " مرض " من بعض
الرواة، فإن قرب التحريف بين أحد هذين اللفظين إلى الآخر مما لا ينكر.
الثالث ظاهر هذه الأخبار الرد في المدة المذكورة وإن تصرف، إذ يبعد
كل البعد أن يشتري الانسان مملوكا ويبقى مدة سنة لا يأمره، بفعل ولا يكلفه بشئ
يوجب التصرف، مع ما علم علما يقينا من أن اشتراء المماليك إنما هو للخدمة والانتفاع
بهم في وجوه المنافع المترتبة عليهم، والمفهوم من كلام الأصحاب هنا تقييد الخيار في
هذه المدة بعدم التصرف، فلو تصرف فليس له إلا الأرش عملا بالقاعدة المتقدمة
في العيب (1).

(1) الكافي ج 5 ص 172.
(2) قال في الدروس بعد عد الأربعة المذكورة، وهذه الأربعة يرد بها
الرق، ولو تجددت ما بين العقد والسنة ما لم يتصرف وإلا فالأرش. انتهى
ونحوه العلامة في القواعد والارشاد وغيرهما منه رحمه الله.
106

وأنت خبير بما فيه من البعد، بالنظر إلى ظواهر هذه الأخبار، بالتقريب
الذي ذكرناه، وليس في شئ من هذه الأخبار إشارة فضلا عن التصريح إلى التقييد
بعدم التصرف، ضمن هذه المدة المذكورة، وحينئذ فلا يبعد استثناء هذه العيوب
من قاعدة عدم جواز الرد مع التصرف، وليس تقييد هذه الأخبار بعدم التصرف كما
هو ظاهر كلامهم بأولى من تقييد الأردبيلي تلك بعدم هذه العيوب وإلى ما ذكرنا
يميل كلام المحقق الأردبيلي قدس سره.
الرابع قد استشكل شيخنا الشهيد الثاني هنا في حكم الجذام، حيث قال
بعد أن ذكر أن المشهور ثبوت الحكم للأربعة: ولكن يبقى في حكم الجذام اشكال،
فإنه يوجب العتق على المالك قهرا كما سيأتي، وحينئذ فإن كان حدوثه في السنة
دليلا على تقدمه على البيع، لما قيل في تعليل الرد بهذه الأحداث: أن وجودها في
السنة دليل على حدوثها قبل البيع، لأنها تكن في البدن سنة، ثم تخرج، فيكون
عتقه على البايع، فيكشف ظهوره عن بطلان البيع، فلا يتجه الخيار.
وإن حمل على الظاهر كان حدوثه في ملك المشتري موجبا لعتقه قبل أن
يختار الفسخ، إذ ليس له اختيار حتى يتحققه، ومتى تحققه حكم بعتقه شرعا قبل الفسخ
فيشكل جوازه بعد العتق، وقد تقدم نظيره.
ويمكن حله بأن الحكم بعتقه بالجذام مشروط بالفعل، كما هو ظاهر النص،
ولا يكتفي بوجوده في نفس الأمر، فلا يعتق على البايع قبل بيعه، لعدم ظهوره، ولا بعده
قبل الفسخ، لعدم ملكه، وعتقه على المشتري موقوف أيضا على ظهوره، وهو متأخر
عن سبب الخيار، فيكون السابق مقدما، فيتخير، فإن فسخ عتق على البايع بعده،
وإن اختار الامضاء عتق على المشتري بعده، فينبغي تأمل ذلك. انتهى.
أقول: ما ذكره (قدس سره) في تعليل عدم انعتاقه على البايع جيد لما ذكره،
وإنما الاشكال فيما ذكره من عدم عتقه على المشتري، وتعليله ذلك بأن انعتاقه على
المشترى موقوف على ظهوره، وهو متأخر عن سبب الخيار، فإني لا أعرف له
107

وجها وجيها، إذ لا يخفى أن سبب الخيار إنما هو ظهور هذه العيوب المذكورة، كما
تنادي به الأخبار المتقدمة (1) ولا أعرف له سببا غير الظهور، فكيف يتم قوله، إن
الظهور متأخر عن سبب الخيار، ويترتب على ذلك ما ذكره من حصول الخيار له،
لتقدم سببه على سبب العتق، وبالجملة فإني لا أعرف لما ذكره (قدس سره) وجها ولعله
لضعف فهمي القاصر.
ويمكن أن يجاب بأن الانعتاق بالجذام ونحوه، إنما هو في الملك المستقر
الذي لا يتعقبه خيار ولا فسخ، وما نحن فيه ليس كذلك، فإنه مراعى بمضي السنة
سالما من العيوب المذكورة، إذ مع ظهورها في هذه المدة فله رده، فهو غير مستقر،
وملخص البحث أن هذه الروايات مع كثرتها وصحة بعضها صريحة في الرد بهذه
العيوب التي من جملتها الجذام، وقد اتفقت على الرد به، على أن ما ذكره من
الخيار في الصورة المذكورة سيأتي انشاء الله تعالى في المقام ما فيه.
ما روى في الانعتاق بالجذام إنما هو رواية السكوني (2) وإن كان ظاهرهم
الاتفاق على القول بها، وهي تضعف عن معارضة هذه الأخبار لو تثبت المعارضة
والمنافات، فالواجب هو العمل بهذه الأخبار وحمل رواية السكوني على استقرار
الملك.

(1) لقوله (عليه السلام) في بعضها " فإذا اشتريت مملوكا فحدث فيه من
هذه الخصال ما بينك وبين ذي الحجة رددته " وفي آخر " فمن اشترى فحدث
فيه هذه الأحداث فالحكم أن يرده على صاحبه إلى تمام السنة " وهي
كما ترى ظاهرة في أن سبب الرد هو ظهور شئ من ذلك كما ذكرناه
منه رحمه الله.
(2) الكافي ج 6 ص 189 الفقيه ج 3 ص 84 الوسائل الباب 23 من
أبواب العتق الرقم 2.
108

وبذلك يظهر ما في قوله تفريعا على ما قدمه، فإن فسخ عتق على البايع
بعده، وإن اختار الامضاء عتق على المشتري بعده، وأين هذا التفصيل من ظاهر
الأخبار المذكورة، وهي إنما تضمنت الرد بظهور أحد هذه العيوب خاصة،
وبالجملة فالمسألة غير خالية عن شوب الاشكال.
الخامس ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو أنه بظهور أحد هذه
العيوب ضمن السنة فإنه يتخير بين الرد والأخذ بالأرش، كما هو قضية خيار العيب،
والروايات المذكورة على كثرتها إنما تضمنت للرد خاصة، وهي موافقة للروايات
التي قدمناها في خيار العيب حيث إنها تضمنت الرد خاصة، وأما الأرش فإنما
هو في صورة التصرف المانع من الرد.
ويظهر من المحقق الأردبيلي (قدس سره) الموافقة لنا هنا فيما فهمناه من
أخبار المسألة حيث قال هنا في تقييد المصنف الرد بعدم التصرف ومعه الأرش
خاصة ما لفظه: وأما أنه إذا تصرف فليس له إلا الأرش فلا يجوز الرد، وقبله كان
مخيرا، فلما تقدم وثبت عندهم أن الرد يسقط مع التصرف في العيب مطلقا
دون الأرش، إلا ما استثنى، وليس هذا منه.
وقد مر الإشارة إلى أن ما رأيت دليلا صحيحا صريحا في التخيير مطلقا، ولكن
يظهر عدم الخلاف منهم، وهم أعرف. انتهى.
وأشار بقوله وقد مر الإشارة إلى آخره إلى ما ذكره سابقا في خيار العيب من
المناقشة في عدم دليل يدل على الخيار بين الرد والقبول مع الأرش بعد ظهور العيب،
وعدم وجوب شئ من مسقطات الخيار.
حيث قال بعد المناقشة لهم في المقام بما يطول به الكلام ما لفظه: نعم يوجد
في الأخبار ما يدل على الرد بالعيب قبل الحدث، والتصرف والأرش بعده، مع عدم
البراءة من العيوب. انتهى.
وهو جيد كما أسلفناه ذكره ثمة، إلا أنك قد عرفت مما قدمنا في خيار العيب
109

دلالة ظاهر عبارة كتاب الفقه الرضوي (1) على ما ذكره الأصحاب، فلعلها كانت
هي المستند، وإن غفل المتأخرون، لعدم وصول الكتاب إليهم، وقد ذكرنا في
غير موضع من كتب العبادات نظاير لذلك تدفع الاستبعاد.
وأنت خبير بأن هذا الكلام وإن كان الأنسب به بحث خيار العيب، إلا أنا
لم نقف عليه في كلام المحقق المذكور إلا بعد الوصول إلى هذا المكان، فذكرناه
هنا مؤيدا لما فهمناه من الأخبار الواردة في المسألة ما سبق، وما هنا. والله العالم.
الحادي عشر إذا حدث في الحيوان عيب بعد القبض من غير جهة المشتري،
وقبل انقضاء الثلاثة، فالأقرب أنه يجتمع الخياران للمشتري، وإن بقي خيار العيب
بعد الثلاثة، إذ لا يتقيد خيار العيب بالثلاثة.
والمنقول عن المحقق في الدرس على ما نقله في الدروس أنه ليس له الرد
إلا بأصل الخيار، لا بالعيب، ويشير إليه قوله في الشرايع، وما يحدث في
الحيوان بعد القبض وقبل انقضاء الخيار، فلا يمنع الرد في الثلاثة (2).
قال في المسالك: المفهوم من قوله لا يمنع الرد وجعل الثلاثة ظرفا له، أن
الرد بخيار الثلاثة لا بهذا العيب الحادث، ووجه عدم منعه من ذلك ظاهر، لأن
العيب الحادث في الثلاثة من غير جهة المشتري مضمون على البايع كالعيب السابق،
فلا يكون مؤثرا في رفع الخيار، وهذا هو المنقول من مذهب المصنف

(1) ص 64.
(2) قال في الدرس ولو حدث في المبيع عيب غير مضمون على المشتري
لم يمنع من الرد، وإن كان قبل القبض أو في مدة خيار المشتري المشروط
أو الأصل فله الرد ما دام الخيار، ولو خرج الخيار ففي الرد خلاف بين
ابن نما وتلميذه المحقق، فجوزه ابن نما، لأنه من ضمان البايع، ومنعه
المحقق، لأن الرد لمكان الخيار، وقد زال. انتهى والناقل ذلك في
الدرس الشهيد (رحمه الله) في اللمعة، منه رحمه الله.
110

في المسألة، (1) والمنقول عن ابن نما وهو شيخ المحقق أن الخيار في المسألة المذكورة
بالعيب الحادث بالتقريب المذكور آنفا، وهو كون هذا العيب الحادث كالعيب السابق
مضمونا على البايع، فكما يتخير المشتري بالسابق يتخير بهذا أيضا بين الرد
والأخذ بالأرش.
وتظهر فائدة الخلاف في ثبوت الخيار بعد تمام الثلاثة وعدمه، فعلى الأول
يرتفع، دون الثاني، لما عرفت من أن خيار العيب لا يتقيد بالثلاثة، وغاية ما يلزم
حصول الخيار في الثلاثة بعلتين من العيب، وكون المبيع حيوانا، وهو غير مانع،
فإن علل الشرع ليست عللا حقيقية يمتنع اجتماعهما، وإنما هي معرفات كما في
اجتماع خيار المجلس والحيوان، والشرط والغبن والعيب، فإنه يمكن اجتماعها
على عين واحدة.
وكذا تظهر الفائدة هنا فيما لو شرط اسقاط بعضها، فلو أسقط الخيار الأصلي
أو المشترط فله الرد بالعيب على قول ابن نما دون قول المحقق، قال في المسالك:
وقول ابن نما هنا أوجه.
وقال في الروضة والأقوى التخيير بين الرد والأرش كالمتقدم، لاشتراكهما

1 أقول: ويزيده ايضاحا أنه قد منع في هذا الموضع أنه ليس له الرد
إلا بالخيار دون العيب، مع أنه صرح في الشرايع بأن الحدث الموجب
لنقص الحيوان في الثلاثة من مال البايع وكذا التلف حكمه بعد ذلك
بلا فصل بعدم الأرش فيه، وهذا مما ينافي كلامه المتقدم، فإن مقتضاه اسقاط
ما يترتب على العيب بالكلية، وهذا الكلام يقتضي أنه بالعيب والتلف مضمون
على البايع، كالجملة، لزم منه الحكم بالأرش، إذ لا معنى لكون الجزء
مضمونا إلا ثبوت أرشه، لأن الأرش عوض الجزء الفائت أو التخيير بينه وبين
الرد كما أن ضمان الجملة يقتضي الرجوع بمجموع عوضها،
وهو الثمن. منه رحمه الله.
111

في ضمان البايع وعدم المانعية من الرد، وهو المنقول عن شيخه نجيب الدين ابن
نما. انتهى.
ومنه يعلم وجه الأوجهية الذي ذكره في المسالك.
ثم إن ظاهر عبارة القواعد هنا الموافقة لما ذكره المحقق، حيث قال: وكل
عيب يحدث في الحيوان بعد القبض وقبل انقضاء الخيار فإنه لا يمنع الرد في
الثلاثة قال المحقق الشيخ على: والخيار الواقع في العبارة يراد به خيار الحيوان،
وكذا كل خيار مختص بالمشتري انتهى. ولم ينقل هنا في المسألة خلافا، ولعله لعدم
الوقوف على ما نقل عن ابن نما هنا.
الثانية عشر عد العلامة في القواعد العيوب في هذا المقام، فقال: وحقيقته
يعني العيب هو الخروج عند المجرى الطبيعي، لزيادة أو نقصان موجب لنقص
المالية، كالجنون، والجذام، والبرص، والعمى، والعور، والعرج، والقرن،
والفتق، والرتق، والقرع، والصمم، والخرس، وأنواع المرض سواء استمر،
كما في الممراض، أو لا كالعارض ولو حمى يوم، والإصبع الزايدة، والحول،
والخوص، والسبل، وهو زيادة في الأجفان، والتخنيث، وكونه خنثى. والجب
والخصاء وإن زادت بهما قيمته، وبول الكبير في الفراش، والإباق، وانقطاع
الحيض ستة أشهر وهي في سن من تحيض، والثفل الخارج عن العادة في الزيت
أو البزر، واعتياد الزنا والسرقة، والبخر والضناء (1) الذي لا يقبل العلاج، وكون
الضيعة منزل الجنود، وثقيل الخراج، واستحقاق القتل بالردة أو القصاص، والقطع
بالسرقة أو الجناية، والاستسعاء، في الدين، وعدم الختان في الكبير دون الصغير
والأمة، والمجلوب من بلاد الشرك مع علم المشتري بجلبه.

(1) قال في مصباح المنير: ضني من باب تعب مرض مرضا ملازما حتى
أشرف على الموت فهو ضن بالنقص، والضناء بالفتح والمد اسم منه
علي آخوندي.
112

والثيوبة ليست عيبا، ولا الصيام ولا الاحرام، ولا الاعتداد، ولا التزويج
ولا معرفة الغناء والنوح، ولا العسر على اشكال، ولا الكفر، ولا كونه ولد زنا وإن كان
جارية، ولا عدم المعرفة بالطبخ أو الخبر، وغيرهما، انتهى.
وزاد في الدروس الحدب في الظهر والصدر، والسلع، وعدم شعر الركب
قال: وهي قضية ابن أبي ليلى مع محمد بن مسلم، الحبل في الأمة، دون الدابة،
والخيانة، والحمق البين، وشرب المسكر، والنجاسة في غير قابل التطهير، أو فيه
إذا احتاج زوالها إلى مؤنة اقتضى نقصا في المبيع، وكونه لزنية، وكونه أعس
على الأقرب.
ثم قال: أما الكفر والغناء وعدم معرفة الصنايع، وكونه محرما أو صائما،
أو حجاما أو حائكا فليس بعيب، ثم قوى كون الكفر عيبا، وفاقا لابن الجنيد والشيخ
في أحد قوليه.
ونقل في الدروس عن الشيخ أنه لم يجعل البخر في الرقيق، ولا بول الكبير
في الفراش ولا الزنا عيبا، وكذا عدم الختان مطلقا.
أقول: والمراد بالخروج عن المجرى الطبيعي: أي كل ما يزيد أو ينقص
عن أصل الخلقة التي خلق عليها أكثر ذلك النوع وأغلبه، وفي اندراج ثقيل الخراج
ومنزل الجنود الذي عده هنا في ذلك محل اشكال، لاختصاص ما ذكره بالحيوان
إلا أن يراد بعبارته ما هو أعم مما ذكر، ومما جرى به العادة الغالبة، ليكون على نهج
مقتضى الطبيعة.
ثم إن في تقييده بكونه موجبا لنقص المالية كما ذكره في التذكرة أيضا اشكال
لانتقاض ذلك بالخنثى والمجبوب وعدم الشعر على العانة فإنها عيوب، مع أنها
موجبة لزيادة المالية، فكان الأظهر أن يقيد العبارة بقوله غالبا، ولهذا أن جملة من
الأصحاب لم يذكروا هذا القيد، كالمحقق في الشرايع، وهو (قدس سره)
في القواعد وغيره، ومن ثم استشكل جملة منهم في الأرش في هذه العيوب الثلاثة،
113

حيث أن العلة في الأرش النقصان، وهو منتف هنا.
والقرن في نهاية ابن الأثير بسكون الراء: شئ يكون في فرج المرأة
كالسن يمنع من الوطئ، ويقال له: العفل، وفي كتاب الجمهرة لابن دريد
بالتحريك قال: وامرأة قرناء، وهي التي يظهر قرنة رحمها من فرجها، وهو عيب،
والاسم القرن، وضبطها ضبطا معتمدا محركة.
والفتق: بالتحريك على ما ذكره في النهاية قال: الفتق بالتحريك انفتاق
المثانة، وقيل: انفتاق الصفاق إذا دخل في فراق البطن، وقيل هو أن ينقطع
اللحم الذي على الأنثيين.
قال بعض المحققين: وضبطه في الغريبين بالتحريك أيضا، قال: هكذا
أقرأنيه الأزهري، وعلى حاشية الفائق بخط بعض الأفاضل أن هذا وهم وافتراء على
الأزهري، وأنه وجد بخطه بالاسكان وعليه صح انتهى.
والرتق: على ما ذكره جملة من أهل اللغة بالتحريك هو أن يكون الفرج
ملتحما ليس فيه للذكر مدخل، ورتقت المرأة رتقا من باب تعب، فهي رتقاء إذا
انسد مدخل الذكر من فرجها، فلا يستطاع جماعها.
والقرع: بالتحريك قال في الجمهرة: وقرع رأس الانسان يقرع: إذا انحات
شعره. الذكر أقرع، والمرأة قرعاء.
والحرض (1): قال في كتاب المصباح المنير: حرض حرضا من باب تعب
أشرف على الهلاك فهو حرض تسميه بالمصدر مبالغة.
والحول قال في القاموس: الحول محركة ظهور البياض في مواخر العين،
ويكون السواد من قبل الماق، أو اقبال الحدقة على الأنف، أو ذهاب حدقتها قبل

(1) لم يذكر هذا في صدر المسألة في كلام العلامة، وكأنه سقط هناك من
النسخ التي عندنا والله أعلم. منه رحمه الله.
114

مؤخرها، أو أن تكون العين كأنما تنظر إلى الحجاج، أو أن تميل الحدقة إلى اللحاظ
وفي كتاب الجمهرة حول الرجل حولا إذا كان أحد سواد عينيه في موقه، والآخر
في لحاظه. وفي كتاب مجمع البحرين: ورجل أحول العين وحولت عينه،
واحولت أيضا بالتشديد.
والخوص بالخاء المعجمة والصاد المهملة، قال في كتاب مصباح المنير:
(الخوص) مصدر من باب تعب، وهو ضيق العين وغورها، وفي القاموس الخوص
بالخاء المعجمة. محركة غؤور العينين، حوص كفرح فهو أخوص، وبالمهملة
محركة: ضيق في مؤخر العين أو في إحداهما. حوص كفرح فهو أحوص.
والسبل: وقد فسره المصنف بأنه زيادة في الأجفان، وقال في القاموس
والسبل غشاوة العين من انتفاخ عروقها الظاهرة في سطح الملتحمة، وظهور انتساج
شئ فيما بينهما كالدخان.
والتخنيث: أي كونه مخنثا ممكنا من نفسه، وهو من أقبح العيوب.
والجب: قال في القاموس: الجب القطع كالجباب، والاجتباب واستئصال
الخصية.
والخصاء قال في القاموس: وخصاه خصا سل خصيتيه، فهو خصي ومخصى،
وفي الصحاح: خصيت الفحل خصاء ممدودا إذا سللت خصيتيه.
والسلعة: قال في كتاب المصباح المنير: السلعة خراج كهيئة الغدة يتحرك
بالتحريك، قال الأطباء: هي ورم غليظ غير ملتزق باللحم، يتحرك عند تحريكه،
ولها غلاف وتقبل التزايد، لأنها خارجة عن اللحم. ولهذا قال الفقهاء: يجوز قطعها
عند الأمن. انتهى.
والعس والاعس: هو قوة اليد اليسرى على ما تقوى عليه اليمنى مع ضعف
اليمنى، ووجه الاشكال في كلام العلامة المشار إليه بالأقربية في عبارة الدروس،
115

من أن المطلوب من المنافع حاصل، ومن خروجه عن المجرى الطبيعي الذي
تضمنته رواية محمد بن مسلم، ووجه الأقربية التي ذكرها في الدروس ظاهر لدخوله
تحت الرواية المذكورة.
أقول: والأصل في هذه المسألة قول النبي (صلى الله عليه وآله) في رواية
محمد بن مسلم المتقدمة في خيار العيب (1) " كلما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص
فهو عيب " مضافا إلى ما ورد في النكاح من ذكر بعض هذه العيوب إلا أنه يشكل
الحكم في كثير ما عدوه هنا مع عدم دخوله تحت الكلية المذكورة، سيما مع
كون بعضه عيبا في العرف مثل المخنث، وما ذكر من حكم الضيعة في كلام العلامة،
ومن ثم اعترض بعضهم على عد الكفر عيبا بأنه ليس خروجا عن المجرى الطبيعي،
إلا أن يقال: إن قوله (عليه السلام) " كل مولود يولد على الفطرة " قد يدل على
خروجه عنه، وفيه ما لا يخفى.
وبالجملة فالمسألة في جملة من الموارد لا تخلو من الاشكال، لعدم الدليل العام
الشامل لجميع ما ذكروه، وما ذكره هنا في عبارة القواعد من تقييد الزنا والسرقة
بالاعتياد، خلاف ما صرح به في التذكرة والتحرير، فإنه صرح بالحكمين خاليا
من قيد الاعتياد، وهو الذي صرح به في الدروس أيضا.
قال المحقق الشيخ علي (رحمه الله) في شرح الكتاب: وظني أن الاعتياد
غير شرط، لأن الاقدام على القبيح مرة يوجب الجرأة، ولترتب وجوب الحد الذي
لا يؤمن معه الهلاك عليها، ثم قال: فعلى هذا يكون شرب الخمر عيبا، ومال في التذكرة
إلى عدمه.
أقول: وفي اندراج الزنا والسرقة تحت كلية العيوب المذكورة في الخبر

(1) التهذيب ج 7 ص 65 ح 26.
(2) البحار ج 3 ص 279.
116

اشكال، لما عرفت، مع أنهما عيب عرفا، ثم قال المحقق المذكور على أثر الكلام
المتقدم: ولو حصلت التوبة الخالصة المعلوم صدقها بالقرائن القوية في هذه
المواضع بعد تحقق العيب، ففي زوال الحكم نظر، انتهى.
أقول: الظاهر أنه لا اشكال في زوال الحكم، لتصريح الأخبار (1) " بأن
التائب من الذنب كمن لا ذنب له " سيما إذا كانت توبة نصوحا كما فرضه وكيف لا
وبالتوبة النصوح يزول الفسق، وتثبت العدالة الموجبة للأمانة، وقبول الشهادة،
وأي عيب يبقى حينئذ بعد ذلك، حتى أنه (قدس سره) تنظر في زول العيب.
وما اختاره في كفارات القواعد من أن التولد من الزنا ليس عيبا هو أحد
القولين، وفي الدروس اختار كونه عيبا، واحتمل في حواشي القواعد كونه عيبا
لحصول النقص في نسب الوالد.
وفيه أولا أن هذا ليس فيه خروج عن المجرى الطبيعي الذي بنوه عليه ثبوت
العيب، وثانيا أن المقصود من الجارية، المالية لا الاستيلاد، نظير ما صرحوا به
في المتعة.
الثالثة عشر المعروف من مذهب الأصحاب من غير خلاف يعرف أنه
إذا علم بالعيب ولم يرد لم يبطل خياره، ولو تطاولت المدة. نعم جعله في التذكرة
أقرب، وربما أشعر ذلك بخلاف في المسألة، إلا أنه لم ينقل، ويحتمل كون ذلك
في مقام الرد على الشافعي، حيث نقل عنه الفورية في هذا الخيار، قال: في المسالك
وهو محتمل إن لم يثبت الاجماع بالتقريب السابق في نظائره، انتهى.
ولا فرق عندهم بين أن يكون الغريم حاضرا أو غائبا، خلافا لأبي حنيفة حيث
شرط حضور الغريم في جواز الفسخ.

(1) الوسائل الباب 86 من أبواب جهاد النفس الرقم 8 14.
117

الفصل الرابع في أحكام العقود
والبحث هنا يقع في مطالب أربعة، الأول في النقد والنسيئة، أي البيع
الحال والمؤجل، سمي الأول نقدا باعتبار كون الثمن منقودا ولو بالقوة، والثاني
مأخوذ من النسئ وهو تأخير الشئ، تقول: أنسأت الشئ انساء: أي أخرته،
والنسيئة اسم: وضع موضع المصدر.
قال شيخنا الشهيد الثاني (عطر الله مرقده): واعلم أن البيع بالنسبة إلى
تعجيل الثمن والمثمن وتأخيرهما والتفريق، أربعة أقسام: فالأول النقد، والثاني
بيع الكالئ بالكالئ بالهمز اسم فاعل أو مفعول من المراقبة، لأن كلا من الغريمين
يرتقب صاحبه لأجل دينه، ومع حلول المثمن وتأجيل الثمن هو النسيئة، وبالعكس
السلف، وكلها صحيحة عدا الثاني، وقد ورد النهي عنه (1) وانعقد الاجماع على فساده.

(1) المستدرك ج 2 ص 491 وفي الحديث نهى (صلى الله عليه وآله)
عن بيع الكالئ بالكالئ بالهمزة وبدونه، ومعناه بيع النسيئة بالنسيئة،
وذلك كان يسلم الرجل الدراهم في طعام إلى أجل فإذا حل الأجل، يقول
الذي حل عليه الطعام ليس عندي طعام، ولكن بعني إياه إلى أجل، فهذه
نسيئة انقلب إلى نسيئة نعم لو قبض الطعام وباعه إياه لم يكن كاليا
بالكالئ " منه رحمه الله ".
118

أقول: الظاهر أن النهي عن بيع الكالئ بالكالئ ما هو من من طريق العامة (1)
والذي في أخبارنا إنما هو النهي عن بيع الدين بالدين كما في رواية طلحة بن زيد (2)
وفي الصحيح (3) في بيع الدين قال: " لا يبيعه نسيئا، فأما نقدا فليبعه بما شاء ".
ويظهر من التذكرة أن بيع الكالئ بالكالئ هو أن يبيع الدين بالدين، سواء
كان مؤجلا أم لا (4) وظاهرهم تحريم الأمرين كليهما وسيجيئ تحقيق المسألة
إن شاء الله تعالى في كتاب الدين.
وفي هذا المقام مسائل.
(الأولى) من اشترى مطلقا كان الثمن حالا من غير خلاف، ويدل عليه
ما رواه ثقة الاسلام في الكافي عن عمار بن موسى في الموثق (5) عن أبي عبد الله (ع)
" في رجل اشترى من رجل جارية بثمن مسمى ثم افترقا؟ قال: وجب البيع،
والثمن إذا لم يكونا اشترطا فهو نقد ".
أقول: يعني إذا لم يشترط التأخير، ولو اشترطا التعجيل أفاد التأكيد،
لما عرفت من أن الاطلاق يقتضي التعجيل.

(1) سنن البيهقي ج 5 ص 290.
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب الدين الرقم 1 الكافي ج 5 ص 100
(3) الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام العقود الحديث 8.
(4) قال ابن الأثير في النهاية: نهى عن الكالئ بالكالئ أي النسيئة بالنسيئة،
وذلك أن يشتري الرجل شيئا إلى أجل، فإذا حل الأجل لم يجد ما يقضي
به، فيقول بعنيه إلى أجل آخر بزيادة شئ فيبيعه منه، ولا يجري بينهما
تقابض. انتهى منه.
(5) الوسائل الباب 1 من أبواب أحكام العقود الرقم 2.
119

قال في الدروس: فإن شرطه تأكد، وأفاد التسلط على الفسخ إذا عين زمان
النقد وأخل المشتري به، أقول: هذا على مذهبه في المسألة (1).
وأما على القول الآخر فإن الشرط لازم يجب الوفاء به، ويجبر على ذلك، وقد
تقدم ذكر المسألة في المسألة الأولى من المقام الثاني في أحكام الخيار (2) وإن
اشترط تأجيل الثمن، وجب أن تكون المدة معينة مضبوطة لا تقبل الزيادة والنقصان (3)
فلو شرط التأجيل ولم يعين، أو عين أجلا يحتمل الزيادة والنقصان كقدوم الحاج
وادراك الغلة، أو عين ما هو مشترك بين أمرين أو أمور كالنفر من منى فإنه مشترك بين
أمرين، وشهر ربيع فإنه مشترك بين شهرين لا يصح، هذا هو المشهور، وقيل: يصح،
ويحمل على الأولى في الجميع، لتعليقه الأجل على اسم معين وهو يتحقق بالأول،
لكن يعتبر علمهما بذلك قبل العقد، ليتوجه قصدهما إلى أجل مضبوط.
أقول: والمستفاد من الأخبار إنما هو الأول، وهو الذي عليه العمل، ولا فرق
في المدة بين كونها قصيرة أو طويلة، بل قال في المسالك: " فلو شرطاها ألف
سنة ونحوها صح وإن علما أنهما لا يعيشان إليها عادة، للعموم، ولأن الوارث
يقوم مقامهما.

(1) حيث إنه قال في بحث الشرط: يجوز اشتراط سائغ في البيع، فيلزم
الشرط عليه من طرف المشترط عليه، فإن أخل به فللمشترط الفسخ، وهل
يملك اجباره عليه فيه نظر انتهى منه قدس سره.
(2) ص 65.
(3) ومن أصرح الأخبار في ذلك قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في رواية
غياث بن إبراهيم " لا بأس بالسلف كيلا معلوما إلى أجل معلوم، ولا تسلمه إلى
دياس ولا إلى حصاد " أي لا يكون الأجل دق الطعام أو حصاده، وهو
صريح في المدعى منه قدس سره.
(4) الوسائل الباب 3 من أبواب السلف الرقم 5.
120

أقول: ما ذكره شيخنا (قدس سره) من عدم الفرق هنا بين المدة القصيرة
والطويلة هو المشهور في كلام الأصحاب، ونقل عن ابن الجنيد أنه منع من
أقل من ثلاثة أيام في السلف، ومن أكثر من ثلاث سنين مطلقا.
والذي وقفت عليه هنا من الأخبار ما رواه في الكافي عن أحمد بن محمد (1)
" قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): إني أريد الخروج إلى بعض الجبال فقال:
ما للناس بد من أن يضطربوا سنتهم هذه، فقلت له: جعلت فداك إنا إذا بعناهم بنسيئة
كان أكثر للربح، قال: فبعهم بتأخير سنة، قلت: بتأخير سنتين؟ قال: نعم، قلت
بتأخير ثلاث؟ قال: لا ".
وما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الإسناد عن أحمد بن محمد
ابن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (2) " أنه قال لأبي الحسن الرضا (عليه السلام)
إن هذا الجبل قد فتح على الناس منه باب رزق، فقال: إن أردت الخروج فاخرج
فإنها سنة مضطربة، وليس للناس بد من معاشهم، فلا تدع الطلب، فقلت: إنهم قوم
ملاء ونحن نحتمل التأخير فنبايعهم بتأخير سنة؟ قال: بعهم، قلت: سنتين؟ قال:
بعهم قلت: ثلاث سنين؟ قال: لا يكون لك شئ أكثر من ثلاث سنين ".
ولعل ابن جنيد استند إلى ذلك، وإن كانت أقواله في جل الأحكام بعيدة
المدا عن أخبارهم (عليهم السلام) والظاهر حمل الخبرين المذكورين على الكراهة
لما يستلزمه من طول الأمل، أو من حيث صعوبة تحصيله بعد هذه المدة الطويلة،
لما هو معلوم من أحوال الناس في ثقل أداء الدين، ولا سيما بعد أمثال
هذه المدة.

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب أحكام العقود الرقم 1 الكافي
ج 5 ص 207.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب أحكام العقود الرقم 3.
121

ولو باع بثمن حالا، وبأزيد منه مؤجلا أو فاوت بين أجلين في الثمن
كأن يقول بعتك حالا بمائة، وإلى شهر بمأتين، أو مؤجلا إلى شهر بمائة، وإلى
شهرين بمائتين فالمشهور البطلان، لجهالة الثمن، لتردده بين الأمرين. وقيل: إن
للمشتري أن يأخذه مؤجلا بأقل الثمنين (1).
ويدل على هذا القول ما رواه ثقة الاسلام في الكافي عن علي بن إبراهيم عن
أبيه عن ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس (2) عن أبي جعفر (ع)
والصدوق في الفقيه عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) " قال: قال
أمير المؤمنين (عليه السلام): من باع سلعة فقال: إن ثمنها كذا وكذا يدا بيد، وثمنها
كذا وكذا نظرة، فخذها بأي ثمن شئت، وجعل صفقتهما واحدة فليس له إلا أقلهما

(1) أقول: الذي وقفت عليه في كلام المتقدمين من الخلاف إنما هو
في الصورة الأولى: وهو البيع بثمن حالا وبأزيد مؤجلا، ومذهب الشيخ
في النهاية هو أن له أقل الثمنين وأبعد الأجلين، والمفيد قال: لا يجوز
البيع كذلك، ثم قال: فإن ابتاع انسان على هذا الشرط كان عليه أقل
الثمنين في آخر الأجلين، وعن السيد المرتضى أنه مكروه، وعن ابن
الجنيد أنه لا يحل، وعن سلار أنه باطل غير منعقد، وهو قول أبي الصلاح،
وعن ابن البراج مثل مذهب الشيخ المفيد، وظاهر كلاهما أن العقد
صحيح غير لازم، والتعبير بالبطلان كناية عن عدم لزومه، وإلا فلا معنى
لقولهما إن أجرى البيع على هذا الشرط، كان الحكم أن للبايع أقل
الثمنين إلى أبعد الأجلين، وعن ابن حمزة أنه لا يصح، وعن ابن إدريس
أنه لا يجوز ويبطل البيع، وهو المشهور بين المتأخرين من العلامة
والمحقق ومن تأخر عنهما.
منه رحمه الله
(2) الكافي ج 5 ص 206 الفقيه ج 3 ص 179.
122

وإن كانت نظرة " وزاد في الكافي " قال: وقال علي (عليه السلام): من ساوم
بثمنين أحدهما عاجل والآخر نظرة فليسم أحدهما قبل الصفقة ".
وما رواه الشيخ في التهذيب عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه
(عليهم السلام) (1) " أن عليا (عليه السلام) قضى في رجل باع بيعا واشترط شرطين،
بالنقد كذا وبالنسيئة كذا، فأخذ المتاع على ذلك الشرط فقال: هو بأقل الثمنين
وأبعد الأجلين، يقول: ليس له إلا أقل النقدين إلى الأجل الذي أجله بنسيئة ".
والأصحاب قد ردوا هذا القول بالضعف والندور، وروايته بالضعف والشذوذ،
حتى المحدث الكاشاني في المفاتيح، والظاهر أنهم لن يقفوا إلا على رواية السكوني،
وإلا فرواية محمد بن قيس صحيحة برواية الفقيه، وحسنة لا تقصر عن الصحيح، بناء
على الاصطلاح الغير الصحيح على رواية الكافي، إلا أن الزيادة التي في صحيحة
محمد بن قيس على رواية الكافي لا تخلو من منافرة لما دلت عليه الصحيحة المذكورة،
فإن الظاهر أن المراد منها كما ذكره بعض مشايخنا (نور الله مراقدهم) هو أنه
لا يجوز هذا الترديد، بل لا بد من أن يعين أحدهما قبل العقد ويوقعه عليه.
وقال بعض المحققين: لعل معناه أن يعين كل واحد منهما قبل وقوع البيع
وعلى هذا فلا منافرة في العبارة المذكورة، وظاهر الفاضل الخراساني في الكفاية
اختيار هذا القول، للخبرين المذكورين مع صحة الأول منهما وهو جيد، إلا أن
ذلك غير خال من الاشكال من حيث هذه الزيادة التي في الكافي، فإنها ظاهرة
في موافقة القول المشهور بالتقريب الذي ذكرناه أولا، وإن كانت على الاحتمال
الآخر غير منافية.
وظاهر جملة من الأصحاب الاستناد في رد هذا القول إلى ما روي من النهي
" عن بيعين واحدة " والظاهر أنه إشارة إلى ما رواه في التهذيب عن سليمان

(1) التهذيب ج 7 ص 53.
123

بن صالح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن سلف
وبيع، وعن بيعين في بيع، وعن بيع ما ليس عندك، وعن ربح ما لم يضمن.
وعن عمار الساباطي في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال:
بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجلا من أصحابه واليا فقال له: إني بعثتك
إلى أهل الله يعني أهل مكة فانههم عن بيع ما لم يقبض، وعن شرطين في بيع
وعن ربح ما لم يضمن ".
قال في الوافي قيل أريد " بشرطين في بيع " ما أريد " ببيعين في بيع " في
سابقه وهو أن يقول بعتك هذا الثوب نقدا بعشرة، ونسية بخمسة عشر، وإنما
نهى عنه، لأنه لا يدري أيهما الثمن الذي يختاره ليقع عليه العقد انتهى ثم قال:
وربما يفسر " بيعين في بيع " بأن يقول بعتك هذا بعشرين، على أن تبيعني ذلك بعشرة
أو بما يشمل المعنيين انتهى.
أقول: إن هذين الخبرين غير خليين من الاجمال المانع من الاعتماد عليهما
في الاستدلال، والخروج بهما عن صريح الخبرين المتقدمين لا يخفى ما فيه.
نعم يبقى الاشكال في ذينك الخبرين بما ذكره المحقق الأردبيلي طاب ثراه في
هذا المقام، حيث قال بعد الكلام في بيان سند الصحيحة المذكورة وبالجملة
الظاهر اعتبار سندها، ولكن في مضمونها تأمل وإن عمل به، لأن المالك إنما رضي
بالبيع بالثمن الكثير نظرة، فكيف يلزم بأقلهما نظرة، ومعلوم أن رضا الطرفين
شرط في العقد، " ولا يحل مال امرء إلا بطيب نفسه (3) والحاصل أن الأدلة العقلية

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام العقود الرقم 2 التهذيب
ج 7 ص 230.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب أحكام العقود الرقم 6 التهذيب
ج 7 ص 231.
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب مكان المصلي الرقم 1 3.
124

والنقلية كثيرة على عدم العمل بمضمونها فلا يعمل به وإن كانت صحيحة، فكيف
العمل بها مع كونها حسنة لوجود إبراهيم بن هاشم لو سلم ما تقدم، وإن كان
الظاهر أن إبراهيم لا بأس به، وما تقدم صحيح.
وتقديم مثل هذه على الأدلة العقلية والنقلية وتخصيصهما به والحكم بصحة
البيع لا يخلو عن شئ لأجل ذلك، لا لأنها تستلزم الجهالة والغرر كما فهم من التذكرة،
لأن دخولها تحت الغرر المنفي والجهل الممنوع غير ظاهر، لأن الاختيار إليه، وعلى
كل من التقديرين الثمن معلوم، على أنه قد تقرر أن الأجل بالأقل، ولا لأن في
سندها جهالة وضعفا كما في شرح الشرايع. لأن ذلك غير ظاهر، بل الظاهر ما
عرفت، فينبغي أما العلم بمضمونها وفيه بعد، وأما تأويلها فتأمل انتهى وهو جيد.
والروايتان المذكورتان وإن كان موردهما مخصوصا بما إذا كان البيع بثمن
حال ومؤجل، إلا أن الأصحاب عدوهما أيضا إلى ما إذا باع إلى وقتين متأخرتين
بتفاوت بين الثمنين من حيث قرب الأجل وبعده، كما تقدم، وأنت خبير بما فيه.
المسألة الثانية المشهور بين الأصحاب أنه لو اشتراه البايع في حال كون البيع
الأول نسيئة صح البيع الثاني، سواء كان قبل الأجل أو بعده، بجنس الثمن وغيره،
بزيادة أو نقيصة، وقيل: بالتحريم في ما إذا كان البيع بجنس الثمن بزيادة
أو نقصان، وقيل: بتخصيص ذلك بالطعام، والقول بالصحة فيما اتفقوا عليه مشروط
بأن لا يشترط في بيعه الأول بيعه من البايع، وإلا لبطل البيع الأول سواء كان حالا
أو مؤجلا وسواء شرط بيعه من البايع بعد الأجل أم قبله.
والذي وقفت عليه من الأخبار في هذا المقام ما رواه الصدوق في الصحيح عن
منصور بن حازم (1) " قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل كان له على
رجل دراهم من ثمن غنم اشتراها منه، فأتى الطالب المطلوب يتقاضاه، فقال له

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب أحكام العقود الحديث 1 الفقيه
ج 3 ص 165.
125

المطلوب: أبيعك هذا الغنم بدراهمك التي لك عندي فرضي قال: لا بأس بذلك ".
ومورد هذه الرواية هو شراء ما باعة عليه نسيئة بعد حلول الأجل بما هو أعم
من الزيادة أو النقيصة بالنسبة إلى الثمن الأول من غير شرط سابق، ومنه يعلم عدم
الفرق في الجواز بين حلول الأجل وقبله إذا لم يكن طعاما.
وبالسند المتقدم عن منصور بن حازم (1) " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الرجل يكون له على الرجل طعام أو بقر أو غنم أو غير ذلك، فأتى المطلوب الطالب
ليبتاع منه شيئا، قال: لا يبيعه نسيئا، فأما نقدا فليبعه بما شاء ".
قال في الوافي: " شيئا " أي من ذلك المتاع الذي عليه، ولا يبعد أن يكون
تصحيف نسيئا انتهى وهو جيد.
أقول: وهذا الخبر ظاهر في جواز شراء ما باعه نسيئة قبل حلول الأجل بزيادة
أو نقيصة نقدا، والظاهر أنه إنما منع من بيعه نسيئة لاستلزامه بيع الدين بالدين، لأن
هذه الأشياء دين على من اشتراها، فمتى باعها بثمن مؤجل لزم بيع الدين بالدين،
وفيه كلام (2) يأتي إن شاء الله تعالى في مسألة الدين بالدين وتحقيق ما هو المراد من
ذلك.
وكيف كان فإن هذا الخبر مناف لما قدمنا نقله عنهم من تجويزهم شراء
النسيئة حالا أو مؤجلا، لدلالة الخبر كما ترى على التخصيص بالنقد والمنع من
النسيئة.

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام العقود الحديث 8 التهذيب
ج 7 ص 48.
(1) وهو أن جملة من الأصحاب منهم شيخنا الشهيد الثاني صرحوا بأن
الدين بالدين الممنوع في الأخبار منه إنما هو ما إذا كان العوضان دينا
قبل العقد، كما لو باعه الدين الذي في ذمته، بدين آخر له في ذمته، أو في
ذمة ثالث، أو تبايعا دينا في ذمة غريم لأحدهما، بدين في ذمة غريم آخر
للآخر، ونحو ذلك، لا ما إذا باع دينا بمؤجل في العقد، لأنه إنما صار
دينا بالعقد، واشترط التأجيل فيه، وهذا الخبر كما ترى ظاهر في خلاف
ما ذكره، إذ لا وجه للنهي هنا إلا من حيث لزوم بيع الدين بالدين، كما
لا يخفى. منه رحمه الله.
126

ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن بشار بن يسار (1)
قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يبيع المتاع بنساء فيشتريه من
صاحبه الذي يبيعه منه؟ قال: نعم لا بأس به، فقلت له: اشتري متاعي؟ فقال:
ليس هو متاعك ولا بقرك ولا غنمك " وهو ظاهر في جواز الشراء بالزيادة
والنقصان قبل الأجل وبعده بجنس الثمن أو غير جنسه.
وروى في الكافي والتهذيب عن الحسين بن المنذر " قال: قلت لأبي
عبد الله (عليه السلام) يجيئني الرجل فيطلب العينة فأشتري له المتاع مرابحة، ثم
أبيعه إياه، ثم اشتريه منه مكاني؟ قال: فقال: إذا كان بالخيار إن شاء باع،
وإن شاء لم يبع (3) وكنت أيضا بالخيار إن شئت اشتريت، وإن شئت لم
تشتر فلا بأس، قال: قلت: فإن أهل المسجد يزعمون أن هذا فاسد، ويقولون:

(1) الكافي ج 5 ص 208 التهذيب ج 7 ص 48 الوسائل الباب 5 من
أبواب أحكام العقود.
(2) الكافي ج 5 ص 202 التهذيب ج 7 ص 51 الوسائل الباب 5 من
أبواب أحكام العقود.
(3) فإن قوله: إذا كان بالخيار إن شاء باع إلى آخره كناية عن تحقق
البيع الأول، فإنه متى تحقق وجب انتقال كل من العوضين إلى مالكه
فصار لكل منهما الخيار فيما انتقل كل من العوضين إلى مالكه
فصار لكل منهما الخيار فيما انتقل إليه بخلاف ما إذا حصل الشرط في العقد
الأول، فإنه يرفع الخيار والاختيار. منه رحمه الله.
127

إن جاء به بعد أشهر صلح. فقال: إن هذا تقديم وتأخير فلا بأس به " وفي هذا
الخبر إيماء إلى أنه مع الشرط لا يصح البيع، وأنه لا بد من تحقق العقد الأول واقعا
وعدم توقفه على شرط.
وأظهر منه في ذلك ما رواه الحميري في قرب الإسناد عن علي بن جعفر (1)
عن أخي موسى (عليه السلام) " قال: سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم، ثم
اشتراه بخمسة دراهم أيحل؟ قال: إذا لم يشترط ورضيا فلا بأس " ورواه علي بن
جعفر في كتابه، إلا أنه قال: " بعشرة دراهم إلى أجل ثم اشتراه بخمسة دراهم بنقد "
وهو أظهر في عنوان المسألة.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن ظاهر كلام الأصحاب أنه لا دليل في الأخبار على
ما ذكروه من البطلان بالشرط في العقد الأول وإنما استدل عليه العلامة في التذكرة
باستلزامه الدور، وناقشه جملة من المتأخرين، منهم شيخنا الشهيد الثاني قال (قدس
سره) في المسالك: واختلف كلامهم في تعليل البطلان مع الشرط المذكور،
فعلله في التذكرة باستلزامه الدور، لأن بيعه له يتوقف على ملكه له، المتوقف على
بيعه، ورد بأن الموقوف على حصول الشرط هو اللزوم لا الانتقال، وتمنع توقف
تملك المشتري على تملك البايع، بل تملكه موقوف على العقد المتأخر عن ملك
المشتري، ولأنه وارد في باقي الشروط كشرط العتق، والبيع للغير مع صحته
اجماعا، وعلل أيضا بعدم حصول القصد إلى نقله عن البايع، ويضعف بأن الفرض
حصوله، وإرادة شرائه بعد ذلك لا ينافي حصول قصد النقل، وإلا لم يصح إذا قصدا
وإن لم يشترطا، وقد صرحوا بصحته. انتهى.
أقول: وقد عرفت الدليل على ذلك من الخبرين المذكورين، فلا حاجة

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب أحكام العقود الرقم 6.
128

إلى هذه التعليلات، ولكنهم لم يقفوا عليهما، والسبب في ذلك هو قصور النظر
عن تتبع الأخبار.
وأما القول بالبطلان فيما إذا كان البيع الثاني بجنس الثمن الأول مع
الزيادة أو النقصان فهو للشيخ قدس سره في النهاية قال في الكتاب المذكور:
إذا اشترى نسيئة فحل الأجل ولم يكن معه ما يدفعه إلى البايع جاز للبايع أن يأخذ
منه ما كان باعه إياه من غير نقصان من ثمنه، فإن أخذه بنقصان مما باع، لم يكن
ذلك صحيحا، ولزمه ثمنه الذي كان أعطاه به، فإن أخذ من المبتاع متاعا آخر
بقيمته في الحال لم يكن بذلك بأس " انتهى.
واستند قدس سره فيما ذكره إلى ما رواه في التهذيب عن خالد بن
الحجاج (1) " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل بعته طعاما بتأخير
إلى أجل مسمى، فلما جاء الأجل أخذته بدراهمي، فقال: ليس عندي دراهم ولكن
عندي طعام فاشتره مني، فقال: لا تشتره منه فإنه لا خير فيه ".
وأنت خبير بأن هذا الخبر مع صحة العمل به غير منطبق على مدعاه من
وجوه، أحدها من حيث أن موردها الطعام، ومدعاه أعم كما تقدم في عبارته، ولهذا
خص البعض الحكم بالطعام كما قدمنا الإشارة إليه، وثانيها تخصيصه ذلك بالعين
التي باعها فإنه حكم بالجواز في عبارته المذكورة في غيرها، ومورد الرواية أعم
من ذلك، وثالثها تخصيصه المنع بالزيادة والنقيصة، أما المثل فجايز عنده
والرواية ظاهرة المنع في الجميع.
وما رواه في الفقيه عن عبد الصمد بن بشير (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام)

(1) التهذيب ج 7 ص 33.
(2) التهذيب ج 7 ص 35 مع اختلاف يسير الفقيه ج 3 ص 130 الإستبصار
ج 3 ص 77.
129

قال: " سأله محمد بن القاسم الحناط فقال: أصلحك الله أبيع الطعام من الرجل إلى
أجل، فأجئ وقد تغير الطعام من سعره، فيقول: ليس عندي دراهم، قال: خذ منه
بسعر يومه، فقال: افهم أصلحك الله إنه طعامي الذي اشتراه مني قال: لا تأخذ
منه حتى يبيع ويعطيك، قال: أرغم الله أنفي رخص لي فرددت عليه فشدد علي ".
وهذا الخبر أورده الشيخ في الإستبصار بيانا لما اختاره من عدم جواز
البيع بأكثر مما باعه: واعترضه بعض مشايخنا (1) عطر الله مراقدهم في حواشيه
على الكتاب " بأن هذا الخبر ليس فيه دلالة على دعواه بوجه من الوجوه، لأن المعنى أن
السائل لما طمع أن يرخص له أخذ طعامه الذي دفعه إليه، مع أن القيمة قد زادت
والحال أنه لا يستحق إلا دراهم، فلم يرخص له أن يأخذه إلا بسعر يومه. انتهى.
وأما ما يدل على المشهور فما تقدم من صحيحة بشار بن يسار، وصحيحة
منصور بن حازم، (2) وما رواه المشايخ الثلاثة في الموثق في بعض، والصحيح
في بعض عن يعقوب بن شعيب (3) وعبيد بن زرارة " قال: سألنا أبا عبد الله (عليه
السلام) عن رجل باع طعاما بدارهم إلى أجل، فلما بلغ ذلك الأجل تقاضاه
فقال: ليس عندي دراهم خذ مني طعاما قال: لا بأس به إنما له دارهم يأخذ بها ما شاء "
والشيخ حمل هذا الخبر على عدم الزيادة، وسياق الخبر ظاهر في خلافه (4)

(1) هو شيخنا الشيخ علي بن سليمان القدسي البحراني في حواشيه على
الكتاب منه رحمة الله عليه.
(2) ص 127 و 126.
(2) الكافي ج 5 ص 186 التهذيب ج 7 ص 33 الفقيه ج 3 ص 166.
(4) فإن ظاهر سياقه أن الذي يستحقه إنما هو الدراهم فهو يشتري بالدراهم
ما شاء من طعام وغير طعام ولو قيل باشتراط المثل كما يدعيه للزم ذلك
في غير الطعام أيضا وهو لا يقول به. منه رحمه الله.
130

وبالجملة فإن الأخبار هنا إنما تعارضت في الطعام خاصة، والمشهور في كلام الأصحاب
الجمع بينها بحمل رواية خالد بن الحجاج فإنها هي الظاهرة في المنع على
الكراهة.
المسألة الثالثة: إذا ابتاع شيئا مؤجلا فإنه لا يجب عليه دفع الثمن قبل حلول
الأجل، بل لا يجوز طلبه، لوجوب الانظار بالشرط المواقع في العقد، والأظهر
أيضا عدم وجوب قبضة على البايع لو دفعه إليه المشتري قبل الأجل. قال: بعض
المحققين: " وقد يتخيل الوجوب، لا لأن الأجل لرعاية حال المشتري والترفه له،
كالرخصة له، لا لأجل البايع، ولهذا يزاد الثمن، فإذا حصل الثمن الزايد للبايع نقدا
فهو غاية مطلوب التجار، فلا ينبغي الامتناع عنه وأيضا قد يتضرر المشتري بعدم
الأخذ ولأن الظاهر أن أخذ الحق مع دفع صاحبه واجب عندهم عقلا ونقلا وقد أفاد
الأجل عدم وجوب الدفع، لا عدم وجوب الأخذ فتأمل. ولأن الظاهر من قولنا بعتك
هذا بكذا إلى مدة كذا أن زمان الأداء إلى تلك المدة موسعا، فذلك الزمان نهاية الأجل
للتوسعة بمنى عدم التضييق إلا في ذلك الزمان كالواجب الموسع ولا شك أن الأخذ
أحوط إلا مع ظهور ضرر عليه " انتهى.
أقول: جميع ما ذكره (قدس سره) من الوجوه جيد لكن غايته إفادة الأولوية
فإن الوجوب حكم شرعي يترتب على تركه العقوبة والمؤاخذة منه سبحانه، فلا بد له
من دليل واضح من آية أو رواية، لانحصار الأدلة الشرعية عندنا في ذلك، ومجرد هذه
التقريبات العقلية لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية كما قدمنا ذكره في
غير مقام.
ويجب الدفع بعد حلول الأجل ومطالبة البايع، فإن لم يطالب وأراد
المشتري الدفع وجب على البايع أخذه، ولو امتنع رفع الأمر إلى الحاكم الشرعي،
فإما أن يجبره على قبضه، أو يقبضه الحاكم الشرعي حسبة، ومع تعذر الحاكم.
131

فالظاهر قيام عدول المؤمنين بذلك، كما يفهم من جملة من الأخبار، وبذلك تبرء
ذمة المشتري، فإن تلف بغير تفريط فلا ضمان على المشتري ولا على الأمين من الحاكم
والقائم مقامه، وهكذا الحكم في ساير الحقوق المالية.
ولو تعذر الحاكم ومن يقوم مقامه فلو عزله وأبقاه أمانة عنده وتسلط
عليه صاحبه بحيث متى أراده قبضه، فالظاهر أنه يبرء بذلك من ضمانه، وأنه يخرج
بذلك عن عهدته، وأنه يجب على صاحبه أخذه، وإلا كان مضيعا لماله، بل يمكن
ذلك مع وجود الحاكم أيضا، لأن الحاكم إنما هو وكيل مع عدم وجود الموكل
وامكان مثله، وإلى ذلك أشار في التذكرة في أحكام السلف، إلا أن المشهور هو
الرجوع إلى الحاكم أولا.
قيل: ويجوز للمشتري التصرف فيه بعد تعيينه، فيرجع إلى ذمته، ولو
تجدد له نماء فهو له. قال في المسالك: ومقتضى ذلك أنه لا يخرج عن ملكه
وإنما يكون تلفه من البايع عقوبة له وفيه نظر " (1) انتهى.
ولو امتنع المشتري من دفعه بعد حلول الأجل ومطالبة البايع، فظاهر كلام الأصحاب
هنا وجوب رفع الأمر إلى الحاكم أولا، ومع تعذره فالمقاصة إن لم يتمكن من الأخذ
قهرا، وظاهر الأخبار المقاصة وإن كان موردها أعم مما نحن فيه.
ثم إنه مع إمكان الرجوع إلى الحاكم الشرعي فلا اشكال. وأما مع تعذره
وعدم إمكان تحصيله قهرا أو مقاصة فهل يرفع الأمر إلى حاكم الجور؟ اشكال ينشأ

(1) أقول وجه النظر هو أنه متى كان عزله وتعينه على حدة موجبا لبراءة
الذمة وخلو عهدة المشتري، فهو ينتقل بذلك إلى البايع، ويكون النماء
له والتلف منه، ولا معنى لكون النماء للمشتري، والتلف على البايع عقوبة،
إذا لجميع إنما يترتب على الانتقال كما عرفت. منه رحمه الله
132

من النهي عن الترافع إلى الجبت والطاغوت، إلا أن الظاهر كما ذهب إليه جملة من
أصحابنا هو اختصاص تحريم الترافع إليهم بوجود الحاكم الشرعي، كما هو ظاهر
جملة من أخبار المسألة، وبعضها وإن كان مطلقا فإنه يجب حمله على المقيد، عملا
بالقاعدة، وأيضا فظاهر الأخبار المشار إليها هو المنع من الترافع في اثبات الحق
بالبينة أو اليمين، دون مجرد الاستعانة بهم على أخذه مع ثبوته، وعدم انكار الخصم
ذلك، كما هو محل البحث.
ومتى انتقل الأمر إلى المقاصة أو الأخذ منه قهرا فيجب مراعاة الأسهل فالأسهل،
فإن وجد الجنس المساوي لا يتعدى إلى غيره، وينبغي سيما إذا كان مؤمنا المسامحة
والسهولة في الاقتضاء لما ورد في ذلك وعدم المقاصة التامة، وقد تقدم حديث
الصادق (عليه السلام) (1). في انكاره على من استقضى حقه، وأنه إسائة منهي عنها،
وهكذا الحكم في طرف البايع إذا باع سلما، وكذا سائر الحقوق.
المسألة الرابعة: يجوز بيع المتاع حالا ومؤجلا بزيادة عن قيمته، وقيد ذلك
بعضهم بكون المشتري والبايع عالمين بالقيامة، وأورد على ذلك أن مقتضاه أنهما
لو لم يكونا عالمين بالقيمة لا يصح البيع مع أنه ليس كذلك، فإنه يصح البيع، وإن
ثبت للجاهل منهما خيار الغبن متى كان مما لا يتسامح به، كما تقدم في خيار الغبن (2)
ويمكن حمل كلام من ذكر هذا القيد على أنه أراد بالجواز اللزوم مجازا، إذ مع
الجهل وثبوت الغبن لا يلزم.
ثم إنه ينبغي أن يعلم أنه لا بد من تقييد الصحة مع الزيادة بعدم استلزام السفه
بأن يتعلق بالزيادة غرض صحيح عند العقلاء، إما لقلتها أو لترتب غرض آخر يقابل
الزيادة، كالصبر عليه بدين حال ونحو ذلك.

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الدين الرقم 1.
(2) ص 41.
133

المسألة الخامسة: لا يجوز تأخير ثمن المبيع ولا شئ من الحقوق المالية
بزيادة فيها، ويجوز تعجيلها بنقصان منها. أما الأول فلاستلزام الزيادة في هذه
الصورة الربا. نعم يجوز التأجيل في عقد لازم كالبيع ونحوه بزيادة في ثمن ما يبيعه
إياه وإن زادت على ثمنه الواقعي أضعافا مضاعفة، وهذا من الحيل الشرعية في التخلص
من الربا. وعليه ظاهر اتفاق الأصحاب (رضوان الله عليهم) وبه استفاضت الأخبار
كأن يكون له في ذمته مائة درهم حالا، ويريد تأجيلها إلى سنة بزيادة عشرين درهما
مثلا، فإن الطريق في ذلك أن يبيعه خاتما قيمته درهم مثلا بعشرين درهما، ويشترط
تأجيل الثمن مع المأة الدرهم التي في ذمته إلى سنة، فإنه لا شك في صحته.
ويدل على ذلك من الأخبار ما رواه في الكافي عن محمد بن إسحاق بن عمار (1)
قال: " قلت لأبي الحسن (عليه السلام): إن سلسبيل طلبت مني مائة ألف درهم على أن يربحني عشرة آلاف درهم فأقرضتها تسعين ألقا وأبيعها ثوبا أو شيئا تقوم على
بألف درهم بعشرة آلاف درهم؟ قال: لا بأس " قال في الكافي: وفي رواية أخرى
" لا بأس به أعطها مئة ألف، وبعها الثوب بعشرة آلاف واكتب عليها كتابين ".
وما رواه في الكافي والتهذيب (2) عن محمد بن إسحاق بن عمار قال: " قلت
للرضا (عليه السلام): الرجل يكون له المال قد حل على صاحبه يبيعه لؤلؤة تسوى
مائة درهم بألف درهم ويؤخر عنه المال إلى وقت؟ قال: لا بأس، قد أمرني أبي
ففعلت ذلك، وزعم أنه سأل أبا الحسن (عليه السلام) عنها فقال له: مثل ذلك ".
وما رواه الشيخان المذكوران في الصحيح عن محمد بن إسحاق بن عمار (3)

(1) الكافي ج 5 ص 205.
(2) الكافي ج 5 ص 205 التهذيب ج 7 ص 53.
(3) الكافي ج 5 ص 205 التهذيب ج 7 ص 53.
134

قال: " قلت لأبي الحسن (عليه السلام): يكون لي على الرجل دراهم فيقول: أخرني
بها وأنا أربحك فأبيعه جبة تقوم على بألف درهم بعشرة آلاف درهم، أو قال: بعشرين
ألفا وأؤخره بالمال؟ قال: لا بأس ".
وما رواه عن عبد الملك بن عتبة (1) قال: " سألته عن الرجل أريد أن أعينه
المال، ويكون لي عليه مال قبل ذلك فيطلب مني ما لا أزيده على مالي الذي لي عليه،
أيستقيم أن أزيده مالا وأبيعه لؤلؤة تساوي مئة درهم بألف درهم فأقول له: أبيعك
هذه اللؤلؤة بألف درهم على أن أؤخرك بثمنها وبمالي عليك كذا وكذا شهرا،
قال: لا بأس ".
وما رواه في الكافي عن مسعدة بن صدقة (2) في الموثق عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال: " سئل عن رجل له مال على رجل من قبل عينة عينها إياه فلما حل عليه المال
لم يكن عنده ما يعطيه فأراد أن يقلب عليه ويربح أيبيعه لؤلؤا وغير ذلك ما يسوى
مائة درهم بألف درهم ويؤخره؟ قال: لا بأس بذلك، قد فعل ذلك أبي (عليه السلام)
وأمرني أن أفعل ذلك في شئ كان عليه ".
ومما يؤيد ذلك زيادة على ما ذكرنا ما رواه في التهذيب عن محمد بن سليمان
الديلمي عن أبيه عن رجل كتب إلى العبد الصالح (3) (عليه السلام) " يسأله إني أعامل
قوما أبيعهم الدقيق أربح عليهم في القفيز درهمين إلى أجل معلوم، وأنهم يسألوني
أن أعطيهم عن نصف الدقيق دراهم، فهل لي من حيلة أن لا أدخل في الحرام؟ فكتب
(عليه السلام) إليه: أقرضهم الدراهم قرضا وازدد عليهم في نصف القفيز بقدر ما كنت
تربح عليهم ".

(1) الكافي ج 5 ص 206 التهذيب ج 7 ص 52.
(2) الكافي ج 5 ص 316.
(3) التهذيب ج 7 ص 45.
135

وما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) في الصحيح عن
عبد الرحمن بن الحجاج قال: " سألته (عليه السلام) إلى أن قال: فقلت له:
أشتري ألف درهم ودينارا بألفي درهم؟ فقال: لا بأس بذلك إن أبي (عليه السلام)،
كان أجرأ على أهل المدينة مني، وكأن يقول: هذا فيقولون: إنما هذا الفرار،
لو جاء رجل بدينار لم يعط ألف درهم، ولو جاء بألف درهم لم يعط ألف دينار،
وكأن يقول لهم: نعم الشئ الفرار من الحرام إلى الحلال ".
وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح (2) عن عبد الرحمن بن الحجاج
عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: كان محمد بن المنكدر يقول لأبي: يا أبا جعفر
رحمك الله والله إنا لنعلم أنك لو أخذت دينار أو الصرف بثمانية عشر فدرت المدينة
على أن تجد من يعطيك عشرين، ما وجدته، وما هذا إلا فرارا، وكان أبي يقول:
صدقت والله، ولكنه فرار من باطل إلى حق ".
والعجب أنه مع هذه الأخبار التي رأيت، واتفاق الأصحاب على ذلك
كان بعض من يدعي الفضل من المعاصرين بل الأفضلية ينكر ذلك ويقول
ببطلانه، مستندا إلى أن البيع المذكور غير مقصود. وما هو إلا محض اجتهاد في مقابلة
النصوص، ورد على أهل الخصوص.
وأما ما رواه الشيخ عن يونس الشيباني (3) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام): الرجل يبيع البيع والبايع يعلم أنه لا يسوى، والمشتري يعلم أنه لا يسوى
إلا أنه يعلم أنه سيرجع فيه فيشتريه به منه قال: فقال: يا يونس إن رسول الله (صلى الله
عليه وآله) قال لجابر بن عبد الله: كيف أنت إذا ظهر الجور وأورثتم الذل؟ قال:

(1) الكافي ج 5 ص 246 التهذيب ج 7 ص 104 الفقيه ج 3 ص 185.
(2) الكافي ج 5 ص 247 التهذيب ج 7 ص 104.
(3) التهذيب ج 7 ص 19.
136

فقال له جابر: لا أبقيت إلى ذلك الزمان، ومتى يكون ذلك بأبي أنت وأمي؟
قال: إذا ظهر الربا يا يونس، وهذا الربا، وإن لم تشتره منه رده عليك؟ قال:
قلت نعم قال: فقال: لا تقربنه فلا تقربنه "
حيث أنه باطلاقه دل على المنع مما دلت تلك الأخبار على جوازه، فأجاب
عنه بعض مشايخنا في حواشيه على كتب الأخبار بالحمل على الكراهة وقال في الوافي بعد
نقله على أثر الأخبار المتقدمة: لا منافاة بين هذا الخبر والأخبار المتقدمة، لأن المتبايعين
هيهنا لم يقصدا البيع ولم يوجباه في الحقيقة، وهناك اشترط ذلك في جوازه انتهى
والجميع لا يخلو من البعد (1) والأظهر عندي حمل الخبر على التقية
لما دلت عليه الأخبار المتقدمة (2) من تشديد العامة في المنع من هذه الصورة
وأما الثاني: وهو جواز التعجيل بالنقصان، فقد صرح به الأصحاب من
غير خلاف يعرف في الباب، وهو يكون بالابراء أو الصلح، والوجه في الابراء
ظاهر، إذ لو أبرأه من الكل لصح، فكذا من البعض، وكذا الصلح، ويسمى
صلح الحطيطة، وهو الذي وردت به الأخبار.
منها ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن أبان (3) عمن حدثه عن أبي
عبد الله (عليه السلام قال: " سألته عن الرجل يكون له على الرجل دين، فيقول له

(1) أما الأول فلما اشتمل عليه الخبر من مزيد التأكيد في النهي المستفاد
من الحديث النبوي المستشهد به على ذلك، وأما الثاني فلأن المتبادر
من قوله الرجل يبيع البيع إنما هو ايجاب البيع وقصده كما لا
يخفى. منه رحمه الله.
(2) ص 136.
(3) الكافي ج 5 ص 258 التهذيب ج 6 ص 206.
137

قبل أن يحل الأجل: عجل لي النصف من حقي على أن أضع عنك النصف، أيحل
ذلك لو أحد منها؟ قال: نعم ".
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن أبي عمير (1) عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: سئل عن الرجل يكون له دين إلى أجل مسمى
فيأتيه غريمه فيقول: أنقدني كذا وكذا وأضع عنك بقيته أو يقول: أنقد في بعضه
وأمد لك في الأجل فيما بقي عليك، قال: لا أرى به بأسا، إنه لم يزدد على رأس ماله،
قال الله جل ثناؤه (2) " ولكم روس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون. "
ورواه الشيخ في التهذيب والصدوق وفي الفقيه عن محمد بن مسلم (3)
في الصحيح إلا أن فيه " في الرجل يكون عليه الدين إلى أجل مسمى " وهو الظاهر
ولعل اللام في رواية الكافي هنا بمعنى على.
وما رواه في الكافي (4) عن أبان عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: سألته عن رجل اشترى جارية بثمن مسمى ثم باعها فربح فيها قبل أن ينقد
صاحبها الذي هي له. فأتاه صاحبها يتقاضاه، ولم ينقد ماله، فقال صاحب الجارية
للذين باعهم: اكفوني غريمي هذا والذي ربحت عليكم فهو لكم قال:
لا بأس ".
ورواه في الفقيه عن الحلبي في الصحيح (5) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" أنه سئل عن رجل " الحديث.

(1) الكافي ج 5 ص 259 عن ابن أبي عمر عن حماد عن الحلبي عنه (عليه السلام).
(2) سورة البقرة الآية 279.
(3) التهذيب ج 7 ص 207 الفقيه ج 3 ص 21 وفيه (عليه دين).
(4) الكافي ج 5 ص 211 التهذيب ج 7 ص 68 الفقيه ج 3 ص 138.
(5) الفقيه ج 3 ص 138.
138

قال بعض مشايخنا (عطر الله مراقدهم) في حواشيه على الكافي: والظاهر أنه
باعهم للمشتري بأجل فلما طلب البايع الأول منه الثمن حط من الثمن بقدر ما ربح
ليعطوه قبل الأجل، وهذا جايز كما صرح به الأصحاب، وورد به غيره من الأخبار
انتهى. وهو جيد. وإلا فلو كان الثمن نقدا فإنه لا معنى لهذه المصالحة باسقاط
بعض حقه ليكفوه غريمه.
ثم إنه لا يخفى عليك ما في دلالة هذه الأخبار من سعة الدائرة في العقود
الشرعية، فإن ما اشتملت عليه هذه الأخبار من التراضي بالألفاظ الدالة على اسقاط
بعض الثمن بتعجيله قبل حلول الأجل هي ألفاظ عقد الصلح.
المسألة السادسة قال الشيخ في النهاية: لا بأس بابتياع جميع الأشياء حالا وإن
لم يكن حاضرا في الحال، إذا كان الشئ موجودا في الوقت أو يمكن وجوده،
ولا يجوز أن يشتري حالا ما لا يمكن تحصيله، فأما ما يمكن تحصيله فلا بأس به
وإن لم يكن عند بايعه في الحال " انتهى.
ومنع ابن إدريس من ذلك، ونسب هذا القول إلى خبر واحد شاذ رواه الشيخ
عن ابن سنان لا يجوز العمل به، ولا التعويل عليه، قال: لأنا قد بينا أن البيع
على ضربين بيع سلم، ولا بد فيه من التأجيل، وبيع عين إما مرئية مشاهدة،
أو غير حاضرة، وهو ما يسمى بخيار الرؤية وما أورده الشيخ خارج
عن هذه البيوع لا مشاهدة ولا موصوف بوصف يقوم مقام المشاهدة، فدخل
في بيع الغرر، والنبي (صلى الله عليه وآله) " نهى عن بيع الغرر " (1)
و " بيع ما ليس عند الانسان " (2) ولا في ملكه إلا ما أخرجه الدليل من السلم،
ولأن البيع حكم شرعي يحتاج في اثباته إلى دليل شرعي، ولا يرجع عن الأمور

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب آداب التجارة الرقم 3.
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب أحكام العقود الرقم 2.
139

المعلومة بالدلالة القاهرة، بالأمور المظنونة، وأخبار الآحاد التي لا توجب علما
ولا عملا. انتهى.
وقال ابن أبي عقيل: البيع عند آل الرسول (عليهم السلام) بيعان، أحدهما
بيع شئ حاضر قائم العين، والآخر بيع شئ غائب موصوف بصفة مضمونة إلى أجل.
انتهى وهو ظاهر قول ابن إدريس.
والمستفاد من الأخبار الواردة في هذا المقام هو ما قدمنا نقله عن الشيخ
(قدس سره).
ومنها ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن عبد الرحمن (1) بن الحجاج
قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يشتري الطعام من الرجل ليس عنده
فيشترى منه حالا؟ قال: ليس به بأس، قلت: إنهم يفسدونه عندنا، قال: وأي شئ
يقولون في المسلم؟ قلت لا يرون به بأسا، يقولون: هذا إلى أجل، فإذا كان إلى
غير أجل وليس هو عند صاحبه فلا يصلح، فقال: إذا لم يكن أجل كان أجود ثم قال:
لا بأس أن يشتري الرجل الطعام وليس هو عند صاحبه إلى أجل وحالا لا يسمى
له أجلا إلا أن يكون بيعا لا يوجد مثل العنب والبطيخ وشبهه في غير زمانه فلا
ينبغي شراء ذلك حالا.

(1) الفقيه ج 3 ص 179 التهذيب ج 7 ص 49.
(2) أقول وهذه الرواية رواه الشيخ في التهذيب وفيها " وليس هو
عند صاحبه إلى أجل، فقال: لا يسمى له أجلا إلا أن يكون " إلى آخره،
وهو من تحريفات الشيخ، والصحيح ما نقلناه في الأصل عن الفقيه،
لأنه هو الذي يستقيم به المعنى كما لا يخفى. (منه رحمه الله)
ويمكن أن يكون التحريف من النساخ. علي آخوندي.
140

وفي صحيحة أحرى لعبد الرحمن (1) المذكور عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" أن أبي كان يقول: لا بأس أن تبيع كل متاع كنت تجده في الوقت الذي بعته فيه "
ومعنى تجده يعني تقدر عليه في ذلك الوقت.
أقول: وهما مع صحة السند صريحتا الدلالة في صحة ما ذكره الشيخ،
وبطلان ما ذكره ابن إدريس الموافق لمذهب العامة، كما يشير إليه الرواية، وقد
تضمنت الانكار على المانعين من هذه الصورة، والتعجب من تسويغ السلم ومنع
هذه الصورة، باعتبار أن البيع الخالي من الأجل أجود، وإنما كان أجود لوجود
المبيع يومئذ، والقدرة على تسليمه بخلاف السلم، فإنه قد يتعسر تسليمه بعد
الأجل، وفي ذلك إشارة إلى كون هذا أولى بالصحة من السلم الذي وافقوا على
جوازه.
ويعضده أن الأجل في السلم إنما جعل ارفاقا بالبايع، لا أنه شرط في صحة
المعاوضة، فيكون المعاوضة هنا سايغة، لما عرفت من أن القدرة على التسليم هنا أتم
والحكمة في معاوضة البيع إنما يتم بالقدرة على التسليم، وإذا كانت أتم وأجود في صورة
النزاع وجب أن يكون الحكم فيه ثابتا، وما ذكره من أفراد البيع، لا دليل على
الحصر فيها، لتكاثر الأخبار بهذا الفره الذي هو محل البحث.
ومن الأخبار المذكورة أيضا ما رواه في الفقيه عن الكناني (2) " قال:
سألته عن رجل اشترى من رجل مائة من صفر بكذا وكذا وليس عنده ما اشترى
منه فقال: لا بأس إذا أوفاه الوزن الذي اشترط عليه ".
وما رواه في التهذيب عن الشحام (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " في

(1) الكافي ج 5 ص 200 والوسائل الباب 7 من أبواب أحكام العقود
الرقم 3.
(2) الفقيه ج 3 ص 179 الوسائل الباب 7 من أبواب أحكام العقود الرقم 4
(3) التهذيب ج 7 ص 44.
141

رجل اشترى من رجل مائة من صفر وليس عند الرجل شئ منه، قال: لا بأس
به إذا أو فاه دون الذي اشترط له " كذا في نسخ التهذيب، والظاهر أن قوله " دون "
وقع تحريف الوزن كما في الخبر المتقدم، كم ومثل للشيخ (قدس سره.)
وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان (1) عن أبي
عبد الله (عليه السلام) " قال: سألته عن الرجل يأتيني يريد مني طعاما وبيعا
وليس عندي أيصلح لي أن أبيعه إياه وأقطع سعره ثم اشتريه من مكان آخر
وأدفع إليه قال: لا بأس إذا قطع سعره ".
وكان ابن إدريس ظن أنه لا مستند لهذا القول إلا صحيحة عبد الله بن سنان
التي أشار إليها، إلا أن قوله مبني على أصله الغير الأصيل من رد الأخبار التي عليها بناء
الشريعة بين العلماء جيلا بعد جيل، وهو مما لا يلتفت إليه ولا يعول عليه في حقير
ولا جليل.
وأما ما رواه في التهذيب عن سليمان بن صالح (2) عن أبي عبد الله (عليه
السلام) " قال: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن سلف وبيع،
وعن بيعين في بيع، وعن بيع ما ليس عندك، وعن ربح ما لم يضمن ".
وما رواه في آخر الفقيه (3) في مناهي النبي (صلى الله وعليه وآله)
" قال: ونهى عن بيع ما ليس عندك ونهى عن بيع وسلف " الخبر.
ففيه أولا أنه يضعف عن معارضة ما ذكرناه من الأخبار المؤيدة بعمل

(1) التهذيب ج 7 ص 44 الوسائل الباب 7 من أبواب أحكام
العقود الرقم 2.
(2) التهذيب ج 7 ص 230 الرقم 25.
(3) الفقيه ج 4 ص 4 الوسائل الباب 7 من أبواب أحكام العقود
الرقم 5.
142

الأصحاب، وثانيا أنه يمكن حمله على بيع عين في ملك غيره، لجواز أن
لا يبيعها صاحبها، لا ما إذا كان البيع في الذمة كما هو محل البحث جمعا
بين الأخبار.
المطلب الثاني فيما يدخل في المبيع
قالوا: والضابط الاقتصار على ما يتناوله اللفظ لغة وعرفا، قيل: والمراد
بالعرف ما يعم الخاص والعام، وظاهرهم أن المراد بالعرف ما هو المتعارف بين الناس
في اطلاق ذلك اللفظ، وما يراد منه ويستعمل فيه أعم من أن يكن عاما في جميع
الأصقاع، والبلدان أو خاصا، باعتبار اصطلاح كل بلد وكل قطر على استعمال
ذلك اللفظ في ذلك المعنى.
والأظهر أن يقال: إن الواجب هو حمل اللفظ على الحقيقة الشرعية إن وجدت،
وإلا فعلى عرفهم عليهم السلام، لأنه مقدم على عرف الناس إن ثبت، وإلا فعلى
ما هو المتعارف في السن المتخاطبين، والمتبادر في محاوراتهم وإن اختلفت في
ذلك الأصقاع والبلدان، ثم مع تعذر ذلك فاللغة، وربما قدم بعضهم اللغة
على العرف.
ومما يشير إلى ما ذكره الأصحاب في هذا الباب ما رواه الشيخ في الصحيح
عن محمد بن الحسن الصفار (1) أنه كتب إلى أبي محمد (عليه السلام) " في رجل

(1) الوسائل الباب 30 من أبواب أحكام العقود الرقم 1 والتهذيب
ج 7 ص 150 الرقم 13 و 14.
143

اشترى من رجل بيتا في داره بجميع حقوقه، وفوقه بيت آخر، هل يدخل البيت
الأعلى في حقوق البيت الأسفل أم لا؟ فوقع (عليه السلام): ليس له إلا ما اشتراه
باسمه وموضعه إن شاء الله تعالى ".
وكتب إليه (1) " في رجل اشترى حجرة أو مسكنا في دار بجميع حقوقها،
وفوقها بيوت ومسكن آخر، يدخل البيوت الأعلى والمسكن الأعلى في حقوق
هذه الحجرة والمسكن الأسفل الذي اشتراه أم لا؟ فوقع. (عليه السلام): ليس
له من ذلك إلا الحق الذي اشتراه إن شاء الله.
وظاهر الخبرين أن المرجع إلى ما صدق عليه ذلك اللفظ عرفا، وظاهرهما
عدم دخول البيت الأعلى في حقوق البيت الأسفل فلا يدخل في البيع.
ومما يشير إلى الرجوع إلى اللغة في أمثال ذلك ما رواه الثقة الجليل على
ابن إبراهيم القمي في تفسيره (2) في تفسير قوله عز وجل (3) " له معقبات من يديه
ومن خلفه يحفظونه من أمر الله عن الصادق (عليه السلام) أن هذه الآية قرئت عنده
فقال لقاريها: ألستم عربا، فكيف تكون المعقبات من بين يديه، وإنما العقب من
خلف، فقال الرجل: جعلت فداك كيف هذا فقال: إنما أنزلت " له معقبات من خلفه
ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله " ومن الذي يقدر بحفظ الشئ من أمر الله وهم
الملائكة الموكلون بالناس. "
ورواه العياشي في تفسيره أيضا، (4) وفي الخبر المذكور دلالة على وقوع

(1) الوسائل الباب 30 من أبواب أحكام العقود الرقم 1 والتهذيب
ج 7 ص 150 الرقم 13 و 14.
(2) تفسير البرهان ج 2 ص 283.
(3) سورة الرعد الآية 11.
(4) تفسير البرهان ج 2 ص 283.
144

التغيير في القرآن كما هو أصح القولين وأشهرهما، وقد بسطنا الكلام في ذلك
في موضع أليق.
قال في المسالك: وقد حقق العلامة قطب الدين الرازي أن المراد تناول
اللفظ بالدلالة المطابقية والتضمنية، لا الالتزامية، فلا يدخل الحائط لو باع السقف
وهو حسن. انتهى.
وقال المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد: والمراد بالمعاني ما يفهم منها
بحسب التخاطب إرادة اللافظ ذلك، مطابقا كان أو تضمنا أو التزاما.
أقول: وهو الأظهر بالنظر إلى ما قدمنا عنهم من الحوالة إلى العرف.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الأصحاب (رضوان الله عليهم)، ذكروا هنا ألفاظا
وذكروا مدلولاتها بحسب العرف.
فمن ذلك لفظ الأرض والساحة والبقعة، والعرصة، فلا يندرج تحتها الشجر
الذي فيها ولا الزرع، ولا البذر الكامن فيها.
ونقل عن الشيخ أنه لو قال: بحقوقها دخل (1) قال في المسالك: بل يفهم
منه أنها تدخل وإن لم يقل بحقوقها محتجا بأنها من حقوقها، ثم قال:
والمنع متوجه إلى الأمرين، والأقوى عدم الدخول مطلقا إلا مع دلالة
اللفظ أو القرائن عليه، كقوله: وما اشتملت عليه أو وما أغلق عليه بابها. انتهى.
وهو جيد.

(1) قال في المبسوط: إذا باع أرضا فيها بناء وشجر، وقال في العقد
بحقوقها، دخل البناء والشجر، وإن لم يقل بحقوقها لم يدخلا، وتبعه
ابن البراج وابن حمزة، وهو ظاهر كلام ابن إدريس منه رحمه الله.
145

ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن الحسن الصفار (1)
" في رجل اشترى من رجل أرضا بحدودها الأربعة، وفيها زرع ونخل وغيرهما
من الشجر، ولم يذكر النخل ولا الزرع ولا الشجر في كتابه، وذكر فيه أنة قد
اشتراها بجميع حقوقها الداخلة فيها والخارجة منها، أيدخل الزرع والنخل والأشجار
في حقوق الأرض أم لا؟ فوقع (عليه السلام): إذا ابتاع الأرض بحدودها وما أغلق
عليه بابها، فله جميع ما فيها انشاء الله تعالى " وهو ظاهر في الرد على ما
نقل عن الشيخ، وصريح فيما ذكره في المسالك.
ثم إنه لو كان المشتري جاهلا بوجود تلك الأشياء في الأرض كما لو اشتراها
بالوصف أو الرؤية قبل الزرع والغرس، فله الخيار بين فسخ البيع وأخذ ثمنه،
وبين أخذها بذلك الثمن والرضا به وابقائه مجانا، كذا ذكره جملة من الأصحاب،
ولم أقف هنا على نص.
قال بعض المحققين: ولعل دليله أن وجود هذه الأشياء فيها سبب لتعطيلها
غالبا والعقد يقتضي الانتفاع بالفعل من غير مضي زمان كثير عادة ففيه ضرر
على المشتري. انتهى.

(1) التهذيب ج 7 ص 138 الرقم 84.
(2) قال ابن إدريس: قوله " وما أغلق عليه بابها " يريد بذلك جميع
حقوقها والجواب مطابق للسؤال.
قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه: ونحن نمنع هذا التفسير ونقول:
بموجب الحديث، فإنه إذا اشترى بما أغلق عليه بابه، دخل الجميع
بلا خلاف، ولعل الإمام (عليه السلام) أشار إلى الجواب بطريق المفهوم
وهو عدم الدخول، فإنه علق الدخول بقوله " وما أغلق عليه بابها "
ويفهم من ذلك عدم الدخول عند عدمه. انتهى وهو جيد. منه رحمه الله.
146

قالوا: ويدخل الأحجار المخلوقة في تلك الأرض دون المدفونة، والظاهر
أن وجه الفرق هو دخول الأولى في مفهوم اللفظ عرفا كالتراب، فإن الجميع من
أجزاء الأرض بخلاف الثانية، فإنها بمنزلة الأمتعة المدفونة، وعلى البايع نقلها
وتسوية الحفر، ويتخير المشتري أيضا عندهم مع الجهل، وحصول الغرر
ببقائها وأنه لا خيار للمشتري أن تركها البايع مع عدم الضرر.
ومن ذلك البستان، ولا ريب في دخول الأرض والأشجار، لأنه داخل في
مفهومه لغة وشرطا، أم البناء فإن كان حائطا لذلك البستان فالظاهر دخوله لما
ذكر، وفي غيره كالبناء لسكني حافظ البستان وحارسه، والموضع المعد لوضع
الثمرة ولجلوس من يدخله ونحو ذلك اشكال، ينشأ من عدم دخوله في مسماه لغة،
ولهذا يسمى بستانا وإن لم يكن شئ من ذلك ومن اطلاق البستان عليه ظاهرا
إذا قيل: باع فلان بستانه وفيه بناء.
أقول: والوجه الأول من وجهي الاشكال أجود، إلا أنه يدخل فيه الحائط.
أيضا فإن الظاهر أنه يسمى بستانا وإن لم يكن عليه حائط، والأقوى في ذلك
الرجوع إلى العرف، فإن عد جزء منه أو تابعا دخل، وإلا فلا، والظاهر أن ذلك
يختلف باختلاف البقاع والأزمان وأوضاع البناء.
ومن ذلك الدار، ولا ريب في دخول الأرض والبيوت التي اشتملت عليها
تحتانية أو فوقانية مع الحيطان الدائرة عليها، والسقوف، إلا أن يكون البيت الأعلى
مستقلا بالسكنى، بأن يكون له باب على حدة من غيره هذه الدار المذكورة، فيكون
ممتازا كالدار على حدة، وحينئذ لا يدخل البيت الأعلى وحيطانه وسقفه، والظاهر
دخول أرضه التي هي سقف البيوت التحتانية الداخلة في الأرض المفروضة، وتدخل
فيها الأبواب والأغلاق المنصوبة، والسلاسل، والحلق في الأبواب وإن لم
يسمها، والأخشاب المستدخلة في البناء، والأوتاد المثبتة فيه، والسلم المثبت في
الأبنية على حذو الدرج، والوجه في دخول جميع هذه اقتضاء العرف كونها من
147

أجزاء الدار وتوابعها ومرافقها، ولو كان في الدار حمام معد لها أو بئر أو حوض
فالظاهر دخولها، وكذا خوابي المثبتة في الأرض أو الحائط بحيث تصير من أجزائها
وتوابعها عرفا
وفي دخول المفاتيح خلاف واشكال ينشأ من خروجها عن اسم الدار
وكونها منقولة فيكون كالآلات المنتفع بها في الدار ومن أنها من توابع الدار
وكالجزء من الأغلاق المحكوم بدخولها، وأظهر في الخروج مثل الدلو
والبكرة والرشا والسرير، والرف الغير المثبت كالموضوع على الخشب، والسلم
الغير المثبت، والأقفال الحديد ومفاتيحها، والكنوز، والدفاين ونحو ذلك.
ولو كان في الدار نخل أو شجر ولم يذكره في البيع لم يدخل، وقال الشيخ
في المبسوط بالدخول، والكلام هنا كما تقدم في الأرض.
ومن ذلك الشجر، ويندرج فيه الأغصان والورق والعروق لقضاء العرف
بشموله لذلك، ويستحق الابقاء مغروسا ولا يستحق الغرس بل سقيه للإبقاء خاصة،
والظاهر تخصيص ذلك بالشجر الرطب، فإنه هو الذي يتعلق الغرض بابقائه، دون
اليابس الذي يقتضي العادة بأنه يقطع للحطب والوقود والبناء ونحو ذلك، ولو
استثنى شجرة من البستان الذي باعه أو اشتراها من مالكها خاصة، لم تدخل الأرض
في البيع، لكن يستحق من منفعتها ما يتوقف عليه الانتفاع بالشجرة وثمرتها من
الدخول إليها وسقيها وحرثها وجمع ثمرتها، ويستحق أيضا مدى جرائدها في
الهواء وعرقها في الأرض.
ويدل على ذلك في الجملة ما رواه في الكافي والتهذيب عن السكوني (1)
عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: قضى النبي (صلى الله عليه وآله) في رجل باع
نخلا واستثنى عليه نخلة، فقضى له رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمدخل إليها

(1) الكافي ج 5 ص 295 التهذيب ج 7 ص 144 الرقم 25.
148

والمخرج منها ومدى جرائدها ".
وروى في الفقيه عن السكوني (1) عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال قضى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحديث:
وروى في الكافي والتهذيب عن عقبة بن خالد (2) " أن النبي (صلى الله عليه
وآله) قضى في هرائر النخل أن تكون النخلة والنخلتان للرجل في حائط الآخر،
فيختلفون في حقوق ذلك، فقضى فيها أن لكل نخلة من أولئك من الأرض مبلغ جريدة
من جرائدها حين بعدها ".
أقول: قوله " حين بعدها " أي منتهى طول الجريدة إذا طالت، وأما قوله
" هراير " فقد اختلفت فيه نسخ الحديث اختلافا فاحشا ففي بعضها كما ذكرنا،
وفي بعض " بالواو " عوض الراء الأولى، وفي بعض بالزاي عوضها، وفي بعض
نسخ التهذيب " هذا النخل "، والظاهر كما استظهره في الوافي حريم النخل،
فوقع التحريف.
وروى في التهذيب عن محمد بن الحسن الصفار (3) في الصحيح " قال:
كتبت إليه (عليه السلام) في رجل باع بستانا فيه شجر وكرم فاستثنى شجرة منها، هل له ممر
إلى البستان إلى موضع شجرته التي استثناها، وكم لهذه الشجرة التي استثناها
من الأرض التي حولها؟ بقدر أغصانها أو بقدر موضعها التي هي ثابتة فيه؟ فوقع
(عليه السلام: له من ذلك على حسب ما باع وأمسك فلا يتعد الحق في ذلك انشاء
الله تعالى ".

(1) الفقيه ج 3 ص 57.
(2) الكافي ج 5 ص 295 وفيه " هوائر " من الهور بمعنى السقوط أي
في مسقط الثمار للشجرة التهذيب ج 7 ص 144 الرقم 26.
(3) التهذيب ج 7 ص 90 الرقم 24.
149

أقول: لا يخفى ما في الجواب من الاجمال المانع من الاعتماد عليه في الاستدلال
ومع ذلك فإن الظاهر أن يقال: له من ذلك على حسب ما استثنى، وربما أشعر
بأنه مع استثناء الشجرة فلا ينصرف ذلك إلا إلى ما دخل تحت مفهوم هذا اللفظ
عرفا، وهو مشكل بناء على ما عرفت من كلام الأصحاب ومن الأخبار المتقدمة.
ومن ذلك النخل بالنسبة إلى ثمرته قبل التأبين وبعده، والمشهور في
كلامهم أنه لو باع نخلا قد أبر ثمرها فهو للبايع، لأن اسم النخلة لا يتناوله إلا أن
يشترطه المشتري، وإن لم يكن مؤبرا فهو للمشتري.
أقول: ويدل على الحكم الأول ما رواه في الكافي والتهذيب عن يحيى بن أبي العلاء (1) " قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): من باع نخلا قد لقح، فالثمرة
للبايع إلا أن يشترط المبتاع، قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك " وعن
غياث بن إبراهيم (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: قال أمير المؤمنين (عليه
السلام): من باع نخلا قد أبره فثمرته (للذي باع)، إلا أن يشترط المبتاع ثم قال:
قضى به رسول الله (صلى الله عليه وآله) ".
وروى في الكافي عن عقبة بن خالد (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال
قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن ثمر النخل للذي أبرها إلا أن يشترط المبتاع "
وأما الحكم الثاني فلم أقف فيه على دليل إلا مفهوم الروايات المتقدمة، ومن
ثم ناقش في الحكم بعض الأصحاب، وتوقف آخرون كما يؤذن به كلام المحقق
في الشرايع حيث نسب الحكم المذكور إلى فتوى الأصحاب.
قال في المسالك: إنما نسب القول إلى فتوى الأصحاب، لقصور المستند

(1) الكافي ج 5 ص 177 التهذيب ج 7 ص 87 الرقم 12.
(2) الكافي ج 5 ص 177 التهذيب ج 7 ص 87 وفي الكافي (للبايع).
(3) الكافي ج 5 ص 178.
150

النقلي عن إفادة الحكم المذكور، فإنه إنما دل على أن النخل المؤبر ثمرته
للبايع، لا على أن ما لا يؤبر ثمرته للمشتري إلا من حيث المفهوم الضعيف، والأصل
يقتضي الملك لبايعه، وعدم انتقاله إلى المشتري، إذ العقد إنما وقع على الأصول
وهي مغايرة للثمرة انتهى وهو جيد.
واعترف في المختلف أيضا بضعف الدليل إلا أنه قال: لكن الاجماع
يعضده، مع أنه نقل عن ابن حمزة أن الاعتبار في دخول الثمرة وعدمه ببدو الصلاح
وعدمه، فمتى باعها بعده فالثمرة للبايع، وقبله للمشتري إلا مع الشرط، وكأنه لم
يعتبر خلافه.
والظاهر أنه لا خلاف في كون الثمرة للبايع مطلقا فيما لو انتقل النخل بغير
البيع، كالميراث ونحوه، وكذا في غير النخل من أفراد الشجر، لأن كون الثمرة
للمشتري على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على موضع النص والوفاق، وهو بيع
النخل فلا يتعدى إلى غير البيع، ولا إلى غير النخل من أفراد الشجر.
ولو باع المؤبر من النخل وغير المؤبر كان لكل حكمه المتقدم عندهم،
وظاهر اطلاقهم أنه لا فرق في ذلك بين كون ذلك في نخلة واحدة قد أبر بعض
طلعها دون بعض أو في نخلات متعددة أبر بعضها، ولم يؤبر الباقي، وبه أفتى
في الدروس.
وفرق العلامة في التذكرة بين النخلة الواحدة، والنخلات المتعددة، فحكم
في الأول بكون الجميع للبايع، محتجا عليه بأنه يصدق عليه أن قد باع نخلا قد
أبر، فيدخل تحت نص أنه للبايع، وبما في افتراقهما في الحكم من العسر وعدم
الضبط، وفي الثاني بتفريق الحكم.
وربما احتمل بعضهم هنا وجها ثالثا، وهو دخول الجمع في البيع لصدق
عموم التأبير في الجميع. والظاهر الأوفق بظاهر النص هو الأول، فإن تعليق
151

الحكم يشعر بالعلية، فيكون التأبير هو العلة، فأينما وجد ترتب عليه حكمه،
وينتفى حيثما انتفى.
المطلب الثالث في التسليم
اطلاق يقتضي تسليم المبيع والثمن، فيجب على المتبايعين دفع
العوضين من غير أولوية.
قال المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد بعد قول المصنف في الكتاب المذكور
" يجب على المتبايعين دفع العوضين من غير أولوية تقديم " ما لفظه: إعلم أن الأكثر
هكذا قالوا، وحاصله أنه إنما يجب عليها معا الدفع بعد أخذ العوض، ويجوز
لكل المنع حتى يقبض وكأنهم نظروا إلى أن البيع معاوضة محضة، ولا يجب
على كل منهما الدفع إلا لعوض مال الآخر، فما لم يأخذ ذا العوض، لا يجب اعطاء
العوض، والمسألة مشكلة كسائرها، لعدم النص، وثبوت الانتقال بالعقد يقتضي
وجوب الدفع على كل واحد منهما عند طلب الآخر، وعدم جواز الحبس حتى
يقبض حقه، وجواز الأخذ لكل حقه من غير إذن الآخر إن أمكن له على أي وجه
كان، لا ن ذلك هو مقتضى الملك، ومنع أحدهما الآخر وظلمه لا يستلزم جواز
الظلم للآخر ومنعة حقه، فيجبرهما الحاكم معا على ذلك أن امتنعا، فيعطي من يد
ويأخذ من آخر، أو يقبض لأحدهما ويأمره بالاعطاء انتهى.
أقول: ما ذكره (قدس سره) جيد، إلا أن في فهم ذلك من العبارة المذكورة
ونحوها من عبائرهم في هذا المقام اشكال، وذلك فإن غاية ما يفهم من هذه العبارة
التي ذكرها في الإرشاد هو أنه لما كان اطلاق العقد يقتضي وجوب تسليم المبيع
والثمن، فالواجب حينئذ على كل من البايع والمشتري دفع ما وجب عليه تسليمه
152

من غير أولوية تقديم أحدهما على الآخر، خلافا للشيخ حيث ذهب إلى أنه يجب
على البايع أولا تسليم المبيع، محتجا بأن الثمن تابع للمبيع، والغرض من
هذه العبارة إنما هو بيان تساويهما في وجوب التسليم، بدون تقديم أحدهما على الآخر
كما زعمه الشيخ (رحمة الله عليه) فالكلام إنما خرج في معرض الرد عليه، وأين
هذا من المعنى الذي ذكره، وهو أنه لا يجب على أحدهما التسليم إلا بعد دفع
الآخر، وأنة يجوز لكل منهما الامتناع حتى يقبض، اللهم إلا أن يكون قد اطلع على
تصريح بذلك من غير هذا الموضع، وإلا فهذه العبارة ونحوها لا اشعار فيها،
فضلا عن الدلالة بشئ من ذلك.
وتحقيق الكلام في هذا المقام يتوقف على بسطه في مواضع: الأول لا يخفى
أن القبض من الأمور المعتبرة شرعا لما يترتب عليه من الأحكام العديدة بالنسبة
إلى الوصية والهبة والرهن، فإن للقبض فيها مدخلا باعتبار شرطيته للصحة أو اللزوم،
فإن وكذا بالنسبة إلى البيع، فمن أحكامه فيه انتقال ضمان المبيع إلى المشتري
بعده إن لم يكن له خيار، وكونه على البايع قبله، وجواز بيع ما اشتراه بعد
القبض مطلقا، وتحريمه أو كراهته قبله على بعض الوجوه، وجواز فسخ البايع
مع تأخير الثمن، وعدم قبض المبيع بعد ثلاثة أيام، وغير ذلك، ومع هذا لم
يرد له تحديد شرعي يرجع فيه إليه.
ومن ثم إن الأصحاب إنما رجعوا فيه إلى العرف بناء على قواعدهم في كل
ما لم يرد له تحديد شرعي، مع أن الغالب في العرف الاختلاف باعتبار تعدد الأقطار
والبلدان، وأن لكل قطر اصطلاحا وعادة غير ما سواه، والمسألة من أجل ذلك
في غاية من الاشكال والداء العضال، لعموم البلوى به في جملة من الأحكام
كما عرفت.
والذي وقفت عليه مم يتعلق بهذا المقام روايتان الأولى صحيحة معاوية،
153

بن وهب (1) " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يبيع البيع قبل
أن يقبضه؟ فقال: ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه إلا أن توليه "
قال في المسالك بعد نقل هذه الرواية: فجعل قبض المكيل والموزون كيله أو وزنه
بالنسبة إلى جواز بيعه. (2)
واعترضه المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد فقال: وهذه لا أفهم دلالتها
لأن ظاهرها أن البيع قبل القبض لا يجوز حتى يكيل أو يزن، وذلك لا يدل على
كون القبض ذلك وهو ظاهر، ولا يدل على ذلك بضم السؤال إذ يصح جواب
السائل هل يجوز قبل القبض؟ بأنه لا يجوز بدون الكيل، يعني لا بد من الكيل الذي
القبض حصل في ضمنه أي لا بد من القبض وشئ آخر، إلى آخر كلامه زيد في
مقامه، وبه يظهر سقوط الرواية عن درجة الاستدلال في هذا المجال.
والثانية: رواية عقبة بن خالد عنه (عليه السلام) " في رجل اشترى
متاعا من آخر وأوجبه، غير أنه ترك المتاع عنده ولم يقبضه فسرق المتاع من
مال من يكون؟ قال: من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع ويخرجه
من بيته، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد ماله إليه ".

(1) التهذيب ج 7 ص 35 الرقم 34 وفيه (إلا أن يوليه الذي قام عليه).
(2) أقول: يمكن أن يؤيد ما ذكره في المسالك وهو المشهور بين الأصحاب
من جعل الكيل والوزن قبضا، بأن يقال: إن الرواية قد دلت على أنه
مع التولية لا يحتاج إلى الكيل والوزن، وهذا لا يتم الأعلى تقدير كون الكيل
والوزن قبضا، فإن التولية تصح بدون القبض، وأما على تقدير كونها شرطا
في صحة البيع، والقبض إنما هو عبارة عن النقل والتحويل فكيف يصح
البيع تولية مع اختلال أحد شرائط البيع وهو الوزن والكيل هنا.
فتأمل. منه رحمه الله.
(3) الكافي ج 5 ص 171 التهذيب ج 7 ص 21.
154

وغاية ما يدل عليه هذا الخبر هو أنه يعتبر في انتقال الضمان من البايع إلى
المشتري نقل المتاع واخراجه من بيت البايع، وليس فيه تفسير بأنه عبارة
عماذا، مع أن ظاهر الخبر أنه يعتبر في انتقال الضمان الاخراج من بيت البايع، ولا
قائل به كما ستعرف.
بقي الكلام في الدلالة العرفية التي اعتمدوها في المقام. قال في المسالك:
والعرف يدل على أن اقباض غير المنقول يتحقق بالتخلية مع رفع يد البايع عنه،
وعدم مانع للمشتري من قبضه، وأما في المنقول فلا يتحقق إلا باستقلال يد المشتري
به، سواء نقله أم لا، وكذا في طرف البايع بالنسبة إلى الثمن، وهذا مطرد في
المكيل والموزون وغيرهما، إلا أنهما خرجا عنه بالنص الصحيح فيبقى الباقي وهو
الأقوى. انتهى. (1) وهو جيد إلا في استثنائه المكيل والموزون " بالنص
الصحيح "، ولقد عرفت آنفا من أن غاية ما يدل عليه النص هو اعتبار الكيل والوزن
في المكيل والموزون، لا أن القبض فيهما هو الكيل والوزن، ثم قال: والمراد
بالتخلية حيث تعتبر، رفع المانع للمشتري من قبض المبيع إن كان، والإذن له فيه،
ولا يختص ذلك بلفظ، بل كل ما دل عليه كاف فيه.
وفيه أولا أن ظاهر كلامه المتقدم كون التخلية أمرا آخر غير رفع
المانع حيث أنه أضافه إلى التخلية، وهنا فسرها به، وثانيا أنه لا وجه لاعتبار

(1) ثم قال في اتمام عبارة المذكورة: لا يقال: قد نقل في التذكرة
لاتمام الاستدلال بهذه أن الاجماع عندنا حاصل على منه جواز بيع الطعام
قبل القبض، فلو لم يكن الكيل هو القبض المطلوب ويتحقق القبض
بدونه، لم يكن لقوله " حتى يكيل " معنى لأنا نقول على تقدير تحقق الاجماع
معناه الجواز بعد القبض مع باقي الشرايط والكيل من جملته، إلا أن
كيله هو القبض. انتهى. منه رحمه الله.
155

الإذن هنا بعد انتقال المبيع إلى المشتري بالعقد، وكون البايع هنا في حكم الأجنبي
فلا وجه لتوقف قبضه على إذنه.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قال في كتاب المصباح المنير: قبضت الشئ
قبضا: أخذته. وقال في نهاية الأثيرية: والقبض الأخذ بجميع الكف. أقول:
وهذا هو الذي يتبادر في العرف الآن، إلا أنه في المنقول ظاهر وإن تفاوتت
أفراده في ذلك باعتبار المقبوض، ففي مثل الدراهم والمتاع هو القبض باليد،
وفي مثل الحيوان هو نقله، وفي مثل المكيل والموزون هو تحويله بالوزن والكيل
أو بدونهما فإنه يصدق القبض بمجرد ذلك.
وأما في غير المنقول فالظاهر هو الوقوف فيه على ما رسمه الأصحاب. قال
في الدروس: والقبض في غير المنقول التخلية بعد اليد، وفي الحيوان نقله،
وفي المنقول كيله أو وزنه، أو عده أو نقله، وفي الثوب وضعه في اليد. انتهى
وهو ظاهر فيما قلناه إلا أن إضافة العد إلى الكيل والوزن خارج عن مورد الرواية
التي استندوا إليها في الحكم المذكور على ما عرفت فيها، وهو أيضا خلاف ما هو
المشهور من الاقتصار على مورد الخبر المذكور.
وقال الشيخ في المبسوط: القبض فيما لا ينقل ويحول هو التخلية، وإن
كان مما ينقل ويحول، فإن كان مثل الدراهم والجوهر وما يتناول باليد،
فالقبض هو التناول، وإن كان مثل الحيوان كالعبد والبهيمة، فإن القبض في البهيمة
أن يمشي بها إلى مكان آخر، وفي العبد أن يقيمه إلى مكان آخر، وإن كان
اشتراه جزافا كان القبض فيه أن ينقله من مكانه، وإن اشتراه مكايلة فالقبض فيه
أن يكيله، وتبعه ابن البراج وابن حمزة.
وقال في المختلف: والأقرب أن المبيع إن كان منقولا فالقبض فيه هو
النقل أو الأخذ باليد وإن كان مكيلا أو موزونا فقبضه هو ذلك، أي الكيل والوزن،
وإن لم يكن منقولا فالقبض فيه التخلية. انتهى. وكلام الشيخ راجع
156

في التحقيق إليه، إلا في المكيل والموزون، حيث اقتصر في قبضه على
الكيل والوزن.
وبذلك يظهر ما في عبارة المسالك هنا من الاجمال في تفسير، القبض
في المنقول، فإنه ربما أوهم رجوعه إلى التخلية في غير المنقول. واكتفى
بعضهم بالتخلية مطلقا في منقول أو غير منقول، وهو مذهب المحقق في الشرايع (1).
قال في الدروس: ولا بأس به في نقل الضمان لا في زوال التحريم أو الكراهة
عن البيع قبل القبض.
أقول: لا يخفى ما في هذا التفصيل، فإن الجميع مترتب على القبض
فإن صدق القبض بالتخلية، وجب ترتب أحكام القبض على ذلك مما ذكر هنا وما لم
يذكر، وإلا فلا مطلقا.
الثاني قال: في المسالك: لو كان المبيع بيد المشتري قبل الابتياع، فإن كان
بغير إذن البايع فلا بد من تجديد الإذن في تحقق القبض بلا نسبة إلى رفع التحريم
أو الكراهة، وأما بالنسبة إلى مثل الضمان فيحتمل قويا تحققه بدونه، كما لو قبضه
بغير إذن البايع، ويحتمل توقف الأمرين على تجديده، لفساد الأول شرعا، فلا يترتب
عليه أثر، ولو كان بإذنه كالوديعة والعارية لم يفتقر إلى تجديد إذن ولا تخلية. انتهى.

(1) أقول: لا يبعد أن يكون مراد الأصحاب بكون الكيل والوزن قبضا إنما
هو بمعنى وزنه وكيله، لأجل القبض والنقل، لا من حيث كونه كيلا
ووزنا، فإنه هو الغالب المتعارف، ولذلك أنه لو قبضه المشتري
بالوزن أو الكيل، ثم باعه ممن حضر وزنه وكيله، فإنه لا يحتاج إلى
إعادة الوزن أو الكيل، وإنما يحتاج إلى النقل ليتحقق به القبض، وبالجملة
فإن القبض إنما يتحقق بالنقل والتحويل سواء كان في معنى الوزن والكيل
أو بدونهما كما في الصورة المفروضة. منه رحمه الله.
157

وفيه أنه لا دليل على ما ذكره " قدس سره " لا من النص ولا من الاعتبار،
وعقد البيع قد اقتضى النقل إلى المشتري، والقبض والتسليم إلى المشتري حاصل
والفرق بين كون القبض قبل البيع شرعيا أو غير شرعي مع كونه لا دليل عليه
لا ثمرة له بعد ما عرفت. ومع كونه غير شرعي قبل البيع لا يمنع من كونه شرعيا
بعد البيع والانتقال إليه بالعقد الصحيح.
وبالجملة فشروط صحة البيع كلها حاصلة، فلا وجه لما ذكره، وإلى
ما ذكرناه هنا يميل كلام المحقق الأردبيلي (قدس سره) حيث قال: لو كان المبيع
بيد المشتري، فالظاهر أنه لا يحتاج إلى تجديد القبض والإذن مطلقا، ولا مضي
زمان، لوجود القبض الذي هو شرط، والموجب لجواز البيع وغيره، كما قيل
ذلك في الهبة المقبوضة، والتفصيل بما إذا كان القبض مشروعا وعدمه فإنه لا بد
حينئذ لرفع التحريم والكراهة، ويحتمل لرفع الضمان أيضا ليس بواضح.
الثالث الظاهر أن القبض المعتبر من نقل أو تخلية يكفي لا سقاط الضمان،
وإن كان المبيع مشغولا بأمتعة البايع كالصندوق الذي فيه المتاع والبيت الذي
فيه الأمتعة، ويكون مكلفا بأن يفرغه، وهو خيرته في المسالك، ونقله بالنسبة إلى
الثاني عن التذكرة، احتمل في المسالك توقف القبض على إذن المالك في نقل
الأمتعة والظاهر ضعفه، لحصول البيع الشرعي بشروطه وعدم ظهور مانعية ما ذكره
مع وجوب تفريغه:
الرابع قال في المسالك لو كان المبيع مكيلا أو موزونا فلا يخلو إما أن
يكون قد كيل قبل البيع ووزن أو لا، بأن أخبر البايع بكيله أو وزنه، أو باعه قدرا منه
معينا من صبرة مشتملة عليه، فإن كان الأخير فلا بد في تحقق قبضه من كيله أو وزنه
للنص المتقدم، وإن كان الأول ففي الافتقار إلى اعتباره ثانيا لأجل القبض أو
الاكتفاء بالاعتبار السابق وجهان، من اطلاق توقف الحكم على الكيل والوزن وقد
158

حصلا وقوله (عليه السلام) (1) " لا تبعه حتى تكيله أو تزنه " لا يدل على أزيد من
حصولهما الشامل لما كان قبل البيع ومن كون الظاهر أن ذلك لا جل القبض
لا لأجل صحة البيع، فلا بد له من اعتبار جديد بعد العقد، وبه صرح العلامة
والشهيد (رحمه الله) وجماعة، وهو الأقوى.
ويدل عليه قوله (عليه السلام)، في الخبر السابق " إلا أن توليه " فإن الكيل
السابق شرط لصحة البيع، أو ما قام مقامه، فلا بد منه في التولية وغيرها، ومقتضى
قوله " إلا أن توليه " إنه معها لا يتوقف على كيل أو وزن، ودل ذلك على أنهم لأجل
القبض، لا لأجل صحة البيع.
وأما الثاني فإن اكتفينا بالاعتبار الأول في الأول، كفى الأخبار فيه واختارهما
في التذكرة وإن لم نكتف بالسابق في الأول لم يكتف بالأخبار في الثاني بطريق أولى.
وقد روى محمد بن أبي حمزة (2) قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
اشترينا طعاما فزعم صاحبه أنه كاله، فصدقناه وأخذناه بكيله، فقال: لا بأس، فقلت:
أيجوز أن أبيعه كما اشتريته منه بغير كيل؟ قال: لا، أما أنت فلا تبعه حتى تكيله " انتهى.
أقول: مرجع البحث هنا إن الكيل والوزن هل وجوبهما في المكيل والموزون
من حيث كونهما شرطا في صحة البيع، أو من حيث كونهما قبضا للبيع، يترتب
عليهما ما يترتب على القبض الذي هو النقل والأخذ باليد، ونحو ذلك مما تقدم في
غير المكيل والموزون.
والظاهر من الأخبار المانعة من بيع ما لم يقبض إذا كان مكيلا أو موزونا
هو الثاني، بالتقريب الذي ذكره من جواز البيع تولية بدون كيل أو وزن، ولو كان
ذلك شرطا في صحة البيع لما جاز ذلك، إذ لا فرق بين التولية وغيرها في اعتبار
هذا الشرط.

(1) التهذيب ج 7 ص 35.
(2) التهذيب ج 7 ص 37 وفيه محمد بن حمران.
159

ويعضده أنه قد وقع التعبير عن الكيل والوزن في هذا المقام بالقبض في
جملة من الأخبار.
ففي صحيحة منصور بن حازم (1) " إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه
حتى تقبضه، إلا أن توليه "
وفي صحيحة علي بن جعفر (2) عن أخيه موسى (عليه السلام) " أنه سأله عن الرجل
يشتري الطعام أيصلح بيعه قبل أن يقبضه؟ قال إذا ربح لم يصلح حتى يقبض وإن
كان يوليه فلا بأس، وسأله عن الرجل يشتري الطعام أيحل له أن يولي منه
قبل أن يقبضه؟ قال: إذا لم يربح عليه شئ فلا بأس، فإن ربح فلا يصلح
حتى يقبضه " ونحوهما غيرهما.
وكذا في صحيحة معاوية بن وهب المتقدمة (3) قد عبر بالكيل والوزن عن لفظ
القبض في هذه الروايات.
ومثلها رواية أبي بصير (4) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
رجل اشترى طعاما ثم باعه قبل أن يكيله؟ قال: لا يعجبني أن يبيع كيلا أو وزنا
قبل أن يكيله أو يزنه، إلا أن يوليه، كما اشتراه " الحديث.
وبالجملة فإن استثناء التولية في هذه الأخبار مما ذكرنا وما لم نذكره إنما
يتجه على تقدير كون الكيل والوزن قبضا، والبيع توليه صحيح مع عدم القبض
ولو كان اعتبارهما إنما هو من حيث كونها شرطا في صحة البيع لم يتجه صحة
التولية هنا كما عرفت.

(1) التهذيب ج 7 ص 35 الفقيه ج 3 ص 129.
(2) التهذيب ج 7 ص 36.
(3) ص 154 التهذيب ج 7 ص 35.
(4) التهذيب ج 7 ص 37.
160

نعم يشكل الحكم بأن مقتضى ما ذكر أنه لو اشترى الطعام واكتاله ثم باعه
ممن حضر كيله، فإن الواجب بمقتضى ما ذكر هو كيله مرة أخرى، ليتحقق به
قبض المشتري الثاني وهو الذي قواه، ونقله عن العلامة والشهيد (رحمه الله)
مع أن ظاهر الأخبار الواردة هنا هو العدم.
ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب عن عبد الملك بن عمرو (1) قال: قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): أشتري الطعام فأكتاله ومعي من قد شهد الكيل وإنما
اكتلته لنفسي، فيقول: بعنيه فأبيعه إياه بذلك الكيل الذي كلته؟ قال: لا بأس "
ونحوه ما رواه في الفقيه عن خالد بن الحجاج الكرخي (2) قال: قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): أشتري الطعام من الرجل ثم أبيعه من رجل آخر قبل أن اكتاله،
فأقول: ابعث وكيلك حتى يشهد كيله إذا قبضته، قال لا بأس "
ويمكن أن يقال في وجه الجمع بين ظواهر هذه الأخبار أنه لما كان الغالب
أن الكيل والوزن إنما يقعان في حال القبض، وأنه بهما يحصل القبض والتحويل
من البايع إلى المشتري، صح اطلاق القبض عليهما بهذا الوجه في الأخبار المتقدمة
وإن كانا شرطا في صحة البيع، وأما جواز البيع تولية في تلك الأخبار بدونهما، فلعله مستثنى
من القاعدة المذكورة، حيث أن التولية عبارة عن أن يعطيه ما اشتراه برأس ماله،
ويجعله محله في ذلك العقد، إلا أني لم أجد به قائلا، و المسألة لما عرفت غير
خالية من الاشكال ولهذا كثر فيها التردد والاحتمال.
و الخامس قال في المسالك: ألحق في الدروس المعدود بالمكيل والموزون
فاعتبر في قبضه عده بعد البيع، ولم يكتف بعد السابق. وفيه نظر، لعدم النص

(1) الكافي ج 5 ص 179 التهذيب ج 7 ص 38.
(2) الفقيه ج 3 ص 131.
161

وتحقق القبض فيه عرفا مع نقل المشتري له كغيره من المنقولات، والحاقه
بهما نظرا إلى اشتراط اعتباره في صحة بيعه لا يوجب ذلك عندنا، واكتفى
فيه أيضا عن اعتبار المكيل والموزون والمعدود بنقله، والخبر الصحيح حجة عليه
وقريب منه مختار العلامة في المختلف، فإن اكتفى فيهما بأحد أمور ثلاثة،
النقل، والقبض باليد، والاعتبار بالكيل أو الوزن، وفي النقل ما مر، وفي القبض
باليد ما دل عليه خبر عقبة بن خالد (1) من اعتبار النقل. ومال في الدروس أيضا
إلى أن التخلية كافية مطلقا في نقل الضمان، لا في زوال التحريم أو الكراهة عن البيع
قبل القبض، وخبر عقبة حجة عليه إن اعتبره.
والتحقيق هنا أن الخبر الصحيح دل على النهي عن بيع المكيل والموزون
قبل اعتباره بهما، لا على أن القبض لا يتحقق بدونهما، وكون السؤال فيه وقع عن
البيع قبل القبض لا ينافي ذلك، لأن الاعتبار بهما قبض وزيادة، وحينئذ فلو قيل:
بالاكتفاء في نقل الضمان فيهما بالنقل عملا بمقتضى العرف والخبر الآخر، وبتوقف
البيع ثانيا على الكيل والوزن أمكن إن لم يكن احداث قول. انتهى كلامه.
أقول ما ذكره هنا من التحقيق جيد، وبالقبول حقيق، إلا أن فيه أولا ما
يدل على رجوعه عما قدمه، سيما في اعتراضه هنا على الدروس بأن الخبر الصحيح
حجة عليه، وقد تكرر في كلامه السابق على هذا الكلام المبالغة في دلالة الخبر
على أن القبض في المكيل والموزون هو كيله ووزنه، وأنه لا يتحقق القبض
بدون ذلك.
وثانيا أن ما ذكره من التوقف في القول بالاكتفاء في نقل الضمان في المكيل
والموزون بالنقل، لاستلزامه احداث قول في المسألة. فيه أن ذلك مقتضى كلام الشهيد
في الدروس والعلامة في المختلف الذي قدمه هنا، حيث إنهما صرحا بأن القبض

(1) الكافي ج 5 ص 171.
162

في المكيل والموزون كما يكون بالكيل والوزن، يكون بالنقل أيضا، وأن
القبض بالنقل موجب لعدم الضمان، وأن اشتراط الكيل والوزن في بيعه ثانيا
لإزالة التحريم أو الكراهة، فهو ليس باحداث قول في المسألة، كما ذكره.
السادس قالوا وإذا تلف المبيع قبل تسليمه إلى المشتري كان من مال البايع
وكذا إن نقصت قيمته بحدث فيه كان للمشتري رده، وفي الأرش تردد.
قال في المسالك: موضع التردد ما لو كان العيب من قبل الله تعالى،
ومنشؤه من تعيبه على ملك المشتري لا من قبل أحد، ومن أنه مضمون على البايع
بأجمعه، فضمان أجزائه أولى، فالأقوى أن له الأرش إن لم يفسخ، ولو كان
التعيب من أجنبي أو من البايع تخير المشتري بين الرجوع على المتلف بالأرش
وبين فسخ العقد، فإن فسخ رجع البايع على الأجنبي بالأرش. انتهى.
أقول: أما الحكم الأول فقد تقدم الكلام فيه في المقام الثاني في أحكام
الخيار (1) وبينا ثمة ما فيه من الاشكال، ومستنده عند الأصحاب بعد الاجماع رواية
عقبة بن خالد المتقدمة في الموضع الأول. (2)
وأما الثاني فلم أقف فيه على نص، وظاهرهم الاتفاق على أنه يتخير بين
رد المبيع وأخذ ثمنه، وبين إمساكه، وإنما الخلاف في صورة اختيار الامساك
هل يمسكه بثمنه أو يرجع بالأرش على البايع فيما إذا كان العيب من جهة الله تعالى،
وقد رجح في المسالك الثاني نظرا إلى أن ضمان الكل يستلزم ضمان البعض
بالطريق الأولى.
ويمكن خدشه بما صرحوا به في صورة تلف الجميع من أنه يبطل البيع،
وينتقل المبيع إلى البايع كما قدمنا نقله عنهم في الموضع المتقدم ذكره، بخلاف

(1) ص 77.
(2) ص 154.
163

ما هنا، فإنه باق على ملك المشتري، ولعل مثل هذا لا يؤثر في الضمان.
وبالجملة فإن الحكم لما لم يكن منصوصا والفرق بين الكل والبعض ظاهر
مما ذكرنا. فالحكم بالأرش محل اشكال، سيما مع ما حققناه في الموضع المتقدم
ذكره، من أن قضية العقد كون المبيع ملكا للمشتري، وقضية كونه ملكا للمشتري
أن تلفه منه وإن كان في يد البايع، والأصل عدم الضمان على البايع بعد انتقال
المبيع عنه إلا بالتفريط ولو بمنعه المالك.
السابع قد صرحوا بأنه إذا حصل للمبيع نماء قبل القبض كالنتاج أو
ثمرة النخل أو اللقطة كلقطة العبد التي يمكن تملكها ولو بعد التعريف كان ذلك
للمشتري، فإن تلف الأصل سقط الثمن عن المشتري إن لم يدفعه، وإلا استرجعه
وله النماء، ولو تلف النماء من غير تفريط لم يلزم البايع دركه.
أقول: أما الحكم الأول فجيد لأن المبيع بالعقد ينقل إلى ملك المشتري قبضه
أو لم يقبضه، فكذا نماؤه، وهكذا الثمن أيضا، فإنه بالعقد ينتقل إلى البايع
ونماؤه تابع له أيضا.
وأما الثاني فهو مبنى على القاعدة المتفق عليها عندهم، وهو أن المبيع
قبل القبض مضمون على البايع، وعلى أن التلف إنما يبطل البيع من حينه، كما هو المشهور
عندهم، فيكون النماء السابق على وقت التلف وما في حكمه كلقطة العبد للمشتري
وأما لو قلنا بأنه يبطله من أصله كما تقدم نقله احتمالا عن العلامة فهو للبايع.
وأما الثالث. فوجهه أن النماء في يد البايع أمانة لا يضمنها إلا مع التفريط
اقتصارا فيما خالف الأصل وهو ضمان مال الغير مع عدم العدوان على ما دل
عليه الدليل.
الثامن لو باع جملة فتلف بعضها فظاهر بعض الأصحاب هو التفصيل هنا
بأنه إن كان للتالف قسط من الثمن كان المشتري مخيرا بين فسخ العقد، وبين
164

الرضا بالباقي بحصته من الثمن، وإن لم يكن له قسط كان المشتري مخيرا بين
الرد، أو أخذه بجملة الثمن.
قال في المسالك: ضابط الأول ما يمكن افراده بالبيع، كأحد العبدين
والقفيزين، والثاني ما لا يمكن افراده كيد العبد، والفرق بينهما الموجب
لاختلاف الحكم أن الأول لا يبقى مع فواته أصل المبيع بل بعضه، والثاني يبقى
معه أصل المبيع، والجزء التالف بمنزلة الوصف كيد العبد ونحوها من أعضائه
التي فواتها لا يخل ببقاء العبد. انتهى.
ونحوه كلام المحقق الشيخ على (قدس سره) في شرح القواعد، ومقتضى
كلام أصحاب هذا القول أنه لا أرش في الصورة الثانية، بل يكون مخيرا بين الرد
والأخذ بمجموع القيمة، لأن الفائت هنا لا قسط له من الثمن فلا أرش، لأن الأرش
هو مقدار حصته من الثمن.
وظاهر جملة من الأصحاب وقيل: إنه هو المشهور وهو اختيار شيخنا الشهيد
الثاني في المسالك والمحقق الشيخ على في تعليقاته على الشرايع، وفي شرح القواعد
هو وجوب الأرش في الصورة المذكورة.
قالوا: لأن القيمة تزيد بوجوده، وتنقص بعدمه، وفواته من أظهر العيوب
وأبينها، للقطع بأن المبيع هو المجموع، وقد فات بعضه فيتخير بين الرد لتبعيض
الصفقة، والأخذ بالأرش، وظاهر كلامه في المسالك (1) أن الأمر كذلك في الصورة
الأولى أيضا وهو ماله قسط من الثمن ويمكن أفراده بالبيع من أنه يتخير بين
الرد لتبعيض الصفقة، والأخذ بالأرش، والظاهر أنه ليس الأمر كذلك، بل الحكم
هنا مع عدم الفسخ إنما هو تقسيط الثمن على الجزء الفائت والباقي، وأخذ الباقي
بقسطه من الثمن، وظاهر كلام المحقق المتقدم ذكره اختصاص الكلام بالصورة
الثانية أيضا، وأن الحكم في الصورة الأولى إنما هو ما ذكرناه، وبه صرح في الدروس
أيضا حيث قال: ولا اشكال في توزيع الثمن على العينين فصاعدا لو تلف بعضها،

(1) حيث قال: بعد ذكر القول الأول الذي اختاره المصنف: والأقوى
ثبوت الأرش فيه كالأول إلى أن قال: ولأن المبيع هو المجموع، وقد
فات بعضه فيتحير المشتري بين الرد لتبعيض الصفقة في الموضعين
والأرش. انتهى منه رحمه الله.
165

وله الفسخ. انتهى، وبالقول أفتى المحقق في الشرايع، وتنظر العلامة
في القواعد في ثبوت الأرش في الصورة الثانية.
أقول: ومما يؤيد القول الثاني هنا هو أنهم قد صرحوا في باب العيب
الموجب للخيار والأرش بأنه عبارة عن كل ما خرج عن أصل الخلقة الطبيعية بزيادة
عضو أو نقصانه، ومنهم المحقق في الشرايع الذي نفى الأرش هنا حيث قال: القول
في أقسام العيوب، والضابط أن كلما في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب، والزيادة
كالإصبع الزايدة، والنقصان كفوات عضو إلى آخره، وهو ظاهر فيما قلناه،
والمسألة المفروضة هنا أحد جزئيات هذه القاعدة، فيكون الحكم فيها هو الأرش
مع عدم الفسخ، لا الأخذ بالقيمة، كما ذكروه.
وبما حققناه في المقام يظهر لك ما في كلام المحقق الأردبيلي (طاب ثراه)
هنا حيث قال في أثناء البحث في المسألة المتقدمة في الموضع السادس ما لفظه:
والظاهر عدم الفرق بين حدوث عيب ونقص شئ وجزء له قسط من الثمن، مع
عدم صحة ايقاع العقد عليه، مثل يد العبد ورجله، وأما فوات الجزء الذي له قسط
منه ويصح العقد عليه كموت عبد من عبدين، فالظاهر أنه يبطل في الميت، فيسقط
ويسترد قيمته، مثل ما قيل في أمثاله، وفي الآخر يثبت الخيار للمشتري بين الفسخ
وأخذ الثمن، والرضا به بقيمته من غير شئ، لتبعيض الصفقة.
ولعله يفهم عدم الخلاف عندنا من التذكرة، فإن فيه أولا أن صحة ايقاع
العقد عليه مستقلا وعدم الصحة إنما جعل ضابطا لما له قسط من الثمن، وما ليس له
قسط، فكلما له قسط من الثمن يصح ايقاع العقد عليه مستقلا، كأحد العبدين،
وما لم يكن كذلك كيد العبد لا يصلح ايقاع العقد عليه مستقلا.
والضابط الآخر لذلك أيضا هو ما لا يبقى معه أصل المبيع، كالعبد من العبدين،
وما يبقى كيد العبد مثلا، فيد العبد لا قسط لها من الثمن على كل من الضابطتين،
لأنها لا تباع مستقلة، وأنه يبقى معها أصل المبيع، وهو قد حكم بأن لها قسطا من
الثمن مع عدم صحة ايقاع العقد عليها وهو خروج عن الضابط الأول.
وثانيا أن ما ذكره من عدم الخلاف مع ما عرفت من أن القول بالأرش قد
صرح به جملة منهم، بل هو المشهور كما ذكره بعضهم، وأن العلامة في القواعد
قد توقف في ذلك.
166

قالوا هذا كله إذا كان الفايت جزا من المبيع، وأما لو كان وصفا محضا،
كما لو كان العبد كاتبا فنسي الكتابة قبل القبض، فللمشتري الرد خاصة، أو الامساك
بجميع الثمن، لأن الفايت ليس جزا للمبيع، ومن ثم لو شرط كونه كاتبا فظهر
بخلافه لم يستحق سوى الرد.
التاسع إذا باع شيئا فغصب من يد البايع، فإن أمكن استعادته من الغاصب
في زمن يسير، بحيث لا يفوت فيه منفعة مقصودة يستلزم فواتها نقصا معتبرا، أو
فوات غرض مقصود للمشتري، فليس للمشتري الفسخ، ويجب على البايع استعادته
مع الامكان، لأن التسليم واجب عليه، ولا يتم إلا بذلك، وإن تعذرت استعادته أو
أمكنت، لكن بعد مضي زمان يفوت فيه ما ذكرنا من المنافع المقصودة، والأغراض
المطلوبة، فإن للمشتري الخيار حينئذ بين الفسخ والرجوع إلى ثمنه، وبين
الرضا بالبيع وانتظار حصوله، وله الانتفاع بما لا يتوقف على القبض، كعتق العبد
ونحوه.
ثم إن تلف في يد الغاصب فهو مما تلف قبل القبض، فيبطل البيع ولو مع
رضائه بالصبر، ويحتمل أن يكون الرضاء به قبضا، ونحوه ما لو رضي به في يد
البايع، ولو امتنع البايع من تسليمه فللمشتري الأجرة إذا سلمه بعد مدة تلزم فيها
الأجرة لو كان له أجرة، ويحتمل أن يكون له الفسخ كما في أخذ الغاصب له
ظلما، لأنه غاصب في هذه الحال.
ولو حبسه لنقد الثمن فإن ذلك له على ما يظهر من الأصحاب، فلا أجرة له حينئذ،
وقد تقدم الكلام في ذلك في صدر هذا المقام، وكل موضع يجوز الحبس والمنع
فنفقة المبيع على المشتري، لأنه ماله وله نماؤه، وإن لم يمكن من قبضه يكون
في ضمان البايع.
167

العاشر اختلف الأصحاب في بيع ما يكال أو يوزن قبل قبضه، فعن الشيخ
المفيد أنه يكره ذلك فيما يكال أو يوزن، وليس بمفسد للبيع، ولا مانع من مضيه،
ونحوه الشيخ في النهاية، وقال في المبسوط: إذا ابتاع شيئا وأراد بيعه قبل قبضه،
فإن كان طعاما لم يجز بيعه حتى يقبضه اجماعا، فأما غير الطعام من ساير الأموال فإنه
يجوز بيعه قبل القبض، ونحوه قال في الخلاف في موضع، يجوز بيع ما عدا الطعام
قبل أن يقبض.
وقال ابن أبي عقيل: كل من اشترى شيئا مما يكال أو يوزن فباعه قبل أن
يقبضه فالبيع باطل، وإن كان مما لا يكال أو يوزن فباعه من قبل أن يقبضه فالبيع جايز،
والفرق بينهما أن السنة جاءت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بابطال بيع الطعام
وجميع ما يكال ويوزن قبل القبض، وأجازه فيما سوى ذلك، واختار ابن البراج
في المهذب قول الشيخ في المبسوط، وفي الكامل قوله في النهاية.
وعن ابن حمزة أنه منع من بيع الطعام قبل القبض، سواء كان بيعا أو قرضا،
وغير الطعام جوز بيعه قبل القبض على كل حال، إلا أن يكون سلفا.
قال الصدوق في المقنع: لا يجوز أن يشتري الطعام من بيعه قبل أن يكتاله،
وما لم يكن فيه كيل ولا وزن فلا بأس أن يبيعه قبل أن يقبضه، وقال في موضع آخر
منه: ولا بأس أن يشتري الرجل النخل والثمار ثم يبيعه قبل أن يقبضه، وروي في
حديث " أنه لا بأس أن يشتري الطعام من بيعه قبل أن يقبضه ويوكل المشتري
بقبضه ".
وقال أبو الصلاح: يصح بيع ما استحق تسليمه قبل أن يقبضه، وينوب قبض
الثاني عن الأول وأطلق.
والمشهور بين المتأخرين من المحقق والعلامة ومن بعدهما هو القول بالجواز
168

على كراهة، والأخبار في المسألة على غاية من الاختلاف والاضطراب، فلا بد من
بسطها ونقلها ليظهر ما هو حقيقة الحق منها والصواب، بتوفيق الملك الوهاب، وبركة
أهل الذكر الأطياب.
فمن الأخبار الدالة على القول بالتحريم ما رواه الصدوق في الصحيح عن
منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: إذا اشتريت متاعا فيه
كيل أو وزن فلا تبعه حتى تقبضه، إلا أن توليه، فإن لم يكن فيه كيل أو وزن فبعه "
قال في الفقيه بعد هذه الرواية: يعني أنه يوكل المشتري بقبضه.
وظاهر المحدث الشيخ محمد الحر في الوسائل أن هذه الزيادة من أصل الرواية
حيث أدرجها فيها (2) وهكذا نقلها في المختلف أيضا عن الفقيه، والأقرب أنها من
كلام صاحب الفقيه، كما يظهر من المحدث الكاشاني في الوافي، حيث لم ينقلها
في الرواية.
وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن الحلبي (3) عن أبي عبد الله
(عليه السلام) " أنه قال في الرجل يبتاع الطعام ثم يبيعه قبل أن يكتال، قال: لا يصلح
له ذلك ".
وما رواه في التهذيب أيضا بسند آخر في الصحيح عن عبد الرحمان بن أبي
عبد الله وأبي صالح عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله، وزاد وقال: " لاتبعه
حتى تكيله ".

(1) الفقيه ج 3 ص 129 التهذيب ج 7 ص 35.
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود الرقم 1.
(3) الكافي ج 5 ص 178 التهذيب ج 7 ص 36.
(4) التهذيب ج 7 ص 36.
169

وما رواه في الفقيه والتهذيب في الصحيح عن الحلبي (1) " قال: سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوم اشتروا بزا فاشتركوا فيه جميعا ولم يقتسموه أيصلح
لأحد منهم بيع بزه قبل أن يقبضه؟ قال: لا بأس به، وقال: إن هذا ليس بمنزلة الطعام،
لأن الطعام يكال ".
وما رواه في الفقيه والتهذيب في الصحيح في الكتاب الأول عن منصور (2)
قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى بيعا ليس فيه كيل ولا وزن،
أله أن يبيعه مرابحة قبل أن يقبضه ويأخذ ربحه؟ فقال: لا بأس بذلك ما لم يكن فيه
كيل ولا وزن، فإن هو قبضه فهو أبرأ لنفسه ".
وما رواه في التهذيب عن معاوية بن وهب (3) " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه؟ فقال: ما لم يكن كيل أو وزن
فلا يبيعه حتى يكيله أو يزنه، إلا أن يوليه بالذي قام عليه ".
وعن سماعة في الموثق (4) قال: سألته عن الرجل يبيع الطعام أو الثمرة،
وقد كان اشتراها ولم يقبضها قال: لا حتى يقبضها، إلا أن يكون معه قوم يشاركهم
فيخرجه بعضهم عن نصيبه من شركته بربح، أو يوليه بعضهم فلا بأس ".
وروى في التهذيب (5) قال: " وسأل علي بن جعفر أخاه موسى بن جعفر (عليه السلام)
عن الرجل يشتري الطعام أيصلح بيعه قبل أن يقبضه؟ قال: إذا ربح لم يصلح حتى
يقبض، وإن كان يوليه فلا بأس، وسأله عن الرجل يشتري الطعام أيحل له أن يولي
منه قبله أن يقبضه؟ قال، إذا لم يربح عليه شئ فلا بأس، فإن ربح فلا يصلح حتى
يقبضه ".

(1) الفقيه ج 3 ص 136 التهذيب ج 7 ص 55 و 56.
(2) الفقيه ج 3 ص 136 التهذيب ج 7 ص 55 و 56.
(3) التهذيب ج 7 ص 35.
(4) التهذيب ج 7 ص 36.
(5) التهذيب ج 7 ص 36.
170

وطريق الشيخ في التهذيب إلى علي بن جعفر صحيح، فتكون الرواية صحيحة،
فما ذكره في المسالك من أن الشيخ. ذكرها في التهذيب بغير اسناد وجعلها بذلك
ضعيفة، غفلة مما ذكرناه.
ورواه علي بن جعفر في كتابه ورواه الحميري في قرب الإسناد عن عبد الله بن
الحسن عن علي بن جعفر (1) مثله.
وعن أبي بصير (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى
طعاما ثم باعه قبل أن يكيله؟ قال: لا يعجبني أن يبيعه كيلا أو وزنا قبل أن يكيله
أو يزنه، إلا أن يوليه كما اشتراه، فلا بأس أن يوليه كما اشتراه إذا لم يربح فيه
أو يضع، وما كان من شئ عنده ليس بكيل ولا وزن فلا بأس أن يبيعه قبل أن
يقبضه ".
أقول: وهذه الأخبار كلها كما ترى ظاهرة الدلالة على القول المذكور،
ومقتضاها تصريحا في بعض وتلويحا في آخر عموم الحكم للمكيل والموزن،
لا بخصوص الطعام.
ويؤيدها أيضا ما رواه في الكافي عن علي بن أبي حمزة عن أبي جعفر
(عليه السلام) " قال: سألته عن الرجل يشتري متاعا ليس فيه كيل ولا وزن أيبيعه
قبل أن يقبضه؟ قال: لا بأس ".
وجملة من هذه الأخبار قد دلت على النهي الذي هو حقيقة في التحريم،

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود الرقم 9.
(2) التهذيب ج 7 ص 37 الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود
الرقم 16.
(3) الكافي ج 5 ص 200 الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام
العقود الرقم 8.
171

كصحيحة منصور بن حازم (1) وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله وأبي صالح (2)
وصحيحة معاوية بن وهب (3) وموثقة سماعة (4).
وما عدا هذه الأخبار فإنها وإن لم تكن مثلها في الصراحة، إلا أنها بمعونة هذه الأخبار ظاهرة تمام الظهور؟ خصوصا لفظ لا يصلح، فإن ذكر هذه الألفاظ في ضمن
هذا السياق الذي سيقت عليه الأخبار الناهية الصريحة في التحريم قرينة ظاهرة
على أن المراد بها ما أريد بالنهي في تلك الأخبار التحريم، وإن كانت في حد
ذاتها أعم من ذلك، كما لا يخفى على المنصف المتدرب.
ثم إنه لا يخفى أن جملة من هذه الأخبار قد دلت على استثناء التولية فيجوز
البيع قبل القبض في هذه الصورة، وفي بعضها تخصيص المنع بالربح،
فيفهم منه الجواز مع المواضعة، إلا أن عجز صحيحة علي بن جعفر صريح في المنع
مع المواضعة أيضا، وحينئذ فيحمل ما دل على ذكر الربح على مجرد التمثيل
دون التخصيص، فيختص الجواز بالتولية خاصة، كما هو مفاد أكثر الأخبار، ويجب
حمل الأخبار الدالة على النهي مطلقا على غير التولية جمعا.
استدل القائلون بالجواز ومنهم المحقق الأردبيلي، فإنه قد أطال في ذلك،
ونحن ننقل كلامه ملخصا، فإنه قد بالغ في نصرة القول المشهور بين المتأخرين بجده
وجهده، فاستدل بعموم القرآن والأخبار الدالة على جواز البيع، والأصل، وبأن
الناس مسلطون على أموالهم، وحصول التراضي مع عدم المانع عقلا، وعدم
الخروج عن قانون وقاعدة.
وصحيحة منصور بن حازم (5) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " في رجل أمر
172

رجلا يشتري له متاعا فيشتريه منه؟ قال: لا بأس بذلك، إنما البيع بعد ما يشتريه ".
وصحيحة محمد بن سلم (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) " قال: سألته عن
رجل أتاه رجل فقال: ابتع لي متاعا لعلي اشتريته منك بنقد أو نسية فابتعاعه الرجل
من أجله قال: ليس به بأس، إنما يشتريه منه بعدما يملكه " فإن قوله بعد التملك،
وبعد الشراء كالصريح في الجواز قبل القبض مطلقا، فافهم.
ويدل عليه أيضا صحيحة محمد الحلبي (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام).
" قال: سألته عن الرجل يشتر الثمرة ثم يبيعها قبل أن يأخذها؟ قال: لا بأس به
إن وجد ربحا فليبيع ".
وصحيحة محمد بن مسلم (3) عن أحدهما (عليهما السلام) " أنه قال في رجل
اشترى الثمرة ثم يبيعها قبل أن يقبضها قال: لا بأس ".
ولا يخفى أن الثمرة مكيل، بل طعام على بعض الاطلاقات، والأول صريح
في الجواز مع إرادة المرابحة، فيحمل ما يدل على عدم جوازها على شدة الكراهة
للجمع، فتأمل.
ويؤيد الجمع رواية أبي بصير قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) اشترى
طعاما قبل أن يكيله؟ قال: ما يعجبني " الحديث كما قدمنا نقله.
ثم قال: وهذه صريحة في الكراهة مرابحة، وكراهة المكيل والموزون قبل
القبض، وعدم البأس في غيرهما.
وكذا ما في رواية ابن الحجاج الكرخي (5) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

(1) التهذيب ج 7 ص 51.
(2) التهذيب ج 7 ص 89.
(3) التهذيب ج 7 ص 89.
(4) ص 160.
(5) التهذيب ج 7 ص 39 الفقيه ج 3 ص 131.
173

أشتري الطعام إلى أجل مسمى، فيطلبه التجار بعد ما اشتريته قبل أن أقبضه؟ قال:
لا بأس أن تبيع إلى أجل كما اشتريت " إلى آخره.
وكذا رواية جميل بن دراج (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " في الرجل
يشتري الطعام ثم يبيعه قبل أن يقبضه؟ قال: لا بأس، ويوكل الرجل المشتري منه
بكيله وقبضه؟ قال: لا بأس ".
ويؤيده أيضا أن أكثر أخبار المنع وردت بلفظ لا يصلح، وهو ظاهر في الكراهة
وليس بصريحة في التحريم، والتي بغير لفظ لا يصلح ليست أيضا بصريحة في التحريم
قبل القبض، مثل رواية معاوية الآتية، لأن فيها النهي عن البيع قبل الكيل، ومع
الاجمال في قوله " إلا أن توليه، الذي قام عليه ".
نعم رواية منصور ظاهرة فيه، ويمكن تأويلها، وبالجملة الأدلة التي أفادت
العلم لا ينبغي الخروج عنها إلا بدليل قوي. انتهى ملخصا.
أقول: لا يخفى ما فيه على المنصف النبيه من التكلف والخروج عن القواعد
المقررة والضوابط المعتبرة، أما ما استدل به أولا من الأصل وعمومات القرآن
والأخبار وأن الناس مسلطون على أموالهم، ففيه أن ما دلت عليه الأخبار المذكورة
خاص، ومقتضى القاعدة تخصيص تلك العمومات به، والأصل يجب الخروج عنه
بالدليل، وهو موجود بالتقريب الذي قدمناه ذيل تلك الأخبار.
وبذلك يظهر لك ما في قوله وعدم الخروج من قانون وقاعدة
وكيف لا يكون فيما ذهب إليه خروج عن قاعدة، ومورد هذه الأخبار أخص مما
استدل به من العمومات، وقاعدة المسألة تقتضي الحكم بالخاص على العام، والمقيد
على المطلق.

(1) التهذيب ج 7 ص 36 الكافي ج ص 179.
174

وأما صحيحة منصور بن حازم وصحيحة محمد بن مسلم فالقول فيهما كذلك
أيضا، فإن المبتاع فيهما مطلق، شامل باطلاقه للمكيل والموزون وغيرهما،
والواجب تخصيصهما بما عدا المكيل والموزون، كما أفصحت به صحيحة منصور
ابن حازم التي هي أول تلك الأخبار، من قوله (عليه السلام) " إذا اشتريت متاعا
فيه كيل أو وزن " إلى آخره، فإنها قد فصلت بين المتاع المكيل والموزون
وغيرهما، وبه يجب الحكم على اطلاق الخبرين المذكورين.
ونحوها صحيحة الأخرى وغيرها، وبه يتأكد ما أوردنا على قوله " وعدم الخروج
عن قانون وقاعدة ".
وأما صحيحة محمد الحلبي وصحيحة محمد بن مسلم الواردتان في بيع الثمار
فهما ليسا من محل البحث في شئ، حيث أن الظاهر من الأخبار من المكيل والموزون
هنا إنما هو ما أمكن كيله ووزنه بالفعل، لا بالقوة، قريبة أو بعيدة، والثمرة إنما هي
من قبيل الثاني، مع أنهما أخص من محل البحث، ومعارضتان بموثقة سماعة
المتقدمة.
وبذلك يظهر ما في قوله " ولا يخفى أن الثمرة مكيل " فإنه إن أراد بالفعل
فهو ليس كذلك، كما هو ظاهر لكل ناظر، وإن أراد بالقوة فهو ليس محل البحث الذي
دلت عليه الأخبار.
وأما رواية أبي بصير وقوله (عليه السلام) فيها " ما يعجبني " فهو أعم من
التحريم والكراهة، وهذا اللفظ يساوق قولهم في مواضع " ما أحب " الذي قد وقع استعماله
في التحريم في مواضع، وسياق الخبر إلى آخره ظاهر في ذلك.
وبذلك يظهر ما في قوله " وهذه صريحة في الكراهة "، وما أدري من أين حصلت
له هذه الصراحة مع الاجمال في اللفظ المذكور، ودلالة السياق على ما ذكرنا من
التحريم، وأن سياق هذه الرواية سياق الروايات الصريحة في التحريم بالنهي
175

عن ذلك، فهذا اللفظ هنا مراد به ما دلت عليه تلك الألفاظ الصريحة في النهي.
وأما رواية ابن الحجاج الكرخي فهي مع ضعفها وقصورها عن معارضة
ما قدمناه من الأخبار مخصوصة بما إذا اشترى الطعام بثمن مؤجل، وأراد بيعه
مرابحة بثمن مؤجل، حيث أنه لا يصح نقدا لأن الأجل له قسط من الثمن، فموردها
أخص من محل البحث، فلا تنهض حجة على تمام المدعى.
وأما رواية جميل فهي ظاهرة فيما ادعا، لكنها لا تبلغ قوة المعارضة لما قدمناه
من الأخبار.
وكيف كان فإنه قد ظهر بما قررناه أنه ليس في الأخبار ما يدل على هذا القول
المشهور بينهم إلا رواية جميل المذكورة على ما هي عليه من الضعف، وإلا فقد عرفت
حال ما عداها، وبذلك يظهر ما في قوله " وبالجملة الأدلة التي أفادت العلم لا ينبغي
الخروج عنها إلا بدليل قوي " فإنه مجرد دعوى خالية من الدليل، بعد ما عرفت من
أحوال أدلته هي من هذا القبيل.
ثم أنه قال (قدس سره): ثم إنه يمكن حمل أخبار المنع مع ما عرفت فيها
من عدم التصريح بالنهي والتحريم، وامكان التأويل للجمع المذكور على عدم
وقوع الكيل والوزن في الشراء الأول، وهي ليست بصريحة في وجودها إلى
آخر كلامه.
أقول: أنظر إلى هذا الكلام المنحل الزمام، والمختل النظام، الذي هو
من أضعف الأوهام، أما أولا فمن حيث إنكاره النهي عن ذلك، وقد عرفت الأخبار
الصحيحة الصريحة في النهي الذي هو حقيقة في التحريم.
وأما ثانيا فمن حيث حمله للأخبار النهي على عدم وقوع الكيل والوزن
في الشراء الأول، مع أن هذا هو موضوع المسألة، ومحل الخلاف الذي اختلف
176

فيه الأقوال والأخبار، لأن موضوع المسألة أنه هل يجوز بيع المكيل والموزون
ثانيا قبل قبضه من البايع الأول أم لا؟ والقبض في المكيل والموزون هو كيله ووزنه
لأجل القبض، كما عرفت. والروايات بعضها بلفظ عدم القبض، وبعضها بلفظ
الكيل والوزن، والمرجع إلى أمر واحد.
ورواية جميل التي اعتمدها دليلا على الجواز، صريحة في جواز بيعه قبل
قبضه، وأن يوكل المشتري الثاني في القبض عنه، ليقبض وكالة عنه، ويقبض لنفسه، فهو
وكيل في القبض والاقباض، وهو صريح في جواز البيع قبل الكيل والوزن.
وبالجملة فإن كلام هذا المحقق هنا لا يخلو عن غفلة واستعجال، وعدم تأمل
فيما سطره من المقال، لظهور ما فيه من الاختلال، هذا والعجب أن من قواعد
أصحاب هذا الاصطلاح الدوران مدار الأخبار الصحيحة الأسانيد، والعمل بها، وطرح
ما عارضها، وأنهم لا يجمعون بين الأخبار إلا بعد التساوي في الصحة، وإلا فنراهم
يطرحون الضعيف من البين، ولم أقف على من وقف على هذه القاعدة هنا إلا قليل منهم.
قال في المسالك بعد أن نقل الاستدلال على الجواز بخبري جميل وابن
الحجاج الكرخي، وعلى العدم بصحاح الحلبي ومنصور بن حازم ومعاوية بن
وهب، ونقل عنهم الجمع بين الأخبار، بحمل أخبار المنع على الكراهة ما لفظه:
وهذا الجمع أنما يتم لو كانت الأخبار متكافئة في وجوب العمل بها، لكن الأمر هنا
ليس كذلك، لأن أخبار المنع صحيحة متظافرة، وخبر التسويغ في طريق أولهما
علي بن حديد وهو ضعيف، والآخر مجهول، فالقول بالمنع أوضح، وهو خيرة العلامة
في التذكرة والارشاد، والشيخ في المبسوط، بل ادعى عليه الاجماع جماعة
من الأصحاب انتهى.
وهو جيد هذا مع ما عرفت في غير موضع مما تقدم ما في الجمع بين الأخبار
بالكراهة والاستحباب كما هو القاعدة المطردة عندهم في جميع الأبواب من عدم
الدليل على ذلك، من سنة ولا كتاب، بل عدم الاستقامة في حد ذاته، كما لا يخفى
177

على المنصف من أولي الألباب، لأن الاستحباب والكراهة حكمان شرعيان يتوقفان
على الدليل الواضح، ومجرد اختلاف الأخبار ليس بدليل على ذلك. وأيضا
فإن الأصل في الأمر الوجوب، وفي النهي التحريم، كما حققه المحققون في الأصول،
وعليه دلت الآيات والروايات كما سلف تحقيقه في المقدمات (1) من أول كتاب
الطهارة وحملهما على غير ذلك مجاز يتوقف على القرينة واختلاف الأخبار ليس
من قرائن المجاز.
وأنت إذا تدبرت في أخبار المسألة نفيا واثباتا ظهر لك أن الحكم بالتحريم كان
شايعا في الصدر الأول بين أصحاب الأئمة (عليهم السلام) كما يشير إليه رواية علي بن أبي حمزة، وصحيحة الحلبي المشتملة على شراء البر، وصحيحة منصور الثانية، فإنها
تشعر بتوهم سريان التحريم إلى غير المكيل والموزون، فحصل السؤال عنه وهو يشعر
بشهرة الحكم بالتحريم في الموزون والمكيل حتى توهم الحاق غيرهما بهما، كما
لا يخفى (2).
وبالجملة فالظاهر عندي هو القول بالتحريم إلا في صورة التولية، كما
نصت عليه الأخبار المتقدمة، وارتكاب التأويل في خبري ابن الحجاج، وجميل
المذكورين أن أمكن، وإلا فالرد إلى قائلهما.
فوائد الأولى لو باع على تقدير القول بالتحريم مطلقا أو في غير التولية، هل
يقع البيع باطلا، أو يصح وإن أثم وصرح بالأول ابن أبي عقيل في عبارته المتقدمة
في صدر المسألة، وبالثاني قطع العلامة في المختلف. فقال: ولو قلنا بالتحريم لم
يلزم بطلان البيع، ولم يتعرض إلى دليل في المقام، وكأنه مبني على ما اشتهر
عندهم من أن النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد، إنما ذلك في العبادات، والحق

(1) ص ج 1 ص 112.
(2) أقول ملخص الأقوال هنا ثلاثة، الجواز مطلقا، والمنع مطلقا، والتفصيل
بين التولية وغيرها فيجوز فيها ويحرم في غيرها. منه رحمه الله.
178

في ذلك هو التفصيل الذي قدمنا ذكره في كتاب الصلاة (1) وتقدمت الإشارة إليه
أيضا قريبا من أنه إن كان النهي في المعاملات من حيث عدم صلاحية المعقود عليه
للدخول تحت العقد، فالأظهر بطلان العقد، وإن كان بسبب أمر خارج فالأظهر
الصحة، والظاهر أن ما هنا من قبيل الأول، وهو اختياره في المسالك أيضا قال:
ويؤيده أن النهي هنا راجع إلى نفس البيع، فيبطل كبيع المجهول ونحوه، ولتعلق
النهي فيه بمصلحة لا تتم إلا بابطاله.
الثانية أكثر الأصحاب جعلوا محل الخلاف هو الطعام، والظاهر من الأخبار
المقدمة بالنظر إلى حمل مطلقها على مقيدها وعامها على خاصها هو المكيل والموزون
مطلقا، وسياق جملة من الأخبار المتقدمة ظاهر في ذلك أوضح الظهور، وذكر
الطعام في بعض إنما خرج مخرج التمثيل، لأنه أشهر أفراد المكيل والموزن
وأكثرها دورانا في المعاملات.
ثم إنه على تقدير الاختصاص بالطعام فهل المراد به كلما أعد للأكل كما
هو موضوعه لغة أو يختص بالحنطة والشعير لأنه معناه شرعا؟ كما نبهوا عليه في
موارد، منها حل طعام أهل الكتاب قولان: وبالثاني صرح فخر المحققين في
بعض فوائده على ما نقلوه عنه، وفي دعوى اختصاص طعام أهل الكتاب بالحنطة
والشعير نظر، إذ الظاهر من الأخبار الشمول لجيمع الأفراد الموزونة من الحبوب
مثل العدس والذرة ونحو ذلك.
الثالثة: لو ملك ما يريد بيعه بغير بيع جاز وإن لم يقبضه، كالميراث والصداق
للمرأة والخلع ونحوها.
قال في المسالك: المنع على القول به مشروط بأمرين انتقاله بالبيع، ونقله
به، فلو انتقل بغيره أو نقله بغيره لم يحرم، أما الأول فلا نعلم فيه خلافا، وأما

(1) ج 7 ص 105.
179

الثاني فهو المشهور، غير أن الشيخ ألحق به الإجارة، محتجا بأنه ضرب من
البيوع، وهو ممنوع، وكذلك منع من الكتابة، بناء على أنها بيع العبد من
نفسه، وهو مع تسليمه لا يستلزم المنع، لأن العبد ليس مما يكال أو يوزن، وغاية
المنع عندنا أن يكون المبيع مقدرا بهما. انتهى.
ثم إنه على تقدير الجواز في الميراث ونحوه مما تقدم، قد استثنى بعضهم
من ذلك صورا منها ما إذا اشترى الميت قبل الموت مكيلا أو موزونا ولم يقبضه، فإنه
لا يجوز للوارث بيعه قبل قبضه، ورد بأن انتقاله إلى الوارث بالإرث واسطة بين البيعين.
ومنها في الصداق إذا اشترى المصدق الصداق مثلا ولم يقبضه، وأصدقه
المرأة قبل القبض، وأرادت المرأة بيعه والحال كذلك، وأجيب عنه بما أجيب
عن سابقه، فإن اصداقه للمرأة واسطة بين البيعين، وهكذا القول في عوض الخلع
إذا اشترته المرأة ولم تقبضه، ثم جعلته عوضا للخلع، وأراد الزوج بيعه والحال
كذلك، فإن جعله عوضا للخلع واسطة بين البيعين أيضا، فالاستثناء غير واضح
لثبوت الواسطة في الجميع.
الحادي عشر المشهور أنه لو كان له على غيره طعام من سلم، وعليه مثل
ذلك، فأمر غريمه أن يكتال لنفسه من الآخر، فإن قلنا بتحريم بيع ما لم يقبض
حرم هنا أيضا، وإن قلنا: بالكراهة أكره هنا أيضا، ذكر ذلك الشيخ في الخلاف
والمبسوط، وتبعه الجماعة لأن المحتال قبض المحال عوضا عن ماله قبل أن
يقبضه صاحبه، فيكون من قبيل بيع ما لم يقبض، وقيل: بأن هذا ليس
من تلك المسألة في شئ، لما عرفت من أن المنع من بيع ما لم يقبض تحريما
أو كراهة مشروط بشرطين، انتقاله بالبيع، ونقله به، وما ذكر في هذا الفرض
وإن كان تبعا من حيث أن السلم فرد من أفراده، إلا أن الواقع من السلم إما
حوالة لغريمه من القبض، أو وكالة له فيه، وكل منهما ليس ببيع، ودعوى أن
الحوالة ملحقة بالبيع في حيز المنع.
180

أقول: ويؤيد هذا القول ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في
الصحيح في بعض والموثق في أخرى عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله (1) " قال:
سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل عليه كر من طعام فاشترى كرا من رجل
آخر، فقال: للرجل انطلق فاستوف كرك فقال: لا بأس به " وهو ظاهر في المراد
عار عن وصمة الإيراد.
وبه يظهر قوة القول المذكور. مضافا إلى ما تقدم من أن الواقع هنا إنما
هو حوالة لا بيع.
وأجاب الشهيد في بعض تحقيقاته عن ذلك بأمر مورد السلم لما كان
ماهية كلية ثابتة في الذمة منطبقة على أفراد لا نهاية لها، فأي فرد عينه المسلم إليه،
تشخص بذلك الفرد، وانصب العقد عليه، فكأنه لما قال للغريم: اكتل من غريمي
فلان قد جعل عقد السلم معه واردا على ما في ذمة غريمه المستسلف منه، ولما
يقبضه بعد، ولا ريب أنه مملوك له بالبيع، فإذا جعل مورد السلم الذي هو بيع
يكون بيعا للطعام قبل قبضه، فيتحقق الشرطان، ويلتحق بالباب، قال: وهذا من
لطايف الفقه.
قال في المسالك بعد نقل ذلك: وهذا التحقيق غاية ما يقال هنا في توجيه
كلام الشيخ ومن تبعه، إلا أنه مع ذلك لا يخلو من نظر لأن مورد السلم ونظايره
من الحقوق الثابتة في الذمة لما كان أمرا كليا، كان المبيع المتحقق به هو الأمر
الكلي، وما يتعين لذلك من الأعيان الشخصية بالحوالة وغيرها ليس هو نفس المبيع،
وإن كان الأمر الكلي إنما يتحقق في ضمن الأفراد الخاصة فإنها ليست عينه، ومن
ثم لو ظهر المدفوع مستحقا أو معيبا رجع الحق إلى الذمة، والمبيع المعين ليس كذلك،
ونظير ذلك ما حققه الأصوليون من أن الأمر بالكلي ليس أمرا بشئ من جزئياته الخاصة
وإن كان لا يتحقق إلا بها.

(1) الكافي ج 5 ص 179 التهذيب ج 7 ص 37 الفقيه ج 3 ص 129.
181

وحينئذ فانصباب العقد على ما قبض، وكونه حينئذ بيعا غير واضح،
فالقول بالتحريم عند القائل به في غيره غير متوجه، نعم لا بأس حينئذ بالكراهة خروجا
من خلاف الشيخ والجماعة وتحرزا عما هو مظنة التحريم انتهى وهو جيد.
الثاني عشر لو كان له على غيره طعام من سلم، فدفع إليه مالا وقال اشتر به
به طعاما، فإن قال: اقبضه لي ثم اقبضه لنفسك، بمعنى أنه وكله في القبض والاقباض
قالوا: صح الشراء خاصة، دون القبض والاقباض، لأنه لا يجوز أن يتولى طرفي
العقد، ذكره الشيخ وتبعه جملة ممن تأخر عنه وتردد في الشرايع.
قال الشيخ: لأنه لا يجوز أن يكون وكيلا لغيره في قبض حق نفسه من نفسه،
وجملة من المتأخرين قد صرحوا بالجواز، لأن الأصل ذلك، ولأنه وكله في
الاقباض، والمغايرة الاعتبارية في القابض والمقبوض منه كافية، ومثله تولي طرفي
العقد.
أقول: وقد تقدم الكلام في مسألة تولي الواحد طرفي العقد في الموضع
الخامس من المسألة الخامسة من المقام الأول من الفصل الأول في البيع (1) قالوا:
ولو قال: اشتر لك لم يصح الشراء، ولا يتعين له بالقبض، وعلل بأن مال الغير يمتنع
شراء شئ به لنفسه ما دام على ملك الغير، وهذا هو الفارق بين هذه وسابقها، حيث
حكم بصحة الشراء ثمة، ونقل عن الشيخ في الخلاف جواز ذلك هنا، وجعله
قبضا للطعام بجنس الدراهم أو قبضا للدراهم، ورد بعدم وجود دليل يدل على
ما ادعاه. نعم لو علم من الدافع إرادة أحد الأمرين وقبل القابض صح ذلك.
أقول: والذي وقفت عليه في هذا المقام روايات، منها ما رواه المشايخ
الثلاثة في الصحيح عن الحلبي (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: سألته عن رجل

(1) ج 18 ص 416.
(2) الكافي ج 5 ص 185 التهذيب ج 7 ص 29 الفقيه ج 3 ص 164.
182

أسلفته دراهم في طعام فلما حل طعامي عليه بعث إلى بدراهم فقال: اشتر لنفسك طعاما
واستوف حقك؟ قال: أرى أن يولي ذلك غيرك، وتقوم معه حتى تقبض الذي
لك، ولا تتولى أنت شراءه " وما رواه في الكافي والتهذيب في الموثق عن عبد الرحمان
بن أبي عبد الله (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أسلف دراهم
في طعام فحل الذي له فأرسل إليه بدراهم فقال: اشتر طعاما واستوف حقك هل
ترى به بأسا؟ قال: يكون معه غيره يوفيه ذلك ".
وما رواه في التهذيب في الصحيح عن يعقوب بن شعيب (2) قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون له على الآخر أحمال رطب أو تمر، فيبعث
إليه بدنانير فيقول: اشتر بهذه واستوف منه الذي لك؟ قال: لا بأس إذا ائتمنه ".
أقول: الظاهر من هذه الأخبار بعد ضم بعضها إلى بعض هو أن النهي عن
الشراء في الخبرين الأولين إنما هو لخوف التهمة، كما أفصح به الخبر الثالث،
وحينئذ فيجوز له الشراء متى أمن التهمة، وعلى ذلك تكون الأخبار ظاهرة في
جواز الشراء والقبض والاقباض، وبه يظهر عدم الالتفات إلى ما ذكره من
التوجيهات الركيكة، الأمر في ذلك في الأخبار سيما في باب البيوع والطهارات
والنجاسات ونحوها أوسع من ذلك، كما لا يخفى على من مارسها، وتأملها،.
ومن الظاهر أن قوله: اشتر لنفسك طعاما كما في الخبر الأول، مثل قولهم
" اشتر لك " الذي حكموا فيه بعدم صحة الشراء، " واستوف حقك " في جميع
هذه الأخبار كناية عن الاقباض، فهو وكيل من جهة صاحب الدراهم في الاشتراء،
والقبض والاقباض، وقوله " اشتر لك، أو اشتر لنفسك " إنما هو عبارة عن توكيله
في الشراء بتلك الدراهم، فلا معنى لقولهم إنه يمتنع شراء شئ به لنفسه ما دام

(1) الكافي ج 5 ص 186 التهذيب ج 7 ص 30.
(2) التهذيب ج 7 ص 42 في ذيل حديث مع اختلاف يسير.
183

على ملك الغير، وبالجملة فإن الأمر في هذا الباب أوسع مما ذكره.
والمحدث الكاشاني في الوافي قد حمل النهي في الخبرين الأولين على غير
البصير بالمسألة الفقهية في هذا المجال، فإن دفع الدراهم في هذه الصورة أعني وقت
حلول مال السلم وعدم وجوده عند المسلم إليه قد يكون لفسخ البيع، لعدم وجوده،
فلا يستحق أزيد من رأس ماله، وقد يكون لتوكيل صاحب الطلب في شرائه
وقبضه واقباضه، فيصح مع الزيادة، وما ذكره (قدس سره) جيد في غير هذين
الخبرين من أخبار الباب الذي عقده لذلك.
والوجه في المنع في هذه الأخبار التي ذكرناها إنما هو ما قدمناه من خوف
التهمة، كما صرح به في الخبر الثالث، ويؤيده أن هذين الخبرين لم يتعرض فيهما
لجواز الزيادة وعدمها، وقد حققنا ذلك في حواشينا على الكتاب المذكور
والله العالم.
الثالث عشر قالوا إذا قبض المشتري المبيع ثم ادعى نقصانه، فإن لم يكن
حضر كيله ولا وزنه، فالقول قوله، وإن كان حضر فالقول قول البايع، قيل:
وإنما كان القول قول البايع في الثانية مع أن الأصل عدم وصول حق المشتري
إليه في الصورتين، عملا بالظاهر، من أن صاحب الحق إذا حضر لاستيفاء حقه
يحتاط لنفسه، ويعتبره مقدار حقه، فيكون هذا الظاهر مرجحا لقول البايع
ومقويا لجانبه، ومعارضا للأصل، فيقدم قوله يمينه، وهذه مما رجح فيها الظاهر على
الأصل وهو قليل. انتهى.
أقول: الظاهر من العبارة الأولى التي قدمنا نقلها عنهم أن حضور الكيل
والوزن في هذا المقام أعم من أن يكون الكيل والوزن لذلك المشتري، أو للبايع
فإنه قد تقدم في جملة من الأخبار وبه صرحوا أيضا أنه يجوز الشراء بالكيل والوزن
الذي أخذ به البايع إذا حضر المشتري الثاني ذلك، والتعليل الذي ذكره هذا
184

القائل إنما يتم على تقدير الصورة الأولى، دون الثانية، فإن المشتري الثاني حال
الكيل والوزن للبايع هو المشتري الأول لا يصدق عليه أنه حضر لاستيفاء حقه،
وأنه يحتاط لنفسه، بل الحق في تلك الحال إنما هو حضر لغيره وإن كان هو من
جملة الحاضرين، وأنه بعد ذلك الكيل والوزن قد أخذه به واعتمد عليه.
وبالجملة فإن التعليل المذكور لا يتم في إحدى الصورتين المذكورتين،
وتخصيص العبارة الأولى بهذه الصورة يحتاج إلى ما يدل عليه، وظاهرها إنما هو
العموم كما قدمناه، وبه لا يتم الدليل المذكور كليا، ثم إنه على تقدير التخصيص
بهذه الصورة فإن التعليل المذكور لا يخلو أيضا من شئ، فإنه بمقتضى ما ذكره
أنه قد تعارض الأصل والظاهر، أن الأصل مرجح لجانب المشتري، والظاهر مرجح
لجانب البايع، ومقتضى تعارضهما تساقطهما، والتوقف في ذلك إلا مع وجود
المرجح لأحدهما، وهو لم يذكر هنا مرجحا للظاهر يوجب تقديمه على الأصل، اللهم
إلا أن يراد أن الظاهر رافع لحكم الأصل، كالخبر الدال على خلاف مقتضى الأصل،
فإنه يجب الخروج به عن مقتضى الأصل، والمراد بالتعارض هنا إنما هو ذلك،
والظاهر أنه هو المراد في أمثال هذا المقام.
وفيه مع ذلك جواز الغفلة والسهو من ذلك المشتري، أو الاعتماد على كيل
البايع ووزنه، فلا يمكن الخروج به عن الأصل المذكور، وبالجملة المسألة
لخلوها من النص لا يخلو من التوقف والاشكال والله العالم.
الرابع عشر لو كان في ذمته طعام، وأراده منه أو قيمته في بلد أخرى غير
البلد التي استقر الطعام فيها بذمته فهو لا يخلو عن ثلاثة شقوق، الأول أن يكون
الطعام سلفا قالوا: إذا أسلفه في طعام بالعراق مثلا، ثم طالبه بالشام لم يجب عليه
دفعه، لأن مال السلم يتعين دفعه عند الاطلاق في بلده، وفي موضع التعيين إن عين
الموضع، فدفعه في غير بلد يتعين دفعه فيه غير واجب، سواء كانت قيمته وقت
المطالبة مخالفة لقيمته في بلد التسليم أم مساوية، قالوا: وهذا لا شبهة فيه.
أقول لم أقف على دليل يدل على ما ادعوه هنا من أنه مع الاطلاق يتعين
185

التسليم في بلده، فإن وجد الدليل تم ما رتبوه على ذلك، وإلا فلا، فليتأمل.
قالوا ولو طالبه في ذلك البلد الآخر بالقيمة ورضي المسلم إليه بالدفع، قيل
لم يجز، لأنه بيع الطعام على من هو عليه قبل قبضه، بناء على القول بالتحريم في
تلك المسألة، أو يكره بناء على القول بالكراهة ثمة.
وقيل: والظاهر أنه المشهور بين المتأخرين بالجواز من غير تحريم ولا
كراهة لأن ذلك ليس بيعا، وإنما هو استيفاء للحق، غايته أنه بغير جنسه، مثل هذا
لا يسمى بيعا، فلا يحرم.
وربما قيل: بكراهته، خروجا من خلاف الشيخ القائل بالتحريم وتخلصا
من عرضة التحريم. هذا كله إذا رضي المسلم إليه بالدفع.
أما لو لم يرض فهل يجبر على ذلك؟ بناء على الجواز في الأول، المشهور
العدم، لأن الواجب في ذمته هو الطعام لا القيمة وما في ذمته لا يجب دفعه في البلد
المذكور، فأولى أن لا يجب عليه دفع ما لم تجر عليه المعاوضة، ولم يقتضيه
عقد السلم.
وذهب بعض الأصحاب ومنهم العلامة في التذكرة إلى وجوب دفع القيمة
حينئذ، مستندا إلى أن الطعام الذي يلزمه دفعه معدوم، فكان كما لو عدم الطعام في
بلد يلزمه التسليم فيه ورد بأن فيه منعا ظاهرا، إذ ليس ثمة طعام يلزم دفعه حتى ينتقل
إلى القيمة.
أقول: ومما يدل على ما هو المشهور من جواز أخذه الثمن متى وقع الرضا
من الطرفين بذلك ما رواه في الكافي والتهذيب عن أبان (1) عن بعض أصحابنا
عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يسلف الدراهم في الطعام إلى أجل، فيحل

(1) الكافي ج 5 ص 185 التهذيب ج 7 ص 30.
186

الطعام، فيقول: ليس عندي طعام، ولكن انظر ما قيمته فخذ مني ثمنه قال: لا بأس
بذلك ".
وعن ابن فضال (1) قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام): الرجل
يسلفني في الطعام، فيجئ الوقت وليس عندي طعام أعطيه بقيمته دراهم؟ قال: نعم "
وما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن العيص بن القاسم (2) عن أبي
عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن رجل أسلف رجلا دراهم بحنطة، حتى إذا
حضر الأجل لم يكن عنده طعام، ووجد عنده دوابا ورقيقا ومتاعا، أيحل أن يأخذ
من عروضه تلك بطعامه؟ " قال: نعم، يسمى كذا وكذا بكذا وكذا صاعا ".
وبذلك يظهر لك ضعف ما ذهب إليه الشيخ وأتباعه من عدم جواز أخذ القيمة
للعلة التي ذكرها، والظاهر أن الوجه في الجواز هو ما ذكروه، من أن ذلك استيفاء
لحقه، لا بيع ليلزم ما ذكر، ولا ينافي ذلك قوله في الرواية الثالثة " يسمى كذا
وكذا بكذا وكذا صاعا " فإن المراد منه أنه حيث كانت القيمة عروضا لا دراهم
فلا بد من تشخيصها في مقابلة الطلب الذي له، ليحصل بذلك استيفاء حقه.
وأما ما ذكروه من عدم جبره لو طلب صاحب السلم القيمة، لأن الواجب
في ذمته هو الطعام لا القيمة فهو جيد إن تم ما ذكروه من عدم وجوب التسليم
مع الاطلاق إلا في بلد السلم، إلا أنك قد عرفت أنا لم نقف له على دليل.
وما يؤيد مذهب العلامة في التذكرة هنا لزوم الضرر بصاحب الحق، فإن
توقف ايصال حقه على الوصول إلى بلد السلم مع أنه ربما لا يتيسر له الرجوع إليها
أو يتعذر عليه ذلك موجب لما ذكرناه، فإذا لم يجب على من عليه السلام دفع مال
السلم لتوقفه على الوصول إلى تلك البلد التي وقع السلم فيها، ولم يجب عليه
دفع قيمته، والحال أن رجوع صاحب الطلب إلى تلك البلد غير ممكن فاللازم

(1) الكافي ج 5 ص 187 التهذيب ج 7 ص 30.
(2) الكافي ج 5 ص 186 التهذيب ج 7 ص 31 الفقيه ص 165.
187

فوات حقه، وهو عين الضرر.
اللهم إلا أن يقال بالجوار في هذه الصورة من حيث دفع الضرر، وأن هذه
خارجة عن محل البحث، والخلاف إنما هو فيما إذا لم يكن كذلك، فيتم ما ذكروه
على ما عرفت فيه.
الثاني لو كان الطعام قرضا قالوا: جاز أخذ العوض إذا تراضيا على ذلك
لانتفاء المانع المذكور في الصورة الأولى، وهو بيع الطعام المنتقل بالبيع قبل
قبضه، وإنما الاشكال في وجوب دفع العوض في غير بلد القرض، لأن اطلاق القرض
منزل على قبضه في بلده، فليس للمقرض المطالبة في غيره، كما أنه لو بذل له
المقترض لم يجب عليه قبضه أيضا، لما في نقله إلى ما عينه الشارع موضعا للقبض
من المؤنة، وإذا لم يجب دفع عين الحق فكذا قيمته، لعدم وقوع المعاوضة عليها
واختار العلامة في المختلف وجوب دفع المثل وقت المطالبة، فإن تعذر فالقيمة
ببلد القرض.
أقول: لم أقف بعد التتبع والفحص على دليل لما ذكروه هنا أيضا، من أن
اطلاق القرض منزل على قبضه في بلده، وأنه لأجل ذلك ليس للمقرض المطالبة
في غيره، ولا يجب عليه القبض أيضا لو بذله المقترض له في غيره، بل ربما دل
ظاهر بعض الأخبار على خلاف ذلك.
مثل ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: سألته عن رجل لي عليه مال، فغاب عني زمانا، فرأيته يطوف حول الكعبة
فأتقاضاه قال: (عليه السلام): لا تسلم عليه ولا تروعه حتى يخرج من الحرم " فإن
ترك الاستفصال يفيد عموم المقال كما ذكروه في غير مقام.

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب الدين الرقم 1.
188

ويشير إلى ما ذكرناه من المناقشة في الموضعين المذكورين كلام المحقق
الأردبيلي قال بعد ذكر نحو ما ذكروه من الأحكام المترتبة على دينك الحكمين:
ما لفظه كل ذلك ظاهر مما تقدم إذا قيل بتعيين موضع السف والقرض للطلب فيه
وهو محل التأمل.
ثم قال: ويمكن الرجوع إلى القرائن، ومع عدمها إلى العرف الغالب
بين الناس كما سلف في تعيين زمان السلف ومكانه انتهى.
وبالجملة فالظاهر بناء على ما ذكرناه هنا هو قريب ما ذكره في المختلف، إلا
أن الظاهر أن تخصيصه القيمة ببلد القرض مبني على ما نقلناه عنهم وقد عرفت ما فيه.
الثالث أن يكون غصبا فقيل: إنه لا يجب دفع المثل، ويجوز دفع القيمة
بسعر البلد التي استقر الطعام في الذمة فيها، ونسب القول المذكور للشيخ مساويا
بينه وبين القرض في الحكم.
وقيل: وهو الأشهر بجواز مطالبة الغاصب بالمثل حيث كان، وبالقيمة الحاضرة عند الاعواز، وعلل بأنه حق تثبت عليه بعدوانه، فيعم كل مكان، وهو
مؤاخذ بأسوء الأحوال.
ووجه وجوب القيمة عند الاعواز أنه وقت الانتقال إلى القيمة في المثلي
واستقرب في المختلف قول الشيخ في القيمة، وهي قيمة بلد القرض، لأنه غصبه
هناك، فإذا تعذر المثل وجب عليه قيمته فيه.
ونقل ما عليه الأكثر عن والده واحتمل بعضهم أعلى القيم من حين الغصب
إلى حين الدفع، والظاهر هو القول المشهور في كل من الأمرين المذكورين
والله العالم.
الخامس عشر قالوا: لو اشترى عينا بعين، وقبض إحدى العينين وبقيت
الأخرى عند بايعها، ثم باع القابض ما قبضه، ثم تلفت العين الأخرى عند بايعها بطل
189

البيع الأول، ولا سبيل إلى إعادة ما بيع ثانيا، لأن تلك العين كانت ملكا خالصا
للبايع، وإنما طرء البطلان على العقد بعد انتقال العين، فلا يؤثر فيما سبق من
التصرفات، وعلى هذا فيلزم على البايع الثاني دفع المثل إن كانت العين مثلية،
والقيمة إن كانت قيمية، كما لو تلفت العين.
بقي الكلام في القيمة هل هي قيمته يوم البيع، أو يوم تلف العين الأخرى
يحتمل الأول لأنه وقت تعذر المثل، والثاني لأن القيمة لم تكن لازمة للبايع،
وإنما لزمت بتلف العين الأخرى الموجب لبطلان البيع، واستجوده في المسالك.
قيل: ويستفاد من ذلك أن تلف المبيع قبل قبضه إنما يبطل المبيع من حينه،
لا من أصله، وإلا لاسترد العين، وتظهر الفايدة في ذلك وفي النماء.
أقول لم أقف في هذه المسألة على نص بالخصوص، وبذلك يظهر ما في
الفائدة المذكورة، فإنه لو كان الحكم المذكور منصوصا لصحت هذه الفايدة
وأما إذا كان ذلك! إنما هو بمجرد فتواهم وكلامهم فإنه لا ثمرة لهذه الاستفادة
والله العالم.
المطلب الرابع في اختلاف المتبايعين
وفيه مسائل: الأولى إذا عين المتبايعان نقدا مخصوصا تعين، وإن أطلقا فإن
كان نقد البلد متحدا انصرف الاطلاق إليه، وإن كان متعددا انصرف إلى ما هو
الغالب، لما عرفت في غير موضع مما تقدم من أن الاطلاق إنما ينصرف إلى الأفراد
الغالبة المتكررة، لو كثرت النقود فيها ولا غلبة في شئ منها بطل، لأن تعدد النقود
في البلد بمنزلة اللفظ المشترك، ولا يحمل على أحد معانيه إلا مع القرينة، ومع الغلبة
فالقرينة ظاهرة، ومع التساوي فاللازم بطلان البيع، لمجهولية الثمن أو المبيع.
190

بقي الاشكال في أن الغلبة قد تكون في الاستعمال، وقد تكون في الاطلاق،
بمعنى أن الاسم يغلب على أحدها، وإن كان غيره أكثر استعمالا كما يتفق ذلك
في بعض النقود، فإن اتفقت الغلبة فيهما، فلا اشكال في الحمل على الأغلب وإن
اختلف بأن كان أحدهما أغلب استعمالا والآخر أغلب وصفا، ففي ترجيح أحدهما
أو كونهما بمنزلة المتساوي نظرا إلى تعارض المرجحين اشكال، وهكذا الكلام في
الكيل والوزن.
الثانية إذا اختلفا في قدر الثمن فادعى البايع أكثر، وادعى المشتري أقل
فالمشهور بين الأصحاب بل ادعى عليه الشيخ الاجماع أن القول قول البايع
بيمينه إن كانت السلعة قائمة، وقول المشتري مع يمينه إن كانت تالفة.
ويدل على ذلك ما رواه المشايخ الثلاثة مسندا في روايتي الكليني والشيخ
عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (1) عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) ومرسلا
في الفقيه (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " في الرجل يبيع الشئ فيقول المشتري: هو بكذا وكذا بأقل مما قاله البايع، قال: القول قول البايع مع يمينه إذا كان
الشئ قائما بعينه " (3) والتقريب فيها أنها تدل بمنطوقها على تقديم قول البايع
مع قيام عين المبيع، وبمفهومها على تقديم قول المشتري مع تلف العين، ولا يضر
إرسال الخبر المذكور، لرواية المشايخ الثلاثة له، ولما ذكروه من استثناء مراسيل
أحمد بن محمد بن أبي نصر، لأنه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه،
ولعمل جل الأصحاب بها لا سيما المحدثين الثلاثة، وغيرهم من المتقدمين وجل
المتأخرين قال في الوافي بعد ذكر الخبر المذكور: والوجه فيه أن مع بقاء

(1) الكافي ج 5 ص 174 التهذيب ج 7 ص 26.
(2) الفقيه ج 3 ص 171.
(3) يعني قيام السلعة وتلفها منه رحمه الله.
191

العين يرجع الدعوى إلى رضا البايع، وهو منكر لرضاه بالأقل، ومع تلفه يرجع
إلى شغل ذمة المشتري بالثمن، وهو منكر للزيادة (1).
أقول هذا الوجه الذي ذكره هنا قد احتج به بعض القائلين بالقول المشهور
وقد تنظر فيه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك قال: لاتفاقهما على انتقال العين إلى
المشتري وملكه لها، وإنما الخلاف بينهما فيما يستحق في ذمة المشتري، فلا وجه
لتقديم قول البايع، بل المشتري هو المنكر في الموضعين، ثم قال: فالمعتبر حينئذ
هو النص. انتهى وهو جيد متين.
وما ذكره (قدس سره) هنا قد احتمله العلامة في القواعد قولا في المسألة،
ونقله في التذكرة قولا عن بعض العامة، وقوله وظاهر المحقق الأردبيلي تقوية القول
المذكور، قال: وهو الظاهر الموافق للقوانين، وكذا يظهر من المسالك أنه أقوى
الأقوال، وهو كذلك، فإنه الأوفق بالقواعد الشرعية، إلا أنه لا معدل عن النص
المذكور، لما قدمنا ذكره، ويمكن تأييد الخبر المذكور بما رواه في الكافي:
والتهذيب. عن الحسين بن عمر بن يزيد عن أبيه (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا التاجران صدقا بورك لهما وإذا كذبا وخانا
لم يبارك لهما وهما بالخيار ما لم يفترقا فإن اختلفا فالقول قول رب السلعة أو يتتاركا "

(1) أقول مرجع هذا الوجه الذي ذكره إلى أن المبيع متى كان باقيا
فالأصل عدم انتقاله من ملك البايع إلا برضاه، وهو لا يرضى إلا بما يدعيه،
وفيه ما عرفت في الأصل من الاتفاق على انتقال المبيع إلى المشتري،
ورجوع الاختلاف إلى الثمن لزيادة ونقيصة، والأصل عدم الزيادة بعد
الاعتراف بالبيع، فدعوى المشتري مطابق لهذا الأصل، فالقول قوله
حينئذ بيمينه، هذا هو مقتضى الأصول والقواعد الأصول والقواعد كما ذكرناه في الأصل.
منه رحمه الله
(1) الكافي ج 5 ص 174 التهذيب ج 7 ص 26.
192

والتقريب فيه أن الظاهر أن الاختلاف بينهما مع وجود السلعة كما يشير إليه قوله
أو يتتاركا، وقد جعل القول فيه قول البايع، ومحل الاختلاف وإن كان مطلقا إلا
أن ما نحن فيه داخل تحت الاطلاق، وسيجئ انشاء الله تعالى أن القول قول
البايع في ساير الاختلافات الآتية.
وفي المسألة أقوال أخر أيضا، منها أن القول قول من هي في يده، إلا
أن يحدث المشتري فيها حدثا، فيكون القول قوله مطلقا، وهو مذهب ابن الجنيد
ونفى عنه البأس في التذكرة، ووجه هذا القول بالنسبة إلى الأقل أن من كان
المبيع في يده يحكم له بالملك، ويصير غير ذي اليد مدعيا، وبتقريب آخر إن من
ليس في يده يدعي انتزاعه بما يقربه من الثمن، وذو اليد ينكر ذلك، فيكون القول
قوله، ترجيحا لليد، فإن الخارج هو المدعى.
وأما بالنسبة إلى حدث المشتري فإنه دليل اليد، فيكون القول قوله مطلقا،
وفيه ما عرفت آنفا من أن مرجع الاختلاف والنزاع إنما هو في الثمن، لا في
أصل المبيع، للاتفاق على انتقاله بالبيع.
ومنها أنهما يتحالفان مطلقا، لأن كلا منهما مدع ومنكر، وذلك لأن العقد
الذي تضمن الأقل وتشخص به ينكره البايع، والعقد الذي تضمن الثمن الأكثر
وتشخص به ينكره المشتري، فيكون هذا النزاع في قوة ادعاء كل منهما عقدا ينكره
الآخر، فيتحالفان ويبطل البيع، وهذا القول احتمله العلامة في كثير من كتبه،
وصححه ولده في الإيضاح، ونسبه في الدروس إلى الندور مع أنه اختاره في
قواعده، وأورد عليه بمنع المغايرة الموجبة لما ذكر لاتفاقهما على عقد واحد،
وعلى انتقال المبيع إلى المشتري به، وثبوت الثمن الأقل في ذمة المشتري، وإنما
يختلفان في الزايد فأحدهما يدعيه، والآخر ينكره، فلا وجه للتحالف.
ومنها أن القول قول المشتري مع قيام السلعة أو تلفها في يده أو في
193

يد البايع بعد الاقباض، والثمن معين، والأقل لا يغاير اجزاء الأكثر، ولو كان مغايرا
تحالفا، وفسخ العقد، واحتج على الأول بأن المشتري منكر، وعلى الثاني بأن
التحالف في عين الثمن، وكل منهما ينكر ما يدعيه الآخر، فيتحالفان، ذهب إلى
هذا القول العلامة في المختلف وهو يرجع إلى تقديم قول المشتري مطلقا، حيث
يكون الاختلاف في كمية الثمن، وقد عرفت قوته بحسب القواعد، إلا أن النص
على خلافه (1).
تنبيهات
الأول قال في المسالك بعد الكلام في المسألة: هذا البحث كله إذا وقع

(1) قال في المختلف: والمعتمد أن نقول: إن السلعة إما أن تكون باقية
أو تالفة، فإن كانت تالفة فإما أن تكون قد تلفت في يد البايع قبل الاقباض،
أو في يد المشتري أو في يد البايع بعد الاقباض فإن تلفت في يد البايع قبل الاقباض
بطل البيع، ولا معنى للتحالف وإن تلفت في يد المشتري أوقى يد البايع بعد
الاقباض، أو كانت قائمة فلا يخلو إما أن يكون الثمن معينا أو في الذمة، فإن كان
معينا فإما أن يكون الأقل مغايرا لأجزاء الأكثر أو لا، فإن كان مغايرا تحالفا
وفسخ البيع، وإن لم يكن فالقول قول المشتري، ويحتمل التخالف،
لنا أنه على تقدير المخالفة يكون التخالف في عين المثمن كما تخالفا في
قدره، ولا ريب أنه مع التخالف في عين الثمن يتحالفان فكذا هنا، وأما
على باقي التقادير فلأن البايع يدعي الزيادة في الثمن، والمشتري ينكرها،
فالقول قوله مع اليمين، كما لو تلفت السلعة أو كانت في يد المشتري،
وأما احتمال التحالف على هذه التقادير غير تقدير المخالفة، فلأنهما متداعيان
كل منهما مدع، فإن البايع يدعي العقد بعشرين، والمشتري يدعي العقد
194

النزاع بعد قبض المشتري، أو قبله مع بقاء عين المبيع، أما لو وقع بعد تلفه في
يد البايع، فإن العقد ينفسخ، ولا يظهر للنزاع أثر إن لم يكن البايع قد قبض الثمن،
ولو كان قبضه كان كالدين في ذمته أو الأمانة عنده، فيقدم قوله في قدره، ومثله
ما لو اختلفا في قدر الثمن بعد قبض البايع له والإقالة أو الفسخ بأحد وجوهه.
أقول: ينبغي تقييد انفساخ العقد بتلفه في يد البايع بما لو لم يحصل اقباض
بالكلية، وإلا فلو تلف في يده بعد حصول الاقباض والعود إليه ثانيا، فإن الحكم
فيه كما في صورة الاقباض.
الثاني موضع الخلاف كما أشار إليه العلامة في المختلف وصرح به
شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ما لو كان الثمن في الذمة، ليمكن جريان الأقوال
فيه، فلو كان معينا كما لو قال البايع: بعتك بهذا العبد أو بهذا الدينار فقال المشتري:
بل بهذه الأمة أو الدراهم، فإنه يتعين التحالف قطعا، لأن كلا منهما مدع ومنكر،
وهو ضابط التحالف، وهذا لا يطلق عليه الاختلاف في القدر، كما هو محل البحث.
نعم قد يتفق مع التعيين الاختلاف في القدر أيضا، وبه يندرج تحت البحث
حينئذ، كما لو قال: بعتك بهذين الدينارين أو الدرهمين، فقال: بل بأحدهما معينا،
فإن الحكم فيه كالذمة، والأقوال المتقدمة تجري فيه.
الثالث أنه على تقدير القول المشهور من الفرق بين قيام العين وتلفها لو كانت
العين باقية، لكنها قد انتقلت عن المشتري انتقالا لازما بالبيع، أو العتق أو الهبة

بعشرة، والعقد بعشرين غير العقد بعشرة. انتهى وجوابه علم مما في
الأصل، أما بالنسبة إلى التحالف فلما عرفت في جواب القول بالتحالف،
وأما بالنسبة إلى أن القول قول المشتري بيمينه فلما عرفت من أنه وإن
كان قويا في حد ذاته إلا أن النص دل على خلافه. والله العالم (منه
رحمه الله).
195

اللازمة مثلا. فهل يكون ذلك من قبيل التلف، أم لا؟ اشكال ينشأ من صدق التلف
بذلك، وعدمه، إذ المتبادر من التلف هو زوال العين عن الوجود وهنا ليس
كذلك، وإن كان في حكم التلف من خروجها عن الانتقاع بالنسبة إلى المشتري.
ويمكن أن يقال: إن النص دل على أن القول قول البايع إذا كانت العين
قائمة، والمتبادر منه وجودها بين المتبايعين في يد أحدهما، كما يشير إليه الخبر
الثاني من قوله " أو يتتاركا " ومفهومه حينئذ ما لم يكن موجودة في يد أحدهما،
والتعبير بالتلف إنما وقع في عبارة بعض الأصحاب، وجعلوه مفهوم مخالفة لقوله " قائمة "
بناء على حمله على مجرد الوجود، والظاهر منه إنما هو ما ذكرناه، فإن وجودها
بعد انتقالها بناقل شرعي لازم لا يدخل تحت منطوق الخبر المذكور.
وكيف كان فالحكم غير خال من شوب الاشكال. وكذا يجري الاشكال
في الانتقال الغير اللازم كالبيع في زمن الخيار للبايع، والهبة قبل القبض أو بعده
حيث يجوز الفسخ، وأنه هل يجري مجرى التلف أم لا؟.
الثالثة لو اختلفا في تأخير الثمن وتأجيله أو في قدر الأجل في اشتراط رهن أو ضمين
فالقول قول البايع مع يمينه، لأنه في هذه المواضع كلها منكر، وربما قيل: بالتحالف هنا
أيضا، كما في سابق هذه المسألة، لأن أحدهما يسند الملك إلى سبب مخصوص، والآخر
ينفيه ويسنده إلى سبب آخر، ففي الحقيقة الملك بقول أحدهما غير الملك بقول الآخر،
وكل منهما مدع، ومدعى عليه، فيتحالفان، ووجه ضعفه يعلم مما سلف، وذلك لأنهما اتفقا
على صدور العقد، وحصول الملك للمشتري، والثمن للبايع، وإنما حصل النزاع
في أحد هذه الأمور الزايدة على ذلك والبايع ينكره، فيقدم قوله في نفيه.
الرابعة لو اختلفا في المبيع، فقال البايع: بعتك ثوبا، فقال المشتري: بل
ثوبين، فإن القول قول البايع بيمينه، لأنه منكر لبيع الزايد، مع اتفاقهما على أمر
مشترك، وهو بيع الثوب الواحد.
196

هذا حيث لا يكون المتنازع معينا، وإلا فالحكم التحالف، كما لو قال البايع:
بعتك هذا الثوب، وقال المشتري: بل هذين الثوبين، مشيرا إلى غير ذلك الثوب
المعين، فإنه يتعين القول بالتحالف، لعدم الاتفاق على شئ.
وكذا أيضا يجب تقييد أصل المسألة بما إذا لم يختلفا في الثمن على كل من
التقديرين، لأنه حينئذ يمكن الأخذ بالمشترك بين كلاميهما، بخلاف ما لو قال:
بعتك هذا بألف، فقال: بل هذا وهذا بألفين، فلأنه لا مشترك بين كلاميهما يمكن
الأخذ به، فلا بد من التحالف كما ذكره في التذكرة.
واعلم أن ضابط التحالف المقطوع به في كلامهم ادعاء كل منهما على
صاحبه ما ينفيه الآخر، بحيث لا يتفقان على أمر كما هنا، ومثله ما لو اختلفا في الثمن
المعين، أو فيهما معا، ومثله ما لو ادعا أحدهما البيع، والآخر الصلح.
ولو اتفقا على أمر واحد واختلفا في وصف زايد أو قدر بحيث كانت الدعوى
من طرف واحد، كما في المواضع التي قدمناها حلف المنكر، وأما من أجرى
التحالف في مثل تلك المواضع فقد عرفت بطلانه، لخروجه عن الضابطة المذكورة،
وكما يجري ذلك في البيع فكذا في الصلح والإجارة ونحوهما.
بقي هنا شئ ينبغي التنبيه عليه، وهو أنه إذا ادعى البايع: أني بعتك هذا
الثوب، فقال المشتري: بل هذا إشارة إلى ثوب آخر، فإن الحكم كما عرفت
التحالف، وبطلان البيع، فإذا حلف البايع على نفي ما يدعيه المشتري بقي الثوب
على ملكه، فإن كان في يده، وإلا انتزعه من يد المشتري، وإذا حلف المشتري على
نفي ما يدعيه البايع، وكان الثوب في يده لم يكن للبايع مطالبته به، لأنه لا يدعيه،
وإن كان في يد البايع لم يكن له التصرف فيه، لأنه معترف بأنه للمشتري، وله ثمنه
في ذمته، فإن كان البايع قد قبض الثمن رده على المشتري، ويأخذ الثوب قصاصا،
وإن لم يكن قبضه أخذ الثوب قصاصا أيضا بذلك الثمن، ولو زاد فهو مال لا يدعيه
أحد، كذا فصله العلامة في التذكرة.
197

ولو ماتا المتبايعان فاختلف ورثهما، فذهب جمع من الأصحاب إلى أن القول
قول ورثة البايع في قدر المبيع، وورثة المشتري في قدر الثمن.
أما كون القول قول ورثة البايع في قدر المبيع فهو جار على قول مورثهم،
لأن القول قوله لو كان حيا كما تقدم.
وأما أن القول قول ورثة المشتري في قدر الثمن مع أنه ليس كذلك في مورثهم،
لأنهم منكرون.
وذهب الأكثر إلى أن الورثة في ذلك كالمورثين فيقدم قول ورثة البايع مع
بقاء السلعة، وقول ورثة المشتري مع تلفها، ولو اختلف الورثة في عين الثمن أو عين
المبيع فالحكم التحالف، كما تقدم ذكره في المتبايعين.
الفصل الخامس
في أقسام البيع بالنسبة إلى الأخبار بالثمن وعدمه، وهو لا يخلو عن أقسام أربعة
لأنه إما أن يخبر بالثمن، أو لا، الثاني المساومة، والأول إما أن يبيع معه برأس
ماله، أو بزيادة عليه، أو نقيصة عنه، والأول التولية، والثاني المرابحة،
والثالث المواضعة، وزاد بعضهم قسما خامسا، وهو اعطاء بعض المبيع برأس
ماله، ذكره الشهيد في الدروس واللمعة، ولم يذكره كثير منهم قال: والتشريك
جايز، وهو أن يجعل له نصيبا بما يخصه من الثمن، قال شيخنا الشهيد الثاني: وفي
بعض الأخبار دلالة عليه، وقد يجتمع الأقسام الخمسة في عقد واحد، بأن اشترى
خمسة ثوبا بالسوية، لكن ثمن نصيب أحدهم عشرون، والآخر خمسة عشر، والثالث
عشرة، والرابع خمسة، والخامس لم يبين، ثم باع من عدا الرابع نصيبهم بستين
بعد أخبارهم بالحال، والرابع شرك في حصته، فهو بالنسبة إلى الأول مواضعة،
وإلى الثاني تولية، والثالث مرابحة، والرابع تشريك، والخامس مساومة.
198

وعلى هذا القياس اجتماع قسمين منها، وثلاثة وأربعة بالتقريب المذكور.
أقول: والمفهوم من الأخبار أن أفضل هذه الأقسام المساومة، وإن
المرابحة مكروهة، فروى ثقة الاسلام في الكافي في الضعيف والشيخ في التهذيب
في الصحيح، عن محمد بن مسلم (1) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام): إني
أكره بيع عشرة بإحدى عشرة، وعشرة باثني عشرة، ونحو ذلك من البيع ولكن أبيعك
كذا وكذا مساومة، قال: وأتاني متاع من مصر، فكرهت أن أبيعه كذلك وعظم
على فبعته مساومة " وعن جراح المدايني (2) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام):
إني أكره بيع ده يازده وده دوازده، ولكن أبيعك بكذا وكذا "، وروى في الكافي
عن الحلبي (3) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: قدم
لأبي متاع من مصر فصنع طعاما ودعى له التجار، فقالوا له نأخذ منك بده دوازده
فقال لهم أبي: وكم يكون ذلك؟ قالوا في عشرة آلاف ألفين، فقال لهم: أبي إني
أبيعكم هذا المتاع باثني عشر ألفا فباعهم مساومة ".
وروى في الفقيه عن عبيد الله الحلبي ومحمد الحلبي (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال " قدم لأبي متاع " الحديث إلا أنه لم يذكره " فباعهم مساومة " وعلل استحباب
المساومة زيادة على ما ورد في النصوص المذكورة بأن فيه سلامة عن الأخبار بالكذب،
إذ قد يقع المخبر في الكذب، وصعوبة أداء الأمانة، والبعد عن مشابهة الربا.
أقول: ويعضده ما يأتي في شروط المرابحة من كثرة المفاسد فيها، ويدل

(1) الكافي ج 5 ص 197 التهذيب ج 7 ص 55.
(2) الكافي ج 5 ص 197 التهذيب ج 7 ص 55 و 54.
(3) الكافي ج 5 ص 197 التهذيب ج 7 ص 55 و 54.
(4) الفقيه ج 3 ص 135.
199

على جواز المرابحة صريحا ما رواه الشيخ في الصحيح عن العلا (1) " قال: قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يبيع الرجل البيع فيقول أبيعك بده دوازده
أو ده يازده فقال: لا بأس " إنما هذه المراوضة، فإذا جمع البيع جعله جملة
واحدة.
ورواه الحميري في قرب الإسناد عن محمد بن خالد الطيالسي (2) عن العلا
مثله، إلا أنه قال: " لا بأس إنما هو البيع يجعله واحدة ".
أقول: يعني يجعل الانتفاع ورأس المال جملة واحدة في حال البيع، والمراوضة
إنما هي قبل البيع، وفيه إشارة إلى الكراهة في حال البيع، كما تقدم بأن يقول: أبيعك
بكذا أو ربح كذا.
وأظهر منهما في الجواز أيضا ما رواه الشيخ عن علي بن سعيد (3) " قال سئل
أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل يبتاع ثوبا فيطلب منه مرابحة، ترى ببيع المرابحة
بأسا إذا صدق في المرابحة، وسمى ربحا دانقين أو نصف درهم فقال: لا بأس "
الحديث.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الكلام هنا يقع في موضعين، الأول في العبارة أما
بالنسبة إلى المساومة فهي البيع بما يتفقان عليه، من غير تعرض لذكر الثمن، سواء
علمه المشتري أو لم يعلمه، وهو أفضل الأقسام كما عرفت، وأما المرابحة فيجب
فيها علم المتعاقدين برأس المال، والربح والغرم والمؤن إن ضمها، ويجب على
البايع الصدق في الثمن، والمؤن وما طرء من موجب النقص والأجل وغيره، فإن
لم يحدث فيه زيادة، قال: اشتريته بكذا، أو تقوم على بكذا، وإن زاد بفعله من
غير غرامة مالية أخبر بذلك، بأن يقول: اشتريته بكذا، وعملت فيه عملا يساوي كذا،

(1) التهذيب ج 7 ص 54.
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب أحكام العقود 5.
(3) التهذيب ج 7 ص 55.
200

وإن كانت الزيادة باستيجار عليه فيقول: تقوم علي بكذا أو اشتريت بكذا واستأجرت
بكذا، وإن طرأ فيه عيب ذكره.
ولا بد من ذكر الجنس والصرف والوزن إن تعددت النقود، واختلف صرفها
ووزنها، كما لو كان صرف بعض الدنانير عشرة دراهم، وبعضها أكثر أو أقل، وكذا
الوزن، وأما لو اتحد النقد لم يفتقر إلى ذلك.
وبالجملة فلا بد من الأخبار بالثمن، وكلما تجدد مما يوجب زيادة أو نقيصة
وإضافة ما ينفقان من الربح إليه (1).
وأما التولية فهو أن يعطيه المتاع برأس ماله، من غير زيادة فيقول: وليتك
أو بعتك أو ما يشاكل ذلك من الألفاظ الدالة على النقل، لكن إن وقع العقد بلفظ
بعتك ونحوه من الألفاظ الدالة على مطلق البيع، فيكون المفعول أثمن، أو ما قام
علي ونحو ذلك مما لا يتضمن الزيادة على مما أنفقه، وإن وقع بلفظ وليتك فليكن مفعوله

(1) أقول ومن ذلك أيضا ما لو اشترى بثمن ورجع بأرش العيب، فإنه
يجب أن يسقط ذلك من الثمن، ويخبر بالباقي، لأن الأرش جزء من الثمن،
فقد قبض بعضه، ولا بد من بيانه، وإن كان قوله اشتريته بكذا حقا إلا أنه
قد طرء عليه النقصان، ولو جنى العبد ففداه السيد، لم يجز أن يضم
الفدية إلى ثمنه، لأن ذلك أمر خارج عن البيع، ولو جنى عليه فأخذه
أرش الجناية لم يضعها من الثمن، والفرق بينه وبين أرش العيب أن
أرش العيب ثابت بأصل العقد فكأنه مستثنى من الثمن، بخلاف الجناية
الطارية فإنها حق آخر كنتاج الدابة نعم لو نقص بالجناية وجب الأخبار
بالنقص هذا مقتضى ما أورده في هذا المقام.
منه رحمه الله
201

العقد، ويقتصر على ذلك، وإذا قبل لزمه مثله جنسا وقدرا وصفة، ولو قال: وليتك
السلعة بكذا وكذا احتمل الاجزاء كما ذكره في الدروس.
وأما المواضعة فهي كالمرابحة في الأخبار بالثمن، ونحوه مما زاد أو نقص
حسبما تقدم، إلا أنها بنقيصة معلومة، فيقول: بعتك بما اشتريته أو تقوم علي
ووضيعة كذا.
وأما التشريك فهو أن يقول: شركتك بالتضعيف بنصفه بنسبة ما اشتريت مع
علمهما بقدره، ولو قال: أشركتك بالنصف فكذلك، ولزمه مثل نصف الثمن، أما
لو قال: أشركتك في النصف فإنما له الربع، إلا أن يقول: ينصف الثمن، فيتعين
النصف، ولو لم يبين الحصة وإنما قال: في شئ منه، أو أطلق بطل للجهل بالمبيع،
واحتمل بعضهم حمل الثاني على التنصيف، والتشريك في الحقيقة عبارة عن
بيع الجزء المشاع برأس ماله، إلا أنه يختص عن مطلق البيع بصحته بلفظ
التشريك.
الثاني في الأحكام: وفيه مسائل.
الأولى لو اشترى جملة لم يجز له بيع بعضها مرابحة وإن قوم كلا منها
بقيمة إلا أن يخبر بالحال، ويدل عليه ما رواه ثقة الاسلام في الصحيح عن أبي حمزة
الثمالي (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) " قال سألته عن الرجل يشتري المتاع جميعا
بالثمن، ثم يقوم كل ثوب بما يسوى حتى يقع على رأس ماله جميعا أيبيعه مرابحة؟
قال: لا حتى يبين له أنه إنما قومه ".
وروى في الكافي والفقيه في الصحيح عن محمد بن مسلم (2) عن أحدهما (عليهما السلام)

(1) الكافي ج 5 ص 197 التهذيب ج 7 ص 55 عن محمد بن مسلم عن
أحدهما (عليهما السلام).
(2) الكافي ج 5 ص 197 عن محمد بن أسلم عن أبي حمزه بتفاوت يسير
الفقيه ج 3 ص 126.
202

" في الرجل يشتري المتاع جميعا بثمن ثم يقوم كل ثوب بما يسوى، حتى يقع على
رأس ماله جميعا يبيعه مرابحة ثوبا ثوبا؟ قال: لا حتى يبين له إنما قومه ".
وعلل أيضا بأن المبيع المقابل بالثمن هو المجموع، لا الأفراد، وإن تقوم
بها وقسط الثمن عليها في بعض الموارد كما لو تلف بعضها، أو ظهر مستحقا.
والمشهور أنه لا فرق في ذلك بين تماثل أجزاء تلك الجملة أو اختلافها،
خلافا لابن الجنيد على ما نقل عنه من الجواز في المتماثلة، كقفيز من حنطة، وضعفه
ظاهر، وربما أشعر ظاهر الخبرين المذكورين بصحة البيع كذلك مرابحة، وهو ظاهر
اطلاق جملة من العبارات، كما عبرنا به في صدر المسألة جريا على كلامهم.
إلا أن الظاهر كما صرح به جملة من محققي المتأخرين أنه وإن كان البيع
كذلك صحيحا إلا أنه ليس من قبيل المرابحة، وإن جاز اطلاقها عليه مجازا لكونه
بصورة المرابحة.
الثانية إذا اشترى نسيئة ثم باعه ولم يخبر بالأصل قال الشيخ في النهاية: كان
للمبتاع من الأجل مثل ماله، وبه قال: ابن البراج وابن حمزة، وهو الظاهر من
كلام ابن الجنيد، فإنه قال: ومن باع مرابحة كان للمشتري من النظرة وغيرها
في الثمن ما كان للبايع عند الشراء، وقال الشيخ في الخلاف والمبسوط: إذا اشترى
سلعة بمائة إلى سنة، ثم باعها في الحال مرابحة وأخبر أن ثمنها ماءه فالبيع صحيح
بلا خلاف، فإذ علم المشترى بذلك كان بالخيار بين أن يقبضه بالثمن حالا، أو يرده
بالعيب، لأنه تدليس، وهو اختيار ابن إدريس، وهذا هو المشهور في كلام
المتأخرين عن العلامة ومن تأخر عنه، نظرا إلى أن مقتضى القواعد في مثله
ذلك.
ويدل على الأول ما رواه ثقة الاسلام في الكافي عن هشام بن الحكم (1)

(1) الكافي ج 5 ص 208.
203

في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) " في الرجل يشتري المتاع إلى أجل فقال:
ليس له أن يبيعه مرابحة إلا إلى الأجل الذي اشتراه إليه، فإن باعه مرابحة ولم
يخبره كان للذي اشتراه من الأجل مثل ذلك ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي محمد الوابشي (1) وهو مجهول " قال:
سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى من رجل متاعا بتأخير
إلى سنة، ثم باعه من رجل آخر مرابحة، أله أن يأخذ منه ثمنه حالا والربح؟ قال:
ليس عليه إلا مثل الذي اشترى، إن كان نقد شيئا فله مثل ما نقد، وإن كان لم يكن
نقد شيئا فالمال عليه إلى الأجل الذي اشتراه ".
وما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم عن ميسر بياع الزطي (2) " قال:
قلت: لأبي عبد الله (عليه السلام) إنا نشتري المتاع بنظرة فيجئ الرجل فيقول:
بكم تقوم عليك؟ فأقول: بكذا وكذا فأبيعه بربح، فقال: إذا بعته مرابحة كان له
من النظرة مثل مالك، قال: فاسترجعت وقلت: هلكنا "، الحديث وأجاب العلامة
في المختلف عن هذه الأخبار قال: والجواب أنها محمول على ما إذا باعه بمثل
ما اشتراه وأخفى عنه النسيئة ولم يشترط النقد، فإنه والحال هذه يكون له من
الأجل مثل ما كان للبايع على اشكال. انتهى.
ومرجعه إلى أنه مع عدم ذكره النسيئة وقت البيع، فإما أن يذكر الحلول،
أو يشترط النقد، وإن كان اطلاق العقد كما تقدم إنما ينصرف إلى ذلك أولا،
وعلى الأول فالحكم ما ذكره المتأخرون من التخيير في المقام، وعلى الثاني يحمل
الأخبار.

(1) التهذيب ج 7 ص 59.
(2) الكافي ج 5 ص 198 التهذيب ج 7 ص 57 الفقيه ج 3 ص 134 وفي
النسخ اختلاف فليراجع المصادر.
204

وظاهر المحقق الأردبيلي الميل إلى ذلك أيضا، وحينئذ يكون هذا قولا ثالثا
في المسألة، وأنت خبير بما في هذا التفصيل من البعد، أما أولا فلأنه متى كان اطلاق
العقد إنما ينصرف إلى الحلول والنقد فذكره في اللفظ لا يزيد إلا على مجرد التأكيد،
فكيف يترتب عليه حكم بخصوصه.
وأما ثانيا فلأن اطلاق الأخبار شامل للصورتين، وتخصيصها يحتاج إلى
دليل، ومجرد ما ادعوه من قاعدة العيب وأنها تقتضي التخيير وهذا من قبيله يمكن
تخصيصها بهذه الأخبار، واستثناء هذا الجزئي من القاعدة، على أنك قد عرفت فيما
تقدم أنه لا دليل على ما ادعوه من الخيار في العيب، زيادة على الاجماع كما تقدم
تحقيقه وبالجملة فالظاهر عندي هو العمل بالأخبار المذكورة.
بقي الكلام في تتمة الرواية الثالثة التي طوينا نقلها آنفا وهي قول الراوي
" قلت: فاسترجعت وقلت: هلكنا، فقال: لم، قال: قلت: لأن ما في الأرض ثوب
أبيعه مرابحة فيشترى متى ولو وضعت من رأس المال حتى أقول تقوم بكذا وكذا
قال: فلما رأى ما شق علي قال: أفلا أفتح لك بابا يكون لك فيه فرج؟ قلت: بلى
قال: قل: قام علي بكذا وكذا وأبيعك بزيادة كذا وكذا ولا تقل بربح " هكذا في
رواية صاحب الفقيه، وفي غيره قال: قلت: لأن ما في الأرض من ثوب " إلا " أبيعه
مرابحة يشتري ولو وضعت من رأس المال حتى أقول تقوم بكذا وكذا " وأبيعك
بكذا وكذا إلى آخر ما تقدم، ولا يخفى ما في هذه العبارة من الاختلال، وعدم ظهور
معنى مستقيم، وما ذكر في اصلاحها لا يخلو من تكلف بعيد عن الظاهر.
وأنت خبير بأن ظاهره تخصيص بيع المرابحة بأن يقول: بربح كذا، وأما
لو قال بزيادة كذا بعد الأخبار برأس المال فليس مرابحة، بل مساومة، والظاهر أنه لا قائل به، إذ لا فرق بين اللفظين، في كون البيع مرابحة، كما يدل عليه الأخبار
وكلام الأصحاب، ويشكل العدول به عن ظواهر غيره من الأخبار، والله العالم.
205

الثالثة قال الشيخ في النهاية: لا يجوز أن يبيع الانسان مرابحة بالنسبة إلى
أصل المال، بأن يقول أبيعك هذا المتاع بربح عشرة واحدا أو اثنين بل يقول بدلا
من ذلك: هذا المتاع تقوم علي بكذا أو أبيعك إياه بكذا، بما أراده، وكذا قال الشيخ
المفيد.
وقال سلار: لا يصح لو قال: بعتك هذا بربح العشرة واحدا أو أكثر
بالنسبة.
وقال أبو الصلاح: لا يجوز بيع المرابحة بالنسبة إلى الثمن كقوله: أربح
عليك في كل عشرة دراهم من ثمنه درهما، وإنما يصح بيع المرابحة بأن يخبر
بجملة الثمن، ويربح في عين المبيع.
وقال ابن البراج: لا يجوز في بيع المرابحة حمل الربح على المال، مثل
أبيعك هذا المتاع بكل عشرة منه واحدا أو اثنين، بل يحمل الربح على المتاع.
وقال في المبسوط: يكره بيع المرابحة بالنسبة إلى أصل المال، وليس
بحرام، وإن باع كذلك كان البيع صحيحا، وكذا قال في الخلاف، وبه قال ابن
إدريس، والعلامة ومن تأخر عنه.
أقول: منشأ هذه الأقوال الاختلاف في الأخبار المتقدمة في صدر الفصل،
الدالة على النهي عن نسبة الربح إلى المبيع أو الثمن، والمراد بنسبته إليه
إضافته إليه إما بواسطة حرف الجر، مثل والربح فيه، أو بغير واسطته مثل وربحه
كذا، وظاهر الأخبار المتقدمة باعتبار ضم بعضها إلى بعض إنما هو الكراهة، قيل:
لأنه يشبه الربا.
والظاهر عندي منها إنما هو كراهة البيع مرابحة، وأن الأفضل بيع المساومة،
كما يفهم من صحيح الحلبي أو حسنة المتقدم، لا من حيث ضم الربح إلى المبيع
أو رأس المال كما ذكروه، فإن عدوله (عليه السلام) إلى البيع مساومة دون الفرد
الآخر من المرابحة، مما يشير إلى ما ذكرناه، وكذلك صحيح محمد بن مسلم
المتقدم، فإن ضيقه (عليه السلام) إنما هو من بيع المرابحة مطلقا، لا من خصوص
206

ذلك النوع، ولهذا عدل إلى المساومة.
الرابعة لو باع مرابحة فظهر أن رأس ماله كان أنقص، فالمشهور أن للمشتري
الخيار بين رده وبين أخذه بالثمن، وقيل: إنه يأخذه باسقاط الزيادة، ورجح الأول
بأنه الثمن الذي وقع عليه العقد، فلا يثبت غيره، وثبوت الكذب في الأخبار ينجبر
بلحوق الخيار.
والمسألة غير منصوصة فيما أعلم، إلا أن الأقرب هو القول المشهور، لما ذكر،
ولأصالة الصحة، وظهور الكذب لا يوجب بطلان البيع، ولا نقص الثمن بعد وقوع
التراضي به والعقد عليه، وغاية ما يوجبه إلا ثم للخيانة، والجبر بالخيار.
وصرح بعضهم بثبوت الخيار وإن انتقل المبيع من المشتري أو تلف في يده؟
قال: والأقوى أن بقاءه على ملك المشتري غير شرط في الخيار، فله الفسخ مع
تلفه، أو خروجه عن ملكه مع رد مثله أو قيمته، لأصالة بقاء الخيار.
وعلى القول باسقاط الزيادة يسقط ربحها أيضا، ولا خيار له، لأنه قد رضي
بالأكثر، فأولى أن يرضى بالأقل.
وربما احتمل ثبوت الخيار أيضا لغروره وكذبه وقد يكون له غرض في
الشراء بذلك المبلغ، لابرار قسم، أو انعقاد وصية، أو نحو ذلك، ولو قال: اشتريته
بأكثر لم يقبل منه، لأن قوله الثاني مناف للأول، لتكذيبه نفسه بالاقرار الأول،
ومثل ذلك غير مسموع شرعا وإلا لم يتم أكثر الاقرارات فيلغو حينئذ قيل: ولو أقام
بينة على ادعاء الأكثر لم تقبل، لأنه كذبها باقراره الأول (1).

(1) هذا القول للشيخ في المبسوط قال: لو قال رأس مالي مائة ثم قال: غلطت
والثمن مائة وعشرة لم يقبل قوله، ولو أقام بينة على أنه أخطأ وأن شراءه
كان أكثر لم يقبل منه، لأنه كذبها بالقول الأول، ولا يلزم المشتري اليمين
بأنه لا يعلم بأنه اشتراه بأكثر من ذلك، لأنه لا دليل عليه، فإن قال: وكيلي
كان اشتراه بمائة وعشرة وأقام بذلك بينة قبلت بينته، قال: وإن قلت:
لا يقبل لأنه كذبها القول الأول كان قويا انتهى والأظهر ما عليه الأكثر
في المسألتين، فله إقامة البينة في الصورة التي ذكرنا في الأصل، لأنه ادعا
شيئا لو صدقه الغريم لثبت حقه، فله إقامة البينة عليه، واليمين على خلافه
والتكذيب ممنوع، لأنه ادعا شيئا خفيا غير مناف لما شهدت به البينة
وهو الغلط ونحوه، وله المطالبة باليمين لو ادعى عليه العلم كما في غير
هذا الموضع. منه رحمه الله.
207

وفيه على اطلاقه اشكال لجواز الغلط في الأخبار الأول، أو الاستناد إلى
أخبار وكيله مثلا، كأن يقول أخبرني وكيلي أنه شراه بكذا، أو ورد على خط
بذلك ثم يظهر خلافه، فإنه يتجه قبول قوله إن أظهر لإنكاره تأويلا محتملا، بمعنى
سماع بينته عليه، ولو ادعى على المشتري العلم بكون الثمن زايدا، توجهت عليه
اليمين بنفيه، سواء ادعى الغلط أم لا، وربما قيل بسماع دعواه مطلقا، نظرا إلى
إمكان الغلط، ونفى عنه البأس في المسالك.
الخامسة إذا دفع إلى الدلال متاعا وقومه عليه بقيمة ولم يواجبه البيع لم
يجز للدلال بيعه مرابحة إلا بعد الأخبار بصورة الحال، سواء كان ما قومه عليه يربح
فيه أم لا، والوجه فيه ظاهر، مما تقدم في المسألة الأولى، والأخبار بصورة الحال
لا يوجب كونه مرابحة كما تقدم تحقيقه ثمة، وإن كان بصورة المرابحة، ولهذا
لا يجب على التاجر الوفاء بالربح له، لأنه ليس بيع مرابحة.
والمشهور أن للدلال أجرة المثل سواء كان التاجر دعاه أو الدلال ابتدأه،
وإنما كان له الأجرة في الصورتين، لانتفاء البيع فيهما مع كونه مأمورا بعمل له
أجرة بحسب العادة، وإذا فات الشرط رجع إلى أجرة المثل.
ونقل عن الشيخين (عطر الله مرقدهما) أنهما أثبتا للدلال ما زاد على ما عين له
من القيمة في صورة ابتداء التاجر، وإن لم يزد لم يكن له شئ، وأما في صوره ابتداء
208

الدلال والتماسه ذلك فإنهما جعلا له أجرة المثل، وتبعهما القاضي.
أقول: قال الشيخ في النهاية: وإذا قوم التاجر متاعا على الواسطة بشئ
معلوم، وقال له: بعه فما زدت على رأس المال فهو لك، والقيمة لي كان جائزا
وإن لم يواجبه البيع، فإن باع الواسطة المال بزيادة، على ما قوم عليه كان له،
وإن باعه برأس المال لم يكن على التاجر شئ وإن باعه بأقل من ذلك كان
ضامنا لتمام القيمة، ثم قال: ومتى أخذ الواسطة المتاع على ما ذكرناه فلا يجوز
له أن يبيعه مرابحة ولا يذكر الفضل على
القيمة في الشراء.
وقال ابن إدريس بعد نقل كلام الشيخ المذكور: وما أورده شيخنا غير
واضح، ولا مستقيم على أصول مذهبنا، لأن هذا جميعه لا بيع مرابحة، ولا إجارة،
ولا جعالة محققة، فإذا باع الواسطة بزيادة على ما قوم عليه لم يكن للواسطة في الزيادة
شئ، لأنها من جملة ثمن المتاع، والمتاع للتاجر ما انتقل عن ملكه بحال،
وللواسطة أجرة المثل، لأنه لم يسلم له العوض فيرجع إلى المعوض، وكذلك أن
باع برأس ماله، فإن باعه بأقل مما أمره به كان البيع باطلا، قوله متى أخذ
الواسطة المتاع على ما ذكرناه لا يجوز له أن يبيعه مرابحة، ولا يذكر الفضل على
القيمة في الشراء. (1)
قال محمد بن إدريس: وأي شراء بين التاجر والواسطة حتى يخبر بالثمن،
وليس هذا موضع بيع المرابحة في الشريعة بغير خلاف، وإنما أورد أخبار الآحاد
في هذا الكتاب ايرادا لا اعتقادا على ما وردت به ألفاظها صحيحة كانت أو فاسدة،
على ما ذكره واعتذر به في خطبة مبسوطة انتهى.

(1) أقول الظاهر أن كلام الشيخ هنا إنما خرج مخرج التنبيه على دفع
توهم كون ذلك مما يدخل في بيع المرابحة، كما أشار إليه (عليه السلام)
في رواية سماعة المذكورة في الأصل، فكلامه هنا جار نحو الرواية المذكورة،
ولا بأس به، فاعتراضه عليه هنا مما لا وجه له، منه رحمه الله.
209

أقول: ومما يدل على ما ذكره الشيخان من الأخبار التي طعن فيها هنا بأنها من
الآحاد ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
" أنه قال في رجل قال لرجل: بع ثوبي هذا بعشرة دراهم فما فضل فهو لك فقال:
ليس به بأس ".
ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن مثله.
وعن زرارة (2) في الصحيح قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) " ما تقول
في رجل يعطى المتاع فيقول: ما ازددت على كذا وكذا فهو لك، فقال: لا بأس "
وعن سماعة (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " أنه سئل عن الرجل يحمل
المتاع لأهل السوق، وقد قوموا عليه قيمة، ويقولون بع فما ازددت فلك؟ فقال:
لا بأس بذلك ولكن لا يبيعهم مرابحة " ورواه الكليني والصدوق مثله.
وعن زرارة في الموثق (4) عن أبي جعفر عليه السلام " قال: سألته عن
الرجل يعطى المتاع فيقال له: ما ازددت على كذا وكذا فهو لك؟ فقال: لا بأس ".
وجملة من تأخر من الأصحاب تأولوا هذه الأخبار بالحمل على الجعالة، فيلزم
ما عينه لذلك، قالوا ولا يقدح فيها الجهالة كما اعترض به ابن إدريس على كلام الشيخ،
لأن الجهالة في مال الجعالة إذا لم يؤد إلى النزاع غير قادح كما سيأتي انشاء الله
تعالى في بابه.
أقول: ومن المحتمل قريبا خروج هذه الأخبار مخرج وجوب الوفاء بالوعد،
كما دلت عليه الآية والرواية، فيجب الوفاء به وفيه تأكيد لما ذكره الأصحاب، وبه
يضعف ما ذكره ابن إدريس من كون الزيادة للتاجر، وإنما للدلال أجرة المثل.

(1) التهذيب ج 7 ص 54 الكافي ج 5 ص 195.
(2) التهذيب ج 7 ص 54.
(3) التهذيب ج 7 ص 54 الكافي ج ص 195 الفقيه ج 3 ص 135.
(4) التهذيب ج 7 ص 54 عن أبي عبد الله عليه السلام.
210

ثم إن الشيخ في النهاية قال على أثر العبارة المتقدمة: فإذا قال الواسطة للتاجر:
خبرني بثمن هذا المتاع واربح علي فيه كذا وكذا ففعل التاجر ذلك غير أنه لم
يواجبه البيع، ولا ضمن هو الثمن ثم باع الواسطة بزيادة على رأس المال والثمن،
كان ذلك للتاجر، وله أجرة المثل لا أكثر من ذلك، وإن كان قد ضمن الثمن كان
له ما زاد من الربح، ولم يكن للتاجر أكثر من رأس المال الذي قرره معه انتهى.
والأصحاب (رضوان الله عليهم) قد حملوا ذلك على أن التاجر لم يعين له
شيئا كما في الصورة الأولى ولم يعقب كلام الدلال بما يدل على الرضا بما ذكره
الدلال، بل سكت عن ذلك، وإلا فلو عقب كلام الدلال بما يدل على الرضا بما
قاله وعينه، كان كما لو ابتدأه، كما لو قال لمن ذهب عبده: أرد عليك عبدك على
أن لي نصفه أو ثيابه ابتداء منه، فقال المولي: نعم لك ذلك، فإنه يستحق ما
عينه له.
وبالجملة فإنه في هذه الصورة لا بيع ولا جعالة، فلهذا وجب على التاجر أجرة
المثل للدلال وعلى هذا يتم ويجتمع كلام الشيخ مع كلام الأصحاب والروايات
الواردة في الباب من غير منافاة في المقام.
السادسة: إذا قال: بعتك بمائة مواضعة العشرة درهما، قال في المبسوط: يكون
الثمن تسعين، وقال في الخلاف اختلف الناس فيها، فقال أبو حنيفة والشافعي: تسعون
وعشرة أجزاء من أحد عشر جزء من درهم، وقال أبو ثور: تسعون، ثم قال:
دليلنا ما ذكره حذاق العلماء وهو أن البيع مرابحة ومواضعة، فإن باعه مرابحة،
ربح درهم على كل عشرة كان مبلغ الثمن مائة وعشرة وكان قدر الربح جزء من أحد
عشر جزء من الثمن، وجب أن يكون المواضعة حط جزء من أحد عشر جز عن الثمن، وإذا
كان مائة حطت منه جزءا من أحد عشر جزء، ينحط تسعة، من تسعة وتسعين،
ويبقى درهم ينحط منه جزء من أحد عشر.
211

وقيل: فيه أيضا: وقوله: وضيعة درهم من كل عشرة، معناه يوضع من كل
عشرة، يبقى لي درهم من أصل رأس المال، وتقديره وضيعة درهم بعد كل عشرة،
فيكون الثمن أحد وتسعون إلا جزءا من أحد عشر جزء من درهم.
قالوا: إذا أردت مبلغ الثمن في ذلك فعقد الباب فيه أن تضيف الوضيعة إلى
رأس المال، ثم تنظر كم قدرها، فما اجتمع فاسقط ذلك القدر من رأس المال،
وهو الثمن.
وبابه إذا قال: رأس المال عشرون بعتكها برأس مالي مواضعة العشرة درهمان
ونصف، فتضيف إلى العشرين قدر الوضيعة، وهو خمسة دراهم فيصير خمسة
وعشرين، فينظر كم خمسة، من خمسة وعشرين، فإذا هو خمسها، فيسقط من
رأس المال وهو عشرون الخمس أربعة تبقى ستة عشرة.
ثم قال: وقول أبي ثور أقوى عندي، لأنه إذا قال: مواضعة عشرة واحد،
أضاف المواضعة إلى رأس المال، فرأس المال مائة فيجب فيه عشرة فيبقى تسعون،
ولم يضفه إلى ما يبقى في يده، ولو قال ذلك لكان الأمر على ما قاله، وأما حمل
الوضيعة على الربح وإضافة ذلك إلى أصله فهو قياس، ونحن لا نقول به، انتهى وفيه
عدول عما قاله في صدر كلامه إلى ما اختاره في المبسوط.
والأصحاب (رضوان الله عليهم) قد اختلفوا أيضا في ذلك كما اختلف العامة (1)
وتفصيل الكلام في ذلك بوجه أوضح أنه إذا قال: بعتك بمئة ووضيعة درهم
من كل عشرة، فقيل: بأن الثمن تسعون، لأن الوضع من نفس العشرة يقتضي
ذلك، حملا " لمن " على الظاهر من التبعيض، وقيل: بأن الثمن أحد وتسعون

(1) قال في القواعد: ولو قال: بوضعية درهم من كل عشرة فمتى كان الثمن
مائة لزمه تسعون، ولو قال: من كل أحد عشر، كان يحط تسعة دراهم
وجزء من أحد عشر جزء من درهم، وكذا لو قال: بوضيعة درهم لكل
عشرة انتهى. منه رحمه الله.
212

إلا جزءا من أحد عشر جزء من درهم، حملا " لمن " على ابتداء الغاية، ويكون التقدير
من كل عشرة تسلم لي، ومثله ما لو قال: لكل عشرة درهم، ووجهه أن الوضيعة
للعشرة غير العشرة، كما أن الربح في العشرة زايدا على العشرة، فهو بمنزلة ما لو
قال: من كل أحد عشر واحد.
وربما قيل هنا أيضا ببطلان العقد، لتكافؤ الاحتمالين الموجب لجهالة الثمن
وتردده بين القدرين المذكورين، وربما رجح الأول بما قدمنا ذكره، من أن
وضيعة العشرة لا يكون من نفس العشرة دون ما عداها، لأن الموضوع من جنس
الموضوع منه، فيكون الإضافة بمعنى من التبعيضية، وربما رجح الثاني بما تقدم في صدر
كلام الشيخ من أن المواضعة على حد المرابحة، للتقابل بينهما، فكما اقتضت المرابحة
المعنى الثاني فكذا المواضعة، ويضعف المرجح الأول بأن اللفظ لا بد فيه من
تقدير، وكلا التقديرين محتمل والثاني بمنع الملازمة، وقيام الاحتمال إن لم
تدل قرينة على أحدهما، واعترض شيخنا الشهيد الثاني على الأصحاب في هذا المقام
وما وقع لهم من الاختلاف والنقض والابرام بأن المراد من الجنس الذي يكون
الإضافة المعنوية فيه بمعنى من، أن يكون المضاف جزئيا من جزئيات المضاف
إليه، بحيث يصح اطلاقه على المضاف، وعلى غيره أيضا، والأخبار به عنه، كخاتم فضة،
وباب ساج لاجزءا من كل، حيث لا يصح اطلاقه كبعض القوم، ويد زيد فإنك
تريد بالقوم الكل، والكل لا يطلق على البعض، وكذا القول في يد زيد، والحاصل
أن (من) التي تتضمنهما الإضافة هي التبيينية، لا التبعيضية، كما في خاتم فضة
وأربعة دراهم، وشرط (من) التبيينية أن يصح اطلاق المجرور بها على المبين، كما
في قوله تعالى (1) " فاجتنبوا الرجس من الأوثان " وقد صرح بهذا التحقيق الشيخ رضى،
وابن هشام، وناهيك بهما، وحينئذ فينبغي القول بحمل الإضافة في المسألتين على
معنى (من) رأسا، لأن الموضوع المضاف بعض العشرة، ولا يصح الأخبار به عنه،
فيتعين كونها بمعنى اللام.

(1) سورة الحج الآية 22.
213

نعم يمكن مع ذلك كون الوضيعة من نفس العشرة، كما يستفاد ذلك من
إضافته إلى الثمن. انتهى كلامه (قدس سره).
وناقشه في ذلك المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد بما يطول ذكره، مما
ليس في التعرض له كثير فايدة، والغرض من نقل كلامهم في المقام ليس إلا بيان
أنه لا يجوز الرجوع إلى التعليلات العقلية في الأحكام، لعدم انضباطها ووقوفها
على حد، لاختلاف الأفهام، والمسألة عارية من النص ولا يبعد القول فيها بالبطلان
لما عرفت من الاحتمالات المؤدية إلى الجهالة. والله العالم.
الفصل السادس في الربا
وهو لغة الزيادة قال الله تعالى (1) " فلا يربوا عند الله " وشرعا على ما ذكروه
بيع أحد المتماثلين المقدرين بالكيل أو الوزن بالآخر مع الزيادة في أحدهما حقيقة (2)
أو حكما، أو اقتراض أحدهما مع الزيادة وإن لم يكونا مقدرين بهما، إذا لم يكن الباذل للزيادة
حربيا ولم يكن المتعاقدان والدا مع ولده، ولا زوجا مع زوجته، وعلى تقدير القول بثبوته
في كل معاوضة يبدل البيع بالمعاوضة على أحد المتماثلين إلى آخر ما تقدم، وتحريمه
ثابت بالكتاب، والسنة، والاجماع قال الله تعالى عز وجل (2) " أحل الله البيع وحرم
الربا " وقال " يمحق الله الربا ويربي الصدقات " وقال " الذين يأكلون الربا

(1) سورة الروم الآية 39.
(2) كالدرهم بدرهمين، والزيادة الحكمية مثل زيادة الأجل بأن يبيع
قفيزا نقدا بقفيز نسيئة، فإن فيه زيادة حكمية من حيث أن للأجل قسط
من الثمن وكذا لو كانت الزيادة منفعة مثل أجرة دابة أو دار أو نحو ذلك
منه رحمه الله.
(3) سورة البقرة الآية م 275 276.
(4) سورة البقرة الآية م 275 276.
214

لا يقومون إلا كما يقوم الذين يتخبطه الشيطان من المس " وروى الصدوق في الفقيه
في الصحيح عن هشام بن سالم (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال درهم ربا
أشد عند الله من سبعين زنية كلها بذات محرم " ورواه الشيخ في الصحيح عن هشام
مثله إلا أنه ترك (عند الله).
وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن محمد بن قيس (2) عن أبي جعفر
(عليه السلام) " قال قال أمير المؤمنين (عليه السلام): آكل الربا وموكله وكاتبه
وشاهده فيه سواء ".
وعن ابن بكير في الموثق (3) " قال: بلغ أبا عبد الله (عليه السلام) عن
رجل أنه كان يأكل الربا ويسميه اللبا فقال: لأن أمكنني الله عز وجل منه لأضربن عنقه ".
وعن سعد بن طريف (4) عن أبي جعفر عليه السلام " قال: أخبث المكاسب
كسب الربا ".
وروى في الفقيه عن أبي بصير (5) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: درهم
ربا أشد من ثلاثين زنية كلها بذات محرم مثل خالة وعمة ".
وروى في الفقيه والتهذيب مسندا في الثاني ومرسلا في الأول (6) عن علي
(عليه السلام) " قال: لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) الربا وآكله ومؤكله

(1) الفقيه ج 3 ص 174 التهذيب ج 7 ص 14 الكافي ج 5 ص 144.
(2) الكافي ج 5 ص 144.
(3) الكافي ج 5 ص 147.
(4) الكافي ج ج ص 147.
(5) الفقيه ج 3 ص 174 التهذيب ج 7 ص 14.
(6) الفقيه ج 3 ص 174 التهذيب ج 7 ص 15 وليس فيه كلمة (وموكله).
215

وبايعه ومشتريه وكاتبه وشاهديه " إلى غير ذلك من الأخبار.
أقول: لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في التحريم مع العلم،
وعليه حملت الأخبار المذكورة، وكذلك لا خلاف في العذر مع الجهل، كما
رواه في الكافي في الصحيح عن هشام بن سالم (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" قال: سألته عن الرجل يأكل الربا وهو يرى أنه له حلال، قال: لا يضره حتى يصيبه
متعمدا، فإذا أصابه متعمدا فهو بالمنزلة التي قال الله عز وجل " ونحوها صحيحة
الحلبي (2) " قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): كل ربا أكله الناس بجهالة ثم تابوا
فإنه يقبل منهم إذا عرف منهم التوبة " وعلى ذلك أيضا يدل الآية الشريفة أعني قوله
سبحانه (3) " فله ما سلف " إنما الخلاف في وجوب ردما أخذه حال الجهالة بالتحريم
إذا علم بعد ذلك، فذهب الشيخ في النهاية والصدوق في المقنع على ما نقله في
المختلف إلى العدم.
قال في المختلف: ورواه الصدوق في الفقيه، ثم نقل عن ابن الجنيد أنه
قال: ومن اشتبه عليه الربا لم يكن له أن يقدم عليه إلا بعد اليقين بأن ما يدخل فيه
حلال، فإن قلد غيره أو استدل فأخطأ ثم تبين له أن ذلك ربما لا يحل، فإن كان
معروفا رده على صاحبه، وتاب إلى الله تعالى وإن اختلط بماله حتى لا يعرفه،
أو ورث ما لا يعلم أن صاحبه كان يربي، ولا يعلم الربا بعينه، فيعزله جاز له أكله،
والتصرف إذا لم يعلم فيه الربا (4).

(1) الكافي ج 5 ص 144 التهذيب ج 7 ص 15 رواه عن الحلبي.
(2) الكافي ج 5 ص 145.
(3) سورة البقرة الآية 275.
(4) أقول: لا يخفى أن فرض المسألة أنه أكل الربا حال الجهل، وبعد
العلم بالتحريم تاب عن ذلك، فحمل ما سلف على الذنب كما ذكروه
مع أنه لا ذنب في حال الجهل، هو بعد العلم بالتحريم قد تركه لا يخلو
من تعسف. منه رحمه الله
216

وقال ابن إدريس في السراير: قال شيخنا في نهايته: فمن ارتكب الربا
بجهالة ولم يعلم أن ذلك محظورا فليستغفر الله تعالى في المستقبل، وليس عليه
فيما مضى شئ، ومتى علم أن ذلك حرام ثم استعمله فكل ما يحصل له من ذلك
محرم عليه، ويجب رده على صاحبه.
قال محمد بن إدريس: قول شيخنا رحمه الله فمن ارتكب الربا بجهالة
ولم يعلم أن ذلك محظورا فليستغفر الله في المستقبل، وليس عليه فيما مضى شئ
المراد بذلك ليس عليه شئ من العقاب بعد استغفاره، لا أن المراد بذلك أنه ليس
عليه شئ من رد المال الحرام، بل يجب عليه رده على صاحبه، لقوله تعالى (1)
" فإن تبتم فلكم رؤس أموالكم " فأما قوله (2) " فمن جائه موعظة من ربه فانتهى فله
ما سلف " المراد به والله أعلم فله ما سلف من العذر وغفران الذنب، وحق
القديم سبحانه ببعد انتهائه وتوبته، لأن اسقاط الذنب عند التوبة تفضل عندنا، بخلاف
ما يذهب إليه المعتزلة.
وقيل في التفسير ذكره شيخنا في التبيان وغيره من المفسرين أن المراد
بذلك ما كان في الجاهلية من الربا بينهم، فقال: " فمن جائه موعظة من
ربه فانتهى فله ما سلف " فأما ما يجري من المسلم فيجب رده على صاحبه، سواء كان جاهلا
لحاله غير عالم أنه محرم أو كان عالما بذلك، فإنه يجب رد الربا على من أربى عليه من
المسلمين جميعا، فلا يظن ظان ولا يتوهم متوهم على شيخنا فيما قال غير ما حررناه. انتهى.
وإلى هذا القول ذهب العلامة في المختلف أيضا، قال: لأنها معاوضة باطلة،
فلا ينتقل بها الملك كغيرها من المعاوضات، واحتج للشيخ بالآية أعني قوله سبحانه
" فله ما سلف ".

(1) سورة البقرة الآية 279 - 275.
(2) سورة البقرة الآية 279 - 275.
217

وما رواه ابن بابويه عن الباقر (عليه السلام) " قال: قال: رسول الله
(صلى الله عليه وآله) قد وضع ما مضى من الربا وحرم ما بقي، فمن جهله وسعه
جهله حتى يعرفه ".
وعن الصادق (عليه السلام (2) " كل ربا أكله الناس بجهالة ثم تابوا فإنه
يقبل منهم إذا عرف منهم التوبة) ثم أجاب عن الجميع بالعود إلى الذنب
بمعنى سقوطه عنهم بالتوبة، أو ما كان في زمن الجاهلية.
أقول: والذي وقفت عليه من الأخبار ما رواه المشايخ الثلاثة، (عطر الله مراقدهم،)
في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (3) إلا أنه في الفقيه مرسلا " قال: قال
أبو عبد الله (عليه السلام) " كل ربا أكله الناس بجهالة ثم تابوا فإنه يقبل منهم إذا
عرف منهم التوبة، وقال: " لو أن رجلا ورث من أبيه مالا وقد عرف أنه في ذلك
المال ربا ولكن قد اختلط في التجارة بغيره حلال كان حلالا طيبا فليأكله،
وإن عرف منه شيئا معزولا أنه ربا فليأخذ رأس ماله وليرد الربا " وزاد في الكافي
والفقيه " وأيما رجل أفاد مالا كثيرا فيه من الربا فجهل ذلك. ثم عرفه بعد، فأراد أن
ينزعه فيما مضى فله، ويدعه فيما يستأنف ".
وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (4) عن أبي
عبد الله (عليه السلام) " قال: أتى رجل أبي فقال: إني ورثت مالا وقد علمت أن
صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربو وقد عرفت أن فيه ربا واستيقن ذلك، وليس

(1) التهذيب ج 7 ص 16 في ذيل حديث الوسائل الباب 5 من أبواب الربا
(2) الكافي ج 5 ص 145 التهذيب ج 7 ص 16 مع اختلاف يسير
الفقيه ج 3 ص 175.
(3) الكافي ج 5 ص 145 التهذيب ج 7 ص 16 الفقيه ج 3 ص 175 وفيه
والكافي (وقد أعرف) بدل (عرفت).
(4) الكافي ج 5 ص 145 التهذيب ج 7 ص 16 الفقيه ج 3 ص 175 وفيه
والكافي (وقد أعرف) بدل (عرفت).
218

يطيب لي حلاله، لحال علمي فيه، وقد سألت فقهاء أهل العراق وأهل الحجاز
فقالوا: لا يحل أكله من أجل ما فيه، فقال أبو جعفر (عليه السلام): إن كنت تعلم أن
فيه مالا معروفا ربا وتعرف أهله، فخذ رأس مالك، ورد ما سوى ذلك، وإن كان
مختلطا فكله هنيئا فإن المال مالك، واجتنب ما كان يصنع صاحبه، فإن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) قد وضع ما مضى من الربا وحرم عليهم ما بقي، فمن جهله
وسع له جهله حتى يعرفه، فإذا عرف تحريمه حرم عليه، ووجب عليه فيه العقوبة إذا
ارتكبه كما يجب على من يأكل الربا ".
وما رواه في الكافي عن أبي الربيع الشامي (1) " قال: سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن رجل أربا بجهالة، ثم أراد أن يتركه، فقال: أماما مضى فله،
وليتركه فيما يستقبل، ثم قال: إن رجلا أتى أبا جعفر (عليه السلام) فقال: إني قد ورثت
مالا وقد علمت أن صاحبه كان يربو، وقد سألت فقهاء أهل العراق وفقهاء أهل
الحجاز، فذكروا أنه لا يحل أكله فقال أبو جعفر (عليه السلام): إن كنت تعرف منه
شيئا معزولا وتعرف أهله وتعرف أنه ربا فخذ رأس مالك، ودع ما سواه، وإن كان
المال قد اختلط فكله هنيئا مريئا، فإن المال مالك، واجتنب ما كان يصنع صاحبك
فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد وضع ما مضى من الربا فمن جهله وسعه
أكله فإذا عرفه حرم عليه أكله، فإن أكله بعد المعرفة وجب عليه ما وجب على
آكل الربا ".
ورواه ابن إدريس في مستطرفات السراير من كتاب المشيخة للحسن
ابن محبوب نحوه.

(1) الكافي ج 5 ص 146 الوسائل الباب 5 من أبواب الربا الرقم 4.
(2) السرائر ص 475.
219

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم (1) " قال: دخل رجل على أبي
جعفر (عليه السلام) من أهل خراسان قد عمل بالربا حتى كثر ماله ثم إنه سأل الفقهاء
فقالوا: ليس يقبل منك شئ إلا أن ترده إلى أصحابه، فجاء إلى أبي جعفر (عليه السلام)
فقص عليه قصته فقال له أبو جعفر (عليه السلام): مخرجك من كتاب الله عز وجل (2) " فمن
جائه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله " والموعظة التوبة ".
وما رواه أحمد ابن محمد بن عيسى في نوادره (3) عن أبيه على ما نقله في الوسائل " قال: إن
رجلا أربى دهرا من الدهر فخرج قاصدا إلى أبي جعفر (عليه السلام) يعني الجواد
(عليه السلام) فقال له: مخرجك من كتاب الله يقول الله " فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما
سلف " والموعظة هي التوبة فجهله بتحريمه ثم معرفته به فما مضى فحلال، وما بقي فليستحفظ ".
وما ذكره الرضا عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي على ما نقله في كتاب
بحار الأنوار (4) " قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما خلق الله حلالا ولا حراما
إلا وله حد كحدود الدار، فما كان من حدود الدار فهو من الدار حتى أرش الخدش
فما سواه، والجلدة ونصف الجلدة، وأن رجلا أربى دهرا من الدهر فخرج قاصدا
إلى أبي جعفر (عليه السلام) فسأله عن ذلك، فقال له مخرجك من كتاب الله يقول الله "
الحديث المتقدم إلى آخره هذا ما وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة.
والظاهر منها بعد رد بعضها هو ما ذهب إليه الشيخ والصدوق في
هذه المسألة، فإن ظاهر صحيحة هشام بن سالم المتقدمة هو حل ما أكله حال الجهل،

(1) التهذيب ج 7 ص 15 الوسائل الباب 5 من أبواب الربا الرقم 7.
(2) سورة البقرة الآية 275.
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب الربا الرقم 10.
(4) بحار الأنوار ج 2 ص 170 الرقم 8 ط الحديث.
220

وأنه لا يضره ذلك حتى يكون متعمدا معني بالإثم، ولا يجب عليه رده إلا في صورة
العلم، وكذلك قوله (عليه السلام) في الرواية الخامسة والسادسة، " فما مضى فحلال
وما بقي فليتحفظ " فإنه كالصريح، بل صريح في حل ما أكله حال الجهل، وهو
أيضا ظاهر الروايات الباقية، فإنها متفقة في أنه مع الجهل لا يجب عليه رده، كما
أفتى به فقهاء العامة.
بقي الكلام في تفصيله (عليه السلام) في الأخبار الثلاثة الأول، وفرق بين
ما كان معزولا، وما كان مختلطا بما حلال، وهو بظاهره موافق لما تقدم نقله
عن ابن الجنيد، ويمكن حمل رد المعزول على الأولوية والاستحباب، وإن كان
الجميع حلالا من حيث الجهل، كما ينادي به سياق الأخبار المذكورة، سيما الخبر
الخامس والسادس كما عرفت.
وأما احتمال الحمل على الحل من حيث الاختلاط كما صار إليه بعض أفاضل
متأخري المتأخرين (1) لا من حيث الجهل، فهو بعيد عن سياق الأخبار المذكورة.
وأما قول العلامة (رحمه الله) لأنها معاوضة باطلة، فهو ممنوع، لأنها من
حيث الجهل صحيحة بحسب ظاهر الشرع، وثبوت البطلان بعد العلم يحتاج إلى
دليل، إذ الحل والحرمة والطهارة والنجاسة ونحوها مما تبنى على علم المكلف
وعدمه، لا على الواقع ونفس الأمر، كما مر تحقيقه في كتاب الطهارة من هذا
الكتاب.
وأما استدلال ابن إدريس ومثله العلامة في المختلف بقوله تعالى " وإن تبتم

(1) وهو المحدث الكاشاني والفاضل الخراساني في الكفاية حيث ذهبا
إلى أن الحرام المختلط بالحلال في المحصور حلال، وقد أوضحنا بطلانه
في كتابنا الدرة النجفية. منه رحمه الله.
(2) ج 1 ص.
221

فلكم رؤس أموالكم " فإن فيه أن سياق الآية على الاختصاص بالعالم المتعمد، وهذه
صورتها (1) " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين
فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم " الآية، ومن الظاهر أن
التهديد بالحرب لا يتوجه إلا إلى العالم.
ويؤيده تأييدا ما رواه الطبرسي في كتاب مجمع البيان (2) عن الباقر (عليه السلام)
في سبب النزول من أن الوليد بن المغيرة كان يربي في الجاهلية وقد بقي له بقايا
على ثقيف فأراد خالد بن وليد المطالبة بها بعد أن أسلم، فنزلت الآية.
وأما تأويل قوله سبحانه " ما سلف " بما ذكره من المعنى فهو تعسف محض،
والظاهر من الآية إنما هو حل ما سلف مما أكله حال الجهل كما دلث عليه الأخبار
المتقدمة، قال أمين الاسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان: " فله ما سلف " معناه
ما أخذه وأكل من الربا قبل النهي، ولا يلزمه رده.
قال الباقر (عليه السلام) (3): " من أدرك الاسلام وتاب مما كان عمله في الجاهلية
وضع الله عنه ما سلف ". انتهى.
وفيه دلالة على اختيار الطبرسي لما ذهب إليه الشيخ والصدوق في هذه
المسألة، والحمل على ما سلف في الجاهلية، لا ينافي ما سلف من حيث الجهل في الاسلام
أيضا، لاشتراك الجميع في الجهل الموجب لحل ما تقدم، وظاهر المحقق في النافع
القول بذلك أيضا، حيث قال: ولو جهل التحريم كفاه الانتهاء.
وبما قررناه وأوضحناه يظهر لك أن الأظهر هنا هو ما ذكره الشيخ والصدوق
وكيف كان فتحقيق البحث في هذا الفصل يقع في مسائل: الأولى

(1) سورة البقرة الآية 279.
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب الربا الرقم 8.
(3) المستدرك ج 2 ص 479.
222

من الشروط المعتبرة في الربا أن يكون العوضان من جنس واحد، والمراد بالجنس
هنا الحقيقة النوعية باصطلاح أهل المنطق، فإنه يسمى جنسا بحسب اللغة،
وضابطه أن يتناولهم لفظ خاص كالحنطة والأرز ونحوهما.
وينبغي أن يستثنى من هذه الضابطة الشعير، فإنه في باب الربا من أفراد الحنطة
مع أنه لا يتناوله لفظها ودخوله بالنص.
وأما العلس والسلت على القول بأنهما من أفراد الحنطة والشعير فدخلوهما
فيهما ظاهر وإن اختصا باسم آخر، وإلا فمقتضى الاسم عدم الالحاق، فلا يجوز
بيع أحد المتجانسين بالآخر مع الزيادة، ويجوز البيع وزنا بوزن وإن كان أصلهما
الكيل على أحد القولين، نظرا إلى أن الوزن أضبط، حتى قيل إنه أصل الكيل، بل
نقل بعضهم الاجماع على جواز بيع الحنطة والشعير وزنا، مع الاجماع على كونهما
مكيلين في زمنه (صلى الله عليه وآله) وقيل: بالعدم نظرا إلى ورود الشرع والعرف
بالكيل، فلا يعتبر بغيره، فيرجع حينئذ إلى ما علم من عصره (صلى الله عليه وآله)
وعصور الأئمة (عليهم السلام) في كونه مكيلا أو موزونا، ومع الجهل بذلك إلى
عادة البلد.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الثمن والمثمن أما أن يكونا ربويين، أو غير ربويين أو يكون
أحدهما خاصة ربويا فهيهنا أقسام ثلاثة: الأول أن يكونا معا ربويين، وحينئذ فلا يخلو إما أن
يتحد الجنسان أو يختلفا، وعلى الثاني فلا يخلو أيضا إما أن يكون أحدهما من النقود
والآخر عرضا من العروض، فهيهنا أيضا أقسام ثلاثة: الأول أن يكونا ربويين،
ويتحد الجنس، والواجب المساواة في القدر والحلول، فلا يجوز بيع أحدهما
بالآخر نسيئة، وإن تساويا في القدر جاز، قال في المختلف: ولا أعرف في ذلك
223

خلافا إلا قولا شاذا للشيخ، ذكره في الخلاف فإنه قال: إذا باع ما فيه الربا
من المكيل والموزون مختلف الجنس جاز بيع بعضه ببعض متماثلا يدا بيد، ويكره
نسيئة ثم اعتذر عنه بأنه قد يطلق على المحرم اسم المكروه. انتهى (1) وهو جيد،
الثاني أن يختلف الجنس ويكون أحدهما من الأثمان، والآخر من العروض ولا خلاف
في الصحة نقدا ونسيئة، لأنه مع النسيئة في أحدهما أما أن يكون من قبيل بيع
النسيئة المتقدم جوازه إن كان الأجل في الثمن، أو من قبيل السلف إن كان الأجل
في المبيع، وكلاهما جايزان.
الثالث أن يختلف الجنس ويكونا عرضين فإنه يجوز أحدهما بالآخر نقدا
متفاضلا ومتماثلا بلا خلاف، وإنما الخلاف في النسيئة مع التفاضل، فهل يجوز
أم لا؟ قال الشيخ في النهاية وابن حمزة: بالأول، وقال المفيد وسلار وابن البراج:
بالثاني، ونص ابن أبي عقيل وابن الجنيد على التحريم.
وقال الشيخ في المبسوط: بالكراهة، وبه قال ابن إدريس والعلامة في

(1) ثم إنه استدل على هذا الاطلاق قال في هذا الكتاب: بأنه يكره
الأكل والشرب في آنية الفضة وقصد التحريم، أقول: لا يخفى أن لفظ
الكراهة كما شاع استعماله في التحريم في الأخبار فالمتقدمون كثيرا ما
يجرون على نحو الأخبار في هذا الأبواب، ثم إن ظاهر الشيخ في المبسوط
موافقة ما ذكر في الخلاف حيث قال: وإن باع بعض الجنس يعني مما يكون
الثمن والمثمن ربويين بجنس مثله متفاضلا جاز، والأحوط أن يكون يدا
بيد. انتهى، وأنت خبير بأن ظاهر هذه العبارة لا تقبل التأويل المتقدم، ومنه
يقرب أن مراده بالكراهة في عبارة الخلاف إنما هو معنى الأصولي، وحينئذ
يكون المسألة محل خلاف، إلا أن قوله ضعيف، مردود بالأخبار الدالة
على كون ذلك ربا كما سيظهر لك انشاء الله تعالى. منه رحمه الله.
224

المختلف، احتج القائلون بالجواز بالأصل، وما نقل شايعا من قوله (عليه السلام) (1)
" إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم " هذا ما احتج به في المختلف لهذا القول.
أقول: ويدل عليه أيضا ما رواه في التهذيب والفقيه عن سماعة في الموثق (2)
" قال: سألته عن الطعام والتمر والزبيب؟ فقال: لا يصلح شئ منه اثنان بواحد
إلا أن تصرفه نوعا إلى نوع آخر، فإذا صرفته فلا بأس به اثنين بواحد وأكثر من
ذلك " واطلاقه دال على الجواز يدا بيد ونسيئة.
ونحوه أيضا ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (3)
عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث " قال. ويكره قفيز لوز بقفيزين، وقفيز
تمر بقفيزين، ولكن صاع حنطة بصاعين من تمر، وصاع تمر بصاعين من زبيب "
الحديث، إلا أن احتمال تقييد اطلاقهما بالأخبار الآتية قائم.
ثم إنه في المختلف نقل الاحتجاج للمانعين، بما رواه الحلبي (4) في الصحيح
عن الصادق (عليه السلام) " قال: ما كان من طعام مختلف أو متاع أو شئ من الأشياء
يتفاضل، فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يدا بيد، فأما نظرة فلا يصلح " ثم أجاب بأن
الربا من شرطه اتحاد الجنس على ما بينه علمائنا، ثم حمل الخبر على الكراهة.
أقول: ومما يؤيد هذه الرواية أيضا ما رواه في الكافي عن محمد بن سنان (5)
عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: ما كان من طعام مختلف أو متاع أو شئ من الأشياء يتفاضل
فلا بأس بيعه مثلين بمثل يدا بيد، فأما نظرة فلا تصلح ".

(1) المستدرك ج 2 ص 480.
(2) التهذيب ج 7 ص 95 الرقم 12 الفقيه ج 3 ص 178.
(3) الكافي ج 5 ص 189 التهذيب ج 7 ص 94.
(4) الكافي ج 5 ص 191 عن محمد عن أبي عبد الله (عليه السلام) التهذيب
ج 7 ص 93.
(5) الكافي ج 5 ص 191 التهذيب ج 7 ص 93 وفي المصدرين ليس فيهما
لفظ (ابن سنان).
225

وما رواه في التهذيب عن زياد بن أبي غياث (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
مثله إلا أنه قال: " وأما النسيئة فلا يصلح ولفظ لا يصلح عند الأصحاب من
الألفاظ الظاهرة في الكراهة، ولهذا حملوه ما ورد بهذا اللفظ على ذلك، وأيده ما
ذكر من أن شرط الربا اتحاد الجنس.
وروى في الكافي عن سماعة (2) في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" قال: المختلف مثلان بمثل يدا بيد لا بأس به ".
وفي صحيحة محمد بن مسلم (3) " قال: إذا اختلف الشيئان فلا بأس به مثلين
بمثل يدا بيد ".
وفي صحيحة الحلبي (4) " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الزيت
بالسمن اثنين بواحد، قال: يدا بيد لا بأس به " ولعل مستند القول بالكراهة هو الجمع
بين أدلة القولين، ويؤيده ما ذكره الثقة الجليل علي بن إبراهيم (5) على ما نقل
في الكافي في فصل طويل في هذا الباب " قال: فإذا اختلف أصل ما يكال فلا بأس
به اثنان بواحد يدا بيد، ويكره نسيئة " إلا أن احتمال التحريم في هذا اللفظ قائم،
لكثرة اطلاقه على ذلك في الأخبار وكلام المتقدمين، وكذا لفظ " لا يصلح " فإنه
كثيرا ما يستعمل في الأخبار في مقام التحريم وكيف كان فالمسألة لا تخلو من
شوب الاشكال.
الثاني أن يكونا غير ربويين كثوب بثوبين، وعبد بعبدين، ودابة بدابتين،
ولا خلاف في أنه يجوز ذلك نقدا وأما نسيئة فقولان: المنع وهو قول الشيخ

(1) التهذيب ج ص 118.
الكافي ج 5 ص 190.
(3) الكافي ج 5 ص 189 التهذيب ج 7 ص 95.
(4) التهذيب ج 7 ص 121.
(5) الكافي ج 5 ص 192.
226

في النهاية، فإنه قال: لا يجوز، وكذا في الخلاف والشيخ المفيد وابن ابن عقيل
وابن الجنيد. وقال الشيخ في المبسوط: يكره، وهو المشهور بين المتأخرين،
وأطلق الصدوقان الجواز.
احتج القائلون بالجواز بالأصل، وقوله (عليه السلام) (1) إذا اختلف الجنسان
فبيعوا كيف شئتم " وأن المقتضي موجود، والمانع مفقود، أما المقتضي فهو عموم
أدلة البيع. وأما عدم المانع فلأنه ليس إلا الربا وهو منفي هنا بالأخبار.
ومنها ما رواه المشايخ الثلاثة بأسانيد عديدة فمنها الموثق والصحيح عن
عبيد بن زرارة (2) " قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا يكون الربا إلا
فيما يكال أو يوزن ".
وما رواه في الكافي عن منصور (3) في الموثق " قال: سألته عن الشاة
بالشاتين، والبيضة بالبيضتين، قال: لا بأس ما لم يكن كيلا أو وزنا).
وما رواه في الفقيه عن داود بن الحصين (4) " أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الشاة بالشاتين، والبيضة بالبيضتين قال: لا بأس ما لم يكن مكيلا ولا موزونا ".
وما رواه في التهذيب عن منصور بن حازم (5) في الموثق عن أبي عبد الله
(عليه السلام) " قال: سألته عن البيضة بالبيضتين؟ قال: لا بأس به، والثوب بالثوبين؟
قال: لا بأس به، والفرس بالفرسين؟ قال: لا بأس به، ثم قال: كل شئ يكال
أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد، فإذا كان لا يكال ولا يوزن
فليس به بأس اثنان بواحد ".

(1) المستدرك ج 2 ص 480.
(2) الكافي ج 5 ص 146 التهذيب ج 7 ص 118 الفقيه ج 3 ص 175.
(3) الكافي ج 5 ص 191 التهذيب ج 7 ص 118 الفقيه ج 3 ص 178.
(4) الفقيه ج 3 ص 178.
(5) التهذيب ج 7 ص 119.
227

وما رواه في التهذيب أيضا في الموثق عن زرارة (1) عن أبي جعفر
(عليه السلام) " قال: لا بأس بالثوب بالثوبين ".
وما في كتاب الفقه الرضوي (2) قال: (عليه السلام) بعد نقل رواية عن
أبيه عليه السلام " وسئل عن الشاة بالشاتين والبيضة بالبيضتين؟ فقال: لا بأس ما لم يكن
كيلا ولا وزنا، وقال: أيضا (عليه السلام) ولو أن رجلا باع ثوبا بثوبين، أو حيوانا
بحيوانين من أي جنس يكون، لا يكون ذلك من الربا " واطلاق الجواز في هذه الأخبار شامل للنقد والنسيئة.
احتج القائلون بالمنع بجملة من الأخبار أيضا منها ما رواه المشايخ الثلاثة نور الله
تعالى مراقدهم في الصحيح عن زرارة (3) " عن أبي جعفر (عليه السلام) " قال: البعير
بالبعيرين، والدابة بالدابتين يدا بيد ليس به بأس " وزاد في الفقيه " قال: لا بأس
بالثوب بالثوبين يدا بيد ونسيئة إذا وصفتهما ".
ورووه أيضا بأسانيدهم، وفيها الصحيح عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله (4)
" قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن العبد بالعبدين، والعبد بالعبد والدراهم؟
قال: لا بأس بالحيوان كله يدا بيد "، وهما مشعران بالمنع عن النسيئة، كما يشعر
إليه الزيادة التي في الخبر الأول.
وما رواه في التهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم (5) " قال: سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الثوبين الرديين بالثوب المرتفع والبعير بالبعيرين،

(1) التهذيب ج 7 ص 119.
(2) المستدرك ج 2 ص 480.
(3) الكافي ج 5 ص 190 التهذيب ج 7 ص 118 الفقيه ج 3 ص 177.
(4) الكافي ج 5 ص 191 التهذيب ج 7 ص 118 الفقيه ج 3 ص 177.
(5) التهذيب ج 7 ص 120.
228

والدابة بالدابتين، فقال: كره ذلك علي (عليه السلام) فنحن نكرهه، إلا أن يختلف
الصنفان، قال: فسألته عن الإبل، والبقر والغنم أو إحداهن في هذا الباب؟ قال:
نعم نكرهه " والقائلون بالجواز حملوا هذه الأخبار على الكراهة، والأظهر حملها
على التقية كما اختاره بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين قال: لا خلاف
بين العامة في جواز بيع الحيوان بالحيوانين حالا، وأن الخلاف بينهم في
النسيئة فذهب الأكثر منهم إلى عدم الجواز، وذهب بعضهم إلى عدم الجواز في
المعدود.
أقول: وإلى ذلك يؤمي خبر سعيد بن يسار (1) المروي في الكافي والفقيه
" قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن البعير بالبعيرين يدا بيد ونسيئة؟ فقال:
نعم لا بأس إذا سميت بالأسنان جذعين أو ثنيين، ثم أمرني فخططت على النسيئة " فإن
الظاهر من الأمر هنا بضرب الخط على النسيئة بعد نفي البأس إنما هو لئلا يراه
العامة أو لئلا ينقل عنه.
ومثله قال في النهاية ذيل هذا الخبر، " لأن الناس يقولون لا " وإنما فعل ذلك
للتقية انتهى، والظاهر أنه من كلام الصدوق رحمه الله وروى الشيخ في التهذيب
في الصحيح عن سعيد بن يسار (2) " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن البعير
بالبعيرين يدا بيد ونسيئة؟ قال لا بأس به، ثم قال: خط على النسيئة " ومما ذكرنا
يظهر قوة القول المشهور. (3)

(1) الكافي ج 5 ص 191 الفقيه ج 3 ص 177.
(2) التهذيب ج 7 ص 117.
(3) أقول العجب من صاحب الكفاية، فإنه قال في صحيحة سعيد بن يسار
تصريح بجواز بيع البعير بالبعيرين نسيئة مع أن الخبر دل على أنه
(عليه السلام) أمر بالخط على النسيئة ايذانا بعدم الجواز، فكيف غفل عن
تتمة الخبر واستدل به على جواز البيع نسيئة والحال كما ترى، وبالجملة فالخبر ظاهر بالمنع، ولكن الجواب عنه ما ذكرنا في الأصل منه رحمه الله.
229

الثالث: أن يكون أحدهما ربويا، والآخر غير ربوي، ولا خلاف في
جواز بيع أحدهما بالآخر نقدا ونسيئة كيف اتفق إلا مع تأجيلهما، تساويا في الأجل
أو احتلفا، لأنه من قبيل بيع الدين بالدين، كما تقدم الإشارة إليه، وإن كان بعض
صوره لا يخلو من المناقشة كما سيأتي انشاء الله تعالى تحقيقه في باب الدين.
المسألة الثانية الأظهر الأشهر أن الحنطة والشعير هنا جنس واحد، فلا
يجوز التفاضل بينهما نقدا ولا نسيئة، ولا بيع أحدهما بالآخر نسيئة وإن تساويا،
وهو مذهب الشيخين، وظاهر الصدوق في الفقيه. حيث رواه ولم ينكره، وسلار
وأبو الصلاح وابن حمزة.
وقال ابن الجنيد: إنهما نوعان، وقال ابن أبي عقيل: وقد قيل لا يجوز
بيع الحنطة بالشعير إلا مثلا بمثل سواء، لأنهما من جنس واحد، بذلك جاءت بعض
الآثار عنهم (عليهم السلام) ثم قال: والقول والعمل على الأول، وإلى
هذا القول مال ابن إدريس، وأكثر من القول في ذلك، وطول بما لا معتمد عليه
ولا معول.
قال: لا خلاف بين المسلمين العامة والخاصة أن الحنطة والشعير جنسان
مختلفان حسا ولفظا، ولا خلاف بين أهل اللغة واللسان العربي في ذلك، فمن
ادعى أنهما كالجنس الواحد فعليه الدلالة، أخبار الآحاد ليست حجة، ثم لم يذهب
إلى هذا القول سوى الشيخ أبي جعفر والشيخ المفيد، ومن قلدهما، بل جملة
أصحابنا المتقدمين ورؤساء مشايخنا الماضين لم يتعرضوا لذلك، بل أفتوا وصنفوا
أن مع اختلاف الجنس يجوز بيع الواحد بالاثنين، وقوله (عليه السلام) (1)

(1) المستدرك ج 2 ص 480.
230

" إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم " والحنطة والشعير مختلفان صورة
وشكلا، ولونا وطعما، وادراكا وحسا، ثم أطال بما لا يرجع إلى طايل ولا يعود
إلى حاصل.
وجوابه فيما ادعاه من الاجماع المعارضة أولا بدعوى الشيخ الاجماع في
الخلاف على خلاف ما ذكره، وثانيا المنع من الاجماع الذي يدعيه لما عرفت،
فإنه لم يذهب إلى ما ذهب إليه إلا ابن الجنيد وابن أبي عقيل، ومن عداهما من
المتقدمين فهو إما مصرح بكونهما جنسا واحدا في هذا الباب، أو أنه يتعرض
لذكرهما، إن ذكروا أن مع اختلاف الجنس يجوز البيع كيف اتفق.
فالعمل عندنا على الأخبار الواردة في المقام السالمة من المعارض، ورده
لها بأنها أخبار آحاد مردود، بأن الواجب عليه مع رد هذه الأخبار ونحوها من
أخبار الشريفة الواردة في جملة الأحكام هو الخروج من هذا الدين وهذه الشريعة
إلى دين آخر، وشريعة أخرى، وتعلقه بالاجماع تعلق بما هو أوهن من بيت العنكبوت
وأنه لأوهن البيوت، كما تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب في مجلد كتاب الطهارة (1)
وفي باب صلاة الجملة.
وأما الأخبار الدالة على ما قلناه فمنها ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله مراقدهم)
عن أبي بصير (2) وغيره في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: الحنطة
والشعير رأسا برأس (لا يزداد) واحد منهما على الآخر ".
وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (3) عن

(1) ج 1 ص 35.
(2) الكافي ج 5 ص 187 التهذيب ج 7 ص 95 الفقيه ج 3 ص 178
في الكافي والفقيه. (لا يزداد).
(3) الكافي ج 5 ص 187 التهذيب ج 7 ص 94 (وليس فيه كلمة لا يباع).
231

أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: لا يباع مختومان من شعير، بمختوم من حنطة (ولا يباع)
إلا مثلا بمثل والتمر مثل ذلك، قال: وسئل عن الرجل يشتري الحنطة فلا يجد عند
صاحبها إلا شعيرا أيصلح له أن يأخذ اثنين بواحد؟ قال: لا، إنما أصلهما واحد "
وزاد في الكافي " وكان علي (عليه السلام) يعد الشعير بالحنطة " وعن هشام بن
سالم (1) في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: سأله رجل عن الرجل يبيع
الرجل الطعام الاكرار، فلا يكون عنده ما يتم له ما باعه، فيقول له خذ مني مكان
كل قفيز حنطة قفيزين من شعير حتى تستو في ما نقص من الكيل؟ قال: لا يصلح
لأن أصل الشعير من الحنطة، ولكن يرد عليه من الدراهم بحساب ما نقص من
الكيل " (2).
وعن عبد الرحمان بن أبي عبد الله (3) في الصحيح " قال: قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): أيجوز قفيز من حنطة بقفيزين من شعير؟ فقال: لا يجوز إلا مثلا بمثل
ثم قال: إن الشعير من الحنطة).
أقول: لعل الوجه فيما اشتملت عليه هذه الأخبار من أن الشعير من الحنطة
وأن أصلهما واحد، هو ما رواه الصدوق باسناده (4) " أن علي بن أبي طالب (عليه السلام)

(1) الكافي ج 5 ص 187 التهذيب ج 7 ص 96.
(2) أقول قد اشتهر في كلام الأصحاب أن لفظ (لا يصلح) من ألفاظ الكراهة
كما تقدم ذكره في غير مقام، مع أنه هيهنا إنما أريد به التحريم قطعا،
ومثله غيره من الأخبار، والحق أن هذا اللفظ من الألفاظ المتشابهة المحتملة
للحمل على كل من المعنيين إلا مع القرينة، فالاستدلال به على الكراهة بقول
مطلق مما لا وجه له. منه رحمه الله.
(3) الكافي ج 5 ص 188 التهذيب ج 7 ص 96.
(4) المستدرك ج 2 ص 481.
232

سئل عما خلق الله الشعير؟ فقال: إن الله (تبارك وتعالى أمر آدم (عليه السلام) أن
ازرع مما اخترت لنفسك، وجاءه جبرئيل بقبضة من الحنطة، فقبض آدم (عليه السلام)
على قبضة، وقبضت حواء على أخرى فقال: آدم (عليه السلام) لحواء لا تزرعي
أنت، فلم تقبل أمر آدم، فكلما زرع آدم جاء حنطة، وكلما زرعت حواء جاء
شعيرا " وبه يزول الاستبعاد الذي ذكره جملة من أولئك الأمجاد.
وما رواه في التهذيب في الصحيح عن صفوان (1) " عن رجل من أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: الحنطة والشعير لا بأس به رأسا برأس ".
وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث " قال: ولا يصلح الشعير بالحنطة إلا واحدا
بواحد " الحديث.
وما رواه في التهذيب عن أبي بصير (3) " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الحنطة بالشعير، والحنطة بالدقيق؟ فقال: إذا كان سواء فلا بأس، وإلا فلا "
وعن محمد بن قيس (4) في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام):
" قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا تبع الحنطة بالشعير إلا يدا بيد، ولا تبع
قفيزا من حنطة بقفيزين من شعير " الحديث.
وهذه الأخبار على كثرتها وصحتها لا معارض لها سوى ما ذكروه من
الوجوه التخريجية العليلة التي لا يجوز التعويل عليها في تأسيس الأحكام الشرعية
والله العالم.
بقي الكلام هنا في الجمع بين القاعدة المتفق عليها في كلام الأصحاب وهي

(1) التهذيب ج 7 ص 95.
(2) الكافي ج 5 ص 189 التهذيب ج 7 ص 94.
(3) التهذيب ج 7 ص 95.
(4) التهذيب ج 7 ص 95.
233

ما عرفت آنفا من اشتراط اتحاد الجنس في الربا الذي هو عبارة عن الحقيقة النوعية،
ولا ريب أن الحنطة والشعير في غير باب الربا جنسان، كما في باب الزكاة وفيما
لو حلف أو نذر أن لا يأكل الحنطة، فإن لا يحنث بأكل الشعير ونحو ذلك، ولاختلاف
مفهومها لغة وعرفا وبين الأخبار المذكورة الدالة على وقوع الربا فيهما بمعاوضة
أحدهما بالآخر، وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك: تخصيص القاعدة
المذكورة بالأخبار، بمعنى أنهما جنسان لاختلاف مفهومهما لغة وعرفا، إلا في الربا
للأخبار المتقدمة فإنهما فيه من جنس واحد، وأنت خبير بأن ظاهر جملة من الأخبار
المتقدمة أنهما جنس واحد مطلقا، لا بخصوص الربا، وأنه إنما وقع الربا فيهما من
هذه الحيثية الثابتة لهما مطلقا، كما يفسره حديث الصدوق المذكور لا أن اتحادهما
مخصوص بالربا، ولا مناص عن الاشكال إلا بخرم القاعدة المذكورة وابطالها وقد
قدمنا في الأبحاث المتقدمة أن الواجب هو الوقوف على موارد النصوص، وعدم
الاعتماد على قواعدهم المذكورة في غير موضع، واختلاف التسمية لا ينافي
الاتحاد حقيقة، كما في الحنطة والدقيق، فإن الحقيقة واحدة وإن اختلف الاسم.
وكأنه إلى ما ذكرنا أشار في التذكرة فقال: وبالجملة الاعتماد على
أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) والاختصاص باسم، لا يخرج المهية عن التماثل
كالحنطة والدقيق. انتهى.
وبالجملة أن اتحاد الاسم واختلافه علامة غالبة مبني عليها الحكم ما لم يحصل
أقوى منها، ولهذا يعمل على الاسم في غير الحنطة والشعير، وفيهما أيضا في غير
باب الربا مما أشرنا إليه آنفا وإن كانت حقيقتهما واحدة، وأصلهما واحد
بالنصوص المتقدمة، لكون أحكام الشرع تابعة للاسم والاطلاق العرفي، لا الحقيقي
النفس الأمري إلا مع دليل يدل عليه، ولما دلت النصوص على الاتحاد حقيقة
وأن ذلك كاف في باب الربا، فلا يحتاج إلى اتحاد الاسم، وإن عمل عليه في
غير ذلك والله العالم.
234

المسألة الثالثة الظاهر أنه لا خلاف في أن كلما يعمل من جنس واحد فإنه
يحرم التفاضل فيه، كالحنطة ودقيقها، إذ الطحن لا يخرجها عن الحقيقة، وكذا
كل جنس مع فرعه، مثل التمر والدبس والرطب والعصير، والعنب والزبيب.
والدبس ونحو ذلك، فيجوز بيع الحنطة بدقيقها متساويا لا متفاضلا ولا نسيئة
قال: في التذكرة وقد بينا أن أصل كل شئ وفرعه واحد، يباع أحدهما بالآخر
متساويا لا متفاضلا، ولا يجوز نسيئة إذا كان مما يكال أو يوزن، فيجوز بيع الحنطة
بدقيقها ودقيق الشعير وبسويقهما، والسويق بالدقيق عند علمائنا أجمع، وادعى
أيضا الاجماع في الاتحاد بين الحنطة وبين جميع ما يعمل منه، حتى بينها وبين
الخبز والهريسة، وكذا بين جميع أنواع اللبن، وما يحصل منه حتى بين الحليب
والكشك، والكامخ.
وقال في التذكرة أيضا: يجوز بيع الحنطة بالخبز متساويا نقدا، ولا يجوز
نسية ولا متفاضلا، ويجوز بيع الخبر بالخبر يابسا ورطبا ومختلفين، وبيع الفالوذج
بالحنطة، ونقل منع العامة في الكل.
أقول: والذي وقفت عليه من الأخبار في هذا المقام ما رواه في الكافي والتهذيب
في الموثق عن سماعة (1) " قال: سألته عن الحنطة والدقيق؟ فقال: إذا كانا سواء
فلا بأس ".
وما رواه أيضا عن محمد بن مسلم (2) في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام)
" قال: قلت: ما تقول في البر بالسويق؟ فقال: مثلا بمثل لا بأس به، قلت: أنه يكون
له ريع أو يكون له فضل، فقال: أليس له مؤونة؟ قلت: بلى قال: هذا بذا، وقال:
إذا اختلف الشيئان فلا بأس مثلين بمثل يدا بيد " قال في الوافي: لعل مراد السائل أن
البر له ريع أن فيه فضل، لأنه يزيد إذا أخبز، بخلاف السويق.

(1) الكافي ج 5 ص 188 التهذيب ج 7 ص 95.
(2) الكافي ج 5 ص 189 التهذيب ج 7 ص 95.
235

أقول: بل الظاهر أنما هو أنه متى بيع أحدهما بالآخر كيلا، لأنهما من
المكيلات (1) فإن الحنطة تكون أثقل، والسويق وهو الدقيق المقلو أخف، فيحصل
الريع والزيادة في الحنطة، ولهذا قيل: بالمنع هنا، والمشهور الجواز، فأجاب
(عليه السلام) بأن هذه الزيادة في مقابلة مؤنة طحنه إذا طحن ليكون دقيقا، فيكون
في قوة دقيق بدقيق متساويين.
وما رواه في الكافي في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم (2) عن أبي جعفر
(عليه السلام) " قال: الحنطة بالدقيق مثلا بمثل، والسويق بالسويق مثلا بمثل والشعير
بالحنطة مثلا بمثل لا بأس به ".
وما رواه في التهذيب والفقيه في الصحيح عن زرارة (3) عن أبي جعفر
(عليه السلام) " قال: الدقيق بالحنطة والسويق بالدقيق مثلا بمثل لا بأس به ".
وما رواه في الكافي والتهذيب عن سماعة في الموثق (4) " قال: سئل
أبو عبد الله (عليه السلام) عن العنب بالزبيب؟ قال: لا يصلح إلا مثل بمثل، قلت: والتمر
والزبيب، قال: مثلا بمثل " وفي التهذيب؟ على ما نقله في الوافي " قلت والرطب
والتمر " قال: وهو الصحيح، لجواز اختلاف الوزن في غير الجنسين كما صرح

(1) أقول: لا خلاف بينهم في أن الحنطة في زمنه (صلى الله عليه وآله)
أنه من المكيل، وأما الدقيق فقيل: إنه من الموزون، والذي صرح به
جملة من المحققين منهم المحقق الأردبيلي أنه كان مكيلا، قال: والظاهر
كونها في زمانه مكيلا كذلك، كما نقل ذلك في الحنطة بالاجماع انتهى
منه رحمه الله.
(2) الكافي ج 5 ص 189.
(3) التهذيب ج 7 ص 94 الفقيه ج 3 ص 178.
(4) الكافي ج 5 ص 190 التهذيب ج 7 ص 97.
236

به في الحديث الآخر، وأشار به إلى ما ذكره الكليني على أثره الخبر
المذكور قال: وفي حديث آخر بهذا الاسناد " قال: المختلف مثلان بمثل يدا بيد
لا بأس به ".
وعن أبي الربيع (1) " قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما ترى في
التمر والبسر الأحمر مثل بمثل؟ قال: لا بأس، قلت: والبختج والعصير مثلا بمثل؟
قال: لا بأس به ".
أقول: والبختج العصير المطبوخ، وهو معرب الپخته.
أقول: أقول: دلت هذه الأخبار على أن الحنطة والدقيق والسويق متحدة، وكذلك
العنب والزبيب، والعصير مطبوخا أو غير مطبوخ نوع واحد، ويمكن الحاق ما
عداها من فروع كل منهما، كما ذكره العلامة بالتقريب المتقدمة فإنها كلها متفرعة
من الحنطة والعنب، وعلى هذا القياس غيرهما من ساير الأنواع وفروعها.
إلا أن في المقام اشكالا أشار إليه المحقق الأردبيلي (قدس سره) ولا بأس بنقل
كلامه، قال بعد ذكر كلام العلامة هنا ونقل بعض أخبار المسألة ما ملخصه: لكن
فيه تأمل من حيث عدم انطباقه على القوانين، من حيث أنه لا يصدق على الكل اسم
خاص وأن له حقيقة واحدة، ولهذا لو حلف شخص أن لا يأكل أحدهما لا يحنث
بأكل الآخر، فيحتمل أن يكونا جنسين، وجواز بيع أحدهما بالآخر يكون كذلك،
ويكون الشرط للكراهة مع عدمه كما مر في ساير المختلفات.
ويمكن أن يقال: الضابط أحد الأمرين إما الاتفاق في الحقيقة، أو الاتحاد في
الاسم، وهنا الأول، ولم يتحقق الثاني وفيه تأمل.
ومن حيث إنه لا شك أن الحنطة إذا جعلت دقيقا تزيد، وهو ظاهر، ودلت
عليه صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة وانطباق الوجه المذكور فيها على قواعدهم

(1) الكافي ج 5 ص 190 التهذيب ج 7 ص 98.
237

يحتاج إلى التأمل، فلا ينبغي صحة بيع أحدهما بالآخر متساويا أيضا، للزيادة كما
في اليابس من جنس بآخر رطبا، مثل الرطب والتمر والعنب والزبيب كما سيجئ
فلا ينبغي النظر إلى مثل هذه الزيادة في وقت آخر بتبديل وتغيير، مع أنه معتبر
عندهم كما سمعت في الرطب والتمر فتأمل في الفرق.
ومن حيث إن الظاهر كونهما من المكيل في زمانه (صلى الله عليه وآله)
كما نقل ذلك في الحنطة بالاجماع، وعلى أنه يمكن أن يختار الوزن، لأنه أصل،
ويجوز بيع المكيل به، لاجماع المنقول في شرح الشرايع على جواز بيع
الحنطة بالوزن مع كونه مكيلا بالاجماع، ولكن الظاهر أنه تحصل الزيادة في
الحنطة على الدقيق بعد الطحن، فإن اختار الوزن تحصل هذه باعتبار الكيل، وإن
اختار الكيل تحصل الزيادة باعتبار الوزن، وهو ظاهر، فيمكن التوجيه بما تقدم
ولعل الأول أولى، والاجتناب أحوط. انتهى كلامه، (زيد مقامه).
أقول: منشأ هذه الاشكالات مراعاة القوانين التي صرحوا بها في هذا الباب
من اشتراط اتحاد الجنس، وأن الجنس، عبارة عماذا واحتمال كون الاتحاد والاختلاف
بالنظر إلى الحقيقة الأصلية وإن اختلفت أسماء أفرادها، أو أنه لا بد من الاتحاد في
الاسم، لدوران الأحكام الشرعية في جملة من المواضع مداره، والظاهر عندي من
الأخبار الواردة في هذا الباب هو أن المراد إنما هو الأول، وهو الاتحاد في الحقيقة
وإن تعددت أسماء أفرادها، لقوله (عليه السلام) في أخبار بيع الشعير بالحنطة:
" أصلهما واحد "، وقوله: " إن الشعير من الحنطة "، ومنعهم (عليهم السلام) في
الأخبار المتقدمة هنا من التفاضل في العنب وما خرج منه وتفرع عليه من زبيب
وعصير ودبس، وكذا الحنطة وما تفرع عليها من دقيق وسويق وخبز ونحو ذلك،
وهكذا في التمر والرطب الدبس ونحو ذلك، فيصير كل من هذه الأصول وما
تفرع منه نوعا واحدا وحقيقة واحدة وإن تعددت الأسماء، فإنه لا عبرة بتعددها
238

في هذا الباب وإن اعتبر ذلك في غيره من ساير أبواب الفقه، ودارت الأحكام
مدار التسمية.
ويعضد ما ذكرنا ما رواه ثقة الاسلام في الكافي عن علي بن إبراهيم (1)
عن رجاله في جل من المعاوضات، قال فيه ما صورته: وما كيل أو وزن مما أصله
واحد فليس لبعضه فضل على بعض كيلا بكيل، أو وزنا بوزن، فإذا اختلف أصل
ما يكال فلا بأس به اثنان بواحد يدا بيد ويكره نسيئة، إلى أن قال: وما كان أصله
واحدا وكان يكال أو يوزن فخرج منه شئ لا يكال ولا يوزن فلا بأس به يدا بيد،
ويكره نسيئة، وذلك كالقطن والكتان فأضله يوزن وغزله يوزن، وثيابه لا توزن
فليس للقطن فضل على الغزل، وأصله واحد، فلا يصلح إلا مثلا بمثل وزنا بوزن
فإذا صنع الثياب صلح يدا بيد والثياب لا بأس الثوبان بالثوب " إلى آخره وظاهر
الكليني القول بذلك حيث نقله ولم ينكره ولم يتعرض لرده بل حمل عليه، وبذلك
يظهر صحة ما ذكرناه.
وأما التمسك بأنه لو حلف أن لا يأكل أحدها فإنه لا يحنث بأكل الآخر فإنه
مردود بما قلناه، ومن اختصاص هذا الحكم بباب الربا كما سمعت من أخباره، وأما
ما عداه فإنه لا نزاع في ترتب الأحكام ودورانها مدار صدق الاسم، وبه يظهر ضعف
ما ذكره في الحيثية الأولى.
وأما ذكره في الحيثية الثانية من أن الحنطة بالدقيق مستلزم للربا للزيادة
في الحنطة، فهو مسلم، إلا أن أكثر الأخبار المتقدمة قد دل على الجواز، ولا مجال
لردها مع صحتها وصراحتها، ولعل الزيادة على هذا الوجه غير ملتفت إليها، على
أنه (عليه السلام) قد أجاب عن ذلك بأن هذه الزيادة في مقابلة المؤنة في طحن
الحنطة، كما قدمنا ذكره.
وأما قوله: وانطباق الوجه المذكور فيها على قواعدهم يحتاج إلى التأمل،

(1) الكافي ج 5 ص 192.
239

فإن فيه أولا ما قدمنا ذكره أن من الواجب الوقوف على ما دلت عليه الأخبار وافقت
قواعدهم أو خالفتها، وعدم ظهور وجه الفرق بين هذه الصورة، وبين بيع الرطب
بالتمر، من حيث حصول الزيادة الحكمية في الموضعين، وإليه أشار بقوله فتأمل
في الفرق لا يدل على العدم، بل يمكن أن يجعل ما ذكره (عليه السلام) وجه فرق،
بأنه وإن حصلت الزيادة الحكمية في ذلك الوقت، إلا أنه بعد صيرورة الحنطة
دقيقا، وظهور الزيادة على ذلك الدقيق المقابل حسا، فإن هذه الزيادة تكون في مقابلة
أجرة الطحن.
وثانيا أنه من الجايز عدم الالتفات إلى مثل هذه الزيادة الحكمية كما أشار
إليه بقوله فلا ينبغي النظر إلى مثل هذه الزيادة في وقت آخر، بل المعتبر في الزيادة
الموجبة للربا إنما هي الزيادة الحسية حال الكيل والوزن، وحينئذ يحمل تعليله
(عليه السلام) على أنه تعليل اقناعي لرفع استبعاد المخالفين.
وأما مسألة الرطب بالتمر الموجبة لدخول الشبهة هنا فسيأتي الكلام فيها
إن شاء الله تعالى ونقل الخلاف فيها، وبيان أن جملة من الأصحاب حملوا الأخبار
الواردة فيها على الكراهة دون التحريم، وبعض الأصحاب قصر الحكم على
مورد النص من الرطب بالتمر خاصة، فلا يتعدى إلى غيره.
وبذلك يظهر لك ما في قوله، مع أنه معتبر عندهم في الرطب والتمر،
وبالجملة فالواجب الوقوف على النص والعمل به وارتكاب التأويل بما يرجع
به إلى غيره من نصوص المسألة، وهو حاصل بما ذكرناه.
وبما أوضحناه يظهر لك أيضا ما في كلام المحقق المتقدم ذكره في
شرح قول المصنف، " والشئ وأصله كالزبد والثمن واللبن، " حيث قال: قد
مر بيانه وإن كان فيه تأمل من جهة عدم الاتحاد الاسم والخاصية، فلولا الاجماع
240

المفهوم من التذكرة لأمكن القول بالاختلاف، إلى أن قال: إذ الدليل على الكلية
غير واضح، لأنه ما وجد شئ صحيح صريح في الكلية، والاسم غير صادق، والاختلاف
ممكن حقيقة، بل هو الظاهر لاختلاف الخواص، مثل الخل والتمر، والجبن والحليب،
ويؤيده ما في صحيحة عبد الرحمن (1) بن أبي عبد الله " قال: سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن بيع الغزل بالثياب (المنسوجة) والغزل أكثر وزنا من الثياب،
قال: لا بأس "، إلى أن قال: وبالجملة الدليل غير قائم على الاتحاد بين الشئ الربوي
وأصله كلية، بل قائم على عدمه، والأصل وأدلة إباحة البيع دليل الجواز، إلا
أن كلام الأصحاب ذلك، فالخروج عنه مشكل، والاحتياط يقتضيه، والمسألة من
المشكلات كلها محلها، وقد ادعى الاجماع في أكثرها، حتى بين الحليب واللبن
والكشك والكامخ، والحنطة والخبز بجميع أنواعه والهريسة فما ثبت الاجماع
فيه لا يمكن الخروج عنه، وظاهر التذكرة الاجماع في كل أصل مع فرعه، وفرع
كل أصل مع آخر فتأمل انتهى.
أقول: إنه وإن لم يوجد هنا نص على الكلية المذكورة كما ذكره ولكن
لا يخفى أن ما أشرنا إليه من النصوص الواردة هنا وإن كان موردها جزئيات مخصوصة،
إلا أن الحكم فيها ليس مقصورا على تلك الجزئيات، لعدم الخصوصية، بل يتعدى
إلى ما ضاهاها، وإذا ضم إليها ما نقلناه عن الثقة الجليل علي بن إبراهيم من الكلام الذي
نقله عن مشايخه، وعليه اعتمد أيضا ثقة الاسلام، إذ من المعلوم أنه نقله له في
كتابه ليس إلا بقصد الافتاء والعمل عليه، كالأخبار التي نقلها في ذلك الكتاب،
ومن الظاهر الواضح الظهور أن هؤلاء الأجلاء الذين هم من أرباب النصوص
لا يذكرون هذا الكلام ويفتون به إلا مع ظهوره لهم عن أهل العصمة (صلوات الله عليهم)

(1) الكافي ج 5 ص 190 التهذيب ج 7 ص 120 وفي الكافي (المبسوطة)
بدل المنسوجة.
241

وهذا مما لا يختلجه الشك والريب، والكلام المذكور صريح في الكلية المذكورة،
فلا مجال للتوقف فيه، وأما ايراده صحيحة عبد الرحمان في بطلان الكلية المذكورة،
فقد ظهر جوابه من كلام علي بن إبراهيم المتقدم الدال على أن الفرع الملحق بأصله
في هذا الباب إنما هو إذا كان مثله في كونه مكيلا أو موزونا مثل أصله والثياب
ليست كذلك، كما صرح به فلا ورود لما أورده (قدس سره) هذا كله فيما:
يعمل من جنس واحد، كما تقدم في صدر المسألة، فلو كان من جنسين فإنه لا اشكال
ولا خلاف فيما أعلم في جواز بيعه بهما، وينصرف كل جنس من الثمن إلى ما
يخالفه من المبيع، ومن أجل ذلك لا يشترط مساواة جملة الثمن للمبيع قدرا، ولا
يعتبر معرفة كل واحد من الجنسين، بل يكفي معرفة المجموع، ويجوز أيضا بيعه
بأحدهما، ويشترط هنا زيادته على مجانسه زيادة تموله، بحيث يمكن فرض كونهما
ثمنا في بيع ذلك الجنس الآخر لو بيع منفردا وإن قلت وفي حكم المعمول من
جنسين ما لو ضم أحدهما إلى الآخر، وباعهما في عقد واحد وإن تميزا لتساوي
الفرضين في العلة المسوغة للبيع والله العالم.
المسألة الرابعة اختلف الأصحاب في بيع الرطب بالتمر، بل كل رطب
بيابسه، فقال الشيخ في النهاية: لا يجوز بيع الرطب بالتمر، مثلا بمثل، لأنه إذا
جف نقص، ولا يجوز بيع العنب بالزبيب إلا مثلا بمثل، وتجنبه أفضل، وقال
في الخلاف: لا يجوز بيع الرطب بالتمر، فأما بيع العنب بالزبيب أو ثمرة رطبة
بيابسها مثل التين الرطب بالجاف، والخوخ الرطب بالقديد، وما أشبه ذلك فلا نص
لأصحابنا فيه، والأصل جوازه لأن حملها على الرطب قياس، ونحن لا نقول به.
وقال في المبسوط: لا يجوز بيع الرطب بالتمر، لا متفاضلا ولا متماثلا على
حال، وكذا الخبز لا يجوز بيع لينه بيابسه، لا متماثلا ولا متفاضلا، ثم قال في موضع
آخر منه: بيع الرطب بالتمر لا يجوز إذا كان حرضا مما يؤخذ منه، فأما إذا كان
تمرا موضوعا على الأرض فإنه يجوز، وأما بيع العنب بالزبيب، والكمثري الرطب
242

والتين الرطب بالمقدد منه وما أشبه ذلك، فلا نص لأصحابنا فيه، والأصل جوازه
لقوله تعالى (1) " وأحل الله البيع " ثم قال: ولا يجوز بيع الحنطة المبلولة بالجافة
وزنا مثلا بمثل، لأنه يؤدي إلى الربا لأن مع أحدهما ماء فينقص إذا جف، والتفاضل
لا يجوز لفقد الطريق إلى العلم بمقدار الماء، وقال في الإستبصار: إن بيع الرطب
بالتمر مكروه لا محرم.
وقال ابن أبي عقيل: لا يجوز بيع التمر اليابس بالرطب، ولا الزبيب بالعنب،
لأن الزبيب والتمر يابسان، والرطب والعنب رطبان، وإذا يبسا نقصا، وكذا الفاكهة
اليابسة بالفاكهة الرطبة، مثل التمر بالرطب.
وقال ابن الجنيد: لا يشترى التمر اليابس بالرطب، لنهي النبي (صلى الله
عليه وآله) عن ذلك، وهذا في الفاكهة وغيرها من اللحم إذا كان من جنس واحد،
وسواء كان جفافه بالنار أو الهواء.
وقال ابن البراج: لا يجوز بيع الرطب بالتمر مثلا بمثل، ولا غير ذلك،
وقال ابن حمزة: لا يجوز بيع الرطب بالتمر ولا العنب بالزبيب، لا متماثلا
ولا متفاضلا.
وقال ابن إدريس: قول الشيخ: لا يجوز بيع الرطب بالتمر مثلا بمثل، لأنه
إذا جف نقص غير واضح، بل يجوز ذلك، ومذهبنا ترك التعليل والقياس، لأنه
كان يلزم عليه أنه لا يجوز بيع رطل من العنب برطل من الزبيب، وهذا لا يقول به
أحد من أصحابنا بغير خلاف، وأيضا لا خلاف أن بيع الجنس بالجنس مثلا بمثل
جايز سايغ، والمنع منه يحتاج إلى دليل، وقوله تعالى (2) " وأحل الله البيع
وحرم الربا " قال: وقد رجع شيخنا عما ذكره في نهايته في الثالث من استبصاره فقال:

(1) سورة البقرة الآية 275.
(2) سورة البقرة الآية 275.
243

الوجه في هذه الأخبار ضرب من الكراهة دون الحظر.
وقال العلامة في المختلف: المعتمد تحريم كل رطب مع يابسه إلا العرية.
وقال في الدروس: وما له حالتا جفاف ورطوبة يباع مع اتفاق الحال، ولو
اختلف الحال فالمشهور منع بيع الرطب بالتمر متساويا ومتفاضلا للرواية.
وقال في الإستبصار: وتبعه ابن إدريس بالجواز متساويا على الكراهة،
لعدم التصريح في الرواية، وأما العنب بالزبيب ونحوه مما ينقص عند الجفاف
فبعض من منع هناك فيه جوز هنا متماثلا في القدر، ومنع منهما ابن الجنيد والحسن وابن
حمزة والفاضل، وهو أولى، وظاهره التوقف في مسألة بيع الرطب بالتمر، حيث
اقتصر على نقل الخلاف خاصة، حكمه بالأولوية فيما عدا ذلك.
وقال المحقق في الشرايع: وفي بيع الرطب بالتمر تردد، وإلا ظهر اختصاصه
بالمنع، اعتمادا على أشهر الروايتين.
وقال في المسالك بعد نقل بعض أخبار المسألة المشتملة على علة التحريم:
والأقوى التحريم والتعدية إلى كل ما فيه العلة المذكورة، هذا ما حضرني من
أقوالهم.
وأما الأخبار الواردة في المقام فمورد أكثرها الرطب بالتمر، ومنها ما رواه
الكليني والشيخ في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" قال: لا يصلح التمر اليابس بالرطب، من أجل أن التمر يابس والرطب رطب،
فإذا يبس نقص " الحديث.
وصحيحة محمد بن قيس (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث " أن
أمير المؤمنين (عليه السلام) كره أن يباع التمر بالرطب عاجلا، بمثل كيله إلى أجل
من أجل أن التمر يبس فينقص من كيله ".

(1) الكافي ج 5 ص 189 التهذيب ج 7 ص 94.
(2) التهذيب ج 7 ص 96.
244

ورواية داود بن سرحان (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: لا يصلح
التمر بالرطب، إن الرطب رطب والتمر يابس، فإذا يبس الرطب ينقض ".
ورواية داود الابزاري (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: سمعته يقول: لا يصلح
التمر بالرطب التمر يابس والرطب رطب ".
وموثقة سماعة (3) قال: " سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن العنب بالزبيب؟
قال: لا يصلح إلا مثلا بمثل، قلت: والرطب والتمر قال: مثل بمثل " هكذا في رواية
الشيخ الخبر المذكور في التهذيبين. وفي رواية الكليني له، جعل عوض " والرطب
والتمر " " والتمر والزبيب " ورواية الشيخ أصح، لأنه مع اختلاف الجنسين لا بأس
باختلاف الوزن، ورواية أبي الربيع (4) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
ما ترى في التمر والبسر الأحمر مثلا بمثل؟ قال: لا بأس به، قلت: فالبختج والعصير مثلا بمثل؟ قال: لا بأس به ".
أقول لا يخفى أنهم في غير موضع من الأحكام متى ورد بلفظ " لا يصلح أو يكره "
فإنما يحملونه على الكراهة بالمعنى الأصولي دون التحريم، كما تقدم ذكره في غير
موضع، وقد تقدم التحقيق منا في غير موضع (5) أن الحق أن هذه الألفاظ ونحوها

(1) التهذيب ج 7 ص 90 الإستبصار ج 3 ص 93.
(2) التهذيب ج 7 ص 90 الإستبصار ج 3 ص 93.
(3) الكافي ج 5 ص 190 التهذيب ج 7.
(4) الكافي ج 5 ص 190 التهذيب ج 7 ص 97.
(5) أقول: وأما ما ذكره المحقق الأردبيلي حيث أنه اختار التحريم
في الجميع، من أن الظاهر أن " الكراهة " بمعنى التحريم، لما مر أن
عليا (عليه السلام) لا يكره الحلال حقيقة أنه من الظاهر الذي لا يمكن انكاره
كما لا يخفى على المتتبع بالأخبار، ورود الكراهة في الأخبار بالمعنيين
المذكورين، ومجرد ورود الكراهة بمعنى التحريم في بعض الأخبار
لا يقتضي حملها هنا على التحريم، بل غاية الأمر أن يكون محتملة للأمرين،
وهو قد صرح أيضا بأن " الكراهة ولا يصلح " إنما يستعمل غالبا في المباح،
فكيف يكون الظاهر هنا هو التحريم، ما هذه إلا مجازفة ظاهرة، كما لا يخفى
على المتأمل المنصف. (منه رحمه الله)
245

من الألفاظ المتشابهة، لوقوعها في الأخبار بمعنى التحريم تارة، وبمعنى الكراهة
بالمعنى الأصولي أخرى، فالأخبار المذكورة غير صريحة في التحريم، فلا يمكن
الخروج بها عن أدلة الجواز من الأصل، وعموم ما دل على جواز البيع كتابا
وسنة، وخصوص موثقة سماعة ورواية أبي الربيع المذكورتين وكذا
ما دل على صحة البيع مع تماثل الجنسين الربويين في الوزن مطلقا، وبذلك
يظهر أن ما ذكر من أن هذه الروايات صحيحة لا تعارضها رواية سماعة ولا رواية
أبي الربيع ليس في محله، لأنها وإن كانت صحيحة، إلا أنها غير صريحة في المطلوب
لما عرفت، سيما مع اعترافهم في غير موضع بذلك، كما ذكرناه، فكيف يستندون
إلى هذه الألفاظ في التحريم هنا، ومجرد كثرتها وتعددها وصحة أسانيدها لا تكون
قرينة على التحريم.
والظاهر أنه لأجل ما ذكرنا اختار في الكفاية الكراهة، وفاقا للشيخ في كتابي
الأخبار، وابن إدريس، وهو ظاهر الشهيد في الدروس، وأما تعدية الحكم إلى غير
الرطب والتمر بناء على ثبوت التحريم فيهما، فهو مبني على حجية العلة المنصوصة،
وفي ذلك كلام تقدم في مقدمات الكتاب في صدر مجلد كتاب الطهارة (1).
وكيف كان فالمسألة هنا لا تخلو من شوب الاشكال، والاحتياط مطلوب فيها
على كل حال والله العالم.
المسألة الخامسة قد عرفت مما تقدم أنه من المقرر في كلامهم أن كل شئ وما تفرع
منه جنس واحد، وكلما اشترك في الدخول تحت حقيقة من الحقايق فهو جنس واحد،
فالعنب والتمر وما يخرج منهما ويتفرع عليهما جنس واحد، وهكذا الحنطة وما يتفرع
عليها جنس واحد، ومنه الشعير كما تقدم ولحم المعز والضأن جنس واحد، لدخولهما
تحت لفظ الغنم، والبقر والجاموس عندهم جنس واحد، لدخولهما تحت جنس البقر،
والعراب وهي الإبل العربية، والبخاتي وهي الإبل الخراسانية جنس واحد والطيور
عندهم أجناس فالحمام كله (2) جنس على قول.

(1) ج 1 ص 63.
(2) قيل: وجه الخلاف هنا هو الشك في أن مقولية الحمام على ما تحته
246

وقيل: ما يختص من أنواعه باسم فهو جنس مغاير، واللحوم مختلفة باختلاف
أسماء حيواناتها، والألبان تتبع الحيوان في التجانس والاختلاف، والأدهان تتبع
ما يستخرج منه، والزبد والسمن والحليب والمخيض والأقط واحد، تابع لما يستخرج
منه، والخلول تابعة لأصولها، فخل التمر مخالف لخل العنب، وقالوا والوحشي
من الحيوانات مخالف لأنسيه، وقد ادعى في التذكرة الاجماع على أكثر هذه الأحكام، فإن ثبت، وإلا فللنظر في بعضها مجال.
ومن ذلك لحوم البقر والجاموس، ودعوى أنهما جنس واحد، لدخولهما
تحت لفظ البقر، كما يدل عليه كلام أهل اللغة، فلولا الاتفاق على ذلك لأمكن
المناقشة بالنظر إلى العرف، فإنه يأبى ذلك، مع أنه مقدم على اللغة عندهم، ومما
يؤيد كونهما نوعا واحدا ضم أحدهما إلى الآخر في الزكاة، وجعلهما جنسا واحدا،
ومن ذلك الحكم بأن الوحشي من الحيوانات مخالف لأنسيه، مع اندراجهما تحت
لفظ واحد وحقيقة واحدة، وهي المدار في الاتحاد، واختلاف الصور والخواص
ونحو ذلك قد تقدم أنه غير منظور ولا معتبر، كما في الشعير والحنطة وغيرهما.

مقولية النوع على أصنافه أو مقولية الجنس على أنواعه، فعلى الأول
يحرم بيع بعضها ببعض مطلقا، وعلى الثاني يختص كل نوع بحكمه، ولما كان
الوقوف على ذاتيات الحقائق عسيرا جدا ولم يمكن من جهة الشرع
قاطع لشئ، حصل الخلاف، وبهذا يحصل الفرق بين أفراد الحمام،
وأفراد البقر بالنسبة إلى الجاموس، فإنه قد ثبت شرعا أنهما نوع واحد،
تعدهما في باب الزكاة كذلك، وكيف كان فينبغي أن يعلم أن الربا
في الحمام ونحوه من الطير إنما هو في لحمه إذا بيع وزنا، وإلا فلو بيع
عددا أو جزافا فلا، إلا على القول بحصول الربا في المعدودات أيضا. (منه رحمه الله)
247

المسألة السادسة قال الشيخ في النهاية: لا يجوز بيع الغنم باللحم لا وزنا
ولا جزافا، وكذا قال المفيد وسلار وابن البراج، وفي الخلاف والمبسوط:
لا يجوز بيع اللحم بالحيوان إذا كان من جنسه، كلحم الشاة بالشاة، ولحم البقر
بالبقر، وإن اختلف لم يكن به بأس، وكذا قال ابن حمزة، وهو مذهب ابن
الجنيد أيضا، وقال ابن إدريس: يجوز ذلك إذا كان اللحم موزونا، سواء اتفق
الجنس أولا يدا بيد، وسلفا أيضا إن كان اللحم معجلا، دون العكس، إذ لا يجوز
السلف في اللحم، ويجوز في الحيوان.
قال في المختلف بعد نقل ما ذكرناه: والأقرب الأول، لنا أنه أحوط وأسلم
من الربا، ولأنه قول من ذكرنا من علمائنا، ولم نقف لغيرهم منا على مخالف،
وابن إدريس قوله محدث لا يعول عليه، ولا يثلم في الاجماع، ولأن الشيخ احتج
عليه في الخلاف باجماع الفرقة ونقله حجة لثقته وعدالته ومعرفته، وبما رواه غياث
ابن إبراهيم (1) في الموثق عن الصادق (عليه السلام) " أن أمير المؤمنين (عليه السلام)
كره اللحم بالحيوان " لا يقال: إن غياث ابن إبراهيم بتري والمتن غير دال على
المطلوب، إذ الكراهة لا تدل على التحريم، لأنا نقول: إن غياثا، وإن كان بتريا (2)
إلا أن أصحابنا وثقوه، فيغلب على الظن ما نقله، والظن يجب العمل به، والكراهة
تستعمل كثيرا في التحريم.
احتج ابن إدريس بأن المقتضى وهو قول الله تعالى (3) " أحل الله البيع "
موجود، والمانع وهو الربا منفي، ولأن الربا إنما ثبت في الموزون، والحيوان
الحي ليس بموزون، والجواب المنع من نفي المانع، ومن كون المانع هو الربا
خاصة، ولو قيل: بالجواز في الحيوان الحي دون المذبوح جمعا بين الأدلة كان

(1) الكافي ج 5 ص 191.
(2) وفي الجمع: البترية بضم الموحدة فالسكون فرق من الزيدية.
(3) سورة البقرة الآية 275.
248

قويا. انتهى كلامه زيد اكرامه.
أقول: هذا كلامه هنا، وفي التحرير اختار الجواز، استضعافا للرواية
المذكورة، وفي الإرشاد قال: ويجوز بيع لحم الغنم بالشاة على رأي، ثم إنه
لا يخفى ما في كلامه هنا من المجازفة والضعف الظاهر لكل ناظر، وما ذكره ابن
إدريس هو الموافق للقواعد الشرعية، والرواية ينبغي حملها على الكراهة بالمعنى
المصطلح، كما هو أحد معنييها في الأخبار، لعدم ظهور الموجب للتحريم، وأصالة
الصحة أقوى مستمسك في المقام.
ومن ثم إن العلامة في آخر كلامه قد عدل عما ذكره أولا وسجل به،
وقوله: ولو قيل: مع أن هذا قول ابن إدريس لا معنى له، إلا أن يريد من المتقدمين،
والظاهر أن مراده ذلك، حيث إنهم لا يعتبرون بأقوال المعاصرين، وإنما يعولون
على أقوال المتقدمين، كما يشعر به كلامه، وظاهر كلامه قدس سره في هذا المقام
أن محل الخلاف هنا هو الحيوان الحي مع اللحم، كما هو صريح كلام ابن إدريس،
ويشير إليه قوله هنا (ولو قيل)، إلى آخره.
وظاهر المحقق الأردبيلي في شرحه على الإرشاد أن محل الخلاف إنما هو الشاة
المذبوحة، قال: ينبغي عدم الخلاف بالجواز بالشاة حال حياتها متفاضلا، ونسيئة،
والخلاف بعد الذبح مع أحد الأمرين، فمن حيث إن العادة بيعها بالوزن بعده
فيتحقق شرط الربا وهو الجنسية والوزن هنا، ومن حيث إن المذبوح ليس يتعين
بيعه بالوزن، لعدم تحقق ذلك عادة، بل الظاهر جواز بيعه حينئذ جزافا، فليس
بموزون، إلى أن قال: وبالجملة لو ثبت أن بيع الحيوان المأكول بعد الذبح
لا يجوز إلا وزنا لا يجوز باللحم من جنسه متفاضلا ونسيئة، وإلا فلا.
أقول: فيه زيادة على ما تقدم أن ظاهر كلام الأصحاب أن الحيوان بعد الذبح
لا يباع إلا بالوزن، وأنه ليس محل خلاف كما ادعاه، مع أن كلامه في المقام لا تخلو
249

من تدافع، لأنه في الحيثية الأولى ذكر أن العادة بيعه بالوزن بعد الذبح، وبنى
التحريم على ذلك، وفي الحيثية الثانية نفي عدم تحقق ذلك عادة، وبنى عليه الجواز،
وهل هو إلا تناقض ظاهر كما لا يخفى على كل ناظر، فضلا عن الخبير الماهر.
ثم إن ممن اختلف كلامه في هذه المسألة أيضا المحقق، فقال: في الشرايع،
بالتحريم، وفي النافع. بالكراهة كما ذهب إليه ابن إدريس، وهذا القول الأخير
هو الذي نقله عنه في نكت الإرشاد، وقال في المسالك بعد قول المصنف " ولا يجوز
بيع لحم بحيوان من جنسه " إلى آخره: هذا هو المشهور بين الأصحاب، وخالف
فيه ابن إدريس فحكم بالجواز، لأن الحيوان غير مقدر بأحد الأمرين وهو قوي مع
كونه حيا، وإلا فالمنع أقوى، والظاهر أنه موضع النزاع انتهى.
وهو مؤيد لما قدمنا ذكره، وتنظر صاحب الكفاية فيه لعله مبني على ما ذكره
الأردبيلي مما قدمنا نقله عنه، وقد عرفت ما فيه.
وبالجملة فالتحقيق أن كلام المتقدمين ومن تبعهم من المتأخرين شامل
للحيوان الحي والمذبوح، كما هو ظاهر كلام العلامة في المختلف، في رده على
ابن إدريس، حيث التجأ إلى جواز أن يكون المانع أمر آخر غير الربا، ومثله الشهيد
في نكت الإرشاد، (1).

(1) أقول: قال الشهيد في نكت الإرشاد بعد قول المصنف ويجوز بيع
اللحم بالشاة على رأي ما لفظه: هذا مذهب ابن إدريس ونجم الدين،
وزاد ابن إدريس جواز اسلاف اللحم في الحيوان لا العكس، لعموم
" أحل الله البيع " ولأن الربا إنما هو في الموزون والمكيل، وظاهر أن
الشاة ليست أحدهما، وأجيب بأن العام يخصص بدليل، وبمنع اختصاص
الربا بما ذكره، ونمنع أنه من باب الربا، بل هو محرم لعلة، لا من جهة
الربا، ثم نقل مذهب الشيخين ومن تبعهما، وذكر احتجاج العلامة،
وظاهره التوقف، حيث اقتصر على نقل الأقوال، ولم يوضح شيئا
250

وابن إدريس ومن تبعه كالشهيد الثاني والمحقق الشيخ على، وإليه أشار
العلامة في آخر كلامه في المختلف، وهو مذهبه في التحرير والارشاد، والمحقق
في النافع فصلوا بين الحي والمذبوح، فوافقوهم في المذبوح، لكونه بعد الذبح
لحما لا يباع إلا بالوزن، وخالفوهم في الحي، لعدم بيعه وزنا، وهو الحق في المقام،
وبه يظهر أن محل الخلاف إنما هو في الحي خاصة، ويزيدك بيانا ما ذكره في
شرح اللمعة، حيث قال المصنف: " ولا يباع اللحم بالحيوان مع التماثل " فقال
الشارح: كلحم الغنم بالشاة إن كان مذبوحا لأنه في قوة اللحم، فلا بد من تحقق
المساواة، فلو كان حيا فالجواز قوي لأنه حينئذ غير مقدر بالوزن. انتهى.
المسألة السابعة الأشهر الأظهر أنه لا ربا إلا في المكيل والموزون، فما ليس
كذلك يجوز بيعه متساويا ومتفاضلا، وقيل: بثبوته في المعدود أيضا، ونقل عن
الشيخ المفيد وابن الجنيد وسلار.
والذي يدل على الأول جملة من الأخبار منها ما رواه المشايخ الثلاثة
(عطر الله مراقدهم) بأسانيد عديدة في الموثق عن عبيد بن زرارة (1) " قال: سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا يكون الربا إلا فيما يكال أو يوزن ".
وما رواه في الكافي عن منصور بن حازم (2) في الموثق " قال: سألته عن
الشاة بالشاتين، والبيضة بالبيضتين، قال: لا بأس ما لم يكن كيلا ولا وزنا ".
وما رواه في الفقيه عن داود بن الحصين (3) " أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام)

وقال في الدروس: ولا يجوز بيع اللحم بحيوان من جنسه على الأصح،
وتجويز ابن إدريس شاذ انتهى. منه رحمه الله.
(1) الكافي ج 5 ص 146 التهذيب ج 7 ص 94 الفقيه ج 3 ص 175
(2) الكافي ج 5 ص 191 التهذيب ج 7 ص 118.
(3) الفقيه ج 3 ص 178.
251

عن الشاة بالشاتين والبيضة بالبيضتين قال. لا بأس ما لم يكن مكيلا ولا موزونا ".
وما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (1) عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: لا بأس بمعاوضة المتاع ما لم يكن كيلا أو وزنا " ونحوها
موثقة أخرى لمنصور بن حازم، وقد تقدمت في المسألة الأولى.
وما رواه في الكافي (2) عن علي بن إبراهيم عن رجاله عمن ذكره في فصل
طويل في المعاوضات " قال: وما عد عددا ولم يكل ولم يوزن فلا بأس به اثنان
بواحد يدا بيد، ويكره النسيئة ".
وقال في كتاب الفقه الرضوي (3) " واعلم أن الربا ربا آن ربا يؤكل وربا
لا يؤكل، فأما الربا الذي يؤكل فهو هديتك إلى رجل تطلب الثواب أفضل منه،
فأما الربا الذي لا يؤكل، فهو ما يكال أو يوزن ".
واحتج الأصحاب على ذلك زيادة على الأخبار بأن الأصل الجواز، ولأن
الانسان مسلط على ماله، وحاكم فيه، فلا يمنع فيه إلا بدليل، ونقل عن
الشيخ المفيد أنه احتج بعموم النهي عن الربا، وهو في اللغة الزيادة، وهي متحققة
في المعدود.
وبما زواه محمد بن مسلم (4) في الصحيح " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الثوبين الرديين " الخبر وقد تقدم في المسألة الأولى.
وموثقة سماعة " قال: سألته عن بيع الحيوان اثنين بواحد، فقال: إذا
سميت الثمن فلا بأس ".

(1) الكافي ج 5 ص 189 التهذيب ج 7 ص 94 الفقيه ج 3 ص 178.
(2) الكافي ج 5 ص 192.
(3) المستدرك ج 2 ص 479.
(4) التهذيب ج 7 ص 120.
(5) التهذيب ج 7 ص 120.
252

وأجاب في المختلف عن الدليل الأول بأن الزيادة المطلقة غير معتبرة، بل
لا بد من شرايط معها، فخرجت الحقيقة اللغوية عن الإرادة، وعن الأحاديث بأن
الكراهة قد تكون للتنزيه بل هو المعنى المتعارف منها.
أقول: أما الخبر الأول فقد تقدم احتمال خروجه مخرج التقية أيضا.
وأما خبر الثاني فمن المحتمل قريبا أن يكون لفظ الثمن هنا وقع تحريف
لفظ السن، كما ورد في موثقة سعيد بن يسار " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن البعير بالبعيرين يدا بيد ونسيئة؟ فقال: نعم لا بأس إذا سميت بالأسنان جذعين
أو ثنيين، ثم أمرني فخططت على النسيئة " (1) وقد تقدم أن الأمر بالخط على النسيئة
إنما وقع تقية كما ذكره بعض مشايخنا (رضوان الله عليهم).
والشيخ (رضوان الله عليه) في الإستبصار قد حمل هذا الخبر على الاستظهار
والاحتياط، قال: لأن الأفضل والأحوط أن يقوم كل واحد منها على جهة ويكون
البيع على القيمة، وإن لم يكن ذلك محظورا.
وأيده بما رواه في الصحيح عن ابن مسكان (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
أنه سئل عن الرجل يقول: عاوضني بفرسي فرسك، وأزيدك قال: لا يصلح، ولكن
يقول: أعطني فرسك بكذا وكذا وأعطيك فرسي بكذا وكذا " وكيف كان فالعمل على
القول المشهور والله العالم.
المسألة الثامنة قالوا المعتبر في الكيل والوزن ما كان في عهده (صلى الله
عليه وآله) فمتى علم ذلك، اتبع وجرى فيه الربا وإن تغير حاله بعد، ولا فرق بين
أن يكون ذلك في بلده (عليه السلام) أو غير بلده إذا أقر أهله عليه، وما لم يعلم حاله
يتبع عادة البلدان، فإن اختلفت كانت لكل بلد حكم نفسه، مصيرا إلى العرف الخاص

(1) الكافي ج 5 ص 191 التهذيب ج 7 ص 118.
(2) التهذيب ج 7 ص 120.
253

عند تعذر العلم، فكل بلد يكون فيها مكيلا أو موزونا يثبت فيه الربا، وكل بلد لا
يكون كذلك يجوز البيع متفاضلا ونسيئة من غير مانع.
قال: بعض المحققين والظاهر أن الحكم للبلد، لا لأهله وإن كان في بلده
غيره، ولا يخفى ما فيه من الغموض، وإن كان مراده أن الحكم لأهل البلد الساكنين
فيها دون من خرج منها إلى بلد ليست كذلك، وقيل: وهو منقول عن الشيخين
وسلار.
وابن إدريس يغلب جانب التقدير بالكيل أو الوزن على جانب العدد والجزاف
أخذا بالأحوط (1).
ووجه الأول بأن المعتبر العرف عند عدم الشرع، وكما أن عرف تلك البلد
التقدير، فيلزمه حكمه، وعرف الأخرى الجزاف مثلا فيلزمه حكمه، صرفا للخطاب
إلى المتعارف من الجانبين. (2)

(1) أقول: التحقيق إن هذين القولين ينحلان إلى ثلاثة أقوال: أحدها
اعتبار التقدير في جميع الأشياء حذرا من الغرر المقتضي إلى التنازع،
ولأنه الأحوط، وهو قول الشيخ في النهاية، وتبعه سلار.
ثانيها اعتبار حكم الأغلب والأعم، لأن المعروف من عادة الشرع اعتبار
الأغلب دون النادر، وهذا مدلول عبارة الشيخ المفيد، وتبعه ابن إدريس:
وثالثها اعتبار كل بلد حكم نفسه، وهو مذهب الشيخ في المبسوط
والمحقق والعلامة وغيرهم منه رحمه الله.
(2) كما إذا كان ذلك الجنس مكيلا أو موزونا في بلد فإنه ربوي محرم
على أهل تلك البلد ببيعه متفاضلا، ولو أن أحد أهل هذه البلد خرج إلى
بلد يباع فيها ذلك الجنس جزافا فإنه يجوز له شراؤه جزافا ولا يحرم عليه
الزيادة باعتبار أنه في بلده ربويا، والظاهر أن هذا مراد المحق المذكور،
وإن كانت عبارته عن تأديته ظاهرة القصور.
منه رحمه الله
254

ووجه الثاني بصدق المكيل والموزون على ذلك في الجملة، قالوا: إنه قد
ثبت أن أربعة كانت مكيلة في عهده (صلى الله عليه وآله) وهي الحنطة والشعير والتمر
والملح، نقل عليه في التذكرة اجماع الأمة، فلا يباع بعضها ببعض إلا كيلا وإن
اختلف في الوزن، واستثنى في التذكرة ما يتجافى منه في المكيال، كالقطع
الكبار من الملح، فيباع وزنا لذلك، وما عداها إن ثبت له في عهده (صلى الله عليه
وآله) أحد الأمرين وإلا رجع إلى عادة البلد.
ولو عرف أنه كان مقدرا في عهده (صلى الله عليه وآله) وجهل اعتباره بأحدهما
قالوا: احتمل التخيير، وتعين الوزن، لأنه أضبط واختاره في التذكرة، واستحسنه
في المسالك.
أقول: وفي حكم الأربعة المذكورة في الاتفاق على كونهما من المكيل في عهده
(صلى الله عليه وآله) الدنانير والدراهم وكونهما موزونة، لاتفاق الأمة كما ذكره في التذكرة
أيضا على ثبوت الربا في هذه الستة أعني الأربعة المتقدمة مع هذين، ومن الظاهر
أن هذين ليست من المكيل، فليس إلا أنهما موزونة، ويعضده استفاضة الأخبار
بأنهما من الموزون في عصرهم (عليهم السلام).
ثم أقول: لا يخفى أن جميع الحبوب من حنطة وشعير وأرز وعدس وماش
والتمر والرطب ونحوها وما يتفرع من كل منها وكذا الألبان والأدهان ونحوها
في هذه الأزمنة المتأخرة إنما تباع بالوزن، والكيل الذي كان أولا غير معمول عليه
بين الناس بالكلية، فيشكل الحكم في هذه الأجناس الأربعة التي اتفقوا على كونها
مكيلة في عصره (صلى الله عليه وآله) باعتبار بيعها وزنا، حيث إنهم صرحوا بأن
ما كان مكيلا لا يجوز بيعه بغير الكيل، وكذا الموزون مع قطع النظر عن حصول الربا
وعدمه وهكذا يجري في باب الربا أيضا، وقد صرح في التذكرة بأنه لا يجوز بيع شئ من
المكيل بشئ من جنسها وزنا بوزن وإن تساويا.
نعم نقل في المسالك عن بعضهم أنه نقل الاجماع على جواز بيع الحنطة
255

والشعير وزنا، مع الاجماع كما عرفت على كونهما مكيلين في عصره
(صلى الله عليه وآله) وقال في التذكرة أيضا: وما أصله الكيل يجوز بيعه وزنا سلفا
وتعجيلا، ولا يجوز بيعه بمثله وزنا، لأن الغرض في السلف والمعجل تعيين جنس
معرفة المقدار، وهو يحصل بهما، والغرض هنا المساواة، فاختص المنع في بعضه
ببعض به، وقال أيضا: كما لا يجوز بيع الموزون بجنسه جزافا، كذا لا يجوز بيعه
مكيلا، إلا إذا علم عدم التفاوت فيه، وكذا المكيل لا يجوز بيعه جزافا ولا موزونا
إلا مع عدم التفاوت، وقال أيضا: لو كان حكم الجنس الواحد مختلفا في التقدير كالحنطة المقدرة بالكيل، والدقيق المقدر بالوزن احتمل تحريم البيع بالكيل والوزن
للاختلاف قدرا، وتسويغه بالوزن.
أقول لقائل أن يقول: إن المستفاد من الأخبار ثبوت الكيل والوزن في الجملة،
وأن البيع في جملة من الأخبار إنما يقع بهما، وأن الربا يقع فيهما، ولم يقم
لنا دليل واضح أن ما كان مكيلا لا يجوز بيعه وزنا، وكذا العكس سواء كان في
باب الربا أو غيره، سيما مع ما صرح به جملة منهم من أن الوزن أضبط، وأنه الأصل،
وعموم أدلة جواز البيع كتابا وسنة يقتضي الجواز كيف اتفق من أحد هذين الأمرين،
ويعضده ما تقدم من نقل الاجماع على جواز بيع الحنطة الشعير وزنا مع الاجماع
على أنها من المكيل في عصره (صلى الله عليه وآله).
وبالجملة فأقصى ما يستفاد من الأدلة في باب البيع هو وجوب معرفة المبيع
والثمن بالوزن أو المكيل، دفعا للغرر والنزاع، وكذا في باب / الربا أنه لا يقع إلا في
المكيل أو الموزون، وأما أن ما علم كونه في الزمن السابق مكيلا أو موزونا لا يجوز
الخروج من أحدهما إلى الآخر فلم نقف فيه على دليل، وأصالة العدم قائمة، وأصالة
الصحة في العقود ثابتة، حتى يقوم دليل على الخروج عن ذلك.
وكيف كان فالأولى مراعاة الاحتياط في أمثال هذه المقامات والله العالم
بحقايق أحكامه.
256

المسألة التاسعة المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لا ربا بين
الوالد وولده، ولا بين المولى ومملوكه، ولا بين الرجل وزوجته، وعن المرتضى
(رضي الله عنه) في بعض أجوبته: أنه حكم بثبوت الربا بينهم، وحمل الخبر الوارد
بالنفي على النهي، وجعله من قبيل قوله (سبحانه) (1):
" فلا رفث ولا فسوق " إلا أنه صرح بالرجوع من ذلك، وانتصر للقول المشهور
وادعى عليه الاجماع قال (قدس سره): قد كنت فيما تأولت في جواب مسائل
وردت من الموصل الأخبار التي يرويها أصحابنا المتضمنة لنفي الربا بين من ذكرناه
على أن المراد بذلك وإن كان بلفظ الخبر معنى الأمر، كأنه قال: يجب أن
لا يقع بين ما ذكرناه ربا، كما قال الله (تعالى) (2) " ومن دخله كان آمنا " وقوله
(تعالى) (3) " فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج " وقوله عليه السلام (4)
" العارية مردودة (5) والزعيم غارم " ومعنى ذلك كله معنى الأمر والنهي، وإن كان
بلفظ الخبر واعتمدنا في نصرة هذا المذهب على عموم ظاهر القرآن وأن الله حرم
الربا على كل متعاقدين بقوله " ولا تأكلوا الربا " وهو شامل للوالد وولده،
والرجل وزوجته، ثم لما تأملت ذلك رجعت عن هذا المذهب لأني وجدت أصحابنا
مجمعين على نفي الربا بين من ذكرناه، وغير مختلفين فيه في وقت من الأوقات،
واجماع هذه الطائفة قد ثبت أنه حجة، ويخص بمثله ظواهر القرآن، والصحيح
نفي الربا بين من ذكرناه إلى آخر كلامه زيد في مقامه.

(1) سورة البقرة الآية 197.
(2) سورة آل عمران الآية 97.
(3) سورة البقرة الآية 197.
(4) المستدرك ج 2 ص 507.
(5) المستدرك ج 2 497.
(6) سورة آل عمران الآية 13.
257

وابن الجنيد فصل هنا بين الوالد وولده فقال: لا ربا بين الوالد وولده،
إذا أخذ الوالد الفضل إلا أن يكون له وارث أو عليه دين.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه في الكافي عن
عمرو بن جميع (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام)
ليس بين الرجل وولده ربا، وليس بين السيد وعبده ربا " ورواه في الفقيه مرسلا
عن النبي (صلى الله عليه وآله) مثله، قال: في الكافي وبهذا الاسناد (2) " قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): ليس بيننا وبين أهل حربنا ربا، نأخذ منهم ألف
درهم بدرهم، نأخذ منهم ولا نعطيهم " ورواه في الفقيه (3) مرسلا بنقصان قوله
" نأخذ منه ألف درهم بدرهم " واثبات ما قبله وما بعده.
وما رواه في الكافي عن زرارة وعن محمد بن مسلم (4) عن أبي جعفر
(عليه السلام) " قال: ليس بين الرجل وولده ولا بينه وبين عبده، ولا بينه وبين
أهله ربا، إنما الربا فيما بينك وبين ما لا تملك، قلت: فالمشركون بيني وبينهم
ربا؟ قال: نعم، قلت: فإنهم مماليك، فقال: إنك لست تملكهم، إنما تملكهم مع غيرك
أنت وغيرك فيهم سواء، والذي بينك وبينهم ليس من ذلك، لأن عبدك ليس مثل
عبدك وعبد غيرك " ورواه في التهذيب عن زرارة ومحمد عنه (عليه السلام) مثله.
وما رواه في الفقيه مرسلا قال: " قال الصادق (عليه السلام): ليس بين
المسلم وبين الذمي ربا، ولا بين المرأة وزوجها ربا ".
وما رواه في الفقيه (6) " قال سأل علي بن جعفر أخاه موسى بن جعفر (عليه السلام)

(1) الكافي ج 5 ص 147 الفقيه ج 3 ص 176.
(2) الكافي ج 5 ص 147 الفقيه ج 3 ص 176.
(3) الفقيه ج 3 ص 176.
(4) الكافي ج 5 ص 147 التهذيب ج 7 ص 17.
(5) الفقيه ج 3 ص 178 الوسائل الباب 7 من أبواب الربا الرقم 5 - 6 - 7.
(6) الفقيه ج 3 ص 178 الوسائل الباب 7 من أبواب الربا الرقم 5 - 6 - 7.
258

" عن رجل أعطى عبده عشرة دراهم، على أن يؤدي العبد كل شهر عشرة دراهم
أيحل ذلك؟ قال لا بأس " ورواه في التهذيب مسندا عن علي بن جعفر عن
أخيه (عليه السلام) مثله " ورواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه (عليه السلام) مثله،
وزاد: وسألته عن رجل أعطى رجلا ثمانمائة درهم يعمل بها على أن يعطيه خمسة
دراهم أو أقل أو أكثر هل يحل ذلك؟ قال: لا هذا الربا محضا وقال (عليه السلام)
في كتاب الفقه الرضوي: (1) " وليس بين الوالد وولده ربا، ولا بين الزوج والمرأة،
ولا بين المولى والعبد، ولا بين المسلم والذمي " انتهى.
قال في الكفاية: ومستند المشهور رواية زرارة ومحمد بن مسلم مؤيدة
برواية عمرو بن جميع، وشئ منها لم يبلغ حد الصحة، مع أن عموم الكتاب
والأخبار الكثيرة يخالفه، فإن ثبت اجماع كان هو المتبع، وإلا فالصواب العمل بالكتاب
انتهى.
وضعفه أظهر من أن يخفى، فإنه لا خلاف بين الأصحاب ممن ذهب إلى
هذا الاصطلاح المحدث ومن لم يذهب إليه في العمل بهذه الأخبار ولم يقل أحد
منهم غير المرتضى ومن يحذو حذوه وهو أقل قليل على غير هذا الأخبار لصحتها
وصراحتها.
فأما صحتها عند المتقدمين فظاهرة، وأما عند المتأخرين فلجبر ضعف أسانيدها
باتفاق الأصحاب على العمل بها، وبها خصصوا عموم الكتاب والأخبار المذكورة،
على أن الدليل غير منحصر في الروايتين المشار إليهما في كلامه، بل هو مضمون أخبار
عديدة، وفيها الصحيح كرواية علي بن جعفر برواية الفقيه، فإن طريقه في المشيخة
إلى علي بن جعفر صحيح، وهي من مرويات كتابه، وهو من الأصول المشهورة
الثابتة الصحة.
وبالجملة فإن ما ذكره هنا، من المناقشات الواهية التي لا يلتفت إليها، والظاهر

(1) المستدرك ج 2 ص 480.
259

أنه تبع في هذا المقام المحقق الأردبيلي حيث أشار إلى ذلك فقال بعد نقل روايتي
عمرو بن جميع وزرارة ومحمد بن مسلم ونقل دعوى المرتضى الاجماع ما
ملخصه: والاجماع غير ظاهر، ولهذا ذهب السيد إلى الثبوت، وقال: معنى نفي
الربا نهي مثل " لا رفث ولا فسوق ولا جدال " وابن الجنيد ذهب إلى عدم الثبوت من
جانب الواد فقط، والحديث غير صحيح، وعموم أدلة التحريم قول، ويمكن
أن يقال: لا ربا بين الرجل وولده بمعنى جواز أخذ الوالد من مال ولده لا العكس،
ويؤيد بأخبار أخر مثل أن الولد وماله لوالده. انتهى.
وفيه أولا ما عرفت آنفا، وثانيا أن الاستناد في عدم ظهور الاجماع إلى كلام
المرتضى المذكور عجب منه (قدس سره) فإن المرتضى قد عدل عن هذا الكلام
بعد ظهور الاجماع له، كما صرح به في كلامه المتقدم، وهو مؤذن بأن قوله بهذا
القول وقع غفلة وذهولا عن ملاحظة الاجماع، فلما انكشف له ثبوت الاجماع عدل
عنه إلى قول المشهور فصار هذا الكلام في حكم العدم، فكيف يصلح لأن يطعن به
على دعوى الاجماع.
وثالثا أن ما ادعاه من حمل نفي الربا بين الوالد والولد على الصورة المذكورة
مستندا إلى الأخبار المشار إليها مردود بما حققناه في تلك المسألة، من أن هذه
الأخبار على ظاهرها مخالفة للعقل والنقل، كتابا وسنة، مع معارضتها بغيرها، وبينا
أنها إنما خرجت مخرج التقية، فلا اعتماد عليها في حد ذاتها فضلا عما ذكره هنا.
وبالجملة فإن مناقشة في المقام بعد ما عرفت من أخبارهم (عليهم السلام)
واتفاق الأصحاب على العمل بها قديما وحديثا مما لا ينبغي أن يصغى إليها، ولا
يعرج في مقام التحقيق عليها، ولم يبق إلا خلاف ابن الجنيد، وضعفه كساير أقواله
التي ينفرد بها أظهر من أن يذكر، وأقواله غالبا لا يخرج عن مذهب العامة، ولهذا
صرح جملة من علماء الرجال باطراح أقواله لعمله بالقياس المتفق على النهي عنه
في الشريعة نصا وفتوى، مع ظهور الأخبار المذكورة في رده، فنقل المحقق المذكور
260

لقوله للتسجيل به على الطعن في الاجماع غير حقيق بالاتباع والاستماع.
بقي الكلام هنا في مواضع الأول هل المراد بالولد في هذا المقام، هو
الولد النسبي دون الرضاعي، وأن يكون للصلب فلا يتعدى إلى الجد مع ولد الولد؟
اشكال ينشأ من الاقتصار في الرخصة على مورد اليقين، ومن صحة اطلاق الولد
شرعا على من ذكرناه من ولد الولد بل ولد البنت، كما تقدم تحقيقه في كتاب
الخمس. وكذا الولد الرضاعي، إلا أن الظاهر في الولد الرضاعي بعده، لعدم
انصراف الاطلاق إليه ما لم يقيد، وأما الولد مع الأم فلا اشكال في ثبوت الربا
بينهما، وبما ذكرنا من تخصيص الولد بالنسبي وأن يكون للصلب صرح شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك والروضة مع احتمال المعنى الآخر، ونحوه المحقق الشيخ
على (قدس سره) في شرح القواعد، وبالعموم صرح في الدروس فقال: ولا بين الولد
ووالده وإن علا والاحتياط يقتضي الاقتصار على المعنى الأول.
الثاني الأكثر على أنها لا فرق في الزوجة بين الدائمة والمتمتع بها، وبه
صرح العلامة في أكثر كتبه وغيره، لعموم النص ونقل عن العلامة في التذكرة أنه
خص الزوجة بالدائم، مستندا إلى أن التفويض في مال الرجل إنما ثبت في حق
الدائم، فإن للزوجة أن يأخذ من مال الرجل المأدوم. ورد بأن في معارضة ذلك
لعموم النص منع ظاهر.
وظاهر المحقق الأردبيلي المناقشة هنا أيضا بناءا على ما قدمنا نقله عنه، حيث
قال: وأما بين الزوجة والزوج فمثل ما تقدم، فإن كان اجماع يقتصر عليه مثل الدائمة،
كما اختاره في التذكرة مؤيدا بجواز أكلها من بيت زوجها، وفي بعض الروايات
الصحيحة تسلط الزوج على ما لها بحيث لا يجوز لها العتق إلا بإذنه، فلا يبعد عدمه
بينهم من الطرفين على تقدير الاجماع، وإلا فعموم أدلة منع الربا متبع. انتهى وضعفه
ظاهر مما قدمناه.
الثالث الظاهر من كلام أكثر الأصحاب أنه لا ربا بين المسلم والحربي،
261

بمعنى أن للمسلم أخذ الفضل منه، دون العكس، فإنه محرم، وأطلق جماعة نفي الربا
بينهما من غير فرق بين أخذ المسلم الزيادة أو الحربي. وممن أطلق الشيخ في النهاية،
ومقتضاه جواز أخذ الحربي الزيادة، ورده ابن إدريس وهو الحق.
وبنحو ما ذكره الشيخ صرح ابن البراج، فقال: ولا ينعقد الربا بين الوالد
وولده، والسيد وعبده، والحربي والمسلم، والمرأة وزوجها، يجوز أن يأخذ كل
واحد ممن ذكرنا من صاحبه الدرهم بدرهمين، والدينار بدينارين.
والذي يدل على ما هو المشهور ما تقدم نقله عن النبي (صلى الله عليه وآله)
برواية الكافي والفقيه (1) من نفي الربا بين المسلم وأهل الحرب، وأن المسلم
يأخذ منهم ولا يعطيهم، وهو صريح في المطلوب، ولا يضر ضعف السند عندنا سيما
مع تأيد ذلك بحل مال الحربي، وقد صرح في التذكرة بأنه لا فرق بين كونه معاهدا
أم لا، لأن الحربي فيئ لنا وأمانة، وإن منع من أخذ ماله من غير حق، إلا أنه إذا
رضي بدفع الفضل انتقض أمانه فيه.
بقي الكلام في رواية زرارة ومحمد بن مسلم من حيث دلالتها على حصول
الربابين المسلم والمشرك، ولم أقف على من تعرض لنقلها في المقام، فضلا عن
الجواب عنها إلا المحقق الأردبيلي، وظاهره الجمع بينها وبين الرواية المتقدمة
مع ميله إلى العمل برواية زرارة ومحمد بن مسلم لوضوح سندها وتأيدها بعموم
الأدلة كما أشار إليه آنفا بحمل الرواية الأولى على غير المعاهد، وحمل هذه على
المعاهد، والأصحاب كما تقدم في كلام العلامة لم يفرقوا بينهما، كما هو ظاهر
الخبر الأول.
الرابع نفي الربا في الأخبار المتقدمة بين السيد وعبده، أما من حيث عدم
ملكه فالبيع غير صحيح، والأمر واضح، لصدق عدم الربا، وأما بناء على ملكه
فيكون العلة النص، وإن لم يظهر له وجه ينزل عليه، وكان الأولى لمن يقول بعدم

(1) الفقيه ج 3 ص 176.
262

ملكه ترك ذكره في هذا المقام، إلا أنه لما ورد به النص تعرضوا له. (1)
وظاهر المحقق الأردبيلي هنا أيضا المناقشة في الحكم على تقدير القول بملكه،
قال: وأما عدم الثبوت بين العبد وسيده، فبناء على القول بأنه لا يملك واضح، وأما
على القول الآخر فلا يظهر، إذ الرواية غير صحيحة، ولا يعرف غيرها، إلا أن يدعى
الاجماع فيقتصر على موضعه وهو القن الخاص لا المكاتب مطلقا، ولا المشترك كما
يشعر به الرواية المتقدمة. انتهى.
وفيه أن الرواية التي أشار إليها، وهي رواية زرارة ومحمد بن مسلم (2)
وظاهره أنه لم يطلع على غيرها وإن كانت غير صحيحة باصطلاحه الذي يدور مداره،
إلا أن رواية علي بن جعفر صحيحة كما أشرنا إليه آنفا (3)، وموردها المملوك وسيده،
فلا مجال لما ذكره من المناقشة، وعدم ظهور الوجه من النص ليحمل عليه لا يدل على
العدم، والواجب التسليم لما ثبت عنهم (عليه السلام) سواء ظهر لنا الوجه فيه أم لا،
وقد صرح الأصحاب بأنه لا بد هنا من اختصاص الملك بالسيد، فلو كان مشتركا ثبت

(1) أقول: ومن هنا قال ابن إدريس معترضا على الشيخ: فأما قولهم:
ولا بين العبد وسيده، فلا فائدة فيه، ولا لنا حاجة إلى هذا التعليل وأي
مال للعبد، وإنما الربا بين الاثنين مالكين، واعترضه العلامة بأن هذا
الكلام ليس بجيد، فإن الشيخ نقل الحديث، وهو قول الصادق (عليه السلام)
وليس بين السيد وعبده ربا، ونفي الربا قد يكون لنفي الملك، وقد يكون
لغير ذلك، فنفي التملك علة لنفي الربا، فأي مأخذ على الشيخ حيث ذكر
الحكم المعلل، ولم يذكر علته، إذ كانت معروفة، ثم إن الشيخ يذهب
إلى أن العبد يملك، انتهى وهو جيد. منه رحمه الله.
(2) تقدم في ص 258 في ص 259.
(3) تقدم في ص 258 في ص 259.
263

الربا بينه وبين كل من الشركاء، ويدل عليه ما تقدم في رواية زرارة ومحمد بن
مسلم (1). والمدبر وأم الولد في حكم القن، وفي المكاتب بقسميه اشكال، ينشأ
من اطلاق النص ومن انقطاع سلطنته عليه، فهو كالأجنبي منه، وظاهر كلام المحقق
المتقدم ذكره ثبوت الربا بينه وبين سيده، وهو ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك
أيضا، مع احتماله العدم والاحتياط ظاهر.
الخامس المشهور بين الأصحاب ثبوت الربا بين المسلم والذمي، لعموم
أدلة التحريم، ولأن مال الذمي محترم. وذهب السيد المرتضى وابنا بابويه وجماعة
إلى عدم ثبوته، وعليه دلت الأخبار المتقدمة.
والذي يقرب عندي أن هذه الأخبار إنما صرحت بنفي الربا بين المسلم
والذمي، بناء على أن أهل الكتاب في تلك الأعصار فضلا عن زماننا هذا قد خرقوا
الذمة، ولم يقوموا بها كما صرح به جملة من الأخبار، ومن ثم دل جملة من الأخبار
على أن مالهم فئ للمسلمين، وجواز استرقاقهم، كما صرح به جملة من الأصحاب
أيضا، وحينئذ فلا اشكال. وعلى هذا فيختص جواز أخذ الفضل بالمسلم، دون
الذمي كما تقدم في الحربي.
السادس لا يخفى أنه حيث أن المشهور بين متأخري أصحابنا هو الحكم
باسلام المخالفين، ووجوب اجراء حكم الاسلام عليهم فإنه يكون الحكم فيهم كما
في المؤمنين.
وأما على ما يظهر من الأخبار وعليه متقدمو علمائنا الأبرار وجملة من
متأخري المتأخرين في قرب هذه الأعصار من أن حكمهم حكم الحربي في جواز القتل
وأخذ المال والنجاسة ونحو ذلك من الأحكام، لاستفاضة الأخبار بل تواترها معنا
بكفرهم وشركهم، وما يترتب على ذلك من الأحكام المتقدمة ونحوها، فينبغي
دخولهم في الكافر الذي دلت عليه الأخبار المتقدمة، وأن يكون حكمهم كذلك،

(1) ص 259.
(2) ص 259.
264

وبطريق أولى الخوارج، ونحوهم ممن اتفقوا على كفرهم ونجاستهم وجواز قتلهم
وأخذ أموالهم، وإن لم يتعرضوا هنا لذكرهم، إلا أن مقتضى ذلك دخولهم تحت
اطلاق الكافر والمشرك والحربي ونحوها من هذه الأخبار. والله العالم.
تنبيهات
الأولى ظاهر الأصحاب جواز بيع درهم ودينار أو درهم ومتاع بدينارين أو
درهمين، بل نقل في المسالك أنه موضع وفاق وقال العلامة في التذكرة: وهو
جائز عند علمائنا أجمع، وبه قال أبو حنيفة حتى لو باع دينارا في خريطة بمئة
دينار جاز.
أقول: ويعضده ما تقدم في آخر المسألة الثالثة من أن ما يعمل من جنسين
ربويين أو يضم أحدهما إلى الآخر في عقد واحد، فإنه لا خلاف ولا اشكال في بيعها
بهما أو بأحدهما بشرط زيادته على مجانسيه، وينصرف كل من الثمن إلى ما يخالفه
من المبيع، ويدل على ذلك جملة من الأخبار.
منها ما رواه في التهذيب عن الحسن بن صدقة (1) عن أبي الحسن الرضا
(عليه السلام) " قال: قلت له: جعلت فداك إني أدخل المعادن وأبيع الجوهر
بترابه بالدنانير والدراهم، قال: لا بأس به، قلت: وأنا أصرف الدراهم بالدراهم
وأصير الغلة وضحا وأصير الوضح غلة؟ قال: إذا كان فيها (ذهب) فلا بأس
قال: فحكيت ذلك لعمار بن موسى (الساباطي) (2) قال: كذا قال: لي أبوه،
ثم قال لي: الدنانير أين تكون؟ قلت: لا أدري، قال عمار، قال لي أبو عبد الله
(عليه السلام): تكون مع الذي ينقص ".

(1) التهذيب ج 7 ص 117 وفيه " دنانير " بدل كلمة (ذهب).
(2) كلمة الساباطي زيادة في التهذيب وليس في النسخة المطبوعة.
265

أقول: والوضح هو الدرهم الصحيح الذي لا ينقص شيئا، والغلة بالكسر
الدراهم المغشوشة. وفي بعض الأخبار " فبعثنا بالغلة فصرفوا ألفا وخمسين بألف "
فزيادة الذهب حينئذ يكون في جانب الغلة ليقع كل في مقابلة مخالفه.
وما رواه عن أبي بصير (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: سألته عن
الدراهم بالدراهم وعن فضل ما بينهما فقال: إذا كان بينهما نحاس أو ذهب
فلا بأس ".
وعن عبد الرحمان بن الحجاج (2) في حديث " قال: قلت له: أشتري ألف
درهم ودينار بألفي درهم؟ قال: لا بأس بذلك، إن أبي (عليه السلام) كان أجرأ
على أهل المدينة مني، وكأن يقول هذا، فيقولون إنما هذا الفرار، لو جاء رجل
بدينار لم يعط ألف درهم، ولو جاء بألف درهم لحم لم يعط ألف دينار، فكأن يقول
لهم: نعم الشئ الفرار من الحرام إلى الحلال " إلى غير ذلك من الأخبار الآتية في
باب الصرف إن شاء الله تعالى مثل أخبار المراكب المحلاة، والسيف المحلى
كرواية أبي بصير (3) قال: سألته عن السيف المفضض يباع بالدراهم، قال:
إذا كانت فضته أقل من النقد فلا بأس، وإن كانت أكثر فلا يصلح.
وبالجملة فقد اتفق الاجماع والأخبار في الدلالة على صحة ذلك ويزيده
تأكيدا أن الربا إنما يكون في بيع أحد المتجانسين المقدرين بالكيل أو الوزن مع
التفاضل، أو نسيئة الآخر، وما نحن فيه ليس كذلك، لأن المركب من الجنسين أو.
مع ضم أحدهما إلى الآخر في العقد ليس بجنس واحد، إلا أن شيخنا الشهيد الثاني
في المسالك قد أورد هنا اشكالا في المقام، فإنه بعد أن نقل اتفاق أصحابنا على

(1) التهذيب ج 7 ص 98.
(2) التهذيب ج 7 ص 104.
(3) التهذيب ج 7 ص 113 الوسائل الباب 15 من أبواب الصرف.
266

الحكم المذكور، ونقل عن الشافعي الخلاف في ذلك محتجا بحصول التفاوت
عند المقابلة على بعض الوجوه، كما لو بيع مد ودرهم بمدين، والدرهم ثمن لمد
ونصف بحسب القيمة الحاضرة، ثم أجاب عنه بأن الزيادة حينئذ بمقتضى التقسيط
لا بالبيع، فإنه إنما وقع على المجموع بالمجموع.
قال: ويشكل الحكم لو احتيج إلى التقسيط شرعا، كما تلف الدرهم
المعين قبل القبض أو ظهر مستحقا مطلقا، وكان في مقابله ما يوجب الزيادة المفضية
إلى الربا، فإنه حينئذ يحتمل بطلان البيع من رأس، للزوم التفاوت في الجنس
الواحد، كما لو باع مدا ودرهما بمدين أو درهمين مثلا، فإن الدرهم التالف
إذا كان نصف المبيع، بأن كانت قيمة المد درهما يبطل البيع في نصف الثمن،
فيبقى النصف الآخر، وحيث كان منزلا على الإشاعة، كان النصف في كل من الجنسين،
فيكون نصف المدين ونصف الدرهمين في مقابلة المد، فيلزم الزيادة الموجبة للبطلان
إلى آخر ما ذكره من الكلام، وتعدد الاحتمال في المقام.
وفيه أن هذا لا يوجب اشكالا في أصل المسألة لخروجها بهذا الفرض عما هي
عليه أولا، والغرض إنما هو بيان صحة الحكم بما ذكرنا كما اتفقت عليه الأخبار
والاجماع في الصورة المفروضة، وأما مع الخروج عنها إلى فرض آخر كما إذا
اتفق الأمر كما ذكره، فهي مسألة أخرى، يرجع فيها إلى الأصول المقررة والقواعد
المعتبرة، فلا اشكال بحمد الله الملك المتعال.
الثاني قال في الخلاف: يجوز بيع مد طعام، بمد طعام وإن كان في أحدهما
فضل، وهو عقد التبن أو زوان، وهو حب أصغر منه دقيق الطرفين، أو شيلم وهو
معروف، واحتج بالآية (1) وعدم المانع، ونحوه في المبسوط إلا أنه قال فيه:
وقال قوم لا يجوز وهو الأحوط، والمشهور بين الأصحاب الجواز، صرح به ابن
إدريس ومن تأخر عنه، واحتجوا بأنها تابعة، فلا يؤثر في المنع، ولا في المماثلة

(1) سورة البقرة الآية 275.
267

والتجانس، ولهذا لو اشترى منه طعاما ودفع إليه مثل ذلك مما جرت العادة بكونه
فيه، وجب عليه القبض.
وبالجملة فإن جري العادة بذلك واستمرار الناس على الرضاء به وأخذه
في الأجناس أسقط حكم الزيادة به فيما نحن فيه، ونحوه الدردي في الخل والدبس،
والثفل في البزر ونحو ذلك. نعم لو زاد ذلك عن مقتضى العادة فلا اشكال في المنع.
الثالث منع الشيخ في النهاية عن بيع السمن بالزيت متفاضلا نسيئة، والمشهور
بين الأصحاب الصحة، لاختلاف الجنسين، والظاهر أنه استند إلى ما رواه في التهذيب (1)
وكذا رواه الصدوق في الفقيه في الحسن عن عبد الله بن سنان " قال سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لا ينبغي للرجل اسلاف السمن في الزيت، ولا الزيت بالسمن ".
وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان (2) " قال:
سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أسلف رجلا زيتا على أن يأخذ سمنا قال:
لا يصلح " والأصحاب قد حملوها على الكراهة، وهو أحد احتمالي الشيخ أيضا في
كتابي الأخبار، فإنه جمع بين هذين الخبرين، وبين رواية وهب، بحمل هذين
الخبرين أما على المنع من اسلاف الزيت في السمن إذا كان بينهما تفاضل لأن
التفاضل بين الجنسين المختلفين إنما يجوز إذا كان نقدا، وإذا كان نسيئة فلا يجوز
وأما أن يكون على الكراهة، قال: ولأجل ذلك قال: " لا يصلح ولا ينبغي ولم يقل
أنه لا يجوز وذلك حرام ". انتهى.
ومنع في النهاية أيضا من بيع السمسم بدهنه، والكتان بدهنه وتبعه ابن إدريس
وقال في المختلف بعد نقل ذلك عنهما: والحق أنه لا يجوز التفاضل فيهما
ويجوز التساوي، لنا أنهما أما متساويان في الجنس فيباع أحدهما بمتساويه

(1) التهذيب ج 437 الفقيه ج 3 ص 167.
(2) التهذيب ج 437.
268

في المقدار، وأما مختلفان فيباع أحدهما بالآخر مطلقا. انتهى. وهو جيد.
الرابع قال في الخلاف والمبسوط: يجوز بيع الحنطة بالسويق منه وبالخبز
والفالوذج المتخذ من النشاء مثلا بمثل، ثم قال في المبسوط: " ولا يجوز متفاضلا
يدا بيد، ولا يجوز نسيئة، وأما الفالوذج فيجوز بيعه بالحنطة أو الدقيق متفاضلا ما
لم يؤد إلى التفاضل في الجنس، لأن فيه غير البشاء.
والتحقيق أن ما ذكره بالنسية إلى الفالوذج إن بيع بأقل منه وزنا بحيث يحصل
التفاضل إما بجنسه أو بغير جنسه لم يجز، وإلا جاز، لأن المقتضي للمنع ثبوت الربا
وإن بيع بأزيد منه وزنا، فإنه لا ربا، لأن هذه الزيادة في الحنطة الذي هو الثمن في
مقابلة ما اشتمل عليه الفالوذج من الجنس الآخر.
الخامس قد يتخلص من الربا بوجوه، منها أن يبيع أحد المتبايعين
سلعته من صاحبه بجنس غيرها، ثم يشتري صاحبه ذلك الجنس بالثمن (1) وكذا
لو تواهبا بأن وهب كل منهما الآخر سلعته لصاحبه، أو أقرض كل واحد منهما سلعته
ثم تباريا، وكذا لو تبايعا ووهبه الزيادة، كل ذلك من غير شرط.
قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ونعم ما قال: ولا يقدح في ذلك كون
هذه الأمور غير مقصودة بالذات، والعقود تابعة للقصود، لأن قصد التخلص من
الربا إنما يتم مع القصد إلى بيع صحيح، أو قرض أو غيرهما من الأنواع المذكورة،
وذلك كاف في القصد، إذ لا يشترط في القصد إلى قصد جميع الغايات المترتبة
عليه، بل يكفي قصد غاية صحيحة من غاياته، وإن من أراد شراء دار مثلا ليؤاجرها
ويتكسب بها، فإن ذلك كاف في الصحة، وإن كان لشراء الدار غايات أخر أقوى
من هذه وأظهر في نظر العقلاء، وكذا القول في غير ذلك من أفراد العقود، وقد ورد

(1) مثاله كما لو كان لزيد مد من حنطة يريد يبيعه على عمرو بمدين من
شعير، فإن زيدا يبيع مد الحنطة على عمرو بمد من أرز، ويشتري عمرو
ذلك الأرز بمدين من شعير، يدفعه إلى زيد. منه رحمه الله.
269

أخبار كثيرة ما يدل على جواز الحيلة على نحو ذلك. انتهى وهو جيد.
وظاهر كلام المحقق الأردبيلي هنا يشير إلى التوقف في ذلك، قال في تمثيل
ما أشار المصنف: مثل إن أراد بيع قفيز حنطة بقفيزين من شعير أو الجيد بالرديين،
وغير ذلك يبيع المساوي بالمساوي قدرا ويستوهب الزايد، وهو ظاهر لو حصل
القصد في البيع والهبة، وينبغي الاجتناب عن الحيل مهما أمكن، وإذا اضطر يستعمل
ما ينجيه عند الله، ولا ينظر إلى الحيل، وصورة جوازها ظاهر لما عرف من علة تحريم
الربا: فكأنه إلى ذلك أشار في التذكرة بقوله: لو دعت الضرورة إلى بيع الربويات
مستفضلا مع اتحاد الجنس إلى آخره، وذكر الحيل. انتهى.
المسألة العاشرة اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تحقق الربا
وثبوته في غير البيع من المعاوضات، وبالعموم صرح الشهيد الثاني وثاني المحققين
في المسالك وشرح القواعد، وذكر بعض المحققين أنه قول الأكثر، وبالاختصاص
يشعر كلام المحقق في كتاب البيع من الشرايع، والعلامة في الإرشاد والقواعد، إلا
أن المحقق في باب الغصب صرح بثبوته في كل معاوضة، وهو ظاهر اختياره في
باب الصلح، والعلامة في باب الصلح من القواعد تردد في ذلك على ما نقله الشارح
المتقدم، وظاهر صاحبي المسالك وشرح القواعد الاستناد في العموم إلى قوله
عز وجل " وحرم الربا " (1).
وفيه أن أمين الاسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان قال في تفسير الآية
المذكورة، معنى " أحل الله البيع وحرم الربا " أحل الله البيع الذي لا ربا فيه وحرم البيع التي
فيه الربا، وعلى هذا فيكون الآية دليلا للاختصاص بالبيع، ولا أقل أن يكون محتملة
لذلك، وعليه يكون الآية متشابهة لا تصلح للدلالة على شئ من القولين.
والتحقيق أن المعلوم من الأخبار ثبوته في البيع والقرض، وأما غيرهما فاشكال
ينشأ من عموم أدلة الحل كأصالة الإباحة ودلالة الآيات والروايات على أن حصول

(1) سورة البقرة الآية 275.
270

التراضي كاف في الإباحة وحصر المحرمات، وليس هذا منها، " والناس مسلطون
على أموالهم " (1) خرج ما خرج من ذلك بدليل، وبقي الباقي ومن أن الربا قد ثبت تحريمه
بالكتاب والسنة والاجماع وأنه لغة بمعنى الزيادة مطلقا، ولم يثبت له معنى شرعي
ولا عرفي يوجب الخروج عن معناه لغة، وما ذكره الأصحاب في تعريفه مما قدمنا
ذكره في أول الفصل مجرد اصطلاح، ولكل أن يصطلح على ما شاء مما قام له دليله،
وحينئذ فتعين حمله على معناه اللغوي، خرج منه ما خرج بدليل من اجماع ونحوه،
وبقي الباقي تحت التحريم، ويؤيده ما في كتاب مجمع البيان (2). في علة تحريم
الربا، حيث قال: أما علة تحريمه فقد قيل: هي أن فيه تعطيل المعايش والأجلاب
والمتاجر إذا وجد المربي من يعطيه دراهم وفضلا بدارهم لم يتجر، وقال الصادق
(عليه السلام): " إنما شدد في تحريم الربا لئلا يمتنع الناس من اصطناع المعروف
قرضا أو رفدا ". انتهى.
أقول ونظير هذا الخبر الذي ذكره ما رواه في الكافي والتهذيب عن سماعة. (3)
في الموثق " قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني رأيت الله قد ذكر الربا في غير
آية (وكرره) فقال: أو تدري لم ذلك؟ قلت: لا قال: لئلا يمتنع الناس عن اصطناع
المعروف " وعن هشام بن سالم (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: إنما حرم الله

(1) البحار ج 2 ص 272.
(2) تفسير المجمع ج 2 ص 390 طبع صيدا.
(3) الكافي ج 5 ص 146 التهذيب ج 7 ص 17 وفيه (وكبره) بدن
(وكرره).
(4) الكافي ج 5 ص 146 التهذيب ج 7 ص 17.
271

الربا لكيلا يمتنع الناس من اصطناع المعروف " (1). والظاهر أن المراد بالمعروف
هو ما ذكره في الخبر الأول من القرض والرفد، وأما ما ذكره بعض الأفاضل من أن
خبر كتاب مجمع البيان إنما هو مضمون هذين الخبرين، وأن قوله قرضا ورفدا
إنما هو من كلام صاحب الكتاب تفسيرا منه للمعروف فالظاهر بعده، لما علم من
نقله في هذا الكتاب كثيرا أخبارا ليست في الكتب الأربعة، وأيضا فلفظ خبره غير
ألفاظ هذين الخبرين، ومن القاعدة المعهودة بين المحدثين في نقل الأخبار أنه متى
أريد تفسير بعض الألفاظ في الخبر يشيرون إلى ذلك بلفظ يدل عليه.
وروى الصدوق بإسناده عن هشام بن الحكم (2) أنه سأل أبا عبد الله
(عليه السلام) عن علة تحريم الربا، فقال: إنه لو كان حلالا لترك الناس التجارات
وما يحتاجون إليه، فحرم الله الربا ليفر الناس من الحرام إلى الحلال وإلى التجارات
من البيع والشراء، فيبقى ذلك بينهم في القرض.
ويعضد ما ذكرناه من العموم أيضا ما نقله في كتاب مجمع البيان (3) عن
ابن عباس، قال: " كان الرجل منهم إذا حل دينه على غريمه، فطالبه به، قال المطلوب
منه: زدني في الأجل وأزيدك في المال، فيتراضيان عليه ويعملان به، فإذا قيل
لهم: هذا ربا، قالوا: هما سواء، يعنون بذلك أن الزيادة في الثمن حال البيع،
والزيادة فيه بسبب الأجل عند محل الدين سواء فذمهم الله به، وألحق الوعيد بهم

(1) أقول: ويعضده ما رواه الصدوق في العلل فيما كتبه الرضا (عليه السلام)
في جواب مسائل محمد بن سنان في حديث قال فيه: وعلة تحريم الربا
بالنسيئة لعلة ذهاب المعروف، وتلف الأموال، ورغبة الناس في الربح،
وتركهم القرض، والقرض صنايع المعروف. الحديث منه رحمه الله.
(2) الفقيه ج 3 ص 371.
(3) تفسير المجمع ج 2 ص 389 ط صيدا.
272

وخطأهم في ذلك بقوله (3) " أحل الله البيع وحرم الربا " إلى أن قال: والفرق
بينهما أن الزيادة في أحدهما لتأخر الدين وفي الآخر لأجل البيع " إلى آخره،
والظاهر أنه لذلك صرح الأصحاب بتحريم الزيادة لزيادة الأجل مع أن ذلك ليس
بيعا ولا قرضا.
والظاهر أنه إلى ذلك يشير ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم)
في الصحيح والحسن (2) بأسانيد عديدة واختلاف لا يضر بالمعنى، عن أبي جعفر
وأبي عبد الله (عليهما السلام) " أنه سئل عن الرجل يكون عليه الدين إلى أجل مسمى
فيأتيه غريمه فيقول له: أنقدني كذا وكذا، وأضع عنك بقيته، أو يقول: أنقدني
بعضه، وأمد لك في الأجل فيما بقي؟ قال: لا أرى به بأسا، إنه لم يزدد على رأس
ماله، قال الله جل ثناؤه " لكم رؤوس أموالكم، لا تظلمون ولا تظلمون " فإن فيه إشارة
إلى عدم جواز التأجيل بالزيادة على الحق، وإن كان على سبيل الصلح، فإنه
ربا، كما يشير إليه ذكر الآية، والربا وإن حصل بالنقص أيضا إلا أن الخبر المذكور
وغير دل على جوازه.
ويعضد هذا الخبر الذي هو في قوة أخبار متعددة، كما أشرنا إليه آنفا ما رواه
في الكافي والتهذيب في الحسن عن أبان (3) عمن حدثه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: " سألته عن الرجل يكون له على الرجل الدين، فيقول له قبل أن يحل الأجل:
عجل النصف من حقي على أن أضع عنك النصف، أيحل ذلك لواحد منهما؟
قال: نعم ".

(1) سورة البقرة الآية 275.
(2) الكافي ج 5 ص 259 التهذيب ج 6 ص 207 الفقيه ج 3 ص 21.
(3) الكافي ج 5 ص 258 التهذيب ج 6 ص 206.
273

ثم إن من الأخبار الدالة على وقوعه في القرض ما رواه في الفقيه مرسلا
مقطوعا، " قال: الربا رباءان، ربا يؤكل وربا لا يؤكل، (2) فأما الربا الذي
يؤكل فهديتك إلى الرجل تطلب منه الثواب أفضل منها، فذلك الربا الذي يؤكل،
وهو قول الله عز وجل " وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله " (3)
وأما الربا الذي لا يؤكل فهو أن يدفع الرجل إلى الرجل عشرة دراهم على أن
يرد عليه أكثر منها، فهذا الذي نهى الله عنه، فقال: يا أيها الذين آمنوا
اتقوا الله " (4) الآية.
وقال الرضا (عليه السلام) في كتاب الفقه الرضوي (5): " واعلم أن الربا
رباءان ربا يؤكل وربا لا يؤكل، فأما الربا الذي يؤكل فهو هديتك إلى الرجل
تطلب الثواب أفضل منه، فأما الربا الذي لا يؤكل، فهو ما يكال ويوزن، فإذا دفع
الرجل إلى رجل عشرة دراهم على أن يرد عليه أكثر منها فهو الذي نهى الله عنه،

(1) الفقيه ج 3 ص 182.
(2) أقول صدر عبارته إلى قوله وأما الربا الذي لا يؤكل فهو أن يدفع
إلى آخره مأخوذ من رواية إبراهيم بن عمر اليماني (المذكور في الفقيه (6)
وقوله وأما الربا الذي لا يؤكل مأخوذ من كلامه (عليه السلام) في كتاب
الفقه الرضوي (عليه السلام) كما ذكرناه، ويقصد تمام العبارة زيادة على
ما ذكرناه، فإن ما في الفقيه عين عبارة كتاب الفقه الرضوي كما ذكرناهما،
وبذلك يظهر أن ما توهمه بعض المحققين من أنه من كلام
الصدوق حيث ذكره ذيل صحيحة شعيب بن يعقوب فهو هنا غلط محض
منه رحمه الله.
(3) سورة الروم الآية 39 (4) سورة البقرة الآية 278.
(5) المستدرك ج 2 ص 479. (6) الفقيه ص 175.
274

فقال: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا " الآية.
وما رواه في الكافي والتهذيب عن خالد بن الحجاج (1) قال: " سألته عن
رجل كانت لي عليه مئة درهم عددا قضانيها مئة درهم وزنا قال: لا بأس ما لم تشارط،
قال: وقال: جاء الربا من قبل الشروط، وإنما يفسده الشروط ":
وما رواه الشيخ في التهذيب عن داود الابزاري (2) " قال: لا يصلح أن تقرض
ثمرة وتأخذ أجود منها بأرض أخرى غير التي أقرضت فيها ".
ومن هذه الروايات يظهر ضعف تخصيص الربا بالبيع، كما أشرنا إليه أنفا،
ومما يمكن الاستدلال به للقول بالعموم أيضا اطلاق جملة من الأخبار المتقدمة
في المسائل السابقة، مثل صحيحة عمر بن يزيد (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" قال: يا عمر قد أحل الله البيع وحرم الربا، فاربح ولا تربه، قلت: وما الربا؟ قال:
دراهم بدراهم، مثلان بمثل ".
والتقريب فيها أن الدراهم بالدراهم يجري في جميع المعاوضات التي تكون
بالدراهم كذلك، وذكر الدراهم والمثل بالمثلين إنما خرج مخرج التمثيل.
وموثقة عبيد بن زرارة (4) عن أبي جعفر (عليه السلام) " قال: لا يكون الربا إلا فيما
يكال أو يوزن ".
وصحيحة الحلبي (5) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: لا يصلح التمر
اليابس بالرطب ".

(1) الكافي ج 5 ص 244 التهذيب ج 7 ص 112.
(2) التهذيب ج 7 ص 91 الرقم 29.
(3) التهذيب ج 7 ص 18 الفقيه ج 3 ص 176.
(4) الكافي ج 5 ص 146 التهذيب ج 7 ص 17.
(5) الكافي ج 5 ص 189 التهذيب ج 7 ص 94.
275

وصحيحة أبي بصير (1) وغيره عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: الحنطة
والشعير رأسا برأس لا يزداد واحد منهما على الآخر ".
ورواية عبد الرحمان بن أبي عبد الله (2) " قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
يجوز قفيز من حنطة، بقفيزين من شعير؟ قال: لا يجوز إلا مثلا بمثل ".
وصحيحة الحلبي (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: الفضة بالفضة مثلا بمثل
ليس فيه زيادة ولا نقصان الزايد والمستزيد في النار ".
وصحيحة محمد بن مسلم (4) قال: " سألته عن الرجل يدفع إلى الطحان
الطعام فيقاطعه على أن يعطي صاحبه لكل عشرة أرطال اثني عشر دقيقا؟ فقال:
لا قلت: الرجل يدفع السمسم إلى العصار، ويضمن لكل صاع أرطالا مسماة،
قال لا ".
وظاهر هذه الرواية المنع من تقبيل الحنطة على الطحان بالدقيق والسمسم
على العصار، ولهذا عد العلامة تحريم التقبيل واستدل بالرواية المذكورة، وبالجملة
فإن الاحتياط في القول بالعموم إن لم يكن هو الأظهر. والله العالم.
الفصل السابع في الصرف
وهو لغة الصوت، وشرعا بيع الأثمان: وهي الذهب والفضة بالأثمان، قيل:
كأنه إنما سمي بذلك لما يشتمل عليه من الصوت عند تقليبها في البيع والشراء،

(1) الكافي ج 5 ص 187 التهذيب ج 7 ص 97 الفقيه ج 3 ص 178.
(2) الكافي ج 5 ص 188 التهذيب ج 7 ص 96.
(3) التهذيب ج 7 ص 98.
(4) الكافي ج ص 189 التهذيب ج 7 ص 96 الفقيه ج 3 ص 147.
276

وإنما سمي الجنسان المذكوران ثمنا لأنهما يقعان عوضا عن الأشياء، ويفترقان بباء
العوض غالبا، بل نقل العلامة قطب الدين الرازي عن شيخه العلامة الحلي (قدس
سرهما) أنهما ثمن وإن اقترنت الباء بغيرهما، حتى لو باع دينارا بحيوان ثبت للبايع
الخيار مدعيا على ذلك الاتفاق.
وتحقيق الكلام في هذا الفصل يقع في مسائل.
الأولى ينبغي أن يعلم أنه يشترط في الصرف زيادة على ما يشترط في مطلق
البيع وفي الربا التقابض قبل التفرق، فلو تفرقا قبل التقابض بطل، والكلام في
التفرق هنا على حسب ما تقدم في خيار المجلس (1) وربما عبر بعضهم بالمجلس،
يعني التقابض في المجلس، والأظهر ما ذكرناه كما عبر به كثير منهم، إذ المدار على
عدم التفرق، فلو فارقا المجلس مصطحبين فإنه ما لم يفترقا يصح التقابض.
ثم إنه قد وقع الخلاف هنا في موضعين، أحدهما أنه قد صرح العلامة
في التذكرة بأن القبض قبل التفرق شرط وواجب أيضا، بمعنى أنهما لو تركاه يأثمان
بذلك كما يأثمان بالربا، فإن أرادا التفرق قبله يفسخان العقد، ثم يفترقان وإلا يأثمان،
وهو ظاهر في قطعه بوجوب الوفاء به، والتأثيم بتركه اختيارا، وجعله بمنزلة الربا،
حتى أوجب عليهما التفاسخ قبل التفرق لو تعذر عليهما التقابض، وجعل تفرقهما
قبله بمنزلة الربوي نسيئة، فإن بطلانه لا يغني عن الإثم به.
وهو ظاهر عبارة الدروس أيضا حيث قال: ويجب فيه التقابض قبل التفرق،
وإن كان الوجوب في مثل هذا المقام قد يعبر عنه عن الشرط، ويسمى بالوجوب
الشرطي، وقد تقدم نظير هذه المسألة في كتاب الطهارة، في الطهارة بالماء النجس
وكيف كان فالظاهر بعد ما ذكره، إذ غاية ما يستفاد من الأخبار بطلان العقد للاخلال
بشرطه.

(1) ص 10.
277

وثانيهما اشتراط التقابض في المجلس أو قبل التفرق هو المشهور، ونقل عن
الصدوق العدم، فيصح التقابض، وإن لم يكن في أحد الوصفين المذكورين.
والذي يدل على المشهور جملة من الأخبار، ومنها ما رواه الكليني والشيخ
(روح الله روحيهما) عن عبد الرحمان بن الحجاج (1) في الصحيح قال: " سألته عن
الرجل يشتري من الرجل الدراهم بالدنانير فيزنها وينقدها ويحسب ثمنها كم هو دينارا، ثم
يقول: أرسل غلامك معي حتى أعطيه الدنانير، فقال: ما أحب أن يفارقه حتى يأخذ
الدنانير، فقلت: إنما هم في دار واحدة وأمكنتهم قريبة بعضها من بعض، وهذا يشق
عليهم، فقال: إذا فرغ من وزنها وانتقادها فليأمر الغلام الذي يرسله أن يكون هو
الذي يبايعه، ويدفع إليه الورق ويقبض منه الدنانير حيث يدفع إليه الورق ".
وما رواه الشيخ في التهذيب عن منصور بن حازم (2) في الصحيح عن أبي
عبد الله (عليه السلام)، " قال: إذا اشتريت ذهبا بفضة أو فضة بذهب، فلا تفارقه
حتى تأخذ منه، وإن نزا حائطا فانز معه ".
وعن محمد بن قيس (3) في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) " قال: قال
أمير المؤمنين (عليه السلام): لا يبتاع رجل فضة بذهب إلا يدا بيد، ولا يبتاع ذهبا
بفضة إلا يدا بيد ".
وعن محمد بن مسلم (4) " قال: سألته عن الرجل يبتاع الذهب بالفضة
مثلا بمثلين، فقال: لا بأس به يدا بيد "، وعن الحلبي (5) في الصحيح قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل ابتاع من رجل بدينار فأخذ بنصفه بيعا وبنصفه

(1) الكافي ج 5 ص 252 التهذيب ج 7 ص 99.
(2) التهذيب ج 7 ص 99.
(3) التهذيب ج 7 ص 99 الكافي ج 5 ص 251.
(4) التهذيب ج 7 ص 98.
(5) الكافي ج 5 ص 247 التهذيب ج 7 ص 100.
278

ورقا؟ قال: لا بأس به، وسألته هل يصلح أن يأخذ بنصفه ورقا أو بيعا، ويترك نصفه
حتى يأتي بعد فيأخذ منه ورقا أو بيعا قال: " ما أحب أن أترك شيئا حتى آخذه جميعا
فلا تفعله ".
قال المحقق الأردبيلي بعد نقل هذه الأخبار: وفي دلالة الكل تأمل،
إذ ليست الأخبار بصريحة في الاشتراط، بل ولا في الإثم، لأن يدا بيد كأنه كناية عن
النقد لا النسية، فلا يدل على اشتراط القبض، ولفظ ما أحب يشعر بالاستحباب
وهو ظاهر.
وفي التهذيب والاستبصار أخبار كثيرة صريحة في جواز النسيئة في بيع الذهب
والفضة بعضا ببعض، وأصل الصحة وعموم الأدلة أيضا يقتضي عدم البطلان بالمفارقة
انتهى.
أقول: لا يخفى ما في هذه المناقشة من الضعف الظاهر للخبير الماهر، أما
ما ذكره من عدم الدلالة على الإثم فجيد، وأما دعوى عدم الصراحة في الاشتراط فالخبر
الأول منها صريح الدلالة في المنع من التأخير بعد نقد الدراهم ووزنها إلى أن يرسل
غلامه معه، والمفروض أنهم في دار واحدة كما صرح به في الخبر، فلم يرض (عليه السلام)
إلا أن يرسل الغلام معه ويجعله وكيلا في البيع والتقابض في المكان الذي تدفع فيه
الورق، وأي نص أصرح من ذلك.
ومثله صحيحة منصور الدالة على النهي عن المفارقة حتى يأخذ منه، والنهي
حقيقة في التحريم، والمبالغة في أنه إن نزا حائطا فانز معه، لئلا يحصل المفارقة
الموجبة لبطلان العقد، فهل فوق هذا التصريح بالشرطية من مزيد إن لم
نقل بالوجوب كما قيل به، ما هذا إلا عجب عجيب من هذا المحقق الأريب.
وأما قوله " إن يدا بيد " كأنه كناية عن النقد لا النسيئة. ففيه أنه لا يخفى
أن حقيقة هذا اللفظ المتبادر من حاق النظر فيه إنما هو التقابض في المحل، والمعنى
279

الذي ذكره إنما هو معنى مجازي كما يشير إليه قوله (كأنه) وحمل اللفظ على خلاف
حقيقة لا يصار إليه إلا بدليل يمنع من إرادة حقيقته، والأمر إنما هو بالعكس.
وأما لفظ لا أحب فإنه وإن اشتهر بينهم أنه من ألفاظ الكراهة، إلا أنا قد حققنا
في غير موضع مما تقدم أن هذا من الألفاظ المتشابهة، لاستعماله في الأخبار بمعنى
التحريم كثيرا مع استعماله فيها بمعنى الكراهة، فلا يحمل على أحدهما إلا بالقرينة،
والقرينة هنا على إرادة التحريم قوله عليه السلام في آخر الخبر المذكور " فلا تفعله " الذي هو نهي وحقيقة في التحريم، مع اعتضاد ذلك بباقي أخبار المسألة التي قد عرفت
صراحتها في الحكم المذكور.
وبذلك يظهر لك أن الأخبار المذكورة كلها متفقة الدلالة على الشرطية،
ولو ادعى الوجوب من بعضها كما قيل به لم يكن بعيدا لهذه النواهي، من قوله
" فلا تفارقه، ولا تفعله " ولأمر بأن ينز معه الحائط.
وبالجملة فإن الظاهر أن هذا المقال إنما نشأ من الاستعجال وعدم التأمل فيما
نقله من الأخبار بعين التحقيق والاعتبار.
وأما الأخبار التي أشار إليها فهي كما ذكره وهي مستند الصدوق فيما تقدم
نقله عنه.
ومنا ما رواه الشيخ عن عمار الساباطي (1) " قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول: لا بأس أن يبيع الرجل الدينار بأكثر من صرف يومه نسيئة)
وعن عمار الساباطي في الموثق (2) ورواه الصدوق عن عمار أيضا عن
أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: قلت له: الرجل يبيع الدراهم بالدنانير نسيئة
قال: لا بأس ".

(1) التهذيب ج 7 ص 100.
(2) التهذيب ج 7 ص 100 الفقيه ج 3 ص 183.
280

وعن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: الدنانير بالدراهم
بثلاثين أو أربعين أو نحو ذلك نسيئة لا بأس ".
وعن زرارة (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) " قال لا بأس أن يبيع الرجل
الدينار نسيئة بمائة وأقل وأكثر ".
وعن عمار الساباطي (3) في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) " عن
الرجل هل يحل له أن يسلف دنانير بكذا وكذا درهما إلى أجل معلوم قال: نعم، وعن
الرجل يحل له أن يشتري دنانير بالنسيئة قال: نعم إنما الذهب وغيره في الشراء
والبيع سواء ".
وعن محمد بن عمرو (4) " قال كتبت إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام)
أن امرأة من أهلنا أوصت أن ندفع إليك ثلاثين دينارا، وكان لها عندي، فلم
يحضرني فذهبت إلى بعض الصيارفة، فقلت: أسلفني دنانير على أن أعطيك ثمن
كل دينار ستة وعشرين درهما، فأخذت منه عشرة دنانير بمائتين وستين درهما
وقد بعثتها إليك، فكتب (عليه السلام) إلي: وصلت الدنانير ".
قال الشيخ بعد نقل أخبار العمار: الأصل فيها عمار، فلا تعارض الأخبار
الكثيرة السابقة، ثم قال: ويحتمل أن قوله (نسيئة) صفة لدنانير، ولا يكون حالا
للبيع، بمعنى أن من كان له على غيره دنانير نسيئة جاز أن يبيعها عليه في الحال بدراهم
ويأخذ الثمن عاجلا. انتهى.
ولا يخفى ما فيه من البعد، وأكثر المتأخرين من أصحاب هذا الاصطلاح
المحدث، ردوا هذه الأخبار بضعف الاسناد، واعتمدوا على الاجماع حيث لم يظهر
الخلاف في المسألة إلا من الصدوق، وخلاف معلوم النسب غير قادح فيه، وإليه

(1) التهذيب ج 7 ص 100 و ص 101.
(2) التهذيب ج 7 ص 100 و ص 101.
(3) التهذيب ج 7 ص 100 و ص 101.
(4) التهذيب ج 7 ص 100 و ص 101.
281

يشير كلامه في المسالك.
وبعضهم ممن يعمل بالموثق احتمل الجمع بين الأخبار بحمل ما دل على
المشهور على الفضل والاستحباب، وما دل على مذهب الصدوق على الجواز، وهذه
القاعدة الغالبة بينهم في الجمع بين الأخبار مع تعارضها.
والأقرب عندي هو حمل هذه الأخبار الأخيرة على التقية، وإن لم يعلم القائل
الآن بذلك كما أوضحناه في المقدمة الأولى من مقدمات الكتاب المتقدمة في جلد
كتاب الطهارة (2) فإن الأخبار المذكورة ظاهرة في المخالفة، واتفاق الأصحاب
قديما وحديثا على الحكم المذكور مع تظافر أخبارهم به دليل ظاهر على كونه
ذلك مذهب أئمتهم (عليهم السلام)، فإن مذهب كل إمام لا يعلم إلا بنقل أتباعه
وعلمهم به، وتخرج الأخبار المذكورة شاهدا، وحينئذ فلا مناص فيما خالف ذلك
عن الحمل على النقية التي هي في الأحكام الشرعية أصل كل بلية، وقد تقدم في
المقدمة المشار إليها دلالة الأخبار المتكاثرة على ايقاعهم (عليهم السلام) الاختلاف
في الأحكام وإن لم يكن بها قائل من أولئك الطغام الذين هم أضل من الأنعام.
وربما احتمل بعض المحدثين حمل الأخبار المذكورة على الأخذ بطريق
القرض، قال: فإنه يجوز رد العوض بحسب التراضي فيما بعد من غير شرط ولو
بزيادة، كما يأتي انشاء الله تعالى.
ولا يخفى بعده من سياق الأخبار المذكورة، ثم احتمل التقية أيضا وهو جيد
لما ذكرناه، ومما يرجح الأخبار الأولة موافقتها للاحتياط، وهذا من جملة المرجحات
المنصوصة في مقام اختلاف الأخبار، كما اشتملت عليه رواية زرارة والله العالم.

(1) حيث قال: ونبه بالأشهر على خلاف الصدوق بن بابويه حيث لم
يعتبر المجلس استنادا إلى روايات ضعيفة، والأصحاب كلهم على خلاف
فربما كان الشرط اجماعيا. انتهى منه رحمه الله المسالك ص 201.
(2) جلد 1 ص 5.
282

فروع
الأول قالوا: لو قبض البعض صح فيما قبض حسب، وبطل في غير المقبوض،
ويتخير كل منهما في فسخ المقبوض وامضائه لتبعيض الصفقة إن لم يكن
حصل منهما تفريط في تأخير القبض، وإلا فلا، ولو اختص أحدهما بعدم التفريط
اختص بالخيار.
أقول: قد تقدم في صحيحة الحلبي " في الرجل يبتاع من رجل بدينار
هل يصلح أن يأخذ بنصفه ورقا أو بيعا ويترك نصفه حتى يأتي بعد فيأخذ منه ورقا
أو بيعا قال: ما أحب أن أترك شيئا حتى آخذه جميعا فلا يفعله " وظاهر الخبر
مع صحة سنده بطلان المعاملة من رأس، لا الصحة في النصف والتخيير في الباقي
كما ذكروه.
الثاني قالوا: لو وكل أحدهما في القبض عنه فقبض الوكيل قبل تفرقهما
صح، ولو قبض بعد التفرق بطل، قال في المسالك: الضابط في ذلك أن المعتبر
حصول التقابض قبل تفرق المتعاقدين، فمتى كان الوكيل في القبض غير المتعاقدين،
اعتبر قبضه قبل تفرق المتعاقدين، ولا اعتبار بتفرق الوكيلين، ومتى كان المتعاقدان
وكيلين اعتبر تقابضهما في المجلس، أو تقابض المالكين قبل تفرق الوكيلين، وبنحو
ذلك صرح المحقق الثاني في شرح القواعد.
الثالث المشهور بين الأصحاب أنه إذا اشترى الانسان دراهم بدنانير، وقبل
قبض الدراهم من البايع اشترى بها دنانير لم يصح الثاني، لأن ذلك العوض في
الصرف موقوف على التقابض، ولم يحصل فيكون قد باع ثانيا ما لم يملكه، وحينئذ

(1) الكافي ج 5 ص 247 التهذيب ج 1007.
283

فلو افترقا والحال كذلك بطل العقدان معا.
أما الأول فلعدم التقابض وأما الثاني فلما عرفت من بيع ما لم يملكه، والأصل
في ذلك ما ذكره الشيخ في النهاية، وتبعه أكثر الأصحاب عليه قال: إذا باع الانسان
دراهم بالدنانير لم يجز له أن يأخذ بالدنانير دراهم مثلها إلا بعد أن يقبض الدنانير،
ثم يشتري بها دراهم انشاء.
وخالفه ابن إدريس فقال: إن لم يتفارقا من المجلس إلا بعد قبض الدراهم
المبتاعة بالدنانير التي على المشتري الأول، فلا بأس بذلك، وإن لم يكن قبضه
الدنانير التي هي ثمن الدراهم الأول المبتاعة، هذا إذا عينا الدراهم الأخيرة، فإن
لم يعيناها فلا يجوز ذلك، لأنه يكون بيع دين بدين، وإن عيناها لم يصر بيع دين
بدين، بل يصير بيع دين بعين.
ورده العلامة في المختلف بأنه غير جيد قال: أما أولا فلأن الشيخ يمنع من
بيع ما يكال ويوزن قبل قبضه، وأما ثانيا فحكمه بأنه لو اشترى بثمن غير معين كان
قد اشترى بالدين ليس بمعتمد. انتهى ملخصا.
أقول: أما ما ذكره من التعليل للبطلان في الوجه الأول، فهو وجه آخر أيضا
لعدم الصحة، زيادة على الوجه الذي قدمناه، وهو عدم ملكه لعدم التقابض
الذي هو شرط في صحة الملك في الصرف.
وأما ذكره في الوجه الثاني فهو مبني على أن الثمن متى لم يكن عينا بل
في الذمة، وإن كان حالا غير مؤجل هل هو من قبيل الدين، فيصدق على بيع الدين
به أنه بيع دين بدين، أم لا يصدق ذلك حتى يكون دينا قبل وقوع العقد؟ وظاهر اختيار
جملة من الأصحاب الثاني، ومنهم شيخنا الشهيد الثاني، فإنه صرح بأن ذلك ليس
من بيع الدين بالدين، وإنما يصدق ذلك فيما إذا كان دينا قبل العقد، وظاهر العلامة
هنا ذلك أيضا، وقد تقدمت الإشارة إلى هذه المسألة وسيأتي تحقيقها انشاء الله
تعالى في باب الدين، قال في المسالك بعد نقل ملخص كلام ابن إدريس:
284

وينبغي القول بالصحة مطلقا إذا تقابضا قبل التفرق، وغاية ما يحصل في البيع
الثاني أن يكون فضوليا، فإذا لحقه القبض صح، وسيأتي أن بيع الدين بالدين على هذا
الوجه غير ممتنع. انتهى.
الرابع لو كان له عليه دراهم فاشترى بها دنانير صح وإن لم يتقابضا،
وكذا لو كان له عليه دنانير فاشترى بها دراهم، لأن النقدين من جنس واحد، وما
في الذمة بمنزلة المقبوض، فلا يحتاج إلى تقابض زايد على ذلك.
أقول: والأصل في هذه المسألة ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم)
في الصحيح عن إسحاق بن عمار (1) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) يكون
للرجل عندي الدراهم الوضح فيلقا في فيقول لي: كيف سعر الوضح اليوم؟ فأقول
له: كذا وكذا، فيقول لي: أليس عندك لي كذا وكذا ألف درهم وضحا؟
فأقول: نعم، فيقول: حولها إلى دنانير بهذا السعر وأثبتها لي عندك فما ترى في هذا؟
فقال لي: إذا كنت قد استقصيت له السعر يومئذ فلا بأس بذلك، فقلت: إني لم
أوازنه ولم أناقده، إنما كان كلاما بيني وبينه، فقال: أليس الدراهم من عندك
والدنانير من عندك، فقلت: بلى، قال: لا بأس بذلك ".
ونحوه موثق عبيد بن زرارة " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
الرجل يكون لي عنده دراهم فآتيه فأقول: حولها لي دراهم وأثبتها عندك ولم أقبض
منه شيئا؟ قال: لا بأس ".
وجمع من الأصحاب عبروا في هذا المقام بعبارة الخبر، قال في النهاية:
إذا كان للانسان على صيرفي دراهم أو دنانير فيقول له حول الدنانير إلى الدراهم،
أو الدراهم إلى الدنانير، وساعره على ذلك كان جائزا وإن لم يوازنه في الحال
ولا يناقده، لأن النقدين من عنده.

(1) الكافي ج 5 ص 245 التهذيب 7 ص 102 الفقيه ج 3 ص 186.
(2) الكافي ج 5 ص 247 التهذيب ج 7 ص 103.
285

واعترضه ابن إدريس هنا فقال: إن أراد بذلك أنهما افترقا قبل التقابض في
المجلس، فلا يصح ذلك ولا يجوز بغير خلاف، لأن الصرف لا يصح أن يفترقا من
المجلس إلا بعد التقابض، وإن افترقا قبل أن يتقابضا بطل البيع والصرف، وإن
أراد أنهما تقاولا على السعر، وعينا الدراهم المبتاعة والدنانير المبيعة وتعاقد البيع
ولم يوازنه ولا ناقده، بل نطق البايع بمبلغ المبيع ثم تقابضا قبل التفرق والانتقال
من المجلس كان ذلك جائزا صحيحا، وإن أراد الأول كان باطلا بلا خلاف، يدل
عليه قوله في المبسوط تصح الإقالة في جميع السلم وبعضه فإن أقاله من الجميع
برئ المسلم إليه من المسلم فيه، ولزمه رد ما قبضه من رأس المال إن كان قائما،
وإن كان تالفا لزمه مثله، فإن تراضيا بقدر بدله من جنس آخر بأن يأخذ الدراهم
بدل الدنانير أو بالعكس كان جائزا، فإن أخذ الدنانير بدل الدراهم أو بالعكس وجب
التقابض في المجلس، لأنه صرف، وإن أخذ عوضا آخر جاز أن يفارقه قبل القبض،
لأنه بيع عوض معين بثمن في الذمة. انتهى.
أقول: ما ذكره ابن إدريس جيد على مقتضى أصله الغير الأصيل، وإلا فأي مانع
من ذلك بعد دلالة الأخبار عليه، واستثناء ذلك من قاعدة العرف بالاكتفاء بهذا الكلام
بينهما من حيث اتحاد من عليه الحق، فيكون كالتقابض، وربما حمل كلام الشيخ
المذكور على التوكيل، وكذلك الخبران المذكوران، فإن قوله حول الدراهم
إلى الدنانير، أو الدنانير إلى الدراهم نوع توكيل، وحينئذ فلا اشكال وإن لم
يتقابضا في المجلس.
قال في المسالك: وربما بنوا حكمهم على مقدمات يلزم من صحتها صحة
الحكم هنا، الأولى إن الأمر بالتحويل توكيل في تولي طرفي العقد، فإن التوكيل
لا ينحصر في اللفظ، الثانية إنه يصح تولي طرفي العقد من الواحد.
الثالثة إنه يصح أيضا تولية طرفي العقد. الرابعة إن ما في الذمة مقبوض.
الخامسة إن بيع ما في الذمة للغير من الدين الحال بثمن في ذمته ليس بيع
دين بدين.
286

السادسة إن الوكيل في البيع إذا توقفت صحته على القبض يكون وكيلا فيه،
وإلا فإن مطلق التوكيل في البيع لا يقتضي التوكيل في القبض وإذا سلمت هذه المقدمات
صحت المسألة، انتهى.
وهو جيد لو ثبت توقف صحة البيع عليها، إلا أن الظاهر أنه ليس كذلك، وإن
كان جواز بعضها مما يفهم من الخبرين المذكورين، والعمدة هو ورود النص بذلك
ولا يجب علينا تطلب وجهه وسببه، كما في أكثر النصوص التي لا يمكن معرفة العلة
فيها لما ذكر فيها من الأحكام، والظاهر أنه لا مخالف في هذا الحكم سوى ابن إدريس،
وكل من تأخر عنه رد كلامه لما ذكر فيها، وظاهر المحقق الأردبيلي هنا الميل إلى ما
ذهب إليه ابن إدريس، حيث قال بعد قول المصنف " ولو كان له عليه دراهم فاشترى
بها دنانير أو بالعكس صح وإن لم يتقابضا " ما صورته (1): يعني إذا كان لزيد مثلا
على عمرو في ذمته دراهم فضة وقال: اشتريت منك الدنانير بها، صح الصرف،
ولا يحتاج إلى التقابض بأن يوكله في قبضه له الدنانير، ولا تعيينه لنفسه ما به الدنانير
من الدراهم وإن كان مطلقا وفي الذمة، ولا إلى مضي زمان يسع التقابض، فلو تفرق
قبله لم يبطل، فيطالبه بالدنانير لحصول القبض وفيه تأمل واضح، لأن الدراهم وإن
كانت مقبوضة، ولكن الدنانير غير مقبوضة للمشتري فما حصل التقابض، وهو قبض كل
واحد مال الآخر الذي انتقل إليه بواسطة البيع والشراء وهو ظاهر. نعم يمكن ذلك
لو وكله في القبض والتعيين للمشتري الدنانير، بل ينبغي تعيينه الدراهم أيضا ثم القبض
لنفسه قبل التفرق، ويمكن أن يكون المراد أن يكون الدنانير أيضا في ذمة المشتري

(1) كذا صورة العبارة في الأصل المنقول منه، والظاهر أنه لا يخلو من غلط،
إلا أن المعنى ظاهر، وهو أنه لا يحتاج أيضا إلى تعيين الدنانير للمشتري
وبيان كميتها وعددها والدراهم للبايع وبيان قدرها، كما هو مشترط
في البيع في غير هذه الصورة، بل يكفي التهاتر الواقع بعد وقوع المقاولة
على السعر وتعينه، وإن كان الجميع في الذمة مطلقا. منه رحمه الله.
287

فهي أيضا مقبوضة له، وحينئذ يكون كل المال المنتقل إلى الآخر مقبوضا له،
والظاهر صحة البيع وعدم الاحتياج إلى التوكيل للتعيين والقبض، ولا إلى مضي
زمان، لصدق القبض المفهوم من الأخبار التي هي دليل الحكم، لأنه يصدق أنه
باع يدا بيد، والمبيع والمشتري مقبوض لهما، وأنه أخذا قبل التفرق، وهو ظاهر من
غير فرق بين المتجانسين المتساويين والمختلفين مطلقا، إلا أنه يجئ فيه الاشكال
من جهة أنه بيع دين بدين، والظاهر عدم جوازه. انتهى.
أقول: ظاهر هذا الكلام أن قائله قد غفل عن ملاحظة الخبرين المتقدمتين
في المسألة، وظن أن هذا الحكم إنما وقع في كلام الأصحاب، ولهذا تأوله بقوله
ويمكن أن يكون المراد إلى آخره، وأن هذا الفرض إنما يجري في عبارة المصنف
المذكورة لا في الأخبار، لأنها صريحة في كون الثمن والمثمن أنما هو عند الذي
عليه الطلب، ويؤيده ما قلناه أنه في جميع الأحكام يبالغ في تتبع الأخبار ونقلها و
ايرادها من مؤالف ومخالف، هنا لم يتعرض للخبرين المذكورين بالكلية، ولو
بالإشارة، وإنما تكلم على عبارة المصنف كي يبين مراده أولا، ثم ناقشه بمناقشة
ابن إدريس للشيخ، مع أن المصنف وغيره إنما أخذوا الحكم المذكور من الخبرين،
ولكنهم عبروا بهذه العبارة لصراحتها في البيع والشراء، بخلاف لفظ التحويل الذي
في الخبرين، وحينئذ فالعذر له ظاهر، وإلا فلو أنه اطلع على الخبرين ومع هذا عدل
عن القول بما دلا عليه، لأجاب عنهما وتأولهما كما هي عادته وقاعدته، وبالجملة فإن
كلامه هنا بالنظر إلى الخبرين مما لا يلتفت إليه، ولا يعرج عليه، والله العالم.
المسألة الثانية قالوا: إذا اتحدت الجنس وجب التساوي قدرا وإن اختلفا
في الجودة والرداءة والصفة، وإذا اختلفا فيه جاز الاختلاف زيادة ونقصانا.
أقول: أما وجوب التساوي مع الاتحاد فلما استفاضت به الأخبار من أن
الزيادة مع الاتحاد رباء محض كصحيحة الحلبي (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام)

(1) التهذيب ج 7 ص 98.
288

" قال: الفضة بالفضة مثلا بمثل ليس فيه زيادة ولا نقصان، الزايد والمستزيد في النار ".
ورواية وليد بن صبيح (1) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول
الذهب بالذهب، والفضة بالفضة الفضل فيهما هو الربا المنكر ".
وصحيحة محمد بن مسلم (2) " عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: الورق
بالورق وزنا بوزن، والذهب بالذهب وزنا بوزن ".
وصحيحة إسحاق بن عمار (2) " قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
الدراهم بالدراهم والرصاص؟ فقال: الرصاص باطل " إلى غير ذلك من الأخبار، وفي
الخبر الأخير دلالة على حصول الربا بالزيادة وإن كانت من غير الجنس.
وأما جواز البيع مع الاتحاد وإن اختلفا في الجودة والرداءة فلما تقرر
عندهم من أن جيد كل جنس ورديه واحد (4) ويدل عليه صحيحة الحلبي (5)
" قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يستبدل الكوفية بالشامية وزنا بوزن
فيقول الصيرفي: لا أبدل لك حتى تبدل لي يوسفية بغلة وزنا بوزن، فقال: لا بأس
فقلت: إن الصيرفي إنما طلب فضل اليوسيفة على البغلة، فقال: لا بأس به ".
ورواية أبي بصير " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يستبدل
الشامية بالكوفية وزنا بوزن فقال: لا بأس به " وأما مع الاختلاف فلا اشكال لعدم

(1) التهذيب ج 7 ص 98.
(2) التهذيب ج 7 ص 98.
(3) الكافي ج 5 ص 246.
(4) قال في الشرايع: ويستوي في وجوب التماثل المصوغ والمكسور
وجيد الجوهر ورديه، وظاهر بعض مشايخنا وجود القول هنا بالمنع من
حيث إن الجودة زيادة حكمية فيحصل بها الربا حينئذ، والروايات ترده.
منه رحمه الله.
(5) الكافي ج 5 ص 247
(6) التهذيب ج 7 ص 104.
289

المانع مع استكمال شروع البيع كما تقدم في فصل الربا.
المسألة الثالثة: قد صرحوا بأنه إذا كان في الفضة غش مجهول لم يبع إلا
بالذهب أو بجنس غير الفضة وكذلك الذهب ".
قال في المسالك: هذا مبني على الغالب من أن المغشوش لا يباع بوزنه خالصا،
لأن البيع مبني على المماكسة والمغالبة، فلا يدفع المشتري بوزن المغشوش صافيا،
وإلا فلو فرض وقوع ذلك صح بيعه بجنسه أيضا، بل متى علم زيادة الخالص عن
مجانسة المغشوش صح وإن لم يبلغ قدر المجموع من النقد والغش. انتهى.
أقول: الوجه فيما ذكره (قدس سره) هو أنه إذا بيع المغشوش بالخالص
وزنا فإنه يكون الزيادة التي في الخالص في مقابلة الغش، فلا مانع حينئذ، لكن
لما كان بناء البيع والشراء على ما ذكره لم يجز ذلك إلا مع علم المشتري ورضاه
بذلك، وأما إذا كان الغش معلوما فإنه يجوز بيعه بمثل جنسه مع زيادة تقابل الغش
وكذا لو جهل بأن جهل قدره، ولكن علم أنه لا يزيد عن النصف، فإنه يجوز بيعه
بزيادة يسيرة عن النصف من جنسه، وينصرف الزايد في مقابلة الغش، ومعنى
المقابلة في هذا المواضع أن تصلح عوضا في مقابلة الغش بحيث تتمول وإن لم
يكن قدرة قيمة.
وكيف كان فالظاهر أنه لا بد من التقابض قبل التفرق في المقام الذي يصح
فيه البيع كما هو الشرط في الصرف.
قال العلامة في التذكرة الدراهم والدنانير المغشوشة إذا علم مقدار الغش فيها
جاز بيعها بجنسها بشرط زيادة في السليم تقابل الغش ليخلص من الربا لو بيع بقدر
الصافي منها، ويجوز بيعها بغير الجنس مطلقا، وإن لم يعلم مقدار الغش وجب أن
تباع بغير جنسها حذرا من الربا، لامكان أن يتساوى الصافي والثمن في القدر، فيبقى
الغش زيادة في أحد متساويين.
290

ولما رواه ابن سنان (1) في الصحيح عن الصادق (عليه السلام) " قال: سألته
عن شراء الفضة فيها الرصاص بالورق وإذا خلصت نقصت من كل عشر درهمين
أو ثلاثة؟ قال: لا يصلح إلا بالذهب، وسألته عن شراء الذهب فيه الفضة والزيبق
والتراب بالدنانير والورق، فقال: لا تصارفه إلا بالورق " ولو بيع بوزن المغشوش
فإنه يجوز، إذ الفاضل من الصافي يقابل الغش، إذا ثبت هذا فإنه لا يجوز انفاقه إلا
بعد إبانته وايضاح حاله، إلا أن يكون معلوم الصرف بين الناس. انتهى.
أقول: لا يخفى: أن الخبر المذكور بحسب ظاهره مناف لما قدمناه مما
ظاهرهم الاتفاق عليه من جواز بيع المغشوش بجنسه الخاص إذا كان مساويا له في
الوزن، لانصراف الزيادة التي في الخالص إلى الغش، لأنه قد نهى (عليه السلام)
عن شراء الفضة التي فيها الرصاص بالورق، وأمر بالذهب، ومن المعلوم أنه لا يقع
الشراء إلا بالوزن، وقد عرفت أنه مع تماثلهما في الوزن وتساويهما يصح البيع،
لانصراف الزيادة التي في الخالص إلى الغش الذي في الآخر، فالواجب حمل الخبر
على ما ذكره شيخنا المتقدم ذكره من أنه لما كان بناء البيع والشراء على المماكسة
والمغالبة فالمشتري لا يبذل فضة خالصة أو ذهبا خالصا في مقابلة غش منع
(عليه السلام) من هذه المقابلة إلا بغير الجنس.
المسألة الرابعة: قالوا: ولا يباع تراب معدن الفضة بالفضة، وإنما يباع بالذهب
وكذا معدن الذهب إنما يباع بالفضة لا بالذهب احتياطا في الموضعين، (2) ولو جمعا
في صفقة جاز بيعهما بالذهب والفضة معا ويجوز بيع جوهر الرصاص والصفر
بالذهب والفضة وإن كان فيه يسير فضة أو ذهب، لأن الغالب غيرهما، وأنه يجوز

(1) التهذيب ج 7 ص 109.
(2) أقول المراد بالاحتياط يعني أن مستند الوجوب هو الاحتياط والتحرز
من الوقوع في الربا لا بمعنى الاستحباب كما هو المتبادر. منه رحمه الله.
291

اخراج الدراهم المغشوشة مع جهالة الغش إذا كانت معلومة الصرف بين الناس،
وإن كانت مجهولة الصرف لم يجز انفاقها إلا بعد إبانة حالها، وهذا الكلام يتضمن
جملة من الأحكام.
الأول حكم بيع تراب المعدن، أما بيع كل منهما بالآخر فلا شك في جوازه،
لعدم الربا بالزيادة مع اختلاف الجنس، وكذا يصح أيضا بيعه بمثله (1) إذا
علم المقدار والتساوي إن لم يكن لما صحبه من المعدن قيمة وإلا فبالمثل مع اشتماله
على زيادة تقابل تراب المعدن، ولكن لما كان الفرض بعيدا لم يذكروا ذلك.
وأما بيعهما بالنقدين إذا جعلا في صفقة واحدة فلا اشكال أيضا في صحته
للتخالف، وانصراف كل إلى ما يخالفه، ويدل عليه رواية عبد الله مولى عبد ربه (2)
عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: سألته عن الجوهر الذي يخرج من المعدن،
وفيه ذهب وفضة وصفر جميعا كيف نشتريه؟ فقال تشتريه بالذهب والفضة جميعا "
ورواية عبد الله بن سنان (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: سألته عن شراء
الذهب فيه الفضة بالذهب؟ قال لا يصلح بالدنانير والورق " ويمكن هنا أيضا
البيع بأحدهما إذا تحقق في الثمن اشتماله على مثل معدنه وزيادة تقابل
المعدن الآخر وهو ظاهر، والظاهر أنه لبعد فرضه لم ينبهوا عليه، وأظهر جوازا البيع
بغيرهما.

(1) أي بمثل الفضة أو الذهب، ولهذا قال: إذا علم المقدار، وأما بيعه
بمثل الجميع من التراب وبما فيه من الذهب أو الفضة، فلا يجوز إذ لم
يكن للتراب قيمة، لأن ما فيه من التراب لا قيمة له، فيبقى الزايد في المقابل
بغير عوض ويلزم الربا فيه. منه رحمه الله.
(2) التهذيب ج 7 ص 111 الكافي ج 5 ص 249.
(3) التهذيب 8 ج ص 109.
292

وكيف كان فلا بد من اعتبار شرايط البيع الآخر، والظاهر أن مثل هذا
لا يدخل في باب الصرف فيشترط في صحته التقابض في المجلس أو قبل التفرق، لأنه
لا يصدق عليه بيع الأثمان بالأثمان، وعدم صدق الذهب والفضة وإنما هو تراب
الذهب وتراب الفضة، إلا أن الذي يظهر من أخبار بيع السيوف المحلاة (1) كما
يأتي انشاء الله تعالى اشتراط التقابض قبل التفرق، فينبغي أن يكون هنا أولى،
والاحتياط لا يخفى.
الثاني ما ذكره من أنه يجوز بيع الرصاص بالفضة والصفر بالذهب، وإن
اشتمل كل منهما على يسير من جنس ما بيع به، فهو مما لا خلاف فيه ولا اشكال،
لاضمحلال ما في كل منهما من يسير الذهب والفضة في جنب ما هو فيه، وصدق
الاسم بدونهما، والأحكام تابعة لصدق التسمية وهو بمنزلة الحلية التي تعمل في
سقوف البيوت وجدرانها غير مقصودة بالبيع، ولا ملحوظة فيه، فلا يشترط حينئذ
في صحة البيع العلم بزيادة الثمن عن ذلك اليسير من الذهب أو الفضة، ليكون في
مقابلة الجنس الآخر.
ويدل على ذلك أيضا صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج (2) عن أبي عبد الله
(عليه السلام) " في الأسرب يشتري بالفضة، فقال: إن كان الغالب عليه الأسرب
فلا بأس به " والظاهر أن المراد الغلبة في صدق الاسم كما يدل عليه الخبر الآتي
لا الغلبة في الجنس.
وما رواه في الكافي عن معاوية بن عمار (3) وغيره عن أبي عبد الله (عليه السلام)

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الصرف.
(2) الكافي ج 5 ص 248 التهذيب ج 7 ص 112.
(3) الكافي ج 5 ص 251 التهذيب ج 7 ص 111.
293

" قال: سألته عن جوهر الأسرب وهو إذا خلص كان فيه فضة أيصلح أن يسلم الرجل
فيه الدراهم المسماة؟ فقال إذا كان الغالب عليه اسم الأسرب فلا بأس بذلك يعني
لا يعرف إلا بالأسرب ".
أقول: ويحتمل أن يكون هذا التفسير من الإمام (عليه السلام) ويحتمل أن
يكون من الراوي، واحتمال كونه من الكليني بعيد.
وأما التعليل في جواز البيع في الصورة المذكورة بما تقدم نقله عنهم من أن جواز
ذلك كون الصفر والرصاص هو الأكثر والغالب فلا يحسم مادة الشبهة، فإن مجرد
الأغلبية غير كاف في جواز البيع بذلك النقد كيف اتفق، حتى لو كان عشرا يمكن
تمييزه لم يجز بيعه بجنسه إلا مع الزيادة في الثمن عليه بحيث تقابل مقابل الآخر كما
تقدم ويمكن حمل كلامهم على أن المراد الغلبة المستولية على النقد بحيث اضمحل
معه تجوزا كما تجوزوا في قولهم في باب الاحداث النوم الغالب على الحاستين،
بمعنى اضمحلال الحس بهاتين الحاستين تحت النوم.
الثالث ما ذكروه من أنه يجوز اخراج الدراهم المغشوشة إلى آخره، فإنه
يدل عليه جملة من الأخبار.
منها ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح أو الحسن عن عمر بن يزيد (1)
عن أبي عبد الله (عليه السلام) في أنفاق الدراهم المحمول عليها فقال: إذا كان الغالب
عليها الفضة، فلا بأس بانفاقها ".
أقول: المراد بالمحمول عليها المغشوشة حيث إنه حمل عليها من غيرها،
كما يظهر من الأخبار الآتية.
وعن ابن رئاب (2) " قال: لا أعلمه إلا عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي

(1) الكافي ج 5 ص 253 التهذيب ج 7 ص 108.
(2) الكافي ج 5 ص 253 التهذيب ج 7 ص 109.
294

عبد الله (عليه السلام): الرجل يعمل الدراهم يحمل عليها النحاس أو غيره ثم يبيعها؟
فقال: إذا كان بين الناس ذلك فلا بأس " كذا في الكافي، والمراد إذا كان رائجا
بين الناس، وفي التهذيب " إذا بين ذلك فلا بأس " وهو معنى صحيح إلا أن الأول
أوفق بأخبار المسألة.
وما رواه في الكافي عن حريز (1) " قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام)
فدخل قوم من أهل سجستان فسألوه عن الدراهم المحمول عليها؟ فقال: إذا كان جوازا
لمصر ".
وعن أبي العباس البقباق (2) " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
الدراهم المحمول عليها؟ فقال: إذا أنفقت بما يجوز بين أهل المدينة أو البلد فلا بأس،
وإن أنفقت ما لا يجوز بين أهل المدينة فلا ".
وما رواه في التهذيب عن عمر بن يزيد (3) " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن أنفاق الدراهم المحمول عليها؟ فقال: إذا جازت الفضة (المثلين) فلا بأس ".
وعن محمد بن مسلم (4) عن أبي جعفر (عليه السلام) " قال: جاء رجل من
أهل سجستان فقال له: إن عندنا دراهم يقال لها الشاهية تحمل على الدراهم دانقين؟
فقال: لا بأس به إذا كان يجوز ".
وعن محمد بن مسلم (5) " قال، سألته عن الدراهم المحمول عليها؟ قال: لا بأس
بانفاقها ".
وعن المفضل بن الجعفي " قال كنت: عند أبي عبد الله (عليه السلام) فألقى بين
يديه الدراهم فقال: أيش هذا؟ قلت: ستوق، قال: وما الستوق؟ فقلت: طبقتين

(1) الكافي ج 5 ص 253.
(2) الكافي ج 5 ص 253.
(3) التهذيب ج 7 ص 108 الرقم - 69 - 71 - 68 - 72 وفي الوافي (الثلثين) بدل المثلين.
(4) التهذيب ج 7 ص 108 الرقم - 69 - 71 - 68 - 72 وفي الوافي (الثلثين) بدل المثلين.
(5) التهذيب ج 7 ص 108 الرقم - 69 - 71 - 68 - 72 وفي الوافي (الثلثين) بدل المثلين.
(6) التهذيب ج 7 ص 108 الرقم - 69 - 71 - 68 - 72 وفي الوافي (الثلثين) بدل المثلين.
295

فضة، وطبقة من نحاس، وطبقة من فضة؟ فقال: اكسرها فإنه لا يحل بيع هذا
ولا انفاقه ".
قال في الوافي الستوق بالضم والفتح معا وتشديد التاء، وتستوق بضم التاء
المزيف البهرج الملبس بالفضة، " طبقتين فضة " الصواب طبقة من فضة وكأنه مما صحفه
النساخ، وحمل منع انفاقه في التهذيب على ما إذا لم يتبين أنه كذلك: فيظن الأخذ
أنه جيد. انتهى.
أقول: الظاهر أن المراد من هذه الأخبار وكذا ما قدمناه من كلام الأصحاب
إنما هو بيان جواز انفاق هذه الدراهم في ساير المعاملات دون ما يتعلق به الربا ويدخل
في الصرف، وقوفا على قواعد الأصحاب المذكورة في سابق هذه المسألة، فلو أريد
المعاملة بها في أحد هذين الوجهين فلا بد من مراعاة شروطهما كما تقدم، ومرجع
ذلك إلى أنه متى كان عادة البلد المعاملة بذلك النقد المغشوش مع معلومية حاله

(1) قال ابن إدريس في كتاب السرائر: أما استفهام الإمام (عليه السلام)
ما هو الستوق، فإنها كلمة فارسية غير عربية، وهي مفتوحة السين الغير
المعجمة مشددة التاء المنقطة من فوقها نقطتين المضمومة، فالواو والقاف
ومعناها ثلاث طبقات، لأن ست بالفارسية ثلاثة، وتوق طبقات وهو الزايف
الردئ البهرج، قال الصولي في كتاب الأوراق: اعترض مخلد الشاعر
الموصلي الخليفة المعتمد لما دخل الموصل بمدح، وحلفه أن يسمعه
فأحضره وسمع مدحه، ثم قال: أنشدني هجاك لأهل الموصل
فأنشده.
هم قعدوا فانتفوا لهم حسبا * يجوز بعد العشاء في العجب
حتى إذا ما الصباح لاح لهم * تبين ستوقهم من الذهب
والناس قد أصبحوا صيارفة * أعلم شئ لبهرج النسب
انتهى منه رحمه الله.
296

عندهم كهذه الغروش التي في بلدان الروم، والطويلة التي في بلاد الأحساء،
فإنها من الصفر الملبس بالفضة، فلا بأس بالمعاملة بها وانفاقها، وما عدا ذلك، فلا يجوز
انفاقه إلا مع الاعلام بحاله، كما تقدم نقله عن العلامة في آخر عبارته المتقدمة،
وعلى هذا حمل الشيخ خبر المفضل المذكور.
ويدل على ذلك صريحا ما رواه في التهذيب عن جعفر بن عيسى (1) " قال: كتبت
إلى أبي الحسن الأول (عليه السلام): ما تقول: جعلت فداك في الدارهم التي أعلم
أنها لا تجوز بين المسلمين إلا بوضيعة، تصير إلى من بعضهم بغير وضيعة لجهلي به،
وإنما أخذته على أنه جيد، أيجوز لي أن آخذه وأخرجه من يدي إليه على حد ما صار
إلى من قبلهم؟ فكتب (عليه السلام): لا يحل ذلك، وكتبت إليه: جعلت فداك هل
يجوز إن وصلت إلى رده على صاحبه من غير معرفته به أو ابداله منه، وهو لا يدري
أني أبدله منه وأورده عليه؟ فكتب (عليه السلام) لا يجوز ".
ومما ذكرنا يظهر ما في كلام المحقق الأردبيلي (طاب ثراه) في هذا المقام
من النظر الظاهر لذوي الأفهام، وذلك في موضعين: أحدهما أنه قال في سابق هذه
المسألة بعد بيان حكمها ما صورته: وفي الأخبار الكثيرة المعتبرة أنه يجوز بيعه بمثل
ما فيه إن كان الغلب هو أو الغش بحيث يطلق عليه اسم ذلك، فالظاهر أن المراد
أن أحدهما مضمحل ولا قيمة له، ثم استدل بحسنة عمر بن يزيد الأولى من الروايات
المتقدمة، ورواية علي بن رئاب عن محمد بن مسلم وصحيحة عبد الرحمان الحجاج
الواردة في الأسرب، وروايته الأخرى الواردة أيضا فيه.
وأنت خبير بما قدمنا تحقيقه أن المراد من روايتي عمر بن يزيد وعلي بن رئاب
المذكورتين في كلامه إنما هو انفاق الدراهم المغشوشة في المعاملة في غير ما يدخل
في الربا بالصرف، وإن كان الغش كثيرا كما صرح به (عليه السلام) في رواية

(1) التهذيب ج 7 ص 116 الرقم 112.
297

عمر بن يزيد الثانية من قوله (عليه السلام) " إذا جازت الفضة الثلثين فلا بأس " فإنه
يعطي جواز المعاملة بما يكون الغش فيه يبلغ الربع وعلى ذلك يدل اطلاق جملة
من أخبار المسألة، وتمسكه في ذلك بخبري عبد الرحمان بن الحجاج ليس في محله،
لأن هذا حكم آخر كما فصلناه هنا.
قال في المسالك في هذه المسألة: ولا يخفى أن المراد هنا الغش المعتبر، دون
ما يستهلك لقلته، نبه عليه في التذكرة انتهى، وبالجملة فالخبران اللذان أوردهما
أولا إنما هما من قبيل باقي الأخبار التي سردناها، وقد عرفت المراد منها، وليسا
من أخبار المسألة المتقدمة كما ظنه، ومحمل التأويل فيهما، والخبران الأخيران
قد تقدم محلهما، وليس هما من أخبار المسألة السابقة أيضا كما توهمه.
وثانيهما ما ذكره وقبله المحقق الشيخ على في شرح القواعد من حمل
الصرف في كلام المتقدمين كالعبارة التي قدمنا نقلها عنهم في صدر المسألة من
قولهم يجوز اخراج الدراهم المغشوشة مع جهالة الغش إذا كانت معلومة الصرف،
وإن كانت مجهولة الصرف لم يجز انفاقها على الصرف بمعنى معلومية قيمة ما فيها
من الصافي أو قيمته، وكذا مجهولية الصرف بمعنى عدم العلم بقدر ما فيه من
الصافي.
والمفهوم من الأخبار التي قدمناها أن المراد بالصرف في عباراتهم إنما هو
الرواج في المعاملة ومضيها بين الناس من غير توقف في أحدها لمكان الغش مع العلم
بذلك، فمتى كان رائجا في المعاملة جاز انفاقه، وإن لم يكن رائجا في تلك البلد
ولا متعاملا به وجب الاعلام بغشه، سواء علم قدر ما فيه من الخالص أو لم يعلم.
وبما ذكرناه صرح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك فقال بعد ذكر عبارة
المصنف كما قدمنا ذكره في صدر المسألة: المراد بكونها معلومة الصرف كونها
متداولة بين الناس مع علمهم بحالها، فإنه يجوز حينئذ اخراجها، وإن لم يعلم بقدر
298

ما فيها من الغش، فلو كانت مجهولة الصرف بحيث لو علموا بحالها ما قبلوها وجب
على مخرجها إبانة حالها، بأن يقول: إنها مغشوشة وإن لم يبين قدر غشها
إلى آخره.
المسألة الخامسة المراكب المحلاة إذا علم ما فيها من الحلية يجوز بيعها بجنسها
بشرط أن يزيد الثمن عما فيها، أو توهب الزيادة من غير شرط ويجوز بيعها أيضا
بغير جنسها مطلقا، وإن جهل ما فيها وإن أمكن نزعه من غير ضرر بيعت بغير جنس
الحلية، وإن بيعت بجنس الحلية قيل: يجعل معها شئ من المتاع، وتباع بزيادة
عما فيها تقريبا، دفعا لضرر النزع، هكذا قالوا.
والذي وقفت عليه من الأخبار منها رواية إبراهيم بن هلال (1) " قال:
قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جام فيه ذهب وفضة، اشتريه بذهب أو فضة؟
فقال: إن كان تقدر على تخليصه فلا، وإن لم تقدر على تخليصه فلا بأس ".
وصحيحة عبد الله بن سنان (2) " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
شراء الذهب فيه الفضة والزيبق والتراب بالدنانير والورق فقال: لا تصارفه إلا
بالورق قال: وسألته عن شراء الفضة فيها الرصاص والورق إذا خلصت نقصت من
كل عشرة درهمين أو ثلاثة قال لا يصلح إلا بالذهب ".
ورواية أبي بصير " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن بيع السيف
المحلى بالنقد؟ فقال: لا بأس به، قال: وسألته عن بيعه بالنسيئة، فقال: إذا نقد
مثل ما في فضته فلا بأس به أو ليعطي الطعام ".
وموثقة محمد بن مسلم (4) قال: سئل عن السيف المحلى، والسيف الحديد

(1) التهذيب ج 7 ص 112.
(2) الكافي ج 5 ص 249 التهذيب ج 7 ص 109.
(3) الكافي ج 5 ص 250 التهذيب ج 7 ص 112 و ص 114 وليس في الكافي كلمة بالفضة).
(4) الكافي ج 5 ص 250 التهذيب ج 7 ص 112 و ص 114 وليس في الكافي كلمة بالفضة).
299

المموه (بالفضة) يبيعه بالدراهم؟ قال: نعم وبالذهب، وقال إنه يكره أن يبيعه
بنسيئة، وقال: إذا كان الثمن أكثر من الفضة فلا بأس " كذا في الكافي، وفي التهذيب
(بع بالذهب) مكان: نعم وبالذهب.
وصحيحة عبد الرحمان بن الحجاج (1) " قال: سألته عن السيوف المحلاة
فيها الفضة تباع بالذهب إلى أجل مسمى؟ فقال: إن الناس لم يختلفوا في النساء
أنه الربا، وإنما اختلفوا في اليد باليد، فقلت له: فنبيعه بدراهم بنقد؟ فقال: كان
أبي (عليه السلام) يقول: يكون معه عرض أحب إلي، فقلت: إذا كان الدراهم
التي تعطي أكثر من الفضة التي فيها؟ فقال: وكيف لهم بالاحتياط بذلك؟ قلت له:
فإنهم يزعمون أنهم يعرفون ذلك فقال: إن كانوا يعرفون ذلك فلا بأس، وإلا فإنهم
يجعلون معه العرض أحب إلي ".
وصحيحة عبد الله بن سنان (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: لا بأس ببيع
السيف المحلى بالفضة بنساء إذا نقد ثمن الفضة وإلا فاجعل ثمن فضة طعاما ولينسه
إن شاء ".
ورواية منصور الصيقل (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال سألته عن
السيف المفضض تباع بالدراهم؟ قال: إن كانت فضته أقل من النقد فلا بأس،
وإن كانت فضته أكثر فلا يصلح ".
وعن أبي بصير " قال: سألته عن المفضض " الحديث مثله.
ورواية منصور الصيقل (5) أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت
له: السيف اشتريه وفيه الفضة تكون الفضة أكثر أو أقل؟ قال: لا بأس به ".

(1) الكافي ج 5 ص 251 التهذيب ج 7 ص 113.
(2) التهذيب ج 7 ص 112.
(3) التهذيب ج 7 ص 113.
(4) التهذيب ج 7 ص 113.
(5) التهذيب ج 7 ص 113.
300

ورواية عبد الله بن جذاعة (1) " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
السيف المحلى بالفضة يباع بنسيئة؟ قال: ليس به بأس، لأن فيه الحديد
والسير ".
وما رواه الحميري في كتاب قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن العلوي عن
جده علي بن جعفر (2) عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) " قال: سألته عن
الفضة في الخوان والقصعة والسيف والمنطقة والسرج واللجام تباع بدراهم أقل
من الفضة أو أكثر قال: تباع الفضة بدنانير، وما سوى ذلك بدراهم " ورواه علي بن
جعفر في كتابه.
أقول: ينبغي أن يعلم أولا أن من القواعد المقررة في كلام الأصحاب وهو
المستفاد من الأخبار كما تقدم ذكره في باب الربا أن المجتمع من جنسين يجوز
بيعه بغير جنسيهما مطلقا، وبهما معا سواء علم قدر كل واحد من المجتمع أم لا
إذا عرف قدر الجملة، وسواء أمكن تخليصهما أم لا، ويجوز أيضا بكل واحد منهما
إذا علم زيادته عن جنسه بحيث يصلح ثمنا للأخروان قل ولم يكن قيمته واقعا (3)،
وحينئذ فما دلت عليه رواية إبراهيم بن هلال " من النهي عن شراء اللجام إذا كان يقدر
على تخليصه " لعله محمول على الكراهة، وإلا فلو شراه بأحدهما مع زيادته على
ما فيه من ذلك الجنس الآخر فلا اشكال في صحته، بناء على ما عرفت.
وما دلت عليه صحيحة عبد الله سنان الأولى من أنه لا يصلح شراء الفضة
المغشوشة بالرصاص بالورق قد تقدم بيان لوجه فيه في المسألة الثانية.

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الصرف الحديث 10 - 11.
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب الصرف الحديث 10 - 11.
(3) اشتراط العلم كما ذكرنا مذهب الأكثر، وبه صرح في الدروس ومثله
الشهيد الثاني في الروضة، وبالاكتفاء بالظن الغالب صرح الشهيد في اللمعة
والظاهر الأول. منه رحمه الله.
301

وما في رواية أبي بصير من نفي البأس عن بيع السيف المحلى بالنقد فيحمل
على المخالفة في جنسي النقد والحلية، أو زيادة الثمن أن كان من جنسها، وما نفى
عنه البأس من بيعه نسيئة إذا نقد مثل ما في الفضة ظاهر في كون ذلك من
باب الرصف كما تقدمت الإشارة إليه، فيشترط فيه التقابض في المجلس بالنسبة
إلى الحلية، وما قابلها من الثمن، فإذا نقد مثل الفضة، فلا بأس بالنسبة في الباقي،
وإلا فليجعل جنسا آخر كالطعام، ومثل هذه في ذلك صحيحة عبد الله سنان.
وأما موثقة محمد بن مسلم فعلى تقدير نسخة الكافي فيها دلالة على جواز
البيع بالدراهم، لكن لا بد من التقييد بزيادتها على ما فيه من الفضة لما عرفت، وعلى
تقدير نسخة التهذيب فيها دلالة على المنع من الدراهم، ويحمل على عدم معلومية
الحلية، ليحصل المخرج من الوقوع في الربا بالزيادة في الثمن، فلا يباع حينئذ
إلا بجنس آخر، كما دلت عليه صحيحة عبد الرحمان الحجاج، وكراهة نسيئة
في الرواية أعم من أن يكون بالدراهم أو الدنانير، والمراد بالكراهة التحريم كما هو
شايع في الأخبار، لما عرفت من أنه يلحقه حكم الصرف هنا، وقوله فيها إذا كان
الثمن أكثر من الفضة فلا بأس فيه، دلالة على جواز البيع بالدراهم مع زيادتها على
ما فيه من الحلية، ليكون الزيادة في مقابلة الجنس الآخر.
وأما صحيحة عبد الرحمان الحجاج، فإن قوله فيها أن الناس لم يختلفوا في
النسئ أنه الربا " مؤكد لما قلناه من حصول الربا بالنسيئة، لما تقدم من أن له
قسطا من الثمن، وفيه دلالة ظاهر على اعتبار الزيادة الحكمية في الربا، خلافا لابن
إدريس من تخصيصه الزيادة الموجبة للربا بالعينية.
وقوله " فقلت: فنبيعه بدراهم بنقد " إلى آخر الخبر ملخصه أنه إن علم مقدار
الفضة التي في الحلية، فالمخرج من الوقوع في الربا زيادة الدراهم على الفضة
المذكورة، وإن لم يعلم فلا تباع إلا بجنس آخر تحرزا من الوقوع في الربا،
302

بأن يكون الفضة التي في الحلية أزيد من الدراهم المنقودة، بقي الاشكال فيه من قوله
" إنما اختلفوا في اليد باليد " مع أنا لا نعلم خلافا في اشتراط التقابض في النقدين،
ولم يذهب أحد إلى القول بعدم التقابض في النقدين وإنما الخلاف في غيرهما
كما تقدم، والظاهر أن هذا الكلام إشارة إلى ما ذكره محيي السنة من علماء العامة (1)
أن ذلك كان قديما في عصره (صلى الله عليه وآله) ثم نسخ، وبقي عليه أقوام لم
يصل إليهم النسخ، ومنهم ابن عباس.
وأما رواية منصور الأولى فالمعنى فيها ظاهر مما عرفت.
وأما رواية الثانية ففي ظاهرها نوع اشكال والظاهر أن المعنى فيها هو ما في
روايته الأولى، وأن المراد بقوله أكثر أو أقل لا بالنسبة إلى ما قابله من الثمن إذا كان
دراهم، بل المراد كثيرا أو قليلا، ولا بد من أقليته بالنسبة إلى الثمن لينطبق على
الأخبار الباقية.
وأما رواية عبد الله بن جذاعة فحملها الشيخ في الإستبصار على التقييد بأن نقد
مثل ما فيه من الفضة، ليوافق ما تقدم مما دل على الحكم المذكور.
وأما رواية علي بن جعفر فما ذكر فيها، أحد الوجوه الموجبة للخروج عن
الربا، وليس ذلك مخصوصا به لما عرفت مما تقدم.
بقي الكلام في مواضع مما تقدم نقله عنهم في صدر المسألة: منها قولهم أنه
مع العلم بما فيها من الحلية تباع بالجنس بشرط الزيادة، فإن فيه أنه يمكن ذلك
في صورة الجهل بقدرها إذا علم زيادة الثمن على الحلية، فإنه يمكن تصور العلم
بالزيادة وإن جهل القدر.

(1) قال محيي السنة المذكور: فقال كان في الابتداء حين قدم النبي
(صلى الله عليه وآله) المدينة بيع الدراهم بالدراهم والدنانير بالدنانير
متفاضلا جايزا يدا بيد، ثم صار منسوخا بايجاب المماثلة، وقد بقي
على المذهب الأول بعض الصحابة، وممن لم يبلغهم النسخ كان عبد الله
ابن عباس، وكأن يقول: أخبرني أسامة أن النبي (صلى الله عليه وآله)
قال: إنما الربا في النسيئة. منه رحمه الله.
303

ومنها قولهم وتوهب الزيادة من غير شرط، والمراد منه أن من المخرج
من الربا هنا أن يهبه الزيادة، لكن لا يقع ذلك شرطا في عقد البيع بأن يبيعه بشرط
أن يهبه الزيادة، لاستلزامه الزيادة الحكمية في أحد الجنسين، لأن الشرط زيادة
حكمية كما سيأتي انشاء الله تعالى بيانه في اشتراط صياغة الخاتم، وهذه الزيادة
إنما يتحقق ويحتاج إلى التخلص بهبتها فيما إذا وقع البيع بالثمن على الحلية خاصة
إذا فرضت قدر الثمن أو زايدة عليه، فإنه يبقى ما فيه الحلية زيادة في البين، وهو
ظاهر، ولو وهبه الزيادة قبل البيع صح أيضا، ويجب تجريد عقد الهبة عن شرط
بيع الباقي بمثله، كما وجب تجريد عقد البيع عن شرط الهبة كما عرفت، لرجوع
الأمرين إلى ما تقدم من لزوم الزيادة الحكمية.
ومنها قولهم في صورة الجهل بقدر الحلية وإن بيعت بجنس الحلية، " قيل:
يجعل معها شئ من المتاع، إلى آخره فإن فيه أنك قد عرفت أنه مع الجهل بقدرها
يجوز بيعها بجنسها مع العلم بزيادة الثمن عليها، فإنه يمكن فرضه ويصح البيع،
سواء جعل معها شئ آخر أم لا، ويصح أيضا مع عدم العلم بزيادة الثمن عليها أن
يضم إلى الثمن متاع آخر، لينصرف الثمن إلى ذي الحلية، والمتاع إلى الحلية.
وأما على هذا القول الذي نقل، فإن ظاهره ضم المتاع إلى الحلية، وهو
غير ظاهر الاستقامة، لأنه مع ضم المتاع إلى المبيع من الحلية وذي الحلية يزيد
الضرر والمحذور، حيث يحتاج إلى مقابلة الثمن بها مع الباقي، والظاهر أنه لذلك
نقلوه بلفظ قيل ايذانا بضعفه، وهذا القول للشيخ في النهاية وذكر بعض الأفضل
أن الشيخ تبع في ذلك رواية وردت بهذه الصيغة ونسبت إلى وهم الراوي، ولم
نقف عليها فيما وصل إلينا من الأخبار.
ثم إنه ينبغي تقييد هذه الأخبار الواردة في هذا المضمار بما إذا كانت الحلية
متمولة، وإلا فلو كانت من قبيل حلية الجدران والسقوف فلا يترتب عليها الأحكام
المذكورة كما تقدمت الإشارة إليه. والله العالم.
304

المسألة السادسة قال الشيخ في النهاية (1) لا بأس أن يبيع درهما بدرهم
ويشترط معه صياغة خاتم، أو غير ذلك من الأشياء، وقال ابن إدريس:
وجه الفتوى بذلك على ما قاله (رحمه الله) أن الربا هو الزيادة في العين إذا
كان الجنس واحدا، وهنا لا زيادة في العين، ويكون ذلك على جهة الصلح في
العمل فهذا وجه الاعتذار له إذا سلم العمل به، ويمكن أن يحتج على صحته بقوله
(تعالى) (2) " وأحل الله البيع وحرم الربا "، وهذا بيع، والربا المنهي عنه غير
موجود هيهنا، لا حقيقة لغوية، ولا حقيقة عرفية ولا شرعية.
أقول: الأصل في هذه المسألة ما رواه الشيخ عن أبي الصباح الكناني (3)

(1) أقول قال في النهاية السيوف المحلاة والمركب المحلاة إذا كانت
محلاة بالفضة وعلم مقدار ما فيها جاز بيعها بالذهب والفضة، فإن بيع
بالفضة فيكون ثمن السيف أكثر مما فيه من الفضة، وإن لم يعلم مقدار
ما فيها وكانت محلاة بالفضة فلا تباع إلا بالذهب، وإن كانت محلاة بالفضة
وأراد بيعها بالفضة وليس لهم طريق إلى معرفة مقدار ما فيها فليجعل معها شيئا
آخر، ويبيع حينئذ بالفضة إذا كان أكثر مما فيه تقريبا، ولم يكن به بأس،
وقال ابن إدريس بعد نقل ذلك: ولي فيه نظر، ولم يبين وجه النظر،
قال في المختلف بعد نقل ذلك: والحق أن الفضة إن علم مقدارها جاز
بيعها بأكثر منها، ليحصل من الثمن ما يساوي المقدار من الحلية في مقابلته،
والزيادة في مقابلة السيف، وإن لم يعلم بيعت بثمن غير الفضة أو بالفضة
مع علم زيادة الثمن، أو يضم إلى الثمن شيئا فيكون الفضة في مقابلة
السيف، والمضموم في مقابلة الحلية لانتفاء الربا انتهى. وهو جيد.
منه رحمه الله.
(2) سورة البقرة الآية 275.
(3) التهذيب ج 7 ص 110.
305

" قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يقول للصايغ: صغ لي هذا الخاتم
وأبدل لك درهما طازجا بدرهم غلة؟ قال: لا بأس " والطازج الخالص معرب تازه،
والغلة المغشوش.
وجملة من الأصحاب قد عبروا هنا بأنه يجوز ابتياع درهم بدرهم مع اشتراط
صياغة خاتم، تبعا للشيخ، وظاهر كلام الشيخ تعدية الحكم إلى غير الصياغة، بأن
يبيعه درهما بدرهم ويشترط خياطة ثوب أو نحو ذلك.
قيل. وفي تعدية الحكم في الثمن والمثمن بأن يبيع دينارا بدينار ويشترط
عملا، ويبيع عشرة دراهم بعشرة، ويشترط عملا اشكال، والأقرب الجواز تفريعا على
الجواز هنا أيضا لأن الزيادة المذكورة إن أوجبت الربا لزم التحريم في الجميع،
وإلا فلا.
وجملة من الأصحاب كالمحقق وغيره عبروا هنا بلفظ وروي جواز ابتياع
درهم بدرهم مع اشتراط صياغة خاتم ايذانا بالتوقف في الحكم المذكور ومنع
جملة منهم من تعدى موضع النص.
والتحقيق أن الرواية المذكورة لا صراحة فيها فيما ذكروه من البيع وإنما
تضمنت اشتراط ابدال درهم بدرهم في صياغة الخاتم لا البيع بشرط الصياغة.
نعم ربما يقال: إن الابدال من قبيل الصرف، والزيادة فيه تصير من قبيل الربا،
والجواب عنه أن يقال. إن اشتراط الصياغة إنما هو في جانب الغلة، وعلى ذلك
لا يتحقق الزيادة، لما عرفت من أن الدرهم الطازج هو الصحيح، والغلة المراد بها
المغشوش، فالزيادة الحكمية التي هي الصياغة إذا جعلت مع المغشوش، قابلت
الزيادة التي في الخالص من الفضة على المغشوش، وحينئذ لا مانع في البيع ولا غيره
ولا في شرط صياغة خاتم ولا غيره من الأعمال متى كان المفروض مثل ما وقع في
الرواية من النقصان في أحد العوضين ليجبر بالعمل المشترط.
306

وبذلك يظهر لك ما في الفروض المذكورة في كلام ذلك القائل في تعدية
الحكم إلى بيع دينار بدينار، وعشرة دراهم بعشرة أخرى ونحو ذلك، فإنه على
اطلاقه ممنوع، لحصول الربا بالزيادة الحكمية، بل ينبغي تقييده بما دلت عليه
الرواية من نقص أحد العوضين ليصح الاشتراط، ويندفع الربا.
وأما ما ذكره ابن إدريس من تخصيص الربا بالزيادة العينية في أحد الجنسين
فيرده ما تقدم في صحيحة عبد الرحمان الحجاج من قوله (عليه السلام) (1) " أن
الناس لم يختلفوا في النسئ أنه الربا " ونحوها غيرها من الأخبار المانعة من البيع
نسيئة لذلك.
وأما ما ذكره المحقق الأردبيلي (عطر الله مرقده) من أن ظاهر قوانينهم أنه
ليس الجيادة زيادة تجبر بشئ، ولهذا لا يتحقق الربابين الجيد في غاية الجيادة
والردئ في غاية الردائة مع التساوي في المقدار، ويتحقق مع التفاوت، وإن كان
في جانب الردئ بشئ يسير لا يقابل الجيادة التي في الجيد، وهو صريح كلامهم
انتهى.
ففيه أنه ينبغي أن يعلم أن هنا شيئين، أحدهما أن تكون الفضة خالصة، وادا
عملت دراهم جعل فيها غيرها من نحاس أو رصاص أو غيرهما ويسمى حينئذ مغشوشة
وثانيهما أن تكون الفضة من أصلها ومعدنها ردية غير جيدة، والمراد من الدراهم
الجياد والدراهم الردية إنما هو ما كان باعتبار أصل الجوهر، لا من حيث ضم شئ
إليه وعدمه، وما نحن فيه إنما هو من قبيل الأول، لأن الغلة كما ذكرنا هي الدرهم
المغشوش بغيره، وما اعترض به إنما هو من الثاني، وهو مما لا خلاف فيه، لأنه
ليس فيه شئ غير الفضة من الأشياء الخارجية عنها، إلا أن فضته ليست جيدة،
ويدلك على ذلك ما تقدم في المسألة الثالثة في الفضة المغشوشة من أنها لا تباع إلا
بغير الجنس، أو به مع الزيادة في الثمن ليقابل ما فيها من الغش. وبالجملة فإن كلامه

(1) التهذيب ج 7 ص 113.
307

هنا غفلة عن الفرق بين الأمرين. والله العالم.
المسألة السابعة الأواني المصبوغة من الذهب والفضة وإن كان كل واحد
منهما معلوما جاز بيعه بجنسه من غير زيادة، وبغير الجنس وإن زاد، وإن لم يعلم
وأمكن تخليصهما لم يبع بالذهب ولا بالفضة وبيعت بهما أو بغيرهما، وإن لم
يمكن وكان أحدهما أغلب بيعت بالأقل، وإن تساويا تغليبا بيعت بهما، هكذا
صرح به بعضهم.
وقيل: إن أصل هذا الكلام للشيخ وتبعه عليه الجماعة، وهو على اطلاقه
مدخول، ويحتاج إلى تنقيح.
وذلك فإنك قد عرفت فيما تقدم في المسألة الخامسة أن من القواعد المتفق
عليها نصا وفتوى أن المجتمع من جنسين يجوز بيعه بغير جنسيهما مطلقا، وبهما معا
سواء علم قدر كل واحد من المجتمع أم لا إذا عرف قدر الجملة، وسواء أمكن
تخليصهما أم لا، ويجوز أيضا بكل واحد منهما إذا علم زيادته عن جنسه، بحيث
تصلح ثمنا للآخر وإن قل، سواء أمكن التخليص أيضا أم لا، وسواء علم قدر كل
واحد أم لا، وما ذكر هنا من هذه المسألة أحد جزئيات القاعدة المذكورة، ووجه
الدخل في هذا الكلام في مواضع.
الأول قوله: إن كان أحدهما معلوما جاز بيعه بجنسه من غير زيادة وبغير
الجنس وإن زاد، فإن فيه أنه إن أراد ببيعه بيع ذلك الجنس خاصة دون المجموع
فهذا لا وجه له، لأن فرض المسألة هو بيع المركب من الذهب والفضة لا أحدهما،
وحينئذ فما ذكر خارج عن محل المسألة، وإن كان المراد بيع المجموع، اشترط
في بيعه بجنس أحدهما زيادة الثمن على جنسه ليكون تلك الزيادة في مقابلة الآخر،
وإن أراد بيع المجموع بجنسه أي الجنسين معا، فلا معنى لاشتراط عدم الزيادة،
لأن كل واحد من الجنسين ينصرف إلى مخالفه، فلا تضر الزيادة هنا ولا النقصان،
ولا فرق في هذين القسمين بين أن يعلم قدر كل واحد منهما أو يجهل، كما تقدم
308

الإشارة إليه في القاعدة، فلا وجه للتقييد بالعلم بهما.
الثاني قوله وإن لم يعلم وأمكن تخليصهما لم يبع بالذهب ولا بالفضة،
وبيعت بهما أو بغيرهما، فإنه فيه أنه لا مانع من بيعه بوزنه ذهبا أو فضة مطلقا، لحصول
المماثلة في الجنسين والمخالفة بالنسبة إلى الجنس الآخر، فلا مدخل للربا في ذلك،
وكذا مع الزيادة على قدر المركب، وكذا مع نقصانه إذا علم زيادة الثمن على
مجانسه بما يتمول، فما ذكر من المنع من بيعه بأحدهما على تقدير إمكان التخليص
لا يظهر له وجه، بل يجوز حينئذ بيعه بهما وبأحدهما وبغيرهما وبالأقل سواء أمكن
التخليص أم لا.
الثالث قوله وإن لم يمكن وكان أحدهما أغلب بيعت بالأقل، فإن فيه أنه
بمقتضى القاعدة المتقدمة يجوز بيعه بهما وبغيرهما، وبالأقل والأكثر إذا علم زيادة
الثمن على جنسه كما تقدم، فالتقييد بالأقل عار عن النكتة.
واعتذر الشهيد (رحمه الله) لهم عن ذلك بأن ذكر الأقل محافظة على طلب
الزيادة، ورد بأن الزيادة المعتبرة في الثمن عن جنسه يمكن تحققها مع الأقل والأكثر
ومع ذلك فالارشاد إلى الزيادة غير كاف في التخصيص الموجب لتوهم المنع
من غيره.
الرابع قوله: " وإن تساويا تغليبا بيعت بأحدهما " فإن فيه أنه مع تساويهما
لا ينحصر الجواز في البيع بأحدهما، بل يجوز بيعه بهما أو بأحدهما مع الزيادة
وبغيرهما فلا وجه للتخصيص بأحدهما، ولا فرق في ذلك أيضا بين إمكان التخليص
وعدمه، ولا بين العلم بقدر كل منهما وعدمه. نعم يعتبر العلم بالجملة والله العالم.
المسألة الثامنة قال الشيخ في المبسوط: إذا اشترى ثوبا بمائة درهم إلا دينارا
أو بمائة دينار إلا درهما لم يصح، لأن الثمن مجهول، لأنه لا يدري كم حصة الدرهم
من الدينار ولاكم حصة الدينار من الدرهم إلا بالتقويم، والرجوع إلى أهل الخبرة، وكذا
قال ابن البراج، وقال في النهاية: ولا يجوز أن يشتري بدينار إلا درهما، وعلل بالجهالة.
309

وقال ابن إدريس: لا يصح أن يشتري الانسان سلعة بدينار غير درهم، ولا بدارهم،
غير دينار، لأن ذلك مجهول قال محمد بن إدريس: قولنا لا يصح، نريد به العقد لا يصح،
وقولنا لأنه مجهول المراد به الثمن مجهول، وإذا كان الثمن مجهولا فالعقد والبيع لا يصح،
ووجه كون الثمن في هذه الصورة مجهولا لأنه لا يدري كم حصة الدراهم من
الدينار، ولاكم حصة الدينار من الدراهم إلا بالتقويم، والرجوع إلى أهل الخبرة،
وذلك غير معلوم وقت العقد، فهو مجهول، فإن استثنى من جنسه فباع بمائة دينار
إلا دينارا أو بمائة درهم إلا درهما صح البيع، لأن الثمن معلوم، وهو ما بقي بعد
الاستثناء انتهى.
وقال ابن الجنيد لو باع ثوبا بمائة درهم غير دينار نقدا جاز، فإن باعه نسيئة
لم يصح البيع، لأنه لا يعلم قدر الدينار من الدرهم وقت الوجوب، وكذا كل
ما اختلف جنساه، وجملة من الأصحاب عبروا بما يرجع إلى كلام الشيخ
في المبسوط.
أقول: والأصل في هذه المسألة الأخبار. ومنها ما رواه في الكافي عن حماد (1)
عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: يكره أن يشتري السلعة بدينار غير درهم، لأنه
لا يدري كم الدرهم من الدينار ".
وما رواه الشيخ عن السكوني " عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام)
في الرجل يشتري السلعة بدينار غير درهم إلى أجل؟ قال: فاسد، فلعل الدينار
يصير بدرهم ".
وعن أبي جعفر عن أبيه عن وهب (3) " وعن جعفر عن أبيه (عليهما السلام)
أنه كره أن يشتري الرجل بدينار إلا درهما وإلا درهمين نسيئة، ولكن يجعل
ذلك بدينار إلا ثلثا، وإلا ربعا وإلا سدسا أو شيئا يكون جزءا من الدينار ".

(1) الكافي ج 5 ص 197.
(2) التهذيب ج 7 ص 116 الرقم 108 109.
(3) التهذيب ج 7 ص 116 الرقم 108 109.
310

وعن ميسر (1) " عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) أنه كره أن يشتري الثوب
بدينار غير درهم، لأنه لا يدري كم الدينار من الدرهم ".
أقول: وملخص الكلام في هذا المقام وهو الذي يجتمع عليه الأخبار،
وما نقلناه من كلام علمائنا الأعلام هو أن يقال إن البيع إن وقع نقدا فإنه لا بد
في صحته من علم المتعاقدين بنسبة المستثنى من المستثنى منه، فإن لم يعلما أو أحدهما
لم يصح البيع لمكان الجهالة في الثمن، وإن وقع نسيئة فإن شرطا في الدرهم أو الدينار
المستثنى ما كان متعاملا به وقت العقد أو أطلقا فيرجع إلى التفصيل المتقدم من
علم النسبة صح البيع، وإلا بطل لمكان الجهل، وإن شرطا الدرهم أو الدينار
المتعامل به وقت حلول الأجل فأولى بالبطلان لأنه لا يدري ما يصير إليه الأمر في ذلك
الوقت، وإليه يشير قوله (عليه السلام) في رواية السكوني، " فلعل الدينار يصير
بدرهم " وعلى هذا فلا اختلاف بين كلام ابن الجنيد، وكلام الشيخ في هذه المسألة،
وأنت خبير بأن الأنسب بهذه المسألة هو ذكرها في المقام الثالث من الفصل الأول،
لأنها متعلقة بجهل الثمن، ولكن الأصحاب لما ذكروها في باب الصرف جرينا على
منوالهم في ذلك.
المسألة التاسعة تراب الصياغة إن علم بالقرائن المفيدة لذلك اعراض
أصحابه عنه جاز للصائغ تملكه كغيره مما يعلم اعراض ملاكه عنه، وفي الاكتفاء بالظن
اشكال، وإلا فإن علم ملاكه وجب رده عليهم، وإن علم بعضهم وجب التخلص
منه ولو بالصلح، وإلا فالواجب الصدقة به أو بثمنه عن ملاكه، كما هو الحكم
في نظائره، لكن متى أراد بيعه فلا يبيعه إلا بجنس آخر من العروض أو بالذهب والفضة
معا، حذرا من الربا لو بيع بأحدهما، لجواز زيادة ما فيه من جنس الثمن من ذلك
الثمن أو مساواته، فيلزم الربا.

(1) التهذيب ج 7 ص 116 الرقم 110.
311

أما لو علم زيادة الثمن من ذلك الجنس على جنسه بحيث تصلح الزيادة لمقابلة
الجنس الآخر فلا بأس.
والذي وقفت عليه من الأخبار في هذه المسألة ما رواه في الكافي والتهذيب عن
علي بن ميمون الصائغ (1) " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عما يكنس
من التراب فأبيعه فما أصنع به؟ قال: تصدق به فأما لك وأما لأهله، قال: قلت
فإن فيه ذهبا وفضة وحديدا فبأي شئ أبيعه؟ قال: بعه بطعام، قلت: فإن كان لي
قرابة محتاج أعطيه منه؟ قال: نعم ".
وما رواه الشيخ عن علي الصائغ (2) " قال: سألته عن تراب الصواغين وإنا
نبيعه قال: أما تستطيع أن تستحله صاحبه؟ قال: قلت: لا إذا أخبرته اتهمني، قال
بعه، قلت: بأي شئ أبيعه، قال: بطعام، قلت: فأي شئ أصنع به؟ قال: تصدق به أما لك وأما
لأهله، قلت: إن كان ذا قرابة محتاجا فأصله؟ قال: نعم " قال في الوافي لعل وجه
الترديد في " لك ولأهله " احتمال اعراض المالك عنه وعدمه.
أقول: الظاهر بعده، لأن الصدقة به إنما هي حكم مجهول المالك، ومع
معلومية الاعراض عنه وقصد تملكه لا يكلف بالصدقة، بل هو ماله يتصرف فيه كيف
يشاء، ولا يتعين عليه التصدق، بل الظاهر أن المراد إنما هو التصدق به عن صاحبه
مع الضمان، لمالكه متى ظهر ولم يرض بالصدقة، كما في نظائره، فإن ظهر له صاحب
ورضي بالصدقة أو لم يظهر بالكلية، فالصدقة لصاحب المال، وإن ظهر ولم يرض
بالصدقة كانت الصدقة لك وعليك ضمانه، هذا هو الظاهر كما لا يخفى على الخبير
الماهر. (3)

(1) الكافي ج 5 ص 250 التهذيب ج 7 ص 111.
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب الصرف الرقم 2.
(3) أقول: ما استظهرنا من الوجه المذكور ظاهر من الخبر الأول وأما
الثاني فإن ظاهره وجود المالك ومعرفته، وكان خوف التهمة ألحقه
312

وظاهر الرواية الثانية جواز بيعه والصدقة بثمنه وإن علم المالك إذا
خاف التهمة.
والمفهوم من كلام الأصحاب أنه مع معلومية المالك لا يجوز الصدقة، بل
يجب التخلص منه بأي وجه اتفق، قال في المسالك: ولو كان بعضهم معلوما فلا بد
من محاللته ولو بالصلح، لأن الصدقة بمال الغير مشروطة باليأس من معرفته، وعلى
هذا فيجب التخلص من كل غريم يعمله. انتهى.
وفيه أن ما ذكره وإن كان هو مقتضى القواعد الشرعية والنصوص المرعية،
إلا أنه مع دلالة النص على ما ذكرناه يجب تقييد ذلك بالخبر المذكور كما هو مقتضى
القاعدة المشهورة، وما دل عليه الخبران من البيع بالطعام الظاهر أنه خرج مخرج
التمثيل بالأسهل، وإلا فإنه يصح البيع بالنقدين أو غيرهما من العروض، قيل:
ويلحق به باقي أرباب الحرف كالحداد والخياط والطحان والخباز، وفيه اشكال
قال في المسالك: ولو ظهر بعض المستحقين ولم يرض بالصدقة ضمن حصته مع
احتمال العدم. (1)
أقول: لا وجه لهذا الاحتمال لأن هذه المسألة من جزئيات القاعدة في مال
مجهول المالك، وحكمه الضمان بعد ظهور المالك وعدم الرضا بالصدقة، وإليه

بمجهول المالك، فأمر (عليه السلام) فيه بالصدقة إما له إن اتفق علم المالك
وعدم الرضاء بها أو بالنظر إلى يوم القيمة، وإما للمالك إن رضي بعد العلم
على أحد الوجهين المتقدمين. منه رحمه الله.
(1) ظاهر كلام المسالك اختيار الضمان مع احتمال العدم، وقال الفاضل
الخراساني في الكفاية ولو ظهر بعض الأرباب بعد الصدقة ولم يرض
بها فهل يضمن؟ فيه احتمالان، وظاهره تساوي احتمالين، وفيه ما عرفت
في الأصل والله العالم. منه رحمه الله.
313

يشير هنا ما ذكره (عليه السلام) في الخبرين من قوله " إما لك أو لأهله " كما قدمنا
بيانه وقال في المسالك أيضا: ومصرفه مصرف الصدقة الواجبة، وقيل: المندوبة.
أقول: احتمال المندوبة بمعنى غير الفقير المستحق بعيد جدا، فإن اطلاق
الصدقة في الكفارات والنذور ونحوها إنما يتبادر إلى المستحق من الفقراء والمساكين
دون الأغنياء، كما صرحوا به، ولو كان الصائغ من ذوي الاستحقاق فهل يجوز له
أخذه لنفسه اشكال، من أمره (عليه السلام) له بالصدقة، والمتبادر منه غيره من
أفراد المستحقين، ولا بأس بالصدقة على عياله أو قرابته كما صرح به في النص.
والله العالم.
المسألة العاشرة لا خلاف في أن الدراهم والدنانير يتعين بالتعيين، فلو
اشترى بدراهم معينة تعين الوفاء بها بجميع مشخصاتها، لعموم الوفاء بالعقود كما
لو باع عرضا معينا، فإنه يجب الوفاء به، والمقتضي لوجوب الوفاء ثابت في الجميع
فلا يجزي دفع غيرها، ولا يجوز ابدالها، ولو تلفت قبل القبض انفسخ البيع،
ولم يكن له دفع العوض وإن حصلت المساواة في الأوصاف، ولا للبايع المطالبة
بذلك، وإن وجد البايع بها عيبا لم يستبدلها، وإنما له الخيار بين فسخ العقد
والرضا بها.
إذا عرفت ذلك فنقول: هيهنا صور، الأولى إذا اشترى دراهم بمثلها معينة
كما لو قال: بعتك هذه الفضة بهذه مثلا فوجد ما صار إليه من البيع من غير جنس
الدراهم كما لو ظهرت نحاسا أو رصاصا كان البيع باطلا، لأن ما وقع عليه العقد
وهو ذلك الفرد المشار إليه غير مقصود بالشراء، وما هو مقصود بالشراء لم يقع
عليه العقد، فيقع البيع باطلا، لتخلف القصد عما وقع عليه العقد، ولا فرق في
ذلك بين الصرف وغيره، فلو باعه ثوبا كتانا فظهر صوفا، وكذا لو باعه بغلة
فظهرت فرسا بطل البيع، ويجب رد الثمن وليس له الابدال، لوقوع العقد على عين
مشخصة، فلا يتناول غيرها ولا الأرش، لعدم وقوع الصحيح والمعيب على هذه العين،
وربما يخيل تغليب الإشارة هنا وهو باطل، وقد تقدم الكلام في ذلك.
314

الثانية لو كان البعض من الجنس والبعض الآخر من غيره، فالظاهر أنه لا خلاف
بينهم في صحة العقد فيما كان من الجنس، والبطلان في غيره، لوجود شروط
الصحة في الأول، وانتفائها في الثاني، وعدم توقف صحة البعض على البعض الآخر
وقد تقدم نظير ذلك فيما لو باع ما يملك وما لا يملك، فإنه لا خلاف بينهم في
الصحة فيما يملك، والبطلان أو الحكم بكون البيع فضوليا فيما لا يملك، إلا
أن للمشتري الخيار لتبعيض الصفقة بين الفسخ، وأخذ ما كان من الجنس بقسط من
الثمن وحيث يختار المشتري الثاني وهو أخذ الجيد بحصته من الثمن، يتخير البايع أيضا
مع جهله بالعيب لتبعيض الصفقة أيضا، وأكثر عباراتهم وإن كانت إنما اشتملت
على تخيير المشتري خاصة، إلا أنها محمولة على ما هو الغالب من أن الجهل بالعيب
إنما يكون من المشترى دون البايع لثبوت العيب في ملكه، واطلاعه عليه غالبا فلو
فرض خلاف ذلك ثبت له الخيار أيضا، كما أن المشتري لو اطلع عليه ورضي به
لا خيار له.
الثالثة لو كان الجنس واحدا وبه عيب كخشونة الجوهر واضطراب السكة
بأن يكون سكته مخالفة للسكة الجارية في المعاملة، فلا يخلو إما أن يكون العيب
المذكور شاملا للجميع أو مختصا بالبعض، فإن كان الأول تخير المشتري بين رد
الجميع وامساكه كما في ساير المعيبات، وليس له رد البعض، للزوم تبعيض
الصفقة على البايع، ولا طلب البدل، لأن العقد إنما وقع على ذلك العين، وإن
كان الثاني تخير أيضا بين رد الجميع وامساكه، والظاهر أنه لا خلاف فيه، وإنما
الخلاف في أنه هل له رد المعيب وحده أم لا؟ فقيل: بالأول، وهو الذي رجحه
العلامة في التذكرة، وعلل بانتقال الصحيح بالبيع، وثبوت الخيار في الباقي
لعارض العيب لا يوجب فسخ البيع فيه، وقيل: بالثاني لأن رد المعيب وحده يفضي
إلى تبعيض الصفة على الآخر، فيمنع منها كما لو كان كله معيبا، فإن كل جزء
منه موجب للخيار، وبه قطع المحقق وجماعة.
315

وأنت خبير بما فيه من المخالفة لما تقدم في الصورة الثانية مما ظاهرهم
الاتفاق عليه من الصحة في البعض، والبطلان في البعض.
ثم إنه ينبغي أن يعلم أنه لا أرش في جميع هذه الصور المذكورة في هذه
الصورة الثالثة، لأنها مفروضة في بيع الفضة بالفضة، أو الذهب بالذهب، والعوضان
متجانسان متساويان في القدر، فلو أخذ أرش العيب لزم زيادة قدر المعيب عن
الصحيح، ولا يجبر عيبه الجنسي، لما تقرر من أن جيد الجوهر ورديه جنس واحد.
نعم لو كان مختلفين كالدراهم بالدنانير أو بالعكس جاز له اختيار الامساك
بالأرش ما داما في المجلس، فلو تفرقا لم يجز لاشتراط التقابض في الصرف قبل
التفرق، إلا أن تفرض المسألة في غير الأثمان مما لا يجري فيه حكم الصرف فلا بأس.
والله العالم.
المسألة الحادية عشر إذا اشترى دراهم بدراهم في الذمة ثم وجد ما انتقل
إليه غير ما هو المقصود بالشراء، إما بأن يكون غير الجنس أو يكون به عيب لا يخرج
به عن الجنسية، وعلى الأول فإما أن يكون الجميع أو البعض.
فهيهنا صور ثلاث. الأولى أن يكون غير الجنس ويكون الجميع، والحكم
فيه كما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن له المطالبة بالبدل هنا، بخلاف
ما تقدم في سابق هذه المسألة، لأن العوض هنا في الذمة، وهو أمر كلي، والمدفوع
لما لم يكن من جنس ذلك الكلي امتنع كونه عوضا، وإذا امتنع كونه عوضا كان
له المطالبة لحقه ما لم يحصل التفرق.
الثانية الصورة المذكورة مع كونه البعض، وحكمها أنه يبطل في البعض
الذي هو غير الجنس، ويصح في الآخر إن كان ظهور ذلك بعد التفرق، وإن كان
قبل التفرق فله المطالبة بالبدل، لما تقدم ذكره في سابق هذه الصورة.
الثالثة أن يكون عيبا لا يخرج به عن الجنسية، كخشونة الجوهر واضطراب
السكة، والحكم فيه التخيير بين الرد والامساك بالثمن من غير أرش، أما التخيير فمن
316

حيث العيب كما في غيره من المبيعات المعيبة، وأما عدم الأرش فلما تقدم في
سابق هذه المسألة من استلزامه الربا، ولو اختار الامساك فله المطالبة بالبدل قبل
التفرق بلا اشكال وخلاف، لأن ما في الذمة أمر كلي محمول على الصحيح السالم
من العيب، فمتى كان المدفوع معيبا وجب إبداله قبل التفرق، لأن المقبوض في
حكم العدم، إنما الخلاف والاشكال في وجوب الابدال وعدمه بعد التفرق، وذلك
أنه بالنظر إلى أن الابدال يقتضي عدم الرضا بالمقبوض قبل التفرق، وأن المبيع
حقيقة إنما هو البدل، وقد حصل التفرق قبل قبضه، فيكون الصرف باطلا، فلا
يجوز له أخذ البدل، (1).

(1) أقول: وفي المسألة أقوال آخر، منها ما نقله في الدروس عن الشيخ
وابن حمزة من أنه يتخير بين الفسخ والابدال، والرضا مجانا ولم يعتدا باتحاد
الجنس قال: وفي المختلف له الابدال دون الفسخ، ثم استشكله بأنهما تفرقا
قبل قبض البدل ونقل عن ابن الجنيد بأنه يجوز الابدال ما لم يتجاوز يومين،
فيدخل في بيع النسيئة، قال: ولم يعتد بالتعيين وعدمه، ثم قال: وفي
رواية إسحاق عن الكاظم (عليه السلام) إشارة إليه) أقول: الظاهر أنه
أشار بذلك إلى ما رواه إسحاق بن عمار في الصحيح * " قال: سألت
أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الرجل يبيعني الورق بالدنانير وأتزن منه
فأزن له حتى أفرغ فلا يكون بيني وبينه عمل إلا أن في ورقه نفاية وزيوفا
وما لا يجوز، فيقول: انتقدها ورد نفايتها، فقال: ليس به بأس ولكن
لا تؤخر ذلك أكثر من يوم أو يومين، فإنما هو الصرف قلت: فإن وجدت
في ورقه فضلا مقدار ما فيها من النفاية؟ فقال: هذا احتياط، هذا أحب إلى "
* الكافي ج 5 ص 246 التهذيب ج 7 ص 103 لكن فيه " فإن وجدت
في ورقه " وليس فيه " أخذت ".
317

وإلى هذا يميل كلام الشهيد في الدروس حيث قال: وإن لم يتعين فله
الابدال ما داما في المجلس وإن تفرقا لم يجز الابدال على الأقرب، وله الرد.
انتهى
وبالنظر إلى تحقق التقابض في العوضين قبل التفرق، لأن المقبوض وإن
كان معيبا إلا أن عيبه لا يخرجه عن حقيقة الجنسية وصحة العوضية. لأجل ذلك أنه
قد ملكه المشتري، بدليل أن نماءه من حين العقد إلى وقت الرد له، والفسخ بالرد
طار على الملك بسبب ظهور العيب، فيكون البيع صحيحا وله طلب البدل بعد التفرق.
وتوضيحه زيادة على ما ذكره المحقق الشيخ على (قدس سره) في شرح
القواعد أن ما في الذمة وإن كان أمرا كليا، إلا أنه عين في شئ وقبضه المستحق
تعين وثبت ملكه له، فإذا ظهر فيه عيب كان له فسخ ملكيته، تداركا لفائت حقه،
فإذا فسخ رجع الحق إلى الذمة، فتعين حينئذ عوضا صحيحا.
وبهذا يظهر أن الأول كان عوضا في المعاوضة وقد قبضه قبل التفرق، فيتحقق
شرط الصحة، فلا يلزم بطلانها بالفسخ الطارئ على العوض المقتضي لعوده إلى
الذمة، وكون البدل عوضا في الجملة لا يقتضي نفي عوضية غيره، فلا يقتضي التفرق

وفي التهذيب " فإن أخذت في ورقه " عوض " وجدت " وهو أظهر في حمل
ظاهر الخبر المذكور على قيمة الصرف بالتقابض أولا، ولا ينافيه
رد بعضهما بعد ذلك، وأخذ العوض في مجلس الرد لحصول التقابض
أو لا وحصول التقابض فيما رده في مجلس الرد، وعلى هذا يحمل النهي
عن التأخر في يوم أو يومين على الاستحباب كذا ذكره بعض مشايخنا،
وهو لا يخلو من الاشكال لبطلان التقابض بالرد كما أشرنا إليه في الأصل،
والله العالم منه رحمه الله.
318

قبل قبضه التفرق قبل قبض العوض في المعاوضة. وهو واضح. وكان الأصح
ثبوت المطالبة بالبدل. انتهى.
وهو ظاهر في اختياره صحة البيع، ومثله أيضا شيخنا الشهيد الثاني في المسالك
والعلامة في الإرشاد، وتردد المحقق في الشرايع في ذلك ونحوه العلامة في
القواعد، والمسألة لخلوها من النص الواضح مع تدافع هذه التعليلات محل الاشكال،
سيما مع ما عرفت في غير موضع من عدم صحة تأسيس الأحكام الشرعية على مثل
هذه التعليلات العقلية، الغير المبنية على شئ من القواعد المستفادة من الأخبار
المعصومية، على أن ما ادعاه (قدس سره) من قوله، " وبهذا يظهر أن الأول كان عوضا "
إلى آخره، مدخول بأنه بعد الرد وعدم الرضا بذلك العيب انكشف عدم صحة
المعاوضة، وعدم كونه متعينا لما وقع عليه العقد، وإلا لم يكن له الرد وطلب البدل،
فكيف يتحقق بقبضه أو لا شرط صحة السرف، وهو قبض العوض قبل التفرق.
وبالجملة فالتعليلات العقلية لا تقف على حد، ولا ينتهي إلى عد، ولهذا
استشكل بناء الأحكام الشرعية عليها، هذا كله فيما ظهر الجميع معيبا من الجنس.
أما لو ظهر بعضه خاصة اختص بالحكم حسبما تقدم لكن ليس له افراده
بالرد هنا، للزوم تبعيض الصفقة على البايع إلا مع رضاه والله العالم.
المسألة الثانية عشر إذا اشترى دينارا بدينار فاتفق الزيادة في الدينار الذي
هو ثمن غلطا أو عمدا، فإن الزيادة تكون في يد البايع أمانة للمشتري، وهي مشاعة
في الدينار، هذا إذا كان البيع والشراء في الذمة، وتبين بعد الدفع زيادة الدينار
الذي هو ثمن.
أما لو كانا معينين فإنه يبطل الصرف، لاشتمال أحد العوضين على زيادة
عينية، وكذا لو كان الزايد معينا، والمطلق مخصوصا بقدر ينقص عنه بحسب
نوعه، والحكم بكون الزايد أمانة في يد المشتري كما تقدم أحد القولين في المسألة
قالوا لأصالة البراءة من الضمان، ولأنه لم يقبضها بسبب مضمون مرسوم ولا غصب
319

ولا بيع فاسد، وإنما قبضها بإذن مالكها، فيكون كالودعي.
وقيل: إنها تكون مضمونة عليه، لأنه قبضها على أنها أحد العوضين الذين
جرى عليها عقد المعاوضة، فتكون مضمونة، نظرا: إلى مقتضى العقد ولأنه أقرب
إلى الضمان من المقبوض بالسوم، ولعموم (1) " على اليد ما أخذت حتى تؤدي "
وأورد عليه بأن قبضه على جهة العوض غير قادح مع ظهور عدمه، ومقتضى
العقد لم يدل على ضمان غير العوضين، وكونها أقرب من المضمون بالسوم إنما
يجري لو سلم كون المقبوض بالسوم مضمونا، وهو محل النزاع، وعموم الخبر
بحيث يشمل محل النزاع في حيز المنع، فإن الثابت على الأخذ بمقتضى الخبر
غير معين، فجاز كون الواجب على اليد الحفظ ونحوه إلى أن يؤدي، ويرشد
إليه الأمانات المقبوضة باليد، مع عدم الحكم بضمانها وإنما القدر المتفق عليه
وجوب حفظها.
أقول: والمسألة حيث كانت عارية عن الدليل اتسع فيها دائرة القال والقيل،
وهكذا كل مسألة من هذا القبيل، ثم إنه مع الحكم بكون الزيادة أمانة فحكمها
مختلف بالنسبة إلى العمد والخطاء، فإنها على تقدير العمد أمانة مالكية لا يجب
ردها إلا مع طلب المالك وإن وجب حفظها، كما في ساير الأمانات التي يؤمنها
مالكها، وعلى تقدير الغلط، فيحتمل كونهما أمانة شرعية وإن كانت مدفوعة من
المالك، إلا أنه لعدم علمه بها وكون ذلك غلطا، يكون حكمها كما لو باعه صندوقا
فوجد فيه متاعا، فإنه يكون أمانة شرعية مع استناد الدفع إلى المالك نظرا إلى
جهله بها، ويحتمل كونهما مالكية نظرا إلى استناد دفعها إليه، وصدق تعريفها المشهور
على ما نحن فيه، لأنهم جعلوا مناطها الاستناد إلى دفع المالك أو من حكمه.
وتظهر الفائدة في وجوب اعلام المالك بها وردها عليه على تقدير كونها شرعية.

(1) المستدرك ج 2 ص 504.
320

فإن ذلك حكم الأمانة الشرعية كما يأتي في محله انشاء الله تعالى، وحينئذ فلو ترك
أثم وضمن.
وظاهر المحقق الأردبيلي المناقشة هنا، فإنه قال بعد نقل ذلك عنهم: وفيه
تأمل، لأنه قد يتلف في الطريق مع أنه غير مأذون فيه، وإن أمكن أن يقال الظاهر أنه
محسن غير مفرط، إذ الفرض ذلك مع الأمن من التلف في الطريق، وأن الغالب رضا
صاحب بذلك، ولا يبعد وجوب الاعلام أو الرد في صورة الجهل، أما كونه فوريا
فغير ظاهر نعم ينبغي ذلك بحيث لا يفوت غرض يتعلق بذلك المال، ولا يعد القابض مهملا
ومقصرا. انتهى.
وهو جيد وما نفي عنه البعد جيد حيث إنه لا نص فيها على ما ذكروه، وفيما
ذكره جمع بين الحقين، ومما يرجح القول بأنها شرعية أن حكم الأمانة المالكية
عندهم أنه يجب حفظها حتى يطلبها مالكها، وفيما نحن فيه المالك لا علم له بها
لأنه دفعها جاهلا بها، فكيف تيسر طلبه لها وهو لا يعلمها بالكلية، وأنها يجب على
المالك حفظها إلى آخر الدهر، ثم إنه على تقدير الغلط فإما أن يتبين الحال قبل التفرق،
أو بعده، فإن كان قبله فلكل منهما استرداد الزايد وابداله، وليس للآخر الامتناع
تحذرا من الشركة، وإن كان بعد التفرق فإن جوزنا الابدال للعيب الجنسي كما
تقدم في القول به فكذلك، وإلا ثبت الخيار لكل منهما لعيب الشركة، ولو كانت
الزيادة يسيرة يتسامح بها فلا بأس، ولهذا يستحب الاعطاء زايدا والأخذ ناقصا، وقد
يكون ذلك لاختلاف الموازين والمكائيل.
ومما يدل على ذلك الأخبار الواردة في فضول المكائيل والموازين ومنها
ما رواه في الكافي عن علي بن عطية (1) " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)

(1) الكافي ج 5 ص 182 التهذيب ج 7 ص 40.
321

فقلت إنا نشتري الطعام من السفن ثم نكيله فيزيد؟ قال: فقال لي وربما نقص
عليكم قلت: نعم، قال: فإذا نقص يردون عليكم؟ قلت: لا قال: لا بأس ".
وظاهر هذا الخبر يدل على جواز أخذ الزيادة وإن كانت زائدة على ما يتسامح
به إذا كانوا في حال ظهور النقصان لا يردون عليكم النقيصة، ولعله محمول على
اختلاف المكائيل، وأن مكيال البايع كان زايدا على مكيال المشتري تارة وناقصا
عنه أخرى.
وما رواه في الفقيه في الصحيح عن عبد الرحمان بن الحجاج (1) " قال: سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن فضول الكيل الموازين؟ فقال: إذا لم يكن تعديا
فلا بأس ".
وما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله مراقدهم) عن إسحاق المدائني (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: قلت: إن صاحب الطعام يدعو كيالا فيكيل لنا
ولنا أجراء فيعيرونه فيزيد وينقص؟ فقال لا بأس ما لم يكن شئ كثير غلط ".
وما رواه في الكافي في الصحيح عن العلاء بن رزين (3) عن أبي عبد الله
(عليه السلام) " قال: قلت له إني أمر بالرجل فيعرض على الطعام، ويقول لي:
قد أصبت طعاما من حاجتك فأقول له: أخرجه أربحك في الكر كذا وكذا، فإذا
أخرجه نظرت إليه فإن كان من حاجتي أخذته، وإن لم يكن من حاجتي تركته،
قال: هذه المراوضة لا بأس بها، قلت: فأقول له: أعزل منه خمسين كرا أو أقل
أو أكثر، فيكيله فيزيد وينقص وأكثر ذلك ما يزيد لمن هي؟ قال: هي لك، ثم
قال (عليه السلام): إني بعثت معتبا أو سلاما فابتاع لنا طعاما فزاد علينا بدينارين،
فقتنا به عيالنا بمكيال قد عرفناه، فقلت له: قد عرفت صاحبه؟ قال: نعم فرددناه

(1) الكافي ج 5 ص 182 التهذيب ج 7 ص 40 الفقيه ج 3 ص 131.
(2) الكافي ج 5 ص 180 التهذيب ج 7 ص 38 وفيه اختلاف يسير.
الفقيه ج 3 ص 130.
(3) الكافي ج 5 ص 182.
322

عليه، فقلت: رحمك الله تفتيني بأن الزيادة لي وأنت تردها، قال: فقال: قد علمت
أن ذلك كان له، وكان غلطا، قال: نعم، إنما ذلك غلط الناس لأن الذي ابتعنا به
إنما كان ذلك بثمانية دراهم أو تسعة، ثم قال: ولكني أعد عليه الكيل ".
وظاهر الخبران الذي شراه (عليه السلام) من الطعام كان ما يساوي قيمته
ثمانية دراهم أو تسعة والترديد الظاهر أنه من الراوي وزاد فيه ما يساوي دينارين
فرد (عليه السلام) تلك الزيادة، لأن زيادة هذا المقدار لا يكون إلا عن غلط، بخلاف
ما أفتى به الراوي، فإنه يمكن استناده إلى التفاوت في المكائيل وأنه مما يتعارف
بين الناس.
وأما قوله في الوافي وقوله: " بدينارين " متعلق بقوله " فابتاع " فالظاهر
أنه سهو من صاحب الكتاب، بل إنما هو متعلق بقوله فزاد، وكيف لا وهو (عليه
السلام) قد صرح في آخر الخبر بأن الذي ابتاع إنما كان بثمانية دراهم أو تسعة،
وهو ظاهر في كون ما قابل الدينارين كان هو الزايد، ولذا أمر برده، وقوله في
الخبر " فقلت له: عرفت صاحبه " يحتمل أن يكون من قول الإمام (عليه السلام)
لمعتب أو سلام، ويحتمل أن يكون من قول الراوي للإمام (عليه السلام) وتكون
جملة معترضة بين قوله " عرفناه " وقوله " فرددناه " وربما أشعر هذا الخبر بكون
الزيادة الكثيرة الواقعة غلطا أمانة شرعية، لأن حكم الأمانة المالكية عندهم هو
حفظها حتى يطلبها المالك، والأمانة الشرعية وجوب ردها، أو اعلام المالك بها
وهو (عليه السلام) في هذا الخبر قد أمر بردها على المالك، وبالجملة فالخبر ظاهر
في تأييد القول المذكور زيادة على ما قدمناه والله العالم.
323

الفصل الثامن في بيع الثمار
من النخل والفواكه والخضر وما يلحق ذلك من الأحكام، والبحث في هذا
الفصل في مطالب أربعة.
الأول في ثمرة النخل، وتحقيق الكلام فيها أنه لا خلاف بين الأصحاب،
(رضوان الله عليهم) في جواز بيعها بعد ظهور صلاحها، وإنما الخلاف فيما قبله،
وتفصيل القول فيه أنه إما أن يكون قبل ظهورها، أو بعده قبل بدو الصلاح، وعلى
الأول فإما أن يكون عاما واحدا أو أزيد، ثم إنه على تقدير بيعها عاما واحدا هل يجوز
مع الضميمة أم لا؟ فهيهنا مقامات أربعة.
الأول في بيعها عاما واحدا قبل ظهورها مع عدم ضميمة، والمشهور بين
الأصحاب بل ادعى عليه العلامة في التذكرة الاجماع، ومثله الشهيدان في الدروس
والمسالك أنه لا يجوز بيعها قبل ظهورها عاما واحدا من غير ضميمة، والمراد بالظهور
هو بروزها إلى الخارج وإن كانت في طلعها، كما تضمنته موثقة سماعة، ورواية
يعقوب بن شعيب الآتيتان انشاء الله تعالى.
والمفهوم من كلام الشيخ في كتابه الأخبار القول هنا بالكراهة، قال (قدس
سره) بعد نقل أخبار المسألة: قال محمد بن الحسن: الأصل في هذا أن الأحوط أن
لا يشتري الثمرة سنة واحدة إلا بعد أن بدو صلاحها، فإن اشتريت فلا تشترى إلا بعد
أن يكون معها شئ آخر، فإن خاست كان رأس المال فيما بقي، ومتى اشترى من
غير ذلك لم يكن البيع باطلا، لكن يكون قد فعل مكروها، وقد صرح بذلك
في الأخبار التي قدمناها أبو عبد الله (عليه السلام).
324

منها حديث الحلبي (1) " أن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى عن ذلك لأجل
قطع الخصومة الواقعة بين الأصحاب ولم يحرمه " وكذلك ذكر ثعلبه عن بريد (2)
وزاد فيه " إنما نهاه ذلك العام دون ساير الأعوام "، وفي حديث يعقوب بن شعيب (3)
" أن أبا عبد الله (عليه السلام) كان يكره ذلك، ولم يقل أنه " كان يحرمه " وعلى هذا
الوجه لا تنافي بين الأخبار انتهى.
والواجب أولا ذكر الأخبار الواردة في المسألة، ثم بيان ما هو الظاهر منها فمنها
ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله مراقدهم) عن سماعة (4) في الموثق قال: " سألته
(عليه السلام) عن بيع الثمرة هل يصلح شراؤها قبل أن يخرج طلعها، قال: لا إلا
أن يشتري معها شيئا غيرها رطبة أو بقلا فيقول: أشتري منك هذه الرطبة وهذا النخل
وهذا الشجر بكذا وكذا، فإن لم تخرج الثمرة كان رأس مال المشتري في الرطبة
والبقل " الحديث.
وما رواه في الفقيه والتهذيب عن أبي الربيع الشامي (5) " قال: قال
أبو عبد الله (عليه السلام): كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول إذا بيع الحائط فيه النخل
والشجر سنة واحدة فلا يباعن حتى تبلغ ثمرته، وإذا بيع سنتين أو ثلاثا فلا بأس
ببيعه بعد أن يكون فيه شئ من الخضرة ".
وما رواه الشيخ في التهذيب عن يعقوب بن شعيب (6) في الصحيح " قال:
سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شراء النخل، فقال: كان أبي يكره شراء النخل
قبل أن تطلع ثمرة السنة، ولكن السنتين والثلاث كأن يقول: إن لم يحمل في هذه
السنة حمل في السنة الأخرى، قال يعقوب: وسألته " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)

(1) الكافي ج 5 ص 175 و ص 174 التهذيب ج 7 ص 85 و 86.
(2) الكافي ج 5 ص 175 و ص 174 التهذيب ج 7 ص 85 و 86.
(3) التهذيب ج 7 ص 87.
(4) الكافي ج 5 ص 176 التهذيب ج 7 ص 84 الفقيه ج 3 ص 133.
(5) الفقيه ج 3 ص 157
(6) التهذيب ج 7 ص 87.
325

عن الرجل يبتاع النخل والفاكهة قبل أن تطلع فيشتري سنتين أو ثلاث سنين
أو أربعا فقال:
لا بأس، إنما يكره شراء سنة واحدة قبل أن تطلع مخافة الآفة حتى تستبين ".
وعن سليمان بن خالد (1) في الصحيح " قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام):
لا تشتري النخل حولا واحدا حتى يطعم وإن كان يطعم، وإن شئت أن تبتاعه سنتين
فافعل " هكذا نقل الخبر في الوافي عن التهذيب، ثم قال: الظاهر سقوط لفظ " لم " من
قوله " يطعم ": انتهى، وقال بعض مشايخنا (عطر الله مراقدهم): إن الواو في قوله
" وإن كان يطعم " ليست في بعض النسخ الصحيحة).
أقول: ويؤيده أن الذي في الإستبصار (2) " وإن شئت أن تبتاعه " وبالجملة
فمن عرف طريقة الشيخ في الكتاب المذكور لا يستنكر من وقوع التحريف منه
في الخبر الذكور، ومعنى الخبر على تقدير زيادة الواو والنهي عن اشتراء النخل
حولا واحدا حتى يطعم وإن كان من شأنه بأن بلغ ذلك المبلغ، وإن شئت أن تبتاعه
أزيد فلا بأس.
وما رواه الشيخ عن أبي بصير (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " أنه قال:
لا تشتر النخل حولا واحدا حتى يطعم، وإن شئت أن تبتاعه سنتين فافعل ".
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: سئل عن النخل والتمر يبتاعهما
الرجل عاما واحدا قبل أن تثمر قال: لا حتى تثمر وتأمن ثمرتها من الآفة، فإذا أثمرت
فابتعها أربعة أعوام إن شئت مع ذلك العام أو أكثر من ذلك أو أقل ".

(1) التهذيب ج 7 ص 88.
(2) الإستبصار ج 3 ص 85.
(3) التهذيب ج 7 ص 88 و 91.
(4) التهذيب ج 7 ص 88 و 91.
326

وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن بريد بن معاوية (1) " قال:
سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرطبة تباع قطعة أو قطعتين أو ثلاث قطعات؟ فقال:
لا بأس، قال: وأكثرت السؤال عن أشباه هذا فجعل يقول: لا بأس به فقلت: أصلحك
الله استحياء من كثرة ما سألته وقوله (عليه السلام) لا بأس به إن من بيننا يفسدون علينا
هذا كله، فقال: أظنهم سمعوا حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) في النخل،
ثم حال بيني وبينه رجل فسكت، فأمرت محمد بن مسلم أن يسأل أبا جعفر (عليه السلام)
عن قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) في النخل فقال أبو جعفر (عليه السلام) خرج
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسمع ضوضاء فقال: ما هذا؟ فقيل له: تبايع الناس
بالنخل فقعد النخل العام فقال (صلى الله عليه وآله): أما إذا فعلوا فلا يشتروا النخل
العام حتى يطلع فيها شئ، ولم يحرمه ".
ورواه الشيخ في التهذيبين عن ثعلبة بن زيد (2) بدل عن بريد والظاهر أنه
من قبيل ما قدمنا ذكره من حال الشيخ (رحمة الله عليه) وما وقع له من التحريف
والتغيير في متون الأخبار وأسانيدها.
وما رواه ثقة الاسلام في الكافي. في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (3) عن
أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: سئل عن شراء الكرم والنخل والثمار ثلاث سنين
أو أربع سنين فقال: لا بأس به يقول: إن لم يخرج في هذه السنة أخرج في قابل،
وإن اشتريته سنة واحدة فلا تشتره حتى يبلغ، فإن اشتريته ثلاث سنين قبل أن يبلغ
فلا بأس، وسئل (عليه السلام) عن الرجل يشتري الثمرة المسماة من أرض فهلك

(1) الكافي ج 5 ص 174 التهذيب ج 7 ص 86.
(2) التهذيب ج 7 ص 86 وفيه عن ثعلبة بن زيد عن بريد.
(3) الكافي ج 5 ص 175 التهذيب ج 7 ص 85 الفقيه ج 3 ص 132.
327

ثمرة تلك الأرض كلها، فقال: قد اختصموا في ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فكانوا يذكرون ذلك فلما رآهم لا يدعون الخصومة، نهاهم عن ذلك البيع حتى
تبلغ الثمرة ولم يحرمه، ولكن فعل ذلك من أجل خصومتهم " ورواه الصدوق
مثله، إلا أنه ترك قوله وإن اشتريته ثلاث سنين قبل أن تبلغ فلا بأس.
وما رواه أيضا في الكتاب المذكور في الصحيح عن ربعي " قال: قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام) إن لي نخلا بالبصرة فأبيعه وأسمي الثمن واستثني الكر
من التمر أو أكثر أو العذق من النخل؟ قال: لا بأس، قلت: جعلت فداك نبيع
السنتين؟ قال: لا بأس، قلت: جعلت فداك أن ذا عندنا عظيم، قال: أما أنك إن
قلت ذاك لقد كان رسول الله (صلى الله عليه آله) أحل ذلك فتظالموا فقال
(صلى الله عليه وآله) لا تباع الثمرة حتى يبدو صلاحها " وما رواه الصدوق في حديث
المناهي المذكور في آخر كتاب الفقيه (2) عن جعفر بن محمد (عليهما السلام)
" قال: ونهى أن تباع الثمار حتى تزهو ".
وما رواه عبد الله ابن جعفر الحميري في كتاب قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن
عن جده علي بن جعفر (3) عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) " قال: سألته عن
بيع النخل أيحل إذا زهوا؟ قال: إذا استبان البسر من الشيص حل بيعه وشراؤه "
وعنه أيضا (4) قال: سألته عن السلم في النخل قبل أن يطلع؟ قال: لا يصلح السلم
في النخل ".

(1) الكافي ج 5 ص 175 التهذيب ج 7 ص 85.
(2) الفقيه ج 4 ص 4.
(3) الوسائل الباب ا من أبواب بيع الثمار الرقم 17 18.
328

ورواه علي بن جعفر في كتابه (1) وكذا الذي قبله، وزاد فيه " سألته عن
شراء النخل سنتين أيحل؟ قال: لا بأس، يقول: إن لم يخرج العام شيئا أخرج
القابل انشاء الله (تعالى) قال: وسألته عن شراء النخل سنة واحدة أيصلح؟ قال
لا يشترى حتى يبلغ ".
أقول: هذا ما حضرني من الأخبار المتعلقة بالمسألة، وقد عرفت كلام
الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك، والذي يلوح لي من صحيحة بريد بن
معاوية وقوله فيها " إن من بيننا يفسدون علينا ذلك، فقال: أظنهم سمعوا حديث
رسول الله (صلى الله عليه وآله) " إلى آخر الخبر وقوله في صحيحة ربعي " إن هذا
عندنا عظيم، فقال: أما أنك إن قلت " إلى آخره أن مذهب العامة يومئذ تحريم
بيع الثمرة قبل ظهورها عاما أو عامين، كما هو مذهب أصحابنا (رضوان الله عليهم)
اجماعا كما يدعونه في العام الواحد، وبناء على المشهور في الأزيد، كما يأتي
ذكره إن شاء الله (تعالى) وعلى هذا فلا يبعد حمل أخبار التحريم مما يكون صريحا
فيه على التقية.
وكيف كان فإن صحيحة بريد، وصحيحة الحلبي وحسنته إنما هو بإبراهيم
ابن هاشم المتفق على قبول حديث هوان عدوه حسنا وصحيحة ربعي صريحة في
الحل وعدم الحرمة، فيتعين العمل بها لصحتها وصراحتها، فلا بد من ارتكاب
التأويل فيما كان ظاهرا في منافاتها، إما بالحمل على الكراهة كما ذكروه، أو
التقية كما أشرنا إليه، وإلى هذا القول يميل كلام جملة من محققي متأخري المتأخرين
كالمحقق الأردبيلي والفاضل الخراساني.
المقام الثاني المسألة الأولى بحالها إلا أن المبيع مع الضميمة، وقد اختلف
الأصحاب في ذلك، قال في المسالك بعد أن ادعى عدم الخلاف في المنع مع

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الرقم 200 21.
329

عدم الضميمة: والمشهور المنع مع الضميمة أيضا، حيث لا تكون الضميمة هي
المقصودة بالبيع، لأنه غرر انتهى. والمفهوم منه التفصيل بين كونه الضميمة هي
المقصودة بالبيع والثمرة تابعة فيصح البيع كما لو باعه الأصل والثمرة أولا
تكون مقصودة، بل جعلت تابعة، كساير الضمايم التي ذكروها في غير موضع مثل
ضميمة الآبق ونحوها، فلا يصح.
وأنت خبير بأنه قد تقدم في موثقة سماعة التصريح بالصحة مع الضميمة
مع ظهور كون الضميمة تابعة، فإن ضم الرطبة أو البقل إلى الثمرة ظاهر بل صريح
في التبعية وعدم المقصودية، ويعضد ذلك اتفاقهم على الصحة مع الضميمة المعلومة
تبعيتها في غير موضع، مما يحكمون فيه ببطلان العقد لولا الضميمة، وأظهر تأييدا
في ذلك ما عرفت آنفا من صحة البيع مع عدم الضميمة بالكلية، كما اخترناه وصرح
به من قدمناه.
وبالجملة فإن ما ذكروه لا أعرف له وجه استقامة بعد ما عرفت. ولا سيما بعد
ما رجحناه من صحة البيع مع عدمها بالكلية.
المقام الثالث في بيعها قبل الظهور أزيد من عام واحد، قال في المختلف
المشهور أنه لا يجوز بيع الثمرة قبل ظهورها، لا عاما واحدا ولا عامين أما العام
الواحد فبالاجماع، ولأنه بيع عين معدومة، فلا يصح وأما بيع عامين فالمشهور
أنه كذلك، وادعى ابن إدريس الاجماع فيه أيضا، قال: وقد يشتبه على كثير من
أصحابنا ذلك، ويظنون أنه يجوز بيعها سنتين وإن كانت فارغة لم يطلع بعد وقت
العقد، قال: وهذا بخلاف ما يجدونه في تصانيف أصحابنا وخلاف اجماعهم
وأخبار أئمتهم وفتاويهم، وهذا غلط في النقل، فإن الصدوق قال في المقنع:
بالجواز (1) والمعتمد الأول، لنا أنه بيع عين مجهولة معدومة، فلا يصح كغيرها

(1) حيث قال بعد المنع من البيع سنة واحدة: ومع الانضمام إلى سنة
330

من المجهولات، ولقول الباقر (عليه السلام) في حديث أبي الربيع الشامي:
" وإذا بيع سنتين أو ثلاثة فلا بأس ببيعه بعد أن يكون فيه شئ من الخضرة " انتهى
كلامه زيد مقامه.
أقول: المشهور في كلامهم نسبة الخلاف في هذه الصورة إلى الصدوق خاصة (1)
مع أن ظاهر العلامة في التذكرة القول بذلك أيضا، وكذا نقله بعض المحققين عن
الشيخ أيضا، ومما يدل على القول المذكور ما تقدم في صحيحة يعقوب بن شعيب
وصحيحة سليمان بن خالد بالتقريب الذي ذكرناه ذيلها ورواية أبي بصير الأولى
وصحيحة الحلبي أو حسنته وصحيحة ربعي وصحيحة علي بن جعفر المذكور في
كتابه، معللا ذلك في رواية يعقوب بن شعيب، وصحيحة الحلبي أو حسنته وصحيحة
علي بن جعفر بأنه إن لم يخرج العام أخرج في القابل.
وما رواه في الكافي والتهذيب عن معاوية بن ميسرة (1) " قال: سألته عن بيع
النخل سنتين؟ قال: لا بأس به " الحديث.
وبذلك يظهر قوة قول المذكور، وأنه المؤيد المنصور، قال في المختلف
بعد ذكر ما قدمنا نقله: احتج ابن بابويه بما رواه يعقوب بن شعيب في الصحيح،

أخرى يجوز لما رواه الحلبي في الحسن ثم ساق الرواية، ثم نقل صحيحة
يعقوب بن شعيب منه رحمه الله.
(1) حيث قال: والمشهور عدم جوازه أكثر من عام، ولم يخالف فيه
إلا الصدوق لصحيحة يعقوب بن شعيب، وحملت على عدم بدو الصلاح
انتهى، وهو ظاهر في أنه لا مخالف إلا الصدوق، ولا دليل له إلا صحيحة
يعقوب المذكورة، وقد عرفت مما ذكرنا وجود المخالف غير الصدوق
وتعدد الأخبار الصحيحة الصريحة زيادة على الرواية المذكورة منه
رحمه الله.
(2) الكافي ج 5 ص 177 التهذيب ج 7 ص 86.
331

ثم ساق الرواية كما قدمناه، ثم قال: والجواب أنه محمول على ظهور الثمرة
قبل تأبيرها.
وأنت خبير بما في هذا الجواب، وإن تبعه فيه الشهيد في الدروس، كيف لا
والسؤال الثاني من الرواية المذكورة إنما وقع عن الثمرة قبل أن تطلع، ومع هذا
أجاب (عليه السلام) بنفي البأس، ويرد ما ذكروه أيضا التعليل المذكور في تلك
الرايات أنه إن لم يخرج العام يخرج في العام الآخر، فإنه إشارة إلى الوجه المصحح
للبيع في هذه الصورة، قال في المسالك بعد قول المصنف: و " في جواز بيعها
كذلك عامين فصا عدا تردد، والمروي الجواز " وبعد استدلاله للقول المشهور
بمفهوم الشرط في رواية أبي بصير الثانية، ولرواية أبي الربيع ما لفظه: لكن في
الراية الأولى ضعف، والثانية من الحسن، وأشار المصنف بقوله " والمروي الجواز "
إلى صحيحة يعقوب بن شعيب، ثم ساقها إلى آخرها، ثم قال: وعمل بمضمون
الرواية الصدوق، ويظهر من المصنف الميل إليه، وهو قوي إذ لم يثبت الاجماع
على خلافه لصحة روايته وترجيحها على ما يخالفها من الروايات، مع إمكان حمل
روايات المنع على الكراهة جمعا. انتهى.
وفيه أن وصفه رواية أبي الربيع بالحسن سهو منه (قدس سره) فإن الرجل
المذكور غير موثق ولا ممدوح، وأن الدليل على الجواز غير منحصر في صحيحة
يعقوب المذكورة، لما عرفت من الأخبار التي أشرنا إليها، وهي متكاثرة صحيحة
صريحة في الحكم المذكور، لا يعارضها ما ذكره، سيما مع قيام التأويل في المعارض،
كما أشار إليه، وبالجملة فالقول بالصحة في الصورة المذكورة مما لا مجال لإنكاره
بعد ما عرفت والله العالم.
المقام الرابع في بيعها بعد الظهور وقبل بدو صلاحها، والمشهور أنه لا يجوز
إلا أن يضم إليها ما يجوز بيعه (1) أو بشرط القطع أو عامين فصاعدا ولو بيعت من

(1) في قوله ما يجوز بيعه إشارة إلى أنه يجب في الضميمة أن يكون شيئا
يمكن افراده بالبيع بأن يكون معمولا جامعا لجميع شرائط البيع وإن
كان قليلا بالنسبة إلى العادة الجارية بين الناس في أمثاله كما تقدم.
منه رحمه الله.
332

دون أحد الشروط المذكورة، فهل يكون جايزا على كراهة، أو يكون باطلا، أو
يراعى السلامة؟ أقوال ثلاثة، وبالأول قال الشيخ في كتابي الأخبار، والشيخ
المفيد وسلار وابن إدريس والعلامة في التذكرة، بالثاني قال في النهاية والمبسوط
والخلاف، وادعى عليه الاجماع، وبه قال الصدوق، وابن الجنيد، وأبو الصلاح،
وابن حمزة، وبالثالث قال سلار في ظاهر كلامه، واستدل القائلون بالتحريم إلى
رواية أبي بصير الثانية من روايتيه المتقدمتين، وما رواه في الكافي والفقيه، عن الوشا (1)
في الضعيف في الأول، والحسن في الثاني " قال: سألت الرضا (عليه السلام) هل يجوز
بيع النخل إذا حمل فقال: لا يجوز بيعه حتى يزهو، قلت: وما الزهو جعلت فداك؟
قال: يحمر ويصفر وشبه ذلك " وما رواه في الكافي والتهذيب عن علي بن حمزة (2)
قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) إلى أن قال: " وسألته عن رجل اشترى بستانا
فيه نخل ليس فيه غير بسر أخضر؟ فقال: لا حتى يزهو، قلت: وما الزهو؟ قال:
يتلون " ويدل عليه أيضا ما تقدم في حديث المناهي المنقول عن الفقيه، وما في
رواية قرب الإسناد.
ويعارض هذه الأخبار ما قدمنا ذكره من الروايات الصحيحة الصريحة في جواز
البيع قبل الظهور بالكلية من غير شرط، فبعده قبل بدو الصلاح بطريق أولى،
مضافا ذلك إلى عمومات الكتاب والسنة في حل البيع، ووجوب الوفاء بالعهود،

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الرقم 3 و 5.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الرقم 3 و 5.
333

وحمل الأخبار النافية على الكراهة، كما ذكره الأصحاب غير بعيد (1) لأن ما تشعر به
من احتمال تطرق الآفة قبل بدو الصلاح لا يصلح للمانعية، ألا ترى أنه يمكن ذلك في
أكثر المبيعات، مثل الحيوانات وبيع الثمرة سنتين مثلا، بل بعد بدو الصلاح يمكن
تطرقها أيضا.
ونقل العلامة في التذكرة المنع من المذاهب الأربعة، وكذا ابن إدريس
في كتاب السراير حيث قال: وإنما يجوز عندنا خاصة بيعها إذا طلعت قبل بدو الصلاح
سنتين، وعند المخالفين لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) لا يجوز، وعلى هذا
فلا يبعد حمل هذه الأخبار على التقية، ولعله الأظهر.
قال في المسالك بعد ذكر الشروط الثلاثة المتقدمة: وألحق العلامة بالثلاثة
بيعها على مالك الأصل، وبيع الأصول مع استثناء الثمرة، وفي الأخير نظر، إذ ليس
هناك بيع ولا نقل الثمرة بوجه، ودليل الأول غير واضح، والتبعية للأصل إنما يجري
لو بيعا معا. انتهى وهو جيد.
ثم إن ينبغي أن يعلم أن الوجه في اشتراط الضميمة وكذا في اشتراط الزيادة
عنه سنة ظاهرة أما في اشتراط القطع فهو لا يخلو عن نوع غموض، لأن الظاهر أن
الاشتراء إنما يكون بشئ يمكن الانتفاع به، ومجرد ظهور الثمرة قبل بدو الصلاح
لا يترتب عليها بعد القطع منفعة يعتد بها بين العقلاء حتى أنه تقطع لأجلها، وإنما

(1) أقول: ويمكن تأييد القول بالكراهة بما تضمنته صحيحة الحلبي
المتقدمة أو حسنته حيث إنه ذكر في صدرها وإن اشتريته في سنة واحدة
فلا تشتره حتى يبلغ، وهو ظاهر بالبيع حتى تدرك الثمرة، ثم أنه نقل
حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وذكر أنه إنما ه لما وقعوا في
الخصومة ولم يحرمه ومنه يظهر أن نهيه (عليه السلام) أولا إنما هو نهي
تنزيه وكراهة لا نهي تحريم منه رحمه الله.
334

المنافع المترتبة بعد صيرورة النخل بسرا، أو ثمرة الكرم حصرما ونحو ذلك، وأما
قبل ذلك فلا، فاطلاق اشتراط القطع لا يخلو من غموض واشكال والله العالم.
وتمام تحقيق الكلام في المقام يتوقف على رسم فائدتين، الأولى بدو الصلاح
المجوز لبيع الثمرة على القول بالمنع قبله هل هو عبارة عن الاحمرار أو الاصفرار؟
أو هو عبارة عن أن تبلغ مبلغا يؤمن عليها من الآفة والمرجع فيه إلى أهل الخبرة قولان.
ونقل في التذكرة عن بعض العلماء أن حده طلوع الثريا، محتجا عليه
برواية عن النبي (1) (صلى الله عليه وآله)، وردت بعدم ثبوت النقل، والروايات
المتقدمة بعضها قد اشتمل على الأول، وبعضها على الثاني.
ومما يدل على الأول صحيحة ربعي وحديث المناهي المنقول من الفقيه،
ورواية قرب الإسناد، وحسنة الرشا، ورواية علي بن أبي حمزة.
ومما يدل على الثاني صحيحة سليمان بن خالد وفيها حتى يطعم، وفي الصحاح
" أطعمت النخلة إذا أدركت ثمرتها، وأطعمت البسر: أي صار لها طعم " ومثلها
رواية أبي بصير الأولى، وفي روايته الثانية حتى يثمر، وتؤمن ثمرتها من الآفة.
ونحو هذه الرواية أيضا ما رواه في الكافي عن يعقوب ابن شعيب (2) في الصحيح
" قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا كان الحايط فيه ثمار مختلفة فأدرك بعضها
فلا بأس ببيعه جميعا ".
وما رواه في الكافي والتهذيب في الموثق عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي (3)

(1) وهي أن ابن عمر روى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن
بيع الثمار حتى يذهب العاهة قال له عثمان بن عبد الله سراقة ومتى ذلك
قال: إذا طلعت الثريا، ورد بأن هذه التتمة من كلام ابن عمر لا قول النبي
(صلى الله عليه وآله) منه رحمه الله.
(2) الكافي ج 5 ص 175 التهذيب ج 7 ص 85 و 84.
(3) الكافي ج 5 ص 175 التهذيب ج 7 ص 85 و 84.
335

عن بيع الثمرة قبل أن تدرك؟ فقال: إذا كان في تلك الأرض بيع له غلة قد أدركت
فبيع ذلك كله حلال " أقول قوله " بيع " بمعنى " مبيع " وهذا الاطلاق شايع
في الأخبار، وقوله " له غلة " أي ثمرة.
وما رواه في التهذيب والفقيه عن علي بن أبي حمزة (1) " قال: سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى بستانا فيه شجرة ونخل، منه ما قد أطعم
ومنه ما لم يطعم: قال: لا بأس به إذا كان فيه ما قد أطعم " وبما ذكرناه هنا يظهر
لك ما في كلام شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) في المسالك حيث قال: بعد قول
المصنف " وبدو الصلاح أن يصفر أو يحمر أو يبلغ مبلغا يؤمن عليه العاهة ": بدو صلاح
ثمرة النخل أحد الأمرين المذكورين، عملا بما دلت عليه الروايات، فإن كثيرا منها
دل على الأول، وفي رواية أبي بصير ما يدل على الثاني، واقتصر جماعة من الأصحاب
على العلامة الأولى لصحة دليلها، وقيل بالثاني خاصة، والأقوى اعتبار العلامة
الأولى خاصة لما ذكرناه.
واعترضه المحقق الأردبيلي هنا في دعواه صحة دليل العلامة الأولى حيث،
إنه إنما أورد روايتي الوشا وعلي بن أبي حمزة، ثم قال: وما رأيت غيرهما وليس
فيهما شئ صحيح، فقول شارح الشرايع " واكتفى الأكثر به لصحة دليله " محل
التأمل انتهى.
وفيه أن من جملة أدلة هذه العلامة صحيحة ربعي كما ذكرناه، ولكنه غفل
عنها كما ينبئ عنه كلامه، وإنما وجه الدخل في كلام شيخنا المذكور دعواه أن
كثير من الروايات دل على العلامة الأولى، وأن فيها الصحيح والعلامة الثانية إنما
دل عليها خبر أبي بصير خاصة، فمن ثم رجح العلامة الأولى، والأمر كما عرفت مما
ذكرناه ليس كذلك، وأن الروايات الدالة على العلامة الثانية أكثر عددا وصحاحا

(1) التهذيب ج 7 ص 84 الفقيه ج 3 ص 133.
336

والظاهر بمعونة ما قدمناه ممن جواز البيع قبل الظهور ترتب هذه الأخبار في مراتب
الكراهة، فالأولى قبل الظهور، والثانية بعد الظهور وقبل التلون، والثالثة بعد
التلون وقبل أن تدرك وتطعم، وأما إذا بلغت هذا المبلغ فلا اشكال في الجواز
بغير كراهة، وقد تقدم أيضا احتمال على التقية في بعض هذه المراتب
. والله العالم.
الثانية قالوا إذا أدرك بعض ثمرة البستان جاز بيعها أجمع، ولو أدركت ثمرة
بستان فهل يجوز أن يضم إليه بستان لم يدرك ويباع جميعا أم لا؟ قولان.
أقول: أما الحكم الأول فالظاهر أنه موضع اتفاق نصا وفتوى، لأن بيع
ما لم يدرك جايز مع الضميمة كما تقدم، وما أدرك من الثمرة ضميمة هنا لما لم يدرك،
وقد تقدمت صحيحة يعقوب بن شعيب وصحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشمي،
ورواية علي بن أبي حمزة مصرحة بذلك.
وأما الثاني فالمشهور الجواز أيضا لمكان الضميمة، وأيد ذلك بصحيحة
الهاشمي المتقدمة أيضا، بناء على ظاهر اطلاق الأرض فيها، فإنه أعم من أرض ذلك
البستان الذي أدرك بعضه، أو أرض بستان آخر.
ونقل عن الشيخ في المبسوط والخلاف المنع، لأن لكل بستان حكم نفسه
المتعدد، ولما رواه عن عمار (1) في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه
سئل عن الفاكهة متى يحل بيعها؟ قال: إذا كانت فاكهة كثيرة في موضع واحد
فأطعم بعضها فقد حل بيع الفاكهة كلها، فإذا كان نوعا واحدا فلا يحل بيعه حتى
يطعم، فإن كان أنواعا متفرقة فلا يباع منها شئ حتى يطعم كل نوع منها وحده، ثم
تباع تلك الأنواع " ورد في المسالك الرواية بالضعف، وتردد المحقق في الشرايع
في الحكم المذكور، والظاهر عندي أن الرواية المذكورة ليست من قبيل ما نحن

(1) التهذيب ج 7 ص 92.
337

فيه، فإن ظاهر الخبر أن التفرق إنما هو في أنواع الفاكهة، وإن كانت في بستان
واحد، لا في المكان الذي فيه الفاكهة كما هو محل البحث، وهذا الخبر على
ظاهره كما ذكرناه لا قائل به، لما عرفت في الحكم الأول من أن البستان الواحد إذا
أدرك بعض ثمره جاز بيع الجميع، ويدلك على ما قلناه قوله (عليه السلام) في
صدر الخبر " إذا كانت فاكهة كثيرة في موضع واحد " ثم إنه فصل في تلك الفاكهة
بين كونها نوع واحدا أو أنواعا متعددة، فأثبت لكل نوع منها حكم نفسه، وحكمه
في صدر الخبر بحل بيع الفاكهة كلها إذا أطعم بعضها مبني على كونها من نوع واحد
كما ينادي به التفصيل المذكور، وحينئذ يكون الخبر المذكور من قبيل ساير أخبار
عمار المشتملة على الغرايب، كما طعن عليه بذلك المحدث الكاشاني في الوافي
في غير موضع.
وبالجملة فإن القول الأول هو الأوفق بالقواعد المتقدمة، ويعضده اطلاق
الصحيحة المذكورة.
المطلب الثاني
في أثمار ساير الأشجار، الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في عدم جواز
بيعها قبل الظهور سنة واحدة بغير ضميمة، ولم أقف هنا على نص صريح يدل على
الجواز في الصورة المذكورة، وإنما ورد ذلك في ثمرة النخل كما تقدم، إلا أن
ظاهر جملة من الأصحاب، منهم شيخنا الشهيد الثاني في المسالك، أن الخلاف هنا على
حسب الخلاف في ثمرة النخل.
وقال في التذكرة على ما نقله المحقق الأردبيلي في جميع مسائل ثمرة الشجر:
الخلاف هنا كالخلاف في ثمرة النخل، ثم قال موردا عليه: إلا أنه اختار في ثمر
النخل جواز بيعه بعد الظهور قبل البدو عامين، وفي ثمر الشجر قال: لا يجوز.
338

أقول: وهو ظاهر العلامة في الإرشاد، حيث ذكر في عبارته الأحكام المتقدمة
في النخل وطردها في الجميع (1).
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بالشجر ما تقدم في المقام الأول من
المطلب الأول في صحيحة الحلبي أو حسنته، حيث إن السؤال فيها وقع عن شراء
الكرم والنخل والثمار، وقد تضمنت أنه لا بأس ببيعه ثلاث سنين، أو أربع،
وتضمنت أنه إن اشتريته سنة واحدة فلا تشتره حتى يبلغ، وتضمنت السؤال عن
اشتراء الثمرات فتهلك، وهو أعم من ثمرة النخل وغيرها، فأجاب (عليه السلام)
بحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) الدال على جواز شراء الثمرة قبل ظهورها
عاما واحدا، ويستفاد منه على هذا جواز الشراء سنة واحدة قبل الظهور على
كراهية، جواز الشراء أزيد من سنة قبل الظهور أيضا.
ومنها ما رواه في الكافي. والتهذيب عن عمار الساباطي (2) في الموثق
عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: سألته عن الكرم متى يحل بيعه؟ فقال: إذا
عقد وصار عروقا " والعرق اسم الحصرم بالنبطية، كذا في الكافي. وفي التهذيب
" عقودا " والعقد اسم الحصرم بالنبطية، وهو أظهر.
أقول: وهذا الخبر من قبيل الأخبار المتقدمة في النخل، وأنه لا تباع ثمرته
بعد الظهور حتى يبدو صلاحها، إما بالاحمرار أو الاصفرار، أو بأن يؤمن

(1) وهذه صورة عبارته " الأول في بيع الثمار: إنما يجوز بيعها بعد
ظهورها، وفي اشتراط بدو الصلاح الذي هو الاحمرار والاصفرار، أو
بلوغ غاية يؤمن غلتها الفساد، أو ينعقد حب الزرع أو الشجر أو الضميمة أو
بشرط القطع، قولان " ولم يفصل في ذلك بين النخل وغيره من الشجر
والموجود في أكثر العبارات التفصيل والفرق بين النخل وغيره من الأشجار
كما في الشرايع وغيره منه رحمه الله.
(2) الكافي ج 5 ص 178 التهذيب ج 7 ص 84.
339

عليها العاهة.
ومنها ما تقدم في رواية أبي الربيع الشامي المشتملة على الحائط فيه النخل
والشجر، وقد تضمنت النهي عن بيعه سنة واحدة حتى يبلغ ثمرته، وتضمنت
جواز بيعه أزيد من سنة واحدة بعد أن يكون فيه شئ من الخضرة.
ومنها ما تقدم أيضا في صحيحة يعقوب بن شعيب (1) عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال: وسألته عن الرجل يبتاع النخل والفاكهة قبل أن تطلع فيشترى
سنتين أو ثلاث سنين أو رابعا؟ قال: لا بأس، إنما يكره شراء سنة واحدة قبل أن
يطلع مخافة الآفة حتى تستبين، وهي ظاهرة في أن حكم شجر الفاكهة حكم النخل
فيما ذكرنا من كراهة شراء سنة واحدة وجوازه أزيد من سنة واحدة من غير ضميمة،
حسبما تقدم في النخل.
ومنها ما رواه في التهذيب عن محمد بن شريح (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
في حديث " قال: وبلغني أنه قال في ثمر الشجر: لا بأس بشرائه إذا صلحت ثمرته
فقيل له: وما صلاح ثمرته؟ فقال: إذا عقد بعد سقوط ورده ".
ومنها موثقة عمار المتقدمة في الفايدة الثانية، وفيها النهي عن بيع الفاكهة
حتى تطعم.
أقول: والذي يقرب عندي من هذه الأخبار بعد ضم بعضها إلى بعض وهو
مساومة حكم الشجر للنخل، إلا أن في جواز بيعه سنة واحدة قبل الظهور توقف،
لعدم ظهوره صريحا منها وكذا في جواز بيعه بعد الظهور وقبل البلوغ بأحد
الشروط الثلاثة المتقدمة، فإنه لا دلالة لشئ من هذه الأخبار عليه، بل ظاهرها
هو الجواز بعد الانعقاد، كما دلت عليه رواية محمد بن شريح من غير اشتراط شئ.
وأما ما دل على اشتراط أن تطعم كما في موثقة عمار الثانية، ونحوه بلوغ

(1) التهذيب ج 7 ص 88 و 91.
(2) التهذيب ج 7 ص 88 و 91.
340

الثمرة في موثقة سماعة، أو صيرورته حصرما كما في موثقة عمار الأولى فيحمل
على الأفضل والأولى، وكراهة ما قبل ذلك، وإن ترتبت في الكراهة كما
تقدم في النخل.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن المفهوم من كلام الأصحاب رضوان (الله عليهم) هو المنع
من البيع قبل الظهور عاما واحدا بغير ضميمة اجماعا، ومعها على المشهور والبيع
أزيد من عام فقولان.
وأما بعد الظهور فقيل: بالجواز وقيل: بأنه يتوقف على بدو الصلاح،
وإنما الكلام في بدو الصلاح، هل هو عبارة عن انعقاد الحب خاصة وعلى هذا
يتحد الظهور وبدو الصلاح، إذ لا واسطة بينهما أو أنه يشترط مع الانعقاد تناثر
الورد؟ ذكره الشيخ في النهاية وجماعة، أو أن بدو الصلاح كما ذكره في المبسوط
حيث قال: بدو الصلاح مختلف، فإن كانت الثمرة مما تحمر أو تسود أو تصفر،
فبدو الصلاح فيهما حصول هذه الألوان، وإن كانت مما تبيض بأن يتموه، وهو
أن ينمو فيه الماء الحلو ويصفو لونه، وإن كان مما لا يتلون مثل التفاح فبأن يحلو
ويطيب أكله، وإن كان مثل البطيخ فبأن يقع فيه النضج.
قال: وقد روى أصحابنا أن التلون يعتبر في ثمرة النخل خاصة، فأما ما
يتورد فبدو صلاحه أن ينثر الورد وينعقد، وفي الكرم أن ينعقد الحصرم، وإن
كان مثل القثاء والخيار الذي لا يتغير طعمه ولا لونه، فإن ذلك يؤكل صغارا فبدو
صلاحه فيه أن يتناهى عظم بعضه. انتهى.
وقال ابن إدريس بدو الصلاح يختلف بحسب اختلاف الثمار، فإن كانت
ثمرة النخل وكانت مما تحمر أو تسود أو تصفر فبدو الصلاح فيها ذلك، وإن كان
خلاف ذلك فحين ينمو فيها الماء الحلو ويصفر لونها، ولا يعتبر التلون والتموه
والحلاوة عند أصحابنا إلا في ثمرة النخل خاصة، وإن كانت الثمرة مما يتورد
فبدو صلاحها أن ينثر الورد وينعقد، وفي الكرم أن ينعقد الحصرم، وإن كان غير
341

ذلك فحين يحلو ويشاهد وقال بعض المخالفين: إن مثل القثاء والخيار الذي لا يتغير
طعمه ولا لونه فبدو صلاحه أن يتناهى عظم بعضه، وقد قلنا أن أصحابنا لم يعتبروا
بدو الصلاح إلا فيما اعتبروه من النخل والكرم، وانتثار الورد في الذي يتورد.
انتهى كلامه (زيد مقامه).
وقال العلامة في المختلف بعد نقل كلامي الشيخ وابن إدريس المذكورين:
وهذا كله عندي لا عبرة به، لأنا قد جوزنا بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، نعم بشرط
ظهورها. انتهى.
أقول: والظاهر من كلام الشيخ هو المنع من بيع البطيخ والقثاء والخيار
ونحوها بعد الظهور وقبل بدو الصلاح الذي ذكره إلا بشرط القطع، وهذا الشرط
وإن لم يذكره هنا، إلا أنه قد صرح به في موضع آخر من الكتاب المذكور.
والتحقيق هو ما ذكره ابن إدريس عن أصحابنا من أن بدو الصلاح إنما يشترط
ويعتبر في الثلاثة المذكورة فإنه هو الذي وردت به الأخبار، وأما غيرها فحين
يتحقق خلقه ويصير معلوما والله العالم.
المطلب الثالث في الخضر.
والمشهور بل الظاهر أنه لا خلاف فيه أنه لا يجوز بيعها قبل ظهورها، وإنما
يجوز بعد ظهورها لقطة ولقطات، (1) وجزة وجزات فيما يجز كالبقول، وفيما

(1) قال في الدروس والمرجع في اللقطة والجزة والخرطة إلى العرف، أقول:
الظاهر أن مراده بالنسبة إلى ادراك ذلك الجنس وعدمه مما كان فيه صلاحية
الجزة واللقطة وعدمها، كما إذا كان صغارا لم يبلغ أو أن الانتفاع به
لصغره منه رحمه الله.
342

يخترط كالحنا والتوت (1) خرط وخرطات أو أربع خرطات، ويدل عليه
ما رواه المشايخ الثلاثة في الموثق عن سماعة (2) في حديث تقدم أوله قال فيه:
" وسألته عن ورق الشجر هل يصلح شراؤه ثلاث خرطات أو أربع خرطات؟ فقال:
إذا رأيت الورق في شجرة فاشتر منه ما شئت من خرطة " وهو ظاهر في أنه إنما
يشتري بعد ظهوره، وأنه يجوز شراؤه خرطة واحدة وخرطات متعددة.
وما رواه في الكافي والتهذيب عن معاوية بن ميسرة (3) " قال: سألته عن
بيع النخل سنتين؟ قال: لا بأس به، قلت: فالرطبة يبيعها هذه الجزة وكذا وكذا
جزة بعدها؟ قال: لا بأس به، ثم قال: قد كان أبي (عليه السلام) يبيع الحناء
كذا وكذا خرطة ".
أقول: وهذا الخبر وإن كان مطلقا في الظهور وعدمه، إلا أنه مما يجب حمله
على الأول، حمل المطلق على المقيد، وأما ما نقل عن ابن حمزة مما يشعر
بجواز بيع الجزة الثانية أو الثانية أو الثالثة على حدة، حيث قال: يجوز بيع الرطبة
وأمثالها الجزة، أو الثانية أو جميعا فهو مردود بالخبر الأول الدال صريحا
على أنه لا يجوز البيع إلا بعد الظهور جزة أو جزات، ومقتضى ما ذكره جواز البيع
قبل الظهور، وهو بيع مجهول، فلا يصح بانفراده بخلاف ما لو ضمها إلى الموجود
كما دل عليه الخبر.

(1) التوت بالتائين المنقطتين نقطتين، من فوق، وقيل بالتاء والثاء المثلة
منه رحمه الله.
(2) الكافي ج 5 ص 176 التهذيب ج 7 ص 176 التهذيب ج 7 ص 86 الفقيه ج 3 ص 143.
(3) الكافي ج 5 ص 177 التهذيب ج 7 ص 86.
343

المطلب الرابع في الأحكام
وفيه مسائل: الأولى لو باع الأصول بعد انعقاد الثمرة لم تدخل في المبيع إلا بالشرط، وأما قبله فتدخل وإن كان وردا خلافا للشيخ (1) ومتى لم تدخل
في المبيع فالواجب على المشتري إبقاؤها إلى أوان بلوغها، ويرجع في ذلك إلى
ما هو المتعارف في تلك الأشجار من حد البلوغ، هذا على المشهور في غير
النخل.
أما النخل إذا بيع فإنه يفرق فيه بالتأبير وعدمه، فإن أبرت ثمرته فهي للبايع
وإن كان قبل التأبير فهي للمشتري، والظاهر أنه لا خلاف فيه.
ويدل عليه ما رواه في الكافي والتهذيب عن يحيى بن أبي العلا " قال:
قال أبو عبد الله (عليه السلام): من باع نخلا قد لقح فالثمرة للبايع إلا أن يشترط
المبتاع، قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك ".
وعن غياث بن إبراهيم (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: قال
أمير المؤمنين (عليه السلام): من باع نخلا قد أبره فثمرته " للذي باع " إلا أن يشترط
المبتاع، ثم قال: إن عليا (عليه السلام) قال: قضى به رسول الله (صلى الله عليه وآله) ".
وما رواه في الكافي عن عقبة بن خالد (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال:

(1) قال في الدروس: وفي دخول الورد قبل انعقاد الثمرة في بيع الأصول
خلاف، فأدخله الشيخ في الظاهر، ومنعه الفاضل انتهى. منه رحمه الله.
(2) الكافي ج 5 ص 177 وفيه (للبايع) التهذيب ج 7 ص 87.
(3) الكافي ج 5 ص 177 وفيه (للبايع) التهذيب ج 7 ص 87.
(4) الكافي ج 5 ص 178 التهذيب ج 7 ص 87.
344

قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن ثمر النخل للذي أبرها إلا أن يشترط
المبتاع ".
وإنما الخلاف فيما عد النخل، وفي النخل في الانتقال بغير المبيع، فإن ظاهر
المشهور هو ما قلناه من أن الثمرة للبايع، لا تدخل في المبيع، للأصل وعدم شمول
اللفظ لها، إلا أن يصرح بدخولها.
وقال الشيخ في النهاية: إذا باع نخلا قد أبر ولقح فثمرته للبايع إلا أن يشترط
المبتاع الثمرة، فإن شرط كان على ما شرط، وكذلك الحكم فيما عدا النخل من شجر
الفواكه، وكذا قال الشيخ المفيد على ما نقل عنه في المختلف، وظاهره كما ترى
اجراء الحكم المذكور في غير النخل، وتأول ابن إدريس في السراير كلامه بأن قصد
الشيخ من ذلك أن الثمرة للبايع، لأنه ما ذكر إلا ما يختص بالبايع، ولا اعتبار عند
أصحابنا بالتأبير إلا في النخل، فأما ما عداه متى باع الأصول وفيها فهي للبايع
إلا أن يشترطها المشتري، سواء لقحت وأبرت أو لم تلقح.
وأنت خبير بأن كلامه في المبسوط لا يقبل ما ذكره من التأويل، حيث قال:
إذا باع القطن وقد خرجت جوزته فإن كان قد تشقق فالقطن للبايع إلا أن يشترطه
المشتري، وإن لم يكن تشقق فهو للمشتري، قال: وما عدا النخيل والقطن فهو على
أقسام أربعة أحدها ما يكون ثمرتها بارزة لا في كمام ولا ورد، كالعنب والتين،
فإذا باع أصلها فإن كانت الثمرة قد خرجت فهي للبايع، وإلا فهي للمشتري.
الثاني أن يخرج الثمرة في ورد، فإن باع الأصل بعد خروج وردها فإن
تناثر الورد وظهرت الثمرة فهي للبايع، وإن لم يتناثر وردها ولم تظهر الثمرة
ولا بعضها فهي للمشتري.
الثالث أن يخرج في كمام كالجوز واللوز مما دونه قشر يواريه إذا ظهر ثمرته
345

فالثمرة للبايع.
الرابع ما يقصد ورده كشجرة الورد والياسمين، فإذا بيع الأصل فإن كان
ورده قد تفتح فهو للبايع، وإن لم يكن تفتح وإنما هو جنبذ فهو للمشتري. وتبعه
في ذلك ابن البراج، وابن حمزة عمم الحكم أيضا في النخل والشجر، ومحل
المخالفة في القطن بعد خروج جوزته وقبل تشققها وفي الورد قبل تفتحه، وإلا فباقي
كلامه موافق لما عليه الأصحاب من التفصيل بالظهور وعدمه.
وقال في المبسوط أيضا: إذا باع نخلا قد طلع فإن كان قد أبر فثمرته للبايع،
وإن لم يكن قد أبر فثمرته للمشتري، وكذلك إذا تزوج بامرأة على نخلة مطلعة،
أو يخالع امرأة على نخلة مطلعة أو يصالح رجلا في شئ على نخلة مطلعة أو يستأجر
دارا مدة معلومة بنخلة مطلعة، قال: فجميع ذلك أن كان قد أبر فثمرته باقية على
ملك المالك الأول، وإن لم يكن قد أبر فهو لمن أنتقل إليه النخل بأحد هذه
العقود. انتهى.
وتبعه ابن البراج في ذلك، وهو ظاهر في قياس ما عدا البيع في النخل من
عقود المعاوضات على البيع، مع أن مورد النص كما تقدم إنما هو البيع خاصة
والأصل كما عرفت بقاء الثمرة على ملك مالكها، خرج منه ما دل النص عليه، وهو
البيع خاصة، فيبقى الباقي على أصله.
ولهذا اعترضه ابن إدريس هنا، فقال بعد نقل كلامه للمذكور: قال محمد بن
إدريس مصنف هذا الكتاب: وهذا الذي ذكره (رحمة الله عليه) مذهب المخالفين
لأهل البيت (عليهم السلام) لأن جميع هذه العقود الثمرة فيها للمالك الأول، سواء
أبر أم لم يؤبر، بغير خلاف بين أصحابنا، والمخالف حمل باقي العقود على عقد
البيع وقاسها عليه، والقياس عندنا باطل بغير خلاف بيننا إلى آخره.
المسألة الثانية الظاهر أنه لا خلاف في جواز أن يشترط استثناء ثمرة شجرة
346

أو شجرات بعينها، أو يستثنى حصة مشاعة كالنصف أو الثلث مثلا، وكذا استثناء
جزء معين من شجرة، كغدق معين من نخلة، والمشهور جواز استثناء أرطال
معينة، خلافا لأبي الصلاح، مستندا إلى حصول الجهل بقدر المبيع حيث لا يعرف
قدره جملة.
ويدل على المشهور ما رواه في الفقيه عن حماد بن عيسى عن ربعي (1) عن
أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يبيع الثمرة ثم يستثني كيلا وتمرا قال: لا بأس
به؟ قال: وكان مولى له عنده جالسا فقال المولى: إنه ليبيع ويستثني أوساقا
يعني أبا عبد الله (عليه السلام) قال: فنظر إليه ولم ينكر ذلك من قوله ".
وحينئذ فإن سلمت الثمرة فالأمر واضح بأن يأخذ المستثنى ما استثناه،
وللمشتري الباقي، وإن خاست وتلف بعضها فإن كان ذلك في صورة استثناء شجرة
أو شجرات فلا اشكال، لامتياز، المبيع منها، وأما في صورة الحصة المشاعة فالأمر
أيضا واضح.
وأما في صورة الأرطال المعلومة فإن الساقط يكون بالنسبة بأن يخمن ثمرة
البستان على تقدير السلامة تنسب إليه الأرطال المعلومة، ثم تؤخذ بتلك النسبة من
الباقي، فإذا خمن بقدر معلوم على تقدير السلامة نسبت إليه الأرطال المعلومة، بأن
يكون ربعا أو خمسا أو نحو ذلك، ثم يؤخذ بتلك النسبة من الثمرة الباقية، بأن
يؤخذ ربعها أو خمسها كما في المثال المذكور.
المسألة الثالثة
قالوا إذا باع ما بدا صلاحه فأصيب قبل قبضه كان من مال بايعه، وكذا لو

(1) الفقيه ج 3 ص 132.
347

أتلفه البايع، وإن أصيب البعض أخذ السليم بحصته من الثمن، ولو أتلفه أجنبي كان
كان المشتري بالخيار بين فسخ البيع ومطالبة المتلف، ولو كان بعد القبض وهو
التخلية لم يرجع على البايع بشئ على الأشبه، ولو أتلفه المشتري في يد البايع
استقر العقد، وكان الاتلاف كالقبض، وكذا لو اشترى جارية وأعتقها قبل قبضها.
أقول: والكلام في هذه المسألة يقع في مواضع الأول ما ذكر من أن تلفه
قبل القبض يكون من مال البايع إذا كان التلف بآفة ونحوها، فإنه مبني على القاعدة
المشهورة، من أنه مضمون على البايع قبل القبض، والمعنى أنه ينفسخ العقد من
حينه، وتقدم الكلام في ذلك في المسألة الخامسة من المقام الثاني في أحكام
الخيار (1) وذكرنا ثمة معارضة هذه القاعدة بالقاعدة الدالة على أن المشتري
يملك المبيع بالعقد.
وأما ما ذكر من أن الحكم كذلك لو أتلفه البايع فهو خلاف ما هو المشهور
بينهم، كما قدمناه ذكره في المسألة المشار إليها من أن الحكم هنا إنما هو تخير
المشتري بين الرجوع بالثمن بأن يفسخ العقد، وبين مطالبة المتلف بالمثل أو
القيمة سواء كان البايع أو الأجنبي، ولهذا قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك
هنا بعد ذكر القول المذكور: والأقوى تخير المشتري بين الفسخ، والزام البايع
بالمثل، أما الفسخ فلأن المبيع مضمون على البايع على القبض، وأما إلزامه بالعوض
فلأنه أتلف ماله، لأن المبيع قد انتقل إلى المشتري وإن كان مضمونا على البايع
كما لو أتلفه الأجنبي، تمسكا بأصالة بقاء العقد، واقتصارا بالانفساخ على موضع
الوفاق. انتهى.
أقول: وقد تقدم في المسألة المشار إليها آنفا ما في هذا الكلام من تطرق
الإيراد، فإن قضية كونه قبل القبض مضمونا على البايع الاقتصار على الفسخ وعدم

(1) ص 77.
348

الرجوع بالمثل لبطلان العقد بالتلف وقضية كون المبيع ينتقل بالعقد إلى المشتري
ويكون ملكا له هو عدم الرجوع على البايع بوجه، إلا أنه حيث كان ظاهرهم
الاجماع على كل من القاعدتين جمعوا بينهما بما ذكر، كما يشير إليه قوله " واقتصارا
بالانفساخ على موضع الوفاق ".
الثاني ما ذكر " من أنه لو كان بعد القبض وهو التخلية " إلى آخره فإنه
لا ريب أن مقتضى قاعدة البيع أنه بعد القبض لا يرجع على البايع بشئ، وهو
المشهور في كلامهم بأي نوع كان من أنواع التلف المذكورة، إلا أنه قد نقل
في المسالك عن بعض الأصحاب أنه ذهب هنا إلى أن الثمرة على الشجرة مضمونة
على البايع وإن أقبضها بالتخلية، نظرا إلى أن بيعها بعد بدو صلاحها بغير كيل
ولا وزن على خلاف الأصل، لأن شأنها بعده النقل، والاعتبار بالوزن أو الكيل
بالقوة القريبة من الفعل، وإنما أجيز بيعها كذلك للضرورة، ويراعى فيها السلامة
وعلى هذا فيحتمل أن يكون قوله " على الأشبه " متعلقا بقوله " لم يرجع " ويكون
إشارة إلى هذا القول، ويحتمل أن يكون متعلقا بقوله " وهو التخلية " حيث أنه
كما تقدم قد وقع الخلاف في القبض، هل هو عبارة عن التخلية مطلقا، أو من
الكيل أو الوزن في المكيل والموزون؟ وهذه الثمرة بعد بدو صلاحها قد صارت
صالحة للاعتبار بهما، وحينئذ فيكون فيه تنبيه على اختياره القول بالتخلية مطلقا،
كما هو أحد القولين المذكورين.
الثالث ما ذكره بقوله " ولو أتلفه المشتري في يد البايع " إلى آخره، لا يخفى
أن اتلاف المشتري في الصورة المذكورة إن كان بإذن البايع فهو قبض، يترتب
عليه أحكام القبض مطلقا، وإن كان بغير إذنه وهو الظاهر من العبارة، فهو قبض
من حيث انتقال الضمان إلى المشتري بالاتلاف وإن لم يكن باقي أحكام القبض
مترتبة عليه، لأن الغرض هنا بيان عدم الرجوع على البايع، وحيث انتقل الضمان
إليه فلا رجوع.
349

قيل: وإنما شبه الاتلاف هنا بالقبض ولم يجعله قبضا لأن الاتلاف قد يكون
بمباشرة المشتري، فيكون قبضه حقيقة، وقد يكون بالتسبيب فيكون في حكم
القبض خاصة.
الرابع ما ذكره من قوله " وكذا لو اشترى جارية " إلى آخره والغرض منه
التنبيه على أن العتق مثل الاتلاف في كونه قبضا، ويكون العتق صحيحا لتقدم
الملك والله العالم.
المسألة الرابعة لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز بيع
الثمرة في أصولها بالأثمان والعروض، ولا اشكال فيه، وعليه يدل عموم الأخبار
المتقدمة، وإنما الممنوع منه بيع ثمرة النخل بمثلها من تلك النخلة، أو غيرها على
الخلاف الآتي، وكذا الزرع بحنطة منه أو غيره، وهو المسمى بالمحاقلة والمزابنة
وتفصيل هذا الاجماع يقع في مواضع: الأول ينبغي أن يعلم أن المزابنة
مفاعلة من الزبن وهو الدفع، ومنه الزبانية، لأنهم يدفعون الناس في النار، قيل:
سميت هذه المعاملة بذلك لأنها مبنية على التخمين، والغبن فيها كثير، فكل من
البايع والمشتري يريد دفعه عن نفسه إلى الآخر فيتدافعان.
والمحاقلة مفاعلة من الحقل: وهي الساحة التي يزرع فيها، قيل: سميت هذه
المعاملة بذلك لتعلقها بزرع في حقل، فأطلق اسم الحق على الزرع مجازا، من
باب اطلاق اسم المحل على الحال، أو المجاوز على مجاوره، فكأنه باع حقلا بحقل،
وتحريمها في الجملة اجماعي منصوص.
الثاني المفهوم من كلام أكثر الأصحاب، وكذا من كلام جملة من أهل اللغة
أن المزابنة مختصة بالنخل، والمحاقلة بالزرع، والمفهوم من صحيحة عبد الرحمان
ابن أبي عبد الله (1) وموثقته الآتيتين عكس ما ذكروه، وهو أن المحاقلة في النخل،
والمزابنة في الزرع، وكأن الأصحاب وكذا أهل اللغة بنوا فيما ذكروه على وجه

(1) التهذيب ج 7 ص 143.
350

المناسبة المذكور في الموضع الأول، وبعض مشايخنا المحدثين من المتأخرين (1)
لذلك حمل موثقة عبد الرحمان الصريحة في ذلك على السهو من الراوي، ولله
در المحدث الكاشاني في الوافي حيث قال ذيل الموثقة المذكورة: عكس ابن الأثير
في نهايته هذا التفسير، ولا ينبئك مثل خبير.
والعجب من صاحب الوسائل أنه تبع الأصحاب فيما ذكروه، فقال: باب
أنه لا يجوز بيع ثمرة النخل بتمر منه، وهي المزابنة، ولا بيع الزرع بحب منه
وهي المحاقلة، ثم أورد في الباب روايتي عبد الرحمان (2) المشار إليهما، ولم
يجب عنها بشئ، مع أنها ظاهرتان في خلاف ما عنون به الباب، نعم أورد في الباب
أيضا رواية من كتاب معاني الأخبار مسندة برجال من العامة عن أبي عبيد
القاسم بن سلام (3) باسناده إلى النبي (صلى الله عليه وآله) أنه نهى عن بيع
المحاقلة والمزابنة، فالمحاقلة بيع الزرع وهو في سنبله بالبر، والمزابنة، بيع الثمر
في رؤوس النخل بالتمر.
أقول: من المحتمل قريبا أن هذا التفسير إنما هو عن أبي عبيد المذكور،
كما صرح به الصدوق في غير موضع من الكتاب المذكور، ومع تسليم كونه
من النبي (صلى الله عليه وآله) فهو لا يعارض ما قدمناه من الأخبار، خصوصا
مع كون سنده إنما هو رجال العامة.

(1) هو شيخنا الشيخ علي بن سليمان البحراني في حواشيه على التهذيب
حيث قال: المعروف عند أهل اللغة على خلاف بينهم وكذا عند الفقهاء
من الخاصة والعامة أن المزابنة بيع ثمر النخل والشجر من جنسه،
والمحاقلة بيع الزرع بحنطة أو شعير، فلعل ما في الرواية سهو من الراوي
والله يعلم. انتهى منه رحمه الله.
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب بيع الثمار.
(3) الوسائل الباب 13 من أبواب بيع الثمار.
351

الثالث لا خلاف بين الأصحاب في تحريم بيع الثمرة بتمر منه، والزرع
بعد بدو صلاحه بحنطة منه، وإنما الخلاف فيما إذا كان من غيره، فقيل بالاختصاص
وهو المتفق عليه، وخصوا المزابنة والمحاقلة المتفق على تحريمها بذلك، وقيل
بالعموم، وأن الاسمين المذكورين مراد بهما الأعم مما إذا كان منه أو من غيره
ولو كانت مطروحة على الأرض، والظاهر أنه المشهور.
واستند القائلون بالعموم إلى صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي
عبد الله (1) (عليه السلام) " قال: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن المحاقلة
والمزابنة، قلت وما هو؟ قال أن تشتري حمل النخل بالتمر، والزرع بالحنطة "
وموثقته عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
عن المحاقلة والمزابنة فقال: المحاقلة بيع النخل بالتمر والمزابنة بيع السنبل
بالحنطة " وهما ظاهرتان في كون كل من التمر والحنطة أعم من أن يكونا من المبيع أو غيره والثانية صريحة فيما قدمناه من أن المحاقلة إنما هي في النخل، والمزابنة
في الزرع، خلاف ما هو المشهور بين الأصحاب.
واستند القائلون بالتخصيص إلى ما دل على جواز البيع بتمر غير ما في المبيع
ومنه حسنة الحلبي (2) أو صحيحته " قال أبو عبد الله (عليه السلام)
في رجل قال لآخر: بعني ثمرة نخلك هذا الذي فيها بقفيزين من تمر أو أقل أو
أكثر يسمى ما شاء فباعه؟ قال: لا بأس به ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي " قال:
سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن بيع حصايد الحنطة والشعير وساير الحصايد؟

(1) التهذيب ج 7 ص 143.
(2) الكافي ج 5 ص 176.
(3) التهذيب ج 7 ص 205.
352

قال: حلال فليبعه بما شاء " وهو وإن كان عاما لما لو كان الثمن من جملة المبيع
إلا أنه يجب استثناؤه بالنص والاجماع، وجملة الأخبار على التحريم فيما
لو كان من المبيع، والجواز من غيره.
ومنه ما رواه الشيخ في الحسن عن الحسن بن علي الوشا (1) " قال: سألت
أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل اشترى من رجل أرضا جربانا معلومة بمئة كر
على أن يعطيه من الأرض، فقال: حرام، قال: فقلت له فما تقول جعلت فداك أن
أشتري منه الأرض بكيل معلوم وحنطة من غيرها؟ قال: لا بأس " والمراد زراعة
الأرض، ورواه بسند آخر أيضا عنه (عليه السلام) قال: سألت الرضا (عليه السلام)
الحديث.
ومما يدل أيضا على الجواز فيما لو كان من غير المبيع أيضا ما رواه الشيخ
في الموثق عن الكناني قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن رجلا
كان له على رجل خمسة عشر وسقا من تمر وكان له نخل فقال له: خذ ما في نخلي
بتمرك فأبى أن يقبل، فأتى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)
إن لفلان علي خمسة عشر وسقا من تمر، فكلمه أن يأخذ ما في نخلي بتمره، فبعث إليه
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا فلان خذ ما في نخله بتمرك، فقال يا رسول الله
لا يفي وأبى أن يفعل، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لصحاب النخل: اجذذ
نخلك، فجذه، فكال له خمسة عشر وسقا، فأخبرني بعض أصحابنا عن ابن رباط
ولا أعلم إلا أني قد سمعته منه أن أبا عبد الله (عليه السلام) قال: إن ربيعة الرأي لما
بلغه هذا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: هذا ربا: قلت: أشهد بالله إنه لمن
الكاذبين قال: صدقت ".
والشيخ حمل هذا الخبر على الصلح دون البيع، وكذا العلامة في المختلف،

(1) التهذيب ج 7 ص 195 و ص 91.
(2) التهذيب ج 7 ص 195 و ص 91.
353

وأنت خبير بما فيه، لأن الدليل غير منحصر في الخبر المذكور، ليخرج بتأويله عن
الاشكال، فإن الخبرين الأولين صريحان في البيع، والمسألة كما ترى محل اشكال.
وبعض المحققين احتمل في روايتي عبد الرحمان أن يكون التمر والحنطة بمعنى
تمرة وحنطة فيكون الألف واللام عوضا عن الضمير المضاف إليه، قال:
بل هو المتبادر، ولو أراد العموم لكان التنكير أولى، وهو بتمر وحنطة. انتهى
وهو احتمال قريب لا بأس به في مقام الجمع بين الأخبار، لشيوع هذا الاستعمال
في الكلام.
ومن أخبار المسألة ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن يعقوب بن شعيب (1)
عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: سألته عن الرجل يكون له على الآخر مئة كر تمر
وله نخل فيأتيه فيقول أعطني نخلك هذا بما عليك فكأنه كرهه " والمراد تمر نخلك
وظاهر هذا الخبر كراهة بيع الثمرة بجنسها من غير المبيع.
ويمكن حينئذ الجمع بين الأخبار بتخصيص التحريم بما كان من المبيع،
والجواز على كراهة بما كان من غيره، ويحمل النهي في روايتي عبد الرحمان على
ما هو الأعم من التحريم أو الكراهة، وليس فيه إلا ما ربما يقال من عدم جواز استعمال
المشترك في معنييه، وهو وإن اشتهر بينهم إلا أنه في الأخبار كثير شايع، كما
نبهنا عليه في جملة من المواضع في كتاب العبادات، وقد نقلنا ثمة عن الذكرى
أيضا جواز ذلك.
ومن أخبار المسألة ما رواه في الكافي والتهذيب في الحسن عن الحلبي (2)
عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث " قال: وقال: لا بأس أن تشتري زرعا قد سنبل
وبلغ بحنطة " وهذا الخبر كما ترى يدل على جواز المزابنة، وإن كان الثمن من

(1) الكافي ج 5 ص 193 التهذيب ج 7 ص 125 الفقيه ج 3 ص 142.
(2) الكافي ج 5 ص 274 التهذيب ج 7 ص 142.
354

المبيع، نظرا إلى اطلاق الخبر، وقد تقدم مثله في صحيحة إسماعيل بن الفضل
الهاشمي (1) إلا أن يقيد اطلاقه بالاجماع، وروايتي عبد الرحمان المتقدمين،
ويمكن حمل النهي في روايتي عبد الرحمان على الكراهة جمعا كما احتمله
في الوافي أيضا.
الرابع قد استند جملة من الأصحاب القائلين بالعموم إلى لزوم الربا في المعاملتين
المذكورتين، وهو حرام، فيكون مستند التحريم هو لزوم الربا، لأنه بيع ثمرتين
ربويتين وهو مكيل، والغالب التفاوت فيحصل شرط الربا، ولأن بيع الربوي
مشروط بالعلم بالمساواة، ومعلوم أنها غير ظاهرة هنا، وفيه أن الثمرة ما
دامت على النخل والحنطة في الزرع ليس بمكيل، لأنه لا تباع كيلا وإنما تباع
بالمشاهدة.
وقد عرفت من الروايات المتقدمة جواز البيع بالجنس الذي من غير المبيع
وهو ظاهر في عدم الربا في الصورة المذكورة، بل صرح في رواية الكناني
بذلك، حيث إنها دلت على أن ربيعة الرأي جعل ذلك رأيا، وقد كذبه
(عليه السلام) بتقريره الراوي على ما قاله، وقوله له صدقت، وأجاب عنه في المختلف
بضعف السند، قال: لأن في طريقه الحسن بن محمد بن سماعة، وهو ضعيف،
سلمنا لكن لا دلالة فيه على البيع، بل هو دال على نوع من الصلح والاستيفاء،
ونحن نقول بجوازه.
وفيه الرجل المذكور وإن كان واقفيا إلا أنه ثقة، فحديثه في الموثق
وهو يعمل به في غير موضع، والحمل على الصلح قد عرفت ما فيه.
الخامس قد اختلف عبائر الأصحاب (رضوان الله عليهم) وكذا النصوص
في التعبير عن المبيع في المحاقلة، ففي بعض عبر بالزرع، وفي آخر بالسنبل،

(1) التهذيب ج 7 ص 205.
355

والظاهر أن مراد من عبر بالأول إنما هو مع وجود الحب، بأن تكون سنبلا، فيرجع
إلى الثاني لأنه قبل انعقاد الحب علف يجوز بيعه بكل شئ.
ولهذا قال في المسالك بعد نقل مثل ذلك: ويظهر من كلامهم الاتفاق
على أن المراد به السنبل وإن عبروا بالأعم، وقال في التذكرة لو باع الزرع قبل
ظهور الحب بالحب فلا بأس، لأنه حشيش، وهو غير مطعوم ولا مكيل، سواء
تساويا جنسا أو اختلفا، ولا يشترط التقابض في الحال. انتهى.
ثم إنه على تقدير التعبير بالسنبل فهل المراد منه الحنطة بالخصوص، أو ما
هو أعم منها ومن الشعير والدخن والأرز وغيرها؟ فيدخل الجميع في المحاقلة
اشكال، وبعض تعاريف الأصحاب للمحاقلة بأنها بيع السنبل بحب منه أو من غيره
يعطي العموم، وبعض تعاريفها بأنها الحنطة في سنبله بحنطة إما منها أو من غيرها
يعطي التخصيص، وظاهره في التذكرة أن أكثر تعاريف الأصحاب من هذا القبيل
وعلى هذا يدخل فيه الشعير إن جعلناه من جنس الحنطة كما تقدم بيانه سابقا، وعلل
المنع بالربا، وإلا فلا (1).
أقول: والذي يظهر من روايتي عبد الرحمان المتقدمتين حيث إن الأولى
تضمنت تفسير المزابنة ببيع الزرع بالحنطة، والثانية السنبل بالحنطة وهي وإن
سميت في الخبرين بالمزابنة إلا أنها هي المحاقلة عند الأصحاب هو التخصيص
بالحنطة دون غيرها من أفراد الحبوب، وليس عير هاتين الروايتين في الباب فالحاق
ما ذكروه من الأفراد بالحنطة مشكل.

(1) قال في التذكرة إن أكثر تفاسير المحاقلة إنها بيع الحنطة في السنبل
بحنطة إما منها أو من غيرها، فيختص بالحنطة ويدخل فيه الشعير إن جعلناه
من جنس الحنطة أو عللنا المنع بالربا، وإلا فلا، قال: وفي بعض
ألفاظ علمائنا هي بيع الزرع بالحب من جنسه، فيكون ذلك محاقلا. انتهى
منه رحمه الله.
356

نعم من علل بالربا فيمكن الالحاق إلا أنك قد عرفت ما فيه.
السادس هل ينسحب حكم النخل إلى غيره من ثمار أشجار الفواكه وغيرها
قولان: والأقرب العدم، والوجه فيه أن ما ورد في الأخبار وكلامي متقدمي
الأصحاب في تعريف المزابنة يقتضي التخصيص بالنخل، فيبقى غيره على عموم
الجواز اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع النص والوفاق وبطلان القياس.
وذهب جمع منهم الشهيد في اللمعة والدروس والشهيد الثاني في المسالك
بل نقل أنه ظاهر الأكثر إلى انسحاب الحكم في غير النخل من الشجر، مستندين
في ذلك إلى أن علة النهي إنما هي عدم الأمن من الربا، لأنه بيع أحد المتجانسين بالآخر،
وهما مكيلان أو موزونان، واحتمال المساواة في الخرص نادر، فيحرم للتفاضل غالبا،
مع أن العلة منصوصة في المنع من بيع الرطب بالتمر، وهي نقصانه عند الجفاف،
وهي قائمة فيما نحن فيه، وقد عرفت الجواب عن ذلك.
نعم يبقى الكلام في العلة المنصوصة في المنع من بيع الرطب بالتمر، وهي
نقصانه عند الجفاف، فإنها قائمة هنا، فمن ترجح عنده العمل بالعلة المنصوصة يعدي
الحكم إلى المساوي في العلة المذكورة، إلا أن العمل بالعلة المنصوصة محل كلام،
قد تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب في صدر كتاب الطهارة (1) والله العالم.
المسألة الخامسة قد اتفق القائلون بالعموم في المزابنة على استثناء العرية،
وهي النخلة تكون للانسان في دار رجل آخر، وقال أهل اللغة وجملة من المتقدمين:
أو بستانه، واستحسنه جملة من المتأخرين، بل قال في المسالك: أنه متفق عليه،
فيجوز بيعها بخرصها تمرا من غيرها، وفي جوازه مع كونه التمر منها اشكال يأتي
التنبيه عليه.
وأنت خبير بأنه على ما اخترناه من تفسير المزابنة ببيع ثمرة النخل بتمر

(1) ج 1 ص 63.
357

منها، وأنه هو المحرم، فلا معنى لهذا الاستثناء، بل يكون الرواية الدالة على الجواز
في العرية من قبيل الأخبار التي قدمناها دالة على جواز بيع الثمرة النخل بتمر
من غيرها، ولكن اشتهر هذا الاستثناء لشهرة القول بالعموم بين الخاصة والعامة.
والأصل في العرية ما رواه في الكافي والتهذيب عن السكوني (1)
عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: رخص رسول الله (صلى الله عليه وآله) في
العريان أن تشتريها بخرصها تمرا ثم قال: والعرايا جمع عرية، وهي النخلة تكون
للرجل في دار رجل آخر فيجوز له أن ببيعها بخرصها تمرا ولا يجوز ذلك في غيره ".
وما رواه الصدوق في كتاب معاني الأخبار عن محمد بن هارون الزنجاني عن
علي بن عبد العزيز عن القاسم بن سلام باسناد متصل إلى النبي (صلى الله عليه وآله)
أنه رخص في العرايا، واحدتها عرية وهي النخلة التي يعريها صاحبها رجلا محتاجا،
والاعراء أن يبتاع تلك النخلة من المعرا بتمر لموضع حاجته، قال: وكان النبي
(صلى الله عليه وآله) إذا بعث الخراص قال: خففوا الخرص فإن في المال العرية
والوصية (2) ".
أقول: والروايتان المذكورتان في طريقهما رجال العامة، والحكم بالعموم
في المزابنة واستثناء العرية منه مذهب العامة، إلا أن الحكم أيضا في الموضعين مشهور
بين أصحابنا على ما تقدم من الخلاف في الأول، وقوله في الخبر الأول " ولا يجوز
ذلك في غيره " يحتمل أن يكون المراد: أي في غير ما يكون في دار رجل آخر،
وعلى هذا ففيه دلالة على ضعف ما تقدم نقله عنهم من إضافة البستان إلى الدار،
ويحتمل أن يكون المراد: أي غير النخل إذا كان في دار رجل آخر، وعلى هذا
ففيه دلالة على اختصاص العرية بالنخل دون غيره من الشجر، والظاهر أنه موضع
اتفاق، وتمام تحقيق الكلام في المقام يتوقف على بسطه في فوايد.

(1) الكافي ج 5 ص 275 التهذيب ج 7 ص 143.
(1) الوسائل الباب 13 من أبواب بيع الثمار الرقم 5.
358

الأولى قد شرطوا في بيع العرية شروطا أحدها كون البيع على
ذي الدار والبستان لا على غيرهما، وثانيها كونها واحدة في كل بستان أو دار،
فلو كان لمالك واحد اثنتان في دار أو بستان، لم يجز بيع ثمرتهما ولا ثمرة أحدهما
لعدم صدق العرية في هذه الصورة نعم لو تعددت الدار أو البستان جاز تعددها من
الواحد.
وثالثها والخرص والتخمين في ثمرة النخلة، كما دل عليه الخبر.
رابعها عدم التفاضل وقت العقد، لظاهر الخبر الدال على اعتبار المساواة
ولزوم الربا مع التفاضل، ولأن الأصل المنع إلا فيما دل عليه النص المذكور،
ولا يضر ذلك بعد الجفاف لاطلاق الخبر.
وخامسها أن يكون الثمن حالا فلا يجوز تأجيله، وإن لم يقبض في المجلس،
خلافا للشيخ في المبسوط حيث شرط التقابض (1) وهو ضعيف.
وسادسها كون الثمرة على رأس النخلة فلو قطعت لم يجز بيعها إلا كغيرها
من الموزون والمكيل.
أقول: والظاهر الاستغناء عن هذا الشرط، لأن فرض المسألة في العرية،
وهي التي تباع ثمرتها بالخرص، وهو ظاهر.
وسابعها كون الثمن من ثمرة النخل، وفيه ما في سابقه من أنه مستغنى عنه

(1) قال في المبسوط: شرط بيع العرية أمران، أحدهما المماثلة
من طريق الخرص بين ثمرة النخلة عند صيرورتها تمرا وبين
التمر الذي هو الثمن، والثاني التقابض قبل التفرق وقال ابن إدريس
لا يشترط التقابض نعم يشترط الحلول. احتج الشيخ بأن ما فيه الربا لا يجوز
التصرف فيه قبل التقابض ومنع ابن إدريس ذلك إلا في الصرف، قال
في المختلف: وهو الأقوى. لنا الأصل عدم الاشتراط. انتهى. أقول:
الأمر الأول في عبارته إشارة إلى الشرط الرابع الذي ذكرناه منه رحمه الله.
359

أيضا، لما عرفت في تعريف العرية.
وثامنها كون الثمن من غيرها قال في المسالك: وهو المعروف
في المذهب، ونقل في المختلف عن ابن حمزة أن ظاهر كلامه تحريم
العرية بتمر منها، بل يجوز بغيرها، ثم قال: ولا بأس به، وإلا لزم أن يكون الثمن
والمثمن واحد، ثم احتمل الجواز عملا باطلاق الإذن، ولو جود المقتضي وهو الرخصة
انتهى (1) وهو جيد فإن قوله في الخبر " يبيعها بخرصها تمرا " متناول لموضع النزاع،
أو هو أعم من كونه منها أو من غيرها، ولهذا يظهر من المحقق الأردبيلي الميل إلى
ذلك لو صح النص الوارد في المسألة.
الثانية قد عرفت أن مورد الخبر الأول بالنسبة إلى موضع النخلة إنما هو الدار
والأصحاب كما تقدم الحقوا البستان أيضا وهو محل اشكال، وإن كان ظاهرهم
الاتفاق على ذلك، كما يشعر به كلامه في المسالك.
نعم خبر كتاب معاني الأخبار مطلق، فيمكن الاستناد إلى اطلاقه في ذلك،
ثم إنهم صرحوا بأن المراد بالدار أو البستان ما هو أعم من المملوك والمستأجر
والمستعار، لصدق الإضافة في الجميع، وزاد في المسالك اشتراك الجميع
في العلة، وهي مشقة دخول الغير عليهم.
أقول: هذا التعليل الأخير إنما يتم في الدار دون البستان، كما هو ظاهر،
وفيه نوع تأييد لما قدمناه من الاقتصار في الحكم على الدار، ويؤيد أنه حكم

(1) قال: ولو وجدت صحيحة صريحة لجاز الاستثناء من المزابنة بالمعنى
الذي قلناه أيضا تعبدا، ولكن ما رأيتها، فلا يجوز هذا الاستثناء الأعلى
المعنى العام القائل به العامة الذين هم أصل هذه المسألة. انتهى أقول
والمراد بالمعنى الذي قاله هو ما اختاره من تفسير المزابنة بالمعنى
الأخص منه رحمه الله.
360

على خلاف الأصل فيقتصر فيه على القدر المتحقق.
الثالثة اطلاق النص والفتوى يقتضي أنه لا يجب التماثل في الخرص بين
ثمرتها بعد الجفاف وثمنها، بمعنى أنه لا يجب مطابقة ثمرتها جافة للتمر بل المعتبر
في الجواز بيعها بظن الخارص وتخمينه لها تمرا، يعني أن ما فيها من البسر
والرطب إذا جف يبلغ هذا القدر تمرا فتباع ثمرتها بهذا المقدار تمرا من غيرها
أو منها مع الاحتمال المتقدم، ولا يجب مطابقة هذا التقدير الثمرة بعد الجفاف، بحيث
أنه لو زادت أو نقصت عن ذلك بطل البيع، بل البيع صحيح، وإن لم تحصل المطابقة
وقيل: يعتبر المطابقة فلو اختلفا تبين بطلان البيع، والظاهر ضعفه لاطلاق
النص بما ذكرناه، ويأتي على هذا القول أنه لا يجوز التصرف في ثمرة النخلة
بالأكل ونحوه، حتى يستعلم المطابقة وعدمها بالجفاف، واطلاق النص بدفعه،
هذا هو المشهور في معنى عدم وجوب المماثلة بين ثمرتها وثمنها.
وقال العلامة في التذكرة: إن المعتبر المماثلة بين ما عليها رطبا، وبين
الثمن تمرا، فيكون بيع رطب بتمر متساويا، وجعل هذا مستثنى من بيع الرطب
بالتمر متساويين.
الرابعة الظاهر أنه لا خلاف في عدم العرية في غير النخل، بل نقل في المسالك
الاتفاق على ذلك، قال: وإنما يظهر الفايدة لو منعنا من بيع ثمر باقي الشجر
بجنسه جافا كما هو المختار، وأما على ما ذهب إليه المصنف من الجواز، فمتى
نفي العرية أنه لا خصوصية لها حتى يتقيد بقيودها، بل يجوز بيع الثمرة
اتحد الشجر أم تعدد، في الدار وغيرها بجنس ثمرها متماثلا انتهى. وملخصه
أن العرية كما عرفت مستثناة من المزابنة، والاستثناء إنما يتجه على القول بالعموم
في المزابنة للنخل وغيره، كما اختاره (قدس سره) وقبله الشهيد حسبما قدمنا
ذكره والله العالم.
المسألة السادسة لو كان بين اثنين أو أكثر نخل أو شجر فيتقبل بعضهم
361

بحصة الباقين بشئ معلوم كان جايزا، وليس هذا من قبيل البيع، وإنما هي معاوضة مخصوصة تسمى بالقبالة وهي مستثناة من المزابنة والمحاقلة.
والأصل فيها جملة من الأخبار، منها ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم)
بطرق عديدة فيها الصحيح وغيره، عن يعقوب بن شعيب (1) عن أبي عبد الله
(عليه السلام) " قال: سألته عن الرجلين يكون بينهما النخل، فيقول أحدهما لصاحبه
إما أن تأخذ هذا النخل بكذا وكذا كيلا مسمى أو تعطيني نصف هذا الكيل زاد أو
نقص، وإما أن آخذه أنا بذلك؟ وأرده عليك قال: لا بأس بذلك " وفي بعض روايات
الخبر بحذف " وأرد عليك ".
وما رواه في الكافي. في الصحيح أو الحسن عن الحلبي " قال أخبرني
أبو عبد الله (عليه السلام) أن أباه (عليه السلام) حدثه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
أعطى خيبرا بالنصف أرضها ونخلها فلما أدركت الثمرة بعث عبد الله بن
رواحة، فقوم عليهم قيمة، فقال لهم: إما أن تأخذوه وتعطوني نصف الثمن، وإما
أن أعطيكم نصف الثمن وآخذه، فقالوا بهذا قامت السماوات والأرض " وفي التهذيب
عوض " الثمن " في الموضعين " الثمرة " والظاهر أن ما في التهذيب هو الأقرب
قال في الوافي بعد ذكر ذلك: والثمن أوفق للقيمة، والثمرة أنسب بالخرص،
كما يأتي.
وعن أبي الصباح الكناني (3) في الصحيح " قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول: إن النبي (صلى الله عليه وآله) لما افتتح خبير تركها في أيديهم على النصف
فلما بلغت الثمرة بعث عبد الله بن رواحة إليهم فخرص عليهم فجاؤوا إلى النبي

(1) الكافي ج 5 ع 193 مع اختلاف يسير التهذيب ج 7 ص 91
الفقيه ج 3 ص 142.
(2) الكافي ج 5 ص 266 التهذيب ج 7 ص 193.
(3) الكافي ج 5 ص 267.
362

(صلى الله عليه وآله) فقالوا له: قد زاد علينا فأرسل إلى عبد الله بن رواحة فقال:
ما يقول هؤلاء فقال: قد خرصت عليهم بشئ فإن شاؤوا يأخذون بما خرصنا وإن
شاؤوا أخذنا، فقال رجل من اليهود: بهذا قامت السماوات والأرض ".
والظاهر أن ما اشتملت عليه هذه الروايات بالدخول تحت الصلح أنسب،
وبذلك صرح في الدروس: قال في المسالك: وظاهر الأصحاب أن الصيغة تكون
بلفظ القبالة، وأن لها حكما خاصا زايدا على البيع والصلح، بكون الثمن والمثمن
واحدا وعدم ثبوت الربا زاد أو نقص، ووقوعه بلفظ التقبيل، هو خارج عن صيغتي
العقدين وفي الدروس أنه نوع من الصلح، ولا دليل عليه، كما لا دليل على ايقاعه
بلفظ التقبيل أو اختصاصه به، وإنما المعلوم من الرواية أنه معاملة على الثمرة،
وأنه لازم بحيث يملك المتقبل الزايد، ويلزمه لو نقص. انتهى.
أقول: أما نفي البيع عن هذه المعاملة فظاهر لما ذكره، وأما نفي الصلح
فغير ظاهر، لأنه لا ينحصر في لفظ الصلح وإن اشتهر ذلك بينهم، بل يصح ذلك بأي
لفظ أفاد فايدته، ومرجع هذه المعاملة إلى التراضي بين الشريكين بأن يأخذ كل
منهما نصف ذلك المشترك مثلا، بمعنى أن ما يستحقه أحد الشريكين في ذلك النصف
الذي لشريكه، عوض ما يستحقه الآخر في النصف الآخر، وهذا هو الصلح بلا اشكال،
والربا مخصوص بالبيع كما تقدم، فلا يضر في هذه المعاملة ونحوها.
ثم إن جملة من الأصحاب منهم العلامة في الإرشاد والشهيد في الدروس قيدوا
هذه المعاملة بشرط السلامة، قال المحقق الأردبيلي (قدس سره) في شرح الإرشاد
في شرح قول المصنف " والتقييد بشرط السلامة " ما لفظه: ظاهر المتن أنه مشروط
لزومه بالسلامة من الآفة، فلو نقص بها له أن لا يعطي إلا حصة الشريك مما حصل، وإن
زاد فالزيادة له، ويحتمل أن يكون المراد بالشرط عدم الآفة، بحيث تذهب بالكلية (1)

(1) قال: ويجوز تقبيل الشريك بحصة صاحبه من الثمرة بخرص معلوم
وإن كان منها، وهو نوع من الصلح لا بيع، وقراره مشروط
363

وهو بعيد، والظاهر أن المراد الأعم، لكن لا يشمل النقص الذي حصل من
التخمين والغلط فيه، مع أنه محتمل، ويحتمل أن يكون السلامة كناية عن الموافقة
من غير زيادة ونقصان، فيكون النقص والزيادة مشتركا بينهما والظاهر من الرواية
هو اللزوم مطلقا، فكأنه راجع إلى معاملة تكون بحسب الطالع النقص والزيادة
سواء بسواء،. انتهى، وما ذكره من الظاهر من الرواية هو الظاهر الذي يقتضيه اطلاق
النصوص المتقدمة.
وأورد ابن إدريس على أصل الحكم بأن هذا التقبيل إن كان بيعا لم يصح،
لكونه مزابنة، وإن كان صلحا لم يصح، لكون العوض مشروطا من نفس الثمرة
للغرر وإن كان في الذمة فهو لازم، سواء بقيت الثمرة أو تلفت.
وأجيب بالتزام كونه صلحا والغرر محتمل للنص، وحينئذ فإذا تلف منه
شئ يلزم تلف بعض العوض المشروط، فإذا لم يتحقق ضمانه لم يجب العوض،
وأجيب أيضا بالتزام أنه ليس بصلح ولا بيع، بل هو معاملة خاصة ورد بها النص
فلا يسمع ما يرد على طرفي الاحتمال لخروجها عنهما.
أقول: والجواب الثاني لا يخلو من قوة وإن كان الأول أيضا بالتقريب الذي قدمناه
ممكن، والله العالم.
المسألة السابعة المشهور أنه يجوز بيع الزرع قائما على أصوله، سواء
بلغ الحصاد أم لا، أو قصد قصلة أم لا، لأنه عين مملوكة قابلة للنقل، ونقل عن الصدوق
المنع إلا أن يكون سنبلا أو قصد قطعه، وكذا يجوز بيعه محصودا وإن لم يعلم

بالسلامة. انتهى وظاهره أنه لو هلكت الثمرة بأجمعها فلا شئ على المتقبل
ودليله غير واضح، بل ظاهر اطلاق الأخبار الواردة في المسألة خلاف
ذلك كما ذكرناه في الأصل منه رحمه الله.
364

قدر ما فيه، لأنه حينئذ غير موزون ومكيل، فيكفي فيه المشاهدة، وكذا يجوز بيعه
قصيلا أي يباع بشرط القطع، لعلف الدواب ونحوه، وحينئذ فإذا باعه كذلك
وجب على المشتري قصله حسب الشرط، فلو يقصله تخير البايع بين قصله
وتفريغ أرضه منه، لأنه ظالم " ولا عرق لظالم " (1) وبين تركه والمطالبة بأجرة
الأرض عن المدة التي بقي فيها بعد إمكان قصله مع الاطلاق، أو المدة التي
تراضيا على اشتراطها للفصل مع التعيين.
ولو وقع الشراء لأجل القصل قبل أوان قصله، وجب على البايع الصبر
إلى أوانه مع الاطلاق، أو إلى المدة المعينة إن وقع التعيين، ومقتضى اطلاق
كلام الكثير جواز تولي البايع القطع مع امتناع المشتري، ووجوبه عليه وإن
قدر على الحاكم، ورجح بعضهم توقفه على إذن الحاكم، حيث يمتنع المشتري
إن أمكن وجود الحاكم، وإلا جاز له مباشرة القطع دفعا للضرر، أو ابقاؤه والمطالبة
بأجرة الأرض كما تقدم.
والذي وقفت عليه من الأخبار في هذا المقام ما رواه ثقة الاسلام والشيخ
في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا بأس
بأن تشتري زرعا أخضر ثم تتركه حتى تحصده إن شئت أو تعلفه من قبل أن يسنبل
وهو حشيش، وقال: لا بأس أيضا أن تشتري زرعا قد سنبل وبلغ بحنطة ".
وعن حريز عن بكير بن أعين (3) " قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أيحل
شراء الزرع الأخضر؟ قال: نعم لا بأس به ".
وبالإسناد عن حريز عن زرارة (4) مثله، " وقال: لا بأس أن تشتري الزرع

(1) المستدرك ج 3 ص 149.
(2) الكافي ج 5 ص 247 التهذيب ج 7 ص 142 و 143.
(3) الكافي ج 5 ص 247 التهذيب ج 7 ص 142 و 143.
(4) الكافي ج 5 ص 247 التهذيب ج 7 ص 142 و 143.
365

أو القصيل أخضر ثم تتركه إن شئت حتى يسنبل ثم تحصده، وإن شئت أن تعلف دابتك قصيلا
فلا بأس به قبل أن يسنبل، فأما إذا سنبل فلا تعلفه رأسا فإنه فساد " أقول: رأسا يعني حيوانا.
وعن زرارة (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " في زرع بيع وهو حشيش
ثم سنبل؟ قال: لا بأس إذا قال: أبتاع منك ما يخرج من هذا الزرع، فإذا اشتراه
وهو حشيش فإن شاء أعفاه، وإن شاء تربص به ".
وما رواه في التهذيب عن سليمان بن خالد (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" قال: لا بأس بأن تشتري زرعا أخضر، فإن شئت تركته حتى تحصده، وإن شئت
بعته حشيشا ".
وما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) عن سماعة في الموثق
" قال: سألته عن شراء القصيل يشتريه الرجل فلا يقصله ويبدو له في تركه حتى يخرج
سنبله شعيرا أو حنطة، وقد اشتراه من أصله " على أن ما به من خراج فهو على العلج "
فقال: إن كان اشترط حين اشتراه إن شاء قطعه وإن شاء تركه، كما هو حتى يكون
سنبلا، وإلا فلا ينبغي له أن يتركه حتى يكون سنبلا ".
أقول: في قوله " على أن ما به من خراج فهو على العلج " اختلافات في الكتب الأربعة وما هنا في التهذيب وفي الإستبصار " على أربابه خراج أو هو على العلج "
وفي الكافي " على أربابه فهو على العلج " وفي الفقيه. وما كان على أربابه من خراج
فهو على العلج، والمعاني متقاربة ومرجع الجميع إلى أنه اشتراه على أن يكون
الخراج على البايع، دون المشتري فإن الزارع والأكرة كانوا يومئذ من كفار

(1) الكافي ج 5 ص 275.
(2) التهذيب ج 7 ص 144.
(3) الكافي ج 5 ص 275 ولكن فيه " على أن ما به من خراج على العلج "
التهذيب ج 7 ص 142 الفقيه ج 3 ص 148.
366

العجم، وهو المعروفون بالعلوج.
وروى هذا الخبر أيضا في الكافي. والتهذيب بسند صحيح إلى سماعة (1)
وزاد فيه " فإن فعل فإن عليه طسقه ونفقته، وله ما خرج منه ".
وما رواه المشايخ الثلاثة عن سماعة (2) في الموثق " قال: سألته عن رجل زرع
زرعا مسلما كان أو معاهدا وأنفقه فيه نفقه، ثم بدا له في بيعه لنقلة ينتقل من مكانه
أو لحاجة، قال: يشتريه بالورق فإن أصله طعام ".
وما رواه في التهذيب. عن معلى بن خنيس (3) " قال: قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام) أشتري الزرع فقال: إذا كان قدر شبر ".
وعن معاوية بن عمار (4) في الموثق " قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول: لا تشتري الزرع ما لم يسنبل فإذا كنت تشتري أصله فلا بأس بذلك أو ابتعت
نخلا فابتعت أصله ولم يكن فيه حمل لم يكن به بأس ".
وما رواه في الفقيه. عن أبي بصير (5) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" قال: سألته عن الحنطة والشعير أشتري زرعه قبل أن يسنبل وهو حشيش؟ قال:
لا، إلا أن تشتريه لقصيل تعلفه الدواب ثم تتركه إن شاء حتى يسنبل ".
وما رواه في الكافي، والتهذيب عن إسماعيل بن الفضل (6) " قال: سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن بيع حصايد الحنطة والشعير وساير الحصايد قال:
حلال فليبعه إن شاء ".
والكلام في هذه الأخبار يقع في مواضع الأول ظاهرا أكثر هذه الأخبار
الدلالة على صحة ما هو المشهور بين الأصحاب مما قدمنا نقله عنهم، والظاهر

(1) الكافي ج 5 ص 275 التهذيب ج 7 ص 142 و 143.
(2) الكافي ج 5 ص 275 التهذيب ج 7 ص 142 و 143.
(3) التهذيب ج 7 ص 144.
(4) التهذيب ج 7 ص 144.
(5) الفقيه ج 3 ص 149.
(6) الكافي ج 5 ص 277 التهذيب ج 7 ص 141.
367

أن مستند الصدوق فيما تقدم نقله عنه هو رواية أبي بصير المذكورة، حيث إنها
دلت على النهي عن شراء الزرع قبل أن يسنبل إلا أن تشتريه للقصل، فإنه يجوز وإن تركه
بعد ذلك حتى يسنبل، وأنت خبير بأنها معارضة بجملة مما تقدم من أخبار المسألة، مثل
صحيحة الحلبي أو حسنته، ورواية بكير بن أعين ورواية زرارة الأولى والثانية
ونحوها، فإنها قد اشتركت في الدلالة على جواز الشراء قبل أن يسنبل، وإن لم
يقصد قصله، بل ظاهر صحيحة الحلبي أو حسنته تجويز شرائه بقصد بقائه حتى يحصد،
أو بقصد قطعه لعلف الدواب.
وبالجملة فإن الظاهر هو القول المشهور، والرواية المذكورة لا تبلغ قوة
في معارضة ما ذكرنا من الأخبار، ولم أقف على من تعرض للجواب عنها، بل قل
من نقل خلاف الصدوق في هذا المقام، ولا يحضرني الآن وجه للجواب عن الرواية
المذكورة، إلا الحمل على الكراهة، بناء على قواعد الأصحاب في هذا الباب.
الثاني ما دل عليه موثقة سماعة الأول من أنه متى اشتراه قصيلا ثم يبدو له
في تركه حتى يخرج سنبله، فإنه لا يجوز ذلك إلا أن يكون اشترط الابقاء، أو
الاختيار بين قطعه وابقائه، وإلا فلا يجوز له أن يتركه هو مستند الأصحاب فيما
قدمنا نقله عنهم من أنه متى بيع لأجل القصل فإنه يجب إزالته على الوجه
المتقدم، مضافا إلى الأخبار العامة في منع التعدي والتصرف في ملك الغير بغير
الوجه المشروع.
وأما الرضا بذلك وأخذ الأجرة على بقائه تلك المدة فيستفاد من أدلة آخر
في أمثاله، ولفظ لا ينبغي في الخبر المذكور مراد به التحريم، كما هو شايع
الاستعمال في الأخبار.
الثالث ما دل عليه موثق معاوية بن عمار من النهي عن شراء الزرع ما لم
368

يسنبل ربما أو هم مذهب الصدوق المتقدم ذكره، وليس كذلك، بل المراد بالزرع
فيه إنما هو الحاصل، وقد تقدم أنه لا يجوز بيعه قبل بدو صلاحه، وأما إذا
اشترى أصله يعني ما ظهر منه فلا بأس، لكن لا بد من اشتراط ابقائه على البايع،
وصحة البيع في هذه الصورة مما لا اشكال فيها، لأن المبيع موجود مشاهد، وما
يحصل منه تابع.
وقيل إن المراد بأصل في قوله " فإذا كنت تشتري أصله " إنما هو البذر المزروع
وفي ذكر مثال النخل إشارة إلى ذلك، بمعنى أن شراء البذر المزروع مثل شراء
النخل في تبعية الحاصل للأصل. أقول: وكيف كان فلا بد من اشتراط البقاء
ليترتب عليه أخذ الحاصل.
الرابع ما دل عليه خبر إسماعيل بن الفضل من صحة بيع حصايد الحنطة
والشعير، يمكن أن يكون مستندا لما تقدم نقله عنهم من أنه يجوز بيع الزرع
محصودا وإن لم يعلم قدر ما فيه، لأنه على تلك الحال ليس بمكيل ولا موزون،
وما دل عليه من جواز بيعه بحنطة أو شعير منه وهي المزابنة المنهي عنها، إلا أن
يخصص بما دل على المنع، وقد عرفت مما تقدم في المسألة واختلاف الأخبار
فيها ما في ذلك من الاشكال.
الخامس ما دلت عليه موثقة سماعة الثانية من الأمر بشراء الزرع بالورق،
معللا بأن أصله الطعام إشارة إلى حصول الربا المعنوي ينبغي حمله على ما إذا سنبل
وبدا صلاحه، لأنه قبل ذلك حشيش لا مانع من بيعه بأي شئ كان، كما تقدم ذكره
في الموضع الخامس من المسألة الرابعة، وحينئذ فلا بد من حمله على المحاقلة،
وهو بيع السنبل بحنطة منه أو من غيره، وأنه لا يباع إلا بالورق ونحوه، لئلا
يكون محاقلة.
إلا أنك قد عرفت ورود جواز ذلك في النصوص، ومنها هنا قوله في آخر
صحيح الحلبي أو حسنته " ولا بأس بأن يشتري قد سنبل بحنطة " وقوله في رواية
369

إسماعيل بن الفضل " في حصايد الحنطة أو الشعير فليبعه بما شاء " إلا أن يخصص
المحاقلة المحرمة بما إذا كان الحنطة من ذلك الزرع المبيع، وتحمل هذه الأخبار
على ما إذا كان من غيره، أو يحمل هذا الخبر ونحوه على الكراهية جمعا، وقد
تقدم تحقيق القول في ذلك.
السادس ينبغي أن يعلم أن ما ذكر في شراء الزرع قصيلا يجري أيضا فيما
لو اشترى نخلا بشرط القطع ثم لم يقطعه حتى أثمر، فإن الأحكام المتقدمة جارية فيه.
وإلى ذلك يشير قوله في موثق معاوية بن عمار " أو ابتعت نخلا فابتعته أصله
ولم يكن فيه حمل ".
ومن الأخبار الواردة في خصوص النخل ما رواه الشيخ في الصحيح عن هارون
ابن حمزة (1) " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) الرجل يشتري النخل ليقطعه
للجذوع فيغيب الرجل ويدع النخل كهيئة لم يقطع، فيقدم الرجل وقد حمل النخل،
فقال: له الحمل يصنع به ما شاء إلا أن يكون صاحب النخل كان يسقيه ويقوم عليه "
ورواه الكليني مثله، وعن هارون بن حمزة في الموثق (2) قال: قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): الرجل يشتري النخل ليقطعه للجذوع فيدعه فيحمل النخل، قال:
هو له إلا أن يكون صاحب الأرض سقاه وقام عليه " وروى في الفقيه (3) مرسلا
" قال: سأله سماعة إن اشترى رجل نخلا ليقطعه " الحديث.
وبمضمون هذه الأخبار قال الشيخ في النهاية. فقال: إذا اشترى نخلا على
أن يقطعه أجذاعا فتركه حتى أثمر، فثمرته له دون صاحب الأرض، وإن كان صاحب
الأرض ممن قام بسقيه ومراعاته كان له أجرة المثل، وتبعه ابن البراج وهو قول

(1) الكافي ج 5 ص 297 التهذيب ج 7 ص 206.
(2) التهذيب ج 7 ص 90.
(3) الفقيه ج 3 ص 150 مع تفاوت يسير.
370

ابن الجنيد أيضا، وأبي جعفر بن بابويه في المقنع، وقال: ابن إدريس لا يستحق
صاحب الأرض أجرة على السقي والمراعاة، لأنه متبرع بذلك، إلا أن يأمره صاحب
النخل، فيكون له أجرة المثل وتبعه على ذلك من تأخر عنه، لأنه الأوفق بالقواعد
الشرعية، ولهذا أنه اعتذر في المختلف. للشيخ بعد أستدل له بالرواية الأولى
بأنه ليس في كلام الشيخ ولا الرواية ذكر التبرع، فيحمل على ما إذا كان العمل بإذنه،
أو تحمل الأجرة على أجرة الأرض لا العمل. انتهى.
قال: بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين: (1) ولعل عدم ذكر
الأجرة هنا لأنه كان للمالك أن يقطع النخل، فلما يقطعه فكأنه رضي ببقائه مجانا،
والمشهور بين الأصحاب استحقاق الأجرة، انتهى.
وفيه أن رضاه ببقائه لعله إنما هو القصد أخذ الأجرة، وتحصيل النفع بذلك،
ومن ثم كان المشهور الحكم باستحقاق الأجرة كما تقله.
وينبغي أن يعلم أن الجاري في كلام الأصحاب ذكر مسألة جواز أكل المار
بالثمار منها وعدمه في هذا الموضع، ونحن قد مناها في مسائل المقدمة الرابعة،
وهي المسألة الخامسة منها، فليرجع إليها من أحب الوقوف عليها والله العالم.
الفصل التاسع في بيع الحيوان
وتحقيق البحث فيه يتعلق بمن يصح تملكه ومن لا يصح، والأحكام المترتبة
على الابتياع، وما يلحق بذلك ويترتب عليه، فالكلام يقع هنا في مقصدين.
الأول فيمن يصح تملكه ومن لا يصح، وفيه مسائل الأولى كل حيوان
مملوك أناسي أو غيره يصح بيعه أجمع، وبيع جزء منه معلوم مشاع، كنصف

(1) وهو الأردبيلي، منه رحمه الله.
371

أو ثلث ونحوهما، لا معين كيده ورجله ونحوهما، ودليل الأول بعد الاجماع
العمومات والأصل وورود ذلك في خصوص بعض الأفراد وعدم المانع شرعا،
ودليل الثاني بعد الاجماع على العدم عدم إمكان الانتفاع بذلك الجزء المعين،
إلا ما سيأتي انشاء الله تعالى في استثناء الرأس والجلدة من الحيوان الغير
الأناسي، وهو ظاهر إلا مع وجود مانع كالاستيلاد والوقف والإباق من غير ضميمة،
وعدم القدرة على التسليم، والأناسي من الحيوان أن يملك بالسبي مع الكفر الأصلي
وخرق الذمة إن كان ذميا، واحترز بالكفر الأصلي عن كفر المرتد فإنه وإن كان
بحكم الكافر في جملة من الأحكام إلا أنه لا يجوز سبيه،
وفي جواز بيع المرتد الملي قول قواه في الدروس. أما الفطري فلا قولا
واحدا فيما أعلم.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذا المقام ما رواه في الكافي في الصحيح
عن رفاعة النخاس (1) " قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): إن الروم يغيرون
على الصقالبة فيسرقون أولادهم من الجواري والغلمان فيعمدون إلى الغلمان فيخصونهم
ثم يبعثون بهم إلى بغداد إلى التجار فما ترى في شرائهم؟ ونحن نعلم أنهم قد
سرقوا وإنما أغاروا عليهم من غير حرب كانت بينهم؟ فقال: لا بأس بشرائهم،
إنما أخرجوهم من الشرك إلى دار الاسلام " ورواه الشيخ مثله (2)
وعن إبراهيم بن عبد الحميد (3) " عن أبي الحسن (عليه السلام) في شراء
الروميات؟ فقال: اشترهن وبعهن ".
وعن زكريا بن آدم (4) " قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن قوم من العدو
إلى أن قال قال: وسألته عن سبي الديلم يسرق بعضهم من بعض، ويغير المسلمون

(1) الكافي ج 5 ص 210.
(2) التهذيب ج 7 ص 77.
(3) الكافي ج 5 ص 210.
(4) الكافي ج 5 ص 210.
372

عليهم بلا إمام، أيحل شراؤهم؟ قال: إذا أقروا بالعبودية فلا بأس بشرائهم ".
وفي هذه الأخبار دلالة على جواز شراء ما يسبيه الظالم من أهل الحرب
ويسرقه ".
وما رواه في الكافي عن زكريا بن آدم (1) عن الرضا (عليه السلام) في حديث
" قال: وسألته عن قوم من أهل الذمة أصابهم جوع فأتاه رجل بولده فقال: هذا لك
فأطعمه وهو لك عبد، فقال: لا تبتع حرا فإنه لا يصلح لك ولا من أهل الذمة " ورواه الشيخ
مثله (2) وهو ظاهر في تحريم استرقاق أهل الذمة متى كانوا قائمين شرائط الذمة.
وعن عبد الله اللحام (3) " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يشتري
من رجل من أهل الشرك ابنته فيتخذها؟ قال: لا بأس ".
وبهذا الاسناد (4) " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يشتري
امرأة رجل من أهل الشرك يتخذها أم ولد فقال: لا بأس ".
وخص الشيخ وغيره هذين الخبرين بأهل الحرب، كثير من أصحابنا إنما
عبروا في هذا المقام بأهل الحرب.
وينبغي أن يعلم أنه ليس المراد بأهل الحرب يعني من نصب القتال للمسلمين
كما هو ظاهر اللفظ، بل المراد إنما هو من خرج عن طاعة الله ورسوله بثبوته على
الكفر وإن لم يقع منه الحرب، بمعنى القتال.
قيل: وإلى هذا المعنى أشار قوله تعالى (5) " إنما جزاء الذين يحاربون الله
ورسوله " الآية وحينئذ فلا فرق في ذلك بين الذمي الغير القائم بشرائط الذمة،
ولا غيره من الكفار والمشركين، وحيث يملكون بالسبي بما قد قدمنا ذكره، فإنه
يسري الرق في أعقابهم وإن أسلموا بعد الأسر، ما لم يعرض لهم سبب موجب للحرية

(1) الكافي ج 5 ص 210.
(2) التهذيب ج 7 ص 77.
(3) التهذيب ج 7 ص 77.
(4) التهذيب ج 7 ص 77.
(5) سورة المائدة الآية 33.
373

من عتق أو كتابة أو تنكيل أو نحو ذلك، ولا خلاف في ذلك نصا وفتوى!.
والمسبي في حال الغيبة وإن كان للإمام خاصة، لأنه مغنوم بغير إذنه وكلما
كان كذلك فهو من الأنفال، إلا أنهم أذنوا للشيعة خاصة في تملكه، وكذا في غيره
من أموال الأنفال وغيرها.
وأما غير الشيعة فالذي يفهم من كلام الأصحاب أنه يحكم لهم بظاهر الملك
للشبهة كتملك الخراج والمقاسمة، فلا يؤخذ منه بغير رضاه مطلقا، وهذا الحكم
منهم (رضوان الله عليهم) جار على الحكم باسلامهم، واجراء أحكام الاسلام عليهم
والمفهوم من الأخبار خلافه، إلا مع عروض الخوف والتقية (والله العالم).
المسألة الثانية الظاهر أنه لا خلاف في أنه يستقر للرجل ملك أصوله ولا
فروعه ولا المحارم من الإناث، بمعنى أنه وإن ملكهم إلا أنهم ينعتقون عليه بالشراء
وربما عبروا بأنه لا يملكهم، والمراد ملكا مستقرا وإلا فإن الانعتاق فرع الملك
فكأنه يدخل في الملك آنا ما بعد الشراء، ثم ينعتق، قيل: ولولا مراعاة القاعدة
المشهورة من أنه لا عتق إلا في ملك لأمكن الحكم بالعتق بنفس الشراء، كما هو ظاهر
الأخبار، كذا ذكره بعض المحققين، وأنت خبير بأنه وإن كان ظاهر بعض الأخبار
ما ذكره من أنه ينعتق بنفس الشراء، إلا أن ظاهر بعض آخرها أيضا ترتب العتق
على الملك، بمعنى أنه بالشراء، يملكه، وبالملك يحصل العتق، كما أشرنا إليه مثل قوله
(عليه السلام) " في بعضها إذا ملك الرجل والديه أو أخته أو عمته عتقوا "
الخبر وقوله " (2) إذا ملكهن عتقن " ونحوهما غيرهما مما رتب فيه العتق على
الملك لا على مجرد الشراء وحينئذ فيحل مما أطلق من الأخبار على المقيد، وبه يتم
ما أشرنا إليه أولا.
والمراد بأصول الرجل الأبوان وآبائهما وإن علوا، وفروعه الأولاد ذكورا

(1) التهذيب ج 8 ص 243.
(2) التهذيب ج 8 ص 243.
374

وأناثا وإن نزلوا، وبالمحارم مثل العمة والخالة (1) والأخت وبنات الأخت،
وبنات الأخ.
وهل ينسحب الحكم إلى الرضاع؟ قولان: فذهب الشيخ في النهاية إلى أن
كل من ينعتق عليه من جهة النسب لا يصح تملكه من جهة الرضاع، وبه قال ابن
البراج، وابن حمزة، والصدوق في كتاب المقنع في باب العتق منه.
وقال في الخلاف: إذا ملك أمه أو أباه أو أخته أو بنته أو عمته أو خالته
من الرضاع عتقن كلهن، وخالف جميع الفقهاء في ذلك، وذهب إليه بعض أصحابنا.
وقال المفيد في المقنعة في باب السراري ولا بأس أن يملك الانسان أمه
من الرضاعة، وأخته منه وابنته وخالته، وعمته منه، لكن بحرم عليه وطيهن، بنحو ذلك
صرح أيضا في ابتياع الحيوان من الكتاب المذكور، وتبعه في ذلك سلار
وابن إدريس.
وقال ابن أبي عقيل: لا بأس بملك الأم والأخت من الرضاعة وبيعهن، إنما
يحرم منهن ما يحرم في النسب في وجه النكاح فقط، وهو كما ترى يرجع إلى مذهب
الشيخ المفيد، وظاهر ابن الجنيد أنه لا يملك من يحرم عليه من الرضاع تملك
العبيد، فإن ملكهم لم يبعهم إلا عند ضرورة إلى أثمانهم، وجعله آخر ما يباع
في الدين عليه، وإلى القول الأول ذهب العلامة في المختلف وغيره والمحقق،
والظاهر أنه المشهور بين المتأخرين، وهو الأظهر كما سيظهر لك انشاء الله.
وتملك المرأة كل قريب عدا الآباء وإن علوا، والأولاد وإن سفلوا،
اتفافا في النسب، وفي من كان كذلك رضاعا قولان: كما تقدم، والخلاف الخلاف

(1) والمراد بالعمة والخالة ما هو أعم من أن يكون عمته أو عمة أبيه أو
عمة جده، أو عمة أمه أو عمة أبيها أو جدتها وهكذا في الخالة ومرجع
الجميع إلى تحريم أولاد الجد والجدة، منه رحمه الله.
375

والفتوى كما سبق، وأما ما عدا من ذكر في الرجل والمرأة، فإنه يصح تملكه.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذا المسألة منها ما رواه الشيخ
في الصحيح عن أبي بصير وأبي العباس وعبيد كلهم (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
إذا ملك الرجل والديه أو أخته أو عمته أو خالته أو بنت أخيه أو بنت أخته، وذكر
أهل هذه الآية (2) " من النساء " عتقوا جميعا ويملك عمه وابن أخيه الخال،
ولا يملك أمه من الرضاعة، ولا أخته ولا عمته ولا خالته فإنهن إذا ملكن عتقن،
وقال: ما يحرم من النسب، فإنه يحرم من الرضاعة، وقال: يملك الذكور ما خلا
والدا وولدا ولا يملك من النساء ذوات رحم محرم، قلت: يجري في الرضاع مثل
ذلك؟ قال: نعم يجري في الرضاع مثل ذلك "، ورواه الصدوق بأسانيده عن أبي بصير
وأبي العباس وعبيد بن زرارة مثله.
ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي وابن سنان (3) عن أبي عبد الله
(عليه السلام) " عن امرأة أرضعت ابن جاريتها قال: تعتقه " ورواه الكليني
في الصحيح أو الحسن مثله (4).
وما رواه في الكافي عن عبيد بن زرارة في الصحيح (5) " قال سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عما يملك الرجل من ذوي قرابته فقال: لا يملك والديه
ولا أخته، ولا ابنة أخيه ولا ابنة أخته، ولا عمته ولا خالته، ويملك ما سوى ذلك
من الرجال من ذوي قرابته، ولا يملك أمه من الرضاعة " والظاهر أن ذكر الأم
خرج مخرج التمثيل، لا الاختصاص، كما سيظهر لك انشاء الله تعالى.

(1) التهذيب ج 8 ص 243.
(2) سورة النساء الآية 23.
(3) الوسائل الباب 8 من أبواب العتق الرقم 1 2.
(4) الوسائل الباب 8 من أبواب العتق الرقم 1 2.
(5) الوسائل الباب 7 من أبواب العتق الرقم 4.
376

وما رواه عن محمد بن مسلم (1) في الصحيح عن أحدهما (عليهما السلام)
" قال: إذا ملك الرجل والديه أو أخته أو عمته أو خالته عتقوا عليه، ويملك أخاه وعمه
وخاله من الرضاعة ".
وعن محمد بن مسلم (2) في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) " قال:
لا يملك الرجل والديه ولا ولده ولا عمته ولا خالته، ويملك أخاه وغيره من ذوي قرابته
من الرجال ".
وعن عبد الله سنان (3) قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة ترضع
غلاما لها من مملوكة حتى تفطمه، يحل لها بيعه؟ قال: لا، حرم عليه ثمنه، قال: ثم
قال: أليس قد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يحرم من الرضاع ما يحرم من
النسب، أليس قد صار ابنها، فذهبت أكتبه فقال أبو عبد الله (عليه السلام) ليس مثل
هذا يكتب ".
والظاهر أن المنع من كتابته لكونه ظاهرا لا يحتاج إلى الكتابة، ووصف هذه
الرواية في المسالك بالصحة، وليس كذلك، لأن الشيخ رواه عن الحسن بن محمد
ابن سماعة، وطريقه إليه غير معلوم.
وعن أبي حمزة الثمالي " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة
ما تملك من قرابتها؟ قال: كل أحد إلا خمسة، أبوها وأمها وابنها وابنتها وزوجها "
والظاهر أن جعل الزوج هنا من قبيل هؤلاء باعتبار بقاء الزوجية وإلا فإنها تملكه وتبطل
الزوجية اجماعا.
وروى في الكافي عن ابن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام)

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب العتق الرقم 1 2.
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب العتق الرقم 1 2.
(3) الوسائل الباب 8 من أبواب العتق الرقم 3.
(4) الوسائل الباب 9 من أبواب العتق الرقم 1.
(5) الكافي ج 5 ص 446.
377

" قال: سئل وأنا حاضر عن امرأة أرضعت غلاما.
مملوكا لها من لبنها حتى قطعته هل لها أن تبيعه؟ فقال: لا هو ابنها من الرضاعة،
حرم عليها بيعه وأكل ثمنه، ثم قال: أليس رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يحرم
من الرضاع ما يحرم من النسب " ورواه الشيخ مثله (1).
وروى الصدوق في المقنع (2) " قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): في امرأة
أرضعت ابن جاريتها: أنها تعتقه " قال وروى " في مملوكة أرضعتها مولاتها بلبنها،
أنه لا يحل بيعها ".
وما رواه علي بن جعفر (3) في كتابه عن أخيه موسى (عليه السلام) " قال: سألته
عن امرأة أرضعت مملوكها ما حاله؟ قال: إذا أرضعته عتق ".
وما رواه في الكافي في الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله (4) في حديث
" قال: وسألته عن المرأة ترضع عبدها أتتخذه عبدا؟ قال: تعتقه وهي كارهة "
ورواه الشيخ (5) بسند آخر مثله، إلا أن فيه " يعتقونه وهم لها كارهون ".
أقول: وهذه الروايات كما ترى ظاهرة الاتفاق فيما قدمنا ذكره من العلاقة
النسبية، وأن العلاقة الرضاعية ملحقة بها، وجارية في ذلك مجراها كما هن مقتضى
مذهب الشيخ ومن تبعه، معللا في جملة منها بالخبر النبوي.
وبذلك يظهر ما في كلام ابن أبي عقيل المتقدم ذكره من تخصيصه الحديث
النبوي بالنكاح، فإنه ناش عن الغفلة عن ملاحظة هذه الأخبار هذا.
وأما ما يدل على القول الثاني من الأخبار وهو مذهب الشيخ المفيد ومن
تبعه فمنها ما رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان (6) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال:
إذا اشترى الرجل أباه أو أخاه فملكه فهو حر إلا ما كان من قبل الرضاع ".

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب ما يحرم بالرضاع.
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب ما يحرم بالرضاع.
(3) الوسائل الباب 17 من أبواب ما يحرم بالرضاع.
(4) الوسائل الباب 8 من أبواب العتق الحديث 2.
(5) الوسائل الباب 8 من أبواب العتق الحديث 2.
(6) التهذيب ج 8 ص 245.
378

وعن الحلبي (1) في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) " في بيع الأم من
الرضاعة قال: لا بأس بذلك إذا احتاج ".
وعن أبي عتيبة (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: قلت له: غلام
بيني وبينه رضاع يحل لي بيعه؟ قال: إنما هو مملوك إن شئت بعته وإن شئت أمسكته،
ولكن إذا ملك الرجل أبويه فهما حران ".
وأجاب الشيخ عن الخبرين الأولين بعد ذكرهما قال: فهذان الخبران
لا يعارضان الأخبار التي قدمناها، لأنها أكثر وأشد موافقة بعضها لبعض، فلا يجوز
ترك تلك والعمل بهذه، مع أن الأمر على ما وصفناه، على أنه يمكن أن يكون
الوجه فيه أنه إذا كان الرضاع لم يبلغ الحد الذي يحرم، فإنه والحال على ذلك
يجوز بيعها على جميع الأحوال، على أن الخبر الثاني يحتمل أن لا يكون المراد
" بالا " الاستثناء، بل يكون " إلا " قد استعملت بمعنى الواو، وذلك معروف في اللغة،
فكأنه قال: إذا ملك الرجل أباه فهو حر وما كان من جهة الرضاع.
وأما الخبر الأول فيحتمل أن يكون إنما أجاز بيع الأم من الرضاع لأبي الغلام
حسبما قدمناه في خبر إسحاق بن عمار عن العبد الصالح ولا يكون المراد بذلك
أنه يجوز ذلك للمرتضع، وليس في الخبر تصريح بذلك، بل هو محتمل لما
قلناه، وإذا كان كذلك لم يعارض ما قدمناه انتهى.
قال المحقق الأردبيلي بعد نقله: وهذه التأويلات وإن كانت بعيدة إلا أنه لما
قوى الحكم الأول والطرح غير مستحسن عنده وإن كانت الأخبار ضعيفة ونادرة
فليس ببعيد ارتكابها، ولكن لا بد من حمل عدم تملك الأخ في الخبر الثاني
أيضا. انتهى.
أقول: والأقرب عندي هو حمل هذه الأخبار على التقية لما تقدم في كلام.

(1) التهذيب ج 8 ص 245 و 244.
(2) التهذيب ج 8 ص 245 و 244.
379

الشيخ في الخلاف. من أن ذلك مذهب جميع الفقهاء وحينئذ فلا يحتاج إلى هذه
التكلفات السخيفة التي تمجها الأفهام ويبعد نسبتها لهم (عليهم السلام).
وأما الخبر الثالث من الأخبار المذكورة فالظاهر منه إنما هو الأخ الرضاعي
وهو ليس من محل الاشكال، ويؤيده استثناء الأبوين من الرضاعة في الخبر.
وأما ما يدل على تملك من عدا العمودين للرجل من الرجال الأقارب من الأخبار
وإن كان على كراهية، بمعنى أن الأفضل عتقهم، فمن ذلك ما تقدم في صحيحة
محمد بن مسلم (1) من قوله (عليه السلام) " ويملك ابن أخيه وعمه وخاله، ويملك
أخاه وعمه وخاله من الرضاعة ".
وقوله في صحيحة أبي بصير وأبي العباس وعبيد المتقدمة (2) " ويملك
عمه وابن أخيه وابن أخته والخال إلى أن قال: ويملك الذكور ما عدا الولد "
إلى آخره.
وقوله عليه السلام، في صحيحة عبيد بن زرارة المتقدمة أيضا بعد ذكره
العمودين والإناث المحارم " ويملك ما سوى ذلك من الرجال من ذوي قرابته "
وفي خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال فيه: و " يملك
أخاه وغيره من ذوي قرابته من الرجال ".
وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله (4) " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الرجل يتخذ أباه وأمه أو أخاه أو أخته عبيدا فقال: أما الأخت فقد عتقت حين
يملكها، وأما الأخ فيسترقه، وأما الأبوان فقد عتقا حين يملكهما ". (5)

(1) التهذيب ج 8 ص 241 و 243.
(2) التهذيب ج 8 ص 241 و 243.
(3) التهذيب ج 8 ص 240.
(4) التهذيب ج 8 ص 240.
(5) أقول وهذا الخبر أيضا ظاهر فيما قدمنا ذكره من أن العتق بعد الدخول
في الملك، لا بنفس الشراء منه رحمه الله.
380

وفي رواية كليب الأسدي (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " إذا ملكت
الأبوين فقد عتقا، وقد يملك إخوته فيكونون مملوكين ولا يعتقون ".
وما ما ورد في رواية العبيد بن زرارة (2) " قال: لا يملك الرجل أخاه من
النسب ويملك ابن أخيه " الحديث فقد حمله الشيخ على الاستحباب.
وكذا ما رواه الصدوق عن سماعة (3) في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" في رجل يملك ذا رحمه هل يصلح له أن يبيعه أو يستعبده؟ قال: لا يصلح له بيعه
ولا يتخذه عبدا وهو مولاه وأخوه في الدين، وأيهما مات ورثه صاحبه إلا أن يكون
له وارث أقرب إليه منه ".
وما رواه الشيخ في التهذيب عن سماعة (4) في الموثق أيضا " قال: سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يملك ذا رحم هل يحل لم أن يبيعه أو يستعبده؟
قال: لا يصلح له أن يبيعه وهو مولاه وأخوه، فإن مات ورثه دون ولده، وليس
له أن يبيعه ولا يستعبده ".
والظاهر حمل الخبرين المذكورين على من لا ينعتق عليه من المحارم، كالأخ
والعم ونحوهما، والمراد حينئذ كراهية بيعه واستخدامه، لا أنه ينعتق عليه بقرينة
قوله في الخبر الثاني " فإن مات ورثه دون ولده " إذ لا يمكن هذا إلا مع بقاء المالكية.
ويمكن حمل النهي في الخبر الأول على الأعم من الحرمة والكراهة فيكون شاملا للعمودين ونحوهما من النساء المحارم، إلا أن ظاهر قوله هو
(مولاه) إلى آخر الخبر مما يعضد المعنى الأول، فإن حاصله أنه مولاه، أي وارثه،
والميراث في موت العبد ظاهر، وفي موت الحر إذا لم يكن له وارث حر،
فإنه حينئذ يشتري ويورث، إلا أن يكون له وارث أقرب، فإنه حينئذ يشتري الأقرب.
وكيف كان فإن الحكم المذكور لاتفاق الأصحاب عليه، وتكاثر الأخبار

(1) التهذيب ج 8 ص 241.
(2) التهذيب ج 8 ص 241.
(3) الفقيه ج 3 ص 80.
(4) التهذيب ج 8 ص 242.
381

به كما عرفت مما لا اشكال فيه، ولا شبهة تعتريه، فيجب ارتكاب التأويل في هذه الأخبار
الأخيرة بما قلناه.
وقد صرح بعض الأصحاب بأن قرابة الشبهة بحكم الصحيح، بخلاف قرابة
الزنا على الأقوى، قال: لأن الحكم الشرعي يتبع الشرع، لا اللغة وهو جيد.
ويفهم من اطلاق كلام الأصحاب الرجل والمرأة في هذا المقام أن الصبي
والصبية لا يعتق عليهم لو ملكوه، إلى أن يبلغوا والأخبار مطلقة في الرجل والمرأة
كذلك، ويعضده أصالة البراءة كذا صرح به شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره)
في الروضة.
المسألة الثالثة قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يملك اللقيط
من دار الحرب إذا لم يكن فيها مسلم يمكن انتسابه إليه ولو كان أسيرا، وإلا
حكم بحريته، لاطلاق الحكم بحرية اللقيط في النصوص، خرج منه ما علم انتفاؤه
عن المسلم، فيبقى الباقي.
أقول: والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذا المقام ما رواه في الكافي (1)
عن عبد الله (عليه السلام) قال: اللقيط لا يشتري ولا يباع ".
وما رواه في التهذيب عن محمد بن مسلم (2) في الصحيح عن أحدهما
(عليهما السلام) " قال: سألته عن اللقيط؟ قال: لا يباع ولا يشتري " وما رواه
في الكافي. في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم (3) قال: سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن اللقيط؟ فقال: حر لا يباع ولا يوهب ".
وما رواه في الكافي عن حاتم بن إسماعيل المدايني (4) عن أبي عبد الله

(1) الكافي ج 5 ص 224.
(2) التهذيب ج 8 ص 227.
(3) الكافي ج 5 ص 224 و 225 التهذيب ج 7 ص 78 و 79.
(4) الكافي ج 5 ص 224 و 225 التهذيب ج 7 ص 78 و 79.
382

(عليه السلام) " قال: المنبوذ حرفان أحب أن يوالي غير الذي رباه والاه، فإن
طلب منه الذي رباه النفقة وكان موسرا رد عليه، وإن كان معسرا كان ما أنفق
عليه صدقة ".
ونحوه عن عبد الرحمان العزرمي (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
عن أبيه (عليه السلام) " قال: المنبوذ حر فإذا كبر فإن شاء تولى الذي التقطه، وإلا
فليرد عليه النفقة، وليذهب فليوال من شاء ".
أقول: واللقيط والمنبوذ هو المولود الذي ينبذ، وظاهر هذه الأخبار
الحكم بالحرية مطلقا، وكان مستند استثناء الأصحاب لقيط دار الحرب على الوجه
المتقدم هو الاجماع.
ويؤيده ما تقدم ذكره في غير موضع من أن اطلاق الأخبار إنما تحمل
على الأفراد المتكثرة الشايعة، ووجود اللقيط في دار الحرب بالشرط المتقدم
نادر، بل إنما وقع مجرد فرض المسألة، فلا يدخل حينئذ في اطلاق الأخبار المذكورة.
ثم إنهم ذكروا أيضا أنه لو بلغ من حكم بحريته ظاهرا لكونه ملقوطا
من دار الاسلام، أو دار الفكر بالشرط المتقدم فأقر بالرق، فهل يقبل اقراره أم
لا؟ قولان.
اختار ثانيهما ابن إدريس، ونقله عن محصلي الأصحاب فقال: لا يقبل اقراره
عند محصلي أصحابنا، وهو الصحيح لأن الشارع حكم عليه بالحرية.
وقال: بعضهم: يقبل، لأن " اقرار العقلاء على أنفسهم جايز " كما روي عنه
(صلى الله عليه وآله) واختاره العلامة في المختلف، فقال بعد نقل قول ابن إدريس

(1) الكافي ج 5 ص 225 التهذيب ج 7 ص و 77.
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب الاقرار الرقم 2.
383

والاحتجاج على ما ذهب إليه ما لفظه: وحكم الشارع بالحرية بناء على الأصل
ما لم يعترف بالعبودية، ولا فرق بين اللقيط وغيره من المجهول، ولو جاء رجل لا يعرف
فأقر بالعبودية يقبل، وقد كان على مذهبه لا يقبل، لأنه محكوم عليه بالحرية شرعا،
فلا يقبل اقراره بالعبودية، وهذا كله غلط انتهى.
وإلى هذا القول ذهب المحقق في الشرايع والشهيد الثاني في المسالك وغيرهم
في هذه الصورة وفي صورة مجهول الحال.
أما معروف النسب فيقبل قطعا، والظاهر أنه المشهور بين المتأخرين، وهو
الأظهر للخبر المذكور، ولصحيحة عبد الله بن سنان (1) " قال: سمعت أبا عبد الله
(عليه السلام) يقول: كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) " يقول: الناس كلهم
أحرار إلا من أقر على نفسه بالعبودية وهو مدرك من عبد أو أمة، ومن يشهد عليه بالرق
صغيرا كان أو كبيرا "، وهو ظاهر في عموم الحكم لمحل البحث.
وفيه إشارة إلى أن الأصل في الناس الحرية كما هو ظاهر الاتفاق، ويمكن
أن يرجح عدم القبول في اللقيط بعدم علمه بحال نسبه، إلا أنه يمكن معارضته باستفادته
ذلك بعد البلوغ من أخبار من يوجب له العلم بذلك، أو نحو ذلك.
وبالجملة فالأظهر العمل باطلاق الخبرين المذكورين، ولا فرق في قبول اقراره
بين كون المقر مسلما أو كافرا، وسواء كان المقر له مسلما أو كافرا، وإن بيع عليه
قهرا كما تقدم.
ثم إنه مما يدل على الحكم المذكور زيادة على ما ذكرناه ما رواه في التهذيب
عن الفضل (2) " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل حر أقر أنه عبد قال
يؤخذ بما أقر به " وبهذا المضمون رواية محمد بن الفضل الهاشمي (3) وصحيحة
إسماعيل بن الفضل الهاشمي. (4)

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب العتق الرقم 1.
(2) الوسائل الباب 29 من أبواب العتق الرقم 2 و 3 و 4.
(3) الوسائل الباب 29 من أبواب العتق الرقم 2 و 3 و 4.
(4) الوسائل الباب 29 من أبواب العتق الرقم 2 و 3 و 4.
384

بقي الكلام في أنه هل يعتبر رشده وقت الاقرار أم لا؟ فمنهم من اشترطه
وهو ظاهر اختيار شيخنا الشهيد الثاني في المسالك.
ومنهم من لم يشترطه من غير تعرض لعدمه، والعلامة في التذكرة في هذا
الباب اشترطه، وفي باب اللقطة اكتفى بالبلوغ والعقل، قيل ووجه اشتراطه
واضح، لأن غير الرشيد لا يعتبر قوله في المال، وهو نفسه مال، ووجه العدم أن
اقراره بالرقية ليس اقرارا بنفس المال وإن ترتب عليه، كما يسمع اقراره بما
يوجب القصاص، وإن أمكن رجوعه إلى المال بوجه، ويشكل بما لو كان بيده
مال، فإن اقراره على نفسه بالرقية، يقتضي كون المال للمقر له، إلا أن يقال:
بثبوته تبعا لثبوت الرقية، لا لأنه اقرار بالمال، والأظهر الاستناد في العدم إلى ظاهر
الروايات المتقدمة، فإن ظاهرها الاكتفاء بمجرد العقل، كما يشير إليه قوله في صحيحة
عبد الله بن سنان وهو مدرك أي بالغ عاقل، وربما قسر بكونه رشيدا والظاهر بعد
والله العالم.
المسألة الرابعة الظاهر أنه لا خلاف في أنه لو ملك أحد الزوجين صاحبه
فإنه ينفسخ الزوجية، ويستقر المالك لمنافات الملك العقد، لأن المالك إن كان
هو الزوجة، فإنه يحرم وطؤ مملوكها لها، وإن كان الزوج استباحها بالملك،
ولأن التفصيل يقطع الشركة (1) وعلل مع ذلك بأن بقاءه يستلزم اجتماع
علتين على معلول واحد شخصي ورد بأن علل الشرع معرفة وبأن اختلاف الأسباب
يقتضي اختلاف المسببات، ورد بجواز ذلك في أسباب الشرع، وبعدم تماميتها

(1) بمعنى أن التفصيل في حال الوطئ بكونه إما بالعقد أو بالملك أو بالتحليل
أو نحو ذلك يقطع الشركة في الأسباب لأن كلا منها سبب مستقل برأسه
فمتى حصل الملك يعني ملك الزوج للزوجة كان النكاح بالملك وارتفعت
الزوجية لما عرفت منه رحمه الله.
385

في جانب الزوجة.
أقول والأظهر الاعراض عن هذه التعليلات الواهية، والرجوع في ذلك
إلى الأخبار، فإنها في الدلالة على المراد مكشوفة القناع، وهي أولى بالمراعات
والاتباع سيما مع تأيدها بالاتفاق كما أشرنا إليه.
ومن الأخبار المشار إليها ما رواه في الكافي في الحسن أو الصحيح وفي الفقيه
في الصحيح عن محمد بن قيس (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) " قال: قضى
أمير المؤمنين (عليه السلام) في سرية رجل ولدت لسيدها ثم اعتزل عنها، فأنكحها
عبده ثم توفي سيدها وأعتقها فورث ولدها زوجها من أبيه ثم توفي ولدها فورثت
زوجها من ولدها فجاءا يختلفان يقول الرجل: امرأتي ولا أطلقها وتقول المرأة
عبدي ولا يجامعني، فقالت المرأة يا أمير المؤمنين إن سيدي تسراني فأولدني ولدا ثم
اعتزلني فأنكحني من عبده هذا، فلما حضرت سيدي الوفاة أعتقني عند موته
وأنا زوجة هذا وأنه صار مملوكا لولدي الذي ولدته من سيدي، وإن ولدي مات
فورثته، فهل يصلح له أن يطأني؟ فقال لها: هل جامعك منذ صار عبدك وأنت
طايعة؟ قالت: لا يا أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: لو كنت فعلت لرجمتك، اذهبي
فإنه عبدك ليس له عليك سبيل، إن شئت أن تبيعي، وإن شئت أن ترقي، وإن شئت
أن تعتقي ".
وما رواه في الكافي عن عبد الله بن سنان (2) في الصحيح " قال: سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في رجل زوج أم ولد له مملوكه ثم مات الرجل فورثه
ابنه فصار له نصيب في زوج أمه، ثم مات الولد أترثه أمه؟ قال: نعم قلت: فإذا

(1) الكافي ج 5 ص 484 الفقيه ج 3 ص 352 وفيه (لأوجعتك) بدل
(لرجمتك).
(2) الكافي ج 5 ص 484 و 485.
386

ورثته كيف تصنع وهو زوجها؟ قال: تفارقه وليس له عليها سبيل وهو عبدها "
وعن إسحاق بن عمار (1) في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال:
في امرأة لها زوج مملوك فمات مولاه فورثته، قال: ليس بينهما نكاح ".
وعن سعيد بن يسار (2) في الصحيح " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن امرأة حرة تكون تحت المملوك فتشتريه هل يبطل نكاحه؟ قال: نعم، لأنه عبد
مملوك لا يقدر على شئ ".
قالوا وملك البعض كملك الكل، للمنافات واستحالة تبعض البضع وقطع
الشركة بالتفصيل أقول: الأجود الاستدلال عليه بصحيحة عبد الله بن سنان المذكورة،
فإن موردها التبعيض.
بقي الكلام في قوله عليه السلام في صحيحة ابن قيس المذكورة " لو كنت
فعلت لرجمتك " مع أنها ليست ذات بعل بعد انفساخ العقد، لتستحق الرجم،
وحملها بعض مشايخنا (عطر الله مراقدهم) على التهديد على وجه المصلحة تورية
أو الرجم بمعنى الشتم والايذاء كما يطلق عليه لغة، يقال: رجمته بالقول: أي رمته
بالفحش، وكيف كان فلا بد من الحمل على خلاف الظاهر من الخبر لما عرفت.
والله العالم.
المسألة الخامسة قد تقدم في المسألة الثالثة أن الأظهر الأشهر أن من أقر
على نفسه بالعبودية متى كان مكلفا فإنه يقبل منه ويحكم بكونه رقا، وحينئذ فلا
يقبل منه رجوعه عن ذلك لاشتماله على تكذيب نفسه، وابطال ما أقر به أولا ورفع
ما ثبت عليه حتى لو أقام بينة لم تسمع، لأنه باقراره، أولا قد كذبها، كذا قطع به
العلامة في التذكرة.

(1) الكافي ج 5 ص 485.
(2) الكافي ج 5 ص 485.
387

وأورد عليه بأنه يشكل ذلك فيما لو أظهر لإنكاره تأويلا محتملا، كان قال:
إني تولدت بعد انعتاق أحد أبوي وما كنت أعلم بذلك حين أقررت، فإنه ينبغي
القبول، وسيأتي له نظاير.
وأولى بالقبول ما لو أقر بالرقية لشخص معين فأنكر المقر له، وسيأتي مثله
في الاقرار، كما إذا أقر لأحد بمال فأنكر المقر له، فادعاه المقر حين انكاره و
وعلى هذا فينبغي سماع بينته بطريق أولى، وهو جيد وكذا لو اشترى عبدا
ثابت العبودية فادعى الحرية، فإنه لا يقبل دعواه، إلا أن هذا يقبل دعواه بالبينة،
بخلاف الأول.
وتفصيل الكلام في المقام أنه متى وجد عبدا أو أمة تباع في الأسواق، فإن
ظاهر اليد والتصرف يقتضي الملك، ويدل عليه ما رواه المشايخ الثلاثة " نور
الله تعالى مراقدهم) عن حمزة بن حمران (1) " قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
أدخل السوق فأريد أن أشتري جارية فتقول لي إني حرة فقال اشترها إلا أن تكون
لها بينة " ووصف هذه الرواية العلامة في التذكر والشهيد الثاني في المسالك
بالصحة، وهو سهو محض فإن حمزة بن حمران لم يذكره أحد بالتوثيق، بل
ولا بالمدح، حتى أنه في الخلاصة لم يذكره بالكلية، والنجاشي ذكره ولم يصفه
بمدح ولا ذم،.
وما رواه في التهذيب والفقيه في الصحيح عن العيص بن القاسم (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال:
سألته عن مملوك ادعى أنه حر ولم يأت ببينة
على ذلك اشتريه؟ قال: نعم ".
أما لو وجد في يده وادعى رقيته ولم يعلم شراؤه ولا بيعه، فإن كان كبيرا

(1) الكافي ج 5 ص 211 التهذيب ج 7 ص 74.
(2) التهذيب ج 7 ص 74.
388

وصدقه على ذلك فكذلك، لما تقدم من الأخبار الدالة على إلزامه بما أقر به،
وإن كذبه لم يقبل دعواه إلا بالبينة، عملا بأصالة الحرية، كما تقدم في صحيحة
عبد الله بن سنان (1) من قول أمير المؤمنين (عليه السلام) " الناس كلهم أحرار
إلا من أقر على نفسه بالعبودية، أو من شهد عليه بالرق " ومثلها غيرها.
وإن سكت أو كان صغيرا فاشكال، قال العلامة في التذكرة: العبد الذي يوجد
في الأسواق يباع ويشترى يجوز شراؤه، وإن ادعى الحرية لم يقبل منه ذلك إلا بالبينة
وكذا الجارية إلى أن قال: أما لو وجد في يده وادعى رقيته ولم يشاهد شراءه له
ولا بيعه إياه فإن صدقه حكم عليه بمقتضى اقراره، وإن كذبه لم يقبل دعواه الرقية
إلا بالبينة، عملا بأصالة الحرية وإن سكت من غير تصديق ولا تكذيب فالوجه أن
حكمه حكم التكذيب، إذ قد يكون السكوت لا من غير الرضا، وإن كان صغيرا
فاشكال، أقر به الحرية فيه. انتهى.
ويمكن المناقشة في حكمه في صورة السكوت بأن حكمه حكم التكذيب،
بأن يقال: إنه متصرف وصاحب يد، ويدعي أمرا ممكنا وللأخبار الكثيرة الدالة
على من ادعى دعوى لا معارض لها ولا راد لها كمن ادعى مالا ولا معارض له في دعواه
أنه يحكم له بذلك، أو ادعى زوجية امرأة ولم تكذبه، فإنه يحكم لها بها، والظاهر
أنه لهذا ذهب في التحرير إلى الحكم باليد، كما نقل عنه، وحينئذ فيقبل مجرد دعواه
وأما قبولها مع البينة فالظاهر لا اشكال فيه، وأما ما استقربه من الحرية
في الصغير فهو جيد، عملا بالأخبار الدالة على أصالة الحرية حتى يثبت الملك.
إلا أنه يشكل حينئذ شراء العبيد الأطفال من يد البياع، مع دلالة الأخبار والاتفاق
على جواز الشراء، والحكم المذكور لا يخلو من شوب الاشكال، كما أشرنا
إليه آنفا.
وقد وقع في عبائر بعض الأصحاب أنه لا يقبل ادعاء الحرية من المشهور

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب العتق الرقم 1.
389

بالرقية، وفيه اشكال، لأن مجرد الشهرة لا تعارض أصالة الحرية المتفق عليها نصا
وفتوى، إلا أن تحمل الشهرة على ما قدمنا ذكره من رؤيته يباع في الأسواق ونحوه،
ولا يخلو من بعد، ويمكن أن يستدل للقول المذكور بظاهر صحيحة العيص المذكورة،
بأن يحمل المملوك على من يكون كذلك بحسب الظاهر من الشهرة، إلا أنه يحتمل
كون ذلك بثبوته بالاقرار أولا أو البينة أو الرؤية يباع في الأسواق ونحو ذلك مما
يفيد التملك. والله العالم.
390

المقصد الثاني في الأحكام المترتبة
على الابتياع وما يلحق ذلك
وفيه أيضا مسائل، الأولى اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم)
في بيع الحامل جارية كانت أو دابة، فالمشهور أن الحمل للبايع، سواء علم به أو لا،
وسواء شرط البايع لنفسه أو لا، إلا أن يشترطه المشتري، وهو قول الشيخ
في النهاية، والشيخ المفيد وسلار وأبي الصلاح وابن البراج في الكامل وابن
إدريس، وعليه المتأخرون منهم العلامة في المختلف، واحتج عليه بأن البيع تعلق
بالأم فلا يتناول الحمل، لعدم دلالة اللفظ عليه مطابقة وتضمنا والتزاما، ولأن
الأصل بقاء ملك البايع عليه، فلا ينتقل عنه إلا بسبب، ولم يطرأ ما يزيله من أصله
انتهى.
وقال الشيخ في المبسوط: إذا باع بهيمة أو جارية حاملا واستثنى حملها
لنفسه لم يجز، وتابعه ابن البراج في المهذب وجواهر الفقه على ذلك.
وقال ابن الجنيد ويجوز أن يستثنى الجنين في بطن أمه من آدمي أو حيوان
وقال ابن حمزة: والإناث من الآدمي والنعم إذا كانت حوامل وبيعت مطلقا كان
الولد للمبتاع، إلا إذا شرط البايع.
وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي: يكون للمبتاع إلا إذا شرط البايع وهذا
ما وقفت عليه من أقوالهم في المسألة، ونقل عن الشيخ أنه احتج على ما ذهب إليه
في المبسوط بأن الحمل جزء من الحامل، يجري مجرى عضو من أعضائها فيدخل
391

ولا يصح استثناؤه، حتى حكم بفساد البيع لو استثناه البايع، كما لو استثنى
جزءا معينا.
أقول: وقد نقل بعض المحققين هذا القول عن الشافعي، محتجا بهذه
الحجة. وأجاب العلامة في المختلف عن حجة الشيخ المذكورة بالمنع
من المساواة بين الحمل وعضو من أعضائها، فإنه تصح الوصية للحمل، ويرث
ويلحقه أحكام كثير لا تعلق بالأعضاء قال: وهذا الذي ذكره الشيخ كأنه الذي
لمحه ابن حمزة، والحق خلافه انتهى.
أقول: لا يخفى قوة القول المشهور بناء على ما هو مذكور، إلا أنه قد روى
الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد بن يحيى عن أبي إسحاق يعني إبراهيم بن هاشم
عن النوفلي عن السكوني (1) " عن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) في رجل
أعتق أمة وهي حبلى فاستثنى ما في بطنها، قال: الأمة حرة، وما في بطنها حر لأن
ما في بطنها منها " ورواه الصدوق أيضا بإسناده عن السكوني، وهو ظاهر في تبعية
الحمل للأم، وأنه لا يصلح استثناؤه من حيث أنه منها وجزء من أجزائها كما ادعاه
الشيخ ومن تبعه، ولهذا ذهب الشيخ وجماعة في باب العتق إلى سريان عتق
الحامل إلى الحمل للرواية المذكورة، وإن كان المشهور خلافه ورد هذه الروايات
المحقق الأردبيلي (قد سره) بضعف السند إلا أنك قد عرفت في غير موضع مما
تقدم أنه غير معتمد.
وقد روى الشيخ في الحسن عن الحسن بن علي الوشا (2) عن أبي الحسن الرضا
(عليه السلام) " قال سألته عن رجل دبر جاريته وهي حبلى فقال إن كان علم بحبل
لجارية فما في بطنها بمنزلتها وإن كان لم يعلم فما في بطنها رق ".
وهو ظاهر في سريان التدبير إلى الولد مع العلم بالحمل وأما مع عدم
العلم به فإنه يحتمل تأخره من التدبير، والحكم فيه التبعية كما استفاضت به الأخبار

(1) التهذيب ج 8 ص 236 و 260 الفقيه ج 3 ص 85 و 71.
(2) التهذيب ج 8 ص 236 و 260 الفقيه ج 3 ص 85 و 71.
392

ولهذا نقل الشيخ وجماعة القول بتبعية الولد للأم في الصورة المذكورة، ومقتضى
كلام الأصحاب في مسألة البيع المذكورة العدم.
إلا أن هذه الرواية أيضا معارضة بما رواه الشيخ في الموثق عن عثمان بن عيسى
الكلالي (1) عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) " قال: سألته عن امرأة دبرت
جارية لها فولدت الجارية جارية نفيسة، فلم تدر المرأة المولودة مدبرة أو غير
مدبرة، فقال: لي متى كان الحمل بالمدبرة أقبل أن دبرت أم بعد ما دبرت؟ فقلت:
لست أدري، ولكن أجنبي فيهما جميعا فقال: إن كانت المرأة دبرت وبها حبل،
ولم تذكر ما في بطنها فالجارية مدبرة والولد رق، وإن كان إنما حدث الحمل بعد
التدبير فالولد مدبر في تدبير أمه " ورواه الصدوق مرسلا، وزاد " لأن الحمل إنما
حدث بعد التدبير " وهي ظاهرة في أنه في صورة العلم بالحمل وعدم إدخاله في التدبير
لا يسري التدبير إليه، بل يبقى على الرقية كما هو أحد القولين في المسألة.
وبالجملة فالمسألة كما عرفت محل اشكال وعلى القول المشهور فحيث
يشترط المشتري الحمل يدخل في المبيع وإن كان مجهولا، لانضمامه إلى المعلوم،
وتبعيته له، وعلى هذا فلا فرق بين أن يقول البايع: بعتك الجارية وحملها، أو
شرطت لك حملها، أو بعتك هذه الأمة بكذا وحملها، لأن الظاهر أن حملها عطف
على الأمة كما في المثال الأول.
ونقل عن العلامة في التذكرة البطلان في الصورة الأولى، لأنه مجهول،
وفيه ما تقدم تحقيقه سابقا في مسألة الضمايم، من أنه لا يضر جهله مع تبعيته للمعلوم،
كما دلت عليه نصوص المسألة حسبما تقدم، ولو كان الحمل غير معلوم وأراد إدخاله
في البيع فالعبارة الثانية لا غير، كذا صرح به شيخنا الشهيد الثاني.
قال المحقق الأردبيلي بعد نقل ذلك عنه: وكأنه نظر إلى أن بيع ما لم يعلم

(1) التهذيب ج 8 ص 260 الفقيه ج 3 ص 71 مع اختلاف يسير.
393

وجوده غير معقول، بخلاف الشرط وفي الشرط أيضا تأمل، والظاهر أنه يجوز
ويؤل إلى تقدير الوجود والسلامة، ولعل مثله إذا كان منضما وتابعا لا يضر، لعموم
الأدلة والتراضي. انتهى.
قالوا. ولو لم يشترطه المشتري واحتمل وجوده عند العقد وعدمه بأن ولدته
في وقت يحتمل كونه عند البيع موجودا وعدمه فهو للمشتري، لأصالة عدم وجوده
سابقا، فلو اختلفا في وقت البيع كذلك قدم قول البايع بيمينه مع عدم البينة، وهو
بناء على القول المذكور.
وكذا لو شرطه فسقط قبل القبض أو بعده في زمن خيار الحيوان، فإنه يكون
من مال البايع، فيرجع المشتري على البياع بنسبته من الثمن، بأن تقوم حاملا
ومجهضا أي مسقطا لا حابلا، كما وقع في بعض العبارات كعبارة الشرايع وغيره،
ولأنه المطابق للواقع، وللاختلاف بين الحالين، فإن الاجهاض في الأمة عيب ربما
نقصت به القيمة، إذ هي في حال الاجهاض مريضة، فيرجع بنسبة التفاوت بين القيمتين
كما تقدم تحقيقه.
والظاهر أنه لا خلاف في أن البيض تابع للبايض، لا كالحمل، بل هو للمشتري
مطلقا، لأنه تابع كساير أجزائه، ولا يصح اشتراط البايع له على قول الشيخ في المبسوط
ومن تبعه، وبذلك صرح في الكتاب المذكور، فقال: لو باع البايض دخل البيض
على طريق البيع وإن شرط لنفسه لم يجز، ورده المتأخرون بأنه شرط سايغ، ويؤيده
أن ما ادعاه الشيخ من الجزئية وأنه كعضو من أعضائه قد عرفت ما فيه، فلا مانع
من صحة الشرط المذكور.
394

تذنيب
قال: الشيخ في المبسوط لو باع جارية حبلى بولد لم يجز، لأن الحمل مستثنى،
وهذا يمنع صحة البيع، وتبعه ابن البراج في المهذب، ورد ذلك بما تقدم، لأن
كلامه هنا كما تقدم مبني على كون الحمل كعضو من أعضاء الحامل وجزء من
أجزائها، وفيه ما عرفت آنفا. والله العالم.
المسألة الثانية اختلف الأصحاب في أن العبد هل يملك شيئا أم لا، فقيل:
يملك مطلقا، ونسبه في التذكرة إلى أنه المشهور، وقيل: يملك مطلقا، ونسبه
شيخنا الشهيد الثاني في المسالك إلى الأكثر، وهو اختيار المحقق في الشرايع، وقيل:
يملك فاضل الضريبة، وقيل: أرش الجناية.
والذي وقفت عليه من الروايات المتعلقة بهذه المسألة صحيحة عمر بن يزيد (1)
" قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أراد أن يعتق مملوكا له، وقد كان
مولاه يأخذ منه ضريبة فرضها عليه في كل سنة ورضي بذلك المولى، فأصاب
المملوك في تجارته سوى ما كان يعطي مولاه من الضريبة، فقال: إذا أدى إلى سيده
ما كان فرض عليه فما اكتسب بعد الفريضة فهو للمملوك، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام):
أليس قد فرض الله تعالى على العباد فرائض فإذا أدوها إليه لم يسألهم عما سواها،
قلت: فللمملوك أن يتصدق مم اكتسب ويعتق بعد الفريضة التي كان يؤديها إلى
سيده؟ قال: نعم وأجر ذلك له، قلت: فإن أعتق مملوكا مما اكتسب سوى الفريضة
لمن يكون ولاء المعتق؟ قال: فقال: يذهب فيتوالى إلى من أحب، فإذا ضمن جريرته
وعقله كان مولاه وورثه، قلت له: أليس قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

(1) التهذيب ج 8 ص 224.
395

الولاء لمن أعتق؟ قال: فقال: هذا سائبة لا يكون ولاؤه لعبد مثله، قلت: فإن ضمن
العبد الذي أعتقه جريرته وحدثه أيلزمه ذلك ويكون مولاه ويرثه؟ قال: فقال:
لا يجوز ذلك ولا يرث عبدا حرا ".
وصحيحة إسحاق بن عمار (1) " قال: قلت: لأبي عبد الله (عليه السلام)
ما تقول: في رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقل أو أكثر، فيقول: حللني من ضربي
إياك، ومن كل ما كان مني إليك، مما أخفتك وأرهبتك فيحلله فيجعله في حل رغبة
فيما أعطاه، ثم إن المولى بعد أصاب الدراهم التي أعطاه في موضع قد وضعها
فيه العبد وأخذها المولى أحلال هي له؟ فقال: لا تحل له، لأنه افتدى بها نفسه
من العبد مخافة العقوبة والقصاص يوم القيامة، قال: فقلت له: فعلى العبد أن
يزكيها إذا حال عليها الحول؟ قال: لا إلا أن يعمل له بها، ولا يعطى العبد من الزكاة شيئا.
ورواية إسحاق بن عمار (2) المذكورة عن جعفر عن أبيه أن عليا
(عليه السلام) أعتق عبدا له فقال: له إن ملكك لي ولكن قد تركته لك ".
ورواية أبي جرير (3) " قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قال:
لمملوكه أنت حر ولي مالك، قال: لا يبدأ بالحرية قبل المال يقول لي مالك وأنت
حر برضا المملوك (فإن ذلك أحب إلي) (4).
والتقريب فيه أنه إذا بدء بالعتق صار حرا ولم يجز له أخذ ماله، وإذا بدء
بالمال فإن فيه تصريحا بأن العتق بإزاء المال، فإذا رضي المملوك بذلك انعتق وصار
المال للمولى، وهو ظاهر في الملك.

(1) التهذيب ج 8 ص 225.
(2) التهذيب ج 8 ص 237.
(3) التهذيب ج 8 ص 224.
(4) ما بين القوسين زيادة من الكافي.
396

وصحيحة الفضل بن يسار (1) قال: قال غلام سندي لأبي عبد الله (عليه السلام)
إني قلت لمولاي: بعني بسبعمأة درهم، وأنا أعطيك ثلاثمأة درهم، فقال له
أبو عبد الله (عليه السلام) إن كان يوم شرطت لك مال؟ فعليك أن تعطيه، وإن لم يكن
لك يومئذ فليس عليك شئ " وهي ظاهرة في الملك.
وأما ما ذكره بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين من أن هذه
الرواية أوفق بالقول بعدم مالكية العبد، لأنه لو كان له مال فهو من ما البايع، فلذا يلزمه
أداؤه لا بالشرط، وإذا لم يكن مال وحصله عند المشتري فهو من مال المشتري. انتهى.
ففيه من العبد عن سياق الخبر المذكور، ما لا يخفى، فإن ظاهره ينادي
بخلافه، لأن قوله إن كان يوم شرطت لك ما ظاهر في الملك كما هو مدلول
اللام، أو الاختصاص الراجع إلى الملك، وظاهره أن الاعطاء إنما هو من حيث
الشرط، لا من حيث إنه مال البايع.
وبالجملة فالظاهر أن ما ذكره (قدس سره) لا يخلو من تعسف، وكأنه أراد
بذلك الانتصار للقول المشهور كما سيأتي ذكره انشاء الله تعالى.
احتج العلامة في التذكرة على ما ذهب إليه من القول الأول بقوله عز وجل (2)
" ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ " وقوله تعالى (4) " ضرب
لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم
فيه سواء ".
وأنت خبير بما فيه فإن غاية ما يفهم منها إنما هو الحجر عليه في نفسه وماله، وأنه

(1) التهذيب ج 8 ص 246 وبسند آخر مثله منه رحمه الله.
(2) سورة النخل الآية 75.
(3) سورة الروم الآية 28.
(4) الفقيه ج 30 ص 35.
397

ليس له التصرف فيهما إلا بإذن سيده، فهو من حيث هو لا يقدر على شئ إلا ما
أقدره عليه مولاه وملكه، أو أذن له بالكسب ونحوه حسبما دلت عليه الأخبار
المتقدمة.
ويؤيده الأخبار الواردة في معنى الآية من أنه ليس له نكاح ولا طلاق
إذا أنكحه مولاه أمته إلا بإذن المولى، ففي بعضها (1) " قال: سألته عن العبد هل
يجوز طلاقه؟ قال: إن كان أمتك فلا، إن الله عز وجل يقول " عبدا مملوكا لا يقدر
على شئ ".
ونحوه أخبار عديدة ومرجع الجميع إلى المنع من التصرف إلا بإذن سيده.
والآية الثانية ظاهرها أنه ليس له حق ولا شركة في مال المولى، ولا دلالة
لها على عدم الملك إذا ملكه أو أذن له في تملك مال الغير بالكسب والتجارة ونحو
ذلك، بل الظاهر أنه يحصل له ذلك كالعبيد بالنسبة إلى الله عز وجل.
وبالجملة فإنه لا دلالة فيهما على نفي تملكه لما ملكه سيده، أو أذن له فيه كما
هو المدعى، وظاهر الأصحاب على تقدير القول بتملكه الاتفاق على أنه محجور
عليه، ولكن ظاهر الأخبار المتقدمة العدم، فإنها كالصريحة في استقلاله، سيما
صحيحة عمر بن يزيد وقوله فيها " أنه يتصدق ويعتق وأجر ذلك له " إلا أنه ربما
نافر ذلك نفي الزكاة عنه، في صحيحة إسحاق بن عمار، إذ لو كان مالكا للتصرف
كملكه للمال، لما كان لنفي وجوب الزكاة وجه، وفي معنى هذه الرواية أخبار
أخر، تقدمت في كتاب الزكاة، والظاهر أنه لا وجه لذلك مع الحكم بملكه إلا كونه
محجورا عليه، ويدل عليه ما رواه في كتاب قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن
عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) " قال: ليس على المملوك

(1) التهذيب ج 7 ص 348.
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة.
398

زكاة إلا بإذن مواليه " وحينئذ فيجب حمل اطلاق ما ظاهره الاستقلال على هذه
الرواية، وقد تقدم تحقيق القول في ذلك في كتاب الزكاة والله العالم.
المسألة الثالثة اختلف الأصحاب فيما إذا اشترى عبدا أو أمة وله مال فقال
الشيخ في النهاية والشيخ المفيد: إن المال للبايع إلا أن يشترطه المبتاع، سواء
كان ماله أكثر من ثمنه أو أقل.
وقال سلار: وابتياع العبيد الذين لهم مال بأقل مما معهم جايزة وقال ابن
الجنيد إذا شرطه المشتري وكان الثمن زايدا على قدر المال من جنسه جاز البيع،
وإن كان المال عروضا يساوي قدر الثمن أو دونه وأو أكثر منه جاز أيضا وإن كان الثمن
من جنس مال العبد ومال العبد أكثر من الثمن لم يجز.
وقال الشيخ في الخلاف: إذا كان مع العبد مائة درهم فباعه بمائة درهم لم
يصح البيع، فإن باعه بمائة ودرهم صح. وقال في المبسوط: إذا باعه سيده وفي يده
مال وشرط أن يكون للمبتاع صح البيع إذا كان المال معلوما وانتفى عنه الربا،
فإن كان معه مائة درهم فباعه بمائة درهم لم يصح، فإن باعه بمائة ودرهم صح، ثم
قال: وإذا باع عبدا قد ملكه ألفا بخمسمائة صح البيع على قول من يقول: إنه
يملك، ولو باع ألفا بخمسمائة لم يصح، لأنه ربا، والفرق بينهما أنه إذا باع العبد،
فإنما يبيع رقبته مع بقاء ما ملكه عليه فصح ذلك، ولم يصح بيع الألف بخمسمائة.
وقال ابن البراج وأبو الصلاح إذا ابتاع عبدا أو أمة وله مال فهو للبايع
إلا أن يشترطه في عقد البيع فيكون له.
وقال ابن حمزة: لو باعه مع المال صح إن كان الثمن أكثر مما معه إن كان
من جنسه، وإن كان من غير جنس ما معه صح على كل حال، وإن لم يعرف
399

مقدار ما معه وباع بجنسه لم يصح، (1) وإن باع بغير جنسه صح، وإن باع
المملوك دون المال صح، فإن شاء سوغه المال، وإن شاء استرده. وابن إدريس
فصل كذلك.
وقال العلامة في المختلف بعد نقل هذه الأقوال: والتحقيق أن نقول:
إن كان الثمن وما مع العبد ربويين واتفقا جنسا اشترط زيادة الثمن على ما في يد
العبد، وإلا فلا، لنا أنه على التقدير الأول لولاه لثبت الربا المحرم، وعلى التقدير
الثاني إن المقتضي للصحة موجود، وهو البيع الصادر عن أهله في محله، والمانع
وهو مفسدة الربا منتف هنا.
ونقل في المختلف والمسالك عن ابن البراج القول بالتفصيل بين علم البايع بالمال
وعدمه، فإن لم يعلم به فهو له، وإن علم فهو للمشتري.
والأصل في هذه الاختلافات الأخبار الواردة في المسألة، ومنها ما رواه
في الكافي والتهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم (2) عن أحدهما (عليهما السلام)
" قال: سألته عن رجل باع مملوكا فوجد له مالا فقال: المال للبايع، إنما باع
نفسه، إلا أن يكون شرط عليه أن ما كان له من مال أو متاع فهو له ".
وهذه الرواية دالة على ما ذهب إليه الشيخان مما قدمناه نقله عنهما والظاهر
أنه هو المشهور، وبه صرح المحقق والعلامة وغيرها، وهو جيد بناء على القول

(1) قال في المختلف وقول ابن حمزة إن لم يعرف مقدار ما معه وباعه
بغير جنسه صح، وإن باعه بجنسه لم يصح، لأن الجهل يستلزم جواز
تطرق الربا، لكن يبقى فيه اشكال من حيث إنه باع مجهولا، إلا أن يقال
إن المال تابع وجهالة التابع لا تمنع صحة البيع: انتهى وهو جيد
منه رحمه الله.
(2) الكافي ج 5 ص 213 التهذيب ج 7 ص 71.
400

بعدم ملك العبد كما هو المشهور بينهم، وأما على القول بملكه فيشكل ذلك، لما
عرفت من الأخبار المتقدمة في سابق هذه المسألة، وسيأتي انشاء الله تعالى بيان
وجه التأويل فيه، بما يرجع به إلى الأخبار المتقدمة.
ومنها ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) في الصحيح
عن زرارة (1) " قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يشتري المملوك
وله مال لمن ماله؟ فقال: إن كان علم البايع أن له مالا فهو للمشتري، وإن لم يكن
علم فهو للبايع " ورواه في الفقيه عن جميل عن زرارة أيضا، وهذا الخبر ظاهر فيما
قدمنا نقله عن ابن البراج، إلا أنه يشكل على كل من القولين بملكية العبد وعدمها،
بأن الملك لا ينتقل إلى المشتري بمجرد العلم من دون صيغة ناقلة تدل على الملك.
وجملة الأصحاب حملوا الرواية على اشتراط البايع للمشتري ذلك وهو جيد
بناء على القول بعدم تملك العبد، أما على القول به فيبقى الاشكال من هذه الجهة
في الحكم بكونه للبايع أو المشتري، فإن ملك المالك لا ينتقل عنه إلا برضا منه،
والحال أن العبد لا مدخل له في هذا النقل.
والعجب أنه قد ذكر هذه المسألة من قال بتملك العبد ومن أحاله، ولا مخرج
من هذا الاشكال في هذا الخبر وسابقه إلا بأن يقال: إن هذين الخبرين محمولان
على كون المال للمولى، وأن الإضافة للعبد لأدنى ملابسة، كما قالوا في كوكب
الخرقاء، وذلك مثل ثيابه وفراشه ونحوها، فإن الإضافة تصدق بذلك، والخبر
الثاني كما عرفت محمول على اشتراط البايع للمشتري ذلك، فهذان الخبران ونحوهما
لا تدلان على تملك العبد ولا على عدمه
وأما ما ربما يدل على عدم تملك العبد من الأخبار فهو محمول على الحجر

(1) الكافي ج 5 ص 213 التهذيب ج 7 ص 71 الفقيه ج 3 ص 138.
401

عليه في التصرف بدون إذن المولى، فكأنه من حيث المنع من التصرف ليس بمالك
وبهذا الطريق يجمع بين أخبار المسألة، ويزول عنها الاختلاف، وهو يقتضي
رجحان القول بتملك العبد كما قدمنا ذكره.
وأما الجميع بينها بما ذكره شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) في المسالك
من حمل الأخبار الدالة على تملك العبد على محض إباحة التصرف بكونه مأذونا
لا ملك الرقبة (1) فهو وإن تم فيما أورده من الأخبار المشتملة على إضافة المال إليه،
إلا أنه لا يتم فيما قدمناه من الأخبار في سابق هذه المسألة الصريحة في ملك الرقبة
وأنه يتصدق ويعتق من ماله.
ومنها ما رواه الصدوق في الفقيه عن يحيى بن أبي العلا (2) عن أبي عبد الله
(عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) " قال: من باع عبدا كان للعبد مال فالمال
للبايع إلا أن يشترط المبتاع، أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك ".
والكلام في هذه الرواية كما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم، قال في الفقيه
مشيرا إلى هذا الحديث وحديث جميل بن دراج عن زرارة (3) المتقدم هذا أن
الحديثان متفقان وليسا بمختلفين، وذلك أن من باع مملوكا واشترط المشتري ماله،
فإن لم يعلم البايع به فالمال للمشتري، ومتى لم يشترط المشتري ماله ولم يعلم البايع
أن له مالا فالمال للبايع، ومتى علم البايع أن له مالا ولم يستشن به عند البيع فالمال
للمشتري انتهى.

(1) قال (قدس سره): ولا يندفع الاشكال إلا إذا قلت: المراد بملكية
العبد تسلطه على الانتفاع بما قيل بملكه له، لا بملك الرقبة، كما تقله
في الدروس عن بعض القائلين بالملك، فيكون الملك على هذا الوجه
غير مناف لملك البايع للرقبة على وجه يتوجه به نقله إلى المشتري أو بقاؤه
على ملكه " انتهى منه رحمه الله ".
(2) الفقيه ج 3 ص 138.
(3) الفقيه ج 3 ص 138.
402

أقول مفهوم صدر عبارته أنه متى اشترط المشتري مع علم البايع بالمال
فالمال للبايع، وليس كذلك فإن ظاهر صحيحة محمد بن مسلم وخبر يحيى المذكور
أنه مع الشرط يكون للمشتري علم البايع بالمال أو لم يعلم.
وغاية ما يدل عليه خبر جميل عن زرارة هو أنه مع علم البايع يكون للمشتري،
ومع عدم علمه يكون له، لا للمشتري أعم من أن يشترطه المشتري أو لم يشترط،
وإذا قيد اطلاقه بالخبرين المذكورين جمعا بين الأخبار لزمه أنه مع الشرط يكون
للمشتري، علم البايع أو لم يعلم، وأما مع عدم الشرط فهو كما ذكره من التفصيل،
والعجب أن جملة من المحدثين نقلوا كلامه كصاحب الوافي وصاحب الوسائل
ولم يتنبهوا لما فيه.
ومنها ما رواه الشيخ (عطر الله مرقده) في الأمالي بسنده فيه عن الزهري عن
سالم عن أبيه " قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من باع عبدا وله مال فالمال
للبايع إلا أن يشترط المشتري " وهذا الخبر دال على ما دل عليه خبر يحيى وصحيح
محمد بن مسلم، وهذه الأخبار الثلاثة مستندا لشيخين فيما تقدم نقله عنهما، وقد عرفت
تحقيق القول فيها.
ومنها ما رواه في الفقيه في الصحيح عن زرارة (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" قال: قلت له: الرجل يشتري المملوك وماله؟ فقال: لا بأس، قلت: فيكون مال
المملوك أكثر مما اشتراه به فقال لا بأس به ".
ورواه الشيخ في التهذيب بسند فيه علي بن حديد وهو ضعيف وهذا الخبر فيه
اشكال من وجهين، أحدهما أنه إنما يتجه على القول بعدم صحة تملك العبد،
وقد عرفت الجواب عن ذلك بما تقدم في نظائره، والثاني ما ذكره الأصحاب مما

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب بيع الحيوان الرقم 5.
(2) الفقيه ج 3 ص 139 التهذيب ج 7 ص 71.
403

قدمنا نقله عنهم من عدم الصحة في هذه الصورة على اطلاقها، للزوم الربا في بعض
الموارد (1) إلا أن يقيد الخبر بكون المالين غير ربويين، أو اختلاف الجنس، وبه
أجاب الأصحاب عن الخبر المذكور، وزاد العلامة الطعن في الخبر بالضعف، وهو
متجه بناء على رواية الشيخ، وأما على رواية الصدوق له فهو صحيح لا يتطرق إليه
الطعن من هذه الجهة.
وبالجملة فالظاهر حمله على ما ذكرناه ليندفع عنه تطرق الوقوع في الربا،
بل اشتراط قبض مقابل الربوي في المجلس إذا اختلف الجنسان وكان ربويين،
والظاهر حمل كلام الشيخين فيما قدمنا نقله عنهما من اطلاق الصحة سواء كان
مال العبد أكثر من الثمن أو أقل على ما ذكرناه.
والعجب هنا من المحقق (قدس سره) في الشرايع فإنه اختار في المسألة الأولى
القول بملك العبد مطلقا إلا أنه محجور عليه في التصرف بدون إذن السيد، واختار
في هذه المسألة ما قدمنا نقله عنه من أن المال للبايع، إلا أن يشترطه المشتري، وأنت
خبير بأن حكمه بالملك ظاهر في أن المراد لملك الرقبة، ولا يمكن تأويله بما تقدم
ومتى كان كذلك فكيف يصح انتقاله عن مالكه بمجرد بيعه سواء كان إلى البايع،
أو المشتري وهو ظاهر. والله العالم.
تذنيب
قال الشيخ في النهاية: إذا قال مملوك انسان لغيره: اشترني فإنك إذا اشتريتني
كان لك علي شئ معلوم فاشتراه، فإن كان للمملوك في حال ما قال ذلك له مال لزمه

(1) وهو ما لو كان المال ربويا وبيع بجنسه، فإنه لا بد في الخروج
عن لزوم الربا من زيادة في الثمن عن ما له تقابل المملوك، ثم إنه ينبغي
أن يعلم أن لزوم الربا في الصورة المذكورة إنما يتجه على القول بعدم
ملك العبد بالكلية، أو ملكه بمعنى جواز التصرف بأن يكون أصل رقبة
المال للمولى، وإلا فلو قلنا بملك العبد، وأن له كما اخترناه فإنه لا يشترط
في الثمن الزيادة كما قدمنا ذكره، لأن ماله ليس جزءا من المبيع ليقابل
بالثمن، بل وهو تابع له وهو ظاهر. منه رحمه الله.
404

أن يعطيه ما شرطه له، وإن لم يكن له مال في تلك الحال لم يكن عليه شئ، وتبعه
ابن البراج، وبه صرح جملة من المتأخرين.
وقال ابن إدريس هذه رواية أوردها الشيخ ايرادا لا اعتقادا، لأن العبد عندنا
لا يملك شيئا، فأما على قول بعض أصحابنا أنه يملك فاضل الضريبة وأرش الجناية
يصح ذلك، والصحيح من المذهب أنه لا يملك انتهى.
أقول الرواية التي أشار إليها هي صحيحة الفضيل بن يسار المتقدمة في سابق
هذه المسألة، وموردها إنما هو الشرط للبايع وهو المولى، والشيخ ومن تبعه
من الأصحاب فرضوا المسألة في اشتراط العبد للمشتري، والفرق بين الأمرين ظاهر،
لأنه مع كون الشرط للمشتري كما فرضوه، فإن قلنا بعدم ملك العبد بطل الشرط،
سواء كان معه مال أم لا، وإن قلنا بملكه فهو محجور عليه كما قدمنا ذكره يتوقف
صحة جعالته للمشتري على إذن مولاه، وعلى كل من التقديرين فالرواية المذكورة
ظاهرة في خلافه، لأنها صريحة في صحة الشرط المذكور، ولزومه مع وجود
المال، وأما مع كون الشرط للمولى، فإن قلنا أنه لا يملك فماله لمولاه، وتحمل
نسبة المال إليه على الإضافة لأدنى ملابسته، وإن قلنا إنه يملك فالحجر عليه زايل
برضا المولى بذلك والعمل بالرواية متجه على هذا التقدير.
والتحقيق أن الرواية المذكورة دالة على ملك العبد كما قدمنا ذكره سيما مع
اعتضادها بما قدمنا من الأخبار، وحينئذ فشرطه لمولاه صحيح، والحجر قد ارتفع
برضا المولى بذلك.
وأما على ما ذكروه من عدم تملك العبد ولا سيما مع فرض المسألة على ما قدمنا
نقله عنهم، فلا يخفى ما فيه من الاشكال، وأشكل منه رد الرواية الصحيحة من غير
معارض في المقام والله العالم.
المسألة الرابعة إذا حدث في الحيوان عيب فهيهنا صور، أحدها أن يكون
ذلك العيب سابقا على البيع مع جهل المشتري به، والظاهر أنه لا خلاف في تخير
المشتري بين الرد والامساك بالأرش، ولا فرق في ذلك بين الحيوان وغيره.
405

الثانية ما لو تجدد بعد العقد وقبل القبض، ولا خلاف في تخيره بين الرد
والامساك وإنما الخلاف في أنه مع اختيار الامساك هل له الأرش أم لا؟ المشهور
الأول، ولو هلك قبل القبض فمن البايع، ولو أهلكه أجنبي فللمشتري الفسخ
أو مطالبة الأجنبي، ولو أهلكه البايع فالأقرب تخير المشتري بين الفسخ، فيطالب
بالثمن، وعدمه فيطالب بالقيمة، وما تقدم من الخيار بين الرد والامساك بالأرش
كما هو المشهور مخصوص بما إذا كان العيب من قبل الله سبحانه أو من قبل البايع.
أما لو كان من قبل أجنبي فعليه الأرش للمشتري إن التزم بالمبيع، وللبايع
إن فسخ، ولو أتلفه المشتري فهو قبض، ولو جنى عليه فالأقرب أنه قبض أيضا، ولو قبض
بعض المبيع وهلك الباقي فهو في ضمان البياع، وللمشتري الفسخ لتبعيض الصفقة.
الثالثة ما لو قبضه ثم تلف أو حدث فيه عيب في الثلاثة، فإنه مضمون على
البايع ما لم يكن الحدث من المشتري، أما في صورة التلف فالظاهر أن مستنده
الاجماع، إذ لا يظهر فيه خلاف عندهم حيث إنه لا خلاف في أن التلف في زمن
الخيار ممن ليس له خيار، ويدل عليه أيضا وعلى صورة العيب اطلاق قول
الصادق (عليه السلام) في مرسلة ابن رباط (1) المتقدمة سابقا " إن حدث بالحيوان
حدث قبل الثلاثة فهو من مال البايع ".
ثم إنه في صورة العيب يتخير بين الرد بخيار الثلاثة والامساك، والخلاف في
الأرش هنا من الامساك كما تقدم في سابق هذه الصورة وفي صورة التلف له الرجوع
على البايع بالثمن، والعيب الحادث في الثلاثة الموجب للأرش عند من أوجبه
لا يمنع الرد بخيار الثلاثة ولا بخيار العيب السابق.
نعم لا يرد بهذا العيب الحادث، بل له الأرش خاصة، لأنه إنما حصل بعد
القبض وإن كان في زمن الخيار الموجب لكونه مضمونا على البايع، وذلك هو
الموجب للأرش فقط، هذا كله فيما لو كان الخيار مختصا بالمشتري، وكذا لو

(1) التهذيب ج 7 ص 67.
406

كان مشتركا بينه وبين البايع أو غيره، لأن الجملة فيه مضمونة على البايع أيضا
أما لو كان الخيار مختصا بالبايع أو مشتركا بينه وبين أجنبي فلا خيار للمشتري
هذا إذا كان العيب من قبل الله تعالى أو من البايع.
وأما لو كان من أجنبي فللمشتري على ذلك الأجنبي الأرش خاصة، ولو كان بتفريط
المشتري فلا شئ وهكذا الحكم في غير الحيوان، ويجري أيضا في تلف المبيع
أجمع، إلا أن الرجوع هنا بمجموع القيمة كما تقدم، فإن كان التلف من قبل الله
سبحانه والخيار للمشتري ولو بمشاركة غيره فالتلف من البياع، وإلا فمن
المشتري، وإن كان التلف من البايع أو من أجنبي والخيار للمشتري، فإن اختار
الفسخ والرجوع بالثمن فذاك، وإلا رجع على المتلف بالمثل أو القيمة، ولو كان
الخيار للبايع والمتلف أجنبي أو المشتري تخير ورجع على المتلف.
الرابعة ما لو حدث العيب بعد القبض وبعد مضي الثلاثة، فإنه يمنع الرد
بالعيب السابق على العقد الموجب للخيار مع الجهل، فلا خيار له هنا، لعدم موجبه،
ولأنه قد تسلم المبيع صحيحا فليس له أن يرده معيبا. نعم له الأرش من حيث العيب
السابق هذا ملخص كلامهم في المقام، وقد تقدم ما فيه المناقضات في بعض المواضع
في أبواب الخيار والعيوب والله العالم.
المسألة الخامسة قيل: لو استثنى البايع الرأس والجلد كان شريكا بقدر
ثنياه، وكذا لو اشترك اثنان أو جماعة وشرط أحدهم ذلك ولو قال: اشتر حيوانا
بشركتي صح وثبت البيع لهما، وعلى كل واحد نصف الثمن، ولو أذن أحدهما
لصاحبه أن ينقد عنه صح، ولو تلف كان بينهما، وله الرجوع على الآخر بما نقد
عنه. ولو قال له: الربح لنا ولا خسران عليك، فيه تردد والمروي الجواز.
أقول: تفصيل هذه الجملة المنقولة في هذا المقام وبيان ما اشتملت عليه
من الأحكام يقع في مواضع الأول ما لو استثنى البايع الرأس والجلد مثلا، وفيه
407

أقوال، أحدها ما ذكر هنا وهو صحة البيع وأنه يكون شريكا بقدر قيمة ثنياه
وبه قال الشيخ في النهاية (1) والمبسوط والخلاف، وابن البراج والعلامة
في الإرشاد، ونسبه المحقق في كتابيه إلى رواية السكوني مؤذنا بنوع توقف فيه.
والرواية المشار إليها هي ما رواه الشيخ عن السكوني (1) عن أبي عبد الله
(عليه السلام) " قال: اختصم إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) رجلان اشترى أحدهما
بعيرا واستثنى البايع الرأس والجلد، ثم بدا للمشتري أن يبيعه، فقال للمشتري:
هو شريكك في البعير على قدر الرأس والجلد " ورواه الكليني مثله أقول المراد بلفظ
" المشتري الثاني " هو المشتري الثاني.
ونحو هذه الرواية أيضا ما رواه الصدوق عطر الله مرقده في كتاب عيون أخبار
الرضا بأسانيد ثلاثة (3) عنه عن آبائه عن الحسين بن علي (عليه السلام) " أنه قال:
اختصم إلى علي (صلوات الله عليه) رجلان أحدهما باع الآخر بعيرا واستثنى
الرأس والجلد، ثم بدا له أن ينحره، قال: هو شريكه في البعير على قد الرأس والجلد ".
وعلل أيضا بأن البايع قد قبض ما يساوي المبيع، وبقي من القيمة ما يساوي
المستثنى، فيكون البايع شريكا بما يساوى المستثنى، لأن اجزاء الثمن مقسطة

(1) قال الشيخ في النهاية: إذا باع الانسان بعيرا أو بقرا أو غنما واستثنى
الرأس والجلد كان شريكا للمبتاع بقدر الرأس والجلد، ونحوه كلامه
في الكتابين الآخرين، وقال الشيخ المفيد: لا بأس أن يشترط البايع
على المبتاع شيئا يستثنيه مما باعه، مثل أن يبيعه شاة ويستثني عليه جلدها
ورأسها بعد الذبح، ونحوه عبائر من وافق الشيخ المفيد في ذلك،
منه رحمه الله.
(2) التهذيب ج 7 ص 81 الكافي ج 5 ص 304.
(3) الوسائل الباب 22 من أبواب بيع الحيوان الرقم 3.
408

على أجزاء المبيع، ويلغو التعيين، فلو فرضنا أن الحيوان كملا قيمته عشرة دراهم
وقيمة ما استثنى درهمان كان شريكا بالخمس وثانيها صحة البيع والاستثناء وأنه يكون
له ما استثنى، وهو قول الشيخ المفيد والسيد المرتضى وأبي الصلاح وابن
الجنيد وابن إدريس، وعلل بأنه استثنى شيئا معلوما من معلوم، وعقد البيع
غير مانع من اشتراط ما هو معلوم، لقوله (عليه السلام) " الشرط جايز بين المسلمين ".
وثالثها بطلان البيع بهذا الاستثناء لأدائه إلى الضرر والتنازع، لأن المشتري
قد يختار التبقية وفيها منع البايع من الانتفاع بما في تملكه، وجاز أن يؤل حاله
إلي نقص أو عدم الانتفاع به، بجواز موته، وإن اختار البايع الذبح لأجل أخذ ما شرطه
كان فيه منع لتسلط المشتري على ماله، كالانتفاع به في نفسه كالانتفاع بظهره ولبنه
ونتاجه، وهذا القول نقله ابن فهد في المهذب ولم أقف على قائله.
ورابعها ما اختاره العلامة في المختلف وشيخنا الشهيد الثاني في المسالك
من البطلان، إلا أن يكون مذبوحة أو اشتراها للذبح، فإنه يجوز الاستثناء، قال
شيخنا المشار إليه في المسالك بعد ذكر عبارة المحقق المشار إليها آنفا: لم يفرق
بين المذبوح وما يراد ذبحه وغيره، وهو أحد الأقوال في المسألة، لاطلاق
الرواية، إلا أن المستند ضعيف، والجهالة متحققة، والشركة المشاعة غير مقصودة
والقول بالبطلان متجه، إلا أن يكون مذبوحا أو يراد ذبحه، فيقوى صحة
الشرط. انتهى.
أقول: لا يخفى أن الأوفق بالقواعد الشرعية هو القول الرابع لما ذكره
في المسالك، ويمكن أن يحمل عليه القول الثاني، فإن ظاهر عبارة الشيخ المفيد
هو كون الشرط المذكور إنما هو فيما يراد ذبحه، حيث قال: لا بأس أن يشرط
البايع على المبتاع شيئا يستثنيه مما باعه، مثل أن يبيعه شاة ويستثني عليه جلدها
أو رأسها بعد الذبح.
ويمكن حمل اطلاق كلام غيره على ذلك أيضا، إلا أن ظاهر كلام ابن إدريس
العموم، ويؤيده أنه يبعد استثناء الرأس والجلد فيما لا يراد ذبحه، إذ لا ثمرة
409

بترتب عليه، ويؤيده أيضا أنهم قد صرحوا كما تقدم بأنه لا يجوز بيع جزء معين
من الحيوان كيده ورجله ونحوهما، وإنما يجوز مشاعا كنصفه وربعه مثلا،
والاستثناء في معنى البيع، وبهذا رد العلامة في المختلف على هذا القول، فقال بعد
تعليل عدم صحة الاستثناء مع التبقية وعدم الذبح بما فيه من الجهالة وتضرر الشريك
لو أراد أخذ حقه، وضرره لو أجبر على بقائه ما صورته: ولأنه لا يجوز افراده
بالبيع، فلا يجوز استثناؤه، والبيع إنما يكون حلالا لو وقع على وجهه، وهو
ممنوع هنا انتهى.
إلا أنك قد عرفت دلالة الروايتين المتقدمتين باطلاقهما على الصحة مطلقا،
وأنه يكون شريكا مع المشتري في كل الحيوان بقدر قيمة الرأس والجلد، فتنسب
القيمة إلى ثمن المشتري، ويكون له بتلك النسبة من جميع أجزاء الحيوان، ويكون
الباقي للمشتري، ويؤيد الخبرين المذكورين خبر الغنوي الآتي فيمكن القول بالخبرين
المذكورين، وحمل بعض الأصحاب خبر السكوني على أنه كان المقصود الذبح
ثم حصل العدول عن ذلك، فيكون البيع صحيحا ويكون شريكا للمشتري بمقدار
قيمة ما استثنى، إلا أن هذا الحمل لا يجري في خبر العيون، حيث صرح فيه بعدم
إرادة نحره، ومع ذلك حكم بالتشريك في الجميع بنسبة قيمة ما استثناه والمسألة
لا يخلو من الاشكال، وإن كان القول الأول هو الأقرب.
الثاني ما لو اشترك اثنان أو جماعة وشرط أحدهم ذلك، وظاهر جملة
من الأصحاب منهم العلامة في المختلف وشيخنا الشهيد الثاني في المسالك هو
اجراء حكم المسألة الأولى في هذه المسألة، فحكموا بصحة الشرط مع الذبح أو
إرادته، والبطلان مع عدم ذلك، قال في المسالك في تتمة العبارة المنقولة عنه
آنفا: وكذا القول فيما لو اشترك فيه جماعة وشرط أحدهم ذلك. انتهى.
أقول: قد روى الشيخ عن هارون بن حمزة الغنوي (1) عن أبي عبد الله

(1) التهذيب ج 7 ص 79.
410

(عليه السلام) " في رجل شهد بعيرا مريضا يباع فاشتراه رجل بعشرة دراهم فأشرك
فيه رجلا بدرهمين بالرأس والجلد، فقضى أن البعير برئ فبلغ ثمانية دنانير قال:
فقال: لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ، فإن قال: أريد الرأس والجلد، فليس
له ذلك، هذا الضرار، وقد أعطى حقه إذا أعطى الخمس ".
وأنت خبير بأن ظاهر الخبر أن شراء البعير حال المرض واشتراك الرجل
الآخر بالرأس والجلد إنما وقع من حيث إرادة الذبح، ولكن لما اتفق أنه برئ
ولم يذبح وبلغ قيمة زائدة حكم (عليه السلام) لدفع الضرر من الطرفين وصلحا
بينهما بالتشريك في البعير، بنسبة ما دفع من قيمة الرأس والجلد، ولو طلبهما أتى
الضرار المنهي عنه متى أعطى بنسبة ما دفعه من جميع البعير، وعلى هذا يمكن
حمل حديث السكوني المتقدم، وبه يندفع ما تعلق به القائل بالابطال من لزوم
الضرر متى أراد المشتري التبقية، وأراد صاحب الرأس والجلد الذبح لأجل أخذ
ماله، فإن في ترجيح إرادة أحدهما ضرر على الآخر إلا أنه يبقى الاشكال في خبر
العيون حيث تضمن نحر البعير ولعل لفظ (لا) سقط من البين فإنه مع عدم سقوطها لا
يناسب سياق الخبر أيضا من قوله ثم بدا له، إذا الظاهر أن أصل الشراء واشتراط
الجلد والرأس إنما وقع من حيث إرادة النحر، وعلى هذا لا معنى لقوله " ثم
بدا له أن ينحره " وإنما المناسب ثم بدا له أن لا ينحره وبما ذكرنا يظهر قوة مذهب
الشيخ في المسألة المتقدمة.
وأما ما ذكره بعض محققي متأخري المتأخرين من احتمال طرح الروايتين
أعني روايتي السكوني والغنوي لضعفهما ومخالفتهما القواعد، ففيه ما عرفت في غير
موضع مما تقدم أن الطعن بالضعف غير معتمد عندنا، ولا وارد على المتقدمين
الذين لا أثر لهذا الاصطلاح عندهم، وأن الأظهر هو الوقوف على ما دلت عليه
الأخبار في كل حكم سيما مع عدم المخالف من الأخبار، وتخصيص تلك القواعد
إن ثبت بالنص، وإلا فإنه لا يلتفت إليها في مقابلة الأخبار وإن ضعفت باصطلاحهم.
411

تذنيب
قال: سلار: كل شرط يشترط البايع على المبتاع من رأس ذبيحة يبيعها
وجلدها أو بعضها بالوزن جايز.
أقول: وظاهره يعطي جواز استثناء البعض كاللحم بالوزن، وقال ابن
الجنيد: لا يجوز، لأن مواضع اللحم تتفاضل، وأقله ما يختلط به من العظم وغيره
وكثرته، فإن حدد المكان بما لا يختلط بغيره جاز. انتهى واستحسنه العلامة في
المختلف، وأنت خبير بأن ظاهر عبارة سلار هنا كما قدمنا ذكره من عبارة الشيخ
المفيد من أن الشرط المذكور إنما هو مع الذبح أو إرادته كما يخفى والله العالم.
الثالث ما لو قال اشتر حيوانا بشركتي إلى آخره الوجه في لزوم نصف
الثمن مع الأمر بشراء الحيوان بالمشاركة إن الأمر توكيل بالشراء بالشركة بينه
وبين المأمور، والشراء لا يكون إلا بالثمن، والظاهر من الشركة هو التساوي
باعتبار إرادة الشركة في كل جزء جزء منه فيحمل عليه الكلام إلا أن ينصب قرينة
على خلاف ذلك، وحينئذ فلو أذن له في أداء الثمن عنه وأدى عنه رجع به عليه
والإذن أعم من الصريح والفحوى مثل أن يأمره بشراء حيوان من مكان بعيد والمجئ
به مع العلم بأنه لا يكون ذلك إلا بعد أداء الثمن، أما لو أدى عنه بغير إذنه فلا يلزمه
العوض لأنه متبرع في أداء دين غيره، وقد تقرر أن تبرع بأداء دين غيره لا يرجع
بذلك على المديون.
والظاهر من كلام الأكثر وبه صرح العلامة في التذكرة وغيرها أنه لا يكفي
الإذن بالشراء في الإذن بأداء الثمن لأنه أعم منه بل لا بد من الإذن بالأداء صريحا
أو فحوى.
412

ويظهر من كلام شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الاكتفاء بذلك قال: والحق
أنه يرجع عليه بمجرد الإذن فيه، وإن كان ذلك أعم منه لدلالة القرائن عليه، وعدم
حصول ما يقتضي التبرع انتهى وأيده بعضهم بأنه رضي بالشراء وهو إنما يكون
بالثمن، والغالب أنه لا يسلم المبيع إلا بعد تسليم الثمن، فالظاهر أن ذلك إذن
في التسلم أيضا ولا يمكن ذلك إلا به، فكان الأمر والإذن بالشراء مستلزما لتسليم
الثمن وتسلم المبيع، فلا يضمن لو أخذ من غير إذن جديد ويرجع بالثمن مطلقا
إلا مع ما يدل على عدم الإذن، ولا يفهم الإذن قال: وليس كلام التذكرة وغيرها
بعيدا عن هذا المعنى بكثير. انتهى.
وهو لا يخلو من اشكال إلا أن يكون هناك قرائن قاطعة تدل على ذلك، وإلا
فمجرد الأمر بالشراء لا يدل على ما ادعوه، ولو تلف الحيوان المشترك بعد قبضه من غير تفريط
من المأمور فالتلف بينهما جميعا، ولا يرجع الآخر عليه، وأن يد الشريك المشتري
عليه يد أمانة، لا يد ضمان.
الرابع ما لو قال له: الربح لنا ولا خسران عليك إلى آخره أقول:
الظاهر أن وجه التردد المذكور من الرواية المشار إليها حيث دلت على صحة ذلك المؤيد
بعموم (1) " المؤمنون عند شروطهم " ومن المخالفة للقواعد المقررة في الشركة
بل مقتضى المذهب كما ادعاه بعضهم من أن الربح والخسران تابعان لرأس المال
وإلى ذلك جنح في المسالك قال: وهو الأقوى ثم قال: والرواية مع كونها
وإرادة في بيع خاص يمكن تأويلها بما يوافق الأصل انتهى.
أقول: قال الشيخ في النهاية: ومن قال لغيره اشتر حيوانا بشركتي والربح
بيني وبينك فاشتراه ثم هلك الحيوان كان الثمن بينهما، كما لو زاد في ثمنه كان
أيضا بينهما على ما اشترطا عليه، فإن اشترط عليه أن يكون له الربح لو ربح وليس
عليه شئ من الخسران كان على ما اشترطا عليه، وبه قال ابن البراج.

(1) التهذيب ج 7 ص 22.
413

وقال ابن إدريس: معنى أنه إذا قال لغيره اشتر حيوانا بشركتي المراد به
انقد عني نصف الثمن أو ما يختاره ويجعله قرضا عليه، وإلا فما يصح الشركة
إلا هكذا قال: فأما قول شيخنا (رحمه الله) فإن اشتراط عليه أن يكون له الربح
إن ربح وليس عليه من الخسران شئ كان على ما اشترطا عليه فليس بواضح
ولا يستقيم، لأنه مخالف لأصول المذهب، لأن الخسران على رؤس الأموال بغير
خلاف، وإذا شرط أنه على واحد من الشريكين كان هذا الشرط مخالفا للكتاب
والسنة، لأن السنة جعلت الخسران على رؤوس الأموال انتهى.
وقال في المختلف بعد نقل ذلك عنه: وما ذكره ابن إدريس في تفسير
قول الانسان لغيره اشتر حيوانا فاشركني ليس بصحيح، لأن الأمر بالشراء عنه ليس
أمرا بنقد الثمن عنه، والشركة يتحقق بالعقد إذا أوقعه المشتري عنه وعن الأمر
بالنيابة، لا بالأمر بنقد الثمن، وأما نسبة قول الشيخ إلى عدم الوضوح وعدم
الاستقامة وأنه مخالف لأصول المذهب وأن هذا الشرط يخالف الكتاب والسنة
فليس بجيد لأن الشيخ (رحمه الله) عول في ذلك على الكتاب والسنة والعقل،
أما الكتاب فقوله تعالى (1) " إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم "
والتراض إنما وقع على ما اتفقا عليه فلا يجوز لهما المخالفة وقوله تعالى (2)
" أوفوا بالعقود " والعقد إنما وقع على هذا فيجب الوفاء به، وأما السنة فقوله عليه السلام (3)
" المؤمنون عند شروطهم " وما رواه رفاعة (4) في الصحيح " قال: سألت أبا
الحسن (عليه السلام) عن رجل شارك في جارية له قال: إن ربحنا فيها فلك نصف

(1) سورة البقرة الآية 282.
(2) سورة المائدة الآية 1.
(3) التهذيب ج 7 ص 22.
(4) التهذيب ج 7 ص 71 و 81.
414

الربح وإن كان وضيعة فليس عليك شئ فقال: لا أرى بهذا بأسا إذا طابت نفس
صاحب الجارية " وأما العقل فلأن الأصل الجواز، وقوله إن الخسران على قدر
رأس المال، قلنا متى، مع الشرط لغيره أو بدونه، وبالجملة فقول الشيخ هو
المعتمد. انتهى.
وهو جيد ومما يدل على ذلك زيادة على الصحيحة المذكورة ما رواه الشيخ
عن أبي الربيع (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " في رجل شارك رجلا في جارية فقال له: إن
ربحت فلك وإن وضعت فليس عليك شئ؟ فقال: لا بأس بذلك إذا كانت الجارية للقائل ".
وأما ما رواه الشيخ والصدوق عن إسحاق بن عمار (2) في الموثق " قال:
قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): الرجل يدل الرجل على السلعة، فيقول: اشترها ولي نصفها،
فيشتريها الرجل وينقد من ماله، قال: له نصف الربح، قلت: فإن وضع يلحقه من الوضيعة
شئ؟ فقال: نعم عليه الوضيعة: كما أخذ من الربح " فهو ظاهر في عدم الشرط،
فلا ينافي ما تقدم. ويمكن الجمع بين كلامي الشيخ وابن إدريس بأن مبني كلام
ابن إدريس على الاشتراك في الثمن كما تأول به عبارة الشيخ، وإن كان تأويله بعيدا
وحينئذ فيكون الربح والوضيعة تابعة لرأس المال، ومبنى كلام الشيخ إنما هو على
الاشتراك في الشراء دون المشاركة في المال.
وحينئذ فلا يرد على ابن إدريس الاستدلال بصحيحة رفاعة، فإنها ظاهرة في كون
الشركة إنما هو في عقد الشراء لا في المال الذي اشترى به، إلا أنه يمكن أن يقال
أنه وإن كان الأمر كذلك من أن الشركة في رأس المال تقتضي كون الربح والخسران
تابعين لرأس المال، لكن مع الشرط يكون الأمر على ما وقع عليه الشرط، وإن
خالف القاعدة المذكورة، فإن الشروط في جميع العقود كلها من هذا القبيل بمنزلة

(1) التهذيب ج 7 ص 71 و 81.
(2) التهذيب ج 7 ص 187 الفقيه ج 3 ص 139.
415

الاستثناء مما يقتضيه أصل العقد.
وبالجملة فالظاهر هو ما ذهب إليه الشيخ (رحمه الله) ومنه يظهر ضعف ما ذهب
إليه ابن إدريس (رحمه الله) وإن تبعه فيه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك كما
عرفت والله العالم.
المسألة السادسة قد ذكروا في شراء المماليك جملة من الأحكام استجابا
وكراهة منها أنه يجوز له النظر إلى وجه المملوكة إذا أراد شراءها ومحاسنها والمراد
بها مواضع الحسن منها والزينة كالكفين والرجلين والشعر، قالوا ولا يشترط في ذلك
إذن المولى، ولا يجوز الزيادة على ذلك إلا بإذنه فيكون تحليلا يتبع ما دل عليه اللفظ حتى
العورة، وكذا يجوز له مس ما يجوز النظر إليه مع الإذن، ونقل عن العلامة في التذكرة
جواز النظر إلى ما دون العورة مع عدم الإذن، ورده جملة ممن تأخر عنه بالبعد.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بذلك ما رواه الشيخ والصدوق
عن أبي بصير " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يعترض
الأمة ليشتريها؟ قال: لا بأس بأن ينظر إلى محاسنها ويمسها ما لم ينظر إلا ما لا ينبغي
له النظر إليه ".
وما رواه في التهذيب عن حبيب بن معلى الخثعمي (2) " قال: قلت لأبي
عبد الله (عليه السلام) إني اعترضت جواري بالمدينة فأمذيت؟ فقال: أما لمن يريد
الشراء فليس به بأس، وأما من لا يريد أن يشتري فإني أكرهه ".
وعن عمران بن الحارث الجعفري " عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: لا أحب للرجل أن يقلب جارية إلا جارية يريد شراءها ":
وما رواه الثقة الجليل عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الإسناد عن
الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان (4) عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام)

(1) التهذيب ج 7 ص 75 الفقيه ج 4 ص 12.
(2) التهذيب ج 7 ص 236.
(3) التهذيب ج 7 ص 236.
(4) الوسائل الباب 20 من أبواب بيع الحيوان الرقم 4.
416

" أنه كان إذا أراد أن يشتري الجارية يكشف عن ساقيها فينظر إليها " وفي هذه الرواية
دلالة على جوار النظر إلى الساق زيادة على ما ذكره الأصحاب ويمكن أن يستفاد
من رواية الجعفري صحة ما نقل عن العلامة من جواز النظر إلى ما عدا العورة إذا دعت
الحاجة إلى ذلك ويمكن أن يحمل على ذلك قوله في رواية أبي بصير " ما لم ينظر
إلى ما لا ينبغي النظر إليه " بالحمل على العورة، ويكون ذكر المحاسن فيها إنما
خرج مخرج التمثيل، ويخرج رواية قرب الإسناد شاهدة على ذلك وبالجملة فإن
ما نقل عن التذكرة غير بعيد، وإن ردوه بالبعد.
ومنها أنه يستحب لمن يشتري مملوكا أن يغير اسمه، وأن يطعمه شيئا من
الحلو وأن يتصدق عن بشئ، وأن يكره أن يرى المملوك ثمنه في الميزان كل
ذلك للأخبار.
ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب عن زرارة (1) " قال كنت جالسا عند
أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل عليه رجل ومعه ابن له، فقال له أبو عبد الله
(عليه السلام): ما تجارة ابنك؟ فقال التنخس فقال له أبو عبد الله (عليه السلام)
لا تشترين شيئا ولا عيبا، وإذا اشتريت رأسا فلا ترين ثمنه في كفة الميزان، فما
من رأس رأى ثمنه في كفة الميزان فأفلح، وإذا اشتريت رأسا فغير أسمه وأطعمه
شيئا حلوا إذا ملكته وتصدق عنه بأربعة دراهم ".
وعن محمد بن ميسر (2) عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال:
من نظر إلى ثمنه وهو يوزن لم يفلح " وظاهر الخبرين المذكورين أن الكراهة
مترتبة على رؤية الثمن في الميزان، وحينئذ فلا يكره في غيره، وربما قيل أنه
إنما جرى على المتعارف من وضع الثمن فيه، فلو رآه في غيره كره أيضا فيكون المراد
إنما هو الكناية عن عدم رؤيته مطلقا، ويؤيده أن وزن الدراهم في الميزان قليل وبه

(1) الكافي ج 5 ص 212.
(2) الكافي ج 5 ص 212.
417

يظهر ضعف تنظره في المسالك في هذا القول.
ومنها كراهة وطئ من ولدت من الزنا بالملك والعقد، قال المحقق
الأردبيلي (قدس سره) بعد ذكر المصنف الحكم المذكور: قد نهي عنه في الأخبار
المعتبرة المحمولة على الكراهة. لعموم أدلة جواز النكاح والوطئ، وكأنه لعدم
القائل بالتحريم.
أقول: قد نقل أقول بالتحريم هنا في المسالك عن ابن إدريس بناء على
أن ولد الزنا كافر، وأن وطأ الكافر محرم، ثم رده بأن مقدمتين ممنوعتان وأنت
خبير بما قدمناه في كتاب الطهارة من التحقيق في أحوال ابن الزنا أن له حالة ثالثة
غير حال المسلمين والكفار في النكاح وغيره والأخبار قد صرحت هنا بالجواز
على كراهية.
ومنها حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: سئل عن الرجل
يكون له الخادم ولد الزنا هل عليه جناح أن يطأها؟ قال: لا وإن تنزه عن ذلك
فهو أحب إلي " ونحوها غيرها.
ومنها التفرقة بين الأطفال وأمهاتهم قبل استغنائهم عنهن فقيل بالكراهة وقيل
بالتحريم، والقولان للشيخ في النهاية، فقال: في باب ابتياع الحيوان لا يجوز
وقال في باب العتق أنه مكروه، وإلى القول بالتحريم ذهب الشيخ المفيد وابن البراج
وسلار وابن الجنيد، ونقل عن العلامة في التذكرة مدعيا أنه المشهور وهو اختيار
شيخنا الشهيد الثاني في المسالك والروضة، وإلى القول بالكراهة ذهب المحقق
في كتابيه والعلامة في المختلف والارشاد وابن إدريس والشهيد في اللمعة وغيرهم.
احتج القائلون بالكراهة بما ورد من (1) " إن الناس مسلطون على أموالهم "
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بالمقام زيادة على الخبر المذكور ما رواه

(1) البحار ج 2 ص 272 الطبع الحديث.
418

المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) عن معاوية بن عمار (1) في الصحيح " قال: سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أتي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسبي
من اليمن، فلما بلغوا الجحفة نفدت نفقاتهم فباعوا جارية من السبي كانت أمها
معهم، فلما قدموا على النبي (صلى الله عليه وآله) سمع بكاءها، فقال: ما هذه
البكاء؟ فقالوا يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) احتجنا إلى نفقة فبعنا ابنتها فبعث
بثمنها فأتي بها، وقال: بيعوهما جميعا أو أمسكوهما جميعا ".
وما رواه في الكافي والتهذيب عن سماعة (2) في الموثق " قال: سألته
أخوين مملوكين هل يفرق بينهما؟ وعن المرأة وولدها، قال: لا هو حرام إلا أن
يريدوا ذلك " ورواه في الفقيه " قال: سأل سماعة أبا عبد الله (عليه السلام) عن
أخوين مملوكين " الحديث.
وما رواه في الكافي والتهذيب عن هشام بن الحكم (3) في الصحيح أو
الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال إنه اشتريت له جارية من الكوفة قال:
فذهبت تقوم في بعض الحاجة، فقالت: يا أماه فقال لها أبو عبد الله (عليه السلام):
ألك أم؟ قالت: نعم فأمر بها فردت، وقال: ما آمنت لو حبستها أن أرى في ولدي
ما أكره ".
وما رواه في الكافي عن عمر بن أبي نصر (4) " قال: قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): الجارية الصغيرة يشتريها الرجل؟ فقال: إن كانت قد استغنت عن
أبويها فلا بأس ".
وما رواه المشايخ الثلاثة عن أبي سنان (5) في الصحيح فإن الظاهر أن ابن

(1) الكافي ج 5 ص 218 التهذيب ج 7 ص 73 الفقيه ج 3 ص 137.
(2) الكافي ج 5 ص 218 التهذيب ج 7 ص 73 الفقيه ج 3 ص 137.
(3) الكافي ج 5 ص 219 التهذيب ج 7 ص 73.
(4) الكافي ج 5 ص 219.
(5) الكافي ج 5 ص 219.
419

سنان هو عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) " أنه قال في الرجل يشتري الغلام
والجارية وله أخ أو أخت أو أب أو أم بمصر من الأمصار؟ قال: لا يخرجه إلى
مصر آخر إن كان صغيرا ولا يشتره فإن كانت له أم فطابت نفسها ونفسه فاشتره
إن شئت ".
وما رواه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك عن أبي أيوب عن النبي
(صلى الله عليه وآله) " قال: من فرق بين والدة وولدها، فرق بينه وبين أحبته " أقول: وهذه
الرواية لم أقف عليها في كتب أخبارنا ولا يبعد أنها من طريق العامة إلا أن صحيحة
هشام المذكورة ظاهرة فيما دلت عليه.
وفي كتاب الفقه الرضوي (2) " وروى في الجارية الصغيرة تشترى ويفرق
بينها وبين أمها؟ فقال: إن كانت قد استغنت عنها فلا بأس ".
هذه جملة ما حضرني من أخبار المسألة، ودلالتها على التحريم ظاهرة،
سيما صحيحة معاوية حيث أمر (صلى الله عليه وآله) برد الجارية المباعة، والأمر
للوجوب كما تقرر في محله، وظاهرها بطلان البيع، حيث استرجع المبيع برد
الثمن من غير رضا المشتري كما هو ظاهر الخبر، وقوله في موثقة سماعة " هو حرام
إلا أن يريدوا ذلك ".
وبالجملة فإن ظاهر الأخبار هو التحريم والبطلان وبذلك اعترف في
الدروس أيضا (3).

(1) المستدرك ج 2 ص 486 عن عوالي اللئالي.
(2) المستدرك ج 2 ص 476.
(3) قال في الدروس: اختلفوا في التفريق بين الأطفال وأمهاتهم إلى سبع
سنين، وقيل: إلى مدة الرضاع، ففي رواية سماعة يحرم إلا برضاهم
وأطلق المفيد والشيخ في الخلاف والمبسوط التحريم وفساد البيع
وهو ظاهر الأخبار، وطرد الحكم في أم الأم وابن الجنيد طرد في من
يقوم مقام الأم في الشفقة، وأفسد البيع في السبايا وكره ذلك في غيرهم
والحلبيون على كراهية التفرقة وتخصيص ذلك بالأم وهو فتوى الشيخ في
العتق من النهاية انتهى منه رحمه الله.
420

تنبيهات
الأول قد عرفت أن الأصحاب خصوا الحكم بالأطفال، وفرعوا عليه أيضا
الخلاف في الغاية التي يزول معها التحريم أو الكراهة، هل هي مدة سبع سنين،
أو أن يستغنى عن الرضاع؟ وهو مشكل، إذ لم نقف له على مستند، وبذلك اعترف
في المسالك أيضا، وذكر جماعة من المتأخرين أنه مترتب على الخلاف في الحضانة
الآتي في كتاب النكاح انشاء الله تعالى وهو أشكل لاختلاف الأخبار (1) والأقوال
في ذلك أيضا.

(1) ففي بعض الأخبار * أن الولد للأب وله أن يعطيه لمن شاء يرضعه
إلا يطلب الأم ذلك، فترضى بما يرضى به غيرها فهي أحق ما لم يفطم،
وفي بعض أن الأم أحق بالولد إلى سبع سنين، وفي بعض آخر إلى أن
يتزوج، وفي بعض آخر أنه ما دام في الرضاع فهو بين الأبوين، فإذا
فطم فالأب أحق به من الأم فإذا مات الأب فالأم أحق به من العصبة، وفي
بعضها أنه ليس للوصي أن يخرجه من حجر الأم حتى يدرك ويدفع إليه ماله
والشيخ قد جمع بينها بأن الأم أحق قبل الفطام وإذا أرضعت بما يرضع
الغير فهي أحق، وأنها أحق بالأنثى ما لم تتزوج، وجمع جملة من الأصحاب
بينها بحمل رواية السبع على الأنثى، والحولين على الذكر، لمناسبة
الحكمة في احتياج الأنثى إلى تربية الأم زيادة على الذكر، قال في المسالك
وهذا هو الأجود، ثم قال وحيث كان ذلك في حكم الحرة فليكن في الأمة
كذلك لأن حقها لا يزيد على الحرة، ولأن ذلك هو الحق المقرر للأم
في كون الولد معها في نظر الشارع انتهى منه رحمه الله.
* التهذيب ج 8 ص 104.
421

وأنت خبير بأن ظاهر الروايات المذكورة عدم الاختصاص بالأطفال بل ظاهر جملة
منها إنما هو الكبار، كما يعطيه ظاهر صحيحة معاوية بن عمار من بيع الجارية لنفقة
العسكر، ومن الظاهر الغالب أن قيمة الطفل لا يفي بذلك، وأظهر منها صحيحة
هشام بن الحكم، وقوله فيها " أن الجارية ذهبت تقوم في بعض حوائجها، " وهو
أيضا ظاهر موثقة سماعة وأن الولد فيها أعم من الصغير والكبير، بل الظاهر أنما
هو كونه كبيرا لقوله " إلا أن يردوا ذلك " فإن الإرداة لا تحصل من الرضيع.
وكذلك قوله في صحيحة ابن سنان " وإن كانت له أم فطابت نفسها
ونفسه، فاشتره " فإن طيب النفس لا يتم في الرضيع وهذا كله بحمد الله سبحانه
ظاهر لا ريب فيه.
الثاني أنه على تقديرا لقول بالتحريم هل يحكم ببطلان البيع أيضا أم لا؟
وجهان بل قولان يلتفتان إلى أن النهي في غير العبادة لا يقتضي الفساد ولرجوعه
إلى وصف خارج عن ذات المبيع، فيكون كالبيع وقت النداء، وعلى هذا فيصح
البيع وإن أثم، وإلى أن المفهوم من صحيحتي معاوية وهشام من حيث اشتمالهما
على الرد من غير رضى المتبايعين هو البطلان، والظاهر أن الوجه فيه هو أن تحريم
التفرقة أخرجها عن صلاحية المعاوضة، وهو الأظهر، وفاقا لجملة من الأصحاب.

(1) التهذيب ج 8 ص 104.
422

الثالث أنه هل يختص النهي عن التفرقة بالولد مع الأم، أم يعم الأرحام
المشاركة في الشفقة والاستيناس. كالأخت والعمة والخالة؟ قولان، استجود شيخنا
الشهيد الثاني في الروضة والمسالك الثاني، واستقرب العلامة في التذكرة الأول،
وظاهر موثقة سماعة وصحيحة ابن سنان يؤيد الثاني، إلا أن ظاهرهم تخصيص التعدية
إلى ما شارك الأم في الشفقة من الإناث خاصة، وظاهر الروايتين المذكورتين التعدي
إلى الذكور أيضا فالتخصيص المذكور خروج عن النص.
والأظهر الوقوف على ما دلت عليه النصوص من الأم والأخ والأخت والأب
اقتصارا فيما خرج عن الأصل على موضع النص، ولأن ما زاد لا يخرج عن
القياس.
الرابع أنه هل يلحق بالبيع غيره؟ قال في المسالك: الظاهر عدم الفرق بين
البيع وغيره، وإن كان في بعض الأخبار ذكر البيع لايمائها إلى العلة الموجودة في غيره،
فيتعدى إلى كل ناقل للعين حتى القسمة والإجارة الموجبة للفرقة، وحيث كانت
علة المنع الفرقة فلو لم يستلزمها كما لو باع أحدهما وشرط استخدامه مدة المنع
أو على من لا يحصل معه التفريق بينهما لم يحرم، مع احتماله في الثاني إذا لم يكن
الاجتماع لازما له شرعا. انتهى.
وأورد عليه (1) بأنه وإن كان محتملا من جهة ظهور العلة المفهومة فيمكن
ذلك، ولكن يشكل ذلك من جهة كونه قياسا مع عدم المنصوصية في العلة. انتهى.
وهو جيد على أنه قد تقدم ما في منصوص العلة من البحث في صدر جلد الطهارة من
هذا الكتاب (2) وبالجملة فإن الأظهر الاقتصار في ذلك على البيع كما هو مورد
الأخبار، اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد النص، والنصوص المتقدمة كلها
إنما تضمنت البيع والشراء، وليس فيها ما تضمن مجرد التفرقة إلا موثقة سماعة،

(1) وهو المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد منه رحمه الله.
(2) ج 1 ص 63.
423

فيجب حملها على ما عداها من النصوص المذكورة، حمل المطلق على المقيد
وبه يظهر أن التعدية قياس محض والله العالم.
الخامس قال في المسالك: وموضع الخلاف بعد سقي الأم اللبأ، أما قبله
فلا يجوز قطعا، لما فيه من التسبب إلى اهلاك الولد، فإنه لا يعيش بدونه، صرح به
جماعة. انتهى.
وفيه تأمل لأنا رأينا كثيرا من الأطفال قد عاش بدون ذلك، بأن يشرب من لبن
غير أمه بعد الولادة، وربما تعذر وجود اللبن من أمه لمرض ونحوه بعد الولادة مدة،
وإنما يرضع من حليب غيرها، بل قيل: إنه لا يوجد اللبأ في كثير من النساء وبنحو
ما قلنا صرح المحقق الأردبيلي قدس سره في شرح الإرشاد أيضا.
السادس قال في المسالك: ولا يتعدى الحكم إلى البهيمة اقتصارا بالمنع
على موضع النص، فيجوز التفرقة بينها وبين ولدها بعد استغنائه عن اللبن، وقبله
إن كان مما يقع عليه الزكاة أو كان له ما يمونه من غير لبن أمه انتهى.
المسألة السابعة لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أنه يجب
استبراء الأمة على البايع قبل البيع إذا وطأها، وكذا المشتري ويسقط الاستبراء
عن المشتري لو أخبره البايع بالاستبراء وكان ثقة أو كانت لامرأة، أو كانت يائسة
أو صغيرة أو حاملا أو حايضا.
وتفصيل هذه الجملة يقع في موارد: الأول لا يخفى أن الاستبراء عبارة عن
طلب براءة الرحم من الحمل، فإنه إذا صبر عليها المدة المضروبة لذلك حسبما
يأتي ذكره في الأخبار تبين به حملها أو عدمه، والحكمة فيه عدم اختلاط الأنساب
والمشهور بين الأصحاب وبه صرح الشيخ وتبعه الأصحاب أنه لا فرق في ذلك
بين البيع وغيره من الوجوه الناقلة للملك، وكذا القول في الشراء فيجب الاستبراء
بكل ملك زايل وحادث، وخالف في ذلك ابن إدريس فخصه بالبيع، دون غيره
من الوجوه المشار إليها، قال العلامة (قدس سره) في المختلف: قال الشيخ
424

في الخلاف: إذا ملك أمة بابتياع أو هبة أو إرث أو استغنام لم يجز له وطؤها إلا
بعد الاستبراء.
وقال ابن إدريس: لا يجب في غير البيع، لأن الذي رواه أصحابنا في
تصانيفهم الخالية من فروع المخالفين وبياناتهم ونطقت به أخبار الأئمة (عليهم السلام)
أن الاستبراء لا يجب إلا على البايع والمشتري، ولم يذكروا غيرهما، والأصل
براءة الذمة، والتمسك بقوله تعالى (1) " وما ملكت أيمانكم " وهذه ملك يمين
والحق ما قاله الشيخ، لنا أن المقتضي لوجوب الاستبراء في صورة البيع ثابت
في غيره، وهو العلم باستفراغ رحمها، والاختلاط على الأنساب، والحفظ
من اختلاطها، وأي فرق بين قوله بعتك، وقوله وهبتك، بحيث يوجب الأول
الاستبراء دون الثاني، ولا يخفى ذلك على محصل، وأسند النقل إلى كتاب الخلاف
ونسبه إلى أنه من فروع المخالفين، ولعله لم يقف في النهاية على باب السراري
وملك الأيمان، فإن الشيخ نص فيه على ذلك أيضا، بل هو نفسه قال في هذا الباب
متى ملك الرجل جارية بأحد وجوه التملكات من بيع أو هبة أو سبي أو غير ذلك
لم يجز له وطؤها في قبلها إلا بعد أن يستبرأها، فلعله بعد ذلك وقف على شئ لم
يقف عليه من الأول حتى خرج كونه من فروع المخالفين، وبالجملة فهذا الرجل
يخبط ولا يبالي أين يذهب، ويتجرى على شيخنا (قدس سره) بما لا يجوز انتهى
وهو جيد.
ويؤيده ما رواه الشيخ في التهذيب عن الحسن بن صالح عن أبي عبد الله
(عليه السلام) " قال: نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وآله) في الناس يوم
أو طاس: أن استبرؤا سباياكم بحيضة " إلا أنها خاصة بالاسترقاق، وظاهر صاحب

(1) سورة النساء الآية 3.
(2) التهذيب ج 8 ص 176.
425

الكفاية التوقف هنا، والميل إلى ما ذهب إليه ابن إدريس، وقال المحقق الأردبيلي
(قدس سره): الظاهر الحاق الأمور الناقلة للأمة والمبيحة للفرج بالبيع والشراء
في وجوب الاستبراء، وتحريم الوطئ لظهور العلة مع احتمال الخصوص وهو
بعيد، خصوصا من جانب المتملك، فإن المقصود لم يتم إلا بذلك انتهى.
الثاني الاستبراء يقع بخمسة وأربعين يوما إن لم تحض، وإلا فحيضة،
ووجوب الاستبراء على البايع ومن في حكمه مشروط بأن يطأها وإن عزل وأما
المشتري ومن في حكمه فإنما يجب عليه الاستبراء مع علمه بوطئ السابق، أو جهله
الحال، فلو علم الانتفاء لم يجب لانتفاء الفايدة، وللنص.
وأما ما يدل على وجوب الاستبراء على البايع والمشتري وكذا على جملة من
هذه الأحكام فجملة من الأخبار، منها خبر الحسن بن صالح المتقدم، وما رواه
في الكافي. عن سماعة (1) في الموثق " قال سألته، عن رجل اشترى جارية وهي
طامث أيستبرئ رحمها بحيضة أخرى أو تكفيه هذه الحيضة؟ قال: لا بل تكفيه هذه
الحيضة، فإن استبرأها بأخرى فلا بأس هي بمنزلة فضل ".
وعن ربيع بن القاسم (2) " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الجارية
التي لم تبلغ الحيض (3) وتخاف عليها الحبل، فقال: يستبرئ رحمها الذي يبيعها
بخمس وأربعين ليلة، والذي يشتريها بخمس وأربعين ليلة ".
وما رواه الشيخ عن عبد الرحمن ابن أبي عبد الله (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام)

(1) التهذيب ج 8 ص 174.
(2) التهذيب ج 8 ص 170.
(3) قوله لم تبلغ الحيض أي أنها بلغت، لكنها لم تحض وإلا فلا معنى
لكونها ما تخوف عليها الحبل ولو لم يبلغ بالكلية منه رحمه الله.
(4) التهذيب ج 8 ص 172.
426

في الرجل يشتري الجارية ولم تحض أو قعدت عن المحيض كم عدتها قال: خمس
وأربعون ليلة " أقول الظاهر أن المراد بهذه الراية هي من كانت في سن من تحيض
ولم تحض بالكلية أو أنها حاضت ثم انقطع عنها الحيض، وهي في سن من تحيض،
لما عرفت آنفا من عدم العدة على الصغيرة واليائسة.
ويدل أيضا ما رواه هذا الراوي بعينه (1) " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الرجل يشتري الجارية التي لم تبلغ المحيض، وإذا قعدت من المحيض ما عدتها؟
وما يحل للرجل من الأمة حتى يستبرأها قبل أن تحيض؟ قال: إذا قعدت عن المحيض
أو لم تحض فلا عدة لها والتي تحيض فلا يقربها حتى تحيض وتطهر " ونحوها غيرها
مما سيأتي انشاء الله تعالى.
وعن منصور بن حازم (2) " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن عدة
الأمة التي لم تبلغ المحيض وهو يخاف عليها فقال: خمس وأربعون ليلة ".
وما رواه في الكافي والتهذيب في الحسن عن حفص البختري (3) عن أبي
عبد الله (عليه السلام) " قال: في الرجل يشتري الأمة من رجل فيقول: إني لم أطأها
فقال: إن وثق به فلا بأس بأن يأتيها، وقال في رجل يبيع الأمة من رجل فقال: عليه
أن يستبرئ من قبل أن يبيع ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال:
في رجل ابتاع جارية لم تطمث، قال: إن كانت صغيرة لا يتخوف عليها الحبل
فليس عليها عدة، فليطأها إن شاء، وإن كانت قد بلغت ولم تطمث فإن عليها العدة،
قال: وسألته عن رجل اشترى جارية وهي حايض قال: إذا طهرت فليمسها
إن شاء ".

(1) التهذيب ج 8 ص 172.
(2) التهذيب ج 8 ص 172 و 173 و 171.
(3) التهذيب ج 8 ص 172 و 173 و 171.
(4) التهذيب ج 8 ص 172 و 173 و 171.
427

ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن مثله، وعن ابن أبي يعفور (1) عن أبي
عبد الله (عليه السلام) " قال: في الجارية التي لم تطمث ولم تبلغ الحبل إذا
اشتراها الرجل، قال: ليس عليها عدة يقع عليها " الحديث.
وما رواه في الكافي عن عبد الله بن عمر (2) قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
أو لأبي جعفر (عليه السلام) الجارية الصغيرة يشتريها الرجل وهي لم تدرك أو قد يئست
من المحيض قال فقال لا بأس أن لا يستبرئها " وما رواه الصدوق مرسلا (3) " قال: قال
أبو جعفر (عليه السلام): إذا اشترى الرجل جارية وهي لم تدرك أو قد بئست من
المحيض فلا بأس بأن لا يستبرأها ".
وما رواه الشيخ عن عمار (4) في الموثق " قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام)
الاستبراء على الذي يريد أن يبيع الجارية واجب إن كان يطأها، وعلى الذي
يشتريها الاستبراء أيضا قلت: فيحل له أن يأتيها دون فرجها؟ قال: نعم قبل أن
يستبرأها ".
وما رواه في كتاب عيون أخبار الرضا عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (5)
عن الرضا (عليه السلام) " في حد الجارية الصغيرة السن الذي إذا لم تبلغه لم يكن على
الرجل استبراؤها؟ قال إذا لم تبلغ استبرئت بشهر، قلت: وإن كانت ابنته سبع
سنين ونحوها مما لا تحمل، فقال: هي صغيرة ولا يضرك أن لا تستبرئها، فقلت:

(1) التهذيب ج 8 ص 171.
(2) الكافي ج 5 ص 472 (3) الفقيه ج 3 ص 283.
(4) التهذيب ج 8 ص 177.
(5) الوسائل الباب 3 من أبواب نكاح العبيد.
428

ما بينها وبين تسع سنين؟ فقال: نعم تسع سنين ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن سعد بن سعد الأشعري (1) عن أبي الحسن
الرضا (عليه السلام) " قال: سألته عن رجل يبيع جارية كان يعزل عنها هل عليه
منها استبراء؟ قال: نعم، وعن أدنى ما يجزي من الاستبراء للمشتري والبايع؟ قال: أهل
المدينة يقولون حيضة، وكان جعفر (عليه السلام) يقول: حيضتان، وسألته عن
أدنى استبراء البكر فقال: أهل المدينة يقولون حيضة، وكان جعفر (عليه السلام)
يقول: حيضتان " ونحوها في الاستبراء بحيضتين صحيحة محمد ابن إسماعيل بن
بزيع الآتية في مسألة أخبار البايع بالاستبراء.
وما رواه في الكافي عن سماعة (2) في الموثق " قال: سألته عن رجل اشترط
جارية ولم يكن لها زوج أيستبري رحمها؟ قال: نعم، قلت فإن كانت لم تحض؟
قال: أمرها شديد وإن هو أتاها فلا ينزل الماء حتى يستبين أحبلى هي أم لا، قلت:
وفي كم تستبين له؟ قال: في خمسة وأربعين يوما " وعن الحلبي (3) في الصحيح
أو الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) " في رجل اشترى جارية لم يكن صاحبها
يطؤها أيستبرئ رحمها؟ قال: نعم، قلت: جارية لم تحض كيف يصنع بها؟ قال:
أمرها شديد غير أنه إن أتاها فلا ينزل عليها حتى يستبين له إن كان بها حبل قلت:
وفي كم يستبين له؟ قال: في خمس وأربعين ليلة " إلى غير ذلك من الأخبار المتعلقة
بهذا المقام وسيأتي أيضا نحوها.
والكلام فيها يقع في مواضع، أحدها ما دلت عليه جملة منها من وجوب
الاستبراء على البايع والمشتري، مما لا خلاف فيه فيما أعلم ولا اشكال والمعتبر
في الاستبراء عندهم هو ترك الوطئ في القبل والدبر، واحتمل بعض المحققين
تخصيص الوطئ بالقبل، ولا يخلو من قرب، فإنه هو المتبادر من الأخبار بحمل

(1) التهذيب ج 8 ص 171.
(2) الكافي ج 5 ص 472.
(3) الكافي ج 5 ص 472.
429

مطلقها على مقيدها، ولأنه هو المناسب للاستبراء بالحيض، والحكمة في الاستبراء،
على أن اطلاق الأخبار إنما بحمل على الفرد الشايع المتكرر، وهو إنما يكون
بالنسبة إلى القبل كما لا يخفى، إلا أن الاحتياط في الوقوف على ما ذكره الأصحاب.
وكيف كان فلا يتعدى الاستبراء إلى باقي وجوه الاستمتاع، خلافا للشيخ
في المبسوط على ما نقل عنه حيث حرم الجميع على المشتري حتى يستبرأها ويرده
نولها في صحيحة محمد بن إسماعيل الآتية قريبا انشاء الله (تعالى) " قلت: يحل
للمشتري ملامستها؟ قال: نعم، ولا يقرب فرجها " وقوله عليه السلام في رواية
عبد الله بن سنان الآتية انشاء الله تعالى أيضا " ولكن يجوز ذلك فيما دون الفرج "
وفي رواية عبد الله بن محمد (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: لا بأس بالتفخيذ
لها حتى تستبرئها وإن صبرت فهو خير لك ".
ويؤيده أن العلة براءة الرحم وعدم اختلاط الأنساب، إلا أنه لو لم يستبرئها
البايع ونحوه، فالظاهر من كلام الأصحاب أنه يأثم ويصح البيع وغيره من العقود
لرجوع النهي إلى أمر خارج عن البيع، والظاهر أنه لا كلام في وجوب تسليم
البايع الجارية إلى المشتري لو لم يستبرئها لأن تركه الواجب عليه من استبرائها
لا يوجب جواز حبس المال عن صاحبه.
وأما ما احتمله في المسالك من بقاء وجوب الاستبراء قبله ولو بالوضع
على يد عدل لوجوبه قبل البيع فيستصحب فلا يخلو من ضعف لعدم حجية مثل
هذا الاستصحاب المتثاقل في أمثال هذه المقامات، وأما ابقاؤها في يد البايع فلا
يجب قطعا، لأنها صارت أجنبية منه بالبيع، ولو لم يستبرئها المشتري أثم وعزر
مع العلم بالتحريم ويلحق به الولد، لأنه فراش، وهل يسقط الاستبراء
حينئذ؟ اشكال، ينشأ من انتفاء الفائدة فيه والحكمة المطلوبة في المقام لأنه قد

(1) التهذيب ج 8 ص 178.
430

اختلط الماءان، وألحق به الولد الذي يمكن تجدده ومن اطلاق الأمر بالاستبراء
في المدة، وهي باقية، وفي رواية عبد الله بن سنان (1) الآتية قريبا انشاء الله تعالى
" لأن الذين يشترون الإماء ثم يأتونهن قبل أن يستبرؤهن فأولئك الزناة بأموالهم ".
وثانيها أكثر الروايات المتقدمة على الاكتفاء بالحيضة الواحدة في الاستبراء
وهو المشهور في كلامهم من غير خلاف يعرف، إلا أن صحيحة سعد بن سعد الأشعري
وكذا صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع دلنا على الحيضتين، ونسبة الحيضة إلى
علما العامة.
والشيخ ومن تبعه حملوها على الاستحباب، واستند الشيخ في الحمل
المذكور إلى موثقة سماعة المتقدمة، وقوله (عليه السلام) فيها " فإن استبرأها بأخرى
فلا بأس، هي بمنزلة فضل " وهو جيد، ولولا اتفاق الأصحاب على الحكم
المذكور وتظافر الأخبار به لأمكن حمل أخبار الحيضة على التقية كما يشعر به ظاهر
الصحيحتين المذكورتين والاحتياط يتقضى العمل بهما.
وثالثها ما دلت عليه الأخبار المتقدمة من أنه مع عدم الحيض فالاستبراء
بخمسة وأربعين يوما هو المشهور بين الأصحاب، ونقل في المختلف عن الشيخ
المفيد أن الاستبراء بثلاثة أشهر ولم نقف على مستنده.
ورابعها ما دل عليه موثق سماعة المتقدم ونحوه صحيح الحلبي المتقدم الاكتفاء
باتمام الحيضة عند انتقالها إليه حايضا هو المشهور بين الأصحاب، ونقل عن
ابن إدريس عدم الاكتفاء بذلك وهو مردود بالأخبار المذكورة.
وخامسها ما تضمنه صحيح الحلبي ونحوه غيره كرواية ابن أبي يعفور
ورواية عبد الله بن عمر ومرسلة الفقيه وغيرها من جواز وطئ الصغيرة لا يخلو من

(1) الفقيه ج 2 ص 282.
431

الاشكال، لظاهر الاتفاق نصا وفتوى على أنه لا يجوز الوطء قبل بلوغها، فإن
المراد من الصغيرة عند الاطلاق هي من لم يبلغ سنها تسع سنين الذي هو سن
البلوغ، ولا يمكن الحمل على من تجاوز سنها التسع ولم تحض بناء على الغالب
لأن قوله في الصحيحة المذكورة " وإن كانت قد بلغت ولم تطمث " ما ينافي ذلك
ويمكن توجيه الروايات المشار إليها وإن بعد بأنه لا بأس من حيث عدم
الاستبراء وإن وجد البأس من جهة أخرى، ويحتمل أن يكون المراد أنها كانت
صغيرة عند البايع، فلو وطأها البايع وإن فعل محرما كان في حال عدم البلوغ
وأنها بلغت عند المشتري قبل الاستبراء فلا بأس حينئذ بأن يطأها المشتري بدون
الاستبراء لعدم إمكان حملها من البايع، وحيث أنها لم تكن بالغة يومئذ، وكونها
بالغة عند وطئ المشتري، وينبغي أن يحمل على ذلك كلام الأصحاب أيضا، حيث
أنهم جعلوا من مسقطات الاستبراء ما إذا اشتراها صغيرة، حيث أنه مؤذن بجواز
الوطئ من غير استبراء، ولم أر من تنبه لما نبهنا عليه سوى المحقق الأردبيلي (قدس
سره) في شرح الإرشاد، وقد سبق لنا لهذا الاشكال في حواشينا على الوافي قبل
تصنيف هذا الكتاب بما ذكرناه هنا، وقد وفق الله سبحانه للوقوف على كلام المحقق
المذكور مؤيدا لما ذكرناه، حيث قال بعد نقل صحيحة الحلبي ورواية ابن أبي يعفور دليلا لما ذكره الأصحاب من عدم وجوب الاستبراء على الصغيرة ما لفظه:
وفيه تأمل لأنه يفهم منه تجويز الوقوع على غير البالغ، مع أنه حرام قبل البلوغ
عندهم، أو البالغ التي لم يتخوف عليها الحبل لصغرها من غير استبراء، وهو جايز،
فلعل المراد عدم التحريم من جهة الاستبراء، أو الوقوع بعد البلوغ انتهى.
والاحتمال الثاني الذي ذكره وإن تم في بعض الروا آيات المشار إليها، إلا أنه لا يتم
في صحيحة الحلبي لما ذكرناه من مقابلة الصغيرة بالبالغة، فإنه ظاهر في أن المراد
بها قبل البلوغ.
وسادسها ما تضمنه موثق سماعة وصحيح الحلبي بالنسبة إلى الجارية التي
432

لم تحض، من أن أمرها شديد وأنه إن أتاها فلا ينزل حتى يستبين له
حالها من كونها حبلى أم لا لا يخلو من الاشكال، فإن قوله " لم تحض " إما أن
يراد به الكناية عن كونها صغيرة لم تبلغ، وحينئذ فالحكم بجواز اتيانها وإن كان
مع عدم الانزال خلاف الأخبار وكلام الأصحاب الصريح في عدم جواز الوطئ
في الصورة المذكورة وإن أريد بها البالغة وإن لم تحض بالفعل فوجوب الاستبراء
فيها مما اتفقت عليه الأخبار، وكلمة الأصحاب أيضا، فجواز جماعها على كل من
الوجهين لا وجه له.
قال شيخنا المجلسي عطر الله مرقده في حواشيه على كتب الأخبار في خبر
سماعة: يمكن حمله على أن عدم الانزال كناية عن عدم الوطئ في الفرج، وشدة أمرها باعتبار عسر الصير في هذه المدة، وهو مؤيد لما ذهب إليه الأصحاب من
جواز الاستمتاع بها فيما دون الفرج، وذهب جماعة إلى المنع من الاستمتاع
بها مطلقا. انتهى ولا يخفى بعده.
وقال والده في حواشيه له على هذا الخبر أيضا: قوله (عليه السلام) " أمرها شديد "
أي في الاستبراء وعدم الوطئ أو ترك الانزال، قوله " فإن أتاها " وإن كان حراما،
أو يحمل على تقدير الأخبار أو كان ذلك على جهة الاستحباب، أو يحمل الاتيان
على غير الفرج، أي الدبر وترك الانزال، لامكان الحمل بوطئ الدبر انتهى
وهو كسابقه.
أقول وقد روى ثقة الاسلام في الكافي عن أبي بصير (1) وهو ليث المرادي
في حديث " أنه قال لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يشتري الجارية الصغيرة التي
لم تطمث وليست بعذراء أيستبرئها؟ قال: أمرها شديد إذا كان مثلها تعلق، فليستبرئها "
ورواه الشيخ في الصحيح مثله، والظاهر من هذا الخبر أنه اشترى الجارية بعد
افتضاضها وزوال بكارتها، ولكن في ظنه أنها لم تبلغ سيما مع عدم طمثها، فقال

(1) الكافي ج 5 ص 475 التهذيب ج 8 ص 176.
433

(عليه السلام): إن هذه باعتبار عدم معلومية البلوغ وعدمه محل إشكال، وأمرها
شديد، سيما إذا كان مثلها ومن هو في قدر جثتها وصورتها يحصل له الحمل، فالواجب
استبراؤها إذا كانت بهذه الكيفية، وحينئذ فيمكن حمل الخبرين المشار إليهما على
من كانت كذلك، وقوله فيهما جارية " لم تحض " أي لم يعلم بلوغها بالحيض،
ولكنها محتملة للبلوغ وعدمه بالسن، فأجاب (عليه السلام) بأن هذه من حيث
احتمال البلوغ وعدمه أمرها شديد، إلا أنه حيث كان الأصل عدم البلوغ حتى
يتحقق، فلا بأس لو جامعها، لكن الاحتياط في العزل عنها حتى يستبرئها، وفي خبر أبي بصير إنما أمر بالاسبتراء من حيث إن مثلها تعلق، فهو قرينة على احتمال البلوغ،
ومرجح له ويعضده ما تقدم في رواية منصور بن حازم من قوله " سألته عن عدة الأمة
التي لم تبلغ المحيض وهو يخاف عليها؟ فقال: خمسة وأربعون ليلة "، ونحوها
رواية ربيع بن القاسم، فإنهما ظاهرتان في عدم تحقق البلوغ، إلا أنهما محتملة
له احتمالا قريبا حسبما ذكرناه في رواية أبي بصير المذكورة، ونحو هذه الروايات
في ذلك مفهوم صحيحة الحلبي المتقدمة.
فرعان
الأول قال الشيخ في النهاية والشيخ المفيد: إذا اشترى جارية وعزلها عند
انسان للاستبراء كانت من مال البايع إذا هلكت في مدة الاستبراء ما لم يحدث المبتاع
فيها حدثا، فإن أحدث كان تلفها منه.
وقال في المبسوط: وإن جعلت عند من يثق به جاز، فإن هلكت فإن كان
المشتري قبضها ثم جعلت عند عدل فمن ضمان المشتري، لأن العدل وكيله، ولو
سلمها البايع للعدل قبل قبض المشتري بطل البيع، واختاره ابن إدريس قال العلامة في
المختلف بعد نقل ذلك: ولا أرى بينهما تنافيا، فإن كلام النهاية قد يحمل
على هذا.
أقول حمل كلام النهاية على هذا تعسف ظاهر، فإن كلامه ظاهر في أن المودع
434

للجارية إنما هو المشتري، ومع هذا جعل هلاكها من البايع، والحق في المسألة
إنما هو ما ذكره في المبسوط، وحمل كلامه في النهاية على ذلك مما لا يخفى بعده.
الثاني قال الشيخ في النهاية والمفيد وابن حمزة: النفقة مدة الاستبراء على
البايع، قال في المختلف: وليس بجيد، لأنها ملك المشتري والنفقة تابعة للملك
انتهى وهو جيد، ونقل عنه أيضا القول بما ذهب إليه الشيخان، قال في الدروس:
والنفقة على البايع مدة الاستبراء عند الشيخين، والفاضل تارة يقول به بشرط الوضع
عند عدل، وتارة يقول النفقة على المشتري، لأنها تابعة للملك. انتهى وهو ظاهر
في اضطراب فتواه (قدس سره) في هذه المسألة.
الثالث قد عرفت آنفا أنه يسقط الاستبراء في مواضع تقدم ذكرها اجمالا،
والواجب ذكرها مفصلا وبيان القول فيها مشروحا، فمنها الصغيرة وقد تقدم ذكر
الأخبار الدالة عليها وما فيها من الاشكال، والجواب عن ذلك بما رزق الله سبحانه
فهمه في هذا المجال.
ومنها اليائسة وقد تقدمت في جملة من الأخبار المتقدمة كصحيحة عبد الرحمن
ابن أبي عبد الله (1) وقوله (عليه السلام) فيها " إذا قعدت عن المحيض أو لم تحض
فلا عدة عليها " ونحوها رواية عبد الله بن عمر ومرسلة الصدوق، إلا أنه قد تقدم أيضا
ما يشعر بالعدة عليها وعلى الصغيرة، مثل رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله (2)
" في الجارية التي لم تحض أو قعدت عن الحيض كم عدتها؟ قال: خمسة وأربعون
ليلة " وحملها بعض الأصحاب على الاستحباب، وحملها الشيخ على التي يخاف
عليها الحبل، وظني أن ما قدمناه في تأويلها أقرب، وبالجملة فإن هذه الرواية على ظاهرها
مخالفة للأصل والشهرة بل الاجماع في الصغيرة والروايات المتقدمة، مضافا إلى
ضعف سندها.
ومنها ما لو أخبر البايع بالاستبراء مع كونه ثقة، وهو المشهور خلافا

(1) التهذيب ج 8 ص 172.
(2) التهذيب ج 8 ص 172.
435

لابن إدريس، وتبعه فخر المحققين في شرح القواعد فأوجبا عليها الاستبراء، الأخبار
هنا لا يخلو من اختلاف.
ومنها ما تقدم في حسنة حفص بن البختري (1) من قوله (عليه السلام) " إن وثق
به فلا بأس أن يطأها " وما تقدم في صحيحة الحلبي أو حسنته " في رجل اشترى جارية
ولم يكن صاحبها يطأها أيستبرئ رحمها؟ قال: نعم " وهي محمولة على عدم
الوثوق به.
ومنها ما رواه الشيخ عن ابن سنان (2) " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
الرجل يشتري الجارية ولم تحض؟ قال: يعتزلها شهرا إن كانت قد يئست، قلت:
أفرأيت إن ابتاعها وهي طاهرة وزعم صاحبها أنه لم يطأها منذ طهرت؟ قال: إن كان
عندك أمينا فمسها، فقال: إن ذا الأمر شديد فإن كنت لا بد فاعلا فتحفظ لا تنزل عليها، "
وظاهر هذا الخبر لا يخلو من الاشكال، وحمله بعض مشايخنا (رضوان الله عليهم)
على كونه أمينا بحسب الظاهر، وما تقدم في رواية حفص على كونه ثقة بحسب
المعاشرة، ولا بأس به، وأما الأمر باعتزالها شهر فلعله محمول على من تحيض في كل
شهر، كذا ذكره بعض المحققين (3) وفيه أن الرواية صريحة في أنها لم تحض فكيف
تحمل على من تحيض في كل شهر.
ومنها ما رواه الشيخ عن أبي بصير (4) " قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل يشتري الجارية وهي طاهرة ويزعم صاحبها أنه لم يمسها منذ حاضت فقال:
إن ائتمنتهه فمسها " وعد هذه الرواية في المسالك في الصحيح، مع أن الراوي عن
أبي بصير وهو شعيب العقرقوقي هو قرينة يحيى بن القاسم الذي يعدون حديثه

(1) التهذيب ج 8 ص 173 و 172.
(2) التهذيب ج 8 ص 173 و 172.
(3) هو المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد. منه رحمه الله).
(4) التهذيب ج 8 ص 173.
436

في الضعيف.
وعن محمد بن حكيم (1) عن العبد الصالح (عليه السلام) " قال إذا اشتريت
جارية فضمن لك مولاها أنها على طهر فلا بأس أن تقع عليها "، ويجب تقييد اطلاقها
بما دل على اعتبار الوثاقة والأمانة، جمعا بينها وبين صحيحة الحلبي الناصة على
الاستبراء مطلقا.
وروى الشيخ المفيد في المقنعة مرسلا قال: " وروى أنه لا بأس أن يطأ الجارية
من غير استبراء لها إذا كان بايعها قد أخبره باستبرائها، وكان صادقا في ظاهره
مأمونا ".
وعن محمد بن إسماعيل (2) في الصحيح " قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام)
عن الجارية تشتري من رجل مسلم يزعم أنه قد استبرأها أيجزي ذلك أم لا بد من
استبرائها؟ قال: استبرئها بحيضتين، قلت: يحل للمشتري ملامستها؟ قال: نعم
ولا يقرب فرجها " وقد عرفت الكلام في مثلها.
وما رواه في الفقيه والتهذيب عن عبد الله بن سنان (3) " قال: قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): أشتري الجارية من الرجل المأمون فيخبرني أنه لم يمسها منذ طمثت
عنده وطهرت قال: ليس بجايز أن تأتيها حتى تستبرأها بحيضة، ولكن يجوز ذلك
ما دون الفرج إن الذين يشترون الإماء ثم يأتونهن قبل أن يستبرؤهن فأولئك الزناة
بأموالهم " وحملها الأصحاب على الاستحباب جمعا ولا بأس به.
واعلم أن جملة من الأصحاب قد عبروا هنا بالثقة كالمحقق في كتابيه وغيره،
قال في المسالك: إنما عبروا بالثقة لوروده في النصوص في هذه الباب،
والظاهر أن المراد بالثقة العدل، لأنه الثقة شرعا، وبه صرح في النافع

(1) التهذيب ج 8 ص 173.
(2) التهذيب ج 8 ص 173.
(3) الفقيه ج 3 ص 282 التهذيب ج 8 ص 212.
437

مع احتمال الاكتفاء بمن تسكن النفس إليه وتثق بخبره. انتهى ملخصا.
وفيه أولا أن ما ذكره من ورود لفظ الثقة في النصوص ليس في محله، وهذه نصوص
المسألة كما تلوناها خالية من ذلك، نعم ذلك ففي عبارة كتاب الفقه الرضوي
الآتية انشاء الله تعالى، ولكن الكتاب غير مشهور عندهم، وثانيا أن تفسير الثقة بالعدل
شرعا كما ذكره، فيه ما ذكره بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين
من أن هذا اصطلاح طار منهم (رضوان الله عليهم) غير موجود في زمنهم (عليهم السلام)
وبذلك يظهر أن الأظهر في معناه إنما هو ما جعله احتمالا في المقام، كما صرح به جملة
من متأخري علمائنا الأعلام، وهو المفهوم من أخبار المسألة سيما مرسلة المقنعة.
ومنها ما لو كانت لامرأة على المشهور، وخالف فيه ابن إدريس وتبعه فخر
المحققين أيضا، ويدل على المشهور مضافا إلى الأصل جملة من الأخبار منها ما رواه
الشيخ في الصحيح عن حفص (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " في الأمة تكون
للمرأة فتبيعها؟ قال: لا بأس أن يطأها من غير أن يستبرئها ".
وعن رفاعة (2) في الصحيح " قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن
الأمة تكون لامرأة فتبيعها؟ قال: لا بأس أن يطأها من غير أن يستبرأها ".
وما رواه عن زرارة (3) في الموثق " قال: اشتريت جارية بالبصرة من امرأة
فخبرتني أنه لم يطأها أحد، فوقعت عليها ولم أستبرئها فسألت عن ذلك أبا جعفر
(عليه السلام) فقال: هو ذا أنا قد فعلت ذلك وما أريد أن أعود " أقول: ومن هذه
الرواية يستفاد استحباب الاستبراء في هذه الصورة.
ومنها الحامل على خلاف في ذلك يأتي ذكره في المسألة الآتية إن شاء الله
تعالى.
ومنها الحايض وقد تقدم ما يدل عليه في صحيح الحلبي وموثق سماعة الدالان

(1) التهذيب ج 8 ص 174.
(2) التهذيب ج 8 ص 174.
(3) التهذيب ج 8 ص 174.
438

على انتقالها إليه حال الحيض، وأنه يكفي في صحة وطئها اتمام الحيضة وطهرها
من الحيض، والتقريب فيهما أن التوقف على الطهر إنما هو من حيث تحريم الوطئ
في حال الحيض، لا من حيث الاستبراء، ووجوب العدة بل الاستبراء والعدة
هنا ساقطة، وقد تقدم نقل الخلاف عن ابن إدريس في ذلك، ولا وجه له كما عرفت
هذا ما حضرني من المواضع المنصوصة.
بقي الكلام هنا في مواضع أخر منها أمة العنين والمجبوب والصغير الذي
لا يمكن في حقه الوطئ هل تلحق بأمة المرأة في عدم الاستبراء أم لا؟ ظاهر المحقق
الأردبيلي في شرح الإرشاد الأول، وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الثاني،
ولا بأس بنقل كلاميهما في المقام وإن طال به زمام الكلام، لما فيه من مزيد الفائدة
لذوي الأفهام.
قال في المسالك بعد ذكر حكم أمة المرأة وهل يلحق به أمة العنين والمجبوب
والصغير الذي لا يمكن في حقة الوطئ نظر، من المشاركة فيما ظن أنه علة للحكم،
وهو الأمن من الوطئ، ومن أنه قياس والمناسب للأصول الشرعية عدم الالحاق،
وليس من مواضع الاشكال ما لو باعتها المرأة لرجل في المجلس فباعها حينئذ،
بل لا يجب الاستبراء هنا قطعا، للعلم بعدم وطئ البايع، وقد يحتال لسقوط الاستبراء
ببيعها لامرأة ثم شراؤها منها، لاندارجها حينئذ في أمة المرأة نظرا إلى اطلاق النص
من غير تعليل، وكذا لو باعها لرجل ثم اشتراها منه قبل وطيه لها، حيث يجوز
ذلك. انتهى.
وقال المحقق المشار إليه: واعلم أن الظاهر عدم الاستبراء في أمة الطفل على
الولي البايع، ولا على المشتري، وكذا أمة المجبوب والعنين، ولا على التي علم
عدم الوطئ بيقين، مثل أن يملك رجل في مجلس أمة لا يجب استبراؤها، لكونها
ملك امرأة ثم باعها في الحال، فإنه لا استبراء عليه، ولا على المشتري الذي يعلم
ذلك مثلا، أو أن يكون بعيدا عنها بحيث لا يمكن الوصول إليها، أو قريبا ولكن
439

كان مع المشتري ولم تفارقه زمانا يمكن الوصول إليها، وغير ذلك.
ودليله الأصل مع عدم دليل صحيح على الوجوب، فإن عمدة أدلة وجوب
الاستبراء على البايع هو الاجماع، مستندا إلى بعض الأخبار، ولا اجماع في أمثال
ذلك على ما يظهر، للأصل، والخبر ليس بحيث يشمل هذه الصور، لا عموما ولا خصوصا،
ولأن المفهوم من الروايات المتقدمات وعبارات الأصحاب أن ما لم يطأ ولا يتخوف
من الحبل لا يجب الاستبراء، ولهذا قيد وجوبه على البايع بالوطئ على المشتري
باحتماله في الروايات، مثل موثقة عمار الساباطي، ثم نقل الرواية كما قدمناه.
ثم قال: ويؤيده عدم الاستبراء في أمة المرأة والفرض انتفاء الوطئ والحبل
فيما صورناه، فليس الحكم فيما ذكرناه ملحقا بحكم أمة المرأة للاشتراك في عدم
الوطئ فيكون قياسا، بل مقتضى أصول الشريعة عدمه، كما قال في شرح الشرايع:
على أنه مسلم إن الصورة الأخيرة ليست بمحل الاشكال، فإنه لا استبراء فيها من غير
اشكال، ثم إذا نظر إلى ما ذكرناه يظهر أن الحيلة ببيع الأمة التي يجب استبراؤها
على امرأة ثم الاشتراء منه لا تنفع، ولا تسقط وجوب الاستبراء عن المشتري، فتأمل واحفظ
وهو حسن ففي الكل حتى فيما ذكرناه، فإنه فرج موصى بالاحتياط فيه في الرواية. انتهى.
وهو جيد سيما في رده عليه في سقوط الحيلة التي ذكرها في الصورتين المذكورتين
في كلامه، فإنها حيلة باطلة، وكأنها مبنية على ما هو المشهور بينهم من الحيلة في اسقاط
العدة عن الباينة، متعة كانت أو دائمة مختلعة أو مطلقة ثلاث، قالوا إنها لو تزوجها
الزوج الأول وتمتع بها ثم فارقها بغير دخول، فإنه لا عدة عليها لا بالنسبة إلى الزوج
المذكور ولا غيره، ويجوز لها التزويج بعد مفارقته لها ثانية بشخص آخر غيره، لكونها غير
مدخول بها، وفيه أن سقوط العدة الأولى عنها في هذه الصور إنما هو بالنسبة إلى
الزوج، فإنه يجوز له التزويج بها، وهذا الطلاق الثاني الواقع قبل الدخول وإن
لم يترتب عليه العدة اتفاقا، لكن الكلام في العدة الأولى، فإنها واجبة بالنص آية
440

ورواية، والاجماع، وغاية ما يستفاد سقوطها بالنسبة إلى الزوج، فيجوز له العقد
عليها لعدم وجوب الاستبراء من مائه، وطلاقه لها بعد العقد المجرد عن الدخول
لا يؤثر في سقوط تلك العدة، وهكذا القول فيما نحن فيه، فإنه لو باع رجل جارية
قد وطأها من غير استبراء على رجل آخر أو امرأة ثم باعها الرجل أو المرأة على
شخص آخر فإن وجوب الاستبراء من ماء البايع الأول باق بأدلة المتقدمة، الدالة
على حكمة الاستبراء، وخوف الحبل، ولا دليل على سقوطها بهذا البيع الثاني من
امرأة أو رجل، فالواجب على هذا المشتري الثاني استبراؤها البتة.
ومما يؤيد ما ذكره المحقق المذكور ما وقفت عليه في كتاب الفقه الرضوي
حيث قال: (عليه السلام) في عد وجوه النكاح الثالث نكاح ملك اليمين، وأن
يبتاع الرجل الأمة فحلال نكاحها إذا كانت مستبرئة، والاستبراء حيضة، وهو على
البايع، فإن كان البايع ثقة، وذكر أنه استبرأها جاز نكاحها من وقتها، وإن لم يكن
ثقة استبرأها المشتري بحيضة، وإن كانت بكرا أو لامرأة أو ممن لم تبلغ حد الادراك
استغنى عن ذلك انتهى.
وهو صريح في عدم وجوب الاستبراء في أمة الصغير، والمجبوب والعنين
في معناه كما لا يخفى، بالتقريب الذي ذكره المحقق المذكور، وفيه زيادة على
ما تقدم كون الجارية بكرا وهو جيد، كما لا يخفى
المسألة الثامنة اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) لاختلاف الأخبار
في وطئ الحامل، فذهب الشيخ في النهاية إلى أنه لا يجوز إلا بعد وضع الحمل،
أو مضى أربعة أشهر وعشرة أيام، فإن أراد وطأها قبل ذلك وطأها فيما دون الفرج.
وقال الشيخ المفيد: إنه لا يجوز له وطؤها حتى تمضي لها أربعة أشهر، فإذا
مضى عليها أربعة أشهر وطأها إن أحب دون الفرج، فإن وطأها فيه فليعزل عنها،
واجتناب وطؤها أحوط حتى تضع ما في بطنها، فإن وطأها قبل مضي الأربعة الأشهر
441

أو بعد ذلك ولم يعزل عنها لم يحل له بيع الولد، لأنه قد غذاه وإنما بنطفته، وينبغي
أن يجعل له من ماله بعد وفاته قسطا ويعوله في حياته، ولا ينسب إليه بالبنوة.
وقال أبو الصلاح: أنه لا يحل حتى تمضي له أربعة أشهر دون الفرج، وفيه
يشترط عزل الماء، واجتنابها حتى تضع أحوط، وإذا وطأ لم يحل له بيع ولدها،
ولا الاعتراف به ولدا ولكن يجعل له قسطا من ماله، لأنه غذاه بنطفته، واقتصر
سلار على الأربعة أشهر أيضا.
وقال ابن إدريس: ومتى اشترى جارية حاملا كره له وطؤها في القبل، دون
أن يكون ذلك محضورا على الأظهر من أقوال أصحابنا، وهو الذي يقتضيه أصول
المذهب سواه مضى لها أربعة أشهر، أو أقل منها، وشيخنا رجع في مسائل خلافه
عما ذكره في نهايته، فقال: مسألة إذا اشترى أمة حاملا كره له وطؤها قبل أن تمضي
لها أربعة أشهر، فإذا مضى لها ذلك لم يكره له وطؤها حتى تضع، وقال الشافعي
وغيره لا يجوز لها وطؤها في الفرج، دليلنا اجماع الفرقة، والأصل الإباحة، وعدم
المانع، ثم قال ابن إدريس: دليلنا نحن على صحة ما اخترناه قوله تعالى (1)
" أو ما ملكت أيمانكم " فأباحنا تعالى وطء ما ملكت أيماننا بمجرد الملكية، والآية عامة، فمن خصصها يحتاج إلى دليل، والأصل الإباحة، ولا مانع من ذلك من كتاب
ولا سنة مقطوع بها، أو اجماع.
أقول وبما ذكره الشيخ في الخلاف من القول بالكراهة صرح في كتابي
الأخبار أيضا وقال في المختلف: والمعتمد أن نقول إن كان الوطؤ عن زنا كره له
وطؤها قبل مضي أربعة أشهر وعشرة أيام من غير تحريم " وإن كان حلالا أو بشبهة
حرم وطؤها حتى تضع، وذهب المحقق في الشرايع إلى تحريم وطئها قبلا قبل أن
يمضي لحملها أربعة أشهر وعشرة أيام، والكراهة بعده، ورجحه شيخنا الشهيد الثاني
في المسالك والروضة، وهو مذهب العلامة في الإرشاد.
442

إذا عرفت ذلك فاعلم أن عد الحامل في جملة من يسقط استبراءه كما تقدم،
إنما يتجه على تقدير القول بكراهة الوطئ كما هو مذهب الشيخ في الخلاف وكتابي
الأخبار، وابن إدريس على تقدير كون الحمل من الزنا، كما ذهب إليه في المختلف،
أو بعد مضي الأربعة أشهر والعشرة الأيام، والواجب بسط ما وصل إلينا من أخبار
المسألة المذكورة، ثم الكلام فيها بما رزق الله سبحانه فهمه منها، مستمدين منه
جل شأنه التوفيق إلى هداية سواء الطريق.
فمن الأخبار المشار إليها ما رواه في الكافي. عن محمد بن قيس (1) عن أبي
جعفر (عليه السلام) قال: في الوليدة يشتريها الرجل وهي حبلى؟ قال: لا يقربها
حتى تضع ولدها " وعن رفاعة بن موسى (2) في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: سألته عن الأمة الحلبي يشتريها الرجل فقال: سئل عن ذلك أبي (عليه السلام)
فقال: أحلتها آية، وحرمتها آية أخرى، فأنا ناه عنها نفسي وولدي، فقال الرجل أنا
أرجو أن أنتهي إذا نهيت نفسك وولدك ".
أقول: الظاهر أن الآية المحللة هي ما استدل بها ابن إدريس من قوله " أو ما
ملكت أيمانكم " (3) والآية المحرمة قوله سبحانه (4) " وأولات الأحمال أجلهن
أن يضعن حملهن ".
وما رواه في الكافي والتهذيب عن أبي بصير (5) " قال: قلت لأبي جعفر
(عليه السلام): الرجل يشتري الجارية وهي حامل ما يحل له منها؟ قال: ما دون
الفرج " الحديث.
وما رواه في الكافي عن زرارة في الموثق " قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام)

(1) الكافي ج 5 ص 475 و 474.
(2) الكافي ج 5 ص 475 و 474.
(3) سورة النساء الآية 3.
(4) سورة الطلاق الآية 4.
(5) الكافي ج 5 ص 475.
(6) الكافي ج 5 ص 475.
443

عن الجارية الحلبي يشتريها الرجل فيصيب منها دون الفرج؟ فقال: لا بأس، قلت
فيصيب منها في ذلك؟ قال: تريد تغره ".
قال بعض مشايخنا (عطر الله مراقدهم) في حاشية له على هذا الخبر في معنى
قوله " تغره ": أي تصير المشتري مغرورا بجواز الوطئ ويحصل الولد، ولا يعلم أنه
من أيهما، أو يغذيه بنطفته فيكون عليه ما ورد في بعض الأخبار من أن يوصي له،
ويعتقه وغير ذلك انتهى، والمعنى الثاني أقرب.
وما رواه في التهذيب عن إسحاق بن عمار (1) " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الجارية يشتريها الرجل وهي حبلى أيقع عليها؟ قال: لا " وعن مسعدة بن زياد (2)
" قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) يحرم من الإماء عشرة: لا يجمع بين الأم والبنت
ولا بين الأختين، ولا أمتك وهي حامل من غيرك حتى تضع " الحديث.
وعن مسمع كردين (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: قال أمير المؤمنين
(عليه السلام): عشرة لا يحل نكاحهن ولا غشيانهن، أمتك أمها أمتك، إلى أن قال:
وأمتك وقد وطئت حتى تستبرئ بحيضة، وأمتك وهي حبلى من غيرك " الحديث.
وما رواه في كتاب عيون أخبار الرضا (عليه السلام) عن الحسن بن عبد الله
ابن محمد الرازي (4) عن أبيه " عن الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)
قال: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن وطئ الحبالى حتى يضعن.
وما رواه في قرب الإسناد عن إبراهيم بن عبد الحميد (5) " قال: سألت أبا الحسن
(عليه السلام) عن الرجل يشتري الجارية وهي حبلى أيطأها قال: لا يقربها ".
وعن إبراهيم بن عبد الحميد (6) " قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام)

(1) التهذيب ج 8 ص 176.
(2) التهذيب ج 8 ص 198.
(3) التهذيب ج 8 ص 198.
(4) الوسائل الباب 8 و 5 من أبواب نكاح العبيد.
(5) الوسائل الباب 8 و 5 من أبواب نكاح العبيد.
(6) الوسائل الباب 8 و 5 من أبواب نكاح العبيد.
444

عن الرجل يشتري الجارية وهي حبلى أيطأها؟ قال: لا قلت: فدون الفرج قال
لا يقربها ".
وما رواه في الكافي والتهذيب عن رفاعة (1) في الصحيح " قال: سألت
أبا الحسن موسى (عليه السلام) فقلت: أشتري الجارية فيمكث عندي الأشهر لا تطمث
وليس ذلك من كبر فأريها النساء فيقلن: ليس بها حبل، فلي أن أنكحها في فرجها؟
فقال: إن الطمث قد تحسبه الريح من غير حبل فلا بأس أن تمسها في الفرج، قلت:
وإن كانت حبلى فما لي منها إن أردت؟ قال: لك ما دون الفرج " هكذا في رواية
الكافي، وزاد في التهذيب " إلى أن تبلغ في حبلها أربعة أشهر وعشرة أيام، وإذا
جاز حملها أربعة أشهر وعشرة أيام فلا بأس بنكاحها في الفرج، قلت: إن المغيرة
وأصحابه يقولون: لا ينبغي للرجل أن ينكح امرأة وهي حامل قد استبان حملها حتى
تضع فيغذو ولده، فقال: هذا من أفعال اليهود " ورواه في الفقيه مرسلا إلى قوله
" فلا بأس أن يمسها في الفرج ".
وما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) عن إسحاق بن عمار (2)
في الموثق " قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل اشترى جارية حاملا
وقد استبان حملها فوطئها قال: بئس ما صنع قلت: فما تقول فيه؟ قال: أعزل عنها
أم لا؟ فقلت: أجنبي في الوجهين، قال: إن كان عزل عنها فليتق الله ولا يعود، وإن
كان لم يعزل عنها فلا يبيع ذلك الولد، ولا يورثه ولكن يعتقه ويجعل له شيئا من ماله
يعيش به، فإنه قد غذاه بنطفته ".
وما رواه في التهذيب عن السكوني (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام)

(1) الكافي ج 5 ص 475 التهذيب ج 7 ص 469.
(2) الكافي ج 5 ص 487 الفقيه ج 3 ص 284 التهذيب ج 8 ص 179.
(3) التهذيب ج 8 ص 179.
445

" أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) دخل على رجل من الأنصار وإذا وليدة عظيمة
البطن تختلف، فسأل عنها؟ فقال: اشتريتها يا رسول الله وبها هذا الحبل، قال:
أقربتها؟ قال: نعم، قال: أعتق ما في بطنها، قال: يا رسول الله وبما استحق العتق
قال: لأن نطفتك غذت سمعه وبصره ولحمه ودمه ".
وعن غياث بن إبراهيم (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: من جامع
أمة حبلى من غيره فعليه أن يعتق ولدها ولا يسترق، لأنه شارك في اتمام الولد ".
وما رواه في الفقيه عن الصيقل (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال:
سمعته يقول: وسئل عن رجل اشترى جارية ثم وقع عليها قبل أن يستبرئ رحمها
قال: بئسما صنع، يستغفر الله ولا يعود، قلت: فإنه باعها من آخر ولم يستبرئ
رحمها، ثم باعها الثاني من رجل آخر فوقع عليها ولم يستبرئ رحمها، فاستبان
حملها عند الثالث، فقال: أبو عبد الله (عليه السلام): الولد للفراش وللعاهر الحجر ".
هذا ما حضرني الآن من أخبار المسألة المذكورة وأنت خبير بأن جملة منها
قد دلت على النهي عن وطئها مطلقا، وجملة حتى تضع ولدها، والأول منها مقيد
بالثاني فيرجعان إلى أمر واحد، وأكثر أخبار المسألة من هذا القبيل.
وبعض إذا جاز حملها أربعة أشهر وعشرة أيام وهو صحيحة رفاعة خاصة برواية
الشيخ في التهذيب كما تقدم ذكره، فظاهر الشيخ في النهاية القول بالتحريم كما هو
ظاهر الأخبار كلا، والتخيير في الغاية بين وضع الحمل، أو مضى أربعة أشهر وعشرة
أيام، جمعا بين ما دل على الغايتين بالتخيير، وإليه يرجع قول الشيخ المفيد ومن
وافقه.
وظاهر العلامة في المختلف القول بالتحريم إلى وضع الحمل إذا كان الوطؤ
حلالا أو شبهة، وأما لو كان زنى فإنه لا يحرم، بل يجوز على كراهة، وظاهره

(1) التهذيب ج 8 ص 179.
(2) الفقيه ج 3 ص 285 التهذيب ج 8 ص 168.
446

حمل رواية الأشهر على الزنا، وأن النهي فيها على جهة الكراهة، وسيأتي انشاء الله
تعالى ما فيه. والمحقق وتبعه أخذوا بظاهر الروايات المذكورة، وحكموا بالتحريم
قبل مضي الأربعة الأشهر، لاتفاق الأخبار على ذلك، وإنما اختلفت فيما بعد المدة
المذكورة، من كون الغاية هي المدة المذكورة أو وضع الحمل، فجمعوا بينها
بحمل النهي فيما زاد على المدة المذكورة على الكراهة.
قال في المسالك: والمصنف رحمة الله عليه أطلق الحكم بالتحريم قبل الأربعة
والعشرة، والكراهة بعدها وهو أوضح وجوه الجمع أما الاطلاق بحيث يشمل
الجميع، فلاطلاق النص الشامل لها، وأما الحكم بالتحريم قبل المدة المذكورة
فلاتفاق الأخبار أجمع عليه، والأصل في النهي التحريم، وأما بعدها فقد تعارضت
الأخبار، فيجب الجمع بينها وحمل النهي حينئذ على الكراهة لتصريح بعضها بنفي
البأس طريق واضح في ذلك. انتهى.
وأما ما ذكره ابن إدريس ونقله عن الشيخ في الخلاف من القول بالكراهة
فلا أعرف له وجها بعد ما عرفت من هذه الأخبار التي ذكرناها، وما ذكره من
الاستدلال بالآية، وأن تخصيصها يحتاج إلى دليل، فالدليل كما عرفت واضح،
ومناره لايح، وأي دليل يراد بعد هذه الأخبار المستفيضة الصريحة في التحريم
المتفقة عليه، وإنما اختلفت بالنسبة إلى غايته من أنها الوضع، أو مضي الأشهر
المذكورة كما سمعت، ولكنه لعدم مراجعته الأخبار حق المراجعة معذور فيما
ذكره، وإن كان غير معذور شرعا.
والذي يقرب عندي من صحيحة رفاعة بن موسى الأولى وعدم جواب أبيه
(عليه السلام) صريحا بعد سؤال السائل عن الأمة الحبلى، وعدوله في الجواب
إلى ما ذكره، أن هذه التعمية إنما خرجت مخرج التقية، والظاهر أن المخالفين
447

قائلون بجواز الوطئ فلم يصرح بالمنع والتحريم، كما استفاضت به أخبار
المسألة، وعدل إلى هذا الجواب المعمى، وجعل التحريم والمنع على جهة الاحتياط
لتعارض الآيتين المتقدمتين، وأنت خبير بأنه بالنظر إلى ما سردناه من الأخبار يجب
تخصيص آية " الملك " بآية " وأولات الأحمال " لاستفاضة الأخبار واتفاقها كما
عرفت على التحريم، وإنما اختلفت في الغاية.
وبالجملة فالقول بالتحريم مما لا يعتريه شبهة الاشكال في هذا المجال، وإنما
الكلام في الغاية، من أنها الوضع، أو مضي الأشهر المذكورة، والأول أظهر دليلا
لتأيد أخباره بالآية المشار إليها في صحيح رفاعة، وهي آية " وأولات الأحمال "
فإن ظاهر الخبر عمومها للحرة والأمة، واحتمال آية غيرها في الخبر بعيد، والتي
صرح به جملة من الأصحاب في معنى الخبر المذكور إنما هو هذه الآية، وتأيده
كذا أيضا بالأخبار المطلقة، وهي جل الأخبار المسألة، والجمع بين الأخبار بالكراهة
وإن اشتهر بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) إلا أنك قد عرفت ما فيه في غير موضع
مما تقدم
وكيف كان فالاحتياط يقتضي الوقوف على جعل الغاية وضع الحمل، كما
ذكره العلامة في المختلف وإن خصه بالحمل من غير الزنا.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن من الأصحاب من جمع بين الأخبار بحمل النهي
المغيى بالوضع على الحامل من حل أو شبهة أو مجهولا، والمغيا بالأربعة الأشهر
والعشرة على الحامل من الزنا، ومنهم من ألحق المجهول بالزنا في هذه، ومنهم
من أسقط اعتبار الزنا، وجعل التحريم بالغايتين لغيره.
أقول: والأول من هذه الوجوه هو ظاهر العلامة في المختلف، إلا أنه حمل
النهي في هذه الصورة على الكراهة، لما اشتهر في كلامهم من أن ماء الزنا لا حرمة
له شرعا (1) قال في المسالك: نعم ينبغي في الحمل من الزنا لأن المعهود من الشارع

(1) قال في الدروس: واستبراء الحامل بوضع الحمل إلا أن يكون عن
زنا، فلا حرمة له، والمشهور أن يستبرأها الشهر وعشرة أيام وجوبا عن
القبل لا غير وأن الوطأ بعده مكروه إلى أن يضع، فيعزل وإن أنزل كره
بيع الولد، انتهى، وفيه دلالة على اختياره بما نقلناه عن العلامة في المختلف
من أن الغاية وضع الحمل إلا من الزنا، وجعل الغاية المذكورة نسبته
إلى المشهور بعد فتواه بالأول، وفيه تصريح باختصاص التحريم بالقبل
كما اخترناه. منه رحمه الله.
448

إلغاء اعتباره من العدة والاستبراء في غير محل النزاع، فلو قيل بالجواز فيه مطلقا كان حسنا، انتهى.
وفيه أولا أنه لا إيناس في صحيحة رفاعة المشتملة على التحديد بالأشهر بكون
ذلك زنا، فضلا عن الدلالة، ولا في غيرها من روايات المسألة، وثانيا أن ما ادعوه
من عدم وجوب العدة والاستبراء على الزانية وهو السبب في حملهم الرواية
المذكورة على ذلك ممنوع بما دل على ذلك من الأخبار الدالة على خلاف ما ذكروه
ومنها ما رواه في الكافي عن إسحاق بن جرير (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" قال: قلت له الرجل يفجر بالمرأة ثم يبدو له في تزويجها هل يحل له ذلك؟ قال:
نعم إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدتها باستبراء رحمها من ماء الفجور فله أن يتزوجها،
وإنما يجوز له تزويجها بعد أن يقف على توبتها ".
وما رواه الحسن بن علي بن شعبة (2) في كتاب تحف العقول عن أبي جعفر
الجواد (عليه السلام) أنه سئل عن رجل نكح امرأة على زنا أيحل له أن يتزوجها؟
فقال: يدعها حتى يستبرأها من نطفته ونطفة غيره، إذ لا يؤمن منها أن يكون قد أحدثت
مع غيره حدثا كما أحدثت معه؟ ثم يتزوج بها إذا أراد، فإنما مثلها مثل نخلة، أكل

(1) الكافي ج 5 ص 356.
(2) تحف العقول ص ل 338 المطبوع في النجف الأشرف سنة 1394. ه‍.
449

رجل منها حراما ثم اشتراها فأكل منها حلالا "، ويؤيده قولهم (عليهم السلام) في عدة من
الأخبار إذا أدخلها فقد وجبت العدة والغسل والمهر والرجم، وقولهم (عليهم السلام)
إن العدة من الماء.
وبذلك يظهر ما في كلام شيخنا المتقدم ذكره، من أن المعهود من الشارع
إلغاء اعتباره من العدة، فإنه مبني على ما تكاثر من الأخبار من اطلاق جواز التزويج
بالزانية، إلا أنه بعد ورود هذه الروايات يجب تقييد الاطلاق المذكور بها.
ثم إن موثقة إسحاق بن عمار وروايتي السكوني وغياث قد اشتركت في الدلالة
على الأمر بعتق الولد متى أنزل عليها وهي حامل بعد شرائها، وظاهرها الوجوب،
ويشير إليه قوله في رواية غياث، " فعليه " ويؤكده النهي عن بيعه في موثقة إسحاق الذي
هو حقيقة في التحريم.
والموجود في كلام الأصحاب الحكم بالاستحباب، ولا أعرف له وجها
بعد اتفاق الأخبار عليه مع عدم المعارض في المقام، سوى اطلاق ما دل على تملكه
مع أمه بالشراء، والواجب تخصيصه بهذه الأخبار، والظاهر أنهم إنما صاروا إلى
الاستحباب لضعف الأخبار، كما يشير إليه كلام المحقق الأردبيلي حيث اعترف
بدلالة روايتي السكوني على وجوب العتق، قال: فتحمل على الاستحباب لعدم
الصحة، للجمع، وفيه ما عرفت في غير موضع مما تقدم.
وبالجملة فإن ما لا يرى العمل بهذا الاصطلاح المحدث، فإنه لا يرتاب
في وجوب العتق لما ذكرنا، وكذلك ما دلت عليه موثقة إسحاق من أنه يجعل له
شيئا من ماله يعيش به، فالظاهر حمله على الوجوب، وإن كان الموجود في كلامهم
هو الاستحباب.
وظاهر الأصحاب هو كون هذا الحكم وجوبا أو استحبابا مترتبا على الجماع
بعد تحقق الحمل، أعم من أن يكون قبل الأشهر المذكورة أو بعدها ما لم تضع
450

وظاهر موثقة إسحاق بن عمار كون الجماع وقع بعد الشراء، وإن الحكم بما ذكرنا
إنما يترتب على ذلك إلا أن روايتي السكوني وغياث مطلقتان في ذلك، فيحتمل
تقييدهما بالموثقة المذكورة، وتخصيص الحكم بما قبل الأشهر المذكورة، ولكن
ظاهر التعليل بالتغذية يعطي الوقوف على ما ذكره الأصحاب، (رضوان الله عليهم)
والله العالم.
ثم إنهم من جملة الأصحاب من أطلق المنع من الوطئ هنا فيما يشمل القبل
والدبر، وبعضا خصه بالقبل كما تقدم نقله عن المحقق في الشرايع، وبه جزم
في الدروس، قال في المسالك: وتخصيص المصنف الوطئ بالقبل هو الظاهر من
النصوص، فإن النهي فيها معلق على الفرج، والظاهر منه إرادة القبل وفي رواية
أبي بصير " له منها ما دون الفرج " وربما قيل بالحاق الدبر به، بدعوى صدق اسم الفرج عليها،
وبأن في بعض الأخبار " فلا يقربها حتى تضع " الشامل للدبر، وغيرهما خارج بدليل
آخر، وهو أولى. انتهى.
أقول لا يخفى أن الروايات المتقدمة قد تضمنت كلا الأمرين المذكورين،
ولكن اطلاق الأخبار إنما يحمل على الأفراد الشايعة المتكثرة، دون الفروض
النادرة كما تقرر في كلامهم، والشايع المتبادر من الاطلاق إنما هو القبل، ويؤكده
الروايات الدالة على أنه مع اتيانها حال الحمل فإنه يعتق الولد، لأنه غذاه بنطفته،
وشارك فيه، وهذا لا يمكن فرضه في الجماع في الدبر، كما هو ظاهر، والاحتياط
يقتضي المنع من الجميع بل الملاعبة ونحوها كما تقدم في الأخبار. والله العالم (1).

(1) قال المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد: والظاهر أن الدبر كالقبل
كما في صحيحة محمد بن قيس لا يقربها، وكذا رواية إبراهيم، وفي رواية
إسحاق لا يقع عليها، ولا يبعد شمول السؤال حينئذ لها وهو في الروايات،
ويؤيده التحريم مطلقا في غير الاستبراء، وقد مر فتأمل انتهى وفيه ما عرفت
في الأصل. منه (رحمه الله).
451

المسألة التاسعة لو اشترى جارية وأولدها ثم ظهر أنها مستحقة لغير البايع،
فإنه يجب عليه ردها إلى مالكها، وقد صرح جملة من الأصحاب بأنه يغرم عشر قيمتها
إن كانت بكرا وأزال بكارتها أرش البكارة، ونصف العشر إن كانت ثيبا للدخول
بها، وهو المشهور، وقيل مهر أمثالها والولد حر، وعلى أبيه أن يغرم قيمته لسيد
الجارية يوم سقوطه حيا، إذ لا قيمة له قبل ذلك وبعده، فإن حر ليس لسيد الجارية
عليه سبيل، إلا أنه لما كان نماء ملكه وقد فوته المشتري، فعليه أن يغرم له قيمته،
ثم إن المشتري بعد ذلك يرجع بالقيمة على البايع الذي غره، ويرجع أيضا بقيمة
الولد، وهل ترجع بما حصل له في مقابلته نفع مثل ما دفع إلى السيد من العشر
أو نصفه، إذ المهر على القول به في مقابلة الانتفاع بالبضع، وكأجرة الخدمة، قولان،
فقيل: نعم، لأن البايع أباحه بغير عوض، وغره بالانتفاع بمجرد دفع الثمن،
ولو علم أن له عوضا لم ينتفع به، فلو لم يرجع يلزم الظلم والغرم عليه، مع كونه
جاهلا من جهة البايع الغاصب الذي خدعه، وقيل: لا يرجع، نظرا إلى ما حصل له
من الانتفاع في مقابلة ذلك، فيلزم من رجوعه الجمع بين العوض والمعوض، فيحصل
الظلم على البايع، هذا كله إذا كان جاهلا كما هو المفروض أولا، فلو كان عالما
بأنها مستحقة للغير فالولد رق للمالك، والواطئ زان يلزمه العقر، ولا يرجع به
ولا بغيره مما اغترمه (1) والظاهر كما هو أحد القولين هو أنه لا فرق في ثبوت العقر بالوطئ

(1) أقول ظاهر شيخنا الشهيد في اللمعة وشيخنا الشهيد الثاني في شرحها أنه
يرجع المالك على المشتري عالما أو جاهلا بالعين، وفيها المستوفاة منها
لو فاتت تحت يده، ثم إن المشتري يرجع بذلك على البايع، لما تقرر
من رجوع المشتري الجاهل بفساد البيع على البايع بجميع ما يغرمه،
ولم ينقل خلافا في ذلك، مع أن المسألة محل خلاف في كلامهم كما
أشرنا إليه في الأصل. منه رحمه الله.
452

للمالك، بين علم الأمة بعدم صحة البيع وجهلها، لأن ذلك حق لمولاها.
وقال في الدروس: أنه لا يرجع عليه بالمهر إلا مع الاكراه، استنادا إلى أنه
لا مهر لبغي، وفيه ما عرفت من أن المهر إنما هو حق للمالك، والخبر المذكور إنما
أريد به الحرة، وإضافة المهر إليها بلام الاستحقاق ظاهر في ذلك، ولذا يطلق عليها
المهيرة.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه في الكافي. والتهذيب
عن جميل بن دراج (1) في الصحيح عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" في رجل اشترى جارية فأولدها فوجدها مسروقة؟ قال: يأخذ الجارية صاحبها،
ويأخذ الرجل ولده بقيمته ".
وما رواه في الكافي عن حريز (2) عن زرارة " قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام):
الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها، ثم يجئ رجل فيقيم البينة على أنها
جاريته لم يبع ولم يهب، قال: فقال: يرد إليه جاريته ويعوضه مما انتفع، قال:
كأنه معناه قيمة الولد " قال بعض مشايخنا رضوان الله عليهم: قوله " قال " الظاهر
أنه من كلام حريز وأن زرارة فسر العوض بقيمة الولد، ولكنه لم يجزم، لأنه يمكن
أن يكونه بإزاء الوطئ من العشر أو نصف العشر. انتهى.
وما رواه الشيخ في التهذيب عن جميل بن دراج (3) في الموثق عن أبي عبد الله
(عليه السلام) " في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم تجئ مستحق
الجارية فقال: يأخذ الجارية المستحق، ويدفع المبتاع قيمة الولد، ويرجع على من
باعه بثمن الجارية وقيمة الولد الذي أخذت منه ".

(1) الكافي ج 5 ص 215 و 216 التهذيب ج 7 ص 64 و 65.
(2) الكافي ج 5 ص 215 و 216 التهذيب ج 7 ص 64 و 65.
(3) التهذيب ج 7 ص 82.
453

وعن زرارة (1) " قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل اشترى جارية
من سوق المسلمين فخرج بها إلى أرضه، فولدت منه أولادا ثم أتاها من زعم أنها
له، وأقام على ذلك البينة، قال: يقبض ولده ويدفع إليه الجارية ويعوضه في قيمة
ما أصاب من لبنها وخدمتها " قال في الإستبصار: يقبض ولده يعني بالقيمة، قال
في الوافي في بعض النسخ: " ثم إن أباها يزعم أنها له " وليس بواضح انتهى. وهو جيد،
والظاهر أنه تحريف من قلم الشيخ (رضي الله عنه) وكم له من أمثاله كما تقدمت
الإشارة إليه في مواضع عديدة من كتب العبادات.
وأنت خبير بأن هذه الأخبار على تعددها لا دلالة فيها على أن المشتري يغرم
العشر، أو نصف العشر، أو مهر المثل للمالك، والأصحاب إنما استندوا في العشر أو نصفه
في هذا المقام إلى صحيحة الوليد بن صبيح (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" في رجل تزوج امرأة حرة فوجدها أمة، قد دلست نفسها له، فقال: إن كان الذي
زوجه إياها من غير مواليها فالنكاح فاسد، قلت: فكيف يصنع بالمهر الذي أخذت
منه؟ فقال: إن وجد مما أعطاها شيئا فليأخذه، وإن لم يجد شيئا فلا شئ له عليها،
وإن كان زوجها إياه ولي لها ارتجع على وليها بما أخذت منه، ولمواليها
عليه عشر ثمنها إن كانت بكرا، وإن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحل من
فرجها، قال: وتعتد منه عدة الأمة، قلت: فإن جاءت منه بولد قال: أولادها منه
أحرار إذا كان النكاح بغير إذن الموالي ".
ومورد هذا الرواية إنما هو تدليس المرأة نفسها بدعوى الحرية مع كونها
أمة وتدليس الزوج لها، وبعض الأصحاب وإن عبر في هذا المقام بعبارة تدخل
تحت مضمون هذه الرواية، مثل قول المحقق في الشرايع " من أولد الجارية ثم

(1) التهذيب ج 7 ص 83.
(2) الكافي ج 5 ص 404 التهذيب ج 7 ص 422.
454

ظهر أنها مستحقة انتزعها المالك " إلى آخره إلا أن ذكره المسألة في بحث بيع
الحيوان قرينة على ما عنونا به المسألة، كما صرح به في الدروس حيث قال: ولو ظهر
استحقاق الأمة المبتاعة.
وبالجملة فإن ظاهرهم عدم الفرق بين مورد الرواية وما نحن فيه، ولعله من
حيث الاشتراك في الدخول بالبكر أو الثيب مع جهل الواطئ بالحال، فإنه حاصل
في كل من المسألتين، وإن كان العلة في أحدهما بيع الغاصب وفي الأخرى التدليس
على أن متن الرواية المذكورة أيضا لا يخلو من الاشكال (1).
وبالجملة فالمسألة كما ذكرنا غير خالية من شوب التوقف والتردد، ثم إن
قوله في الرواية المذكورة فإن أولادها منه أحرار على اطلاقه لا يخلو من الاشكال
ولذا قيده الشيخ (رحمة الله عليه) تارة بما إذا دفع الأب قيمة الولد يوم سقوطه حيا
لمولى الجارية، وأخرى بما إذا كان تزويجه لها بعد قيام البينة بما ادعته من
الحرية، وحينئذ يأخذ ابنه من غير قيمة، واستند في الحمل الأول إلى موثقة سماعة (2)
وفيها " وعلى مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه " فقيمته " كذا في النسخ والظاهر بقيمته
بالباء بدل الفاء " يوم يصير إليه " الحديث، وفي الثاني إلى موثقة أخرى لسماعة (3)
أيضا، وفيها قال: " ولدها مملوكون إلا أن يقيم البينة أنه شهد له شاهدان أنها حرة
فلا يملك ولده، ويكونون أحرارا " ومثلها رواية زرارة ثم إن غاية ما دلت عليه أخبار
المسألة المتقدمة بعد حمل مطلقها على مقيدها هو أن المشتري يأخذ ولده بعد دفع
القيمة إلى مولى الجارية، وأن المشتري يرجع على البايع بقيمة الجارية وقيمة ولدها،

(1) ووجه الاشكال أن قوله وإن زوجها إياه ولي لها ارتجع على وليها،
فإنها لا يعقل اللامة ولي غير المولى، ومتى أريد به الولي فكيف يتم قوله
" ولمواليها عليه عشر قيمتها " إلى آخره، إذ لا معنى لرجوع الزوج على المولى
بالمهر، ورجوع المولى على الزوج بالعشر أو نصفه، منه رحمه الله.
(2) التهذيب ج 7 ص 250 وفيه " بقيمته ".
(3) التهذيب ج 7 ص 250 وفيه " بقيمته ".
455

ورواية زرارة الثانية دلت على أن المشتري يعوض المولى عما أصاب من لبنها
يعني الذي أرضعت به ابنه وما أصاب من خدمتها لأن ذلك مستحق للمولى، وبه
صرح بعض الأصحاب أيضا.
وأما ما اختلفوا فيه من رجوع المشتري على البايع، بما حصل له في مقابلته
نفع، كالعشر ونصفه الذي دفعه لمولى الجارية، وأجرة الخدمة فليس في هذه
الروايات تعرض له، ولا في صحيحة الوليد بن صبيح التي تضمنت ذلك إشارة إليه
فضلا عن التصريح به، والاعتماد على ما ذكروه من هذه التعطيلات العليلة غير صالح
لتأسيس الأحكام الشرعية، كما تقدم من التنبيه عليه في غير مقام والأصل العدم حتى
يقوم عليه دليل شرعي واضح، وقد تقدم في مسألة البيع الفضولي ما ينبه على ما ذكرناه،
وكذلك القول بالمهر عوض العشر أو نصف العشر (1)، فإنا لم نقف فيه على دليل، وإنما
الموجود العشر أو نصف العشر على ما عرفت من الاشكال فيه.
ومن أخبار المسألة التي نحن فيها خبر مشكل لم يتعرض له الأصحاب في هذا
الباب، وهو ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في الصحيح على بعض
الطرق عن محمد بن قيس (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) " قال: قضى أمير المؤمنين
(عليه السلام) في وليدة باعها ابن سيدها وأبوه غائب، فاستولدها الذي اشتراها
فولدت منه غلاما ثم جاء سيدها الأول فخاصم سيدها الآخر فقال: وليدتي باعها ابني
بغير إذني، فقال: الحكم أن يأخذ وليدته وابنها؟ فناشده الذي اشتراها فقال له:

(1) والظاهر على ما ذكره بعض الأصحاب أن هذا القول مبني على اطراح
النص الوارد في المسألة لأن القاعدة الكلية في عوض البضع بمنزلة قيمة
المثل في غيره، ولعل اطراح هذا القائل النص المذكور لما عرفت مما قدمنا
ذكره. منه رحمه الله.
(2) التهذيب ج 7 ص 74 الفقيه ص 140.
456

خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفذ لك البيع، فلما أخذه قال له أبوه: أرسل
ابني فقال: لا والله لا أرسل إليك ابنك حتى ترسل إلي ابني، فلما رأى ذلك سيد
الوليدة أجاز بيع ابنه ".
وأنت خبير بما فيه من الخروج عن مضامين الأخبار المتقدمة، مع أن مورده
مثلها، ويمكن على بعد أن يقال: إن حكمه (عليه السلام) بأخذ الولد مع الجارية
لأجل أن يزاد إليه الأب قيمة الولد كما عرفت من الأخبار المتقدمة، وحكمه بأخذ
المشتري لولد البايع الذي باعه الجارية لأجل أن يرد إليه قيمة الجارية وقيمة الولد
التي غرمها لأبيه، إلا أنه بعيد عن سياق الخبر المذكور، فإن ظاهره أن أخذ كل
منهما لولد الآخر ليس باعتبار ما ذكرناه، كما يشير إليه قوله خذ ابنه الذي باعك
حتى ينفذ لك البيع، فإنه ظاهر في أن حبس الابن عنده إنما هو لأجل إنفاذ البيع
وجازته، لا لأجل الثمن أو القيمة (1).
وبالجملة فإنه مرجوع إلى قائله (عليه السلام) ولعله لمصلحة لا نعلمها،
وفيه دلالة على صحة بيع الفضولي وتوقفه على الإجازة كما هو المشهور، مع
ما عرفت من الأخبار الدالة على البطلان كما تقدم في المسألة المذكورة، ولكن

(1) قال في الدروس: وروى محمد بن قيس في وليدة باعها ابن سيدها
فاستولدها المشتري ينتزعها الأب وولدها، وللمشتري أخذ البايع ليجيز
أبوه البيع، وهي قضية علي (عليه السلام) في واقعة، ولعل ذلك
لاستصلاح منه (عليه السلام) وفيها دلالة على أن العقد الفضولي موقوف
وعلى أن الإجازة كاشفة انتهى، ومؤيد لما ذكرناه في الأصل من عدم
إمكان التأويل المذكور، فيحمل على الظاهر على أنها قضية وواقعة مخصوصة
فلا يتعدى إلى غير موضعها، لا في صحة العقد الفضولي ولا غيره " لما عرفت
من الأخبار الدالة على بطلانه. منه رحمه الله.
457

هون الأمر فيه ما هو عليه من المخالفة لمقتضى الأصول الشرعية والضوابط المرعية.
والله العالم.
المسألة العاشرة اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في من اشترى جارية
سرقت من أرض الصلح حيث أن مال أهلها محترم، فقال الشيخ في النهاية: من
اشترى جارية كانت سرقت من أرض الصلح، كان له ردها على من اشتراها منه،
واسترجاع ثمنها وإن كان قد مات، فإن لم يخلف وارثا استسعيت الجارية في ثمنها
وبذلك قال ابن البراج.
وقال ابن إدريس: كيف تستسعى هذه الجارية بغير إذن صاحبها، وكيف
تعتق، وليس على ذلك دليل، وقد ثبت أنها ملك الغير، والأولى أن تكون بمنزلة
اللقطة، بل يرفع خبرها إلى حاكم المسلمين، ويجتهد على ردها على من سرقت
منه، فهو الناظر في أمثال ذلك انتهى. وظاهر المحقق في الشرايع ومثله العلامة
في المختلف ونحوه في الإرشاد أنه مع تعذر ردها على المالك أو وكيله أو وارثه
تدفع إلى الحاكم الشرعي ليحفظها على مالكها.
وأما الثمن فيرجع به على البايع مع بقاء عينه مطلقا، وأما مع تلفه فكذلك
إن كان جاهلا، فإن تعذر سقط (1) ولا تستسعى الجارية مطلقا وإن تلف الثمن، وإلى
هذا القول مال في كتاب المسالك أيضا وهذان القولان يشتركان في عدم الاستسعاء
ويفترقان في كونها كاللقطة في وجوب حفظها على مذهب ابن إدريس، أو تدفع
إلى الحاكم على مذهب المحقق.
والذي وقفت عليه من الأخبار في المقام ما رواه الشيخ في الصحيح إلى مسكين

(1) ووجه تعذره إما باعسار البايع أو موته وموت وارثه، أو الامتناع
من رده، ولم يمكن اجباره على ذلك. منه رحمه الله.
458

السمان، وهو مجهول (1) عن أبي عبد الله عليه السلام، " قال: سألته عن رجل
اشترى جارية سرقت من أرض الصلح قال: فليردها على الذي اشتراها منه، ولا يقربها
إن قدر عليه أو كان مؤسرا، قلت، جعلت فداك أنه مات عقبه، قال فليستسعها "
وإلى هذه الرواية استند الشيخ في النهاية.
وأنت خبير بما فيها من الاشكال بمخالفة القواعد الشرعية والضوابط المرعية
أما أولا فمن حيث ردها على البايع، وهو ليس مالكا لها ومقتضى الأصول وجوب
ردها إلى المالك، كما صرح به أصحاب القولين الأخيرين، وإلا فالحاكم الشرعي
مع تعذره، وأما ثانيا فمن حيث استسعائها في ثمنها، مع أن كسبها لمولاها، والثمن
لم يصل إليه، فكيف يؤخذ الثمن من غير آخذه.
وأما ما ذكره الشهيد (رحمه الله تعالى) في الدروس؟ حيث مال إلى العمل
بالرواية من قوله: والأقرب المروي تنزيلا على أن البايع مكلف بردها إلى أهلها، إما لأنه
السارق، أو لأنه ترتبت يده عليها، واستسعاؤها جمعا بين حق المشتري وحق صاحبها، والأصل
فيه أن مال الحربي في الحقيقة فئ وبالصلح صار محترما احتراما عرضيا، فلا يعارض ذهاب
مال محترم في الحقيقة، وزاد في شرح الإرشاد في الجواب عن الاشكال الأول بأن
يده أقدم، ومخاطبته بالرد ألزم، خصوصا مع بعد دار الكفر، انتهى.
ففيه ما ذكره في المسالك حيث قال ونعم ما قال: وهذا التنزيل تقريب للنص،
وتوجيه له حيث يكون النص هو الحجة، وإلا فلا يخفى أن مجرد ما ذكر لا يصلح
للدلالة، لأن تكليف البايع بالرد لا يقتضي جواز الدفع إليه، كما في كل غاصب،
وقدم يده لا أثر له في هذا الحاكم أيضا، وإلا لكان الغاصب من الغاصب يجب عليه الرد
على الغاصب، وهذا باطل اجماعا ولأن البايع إن كان سارقا لم يكن أهلا للأمانة بخيانته،
وإن لم يكن سارقا فليس وكيلا للمالك ولا وليا له فلا يجوز الدفع إليه كما في كل

(1) التهذيب ج 7 ص 83.
459

مبيع يظهر استحاقه، وأما الفرق بين احترام المال بالعرض والأصل فلا مدخل له
شرعا في الحكم، بل لا تفاوت في نظر الشارع بينهما، بل كل منهما مضمون على
المتلف، مع أن المتلف للمال المحترم حقيقة ليس هو مولى الجارية، بل هو البايع
الذي غره إن كان عالما أو من غره، فلا يرجع على غيره، " ولا تزر وازرة وزر أخرى "
ولو تم ذلك لزم منه جواز أخذ ما ذهب من الأموال المحترمة بالأصل من مال
المحترم بالعرض، كأهل الذمة وهو واضح البطلان. انتهى كلامه زيد مقامه، وهو جيد
وجيه، كما لا يخفى على الفطن النبيه.
وبالجملة فالمسألة لما عرفت محل اشكال، لأن العمل بهذه الرواية مع ما هي
عليه مما شرحناه مشكل وردها من غير معارض أشكل. نعم من يرى العمل بهذا
الاصطلاح المحدث يقوى ردها عنده، كما جزم بذلك المحقق الأردبيلي حيث قال:
والظاهر تركها بالكلية، والعمل بالأدلة، لكن يلزم أن يذهب ثمن المشتري إن
لم يقدر على السارق البايع، ولا محذور في ذلك، وهو ظاهر. انتهى إلا أن الشهيد
رحمه الله قد عمل بها مع كونه من أرباب هذا الاصطلاح، لكنه لا تصلب له فيه، كما
عليه متأخروا المتأخرين، سيما مثل المحقق المذكور وتلميذيه صاحبي المدارك
والمعالم، ولهذا أنه قليلا ما يطرح الأخبار الضعيفة، ويتشبث في العمل بها بأدنى
مستمسك، كما لا يخفى على من راجع كتبه، وهو مبني على ما صرح به في صدر
كتابه الذكرى من ثبوت أخبارنا المروية في هذه الأصول، عن الأئمة الطاهرين
صلوات الله عليهم أجمعين.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الظاهر من كلام الأصحاب القولين الأخيرين حيث
لم يعملوا بالخبر المذكور إن دفعها إلى الإمام مع تعذر الوصول إلى المالك
إنما هو ليحفظها على مالكها إلى أن يمكن ايصالها إليه، كما تقدم في عبارة ابن
460

إدريس ونحوه العلامة في المختلف (1).
وظاهر المحقق الأردبيلي إن دفعها للحاكم المذكور إنما هو لكون الجارية
المذكورة مال الإمام (عليه السلام)، والحاكم نائبه، وأنه يفعل بها ما يفعل بأمواله
(عليه السلام) حال الغيبة، قال (قدس سره) بعد الطعن في الرواية ما لفظه: ولهذا
قال البعض: يجب ردها إلى المالك وورثته بعده، ثم إلى الحاكم، لأنه وكيل
الإمام (عليه السلام) وهي حينئذ ماله (عليه السلام)، فيفعل بها ما يفعل بساير أمواله
التي استورثها ممن لا وارث له، وهو الظاهر، ولا تستسعى انتهى وبنحو
ما نقلناه عن ابن إدريس والعلامة نقله الشهيد في الدروس عنهم أيضا، فقال بعد ذكر
قول الشيخ، قال الحلبيون: لا تستسعى لأنها ملك، وتدفع إلى الحاكم ليوصلها إلى
أربابها انتهى.
وبه يظهر لك أن ما نقله عن أصحاب هذا القول من أن الدفع إلى الحاكم
إنما هو حيث كونها ميراث من لا وارث له، وهو للإمام (عليه السلام) غفلة عن
مراجعة كلامهم في المسألة، على أنه لا يظهر من النص المذكور، ولا من كلام أحد
من الأصحاب معلومية موت المالك مع عدم وجود وارث له حتى أنها يكون من
قبيل ميراث من لا وارث له، فيكون للإمام (عليه السلام) وإنما المفروض في كلامهم
وهو ظاهر الخبر أيضا إنما هو تعذر الوصول إلى المالك من حيث إنها سرقت
من تلك الأرض، ونقلت إلى أرض أخرى وبيعت، وارجاعها إلى المالك يحتاج إلى
مزيد كلفة، كما يشير إليه ما تقدم في كلام الشهيد من قوله خصوصا مع بعد دار الكفر،
ولا يتوهم أن قوله في الخبر المذكور أنه مات ومات عقبه راجع إلى المالك، وأن

(1) حيث قال: والتحقيق أن نقول: المشتري إن كان عالما وجب عليه
ردها إلى المالك إن عرفه، وإلا إلى الحاكم ليحفظها على مالكها.
منه رحمه الله.
461

سياق الخبر ظاهر في أن المراد إنما هو البايع، وبالجملة فكلام المحقق المذكور
لا يخلو عن غفلة وقصور والله العالم.
المسألة الحادية عشر المفهوم من كلام جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم)
أن ما يؤخذ من دار الحرب بغير إذن الإمام، فإن كان بسرقة وغيلة ونحوهما فهو لأخذه
وعليه الخمس، وإن كان بقتال فهو بأجمعه للإمام (عليه السلام) وعلى كل من
التقديرين فإنه يباح تملكه للشيعة حال الغيبة، ولا يجب اخراج حصة الموجودين
من الهاشميين، لإباحتهم (عليهم السلام) ذلك للشيعة، لتطيب ولادتهم، وكذا يجوز
الشراء من السابي، وإن كان جايرا ظالما، بل الشراء من الكافر أخته وبنته وزوجته
وكل حربي قهر حربيا صح الشراء منه.
أقول: والغرض من ذكرهم هذا الكلام في هذا المقام هو أنه يجوز تملك
العبيد والإماء المسبية من دار الحرب، سيما في زمن الغيبة سواء سبيت بالقهر والغلبة
من سلاطين الجور، أو بسرقة وغيلة، وسواء كان السابي لها مسلما أو مخالفا أو كافرا،
وأن من قهر من الكافر أخته أو ابنته أو زوجته أو ابنه فإنه يتملكهم، ثم بعد تملكهم
يجوز الشراء منه، والقاهر والمقهور حربيان، ويدل على ذلك الأخبار.
فأما ما يدل على أن ما أخذ بقتال بغير إذنه، فهو له (عليه السلام)، فمنه رواية
العباس الوراق (1) " عن رجل سماه عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إذا غزا
قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام (عليه السلام) وإن غزوا بأمر
الإمام فغنموا كان للإمام الخمس " وصحيحة معاوية بن وهب (2) أو حسنته بإبراهيم
ابن هاشم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) السرية يبعثها الإمام فيصيبوا غنائم
كيف يقسم؟ قال: إن قاتلوا عليها مع أمير أمره الإمام (عليه السلام) أخرج منها

(1) الوسائل الباب ج 1 من أبواب الأنفال.
(2) الكافي ج 5 ص 43 وفيه " أربعة أخماس ".
462

الخمس لله والرسول، وقسم بينهم ثلاثة أخماس وإن لم يكونوا قاتلوا عليها
المشركين كان كلما غنما للإمام (عليه السلام) يجعله حيث أحب " والمراد إن لم
يكونوا قاتلوا مع أمير منه (عليه السلام) كما هو ظاهر السياق، وما اشتمل عليه من
اخراج خمسين من الغنيمة، وقسمه ثلاثة أخماس شاذ لا قايل به، وهذه الرواية
الثانية لم يذكرها أحد من الأصحاب فيما أعلم، ولكن الحكم بمجرد الرواية الأولى
مشهور عندهم، بل ادعى عليه الاجماع، وتوقف المحقق في النافع من حيث ضعف
الرواية المشار إليها، وقد تقدم الكلام في ذلك في كتاب الخمس (1).
إلا أن المحقق الأردبيلي (قدس سره) في هذا المقام عارض رواية الوراق
برواية زكريا بن آدم (2) عن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن سبي الديلم
يسرق بعضهم من بعض، ويغير المسلمون عليهم بلا إمام أيحل شراؤهم؟ قال: إذا
أقروا بالعبودية فلا بأس بشرائهم ".
ويمكن الجواب بحمل نفي البأس عن شراءهم من حيث تحليل ذلك للشيعة
متى ثبت العبودية، فلا ينافي كون ذلك له (عليه السلام) لما تكاثرت به الأخبار
من تحليل حقوقهم للشيعة (3) وعلى ذلك أيضا يحمل صدر رواية زكريا ابن آدم
المذكورة " قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن قوم من العدو صالحوا ثم خفروا
ولعلهم إنما خفروا لأنهم لم يعدل عليهم أيصلح أن يشتري من سبيهم فقال: إن كان
من قوم قد استبان عداوتهم فاشتر منهم وإن كان قد نفروا وظلموا فلا تتبع من سبيهم "
الحديث قوله اخفروا: (4) أي نقضوا عهدهم.

(1) ج 13 ص 323.
(2) الكافي ج 5 ص 210.
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب الأنفال.
(4) يقال: خفرت الرجل أخفره من باب ضرب خفرا بالتحريك إذا آجرته
وكنت له حاميا وكفيلا، فأخفرت الرجل وخفرت إذا أنقضت عهدته،
وعذرت به، والهمزة للسلب والإزالة، أي أزلت خفالته، والخفارة
بالكسر والضم الزمام والعهد منه رحمه الله.
463

وفي التهذيب عن محمد بن عبد الله (1) " قال: سألت أبا الحسن الرضا
(عليه السلام) عن قوم خرجوا وقتلوا أناسا من المسلمين وهدموا المساجد، وأن
المستوفي هارون بعث إليهم فأخذوا وقتلوا وسبي النساء والصبيان، هل يستقيم
شراء شئ منهن ويطأهن أم لا؟ قال: لا بأس بشراء متاعهن وسبيهن " وليس في هذه
الأخبار على تعددها دلالة على تملك السابي كما توهمه المحقق المتقدم ذكره، وإنما
دلت على جواز الشراء خاصة، فيحمل على ما قلنا من التحليل لكون ذلك لهم
(عليهم السلام) فلا تنافي الخبرين الأولين، على أنه يمكن حمل هذه الأخبار على
التقية أيضا، بمعنى أنه لم ينبه فيها على كون ذلك للإمام (عليه السلام) تقية، وإنما
ذكر جواز الشراء خاصة، بناء على ما قلناه.
وأما ما ذكره من أن ما أخذ بغيلة وسرقة فهو لأخذه، وعليه الخمس فلم أقف
فيه بعد التتبع للأخبار على نص، وغاية ما استدل به عليه في المدارك هو أخبار (2)
" خذ مال الناصب حيثما وجدته، وادفع لنا الخمس، " وفيه نظر، لعدم ذكره
في صدر كتاب الخمس، وايجاب الخمس هنا أحد القولين، وبه صرح في المسالك
وقيل: بالعدم وهو ظاهر الشهيد في الدروس في مبحث الخمس، لأنه لا تسمى غنيمة،
وهو الأقرب لما عرفت من عدم الدليل على ذلك، بل على عدم كون المأخوذ
على هذا الوجه لأخذه، فإن الأخبار خالية من الأمرين ولهذا إنما التجأ صاحب

(1) التهذيب ج 6 ص 162.
(2) التهذيب ج 6 ص 387.
464

المدارك في الأمرين إلى أخبار " خذ مال الناصب ".
وأما ما يدل على جواز الشراء من السابي وإن كان جايرا فالروايات المذكورة عن
الرضا (عليه السلام) لكن لا من حيث كون ذلك ملكا له كما عرفت، وإن أوهم ظاهرها
ذلك، إلا أنه يجب حملها على ما ذكرناه جمعا بين الأخبار الواردة في المسألة.
وأما جواز الشراء من الكافر الحربي بنته وأخته وزوجته، فيدل عليه ما رواه
الشيخ عن عبد الله اللحام (1) " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يشتري من
رجل من أهل الشرك ابنته فيتخذها؟ قال: لا بأس " وبالاسناد المذكور (2) " قال:
سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يشتري امرأة رجل من أهل الشرك يتخذها
أم ولد قال: لا بأس ".
بقي الكلام في أنه قد صرح الأصحاب بأن كل حربي قهر. حربيا فباعه صح
بيعه، لأن القاهر مالك المقهور بقهره إياه، فيصح بيعه له، وهذا ظاهر فيمن لا ينعتق
عليه كالزوجة ونحوها، أما لو كان ممن ينعتق عليه كالبنت في الخبر الأول فاشكال،
ينشأ من أنه بدوام القهر يبطل العتق لو فرض، وبدوام القرابة يرتفع الملك بالقهر (3)

(1) التهذيب ج 7 ص 77.
(2) التهذيب ج 7 ص 77.
(3) أقول: وتوضيحه أن القرابة المخصوصة دائمان، وبدوا مهما يجب أن يدوم ما يترتب
عليهما ويقتضيانه، والوجهان قد تعارضا وتكافئا ولا ترجيح لأحدهما على
الآخر، فلا يمكن الحكم بأحدهما دون الآخر، فلما ثبت بالخبر المذكور
جواز الشراء فلا بد من حمله على الاستنقاذ، لخروجه عن القاعدة المذكورة
لا أنه بيع حقيقي، لأن شرطه الملك، وملك البايع هنا غير معلوم لما عرفت
وقولهم المبطل العتق لو فرض مقتضاه أن العتق لا يقع، لأنهم حكموا ببطلانه
على تقدير فرض وقوعه، وكأنه مبني على أن القهر دائم وهو في كل آن
يقتضي الملك فيمتنع حصول العتق حقيقة لوجود منافيه فلا يكون إلا بطريق
الفرض.
(منه رحمه الله)
465

وحينئذ فالتحقيق حمل الشراء في الخبر المذكور على الاستنقاذ، ويثبت الملك بعد ذلك
بالتسلط، وفي لحوق أحكام البيع من خيار المجلس وخيار الحيوان والعيب ونحو ذلك
نظر أقربه بناء على ما قلناه العدم، قالوا والاستنقاذ دفع يد شخص شرعية أم
غير شرعية عن مال بعوض أو بغير عوض، ويشكل أيضا ثبوت الملك بالتسلط بعد
الاستنقاذ إذ قد يكون المملوك الذي بيده ممن ينعتق عليه مأمونا: أي دخل بلاد الاسلام
بأمان، فيشكل حينئذ تملك المشتري له بالتسلط عليه، وربما ظهر من كلام العلامة
في القواعد لحوق أحكام البيع بالنسبة إلى البايع، وفيه أنه مع حكه بالاستنقاذ لا معنى
لذلك، لأنه عقد واحد يبعد كونه بيعا حقيقيا بالنسبة إلى البايع وغير بيع بالنسبة
إلى المشتري، على أن سبب عدم كونه بيعا حقيقيا بالنسبة إليه إنما هو عدم صلاحية
المبيع لتملك البايع، وهو موجب لعدم كونه حقيقيا بالنسبة إليه.
وقال في الدروس: ولو اشترى حربيا من مثله جاز، ولو كان ممن ينعتق
عليه قيل كان استنقاذا حذرا من الدور لو كان شراء، ولا يلحق به أحكام البيع بالنسبة
إلى المشتري، وروى ابن بكير (1) تسميته شراء انتهى وظاهره لحقوق أحكام
البيع بالنسبة إلى البايع كما قدمنا ذكره عن ظاهر القواعد، وفيه ما عرفت.
وبالجملة فإن مقتضى التحقيق بناء على ما ذكروه من كون ذلك استنقاذا لا بيعا
حقيقيا هو عدم تحقق بيع شرعي، لا بالنسبة إلى البايع ولا إلى المشتري، فتملك

(1) أقول: نسبه: في الدروس الرواية إلى ابن بكير باعتبار أنه هو الراوي
عن عبد الله اللحام، ولعل ذلك للتنبيه بشأن الرواية حيث أن سندها إلى ابن
بكير من الموثق، وعبد الله اللحام مجهول منه رحمه الله.
466

المشتري للمبيع مشكل، وتملك البايع للثمن مشكل، إلا أنك قد عرفت من الرواية
المتقدمة كون ذلك بيعا، وشراء من غير معارض، سوى ما قالوه، والأظهر الوقوف
على مقتضى النص، فإن ما ذكروه وإن كان مقتضى القواعد الشرعية أيضا، إلا أنه
يمكن تخصيصها بهذا الخبر بأن يخص الانعتاق بالملك بالشراء، دون التملك قهرا،
وقوفا على مورد أخبار كل من المقامين والله العالم.
والمسألة الثانية عشر اختلف الأصحاب فيما لو دفع إلى مأذون مالا ليشتري
به نسمة ويعتقها عنه ويحج بالباقي، فاشترى أباه ودفع إليه بقية المال، فحج به
فاختلف مولاه وورثة الأمر ومولى الأب، فكل يقول اشترى بمالي، فقال الشيخ
في النهاية الحكم أن يرد المعتق على مولاه الذي كان عنده يكون رقا له كما كان،
ثم أي الفريقين الباقيين منهما أقام البينة بأنه اشترى بماله سلم إليه، وإن كان المعتق
قد حج ببقية المال لم يكن إلى رد الحجة سبيل، وتبعه في ذلك ابن البراج.
وقال ابن إدريس: لا أرى لرد المعتق على مولاه وجها، بل الأولى عندي
أن القول قول سيد العبد المأذون له في التجارة، والعبد المبتاع لسيد العبد المباشر
للعتق، وأن عتقه غير صحيح، لأن اجماع أصحابنا على أن جميع ما بيد العبد فهو
مال لسيده، وهذا الثمن في يد المأذون، وأنه اشتراه فإذا اشتراه فقد صار ملكا لسيد
المأذون الذي هو المشتري، فإذا أعتقه المأذون بعد ذلك فعتقه غير صحيح، لأنه
لم يؤذن له في العتق، بل أذن له في التجارة فحسب، هذا إذا عدمت البينتان،
فهذا تحرير القول والفتوى في ذلك انتهى (1).

(1) أقول: أما دعوى مولا العبد المأذون فظاهر مما ذكره ابن إدريس،
وأما دعوى مولى الأب أنه اشتراه بمالي فيحمل على أن يكون العبد
المأذون وكيلا له بالإذن وعنده مال له، أو أنه أخذ الأب من مالي وأعطاه
ابنه ليشتريه، ونحو ذلك، وأما دعوى ورثة الموصي فظاهر حيث إن
مورثهم دفع إليه ذلك الوجه الذي اشترى به العبد، فهو قد اشترى بمالنا
وكأنهم ينكرون الوصية بما ذكره المأذون من الشراء والعتق منه رحمه الله.
467

والأصل في هذه المسألة ما رواه الشيخ عن ابن أشيم (1) " عن أبي جعفر
(عليه السلام عن عبد لقوم مأذون له في التجارة، دفع إليه رجل ألف درهم فقال له:
اشتر بها نسمة وأعتقها عني، وحج عني بالباقي، ثم مات صاحب الألف، فانطلق
العبد فاشترى أباه فأعتقه عن الميت، ودفع إليه الباقي يحج عن الميت فحج عنه،
وبلغ ذلك موالي أبيه ومواليه وورثة الميت جميعا، فاختصموا جميعا في الألف،
فقالوا موالي العبد المعتق: إنما اشتريت أباك بمالنا، وقال الورثة: إنما اشتريت
أباك بمالنا، وقال موالي العبد: إنما اشتريت أباك بمالنا، فقال: أبو جعفر (عليه السلام)
أما الحجة فقد مضت بما فيها لا ترد، وأما المعتق فهو رد في العتق لموالي أبيه،
وأي الفريقين بعد أقاموا البينة على أنه اشترى أباه من أموالهم كان لهم رقا "
والشيخ في النهاية ومن تبعه قد عملوا بظاهر هذه الرواية
وابن إدريس قد ردها لما ذكره وقد اقتفى ابن إدريس في هذا القول أكثر من
تأخر عنه، وطعنوا في الخبر المذكور بضعف الراوي، فإنه غال، ومخالفة الخبر
المذكور لأصول المذهب من وجوه، منها الحكم برد العبد إلى مولاه مع اعترافه
ببيعه، ومها دعواه فساد البيع، ومدعى الصحة وهو الآخران مقدم، ومنها حكمه
بمضي الحجة مع أن ظاهر الأمر حجه بنفسه وقد استناب فيها، ومنها مجامعة صحة
الحج لعوده رقا مع كونه قد حج بغير إذن سيده، ومنها أنه كيف يدعي مولى
العبد أنه شرى بماله، مع أنه لم يكن لمولى الأب مال في يد المأذون، وليس هو
وكيله، ومع الاغماض عن ذلك وثبوت أن له مالا وأنه وكيل كيف يتصور صحة شراء
شخص من سيده بمال ذلك السيد، فدعوى مولى العبد أنه اشترى بماله يقتضي
فساد العقد، لأن العوضين إذا كانا من مال واحد لم تكن المعاوضة صحيحة، واعتذر

(1) التهذيب ج 7 ص 234.
468

العلامة للأول بحمل الرواية على إنكار مولى العبد البيع، لإفساده، ورد بمنافاته
لمنطوق الخبر، لدلالته على كونه اشترى بماله، وهو صريح في وقوع البيع والشراء،
فلا تسمع هذه الدعوى، ونزله الشهيد في الدروس على أن المأذون بيده مال لمولى
الأب وغيره، وبتصادم الدعاوى المتكافئة يرجع إلى أصالة بقاء الملك على مالكه،
ولا يعارضه فتواهم بتقديم دعوى الصحة على الفساد لأن دعوى الصحة هنا مشتركة
بين متقابلين متكافئين، فيتساقطان قال: وهذا واضح لا غبار عليه.
ورد بأن النظر فيه واضح والغبار عليه لايح، لمنع تكافئ الدعاوى أولا على
تقدير تسليم كون بيده مال للجميع، لأن من عدا مولاه خارج، والداخل مقدم
فسقط مولا الأب وورثة الأمر، فلم يتم الرجوع إلى أصل بقاء الملك على مالكه،
وبذلك يظهر فساد دعوى كون الصحة مشتركة بين متقابلين متكافئين، فإن الخارجة
لا تكافؤ الداخلة، فإذا قدمت لم يبق لرد الدعوى المشتملة على فساد البيع مانع،
إذ لم ينقدح بوجهها إلا بسبب تساقط تلك الدعويين ولم يتم، على أنه لو سلم كون
بيد المأذون أموال لغير مولاه، فإن اقراره بها لغيره غير مقبول مع تكذيب المولى
وإن كان مأذونا، لأن المأذون إنما يقبل اقراره بما يتعلق بالتجارة، لا مطلقا كما سيأتي
انشاء الله تعالى، وحينئذ فلا بد من اطراح هذه الرواية بهذه المنافيات لقبولها،
والرجوع إلى أصل المذهب.
وفي المسألة قول ثالث للمحقق في النافع، ورجحه ابن فهد في شرحه، قال:
ويناسب الأصل، الحكم بإمضاء ما فعله المأذون ما لم تقم بينة تنافيه، ومقتضاه الحكم
بصحة البيع والعتق والحج، لأن الأصل أن ما يفعله المأذون صحيح، وهذا يتمشى
إذا جعلنا حكم المأذون حكم الوكيل، فيقبل اقراره بما في يده، ويمضي تصرفه
كالوكيل، إلا أن فيه أنه موقوف على تناول الإذن من سيده لذلك.
هذا كله مع عدم البينة، وأما معها فإن كانت لواحد حكم بها، وإن كانت
469

لاثنين أو للجميع، فإن قلنا بتقديم بينة الداخل عند التعارض فكالأول، وإن
قدمنا الخارج أو لم يكن للداخل بينة، ففي تقديم بينة ورثة الأمر نظرا إلى الصحة
أو بينة مولى الأب، لأنه خارج بالإضافة إلى ورثة الأمر، لادعائه ما ينافي الأصل
وجهان، استجود أولهما في المسالك، قال: لأنهما خارجان بالنسبة إلى المولى
المأذون، ومدعيان، ويبقى مع ورثة الأمر ترجيح الصحة.
وبالجملة فإن المسألة من المشكلات لما عرفت مما يتطرق إلى النص المذكور
من الإيرادات الواضحة، والعمل به والحال كذلك مشكل، فالظاهر هو قوة ما ذهب
إليه المتأخرون والله العالم.
المسألة الثالثة عشر قال الشيخ في النهاية من اشترى من رجل عبدا وكان
عند البايع عبدان، فقال للمبتاع اذهب بهما فاختر أيهما شئت ورد الآخر وقبض
المال، فذهب بهما المشتري فأبق أحدهما من عنده فليرد الذي عنده منهما، ويقبض
نصف الثمن مما أعطى ويذهب في طلب الغلام، فإن وجده اختار حينئذ أيهما شاء
ورد نصف الذي أخذه، وإن لم يجده كان العبد بينهما نصفين، وتبعه ابن البراج
في ذلك.
وقال ابن إدريس: ما ذكره شيخنا في نهايته خبر واحد، لا يصلح ولا يجوز
العمل به، لأنه مخالف لما عليه الأمة بأسرها، مناف لأصول مذهب أصحابنا وفتاويهم
وتصانيفهم واجماعهم، لأن المبيع إذا كان مجهولا كان البيع باطلا بغير خلاف،
وقوله " يقبض نصف الثمن ويكون العبد الآبق بينهما ويرد الباقي من العبدين "، فيه
اضطراب كثير، وخلل كبير، لأنه إن كان الآبق هو الذي وقع عليه البيع؟ فمن مال
مشتريه، والثمن بكماله لبايعه، وإن كان الآبق غير من وقع عليه البيع، والباقي
الذي وقع عليه البيع فلأي شئ يرده، وإنما أورد شيخنا هذا الخبر على ما جاء
ايراد لا اعتقادا، لأنه رجع في مسائل خلافه في كتاب السلم. انتهى.
أقول: أشار بقوله رجع عنه في خلافه إلى ما ذكره الشيخ في الكتاب المذكور،
470

حيث قال في باب السلم: إذا قال: اشتريت منك أحد هذين العبدين، بكذا، أو أحد
هذه العبيد الثلاثة بكذا لم يصح الشراء، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة إذا
شرط فيه الخيار ثلاثة أيام جاز، لأن هذا غرر يسير، وأما في الأربعة فما زاد عليها
فلا يجوز، دليلنا أن هذا بيع مجهول فيجب أن لا يصح بيعه ولأنه بيع غرر لاختلاف
قيمتي العبدين، ولأنه لا دليل على ذلك في الشرع، وقد ذكرنا هذه المسألة في البيوع،
وقلنا: أن أصحابنا رووا جواز ذلك في العبدين فإن قلنا بذلك تبعنا فيه الرواية،
ولم نقس غيرها عليها. انتهى.
وقال العلامة في المختلف بعد نقل ما ذكرناه: والتحقيق أن نقول: العقد أن
وقع على عبد مطلق موصوف بصفاته المقصودة الرافعة للجهالة صح البيع، فإذا
دفع البايع العبدين إلى المشتري ليتخير أحدهما، جاز أن يتخير أيهما شاء، فإذا
أبق أحدهما فإن قلنا المقبوض بالسوم مضمون ضمنه المشتري ثمنا وإلا فلا، وإن
وقع على أحدهما كان باطلا.
والشيخ رحمة الله عليه عول في ذلك على رواية محمد بن مسلم (1) عن الباقر
(عليه السلام)، " قال سألته عن رجل اشترى من رجل عبدا وكان عنده عبدان، فقال
للمشتري: اذهب بهما فاختر أيهما شئت ورد الآخر وقد قبض المال فذهب بهما
المشتري فأبق أحدهما من عنده قال: ليرد الذي عنده منهما ويقبض نصف الثمن
مما أعطى من المبيع، ويذهب في طلب الغلام، فإن وجده اختار أيهما شاء، ورد
النصف الذي أخذ، وإن لم يجده كان العبد بينهما نصفه للبايع ونصفه للمبتاع "
وهذه الرواية تدل على أن البيع وقع صحيحا لا على أنه وقع على عبد من عبدين
وكذا كلام الشيخ.
وأما قول الشيخ في الخلاف عن الرواية، فإن لها محملا، وهو أن نفرض

(1) التهذيب ج 7 ص 82 الكافي ج 5 ص 217.
471

تساوي العبدين من كل وجه فلا استبعاد حينئذ في بيع أحدهما لا بعينه، كما لو باعه
من متساوي الأجزاء بعضه، كما لو باعه قفيزا من الصبرة، وأما تضمين النصف فلأن
البيع وقع مشاعا على أحدهما فقبل الاختيار يكون العبدان بينهما، فلما أبق أحدهما
ضمن نصفه الذي اشتراه، والنصف الآخر لا يضمنه، لأنه مقبوض على وجه السوم،
والعبد الباقي بينهما لشياع الاستحقاق في العبدين. انتهى.
أقول: وجه الاشكال في الرواية المذكورة من حيث أنه اشترى عبدا في الذمة،
وهو أمر كلي يتوقف على تشخيصه في عين مخصوصة متصفة بما وقع عليه الاتفاق
من الأوصاف، والخبر دل على انحصار ذلك الأمر الكلي في العبدين قبل تعيينه، ومن
حيث دلالة الخبر على ثبوت البيع في نصف الموجود الموجب للشركة مع عدم
وجود ما يقتضي الشركة، ثم الرجوع إلى التخيير لو وجد الآبق، ومن أجل هذه
الاشكالات نزل بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) الرواية المذكورة على تقدير
أربع مقدمات، الأولى تساويهما قيمة، الثانية مطابقتهما للمبيع الكلي وصفا،
الثالثة انحصار الحق فيهما حيث دفعهما إليه وعينهما للتخيير، كما لو حصر الحق
في واحد، الرابعة عدم ضمان المقبوض بالسوم فلا يضمن الآبق هنا، أو تنزيل هذا
التخيير هنا منزلة الخيار في البيع فكما أن تلف المبيع في مدة الخيار، من البايع،
فكذلك هيهنا متى تلف قبل الاختيار (1).
ولا يخفى ما في البناء على هذه المقدمات من الاشكال لما يمكن تطرقه إلى جملة
منها، ولهذه قيل إنه يشكل الحكم بانحصار الحق فيهما على هذه التقادير، لأن المبيع
أمر كلي لا يشخص إلا بتشخيص البايع، ودفع الاثنين ليتخير أحدهما ليس تشخيصا
وإن حصر الأمر فيهما، لأصالة بقاء الحق في الذمة إلى أن يثبت شرعا كون ذلك كافيا،
كما لو حصره في عشرة فصاعدا، وما ذكره في المختلف من التنزيل على تساوي

(1) مرجع المقدمة الرابعة إلى أن عدم الضمان مترتب على أحد الأمرين
المذكورين منه رحمه الله.
472

العبدين من كل وجه ليلحق بمتساوي الأجزاء حتى جوز بيع عبد منهما كما يجوز
بيع قفيز من الصبرة ففيه اشكال ظاهر، لمنع تساوي العبدين على وجه يلحقان بالمثلي
الذي هو عبارة عن متساوي الأجزاء، ومنع تنزيل بيع القفيز من الصبرة على الإشاعة،
كما تقدم في البحث عن هذه المسألة.
وبالجملة فإن الأكثر على اطراح الرواية المذكورة لما عرفت من مخالفتها
لمقتضى الأصول وعسر تنزيلها على ما ذكروه من هذه التكلفات السخيفة، والأظهر
الرجوع إلى مقتضى الأصول، فينظر في هذين العبدين فإن كانا بالصفات الذي اشترى
بها العبد في الذمة تخير بينهما، فإن اختار الآبق منهما رد ما أخذه من نصف الثمن،
ولا شئ له، وإن اختار الباقي منهما أخذه.
بقي الكلام في ضمان الآبق على هذا التقدير، فإن قلنا بضمان المقبوض بالسوم
ضمنه، وإلا فلا، وإن كان أحدهما بالصفات أخذه وحكم الآخر على ما تقدم، وإن لم
يكن شئ منهما بالصفات رجع على البايع بحقه لأن حقه في الذمة باق حتى يدفع
إليه ما كان على الصفات التي وقع عليها العقد وفي ضمان الذاهب ما تقدم، وعلى
هذا لا فرق بين عبدين أو أكثر أو غير العبد من المتاع وغيره، وعلى تقدير العمل
بالرواية يجب الاقتصار فيه على موردها فلا يتعدى الحكم إلى غير العبدين اقتصارا
فيما خالف الأصول على موضع النص وبه جزم الشيخ رحمه الله.
ولو تعددت العبيد فهل ينسحب الحكم، احتمالان أحدهما نعم، لصدق
العبدين في الجملة، فلو كانوا ثلاثة فأبق واحد فأت ثلث المبيع، فيرجع بثلث الثمن،
وهكذا فيما زاد، وثانيهما العدم، للخروج عن مواضع النص، وهو الأظهر ولو كانا
أمتين أو أمة وعبدا ففي انسحاب الحكم الوجهان، وقطع، في الدروس بانسحاب
الحكم هنا، والأظهر العدم، لما ذكرنا والله العالم.
473

المسألة الرابعة عشر اختلف الأصحاب رضوان الله عليهم في الجارية بين
الشركاء فيطأ أحدهم، فقال الشيخ في النهاية: إذا كانت الجارية بين شركاء فتركوها
عند واحد منهم فوطأها فإنه يدرأ عنه من الحد بقدر ما له منها من الثمن، ويضرب
بمقدار ما لغيره من القيمة، وتقوم الأمة قيمة عادلة ويلزمها، فإن كانت القيمة أقل
من الثمن الذي اشتريت به ألزم ثمنها الأول، وإن كانت قيمتها في ذلك اليوم الذي
قومت فيه أكثر من ثمنها ألزم ذلك الأكثر، فإن أراد واحد من الشركاء الجارية كان
له أخذها، ولا يلزمه إلا ثمنها الذي يسوى في الحال. انتهى.
أقول: ما ذكره الشيخ هنا هو مضمون رواية عبد الله بن سنان " قال: سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجال اشتركوا في أمة فأتمنوا بعضهم على أن يكون
الأمة عنده فوطأها قال: يدرأ عنه من الحد بقدر ماله من النقد ويضرب ما ليس له
فيها، وتقوم الأمة عليه بقيمة ويلزمها، فإن كانت القيمة أقل من الثمن، الذي اشتريت
به الجارية ألزم ثمنها الأول، وإن كان قيمتها في ذلك اليوم الذي قومت فيه أكثر
من ثمنها ألزم ذلك الثمن وهو صاغر لأنه استفرشها، قلت: فإن أراد بعض الشركاء
شراءها دون الرجل؟ قال: ذلك له، وليس له أن يشتريها حتى يستبرأها، وليس على
غيره أن يشتريها إلا بالقيمة ".
وقال: ابن إدريس بعد نقل كلام الشيخ هذا خبر واحد أورده شيخنا ايرادا
لا اعتقادا والأولى أن يقال: لا يلزم الواطئ لها شئ سوى الحد الذي ذكرناه على
تقدير أن يكون عالما بالتحريم بقدر حصص شركائه، إلا أن تكون بكرا فيأخذ
عذرتها، فيلزم ما بين قيمتها بكر أو غير بكر، ويسقط عنه ما يخصه من ذلك، ويستحق
الباقي باقي الشركاء، فأما إن كانت غير بكر فلا يلزمه ذلك هذا إذا لم يحبلها، فإذا
أحبلها بولد، فإنه يغرم ثمنها الذي تساوي يوم خيانته عليها، وثمن ولدها يوم تسقط
حيا لو كان عبدا ويسقط من ذلك بمقدار حصته من الثمن انتهى.

(1) التهذيب ج 7 ص 72 الكافي ج 5 ص 217.
474

وقال العلامة في المختلف: والتحقيق أن نقول الواطئ إن كان عالما بالتحريم
حد يقدر حصص الشركاء، وعليه من المهر بقدر حصصهم أيضا إن كانت مكرهة
أو جاهلة، وإن كانت مطاوعة فكذلك على الخلاف وسيأتي، وإن كانت بكرا لزمه
أرش البكارة قطعا، ولا تقوم عليه بنفس الوطئ بل مع الحمل وعليه تحمل الرواية
وقول الشيخ أيضا، وعليه حصص الشركاء من القيمة ويطالب بأعلى القيم من حين
الاحبال إلى وقت التقويم، وعليه حصص الشركاء أيضا من قيمة الولد يوم سقط حيا
إن لم يكن قد قومت عليه حبلى، ولو أراد بعض الشركاء أخذها فإن كانت قد حبلت
لم يكن له ذلك، وإن لم تكن حبلت كان له ذلك ويأخذها بقيمتها يوم الأخذ انتهى.
أقول: وتحقيق الكلام في هذا المقام يقع في مواضع الأول لا اشكال في
سقوط الحد عن الواطئ هنا مع الشبهة كما لو توهم حل الوطئ من حيث الشركة
لقوله (عليه السلام) (1) " ادرأوا الحدود بالشبهات " الثاني ظاهر النص والفتوى أن
الحد هنا إنما هو بالجلد وإن كان محصنا يجب في مثله الرجم، لأن الرجم لا يقبل
التبعيض، وقد عرفت من النص والفتوى تبعيضه هنا، والظاهر أن الوجه فيه أن وجوب
الرجم في المحصن إنما هو فيما إذا كان الزاني محصنا وهذا ليس كذلك من حيث تملكه
لبعض الأمة، ولأجل ذلك يلحق به الولد، وتصير أم ولد وإن كان عالما بالتحريم
مع أن الزاني العالم لا يلحق به الولد.
الثالث أنه يسقط من الحد ما قابل ملكه من الأمة نصفا أو ربعا أو نحو ذلك،
لعدم تحقق الزنا بالنسبة إلى حصته، ويضرب الباقي الذي يتعلق بنصيب الشركاء،
لكونه زنا بالنسبة إلى حصصهم، وينبغي أن يستثنى من الحد أيضا ما لو كان أحد
الشركاء ابن الواطئ أيضا، فإنه لا حد على الأب في نصيب ابنه، كما لا حد عليه
لو كانت بأجمعها للولد، ثم إنه مع التبعيض لو احتيج إلى تبعيض الجلدة الواحدة

(1) الفقيه ج 4 ص 53.
475

قال: بعض المحققين أنه يحتمل باعتبار مقدار السوط، وكيفية الضرب.
أقول: بل الظاهر أنه إن كان نصفا أخذ بنصف السوط، وإن كان ثلثا أخذ
بثلثيه، كما تضمنه صحيح هشام بن سالم (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال:
في نصف الجلدة وثلث الجلدة يؤخذ بنصف السوط، وثلثي السوط "، ويمكن
ارجاع ما ذكره المحقق المشار إليه ما ذكرناه.
الرابع ظاهر كلام الشيخ وهو ظاهر الرواية أيضا أنه تقوم الأمة على الواطئ بنفس
الوطئ وظاهر الأصحاب كما سمعت من كلام ابن إدريس والعلامة أنه لا تقوم عليه ولا يلزمه
ثمنها إلا مع الحمل، لا بمجرد الوطئ، وعلى ذلك حمل العلامة كلام الشيخ والرواية
المذكورة، أنت خبير أولا بأنه لا اشعار في الرواية، ولا في كلام الشيخ بذكر
الحبل بالكلية، وثانيا بأنه متى حمل الكلام فيهما على الحمل كما ذكره، بمعنى
أن قوله في الرواية وكذا في كلام الشيخ " وتقوم الأمة عليه " يعني من حيث حملها
بعد الوطئ فكيف يتم قوله في آخر الرواية وكذا في كلام الشيخ " فإن أراد أحد
الشركاء الجارية كان له أخذها " مع تصريحه (قدس سره) بأنه إن كانت قد حبلت
لا يجوز ذلك وإنما يجوز مع عدم الحبل.
وبالجملة فالظاهر أن اشتمال الرواية وكذا كلام الشيخ بناء على حمله لها
على ذلك على هذين الحكمين أعني التقويم على الواطئ مع الحمل وعدمه،
وجواز شراء بعض الشركاء لها لا يخلو من تدافع كما لا يخفى لأنه إذا كان الحكم
الشرعي بعد الوطئ مجردا عن الحمل كما هو ظاهر الاطلاق، أو هو مع الحمل
كما هو ظاهر الأصحاب هو التقويم على الواطئ فكيف يجوز لبعض الشركاء
شراؤها.

(1) الكافي ج 7 ص 175.
476

ثم إن مما يدل على أن التقويم بمجرد الوطئ كما هو ظاهر الخبر المذكور
ما رواه في الكافي عن عدة من أصحابنا (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) وفي الفقيه
عنه (عليه السلام) مرسلا " قال: سئل عن رجل أصاب جارية من الفئ فوطئها قبل
أن تقسم؟ قال: تقوم الجارية وتدفع إليه بالقيمة ويحط له منها ما يصيبه منها من
الفئ ويجلد الحد، ويدرأ عنه من الحد بقدر ما كان له فيها، فقلت: كيف صارت
الجارية تدفع إليه بالقيمة دون غيره قال: لأنه وطئها، ولا يؤمن أن يكون ثمة حبل "،
والخبر كما ترى صريح الدلالة واضح المقالة في تقويمها على الواطئ بمجرد الوطئ
معللا بخوف الحبل، لا بوجوده بالفعل، كما ذكروه (رضوان الله عليهم) إلا أنه
قد روى في الكافي وكذا في التهذيب عن إسماعيل الجعفي (2) عن أبي جعفر
(عليه السلام) " في رجلين اشتريا جارية فنكحها أحدهما دون صاحبه، قال: يضرب
نصف الحد، ويغرم نصف القيمة إذا أحبل " وهي كما ترى دالة بمفهوم الشرط
الذي هو حجة عند المحققين وعليه تدل جملة من الأخبار عدم القيمة مع عدم الحبل
وهي مؤيدة لما ذكره الأصحاب وروى في الكافي أيضا عن إسماعيل الجعفي (3)
" عن أبي جعفر (عليه السلام) في جارية بين رجلين فوطئها أحدهما دون الآخر فأحبلها
قال: يضرب نصف الحد ويغرم نصف القمية "، إلا أن هذه الرواية لا دلالة فيها
على نفي القول بالقيمة بمجرد الوطئ، وبالجملة فإن المعارضة هنا وقعت بين رواية
العدة، ورواية إسماعيل الأولى، وإلا فرواية عبد الله بن سنان مطلقة، والترجيح
بحسب القواعد لرواية العدة لدلالتها صريحا على ما ذكرناه، والأخرى إنما تدل

(1) الكافي ج 7 ص 194 الفقيه ج 4 ص 33.
(2) الكافي ج 7 ص 195 التهذيب ج 10 ص 30.
(3) الكافي ج 7 ص 195 التهذيب ج 10 ص 30.
477

بالمفهوم، وهو لا يعارض المنطوق الصريح، إلا أن ظاهر اتفاق الأصحاب على الحكم
عدا اطلاق كلام الشيخ هنا مما يعضد المفهوم المذكور، والمسألة لذلك محل
اشكال والله العالم.
الخامس قد عرفت أن مع الحمل تقوم الجارية على الواطئ، فالظاهر أنه
لا خلاف فيه لأنها مع الحمل تصير أم ولد ويلحقها حكم أمهات الأولاد والولد حر،
قالوا لأن الاستيلاد بمنزلة الاتلاف لتحريم بيعها وانعتاقها بموت سيدها، فكان عليه
غرامة حصص باقي الشركاء من الجارية ومن الولد.
وظاهرهم أنه لا فرق بين كونه عالما أو جاهلا وهو ظاهر اطلاق رواية إسماعيل
الجعفي المتقدمة ولولا ذلك لأمكن الفرق بين الأمرين فإن مقتضى القاعدة مع
العلم أن لا يكون الولد كله حرا لأن الزنا بأمة الغير موجب لكون الولد للمالك،
لأنه نماء ماله، إلا أن الحكم هنا كما ذكره الأصحاب وهو ظاهر الخبر المذكور
على خلاف ذلك وكان تقويم حصص الشركاء في الولد من حيث سراية العتق
إن قيل بها في مثله فإنها قهرية كما سيجئ تحقيقه انشاء الله تعالى في موضعه
اللايق به.
السادس المعتبر في قيمة الولد قيمته يوم سقطه حيا، فيقوم لو كان عبدا
ويدفع إلى باقي الشركاء حصصهم، هذا إذا لم يكن قومت عليه حاملا، وإلا دخلت
قيمته معها، ولو وقع الولد سقطا قبل التقويم استقرت ملك الشركاء للأم.
أما تقويم الأم فهل المعتبر قيمتها عند الوطي، أو يوم التقويم، أو الأكثر منها؟
اختار في الدروس الأول، وفي المسالك الثالث، واستظهر المحقق الأردبيلي في شرح
الإرشاد أكثر القيم من حين الحمل إلى زمان الانتقال، قال: ويحتمل حين الحمل،
لأنه وقت الاتلاف، والأول أظهر، لأنه زاد في ملك الأول انتهى.
والظاهر أن ما ذكره من الاحتمال هو الذي ذكره ابن إدريس بقوله في عبارته
478

المتقدمة: يوم جنايته عليها، والذي دلت عليه رواية عبد الله بن سنان المتقدمة أكثر
الأمرين من قيمتها يوم التقويم وثمنها، وهو ظاهر اختيار الشيخ فيما تقدم من عبارته
وهو الأقرب.
السابع ينبغي أن يعلم أنه لا تدخل الجارية في ملك الواطئ بمجرد الحمل،
بل لا بد من التقويم ودفع القيمة أو ضمانها مع رضا الشركاء بذلك، وظاهر الأخبار
المتقدمة أنها تنتقل بمجرد التقويم، ومقتضى قواعد الأصحاب أنه لا بد من صيغة البيع
ودفع القيمة أو ضمانها، إلا أنك قد عرفت فيما تقدم ما في اشتراط الصيغة الخاصة
من عدم الدليل على ذلك، والظاهر أن ذكر التقويم في الأخبار خرج مخرج التجوز
والكناية عن دفع الثمن أو ضمانه، وأما اشتراط الرضا فالظاهر أن البيع هنا قهري
على الشركاء.
الثامن قد عرفت أنه لا تدخل في ملك الواطئ بمجرد الحمل، بل لا بد من
التقويم ودفع القيمة أو ضمانها وحينئذ أن كسب الجارية المذكورة وحق الخدمة
مشترك بين الملاك قبل ذلك.
التاسع ظاهر كلام ابن إدريس المتقدم أنه مع عدم الحمل لا يجب عليه بالوطئ
شئ إلا أن يكون بكرا فيجب عليه أرش البكارة، وهو تفاوت ما بين قيمتها بكرا
وثيبا ويسقط منه قدر نصيبه، أما لو كان ثيبا فلا شئ عليه، وظاهر كلام العلامة المتقدم
أن عليه أرش البكارة لو كانت بكرا قطعا ولو كانت ثيبا فعليه المهر، والشيخ فيما
تقدم من عبارته سكت عن ذلك.
وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك القول بما ذهب إليه العلامة من ايجاب
الجميع لو كانت بكرا أعني أرش البكارة، والمهر لو كانت ثيبا، قال في الكتاب
المذكور ويجب على الأب العقر (1) بسبب الوطئ، سواء كانت بكرا أو ثيبا،

(1) العقر بالضم: وهو دية فرج إذا غصب على نفسها وقيل: هو المهر أو
ما تعطاه المرأة على وطئ الشبهة.
479

وهو العشر أو نصفه مضافا إلى ذلك أرش البكارة، مستثنى منه قد نصيبه على أصح
القولين. انتهى (1) ونبه بقوله على أصح القولين على خلاف ابن إدريس كما
عرفت، حيث إنه لم يوجب شيئا مع الثيوبة، ومع البكارة لم يوجب إلا الأرش
وقال المحقق الأردبيلي أنه لا بد من العقر بحصة الشركاء العشر ونصفه، وفي
أرش البكارة تأمل، والظاهر العدم، لدخوله تحت عقر البكر، ولهذا سكت عنه الأكثر
انتهى وظاهره أن أرش البكارة إنما هو العشر، وحينئذ فإذا وجب عليه في صورة
ما إذا كانت بكرا من حيث كونه مهرا فلا معنى لايجابه مرة أخرى من حيث كونه
أرشا، مع أنك قد عرفت من كلام المسالك ايجاب الأمرين، إلا أن ظاهر عبارة ابن إدريس يدل على أن أرش البكارة إنما هو تفاوت ما بين قيمتها بكرا وثيبا لا العشر،
فعلى هذا لا منافاة بين وجوب الأمرين، ولا يحضرني الآن خبر صريح في تفسير الأرش
في هذا المقام بأحد المغيين، إلا أن صحيحة الوليد بن صبيح المتقدمة في المسألة
التاسعة ظاهرة فيما ذكره المحقق المشار إليه، وكيف كان فالظاهر هو ما ذكره
المحقق المذكور، إذ لا يستفاد من الأخبار أزيد من ذلك.
العاشر خص العلامة فيما تقدم من كلامه وجوب المهر بما إذا كانت مكرهة
أو جاهلة، وظاهره كون المطاوعة أيضا كذلك على خلاف فيها، وجزم ابن فهد
في المهذب بأن العالمة المطاوعة لا مهر لها، وكأنه بنى على خبر (2) " لا مهر لبغي "
وقد تقدم في المسألة التاسعة قول شيخنا الشهيد بذلك في نظير هذه المسألة للخبر المذكور
وفيه ما ذكرناه ثمة الحادي عشر ظاهر الأصحاب حرية الولد حين انعقاده، فهو
حرفي الأصل وإن لم يدفع الأب حصص الشركاء، ووجوب التقويم على أبيه

(1) وإليه يميل كلام الشهيد في الدروس حيث قال: وفي دخول أرش
البكارة في المهر نظر وجمع الفاصل بينهما. انتهى منه رحمه الله.
(2) التهذيب ج 10 ص 36 الكافي ج 5 ص 479.
480

لا يوجب رقيته، ففكه بالقيمة ليس على حسب فك الرق الوارث ليدفع إليه الميراث
ويظهر الفايدة فيما لو أوصى له حملا، فإن الوصية صحيحة بناء على ما قلنا، وأما
على تقدير انعقاده رقا وتوقف تحريره على فكه من الرقية فلا.
الثانية عشر لو سقط الولد بجناية جان عليه، ألزم الجاني دية جنين حر للأب،
وهو عشر دية، وعلى الأب للشركاء دية جنين الأمة وهو عشر قيمتها إلا قدر نصيبه،
كذا ذكره جملة من الأصحاب هنا والله العالم.
المسألة الخامسة عشر لو تنازع المأذون بعد شراء كل منهما صاحبه من مولاه
في الأسبق، ليبطل بيع المتأخر لبطلان الإذن بزوال الملك، ولا بينة لهما ولا لأحدهما
فما الحكم في ذلك؟ قال الشيخ في النهاية: المملوكان إذا كانا مأذونين في التجارة
فاشترى كل واحد منهما صاحبه من مولاه، فكل من سبق منهما بالبيع كان البيع له،
وكان الآخر مملوكا له، فإن اتفق أن يكون العقدان في حالة واحدة أقرع بينهما،
فمن خرج اسمه كان البيع له، ويكون الآخر مملوكه وقد روي أنه إذا اتفق العقدان
في حالة واحدة كانا باطلين والأحوط ما قدمناه. انتهى وتبعه على ذلك ابن البراج.
وقال ابن إدريس: وإن اتفق أن يكون العقدان في حالة واحدة كان العقد
باطلا، وقد روي أنه يقرع بينهما فمن خرج اسمه كان البيع له، ويكون الآخر
مملوكه، وهذه الرواية لا يمكن المصير إليها، لأن القرعة تستعمل في الأشياء التي يجوز
وقوع الصحة فيها وصحة أحدهما وبطلان الحكم الآخر، وهذا السؤال مبني على
أنه وقع العقدان في حالة واحدة وتحقق وتيقن ذلك، وقد روي أنه يذرع الطريق
والأول من الأقوال هو الصحيح الذي يقوى في نفسي. انتهى.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه ثقة الاسلام في الكافي
والصدوق في الفقيه عن أبي سلمة (1) " عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجلين مملوكين
مفوض إليهما يبيعان ويشتريان بأموالهما، وكان بينهما كلام فخرج هذا يعد وإلى
مولى هذا، وهذا إلى مولى هذا، وهما في القوة سواء، فاشترى هذا من مولى هذا
العبد وذهب هذا فاشترى من مولى هذا العبد الآخر، فانصرفا إلى مكانهما فتشبث كل
واحد منهما بصاحبه وقال له: أنت عبدي وقد اشتريتك من سيدك، قال: يحكم

(1) الكافي ج 5 ص 218 الفقيه ج 3 ص 10 التهذيب ج 7 ص 72.
481

بينهما ممن حيث افترقا يذرع الطريق، فأيهما كان أقرب فهو الذي سبق الذي هو
أبعد، وإن كانا سواء فهو رد على مواليهما " وزاد في الكافي " جاءا سواء وافترقا
سواء إلا أن يكون أحدهما سبق صاحبه، فالسابق هو له، انشاء باع وإن شاء أمسك
وليس له أن يضربه " قال في الكافي وفي رواية أخرى " إن كانت المسافة سواء أقرع
بينهما، فأيهما وقعت القرعة عليه كان عبده " وروى الشيخ الخبر المذكور عن
محمد بن يعقوب مع الزيادة، وكذا الرواية المرسلة إلا أن فيه في آخر الرواية المرسلة
" كان عبد الآخر " وهو أظهر، وعلى تقدير رواية الكليني يكون الضمير في عبده راجعا إلى
الآخر، المفهوم من سياق الكلام وقرينة المقام.
ثم إنه لا يخفى أن المستفاد من الخبر المذكور هو كون المال الذي بيد المأذونين
مالهما، وهو مؤيد لما قدمناه من تملك العبد، وأن توقف التصرف على إذن السيد،
وأن الشراء إنما وقع لكل منهما، كما ينادي به قول كل واحد منهما للآخر أنت
عبدي، وقوله في الزيادة التي في الكافي " فالسابق هو له، انشاء باع وانشاء أمسك " وأنه
لو تحقق سبق أحد العقدين بقرب طريق أحدهما حكم بصحته وتقديمه، وهو ظاهر،
وأنه مع علم الاقتران بتساوي الطريقين فالعقدان باطلان.
وظاهر الرواية المرسلة أنه مع تساوي الطريقين الموجب للاقتران كما
عرفت فالحكم القرعة، وكأنه إلى هذه المرسلة استند الشيخ في النهاية فحكم
بالقرعة في صورة الاقتران، وفيه مناقضة ظاهرة لما دل عليه الخبر الأول من الحكم
بالبطلان مع تساوي الطريقين.
وجملة من الأصحاب منهم شيخنا الشهيد الثاني في المسالك اعترض على
الشيخ في الاستناد إلى هذه الرواية، بأن المستفاد منها إنما هو الاشتباه، قال في الكتاب
المذكور: أنه صرح في النهاية بالقرعة عند الاقتران محتجا بالرواية وهي لا تدل على
482

مطلوبه، لأنه فرضها في كتابي الأخبار فيما إذا كانت المسافة متساوية، واشتبه الحال،
لا فيما إذا علم الاقتران. انتهى.
أقول الظاهر أن ما أورده على الشيخ غير وارد بعد التأمل في الخبرين المذكورين،
وذلك أنه في الخبر الأول فرض أن العبدين حين خرج كل واحد منهما إلى مولى
الآخر كانا متساويين في القوة والعدو، وأن مشيهما وعدوهما واحد، فلذا أمر (عليه السلام)
بذرع الطريقين، فإن ظهر قرب أحدهما علم السبق للقريب، وإن تساوى الطريقان
حكم بالبطلان، وما ذاك إلا من حيث حصول الاقتران بين العقدين، لأن المفروض
تساويهما في الطريق، وتساويهما في العدو، فيلزم الاقتران وإليه يشير قوله في الزيادة
التي في الكافي " جاءا سواء، وافترقا سواء " ومن هذه الرواية حكم الأصحاب
بالبطلان مع الاقتران، لاستحالة الترجيح بغير مرجح.
والظاهر من ذكر الكليني المرسلة المذكورة بعد هذه الرواية أنها من تتمة
الرواية الأولى، ومترتبة على ما ذكر فيها من السؤال والجواب، وإنما حصل الاختلاف
في صورة تساوي الطريقين، فالرواية المسندة دلت على البطلان، والمرسلة دلت
على القرعة، وبه يحصل التعارض بين هاتين التتمتين، واحتمال كون هذه المرسلة
رواية مستقلة لا معنى له، لعدم تقدم ذكر مسافة تشار إليها باللام العهدية، وبما ذكرنا
يظهر ما في اعتراضهم على الشيخ ودعواهم أن المستفاد من المرسلة إنما هو الاشتباه.
نعم يحصل الاشكال في المرسلة المذكورة بما ذكره ابن إدريس من حيث
أن القرعة إنما تكون مع صحة أحد العقدين ومجهوليته، فيستخرج ذلك الصحيح
منهما بالقرعة، وأما مع علم الاقتران كما هو المفروض والمفهوم من سياق الكلام
فالظاهر بطلانهما كما صرحت به الرواية الأولى، وبذلك يظهر بقاء المسألة في قالب
الاشكال، وللأصحاب (رضوان الله عليهم) هنا شقوق وتفريعات وأحكام زائدة
على ما يفهم من أخبار المسألة وخارجة عنها ليس للتعرض لها كثير فائدة بعد ما عرفت
والله العالم.
483

إلى هنا تم الجزء التاسع عشر حسب تجزئتنا بحمد الله ومنه وقد بذلنا
الجهد غايته في تصحيحه ومقابلته للنسخة المصححة بقلم المصنف
طاب ثراه التي تفضل علينا بها حضرة حجة الاسلام العلامة
السيد عبد اللطيف الحسيني القرشي دامت بركاته
العالية وله الثناء الجميل والشكر الجزيل
ويتلوه الجزء العشرون في أحكام بيع
السلم إن شاء الله تعالى ونرجو
من الله التوفيق على طبع
بقية الأجزاء
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
علي الآخوندي
484