الكتاب: رياض المسائل
المؤلف: السيد علي الطباطبائي
الجزء: ١٤
الوفاة: ١٢٣١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢٢
المطبعة:
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك: ٩٦٤-٤٧٠-٠٤٦-٥
ملاحظات:

628
رياض المسائل
تأليف
الفقيه المدقق
السيد علي الطباطبائي
المتوفي سنة 1231 ه‍ ق
الجزء الرابع عشر
تحقيق
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة
1

شابك 5 - 046 - 470 - 964
ISBN 964 - 470 - 046 - 5
رياض المسائل
في بيان
أحكام الشرع بالدلائل
(ج 14)
* المؤلف: الفقيه المدقق السيد علي الطباطبائي قدس سره
* الموضوع: الفقه
* تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي
* عدد الصفحات: 376
* الطبعة: الأولى
* المطبوع: 500 نسخة
* التاريخ: 1422 ه‍ ق
* السعر: 1400 تومانا
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
2

بسم الله الرحمن الرحيم
خدمة للقارئ الكريم ننقل متن كتاب «المختصر النافع» للمحقق
الحلي (قدس سره) - وهي النسخة المطبوعة المتداولة - بقدر ما جاء في هذا
الجزء من «رياض المسائل» لآية الله السيد علي الطباطبائي (رحمه الله)،
ولا يخفى أن بين النسخة المذكورة والنسخ المتعددة من الرياض
اختلافات لم نذكر مواردها بل تركناها للقارئ العزيز.
كتاب القصاص
وهو: إما في النفس، وإما في الطرف. والقود موجبه: إزهاق البالغ
العاقل النفس المعصومة المكافئة عمدا.
ويتحقق العمد بالقصد إلى القتل بما يقتل ولو نادرا. أو القتل بما
يقتل غالبا وإن لم يقصد القتل.
ولو قتل بما لا يقتل غالبا ولم يقصد القتل فاتفق، فالأشهر أنه خطأ
كالضرب بالحصاة والعود الخفيف.
أما الرمي بالحجر الغامز أو بالسهم المحدد، فإنه يوجب القود لو قتل.
وكذا لو ألقاه في النار. أو ضربه بعصا مكررا ما لا يحتمله مثله
فمات. وكذا لو ألقاه إلى الحوت فابتلعه. أو إلى الأسد فافترسه، لأنه
كالآلة عادة.
ولو أمسك واحد وقتل الآخر ونظر ثالث، فالقود على القاتل
ويحبس الممسك أبدا وتفقأ عين الناظر.
ولو أكره على القتل فالقصاص على القاتل لا المكره. وكذا لو أمره
3

بالقتل فالقصاص على المباشر، ويحبس الآمر أبدا.
ولو كان المأمور عبده فقولان، أشبههما: أنه كغيره. والمروي: يقتل
به السيد.
قال في الخلاف: إن كان العبد صغيرا أو مجنونا سقط القود ووجبت
الدية على المولى.
ولو جرح جان فسرت الجناية دخل قصاص الطرف في النفس.
أما لو جرحه وقتله فقولان، أحدهما: لا يدخل قصاص الطرف في
النفس، والآخر: يدخل.
وفي النهاية: إن فرقه لم يدخل، ومستندها رواية محمد بن قيس.
وتدخل دية الطرف في دية النفس إجماعا.
مسائل من الاشتراك:
الأولى: لو اشترك جماعة في قتل حر مسلم فللولي قتل الجميع،
ويرد على كل واحد ما فضل من ديته عن جنايته، وله قتل البعض، ويرد
الآخرون قدر جنايتهم. فإن فضل للمقتولين فضل قام به الولي، وإن
فضل منهم كان له.
الثانية: يقتص من الجماعة في الأطراف كما يقتص في النفس. فلو
قطع يده جماعة كان له التخيير في قطع الجميع ويرد فاضل الدية، وله
قطع البعض، ويرد عليهم الآخرون.
الثالثة: لو اشتركت في قتله امرأتان قتلتا ولا رد إذ لا فاضل لهما،
ولو كان أكثر رد الفاضل إن قتلهن، وإن قتل بعضا رد البعض الآخر.
ولو اشترك رجل وامرأة فللولي قتلهما، ويختص الرجل بالرد.
4

والمفيد جعل الرد أثلاثا، ولو قتل الرجل ردت عليه نصف ديته.
ولو قتل المرأة فلا رد له، وله مطالبة الرجل بنصف الدية.
الرابعة: لو اشترك حر وعبد في قتل حر عمدا.
قال في النهاية: له قتلهما، ويرد على سيد العبد نصف قيمته، وله قتل
الحر، ويرد عليه سيد العبد خمسة آلاف درهم أو يسلم العبد إليهم أو
يقتلوا العبد، وليس لمولاه على الحر سبيل.
والحق أن نصف الجناية على الحر ونصفها على العبد، فلو قتلهما
الولي رد على الحر نصف ديته، وعلى مولى العبد ما فضل من قيمته عن
نصف الدية.
ولو قتل الحر رد مولى العبد عليه نصف الدية أو دفع العبد ما لم تزد
قيمته عن النصف فتكون الزيادة للمولى.
ولو قتل العبد رد على المولى ما فضل عن نصف الدية إن كان في
العبد فضل.
ولو قتلت امرأة وعبد فعلى كل واحد منهما نصف الدية، فلو قتل
العبد وكانت قيمته بقدر جنايته فلا رد، فإن زادت ردت على مولاه
الزيادة.
القول في الشرائط المعتبرة في القصاص
وهي خمسة:
الأول: الحرية، فيقتل الحر بالحر، ولا رد، وبالحرة مع الرد، والحرة
بالحرة وبالحر. وهل يؤخذ منهما الفضل؟ الأصح: لا.
وتتساوى المرأة والرجل في الجراح قصاصا ودية حتى يبلغ ثلث
5

دية الحر فتنصف ديتها ويقتص لها مع رد التفاوت، وله منها ولا رد.
ويقتل العبد بالعبد، والأمة بالأمة وبالعبد. ولا يقتل الحر بالعبد، بل
يلزمه قيمته لمولاه يوم القتل، ولا يتجاوز دية الحر.
ولو اختلفا في القيمة فالقول قول الجاني مع يمينه.
ويعزر القاتل، ويلزمه الكفارة. ولو كان العبد ملكه عزر وكفر. وفي
الصدقة بقيمته رواية فيها ضعف. وفي رواية: إن اعتاد ذلك قتل به.
ودية المملوكة قيمتها ما لم تتجاوز به الحرة. وكذا لا يتجاوز بدية
عبد الذمي دية الحر منهم، ولا بدية الأمة دية الذمية.
ولو قتل العبد حرا لم يضمن مولاه، وولي الدم بالخيار بين قتله
واسترقاقه، وليس للمولى فكه مع كراهية الولي.
ولو جرح حرا فللمجروح القصاص، وإن شاء استرقه إن استوعبته
الجناية، وإن قصرت استرق منه بنسبة الجناية أو يباع فيأخذ من ثمنه
حقه. ولو افتداه المولى فداه بأرش الجناية، ويقاد العبد لمولاه إن شاء
الولي.
ولو قتل عبدا مثله عمدا فإن كانا لواحد فالمولى بالخيار بين
الاقتصاص والعفو، وإن كانا لاثنين فللمولى قتله إلا أن يتراضى الوليان
بدية أو أرش، ولو كانت الجناية خطأ كان لمولى القاتل فكه بقيمته، وله
دفعه، وله منه ما فضل من قيمته عن قيمة المقتول ولا يضمن ما يعوز.
والمدبر كالقن.
ولو استرقه ولي الدم ففي خروجه عن التدبير قولان، وبتقدير
ألا يخرج هل يسعى في فك رقبته؟ المروي: أنه يسعى.
6

والمكاتب إن لم يؤد و كان مشروطا فهو كالرق المحض، وإن كان
مطلقا وقد أدى شيئا، فإن قتل حرا مكافئا عمدا قتل.
وإن قتل مملوكا فلا قود، وتعلقت الجناية بما فيه من الرقية مبعضة،
ويسعى في نصيب الحرية ويسترق الباقي منه أو يباع في نصيب الرق.
ولو قتل خطأ فعلى الإمام بقدر ما فيه من الحرية، وللمولى الخيار
بين فك ما فيه من الرقية بالأرش، أو تسليم حصة الرق ليقاص
بالجناية.
وفي رواية علي بن جعفر (عليه السلام): إذا أدى نصف ما عليه فهو بمنزلة الحر.
مسائل:
الأولى: لو قتل حر حرين فليس للأولياء إلا قتله.
ولو قتل العبد حرين على التعاقب ففي رواية: هو لأولياء الأخير.
وفي اخرى: يشتركان فيه ما لم يحكم به لولي الأول.
الثانية: لو قطع يمنى رجلين قطعت يمينه للأول ويسراه للثاني. قال
الشيخ في النهاية: ولو قطع يدا وليس له يدان قطعت رجله باليد.
وكذا لو قطع أيدي جماعة قطعت يداه بالأول فالأول، والرجل
بالأخير فالأخير، ولمن يبقى بعد ذلك الدية، ولعله استناد إلى رواية
حبيب السجستاني عن أبي عبد الله (عليه السلام).
الثالثة: إذا قتل العبد حرا عمدا فأعتقه مولاه ففي العتق تردد،
أشبهه: أنه لا ينعتق، لأن للولي التخيير، للاسترقاق ولو كان خطأ ففي
رواية عمرو بن شمر عن جابر عن أبي عبد الله (عليه السلام): «يصح، ويضمن
المولى الدية».
7

وفي عمرو ضعف، والأشبه: اشتراط الصحة بتقدم الضمان.
الشرط الثاني: الدين، فلا يقتل المسلم بكافر، ذميا كان أو غيره،
ولكن يعزر ويغرم دية الذمي. ولو اعتاد ذلك جاز الاقتصاص مع رد
فاضل دية المسلم.
ويقتل الذمي بالذمي وبالذمية بعد رد فاضل ديته، والذمية بمثلها،
وبالذمي ولا رد.
ولو قتل الذمي مسلما عمدا دفع هو وماله إلى أولياء المقتول، ولهم
الخيرة بين قتله واسترقاقه. وهل يسترق ولده الصغار؟ الأشبه: لا.
ولو أسلم بعد القتل كان كالمسلم.
ولو قتل خطأ لزمت الدية في ماله. ولو لم يكن له مال كان الامام
عاقلته دون قومه.
الشرط الثالث: أن لا يكون القاتل أبا، فلو قتل ولده لم يقتل به،
وعليه الدية والكفارة والتعزير، ويقتل الولد بأبيه. وكذا الأم تقتل بالولد.
وكذا الأقارب. وفي قتل الجد بولد الولد تردد.
الشرط الرابع: كمال العقل، فلا يقاد المجنون ولا الصبي، وجنايتهما
عمدا وخطأ على العاقلة. وفي رواية: «يقتص من الصبي إذا بلغ عشرا»
وفي اخرى: «إذا بلغ خمسة أشبار وتقام عليه الحدود» والأشهر: أن
عمده خطأ حتى يبلغ التكليف. أما لو قتل العاقل ثم جن لم يسقط القود.
ولو قتل البالغ الصبي قتل به على الأشبه، ولا يقتل العاقل بالمجنون.
وتثبت الدية على القاتل إن كان عمدا أو شبيها، وعلى العاقلة إن
كان خطأ.
8

ولو قصد العاقل دفعه كان هدرا. وفي رواية: «ديته من بيت المال»
ولا قود على النائم، وعليه الدية. وفي الأعمى تردد، أشبهه: أنه
كالمبصر في توجه القصاص. وفي رواية الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام):
«أن جنايته خطأ يلزم العاقلة، فإن لم يكن له عاقلة فالدية في ماله
تؤخذ في ثلاثة سنين» وهذه فيها مع الشذوذ تخصيص لعموم الآية.
الشرط الخامس: أن يكون المقتول محقون الدم.
القول في ما يثبت به
وهو: الاقرار أو البينة أو القسامة.
أما الاقرار: فيكفي المرة، وبعض الأصحاب يشترط التكرار مرتين.
ويعتبر في المقر: البلوغ والعقل والاختيار والحرية.
ولو أقر واحد بالقتل عمدا والآخر خطأ تخير الولي في تصديق
أحدهما. ولو أقر واحد بقتله عمدا فأقر آخر أنه هو الذي قتله ورجع
الأول درئ عنهما القصاص والدية، وودي من بيت المال، وهو قضاء
الحسن بن علي (عليهما السلام).
أما البينة: فهي شاهدان عدلان، ولا تثبت بشاهد ويمين، ولا بشاهد
وامرأتين، ويثبت بذلك ما يوجب الدية: كالخطأ ودية الهاشمة والمنقلة
والجائفة وكسر العظام.
ولو شهد اثنان أن القاتل زيد، وآخران أن القاتل عمرو، قال الشيخ
في النهاية: يسقط القصاص ووجبت الدية نصفين، ولو كان خطأ كانت
الدية على عاقلتهما، ولعله احتياط في عصمة الدم لما عرض من
تصادم البينتين.
9

ولو شهد بأنه قتله عمدا، فأقر آخر أنه هو القاتل دون المشهود
عليه، ففي رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «للولي قتل المقر، ثم لا
سبيل على المشهود عليه. وله قتل المشهود عليه، ويرد المقر على
أولياء المشهود عليه نصف الدية، وله قتلهما، ويرد على أولياء المشهود
عليه خاصة نصف الدية» وفي قتلهما إشكال، لانتفاء العلم بالشركة.
وكذا في إلزامهما بالدية نصفين، لكن الرواية من المشاهير.
مسائل:
الأولى: قيل: يحبس المتهم بالدم ستة أيام، فإن ثبتت الدعوى وإلا
خلي سبيله. وفي المستند ضعف، وفيه تعجيل لعقوبة لم يثبت سببها.
الثانية: لو قتل وادعى أنه وجد المقتول مع امرأته قتل به إلا أن يقيم
البينة بدعواه.
الثالثة: خطأ الحاكم في القتل والجرح على بيت المال.
ومن قال: حذار، لم يضمن. ومن اعتدي عليه فاعتدى بمثله لم
يضمن وإن تلفت.
وأما القسامة: فلا تثبت إلا مع اللوث، وهو أمارة يغلب معها الظن
بصدق المدعي كما لو وجد في دار قوم أو محلتهم أو قريتهم أو بين
قريتهم أو بين قريتين، وهو إلى إحداهما أقرب، فهو لوث، ولو تساوت
مسافتهما كانتا سواء في اللوث.
أما من جهل قاتله كقتيل الزحام والفزعات، ومن وجد في فلاة
أو في معسكر أو سوق أو جمعة، فديته في بيت المال، ومع اللوث يكون
للأولياء إثبات الدعوى بالقسامة.
10

وهي في العمد: خمسون يمينا، وفي الخطأ: خمسة وعشرون
على الأظهر.
ولو لم يكن للمدعي قسامة كررت عليه الأيمان.
ولو لم يحلف وكان للمنكر من قومه قسامة حلف كل منهم حتى
يكملوا، وإن لم يكن له قسامة كررت عليه الأيمان حتى يأتي بالعدد.
ولو نكل ألزم الدعوى عمدا أو خطأ.
ويثبت الحكم في الأعضاء بالقسامة مع التهمة.
فما كانت ديته دية النفس كالأنف واللسان، فالأشهر: أن القسامة
ستة رجال يقسم كل منهم يمينا ومع عدمهم يحلف الولي ستة أيمان.
ولو لم يكن قسامة أو امتنع أحلف المنكر مع قومه ستة، ولو لم يكن
له قوم أحلف هو الستة، وما كانت ديته دون دية النفس فبحسابه من
ستة.
القول في كيفية الاستيفاء
قتل العمد يوجب القصاص، ولا تثبت الدية فيه إلا صلحا. ولا تخير
للولي، ولا يقضى بالقصاص ما لم يتيقن التلف بالجناية، وللولي الواحد
المبادرة بالقصاص. وقيل: يتوقف على إذن الحاكم. ولو كانوا جماعة
توقف على الاجتماع.
قال الشيخ: ولو بادر أحدهم جاز، وضمن الدية عن حصص الباقين.
ولا قصاص إلا بالسيف أو ما جرى مجراه، ويقتصر على ضرب
العنق غير ممثل ولو كانت الجناية بالتحريق أو التغريق أو الرضخ
بالحجارة، ولا يضمن سراية القصاص ما لم يتعد المقتص.
11

وهنا مسائل:
الأولى: لو اختار بعض الأولياء الدية فدفعها القاتل لم يسقط القود
على الأشبه، وللآخرين القصاص بعد أن يردوا على المقتص منه نصيب
من فأداه، ولو عفا البعض لم يقتص الباقون حتى يردوا عليه نصيب
من عفا.
الثانية: لو فر القاتل حتى مات، فالمروي: وجوب الدية في ماله،
ولو لم يكن له مال أخذت من الأقرب فالأقرب. وقيل: لا دية.
الثالثة: لو قتل واحد رجلين أو رجالا قتل بهم، ولا سبيل إلى ماله،
ولو تراضوا بالدية فلكل واحد دية.
الرابعة: إذا ضرب الولي الجاني وتركه ظنا أنه مات فبرئ ففي رواية
يقتص من الولي ثم يقتله الولي أو يتتاركان، والراوي أبان بن عثمان،
وفيه ضعف مع إرسال الرواية.
والوجه: اعتبار الضرب، فإن كان بما يسوغ به الاقتصاص لم يقتص
من الولي، ولو قطع صحيح مقطوع اليد فأراد الولي قتله رد دية اليد إن
كانت قطعت في قصاص أو أخذ ديتها، وإن شاء طرح دية اليد وأخذ
الباقي، وإن ذهبت من غير جناية جناها ولا أخذ لها دية كاملة قتل
قاتله ولا رد، وهي رواية سورة بن كليب عن أبي عبد الله (عليه السلام).
القسم الثاني في قصاص الطرف
ويشترط فيه التساوي كما في قصاص النفس، فلا يقتص في الطرف
لمن لا يقتص له في النفس، ويقتص للرجل من المرأة، ولا رد وللمرأة
من الرجل مع الرد فيما زاد على الثلث.
12

ويعتبر التساوي في السلامة، فلا يقطع العضو الصحيح بالأشل.
ويقطع الأشل بالصحيح ما لم يعرف أنه لا ينحسم.
ويقتص للمسلم من الذمي ويأخذ منه ما بين الديتين. ولا يقتص
للذمي من المسلم ولا للعبد من الحر.
ويعتبر التساوي في الشجاج مساحة طولا وعرضا لا نزولا، بل
يراعى حصول اسم الشجة.
ويثبت القصاص فيما لا تعزير فيه كالحارصة والموضحة، ويسقط
فيما فيه التعزير كالهاشمة والمنقلة والمأمومة والجائفة وكسر الأعضاء.
وفي جواز الاقتصاص قبل الاندمال تردد، أشبهه: الجواز.
ويجتنب القصاص في الحر الشديد والبرد الشديد، ويتوخى
اعتدال النهار.
ولو قطع شحمة أذن فاقتص منه فألصقها المجني عليه كان للجاني
إزالتها ليتساويا في السنين.
ويقطع الأنف الشام بعادم الشمم، والأذن الصحيحة بالصماء.
ولا يقطع ذكر الصحيح بالعنين. وتقلع عين الأعور الصحيحة بعين ذي
العينين وإن عمي. وكذا يقتص له منه بعين واحدة. وفي رد نصف الدية
قولان، أشبههما الرد.
وسن الصبي ينتظر به، فإن عادت ففيها الأرش، وإلا كان فيها
القصاص.
ولو جنى بما أذهب النظر مع سلامة الحدقة اقتص منه، بأن يوضع
على أجفانها القطن المبلول ويفتح العين ويقابل بمرآة محماة مقابلة
للشمس حتى يذهب النظر.
13

ولو قطع كفا مقطوعة الأصابع، ففي رواية: يقطع كف القاطع ويرد
عليه دية الأصابع.
ولا يقتص ممن لجأ إلى الحرم، ويضيق عليه في المأكل والمشرب
حتى يخرج فيقتص منه، ويقتص ممن جنى في الحرم فيه.
* * *
كتاب الديات
والنظر في أمور أربعة:
الأول: أقسام القتل ومقادير الديات
وأقسامه ثلاثة: عمد محض، وخطأ محض، وشبيه بالعمد.
فالعمد: أن يقصد إلى الفعل والقتل، وقد سلف مقاله.
والشبيه بالعمد: أن يقصد إلى الفعل دون القتل، مثل: أن يضرب
للتأديب أو يعالج للاصلاح فيموت.
والخطأ المحض: أن يخطئ فيهما، مثل: أن يرمي للصيد فيخطأه
السهم إلى إنسان فيقتله.
فدية العمد: مائة من مسان الإبل، أو مائتا بقرة، أو مائتا حلة
كل حلة ثوبان من برود اليمن، أو ألف دينار، أو ألف شاة، أو عشرة
آلاف درهم، وتستأدى في سنة واحدة من مال الجاني، ولا تثبت
إلا بالتراضي.
14

وفي دية شبيه العمد روايتان، أشهرهما: ثلاث وثلاثون بنت لبون،
وثلاث وثلاثون حقة، وأربع وثلاثون ثنية طروقة الفحل، ويضمن هذه
الجاني لا العاقلة. وقال المفيد (رحمه الله): تستأدى في سنتين.
وفي دية الخطأ أيضا روايتان، أشهرهما: عشرون بنت مخاض،
وعشرون ابن لبون، وثلاثون بنت لبون، وثلاثون حقة، وتستأدى في
ثلاث سنين، وتضمنها العاقلة لا الجاني.
ولو قتل في الشهر الحرام ألزم دية وثلثا تغليظا. وهل يلزم مثل ذلك
في الحرم؟ قال الشيخان: نعم، ولا أعرف الوجه.
ودية المرأة على النصف من الجميع.
ولا تختلف دية الخطأ والعمد في شئ من المقادير عدا النعم.
وفي دية الذمي روايات، والمشهور: ثمانمائة درهم. وديات
نسائهم على النصف من ذلك. ولا دية لغيرهم من أهل الكفر.
وفي ولد الزنا قولان، أشبههما: أن ديته كدية المسلم الحر. وفي
رواية: كدية الذمي، وهي ضعيفة.
ودية العبد قيمته، ولو تجاوزت دية الحر ردت إليها، وتؤخذ من
مال الجاني إن قتله عمدا أو شبيها بالعمد، ومن عاقلته إن قتله خطأ.
ودية أعضائه بنسبة قيمته، فما فيه من الحر ديته فمن العبد قيمته
كاللسان والذكر، وما فيه دون ذلك فبحسابه.
والعبد أهل للحر فيما لا تقدير فيه.
ولو جنى جان على العبد بما فيه قيمته فليس للمولى المطالبة حتى
15

يدفع العبد برمته، ولو كانت الجناية بما دون ذلك أخذ أرش الجناية،
وليس له دفعه والمطالبة بالقيمة.
ولا يضمن المولى جناية العبد، لكن يتعلق برقبته، وللمولى فكه
بأرش الجناية، ولا تخير لمولى المجني عليه. ولو كانت جنايته
لا تستوعب قيمته تخير المولى في دفع الأرش أو تسليمه ليستوفي
المجني عليه قدر الجناية استرقاقا أو بيعا.
ويستوي في ذلك الرق المحض والمدبر، ذكرا كان أو أنثى. أو أم ولد
على التردد.
النظر الثاني في موجبات الضمان
والبحث إما في المباشرة، أو التسبب، أو تزاحم الموجبات.
أما المباشرة: فضابطها الإتلاف لا مع القصد، فالطبيب يضمن في
ماله من يتلف بعلاجه. ولو أبرأه المريض أو الولي فالوجه: الصحة،
لإمساس الضرورة إلى العلاج. ويؤيده رواية السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام).
وقيل: لا يصح، لأنه إبراء مما لم يجب.
وكذا البحث في البيطار.
والنائم إذا انقلب على إنسان أو فحص برجله فقتل ضمن في ماله
على تردد.
أما الظئر: فإن طلبت بالمظائرة العجز ضمنت الطفل في مالها إذا
انقلبت عليه فمات، وإن كان للفقر فالدية على العاقلة.
ولو أعنف بزوجته جماعا أو ضما فماتت ضمن الدية. وكذا
الزوجة. وفي النهاية: إن كانا مأمونين فلا ضمان. وفي الرواية ضعف.
16

ولو حمل على رأسه متاعا فكسره أو أصاب إنسانا ضمن ذلك
في ماله.
وفي رواية السكوني: أن عليا (عليه السلام) ضمن ختانا قطع حشفة غلام.
وهي مناسبة للمذهب.
ولو وقع على إنسان من علو فقتله، فإن قصد وكان يقتل غالبا قيد
به، وإن لم يقصد فهو شبيه عمد يضمن الدية، وإن دفعه الهواء أو زلق فلا
ضمان. ولو دفعه دافع فالضمان على الدافع. وفي النهاية: دية المقتول
على المدفوع ويرجع بها على الدافع.
ولو ركبت جارية اخرى فنخستها ثالثة فقمصت فصرعت الراكبة
فماتت، قال في النهاية: الدية من الناخسة والقامصة نصفان. وفي
المقنعة: عليهما ثلثا الدية. ويسقط الثلث لركوبها عبثا. والأول رواية أبي
جميلة وفيه ضعف، وما ذكره المفيد حسن.
وخرج متأخر وجها ثالثا، فأوجب الدية على الناخسة إن كانت
ملجئة، وعلى القامصة إن لم تكن ملجئة.
وإذا اشترك في هدم الحائط ثلاثة فوقع على أحدهم فمات، ضمن
الآخران ديته. وفي الرواية ضعف، والأشبه: أن يضمن كل واحد ثلثا،
ويسقط ثلث لمساعدة التالف.
ومن اللواحق مسائل:
الأولى: من دعا غيره فأخرجه من منزله ليلا ضمنه حتى يرجع إليه.
ولو وجد مقتولا وادعى قتله على غيره وعدم البينة، ففي القود
17

تردد، أشبهه: أنه لا قود، وعليه الدية، ولو وجد ميتا ففي لزوم الدية
قولان، أشبههما: اللزوم.
الثانية: إذا عادت الظئر بالطفل فأنكره أهله، صدقت ما لم يثبت
كذبها، فيلزمها الدية أو إحضاره أو من يحتمل أنه هو.
الثالثة: لو دخل لص فجمع متاعا ووطئ صاحبة المنزل قهرا فثار
ولدها فقتله اللص ثم قتلته المرأة ذهب دمه هدرا، ويضمن مواليه دية
الغلام، وكان لها أربعة آلاف درهم لمكابرته على فرجها. وهي رواية
عبد الله بن طلحة عن أبي عبد الله (عليه السلام).
وعنه في امرأة أدخلت الحجلة صديقا لها ليلة بنائها، فاقتتل هو
وزوجها، فقتله الزوج فقتلت المرأة الزوج ضمنت دية الصديق وقتلت
بالزوج. والوجه أن دم الصديق هدر.
الرابعة: لو شرب أربعة فسكروا فوجد جريحان وقتيلان، ففي رواية
محمد بن قيس: «أن عليا (عليه السلام) قضى بدية المقتولين على المجروحين
بعد أن أسقط جراحة المجروحين من الدية». وفي رواية السكوني عن
أبي عبد الله (عليه السلام): «أنه جعل دية المقتولين على قبائل الأربعة وأخذ دية
المجروحين من دية المقتولين». والوجه أنها قضية في واقعة، وهو (عليه السلام)
أعلم بما أوجب ذلك الحكم.
ولو كان في الفرات ستة غلمان فغرق واحد فشهد اثنان منهم على
الثلاثة أنهم غرقوه، وشهد الثلاثة على الاثنين، ففي رواية السكوني
ومحمد بن قيس جميعا عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وعن أبي جعفر (عليه السلام)
«أن عليا (عليه السلام) قضى بالدية أخماسا بنسبة الشهادة».
18

وهي متروكة، فإن صح النقل فهي واقعة في عين، فلا يتعدى
لاحتمال ما يوجب الاختصاص.
البحث الثاني في التسبيب: وضابطه: ما لولاه لما حصل التلف، لكن
علته غير السبب كحفر البئر ونصب السكين وطرح المعاثر والمزالق في
الطريق وإلقاء الحجر، فإن كان ذلك في ملكه لم يضمن، ولو كان في غير
ملكه أو كان في طريق مسلوك ضمن. ومنه نصب الميازيب، وهو جائز
إجماعا. وفي ضمان ما يتلف به قولان، أحدهما: لا يضمن، وهو
الأشبه. وقال الشيخ: يضمن، وهو رواية السكوني.
ولو هجمت دابة على اخرى ضمن صاحب الداخلة جنايتها، ولم
يضمن صاحب المدخول عليها. والوجه اعتبار التفريط في الأول.
ولو دخل دارا فعقره كلبها ضمن أهلها إن دخل بإذنهم، وإلا
فلا ضمان.
ويضمن راكب الدابة ما تجنيه بيديها. وكذا القائد. ولو وقف بها
ضمن جنايتها ولو برجليها. وكذا لو ضربها فجنت. ولو ضربها غيره
ضمن الضارب. وكذا السائق يضمن جنايتها. ولو ركبها اثنان تساويا
في الضمان.
ولو كان معها صاحبها ضمن دون الراكب. ولو ألقت الراكب لم يضمن
المالك إلا أن يكون بتنفيره. ولو أركب المملوك دابته ضمن المولى.
ومن الأصحاب من شرط في ضمان المولى صغر المملوك.
البحث الثالث في تزاحم الموجبات: إذا اتفق المباشر والسبب ضمن
المباشر، كالدافع مع الحافر، والممسك مع الذابح.
19

ولو جهل المباشر السبب ضمن المسبب كمن غطى بئرا حفرها في
غير ملكه فدفع غيره ثالثا، فالضمان على الحافر على تردد.
ومن الباب واقعة الزبية: وصورتها وقع واحد تعلق بآخر والثاني
بالثالث وجذب الثالث رابعا فأكلهم الأسد فيه روايتان:
إحداهما: رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قضى أمير
المؤمنين علي (عليه السلام) في الأول فريسة الأسد، وأغرم أهله ثلث الدية
للثاني، وغرم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية، وغرم الثالث لأهل الرابع
الدية.
والأخرى: رواية مسمع عن أبي عبد الله، أن عليا (عليه السلام) قضى للأول
ربع الدية، وللثاني ثلث الدية، وللثالث نصف الدية، وللرابع الدية تماما،
وجعل ذلك على عاقلة الذين ازدحموا.
وفي سند الأخيرة إلى مسمع ضعف، فهي ساقطة، والأولى مشهورة،
وعليها فتوى الأصحاب.
النظر الثالث في الجناية على الأطراف، ومقاصده ثلاثة:
الأول في دية الأعضاء:
وفي شعر الرأس الدية، وكذا اللحية، فإن نبتا فالأرش. قال المفيد:
إن لم ينبتا فمائة دينار. وقال الشيخ في اللحية: إن نبتت ثلث الدية. وفي
الرواية ضعف.
وفي شعر رأس المرأة ديتها، فإن نبت فمهر مثلها.
وفي الحاجبين خمسمائة دينار، وفي كل واحد مائتان وخمسون،
وفي بعضه بحسابه.
20

وفي العينين الدية، وفي كل واحدة نصف الدية. وفي الأجفان الدية.
قال في المبسوط: وفي كل واحد ربع الدية.
وفي الخلاف: في الأعلى الثلثان، وفي الأسفل الثلث. وفي النهاية:
في الأعلى ثلث الدية، وفي الأسفل النصف، وعليه الأكثر.
وفي عين الأعور الصحيحة الدية الكاملة إذا كان العور خلقة أو
ذهبت بشئ من قبل الله. وفي خسف العوراء روايتان، أشهرهما:
ثلث الدية.
وفي الأنف الدية. وكذا لو قطع مارنه ففسد، ولو جبر على غير عيب
فمائة دينار، وفي شلله ثلثا ديته. وفي الحاجز نصف الدية. وفي أحد
المنخرين نصف الدية، وفي رواية ثلث الدية.
وفي الاذنين الدية، وفي كل واحد نصف الدية، وفي بعضها بحساب
ديتها، وفي شحمتها ثلث ديتها، وفي خرم الشحمة ثلث ديتها.
وفي الشفتين الدية، وفي تقدير دية كل واحدة خلاف. قال في
المبسوط: في العليا الثلث، وفي السفلى الثلثان، واختاره المفيد. وقال
في الخلاف: في العليا أربعمائة دينار، وفي السفلى ستمائة. وكذا في
النهاية، وبه رواية فيها ضعف. وقال ابن بابويه: في العليا نصف الدية،
وفي السفلى الثلثان. وقال ابن أبي عقيل: في كل واحدة نصف الدية،
وهو قوي، وفي قطع بعضها بحساب ديتها.
وفي اللسان الصحيح الدية الكاملة، وإن قطع بعضه اعتبر بحروف
المعجم، وهي ثمانية وعشرون حرفا، وفي رواية: تسعة وعشرون
21

حرفا، وهي مطروحة. وفي لسان الأخرس ثلث ديته، وفي بعضه
بحساب ديته. ولو ادعى ذهاب نطقه، ففي رواية: يضرب لسانه بالإبرة،
فإن خرج الدم أسود صدق.
وفي الأسنان الدية، وهي ثمانية وعشرون، منها المقاديم، اثنا عشر،
في كل واحدة خمسون دينارا، والمآخير ستة عشر، في كل واحدة
خمسة وعشرون، ولا دية للزائد لو قلعت منضمة. ولها ثلث دية الأصلية
لو قلعت منفردة. وفي اسوداد السن ثلثا الدية. وكذا روي في انصداعها
ولم تسقط. وفي الرواية ضعف، فالحكومة أشبه. وفي قلع السوداء ثلث
الدية. ويتربص بسن الصبي الذي لم يثغر، فإن نبت فله الأرش، وإن لم
ينبت فله دية المثغر. وفي رواية: فيها بعير من غير تفصيل، وهي رواية
السكوني ومسمع، والسكوني ضعيف، والطريق إلى مسمع في هذه
ضعيف أيضا.
وفي اليدين الدية، وفي كل واحدة نصف الدية، وحدها المعصم.
وفي الأصابع الدية، وفي كل واحدة عشر الدية. وقيل: في الإبهام
ثلث دية اليد، ودية كل إصبع مقسومة على ثلاث عقد، وفي الإبهام على
اثنتين، وفي الإصبع الزائدة ثلث الأصلية، وفي شلل الأصابع أو اليدين
ثلثا ديتها.
وفي الظفر إذا لم ينبت أو نبت أسود عشرة دنانير، فإن نبت أبيض
فخمسة دنانير، وفي الرواية ضعف.
وفي الظهر إذا كسر الدية. وكذا لو احدودب أو صار بحيث لا يقدر
على القعود، ولو صلح فثلث الدية.
22

وفي ثديي المرأة ديتها، وفي كل واحد نصف الدية. وقال ابن
بابويه: في حلمة ثدي الرجل ثمن الدية مائة وخمسة وعشرون دينارا.
وفي حشفة الرجل فما زاد وإن استؤصل الدية. وفي ذكر العنين
ثلث الدية، وفيما قطع منه بحسابه.
وفي الخصيتين الدية، وفي كل واحدة نصف الدية، وفي رواية في
اليسرى ثلثا الدية لأن الولد منها. وفي الخصيتين أربعمائة دينار، فإن
فحج فلم يقدر على الشئ فثمانمائة دينار.
وفي الشفرتين الدية، وفي كل واحدة نصف الدية.
وفي الإفضاء الدية، وهو أن يصير المسلكين واحدا. وقيل: أن
يخرق الحاجز بين مخرج البول ومخرج الحيض، ويسقط ذلك عن
الزوج لو وطأها بعد البلوغ، أما لو كان قبله ضمن الدية مع المهر ولزمه
الانفاق عليها حتى يموت أحدهما.
وفي الرجلين الدية، وفي كل واحدة نصف الدية، وحدهما مفصل
الساق. وفي أصابعهما ما في أصابع اليدين.
مسائل:
الأولى: دية كسر الضلع خمسة وعشرون دينارا إن كانت مما
يخالط القلب، وعشرة دنانير إن كانت مما يلي العضدين.
الثانية: لو كسر بعصوص الانسان أو عجانه فلم يملك غائطه
ولا بوله ففيه الدية.
الثالثة: قال الشيخان: في كسر عظم من عضو خمس ديته، فإن جبر
23

على غير عيب فأربعة أخماس دية كسره. وفي موضحته ربع دية كسره.
وفي رضه ثلث دية العضو، فإن برئ على غير عيب فأربعة أخماس دية
رضه. وفي فكه بحيث يتعطل ثلثا ديته، فإن جبر على غير عيب فأربعة
أخماس دية فكه.
الرابعة: قال بعض الأصحاب: في الترقوة إذا كسرت فجبرت على
غير عيب أربعون دينارا، والمستند كتاب «ظريف».
الخامسة: روي: أن من داس على بطن إنسان حتى أحدث ديس
بطنه أو يفتدي ذلك بثلث الدية، وهي رواية السكوني، وفيه ضعف.
السادسة: من افتض بكرا بإصبعه فخرق مثانتها فلم تملك بولها ففيه
ديتها ومهر نسائها على الأشهر. وفي رواية: ثلث ديتها.
المقصد الثاني في الجناية على المنافع:
في العقل الدية، ولو شجه فذهب لم تتداخل الجنايتان. وفي رواية:
إن كان بضربة واحدة تداخلتا، ولو ضربه على رأسه فذهب عقله انتظر
به سنة، فإن مات قيد به، وإن بقي ولم يرجع عقله فعليه الدية.
وفي السمع دية، وفي سمع كل أذن نصف الدية، وفي بعض السمع
بحسابه من الدية، وتقاس الناقصة إلى الأخرى بأن تسد الناقصة وتطلق
الصحيحة ويصاح به حتى يقول: لا أسمع، وتعتبر المسافة بين جوانبه
الأربع، ويصدق مع التساوي ويكذب مع التفاوت، ثم تطلق الناقصة
وتسد الصحيحة، ويفعل به كذلك، ويؤخذ من ديتها بنسبة التفاوت،
ويتوخى القياس في سكون الهواء.
24

وفي ضوء العينين الدية، ولو ادعى ذهاب نظره عقيب الجناية وهي
قائمة أحلف بالله القسامة. وفي رواية: تقابل بالشمس، فإن بقيتا
مفتوحتين صدق. ولو ادعى نقصان إحداهما قيست إلى الأخرى، وفعل
في النظر بالمنظور كما فعل بالسمع، ولا يقاس من عين في يوم غيم،
ولا في أرض مختلفة.
وفي الشمم الدية، فلو ادعى ذهابه اعتبر بتقريب الحراق، فإن
دمعت عيناه وحول أنفه فهو كاذب.
ولو أصيب فتعذر المني كان فيه الدية.
وقيل: في سلس البول الدية. وفي رواية: إن دام إلى الليل لزمه
الدية، والى الزوال ثلثا الدية، والى الضحوة ثلث الدية.
المقصد الثالث في الشجاج والجراح:
والشجاج ثمان: الحارصة والدامية والمتلاحمة والسمحاق
والموضحة والهاشمة والمنقلة والمأمومة والجائفة.
فالحارصة: هي التي تقشر الجلد، وفيها بعير. وهل هي الدامية؟ قال
الشيخ: نعم، والأكثرون على خلافه. فهي إذن التي تأخذ في اللحم
يسيرا، وفيها بعيران.
والمتلاحمة: هي التي تأخذ في اللحم كثيرا، وهل هي غير الباضعة؟
فمن قال: الدامية غير الحارصة فالباضعة هي المتلاحمة، ومن قال:
الدامية هي الحارصة فالباضعة غير المتلاحمة، ففي المتلاحمة إذا
ثلاثة أبعرة.
25

والسمحاق: هي التي تقف على السمحاقة، وهي الجلدة المغشية
للعظم، وفيها أربعة أبعرة.
والموضحة: هي التي تكشف عن العظم، وفيها خمسة أبعرة.
والهاشمة: هي التي تهشم العظم، وفيها عشرة أبعرة.
والمنقلة: هي التي تحوج إلى نقل العظم، وفيها خمسة عشر بعيرا.
والمأمومة: هي التي تصل إلى أم الرأس، وهي الخريطة الجامعة
للدماغ، ثلاثة وثلاثون بعيرا.
والجائفة: هي التي تبلغ الجوف، وفيها ثلث الدية.
مسائل:
الأولى: دية النافذة في الأنف ثلث ديته، فإن صلحت فخمس ديته،
ولو كانت في أحد المنخرين إلى الحاجز فعشر الدية.
الثانية: في شق الشفتين حتى تبدوا الأسنان ثلث ديتهما، ولو برئ
فخمس ديتهما، ولو كانت في إحداهما فثلث ديتها، ومع البرء فخمس
ديتها.
الثالثة: إذا أنفذت نافذة في شئ من أطراف الرجل فديتها مائة
دينار.
الرابعة: في احمرار الوجه بالجناية دينار ونصف، وفي اخضراره
ثلاثة دنانير، وفي اسوداده ستة. وقيل: فيه كما في الاخضرار، وقال
جماعة منا: وهي البدن على النصف.
الخامسة: كل عضو له دية مقدرة، ففي شلله ثلثا ديته، وفي قطعه
بعد شلله ثلث ديته.
26

السادسة: دية الشجاج في الرأس والوجه سواء، وفي البدن بنسبة
العضو الذي يتفق فيه.
السابعة: كلما فيه من الرجل ديته، ففيه من المرأة ديتها، ومن الذمي
ديته، ومن العبد قيمته، وكلما فيه من الحر مقدر فهو من المرأة بنسبة
ديتها، ومن الذمي كذلك، ومن العبد بنسبة قيمته، لكن الحرة تساوي
الحر حتى تبلغ الثلث، ثم يرجع إلى النصف. والحكومة والأرش عبارة
عن معنى واحد، ومعناه: أن يقوم سليما أن لو كان عبدا، ومجروحا
كذلك، وينسب التفاوت إلى القيمة، ويؤخذ من الدية بحسابه.
الثامنة: من لا ولي له فالإمام (عليه السلام) ولي دمه، وله المطالبة بالقود أو
الدية. وهل له العفو؟ المروي: لا.
النظر الرابع في اللواحق
وهي أربعة:
الأول دية الجنين:
الحر المسلم إذا اكتسى اللحم ولم تلجه الروح مائة دينار، ذكرا كان
أو أنثى. ولو كان ذميا فعشر دية أبيه. وفي رواية السكوني: عشر دية أمه.
ولو كان مملوكا فعشر قيمة أمه المملوكة، ولا كفارة.
ولو ولجته الروح فالدية كاملة للذكر ونصفها للأنثى.
ولو لم يكتس اللحم ففي ديته قولان، أحدهما: غرة، والآخر: توزيع
الدية على حالاته، ففيه عظما ثمانون، ونصفه ستون، وعلقة أربعون،
ونطفة بعد استقرارها في الرحم عشرون. وقال الشيخ (رحمه الله): وفيما بينهما
بحسابه.
27

ولو قتلت المرأة فمات ولدها معها فللأولياء دية المرأة ونصف
الديتين على الجنين إن جهل حاله، وإن علم ذكرا كان أو أنثى كانت
الدية بحسابه.
وقيل: مع الجهالة يستخرج بالقرعة لأنه مشكل، وهو غلط لأنه لا
إشكال مع النقل. ولو ألقته مباشرة أو تسبيبا فعليها دية ما ألقته، ولا نصيب
لها من الدية.
ولو كان بإفزاع مفزع فالدية عليه. ويستحق دية الجنين وراثه،
ودية جراحاته بنسبة ديته.
ومن أفزع مجامعا فعزل فعليه عشرة دنانير. ولو عزل عن زوجته
اختيارا قيل: يلزمه دية النطفة عشرة دنانير، والأشبه: الاستحباب.
الثاني في الجناية على الحيوان:
من أتلف حيوانا ما كولا كالنعم بالذكاة لزمه الأرش. وهل لمالكه
دفعه والمطالبة بقيمته؟ قال الشيخان: نعم، والأشبه: لا، لأنه إتلاف
لبعض منافعه فيضمن التالف، ولو أتلفه لا بالذكاة لزمه قيمته يوم إتلافه.
ولو قطع بعض جوارحه أو كسر شيئا من عظامه فللمالك الأرش. وإن
كان مما لا يؤكل ويقع عليه الذكاة كالأسد والنمر ضمن أرشه.
وكذا في قطع أعضائه مع استقرار حياته. ولو أتلفه لا بالذكاة ضمن
قيمته حيا.
ولو كان مما لا يقع عليه الذكاة كالكلب والخنزير، ففي كلب الصيد
أربعون درهما، وفي رواية السكوني: يقوم. وكذا كلب الغنم وكلب
الحائط، والأول أشهر.
28

وفي كلب الغنم كبش. وقيل: عشرون درهما. وكذا قيل في كلب
الحائط، ولا أعرف الوجه. وفي كلب الزرع قفيز من بر.
ولا يضمن المسلم ما عدا ذلك. أما ما يملكه الذمي كالخنزير
فالمتلف يضمن قيمته عند مستحليه، وفي الجناية على أطرافه الأرش،
ويشترط في ضمانه استتار الذمي به.
مسائل:
الأولى: قيل: قضى علي (عليه السلام) في البعير بين أربعة، عقله أحدهم فوقع
في بئر فانكسر: أن على الشركاء حصته، لأنه حفظه وضيع الباقون وهو
حكم في واقعة فلا يعدى.
الثانية: في جنين البهيمة عشر قيمتها، وفي عين الدابة ربع قيمتها.
الثالثة: روى السكوني عن أبي جعفر عن أبيه علي (عليهما السلام) قال: كان
لا يضمن ما أفسدت البهائم نهارا ويضمن ما أفسدته ليلا والرواية
مشهورة، غير أن في السكوني ضعفا، والأولى اعتبار التفريط ليلا كان
أو نهارا.
الثالث في كفارة القتل:
تجب كفارة الجمع بقتل العمد، والمرتبة بقتل الخطأ مع المباشرة
دون التسبيب، فلو طرح حجرا في ملك غيره أو سابلة فهلك به عاثر
ضمن الدية ولا كفارة، وتجب بقتل المسلم ذكرا كان أو أنثى، صبيا أو
مجنونا، حرا أو عبدا، ولو كان ملك القاتل. وكذا تجب بقتل الجنين إن
ولجته الروح، ولا تجب قبل ذلك.
ولا تجب بقتل الكافر ذميا كان أو معاهدا.
29

ولو قتل المسلم مثله في دار الحرب عالما لا لضرورة فعليه القود
والكفارة، ولو ظنه حربيا فبان مسلما فلا دية وعليه الكفارة.
الرابع في العاقلة:
والنظر في المحل وكيفية التقسيط واللواحق.
أما المحل: فالعصبة والمعتق وضامن الجريرة والإمام.
والعصبة: من تقرب إلى الميت بالأبوين أو بالأب كالاخوة
وأولادهم، والعمومة وأولادهم، والأجداد وإن علوا. وقيل: هم الذين
يرثون دية القاتل لو قتل، والأول أظهر. ومن الأصحاب من شرك بين
من يتقرب بالأم مع من يتقرب بالأب والأم أو بالأب، وهو استناد إلى
رواية مسلمة بن كهيل وفيه ضعف. ويدخل الآباء والأولاد في العقل
على الأشبه. ولا يشركهم القاتل. ولا تعقل المرأة ولا الصبي ولا
المجنون وإن ورثوا من الدية.
وتحمل العاقلة دية الموضحة فما فوقها اتفاقا. وفيما دون الموضحة
قولان، المروي: أنها لا تحمله، غير أن في الرواية ضعفا.
وإذا لم تكن عاقلة من قومه ولا ضامن جريرة ضمن الإمام جنايته.
وجناية الذمي في ماله وإن كانت خطأ، فإن لم يكن له مال فعاقلته
الإمام (عليه السلام) لأنه يؤدي إليه ضريبته، ولا يعقله قومه.
وأما كيفية التقسيط: فقد تردد فيه الشيخ، والوجه وقوفه على رأي
الإمام (عليه السلام) أو من نصبه للحكومة بحسب ما يراه من أحوال العاقلة.
ويبدأ بالتقسيط على الأقرب فالأقرب، ويؤجلها عليهم على ما سلف.
30

وأما اللواحق فمسائل:
الأولى: لو قتل الأب ولده عمدا دفعت الدية منه إلى الوارث، ولا
نصيب للأب منها، ولو لم يكن وارث فهي للإمام (عليه السلام)، ولو قتله خطأ
فالدية على العاقلة ويرثها الوارث. وفي توريث الأب قولان، أشبههما:
أنه لا يرث، ولو لم يكن وارث سوى العاقلة، فإن قلنا: الأب لا يرث فلا
دية، وإن قلنا: يرث ففي أخذه الدية من العاقلة تردد.
الثانية: لا تعقل العاقلة عمدا ولا إقرارا ولا صلحا ولا جناية
للإنسان بالجناية على نفسه. ولا يعقل المولى عبدا كان أو مدبرا أو أم
ولد على الأظهر.
الثالثة: لا تعقل العاقلة بهيمة ولا إتلاف مال، ويختص ضمانها
بالجناية على الآدمي حسب.
خاتمة
فهذا آخر ما أردنا ذكره، وقصدنا حصره، مختصرين مطوله،
مجردين محصله، ونسأل الله سبحانه أن يجعلنا ممن شكر عمله وغفر
زلله وجعل الجنة منقلبه ومنقله، إنه لا يخيب من سأله ولا يخسر من
أمله، إنه ولي الإعانة والتوفيق، والصلاة والسلام على محمد وآله
أجمعين.
31

رياض المسائل
كتاب القصاص
33

(كتاب القصاص)
بالكسر وهو اسم لاستيفاء مثل الجناية من قتل أو قطع أو ضرب أو
جرح، وأصله اقتفاء الأثر يقال: قص أثره إذا تبعه فكان المقتص يتبع أثر
الجاني فيفعل مثل فعله.
(وهو إما في النفس وإما في الطرف).
فالكلام في هذا الكتاب يقع في قسمين:
الأول: في (القود) في النفس
وهو - بفتح الواو - القصاص، يقال: أقدت القاتل بالقتيل أي قتلته به،
وسمي قودا لأنهم يقودون الجاني بحبل أو غيره قاله الأزهري.
و (موجبه إزهاق البالغ العاقل) أي إخراجه (النفس المعصومة)
التي لا يجوز إتلافها (المكافئة) لنفس المزهق لها في الإسلام والحرية
وغيرهما من الاعتبارات الآتية (عمدا) قيد في الإزهاق أي إزهاقها في
حالة العمد.
وزاد جماعة قيد العدوان، محترزين به عن نحو المقتول قصاصا، فإنه
يصدق عليه التعريف، ولكن لا عدوان فيه فخرج به. ولعله مستغنى عنه
لإمكان إخراجه بقيد المعصومة، فإن غير المعصوم أعم من كونه بالأصل
35

كالحربي، والعارض كالقاتل على وجه يوجب القصاص، فلا احتياج إلى
الزيادة كما فعلوه، إلا أن يراد بالمعصومة في كلامهم ما لا يباح إزهاقها
للكل، وبالقيد الزائد إخراج ما يباح قتله بالنسبة إلى شخص دون آخر، فإن
القاتل معصوم بالنسبة إلى غير ولي القصاص.
والأصل في هذه القيود يظهر من القول الآتي في الشروط، فلا احتياج
إلى ذكره هنا.
(ويتحقق العمد بالقصد إلى القتل بما يقتل ولو نادرا) إذا اتفق القتل
به، كما هنا وفي الشرائع (1) وكتب الفاضل (2)، ومحتمل السرائر (3)، وصريح
الفاضل المقداد في الكنز (4) وشرح الكتاب (5)، وعن ابن حمزة (6)، وهو
ظاهر الغنية نافيا الخلاف عنه (7)، وعليه شيخنا الشهيد الثاني في كتابيه (8)
وغيره من المتأخرين، ولعله عليه عامتهم، بل لم أجد الخلاف فيه وإن نقلوه.
نعم ظاهر اللمعة (9) التردد فيه، حيث نسب ما في العبارة إلى القيل،
مشعرا بتمريضه أو مترددا فيه، ولعله ينشأ من أن العمد يتحقق بقصد القتل
لغة وعرفا، من غير نظر إلى الآلة، فيدخل في عموم أدلة العمد، مضافا إلى
ظاهر المعتبرة المستفيضة:
منها الصحيح: أن العمد كل من اعتمد شيئا فأصابه بحديدة أو بحجر
أو بعصا أو بوكزة فهذا كله عمد، والخطأ من اعتمد شيئا فأصاب غيره (10).

(1) الشرائع 4: 195.
(2) الإرشاد 2: 194، القواعد 3: 582.
(3) السرائر 3: 321.
(4) كنز العرفان 2: 366.
(5) التنقيح 4: 405.
(6) الوسيلة: 429.
(7) الغنية: 402.
(8) المسالك 15: 66، الروضة 10: 17.
(9) اللمعة: 267.
(10) الوسائل 19: 24، الباب 11 من أبواب القصاص، الحديث 3.
36

وقريب منها الصحيح الآخر: إن من عندنا ليقيدون بالوكزة، وإنما الخطأ
أن يريد الشئ فيصيب غيره (1).
والمرسل كالصحيح بابن أبي عمير عن جميل بن دراج: قتل العمد كل
ما عمد به الضرب ففيه القود، وإنما الخطأ أن يريد الشئ فيصيب غيره (2).
ونحوه المرسل الآخر: المروي عن تفسير العياشي: كل ما أريد به ففيه
القود، وإنما الخطأ أن يريد الشئ فيصيب غيره (3).
ونحوه الخبر الآخر المروي عنه أيضا (4).
إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على القول الأول عموما، بل ظهورا في
بعضها، ومن الاحتياط، وأنه لما لم يكن الآلة مما يقتل عادة فمجامعة القصد
معها كالقصد بلا ضرب، مضافا إلى المعتبرة الأخر المستفيضة:
منها - زيادة على النصوص الدالة على عدم العمد بضرب الرجل بالعصا
أو الحجر بضربة واحدة فمات بها قبل أن يتكلم - الموثق: أرمي الرجل
بالشيء الذي لا يقتل مثله، قال: هذا خطأ - إلى أن قال: - والعمد الذي
يضرب بالشيء الذي يقتل بمثله (5).
والصحيح والمرسل: الخطأ شبه العمد أن يقتله بالسيف أو بالعصا أو
بالحجارة، إن دية ذلك تغلظ، وهي مائة من الإبل (6).
مع إمكان الجواب عن النصوص المتقدمة بحمل العمد فيها على ما
يشمل شبه العمد، لمقابلته بالخطأ المحض.
وفيه أنه معارض بإمكان حمل الأخبار الأخيرة على صورة عدم القصد
إلى القتل، كما هو الغالب في الضرب بما لا يقتل إلا نادرا، مع ضعف الشاهد

(1) الوسائل 19: 24، الباب 11 من أبواب القصاص، الحديث 1، 6.
(2) الوسائل 19: 24، الباب 11 من أبواب القصاص، الحديث 1، 6.
(3) تفسير العياشي 1: 264، الحديث 223 - 225.
(4) تفسير العياشي 1: 264، الحديث 223 - 225.
(5) الوسائل 19: 25، الباب 11 من أبواب القصاص، الحديث 7، 11.
(6) الوسائل 19: 25، الباب 11 من أبواب القصاص، الحديث 7، 11.
37

على الحمل الأول بتضمن جملة منها التصريح بالقود في العمد، وهو
لا يجامع حمله على شبه العمد أو ما يعمه.
هذا، مع أنه لا داعي إلى هذا الحمل سوى الاحتياط الغير اللازم مراعاته
بعد قيام الدليل من العمومات، والنصوص الصحيحة الظاهرة على خلافه.
والتعليل بعده في غاية من الضعف، سيما في مقابلتها.
والنصوص المعارضة مع ضعف دلالتها جملة - كما عرفته - أكثرها
ضعيفة السند، والمعتبرة منها بحسبه غير مكافئة للأدلة من وجوه عديدة، مع
مخالفة الصحيح منها وما في معناه للإجماع ظاهرا، لجعلهما القتل بالسيف
من قسم شبه العمد مطلقا، ولا قائل به مطلقا ولو لم يقصد القتل به، لكونه
مما يقتل غالبا، ولا خلاف بينهم في أن القتل بمثله عمد مطلق، كما أشار إليه
الماتن بقوله: (أو القتل بما يقتل به غالبا) فإنه عمد (وإن لم يقصد
القتل) بل قصد الفعل خاصة، ويفهم من الغنية دعوى الإجماع عليه (1)،
ويعضده المعتبرة المستفيضة:
منها الصحيح: عن رجل ضرب رجلا بعصا فلم يرفع عنه حتى قتل
أيدفع إلى أولياء المقتول؟ قال: نعم ولكن لا يترك يعبث به ولكن يجاز
عليه (2). وبمعناه غيره (3) وفيها الصحيح أيضا وغيره.
وهي كما ترى عامة لصورتي قصد القتل بذلك الضرب وعدمه، من
حيث ترك الاستفصال. ولا ريب أن مثل الضرب الواقع فيها مما يقتل غالبا،
وعلل مع ذلك بأن القصد إلى الفعل حينئذ كالقصد إلى القتل. وهو حسن،
وبموجب ذلك يترجح القول الأول.
(ولو قتل بما لا يقتل غالبا ولم يقصد القتل) به بل قصد الفعل

(1) الغنية: 402.
(2) الوسائل 19: 27، الباب 11 من أبواب القصاص، الحديث 12.
(3) الوسائل 19: 27، الباب 11 من أبواب القصاص، الحديث 12.
38

خاصة (فاتفق) قتله به (ف‍) الأظهر (الأشهر) كما هنا وفي المسالك
(أنه خطأ) شبيه عمد (1)، وعليه عامة من تأخر حتى الشهيد في اللمعة (2)،
بل عليه الإجماع في الغنية (3). وهو الحجة; مضافا إلى الأدلة المتقدمة سندا
للقول الثاني في المسألة السابقة، ومنها أخبارها المنجبرة هنا بالشهرة
العظيمة، وحكاية الإجماع المزبورة، مع وضوح الدلالة من غير جهة
الإطلاق، وهو ظهورها في صورة عدم القصد إلى القتل بمقتضى ما عرفت
من كونها الغالب من أفراد إطلاقها. وبموجب ذلك يترجح على المعتبرة
المقابلة لها في الصورة السابقة الشاملة بإطلاقها أو عمومها لمفروضنا هنا،
فتقيد أو تخصص بها.
خلافا للمحكي عن المبسوط فعمد كالسابق، إما مطلقا كما حكاه عنه
جماعة (4)، أو في الأشياء المحددة خاصة كما حكاه عنه بعض الأجلة (5).
ومستنده غير واضح، عدا النصوص التي عرفت جوابها، مع شذوذها
بإطلاقها لو صح النقل الثاني، فلا بد من تقييدها اتفاقا على هذا التقدير، إما
بحملها على صورة القصد إلى القتل أيضا كما عليه الأصحاب، أو ما إذا
كانت الآلة محددة خاصة كما عليه شيخنا (6).
وليس هذا التقييد أولى من سابقه، بل هو أولى، لما عرفت من الأدلة
المرجحة لقولنا ومثال الفرض (كالضرب بالحصاة) الصغار (والعود
الخفيف) ونحوهما في غير مقتل بغير قصد القتل، لانتفاء القصد إلى القتل،
وانتفاء القتل بمثل ذلك عادة.
(أما الرمي بالحجر الغامز) أي الكابس على البدن لثقله (والسهم

(1) المسالك 15: 68.
(2) اللمعة: 267.
(3) الغنية: 402.
(4) المسالك 15: 68.
(5) كشف اللثام 2: 439 س 25.
(6) المبسوط 7: 16.
39

المحدد فإنه يوجب القود لو قتل) مطلقا ولو لم يقصد القتل به بعد أن قصد
به المقتول (وكذا لو ألقاه في النار) فمات منها (أو ضربه بعصا مكررا
ما لا يحتمله مثله) أي مثل المقتول بالنسبة إلى بدنه لصغره أو مرضه
وزمانه لشدة الحر أو البرد فمات (أو ألقاه إلى الحوت فابتلعه، أو إلى أسد
فافترسه) فجميع ذلك عمد يوجب القود (لأنه كالآلة) للقتل (عادة)
يوجبه غالبا وإن لم يكن مقصودا. ولا خلاف في شئ من ذلك ظاهرا، وقد
مر من النصوص ما يدل على الحكم في الضرب بالعصا مكررا.
ونحو الإلقاء في النار الطرح في اللجة في الحكم بالقود، إلا أن يعلم
قدرة الملقى على الخلاص منهما لقلتهما، أو كونه في طرفهما يمكنه الخروج
بأدنى حركة فيترك، فلا قود هنا، لأنه حينئذ قاتل نفسه.
(ولو أمسك واحد) شخصا (وقتله آخر ونظر) إليهما (ثالث
فالقود على القاتل ويحبس الممسك أبدا) حتى يموت (ويفقأ عين
الناظر) كما في القوي (1) المعتضد بالشهرة الظاهرة والمحكية، بل عليه
الإجماع عن الخلاف (2) وفي الغنية (3)، ويشعر به عبارة المسالك (4)، وصرح
به في الروضة (5) وغيره، لكن في الحكمين الأولين.
وبهما وقع التصريح في الصحيحين: في رجلين أمسك أحدهما وقتل
الآخر، قال: يقتل القاتل ويحبس الآخر حتى يموت غما كما حبسه حتى
مات غما (6). ونحوهما الموثق (7).

(1) الوسائل 19: 35، الباب 17 من أبواب قصاص النفس، الحديث 3.
(2) الخلاف 5: 173 - 174، المسألة 36 - 37.
(3) الغنية: 407.
(4) انظر المسالك 15: 84.
(5) الروضة 10: 27.
(6) الوسائل 19: 35، الباب 17، من أبواب القصاص، الحديث 1، 2.
(7) الوسائل 19: 35، الباب 17، من أبواب القصاص، الحديث 1، 2.
40

وللنبوي (صلى الله عليه وآله): يقتل القاتل ويصبر الصابر (1). قيل: معناه أنه يحبس
أبدا (2).
(ولو أكره) حرا (على القتل فالقصاص على القاتل) المباشر، لأنه
القاتل عمدا ظلما، لاستيفاء نفسه، فأشبه ما لو قتله في المخمصة ليأكله،
فيدخل في عمومات الكتاب والسنة بالقود ممن قتل غيره.
(لا المكره).
(وكذا) أي ومن هذا الباب (لو أمره بالقتل فالقصاص على
المباشر) خاصة (ويحبس الآمر أبدا) حتى يموت في المشهور، بل عليه
الإجماع في الروضة (3) وغيرها. وهو الحجة; مضافا إلى الصحيح: في رجل
أمر رجلا بقتل رجل، فقال: يقتل الذي قتله ويحبس الآمر بقتله في السجن
حتى يموت (4).
ويستفاد منه عدم تحقق الإكراه في القتل كما عليه أصحابنا، وادعى
جمع منهم عليه إجماعنا. ووجهه واضح، مصرح به في الصحيح: إنما جعلت
التقية ليحقن بها الدماء، فإذا بلغ الدم فلا تقية (5). ونحوه الموثق (6) هذا إذا
كان المكره بالغا عاقلا.
ولو أكره المجنون والصبي غير المميز فالقصاص على مكرههما على
الأقوى، لأن المباشر حينئذ كالآلة.
ولا فرق فيهما بين الحر والعبد، لعموم الدليل.

(1) سنن الدارقطني 3: 140، الحديث 175.
(2) المجموع 18: 382.
(3) الروضة 10: 27.
(4) الوسائل 19: 32، الباب 13 من أبواب القصاص، الحديث 1.
(5) الوسائل 11: 483، الباب 31 من أبواب الأمر بالمعروف، الحديث 1.
(6) المصدر السابق: الحديث 2.
41

ولو أكره الصبي المميز فلا قود عليه مطلقا على الأشهر الأقوى، كما
سيأتي الكلام فيه مفصلا.
ولا على الآمر، لعدم المباشرة، مع خروج الصبي بالتمييز عن كونه كالآلة.
ولا فرق فيه أيضا بين كونه حرا أو عبدا وإن افترقا، بالإضافة إلى الدية
عند جماعة، حيث جعلوها على العاقلة في الأول، ومتعلقا بالرقبة في
الثاني.
(ولو كان المأمور) القاتل (عبده) أي عبد الآمر (ف‍) في القود منه
وحبس المولى مخلدا أم العكس (قولان، أشبههما) وأشهرهما بين
المتأخرين (أنه) أي العبد (كغيره) من الأحرار يقاد منه مع بلوغه وعقله
ويخلد سيده السجن، ومن سيده مع جنونه أو صباوته وعدم تمييزه.
ولا يقاد منهما إذا كان صبيا مميزا كما مضى، لعموم الدليل على هذه
الأحكام، غير أن الصحيحة الدالة على سجن الآمر وقتل المأمور غير معلوم
الشمول لنحو المفروض، لإطلاقها الغير المنصرف إليه، بناء على تبادر الحر
من الرجل الآمر والمأمور به فيها، مع التصريح به في المأمور في نسختها
الأخرى المروية في الفقيه، فإن فيها: رجل أمر رجلا حرا (1)، إلا أن في
العمومات كفاية إن شاء الله تعالى. لكن لا يستفاد منها حبس الآمر مخلدا،
ولعله لا قائل بالفرق. فتدبر.
(والمروي) في المعتبرين: أنه (يقتل به السيد) الآمر ويخلد العبد
السجن.
ففي الموثق كالصحيح: في رجل أمر عبده أن يقتل رجلا فقتله، فقال:
يقتل السيد به (2).

(1) الفقيه 4: 109، الحديث 5210.
(2) الوسائل 19: 33، الباب 14 من أبواب قصاص النفس، الحديث 1.
42

وفي القوي: هل عبد الرجل إلا كسوطه أو سيفه يقتل السيد ويستودع
العبد السجن حتى يموت (1).
وعمل بهما الإسكافي (2) بشرط كون العبد جاهلا أو مكرها.
وهو شاذ كالمعتبرين، مع قصورهما سندا، ومكافأة لما مضى، فلتطرحا،
أو تؤولا بما يؤولان إليه، بحملهما على ما إذا كان العبد صغيرا كما قيل (3).
وهو مع بعده موقوف على جواز تخليد العبد الصغير الغير المميز السجن،
كما دل أحدهما عليه، ولم أر قائلا به، مع منافاته الأصول.
وجمع الشيخ بينهما وبين الصحيحة المقابلة لهما عموما بحسب نسختها
التي رواها، بحملهما على من اعتاد أمر عبيده بقتل الناس وإكراههم عليه
فيقتل، لإفساده في الأرض (4). وربما يعد ذلك فتوى له. قيل: ووافقه
الحلبيان (5).
وهذا الجمع مع بعده إنما يرفع التعارض بالإضافة إلى ما دلا عليه من
قتل السيد. وأما بالإضافة إلى ما فيهما من تخليد العبد السجن فلا، بل ظاهر
الصحيحة تفيد قتله، والخبران صريحان في تخليده.
والأوفق بالأصول ترجيح الصحيحة.
وأما حمل الخبران على صورة إفساد السيد فإن إفساده بمجرده
لا يدرئ القتل عن العبد بعد مباشرته القتل.
(وقال) الشيخ (في الخلاف) (6) والحلي في السرائر (7): (إن كان
العبد) القاتل بأمر الغير (صغيرا أو مجنونا سقط القود) عن المأمور، لنقصه،

(1) المصدر السابق: الحديث 2.
(2) المختلف 9: 317.
(3) المختلف 9: 319.
(4) الاستبصار 4: 283، الحديث 3.
(5) كشف اللثام 2: 444 س 5.
(6) الخلاف 5: 169، المسألة 30.
(7) السرائر 3: 349.
43

وعن الآمر، لعدم قتله (ووجبت الدية على المولى) لئلا يطل دم المقتول.
واضطرب كلام المبسوط، فتارة أوجب القود على الآمر حرا كان
المأمور أو عبدا، وأخرى أوجب الدية على عاقلة المأمور حرا أو عبدا (1).
وعن ابن حمزة أن المأمور إن كان حرا بالغا عاقلا أو مراهقا اقتص منه،
وإن كان حرا صبيا أو مجنونا ولم يكره لزمت الدية عاقلته، وإن أكره كان
نصف الدية على عاقلته ونصفها على الآمر المكره، وإن كان عبدا للآمر
صغيرا أو كبيرا غير مميز اقتص من الآمر، وإلا فمن القاتل. قال: وإذا لزم
القود المباشر خلد الآمر في الحبس وإن لزم الآمر خلد المباشر فيه، إلا أن
يكون صبيا أو مجنونا (2).
(ولو جرح جان) عمدا (فسرت الجناية) إلى النفس فقتل
المجروح (دخل قصاص الطرف في) قصاص (النفس) اتفاقا في
الظاهر، وبعدم الخلاف فيه صرح في بعض العبائر. وهو الحجة، مضافا إلى
النصوص الآتية.
(أما لو جرحه وقتله) بعد ذلك (ف‍) في الدخول مطلقا، وعدمه
كذلك (قولان):
(أحدهما): أنه (لا يدخل قصاص الطرف في) قصاص (النفس)
كما في السرائر (3)، وعن نكت النهاية (4) وموضع من الخلاف (5)
والمبسوط (6)، وإليه مال ابن زهرة (7) لعموم نصوص القصاص من الكتاب
والسنة، وقوله تعالى: «فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى

(1) المبسوط 7: 43، لم نعثر على قوله الثاني.
(2) الوسيلة: 437 - 438.
(3) السرائر 3: 396.
(4) لم نعثر عليه.
(5) الخلاف 5: 210، المسألة 88 - 89.
(6) المبسوط 7: 67 - 113.
(7) الغنية: 408.
44

عليكم» (1)، مضافا إلى استصحاب الحالة السابقة.
(و) القول (الآخر): أنه (يدخل) كما عن موضع آخر من
المبسوط (2) والخلاف (3) وعن التبصرة (4) والجامع (5)، لظاهر الصحيح: عن
رجل ضرب رجلا بعمود فسطاط على رأسه ضربة واحدة فأجافه حتى
وصلت الضربة إلى الدماغ وذهب عقله، فقال: إن كان المضروب لا يعقل
منها أوقات الصلاة ولا يعقل ما قال ولا ما قيل له فإنه ينتظر به سنة، فإن
مات فيما بينه وبين السنة أقيد به ضاربه، وإن لم يمت فيما بينه وبين سنته
ولم يرجع إليه عقله أغرم ضاربه الدية في ماله لذهاب عقله، قال: فما ترى
في الشجة شيئا؟ قال: لا، لأنه إنما ضربه ضربة واحدة فجنت الضربة
جنايتين فألزمته أغلظ الجنايتين وهي الدية، ولو كان ضربه ضربتين فجنت
الضربتان جنايتين لألزمته جناية ما جنى كائنا ما كان، إلا أن يكون فيهما
الموت فيقاد به ضاربه بواحدة، ويطرح الأخرى، قال: فإن ضربه ثلاث
ضربات واحدة بعد واحدة فجنت ثلاثة ألزمته جناية ما جنت الثلاث
ضربات كائنة ما كانت ما لم يكن فيها الموت فيقاد به ضاربه، قال: وإن
ضربه عشر ضربات فجنين جناية واحدة ألزمته تلك الجناية التي جنتها
العشر ضربات كائنة ما كانت ما لم يكن فيها الموت (6).
قال الشيخ: ولما روى الأصحاب من أنه إذا مثل إنسان بغيره وقتله
لم يكن عليه إلا القتل، ولم يجز التمثيل به (7).

(1) البقرة: 194.
(2) المبسوط 7: 67 - 113.
(3) الخلاف 5: 163، المسألة 23.
(4) تبصرة المتعلمين: 202.
(5) الجامع للشرائع: 594، ولكن الموجود فيه خلافه.
(6) الوسائل 19: 281، الباب 7 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.
(7) المبسوط 7: 22.
45

(و) فصل (في النهاية) فقال: (إن فرقه) أي الجرح أو الضرب
واحدا بعد واحد (لم يدخل) وإلا دخل (1)، وعليه الفاضلان في الشرائع (2)
والتحرير (3) والإرشاد (4) والتلخيص (5) والشهيد الثاني في المسالك (6)
و الروضة (7) مدعيا فيها كونه قول أكثر المتأخرين.
(ومستندها) أي النهاية (رواية محمد بن قيس) الصحيحة إليه،
واشتراكه مجبور بابن أبي عمير - المجمع على تصحيح ما يصح عنه -
الراوي عنه ولو بواسطة محمد بن أبي حمزة، وفيها: رجل فقأ عين رجل
وقطع أنفه وأذنيه ثم قتله، فقال: إن كان فرق ذلك اقتص منه ثم يقتل وإن كان
ضربه ضربة واحدة ضرب عنقه ولم يقتص منه (8).
ونحوها رواية اخرى صحيحة: عن رجل ضرب على رأسه فذهب
سمعه وبصره واعتقل لسانه ثم مات، فقال: إن كان ضربه ضربة بعد ضربة
اقتص منه ثم قتل، وإن كان أصابه هذا من ضربة واحدة قتل ولم يقتص
منه (9).
هذا، مضافا إلى اعتضاد الحكم في الشق الأول بجميع ما مر دليلا للقول
الأول، وفي الثاني بأنه من باب السراية التي يدخل معها قصاص الطرف في
النفس اتفاقا، كما عرفته، فينبغي عدم الخلاف فيه.
وعموم أدلة القول الأول لعله لا ينافيه، لقضاء العرف بأنه ما جنى عليه

(1) النهاية 3: 445.
(2) الشرائع 4: 202.
(3) التحرير 2: 243 س 14.
(4) الإرشاد 2: 199.
(5) تلخيص المرام (سلسلة الينابيع الفقهية) 40: 469.
(6) المسالك 15: 99.
(7) الروضة 10: 92 - 93.
(8) الوسائل 19: 82، الباب 51 من أبواب القصاص، الحديث 1، 2، الباب 7 من أبواب
ديات المنافع 281، الحديث 1.
(9) الوسائل 19: 82، الباب 51 من أبواب القصاص، الحديث 1، 2، الباب 7 من أبواب
ديات المنافع 281، الحديث 1.
46

إلا جناية واحدة، فيكون قتله خاصة اعتداء بما اعتدى، واقتصاص الزائد
تعديا خارجا، مع دلالة الصحيح المستدل به للقول الثاني عليه أيضا، لقوله:
«فما ترى في الشجة شيئا، فقال: لا، لأنه إنما ضرب ضربة واحدة» (1).
وبالجملة ينبغي القطع بالتداخل مع اتحاد الضرب مثلا، لاتفاق النصوص
عليه وأكثر الفتاوى، مع عدم منافاة العمومات لها، كما مضى. وعلى تقديرها
فلتكن بها مخصصة، فإن الخاص أقوى.
بقي الكلام في التداخل مع التعدد، والأقرب فيه العدم، لتعدد ما يدل
عليه خصوصا وعموما كتابا وسنة، مضافا إلى الاستصحاب كما تقدم،
والتأيد بالاعتبار قطعا، كما نبه عليه بعض أصحابنا، فقال على القول الثاني:
وفيه بعد، إذ يلزم أن لو قطع يده مثلا في وقت ثم يده الأخرى في سنة ثم
رجله في سنة وأخرى في اخرى ثم قتله في سنة لم يلزمه إلا القود أو دية
النفس، فينبغي اشتراط اتحاد الوقت، أو تقاربهما، ولكنه غير منضبط،
انتهى (2). وهو حسن.
ولا يعارض جميع ذلك الصحيح الواحد، مع أنه عارضه الماتن في نكت
النهاية (3) بالخبر: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل ضرب رجلا بعصا
فذهب سمعه وبصره ولسانه وعقله وفرجه وانقطع جماعه وهو حي بست
ديات (4).
ولكن وجه المعارضة في مفروض المسألة غير واضحة. وظاهر الماتن
هنا التوقف، كالفاضل في القواعد (5) والشهيد في اللمعة (6)، وبه صرح في

(1) نفس المصدر السابق.
(2) مجمع الفائدة والبرهان 13: 444.
(3) النكت، بهامش النهاية 3: 446.
(4) الوسائل 19: 280، الباب 6 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.
(5) القواعد 3: 593.
(6) اللمعة: 273.
47

المختلف (1). ولا وجه له.
(مسائل) أربع (من) مسائل (الاشتراك) في الجناية
(الأولى: لو اشترك جماعة في قتل حر مسلم) بأن ألقوه من شاهق
أو في بحر أو جرحوه جراحات مجتمعة أو متفرقة ولو مختلفة كمية وكيفية
فمات بها (فللولي) ولي المقتول (قتل الجميع) مع التكافؤ (ويرد على
كل واحد) منهم (ما فضل عن ديته) فيأخذ كل منهم ما فضل من ديته
(عن جنايته، وله قتل البعض) أيضا (ويرد الآخرون) الباقون من الدية
ب‍ (قدر جنايتهم، فإن فضل للمقتولين فضل) عما رده شركاؤهم (قام
به الولي).
فلو اشترك ثلاثة في قتل واحد واختار وليه قتلهم أدى إليهم ديتين
يقتسمونهما بينهم بالسوية، فنصيب كل واحد منهم ثلثا دية، ويسقط ما
يخصه من الجناية وهو الثلث الباقي.
ولو قتل اثنين أدى الثالث ثلث الدية عوضا عما يخصه من الجناية
ويضيف إليه الولي دية كاملة، ليصير لكل واحد من المقتولين ثلثا دية، وهو
فاضل ديته عن جنايته، ولأن الولي استوفى نفسين بنفس فيرد دية نفس.
ولو قتل واحدا أدى الباقيان إلى ورثته ثلثي الدية، ولا شئ على الولي.
(وإن فضل منهم) لقصور ديتهم عن دية المقتول بأن كانوا عبدين
أو امرأة حرة أو أمة وقتلوا رجلا ونقصت القيمة عن الدية (كان) الفاضل
من دية المقتول على ديتهم (له) أي للولي.
والأصل في المسألة قبل إجماعنا الظاهر المصرح به في الغنية (2)
وغيرها من كتب الجماعة الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.

(1) المختلف 9: 394.
(2) الغنية: 404.
48

ففي الصحيح: في رجلين قتلا رجلا قال إن أراد أولياء المقتول قتلهما
أدوا دية كاملة وقتلوهما، وتكون الدية بين أولياء المقتولين، وإن أرادوا قتل
أحدهما فقتلوه وأدى المتروك نصف الدية إلى أهل المقتول (1) الخبر.
وفي آخر: في عشرة اشتركوا في قتل رجل قال: تخير أهل المقتول
فأيهم شاؤوا قتلوا، ويرجع أولياؤه على الباقين بتسعة أعشار الدية (2).
ونحوه الحسن (3) والموثق (4).
وأما الخبر: إذا اجتمع العشرة على قتل رجل واحد حكم الوالي أن يقتل
أيهم شاؤوا، وليس لهم أن يقتلوا أكثر من واحد إن الله عز وجل يقول: «من
قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا»
وإذا قتل ثلاثة واحدا خير الولي أي الثلاثة أن يقتل ويضمن الآخران ثلثي
الدية لورثة المقتول (5).
فمع قصور سنده عن الصحة وإن قرب منها بابن أبي عمير الذي أجمع
على تصحيح ما يصح عنه العصابة شاذ، لا يعترض به الأخبار السابقة، لما
هي عليه من الاستفاضة، وصحة سند أكثرها، واعتبار باقيها، وإطباق
الفتاوى عليها.
ولذا حمله الشيخ تارة على التقية، قال: لأن في الفقهاء من لا يجوز ذلك،
وأخرى على أن المراد أنه ليس له ذلك إلا بشرط أن يرد ما يفضل عن دية
صاحبه. قال: وهو خلاف ما ذهب إليه قوم من العامة، وهو مذهب بعض من
تقدم على أمير المؤمنين (عليه السلام): لأنه كان يجوز قتل الاثنين وما زاد عليهما
بواحد، ولا يرد فضل ذلك، وذلك لا يجوز على حال (6).

(1) الوسائل 19: 30، الباب 12 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 4، 3، 5، 6، 8.
(2) الوسائل 19: 30، الباب 12 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 4، 3، 5، 6، 8.
(3) الوسائل 19: 30، الباب 12 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 4، 3، 5، 6، 8.
(4) الوسائل 19: 30، الباب 12 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 4، 3، 5، 6، 8.
(5) الوسائل 19: 30، الباب 12 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 4، 3، 5، 6، 8.
(6) الاستبصار 4: 282، ذيل الحديث 5.
49

فهذان الحملان لا بأس بهما، جمعا وإن بعدا، ولا سيما الأول منهما، كما
نبه عليه غير واحد من الأصحاب، معللين بأنه خلاف المشهور بينهم، إذ
أكثرهم ذهبوا إلى جواز قتل الجميع، كما ذهب إليه أصحابنا، لكنهم لم
يوجبوا ردا، بل جعلوا دم كل منهم مستحقا للولي مجانا، قالوا: والأولى
حمله على الاستحباب. ولا بأس به أيضا.
(الثانية: يقتص من الجماعة في الأطراف كما يقتص) منهم (في
النفس) لفحوى الأدلة المتقدمة، مضافا إلى خصوص الصحيحة الصريحة:
في رجلين اجتمعا على قطع يد رجل، قال: إن أحب أن يقطعهما أدى إليهما
دية واقتسماها ثم يقطعهما، وإن أحب أخذ منهما دية يد، قال: وإن قطع يد
أحدهما رد الذي لم يقطع يده على الذي قطعت يده ربع الدية (1).
(فلو قطع يده جماعة كان له التخيير في قطع) يد (الجميع ويرد
فاضل الدية) أي دية يده عليهم يقتسمونه بينهم بالسوية (وله قطع) يد
(البعض) منهم واحدا أو متعددا (ويرد عليهم) أي على المقطوعين.
وإنما جمع الضمير تنبيها على ما ذكرنا من دخول المتعددين في البعض،
الذي له الخيار في قطعهم البعض (الآخرون) بقدر جنايتهم، فإن فضل
للبعض المقطوع فضل بأن تعدد قام به المجني عليه.
وبالجملة الأمر هنا كما سبق في المسألة السابقة، من دون فرق بينهما،
إلا من حيث إن الشركة في النفس يتحقق بموته بالأمرين أو الأمور، سواء
اجتمعت أم تفرقت، وهنا لا يتحقق إلا مع صدور الفعل عنهم أجمع، إما بأن
يشهدوا عليه بما يوجب قطع يده ثم يرجعوا، أو يكرهوا إنسانا على قطعه،
أو يلقوا صخرة على طرفه فيقطعه، أو يضعوا حديدة على المفصل ويعتمدوا
عليها جميعا، ونحو ذلك.

(1) الوسائل 19: 140، الباب 25 من أبواب ديات الطرف، الحديث 1.
50

فلو قطع كل واحد منهم جزء من يده لم يقطع أحدهم، بل يكون على
كل منهم حق جنايته، لانفراده بها.
وكذا لو وضعوا منشارا ونحوه على عضوه ومده كل واحد مرة إلى أن
حصل القطع، لأن كل واحد لم يقطع بانفراده ولم يشارك في قطع الجميع،
فإن أمكن الاقتصاص من كل واحد على حدة ثبت بمقدار جنايته، وإلا فلا.
(الثالثة: لو اشترك في قتله) أي قتل الحر المسلم (امرأتان قتلتا به
ولا رد) هنا (إذ لا فاضل لهما) عن ديته، بناء على أن المرأة نصف
الرجل وديتها نصف ديته، كما يأتي.
وفي الخبر بل الصحيح كما قيل (1): عن امرأتين قتلتا رجلا عمدا، فقال:
تقتلان به ما يختلف في هذا أحد (2).
وكما أن للولي قتلهما كذا له قتل إحداهما وترد الأخرى ما قابل جنايتها
وهو ديتها على الولي، ولا شئ للمقتولة أصلا، لاستيفائها بجنايتها بدل
نفسها.
(ولو كن) أي النساء المشتركات في القتل (أكثر) من امرأتين (رد)
الولي عليهن (الفاضل) عن ديته (إن قتلهن) جمع، فإن كن ثلاثا وقتلهن
رد عليهن دية امرأة بينهن بالسوية أو أربعا فدية امرأتين كذلك وهكذا.
(وإن قتل بعضا) منهن (رد البعض الآخر) ما فضل عن جنايتها،
فلو اختار في الثلاث قتل اثنتين ردت الباقية ثلث ديته بين المقتولتين
بالسوية، لأن ذلك هو الفاضل لهما عن جنايتهما وهو ثلث ديتهما، أو قتل
واحدة ردت الباقيتان على المقتولة ثلث ديتها، وعلى الولي نصف دية
الرجل، لأن جنايتهما توازي ثلثي دية الرجل، وأولياؤه قد استوفوا بقتل

(1) لم نعثر عليه.
(2) الوسائل 19: 62، الباب 33 من أبواب القصاص، الحديث 15.
51

الواحدة نصفها، بقي لهم النصف الآخر يستوفونها من الباقيتين، وكل منهن
إنما جنت الثلث فزادت دية كل على جنايتها بقدر ثلث ديتها.
(ولو اشترك) في قتله (رجل وامرأة) حران (فللولي قتلهما) بعد
أن يرد فاضل دية صاحبه، وهو نصفها اجماعا، لما مضى.
(ويختص الرجل بالرد) وفاقا للنهاية (1) والقاضي (2) والحلي (3)
وعامة المتأخرين، وعزاه شيخنا في المسالك إلى الأكثر (4)، وفي الروضة،
إلى المشهور، استنادا إلى أنهما نفسان جنتا على نفس واحدة فكان على كل
واحد نصف الدية، ومع قتلهما فالفاضل للرجل خاصة، لأن القدر المستوفى
منه أكثر قيمة من جنايته بقدر ضعفه والمستوفى من المرأة بقدر جنايتها،
فلا شئ لها (5).
(و) خالف في ذلك (المفيد) (رحمه الله) خاصة، حيث (جعل الرد) بين
الرجل والمرأة (أثلاثا) للرجل ثلثان وللمرأة ثلث (6).
ووجهه غير واضح، عدا ما يتخيل له من أن جناية الرجل ضعف جناية
المرأة، لأن الجاني نفس ونصف نفس جنت على نفس فتكون الجناية بينهما
أثلاثا بحسب ذلك، وضعفه بعد ما عرفت ظاهر، مع ظهور الصحيح في خلافه.
وفيه: عن غلام لم يدرك وامرأة قتلا رجلا خطأ، فقال: إن خطأ المرأة
والغلام عمد فإن أحب أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما وردوا على
أولياء الغلام خمسة آلاف درهم، وإن أحبوا أن يقتلوا الغلام قتلوه وترد
المرأة على أولياء الغلام ربع الدية وإن أحب أولياء المقتول أن يقتلوا المرأة
قتلوها ويرد الغلام على أولياء المرأة ربع الدية وإن أحب أولياء المقتول أن

(1) النهاية 3: 381.
(2) المهذب 2: 468.
(3) السرائر 3: 345 - 346.
(4) المسالك 15: 104.
(5) الروضة 10: 34 - 35.
(6) المقنعة: 752.
52

يأخذوا الدية كان على الغلام نصف الدية وعلى المرأة نصف الدية (1).
لكنه مختل المتن من وجوه غير خفية، ولذا لم نجعله على المختار حجة.
(ولو قتل) الولي (الرجل ردت) المرأة (عليه نصف الدية) لأنه
مقدار جنايتها.
(ولو قتل المرأة) خاصة (فلا رد لها) إذ لا فاضل لها عن جنايتها
(وله) أي للولي (مطالبة الرجل) الباقي (بنصف الدية) في مقابل
جنايته بلا خلاف في المقامين، إلا من النهاية (2) والقاضي (3) في الأول،
فأوجبا على المرأة رد ربع الدية مائتين وخمسين دينارا وهو نصف ديتها.
ووجهه غير واضح، عدا ما يتخيل للمفيد (رحمه الله)، وقد عرفت ما فيه، مع أنه
لا يجامع حكمها سابقا باختصاص الرد بالرجل.
نعم في الصحيحة السابقة إشارة إلى ما قالا، ولكن قد عرفت ما فيها.
(الرابعة: لو اشترك) في قتله (حر وعبد قال) الشيخان (في
النهاية (4)) والمقنعة (5) والقاضي في المهذب (6): إن (له) أي للولي
(قتلهما ويرد على سيد العبد قيمته، وله قتل الحر) خاصة (ويرد
عليه) أي على الحر المقتول (سيد العبد خمسة آلاف درهم، أو يسلم
العبد إليهم) أي إلى أولياء الحر الشريك في القتل (أو يقتل العبد) خاصة
(وليس لمولاه على) شريكه (الحر سبيل) ولا خلاف ولا إشكال فيما
ذكروه من الخيار في قتلهما معا أو قتل أحدهما، لما مضى، ونفى الخلاف
عن الجميع في الغنية هنا صريحا (7).

(1) الوسائل 19: 64، الباب 34 من أبواب القصاص، الحديث 1.
(2) النهاية 3: 381.
(3) النهاية 3: 381.
(4) النهاية 3: 383.
(5) المقنعة: 751.
(6) المهذب 2: 469.
(7) الغنية: 406.
53

وإنما الإشكال فيما ذكروه في صورة قتلهما من رد قيمة العبد إلى سيده
خاصة من وجهين تخصيص الرد بالسيد، مع أن الحر إنما جنى نصف الجناية
ورد تمام ثمنه، مع أنه إنما جنى نصف الجناية، فلا يستحق سيده إلا ما زاد
عليه ولم يزد على دية الحر وإن لم يزد قيمته عن نصف دية الحر، فلا شئ
لسيده، لاستيفائه بجنايته، كما لا شئ عليه لو نقص القيمة عنه، إذ لا يجني
الجاني على أكثر من نفسه، كما يأتي.
وكذا يشكل ما ذكروه في الصورة الثانية من رد السيد على الحر نصف
الدية، فإنه على إطلاقه لا وجه له، لأنه إنما يلزمه ذلك لو زادت قيمة العبد
على نصف دية الحر بمثله، أما لو زادت عنه بما دونه فليس عليه إلا الزيادة،
كما لا شئ عليه سوى القيمة فيما لو نقصت عنه أو ساواه.
وكذا ما ذكروه في الثالثة من أنه ليس لمولى العبد على الحر شئ
بالكلية، فإنه على إطلاقه أيضا لا وجه له، بل ذلك مع عدم زيادة القيمة عن
النصف، أما مع الزيادة عنه فيلزم الحر للسيد تلك الزيادة، وللولي ما زاد
عليها إلى نصف الدية، يعني تتمته.
ومن هنا يظهر وجه الإشكال أيضا فيما أطلقه الحلبي (1) والحلي (2) في
الصورة الأولى من رد قيمة العبد على السيد وورثة الحر، وفي الثانية من رد
السيد على ورثة الحر نصف ديته، وفي الثالثة من رد الحر نصف قيمة العبد
على سيده، إلا أن يبني قولهما على فرضهما بلوغ القيمة تمام الدية من دون
زيادة ولا نقيصة.
(و) بالجملة (الحق) الذي يقتضيه قواعد الأصحاب في الجنايات،
وعليه عمل أكثرهم، بل جميع المتأخرين على الظاهر المصرح به في

(1) الكافي في الفقه: 386.
(2) السرائر 3: 347.
54

المسالك (1) (أن نصف الجناية على الحر ونصفها على العبد) بمقتضى
الشركة (فلو قتلهما الولي رد على الحر نصف ديته) لأنه الفاضل عن
جنايته (وعلى مولى العبد ما فضل من قيمته عن نصف الدية) إن كان له
فضل ما لم يتجاوز دية الحر فيرد إليها، وإن لم يكن له فضل فلا شئ
للمولى، ولا عليه إن نقص عنه.
(ولو قتل الحر يرد مولى العبد عليه) أي على الحر الشريك في القتل
(نصف الدية) بل أقل الأمرين منه ومن القيمة، لأن الأقل إن كان هو الأول
فلا يلزم الجاني سواه، وإن كان الثاني فلا يجني الجاني على أكثر من نفسه،
ويلزم الولي هنا كمال نصف الدية لأولياء الحر، ولا يلزم على المولى، بل
عليه أقل الأمرين خاصة. (أو دفع العبد) إليهم يسترقونه.
وليس لهم قتله إجماعا، كما في الغنية (2)، وليس فيه شبهة ويختصون
بالعبد (ما لم تزد قيمته عن النصف) وإلا (فتكون الزيادة للمولى)
ويكون معهم شريكا بالنسبة.
(ولو قتل العبد رد) شريكه الحر (على المولى ما فضل عن نصف
الدية إن كان في) قيمة (العبد فضل) عن جنايته، بأن تجاوزت قيمته
نصف دية الحر.
ثم إن استوعب قيمة الدية فله جميع المردود من الحر، وإن كانت أقل
فالزائد من المردود عن قيمته بعد حط مقابل جنايته لولي المقتول، وإن لم
يكن فيها فضل بأن كانت نصف دية الحر أو أنقص رد الحر عوض جنايته
وهو نصف الدية على الولي إن شاء، وإلا قتله الولي إن لم يعف عنه ورد عليه
نصف ديته.
ومستند هذه القواعد المقتضية لهذا التفصيل يظهر مما مضى، ويأتي

(1) المسالك 15: 106.
(2) الغنية: 406.
55

من الكلام في جناية العبد على الحر وديته. وربما يشير إليه ولو في الجملة
الصحيح الآتي في المسألة الآتية.
وأما الخبر: في عبد وحر قتلا رجلا، قال: إن شاء قتل الحر، وإن شاء
قتل العبد، فإن اختار قتل الحر ضرب جنبي العبد (1). فمع ضعف سنده قال
الشيخ: إنه لا يدل على أنه لا يجب على مولاه أن يرد على ورثة الحر نصف
الدية أو يسلم العبد إليهم، لأنه لو كان حرا لكان عليه ذلك على ما بيناه،
فحكم العبد حكمه على السواء، وإنما يجب مع ذلك التعزير كما يجب على
الأحرار (2).
(ولو قتلت امرأة) حرة (وعبد) على الشركة رجلا حرا (فعلى كل
واحدة منهما نصف الدية) لاشتراكهما في الجناية، وللولي الخيار في
قتلهما معا أو أحدهما.
(فلو) قتلهما أو (قتل العبد) خاصة فلا رد على المرأة بلا شبهة.
(و) أما العبد فإن (كانت قيمته بقدر جنايته فلا رد) على مولاه
أيضا (فإن زادت) قيمته عن جنايته (ردت) المرأة أو الولي (على
مولاه الزيادة) ما لم تزد على الدية فترد إليها، ولو قصرت الزيادة عنها
ردت المتمم لها على الولي، ولو قتل المرأة خاصة رد السيد على الولي نصف
الدية إن بلغته قيمة العبد، وإلا فلا شئ عليه له سوى القيمة أو دفع العبد
إليهم يسترقونه.
والمستند في هذه المسألة بعين ما مر في سابقتها من القواعد المقررة،
مضافا إلى الصحيح في الجملة: عن امرأة وعبد قتلا رجلا خطأ، فقال:

(1) الوسائل 19: 74، الباب 41 من أبواب القصاص، ذيل الحديث 7.
(2) الاستبصار 4: 282 ذيل الحديث 7.
56

إن خطأ المرأة والعبد مثل العمد، فإن أحب أولياء المقتول أن يقتلوهما
قتلوهما، فإن كانت قيمة العبد أكثر من خمسة آلاف درهم فليردوا على سيد
العبد ما يفضل بعد الخمسة آلاف درهم، وان أحبوا أن يقتلوا المرأة ويأخذوا
العبد أخذوا، إلا أن يكون قيمته أكثر من خمسة آلاف درهم فليردوا على
سيد العبد ما فضل بعد الخمسة آلاف درهم ويأخذوا العبد أو يفتديه سيده،
وإن كان قيمة العبد أقل من خمسة آلاف درهم فليس لهم إلا العبد (1).
(القول في الشرائط المعتبرة في القصاص)
(وهي خمسة):
(الأول): التساوي في (الحرية) والرقية
(فلا يقتل الحر) بالعبد، بل يقتل (بالحر) مثله، كما في نص الكتاب
«الحر بالحر والعبد بالعبد» (2).
(ولا رد) إجماعا، وللأصل.
(و) كذا يقتل (بالحرة) لكن (مع الرد) من وليها عليه نصف ديته،
لأن ديته ضعف ديتها، وللصحاح المستفيضة وغيرها الآتي إلى جملة منها
الإشارة.
(و) تقتل (الحرة بالحرة) إجماعا، ولا رد، كما في نظيره.
(وبالحر) إجماعا، ولتلك المستفيضة:
ففي الصحيح: في رجل قتل امرأته متعمدا، قال: إن شاء أهلها أن يقتلوه
قتلوه ويؤدوا إلى أهله نصف الدية، وإن شاؤوا أخذوا نصف الدية خمسة
آلاف درهم، وقال: في امرأة قتلت زوجها متعمدة، فقال: إن شاء أهله أن

(1) الوسائل 19: 64، الباب 34 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2.
(2) البقرة: 178.
57

يقتلوها قتلوها وليس يجني أحد أكثر من جنايته على نفسه (1).
وفيه: الرجل يقتل المرأة متعمدا فأراد أهل المرأة أن يقتلوه، قال: ذاك
لهم إذا أدوا إلى أهله نصف الدية وإن قبلوا الدية فلهم نصف دية الرجل، وإن
قتلت المرأة الرجل قتلت به ليس لهم إلا نفسها، الحديث (2).
ونحوهما أخبار كثيرة هي ما بين صحيحة ومعتبرة.
(وهل يؤخذ منها) أي من الحرة في الفرض الأخير (الفضل) من
دية الرجل الذي قتلت به وهو نصف ديته؟ كما يتوهم من كون ديتها نصف
ديته، ويوجد في بعض الروايات: في امرأة قتلت رجلا، قال: تقتل ويؤدي
وليها بقية المال (3).
(والأصح) أنه (لا) يؤخذ منها، للأصل، وقوله تعالى: «النفس
بالنفس» (4) للتصريح به في تلك الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة،
المعللة بأن الجاني لا يجني أكثر من نفسه (5).
والرواية المخالفة مع وحدتها وقصور سندها محتملة للتقية - كما صرح
به بعض الأجلة (6) - شاذة، كما صرح به الشيخ (7) وجماعة كالشهيدين (8)
وغيرهما.
واحتمل أولهما دعوى الإجماع على خلافها، وذكر ثانيهما وبعض من
تبعه (9) إنه لا نعلم قائلا من الأصحاب بمضمونها، وإن كان قول المصنف
وكلام غيره يشعر بالخلاف.

(1) الوسائل 19: 59، الباب 33 من أبواب القصاص، الحديث 1، 3.
(2) الوسائل 19: 59، الباب 33 من أبواب القصاص، الحديث 1، 3.
(3) الوسائل 19: 62، الباب 33 من أبواب القصاص، الحديث 17 وذيله، 1.
(4) المائدة: 45.
(5) الوسائل 19: 62، الباب 33 من أبواب القصاص، الحديث 17 وذيله، 1.
(6) لم نقف عليه.
(7) التهذيب 10: 183، ذيل الحديث 14، الاستبصار 4: 268، ذيل الحديث 5.
(8) غاية المراد: 198 س 11 (مخطوط) الروضة 10: 40.
(9) مفاتيح الشرائع 2: 132.
58

واحتمل التابع وغيره كون الإشارة إلى الخلاف للرواية لا للقول.
وهو حسن، إلا أنه يحكى عن الراوندي حمل الرواية على يسار المرأة،
والصحاح على إعسارها، جمعا (1).
وظاهره المخالفة في الجملة.
وعن تفسير علي بن إبراهيم أن قوله تعالى: «الحر بالحر والأنثى
بالأنثى» ناسخ لقوله تعالى: «النفس بالنفس» (2).
وظاهره أنه لا يكتفى بالاقتصاص منها، ويدل عليه المروي في الوسائل
عن المرتضى في رسالته المحكم والمتشابه بإسناده عن علي (عليه السلام) في
حديث قال: ومن الناسخ ما كان مثبتا في التوراة من الفرائض في القصاص،
وهو قوله تعالى: «وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين» إلى
آخر الآية، فكان الذكر والأنثى والحر والعبد شرعا، فنسخ الله تعالى ما في
التوراة بقوله تعالى: «كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد
بالعبد والأنثى بالأنثى» فنسخت هذه الآية «وكتبنا عليهم فيها أن النفس
بالنفس» (3).
قيل: والمراد بالنسخ في الرواية التخصيص لا معناه المعروف، جمعا
بينها وبين الموثق كالصحيح: في قول الله عز وجل: «النفس بالنفس» الآية،
فقال: هي محكمة (4).
وهو حسن، وإلا فطرح الرواية الأولى متعين، للإجماع على جواز
الاقتصاص من الذكر بالأنثى، وبالعكس على الظاهر المصرح به في كنز

(1) التنقيح 4: 416.
(2) تفسير القمي 1: 65.
(3) الوسائل 19: 63، الباب 33 من أبواب القصاص، الحديث 19.
(4) قاله صاحب الوسائل (قدس سره) راجع المصدر السابق.
59

العرفان (1) وغيره. والاختلاف في الثاني في أخذ الفاضل منها على تقديره
لا ينافيه، فإنه أمر آخر.
هذا، وقد نقل في الكنز في النسخ قولا بالعكس، فقال: في تفسير قوله
تعالى: «الحر بالحر» الآية قيل: هذا منسوخ بقوله: «النفس بالنفس»، قال:
وليس بشئ، أما أولا: فلأنه حكاية ما في التوراة فلا ينسخ القرآن، وأما
ثانيا: فلأصالة عدم النسخ، إذ لا منافاة بينهما، وأما ثالثا: فلأن قوله: «النفس
بالنفس» عام وهذا خاص، وقد تقرر في الأصول بناء العام على الخاص (2).
(وتتساوى المرأة والرجل في الجراح قصاصا ودية حتى تبلغ ثلث
دية الحر) أو يتجاوزها على الاختلاف (فينتصف) بعد ذلك (ديتها
ويقتص لها) منه (مع رد التفاوت) عليه (وله منها ولا رد) عليها مطلقا
كما في قصاص النفس قد مضى بلا خلاف في شئ من ذلك أجده إلا ما
تقدم إليه الإشارة.
واعتبار البلوغ إلى الثلث مذهب المشهور على الظاهر المصرح به في
جملة من العبائر (3)، بل وعن الخلاف الإجماع عليه (4). وهو الحجة; مضافا
إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
ففي الصحيح: ما تقول في رجل قطع إصبعا من أصابع المرأة كم فيها؟
قال: عشر من الإبل، قلت: قطع اثنين، قال: عشرون، قلت: قطع ثلاثا، قال:
ثلاثون، قلت: قطع أربعا قال: عشرون، قلت: سبحان الله يقطع ثلاثا فيكون
عليه ثلاثون ويقطع أربعا فيكون عليه عشرون هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق
فنبرأ ممن قاله ونقول: الذي جاء به شيطان، فقال: مهلا يا أبان هذا حكم
رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية، وإذا بلغت الثلث

(1) كنز العرفان 2: 355.
(2) كنز العرفان 2: 355.
(3) كشف اللثام 2: 446 س 11.
(4) الخلاف 5: 256، المسألة 64.
60

رجعت إلى النصف، يا أبان إنك أخذتني بالقياس، والسنة إذا قيست محق
الدين (1).
وفي الصحيحين: عن المرأة بينها وبين الرجل قصاص، قال: نعم في
الجراحات حتى يبلغ الثلث، سواء، فإذا بلغت الثلث ارتفع الرجل وسفلت
المرأة (2).
خلافا للنهاية (3) والسرائر (4) والإرشاد (5) فاعتبروا. التجاوز، للنصوص:
منها الصحيح: الرجال والنساء في القصاص السن بالسن والشجة بالشجة
والإصبع بالإصبع سواء حتى تبلغ الجراحات ثلث الدية، فإذا جازت الثلث
صيرت دية الرجال في الجراحات ثلثي الدية ودية النساء ثلث الدية (6).
والخبر: عن رجل قطع إصبع امرأة، قال: تقطع إصبعه حتى ينتهي إلى
ثلث دية المرأة، فإذا جاز الثلث أضعف الرجل (7).
وهي مع قصور سند جملة منها وعدم مكافئتها لما مضى من وجوه
شتى غير واضحة الدلالة إلا من حيث مفهوم اشتراط الجواز في الذيل، وهو
معارض بمفهوم الغاية في الصدر. والجمع بينهما كما يمكن بصرف مفهوم
الغاية إلى الشرط كذا يمكن بالعكس، فلا يمكن الاستدلال بها إلا مع
المرجح المفقود في المقام إن لم نقل بوجوده على الخلاف من جهة الشهرة،
والصحاح المستفيضة، وحكاية الإجماع المتقدمة.
وبالجملة فدلالة النصوص على خلافها غير واضحة، لتعارض
المفهومين فيها بلا شبهة.

(1) الوسائل 19: 268، الباب 44 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 122 الباب 1 من أبواب قصاص الطرف الحديث 3 وذيله.
(2) الوسائل 19: 268، الباب 44 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 122 الباب 1 من أبواب قصاص الطرف الحديث 3 وذيله.
(3) النهاية 3: 387.
(4) السرائر 3: 351.
(5) الإرشاد 2: 246.
(6) الوسائل 19: 268، الباب 44 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 122 الباب 1 من أبواب قصاص الطرف الحديث 3 وذيله.
(7) الوسائل 19: 268، الباب 44 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 122 الباب 1 من أبواب قصاص الطرف الحديث 3 وذيله.
61

ومن هنا ينقدح وجه التردد في نسبة الخلاف إلى النهاية، حيث اشتركت
مع النصوص في العلة التي نشأ منها عدم وضوح الدلالة، حيث قال:
ويتساوى جراحتهما ما لم يتجاوز ثلث الدية، فإذا بلغ ثلث الدية نقصت
المرأة وزيد الرجل (1).
وقريب منها عبارة الفاضل في الإرشاد، حيث قال: ويقتص للرجل من
المرأة وبالعكس ولا رد ما لم يتجاوز ثلث الدية فينتصف المرأة، وكذا
يتساويان في الدية ما لم تبلغ الثلث فينتصف المرأة (2).
ولولا شهرة نسبة الخلاف إلى النهاية لكدت أن أقول: لا خلاف في
المسألة، وأن التعبير بالتجاوز عن الثلث إنما وقع مسامحة، أو نظرا إلى كون
البلوغ إلى الثلث من دون زيادة ونقيصة من الأفراد النادرة غاية الندرة.
وعلى التقديرين فلو قطع أربعا من أصابعها لم يقطع منه الأربع إلا بعد
رد دية إصبعين.
وهل لها القصاص في إصبعين من دون رد؟ وجهان، من إيجاب قطع
إصبعين ذلك فالزائد أولى، ومن النص الدال على أنه ليس لها الاقتصاص له
في الجناية الخاصة إلا بعد الرد.
ويقوى الإشكال لو طلبت القصاص في الثلث والعفو في الرابعة، وعدم
إجابتها هنا أقوى. هذا إذا كان القطع بضربة واحدة.
ولو كان بأزيد من ضربة يثبت لها دية الأربع أو القصاص في الجميع من
غير رد، لثبوت الحكم السابق فيستصحب، وكذا حكم الباقي.
(ويقتل العبد بالعبد) كما في صريح الكتاب (3) والسنة (4) وبالأمة.

(1) النهاية 3: 449.
(2) الإرشاد 2: 206.
(3) البقرة: 178.
(4) الوسائل 19: 73، الباب 40 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 11.
62

(والأمة بالأمة وبالعبد) بلا خلاف، لإطلاق النفس بالنفس (1).
وهل يشترط التساوي في القيمة فلا يقتص من الجاني مع زيادة قيمته
إلا بعد رد الزيادة أم لا يشترط كما هو ظاهر إطلاق الأدلة والعبارة ونحوها
من عبائر الجماعة؟ احتمالان، بل قيل قولان، من الإطلاق، ومن أن ضمان
المملوك يراعى فيه المالية فلا يستوفى الزائد بالناقص، بل بالمساوي.
وثبوت رد الزائد من هذا الوجه لا ينافي الإطلاق بالقصاص، لصدقه
معه. وقوى هذا في المسالك (2) وحكى السابق عن صريح ابن حمزة (3)،
وربما يميل إليه الفاضل في التحرير، حيث نسب إطلاق القصاص مع عدم
اعتبار الرد إلى الأصحاب (4)، وظاهر الشهيدين في اللمعتين التوقف (5). وهو
الوجه، ولكن القول بعدم الاشتراط أوفق بالأصل، مضافا إلى ما سبق من
إطلاق النص وكلام الأصحاب.
(ولا يقتل الحر بالعبد) ولا بالأمة مطلقا، ولو كان لغيره (بل يلزم
قيمته يوم قتل) بإجماعنا على الظاهر المصرح به في المسالك (6)
والروضة (7) وغيرهما، والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة، وفيها الصحاح
وغيرها:
ففي الصحيح: لا يقتل حر بعبد، ولكن يضرب ضربا شديدا، ويغرم ثمنه
دية العبد (8).
وفي آخر: لا يقتل الحر بالعبد، وإذا قتل الحر العبد غرم ثمنه وضرب
ضربا شديدا. ونحوه (9) الموثق كالصحيح (10) وغيره (11).

(1) المائدة: 45.
(2) المسالك 15: 112.
(3) الوسيلة: 435.
(4) التحرير 2: 245 س 10.
(5) اللمعة والروضة 10: 44 - 45.
(6) المسالك 15: 113.
(7) اللمعة والروضة 10: 44 - 45.
(8) الوسائل 19: 70، الباب 40 من أبواب القصاص، الحديث 1، 2، 3، 5، 7.
(9) الوسائل 19: 70، الباب 40 من أبواب القصاص، الحديث 1، 2، 3، 5، 7.
(10) الوسائل 19: 70، الباب 40 من أبواب القصاص، الحديث 1، 2، 3، 5، 7.
(11) الوسائل 19: 70، الباب 40 من أبواب القصاص، الحديث 1، 2، 3، 5، 7.
63

(و) إطلاقها بلزوم القيمة مقيد بما إذا (لا يتجاوز دية الحر) فإن مع
التجاوز يرد إليها بإجماعنا على الظاهر المصرح به في كثير من العبائر،
للمعتبرة:
منها الصحيح: إذا قتل الحر العبد غرم قيمته وأدب، قيل: وإن كان قيمته
عشرين ألف درهم، قال: لا يجاوز قيمة عبد دية الأحرار (1).
(ولو اختلفا) أي الحر الجاني ومولى العبد المجني عليه (في القيمة
فالقول قول الجاني) لأصالة عدم الزيادة، وكونه منكرا، فيقدم قوله،
وللخبر الصريح: عن رجل قتل عبدا خطأ، قال: عليه قيمته، ولا يجاوز
بقيمته عشرة آلاف درهم، قال: ومن يقومه وهو ميت، قال: إن كان لمولاه
شهود أن قيمته يوم قتله كانت كذا وكذا أخذ بها قاتله، وإن لم يكن له شهود
على ذلك كانت القيمة على من قتله (2).
(مع يمينه) يشهد بالله تعالى ما له قيمة أكثر مما قومته، فإن أبى أن
يحلف ورد اليمين على المولى حلف المولى، فإن حلف المولى أعطي ما
حلف عليه، ولا يجاوز بقيمته عشرة آلاف.
(ويعزر القاتل) بما يراه الحاكم (ويلزمه الكفارة) لقتل المؤمن
عمدا، وهي عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا، بلا
خلاف في شئ من ذلك، والمعتبرة بها مع ذلك مستفيضة، وقد تقدم ما
يتعلق منها بالكفارة في كتابها، والنصوص الدالة على التعزير قد عرفتها،
مضافا إلى ما سبق في الحدود من الدليل عليه في فعل كل محرم كلية.
(ولو كان العبد) المجني عليه (ملكه) أي ملك الجاني (عزر
وكفر) ولا يقتل به، كما لو كان ملك غيره.

(1) الوسائل 19: 71، الباب 40 من أبواب القصاص، الحديث 4.
(2) الوسائل 19: 153، الباب 7 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.
64

ولا فرق في الجاني هنا بين كونه حرا أو عبدا، كما يقتضيه إطلاق
العبارة وغيرها من سائر الفتاوى، وبه صرح بعض أصحابنا، ولهذا يحسن
تخصيصه بالذكر، مع معلومية عدم قتل الحر بالعبد مطلقا. لكن يتجه على
القول بملكية العبد لا مطلقا.
ويحتمل التخصيص وجها آخر، وهو الاتفاق على غرامة الجاني قيمة
المجني عليه لو كان لغيره، والاختلاف فيها لو كان له، فبين مفت بها مع
التصدق على الفقراء كأكثر القدماء (1)، بل لم ير فيهم مخالف عدا الإسكافي
فإنه أورده بصيغة «روى» (2) مشعرا بالتردد، كالماتن هنا لقوله: (وفي
الصدقة بقيمته رواية) مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله (عليه السلام): إن أمير
المؤمنين (عليه السلام) رفع إليه رجل عذب عبده حتى مات فضربه مائة نكالا
وحبسه سنة وغرمه قيمة العبد وتصدق بها (3).
(وفيها ضعف) لسهل الضعيف على المشهور ومحمد بن الحسن بن
شمون الغالي وعبد الله بن عبد الرحمن الضعيف، مع تضمنها الحبس سنة،
ولم نر به قائلا، ومع ذلك معارضة بظواهر المعتبرة المستفيضة، التي فيها
الصحاح والموثقات وغيرها الواردة في مقام الحاجة خالية عن ذكر التصدق
بالقيمة، ولم يذكر فيها سوى الكفارة، ونحوه عبارته في الشرائع (4) وعبارة
الفاضل في كتبه (5) التي وقفت عليها.
لكن يجبر جميع ذلك فتوى الأصحاب بمضمونها، سيما نحو ابن
زهرة (6) والحلي (7) اللذين لا يعملان بالأخبار الصحيحة، فضلا عن مثل

(1) المقنعة: 749، النهاية 3: 394.
(2) المسالك 15: 115.
(3) الوسائل 19: 68، الباب 37 من أبواب القصاص، الحديث 5.
(4) الشرائع 4: 205.
(5) الإرشاد 2: 205، القواعد 3: 599.
(6) الغنية: 407.
(7) السرائر 3: 355.
65

هذه الرواية، فعملهما بها أقوى قرينة على قيام قاطع لهما على العمل بها من
إجماع أو غيره، وأيهما كان كفى.
مع أن ظاهر الأول نفي الخلاف عنها بين أصحابنا، حيث قال بعد ذكر
هذا الحكم: وأحكام أخر بلا خلاف بين أصحابنا في ذلك كله (1)، ومع ذلك
مروية في الفقيه (2) بطريقه إلى السكوني، وهو قوي، ومعتضدة بالمرسل
وغيره: في رجل قتل مملوكه أنه يضرب ضربا وجيعا ويؤخذ منه قيمته
لبيت المال (3) بحملها على الأخذ، للتصدق إجماعا، وجمعا.
هذا، مع أن الضعف بسهل سهل، والتضمن للحبس سنة غير قادح، إما
لعدم استلزام خروج بعض الرواية عن الحجية خروجها عنها كملا، أو لأن
الحبس قدر رآه (عليه السلام) مصلحة فيكون تتمة لتعزيره، كما جعله الضرب مائة.
ولعله لهذا لم يقدح بهذا في الرواية أحد من أصحابنا، عدا بعض
متأخري المتأخرين (4)، وهو لما عرفت ضعيف، كضعف ما قدح به فيها
أيضا من عدم ظهورها في القتل عمدا، بل ظاهرها أنه قصد الضرب خاصة.
وهو غريب جدا، فإن مضمونها صريح في ضربه حتى مات، ولفظة «حتى»
كالصريحة في القتل عمدا.
ولئن سلمنا فمثل هذا الضرب مما يقتل غالبا، بل قطعا، فيكون قتلا
عمدا ولو لم يكن للقتل قاصدا، كما مضى.
وخلو الروايات البيانية عن ذلك غايته الظهور في نفيه، وهو لا يعارض
الروايات الصريحة بإثباته، بل هي بالنسبة إليه كالعام بالنسبة إلى الخاص
مقدم عليه قطعا، والتكافؤ المشترط في التقدم حاصل بما عرفت من فتوى

(1) الغنية: 407.
(2) الفقيه 4: 153، الحديث 5339.
(3) الوسائل 19: 69، الباب 37 من أبواب القصاص، الحديث 10.
(4) المسالك 15: 115.
66

الأصحاب بمضمونها، كما هو الحال في سائر المواضع، وإليه أشار الشهيد
في النكت.
فقال: إن المذهب قد يعرف بخبر الواحد الضعيف، لاشتماله على
القرائن، كما يعرف مذاهب الطوائف، وقد نبه الشيخ المحقق على هذا في
المعتبر، وبالجملة العمدة فتوى مشاهير الأصحاب (1) إلى آخر ما قال.
ولنعم ما قال، وإن لم يرتضه كثير من الأبدال، لوجوه مدخولة بينتها، مع
صحة ما ذكره في رسالة مفردة في الإجماع.
هذا، مع أن المعتبرة المستفيضة المتقدمة المتضمنة للصحاح والموثقات
وغيرها الدالة على عدم قتل الحر بالعبد وأنه يلزم الجاني بالقيمة ويعزر
مطلقة لا تنصيص في شئ منها بكون الجاني مولى للمجني عليه، أم غيره،
فينسحب الحكم فيها بتغريمه القيمة إلى هنا أيضا، غاية الأمر سكوتها عن
مصرفها، وحيث ثبتت القيمة بإطلاقها هنا كان مصرفها الفقراء إجماعا.
وليت شعري كيف غفل الأصحاب عن هذه الروايات، فلم يستدلوا بها،
مع وضوح دلالتها على الحكم هنا بمعونة ما ذكرنا، وأظن الاستدلال بها من
خصائص الكتاب، والحمد لله تعالى.
ولعل الوجه في عدم استدلالهم بها تخيل اختصاصها بحكم التبادر
بالجاني غير المولى، وأثره بعد تسليمه مندفع بفتوى الأصحاب على العموم،
كما اندفع بها ما توجه على ما مر من النصوص.
ثم إن ما ذكرناه من عدم قتل الحر بالعبد مطلقا مذهب الأكثر على
الظاهر المصرح به في كلام البعض، قال: كالشيخين والقاضي وابن حمزة
وابن إدريس والفاضلين (2).

(1) غاية المراد: 198 س 13 (مخطوط).
(2) التنقيح 4: 418.
67

أقول: وغيرهم أيضا من المتأخرين، تمسكا بظاهر الكتاب، وما مر من
صحاح الأخبار.
(و) لكن (في رواية إن اعتاد) الجاني (ذلك) أي قتل العبيد (قتل
به) والمراد بالرواية الجنس، لتعددها.
منها: في رجل قتل مملوكه أو مملوكته، قال: إن كان المملوك له أدب
وحبس إلا أن يكون معروفا بقتل المماليك فيقتل به (1).
ومنها: عن رجل قتل مملوكه، قال: إن كان غير معروف بالقتل ضرب
ضربا شديدا وأخذ منه قيمة العبد فتدفع إلى بيت مال المسلمين، وإن كان
معودا للقتل قتل به (2).
ومنها: أن عليا (عليه السلام) قتل حرا بعبد (3) بحملها على المعتاد.
وبمضمونها أفتى جماعة من الأصحاب ومنهم ابن زهرة، نافيا الخلاف
عنه في ظاهر كلامه، قال: لفساده في الأرض لا على وجه القصاص، وكذا
لو كان معتادا لقتل أهل الذمة (4).
وهو وجه حسن، والنصوص شاهدة، ولا منافاة بينها وبين ما مر من
الأدلة بعدم قتل الحر بالعبد، لظهورها في النفي على جهة القصاص، ونحن
نقول به، ولكنه لا ينافي ثبوته من جهة الفساد.
(ودية) الأمة (المملوكة قيمتها ما لم يتجاوز دية الحرة) فترد إليها
مطلقا، لذكر كانت أم لأنثى كما في العبد، بلا خلاف، بل عليه الإجماع في
بعض العبائر (5).
(وكذا لا يتجاوز بدية العبد الذمي دية الحر منهم) أي من أهل الذمة

(1) الوسائل 19: 69، الباب 38 من أبواب القصاص، الحديث 1.
(2) الوسائل 19: 69، الباب 38 من أبواب القصاص، الحديث 2، الباب 40، 72، الحديث 9.
(3) الوسائل 19: 69، الباب 38 من أبواب القصاص، الحديث 2، الباب 40، 72، الحديث 9.
(4) الغنية: 407.
(5) مجمع الفائدة 14: 59.
68

(ولا بدية الأمة) الذمية (دية) الحرة (الذمية).
إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الحكم بين كون المولى مسلما أو
ذميا، وبه صرح المولى الأردبيلي (رحمه الله) في شرح الإرشاد (1) لكن ظاهر
الفاضلين في الشرائع (2) والإرشاد (3) وصريح التحرير (4) والقواعد (5) الفرق
بينهما، واختصاص الحكم بما في العبارة بكون المولى ذميا، ولو كان مسلما
اعتبر في دية عبده الذمي عدم تجاوز دية الحر المسلم، وتبعهما الشهيد
الثاني في المسالك (6) من غير نقل خلاف.
فإن تم إجماعا، وإلا فوجهه غير واضح. قيل: ولعله مبني على الرواية
المحكية من الإيضاح، مع إطلاق سائر الأخبار بالرد إلى دية الحر، وكون
الرد خلاف الأصل، فيقتصر على المتيقن (7).
(ولو قتل العبد حرا) عمدا قتل به اتفاقا، فإن النفس بالنفس، وفيما
سيأتي من الأدلة دلالة عليه.
ولا فرق فيه بين كون الحر مولاه أم غيره، ويفرق بينهما في قتله خطأ
بثبوت الدية للحر المجني عليه لو لم يكن مولاه، وعدمه لو كان مولاه.
وفي القوي: عبد قتل مولاه متعمدا، قال: يقتل به، وقضى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
بذلك (8).
و (لم يضمن مولاه) جنايته، بل يتعلق برقبته (و) يكون (ولي الدم
بالخيار بين قتله واسترقاقه) للمعتبرة المستفيضة:

(1) مجمع الفائدة 14: 60.
(2) الشرائع 4: 205.
(3) الإرشاد 2: 205.
(4) التحرير 2: 245 س 16.
(5) القواعد 3: 599.
(6) المسالك 15: 117.
(7) كشف اللثام 2: 450 س 38.
(8) الوسائل 19: 72، الباب 40 من أبواب القصاص، الحديث 10.
69

منها الصحيح: في العبد إذا قتل الحر دفع إلى أولياء المقتول، فإن شاؤوا
قتلوه، وإن شاؤوا استرقوه (1). ونحوه غيره (2).
ولا خلاف في شئ من ذلك أجده، بل عليه الإجماع في الغنية (3).
وإطلاق هذه الأدلة يقتضي جواز الاسترقاق ولو مع عدم رضى المولى،
كما صرح به في المسالك وجماعة، معللين - زيادة على ما مر من النصوص -
بأن الشارع سلط الولي على إتلافه بدون رضى المولى المستلزم، لزوال ملكه
عنه، فإزالته مع بقاء نفسه أولى، لما يتضمن من حقن دم المؤمن، وهو مطلوب
الشارع، واحتمل توقف استرقاقه على رضاه، لأن ثبوت المال في العمد بدل
القود يتوقف على التراضي (4). وربما حكي هذا قولا، ولم أجد له قائلا.
وكيف كان فالأول أقوى، لإطلاق النص والفتوى، مع الأولوية التي عرفتها.
(وليس للمولى فكه مع كراهة الولي) كما ليس للقاتل دفع الدية إلى
ولي المقتول إلا برضاه.
(ولو جرح) العبد (حرا فللمجروح القصاص) منه، فإن الجروح
قصاص (فإن شاء) المجروح (استرقه إن استوعبته الجناية) بحيث لا
يبقى من قيمته بعد إخراجها شئ بالمرة (وإن قصرت) الجناية عن قيمته
(استرق) المجني عليه (منه بنسبة الجناية أو يباع) العبد (فيأخذ من
ثمنه حقه) من أرش الجناية.
(ولو افتداه المولى) وفكه (فداه بأرش الجناية) بلا خلاف في
شئ من ذلك أجده، إلا في الحكم الأخير.
فقيل: بما في العبارة من الفك بأرش الجناية زادت عن قيمته أم نقصت،
لأنه الواجب لتلك الجناية، وإليه ذهب في الخلاف، مدعيا عليه الإجماع.

(1) الوسائل 19: 73، الباب 41 من أبواب القصاص، الحديث 1، 2، 4.
(2) الوسائل 19: 73، الباب 41 من أبواب القصاص، الحديث 1، 2، 4.
(3) الغنية: 406.
(4) المسالك 15: 118.
70

قيل: وفي المبسوط أنه الأظهر في الروايات، وقال المحقق: إنه مروي،
وهو ظاهر النهاية وابن إدريس وكثير من الأصحاب.
وقيل: بل يفكه بأقل الأمرين من القيمة وأرش الجناية، لأن الجاني
لا يجني أكثر من نفسه، والمولى لا يعقل مملوكه فالزائد لا يلزمه، وإليه
ذهب في المبسوط.
وفي الصحيح: في عبد جرح حرا إن شاء الحر اقتص منه، وإن شاء
أخذه إن كان الجراحة تحيط برقبته، وإن كانت الجراحة لا تحيط برقبته
افتداه مولاه، فإن أبى مولاه أن يفتديه كان للحر المجروح من العبد بقدر دية
جراحته والباقي للمولى يباع العبد فيأخذ المجروح حقه ويرد الباقي على
المولى (1).
(ويقاد العبد بمولاه) أي يقتص منه له لو جنى عليه متعمدا (إن شاء
الولي) للمولى الاقتصاص منه، لإطلاق ما دل على الاقتصاص من العبد
للحر، أو فحواه، ولخصوص القوي: في عبد قتل مولاه متعمدا، قال: يقتل به
قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك (2).
(ولو قتل عبد مثله) أو جرحه (عمدا فإن كانا) أي العبدان
(لواحد فالمولى بالخيار بين الاقتصاص) من الجاني منهما (أو العفو)
عنه، لعموم الأدلة، وخصوص الموثق كالصحيح: عن رجل له مملوكان قتل
أحدهما صاحبه أله أن يقيده به دون السلطان إن أحب ذلك؟ قال: هو ماله
يفعل فيه ما شاء إن شاء قتل وإن شاء عفا (3).
(وإن كانا لاثنين ف‍) يأتي فيه ما مر من أن (للمولى) أي مولى

(1) الوسائل 19: 124، الباب 3 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1.
(2) الوسائل 19: 72، الباب 40 من أبواب القصاص، الحديث 10.
(3) الوسائل 19: 72، الباب 44 من أبواب القصاص، الحديث 1.
71

المجني عليه (قتله) أي الجاني من دون رد فيما لو زاد الجاني المجني
عليه قيمة، أو مع رد الزيادة على اختلاف القولين، المتقدم إليهما الإشارة.
(إلا أن يتراضى الموليان) عن قتله أو جرحه (بدية أو أرش) فلا
يقتص منه بعده، بل يلزم ما تراضيا عليه، كما هو واضح، وسيظهر وجهه مما
دل على جواز الصلح بالدية عن القصاص. ثم إن كل ما ذكر في جناية العبد
عمدا.
(ولو كانت الجناية) على مثله أو حر (خطأ كان لمولى القاتل فكه
ب‍) أقل الأمرين من أرش الجناية (وقيمته) أو بالأرش مطلقا على
الخلاف الذي مضى.
(وله دفعه) أي العبد الجاني إلى المجني عليه أو وليه ليسترقه (وله)
أي للمولى حينئذ (منه) أي من العبد (ما فضل من قيمته) أي قيمة
المقتول وأرش الجناية.
(ولا يضمن) المولى (ما يعوز) وينقص من قيمة الجاني عن الدية
أو أرش الجناية، فإن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه، ولإطلاق الخبر:
إذا قتل العبد الحر فدفع إلى أولياء الحر فلا شئ على مواليه (1)، مع أنه
لا خلاف فيه، ولا في ثبوت الخيار المزبور لمولى الجاني دون ولي المجني
عليه، وسيأتي من النصوص في المدبر ما يدل عليه.
واستدل عليه بأنه لا يتسلط ولي المقتول هنا على إزالة ملكه عنه بالقتل
ليحمل عليه الاسترقاق، وإنما تعلق حقه بالدية من مال المولى فله الخيار.
وفي الصحيح: عن مكاتب قتل رجلا خطأ، قال: فقال: إن كان مولاه
حين كاتبه اشترط عليه إن عجز فهو رد في الرق فهو بمنزلة المملوك يدفع

(1) الوسائل 19: 74، الباب 41 من أبواب القصاص، الحديث 6.
72

إلى أولياء المقتول، فان شاؤوا قتلوا وإن شاؤوا باعوا، الحديث (1).
وظاهره تعين الدفع، وهو شاذ، إلا أن يحمل على كونه على وجه
الخيار. لكن يشكل ما فيه من الحكم بالقصاص في الخطأ، إلا أن يحمل
الخطأ فيه على ما يقابل الصواب لا العمد، وحينئذ يخرج الخبر عن محل
البحث.
(والمدبر) في جميع ذلك (كالقن) فيقتل إن قتل عمدا حرا أو عبدا،
أو يدفع إلى ولي المقتول يسترقه، أو يفديه مولاه بالأقل، كما مر.
ثم إن فداه أو بقي منه شئ بعد أرش الجناية بقي على تدبيره إجماعا
على الظاهر المصرح به في القواعد.
(ولو استرقه) كله (ولي الدم ففي خروجه عن التدبير قولان).
اختار أولهما: الحلي وأكثر المتأخرين، بل عامتهم، لأنه انتقل إلى ملك
غير المدبر فيخرج عن التدبير كالبيع، وللصحيح: عن مدبر قتل رجلا عمدا،
فقال: يقتل به، قال: وإن قتله خطأ، قال: يدفع إلى أولياء المقتول فيكون لهم،
فإن شاؤوا استرقوه، وليس لهم قتله إن المدبر مملوك (2).
وثانيهما الشيخان والصدوق والإسكافي لقولهم بلزوم الاستسعاء كما
حكي، وهو فرع بقاء التدبير لاستصحاب بقائه إلى أن يعلم المزيل،
وللصحيح: عن مدبر قتل رجلا خطأ من يضمن عنه؟ قال: يصالح عنه مولاه،
فإن أبى دفع إلى أولياء المقتول يخدمهم حتى يموت الذي دبره ثم يرجع
حرا لا سبيل عليه (3)، مضافا إلى النص الآتي الدال على الاستسعاء المتفرع
عليه كما عرفت.

(1) الوسائل 19: 78، الباب 46 من أبواب القصاص، الحديث 2.
(2) الوسائل 19: 75، الباب 42 من أبواب القصاص، الحديث 1.
(3) الوسائل 19: 155، الباب 9 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.
73

ويضعف الأول: بثبوت المزيل، وهو ما مر من الدليل والصحيح
بمعارضته بمثله، بل وأجود منه، مع احتمال ضعف دلالته، إذ ليس فيه
استرقاق ولي الدم له، بل غاية ما فيه دفعه إليه يخدمه، وهو أعم من استرقاقه،
وعدمه لو لم نقل بظهوره في الثاني، فيحمل عليه، ويكون المقصود من الدفع
للخدمة احتساب أجرتها عن الدية مع بقاء العبد على الملكية.
وحينئذ يصح الحكم ببقاء التدبير بلا شبهة، ويكون من قبيل ما لو افتداه
المولى ببذل الدية أو أرش الجناية. ويحتمل الحمل على هذا ما سيأتي من
الرواية في الاستسعاء، إذ ليس فيه التصريح بدفعه رقا لأولياء الدم، بل غايته
الدفع إليهم مطلقا، فيحتمل الحمل على ما ذكرنا، مع ضعفها سندا، وعدم
مكافأتها كما قبلها لأدلة القول الأول جدا، سيما مع اشتهارها شهرة عظيمة
بين أصحابنا. فالقول الأول أقوى.
(وبتقدير أن لا يخرج) عن التدبير (هل يسعى) بعد موت المولى
(في فك رقبته) من أولياء الدم أم لا؟ (المروي) في بعض النصوص
(أنه يسعى).
وفيه: عن مدبر قتل رجلا خطأ، قال: أي شئ رويتم في هذا؟ قال:
روينا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: يتل برمته إلى أولياء المقتول فإذا مات
الذي دبره أعتق، قال: سبحان الله فيبطل دم امرئ مسلم، قلت: هكذا روينا،
قال: غلطتم على أبي (عليه السلام) يتل برمته إلى أولياء المقتول، فإذا مات الذي دبره
استسعى في قيمته (1).
وضعف سنده - كما مر - يمنع عن العمل به، مع مخالفته للأصل، وظاهر
الصحيح الثاني: لقوله: ثم يرجع حرا لا سبيل عليه (2). ولعله لذا قال المفيد

(1) الوسائل 19: 156، الباب 9 من أبواب ديات النفس، الحديث 5، 1، الباب 33 من أبواب القصاص 61 - 62، الحديث 10، 18.
(2) الوسائل 19: 156، الباب 9 من أبواب ديات النفس، الحديث 5، 1، الباب 33 من أبواب القصاص 61 - 62، الحديث 10، 18.
74

بالعدم كما حكي، وظاهر الرواية الاستسعاء في قيمة نفسه كما عن الصدوق
والإسكافي.
وعن الشيخ في النهاية والكتابين الاستسعاء في دية المقتول. وهو مع
منافاته لظاهرها والنصوص القائلة إن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه (1)
لا دليل عليه، ولذا نسبه الماتن في الشرائع إلى الوهم وأول بعض الفقهاء
كلام الشيخ بأن دية المقتول الآن هي قيمة العبد، لأنه لا يطالب بأكثر من
نفسه فجاز أن يطلق عليها أنها دية المقتول.
ولا بأس به وإن لم يرتضه في التنقيح، قائلا: إنه عدول عن الحقيقة
إلى المجاز بغير دليل (2) صونا لفتوى الشيخ عن المخالفة، للخبر الذي استند
هو إليه لها.
(والمكاتب إن لم يود) من مكاتبته شيئا (أو كان مشروطا كان كالرق
المحض) بلا خلاف، للصحيحين، مضى أحدهما في جناية العبد خطأ.
وفي الثاني: فإن لم يكن أدى من مكاتبته شيئا فإنه يقاص للعبد منه
ويغرم المولى كل ما جنى المكاتب، لأنه عبده ما لم يؤد من مكاتبته شيئا.
(وإن كان مطلقا وقد أدى شيئا) تحرر منه بقدر ما أدى.
(فإن قتل حرا مكافئا) له في الحرية ولو كان عبدا من جهة ما لم
تنقص حريته عن حريته، وإلا فلا يقتص له منه ما لم يتساو حريتهما، أو
يزد حرية المقتول على حرية القاتل (عمدا قتل) به (وإن قتل مملوكا)
محضا أو مبعضا مع نقصان حريته عن حرية القاتل (فلا قود) عليه، لفقد
التكافؤ المشترط فيه (وتعلقت الجناية) حينئذ بذمته، و (بما فيه من
الرقية مبعضة) فيقدر ما فيه من الحرية بذمته، وبما فيه من الرقية برقبته

(1) نفس المصدر السابق.
(2) الوسائل 19: 78، الباب 46 من أبواب القصاص، الحديث 1.
75

(ويسعى في نصيب الحرية) من قيمة المقتول وما بإزائها منها (ويسترق)
ولي الدم (الباقي منه أو يباع في نصيب الرق) من قيمته وإن أمكنه أو
كان ما في يده يفي بتمام قيمة المقتول، لأنه لما فيه من الرقية يتعلق من
جنايته ما بإزائها برقبته، وتبطل الكتابة حينئذ، لانتقاله إلى ملك الغير.
(ولو قتل) حرا أو قنا أو مبعضا (خطأ فعلى الإمام) أن يؤدي عنه
(بقدر ما فيه من الحرية) إن لم يكن له عاقلة فإنه عاقلته، بلا خلاف
أجده، وللصحيح: إن كان مولاه حين كاتبه لم يشترط عليه وكان قد أدى
مكاتبته شيئا، فإن عليا (عليه السلام) كان يقول: يعتق من المكاتب بقدر ما أدى من
مكاتبته، وإن على الإمام أن يؤدي إلى أولياء المقتول من الدية بقدر ما أعتق
من المكاتب، ولا يطل دم امرئ مسلم، وأرى أن ما يكون فيما بقي على
المكاتب ما لم يؤده فلأولياء المقتول أن يستخدموه حياته بقدر ما بقي عليه،
وليس لهم أن يبيعوه (1).
(وللمولى الخيار بين فك ما فيه من) نصيب (الرقية بالأرش) أو
بأقل الأمرين على الخلاف المتقدم، وتبقى الكتابة بحالها باقية (و) بين
(تسليم حصة الرق) إلى ولي المقتول (ليقاص بالجناية) ويبطل الكتابة،
وله التصرف فيه كيف شاء من بيع أو استخدام أو غيرهما.
هذا هو الذي تقتضيه الأصول، وعليه أكثر المتأخرين على الظاهر
المصرح به في المسالك، بل المشهور بين الأصحاب مطلقا كما في المهذب
وغيره.
وفي المسالك أن في بعض الأخبار دلالة عليه. ولم أقف عليه، بل في
الصحيح المتقدم قريبا ما ينافي جواز بيعه لولي الدم وأن ليس له سوى

(1) الوسائل 19: 78، الباب 46 من أبواب القصاص، الحديث 2 مع اختلاف.
76

استخدامه حياته ولم يقولوا به، بل حكى القول به عن الصدوق والمفيد
والديلمي ونفى عنه البأس في المختلف.
ويمكن حمله على كراهة البيع أو حرمته إن أريد بيعه أجمع.
(وفي رواية علي بن جعفر) المروية بطريق مجهول: أنه (إذا أدى)
المكاتب (نصف ما عليه فهو بمنزلة الحر) (1) وهي طويلة، وفي آخرها:
عن المكاتب إذا أدى نصف ما عليه، قال: هو بمنزلة الحر في الحدود وغير
ذلك من قتل وغيره، ولم أر مفتيا بها صريحا.
نعم الشيخ جمع في الاستبصار بينها وبين الصحيح: قضى أمير
المؤمنين (عليه السلام) في مكاتب قتل، قال: يحتسب منه ما عتق منه فيؤدى به دية
الحر وما رق منه دية الرق. بحمله على التفصيل الذي تضمنته الرواية (2)، ولذا
نسبه الأصحاب إلى القول بها.
وفيه نظر، لاحتمال إرادته بذلك مجرد الجمع لا الفتوى، مع أنه ذكر
بعض الأفاضل أن الذي في الاستبصار أن حكمه حكم الحر في دية أعضائه
ونفسه إذا جني عليه، لا في جناياته، وان تضمنها الخبر فيحتمل أن يكون
إنما يراه كالحر في ذلك خاصة، كما يرى الصدوق مع نصه في المقنع على
ما سمعته في موضعين متقاربين.
قال: وإذا فقأ حر عين مكاتب أو كسر سنه، فإن كان أدى نصف مكاتبته
فقأ عين الحر وأخذ ديته إن كان خطأ فإنه بمنزلة الحر، وإن كان لم يؤد
النصف قوم فأدى بقدر ما أعتق منه، وإن فقأ مكاتب عين مملوك وقد أدى
نصف مكاتبته قوم المملوك وأدى المكاتب إلى مولى العبد نصف ثمنه، انتهى.
وأشار بما سمعته إلى ما حكاه عنه سابقا فقال: وفي المقنع والمكاتب

(1) الوسائل 19: 157، الباب 10 من أبواب ديات النفس، الحديث 3، 2، الاستبصار 4:
277، الحديث 2.
(2) الوسائل 19: 157، الباب 10 من أبواب ديات النفس، الحديث 3، 2، الاستبصار 4:
277، الحديث 2.
77

إذا قتل رجلا خطأ فعليه من الدية بقدر ما أدى من مكاتبته وعلى مولاه
ما بقي من قيمته، فإن عجز المكاتب فلا عاقلة له، فإنما ذلك على إمام
المسلمين.
ومن هذه العبارة يظهر ما في نسبة جماعة مختار المفيد إلى الصدوق،
فإن بين مختاريهما فرقا واضحا.
وكذا في نسبة مختاره إلى الديلمي على ما يظهر من عبارته التي حكاها
الفاضل المتقدم عنه في المراسم، وهي هذه على الإمام أن يؤدي عنه بقدر
ما عتق منه ويستسعى في البقية.
وهنا (مسائل) ثلاث:
(الأولى: لو قتل الحر حرين) فصاعدا عمدا (فليس للأولياء إلا
قتله) بلا خلاف أجده، بل عليه الإجماع عن المبسوط (1) كما ستسمعه.
وهو الحجة; مضافا إلى الأصل، وقولهم (عليهم السلام) إن الجاني لا يجني على أكثر
من نفسه (2)، فلو قتلوه لم يكن لهم المطالبة بالدية.
ولو قتله أحدهم فهل للباقي المطالبة بالدية؟ فيه وجهان، بل قولان، من
أن الجناية لم توجب سوى القصاص، ومن عموم قوله (عليه السلام): لا يبطل دم
امرئ مسلم (3)، واختار هذا الفاضل في القواعد (4) في هذا الكتاب وإن تردد
فيه في الديات (5)، وتبعه ولده في الشرح (6) والفاضل المقداد في شرح
الكتاب (7) وشيخنا في المسالك (8)، وإن كان ظاهره التردد فيه في

(1) لم نعثر عليه، راجع المبسوط 7: 60 - 61.
(2) الوسائل 19: 61، 53، الباب 33 - 29 من أبواب القصاص، الحديث 10، 1.
(3) الوسائل 19: 61، 53، الباب 33 - 29 من أبواب القصاص، الحديث 10، 1.
(4) القواعد 3: 594 - 595.
(5) لم نعثر عليه.
(6) الإيضاح 4: 573.
(7) التنقيح 4: 420.
(8) المسالك 15: 126.
78

الروضة (1)، وحكي عن الإسكافي وابن زهرة (2). وظاهر العبارة ونحوها
الأول، كما عن النهاية (3) والوسيلة (4) والتحرير (5) والجامع (6) والمبسوط (7)
والخلاف (8) مدعيا فيها الإجماع، وهو الأوفق بالأصل.
(ولو قتل العبد حرين) فصاعدا (على التعاقب) واحدا بعد واحد
(ففي رواية) علي بن عقبة عن مولانا الصادق (عليه السلام): في عبد قتل أربعة
أحرار واحدا بعد واحد، قال: (هو لأولياء الأخير) من القتلى إن شاؤوا
قتلوه وإن شاؤوا استرقوه، لأنه إذا قتل الأول استحقه أولياؤه، فإذا قتل
الثاني استحق من أوليائه فصار لأولياء الثاني (9)، وهكذا.
(وفي) رواية (اخرى) صحيحة: أنهما (يشتركان فيه ما لم يحكم
به لولي الأول) (10) وباختلافهما اختلف الأصحاب، فبين مفت بالأولى
كالشيخ في النهاية، ومفت بالثانية كهو في الاستبصار وعن الإسكافي
والحلي، وعليه عامة المتأخرين. وهو الأقوى، لصحة سندها، واعتضادها
بفتوى أكثر الأصحاب، بل كلهم، لرجوع الشيخ عن الأولى إليها وبالاعتبار،
لاشتراكهما في الاستحقاق، وعدم الانتقال بمجرد الجناية بدون الاسترقاق،
فإن الأصل في مقتضى العمد القصاص، فلا وجه لتردد الماتن هنا، مع فتواه
في الشرائع بالثانية صريحا، بل طرح الأولى متعين جدا.
ويمكن حملها على ما لو اختار أولياء السابق استرقاقه قبل جنايته
على اللاحق، جمعا.

(1) الروضة 10: 49.
(2) كشف اللثام 2: 446 س 37.
(3) النهاية 3: 385.
(4) الوسيلة: 432.
(5) التحرير 2: 246 س 21.
(6) الجامع للشرائع: 579.
(7) المبسوط 7: 60 - 61.
(8) الخلاف 5: 182، المسألة 47.
(9) الوسائل 19: 77، الباب 45 من أبواب القصاص، الحديث 3، 1.
(10) الوسائل 19: 77، الباب 45 من أبواب القصاص، الحديث 3، 1.
79

واحترز بالتعاقب عما لو قتلهما دفعة، فإن أولياء المقتولين يشتركون فيه
حينئذ اتفاقا كما في شرح الشرائع للصيمري والمسالك وغيرهما، وفي
غيرها نفي الخلاف عنه، قالوا: ويكفي في الحكم به للأول اختياره استرقاقه
قبل جنايته على الثاني وإن لم يحكم به حاكم، ومع اختياره الاسترقاق لو
قتل بعد ذلك فهو للثاني، فإن اختار استرقاقه ثم قتل فهو للثالث وهكذا.
ونبهوا بذلك على خلاف الشيخ في الاستبصار، حيث اشترط في ذلك
حكم الحاكم به، وظاهر الرواية الصحيحة معه، فإن فيها عبد جرح رجلين،
قال: هو بينهما إن كانت الجناية محيطة بقيمته، قيل له: فإن جرح رجلا في
أول النهار وآخر في آخر النهار، قال: هو بينهما ما لم يحكم الوالي في
المجروح، قال: فإن جنى بعد ذلك جناية فإن جنايته على الأخير (1). وحمله
في المختلف على ما يجب أن يحكم به، وهو الانتقال المستند إلى الأخبار.
وفي المسالك بعد نقل ما مر عن الشيخ قال: ولعله جعل حكم الحاكم به
كناية عن اختيار الأول الاسترقاق. وهو غير بعيد.
(الثانية: لو قطع) حر (يمين رجلين) حرين (قطعت يمينه للأول
ويساره للثاني) كما لو قطع يمينه ولا يمين له بلا خلاف أجده، بل عليه
الإجماع في المسالك (2) وعن الخلاف (3) والغنية (4). وهو الحجة المخصصة
لعموم ما دل على اعتبار المماثلة; مضافا إلى ما سيأتي من الرواية الدالة
عليه صريحا وفحوى.
و (قال الشيخ في النهاية: ولو قطع يدا وليس له يدان قطعت رجله
اليمنى باليد وكذا لو قطع أيدي جماعة قطعت يداه بالأول فالأول والرجل

(1) الوسائل 19: 77، الباب 45 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1.
(2) المسالك 15: 126.
(3) الخلاف 5: 193، المسألة 59.
(4) الغنية: 410.
80

بالأخير فالأخير ولمن يبقى بعد ذلك الدية) (1). ونحوه في الخلاف (2) وتبعه
أكثر الأصحاب، بل لم نقف لهم على مخالف، عدا الحلي (3) وشيخنا الشهيد
الثاني (4)، حيث اعتبر المماثلة فلم يجوزا قطع الرجل باليد وأوجبا الدية،
عملا منهما بالعمومات المتقدمة. وهما شاذان، محكي على خلافهما الإجماع
عن الخلاف وفي الغنية. وهو الحجة; مضافا إلى الرواية المشار إليها بقوله:
(ولعله استنادا إلى رواية حبيب السجستاني) الصحيحة إليه
وكالصحيحة من أصلها، لرواية الحسن بن محبوب المجمع على تصحيح ما
يصح عنه، ومع ذلك مروية في الكتب الثلاثة (5) والمحاسن (6) للبرقي عنه
(عن أبي جعفر (عليه السلام)) عن رجل قطع يدين لرجلين اليمينين، قال: فقال:
يا حبيب تقطع يمينه أولا ويقطع يساره للذي قطع يمينه أخيرا، لأنه إنما
قطع يد الرجل الأخير ويمينه قصاص للرجل الأول، قال: فقلت: إن عليا (عليه السلام)
إنما كان يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى، قال: فقال: إنما يفعل ذلك فيما
يجب من حقوق الله تعالى، فأما ما كان من حقوق المسلمين فإنه يؤخذ لهم
حقوقهم في القصاص اليد باليد إذا كان للقاطع يدان والرجل باليد إذا لم يكن
للقاطع يدان، فقلت له: أفما توجب عليه الدية وتترك رجله؟ فقال: إنما
توجب عليه الدية إذا قطع يد رجل وليس للقاطع يدان ولا رجلان فثم
يوجب عليه الدية، لأنه ليس له جارحة يتقاص منها (7).
وهذه الرواية مع اعتبار سندها بما عرفته من القرب من الصحة معللة

(1) النهاية 3: 447.
(2) الخلاف 5: 193، المسألة 59.
(3) السرائر 3: 397.
(4) الروضة 10: 50.
(5) الكافي 7: 319، الحديث 4، الفقيه 4: 132، الحديث 5284، التهذيب 10: 259،
الحديث 55.
(6) المحاسن: 321، الحديث 61.
(7) الوسائل 19: 131 الباب 12 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 2.
81

سليمة عن المعارض بالكلية، عدا العمومات المتقدم إليها الإشارة، وهي بها
مخصصة، لحصول المكافأة، سيما مع عمل الأصحاب بها، ووصفهم لها
بالصحة وإن لم يظهر وجهه، لأن حبيبا لم ينصوا على توثيقه، وإنما ذكروا
أنه كان شاربا وانتقل إلينا. وفي إلحاقه بذلك بالحسن فضلا عن الصحيح بعد.
ويحتمل كون الوصف بها إضافيا، لصحة الطريق إلى الراوي، ولكن مثله
غير نافع، لحجية الحديث إن لم يكن الراوي بصفة الصحيح، ولذا استجود
الشهيد الثاني في الروضة طرح الرواية، والعمل بعمومات المماثلة وهو
ضعيف في الغاية، لعدم انحصار الحجة في الرواية الصحيحة، بل القريبة منها
كذلك، والرواية كذلك كما عرفته.
وعلى تقدير ضعفها ففتوى الأصحاب لها جابرة، سيما مع دعوى جملة
منهم عليه إجماع الإمامية، وعدم ظهور مخالف لهم بالكلية عدا الحلي، وهو
شاذ، كما عرفته.
ومن هنا يظهر أن تردد الماتن لا وجه له.
وعلى المختار يجب الاقتصار في مخالفة العمومات على مورد النص،
وهو التقاص في الرجل باليد، وبه قطع الفاضل في التحرير وغيره.
خلافا للحلبي فعمم الحكم، فقال: وكذلك القول في أصابع اليدين
والرجلين والأسنان. ولعله نظر إلى ما مر في الرواية من العلة.
وأعلم أن ذكر هذه المسألة في قصاص الطرف كما فعله جماعة أولى
من ذكرها هنا.
(الثالثة: إذا قتل العبد حرا عمدا فأعتقه) بعد ذلك (مولاه ففي)
صحة (العتق تردد) من بقاء ملكه عليه، وتغليب الحرية، وكون الأصل في
قضية العمد القتل دون الاسترقاق، وهو باق مع العتق، لأن المقتول مكافؤ
للحر لو كان الحرية ابتداء، فمع طريانها أولى.
82

هذا، مع كون العتق أقوى من الجناية، لنفوذه في ملك الغير وهو الشريك
بخلافها، ومن تسلط الولي على إزالة ملكه عنه بالقتل أو الاسترقاق،
فيضعف ملك المولى له، وتعلق حق الغير به قصاصا أو استرقاقا، وهو يمنع
الاسترقاق.
(والأشبه) عند الماتن هنا وفي الشرائع وشيخنا في شرحه وفخر
الدين والفاضل المقداد في الشرح (أنه لا ينعتق، لأن للولي التخيير في)
الاقتصاص و (الاسترقاق) بالنص والوفاق، وهو ينافي صحة العتق، لعدم
إمكان أحد فردي متعلق الخيار معه وإن أمكن الفرد الآخر الذي هو
الاقتصاص، فإن الزام الولي به إجبار لا تخيير.
نعم لو قلنا ببقاء الخيار معه، وأنه إن اقتص منه أو استرقه بطل عتقه،
وإن عفا على مال وافتكه مولاه عتق.
وكذا لو عفا عنه مطلقا كما في التحرير وغيره لم يلزم المحذور، لكن
يلزم محذور آخر، وهو كون العتق موقوفا، مع أن من شرطه التنجيز وعدم
التعليق.
اللهم إلا أن يمنع عن ضرر مثل هذا التعليق، ويخص التعليق الممنوع
منه بما ذكره في صيغة العتق، لا ما كان موجبا لتوقفه من خارج كما نحن
فيه. فتدبر.
(ولو كان) قتله له (خطأ ففي رواية عمرو بن شمر عن جابر)
الجعفي (عن أبي جعفر (عليه السلام)) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في عبد قتل
حرا خطأ فلما قتله أعتقه مولاه، قال: فأجاز عتقه وضمنه الدية.
ومقتضاها - كما ترى - أنه يصح العتق ويضمن المولى الدية، وبه أفتى
في النهاية والفاضل في القواعد لها، ولأن الخيار في الخطأ إلى السيد إن شاء
سلمه، وإن شاء فداه، فعتقه دليل على اختياره الافتداء.
83

(و) يضعف الرواية بأن (في عمرو ضعف) مشهور، ومع ذلك مرسلة
فلا تصلح للحجية، والتعليل بجواز إعسار السيد وعجزه عن الدية، فلو
حكمنا بصحة العتق لزم أن يطل دم امرئ مسلم، وهو باطل. ومن ثم قيدها
الفاضل بصورة يسار المولى المعتق. ويضعف هذا بأنه قد يدافع مع يساره.
(و) حينئذ ف‍ (الأشبه اشتراط الصحة بتقديم) المولى (الضمان)
للدية على العتق مع رضا ولي الدم به أو أدائه لها قبله فرارا عن ذينك
المحذورين. وهو حسن.
وربما يقيد الصحة بأداء المولى الدية من دون اعتبار تقديم الأداء حتى
لو أداها بعد العتق صح ولو لم يضمنها قبله كما في المسالك ويشكل حينئذ
بأن العتق حينئذ لا يقع موقوفا لبنائه على التغليب، بل إما يحكم بصحته
منجزا، أو ببطلانه رأسا. فلا وجه للحكم بالصحة متزلزلا إلى الأداء.
وظاهر عبارة الماتن هنا وفي الشرائع كفاية تقديم الضمان للدية قبل
العتق في لزوم صحته مطلقا، أداها قبله أم لا، رضي الولى بالضمان أم لا.
ويشكل في صورة عدم الأداء مع عدم ظهور رضي الولي بضمانها، بأنه
قد يضمنها ويدافع بعد ذلك عن الأداء، كما ورد على الفاضل في القواعد.
فالأجود التعبير بما قدمناه، وفاقا للفاضل المقداد في شرح الكتاب،
حيث لم يعبر عن الأشبه بما في المتن، بل قال: والتحقيق هنا أن نقول: إن
دفع الدية أولا أو ضمن ورضي المولى صح العتق، وإلا فلا.
(الشرط الثاني): التساوي في (الدين)
(فلا يقتل مسلم بكافر) مطلقا (ذميا كان أو غيره) إجماعا، من
العلماء كافة في الحربي على الظاهر المصرح به في الإيضاح (1)، ومن

(1) الإيضاح 4: 592.
84

الإمامية خاصة مطلقا حتى الذمي، مع عدم اعتياد قتله، كما ادعاه جماعة
حد الاستفاضة، كالحلي في السرائر (1) وفخر الدين في الإيضاح (2) وشيخنا
في المسالك (3) ونفى عنه الخلاف في التنقيح (4) وشرح الشرائع
للصيمري (5)، وكأنهم لم يعتدوا بما يحكى عن الصدوق في المقنع، من
تسويته بين المسلم والذمي في أن الولي إن شاء اقتص من قاتله المسلم بعد
رد فاضل الدية وإن شاء أخذ الدية (6)، مع أنه يدل عليه جملة من المعتبرة.
كالصحيح: إذا قتل المسلم النصراني ثم أراد أهله أن يقتلوه قتلوه وأدوا
فضل ما بين الديتين (7).
والصحيح: إذا قتل المسلم يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا وأرادوا أن
يقيدوا ردوا فضل دية المسلم وأقادوا به (8). ونحوهما الموثق (9) به.
لكنها بإطلاقها شاذة، معارضة بما عرفت من الإجماع المستفيض في
كلام الجماعة، ونص الكتاب، قال سبحانه: «ولن يجعل الله للكافرين على
المؤمنين سبيلا» (10)، مضافا إلى الاعتبار، والنصوص الآتية.
فلتكن هذه مطرحة، أو محمولة على التقية، لموافقتها لرأي أبي حنيفة،
كما حكاه عن بعض الأجلة (11)، أو على صورة الاعتياد، كما فصلته
النصوص المعارضة.
وبالجملة لا ريب في عدم قتل المسلم بالكافر مطلقا في الصورة

(1) السرائر 3: 324 - 352.
(2) الإيضاح 4: 592.
(3) لم نستفده من كلامه، راجع المسالك 15: 142 - 144.
(4) التنقيح 4: 424.
(5) غاية المرام: 200 س 15 (مخطوط).
(6) المقنع: 534.
(7) الوسائل 19: 80، الباب 47 من أبواب القصاص، الحديث 4، 2، 3.
(8) الوسائل 19: 80، الباب 47 من أبواب القصاص، الحديث 4، 2، 3.
(9) الوسائل 19: 80، الباب 47 من أبواب القصاص، الحديث 4، 2، 3.
(10) النساء: 141.
(11) كشف اللثام 2: 454 س 10.
85

المفروضة (و) لكن (يعزر) المسلم القاتل (ويغرم دية الذمي) إذا قتله.
(ولو اعتاد) المسلم (ذلك) أي قتل الذمي فهل يجوز قتله به، أم لا؟
الحلي على الثاني، عملا بنص الكتاب المتقدم، مع دعواه الإجماع
عليه (1)، ووافقه فخر الدين (2) ووالده في جملة من كتبه (3) في ظاهر كلامه.
والأشهر كما ادعاه الشهيدان وغيرهما الأول، بل زاد أولهما فادعى
الإجماع عليه، فقال: والحق أن هذه المسألة إجماعية، فإنه لم يخالف فيها
أحد سوى ابن إدريس وقد سبقه الإجماع عليه، ولو كان هذا الخلاف مؤثرا
في الإجماع لم يوجد إجماع أصلا (4). وقريب منه كلام الثاني في الروضة،
حيث قال: والعجب أن ابن إدريس احتج على مذهبه بالإجماع على عدم
قتل المسلم بالكافر، وهو استدلال في مقابلة الإجماع. انتهى (5).
وحكى التصريح به عن الانتصار (6). وهو الحجة على انتصار هذا القول;
مضافا إلى نحو الصحيحين المتقدمين المجوزين لقتل المسلم بالذمي بعد رد
أوليائه الدية.
وشمولها لصورة عدم الاعتياد مقيد بالإجماع، وببعض المعتبرة المروي
بعدة طرق، جملة منها موثقة كالصحيحة بأبان وفضالة، اللذين قد نقل على
تصحيح ما يصح عنهما إجماع العصابة: عن دماء اليهود والنصارى
والمجوس هل عليهم وعلى من قتلهم شئ إذا غشوا المسلمين وأظهروا لهم
العداوة؟ قال: لا، إلا أن يكون متعودا لقتلهم. وعن المسلم هل يقتل بأهل
الذمة وأهل الكتاب إذا قتلهم؟ قال: لا، إلا أن يكون معتادا لذلك لا يدع

(1) السرائر 3: 352.
(2) الإيضاح 4: 594.
(3) القواعد 3: 605، التحرير 2: 247 س 32.
(4) نكت الإرشاد: 195 س 20 (مخطوط).
(5) الروضة 10: 55.
(6) الانتصار: 542 - 543.
86

قتلهم فيقتل وهو صاغر (1).
ونحوه خبر آخر (2) ضعف سنده كقصور سابقه إن كان منجبر بالشهرة
الظاهرة المحكية، مضافا إلى حكاية الإجماعات المتقدمة.
وبهذه الأدلة تخص ظاهر الكتاب، وإطلاق الصحيحة: لا يقاد مسلم
بذمي في القتل ولا في الجراحات، ولكن يؤخذ من المسلم ديته للذمي على
قدر دية الذمي ثمانمائة درهم (3).
وأما الجواب عن إجماع الحلي فقد عرفته بما في الروضة، فلا ريب
أيضا في هذه المسألة، ولعله لذا رجع الماتن عن التردد فيها في الشرائع (4)
إلى الجزم بما هنا: لقوله (جاز الاقتصاص مع رد فاضل الدية).
وظاهره كما ترى كون القتل قصاصا لا حدا، كما عن المقنعة (5)
والنهاية (6) والجامع (7) والوسيلة (8) وعن الإسكافي (9) والحلبي (10)، وظاهر
الفقيه (11) والغنية (12) أنه يقتل حدا فلا يجب رد الدية كما عليه الفاضل (13).
ومقتضى النصوص بعد ضم بعضها إلى بعض بالنسبة إلى رد فاضل الدية
هو الأول. وهو الوجه، مع عدم ظهور دليل غيره.
وفي الروضة: ويمكن الجمع بين الحكمين فيقتل لقتله وإفساده ويرد
الورثة الفاضل، وتظهر فائدة القولين في سقوط القود بعفو الولي وتوقفه على
طلبه على الأول دون الثاني، وعلى الأول ففي توقفه على طلب جميع أولياء

(1) الوسائل 19: 79، الباب 47 من أبواب القصاص، الحديث 1، 6، 5.
(2) الوسائل 19: 79، الباب 47 من أبواب القصاص، الحديث 1، 6، 5.
(3) الوسائل 19: 79، الباب 47 من أبواب القصاص، الحديث 1، 6، 5.
(4) الشرائع 4: 211.
(5) المقنعة: 739.
(6) النهاية 3: 389.
(7) الجامع للشرائع: 572، 581.
(8) الوسيلة: 431.
(9) المختلف 9: 323 - 324.
(10) الكافي في الفقه: 384.
(11) الفقيه 4: 124، الحديث 5256.
(12) الغنية: 407.
(13) المختلف 9: 324.
87

المقتولين أو الأخير خاصة وجهان منشؤهما كون قتل الأول جزء من
السبب أو شرطا فيه فعلى الأول الأول، وعلى الثاني الثاني، ولعله أقوى،
ويتفرع عليه أن المردود عليه هو الفاضل عن ديات جميع المقتولين أو عن
دية الأخير، فعلى الأول الأول أيضا، وعلى الثاني الثاني، والمرجع في
الاعتياد إلى العرف، وربما تحقق بالثانية، لأنه مشتق من العود فيقتل فيها أو
في الثالثة، وهو الأجود لأن الاعتياد شرط في القصاص، فلا بد من تقدمه
على استحقاقه، انتهى (1) كلامه زيد إكرامه.
وإنما نقلناه بطوله لتكفله لجملة من فروع المسألة ومتعلقاته، مع جودة
مختاره، لكن ما ذكره أولا من إمكان الجمع بين الحكمين لا يخلو عن نظر،
لكونه إحداث قول، ولذا فرع جماعة على القولين رد فاضل الدية فأثبتوه
على الأول ونفوه على الثاني، وكذا ما ذكره أخيرا من جواز القتل في الثالثة
منظور فيه، لعدم صدق الاعتياد بالمرتين عرفا وإن صدق لغة، نظرا إلى مبدأ
الاشتقاق، بناء على ترجيح العرف عليه كما هو الأظهر الأشهر، وبه اعترف.
نعم لو عكس صح ما ذكره. فتأمل.
(ويقتل الذمي بالذمي) وإن اختلفت ملتهما كاليهودي والنصراني
(وبالذمية بعد رد) أوليائها (فاضل ديته) عن دية الذمية، وهو نصف
ديته، وتقتل الذمية بمثلها وبالذمي مطلقا (ولا رد) هنا فإن الجاني لا
يجني على أكثر من نفسه، مع أنه لا خلاف فيه، ولا في شئ مما سبقه، بل
حكى عليه الإجماع بعض الأجلة (2). والأصل فيها بعده عمومات الكتاب
والسنة المتقدمة في جناية المسلم والمسلمة، مضافا إلى خصوص القوية في
الجملة: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول: يقتص اليهودي والنصراني

(1) الروضة 10: 57 - 59.
(2) مجمع الفائدة 14: 28.
88

والمجوسي بعضهم ببعض إذا قتلوا عمدا (1).
(ولو قتل الذمي مسلما عمدا دفع هو وماله إلى أولياء المقتول
وله) أي لوليه (الخيرة بين قتله واسترقاقه) على الأظهر الأشهر، بل عليه
عامة من تأخر، وعن الانتصار (2) والسرائر (3). وظاهر النكت (4) وفي
الروضة الإجماع عليه (5). وهو الحجة; مضافا إلى الصحيح المروي في
الكتب الثلاثة: في نصراني قتل مسلما فلما أخذ أسلم، قال: اقتله به، قيل:
فإن لم يسلم، قال: يدفع إلى أولياء المقتول، فإن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا
عفوا، وإن شاؤوا استرقوا، قيل: وان كان معه عين مال، قال: دفع إلى أولياء
المقتول هو وماله (6).
ولا فرق في تملك أمواله بين ما ينقل منها وما لا ينقل، ولا بين العين
والدين، كما هو ظاهر إطلاق النص والفتوى، وبه صرح في التحرير.
واختصاص السؤال في الرواية بالعين لا يوجب تقييد المال المطلق في
الجواب بها. فتأمل جدا.
وكذا لا فرق بين المساوي لفاضل دية المسلم والزائد عليه المساوي
للدية والزائد عليها، لما مضى.
خلافا للمحكي عن الحلبيين، فإنما أجاز الرجوع على تركته أو أهله
بدية المقتول أو قيمته إن كان مملوكا.
ولا بين اختيار الأولياء قتله، أو استرقاقه.

(1) الوسائل 19: 81، الباب 48 من أبواب القصاص، الحديث 1.
(2) الانتصار: 547 - 548.
(3) السرائر 3: 351.
(4) نكت الإرشاد: 196 س 10 (مخطوط).
(5) الروضة 10: 61.
(6) الكافي 7: 310، الحديث 7، الفقيه 4: 121، الحديث 5251، التهذيب 10: 190،
الحديث 47.
89

خلافا للحلي، فإنما أجاز أخذ المال إذا اختير الاسترقاق، لأن مال
المملوك لمولاه.
قيل: ويحتمله الخبر وكلام الأكثر. وفيه نظر.
(وهل يسترق ولده الصغار) غير المكلفين قولان، من أن الطفل يتبع
أباه فإذا ثبت له الاسترقاق شاركه فيه وأن المقتضي لحقن دمه واحترام ماله
وولده هو التزامه بالذمة وقد خرقها بالقتل فتجري عليه أحكام أهل الحرب،
ومن أصالة بقاء حريتهم، لانعقادهم عليها، وعموم «لا تزر وازرة وزر
اخرى»، وخلو النص المتقدم عن ذلك، مع وروده في مقام الحاجة، مع
ضعف الأوجه السابقة.
فالأول: بمنع التبعية كلية حتى هنا، وإن هي إلا عين المتنازع، ولا دليل
عليه أصلا.
والثاني: بأنه يوجب اشتراك المسلمين فيهم، لأنهم فيء، أو اختصاص
الإمام (عليه السلام) بهم، لا اختصاص أولياء المقتول، ولعله لذا قال الماتن: (الأشبه
لا) وهو كذلك، وفاقا لكثير من متأخري أصحابنا تبعا للحلي (1)، وربما
يعزى إلى ابن بابويه (2) والمرتضى (3).
خلافا للمفيد (4) وجماعة، وربما نسب إلى الشيخ لكن ذكر الشهيدان أنه
لم يجداه في كتبه (5).
(ولو أسلم) الذمي (بعد القتل) أي بعد قتله المسلم وقبل قتله به
(كان كالمسلم) في عدم جواز استرقاقه، بل يتعين قتله أو العفو عنه
بلا خلاف، كما في الصحيح المتقدم، وأخذ ماله باق على التقديرين،

(1) السرائر 3: 351.
(2) الإرشاد 2: 204، التحرير 2: 248 س 2.
(3) الانتصار: 547 - 548.
(4) المقنعة: 740، 753.
(5) نكت الإرشاد: 196 س 16 (مخطوط)، المسالك 15: 145.
90

للإطلاق، وبه صرح شيخنا في الروضة (1)، واحتمل بعض الأجلة خلافه،
قال: إذ لا يحل أخذ مال امرئ مسلم بغير وجه مقرر (2).
(ولو قتل) الذمي (خطأ لزمته الدية في ماله) إن كان له مال (ولو
لم يكن له مال كان الإمام عاقلته دون قومه) كما في الصحيح: ليس بين
أهل الذمة معاقلة فيما يكون من قتل أو جراحة إنما يؤخذ ذلك من أموالهم،
فإن لم يكن لهم مال رجعت على إمام المسلمين لأنهم يؤدون إليه الجزية
كما يؤدي العبد الضريبة إلى سيده، قال: وهم مماليك الإمام، فمن أسلم منهم
فهو حر (3).
وبه أفتى الشيخ في النهاية (4) والمتأخرون كافة، ولكن لم يذكروه هنا،
بل ذكروه في بحث عاقلة الذمي، من دون أن يذكروا خلافا فيه ثمة.
نعم في المختلف (5) والتنقيح (6) حكى الخلاف فيه عن الحلي، حيث
حكم بأن عاقلته الإمام مطلقا ولو كان له مال، وعن المفيد أنه قال: تكون
الدية على عاقلته (7)، ولم يفصل، وتردد فيه في المختلف (8). ولا وجه له، لما
عرفته من الصحيحة الصريحة.
(الشرط الثالث: أن لا يكون القاتل أبا) للمقتول
(فلو قتل) الوالد (ولده لم يقتل به) مطلقا بلا خلاف أجده، بل عليه
إجماعنا في كلام جماعة. وهو الحجة; مضافا إلى المعتبرة المستفيضة
العامية والخاصية.

(1) الروضة 10: 61.
(2) مجمع الفائدة 14: 33.
(3) الوسائل 19: 300، الباب 1 من أبواب العاقلة، الحديث 1.
(4) النهاية 3: 388.
(5) المختلف 9: 323.
(6) المختلف 9: 323.
(7) التنقيح 4: 428.
(8) المقنعة: 753.
91

ففي النبوي (صلى الله عليه وآله): لا يقاد الوالد بالولد (1).
وفي الصحيح: عن الرجل يقتل ابنه أيقتل به؟ قال: لا (2).
وفي القريب منه سندا: لا يقاد والد بولده ويقتل الولد إذا قتل والده
عمدا (3).
ونحوه أخبار أخر مستفيضة، منجبر قصور أسانيدها أو ضعفها بفتوى
الطائفة.
فلا إشكال بحمد الله سبحانه في المسألة (و) لا في أن (عليه) أي
الأب القاتل (الدية) لورثة ولده الذي قتله غيره، لئلا يطل دم امرئ مسلم،
وحسما للجرأة، وللخبر: لا قود لرجل أصابه والده في أمر يعيب عليه فيه
فأصابه عيب من قطع وغيره، وتكون له الدية، ولا يقاد (4).
(والكفارة) لعموم الأدلة، أو فحواها بلا شبهة.
(والتعزير) لذلك، وللنص: في الرجل يقتل ابنه أو عبده، قال: لا يقتل
به، ولكن يضرب ضربا وينفى عن مسقط رأسه (5). مع أن ذلك مقتضى فعل
كل محرم لم يحد فيه حد.
(ويقتل الولد بأبيه) بلا خلاف، للعمومات، وخصوص ما مر من
الروايات.
(وكذا الأم تقتل بالولد) ويقتل بها (وكذا الأقارب) يقتلون به
ويقتل بهم، عملا بالعمومات، واقتصارا فيما خالفها على ما هو مورد
الفتاوى، وما مضى من الروايات، ولا خلاف في شئ من ذلك أجده بيننا،
إلا ما يحكى عن الإسكافي في قتل الأم بالولد وكذا الأقارب فمنع عنه تبعا

(1) سنن الدارمي 2: 190.
(2) الوسائل 19: 56، الباب 32 من أبواب القصاص، الحديث 2، 1، 10.
(3) الوسائل 19: 56، الباب 32 من أبواب القصاص، الحديث 2، 1، 10.
(4) الوسائل 19: 56، الباب 32 من أبواب القصاص، الحديث 2، 1، 10.
(5) الوسائل 19: 56، الباب 32 من أبواب القصاص، الحديث 9.
92

للعامة، كما حكاه عنه بعض الأجلة (1).
(وفي قتل الجد) للأب (بولد الولد تردد) ينشأ من أنه هل هو أب
حقيقة أو مجازا؟ فإن قلنا بالأول لم يقتل به، وإلا قتل به. والمشهور الأول،
ومنه الفاضلان في الشرائع (2) والإرشاد (3) والقواعد (4) والتحرير (5)
والشهيدان في اللمعتين (6) وغيرهم من متأخري الأصحاب، تبعا للمحكي
عن الخلاف (7) والمبسوط (8) والوسيلة (9)، ويعضدهم تقديم الشارع عقده
على ابنة الابن على عقده عليها إذا تقارنا، مع أني لم أجد في ذلك مخالفا
عدا الماتن هنا حيث بقى في الحكم مترددا، وتبعه بعض.
ومقتضى إطلاق النص والفتوى عدم الفرق في الحكم بعدم قتل الوالد
بالولد بين كونه ذكرا أو أنثى، وكون الوالد مساويا لولده في الدين والحرية أم
لا، وبه صرح جماعة من أصحابنا (10).
(الشرط الرابع: كمال العقل)
(فلا يقاد المجنون) بعاقل، ولا مجنون، سواء كان الجنون دائما أو
أدوارا إذا قتل حال جنونه بلا خلاف أجده، بل ادعى عليه الإجماع بعض
الأجلة (11). وهو الحجة; مضافا إلى المعتبرة المستفيضة:
منها الصحيح: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يجعل جناية المعتوه على عاقلته
خطأ كان أو عمدا (12).

(1) كشف اللثام 2: 455 س 34.
(2) الشرائع 4: 214.
(3) الإرشاد 2: 203.
(4) القواعد 3: 608.
(5) التحرير 2: 248 - 249.
(6) اللمعة والروضة 10: 64.
(7) الخلاف 5: 152، المسألة 10.
(8) المبسوط 7: 9.
(9) الوسيلة: 431.
(10) اللمعة والروضة 10: 64.
(11) كشف اللثام 2: 456 س 16.
(12) الوسائل 19: 307، الباب 11 من أبواب العاقلة، الحديث 1.
93

والقوي: أن محمد بن أبي بكر كتب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) يسأله عن
رجل مجنون قتل رجلا عمدا فجعل الدية على قومه، وجعل عمده وخطأه
سواء (1). إلى غير ذلك من النصوص الآتية.
(ولا الصبي) بمثله، ولا ببالغ، بلا خلاف إذا لم يبلغ خمسة أشبار ولا
عشرا، وكذا إذا بلغهما على الأشهر الأقوى، بل عليه عامة متأخري
أصحابنا، وفاقا للحلي (2) والخلاف (3) من القدماء، وادعى الأخير فيه إجماع
الفرقة. وهو الحجة; مضافا إلى بعض ما مر إليه الإشارة، وللمعتبرة
المستفيضة، التي هي ما بين صريحة وظاهرة.
فمن الأول الصحيح: عمد الصبي وخطؤه واحد (4).
والخبر بل الموثق أو الحسن كما قيل (5): إن عليا (عليه السلام) كان يقول عمد
الصبيان خطأ تحمله العاقلة (6).
ونحوه المروي عن قرب الإسناد: عن علي (عليه السلام) أنه كان يقول: في
المجنون والمعتوه الذي لا يفيق والصبي الذي لم يبلغ عمدهما خطأ تحمله
العاقلة، وقد رفع عنهما القلم (7).
ومن الثاني النصوص المتقدمة في كتاب الحجر: في حد بلوغ الصبي
والجارية (و) بعض الأخبار الأولة، كبعض ما سبقها في المجنون صريح
في أن (جنايتهما عمدا وخطأ على العاقلة) مطلقا، كما عليه الأصحاب.

(1) الوسائل 19: 307، الباب 11 من أبواب العاقلة، الحديث 5.
(2) السرائر 3: 369.
(3) الخلاف 5: 176، المسألة 39.
(4) الوسائل 19: 307، الباب 11 من أبواب العاقلة، الحديث 2.
(5) ملاذ الأخيار 16: 492، الحديث 50.
(6) الوسائل 19: 307، الباب 11 من أبواب العاقلة، الحديث 3.
(7) قرب الاسناد: 72.
94

لكن سيأتي في المجنون ما يوهم أخذ الدية من ماله إن كان له مال، وإلا
فمن عاقلته، إلا أنه مع ضعف سنده غير صريح، بل ولا ظاهر في قتله حال
الجنون، بل ظاهره ورود الحكم فيه بذلك في صورة اشتباه وقوع قتله حال
جنونه أو إفاقته.
وكيف كان فلا شبهة فيما ذكره الأصحاب.
(و) لكن (في رواية) أنه (يقتص من الصبي إذا بلغ عشرا).
قيل: وبها أفتى الشيخ في النهاية والمبسوط والاستبصار (1). ولم نظفر
بها كذلك مستندة هنا، وإن ذكرها جملة من الأصحاب كذلك، ولكن آخرون
منهم اعترفوا بما ذكرناه، فهي مرسلة، لا تصلح للحجية، فضلا أن يعترض بها
الأدلة المتقدمة المعتضدة بالشهرة العظيمة، التي كادت أن تكون إجماعا، بل
لعلها إجماع في الحقيقة.
وأما الصحيح: عن غلام لم يدرك وامرأة قتلا رجلا، فقال: إن خطأ المرأة
والغلام عمد، فإن أحب أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما، الحديث (2).
فشاذ مخالف للإجماع، إذ لا قائل بأن خطأ الصبي والمرأة عمد، ولذا حمل
الشيخ (رحمه الله) الخطأ فيه على العمد، بناء على ما يعتقده بعض العامة (3)، من أن
عمدهما خطأ، لأن من قتل غيره بغير حديد كان ذلك خطأ، ويسقط القود
فكأنه (عليه السلام) قال: إن عمدهما الذي يزعمه هؤلاء خطأ عمد.
ونحوه في الشذوذ ما دل على أنه إذا بلغ ثمان سنين جاز أمره في ماله،
وقد وجب عليه الفرائض والحدود (4)، مع قصور سنده.

(1) كشف اللثام 2: 456 س 28.
(2) الوسائل 19: 64، الباب 34 من أبواب القصاص، الحديث 1.
(3) الاستبصار 4: 287، ذيل الحديث 2.
(4) الوسائل 18: 526، الباب 28 من أبواب حد السرقة، الحديث 13.
95

(وفي) رواية (اخرى) للسكوني عن الصادق (عليه السلام): عن أمير
المؤمنين (عليه السلام): عن رجل وغلام اشتركا في قتل رجل، قال: فقال: (إذا بلغ
الغلام خمسة أشبار) اقتص منه، وإن لم يكن قد بلغ خمسة أشبار قضى
بالدية (1).
(و) ليس فيها كما ترى أنه (يقام عليه الحدود) كما ذكره الماتن.
وبمضمونها أفتى الشيخان (2) والصدوق (3) وجماعة. وقصور سندها مع عدم
مكافأتها لما مضى يوهن العمل بها.
(و) يتعين العمل بما هو (الأشهر) من (أن عمده خطأ حتى يبلغ
التكليف) لما مضى، مع تأيده بلزوم الاحتياط في الدماء، وليس في شئ
من النصوص وأكثر الفتاوى اعتبار الرشد بعد البلوغ.
خلافا للفاضل في التحرير (4) فاعتبره. ولم أعلم مستنده كما اعترف به
جماعة، وتأوله بعض المحشين عليه، بأن مراده من الرشد هنا كمال العقل
ليخرج المجنون لا إصلاح المال، لقبول إقرار السفيه، كما سيأتي. ولا بأس
به، صونا لفتوى مثله عن مثله.
ثم إن ما ذكر من أنه لا يقاد المجنون بغيره إنما هو إذا قتل حال جنونه،
أما لو قتل العاقل ثم جن لم يسقط القود بلا خلاف يظهر، للأصل، والخبر
القريب من الصحيح: عن رجل قتل رجلا عمدا فلم يقم عليه الحد ولم تصح
الشهادة حتى خولط وذهب عقله ثم إن قوما آخرين شهدوا عليه بعدما
خولط أنه قتله، فقال: إن شهدوا عليه أنه قتله حين قتله وهو صحيح ليس
به علة من فساد عقل قتل به، وإن لم يشهدوا عليه بذلك وكان له مال يعرف

(1) الوسائل 19: 307، الباب 11 من أبواب العاقلة، الحديث 4.
(2) المقنعة: 748، النهاية 3: 416.
(3) المقنع: 523.
(4) التحرير 2: 249 س 30.
96

دفع إلى ورثة المقتول الدية من مال القاتل وإن لم يترك مالا أعطي الدية من
بيت المال، ولم يطل دم امرئ مسلم (1).
(ولو قتل البالغ الصبي) مع التكافؤ من غير جهة البلوغ (قتل به
على الأشبه) الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، للعمومات السليمة هنا عن
المعارض، مضافا إلى ظاهر خصوص المرسل: كل من قتل شيئا صغيرا أو
كبيرا بعد أن يتعمد فعليه القود (2) خلافا للحلبي، فأوجب الدية كالمجنون،
لاشتراكهما في نقصان العقل (3).
ويضعف بأن المجنون خرج بدليل من خارج كما يأتي، وإلا كانت
العمومات متناولة له، بخلاف الصبي، مع أن الفرق بينهما متحقق كذا رده
جماعة.
وله أن يقول: إن النص المخرج للمجنون مخرج للصبي أيضا وإن كان
نصا في الأول، وظاهرا في الثاني، لقوله (عليه السلام): فلا قود لمن لا يقاد منه (4)
وهو عام.
ووروده في خصوص المورد لا يوجب التخصيص، كما قرر في
الأصول، مع تأيده بما ورد من مثله في الحدود، وهو أنه لا حد لمن لا حد
عليه (5)، وبلزوم الاحتياط في الدم.
وهو غير بعيد إلا أن الاكتفاء بمثل هذا الظهور في رفع اليد عن
العمومات القطعية من الكتاب والسنة، وظاهر المرسلة المعتضدة بالشهرة
العظيمة التي كادت تكون لنا الآن إجماع الطائفة في غاية الجرأة، وإن كان

(1) الوسائل 19: 52، الباب 29 - 31 من أبواب القصاص، الحديث 1، 4.
(2) الوسائل 19: 52، الباب 29 - 31 من أبواب القصاص، الحديث 1، 4.
(3) الكافي في الفقه: 384.
(4) الوسائل 19: 52، الباب 28 من أبواب القصاص، الحديث 1.
(5) الوسائل 18: 332، الباب 19 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.
97

الاحتياط للأولياء معه، فلا يختاروا قتله، بل يصالحوا عنه بالدية.
(ولا يقتل العاقل بالمجنون) بلا خلاف أجده، وبه صرح في
الغنية (1)، بل عليه الإجماع في السرائر (2).
للصحيح: عن رجل قتل رجلا مجنونا، فقال: ان كان المجنون أراده
فدفعه عن نفسه فقتله فلا شئ عليه من قود ولا دية ويعطى ورثته الدية من
بيت مال المسلمين، وإن كان قتله من غير أن يكون المجنون أراده فلا قود
لمن لا يقاد منه، وأرى أن على قاتله الدية في ماله يدفعها إلى ورثة المجنون
ويستغفر الله عز وجل ويتوب إليه (3).
وفيه الدلالة أيضا على بعض ما ذكره بقوله: (ويثبت الدية على العاقل
إن كان) قتله (عمدا أو شبيها به، وعلى العاقلة إن كان خطأ) (ولو
قصد العاقل دفعه) عن نفسه بعد أن أراده فآل إلى قتله (كان) دم
المجنون (هدرا) لا دية له على العاقل ولا عاقلته اتفاقا ظاهرا فتوى
ونصا خاصا، وهو الصحيح المتقدم، وعاما وهو كثير، وشطر منه قد تقدم في
كتاب الحدود في أواخر الفصل السادس في حد المحارب.
وظاهر إطلاق العبارة ونحوها أنه لا دية له أصلا، كما عن النهاية (4)
والمهذب (5) والسرائر (6)، ويقتضيه عموم نصوص الدفع.
خلافا للمحكي عن المفيد (7) والجامع (8) فأثبتاها في بيت المال كما في

(1) الغنية: 403.
(2) السرائر 3: 368.
(3) الوسائل 19: 51، الباب 28 من أبواب القصاص، الحديث 1.
(4) النهاية 3: 415.
(5) المهذب 2: 514.
(6) السرائر 3: 368.
(7) كشف الرموز 2: 612.
(8) الجامع للشرائع: 575.
98

الصحيحة (1)، ويقتضيه عموم لا يطل دم امرئ مسلم المروي في المعتبرة (2)،
ورواية أبي الورد المعتبرة برواية الحسن بن محبوب عنه وهو ممن أجمع
على تصحيح ما يصح عنه العصابة: رجل حمل عليه رجل مجنون بالسيف
فضربه المجنون ضربة فتناول الرجل السيف من المجنون فضربه فقتله،
فقال: أرى أن لا يقتل به ولا يغرم ديته وتكون ديته على الإمام، ولا يطل
دمه (3)، ونفى عنه البأس الصيمري في شرح الشرائع، قال: والمشهور سقوط
القود والدية معا، لأن الدفع إما مباح أو واجب، فلا يتعقبه ضمان (4).
وفي هذا الدليل ما ترى، لأن مقتضاه نفى الأمرين عن القاتل لا مطلقا.
وقريب منه الاستدلال بنصوص الدفع لعدم معلومية شمول إطلاقها
لمحل البحث، بل ظاهرها كون الحكم بالهدرية مقابلة للمحارب ومؤاخذة له
بماله من القصد والنية، وليس ذلك في المجنون بلا شبهة، وجواز دفاعه إنما
هو لأجل حفظ النفس المحترمة، لا المؤاخذة له بالقصد والنية، فلا غرر في
وجوب الدية لدم المجنون، لأن نفسه أيضا محترمة، حيث لم يستصحبها
فساد قصد ونية، والشارع لما رخص في إتلافها من غير تقصير من جهتها
تداركها بالدية.
فالقول بثبوتها لا يخلو عن قوة، سيما مع استفادته مما عرفت من
المعتبرة بالصحة والقريب منها بما عرفته، وإن وقع الاختلاف بينها بدلالة
الصحيحة بكونها في بيت المال، والقريبة منها بكونه على الإمام، لكن الجمع
بينهما ممكن، بحمل الأخيرة على الصحيحة، والعكس وإن أمكن إلا أنه مع
بعده لا قائل به، مع استلزام ترجيح ما ليس بحجة على الحجة. وهو فاسد
بالبديهة.

(1) الوسائل 19: 52، الباب 29 من أبواب القصاص، الحديث 1، وذيله، 2.
(2) الوسائل 19: 52، الباب 29 من أبواب القصاص، الحديث 1، وذيله، 2.
(3) الوسائل 19: 52، الباب 29 من أبواب القصاص، الحديث 1، وذيله، 2.
(4) غاية المرام: 201 س 26 (مخطوط).
99

ويظهر من الماتن هنا وفي الشرائع نوع تردد له في المسألة، حيث أشار
إلى الرواية الصحيحة بقوله: (وفي رواية ديته من بيت المال) (1) ولم
يجب عنها بالمرة.
نعم فتواه أولا بالهدرية مطلقا ظاهرة في ترجيحه له. ونحوه كلام
الفاضل في التحرير (2). وفيه ما عرفته.
(ولا قود على النائم) إجماعا فتوى ونصا، وللأصل، مع انتفاء التعمد
المشترط في شرعية الاقتصاص.
(و) هل يثبت (عليه الدية) في خاصة ماله مطلقا، أم على العاقلة
كذلك، أم على تفصيل يأتي ذكره في أوائل النظر الثاني من كتاب الديات؟
أقوال يأتي ذكرها مع تحقيق المسألة كما هو ثمة إن شاء الله تعالى.
(وفي) القود من (الأعمى) إذا قتل من اقتص به لو كان بصيرا
(تردد) واختلاف.
فبين من نفاه وأثبت الدية على العاقلة، استنادا إلى الرواية الآتية،
كالصدوق (3) والشيخ في النهاية (4) والإسكافي (5) والقاضي (6) وابن
حمزة (7) وجماعة.
وبين من جعل (أشبهه أنه كالمبصر في توجه القصاص) كالحلي (8)
وعامة المتأخرين على الظاهر المصرح به في المسالك (9)، لوجود المقتضي
له، وهو قصده إلى القتل، وانتفاء المانع، لأن العمى لا يصلح مانعا، مع

(1) الشرائع 4: 316.
(2) التحرير 2: 249 س 35.
(3) الفقيه 4: 142، الحديث 5313.
(4) النهاية 3: 415.
(5) المختلف 9: 347.
(6) المهذب 2: 495.
(7) الوسيلة: 455.
(8) السرائر 2: 368.
(9) المسالك 15: 167 - 168.
100

اجتماع شروط القصاص من التكليف والقصد ونحوهما، كما هو الفرض،
فيشمله عموم الآيات والروايات.
(و) لكن (في رواية الحلبي: عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن جنايته خطأ
تلزم العاقلة، فإن لم يكن له عاقلة فالدية في ماله ويؤخذ في ثلاث
سنين) (1).
ونحوها في الدلالة على أن عمده خطأ رواية اخرى موثقة: عمد
الأعمى مثل الخطأ فيه الدية من ماله، فإن لم يكن له مال فإن ديته ذلك على
الإمام، ولا يبطل حق مسلم (2).
وضعفتا باشتراكهما في ضعف السند، واختلافهما في الحكم،
ومخالفتهما الأصول، لاشتمال الأولى على كون الدية تجب ابتداء على
العاقلة ومع عدمها تجب على الجاني، والثانية على إيجابها على الجاني مع
تموله ومع عدمه على الإمام ولم يوجبها على العاقلة، وظاهرهما اختلاف
الحكمين، ومخالفتهما لحكم الخطأ، فتكونان شاذتين من هذا الوجه.
ولعله مراد الماتن في جوابه عن الرواية الأولى بقوله: (فهذه) الرواية
(فيها) أي يرد عليها (مع الشذوذ) أي مضافا إليه (تخصيص لعموم
الآية) والسنة القطعيتين، وهو غير جائز عند جماعة من المحققين ومنهم
الماتن. وهذا جواب ثالث، ولم يذكره من أجاب بالأولين، وأبدله بآخر،
وهو عدم الصراحة في الدلالة، لجواز كون قوله: «خطأ» حالا والجملة الفعلية
بعده الخبر. وإنما يتم استدلالهم بها على تقدير جعله مرفوعا على الخبرية.
ويمكن توجه النظر إلى جميع هذه الأجوبة.
أما الأخير فبمخالفته لظاهر سياقها حيث سئل (عليه السلام) في صدرها: عن

(1) الوسائل 19: 306، الباب 10 من أبواب العاقلة، الحديث 1.
(2) الوسائل 19: 65، الباب 35 من أبواب القصاص، الحديث 1.
101

رجل ضرب رأس رجل بمعول فسالت عيناه على خديه فوثب المضروب
على ضاربه فقتله، وأجاب (عليه السلام) بأن هذين متعديان جميعا فلا أرى على
الذي قتل الرجل قودا لأنه قتله حين قتله وهو أعمى والأعمى جنايته خطأ
إلى آخر ما مضى. وهو ظاهر في كون القتل عمدا من وجوه شتى.
منها قوله: فقتله بعد أن أعماه الظاهر في ذلك بمعونة الغالب.
ومنها قوله (عليه السلام): هذان متعديان، والتعدي لا يجامع قتل الخطأ كما هو ظاهر.
ومنها تعليله (عليه السلام): نفي القود بوقوع قتله حال العمى لا كونه خطأ، ولا تلازم
بينهما جدا، مع كون قوله: «والأعمى جنايته خطأ، الخ» تتمة التعليل، ولو
كان المراد التعليل بالخطأ للغا ذكر الأعمى، لعدم اختصاص عدم القود
بالخطأ به قطعا.
وبالجملة لا ريب في ظهور دلالتها كما فهموه حتى المعترض أيضا،
حيث نفى الصراحة دون الظهور. وهو كاف سيما بعد أن انضم إليه الرواية
الثانية الصريحة، مع قرب الظهور من الصراحة بمعونة ما عرفته من القرائن
الظاهرة غاية الظهور القريب من الصراحة، بل لعلها سيما الأخيرة منها صريحة.
وأما الثالث: فمتوجه إن وافقنا الجماعة على كون الآحاد غير مخصصة
للعمومات القطعية، وإلا - كما هو الظاهر وفاقا للأكثر - فغير متوجه
والتحقيق في الأصول.
وأما الثاني: فلأن خروج بعض الرواية عن الحجية وشذوذها من جهة
لا تستلزم خروجها عنها بالكلية، وشذوذ الروايتين إنما هو من غير جهة
الدلالة على كون عمده خطأ، بل من الجهة المتقدمة وإحداهما غير الأخرى.
وخروجهما عن الحجية بالجهة الأخيرة غير مستلزم لخروجها عنها في
الجهة الأخرى، كما عرفته.
وحيث ثبت بهما كون العمد خطأ، ثبت كون الدية على العاقلة، لعدم
102

القائل بالفرق بين الطائفة، إلا ما يظهر من الصدوق في الفقيه حيث روى
الرواية الأولى في باب العاقلة بسنده عن العلاء بن رزين عن الحلبي
الراوي (1)، وظاهره العمل بها، بمعونة ما قرره في صدر كتابه من أنه
لا يذكر فيه إلا ما يفتي به، ويحكم بصحته (2).
ومن هنا ينقدح الوجه في صحة التأمل في دعوى الماتن شذوذ الرواية
مع القدح فيما ضعفت به من ضعف سندها، لاختصاص ضعفه برواية
التهذيب (3)، وإلا فهي برواية الفقيه صحيحة، لأن سنده إلى العلاء صحيح في
المشيخة، وبه صرح الفاضل في الخلاصة (4). وكذلك الرواية الثانية ليست
بضعيفة، بل موثقة، إذ ليس في سندها من يتوقف فيه سوى عمار الساباطي،
وهو وإن كان فطحيا إلا أنه ثقة. ومع ذلك في السند قبله الحسن بن
محبوب، وقد ظهر لك حاله مرارا من إجماع العصابة على تصحيح ما يصح
عنه، فيقرب من الصحيح.
فالروايتان معتبرتا السند صالحتان للحجية، سيما مع التعدد والاعتضاد
بفتوى هؤلاء الجماعة، الذين لا يبعد أن يدعى في حقهم الشهرة كما ادعاها
بعض الأجلة (5)، مع عدم ظهور مخالف لهم من القدماء بالمرة عدا الحلي (6)
خاصة، لأصله الغير الأصيل من طرحه الأخبار الآحاد، سيما في مقابلة
الكتاب والسنة القطعية.
ومما ذكرنا ظهر وجه التردد وصحته والإشكال في الترجيح، مع قوة
احتمال جعله في جانب الرواية، مع أن لزوم الاحتياط في الدماء يقتضيه
بلا شبهة.

(1) الفقيه 4: 142، الحديث 5313.
(2) الفقيه 1: 3.
(3) التهذيب 10: 232، الحديث 51.
(4) خلاصة العلامة، الباب 14: 123.
(5) ادعاه صاحب مجمع الفائدة 14: 15.
(6) السرائر 3: 68.
103

(الشرط الخامس: أن يكون المقتول محقون الدم) شرعا
أي غير مباح القتل شرعا، فمن أباح الشرع قتله لزنا أو لواط أو كفر
لم يقتل به قاتله وإن كان بغير إذن الإمام، لأنه مباح الدم في الجملة وإن
توقفت المباشرة على إذن الحاكم فيها ثم بدونه خاصة.
ولو قتل من وجب عليه القصاص غير الولي قتل به، لأنه محقون الدم
بالنسبة إلى غيره.
والأصل في هذا الشرط بعد الإجماع الظاهر المصرح به في كثير من
العبائر كالغنية (1) والسرائر (2) الاعتبار، والمعتبرة المستفيضة التي كادت تبلغ
التواتر.
ففي الصحيح (3) وغيره: عن رجل قتله القصاص له دية، فقال: لو كان
ذلك لم يقتص من أحد، وقال: من قتله الحد فلا دية له.
وبمعناهما كثير من المعتبرة، ونحوها النصوص الواردة في إباحة الدفاع
وقتل المحارب (4)، وقد مر جملة منها.
(القول فيما يثبت به) موجب القصاص
(وهو) أمور ثلاثة (الإقرار أو البينة) عليه (أو القسامة) وهي
الأيمان.
(أما الإقرار):
(فتكفي) فيه (المرة) على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تأخر

(1) الغنية: 402.
(2) السرائر 3: 324.
(3) الوسائل 19: 46، الباب 24 من أبواب القصاص، الحديث 1.
(4) راجع الوسائل 19: 42، الباب 22 من أبواب قصاص النفس.
104

لعموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز (1). وهو المتحقق بالمرة، حيث لا
دليل على اعتبار التعدد كما في المسألة، لما ستعرفه، مضافا إلى التأيد
بخصوص الروايات الدالة بإطلاقها على أخذ المقر، والحكم عليه بمجرد
إقراره مثل ما في قضاء مولانا الحسن (عليه السلام) الآتي إليه الإشارة، وما يدل على
كون دية الخطأ على المقر، فإن المذكور فيه الإقرار مرة، وما يدل على حكم
أنه لو أقر واحد بالعمد وآخر بالخطأ كما يأتي، ونحو ذلك.
(وبعض الأصحاب) كالشيخ (2) والحلي (3) والقاضي (4) وجماعة
(يشترط التكرار مرتين) ولا يظهر له وجه صحة عدا الحمل على السرقة.
وهو قياس فاسد في الشريعة، والاحتياط في الدماء، ويعارض بمثله هنا في
جانب المقتول، لعموم «لا يطل دم امرء مسلم» (5).
ومنه يظهر جواب آخر عن الأول، وهو وجود الفارق، لكون متعلق
الإقرار هنا حق آدمي، فيكفي فيه المرة كسائر الحقوق الآدمية، ولا كذلك
السرقة فإنها من الحقوق الإلهية المبنية على التخفيف والمسامحة.
(ويعتبر في المقر البلوغ، والعقل، والاختيار، والحرية) كما في سائر
الأقارير، لعموم الأدلة، وخصوص الصحيح: على الحرية عن قوم ادعوا على
عبد جناية تحيط برقبته فأقر العبد بها، قال: لا يجوز إقرار العبد على سيده،
فإن أقاموا البينة على ما ادعوا على العبد أخذ العبد بها أو يفتديه مولاه (6).
(ولو أقر واحد بالقتل) لمن يقتص به (عمدا، وآخر) بقتله له

(1) الوسائل 16: 111، الباب 3 من أبواب كتاب الإقرار، الحديث 2.
(2) النهاية 3: 374.
(3) السرائر 3: 341.
(4) المهذب 2: 502.
(5) الوسائل 19: 52، الباب 29 من أبواب القصاص، الحديث 1.
(6) الوسائل 19: 573، الباب 41 من أبواب القصاص، الحديث 2.
105

(خطأ تخير الولي) للمقتول في (تصديق أحدهما) وأيهما شاء وإلزامه
بموجب إقراره، لاستقلال كل من الإقرارين في إيجاب مقتضاه على المقر
به، ولما لم يمكن الجمع ولا الترجيح تخير الولي وإن جهل الحال كغيره
وليس له على الآخر بعد الاختيار سبيل، وللقريب من الصحيح بالحسن بن
محبوب المجمع على تصحيح ما يصح عنه: عن رجل وجد مقتولا فجاء به
رجلان إلى وليه فقال أحدهما: أنا قتلته عمدا. وقال الآخر: أنا قتلته خطأ،
فقال إن هو أخذ بقول صاحب العمد فليس له على صاحب الخطأ سبيل،
وإن أخذ بقول صاحب الخطأ فليس له على صاحب العمد سبيل (1).
ولا خلاف فيه إلا من الغنية (2) فخيره بين قتل المقر بالعمد وأخذ الدية
منهما نصفين، ويحكى عن التقي (3) أيضا.
ولم أجد لهما مستندا، مع مخالفتهما للنص المتقدم، المعتضد بعمل
الأصحاب كافة عداهما، مع أن المحكي عن الانتصار أنه ادعى عليه
إجماعنا (4). وهو حجة اخرى زيادة على ما مضى.
(ولو) اتهم رجل بقتل من يقتص به و (أقر بقتله عمدا فأقر آخر أنه
هو الذي قتله ورجع الأول) عن إقراره فأنكر قتله (درئ عنهما
القصاص والدية، وودي) المقتول (من بيت المال).
(وهو) أي هذا الحكم وإن كان مخالفا للأصل إلا أنه (قضاء مولانا
الحسن بن علي (عليهما السلام)) في حياة أبيه، معللا بأن الثاني إن كان ذبح ذاك فقد
أحيا هذا، وقد قال الله عز وجل: «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا» (5).

(1) الوسائل 19: 106، الباب 3 من أبواب دعوى القتل، الحديث 1.
(2) الغنية: 407.
(3) الكافي في الفقه: 386.
(4) الانتصار: 544، ولكن لم يصرح فيه بالإجماع.
(5) الوسائل 19: 107، الباب 4 من أبواب دعوى القتل، الحديث 1.
106

والرواية وإن ضعفت بالإرسال والرفع سندها وبالمخالفة للأصل متنها،
إلا أن عليها عمل الأصحاب كافة، إلا نادرا على الظاهر المصرح به، من
دون استثناء.
وفي التنقيح (1) وشرح الشرائع (2) للصيمري وعن الانتصار (3) التصريح
بالإجماع عليها، كما هو ظاهر السرائر أيضا، حيث قال: وروى أصحابنا في
بعض الأخبار، وأنه متى أتاهم ثم ذكر مضمون الرواية ولم يقدح فيها أصلا
ولم يذكر حكم المسألة رأسا مقتصرا عنه بما فيها (4).
فعلى هذا لا محيص عن العمل بها وإن كان يرغب عنه شيخنا في
المسالك (5) والروضة (6)، مقويا فيهما العمل بالأصل من تخيير الولي في
تصديق أيهما شاء والاستيفاء منه كما مضى، مع أنه اعترف باشتهار العمل
بالرواية بين أصحابنا، فهي لما فيها من وجهي الضعف جابرة، ولو لم تكن
إلى درجة الإجماع بالغة، مع أنها بالغة كما عرفته، سيما مع ظهور دعواه في
عبائر جماعة، والتصريح بها في كلام من عرفته فلا إشكال في المسألة
بحمد الله سبحانه.
نعم لو لم يكن بيت المال كهذا الزمان أشكل درئ القصاص والدية
عنهما، وإذهاب حق المقر له رأسا، وكذا لو لم يرجع الأول عن إقراره.
والرجوع فيهما إلى حكم الأصل غير بعيد، لخروجهما عن مورد
النص، فليقتصر فيما خالف الأصل عليه، إلا أن يدعى شموله لهما من
حيث التعليل.

(1) التنقيح 4: 434.
(2) غاية المرام: 201 س 26 (مخطوط).
(3) الانتصار: 544، ولكن لم يصرح فيه بالإجماع.
(4) السرائر 3: 343.
(5) المسالك 15: 176 - 177.
(6) الروضة 10: 70.
107

و (أما البينة):
(فهي شاهدان عدلان، ولا يثبت بشاهد ويمين) اتفاقا، كما مر في
كتاب القضاء (ولا بشهادة (1) رجل وامرأتين) مطلقا على أصح الأقوال
المتقدمة، هي مع تمام التحقيق في المسألة في كتاب الشهادة.
(و) إنما (يثبت بذلك) أي بكل من الشاهد واليمين ومنه وامرأتين
(ما يوجب الدية) لا القود (ك‍) القتل (خطأ (2) ودية الهاشمة والمنقلة
والجائفة وكسر العظام) وبالجملة ما لا قود فيه، بل الدية خاصة، لأنها
مال، وقد مر في الكتابين ثبوته، بل كل ما يقصد به المال بهما، مع ما يدل
عليه من النص والفتوى. ولا وجه لإعادته هنا.
(ولو شهد اثنان) ب‍ (أن القاتل زيد) مثلا (وآخران) ب‍ (أنه هو
عمرو) دونه (قال الشيخ في النهاية) (3) والمفيد (4) والقاضي (5) إنه
(يسقط القصاص ووجب الدية) عليهما (نصفين) لو كان القتل المشهود
عليه عمدا أو شبيها به (ولو كان خطأ كانت الدية على عاقلتهما).
ومستندهم من النص غير واضح (ولعله الاحتياط في عصمة الدم
لما عرض من) الشبهة ب‍ (تصادم البينتين).
وتوضيح هذه الجملة مع بيان دليل لزوم الدية عليهما بالمناصفة ما ذكره
الفاضل في المختلف (6) حيث اختار هذا القول وشيده، وهو أنه ليس قبول
إحدى البينتين أولى من قبول الأخرى، ولا يمكن العمل بهما فيوجب قتل
الشخصين معا، وهو باطل إجماعا، ولا العمل بأحدهما لما قلنا من عدم
المرجح، فلم يبق إلا سقوطهما معا فيما يرجع إلى القود، لأن التهجم على

(1) في المتن المطبوع: ولا بشاهد وامرأتين.
(2) في المتن المطبوع: الخطأ.
(3) النهاية 3: 374.
(4) المقنعة: 737.
(5) المهذب 2: 502.
(6) المختلف 9: 302 - 303.
108

الدماء المحقونة بغير سبب معلوم أو مظنون ممنوع شرعا، لأن كل واحدة
من البينتين مكذبة للأخرى، وإنما أوجبنا الدية عليهما لئلا يطل دم امرئ
مسلم قد ثبت أن قاتله أحدهما، لكن لجهلنا بالتعيين أسقطنا القود الذي هو
أقوى العقوبتين وأوجبنا أخفهما. ولمانع أن يمنع سقوط البينتين عند
تعارضهما بعدم إمكان العمل بهما وعدم المرجح للعمل بإحداهما، بل هنا
احتمال ثالث وهو تخيير الولي بينهما كما ذكروه في تعارض الإقرارين
بالقتل عمدا في أحدهما وفي الثاني بالخطأ، ودل عليه النص الذي مضى
مع تأيده بما عليه الأصحاب، ودل عليه بعض الأخبار، مضافا إلى الاعتبار
من التخيير بين الخبرين المتعارضين مثلا بحيث لا يترجح أحدهما على
الآخر أصلا.
ومن جميع ما ذكر ولو بضم بعضه إلى بعضه لعله يحصل الظن بجواز
قتل من شهدت عليه إحدى البينتين ممن اختاره الأولياء، فليس فيه التهجم
على الدماء الممنوع عنه شرعا.
وحينئذ فلا يبعد المصير إلى ما عليه الحلي (1) من التخيير، وإن كان
ما ذكره من الأدلة كلها أو جلها لا يخلو عن مناقشة، لكن شهرة ما عليه
الشيخان (2)، مع قوة احتمال استنادهما إلى رواية كما هو السجية لهما
والعادة، ونبه عليه شيخنا في المسالك (3)، وادعى وجودها لهما الحلي في
السرائر (4) والفاضل في التحرير (5) أوجب التردد في المسألة.
فينبغي الرجوع فيها إلى مقتضى الأصل، وهو عدم القود، بل وعدم الدية
أيضا، كما حكي عن الشيخ (رحمه الله) أنه احتمله، قال: لتكاذب البينتين، ووجود
شبهة دارئة للدعوى (6).

(1) السرائر 3: 342 - 343.
(2) المقنعة: 737، النهاية 3: 374.
(3) المسالك 15: 190 - 192.
(4) السرائر 3: 342 - 343.
(5) التحرير 2: 251 س 29.
(6) مجمع الفائدة 14: 172.
109

ولكن احتمال دعوى عدم القول بالفصل بين القول بعدم التخيير والدية
وبين القول به مع عدمها لكون ذلك من الشيخ (رحمه الله) احتمالا لا فتوى يعين
القول بثبوت الدية، سيما مع التأيد بما ذكره الفاضل في المختلف (1) لاثباتها،
وإن كان في صلوحه لذلك حجة نوع مناقشة. فالعمل على ما في النهاية.
ثم إن مقتضى إطلاقه كعبائر أكثر الأصحاب عدم الفرق بين أن يدعي
أولياء المقتول القتل على أحدهما أو عليهما، أو لا يدعوا شيئا منهما.
خلافا للماتن في النكت (2) فخص الحكم بالصورة الثالثة، وأثبت في
الأولى تسلط الأولياء على المدعى عليه قال: لقيام البينة بذلك وثبوت
السلطنة شرعا بالآية، فلهم القتل في العمد والدية في الخطأ وشبهه، وليس
لهم على الآخر شئ منهما، واحتمل في الثانية ثبوت اللوث فيهما، قال: لأن
الأربعة يتفقون أن هناك قاتلا ومقتولا وإن اختلفوا في التعيين فيحلف
الأولياء مع دعوى الجزم، ويثبت حينئذ القصاص مع رد فاضل الدية عليهما.
وإليه يميل الشهيدان (3) وغيرهما، لكن لم يذكروا عنه حكم الصورة
الثانية.
وناقشهم في ذلك بعض الأجلة بما لا يخلو عن قوة (4)، ويطول الكلام
بذكره.
وبالجملة المسألة من المشكلات فلا يترك الاحتياط فيها حيث يمكن
على حال.
(ولو شهدا بأنه قتل عمدا فأقر آخر أنه هو القاتل) كذلك (دون
المشهود عليه، ففي رواية زرارة) الصحيحة (عن أبي جعفر (عليه السلام)) أن
(الولي قتل المقر ثم لا سبيل) له ولا لورثة المقر (على المشهود عليه

(1) المختلف 9: 302 - 303.
(2) النهاية 3: 374 - 375.
(3) الروضة 10: 69.
(4) لم نعثر عليه.
110

وله قتل المشهود عليه) ولا سبيل له على المقر (ويرد المقر على أولياء
المشهود عليه نصف الدية، وله قتلهما) معا (ويرد على أولياء المشهود
عليه خاصة) دون أولياء المقر (نصف الدية) ثم يقتل به، قال زرارة:
قلت: فإن أرادوا أن يأخذوا الدية، فقال: الدية بينهما نصفان، لأن أحدهما
أقر والآخر شهد عليه، قلت: وكيف جعل الأولياء الذي شهد عليه على الذي
أقر نصف الدية حين قتل ولم يجعل لأولياء الذي أقر على أولياء الذي شهد
عليه ولم يقر؟ فقال: لأن الذي شهد عليه ليس مثل الذي أقر الذي شهد عليه
لم يقر ولم يبرأ صاحبه والآخر أقر وبرئ صاحبه، فلزم الذي أقر وبرئ ما لم
يلزم الذي شهد عليه ولم يبرأ صاحبه (1).
(وفي) ما تضمنه من جواز (قتلهما) معا (اشكال، لانتفاء) العلم
ب‍ (الشركة) المجوزة لذلك، فإن القاتل ليس إلا أحدهما (وكذا في
إلزامهما بالدية) بينهما (نصفين) لما ذكر.
ولعله لذا رده الحلي، مضافا إلى قاعدته وحكم بالتخيير كالمسألة
السابقة، فقال: لي في قتلهما جميعا نظر، لعدم شهادة الشهود وإقرار المقر
بالشركة، قال: أما لو شهدت البينة بالاشتراك وأقر الآخر به جاز قتلهما ويرد
عليهما معا دية (2). واستقربه فخر الدين في الإيضاح (3) صريحا، كوالده في
التحرير (4)، وهو ظاهره في القواعد (5) والإرشاد (6) وقواه الماتن في الشرائع
(لكن) قال: غير أن (الرواية من المشاهير) (7) وبشهرتها صرح الفاضل
في كتبه المتقدمة وغيره من الجماعة، مشعرين ببلوغها درجة الإجماع.

(1) الوسائل 19: 108، الباب 5 من أبواب دعوى القتل، الحديث 1.
(2) السرائر 3: 342.
(3) الإيضاح 4: 610.
(4) التحرير 2: 251 س 29.
(5) القواعد 3: 615.
(6) الإرشاد 2: 216.
(7) الشرائع 4: 221.
111

ولعله كذلك، فقد أفتى به الشيخ (1) وأتباعه والإسكافي (2) والحلبي (3)
وغيرهم، بل لم نر مخالفا لهم عدا من مر، وعبائرهم غير صريحة في
المخالفة عدا الحلي وفخر الدين، وهي مشكلة، لصحة الرواية واعتضادها
بعمل الطائفة، فيخصص بها القاعدة.
وليس هذا بأول قارورة، فكم من أصول قوية وقواعد كلية خصصت
بمثل هذه الرواية، بل وبما دونها، كما لا يخفى على ذي اطلاع وخبرة.
ولكن المسألة مع ذلك لعله لا يخلو عن شبهة. فالأحوط الاقتصار فيها بقتل
أحدهما خاصة، لعدم الخلاف فيه ظاهرا فتوى ورواية،، وحكى الإجماع
عليه الحلي في السرائر (4) صريحا.
وهنا (مسائل) ثلاث:
(الأولى: قيل) كما عن النهاية (5) والقاضي (6) والصهرشتي (7)
والطبرسي (8) والإسكافي (9) وابن حمزة (10): إنه (يحبس المتهم بالدم ستة
أيام) كما عن عدا الأخيرين، وبدلها الأخير بالثلاثة، والإسكافي بالسنة،
وهو كالنهاية إن قرئ ستة بالتاءين على احتمال ظاهر، وإن قرئ سنة بالنون
بدل التاء الأولى كان قولا ثالثا في المسألة. ومستنده غير واضح كقول
ابن حمزة.
وبعد انقضاء المدة (فإن ثبت الدعوى) بإقرار وبينة (وإلا خلي
سبيله) والأصل في المسألة قوية للسكوني عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنه

(1) النهاية 3: 375.
(2) المختلف 9: 304.
(3) الكافي في الفقه: 387.
(4) السرائر 3: 342.
(5) النهاية 3: 378.
(6) المهذب 2: 503.
(7) لم نعثر عليه في إصباح الشيعة.
(8) غاية المراد: 208 س 15 (مخطوط).
(9) المختلف 9: 443.
(10) الوسيلة: 461.
112

قال: إن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يحبس في تهمة الدم ستة أيام، فإن جاء أولياء
المقتول ببينة، وإلا خلى سبيله (1).
وعمل بها من المتأخرين جماعة كالفاضل في التحرير (2) والمختلف (3)،
ولكن في الأخير قيده بما إذا حصلت التهمة للحاكم بسبب، قال: عملا
بالرواية، وتحفظا للنفوس عن الإتلاف، وإن حصلت التهمة لغيره فلا، عملا
بالأصل. واستحسنه الفاضل المقداد في التنقيح (4) وغيره من الأصحاب.
ولا يخلو عن قرب، يظهر وجهه زيادة على ما مر في المختلف مما سبق
في كتاب القضاء في بحث جواز التكفيل المدعى عليه مع دعوى المدعي
البينة وغيبتها ثم التمسه.
خلافا لصريح الحلي (5) وفخر الدين وجده على ما حكاه عنه (6)،
وظاهر الماتن هنا وفي الشرائع (7)، فردوا الرواية رأسا، لما أشار إليه بقوله:
(وفي المستند ضعف، و) مع ذلك فيه (تعجيل لعقوبة لم يثبت سببها).
وظاهر الفاضل في القواعد (8) والإرشاد (9) التردد.
وهو حسن لولا ما قدمناه، ويجبر به الضعف وما بعده، مع إمكان جبره
بدعوى الشيخ إجماع العصابة على قبول روايات الراوي (10)، ولذا قيل:
بوثاقته أو موثقيته كما يحكى عن الماتن في بعض تحقيقاته (11)،
ويعضده كثرة روايته، وعمل الأصحاب بها غالبا، وغير ذلك مما حقق
في وجه تقويته وتقوية صاحبه.

(1) الوسائل 19: 121، الباب 12 من أبواب دعوى القتل، الحديث 1، وفيه بدل «ببينة»: بثبت.
(2) التحرير 2: 254 س 26.
(3) المختلف 9: 306.
(4) التنقيح 4: 438.
(5) السرائر 3: 343.
(6) الإيضاح 4: 619.
(7) الشرائع 4: 227.
(8) القواعد 3: 621.
(9) الإرشاد 2: 220.
(10) عدة الأصول 1: 380.
(11) لم نقف عليه.
113

هذا، مع ما عرفت من عمل هؤلاء الجماعة بروايته في المسألة.
ثم إن إطلاقها كإطلاق عبائر أكثرهم يشمل صورتي التماس المدعي
للحبس وعدمه، وقيده بعضهم بصورة التماسه (1).
وهو حسن، ولعله المراد من الإطلاق، فإنه عقوبة لحقه، فلا يكون
إلا بعد التماسه، ويؤيده عدم الحكم بدون التماسه مع ثبوته.
وهل المراد بالدم ما يشمل الجراح كما يقتضيه إطلاق العبارة ونحوها
وصدر الرواية أيضا، أم القتل خاصة لاحتمال اختصاص الإطلاق بحكم
التبادر به مع اشتمال ذيل الرواية على ما يعرب عن إرادة القتل من الدم
المطلق في صدرها خاصة؟ وجهان. والحوالة إلى الحاكم ليراعى أقل
الضررين - كما قدمناه في التكفيل - غير بعيد.
(الثانية: لو قتل) رجلا (وادعى أنه وجد المقتول مع امرأته) يزني بها
(قتل به) مع اعترافه بقتله صريحا (إلا أن يقيم البينة ب‍) صدق
(دعواه) فلا يقتل حينئذ بلا خلاف في المقامين فتوى ونصا.
ففي المرتضوي: رجل قتل رجلا وادعى أنه رآه مع امرأته، فقال (عليه السلام):
القود، إلا أن يأتي ببينة (2).
مضافا في الأول إلى الأصل، وعموم البينة على المدعي، وخصوص
الصحيح وغيره أن أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) قالوا لسعد بن عبادة: لو وجدت على
بطن امرأتك رجلا ما كنت تصنع؟ قال: كنت أضربه بالسيف فخرج رسول
الله (صلى الله عليه وآله) فقال: ما ذا يا سعد؟ قال سعد: قالوا لو وجدت على بطن امرأتك ما
كنت تصنع به فقلت: أضربه بالسيف، فقال: يا سعد وكيف بالأربعة الشهود.
فقال: يا رسول الله بعد رأي عيني وعلم الله تعالى أن قد فعل، قال: إي والله

(1) مجمع الفائدة 14: 214.
(2) الوسائل 19: 102، الباب 69 من أبواب القصاص، الحديث 2.
114

بعدما رأى عينك وعلم الله أن قد فعل، لأن الله عز وجل قد جعل لكل شئ
حدا وجعل لمن تعدى ذلك الحد حدا (1).
وظاهر إطلاقه وإن كان ربما يتوهم منه المنافاة للحكم الثاني إلا أنه
محمول على كون اعتبار الشهود لدفع القود عن نفسه في ظاهر الشرع، وإن
لم يكن عليه إثم فيما بينه وبين الله تعالى، كما ظهر من الرواية السابقة.
وفتاوى أصحابنا وإن اختلفت في تقييد الحكم بعدم إثم الزوج في قتله
الزاني بكونه محصنا كما عن الشيخ (2) والحلي (3) أو إبقائه على إطلاقه
فيشمل غير المحصن كما هو ظاهر أكثر الفتاوى، وعن صريح الماتن في
النكت (4)، وبه صرح غيره كشيخنا في الروضة حيث قال في جملة شرحه
لقول المصنف: ولو وجد مع زوجته رجلا يزني بها فله قتلهما، هذا هو
المشهور بين الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا، وهو مروي أيضا، ولا فرق في
الزوجة بين الدائم والمتمتع بها، ولا بين المدخول بها وغيرها، ولا بين الحرة
والأمة، ولا في الزاني بين المحصن وغيره، لإطلاق الإذن المتناول لجميع
ذلك (5). ونحوه المولى المقدس الأردبيلي (رحمه الله) (6) مدعيا شهرته، بل كونه
مجمعا عليه.
(الثالثة: خطأ الحاكم في القتل والجرح على بيت المال) كما في
الموثق وغيره (7): قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) أن ما أخطأت به القضاة في دم
أو قطع فعلى بيت مال المسلمين.
ولعله لا خلاف فيه، كما يظهر من التنقيح، حيث لم يتكلم في المسألة،

(1) الوسائل 19: 102، الباب 69 من أبواب القصاص، الحديث 1.
(2) النهاية 3: 379.
(3) السرائر 3: 343.
(4) النهاية 3: 379.
(5) الروضة 9: 120.
(6) مجمع الفائدة 13: 95.
(7) الوسائل 19: 111، الباب 7 من أبواب دعوى القتل، الحديث 1 وذيله.
115

مع أن دأبه التكلم في المسائل الخلافية، وقال الخال العلامة المجلسي (رحمه الله)
في حواشيه على الأخبار بعد ذكر الرواية: وعليه الفتوى، سواء كان في مال
لا يمكن استرجاعه أو قصاص مع عدم تقصيره (1).
(ومن) جنى على أحد بعد أن (قال حذار لم يضمن) عاقلته
جنايته، كما في الخبر: كان صبيان في زمن علي بن أبي طالب (عليه السلام) يلعبون
بأخطار لهم فرمى أحدهم بخطره فدق رباعية صاحبه فرفع ذلك إلى أمير
المؤمنين (عليه السلام)، فأقام الرامي البينة بأنه قال: حذار فأدرأ عنه أمير
المؤمنين (عليه السلام) القصاص، ثم قال: قد أعذر من حذر (2).
ولم أر من تعرض لهذا الحكم عدا الماتن هنا وفي الشرائع (3)، وإلا
فباقي الأصحاب تعرضوا لذكره في كتاب الديات في بحث ضمان النفوس
وغيرها، وظاهرهم عدم الخلاف فيه، كما صرح به المقدس الأردبيلي (رحمه الله) (4)
ويحتمل الإجماع كما يظهر من ابن زهرة (5) وغيره، فينجبر بذلك قصور
سند الرواية.
ولكن اشترطوا إسماع الحذار للمجني عليه في وقت يتمكن منها قالوا:
ولو لم يقل: حذار، أو قالها في وقت لا يتمكن المرمي من الحذر أو لم يسمع
فالدية على العاقلة. ولا بأس به، لشهادة الاعتبار به.
(ومن اعتدى عليه فاعتدى بمثله) على المعتدي (لم يضمن)
جنايته (وإن تلفت) فيها النفس، كما في الصحيح: من بدأ فاعتدى
فاعتدي عليه فلا قود له (6). وفي آخر: عن رجل أتى رجلا وهو راقد فلما

(1) ملاذ الأخيار 16: 421.
(2) الوسائل 19: 50، 51، الباب 26 - 27 من أبواب القصاص، الحديث 1، 1، 3.
(3) الشرائع 4: 251.
(4) مجمع الفائدة 14: 244.
(5) لم نعثر عليه، راجع الغنية.
(6) الوسائل 19: 43، الباب 22 من أبواب القصاص، الحديث 1.
116

صار على ظهره ليقربه فبعجه فقتله لا دية له ولا قود (1) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
من كابر امرأة ليفجر بها فقتلته فلا دية له ولا قود (2). ويعضده النصوص
المتقدمة في محاربة اللص وجواز قتله إذا لم يمكن دفعه بدونه.
(وأما القسامة):
فهي لغة من القسم بالتحريك وهو اليمين. وشرعا الأيمان التي تقسم
على الأولياء في الدم، وقد يسمى الحالفون قسامة على طريق المجاز
لا الحقيقة.
وصورتها أن يوجد قتيل في موضع لا يعرف من قتله، ولا يقوم عليه
بينة ولا إقرار، ويدعي الولي على واحد أو جماعة فيحلف على ما يدعيه،
ويثبت به دم صاحبه.
(ولا يثبت إلا مع) اقتران الدعوى ب‍ (اللوث) بلا خلاف أجده
حتى من نحو الحلي (3)، وظاهرهم الإجماع عليه، كما صرح به في الغنية (4).
ولكن ناقشهم بعض الأجلة، حيث قال - بعد نقله جملة الأخبار المتعلقة
بالقسامة الدالة على ثبوتها في الشريعة من طرق العامة والخاصة، كالنبوي:
البينة على المدعي واليمين على من أنكر إلا في القسامة (5)، والصحيح: عن
القسامة كيف كانت؟ فقال: هي حق وهي مكتوبة عندنا ولولا ذلك لقتل
الناس بعضهم بعضا ثم لم يكن شئ وإنما القسامة نجاة للناس (6)،
والصحيح: عن القسامة، فقال: الحقوق كلها البينة على المدعي واليمين على
المدعى عليه إلا في الدم خاصة (7) - ما لفظه: هذه الأخبار خالية عن اعتبار

(1) الوسائل 19: 50، 51، الباب 26 - 27 من أبواب القصاص، الحديث 1، 1، 3.
(2) الوسائل 19: 50، 51، الباب 26 - 27 من أبواب القصاص، الحديث 1، 1، 3.
(3) السرائر 3: 338.
(4) الغنية: 441.
(5) بحار الأنوار 104: 268، الحديث 25.
(6) الوسائل 19: 114، الباب 9 من أبواب دعوى القتل، الحديث 2.
(7) الوسائل 19: 114، الباب 9 من أبواب دعوى القتل، الحديث 3.
117

اللوث لفظا يعني لم يؤخذ للقسامة شرط اللوث، نعم في بعضها وجد القتيل
في قليب أو قرية وغير ذلك وليس ذلك بواضح ولا صريح في اشتراطه - إلى
أن قال -: فكأن لهم على ذلك إجماعا أو نصا ما اطلعت عليه (1).
أقول: وبالله سبحانه التوفيق لعل الوجه فيما ذكروه من اشتراط اللوث
مخالفة القسامة للقاعدة، فإن إثبات الدعوى بقول المدعي ويمينه على خلاف
الأصل، لأنه حكم بغير دليل، ولقوله (صلى الله عليه وآله): لو يعطى الناس بأقوالهم لاستباح
قوم دماء قوم وأموالهم (2)، فيجب الاقتصار فيها على المتيقن من النص
والفتوى، وليس إلا ما ذكرنا، لورود أكثر النصوص في قضية عبد الله ابن
سهل المشهورة (3)، وفيها اللوث بلا شبهة، وهي الأصل في شرعية القسامة.
وأما باقي النصوص فبين ما مورد الأسئلة فيها وجدان القتيل في محل
التهمة كالقليب والقرية وهي كالأولة، وبين مطلقة بالمرة كالروايات المتقدمة،
وإطلاقها غير نافع، لورودها لبيان حكم آخر هو أصل الشرعية أو نحوه
لا ثبوتها مطلقا أو في الجملة، ولذا لم يمكن الاستدلال بها على عدم اعتبار
الشرائط الأخر.
وبالجملة فمثل هذا الإطلاق يعد من قبيل المجملات بلا شبهة.
هذا، مع أن عدم اعتبار اللوث يستلزم عدم الفرق بين قتيل يوجد في
قرية أو محلة أو نحو ذلك من الأمثلة الآتية للوث، وقتيل يوجد في سوق
أو فلاة أو جمعة، مع أن الفتاوى والنصوص مطبقة بالفرق بينهما بثبوت
القسامة في الأول دون الثاني.
ومن جملة تلك النصوص - زيادة على ما يأتي إليه الإشارة - الصحيح:
عن مولانا الباقر (عليه السلام) قال: كان أبي رضي الله عنه إذا لم يقم القوم المدعون

(1) مجمع الفائدة 14: 183.
(2) سنن البيهقي 10: 252، مع اختلاف يسير.
(3) الوسائل 19: 114، الباب 9 من أبواب دعوى القتل، الحديث 3.
118

البينة على قتل قتيلهم ولم يقسموا بأن المتهمين قتلوه حلف المتهمين بالقتل
خمسين يمينا بالله تعالى ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا ثم يؤدى الدية إلى
أولياء القتيل ذلك إذا قتل في حي واحد، فأما إذا قتل في عسكر أو سوق
مدينة فديته تدفع إلى أوليائه من بيت المال (1).
وفيه دلالة على اعتبار التهمة في القسامة من وجه آخر، بل وجهين، كما
لا يخفى على من تدبر سياقه.
وبالجملة لا ريب في اعتبار اللوث ولا شبهة.
(وهو أمارة) تقرن الدعوى بحيث (يغلب معها الظن بصدق
المدعي) حق دعواه، وذلك بالنسبة إلى الحاكم، أما المدعي فلا بد أن يكون
عالما جازما بما يدعيه، لما مر من اشتراط الجزم في المدعي.
وسميت هذه الأمارة لوثا، لإفادتها قوة الظن، فإنه في اللغة بفتح
اللام القوة.
وهي (كما لو وجد) قتيل (في دار قوم أو محلتهم أو قريتهم) مع
صغرها وانفصال المحلة عن البلد الكبير لا مطلقا، كما ذكره بعض الأصحاب
مزيدا في التقييد شيئا آخر، وهو أن يكون بين القتيل وأهلها عداوة
ظاهرة (2).
(أو) وجد (بين قريتين وهو إلى إحداهما أقرب فهو لوث)
لأقربهما، كما في الصحيح والموثق: عن الرجل يوجد قتيلا في القرية أو بين
قريتين، قال: يقاس ما بينهما، فأيهما كانت أقرب ضمنت (3).
(ولو تساوى مسافتهما كانتا سواء في اللوث) وإن ثبت العداوة

(1) الوسائل 19: 115، الباب 9 من أبواب دعوى القتل، الحديث 6.
(2) المسالك 15: 197 - 200.
(3) الوسائل 19: 112، الباب 8 من أبواب دعوى القتل، الحديث 4.
119

لإحداهما دون الأخرى فاللوث لها وإن كانت أبعد، فكما لو تفرق جماعة
عن قتيل في دار كان قد دخل عليهم ضيفا أو دخلها معهم في حاجة، وكما
لو وجد قتيل وعنده رجل ومعه سلاح متلطخ بالدم ولو كان بقربه سبع،
أو رجل آخر مول ظهره لم يوجب ذلك اللوث في حقه، وكما إذا شهد عدل
واحد أو شهد عبيد أو نسوة.
أما الصبيان والفساق وأهل الذمة فالمشهور كما في المسالك (1) وغيره
عدم حصول اللوث بأخبارهم، لعدم العبرة بشهادتهم.
خلافا للتحرير (2) والمسالك (3) وغيرهما، فقالوا بإفادته اللوث مع
حصول الظن. وهو حسن.
قالوا: ولا يشترط في اللوث وجود أثر القتل، لإمكان حصوله بالخنق
وعصر الخصية والقبض على مجرى النفس ونحو ذلك، ولا حضور المدعى
عليه، لجواز القضاء على الغائب، ومن منعه اشترطه، ولا عدم تكذيب أحد
الوليين صاحبه فإنه لا يقدح فيه.
ولو لم يحصل اللوث فالحكم فيه كغيره من الدعاوي، عملا بالعموم.
قيل: بل للولي إحلاف المنكر يمينا واحدة ولو حصل (4).
واعلم أن ما لا لوث فيه كما أشار إليه الماتن بقوله: (أما من جهل
قاتله) ولم يحصل في قضية اللوث (كقتيل الزحام والفزعات ومن وجد
في فلاة أو معسكر أو في سوق أو جمعة فديته من بيت المال) بلا
خلاف أجده، بل عليه الإجماع في الغنية (5)، والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة:
منها - زيادة على الصحيحة المتقدمة - الصحيح: قضى
أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل وجد مقتولا لا يدرى من قتله، قال: إن كان

(1) المسالك 15: 197 - 200.
(2) التحرير 2: 252 س 8 - 25.
(3) المسالك 15: 197 - 200.
(4) مفاتيح الشرائع 2: 122.
(5) الغنية: 413.
120

عرف له أولياء يطلبون ديته اعطوا ديته من بيت مال المسلمين، ولا يطل دم
امرئ مسلم، لأن ميراثه للإمام فكذلك تكون ديته على الإمام ويصلون عليه
ويدفنونه. وقضى في رجل زحمه الناس في يوم الجمعة في زحام الناس
فمات أن ديته من بيت مال المسلمين (1). ونحوه صحيح آخر (2) في قتيل الزحام.
وفي القوي: ليس في الهايشات عقل ولا قصاص والهايشات الفزعة تقع
في الليل فيشج الرجل فيها أو يقع قتيل لا يدرى من قتله وشجة (3).
قال (عليه السلام) في حديث آخر: دفع إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فوداه من بيت
المال (4).
والخبر: من مات في زحام الناس يوم الجمعة أو يوم عرفة أو على
جسر لا يعلمون من قتله فديته من بيت المال (5). ونحوه القوي بزيادة
أو عيد أو على بئر (6). إلى غير ذلك من النصوص.
ولعل الحكمة فيه حصول القتل من المسلمين، فتؤخذ الدية من أموالهم
المعدة لمصالحهم.
(ومع) تحقق (اللوث يكون للأولياء) أي أولياء المقتول (إثبات
الدعوى) دعوى القتل على المتهم مطلقا (بالقسامة) إجماعا منا على
الظاهر المصرح به في كثير من العبائر كالمهذب (7) والتنقيح (8). وهو الحجة
المخصصة للأصل المتقدم إليه الإشارة; مضافا إلى الصحاح المستفيضة وغيرها
من المعتبرة البالغة حد التواتر. وقد مر إلى جملة منها الإشارة، وسيأتي جملة
اخرى منها وافية، مع أنه لم ينقل الخلاف في شرعيتها إلا عن أبي حنيفة.

(1) الوسائل 19: 109، الباب 6 من أبواب دعوى القتل، الحديث 1، 2.
(2) الوسائل 19: 109، الباب 6 من أبواب دعوى القتل، الحديث 1، 2.
(3) الوسائل 19: 110، الباب 6 من أبواب دعوى القتل، الحديث 3.
(4) الوسائل 19: 110، الباب 6 من أبواب دعوى القتل، الحديث 4، 5، وذيله.
(5) الوسائل 19: 110، الباب 6 من أبواب دعوى القتل، الحديث 4، 5، وذيله.
(6) الوسائل 19: 110، الباب 6 من أبواب دعوى القتل، الحديث 4، 5، وذيله.
(7) المهذب البارع 5: 216.
(8) التنقيح 4: 440.
121

(وهي في العمد خمسون يمينا) إجماعا على الظاهر المصرح به في
جملة من العبائر، كالتنقيح وشرح الشرائع للصيمري (1) والروضة (2) ونكت
الإرشاد (3) والمسالك (4)، ولكن في الأخيرين نفى الخلاف عنه، وكأنهم
لم يعتدوا بخلاف ابن حمزة، حيث قال: إنها خمسة وعشرون في العمد إذا
كان هناك شاهد واحد (5). ووجهه غير واضح، عدا ما قيل له: من أنه مبني
على أن الخمسين بمنزلة شاهدين (6). وهو اعتبار ضعيف، لا تساعده الأدلة،
بل إطلاقها من الفتوى والرواية على خلافه واضحة المقالة، مع مخالفته
الأصل والاحتياط بلا شبهة.
(وفي الخطأ) وشبهه (خمسة وعشرون على الأظهر) وفاقا للشيخ
في كتبه الثلاثة (7) والقاضي (8) والصهرشتي (9) والطبرسي (10) وابن
حمزة (11) والفاضلين، هنا وفي الشرائع (12) والمختلف (13)، ويميل إليه
الشهيدان في النكت (14) والمسالك (15) والفاضل المقداد في التنقيح (16)
وغيرهم من المتأخرين، وجعله المشهور في القواعد (17) وادعى عليه

(1) غاية المرام: 202 س 11 (مخطوط).
(2) الروضة 10: 73.
(3) غاية المراد: 206 س 21 (مخطوط).
(4) المسالك 15: 204 - 205.
(5) الوسيلة: 460.
(6) كشف اللثام 2: 461 س 34.
(7) النهاية 3: 372، المبسوط 7: 211، الخلاف 5: 308، المسألة 4.
(8) المهذب 2: 500.
(9) إصباح الشيعة: 530.
(10) مجمع الفائدة 14: 193.
(11) الوسيلة: كتاب أحكام القتل والشجاج ص 460.
(12) الشرائع 4: 224.
(13) المختلف 9: 299 - 300.
(14) غاية المراد: 207 س 6 (مخطوط).
(15) المسالك 15: 205.
(16) التنقيح 4: 439.
(17) القواعد 3: 618.
122

الشيخ إجماع الطائفة (1)، ونسبه في الغنية إلى رواية الأصحاب (2)، مشعرا
بالإجماع عليها. وهو الحجة; مضافا إلى المعتبرة:
ففي الصحيح: القسامة خمسون رجلا في العمد، وفي الخطأ خمسة
وعشرون رجلا، وعليهم أن يحلفوا بالله تعالى (3).
وفي آخر وغيره: والقسامة جعل في النفس على العمد خمسين رجلا
وجعل في النفس على الخطأ خمسة وعشرين رجلا (4).
وهي مع صحة سند أكثرها واعتضادها بالإجماع المنقول لا معارض
لها، كما ستعرف إن شاء الله تعالى، ومؤيدة بما استدل به في المختلف، فقال:
لنا أنه أدون من قتل العمد فناسب تخفيف القسامة، ولأن التهجم على الدم
بالقود أضعف من التهجم على أخذ الدية، فكان التشدد في إثبات الأول
أولى (5).
خلافا للمفيد (6) والديلمي (7) والحلي (8) وغيرهم، فساووا بينه وبين
العمد في الخمسين، واختاره الفاضل في صريح الإرشاد (9) والقواعد (10)
وظاهر التحرير (11) وولده في الإيضاح (12) والشهيدان في اللمعتين (13).
ومستندهم غير واضح، عدا الأصل، والاحتياط، وإطلاقات الأخبار
بالخمسين، والأول مخصص بما مر، والثاني معارض بالمثل، فإن زيادة

(1) الخلاف 5: 308، المسألة 4.
(2) الغنية: 441.
(3) الوسائل 19: 119، الباب 11 من أبواب دعوى القتل، الحديث 1.
(4) الوسائل 19: 119، الباب 11 من أبواب دعوى القتل، الحديث 2.
(5) المختلف 9: 299 - 300.
(6) المقنعة: 736.
(7) المراسم: 232.
(8) السرائر 3: 338.
(9) الإرشاد 2: 219.
(10) القواعد 3: 618.
(11) التحرير 2: 252، السطر الأخير.
(12) الإيضاح 4: 615.
(13) اللمعة والروضة 10: 73.
123

الأيمان على الحالف تكليف ينافي إلزام المكلف به طريقة الاحتياط.
والأخبار لا إطلاق لها، فإنها ما بين نوعين:
نوع ورد في قضية عبد الله بن سهل، وسياقها أجمع ظاهر، بل صريح في
قتله عمدا، فإن من جملتها الصحيح: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بينما هو بخيبر إذ
فقدت الأنصار رجلا منهم فوجدوه قتيلا فقالت الأنصار: إن فلانا اليهودي
قتل صاحبنا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للطالبين: أقيموا رجلين عدلين من
غيركم أقيده برمته، فإن لم تجدوا شاهدين فأقيموا قسامة خمسين رجلا
أقيده برمته فقالوا: يا رسول الله ما عندنا شاهدان من غيرنا وإنا لنكره أن
نقسم على ما لم نره، فوداه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: إنما حقن دماء المسلمين
بالقسامة، لكن إذا رأى الفاجر الفاسق فرصته من عدوه حجزه ذلك مخافة
القسامة فكف عن قتله وإلا حلف المدعى عليه قسامة خمسين رجلا ما
قتلنا ولا علمنا قاتلا، وإلا أغرموا الدية إذا وجدوا قتيلا بين أظهرهم إذا لم
يقسم المدعون (1). ونحوه غيره. وهو كما ترى ظاهر فيما ذكرناه، مع أنها
على تقدير تسليم إطلاقها قضية في واقعة، لا عموم لها ينفع المتنازع قطعا.
ونوع ورد، معللا لشرعية القسامة بما مر في الصحيحة من العلة، وهي
صريحة في اختصاصها بالعمد دون الخطأ وما يشبهه.
وبالجملة لا ريب في ضعف هذه الأدلة، وعدم صلوحها للحجية، فضلا
أن يعترض بها نحو الأدلة السابقة، مع ما هي عليه من الكثرة والخلوص عن
شائبة الوهن والريبة.
فهذا القول ضعيف في الغاية، وإن ادعى عليه إجماع المسلمين في
السرائر (2) والشهرة في الروضة (3)، لظهور وهن الأول بمخالفة عظماء

(1) الوسائل 19: 114، الباب 9 - 10 من أبواب دعوى القتل، الحديث 3.
(2) السرائر 3: 338.
(3) الروضة 10: 73.
124

الطائفة، مع أنه لم ينقل موافقا له عدا المفيد خاصة، وعلى تقدير سلامته عن
الوهن فهو معارض بإجماع الشيخ (1).
وبنحو هذا يجاب عن دعوى الشهرة فإنها على تقدير تسليمها معارضة
بنقل الشهرة على الخلاف في القواعد (2)، كما عرفته.
وبالجملة المذهب هو القول الأول وإن كان الثاني أحوط، لكن لا مطلقا
كما زعموه، بل إذا بذل الحالف الزيادة برضا ورغبة، وإلا فإلزامه بها خلاف
الاحتياط أيضا، كما عرفته.
وكيفيتها أن يحلف المدعي وأقاربه أولا، فإن بلغوا العدد المعتبر وحلف
كل واحد منهم يمينا، وإلا كررت عليهم بالسوية أو التفريق والتخيير إليهم
كما لو زاد عددهم عن العدد المعتبر.
(ولو لم يكن للمدعي قسامة) أو امتنعوا كلا أو بعضا، لعدم العلم أو
اقتراحا حلف المدعي ومن يوافقه إن كان، وإلا (كررت عليه الأيمان)
حتى يأتي بالعدد كملا.
(ولو لم يحلف وكان للمنكر من قومه قسامة حلف كل منهم حتى
يكملوا) العدد.
(ولو لم يكن له قسامة) يحلفون (كررت عليه الأيمان حتى يأتي
ب‍) تمام (العدد).
وهذا التفصيل كما هو وإن لم يستفد من أخبار القسامة إلا أنه لا خلاف
فيه أجده، بل عليه الإجماع في الغنية (3).
وربما يتوهم من بعض النصوص حلف المنكر أولا وإلا فأولياء الدم،
كالصحيح في قضية عبد الله بن سهل، المتضمن لقوله (صلى الله عليه وآله) لأولياء الدم:

(1) الخلاف 5: 308، المسألة 4.
(2) القواعد 3: 618.
(3) الغنية: 440 - 441.
125

يحلف اليهود، قالوا: كيف يحلف اليهود على أخينا قوم كفار؟ قال: فأحلفوا
أنتم، قالوا: كيف نحلف (1) الحديث. لكنه محمول على عدم القصد إلى بيان
الترتيب، وإلا فالمعتبرة الواردة في تلك القضية مستفيضة بعكس الترتيب،
المذكور في هذه الصحيحة:
فمنها الصحيح: فقال (صلى الله عليه وآله): لهم فليقسم خمسون رجلا منكم على رجل
ندفعه إليكم، قالوا: كيف نقسم على ما لم نر؟ قال: فيقسم اليهود، قالوا: كيف
نرضى باليهود (2)؟ الحديث. ونحوه آخر.
وفي آخره: وإلا حلف المدعى عليه قسامة خمسين رجلا ما قتلنا ولا
علمنا له قاتلا، وإلا أغرموا الدية إذا وجدوا قتيلا بين أظهرهم إذا لم يقسم
المدعون (3).
ونحوهما الخبر وهو طويل وفي آخره: فإذا ادعى الرجل على القوم
أنهم قتلوا كانت اليمين لمدعي الدم قبل المدعى عليهم فعلى المدعي أن
يجيء بخمسين يحلفون أن فلانا قتل فلانا فيدفع إليهم الذي حلف عليه وإن
لم يقسموا فإن على الذين ادعى عليهم أن يحلف منهم خمسون ما قتلنا (4)،
الخبر.
وهو صريح في اعتبار الترتيب.
ونحوه آخر: عن القسامة على من هي؟ أعلى أهل القاتل أو على أهل
المقتول؟ قال: على أهل المقتول (5)، الحديث.
ويستفاد من سابقه أنه لو كان المدعى عليه أكثر من واحد يكتفى بحلف
الجميع العدد من دون اشتراط حلف كل واحد منهم العدد، كما عليه الشيخ

(1) الوسائل 19: 116، الباب 10 من أبواب دعوى القتل، الحديث، 1، 3، 5، والباب 9، الحديث 3، 6.
(2) الوسائل 19: 116، الباب 10 من أبواب دعوى القتل، الحديث، 1، 3، 5، والباب 9، الحديث 3، 6.
(3) الوسائل 19: 116، الباب 10 من أبواب دعوى القتل، الحديث، 1، 3، 5، والباب 9، الحديث 3، 6.
(4) الوسائل 19: 116، الباب 10 من أبواب دعوى القتل، الحديث، 1، 3، 5، والباب 9، الحديث 3، 6.
(5) الوسائل 19: 116، الباب 10 من أبواب دعوى القتل، الحديث، 1، 3، 5، والباب 9، الحديث 3، 6.
126

في الخلاف مدعيا عليه الوفاق (1).
خلافا له في المبسوط (2) ولغيره، قالوا: لأن الدعوى واقعة على كل
واحد منهم بالدم، ومن حكمها حلف المنكر العدد، وهو الوجه لضعف الخبر،
مع عدم جابر له في محل البحث مع عدم صراحته، لاحتماله الحمل على
كون الدعوى على القوم على واحد منهم، لصحة الإضافة لأدنى ملابسة،
وربما يشير إلى كونه المراد من الرواية قوله (عليه السلام) في آخرها: «يحلفون أن
فلانا قتل فلانا فيدفع إليهم» (3).
وهو ظاهر في أن المدعى عليه واحد، وإنما أضاف الدعوى إلى القوم
لكونه منهم، والإجماع موهون، سيما مع مخالفة الناقل بنفسه، لكن ظاهر
جملة من الأخبار الواردة في قضية سهل هو الأول، لظهورها في دعوى
الأنصار على اليهود أنهم قتلوا صاحبهم، ومع ذلك فقد اكتفى (صلى الله عليه وآله) منهم بأن
يحلفوا خمسين.
ففي الصحيح: خرج رجلان من الأنصار يصيبان من الثمار فتفرقا فوجد
أحدهما ميتا، فقال أصحابه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) إنما قتل صاحبنا اليهود (4)،
الحديث. ونحوه غيره (5).
ولكن في الصحيح: فقدت الأنصار رجلا منهم فوجدوه قتيلا، فقالت
الأنصار: أن فلانا اليهودي قتل صاحبنا (6).
وهو صريح في المخالفة لتلك والقضية واحدة، والجمع بينهما يقتضي
إرجاع تلك إلى هذه، لصراحته دونها، لاحتمالها الحمل على نحو ما مر مما
يرجع إليه دونه.

(1) الخلاف 5: 314، المسألة 13.
(2) المبسوط 7: 211.
(3) الوسائل 19: 116، الباب 10 من أبواب دعوى القتل، الحديث 5، 1، 3.
(4) الوسائل 19: 116، الباب 10 من أبواب دعوى القتل، الحديث 5، 1، 3.
(5) الوسائل 19: 116، الباب 10 من أبواب دعوى القتل، الحديث 5، 1، 3.
(6) الوسائل 19: 114، الباب 10 من أبواب دعوى القتل، الحديث 3.
127

وكيف كان لو حلف المدعى عليه هو أو مع قومه بطلت الدعوى
وأخذت الدية من بيت المال، لدخوله فيمن جهل قاتله، ولئلا يطل دم امرئ
مسلم، ولخصوص الصحيح: إذا لم يقم القوم المدعون البينة على قتل قتيلهم
ولم يقسموا بأن المتهمين قتلوه حلف المتهمون بالقتل خمسين يمينا بالله ما
قتلناه، ولا علمنا له قاتلا ثم يؤدي الدية إلى أولياء القتيل (1).
(ولو نكل) عن الأيمان كلا أو بعضا (ألزم الدعوى عمدا) كان
القتل المدعى عليه (أو خطأ) ولا يرد اليمين على المدعي على الأشهر
الأقوى، بل عليه عامة متأخري أصحابنا، لظاهر الصحيح الثاني المتقدم من
النصوص المتضمنة لحلف المدعي أولا ثم المدعى عليه، ونحوه بعض
المعتبرة المنجبر قصور سنده بالجهالة بالشهرة ووجود ابن محبوب قبلها،
وقد حكى على تصحيح ما يصح عنه إجماع العصابة.
وفيه: إذا وجد مقتول في قبيلة قوم حلفوا جميعا ما قتلوه ولا يعلمون له
قاتلا، فإن أبوا أن يحلفوا أغرموا الدية فيما بينهم في أموالهم سواء بين جميع
القبيلة من الرجال المدركين (2).
خلافا للمبسوط فقال: يرد اليمين على المدعي (3)، كما في سائر
الدعاوي، وظاهر عبارته الإجماع عليه. وهو شاذ، وإجماعه موهون.
وعليه فهل يرد القسامة، أم يكتفي بيمين واحدة؟ وجهان، والمحكي عن
ظاهر عبارة المبسوط (4) هو الأول. وقيل: إن قلنا إن الخمسين يمين واحدة
فله الرد، وإلا فلا (5).

(1) الوسائل 19: 114، الباب 10 من أبواب دعوى القتل، الحديث 6.
(2) الوسائل 19: 114، الباب 9 من أبواب دعوى القتل، الحديث 5.
(3) المبسوط 7: 210.
(4) كشف اللثام 2: 462 س 1 - 2 - 21.
(5) كشف اللثام 2: 462 س 1 - 2 - 21.
128

(ويثبت الحكم في الأعضاء بالقسامة) كثبوته بها في النفس بلا
خلاف أجده، بل عليه إجماعنا في المبسوط على ما حكاه عنه في
التنقيح (1)، وهو أيضا في غيره. وهو الحجة; مضافا إلى النصوص الآتية.
خلافا لأكثر العامة.
وهل يعتبر اقتران الدعوى هنا (مع التهمة) كما في النفس، أم لا؟
ظاهر العبارة ونحوها الأول، وهو صريح جماعة ومنهم الحلي (2). قيل:
مدعيا في ظاهر كلامه الإجماع عليه (3). وهو الحجة; مضافا إلى بعض ما
قدمنا في اعتباره في أصل القسامة.
خلافا للمحكي عن المبسوط (4) فاختار الثاني. وحجته غير واضحة،
سيما في مقابلة تلك الأدلة.
(فما كانت ديته دية النفس كالأنف واللسان) ونحوهما
(فالأشهر) كما هنا وفي غيره (أن) عدد (القسامة ستة رجال) وهو
خيرة الشيخ (5) وأتباعه، وفي الغنية الإجماع عليه (6). وهو الحجة; مضافا
إلى المعتبرة المروية في الكتب الثلاثة، وفيها الصحيح وغيره فيما أفتى به
أمير المؤمنين (عليه السلام) في الديات.
ومن جملته: في القسامة جعل على العمد خمسين رجلا، وجعل في
النفس على الخطأ خمسة وعشرين رجلا، وعلى ما بلغت دية الجوارح ألف دينار
ستة نفر، فما كان دون ذلك فبحسابه من ستة نفر (7) الحديث.
خلافا للديلمي (8) والحلي (9) فساويا بين النفس والأعضاء في اعتبار

(1) التنقيح 4: 442.
(2) السرائر 3: 338.
(3) كشف اللثام 2: 462 س 1 - 2 - 21.
(4) كشف اللثام 2: 462 س 1 - 2 - 21.
(5) المبسوط 7: 223.
(6) الغنية: 441.
(7) الكافي 7: 362، الحديث 9، التهذيب 10: 169، الحديث 8، الفقيه 4: 78، الحديث 5150.
(8) المراسم: 232.
(9) السرائر 3: 340 - 341.
129

الخمسين أو خمسة وعشرين إن قلنا بها في الخطأ، وإلا فالخمسين مطلق،
وحكاه الثاني عن المفيد أيضا (1)، واختاره أكثر المتأخرين جدا، لكن لم
يذكروا الخمسة وعشرين في الخطأ، بل ذكروا الخمسين مطلقا، وفي
المسالك وغيره أنه مذهب الأكثر (2) بقول مطلق، وفي غيرهما أنه المشهور.
وحجتهم غير واضحة، عدا مخالفة القسامة للأصل كما تقدم إليه
الإشارة. فيقتصر فيما خالفه على المتيقن من الفتوى والرواية، وليس سوى
الخمسين لا الستة. وهو حسن لولا ما مر من المعتبرة المتضمنة للصحيح
على المختار، والحسن القريب منه على المشهور.
وكلاهما حجة على الأشهر الأظهر، سيما مع التأيد بغيره ولو ضعف، مع
احتمال جبر ضعفه بالشهرة القديمة المحكية، وحكاية الإجماع المتقدمة، مع
أنها بنفسها حجة مستقلة، لأن الشهرة المخالفة إنما هي من المتأخرين
خاصة، فلا تؤثر في وهنها، لأنها سابقة.
وخروج نحو الديلمي (3) والحلي (4) والمفيد (5) على تقدير خروجه لا
تؤثر الوهن فيها بلا شبهة، مع أن عمدة المتأخرين وهو الفاضل قد احتاط
بهذا القول في التحرير (6)، مشعرا باختياره الأول أو التردد فيه وفي الثاني،
وفي المختلف (7) رجع عنه، وصرح باختياره الأول وإن نسبه في
الإيضاح (8) وغيره في غيره إلى الثاني، لكنه وهم وإلى المختار ذهب الخال
العلامة المجلسي (رحمه الله) (9) والمقدس الأردبيلي (رحمه الله) (10).
وعليه (يقسم كل منهم) أي من الستة رجال (يمينا ومع عدمهم)

(1) السرائر 3: 340 - 341.
(2) المسالك 15: 208.
(3) المراسم: 232.
(4) السرائر 3: 340.
(5) أنظر المقنعة: 736.
(6) التحرير 2: 253 س 24.
(7) المختلف 9: 301.
(8) الإيضاح 4: 616.
(9) ملاذ الأخيار 16: 345 - 346.
(10) مجمع الفائدة 14: 194.
130

أو امتناعهم مطلقا (يحلف الولي) للدم ومن يوافقه إن كان (ستة إيمان)
] وقيل: خمسون يمينا احتياطا [(1) (2).
(ولو لم يكن) له (قسامة أو امتنع) الولي من الحلف وغيره (أحلف
المنكر) إن شاء (مع قومه ستة) أيمان.
(ولو لم يكن له قوم) أو امتنعوا كلا أو بعضا يحصل به العدد (حلف
هو) أي المنكر (الستة) أيمان.
(و) في‍ (ما كانت ديته دون دية النفس ف‍) يحلف (بحساب
الستة) ففي اليد الواحدة ثلاثة أيمان، وفي الإصبع الواحدة يمين واحدة،
وكذا الجرح إن كان فيه ثلث الدية كانت فيه يمينان، وهكذا.
وكذلك على القول الثاني، لكن يبدل فيه الستة بالخمسين، والثلاثة
بالخمس وعشرين، والواحدة بالخمس، وهكذا.
ولا دليل لاعتبار نسبة الأقل إلى الأكثر على هذا القول، كما ذكره
المقدس الأردبيلي (رحمه الله) (3) مضعفا له به، عدا عدم الخلاف فيه، الظاهر بلوغه
حد الإجماع.
وحاصله الإجماع على اعتبارها وإن اختلفوا في الأكثر الذي ينسب إليه
أهو ستة أم خمسون؟ وهذا الإجماع لعله يؤيد تلك المعتبرة، لأنها هي
المتكفلة لاعتبار النسبة، واستنادهم في اعتبارها إلى دليل غيرها، مع عدم
ظهوره بعيد في الغاية.
(القول في الاستيفاء)
أي استيفاء القصاص، اعلم أن (قتل العمد يوجب القصاص)

(1) كشف اللثام 2: 462 س 22.
(2) ما بين المعقوفتين غير موجود في المخطوطات.
(3) مجمع الفائدة 14: 194.
131

بالأصالة (ولا يثبت الدية فيه إلا صلحا، ولا تخيير للولي) بينهما على
الأشهر الأقوى، بل عليه عامة متأخري أصحابنا وفي ظاهر الخلاف (1)
والمبسوط (2) وصريح السرائر (3) والغنية (4) أن عليه إجماع الإمامية. وهو
الحجة; مضافا إلى الآيات الكثيرة والسنة المتواترة بإثبات القود، وليس في
أكثرها التخيير بينه وبين الدية، فإثباته لمخالفة الأصل يحتاج إلى دلالة هي
في المقام مفقودة، كما ستعرفه، مضافا إلى خصوص المعتبرة:
منها الصحيح: من قتل مؤمنا متعمدا قيد به، إلا أن يرضى أولياء المقتول
أن يقبلوا الدية، فإن رضوا بالدية وأحب ذلك القاتل فالدية اثنا عشر ألفا،
الحديث (5).
خلافا للإسكافي فيتخير الولي بين القصاص والعفو وأخذ الدية، قال:
ولو شاء الولي أخذ الدية وامتنع القاتل من ذلك وبذل نفسه للقود كان الخيار
إلى الولي (6). وهو أيضا ظاهر العماني، حيث قال: فإن عفا الأولياء عن القود
لم يقتل وكان عليه الدية لهم جميعا (7).
وهذا القول شاذ، ومستنده غير واضح، عدا ما استدل له من النبويين.
في أحدهما: من قتل له قتيل فهو تخير النظرين، إما أن يفدى، وإما أن
يقتل (8).
وفي الثاني: من أصيب بدم أو خبل - والخبل الجراح - فهو بالخيار بين
إحدى ثلاث إما أن يقتص أو يأخذ العقل أو يعفو (9).

(1) الخلاف 5: 176، المسألة 40.
(2) المبسوط 7: 52.
(3) السرائر 3: 326.
(4) الغنية: 405.
(5) التهذيب 10: 159، الحديث 17.
(6) المختلف 9: 274.
(7) المختلف 9: 274.
(8) سنن البيهقي 8: 52.
(9) سنن البيهقي 8: 52.
132

والخاصي وفيه: العمد هو القود أو رضى ولي المقتول (1)، وأن فيه
إسقاط بعض الحق فليس للجاني الامتناع منه كإبراء بعض الدين، وإن الرضا
بالدية ذريعة إلى حفظ نفس الجاني الواجب عليه.
وفي الجميع نظر، لقصور الروايات سندا، بل ودلالة، إذ ليس فيها إلا
الخيار بين الثلاثة في الجملة لا كلية حتى لو لم يرض الجاني بالدية لكان له
الخيار في أخذها، وإنما غايتها الإطلاق الغير المنصرف إلى هذه الصورة،
فإن الغالب رضى الجاني بالدية مطلقا، سيما مع اختيار الولي لها، فإن النفس
عزيزة، مع احتمالها الحمل على التقية، لكونها مذهب الشافعي وأحمد
وجماعة من العامة، على ما حكاه عنهم بعض الأجلة، قال بعد نقل الخلاف
عنهم: فأوجبوا الدية بالعفو وإن لم يرض الجاني (2).
ويضعف الثاني: بمنع كون قبول الدية إسقاط حق، بل معاوضة صرفة
يحتاج إلى مراضاة الطرفين، كما لو أبرأ الدين أو بعضه بعوض من غير
جنسه.
والثالث: بعد تسليمه لا يفيد ثبوت الخيار للولي وتسلطه على أخذ الدية
من الجاني وإن كان بذلها واجبا عليه، فإن لكل تكليفا، وتكليف أحدهما
وهو الجاني لا يغير حكم الآخر وهو الولي من حرمة تسلطه على صاحبه.
ولعله لذا إن الشهيدين في اللمعتين (3) مع اختيارهما المختار مالا إلى
وجوب بذل الدية على الجاني مع قدرته عليه لو طلبها الولي، ولم ينسب
ثانيهما إلى الإسكافي سوى هذا، ولكن عبارته المحكية صريحة فيما نسبه
الأصحاب إليه، حتى هو في المسالك (4) مما قدمنا إليه الإشارة.

(1) الوسائل 19: 145، الباب 1 من أبواب ديات النفس، الحديث 13.
(2) كشف اللثام 2: 466 س 9.
(3) الروضة 10: 90.
(4) المسالك 15: 224 - 225.
133

هذا، مع أن هذه الأدلة لا تكافئ شيئا مما قدمناه، وسيما الإجماعات
المحكية حد الاستفاضة، المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون
إجماعا، بل لعلها إجماع في الحقيقة.
ولا يقدح فيه خروج القديمين (1) لمعلومية نسبهما المانعة من القدح في
الحجية; مضافا إلى الأصل وما بعده من المعتبرة (2) وإن لم يكن في المطلق
صريحة، فإن محل الدلالة فيها اشتراط رضى الجاني ببذل الدية، وهو
يحتمل الورود مورد الغالب، وهو حصول رضاه، كما عرفت فلا عبرة
بمفهومه، كما قرر في محله، ومر غير مرة.
ويتفرع على المختار أنه إذا طلب الولي المال تخير الجاني بين دفعه
وتسليم نفسه للقود، وأنه لو عفا عليه لم يصح عفوه بدون رضى القاتل، لأن
حقه ليس هو المال وعفوه لم يقع مطلقا، وأنه لو عفا كذلك سقط القود ولم
تلزم الدية، لأنها ليست واجبة له بالأصالة أو أحد أفراد الحق المخير حتى
يوجب إسقاط أحدهما بقاء الآخر.
(ولا) يجوز أن (يقضي) الحاكم (بالقصاص ما لم يتيقن التلف
بالجناية) فإن اشتبه اقتصر على القصاص في الجناية إن أمكن دون النفس
فإذا قطع الجاني يد شخص مثلا فمات المجني عليه بعد ذلك ولم يعلم
استناد موته إلى الجناية فلا يقتل الجاني إلا بعد تيقن حصول الموت
بالجناية، ومع الاشتباه يقتصر على قطع اليد دون القتل، ووجهه واضح.
والمراد باليقين ما يعم اليقين الشرعي الحاصل من نحو الإقرار
والشهادة. هذا بالنسبة إلى الحاكم.

(1) المختلف 9: 274.
(2) الوسائل 19: 37، الباب 19 من أبواب قصاص النفس، الحديث 3.
134

وأما بالنسبة إلى الشهود وولي الدم إذا أراد قتل الجاني حيث يجوز له
فلا بد من العلم الواقعي.
(وللولي الواحد المبادرة بالقصاص) بنفسه بعد تيقنه بثبوته من دون
توقف على شئ، وفاقا لأحد قولي المبسوط (1)، وعليه أكثر المتأخرين، بل
عامتهم، لأنه كالأخذ بالشفعة وسائر الحقوق، ولعموم «فقد جعلنا لوليه
سلطانا» (2)، ونحوه من الأدلة الدالة على جواز اقتصاص الولي من الجاني
بتعمده الجناية من دون دلالة فيها على توقفه على شئ ولا إشارة.
(وقيل) كما عن الخلاف (3) وموضع آخر من المبسوط (4) والمقنعة (5)
والمهذب (6) والكافي (7) (يتوقف على إذن الحاكم) ويحرم بدونه وإن لم
يضمن أرشا ولا دية، وعليه الفاضل في القواعد (8).
ولعله الظاهر من الغنية، فإن فيها ولا يستفيد إلا سلطان الإسلام أو من
يأذن له في ذلك، وهو ولي من ليس له ولي من أهله - إلى أن قال: - بلا
خلاف بين أصحابنا في ذلك كله (9).
وظاهره دعوى الإجماع عليه كالشيخ في الخلاف (10). فإن تم فهو
الحجة، لا ما يقال لهم من أنه يحتاج في إثبات القصاص واستيفائه إلى النظر
والاجتهاد، لاختلاف الناس في شرائطه وفي كيفية الاستيفاء، لخطر أمر
الدماء، فإن مفاده عدم الجواز مع عدم العلم بثبوت القصاص باحتمال
الاختلاف في النظر والاجتهاد، ونحن نقول به، لكنه خارج عن محل النزاع،

(1) المبسوط 7: 56.
(2) الإسراء: 33.
(3) الخلاف 5: 205، المسألة 80.
(4) المبسوط 7: 100.
(5) المقنعة: 760.
(6) المهذب 2: 485.
(7) الكافي في الفقه: 383.
(8) القواعد 3: 622.
(9) الغنية: 407.
(10) الخلاف 5: 205، المسألة 80.
135

إذ هو كما عرفت تيقن الولي بثبوت القصاص، وهو غير متوقف على إذن
الحاكم بالاقتصاص، لحصوله بمجرد حكمه به، بل ومن دونه أيضا لو كان
الولي عارفا بثبوت القصاص في واقعة عند مجتهده أو مطلقا حيث يكون
ثبوته إجماعيا أو ضروريا.
ولا ريب أن الاستئذان أحوط، سيما مع نقل نفي الخلاف الذي مر، مع
عدم ظهور وهنه من الخارج. إذ لم يخالف فيه من القدماء عدا الشيخ في
أحد قوليه (1). وهو بمجرده لا يوجب القدح فيه، سيما مع نفيه هو أيضا عنه
الخلاف في الخلاف (2)، وشهرة الخلاف إنما هو بين المتأخرين.
هذا، مع إشعار جملة من النصوص باعتبار الإذن كالخبر من قتله القصاص
بأمر الإمام، فلا دية له في قتل ولا جراحة (3). وقريب منه غيره (4). فتأمل.
وظاهر العبارة عدم الكراهة، ولكن حكم بها في الشرائع (5) ونحوه
الفاضل في التحرير (6)، ولا ريب فيها، لشبهة الخلاف الموجبة لها لا أقل
منها، قالا: وتتأكد الكراهة في قصاص الطرف. قيل: لأنه بمثابة الحد وهو
من فروض الإمام، ولجواز التخطي، مع كون المقصود معه بقاء النفس،
بخلاف القتل، ولأن الطرف في معرض السراية، ولئلا يحصل مجاحدة (7).
(ولو كانوا) أي الأولياء (جماعة) لم يجز لأحدهم الاستيفاء بنفسه،
بل يتوقف على الاجتماع، إما بالوكالة لأجنبي، أو أحدهم، أو بالإذن، وفاقا
للفاضلين (8) والشهيدين (9) وغيرهم من المتأخرين. وبالجملة المشهور كما

(1) المبسوط 7: 56.
(2) الخلاف 5: 205، المسألة 80.
(3) الوسائل 19: 47، الباب 24 من أبواب قصاص النفس، الحديث 8، 6.
(4) الوسائل 19: 47، الباب 24 من أبواب قصاص النفس، الحديث 8، 6.
(5) الشرائع 4: 228.
(6) التحرير 2: 255 س 13.
(7) المسالك 15: 229.
(8) التحرير 2: 255 س 18، الشرائع 4: 228.
(9) الروضة 10: 95.
136

في شرح الشرائع للصيمري (1)، لتساويهم في السلطان، ولاشتراك الحق فلا
يستوفيه بعضهم، ولأن القصاص موضوع للتشفي، ولا يحصل بفعل بعضهم.
و (قال الشيخ) في المبسوط (2) والخلاف (3): (لو بادر أحدهم)
بالاستيفاء (جاز) له ذلك (وضمن الدية عن حصص الباقين) وهو
خيرة السيدين (4)، مدعيين عليه الإجماع كالشيخ في الكتابين (5).
وهو الحجة، لا ما يقال لهم، أو قالوه من قوله تعالى: «فقد جعلنا لوليه
سلطانا» (6)، وبناء القصاص على التغليب، وأنه لو عفا بعضهم على مال أو
مطلقا كان للآخر القصاص، مع أن القاتل قد أحرز نفسه، فهنا كذلك بطريق
أولى.
لإمكان المناقشة في الجميع، لعدم ظهور الآية في المطلوب والتغليب
ليس بحجة بل غير مسلم فإنه يسقط بالشبهة مثل سائر الحدود وجواز
استقلال البعض بالاستيفاء، والقصاص بعد أخذ الباقي حقه بالعفو وغيره
لا يستلزم جوازه بدون أخذهم ذلك، فكيف الأولوية؟ فتأمل.
وهذه الوجوه وإن لم تصلح للحجية لكنها معاضدات قوية للإجماعات
المحكية حد الاستفاضة، السليمة مع ذلك عما يوجب وهنها سوى الشهرة
المتأخرة، وهي ليست بموهنة كما عرفته. والشهرة المطلقة المحكية معارضة
بدعوى المولى الأردبيلي (رحمه الله) في شرح الإرشاد (7) على هذا القول الأكثرية،
وبعد التساقط تبقى الإجماعات عن الوهن بها سليمة.
فإذن هذا القول في غاية القوة، سيما مع التأيد بما قيل: من أن الباقي إما

(1) غاية المرام: 202 س 13 (مخطوط).
(2) المبسوط 7: 69.
(3) الخلاف 5: 186، المسألة 52.
(4) الغنية: 406، لم نعثر على قول السيد المرتضى.
(5) المبسوط 7: 69.
(6) الإسراء: 33.
(7) مجمع الفائدة 13: 430 - 431.
137

أن يريد قتله، أو الدية، أو العفو، فإن أراد القتل فقد حصل، وإن أراد الدية
فالمباشر باذل، وإن أراد العفو فيعفو فيه أيضا (1)، إذ المقصود منه المثوبة من
الله سبحانه وهي على التقديرين حاصلة. فتأمل.
ولا ريب أن القول الأول أحوط.
(ولا قصاص) في النفس (إلا بالسيف أو ما جرى مجراه) من آلة
الحديد، ويقتصر المستوفي (على ضرب العنق) حال كونه (غير ممثل)
بقطع أذن أو أنف أو نحو ذلك مطلقا (ولو كانت الجناية) من الجاني
(بالتحريق) للمجني عليه (أو التغريق) له (أو الرضح) أي الرمي عليه
(بالحجارة) ونحوها من كل مثقل على الأشهر الأقوى، بل نفى في الغنية
عنه الخلاف بين أصحابنا (2)، مشعرا بدعوى الإجماع عليه كالفاضل المقداد
في التنقيح (3) وشيخنا في الروضة، حيث قالا - بعد نقل القول بجواز قتله
بمثل القتلة التي قتل بها ودليله -: وهو متجه لولا انعقاد الإجماع على
خلافه (4). وهو الحجة; مضافا إلى النصوص المستفيضة:
ففي جملة منها تضمنت الصحيح وغيره: عن رجل ضرب رجلا بعصا
فلم يقلع عنه الضرب حتى مات أيدفع إلى ولي المقتول فيقتله؟ قال: نعم،
ولكن لا يترك يعبث به، ولكن يجيز عليه بالسيف (5).
وفي المرسل: عن قول الله عز وجل: «فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا
يسرف في القتل» ما هذا الإسراف الذي نهى الله تعالى عنه؟ قال: نهى أن
يقتل غير قاتله أو يمثل بالقاتل (6).

(1) مجمع الفائدة 13: 430 - 431.
(2) الغنية: 408.
(3) التنقيح 4: 446.
(4) الروضة 10: 92.
(5) الوسائل 19: 24، الباب 11 من أبواب القصاص، الحديث 2.
(6) الوسائل 19: 95، الباب 62 من أبواب القصاص، الحديث 2.
138

وفي المروي عن قرب الإسناد: أن عليا (عليه السلام) لما قتله ابن ملجم قال:
احبسوا هذا الأسير - إلى أن قال (عليه السلام) -: فإن بدا لكم أن تقتلوه فلا تمثلوا به (1).
وفي آخر عنه أيضا: أن الحسن (عليه السلام) قدمه فضرب عنقه بيده (2). إلى غير
ذلك من النصوص.
خلافا للإسكافي، فقال بما مر، إما مطلقا كما يحكى عنه كثيرا، أو
مشروطا بما إذا وثق بأنه لا يتعدى، كما حكاه عنه في المختلف (3) وبعض
أصحابنا، لقوله تعالى: «فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم» والنبوي (صلى الله عليه وآله)
«من حرق حرقناه ومن غرق غرقناه». قيل: وروي أن يهوديا رضح رأس
جارية بالحجارة فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرضح رأسه، ولأن المقصود من
القصاص التشفي وإنما يكمل إذا قتل القاتل بمثل ما قتل به (4).
وفي الجميع نظر، عدا الآية الكريمة، فإنها فيما ذكره ظاهرة. والمصير
إليه لا يخلو عن قوة لولا ما قدمناه من الأدلة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي
كادت تكون إجماعا، بل لعلها إجماع، كما عرفته من هؤلاء الجماعة،
والمخالف شاذ وإن مال إليه جماعة، مر إليهم الإشارة، لكن لم يجسروا على
المخالفة، ولكنها صريح المسالك (5)، والمحكي عن المختلف (6) والجامع
حيث قال: ويقتص بالعصا ممن ضرب بها (7).
وعلى هذا القول يستثنى ما إذا حصل الجناية بمحرم كالسحر ووطء
الدبر ووجور الخمر أو البول مثلا في الحلق. ووجهه واضح.

(1) الوسائل 19: 96، الباب 62 من أبواب القصاص، الحديث 4.
(2) انظر المصدر السابق: ح 5.
(3) المختلف 9: 444.
(4) المسالك 15: 235 - 236.
(5) المسالك 15: 235 - 236.
(6) المختلف 9: 445.
(7) حكاه عنه الفاضل في كشف اللثام 2: 468 س 31.
139

وعلى المختار لو خالف فأسرف في القتل أساء ولا شئ عليه من
القصاص والدية، وأما التعزير فلا يسقط، لفعله المحرم.
(ولا يضمن سراية القصاص) في الطرف إلى النفس أو غيرها (ما لم
يتعد المقتص) فيقتص منه في الزائد إن اعترف به عمدا وإن قال خطأ
أخذت منه دية الزيادة ولا خلاف في شئ من ذلك أجده والنصوص بأصل
الحكم بعد الاعتبار مستفيضة كادت تبلغ التواتر، بل لعلها متواترة:
ففي الصحيح: أيما رجل قتله الحد والقصاص فلا دية له (1). الحديث.
وفي القوي: من اقتص منه فهو قتيل القرآن (2).
وفي الموثق: عمن أقيم عليه الحد أيقاد منه أو يؤدى ديته؟ قال: لا إلا
أن يزاد على القود (3).
وفيه الدلالة على الضمان في صورة التعدي والزيادة، وينبغي حمل الدية
المطلقة فيه على ديتها خاصة، لأن المستوفى من دونها حقه، فلا وجه لأخذ
الدية من أجله، ويدل عليه أيضا أنه بالنسبة إلى الزائد جان، فيلزم القصاص
أو الدية على حسب الجناية، للعمومات من الكتاب والسنة.
(وهنا مسائل) أربع:
(الأولى: لو اختار بعض الأولياء الدية) عن القود (فدفعها) إليه
(القاتل لم يسقط القود) لو أراده غيره (على الأشهر) بل لا خلاف فيه
يظهر، كما في عبائر جمع ممن تأخر كالفاضل المقداد في الشرح (4) وشيخنا
في الروضة (5) وغيرها، وفي شرح الشرائع للصيمري أن عليه فتوى
الأصحاب (6)، وظاهرهم الإجماع عليه كما ادعاه بعض الأصحاب (7)،

(1) الوسائل 19: 47، الباب 24 من أبواب قصاص النفس، الحديث 9، 2، 7.
(2) الوسائل 19: 47، الباب 24 من أبواب قصاص النفس، الحديث 9، 2، 7.
(3) الوسائل 19: 47، الباب 24 من أبواب قصاص النفس، الحديث 9، 2، 7.
(4) التنقيح 4: 446.
(5) الروضة 10: 96.
(6) غاية المرام: 202 س 23 (مخطوط).
(7) مفاتيح الشرائع 2: 140.
140

وبه صرح في الغنية (1)، وهو الحجة; مضافا إلى الأصل، وقوله سبحانه:
«فقد جعلنا» (2) الآية.
وخصوص الصحيحة الصريحة: في رجل قتل وله أب وأم وابن فقال
الأبن: أنا أريد أن أقتل قاتل أبي، وقال الأب: أنا أعفو وقالت الأم: أنا آخذ
الدية، قال: فليعط الابن أم المقتول السدس من الدية، ويعطى ورثة القاتل
السدس من الدية حق الأب الذي عفا وليقتله (3).
ونحوها رواية اخرى: في رجل قتل وله وليان فعفا أحدهما وأبى الآخر
أن يعفو، قال: إن أراد الذي لم يعف أن يقتل قتل ورد نصف الدية على أولياء
المقتول المقاد منه (4).
وقريب منهما الصحيح: عن رجل قتل رجلين عمدا ولهما أولياء فعفا
أولياء أحدهما وأبى الآخرون، قال: فقال: يقتل الذي لم يعف، وإن أحبوا أن
يأخذوا الدية أخذوا (5).
وعلى هذا ف‍ (للآخرين) الباقين (القصاص) لكن (بعد أن يردوا
على المقتص منه) الجاني (نصيب من فأداه) من الدية كما يستفاد من
الصحيح السابق وما بعده.
(و) كذلك (لو عفا البعض) من الأولياء مطلقا لم يسقط القود
و (لم يقتص الباقون حتى يردوا عليه) أي على الجاني (نصيب من
عفا) أيضا، بلا خلاف في هذا أيضا، ودل عليه الخبران الأولان، فلا إشكال
في الحكم في المسألتين بحمد الله وإن خالفته روايات مشتملة على الصحيح

(1) الغنية: 406.
(2) الإسراء: 33.
(3) الوسائل 19: 83، الباب 52 من أبواب قصاص النفس، الحديث 1، 2.
(4) الوسائل 19: 83، الباب 52 من أبواب قصاص النفس، الحديث 1، 2.
(5) المصدر السابق، الحديث 3.
141

وغيره دالة على سقوط القود بالعفو (1).
لكنها مع قصور أكثرها سندا وعدم مكافئتها لما مضى شاذة، لا قائل
بها، كما مضى، وإن أشعر عبارة الماتن هنا وفي الشرائع (2) والفاضل في
التحرير (3) والشهيد في اللمعة (4) بوجود مخالف في هذا الحكم، لكن الظاهر
عدم كون الخلاف منا، بل من العامة العمياء، كما حكاه عنهم جماعة من
أصحابنا، ولذا حملوا هذه الأخبار على التقية، قالوا: لاشتهار ذلك بينهم.
وهذا أجود من حمل هذه على الاستحباب أو ما ذكره الشيخ في
الاستبصار (5) من تقييدها بصورة ما إذا لم يؤد مريد القود الدية، وإن كان
لا بأس بهما أيضا، جمعا بين الأدلة.
(الثانية: لو فر القاتل) عمدا (حتى مات فالمروي) في الموثقين (6)
وغيرهما (7) (وجوب الدية في ماله) إن كان له مال (ولو لم يكن له مال
أخذت من الأقرب إليه فالأقرب) وزيد في الموثقين: فإن لم يكن له قرابة
أداه الإمام، فإنه لا يطل دم امرئ مسلم.
وبه أفتى أكثر الأصحاب، بل في الغنية الإجماع عليه (8). وهو حجة
اخرى، مضافا إلى الروايات المعتبرة سند أكثرها، والمنجبر بالشهرة باقيها.
(وقيل) كما في السرائر (9) وعن المبسوط (10): أنه (لا دية) لأن
الثابت بالآية والإجماع هو القصاص، فإذا فات محله فات.

(1) راجع الوسائل 19: 85، الباب 54 من أبواب القصاص.
(2) الشرائع 4: 230.
(3) التحرير 2: 255 س 27.
(4) الروضة 10: 96.
(5) الاستبصار 4: 263، الحديث 4.
(6) الوسائل 19: 303، الباب 4 من أبواب العاقلة، الحديث 1، 2، 3.
(7) الوسائل 19: 303، الباب 4 من أبواب العاقلة، الحديث 1، 2، 3.
(8) الغنية: 413.
(9) السرائر 3: 330.
(10) المبسوط 7: 65.
142

وهو حسن لولا ما مر من الإجماع المحكي والروايات، مع إمكان أن
يقال: بوجوب الدية.
ولو فرض عدمهما من حيث إنه فوت العوض مع مباشرة اتلاف
المعوض فيضمن البدل، كما يستفاد من الصحيح: عن رجل قتل رجلا عمدا
فدفع إلى الوالي فدفعه الوالي إلى أولياء المقتول ليقتلوه فوثب عليهم قوم
فخلصوا القاتل من يد الأولياء، فقال: أرى ان يحبس الذين خلصوا القاتل
من أيدي الأولياء حتى يأتوا بالقاتل، قيل: فإن مات القاتل وهم في السجن
فقال: إن مات فعليهم الدية (1).
وحيث ثبت بذلك وجوب الدية في ماله لو كان ثبت وجوبها في مال
الأقرب فالأقرب، مع عدمه بالإجماع المركب، إذ لا قائل بالفرق.
وأما ما يجاب عن هذا الاعتبار من انه لو مات فجأة ولم يمتنع من
القصاص ولم يهرب حتى مات لم يتحقق منه تفويت فهو متوجه إن لم
يخصص الدعوى بالهارب.
وأما مع التخصيص فلا، وهو ظاهر العبارة هنا وفي النهاية (2) والغنية (3)،
بل أكثر الأصحاب كما في المسالك (4) والنكت (5)، بل عامتهم عدا الفاضل
في الإرشاد (6)، كما في التنقيح (7).
ولعله الأقرب، اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد النص، ويحتمل
العموم، لما في بعضه من التعليل المفيد له، ثم الموثقان ليس فيهما اعتبار
الموت، بل علق الحكم فيهما على مطلق الهرب، وليس في غيرهما ما

(1) الوسائل 19: 34، الباب 16 من أبواب قصاص النفس، الحديث 1.
(2) النهاية 3: 364 - 366.
(3) الغنية: 413.
(4) المسالك 15: 260 - 262.
(5) غاية المراد: 199 س 5 (مخطوط).
(6) الإرشاد 2: 198.
(7) التنقيح 4: 447.
143

يقتضي التقييد به فيعتبر، وإنما وقع قيد الموت فيه في كلام الراوي،
وهو لا يوجبه وإن أوجب اختصاص الحكم في الجواب منه (عليه السلام) بمورده،
ولكنه غير التقييد.
هذا، مع أن في الكافي بعد نقل الموثقين قال: وفي رواية اخرى ثم
للوالي بعد حبسه وأدبه (1)، وهي وإن كانت مرسلة إلا أنها للتأييد صالحة،
ولكن ظاهر الأصحاب يفيد اعتباره.
(الثالثة: لو قتل واحد رجلين أو رجالا) عمدا (قتل بهم) لاستحقاق
ولي كل مقتول القصاص عليه بسبب قتله، فلو عفا بعض المستحقين لا على
مال كان للباقين القصاص من دون رد دية، وبه ينص الصحيح المتقدم ذيل
المسألة الأولى.
وإن اجتمعوا على المطالبة استوفوا حقوقهم (ولا سبيل) لهم (إلى
ماله) فإن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه.
(ولو تراضوا) أي الأولياء مع الجاني بالدية (فلكل واحد) منهم
(دية) كاملة بلا خلاف أجده، لما مر من استحقاق كل منهم عليه نفسا
كاملة، ولذا لو عفا أحدهم استحق الباقي القصاص من دون دية والدية
المصالح بها من كل إنما هي على ما يستحقه، وليس إلا نفسا كاملة، كما
عرفته، فما بأزائها أيضا دية كاملة إن لم يتراضوا بالأقل. ثم كل ذا إذا اتفقوا
على أحد الأمرين.
وأما لو اختلفوا فطلب بعضهم الدية والباقي القصاص فهل لهم ذلك؟
وجهان، من أن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه، ومن أن لكل قتيل
حكمه بانفراده ولو انفرد كان لوليه القصاص والعفو على الدية.

(1) الكافي 7: 365، الحديث 3.
144

ولا فرق في جميع ذلك بين جنايته على الجميع دفعة أو على التعاقب،
لكن في الأول لم يكن أحد الأولياء أولى من الآخر، حتى لو بادر أحدهم
بالقرعة أو مطلقا لم يكن آثما بل مستوفيا حقه، لأن له نفسا كاملة.
وفي استحقاق الباقين حينئذ الدية وجهان، من أن الواجب في العمد
القصاص وقد فات محله، ومن استلزامه أن يطل دم امرئ مسلم فينتقل إلى
بدلها وهو الدية إن لم يكن الواجب ابتداء أحد الأمرين.
والأول: مختار الشيخ (1)، وهو الأوفق بالأصل.
والثاني: مختار شيخنا الشهيد الثاني (2) وغيره، وفي الثاني يقدم السابق
في الاستيفاء، لاستحقاقه القصاص منفردا من غير معارض قبل تعلق حق
الباقين، فيقضي له بحكم الاستصحاب.
وفي أخذ الدية للباقين الوجهان المتقدمان.
ويحتمل مساواتهم، فلا يحكم للسابق كالسابق، لأن السبب الموجب
لاستحقاق القصاص هو قتل النفس المكافئة عمدا ظلما، وهو متحقق في
الجميع، فيستوون فيه، ويقدم أحدهم بالقرعة، أو يجتمعون على الاستيفاء.
وعلى كل تقدير، فإن بادر أحدهم واستوفى وقع موقعه، لأن له نفسا
مكافئة فقد استوفى تمام حقه من غير زيادة، وإن أساء حيث لا يكون هو
السابق على القول بتقديمه أو لم نقل بالتخيير. ويبقى الإشكال في سقوط
حق الباقين من حيث فوات محل القصاص، أو الانتقال إلى الدية.
(الرابعة: إذا ضرب الولي الجاني وتركه ظنا منه أنه مات فبرئ ففي
رواية) أنه (يقتص) بمثل ذلك الضرب (من الولي ثم يقتله الولي
أو يتتاركا) أي يترك كل واحد الآخر ويتجاوز عنه.

(1) المبسوط 7: 60.
(2) الروضة 10: 31.
145

وعمل بإطلاقها الشيخ وأتباعه كما في المسالك (1) وغيره (و) لم
يرتضه المتأخرون كالماتن هنا وفي الشرائع (2) والفاضل في الإرشاد (3)
والتحرير (4) والقواعد (5) وولده في شرحه (6) والفاضل المقداد في التنقيح (7)
وشيخنا في المسالك (8) وغيرهم.
قالوا: لأن (الراوي أبان بن عثمان. وفيه ضعف) بفساد عقيدته
بالناووسية على ما ذكره علي بن الحسن بن فضال (مع إرسال الرواية)
عمن أخبره.
(و) اختاروا في ذلك التفصيل فقالوا: (الوجه) في ذلك (اعتبار
الضرب) وملاحظته.
(فإن كان) ضربه (بما يسوغ) له قتله (به) و (الاقتصاص لم
يقتص من الولي) بل جاز له قتله من غير قصاص كما لو ضرب عنقه فظن
أنه مات والحال أنه لم يمت، وذلك لأنه استحق إزهاق نفسه من غير
قصاص، وما فعله به كان مباحا له، والإباحة لا تستعقب ضمانا، كما مضى.
وإن كان ضربه بما لا يسوغ له قتله به، كأن ضربه بالعصا والحجر
ونحوهما كان للجاني أن يقتص من الولي ثم يسلم نفسه للقتل، أو يتتاركا.
وهو حسن.
ويمكن حمل الرواية عليه، لعدم صراحتها في الإطلاق، مع كونها قضية
في واقعة، فلا عموم فيها، بل لعلها ظاهرة في القسم الثاني.
وهذا هو الوجه في الذب عنها، لا ما ذكروه من ضعف الراوي، لعدم

(1) المسالك 15: 268.
(2) الشرائع 4: 233.
(3) الإرشاد 2: 199.
(4) التحرير 2: 256 س 31 - 32.
(5) القواعد 3: 629.
(6) الإيضاح 4: 631.
(7) التنقيح 4: 451.
(8) المسالك 15: 268.
146

ثبوته إلا بإخبار من يضاهيه في فساد العقيدة، فإن ثبت بأخباره قبل روايته،
إذ كما لا يمنع فساد العقيدة في المخبر كذا لا يمنع في المخبر عن حاله، مع
عدم صراحة خبره في فساد عقيدته بعد احتمال أن يراد به أنه من قوم
ناووسية، لا أنه ناووسي العقيدة.
ولو سلم جميع ذلك فقول علي بن الحسن معارض بقول الكشي إن
العصابة قد اجتمعت على تصحيح ما يصح عنه والإقرار له بالفقه (1)، وهو
أعدل من الجارح، فليقدم عليه.
ولو سلمنا الجمع بينهما أفاد كونه موثقا كما هو المشهور، أو قويا على
الأقوى، بناء على عدم ظهور دعوى الإجماع في التوثيق وإن جعلوها
صريحة فيه، أو ظاهرة.
وبالجملة فلا ريب في قوة الراوي، وجواز الاعتماد على روايته كما هو
ظاهر المشهور، وصرح به في الخلاصة (2).
وأما الإرسال بعده فمنجبر بحكاية الإجماع المتقدمة، كما عرفته غير
مرة. فتأمل.
هذا، مضافا إلى عمل الشيخ بها (3) ومن تبعه، مع أن الرواية مروية في
الكتب الثلاثة (4)، وسندها في الكافي والتهذيب وإن كان ضعيفا قبل أبان
بالإرسال أيضا في الأول والجهالة في الثاني، لكنه في الفقيه إليه صحيح،
ومع ذلك فليس بعده أيضا إرسال فإنها رويت فيه هكذا.
وفي رواية أبان بن عثمان أن عمر بن الخطاب: أتي برجل قد قتل أخا

(1) اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) 2: 673، رقم 705.
(2) خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: 21.
(3) النهاية 3: 451.
(4) الكافي 7: 360، الحديث 1 التهذيب 10: 278، الحديث 13، الفقيه: 4: 174، الحديث
5401.
147

رجل فدفعه إليه وأمره أن يقتله فضربه الرجل حتى رأى أنه قد قتله فحمل
إلى منزله فوجدوا به رمقا فعالجوه حتى برئ فلما خرج أخذه أخ المقتول
الأول فقال: أنت قاتل أخي ولي أن أقتلك فقال له: قد قتلتني مرة فانطلق به
إلى عمر فأمر بقتله، فخرج وهو يقول: يا أيها الناس قد قتلني والله مرة فمروا
به على علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه فأخبره بخبره، فقال: لا
تعجل عليه حتى أخرج إليك فدخل علي (عليه السلام) على عمر، فقال: ليس الحكم
فيه هكذا، فقال: ما هو يا أبا الحسن؟ فقال: يقتص هذا من أخ المقتول الأول
ما صنع به ثم يقتله بأخيه فظن الرجل أنه إن اقتص منه أتى على نفسه فعفا
عنه وتتاركا (1). فتأمل جدا.
(ولو قتل) رجل (صحيح مقطوع اليد فأراد الولي قتله رد دية
اليد) عليه (إن كانت قطعت في قصاص أو أخذ) المقطوع (ديتها، وإن
شاء) الولي (طرح دية اليد وأخذ الباقي) من دية النفس وهو النصف.
(وإن) كانت يده (ذهبت من غير جناية جناها) كما لو سقطت بآفة
سماوية أو غيرها (ولا أخذ لها دية كاملة) مع الجناية عليه (قتل قاتله
ولا رد) هنا بلا خلاف فيه ولا شبهة يعتريه، لعموم النفس بالنفس كتابا
وسنة، السليم هنا عن المعارض بالكلية.
ومقتضاه وإن كان عدم الرد في الصورة السابقة أيضا، إلا أنه إنما نشأ
فيها من رواية وردت في المسألة، وهي رواية سورة بن كليب المروي في
الكافي (2) والتهذيب (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال سئل عن رجل قتل رجلا
عمدا وكان المقتول أقطع اليد اليمنى، فقال: إن كانت قطعت يده في جناية

(1) الفقيه 4: 174، الحديث 5401.
(2) الكافي 7: 316، الحديث 1.
(3) التهذيب 10: 277، الحديث 9.
148

جناها على نفسه أو كان قطع فأخذ دية يده من الذي قطعها، فإن أراد
أولياؤه أن يقتلوا قاتله أدوا إلى أولياء قاتله دية يده التي قيد منها إن كان
أخذ دية يده ويقتلوه، وإن شاؤوا طرحوا عنه دية يد وأخذوا الباقي، قال:
وإن كانت يده قطعت في غير جناية جناها على نفسه ولا أخذ لها دية قتلوا
قاتله ولا يغرم شيئا، وإن شاؤوا أخذوا دية كاملة، وقال: هكذا وجدنا في
كتاب علي (عليه السلام).
وعمل بها الحلي في السرائر (1) والفاضل في التحرير (2) وغيرهما.
وهو مشكل بجهالة الراوي، وعدم ظهور ما يوجب حسنه وإن ادعاه في
المسالك (3)، ولذا ردها فخر الدين في الإيضاح (4)، ولكن في السند قبله
الحسن بن محبوب المجمع على تصحيح ما يصح عنه فينجبر به الجهالة، مع
التأيد بما قيل: من أنه لا يقتص للناقص من الكامل إلا بعد الرد كالمرأة من
الرجل (5)، فهنا كذلك، وبأنه لو قطع كفه بغير أصابع قطعت كفه بعد رد دية
الأصابع، كما يأتي في الخبر.
وفي الاستدلال بهذين المؤيدين نظر، لمنع الكلية في الأول، وما ذكره
في بيانها من قصاص المرأة قياس غير مسموع، ومع ذلك مع الفارق، لنقص
المرأة نفسا لا طرفا، مع معارضته بالقسم الأخير المتقدم فيما نحن فيه، الذي
لا رد فيه اتفاقا.
وكذا الكلام في الثاني بعد تسليمه فإن مقتضاه الرد على الإطلاق،
ولا يقولون به فيما نحن فيه، فهو وإن قوي من جهته لكن ضعف من اخرى.

(1) السرائر 3: 404.
(2) التحرير 2: 256 س 29.
(3) المسالك 15: 265.
(4) الإيضاح 4: 631.
(5) المسالك 15: 264.
149

وبالجملة ليس المستند في المسألة عدا الرواية المتقدمة، فإن قلنا
باعتبارها سندا كانت هي الحجة، وإلا فالقول بما عليه الفخر (1) أقوى، لكن
الشأن في إثباته وفي الاكتفاء فيه بما ذكرنا إشكال.
فالمسألة، محل تردد وإشكال، كما هو ظاهر الماتن، وصريح الفاضل
في الإرشاد (2) والقواعد (3) وغيرهما.
ثم إن إطلاق العبارة بجواز الاقتصاص من القاتل بعد رد الدية عليه أو
مطلقا يقتضي عدم الفرق بين كونه هو القاطع أو غيره، عفا عنه المقطوع أم
لا، كما هو الأشهر الأقوى، بل عن المبسوط أنه مذهبنا (4)، للعمومات
السليمة عن المعارض أصلا.
وعن المبسوط (5) حكى وجها بعدم الجواز في الصورة الأولى، مع كون
الجناية الأولى معفوا عنها، أخذا من أن القتل بعد القطع كسراية الجناية
الأولى، وقد سبق العفو عن بعضها، فليس له القصاص في الباقي أيضا.
وهو كما ترى، فإن القتل إحداث قاطع للسراية، فكيف يتوهم أنه
كالسراية؟ وعلى تقديره فاستلزام العفو عن البعض لسقوط القود، ممنوع
ويشير إليه المرسل: في رجل شج رجلا موضحة ثم يطلب فيها فوهبها له ثم
انتقضت به فقتلته، فقال: هو ضامن للدية، إلا قيمة الموضحة، لأنه وهبها
ولم يهب النفس (6)، الحديث. فتدبر.
* * *

(1) الإيضاح 4: 631.
(2) الإرشاد 2: 199.
(3) القواعد 3: 629.
(4) المبسوط 7: 67.
(5) المبسوط 7: 67.
(6) الوسائل 19: 297، الباب 7 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 1.
150

(القسم الثاني)
(في قصاص الطرف)
والمراد به ما دون النفس وان لم يتعلق بالأطراف المشهورة من اليد
والرجل والأذن والأنف وغيرها كالجرح على البطن والظهر وغيرهما.
(ويشترط فيه التساوي) في الإسلام والحرية أو كون المقتص منه
أخفض وانتفاء الأبوة إلى آخر ما فصل سابقا.
وبالجملة الحكم هنا في الشروط، بل العمد وشبهه والخطأ. (كما في
قصاص النفس) قد مضى بلا خلاف، بل عليه الإجماع في صريح
الغنية (1)، وظاهر غيره. وهو الحجة; مضافا إلى الإجماع القطعي، بل
الضرورة، والكتاب، والسنة، المتقدم بعضها، والآتي إلى جملة منها الإشارة
في أصل ثبوت القصاص في الأطراف.
قال سبحانه: «والجروح قصاص» «والأذن بالأذن» «والأنف بالأنف» (2)
و «فمن اعتدى عليكم فاعتدوا» (3) الآية.
وفي الخبر: في أم الولد تقاص منها للمماليك ولا قصاص بين الحر والعبد (4).

(1) الغنية: 404.
(2) المائدة: 45.
(3) البقرة: 194.
(4) الوسائل 19: 76، الباب 43 من أبواب قصاص النفس، الحديث 1.
151

وهو ظاهر في اشتراط التساوي في الحرية حتى في الأطراف،
للإطلاق، ويستفاد اشتراط التساوي في غيرها بعد الإجماع المركب، مضافا
إلى الإجماع البسيط من تتبع النصوص، بل الاعتبار أيضا. فتدبر.
(فلا يقتص في الطرف لمن لا يقتص له في النفس، و) لا يشترط
التساوي في الذكورة والأنوثة، بل (يقتص للرجل من المرأة، ولا رد
وللمرأة من الرجل مع الرد فيما زاد عن الثلث) أو بلغه على الخلاف
المتقدم، هو مع نقل الإجماع والنصوص المستفيضة على ثبوت أصل
التقاص بينهما في بحث الشرط الأول من شرائط القصاص الخمسة، فلا
وجه للإعادة.
(ويعتبر) هنا زيادة على شروط النفس المتقدمة (التساوي) أي
تساوي العضوين المقتص به ومنه (في السلامة) من الشلل أو فيه، مع
انتفاء التعزير في المقتص منه.
والشلل قيل: هو يبس اليد أو الرجل بحيث لا يعمل وإن بقي فيها حس
أو حركة ضعيفة. وربما اعتبر بطلانهما. وهو ضعيف.
وكيف كان (فلا يقطع العضو الصحيح) منه من يد أو رجل
(بالأشل) بلا خلاف، بل عليه الإجماع عن الخلاف (1). وهو الحجة
المخصصة للعمومات; مضافا إلى الاعتبار، وإطلاق خصوص بعض المعتبرة:
في رجل قطع يد رجل شلاء، قال: عليه ثلث الدية (2).
(ويقطع) العضو (الأشل) بمثله و (بالصحيح ما لم يعرف أنه لا
ينحسم) بلا إشكال فيه وفي تعيين الدية مع المعرفة بإخبار أهل الخبرة
بعدم الانحسام وانسداد أفواه العروق، ولا خلاف فيهما أيضا، بل عليهما

(1) الخلاف 5: 194، المسألة 61.
(2) الوسائل 19: 253، الباب 28 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
152

الإجماع في الغنية (1). وهو الحجة; مضافا إلى العمومات في الأول، ولزوم
صيانة النفس المحترمة عن التلف، مع إمكان تدارك الحق بالدية، ويخطر
بالبال ورود رواية لها عليه دلالة في الثاني.
ونسبة الحكم فيه في المسالك (2) وغيره إلى المشهور ربما توهم وجود
خلاف فيه أو إشكال، ولكن لا أثر لهما.
وحيث يقطع الشلاء يقتصر عليها ولا يضم إليها أرش التفاوت، للأصل،
وعدم دليل على الضم، مع تساويهما في الحرمة.
(ويقتص المسلم (3) من الذمي ويأخذ منه فضل ما بين الديتين)
للصحيح: عن ذمي قطع يد مسلم، قال: تقطع يده إن شاء أولياؤه ويأخذون
فضل ما بين الديتين، الحديث (4). وفي سنده إضمار، وفي ذيله مخالفة
للأصل، لكن لم أجد خلافا فيما يتعلق عنه بما نحن فيه، حتى من نحو
الحلي (5).
وظاهر التنقيح عدم الخلاف فيه، حيث لم يتعرض لذكر هذا الحكم،
ولو وجد فيه خلاف لنقله وتعرض له كما هو دأبه، ويعضده ما مر من رد
فضل ما بين الديتين إذا قتل المسلم بالذمي باعتياده القتل له أو مطلقا وأنه
لو قتل ذمي مسلما دفع هو وماله إلى أولياء المقتول وإن لهم الخيرة بين قتله
واسترقاقه حيث إنه لم يكتف في الاقتصاص منه بنفسه، بل يضم إليه ماله.
فتدبر.
(ولا يقتص للذمي من المسلم، ولا للعبد من الحر) بل يجب الدية،

(1) الغنية: 409.
(2) المسالك 15: 269.
(3) في المتن المطبوع: للمسلم.
(4) الوسائل 19: 138، الباب 22 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1.
(5) السرائر 3: 403.
153

لفقد التساوي في الإسلام، والحرية المشترط في القصاص، كما مر إليه
الإشارة.
مضافا إلى خصوص الخبر المتقدم قريبا، ولا قصاص بين الحر، والعبد
في الثاني. والصحيح: لا يقاد مسلم بذمي في القتل ولا في الجراحات، ولكن
يؤخذ من المسلم دية الذمي على قدر دية الذمي ثمانمائة درهم (1) في
الأول.
وأما ما في ذيل الصحيح المتقدم - من أنه إن قطع المسلم يد المعاهد
خير أولياء المعاهد، فإن شاؤوا أخذوا الدية، وإن شاؤوا قطعوا يد المسلم
وأدوا إليه فضل ما بين الديتين وإذا قتل المسلم صنع كذلك (2) - فقد مر
الجواب عن أمثاله في الشرط الثاني من شرائط قصاص النفس من الشذوذ،
واحتمال التقية أو الاختصاص بصورة الاعتياد خاصة، كما فصلته النصوص
ثمة.
(ويعتبر التساوي في الشجاج) أي الجرح والشق (بالمساحة طولا
وعرضا) اتفاقا على الظاهر المصرح به في بعض العبائر، قيل: لإشعار لفظ
القصاص به (3)، وللاعتبار، فلا يقابل ضيقة بواسعة ولا يقنع بضيقة عن
واسعة، بل يستوفي بقدر الشجة في البعدين.
(ولا نزولا) وعمقا بإجماعنا الظاهر المصرح به في جملة من العبائر.
وهو الحجة المؤيدة بما قيل من ندرة التساوي فيه، سيما مع اختلاف
الرؤوس في السمن والضعف وغلظ الجلد ودقته (4).
ولكن في صلوحه حجة مستقلة نظر، لما قيل من أن ذلك ليس بموجب،

(1) الوسائل 19: 80، الباب 47 من أبواب قصاص النفس، الحديث 5.
(2) الوسائل 19: 138، الباب 22 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1.
(3) كشف اللثام 2: 479 س 7.
(4) مفاتيح الشرائع 2: 131.
154

إذ يؤتى بما يمكن ويسقط الباقي ويؤخذ أرش الزائد، كما ذكروه في
المساحة طولا من أنه يلزم اعتبار التساوي فيها، ولو استلزم استيعاب رأس
الجاني لصغره دون المجني عليه وبالعكس، ولا يكمل الزائد عنه من القفاء،
ولا من الجبهة، لخروجهما عن محل الاستيفاء، بل يقتصر على ما يحتمله
العضو ويؤخذ للزائد بنسبة المتخلف إلى أصل الجرح من الدية فيستوفى
بقدر ما يحتمله الرأس من الشجة وينسب الباقي للجميع، ويؤخذ للفائت
بنسبة، فإن كان الباقي ثلثا فهو ثلث دية تلك الشجة وهكذا، أو مثل ذلك
جار فيما نحن فيه لولا الإجماع على أنه لا يعتبر التساوي فيه (بل
يراعى) فيه (حصول اسم الشجة) المخصوصة التي حصلت بها الجناية
من حارصة أو باضعة أو غيرهما، حتى لو كان عمق المتلاحمة مثلا نصف
أنملة جاز في القصاص الزيادة عليه ما لم ينته إلى ما فوقها، فيمنع عنها
حينئذ، لاختلاف الاسم.
(ويثبت القصاص فيما لا تغرير فيه) بالنفس أو الطرف ولا يتعذر
فيه استيفاء المثل (كالحارصة) والباضعة والسمحاق (والموضحة)
وسيأتي تفسيرها مع ما بعدها. وكذا كل جرح يمكن استيفاؤه المثل فيه من
دون تغرير بأحدهما.
(ويسقط فيما فيه التغرير) أو يتعذر أن يكون المثل فيه مستوفى
(كالهاشمة والمنقلة والمأمومة والجائفة وكسر الأعضاء) ولا خلاف في
شئ من ذلك أجده، إلا فيما سيأتي إليه الإشارة. والحجة بعده العموم فيما
ليس فيه تغرير. والأصل مع لزوم صيانة النفس أو الطرف المحترمين عن
التلف، واعتبار المماثلة في غيره.
ولو قيل فيه: بجواز الاقتصار على ما دون الجناية من الشجة التي
لا تغرير فيها وأخذ التفاوت بينها وبين ما استوفاه فيقتص من الهاشمة
155

بالموضحة. ويؤخذ للهشم ما بين ديتهما وعلى هذا القياس (1) كان وجها.
ولكن ظاهر الأصحاب على الظاهر المصرح به في المسالك الاقتصار
على الدية مطلقا (2)، ويشهد لهم النصوص.
منها: الجائفة ما وقعت في الجوف ليس لصاحبها قصاص إلا الحكومة،
والمنقلة ينتقل منها العظام وليس فيها قصاص إلا الحكومة، وفي المأمومة
ثلث الدية ليس فيها قصاص إلا الحكومة (3).
ومنها: في الموضحة خمس من الإبل، وفي السمحاق دون الموضحة
أربع من الإبل، وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل، وفي الجائفة ما وقعت
في الجوف ليس فيها قصاص إلا الحكومة، والمنقلة ينتقل منها العظام وليس
فيها قصاص إلا الحكومة، وفي المأمومة تقع ضربة في الرأس إن كان سيفا
فإنها تقطع كل شئ وتقطع العظم فتؤم المضروب، وربما ثقل سمعه وربما
اعتراه اختلاط، فإن ضرب بعمود أو بعصا شديدة فإنها تبلغ أشد من القطع
يكسر فيها القحف قحف الرأس (4).
ومنها: لا قصاص في عظم (5).
لكنها مع قصور السند الخبران الأولان منها مقطوعان لم يسند إلى إمام،
والأخير منها معارض بالصحيح: عن السن والذراع يكسران عمدا ألهما أرش
أو قود؟ فقال: قود، قلت: فإن أضعفوا الدية؟ قال: إن أرضوه بما شاء فهو له (6).
وظاهر الشيخين (7) العمل به مقيدا بما إذا كان المكسور شيئا لا يرجى
صلاحه.

(1) مفاتيح الشرائع 2: 130.
(2) المسالك 15: 273.
(3) الوسائل 19: 135، الباب 16 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1، 2، الباب 24 من أبواب ديات النفس، الحديث 2، الباب 13 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 4، 3.
(4) الوسائل 19: 135، الباب 16 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1، 2، الباب 24 من أبواب ديات النفس، الحديث 2، الباب 13 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 4، 3.
(5) الوسائل 19: 135، الباب 16 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1، 2، الباب 24 من أبواب ديات النفس، الحديث 2، الباب 13 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 4، 3.
(6) الوسائل 19: 135، الباب 16 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1، 2، الباب 24 من أبواب ديات النفس، الحديث 2، الباب 13 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 4، 3.
(7) النهاية 3: 447.
156

وفي الموثق كالصحيح: وأما ما كان من الجراحات في الجسد فإن فيها
القصاص أو يقبل المجروح دية الجراحة فيعطاها (1).
واعلم أن عد الهاشمة وما بعدها مما لا قصاص فيه للتغرير أو غيره
هو المشهور بين الأصحاب.
خلافا للنهاية (2) والمقنعة (3) والديلمي (4) فلم يعدوا منه ما عدا المأمومة
والجائفة، بل صرحوا بثبوت القصاص في الجراح مطلقا عداهما، معللين
نفي القصاص فيهما بأن فيه تغريرا بالنفس.
وهذا التعليل كما ترى لا يختص بهما، بل جار في نحو الهاشمة
والمنقلة، ولذا اعترض الحلي على الشيخ في النهاية، فقال - بعد نقل كلامه
فيها -: إلا أنه رجع في مسائل خلافه ومبسوطه إلى ما اخترناه وهو الأصح،
لأن تعليله في نهايته لازم له في الهاشمة والمنقلة (5).
ولنعم ما ذكره، ولذا اعتذر في المختلف عن الشيخين، فقال: كأنهما لم
يصرحا بثبوت القصاص في الهاشمة والمنقلة، بل بتعميم القصاص في
الجراح، والهشم والنقل كأنهما خارجان عن الجراح (6).
وعليه فيرتفع الخلاف، لكن عن ابن حمزة التصريح بثبوت القصاص في
الهاشمة والمنقلة (7). وهو ضعيف في الغاية.
(وفي جواز الاقتصاص) من الجاني (قبل الاندمال) أي قبل برء
المجني عليه من الجراحة (تردد) من عدم الأمن من السراية الموجبة
لدخول الطرف في النفس فيسقط القصاص في الطرف، ومن عموم قوله

(2) النهاية 3: 453 - 454.
(3) المقنعة: 766.
(4) المراسم: 247.
(5) السرائر 3: 408.
(6) المختلف 9: 407.
(7) الوسيلة: 444 - 445.
157

سبحانه: «والجروح قصاص» (1) وقوله تعالى: «فمن اعتدى عليكم
فاعتدوا» (2) الآية، لمكان الفاء المفيدة للتعقيب بلا مهلة، والأصل عدم
حصول السراية.
(أشبهه الجواز) مع استحباب المصير إلى الاندمال، وفاقا
للإسكافي (3) والخلاف (4)، وعليه عامة المتأخرين، بل لم أقف على مخالف
لهم عدا الشيخ في المبسوط (5) فاختار المنع، لما مر على ما ذكره جماعة،
وعبارته المحكية في المختلف غير مطابقة للحكاية، بل ظاهره في الكراهة،
فإنه قال - بعد نقل القول بالمنع -: إلا بعد الاندمال، وهو الأحوط عندنا،
لأنها ربما صارت نفسا (6). ولفظ الأحوط يشعر بالاستحباب.
(ويجتنب القصاص في الحر الشديد والبرد الشديد ويتوخى) فيه
(اعتدال النهار) بلا خلاف أجده، قالوا: حذرا من السراية (7). وربما يؤيده
ما مر في الحدود من تأخيرها إلى ذلك الوقت.
وظاهر التعليل كالعبارة وغيرها من عبائر الجماعة وجوب التأخير،
واختصاصه بقصاص الطرف دون النفس، واستظهر بعض الأصحاب
الاستحباب (8)، وهو بعيد، كاحتمال آخر العموم لقصاص النفس أيضا.
(ولو قطع) شخص (شحمة أذن) آخر (فاقتص منه فألصق
المجني عليه) الشحمة بمحلها (كان للجاني إزالتها) بلا خلاف على
الظاهر المصرح به في التنقيح، قال: وإنما الخلاف في العلة. فقيل:
(ليتساويا في الشين) كما ذكره المصنف. وقيل: لأنها ميتة لا يصح الصلاة

(1) المائدة: 45.
(2) البقرة: 194.
(3) المختلف 9: 450.
(4) الخلاف 5: 196، المسألة 65.
(5) المبسوط 7: 75.
(6) المختلف 9: 451.
(7) كشف اللثام 2: 479 س 23.
(8) مجمع الفائدة 14: 131.
158

معها (1). ويتفرع على الخلاف إنه لو لم يزلها الجاني ورضي بذلك كان للإمام
إزالتها على القول الثاني، لكونه حامل نجاسة لا تصح الصلاة معها.
أقول: والأول خيرة الشيخ في الخلاف (2) والمبسوط (3) مدعيا في
صريح الأول، وظاهر الثاني الإجماع. وهو الحجة، المعتضدة بالنص الذي
هو الأصل في هذه المسألة: أن رجلا قطع من أذن الرجل شيئا فرفع ذلك إلى
علي (عليه السلام) فأقاده فأخذ الآخر ما قطع من أذنه فرده على أذنه فالتحمت
وبرئت، فعاد الآخر إلى علي (عليه السلام) فاستقاده، فأمر بها فقطعت ثانية، فأمر بها
فدفنت، وقال (عليه السلام): إنما يكون القصاص من أجل الشين (4). وقصور سنده
أو ضعفه منجبر بالعمل.
والثاني: خيرة الحلي في السرائر (5) والفاضل في التحرير (6) والقواعد (7)
وشيخنا في المسالك (8). وهو غير بعيد.
والذي يختلج بالبال إمكان القول بالتعليلين، لعدم المنافاة بينهما، مع
وجود الدليل عليهما، فيكون للإزالة بعد الوصل سببان، القصاص، وعدم
صحة الصلاة، فإذا انتفى الأول بالعفو مثلا بقي الثاني، كما في مثال العبارة،
ولو انتفى الثاني بقي الأول كما في المثال المزبور لو أوجب الإزالة ضررا
لا يجب معه إزالة النجاسة للصلاة في الشريعة، وكما لو قطع الشحمة فتعلقت
بجلدة فاقتص منها وألصقها الجاني كان للمجني عليه إزالتها ليتساويا في
الشين، وليس للإمام ذلك إن عفا عنه المجني عليه للضرر، أو لأنها لم تبن

(1) التنقيح 4: 454.
(2) الخلاف 5: 201، المسألة 72.
(3) المبسوط 7: 92.
(4) الوسائل 19: 139، الباب 23 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1.
(5) السرائر 3: 387.
(6) التحرير 2: 258 س 27.
(7) القواعد 3: 639.
(8) المسالك 15: 277 - 278.
159

من الحي لتكون ميتة. ولو اقتصرنا على التعليل الثاني لم يكن ذلك للمجني
عليه أيضا في المثال الثاني، لحصول الاقتصاص بالإبانة المخصوصة
المماثلة لجناية الجاني.
(ويقتص الأنف الشام بعادم الشم وكذا الأذن الصحيحة بالصماء)
بلا خلاف ظاهر مصرح به في بعض العبائر (1)، لعموم: «الأذن بالأذن»
و «الأنف بالأنف»، مع حصول الاعتداء بمثل ما اعتدى، بناء على خروج
المرضين عن العضوين، وثبوت أحدهما في الدماغ والآخر في الصماخ
أو ما وراءه، فلا تعلق للمرض بالمحل حتى لو قطع أنفه أو أذنه فأزال شمه
أو سمعه، فهما جنايتان، ولا يرتبط أحدهما بالآخر.
(ولا يقطع الذكر الصحيح بالعنين) ويقطع بذكر الصغير والمجنون،
والأغلف ومسلوب الخصيتين بلا خلاف، للعموم في المثبت، والإلحاق
بأشل اليد والإصبع المساعد بالاعتبار في المنفي، ولذا قالوا: في قطع ذكر
العنين بثلث الدية (2) وادعى عليه الشيخ في الخلاف إجماع الطائفة (3).
ولكن في القوي: أن فيه الدية (4). وحكى القول بمضمونه عن الصدوق
والإسكافي (5). وهو ضعيف عن المقاومة لما مر فليطرح، أو يحمل على
بيان إرادة نفي القصاص وثبوت أصل الدية في الجملة لا بيان كمال الدية،
أو على التقية، فقد حكي عن الشافعية قطع الصحيح بالعنين، بناء على أن
العنن نقص في الدماغ والقلب لا شلل في الذكر (6).
(ويقلع عين الأعور) أي ذي العين الواحدة خلقة أو بآفة أو قصاص

(1) مفاتيح الشرائع 2: 129.
(2) كشف اللثام 2: 508 س 32، 480 س 2، الشرائع 4: 269.
(3) الخلاف 5: 202، المسألة 74، 252، المسألة 58.
(4) الوسائل 19: 259، الباب 35 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
(5) كشف اللثام 2: 508 س 32، 480 س 2، الشرائع 4: 269.
(6) كشف اللثام 2: 508 س 32، 480 س 2، الشرائع 4: 269.
160

أو جناية (بعين ذي العينين) المماثلة لها محلا (وإن عمي) بذلك الأعور
وبقي بلا بصر، بلا خلاف يظهر، وبه صرح جمع ممن تأخر، بل عليه
الإجماع عن الخلاف (1) وهو الحجة; مضافا إلى عموم الأدلة «العين
بالعين» (2)، وخصوص المعتبرة:
ففي الصحيح والقريب منه بفضالة عن أبان اللذين قد أجمعت على
تصحيح ما يصح عنهما العصابة: أعور فقأ عين صحيح، فقال: تفقأ عينه،
قال: قلت: يبقى أعمى، فقال: الحق أعماه (3).
ومقتضى الأصل وإطلاقها كالفتاوى وصريح جماعة من أصحابنا عدم
رد شئ على الجاني، مع أن دية عينه ضعف دية عين المجني عليه في ظاهر
الأصحاب، كما يأتي.
(وكذا يقتص له) أي للأعور (منه) أي من ذي العينين (بعين
واحدة) بلا خلاف أجده، إلا من الإسكافي فجوز الاقتصاص له منه بعينيه
أيضا مع رد نصف الدية (4)، وهو مع شذوذه، وعدم وضوح مستنده ومخالفته
لظاهر النص الآتي مضعف، بأن العينين إن تساويا عينه فلا رد، وإلا فلا قلع.
وما يقال: من أن عدم المساواة لا يمنع الاقتصاص فإن الأنثى يقتص لها
من الذكر مع الرد في موضعه مع أنها غير مساوية له، مضعف بأن الاقتصاص
بين الذكر والأنثى إنما هو في شئ واحد بواحد مثل النفس بالنفس لا اثنين
بواحد، كما هنا، وأن نفس الأنثى نصف الذكر فهو ضعفها، بخلاف عين
الأعور، فإنها إما واحدة مثل اخرى أو مثلهما، وهو ظاهر، ولذا لا يقتص

(1) الخلاف 5: 202، المسألة 74، 252، المسألة 58.
(2) المائدة: 45.
(3) الوسائل 19: 134، الباب 15 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1.
(4) المختلف 9: 449 - 450.
161

لعين الرجل الواحدة عيني المرأة مع التساوي، ويقتص لعيني المرأة عيني
الرجل مع الرد.
وبالجملة لا ريب في ضعف هذا القول كالمحكي من كثير من
الأصحاب، من إطلاقهم تخير الأعور بين الاقتصاص بالعين الواحدة وأخذ
الدية كاملة، مع أن موجب العمد ليس إلا الأول، وإنما يثبت الثاني صلحا،
كما مرت إليه الإشارة، وبهذا هنا صرح جماعة.
(و) حيث اقتص له بالعين الواحدة ف‍ (في رد) الجاني عليه (نصف
الدية) دية النفس (قولان والمروي) في الصحيح وغيره (الرد).
ففي الأول: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل أعور أصيب عينه
الصحيحة ففقئت أن تفقأ إحدى عيني صاحبه، ويعقل له نصف الدية، وإن
شاء أخذ دية كاملة ويعفى عن عين صاحبه (1).
وفي الثاني: عن رجل صحيح فقأ عين رجل أعور، فقال: عليه الدية
كاملة، فإن شاء الذي فقئت عينه أن يقتص من صاحبه ويأخذ منه خمسة
آلاف درهم فعل، لأن له الدية كاملة وقد أخذ نصفها بالقصاص (2).
وهو خيرة الشيخ (رحمه الله) في النهاية (3) وأتباعه والفاضل في المختلف (4)
والشهيدين في النكت (5) والمسالك (6) والروضة (7) وغيرهم.
ولا يخلو عن قوة، لصحة سند الرواية، واعتضادها بغيرها من الرواية
الأخرى، وما اتفقوا عليه من أن دية عين الأعور خلقة أو بآفة دية النفس
كاملة كما هو ظاهر الروايتين وبه صرح في الثانية وغيرها من المعتبرة

(1) الوسائل 19: 252، الباب 27 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2، 4.
(2) الوسائل 19: 252، الباب 27 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2، 4.
(3) النهاية 3: 433.
(4) المختلف 9: 363.
(5) غاية المراد: 199 س 14 (مخطوط).
(6) المسالك 15: 404.
(7) الروضة 10: 81.
162

الآتية، هي مع نقل الإجماعات المحكية على ذلك حد الاستفاضة في كتاب
الديات إن شاء الله تعالى.
خلافا لجماعة ومنهم المفيد (1) والشيخ في المبسوط (2) والحلي (3)
والفاضلان في الشرائع (4) والتحرير (5) فلم يوجبوا الرد، لقوله تعالى: «والعين
بالعين» (6)، فلو وجب معها شئ آخر لم يتحقق ذلك، خصوصا على القول
بأن الزيادة على النص نسخ، وأصالة البراءة من الزائد.
ويضعف الأصل بلزوم العدول عنه بما مر، وبه يضعف أيضا ما قبله على
تقدير تسليم عمومه، وإلا فلا عموم له، لأن العين مفرد محلى باللام، وغايته
الإطلاق الغير المعلوم الانصراف إلى نحو المقام لندرته، مع أن موجب إكمال
الدية إنما هو من حيث البصر أي المنفعة، لا من حيث العين والجارحة، ولذا
مع التراضي على الدية يجب الدية كاملة اتفاقا فتوى ورواية.
وأما ما يقال في الجواب: من أن الآية حكاية عن التوراة فلا يلزمنا
فمدفوع بإقرارها في شرعنا اتفاقا فتوى ونصا، مع أن الأصل بقاء ما كان.
فتأمل جدا.
ثم إن إطلاق العبارة ونحوها يقتضي عدم الفرق في الحكم على الجاني
برد نصف الدية على الأعور إن قلنا به بين كون عوره خلقة أو بآفة أو
غيرهما، وخصه جماعة بالأولين. وتحقيق الكلام فيه يأتي إن شاء الله تعالى.
(وسن الصبي) إذا جني عليها عمدا (ينتظر به) مدة جرت العادة
بالإنبات فيها وفي كتب الفاضل سنة (7).

(1) المقنعة: 761.
(2) المبسوط 7: 146.
(3) السرائر 3: 381.
(4) الشرائع 4: 236.
(5) التحرير 2: 271 س 27 - 32.
(6) المائدة: 45.
(7) القواعد 3: 642.
163

واستغربه جماعة ومنهم الشهيد (رحمه الله)، فقال: فإني لم أقف عليه في كتب
أحد من الأصحاب مع كثرة تصفحي لها، ككتب الشيخين وابن البراج
وابن حمزة وابن إدريس وابني سعيد وغيرهم من القائلين بالأرش مع العور،
وابن الجنيد ومن تبعه من القائلين بالبعير مطلقا، ولا في رواياتهم، ولا
سمعته من الفضلاء الذين لقيتهم، بل الجميع أطلقوا الانتظار بها، أو قيدوه
بنبات بقية أسنانه بعد سقوطها، وهو الوجه، لأنه ربما قلع سن ابن أربع
سنين والعادة قاضية بأنها لا تنبت إلا بعد مدة تزيد على السنة قطعا، وإنما
هذا شئ اختص به المصنف - قدس روحه - فيما علمته في جميع كتبه التي
وقفت عليها، حتى أنه في التحرير علله بأنه الغالب، ولا أعلم وجه ما قاله،
وهو أعلم بما قال. نعم في رواية أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن
عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: السن إذا ضربت انتظر بها سنة،
فإن وقعت أغرم الغارم خمسمائة درهم، وإن لم يقع واسودت أغرم ثلثي
الدية (1)، وهذه وإن كانت صحيحة إلا أنها لا تدل على المطلوب، إذ
موضوعها سن ضربت ولم تسقط.
قال: ويمكن أن يعتذر له بأن المراد به إذا قلعها في وقت تسقط أسنانه
فيه، فإنه ينتظر سنة. ولا ريب أن هذا إذ ذاك غالب (2)، انتهى ما ذكره.
ولنعم ما أفاده، إلا أن ما ذكره كباقي الجماعة من أنهم لم يجدوا ذلك
في كتب أحد من الأصحاب غريب، فقد ذكره الماتن في الشرائع (3) أيضا.
اللهم إلا أن يكون قرؤوه «سنه» بتشديد النون، وإضافة الظاهر إلى المضمر،
كما احتمل في عبارة الفاضل أيضا، لكنه بالنسبة إلى عبارته في الإرشاد (4)

(1) الوسائل 19: 225، الباب 8 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.
(2) غاية المراد: 200 س 11.
(3) الشرائع 4: 237.
(4) الإرشاد 2: 239.
164

في غاية البعد، بل لا تقبله، كما لا يخفى على من راجعه. وكذا التعليل
السابق المحكي عن التحرير.
وكيف كان (فإن عادت ففيها الأرش) والحكومة، وهي التفاوت لو
كان عبدا بين قيمته لو لم تسقط سنه تلك المدة وقيمته وقد سقطت فيها،
وفاقا للمشهور على الظاهر المصرح به في المسالك (1)، بل عليه الإجماع
عن الخلاف (2) وفي السرائر (3). وهو الحجة; مضافا إلى المرسلة كالصحيحة:
في سن الصبي يضربها الرجل فتسقط ثم تنبت، قال: ليس عليه قصاص
وعليه الأرش (4).
(وإلا) تعد وحصل اليأس من عودها ولو بإخبار أهل الخبرة (لكان
فيها القصاص) كما نص به جماعة، لعموم الأدلة فإنه قلع السن الحاصلة
في الحال وفسد المنبت فيقابل بمثله، وحكى في المسالك (5) قولا بالعدم،
لأن سن الصبي فضلة في الأصل نازلة منزلة الشعر الذي ينبت مرة بعد
اخرى وسن البالغ أصلية، فلا يكون مماثلة لها.
وذهب جماعة إلى أن في سن الصبي بعير مطلقا، من غير تفصيل إلى
العود وعدمه.
للخبرين أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى في سن الصبي قبل أن يثغر بعيرا
في كل سن (6).
وقصور سندهما بل ضعف أحدهما جدا يمنع عن العمل بهما، سيما

(1) المسالك 15: 289.
(2) الخلاف 5: 244، المسألة 39.
(3) السرائر 3: 386.
(4) الوسائل 19: 134، الباب 14 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1.
(5) المسالك 15: 289.
(6) الوسائل 19: 258، الباب 33 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2، 3.
165

في مقابلة ما مضى وإن نسبه في المبسوط إلى أصحابنا (1)، وفي المختلف
إلى أكثرهم (2)، مشعرين بدعوى الإجماع والشهرة عليهما لوهنها، مع عدم
صراحتها، بل ولا ظهورها فيهما، ومعارضتها بمثلها، بل وأقوى منهما.
وعن الإسكافي قول ثالث مفصل بين عودها فالبعير وعدمه واليأس
منها فالدية (3).
ولم أعرف مستنده، سيما في مقابل ما تقدم من الأدلة. ثم إن هذا كله في
سن الصبي قبل أن يثغر أما إذا ثغر أي سقطت أسنان اللبن منه ونبت ثم
جنى عليها بعد ذلك فلها أحوال.
منها: أن لا تعود أبدا بحيث حصل اليأس منها عادة فيثبت بدلها، إما
القصاص، أو الدية، لكن لا يعجل بهما، بل إن قضى أهل الخبرة بعودها في
مدة اخرى إلى انقضائها إن قلنا بعدم القصاص والدية مع عودها مطلقا بل
الأرش خاصة، وإلا جاز التعجيل بهما كذلك.
ومنها: أن تعود ناقصة أو متغيرة فيثبت الأرش، وكذا لو عادت تامة.
وقيل (4): لا أرش ولا دية هنا، لأن ما عاد قائم مقام الأول، فكأنه لم
يفت، وصار كما لو عاد السن غير المثغر.
والأظهر وفاقا للفاضلين (5) وغيرهما ثبوته، لأنه نقص دخل على
المجني عليه بسبب الجاني، فلا يهدره، للحديث، ولزوم الظلم، وعود السن
نافي القصاص والدية لا أرش النقص.
قيل: وفي المسألة وجه ثالث بعدم سقوط القصاص مطلقا، لأنه لم تجر
العادة بنبات سن الثغر وما اتفق نعمة وهبة جديدة من الله سبحانه فلا يسقط

(1) المبسوط 7: 138.
(2) المختلف 9: 379.
(3) المختلف 9: 377.
(4) لم نعثر على قائله.
(5) الشرائع 4: 237، القواعد 3: 677.
166

ما على الجاني استحقه (1).
(ولو جنى) على العين (بما أذهب النظر) والبصر منها خاصة
(مع سلامة الحدقة اقتص منه) أي من الجاني بما يمكن معه المماثلة
بإذهاب البصر وإبقاء الحدقة. قيل: بذر كافور ونحوه (2).
أو (بأن يوضع على أجفانه القطن المبلول) حذرا من الجناية عليها
(ويفتح العين ويقابل بمرآة محماة) بالنار (مقابلة الشمس حتى يذهب
النظر) كما فعله مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) على ما دل عليه بعض
النصوص (3).
وهو مع ضعف سنده ليس فيه ما يومئ إلى تعينه، بعد احتمال كونه أحد
أفراد الواجب التخييري.
فما يظهر من العبارة هنا وفي التحرير (4) والقواعد (5) من تعيينه لا وجه
له، ولذا نسبه الماتن في الشرائع (6) والشهيد في اللمعة إلى القيل (7)، المشعر
بالتمريض. وهو حسن.
لكن في الروضة (8) أن القول باستيفائه على هذا الوجه هو المشهور بين
الأصحاب. ووجهه غير واضح.
ولا ريب أن الاستيفاء على هذا الوجه أحوط، وإن كان تعينه محل بحث.
ثم إن ظاهر العبارة وغيرها مواجهة الجاني للمرآة المواجهة للشمس
لا لها نفسها، والظاهر من الرواية غيره، وإن النظر في المرآة بعد استقبال
العين بالشمس، فإن متنها هكذا: دعا (عليه السلام) بمرآة محماة ثم دعا بكرسف فبله

(1) المسالك 15: 282 - 283.
(2) كشف اللثام 2: 476 س 33.
(3) الوسائل 19: 129، الباب 11 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1.
(4) التحرير 2: 259 س 6.
(5) القواعد 3: 639.
(6) الشرائع 4: 236.
(7) اللمعة والروضة 10: 83 - 84.
(8) اللمعة والروضة 10: 83 - 84.
167

ثم جعله على أشفار عينيه على حواليها ثم استقبل بعينه عين الشمس،
قال: وجاء بالمرآة، فقال: انظر فنظر فذاب الشحم وبقيت عينه قائمة
وذهب البصر (1).
(ولو قطع) شخص (كفا مقطوعة الأصابع ففي رواية يقطع)
المقطوع (كف القاطع ويرد عليه) أي على القاطع (دية الأصابع) (2)
وعمل بها الشيخ (3) والقاضي (4) والفاضل في الإرشاد (5) والقواعد (6)
والتحرير (7) ونسبه في المسالك (8) إلى اتباع الشيخ، بل زاد فنسبه - كالشهيد
في النكت (9) - إلى الأكثر، فإن صحت شهرة جابرة، وإلا فالرواية ضعيفة.
وقال الحلي: إنها مخالفة لأصول المذهب، إذ لا خلاف بيننا أنه لا
يقتص العضو الكامل للناقص. قال: فالأولى الحكومة في ذلك وترك
القصاص وأخذ الأرش (10) فيه.
وظاهر الماتن وغيره وصريح المختلف (11) التوقف فيه. ولا يخلو عن
وجه، وإن كان القول الأول لعله أوجه، والثاني أحوط.
(ولا) يجوز ان (يقتص عمن لجأ إلى الحرم و) لكن (يضيق عليه
في المأكل والمشرب حتى يخرج ثم يقتص منه) بلا خلاف أجده، ونفاه
صريحا في المسالك (12) بل عليه الإجماع عن الخلاف (13) وفي التنقيح (14).

(1) الوسائل 19: 129، الباب 11 - 10 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1، 1.
(2) الوسائل 19: 129، الباب 11 - 10 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1، 1.
(3) النهاية 3: 449.
(4) لم نعثر عليه.
(5) الإرشاد 2: 199.
(6) القواعد 3: 629.
(7) التحرير 2: 256 س 30.
(8) المسالك 15: 266.
(9) غاية المراد: 194 (مخطوط).
(10) السرائر 3: 404.
(11) المختلف 9: 399.
(12) المسالك 15: 322.
(13) الخلاف 5: 224، المسألة 8.
(14) التنقيح الرائع 4: 460.
168

وهو الحجة; مضافا إلى عمومات الأمن لمن دخله من الآية (1)، والرواية.
ففي الصحيح: الرجل يجني في غير الحرم ثم يلجأ إلى الحرم، قال:
لا يقام عليه الحد ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلم ولا يبايع، فإنه إذا فعل به
ذلك يوشك أن يخرج فيقام عليه الحد وإن جنى في الحرم جناية أقيم عليه
الحد في الحرم، فإنه لم ير للحرم حرمة (2).
(و) هو نص في جواز أن (يقتص عمن جنى في الحرم فيه) الجار
متعلق ب‍ «يقتص»، أي: من جنى فيه يقتص منه فيه، ولا يجب أن يقتص منه
خارجه، وفي المثل: كما تدين تدان، مع أنه أيضا لا خلاف فيه. وعموم أدلة
القصاص السليمة هنا عما يصلح للمعارضة يقتضيه.
ومقتضاها اختصاص الحكم الأول بالحرم، لاختصاص مخصصها به.
فيشكل إلحاق مشاهد الأئمة (عليهم السلام) به، وإن حكى عن الشيخين (3)
والقاضي (4)، ومال إليه في السرائر (5) والتنقيح، فقال: وهو قريب، أما أولا:
فلما ورد منهم أن بيوتنا مساجد، وأما ثانيا: فلما تواتر من دفع العذاب
الأخروي عمن يدفن بها فالعذاب الدنيوي أولى، وأما ثالثا: فلأن ذلك
مناسب لوجوب تعظيمها واستحباب المجاورة بها والقصد إليها (6).
ولا ريب أن ما قالوه أحوط، وإن كان في تعينه بهذه الوجوه الثلاثة نظر.
والحمد لله أولا وآخرا
* * *

(1) آل عمران: 97.
(2) الوسائل 9: 337، الباب 14 من أبواب مقدمات الطواف، الحديث 5.
(3) المقنعة: 744، النهاية 3: 406.
(4) المهذب 2: 516.
(5) السرائر 3: 363 - 364.
(6) التنقيح 4: 460.
169

كتاب الديات
171

(كتاب الديات)
جمع دية بتخفيف الياء، وهي المال الواجب بالجناية على الحر في نفس
أو ما دونها، وربما اختصت بالمقدر بالأصالة، وأطلق على غيره اسم الأرش
والحكومة.
والمراد بالعنوان ما يعم الأمرين، وهاؤها عوض من واو فاء الكلمة،
يقال: وديت القتيل أعطيت ديته. وربما يسمى الدية لغة عقلا، لمنعها من
التجري على الدماء، فإن من معاني العقل المنع.
والأصل فيها قبل الإجماع الكتاب والسنة، قال الله سبحانه: «ودية
مسلمة إلى أهله» (1) والسنة متواترة مضى جملة منها، وسيأتي إلى جملة
اخرى منها الإشارة في تضاعيف الأبحاث الآتية.
(والنظر في) هذا الكتاب يقع في (أمور أربعة):
(الأول في) بيان (أقسام القتل ومقادير الديات)
(و) اعلم أن (أقسامه) أي: القتل بل مطلق الجناية (ثلاثة عمد
محض، وخطأ محض، وشبيه بالعمد).

(1) النساء: 92.
173

(فالعمد أن يقصد إلى الفعل والقتل) به مطلقا أو الفعل خاصة مع
حصول القطع به غالبا (وقد سلف مثاله) في أول كتاب القصاص.
(والشبيه بالعمد أن يقصد إلى الفعل دون القتل) بشرط أن لا يكون
الفعل مما يحصل به القتل غالبا (مثل أن يضرب للتأديب أو يعالج
للاصلاح) ضربا وعلاجا لا يحصل بهما الموت إلا نادرا (فيموت)
المضروب والمعالج.
(والخطأ المحض أن يخطئ فيهما) أي في الفعل وقصد القتل (مثل
أن يرمي الصيد فيخطأ السهم إلى إنسان فيقتله) ولا خلاف في شئ من
ذلك أجده إلا ما قدمنا إليه الإشارة. ومجموع ما هنا يعلم صحته مما سبق
ثمة، فلا وجه للإعادة.
وموجب الأول القصاص لا الدية إلا صلحا كما سبق، بخلاف الأخيرين
فإن موجبهما الدية لا غير مطلقا، ويفترقان في محلها وكميتها وزمان أدائها،
كما سيأتي ذلك مفصلا.
إذا عرفت ذلك (ف‍) اعلم أن (دية) قتل (العمد) حيث يتعين الدية
أو يراد الصلح عليها (مائة من مسان الإبل) وهي الثنايا فصاعدا، وفي
بعض كلمات الشهيد (رحمه الله) أن المسنة من الثنية إلى بازل عامها (1).
(أو مائتا بقرة) وهي ما يطلق عليه اسمها ولو كان غير مسنة على
ما يقتضيه إطلاق العبارة وغيرها من النصوص والفتاوى.
خلافا للمحكي عن النهاية (2) والمهذب (3) والجامع (4) فمسنة.
والحجة عليه غير واضحة، فهو ضعيف، ومع ذلك شاذ، كالمحكي

(1) الروضة 10: 176.
(2) النهاية 3: 364.
(3) المهذب 2: 457.
(4) الجامع للشرائع: 572.
174

عن الأخير في الأول أيضا حيث قيده بالفحولة (1)، ولكنها أحوط، سيما
الأخير، لدلالة جملة من المعتبرة عليه وفيها الصحيح والموثق وغيرهما: عن
دية العمد، فقال: مائة من فحولة الإبل المسان، فإن لم يكن إبل فمكان كل
جمل عشرون من فحولة الغنم (2).
ولكن في صلوحها لتقييد النصوص المطلقة نظرا، لاعتضادها دون هذه
بفتوى الأكثر، سيما مع ورودها في مقام الحاجة، واشتمال هذه على ما لم
يقل به أحد من الطائفة، ولذا حملها الشيخ على التقية (3).
(أو مائتا حلة) بالضم على الأشهر الأظهر بين الطائفة، ونفى عنه
الخلاف بعض الأصحاب (4)، وعليه الإجماع في الغنية (5). وهو الحجة
دون الصحيح: سمعت ابن أبي ليلى يقول: كانت الدية في الجاهلية مائة من
الإبل فأقرها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم إنه فرض على أهل البقر مائتي بقرة
وفرض على أهل الشاة ألف شاة وعلى أهل اليمن الحلل مائتي حلة (6);
لعدم الحجة في نقل ابن أبي ليلى، سيما وأن الراوي سأل أبا عبد الله (عليه السلام)
عما رواه فقال: كان علي (عليه السلام) يقول: الدية ألف دينار وقيمة الدنانير عشرة
آلاف درهم وعلى أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق عشرة آلاف
درهم لأهل الأمصار، ولأهل البوادي الدية مائة من الإبل، ولأهل السواد
مائتا بقرة أو ألف شاة، ولم يذكر (عليه السلام) أصل الحلة فضلا عن عددها،
ومع ذلك فما هنا إنما هو على نسخة التهذيب (7)، وأما على نسخة

(1) المصدر السابق.
(2) الوسائل 19: 146، الباب 2 من أبواب ديات النفس، الحديث 2.
(3) الاستبصار 4: 261، ذيل الحديث 10.
(4) مفاتيح الشرائع 2: 143.
(5) الغنية: 412.
(6) الوسائل 19: 142، الباب 1 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.
(7) التهذيب 10: 160، الحديث 19.
175

الكافي (1) والفقيه (2) والاستبصار (3) فإنما هو مائة حلة، ولذا قال الصدوق
بها في المقنع (4)، ولكنه شاذ، ومستنده - لما عرفت - ضعيف.
وأما الصحيح في الدية: قال: ألف دينار أو عشرة آلاف درهم ويؤخذ
من أصحاب الحلل الحلل ومن أصحاب الإبل الإبل ومن أصحاب الغنم
الغنم ومن أصحاب البقر البقر (5)، فليس فيه سوى الدلالة على ثبوت أصل
الحلة دون عددها أنها مائتان أو مائة، مع أن في بعض نسخ التهذيب
«الخيل» بدل «الحلل». وحينئذ لا دلالة فيه على الأصل أيضا، لكن نسخة
الكافي بما نقلناه واحدة، وهي أرجح من نسخة التهذيب المزبورة، سيما مع
أن بعض نسخة أيضا له موافقة.
(و) اعلم أن (كل حلة ثوبان) على ما نص عليه أكثر أهل اللغة
والأصحاب من غير خلاف بينهم أجده.
فعن أبي عبيدة: الحلل برود اليمن، والحلة إزار ورداء لا يسمى حلة
حتى يكون ثوبين.
وعن ابن الأثير: الحلة واحدة الحلل، وهي برود اليمن، ولا تسمى حلة
إلا أن تكون ثوبين من جنس واحد.
والمصباح المنير: الحلة بالضم لا يكون إلا ثوبين من جنس واحد.
والعين الحلة إزار ورداء برد أو غيره، لا يقال لها حلة حتى تكون ثوبين،
وفي الحديث تصديقه.
والقاموس لا تكون حلة إلا من ثوبين أو ثوب له بطانة.

(1) الكافي: 7: 280.
(2) الفقيه 4: 107، الحديث 5201.
(3) الاستبصار 4: 259، الحديث 3.
(4) المقنع: 514.
(5) الوسائل 19: 142، الباب 1 من أبواب ديات النفس، الحديث 4.
176

ويستفاد منهم أن التعدد له مدخلية في صدق الحلة وعدمه مع الوحدة.
وعليه فيكون القيد في العبارة توضيحا لا تقييدا.
وكذلك التقييد بكونهما (من برود اليمن) على ما يستفاد من الأولين.
وفي السرائر زاد بعد اليمن أو نجران (1). ولم أقف على دليله.
نعم ما مر عن العين ربما يعضده، فتدبر.
ثم إن المعتبر من الثياب ما يصدق عليه اسم الثوب عرفا لا مجرد
ما يستر العورة خاصة، كما ربما يقال لفساده قطعا.
(أو ألف دينار) أي: مثقال ذهب خالص، كما في صريح الخبر: دية
المسلم عشرة آلاف من الفضة أو ألف مثقال من الذهب.
(أو ألف من الشاة) على أسنانها أثلاثا ومن الإبل مائة على أسنانها
ومن البقر مائتان (2)، وفي باقي النصوص المعتبرة ألف دينار أو ألف شاة (3)،
وهي ما يطلق عليه اسمها ولو كان أنثى.
وأما المعتبرة المتقدمة الدالة على أن مكان كل جمل عشرون من فحولة
الغنم (4) فقد عرفت جوابه، مع دعوى الإجماع على خلافها في الغنية (5)،
وعدم قائل بها هنا على ما أجده، إلا ما ربما يتوهم من الشيخ في الكتابين،
حيث حملها على وجهين. أحدهما: أن الإبل يلزم أهل الإبل، فمن امتنع من
بذلها ألزمه الولي قيمتها وقد كانت قيمة كل جمل عشرين من فحولة
الغنم (6)، كما في الصحيح، ومن الغنم قيمة كل ناب من الإبل عشرون شاة.
وثانيهما: اختصاص ذلك بالعبد إذا قتل حرا (7)، كما في الخبر المتضمن

(1) السرائر 3: 323.
(2) الوسائل 19: 142، الباب 1 - 2 من أبواب ديات النفس، الحديث 2، 3، 8، 2، 3، 5.
(3) الوسائل 19: 142، الباب 1 - 2 من أبواب ديات النفس، الحديث 2، 3، 8، 2، 3، 5.
(4) الوسائل 19: 142، الباب 1 - 2 من أبواب ديات النفس، الحديث 2، 3، 8، 2، 3، 5.
(5) الغنية: 412.
(6) التهذيب 10: 161، ذيل الحديث 22، 23، الاستبصار 4: 260، ذيل الحديث 5.
(7) التهذيب 10: 161، ذيل الحديث 22، 23، الاستبصار 4: 260، ذيل الحديث 5.
177

للسؤال عن قتله له قال: مائة من الإبل المسان، فإن لم يكن إبل فمكان
كل جمل عشرون من فحولة الغنم. ولكن الظاهر أن ذلك منه ليس قولا،
بل إنما ذكره جمعا.
(أو عشرة آلاف درهم) كما مر في جملة من المعتبرة، ويأتي في
جملة اخرى إليه الإشارة.
وأما ما في الصحيح وغيره: من أنه إثنا عشر ألفا (1) فمع شذوذه وعدم
ظهور قائل به ودعوى الإجماع في الغنية (2) على خلافه محمول على التقية،
كما ذكره الشيخ، قال: لأن ذلك مذهب العامة (3)، واحتمل أيضا حملهما على
ما ذكره الحسين بن سعيد وأحمد بن محمد بن عيسى معا أنه روى أصحابنا
أن ذلك من وزن ستة قال: وإذا كان كذلك فهو يرجع إلى عشرة آلاف
درهم (4).
واعلم أن هذه الخصال الستة وإن لم يشتمل على تمامها رواية فيما
أجده إلا أنها مستفادة من الجمع بين روايات المسألة، بعد ضم بعضها إلى
بعض، مع تضمن جملة منها خمسة ما عدا الحلة، كالصحيحة المتضمنة لنقل
ابن أبي ليلى (5)، وكذا الصحيحة التي بعدها على نسخة «الخيل» بدل «الحلل»،
وإلا فهي شاملة للستة وإن قصرت عن إفادة بيان العدد في الحلة ونحوهما
الرواية المتقدمة في الدينار بحمل الواو في جملة من إعدادها على أو بقرينة
الإجماع والروايات الأخر فإن أخبارهم (عليهم السلام) بعضها يكشف عن بعض.
فما يقال من عدم وضوح دلالة الأخبار على تمام هذه الخصال
لا وجه له.

(1) الوسائل 19: 144، الباب 1 من أبواب ديات النفس، الحديث 9، 10.
(2) الغنية: 412.
(3) الاستبصار 4: 261، ذيل الحديث 10.
(4) الاستبصار 4: 261، ذيل الحديث 10.
(5) الوسائل 19: 141، الباب 1 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.
178

هذا، وقد ادعى في الغنية الإجماع عليها بعد ما ذكرها بعين ما هنا
مخيرا بينها (1)، ونفى عنه الخلاف بعض أصحابنا أيضا (2). فلا إشكال فيها
بحمد الله تعالى.
وإنما الإشكال في أنها هل على التخيير كما هو ظاهر العبارة وعامة
المتأخرين أم على التنويع، بمعنى أنه يجب كل صنف منها على أهله كما
عن الشيخين (3). وغيرهما من القدماء.
وللأول: بعد الأصل ظاهر «أو» المفيدة للتخيير وجملة من النصوص،
مع ظهور دعوى الإجماع عليه في عبائر كثير كالحلي (4) وغيره.
وللثاني: الاحتياط، وظواهر كثير من النصوص المتقدمة جملة منها
المتضمنة: ولأن الإبل على أهلها والبقر على أهلها، وهكذا. وحمل هذه على
إرادة التسهيل على القاتل، لئلا يكلف تحصيل غيره - فتنطبق على أخبار
التخيير - وإن أمكن إلا أنه يمكن الجمع بالعكس بحمل «أو» على التنويع،
فتنطبق على أخباره.
ولعل الترجيح مع الأول، لظواهر الإجماعات المحكية; مضافا إلى
الشهرة العظيمة المتأخرة، التي كادت تكون إجماعا، بل لعلها إجماع في
الحقيقة.
وتظهر الثمرة فيما لو بذل رب كل صنف غيره بدون رضى ولي المقتول،
فيجوز على المشهور، ولا على غيره.
(وتستأدى) هذه الدية (في سنة واحدة) لا يجوز تأخيرها عنها
بغير رضى المستحق، ولا يجب عليه المبادرة إلى أدائها قبل تمام السنة

(1) الغنية: 412.
(2) مفاتيح الشرائع 2: 143.
(3) المقنعة: 735، النهاية 3: 364.
(4) السرائر 3: 329.
179

بلا خلاف بيننا أجده إلا من ظاهر الخلاف فجعلها حالة (1)، وعلى خلافه
في ظاهر عبائر جماعة وصريح الغنية (2) والسرائر (3) إجماع الإمامية.
وهو الحجة; مضافا إلى الصحيحة الصريحة، قال: كان علي (عليه السلام) يقول
تستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين، وتستأدى دية العمد في سنة (4).
وهي (من مال الجاني) لا بيت المال، ولا العاقلة بلا خلاف أجده،
وبه صرح جماعة، ومنهم السيد ابن زهرة في الغنية (5). وهو الحجة; مضافا
إلى أن تعلق الدية بغير الجاني خلاف الأصل، فيقتصر فيه على الخطأ، لأنه
مورد الفتوى والنص، ولصريح الخبرين: لا تضمن العاقلة عمدا ولا إقرارا
ولا صلحا (6)، وفي المضمر: فان لم يكن له مال يؤدى ديته يسأل المسلمين
حتى يؤدوا عنه ديته إلى أهله (7).
(ولا تثبت إلا بالتراضي) بها عن القود، حيث يتعين على الأصح
كما مر.
وأما على غيره فلا يحتاج إليه، وكذا حيث لا يتعين القود كقتل الوالد
للولد، أو تعين ولكن فات بمبادرة أحد الأولياء إليه أو موت القاتل أو كان
القاتل عاقلا والمقتول مجنونا أو نحو ذلك.
واعلم أن الخطأ وشبيه العمد يشاركان العمد في هذه الخصال الستة، كما
سيأتي إليه الإشارة، وإنما يفترقان عنه في أسنان الإبل خاصة، فإنها فيه ما
مر وفيهما دونه سنا، ويفترقان أحدهما عن الآخر بأن أسنانها في الخطأ

(1) الخلاف 5: 220، المسألة 4.
(2) الغنية: 412.
(3) لم نجد التصريح بالإجماع، راجع السرائر 3: 322.
(4) الوسائل 19: 150، الباب 4 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.
(5) الغنية: 412.
(6) الوسائل 19: 302، الباب 3 من أبواب العاقلة، الحديث 1، 2.
(7) الوسائل 19: 23، الباب 10 من أبواب القصاص، الحديث 5.
180

دون أسنانها في شبيهه (و) لكن في تعيين الأسنان في كل منهما خلاف
نصا وفتوى،
ف‍ (في دية شبيه العمد) منها (روايتان).
إحداهما الصحيح: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): في الخطأ شبيه العمد أنه
يقتل بالسوط أو بالعصا أو بالحجر أن دية ذلك تغلظ، وهي مائة من الإبل،
منها أربعون خلفة بين ثنية إلى بازل عامها وثلاثون حقة وثلاثون بنت
لبون (1)، وعمل بها الصدوق (2) والإسكافي على ما حكى (3)، واختاره
الفاضل في المختلف (4) والتحرير (5) وشيخنا في المسالك (6) والروضة (7)
وجمع من المتأخرين. ولا بأس به، لصحة السند، مع السلامة عما يصلح
للمعارضة من النص.
وثانيتهما الخبر: دية المغلظة التي تشبه العمد أفضل من دية الخطأ
بأسنان الإبل ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربعة وثلاثون
ثنية كلها طروقة الفحل (8). ونحوه آخر (9)، وعمل بهما المفيد (10)
والتقي (11) والديلمي (12) وغيرهم. وفي سندهما ضعف على المشهور بعلي ابن
أبي حمزة ومحمد بن سنان، فلا يتوجه العمل بهما، سيما وأن يطرح
لأجلهما الرواية الأولى مع صحتها.
واعلم أن هنا قولا ثالثا أشار إليه بقوله: (أشهرهما) أنها (ثلاث
وثلاثون بنت لبون) سنها سنتان فصاعدا (وثلاث وثلاثون حقة) سنها

(1) الوسائل 19: 146، الباب 2 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.
(2) المقنع: 514.
(3) المختلف 9: 279 - 280.
(4) المختلف 9: 279 - 280.
(5) التحرير 2: 268 س 13.
(6) المسالك 15: 318.
(7) الروضة 10: 179.
(8) الوسائل 19: 147، الباب 2، 1 من أبواب ديات النفس، الحديث 4، 13.
(9) الوسائل 19: 147، الباب 2، 1 من أبواب ديات النفس، الحديث 4، 13.
(10) المقنعة: 735.
(11) الكافي في الفقه: 392.
(12) المراسم: 239.
181

ثلاث سنين فصاعدا (وأربع وثلاثون ثنية) سنها خمس سنين فصاعدا
من (طروقة الفحل) أي التي بلغت أن يضربها الفحل، قال به الشيخ في
النهاية (1) وعن ابن حمزة في الوسيلة (2). ومستند هذا القول غير واضح وإن
جعله الماتن أشهر الروايتين. فإنا لم نقف عليها، كما اعترف به جماعة من
أصحابنا، ويظهر من شيخنا في المسالك (3) وبعض من تبعه أنها الرواية
الثانية المتقدمة، وهو غفلة واضحة، فإنه ليس فيها ذكر بنت لبون، بل فيها
بدلها جذعة.
ونحو هذا القول القول بهذه الأسنان أيضا، لكن مبدلا فيه الأربع
والثلاثين ثنية طروقة الفحل بأربع وثلاثين خلفة بفتح الخاء وكسر اللام، أي
الحامل كما عن الخلاف (4) والمهذب (5).
وربما يجمع بين هذين القولين بأن يراد من طروقة الفحل في الأول ما
طرقها الفحل فحملت بقرينة أن الحقة ما بلغت أن يضربها الفحل.
وعن النهاية (6) والإصباح (7) وفي الغنية (8) أنه روي ثلاثون بنت
مخاض وثلاثون بنت لبون وأربعون خلفة، قال في النهاية (9): كلها طروقة
الفحل. ولم نقف عليها.
(ويضمن هذه) الدية أيضا (الجاني) خاصة (لا العاقلة) للأصل
المتقدم إليه الإشارة; مضافا إلى الإجماع عليه في ظاهر السرائر (10)، بل
صريحه وصريح التحرير (11) والغنية (12).

(1) النهاية 3: 370.
(2) الوسيلة: 441.
(3) راجع المسالك 15: 318 - 319.
(4) الخلاف 5: 221، المسألة 5.
(5) المهذب 2: 458 - 459.
(6) النهاية 3: 370.
(7) إصباح الشيعة: 499.
(8) الغنية: 413.
(9) النهاية 3: 370.
(10) راجع السرائر 3: 322.
(11) التحرير 2: 268 س 21.
(12) الغنية: 413.
182

خلافا للمحكي عن الحلبي فجعلها على العاقلة (1). وهو شاذ.
وللنهاية (2) والمهذب (3) والغنية (4) فيما لو مات أو هرب فيؤخذ بها
حينئذ أولى الناس به وإن لم يكن له أحد ففي بيت المال. ولعله غير بعيد،
لثبوت مثله في العمد كما مر، مضافا إلى الإجماع عليه في الغنية، وأنكره
الحلي فقال: إنه خلاف الإجماع (5)، فإنه لا ضمان عليهما إلا في الخطأ
المحض، وهو معارض بمثله، بل وأجود. فتأمل.
(و) اعلم إنا لم نقف على رواية تدل على مقدار زمان تأديتها فيه إلا
أنه (قال المفيد: تستأدى في سنتين) (6) وتبعه أكثر الجماعة، بل عامتهم
كما في ظاهر الروضة مشعرا بالإجماع عليه (7) كما في ظاهر السرائر، حيث
قال: عندنا تستأدى في سنتين من مال القاتل خاصة (8)، ونحوه ظاهر
المبسوط (9) ونفى الخلاف عنه، وبه صرح في الغنية (10). وهو الحجة المؤيدة
بما احتج عليه في المختلف من أنه كما ظهر التفاوت بين العمد والخطأ في
الأجل، لتفاوت الجناية فيهما وجب أن يظهر بالنسبة إليهما وإلى شبيه العمد،
لوجود المقتضي عملا بالمناسبة (11).
فلا وجه للتردد المستفاد من العبارة وما ضاهاها من عبائر جماعة
كالمهذب (12) والشرائع (13) والنهاية (14)، ولا لما يحكى عن ابن حمزة من

(1) الموجود خلاف المحكي، أنظر الكافي في الفقه: 392.
(2) النهاية 3: 370.
(3) المهذب 2: 458.
(4) الغنية: 413.
(5) السرائر 3: 335.
(6) المقنعة: 736.
(7) الروضة 10: 179.
(8) السرائر 3: 322.
(9) المبسوط 7: 115 - 116.
(10) الغنية: 413.
(11) المختلف 9: 281 - 282.
(12) المهذب 2: 458.
(13) الشرائع 4: 246.
(14) النهاية 3: 370.
183

أنه تستأدي في سنتين إن كان معسرا وإلا ففي سنة (1) ولا لما عن الخلاف
من أنها تستأدى في سنة (2) ودية العمد حالة.
(وفي دية) قتل (الخطأ) المحض منها أيضا (روايتان) بل
روايات وأقوال.
(أشهرهما) بين المتأخرين بل عليه عامتهم أنها (عشرون بنت
مخاض وعشرون ابن لبون وثلاثون بنت لبون وثلاثون حقة) (3) وهي
مع ذلك صحيحة.
وفي الثانية أنها خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت
لبون وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة (4). وبها أفتى ابن
حمزة (5). وهذه هي الرواية الثانية في المسألة السابقة، كما أن الأولى هنا
هي الأولى السابقة بعينها، فليت الماتن وغيره عملوا بها ثمة، كما عملوا بها
هنا، لصحتها، مع ضعف ما قابلها وإن حكي عن الخلاف أنه ادعى إجماع
الفرقتين عليهما (6) وتأيدت الثانية هنا بما عن تفسير العياشي (7) من نقله
رواية بمضمونها.
وفي رواية ثالثة أنها ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع
وثلاثون ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة (8). وهي وإن كانت صحيحة إلا أني
لم أجد عاملا بها، ومع ذلك كون ذلك في الخطأ لم يذكر فيها إلا بنقل علي
ابن حديد، الذي هو في سندها، وهو ضعيف جدا تضعف به الرواية لولا كون
ابن أبي عمير شريكا له في نقل أصلها.

(1) الوسيلة: 441.
(2) الخلاف 5: 221، المسألة 5.
(3) الوسائل 19: 146، الباب 2 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.
(4) المصدر السابق: الحديث 10.
(5) الوسيلة: 441.
(6) كشف اللثام 2: 495 س 28.
(7) تفسير العياشي 1: 265، الحديث 227.
(8) الوسائل 19: 148، الباب 2 من أبواب ديات النفس، الحديث 7.
184

وعن المبسوط (1) وفي السرائر (2) أنها عشرون بنت مخاض وعشرون
ابن لبون وعشرون بنت لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة ولم أجد به
رواية.
(وتستأدى في ثلاث سنين) في كل سنة ثلثها إجماعا منا بل من
الأمة أيضا كما عن الخلاف (3) حكاه جماعة حد الاستفاضة. وهو الحجة;
مضافا إلى الصحيحة السابقة.
(ويضمنها العاقلة لا الجاني) إجماعا للنصوص المستفيضة، بل
المتواترة يأتي ذكرها في بحث العاقلة إن شاء الله تعالى.
نعم وإن فقدت العاقلة أو كانوا فقراء كانت في مال القاتل إن كان له مال،
وإلا فعلى الإمام، كما يأتي ثمة.
(ولو قتل في الشهر الحرام) وهو أحد الأربعة: المحرم ورجب
وذو القعدة وذو الحجة (الزم الدية وثلثا) من أي الأجناس كان لمستحق
الأصل (تغليظا) عليه، لانتهاكه الحرمة بلا خلاف فيه أجده، بل عليه
الإجماع في عبائر جماعة حد الاستفاضة. وهو الحجة; مضافا إلى المعتبرة
المستفيضة، وفي الموثق كالصحيح: عليه دية وثلث (4)، وفي الخبر: عن
الرجل يقتل في الشهر الحرام ماديته، قال: دية وثلث (5).
(وهل يلزم مثل ذلك) لو قتل (في الحرم) الشريف المكي زاده الله
شرفا (قال الشيخان) (6) وأكثر الأصحاب: (نعم) ومنهم ابن زهرة (7)
والحلي (8) مدعيين عليه في ظاهر كلامهما إجماع الإمامية كما ستعرفه.

(1) المبسوط 7: 115.
(2) السرائر 3: 322.
(3) كشف اللثام 2: 495 س 28.
(4) الوسائل 19: 150، الباب 3 من أبواب ديات النفس، الحديث 5، 1.
(5) الوسائل 19: 150، الباب 3 من أبواب ديات النفس، الحديث 5، 1.
(6) المقنعة: 743، المبسوط 7: 117.
(7) الغنية: 414.
(8) السرائر 3: 323.
185

وهو الحجة; مضافا إلى الموثق كالصحيح: في رجل قتل في الحرم، قال:
عليه دية وثلث (1)، وصريح جماعة ومنهم الماتن هنا وفي الشرائع (2)، لقوله:
(ولا أعرف الوجه) خلو فتواهم عن الرواية، بل مطلق الحجة، وكأنهم
لم يقفوا على هذه الرواية، وإلا فهي مع اعتبار سندها في المطلوب صريحة
معتضدة بما مر من الإجماعات المحكية، وبما علله المتأخرون من
اشتراكهما في الحرمة، وتغليظ قتل الصيد فيه المناسب لتغليظ غيره، فقولهم
في غاية القوة.
وهل يلحق بها حرم المدينة ومشاهد الأئمة على مشرفها ألف صلاة
وسلام وتحية مقتضى الأصل العدم، وفي الشرائع (3) والإرشاد (4) والتحرير (5)
عن الشيخ الإلحاق، وعبارته في النهاية لا تساعده، كما نبه عليه الحلي (6).
قيل: والظاهر اختصاص التغليظ بالعمد، للأصل، واختصاص أكثر
الفتاوى به من حيث التعليل بالانتهاك (7).
وفيه نظر، فإن مقتضى الخبرين العموم، وبه صرح الحلي، فقال: قد ذكرنا
ان الدية تغلظ في العمد المحض وعمد الخطأ وتخفف في الخطأ المحض
أبدا، إلا في موضعين المكان والزمان، فالمكان الحرم والزمان الأشهر الحرم،
فعندنا أنها تغلظ بأن توجب دية وثلثا (8). وظاهره - كما ترى - دعوى
الإجماع عليه أيضا. وقريب منه ابن زهرة، حيث أطلق الحكم ولم يعلل بما
يوجب التقييد بالعمد، فقال: ويجب على القاتل في الحرم أو في شهر حرام
دية وثلث - إلى أن قال - كل ذلك بدليل إجماع الطائفة (9). ومثله في

(1) الوسائل 19: 150، الباب 3 من أبواب ديات النفس، الحديث 3.
(2) الشرائع 4: 246.
(3) الشرائع 4: 246.
(4) الإرشاد 2: 233.
(5) التحرير 2: 268 س 7.
(6) السرائر 3: 363 - 323.
(7) كشف اللثام 2: 496 س 3.
(8) السرائر 3: 363 - 323.
(9) الغنية: 414 - 415.
186

الإطلاق عبارة الفاضل في التحرير (1) والإرشاد (2)، ولذا صرح بالعموم
للثلاثة بعض متأخري الأصحاب، مدعيا عليه النص والإجماع.
ولا تغليظ عندنا في الأطراف، كما صرح به جماعة من الأصحاب.
وادعى بعضهم في ظاهر كلامه الإجماع عليه (3)، للأصل، واختصاص
الفتوى والنص بالقتل ولا في قتل الأقارب لذلك، وبه صرح في المختلف (4).
خلافا للمبسوط (5) والخلاف (6) فيغلظ. ودليله مع شذوذه غير واضح.
ثم إن كل ذا في دية قتل الحر المسلم.
(و) أما (دية) قتل (المرأة) الحرة المسلمة ف‍ (على النصف من)
دية (الجميع) أي جميع المقادير الستة المتقدمة، فمن الإبل خمسون، ومن
الدنانير خمسمائة وهكذا إجماعا محققا ومحكيا في كلام جماعة حد
الاستفاضة. وهو الحجة; مضافا إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من
المعتبرة، التي كادت تكون متواترة.
فمنها - زيادة على ما مر في بحث تساوي الرجل والمرأة في دية
الجراحات ما يبلغ الثلث وغيره -: الصحيح: دية المرأة نصف دية الرجل (7).
والصحيح: عن رجل قتل امرأة خطأ وهي على رأس الولد تمخض،
قال: عليه الدية خمسة آلاف درهم، الحديث (8).
(ولا يختلف دية الخطأ والعمد) وشبههما (في شئ من المقادير)
الستة (عدا النعم) أي الإبل فيختلف دية الثلاثة فيها كما عرفته.
وأما عدم الاختلاف فيما عداها وثبوته في شبيه العمد والخطأ أيضا

(1) التحرير 2: 268 س 10.
(2) الإرشاد 2: 233.
(3) المسالك 15: 321.
(4) المختلف 9: 464 - 465.
(5) المبسوط 7: 116.
(6) الخلاف 5: 222، المسألة 6.
(7) الوسائل 19: 151، الباب 5 من أبواب ديات النفس، الحديث 1، 3.
(8) الوسائل 19: 151، الباب 5 من أبواب ديات النفس، الحديث 1، 3.
187

مخيرا بينها فقد ذكره جماعة كالفاضلين هنا وفي الإرشاد (1) والقواعد (2)
والشهيدين في اللمعتين (3) وغيرهما، من غير ذكر خلاف ولا إشكال، وهو
أيضا ظاهر الحلي مدعيا عليه الإجماع في ظاهر كلامه (4). وهو الحجة;
مضافا إلى إطلاق أكثر النصوص الواردة بالستة، كما عرفته، وتصريح جملة
منها بالتخيير بين جملة منها في الخطأ، ولا قائل بالفرق.
ففي الخبر: دية الخطأ إذا لم يرد الرجل القتل مائة من الإبل أو عشرة
آلاف من الورق أو ألف شاة، وقال: دية المغلظة التي تشبه العمد وليس بعمد
أفضل من الخطأ بأسنان الإبل ثلاثة وثلاثون حقة (5)، إلى آخر ما تقدم.
وفي آخر: والخطأ مائة من الإبل أو ألف من الغنم أو عشرة آلاف درهم
أو ألف دينار وان كانت الإبل فخمس وعشرون بنت مخاض (6)، إلى آخر
ما سبق أيضا.
وفي ثالث: دية الرجل مائة من الإبل فإن لم يكن فمن البقر - إلى أن
قال -: هذا في العمد وفي الخطأ مثل العمد ألف شاة مخلطة (7).
والصحيحة المتقدمة صريحة في ثبوت الدراهم في قتل الخطأ في المرأة
فكذا غيره وغيرها، لعدم القائل بالفرق أصلا، كما مضى. فلا إشكال في
المسألة بحمد الله سبحانه وإن كان ربما يظهر من بعض متأخري المتأخرين
حصول نوع شك له وريبة.
(وفي) مقدار (دية) الحر (الذمي) روايتان بل (روايات،
والمشهور) منها التي عليها عامة أصحابنا إلا النادر أنها (ثمانمائة
درهم) مطلقا يهوديا كان أو نصرانيا أو مجوسيا (8). وهي مع ذلك صحاح

(1) الإرشاد 2: 232 - 233.
(2) القواعد 3: 666 - 667.
(3) اللمعة والروضة 10: 189.
(4) السرائر 3: 223.
(5) الوسائل 19: 147، الباب 2 - 1 - 13 من أبواب ديات النفس، الحديث 4، 13، 12، 2.
(6) الوسائل 19: 147، الباب 2 - 1 - 13 من أبواب ديات النفس، الحديث 4، 13، 12، 2.
(7) الوسائل 19: 147، الباب 2 - 1 - 13 من أبواب ديات النفس، الحديث 4، 13، 12، 2.
(8) الوسائل 19: 147، الباب 2 - 1 - 13 من أبواب ديات النفس، الحديث 4، 13، 12، 2.
188

ومعتبرة مستفيضة كادت تبلغ التواتر، معتضدة بالأصل، وبمخالفة العامة،
والإجماع المحكي في الغنية (1) وكنز العرفان (2). ففي الصحيح: عن دية
اليهودي والنصراني والمجوسي، قال: ديتهم سواء ثمانمائة درهم (3).
والرواية الثانية منها الصحيح: دية اليهودي والنصراني والمجوسي دية
المسلم (4).
وقريب منه الموثق كالصحيح: من أعطاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذمة فديته
كاملة، الخبر (5).
ومنها الضعيف: دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم ودية
المجوسي ثمانمائة درهم، وقال: إن للمجوسي كتابا يقال له جاماس (6).
وهي كما ترى قاصرة عن المقاومة للرواية الأولى من وجوه شتى، سيما
مع اختلافها ومخالفه بعضها بعضا وموافقتها للعامة العمياء كما حكاه عنه
خالي العلامة المجلسي (رحمه الله)، ولأجله حملها على التقية فقال: والأظهر حمل
ما زاد على ثمانمائة على التقية، لموافقتها لمذاهب العامة، إذ ذهب جماعة
منهم إلى ان ديته ثلث دية المسلم أربعة آلاف درهم، ورووا ذلك عن عمر
وعثمان وذهب إليه الشافعي، ورووا أيضا عن عمر رواية اخرى، وهي أن
دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم ودية المجوسي ثمانمائة درهم (7)
وهي مع ذلك شاذة لا عامل بإطلاقها، إذ الأقوال في المسألة أربعة:
منها ما مر.
ومنها: ما عليه شيخ الطائفة في كتابي الحديث (8) والنهاية (9) من

(1) الغنية: 414.
(2) كنز العرفان 2: 369.
(3) الوسائل 19: 161، الباب 13 - 14 من أبواب ديات النفس، الحديث 5، 2، 3، 4.
(4) الوسائل 19: 161، الباب 13 - 14 من أبواب ديات النفس، الحديث 5، 2، 3، 4.
(5) الوسائل 19: 161، الباب 13 - 14 من أبواب ديات النفس، الحديث 5، 2، 3، 4.
(6) الوسائل 19: 161، الباب 13 - 14 من أبواب ديات النفس، الحديث 5، 2، 3، 4.
(7) ملاذ الأخيار 16: 382، ذيل الحديث 26.
(8) التهذيب 10: 187، ذيل الحديث 34.
(9) النهاية 3: 389.
189

التفصيل بين قتل الذمي اتفاقا فثمانمائة وقتله اعتيادا، فما في الأخبار
الأخيرة باختلافها بحمله له على اختلاف نظر الحاكم، قال: فإذا كان كذلك
فللإمام أن يلزمه دية المسلم كاملة تارة وأربعة آلاف درهم اخرى بحسب
ما يراه أصلح في الحال وأردع، فأما من كان ذلك منه نادرا لم يكن عليه
أكثر من ثمانمائة درهم حسب ما تضمنته الأخبار الأولة، ونفى عنه البأس
في المختلف (1)، ومال إليه بعض من تأخر (2)، لظهور وجه الجمع المزبور
من الموثق: عن مسلم قتل ذميا، قال فقال: هذا شئ شديد لا يحتمله الناس
فليعط أهله دية المسلم حتى ينكل عن قتل أهل السواد وعن قتل الذمي، ثم
قال: لو أن مسلما غضب على ذمي فأراد أن يقتله ويأخذ أرضه ويؤدي إلى
أهله ثمانمائة درهم إذا يكثر القتل في الذميين، الخبر (3).
وفيه نظر لاشتراك الجمع المفتى به بالتكافؤ المفقود في المقام لكثرة
الأخبار الأولة وصحتها وموافقتها الأصل، واشتهارها بإطلاقها شهرة عظيمة
كادت تكون إجماعا، بل لعلها إجماع كما عرفته من الغنية (4)، ولا كذلك
الأخبار الأخيرة حتى الموثقة المستشهد بها عليه فإنها بطرف الضد لتلك في
المرجحات المزبورة.
ومنها: قولا الصدوق في الفقيه (5) والإسكافي (6)، المفصلان تفصيلا لا
يوجد أثر لهما في الأخبار المزبورة، كما لا أثر لتفصيل الشيخ فيها وإن أشعر
به الموثق، ولا شاهد لتفصيلهما أصلا. فإذا قولهما أضعف الأقوال جدا،
فلا فائدة لذكرهما.

(1) المختلف 9: 437.
(2) كشف اللثام 2: 496 س 29.
(3) الوسائل 19: 162، الباب 14 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.
(4) الغنية: 414.
(5) الفقيه 4: 122، الحديث 5254.
(6) المختلف 9: 437.
190

(ودية نسائهم) الحرائر (على النصف من ذلك) أربعمائة درهم بلا
خلاف أجده، ولعل مستنده عموم الأدلة المتقدمة بأن المرأة نصف الرجل
في الدية.
قيل: ودية أعضائهما وجراحاتهما من ديتهما كدية أعضاء المسلم
وجراحاته من ديته، وفي التغليظ بما يغلظ به المسلم نظر، من عموم
الأخبار، وكون التغليظ على خلاف الأصل فيقتصر فيه على موضع الوفاق،
ولعل الأول أقوى، وكذا يتساوى دية الرجل منهم والمرأة إلى أن تبلغ ثلث
الدية فتنتصف كالمسلم (1).
ولعل المستند في جميع ذلك نحو ما احتملنا كونه مستندا في أصل
المسألة، مع دعوى الإجماع عليه في الغنية (2).
(ولا دية لغيرهم) أي غير الثلاثة (من أهل الكفر) مطلقا حتى أن
أهل الكتاب لو خرجوا عن الذمة لم يكن لهم الدية بلا خلاف أجده، للأصل،
مع عدم معلومية انصراف إطلاقات الدية إليهم وإشعار جملة من المستفيضة
الواردة في دية أهل الذمة باختصاص شرعيتها لأهل الكفر بهم خاصة،
مضافا إلى الموثق كالصحيح بأبان المجمع على تصحيح ما يصح عنه: عن
دماء المجوس واليهود والنصارى هل عليهم وعلى من قتلهم شئ إذا غشوا
المسلمين وأظهروا العداوة لهم؟ قال: لا إلا أن يكون متعودا لقتلهم،
الحديث (3). فتدبر.
(وفي) دية (ولد الزنا) المظهر للإسلام (قولان) بل أقوال
(أشبههما) وأشهرهما بين المتأخرين، بل عليه عامتهم (أن ديته كدية الحر
المسلم) لعموم الأدلة على إسلام من أظهره، وجريان أحكامه عليه من غير

(1) الروضة 10: 191.
(2) الغنية: 414.
(3) الوسائل 19: 165، الباب 16 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.
191

قاطع على استثناء ولد الزنا، مضافا إلى إطلاق أخبار الديات، وتصريح
بعضها بالمسلم أو المؤمن الصادقين عليه بمجرد إظهارهما، كما مضى.
والقول الثاني للصدوق (1) وعلم الهدى (2): وهو أن ديته كدية أهل
الكتاب ثمانمائة درهم كما في النصوص الصريحة المروية في آخر باب
الزيادات من التهذيب (3)، لكنها ما بين مرسلة وضعيفة بالجهالة، مع عدم
جابر لها بالمرة سوى دعوى الإجماع في كلام الأخير (4) وهي لندرة القائل
بل عدمه إلا المدعي وبعض من سبقه موهونة، فهي ضعيفة. كدعوى كفره
التي استدل بها أيضا، مضافا إلى الدعوى السابقة لمنعها، كما هو ظاهر
المتأخرين، وصرح به في المختلف، فقال: والأصل الذي بنى السيد عليه من
كفر ولد الزنا ممنوع (5).
أقول: ولو صحت هذه الدعوى لكان مقتضاها عدم الدية مطلقا كما عليه
الحلي (6)، مستدلا بها.
هذا، وقول السيد (7) ليس بذلك البعيد، للأصل، مع عدم معلومية دخول
نحو ولد الزنا في إطلاق أخبار الديات حتى ما ذكر فيه لفظ المؤمن
والمسلم، لاطلاقهما الغير المعلوم الانصراف إلى نحوه من حيث عدم تبادر
منه، مع عدم انسياقه سياق بيان مقدار الديات وغيره مما لا يتعلق بما نحن
فيه، فيصير بالنسبة إليه كالمجمل الذي لا يمكن التمسك به، وكذا شمول ما
دل على جريان أحكام الإسلام على مظهره لنحو ما نحن فيه ليس بمقطوع،
فلا يخرج عن مقتضى الأصل بمثله، وإنما خرج عنه بالنسبة إلى دية الذمي،

(1) المقنع: 530.
(2) الانتصار: 544.
(3) التهذيب 10: 315، الحديث 12، 13، 14.
(4) الانتصار: 544.
(5) المختلف 9: 324 - 325.
(6) السرائر 3: 352.
(7) الانتصار: 544.
192

لفحوى ما دل على ثبوتها فيه مع شرفه بإسلامه الظاهري وليس وجوده
كعدمه بالقطع حتى يلحق بالحربي.
ويمكن أن يجعل ما ذكرناه جابرا للنصوص والإجماع المحكي، مع
تأيد الأخير بعدم ظهور مخالف فيه من القدماء عدا الحلي (1) المتأخر عن
حاكيه. وأما الشهرة فإنما هي من زمن المحقق ومن بعده.
وإلى الروايات مع الجواب منها أشار الماتن بقوله: (وفي رواية أن
ديته كدية الذمي وهي ضعيفة) بما مر، إلا أن يجبره السند بما عرفته،
مضافا إلى أن السند في بعضها صحيح إلى جعفر بن بشير وهو ثقة،
والإرسال بعده لعله غير ضار، لقول النجاشي روى عن الثقات ورووا
عنه (2)، قاله في مدحه، ولا يكون ذلك إلا بتقدير عدم روايته عن الضعفاء،
وإلا فالرواية عن الثقة وغيره ليس بمدح، كما لا يخفى.
هذا، مع احتمال انجبارها أيضا بنحو الأخبار (3) الواردة في غسالة
الحمام المانعة عنها، معللة بأنه يغتسل فيه اليهودي والنصراني وولد الزنا
حيث ساقته في سياق أهل الكتاب، مشعرة باتحادهم في الحكم والمماثلة.
فتأمل.
هذا، وفي الصحيح (4): كم دية ولد الزنا؟ قال: يعطى الذي أنفق ما اتفق
عليه الحديث. وهو ظاهر في ثبوت الدية، لا كما ذكر الحلي (5)، وأنها ما
أنفق عليه، وهو يشمل ما قصر عن دية الحر المسلم، بل والذمي أيضا، بل
لعله ظاهر فيه، إلا أن الأخير خارج بالإجماع كخروج ما زاد عنه به أيضا،

(1) السرائر 3: 352.
(2) رجال النجاشي: 119 / 304.
(3) أنظر الوسائل 1: 158، الباب 11 من أبواب الماء المضاف.
(4) الوسائل 19: 164، الباب 15 من أبواب ديات النفس، الحديث 4.
(5) السرائر 3: 352.
193

فتعين الثمانمائة جدا، مع أن العدول بذلك الجواب عن لزوم دية الحر المسلم
كالصريح، بل لعله صريح في عدم لزومها، فيضعف بما عليه المشهور جدا،
ويتعين قول السيد ظاهرا، فتأمل جدا.
(ودية العبد قيمته) ما لم يتجاوز دية الحر (ولو تجاوزت دية الحر
ردت إليه) ودية الأمة قيمتها ما لم يتجاوز دية الحرة، والاعتبار بدية الحر
المسلم إن كان المملوك مسلما وإن كان مولاه ذميا على الأقوى، وبدية
الذمي إن كان المملوك ذميا ولو كان مولاه مسلما على الأقوى أيضا، وقد
مضى الكلام في المسألة وما يتعلق بها مستوفى في كتاب القصاص في
الشرط الأول من شرائطه، فلا وجه لإعادته.
(و) هي كدية الأحرار (تؤخذ من مال الجاني إن قتله) أي العبد
(عمدا أو شبيها به ومن عاقلته إن قتله خطأ ودية أعضائه) وجراحاته
تؤخذ (بنسبة) العضو إلى الكل من حيث (قيمته) على قياس نسبة
أعضاء الحر إلى كله من حيث الدية (فما) أي أي عضو (فيه) أي في
ذلك العضو حال كونه (من الحر) من (ديته) أي دية الحر ففي ذلك
العضو (من العبد قيمته كاللسان والذكر) واليدين والرجلين. فلو جنى
عليها من العبد كان فيها تمام قيمته ما لم يتجاوز دية الحر كما أنه لو جنى
عليها من الحر كان فيها كمال ديته.
(وما فيه) أي عضو من الحر في الجناية عليه (دون ذلك) أي دون
كمال الدية من نصفها أو ثلثها مثلا (ف‍) في الجناية عليه من العبد من قيمته
(بحسابه) أي بحساب ما يؤخذ فيه من الدية في الحر.
ولو قطع إحدى يديه الصحيحة مثلا يؤخذ من قيمته نصفها، كما أنه
يؤخذ نصف دية الحر لو قطعت منه، وفي حكم العبد بالنسبة إلى الحر الأمة
بالنسبة إلى الحرة، وبالجملة الحر أصل للعبد في المقدر له (و) ينعكس في
194

غيره فيكون (العبد أصل الحر فيما لا تقدير فيه) منه فيفرض الحر عبدا سليما
من الجناية وينظركم قيمته حينئذ ويفرض عبدا فيه تلك الجناية وينظركم
قيمته، وينسب إحدى القيمتين إلى الأخرى، ويؤخذ له من الدية بتلك النسبة.
والوجه في جميع ذلك واضح، مع عدم خلاف فيه أجده، وفي المسالك
أنه كالمتفق عليه، ويشهد له النصوص المستفيضة:
منها - زيادة على الموثقة الآتية - القوي جراحات العبيد على نحو
جراحات الأحرار في الثمن (1).
ومنها: إذا جرح الحر العبد فقيمة جراحته من حساب قيمته (2).
ومنها: في رجل شج عبدا موضحة، قال: عليه نصف عشر قيمته (3)
(ولو جنى جان على العبد) وفي معناه الأمة (بما فيه قيمته فليس للمولى
المطالبة) بها (حتى يدفع العبد برمته) أي بتمامه إلى الجاني أو عاقلته إن
قلنا بأنها تعقله بلا خلاف أجده، بل عليه الإجماع في عبائر جماعة حد
الاستفاضة، وبه صريح الموثقة: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في أنف العبد أو
ذكره أو شئ محيط بقيمته أنه يؤدي إلى مولاه قيمة العبد ويأخذ العبد (4).
وفيهما الحجة دون ما علل به من استلزام جواز المطالبة به، مع عدم
دفعه الجمع بين العوض والمعوض عنه، لاندفاعه بأن القيمة عوض الجزء
الفائت لا الباقي، ولذا قيل: بجوازها معه فيما لو كان الجاني على العبد
غاصبا له، وإنما قيل: بعدم الجواز في غيره للنص والوفاق.
أقول: لا اختصاص لهما بغير الغاصب، بل يشملانه إطلاقا، بل عموما
في الأول من حيث ترك الاستفصال فيه المفيد له على الأقوى، فتأمل جدا.

(1) الوسائل 19: 126، الباب 5 من أبواب قصاص الطرف الحديث 1.
(2) الوسائل 19: 125، الباب 4 من أبواب قصاص الطرف الحديث 2.
(3) الوسائل 19: 298، الباب 8 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 1.
(4) الوسائل 19: 298، الباب 8 من أبواب ديات الشجاج والجراح الحديث 3.
195

(ولو كانت الجناية) على المملوك (بما دون ذلك) أي بما لا يبلغ
قيمته (أخذ) المولى (أرش الجناية) بنسبته من القيمة (وليس له) أي
للمولى (دفعه) أي العبد إلى الجاني (والمطالبة بالقيمة) أي بتمام قيمة
العبد إلا برضا الجاني، بل يمسكه ويطلبه بدية الفائت مع التقدير، أو أرشه مع
عدمه في الحر فإنه حقه دون الدفع والمطالبة بتمام القيمة، لأن ذلك معاوضة
لا تثبت إلا بالتراضي. قيل: وللعامة قول بأن له ذلك.
(ولا يضمن المولى جناية العبد) مطلقا و (لكن متعلق برقبته
وللمولى) الخيار بين دفعه أو (فكه بأرش الجناية) أو بأقل الأمرين منه
ومن القيمة على الخلاف المتقدم في القصاص في البحث المتقدم إليه قريبا
الإشارة.
(و) مضى ثمة أيضا الكلام في أنه (لا تخيير لمولى المجني عليه)
بل للمولى إذا كانت الجناية خطأ وينعكس إذا كانت عمدا (و) أنه
(لو كانت جنايته لا تستوعب قيمته تخير المولى) أيضا (في دفع
الأرش أو تسليمه ليستوفي المجني عليه) منه (قدر الجناية استرقاقا
أو بيعا) ويكون المولى معه فيما يفضل شريكا.
(و) أنه (يستوي في) جميع (ذلك الرق المحض والمدبر) مطلقا
(ذكرا كان أو أنثى أو أم ولد على التردد) في الأخير لم يسبق ذكره فيما
مضى، ينشأ من عموم الأدلة على أن المولى لا يعقل مملوكه، ومن أن المولى
باستيلاده منع من بيع رقبتها، فأشبه ما لو أعتق الجاني عمدا; مضافا إلى
النص: أم الولد جنايتها في حقوق الناس على سيدها وما كان من حقوق الله
عز وجل في الحدود فإن ذلك في بدنها الحديث (1).

(1) الوسائل 19: 76، الباب 43 من أبواب القصاص، الحديث 1.
196

وهذا خيرة الشيخ في ديات المبسوط نافيا الخلاف فيه إلا عن أبي ثور
قال: فإنه قال: أرش جنايتها في ذمتها يتبع به بعد العتق وتبعه القاضي،
والأول مذهبه في استيلاد المبسوط والخلاف مدعيا عليه إجماع الفرقة
وأخبارهم، على أنها مملوكة يجوز بيعها وتبعه الحلي وأكثر المتأخرين
كالفاضلين في الشرائع والتحرير والقواعد وفخر الدين في شرحه والشهيدين
في ظاهر المسالك وصريح اللمعة ونسبه في شرحها إلى المشهور. ولعله
أقوى، ويمنع عن كون الاستيلاد مانعا من البيع هنا، لأن حق الجناية من
الاستيلاد أقوى، والنص قاصر سندا بالجهالة وإن روى عن موجبها الحسن
ابن محبوب الذي قد أجمع على تصحيح ما يصح عنه العصابة، لعدم بلوغه
بذلك درجة الصحة فضلا أن يعارض به الأدلة المعتضدة بالشهرة الظاهرة
والمحكية، ونفي الخلاف موهون بنقل النافي له الإجماع على الخلاف مع
نفي الحلي الخلاف عنه أيضا، بل ظاهره إجماعنا عليه كما في الخلاف، وأن
خلافه مذهب أهل الخلاف، وعليه يتعين حمل الرواية على التقية.
(النظر الثاني في) بيان (موجبات الضمان) للدية مطلقا
(والبحث) فيه (إما في المباشرة أو التسبيب أو تزاحم الموجبات).
(أما المباشرة)
(فضابطها الإتلاف لا مع القصد) إليه وإن قصد الفعل الموجب له
كمن رمى غرضا فأصاب إنسانا أو ضربه للتأديب فمات مثلا.
وحيث قد عرفت ذلك (ف‍) اعلم أن (الطبيب يضمن في ماله) بل
مطلق (ما يتلف بعلاجه) ولو طرفا، لحصول التلف المستند إلى فعله،
ولا يطل دم امرئ مسلم، ولأنه قاصد إلى الفعل مخطئ في القصد، فكان
فعله شبيه عمد وإن احتاط واجتهد وأذن المريض أو وليه وكان حاذقا
197

ماهرا في فنه علما وعملا، لأن ذلك لا دخل له في عدم الضمان هنا، لتحقق
الضمان مع الخطأ المحض فهنا أولى وإن اختلف الضامن، وهذا الحكم مما
لم أجد خلافا فيه في صورة ما لو كان الطبيب قاصرا في المعرفة أو عالج
من غير إذن من يعتبر إذنه وبنفي الخلاف هنا صرح المقدس الأردبيلي (رحمه الله)،
وفي التنقيح عليه الإجماع.
وأما إطلاقه حتى في ما لو كان عارفا وعالج مأذونا فلا خلاف فيه
أجده أيضا إلا من الحلي، حيث قال هنا: بعدم الضمان، للأصل، ولسقوطه
بإذنه، ولأنه فعل سائغ شرعا فلا يستعقب ضمان.
وهو مع شذوذه، بل ودعوى الإجماع على خلافه في كلام جماعة كابن
زهرة والماتن في نكت النهاية والشهيد في نكته - كما حكاه عنه في
الروضة - مضعف بأن أصالة البراءة ينقطع بدليل شغل الذمة، وهو ما قد
عرفته، والإذن إنما هو في العلاج لا في الإتلاف، ولا منافاة بين الجواز
والضمان كالضارب للتأديب.
هذا، ويعضد المختار المعتبران الآتيان في إفادة البراءة سقوط الضمان،
وتضمين الأمير (عليه السلام) قاطع حشفة الغلام (1)، وقصور السند أو ضعفه مجبور
بالعمل، مع نفي الحلي بنفسه الخلاف عن صحة الأخير، لكن وجهه بأن
المراد أنه فرط فقطع غير ما أريد منه فإن الحشفة غير محل الختان (2).
ولا جواب لهذا التوجيه إلا من حيث الحكم بتعينه، إذ لا دليل في الخبر عليه،
مع احتماله الحمل على غير صورة التفريط، كاحتماله الحمل على صورته.
والأولى في الجواب عنه الاكتفاء بهذا الاحتمال، فإنه بمجرده كاف
في رد دلالة الرواية على الحكم في المسألة، لكونها قضية في واقعة.

(1) الوسائل 19: 195، الباب 24 من أبواب ديات موجبات الضمان، الحديث 1، 2.
(2) السرائر 3: 373.
198

(ولو أبرأ المريض) المعالج (أو الولي) له من الجناية قبل وقوعها
(فالوجه الصحة) وفاقا للشيخ (1) واتباعه والحلي (2)، بل المشهور كما في
المسالك (3) وغيره (لإمساس الضرورة) والحاجة (إلى) مثل ذلك، إذ لا
غنى عن (العلاج) وإذا عرف الطبيب أنه لا مخلص له عن الضمان توقف
عن العمل مع الضرورة إليه، فوجب في الحكمة الإبراء دفعا للضرورة.
(ويؤيده رواية) النوفلي عن (السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام)) قال:
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من تطبب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه، وإلا فهو
ضامن (4)، وإنما ذكر الولي، لأنه هو المطالب على تقدير التلف، فلما شرع
الإبراء قبل الاستقرار صرف إلى من يتولى المطالبة.
(وقيل) والقائل الحلي (5): إنه (لا يصح، لأنه إبراء مما لم يجب)
وأيده شيخنا الشهيد الثاني في كتابيه، مجيبا عن الأدلة السابقة، قال: فإن
الحاجة لا تكفي في شرعيته الحكم بمجردها مع قيام الأدلة على خلافه،
والخبر سكوني، مع أن البراءة حقيقة لا تكون إلا بعد ثبوت الحق لأنها
إسقاط ما في الذمة من الحق، وينبه عليه أيضا أخذها من الولي، إذ لا حق له
قبل الجناية، وقد لا تصير إليه بتقدير عدم بلوغها القتل إذا أدت إلى الأذى
انتهى (6).
وما ذكره من الجواب عن الحاجة لم أفهمه، وعن الرواية بالضعف
فمجبور على تقديره بالشهرة الظاهرة والمحكية في كلامه.
نعم دلالتها ضعيفة بما ذكره، ولعله لذا جعلها الماتن مؤيدة لا حجة.

(1) النهاية 3: 420.
(2) السرائر 3: 373.
(3) المسالك 15: 327 - 329.
(4) الوسائل 19: 195، الباب 24 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1.
(5) السرائر 3: 373.
(6) الروضة 10: 113، المسالك 15: 327 - 329.
199

لكن أجاب عنه بعض الأجلة فقال: لأنك تعرف أن معنى تطبب أنه أراد
فعله لا أنه فعله، وهو ظاهر، وقد مر وجه إسناده إلى الولي، وإنه تنبيه على
صحة إبراء المريض إذا كان الحق له بالطريق الأولى، وأنه لا يحتاج حينئذ
إلى الأمر به، وهو ظاهر انتهى (1).
وهذا الجواب وإن كان بعيدا لغة إلا أنه لعله يساعده العرف وفهم
الفقهاء، حيث فهموا من الرواية هذا إلا ما ذكره شيخنا (2)، وتفرد به في
الجواب عنها.
وبالجملة المسألة محل تردد، كما هو ظاهر الفاضلين (رحمهما الله) في
الشرائع (3) والإرشاد (4) والقواعد (5) وغيرهما لكن مقتضى الأصل - مع عدم
معلومية شمول ما دل على الضمان بالجناية شبيه العمد لها بعد الإذن
والإبراء - عدم الضمان. وإلى هذا الوجه أشار المولى الأردبيلي (رحمه الله)، فقال:
وما ثبت شرعا أن كل إتلاف موجب للضمان (6).
هذا، مضافا إلى مسيس الحاجة والجواب عنه في كلام شيخنا قد عرفت
له أنه ما عرفته، وأيده المقدس الأردبيلي (رحمه الله) بالمؤمنين عند شروطهم.
قال: ومرجع الإبراء عدم المؤاخذة، وعدم ثبوت حق لو حصل الموجب
ولا استبعاد في لزوم الوفاء، بمعنى عدم ثبوت حق حينئذ أو أنه يثبت
ويسقط فلا يكون إسقاطا لما ليس بثابت، فتأمل (7).
(وكذا البحث في البيطار) في المسألتين فإنه طبيب أيضا لكن
في الحيوان (والنائم إذا انقلب على إنسان أو فحص برجله) أو يده
أي قلبهما (فقتله) أو جرحه (ضمن) الدية بلا خلاف أجده، وبه صرح

(1) مجمع الفائدة 14: 231.
(2) المسالك 15: 327 - 329.
(3) الشرائع 4: 249.
(4) الإرشاد 2: 222.
(5) القواعد 3: 651.
(6) مجمع الفائدة 14: 229 - 230.
(7) مجمع الفائدة 14: 229 - 230.
200

في التنقيح (1) وغيره.
وهل هي (في ماله) أم (على) عاقلته (تردد) واختلاف، فبين
قائل بالأول كالشيخين في النهاية (2) والمقنعة (3) وغيرهما من القدماء،
ومختار للثاني كأكثر المتأخرين بل عامتهم، وهو الأظهر، لأنه مخطئ في
فعله وقصده، فيكون خطأ محضا، وديته على العاقلة اتفاقا، كما مضى،
مضافا إلى التأيد بالنصوص الآتية وإن خالفت الأصول في صورة واحدة لا
دخل لها بمفروض المسألة، مع أنا لم نجد للقول الأول دليلا عدا ما يستفاد
من الشيخ (4) من دعوى كونه شبيه عمد، وفيه ما عرفته.
نعم يظهر من الحلي (رحمه الله) أن به رواية، حيث قال: والذي يقتضيه أصول
مذهبنا في جميع هذا - يعني هذا ومسألة الظئر الآتية - على العاقلة، لأن
النائم غير عامد في فعله ولا عامد في قصده، وهذا حد قتل الخطأ المحض،
ولا خلاف أن دية قتل الخطأ المحض على العاقلة، وإنما هذه أخبار آحاد لا
يرجع بها عن الأدلة، والذي ينبغي تحصيله في هذا أن الدية على النائم
نفسه، لأن أصحابنا جميعهم يوردون ذلك في باب ضمان النفوس، وذلك لا
يحمله العاقلة بلا خلاف انتهى (5).
ولم نقف على هذه الرواية، ولا أشار إليها أحد غيره، فمثلها مرسلة لا
تصلح للحجية، فضلا أن يخصص بها الأصول القطعية المعتضدة بالشهرة
العظيمة.
لكنها فيما إذا لم يكن النائم ظئرا (أما) لو كان هو (الظئر)
فللأصحاب فيه أقوال ثلاثة:

(1) التنقيح 4: 471.
(2) النهاية 3: 412.
(3) المقنعة: 747.
(4) النهاية 3: 412.
(5) السرائر 3: 365.
201

أحدها: التفصيل، وهو أنها (إن طلبت المظائرة للفخر) والعزة
(ضمنت الطفل في مالها إذا انقلبت عليه فمات، وإن كانت) طلبتها
(للفقر) والحاجة (فالدية على العاقلة) اختاره الماتن هنا وفي
الشرائع (1) والنكت (2) والفاضل في الإرشاد (3) تبعا للشيخ (4) وابن
حمزة (5)، وبه نصوص صريحة، لكن في سندها ضعف وجهالة، وفي متنها
مخالفة للأصول المتقدمة، ولذا اختار الأكثر خلافها وإن اختلفوا في محل
الدية، فبين من جعله مالها مطلقا كالمفيد (6) والديلمي (7) والحلي (8) كما
عرفته وابن زهرة (9) مدعيا عليه إجماع الإمامية، ومن جعله العاقلة
كالفاضل في التحرير (10) والقواعد (11) والمختلف (12) وشيخنا في
المسالك (13) وحكاه عن أكثر المتأخرين، ولعله الأظهر، للأصول المتقدمة
السليمة عما يصلح للمعارضة لوهن إجماع ابن زهرة في نحو المسألة بلا
شبهة، وقصور النصوص بما عرفته، لكن عن الماتن في نكت النهاية أنه قال:
لا بأس بالعمل بها لاشتهارها وانتشارها بين الفضلاء من علمائنا، ويمكن
الفرق بين الظئر وغيرها بأن الظئر بإضجاعها الصبي إلى جانبها مساعدة
بالقصد إلى فعل له شركة في التلف، فيضمن لا مع الضرورة انتهى (14).
ولو صحت هذه الشهرة كانت جابرة، لكنها كدعوى الإجماع موهونة،
فلا يجبر بهما على الخروج عن الأصول المتقدمة، مع أن دعواها معارضة

(1) الشرائع 4: 252.
(2) النهاية ونكتها 3: 411 - 410.
(3) الإرشاد 2: 223.
(4) النهاية ونكتها 3: 411 - 410.
(5) الوسيلة: 454.
(6) المقنعة: 747.
(7) المراسم: 241.
(8) السرائر 3: 365.
(9) الغنية: 414.
(10) التحرير 2: 262 س 15.
(11) القواعد 3: 651.
(12) المختلف 9: 346.
(13) المسالك 15: 352.
(14) النهاية 3: 411.
202

بدعوى شيخنا في المسالك (1) الأكثرية بين المتأخرين، كما عرفته.
(ولو أعنف) الرجل (بزوجته جماعا) قبلا أو دبرا (أو ضما
فماتت ضمن الدية فكذا الزوجة) في ماله إن لم يتعمد القتل أو ما يؤدي
إليه غالبا على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة المتأخرين، لأنه قتل شبيه
العمد، لقصده الفعل وخطأه في القصد، وللنصوص:
منها الصحيح: عن رجل أعنف على امرأته فزعم أنها ماتت من عنفه،
قال: الدية كاملة، ولا يقتل الرجل (2).
وعن الماتن أنه قال: لا يقال: فعله سائغ فلا يترتب عليه ضمان، لأنا
نمنع ولا نجيز له العنف، قال: أما لو كان بينهما تهمة وادعى ورثة الميت منهما
أن الآخر قصد القتل أمكن أن يقال: بالقسامة وإلزام القاتل القود (3) انتهى.
وبه قطع الحلي (4). ولا بأس به إن بلغت التهمة اللوث المعتبر في القسامة.
ثم إن ظاهر النص والفتوى والأصول أن عليه دية شبيه العمد.
خلافا للمفيد (5)، فجعلها مغلظة. وحجته غير واضحة.
(و) قال الشيخ (في النهاية) (6) وعن الجامع (7) أنه (إن كانا
مأمونين فلا ضمان عليهما) للمرسل: عن رجل أعنف على امرأة أو امرأة
أعنفت على زوجها فقتل أحدهما الآخر، قال: لا شئ عليهما إذا كانا
مأمونين، فإن كانا متهمين ألزمتهما اليمين بالله أنهما لم يريدا القتل (8).
(وفي) هذه (الرواية) كما ترى (ضعف) بالإرسال والمخالفة

(1) المسالك 15: 352.
(2) الوسائل 19: 201، الباب 31 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1.
(3) نكت النهاية، والنهاية 3: 413.
(4) السرائر 3: 366.
(5) المقنعة: 747.
(6) نكت النهاية، والنهاية 3: 413.
(7) كشف اللثام 2: 483 س 32.
(8) الوسائل 19: 202، الباب 31 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 4.
203

للأصول، وخصوص ما مر من النصوص، مع أنها عامة لا تصريح فيها بنفي
الدية، فيحتمل الحمل على نفي القود والمؤاخذة خاصة حمل المطلق على
المقيد، ويحمل اليمين فيها مع التهمة على يمين القسامة إثباتا للقود دون
الدية، وفيها الدلالة حينئذ على ما حكم الماتن بإمكانه وقطع به الحلي (1)
من ثبوت القسامة هنا مع التهمة. وبهذا الجمع صرح الشيخ في التهذيب (2)
والاستبصار (3) اللذين هما بعد النهاية.
(ولو حمل) إنسان (على رأسه متاعا فكسره أو أصاب به إنسانا)
أو غيره فقتله أو جرحه (ضمن ذلك في ماله) كما هنا وفي الشرائع (4)
والتحرير (5) والقواعد (6) والإرشاد (7) واللمعة (8)، لكن في الجناية على
الإنسان خاصة، وعن النهاية (9) والمهذب (10) وفي السرائر (11)، لكن في
ضمان المتاع خاصة، ومع ذلك قالوا: إلا أن يدفعه غيره فضمانه عليه.
والأصل في المسألة رواية داود بن سرحان الثقة، المروية بعدة طرق
وفيها الصحيح (12) وغيره (13): في رجل حمل متاعا على رأسه فأصاب
إنسانا فمات أو انكسر منه، فقال: هو ضامن.
وردها في المسالك بأن في طريقها سهل بن زياد وهو ضعيف، وهي
بإطلاقها مخالفة للقواعد، لأنه إنما يضمن المصدوم في ماله مع قصده إلى
فعله وخطأه في القصد، فلو لم يقصد الفعل كان خطأ محضا كما تقرر،

(1) السرائر 3: 366.
(2) التهذيب 10: 210، ذيل الحديث 33.
(3) الاستبصار 4: 280، ذيل الحديث 2.
(4) الشرائع 4: 249.
(5) التحرير 2: 262 س 18.
(6) القواعد 3: 651.
(7) الإرشاد 2: 223.
(8) اللمعة والروضة 10: 113.
(9) النهاية 3: 414.
(10) المهذب البارع 5: 267.
(11) السرائر 3: 368.
(12) الوسائل 19: 182، الباب 10 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1، وذيله.
(13) الوسائل 19: 182، الباب 10 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1، وذيله.
204

وأما المتاع المحمول فيعتبر في ضمانه لو كان لغيره التفريط إذا كان أمينا
عليه كغيره من الأموال (1) انتهى.
وفيه نظر، لعدم الضعف إلا بالطريق المروي في الكافي (2) والتهذيب في
باب ضمان النفوس (3). وأما الطريق الآخر المروي في الأخير (4) والفقيه (5)
في كتاب الإجازات منها فليس بضعيف، بل صحيح، ومع ذلك الضعف بسهل
سهل، سيما بعد الانجبار بعمل الأصحاب، كما يظهر منه في الروضة، حيث
إنه بعد ما استشكل في إطلاق الحكم بمخالفة القاعدة بنحو ما في
المسالك (6) قد ذكره قال: إلا أنهم أطلقوا الحكم هنا (7).
ومن هنا ينقدح الجواب عنها بمخالفتها القاعدة، إذ هي لا توجب قدحا
في الرواية المعمولة، بل سبيلها كسبيل الروايات المخصص بها القاعدة.
نعم لولا صحة السند وعمل الأصحاب لاتجه ما ذكره، ولكنهما
يصححان ما في العبارة، بل لعل الصحة مع فتوى جماعة أيضا كافية، ولقد
أيد المختار بعض الأجلة، مع زعمه ضعف الرواية ومخالفتها القاعدة، فقال
بعد تضعيفها بهما، إلا أنه قد يقال: إنه من الأسباب، وأنه غير معلوم دخوله
في الخطأ، لما مر من تفسيره في الروايات، وسيأتي أيضا، وتضمين شخص
بجناية غيره خلاف القواعد العقلية والنقلية، فلا يصار إليه إلا في المجمع
عليه والمتيقن (8).
أقول: وفيما ذكره أخيرا نظر واضح لا يحتاج وجهه إلى بيان وإن
استسلفه واعتمد عليه في غير مقام.

(1) المسالك 15: 331.
(2) الكافي 7: 350، الحديث 5.
(3) التهذيب 10: 230، الحديث 42.
(4) التهذيب 7: 222، الحديث 55.
(5) الفقيه 4: 111، الحديث 5219، وفيه: هو مأمون، بدل ضامن.
(6) المسالك 15: 331.
(7) الروضة 10: 114.
(8) مجمع الفائدة 14: 234.
205

هذا، ويؤيد المختار في ضمان المتاع على الإطلاق الخبر: أنه أتي
بحمال كانت عليه قارورة عظيمة فيها دهن فكسرها، فضمنها إياه وكان (عليه السلام)
يقول: كل عامل مشترك إذا أفسد فهو ضامن، فسألته من المشترك، فقال:
الذي يعمل لي ولك ولذا (1). ونحوه آخر (2) منجبر ضعف سندهما بالعمل.
وأما الصحيح: في الحمال يكسر الذي حمل أو يهريقه، قال: إن كان
مأمونا فليس عليه شئ، وإن كان غير مأمون فهو ضامن (3). فشاذ غير
معلوم العامل، والتفصيل بالتفريط وعدمه غير مذكور فيه، وحمل التفصيل
فيه عليه ليس بأولى من حمله على ما إذا ادعى كسر الحمل من دون علم
صاحبه به.
ويكون المراد حينئذ أنه يستحب أن لا يكلفه البينة إذا كان مأمونا،
وإلا فهو ضامن، ويكون حينئذ سبيله كسبيل كثير من الأخبار الدالة على
هذا التفصيل.
هذا، وعن المرتضى دعوى الإجماع على ضمان الأجير ما يتلف في
يده ولو بغير سببه (4). وتمام الكلام في هذه المسألة يطلب من كتاب
الإجارة.
(وفي رواية) النوفلي عن (السكوني أن عليا (عليه السلام) ضمن ختانا
قطع حشفة غلام (5). وهي) وإن قصر سندها بهما إلا أنها (مناسبة
للمذهب) وإن حملت على غير صورة التفريط، لما مر في ضمان الطبيب
دية ما يجنيه في ماله.
(ولو وقع إنسان من علو) على آخر (فقتله) أو جرحه (فإن قصد)

(1) الوسائل 13: 279، الباب 30 في أحكام الإجارة، الحديث 13، 4، 7.
(2) الوسائل 13: 279، الباب 30 في أحكام الإجارة، الحديث 13، 4، 7.
(3) الوسائل 13: 279، الباب 30 في أحكام الإجارة، الحديث 13، 4، 7.
(4) الانتصار: 466.
(5) الوسائل 19: 195، الباب 24 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.
206

الوقوع عليه (وكان مما يقتل غالبا) أو نادرا لكن مع قصده القتل أيضا
(قتل به) لأنه عمد يوجب القود (وإن لم يقصد) القتل مع الندرة بل قصد
الوقوع عليه خاصة فاتفق موته (فهو شبيه عمد يضمن الدية) في ماله
وإن قصد الوقوع لكن لا عليه فصادفه فهو خطأ محض ديته على العاقلة.
(وإن دفعه الهواء أو زلق) فوقع عليه بغير اختيار منه ولا قصد للوقوع
(فلا ضمان) عليه ولا على عاقلته، لعدم استناد القتل إلى فعله، بل إلى أمر
خارجي، وليس هو كالنائم المنقلب على غيره، لحصول الجناية فيه بفعله
ولو من غير اختياره، بخلاف ما نحن فيه لحصولها بفعل غيره ولو بواسطته.
هذا، مضافا إلى النصوص:
منها الصحيح: في رجل يسقط على الرجل فيقتله، فقال: لا شئ عليه (1).
والصحيح: عن رجل وقع على رجل فقتله، فقال: ليس عليه شئ (2).
والخبر: عن رجل وقع على رجل من فوق البيت فمات أحدهما، فقال:
ليس على الأعلى شئ ولا على الأسفل شئ (3).
قيل: ويحتمل أن يكون كمن انقلب على غيره في النوم فقتله في
وجوب الدية عليه أو على عاقلته، وأن يكون كقتيل الزحام في وجوبها في
بيت المال كما في السرائر والتحرير، لئلا يطل دم امرئ مسلم (4).
والاحتمال الأول - لما عرفت - بعيد.
والثاني: ليس بذلك البعيد وإن نافته ظاهر النصوص المتقدمة الواردة في
مقام الحاجة، فلو وجبت الدية على بيت المال لبينه. فتأمل.
مضافا إلى أصالة البراءة. هذا كله في الواقع عليه.

(1) الوسائل 19: 41، الباب 20 من أبواب قصاص النفس، الحديث 2، 1، 3.
(2) الوسائل 19: 41، الباب 20 من أبواب قصاص النفس، الحديث 2، 1، 3.
(3) الوسائل 19: 41، الباب 20 من أبواب قصاص النفس، الحديث 2، 1، 3.
(4) كشف اللثام 2: 483 س 5.
207

وأما الواقع هو فدمه لو مات هدر على جميع التقادير بلا خلاف، لأن
قتله لم يستند إلى أحد يحال عليه الضمان.
وفي الموثق: في رجل يقع على رجل فيقتله فمات الأعلى، قال:
لا شئ على الأسفل (1).
(ولو دفعه دافع) وهو إنسان (فالضمان) أي ضمان المدفوع عليه لو
مات أو انجرح (على الدافع) فيقاد منه إن قصد جنايته بذلك مطلقا، وكذا
إن لم يقصد جنايته، مع كون الدفع مما يجنى غالبا وإن كان مما يجنى نادرا
فالدية في ماله إن قصد الدفع عليه، وإلا فخطأ محض إن قصد مطلق الدفع
تؤخذ من عاقلته.
والحكم بكون الضمان على الدافع دون المدفوع هو الأشهر بين
المتأخرين على الظاهر، بل صرح بالشهرة المطلقة شيخنا في الروضة (2)،
وهو خيرة الحلي (3) والمفيد على ما حكي عنه (4). ووجهه واضح، لأنه هو
السبب القوي والمباشر ضعيف بالإلجاء أو منتف، مضافا إلى إطلاق النصوص
النافية للضمان عن الواقع، بل عمومها الشامل لمفروض المسألة، حيث لم
يستفصل فيها عن كون الوقوع منه أو من غيره، وهو وإن استلزم عدم ضمان
الواقع مطلقا حتى في جملة من الصور المتقدمة المحكوم عليه فيها بضمانه،
لكنها مخرجة عنه بالإجماع، ولا إجماع هنا حتى يخرج به عنه أيضا.
(و) قال الشيخ (في النهاية) (5) وكتابي الحديث (6) وتبعه الجامع (7)

(1) الوسائل 19: 41، الباب 20 من أبواب قصاص النفس، الحديث 4.
(2) الروضة 10: 121.
(3) السرائر 3: 366.
(4) كشف اللثام 2: 483 س 7.
(5) النهاية 3: 413.
(6) التهذيب 10: 212، ذيل الحديث 41، الاستبصار 4: 280، ذيل الحديث 3.
(7) الجامع للشرائع: 584.
208

كما حكي: أن (دية المقتول على الواقع ويرجع) هو (بها على الدافع)
للصحيح: في رجل دفع رجلا على رجل فقتله، قال: الدية على الذي وقع
على الرجل لأولياء المقتول ويرجع المدفوع بالدية على الذي دفعه، قال:
وإن أصاب المدفوع شئ فهو على الدافع أيضا (1).
ولا يخلو عن قوة من حيث الصحة والصراحة لولا ما قدمناه من الأدلة
المعتضدة بالشهرة العظيمة. فالخروج به عنها في غاية الجرأة، مع إمكان
حمله على أن أولياء المقتول لم يعلموا دفع الغير له. هذا كله في ضمان
المدفوع عليه.
وأما المدفوع فضمانه على الدافع قولا واحدا، وبه صرح الصحيح المتقدم.
(ولو ركبت جارية على اخرى فنخستها) أي المركوبة (ثالثة
فقمصت) المركوبة أي نفرت ورفعت يديها وطرحتها (فصرعت الراكبة)
ووقعت (فماتت، قال) الشيخ (في النهاية) (2) وأتباعه على ما حكاه
جماعة بل ادعى عليه في الشرائع (3) والنحرير (4) والمسالك (5) الشهرة: إن
(الدية بين الناخسة والقامصة نصفان، وقال) المفيد (رحمه الله) (في المقنعة (6):
عليهما ثلثا الدية ويسقط الثلث) بإزاء الراكبة (لركوبها عبثا) ونحوه
عن الإصباح (7) والكافي (8) وفي الغنية (9)، وفيهما أن الراكبة كانت لاعبة،
ولو كانت راكبة بأجرة كان كمال ديتها على الناخسة والمنخوسة.
(و) مستند (الأول رواية أبي جميلة) المفضل بن صالح المروية

(1) الوسائل 19: 177، الباب 5 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.
(2) النهاية 3: 423.
(3) الشرائع 4: 251.
(4) التحرير 2: 267، س 6.
(5) المسالك 15: 346 - 347.
(6) المقنعة: 750.
(7) إصباح الشيعة: 502 - 503.
(8) الكافي في الفقه: 394.
(9) الغنية: 416.
209

في الفقيه (1) والتهذيب (2) عن سعد الإسكافي عن الأصبغ بن نباتة قال: قضى
أمير المؤمنين (عليه السلام) في جارية ركبت اخرى فنخستها ثالثة فقمصت المركوبة
فصرعت الراكبة فماتت أن ديتها نصفان على الناخسة والمنخوسة (3).
(وفي أبي جملية ضعف) مشهور غير مختلف فيه، ولعله لذا خصه
الماتن بالتضعيف، وإلا فباقي الرواة المذكورون هنا بل وغيرهم أيضا
مشاركون له في القصور. ويمكن جبر جميع ذلك وكذا مخالفة الرواية، لما
سيأتي من الأصول بكون القول بها باعتراف الماتن ونحوه ممن مضى هو
المشهور، فلا قصور. ولكن الاعتماد على نقل مثل هذه الشهرة مع عدم
وجدان موافق للنهاية صريحا سوى القاضي (4) لعله ممنوع.
(وما ذكره المفيد (5) حسن) عند الماتن هنا وفي النكت (6) والفاضل
في المختلف (7)، لموافقة الأصول، فإن القتل إذا استند إلى جماعة يكون أثره
موزعا عليهم، والراكبة من الجملة، ومع ذلك رواه في الإرشاد مرسلا، فقال:
إن عليا (عليه السلام) رفع إليه باليمن خبر جارية حملت جارية على عاتقها عبثا
ولعبا فجاءت جارية اخرى فقرصت الحاملة فقفزت لقرصها فوقعت الراكبة
فاندق عنقها فهلكت، فقضى (عليه السلام) على القارصة بثلث الدية، وعلى القامصة
بثلثها، وأسقط الثلث الباقي لركوب الواقعة، فبلغ النبي (صلى الله عليه وآله) فأمضاه (8).
ورواه في المقنعة كذلك أيضا (9) كالحلبي (10) وابن زهرة (11)، ولكنها مرسلة

(1) الفقيه 4: 169، الحديث 5288.
(2) التهذيب 10: 241، الحديث 10.
(3) الوسائل 19: 178، الباب 7 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1.
(4) المهذب 2: 499.
(5) المقنعة: 750.
(6) نكت النهاية 3: 423.
(7) المختلف 9: 337 - 338.
(8) إرشاد المفيد: 105.
(9) المقنعة: 750.
(10) الكافي في الفقه: 394.
(11) الغنية: 416.
210

لا تصلح للحجية، وإفادة الأصول لهذا القول مطلقا ممنوعة.
(وخرج متأخر) وهو الحلي (1) (وجها ثالثا فأوجب الدية)
بأجمعها (على الناخسة إن كانت ملجأة) للمركوبة إلى القموص (وعلى
القامصة ان لم تكن ملجأة) وهو خيرة الفاضل في الإرشاد (2) ومستحسنه
في التحرير (3) ومحتمل الماتن في الشرائع (4)، وقواه فخر الدين (5) وشيخنا
في الروضة.
قال: أما الأول: فلأن فعل المكره مستند إلى مكرهه، فيكون توسط
المكره كالآلة، فيتعلق الحكم بالمكره. وأما الثاني: فلاستناد القتل إلى
القامصة وحدها حيث فعلت ذلك مختارة، قال: ولا يشكل بما أورده
المصنف في الشرح من أن الإكراه على القتل لا يسقط الضمان، وأن القمص
في الحالة الثانية ربما كان يقتل غالبا فيجب القصاص، لأن الإكراه الذي
لا يسقط الضمان ما كان معه قصد المكره إلى الفعل بالإلجاء يسقط ذلك
فيكون كالآلة، ومن ثم وجب القصاص على الدافع دون الواقع حيث يبلغ
الإلجاء، والقمص لا يستلزم الوقوع بحسب ذاته فضلا عن كونه مما يقتل
غالبا، فيكون من باب الأسباب لا الجنايات نعم لو فرض استلزامه له قطعا
وقصدته توجه القصاص، إلا أنه خلاف الظاهر، انتهى (6).
وهو قوي متين لولا مخالفته للروايات المشهورة قطعا بين الأصحاب
وإن اختلفت بعضها مع بعض، إلا أنها متفقة في رد هذا الوجه وغيره من
الوجوه المخرجة أيضا، كالمحكي عن الراوندي من التفصيل بين بلوغ
الراكبة واختيارها فكما عليه المفيد، وصغرها وكرهها، فكما عليه

(1) السرائر 3: 374.
(2) الإرشاد 2: 224.
(3) التحرير 2: 267 س 6.
(4) الشرائع 4: 251.
(5) الإيضاح 4: 677.
(6) الروضة 10: 134 - 135.
211

الشيخ (1)، وما في التنقيح من التفصيل بين ما إذا كان الركوب عبثا فالأول،
ولغرض صحيح فالثاني ان كانت القامصة غير ملجأة، وإلا فعلى الناخسة (2).
فهذه الأوجه ضعيفة، سيما الأخيرين، لعدم شاهد لهما سوى محاولة
الجمع بين الأقوال والروايات، ولا يصح إلا بعد شاهد، وليس بواضح،
ولو صح الجمع من دونه لكان ما عليه الحلبي وابن زهرة في غاية القوة،
عملا بروايتهما المفصلة بين كون الركوب عبثا كما في المقنعة، وكونه بأجرة
كما في النهاية. وروايتها وإن كانت مطلقة بتنصيف الدية، إلا أنها محمولة
على الصورة الثانية حمل المطلق على المقيد. فتأمل.
هذا، مع أن الوجوه المزبورة لا تفيد الحكم في شقوق المسألة كلية،
فإنما غايتها إفادته في صورة العلم بحال الناخسة والمنخوسة. وأما صورة
الجهل بها فليست لحكمها مفيدة.
فالمسألة كلية محل تردد وشبهة وإن كان مختار الحلي في الصورة
الأولى لا يخلو عن قوة، لإمكان الذب عن الروايات المشهورة بأنها قضية
في واقعة، فيحتمل اختصاصها بالصورة الثانية. والمختار فيها خيرة المفيد (3)
ومن تبعه، للأصول المتقدمة، مضافا إلى أصالة البراءة.
(وإذا اشترك في هدم الحائط ثلاثة فوقع على أحدهم فمات ضمن
الآخران) الباقيان (الدية) على رواية أبي بصير المروية في الكتب
الثلاثة (4) بأسانيد متعددة عن علي بن أبي حمزة عنه. وهو ضعيف بلا شبهة.
(و) لأجله تحقق (في الرواية ضعف) وإن روى عنه في بعض
طرقها ابن أبي عمير، مع صحة الطريق إليه، لعدم بلوغها بذلك درجة الصحة.

(1) كشف اللثام 2: 493 س 34.
(2) التنقيح 4: 474.
(3) المقنعة: 750.
(4) الكافي 7: 284، الحديث 8، الفقيه 4: 59، الحديث 5361، التهذيب 10: 241، الحديث 8.
212

هذا، مضافا إلى ما فيها من المخالفة للأصول الآتية. ومع ذلك شاذة
لا عامل بها صريحا.
نعم رواها الشيخ في النهاية (1) والصدوق في الفقيه والمقنع (2)،
وظاهرهما وإن كان العمل بها، إلا أن الأول قد رجع عنها في المبسوط (3)
كما حكاه عنه الحلي (4)، فانحصر العامل بها في الصدوق، وهو نادر قطعا.
(والأشبه) وفاقا للحلي وعامة المتأخرين (أن يضمن كل واحد
ثلثا) من دية الميت (ويسقط ثلث، لمساعدة التالف) لهما وشركته في
تلف نفسه معهما، فيسقط ما قابل فعله، وإلا لزم أن يضمن الشريك في الجناية
جناية شريكه، وهو باطل قطعا، قال تعالى: «ولا تزر وازرة وزر اخرى» (5).
ويمكن حمل الرواية عليه، لعدم التصريح فيها بأن عليهما الدية كملا،
فإن متنها هكذا: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في حائط اشترك في هدمه ثلاثة
نفر فوقع على واحد منهم فمات فضمن الباقين ديته، لأن كل واحد منهما
ضامن لصاحبه (6). وديته وإن كان ظاهرا في كمالها إلا أنه ليس صريحا فيه،
فيحتمل ما ذكرناه من إرادة ثلثيها.
(ومن اللواحق) لهذا الباب (مسائل) أربع:
(الأولى: من دعا غيره) بالتماسه (فأخرجه من منزله ليلا ضمنه
حتى يرجع) المدعو (إليه) أي إلى منزله بلا خلاف فيه في الجملة، بل
عليه الوفاق كذلك في الروضة (7)، وكلام جماعة وادعى الإجماع عليه

(1) النهاية 3: 427.
(2) لم نعثر عليه.
(3) المبسوط 7: 166.
(4) السرائر 3: 174.
(5) الأنعام: 164.
(6) الوسائل 19: 175، الباب 3 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1.
(7) الروضة 10: 122.
213

مطلقا ابن زهرة في الغنية (1) وعن الماتن في نكت النهاية (2). وهو الحجة،
مضافا إلى الخبرين:
في أحدهما: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كل من طرق رجلا بالليل فأخرجه
من منزله فهو له ضامن، إلا أن يقيم البينة أنه قد رده إلى منزله (3).
وفي الثاني: إذا دعا الرجل أخاه بالليل فهو ضامن له حتى يرجع إلى بيته (4).
وهما وإن ضعفا وخالفا الأصل المجمع عليه على الظاهر المصرح به في
التنقيح من أن الحر الكامل لا يضمن ما لم يثبت الجناية عليه (5) إلا أنهما
منجبران بفتوى الطائفة والإجماعات المحكية.
وعليه فلو لم يرجع ولم يعلم خبره بموت ولا حياة ضمن الداعي ديته
في ماله دون عاقلته بلا خلاف كما في التنقيح (6) وشرح الشرائع
للصيمري (7)، ولم يذكره هنا أحد من الطائفة، كما صرح به المقدس
الأردبيلي (8) (رحمه الله). وهو كذلك، فإن عبائر المتقدمين والمتأخرين ممن وقفت
على كلامه متفقة الدلالة على ضمان الدية في هذه الصورة إطلاقا في بعض
وتصريحا في جملة.
نعم يستفاد من اللمعة عدم الضمان مطلقا هنا (9) وعلله في الروضة
بأصالة البراءة منه دية ونفسا حتى يتحقق سببه، وهو في غير حالة القتل
مشكوك فيه.
وفيه نظر، فإن سبب الضمان هنا نصا وفتوى إنما هو إخراجه من بيته،
وليس المخرج عنه فيهما سوى عوده إليه حيا.

(1) الغنية: 414.
(2) نكت النهاية 3: 409.
(3) الوسائل 19: 36، الباب 18 من أبواب قصاص النفس، الحديث 1، 2.
(4) الوسائل 19: 36، الباب 18 من أبواب قصاص النفس، الحديث 1، 2.
(5) التنقيح 4: 474 - 477.
(6) التنقيح 4: 474 - 477.
(7) غاية المرام: 205 س 11 (مخطوط).
(8) مجمع الفائدة 14: 251.
(9) الروضة واللمعة 10: 129 - 122.
214

ولا يشترط في صدق الضمان تحقق تلفه، بل يكفي فيه صدق ضياعه،
وعدم العلم بخبره، فضياعه كتلفه، وضمانه حينئذ كضمان المال الضائع بعينه.
هذا، مع أن عدم الخلاف الظاهر المحكي في تلك العبائر كاف في رده.
(ولو وجد مقتولا) فإن أقر الداعي بقتله أو أقيمت البينة عليه أقيد به
بلا خلاف فيه (و) في أنه لو (ادعى قتله على غيره) وأقام به عليه
البينة، وفي معناها الإقرار ونحوه صرف عنه الضمان إلى ذلك الغير.
(و) لو (عدم البينة) منه عليه أو لم يدع القتل على أحد (ففي
القود) من الداعي أو إلزامه بالدية (تردد) واختلاف بين الأصحاب، ولكن
(أشبهه) وأشهره على الظاهر المصرح به في عبائر جماعة (أنه لا قود)
للأصل، مع حصول الشك في موجب القصاص، لصدق الضمان المحكوم به
في الفتوى والنص بضمان الدية التي هي بدل النفس كصدقه بالقود. وحيث
لا معين لهذا تعين الأول قطعا، للشبهة الدارئة.
هذا، مع احتمال تعيينه من وجه آخر، وهو الاتفاق على أن المراد
من الضمان المذكور فيهما بالنسبة إلى الصورة السابقة والآتية إن قلنا به
فيها هو ضمان الدية، فليكن هو المراد منه أيضا بالنسبة إلى هذه الصورة،
إما لاتحاد اللفظة المفيدة للحكم في الصور الثلاثة، أو إلحاقا للأقل بالأكثر.
فتأمل.
هذا، مضافا إلى تصريح ابن زهرة بضمان الدية في عبارته المحكي فيها
على الحكم مطلقا إجماع الإمامية (1) وهو خيرة النهاية (2) والحلي (3)
مصرحين بأنه عليه رواية، بل روايات كما في كلام الأخير، لكنه والفاضل

(1) الغنية: 414.
(2) النهاية 3: 408.
(3) السرائر 3: 364.
215

في المختلف (1) وشيخنا في المسالك (2) والروضة (3) خصوا ذلك بصورة عدم
اللوث والتهمة، وقالوا في صورتها بالقسامة، فيلزم بموجب ما أقسم عليه
الولي من عمد أو خطأ أو شبهه، ومع عدم قسامته يقسم المخرج ولا دية،
وهو تقييد للنص والفتوى من غير دلالة، مع احتمال دعوى ظهورهما بحكم
الغلبة في صورة اللوث خاصة، وأنه لأجله حكم فيهما بالضمان قودا أو دية
كلية، حسما لمادة الفساد، فتأمل جدا.
وعموم أدلة القسامة باللوث وإن شمل هذه الصورة إلا أنه لا بعد في
تخصيصها وإخراج هذه الصورة منها بالأدلة في المسألة، كما خصصت من
الأصول بعدم ضمان الحر وأخرجت منها بلا شبهة، فهذا القول ضعيف.
وأضعف منه القول بالقود هنا، إما مطلقا كما عن المفيد (رحمه الله) (4) وفي
الإرشاد (5)، أو إذا لم يدع البراءة من قتله كما عن ابن حمزة (6) والديلمي (7)،
لكنه خير أولياء المقتول بينه وبين أخذ الدية. ولعل حجته العمل بإطلاق
الضمان الصادق بهما، كما مضى، لكنه يدفعه ما قدمناه، مع أن ذلك على تقدير
تسليمه لم يدل على التفصيل بين دعوى البراءة فالدية، وعدمها فالقود،
مخيرا أو معينا، كما ذكره هو ومن قبله.
وأما المفيد (رحمه الله) فلعله استند إلى ظاهر الرواية الأولى المتضمن صدرها
لقضاء مولانا الصادق (عليه السلام) في مثل هذه القضية بالقود، فقال: يا غلام نح هذا
فاضرب عنقه (8) إلى آخر القضية.
لكن يمكن الجواب عنها بعد ضعف سندها وعدم جابر له هنا بأنه لعله

(1) المختلف 9: 343.
(2) المسالك 15: 350.
(3) الروضة 10: 126.
(4) المقنعة: 746.
(5) الإرشاد 2: 224.
(6) الوسيلة: 454.
(7) المراسم: 241.
(8) الوسائل 19: 36، الباب 18 من أبواب قصاص النفس، الحديث 1.
216

لمصلحة التقرير، وإيضاح الأمر، كما ربما يشعر به سياقه. ومع ذلك فظاهره
على تقدير التسليم الضمان بالقود مطلقا حتى في الصورة السابقة والآتية،
ولم يقل به قطعا.
(و) على المختار يكون (عليه) في ماله (الدية) قولا واحدا،
لعموم النص والفتوى بالضمان الصادق بضمانها كما عرفته.
(ولو وجد ميتا) ولم يوجد فيه أثر قتل أصلا (ف‍) لا قود إجماعا
على الظاهر المصرح به في التنقيح (1).
ولكن (في لزوم الدية) عليه (قولان، أشبههما) وأشهرهما على
الظاهر المصرح به في عبائر (اللزوم) لعموم الخبرين المنجبرين بما مر،
ولئلا يطل دم امرئ مسلم، مضافا إلى إطلاق الإجماع المنقول وما في
السرائر (2) من أن به رواية.
خلافا للفاضلين في الشرائع (3) والتحرير (4) وشيخنا في المسالك (5)
والروضة (6) فلا شئ عليه مطلقا، للأصل. ويضعف بما مر.
وللحلي (7) ففصل بين صورتي عدم اللوث فكما قالا، وثبوته فالقسامة،
ويلزم بموجب ما يقسم عليه الولي من عمد فقود وغيره فدية، ونحوه
الفاضل في المختلف إلا أنه أثبت مع القسامة الدية مطلقا (8).
وهما ضعيفان يظهر ضعفهما مما مضى، مضافا إلى ضعف الأخير من
وجه آخر لو أبقي على إطلاقه بحيث يشمل ما لو كان المقسم عليه عمدا،
كما لا يخفى.

(1) التنقيح 4: 476.
(2) السرائر 3: 364.
(3) الشرائع 4: 252.
(4) التحرير 2: 263 س 34.
(5) المسالك 15: 350.
(6) اللمعة والروضة 10: 123 و 129 - 130.
(7) السرائر 3: 364.
(8) المختلف 9: 343.
217

وقد تردد الفاضل في الإرشاد (1) والقواعد (2) والشهيد (رحمه الله) في اللمعة (3).
ولا وجه له.
وللمسألة فروعات جليلة تطلب من الروضة (4)، فإن ما حقق فيها
وأفاده في غاية القوة.
(الثانية: لو أعادت الظئر بالطفل) الذي أؤتمنت على إرضاعه في بيتها
(فأنكره أهله) أنه طفلهم (صدقت) الظئر، لأنها أمينة (ما لم يثبت
كذبها، وتلزمها) مع ثبوته (الدية أو إحضاره أو) إحضار (من يحتمل
أنه هو) لأنها لا تدعي موته وقد تسلمته فتكون في ضمانها، ولو ادعت
الموت فلا ضمان، وحيث تحضر من يحتمله يقبل وإن كذبت سابقا، لأنها
أمينة لم يعلم كذبها ثانيا، ولو استأجرت اخرى لإرضاعه ودفعته إليها بغير
إذن أهله فجهلت خبره ضمنت الدية.
ولا خلاف في شئ من ذلك أجده. وهو الحجة; مضافا إلى ما مر،
والصحيح في الأول: عن رجل استأجر ظئرا فدفع إليها فغابت بالولد سنين
ثم جاءت بالولد وزعمت أنها لا تعرفه وزعم أهلها أنهم لا يعرفونه، قال:
ليس لهم ذلك فليقبلوه وإنما الظئر مأمونة (5). ومثله في الأخير: عن رجل
استأجر ظئرا فأعطاها ولده فكان عندها فانطلقت الظئر فاستأجرت اخرى
فغابت الظئر بالولد فلا يدرى ما صنع به، قال: الدية كاملة (6).
وهل يعتبر اليمين حيث يقبل قولها كما في كل أمين، أم لا، إطلاق النص
والفتوى يقتضي الثاني، وبالأول صرح بعض الأصحاب (7)، وهو أحوط،

(1) الإرشاد 2: 224.
(2) القواعد 3: 652.
(3) اللمعة والروضة 10: 123 و 129 - 130.
(4) اللمعة والروضة 10: 123 و 129 - 130.
(5) الوسائل 19: 199، الباب 29 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2، 3.
(6) الوسائل 19: 199، الباب 29 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2، 3.
(7) كشف اللثام 2: 483 س 26.
218

ويمكن تنزيل إطلاقهما عليه.
(الثالثة: لو دخل لص) منزلا (فجمع متاعا ووطئ صاحبة المنزل
قهرا فثار ولدها فقتله اللص ثم قتلته المرأة ذهب دمه) أي اللص
(هدرا) باطلا لا عوض له (وضمن مواليه) وورثته (دية الغلام) الذي
قتله (وكان لها أربعة آلاف درهم) من تركته عوضا من البضع
(لمكابرتها على فرجها) فليست بغيا.
ولما كانت هذه الجملة بإطلاقها مخالفة للأصول القطعية كما صرح به
الحلي (1) وغيره نسبها الماتن إلى الرواية فقال: (وهي رواية) محمد بن
حفص عن (عبد الله بن طلحة عن أبي عبد الله (عليه السلام)) وكذا باقي
الأصحاب، لكنها محتملة للانطباق مع الأصول كما ذكروه، فوجهوا الأول:
بأنه محارب يقتل إذا لم يندفع إلا به، والثاني: بفوات محل القصاص فيضمن
الورثة دية الغلام إذا لم يكن للص تركة كما مر، والثالث: بحمل المقدر من
الدراهم على أنه كان مهر أمثالها، بناء على أنه لا يتقدر بالنسبة، لأنه جناية
يغلب فيه جانب المالية.
وبهذا التنزيل لا تنافي الأصول، لكن لا يتعين ما قدر فيها عن عوض
البضع إلا في الفرض المزبور.
ولو فرض قتل المرأة اللص قصاصا عن ولدها أو أسقطنا الحق بفوات
محل القصاص سقط غرم الأولياء، ولو قتلته لا قصاصا ولا دفاعا أقيدت به،
وذلك لما مر، مع ضعف إسنادها بجهالة الراويين، وكونها قضية في واقعة،
محتملة لما تنطبق به مع الأصول.
(وعنه) (عليه السلام) بالطريق السابق (في امرأة أدخلت الحجلة صديقا لها

(1) السرائر 3: 362.
219

ليلة بنائها) وزفافها فلما ذهب الرجل يباضع أهله ثار الصديق (فاقتتل
هو وزوجها) في البيت (فقتله الزوج) لما وجده عندها (فقتلت المرأة
الزوج) قال: (ضمنت) المرأة (دية الصديق وقتلت بالزوج) (1) ولا
إشكال في هذا، وإنما هو في سابقه، فإن الصديق إما كان يستحق القتل
لقصده قتل الزوج] أو تهجمه عليه [(2) ومحاربته معه مع عدم اندفاعه إلا
بالقتل، أو لا، فإن كان الأول لم تستحق الدية، وإن كان الثاني ضمنها الزوج
لا المرأة.
(والوجه أن دم الصديق هدر) في الشق الأول، كما هو ظاهر الخبر،
ولذا أطلق الماتن هنا وفي الشرائع (3) والفاضل في التحرير (4) والقواعد (5)
وولده في شرحه (6) والصيمري (7) والفاضل المقداد في الشرح (8) وغيرهم،
وفاقا منهم للحلي (9)، لما مر، ومقتضاه عدم الفرق بين علم الصديق بالحال
وعدمه.
خلافا للمعة (10) فقيده بالثاني. ولم أعرف وجهه.
وظاهر شيخنا الشهيد الثاني (رحمه الله) المناقشة لهم في الحكم، فقال بعد تعليله
له: بأن للزوج قتل من يجد في داره للزنا فسقط القود عن الزوج، ويشكل
بأن دخوله أعم من قصد الزنا، ولو سلم منعنا الحكم بجواز قتل مريده
مطلقا (11) انتهى.

(1) الوسائل 19: 45، الباب 23 من أبواب قصاص النفس، الحديث 3 مع اختلاف يسير.
(2) ما بين المعقوفتين غير موجود في المخطوطات.
(3) الشرائع 4: 253.
(4) التحرير 2: 264 س 11.
(5) القواعد 3: 653.
(6) الإيضاح 4: 661.
(7) غاية المرام: 205 س 27 (مخطوط).
(8) التنقيح 4: 480.
(9) السرائر 3: 363.
(10) اللمعة والروضة 10: 141.
(11) اللمعة والروضة 10: 141.
220

وهو حسن لو كان الدليل منحصرا فيما ذكره، وقد عرفت وجود غيره،
وهو كونه متهجما على الزوج ومحاربا معه، ودمه هدر حينئذ اتفاقا فتوى
ورواية.
فالأصح ما ذكره الجماعة، لما عرفته، مع ضعف الرواية، وكونها قضية
في واقعة، فلعله (عليه السلام) علم بموجب ما حكم به من ضمان الدية، وربما توجه
تارة بأنها غرته، وأخرى بأنها أخرجته من بيته ليلا.
(الرابعة: لو شرب أربعة) مسكرا (فسكروا فوجد بينهم جريحان
وقتيلان، ففي رواية محمد بن قيس: أن عليا (عليه السلام) قضى بدية المقتولين
على المجروحين بعد أن أسقط جراحة المجروحين) أي دية جراحتهما
(من الدية) وقال (عليه السلام): إن مات أحد المجروحين فليس على أحد من
أولياء المقتولين شئ (1).
(وفي رواية) النوفلي عن (السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه)
قضى في نحو هذه القضية ف‍ (جعل دية المقتولين على القبائل الأربعة
وأخذ دية المجروحين من دية المقتولين) (2).
والرواية الأولى مشهورة بين الأصحاب، كما صرح به جماعة ومنهم
الفاضل المقداد في التنقيح، قال: حتى أن ابن الجنيد قال: لو تجارح اثنان
فقتل أحدهما صاحبه قضي بالدية على الباقي ووضع منها أرش الجناية (3).
ومع ذلك صحيحة، لكون الراوي هو الثقة بقرينة ما قبله وما بعده.
وبذلك صرح من المحققين جماعة، لكنها مخالفة للأصول، إما لعدم
استلزام الإجماع المذكور والاقتتال كون القاتل هو المجروح وبالعكس،

(1) الوسائل 19: 172، الباب 1 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1.
(2) الوسائل 19: 172، الباب 1 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.
(3) التنقيح 4: 482 - 483.
221

أو لما ذكره الشهيد من أنه إذا حكم بأن المجروحين قاتلان فلم لا يستعدي
منهما، وإن إطلاق الحكم بأخذ دية الجرح وإهدار الدية لو ماتا لا يتم أيضا،
وكذا الحكم بوجوب الدية في جراحتهما، لأن موجب العمد القصاص (1).
وقريب منه ذكره الحلي (2).
ويمكن دفع هذا بكون القتل وقع منهما حالة السكر فلا يوجب إلا الدية
في مال القاتل، وفاقا لجماعة.
ومنه يظهر الجواب من الرواية الثانية، مع ما هي عليه من قصور السند،
وعدم المقاومة للرواية الصحيحة المشهورة.
ويدفع الإشكال بإهدار الدية لو ماتا بفرض الجرح غير قاتل ووجوب
دية الجرح، لوقوعه أيضا من السكران، أو لفوات محل القصاص، فانحصر
الوجه في مخالفتها، للأصل فيما ذكرنا.
(والوجه أنها) كالثانية (قضية في واقعة) لا عموم لها يعم جميع
الصور، حتى ما يخالف منها للأصول (وهو أعلم بما أوجب ذلك الحكم)
الذي حكم به فيها، فلعله كان شيئا يوافق الحكم به، مع الأصول والشهرة
بنفسها، سيما المحكية منها ليست بحجة، ومع ذلك ليس بمعلوم كونها على
الفتوى، فيحتمل كونها على الرواية خاصة.
ولو سلم فهي ليست بمحققة، وحكايتها موهونة، إذ لم نجد مفتيا بها
صريحا أصلا، ولم يحك عن أحد إلا عن الإسكافي (3) والقاضي (4).
وهما نادران جدا.

(1) غاية المراد: 212 س 6 (مخطوط).
(2) السرائر 3: 374.
(3) المختلف 9: 355.
(4) المهذب 2: 499.
222

نعم رواه الكليني (1) والصدوق (2) والشيخان (3) وابن زهرة (4) وغيرهم
من غير أن يقدحوا فيها بشئ بالكلية، وهو بمجرده ليس صريحا في
الفتوى بها، بل ولا ظاهرا ظهورا يعتد به.
وعلى هذا الوجه فما الذي ينبغي أن يحكم في هذه القضية؟ ذكر جماعة
أنها صورة لوث فلأولياء المقتولين القسامة على المجروحين، لأن كل واحد
من المقتولين والمجروحين يجوز أن يكون الجناية عليه مضمونة ويجوز أن
تكون مباحة بتقدير أن يكون غريمه قصد دفعه فيكون هدرا.
وهو حسن، لكنه منحصر فيما إذا كان هناك أولياء مدعون، ويشكل مع
عدمهم. ولعل الأخذ بالرواية الصحيحة في هذه الصورة غير بعيد، لعدم أصل
ظاهر يرجع إليه فيها. ويمكن تنزيلها عليها، بل لعلها ظاهرها، فتأمل جدا.
(ولو كان في الفرات ستة غلمان فغرق واحد) منهم (فشهد اثنان
منهم على الثلاثة إنهم غرقوه وشهد الثلاثة على الاثنين) أنهما غرقاه.
(و) قضى (عليه السلام) فيهم بما (في رواية) النوفلي عن (السكوني و)
رواية (محمد بن قيس جميعا عن أبي عبد الله (عليه السلام)) في الرواية الأولى
(وعن أبي جعفر (عليه السلام)) في الثانية (أن عليا (عليه السلام) قضى بالدية أخماسا
بنسبة الشهادة) فجعل ثلاثة أخماس على الاثنين وخمسين على الثلاثة (5).
وهي وإن صح سندها بالطريق الثاني لكنها مخالفة لأصول المذهب،
والموافق لها من الحكم أن شهادة السابقين إن كانت مع استدعاء الولي
وعدالتهم قبلت ثم لا تقبل شهادة الأخيرين، للتهمة، وإن كانت الدعوى

(1) الكافي 7: 284، الحديث 5.
(2) الفقيه 4: 118، الحديث 5236.
(3) التهذيب 10: 240، الحديث 955، المقنعة: 750.
(4) الغنية: 415.
(5) الوسائل 19: 174، الباب 2 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1 وذيله.
223

على الجميع أو حصلت التهمة عليهم لم تقبل شهادة أحدهم، ويكون ذلك
لوثا يمكن إثباته بالقسامة.
ويذب عن الرواية مع كونها على ما ذكره الماتن هنا وفي الشرائع
متروكة بما أشار إليه بقوله: (فإن صح النقل فهو واقعة في عين فلا
يتعدى، لاحتمال ما يوجب الاختصاص) بها (1).
وبالجملة الكلام في هذه الرواية كما مضى في سابقتها، حتى في
اشتهارها رواية وفتوى القاضي بها (2)، وادعى السيد (3) أن شهرتها بحيث
يظهر منهما الاعتماد عليها.
فليت شعري كيف ادعى الماتن متروكيتها، مع مساواتها في جميع ذلك
لسابقتها، بل لعلها أقوى منها، لاختلافها دون هذه، لعدم اختلاف فيها، فلا
بعد في العمل بها حيث لا قسامة ولا قبول شهادة، مع تأمل ما فيه.
واعلم أن عادة الأصحاب جرت بحكاية هذه الأحكام هنا منسوبة إلى
الرواية، نظرا إلى مخالفتها الأصول واحتياجها أو بعضها في الرد إليها إلى
التأويل أو التقييد أو للتنبيه على مأخذ الحكم المخالف لها، وقد يزيد بعضهم
التنبيه على ضعف المستند أو غيره، تحقيقا لعذر إطراحها.
(البحث الثاني في التسبيب)
وهو في الجملة موجب للضمان بلا خلاف أجده، للاعتبار المؤيد
بحديث نفي الضرار، مضافا إلى خصوص النصوص المستفيضة الآتية في
المضمار.
(وضابطه ما لولاه لما حصل التلف لكن علته غير السبب كحفر

(1) الشرائع 4: 253 - 254.
(2) المهذب 2: 499.
(3) راجع الغنية: 415، راجع الانتصار: 506.
224

البئر) وما في معناها (ونصب السكين) ونحوه (وطرح المعاثر) من
نحو قشور البطيخ (والمزالق) كرش الماء ونحوه (في الطريق) مثلا
(وإلقاء الحجر) ونحوه فيها (ف‍) إن التلف لم يحصل من شئ منها بل
من العثار المسبب عنها.
وليس الضمان فيها كليا، بل على تفصيل ذكره الماتن وغيره من
أصحابنا، وهو أنه (إن كان) إحداث شئ من ذلك (في ملكه لم
يضمن) التالف بها فيه، إما مطلقا كما يقتضيه الأصل وإطلاق النصوص
الآتية والعبارة ونحوها، أو مقيدا بما إذا لم يتضمن غرورا، وإلا فيضمن كما
لو جهل الداخل بإذنه، لكونه أعمى أو كون ذلك مستورا أو الموضع مظلما
أو نحو ذلك، ولعله أظهر، وفاقا لجمع ممن تأخر، عملا بأدلة نفي الضرر،
وقدحا في دلالة الإطلاقات بقوة احتمال اختصاصها بحكم التبادر بغير
محل الفرض.
وربما يشعر به الخبر: لو أن رجلا حفر بئرا في داره ثم دخل فوقع فيها
لم يكن عليه شئ ولا ضمان ولكن ليغطها (1).
وألحق جماعة بالملك المكان المباح، لإباحة التصرف فيه، فلا عدوان
يوجب لضمان ما يتلف فيه ويقتضيه.
وهو حسن لولا ما سيأتي من إطلاق الأخبار بالضمان بالإحداث فيما
لا يملكه، بل عمومها الشامل لما نحن فيه، إلا أن يذب عنه بنحو مما ذب
عن سابقه.
(ولو كان في غير ملكه أو كان في طريق مسلوك ضمن) ديته، إما
مطلقا كما يقتضيه إطلاق العبارة ونحوها والنصوص الآتية، أو مقيدا في
الأول بوقوع الإحداث فيه من غير إذن المالك، وأما معه ولو بعده فكوقوعه

(1) الوسائل 19: 180، الباب 8 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 4.
225

في ملكه وفي الثاني بعدم كون الإحداث لمصلحة المسلمين، وأما معه
فلا ضمان كما ذكره جماعة، وإن اختلفوا في نفي الضمان مع الإحداث
للمصلحة هل هو مطلق، أو مشروط بما إذا كان بإذن الإمام؟ ولعله غير بعيد،
لإلحاق إذن المالك للمحدث بالحدث ملكه بملكه في عدم العدوان، الذي
هو الأصل في شرعية الضمان بالإتلاف، حيث لا دليل على العموم، كما فيما
نحن فيه، لعدم عموم فيه سوى الإطلاق، الممكن أن يذب عنه بما ذب به
في سابقه.
وبنحوه يجاب عن نفي الضمان في الإحداث مع المصلحة، مضافا إلى
أنه محسن، وما على المحسنين من سبيل.
والأصل في هذه المسائل مضافا إلى ما عرفته المعتبرة المستفيضة:
منها - زيادة على ما مر وما سيأتي - الصحاح: من أضر بشئ من طريق
المسلمين فهو له ضامن (1).
والموثقان: عن الرجل يحفر البئر في داره أو في أرضه، فقال: أما ما
حفر في ملكه فليس عليه ضمان، وأما ما حفر في الطريق أو في غير ما
يملك فهو ضامن لما يسقط فيه (2).
والحسن: كل من حفر في غير ملكه كان عليه الضمان (3).
وأما الموثق: عن غلام دخل دار قوم يلعب فوقع في بئرهم هل
يضمنون؟ قال: ليس يضمنون، فإن كانوا متهمين ضمنوا (4). ونحوه المرفوع
إن كانوا متهمين ضمنوا (5) فمحمول على وقوع القسامة.
(ومنه) أي من التسبيب (نصب الميازيب وهو جائز) إلى الطرق
النافذة (إجماعا) كما في كلام جماعة حد الاستفاضة، ولكن عن ابن

(1) الوسائل 19: 179، الباب 8 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2، 3، 1.
(2) الوسائل 19: 179، الباب 8 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2، 3، 1.
(3) الوسائل 19: 179، الباب 8 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2، 3، 1.
(4) الوسائل 19: 190، الباب 18 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1، 2.
(5) الوسائل 19: 190، الباب 18 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1، 2.
226

حمزة أنه للمسلمين المنع عنه (1)، ويمكن تخصيصه بالمضر، فلا خلاف
كما ذكروه.
(و) لكن (في ضمان ما يتلف به قولان).
(أحدهما): أنه (لا يضمن) إلا مع التفريط في نصبه كأن يثبت على
غير عادة أمثاله (وهو الأشبه) وفاقا للمفيد (2) والحلي (3)، وجماعة للإذن
في نصبها شرعا فلا يستعقب ضمانا، ولأصالة البراءة.
(وقال) آخرون ومنهم (الشيخ) في المبسوط (4) والخلاف (5) مدعيا
فيه عليه إجماع الأمة: أنه (يضمن) وإن جاز وضعه، لأنه سبب الإتلاف
وإن أبيح السبب كالطبيب والبيطار والمؤدب، وللنصوص (وهي) كثيرة
وإن اختلف في الدلالة ظهورا وصراحة.
ففي الصحاح المتقدمة و (رواية) النوفلي عن (السكوني) قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أخرج ميزابا أو كنيفا أو أوتد وتدا أو أوثق دابة أو حفر
شيئا في طريق المسلمين فأصاب شيئا فعطب فهو له ضامن (6).
وللنظر في هذه الأدلة مجال، لعدم الدليل على الضمان بمطلق الإتلاف
حتى ما أبيح سببه. والطبيب والبيطار خارجان بالنص المعتمد عليه، وليس
في محل البحث، لقصور دلالة الروايات الصحيحة، وعدم صحة سند الرواية
الأخيرة، ولا جابر لها من شهرة أو غيرها سوى حكاية إجماع الأمة،
وهي موهونة بلا شبهة، سيما مع مخالفة نحو المفيد، بل الناقل نفسه أيضا
في النهاية، حيث قال: فإن أحدث في الطريق ماله إحداثه لم يكن عليه

(1) الوسيلة: 426.
(2) المقنعة: 749.
(3) السرائر 3: 370.
(4) المبسوط 7: 188 - 189.
(5) الخلاف 5: 290، المسألة 119.
(6) الوسائل 19: 182، الباب 11 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1.
227

شئ (1)، وهو ممن قد ادعى الإجماع في المبسوط على جواز نصب
الميزاب.
وبالجملة الخروج عن أصالة البراءة القطعية بهذه الأدلة جرأة عظيمة.
ولكن المسألة بعد لا تخلو عن شبهة، فهي محل تردد، كما هو ظاهر
الفاضل في التحرير (2) وشيخنا في المسالك (3) والروضة (4) وغيرهم، حيث
اقتصروا على نقل القولين، مع ذكر ثالث احتمالا في الأول، وقولا لجماعة
في الأخير، وهو الحكم بالضمان مطلقا إن كان الساقط الخارج منه عن
الحائط، لأن وضعه في الطريق مشروط بعدم الإضرار كالروشن والساباط
وبضمان النصف إن كان الساقط الجميع، لحصول التلف بأمرين أحدهما غير
مضمون، لأن ما في الحائط منه بمنزلة أجزائه، وهو لا يوجب ضمانا حيث
لا تقصير في حفظها، وأصل هذا التفصيل من المبسوط (5) وتبعه في
القواعد (6) وولده في شرحه (7) وغيرهما مفتين به. وكذا القول في الجناح
والروشن لا يضمن ما يتلف بسببهما إلا مع التفريط، لما ذكرنا.
واعلم أن هذا كله في الطرق النافذة. أما المرفوعة فلا يجوز فعل ذلك
فيها إلا بإذن أربابها أجمع، لأنها ملك لهم، وإن كان الواضع أحدهم فبدون
الإذن يضمن مطلقا إلا القدر الداخل في ملكه، لأنه سائغ لا يتعقبه ضمان.
(ولو هجمت دابة على اخرى ضمن صاحب الداخلة جنايتها،
ولم يضمن صاحب المدخول عليها) بلا خلاف في الأخير مطلقا، للأصل،
وما سيأتي من النص.

(1) النهاية 3: 417.
(2) التحرير 2: 265 س 8.
(3) المسالك 15: 362.
(4) الروضة 10: 155.
(5) المبسوط 7: 188 - 189.
(6) القواعد 3: 655.
(7) الإيضاح 4: 664.
228

وأما الأول فقد أطلقه الشيخ (1) والقاضي (2) أيضا، بل نسبه في
المسالك (3) والروضة (4) بعد الشيخ إلى جماعة، لإطلاق النص بذلك في
قضاء علي (عليه السلام) في جناية ثور على حمار، فقال: إن كان الثور دخل على
الحمار في مستراحه ضمن أصحاب الثور، وإن كان الحمار قد دخل على
الثور في مراحه فلا ضمان عليهم (5)، ونحوه آخر (6) في هذه الواقعة، لكن
مع اختلافات يسيرة.
وضعف سندهما يمنع عن العمل بهما، مع مخالفة إطلاقهما الأصل
والقاعدة، وكونهما قضية في واقعة.
(والوجه) وفاقا للمتأخرين كافة (اعتبار التفريط في) جناية الدابة
(الأولى) فلو لم يفرط في حفظها بأن انفلتت من الإصطبل الموثق أو حلها
غيره فلا ضمان عليه، للأصل، وعدم تقصير يوجب الضمان، مضافا إلى
فحوى المرسل: بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) إلى اليمن فأفلت فرس
لرجل من أهل اليمن ومر يعدو فمر برجل فبعجه برجله فقتله فجاء أولياء
المقتول إلى الرجل فأخذوه فرفعوه إلى علي (عليه السلام) فأقام صاحب الفرس البينة
عند علي (عليه السلام) أن فرسه أفلت من داره وبعج الرجل فأبطل علي دم
صاحبهم (7)، الحديث. وضعف السند مجبور بما مر.
ويمكن تنزيل الخبرين على هذا، وكذا كلام القائل بهما، سيما مع أنه
ذكر في النهاية ما يوافقه، فقال: إذا اغتلم البعير على صاحبه وجب عليه
حبسه وحفظه، فإن جنى قبل أن يعلم به لم يكن عليه شئ، فإن علم به

(1) النهاية 3: 419.
(2) المهذب 2: 497.
(3) المسالك 15: 376 - 377.
(4) الروضة 10: 159.
(5) الوسائل 19: 191، الباب 19 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1، 2.
(6) الوسائل 19: 191، الباب 19 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1، 2.
(7) الوسائل 19: 192، الباب 20 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1.
229

وفرط في حفظه كان ضامنا لجميع ما يصيبه من قتل نفس وغيرها (1)، إلى
آخر ما قال.
وهو كما ترى ظاهر فيما ذكرنا، بل بإطلاقه يشمل محل البحث، فليس
بمخالف لما عليه أصحابنا.
(ولو دخل) أحد (دارا) لغيره (فعقره كلبها ضمن أهلها إن دخل
بإذنهم، وإلا) يدخلها بإذنهم (فلا ضمان) عليهم بغير خلاف ظاهر
مستفاد من كثير من العبائر، بل عن ظاهر المبسوط الإجماع عليه (2). وهو
الحجة; مضافا إلى النصوص الكثيرة، وفيها القوي (3) وغيره (4).
وإطلاقها كالفتاوى يقتضي عدم الفرق في الكلب بين كونه حاضرا في
الدار وعدمه، ولا بين علمهم بكونه يعقر الداخل وعدمه.
ولو أذن بعض من في الدار دون بعض فإن كان ممن يجوز الدخول
بإذنه اختص الضمان به، وإلا فكما لو لم يأذن إن لم يتضمن إذنه تغريرا
للداخل، وإلا فيضمن مع جهله بحال الإذن، وأنه ممن لا يجوز الدخول
بإذنه ولو اختلفا في الإذن قدم المنكر، للأصل.
(ويضمن راكب الدابة ما تجنيه بيديها) دون رجليها (وكذا القائد)
لها ما يضمن ما تجنيه باليدين خاصة هذا إذا سارا بها (و) أما (لو وقف)
أحدهما (بها ضمن) كل منهما (جنايتها) مطلقا (ولو برجليها وكذا
لو ضربها) أحدهما (فجنت) ضمنا جنايتها مطلقا (ولو ضربها غيرهما
ضمن الضارب) مطلقا (وكذا السائق) لها (يضمن جنايتها) مطلقا بلا
خلاف في شئ من ذلك أجده، بل عليه الإجماع في الغنية (5) وشرح

(1) النهاية 3: 419.
(2) المبسوط 8: 79.
(3) الوسائل 19: 190، الباب 17 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2، 1.
(4) الوسائل 19: 190، الباب 17 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2، 1.
(5) الغنية: 411.
230

الشرائع للصيمري (1)، لكن في الجملة. وهذا التفصيل وإن لم يستفد من
رواية واحدة إلا أنه مستفاد من الجمع بين المعتبرة المستفيضة:
ففي الصحيحين: عن الرجل يمر على طريق من طرق المسلمين فتصيب
دابته إنسانا برجلها، قال: ليس عليه ما أصابته برجلها ولكن عليه ما أصابته
بيدها، لأن رجلها خلفه إن ركب، فإن كان قاد بها فإنه يملك بإذن الله تعالى
يدها يضعها حيث يشاء (2).
والتعليل ظاهر في أن الضمان حالة الركوب خاصة. وكذا هو مع قوله
في القائد: «فإنه يملك يدها» ظاهر في اختصاص ضمانه بما تجنيه بيديها
خاصة دون رجليها.
وأظهر منهما القوي: أنه (عليه السلام) ضمن القائد والسائق والراكب، فقال:
ما أصاب الرجل فعلى السائق وما أصاب اليد فعلى القائد والراكب (3).
وظاهره في السائق وإن كان اختصاص ضمانه بما تجنيه بالرجل خاصة
بقرينة المقابلة، إلا أنه محمول على إرادة بيان الفرق بينه وبين الأخيرين
بعدم ضمانهما ما تجنيه بالرجل بخلافه فيضمنه أيضا، والشاهد عليه بعد
فتوى الأصحاب التعليل المتقدم في الصحيحين، للحكم بضمان ما تجنيه
باليدين من كونهما قدامه يضعها حيث يشاء، وهو جار في الرجلين أيضا
بالنسبة إلى السائق جدا.
مضافا إلى صريح الخبر المنجبر ضعفه بابن سنان على المشهور بالعمل:
عن رجل يمر على طريق من طرق المسلمين على دابته فيصيب برجلها،
قال: ليس عليه ما أصابت برجلها وعليه ما أصابت بيدها، وإذا وقف فعليه

(1) غاية المرام: 206 س 20 (مخطوط).
(2) الوسائل 19: 184 - 185، الباب 13 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2، 3، 5.
(3) الوسائل 19: 184 - 185، الباب 13 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2، 3، 5.
231

ما أصابت بيدها ورجلها، وإن كان يسوقها فعليه ما أصابت بيدها ورجلها (1).
وفيه الدلالة على الضمان مع الوقوف بالدابة لما تجنيه مطلقا، وعليه
يحمل إطلاق ما مر، مع ظهوره في حالة السير خاصة.
وكذا يحمل عليه إطلاق ما دل على ضمان الراكب لما تجنيه
ولو بالرجلين مطلقا، كالخبر: أن عليا (عليه السلام) كان يضمن الراكب ما وطئت
بيدها أو رجلها إلا أن يعبث بها أحد فيكون الضمان على الذي عبث بها (2)،
بحمله على ما إذا ساقها خاصة.
وفيه الدلالة على ضمان الضارب مطلقا مالكا كان أو غيره، للإطلاق،
مضافا إلى الاعتبار.
والصحيح: عن الرجل ينفر بالرجل فيعقره ويعقر دابته رجلا آخر، فقال:
هو ضامن لما كان من شئ (3).
وفي آخر: أيما رجل فزع رجلا عن الجدار أو نفر به دابة فخر فمات
فهو ضامن لديته، وإن انكسر فهو ضامن لدية ما ينكسر منه (4).
ونحوه في ذلك الموثق كالصحيح وغيره: في صاحب الدابة أنه يضمن
ما وطئت بيدها ورجلها، وما بعجت برجلها فلا ضمان عليه إلا أن يضربها
إنسان (5).
والمراد بضمان ما تجنيه بيديها ورجليها ما تجنيه بها أجمع، ويكون
الضمان باليدين خاصة، وإلا فلا معنى لقوله (عليه السلام): «وما بعجت برجلها
فلا ضمان عليه» وقوله (عليه السلام): «إلا أن يضربها» استثناء منقطع، أو عن قوله
سابقا: «يضمن ما وطئت بيدها ورجلها».

(1) الوسائل 19: 184 - 186 - 188، الباب 13 - 15 من أبواب موجبات الضمان،
الحديث 2، 10، 1، 2.
(2) الوسائل 19: 184 - 186 - 188، الباب 13 - 15 من أبواب موجبات الضمان،
الحديث 2، 10، 1، 2.
(3) الوسائل 19: 184 - 186 - 188، الباب 13 - 15 من أبواب موجبات الضمان،
الحديث 2، 10، 1، 2.
(4) الوسائل 19: 184 - 186 - 188، الباب 13 - 15 من أبواب موجبات الضمان،
الحديث 2، 10، 1، 2.
(5) الوسائل 19: 184 - 185، الباب 13 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 4، 7.
232

وينبغي تقييد الضرب بما إذا كان عبثا كما في الرواية الأولى، وإلا فلو
قصد الدفع لم يكن ضامنا قطعا، للأصل، وخصوص الخبر: عن رجل كان
راكبا على دابة فغشى رجلا ماشيا حتى كاد أن يوطئه فزجر الماشي الدابة
عنه فخر عنها فأصابه موت أو جرح، قال: ليس الذي زجر ضامنا إنما زجر
عن نفسه (1). ونحوه آخر (2).
هذا، مضافا إلى إطلاق النصوص بعدم الضمان بالدفاع أو فحواها.
ثم إن مقتضى التعليل لضمان ما تجنيه باليدين في الصحيحين (3) ثبوته
فيما تجنيه برأسها أيضا، بل مطلق مقاديم بدنها التي هي قدام الراكب، سيما
أعاليها، لثبوت الحكم فيها مع ذلك بطريق أولى، وعليه أكثر أصحابنا، وفاقا
للمبسوط (4).
وعن الخلاف (5) الاقتصار على اليدين جمودا فيما خالف الأصل على
مورد النص، ولأجله تردد الماتن في الشرائع إلا أنه اختار ما اخترناه، قال:
لتمكنه من مراعاته (6). وهو حسن، ومرجعه إلى ما ذكرنا.
واعلم أن هنا نصوصا دالة بإطلاقها على عدم الضمان بجناية الدابة، إما
مطلقا كما في القوي: العجماء جبار (7) وغيره: بهيمة الأنعام لا يغرم أهلها
شيئا، أو ما دامت مرسلة (8) كما في المرسل (9)، فمع ضعف أسانيدها
محمولة على ما إذا فلتت عن صاحبها من غير تفريط منه في حفظها،

(1) الوسائل 19: 184 - 185، الباب 13 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2، 3،
والباب 37، الحديث 1، مستدرك الوسائل 18: 329، الباب 27، الحديث 1.
(2) الوسائل 19: 184 - 185، الباب 13 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2، 3،
والباب 37، الحديث 1، مستدرك الوسائل 18: 329، الباب 27، الحديث 1.
(3) الوسائل 19: 184 - 185، الباب 13 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2، 3،
والباب 37، الحديث 1، مستدرك الوسائل 18: 329، الباب 27، الحديث 1.
(4) المبسوط 8: 80.
(5) الخلاف 5: 511، المسألة 5.
(6) الشرائع 4: 257.
(7) الوسائل 19: 202 - 203 - 183، الباب 32 - 13 من أبواب موجبات الضمان،
الحديث 2، 3، 1.
(8) الوسائل 19: 202 - 203 - 183، الباب 32 - 13 من أبواب موجبات الضمان،
الحديث 2، 3، 1.
(9) الوسائل 19: 202 - 203 - 183، الباب 32 - 13 من أبواب موجبات الضمان،
الحديث 2، 3، 1.
233

أو ما اعتيد إرسالها للمرعى، فإن المشهور عدم الضمان هنا، كما ذكره الخال
العلامة المجلسي (1) (رحمه الله).
(ولو ركبها اثنان تساويا في الضمان) لما تجنيه بيديها ورأسها بلا
خلاف، لاشتراكهما في اليد والسببية، إلا أن يكون أحدهما ضعيفا لصغر
أو مرض فيختص الضمان بالآخر، لأنه المتولي أمرها، وفي الخبر: في دابة
عليها ردفان فقتلت الدابة رجلا أو جرحت فقضى في الغرابة بين الردفين
بالسوية (2). قيل: وفيه تردد، ولكن الأصحاب قاطعون به (3). هذا إذا كانا
هما المتولين لأمرها.
(و) أما (لو كان معها صاحبها) مراعيا لها (ضمن) هو (دون
الراكب) مطلقا، ويأتي في المالك ما سبق من التفصيل، باعتبار كونه سائقا
أو قائدا.
(ولو ألقت الراكب لم يضمن المالك) للأصل (إلا أن يكون) الإلقاء
(بتنفيره) أي المالك فيضمن حينئذ للسببية، مضافا إلى ما مر من النصوص
الصحيحة وغيرها بإيجاب الضرب ضمان الجناية.
ولو اجتمع للدابة سائق وقائد أو أحدهما وراكب أو الثلاثة اشتركوا في
ضمان مشترك، مع الاشتراك في الحفظ والرعاية، واختص السائق بجناية
الرجلين، وغير المشارك في الحفظ كالعدم.
(ولو أركب مملوكه دابة (4) ضمن المولى) جناية الدابة بيديها بلا
خلاف إذا كان صغيرا، وللصحيح الآتي وغيره: عن رجل حمل غلاما يتيما
على فرس استأجره بأجرة وذلك معيشة الغلام قد يعرف ذلك عصبته فأجراه

(1) ملاذ الأخيار 16: 476.
(2) الوسائل 19: 211، الباب 43 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1.
(3) كشف اللثام 2: 489 س 15.
(4) في المختصر النافع: ولو أركب المملوك دابته.
234

في الحلية فنطح الفرس رجلا فقتله على من ديته؟ قال: على صاحب
الفرس، قلت: أرأيت لو أن الفرس طرح الغلام فقتله، قال: ليس على صاحب
الفرس شئ (1). وكذا إذا كان كبيرا في ظاهر اطلاق المحكي عن الشيخ (2)
والقاضي (3) والإسكافي (4)، بل الأكثر كما في التنقيح (5)، ونسبه في الروضة
بعد الشيخ إلى جماعة (6)، لإطلاق الصحيح: في رجل حمل عبده على دابته
فوطأت رجلا، فقال: الغرم على مولاه (7).
(ومن الأصحاب من شرط في ضمان المولى صغر المملوك) وهو
الحلي، قال: لأنه فرط بركوبه له الدابة وإن كان بالغا عاقلا، فإن كانت
الجناية على بني آدم فيؤخذ المملوك إذا كانت الجناية بقدر قيمته أو يفديه
السيد، وإن كانت على الأموال فلا يباع العبد في قيمته ذلك ولا يستسعى،
ولا يلزم مولاه ذلك (8). واستحسنه كثير من المتأخرين، وزادوا في الأخير
أنه يتعلق برقبته يتبع به بعد عتقه (9). وهو كذلك، للأصل، وعموم ما دل على
جناية الراكب، مع ضعف دلالة إطلاق الصحيح، بل الظاهر اختصاصه بالصغير،
بشهادة السياق ولفظ الحمل والاركاب ونحوه جار في كلام الشيخ والأتباع.
واعلم أن في التنقيح (10) نسب إلى الحلي أنه اشترط شيئين ما مر
وآخر، وهو وقوع الجناية على آدمي فقط. وفيه نظر فإنه اشترط الأخير
في البالغ وأما الصغير فلم يذكر فيه إلا الصغر وبعده فأطلق.

(1) الوسائل 19: 189، الباب 16 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.
(2) النهاية 3: 420.
(3) المهذب 2: 497.
(4) المختلف 9: 435.
(5) التنقيح 4: 487.
(6) لم نعثر عليه.
(7) الوسائل 19: 188، الباب 16 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1.
(8) السرائر 3: 372.
(9) المختلف 9: 354.
(10) التنقيح 4: 487.
235

(البحث الثالث في تزاحم الموجبات)
اعلم أنه (إذا اتفق) اجتماع (السبب والمباشر) وتساويا في القوة،
أو كان المباشر أقوى (ضمن المباشر) اتفاقا على الظاهر المصرح به في
بعض العبائر (1)، وذلك (ك‍) اجتماع (الدافع مع الحافر والممسك مع
الذابح) فيضمن الدافع والذابح دون المجامع، وقد مر من النصوص ما يدل
على الأخير. وفيه الحجة على أصل هذه القاعدة; مضافا إلى الاتفاق الذي
عرفته. هذا مع علم المباشر بالسبب.
(ولو جهل المباشر السبب ضمن المسبب) بكسر الباء الأولى أي ذو
السبب (كمن غطى بئرا في غير ملكه فدفع غيره ثالثا) مع جهله بالحال
(فالضمان على الحافر) بلا خلاف ظاهر إلا من الماتن هنا فقد حكم به
(على تردد) مع أنه حكم به في الشرائع (2) كباقي الأصحاب من غير تردد،
لضعف المباشر هنا بالغرور، وقد اشترط في تقديمه على السبب قوته، وهي
مفقودة في المفروض، مع أني لم أجد وجها لتقديم المباشر هنا، إلا ما ذكره
في التنقيح من عموم إذا اجتمع المباشر والسبب فالضمان على المباشر (3).
وهو كما ترى، إذ لم أجد به نصا حتى يكون عمومه معتبرا، وإنما
المستند فيه مجرد الوفاق المعتضد بالاعتبار، وهما - كما عرفت - مفقودان
في المضمار.
(ومن) هذا (الباب واقعة الزبية) بضم الزاء المعجمة، وهي الحفيرة
التي تحفر للأسد وقضاء علي (عليه السلام) فيها مشهورة بين الخاصة والعامة،
لكن بكيفيات مختلفة.

(1) كشف اللثام 2: 489 س 21.
(2) الشرائع 4: 257.
(3) التنقيح 4: 488.
236

(وصورتها) أنه (وقع) فيها (واحد فتعلق بآخر والثاني بثالث
وجذب الثالث رابعا) فوقعوا جميعا (فأكلهم الأسد).
و (فيه) أي فيما حكم به (عليه السلام) فيها (روايتان) من طرقنا مختلفتان.
(إحداهما: رواية محمد بن قيس) الصحيحة إليه قطعا، وهو الثقة
بقرينة ما قبله وما بعده، وهو روايته (عن أبي جعفر (عليه السلام)) أنه (قال:
قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في الأول) أنه (فريسة الأسد) لا يلزم أحدا
(وأغرم أهله ثلث الدية للثاني وغرم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية
وغرم الثالث لأهل الرابع) كمال (الدية) (1).
(والأخرى) أي الرواية الثانية: (رواية مسمع عن أبي عبد الله (عليه السلام)
أن عليا (عليه السلام) قضى للأول ربع الدية وللثاني ثلث الدية وللثالث نصف
الدية وللرابع الدية كاملة وجعله ذلك على عاقلة الذين ازدحموا) (2).
وفيهما من المخالفة للأصول ما لا يخفى وإن وجهتا بتوجيهات زعم
موافقتهما بها معها، لكنها في التحقيق لا تفيد توفيقا، كما صرح به جماعة
من أصحابنا، ولذا تركنا ذكرها.
(و) مع ذلك (في سند الأخيرة) منهما (إلى مسمع ضعف) بعدة
ضعفاء (فهي ساقطة) عن درجة الاعتبار لا حجة فيها قطعا.
(و) أما (الأولى) فيشكل التمسك بها أيضا لما مضى، إلا أنها
(مشهورة) شهرة لا يمكن دفعها واستفاض نقلها في كلام كثير من
أصحابنا، بحيث أنه لا راد لها (و) زاد جماعة منهم فادعوا أن (عليها
فتوى الأصحاب) كافة كما في ظاهر العبارة وغيرها، أو أكثرهم كما في
الروضة (3) وغيرها، فإن بلغت الشهرة إجماعا، وإلا فالتمسك بالرواية

(1) الوسائل 19: 176، الباب 4 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2، 1.
(2) الوسائل 19: 176، الباب 4 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2، 1.
(3) الروضة 10: 168 - 174.
237

مشكل وإن صح سندها، لكونها قضية في واقعة لا عموم لها، فيحتمل
اختصاصها بواقعة اقترنت بأمور أوجبت الحكم بما فيها.
وبنحو هذا يجاب أيضا عن الرواية الأخيرة لو سلم سندها، والشهرة
ليست بحجة بنفسها ما لم تكن إجماعا، أو تقترن برواية واضحة الدلالة وإن
كانت ضعيفة، وليست كسابقتها هنا كما فرضنا، ولذا استوجه الفاضل في
التحرير الرجوع إلى الأصول في هذه الواقعة لو اتفقت في زماننا (1)، وهو
خيرة شيخنا في الروضة أيضا، حيث إنه استوجه أولا رد الروايتين لما مضى
بزيادة دعواه اشتراكا في راوي الأولى، ثم قال: وحيث يطرح الخبران فالمتجه
ضمان كل دية من أمسكه أجمع لاستقلاله بإتلافه، انتهى (2)، واحتمله الماتن
في الشرائع (3) والفاضل في القواعد (4) والإرشاد وغيرهما (5)، وقالوا بعده:
وإن قلنا بالتشريك بين مباشر الإمساك والمشارك في الجذب كان على الأول
دية ونصف وثلث وعلى الثاني نصف وثلث وعلى الرابع ثلث لا غير، وإنما لم
يذكر هذا في الروضة (6) لضعفه عنده، بل وعندهم أيضا كما يظهر منهم جدا.
واعلم أن حكمهم على كل منهم بالدية لمجذوبه إنما يتم لو كانت
جنايتهم عمدا أو شبيهه لا خطأ. ويضعف بأن ما صدر عنهم من الجذب إنما
هو من حيث لم يشعروا به لما اعتراهم من الدهشة، فهو كانقلاب النائم على
من قتله فلا يكون عمدا ولا شبيهه، وبذلك صرح جماعة رادين به من
ضعف الرواية الثانية في حكمها بأن الدية على العاقلة، بناء على زعمه كون
الجناية فيها عمدا أو شبيهه، وعلى هذا فمقتضى الأصول أخذ الدية من
العاقلة.

(1) التحرير 2: 267 س 21.
(2) الروضة 10: 168 - 174.
(3) الشرائع 4: 259.
(4) القواعد 3: 659.
(5) الإرشاد 2: 228.
(6) الروضة 10: 168.
238

(النظر الثالث في الجناية على الأطراف)
وبيان مقادير دياتها
(ومقاصده ثلاثة):
(الأول)
(في) بيان (ديات الأعضاء)
(و) اعلم أن (في شعر الرأس) إذا جنى عليه (الدية) كاملة (وكذا
اللحية) على الأظهر الأشهر بين الطائفة، بل عليه الإجماع في الغنية (1)،
للنصوص المستفيضة:
منها الصحيح المروي في الفقيه والتهذيب: رجل صب ماء حارا على
رأس رجل فأسقط شعره فلا ينبت أبدا، قال: عليه الدية كذا في الفقيه (2)
وفي التهذيب فامتعط شعر رأسه ولحيته (3). ونحوه غيره (4) من دون زيادة
ولحيته.
والقوي وغيره: في اللحية إذا حلقت فلم تنبت الدية كاملة فإذا نبتت
فثلث الدية (5).
والخبر: أهرق رجل قدرا فيه ماء مرق على رأس رجل فذهب شعره
فاختصموا في ذلك إلى علي (عليه السلام) فأجله سنة فجاء فلم ينبت شعره فقضى
عليه بالدية (6). إلى غير ذلك من النصوص الآتي إلى بعضها الإشارة.
وقصور السند أو ضعفه منجبر بالشهرة، وحكاية الإجماع المتقدمة،
فاندفع الاعتراض به على ما عدا الصحيحة.

(1) الغنية: 416.
(2) الفقيه 4: 149، الحديث 5330.
(3) التهذيب 10: 250، الحديث 992 - 991.
(4) التهذيب 10: 250، الحديث 992 - 991.
(5) الوسائل 19: 260، الباب 37 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 3.
(6) الوسائل 19: 260، الباب 37 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 3.
239

وأما الاعتراض عليها بأن مفادها لزوم الدية في جناية شعر الرأس
واللحية معا وهو غير لزومها في أحدهما خاصة كما هو المدعي فمندفع
بابتنائه على نسخة التهذيب. وأما نسخة الفقيه فقد عرفت خلوها عن اللحية،
ولعلها أضبط من تلك النسخة، سيما مع موافقتها للروايات الأخر في
المسألة.
هذا إذا لم ينبتا (فإن نبتا فالأرش) على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة
من تأخر، لأنه الواجب حيث لا تقدير له في الشرع.
خلافا للحلبي (1) والغنية (2) فاختارا عشر الدية. وحجتهما غير واضحة
عدا ما في الأخير من حكاية الإجماع، وهي هنا موهونة بلا شبهة، ونسب
في المسالك (3) قولهما إلى النهاية لكن في الرأس خاصة، مع أن صريح
عبارته المحكية في المختلف (4) كظاهر العبارة وغيرها من عبائر الجماعة
عدم مخالفته للقوم فيه، واختصاص خلافه معهم في اللحية خاصة حيث
حكم فيها بثلث الدية.
(وقال) الشيخ (المفيد) (5) والصدوق (6) في موضع من المقنع:
(إن لم ينبتا فمائة دينار) وحجتهما غير واضحة عدا ما يستفاد من الأول
والقاضي (7) والديلمي (8) أن به رواية، ولم نجدها، فهي مرسلة، لا يعترض
بها الأدلة المتقدمة.
وبنحوه يجاب عن مرسلة اخرى مروية عن بعض الكتب عن مولانا
الرضا (عليه السلام) أنه قال: من حلق رأس رجل فلم ينبت فعليه مائه دينار، فإن

(1) الكافي في الفقه: 396.
(2) الغنية: 416.
(3) المسالك 15: 399.
(4) المختلف 9: 356.
(5) المقنعة: 756.
(6) المقنع: 530.
(7) المهذب 2: 476.
(8) المراسم: 244.
240

حلق لحيته فلم ينبت فعليه الدية، وإن نبت فطالت بعد نباتها فلا شئ له (1)،
مضافا إلى شذوذها، وعدم ظهور قائل بها بالمرة.
(وقال الشيخ) في الخلاف والنهاية (2) والإسكافي: إن (في اللحية
إذا نبتت ثلث الدية (3). وفي الرواية) المتقدمة وهي القوية وغيرها (4) وإن
كان دالة عليه إلا أنه فيهما (ضعف) بالسكوني في الأولى، وعدة من
الضعفاء في الثانية، ولا جابر لهما في المسألة، بل الشهرة التي هي العمدة في
الجبر على خلافها كما عرفته. هذا إذا كان المجني عليه ذكرا.
(وفي شعر رأس المرأة ديتها) كملا إذا لم ينبت كالرجل (فإن نبت
فمهرها المثل) بلا خلاف أجده، إلا من الإسكافي في الثاني، فأثبت فيه
ثلث الدية (5). وحجته مع شذوذه غير واضحة، بل على خلافه الإجماع
في الغنية (6).
وفيه الحجة; مضافا إلى الرواية الصريحة: ما على رجل وثب على امرأة
فحلق رأسها؟ فقال: يضرب ضربا وجيعا ويحبس في محبس المسلمين حتى
يستبرئ شعرها، فإن نبت أخذ منه مهر نسائها، وإن لم ينبت أخذ منه الدية
كاملة، قلت: فكيف صار مهر نسائها إن نبت شعرها؟ فقال: إن شعر المرأة
وعذرتها شريكان في الجمال، فإذا ذهب أحدهما وجب لها المهر كملا (7).
وقصور السند بالجهالة مجبور بالشهرة الظاهرة والمحكية وحكاية
الإجماع المتقدمة، وفيها الدلالة على الحكم في الأول أيضا، مع عدم خلاف

(1) فقه الرضا (عليه السلام): 320.
(2) الخلاف 5: 211، المسألة 91، النهاية 3: 440.
(3) المختلف 9: 357.
(4) الوسائل 19: 260، الباب 37 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1 وذيله.
(5) المختلف 9: 357.
(6) الغنية: 416.
(7) الوسائل 19: 255، الباب 30 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
241

فيه أجده، وادعى فيه أيضا الإجماع في الغنية (1)، فلا شبهة فيه قطعا، سيما
مع استلزام ثبوت الحكم في الرجل ثبوته هنا بطريق أولى، كما لا يخفى.
(وفي شعر الحاجبين) معا (خمسمائة دينار وفي كل واحد مائتان
وخمسون) دينارا، وفاقا للأكثر، بل ادعى الشهرة عليه جمع ممن تأخر،
وفي السرائر الإجماع عليه (2). وهو الحجة; مضافا إلى الخبر: وإن أصيب
الحاجب فذهب شعره كله فديته نصف دية العين مائتان وخمسون دينارا فما
أصيب منه فعلى حساب ذلك (3). قيل: وروي عن الرضا (عليه السلام) أيضا نحو ذلك (4).
خلافا للمبسوط (5) والغنية (6) والإصباح (7) فالدية كاملة وفي كل واحد
نصفها، وظاهر الأولين الإجماع عليه، ويؤيده عموم النص والفتوى على أن
فيما كان في الجسد اثنين الدية، لكن في معارضة ذلك لما مر نظر، لرجحانه
بعمل الأكثر، مع صراحة كل من الإجماع والخبر.
هذا، مضافا إلى الأصل.
وإطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق بين عود نباتهما وعدمه،
وفي الغنية (8) والإصباح (9) أن ما ذكر إذا لم ينبت شعرهما، وإلا فالأرش،
وقال الديلمي: إذا ذهب بحاجبه فنبت ففيه ربع الدية، وقد روي أيضا أن
فيهما إذا لم ينبت مائة دينار (10)، وقال في المختلف: والوجه عندي
الحكومة فيما إذا نبت (11)، وهو قول الحلبي (12)، للأصل.

(1) الغنية: 416.
(2) السرائر 3: 378.
(3) الوسائل 19: 218، الباب 2 من أبواب ديات الأعضاء، ذيل الحديث 3.
(4) كشف اللثام 2: 498 س 3.
(5) المبسوط 7: 153.
(6) الغنية: 417.
(7) إصباح الشيعة: 504.
(8) الغنية: 417.
(9) إصباح الشيعة: 504.
(10) المراسم: 245.
(11) المختلف 9: 430.
(12) الكافي في الفقه: 397.
242

(وفى بعضه) أي بعض كل واحد من الشعورة المذكورة (بحسابه)
أي يثبت فيه من الدية المذكورة بنسبة مساحة محل الشعر المجني عليه إلى
محل الجميع وإن اختلفت الشعر كثافة وخفة.
ويدل عليه مضافا إلى الإجماع الظاهر النص المتقدم قريبا، وحيث قلنا
بالأرش فهو الثابت ولا نسبة.
وفي الشعور النابتة على الأجفان - ويعبر عنها بالأهداب - أقوال:
منها: الدية كاملة مع عدم النبات، كما في المبسوط (1) والخلاف (2)،
مدعيا عليه الوفاق.
ومنها: نصفها، كما عن القاضي (3)، ولم أقف له على شاهد.
ومنها: الأرش حالة الانفراد عن الجفن والسقوط حالة الاجتماع كشعر
الساعدين وغيرهما من الأعضاء، الذي ليس فيه إلا الأرش بلا خلاف، كما
عليه الحلي (4) وكثير من المتأخرين، قالوا: لعدم دليل على التعيين، وعدم
دخوله تحت إحدى القواعد، وهو ظاهر الماتن هنا حيث لم يذكر ديتها
كباقي الشعور، وهو متين لولا الإجماع المتقدم المعتضد بفتوى الأكثر، كما
في الروضة (5).
واعلم أن المرجع في النبات وعدمه إلى أهل الخبرة، فان اشتبه
فالمروي في بعض ما مر أنه ينتظر سنة، ثم إن لم يعد تؤخذ الدية، ولو طلب
الأرش قبلها دفع إليه، لأنه إما الحق أو بعضه، فإن مضت ولم يعد أكمل له
على وفق الدية.
(وفي العينين الدية) كاملة (وفي كل واحدة نصف الدية) بإجماع

(1) المبسوط 7: 130.
(2) الخلاف 5: 197، المسألة 67.
(3) المهذب 2: 476.
(4) السرائر 3: 378 - 379.
(5) الروضة 10: 201.
243

الأمة، كما في صريح المسالك (1) وظاهر الغنية (2)، وادعى الإجماع المطلق
جماعة. وهو الحجة; مضافا إلى السنة المستفيضة، بل المتواترة عموما فيما
كان منه في الجسد اثنين، وخصوصا في العينين:
ففي الصحيح: كل ما كان في الإنسان اثنان ففيهما دية وفي إحداهما
نصف الدية، وما كان واحد ففيه الدية (3).
والصحيح: ما كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية مثل اليدين
والعينين، قال: قلت: رجل فقئت عينه، قال: نصف الدية، الحديث (4).
وإطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق في ذلك بين كون العين
صحيحة أو حولاء أو عمشاء ضعيفة البصر مع سيلان دمعها في أكثر أوقاتها
أو جاحظة عظيمة المقلة أو جهري لا تبصر في الشمس أو رمداء أو غيرها،
وبذلك صرح جماعة، قالوا: أما لو كان عليه بياض، فإن بقي معه البصر تاما
فكذلك، ولو نقص نقص من الدية بحسابه ويرجع فيه إلى رأي الحاكم.
(وفي الأجفان) الأربعة (الدية) كاملة بلا خلاف، كما في ظاهر
الشرائع (5)، وصريح الصيمري في شرحه (6)، وعن التحرير (7)، واختلفوا في
كيفية التقسيط.
ف‍ (قال) العماني (8) والشيخ (في المبسوط (9): ربع الدية) في كل
واحد وتبعهما من المتأخرين جماعة، للصحيحين المتقدمين القائلين: إن كل
ما كان في الإنسان منه اثنان فيه الدية وفي أحدهما نصف الدية.

(1) المسالك 15: 404.
(2) الغنية: 416.
(3) الوسائل 19: 217، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 12.
(4) الوسائل 19: 213، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
(5) الشرائع 4: 262.
(6) غاية المرام: 207 س 10 (مخطوط).
(7) التحرير 2: 274 س 10.
(8) المسالك 15: 402.
(9) المبسوط 7: 130.
244

وفي الدلالة مناقشة، لأن الأجفان ليس مما في الإنسان منه اثنان
إلا بتكلف أن جفن كل عين كواحدة، وهو مجرد عناية.
قيل: مع أن أولهما مقطوع، والظن بكونه موصولا إلى الإمام غير كاف
في الاعتماد عليه (1).
وفيه نظر، فإن القطع فيه إنما هو في التهذيب (2)، وإلا ففي الفقيه مسند
عن أبي عبد الله (3).
فالأولى في الجواب الاقتصار على ضعف الدلالة، وزيادة عدم المقاومة،
لما سيأتي من الأدلة.
(و) قال (في الخلاف: في) الجفن (الأعلى ثلثا الدية وفي
الأسفل الثلث) مدعيا عليه الإجماع والأخبار (4)، وتبعه الحلي لشبهة
الإجماع (5)، ونسبه في المبسوط إلى رواية الأصحاب (6)، ولم نرها،
والإجماع معارض بمثله، بل وأجود، كما يأتي، مع وهنه هنا جدا، سيما مع
مخالفة الناقل لنفسه في موضع آخر من الخلاف على ما نقله عنه الماتن في
الشرائع (7) وشيخنا في شرحه (8).
(و) قال فيه بما قاله (في النهاية) من أن (في الأعلى ثلث الدية
وفي الأسفل النصف) (9) وعليه الأكثر كما في كلام جمع، بل الشهرة كما
في كلام آخرين، وعليه الإجماع في الغنية (10). وهو الحجة; مضافا إلى
بعض المعتبرة المنجبر قصور سنده أو ضعفه بالشهرة الظاهرة والمحكية حد
الاستفاضة والإجماع الذي عرفته.

(1) المسالك 15: 403.
(2) التهذيب 10: 258، الحديث 53.
(3) الفقيه 4: 133، الحديث 5288.
(4) الخلاف 5: 236، المسألة 24.
(5) السرائر 3: 378.
(6) المبسوط 7: 130.
(7) الشرائع 4: 262.
(8) المسالك 15: 403.
(9) النهاية 3: 429.
(10) الغنية: 416.
245

وفيه: إن أصيب شفر العين الأعلى فشتر فديته ثلث دية العين مائة دينار
وستة وستون دينارا وثلثا دينار، وإن أصيب شفر العين الأسفل فشتر فديته
نصف دية العين مائتا دينار وخمسون دينارا فما أصيب منه فعلى حساب
ذلك، الحديث (1).
قيل: وكذا روي عن الرضا (عليه السلام) (2).
وهو الأظهر، وعليه فينقص من دية المجموع سدس الدية.
وربما كان فيه منافاة، لما مر من نفي الخلاف عن ثبوت الدية كملا في
الأجفان الأربعة.
إلا أن يذب عنه بما حكاه عن بعض جماعة من أن هذا النقص إنما هو
على تقدير كون الجناية من اثنين أو من واحد بعد رفع أرش الجناية الأولى،
وإلا فالواجب دية كاملة إجماعا (3).
وفي الروضة بعد نقله عنه قال: وهذا هو الظاهر من الرواية، لكن فتوى
الأصحاب مطلقة (4) ولنعم ما قال.
ولا فرق بين أجفان صحيح العين وغيره حتى الأعمى، للإطلاق.
ولا تتداخل دية الأجفان مع العينين لو قلعهما معا، بل يجب عليه ديتان
بلا خلاف، لأصالة عدم التداخل.
(وفي عين الأعور الصحيحة الدية) دية النفس (كاملة) بلا خلاف
أجده، بل عليه الإجماع في الخلاف (5) والغنية (6) والمختلف (7) والتنقيح (8)

(1) الوسائل 19: 218، الباب 2 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.
(2) كشف اللثام 2: 499 س 13.
(3) المهذب البارع 5: 309.
(4) الروضة 10: 203 - 204.
(5) الخلاف 5: 235، المسألة 22.
(6) الغنية: 416.
(7) المختلف 9: 363.
(8) التنقيح 4: 495.
246

ونكت الإرشاد (1) وغيرها من كتب الجماعة. وهو الحجة; مضافا إلى
النصوص المستفيضة:
منها - زيادة على ما مر في كتاب القصاص في القسم الثاني منه في
قصاص الأطراف - الصحيح وغيره: في عين الأعور الدية كاملة (2).
ومر ثمة وجه الحكمة في هذا الحكم، وهو كون الجناية فيها في المنفعة
التي هي الأبصار دون الجارحة.
ومقتضاه تقييد الحكم بما (إذا كان العور خلقة أو ذهبت) العين
الفاسدة (بشئ من قبل الله تعالى) أو من غيره حيث لا يستحق عليه
أرشا، كما لو جنى عليه حيوان غير مضمون، فلو استحق ديتها وإن لم
يأخذها، أو ذهبت في قصاص فنصف دية النفس ديتها كاملة، للأصل العام،
وعدم معلومية انصراف إطلاق النصوص إلى محل البحث.
مضافا إلى عدم الخلاف في أصل التقييد وإن اختلفوا فيما يستحقه في
محل الفرض هل هو النصف أو الثلث؟ والمشهور الأول، بل عليه الإجماع
في كلام جمع ومنهم ابن زهرة (3). وهو الأصح، عملا بما مر من الأصل
المجمع عليه نصا وفتوى - من أن في إحدى العينين نصف الدية مطلقا خرج
عنه عين الأعور بآفة أو خلقة بما تقدم فيبقى ما نحن فيه تحته مندرجا، مع
أنه لا خلاف فيه إلا من الحلي حيث حكم بالثاني (4)، وهو شاذ، بل على
خلافه الإجماع في المختلف (5) والتنقيح (6) وغيرهما - وحكما، كسائر
المتأخرين بأن ذلك منه وهم، وبينوا وجهه بما لا طائل مهما في ذكره.

(1) لم نعثر عليه.
(2) الوسائل 19: 134 - 135، الباب 15 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 2.
(3) الغنية: 416.
(4) السرائر 3: 381.
(5) المختلف 9: 363.
(6) التنقيح 4: 496.
247

(وفي خسف) العين (العوراء) أي الفاسدة (روايتان) وقولان
(أشهرهما) على الظاهر المصرح به في كلام جماعة حد الاستفاضة، منه
الصحيح: أن في لسان الأخرس وعين الأعمى وذكر الخصي الحر وأنثييه
(ثلث الدية) (1) أي ديتها حال كونها صحيحة، كما صرح به جماعة،
وادعى عليه الإجماع في الغنية (2).
وفي الثانية: أن فيه ربع الدية (3)، وعمل بها المفيد (4) والديلمي مطلقا (5)
والحلبي (6) وابن زهرة (7) فيما إذا كان الجناية عليها بإذهاب سوادها أو
طبقها بعد أن كانت مفتوحة، ادعى الأخير فيه إجماع الإمامية. فإن تم، وإلا
فالرواية مع أنها مطلقة ضعيفة وإن تعددت فلا تكافئ السابقة، مع صحتها،
وشهرتها، وشذوذ هذه، وندرتها، بل في الشرائع (8) أنها متروكة.
ولا فرق هنا بين كون العور خلقة أو بآفة من الله تعالى أو جناية جان
استحق عليه ديتها بلا خلاف إلا من الحلي، ففرق فحكم بتمام ديتها
خمسمائة دينار فيما عدا الأخير وبثلثها فيه، نافيا الخلاف عن الأول (9).
وهو غريب، ولذا خطأه المتأخرون ونسبوه إلى الوهم كالسابق قالوا وسبب
خطائه سوء فهمه لكلام الشيخ.
أقول: وربما يشير إلى فرقه الصحيح: عن رجل قطع لسان رجل
أخرس، فقال: إن كان ولدته أمه وهو أخرس فعليه ثلث الدية، وإن كان
لسانه ذهب به وجع أو آفة بعد ما كان يتكلم، فإن على الذي قطع لسانه ثلث
دية لسانه، وكذلك القضاء في العينين والجوارح هكذا وجدنا في كتاب

(1) الوسائل 19: 256، الباب 31 - 29 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 2.
(2) الغنية: 416.
(3) الوسائل 19: 256، الباب 31 - 29 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 2.
(4) المقنعة: 760.
(5) المراسم: 244.
(6) الكافي في الفقه: 396.
(7) الغنية: 416.
(8) الشرائع 4: 262 - 263.
(9) السرائر 3: 382.
248

علي (عليه السلام) (1)، لكنه صرح في العور خلقة بثلث الدية ولم يقل به.
نعم لفظ الثلث ساقط في الفقيه (2)، وإنما هو في نسخة الكافي (3)
والتهذيب (4)، فيحتمل كونه شاهدا له بالنسخة الأخيرة، لكن ليس فيها قوله:
«وكذلك القضاء» الذي هو محل الاستدلال، فلا شاهد فيه لما ذكره.
ومجرد دلالتها على الفرق بين الصورتين في الجملة غير نافع له، مع
مخالفتها لما حكم به من تمام الدية، مع أنه من الآحاد التي ليست عنده بحجة.
ومن هنا ظهر شذوذ هذه الصحيحة، وعدم ظهور قائل بها بالمرة، كما
صرح به بعض الأجلة (5).
فالعجب من شيخنا في المسالك (6) والروضة (7) وغيره كيف استدلوا بها
للمختار، مضافا إلى الصحيحة السابقة.
(وفي الأنف) إذا استوصل (الدية) كاملة (وكذا لو قطع مارنه)
وهو ما لان منه ونزل عن قصبته بلا خلاف في الأخير أجده، والنصوص به
مع ذلك مستفيضة:
ففي الصحيح والموثق وغيرهما في الأنف إذا قطع المارن الدية (8).
وعلى الأشهر في الأول أيضا، للأصل، وعموم ما مر من النصوص في
أن ما في الإنسان منه واحد فيه الدية والأنف بتمامه منه بلا شبهة،
وخصوص الصحيح وغيره: في الأنف إذا استوصل جذعه الدية (9)، وقريب
منهما الموثق: في الأنف إذا قطع الدية كاملة (10).

(1) الوسائل 19: 256، الباب 31 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
(2) الفقيه 4: 148، الحديث 5328.
(3) الكافي 7: 318، الحديث 7.
(4) التهذيب 10: 270، الحديث 8.
(5) كشف اللثام 2: 498 س 29.
(6) المسالك 15: 405 - 407.
(7) الروضة 10: 205 و 206.
(8) الوسائل 19: 214، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4، 6، 8، 5، 7.
(9) الوسائل 19: 214، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4، 6، 8، 5، 7.
(10) الوسائل 19: 214، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4، 6، 8، 5، 7.
249

خلافا للمحكي عن المبسوط (1) والمهذب (2) والوسيلة (3) فقالوا: إن
الدية فيه إنما هو للمارن خاصة وفي الزائد الحكومة، وهو خيرة التحرير (4)
وشيخنا في الروضة (5)، ولعله لعدم دليل على أن دية الاستيصال غير دية
المارن، وليس في أدلة المشهور عموما وخصوصا سوى أن فيه دية، إما أنها
له، أو للمارن، فليس فيها عليه دلالة، فيحتمل كونها لأجل المارن خاصة.
وفيه نظر، فإن وجه الدلالة في أدلتهم إنما هو ظهورها في أن في
الاستيصال الدية خاصة، لا مع زيادة الحكومة لما قطع من القصبة، كما هو
مقتضى قول المبسوط (6) ومن تبعه دون المشهور.
ويمكن أن يقال: إن غاية أدلة المشهور ثبوت الدية، وليس فيه ما ينفي
الحكومة، إذ ليس فيها مقام حاجة يمكن إثباتها بذلك، والدليل على ثبوتها
أن الزائد على المارن جارحة ذهبت زيادة عليه، وديته لا يقع شئ منها في
مقابلتها، فالاكتفاء بها يستلزم تفويت تلك الجارحة عليه من دون بدل، وهو
غير جائز فما ذكروه أقوى، فتأمل جدا.
وموضع الخلاف ما لو قطع المارن والقصبة معا، أما لو وقع التفريق في
جنايتهما ثبت للقصبة الحكومة زيادة على دية المارن قولا واحدا.
وفي حكم قطع الأنف ما أشار إليه بقوله: (أو كسر ففسد) بلا خلاف
يظهر فيه (و) لا في أنه (لو جبر على غير عيب ف‍) ديته (مائة دينار)
بل على الأخير الإجماع في الغنية (7).
(وفي شلله) وهو فساده (ثلثا ديته) صحيحا، وفي قطعه أشل ثلث
الدية، بلا خلاف في شئ من ذلك أجده، بل على الأول الإجماع عن

(1) المبسوط 7: 131.
(2) المهذب 2: 482.
(3) الوسيلة: 447.
(4) التحرير 2: 269 س 23.
(5) الروضة 10: 207.
(6) المبسوط 7: 131.
(7) الغنية: 417.
250

المبسوط (1) والخلاف (2). وهو الحجة المؤيدة بثبوت مثل الحكم في شلل
اليد والرجل والأصابع، ويدل على الأخير بعض النصوص كل ما كان من
شلل فهو على الثلث من دية الصحاح (3). وفيه تأييد ما للحكم في سابقة.
فتدبر.
(وفي الحاجز نصف الدية) إذا استوصل، ومستنده غير واضح وإن
أفتى به الأكثر، كما في كلام جمع.
نعم في كتاب ظريف المروي بعدة طرق معتبرة فإن قطعت روثة الأنف
فديتها خمسمائة دينار نصف الدية (4)، وهو يصح مستندا، بناء على ما عليه
الماتن وابن عمه (5) والفاضل في القواعد (6) والتحرير (7) والإرشاد (8) من
تفسير الروثة بالحاجز، ولم يثبت، بل المعروف عند أهل اللغة أنها الإرنبة
أو طرفها حيث يقطر الرعاف والإرنبة عندهم طرف الأنف، ويسمون
الحاجز بالوبرة، وسمي في الكتاب المذكور بالخيشوم.
قيل (9): وروي عن الرضا (عليه السلام) أيضا (10)، وهو صريح في أن المراد
بالروثة فيه ليس الحاجز، ومع ذلك ففيه في نسخة في تفسيرها بطرف الأنف
كما عليه أهل اللغة، وقريب منه ما قاله الصدوق: من أنها مجمع المارن (11).
والأجود وفاقا للمعة وشرحها الحكم للحاجز بالثلث (12)، عملا
بالأصل، والقاعدة في تقسيط الدية على أجزاء العضو، الذي ثبت فيه

(1) المبسوط 7: 131.
(2) الخلاف 5: 237، المسألة 27.
(3) الوسائل 19: 263 - 221، الباب 39 - 40 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 1.
(4) الوسائل 19: 263 - 221، الباب 39 - 40 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 1.
(5) الجامع للشرائع: 593.
(6) القواعد 3: 672.
(7) التحرير 2: 269 س 25.
(8) الإرشاد 2: 237.
(9) كشف اللثام 2: 499 س 27.
(10) فقه الإمام الرضا (عليه السلام): 316.
(11) الفقيه 4: 81.
(12) اللمعة 10: 208.
251

بالنسبة، والمارن الموجب لها مشتمل عليه وعلى المنخرين، وحكى هذا
الفاضل في القواعد قولا (1)، لكن قيل: إنه لم نعرف له قائلا.
أقول: غير بعيد كونه الحلي، فإنه قال بعد الحكم بأن في الأنف وكذا
مارنه الدية ما لفظه: وفيما نقص منه بحساب ذلك (2). وهو ظاهر فيما ذكرناه
من رجوعه هنا إلى القاعدة التي قدمناها.
(وفي أحد المنخرين نصف الدية) على قول الشيخ في المبسوط
مدعيا أنه مذهبنا، قال: لأنه ذهب بنصف المنفعة ونصف الجمال (3).
وهو كما ترى.
(وفي رواية) بل روايات أن فيه (ثلث الدية) (4) وهي وإن كان
بأجمعها ضعيفة لكنها موافقة للقاعدة، ومع ذلك مشهورة بين الطائفة على
الظاهر المصرح به في كلام جماعة.
وبها يضعف القول بالربع أيضا، كما عن الحلبيين (5) والكيدري (6) وفي
الغنية (7)، مضافا إلى عدم وضوح مستنده وان اعتذر لهم الشهيد بالقاعدة
بزعم تجزي المارن بأجزاء أربعة المنخرين والحاجز والروثة (8)، وهو على
تقدير تسليمه لا يعترض به الرواية الصريحة المعمول بها بين الطائفة.
(وفي الأذنين) إذا استوصلا (الدية) كاملة (وفي) استيصال (كل
واحدة) منهما (نصف الدية وفي بعضها بحساب ديتها) بأن يعتبر
مساحة المجموع من أصل الأذن وينسب المقطوع إليه، ويؤخذ له من الدية

(1) القواعد 3: 672.
(2) السرائر 3: 382.
(3) المبسوط 7: 131.
(4) الوسائل 19: 217، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 13.
(5) الكافي في الفقه: 397.
(6) إصباح الشيعة: 504.
(7) الغنية: 417.
(8) غاية المراد: 219 س 20 (مخطوط).
252

بنسبته إليه، فإن كان المقطوع النصف فالنصف أو الثلث فالثلث وهكذا،
ويعتبر الشحمة في مساحتها حيث لا تكون هي المقطوعة. والأصل في
جميع ذلك مضافا إلى الإجماع الظاهر المصرح به في الغنية (1) المعتبرة
المستفيضة عموما وخصوصا:
فمن الأول: ما مر في أن ما في الإنسان منه اثنان فالدية، وفي أحدهما
نصفها (2).
ومن الثاني: الصحيح: وفي الأذنين الدية، وفي إحداهما نصف الدية (3).
ونحوه الصحيح الآخر، لكن في إحداهما (4) والموثقان: وفي الأذن
نصف الدية إذا قطعها من أصلها، وإذا قطعها من طرفها ففيها قيمة عدل (5).
وربما كان فيهما الدلالة على الأخير.
وأظهر منهما في ذلك ما في خبرين، أحدهما في كتاب ظريف المروي
بعدة طرق من قوله (عليه السلام): فما قطع منها فبحساب ذلك (6).
(و) لكن (في شحمتها ثلث ديتها) على الأشهر الأقوى، بل لا أجد
فيه خلافا من أحد صريحا، مع أن في الغنية (7) وعن الخلاف أن عليه
إجماعنا. وهو الحجة، مضافا إلى بعض النصوص المنجبر ضعف سنده ولو
من وجوه بالشهرة: أن عليا (عليه السلام) قضى في شحمة الأذن ثلث دية الأذن (8).
(وفي خرم الشحمة) وشقها (ثلث ديتها) أي الشحمة على الظاهر
المصرح به في كلام الحلي (9)، أو الأذن كما يميل إليه جماعة، وبه صرح ابن

(1) الغنية: 417.
(2) الوسائل 19: 217، الباب 1، من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 12، 4.
(3) الوسائل 19: 217، الباب 1، من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 12، 4.
(4) الوسائل 19: 217، الباب 1، 7 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 5، 7، 10، 1،
الكافي 7: 333، الحديث 5.
(5) الوسائل 19: 217، الباب 1، 7 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 5، 7، 10، 1،
الكافي 7: 333، الحديث 5.
(6) الوسائل 19: 217، الباب 1، 7 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 5، 7، 10، 1،
الكافي 7: 333، الحديث 5.
(7) الغنية: 417.
(8) الوسائل 19: 223، الباب 7 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
(9) السرائر 3: 382.
253

حمزة (1)، ولا خلاف في أصل الحكم أجده هنا أيضا، بل عن الخلاف أن
عليه إجماعنا (2). وهو الحجة; مضافا إلى ما في كتاب ظريف السابق ذكره
من قوله (عليه السلام): وفي قرحة لا يبرأ ثلث دية ذلك العضو الذي فيه (3). وقريب
منه الخبر: في كل فتق ثلث الدية (4)، وأصل الفتق الشق. وضعف السند
منجبر بالعمل مضافا إلى التأيد بورود مثله في خرم الأنف.
ففي الخبر: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في خرم الأنف ثلث دية الأنف (5).
فالعجب من شيخنا في المسالك (6) والروضة كيف نفى المستند للحكم
في المسألة فقال بعد نقله عن الحلي تفسير العبارة بما عرفته ما لفظه: مع
احتمال إرادة الأذن أو ما هو أعم، ولا مستند لذلك يرجع إليه (7) انتهى.
واعلم أن ظاهره - كالماتن في الشرائع (8) - عدم قبول تفسير الحلي،
وبه صرح الفاضل في المختلف، فقال: إنه تأويل بلا دليل (9)، ومخالف لظاهر
كلام الشيخ، لكن ظاهر الماتن هنا والمحكي عن الجامع (10) المصير إلى ما
عليه الحلي. وهو الأجود، لإجمال العبارات، والنصوص المتقدمة، وعدم
ظهور يعتد به في شئ منها، فينبغي الأخذ بالأقل المتيقن منها، وهو ما
صرنا إليه، ويدفع الزائد بالأصل، مضافا إلى التأيد بأن مع اعتباره لم يبق
فرق بين قطع الشحمة وخرمها في مقدار الدية أصلا، ومستبعد جدا.
وبهذا يقرب تنزيل العبارات عليه إلا ما صرح فيه بثلث دية الأذن.
ثم إن إطلاق النصوص والفتاوى يقتضي عدم الفرق في الخرم الموجب

(1) الوسيلة: 446.
(2) الخلاف 5: 234، المسألة 19.
(3) الوسائل 19: 227 - 257، 221، الباب 11 - 32 - 4 من أبواب ديات الأعضاء،
الحديث 1، 1، 2.
(4) الوسائل 19: 227 - 257، 221، الباب 11 - 32 - 4 من أبواب ديات الأعضاء،
الحديث 1، 1، 2.
(5) الوسائل 19: 227 - 257، 221، الباب 11 - 32 - 4 من أبواب ديات الأعضاء،
الحديث 1، 1، 2.
(6) المسالك 15: 410 - 411.
(7) الروضة 10: 207.
(8) الشرائع 4: 263.
(9) المختلف 9: 369.
(10) الجامع للشرائع: 593.
254

لثلث الدية بين الملتئم منه وغيره، وعن ابن حمزة التخصيص بالثاني، وقال
في الأول بالحكومة (1)، وهو ظاهر رواية ظريف المتقدمة. وربما يعضده
الاستقراء، لما مر في الشعر ونحوه، ويمكن تنزيل الإطلاقات عليه.
(وفي) استئصال (الشفتين الدية) بالإجماع الظاهر المستفيض
النقل، المعتضد بالعمومات المتقدمة في الأذنين، وخصوص النصوص
المستفيضة، وفيها الصحيح (2) وغيره (3).
(و) لكن (في تقدير دية كل واحدة منهما خلاف) ف‍ (قال) الشيخ
(في المبسوط: في العليا الثلث وفي السفلى الثلثان (4)، واختاره المفيد)
في المقنعة (5) وجماعة كالمراسم (6) والكافي (7) والجامع (8) والإصباح (9)
على ما حكي عنهم، وهو خيرة الغنية (10) مدعيا في ظاهر كلامه
كالمبسوط (11) إجماع الإمامية. قال المفيد: لأنها تمسك الطعام والشراب
وشينها أقبح من شين العليا، وبهذا ثبت الآثار عن أئمة الهدى (عليهم السلام) (12)
والإجماع معارض بمثله كما يأتي، والتعليل لا يفيد سوى التفصيل في
السفلى، ونحن نقول به، كما ستدري، ولكنه لا يعين الثلثين كما يقولون،
فيحتمل الثلاثة أخماس، كما في القول الآتي، والآثار مرسلة لم نقف عليها،
مع أن الموجود منها على خلافها إلا ما في كتاب ظريف الذي وصل إلينا،
وهو وإن تضمن الثلثين في السفلى لكنه صرح بالنصف في العليا (13)،

(1) الوسيلة: 446.
(2) الوسائل 19: 214، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2، 4.
(3) الوسائل 19: 214، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2، 4.
(4) المبسوط 7: 132.
(5) المقنعة: 755.
(6) المراسم: 244.
(7) الكافي في الفقه: 398.
(8) الجامع للشرائع: 613 - 614.
(9) إصباح الشيعة: 505.
(10) الغنية: 417.
(11) المبسوط 7: 132.
(12) المقنعة: 755.
(13) الوسائل 19: 222، الباب 5 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
255

ولم يقولوا به، فهو وان وافق من جهة لكن خالف من اخرى، مع أن المحكي
عنه أيضا المخالفة مطلقا، كما ستعرفه.
(وقال في الخلاف: وفي العليا أربعمائة دينار، وفي السفلى
ستمائة (1). وكذا) قال (في النهاية) (2) وكتابي الحديث (3)، وحكي عن
المقنع (4) والهداية (5) والمهذب (6) والوسيلة (7) والصهرشتي (8) والطبرسي (9)
واختاره في المختلف (10) (وبه رواية) أبي جميلة عن أبان بن تغلب عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال: في السفلى ستة آلاف وفي العليا أربعة آلاف، لأن
السفلى تمسك الماء (11) (وفيها) كما ترى (ضعف) بأبي جميلة وإن
روى عنه الحسن بن محبوب المحكي على تصحيح ما يصح عنه إجماع
العصابة وحكى الماتن (12) مضمونها عن كتاب ظريف أيضا، لعدم بلوغها
بالأول درجة الاعتبار والصحة، وضعيف الحكاية بمخالفتها لما يروى عن
ذلك الكتاب في الكتب المشهورة مما ستعرفه. نعم عن الخلاف دعوى
الإجماع (13)، لكنه بعد الإغماض عن وهنه في نحو المضمار معارض
بالمثل، بل وأجود، للتعدد، كما مضى.
(وقال) الإسكافي (14) و (ابن بابويه) على ما حكاه الماتن: (في

(1) الخلاف 5: 238، المسألة 30.
(2) النهاية 3: 434.
(3) التهذيب 10: 246، الحديث 7.
(4) المقنع: 511.
(5) الهداية: 299.
(6) لم نعثر عليه في المهذب، نعم في كشف اللثام (2: 500 س 27) حكى عنه.
(7) الوسيلة: 443.
(8) إصباح الشيعة: 505.
(9) مجمع الفائدة 14: 371.
(10) المختلف 9: 370.
(11) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب ديات الأعضاء ح 2 ج 19 ص 222.
(12) الشرائع 4: 264.
(13) الخلاف 5: 238، المسألة 30.
(14) المختلف 9: 369.
256

العليا نصف الدية، وفي السفلى الثلثان) (1) لما في كتاب ظريف (2)
المروي في الكتب المشهورة بعدة طرق معتبرة، كما عرفته، لكن ندرة القول
به، بل ومتروكيته كما في الشرائع (3) وشرحه للصيمري (4) وعدم مقاومته لما
سبق من الأدلة وما يأتي يضعف العمل به، سيما مع مخالفته للأدلة فتوى
ونصا، على أن في الشفتين الدية لا زائدا، إلا أن يخص ذلك بصورة الجناية
عليهما معا لا منفردا.
(وقال ابن أبي عقيل): أن (في كل واحدة نصف الدية) (5) لا
يفضل إحداهما على الأخرى بزيادة (وهو قوي) متين، لعموم الأدلة على
أن ما كان اثنين ففي كل منهما نصف الدية (6)، وخصوص الموثق: الشفتان
العليا والسفلى سواء في الدية (7). وحمله على التساوي في وجوب الدية لا
قدرها بعيد، وإليه ذهب الفاضلان هنا وفي الشرائع (8) والتحرير (9)
والإرشاد (10) والقواعد (11) والشهيدان في اللمعتين (12)، والفاضل المقداد في
شرحه (13) وغيرهم من المتأخرين.
ولكن في النفس منه شئ، لندرة القول به بين القدماء، بل كاد أن يكون
خلاف المجمع عليه بينهم، كما نص عليه الحلي، فقال - بعد تقوية هذا
القول - إلا أن يكون على خلافه إجماع، ولا شك أن الإجماع منعقد

(1) الفقيه 4: 81، ذيل الحديث 5150.
(2) الوسائل 19: 221، الباب 5 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
(3) شرائع الاسلام: كتاب الديات 4: 264.
(4) غاية المرام: 207 (مخطوط).
(5) المختلف 9: 369.
(6) الوسائل 19: 213، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 12، 10.
(7) الوسائل 19: 213، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 12، 10.
(8) الشرائع 4: 264.
(9) التحرير 2: 272 س 9.
(10) الإرشاد 2: 237.
(11) القواعد 3: 673.
(12) اللمعة والروضة 10: 209.
(13) التنقيح 4: 498.
257

على تفضيل السفلى والاتفاق حاصل على الستمائة دينار، والأصل براءة
الذمة مما زاد عليه. قال: وبهذا القول الأخير أعمل وأفتي، وهو قول شيخنا
في الاستبصار (1)، يعني القول بالأربعمائة والستمائة، وقد كان اختار أولا
القول الأول. ولنعم ما استدرك.
وبه يضعف قول من تأخر، سيما مع دعاوي الإجماعات المتقدمة،
وورود الروايات العديدة على خلافه، ولكن ما حققه في اختيار ما في
الاستبصار (2) ضعيف فإن حاصله الرجوع إلى أصل البراءة عن الزائد على
الستمائة، وهو جار في الزائد عن الثلث في العليا أيضا، فهو وإن أبرأ ذمة إلا
أنه شغل اخرى، والتمسك به مشروط بأن لا يلزم منه ثبوت تكليف ولو من
وجه آخر، ولو لزم لم يجز قطعا.
ولو تمسك به في العليا أيضا لزم خرق الإجماع جدا، لعدم القائل
بالثلث في العليا وثلاثة أخماس في السفلى، كما يقتضيه الأصل فيهما، بل
كل من قال بالأول في الأولى قال بضعفه في الثانية، وكل من قال بالثلاثة
أخماس فيها قال بالخمسين في الأولى، مع أن هذا خيرة الاستبصار، الذي
اختاره لا ما سبقه. فالتمسك لإثباته بأصالة البراءة ضعيف في الغاية.
ومن جميع ما مر ظهر أن المسألة محل تردد وشبهة، لكن الذي يقتضيه
النظر ضعف الأخيرين جدا.
ويبقى الكلام في تعيين أحد الأولين وترجيحه على الآخر، ولا مرجح
يظهر، فليؤخذ بما هو الأحوط، وهو الأخذ بالمتيقن من الثلث في العليا
والثلاثة أخماس في السفلى، ويرجع في الزائد في المقامين إلى الصلح.
(و) على الأقوال (في قطع بعضها) يؤخذ له (بحساب ديتها)
كما سبق في نظائرها.

(1) السرائر 3: 383.
(2) الاستبصار 4: 288، ذيل الحديث 3.
258

(وفي) استئصال (اللسان الصحيح الدية كاملة) إجماعا، لما مر من
النصوص في أن ما في الإنسان منه واحد فيه الدية، مضافا إلى خصوص
المعتبرة، وفيها الموثق (1) وغيره (2): في اللسان إذا استؤصل الدية كاملة.
وكذا في إذهاب النطق جملة ولو بقي اللسان بحاله بلا خلاف فيه وفي أنه
إذا ذهب بعضه قسمت الدية على الحروف وأعطي بقدر الفائتة. ولا إشكال
فيه، للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة: في رجل ضرب رجلا في
رأسه فثقل لسانه أنه يعرض عليه حروف المعجم كلها ثم يعطى الدية بحصة
ما لم يفصحه منها (3).
(ولو قطع بعضه) أي بعض اللسان (اعتبر بحروف المعجم) أيضا
دون مساحته عند أكثر الأصحاب على الظاهر المصرح به في كلام جماعة.
وحجتهم غير واضحة، لاختصاص المستفيضة المتقدمة بالجناية على
المنفعة دون الجارحة التي هي مفروض المسألة.
نعم في الموثق: رجل طرف لغلام طرفة، فقطع بعض لسانه فأفصح
ببعض ولم يفصح ببعض، قال: يقرأ المعجم فما أفصح به طرح من الدية وما
لم يفصح به ألزم الدية، قال: قلت: فكيف هو؟ قال: على حساب الجمل ألف
ديتها واحد والباء ديتها اثنان والجيم ثلاثة، والدال أربعة والهاء خمسة والواو
ستة والزاي سبعة والحاء ثمانية والطاء تسعة والياء عشرة والكاف عشرون
واللام ثلاثون والميم أربعون والنون خمسون والسين ستون والعين سبعون
والفاء ثمانون والصاد تسعون والقاف مائة والراء مائتان والشين ثلاثمائة
والتاء أربعمائة، وكل حرف يزيد بعد هذا: من اب ت ث زدت له مائة درهم (4).

(1) الوسائل 19: 213، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 7، 11، والباب 2 من
أبواب ديات المنافع 273، الحديث 1.
(2) الوسائل 19: 213، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 7، 11، والباب 2 من
أبواب ديات المنافع 273، الحديث 1.
(3) الوسائل 19: 213، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 7، 11، والباب 2 من
أبواب ديات المنافع 273، الحديث 1.
(4) الوسائل 19: 275، الباب 2 من أبواب ديات المنافع، الحديث 7.
259

وهو ظاهر فيما ذكروه لقوله: «فقطع بعض لسانه» وبه صرح بعض
الأصحاب، بل قال: إنه نص فيه (1).
ومنه يظهر ما في اعتراض المولى الأردبيلي (رحمه الله) على الأصحاب بعدم
الدليل، قال: فإن الدليل على ما سمعت - وأشار به إلى الأخبار المتقدمة -
إنما دل على كون المدار على المنفعة فيما إذا ذهبت المنفعة فقط ولم يذهب
من الجرم شئ، إذ ما كان في الدليل ما يشمل على قطع بعض اللسان، مع
كون المدار على نقصان الحروف، وأنه قد يسقط من اللسان ولا يحصل
قصور في صدور الحروف، فالمناسب أن يكون المدار على المنفعة فيما إذا
كان فيها فقط، وعلى المساحة والمقدار على تقدير النقص فيه فقط إلى آخر
ما ذكره (رحمه الله) (2).
ولعله غفل عن دلالة هذه الموثقة، أو حمل قطع بعض اللسان في قوله:
فقطع إلى آخره على قطع بعض النطق والكلام، لإطلاق اللسان عليه كثيرا،
وهو وإن كان مجازا إلا أن القرينة قائمة عليه فيها، وهي عطف فقطع على
طرف، والطرف في الأصل الضرب على طرف العين، ثم نقل إلى الضرب
على الرأس كما في النهاية الأثيرية، والظاهر أن الضرب على الرأس
لا يوجب قطع اللسان الحقيقي، بل المجازي.
وعلى هذا يكون سبيل هذه الرواية سبيل المستفيضة في اختصاصها
بجناية المنفعة لا الجارحة، مضافا إلى منافاة ما فيها من بسط الدية بحسب
حروف الجمل، لما عليه الأصحاب كافة فيما أجده، وبه صرح بعض
الأجلة (3) من بسطها على الحروف المعجم بالسوية، كما هو ظاهر
المستفيضة، بل صريح بعضها، وهو قوية السكوني: أتي أمير المؤمنين (عليه السلام)

(1) لم نعثر عليه.
(2) مجمع الفائدة 14: 377 - 379.
(3) مفاتيح الشرائع 2: 149.
260

برجل ضرب فذهب بعض كلامه وبقي بعض كلامه فجعل ديته على حروف
المعجم كلها، ثم قال: تكلم بالمعجم فما نقص من كلامه فبحساب ذلك،
والمعجم ثمانية وعشرون حرفا فجعل ثمانية وعشرون جزء فما نقص من
ذلك فبحساب ذلك (1).
فالأصح ما ذكره من عدم دليل بذلك من نص ولا رواية، والذي يقتضيه
النظر ويعضده الأصول وجوب دية للذاهب من جرم اللسان بالمساحة
والأخرى للذاهب من الحروف بالنسبة.
ويحتمله ما عن الحلبي (2) والإصباح (3) وفي الغنية (4) من أنه إذا قطع
بعض اللسان ففيه بحساب الواجب في جميعه ويقاس بالميل، وإذا ذهب
بعض اللسان يعنون الكلام اعتبر بحروف المعجم.
لكن يحتمل إرادتهم بذلك الاعتبار بالمساحة إن لم يذهب من الكلام
شئ، أو ذهب منه أقل من مساحة اللسان بالنسبة إلى الدية، كأن ذهب منه
ربعه ومن اللسان نصفه، فيؤخذ من الدية بنسبته دون الكلام، والاحتمال
الأول أوفق بالأصول، لكن القائل به من الأصحاب غير معلوم، لإطباقهم
ظاهرا على تداخل الديتين مطلقا، حتى ما لو تفاوت نسبة كل منهما إلى
الدية الكاملة بأن كان إحداهما بالربع والأخرى بالنصف أو بالعكس، لكن
اختلفوا في أخذ الزيادة عن القدر المتداخل فيه مطلقا، كما عليه
المبسوط (5) نافيا الخلاف عنه، وحكى في المختلف عن الحلبي أيضا (6)، أو
إذا كانت الزيادة للمنفعة خاصة.

(1) الوسائل 19: 275، الباب 2 من أبواب ديات المنافع، الحديث 6.
(2) الكافي في الفقه: 397.
(3) إصباح الشيعة: 504.
(4) الغنية: 417.
(5) المبسوط 7: 134.
(6) المختلف 9: 372.
261

ولو انعكس فلا زيادة كما عليه الأكثر على الظاهر المصرح به في كلام
جمع، بناء منهم على أنه لا اعتبار بقدر المقطوع هنا، ودليلهم غير واضح
عدا ما قيل (1) من إطلاق ما مر من المستفيضة. وفيه ما عرفته.
فإذا الأجود القول الأول أخذا بالأصل الدال على لزوم ديتي الجارحة
والمنفعة وأبعاضهما بالنسبة خرج منهما القدر المتداخل فيه بشبهة الإجماع
والأولوية المستفادة من ثبوت التداخل باستئصال الجارحة اتفاقا فتوى
ورواية، ففي البعض أولى. فتأمل جدا.
ويبقى الزائد عنه مندرجا تحته، مضافا إلى التأيد بنقل عدم الخلاف
المتقدم، وقد اختار هذا القول من محققي المتأخرين جماعة، ومنهم الفاضل
في المختلف (2) والتحرير (3) والقواعد (4) وشيخنا في المسالك (5) والروضة (6)
وغيرهم.
(وهي) أي الحروف (ثمانية وعشرون حرفا) في المشهور بين
الفقهاء، وبه نصت القوية المتقدمة، ونحوه رواية اخرى صحيحة (7)، وثالثة
عن مولانا الرضا (عليه السلام) (8) مروية، وقصور السند فيها وفي الأولى مجبور
بالشهرة بين الفقهاء.
(و) لكن في (رواية) اخرى صحيحة: أنها (تسعة وعشرون
حرفا (9)، وهي) مع أنها معارضة بمثلها لراويها أيضا وزيادة عليه عرفتها

(1) مفاتيح الشرائع 2: 149.
(2) المختلف 9: 373.
(3) التحرير 2: 270، الهامش.
(4) القواعد 3: 674.
(5) المسالك 15: 415 - 417.
(6) الروضة 10: 215.
(7) الوسائل 19: 273، الباب 2 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.
(8) فقه الرضا (عليه السلام): 318.
(9) الوسائل 19: 273، الباب 2 من أبواب ديات المنافع، الحديث 5.
262

(مطرحة) لم أجد بها عاملا عدا يحيى بن سعيد (1) فيما يحكى عنه،
وهو شاذ، بل على خلافه في ظاهر العبارة هنا وفي الشرائع (2) وغيره
الإجماع من العلماء، بل من اللغة والعرف أيضا، كما في المسالك (3)
وغيره، لكن قيل: إنه المشهور عند أهل العربية (4)، وعن الكشاف في تفسير
أول سورة البقرة أن حروف المعجم تسعة وعشرون واسمها ثمانية
وعشرون (5).
وكيف كان، فالمذهب هو الأول، لما مر مع ضعف المعارض، وعدم
تعرضه لبيان الزائد ما هو وإن قيل: الظاهر أنه فرق بين الهمزة والألف (6).
(وفي) استئصال (لسان الأخرس ثلث الدية) بلا خلاف أجده، بل
عليه في ظاهر السرائر (7) وصريح الخلاف (8)، وفي الغنية إجماع
الإمامية (9). وفيه الحجة; مضافا إلى الصحيح: في لسان الأخرس وعين
الأعمى ثلث الدية (10).
ولا فرق بين كون الخرس خلقيا أو عرضيا، لإطلاق النص والفتوى،
ولكن مر في بعض الصحاح ما يفيد تقييده بالثاني ولزوم تمام الدية في
الأول، ولم أر به عاملا، فيكون على الظاهر شاذا (وفي) قطع (بعضه
بحساب ديته) بمساحته كما سبق في نظائره.
(ولو ادعى) المجني عليه (ذهاب نطقه) بالجناية (ففي رواية:
يضرب لسانه بالإبرة فإن خرج الدم) أحمر فقد كذب، وإن خرج

(1) الجامع للشرائع: 591.
(2) الشرائع 4: 264.
(3) المسالك 15: 415 - 416.
(4) كشف اللثام 2: 501 س 20.
(5) الكشاف 1: 29.
(6) المسالك 15: 415 - 416.
(7) السرائر 3: 385.
(8) الخلاف 5: 241، المسألة 34 - 33.
(9) الغنية: 417.
(10) الوسائل 19: 256، الباب 31 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
263

(أسود) فقد (صدق) (1) وقد عمل بها الحلبي (2) وابنا زهرة (3) وحمزة (4)
والشيخ في الخلاف (5) مدعيا عليه الوفاق: فإن تم إجماعا أو شهرة جابرة
وإلا فالسند ضعيف بجماعة، ولذا أعرض عنها المتأخرون وقالوا بالتصديق
بالقسامة خمسين يمينا بالإشارة أو ستة على الخلاف المتقدم إليه الإشارة،
لتعذر إقامة البينة على ذلك، وحصول الظن المستند إلى الإمارة بصدقه، وهي
الجناية، فيكون لوثا يثبت به القسامة، لما تقدم في بحثها من الأدلة، وحكي
القول بهذا أيضا عن النهاية (6) وظاهر الماتن التوقف في الحكم، مع أنه في
الشرائع حكم بالقسامة (7). ولعله نشأ من ضعفها كما عرفته، ومن قوة
احتمال انجبارها بفتوى هؤلاء القدماء، وسيما ابن زهرة الذي لا يعمل
بالآحاد المجردة عن القرائن القطعية، مع احتمال عبارته دعوى الإجماع
عليه كالشيخ. ومع ذلك الرواية مروية في الكتب الثلاثة (8) مع قوة احتمال
فتوى الصدوق والكليني بها، ولا سيما الأول. فتأمل جدا.
(وفي الأسنان) بفتح الهمزة، لو كسرت فذهبت أجمع (الدية) كاملة
بلا خلاف على الظاهر المصرح به في كلام جماعة، بل عليه الإجماع في
الغنية (9). وهو الحجة; مضافا إلى المعتبرة الآتية.
(وهي) أي الأسنان المقسوم عليها الدية (ثمانية وعشرون) سنا
توزع عليها متفاوتة كما يذكر (منها المقاديم اثنا عشر) الثنيتان، وهما

(1) الوسائل 19: 279، الباب 4 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.
(2) الكافي في الفقه: 397.
(3) الغنية: 417.
(4) الوسيلة: 449.
(5) الخلاف 5: 241، المسألة 33.
(6) النهاية 3: 435.
(7) الشرائع 4: 265.
(8) الكافي 7: 323، الحديث 7، الفقيه 3: 19، الحديث 3250، التهذيب 10: 268، الحديث 86.
(9) الغنية: 418.
264

وسطها والرباعيتان خلفهما والنابان وراؤها كلها من أعلى ومثلها من أسفل
وفيها ستمائة دينار موزعة عليها بالسوية (في كل واحد خمسون دينارا،
والمآخير ستة عشر) أربعة من كل جانب من الجوانب الأربعة ضاحك
وأضراس ثلاثة وفيها أربعمائة دينار موزعة عليها بالسوية (في كل واحد
خمسة وعشرون) دينارا.
والأصل في هذا التفصيل رواية حكم بن عتيبة أنه قال لأبي جعفر (عليه السلام):
إن بعض الناس في فيه اثنان وثلاثون سنا وبعضهم له ثمانية وعشرون سنا
فعلى كم يقسم دية الأسنان؟ فقال: الخلقة إنما هي ثمانية وعشرون سنا اثنتا
عشرة في مقاديم الفم وستة عشرة سنا في مآخيره، فعلى هذا قسمت دية
الأسنان فدية كل سن من المقاديم إذا كسرت حتى تذهب خمسمائة درهم
وهي اثنتا عشرة سنا فديتها كلها ستة آلاف درهم، وفي كل سن من المآخير
مائتان وخمسون درهما وهي ستة عشر سنا فديتها أربعة آلاف درهم،
فجميع دية المقاديم والمآخير من الأسنان عشرة آلاف درهم، وإنما وضعت
الدية على هذا فما زاد على ثمانية وعشرين سنا فلا دية له وما نقص فلا دية
له هكذا وجدناه في كتاب علي (عليه السلام) (1).
وضعف سندها منجبر بفتوى أصحابنا كافة على الظاهر المصرح به في
المسالك (2) وغيره، بل الإجماع كما في ظاهر الغنية (3) وغيره. وهو حجة
اخرى في المسألة، مضافا إلى المرسلة المروية في الفقيه قال: قضى أمير
المؤمنين (عليه السلام) (4) وذكر مضمون الرواية، فلا إشكال في المسألة وإن ورد فيها

(1) الوسائل 19: 262، الباب 38 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
(2) المسالك 15: 420 - 421.
(3) الغنية: 418.
(4) الفقيه 4: 136، الحديث 5300.
265

نصوص مستفيضة فيها الصحيح (1) وغيره (2) ظاهرة المخالفة من حيث
الدلالة على التسوية بين الأسنان كلها في عشر الدية، لشذوذها على
إطلاقها، واحتمالها لذلك الحمل على المقاديم خاصة، سيما مع كونها أقرب
إلى التلف بالجناية، مع أنه لو لم تحمل عليها لكانت الدية تزيد على الدية
الكاملة. ولا يبعد أيضا حملها على التقية، كما ذكره خالي العلامة
المجلسي (رحمه الله)، قال: لاتفاق العامة على أن في كل سن خمسا من الإبل، وأنه
لا فرق بين المقاديم والمآخير (3).
وأما القوي: الأسنان واحد وثلاثون ثغرة وفي كل ثغرة ثلاثة أبعرة
وخمس بعير (4) فقد حمله الشيخ على التقية، قال: لأنه موافق لمذهب بعض
العامة ولسنا نعمل به (5).
(ولا دية للزائدة) عن العدد المذكور (لو قلعت منضمة) إلى العضو
المقدر ديته المشتمل على غيره، للأصل، والرواية المتقدمة المعتضدين
بثبوت الحكم في نظير المسألة كالإصبع الزائدة لو قطعت مع الكف جملة،
مع أنه لا خلاف فيه أجده، إلا من إطلاق ما في الغنية (6)، وعن المقنعة (7)
وفي الكافي (8) والإصباح (9) ونكت النهاية (10) من أن فيها حكومة من دون
تفصيل بين قطعها منضمة أو منفردة ولكن الأصحاب لم يحكوا عنهم
الخلاف هنا بل حكوه عنهم في الثانية ولعلهم فهموا منهم ما يفيد اختصاص

(1) الوسائل 19: 224، الباب 8 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2، 5.
(2) الوسائل 19: 224، الباب 8 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2، 5.
(3) ملاذ الأخيار 16: 547.
(4) الوسائل 19: 263، الباب 38 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 5.
(5) التهذيب 10: 260، الحديث 62.
(6) الغنية: 418.
(7) المقنعة: 756.
(8) الكافي في الفقه: 398.
(9) إصباح الشيعة: 505.
(10) نكت النهاية 3: 435 - 436.
266

كلامهم بها] فيكون الحكم هنا وفاقيا لكن الفاضل في المختلف حكم
بالأرش في المقامين مستدلا بأن فيه ألما ونقصا في خلقته (1) وهذا يتم في
القلع منفردا لا منضما [(2).
وكيف كان لا إشكال في عدم شئ فيها هنا.
(و) إنما الإشكال في أنه هل (لها ثلث دية الأصل) الذي يجنيه،
كما عن الوسيلة (3) والتحرير (4)، فيكون لها ثلث دية المقاديم إن كان بينها،
وثلث دية المآخير إن كان كذلك، وإن كانت فيما بينهما فالأقل للأصل
(لو قلعت منفردة) عنه؟
أم يثبت فيها الحكومة فينظر فيما نقص من قيمة صاحبه بذهابه لو كان
عبدا ويعطى بحساب دية الحر منه؟ كما في كلام هؤلاء الجماعة، وقواه
الحلي، قال: وبه أخبار كثيرة معتمدة (5)، واعترضه الماتن فيما حكي عنه
بأنا لا ندري قوته من أين عرفها، ولا الأخبار التي أشار إليها أين وجدها،
ولا الكثرة من أين حصلها، ونحن نطالبه بدعواه (6).
أقول: ولعله لذا اختار الأكثر كما في المسالك (7) والروضة (8) وغيرهما
الأول، وفاقا للفقيه (9) والنهاية (10) والسرائر (11) والجامع (12)، وعن
الخلاف (13) دعوى الإجماع عليه. فإن تم كان هو الحجة لا ما ذكره من فساد

(1) المختلف 9: 376.
(2) ما بين المعقوفتين غير موجود في المخطوطات.
(3) الوسيلة: 448.
(4) التحرير 2: 274 س 14.
(5) السرائر 3: 386.
(6) النهاية ونكتها 3: 436.
(7) المسالك 15: 421 - 422.
(8) الروضة 10: 217 - 218.
(9) الفقيه 4: 136، الحديث 5300.
(10) النهاية ونكتها 3: 436.
(11) السرائر 3: 386.
(12) الجامع للشرائع: 592.
(13) لم نعثر عليه.
267

ما ادعاه الحلي من الأخبار المعتمدة، لاحتمال دليل آخر عليه غيره، ولعله
الإجماع، كما ادعاه في الغنية (1).
وبه يذب عن حكاية الإجماع المتقدمة، مع تأيد هذا بالقاعدة المسلمة
بثبوت الحكومة فيما لم يرد بتقديره نص في الشريعة، كما هو مفروض
المسألة، بل روي عن مولانا الرضا (عليه السلام): أن أضراس العقل لا دية فيها إنما
على من أصابها أرش كأرش الخدش (2) وهذه تعاضد القول بالحكومة،
ويظهر منها بيان السن الزائدة، وأنها أضراس العقل المتأخرة عن مجموع
الأسنان الموزع عليها الدية، مع أن ذلك مقتضى تقسيمها بما عرفته، وصرح
به جماعة، فلا اشتباه في الزائدة والأصلية.
فما في المسالك (3) وغيره من الإشكال مع عدم التميز بينهما لا أعرف
وجهه، سيما مع تصريحهم بالتقسيم بما عرفته.
وأما الاستدلال للقول بالثلث بوروده في غيره كالإصبع الزائدة فقياس
فاسد في الشريعة.
فالقول بالحكومة في غاية القوة، واختاره من المتأخرين الفاضل في
المختلف (4) كما عرفته، ويميل إليه بعض الميل شيخنا في الروضة (5)
والمسالك (6).
وهنا قول آخر حكي عن المقنع وهو: أنه لا شئ في الزائدة (7) ولم
يفصل بين صورتي قلعها منضمة أو منفردة، وربما استدل له برواية الحكم
المتقدمة، ولا دلالة فيها على نفي الأرش، بل الدية خاصة.

(1) الغنية: 418.
(2) فقه الإمام الرضا (عليه السلام): 319.
(3) المسالك 15: 421 - 422.
(4) المختلف 9: 376.
(5) الروضة 10: 218.
(6) المسالك 15: 422.
(7) المقنع: 530.
268

(وفي اسوداد السن) بالجناية، ولم تسقط (ثلثا الدية) لها، وهي
صحيحة بلا خلاف أجده حتى من الشيخ في المبسوط، إلا أنه قيده بما إذا
ذهب كل منافعها حتى لا يقوى على أن يمضغ بها شيئا، وقال فيها من دونه
بالحكومة (1).
والأصل في المسألة - مضافا إلى عدم الخلاف فيها في الجملة بل
الإجماع كما عن الخلاف (2) وفي الغنية (3) - الصحيح: السن إذا ضربت انتظر
بها سنة فإن وقعت أغرم الضارب خمسمائة درهم، وإن لم تقع واسودت
أغرم ثلثي ديتها (4).
وليس فيه كسائر فتاوى الأصحاب والإجماعات المنقولة التفصيل بما
في المبسوط كما اعترف به فيه، فقال بعد الحكم بالحكومة: وقد روى
أصحابنا فيها مقدرا ذكرناه في النهاية (5) - يعني ثلثي ديتها - فهو ضعيف
جدا، إلا أن يحمل النص وكلام الأصحاب على المقيد، كما يومئ إليه عبائر
جمع منهم، حيث عللوا الحكم زيادة على النص بأن ذلك بمنزلة الشلل،
وهو لا يحصل إلا في المقيد. فتأمل.
وفي المقام أخبار أخر شاذة، ومع ذلك أكثرها بحسب السند قاصرة
أو ضعيفة، وبعضها قابل للجمع بينه وبين الرواية المعمولة.
(وكذا روي في انصداعها) وتقلقلها (ولم يسقط) ثلثا الدية كما
قطع بها الشيخان (6) وجماعة، بل ادعى عليها في الروضة الشهرة (7) (و)

(1) المبسوط 7: 141.
(2) الخلاف 5: 246، المسألة 45.
(3) انظر الغنية: 418.
(4) الوسائل 19: 225، الباب 8 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.
(5) المبسوط 7: 141.
(6) المقنعة: 757، النهاية 3: 438.
(7) الروضة 10: 218.
269

هي تصلح جابرة لما (في) سند (الرواية) من ال‍ (ضعف) إن وجدت
لكنا لم نقف عليها وبه صرح جماعة كالفاضل المقداد (1) والصيمري (2)
وغيرهما، فهي مرسلة سندا ومتنا لا تصلح الشهرة لها جابرة إذ الجبر فرع
وضوح الدلالة، وهو غير معلوم، بعد عدم ظهور متن الرواية، ومع ذلك
فالمروي في كتاب ظريف (3) والرضوي (4) كما حكي أن فيه نصف ديتها
لكن لم أجد به قائلا.
(و) حيث ضعف التمسك بهذه الروايات كان (الحكومة أشبه) عملا
بالقاعدة فيما لم يرد له تقدير في الشريعة.
(وفي قلع) السن (السوداء ثلث الدية) لها، وهي صحيحة على
الأظهر الأشهر بين الطائفة، كما صرح به جماعة، بل عليه الإجماع عن
الخلاف (5) وفي الغنية (6). وهو الحجة; مضافا إلى صريح الخبر: أن في السن
السوداء ثلث ديتها (7)، وعموم آخر: كل ما كان من شلل فهو على الثلث من
دية الصحاح (8)، لكنه يتم على تقدير الشلل بالسواد.
خلافا للشيخ في النهاية (9) وعن الجامع (10) فالربع، للخبر (11).
وفيه مع ضعف سنده عدم مقاومته لما مر، سيما مع تأيده بأن في
اسودادها ثلثي ديتها، كما مضى فينبغي أن يكون في قلعها سوداء ثلثها.

(1) التنقيح 4: 500.
(2) غاية المرام: 208 س 22 (مخطوط).
(3) الوسائل 19: 224، الباب 8 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
(4) فقه الإمام الرضا (عليه السلام): 319.
(5) الخلاف 5: 246، المسألة 46.
(6) الغنية: 418.
(7) الوسائل 19: 268 - 263 - 266، الباب 43 - 39 - 40 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2، 1، 3.
(8) الوسائل 19: 268 - 263 - 266، الباب 43 - 39 - 40 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2، 1، 3.
(9) النهاية 3: 437.
(10) الجامع للشرائع: 592.
(11) الوسائل 19: 268 - 263 - 266، الباب 43 - 39 - 40 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2، 1، 3.
270

وله في المبسوط فالحكومة (1) لضعف الأخبار، فيرجع إلى القاعدة.
وهو حسن لولا الشهرة الجابرة له وفي كتاب ظريف: فإن سقطت بعده
وهي سوداء فديتها اثنا عشر دينارا ونصف دينار (2)، وهو يؤيد ما في
النهاية، لكن نسخه مختلفة، ففي الكافي (3) والتهذيب (4) كما ذكر، وفي الفقيه:
فديتها خمسة وعشرون دينارا (5).
(ويتربص بسن الصغير الذي لم يثغر) مدة يمكن النبات فيها عادة
(فإن نبت فله الأرش) والحكومة (وإن لم ينبت فله دية المثغر) على
الأصح، وفاقا لجماعة.
(وفي رواية) عمل بها جماعة: أنه (فيها بعير من غير تفصيل) فيها
بين صورتي النبات وعدمه (وهي رواية) النوفلي عن (السكوني (6) و)
رواية (مسمع (7)، والسكوني ضعيف) على المشهور، وصاحبه مجهول
(والطريق إلى مسمع في هذه) يعني روايته (ضعيف أيضا) بسهل
وغيره، ومع ذلك معارضتان بأجود منهما، وقد مضى تمام التحقيق في
المسألة في كتاب القصاص في أواخر القسم الثاني منه في قصاص الأطراف.
(وفي) قطع (اليدين) ونحوهما الرجلان (الدية) كاملة (وفي)
قطع (كل واحدة) منهما (نصف الدية) اتفاقا فتوى ونصا مستفيضا
عموما وخصوصا:
ففي الصحيح: ما كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية مثل اليدين

(1) المبسوط 7: 142.
(2) الوسائل 19: 224، الباب 8 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 6.
(3) الكافي 7: 333، الحديث 5.
(4) التهذيب 10: 300.
(5) الفقيه 4: 83، الحديث 5150.
(6) الوسائل 19: 263، الباب 38 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 5.
(7) الوسائل 19: 224، الباب 8 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 6.
271

والعينين (1). ونحوه عموما ما مر مرارا، وخصوصا الصحيح الآخر: وفي اليد
نصف الدية (2). ونحوه الموثقان عن اليد، قال: نصف الدية (3). ونحوه الخبر
بزيادة وفي اليدين جميعا الدية وفي الرجلين كذلك (4).
وإطلاقها كالفتاوى وصريح جملة منها يقتضي عدم الفرق بين اليمنى
واليسرى واليد الواحدة خلقة أو بآفة والمتعددة، وظاهر بعض الأصحاب أن
عليه إجماع الطائفة. وهو حجة اخرى; مضافا إلى الإطلاقات.
فلا يلتفت إلى قوة اليمنى وكثرة منافعها، وكون اليد الواحدة خلقة بمنزلة
اليدين، كما في عين الأعور خلقة، لأن ذلك خارج بالنص والإجماع،
وإلحاقها بها قياس.
(وحدها) أي التي لها الدية (المعصم) أي الزند عندنا على الظاهر
المصرح به في عبارة بعض أصحابنا (5)، معربا عن دعوى إجماعنا عليه، وهو
القرينة على المراد منها في الأخبار. ولولاه لأشكل الحكم إما للإجمال، أو
لتبادر جملة العضو إلى المنكب منها عند الإطلاق الموجب لحمل اللفظ عليه.
وتدخل دية الأصابع في ديتها حيث يجتمعان في قطع واحد بلا خلاف،
بل عليه الإجماع في شرح الشرائع للصيمري (6). وهو الحجة; مضافا إلى
إطلاق الأخبار بأن في اليدين أو أحدهما الدية أو نصفها (7).
(وفي) قطع (الأصابع) العشرة من اليدين كانت أو من الرجلين
(الدية) كاملة إجماعا على الظاهر المصرح به في عبائر جماعة حد
الاستفاضة. وهو الحجة; مضافا إلى المعتبرة المستفيضة الآتي إلى جملة منها
الإشارة.

(1) الوسائل 19: 213، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 5، 9، 6.
(2) الوسائل 19: 213، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 5، 9، 6.
(3) الوسائل 19: 213، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 5، 9، 6.
(4) الوسائل 19: 213، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 5، 9، 6.
(5) كشف اللثام 2: 504 س 39.
(6) غاية المرام: 208 (مخطوط).
(7) الوسائل 19: 215 - 264، الباب 1 - 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 5.
272

(وفي) قطع (كل واحدة) منها (عشر الدية) دية النفس (على)
الأظهر (الأشهر) بين الطائفة، بل عليه المتأخرون كافة، وصرح جماعة
منهم بالشهرة المستفيضة.
ففي الصحيح: عن الأصابع أهن سواء في الدية؟ قال: نعم (1).
وفيه: أصابع اليدين والرجلين سواء في الدية في كل إصبع عشر من
الإبل، الخبر (2).
وفي الموثق: عن الأصابع هل لبعضها على بعض فضل في الدية؟ فقال:
هن سواء في الدية (3).
وفي الخبر: في الأصابع في كل أصبع عشر من الإبل (4). إلى غير ذلك
من النصوص الكثيرة.
(وقيل) كما عن الخلاف (5) والوسيلة (6) والإصباح (7) وابن زهرة (8):
أن (في الإبهام ثلث دية اليد) الواحدة، وفي الأربع الباقية الثلثان بينها
بالسوية، وادعى الأول والأخير عليه إجماع الإمامية، وقال به الحلبي أيضا،
لكن في اليد خاصة، وقال: في الرجل بالتسوية (9)، لما في كتاب ظريف من
قوله: «في الإبهام إذا قطع ثلث دية اليد مائة دينار وستة وستون دينارا وثلثا
دينار، وفي الأصابع في كل إصبع سدس دية اليد ثلاثة وثمانون دينارا
وثلث دينار، ودية الأصابع والعصب التي في القدم للإبهام ثلث دية الرجلين
ثلاث مائة وثلاثون دينارا وثلث دينار - إلى أن قال -: ودية كل إصبع منها

(1) الوسائل 19: 215 - 264، الباب 1 - 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 6، 3، 4.
(2) الوسائل 19: 215 - 264، الباب 1 - 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 6، 3، 4.
(3) الوسائل 19: 265، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 6، 7.
(4) الوسائل 19: 265، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 6، 7.
(5) الخلاف 5: 248، المسألة 50.
(6) الوسيلة: 452.
(7) إصباح الشيعة: 506.
(8) الغنية: 418.
(9) الكافي في الفقه: 398.
273

سدس دية الرجل ثلاثة وثمانون دينارا وثلث دينار» (1). ونحوه الرضوي (2)
كما حكي.
وفي الجميع نظر، لوهن نقل الإجماع بمخالفة الأكثر، مع معارضته
باستفاضة نقل الشهرة الموهنة على خلافه، وقصور الخبرين عن المقاومة
للمستفيضة من وجوه عديدة.
(ودية كل إصبع مقسومة على ثلاث عقد) في كل عقدة ثلث ديتها
(وفي الإبهام) تقسم ديتها (على اثنين) في كل منها نصفها بلا خلاف أجده،
بل عليه الإجماع عن الخلاف (3) وفي الغنية (4)، للقوي أن أمير المؤمنين (عليه السلام)
كان يقضي في كل مفصل من الأصابع بثلث عقل تلك الإصبع، إلا الإبهام
فإنها كان يقضي في مفصلها بنصف عقل تلك الإبهام لأن لها مفصلين (5).
وأما ما في كتاب ظريف والرضوي كما حكي مما يخالف ذلك فشاذ
لا عامل به.
(وفي) قطع (الإصبع الزائدة ثلث) دية (الأصلية) بلا خلاف
أجده، وبه صرح بعض الأجلة (6)، بل عليه الإجماع في الغنية (7)، لبعض
المعتبرة ولو بالشهرة في الإصبع الزائدة إذا قطعت ثلث دية الصحيحة (8).
وأما الخبر: الخلقة التي قسمت عليها الدية عشرة أصابع في اليدين
ما زاد ونقص فلا دية (9) له فمع ضعف سنده محمول على قطعها منضمة،
ويحمل الأول على قطعها منفردة جمعا.

(1) الوسائل 19: 229، الباب 13 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
(2) فقه الرضا (عليه السلام): 323.
(3) الخلاف 5: 249، المسألة 51.
(4) الغنية: 418.
(5) الوسائل 19: 267 - 264، الباب 42 - 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 2، 1.
(8) الوسائل 19: 267 - 264، الباب 42 - 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 2، 1.
(9) الوسائل 19: 267 - 264، الباب 42 - 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 2، 1.
(6) كشف اللثام 2: 506 س 16.
(7) الغنية: 418.
274

(وفي شلل الأصابع أو اليدين) أو الرجلين (ثلثا ديتها) بلا خلاف
أجده، بل عن ظاهر المبسوط (1) وصريح الخلاف (2) وفي الغنية (3) أن عليه
الإجماع، للمروي في الصحيح (4) وغيره (5): إذا يبست من الكف فشلت
أصابع الكف كلها فإن فيها ثلثي الدية دية اليد، قال: وإن شلت بعض الأصابع
وبقي بعض فإن في كل إصبع شلت ثلثي ديتها، قال: وكذلك الحكم في
الساق والقدم إن شلت أصابع القدم.
ويرشد إليه أن في قطع الشلاء ثلث ديتها اتفاقا ظاهرا، ونسبه بعض
الأصحاب إليهم كافة (6)، مشعرا بكونه إجماعا، وادعاه في الغنية صريحا،
ويدل عليه الخبران أيضا.
في أحدهما: في كل إصبع من أصابع اليدين ألف درهم، وكل ما كان
من شلل فهو على الثلث من دية الصحاح (7).
والثاني: فيمن قطع يد رجل له ثلاث أصابع من يده شلل وقيمة الثلاث
أصابع الشلل مع الكف ألف درهم، لأنها على الثلث من دية الصحاح (8).
وأما النصوص الدالة على أن في شلل اليدين وكذا الأصابع الدية
كالصحيحة فشاذة لا عامل بها أجده وإن تضمنت الصحيح وغيره، مع مخالفتها
الاعتبار، وعدم مقاومتها لما مر من الإجماع والأخبار، فلتطرح، أو تحمل
على التقية، لكونها مذهب الشافعي كما حكاه بعض الأجلة (9)، أو يقرأ سلت

(1) المبسوط 7: 143.
(2) الخلاف 5: 249، المسألة 53.
(3) الغنية: 418.
(4) الوسائل 19: 265، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 5 وذيله.
(5) الوسائل 19: 265، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 5 وذيله.
(6) كشف اللثام 2: 506 س 16.
(7) الوسائل 19: 263 - 253، الباب 28 - 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 2.
(8) الوسائل 19: 263 - 253، الباب 28 - 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 2.
(9) كشف اللثام 2: 506 س 18.
275

فيها بالسين المهملة لا المعجمة، بمعنى انتزعت وقطعت فلا معارضة.
(وفي الظفر إذا) قلع و (لم ينبت أو نبت أسود عشرة دنانير، فان
نبت أبيض فخمسة دنانير) وفاقا للمشهور، كما ادعاه جماعة حد
الاستفاضة، لرواية مسمع: في الظفر إذا قطع ولم ينبت أو خرج أسود فاسدا
عشرة دنانير، فإن خرج أبيض فخمسة دنانير (1).
(وفي) سند (الرواية ضعف) بجماعة، لكنه مجبور بالشهرة، كما
اعترف به الفاضلان في الشرائع (2) والتحرير (3).
وأما الصحيح المطلق فيه لخمسة دنانير (4) فشاذ لا عامل به، محتمل
للتقييد بالرواية بحمله على ما لو عاد أبيض، ولا بعد في هذا الحمل، ولا
غرابة وإن حكم به شيخنا في الروضة (5)، إذ لا وجه له سوى صحة المطلقة
وضعف المفصلة، وإلا فهي أصرح دلالة بها تفوق على الصحيحة بحيث
يجب حملها عليها بلا شبهة، والضعف منجبر بالشهرة، والصحيحة بإطلاقها
شاذة لا عامل بها كما عرفت، واعترف هو به في المسالك (6).
ورفع اليد عن مثلها بالرواية المنجبرة بالشهرة ليس بأول قارورة،
فلا غرابة فيه، بل الغرابة إنما هي فيما ذهب إليه الحلي (7)، وتبعه جماعة،
ومنهم هو في المسالك (8) والروضة (9)، وهو وجوب عشرة دنانير متى قلع
ولم يخرج، ومتى خرج أسود فثلثا ديته، لأنه في معنى الشلل، ولأصالة
البراءة من الزائد، مع ضعف المأخذ، وبعد مساواة عوده لعدمه.

(1) الوسائل 19: 266، الباب 41 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
(2) الشرائع 4: 268.
(3) التحرير 2: 274 س 8.
(4) الوسائل 19: 266، الباب 41 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
(5) الروضة 10: 231.
(6) المسالك 15: 430.
(7) السرائر 3: 388.
(8) المسالك 15: 430.
(9) الروضة 10: 231.
276

ووجه الغرابة في ذلك أن فيه إطراحا للروايات جملة، سيما الصحيحة،
لعدم معلومية عملهم بها بالمرة. فتأمل.
بخلاف الضعيفة، لعملهم بها في الصورة الأولى، فان كانت هي الحجة
لهم فيها فلتكن حجة في صورة نباته أسود أيضا، والأدلة التي ذكروها في
مقابلها لا تقاومها، لكونها ما بين عام يجب تخصيصه بها واستبعاد ونحوه
مما هو اجتهاد صرف لا يسمع في مقابلتها، وإن لم تكن هي الحجة لهم فلا
دليل لهم على اعتبار العشرة دنانير عدا تخيل الإجماع عليه.
وفيه نظر، فإن للإسكافي هنا قولا ثالثا، وهو أن في ظفر إبهام اليد
عشرة دنانير، وفي كل من الأظفار الباقية خمسة، وفي ظفر إبهام الرجل
ثلاثون، وفي كل من الباقية عشرة، كل ذلك إذا لم ينبت، أو نبت أسود معيبا،
وإلا فالنصف من ذلك (1).
وهو كما ترى صريح في عدم ثبوت العشر في كل من الأصابع. والذب
عنه بعدم قدح في خروجه لمعلومية نسبه حسن لو حصل القطع بقول
المعصوم (عليه السلام) بالعشر مطلقا من اتفاق من عداه، وقد يمنع.
ولو سلم فلا يمكن ذلك من شيخنا، كما لا يذهب على من له أنس
بطريقته في الإجماع، ولا يخفى.
فانحصر الحجة على العشر في الرواية، فإن تمسكوا بها له فليقولوا به
مطلقا ويرفعوا اليد عن الأدلة التي ذكروها لما ذكرنا، وإلا فلا أعرف دليلهم
على ثبوت العشر حيث اعتبروه أصلا، ومع ذلك لا وجه لطرحهم الرواية
الصحيحة وعدم العمل بإطلاقها عدا ندرتها وشذوذها، وهو بعد تسليمه برفع
أصل ما استبعده من الفقهاء، وفي كتاب ظريف: في كل ظفر من أظفار اليد

(1) المختلف 9: 384 - 385.
277

خمسة دنانير ومن أظفار الرجل عشرة (1). ولم أر به عاملا، فهو شاذ كالصحيحة.
(وفي) كسر (الظهر) مع عدم صلاحه بالعلاج والجبر (الدية) كاملة
(وكذا لو احدودب) بالجناية فخرج ظهره وارتفع عن الاستواء (أو صار
بحيث لا يقدر على القعود) أصلا بلا خلاف أجده، بل عليه الإجماع في
الأول في الغنية (2)، وحكي عن الخلاف (3) في الأخيرين. وهو الحجة;
مضافا إلى المعتبرة المستفيضة عموما وخصوصا. فمن الأول ما مر مرارا.
ومن الثاني في الأول الصحيح: في الرجل يكسر ظهره، فقال: فيه الدية
كاملة (4) ونحوه غيره (5).
ومنه في الثاني في كتاب ظريف: فإن أحدب منه الظهر فحينئذ تمت
ديته ألف دينار (6). ونحوه الخبر: الظهر إذا أحدب ألف دينار (7).
ومنه في الثالث الخبر: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل كسر صلبه
فلا يستطيع أن يجلس أن فيه الدية (8).
وقصور السند أو ضعفه حيث كان بالعمل منجبر.
(ولو صلح) بعد الكسر أو التحديب بحيث يقدر على المشي والقعود
كما كان يقدر عليهما، ولم يبق عليه من أثر الجناية شئ (فثلث الدية)
على المشهور كما في المسالك (9) والروضة (10) وغيرهما، ولم أعرف
مستنده، وبه صرح جماعة.

(1) التهذيب 10: 307.
(2) الغنية: 418.
(3) الخلاف 5: 253 المسألة 61.
(4) الوسائل 19: 214، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4، 7، 2.
(5) الوسائل 19: 214، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4، 7، 2.
(6) التهذيب 10: 308.
(7) الوسائل 19: 214، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4، 7، 2.
(8) الوسائل 19: 232، الباب 14 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
(9) المسالك 15: 431.
(10) الروضة 10: 232.
278

قيل: ويمكن أن يكونوا حملوه على اللحية إذا نبتت، وقد مر، أو على
الساعدين ففي كتاب ظريف: أن فيه إذا كسر فجبر على غير عثم ولا عيب
ثلث دية النفس، بناء على أن المراد به الساعدان جميعا (1).
وهو كما ترى، بل الظاهر وصول نص إليهم لم يصل إلينا.
وهنا أقوال أخر غير معلومة المأخذ عدا ما في الغنية من أن فيه عشر
الدية مدعيا عليه إجماع الإمامية (2)، وحكي أيضا عن الإصباح (3) وموضع
من السرائر (4) والمقنعة (5). والحجة عليه بعد الإجماع المزبور ما في كتاب
ظريف: من أنه إن كسر الصلب فجبر على غير عيب فمائة دينار، فإن عثم
فألف دينار (6)، وبه أفتى في الإرشاد أيضا، فقال: ولو كسر الصلب وجبر
على غير عيب فمائة دينار، فإن عثم فألف (7)، مع أنه قال قبل ذلك بلا
فاصلة: فإن صلح - أي الظهر - فالثلث.
وهو غريب، إلا أن يبني على الفرق عنده بين الظهر والصلب، كما
يستفاد منه أيضا في التحرير (8)، ولكنه خلاف ظاهر الأصحاب، بل صريح
بعضهم كشيخنا في الروضة (9)، حيث فسر الصلب بالظهر، وبه صرح في
مجمع البحرين وغيره.
(وفي) قطع (ثديي المرأة ديتها) كاملة (وفي كل واحدة نصف
الدية) إجماعا على الظاهر المصرح به في الغنية والتحرير (10)

(1) كشف اللثام 2: 506 س 36.
(2) الغنية: 418.
(3) إصباح الشيعة: 506.
(4) السرائر 3: 391.
(5) المقنعة: 756.
(6) الوسائل 19: 231، الباب 13 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
(7) الإرشاد 2: 239.
(8) التحرير 2: 271 س 10.
(9) الروضة 10: 232 - 233.
(10) التحرير 2: 273 س 21.
279

والروضة (1) وغيرهما من كتب الجماعة، للقاعدة المتقدمة غير مرة في أن
كل ما في الإنسان منه اثنان فيه ديته وفي أحدهما نصفها، مضافا إلى
خصوص الصحيح المتضمن لقول الأمير (عليه السلام): «في رجل قطع ثدي امرأته
إذا أغرمه لها نصف الدية» (2).
وكذا في حلمتي ثدييها عند جماعة، للقاعدة المزبورة، واستشكله
آخرون من ذلك، ومن أن الدية يجب في الثديين، وهما بعضهما.
فينبغي أن يكون فيهما بعضها بالحساب. والحمل على اليد والرجل
- حيث يجب الدية بقطع الأصابع منهما خاصة وبقطعها مع الكف أو القدم
أيضا، ونحو ذلك - قياس مع الفرق بالإجماع والنص وعدمهما. وبإطلاق اليد
والرجل على أبعاضهما عرفا كثيرا، كما في آيتي الوضوء (3) وقطع السارق (4)،
بخلاف الثدي، لعدم إطلاقه على الحلمة كإطلاقهما على أبعاضهما.
وهذا الوجه حسن إن منع عموم ما يدل على القاعدة، بحيث يشمل
لمفروض المسألة، وإلا فلا وجه له، فإن الحكم بالدية لذلك حكم بالنص لا
بالقياس حيث أوجبناها لحلمتيها، فلأن نوجبها في حلمتي الرجل بطريق
أولى، لعدم الثديين له يكونان بعضا منهما حتى يجري فيهما وجه المنع عن
الدية في حلمتيها، كما لا يخفى، وبه أفتى الفاضل في جملة من كتبه (5) تبعا
للشيخ في المبسوط (6) والخلاف (7) والحلي (8) مدعيين أنه مذهبنا.

(1) الروضة 10: 233.
(2) الوسائل 19: 270، الباب 46 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
(3) المائدة: 6، 38.
(4) المائدة: 6، 38.
(5) المختلف 9: 391، التحرير 2: 273 س 28، الإرشاد 2: 240 - 241.
(6) المبسوط 7: 148.
(7) الخلاف 5: 257، المسألة 65.
(8) السرائر 3: 394.
280

(وقال ابن بابويه) في الفقيه (1) وابن حمزة (2) إن (في) كل (من
حلمة ثدي الرجل ثمن الدية) هو (ومائة وخمسة وعشرون دينارا)
وفيهما معا ربع الدية، استنادا إلى كتاب ظريف.
والمسألة محل إشكال، فالاحتياط فيها مطلوب على كل حال وإن كان
القول بالحكومة في المقامين لا يخلو عن قوة، وفاقا لجماعة، للشك في
عموم القاعدة لمفروض المسألة، وعدم دليل يعتد به على تقدير لتعارض
كتاب ظريف إن قلنا باعتبار سنده، مع الإجماع المستظهر من عبارة الشيخ
والحلي، ولا مرجح يطمأن به، فيرجع إلى الضابط فيما لا تقدير له، مضافا
إلى أصالة البراءة.
(وفي) قطع (حشفة الذكر فما زاد وإن استوصل الدية) كاملة إجماعا
على الظاهر المصرح به في كلام الجماعة. وهو الحجة بعد القاعدة المشار
إليها غير مرة; مضافا إلى خصوص الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة:
ففي الصحيح (3) وغيره (4): في الذكر إذا قطعت الحشفة فما فوق الدية.
ونحوهما صحيح آخر (5) لكن من دون قول: «فما فوق».
وفي الموثقين: وفي الذكر إذا قطع الدية كاملة (6). ونحوه الخبر (7) لكن
مقيدا بذكر الرجل.
وليس المراد من القيد إخراج ذكر الصغير، للاتفاق ظاهرا على دخوله
فتوى ونصا.
ففي الصحيح (8) والقوي (9): في ذكر الغلام الدية، بل المراد - والله العالم -

(1) الفقيه 4: 91.
(2) الوسيلة: 450.
(3) الوسائل 19: 215 - 259، الباب 1 - 35 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 6، 4، 5، 7، 10، 1، 1، 2.
(4) الوسائل 19: 215 - 259، الباب 1 - 35 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 6، 4، 5، 7، 10، 1، 1، 2.
(5) الوسائل 19: 215 - 259، الباب 1 - 35 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 6، 4، 5، 7، 10، 1، 1، 2.
(6) الوسائل 19: 215 - 259، الباب 1 - 35 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 6، 4، 5، 7، 10، 1، 1، 2.
(7) الوسائل 19: 215 - 259، الباب 1 - 35 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 6، 4، 5، 7، 10، 1، 1، 2.
(8) الوسائل 19: 215 - 259، الباب 1 - 35 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 6، 4، 5، 7، 10، 1، 1، 2.
(9) الوسائل 19: 215 - 259، الباب 1 - 35 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 6، 4، 5، 7، 10، 1، 1، 2.
281

إخراج نحو ذكر الخنثى إذا لم يعلم حالها أو علم كونها أنثى، فإن في ذكرها
والحال هذه إما ثلث ديتها كما عن الإسكافي (1) والمقنع (2)، لكنه لم يضف
الدية إليها، بل قال: ثلث الدية، وأطلقها أو الحكومة، كما صرح به بعض
الفضلاء (3)، عملا بالقاعدة فيما لم يرد به تقدير في الشريعة، لعدم نص على
ما ذكرا من ثلث الدية مطلقا.
وحيث شمل الحكم ذكر الصبي مطلقا فشموله للشيخ والشاب العاجز
عن الجماع أصلا أولى، وبالعموم لجميع هؤلاء صرح جماعة من أصحابنا.
(وفي ذكر العنين ثلث الدية) على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من
تأخر، ومر نقل الإجماع عليه عن الخلاف، مع نقل الخلاف فيه في كتاب
القصاص في القسم الثاني منه في قصاص الأطراف.
وكذا في ذكر الأشل فيه ثلث الدية، وهو الذي يكون منبسطا أبدا، فلا
ينقبض ولو في الماء البارد، أو يكون منقبضا أبدا فلا ينبسط ولو في الماء
الحار وإن التذ صاحبه وأمنى بالدخول أو المساحقة وأولد، عملا بأنه عضو
أشل، وديته ذلك، كما أن في الجناية عليه صحيحا حتى صار أشل ثلثي
ديته، وعليه الإجماع في الغنية، مع عدم خلاف فيه أجده.
(وفيما قطع منه) أي من كل من حشفة ذكر الصحيح وذكر العنين
يؤخذ من ديتها (بحسابه) أي بحساب ذلك المقطوع، منسوبا إلى مجموع
الحشفة في الأول، وإلى مجموع الذكر في الثاني، وأشله مطلقا.
والفرق بينهما وبين الصحيح أن الحشفة في الصحيح هي الركن الأعظم
في لذة الجماع وورد بخصوصها الدية، بخلافها فيهما، لاستواء الجميع

(1) المختلف 9: 426.
(2) المقنع: 512.
(3) كشف اللثام 2: 508 س 31.
282

في عدم المنفعة، وعدم ورود الدية فيهما لخصوص الحشفة، مع كونه عضوا
فينسب بعضه إلى مجموعه، بناء على الأصل (1).
(وفي الخصيتين) معا (الدية) كاملة إجماعا فتوى ونصا عموما
وخصوصا.
ففي الصحيح: وفي البيضتين الدية (2).
(وفي كل واحدة) منهما (نصف الدية) وفاقا للمقنعة (3)
والمبسوط (4) والنهاية (5) والخلاف (6) والكامل (7) والإصباح (8) والسرائر (9)
والغنية (10)، وبالجملة الأكثر، كما صرح به جماعة، وعليه المتأخرون كافة،
بل ظاهر الغنية أن عليه إجماع الإمامية. وهو الحجة، مضافا إلى النصوص
القائلة: إن ما في الإنسان منه اثنان في أحدهما نصف الدية، ويعضده إطلاق
ما في كتاب ظريف من قوله: «وفي خصية الرجل خمسمائة دينار» (11).
(وفي رواية) صحيحة عمل بها جماعة ومنهم الشيخ في الخلاف
مدعيا عليه الإجماع (12) أنه (في اليسرى ثلثا الدية) وفي اليمنى الثلث
مع تضمنها أن ما كان في الجسد منه اثنان فيه نصف الدية، ولذا سئل الراوي
عن التفصيل، فقال: أليس قلت ما كان في الجسد منه اثنان - إلى آخره - فقال:
(لأن الولد منها) أي من البيضة اليسرى (13)، ونحوها المرفوع المروي

(1) في «ش» توجد زيادة كلمة: سل.
(2) الوسائل 19: 215 - 236، الباب 1 - 18 من أبواب ديات الأعضاء، ذيل الحديث 4، 1.
(3) المقنعة: 755.
(4) المبسوط 7: 152.
(5) النهاية 3: 441.
(6) الخلاف 5: 212 - 259، المسألة 94 - 69.
(7) المختلف 9: 388.
(8) إصباح الشيعة: 507.
(9) السرائر 3: 393.
(10) الغنية: 418.
(11) الوسائل 19: 215 - 236، الباب 1 - 18 من أبواب ديات الأعضاء، ذيل الحديث 4، 1.
(12) الخلاف 5: 212 - 259، المسألة 94 - 69.
(13) الوسائل 19: 214، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
283

في الفقيه عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال: الولد يكون من البيضة اليسرى،
فإذا قطعت ففيها ثلثا الدية وفي اليمنى الثلث (1)، وعمل بها من المتأخرين
الفاضل في المختلف، مستدلا عليه زيادة على الروايتين بتفاوتهما في
المنفعة فيتفاوتان في الدية (2).
وفيه نظر، لأنه مجرد مناسبة.
وفي صلوحها حجة مناقشة، سيما في مقابلة تلك الأدلة.
فإذا الحجة الرواية الخاصة إن سلمناها، مع كون الثانية مرفوعة،
ومضمونها كالصحيحة من انحصار التولد في اليسرى مما قيل: إنه قد أنكره
بعض الأطباء، وأنه نسبه الجاحظ إلى العامة (3) العمياء، لكن يمكن الذب
عن هذا باندفاعه بعد تسليمه بأنه لا يعارض به ما ثبت بالنص الصحيح عن
أئمة الهدى سلام الله عليهم، لكن الإشكال في التمسك به في مقابلة الأدلة
العامة المعتضدة بالشهرة العظيمة وإجماع الخلاف مع وهنه بمخالفة الأكثر
معارض بمثله.
وبالجملة المسألة محل إشكال، ولا يترك الاحتياط فيها على حال،
مع الإمكان، ومع عدمه فالإشكال بحاله، ولكن مقتضى الأصل المصير إلى
ما عليه الأصحاب.
وهنا قولان آخران، أحدهما للإسكافي: وهو أن فيهما معا وكذا في
اليسرى الدية وفي اليمنى نصفها، والثاني (4) للراوندي: وهو التنصيف في
الشيخ اليائس من الجماع والتثليث في الشاب (5). وهما مع مخالفتهما
ولا سيما الأول الأدلة المتقدمة، بل الإجماع لا شاهد عليهما عدا الثاني،

(1) الفقيه 4: 152، الحديث 5337.
(2) المختلف 9: 390.
(3) المسالك 15: 434 - 436.
(4) المختلف 9: 389.
(5) المهذب البارع 5: 343.
284

فربما يتخيل له الجمع بين النصوص بذلك، ولا شاهد عليه عدا إشعار
التعليل به، وهو قريب إن عملنا بالنص المعلل به، والإشكال إنما هو فيه.
(وفي أدرة الخصيتين) بضم الهمزة فسكون الدال ففتح الراء المهملتين،
وهي انتفاخهما (أربعمائة دينار فإن فحج) بفتح الفاء والحاء المهملة
فالجيم، أي تباعدت رجلاه أعقابا مع تقارب صدور قدميه (فلم يقدر
على المشي) أو مشى مشيا لا ينتفع به (فثمانمائة دينار) بلا خلاف حتى
من نحو الحلي (1) ممن لا يعمل بالآحاد الغير المحفوفة بالقرائن القطعية،
والمستند كتاب ظريف المروي بعدة طرق معتبرة كما عرفته، وعلى تقدير
ضعفه فهو مجبور بالشهرة كما اعترف به الماتن في الشرائع (2) وجماعة.
وفي الخبر: تزوج رجل امرأة فلما أراد مواقعتها رفسته المرأة برجلها
ففقأت بيضته فصار آدر فكان بعد ذلك ينكح ولا يولد له فسألت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن ذلك وعن رجل أصاب صرة رجل ففتقها، فقال (عليه السلام): في كل
فتق ثلث الدية (3).
وهو ظاهر المنافاة للحكم الأول، إلا أنه قاصر السند شاذ، لا يوجد به
عامل، فليطرح، أو يحمل على ما إذا لم يبلغ الفتق الأدرة، كما قيل (4)، فتأمل.
(وفي) قطع (الشفرتين) - بالضم - وهما اللحم المحيط بالفرج
إحاطة الشفتين بالفم، كما في مجمع البحرين (5) والشرائع (6) والروضة (7)
والمبسوط (8) والقواعد (9) وعن المبسوط ولكن عن موضع آخر منه (10)،
وفي السرائر تفسيرهما بما يخالف ذلك، وهو حاشية لحم الفرج (11)، مع

(1) السرائر 3: 393.
(2) الشرائع 4: 269.
(3) الوسائل 19: 257، الباب 32 من أبواب ديات الأعضاء.
(4) لم نعثر على قائله.
(5) مجمع البحرين 3: 352.
(6) الشرائع 4: 269.
(7) الروضة 10: 238.
(8) المبسوط 7: 149.
(9) القواعد 3: 682.
(10) المبسوط 7: 149.
(11) السرائر 3: 392.
285

نسبتهما له إلى أهل اللغة، ووافقهم على النسبة بعض الأجلة (1) (الدية)
كاملة (وفي كل واحدة) منهما (نصف الدية) بلا خلاف أجده، للقاعدة
المتقدمة غير مرة; مضافا إلى الخبرين.
أحدهما الصحيح: عن رجل قطع فرج امرأته، قال: أغرمه لها نصف
الدية (2). ونحوه الثاني، لكن فيه: لأغرمته ديتها (3).
وهو محمول على قطع الشفرتين معا، والأول على قطع إحداهما،
والشاهد عليه بعد الاتفاق القاعدة التي قدمناها.
وليس في الخبرين كما ترى لفظ الشفرتين حتى يحتاج إلى تحقيق
معناهما، بل غاية ما فيهما قطع الفرج، والمتبادر منه الشفرة بالمعنى الأول،
وإثبات الدية في قطعها بالمعنى الثاني بالقاعدة حسن إن سلم شمول عموم
ما دل عليها للشفرتين بهذا المعنى، لكنه محل إشكال، والأصل يقتضي
المصير فيه إلى الحكومة أو الدية بنسبة المساحة إلى ما تجب فيه الدية من
الشفرة بالمعنى الأول. فتأمل.
(وفي الإفضاء) للمرأة الحرة فلم يندمل صحيحا (الدية) أي ديتها
كاملة إجماعا على الظاهر المصرح به في الغنية (4). وهو الحجة; مضافا إلى
المعتبرة المستفيضة:
منها - زيادة على ما يأتي - الصحيح: عن رجل وقع بجارية فأفضاها
وكانت إذا نزلت بتلك المنزلة لم تلد، قال: الدية كاملة (5).
وأما ما في القوي (6): من ثبوت الأرش فمع قصور سنده وعدم مقاومته

(1) كشف اللثام 2: 509 س 10.
(2) الوسائل 19: 260، الباب 36 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2 - 1.
(3) الوسائل 19: 260، الباب 36 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2 - 1.
(4) الغنية: 418.
(5) الوسائل 19: 284 - 212، الباب 9 - 44 من أبواب ديات المنافع، وديات الأعضاء،
الحديث 1، 3.
(6) الوسائل 19: 284 - 212، الباب 9 - 44 من أبواب ديات المنافع، وديات الأعضاء،
الحديث 1، 3.
286

للمستفيضة من وجوه عديدة محمول على التقية، كما ذكره شيخ الطائفة،
قال: لأن ذلك مذهب كثير من العامة (1).
أو على ما إذا كانت المفضاة جارية، فقد روى الصدوق (رحمه الله) عن نوادر
الحكمة أن الصادق (عليه السلام) قال: في رجل أفضت امرأته جاريته بيدها فقضى
أن تقوم قيمة وهي صحيحة وقيمة وهي مفضاة فيغرمها ما بين الصحيحة
والعيب، وأجبرها على إمساكها، لأنها لا تصلح للرجال (2). ولعله لذا خص
الحكم بالحرة في بعض العبائر كالغنية، لكنه خلاف ما يقتضيه إطلاق أكثر
النصوص والفتاوى. فتأمل.
أو على ما ذكره الخال العلامة المجلسي (رحمه الله) من تقييده بما إذا لم يبلغ
حد الإفضاء المصطلح عليه (3).
(وهو) كما في مجمع البحرين (أن يصير المسلكين) أي مسلك
الحيض والغائط (واحدا).
(وقيل): هو (أن يخرق الحاجز بين مخرج البول ومخرج
الحيض) كما في المبسوط (4) والسرائر (5) والفاضل في القواعد (6)
والشهيدين في اللمعتين (7)، بل لم أر مخالفا لهم عدا من مر والماتن هنا،
وغلطاه في الكتابين الأولين (8) بعد أن نسباه إلى كثير من أهل العلم.
ووجهه أن الحاجز بين القبل والدبر عصب قوي يتعذر إزالته بالاستمتاع
غالبا، فيشكل أن يحمل عليه إطلاق النص والفتوى، ولا كذلك الحاجز بين

(1) الاستبصار 4: 295 ذيل الحديث 4.
(2) الفقيه 4: 149، الحديث 5329.
(3) ملاذ الأخيار 16: 532، ذيل الحديث 18.
(4) المبسوط 7: 149.
(5) السرائر 3: 393.
(6) القواعد 3: 682.
(7) اللمعة والروضة 10: 239.
(8) المبسوط، والسرائر
287

مدخل الذكر ومخرج البول فإنه رقيق ربما انقطع بالتحامل عليها. فهذا
القول أقوى.
ويلحق به في الأحكام كلها الإفضاء بالتفسير الأول بطريق أولى، وبه
صرح جماعة من أصحابنا كالفاضل في المختلف (1) والتحرير (2) والقواعد (3)
وولده في شرحه، قال: لصدق اسم الإفضاء على كل منهما حقيقة (4).
وعليه فيرجع النزاع لفظيا، لكن لو رجح الإفضاء بالتفسير الأول
أشكل أن الإفضاء به يلحق بالتفسير الثاني، لعدم الدليل، إلا أن يعلل أصل
الحكم زيادة على النص بإذهاب منفعة الوطء التي هي من أهم المنافع التي
يجب بفواتها الدية، وهو مشترك بين التفسيرين. وهو حسن بالإضافة إلى
الحكم بوجوب الدية، سيما مع وقوع التصريح به له في بعض النصوص
الصحيحة (5).
واعلم أنه لا فرق في لزوم الدية بين الزوج وغيره إذا كان قبل بلوغها،
لإطلاق النص والفتوى، مضافا إلى التصريح به في الزوج في جملة منهما،
ويختص بغيره بعده، لإطلاقهما.
(ويسقط ذلك) أي لزوم الدية (عن الزوج) لو أفضى زوجته (بعد
البلوغ) بلا خلاف فيه في الجملة، لأنه فعل سائغ مأذون فيه شرعا، فلا
ينبغي أن يوجب ضمانا، وللصحيح وغيره المتقدمين في كتاب النكاح.
وإطلاقهما كالعبارة وغيرها يقتضي عدم الفرق في الافضاء بين صورتي
وقوعه بتفريطه وعدمه.

(1) المختلف 9: 388.
(2) التحرير 2: 271 س 16.
(3) القواعد 3: 683.
(4) الإيضاح 4: 703.
(5) الوسائل 19: 255، الباب 30 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3، 4.
288

خلافا للمختلف (1) والروضة (2) فقيداه بالصورة الثانية، واستجوده أيضا
بعض الأجلة (3). ولا بأس به وإن كان بعد لا يخلو عن مناقشة.
(أما لو كان) إفضاء الزوج زوجته (قبله) أي قبل البلوغ (ضمن
الدية) لما عرفته من إطلاق الفتوى والرواية، مضافا إلى التصريح به في
الصحيح وغيره المتقدمين ثمة، لكن فيهما: أنه لا شئ، عليه لو أمسكها ولم
يطلقها، والشيء المنفي يعم الدية أيضا، ولكن لم أجد به قائلا، وبه صرح
خالي العلامة المجلسي (رحمه الله)، بل زاد فقال: ولم يقل به أحد وحمل على ما
سوى الدية (4).
وأما هي فيجب عليه بلا شبهة (مع المهر) إن وقع الإفضاء بالجماع،
لتحقق الدخول الموجب لاستقراره، ولو وقع بغيره كالإصبع مثلا بنى
استقراره على عدم عروض موجب التنصيف كالطلاق والموت حيث قلنا به
(ولزمه) أي الزوج مع ذلك (الإنفاق عليها حتى يموت أحدهما)
وتحرم عليه مؤبدا. وقد مضى بيان ذلك مع ما يتعلق بالمسألة في كتاب
النكاح مفصلا.
(وفي) قطع (الرجلين) معا (الدية) كاملة (وفي كل واحدة
نصف الدية) إجماعا، لما مر في اليدين عموما وخصوصا، مضافا إلى
الموثق: في الرجل الواحدة نصف الدية (5). والخبر: في أنف الرجل إذا قطع
من المارن الدية تامة - إلى أن قال: - والرجلان بتلك المنزلة (6).
(وحدهما مفصل الساق) والقدم وإن اشتملت على الأصابع بلا خلاف.
(وفي أصابعهما) وأظفارهما (ما في أصابع اليدين) وأظفارهما

(1) المختلف 9: 388.
(2) الروضة 10: 240.
(3) كشف اللثام 2: 509 س 17.
(4) ملاذ الأخيار 16: 530.
(5) الوسائل 19: 215، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 7، 11.
(6) الوسائل 19: 215، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 7، 11.
289

التفصيل والأحكام بلا خلاف إلا من الحلبي (1) والإسكافي (2)، حيث فرق
الأول بين إبهامي اليدين والرجلين فأثبت الثلث في الأول والعشر في
الثاني، وفرق الثاني بين أظفارهما، كما مضى، ولكن ظاهر الأصحاب والأدلة
خلافهما واتحاد الرجلين مع اليدين وأبعاضهما حكما، من دون فرق أصلا.
وهنا (مسائل) ست:
(الأولى: دية كسر الضلع خمسة وعشرون دينارا إن كان مما خالط
القلب وعشرة دنانير إن كان مما يلي العضدين) كما هنا وفي الشرائع (3)
والتحرير (4) والإرشاد (5) والقواعد (6) واللمعتين (7) وعن الوسيلة (8)،
وبالجملة لم أجد خلافا فيه حتى من السرائر، لكنه أطلق المقدار الأول في
مطلق الضلع ولم يفصل. والمستند في المسألة كتاب ظريف المروي بعدة
طرق معتبرة، كما عرفته، وهو مصرح بالتفصيل الذي ذكره الجماعة، وظاهرهم
كالمستند إن الأضلاع قسمان: قسم: يخالط القلب ففيه المقدار الأول، وقسم:
لا يخالطه ويلي العضدين، وهو الأعلى منها ففيه المقدار الثاني.
ومن الأصحاب من نزل العبارات على أن لكل ضلع جانبين، ففي
جانبها الذي يخالط القلب خمسة وعشرون، وفي الجانب الآخر المقدار
الآخر، وهو الفاضل المقداد في شرح الكتاب (9)، وتبعه شيخنا في
المسالك (10) والروضة (11)، ولم أعرف وجهه.

(1) الكافي في الفقه: 398.
(2) المختلف: 382.
(3) الشرائع 4: 270.
(4) التحرير 2: 329، س 5.
(5) الإرشاد 2: 241.
(6) القواعد 3: 681.
(7) اللمعة والروضة 10: 251.
(8) الوسيلة: 450.
(9) التنقيح 4: 507.
(10) المسالك 15: 440 - 441.
(11) الروضة 10: 251 - 252.
290

(الثانية: لو كسر بعصوص الإنسان أو عجانه فلم يملك) بذلك
(غائطه ولا بوله ففيه الدية) كاملة كما في الكتب المتقدمة من غير خلاف
لهم أجده، وبه صرح الصيمري، بل زاد فقال: بل فتاوى الأصحاب
متطابقة (1)، وبالشهرة صرح في المسالك (2) والروضة (3)، قال: وكثير من
الأصحاب لم يذكر فيه خلافا.
وهذه العبارة ربما أشعرت بوجود ناقل للخلاف في المسألة، ولم أعرفه،
وعلى تقدير وجوده فضعيف غايته، للمعتبرة المعتضدة بالشهرة.
ففي الصحيح: عن رجل كسر بعصوصه فلم يملك إسته ما فيه؟ فقال:
الدية كاملة (4)، الخبر.
وفي الموثق، بل الصحيح كما قيل (5): قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في
الرجل يضرب على عجانه فلا يستمسك غائطه ولا بوله: أن في ذلك
الدية (6). ومع ذلك فيه إذهاب للمنفعة المهمة فيناسبه إيجاب الدية كاملة.
والمراد بالبعصوص عظم الورك وعظم رقيق حول الدبر، وهو العصعص
كما في مجمع البحرين وغيره، وبالعجان بكسر العين ما بين الخصية
والفقحة، أي حلقة الدبر.
(الثالثة: قال الشيخان) في المقنعة (7) والنهاية (8): إن (في كسر عظم
من عضو) لقطعه مقدر (خمس ديته) أي دية ذلك العضو (فإن جبر
على غير عيب فأربعة أخماس دية كسره) وبه قال الحلي (9) وابن زهرة

(1) غاية المرام: 209 س 26 (مخطوط).
(2) المسالك 15: 440 - 441.
(3) الروضة 10: 251 - 252.
(4) الوسائل 19: 284، الباب 9 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 2.
(5) الوسائل 19: 284، الباب 9 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 2.
(6) مجمع الفائدة 14: 422.
(7) المقنعة: 766.
(8) النهاية 3: 454.
(9) السرائر 3: 410.
291

مدعيا عليه إجماع الإمامية (1)، وحكي عن المراسم (2) والإصباح (3)
والجامع (4) والتحرير (5) والقواعد (6) والتلخيص (7) والإرشاد (8) والتبصرة (9).
وعن الخلاف أنه قال: إذا كسرت يده فجبرت، فإن انجبرت على
الاستقامة كان عليه خمس دية اليد، وإن انجبرت على عثم كان عليه ثلاثة
أرباع دية كسره، واستدل عليه بالإجماع والأخبار (10).
وعن الوسيلة أن في كسر كل من العضد والمنكب والمرفق وقصبة
الساعد وأحد الزندين أو الكفين خمس دية اليد، وفي كسر الأنملة الأولى
من الإبهام ثلث دية كسر الكف، وفي الثانية نصف دية كسر الكف، وفي كسر
المفصل الثاني من الأصابع سوى الإبهام أحد عشر دينارا أو ثلثا، وفي كسر
الأول نصفه، وفي صدع العضو أربعة أخماس دية الكسر (11).
(و) قالا: (في موضحته ربع دية كسره) (12) وبه قال أيضا جميع
من مر، مدعيا ابن زهرة فيه أيضا الإجماع (13)، ولم ينقل الخلاف هنا عمن
سبق نقل الخلاف عنه ولا غيره، بل عن الخلاف الموافقة هنا، مدعيا عليه
الوفاق أيضا (14).
(و) قالا: (في رضه ثلث دية) ذلك (العضو) (15) إن لم يبرأ أو عثم
(فإن برئ على غير عيب فأربعة أخماس دية رضه) وبه قال أيضا جميع

(1) الغنية: 419.
(2) المراسم: 248.
(3) إصباح الشيعة: 508.
(4) الجامع للشرائع: 596.
(5) التحرير 2: 275 (حاشية).
(6) القواعد 3: 681.
(7) تلخيص المرام (سلسلة الينابيع الفقهية) 40: 494.
(8) الإرشاد 2: 241.
(9) تبصرة المتعلمين: 214.
(10) الخلاف 5: 262، المسألة 75.
(11) الوسيلة: 453.
(12) المقنعة: 766 - 767، النهاية 3: 454.
(13) الغنية: 419.
(14) كشف اللثام 2: 507 س 40.
(15) المقنعة: 766 - 767، النهاية 3: 454.
292

من سبق مع دعوى ابن زهرة عليه أيضا الإجماع (1)، وعن ابن حمزة أنه
قال: فإن رض أحد خمسة أعضاء المنكب والعضد والمرفق والرسغ والكف
وانجبر على عثم ففيه ثلث دية اليد، وقيل: مائة وثلاثون دينارا وثلث (2).
(و) قالا: (في فكه) من العضو (بحيث يتعطل ثلثا ديته) أي دية
ذلك العضو (فإن جبر على غير عيب فأربعة أخماس دية فكه) (3) وبه
قال من مر أيضا عدا ابن زهرة، فلم يذكر هذه المسألة، ولم ينقل الخلاف هنا
عن أحد، وظاهر المتأخرين الموافقة لهم في جميع الأحكام المتقدمة، وبه
صرح الماتن في النكت فيما حكي عنه، لكن في مسألتي الكسر والرض،
فقال مشيرا إليهما: ذكرهما الشيخان وتبعهما المتأخرون، ولم يشيروا إلى
المستند (4).
وبشهرتها على الإطلاق صرح شيخنا في الروضة، فقال بعد الحكم
بجميع ما مر: هذا هو المشهور، والأكثر لم يتوقفوا في حكمه إلا المحقق في
النافع فنسبه إلى الشيخين، والمستند كتاب ظريف، مع اختلاف يسير، فلعله
نسبه إليهما لذلك (5). وقريبا منه ذكر في المسالك، لكن جعل المستند كتاب
ظريف من دون ذكر ما فيه من الاختلاف، وجعل وجه النسبة إلى الشيخين
ضعف المستند دونه (6).
ولذا اعترضه المقدس الأردبيلي (رحمه الله)، فقال: وقد عرفت عدم الضعف فإن
ما في كتابه منقول من غيره بطريق حسن بل صحيح ولكن ما رأيته، وكأنه
يفهم من رواية كتاب ظريف من مثل: في العضد إذا كسر وجبر على غير عثم
ولا عيب خمس دية اليد ودية موضحتها ربع دية كسرها خمسة وعشرون

(1) الغنية: 419.
(2) الوسيلة: 453.
(3) المقنعة: 767، النهاية 3: 455 - 456.
(4) المقنعة: 767، النهاية 3: 455 - 456.
(5) الروضة 10: 250.
(6) المسالك 15: 441.
293

دينارا، ومن مثل: وفي الركبة إذا كسرت فجبرت على غير عثم ولا عيب
خمس دية الرجلين مائة دينار فإن انصدعت فديتها أربعة أخماس دية
كسرها مائة وستون دينارا ودية موضحتها ربع دية كسرها خمسون دينارا،
ولعل المراد كسر الركبتين معا، ومن قوله: ودية المنكب إذا كسر خمس دية
اليد مائة دينار، فإن كان في المنكب صدع فديته أربعة أخماس دية كسره
ثمانين دينارا، فإن أوضح فديته ربع دية كسره خمسة وعشرون دينارا،
وقال في كتاب ظريف فإن رض أي المنكب فعثم فديته ثلث دية النفس
ثلاثمائة دينار وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار، فإن فك فديته ثلاثون
دينارا، وأمثالها كثيرة، ولا يفهم ما ذكروه، بل يفهم غيره من ثلث دية النفس
في رض العضو إذا عثم ودية فكه ثلاثون دينارا، فقول شارح الشرائع
ومستند هذا التفصيل كتاب ظريف غير واضح انتهى (1).
وهو حسن، ولكن ما في الروضة لا يرد عليه شئ مما ذكره، وإنما نقلنا
كلامه بطوله لتكفله مع ذلك لبيان مأخذ الأحكام من كتاب ظريف وما يتعلق
به من النقض والإبرام، لكن مرجعه إلى الإشكال في ثبوتها كما ذكروه،
لعدم دليل يدل عليها كما سطروه لما في كتاب ظريف من الاختلاف المعلوم.
وهو حسن.
إلا أن نقل الإجماع في الغنية - المعتضد بالشهرة العظيمة الظاهرة
والمحكية، وإجماع الخلاف في الموضحة، مع عدم دليل واضح على صحة
ما عليه الخلاف في مسألة الكسر، وابن حمزة فيها وفي مسألة الرض (2)،
عدا الإجماع في الخلاف، الموهون بمصير من عداه إلى الخلاف، مع
معارضته بالمثل - لعله كاف في إثباتها، عدا الحكم الأخير فيشكل من حيث

(1) مجمع الفائدة 14: 423 - 424.
(2) الوسيلة 453.
294

عدم نقل الإجماع فيه، لكن الشهرة العظيمة مع عدم خلاف فيها أجده ولا
نقله أحد من الطائفة لعلها كافية في إثباته أيضا، سيما مع إمكان دعوى عدم
القائل بالفرق بينه وبين ما سبقه من الأحكام، فكل من قال بها قال به أيضا.
فتأمل جدا.
مع إمكان الاستدلال عليه بما ذكر المولى الأردبيلي (رحمه الله)، فقال: ويمكن
أن يستدل ما ذكروه في المتن للفك بأنه شلل، وبقوله: في كتاب ظريف في
ذكر الورك ودية فكها ثلثا ديتها ونحوها فافهم، وما يفهم منه في المجبور
والمصلح على غير عيب أربعة أخماس الفك والكسر كثير في كتاب ظريف،
وقد مر البعض (1). انتهى المقصود من كلامه (قدس سره).
(الرابعة: قال بعض الأصحاب) ولعله الشيخ في المبسوط والخلاف كما
يفهم من الماتن في الشرائع: أن (في الترقوة) بفتح التاء فسكون الراء فضم
القاف، وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق (إذا كسرت فجبرت على
غير عيب فأربعون دينارا) (2) وحكي أيضا عن ابن حمزة (3)، وأفتى به
من المتأخرين جماعة، بل في شرح الشرائع للصيمري أنه المشهور بين
الأصحاب (4).
(والمستند كتاب ظريف) والرضوي، كما حكي (5)، والمصنف لم
يجزم بذلك، لأن التقدير حكم شرعي فيقف على الدلالة الشرعية. والكتاب
المذكور لعله لم يصلح عنده حجة، إما لضعفه كما زعمه غيره، أو لتضمنه ما
لا يقول به الأصحاب كثيرا. وفيهما نظر.

(1) مجمع الفائدة 14: 424.
(2) الشرائع 4: 271.
(3) الوسيلة: 449.
(4) غاية المرام: 209 س 28 (مخطوط).
(5) كشف اللثام 2: 507 س 22.
295

ولو سلمنا لانجبر بالشهرة المحكية، بل الإجماع كما عن الخلاف (1)،
وليس في النص والفتوى حكم الترقوتين إذا لم تجبرا أو جبرتا على عيب،
فينبغي الرجوع فيهما إلى القاعدة، ومقتضاها الحكومة ويشكل لو نقصت عن
الأربعين، لوجوبها فيما لو عدم العيب، فكيف لا يجب معه، ولو قيل بوجوب
أكثر الأمرين كما في الروضة كان حسنا (2).
وعن ابن حمزة (3) والمهذب (4) وفي شرح الشرائع للصيمري (5) أن
فيهما الدية كاملة وفي إحداهما نصفها، عملا بضابطة أن ما في الإنسان منه
اثنان فيهما الدية وفي أحدهما نصفها.
وهو حسن إن سلم شمولها لنحو الترقوتين، وهو محل تردد، والأصل
يقتضي الرجوع إلى الحكومة، كما قلنا.
(الخامسة: روي من داس بطن إنسان حتى أحدث) في ثيابه ببول أو
غائط خاصة كما هو ظاهر الرواية فلا يلحق بهما الريح، كما فعله في الروضة (6)،
بل يجب القطع فيها بالحكومة، كما صرح به بعض الأجلة (7) (ديس بطنه)
حتى يحدث (أو يفتدي بثلث الدية، وهي رواية) النوفلي عن
(السكوني) عن مولانا الصادق (عليه السلام): أنه رفع إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) رجل
داس بطن رجل حتى أحدث في ثيابه فقضى (عليه السلام) بذلك (8)، وعمل بمضمونها
جماعة كالشيخين (9) وابن حمزة (10)، ونسب في الروضة إلى الأكثر (11)،

(1) الخلاف 5: 261، المسألة 73.
(2) الروضة 10: 248.
(3) الوسيلة: 449.
(4) المهذب البارع 5: 352.
(5) غاية المرام: 209 س 28 - 30 (مخطوط).
(6) الروضة 10: 253.
(7) كشف اللثام 2: 507 س 28.
(8) الوسائل 19: 137، الباب 20 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1.
(9) المقنعة: 761، النهاية 3: 444.
(10) الوسيلة: 450.
(11) الروضة 10: 253.
296

وعن الشيخ في الخلاف عليه الإجماع (1). فإن تم كان هو الحجة،
وإلا فالرواية قضية في واقعة، مخالفة للأصول كما أشار إليه الحلي، فقال
بعد نقلها: الذي يقتضيه مذهبنا خلاف هذه الرواية، لأن فيه تغريرا بالنفس،
فلا قصاص في ذلك بحال (2)، وتبعه من المتأخرين جماعة، مختارين
الحكومة.
وظاهر الفاضلين هنا وفي الشرائع (3) والتحرير (4) والشهيد في اللمعة (5)
وغيرهم التوقف في المسألة، حيث أجابوا عن الرواية بأن راويها السكوني.
(وفيه ضعف) مشهور، ولم يصرحوا مع ذلك بالحكومة. وهو حسن،
لما ذكرنا من القوادح، ولإمكان الذب عنها بالإجماع والشهرة المنقولين،
مضافا إلى دعوى الشيخ الإجماع على قبول رواية السكوني (6)، مع أن
صاحبه لا ينفك عنه غالبا، فيقوى قبول روايتهما، سيما مع كثرتها، وعمل
الأصحاب بأكثرها، مع ردهم الروايات الصحيحة في مقابلها، واعتناء
المحمدين الثلاثة في كتبهم الأربعة بالرواية عنهما كثيرا، ولذا يعد حديثهما
قويا، لكن الخروج بذلك عن مقتضى الأصول محل إشكال، والأصل معه
يقتضي المصير إلى الحكومة إن لم يمكن الخروج عنه بنحو من المصالحة.
(السادسة: من افتض بكرا) بإصبعه مثلا (فخرق مثانتها فلم تملك
بولها ففيه ديتها) كملا (ومهر نسائها على) الأظهر (الأشهر) كما هنا
وفي التنقيح (7)، ونسبه في الفقيه إلى أكثر روايات الأصحاب (8).
أقول: ومما وصل إلينا منها صريحا رواية هشام بن إبراهيم عن أبي

(1) الخلاف 5: 299، المسألة 136.
(2) السرائر 3: 395.
(3) الشرائع 4: 271.
(4) التحرير 2: 275 (حاشية).
(5) اللمعة 10: 253.
(6) عدة الأصول: 380.
(7) التنقيح 4: 509.
(8) الفقيه 4: 92، الحديث 5150.
297

الحسن (عليه السلام): أن فيه الدية (1)، ولم نقف على الباقي، ولعلها وصلت إليه ولم
تصل إلينا، أو أراد بها ما سيأتي من النصوص: في أن السلس فيه الدية
كاملة (2)، ولأجله اختار الفاضلان (3) وجماعة مضمون الرواية، فقالوا: إن
استمساك البول منفعة واحدة، فيجب في تفويتها الدية كاملة.
(و) لكن (في رواية) ظريف المشهورة أن فيه (ثلث ديتها) وهي
وإن اعتبر سندها واعتضدت بغيرها كالخبر المتقدم مرارا أن في كل فتق
ثلث الدية (4)، لكن لم أجد بها قائلا، فلا يعترض بها ما قدمنا، سيما مع
اعتضاده بالشهرة الظاهرة والمحكية، وبها يجبر ضعف الرواية السابقة،
مضافا إلى انجباره بالنصوص الآتية.
وفي التحرير أن في رواية اخرى مهر نسائها (5). ولم يشر غيره إليها،
ولعلها قوية السكوني، أن عليا (عليه السلام) رفع إليه جاريتان دخلتا الحمام فافتضت
إحداهما الأخرى بإصبعها، فقضى على التي فعلت عقلها (6)، أي مهرها على
ما فهمه جماعة، ويحتمل أن يكون المراد بعقلها ديتها، وبه نص في مجمع
البحرين، فقال: بعد تفسير العقل بالدية: ومنه الحديث جاريتان افتضت
إحداهما الأخرى، ثم ساق الرواية وقال بعدها: يعني ديتها (7).
وعلى هذا فتكون هذه الرواية معاضدة للرواية الأولى، لكن ليس فيها
ذكر المهر.
وربما يتوهم منه نظرا إلى ورودها في مقام الحاجة عدم لزومه،
ولكن الأمر فيه سهل، للاتفاق على ثبوته، مضافا إلى الرواية السابقة

(1) الوسائل 19: 256، الباب 30 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3، والباب 9 من أبواب ديات المنافع 285، الحديث 4.
(2) الوسائل 19: 256، الباب 30 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3، والباب 9 من أبواب ديات المنافع 285، الحديث 4.
(3) القواعد 3: 689، الشرائع 4: 274.
(4) الوسائل 19: 257 - 270، الباب 32 - 45 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 1.
(6) الوسائل 19: 257 - 270، الباب 32 - 45 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 1.
(5) التحرير 2: 271 س 16.
(7) مجمع البحرين 5: 427.
298

الصريحة والقاعدة، فإن هنا جنايتين في منفعة وجارحة، والأصل عدم
التداخل إلا ما أخرجته الأدلة، ولا مخرج في المسألة. وظاهر الأصل ثبوت
مهر المثل، كما أفتى به الجماعة. قيل: ويحتمل أرش البكارة (1)، كما يشعر
به القوية المتقدمة في إفضاء المرأة.
(المقصد الثاني)
(في) بيان أحكام (الجناية على المنافع) ودياتها
اعلم أن (في) ذهاب (العقل الدية) كاملة بلا خلاف على الظاهر
المصرح به في المبسوط (2) والغنية (3) وغيرهما من كتب الجماعة. وهو
الحجة; مضافا إلى المعتبرة:
منها - زيادة على ما يأتي - ظاهر الخبر: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في
رجل ضرب رجلا بعصا فذهب سمعه وبصره ولسانه وعقله وفرجه وانقطع
جماعه وهو حي بست ديات (4).
ويعضده القاعدة في أن كل ما كان في الإنسان منه واحد كان فيه الدية.
(ولو شجه) أو قطع عضوا منه (فذهب عقله لم تتداخل الجنايتان)
بل لكل منهما ديته على الأشهر الأقوى، بل عليه عامة متأخري أصحابنا،
وفاقا للمبسوط (5) والخلاف (6)، مدعيا في ظاهر الأول وصريح الثاني
الإجماع عليه. وهو الحجة; مضافا إلى الرواية السابقة، وأصالة عدم التداخل
في الدية.

(1) مجمع الفائدة 14: 419.
(2) المبسوط 7: 126.
(3) الغنية: 416.
(4) الوسائل 19: 280، الباب 6 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.
(5) المبسوط 7: 127.
(6) الخلاف 5: 234، المسألة 20.
299

(و) لكن (في رواية) صحيحة عمل بها في النهاية (1) وابن سعيد (2)
أنه (إن كانت) الجنايتان (بضربة واحدة تداخلتا) دية، وإلا فلا، وهي
طويلة، مضى ذكرها في أوائل كتاب القصاص في بحث تداخل جناية
النفس والأطراف، ولم يعمل بها الأكثر هنا وثمة، حتى الشيخ في النهاية
هناك، لأن ظاهرها كما عرفته دخول جناية الطرف في النفس مطلقا ولو
افترقتا، ولم يقل به في النهاية، بل قال في صورة الافتراق بعدم التداخل (3).
وليت شعري كيف يمكن استناده إليها هنا مع مخالفتها لما ذكره ثمة،
ويحتمل أن يكون له هنا مستند آخر غيرها لم يصل إلينا.
وبالجملة هذه الرواية وإن كانت صحيحة إلا أن العامل بها هنا لم أجده
سوى الشيخ وبعض من تبعه، وهو قد رجع عنها في كتابيه المتقدمين،
وصرح به الحلي.
فقال هنا بعد الحكم بعدم التداخل: وقد كنا قلنا من قبل، فإن كان أصابه
مع ذهاب العقل موضحة أو مأمومة أو غيرهما من الجراحات لم يكن فيه
أكثر من الدية كاملة، إلا أن يكون ضربه بضربتين أو ثلاث فجنت كل ضربة
منها جناية كان عليه حينئذ جنايتها، وأوردنا على ما أورده شيخنا في
نهايته، إلا أن هذا أظهر من ذلك، وشيخنا فقد رجع عما أورده في نهايته،
وقال بما اخترناه الآن في مسائل خلافه، وهو الصحيح، لأن تداخل الديات
إذا لم يمت المجني عليه يحتاج إلى دليل (4) انتهى.
وكأنه لم يقف على كلامه هذا الفاضل المقداد في شرح الكتاب فنسب
إليه الموافقة هنا للنهاية (5).

(1) النهاية 3: 445 - 447.
(2) الجامع للشرائع: 595.
(3) النهاية 3: 445 - 447.
(4) السرائر 3: 414.
(5) التنقيح 4: 510 - 511.
300

وبالجملة فلا يعترض بمثل الرواية الأصول المعتضدة بالشهرة العظيمة
وحكاية الإجماع المتقدمة، مضافا إلى ظاهر الرواية السابقة.
(و) مع ذلك تضمنت أنه (لو ضربه على رأسه فذهب عقله انتظر به
سنة، فإن مات قيد به، وان بقي ولم يرجع) إليه (عقله فعليه الدية) وهو
أيضا مخالف للأصول، كما يظهر من الفاضلين هنا وفي الشرائع (1)
والإرشاد (2) والتحرير (3)، حيث نسبا هذا الحكم إلى الرواية، وأشار إليه
الشهيد (رحمه الله) في النكت، فقال: ووجهه أن إطلاق القود بعد مضي السنة لا يتم
إلا بتقدير أن تكون الضربة مما تقتل غالبا، أو قصده وحصل الموت بها (4)،
ولكن الرواية أعم من ذلك، إلا أنه (رحمه الله) قال: ولكن هذا مقيد بالنص
الصحيح (5)، فلذا لم يتوقف فيه غيرهما. ويمكن تقييده بما يوافق الأصول،
جمعا، وقرينة الضرب بعمود الفسطاط على الرأس، فربما كان ذلك مما يقتل
غالبا.
(وفي) إذهاب (السمع) من الاذنين معا ال‍ (دية) كاملة بلا خلاف
أجده، بل عليه الإجماع في صريح التحرير (6) وظاهر الغنية (7). وهو الحجة
زيادة على ما مر في العقل من النص عموما وخصوصا، ومنه هنا زيادة على
ما يأتي الصحيح في ذهاب السمع كله ألف دينار.
(وفي) اذهاب (سمع كل أذن نصف الدية) مطلقا كانت إحداهما
أحد من الأخرى أو لا، كانت الأخرى ذاهبة بسبب من الله تعالى أو بجناية
أو غيرهما، بلا خلاف أجده إلا من ابن حمزة، فأوجب الدية كاملة إن كانت

(1) الشرائع 4: 272.
(2) الإرشاد 2: 242.
(3) التحرير 2: 275 (حاشيته) س 5.
(4) غاية المراد: 221 س 5 نقلا بالمعنى (مخطوط).
(5) غاية المراد: 221 س 5 نقلا بالمعنى (مخطوط).
(6) التحرير 2: 275 (حاشيته) س 5.
(7) الغنية: 417.
301

الأخرى ذهبت بسبب من الله سبحانه، ونصفها إن كانت ذاهبة بغيره
مطلقا (1)، وهو نادر، ومستنده مع ذلك غير ظاهر عدا القياس بعين الأعور،
وهو فاسد.
(وفي بعض السمع بحسابه من الدية) بلا خلاف، للقاعدة، مضافا
إلى الرواية التي استندوا إليها لكيفية استعلام النسبة بين الصحيحة والناقصة.
(و) هي أن (يقاس الناقصة إلى الأخرى بأن تسد الناقصة) سدا
شديدا (ويطلق الصحيحة ويصاح به) بصوت لا يختلف كمية كصوت
الجرس متباعدا عنه (حتى يقول لا أسمع) ثم يعاد عليه ثانيا من جهة
اخرى، ولو فعل به ذلك مرارا من أربع جهات كما في الرواية كان أولى.
(و) على كل حال يجب أن (تعتبر المسافة من) جانبيه أو
(جوانبه الأربع) بأن يعلم مبدأ كل مسافة قال فيها: لا أسمع، ومنتهاه،
ينسب إلى باقي المسافات مبدء ومنتهى.
(ويصدق مع التساوي) أي تساوي المسافات قدرا (ويكذب مع
التفاوت، ثم) مع التساوي (يطلق الناقصة وتسد الصحيحة) سدا جيدا
(ويفعل به كذلك) أي يعتبر بالصوت كما مر حتى يقول: لا أسمع، ثم
يكرر عليه الاعتبار كما مر وينسب التفاوت بين الصحيحة والناقصة
(ويؤخذ من ديتها بنسبة التفاوت) بينهما.
والرواية المتضمنة لهذه الكيفية وإن كانت ضعيفة إلا أنها مجبورة بالاعتبار،
مع عدم خلاف فيها في ظاهر الأصحاب، ويعضدها ما في كتاب ظريف بعد
ذكر المقايسة بين العينين من قوله: وإن أصاب سمعه شئ فعلى نحو ذلك
يضرب له بشئ كي يعلم منتهى سمعه ثم يقاس ذلك (2). ونحوه غيره (3).

(1) راجع الوسيلة: 445.
(2) الفقيه 4: 80 - 75، الحديث 5150.
(3) الوسائل 19: 287، الباب 12 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.
302

(و) لا يقاس السمع في يوم ريح ولا في المواضع المختلفة في
الارتفاع والانخفاض، لعدم الانضباط، بل (يتوخى) ويختار (القياس في
سكون الهواء) والمواضع المعتدلة.
(وفي) إذهاب (ضوء العينين) معا (الدية) وفي إحداهما نصفها
بلا خلاف أجده، وبه صرح في الغنية (1)، بل عليه الإجماع، كما صرح به
بعض الأجلة (2). وهو الحجة; مضافا إلى ما مر في المسألتين عموما وخصوصا.
(ولو ادعى إذهاب نظره عقيب الجناية وهي) أي العين وحدقتها
(قائمة) ولم يعلم بصدقه بالبينة أو تصديق الجاني (حلف) المجني عليه
(بالله تعالى القسامة) على الأظهر الأشهر، كما في المسالك (3)، بل لعله
عليه عامة من تأخر، لما في كتاب ظريف (4)، وما عرضه يونس على مولانا
الرضا (عليه السلام) المروي في الصحيح وغيره.
وفيهما: أن القسامة على ستة أجزاء، فإن ادعى ذهاب البصر كله حلف
ستا أو حلف هو وخمسة رجال معه، وإن ادعى ذهاب سدس بصره حلف
هو واحدة، وإن ادعى ذهاب ثلثه حلف يمينين أو هو وآخر معه وهكذا (5).
(وفي رواية) ضعيفة أنه (يقابل) بعينه (بالشمس، فإن بقيتا
مفتوحتين صدق) وإلا كذب (6)، وبها أفتى ابن زهرة (7) والديلمي (8)
والحلبي (9) والشيخ في الخلاف مدعيا عليه الإجماع (10).
وفيه وهن بمخالفة الأكثر، والرواية ضعيفة، كما عرفته، مع قصورها

(1) الغنية: 416.
(2) كشف اللثام 2: 498 س 17.
(3) المسالك 15: 448.
(4) الفقيه 4: 80 - 75، الحديث 5150.
(5) الوسائل 19: 287، الباب 12 - 4 من أبواب ديات المنافع، ذيل الحديث 1، 1.
(6) الوسائل 19: 287، الباب 12 - 4 من أبواب ديات المنافع، ذيل الحديث 1، 1.
(7) الغنية: 416.
(8) المراسم: 245.
(9) الكافي في الفقه: 396.
(10) الخلاف 5: 235، المسألة 21.
303

كالإجماع المحكي عن المقاومة لما مر من الأدلة، فهذا القول ضعيف،
وإن نفى البأس في المختلف (1) إن أفاد الحاكم ظنا، لعدم دليل عليه أيضا،
مع كونه خارجا عن إطلاق القولين وأدلتهما من دون دليل أجده له صالحا،
عدا ما دل على حجية ظن الحاكم، ولا عموم له يشمل المقام، لاختصاصه
بالظن الحاصل له في نفس الحكم الشرعي دون موضوعاته، إلا ما أخرجه
الدليل منها، ولا مخرج هنا إلا أن يدعى الاستقراء، ولم أتبينه هنا.
(ولو ادعى نقصان) بصر (إحداهما قيست إلى الأخرى، وفعل
بالنظر إلى المنظور كما فعل بالسمع) بلا خلاف على الظاهر المصرح به
في الغنية (2)، للمعتبرة:
منها الصحيح: عن الرجل يصاب في عينيه فيذهب بعض بصره أي شئ
يعطى؟ قال: تربط إحداهما ثم توضع له بيضة ثم يقال له: أنظر فما دام يدعي
أنه يبصر موضعها حتى إذا انتهى إلى موضع إن جازه قال: لا أبصر قربها
حتى يبصر ثم يعلم ذلك المكان ثم يقاس ذلك القياس من خلفه وعن يمينه
وعن شماله، فإن جاء سواء، وإلا قيل له: كذبت حتى يصدق - إلى أن قال: -
ويصنع بالعين الأخرى مثل ذلك ثم يقاس ذلك على دية العين (3). ونحوه
صحيح آخر (4) وغيره (5)، لكن ليس فيهما ذكر الجهات الأربع، بل اقتصر
فيهما على جهتين خاصة.
وعليهما العمل، إلا أن مراعاة الجهات الأربع أحوط وأوضح، وما
تضمنته هذه النصوص في كيفية الاعتبار أجود وأشهر.
وعن المفيد (رحمه الله) الاعتبار بنحو آخر (6)، ولكن الأمر سهل، إذ الظاهر

(1) المختلف 9: 431.
(2) الغنية: 416.
(3) الوسائل 19: 282، الباب 8 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1، 2، 3.
(4) الوسائل 19: 282، الباب 8 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1، 2، 3.
(5) الوسائل 19: 282، الباب 8 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1، 2، 3.
(6) المقنعة: 758.
304

أن الضابط هو فعل ما يظهر معه للحاكم صدق المدعي، كما صرح به في
المختلف، ولذا قال بعد نقل الأقوال في كيفية الاعتبار: ولا خلاف ولا طائل
تحت هذه المسألة (1).
ولو ادعى نقصانهما قيستا إلى أبناء سنه، بأن يوقف معه وينظر ما يبلغه
نظره ثم يعتبر ما يبلغه نظر المجني عليه ويعلم نسبة ما بينهما، فإن استوت
المسافات الأربع صدق، وإلا كذب بلا خلاف أجده، بل عليه في ظاهر
الغنية إجماع الإمامية (2). وهو الحجة المعتضدة بالصحيح: أتي
أمير المؤمنين (عليه السلام) برجل قد ضرب رجلا حتى نقص من بصره فدعا برجل
من أسنانه فأراهم شيئا فنظر ما نقص من بصره فأعطاه من ديته ما انتقص
من بصره (3).
(ولا يقاس في يوم غيم، ولا في أرض مختلفة) الجهات، لئلا
يحصل الاختلاف بالمعارض، وللقوي وغيره: لا تقاس عين في يوم غيم (4).
(وفي) إبطال (الشم) من المنخرين معا (الدية) كاملة ومن
إحداهما خاصة نصفها بلا خلاف أجده، وبه صرح في المبسوط (5)
والخلاف (6) والغنية (7). وهو الحجة; مضافا إلى ما مر في المسائل السابقة
من القاعدة.
(ولو ادعى ذهابه) عقيب جناية يمكن زواله بها ولم يظهر حاله
بالامتحان (اعتبر بتقريب الحراق) بضم الحاء وتخفيف الراء، وهو ما يقع
فيه النار عند القدح أي يقرب منه بعد علوق النار به (فإن دمعت عيناه

(1) المختلف 9: 362.
(2) الغنية: 416.
(3) الوسائل 19: 283، الباب 8 - 5 من أبواب ديات المنافع الحديث 4، 1، 2.
(4) الوسائل 19: 283، الباب 8 - 5 من أبواب ديات المنافع الحديث 4، 1، 2.
(5) المبسوط 7: 131.
(6) الخلاف 5: 238، المسألة 28.
(7) الغنية: 417.
305

وحول أنفه) عنه (فهو كاذب) وإلا فصادق، كما في الرواية المتقدمة في
اعتبار بصر العين المدعى زواله، وأفتى بها هنا أيضا ابن زهرة (1) والشيخ في
الخلاف، مدعيا أيضا عليه الوفاق (2). وفيهما ما سبق.
والأشهر على الظاهر المصرح به في المسالك تحليف المجني عليه
بالقسامة (3)، كما في المسألة السابقة، عملا بالقاعدة.
والعجب من الماتن كيف أخذ بها في المسألة السابقة ونحوها مما تقدم
إليه الإشارة، طارحا للرواية وعكس في المسألة، مع أن الجميع من باب
واحد فتوى ونصا وقاعدة.
(ولو أصيب) أحد بجناية (فتعذر) عليه بها إنزال (المني كان فيه
الدية) كاملة بلا خلاف أجده. وربما يستدل له بما مر من القاعدة من أن كل
ما في الإنسان منه واحدة ففيه الدية، وفي الخبر: في الظهر إذا كسر حتى
لا ينزل صاحبه الماء الدية كاملة (4).
(و) اعلم أنه (قيل: في سلس البول) وهو نزوله مترشحا لضعف
القوة الماسكة له (الدية) كاملة، للقاعدة المتقدمة، وللخبرين:
في أحدهما: أن عليا (عليه السلام) قضى في رجل ضرب حتى سلس بوله بالدية
كاملة (5). ونحوه الثاني المروي عن قرب الإسناد (6).
وفيهما ضعف سندا، وفي القاعدة دلالة، ولذا نسبه الماتن هنا وفي
الشرائع إلى القيل (7)، مشعرا بتمريضه.

(1) الغنية: 417.
(2) الخلاف 5: 238، المسألة 28.
(3) المسالك 15: 449.
(4) الوسائل 19: 215، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 7، والباب 9 من أبواب
ديات المنافع 285، الحديث 4.
(5) الوسائل 19: 215، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 7، والباب 9 من أبواب
ديات المنافع 285، الحديث 4.
(6) قرب الاسناد: 68.
(7) الشرائع 4: 274.
306

نعم عليه أكثر المتأخرين، في المسالك (1) والروضة (2) أنه المشهور بين
الأصحاب.
وربما أيد بما مر من النصوص بإثبات الدية بكسر البعصوص فلا يملك
إسته، وضرب العجان فلا يستمسك بوله ولا غائطه.
وفيه نظر، لعدم دلالتها على كون الدية لأجل الجناية على المنفعة
خاصة، كما هو مفروض المسألة. والشهرة بنفسها ليست بحجة، إلا أن تجعل
لضعف الخبرين جابرة. وهو حسن إن لم يعارضه الشهرة القديمة، والظاهر
ثبوتها على الخلاف (و) هو العمل بما في (رواية) من أنه (إن دام)
السلس (إلى الليل لزمته الدية) كاملة (و) إن دام (إلى الزوال) لزم
(ثلثاها و) إن دام (إلى الضحوة) لزم (ثلث الدية) (3) فقد حكي القول
به عن السرائر (4) والنزهة (5) والجامع (6) والوسيلة (7) واختاره من
المتأخرين الفاضل المقداد (8)، وادعى المحقق الثاني فيما حكي عنه
الشهرة (9)، وجبر بها ضعف الرواية.
فالمسألة لذلك محل إشكال وريبة، لكن الأصل يقتضي المصير إلى
القول الثاني، فإن لزوم كمال الدية على الإطلاق مما ينفيه أصالة البراءة.
فينبغي الاقتصار فيه على الصورة المتفق عليها، وهي الصورة الأولى. وأما
الصورة الباقية فالأصل عدم لزومه أيضا.
وإثبات الثلث والثلثين في الصورتين الأخيرتين - وإن كان مما

(1) المسالك 15: 451.
(2) الروضة 10: 264 - 265.
(3) الوسائل 19: 285، الباب 9 من أبواب ديات المنافع، الحديث 3.
(4) السرائر 3: 391.
(5) نزهة الناظر: 143.
(6) الجامع للشرائع: 594.
(7) الوسيلة: 450.
(8) التنقيح 4: 512.
(9) لم نعثر عليه.
307

لا يساعده الأصل حيث يزيدان عن الحكومة - إلا أنه جاء من قبل
الإجماع، وعدم قائل بها مطلقا، فإن كل من نفى كمال الدية على الإطلاق
قال بالقول الثاني المفصل على الإطلاق.
وعليه فليطرح الخبران المطلقان للدية، مع كونهما قضية في واقعة،
أو يحملا على الصورة الأولى خاصة، جمعا، سيما مع كونها أظهر أفراد
المطلق، لندرة الصورتين الأخيرتين فيما أحسبه.
وحكى الفاضل في الإرشاد (1) والقواعد (2) قولا ثالثا مفصلا كالثاني،
لكن مبدلا الثلثين بالنصف، ولم أعرف قائله، ولا مستنده، وبه صرح جماعة.
واعلم أن الظاهر أن المراد بالدوام في الصور الثلاث الدوام في كل يوم
لا في يوم أو أيام كما فهمه العلامة (3) وجماعة، لأن المعهود أن الدية
وبعضها المقدر إنما يجب في ذهاب العضو أو المنفعة بالكلية، وأن مع العود
الحكومة مع أصالة البراءة.
(المقصد الثالث)
(في) بيان ديات (الشجاج والجراح)
(فالشجاج) بكسر الشين جمع شجة بفتحها، وهي الجرح المختص
بالرأس، كما في مجمع البحرين، أو الوجه أيضا كما في كلام جماعة، وعزي
إلى نص اللغة، ويسمى في غيرها جرحا بقول مطلق (ثمان) على
المشهور: (الحارصة، والدامية، والمتلاحمة، والسمحاق، والموضحة،
والهاشمة، والمنقلة، والمأمومة، والجائفة) فهذه تسعة، ولكن الأخيرة من
الجراح لا الشجاج، إذ لا اختصاص لها بالرأس والوجه.

(1) الإرشاد 2: 243.
(2) القواعد 3: 689.
(3) القواعد 3: 689.
308

وعليه فيكون عدد الشجاج المختص بهما - كما هو معناه لغة بل
وعرفا - ثمانية، كما في العبارة وغيرها.
(فالحارصة) بإهمال الحروف جملة (هي التي تقشر الجلد)
وتخدشه (وفيها بعير) على الأشهر الأظهر، بل عليه عامة من تأخر، للخبر
المعتبر، بل الصحيح، أو القريب منه: في الحرصة شبه الخدش بعير (1).
خلافا للإسكافي فنصف بعير (2). وهو شاذ، ومستنده غير واضح.
وإطلاق النص وأكثر الفتوى يقتضي عدم الفرق بين كون المشجوج ذكرا
أو أنثى حرا، أو مملوكا.
خلافا للغنية (3) والإصباح (4) والجامع (5)، فعبروا بأن فيها عشر عشر
الدية، وعليه يفترق الذكر والأنثى.
وفيه مع مخالفته إطلاق النص أن افتراقهما لا يكون إلا بعد بلوغ الثلث
أو التجاوز عنه لا مطلقا، كما مضى أيضا، وسيأتي إن شاء الله تعالى. ويمكن
تنزيل عبائرهم عليه، بأن يراد بالدية المضاف إليها عشر عشر دية الذكر التي
هي الأصل دون دية الأنثى التي هي نصفها.
ولابن حمزة ففرق بين الحر فما في النص والعبارة والمملوك فالأرش
على حسب القيمة (6).
وهو غير بعيد، للشك في دخول مثله في إطلاق الفتوى والنص، سيما
مع اختلافه مع الحر في كثير من الأحكام، سيما الديات، ولكن الحكم
بالأرش على الإطلاق مشكل، بل ينبغي تقييده بما إذا وافق عشر عشر

(1) الوسائل 19: 293، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 14.
(2) المختلف 9: 402.
(3) الغنية: 419.
(4) إصباح الشيعة: 508.
(5) الجامع للشرائع: 600.
(6) الوسيلة: 444.
309

قيمته، كما هو الضابط في دية أعضائه من نسبتها إلى دية الحر ثم إلى دية
مجموعه التي هي قيمته ما لم تزد عن دية الحر، فترد إليها، ويأتي أيضا.
ويمكن إرجاع ما في الكتب الثلاثة المتقدمة من إثبات عشر عشر الدية إلى
هذا، بحمل الدية فيها على ما يعم نحو قيمة المملوك. فتأمل جدا.
(وهل) الحارصة (هي الدامية) فيكون ديتها بعيرا ويبدل عنها في
عدد الثمانية الذي فيه بعيران بالباضعة، أم غيرها فيكون ديتها بعيرين
ويكون الباضعة مرادفة للمتلاحمة فيها ثلاثة أبعرة؟
(قال الشيخ) (1) وجماعة: (نعم) للخبرين: قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في
الدامية بعيرا، وفي الباضعة بعيرين، وفي المتلاحمة ثلاثة أبعرة (2).
وقصور سندهما ولا سيما الأول لضعفه من وجوه يمنع عن العمل بهما،
سيما مع عدم مكافاتهما لأدلة المشهور جدا (و) لذا صار (الأكثرون)
كما هنا وفي الشرائع (3) والتحرير (4) بل في المسالك (5) والروضة (6) وشرح
الشرائع (7) للصيمري المشهور (على خلافه) للمعتبرة المستفيضة:
منها الرواية المتقدمة، إذ فيها بعدما مر بلا فصل: وفي الدامية بعيران
وفي الباضعة وهي ما دون السمحاق ثلاث من الإبل، الخبر (8).
ومنه الصحيحان وغيرهما: وفي الباضعة ثلاث من الإبل (9).
وهما وإن لم يتضمنا ذكر الحارصة والدامية، إلا أنهما دلا على أن في
الباضعة ثلاثا من الإبل، وكل من قال به من المشهور قال بتغايرهما، كما
مضى وسيأتي الإشارة إليه أيضا.

(1) النهاية 3: 453.
(2) الوسائل 19: 291، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 6، 8، 14، 1، 4.
(3) الشرائع 4: 275.
(4) التحرير 2: 276 س 11.
(5) المسالك 15: 454.
(6) الروضة 10: 267.
(7) غاية المرام: 210 س 4 (مخطوط).
(8) الوسائل 19: 291، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 6، 8، 14، 1، 4.
(9) الوسائل 19: 291، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 6، 8، 14، 1، 4.
310

(فهي) أي الدامية (إذا التي) تقطع الجلد (وتأخذ في اللحم
يسيرا، وفيها بعيران).
(والمتلاحمة وهي التي) تقطع الجلد و (تأخذ في اللحم كثيرا).
(وهل هي غير الباضعة) فيجب فيها ثلاثة أبعرة وفي الباضعة بعيران
ويكون أول الشجاج الدامية والحارصة مترادفتين، أم متحدتان ديتهما ثلاثة
أبعرة ويكون أولها الحارصة فيها بعير وثانيها الدامية فيها بعيران؟ اختلاف
مبني على الاختلاف السابق.
(فمن قال) ثمة: إن (الدامية غير الحارصة) وهم المشهور قال:
(والباضعة هي المتلاحمة) ديتها ثلاثة أبعرة عدا الإسكافي (1). وهو نادر.
(ومن قال: الدامية هي الحارصة) وهو الشيخ (2) ومن تبعه
(فالباضعة) عنده (غير المتلاحمة) فيها بعيران.
وحيث قد عرفت أن الأول أقرب (ففي المتلاحمة) والباضعة (إذن
ثلاثة أبعرة) ويظهر من هنا عدم الخلاف فتوى ونصا في ثبوتها في
المتلاحمة، وإنما هو في ثبوتها في الباضعة، وقد عرفت من المعتبرة
المستفيضة المعتضدة بالشهرة ثبوتها فيها أيضا. والخبران المتقدمان وإن نصا
على الخلاف بإثبات البعيرين فيها والثلاثة في المتلاحمة خاصة فارقين
بينهما، إلا أنك قد عرفت الجواب عنهما.
فما عليه الأكثر في المقامين أقوى إن فرض ثمرة معنوية تترتب على
الخلاف، وإلا فيعود النزاع لفظيا، كما صرح به في المسالك (3) والروضة (4)
شيخنا، فتأمل جدا.

(1) المختلف 9: 402.
(2) النهاية 3: 452، وفيها: «والحارصة وهي الدامية».
(3) المسالك 15: 455.
(4) الروضة 10: 269.
311

(والسمحاق) بكسر السين المهملة وإسكان الميم، و (وهي التي)
تقطع اللحم (وتقف على السمحاقة، وهي الجلدة المغشية للعظم وفيها
أربعة أبعرة) للصحيحين (1) وغيرهما (2) من المستفيضة، وعليه الإجماع
على الظاهر المحكي في الغنية (3) وعن الانتصار (4) والناصريات (5)، وعن
الإسكافي أنه روى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أن فيها حقة وجذعة وابنة
مخاض وابنة لبون (6)، وعن المقنع أن فيها خمسمائة درهم، قال: وإذا كانت
في الوجه فالدية على قدر الشين (7)، وعليه نص المرسل (8).
(والموضحة، وهي التي تكشف عن) وضح (العظم) وبياضه
وتقشر السمحاقة (وفيها خمسة أبعرة) بلا خلاف على الظاهر المصرح به
في الغنية (9)، وحكى عن الخلاف (10) وغيره، للصحاح، والموثق القريب منها
وغيرها من المستفيضة، وفي كتاب ظريف: في موضحة الرأس خمسون
دينارا (11). وقريب منه الخبر: فيمن شج عبدا موضحة، قال: عليه نصف
عشر قيمة العبد (12).
ويستفاد من الجمع بينهما وبين المستفيضة أن ذكر الإبل فيها والنقد
فيهما بعنوان المثل، وأن الضابط نصف عشر الدية، كما عبر به في الغنية (13)

(1) الوسائل 19: 290 - 291، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 4، 10.
(2) الوسائل 19: 290 - 291، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 4، 10.
(3) انظر الغنية: 419.
(4) الانتصار: 548.
(5) الناصريات: 391.
(6) المختلف 9: 402.
(7) المقنع: 530.
(8) الوسائل 19: 290، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 9.
(9) انظر الغنية: 419.
(10) الخلاف 5: 228، المسألة 11.
(11) الوسائل 19: 222، الباب 6 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
(12) الوسائل 19: 298 - 293، الباب 8 - 2 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 1، 2، 15.
(13) الغنية: 419.
312

وعبائر جماعة، مع نفي الخلاف عنه، كتعبيرهم بخمسي عشر الدية في
المسألة السابقة. ويمكن تنزيل عبائر الأكثر المعبرة بالإبل خاصة عليه،
بحمله على المثل في المقامين، بل فيما يأتي وما مضى مطلقا.
(والهاشمة، وهي التي تهشم العظم) أي تكسره وان لم تسبق بجرح
(وفيها عشرة أبعرة) عشر الدية بلا خلاف، وبه صرح في الغنية (1)،
وبالإجماع بعض الأجلة (2)، للقوي: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى في
الهاشمة بعشر من الإبل (3). وليس فيه كالعبارة ونحوها ما ذكره جماعة من
اعتبار الأسنان فيها أرباعا في الخطأ، وأثلاثا في شبهها على نسبة ما يوزع
في الدية الكاملة وإن كان أحوط.
(والمنقلة، وهي) على تعريف الماتن وجماعة (التي تحوج إلى نقل
العظام) من موضع إلى غيره. وقيل: فيها تفاسير أخر متقاربة (وفيها
خمسة عشر بعيرا) عشر الدية ونصفه بلا خلاف، كما عن المبسوط (4)
والخلاف (5) وفي الغنية (6)، للصحيح (7)، والموثق (8) القريب منه سندا،
وغيرهما (9) من المستفيضة، وفسرت في بعضها بالتي قد صارت قرحة ينقل
منها العظام، وفي بعضها بعد قوله وفي المنقلة خمسة عشر من الإبل: عشر
ونصف عشر (10). وفيه دلالة على الضابط المتقدم، لكن فيه قطع، وفي
المفسر إرسال. وأوجب العماني هنا عشرين بعيرا (11). وهو مع ندرته جدا
على الظاهر المصرح به في عبائر جماعة، لم أر له مستندا.

(1) المصدر السابق.
(2) كشف اللثام 2: 515 س 16.
(3) الوسائل 19: 298 - 293، الباب 8 - 2 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 1، 2، 15.
(4) المبسوط 7: 122.
(5) الخلاف 5: 192، المسألة 58.
(6) الغنية: 420.
(7) الوسائل 19: 292، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 10، 6، 9، 18.
(8) الوسائل 19: 292، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 10، 6، 9، 18.
(9) الوسائل 19: 292، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 10، 6، 9، 18.
(10) الوسائل 19: 292، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 10، 6، 9، 18.
(11) المختلف 9: 428.
313

(والمأمومة، وهي التي تصل إلى أم الرأس، وهي الخريطة الجامعة
للدماغ) بكسر الدال ولا تفتقها (وفيها) ثلث الدية، كما في الغنية (1) وعن
الخلاف (2) والمراسم (3) والمقنع (4) والوسيلة (5) وغيرها للنصوص المستفيضة:
منها الصحيح: عن الشجة المأمومة، فقال: ثلث الدية والشجة الجائفة ثلث
الدية (6). ونحوه الخبر (7)، لكن بزيادة تفسير الثلث في الجائفة بثلاث
وثلاثين من الإبل.
وفيه إيماء إلى وقوع التجوز في الثلث في الجائفة، فيحتمل وقوعه فيه
أيضا في المأمومة، سيما مع ورود الصحيح (8) وغيره (9) بأنه فيها ثلاث
وثلاثون بعيرا، ومثل هذا التجوز شائع، ولذا أن الفاضلين في الشرائع (10)
والتحرير (11) مع تصريحهما بأن فيها ثلث الدية فسروه بثلاث وثلاثين من
الإبل من دون ذكر ثلث، ونحوهما الشيخان في المقنعة (12) والنهاية (13)
والمرتضى في الناصريات (14) على ما حكي عنهم.
فقالوا: فيها ثلث الدية (ثلاث وثلاثون بعيرا) أو ثلث الدية من العين
أو الورق على السواء، لأن ذلك يتحدد فيه الثلث، ولا يتحدد في الإبل والبقر
والغنم على السلامة، كما في عبارة السيد وشيخه. وقريب منها عبارة
النهاية (15). لكن بزيادة الحلة، وعدم إشارة إلى العلة.
وذكر الحلي أن فيها ثلث الدية دية النفس، وهي ثلاث وثلاثون بعيرا

(1) الغنية: 420.
(2) الخلاف 5: 192، المسألة 58.
(3) المراسم: 247.
(4) المقنع: 512.
(5) الوسيلة: 445.
(6) الوسائل 19: 291، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 5، 4، 11، 10.
(7) الوسائل 19: 291، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 5، 4، 11، 10.
(8) الوسائل 19: 291، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 5، 4، 11، 10.
(9) الوسائل 19: 291، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 5، 4، 11، 10.
(10) الشرائع 4: 277.
(11) التحرير 2: 276 س 14.
(12) المقنعة: 766.
(13) النهاية 3: 453.
(14) الناصريات: 391، المسألة 185.
(15) النهاية 3: 453.
314

فحسب بلا زيادة ولا نقصان إن كان من أصحاب الإبل، ولم يلزم أصحابنا
ثلث البعير الذي يتكمل به ثلث المائة بعير التي هي دية النفس، لأن
رواياتهم هكذا مطلقة، وكذا مصنفاتهم، وقول مشايخهم وفتاويهم وإجماعهم
منعقد على هذا الإطلاق، أو ثلث الدية من العين أو الورق على السواء،
لأن ذلك يتحدد فيه الثلث، ولا يتحدد في الإبل والبقر والغنم انتهى (1).
وهو صريح في دعوى الإجماع على سقوط الثلث من عدد الإبل، لكن
عرفت إطلاق عبائر جماعة بثلث الدية بقول مطلق، ومقتضاه زيادة الثلث
في العدد المتقدم، وحكي التصريح بها عن المبسوط، فقال: فيها ثلاثة
وثلاثون بعيرا وثلث بعير (2)، وبه صرح في القواعد (3)، وشيخنا في المسالك (4)
والروضة (5) وبعض من تبعه، مختارين التجوز في العكس، بحمل ما دل
على العدد من دون ذكر الثلث عليه تحقيقا في اللفظ، وتجوزا في العدد
بالاقتصار على الأعداد الصحيحة، والإيماء إلى إكمال الثلث من إيجابه.
وهو حسن إن وجد مرجح لهذا التجوز، وليس عدا المناسبة لمراعاة
النسبة إلى أصل الدية في المسائل السابقة، بل في المسألة أيضا بالإضافة
إلى النقدين والحلة، وهي بمجردها للترجيح غير صالحة، سيما وأن الشهرة
وحكاية الإجماع المتقدمة للتجوز في الأول مرجحة.
ولو سلم عدمهما لكان التحقق يقتضي التوقف في ترجيح أيهما أو
تساقطهما، ومعه يكون وجوب ثلث البعير زيادة على العدد بالأصل منفيا.
فما في العبارة أقوى وإن كانت الزيادة أو العدول إلى النقدين وما شاكلهما
أحوط وأولى.

(1) السرائر 3: 407.
(2) المبسوط 7: 122.
(3) القواعد 3: 690.
(4) المسالك 15: 460.
(5) الروضة 10: 274.
315

(والجائفة) و (هي التي تبلغ الجوف) من أي الجهات كان ولو من
ثغرة النحر (وفيها ثلث الدية) كما في النصوص المستفيضة، وفيها
الصحيح (1) والقريب منه (2)، لكن في بعضها بعد الحكم بأن فيها الثلث فسر
بالثلاث والثلاثين بعيرا (3)، وقد تقدم، فيأتي فيها احتمال التجوز المتقدم
أيضا، سيما مع ورود الصحيح (4) وغيره (5)، بأن فيها ثلاثا وثلاثين من
الإبل، لكن الأصحاب هنا أطلقوا الحكم بالثلث الذي مقتضاه زيادة ثلث
بعير على العدد من غير خلاف بينهم يعرف، وبه صرح في الغنية (6)، وحكي
عن المبسوط (7) والخلاف (8)، بل صرح بالاتفاق على زيادته هنا شيخنا في
الروضة (9)، فإن تم فهو الحجة.
ولكن في التمامية مناقشة، لأن عبارات الأصحاب هنا بالثلث وإن
كانت مطلقة إلا أن تعليل جملة منهم سقوط الثلث في المسألة السابقة، بأنه
من البعير لا يحد، كما وقع في عبارة السيد (10) وشيخه (11) والحلي (12)، أو
بلزوم متابعة النص بالعدد، كما وقع في عبارة الماتن في الشرائع (13)،
وقريب منه الفاضل في المختلف (14) جار في المسألة، لعدم تحديد ثلث
البعير فيها أيضا ولو بزعمهم، وورود الصحيح (15) وغيره (16) بالثلاث
والثلاثين من غير ذكر ثلث.

(1) الوسائل 19: 292، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 9، 13، 10، 11، 4.
(2) الوسائل 19: 292، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 9، 13، 10، 11، 4.
(3) الوسائل 19: 292، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 9، 13، 10، 11، 4.
(4) الوسائل 19: 292، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 9، 13، 10، 11، 4.
(5) الوسائل 19: 292، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 9، 13، 10، 11، 4.
(6) الغنية: 420.
(7) المبسوط 7: 124.
(8) الخلاف 5: 232، المسألة 15.
(9) الروضة 10: 275.
(10) الناصريات: 391، المسألة 185.
(11) المقنعة: 766.
(12) السرائر 3: 407.
(13) الشرائع 4: 278.
(14) المختلف 9: 406.
(15) الوسائل 19: 291، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 11، 4.
(16) الوسائل 19: 291، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 11، 4.
316

وهنا (مسائل) ثمان:
(الأولى: دية النافذة في الأنف) بحيث تثقب المنخرين معا ولا تنسد
(ثلث ديته) بلا خلاف أجده، بل عليه الإجماع في ظاهر عبارة بعض
الأجلة (1). وهو الحجة; مضافا إلى المعتبرة (2) ومنها كتاب ظريف (3)
والرضوي، كما حكي (4).
والخبر: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في النافذة يكون في العضو ثلث الدية
دية ذلك العضو (5).
(فإن صلحت) وانسدت (فخمس الدية) مائتا دينار في المشهور
بين الأصحاب، على الظاهر المصرح به في المختلف (6)، ومستندهم غير
واضح، عدا ما قيل: من كونه كتاب ظريف، وهو غريب، فإن المروي فيه
على ما يوجد في الكتب الثلاثة (7)، والمختلف (8) وغيره أن فيها خمس دية
الروثة مائة دينار، وبه أفتى الإسكافي (9) والحلي في السرائر (10) وعن
الخلاف (11)، وهو الأصح، لعدم المعارض، مضافا إلى الأصل.
(ولو كانت) النافذة (في أحد المنخرين) خاصة (إلى الحاجز)
بينهما (فعشر الدية) مائة دينار، إما مطلقا كما هنا وفي الشرائع (12)
واللمعة (13) وغيرها، أو بشرط البرء، وإلا فسدس الدية كما عليه

(1) لم نعثر على قائله.
(2) الوسائل 19: 268، 221، الباب 43، 4 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2، 1.
(3) الوسائل 19: 268، 221، الباب 43، 4 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2، 1.
(4) فقه الرضا (عليه السلام): 316.
(5) الوسائل 19: 291، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 7.
(6) المختلف 9: 439.
(7) الكافي 7: 331، الفقيه 4: 81، الحديث 1، التهذيب 10: 298، الحديث 26.
(8) المختلف 9: 439.
(9) المختلف 9: 439.
(10) السرائر 3: 411.
(11) الخلاف 5: 237، المسألة 26.
(12) الشرائع 4: 277.
(13) اللمعة 10: 275.
317

الفاضل (1) وعن جماعة كالشيخين (2) والقاضي (3) والحلي (4) والديلمي (5)
والحلبي (6) وغيرهم وفي الغنية (7)، والظاهر أنه المشهور كما صرح به في
المختلف (8). وحجتهم على التقديرين غير واضحة، عدا ما يحكى عن
الرضوي (9)، وفيه العشر بقول مطلق، وهو مع أنه خلاف المشهور معارض
بما في كتاب ظريف من أن فيها عشر دية الروثة خمسين دينارا (10)، وعليه
الإسكافي (11) أيضا.
ومنه يظهر ما في جعل المستند للقول بالعشر مطلقا كتاب ظريف، وكذا
في نسبته القول بالتفصيل بين البرء فالعشر وعدمه فالسدس إلى العلامة
خاصة (12)، مع أنه رأي جماعة، بل المشهور كما عرفته.
(الثانية: في شق الشفتين) معا (حتى تبدو الأسنان) ولم تبرأ
(ثلث ديتهما) سواء استوعبهما الشق أم لا في ظاهر إطلاق النص والفتوى.
(ولو برئت) الجرحة (فخمس ديتهما، ولو كانت) الجرحة (في
إحداهما) خاصة ولم تبرأ (فثلث ديتها ومع البرء فخمس ديتها) بلا
خلاف أجده إلا من الإسكافي، فقال: في العليا ثلث ديتها وفي السفلى نصف
ديتها (13) وأطلق. وهو شاذ، بل على خلافه الإجماع في الغنية (14)، ويوافقه
كتاب ظريف، إلا في السفلى إذا لم تبرأ فقد أوجب في قطعها ثلثي الدية

(1) التحرير 2: 269 س 29.
(2) المقنعة: 767، النهاية 3: 455.
(3) لم نعثر عليه في المهذب.
(4) السرائر 3: 411.
(5) المراسم: 244.
(6) الكافي في الفقه: 397.
(7) الغنية: 420.
(8) المختلف 9: 440.
(9) فقه الرضا (عليه السلام): 316.
(10) الوسائل 19: 221، الباب 4 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 2.
(11) المختلف 9: 440.
(12) التحرير 2: 269 س 29.
(13) المختلف 9: 439.
(14) الغنية: 417.
318

ستمائة دينار وستة وستين دينارا] وثلثي دينار [، وفي شقها إذا لم تبرأ
ثلاثمائة دينار وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار (1). فجعله مستندا لتمام
ما في العبارة كما فعل ليس في محله، بل هو أقرب بالدلالة على ما عليه
الإسكافي في السفلى، لكنه أطلق نصف الدية فيها من دون اشتراط للبرء،
بخلاف الرواية فقد اشترطه، فهي في الحقيقة ليست حجة على شئ من
القولين.
(الثالثة: إذا نفذت نافذة في شئ من أطراف الرجل فديتها مائة
دينار) كما هنا وفي الشرائع (2) والإرشاد (3) واللمعة (4) ونسبه في
شرحها (5) والمسالك (6) إلى الشيخ وجماعة كما في الأول، وأتباعه كما في
الثاني، وفي القواعد (7) والتحرير (8) إلى القيل، مؤذنا بتوقفه فيه.
ولعل وجهه ما قيل: من أنه لم نقف على مستنده هو، ومع ذلك يشكل
بما لو كانت دية الطرف تقصر عن المائة كالأنملة، إذ يلزم زيادة دية النافذة
فيها على ديتها، بل على دية الأنملتين حيث يشمل الإصبع على ثلث (9).
وهو حسن إلا أن ما ذكره من عدم الوقوف على مستنده غريب،
للتصريح به في كتاب ظريف وما عرضه ابن فضال على أبي الحسن (عليه السلام)
المروي في الصحيح والموثق بالأخير.
وفيه: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في دية جراحة الأعضاء - إلى أن قال: -
وأفتى في النافذة إذا نفذت من رمح أو خنجر في شئ من الرجل في

(1) الوسائل 19: 221، الباب 5 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
(2) الشرائع 4: 278.
(3) الإرشاد 2: 245.
(4) اللمعة 10: 281.
(5) الروضة 10: 281.
(6) المسالك 15: 464 - 465.
(7) القواعد 3: 691.
(8) التحرير 2: 277 س 8.
(9) الروضة 10: 281.
319

أطرافه فديتها عشر دية الرجل مائة دينار (1).
فالأجود الاقتصار في الاستشكال فيه بما ذكره في وجهه وزيادة أن
عمومه لا يلائم ما في كتاب ظريف أيضا من قوله: في نافذة الأنف ما مر،
وفي نافذة الكف إن لم تنسد فمائة دينار، وفي نافذة الساعدين خمسين
دينارا، وفي نافذة القدم لا تنسد خمس دية الرجل مائتا دينار، وفي نافذة
الخد ويرى جوف الفم فديتها مائتا دينار فإن دووي فبرئ والتأم وبه أثر بين
وشين فاحش فديته خمسون دينارا، فإن كانت نافذة في الخدين كليهما
فديتها مائة دينار، وذلك نصف دية التي يرى منها الفم، وإن كانت رمية بنصل
نشبت بالعظم حتى تنفذ إلى الحنك فديتها مائة وخمسون دينارا جعل منها
خمسون دينارا لموضحة، وإن كانت ناقبة (2) ولم تنفذ فديتها مائة دينار.
ومع ذلك يعارضه الخبر في النافذة يكون في العضو ثلث دية ذلك العضو (3)،
ولكن في سنده ضعف. ورفع اليد عن النص الصحيح المعتضد بعمل هؤلاء
الأعاظم، الذين لم ير لهم مخالف صريحا مشكل، مع إمكان الذب عن وجوه
الإشكال فيما ذكره القائل بالتزامه، والذب بتخصيص العموم بالمائة بما فيه كمال
الدية، كما حكاه قولا في الروضة (4) وغيرها (5)، أو ما كان ديته زائدة على
المائة كما احتمله بعض الأجلة، وعما ذكرناه بتخصيصه أيضا بغير ما تضمنه
من النوافذ المزبورة، إذ التنافي بينهما وبينه ليس تنافي تضاد، بل عموم وخصوص
يجري فيه التخصيص المذكور، لكنه يتوقف على وجود قائل به، ولم أره.
مع أن النص عام كعبائر الجماعة وتخصيصهم الحكم بالرجل يقتضي أن

(1) الوسائل 19: 290، الباب 5 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 2.
(2) في بعض المخطوطات: باقية، وفي المطبوع: نافية.
(3) الوسائل 19: 291، الباب 5 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 7.
(4) الروضة 10: 282.
(5) المسالك 15: 464 - 465.
320

المرأة ليست كذلك، فيحتمل فيها الرجوع إلى الأصل من الأرش أو حكم
الشجاج بالنسبة وثبوت خمسين دينارا على النصف كالدية. وعن بعض
فتاوى الشهيد (رحمه الله) أن الأنثى كالذكر في ذلك ففي نافذتها مائة دينار أيضا (1).
وهو مناسب، للأصل المقرر من مساواتها للرجل في دية الأعضاء ما لم يبلغ
الثلث، أو يتجاوزه ولكن التقييد بالرجل في النص والفتوى لا يناسبه. فتأمل.
(الرابعة: في احمرار الوجه بالجناية) من لطمة وشبهها (دينار ونصف
وفي اخضراره) بها (ثلاثة دنانير) بلا خلاف أجده، بل عليه الإجماع
عن الانتصار (2) والخلاف (3) وفي السرائر (4) والغنية (5) وغيرها من كتب
الجماعة. وهو الحجة; مضافا إلى الموثقة كالصحيحة، قضى
أمير المؤمنين (عليه السلام) في اللطمة يسود أثرها في الوجه أن أرشها ستة دنانير،
فإن لم تسود فاخضرت فإن أرشها ثلاثة دنانير فإن احمارت ولم تخضار
فإن أرشها دينار ونصف (6). وفيها دلالة على أن (في اسوداده ستة)
دنانير، كما عليه الأكثر ومنهم الشيخ في الخلاف، مدعيا عليه الوفاق (7).
(وقيل) والقائل المفيد (8) وجماعة ومنهم السيدان (9) مدعيين عليه
الإجماع: أن (فيه) ثلاثة دنانير (كما في الاخضرار) وهو الأوفق بالأصل،
ولكن الأول أنسب بالاعتبار بعد النص المعتبر المعتضد بعمل الأكثر.
(وقال جماعة منا) من غير خلاف بينهم أجده كما صرح به بعض

(1) الروضة 10: 283.
(2) الانتصار: 549.
(3) الخلاف 5: 262، المسألة 74.
(4) السرائر 3: 410.
(5) الغنية: 420.
(6) الوسائل 19: 295، الباب 4 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 1.
(7) الخلاف 5: 262، المسألة 74.
(8) المقنعة: 766.
(9) الانتصار 549.
321

الأجلة (1) وادعى عليه في الروضة الشهرة (2) وعن الانتصار (3) والخلاف (4)
وفي الغنية (5) دعوى الإجماع عليه (وهي) أي هذه الجنايات الثلاث
(في البدن على النصف) مما في كل منها في الوجه، ففي الاحمرار ثلاثة
أرباع الدينار، وفي الاخضرار دينار ونصف، وكذا في الاسوداد أو ثلاثة على
الاختلاف ونسبه الماتن هنا وفي الشرائع إليهم مؤذنا بالتردد فيه (6)، لعدم
نص بذلك عنده عدا الرواية المتقدمة، وهي خالية عنه كما صرح به شيخنا
في الروضة (7).
وفيه مناقشة، فإن الخلو إنما هو في الكافي (8) والتهذيب (9)، وأما في
الفقيه فمتضمنة له ففيه بعد ما مر، وفي البدن نصف ذلك (10).
وظاهر النص والفتوى أن ذلك يثبت بوجود أثر اللطمة ونحوها في
الوجه مثلا وإن لم يستوعبه ولم تدم فيه. وربما حكي قول باشتراط الدوام،
وإلا فالأرش. وهو ضعيف، مع عدم ظهور قائله.
وهل يخص ذلك بوجه الحر كما يظهر من الغنية (11)، أو يعمه ووجه
العبد - مثلا كما يقتضيه إطلاق النص والفتوى؟ وجهان. والأصل مع قوة
احتمال اختصاصهما بحكم التبادر بالحر يرجح الأول، فيرجع في العبد إلى
الحكومة، كما في كل لطمة أو وكزة لم يتضمن التغييرات المزبورة، مع
احتمال مراعاة النسبة إلى القيمة، ومورد النص والفتوى في المسألة الأولى
إنما هو خصوص الوجه، وعن الخلاف (12) وفي السرائر (13) أن الرأس
كالوجه، ولم أعرف وجهه.

(1) التنقيح 4: 515.
(2) الروضة 10: 277 - 278.
(3) الانتصار 549.
(4) الخلاف 5: 262، المسألة 74.
(5) الغنية: 420.
(6) الشرائع 4: 278.
(7) الروضة 10: 277 - 278.
(8) الكافي 7: 333، الحديث 4.
(9) التهذيب 10: 294، الحديث 23.
(10) الفقيه 4: 158، الحديث 5359.
(11) الغنية: 420.
(12) الخلاف 5: 262، المسألة 74.
(13) السرائر 3: 410.
322

نعم ربما يستأنس له بالخبر الموضحة والشجاج في الوجه والرأس
سواء في الدية، لأن الوجه من الرأس وليست الجراحات في الجسد كما هي
في الرأس (1). فتدبر.
(الخامسة: كل عضو له دية مقدرة ففي شلله) أي جعله أشل (ثلثا
ديته) صحيحا (وفي قطعه بعد شلله ثلث ديته) صحيحا بلا خلاف أجده
في المقامين، بل على الأول الإجماع عن الخلاف (2) وفي الغنية (3)، وكذا
على الثاني في ظاهر عبارة بعض الأجلة (4). وهو الحجة; مضافا إلى النصوص
الواردة بهما ولو في أطراف مخصوصة، تقدم إليها الإشارة، وهو كاف بعد
ضم عدم القائل بالفرق بين الطائفة، مع أن في الخبر الوارد في الأصابع
صحيحة وشلا، وكل ما كان من شلل فهو على الثلث من دية الصحاح، وهو
عام في الثاني، بناء على أن العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحل. نعم في
كتاب ظريف (5) وما عرضه يونس على مولانا الرضا (عليه السلام) وشلل اليدين ألف
دينار والرجلين ألف دينار (6). وهو شاذ كالقوي الوارد بالدية في ذكر العنين
وإن حكي القول به عن الصدوق والإسكافي (7). ونحوهما في الشذوذ
الصحيح: في الإصبع عشر الدية إذا قطعت من أصلها أو شلت، الخبر (8).
(السادسة: دية الشجاج في الرأس والوجه سواء) بلا خلاف،
للإطلاقات إن قلنا بعدم اختصاصها بالرأس، كما هو المشهور وللمعتبرين.

(1) الوسائل 19: 296، الباب 5 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 1.
(2) الخلاف 5: 261، المسألة 72.
(3) الغنية: 419.
(4) كشف اللثام 2: 516 س 27.
(5) الفقيه 4: 78، الحديث 5150.
(6) الوسائل 19: 272، الباب 1 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.
(7) المختلف 9: 426.
(8) الوسائل 19: 264، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.
323

أحدهما القوي: الموضحة في الوجه والرأس سواء (1).
وفي الثاني: الموضحة والشجاج في الرأس والوجه سواء في الدية لأن
الوجه في الرأس (2).
وهو صريح في العموم منطوقا ومفهوما، وبه تجبر أخصية مورد الأول،
مضافا إلى عدم القول بالفصل.
وأما الخبر: في السمحاق وهي التي دون الموضحة خمسمائة درهم
وفيها إذا كانت في الوجه ضعف الدية على قدر الشين (3) ففيه مع شذوذه
ضعيف بالإرسال، وعدم مقاومته لما مر من الأخبار المعتضدة أو المنجبرة
بعمل الأصحاب.
(و) دية شبيهها من الجراح (في البدن بنسبة) دية (العضو الذي
يتفق فيه) الجراحة من دية الرأس، وهي دية النفس، ففي حارصة اليد مثلا
نصف بعير أو خمسة دنانير، وفي حارصة إحدى أنملتي الإبهام عشر بعير
أو نصف دينار بلا خلاف أجده، ولم أجد دليلا على هذه الكلية بعده.
نعم في الخبر المتقدم: وليست الجراحات في الجسد كما هي في الرأس.
وفي الموثقة في الجروح في الأصابع إذا أوضح العظم نصف عشر دية
الإصبع (4).
وهما مع قصور سندهما بل ضعف الأول لا يفيدان تمام المدعى، إلا أن
يجبر جميع ذلك بالإجماع المركب، مضافا إلى اعتبار سند الموثق، لكنه
روي في التهذيب (5) كما مر، وفي الكافي (6): «عشر دية الإصبع» بإسقاط
لفظ النصف، وعليه فيلحق بالشواذ.

(1) الوسائل 19: 296 - 292، الباب 5 - 2 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 2، 1، 9.
(2) الوسائل 19: 296 - 292، الباب 5 - 2 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 2، 1، 9.
(3) الوسائل 19: 296 - 292، الباب 5 - 2 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 2، 1، 9.
(4) الوسائل 19: 296، الباب 6 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 1.
(5) التهذيب 10: 290، الحديث 6.
(6) الكافي 7: 327، الحديث 7.
324

واعلم أن كتاب ظريف تضمن تفاصيل ديات الجراح في البدن
موافقا للقوم في بعضها، ومخالفا لهم في آخر منها، ولذا لا يمكن الاستدلال
به لهم هنا.
(السابعة: كل ما) كان (فيه) حال كونه (من الرجل) الحر (ديته)
كاملة كالنفس واليدين والرجلين والعقل ونحو ذلك (ففيه) أي في ذلك
الشئ إذا كان (من المرأة ديتها) نصف ديته (و) في ذلك إذا كان (من
الذمي ديته) ثمانمائة درهم ومن الذمية ديتها (و) فيه إذا كان (من العبد
قيمته) ما لم يتجاوز دية الحر فيرد إليها ومن الأمة قيمتها ما لم يتجاوز دية
الحرة، بلا خلاف في شئ من ذلك، وقد تقدم التحقيق فيها في الشرط الأول
من شرائط القصاص، وفي النظر الأول من كتاب الديات.
(وكل ما) كان (فيه) حال كونه (من) الرجل (الحر مقدر)
مخصوص كإحدى اليدين والرجلين والأذنين، ونحو ذلك من الأطراف التي
تجب في الجناية عليها نصف الدية أو ثلثاها أو ثلثها أو عشرها أو نحو ذلك
من المقادير كالحارصة والدامية والموضحة ونحوها من الشجاج والجراح
التي تجب فيها المقدر من دياتها السابقة مفصلا (فهو) إذا كان (من
المرأة) فيه ديته (بنسبة ديتها) فما فيه من الرجل نصف ديته مثلا ففيه
من المرأة نصف ديتها وما كان فيه منه ثلثا ديته أو ثلثها أو عشرها أو نحو
ذلك ففيه من المرأة مثل ذلك لكن بنسبة ديتها (ومن الذمي) والذمية
(كذلك) أي بنسبة ديتهما (ومن العبد) والأمة (بنسبة قيمتهما) بلا
خلاف في شئ من ذلك أجده، بل عليه الإجماع في الغنية (1)، والنصوص
به مع ذلك مضافا إلى الاعتبار مستفيضة:

(1) الغنية: 420.
325

منها القوي: جراحات العبيد على نحو جراحات الأحرار في الثمن (1).
ومنها: في رجل شج عبدا موضحة، قال: عليه نصف عشر قيمته (2).
ومنها: يلزم مولى العبد قصاص جراحة عبده من قيمة ديته على حساب
ذلك يصير أرش الجراحة، وإذا جرح الحر العبد فقيمة جراحته من حساب
قيمته (3). إلى غير ذلك من النصوص.
وفي الصحيح: عن رجل مسلم فقأ عين نصراني فقال: دية عين الذمي
أربعمائة درهم (4).
وفي آخر: جراحات النساء على النصف من جراحات الرجال في كل
شئ (5). ونحوه النصوص المستفيضة المتقدمة في البحثين المتقدم إليهما
الإشارة.
(لكن) فيها الدلالة على أن (الحرة تساوي الحر) في ديات الأطراف
والجراح (حتى تبلغ الثلث ثم يرجع إلى النصف) وعليها عمل الأصحاب
كافة وإن اختلفوا كاختلافها من وجه آخر، وينافي ذلك عموم الصحيحة
المزبورة، لكنها قابلة للتخصيص بتلك المستفيضة، بحملها على ما إذا زاد
عن ثلث الدية. وهذه النصوص وإن لم تف بتمام ما في العبارة من المطلوب
لكن يتمم بالإجماع المركب وعدم قائل بالفرق بين مواردها وغيرها.
واحترز بقوله: فيما فيه مقدر عما لا تقدير فيه، فإن فيه الحكومة مطلقا
بلا خلاف أجده، ويشهد له كثير من المعتبرة:
منها الصحيح: وما كان جروحا دون الاصطلام فيحكم به ذوا عدل
منكم الخبر (6).

(1) الوسائل 19: 298، الباب 8 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 2، 1، 4.
(2) الوسائل 19: 298، الباب 8 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 2، 1، 4.
(3) الوسائل 19: 298، الباب 8 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 2، 1، 4.
(4) الوسائل 19: 161، الباب 13 من أبواب ديات النفس، الحديث 4.
(5) المصدر السابق: 295، الباب 3 من أبواب ديات الشجاج، الحديث 2.
(6) المصدر السابق: 228، الباب 11 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
326

وفي آخر: إن عندنا الجامعة، قلت: وما الجامعة؟ قال: صحيفة فيها كل
حلال وحرام وكل شئ يحتاج إليه الناس حتى الأرش في الخدش وضرب
بيده إلي، فقال: أتأذن يا أبا محمد، فقلت: جعلت فداك إنما أنا لك فاصنع ما
شئت فغمزني بيده وقال: حتى أرش هذا (1).
(والحكومة والأرش) في اصطلاح الفقهاء (عبارة عن معنى
واحد) وتفاوت ما بين الصحة والعيب (ومعناه) في نحو العبد واضح، لكن
لا يتجاوز بقيمته عن دية الحر كما مر غير مرة، وينقص عن قيمته حال
العيب أيضا بتلك النسبة، فلو تجاوز دية الحر بقدر الربع مثلا ورد إليها
بإسقاطه، فليسقط مثله من قيمته حال العيب أيضا ويراعى التفاوت بين
القيمتين ويؤخذ. فتأمل.
وفي الحر (أن يقوم سليما) من نقص تلك الجناية (إن كان عبدا)
ويقوم (مجروحا كذلك) أي يفرض كونه عبدا (وينسب التفاوت) بين
قيمتي حال الصحة والعيب (إلى القيمة) الأولى (ويؤخذ من الدية
بحسابه) أي التفاوت من النصف والثلث والعشر ونحو ذلك، فلو قوم عبدا
صحيحا بعشرة ومعيبا بتسعة وجبت للجناية عشر دية الحر، ويجعل العبد
أصلا له في ذلك، كما أن الحر أصل له في المقدر.
(الثامنة: من) قتل و (لا ولي له فالإمام ولي دمه وله المطالبة بالقود)
في العمد (أو الدية) في شبهه والخطأ بلا خلاف فتوى ورواية واعتبارا.
(وهل له العفو) عنهما؟ (المروي) في الصحيح (2) (لا) وهو
المشهور بين الأصحاب، بل كاد أن يكون إجماعا، كما في الإيضاح (3)

(1) الوسائل 19: 271، الباب 48 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
(2) المصدر السابق: 93، الباب 6 من أبواب القصاص، الحديث 1.
(3) الإيضاح 4: 715.
327

والمسالك (1) والروضة (2) وشرح الشرائع للصيمري (3). وهو كذلك، لعدم
مخالف فيه عدا الحلي (4). وهو شاذ. وتحقيق المسألة مضى في كتاب الإرث
في المسألة الثالثة من مسائل بحث مانعية القتل عن الإرث، فلا نعيده، مع أن
البحث قليل الفائدة.
(النظر الرابع في اللواحق)
(وهي) مسائل (أربع):
(الأولى)
في دية الجنين، وهو الحمل في بطن أمه
واعلم أن (دية الجنين الحر المسلم) تبعا لإسلام أبويه أو أحدهما
(إذا اكتسى اللحم) وتمت خلقته (ولم تلجه الروح مائة دينار) عشر
الدية (ذكرا) كان الجنين (أو أنثى) على الأشهر الأظهر، بل عليه عامة من
تأخر، وفي الغنية (5) والسرائر (6) وعن صريح الانتصار (7) والخلاف (8) وظاهر
المبسوط (9) الإجماع عليه. وهو الحجة; مضافا إلى المعتبرة المستفيضة:
منها - زيادة على ما يأتي إليه الإشارة - الصحيح: أن أمير المؤمنين (عليه السلام)
جعل دية الجنين مائة دينار وجعل مني الرجل إلى أن يكون جنينا خمسة
أجزاء، فإذا كان جنينا قبل أن تلجه الروح مائة دينار، وذلك أن الله عز وجل

(1) المسالك 15: 468.
(2) الروضة 10: 288.
(3) غاية المرام: 210 س 15 (مخطوط).
(4) السرائر 3: 336.
(5) الغنية: 415.
(6) السرائر 3: 417.
(7) الانتصار: 532.
(8) الخلاف 5: 293، المسألة 124.
(9) المبسوط 7: 193.
328

خلق الإنسان من سلالة وهي النطفة فهذا جزء ثم علقة، فهذان جزءان ثم
مضغة ثلاثة أجزاء ثم عظم فهي أربعة أجزاء ثم يكسى لحما حينئذ ثم
جنينا فكملت له خمسة أجزاء مائة دينار، والمائة دينار خمسة أجزاء
فجعل النطفة خمس المائة عشرين دينارا وللعلقة خمسي الدية أربعين
دينارا وللمضغة ثلاثة أخماس المائة ستين دينارا وللعظم أربعة أخماس
الدية ثمانين دينارا، فإذا أنشأ فيه خلق آخر وهو الروح فهو حينئذ نفس
ألف دينار كاملة إن كان ذكرا، وإن كان أنثى فخمسمائة دينار (1)، الخبر.
وقريب منه أخبار كثيرة يأتي إليها الإشارة.
خلافا للعماني، فقال: فيه الدية كاملة (2)، للصحيح: إذا كان عظما شق له
السمع والبصر ورتبت جوارحه فإن كان كذلك فيه الدية كاملة (3). ونحوه
آخر (4).
وهو شاذ، ومستنده غير صريح، للإطلاق المحتمل تقييده بصورة ولوج
الروح، جمعا، وللأخبار المفصلة، مع احتماله الحمل على دية الجنين مائة
دينار.
وللإسكافي فأطلق أن فيه غرة عبد أو أمة (5)، للنصوص الآتية.
وستعرف جوابه.
وللمبسوط ففرق بين الذكر فما مر والأنثى فنصفه (6).
وهو مع عدم وضوح مستنده شاذ وإن قيل يفهم منه أن على ما ذكره
الاتفاق (7)، بل على خلافه في السرائر (8) الإجماع. وهو الحجة; مضافا إلى

(1) الوسائل 19: 237 - 239 - 242، الباب 19، 20 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 4، 1.
(2) المختلف 9: 411.
(3) الوسائل 19: 237 - 239 - 242، الباب 19، 20 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 4، 1.
(4) الوسائل 19: 237 - 239 - 242، الباب 19، 20 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 4، 1.
(5) المختلف 9: 411.
(6) المبسوط 7: 194.
(7) كشف اللثام 2: 518 س 38.
(8) السرائر 3: 417.
329

إطلاق الفتاوى والروايات، بل ظاهر جملة منها، ومنها الصحيحة السابقة،
حيث لم تفصل بين ديته ذكرا أو أنثى إلا حال ولوج الروح خاصة، ونحوها
الصحيحة (1).
والمرسلة القريبة منها سندا: دية الجنين خمسة أجزاء خمس للنطفة
عشرون دينارا وللعلقة خمسان أربعون دينارا وللمضغة ثلاثة أخماس
ستون دينارا وللعظم أربعة أخماس ثمانون دينارا، فإذا تم الجنين كان له
مائة دينار، فإذا أنشأ فيه الروح فديته ألف دينار أو عشرة آلاف درهم إن
كان ذكرا، وإن كان أنثى فخمسمائة دينار، الحديث (2).
وقريب منهما الحسن القريب من الصحيح بل قيل صحيح (3) في النطفة
أربعون دينارا، وفي العلقة ستون دينارا، وفي المضغة ثمانون دينارا، فإذا
اكتسى العظام لحما ففيه مائة دينار، قال الله عز وجل: «ثم أنشأناه خلقا
آخر فتبارك الله أحسن الخالقين»، فإن كان ذكرا ففيه الدية، وإن كان أنثى
ففيها ديتها (4).
وهو وإن لم يصرح بأن ذلك في ولوج الروح إلا أن في ذكر قوله
سبحانه: «ثم أنشأناه خلقا آخر» الآية إشارة إلى ذلك، فإن خلقا آخر كما
عرفته من الصحيحين السابقين هو الروح.
وظاهره وإن نافى الأخبار السابقة في دية النطفة والعلقة والمضغة، إلا
أنه محمول على زيادة خلقة النطفة إلى أن تبلغ العلقة، وزيادة العلقة إلى أن
تبلغ المضغة، وزيادة المضغة إلى أن تبلغ العظم.

(1) الوسائل 19: 241، الباب 19 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 9.
(2) الوسائل 19: 169، الباب 21 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.
(3) ملاذ الأخيار 16: 604.
(4) الوسائل 19: 241، الباب 19 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 9.
330

(ولو كان) الجنين (ذميا) أي متولدا عن ذمي ملحقا به (فعشر دية
أبيه) ثمانون درهما بلا خلاف أجده، بل عن الخلاف (1) وفي ظاهر عبارة
بعض الأجلة بل جماعة الإجماع عليه (2). وهو الحجة، دون ما في التنقيح
من أن إلحاق الولد الحر بأبيه في الأحكام حقيقة غالبة (3)، ولا ما ذكره
جماعة من مناسبة ذلك لمراعاة جنين الحر المسلم بدية أبيه، فإن جميع ذلك
مناسبات يشكل التعويل عليها في إثبات الأحكام، سيما مع معارضتها
بمثلها، وهو أن أهل الذمة مماليك الإمام (عليه السلام)، كما وقع التصريح به في كثير
من الأخبار ومن حكم المملوك أن دية جنينه تعتبر بعشر دية أمه، كما يأتي.
وعليه فيناسب أن يكون دية الجنين الذمي عشر دية أمه (و) وقع
التصريح به أيضا (في روايتي مسمع والسكوني) عن جعفر عن أبيه عن
علي (عليه السلام) أنه قضى في جنين اليهودية والنصرانية والمجوسية (عشر دية
أمه) (4) لكنهما ضعيفتا السند، سيما الأولى.
والمناسبة المؤيدة لهما ليست بحجة، كما مضى.
وعلى تقدير حجتيها في نفسها فلا يعترض بها اتفاق الأصحاب الظاهر
والمحكي على خلافها، ولولاه لكان المصير إليها قويا، سيما مع اعتضادها
بالروايتين، وقوة سند الثانية منهما، ولكن لا محيص بعد ذلك عن إطراحهما
أو حملهما على ما يجتمعان مع الفتاوى.
(ولو كان مملوكا فعشر قيمة أمه المملوكة) على الأظهر الأشهر، بل
عليه عامة من تأخر، وفي السرائر (5)، وعن الخلاف (6) الإجماع عليه،

(1) الخلاف 5: 296، المسألة 129.
(2) كشف اللثام 2: 519 س 7.
(3) التنقيح 4: 517.
(4) الوسائل 19: 246 - 245، الباب 22 - 21 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2 وذيله، 2.
(5) السرائر 3: 417.
(6) الخلاف 5: 298، المسألة 133.
331

للقوي: في جنين الأمة عشر ثمنها (1).
خلافا للمبسوط فعشر قيمة الأب إن كان ذكرا وعشر قيمة الأم إن كان
أنثى (2). وهو مع شذوذه لم أعرف له مستندا.
واحترز بتقييد الأم بالمملوكة عما لو كانت حرة فإن فيه عشر دية أبيه،
كما في القواعد (3).
قيل: لأن الأصل في الولد أن يتبع الأب وحكم الجنين الحر ذلك خرج
ما إذا كانت أمة بالنص والإجماع (4).
وفيه نظر، لما مر، واحتمل فيه أيضا عشر قيمة الأم على تقدير الرقية.
قيل: لعموم النص والفتوى باعتبار قيمتها (5).
وفيه نظر أيضا، لاختصاص موردهما بجنين الأمة لا مطلقا. واستقرب
في التحرير عشر دية أمه ما لم تزد على عشر قيمة أبيه (6). قيل: جمعا بين
عموم النص والفتوى باعتبار قيمتها (7) ورق الجنين الموجب لعدم زيادة
ديته على أبيه الرقيق. وفي عموم النص ما مر، والوجه الأخير للعبد لم يظهر.
فالمسألة محل نظر، ولكن الأخذ بالأقل أجدر، عملا بالأصل،
وأخذا بالمتيقن.
(و) اعلم أنه (لا كفارة) في قتل الجنين في جميع أحواله، للأصل
واختصاص ما دل على وجوبها بصورة القتل المشروط بحياة القتيل، ولا
خلاف فيه هنا ظاهرا، بل عليه في بعض العبارات إجماعنا (8). وهو حجة
اخرى.

(1) الوسائل 19: 246 - 245، الباب 22 - 21 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2 وذيله، 2.
(2) المبسوط 7: 197.
(3) القواعد 3: 694 - 695.
(4) كشف اللثام 2: 519 س 16 - 17 - 23.
(5) كشف اللثام 2: 519 س 16 - 17 - 23.
(6) التحرير 2: 277 س 32.
(7) كشف اللثام 2: 519 س 16 - 17 - 23.
(8) كشف اللثام 2: 519 س 16 - 17 - 23.
332

(ولو) جنى عليه بعد أن (ولجته الروح فالدية) دية النفس (كاملة
للذكر ونصفها للأنثى) بلا خلاف أجده، والنصوص به مع ذلك مستفيضة،
تقدم إلى جملة منها الإشارة.
وإطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق بين موت الجنين في البطن
أم خارجه.
خلافا للغنية فخص وجوب كمال الدية بالصورة الثانية، قال: فإن مات
الجنين في الجوف ففيه نصف الدية (1).
ولم أعرف مستنده، سوى ما ادعاه في ظاهر كلامه من إجماع الإمامية،
ووهنه ظاهر، إذ لا موافق له أجده، عدا الحلبي (2) والعماني (3)
والإسكافي (4)، لكنهما ذكرا ذلك في الجنين المملوك خاصة، للرواية: في
رجل قتل جنين أمة لقوم في بطنها، فقال: إن كان مات في بطنها بعدما
ضربها فعليه نصف عشر قيمة أمه، وان كان ضربها فألقته حيا فمات فإن
عليه عشر قيمة أمه (5). وهي ضعيفة السند، قاصرة المتن عن إفادة ما ذكره
ابن زهرة، لاختصاصها ككلام القديمين بالجنين المملوك خاصة. ومع ذلك
صريحة ككلامهما بإثبات العشر ونصفه في الصورتين مع ولوج الروح،
وهو (رحمه الله) قد صرح بلزوم دية النفس أو نصفها حينئذ لو مات خارجا ونصفها
لو مات في بطنها (6).
ومن هنا ظهر عدم موافقته للقديمين أصلا، إلا في أصل التفصيل بين
الموت في البطن أو خارجه.

(1) الغنية: 415.
(2) الكافي في الفقه: 393.
(3) المختلف 9: 414.
(4) المختلف 9: 414.
(5) الوسائل 19: 245، الباب 21 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
(6) الغنية: 415.
333

(ولو لم يكتس اللحم ففي ديته قولان):
(أحدهما) أنها (غرة) عبد أو أمة مطلقا، ذهب إليه الشيخ في جملة
من كتبه (1)، وفاقا للإسكافي، لكنه أطلق ولم يفصل بين اكتسابه اللحم
وعدمه، كما مر، والشيخ فصل بين الصورتين، ووافق الأصحاب في لزوم
المائة في الأولى، ووافقه في الثانية، جمعا بين النصوص المتقدمة الدالة على
المائة، والنصوص الدالة على الغرة بقول مطلق.
كالصحيح: جاءت امرأة فاستعدت على أعرابي قد أفزعها فألقت جنينا،
فقال: الأعرابي لم يهل ولم يصح ومثله يطل، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): اسكت
سجاعة عليك غرة وصيف وأمة (2). ونحوه الصحيح (3).
والقوي: في قضاء النبي (صلى الله عليه وآله) في مثل تلك القضية (4).
والصحيح: عن رجل قتل امرأة خطأ وهي على رأس الولد تمخض،
فقال (عليه السلام): خمسة آلاف درهم وعليه دية الذي في بطنها غرة وصيف
أو وصيفة (5).
والخبر: إن ضرب رجل امرأة حبلى فألقت ما في بطنها ميتا، فإن عليه
غرة عبد أو أمة يدفعه إليها (6).
بحمل الأولة على تام الخلقة كما هو صريحها، والأخيرة على ناقصها
كان طرح علقة أو مضغة، واستشهد عليه بالصحيح: في امرأة شربت دواء
وهي حامل لتطرح ولدها فألقت ولدها، قال: إن كان له عظم قد نبت عليه
اللحم وشق له السمع والبصر فإن عليها ديته تسلمها إلى أبيه، وإن كان جنينا

(1) المبسوط 7: 194، 195، الخلاف 4: 113، المسألة 126، التهذيب 10: 287 ذيل
الحديث 14.
(2) الوسائل 19: 242، الباب 20 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2، 4، 3، 6، 5.
(3) الوسائل 19: 242، الباب 20 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2، 4، 3، 6، 5.
(4) الوسائل 19: 242، الباب 20 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2، 4، 3، 6، 5.
(5) الوسائل 19: 242، الباب 20 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2، 4، 3، 6، 5.
(6) الوسائل 19: 242، الباب 20 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2، 4، 3، 6، 5.
334

علقة أو مضغة، فإن عليها أربعين دينارا أو غرة عبد تسلمها إلى أبيه (1).
وفي هذا الجمع نظر، لأن فيه إطراحا للأخبار الأولة في صورة عدم
تمام الخلقة، لتصريحها بالتفصيل الذي عرفته، وستأتي إليه الإشارة، وينافيه
إطلاق أخبار الغرة.
إلا أن يجمع بينهما بحمل إطلاقها على تفصيل تلك بتقييده بغرة تساوي
عشرين دينارا في النطفة وأربعين في العلقة وهكذا، لكنه لا يلائم ما اختاره
من لزوم الغرة على الإطلاق، وينافيه صريح الصحيحة الأخيرة، لنصها بلزوم
الغرة أو أربعين دينارا في المضغة، مع أن مقتضى تلك النصوص لزوم ستين
دينارا فيها، مع أن المستفاد من المعتبرة تعيين قيمة الغرة بخمسين دينارا،
كما في الصحيح والقوي: والغرة قد تكون بمائة دينار وتكون بعشرة، فقال:
بخمسين (2). وعليه الإسكافي (3)، أو بأربعين كما في ظاهر الصحيحة
المتقدمة، والموثق: أن الغرة تزيد وتنقص ولكن قيمتها أربعون دينارا (4).
هذا، مع أن جملة من أخبار الغرة قضية في واقعة، فليس فيها حجة
والباقية بعضها ضعيف، والصحيح منها كما عداه لا يقاوم الأخبار السابقة من
وجوه عديدة أعظمها اشتهارها، ومخالفتها للعامة دون هذه، لموافقتها
لمذهب كثير منهم كما صرح به الشيخ، واحتمل لذلك حملها على التقية،
قال: لأن ذلك مذهب كثير من العامة، وقد روي ذلك عن النبي (صلى الله عليه وآله) (5).
أقول: ويؤيده كون جملة من رواياتها عن السكوني الذي هو من
قضاتهم، ومصير الإسكافي إليه أيضا، ولذا اختار أكثر الأصحاب، بل
المشهور على الظاهر المصرح به في كثير من العبائر.

(1) الوسائل 19: 242، الباب 20 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
(2) الوسائل 19: 242، الباب 20 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 7 وذيله، 8.
(3) المختلف 9: 411.
(4) الوسائل 19: 242، الباب 20 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 7 وذيله، 8.
(5) الاستبصار 4: 302، ذيل الحديث 9.
335

القول (الثاني) وهو (توزيع الدية) أي المائة وتقسيمها (على) مراتب
(حالاته ففيه) وهو (عظم ثمانون) دينارا (ومضغة ستون وعلقة
أربعون ونطفة بعد استقرارها في الرحم عشرون) كما فصلته تلك
الأخبار السابقة وغيرها من المعتبرة، وادعى عليه الإجماع في الغنية (1).
وعلى هذا فلا حاجة بنا إلى تحقيق معنى الغرة وذكر الاختلاف فيها.
ثم إن أكثر إطلاق النصوص والفتاوى على المختار بإثبات الديات
المقدرة في محالها يقتضي ثبوت كل منها فيما يصدق عليه مبدأ كل منها،
حتى أن في النطفة قبل تمام الأربعين يوما من وضعها في الرحم ولو بيوم
يكون فيها مقدرها عشرون دينارا وهكذا.
(وقال الشيخ) في النهاية (2): (وفيما بينهما) أي بين الحالتين أي
حالة وضعها في الرحم وحالة انتقالها إلى العلقة وحالة انتقالها إليها وانتقالها
إلى مضغة وهكذا (بحسابه) وهو مجمل، وفسره الحلي بأن النطفة تمكث
عشرين يوما ثم تصير علقة، وكذا ما بين العلقة والمضغة فيكون لكل يوم
دينار (3).
واعترضه الماتن، فقال في الشرائع: نحن نطالبه بصحة ما ادعاه الأول ثم
بالدلالة على أن تفسيره مراد، على أن المروي في المكث بين النطفة والعلقة
أربعون يوما، وكذا بين العلقة والمضغة، وروى ذلك سعيد بن المسيب عن
علي بن الحسين ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام)، وأبو جرير القمي عن
موسى بن جعفر (عليه السلام)، أما العشرون فلم نقف لها على رواية، ولو سلمنا
المكث الذي ذكره من أين أن التفاوت في الدية مقسوم على الأيام، مع أنه
يحتمل أن تكون الإشارة بذلك إلى ما رواه يونس الشيباني عن الصادق (عليه السلام)

(1) الغنية: 415.
(2) النهاية 3: 459.
(3) السرائر 3: 416.
336

أن لكل قطرة أي من الدم تظهر على النطفة دينارين إلى آخر ما ذكره (1).
وقريبا منه ذكر الفاضل في التحرير (2)، وحكى عنه أيضا في نكت النهاية (3).
وهو حسن، إلا ما فهماه من الحلي من كون مدة المكث] من حالة إلى
اخرى عشرين يوما، وذلك فإن الظاهر من كلامه خلافه واعتباره في
المكث [(4) أربعين، كما ذكروه، فإنه قال: الجنين الولد ما دام في البطن وأقل
ما يكون نطفة وفيها بعد وضعها إلى عشرين يوما عشرون دينارا ثم بعد
العشرين يوما لكل يوم دينار إلى أربعين يوما وهي دية العلقة، فهذا معنى
قولهم وفيما بينهما بحساب ذلك ثم تصير مضغة وفيها ستون دينارا وفيما
بين ذلك بحسابه (5).
وهو كما ترى ظاهر، بل صريح فيما قلنا.
(ولو قتلت المرأة فمات معها) الجنين (فللأولياء دية المرأة) كملا
خمسمائة دينارا (ونصف الديتين) أي نصف دية ذكر ونصف دية أنثى
يصير مجموعهما سبعمائة وخمسين دينارا يؤخذ (عن الجنين إن جهل
حاله) ذكورة وأنوثة (فإن علم) حاله (ذكرا كان أو أنثى كانت الدية)
للجنين (بحسابه) ألف دينار على الأول، ونصفه على الثاني، بلا خلاف في
الحكم الأخير نصا وفتوى، وعلى الأظهر في الأول أيضا، وهو الأشهر، بل
عليه عامة من تأخر، وعن الخلاف الإجماع عليه (6)، للمعتبرة، وفيها
الصحيح وغيره: وإن قتلت امرأة وهي حبلى متم لم يسقط ولدها ولم يعلم

(1) الشرائع 4: 281.
(2) التحرير 2: 278 س 11.
(3) نكت النهاية 3: 359.
(4) ما بين المعقوفتين ليس في المخطوطات.
(5) السرائر 3: 416.
(6) الخلاف 5: 294، المسألة 125.
337

ونصف دية الأنثى ودية المرأة كاملة بعد ذلك (1).
وربما أيدت بالنصوص الحاكمة بمثل ذلك في ميراث الخنثى المشكل
على القول به.
(وقيل) والقائل الحلي: (إن مع الجهالة يستخرج) ذكورة الجنين
وأنوثته (بالقرعة، لأنه) لكل أمر (مشكل) (2) وهو وإن كان حسنا على
أصله، لكنه غير مستحسن على غيره (لأنه لا إشكال مع النقل) الصحيح
المشتهر بين الأصحاب، بحيث لا يكاد يوجد مخالف فيه سواه، وهو شاذ،
بل على خلافه - كما عرفت - حكي الإجماع.
(ولو ألقته) المرأة (مباشرة أو تسبيبا) بأن شربت دواء مثلا
فطرحته مطلقا، (فعليها دية ما ألقته) لورثته (ولا نصيب لها) منها بلا
خلاف، للأصول، مضافا إلى النصوص:
ففي الصحيح: فيمن شربت ما أسقطت به، قال: فهي لا ترث من ولدها
من ديته، قال: لا، لأنها قتلته (3).
(ولو كان) الإلقاء (بإفزاع مفزع فالدية عليه) أي على ذلك المفزع
بلا خلاف أيضا، للأصول، والنصوص:
منها - زيادة على أحاديث الغرة المتقدمة - الصحيح: في مني الرجل
يفزع عن عرسه فيعزل عنها الماء ولم يرد ذلك نصف خمس المائة عشرة
دنانير، وإذا فزع فيها عشرين دينارا، الخبر (4).
(ويستحق دية الجنين وارثه) المتقدم بيانه في كتاب الإرث، ويظهر

(1) الوسائل 19: 237 - 169، الباب 19 من أبواب ديات الأعضاء، والباب 21 من أبواب
ديات النفس، الحديث 1، 1.
(2) السرائر 3: 418.
(3) الوسائل 19: 242، الباب 20 - 19 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 1.
(4) الوسائل 19: 242، الباب 20 - 19 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 1.
338

مما مر ثمة دليل أصل الحكم في المسألة، مضافا إلى الإجماع منا عليه في
المحكي عن ظاهر السرائر (1) وعن صريح الخلاف (2)، وصريح النصوص
المستفيضة:
منها - زيادة على ما مر في أحاديث الغرة والصحيحة المتقدمة قريبا -
ما ورد في دية الميت، وفيه: وهي أي دية الجنين لورثته، ودية هذا أي
الميت له لا للورثة (3). إلى غير ذلك من النصوص.
(ودية) أعضائه و (جراحاته) يعتبر (بنسبة ديته) ففي قطع يده
خمسون دينارا وفي حارصته دينار وهكذا بلا خلاف، للصحيح: وقضى في
دية جراح الجنين من حساب المائة على ما يكون من جراح الذكر والأنثى
الرجل والمرأة كاملة وجعل له في قصاص جراحته ومعقلته على قدر ديته
وهي مائة دينار (4).
(ومن أفزع مجامعا فعزل) بذلك النطفة (فعليه) دية ضياع النطفة
(عشر دنانير) بلا خلاف أجده، بل عليه الإجماع عن الانتصار (5)
والخلاف (6) وفي الغنية (7). وهو الحجة; مضافا إلى الصحيحة المتقدمة
قريبا.
(ولو عزل عن زوجته) الحرة (اختيارا) بغير إذنها (قيل: يلزمه)
أيضا (دية النطفة عشرة دنانير، والأشبه الاستحباب) لما مر في النكاح،
وإن كان الاحتياط مما لا ينبغي تركه في المقام، لدعوى الشيخ في الخلاف (8)
وابن زهرة (9) على الوجوب الإجماع، مع مصير كثير من الأصحاب إليه،

(1) السرائر 3: 417 - 418.
(2) الخلاف 5: 294، المسألة 126.
(3) الوسائل 19: 247 - 237، الباب 24 - 19 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2، 1.
(4) الوسائل 19: 247 - 237، الباب 24 - 19 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2، 1.
(5) الانتصار: 265.
(6) الخلاف 5: 293، المسألة 123.
(7) الغنية: 415.
(8) الخلاف 5: 293، المسألة 123.
(9) الغنية: 415.
339

وهو خيرة الفاضل في القواعد (1) والمقداد في شرح الكتاب (2).
(الثانية)
(في) بيان أحكام (الجناية على الحيوان) الصامت
اعلم أن (من أتلف حيوانا مأكولا) لحمه شرعا (كالنعم) من الإبل
والبقر والغنم (بالذكاة) متعلق بقوله: أتلف (لزمه الأرش) وهو تفاوت
ما بين قيمته حيا ومذكى، بلا خلاف فيه في الجملة، دفعا لضرر الجناية
الغير المندفع، حيث لا يعفو المالك عنها إلا به.
(وهل لمالكه دفعه) إلى الجاني (والمطالبة له بقيمته) يوم إتلافه
مخيرا بينه وبين الأرش (قال الشيخان) (3) والقاضي (4) والديلمي (5) وابن
حمزة (6) (نعم) له ذلك كذلك، نظرا إلى كونه مفوتا لمعظم منافعه فصار
كالتالف. وضعفه ظاهر، لأن فوات معظمها لا يقتضي دفع ماليته رأسا حتى
يلزم بالقيمة بتمامها.
(والأشبه) الأشهر، بل لعله عليه عامة من تأخر، وفاقا للمبسوط (7)
والحلي (8) أنه (لا) يجوز له ذلك (لأنه إتلاف لبعض منافعه) لا
جميعها (فيضمن) عوض (التالف) خاصة، لأصالة براءة ذمة الجاني عما
زاد عنه، ولأنه باق على ملك مالكه، فلا ينتقل عنه إلا بالتراضي من الجانبين،
ولا كلام في الجواز معه، كما لا كلام في جوازه لو فرض عدم القيمة له
أصلا كذبحه في برية لا يرغب أحد في شرائه فيلزمه القيمة، لأنها حينئذ
مقدار النقص.

(1) القواعد 3: 696.
(2) التنقيح 4: 522.
(3) المقنعة: 769، النهاية 3: 465.
(4) المهذب 2: 512.
(5) المراسم: 343.
(6) الوسيلة: 428.
(7) المبسوط 8: 30.
(8) السرائر 3: 420.
340

(ولو أتلفه لا بالذكاة) كأن خنقه أو قتله بما لا يجوز الذكاة به
(لزمته قيمته يوم إتلافه) بلا خلاف، بل عليه في ظاهر الغنية (1) وصريح
الإيضاح (2) الإجماع، للضرر الغير المندفع، مع عدم العفو إلا بها، ويوضع
منها ما له قيمة من الميتة كالشعر والصوف والوبر والريش ونحو ذلك، كما
صرح به جماعة، من غير خلاف بينهم أجده. ووجهه واضح لمن تدبره.
وعليه ينزل إطلاق العبارة.
(ولو قطع بعض جوارحه أو كسر شيئا من عظامه) أو جرحه (فللمالك
الأرش) إن كانت حياته مستقرة، وإلا فالقيمة، وفاقا لجماعة، للأصل
المتقدم إليه الإشارة، مضافا إلى النصوص المستفيضة: بربع ثمن الدابة لو فقأ
عينها (3)، ومنها الصحيحان (4) وغيرهما (5)، لكن ظاهرها تعين الربع، كما
عليه الماتن، ويحكى عن الشيخ (6) وجماعة. ولا بأس به، إلا أن تحمل
الروايات وكلماتهم على صورة اتفاق كون الربع أرشا وتوافقهما مقدارا
لا يعين الربع مطلقا حتى لو زاد عن الأرش أو نقص عنه، لكنه بعيد جدا.
(وإن كان مما لا يؤكل) لحمه شرعا (ويقع عليه الذكاة كالأسد
والنمر) والفهد ونحو ذلك فأتلفه بها (ضمن أرشه) كالمأكول، وفيه القول
بتخيير المالك الذي مضى.
(وكذا) يجب الأرش (في قطع أعضائه) وجراحاته وكسر عظامه
(مع استقرار حياته) وإلا فقيمته (ولو أتلفه لا بالذكاة ضمن قيمته
حيا) ويوضع منها ما مضى. ولا خلاف في شئ من ذلك أجده، ويدل عليه
بعده ما مر من الأدلة.

(1) الغنية: 410.
(2) الإيضاح 4: 729.
(3) الوسائل 19: 270، الباب 47 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2، 3، 4.
(4) الوسائل 19: 270، الباب 47 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2، 3، 4.
(5) الوسائل 19: 270، الباب 47 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2، 3، 4.
(6) النهاية 3: 468.
341

(ولو كان مما لا يقع عليه الذكاة كالكلب والخنزير ففي كلب الصيد)
مطلقا (أربعون درهما) على الأشهر الأقوى، للنصوص المستفيضة:
ففي الخبرين المروي أحدهما في الفقيه (1) مرسلا، وثانيهما عن الخصال
مسندا بطريق حسن: دية كلب الصيد أربعون درهما (2).
وفي آخرين أحدهما: الموثق دية الكلب السلوقي أربعون درهما (3).
وبإطلاقهما أفتى الشيخ في النهاية (4)، ويحتملان ككلامه التقييد بالمعلم
منه للصيد، كما صرح به المفيد (5) وغيره، ونزل عليه عبارته في السرائر.
فقال: وإنما أطلق ذلك لأن العادة والعرف أن الكلب السلوقي الغالب
عليه أنه يصطاد والسلوقي منسوب إلى سلوق وهي قرية باليمن انتهى (6).
وهو الظاهر من الأصحاب، حيث لم ينقلوا الخلاف عنه في ذلك، بل إنما
نقلوا الخلاف عنه وعن المفيد والقاضي وابن حمزة من حيث التقييد
بالسلوقي خاصة، قال الماتن في الشرائع: ومن الناس من خصه بالسلوقي
وقوفا على صورة الرواية (7)، وفي عبارته هذه إشعار بما مر من فهمه من
الرواية وكلام الشيخ وغيره كلب الصيد لا مطلق السلوقي. وكأنه (رحمه الله) لم يقف
على الخبرين الأولين، وإلا فصورتهما مطلق كلب الصيد من دون تقييد فيهما
بالسلوقي، بل إنما هو في الخبرين الأخيرين.
(وفي رواية) النوفلي عن (السكوني) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال
أمير المؤمنين (عليه السلام) فيمن قتل كلب الصيد، قال: (يقوم) وكذلك البازي
(وكذلك كلب الغنم و) كذلك (كلب الحائط) (8).

(1) الفقيه 4: 170، الحديث 5391.
(2) الخصال: 539، الحديث 9.
(3) الوسائل 19: 167، الباب 19 من أبواب ديات النفس، الحديث 1، 2.
(4) النهاية 3: 466.
(5) المقنعة: 769.
(6) السرائر 3: 421.
(7) الشرائع 4: 285.
(8) الوسائل 19: 167، الباب 19 من أبواب ديات النفس، الحديث 3.
342

وأفتى بها الإسكافي، إلا أنه قال: لا يتجاوز بالقيمة أربعين درهما (1).
وكأنه جمع به بين الأخبار، واستحسنه في المختلف (2)، وهو ضعيف،
لقصور سند الرواية وإن وافقت الأصل العام بلزوم القيمة فيما لم يرد به تقدير
في الشريعة، لتوقف ذلك على رد الروايات الأولة، التي هي مع استفاضتها
واشتهارها جملة منها معتبرة، وهو ضعيف في الغاية، سيما مع رفع اليد عن
الأصل بها في الجملة اتفاقا.
(و) بموجب ذلك يتعين القول (الأول) مع كونه كما عرفت
(أشهر) بل لعله عليه عامة من تأخر.
(وفي كلب الغنم كبش) كما هنا وفي الشرائع (3) والتحرير (4) والقواعد (5)
واللمعتين (6) والمسالك (7)، وعزى فيه إلى الأكثر، للخبر (8)، وفي سنده ضعف.
(وقيل) والقائل الصدوق (9) والشيخان (10) والديلمي (11) والقاضي (12)
والحلي (13) والظاهر أنه المشهور، كما صرح به في الشرائع (14) والتحرير (15)
وغيرهما: فيه (عشرون درهما) وهو أقوى، للمرسل (16) المنجبر ضعفه
بالشهرة الظاهرة والمحكية.

(1) المختلف 9: 423 - 424.
(2) المختلف 9: 423 - 424.
(3) الشرائع 4: 285.
(4) التحرير 2: 279 س 15.
(5) القواعد 3: 702.
(6) اللمعة والروضة 10: 323.
(7) المسالك 15: 497.
(8) الوسائل 19: 167، الباب 9 من أبواب ديات النفس، الحديث 2.
(9) المقنعة: 769، النهاية 3: 466.
(10) المقنع: 534.
(11) المراسم: 243.
(12) المهذب 2: 512.
(13) السرائر 3: 421.
(14) الشرائع 4: 285 - 286.
(15) التحرير 2: 279 س 15.
(16) الوسائل 19: 167، الباب 19 من أبواب ديات النفس، الحديث 4.
343

وللفاضل هنا قولان آخران: أحدهما: لزوم القيمة اختار في
المختلف (1)، للأصل العام، بناء على ضعف الخبرين، وللقوية المتقدمة.
وهو حسن لولا الرواية المنجبرة المترجحة بذلك على الأصل والقوية.
وثانيهما: التخيير بين الخبرين الأولين اختاره في الإرشاد (2). ولا وجه
له سوى الجمع بينهما، وهو في الحقيقة إطراح لهما بعد عدم شاهد عليه
أصلا، مع رجحان ما اخترناه منهما بما مضى.
(وكذا قيل) أي بالعشرين درهما (في كلب الحائط) أي البستان،
ويحتمل الشمول للدار (ولا أعرف الوجه) فيه، وبه اعترف جماعة، لكنه
مشهور شهرة عظيمة على الظاهر المصرح به في كلام جماعة، فإن بلغت
الإجماع، وإلا فالقول بالقيمة في غاية القوة، للأصل العام، المؤيد بالقوية
المتقدمة، ومال إليه من المتأخرين جماعة، بل صرح به شيخنا في
الروضة (3).
وللصدوق قول آخر في المسألة وهو: أن فيه زنبيلا من تراب (4)،
للمرسل: ودية الكلب الذي ليس للصيد، ولا للماشية زنبيل من تراب على
القاتل أن يعطى وعلى صاحبه أن يقبل (5)، وقريب منه، ما يحكى عن
الإسكافي من أن دية الكلب الأهلي زنبيل من تراب (6).
(وفي كلب الزرع قفيز من بر) في المشهور على الظاهر المصرح به
في بعض العبائر، بل في التنقيح لم نعرف قائلا بغير ما ذكر المصنف (7)، مع
أنه حكي عن الصدوق ما مر، وهو يعطي الخلاف فيه كالمرسل، ويوافقهم

(1) المختلف 9: 424.
(2) الإرشاد 2: 235.
(3) الروضة 10: 324.
(4) المقنع: 534.
(5) الوسائل 19: 167، الباب 19 من أبواب ديات النفس، الحديث 4.
(6) المختلف 9: 423.
(7) التنقيح 4: 526.
344

ما يحكى عن المفيد (1) هنا، وفي الخبر: ودية كلب الزرع جريب من بر (2).
وربما استدل به للأكثر.
وفيه نظر، لعدم معلومية توافق مقدار الجريب مع القفيز، بل عن
الأزهري أنه أربعة أقفزة، ويستفاد من مجمع البحرين أنه عشرة أقفزة،
والقفيز ثمانية مكاكيك، والمكوك ثلاث كيلجات، والكيلجة منا وسبعة أثمان
منا، والمن رطلان كما عن الصحاح.
(ولا يضمن المسلم ما عدا ذلك) من الكلاب، بل مطلق ما لا يملكه
المسلم على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، للأصل، مع عدم
الملكية الموجب لعدم صدق الضرر، الذي هو الأصل في إيجاب الضمان في
نحو المقام، وما دل على وجوب قفيز أو زنبيل من تراب في بعض الكلاب
من النص والفتوى لعله محمول على إرادة الكناية عن عدم الدية لا وجوبه
البتة، وإلا لكان لزوم دفعه وقبوله خاليا عن الفائدة، مضافا إلى ندرة الفتوى،
وقصور سند الرواية.
(أما ما يملكه الذمي كالخنزير فالمتلف) له (يضمن قيمته عند
مستحليه) إذا استجمع شرائط الذمة بلا خلاف أجده، لأنه إذا فعل ذلك
حقن دمه وماله، وللنصوص: أن عليا (عليه السلام) ضمن رجلا أصاب خنزير
النصراني قيمته (3) (و) لا فرق (في الجناية) على ما يملكه بين وقوعها
(على) نفسه أو (أطرافه) لإطلاق الدليل، إلا أن في الأخير يلزم
(الأرش، ويشترط في ضمانه استتار الذمي به) وإلا ألحق بالحربي، فلا
حرمة لنفسه فضلا عن ماله.

(1) المقنعة: 769.
(2) الوسائل 19: 167، الباب 19 من أبواب ديات النفس، الحديث 4.
(3) الوسائل 19: 196 - 207، الباب 26 - 39 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.
345

وهنا (مسائل) ثلاث:
(الأولى: قيل) بل روي في الصحيح على الصحيح: أنه (قضى
علي (عليه السلام) في بعير بين أربعة عقله أحدهم) فبعث في عقاله (فوقع في
بئر فانكسر) فقال أصحابه للذي عقله: أغرم لنا بعيرنا (أن على
الشركاء) غرامة (حصته) أي العاقل (لأنه حفظه وضيعه الباقون) (1).
وكيف كان هو مشكل على إطلاقه وإن حكى القول به في التنقيح (2) عن
الشيخ والقاضي، وذلك فإن مجرد وقوعه أعم من تفريطهم فيه، بل من تفريط
العاقل، ومن ثم أوردها أكثر الأصحاب بلفظ الرواية، مشعرين بالتوقف فيها
أو ردها، كما هو ظاهر الماتن هنا وحكى عنه في النكت أيضا حيث أجاب
عنها بقوله: (وهو حكم في واقعة، فلا يتعدى) بها إلى غيرها.
ويمكن حملها على ما لو عقله وسلمه إليهم ففرطوا أو نحو ذلك من
الوجوه المقتضية للضمان (3) لكنه ينافي سياق الرواية، سيما تعليلها الوارد
فيها، ولعله لذا لم يجترئ الأصحاب على ردها صريحا عدا شيخنا في
المسالك والروضة (4)، فقال: والأقوى ضمان المفرط منهم دون غيره.
(الثانية: في جنين البهيمة عشر قيمتها) كما هنا وفي السرائر مدعيا
عليه إجماع أصحابنا وتواتر أخبارنا (5). ولم أقف على شئ منهما إلا على
عبارة الماتن والقوي: في جنين البهيمة إذا ضربت فأزلقت عشر ثمنها (6)،
وهو قاصر السند، يشكل الخروج به عن مقتضى الأصل، ولعله لذا اختار

(1) الوسائل 19: 196 - 207، الباب 26 - 39 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1.
(2) التنقيح 4: 526.
(3) النهاية 3: 468.
(4) الروضة 10: 328، راجع المسالك 15: 501 - 502.
(5) السرائر 3: 419 - 420.
(6) الوسائل 19: 166، الباب 18 من أبواب ديات النفس، الحديث 2.
346

الفاضل في التحرير أرش ما نقص من امها قال: فيقوم حاملا وحائلا ويلزم
الجاني بالتفاوت (1). وهو حسن لولا دعوى الإجماع، وتواتر الأخبار، وقوة
سند الرواية، مع اعتضادها بما ورد من نظيره في دية جنين الأمة.
(وفي عين الدابة ربع قيمتها) وفاقا للمحكي عن الشيخ (2) وجماعة،
للمستفيضة المتقدمة في مسألة لزوم الأرش بالجناية على أطراف الحيوان،
مع تأمل ما فيها تقدم إليه الإشارة.
وعن الشيخ في المبسوط (3) والخلاف أنه حكي عن الأصحاب أن في
عين الدابة نصف قيمتها وفي العينين كمال قيمتها، وكذا كل ما في البدن منه
اثنان. ولم نقف على مستنده عدا القياس على الإنسان، وهو ضعيف.
(الثالثة: روى) الشيخ في التهذيب في آخر باب الجناية على الحيوان
في الصحيح عن عبد الله بن المغيرة عن (السكوني عن جعفر عن أبيه عن
علي (عليه السلام) قال: كان) علي (عليه السلام) (لا يضمن ما أفسدته البهائم نهارا)
ويقول على صاحب الزرع حفظه (و) كان (يضمن ما أفسدت ليلا (4)،
و) هذه (الرواية مشهورة) بين قدماء الأصحاب، لا يكاد يعرف بينهم
خلاف، حتى أن ابن زهرة ادعى عليها إجماع الإمامية (5)، وادعى جملة من
الأصحاب الشهرة هنا ومنهم الشهيد في نكت الإرشاد (6)، بل زاد فادعى
إجماع الأصحاب.
إلا أن ظاهر المتأخرين وفاقا منهم للحلي (7) الإطباق على خلافه،
فقالوا: بعد نقلها والاعتراف بشهرتها (غير أن في السكوني ضعفا،

(1) التحرير 2: 279 س 20.
(2) النهاية 3: 468.
(3) المبسوط 3: 62، الخلاف 3: 397، المسألة 4.
(4) التهذيب 10: 310، الحديث 11.
(5) الغنية: 411.
(6) غاية المراد: 219 س 5.
(7) السرائر 3: 424 - 425.
347

والأولى اعتبار التفريط) من صاحب الدابة في ضمانه ما أفسدته (ليلا
كان) الإفساد (أو نهارا) فلو لم يفرط في حفظها بأن آواها إلى مبيتها
وأغلق عليها الباب مثلا فوقع الحائط أو نقب اللص نقبا فخرج ولم يعلم به
فأفسدت فلا ضمان عليه، لأنه غير مفرط.
وهو حسن، للأصول، إلا أن في العدول عن الرواية المشهورة المدعى
عليها إجماع العصابة إشكالا، بل اللازم المصير إليها، لانجبار ضعفها لو كان
بالشهرة، مع قوة راويها، كما عرفته غير مرة، سيما وأن روى عنه عبد الله بن
مغيرة المدعى على تصحيح ما يصح عنه إجماع العصابة، ومع ذلك المستند
غير منحصر فيها، بل النصوص بمعناها بعد حكاية الإجماع المتقدمة
مستفيضة، مروية جملة منها في التهذيب في باب الزيادات من كتاب
التجارة (1)، وكذا في الكافي في أواخر ذلك الكتاب (2).
منها الصحيح] على الظاهر [(3): عن البقر والغنم بالليل يكون بالمرعى
فتفسد شيئا هل عليها ضمان؟ فقال: إن أفسدت نهارا فليس عليها ضمان
من أجل أن أصحابه يحفظونه، وإن أفسدت ليلا فإن عليها ضمان.
ومنها: عن قول الله عز وجل: «وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث
إذ نفشت فيه غنم القوم»، فقال: لا يكون النفش إلا بالليل أن على صاحب
الحرث أن يحفظ الحرث بالنهار، وليس على صاحب الماشية حفظها
بالنهار، وإنما رعيها بالنهار وأرزاقها، فما أفسدت فليس عليها وعلى
أصحاب الماشية حفظ الماشية بالليل عن حرث الناس، فما أفسدت بالليل
فقد ضمنوا، وهو النفش، الخبر (4). وقريب منه غيره (5).

(1) التهذيب 7: 224، الحديث 1.
(2) الكافي 5: 301، الحديث 1.
(3) ما بين المعقوفتين غير موجود في المخطوطات.
(4) الوسائل 19: 209، الباب 40 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 4، 3.
(5) الوسائل 19: 209، الباب 40 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 4، 3.
348

وفي جملة من النصوص: أن ذلك مما قضى به سليمان على نبينا وآله
وعليه السلام (1).
وظاهر سياقها - كما ترى - صريح في أنه ليس على صاحب الدابة
ضمان ما أفسدته نهارا ولو قصر المالك في حفظها، لتعليلها بأنه ليس عليه
في النهار حفظها، لأن فيها رعيها وأرزاقها، وظاهر استناد الأصحاب إليها.
فما ذكر بعض الأفاضل (2) وفاقا للشهيد (رحمه الله) (3) من كون النزاع بين القوم
لفظيا وأن القدماء إنما ذكروا الليل والنهار تبعا للرواية وتمثيلا للتفريط
وعدمه لكون الغالب حفظ الماشية ليلا ليس بجيد.
ولذا اعترضه شيخنا في المسالك (4) والفاضل المقداد (5) والمولى
الأردبيلي (رحمه الله)، فقال بعد نقله: وهو جيد، ولكن خلاف ظاهر عباراتهم;
إذ لا يجب الجمع بين أقوالهم كالروايات والآيات والأدلة، وأيضا أن عادة
بعضهم مثل الشيخ عدم الخروج عن لفظ الرواية ولا ينظر الوجه والعلة،
فتأمل انتهى (6).
ومن اخبار المسألة أيضا النبوي المروي في كلام جماعة ومنهم ابن
زهرة أن ناقة البراء بن عازب دخلت حائطا فأفسدته، فقضى (صلى الله عليه وآله) أن على
أهل الأموال حفظها نهارا، وعلى أهل المواشي حفظها ليلا، وأن على أهلها
الضمان في الليل (7). ويؤيده ما ورد من أن العجماء جبار (8)، بناء على أن
غالب جنايتها وقوعها في النهار.

(1) الوسائل 19: 209، الباب 40 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.
(2) كشف اللثام 2: 524 س 21.
(3) غاية المراد: 219 س 11.
(4) المسالك 15: 501 - 502.
(5) التنقيح 4: 528.
(6) مجمع الفائدة 14: 354.
(7) الغنية: 410 - 411.
(8) الوسائل 19: 202، الباب 32 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.
349

(الثالثة)
(في) بيان (كفارة القتل)
وقد مر في كتابها أنه (يجب كفارة الجمع) بين الخصال الثلاث العتق
وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا (بقتل العمد) ويجب
(المرتبة بقتل الخطأ) وفي معناه شبيه العمد، كما صرح به في التحرير (1)
والقواعد (2).
وذكر الفاضلان هنا وفي الشرائع (3) والتحرير (4) والقواعد (5) والشهيدان
في اللمعتين (6) والمسالك (7) وغيرهم أنها إنما تجب الكفارة مطلقا - كما
يقتضيه إطلاق العبارة ونحوها، وصريح بعضهم - أو في الخطأ خاصة، كما
هو ظاهر التحرير (8) (مع المباشرة) للقتل خاصة (دون التسبيب) له.
(فلو طرح حجرا في ملك غيره أو سابلة فهلك بها عاثر ضمن الدية،
ولا كفارة) مطلقا كان التسبيب عمدا أو خطأ.
ولم أجد لهم على ذلك دليلا صالحا عدا ما قيل: من الأصل، وعدم
تبادره إلى الفهم من القتل الوارد في النصوص (9).
وفيه نظر، لمنع التبادر بعد الاتفاق على شموله له بالإضافة إلى الدية،
إلا أن يمنع الاتفاق على الشمول له لفظا، بل يجعل مورده ثبوت أصل الدية
لا دخوله تحت إطلاق لفظ القتل، وفيه بعد.
وكيف كان فالعمدة هو عدم خلاف في الحكم، بل ربما أشعر عبارة

(1) التحرير 2: 279 س 20.
(2) القواعد 3: 713.
(3) الشرائع 4: 287.
(4) التحرير 2: 279 س 23.
(5) القواعد 3: 713.
(6) اللمعة والروضة 10: 318.
(7) المسالك 15: 503.
(8) التحرير 2: 279 س 23.
(9) كشف اللثام 2: 530 س 35.
350

المسالك (1) وغيره بالإجماع عليه، حيث نسبه في الأول إلى الأصحاب من
غير ذكر خلاف، ولا دليل عليه، بل اقتصر منه على النسبة، مشعرا بأن ذلك
هو الحجة في المسألة. وفي الثاني لم ينقل الخلاف فيه منا، بل قال: خلافا
للشافعي، ولعله كان في الحجة، سيما بعد التأيد بالأصل، واحتمال عدم
ظهور المخصص، كما عرفته.
(ويجب) الكفارة مطلقا (بقتل المسلم، ذكرا كان أو أنثى، صبيا) كان
(أو مجنونا، حرا أو عبدا) مطلقا (ولو كان ملكا للقاتل) على الأظهر
الأشهر، بل لا خلاف فيه يظهر إلا ما يحكى عن كفارات النهاية (2)
والقاضي (3) في العبد.
قيل: للصحيح (4): في الرجل يقتل مملوكه متعمدا، قال: يعجبني أن
يعتق رقبة ويصوم شهرين متتابعين ويطعم ستين مسكينا، ثم تكون التوبة
بعد ذلك (5) لإشعار «يعجبني» بالفضل.
وفيه نظر، لظهور السياق في رجوع الفضل إلى الترتيب بين الكفارة
والتوبة - بتقديم الأولى على الثانية - لا إلى أصل الكفارة.
ثم لو سلم اشعاره أو دلالته فلا يعترض به إطلاقات الكتاب والسنة،
وخصوص المعتبرة المستفيضة:
منها الصحيح: من قتل عبده متعمدا فعليه أن يعتق رقبة وأن يطعم ستين
مسكينا وأن يصوم شهرين (6).

(1) المسالك 15: 504.
(2) النهاية 3: 71.
(3) المهذب 2: 424.
(4) ملاذ الأخيار 14: 110، الحديث 17.
(5) الوسائل 15: 581، الباب 29 من أبواب الكفارات، الحديث 1.
(6) الوسائل 19: 67، الباب 37 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3.
351

ونحوه الموثقان (1) والحسنان: عن رجل قتل مملوكا له متعمدا، قال:
يعتق رقبة ويصوم شهرين متتابعين (2). إلى غير ذلك من النصوص.
(وكذا تجب بقتل الجنين) الآدمي المؤمن (إن ولجته الروح) مطلقا
(ولا يجب قبل ذلك) كما مضى. وقد خالف الفاضل في التحرير (3) هنا
فأوجب الكفارة فيه مطلقا ولو لم تلجه الروح، مع أنه في بحث ديته صرح
بما هنا. وهو الأقوى، للأصل، بل قد عرفت أن عليه في بعض العبارات
إجماعنا، مع أني لم أجد له موافقا إلا الشافعي فيما حكي عنه (4). ومع ذلك
فلم أعرف له مستندا.
(ولا تجب بقتل الكافر ذميا) كان أو حربيا (أو معاهدا) بلا خلاف
أجده، بل قيل: عندنا خلافا للعامة، لتوهمهم ذلك من الآية (5).
(ولو قتل المسلم) مثله (في دار الحرب عالما) عامدا (لا لضرورة)
التترس ونحوه (فعليه القود والكفارة) بلا خلاف أجده، بل بإجماعنا
كما يشعر به عبارة بعض الأجلة (6). وهو الحجة; مضافا إلى اطلاقات
الكتاب والسنة.
(ولو ظنه حربيا) فبان مسلما فقتله (فلا دية) له (وعليه الكفارة)
بلا خلاف في لزومها، وفاقا للأكثر في عدم الدية، بل في ظاهر المسالك (7)
وغيره عن ظاهر المبسوط (8) الاتفاق عليه، لقوله سبحانه: «ومن قتل مؤمنا
خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله» (9) مع قوله بعد ذلك

(1) الوسائل 19: 67، الباب 37 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1، 6، 2، 4.
(2) الوسائل 19: 67، الباب 37 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1، 6، 2، 4.
(3) التحرير 2: 279 س 25.
(4) لم نعثر على حاكيه.
(5) كشف اللثام 2: 530 س 36.
(6) مجمع الفائدة 14: 218.
(7) المسالك 15: 505 - 506.
(8) المبسوط 7: 245.
(9) النساء: 92.
352

«فإن كان» يعني المقتول «خطأ من قوم» أي في قوم لأن حروف الصفات
بعضها يقوم مقام بعض «عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة» (1)، وقوله
بعد ذلك: «وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله
وتحرير رقبة مؤمنة» (2)، لفهمنا من الثاني أن المؤمن يكون في دار الحرب
فيظن كافرا فيقتل لا دية له، وإلا لم يظهر وجه للتفصيل وإهمال الدية فيه.
خلافا للحلي فأوجب الدية، لئلا يطل دم امرئ مسلم، وقوله (عليه السلام): في
النفس مائة من الإبل، قال: والدية وإن لم تذكر في الآية فقد علمناها بدليل
آخر - إلى أن قال: - وأيضا فإجماع أصحابنا منعقد على ذلك، ولم يخالف
أحد منهم في ذلك (3).
وهو نادر، ولذا لم ينقل الخلاف عنه هنا إلا نادر، ووهن إجماعه، لعدم
الوقوف على موافق له ظاهر، مع معارضته بالمثل، وما ذكره من الإطلاقات
غير معلوم الشمول لنحو الفرض، لعدم التبادر، وعلى تقديره فهي مقيدة
بالآية الشريفة (4) النافية بظاهرها من حيث السياق للدية، فيكون بالإضافة
إلى الإطلاقات أخص فلتكن عليها مقدمة.
ومنه يظهر أن وجه دلالة الآية ليس أنه لم يذكر فيها الدية كما زعمه،
وقدم لذا عليها الإطلاقات المزبورة، بل إنما هو ظهور سياقها في نفيها
فينعكس الأمر، كما عرفته.
ثم إن إطلاق الآية والعبارة يقتضي عدم الفرق في الحكم بين ظهور كون
المقتول أسيرا أم غيره.
خلافا للشيخ في المبسوط (5) والخلاف (6) والفاضل في التحرير (7)

(1) النساء: 92.
(2) النساء: 92.
(3) السرائر 3: 320 - 321.
(4) النساء: 92.
(5) المبسوط 7: 246.
(6) الخلاف 5: 321، المسألة 4.
(7) التحرير 2: 279 س 27.
353

والقواعد (1) والصيمري في شرح الشرائع (2) فقيدوه بالثاني، وتردد فيه
الماتن في الشرائع (3) من ذلك، ومن إطلاق ما دل على لزوم الدية. وفيه ما
قد عرفته.
فإذا الأولى الأخذ بإطلاق الآية، مضافا إلى أصالة البراءة:
(الرابعة)
(في) بيان (العاقلة) التي تحمل دية الخطأ
(والنظر) هنا يقع (في) أمور ثلاثة: (المحل، وكيفية التقسيط) أي
توزيع الدية وتقسيمها عليهم (واللواحق).
(أما المحل ف‍) هو (العصبة، والمعتق، وضامن الجريرة، والإمام) (عليه السلام)
مرتبين كترتيبهم في الإرث على تفصيل تأتي إليه الإشارة.
(و) ضابط (العصبة) كل (من يتقرب إلى الميت بالأبوين أو بالأب)
خاصة وإن لم يكونوا وارثين في الحال (كالإخوة وأولادهم)
وإن نزلوا (والعمومة وأولادهم) كذلك (والأجداد وإن علوا) وفاقا
للمقنعة (4) والمبسوط (5) والخلاف (6) والمهذب (7) والفاضلين هنا وفي
الشرائع (8) والإرشاد (9) والتحرير (10) والقواعد (11) والمختلف (12)، والشهيد في
اللمعة (13) وغيرهم، وبالجملة المشهور على الظاهر المصرح به في

(1) القواعد 3: 713.
(2) غاية المرام: 211 س أخير (مخطوط).
(3) الشرائع 4: 287.
(4) المقنعة: 735.
(5) المبسوط 7: 173.
(6) الخلاف 5: 277، المسألة 98.
(7) المهذب 2: 503.
(8) الشرائع 4: 288.
(9) الإرشاد 2: 229.
(10) التحرير 2: 279 س 34.
(11) القواعد 3: 707.
(12) المختلف 9: 291.
(13) اللمعة والروضة 10: 308.
354

المختلف (1) والروضة (2) والمسالك (3).
وفي السرائر: إنهم العصبات من الرجال، سواء كان وارثا أو غير وارث،
الأقرب فالأقرب، ويدخل فيها الولد والوالد، وقال: إجماع أصحابنا منعقد
على أن العاقلة جماعة الوراث من الرجال دون من يتقرب بالأم (4).
وظاهره - كما ترى - دعوى الإجماع عليه وإن زعم مخالفة قوله لقولهم
فعد قولا آخر، ولم أفهم الوجه فيه، إلا من حيث إطلاقه الرجال في صدر
العبارة، بحيث يتوهم منه الشمول لمثل الإخوة من الأم والأخوال، لكن
تصريحه أخيرا باستثناء من يتقرب منهم بالأم يدفع ذلك، ويوجب اتحاد
قوله مع قولهم، ولذا لم يجعله كثير مخالفا لهم، وعبارته صريحة في دعوى
الإجماع. وهو الحجة المعتضدة بالشهرة المحققة والمحكية المحتملة كونها
إجماعا، كما ربما يستفاد من المختلف (5)، حيث استند بها لهذا القول،
والحال أن الشهرة بالمعنى المصطلح ليس عنده بحجة ما لم تبلغ درجة
الإجماع، فاستناده بها لعلة كاشف عن بلوغها تلك الدرجة.
هذا، مضافا إلى ما قيل: من أن ما ذكروه هو المعروف من معناها (6)،
ويوافقه ما في مجمع البحرين عصبة الرجل، بنوه وقرابته لأبيه، قال: والجمع
العصائب، قال الجوهري: إنما سموا عصبة لأنهم عصبوا به أي أحاطوا به
فالأب طرف والابن طرف والأخ جانب والعم جانب. فتدبر.
(وقيل) في النهاية (7) والغنية (8) والإصباح (9) فيما حكي: أنهم

(1) المختلف 9: 291.
(2) اللمعة والروضة 10: 308.
(3) المسالك 15: 507 - 508.
(4) السرائر 3: 332.
(5) المختلف 9: 291.
(6) كشف اللثام 2: 526 س 37.
(7) النهاية 2: 366.
(8) الغنية: 413.
(9) الإصباح: 500.
355

(هم الذين يرثون القاتل ديته لو قتل) ولا يلزم من لا يرث ديته شيئا مطلقا.
واعترضه جماعة ومنهم الماتن في الشرائع، فقال: وفي هذا الاطلاق
وهم، قال: الدية يرثها الذكور والإناث والزوج والزوجة ومن يتقرب بالأم
على أحد القولين، ويختص بها الأقرب فالأقرب، كما تورث الأموال وليس
كذلك العقل، فإنه يختص الذكور من العصبة دون من يتقرب بالأم ودون
الزوج والزوجة (1).
وهو حسن، إلا أن بعض الأفاضل وجه كلامهم بما يرجع إلى ما عليه
القوم، فقال: وعبارة النهاية هكذا، وأما دية الخطأ فأنها تلزم العاقلة الذين
يرثون دية القاتل إن لو قتل ولا يلزم من لا يرث من ديته شيئا على حال
وهي توهم العموم، وليست صريحة فيه، فإن الوصف يجوز أن يكون للتعليل
دون التفسير، ولذا قال المحقق: وفي هذا الإطلاق وهم فيكون كقول المفيد،
ولا يؤخذ لاخوته من أمه شئ، ولا من أخواله، لأنه لو قتل وأخذت ديته
ما استحق إخوته لأمه وأخواله منها شيئا، فلذلك لم يكن عليهم منها شئ،
ثم ليس في عبارة النهاية تفسير العصبة، وعبارة الغنية والإصباح كذا وعاقلة
الحر المسلم عصبته الذين يرثون ديته، وظاهره، أيضا التعليل والإشكال في
معنى العصبة على وضوحه، وأن المفهوم منهم المتقربون بالأب من الرجال،
أو التوضيح، أو التنصيص على الاختصاص بالمتقربين بالأب، انتهى (2).
ويؤيده فهم الحلي (3) من النهاية ما يوافقه، ولذا لم يعترضه، بل اعتضد
به، فتأمل.
(و) كيف كان فالقول (الأول أظهر) لما مر.

(1) الشرائع 4: 288.
(2) كشف اللثام 2: 527 س 2.
(3) السرائر 3: 332.
356

(ومن الأصحاب من) خص به الأقرب ممن يرث بالتسمية، ومع عدمه
(يشترك) في العقل (بين من يتقرب بالأم مع من يتقرب بالأب) والأم أو
بالأب أثلاثا كالإرث، وقد يستدل بالنصوص الواردة: فيمن هرب ولم يظفر
به حتى مات أنه يؤخذ من تركته، فإن لم يكن فمن الأقرب فالأقرب (1)،
والمرسل: في الرجل إذا قتل رجلا خطأ فمات قبل أن يخرج إلى أولياء
المقتول من الدية أن الدية على ورثته، فإن لم يكن له عاقلة فعلى الوالي من
بيت المال (2).
وفي الجميع نظر، لضعف المرسل، كبعض تلك النصوص، مع خروجها
على تقدير القول بها في تلك المسألة عن مفروض المسألة، لكونه دية الخطأ
لا العمد، كما هو موردها، وأحدهما غير الآخر.
هذا، مضافا إلى قصور الجميع عن المكافاة، لما قدمناه من الأدلة.
ونسب جماعة من الأصحاب هذا القول إلى الإسكافي قالوا: (وهو
استناد إلى رواية سلمة بن كهيل) قال: أتي أمير المؤمنين (عليه السلام) برجل من
أهل الموصل وقد قتل رجلا خطأ فكتب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى عامله بها
في كتابه اسأل عن قرابته من المسلمين، فإن كان من أهل الموصل ممن ولد
بها وأصبت له قرابة من المسلمين فادعهم إليك ثم انظر، فإن كان هناك رجل
يرثه له سهم في الكتاب لا يحجبه أحد من قرابته فألزمه الدية وخذها منه
في ثلاث سنين، وإن لم يكن له من قرابته أحد له سهم في الكتاب وكانوا
قرابته سواء في النسب ففض الدية على قرابته من قبل أبيه وعلى قرابته من
قبل أمه من الرجال الذكور المسلمين، ثم اجعل على قرابته من قبل أبيه
ثلثي الدية واجعل على قرابته من قبل أمه الثلث الحديث (3) (و) سلمة

(1) الوسائل 19: 303، الباب 4 - 6 من أبواب العاقلة، الحديث 1، 3، 1.
(2) الوسائل 19: 303، الباب 4 - 6 من أبواب العاقلة، الحديث 1، 3، 1.
(3) الوسائل 19: 300، الباب 2 من أبواب العاقلة، الحديث 1.
357

الراوي (فيه ضعف) لكونه بتريا مذموما انتهى (1) محصل ما ذكروه.
وناقشهم في النسبة بعض الفضلاء، فقال وعبارة الإسكافي كذا العاقلة
هم المستحقون لميراث القاتل من الرجال العقلاء، سواء كانوا من قبل أبيه
أو أمه، فإن تساوت القرابتان كالإخوة للأب والإخوة للأم كان على الإخوة
للأب الثلثان وعلى الإخوة للأم الثلث، سواء كان المستحق للميراث واحدا
أو جماعة، ولا يلزم ولد الأب شئ إلا بعد عدم الولد والأب، ولا يلزم ولد
الجد شئ إلا بعد عدم الولد للأبوين، وهي ليست نصا في استحقاق الإرث
بالتسمية ولا في شمول العقل كل من يرث بالتسمية بل الظاهر قوله: سواء
كان من قبل أبيه أو أمه اختصاصه بالأجداد وبالإخوة والأعمام والأخوال
وأولادهم، ثم ليس فيها اشتراك التشريك بين المتقرب بالأب والمتقرب
بالأم بعدم الوارث. ثم قال: ولكن ظاهر المختلف أنه نزلها على مضمون
خبر سلمة بن كهيل انتهى (2). وهو جيد.
واعلم أن الرواية لا دلالة لها على القول المحكي في العبارة بإطلاقه
لشمول المتقرب بالأم والمتقرب بالأب الذكور والإناث، وكذا الأقرب ممن
يرث بالتسمية يشمل نحو الأم والبنت والأخت، مع أن الرواية مصرحة
بالتقييد بالرجال.
فالاستدلال بها لذلك كما في العبارة وغيرها لا يخلو عن اشكال، ولذا
عدلت عنه إلى الاستدلال بتلك النصوص المزبورة، وإن كانت قريبة منها في
وجه الضعف والإشكال.
اللهم إلا أن ينزل إطلاق القول على الرواية بتقييده بما فيها من إرادة

(1) التنقيح 4: 533، المهذب البارع: 5: 416.
(2) كشف اللثام 2: 527 س 10.
358

الرجال خاصة، كما وجه به كلام النهاية، ويجعل الاستدلال بها له على ذلك
قرينة. فافهم.
(ويدخل الآباء والأولاد في العقل على الأشبه) وفاقا للمفيد (1)
والإسكافي (2) والشيخ في النهاية (3) والحائريات (4) والسرائر (5) والجامع (6)
وأبي العباس (7) كما حكى، وهو خيرة الفاضلين هنا وفي الشرائع (8)
والتحرير (9) والقواعد (10) والصيمري (11) والشهيد في اللمعة (12)، وهو ظاهر
التنقيح (13)، وبالجملة المشهور على الظاهر المصرح به في الإيضاح (14)، بل
ادعى الحلي عليه الإجماع (15). وهو الحجة; مضافا إلى دخولهم في مفهوم
العصبة لغة، كما يستفاد من كلام الجوهري المتقدم، وكثير من أهلها.
خلافا للمحكي عن الخلاف (16) والمبسوط (17) والمهذب (18)
والوسيلة (19) فلا يدخلون، لأصالة البراءة. ويجب الخروج عنها بما عرفته،
مع ضعف التمسك بها هنا، بناء على إيجابه اشتغال ذمة اخرى، مع أن الأصل
براءتها أيضا، ومرجعه إلى معارضتها بالمثل، كما لا يخفى.
وللإجماع. وفيه وهن ظاهر كدعوى شيخنا في المسالك (20)

(1) المقنعة: 735.
(2) المختلف 9: 291.
(3) النهاية 3: 366.
(4) لم نعثر عليه.
(5) السرائر 3: 331.
(6) الجامع للشرائع: 573.
(7) المقتصر: 469.
(8) الشرائع 4: 288.
(9) التحرير 2: 280 س 3.
(10) القواعد 3: 708.
(11) غاية المرام: 212 س 10 (مخطوط).
(12) اللمعة 10: 309.
(13) التنقيح 4: 534.
(14) الإيضاح 4: 744.
(15) السرائر 3: 331.
(16) الخلاف 5: 277، المسألة 98.
(17) المبسوط 7: 173.
(18) المهذب 2: 503.
(19) الوسيلة: 437.
(20) المسالك 15: 510 - 511.
359

والروضة (1)، عليه الشهرة، مع معارضتها بالمثل، كما عرفته.
ولخروجهم عن مفهوم العصبة. وفيه منع ظاهر عرفت وجهه.
ولنصوص عامية. نعم في الصحيح: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى في
امرأة أعتقت رجلا واشترطت ولاه ولها ابن فألحق ولاه بعصبتها الذين
يعقلون عنها دون ولدها (2)، لكنه غير واضح الدلالة، لاحتمال كون دون
ولدها استثناء من العصبة، والأصل في الاستثناء الاتصال، وعليه فتكون
الرواية واضحة الدلالة على المختار، مع استفادته أيضا من رواية سلمة بن
كهيل المتقدمة. لكن ضعف سندها كما عرفته مع اشتمالها على أحكام غريبة
لم يقل بجملة منها أحد من الطائفة ربما أوجب الوهن في الاستدلال بها،
وجعلها حجة، وإن أمكن الذب عنه بجبره بالشهرة، وحكاية الإجماع المتقدمة.
(ولا يشركهم) أي العاقلة في العقل (القاتل) بلا خلاف أجده، بل
عليه الإجماع في ظاهر عبارة بعض الأجلة، قال: خلافا لأبي حنيفة (3).
والحجة عليه بعده أصالة البراءة، مع ظهور النص والفتوى باختصاص الدية
بالعاقلة.
(ولا تعقل المرأة ولا الصبي ولا المجنون وإن ورثوا من الدية) بلا
خلاف على الظاهر المحكي عن المبسوط (4). قيل: لخروجهم عن مفهوم
العصبة عرفا وأصل البراءة (5). وفي أصل البراءة ما عرفته.
وأما دعوى الخروج فهي حسنة بالإضافة إلى المرأة، أما الصبي
والمجنون فدعوى خروجهما عن مفهومها لعلها لا تخلو عن إشكال.

(1) الروضة 10: 310.
(2) الوسائل 16: 44، الباب 39 من أبواب كتاب العتق، الحديث 1.
(3) كشف اللثام 2: 527 س 36.
(4) المبسوط 7: 175.
(5) كشف اللثام 2: 527 س 23.
360

والأصل على تقدير صحته يخرج عنه بالإطلاقات، إلا أن يذب عنها بعدم
معلومية شمولها لهما، لعدم تبادرهما منها جدا ولو كانا داخلين تحت مفهوم
العصبة حقيقة.
(ويتحمل العاقل دية الموضحة وما فوق الموضحة) كالهاشمة والمنقلة
ونحوهما (اتفاقا) منا على الظاهر المصرح به في كلام جماعة حد
الاستفاضة. وفيه الحجة، مضافا إلى الإطلاقات، وخصوص الموثقة الآتية.
(وفي) تحملها (ما دون الموضحة) من الحارصة والدامية ونحوهما
(قولان).
أحدهما: نعم، ذهب إليه الشيخ في المبسوط (1) والخلاف (2) والحلي في
السرائر مدعيا عليه الإجماع (3)، للإطلاقات.
(و) الثاني: وهو (المروي) في الموثق: (أنها لا تحمله) (4) وهو
خيرة الشيخ في النهاية (5) والحلبي (6) والقاضي (7) في أحد قوليه والغنية (8)
والإصباح (9) والوسيلة (10) كما حكى، وإليه ذهب الفاضل في المختلف (11)
وولده في الإيضاح (12) والفاضل المقداد (13) والصيمري (14) وغيرهم من
المتأخرين، والظاهر أنه المشهور، كما صرح به التحرير (15) والروضة (16).

(1) المبسوط 7: 176.
(2) الخلاف 5: 283، المسألة 106.
(3) السرائر 3: 334.
(4) الوسائل 19: 303، الباب 5 من أبواب العاقلة، الحديث 1.
(5) النهاية 3: 368.
(6) الكافي في الفقه: 396.
(7) المهذب البارع 5: 408.
(8) الغنية: 413 - 414.
(9) إصباح الشيعة: 500.
(10) الوسيلة: 444.
(11) المختلف 9: 407.
(12) الإيضاح 4: 746.
(13) التنقيح 4: 535.
(14) غاية المرام: 212 س 24 (مخطوط).
(15) التحرير 2: 280 س 14.
(16) الروضة 10: 314.
361

وهو الأقوى، لاعتبار سند الرواية بالموثقية، مضافا إلى الاعتضاد
أو الانجبار بالشهرة الظاهرة والمحكية، وبالاعتبار للزوم الضرر الكثير
بالتحمل، بناء على غلبة وقوع التنازع وحصول الجنايات الكثيرة من الناس،
فلو وجب كل جرح قل أو كثر على العاقلة لزم حصول المشقة لهم، وتساهل
الناس في الجنايات، لانتفاء الضمان عنهم: فتأمل.
وبذلك يذب عن الإجماع المنقول، مع وهنه بمصير الأكثر على خلافه،
ويتعين الخروج به عن الإطلاقات، مع إمكان التأمل في شمولها لمحل
البحث، لاحتمال اختصاصها بحكم التبادر بدية النفس.
ولا ينافيه الاتفاق على التحمل في نحو الموضحة، لاحتمال كون ذلك
بمجرد الاتفاق، لا للإطلاق. وحينئذ يجب الرجوع إلى حكم القاعدة من
كون الأصل في الجناية تعلق ديتها برقبة الجاني لا غيرها، إذ لا تزر وازرة
وزر اخرى، خرجنا عنها فيما عدا موضع الخلاف بالوفاق، ويبقى ما عداه
داخلا تحتها.
وربما يستفاد من قول الماتن هنا والفاضل في القواعد (1): (غير أن في
الرواية ضعفا) أميلهما إلى القول الأول أو توقفهما فيه. وهو ضعيف،
كدعوى ضعف الرواية، لأنها من الموثق لا الضعيف بالمعنى المصطلح، لكن
الأمر في هذا سهل، سيما على طريقة الماتن.
(وإذا لم يكن) للجاني (عاقلة من قومه) ضمن المعتق جنايته إن
كان، وإلا فعصباته ثم معتق المعتق ثم عصباته ثم معتق أبي المعتق ثم
عصباته كترتيب الميراث، ومع عدمهم أجمع فعلى ضامن جريرته إن كان.
(و) حيث (لا ضامن جريرة) له أيضا (ضمن الإمام جنايته) بلا

(1) القواعد 3: 710.
362

خلاف في شئ من ذلك أجده في الجملة، ولكن استفادتهما كما مر من
النصوص مشكلة.
نعم النصوص مستفيضة بضمان ضامن الجريرة العقل، وكذا الإمام مع
فقده.
ففي الصحيح: من لجأ إلى قوم فأقروا بولايته كان لهم ميراثه وعليهم
معقلته (1). وبمعناه الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة المروية في باب
ميراث ضامن الجريرة.
وفيها: إذا ولي الرجل الرجل فله ميراثه وعليه معقلته (2).
وفيها إشعار بتلازم الإرث وضمان العقل، وقد تقدم في المواريث ثبوت
إرث المعتق وضامن الجريرة والإمام مترتبين فيعقلون كذلك.
وفي الصحيح: من مات وليس له وارث من قرابته ولا مولى عتاقه قد
ضمن جريرته فماله من الأنفال (3).
وهو كالنص في ضمان المعتق الجريرة والعقل.
وفي الصحيح: السائبة التي لا ولاء لأحد عليها إلا الله تعالى فما كان
ولاؤه لله سبحانه فهو لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وما كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فإن ولاءه
للإمام (عليه السلام) وجنايته على الإمام وميراثه له (4). إلى غير ذلك من النصوص
الدالة على أن ميراث من لا وارث له للإمام (عليه السلام) ومعقلته عليه.
هذا، وفي المرسل: الرجل إذا قتل رجلا خطأ فمات قبل أن يخرج إلى
أولياء المقتول من الدية أن الدية على ورثته، فإن لم يكن له عاقلة فعلى
الوالي من بيت المال (5) وهو صريح في ضمان الأشخاص الثلاثة الدية حيث

(1) الوسائل 19: 304، الباب 7 من أبواب العاقلة، الحديث 1.
(2) الوسائل 17: 546، الباب 1 - 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة، الحديث 4، 1، 6.
(3) الوسائل 17: 546، الباب 1 - 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة، الحديث 4، 1، 6.
(4) الوسائل 17: 546، الباب 1 - 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة، الحديث 4، 1، 6.
(5) الوسائل 19: 304، الباب 6 من أبواب العاقلة، الحديث 1.
363

يستحقون الإرث، وهو وإن شمل العاقلة الأنثى من القرابة مثلا لكنه مقيد
بغيرها من الذكران، لما مضى، فيبقى الباقي تحتها مندرجا، والعام المخصص
حجة في الباقي، كما حقق في محله مستقصى.
وفيه إشعار بلزوم الدية في مال الجاني أولا، ومع عدمه فعلى عاقلته،
وبه صرح جماعة، لكن بالنسبة إلى ضمان الإمام خاصة، فقالوا: إن ضمانه
مؤخر عن ضمان الجاني، ومنهم ابن زهرة مدعيا عليه إجماع الإمامية (1).
وهو الحجة; مضافا إلى المرسلة والقاعدة المتقدم إليها قريبا الإشارة.
وبه صرح جملة من النصوص: في جناية الأعمى أنها خطأ ويلزم
عاقلته يؤخذون بها في ثلاث سنين في كل سنة نجما، فإن لم يكن للأعمى
عاقلة لزمته دية ما جنى في ماله تؤخذ بها في ثلاث سنين، كما في
الصحيح (2).
وفي الموثق: أن عمد الأعمى مثل الخطأ فيه الدية في ماله، فإن لم يكن
له مال فإن دية ذلك على الإمام (3).
خلافا لآخرين فقالوا: ضمان الإمام مقدم على ضمان الجاني، ومنهم
الحلي مدعيا عليه أيضا الإجماع (4). وهو الحجة; مضافا إلى إطلاق الأدلة
بكون الإمام ضامن جريرة مع فقد العاقلة. ويمكن تقييده بما مر.
إلا أن يجاب عنه بضعف المرسل منه سندا ومتنا، لاشتماله زيادة على
ما تقدم على تقديم ضمانه على ضمان مطلق العاقلة حتى غير الإمام.
وظاهر الأصحاب - كالروايتين الواردتين في الأعمى اللتين هما أحد
تلك الأدلة - خلافه، والإجماع المنقول معارض بالمثل، وروايتا الأعمى

(1) لم نعثر عليه في الغنية.
(2) الوسائل 19: 306، الباب 10 من أبواب العاقلة، الحديث 1، والباب 35 من أبواب
القصاص في النفس 65، الحديث 1.
(3) الوسائل 19: 306، الباب 10 من أبواب العاقلة، الحديث 1، والباب 35 من أبواب
القصاص في النفس 65، الحديث 1.
(4) السرائر 3: 335.
364

بعد الاغماض عن احتياج إطلاقها إلى تقييد ما تضمنتا كون جنايته خطأ
مطلقا، ولم يرتضه المتأخرون، كما مضى، والأصل يخرج عنه بالإطلاقات.
وظاهر العبارة كغيرها وصريح جماعة كون الدية على الإمام في ماله.
خلافا لآخرين ففي بيت مال المسلمين، ومنشأ الاختلاف اختلاف
النصوص، ففي جملة منها على الإمام (1)، وفي اخرى: على بيت المال (2).
والمسألة كسابقتها محل إشكال، وللتوقف فيهما مجال.
(وجناية الذمي في ماله) مطلقا (وإن كانت خطأ فإن لم يكن له مال
فعاقلته الإمام) (عليه السلام) قالوا: (لأنه يؤدي إليه) جزيته كما يؤدي المملوك إلى
مولاه (ضريبته) فكان بمنزلته (و) إن خالفه في كون مولى العبد
(لا يعقل جنايته) لأنه ليس مملوكا محضا.
والأولى الاستدلال عليه بعد الإجماع الظاهر المستظهر من بعض العبائر
بالصحيح: ليس بين أهل الذمة معاقلة فما يكون من قتل أو جراحة إنما
تؤخذ ذلك من أموالهم، فإن لم يكن له مال رجعت إلى إمام المسلمين، لأنهم
يؤدون إليه الجزية، كما يؤدي العبد الضريبة إلى سيده، قال: وهم مماليك
الإمام فمن أسلم منهم فهو حر (3).
(وأما كيفية التقسيط: فقد تردد فيه الشيخ) فقال في موضع
المبسوط (4) والخلاف (5): على الغني عشرة قراريط نصف دينار وعلى الفقير
خمسة قراريط ربعه، وتبعه القاضي في المهذب (6) والفاضل في الإرشاد (7)

(1) الوسائل 17: 549، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة، الحديث 6.
(2) لم نعثر عليه.
(3) الوسائل 19: 300، الباب 1 من أبواب العاقلة، الحديث 1.
(4) المبسوط 7: 174.
(5) الخلاف 5: 282، المسألة 105.
(6) المهذب 2: 504.
(7) الإرشاد 2: 230.
365

والقواعد (1)، ولكن اختلفت عباراتهم، فالفاضل أطلق كما ذكرنا، ولم يبين
أن المقدارين أكثر ما يلزمهما أو أنهما لازمان عليهما لا أقل منهما،
والقاضي فسره بالأول، والشيخ بالثاني، قال: للإجماع على لزومهما ولا أكثر
للأصل مع عدم دليل.
وفيه نظر، لضعف الأصل بما مر مرارا، من معارضته بالمثل، لأن دفع
الأكثر من النصف عن الغني ومن الربع عن الفقير بالأصل يوجب اشتغال ذمة
آخر به، وهو أيضا مدفوع بالأصل، وعدم الدليل عليه ممنوع. كيف لا
والنص والفتوى بلزوم الدية على العاقلة مطلقان يشملانه حتى لو كان
العاقلة من ذوي القرابة واحدا تعين عليه الدية بتمامها، مع قدرتها عليها،
وكذلك مع العدم تعين عليه ما قدر، ويكون الزائد على مقدوره واجب على
من بعده من مراتب العاقلة ودرجاتها، لأن عجزه عنه يصيره كالعدم إجماعا،
فيكون الجاني بالنسبة إلى هذه الزيادة كمن لا عاقلة له من القرابة، وهكذا
الكلام بالنسبة إلى المرتبة الثانية من العاقلة يجب عليها المقدور من الزيادة
وما لا يقدر عليه منها يجب على من بعده من العاقلة وهكذا.
(و) على هذا ف‍ (الوجه وقوفه) أي التقسيط (على رأي الإمام
أو من نصبه للحكومة) ولو عموما فيدخل فيه المجتهد الجامع لشرائط
الفتوى (بحسب ما يراه من أحوال العاقلة) في الغنى والحاجة فيدفع الدية
عن الفقير، الذي لا قدرة له بالكلية، ويوجبها على الغني والفقير المتوسط
بحسب مقدورهما وما تقتضيه المصلحة، بحيث لا يستلزم اضرارا
ولا إجحافا بهما بالكلية، وإن زادت الدية عنهما بعد ذلك فضها على
المرتبة الثانية واختار هذا في موضع آخر من المبسوط (2) والخلاف (3)

(1) القواعد 3: 711.
(2) المبسوط 7: 178.
(3) الخلاف 5: 279، المسألة 100.
366

وتبعه الحلي (1) وجماعة من المتأخرين، ولعله المشهور بينهم.
(ويبدأ بالتقسيط على الأقرب) من العاقلة إلى الجاني رتبة ودرجة
(فالأقرب) فيأخذ من أقرب الطبقات أولا، فإن لم يكن أو لم يحتمل تخطى
إلى البعيدة ثم الأبعد وهكذا ينتقل مع الحاجة إلى المولى ثم إلى عصبته ثم
إلى مولى المولى ثم إلى ما فوق إلى الإمام (عليه السلام). ويحتمل بسطها على العاقلة
أجمع، من غير اختصاص بالقريب، لعموم الأدلة بوجوبها على العاقلة.
ولكن الأول أظهر، وفاقا للأكثر، لعموم «وأولوا الأرحام بعضهم أولى
ببعض» (2) ولا قائل بالفرق، مضافا إلى ما مر من إشعار النصوص والفتاوى،
بل ظهورهما في كون العقل كالإرث يترتب كترتبه، ويلزم حيث يثبت،
ومنها المرسل المتقدم المتضمن لقوله (عليه السلام) إن الدية على ورثته (3). فتأمل.
ويؤيده النصوص المتقدمة فيمن قتل وهرب فمات أنه تؤخذ الدية من
الأقرب إليه فالأقرب (4).
خلافا للمحكي عن المبسوط (5) والجامع (6) فقالا: بالاحتمال المتقدم.
(ويؤجلها) أي الدية الإمام أو من نصبه (عليهم) أي على العاقلة
ثلاث سنين (على ما سلف) بيانه، ونقل الدليل عليه في أوائل كتاب الديات.
(وأما اللواحق فمسائل) ثلاث:
(الأولى: لو قتل الأب ولده عمدا) فلا قصاص، كما مر في كتابه
(ودفعت الدية) بعد أن تؤخذ (منه إلى الوارث) للابن ولو كان بعيدا
ولو ضامن جريرة أو إماما (ولا نصيب للأب منها) لأنه قاتل عمدا لمورثه
فلا يرث منه إجماعا.

(1) السرائر 3: 332.
(2) الأنفال: 75.
(3) الوسائل 19: 304 - 303، الباب 6 - 1 من أبواب العاقلة، الحديث 1، 1.
(4) الوسائل 19: 304 - 303، الباب 6 - 1 من أبواب العاقلة، الحديث 1، 1.
(5) المبسوط 7: 178.
(6) الجامع للشرائع: 576.
367

(ولو لم يكن) للابن (وارث) سوى الأب (فهي) أي الدية
المأخوذة منه (للإمام (عليه السلام) ولو قتله) الأب (خطأ فالدية على العاقلة
ويرثها الوارث) للابن مطلقا، ولا خلاف ولا إشكال في شئ من ذلك.
(و) إنما الإشكال (في توريث الأب) من الدية في صورة الخطأ ففيه
(قولان، أشبههما) وأشهرهما (أنه لا يرث) منها شيئا مطلقا، وقد تقدم
التحقيق في ذلك في كتاب المواريث مستوفى (و) إنما أعاده هنا لبيان
وقوع الاختلاف هنا في ذلك على القول بتوريثه من الدية فيما (لو لم يكن
وارث) للمقتول (سوى) الأب.
و (العاقلة) هل تؤخذ منهم الدية وتدفع إليه، أم لا شئ له عليهم؟
(فإن قلنا) إن (الأب لا يرث) من ديته أو مطلقا شيئا (فلا دية) له قطعا
(وإن قلنا يرث ففي أخذ الدية) له هنا (من العاقلة تردد) من أنه الجاني
ولا يعقل ضمان الغير له جناية جناها والعاقلة إنما يضمن جنايته للغير وهو
خيرة الأكثر بل لا خلاف فيه هنا يظهر، ومن إطلاق ما دل على وجوب
الدية على العاقلة للورثة والأب منهم فيرث، لوجود السبب، وانتفاء المانع.
وفيه نظر، لمنع الإطلاق بحيث يشمل نحو محل الفرض، لندرته، وعدم
تبادره، فيختص بغيره مما هو الغالب المتبادر، وهو غير محل الفرض،
فيرجع حينئذ إلى مقتضى الأصل من لزوم الدية على الجاني دون غيرهم.
ثم في دعوى كون الأب هنا من الورثة بقول مطلق نظر. أما على القول
بعدم إرثه مطلقا فظاهر، وكذا على القول بعدم إرثه من الدية خاصة، إذ هو
بالنسبة إليها ليس من الورثة. وأما على القول بإرثه منها فحسن إن سلم منه
ذلك كليا أو كان كذلك، وإلا فالدعوى من دونهما أو أحدهما مصادرة وأول
البحث. وتسليم كونه وارثا فيما إذا كان له ورثة غير العاقلة كالأم والبنت
368

مثلا لا يستلزم تسليم كونه وارثا هنا. فتأمل جدا.
(الثانية: لا تعقل العاقلة عمدا) محضا ولا شبيها به، وإنما تعقل الخطأ
المحض.
(ولا إقرارا ولا صلحا) يعني إذا أقر الجاني بالقتل خطأ مع عدم ثبوته
إلا بإقراره لم يثبت بذلك شئ على العاقلة. وكذا لو اصطلح القاتل والأولياء
في العمد مطلقا والخطأ مع عدم ثبوته على الدية لا يلزم العاقلة منها شئ،
بلا خلاف في شئ من ذلك أجده، لأصالة البراءة، واختصاص المخرج
عنها من النص والفتوى بدية الخطأ المحض الثابت بنحو من البينة،
مضافا إلى النصوص المستفيضة لا يعقل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا
ولا اعترافا (1).
(و) كذا (لا) تعقل (جناية الإنسان على نفسه) مطلقا بل يكون دمه
هدرا بلا خلاف فيه ظاهرا، بل قيل: إنه كذلك عندنا وضمن العاقلة
الأوزاعي وأحمد وإسحاق (2)، وهو ظاهر في إجماعنا عليه. وهو الحجة;
مضافا إلى بعض ما مر إليه الإشارة.
(ولا يعقل المولى عبدا) بمعنى أن العبد لو قتل إنسانا خطأ أو جنى
عليه كذلك لا يعقل المولى جنايته، بل يتعلق برقبته كما سلف بيانه في كتاب
القصاص في الشرط الأول من شرائطه.
وقد ذكرنا ثمة عدم الخلاف فيه، كما هو ظاهر جماعة، ومنهم
الصيمري (3) والفاضل المقداد هنا، حيث أرجعا قول الماتن الآتي على
الأظهر إلى المستولدة خاصة، بل صرح الثاني بالإجماع عليه، فإنه قال: وجه

(1) مستدرك الوسائل 18: 415، الحديث 4.
(2) كشف اللثام 2: 529 س 12.
(3) غاية المرام: 212 س 25 (مخطوط).
369

الأظهرية كونها رقا، والإجماع منعقد على أن المولى لا يعقل عبدا وهو عام
في أم الولد وغيرها (1).
أقول: ويدل عليه مضافا إليه النصوص المتقدمة ثمة، لكن في النهاية
وإذا قتل عبد حرا خطأ فاعتقه مولاه جاز عتقه وكان على مولاه دية
المقتول، لأنه عاقلته (2)، ويفهم منه الخلاف في المسألة. وأظهر منه عبارة
الغنية، حيث قال: وعاقلة الرقيق مالكه (3).
ويمكن الاستناد لهما بمفهوم التعليل في الصحيح المتقدم: في عاقلة
الذمي أنه الإمام، لأنه يؤدي إليه الجزية، كما يؤدي العبد إلى سيده
الضريبة (4).
لكنه لا يعارض النصوص المتقدمة ثمة المعتضدة، مع الصراحة والكثرة
بالشهرة العظيمة، التي كادت تكون إجماعا، بل إجماع في الحقيقة، لشذوذ
قولهما، مع احتمال إرادتهما كون المولى عاقلته لو جنى بعد العتق لا قبله،
كما احتمله الحلي في عبارة النهاية (5)، وهو وإن بعد في عبارة الغنية، لكن
يؤيده أنه لم يذكر عاقلة المعتق بالكلية، وهو بعيد غايته لو لم يكن هو مرادا
بتلك العبارة.
ويحتمل إرادتهما مطلقا الضمان، كما حمل الفاضل في المختلف عليه
عبارة النهاية، فقال: والشيخ عنى بالعاقلة هنا الضامن لا المعنى المتعارف (6).
أقول: ولا ريب في صحة عقل المولى لعبده بهذا المعنى، لما مضى ثمة
من أن على المولى في جناية عبده إما دفعه إلى ولي المجني عليه، أو فكه

(1) التنقيح 4: 540.
(2) النهاية 3: 396.
(3) الغنية: 413.
(4) الوسائل 19: 300، الباب 1 من أبواب العاقلة، الحديث 1.
(5) نكت النهاية 3: 396 - 397.
(6) المختلف 9: 332.
370

بقيمته وأيا ما كان ثبت الضمان عليه.
والفرق بينه وبين العقل بالمعنى المتعارف استلزام ضمان تمام الدية
ولو زادت عن قيمة العبد، بخلاف الضمان فإن متعلقه ليس إلا دفع العبد مع
الزيادة أو فكه بالقيمة من غير زيادة.
وكيف كان لا فرق على المختار بين كون العبد (قنا) أي رقا محضا
(أو مدبرا) أو مكاتبا (أو أم ولد على الأظهر) الأشهر.
خلافا للشيخ في أحد قوليه والقاضي فيعقلها مولاها، للخبر المتقدم، مع
تمام التحقيق في المسألة في آخر النظر الأول من الأنظار الأربعة من كتاب
الديات، من أراده فليراجعه ثمة.
(الثالثة: لا يعقل العاقلة) للإنسان جناية (بهيمة) له على إنسان وإن
كان جنايتها مضمونة عليه على تقدير تفريطه في حفظها (و) كذا (لا)
تعقل (إتلاف) ذلك الإنسان (مال) أحد، بل هو مضمون عليه (ويختص
ضمانها) أي العاقلة (بالجناية) ممن تعقل عنه (على الآدمي فحسب) بلا
خلاف في شئ من ذلك أجده، للأصل، مع اختصاص ما دل على ضمان
العاقلة من الفتوى والرواية بجناية الآدمي على مثله خطأ لا مطلقا.
* * *
وحيث انتهى الكلام في الكتاب بعون الله الملك الوهاب إلى هنا قال
الماتن رحمه الله تعالى: (فهذا ما أوردناه وقصدنا حصره) وضبطه
(مختصرين مطوله) مجردين محصله (ونسأل الله سبحانه أن يجعلنا ممن
شكر) بلطفه وكرمه و (علمه وغفر) بفضله وسعة رحمته (زلله).
ويقول أقل الخليقة بل لا شئ في الحقيقة: أحمد الله سبحانه على
توفيقه وتسهيله لتأليف هذا التعليق، وأسأله بجوده وكرمه أن يجعله خالصا
لوجهه الكريم، موجبا لثوابه الجسيم، وأن يعفو لعبده ما قصر فيه من اجتهاد
371

أو وقع له من خلل في إيراد، إنه هو الغفور الرحيم البر الكريم.
والمرجو ممن يقف على هذا التعليق ويرى فيه خطأ أو خللا أن يصلحه
وينبه عليه ويوضحه ويشير إليه، حائزا بذلك مني شكرا جميلا، ومن الله
تعالى أجرا عظيما جزيلا.
وفرغ من تسويده مؤلفه الفقير إلى الله تعالى الغني
علي بن محمد علي الطباطبائي
منتصف ليلة الجمعة، وهي السابعة والعشرون من شهر صفر
سنة اثنين وتسعين ومائة بعد الألف من الهجرة النبوية
على صاحبها أفضل صلوات وتسليمات وتحية.
* * *
372