الكتاب: رياض المسائل
المؤلف: السيد علي الطباطبائي
الجزء: ١
الوفاة: ١٢٣١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: رمضان المبارك ١٤١٢
المطبعة:
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك:
ملاحظات:

رياض المسائل
تأليف
الفقيه المدقق
السيد علي الطباطبائي
المتوفى سنة 1231 ه‍ ق
الجزء الأول
تحقيق
مؤسسة النشر الاسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة
1

رياض المسائل
في بيان
أحكام الشرع بالدلائل
المؤلف: الفقيه المدقق السيد علي الطباطبائي
الموضوع: فقه
تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي
عدد الأجزاء: 18 جزء
الطبعة: الأولى
المطبوع: 1000 نسخة
التاريخ: رمضان المبارك 1412 ه‍
مؤسسة النشر الاسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة
2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين.
وبعد، فقد حفل تاريخ الفقاهة الاسلامية بموسوعات فقهية ضخام، ومؤلفات
جليلة عظام، زخرت بها الكاتب العلمية في مختلف المعاهد الدينية على متنوع
مشاربها وأساليبها في التخريج والاستنباط.
وكان نصيب الإمامية في هذا المضمار هو قصب السبق في جميع جوانبه
المترامية، ولا سيما في جانب قواعده الراسية على محكمات الكتاب والسنة القطعية
وفي ضوء إرشاد العقل الحكيم.
3

وأول من شمر عن ساعد الجد في هذا الحقل هو شيخ الطائفة ورئيسها على
الاطلاق محمد بن الحسن الطوسي - قدس سره الشريف - المتوفى سنة 460 ه‍،
فأسس قواعد هذا البنيان الرفيع، ورصف أصوله ورتبها وأحسن تنظيمها على
ترتيب منهجي بديع.
وجاء الفقهاء من بعده فجروا على منواله الحكيم مستخرجين الفروع من
الأصول على نفس النظام، وتبويب المسائل وفق ما حرره الشيخ في مختلف كتبه.
نعم جاء المتأخرون ليزيدوا تحقيقا وتدقيقا في أساليب الاستنباط ومناهج
الاجتهاد ورد الفروع إلى الأصول، ولا سيما بعد أن تحرر " علم الأصول " من أسلوبه
التقليدي القديم، إلى أسلوبه التحقيقي الحديث. وإذا بالفقه قد تفتحت له أبواب
جديدة كانت مغلقة قبلئذ، وبدت من ثنايا آيات الكتاب المجيد وكلمات العترة
الطاهرة دقائق ورقائق - هي حقائق - لم تكن معروفة لحد ذاك. كل ذلك بجهود
بذلها فقهاء أفذاذ وعلماء جهابذة كرسوا جهودهم - ولا يزالون - في التحقيق والتدقيق
في خبايا آثار آل الرسول صلى الله عليه وآله.
وقد حصل هذا التحول الأساسي - في نوعية الاستنباط - منذ عهد نجم الدين
(المحقق الحلي) (المتوفى سنة 676 ه‍) قدس سره فحقق من مباني الفقه وأحكم
قواعده الراسية في كتابه المعتبر وغيره، ومن ثم لقب بالمحقق جديرا بهذا النعت المعبر
عن واقعية لامعة.
ثم على يد جمال الدين العلامة الحلي (المتوفى سنة 726 ه‍) وولده فخر
المحققين (المتوفى سنة 771 ه‍) فقد كرس الوالد جهده في البحث والتنقيب والجمع
والمقارنة والتحقيق وسار الولد على منهاج والده في امتداد التدقيق والتخريج.
وبعدهما جاء الشهيد السعيد محمد بن مكي العاملي (المتوفى سنة 786 ه‍) حيث
ركز أسس الفقه ومباني الاستدلال على قواعد رصينة ومدارك متينة.
ثم جاء دور نور الدين الكركي (المحقق الثاني) (المتوفى سنة 940 ه‍) فأبدع وأتى
بآراء ونظريات مستجدة لم يسبق لها نظير.
4

وهكذا جاء زين الدين العاملي (الشهيد الثاني) (المتوفى سنة 965 ه‍) في وسط
علمي أخذت الفقاهة التحقيقية مدارجها إلى الصعود.
واقتفى أثره الفاضلان الشيخ حسن صاحب " المعالم " والسيد محمد صاحب
" المدارك ".
ثم جاء فقيه أهل البيت المحدث البحراني (المتوفى سنة 1186 ه‍) وقد وسع
في كتابة الفقه المستدل بشكل مبسط جامع في أحسن تبويب وأجمل ترتيب.
وهكذا نبغ في أواخر القرن الثاني عشر الأستاذ الأكبر الوحيد البهبهاني
(المتوفى سنة 1206 ه‍)، فجدد النظر في أصول معرفة رجال الاسناد وأخرجها
عن أسلوبها التقليدي إلى أسلوب تحقيقي.
ثم جاء الشيخ الكبير الشيخ جعفر كاشف الغطاء (المتوفى سنة 1228 ه‍)،
وكان رافعا راية التحقيق في دور جديد بلغ غايته في البحث والتمحيص.
وهكذا إلى أن حظي مستهل القرن الثالث عشر بعلماء جهابذة ازدهرت بهم
معاهد التحقيق في الحوزات العلمية، خصوصا في فني الأصول والفقه.
ومولانا الجليل السيد مير علي الطباطبائي (المتوفى سنة 1231 ه‍)، أحد
هؤلاء الأفذاذ والذي ألف كتابه الشريف (رياض المسائل في بيان أحكام
الشرع بالدلائل) حيث أجمع فيه جميع أبواب الفقه من الطهارة إلى الديات
بصورة موسعة ومستدلة (1).
وكان - رحمه الله - ذا قدرة جبارة في رد الفروع إلى الأصول، حيث كان في
كرسي تدريسه يجول ويصول صولة الأسد الضرغام. فجزى الله جميع العلماء
العاملين - المذكورين منهم وغيرهم - عن الاسلام خير الجزاء.
وقد قامت المؤسسة - والحمد لله - بتحقيق هذا السفر الجليل واستخراج منابعه

(1) لا يخفى أن هذا الكتاب هو شرح مبسط على كتاب (المختصر النافع) الذي ألفه في نجم الدين الشيخ
أبو القاسم الحلي المعروف ب‍ " المحقق الأول " ويسمى ب‍ " الشرح الكبير ".
5

بعد مقابلته مع عدة نسخ مخطوطة ثم طبعه ونشره بهذه الصورة الأنيقة.
ولا يسعها أخيرا، لا وأن تتقدم بجزيل شكرها وعظيم امتنانها لسماحة العلامة
الشيخ الآصفي على ما تفضل به من بحث شامل حول تاريخ فقه أهل البيت
عليهم السلام. كما وتشكر أيضا سماحة البحاثة الشيخ اليوسفي على ما كتبه عن
حياة المؤلف - قدس الله روحه -. كما لا تنسى الإخوة الذين من أهل الفضل
والتحقيق سيما الشيخ رحمة الله الرحمتي والشيخ ضياء الدين الواعظي والسيد يحيى
الحسيني ورعد البهبهاني والحاج كمال الكاتب وغيرهم لما بذلوه من جهد وافر
وسعي حثيث. جزى الله الجميع خيرا، ونسأله سبحانه أن يوفقنا لنشر التراث
الاسلامي إنه خير موفق ومعين.
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
6

تاريخ فقه أهل البيت
عليهم السلام
العلامة الشيخ محمد مهدي الآصفي
بسم الله الرحمن الرحيم
مما يؤسف له أن (الفقه الشيعي) لم يؤرخ من قبل الباحثين إلى حد اليوم
بصورة منهجية كاملة، ومن تحدث عن تاريخ تكامل هذا الفقه وتطور الكتابة
الفقهية لم يتجاوز ترجمة الفقهاء وتصنيف طبقات المحدثين. ولم يظهر لحد الآن
تصنيف لعصور هذا الفقه ومراكزه العلمية ومدارسه الفقهية على امتداد خط
التاريخ الاسلامي، وبيان ملامح هذه المدارس وما تمتاز به كل مدرسة على
سابقتها، مما تجعلها مدارس متعاقبة ومتوالية في التكامل والنمو.
ولم يبحث أحد من الدارسين كيف تطور هذا الفقه من مستوى المجموعات
الحديثية، والأصول الأربعمائة إلى مستوى " الحدائق الناضرة " و " جواهر
الكلام ".
وهذه مسألة مهمة تحتاج إلى كثير من العناية والدراسة، ولا أدعي أنني
سوف أتوفر على تقديمها في هذه العجالة، ولا إنني أستطيع بهذه الدراسة أن أفتح
الطريقة لغيري، غير أنني أرجو أن ينهض بهذا العبء علماء وباحثون يولون هذا
الأمر ما يستحق من العناية والاهتمام ويثرون المكتبة الفقهية بمثل هذه الدراسة
الضرورية.
ولتطور المدرسة الفقهية عند الشيعة تاريخ طويل، كما يكون ذلك لأية
ظاهرة اجتماعية أخرى، وكما يكون ذلك لأي كائن حي.
7

ولدراسة تاريخ تطور الدراسة الفقهية لدى الشيعة يجب أن تضم حلقات
هذا التطور بعضها إلى بعض، وتربط الظاهرة الفقهية بالظواهر المحيطية الأخرى
التي تتصل بها، والتي تتفاعل معها على امتداد التاريخ.
فلا يمكن من وجهة منهجية فصل الدراسة الفقهية عن العوامل المحيطية
والزمنية على صيد البحث التاريخي.
فلا تنمو الدراسة الفقهية كظاهرة مفصولة عن الحياة الاجتماعية والمحيط
والعوامل المحيطية، ولا يمكن عزل الفقه عن المؤثرات التي تتدخل في تكوين
التاريخ البشري. وإنما يجب ربط هذه الظاهرة بغيرها من الظواهر والعوامل
المحيطية والزمنية، ليتاح لنا أن نتعرف على عوامل النمو والرشد فيها، وتأثرها بها.
والعوامل التي يجب أن تلحظ في تطوير المدرسة الفقهية والتي تتدخل في
تكوين الدراسة الفقهية والبحث الفقهي ثلاثة:
1 - الزمان:
ولا نعني بالزمان ما يعنى به عادة من مرور الدقائق والساعات، فذاك شئ
لا يهمنا، وإنما نعني به العمل الناجز إلى حد زمني خاص، فلا شك - أن مستوى
الدراسة الفقهية الناجزة في عصر الشهيد يختلف عنه في عصر شيخ الطائفة
الطوسي، وذلك يعني أن شيخ الطائفة بدأ العمل من مستوى دون المستوى الذي
بدأه الشهيد، وأن الشهيد ابتدأ العمل الفقهي من المستوى الذي انتهى إليه
الشيخ الطوسي والمحققون من بعده، وهذا العامل له أهميته في دراسة تطور
البحث الفقهي.
2 - المحيط:
لا شك في تأثر البحث الفقهي بالمراكز الثقافية التي كان ينتقل إليها، فكل
واحد من المراكز الفقهية التي ينقل فيها ويحول إليها الفقه الشيعي له طابعه
8

الثقافي الخاص، وله تأثيره في تكوين الدراسة الفقهية وتطويرها.
فحينما انتقلت الدراسة الفقهية الشيعية من المدينة إلى الكوفة وأصبحت
الكوفة مركز الاشعاع في البحث الفقهي الشيعي تأثر البحث الفقهي كثيرا
بهذا المحيط الجديد المزدحم بفقهاء الشيعة.
كما تأثر الفقه الشيعي بدون ريب حينما انتقل من قم إلى بغداد وكون هذا
الإطار الحضاري والفكري الجديد الذي كانت تزدحم جوانبه بمختلف
المدارس الثقافية والعلماء والفقهاء، من مختلف المذاهب الاسلامية.
3 - شخصية الفقهاء:
وهذا عامل ثالث في تطوير الفقه لا نستطيع أن نغضي عنه، فلمؤهلات
الفقيه الفكرية وبعد نظره وعمق تفكيره وإصابة آرائه وطموحه الفكري
للتجديد أثر كبير في تطوير الفقه.
فما جدده شيخ الطائفة مثلا في البحث الفقهي لا يرتبط كليا بتأثير المحيط
والعصر، وإنما كان يرتبط أيضا بمؤهلات الشيخ الطوسي الشخصية وقابلياته
ونبوغه الذاتي.
وعلى ضوء هذه العوامل الثلاثة سنحاول أن نقوم بدراسة سريعة لتاريخ
الفقه الشيعي، وتطور البحث الفقهي عند الشيعة، وتعاقب المدارس الفقهية،
مع الإشارة إلى الملامح الكلية لكل من هذه المدارس.
وسوف نسير في هذه الدراسة التاريخية على ضوء ما قدمناه - بغض الطرف
عن التقسيمات التي يأخذ بها مؤرخو الفقه والحديث الشيعي، على غير هذا
المنهج - ونصنف عصور الفقه الشيعي حسب العوامل الثلاثة ضمن المدارس
التالية على امتداد العصور المتعاقبة.
وحينما نضيف المدرسة الفقهية إلى قطر خاص كالكوفة أو بغداد أو المدينة
لا نعني أن الفقاهة تمركزت كليا في هذه الأقطار وإنما نعني أن المدرسة بلغت
9

نضجها الخاص وكمالها المرحلي في هذا القطر بالخصوص.
وأهم مدارس الفقه الشيعي حسب توالي عصور الفقه الشيعي هي:
1 - مدرسة المدينة المنورة: واستمرت إلى أواسط القرن الثاني (حياة الإمام
الصادق عليه السلام).
2 - مدرسة الكوفة: ظهرت من أواسط القرن الثاني (حياة الإمام الصادق
عليه السلام) واستمرت إلى الربع الأول من القرن الرابع (الغيبة الكبرى).
3 - مدرسة قم وري الأولى: ظهرت في الربع الأول من القرن الرابع
واستمرت إلى النصف الأول من القرن الخامس (أيام المرتضى والطوسي).
4 - مدرسة بغداد: ظهرت من النصف الأول للقرن الخامس إلى احتلال
بغداد.
5 - مدرسة الحلة: ظهرت من احتلال بغداد واستمرت إلى حياة الشهيد
الثاني.
6 - مدرسة جبل عامل.
7 - مدرسة أصفهان.
8 - مدرسة البحرين.
9 - مدرسة كربلاء المقدسة.
10 - مدرسة النجف الأشرف.
10

مدرسة المدينة المنورة
والعصر الأول هو عصر الصحابة والتابعين لهم بإحسان ظهرت من ظهور
المجتمع الاسلامي في (المدينة المنورة)، واستمرت إلى حياة (الإمام الصادق
عليه السلام).
والمدينة المنورة كانت هي المنطلق الأول للرسالة الاسلامية، فلا غرو إذا
كانت المدرسة الأولى للفقه الاسلامي.
وكانت المدينة المنورة الوطن الأول لفقهاء الشيعة من الصحابة والتابعين
لهم بإحسان، فكان من فقهاء الصحابة بعد الإمام أمير المؤمنين والزهراء
والحسنين عليهم السلام: ابن عباس حبر الأمة وفقيهها، وسلمان الفارسي،
وأبو ذر الغفاري، وأبو رافع إبراهيم مولى رسول الله صلى الله عليه وآله.
قال النجاشي: أسلم أبو رافع قديما بمكة وهاجر إلى المدينة، وشهد مع
النبي صلى الله عليه وآله مشاهده، ولزم أمير المؤمنين عليه السلام من بعده،
وكان من خيار الشيعة... ولأبي رافع كتاب السنن والأحكام والقضايا (1).
ومن التابعين تولى جمع كثير من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام حفظ السنة
النبوية وتداولوها فيما بينهم، ونقلوها إلى الأجيال التي تليهم بأمانة، حتى قال

(1) رجال النجاشي: ص 5 تحت رقم 1، طبع مؤسسة النشر الإسلامي - قم.
11

الذهبي في ميزان الاعتدال: فهذا - أي التشيع - كثر في التابعين وتابعيهم مع
الدين والورع والصدق، فلو رد حديث هؤلاء - أي الشيعة - لذهبت جملة الآثار
النبوية (1).
ولعوامل لا نعرفها منع عمر بن الخطاب تدوين السنة النبوية فبقيت السنة
النبوية في صدور الصحابة والتابعين يتناقلونها حتى خلافة عمر بن عبد العزيز،
حيث أمر بتدوينها محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، فلم يتفق لمحدثي غير
الشيعة من الصحابة والتابعين تدوين السنة النبوية قبل هذا الوقت.
ولكن فقهاء الشيعة - فيما يحدثنا التاريخ - دونوا عدة مدونات حديثية مهمة.
وكان أمير المؤمنين عليه السلام أول من صنف في الفقه، ودون الحديث
النبوي، ولم يوافق عمر بن الخطاب على رأيه.
قال السيوطي: كان بين السلف من الصحابة والتابعين اختلاف كثير في
كتابة العلم، فكرهها كثير منهم، وأباحتها طائفة وفعلوها: منهم: علي وابنه
الحسن (2).
فكتب " الجامعة " وهي من إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وخط علي عليه السلام، وكان يبلغ سبعين ذراعا، وقد تواتر نقله في أحاديث الأئمة
من أهل البيت عليهم السلام (3).
وكان لسلمان مدونة في الحديث كما يقول ابن شهرآشوب.
وعلي بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان من فقهاء
الشيعة وخواص أمير المؤمنين عليه السلام.
قال النجاشي: وهو تابعي من خيار الشيعة، كانت له صحبة من

(1) ميزان الاعتدال: ج 1 ص 5.
(2) أعيان الشيعة: ج 1 ص 274.
(3) راجع تفصيل ذلك في أعيان الشيعة: ج 1 ص 290.
12

أمير المؤمنين، وكان كاتبا له، وحفظ كثيرا، وجمع كتابا في فنون الفقه كالوضوء
والصلاة وسائر الأبواب، وكانوا يعظمون هذا الكتاب (1).
ومنهم: سعيد بن المسيب، وهو أحد الفقهاء الستة، والقاسم بن محمد بن
أبي بكر.
قال أبو أيوب: ما رأيت أفضل منه.
وفي كتاب الكافي عن يحيى بن جرير قال: قال أبو عبد الله الصادق عليه
السلام: كان سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد بن أبي بكر وأبو خالد
الكابلي من ثقات علي بن الحسين عليه السلام (2).
ومهما يكن من أمر فقد كان فقهاء الشيعة وعلى رأسهم أئمة المسلمين من
أهل البيت صلوات الله عليهم يقودون الحركة الفكرية في العالم الاسلامي،
وتنطلق هذه الحركة من المدينة المنورة بشكل خاص.
وبلغ هذا الازدهار الفكري غايته في عهد الإمام الصادق عليه السلام،
فقد ازدهرت المدينة المنورة في عصر الإمام، وزخرت بطلاب العلوم ووفود
الأقطار الاسلامية، وانتظمت فيها حلقات الدرس، وكان بيته جامعة إسلامية
يزدحم فيه رجال العالم وحملة الحديث من مختلف الطبقات ينتهلون موارد علمه.
قال ابن حجر عن الإمام الصادق عليه السلام: نقل الناس عنه من
العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته في جميع البلدان، وروى عنه الأئمة
الأكابر كيحيى بن سعيد وابن جريح ومالك والسفيانيين وأبي حنيفة وشعبة
وأيوب السختياني (3).
إذن كانت المدينة المنورة في عهد الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام

(1) رجال النجاشي: ص 5.
(2) تأسيس الشيعة لعلوم الاسلام: ص 299.
(3) الصواعق المحرقة: ص 199 والصحيح " السجستاني ".
13

مدرسة للفقه الشيعي، ومركزا كبيرا من مراكز الاشعاع العقلي في العالم
الاسلامي.
ويطول بنا الحديث لو أردنا أن نحصي عدد الفقهاء من الشيعة في هذه
الفترة وما تركوا من آثار، ويكفي الباحث أن يرجع إلى كتب أعيان الشيعة،
ورجال النجاشي، والكشي، وتأسيس الشيعة لعلوم الاسلام ليعرف مدى
الأثر الذي تركه فقهاء الشيعة في هذه الفترة التي تكاد تبلغ قرنا ونصف قرن
من تاريخ الاسلام في الدراسة الفقهية، والمحافظة على السنة النبوية.
والشئ الذي نحب أن نشير إليه هو أن ملامح المدرسة الفقهية في هذه
الفترة في المدينة المنورة كانت أولية إلى حد ما، ولم تتبلور مسائل الخلاف
والمقارنة في الفقه في هذه الفترة كما تبلورت بعد في الكوفة على يد تلامذة الإمام
الصادق عليه السلام واستمرت إلى أيام أبي الحسن الرضا عليه السلام،
فالاختلاف في القياس والاستحسان والرأي والاجتهاد، لم تظهر واضحة في
هذه الفترة، وفي هذه المدرسة بالذات، وإن كانت المدينة هي المنطلق والمركز
الأول للبحث الفقهي عند الشيعة، وعنها انتقلت المدرسة إلى الكوفة، وتبلورت
المفاهيم، واتضحت نقاط الالتقاء والاختلاف. بين المذاهب الفقهية الاسلامية.
ومدونات الحديث كانت مقتصرة على عدد معدود من المدونات المعروفة
التي تم تدوينها في المدينة المنورة والتي ضاع أكثرها.
ولم تكن هذه المدونات فيما عدا مدونة أمير المؤمنين عليه السلام دورات
كاملة للحديث النبوي، وإنما كانت تجمع لقطات من السنة النبوية والأحكام
الفقهية.
ولم تكن هناك كتب فقهية تعنى بالفتاوى خارج نطاق المدونات
الحديثية.
كما لم تتبلور بعد لدى فقهاء الشيعة صياغة المقاييس الخاصة للاجتهاد
والفتيا بصورة كاملة، والمقاييس الخاصة لمعالجة الأخبار المتعارضة، فلم يكثر
14

الحديث بعد عن أهل البيت عليهم السلام، ولم يدخل في حديثهم بعد الشئ
الكثير من الحديث المدسوس، ولم يشق على الفقهاء الرجوع إلى الأئمة عليهم
السلام للسؤال فيما يعرضهم من حاجة، أو ما يعرض الناس فلم تظهر حاجة
ملحة إلى اتخاذ مقاييس للرأي والاجتهاد، ومقاييس لمعالجة الأحاديث
المتعارضة، ومعرفة السقيم منها عن الصحيح، ولم يراجعوا الأئمة في شئ من
ذلك، ولذلك كان البحث الفقهي في هذا الدور يقطع مراحل حياته الأولى.
وبما تقدم يمكننا أن نحدد ملامح هذا العصر في الخطوط الثلاثة التالية:
1 - قلة المدونات الحديثية واضطرابها في الجمع والتبويب فيما عدا مدونة
أمير المؤمنين عليه السلام.
2 - عدم تبلور مسائل الخلاف المقارنة بين المذاهب الاسلامية بصورة
واضحة.
3 - عدم اتخاذ مقاييس للاجتهاد والفتيا فيما لا نص في مورده وعدم الابتلاء
بالأحاديث الفقهية المتعارضة.
15

مدرسة الكوفة
في أخريات حياة الإمام الصادق عليه السلام انتقلت مدرسة الفقه
الشيعي من المدينة إلى الكوفة، وبذلك بدأ الفقه مرحلة جديدة من حياته في
الكوفة.
وكانت الكوفة حين ذاك مركزا علميا وتجاريا وسياسيا معروفا في العالم
الاسلامي، يقصده طلاب العلم والمال والسياسة من أطراف العالم.
يقول البلاذري: إن أربعة آلاف من رعايا الفرس وفدوا إلى الكوفة (1).
وقد أثر وفود العناصر المختلفة إلى الكوفة طلبا للعلم أو التجارة في التلاقح
العقلي والذهني في هذه المدرسة، كما كان لها الأثر البالغ في تطوير الدراسات
العقلية فيها.
وقد هاجر إليها فوق ذلك وفود من الصحابة والتابعين والفقهاء وأعيان
المسلمين من مختلف الأمصار، وبذلك كانت الكوفة حين انتقل إليها الإمام
الصادق عليه السلام وانتقلت إليها مدرسة الفقه الشيعي من أكبر العواصم
الاسلامية.
وقد عد البراقي في تاريخ الكوفة 148 صحابيا من الذين هاجروا إلى

(1) راجع تاريخ الكوفة: ص 282 - 395.
16

الكوفة واستقروا فيها، ما عدا التابعين والفقهاء الذين انتقلوا إلى هذه المدينة
والذين كان يبلغ عددهم الآلاف، وما عدا الأسر العلمية التي كانت تسكن
هذا القطر.
وقد أورد ابن سعد في الطبقات ترجمة ل‍ (850) تابعيا ممن سكن
الكوفة (1).
في مثل هذا الوقت انتقل الإمام الصادق عليه السلام إلى الكوفة أيام أبي
العباس السفاح، واستمر. بقاء الإمام الصادق عليه السلام في الكوفة مدة
سنتين.
وقد اشتغل الإمام الصادق عليه السلام هذه الفترة بالخصوص في نشر
مذهب أهل البيت في الأصولين والفقه لعدم وجود معارضة سياسية قوية في
البين، فقد سقطت في هذه الفترة الحكومة الأموية وظهرت الحكومة العباسية،
وبين هذا السقوط وهذا الظهور اغتنم الإمام الصادق عليه السلام الفرصة
للدعوة إلى المذهب، ونشر أصول هذه المدرسة، فازدلفت إليه الشيعة من كل
فج زرافات ووحدانا تستقي منه العلم وترتوي من منهله العذب وتروي عنه
الأحاديث في مختلف العلوم، وكان منزله عليه السلام في بني عبد القيس من
الكوفة (2).
قال محمد بن معروف الهلالي: مضيت إلى الحيرة إلى جعفر بن محمد عليه
السلام فما كان لي فيه حيلة من كثرة الناس، فلما كان اليوم الرابع رآني
فأدناني وتفرق الناس عنه ومضى يريد قبر أمير المؤمنين عليه السلام، فتبعته
وكنت أسمع كلامه وأنا معه أمشي.
وقال الحسن بن علي بن زياد الوشاء لأبي عيسى القمي: إني أدركت في

(1) طبقات ابن سعد: ج 6.
(2) تاريخ الكوفة للبراقي: ص 408.
17

هذا المسجد - يعني مسجد الكوفة - تسعمائة شيخ كل يقول: حدثني جعفر بن
محمد (1).
وكان من بين أصحاب الإمام الصادق عليه السلام من فقهاء الكوفة:
أبان بن تغلب بن رباح الكوفي نزيل كندة، روى عنه عليه السلام (30000)
حديثا.
ومنهم: محمد بن مسلم الكوفي، روى عن الباقرين عليهما السلام
(40000) حديثا.
وقد صنف الحافظ أبو العباس بن عقدة الهمداني الكوفي (المتوفى سنة
333) كتابا في أسماء الرجال الذين رووا الحديث عن الإمام الصادق عليه
السلام، فذكر ترجمة (4000) رجلا (2).
كل ذلك بالإضافة إلى البيوتات العلمية الكوفية التي عرفت بانتسابها إلى
الإمام الصادق عليه السلام، واشتهرت بالفقه والحديث كبيت آل أعين،
وبيت آل حيان التغلبي، وبيت بني عطية، وبيت بني دراج، وغيرهم من
البيوتات العلمية الكوفية التي عرفت بالتشيع، واشتهرت بالفقه والحديث (3).
وقد أدى كل هذا الالتقاء بشخصية الإمام الصادق عليه السلام في
الكوفة، والاحتفاء به إلى أن يأخذ الجهاز العباسي الحاكم حذره منهم.
وقد خاف المنصور الدوانيقي أن يفتق به الناس - على حد تعبيره - لما رأى
من إقبال الفقهاء والناس عامة عليه، واحتفائهم به، وإكرامهم له فطلبه إلى
بغداد في قصة طويلة لا يهمنا نقلها.
ومهما يكن من أمر فقد ازدهرت مدرسة الكوفة على يد الإمام الصادق عليه

(1) رجال النجاشي ترجمة " الوشا ": ص 40 تحت رقم 80.
(2) تاريخ الكوفة للبراقي: ص 408.
(3) تاريخ الكوفة: ص 396 - 407.
18

السلام وتلاميذه، وبتأثير من الحركة العلمية القوية التي أوجدها الإمام الصادق عليه السلام في هذا الوسط الفكري.
ولم تبق الكوفة إلى حين الغيبة الكبرى مقاما للأئمة عليهم السلام، ولم
يتمركز فقهاء الشيعة كلهم بعد ذلك في الكوفة، ولم تستمر هذه المدة المدرسة
التي أنشأها الإمام الصادق في الكوفة، إلا أن الكوفة كانت هي منطلق الحركة
العقلية في العصر الثاني من عصور تاريخ الفقه الشيعي ومبعث هذه الحركة
ومركز الاشعاع وظلت مع ذلك تعد من أهم مراكز الفقه الشيعي، وظلت
البعثات الفقهية تقصد هذه المدينة بالذات، ويتعاقب فيها فقهاء مدرسة أهل
لبيت مركز الصدارة في التدريس والفتيا والبحث الفقهي.
ورغم العقبات الكبرى التي اصطدم بها الأئمة من أهل البيت عليهم السلام
وفقهاء الشيعة ورواة الحديث من ضغط الجهاز الحاكم حتى كان بعضهم
يعرض إذا رأى الإمام في الطريق لئلا يتهم بالتشيع، وبعضهم يلتقي بالإمام
ليلا خوفا من عيون الرقابة المسلطة على بيوت أئمة أهل البيت عليهم السلام.
رغم ذلك كله، ورغم المعارضات والتهم والافتراءات والتهريج الذي كان
يقوم به الجهاز تقدمت الدراسة الفقهية وتدوين الحديث لمدرسة أهل البيت
شوطا كبيرا في هذه الفترة، وتركت لنا هذا التراث التشريعي الضخم الذي
تمتلئ به المكاتب، وتحتفل به الدورات الضخمة - كدورات بحار الأنوار،
والجواهر، والحدائق، ووسائل الشيعة - الكبيرة.
وصنف قدماء الشيعة الاثني عشرية المعاصرون للأئمة في الأحاديث
المروية من طرق أهل البيت ما يزيد على ستة آلاف وستمائة كتاب مذكورة في
كتب الرجال، على ما ضبطه الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي (1).
ومن بين هذا العدد من الكتب الذي يعتبر وحده مكتبة ضخمة في الحديث

(1) وسائل الشيعة: ج 20 ص 49 آخر الفائدة الرابعة.
19

والفقه والتفسير من آفاق الفكر الاسلامي امتازت أربعمائة كتاب اشتهرت
بعد ذلك ب‍ " الأصول الأربعمائة ".
وقد بقي شئ كثير من هذه الأصول الأربعمائة، فكان شئ كثير منها
محفوظا عند الشيخ الحر العاملي، وبعضها عند العلامة المجلسي، وبعضها عند
العلامة النوري، وفقد مع ذلك كثير منها (1).
ومهما يكن من أمر فقد توسعت في هذه الفترة رواية الحديث وتدوينه
وازدهرت بما لا مثيل له في أي عصر آخر، وفي أي مذهب من المذاهب
الاسلامية عامة.
فلهشام الكلبي أكثر من مائتي كتاب.
ولابن شاذان مائة وثمانون كتابا.
ولابن دؤل مائة كتاب.
ولابن أبي عمير أربعة وتسعون كتابا (2).
وقد ترجم الشيخ آغا بزرك في الذريعة لمائتي رجل من مصنفي تلامذة
الإمام الصادق عليه السلام عدا غيرهم من المؤلفين من أصحاب سائر الأئمة
عليهم السلام، وذكر لهم من كتب الأصول 739 كتابا (3).
فقد روى أبان بن تغلب - كما يقول الشيخ في الفهرست - ثلاثين ألف
حديث عن الإمام الصادق عليه السلام.
وروى آل أعين وحدهم أضعاف هذا المقدار.
ويونس بن عبد الرحمن والبزنطي ومئات من أمثالهم كانوا من كبار
المؤلفين والمكثرين في التأليف والتدوين، وقد جمع كل واحد منهم عشرات

(1) أعيان الشيعة: ج 1 القسم الثاني ص 37.
(2) الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج 1 ص 17.
(3) الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج 6 ص 301 - 374.
20

المدونات في الحديث والتفسير والفقه.
ولم تزدهر المدرسة الحديثية في مذهب من المذاهب الاسلامية كما ازدهرت
عند الشيعة، حتى رأينا أن الذهبي يقول في ميزان الاعتدال: لو أردنا أن نسقط
رجال الشيعة من أسناد الروايات لم تسلم لنا من السنة إلا القليل النادر.
ولا نطيل في تفصيل شرح هذه الحركة الفكرية التي انطلقت من بيت
النبوة، ورعاها فقهاء الشيعة ومحدثوها بعناية فائقة واهتمام كبير.
ملامح المدرسة:
وجدنا فيما تقدم من حديث عن العصر الأول من عصور الفقه الشيعي أن
تدوين الحديث لم يكن أمرا شائعا بين المحدثين الشيعة، فلم تصلنا من ابن
عباس مثلا رغم كثرة رواياته مدونة في الحديث إلا ما جمعه الفيروزآبادي من
رواياته في التفسير والتأويل.
وظاهرة التدوين ظهرت من أيام الإمام الباقر عليه السلام ونمت أيام
الإمام الصادق عليه السلام، فقد كان الإمام الصادق عليه السلام - لما رأى
من ضياع الأحاديث والسنن - بحث الرواة والعلماء على تدوين السنة وكتابتها.
قال عاصم: سمعت أبا بصير يقول: قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام:
اكتبوا، فإنكم لا تحفظون إلا بالكتابة (1).
وعن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال: ما يمنعكم
من الكتاب؟! إنكم لن تحفظوا حتى تكتبوا، إنه خرج من عندي رهط من
أهل البصرة يسألون عن أشياء فكتبوها.
وعن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
اكتبوا، فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا.

(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 236 باب 8 حديث 6.
21

وكذلك نجد أن الإمام الصادق عليه السلام كان يدفع أصحابه وتلامذته
إلى التدوين وكتابة الحديث خوفا عليه من الضياع والاضطراب.
وهذه ظاهرة أولى على ملامح هذا العصر.
والظاهرة الثانية ماجد في حياة المسلمين من شؤون وأحداث وحاجات مما لم
يكن لهم به عهد من قبل، ومما لم يجدوا له نصا في الكتاب والسنة. وكان رسول
الله صلى الله عليه وآله قد أوكل أمر بيان وتبليغ أحكام الله تعالى في هذه
المسائل إلى أهل بيته من بعده في حديث " الثقلين " المعروف. ولما كانت
السلطة تحظر الرجوع إلى أهل البيت عليهم السلام من أمثال هذه المسائل كان
الفقهاء يضطرون إلى اتخاذ القياس والاستحسان، والأخذ بالظن والرأي أداة
لتبيين الحكم الشرعي.
يقول الدكتور محمد يوسف موسى: بعد أن لحق الرسول الله صلى الله عليه
وآله بالرفيق الأعلى، وحدث من الوقائع والأحداث ما لم تشتمل نصوص القرآن
والسنة على أحكامه كان لا بد من الوصول إلى هذه الأحكام بطريق آخر،
فكان من ذلك هذان الأصلان: (الاجماع، والقياس) (1).
وقد وقف الإمام الصادق عليه السلام حين رأى شيوع الأخذ بالقياس
والرأي موقف المعارض منهما، ودعا أصحابه إلى عدم الأخذ بهما، وعارض
المذاهب الفقهية التي كانت تأخذ بالقياس أشد المعارضة.
قال أبان بن تغلب: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما تقول في رجل قطع
إصبعا من أصابع المرأة كم فيها؟ قال: عشرة من الإبل. قلت: قطع اثنين؟
قال: عشرون. قلت: قطع ثلاثا؟ قال: ثلاثون. قلت: قطع أربعا؟ قال:
عشرون. قلت: سبحان الله يقطع ثلاثا فيكن عليه ثلاثون، فيقطع أربعا
فيكون عليه عشرون!! إن هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق فنبرأ ممن قاله، ونقول:

(1) محاضرات في تاريخ الفقه الاسلامي: ص 17.
22

الذي قاله شيطان. فقال عليه السلام: مهلا يا أبان هكذا حكم رسول الله
صلى الله عليه وآله إن المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية فإذا بلغت الثلث
رجعت المرأة إلى النصف، يا أبان إنك أخذتني بالقياس، والسنة إذا قيست
محق الدين (1).
والظاهرة الثالثة، في هذه المدرسة هو حدوث الاختلاف بين الرواة في الرواية.
ففد شاع نقل الحديث عن أئمة أهل البيت عليهم السلام في هذه الفترة، وكثر
الدس وظهر الاختلاف في متون الروايات، فكان يبلغ البعض منهم حديثان
مختلفان في مسألة واحدة، فكان الرواة يطلبون من أئمة أهل البيت عليهم السلام
أن يبينوا لهم مقياسا لاختيار وتمييز الحديث الصحيح من بين الأحاديث
المتضاربة التي تردهم في مسألة واحدة.
قد ورد عنهم عليهم السلام أحاديث في معالجة الأخبار المتعارضة تسمى
(الأخبار العلاجية) في الأصول.
قال زرارة: سألت أبا جعفر عليه السلام فقلت: جعلت فداك يأتي عنكم
الخبران والحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ؟ فقال عليه السلام: يا زرارة خذ بما
اشتهر بين أصحابك، ودع الشاذ النادر. فقلت: يا سيدي إنهما معا مشهوران
مأثوران عنكم. فقال: خذ بما يتول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك. فقلت: إنهما معا
عدلان مرضيان موثقان. فقال: أنظر ما وافق منهما العامة (2) فاتركه، وخذ بما
خالف، فإن الحق فيما خالفهم. قلت: ربما كانا موافقين لهم أو مخالفين فكيف
أصنع؟ قال: إذا فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك الآخر. قلت: فإنهما معا
موافقان للاحتياط أو مخالفان له فكيف أصنع؟ فقال: إذا فتخير أحدهما

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 88 باب 17 حديث 1.
(2) فقهاء العامة هم الفقهاء الرسميون الذي كانت السلطة تنيط بهم أمر الفتيا والقضاء في ظروف
وشروط وتحت ضغوط معروفة. وقد كان جل الفقهاء يحاولون التخلص من هذا التكليف العسير.
23

وتأخذ به ودع الآخر (1).
والأخبار العلاجية كثيرة لا نريد أن نحصيها هنا، ويكفينا أن نقول: إن
ظهور الأخبار العلاجية في هذه الفترة تكشف عن شيوع الرواية والحديث عن
أهل البيت عليهم السلام في الفقه وانتشار فقه أهل البيت في الأقطار
والأمصار، فقد انتشر فقه أهل البيت في كثير من أقطار العراق وخراسان والري.
والحجاز واليمن بشكل ملحوظ مما أدى إلى كثرة النقل والحديث عنهم، وتداول
فقههم عليهم السلام.
وهذه هي الظروف الطبيعية لظهور الدس والاختلاق والتزييف في
الحديث.
وهذه ظاهرة أخرى من ملامح هذا العصر.
وفي هذه الفترة اتسعت شقة الخلاف بين المذاهب الفقهية الاسلامية في
كثير من المسائل الخلافية.
وكان موقف أئمة أهل البيت عليهم السلام مما يثار من الخلافات في هذه
الفتنة موقفا حكيما فقد كانوا يجارون الفقه الرسمي الذي تتبناه السلطة
ما تسعهم المجاراة، لئلا يزيد الشرخ في هذه الأمة، فإذا خلوا إلى أصحابهم بينوا
لهم وجه الحق فيما يختلف فيه الناس وأمروهم بالكتمان والسر ما وسعهم ذلك
وحتى يقضي الله ما هو قاض. وهذا هو ما يعرف عند الإمامية ب‍ " التقية ". ولم
تكن الغاية منها المحافظة على النفوس والدماء من إرهاب السلطة، وإنما كانت
الغاية منها كثيرا هي المحافظة على وحدة كيان الأمة من التصدع والتفرق قدر
الامكان.
على أن أهل البيت عليهم السلام لم يفرطوا في بيان أحكام الله وحدوده
بسبب التقية.

(1) عوالي اللئالي: ج 4 ص 133 ح 229.
24

وقد أساء كثير من الناس فهم التقية وتحاملوا على الشيعة بسببها، ولو عرفوا
منطلقات التقية وحدودها من مصادرها الصحيحة لم يجدوا بدا منها في هذه
الفترة الدقيقة والصعبة من تاريخ الاسلام.
وظاهرة رابعة في هذا الدور من ملامح المدرسة: تعيين موازين ومقاييس
خاصة للاجتهاد والاستنباط من قبل أئمة أهل البيت عليهم السلام.
فقد كان الرواة ينتقلون إلى مناطق بعيدة، وتمس بهم الحاجة إلى معرفة
أحكام الله، ولا يجدون وسيلة للسؤال عن الإمام عليه السلام، ولا يجدون نصا في
المورد، فوضع لهم أئمة أهل البيت عليهم السلام أصولا وقواعد خاصة للاستنباط
والاجتهاد يستعرضها الفقهاء بتفصيل كالاستصحاب والبراءة والاحتياط
والتخيير، وجملة من القواعد الفقهية كقاعدة الطهارة واليد والإباحة والحلية،
وما شاكل ذلك مما يعين الفقيه على الاجتهاد والاستنباط.
وقد أسهب الفقهاء والأصوليون في شرح هذه القواعد والأصول بصورة
وافية في كتب الفقه والأصول.
ورغم ما تقدم فلم يكن هناك اجتهاد بالمعنى الذي نعرفه اليوم وإنما كان
الناس يطلبون إلى الإمام أن يعين لهم مرجعا فيما يعرضهم من المسائل الشرعية،
فيعين لهم بعض أصحابه ممن يطمئن إليهم، وممن سمع إلى حديثه ووعاه، ولم
تمس الحاجة إلى الاجتهاد أكثر من هذه الحدود بسبب معاصرة الإمام المعصوم
وإمكان الاتصال به ولو في موسم الحج من كل سنة. فلم يتجاوز أصحاب الأئمة
- عدا موارد قليلة ونادرة - نقل الحديث.
والمجاميع الحديثية في غالب الأحوال لم تكن تجمع أبواب الفقه عامة، أو تجمع
كلما صح عن الإمام في هذا الباب أو في هذه المسألة.
وربما يجوز لنا أن نقول: إن شيئا من المجاميع الحديثية التي دونت في هذا
العصر لم يكن على هذا الغرار من استيعاب أبواب الفقه، وما صح عن الإمام
في كل باب، فكانت الكتب والمدونات والأصول أشبه بمجموعات شخصية
25

يجمع فيها كل راو ما سمعه عن مشايخه، أو ما سمعه عن الإمام مباشرة بصورة
مبعثرة أو منظمة غير مستوعبة.
وقد يلتقي الباحث بكتاب أو كتابين يخرج عن هذا الإطار، إلا أن الطابع
العام للتدوين في هذا العصر كان الصورة التي قدمناها للقارئ.
هذه هي أهم ملامح هذا العصر.
وإذا صح أن المدرسة انتقلت من الكوفة إلى المدينة، أو إلى بغداد أو إلى
طوس في هذه الفترة فقد كان لفترة قصيرة، وبصورة غير كاملة وبقيت الكوفة
محتفظة بمكانتها حينا طويلا من هذا العصر.
26

مدرسة قم وري الأولى
يبتدئ هذا العصر من الغيبة الكبرى والربع الأول من القرن الرابع إلى
النصف الأول من القرن الخامس.
في هذه الفترة انتقلت حركة التدريس والكتابة والبحث إلى مدينتي (قم
وري)، وظهر في هذه الفترة شيوخ كبار من أساتذة فقه أهل البيت في هاتين
المدينتين، كان لهم أكبر الأثر في تطوير الفقه الإمامي، فقد كانت قم منذ
أيام الأئمة عليهم السلام مدينة معروفة بولائها وانتمائها لأهل البيت ومن
أمهات المدن الشيعية، وكانت حصنا من حصون الشيعة، وعشا لآل محمد صلى
الله عليه وآله وسلم، وموضع عناية خاصة من أهل البيت عليهم السلام.
وقد ورد عنهم عليهم السلام: أن البلايا مدفوعة عن قم وأهلها.
وسيأتي زمان تكون بلدة قم وأهلها حجة على الخلائق، وذلك في زمان
غيبة قائمنا إلى ظهوره عجل الله تعالى فرجه، ولولا ذلك لساخت الأرض
بأهلها (1).
وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام: أنه قال: سلام الله على أهل قم،
ورحمة الله على أهل قم، سقى الله بلادهم الغيث، وتنزل عليهم البركات فيبدل

(1) سفينة البحار: ج 2 ص 445.
27

سيئاتهم حسنات، هم أهل ركوع وخشوع وسجود، وقيام وصيام، هم الفقهاء
العلماء، هم أهل الدين والولاية والعبادة، وحسن العبادة (1).
وكانت الري في هذا التاريخ بلدة عامرة بالمدارس والمكاتب وحافلة
بالعلماء والفقهاء والمحدثين (2).
وقد كان أحد أسباب انتقال مدرسة أهل البيت من العراق إلى إيران هو
المعاملة القاسية التي كان يلاقيها فقهاء الشيعة وعلماؤهم من العباسيين، فقد
كانوا يطاردون من يعرف بولائه لأهل البيت عليهم السلام بمختلف ألوان
الأذى والتهمة. فالتجأ فقهاء الشيعة وعلماؤها إلى قم وري، ووجدوا في
هاتين البلدتين ركنا آمنا يطمئنون إليه لنشر فقه أهل البيت عليهم السلام
وحديثهم.
ويظهر أن قم أو أن عصر الغيبة وعهد نيابة النواب الأربعة كانت حافلة
بعلماء الشيعة وفقهائها، ومركزا فقهيا كبيرا من مراكز البحث الفقهي.
يقول الشيخ في كتاب الغيبة: أنفذ الشيخ حسين بن روح - رضي الله
تعالى عنه - كتاب التأديب إلى قم، وكتب إلى جماعة الفقهاء بها وقال لهم::
انظروا ما في هذا الكتاب، وانظروا هل فيه شئ يخالفكم؟ (3).
وهذه الرواية التاريخية تدل على أن قم كانت في عهد حسين بن روح
مركزا فقهيا حافلا بالفقهاء بحيث يراجعها الشيخ حسين بن روح نائب الإمام
الخاص عجل الله تعالى فرجه ويعرض عليهم رسالة التأديب لينظروا فيها.
ووصفها الحسن بن محمد بن الحسن القمي المتوفى سنة 378 - وهي من
الفترة التي نتحدث عنها - في كتاب خاص ننقل عناوين أبواب منه ليلمس

(1) مجالس المؤمنين: ص 84.
(2) مجالس المؤمنين: ص 92 و 93.
(3) الكنى والألقاب: ج 3 ص 76.
28

القارئ سعة هذه المدرسة وضخامتها في القرن الرابع وهو العصر الذي نتحدث
عنه.
قال: الباب السادس عشر في ذكر أسماء بعض علماء قم، وشئ من
تراجمهم، وعدد الشيعة منهم 266 شخصا (ممن يترجم هو دون الذين
لا يترجمهم). وعدد العامة 14 شخصا مع ذكر مصنفات كل واحد منهم
ومروياته وما يتعلق بذلك (1).
إذن كانت مدرسة قم في هذه الفترة من أوسع المدارس الشيعية في الفقه
والحديث وأضخمها، وكانت تضم مئات المدارس والمساجد والمكاتب،
وندوات البحث والمناقشة، ومجالس الدرس والمذاكرة.
دولة آل بويه:
وقد يصح أن نقول إن من أسباب ازدهار هذه المدرسة الفقهية حكومة (آل
بويه) في هذه المنطقة - منطقة قم وري - في هذه الفترة.
فقد عرف آل بويه في التاريخ بنزعتهم الشيعية، وولائهم لأهل البيت
عليهم السلام، مما بعث فقهاء الشيعة وعلماؤها أن يقصدوا هذه المنطقة
ويجتمعوا فيها.
ومهما يكن من أمر فقد حفلت قم وري في هذه الفترة - القرن الرابع
الهجري - بشيوخ كبار في الفقه والحديث أمثال: الشيخ الكليني المتوفى سنة
329 ه‍، وابن بابويه والد الصدوق المتوفى سنة 329 ه‍، وابن قولويه أستاذ
الشيخ المفيد المتوفى سنة 369 هجرية، وابن الجنيد المتوفى سنة 381 هجرية
بالري والشيخ الصدوق المتوفى سنة 381 ه‍ والمدفون بالري، وغيرهم من كبار
مشايخ الشيعة في الفقه والحديث.

(1) مقدمة السيد حسن الخرسان على من لا يحضره الفقيه: ص (د).
29

ونشطت في هذه الفترة حركة التأليف والبحث الفقهي وتدوين المجاميع
الحديثية الموسعة كالكافي ومن لا يحضره الفقيه، وغيرهما من المجاميع الحديثية
والكتب الفقهية.
النشاط الفكري في هذه المدرسة:
وقد بلغ النشاط الفكري في التأليف والبحث الفقهي، وتدوين الأحاديث
وجمعها وتنسيقها غايته في هذه الفترة، وخلفت لنا هذه الفترة ثروة فكرية
ضخمة من أهم ما أنتجته مدارس الفقه والحديث الشيعي في تاريخها.
من رجال هذه المرحلة:
ولكي يلمس القارئ حدود هذه المدرسة وضخامتها نشير إلى أسماء بعض
الفقهاء والمحدثين اللامعين من هذه المدرسة، من الذين عاشوا خلال هذه
الفترة، ثم يمعن النظر بعد ذلك في كتب التراجم والرجال والتاريخ من أراد أن
يستقصي البحث عن ذلك:
1 - علي بن إبراهيم:
وعلي بن إبراهيم القمي شيخ الكليني في الحديث،. كان ثقة في الحديث
ثبتا معتمدا صحيح المذهب، سمع فأكثر، وصنف كتبا، منها: قرب الإسناد،
وكتاب الشرائع، وكتاب الحيض (1).
2 - الكليني:
كان محمد بن يعقوب الكليني معاصرا لعلي بن الحسين بن بابويه - والد
الشيخ الصدوق - وتوفيا في سنة واحدة، وهي المعروفة عند الفقهاء بسنة موت
الفقهاء.

(1) رجال النجاشي: ص 260 تحت رقم 680 نقلا بالمعنى.
30

أكبر أثر تركه الشيخ الكليني من بعده هو موسوعته الحديثية الكبرى
" الكافي " في الأصول والفروع، وكان تأليف الكافي أول محاولة من نوعها لجمع
الحديث وتبويبه، وتنظيم أبواب الفقه والأصول.
يقول هو رحمه الله في مطلع كتابه: كتاب كاف يجمع من جميع فنون علم
الدين ما يكتفي به المتعلم، ويرجع إليه المسترشد، ويأخذ منه من يريد علم
الدين، والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام (1).
لقد كان كتاب " الكافي " محاولة رائدة أولى لجمع وتنظيم أبواب الفقه
والأصول، وقد جمع رحمه الله في موسوعته هذه ما صح لديه من أحاديث الأئمة
الهداة عليهم السلام.
ولذلك كله كان هذا الكتاب فتحا كبيرا في عالم تدوين الحديث وموضع
عناية فائقة من قبل الفقهاء من بعده.
يقول عنه الشيخ المفيد: من أجل كتب الشيعة، وأكثرها فائدة (2).
ويقول عنه الشهيد كما في إجازته لابن الخازن: كتاب الكافي في الحديث
الذي لم يعمل مثله (3).
3 - ابن قولويه:
أبو القاسم جعفر بن محمد بن جعفر بن موسى بن قولويه (285 - 368 ه‍)،
كان من تلامذة الكليني والراوين عنه (4) وأستاذ أبي عبد الله المفيد (5).
قال عنه النجاشي: كان من ثقات أصحابنا وأجلائهم في الحديث

(1) أصول الكافي: ج 1 ص 1 - 8.
(2) تصحيح الاعتقاد: ص 27.
(3) بحار الأنوار: ج 25 ص 67.
(4) راجع مقدمة الدكتور حسين علي محفوظ على الكافي: ص 24.
(5) الكنى والألقاب: ج 1 ص 379.
31

والفقه... وكل ما يوصف (1) به الناس من جميل وثقة وفقه فهو فوقه، له كتب
حسان (2) عد منها جملة كبيرة.
4 - آل ابن بابويه:
من بيوتات الفقه والحديث في قم، وموضع عناية خاصة من الحجة القائم
عجل الله تعالى فرجه ونوابه، ومن فقهاء الشيعة ومحدثيهم، وقد كان والد الشيخ
الصدوق علي بن بابويه القمي من رؤساء المذهب وفقهائهم الكبار.
يقول عنه العلامة في الخلاصة: شيخ القميين في عصره وفقيههم وثقتهم (3).
وذكر ابن النديم في الفهرست أن الصدوق ذكر مائتي كتاب لوالده علي بن
الحسين (4).
وهذا رقم كبير يشير إلى وجود حركة فكرية قوية، ونشاط ملموس في هذه
الفترة في التأليف والتدوين في مدرسة قم وري.
كان ولداه أبو جعفر محمد (المشتهر بالصدوق) وأبو عبد الله حسين (أخو
الصدوق) من كبار فقهاء الشيعة ومحدثيهم.
قال عنهما الشيخ في الغيبة: فقيهان ماهران يحفظان ما لا يحفظ غيرهما من
أهل قم.
وقد وجد هذان الأخوان من عناية آل بويه وبصورة خاصة ركن الدين
والوزير الصاحب بن عباد ما كان يبعثهما على التأليف والكتابة والبحث
الفقهي، فقد كتب أبو عبد الله الحسين للصاحب بن عباد كثيرا من مؤلفاته،
ودون الصدوق له مجموعته الحديثية الكبيرة " عيون أخبار الرضا ".

(1) المرادان كل ما يوصف به الناس المبرزون من علم وفضل وتقى وشجاعة فهو فوقهم جميعا في هذه
الخصال.
(2) رجال النجاشي: ص 123 تحت رقم 318.
(3) نامه دانشوران 1: ص 2.
(4) فهرست ابن النديم: ص 291.
32

وكان للصدوق كما يذكر العلامة نحو من ثلاثمائة مؤلف (1) ذكر اسم
كثير منها في كتابه الكبير.
ولو ضم هذا العدد الضخم إلى مؤلفات والده في الفقه والحديث لدل على
وجود نشاط فكري وفقهي كبير في هذه المدرسة، وفي هذا البيت بالخصوص
بيت (ابن بابويه).
وكتاب " من لا يحضره الفقيه " هي الموسوعة الحديثية الجامعة الثانية التي
ألفت في الفقه في هذه الفترة بمدرسة قم وري.
وقد حاول الصدوق في موسوعته هذه أن يجمع أبعاد الفقه وينظمه في
كتاب، ويجمع ما صح لديه من أحاديث فيه، ويجعله في متناول الفقيه أو في
متناول من لا يحضره الفقيه من العامة حينما تعرضه مسألة من المسائل من نحو
كتاب " من لا يحضره الطبيب " لمحمد بن زكريا (2).
وأحصيت أحاديث الكتاب فكانت خمسة آلاف وتسعمائة وثلاث وستون
حديثا.
ومهما يكن من أمر فقد كان الكتاب فتحا ثانيا في تدوين الحديث وجمعه
بعد تأليف الكافي، ولا نريد أن نستقصي أسماء فقهاء ومحدثي هذه المدرسة،
فإن ذلك يؤدي بنا إلى أن نخرج عن حدود الدراسة التي نحن بصددها.
ويكفي القارئ أن يراجع كتاب " مجالس المؤمنين " للقاضي نور الله
التستري ليلمس سعة هذه المدرسة وضخامتها، وما أنشأت هذه المدرسة من
كبار الفقهاء والمحدثين، وما خلفته من موسوعات فقهية وحديثية وتراث فكري
ضخم.

(1) الكنى والألقاب: ج 1 ص 221.
(2) راجع من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 3.
33

ملامح المدرسة:
وبعد أن لمس القارئ في حدود ما تقدم من حديث، حدود هذه المدرسة
وضخامتها وسعتها، وبعض فقهائها البارزين، وبعض التراث الفقهي والحديثي
الذي خلفته لنا هذه الفترة ننتقل به إلى استخلاص ملامح هذه المدرسة،
ودراسة الميزات التي تميزت بها هذه المدرسة عن المدارس السابقة عليها، وما
قدمته هذه المدرسة من أثر في تطوير البحث الفقهي.
وأولى هذه الملامح وأهمها التوسعة في تدوين الحديث وتجميعه وتنظيمه.
فقد كان تدوين الحديث قبل هذه الفترة كما أشرنا إليه في الحديث عن
العصر الثاني لا يتجاوز عن التدوين الشخصي لما سمعه الراوي من الإمام
مباشرة أو بصورة غير مباشرة، مبعثرة حينا ومنتظمة في بعض الأحيان.
ولم يتفق لأحد من المحدثين والفقهاء في العصر الثاني أن يجمع ما صح في
الأحكام من الأحاديث عن أهل البيت عليهم السلام وينظم ذلك، كما
لوحظ في المجموعتين الحديثيتين اللتين خلفتهما هذه المدرسة وهما: " الكافي، ومن
لا يحضره الفقيه ".
وهذه الخطوة - خطوة جمع الأحاديث وتنظيمها - تعد من حسنات هذه
المدرسة، فقد كثرت حاجة الفقهاء إلى مراجعة الروايات والأحاديث حين
الحاجة، وكانت الأحاديث منتشرة بصورة غير منظمة من حيث التبويب
والجمع في آلاف الكتب والأصول والرسائل التي خلفها أصحاب الأئمة ومحدثو
الشيعة، ولم يكن من اليسير بالطبع الالمام بما ورد من أحاديث المسألة الفقهية
لكل أحد، فكانت محاولة الجمع والتبويب في هذه الفترة لسد هذه الحاجة.
وظهر في هذه الفترة لون جديد من الكتابة الفقهية، وهي الرسائل الجوابية
فقد كان أتباع مدرسة أهل البيت يسألون الفقهاء من أطراف العالم الاسلامي
ما تمس إليه الحاجة من المسائل بشكل استفسار، فكان الفقهاء يجيبون على
34

هذه الأسئلة. وقد يطول الجواب، ويستعرض المجيب الأحاديث الواردة في
الباب، فيكون الجواب رسالة فقهية جوابية صغيرة في المسألة الفقهية.
وفي فهارس كتب الشيعة كالذريعة ورجال النجاشي، وغيرهما يجد
الباحث آلاف الرسائل الفقهية من هذا القبيل.
وكان لشيوع هذا اللون من الكتب الفقهية دور كبير في تطوير البحث
الفقهي في هذه الفترة، فكان الفقيه يبحث المسألة، وقد يلقيها على طلابه في
مجلس الدرس، ويستعرض ما ورد فيها من أحاديث، فكانت نقطة بداية للرأي
والنظر والتعميق والتدقيق في المسألة الفقهية.
ومع ذلك فقد كان البحث الفقهي في هذه الفترة يقضي مراحل نموه
الأولية، ولم يقدر له بعد أن يبلغ حد المراهقة، فكانت الرسائل الفقهية في هذه
المدرسة لا تتجاوز عرض الأحاديث من غير تعرض للمناقشة والاحتجاج ونقد
الآراء وبحثها، وتفريع فروع جديدة عليها.
ولم يتجاوز البحث الفقهي في الغالب حدود الفروع الفقهية المذكورة في
حديث أهل البيت عليهم السلام، ولم ينهض الفقهاء بصورة كاملة لتفريع فروع
جديدة للمناقشة والرأي.
وكانت الفتاوى في الغالب نصوص الأحاديث مع إسقاط الاسناد وبعض
الألفاظ في بعض الحالات.
ومن لاحظ ما كتبه علي بن بابويه القمي (والد الصدوق) في رسالته التي
كتبها إلى ولده يذكر فيها فتاواه، وما كتبه الصدوق كالمقنع والهداية، وما كتبه
جعفر بن محمد بن قولويه، وغيرهم من هذه الطبقة يطمئن إلى أن النهج العام في
البحث الفقهي في هذه الفترة لم يتجاوز حدود عرض ما صح من الروايات
والأحاديث، رغم توسع المدرسة في هذه الفترة، وتلك هي أهم ملامح مدرسة قم
وري في هذه الفترة.
35

مدرسة بغداد
في القرن الخامس الهجري انتقلت المدرسة من قم وري إلى بغداد - حاضرة
العالم الاسلامي عامة - وكان لهذا الانتقال أسباب عديدة:
الأول: ضعف جهاز الحكم العباسي، حيث ضعفت سيطرتهم في هذه
الفترة، ودب الانحلال في كيان الجهاز، فلم يجد الجهاز القوة الكافية لملاحقة
الشيعة والضغط عليهم، كما كان يفعل من قبل المنصور والرشيد والمتوكل
والمعتصم وأضرابهم من الخلفاء العباسيين. فوجد فقهاء الشيعة مجالا للظهور
ونشر فقه أهل البيت وممارسة البحث الفقهي بصورة علنية.
الثاني: ظهور شخصيات فقهية من بيوتات كبيرة، كالشيخ المفيد والسيد
المرتضى، فقد كان هؤلاء يستغلون مكانة بيوتهم الاجتماعية، ومكاناتهم
السياسية في نشر فقه أهل البيت وتطوير دراسة الفقه.
الثالث: توسع المدرسة وازدهارها مما أدى بها إلى الانتقال إلى بغداد
- حاضرة العالم الاسلامي في ذلك الوقت - وقد كانت هذه البيئة الجديدة
صالحة لتقبل هذه المدرسة، وتطويرها وخدمتها.
فهي مركز ثقافي كبير من مراكز الحركة العقلية في العالم الاسلامي، يقطنها
الآلاف من الفقهاء والمحدثين، وفيها الآلاف من المدارس والمكاتب والمساجد
التي كان يحتشد فيها جماهير الطلاب والمدرسين والعلماء كل يوم للدرس
36

والمطالعة والبحث والمناقشة، فكان لانتقال المدرسة إلى هذا الجو الفكري على
يد علماء كبار أمثال المفيد والمرتضى والطوسي أثر كبير في الحركة الفكرية
القائمة في حينه، فقد تكاملت مدرسة الفقه الشيعي في قم وري وتأصلت،
وظهرت ملامح الاستقلال عليها وتبلورت أصولها وقواعدها في بغداد.
ورغم كثرة مدارس البحث الفقهي في بغداد في ذلك الحين فقد كانت
مدرسة أهل البيت عليهم السلام أوسعها وأعمقها جذورا وأصولا، وأكثرها
تأصلا واستعدادا، وأقومها في الاستدلال والاحتجاج.
وكل ذلك كان يبعث طلاب الفقه على الالتفات حول هذه المدرسة أكثر
من غيرها.
فقد كان يحضر درس الشيخ الطوسي حوالي ثلاثمائة مجتهد من الشيعة.
ومن العامة ما لا يحصى (1).
ومن المستحسن بنا - ونحن بصدد دراسة الفقه الشيعي في هذا العصر أن
نمر سريعا على تراجم ألمع فقهاء هذه الدورة:
1 - الشيخ المفيد:
أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المفيد البغدادي، ولد في " عكبرا "
وانتقل منها في أيام صباه إلى بغداد بصحبة والده، ونشأ في بغداد، وتفرغ منذ
نعومة أظفاره لطلب العلم، فعرف وهو بعد صغير يرتاد حلقات الدراسة بالفضل
والنبوغ.
ومما يذكر في نبوغه أنه حضر في مفتتح حياته الدراسية في بغداد عند الشيخ
أبي ياسر بباب خراسان من مشايخ السنة، فأفحم الشيخ في الدرس، فأرجعه
الشيخ أبو ياسر إلى الشيخ الرماني وكان من كبار علماء السنة في بغداد، وجلس
التلميذ الصغير في زاوية من المجلس يستمع إلى درس الشيخ، وحين ختم الشيخ

(1) راجع مقدمة الشيخ آغا بزرك الطهراني على التبيان: ص (د).
37

الرماني درسه سأل رجل من البصرة عن حديثي الغدير والغار، فقال الرماني له:
حديث الغدير رواية، وحديث النار دراية، ولا تقدم الرواية على
الدراية... فسكت السائل ولم يحر جوابا.
فتقدم التلميذ الناشئ وهو في آخر المجلس إلى الشيخ واخترق إليه الصفوف
وقال له:
ماذا تقول في الذي يخرج على إمام زمانه؟
فقال له الشيخ: كافر، ثم استدرك فقال: فاسق.
فقال المفيد: فإذا تقول في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب؟
قال له الشيخ: لا شك في إمامته.
فقال: فماذا تقول في خروج طلحة والزبير عليه؟
فقال له الرماني - وهو مأخوذ بنباهة هذا الطالب الناشئ الذي يلتقيه لأول
مرة في مجلس الدرس -: إنهما تابا بعد ذلك.
فقال المفيد - وقد تمكن من أستاذه -: إن توبتهما رواية، وحربهما للإمام
دراية، ولا ترفع اليد بالرواية عن الدراية.
فتضايق الشيخ الرماني أمام تلاميذه وأفحم، ولم يحر جوابا أمام التلميذ
الناشئ، فاستبقاه في المجلس وسأله عن شيوخه ودرسه، وكتب رقعة إلى أستاذه
أبي ياسر يعرفه بقيمة تلميذه الناشئ ولقبه ب‍ " المفيد " وعرف من ذلك الوقت
بالمفيد (1).
ومهما يكن من أمر فقد ظهر الشيخ المفيد في مدة قليلة على أقرانه، وحفه
شيوخه وأساتذته - كالشيخ الصدوق وغيره - بعنايتهم لما لمسوا فيه من مؤهلات
وقابليات يندر وجودها في غيره.
واستقل الشيخ المفيد بالتدريس في بغداد وهو بعد لم يتجاوز سني

(1) راجع مجالس المؤمنين: ج 1 ص 464.
38

الشباب، وتفرغ للفقه والكلام، وكان يحضر مجلس درسه آلاف الطلاب، من
الشيعة والسنة، وبرز من تلاميذه رجال كبار، أمثال: السيد المرتضى والشيخ
الطوسي، تابعوا أستاذهم المفيد في توسعة المدرسة وتطويرها، وإدخال تغييرات
جديدة عليها.
وقد قدر للشيخ المفيد أن يكون رائدا فكريا لهذا العصر من عصور الفقه
الاسلامي. وأن يدخل تغييرات وتحسينات كثيرة على الفقه ويطور من مناهجه
وقواعده.
ومن بعده كان تلاميذه وتلاميذ تلاميذه يعترفون له بهذا الحق.
يقول العلامة الحلي في شأنه: من أجل مشايخ الشيعة ورئيسهم
وأستاذهم، وكل من تأخر عنه استفاد منه، وفضله أشهر من أن يوصف في
الفقه والكلام والرواية (1).
وقد أحصى له السيد الأمين قريبا من مائتي كتاب ورسالة في الفقه
والكلام والحديث.
ومن استعراض حياة المفيد يستظهر الباحث أن الشيخ المفيد استطاع أن
يغير الجو الفكري في بغداد - حاضرة العالم الاسلامي يومذاك - وأن يدير ندوات
الفقه والكلام، ويجذب طلاب العلم حتى كاد أن يغطي المدارس الفقهية
والكلامية الأخرى، والفقهاء والمتكلمين من أتباع سائر المذاهب.
وقد كان الفقهاء والمتكلمون يقصدونه من أقطار بعيدة، وكان بيته ندوة
عامرة بحديث الفقه والكلام، والنقاش والأخذ والرد.
ويبدو أن ذلك كله جعل ظله ثقيلا على المذاهب الكلامية والفقهية
الأخرى، وعلى جهاز الحكم الذي كان يدعو إلى مقاطعة مدرسة أهل البيت
بصورة خاصة. ويلمح الباحث هذا الاحساس من عبارة الخطيب الجافية في

(1) أعيان الشيعة: ج 6 ص 20.
39

تعريف الشيخ.
قال الخطيب في تاريخ بغداد: محمد بن محمد بن النعمان أبو عبد الله
المعروف بابن المعلم شيخ الرافضة والتعلم على مذاهبهم، صنف كتبا كثيرة في
إضلالهم، والذب عن اعتقاداتهم ومقالاتهم، والطعن على السلف الماضين من
الصحابة والتابعين، وعامة الفقهاء والمجتهدين، وكان أحد أئمة الضلال، هلك
به خلق من الناس إلى أن أراح الله المسلمين منه (1).
وقال عنه اليافعي في مرآة الجنان: عالم الشيعة وإمام الرافضة، صاحب
التصانيف الكثيرة، المعروف بالمفيد وبابن المعلم أيضا، البارع في الكلام
والجدل والفقه، وكان ينازع كل عقيدة بالجلالة والعظمة، ومقدما في الدولة
البويهية. وكان كثير الصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم، حسن
اللباس. وكان عضد الدولة ربما زار الشيخ المفيد، وكان شيخا ربعة نحيفا أسمر
عاش ستا وسبعين سنة، وله أكثر من مائتي مصنف، كان يوم وفاته يوما
مشهودا، وشيعه ثمانون ألفا من الرافضة والشيعة، وأراح الله منه أهل السنة
والجماعة (2).
ومهما كانت عبارات الاطراء والجرح فقد أتيح للشيخ المفيد أن يكون
مجددا في الفقه والكلام. في هذه الدورة، وأن يطبع مدرسة أهل البيت في الفقه
بطابع الجلالة والاحترام، وأن يفرض وجودها على أجواء بغداد الفكرية، وهي
يومذاك من أهم مراكز الحركة العقلية في العالم الاسلامي، وأن يكون رائدا
للمدرسة، ومربيا لأساتذتها وعلمائها.
2 - السيد المرتضى:
تلمذ المرتضى علم الهدى وأخوه الرضي على الشيخ المفيد وعنى بهما الشيخ

(1) تاريخ بغداد: ج 3 ص 231.
(2) مجالس المؤمنين: ج 1 ص 466.
40

عناية فائقة، وتفرغ المرتضى في الفقه بجانب تخصصه في الأدب، حتى كان عز
الدين أحمد بن مقبل يقول: لو حلف إنسان أن السيد المرتضى كان أعلم
بالعربية من العرب لم يكن عندي آثما (1).
وإلى جانب مؤهلات السيد المرتضى الفكرية وجهده الكبير في طلب
العلم وعناية أستاذه الشيخ المفيد به يجب أن نذكر مكانة أسرته الاجتماعية
والسياسية والعلمية ببغداد.
ولم يتوف أستاذه الأكبر - المفيد - حتى خلفه، وتولى بنفسه مهمة التدريس
وزعامة الطائفة، واحتشد حوله الطلاب، وكان يجري عليهم حقوقا تختلف
حسب مكانة الطالب منه ومؤهلاته.
وحاول السيد المرتضى أن يتابع خطوات أستاذه المفيد في تطوير مناهج
الفقه ودراسة الأصول، فأوتي حظا وافرا في هذا المجال، وتابع خطوات المفيد،
وطور كثيرا من مناهج الفقه، وكتب الأصول ودرسها.
وربما يصح اعتباره من أسبق من ارتاد هذا الحقل من حقول الفكر
الاسلامي، وفتح كثيرا من مسائل الأصول، وبنى الفروع على الأصول.
وكتابه " الذريعة " خير شاهد على ما نقول، فمن يقرأ الذريعة يجد فيه
الملامح الأولية لنشوء الأصول.
وقد أحصى له السيد الأمين - قدس سره - في الأعيان ما يقرب من تسعين
مجلدا من مؤلفاته مما عثر على اسمه.
ومما يدل على جلالة مكانة السيد العلمية ما حكاه القاضي التنوخي
صاحب السيد، فقال: إن مولد السيد سنة 355 ه‍، وخلف بعد وفاته ثمانين
ألف مجلد من مقروءاته ومصنفاته ومخطوطاته (2).

(1) أعيان الشيعة: ج 41 ص 190.
(2) المؤرخ الجليل الشيخ آغا بزرك الطهراني في مقدمته عل التبيان: ص (ج - د).
41

3 - الشيخ الطوسي:
ولد شيخ الطائفة في طوس في شهر رمضان سنة 385 بعد أربع سنين من
وفاة الشيخ الصدوق، وهاجر إلى العراق فهبط بغداد سنة 408 وهو ابن ثلاث
وعشرين سنة، وكانت زعامة المذهب الجعفري يومذاك لشيخ الأمة وعلم
الشيعة محمد بن محمد بن النعمان الشهير بالشيخ المفيد فلازمه ملازمة الظل.
وعكف على الاستفادة منه، وأدرك الشيخ الحسين بن عبيد الله ابن الغضائري
المتوفى سنة 411، وشارك النجاشي في جملة من مشايخه.
وبقي على اتصاله بشيخه حتى اختار لأستاذه دار بقائه في سنة 413
فانتقلت زعامة الدين ورئاسة المذهب إلى علامة تلاميذه علم الهدى السيد
المرتضى، فانحاز شيخ الطائفة إليه، ولازم الحضور تحت منبره، وعنى به
المرتضى، وبالغ في توجيهه وتلقينه، واهتم له أكثر من سائر تلاميذه، وعين له
كل شهر اثني عشر دينارا، وبقي ملازما له طيلة ثلاث وعشرين سنة حتى توفي
السيد المعظم سنة 436، فاستقل شيخ الطائفة بالإمامة، وظهر على منصة
الزعامة، وأصبح علما للشيعة وناشرا للشريعة، وكانت داره في الكرخ مأوى
الأمة ومقصد الوفاد، يأتونها لحل المشاكل وإيضاح المسائل، وقد تقاطر عليه
العلماء والفضلاء للتلمذة عليه والحضور تحت منبره، وقصدوه من كل بلد
ومكان، وبلغت عدة تلاميذه ثلاثمائة من مجتهدي الشيعة، ومن العامة
ما لا يحصى كثرة (1).
وقد نشأ الشيخ الطوسي على يد علماء كبار وشيوخ أجلاء في الفقه، فحضر
درس ابن الغضائري، ولازم الشيخ المفيد خمس سنوات، ولازم المرتضى ثلاث
وعشرين سنة.
وكان للمفيد والمرتضى أثر كبير في تكوين ذهنية الشيخ الطوسي وثقافته.

(1) المؤرخ الجليل الشيخ آغا بزرك الطهراني في مقدمته على التبيان: ص (ج - د).
42

وكان في هذه الفترة يعيش تجربة تطوير البحث الفقهي والأصولي في ظل
أستاذيه الكبيرين، وكانت فترة مخاض تمخضت عنها المدرسة الفقهية الجديدة.
وفترة المخاض عادة تقترن بكثير من الاضطراب والقلق الفكري وعدم
الاستقرار.
عاش الشيخ مخاض هذه المدرسة في حياة أستاذيه الكبيرين وعانى
ما تتطلب هذه الفترة من جهد وتعب.
واستمر بعد أستاذيه في تطوير المدرسة بعد أن بلغت في حياة المرتضى دور
المراهقة، وتسلم الشيخ المدرسة عن أستاذه المرتضى في هذا الدور. ولا يختلف
هذا الدور فيما يصيب القائمين بها من تعب وجهد، واضطراب فكري دائم،
وعدم استقرار عن دور المخاض.
وكذلك كانت حياة الشيخ الطوسي في مرحلتي التلمذة والتدريس سلسلة
طويلة من المحاولات التجديدية لتطوير الفقه وصياغته من جديد، وتجديد
أصول الصناعة والصياغة والاستدلال فيه.
ولاقى الشيخ الطوسي في سبيل ذلك كثيرا من التعب والجهد وأعانه على
ذلك صبره على العمل، ومواصلته للتأليف والتدريس والتفكير، ومؤهلاته
الفكرية الخاصة، ونبوغه الذهني، وعناية أستاذيه به، وتوفر الكتب لديه.
وقد أنعم الله على شيخنا الطوسي بهذه النعم كلها، فقد كانت في متناول
الشيخ مكتبتان كبيرتان يستعين بهما في التأليف والمطالعة والالمام بأمهات الكتب
الفقهية:
إحداهما (مكتبة الشيعة) التي أنشأها أبو نصر سابور بن أردشير وزير بهاء
الدولة البويهي، جمع فيها ما تفرق من كتب فارس والهند واستكتب تآليف أهل
الهند والصين والروم، وأهدى إليها العلماء كتبهم، فكانت من أغنى مكاتب
بغداد، وقد أمر بإحراقها (طغرل بيك) فيما أحرق من مؤسسات الشيعة وبيوتهم
ومدارسهم في الكرخ.
43

ثانيتهما (مكتبة أستاذه السيد المرتضى) التي كانت تحتوي على ثمانين ألف
كتاب، والتي لازمها ثماني وعشرين سنة.
كل هذه العوامل، وعوامل أخرى أدت إلى نشوء الشيخ الطوسي وتكوين
ذهنيته، وثقافته الواسعة.
وقد انتقل الشيخ الطوسي إلى النجف الأشرف سنة 448 ه‍ حينما كبس
على داره وأخذ ما وجد من دفاتره وكرسي كان يجلس عليه للكلام كما يقول
ابن الجوزي.
وظل بالنجف يمارس مهمته في زعامة الشيعة والتدريس والتأليف وتطوير
مناهج الدراسة الفقهية اثني عشر سنة حتى أن آثره الله لدار لقائه في محرم سنة
460 ه‍ عن خمس وسبعين سنة.
ومهما كان من أمر فقد أتيح للشيخ الطوسي أن يبلغ بالمدرسة التي فتح
أبوابها أستاذيه المفيد والمرتضى إلى القمة، ويفرض وجودها على الأجواء
الثقافية في بغداد وفي العراق عامة.
حتى أن الخليفة القائم بأمر الله بن القادر بالله جعل له كرسي الإفادة
والبحث، وكان لهذا الكرسي مقام كبير يومذاك ببغداد.
وقدر له لأول مرة أن يفتح باب الاجتهاد المطلق، والنظر والرأي على
مصراعيه واسعا، وأن ينظم مناهج الاستنباط والاجتهاد، ويؤصل الأصول،
ويضع مناهج البحث للأصول، ويفرع المسائل، ويضع أصول الدراسة في
الفقه، وعشرات من أمثالها مما قدمه الشيخ للطوسي إلى المدرسة الفقهية من الخدمات
وقد ذكر العلامة الجليل الشيخ آغا بزرك (سبعا وأربعين مؤلفا للشيخ مما
وصل إليه من أسماء مصنفاته).
ملامح المدرسة:
ومما تقدم تبين للباحث أن (مدرسة بغداد) كانت فتحا جديدا في عالم
44

البحث الفقهي بصورة عامة، فقد كان البحث الفقهي - كما استعرضنا ملامحه
بإجمال - في مدارس (المدينة والكوفة وقم) لا يخرج عن حدود استعراض السنة
ونقل الحديث، ولم يبلغ رغم تطور الدرسة في عهودها الثلاثة مرحلة الرأي
والاجتهاد.
ولم نلمس في هذه العهود الثلاثة ملامح عن الصناعة الفقهية والأصولية فيما
بين أيدينا من آثار عصور الفقه الثلاثة الأولى بشكل ملموس واضح الملامح.
ولأول مرة يلمس الباحث آثار الصناعة والصياغة الفنية، والاجتهاد
والرأي والتفريع في كتابات هذا العصر، ولا سيما كتب المرتضى الأصولية
وكتب الشيخ الفقهية والأصولية.
ولو حاول الباحث أن يدمج العصور الأولى بعضها في بعض، ويعتبر هذه
الفترة فاتحة عصر جديد ومدرسة جديدة في الفقه لم يبتعد كثيرا عن الصواب.
ومهما يكن من أمر فلنحاول أن ندرس ملامح هذه المدرسة مرة أخرى،
ليتاح لنا أن نقيس بدقة أبعاد هذه المدرسة، ونضع لها حدودا تفصلها عن
المدارس السابقة عليها واللاحقة لها.
وأولى هذه الملامح أن الفقه خرج في هذا الدور عن الاقتصار على استعراض
نصوص الكتاب، وما صح من السنة إلى معالجة النصوص، واستخدام الأصول
والقواعد، فقد كانت مهمة البحث الفقهي في الأدوار السابقة عرض النصوص
وفهمها وتذوقها.
ولأمر ما يطلق على هذا العلم اسم " الفقه "، فالفقه هو الفهم، ومهمة
الفقيه قبل هذه المرحلة ما كانت تتجاوز في الأعم الأغلب فهم النصوص
الصحيحة وتذوقها.
وفي هذه المرحلة انقلبت عملية الاستنباط إلى صناعة عملية لها أصولها
وقواعدها، وانفصل البحث الأصولي عن البحث الفقهي وأفرد بدراسات
ومطالعات خاصة، وقام البحث الفقهي على نتائج هذه الدراسات والمطالعات
45

ولأول مرة في تاريخ الفقه الجعفري يلمح الانسان ملامح الصناعة في
كتابات الشيخ الطوسي الفقهية، وطبيعي أن الصناعة الفقهية في هذه الفترة
كانت تطوي مراحلها البدائية، ولكنه مع ذلك كانت بداية لعهد جديد،
وخاتمة لعهد مضئ.
ولأول مرة في هذا الدور قام السيد المرتضى بمحاولة دراسة المسائل
الأصولية مفصولة عن الفقه بصورة موضوعية، وتنقيح المسائل الأصولية في كتب
ودراسات مستقلة، إلا أنها كانت مع ذلك بدائية ولم تتجاوز في غالب الأحوال
مباحث الألفاظ، من الأوامر والنواهي ودلالات هيئات الألفاظ وموادها
وبعض المباحث العامة من الأصول.
وظاهرة ثانية من ملامح هذا العصر هو تفريع المسائل الفقهية واستحداث
فروع جديدة لم تتعرض لها نصوص الروايات، وكان البحث الفقهي - فيما سبق
هذا الدور لا يتجاوز حدود بيان الحكم الشرعي باستعراض الروايات الواردة
في الباب.
ولم نعهد من أحد من الفقهاء المتقدمين على هذا العصر محاولة معالجة فروع
جديدة لم تتعرض لها الروايات.
والسر واضح، فلم يقدر لفقه أهل البيت أن يدخل قبل هذا العصر دور
المعالجة والصناعة وتفريع فرع على فرع آخر أو قاعدة شرعية يحتاج إلى شئ
أكثر من استعراض نصوص الأحكام والقواعد، ولا يتم ذلك عادة من غير
المعالجة والصناعة. وهذا ما لم يتوفر للبحث الفقهي قبل هذا العهد:
وربما يصح أن نقول: إن الشيخ الطوسي كان أول من قام بهذه التجربة في
كتابه المبسوط، فقد ذكر في أول الكتاب أن الذي دعاه إلى تصنيفه أن
الإمامية لم يكونوا يفرعون الفروع إلى زمانه، وكانوا يقفون عند النصوص التي
وصلت إليهم عن المتقدمين من المحدثين، وكان ذلك من دوافع الطعن على فقه
أهل البيت، فقام بهذه المحاولة لسد هذا الفراغ في البحث الفقهي.
46

والظاهرة الثالثة من ملامح هذا العصر هو ظهور الفقه المقارن أو الخلافي.
فحينما تمركزت مدرسة أهل البيت في الفقه في بغداد برزت المسائل الخلافية
بصورة حادة، وأدى ذلك إلى اختلاف الفقهاء وبروز المسائل الخلافية في الفقه
وأصوله بشكل مثير للانتباه، ومثير للخلاف، وكان للعامل السياسي دور مؤثر
في ذلك، ومهما يكن من أمر، ومهما كانت الدوافع السياسية التي كانت تثير
هذه المسائل، فقد أدى ذلك إلى خصوبة البحث الفقهي، فالخلاف قد يؤدي
إلى الخصوبة، لا العقم، ويدل على خصوبة الذهنية لا عمقها.
وكان من آثار ظهور الخلاف بين الفقه الإمامي والمذاهب الفقهية الأخرى
واتساع رقعة الخلاف بينها أن تفرغ فقهاء الشيعة لبحث المسائل الخلافية بصورة
موضوعية وبشكل مسهب.
وظهر هذا النوع من البحث الفقهي لأول مرة في هذا العصر على يد المفيد
والمرتضى والطوسي.
وتوسع الشيخ الطوسي بشكل خاص لدراسة هذا الجانب من البحث
الفقهي في كتابه الكبير " الخلاف " تناول فيه المسائل الفقهية الخلافية بين
الشيعة والسنة في مختلف أبواب الفقه، وتعرض في كل مسألة لما يسند الجانبين
من الأدلة، وناقش آراء هذه المذاهب في كثير من المسائل. والكتاب - رغم
قدمه - قيم لا يستغني عنه فقيه.
وكان من هذا القبيل استعراض المسائل التي تنفرد فيها الشيعة برأي
والاستدلال له والانتصار لمذهب أهل البيت فيها.
وفي هذا الفن من فنون الفقه كتب السيد المرتضى كتاب " الإنتصار "
ويقال له " متفردات الإمامية " صنفه للوزير عميد الدين في بيان الفروع التي
شنع على الشيعة بأنهم خالفوا فيها الاجماع.
ومن هذا القبيل أيضا كتاب " الاعلام فيما اتفقت الإمامية عليه من
الأحكام مما اتفقت العامة على خلافهم فيه " للمفيد، ألفه بطلب تلميذه المرتضى.
47

وظاهرة رابعة من ملامح هذا العصر ظهور الاجماعات والاستدلال بها،
ولا نريد هنا أن نتحدث عن حجية الاجماع وما قيل أو يقال فيه، فذلك كله
خارج عن مهمتنا في هذا البحث.
وما يهمنا أن نشير إليه هو أن توسع البحث الفقهي وتكامله دفع الفقهاء
إلى استخدام الاجماع فيما إذا لم يجدوا في المورد نصا أو لم يقتنعوا بسلامة النص
من حيث السند أو الدلالة.
وقالوا: إن في إجماع فقهاء المذاهب عامة أو فقهاء الطائفة في عصر واحد
دليلا على وجود نص شرعي يجوز الاعتماد عليه، غاب عنا فيما فقدناه من
النصوص، ولا يمكن أن يجمع فقهاء المذاهب على حكم من دون وجود نص على
ذلك ولا يمكن أن يخطأ فقهاء الأمة جميعا دون أن يحصل من يخالفهم ويصيب
الواقع.
وظهر الاحتجاج بالاجماع بصورة واضحة في هذا العصر عند الشيخ
الطوسي بصورة خاصة.
ومؤلفات الفقهاء المتقدمين على هذا العصر، وإن كانت لا تخلو عن التمسك
بالاجماع، إلا أن هذه الظاهرة تبدو في كتب الشيخ بصوة خاصة، وفي آثار هذه
المدرسة بصورة عامة أكثر من أي وقت سابق.
ويتضح مما تقدم أن البحث. الفقهي خطا خطوة كبيرة في هذه المرحلة من
حياته، وأشرف على أعتاب مرحلة جديدة بعد أن خلف وراءه مرحلة طويلة،
ودخل دور المراهقة حاملا تجارب ثلاثة قرون حافلة بالجهود المثمرة والتجارب
الخصبة.
وبلغت التجربة الجديدة قمتها في حياة الشيخ الطوسي حيث قام
بمحاولات تجديدية جريئة في تطوير عملية الاستنباط على الصعيد الفقهي
والأصولي.
ولكي يلمس القارئ التراث الضخم الذي خلفه الشيخ والتجربة الجريئة
48

التي خاضها في تطوير منهج البحث الفقهي ننقل إلى القارئ النص التالي من
مقدمة كتابه " المبسوط "، قال في مقدمة الكتاب:
إني لا أزال أسمع معاشر مخالفينا من المتفقهة والمنتسبين إلى علم الفروع
يستخفون بفقه أصحابنا الإمامية، وينسبونهم إلى قلة الفروع وقلة السائل،
ويقولون: إنهم أهل حشو ومناقضة، وإن من ينفي القياس والاجتهاد لا طريق له
إلى كثرة المسائل ولا التفريع ولا الأصول، لأن جل ذلك وجمهوره مأخوذ من
هذين الطريقين.
وهذا جهل منهم بمذاهبنا، وقلة تأمل لأصولنا، ولو نظروا في أخبارنا وفقهنا
لعلموا أن جل ما ذكروه من المسائل موجود في أخبارنا ومنصوص عليه عن أئمتنا
الذين قولهم في الحجة يجري مجرى قول النبي صلى الله عليه وآله، إما خصوصا
أو عموما أو تصريحا أو تلويحا.
وأما ما كثروا به كتبهم من مسائل الفروع فلا فرع من ذلك إلا وله مدخل
في أصولنا ومخرج على مذاهبنا، لا على وجه القياس بل على طريقة توجب علما
يجب العمل عليها، ويسوغ المسير إليها من البناء على الأصل وبراءة الذمة وغير
ذلك.
مع أن أكثر الفروع لها مدخل فيما نص عليه أصحابنا، وإنما كثر عددها عند
الفقهاء بتركيبهم المسائل بعضها على بعض وتعليقها والتدقيق فيها، حتى أن
كثيرا من المسائل الواضحة دق لضرب من الصناعة وإن كانت المسألة معلومة
واضحة.
وكنت على قديم الوقت وحديثه متشوق النفس إلى عمل كتاب يشتمل
على ذلك تتوق نفسي إليه، فيقطعني عن ذلك القواطع وتشغلني الشواغل،
وتضعف نيتي أيضا فيه قلة رغبة هذه الطائفة فيه وترك عنايتهم به لأنهم ألفوا
الأخبار وما رووه من صريح الألفاظ، حتى أن مسألة لو غير لفظها وعبر عن
معناها بغير اللفظ المعتاد لهم لعجبوا منه، وقصر فهمهم عنها.
49

وكنت عملت على قديم الوقت كتاب " النهاية " وذكرت جميع ما رواه
أصحابنا في مصنفاتهم وأصولها من المسائل، وفرقوه في كتبهم، ورتبته ترتيب
الفقه، وجمعت بين النظائر، ورتبت فيه الكتب على ما رتبت للعلة التي بينتها
هناك، ولم أتعرض للتفريع على المسائل، ولا لتعقيد الأبواب وترتيب المسائل
وتعليقها والجمع بين نظائرها، بل أوردت جميع ذلك أو أكثره بالألفاظ المنقولة
حتى لا يستوحشوا من ذلك، وعملت بآخره مختصرا حمل العقود في العبادات
سلكت فيه طريق الايجاز والاختصار وعقود الأبواب فيما يتعلق بالعبادات،
ووعدت فيه أن أعمل كتابا في الفروع خاصة يضاف إلى كتاب " النهاية "
ويجتمع معه، فيكون كاملا كافيا في جميع ما يحتاج إليه.
ثم رأيت أن ذلك يكون مبتورا يصعب فهمه على الناظر فيه، لأن الفرع إنما
يفهمه إذا ضبط الأصل معه فعدلت إلى عمل كتاب يشتمل على عدد يجمع
كتب الفقه التي فصلها الفقهاء، وهي نحو من ثلاثين كتابا أذكر كل كتاب
منه على غاية ما يمكن تلخيصه من الألفاظ، واقتصرت على مجرد الفقه، دون
الأدعية والآداب، وأعقد فيه الأبواب، وأقسم فيه المسائل، وأجمع بين النظائر
واستوفيه غاية الاستيفاء، وأذكر أكثر الفروع التي ذكرها المخالفون، وأقول
ما عندي على ما تقتضيه مذاهبنا وتوجيه أصولنا، بعد أن أذكر أصول جميع
المسائل (1).
وهذا الحديث يشعرنا بضخامة العمل الذي قام به الشيخ في مجال البحث
الفقهي والأصولي، فقد كان المتقدمون من الفقهاء يقتصرون على الفروع
المذكورة في نصوص الأحاديث، ويعرضون عن تفريع فروع جديدة على هذه
الفروع، واستنتاج أحكام جديدة لم يتعرض لها النص بدلالة المطابقة.
وكان فقهاء المذاهب الأخرى يجدون في هذا الاعراض والاقتصار مجالا

(1) كتاب المبسوط للشيخ الطوسي الطبعة الحروفية الثانية: ج 1 ص 2 و 3.
50

للمؤاخذة. والانتقاص، ويعتبرون ذلك من آثار الاعراض عن الأخذ بالقياس
والرأي، فحاول الشيخ أن يدحض هذا الرأي، ويعلن خصوبة البحث الفقهي
عند الشيعة، وعدم عجزه عن تناول فروع ومسائل جديدة مستحدثة، وأن
مدارك الفقه الإمامي لا تقصر عن استيعاب فرع من الفرع مهما كان. ولا يجد
الفقيه فرعا لا يجد له في أصول الفقه الإمامي وأحكامه علاجا.
ووجد ثانيا جمود الفقهاء المتقدمين على ألفاظ ومباني وأصول خاصة حتى
أن أحدهم يستوحش لو بدل لفظ مكان لفظ آخر، فحاول أن يقضي على هذا
الجمود، ويعيد صياغة الفقه والاستنباط من جديد بما يراه من موازين وأصول
وقواعد تلائم مصادر التشريع.
ووجد ثالثا أن الفروع الفقهية مبعثرة خلال الكتب الفقهية بصورة مشوشة
لا يجمعها جامع، ولا يضم بعضها إلى بعض بتبويب خاص، فحاول أن يجمع
بين النظائر، وينظمها في أبواب خاصة، ويضم المسائل بعضها إلى بعض
وينسقها.
ووجد رابعا أن نصوص الحديث تعرض للاحتجاج بها على الحكم عرضا
من غير أن يعالج، والحكم الشرعي يؤخذ من مدلول النص أخذا مباشرا من
دون أن يتوسط بين العرض والعطاء صناعة ومعالجة، وكانت نتيجة ذلك كله
أن الفقه ظل منتصرا على استعراض فروع فقهية محدودة تحددها مداليل
النصوص المطابقية.
وحاول الشيخ لتلافي هذا النقص أن يبني الفروع على الأصول، وأن يصيغ
عملية الاستنباط في قالب الصناعة والفن، وأن يؤسس الأصول ويستخرج
القواعد التي يبني عليها الفقيه في الاستنباط، حتى يوسع من أبعاد البحث
الفقهي، ويمسح عنها سمات العجز والقصور عن تناول المسائل الجديدة والفروع
المستحدثة.
ويظهر للباحثين أن هذا العجز لم يكن لقصور في أداة الاستنباط عند
51

الشيعة وإنما كان لبساطة المحاولات والتجارب التي قام بها السلف في
الاستنباط، وبداية عملية الاجتهاد لديهم لطبيعة المرحلة التي كان يمر بها الفقه
في تلك العصور.
52

مدرسة الحلة
برزت مدرسة الحلة الفقهية بعد احتلال بغداد على يد هولاكو التتار، فقد
كانت مدرسة بغداد قبل الاحتلال حافلة بالفقهاء والباحثين وحلقات الدراسة
الواسعة، وكان النشاط الفكري فيما قبل الاحتلال على قدم وساق.
وحينما احتلت بغداد من قبل المغول أوفد أهل الحلة وفدا إلى قيادة الجيش
المغولي يلتمسون الأمان لبلدهم، فاستجاب لهم هولاكو وآمنهم على بلدهم.
وبذلك ظلت الحلة مأمونة من النكبة التي حلت بسائر البلاد في محنة
الاحتلال المغولي، وأخذت تستقطب الشاردين من بغداد من الطلاب
والأساتذة والفقهاء.
واجتمع في الحلة عدد كبير من الطلاب والعلماء، وانتقل معهم النشاط
العلمي من بغداد إلى الحلة، واحتفلت هذه البلدة - وهي يومئذ من الحواضر
الاسلامية الكبرى - بما كانت تحتفل به بغداد من وجوه النشاط الفكري كعقد
ندوات البحث والجدل، وحلقات الدراسة والمكاتب والمدارس، وغيرها.
واستقرت المدرسة في الحلة. وظهر في هذا الدور في الحلة فقهاء كبار كان
لهم الأثر الكبير في تطوير مناهج الفقه والأصول الإمامي، وتجديد صياغة
عملية الاجتهاد، وتنظيم أبواب الفقه ك‍ (المحقق الحلي والعلامة الحلي وولده فخر
المحققين وابن أبي الفوارس والشهيد الأول وابن طاووس وابن ورام) وغيرهم
53

من فطاحل الاعلام ورجال الفكر.
ولكي نلمس أثر هذا العصر وفقهائه في تطوير مناهج البحث الفقهي
نستعرض بايجاز تراجم بعض رجال هذه المدرسة:
1 - المحقق الحلي:
نجم الدين أبو القاسم جعفر بن سعيد الحلي رائد مدرسة الحلة الفقهية ومن
كبار فقهاء الشيعة.
قال عنه تلميذه ابن داود: الإمام العلامة واحد عصره. كان ألسن أهل
زمانه، وأقومهم بالحجة وأسرعهم استحضارا (1).
كان مجلسه يزدحم بالعلماء والفضلاء ممن كانوا يقصدونه للاستفادة من
حديثه والاستزادة من علمه (2).
وحضر المحقق الطوسي يوما مجلس درسه من بغداد، فأراد المحقق الحلي أن
يتوقف عن التدريس، احتراما لوروده فالتمس منه الطوسي أن يستمر في درسه.
وكان بحث المحقق في القبلة، فجرى الحديث عن مسألة استحباب التياسر
في قبلة أهل العراق، فاعترض الطوسي على المحقق بأن الاستحباب لا معنى له،
إذ التياسر إن كان من القبلة فحرام، وإن كان إلى القبلة فواجب.
فأجاب المحقق: من القبلة إلى القبلة. فسكت المحقق الطوسي.
فلما رجع إلى بغداد كتب المحقق الحلي له رسالة لطيفة في تحقيق المسألة
استحسنها المحقق الطوسي.
وقد أورد الرسالة الشيخ أحمد بن فهد في " المهذب " بتمامها (3).

(1) الكنى والألقاب: ج 3 ص 127
(2) مجالس المؤمنين: ج 1 ص 57 مترجم عن الفارسية.
(3) المهذب البارع: ج 1 ص 312 طبع مؤسسة النشر الإسلامي - قم.
54

وقد قدر للمحقق الحلي أن يجدد كثيرا في مناهج البحث الفقهي
والأصولي، وأن يكون رائد هذه المدرسة، ويكفي في فضله على المدرسة الفقهية
أنه ربى تلميذا بمستوى العلامة الحلي، وأنه خلف كتبا قيمة في الفقه لا يزال
الفقهاء يتناولونها ويتعاطونها باعتزاز ك‍ " شرايع الاسلام " في مجلدين، وكتاب
" النافع "، وكتاب " المعتبر " في شرح المختصر، وكتاب " نكت النهاية "،
وكتاب " المعارج " في أصول الفقه وغيرها.
توفي سنة 676 هجرية، وكان سبب وفاته أنه سقط من أعلى درج في داره
فخر ميتا لوقته، فتفجع الناس لموته، واجتمع لتشييعه خلق كثير، ودفن في
الحلة، وقبره هناك يزار ويتبرك به، وأخيرا عمر وجدد بناؤه على يد أهل الخير
من أهالي الحلة.
2 - العلامة الحلي:
جمال الدين حسن بن يوسف بن علي بن المطهر، ولد في الحلة سنة 648 ه‍
ونشأ فيها، وتوفي سنة 726 ه‍.
تتلمذ في الفقه على خاله المحقق الحلي وفي الفلسفة والرياضيات على المحقق
الطوسي، فنشأ كما أراد أستاذاه، وظهر على أترابه وزملائه وعرف بالنبوغ وهو
بعد لم يتجاوز سن المراهقة، وانتقلت الزعامة في التدريس والفتيا إليه بعد وفاة
أستاذه المحقق الحلي.
وقد قدر للعلامة الحلي بفضل ما أوتي من نبوغ، وبفضل أستاذه الكبير
المحقق الحلي، وجهوده الخاصة أن يساهم مساهمة فعالة في تطوير مناهج الفقه
والأصول، وأن يوسع دراسة الفقه.
وتعتبر موسوعة العلامة الحلي الفقهية الجليلة " التذكرة " أول موسوعة فقهية
من نوعها في تاريخ تطوير الفقه الشيعي من حيث السعة والمقارنة والشمول،
55

وتطور مناهج البحث، وطبع أخيرا بأحسن أسلوب مع التصحيح والتعليق
عليها.
وبلغت مدرسة الحلة في حياة العلامة بفضل جهوده القيمة، كما قدر له
لأول مرة أن يتفرغ لدراسة المسائل الخلافية بين فقهاء الشيعة بصورة مستقلة في
كتابه الكبير " المختلف ".
3 - فخر المحققين:
أبو طالب محمد بن الحسن بن يوسف بن المطهر من وجوه الطائفة وأعيانها،
تلمذ على أبيه العلامة الحلي، ونشأ برعايته وعنايته، وقرأ عليه مختلف العلوم
النقلية والعقلية، وبرز في ذلك كله.
أكمل بعض تآليف والده العلامة ك‍ " الألفين " وغيره، وشرح البعض
الآخر ك‍ " القواعد ".
قال فيه الشيخ الحر العاملي قدس سره: كان فاضلا محققا فقيها ثقة جليلا.
قام بتربية تلامذة كبار في الفقه كان منهم الشهيد الأول رحمه الله.
4 - الشهيد الأول:
أبو عبد الله محمد بن الشيخ جمال الدين مكي بن شمس الدين محمد
الدمشقي الجزيني، ولد سنة 734، واستشهد سنة 786 بدمشق.
ولد في جزين من بلدان جبل عامل، وهاجر إلى الحلة لطلب العلم.
تتلمذ على فخر المحققين بالحلة ولازمه، وتتلمذ على آخرين من تلاميذ
العلامة الحلي في الفقه والفلسفة.
زار كثيرا من حواضر العالم الاسلامي في وقته، كمكة المكرمة والمدينة
المنورة وبغداد ومصر ودمشق وبيت المقدس ومقام الخليل إبراهيم، واجتمع فيها
بمشايخ العامة، وأتاحت له هذه الأسفار نوعا من التلاقح الفكري بين مناهج
56

البحث الفقهي والأصولي عند، علماء المسلمين من مختلف المذاهب الفقهية.
وقرأ كثيرا من كتب السنة في الفقه والحديث، وروى عنهم حتى قال في
إجازته لابن الخازن: إني أروي عن نحو أربعين شيخا من علمائهم بمكة والمدينة
ودار السلام بغداد ومصر ودمشق وبيت المقدس ومقام الخليل إبراهيم.
وهذا النص يدل على أن الشهيد الأول جمع بين ثقافتي الشيعة والسنة في
الفقه والحديث، ولاقح بين المنهجين في حدود ما تسمح به طبيعة المنهجين.
خلف كتبا كثيرة تمتاز بروعة البيان ودقة الملاحظة وعمق الفكرة وسعة
الأفق، منها " الذكرى " و " الدروس الشرعية في فقه الإمامية " و " غاية المراد في
شرح نكت الارشاد " وكتاب " البيان " و " الباقيات الصالحات " و " اللمعة
الدمشقية) و " الألفية " و " النفلية " و " الأربعون حديثا " وكتاب " المزار "
و " خلاصة الاعتبار في الفقه والاعتمار " و " القواعد " وغير ذلك.
كانت وفاته بدمشق، حيث قتل فيها بالسيف، ثم صلب، ثم رجم، ثم
أحرق بفتوى القاضي برهان الدين المالكي وعباد بن جماعة الشافعي بعد
ما حبس سنة كاملة في قلعة الشام في محنة أليمة نعرض عنها هنا.
ملامح المدرسة:
يمكننا أن نلخص أهم الملامح التي تميز هذه المدرسة عن مدرسة بغداد
فيما يلي:
1 - تنظيم أبواب الفقه: قدر للشيخ الطوسي - كما وجدناه يتحدث بذلك في
مفتتح كتابه الكبير " المبسوط " - أن مجمع شتات الأشباه والنظائر في الفقه
ويبوب كل ذلك في أبواب خاصة بعد ما أكثر الفروع، واستحدث فروعا جديدة.
إلا أننا نلاحظ في كتب الشيخ - مع توفر الشيخ على تنظيم الفقه وتبويبه،
وجمع النظائر والأشباه من فروعه - شيئا من التشويش في تبويب أبواب الفقه
وكتبه.
57

وهذا التشويش لا يختص بكتب الشيخ وحده، وإنما يظهر على كتب
المتقدمين عامة.
وفي هذه المدرسة لأول مرة نلتقي ب‍ " الشرايع " للمحقق الحلي رحمه الله في
تنظيم رائع لأبواب الفقه استمر عليه فقهاء الشيعة بعد ذلك إلى العصر
الحاضر. فقد قسم المحقق الحلي كتابه " شرايع الاسلام " إلى أقسام أربعة:
الأول: العبادات، الثاني: العقود، الثالث: الايقاعات، الرابع:
الأحكام.
وأساس هذا التقسيم الرباعي للفقه عند المحقق هو أن الحكم الشرعي إما
أن يتقوم بقصد القربة أم لا، والأول العبادات.
والثاني إما أن يحتاج إلى اللفظ من الجانبين الموجب والقابل أو من جانب
واحد أو لا يحتاج إلى اللفظ، فالأول العقود، والثاني الايقاعات، والثالث
الأحكام، وبذلك تندرج أبواب الفقه في أقسام أربعة كما تقدم.
وهذا تقسيم رائع يجمع مختلف أبواب الفقه، وهي من حصيلة هذه
المدرسة، وتمت على يد المحقق الحلي بالذات.
2 - وظهرت في هذه الدورة الكتابة الفقهية الموسوعية، فألف العلامة الحلي
موسوعته القيمة " تذكرة الفقهاء " في الفقه المقارن وهو عمل فقهي جليل لم
يؤلف مثله بعد في الفقه المقارن في السعة والاستيعاب.
ومن يطلع على كتاب " التذكرة " يلمس فيه بوضوح ضخامة العمل
الفقهي التي قدمها العلامة الحلي رحمه الله للفقه الاسلامي بصورة عامة
وبمختلف مذاهبه.
فقد حاول العلامة في كتابه هذا أن يجمع آراء مختلف المذاهب الاسلامية،
ويناقش ذلك كله بموضوعية يعز مثله في الدراسات المقارنة الأخرى.
3 - وكثر الاختلاف في هذا العصر بين فقهاء الإمامية أنفسهم نتيجة
لابتعادهم عن عصر الإمام، واختلافهم في سلامة الروايات من حيث السند
58

والدلالة. وكان لا بد للفقيه نتيجة لتشعب الآراء والمذاهب في استنباط
الأحكام، وتذوق المسائل أن يلم بمختلف وجوه الرأي في المسألة حتى يستطيع
أن يحكم في المسألة برأيه.
وهذه الحاجة دعت العلماء في هذا العصر إلى أن يجمعوا المسائل المختلف
فيها بين علماء الشيعة، ويستعرضوا وجوه الاختلاف عندهم كي يتمكن الفقيه
أن يحيط علما بوجوه الاختلاف في المسألة، ويعرف المسألة المتفق عليها بين
علماء الإمامية ثانيا.
وممن كتب في هذا الباب العلامة الحلي رحمه الله، حيث جمع المسائل المختلف
فيها بين علماء الطائفة في كتابه الكبير الضخم " المختلف " ولا يزال هذا
الكتاب موضع دراسة ومراجعة الفقهاء.
4 - في هذه الفترة نلتقي ظاهرة جديدة في تصنيف الحديث هي من نتاج
هذه المدرسة، وقد تطورت بعد ذلك وتنامت وأصبحت ذات أثر ودور في عملية
الاستنباط.
ونحن فيما يلي نوضح هذه الظاهرة بقدر ما تتسع له صدر هذه المقدمة.
يعتبر العلامة الحلي رحمه الله، واسطة العقد بين عصرين في تأريخ الفقه
الإمامي، ويطلق على الفقهاء السابقين على العلامة الحلي بالمتقدمين
واللاحقين له بالمتأخرين.
ولهذه التفرقة بين السابقين على العلامة الحلي واللاحقين له سبب واضح.
فقد ذهبت في هجوم المغول على بغداد جملة واسعة من تراث الإمامية، كما
أن الفتن الطائفية التي كان يثيرها العباسيون بين حين وآخر في العراق قضت
على جملة أخرى واسعة من تراث الإمامية ومنها اشعال مكتبة الشيخ أبي جعفر
الطوسي في بغداد، والذي أدى إلى هجرة الشيخ من بغداد إلى النجف لمواصلة
عمله العلمي بعيدا عن ضوضاء الفتن الطائفية في بغداد.
هذه الأحداث وغيرها في عصر الغيبة أدى بالتدريج إلى ضياع جملة كبيرة
59

من القرائن التي كان يعتمدها القدماء من الفقهاء في تمييز الحديث الصحيح
عن الضعيف.
وقد كان الفقهاء قبل عصر العلامة الحلي يقسمون الحديث إلى قسمين
الصحيح والضعيف.
وكان الصحيح عندهم كل حديث يثقون بصدوره عن أئمة أهل البيت
عليهم السلام بالقرائن التي كانت بأيديهم في ذلك الحين والتي اختفت فيما بعد
حتى لو كان الراوي غير ثقة في حد نفسه.
يقول الشيخ أبو علي الكربلائي في مقدمات كتابه " منتهى المقال ":
صحيح الحديث عند القدماء هو ما وثقوا بكونه من المعصوم أعم من أن يكون
الراوي ثقة أو لا لأمارات أخرى يقطعون أو يظنون بها صدوره عنه.
ويقول السيد المرتضى - وهو من أجلاء الفقهاء المتقدمين - في جواب مسائل
التبانيات: إن أكثر أخبارنا المروية في كتبنا معلومة مقطوعة على صحتها إما
بالتواتر من طريق الإشاعة والإذاعة أو بإمارة وعلامة دلت على صحتها وصدق
رواتها، فهي موجبة للعلم مقتضية للقطع وإن وجدناها مودعة للكتب بسند
مخصوص (1).
ويرجع الشيخ البهائي العاملي في " مشرق الشمسين " العدول عن طريقة
القدماء في اعتماد القرائن في قبول الحديث، ورفضه الأحاديث التي لم تتوفر
على صحتها هذه القرائن إلى أربعة أسباب وهي:
1 - طول الفترة الزمنية بين المتأخرين من الفقهاء وعصر الأئمة والرواة
الأوائل.
2 - ضياع جزء كبير من الأصول الأربعمائة وغيرها في الحديث.
3 - إدخال أحاديث الأصول في الكتب الأربعة من دون تمييز بين المعتبرة

(1) الفوائد المدنية للاسترآبادي: ص 49.
60

وغير المعتبرة مما أدى إلى اشتباه المعتبرة منها بغير المعتبرة والمكررة منها بغير
المكررة.
4 - اختفاء قرائن أخرى كانت تساعد الفقيه على تشخيص ما يصح الأخذ
بها من الأحاديث عما لا يصح الأخذ بها (1).
ويذكر الفيض الكاشاني رحمه الله في مقدمات " الوافي " ستة من هذه
القرائن، كما يذكر الحر العاملي في خاتمة كتاب " هداية الأمة " خمسة من هذه
القرائن.
وهناك قرائن أخرى مثل تسالم الأصحاب جيلا بعد جيل على قبول
بعض الأخبار والعمل به. مما كان يؤدي إلى الثقة بصدور الخبر من المعصوم
وإن كان بعض رجاله ضعافا غير موثوقين (2).
ومهما يكن من أمر فقد اختفت جملة كبيرة من هذه القرائن في هذه الفترة،
وأصبح من الضروري التفكير في أسس موضوعية محددة لتشخيص الصحيح من
الحديث من الضعيف.
فنهض بهذا الأمر السيد جمال الدين أحمد بن موسى بن طاووس (3) برواية
الشيخ البهائي في " مشرق الشمسين " أو العلامة الحلي برواية الشيخ حسن
صاحب المعالم في " منتقى الجمان "، أو هما معا. وصنفا الحديث إلى أربعة
أصناف " الصحيح " و " الحسن " و " الموثق " و " الضعيف ".
و " الصحيح " هو الخبر الذي يتصل بالمعصوم بسلسلة من الرواة الثقات
الإماميين.

(1) علم الحديث ودراية الحديث للشيخ شانه چى: ص 142.
(2) راجع كتاب علم الحديث ودراية الحديث: ص 147.
(3) من فقهاء مدرسة الحلة توفي لسنة 673 ه‍ له كتاب (البشرى) في الأصول وحل الاشكال في معرفة
الرجال وقد هذبه ورتبه الشيخ حسن صاحب المعالم وأسماه التحرير الطاووسي وطبع أخيرا طبعه
جيده.
61

و " الحسن " هو الخبر الذي يتصل بالمعصوم بسلسلة من الرواة الإماميين
الممدوحين جميعا من قبل علماء الجرح والتعديل دون التصريح بتوثيقهم جميعا.
و " الموثق " هو الخبر الذي يتصل بالمعصوم بسلسلة من الرواة الذين ورد
توثيقهم جميعا في كتب الجرح والتعديل إلا أن بعض رجاله، أو كلهم لم يكونوا
من الإمامية.
و " الضعيف " هو الخبر الذي لم يكن فيه أحد الأوصاف الثلاثة أعلاه.
وبموجب هذا التقسيم يصح الأخذ بالصحاح والحسان والموثقات وتترك
الأحاديث الضعيفة.
وهذا المقياس مقياس موضوعي ومحدد يعتمد أسسا دقيقة وموضوعة في تميز
ما يصح العمل به من الأحاديث عن التي لا يصح العمل بها.
وقد أدى هذا التنسيق فيما بعد إلى خلاف بين مدرستين في الفقه الإمامي
هما مدرسة الأصوليين ومدرسة المحدثين الذين رفضوا هذا التقسيم وأصروا على
الأخذ بما ورد في الكتب الأربعة من دون أن يناقشوا في سندها.
ومهما يكن من أمر فقد استقر تصنيف الحديث إلى هذه الأقسام الأربعة
بعد هذا التاريخ، وأصبح هذا التقسيم أساسا للاستنباط والبحث الفقهي
بشكل عام.
وفيما بعد كتب الشيخ حسن مؤلف المعالم نجل الشهيد الثاني رحمهما الله
كتاب " منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان " في هذا الاتجاه. وهذا
بعض إنجازات مدرسة الحلة.
ومهما يكن من أمر فقد كانت مدرسة الحلة امتدادا لمدرسة بغداد، وتطويرا
لمناهجها وأساليبها، وبالرغم من الفتح الفقهي الكبير الذي قدر لمدرسة بغداد
على يد الشيخ الطوسي كانت المدرسة بداية لفتح جديد ومرحلة جديدة في
الاستنباط، وقد قدر لمدرسة الحلة فيما بعد أن تعمق مكاسب هذه المدرسة
وتطورها.
62

ولئن كان الشيخ الطوسي بلغ قمة الفكر الفقهي لمدرسة بغداد فقد بلغ
العلامة الحلي قمة الفكر الفقهي لمدرسة الحلة.
ولولا جهود علماء هذا العصر لظلت مدرسة بغداد على المستوى التي خلفها
الشيخ من ورائه، ولما قطعت هذه المراحل الطويلة التي قطعتها فيما بعد على
أيدي علماء كبار أمثال المحقق والعلامة والشهيد وغيرهم.
63

مدرسة جبل عامل
نبذة عن التاريخ السياسي للتشيع في بلاد الشام:
لبلاد الشام علاقة عريقة وقديمة بالتشيع منذ عهد الأمويين والعباسيين،
إلا أن الشيعة في هذين العهدين كانوا يعيشون مرحلة التقية والسرية من
الناحية السياسية والدينية بسبب الاضطهاد الطائفي الذي كان يمارسه حكام
بني أمية والعباسيين وولاتهم في هذه المنطقة وغيرها من مناطق العالم
الاسلامي.
حتى إذا انقضى عصر عهد العباسيين وظهرت للشيعة دول في التاريخ بعد
سقوط الدولة العباسية - مثل دولة البويهيين في العراق وفارس، ودولة
الحمدانيين في الموصل وحلب، ودولة العلويين في مصر والحجاز والشام وإفريقيا -
بدأ الشيعة يتحركون في بلاد الشام وينشطون ثقافيا وسياسيا.
ولقد عاش شيعة الشام أيام الفاطميين في القرن الرابع فترة حرية
واستقرار، نشطت فيها حركة التشيع في بلاد الشام.
وعن هذه الفترة يقول، السيوطي: غلا الرفض وفار بمصر والمشرق
والمغرب (1).

(1) تاريخ الخلفاء: ص 406.
64

في هذه الفترة انتعش التشيع وامتد وانتشر في بلاد الشام، ثم تلا هذه
الفترة حكم الأيوبيين الذين استلموا الحكم من الفاطميين وحكوا مصر والشام
وجددوا اضطهاد الشيعة في بلاد مصر والشام معا، مما أدى إلى ضمور كبير
للحالة الشيعية في مصر والشام، ثم جاء من بعدهم المماليك عام 648 ليواصلوا
نفس السياسة التي مارسها سلفهم الأيوبيون في اضطهاد الشيعة والتضيق عليهم
في بلاد الشام، وكانت أيامهم من أشق الفترات على شيعة الشام.
وكان المماليك يتخذون من فتاوى ابن التيمية ذريعة للفتك بالشيعة
وإباحة دمائهم، وأدى ذلك إلى أن يحتمي طائفة منهم بالجبال والمناطق
الجبلية ليحموا أنفسهم من فتك النظام وبطشه، ويتظاهر طائفة منهم بالانتماء
إلى المذاهب السنية ليحمي نفسه وذويه من بطش الحكام.
ونتج عن ذلك ضمور للتشيع في بلاد الشام واختفاء معالمه الفكرية
والثقافية. فقد فقدت الطائفة الأولى بالتدريج انتماءها الفكري والعملي
للتشيع، ولذلك أسموهم بالشيعة المتخاذلة أو المتستين. وأما الطائفة الثانية فقد
شاع فيها الجهل نتيجة البعد والانقطاع عن مراكز العلم.
في مثل هذه الظروف الصعبة في عصر المماليك حاول الشهيد الأول أن
يوصل جبل عامل بمدرسة الحلة وينقل إليها العلم والفقاهة والفكر، ويجعل من
جبل عامل مدرسة للفقاهة والثقافة الإمامية مستفيدا من موقعها الجغرافي الذي
يمنحها حصانة طبيعية في مقابل تعدي المماليك.
وكانت مدرسة (جزين) التي أنشأها الشهيد الأول في جبل عامل بذرة
لشجرة طيبة نمت فيما بعد وأثمرت واتسعت واستتبعت مدارس فقهية أخرى في
مناطق كثيرة من جبل عامل.
ورغم أن الشهيد الأول نفسه الذي أنشأ هذه المدرسة ذهب ضحية فتنة
طائفية أوجدها المماليك في الشام واستشهد على يد " بيد مر " أحد ولاة
المماليك على الشام إلا أن العلم انتشر في جبل عامل، وتعددت مراكز العلم
65

والفقاهة وأصبحت هذه المنطقة مدرسة عامرة بالفقهاء والعلماء، واستعاد
التشيع وجهه الفقهي والثقافي وأصالته في بلاد الشام.
ولما امتد بعد ذلك سلطان العثمانيين إلى بلاد الشام وواصل العثمانيون
سياسة الاضطهاد والتضيق على شيعة الشام لم يكن هناك ما يهدد كيان
الشيعة العقائدي والفقهي في الشام كما حدث ذلك في فتنة المماليك من
قبل، فقد استطاع فقهاء الشيعة خلال هذه الفترة أن يعمقوا في بلاد الشام وفي
جبل عامل بالخصوص الأسس الفكرية والفقهية للتشيع.
وقد استحدث الشهيد الأول نظاما خاصا لجباية الخمس وتوزيع العلماء في
المناطق، وكان لهذا العمل الفكري والثقافي والتنظيمي الذي نهض به الشهيد
ومن خلفه من فقهاء الشيعة دور كبير في حفظ التشيع في بلاد الشام.
وفي بداية القرن العاشر (905 ه‍) أنشأ السلطان إسماعيل الصفوي الدولة
الصفوية في إيران، وهي دولة شيعية معروفة في التاريخ. وفي سنة 914 سيطر
السلطان إسماعيل الصفوي على العراق وقضى على دولة " آقا قوينلو " وضم
المراقد المقدسة في النجف وكربلاء وبغداد وسامراء إلى الدولة الصفوية.
وتزامن ظهور وتوسع الدولة الصفوية في إيران والعراق وخراسان وهرات
مع سقوط دولة المماليك على يد السلطان سليم العثماني وامتداد نفوذ
العثمانيين إلى بلاد الشام سنة 923 ه‍.
وتحولت الساحة الاسلامية إلى ساحة صراع عنيف بين الدولتين الصفوية
والعثمانية، وكانت الحرب بينهما سجالا.
واتخذت الحرب بينهما صفة مذهبية مما كان يزيد في عنف المعارك بين
هاتين الدولتين.
ففي سنة 920 ه‍ انتصر العثمانيون على الصفويين في موقعة (چالدران)
المعروفة. وبذلك انتقل العراق من النفوذ الصفوي إلى النفوذ العثماني ولم
يتمكن الشاه إسماعيل الصفوي أن يسترد العراق حتى وفاته سنة 930 ه‍
66

واستعاد الصفويون سيطرتهم على العراق سنة 937 ه‍.
ثم فتح العثمانيون العراق مرة أخرى عام 941 ه‍، وهكذا كانت المعارك
سجالا بين الصفويين والعثمانيين، وكان من الطبيعي في هذا الصراع أن
يتعاطف شيعة وفقهاء جبل عامل مع الصفويين.
وكان الصفويون يستقدمون فقهاء جبل عامل إلى إيران ويولوهم مراكز
القضاء والفتيا والتوجيه، وكان هذا كله ينعكس على علاقة شيعة الشام وعلماء
جبل عامل بآل عثمان الذين كانوا يحكون بلاد الشام يومئذ.
وقد وجد الشيعة في الشام عموما وفي جبل عامل خصوصا حرية نسبية في
أخريات العصر المملوكي، وأفادوا من ضعف الدولة المملوكية في ممارسة نشاط
ثقافي واسع في مدارس جبل عامل.
فلما سقطت الدولة المملوكية على يد آل عثمان واستولى العثمانيون على
الشام وقامت الدولة الصفوية في إيران جدد العثمانيون سياسة الاضطهاد ضد
الشيعة بشكل عنيف وضيقوا عليهم.
وكان من أبرز أحداث هذا الاضطهاد الطائفي مصرع الشهيد الثاني زين
الدين بن علي عام 965 ه‍ بعد ملاحقة طويلة له في دمشق وجبل عامل
والحجاز في موسم الحج.
وكان لهذا الارهاب الذي مارسه العثمانيون ضد فقهاء الشيعة في جبل
عامل من جانب وحاجة الدولة الصفوية من جانب آخر إلى الفقهاء والعلماء
لإدارة شؤون القضاء والفتيا والتوجيه الديني في النظام الصفوي دور كبير في
هجرة علماء جبل عامل من بلاد الشام إلى إيران.
وقد استفادت الدولة الصفوية كثيرا من وجود فقهاء جبل عامل في تنظيم
شؤونها كما استفادت في توفير القضاء الشرعي لها، ووجد علماء جبل عامل في
إيران مكانا آمنا لهم من الارهاب الذي كان يمارسه العثمانيون ضد الشيعة في
الشام.
67

وكان - هذا العامل المزدوج سببا في انتقال العلم من جبل عامل إلى
أصفهان عاصمة الدولة الصفوية.
جبل عامل (1):
جبل عامل منطقة عريقة في التشيع والولاء لأهل البيت عليهم السلام،
وتعود جذور التشيع في هذه المنطقة إلى أيام ابعاد الصحابي الجليل أبي ذر رحمه
الله من المدينة إلى الشام بأمر من الخليفة عثمان بن عفان، وتوجد حتى هذا
اليوم مساجد ينسبها الناس إلى هذا الصحابي الجليل.
يقول القاضي نور الله التستري الشهيد الثالث رحمه الله: جبل عامل ولاية
من أعمال الشام معمور مشهور مشتمل على قرى وبلاد، تنبو عن الحصر.
وبالجملة تجلي أنوار الرحمة الإلهية شامل لأهل جبل عامل ونور المحبة من
نواصي أعيانهم ظاهر، ولا يوجد قرية من قراه لم يخرج منها جماعة من الفقهاء
والفضلاء الإمامية، وجميع أهله من الخواص والعوام والرضيع والشريف يجدون
في تعليم وتعلم المسائل الاعتقادية والأحكام الفرعية على طبق مذهب الإمامية
وفي التقوى والمروءة والقناعة يقتدون بطريقة مولاهم المرضية (2).
ولجبل عامل علاقة ثقافية وفكرية قديمة وعريقة بالعراق، فقد كان الناس
يوفدون أبناءهم لدراسة الفقه إلى بغداد على يد فقهاء العراق.
ولما انتقل الفقه من بغداد إلى الحلة بعد سقوط الدولة العباسية أقبل طلبة
جبل عامل إلى الحلة لتلقي العلم من فقهاء الحلة.

(1) جبل عامل - أو عاملة - يقع في الجنوب في جبل لبنان في سورية الكبرى ويشتمل على قرى ومدن
كثيرة عامرة، ويحده غربا البحر الأبيض المتوسط وشرقا الحوله ووادي اليتم والبقاع وبعض جبل
لبنان وجنوبا فلسطين.
(2) أعيان الشيعة: ج 1 ص 240.
68

ومن هؤلاء الشيخ نجم الدين طمان بن أحمد العاملي، قرأ على السيد فخار
الموسوي سنة 630 ه‍ بالحلة، وروى عن الشيخ ابن إدريس وغيره من فقهاء
الحلة (1). والشيخ صالح بن مشرف جد الشهيد الثاني، قرأ على العلامة الحلي.
وجمال الدين يوسف بن حاتم العاملي، قرأ على المحقق جعفر بن سعيد. وابن
الحسام العاملي، أجيز من قبل العلامة الحلي. والشيخ محمد بن جمال الدين
مكي العاملي الشهيد الأول، قرأ على فخر المحققين ابن العلامة الحلي، وغيرهم
من علماء جبل عامل وفقهائه.
وازدهرت مدرسة جبل عامل وحفلت بالعلماء والفقهاء والمعاهد العلمية،
وإليها انتقل تراث مدرسة الحلة، واجتمع فيها جمع غفير من علماء الشيعة حتى
أن الحر العاملي رحمه الله يقول: إن علماء الشيعة في جبل عامل يبلغون نحو
الخمس من علماء الشيعة في جميع الأقطار مع أن بلادهم أقل من عشر عشر بلاد
الشيعة.
وقد تأسست في هذه المنطقة مجموعة من المعاهد والمدارس العلمية،
استقطبت طلبة العلم، وأخرجت جمعا كبيرا من الفقهاء والعلماء.
ونحن نشير هنا إلى جملة من هذه المدارس التي اشتهرت في جبل عامل.
مدرسة جزين
مدرسة جزين من أبرز معاهد هذه المنطقة العامرة والحافلة بالفقهاء
والعلماء. وقد تأسست وازدهرت هذه المدرسة على يد الشهيد الأول محمد بن
جمال الدين مكي العاملي الجزيني رحمه الله... إلا أن جزين كانت قبل
الشهيد معروفة بمن فيها من العلماء، ومنهم والد الشهيد جمال الدين مكي بن

(1) أمل الآمل: ج 1 ص 103.
69

محمد العاملي الجزيني.
يقول عنه الحرفي " الأمل ": كان من فضلاء المشايخ في زمانه ومن أجلاء
مشايخ الإجازة (1).
وقال السيد حسن الصدر في التكملة في ترجمته: قال الشهيد في بعض
إجازاته: وقد كان والدي جمال الدين أبو محمد مكي رحمه الله من تلامذة المجاز
له الشيخ العلامة الفاضل نجم الدين طومان والمترددين إليه في سفره إلى الحجاز
الشريف، ووفاته بطيبة في نحو سنة ثمان وعشرين وسبعمائة أو ما قاربها رحمة
الله عليهم أجمعين (2).
وذكره السيد الأمين في الأعيان على النحو الذي ذكر (3).
ونشطت مدرسة جزين نشاطا ملحوظا بعد عودة الشهيد الأول من الحلة،
وكان لهذه المدرسة دور كبير في التاريخ الثقافي والفقهي لجبل عامل (4).
والشهيد الأول هو مؤسس هذه المدرسة وأبرز فقهائها...
هاجر من جزين إلى الحلة، وحضر على جمع من علماء الحلة وفقهائها، وكان
أبرزهم وأخصهم به هو فخر المحققين ابن العلامة الحلي الذي أعجب بنبوغ هذا
الشاب الذي خف لطلب العلم من لبنان إلى العراق، وأكرمه وأولاه الكثير
من رعايته واهتمامه، وأعطاه من وقته وجهده الكثير، ويظهر مدى اهتمام
واحترام فخر المحققين لتلميذه الشاب من الإجازة التي كتبها له بخطه على ظهر
كتاب " القواعد ".
يقول رحمه الله: قرأ علي مولانا الإمام العلامة الأعظم أفضل علماء العالم سيد فضلاء
بني آدم مولانا شمس الحق والدين محمد بن مكي بن محمد بن حامد أدام الله

(1) أمل الآمل: ج 1 ص 185.
(2) تكلة أمل الآمل: ص 400.
(3) أعيان الشيعة: ج 10 ص 134.
(4) راجع تاريخ جبل عامل: ص 134.
70

أيامه من هذا الكتاب مشكلاته، وأجزت له رواية جميع كتب والدي قدس
سره وجميع ما صنفه أصحابنا المتقدمون رضي الله عنهم عن والدي عنهم بالطرق
المذكورة لها.
وأعجب من ذلك هو كلمته المأثورة في الشهيد: لقد استفدت من تلميذي
محمد بن مكي أكثر مما استفاد مني.
وما عدا فخر المحققين الذي كان أبرز شيوخ الشهيد رحمه الله، حضر
الشهيد في الحلة عند الشيخ ابن معية من كبار تلامذة العلامة الحلي والسيد
عبد المطلب بن السيد مجد الدين بن الفوارس. والسيد ضياء الدين عبد الله بن
السيد مجد الدين بن الفوارس وهما ابنا أخت العلامة الحلي رحمه الله.
وفي الشام قرأ الشهيد الحكمة والفلسفة الإلهية على الحكيم المتأله قطب
الدين الرازي البويهي تلميذ العلامة الحلي وذلك سنة 776 ه‍، قرأ عليه شرح
المطالع والمحاكمتين...
وقد أعجب الشهيد بهذا الحكيم المتأله ولازمه واستفاد منه واستجازه
واختص به في الشام.
يقول رحمه الله في لقائه به: اتفق اجتماعي به في دمشق أخريات شعبان
سنة 776 ه‍ فإذا هو بحر لا ينزف، وأجازني جميع ما يجوز عنه روايته (1).
وقرأ الشهيد على عدد من مشايخ السنة كالشيخ إبراهيم بن عمر الملقب
ببرهان الدين الجعبري بشيخ مشيخة مقام الخليل بفلسطين، كما قرأ على الشيخ
إبراهيم بن عبد الرحيم بن محمد بن سعد الله بن جماعة كما صرح به الشهيد في
إجازته لابن الخازن (2) يقول رحمه الله: وأما مصنفات العامة ومروياتهم فإني
أروي عن نحو من أربعين شيخا من علمائهم بمكة والمدينة ودار السلام بغداد

(1) الكنى والألقاب: ج 3 ص 61.
(2) الإمام الشهيد الأول: ص 460.
71

ومصر ودمشق وبيت المقدس ومقام الخليل إبراهيم عليه السلام.
فرويت صحيح البخاري عن جماعة كثيرة بسندهم إلى البخاري وكذا
صحيح مسلم ومسند ابن داود وجامع الترمذي ومسند أحمد وموطأ مالك
ومسند الدارقطني ومسند ابن ماجة والمستدرك على الصحيحين للحاكم أبي
عبد الله النيسابوري إلى غير ذلك مما لو ذكر لطال (1).
وقد كان لهذا الانفتاح الثقافي والفقهي أثر واضح في شخصية الشهيد رحمه
الله وتآليفه ودروسه التي كان يلقيها على تلاميذه، وفي مدرسة جزين التي وضع
أسسها الأولى بنفسه في جبل عامل.
وأكمل الشهيد الشوط الأول من حياته العلمية في العراق والشام بجدية
واهتمام، ورجع إلى جزين قريته التي ولد فيها بعلم غزير وطموحات كبيرة
وأسس مدرسة جزين، وبدأ فيها بالتدريس.
وكان من جملة تلاميذ هذه المدرسة - والذين تخرجوا منها - أبناؤه الثلاثة:
(1) الشيخ جمال الدين أبو منصور حسن ابن الشهيد الأول. (2) الشيخ ضياء
الدين أبو القاسم علي ابن الشهيد. (3) الشيخ رضي الدين أبو طالب محمد أكبر
أبناء الشهيد. وقد أجازهم والدهم الشهيد، وصورة الإجازة موجودة في البحار.
وازدهرت هذه المدرسة على يد الشهيد رحمه الله وكان الشهيد يمارس
التدريس فيها بنفسه ويعطيها من اهتمامه وجهده ووقته الكثير.
كما عمل الشهيد رحمه الله في هذه الفترة بتنظيم علاقة الأمة بالفقهاء من
خلال شبكة الوكلاء الذين ينوبون عن الفقهاء في تنظيم شؤون الناس في دينهم
ودنياهم كما يقومون بجمع الحقوق المالية الشرعية لتوزيعها على مستحقيها بنظر
الفقيه.
والمعروف أن الشهيد الأول رحمه الله هو أول من أسس هذا التنظيم الذي

(1) بحار الأنوار: ج 107 ص 190 و 191.
72

يربط الفقيه المتصدي بالأمة بواسطة شبكة من الوكلاء، واستمر هذا التنظيم فيما
بعد ونمى وتطور على أيدي الفقهاء الذين تصدوا لشؤون الناس إلى اليوم الحاضر.
وكان الشهيد يتردد خلال فترة عمله قي جزين على دمشق كثيرا، وكان له
بيت عامر في دمشق بالعلماء وطلبة العلم. وكان مجلسه حافلا في دمشق بمختلف
الطبقات ومن مختلف المذاهب، حتى أن أصحاب السير يعدون من كرامات
الشهيد، أن أحدا من رواد مجلسه من علماء المذاهب الأربعة لم يطلع على المختصر
الذي ألفه الشهيد في الفقه باسم " اللمعة الدمشقية " خلال سبعة أيام قضاها
في تأليف هذه الرسالة، إجابة لدعوة الأمير علي بن مؤيد حاكم خراسان الذي
أرسل إليه وزيره الشيخ محمد الآوي إلى دمشق يستقدمه إلى خراسان ليكون
مرجعا للمسلمين هناك، فاعتذر الشهيد بعذر جميل وأرسل إليه هذا المختصر
الخالد في الفقه والذي لا يزال موضع دراسة واهتمام الفقهاء وطلاب الفقه.
إذن كان الشهيد يقوم في وقت واحد بجهد علمي في جزين، ونشاط
سياسي في دمشق، وعمل اجتماعي واسع في تنظيم المرجعية في بلاد الشام
وخراسان.
ونمت وتطورت مدرسة جزين بعد شهادة الشهيد رحمه الله واستقطبت طلبة
العلم من مناطق مختلفة، وأصبح جبل عامل بفضل هذه المدرسة وجهود
الشهيد مركزا للاشعاع الفكري في بلاد الشام خاصة والعالم الاسلامي عامة.
ومما يذكر في حجم مدرسة جبل عامل الفقهية في هذه المرحلة أن " ست
المشايخ " فاطمة بنت الشهيد لما توفيت في قرية جزين حضر تشييعها سبعون
مجتهدا من جبل عامل.
مدرسة جبع
مدرسة جبع من المدارس الفقهية المعروفة في جبل عامل، وفي هذه المدرسة
73

درس الشيخ صالح بن مشرف العاملي الجبعي جد شيخنا الشهيد الثاني.
ويظهر من كتب التراجم أن الشيخ صالح كان قد تلمذ فترة من حياته
على العلامة الحلي ثم رجع إلى جبع فكان من فضلاء عصره وفقهائه كما يقول
الحر العاملي (1).
كما نشأ في هذه المدرسة ودرس فيها الشيخ نور الدين علي بن أحمد بن محمد
العاملي الجبعي والد الشهيد الثاني المعروف بابن الحاجة. وكان فاضلا جليلا
كما يقول الحر العاملي (2).
ونشأ فيها شيخنا الجليل الشهيد الثاني (911 - 966 ه‍) وحضر فيها
المقدمات على والده الشيخ نور الدين. ثم هاجر بعد وفاة والده جبع إلى (ميس)
وحضر فيها على الشيخ الجليل علي بن عبد العال الميسي سنة 925 ه‍ واستمر في
الحضور على الشيخ الميسي إلى سنة 933 ه‍ ثم هاجر إلى (كرك نوح) وحضر
فيها على السيد حسن ابن السيد جعفر مؤلف كتاب " المحجة البيضاء " وقرأ
عليه الفقه والأصول والحديث والكلام والأدب.
ثم عاد إلى جبع في سنة 934 ه‍ وبقي فيها يتعاطى العلم إلى سنة 937 ه‍
حيث هاجر منها إلى دمشق ليكمل دراسته فيها.
وعاد إلى جبع مرة أخرى سنة 938 ه‍ وأقام فيها. إلى سنة 941 ه‍ يمارس
التدريس والتوجيه والتأليف، وفي هذه السنة غادر جبع إلى دمشق حيث حضر
فيها على علماء أهل السنة، فاجتمع بالشيخ شمس الدين بن طولون الدمشقي
الحنفي وقرأ عليه جملة من الصحيحين، وأجازه روايتهما معا.
ثم غادر دمشق إلى مصر سنة 943 ه‍، فاجتمع في مصر بجمع من أعلام
مصر وفقهائها منهم الشيخ شهاب الدين أحمد الرملي الشافعي، قرأ عليهم

(1) أمل الآمل: القسم الأول ص 102.
(2) أمل الآمل: القسم الأول ص 118.
74

واستفاد منهم الملا محمد الاسترآبادي والملا محمد الكيلاني والشيخ شهاب
الدين بن أحمد النجار الحنبلي والشيخ أبو الحسن البكري والشيخ زين الدين
الجرمي المالكي والشيخ - ناصر الدين الملقاني المالكي والشيخ شمس الدين محمد
بن أبي النحاس والشيخ عبد الحميد السنهوري وغيرهم ممن يعدهم ابن العودي
تلميذ الشهيد الثاني في ترجمته للشهيد.
ثم عاد الشهيد إلى جبع في 934 ه‍ وازدهرت بعودته مدرسة جبع بعد ضمور
وخمول.
يقول ابن العودي رحمه الله: وكان قدومه إلى البلاد كرحمة نازلة أو غيوث
هاطلة، أحيى بعلومه نفوسا أماتها الجهل، وازدحم عليه أولوا العلم والفضل،
كأن أبواب العلم مقفلة ففتحت وسوقه كانت كاسدة فربحت، وأشرقت أنواره
على ظلمة الجهالة، فاستنارت وابتهجت قلوب أهل المعارف وأضاءت، وظهر
من فوائده ما لم يطرق الأسماع، رتب الطلاب ترتيب الرجال وأوضح السبيل
لمن طلب (1).
وكذلك نشطت مدرسة جبع بعد عودة الشهيد، واجتمع فيها حوله شباب
الطلبة من مختلف بلاد الشام، وبنى فيها مسجدا لا يزال قائما في جبع، ورتب
شؤون الطلبة وعين لهم المدرسين للتدريس.
وحضر عند الشهيد خلال هذه الفترة جمع من الأعلام نذكر منهم:
1 - الشيخ حسين بن عبد الصمد والد الشيخ البهائي.
2 - السيد علي بن الصائغ العاملي الجزيني الحسني.
3 - السيد نور الدين بن فخر الدين بن عبد الحميد الكركي.
4 - المولى محمود بن محمد علي الجيلاني اللاهيجي.
5 - الشيخ محي الدين أحمد بن تاج الدين الميسي العاملي.

(1) رسالة ابن العودي في ترجمة الشهيد الثاني.
75

6 - الشيخ بهاء الدين محمد بن علي بن الحسن العودي الجزيني، الذي كان
من خواص تلاميذ الشهيد، وكتب كتابا قيما في ترجمة الشهيد أسماه " بغية
المريد في الكشف عن أحوال الشهيد ".
ومن أعلام جبع، المحقق جمال الدين أبو منصور الشيخ حسن بن زين الدين
الشهيد الثاني (959 - 1011 ه‍)، من كبار فقهاء الشيعة. اشتهر بكتابه القيم
" معالم الدين وملاذ المجتهدين ".
كان عمره عند استشهاد والده الشهيد أربع سنين. حضر عند السيد علي
الصائغ والسيد علي نور الدين الكبير - والد السيد محمد صاحب " المدارك " -
والشيخ حسين بن عبد الصمد - والد الشيخ البهائي -.
واختص بالسيد علي الصائغ وكان أكثر دراسته في العلوم العقلية والنقلية
عليه.
واستفاد من إقامة الشيخ عبد الله اليزدي رحمه الله صاحب " حاشية
التهذيب " في هذه المنطقة فقرأ عليه هو والسيد محمد صاحب " المدارك ".
ثم هاجر هو وصاحب " المدارك " إلى النجف وحضرا عند المولى المقدس
الأردبيلي في الفقه والأصول، ثم رجعا إلى جبع.
واستقل صاحب " المعالم " الشيخ حسن بعد عودته إلى جبع في التدريس،
وألف مجموعة من الكتب.
وتمتاز تأليفاته بالتحرير والتركيز، ومن أهم ما كتب خلال هذه " منتقى
الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان " في مجلدين في الحديث و " معالم
الدين وملاذ المجتهدين " في الأصول و " حاشية على مختلف الشيعة " للعلامة
الحلي في الفقه، و " مشكاة القول السديد في الاجتهاد والتقليد "، وكتاب
" الإجازات " و " التحرير الطاووسي " في الرجال، و " رسالة الاثنا عشرية "
في الطهارة والصلاة، وله ديوان شعر وله فيه شعر جيد.
زامل السيد محمد صاحب " المدارك " ابن أخته منذ الصبا ودرسا معا على
76

والد السيد محمد - السيد علي نور الدين الكبير - والمولى الشيخ عبد الله اليزدي، ثم
رحلا معا إلى النجف، ورجعا إلى جبع، وكانت بينهما ألفة ومودة، وكان كل
واحد منهما إذا كتب شيئا أرسل ما كتبه إلى الآخر لينظر فيه، ويبدي ملاحظاته
عليه، وكانا يصليان معا في مسجد من مساجد جبع فأيهما بلغ المسجد بعد
صاحبه كان يأتم به...
وتوفي صاحب. " المدارك " قبل صاحب " المعالم " بمدة قصيرة (بقدر ما بينهما
من تفاوت في العمر) وكانا متقاربين في السن، ففجع صاحب " المعالم " بوفاة
ابن أخته رفيق العمر وزميل الدراسة والتحصيل، وكتب على قبره " من المؤمنين
رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا
تبديلا " (1).
وكتب على قبره أبياتا هي:
لهفي لرهن ضريح صار كالعلم للجود والمجد والمعروف والكرم
قد كان للدين شمسا يستضاء به (محمد) ذو المزايا طاهر الشيم
سقى ثراه وهناه الكرامة والريحان والروح طرا بارئ النسم
مدرسة كرك نوح
كرك نوح مدينة صغيرة جنوب جبل لبنان وفيها قبر ينسب إلى نبي الله
نوح عليه السلام، وهذه المدينة ليست من جبل عامل إلا أنها قريبة منها،
وتغلب على علمائها النسبة إلى جبل عامل.
وفي هذه القرية مدرسة فقهية من أكثر المدارس الفقهية خصوبة وعراقة في
جبل عامل ولبنان. نشأ فيها وتخرج منها في القرن العاشر الهجري والقرن

(1) الأحزاب: 23.
77

الحادي عشر جمع غفير من الفقهاء والعلماء. ومن هذه القرية الصغيرة كان
الفقهاء ينطلقون إلى إيران في العهد الصفوي ليشاركوا في نشر مذهب أهل
البيت وترسيخه في إيران وتثقيف المسلمين فيها.
معالم مدرسة جبل عامل وأهم انجازاتها الفقهية:
فيما يلي نحاول أن نبرز أهم الانجازات والمكاسب الفقهية التي حققها فقهاء
هذه المدرسة وهي على أربعة محاور: (الحديث) و (الأصول) و (الفقه) و (القواعد
الفقهية) وبالصورة التالية:
1 - تنقيح أحاديث الكتب، الأربعة.
2 - تنقيح وتنظيم المباحث الأصولية.
3 - تدوين الفقه.
4 - تدوين القواعد الفقهية.
وسوف نرى أن هذه المدرسة حققت إنجازات كبيرة وعلى درجة عالية من
التطور على هذه المحاور الأربعة.
أما عل المحور الأول: فقد تم تنقيح كتب الحديث الأربعة الشهيرة، وأفرزت
الصحاح والحسان منها عن الموثقات والضعاف، وقد نهض بهذا المشروع أبو
منصور جمال الدين الشيخ حسن - المعروف لدى الفقهاء ب‍ " صاحب المعالم "
نجل الشهيد الثاني رحمهما الله - في كتابه الجليل القيم " منتقى الجمان في
الأحاديث الصحاح والحسان ".
وهذا الكتاب يعتبر التطبيق العملي للنظرية التي تم وضعها في مدرسة الحلة
على يد السيد ابن طاووس والعلامة الحلي في التقسيم الرباعي للحديث إلى
الصحيح والحسن والموثق والضعيف.
وقد دخلت هذه النظرية مرحلة التنفيذ أولا على يد العلامة الحلي رحمه الله
في كتابه " الدر والمرجان في الأحاديث الصحاح والحسان " الذي دونه العلامة
78

في عشرة أجزاء (1)، إلا أننا لا نعرف لهذا الكتاب نسخة في المكتبات. كما أن
للعلامة كتابا آخر في نفس الموضوع باسم " النهج الوضاح في الأحاديث
الصحاح " (2).
وأول كتاب نعرفه في انتقاء الأحاديث الصحيحة والحسان من الكتب
الأربعة هو " منتقى الجمان " للشيخ حسن.
وفي مقدمة هذا الكتاب يقرر المؤلف أن القدماء رحمهم الله كانوا قد
تسامحوا كثيرا في قبول الروايات وتوسعوا فيها وأخذوها من غير الثقات اعتمادا
على القرائن التي كانت تدل على صحة الحديث وصدوره عن المعصوم. أما في
العصور المتأخرة فقد ضاع أكثر هذه القرائن ولا يمكن اعتمادها في قبول
الروايات.
يقول رحمه الله في مقدمة " منتقى الجمان ": وقال المرتضى رضي الله عنه في
جواب المسائل التبانيات المتعلقة بأخبار الآحاد: " إن أكثر الأخبار المروية في
كتبنا معلومة مقطوع على صحتها، إما بالتواتر من طريق الإشاعة والإذاعة أو
بأمارة وعلامة دلت على صحتها وصدق رواتها، فهي موجبة للعلم مقتضية
للقطع وإن وجدناها مودعة في الكتب بسند مخصوص معين من طريق
الآحاد ".
وغير خاف أنه لم يبق لنا سبيل إلى الاطلاع على الجهات التي عرفوا منها
ما ذكروا حيث حظوا بالعين، وأصبح حظنا الأثر، وفازوا بالعيان وعوضنا عنه
بالخبر، فلا جرم انسد عنا باب الاعتماد على ما كانت لهم أبوابه مشرعة،
وضاقت علينا مذاهب كانت المسالك لهم فيها متسعة، ولو لم يكن إلا انقطاع
طريق الرواية عنا من غير جهة الإجازة التي هي أدنى مراتبها لكفى به سببا لإباء

(1) الذريعة: ج 8 ص 87 تحت رقم 312 الطبعة الثانية.
(2) الذريعة: ج 24 ص 427 تحت رقم 2229.
79

الدراية عل طالبها (1).
وأما على المحور الثاني في (أصول الفقه): فقد ألف أيضا الشيخ حسن نجل
الشهيد الثاني، كتاب " معالم الدين وملاذ المجتهدين " وهو من أفضل ما كتب
في الأصول. ويمتاز هذا الكتاب بتحرير المسائل الأصولية وتنظيمها وتبويبها
ضمن مقدمات ومطالب.
وفي هذا الكتاب يبحث المؤلف عن دلالة الألفاظ ثم عن الأوامر والنواهي
(الأحكام) بصورة مستوفاة، ويبحث فيه عن حجية الخبر والاجماع، كما يبحث
عن الاستصحاب.
ولولا أن المنهج الذي يلتزمه مؤلف " المعالم " في تنظيم المباحث الأصولية
لا يفرق بين الأصول من جانب والطرق من جانب آخر أو ما يسميه علماء
الأصول المتأخرون عادة ب‍ (الأدلة الفقاهتية والأدلة الاجتهادية) لكان هذا
الكتاب يوازي في منهجيته المناهج الأصولية الحديثة.
وقد حظي هذا الكتاب نظرا لاختصاره وتركيزه واحتوائه على أمهات
المسائل الأصولية بشروح وتعليقات كثيرة من أهمها الشرح القيم للعالم المحقق
الشيخ محمد تقي الأصفهاني المعروف ب‍ " هداية المسترشدين ".
ويروى عن الشيخ الأنصاري أنه اكتفى بهذا الشرح من كتابه مباحث
الألفاظ في الأصول، واقتصر في كتابه " الفرائد " على المباحث العقلية فقط
مباحث القطع والظن والشك.
وقد حظي هذا الكتاب - المعالم - في الحوزات العلمية باهتمام الأساتذة
والطلبة، ويعتبر الكتاب - الذي يبدأ به الطالب دراسته في الأصول ولا زال -
موضع اهتمام وعناية كبيرة في الحوزات العلمية.
وعلى المحور الثالث (البحث الفقهي): لدينا عملان فقهيان جليلان لهذه

(1) منتقى الجمان: ص 2 و 3 طبع مؤسسة النشر الإسلامي.
80

المدرسة: أحدهما (الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية). والمتن للشهيد
الأول محمد بن جمال الدين مكي العاملي (734 - 786 ه‍) والشرح للشهيد
الثاني زين الدين الجبعي العاملي (911 - 965 ه‍).
وهذا الكتاب مختصر جليل في الفقه يتميز بمتانة الاستدلال وتركيز الدليل
وتجنب الخوض في المناقشات المطولة للآراء وروعة البيان وجمال التعبير. وكل
ذلك كان سببا ليدخل هذا الكتاب في المنهاج الدراسي للحوزات العلمية في
الفقه إلى اليوم الحاضر، وهو أول كتاب دراسي استدلالي يقرأه الطالب في
الفقه، ويتذوق من خلاله الاستدلال الفقهي بصورة متيسرة ومبسطة.
ونلاحظ في هذا الكتاب وسيما في المجلد الثاني منه في أبحاث المعاملات
استخداما واسعا للقواعد الفقهية، ما لا نجد نظيرا له في الأعمال الفقهية السابقة
عليه من نحو كتب العلامة والمحقق الحلي والشيخ الطوسي رحمهم الله تعالى.
والعمل الفقهي الآخر الذي أنجز في هذه المرحلة هو كتاب " مدارك
الأحكام في شرح شرائع الاسلام " للفقيه المحقق السيد محمد بن علي الموسوي
العاملي (1009 ه‍) وهو شرح تعليقي على شرائع الاسلام، في مقابل الشرح
المزجي للشهيد الثاني لكتاب الشرائع " المسالك ".
وهذا الكتاب يبتني على تدقيق الروايات من حيث السند ورفض
الضعاف والموثقات منها والعمل بالصحاح والحسان على مذهبه في قبول
الحديث ورفضه.
فيرد الخبر إذا كان ضعيفا عندما يكون هو المستند الوحيد للحكم الإلزامي
ويقبله إذا كان مدعوما بشهرة فتوائية من قبل الفقهاء وهذا المسلك يتبناه
السيد محمد العاملي في " المدارك " وخاله الشيخ حسن صاحب " المعالم " في
كتاب " منتقى الجمان " وهو موضع نقد المحدثين رحمهم الله.
يقول المحقق الفقيه الشيخ يوسف البحراني رحمه الله عنهما وعن هذا المنهج في
رواية الحديث في لؤلؤة البحرين: إلا أنه (أي الشيخ حسن) مع السيد محمد قد
81

سلكا في الأخبار مسلكا وعرا ونهجا عسرا.
أما السيد محمد فإنه رد أكثر الأحاديث من الموثقات والضعاف
باصطلاحه، وله فيه اضطراب كما لا يخفى على من راجع كتابه فيما بين أن يردها
تارة وما بين أن يستدل بها أخرى...
وأما خاله الشيخ حسن فإن تصانيفه على غاية من التحقيق والتدقيق، إلا
أنه بما اصطلح عليه في كتاب المنتقى - من عدم صحة الحديث عنده، إلا
ما يرويه العدل الإمامي المنصوص عليه بالتوثيق بشهادة ثقتين عدلين فرمز له
ب‍ " صحي " وللصحيح عند الأصحاب ب‍ " صحر " - قد بلغ في الضيق إلى مبلغ
سحيق، وأنت خبير بأنا في عويل من أصل هذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد
أقرب من الصلاح، حيث إن اللازم منه - لو وقف عليه أصحابه - فساد
الشريعة، وربما انجر إلى البدع الفظيعة، فإنه متى كان الضعيف باصطلاحهم
مع إضافة الموثق إليه - كما جرى عليه في المدارك - ليس بدليل شرعي بل هو
كذب وبهتان، مع أن ما عداهما من الصحيح والحسن لا يفيان لهما إلا بالقليل
من الأحكام فإلى م يرجعون في باقي الأحكام الشرعية ولا سيما أصولها وفضائل
الأئمة وعصمتهم وبيان فضائلهم وكراماتهم ونحو ذلك، وإذا نظرت إلى أصول
الكافي وأمثاله وجدت جله وأكثره إنما هو من هذا القسم الذي أطرحوه، ولهذا
ترى جملة منهم لضيق الخناق خرجوا من اصطلاحهم في مواضع عديدة، وتستروا
بأعذار غير سديدة، وإذا كان الحال هذه في أصل الاصطلاح فكيف الحال في
اصطلاح صاحب المنتقى وتخصيصه الصحيح بما ذكره، ما هذه إلا غفلة ظاهرة.
والواجب إما الأخذ بهذه الأخبار - كما هو عليه متقدمو علمائنا الأبرار - أو
تحصيل دين غير هذا الدين وشريعة أخرى غير هذه الشريعة لنقصانها وعدم
تمامها لعدم الدليل على جملة من أحكامها. ولا أراهم يلتزمون شيئا من
الأمرين مع أنه لا ثالث لهما في البين، وهذا بحمد الله ظاهر لكل ناظر غير
82

متعسف ولا مكابر (1).
المحور الرابع - للانجازات الفقهية في هذه المدرسة - (تدوين القواعد الفقهية)
وهو أمر جديد في تاريخ الفقه الإمامي.
والقواعد الفقهية أحكام كلية تندرج تحت كل منها تطبيقات جزئية من
أبواب مختلفة من الفقه أو من باب واحد من أبوابه، وهي كثيرة في أبواب
المعاملات والعقود والنكاح والمواريث والعبادات والجنايات وغيرها.
وتعتبر هذه القواعد من أهم مصادر الاجتهاد ومساحة خصبة من مساحات
الفقه، يستطيع الفقيه أن يفيد من تطبيقاتها فائدة واسعة في مختلف أبواب
الفقه، ويستخرج منها أحكاما لفروع فقهية جديدة.
ولا بد للفقيه من استخدام الأصول والقواعد معا إلا أن ولادة الأصول
ونشوءه في الفقه الإمامي كان قبل ولادة القواعد.
وفي مدرسة جبل عامل تم تدوين القواعد الفقهية لأول مرة في تاريخ أهل
البيت، وكان الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي رحمه الله (المتوفى في
786 ه‍) هو أول فقيه إمامي ينهض بهذا المشروع الفقهي بصورة منهجية وذلك
في كتابه القيم الجليل " القواعد والفوائد ".
يقول الشهيد عن كتابه هذا في إجازته لابن الخازن أنه لم يعمل الأصحاب
مثله.
وهذا الكتاب يحتوي على ما يقرب من ثلاثمائة وثلاثين قاعدة، وما يقرب
من مائة فائدة، ويبحث الشهيد هذه القواعد في كثير من الأحيان بصورة مقارنة
بين المذاهب المختلفة، يستعرض فيها الآراء ويخضعها لمناقشة علمية دقيقة. ونظرا
لتداخل القواعد والفوائد في هذا الكتاب وعدم انتظامها بنظام معين قام تلميذه
المقداد السيوري الحلي بنظم وتهذيب هذا الكتاب وأسماه ب‍ " نضد القواعد

(1) لؤلؤة البحرين: ص 45 - 47.
83

الفقهية ".
هذه هي - على نحو الاجمال والتركيز - أهم المكاسب الفقهية في هذه المدرسة،
وهي مكاسب جليلة وذات قيمة علمية كبيرة، وهي تستحق دراسة تفصيلية
أكثر من هذا الاجمال.
84

مدرسة أصفهان
نبذة عن التاريخ السياسي والعلمي لمدرسة أصفهان:
ذكرنا من قبل أن مدرسة جبل عامل انتقلت إلى أصفهان في أيام
الصفويين وكان السبب في ذلك هو اضطهاد العثمانيين لفقهاء الشيعة في
الشام، وحاجة الصفويين إلى وجود الفقهاء لتولي شؤون القضاء والفتيا.
والتوجيه، وتكريس علاقة الدولة بفقه أهل البيت عليهم السلام من الناحية
الفقهية والثقافية وتغطية. الجانب الشرعي للدولة في صراعها مع العثمانيين
الدولة السنية المعروفة.
والصفويون أسرة شيعية علوية عريقة تنتسب إلى صفي الدين الأردبيلي
العارف والصوفي المعروف المدفون بأردبيل في آذربايجان، وكان رجال هذه
الأسرة يتوارثون زعامة الطريقة الصوفية. فلما تولى (إسماعيل) أحد أحفاد
صفي الدين زعامة الطريقة بعد مقتل والده جمع جيشا من أتباعه وقاده إلى قتال
أسرة آقا قوينلو الحاكمة في آذربايجان والعراق، وقضى على نفوذ هذه الأسرة
التركمانية في آذربايجان واتخذ من تبريز مقرا لحكمه وسلطانه عام 905 ه‍، ثم
توجه بجيشه إلى العراق وفتحه وقضى على نفوذ أسرة آقا قوينلو في العراق بشكل
كامل، وأصبح الشاه إسماعيل حاكما على إيران والعراق بشكل كامل.
وامتدت فتوحات الشاه إسماعيل إلى خراسان، وتم له فتحها، كما تم له فتح
85

(هرات) وإسقاط حكومة (ازبك) بعد حرب طويلة أخذت فيها الصبغة
المذهبية، وحاول كل من الطرفين المتقاتلين أن يستفيد من انتمائه المذهبي في
كسب المعركة لصالحه.
وهكذا تكونت دولة شيعية قوية وواسعة في إيران والعراق وخراسان وهرات
إلى جنب دولة سنية قوية وواسعة كذلك، وهي الدولة العثمانية التي كانت
تتخذ من الخلافة الاسلامية غطاء شرعيا لوجودها السياسي في العالم
الاسلامي، واستمر القتال سجالا بين هاتين القوتين على مناطق النفوذ،
فبادرت الدولة الصفوية إلى فتح العراق وإسقاط حكومة ازبك السنية عام
914 ه‍.
ثم تقابلت الدولتان في معركة كبيرة في حياة الشاه إسماعيل وانتهت
المعركة بانتصار آل عثمان على الصفويين في موقعة (چالدران) الشهيرة وانفصل
العراق عن محور النفوذ الصفوي، وأعلن والي العراق عن انضمام العراق إلى
الدولة العثمانية.
ثم استعاد الصفويون سيطرتهم على العراق من جديد عام 937 ه‍ بعد وفاة
الشاه إسماعيل مؤسس الدولة الصفوية. ثم استرجع آل عثمان سيطرتهم على
العراق من جديد عام 941 ه‍.
وخلال هذا الصراع كان كل من الطرفين المتنافسين " والمتقاتلين يحاول أن
يكسب لموقفه في هذه المعركة الضارية غطاء شرعيا يمكنه من تحشيد المقاتلين
إلى جانبه.
أما آل عثمان فكان عنوان الخلافة الاسلامية يدعمهم في هذه المعركة إلى
حد بعيد، بالإضافة إلى الارتباط التاريخي للمؤسسة الفقهية السنية بالمؤسسة
السياسية.
أما الدولة الصفوية فكانوا يواجهون مشاكل حقيقية في هذا الجانب وكان
عليهم أن يعملوا لكسب موقف فقهاء الشيعة إلى جانبهم وتأييدهم لهم.
86

على أن هذه الدولة الفتية كانت بحاجة إلى حضور فاعل لفقهاء الشيعة
معها لتستطيع أن تؤدي رسالتها في تكريس مذهب أهل البيت عليهم السلام
وفقهم وإدارة شؤون الدولة على منهاج أهل البيت الفقهي، وقد كان بعض
ملوك الصفويين كالشاه إسماعيل وابنه طهماسب صادقين في محاولة تكريس
المذهب الفقهي لأهل البيت في الدولة الصفوية وتمشية نظام الحكم الصفوي
على منهاج فقه أهل البيت، وكانوا يحاولون الإفادة من فقهاء الشيعة في هذا
المجال وتمكينهم من الدولة بالمقدار الذي لا يزاحمهم في حق اتخاذ القرار
السياسي بشؤون الدولة.
وكان هذا هو أحد العاملين الرئيسيين لقدوم فقهاء الشيعة من جبل عامل
من بلاد الشام إلى إيران، وقد أشرنا إلى ذلك من قبل، فقد كانت الدولة
الشيعية الفتية بحاجة حقيقية وماسة إلى استقدام الفقهاء من جبل عامل لما
تتمتع به هذه المنطقة الجبلية من الشام من مدارس علمية وتراث فقهي وثروة
علمية كبيرة.
والعامل الثاني لهجرة فقهاء جبل عامل إلى إيران هو الاضطهاد الطائفي
الذي كان يمارسه حكام آل عثمان ضد الشيعة عموما وضد فقهاء الشيعة على
الخصوص. فقد سقطت الشام بيد آل عثمان عام 923 ه‍، وقضى العثمانيون
على نفوذ المماليك قضاء تاما، واستمرت بلاد الشام تحت النفوذ العثماني حتى
سقوط الدولة العثمانية.
ورغم الاضطهاد الطائفي الذي كان يمارسه المماليك ضد فقهاء الشيعة في
الشام، فقد كان فقهاء الشيعة يتمتعون بحرية نسبية في منطقة جبل عامل في
ممارسة نشاطهم الثقافي والديني عندما كان هذا النشاط لا يضر بمصالح الدولة.
فلما حل آل عثمان محل المماليك سلبوا من فقهاء الشيعة حتى هذه المساحة
المحدودة من حق النشاط العلمي، وضيقوا عليهم سبل العمل والحركة من كل
جانب.
87

فقد قام السلطان سليم الأول بأوسع مذبحة للشيعة في بلاد الأناضول
والشريط الساحلي للبحر الأبيض المتوسط، ويقدر المؤرخون قتلى الشيعة في هذه
المذبحة سبعين ألفا.
وقتل عمال آل عثمان الفقيه زين الدين. العاملي (الشهيد الثاني) رحمه الله
رغم المرونة المذهبية التي كان يمارسها هذا الفقيه الجليل، فقد كان على صلة
وثيقة بالمراكز العلمية السنية، وكسب تأييد الآستانة في أن يتولي المدرسة
العلمية النورية في بعلبك، ولم يستجب لدعوة الصفويين في الهجرة إلى إيران،
رغم ذلك كله لم يسلم هذا الفقيه الجليل من سيف الاضطهاد الطائفي، وقتل
على ساحل البحر بطريقة مشجية.
وبسبب هذين العاملين استجاب فقهاء جبل عامل إلى دعوة الصفويين
للقدوم إلى إيران، فقدم من جبل عامل إلى أصفهان جمع كبير من خيار وكبار
فقهاء جبل عامل.
المحقق الكركي:
وكان المحقق الكركي الشيخ نور الدين علي بن الحسين بن عبد العالي الشهير
ب‍ " المحقق الثاني " هو أول فقيه من جبل عامل يستجيب لدعوة الصفويين.
التقى المحقق الكركي بالشاه إسماعيل الصفوي في (هرات) عندما فتح
الملك الصفوي هرات في قمه مجده العسكري وانتصاراته وبارك له هذا النصر
واستقبل الملك المنتصر المحقق الثاني في نشوة فتوحاته العسكرية باحترام وتقدير
كبيرين، وطلب منه أن ينتقل معه إلى إيران ويتولى شؤون الدولة الشرعية
والفقهية بموجب مذهب أهل البيت.
وفي بداية هذا اللقاء لم يخف المحقق الكركي استياءه من بطش الصفويين
بالسنة في مدينة هرات بعد فتحها والقضاء على دولة الأزبك، وقد بلغه أن
الجيش الصفوي قد قتل شيخ الاسلام في هرات سعد الدين التفتازاني صاحب
88

كتاب " المطول في البلاغة " فقال للملك - وهو يريد أن ينبهه إلى خطئه في
الاضطهاد الطائفي والفتك بمن يخالفهم في المذهب - لو لم يقتل لأمكن أن يتم
عليه بالحجج والبراهين حقيقة مذهب الإمامية ويذعن بإلزامه جميع بلاد ما وراء
النهر وخراسان (1).
انتقل المحقق الكركي إلى إيران بصحبة الشاه واستغل هذه الفرصة أفضل
استغلال، ونشط في تكريس ونشر فقه أهل البيت عليهم السلام في إيران،
وتولى تعيين العلماء وأئمة الجماعة والقضاة في أطراف البلاد بصورة منظمة.
وإذا صح أن الشهيد الأول محمد بن مكي رحمه الله كان أول من مارس
تنظيم ارتباط العلماء بالمرجعية وجباية الحوق الشرعية بصورة منظمة، فقد كان
المحقق الكركي أول من مارس هذه النظرية في النظم بصورة ميدانية وواسعة في
الدولة الصفوية، مستفيدا من إمكانات النظام والدعم السياسي والمالي الذي
كان يتلقاه من قبل الدولة.
وقد استطاع المحقق الكركي أن يقنع جمعا من زملائه وأصدقائه وتلاميذه في
جبل عامل للهجرة إلى إيران والإفادة من هذه الفرصة السانحة لنشر وتكريس
فقه أهل البيت عليهم السلام وبسط نفوذ الفقهاء في هذه الدولة الفتية.
ويبدو أن المحقق الكركي استطاع أن يحقق خلال هذه الفترة أهدافه
بصورة جيدة، ونجح في بسط نفوذ المؤسسة الفقهية إلى حد بعيد، مما جعل
البلاط الملكي يتضايق منه بصورة أو بأخرى، وقد أدى ذلك فعلا إلى برود
ملحوظ في علاقة المحقق الكركي ببعض أجنحة البلاط، فآثر المحقق أن يغادر
إيران إلى العراق، ويعود إلى النجف مرة أخرى ليعاود نشاطه الفقهي في هذه
المدينة المقدسة بجوار مرقد أمير المؤمنين عليه السلام.
وقد مكث المحقق لقرابة ست سنوات في النجف توفي خلالها الشاه

(1) مستدرك وسائل الشيعة: ج 3 ص 432.
89

إسماعيل وخلف على الملك ابنه طهماسب.
ويبدو أن الفراغ الذي خلفه المحقق الكركي من بعده أضر بالدولة، وأن
الجمهور كان يطالب بإلحاح بعودة المحقق الكركي إلى إيران، ولم يجد الشاه
بديلا عن المحقق مما جعل طهماسب ابن الشاه إسماعيل يطلب من المحقق
العودة إلى إيران لتسلم منصب شيخ الاسلام في عاصمة ملكه (أصفهان).
فاستجاب المحقق الكركي لدعوة الملك ورجع إلى أصفهان عاصمة الصفويين
بصفة (نائب الإمام). وهذه الصفة تمنحه بطبيعة الحال الولاية المطلقة في
شؤون النظام والأمة وتجعل مشروعية النظام تابعة لإذن الفقيه. وأقر النظام
الصفوي للمحقق بهذه الولاية المطلقة النائبة عن ولاية الإمام، وصرح له الملك
(بأن معزول الشيخ لا يستخدم ومنصوبه لا يعزل) (1).
وكان طهماسب يقول للمحقق الكركي: أنت أولى بهذا الأمر مني. أنت
نائب الإمام وأنا أحد عمالك الذين يمثلون أوامرك ونواهيك (2).
ومارس المحقق عمله من هذا الموقع الشرعي في فترة من حكومة الشاه
طهماسب وكان ينصب الولاة ويعزلهم ويأمرهم بالعدل والاحسان.
يقول السيد نعمة الله الجزائري: رأيت مجموعة من أحكام المحقق إلى
الحكام والولاة، وكانت جميعا تتضمن الأمر بالعدل إلى الرعايا والاحسان
إليهم، وكان للمحقق الكركي دور كبير في مكافحة الفحشاء والمنكرات
وإقامة الفرائض في مواقيتها والأمر بإعلان الأذان في مواقيت الصلاة، وملاحقة
المجرمين والمفسدين في إيران (3).
ولا شك أن هذا حدث جديد في تاريخ فقه أهل البيت، ولأول مرة في

(1) لؤلؤ البحرين: ص 272.
(2) مفاخر الاسلام للشيخ علي دواني: ج 4 ص 441.
(3) أحسن التواريخ: حوادث سنة 931. نقلا عن السيد الجزائري رحمه الله.
90

التاريخ يتصدى فقيه إمامي لشؤون الولاية العامة من موقع السيادة والولاية
الشرعية نيابة عن الإمام. وهذا الأمر إن كان معروفا من الناحية النظرية في
الفقه الشيعي فهو على الصعيد التنفيذي والتطبيقي حدث جديد بالمعنى الدقيق
للكلمة.
التراث الفقهي للمحقق الثاني:
أول ما تلقى المحقق الكركي العلم في جبل عامل، ثم هاجر إلى دمشق
والقدس ومصر وتلقى فيها العلم من فقهاء المذاهب الأربعة ومن أشهر أساتذته
الذين تلقى العلم منهم في جبل عامل: الشيخ شمس محمد بن خاتون العاملي،
وأحمد بن الحاج علي العاملي العينائي، وزين الدين جعفر العاملي، والشيخ
شمس الدين محمد بن داود ابن المؤذن الجزني، والشيخ علي بن هلال
الجزائري، والسيد حيدر العاملي.
وكان هذا الأخير من أكثر من أخذ عنه المحقق في جبل عامل. يقول عنه في
بعض إجازاته: لازمته دهرا طويلا وأزمنة كثيرة وأنه أجل أشياخي
وأشهرهم (1).
أتحف المحقق الكركي المكتبة الفقهية الإمامية بمجموعة قيمة من الكتب
الفقهية من أهمها موسوعة " جامع المقاصد " وهو فقه استدلالي في شرح قواعد
العلامة الحلي، كتبه المحقق إلى كتاب النكاح، وهو من أهم ما خلفه المحقق
الكركي من الكتب الفقهية. ويمتاز " جامع المقاصد " بالتركيز والايجاز ومتانة
الاستدلال وسلامة وجمال البيان وتجنب الدخول في التفاصيل والاقتصار على
مقدار الضرورة من النقض والاستدلال.
وهذا الكتاب منذ أن ألفه المحقق الكركي إلى اليوم كان موضع اهتمام

(1) مستدرك وسائل الشيعة: ج 3 ص 434.
91

الفقهاء يستندون إليه ويأخذون عنه ويكثر ذكره في الكتب الفقهية.
ويحكى عن الشيخ محمد حسن النجفي صاحب " جواهر الكلام " أن
الفقيه إذا كان بين يديه " جامع المقاصد " و " وسائل الشيعة " و " الجواهر "
استغنى عن أي مصدر آخر، وكان بإمكانه - استنباط الحكم الفقهي اعتمادا على
هذه المصادر الثلاثة.
وله أيضا شرح الارشاد للعلامة، وشرح اللمعة الدمشقية للشهيد الأول،
وصيغ العقود، ورسالة في الوجوب التخييري أو التعييني لصلاة الجمعة، ورسالة
في أقسام الأرضين، ورسالة في السجود على التربة الحسينية، ورسالة في أحكام
السلام والتحية، وشرح ألفية الشهيد الأول، ورسالة في العدالة، ورسالة في الماء الكر،
ورسالة في الحج، ورسالة في الغيبة، ورسالة في عدم جواز تقليد الميت، ورسالة
في الرضاع، ومجموعة قيمة من الحواشي على الكتب الفقهية (1).
تخرج على المحقق الكركي جمع من كبار العلماء منهم: الشيخ علي بن
عبد العالي الميسي العاملي، والشيخ عبد النبي الجزائري صاحب كتاب " حاوي
الأقوال في معرفة الرجال "، والشيخ علي المنشار العاملي، والشيخ زين الدين
الفقحاني، والشيخ محمد بن أبي جامع المعروف ب‍ " ابن أبي الجامع "، والشيخ
نعمة الله بن أحمد بن خاتون العاملي، ونور الدين علي بن عبد الصمد - عم الشيخ
البهائي - والسيد محمد بن أبي طالب الاسترآبادي - والد السيد محمد باقر
ميرداماد -، والسيد جمال الدين بن عبد الله الحسيني الجرجاني، وغير هؤلاء من
علام الفقهاء والعلماء.
كان وفود المحقق الكركي على عاصمة الصفويين بداية لهجرة واسعة من
قبل فقهاء جبل عامل والمراكز الفقهية العامرة الأخرى في ذلك التاريخ مثل
البحرين. وقد قدم إلى إيران بعد المحقق الكركي جمع من كبار الفقهاء منهم:

(1) مفاخر الاسلام: ج 4 ص 439.
92

الشيخ حسين بن عبد الصمد - والد الشيخ البهائي -، والشيخ علي المنشار، وكمال
الدين درويش محمد العاملي، والشيخ لطف الله الميسي العاملي، والشيخ الحر
العاملي صاحب موسوعة " وسائل الشيعة "، وغيرهم ممن ذكرهم الحر العاملي
رحمه الله في كتابه " أمل الآمل " وهؤلاء الفقهاء وضعوا أساسا متينا لمدرسة
إصفهان الفقهية.
ومن هذه المدرسة نبغ فقهاء ومحدثون وفلاسفة كبار من أمثال: الشيخ
البهائي، والعلامة المجلسي (الوالد)، والعلامة المجلسي (الابن)، والسيد
محمد باقر الداماد، وصدر المتألهين، والفيض الكاشاني، والملا عبد الله
الشوشتري.
معالم مدرسة أصفهان وأهم انجازاتها الفقهية:
في هذه المدرسة دخل الفقه ساحة المجتمع والعمل السياسي، وبرز الفقه
السياسي والاجتماعي بصورة ملحوظة، وأصبح من مسؤولية الفقهاء في هذا
العصر الإجابة الفقهية على كثير من الأسئلة التي كان يطرحها الولاة. والحكام
والقضاة في مسائل الولاية والحكم والقضاء. وتناول الفقهاء هذه المسائل
بالدراسة المستقلة ضمن رسائل فقهية مستقلة، وكثرت هذه الرسائل في هذا
العصر، ومع أن أكثر هذه الرسائل فقدت خلال النكبة التي حلت بمدينة
أصفهان في هجوم جيش محمود الأفغان، إلا أن الذي تبقى منها يعتبر ثروة
فقهية مباركة لو جمعت ونظمت وأخرجت بشكل مناسب.
وفي هذا العصر أنجز المحدثون المجاميع والموسوعات الحديثية، ومن أهم هذه
المجاميع: " بحار الأنوار " للعلامة المجلسي، و " وسائل الشيعة " للحر العاملي
و " الوافي " للفيض الكاشاني، وهذه المجاميع حفظت لنا ما تبقى من الكتب
والأصول الحديثية. ولولا هذه المجاميع لاندثر الكثير من تراث أهل البيت في
الأصول والفروع والتفسير والأخلاق والمعارف الاسلامية الأخرى.
93

مدرسة كربلاء
كانت في كربلاء مدرسة فقهية محدودة قبل القرن الثالث عشر بموازاة
مدرسة الحلة ومدرسة جبل عامل ومدرسة أصفهان، وكان في هذه المدرسة فقهاء
وعلماء كبار من أمثال: السيد فخار بن معد الحائري من أعلام الفقه والأدب
والأنساب في القرن السابع الهجري، والسيد جلال عبد الحميد بن فخار بن معد
الموسوي من شيوخ الرواية، والشيخ معد بن الخازن الحائري من أعلام تلاميذ
الشهيد الأول ومن رجال الفقه والأدب، والشيخ علي بن عبد الجليل الحائري
من تلاميذ الشيخ علي بن الحسن الحائري في القرن الثامن الهجري، والشيخ
أحمد بن فهد الحلي من أقطاب الفقه والحديث ومن زعماء الحركة العلمية في
مدرسة كربلاء، والشيخ إبراهيم الكفعمي من أعلام الفقه والحديث وصاحب
التآليف القيمة، والسيد حسين بن مساعد الحائري في القرن التاسع الهجري،
والسيد ولي الحسين الحائري صاحب كتاب " كنز الطالب " و " مجمع
البحرين " و " منهاج الحق " وغيرها، والمولى القاضي محمد شريف الكاشف في
القرن الحادي عشر الهجري، والسيد نصر الله الحائري الفقيه الأديب الشاعر
المعروف في القرن الثالث عشر وغيرهم من أعلام الفقه والأدب والحديث
والتفسير في هذه المدرسة العلمية.
إلا أن هذه المدينة شهدت في القرن الثاني عشر والثالث عشر نشاطا فقهيا
94

واسعا وزخرت بفقهاء كبار من أمثال: الشيخ يوسف صاحب " الحدائق "،
والوحيد البهبهاني، والسيد مهدي بحر العلوم، والمولى محمد مهدي النراقي صاحب
" مستند الشيعة "، والسيد مهدي الشهرستاني، والسيد علي الطباطبائي صاحب
" الرياض "، والسيد محمد المجاهد الطباطبائي، والشيخ شريف العلماء، والشيخ
محمد حسين الأصفهاني صاحب " الفصول "، والسيد إبراهيم القزويني صاحب
" الضوابط "، والمولى محمد صالح البرغاني، وغيرهم.
ويبدو أن مدرسة كربلاء بدأت تتسع في النكبة التي أصابت أصفهان في
فتنة محمود الأفغان، وأخذت تستقطب طلبة العلم والفقهاء والعلماء والمدرسين.
الشيخ يوسف مؤلف " الحدائق ":
ومن أبرز الأسماء التي تلمع في تاريخ هذه المدرسة في هذه الفترة بالذات
وفي بدئيات نشاطها الفكري والفقهي اسم الشيخ يوسف البحراني مؤلف
الموسوعة الفقهية القيمة والجليلة " الحدائق الناضرة ". حل بكربلاء بحدود عام
1169 ه‍ فحف به طلاب العلم وارتشفوا من نمير علمه العذب وتسلم في كربلاء
زعامة التدريس والزعامة الدينية. ولبث في هذه المدينة قرابة عشرين عاما حتى
وافاه الأجل فيها.
وكان الشيخ يوسف يحمل الاتجاه الأخباري في طريقة استنباط الحكم
الشرعي، وكانت هذه الطريقة يومئذ هي الطريقة المعروفة في أوساط المدارس
الفقهية للشيعة الإمامية، وكان الشيخ يوسف البحراني من أقطاب وزعماء هذه
المدرسة.
وكانت البحرين قاعدة ومنطلقا للاتجاه الأخباري في الفقه، فلما تعرضت
للغزو وتشرد أهلها انتشر فقهاؤها في الأرض، واحتضنت كربلاء بعضهم،
وكان الشيخ يوسف من هؤلاء الذين لجأوا إلى هذه المدينة المقدسة ليواصلوا
عملهم العلمي هناك، ونشط الشيخ يوسف في كربلاء وواصل عمله العلمي
95

على صعيدي التأليف والتدريس بالإضافة إلى الزعامة الدينية التي انفرد بها في
هذه المدينة المقدسة، وتخرج على يده خلال هذه المدة عدد من كبار الفقهاء
أمثال: أبي علي الحائري مؤلف " منتهى المقال "، والمحقق الميرزا القمي مؤلف
" القوانين "، والشيخ حسين بن محمد بن حسين مؤلف " عيون الحقائق الناظرة
في تتمة الحدائق الناضرة "، والسيد علي الطباطبائي الحائري مؤلف
" الرياض "، والسيد مهدي بحر العلوم الفقيه الشهير مؤلف " الفوائد الرجالية "
والمولى أحمد النراقي مؤلف " مستند الشيعة "، والسيد ميرزا الشهرستاني، والسيد
ميرزا مهدي بن هداية الله الأصفهاني الخراساني الشهيد. وأكمل خلال هذه
الفترة تأليف " الحدائق الناضرة " إلى كتاب الظهار وأئمة من بعد ابن أخيه
الشيخ حسين.
ومن أهم ما كتبه خلال هذه الفترة " الدرة النجفية " ويبدو أنه كتبه في
مدينة النجف خلال زياراته لها، و " سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد "،
و " الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب "، و " الكشكول "، و " لؤلؤة
البحرين "، ومجموعة أخرى من الكتب في الفقه وأصول العقائد والحديث.
وكان اتجاه الشيخ يوسف بدء الأمر هو الاتجاه الأخباري المعروف الذي
انتشر أكثر ما انتشر في البحرين، وكان الشيخ يوسف رحمه الله يحمل هذا
الاتجاه، فلما أن استقر به المقام في كربلاء أخذ يؤلف ويدرس بنفس الاتجاه
حتى نزل بكربلاء الشيخ محمد باقر الوحيد البهبهاني وكان نزول الوحيد البهبهاني
بهذه المدينة إيذانا بمرحلة جديدة في الاتجاه الفقهي في مدرسة كربلاء. فقد بدأ
الوحيد عمله الفقهي بالدعوة إلى الاتجاه الأصولي والاجتهاد ومواجهة المدرسة
الأخبارية، ونجح الوحيد في رسالته العلمية وأبرز الاتجاه الأصولي واستقطب
خيرة تلامذة الشيخ يوسف البحراني وجمعهم حوله، وانحسرت الحركة
الأخبارية وانزوت ولم تستعد نشاطها بعد ذلك التاريخ.
وكانت مدرسة كربلاء في هذا العصر (القرن الحادي عشر والثاني عشر)
96

ساحة هذا الصراع الفقهي بين المدرستين الذي انتهى إلى بروز المدرسة
الأصولية وانحسار المدرسة الأخبارية.
ولا بد أن نذكر في تاريخ هذا الصراع أن الشيخ يوسف مؤلف " الحدائق "
بدأ يحس بأن تعمق هذه الفجوة بين المدرستين داخل المدرسة الفقهية الإمامية
وتوسيع رقعة الخلاف لا يعود على التشيع بغير الخلاف والاضعاف، والمسألة من
حيث الأساس لا تستحق كل هذا الاهتمام، ولا يجوز شق فقه أهل البيت إلى
مدرستين متصارعتين حول هذه المسألة، وإن الأمين الاسترآبادي قد غالى
كثيرا وأفرط في تعميق الخلاف والتهجم على فقهاء الشيعة الذين لم يكونوا على
رأيه ومذهبه من أمثال العلامة الحلي رحمه الله، وليس كل ما قاله الأخباريون
حق، وليس كل ما قاله الأصوليون في محاور الخلاف باطل.
وأحس الشيخ يوسف من هذا المنطلق بمسؤولية شرعية من تضييق رقعة
الخلاف وإزالة الحواجز التي أقيمت داخل هذه المدرسة بين هاتين الفئتين،
فبدأ يعمل بموجب هذا الوعي وهذه المسؤولية التي أحس بثقلها على كاهله
لتضييق شقة الخلاف وإزالة الحواجز ونقد التطرف الأخباري في الموقف تجاه
المدرسة الأصولية والمجتهدين. وبدأ رحمه الله يميل إلى مدرسة الأصوليين بشكل أو
بآخر. فاستمع إليه رحمه الله في المقدمة الثانية عشر من مقدمات " الحدائق "
يقول:
وقد كنت في أول الأمر أنتصر لمذهب الأخباريين وقد أكثرت البحث فيه
مع بعض المجتهدين من مشايخنا المعاصرين، إلا أن الذي ظهر لي بعد إعطاء
التأمل حقه في المقام وإمعان النظر في كلام علمائنا الأعلام هو اغماض النظر
عن هذا الباب وارخاء الستر دونه والحجاب، وإن كان قد فتحه أقوام وأوسعوا
فيه دائرة النقض والابرام.
أما (أولا) فلاستلزامه القدح في علماء الطرفين...
وأما (ثانيا) فلأن ما ذكروه في وجوه الفرق بينهما جله بل كله عند التأمل
97

لا يثمر فرقا...
وأما (ثالثا) فلأن العصر الأول كان مملوء من المحدثين والمجتهدين، مع أنه لم
يرتفع بينهم صيت هذا الخلاف، ولم يطعن أحد منهم على الآخر بالاتصاف
بهذه الأوصاف...
ولم يرتفع صيت هذا الخلاف ولا وقوع هذا الاعتساف إلا من زمن صاحب
" الفوائد المدنية " سامحه الله تعالى برحمته المرضية، فإنه قد جرد لسان التشنيع
على الأصحاب، وأسهب في ذلك أي إسهاب وأكثر من التعصبات التي
لا تليق بمثله من العلماء الأطياب (1).
والحقيقة إن هذا الموقف الذي وقفه الشيخ يوسف من هذا الصراع كان له
تأثير بالغ الأهمية في إعادة الانسجام إلى مدرسة أهل البيت، وإزالة التطرف
الذي أصاب هذه المدرسة في فترة الصراع وعودة الاعتدال والعقلانية إلى هذه
المدرسة.
وفي نفس الوقت فإن هذا الموقف يدل على غاية في الورع والتقوى
والاحساس بالمسؤولية عند هذا الفقيه الجليل، ولا شك أنه واجه كثيرا من
الضغوط في موقفه هذا، ولكنه آثر أن يتحمل هذه الضغوط على أن يجري مع
فضلاء عصره فيما كانوا يجرون فيه من تعميق وتوسيع شقة الخلاف بين
المدرستين.
وإلى جانب الاعتدال الذي أخذ به الشيخ يوسف رحمه الله كان الوحيد
البهبهاني رحمه الله هو الآخر يرى أن رسالته في تكريس الخط الأصولي والاجتهاد
والدفاع عنه وإزالة الشبهات التي جاء بها الأخباريون في التشكيك في
الاجتهاد. وبسبب هذا الاعتدال الذي أخذ به الشيخ يوسف، والموقف الحاسم
الذي أخذ به الوحيد البهبهاني رحمهما الله استعادت مدرسة أهل البيت الفقهية

(1) الحدائق الناضرة: ج 1 ص 167 - 170 وقد اخترنا مقتطفات من كلامه رحمه الله بقدر الحاجة.
98

مدة أخرى انسجامها، ونشط الاجتهاد عل الطريقة الأصولية بعد ضمور
واختفاء.
ومما يروى من سيرة هذا الفقيه الجليل الشيخ يوسف أنه رغم الصراع
الطويل الذي خاضه مع الوحيد البهبهاني في أمر الأصول والاجتهاد أوصى أن
يصلي عليه بعد وفاته الوحيد البهبهاني دون غيره من معاصريه، وهذه درجة
عاليه من التجرد عن الأنانية لا يناله إلا ذو حظ عظيم من الاخلاص لله تعالى.
الوحيد البهبهاني:
حمل الوحيد البهبهاني لواء الدعوة إلى الخط الأصولي، وواجه الأخباريين في
النجف وبهبهان وكربلاء، وفي تأليفاته ودروسه ومحاوراته التي كان يجريها مع
علماء المدرسة الأخبارية.
حل في بهبهان ثلاثين سنة، وكانت هذه المدينة تضم جمعا من فقهاء
البحرين الأخباريين فتحولت المدرسة العلمية في عهده في هذه المدينة إلى
الاتجاه الأصولي.
وانتقل إلى كربلاء وبقي إلى آخر عمره في كربلاء وتوفي فيها. ولما حل
الشيخ الوحيد في كربلاء كان الاتجاه الأخباري - كما ذكرنا - هو الاتجاه
السائد، وكان الشيخ يوسف البحراني زعيم هذا الاتجاه العلمي، فبدأ الوحيد
يعمل ضد هذا الاتجاه في دروسه وتأليفه ومحاوراته، فلم يمض مدة حتى
استقطب فضلاء طلاب الشيخ يوسف البحراني، كالسيد مهدي بحر العلوم
والسيد مهدي الشهرستاني، وتحول جمع من تلاميذ الشيخ يوسف من درسه إلى
درس الوحيد البهبهاني. وكان همه الأول خلال هذه الفترة هو تكريس الاتجاه
الأصولي ونقض ونقد الاتجاه الأخباري وإعادة الانسجام والاعتدال إلى مدرسة
أهل البيت في الفقه.
وكان الشيخ الوحيد محاورا قويا وقادرا على إدارة الحوار بصورة ممتازة
99

وجيدة. وكان يستخدم الحوار في نقد المدرسة الأخبارية وتكريس الاتجاه
الأصولي بشكل واسع.
حدث الشيخ عباس القمي في " الفوائد الرضوية " عن صاحب
" التكملة " عن الحاج كريم فراش الحرم الحسيني الشريف أنه كان يقوم
بخدمة الحرم في شبابه، وذات ليلة التقى بالشيخ يوسف البحراني والوحيد
البهبهاني داخل الحرم الحسيني الشريف وهما واقفان يتحاوران، وطال حوارهما
حتى حان وقت اغلاق أبواب الحرم فانتقلا إلى الرواق المحيط بالحرم واستمرا
في حوارهما وهما واقفان، فلما أراد السدنة إغلاق أبواب الرواق انتقلا إلى
الصحن وهما يتحاوران، فلما حان وقت إغلاق أبواب الصحن انتقلا خارج
الصحن من الباب الذي ينفتح على القبلة، واستمرا في حوارهما وهما واقفان
فتركهما وذهب إلى بيته ونام، فلما حل الفجر ورجع إلى الحرم صباح اليوم
الثاني سمع صوت حوار الشيخين من بعيد، فلما اقترب منها وجدهما على
نفس الهيئة التي تركهما عليها في الليلة الماضية مستمران في الحوار والنقاش،
فلما أذن المؤذن لصلاة الصبح رجع الشيخ يوسف إلى الحرم ليقيم الصلاة جماعة
ورجع الوحيد البهبهاني إلى الصحن وافترش عباءته على طرف مدخل باب
القبلة، وأذن وأقام وصلى صلاة الصبح.
وفي أمثال هذه المحاورات كان الوحيد يتمكن من خصومه الفكريين
ويدحض شبهاتهم ويكرس الاتجاه الأصولي ويعمقه.
ولا بد أن نقول مرة أخرى اعترافا بالفضل للشيخ يوسف مؤلف
" الحدائق ": إن تقوى الشيخ وخلوصه وصدقه وابتغاءه للحق كان من أهم
عوامل هذا الانقلاب الفكري الذي جرى على يد الوحيد في كربلاء، ولو كان
الشيخ يوسف من موقعه العلمي والاجتماعي يريد أن يجادل الوحيد ويظهر
عليه لطالت محنة هذه المدرسة الفقهية واتسعت مساحة الخلاف فيها وتعمق فيها
الخلاف، ولكن الشيخ يوسف كان يؤثر رضا الله والحق على أي شئ آخر،
100

ومكن الوحيد البهبهاني في حركته الاصلاحية العلمية.
ومن غرائب ما يروى عن هذا العبد الصالح أن الوحيد كان يحظر على
تلاميذه حضور دروس الشيخ يوسف، ولكن الشيخ في المقابل كان يسمح
لتلاميذه بحضور دروس الوحيد، وكان يقول كل يعمل بموجب تكليفه، ويعذر
الوحيد في ذلك، وهو نموذج رائع من نماذج سعة الصدر والتقوى في فقهائنا
الأعلام.
واستطاع الوحيد خلال فترة إقامته في كربلاء أن يربي عددا كبيرا من
الفقهاء والمجتهدين. ولو تحرينا نحن فروع شجرة فقهاء أهل البيت في القرن
الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر وجدنا أنهم جميعا يرجعون بصورة مباشرة
أو غير مباشرة إلى الوحيد البهبهاني، ولذلك يطلق على الوحيد البهبهاني (أستاذ
الكل) أو (الأستاذ الأكبر) وهو لقب يختص به الوحيد البهبهاني. فتخرج من
دروسه العلامة السيد مهدي بحر العلوم الفقيه الشهير مؤلف " الفوائد الرجالية "
والذي سبق أن ذكرنا أنه من تلامذة الشيخ يوسف البحراني، والسيد محمد
مهدي الشهرستاني، والسيد علي الطباطبائي مؤلف " رياض المسائل "،
والشيخ جعفر الكبير مؤلف " كشف الغطاء "، والمحقق القمي صاحب كتاب
" قوانين الأصول "، والسيد محسن الأعرجي مؤلف كتاب (المحصول) في
الأصول، والمحقق ملا أحمد النراقي مؤلف " المستند "، والسيد ميرزا مهدي
الخراساني الشهيد، والشيخ أسد الله الكاظمي مؤلف " مقابيس الأنوار "،
والسيد جواد العاملي مؤلف الموسوعة الفقهية الشهيرة ب‍ " مفتاح الكرامة "،
والشيخ محمد تقي الأصفهاني مؤلف حاشية المعالم المعروف ب‍ " هداية
المسترشدين في شرح أصول معالم الدين "، والسيد محمد باقر حجة الاسلام
الشفتي الأصفهاني مؤلف كتاب " مطالع الأنوار في شرح شرائع الاسلام "،
والمحقق الكلباسي مؤلف كتاب " إشارات الأصول "، والسيد محمد حسن
زنوزي مؤلف كتاب " رياض الجنة " و " دوائر العلوم "، والسيد دلدار علي
101

الهندي من أعلام الفقهاء في الهند صاحب " مسكن الفؤاد " و " دعائم
الاسلام " و " الشهاب الثاقب "، والشيخ أبو علي الحائري مؤلف " منتهى
المقال ".
وخلف الوحيد البهبهاني. من بعده كتبا قيمة من آثاره وأفكاره، يقول
تلميذه الشيخ أبو علي في " منتهى المقال ": أن تأليف الأستاذ يقرب من ستين
كتابا، وقد خصص الوحيد البهبهاني جملة من كتبه في رد الشبهات عن المدرسة
الأصولية ودحض شبهات الأخباريين ونظرياتهم من قبيل رسالة " الاجتهاد
والأخبار " ورسالة " حجية الاجماع " ورسالة " الفوائد الحائرية " ورسالة
" الفوائد الجديدة " وغير ذلك من التآليف. وكتب الوحيد متينة ومشحونة
بالأفكار الفقهية والأصولية، وتعتبر جملة من أفكاره التي دونها والتي درسها
لتلاميذه أسسا لعلم الأصول الحديث.
102

الحركة الأخبارية
نبذة عن التاريخ السياسي للحركة:
يعتقد أحد الكتاب المعاصرين (1) أن الجذور السياسية لنشأة الحركة
الأخبارية في مدرسة فقه أهل البيت يعود إلى الصراع الشديد الذي كان يجري
في العصر الصفوي بصورة مكتومة بين المؤسسة السياسية والمؤسسة الفقهية، فقد
أخذ الصفويون يتضايقون من سعة دائرة نفوذ المؤسسة الفقهية والتحول
التدريجي الذي جرى داخل المؤسسة الفقهية من سلطة روحية إلى سلطة زمنية
تتدخل في شؤون الناس وتزاحم السلطة الرسمية في شؤونها واهتماماتها.
ورغم حاجة المؤسسة السياسية الصفوية إلى دعم وإسناد المؤسسة الفقهية
وإلى وقوفها إلى جانبها في صراعها مع العثمانيين إلا أنه كانوا يتضايقون من
توسع دائرة نفوذ الفقهاء وفي هذه الفترة بالذات ظهرت الحركة الأخبارية
ابتداء من سنة 985 ه‍ ثم اتسعت هذه الحركة وتمكنت من شق المدرسة
الفقهية عند الشيعة الإمامية إلى شطرين متصارعين، وإضعاف مؤسسة
الاجتهاد إلى حد بعيد.
فالحركة الأخبارية كانت هي البديلة لمؤسسة الاجتهاد، وبطبيعة الحال

(1) وهو السيد جودت القزويني في دراسته القيمة عن التاريخ السياسي للفقه الإمامي.
103

فإن تكريس الحركة الأخبارية يكون عل حساب مؤسسة الاجتهاد، والجهة
المستفيدة من ذلك هو الجهة الرسمية في الدولة الصفوية التي بدأت تتضايق
من سعة دائرة نفوذ الفقهاء في الدولة الصفوية، ومع احترامنا لرجال هذه
الحركة وفقهائها وهم نخبة من خيرة فقهائنا ورجالنا لا نستبعد هذا التحليل،
فإننا عندما نستعرض تاريخ الصفويين نلمس هذا التناقض الغريب في تكوين
النظام الصفوي.
فقد قام النظام الصفوي باسم الدعوة إلى التشيع، واستفاد من هذه الدعوة
واكتسب قوته من ذلك. وانتشر التشيع في إيران بهذا النظام، واستقدم النظام
فقهاء الشيعة من جبل عامل لنشر التشيع وتفقيه أجهزة الدولة وحركة المجتمع
العامة، ولكن هذا النظام في نفس الوقت لم يكن يحب لم أن يسمح بظهور قوة
جديدة في الساحة تزاحمه. ولما تحولت المؤسسة الفقهية إلى قوة وسلطة زمنية
تتحكم في شؤون الدولة والمجتمع بدا النظام الصفوي يتضايق من هذه
الظاهرة.
ومن هذا المنطلق لا نستبعد أن يكون الحكم الصفوي فكر في دعم
وتكريس الحركة الأخبارية والاستفادة منها دون أن يعني ذلك مصادرة البواعث
والمنطلقات الفقهية لهذه الحركة والتي لا يمكن التشكيك فيها أو ربطها بالعجلة
السياسية.
إلا أن هذه الحركة رغم هذا التحليل لم تمتد في إيران كثيرا، وإنما
تكرست وتوسعت في البحرين، ثم انطلقت منها إلى كربلاء، وازدهرت هذه
الحركة وانتعشت في كربلاء، ثم أخذت تنحسر بالتدريج بفعل المواجهة التي
قام بها وصعدها الوحيد البهبهاني في كربلاء.
الأصول الفكرية للحركة الأخبارية:
كما ذكرنا من قبل يدعي الأخباريون أن خطهم الفكري في استنباط
104

الحكم الشرعي يعود إلى عصر الفقهاء الأوائل، ويقولون بأن رأيهم في
طريقة فهم الحكم الشرعي مثل ما رآه الشيخ الصدوق وكبار المحدثين. ولكننا
نشك نحن في صحة هذا الرأي. فإن هؤلاء الأعلام محدثون، والمحدثون غير
الأخباريين. وفي رأينا أن هذه المدرسة تحددت معالمها بصورة علمية على يد
الشيخ أمين الاسترآبادي (المتوفى 1033 ه‍) وبشكل خاص في كتابه " الفوائد
المدنية " الذي وضع أصول ما فيه من الأفكار في المدينة المنورة، ثم دونها في مكة
المكرمة وسماه ب‍ " الفوائد المدنية " في الرد على من قال بالاجتهاد والتقليد أي
أتباع الظن في نفس الأحكام. وهذا الكتاب يحوي أصول الفكر الأخباري
بصورة منظمة وعلمية.
ويعد الأمين الاسترآبادي أبرز علماء هذه المدرسة ورائدها. وهناك علماء
آخرون بنفس الاتجاه كالشيخ حسين بن شهاب الدين الكركي العاملي
(1076 ه‍)، والحر العاملي مؤلف الموسوعة الحديثية الجليلة " وسائل الشيعة "
والفيض الكاشاني مؤلف " الوافي "، والشيخ يوسف مؤلف " الحدائق
الناضرة "، وغيرهم والشيخ ميرزا محمد الأخباري (1233 ه‍) وكان هذا
الأخير شديدا في آرائه قاسيا في نقده للأصوليين.
محاور الخلاف بين المدرستين:
يقول مؤلف الروضات: إن الشيخ عبد الله بن الحاج صالح البحراني ذكر
في كتاب " منية الممارسين في جوابات مولانا الشيخ ياسين " في الفرق بين
العالم الأخباري والمجتهدين أربعين وجها (1).
وذكر الميرزا محمد الأخباري في كتاب " الطهر الفاصل " تسع وخمسين
فرقا بين الأصوليين والأخباريين، لكن في هذا التفريق مبالغة واضحة،

(1) روضات الجنات: ج 4 ص 250.
105

يقصد بها توسعة رقعة الخلاف بين المدرستين.
والمسائل الأساسية التي. تختلف فيها المدرستان هي:
(أولا) قطعية صدور كل ما ورد في الكتب الحديثية الأربعة من الروايات
لاهتمام أصحابها بتدوين الروايات التي يمكن العمل والاحتجاج بها، وعليه
فلا يحتاج الفقيه إلى البحث عن اسناد الروايات الواردة في الكتب الأربعة،
ويصح له التمسك بما ورد فيها من. الأحاديث، وهذا هو رأي المدرسة الأخبارية.
أما الأصوليون فلهم رأي آخر في ما ورد في الكتب الأربعة ويقسمون
الحديث إلى الأقسام الأربعة المشهورة: الصحيح والحسن والموثق والضعيف،
ويأخذون بالأولين أو بالثلاثة الأول دون الأخير.
(وثانيا) عدم جريان البراءة في الشبهات الحكمية التحريمية، وهو رأي
للأخباريين، أما الأصوليون فيذهبون إلى صحة جريان البراءة في الشبهات
الحكمية الوجوبية والتحريمية بالعقل والأدلة النقلية.
(وثالثا) نفي حجية الاجماع وهو رأي معروف للأخباريين، أما الأصوليون
فيتمسكون بالاجماع إذا كان من الاجماع (المحصل).
(ورابعا) نفي حجية حكم العقل ونفي الملازمة بين الحكم العقلي والحكم
الشرعي، وتضطرب كلمات الأخباريين بشكل يصعب على الباحث أن
يستخرج من كلماتهم شيئا محدد المعالم لينسبه إليهم، فمن منكر للملازمة بين
الحكم العقلي والشرعي، وآخر منكر للحكم العقلي الظني.
وقد أنكر المحقق الخراساني أن يكون مقصود الأخباريين إنكار حجية
القطع فيما إذا كان بمقدمات عقلية. وإنما تتجه كلماتهم إلى منع الملازمة بين
حكم العقل بوجوب شئ وحكم الشرع بوجوبه. كما ينادي بأعلى صوته
ما حكي عن السيد الصدر في باب الملازمة وأما في مقام عدم جواز الاعتماد
على المقدمات العقلية لأنها لا تفيد إلا الظن، كما هو صريح الشيخ المحدث
106

الاسترآبادي رحمه الله (1).
ولكن مراجعة كلمات المحدث الاسترآبادي نفسه يعيد إلى نفوسنا الثقة
بأنه ممن لا يرتضي الاعتماد على غير الحديث حيث يقول، كما ينقله المحقق
الخراساني أيضا: وإذا عرفت ما مهدناه من الدقيقة الشريفة فنقول: إن تمسكنا
بكلامهم عليهم السلام فقد عصمنا من الخطأ وإن تمسكنا بغيره لم نعصم عنه،
ومن المعلوم أن العصمة من الخطأ أمر مطلوب مرغوب فيه (2). وهذا الكلام يتنافى
وما يريد المحقق الخراساني رحمه الله أن يستخلصه من كلمات الأخباريين.
ومهما يكن من أمر فلا شك أن كلمات بعض الأخباريين يمكن أن يحمل
على الخلاف الصغروي من منع حصول القطع بالحكم الشرعي عن غير
الكتاب والسنة... ولكن الظاهر مما ينسب إلى كثير منهم كالمحدث
الاسترآبادي والسيد نعمة الله الجزائري والمحدث البحراني (3) هو القول بعدم
حجية القطع الحاصل عن غير الكتاب والسنة بعد حصوله (4).
ولكن الذي يستطيع الباحث أن يستخلصه من كلمات الأخباريين
ويطمئن إلى نسبته إليه دون أن يضر بذلك اختلاف كلماتهم هو القول بلزوم
توسط الأوصياء سلام الله عليهم في التبليغ، فكل حكم لم يكن فيه وساطتهم
فهو لا يكون واصلا إلى مرتبة الفعلية والباعثية، وأن كل ذلك الحكم واصلا
إلى المكلف بطريق آخر (5) فلا يمكن الاعتماد بناء على هذه الدعوى على العقل
في الحكم والاجتهاد.
(وخامسا) نفي الاحتجاج بالكتاب العزيز وقد وقف الأخباريون عن

(1) كفاية الأصول: ج 2 ص 32 و 33.
(2) الفوائد المدنية للاسترآبادي.
(3) حاشية المشكيني على الكفاية: ج 2 ص 32 طبع إيران.
(4) راجع دراسات الأستاذ المحقق الخوئي: ج 3 ص 46 طبع النجف.
(5) أجود التقريرات للعلامة المحقق الخوئي: ج 2 ص 40 طبع صيدا.
107

العمل بالقرآن لطرو مخصصات من السنة ومقيدات على عمومه ومطلقاته، ولما
ورد من أحاديث ناهية عن تفسير القرآن بالرأي (1).
ومهما يكن من أمر فلم يقدر لهذا الاتجاه الجديد في الاستنباط والاجتهاد أن
يبقى في ساحة الصراع الفكري واختفى تقريبا من مراكز الدراسات الفقهية
المعاصرة المعروفة، ولم يعد يزاحم الاتجاه القائم في الاجتهاد لدى الشيعة في
المراكز العلمية الشيعية القائمة.
هذا كله رغم ما نكن للعلماء الأخباريين من ناحية علمية واسلامية من
احترام وتقدير عميقين، لما بذلوه من جهود ولما كانوا يتصفون به من إخلاص
وتقوى، ويكفي أن يكون منهم الشيخ صاحب الحدائق والحر العاملي مؤلف
" الوسائل " وغيرهم من رجال الفقه والحديث في مدرسة أهل البيت.
وبعد، فهذه دراسة سريعة لتأريخ فقه أهل البيت عليهم السلام منذ ظهور
هذه المدرسة في المدينة المنورة حتى مدرسة كربلاء التي إليها ينتمي مؤلف هذا
الكتاب القيم الفقيه الجليل السيد علي الطباطبائي، ويبقى علينا أن نتحدث
عن مدرسة البحرين - المعاصرة لمدرسة أصفهان - ومدرسة النجف ومدرسة قم
الحديثة، لتكتمل حلقات هذه الدراسة في تاريخ فقه أهل البيت عليهم
السلام.
أسأل الله تعالى أن يوفقني لاكمال هذه الدراسة التاريخية في المستقبل
القريب إن شاء الله إنه ولي التوفيق.
محمد مهدي الآصفي
الأول من ذي القعدة الحرام 1411 ه‍
قم المشرفة

(1) راجع الأصول العامة للفقه المقارن: ص 103 و 104 طبع بيروت.
108

نبذة من حياة صاحب " الرياض " (1) رحمه الله:
وصاحب " الرياض " سيد أجل محقق، عن خاله " الآغا " نقل
قد عاش سبعين بعلم وعمل مقبضه: " مؤلف الرياض حل " (2)
كذا ذكره البروجردي في " نخبة المقال " ويقصد بقوله " عن خاله الآقا " الآقا باقر
الوحيد البهبهاني، كما في شرح ذلك فيما - يلي:
قال عنه تلميذه الرجالي الثقة الشيخ أبو علي الحائري المتوفى في حياة أستاذه (ت 1215)
والذي ألف كتابه في الرجال " منتهى المقال " في حياة أستاذه الوحيد البهبهاني
(ت 1206) كما يبدو ذلك من غضون النص التالي:
علي بن محمد بن علي الطباطبائي، ابن أبي المعالي الشهير ب‍ " الصغير "، ابن أبي المعالي
الكبير. هو السيد السناد، والركن العماد، ابن أخت الأستاذ العلامة - أعلى الله في
الدارين مقامه ومقامه - وصهره على ابنته. تتلمذ عليه وتربى في حجره ونشأ، وذلك
فضل الله يؤتيه من يشاء - دام مجده وكبت ضاره - كان جده الأعلى السيد أبو المعالي
الكبير صهر مولانا المقدس الصالح المازندراني، وخلف ثلاثة أولاد ذكور هم: السيد
أبو طالب والسيد علي والسيد أبو المعالي، فهو أصغرهم، وعدة بنات. والسيد أبو المعالي
خلف السيد محمد علي لا غير، وهو قدس سره والده سلمه الله.
ثقة عالم عريف، وفقيه فاضل، غطريف، جليل القدر وحيد العصر حسن الخلق،

(1) وسيجئ ذكر حياة الماتن المحقق الحلي " رحمه الله " بقلم سماحة العلامة الشيخ محمد مهدي الآصفي في أول
الجزء الثاني من هذا السفر الجليل إن شاء الله.
(2) هدية الأحباب: ص 194 عن نخبة المقال للبروجردي، ونقلها المدرس في ريحانة الأدب: 2 / 372
ونبه على أن التاريخ 1231 على أن تكتب كلمة: مؤلف، بالألف: مألف، خلافا للمألوف
الصحيح في الاملاء.
109

عظيم الحل. حضرت مجلس إفادته، وتطفلت برهة على تلمذته (1) فإن قال لم يترك مقالا
لقائل، وإن صال لم يدع نصالا لصائل. له " مد في بقائه " مصنفات فائقة ومؤلفات رائقة.
مولده:
كان ميلاده الشريف في مشهد الكاظمين - على مشرفيه صلوات الخافقين - في
أشرف الأيام، وهو اليوم الثاني عشر من شهر ولد فيه أشرف الأنام - عليه وآله أفضل
الصلاة والسلام - في السنة الحادية والستين بعد المائة والألف.
واشتغل أولا على ولد الأستاذ العلامة الوحيد البهبهاني آدام الله أيامهما وأيامه (2) -
فقرنه في الدرس مع شركاء أكبر منه في السن وأقدم منه في التحصيل بكثير، وفي أيام
قلائل فاقهم طرا وسبقهم كلا. ثم بعد قليل ترقى فاشتغل عند خاله الأستاذ العلامة
الوحيد البهبهاني - آدام الله أيامه وأيامه - وبعد مدة قليلة اشتغل بالتصنيف والتدريس
والتأليف (3).
وذكره تلميذه الآخر المحقق الشيخ أسد الله الكاظمي الدزفولي (ت 1237) في
مقدمات كتابه " مقابس الأنوار "، فاصطلح على تلقيب أستاذه الوحيد البهبهاني بالأستاذ
الأعظم، وعلى أستاذه المترجم: بالأستاذ الوحيد، فقال:
ومنها [من الألقاب المصطلحة له في كتابه]: الأستاذ الوحيد، لسيد المحققين، وسند
المدققين، العلامة النحرير، مالك مجامع الفضل بالتقرير والتحرير المتفرع من دوحة
الرسالة والإمامة، المترعرع في روضة الجلالة والكرامة، الرافع للعلوم الدينية أرفع راية،
الجامع بين محاسن الدراية والرواية، محيي شريعة أجداده المنتجبين، مبين معاضل الدين
المبين بأوضح البراهين وأفصح التبيين، نادرة الزمان، خلاصة الأفاضل الأعيان،
الحاوي لشتات الفضائل والمفاخر الفائق بها على الأوائل والأواخر أول مشايخي

(1) في المطبوع من منتهى المقال: تلامذته، ونقله عنه المامقاني في كتابه تنقيح المقال: 2 / 307 هكذا
صحيحا.
(2) من هنا يبدو أن هذا الكتاب " منتهى المقال " قد كتب في حياة الوحيد البهبهاني ت 1206. وإن مر
قوله فيه قبل هذا: - أعلى الله في الدارين مقامه، فذلك محمول على تاريخ تبييض الكتاب للطبع وهذا
على عهد المؤلف.
(3) منتهى المقال: 224.
110

وأساتيذي وسنادي، وملاذي. وعمادي: السيد علي بن محمد علي الطباطبائي الحائري
- أدام الله وجوده، وأفاض عليه لطفه وجوده - وهو ابن أخت الأستاذ الأعظم وصهره
وتلميذه، وروى عنه وأروي عنه (1).
مشايخه:
لم يذكر المحقق الكاظمي من مشايخ المترجم له أحدا سوى خاله الوحيد البهبهاني،
وأضاف قبله أبو علي الحائري: ولد الأستاذ - أي السيد محمد علي ابن السيد محمد باقر
الوحيد البهبهاني -.
وقال الخونساري في " روضات الجنات " ثم إني لم أتحقق - إلى الآن - رواية صاحب
العنوان إلا عن شيخه وخاله وأستاذه (2).
وقال: ونقل عنه أيضا أنه كان يحضر درس صاحب " الحدائق " ليلا، لغاية
اعتماده على فضله ومنزلته، وحذرا عن اطلاع خاله العلامة عليه. وأنه كتب جميع
مجلدات " الحدائق " بخطه الشريف. وذكر والدنا العلامة - أعلى الله مقامه - أنه طلب
من جنابه الكتاب المذكور أيام تشرفه بالزيارة فذهب إلى داخل الدار وأتى بجميع تلك
المجلدات إليه، فكانت عنده إلى يوم خروجه عن ذلك المشهد الشريف (3).
تلامذته والراوون عنه:
مر أن من تلامذته:
1 - الرجالي الكبير الشيخ أبو علي محمد بن إسماعيل بن عبد الجبار المازندراني
الحائري، الذي ينتهي نسبه إلى الشيخ الرئيس أبي علي الحسين بن علي بن سينا

(1) مقابس الأنوار: 19.
(2) روضات الجنات: 4 / 403.
(3) روضات الجنات: 4 / 403، والغريب أن المامقاني بعد أن نقل مقال الحائري عن منتهى المقال في
دراسة المترجم لدى ابن خاله السيد محمد علي وخاله السيد محمد باقر الوحيد، قال: المنقول على ألسنة
مشايخنا أنه شرع في طلب العلم في زمان الرجولية، وأنه كان قبل ذلك جيد الخط مكتسبا بكتابته
(تنقيح المقال: 2 / 307).
111

البخاري، ولد سنة 1159 ه‍ بكربلاء المقدسة وتوفي فيها سنة 1215 ه‍.
2 - المحقق الشيخ أسد الله بن إسماعيل الدزفولي صاحب " مقابس الأنوار " المتوفى
1237 ه‍.
قال الخونساري في " روضات الجنات ":. وأما الرواية عنه - رحمه الله - فهي لكثير،
وشرف التلمذة لديه لجم غفير منهم:
3 - شيخنا وسيدنا ورأسنا ورئيسنا، وسمينا الإمام العلامة - أعلى الله مقامه -:
السيد محمد باقر الشفتي المعروف بحجة الاسلام على الاطلاق، المتوفى سنة 1260 ه‍،
ويقول عن المترجم له: " شمس فلك الإفادة والإفاضة، بدر سماء المجد والعز والسعادة،
محيي قواعد الشريعة الغراء، مقنن قوانين الاجتهاد في الملة البيضاء، فخر المجتهدين، وملاذ
العلماء العاملين، ملجأ الفقهاء الكاملين، سيدنا واستاذنا العلي العالي الأمير... ".
4 - صنوه وشقيقه وخدنه وصديقه، المحقق المدقق صاحب " الإشارات " - أسكنه الله
بحبوحة الجنات - الشيخ محمد إبراهيم الكلباسي المتوفى سنة 1262 ه‍ والذي قال عن
المترجم له في كتابه المذكور: " أستاذنا الأقدم وشيخنا الأفخم، العالم العامل، الفاضل
الكامل، المحقق المدقق، الحسيب النسيب، الأديب الأريب، السيد الأجل والبحر
الأزخر ذو النفس القدسية والسجية الملكية.. ".
5 - السيد الفقيه المتبحر جواد بن محمد الحسيني العاملي صاحب كتاب " مفتاح
الكرامة في شرح قواعد العلامة " وقد بلغ في الثناء على المترجم المعظم في ضمن إجازته
للمرحوم الآقا محمد علي النجفي ابن الآقا باقر الهزار جريبي المازندراني ثم الأصفهاني،
قال: " فأجزت له أن يروي عني ما استجزته وقرأته وسمعته من السيد الأستاذ، رحمه الله
سبحانه في البلاد والعباد، الإمام العلامة مشكاة البركة والكرامة، صاحب الكرامات،
أبو الفضائل. ".
6 - الفاضل المتبحر الحاج المولى جعفر الاسترآبادي.
7 و 8 - الأخوان الفاضلان، الكاملان الفقيهان، مولانا الحاج محمد تقي الشهيد،
ومولانا الحاج محمد صالح البرغانيان القزوينيان، المعاصران المتوفيان في حدود 1270
بفاصلة قليلة.
9 - المولى محمد شريف الآملي المازندراني.
112

10 - الشيخ العارف المشهور أحمد بن زين الدين الأحسائي.
11 - الشيخ الفقيه المبرور خلف بن عسكر الكربلائي.
12 و 13 - خلفاه الصالحان الرشيدان، والفاضلان الفقيهان: الآقا السيد محمد
المجاهد، والآقا السيد مهدي المقدس.
14 - جدنا الأمجد الأسعد السيد أبو القاسم ابن السيد المحقق الفقيه الأوحد السيد
حسين الموسوي الخونساري - رحمهم الله جميعا - وقد رأيت صورة إجازة المترجم له، على
ظهر كتاب شرحه الصغير بخطه، وأنا أروي عن والدي عنه عن المترجم (1)
مؤلفاته:
قال عنه تلميذه الرجالي أبو علي الحائري في " منتهى المقال ": له مصنفات
فائقة ومؤلفات رائقة منها:
1 - شرحه على " المفاتيح [مفاتيح الشرائع] برز منه كتاب الصلاة، وهو مجلد كبير،
جمع فيه جميع الأقوال.
2 - شرحه على " المختصر النافع " سماه: " رياض المسائل في بيان أحكام الشرع
بالدلائل " وهو في غاية الجودة جدا، لم يسبق بمثله، ذكر فيه جميع ما وصل إليه من الأدلة
والأقوال، على نهج عسر على سواه بل استحال.
3 - رسالة في تثليث التسبيحات الأربع في الأخيرتين، وكيفية ترتيب الصلوات
المقضية عن الأموات، سأله عنهما بعض أجلاء النجف. وهي عندي بخطه.
4 - رسالة وجيزة في الأصول الخمس، جيدة. عقائدية.
5 - رسالة في الاجماع والاستصحاب.
6 - شرح ثان على " المختصر النافع " اختصره من الأول، جيد لطيف، سلك فيه في
العبادات مسلك الاحتياط ليعم نفعه العالم والعامي والمبتدي والمنتهي والفقيه والمقلد له
ولغيره في حياته وبعد وفاته - أدام الله حياته -.
7 - رسالة في تحقيق حجية مفهوم الموافقة.

(1) روضات الجنات: 4 / 402 بتصرف.
113

8 - رسالة في جواز الاكتفاء بضربة واحدة في التيمم مطلقا.
9 - رسالة في اختصاص الخطاب الشفاهي، الحاضر في مجلس الخطاب.
10 - رسالة في تحقيق أن منجزات المريض تحسب من الثلث أم من أصل التركة؟
11 - رسالة في تحقيق حكم الاستظهار للحائض إذا تجاوز دمها عن العشرة.
12 - رسالة في ترجمة رسالة في الأصول الخمس، للأستاذ العلامة، بالعربية، إلى
الفارسية.
13 - رسالة في بيان أن الكفار مكلفون بالفروع.
14 - رسالة في أصالة براءة ذمة الزوج عن المهر، وأن على الزوجة إثبات اشتغال
ذمته به.
15 - رسالة في حجية الشهرة وفاقا للشهيد - رحمه الله -.
16 - رسالة في حلية النظر إلى الأجنبية في الجملة وإباحة سماع صوتها كذلك.
17 - حاشية على " معالم الدين وملاذ المجتهدين " في الأصول كتبها في صغره في أوائل
مباحثته فيه..
18 - أجزاء غير تامة في شرح " مبادئ الوصول إلى علم الأصول " للعلامة.
19 - حواش متفرقة على " الحدائق الناظرة " لشيخنا الشيخ يوسف البحراني - رحمه
الله -
20 " حواش متفرقة على " مدارك الأحكام ".
وغير ذلك من حواش ورسائل، وأجوبة مسائل (1)
هذا الكتاب:
مر وصفه بقلم تلميذه الرجالي أبي علي الحائري في كتابه: " منتهى المقال " قال فيه:
هو في غاية الجودة جدا، لم يسبق بمثله، ذكر فيه جميع ما وصل إليه من الأدلة والأقوال،
على نهج عسر على سواه بل استحال.
وقال فيه تلميذه الآخر المحقق الكاظمي الدزفولي في مقدمة " مقابس الأنوار ": له

(1) منتهى المقال: 224.
114

شرحان معروفان على " المختصر النافع " كبير موسوم ب‍ " رياض المسائل " وصغير، وهما
في أصول المسائل الفقهية من أحسن الكتب الموجودة (1).
وقال " فيه تلميذه الآخر السيد جواد العاملي صاحب " مفتاح الكرامة في شرح قواعد
العلامة " في إجازته للآقا محمد علي ابن الآقا باقر الهزار جريبي المازندراني الأصفهاني:
" صاحب الكرامات أبو الفضائل، مصنف الكتاب المسمى ب‍ " رياض المسائل " الذي
عليه. المدار في هذه الأعصار، النور الساطع المضئ، والصراط الواضح السوي، سيدنا
واستاذنا الأمير الكبير السيد علي - أعلى الله شأنه - ومن حسن نيته وصفاء طويته، من الله
- سبحانه وتعالى - عليه بتصنيف " الرياض " الذي شاع وذاع، وطبق الآفاق في جميع
الأقطار وهو مما يبقى إلى أن يقوم صاحب الدار جعلنا الله فداه ومن علينا بلقياه ".
وقال فيه المحقق الكنتوري في " كشف الحجب عن أسماء الكتب ": وهو كتاب
دقيق متين، يعرف منه كمال مصنفه وطول باعه في الفقه، استدل فيه على جميع أبواب
الفقه من الطهارة إلى الديات " (2).
ونقل الخونساري في " روضات الجنات " عن المحدث النيسابوري في رجاله قال:
شيخ في الفقه وأصوله، مجتهد صرف (ولكنه) يراعي الاحتياط فيما يراه، عاصرناه، له
شرحه الصغير والكبير على " مختصر الشرائع " وهو ملخص " المهذب البارع " و " شرح
اللمعة " ومختصر " الحدائق ".
ثم قال الخونساري: وقد يقال: إن الشرح الكبير مأخوذ من الأخيرين و " الحدائق "
ومن " كشف اللثام " للفاضل الهندي، ومن " شرح المفاتيح " لخاله البهبهاني.
ثم قال: إن الميرزا القمي صاحب " قوانين الأصول " كان قد التقى بالسيد علي في
سفر زيارة للحائر المطهر، فاتفق أن وقع بينهما كلام في بعض مسائل الأصول، فلما رأى
السيد استدعاء الميرزا القمي للبحث معه، وكان السيد ذا قوة غريبة في الجدل والمناظرة،
استوى جالسا على ركبتيه وقال: قل ما تقول حتى أقول! فأجابه الميرزا بصوت رخيم:
اكتب ما تكتب. وانحسر المجلس عن هاتين الكلمتين..

(1) مقابس الأنوار: 19.
(2) كشف الحجب: 300.
115

فكتب الميرزا القمي " قوانين الأصول " فاشتهر به بعد أن كان مشتهرا بالفقه
لا الأصول.
وكتب السيد المترجم " رياض المسائل " فاشتهر به بعد أن. كان مشتهرا بالأصول.
وكان السيد يذكر كثيرا: " إني ما أردت به النشر والتدوين بل المشق والتمرين "
ولكن الله تعالى رفعه إلى حيث رفع، ونفع به كأحسن ما به ينتفع (1).
حادثه غريبة:
قال الخونساري: في السنة السادسة عشرة بعد الألف والمائتين من الهجرة المقدسة
هجمت الجماعة الوهابية النواصب بإمارة رئيسهم الملحد " سعود " على مشهد مولانا
الحسين عليه السلام فارتكبوا فيه مجزرة عامة! وذلك في يوم عيد الغدير، حيث كان
غالب أهل البلد متوجهين فيه إلى زيارة مرقد أمير المؤمنين بالزيارة الخاصة.
فمن عجيب ما اتفق في تلك الواقعة العظيمة بالنسبة إلى سيدنا صاحب الترجمة - عليه
الرحمة - أنه لما وقف على قصدهم الهجوم على داره بقصد قتله وأهله ونهب ماله، أرسل في
الخفاء بحسب الامكان أهله وماله إلى مواضع مأمونة، وبقي معه منهم. طفل صغير لم
يذهبوا به معهم غفلة وذهولا. فلما وصلوا إلى داره وهجموا عليه الدار صعد إلى بيت معد
لخزن الحطب والوقود وأمثالهما ليختفي فيه عنهم، فلما دخلوا وجعلوا يجوسون خلال
الحجرات في طلبه وهم ينادون: أين مير علي؟ دخل هو تحت سلة كبيرة كانت هناك
وجعل الطفل على صدره.
فلما صعدوا إلى تلك الزاوية ورأوا فيها حزمة الحطب في ناحية منها تخيلوا لعل السيد
قد اختفى فيها، وقد أعمى الله أبصارهم عن مشاهدة تلك السلة الكبيرة، فجعلوا يرمون
بالحطب على تلك السلة يبحثون عنه في الحطب حتى يئسوا منه فانقلبوا خائبين. وفي
سكون ذلك الطفل الصغير بل الرضيع عن البكاء والصراخ عبرة للناظرين " ومكروا
ومكر الله، والله خير الماكرين " " فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين ".

(1) روضات الجنات: 4 / 402 نقلا بالمعنى. ونقل نحوه في قصة تأليف الكتابين المامقاني في تنقيحه:
2 / 307 بعنوان: المنقول عل ألسنة مشايخنا.
116

أما أولئك الفجرة الملاعين.. فقد ربطوا دوابهم في الصحن الشريف، فنهبوا ما كان
في الحرم الطاهر من النفائس، حتى أنهم قلعوا الضريح وكسروا الصندوق المقدس
وصنعوا القهوة وشربوها هناك.. ولكنهم بعد ذلك خافوا من هجوم الناس عليهم من
الأقطار القريبة فلم يلبثوا في كربلاء إلا بقية ذلك النهار ثم اختاروا الفرار على
القرار (1).
شدة ورعه:
ونقل المامقاني في شدة ورعه: أنه ترك يوما الذهاب لإمامة صلاة الجماعة، فافتقده
المأمومون، وأتوه يستخبرون سبب تركه، فقال: إني اليوم مستشكل في عد التي فلا
أؤمكم، فسألوه عن السبب فقال: إن بنت المولى الوحيد (زوجته) كلمتني بما ضاق منه
صدري، فقلت لها: كل ما قلت لي فهو مردود عليك! ولذلك أستشكل في الإمامة. فلم
يؤمهم حتى رضيت عنه وبرأت ذمته (2)
وفاته ومدفنه:
قال الخونساري: توفي - قدس سره - في حدود إحدى وثلاثين بعد الألف والمائتين
1231 ه‍ ودفن بالرواق المشرقي في الحضرة المقدسة الحسينية، قريبا من قبر خاله العلامة
(الوحيد البهبهاني).
وكان ولده الأمجد الأرشد الآقا السيد محمد إذ ذاك قاطنا في أصفهان، فلما بلغه
نعي والده جلس أياما للعزاء، فكانوا يأتون إلى زيارته من كل فج عميق. ثم عاد إلى
كربلاء بعد زمان قليل، وخلف أباه في كل ما كان إليه، حتى انتقل منها إلى إيران
لدفاع الروس مع موكب السلطان (فتح علي شاه القاجاري) فتوفي في رجوعه من تلك
السفرة في بلدة " قزوين " (3).

(1) روضات الجنات: 4 / 405 و 406.
(2) تنقيح المقال: 2 / 307 بالمعنى.
(3) روضات الجنات: 4 / 402 ونقل جثمانه إلى كربلاء المقدسة ودفن في مقبرة خاصة في سوق بين
الحرمين معروفة بمقبرة السيد محمد المجاهد.
117

ولذلك عرف هذا با لسيد محمد المجاهد.
وللمترجم ابن آخر عرف بالسيد مهدي المقدس.
محمد هادي اليوسفي الغروي
صورة فوتوغرافية لخطه الشريف
مجيزا للسيد محمد الكاشاني بتاريخ شوال 1212 ه‍. ق
ريحانة الأدب: ج 1 ص 371
118

عملنا في التحقيق:
لقد كان منهجنا في تحقيق هذا الكتاب القيم قد مر بالمراحل التالية:
1 - المقابلة على عدة نسخ:
(منها) النسخة الخطية الموجودة في مكتبة (ملك) المرقمة 1952، وهي نسخة جيدة
جدا من حيث الخط وقلة الأخطاء وعند تعارض النسخ كن اعتمادنا في التصحيح
عليها غالبا وقد رمزنا لها ب (دم).
(منها) النسخة الخطية الموجودة في مكتبة مجلس الشورى الاسلامي
المرقمة 3193 وهي نسخة جيدة من حيث الخط وقلة الأخطاء وعليها
تصحيحات في الحواشي وقد استفدنا منها في كتاب الصلاة، وقد رمزنا لها ب‍ (مش).
(ومنها) النسخة الموجودة في المكتبة الرضوية في مشهد المقدسة المرقة 2786، ورمزنا
لها ب‍ (ق).
(ومنها) النسخة النفيسة المحفوظة في مكتبة مدرسة الشهيد المطهري (سپهسالار)
المرقمة 2496 وتاريخ كتابتها 1263 ه‍. ق وصلت إلينا بعد اتمام تحقيق وتنضيد
حروف كتاب الطهارة فلم يتسنى لنا الإشارة إلى ذكر الاختلاف إن وجد ولكن
لاحظنا اجمالا فلم نزلها مزية على نسخة (م) إلا في موارد قليلة وقد رمزنا لها ب‍ (ش)
وبدانا المقابلة عليها من الأجزاء الآتية.
2 - استخراج الآيات وكذلك الروايات من المنابع التي أشار إليها المؤلف - قدس
سره - أما الروايات المجهولة فقد استخرجنا من (وسائل الشيعة).
3 - استخراج الأقوال من مصادره الأولية إلا في موارد لم تكن في وسعنا، إما لعدم
119

وجود الكتاب في زماننا أو لقصور أيدينا من الوصول إليها، فأشرنا إلى مصادرها
الثانوية.
4 - تمييز المتن من الشرح بدقة كاملة.
5 - تنميق الكتاب بالفصل بين المسائل والمطالب وتقويم نصوصه لسهولة القراءة
وتيسير فهم المراد أحيانا.
6 - تنظيم فهارس مختلفة للكتاب.
والحمد لله أولا وآخرا.
120

صورة فتوغرافية للصفحة الأولى من نسخة " ق "
121

صورة فتوغرافية للصفة الأخيرة من نسخة " ق "
122

صورة فتوغرافية للصفحة من الأولى من نسخة " ش "
123

صورة فتوغرافية للصفحة الأخيرة من نسخة " م "
124

صورة فتوغرافية للصفحة الأولى من نسخة " م "
125

صورة فتوغرافية للصفحة الأولى من نسخة " مش "
126

رياض المسائل
تأليف
الفقيه المدقق
السيد على الطباطبائي
المتوفى سنة 1231 ه‍ ق
الجزء الأول
127

كتاب الطهارة
129

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين.
(كتاب الطهارة)
(وأركانه أربعة):
(الأول (1): في المياه) جمعه باعتبار تعدد أفراده، والمراد بها الأعم من
الحقيقة والمجاز (والنظر في المطلق والمضاف والأسئار. أما المطلق) وهو ما
يستحق إطلاق الاسم من دون توقف على الإضافة، ولا يخرجه عنه وقوع التقييد
بها في بعض الأفراد (فهو) مطلقا (طاهر) في نفسه (مطهر (2)) له ولغيره
بالكتاب والسنة والاجماع، قال الله تعالى: " وينزل عليكم من السماء ماء
ليطهركم به " (3) وقال أيضا: " وأنزلنا من السماء ماء طهورا " (4).
والمناقشة فيهما بأخصيتهما من وجهين (5) من حيث إن الماء فيهما مطلق فلا
يعم جميع مياه السماء مع اختصاصهما بمائها فلا يعمان غيره، فلا يعمان المدعى
مدفوعة (6) بورودهما في مقام الامتنان المناسب للتعميم - كما صرح به جمع - مضافا

(1) في المتن المطبوع " الركن الأول ".
(2) كذا في النسخ، وفي المتن المطبوع " فهو في الأصل طاهر ومطهر ".
(3) الأنفال: 11.
(4) الفرقان: 48.
(5) في نسخة ق " من وجهين، الأول اختصاصهما بماء السماء، ومع ذلك ليسا عامين فيه، لكون الماء فيهما
نكرة في سياق الاثبات " من حيث إلخ " وفي م كذلك، إلا أنه ليس فيها " من وجهين ".
(6) في نسخة ش " مردودة ".
130

إلى عدم القول بالفصل، فيندفع به أحدهما ويندفع الآخر بالاجماع المزبور
وبما (1) يستفاد من الكتاب والسنة من كون مياه الأرض بأجمعها من السماء،
صرح به الصدوق في الفقيه (2) وغيره. قال الله تعالى: " وأنزلنا من السماء ماء
بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون " (3) وروى القمي في
تفسيره عن مولانا الباقر - عليه السلام - قال: " هي الأنهار والعيون والآبار " (4)
وقال تعالى أيضا: " ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض
ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه " (5) وقال تعالى أيضا: " هو الذي أنزل من
السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر " إلى قوله: " ينبت لكم به
الزرع " (6) فتأمل.
وفي الأخير بعدم جواز حمل الطهور على بابه من المبالغة في أمثاله: بناء على
أن المبالغة في " فعول " إنما هي بزيادة المعنى المصدري فيه ك‍ " أكول " وكون
الماء (7) مطهرا لغيره أمر خارج عن أصل المعنى، فلا بد أن يكون بمعنى الطاهر
مدفوعة أيضا، إما بكون المراد منه المعنى الاسمي، أي " ما يتطهر به " الذي هو
أحد معانيه، كما هو المشهور بين أهل اللغة - نقله جمع من الخاصة والعامة - وإن
احتيج في وصفه به حينئذ إلى نوع تأويل. أو بكونه بمعنى " الطاهر المطهر " كما
هو المصرح في كتب جماعة من أهل اللغة، كالفيومي وابن فارس - عن
ثعلب - والأزهري وابن الأثير. ونقل بعض: أن الشافعية نقلت ذلك

(1) في نسخة ق " وربما يستفاد من الكتاب والسنة كون مياه الأرض الخ ".
(2) من لا يحضره الفقيه: باب المياه وطهرها ونجاستها ج 1 ص 5.
(3) المؤمنون: 18.
(4) تفسير القمي: ج 2 ص 91.
(5) الزمر: 21.
(6) النحل: 10 و 11.
(7) في نسخة ق " وكون الطهور ".
131

عن أهل اللغة، ونقله عن الترمذي وهو من أئمة اللغة. ويستفاد من الأول
كون الأكثر عليه. بل وعن الشيخ كونه متفقا عليه بين أهل اللغة، قال: وليس
لأحد أن يقول: إن الطهور لا يفيد في لغة العرب كونه مطهرا، لأنه خلاف
على أهل اللغة، لأنهم لا يفرقون بين قول القائل: " هذا ماء طهور " و " هذا ماء
مطهر " (1) ثم دفع القول بعدم كونه بمعناه - من جهة عدم تعدية اسم فاعله
والمتعدي من الفعول في لغة العرب مستلزم لكونه فاعله كذلك - بعدم الخلاف
بين النحاة في أنه موضوع للمبالغة وعدم حصول المبالغة على ذلك الوجه
لا يستلزم عدم حصولها بوجه آخر، والمراد هنا باعتبار كونه مطهرا.
وبما ذكرنا يظهر ما في الاعتراض عليه بأنه إثبات اللغة بالترجيح، وذلك
لأنه اعتمد حقيقة على اتفاق أهل اللغة، وإنما ذكر ذلك تعليلا بعد الورود،
وغرضه في ذلك الرد على أبي حنيفة لانكاره ذلك معللا بما ذكر (2).
وإنكار وروده في كلام أهل اللغة بهذا المعنى - كما وقع لجماعة من متأخري
الأصحاب - لا وجه له بعد ملاحظة ما ذكرنا، وخصوص صحيحة داود بن فرقد
عن أبي عبد الله عليه السلام - قال: كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة
من بول قرضوا لحومهم بالمقاريض وقد وسع الله تعالى عليكم بأوسع ما بين
السماء والأرض وجعل لكم الماء طهورا، الحديث (3). مضافا إلى قولهم عليهم
السلام - في تعليل الأمر بالتيمم: جعل الله التراب طهورا كما جعل الماء
طهورا (4).
ومما ذكرنا ظهر الدليل على أصل المطلب من جهة السنة. مضافا إلى قول
مولانا الصادق - عليه السلام - فيما رواه المشايخ الثلاثة: الماء كله طاهر حتى

(1) تهذيب الأحكام: ب 10 في المياه وأحكامها ج 1 ص 214.
(2) الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي): ج 13 ص 39.
(3) وسائل الشيعة: ب 1 من أبوا الماء المطلق ح 4 ج 1 ص 100.
(4) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب التيمم ح 2 ج 2 ص 996.
132

تعلم أنه قذر (1).
وهذه الأدلة سوى الأخير عامة في ما ذكرنا من المطهرية لنفسه ولغيره.
إلا أنه ورد في بعض الأخبار: أن " الماء يطهر ولا يطهر " وهو مع
الضعف بالسكوني - على الأشهر - وعدم المقاومة لما تقدم قابل للتأويل القريب،
بحمله إما على أنه لا يطهره غيره، أو على حصول التطهير له مع بقائه على حاله،
وهو في تطهيره به مفقود.
والمراد بمطهريته أنه مطلقا (يرفع الحدث) وهو الأثر الحاصل للانسان عند
عروض أحد أسباب الوضوء والغسل المانع من الصلاة المتوقف رفعه على النية
(ويزيل الخبث) مطلقا وهو النجس - بفتح الجيم - مصدر قولك: نجس الشئ
ينجس فهو نجس (بالكسر) بالنص والاجماع.
(وكله) حتى ما كان عن مادة توجب عدم الانفعال بالملاقاة (ينجس
باستيلاء النجاسة على أحد أوصافه) الثلاثة المعروفة - أعني اللون والطعم
والرائحة - بالاجماع والنصوص المستفيضة العامية والخاصية، دون غيرها
- كالحرارة والبرودة - بلا خلاف عندنا على الظاهر، تمسكا بالأصل والعمومات
واختصاص ما دل على التنجس به بما تقدم.
ويظهر من بعض نوع تردد في حصول النجاسة له بالتغير اللوني (3) لما تقدم
واختصاص النصوص بما سواه. وهو ليس في محله، للاجماع ووقوع التصريح به
في النبوي (4) المشهور المعتضد ضعفه في المقام بالاجماع وغيره من المعتبرة.

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الماء المطلق ح 5 ج 1 ص 100.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الماء المطلق ح 6 ج 1 ص 100.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الطهارة في نجاسة البئر بالملاقاة ص 9 س 10، والحبل المتين: كتاب
الصلاة في طهورية الماء ص 106 س 13.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الماء المطلق ح 9 ج 1 ص 101، أنه قال صلى الله عليه وآله: " خلق الله الماء
طهورا لا ينجسه شئ إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه ".
133

منها: الصحيح المنقول عن بصائر الدرجات عن الصادق - عليه السلام
وفيه: وجئت تسأل عن الماء الراكد، فما لم يكن فيه تغيير أو ريح غالبة - قلت:
فما التغيير؟ قال: الصفرة - فتوضأ منه (1).
ومنها: الرضوي، وفيه: كل غدير فيه من الماء أكثر من كر لا ينجسه ما يقع
فيه من النجاسات، إلا أن يكون فيه الجيف فتغير لونه وطعمه ورائحته، فإذا
غيرته لم يشرب منه ولم يتطهر (2).
ومنها: رواية العلاء بن الفضيل عن الصادق - عليه السلام - عن الحياض
يبال فيها؟ قال: لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول (3).
واحترز با لاستيلاء عن المجاورة وبالنجاسة عن المتنجس، وهو كذلك على
الأشهر الأظهر، لما تقدم. خلافا لمن شذ في الأخير، ولعله لعموم النبوي.
وضعفه بعد ضعف السند وعدم الجابر في المقام ظاهر، فتأمل. ولكنه أحوط.
وهل التغير التقديري كاف أم لا بد من الحسي؟ الأكثر على الثاني،
للأصل والعمومات، وكون المتبادر من " التغيير والغلبة " في الأخبار الحسي
تبادرا حقيقيا أو اطلاقيا. وقيل: بالأول (4)، وهو شاذ ومستنده مضعف،
والاحتياط معه غالبا.
ولا فرق في ذلك بين حصول المانع من ظهور التغير - كما لو وقع في الماء
المتغير بطاهر أحمر دم مثلا - وعدمه، كما إذا توافق الماء والنجاسة في الصفات.
وقول البعض: بالفرق (5) لا وجه له، فتأمل.
وعلى الأول يشترط بقاء الاطلاق وعدم حصول الاستهلاك، وأما مع

(1) بصائر الدرجات: ب 10 في أن الأئمة في أن الأئمة يعرفون الاضمار و... ح 13، ص 239، مع اختلاف يسير.
(2) فقه الرضا (عليه السلام): ب 5 في المياه وشربها والتطهر و... ص 91، مع اختلاف يسير.
(3) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الماء المطلق ح 7 ج 1 ص 104.
(4) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في الماء الراكد ج 1 ص 233.
(5) الحدائق الناضرة: كتاب الطهارة في اعتبار التغير الحسي ج 1 ص 182.
134

عدمها فنجس قولا واحدا، كما صرح به بعض الأصحاب (1). وليس بمطهر مع
فقد الأول خاصة قطعا. وفي زوال طهارته حينئذ احتمال مدفوع بالأصل السالم
عن المعارض، لتعارض الاستصحابين من الجانبين. ومراعاة الاحتياط أولى.
(ولا ينجس الجاري منه) وهو النابع عن عين بقوة أو مطلقا ولو بالرشح،
على إشكال في الأخير (بالملاقاة) للنجاسة مطلقا، ولو كان قليلا على الأشهر
الأظهر، بل عن ظاهر الخلاف (2) والغنية (3) والمعتبر (4) والمنتهى (5) الاجماع
عليه، وربما أشعر به عبارة الذكرى (6) والدليل عليه بعده الأصل وعموم قوله
- عليه السلام -: " كل ماء طاهر " (7) وخصوص الصحيح في البئر: ماء البئر
واسع لا يفسده شئ إلا أن يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح
ويطيب طعمه، لأن له مادة (8).
والتمسك به إما بناء على رجوع التعليل إلى الحكمين فيه - كما هو الظاهر - أو
بناء على ثبوت الأولوية لعدم تأثر الماء با لملاقاة من جهة المادة لو اختص
بالرجوع إلى الأخير، لظهور أنها لو صلحت لرفع النجاسة الثابتة للماء بالتغير،
فصلوحها لدفعها ومنعها عن التأثر بالملاقاة أولى، فتأمل.
ويخرج ما قدمناه من الأدلة على طهورية الماء شاهدا عليه. مع سلامة
الجميع عما يصلح للمعارضة، بناء على عدم عموم فيما دل على نجاسة القليل

(1) الحدائق الناضرة: كتاب الطهارة في اعتبار التغير الحسي ج 1 ص 182.
(2) الخلاف: كتاب الطهارة م 152 في الماء الجاري ج 1 ص 195.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة فيما يحصل به الطهارة ص 489 س 29.
(4) المعتبر: كتاب الطهارة في الماء الجاري ج 1 ص 41.
(5) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في الماء الجاري ج 1 ص 6 س 4.
(6) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الماء الجاري ص 8 س 24.
(7) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الماء المطلق ح 2 ج 1 ص 99.
(8) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الماء المطلق ح 6 ج 1 ص 126.
135

واشتراط الكرية في الماء، لفقد اللفظ الدال عليه. وغاية ما يستفاد منه الاطلاق
والمقام غير متبادر منه، مضافا إلى عدم شيوع القليل منه وما هو مورد للترديد
بالكر وعدمه في زمان الصدور.
ومما ذكرنا ظهر ضعف القول بالحاقه بالراكد، كما نسب إلى العلامة (1)
والسيد في الجمل (2) ومستنده.
(ولا) ينجس (الكثير من) الماء (الراكد) أيضا في الجملة إجماعا
للأصل والعمومات السالمة عن المعارض وخصوص ما يأتي في القليل من
المعتبرة، ومطلقا على المشهور بل كاد أن يكون إجماعا. خلافا لمن شذ حيث
خص ذلك بما عدا مياه الأواني والحياض، لعموم النهي عن استعمال ماء
الأواني. وهو مع كونه أخص من المدعى معارض بعموم ما دل على عدم انفعال
الكر مطلقا، وهو أقوى، لقوة احتمال ورود الأول على ما هو الغالب في مياه
الأواني من نقصها عن الكر. ومع التساوي فالترجيح لجانب الأول يحتاج إلى
دليل، مع أن الأصول والعمومات الخارجة على ترجيح الثاني أوضح دليل.
هذا، مع أن المفيد الذي نسب إليه هذا القول عبارته في المقنعة (3) وإن
أوهمت ذلك، إلا أن ورودها - كمستنده - مورد الغالب محتمل، بل لعله ظاهر،
كما فهمه تلميذه الذي هو أعرف بمذهبه في التهذيب (4)، ولا يبعد أن يكون غيره
كذلك.
ثم إنه هل يعتبر في عدم الانفعال تساوي سطوح الماء؟ أم يكفي الاتصال
مطلقا؟ أو مع الانحدار خاصة دون التسنيم؟ احتمالات بل أقوال خيرها

(1) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في المياه وما يتعلق بها ج 1 ص 6 س 12.
(2) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى): كتاب الطهارة في أحكام المياه ج 3 ص 22، نقلا
بالمعنى.
(3) المقنعة: كتاب الطهارة ب 10 في المياه وأحكامها ص 64.
(4) تهذيب الأحكام: ب 10 في المياه وأحكامها و... ج 1 ص 217 ذيل الحديث 9.
136

أوسطها، إما بناء على اتحاد الماءين عرفا وإن تغايرا محلا فيشمله عموم ما دل على
عدم انفعال الكر، أو بناء على عدم العموم فيما دل على انفعال القليل نظرا إلى
اختصاص أكثره بصور مخصوصة ليس المقام منها وظهور بعض ما لم يكن كذلك
في المجتمع وعدم ظهور غيره في غيره بحيث يشتمل المفروض، فيسلم حينئذ
الأصل والعمومات المقتضية للطهارة بحالها.
وما استدل به للأول: من ظهور اعتبار الاجتماع في الماء وصدق الوحدة
والكثرة عليه من أكثر الأخبار المتضمنة لحكم الكر اشتراطا أو كمية وتطرق
النظر إلى ذلك مع عدم المساواة في كثير من الصور، منظور فيه.
أولا: بأن ظهور اعتبار الاجتماع مما ذكره ليس ظهورا بعنوان الاشتراط
وإنما الظهور نشأ عن كون مورده ذلك، وهو لا ينافي ما دل على العموم الشامل
لغيره.
وثانيا: بأن ظهور الاجتماع وصدق الوحدة والكثرة عرفا أخص من
التساوي الذي اعتبره، لصدق المساواة باتصال مائي الغديرين مع عدم صدق
الأمور المذكورة عليه عرفا، فلا يتم المدعى.
وثالثا: بأنه كما دل على اعتبار ما ذكر في الكر منطوقا فانقدح منه اعتبار
المساواة فيه، كذا دل على اعتباره فيما نقص عنه وينقدح منه اختصاص
التنجس بصورة الاجتماع دون ما إذا اتصل بما يصير معه كرا، فيكون المفروض
حينئذ خارجا عن عموم ما دل على تنجيس القليل، فيتعين فيه القول بالطهارة،
للأصول السليمة عن المعارض.
وما ذكرناه من الوجه لعدم اعتبار المساواة وإن اقتضى إلحاق ما يشابه
المفروض من القليل في الحكم، إلا أن ثبوت التنجس في المجتمع منه يوجب
ثبوته فيه بطريق أولى، مضافا إلى الاتفاق على نجاسة القليل بأقسامه.
(وحكم ماء الحمام) أي ما في حياضه الصغار ونحوها في عدم الانفعال
137

با لملاقاة (حكمه) أي الجاري أو الكثير (إذا كانت له مادة) متصلة بها حين
الملاقاة، بالاجماع منا على الظاهر والمعتبرة.
منها: الصحيح، عن ماء الحمام؟ فقال: هو بمنزلة الجاري (1).
ومنها: ماء الحمام لا بأس به إذا كانت له مادة (2). ومثلها الرضوي (3).
ومنها: ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا (4).
ومنها: ماء الحمام لا ينجسه شئ (5).
ومطلقها يحمل على مقيدها، وقصور الاسناد فيما سوى الأول منجبر
بالشهرة.
وفي اعتبار الكرية في المادة خاصة (6) كما نسب إلى الأكثر أو مع ما في
الحياض مطلقا كما نسب إلى الشهيد الثاني (7) أو مع تساوي سطحي المادة
وما في الحوض أو اختلافهما با لانحدار ومع عدمهما فالأول كما اختاره بعض
المتأخرين وربما نسب إلى العلامة جمعا بين كلماته في كتبه (8) أو العدم
مطلقا كما هو مختار المصنف (9) أقوال، ما عدا الأخير منها مبني على ما
تقدم من الاختلاف في اعتبار تساوي السطوح في الكثير وعدمه، وحيث
قد عرفت عدم الاعتبار ظهر لك صحة القول الثاني، فيتحد حينئذ حكم

(1) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الماء المطلق ح 1 ج 1 ص 110، مع اختلاف يسير.
(2) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الماء المطلق ح 4 ج 1 ص 111.
(3) فقه الرضا (عليه السلام): ب 3 في الغسل من الجنابة وغيرها ص 86 " وماء الحمام سبيله سبيل الماء الجاري إذا
كانت له مادة ".
(4) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب المطلق ح 7 ج 1 ص 112.
(5) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الماء المطلق ح 8 ج 1 ص 112. (6) في المخطوطتين " خاصة مطلقا ".
(7) نسبه في مدارك الأحكام (ص 10 س 4) إليه بقوله: " ورجح جدي - قدس سره - في فوائد القواعد
الاكتفاء بكون المجموع من المادة وما في الحوض كرا الخ ".
(8) راجع كشف اللثام: كتاب الطهارة في الماء المطلق في حكم ماء الحمام ج 1 ص 27 س 28.
(9) المعتبر: كتاب الطهارة في الماء الجاري ج 1 ص 42.
138

المفروض مع غيره، كما نسب إلى الأكثر. ومستنده الأخير إطلاق ما تقدم من
الأخبار. وهو ضعيف، لفقد ما يدل فيه على العموم، وضعف دلالته الاطلاق عليه
من حيث قوة احتمال وروده مورد الغالب، وهو زيادة مواد الحمامات عن
الكر غالبا.
ثم إن هذا لدفع النجاسة عن مياه الحياض. وأما لتطهيرها لو انفعلت
بالملاقاة، فلا، بل لا بد في المادة من اعتبار الكرية بلا خلاف حتى من
المصنف (1)، على ما قيل.
وهل يكفي مقدار الكر فيها؟ أم لا بد فيها من الزيادة بمقدار ما يحصل
الامتزاج لما في الحياض؟ قولان مبنيان على الاختلاف في اعتبار الامتزاج بالماء
الطاهر في تطهير القليل أو الاكتفاء بمجرد الاتصال، ولا ريب أن الأول أحوط
وأولى لو لم نقل بكونه أقوى. وابتناء القول الأول على الثاني دون الأول مبني
على ما هو المشهور: من اعتبار الدفعة العرفية، وأما مع عدم اعتبارها - كما ذهب
إليه جماعة من أصحابنا بناء على عدم الدليل عليها - فيكفي مقدار الكر فيها ولو
قلنا بالأول، كما لا يخفى، وهو غير بعيد. والله العالم.
وفي نجاسة ماء الحياض بالملاقاة حين الاتصال بالمادة مع الشك في كريتها
بناء على اعتبارها فيها خاصة أو مع ما في الحياض وجهان، بل قيل: قولان (2).
وينبغي القطع بالطهارة لو طرأ الشك بعد تيقن الكرية فيها لاستصحابي (3)
بقاء الطهارة والمادة على الكرية وعمومي الأصلين البراءة و " كل ماء طاهر
حتى تعلم أنه قذر " (4). ولو طرأ بعد تيقن نقصها من الكر بكثرة مجئ

(1) المعتبر: كتاب الطهارة في الماء الجاري ج 1 ص 42.
(2) راجع الحدائق الناضرة: كتاب الطهارة في الماء الجاري المقالة الثامنة حكم ماء الحمام ج 1 ص 213.
(3) كذا في النسخة المطبوعة، والظاهر عدم الاحتياج إلى التثنية.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الماء المطلق ح 2 ج 1 ص 99 فيه: قال الصادق - عليه السلام -: " كل
ماء طاهر إلا ما علمت أنه قذر "، وفي ب 4 من أبواب الماء المطلق ح 2 ج 1 ص 106 عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: " الماء كله طاهر حتى تعلم أنه قذر "، لكن في الحدائق الناضرة: كتاب الطهارة
ج 1 ص 245 - حيث يعد من أهم مصادر الرياض - " كل ماء طاهر حتى يعلم أنه قذر ".
139

الماء إليها فلا يبعد ذلك، لتعارضهما من الجانبين، فيبقى الأصلان سالمين عن
المعارض. ومنه يظهر الحكم فيما لو طرأ مع فقد اليقينين.
وأما لو انفعل ما في الحوض ثم اتصل بالمادة المزبورة المشكوك كريتها،
فالأقرب البقاء على النجاسة لاستصحابها السليم عن المعارض وإن احتمل
الطهارة أيضا في الجملة، بمعنى عدم تنجيسه ما يلاقيه بامكان وجود المعارض
من جانب الملاقي الطاهر لمثله، إلا أن الظاهر كون الاستصحاب الأول مجمعا عليه.
(وكذا) حكم (ماء الغيث) مطلقا (حال نزوله) من السحاب حكم
الجاري في عدم الانفعال إذا جرى من ميزاب ونحوه إجماعا ظاهرا حتى من
المعتبر للكرية فيه (1) وعبارته في بعض كتبه وإن أوهمت في بادي النظر خلافه
وإلحاقه بالجاري مطلقا، إلا أن عبارته فيما بعدها تدفع ذلك وتنبئ عن صحة
ما ذكرناه. وكذلك إذا لم يجر على الأشهر، للأصل، واختصاص ما دل على
الانفعال بغير موضع النزاع، وللمعتبرة المستفيضة.
ففي الصحيح: عن رجل يمر في ماء المطر وقد صب فيه خمر فأصاب ثوبه،
هل يصلي قبل أن يغسله؟ فقال: لا يغسل ثوبه ولا رجليه، ويصلي فيه
ولا بأس (2).
وفي آخر: عن السطح يبال عليه فيصيبه السماء فيكف فيصيب الثوب؟
فقال: لا بأس به، ما أصابه من الماء أكثر منه (3).
وفي المرسل: كل شئ يراه المطر فقد طهر (4).

(1) وهو العلامة - قدس سره - في جملة من كتبه، كالمنتهى: ج 1 ص 6. والتحرير: ج 1 ص 4. ونهاية الإحكام: ج 1 ص 228.
(2) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الماء المطلق ح 2 ج 1 ص 108، مع اختلاف يسير.
(3) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الماء المطلق ح 1 ج 1 ص 108.
(4) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الماء المطلق ح 5 ج 1 ص 109، مع اختلاف يسير.
140

خلافا للشيخ في التهذيب (1) والمبسوط (2) وابني حمزة (3) وسعيد (4) لأخبار
أخر.
منها: الصحيح، عن البيت يبال على ظهره ويغتسل من الجنابة ثم يصيبه
المطر أيؤخذ من مائه فيتوضأ به للصلاة؟ فقال: إذا جرى فلا بأس (5). وفي
معناه غيره.
ومنها: الحسن، في ميزابين سالا أحدهما بول والآخر ماء المطر فاختلطا
فأصاب ثوب رجل لم يضره ذلك (6). وفي معناه غيره.
وهو ضعيف، لأن اختصاص مورد الثاني بالجاري لا يستلزم اشتراطه،
وثبوت البأس في مفهوم الأول مع عدم الجريان أعم من النجاسة، فيحتمل
الكراهة. مضافا إلى ضعف الدلالة من وجوه أخر، أظهرها احتمال إرادة
الجريان من السماء المعبر عنه بالتقاطر في كلام الفقهاء. ويقوي هذا الاحتمال
أن حمل الجريان على ما فهمه الشيخ - من الجريان من الميزاب ونحوه - يوجب
خلو ما ذكروه - من اشتراط التقاطر من السماء في عدم الانفعال - من نص
يدل عليه، وهو بعيد. ومحصل هذا الجواب إجمال متعلق الجريان، فكما يحتمل
ما يستدل به للشيخ فكذا يحتمل ما ذكرنا مما لا خلاف فيه.
وربما يتردد بعض المتأخرين في إلحاقه بالجاري مع ورود النجاسة عليه مع
عدم الجريان (7)، التفاتا إلى اختصاص الروايات المتقدمة النافية للبأس عنه بعد

(1) تهذيب الأحكام: ب 10 في المياه وأحكامها و... ج 1 ص 214.
(2) المبسوط: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 6.
(3) الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان أحكام المياه ص 73.
(4) الجامع للشرائع: كتاب الطهارة باب المياه ص 20.
(5) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الماء المطلق ح 2 ج 1 ص 108.
(6) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الماء المطلق ح 4 ج 1 ص 109.
(7) لعله - قدس سره - أشار بذلك إلى ما أفاده صاحب الحدائق - رحمه الله - في المقالة التاسعة في حكم ماء
المطر ج 1 ص 219 - 220.
141

الملاقاة بوروده على النجاسة، ولا دلالة فيها على الحكم المذكور مع العكس،
فينبغي الرجوع فيه إلى القواعد.
وهو ضعيف بما قدمناه من الأصول وعموم المرسلة وإن تضمن صدرها ما في
سابقيها، لعدم تخصيص العام بالمورد الخاص، فتأمل. مع أن قوله - عليه السلام -
في الصحيح المتقدم: " ما أصابه من الماء أكثر منه " في حكم التعليل، وظاهره
جعل العلة خصوص الأكثرية، ولا يختلف فيها الحال في الصورتين بلا شبهة.
هذا، مع أن الصحيحة السابقة صريحة في رده من حيث وقوع التصريح فيها
بصب الخمر في ماء المطر من دون تفصيل بين قلة ذلك الماء وكثرته. وإطلاق
كثير من الأخبار النافية للبأس عنه من دون تقييد بورود الماء شاهد أيضا.
وقصور الأسانيد فيما عدا المرسلة وفيها غير ضائر بعد الاعتضاد بعمل الأصحاب.
مع أن القول بما قاله كاد أن يكون خرقا للاجماع، إذ لم نقف على من نص
على ما ذكره هنا، بل كل من ألحقه بالجاري ألحقه بقول المطلق.
وثبوت القول بالتفصيل المذكور في القليل لجماعة في غير المقام لا يستلزم
ثبوته هنا، لتغايرهما. هذا، مع أن القول به ثمة إنما نشأ عند محققيهم - وتلقاه
المورد في جملة من تحقيقاته بالقول - من عدم العموم فيما دل على نجاسة القليل
با لملاقاة، بناء على اختصاص أكثر أخبارها بصور مخصوصة ليس صورة ورود
الماء على النجاسة منها، وفقد اللفظ الدال على العموم في المطلق من أخبارها، والاكتفاء في دفع منافاة الحكمة بثبوت الحكم بالانفعال في بعض أفراده - وهو
ورود النجاسة عليه - وهذا كما ترى يقتضي عدم التفصيل في المقام، لكون
الصورة المفروضة هنا ليس من أفراد الأخبار الخاصة أيضا والمطلق من أخبارها
لا عموم فيه، فيكفي في دفع منافاة الحكمة بثبوت الحكم بالانفعال في غير ماء
المطر. فالمتجه فيه الرجوع فيه بأنواعه - سوى ما فيه الاجماع على قبوله النجاسة كما
إذا انقطع وكان قليلا وإن كان جاريا - إلى ما اقتضى الطهارة: من الأصل
والعمومات، فما ذكره الأصحاب هو الوجه. والله العالم.
142

(وينجس) الماء (القليل) الناقص عن الكر (من الراكد بالملاقاة)
بالنجاسة مطلقا (على الأصح) وفاقا للمعظم، للاجماع المستفيض نقله عن
جماعة من أصحابنا - وخروج من سيأتي غير قادح في انعقاده عندنا، بل وفي
الجملة عند غيرنا - وللصحاح المستفيضة ومثلها من المعتبرة، بل هي بحسب
المعنى متواترة، وقد صرح به جماعة، ويفصح عنه تتبع الأخبار الواردة في الموارد
الجزئية.
كالصحاح المستفيضة وغيرها في بيان الكر اشتراطا ومقدارا.
منها: الصحيح، عن الماء تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه
الجنب؟ قال: إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ (1) ومثله آخر (2)
ومنها: الصحيح الآخر، عن قدر الماء الذي لا ينجسه شئ؟ فقال: كر،
الحديث (3).
والصحاح والموثقات المستفيضة في يد قذرة، أو وقوع قطرة من دم أو خمر فيه،
أو شرب طير على منقاره دم أو قذر.
ففي الصحيح: عن الدجاجة والحمامة وأشباههما تطأ العذرة ثم تدخل الماء،
يتوضأ منه للصلاة؟ قال: لا إلا أن يكون الماء قدر كر (4).
وفي آخر: عن رجل رعف وهو يتوضأ فقطر قطرة في إنائه هل يصلح الوضوء
منه؟ قال: لا (5).
وفي الموثق: عن رجل معه إناءان وقع في أحدهما قذر لا يدري أيهما هو وليس

(1) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الماء المطلق ح 1 ج 1 ص 117.
(2) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الماء الماء المطلق ح 5 ج 1 ص 118.
(3) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الماء المطلق ح 7 ج 1 ص 118، مع اختلاف يسير.
(4) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الماء المطلق ح 4 ج 1 ص 117، مع اختلاف يسير.
(5) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الماء المطلق ح 1 ج 1 ص 112، مع اختلاف يسير.
143

يقدر على ماء غيره؟ قال: يهريقهما جميعا ويتيمم (1).
وكالصحاح وغيرها المستفيضة في الأواني التي شرب منها نجس العين أو وقع
فيها ميتة.
ففي الصحيح: عن الكلب يشرب من الإناء؟ قال: اغسل الإناء (2) ومثله
الآخر: إلا أن فيه: واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء (3).
وفي آخر: عن خنزير شرب من إناء كيف يصنع به؟ قال: يغسل سبع
مرات (4).
وغير ذلك من الموارد التي يقف عليها المتتبع، وقد جمع منها بعض
الأصحاب مائتي حديث. ووجه دلالتها على المرام لنهاية وضوحه لا يحتاج إلى
تطويل في الكلام، فالوجه الانفعال.
خلافا للعماني، فقال بالعدم مطلقا (5) لأخبار أسانيد أكثرها قاصرة، وهي
مع ذلك غير صريحة الدلالة، بل ولا ظاهرة، فأقواها: الحسن، عن الرجل الجنب
ينتهي إلى الماء القليل في الطريق ويريد أن يغتسل منه وليس معه إناء يغرف به
ويداه قذرتان؟ قال: يضع يده ويتوضأ ثم يغتسل، الحديث (6).
والاستدلال به يتوقف على ثبوت الحقيقة الشرعية في كل من " القذر "
و " القليل " في المعنى المعروف، ومع ذلك تضمن الوضوء مع غسل الجنابة،
ولا يقول به، وعلى تقدير سلامة الكل عن الكل فهي لمقاومة ما مر من الأدلة غير
صالحة وإن اعتضدها الأصل والعمومات، لكون الأخبار الأولة خاصة معتضدة

(1) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الماء المطلق ح 2 ج 1 ص 113.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الأسئار ح 3 ج 1 ص 162.
(3) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الأسئار ح 4 ج 1 ص 163.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الأسئار ح 2 ج 1 ص 162.
(5) كما في المعتبر: كتاب الطهارة ج 1 ص 48.
(6) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الماء المطلق ح 5 ج 1 ص 113.
144

بعد التواتر بعمل الطائفة.
وفي دعوى تواتر النبوي الحاصر لنجاسة الماء فيما إذا تغير أحد أوصافه
الثلاثة بالنجاسة نظر، إذ لم نجد لحديث منه في كتبنا المشهورة عينا ولا أثرا،
ومع ذلك فهو كمثله مخصص بما تقدم من الأدلة. وقيل في انتصار هذا القول
اعتبارات ضعيفة ووجوه هينة لا جدوى في التعرض لها والجواب عنها.
وخلافا للشيخ فما لا يكاد يدركه الطرف من النجاسة مطلقا، كما في
المبسوط (1) أو من الدم خاصة كما في الاستبصار (2)، للصحيح: عن رجل
رعف فامتخط فصار الدم قطعا صغارا فأصاب إناءه هل يصلح الوضوء منه؟
فقال: إن لم يكن شئ يستبين في الماء فلا بأس (3)، ولعسر الاحتراز عنه.
وهو شاذ، والصحيح غير دال، والأخير ممنوع. ومع ذلك فهو لتخصيص
ما تقدم غير صالح.
وللمرتضى وبعض من تأخر فيما إذا ورد الماء على النجاسة (4)، لاعتبارات
ضعيفة يدفعها عموم المفهوم فيما اشترط فيه الكرية، وخصوص الصحيح وغيره
المتقدم في المبحث السابق الدال بمفهومه على عدم التطهير بماء المطر الوارد على
النجاسة إذا لم يكن جاريا، فغيره بطريق أولى، لكنه على قول أو احتمال، وأما
على غيرهما فهو نص في المطلوب، وحصول التطهير بالمتنجسات حال التطهير
كحجر الاستنجاء وغيره، مع إشعار الصحيح الآمر بغسل الثوب في المركن
مرتين (5) بذلك، لكون الغالب في غسله فيه وروده عليه، والمركن - على ما في
الصحاح - الإجانة التي تغسل فيه الثياب.

(1) المبسوط: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 7.
(2) الاستبصار: ب 10 في الماء القليل... ج 1 ص 23 ذيل الحديث 12، و ح 12.
(3) الاستبصار: ب 10 في الماء القليل... ج 1 ص 23 ذيل الحديث 12، و ح 12.
(4) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): المسألة الثالثة ص 215.
(5) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب النجاسات ح 1 ج 2 ص 1002.
145

(وفي تقدير الكر) (1) وزنا (روايات أشهرها) المنقول عليه الاجماع
المستفيض المرسل كالصحيح - على الصحيح - الكر من الماء الذي لا ينجسه
شئ (ألف ومائتا رطل) (2) وفي حكمه الصحيح المؤول إليه بالنهج الصحيح.
وغيره المخالف له باعتبار التقدير بحب مخصوص أو قلتين أو أكثر من رواية (3) - مع
شذوذه وضعف سند أكثره - مطروح أو مؤول.
(وفسره) أي الرطل المشهور ومنهم (الشيخان بالعراقي (4) الذي وزنه على
المشهور المأثور مائة وثلاثون درهما - وعلى قول شاذ موافق لبعض العامة مائة وثمانية
وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم - (5) للأصل والعمومات وخصوص " كل ماء
طاهر حتى تعلم أنه قذر " والاحتياط في وجه، ومناسبة الأشبار وما تقدم
من التقادير الأخر، والصحيح المقدر له بستمائة رطل (6) لوجوب حمله على المكي
المضعف على العراقي بمثله مرة بالاجماع وشهادة حال الراوي الذي هو من أهل
توابعه، وفيه شهادة أخرى على إرادة ذلك من المرسل من حيث كون السائل
فيه عراقيا لمراعاة حال السائل فيه هنا مع كون الإمام مدنيا، فكذلك
هناك.
ويؤيده تقديره في الأغلب بذلك، بل ربما يستفاد من بعض الأخبار شيوع
ذلك، ففي رواية في الشن الذي ينبذ فيه التمر للشرب والوضوء: وكم كان يسع
الماء؟ قال ما بين الأربعين إلى الثمانين إلى فوق ذلك، قلت: بأي الأرطال؟

(1) في المتن المطبوع " وفي تقدير الكثرة ".
(2) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الماء المطلق ح 1 ج 1 ص 123.
(3) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الماء المطلق ح 8 و 9 ج 1 ص 104. و ح 7 و 8 من ب 10 ص 123.
(4) المقنعة: باب المياه وأحكامها ص 64، الاستبصار: باب 2 كمية أنكر ج 1 ص 11.
(5) تحرير الأحكام: كتاب الزكاة في زكاة الغلات ج 1 ص 62 س 35، ومنتهى المطلب: كتاب الزكاة
في زكاة الغلات ج 1 ص 497 س 17 - 18.
(6) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الماء المطلق ح 3 ج 1 ص 124.
146

قال: بأرطال مكيال العراق (1).
وآخرون بالمدني الذي يزيد عليه بنصفه - كما في الخبر - للاحتياط، ومراعاة
بلد الإمام - عليه السلام - وأصالة عدم تحقق ما هو شرط في عدم الانفعال.
والأول مع عدمه كونه دليلا معارض بمثله، وكذلك الثاني مع أرجحيته بما
تقدم، ومثلهما الثالث بناء على أن اشتراط الكرية في عدم الانفعال ملزوم
لاشتراط عدمها في ثبوته، فأصالة عدمها بناء على صحتها هنا معارض لمثلها في
الحكم، وبعد التساقط وبعد التسليم فحكم ما دل على حكم الطهارة عن
المعارض سليم.
وفي تقديره بالمساحة أيضا روايات وأقوال أشهرها: ما بلغ كل من طوله
وعرضه وعمقه ثلاثة أشبار ونصفا، للموثق (2) وغيره، والاجماع المنقول.
وأسقط القميون النصف، للصحيح (3) وغيره.
وفي الصحيح: أنه " ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته " (4) ومال إليه بعض (5).
والراوندي: ما بلغ مجموع أبعاده الثلاثة عشرة أشبار ونصفا (6). وأول بما
يرجع إلى الأول بحمله على ما إذا تساوت الأبعاد.
والسيد بن طاوس اكتفى بكل ما روي جمعا وأخذا بالمتيقن (7). ويرجع إلى
الثاني، فالزائد مندوب.
والأول لو لم نقل بكونه الأقرب فلا ريب في كونه الأحوط في الأغلب.

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الماء المضاف ح 2 ج 1 ص 147، مع اختلاف يسير.
(2) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الماء المطلق ح 6 ج 1 ص 122.
(3) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الماء المطلق ح 4 ج 1 ص 122
(4) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الماء المطلق ح 1 ج 1 ص 121
(5) مال إليه المحقق - قدس سره - في المعتبر: كتاب الطهارة ج 1 ص 46.
(6) كما في مختلف الشيعة: باب المياه من كتاب الطهارة ج 1 ص 4 س 8.
(7) كما في ذكرى الشيعة: ص 8 السطر الأخير.
147

(وفي نجاسة) ماء (البئر) وهي مجمع ماء نابع من الأرض لا يتعداها غالبا
ولا يخرج عن مسماها عرفا (بالملاقاة) للنجاسة من دون تغيير (قولان)
مشهوران (أظهرهما) عند المصنف تبعا للمشهور بين القدماء بل المجمع عليه
بينهم كما عن الانتصار (1) والغنية (2) والسرائر (3) والمصريات للمصنف (4)
لكن في الأخيرين عدم الخلاف (التنجيس) لورود الأمر بالنزح في وقوع كثير
من النجاسات فيها - وهو فرع كونه للوجوب وثبوت التلازم بينه وبين النجاسة،
وهما هنا في محل المنع، مضافا إلى وروده فيما ليس بنجس إجماعا - وللصحاح
وغيرها أقواها الصحيح: عن البئر يقع فيها الحمامة والدجاجة والفأرة والكلب
والهرة؟ فقال يجزيك أن تنزح منها دلاء، فإن ذلك يطهرها إن شاء الله (5).
ويتلوه في القوة الآخر: عن البئر تكون في المنزل للوضوء فيقطر القطرات من
بول أو دم أو يسقط فيها شئ من عذرة كالبعرة ونحوها، ما الذي يطهرها حتى
يحل الوضوء منها؟ فوقع بخطه في كتابه: ينزح منها دلاء (6).
وغيرهما ضعيف الدلالة جدا، وهما وإن قويت الدلالة فيهما، إلا أن
الاكتفاء بنزح الدلاء المطلق للمذكورات فيهما مع اختلاف تقاديرها إجماعا
يوهن التمسك بهما. مع كون الثانية - مضافا إلى كونها مكاتبة - غير صريحة الدلالة
بل ولا ظاهرة، من حيث وقوع لفظ التطهير في كلام الراوي، والتقرير حجة مع
عدم احتمال مانع من الرد، وهو في المقام ثابت، لاحتمال كون الوجه فيه التقية،
بناء على كون النجاسة مذهبا لأكثر العامة، ويشهد له كونها مكاتبة.

(1) الإنتصار: كتاب الطهارة المسألة الرابعة ص 11.
(2) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة فيما يحصل به الطهارة ص 489 س 36.
(3) السرائر: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 69.
(4) جوابات المسائل المصريات: المسألة الرابعة. وليس فيها عدم الخلاف، فالمراد من " الأخيرين "
الغنية والسرائر.
(5) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب الماء المطلق ح 2 ج 1 ص 134، مع اختلاف يسير.
(6) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الماء المطلق ح 21 ج 1 ص 130، مع اختلاف يسير.
148

ومع ذلك فهما معارضتان بالأصل والعمومات - عموما في كل شئ
وخصوصا في الماء - واختلاف الأخبار في مقادير نزح النجاسات جدا، وعموم
ما دل على عدم نجاسة الكر بالملاقاة منطوقا أو فحوى قطعيا لكنه في الجملة،
والصحاح المستفيضة وغيرها.
منها: الصحيحان، ماء البئر واسع لا يفسده شئ إلا أن يتغير (1). وزيد في
أحدهما: ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح ويطيب الطعم، لأن له
مادة (2). وفيهما وجوه من الدلالة.
ومنها: الصحيح، عن بئر ماء وقع فيها زنبيل من عذرة رطبة أو يابسة أو
زنبيل من سرقين، أيصلح الوضوء منها؟ قال: لا بأس (3).
ومنها: الصحيح، لا يغسل الثوب ولا تعاد الصلاة مما وقع في البئر إلا أن
ينتن، فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة (4). وفي معناه غيره من المعتبرة.
والمناقشات فيما ذكر ضعيفة جدا لا يلتفت إليها.
فإذن الأظهر القول بالطهارة مطلقا، وفاقا لجماعة من القدماء وأكثر
المتأخرين.
وفي قول التفصيل بين ما بلغ كرا فالثاني وما لم يبلغ فالأول، للخبر " إذا
كان الماء في الركي كرا لم ينجسه شئ " (5) وفي معناه الرضوي، (6) مضافا إلى
عموم ما دل على اعتبار الكرية في عدم نجاسة الماء.
وهو ضعيف، لقصور الجميع عن المقاومة لما تقدم، مضافا إلى ضعف الأولين

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الماء المطلق ح 10 ج 1 ص 105.
(2) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الماء المطلق ح 6 ج 1 ص 126.
(3) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الماء المطلق ح 8 ج 1 ص 127.
(4) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الماء المطلق ح 10 ج 1 ص 127.
(5) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الماء المطلق ح 8 ج 1 ص 118، مع اختلاف يسير.
(6) فقه الرضا - عليه السلام -: ب 5 في المياه وشربها ص 91.
149

وعدم عموم في الثالث.
وعلى الثاني: فهل النزح الوارد في الأخبار لمحض الملاقاة على الاستحباب أو
الوجوب؟ الأقرب الأول، وفاقا للأكثر، ولما تقدم من الاختلاف في مقادير
النزح. ونسب إلى التهذيب الثاني (1)، وهو خيرة المنتهى. (2) وهو ضعيف.
(وينزح) وجوبا أو استحبابا (لموت البعير) وهو من الإبل بمنزلة
" الانسان " يشمل الذكر والأنثى والصغير والكبير (و) كذا ل‍ (لثور) وقيل:
هو الذكر من البقر، والأولى اعتبار إطلاق اسمه عرفا مع ذلك، فلا يلحق به
الصغير منه، للشك فيه (و) كذا ل‍ (انصباب الخمر) فيها (ماؤها أجمع) بلا
خلاف في الأول والثالث للصحيحين: وإن مات فيها بعير أو صب فيها خمر
فلينزح (3). لكن في أحدهما بدل " البعير " " ثور " والاستدلال به للأول على
هذا بفحوى الخطاب أو بوجود " أو نحوه " في بعض النسخ ولا ريب في دخوله فيه.
وفي رواية في الأول وفي الحمار كر من ماء (4) وهو مع شذوذه هنا ضعيف.
وعلى الاستحباب فالعمل بها غير بعيد للمسامحة وانجبارها في الجملة لكنه مع
السابق مرتب في الفضيلة.
وعلى الأشهر الأظهر في الثاني لأحد الصحيحين - خلافا لمن شذ فكر من
ماء. وهو ضعيف، لكن يأتي فيه ما تقدم
ومقتضى الأصل في الجملة واختصاص العبارة والصحيحين وغيرهما
بصورة الصب عدم نزح الجميع لوقوع قطرة من الخمر، بناء على عدم اطلاق
" الصب " عليه. وهو حسن اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد النص.

(1) تهذيب الأحكام: ب 11 في تطهير المياه من النجاسات ج 1 ص 232.
(2) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في ماء البئر ج 1 ص 11 س 4.
(3) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الماء المطلق ح 6 ج 1 ص 132 مع اختلاف يسير، والآخر: ب 15
من أبواب الماء المطلق ح 1 ج 1 ص 131.
(4) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الماء المطلق ح 5 ج 1 ص 132.
150

والأشهر خلافه. ومستنده بالخصوص غير واضح، ومع ذلك لا بأس به
للاحتياط بناء على المختار للتسامح في مثله. وربما قيل في القطرة منها بعشرين
دلوا (1)، للخبر (2). وهو ضعيف. وفي آخر مثله ثلاثون (3).
(وكذا قال الثلاثة) الشيخان والمرتضى (4) وغيرهم، بل عليه الاجماع في
الغنية (5) والسرائر (6) (في) وقوع (المسكرات) المائعة بالأصالة. ومستنده غير
واضح، فيلحق بما لا نص فيه. لكنه مع ذلك غير بعيد، أما على ما اخترناه
فظاهر، وأما على غيره فلاطلاق لفظ " الخمر " عليها في الأخبار، كقوله - صلى
الله عليه وآله -: " كل مسكر خمر " (7) وقوله: " ما أسكر كثيره فالجرعة منه
خمر " (8) وقوله -: " الخمر من خمسة: العصير من الكرم، والنقيع من الزبيب،
والبتع من العسل، والمرز من الشعير، والنبيذ من التمر " (9) وقول مولانا الكاظم
- عليه السلام -: " ما فعل فعل الخمر فهو خمر " (10) وقوله - عليه السلام -: " ما
كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر " (11) والاستعمال فيها إما على الحقيقة - كما نقل
عن بعض أهل اللغة هنا وقال بها بعض أصحابنا مطلقا (12) - أو المجاز والاستعارة،

(1) أفتى به الصدوق - رحمه الله - في المقنع (الجوامع الفقهية): ص 4 س 12.
(2) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الماء المطلق ح 2 و 3 ج 1 ص 132.
(3) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الماء المطلق ح 2 و 3 ج 1 ص 132.
(4) المقنعة: كتاب الطهارة ب 11 في تطهير المياه من النجاسات ص 67، تهذيب الأحكام: ب 11 في
تطهير المياه من النجاسات ج 1 ص 240. وحكاه عن السيد العلامة في المنتهى: كتاب الطهارة في المياه ج 1
ص 12 س 21.
(5) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة فيما يحصل به الطهارة ص 490 س 8 و 16.
(6) السرائر: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 70.
(7) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الأشربة المحرمة ح 5 ج 17 ص 260.
(8) أمالي الشيخ الطوسي: ج 1 ص 388.
(9) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الأشربة المحرمة ح 1 ج 17 ص 221.
(10) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الأشربة المحرمة ح 2 ج 17 ص 273
(11) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الأشربة المحرمة ح 1 ج 17 ص 273
(12) قال المحقق - قدس سره -: والأنبذة المسكرة عندنا في التنجيس كالخمر، لأن المسكر خمر فيتناوله
حكم الخمر. المعتبر: ج 1 ص 424.
151

ومقتضاه الاشتراك في جميع وجوه الشبه مطلقا أو المتعارفة منها، وما نحن فيه
منها.
هذا، مضافا إلى الاجماع المتقدم نقله، وإن كان في التمسك بمثله في مثل
المقام نوع كلام.
(و) لعله لما ذكر (ألحق الشيخ) بها (الفقاع) (1) بضم الفاء، بل وغيره
أيضا وفي الكتابين المتقدمين الاجماع هنا أيضا (2)، لا طلاق " الخمر " عليه بالخصوص
في كثير من الأخبار، وفي بعضها أنه خمر مجهول " (3) أو " خمر استصغرها
الناس " (4) فتأمل.
(و) ألحقوا أيضا بها (المني) مما له نفس سائلة (والدماء الثلاثة)
الحيض والنفاس والاستحاضة. ومستنده غير واضح سوى الالحاق بغير
المنصوص مع القول بنزح الجميع فيه، ولكن ذكرها بالخصوص من بين أفراده
لم يظهر وجهه. نعم: في الكتابين الاجماع عليه (5).
(فإن غلب الماء) فتعذر نزح جميعه (تراوح) تفاعل من الراحة، لأن كل
اثنين يريحان صاحبيهما (عليها قوم) كما في موثقة عمار (6)، أو أربعة رجال كما
في الرضوي (7)، وعليه فلا يجزي النساء والصبيان بل وعلى الأول أيضا بناء
على المشهور: من عدم صدقه عليهم أو عدم تبادرهم منه، فيقتصر فيما خالف

(1) المبسوط: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 11.
(2) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في النجاسات ص 490 س 8 و 16، والسرائر: كتاب
الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 70.
(3) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الأشربة المحرمة ح 8 ج 17 ص 288.
(4) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب الأشربة المحرمة ح 1 ج 17 ص 292.
(5) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة فيما يحصل به الطهارة ص 490 س 8 و 16، السرائر:
كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 70.
(6) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الماء المطلق ح 1 ج 1 ص 143.
(7) فقه الرضا (عليه السلام): ب 5 في المياه وشربها و... ص 94.
152

الأصل على المتيقن وهو الأشهر. واحتمل الاجزاء بهن المصنف في المعتبر (1)
وتبعه في المنتهى (2)، بل وقطع به في التذكرة (3)، وهو ضعيف (اثنان اثنان)
فلا يجزي الأنقص وإن نهض بعلمهم على الأظهر الأشهر، اقتصارا على مورد
النص، خلافا للمنتهى في الناهض بعلمهم (4)، وهو ضعيف. واطلاق خبر عمار
يقتضي جواز الزيادة عليهم - كما هو المشهور - لكن الرضوي خصه بالأربعة،
ولعله لبيان أقل ما يجب. وربما علل الجواز بفحوى الخطاب، وهو كما ترى!
(يوما) قصيرا كان أو طويلا، كاملا من طلوع الفجر الثاني إلى الليل على
الأشهر، اقتصارا على المتيقن. وربما قيل: من طلوع الشمس (5)، وهو محتمل، لكن
الأول أحوط.
على التقديرين فلا بد من ادخال جزء من الليل متأخرا وجزء منه أو من
قبل طلوع الشمس فيه متقدما من باب المقدمة. وتهيئة الأسباب قبل ذلك.
ولا يجزي مقدار اليوم من الليل ولا الملفق منهما. ويجوز لهم الصلاة جماعة
لا جميعا بدونها - كما قيل (6) - ولا الأكل كذلك، لعدم المانع في الأول وعدم صدق
نزح اليوم في الباقي (7). وربما قيل بجوازه أيضا، لقضاء العرف بذلك (8) فعدم
الصدق ممنوع. وهو محتمل لكن الأول أولى وأحوط.
والحكم في أصله مما لا خلاف فيه، بل عن الغنية الاجماع عليه (9)، فيجبر

(1) المعتبر: كتاب الطهارة في تطهير البئر ج 1 ص 77.
(2) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في منزوحات البئر ج 1 ص 12 السطر الأخير.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في منزوحات البئر ج 1 ص 4 س 36.
(4) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في منزوحات البئر ج 1 ص 13 س 2.
(5) لم أجد من صرح بهذا. نعم يمكن أن يستفاد من كلام صاحب المدارك (ص 10 س 33) حيث
احتمل الاكتفاء فيه من أوله بما ينصرف إليه الاطلاق في الإجارة والنذر ونحوهما.
(6) صرح بذلك الشهيد - قدس سره - في مسالك الأفهام: ج 1 ص 3 س 16.
(7) في نسخة م " الثاني ". (8) صرح به في مدارك الأحكام: ص 10 س 34.
(9) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة فيما يحصل به الطهارة ص 490 س 7 و 16.
153

به قصور سند الخبرين وتهافت الأول مع غيره فيه أيضا لو كان لو قلنا بالنجاسة
بالملاقاة، وإلا فلا احتياج لنا إليه بناء على التسامح في أدلة السنن.
(و) ينزح (لموت الحمار والبغل) فيها مقدار (كر) (1) بلا خلاف في
الأول، للخبر عما يقع في البئر، إلى أن قال: " حتى بلغت الحمار والجمل،
فقال: كر من ماء " (2) ونقله في المعتبر بزيادة " والبغل " (3) وهو الموجود في
بعض نسخ التهذيب (4)، ولعله لهذا اشتهر الحكم به في الثاني أيضا. وعن
الصدوق الاقتصار به في الأول (5). وضعف السند والاشتمال على ما لا يقول به
أحد غير قادح في التمسك به بعد اشتهار العمل بمضمونه، مضافا إلى دعوى
الاجماع عليه في الغنية (6).
مع أن هذا الاعتذار على المختار غير محتاج إليه.
(وكذا قال الثلاثة في) موت (الفرس) المعبر عنه بالدابة (والبقر)
واشتهر بعدهم هذا القول حتى ادعي الاجماع عليه في الأول في الغنية (7).
ومستندهم غير ظاهر وإن ادعي دلالة الخبر المتقدم عليه، ولكنه مشكل. فالوجه
الحاقه بغير المنصوص، وإن كان على المختار متابعتهم لا بأس به أيضا.
(و) ينزح (لموت الانسان) فيها (سبعون دلوا) للاجماع كما في الغنية (8)

(1) في المتن المطبوع " ولموت البغل والحمار ينزح كر ".
(2) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الماء المطلق ح 5 ج 1 ص 132.
(3) المعتبر: كتاب الطهارة في منزوحات البئر ج 1 ص 57.
(4) وجدناه في هامش مصورة عن نسخة مخطوطة موجودة في مكتبة المشهد المقدس الرضوي بالرقم 11178.
(5) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة باب ما يقع في البئر ص 4 س 6، والهداية (الجوامع
الفقهية): باب المياه ص 48 س 20.
(6) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة فيما يحصل به الطهارة ص 290 س 10 و 16.
(7) نفس المصدر.
(8) نفس المصدر س 11.
154

والمنتهى (1) وظاهر المعتبر (2) والخبر الموثق (3) فيه " ينزح منها سبعون دلوا " (4) ولا فرق
بين ما إذا كان ذكرا أو أنثى صغيرا أو كبيرا مسلما أو كافرا إن لم نوجب
الجميع لما لا نص فيه، وإلا اختص بالمسلم في قول قوي، خلافا للأشهر
لاطلاق النص، وفي شموله للكافر نوع نظر، وعلى تقديره فالحيثية معتبرة
كاعتبارها في جميع موجبات النزح، فيكون الأمر بنزح السبعين مرتبا على موت
الانسان من حيث هو هو كافرا كان أو مسلما، وهو حينئذ لا يقتضي الاكتفاء
به مطلقا، ولذ لو استصحب المسلم منيا أو غيره مما يوجب نزح الجميع مثلا
ومات فيه وجب حينئذ نزح الجميع، كما تقدم. وليس في النص دلالة على
الاكتفاء بالسبعين حينئذ.
وربما فصل بين وقوعه فيها ميتا فالسبعين أو حيا فمات فالجميع لعموم
النص في الأول، وثبوت نزح الجميع قبل الموت وهو لا يزيله في الثاني. ومورد
النص كما ترى هو الأخير، وهو ظاهر في ملاقاته له حيا، وتسليم العموم فيه
للكافر يقتضي الاكتفاء بالعدد في الثاني أيضا.
ويلحق بموته فيها وقوعه فيها ميتا ولم يغسل ولم يقدم الغسل إن وجب قتله
فقتل لذلك، وإن تيمم أو كان شهيدا إن نجسناه.
(و) ينزح (ل‍) وقوع (العذرة) اليابسة وهي فضلة الانسان، كما عن
تهذيب اللغة الغريبين ومهذب الأسماء (عشرة) دلاء، بلا خلاف كما عن
السرائر (5) بل الاجماع كما عن الغنية (6). وليس في النص - كما سيأتي - اعتبار

(1) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في منزوحات البئر ج 1 ص 13 س 18.
(2) المعتبر: كتاب الطهارة في منزوحات البئر ج 1 ص 62.
(3) كلمة " الموثق " في الخطيتين غير موجود.
(4) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب الماء المطلق ح 2 ج 1 ص 141.
(5) السرائر: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 79.
(6) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة فيما يحصل به الطهارة ص 490 س 13 و 16.
155

هذا القيد، بل المستفاد منه اعتبار عدم الذوبان، وهي حينئذ أعم من اليابسة وما قابلها.
(فإن ذابت) كما عن الصدوق (1) والسيد (2) أو كانت رطبة كما عن
النهاية (3) والمبسوط (4) والمراسم (5) والوسيلة (6) والاصباح (7) (فأربعون أو
خمسون) كما عن الصدوق، لظاهر النص " عن العذرة تقع في البئر؟ قال: ينزح
منها عشرة دلاء، فإن ذابت فأربعون أو خمسون دلوا " (8) ويتحتم الأخير على
المشهور، لاستصحاب النجاسة واحتمال كون الترديد من الراوي. والظاهر من
الذوبان الميعان، ويكفي فيه ميعان البعض، لعدم الفرق بين القليل والكثير.
وربما فسر في المشهور بالتقطع، ولعله لتبادره منه بالنسبة إليها، ولعله لهذا قيدها
المصنف وغيره في الأول باليابسة بناء على أن الغالب في وقوع الرطبة تحققه،
فتنزيل التفصيل في النص على الغالب يستلزم التقييد بها في الأول، فلو كان
المراد منه الرطبة أيضا لما كان بينه في الأغلب وبين الثاني فرق، وقد فرق،
فتعين حمله على اليابسة لعدم غلبة التقطع فيه. ومنه يظهر الوجه في تبديل من
تقدم الذوبان بالرطوبة، فتأمل.
(وفي) مقدار ما ينزح منها بوقوع (الدم) فيها (أقوال) أشهرها بل عليه
الاجماع في الغنية (9) وعدم الخلاف إلا عن المفيد في السرائر (10) خمسون للكثير

(1) الهداية (الجوامع الفقهية): باب المياه ص 48 س 22.
(2) كما في المعتبر: كتاب الطهارة في منزوحات البئر ج 1 ص 65.
(3) النهاية: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ص 7.
(4) المبسوط: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 12.
(5) المراسم: كتاب الطهارة فيما يتطهر به وهو المياه ص 35.
(6) الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان أحكام المياه ص 75.
(7) كما في كشف اللثام: كتاب الطهارة في تطهير ماء لبئر ج 1 ص 37 س 10.
(8) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب الماء المطلق ح 1 ج 1 ص 140.
(9) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة فصل فيما يحصل به الطهارة ص 490 س 11.
(10) السرائر: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 79.
156

نفسه على الأشهر أو بالنسبة إلى البئر على قول، وعشرة للقليل كذلك. وعنه في
المقنعة عشرة في الكثير وخمس في القليل (1). وعن مصباح السيد أنه ينزح له
مطلقا ما بين دلو واحد إلى عشرين (2). وعن المقنع في القطرات من الدم
عشرة. (3) وربما ظهر منه عشرين في كلام منه فيه أيضا. ومستندهم من النص
غير واضح.
(والمروي) في الصحيح (في دم ذبح الشاة) الذي هو عندهم من
الكثير أنه ينزح منها (من ثلاثين) دلوا (إلى أربعين (4)، و) في الصحيح (في
القليل) كدم ذبح دجاجة أو حمامة أو رعاف أنه ينزح منها (دلاء يسيرة) (5)
وحملها على خصوص العشرة محتاج إلى قرينة هي فيه مفقودة. وجعل " يسيرة "
قرينة عليها - بناء على كونها جمع كثرة فتقييدها بها لا بد فيه من فائدة وهي
التخصيص بالعشرة - غفلة واضحة، لاحتمال كون الفائدة فيها بيان الاكتفاء
فيها بأقل أفرادها، وهو ما زاد عليها بواحدة. وكيف كان: فالمشهور أحوط لو لم
نقل بكونه في الكثير أولى، فتأمل.
(و) ينزح (لموت الكلب وشبهه) في الجثة (أربعون) في المشهور،
وضعف مستندهم بعلمهم مجبور، ففي الخبر الذي رواه المصنف عن كتاب
الحسين بن سعيد في المعتبر: عن السنور؟ فقال: أربعون وللكلب وشبهه (6). وفي
آخر موثق في السنور وما كان أكبر منه: ثلاثين أو أربعين (7). وقريب منه ما في

(1) المقنعة: كتاب الطهارة ب 11 في تطهير المياه من النجاسات ص 67.
(2) كما في المعتبر: كتاب الطهارة في منزوحات البئر ج 1 ص 65.
(3) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة باب ما يقع في البئر ص 4 س 7.
(4) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب الماء المطلق ح 1 ج 1 ص 141.
(5) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب الماء المطلق ح 1 ج 1 ص 141.
(6) المعتبر: كتاب الطهارة في منزوحات البئر ج 1 ص 66، مع اختلاف يسير.
(7) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب الماء المطلق ح 4 ج 1 ص 135، مع اختلاف.
157

آخر مع التصريح فيه بالكلب وشبهه، وزيد في الترديد " عشرون " (1) ويحتمل
كونها مستندا لهم أيضا بناء على أصالة بقاء النجاسة واحتمال كون الترديد فيه
من الراوي.
وعن الهداية والمقنع الفتوى بأول الأخيرين (2)، ولعله بناء منه على حمله
الترديد فيه على كونه من المعصوم.
وفي الصحاح في الكلب الاكتفاء بنزح دلاء (3)، وفي بعضها التصريح فيه
وفي السنور بالخمس (4). وعمل بها بعض المتأخرين (5)، وهو حسن لولا الشهرة الجابرة.
(وكذا) ينزح أربعون دلوا (في بول الرجل) للخبر (6) وبالشهرة ضعفه قد
انجبر، مضافا إلى دعوى إجماع الإمامية على العمل برواية راويه مطلقا، مضافا إلى
دعوى عدم الخلاف بل والاجماع في الغنية (7) على الخصوص
وفي بعض الأخبار الاكتفاء بثلاثين في القطرة منه مطلقا (8) وعمل به في
المنتهى (9). وهو ضعيف بضعف راويه مع هجر الأصحاب له هنا.
وفي بعض الصحاح: نزح الجميع لصب البول مطلقا أو بول الصبي (10)
وهو شاذ كسابقه.

(1) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب الماء المطلق ح 3 ج 1 ص 134.
(2) الهداية (الجوامع الفقهية): باب المياه ص 48 س 20، والمقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة
باب ما يقع في البئر ص 4 س 5.
(3) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب الماء المطلق ح 2 و 5 و 6 ج 1 ص 134 و 135.
(4) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب الماء المطلق ح 7 ج 1 ص 135.
(5) عمل به صاحب المدارك - قدس سره - ص 12 س 37.
(6) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب الماء المطلق - ح 2 ج 1 ص 133.
(7) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة فصل فيما يحصل به الطهارة ص 490 س 12 و 16.
(8) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب الماء المطلق ح 5 ج 1 ص 133.
(9) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في منزوحات البئر ج 1 ص 12 س 17.
(10) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب الماء المطلق ح 7 ج 1 ص 134.
158

ولا يلحق به بول المرأة في المشهور، خلافا لجماعة فألحقوه ببول الرجل.
وادعى بعضهم تواتر الأخبار عنهم - عليهم السلام - بالأربعين لبول
الانسان (1)، بل ادعى ابن زهرة الاجماع عليه (2).
(وألحق الشيخان) وغيرهما (ب‍) موت (الكلب موت الثعلب
والأرنب والشاة) ففي المقنعة: إذا ماتت فيها شاة أو كلب أو خنزير أو سنور أو
غزال أو ثعلب وشبهه في قدر جسمه (3). ونحوه في النهاية (4) والمبسوط (5)
والمراسم (6) وكذا الوسيلة (7) والمهذب (8) والاصباح (9) بزيادة النص على
الأرنب، ونحوها السرائر (10) بزيادة النص على ابن آوى وابن عرس، واقتصر
ابن السعيد على الشاة وشبهها (11) ولعل مستندهم دخولها في " شبهه " كما صرح به
الشيخ (12).
وفي نسبة الالحاق إليهما نوع تأمل له فيه، ولعله بناء على تأمله في دخولها في
" شبهه " ولذا أفرد المصنف السنور بالذكر.
(و) مع ذلك (المروي (13) في الشاة تسع أو عشر) كما في خبر

(1) السرائر: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 78.
(2) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة فيما يحصل به الطهارة ص 490 س 13 و 16.
(3) المقنعة: كتاب الطهارة ب 11 في تطهير المياه من النجاسات ص 66.
(4) النهاية: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ص 6.
(5) المبسوط: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 11.
(6) المراسم: كتاب الطهارة فيما يتطهر به وهو المياه ص 35.
(7) الوسيلة: كتاب الطهارة في بيان أحكام المياه ص 75.
(8) المهذب: كتاب الطهارة في منزوحات البئر ج 1 ص 22.
(9) كما في كشف اللثام: كتاب الطهارة في تطهير البئر ج 1 ص 37 س 24.
(10) لسرائر: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 76.
(11) الجامع للشرائع: كتاب الطهارة في أحكام البئر ص 19.
(12) تهذيب الأحكام: ب 11 في تطهير المياه من النجاسات ج 1 ص 236 ذيل الحديث 11.
(13) في المتن لمطبوع " وروي في الشاة ".
159

إسحاق (1) وسبع كما في خبر عمرو بن سعيد (2)
(و) ينزح (للسنور) بموته فيها
(أربعون) دلوا لما تقدم (وفي رواية) عمرو بن سعيد بن هلال عما يقع في
البئر ما بين الفأرة والسنور إلى الشاة؟ فقال: كل ذلك (سبع) دلاء (3). وبه
أفتى الصدوق في الفقيه (4) والأول أولى وأحوط.
(و) ينزح (سبع (5) لموت الطير) المفسر بالحمامة والنعامة وما بينهما - كما
في السرائر (6) وغيره - وبالدجاجة والحمامة إما خاصة كما عن الصدوق (7) أو
بزيادة " ما أشبههما " كما عن الشيخين (8) وغيرهما، للاجماع في الغنية (9)
والمعتبرة المستفيضة، منها: الرضوي (10). لكن فيه اعتبار عدم التفسخ ومعه
فعشرون. وفي الصحيح: في الفأرة والسنور والدجاجة والطير والكلب ما لم
يتفسخ أو يتغير طعم الماء يكفيك خمس دلاء (11).
ولم يستبعد المصنف في غير الكتاب العمل به (12).
وفي رواية: في الدجاجة ومثلها يموت في البئر فينزح منها دلوان أو ثلاث (13).
وجمع في الاستبصار بينها وبين ما دل على السبع تارة بالتفسخ وعدمه

(1) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الماء المطلق ح 3 ج 1 ص 137.
(2) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الماء المطلق ح 5 ج 1 ص 132.
(3) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الماء المطلق ح 5 ج 1 ص 132.
(4) من لا يحضره الفقيه: باب المياه وطهرها ونجاستها ج 1 ص 17.
(5) في المتن المطبوع " ولموت الطير واغتسال الجنب سبع ".
(6) السرائر: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 77.
(7) الهداية (الجوامع الفقهية): باب المياه ص 48 س 20.
(8) المقنعة: كتاب الطهارة ب 11 في تطهير المياه من النجاسات ص 66، والنهاية: كتاب الطهارة باب
المياه وأحكامها ص 7.
(9) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة فيما يحصل به الطهارة ص 490 س 14 و 16.
(10) فقه الرضا (عليه لسلام): ب 5 في المياه وشربها والتطهر منها ص 92.
(11) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب الماء المطلق ح 7 ج 1 ص 135 مع اختلاف يسير.
(12) المعتبر: كتاب الطهارة في منزوحات البئر ج 1 ص 70.
(13) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الماء المطلق ح 3 ج 1 ص 137.
160

وأخرى بالجواز والفضل (1).
(و) كذا ل‍ (اغتسال الجنب) فيها مطلقا كما في كتب المصنف وجماعة
للخبر (2)، أو ارتماسه كما عن كتب الشيخين (3) وسلار (4) وبني حمزة (5)
وإدريس (6) وبراج (7) وسعيد (8) وغيرهم، أو مباشرته مطلقا كما عن
المفيد (9) لظاهر اطلاق الصحاح المعلق هذا الحكم فيها على الوقوع كما في
بعضها (10) أو النزول كما في الآخر (11) أو الدخول كما في غيرهما (12).
وتوهم حملها على الخبر المتقدم مدفوع بعدم التكافؤ أولا وعدم التنافي ثانيا،
اللهم إلا أن يدعى تبادر الاغتسال منها. وعلى أي حال: فليس في شئ من
هذه الأخبار دلالة على اعتبار الارتماس خاصة. وليس في دعوى الحلي (13)
الاجماع على ثبوت الحكم في المرتمس منافاة للصحاح المعتضدة بغيرها
والاحتياط.

(1) الاستبصار: كتاب الطهارة ب 23 في الدجاجة وما أشبهها تموت في البئر ج 1 ص 44 ذيل الحديث 2.
(2) المعتبر: كتاب الطهارة في منزوحات البئر ج 1 ص 70، وشرائع الاسلام: كتاب الطهارة في
منزوحات البئر ج 1 ص 14.
(3) المقنعة: كتاب الطهارة ب 11 في تطهير المياه ص 67، والنهاية: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها
ص 7.
(4) المراسم: كتاب الطهارة فيما يتطهر به وهو المياه ص 36.
(5) الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان أحكام المياه ص 75.
(6) السرائر: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 79.
(7) المهذب: كتاب الطهارة باب المياه ج 1 ص 22.
(8) الجامع للشرائع: كتاب الطهارة باب المياه ص 19.
(9) المقنعة: كتاب الطهارة ب 11 في تطهير المياه من النجاسات ص 67.
(10) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الماء المطلق ح 6 ج 1 ص 132.
(11) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الماء المطلق ح 6 ج 1 ص 131.
(12) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب الماء المطلق ح 2 ج 1 ص 142.
(13) والعبارة في المخطوطتين كذا " ودعوى الحلي الاجماع عليه بعد تسليمها في مثل المقام غير ملتفت إليها
في مقابلة الصحاح المعتضدة بغيرها والاحتياط ".
161

ثم إن رعاية الحيثية تقتضي اشتراط خلو بدنه من النجاسة مطلقا، كما هو
ظاهر الأكثر. خلافا للمنتهى (1) فأطلق لاطلاق الأخبار، مع ظهورها بالغلبة في
مستصحب النجاسة، مع عدم الدليل على وجوب نزح الجميع لنجاسة المني.
وهو حسن فيه دون غيرها من النجاسات لولا الاجماع المدعي فيه كما تقدم،
وهو أرجح من الأخبار هنا بالنصية والشهرة في الطائفة.
(وكذا ل‍) وقوع (الكلب لو خرج حيا) على الأشهر الأظهر، للصحيح (2).
خلافا للحلي (3) فأربعون الحاقا له بغير المنصوص، بناء على عدم عمله به بناء
على أصله، وهو وإن اقتضى نزح الجميع، إلا أن ما دل على الأربعين في موته
يدل على ثبوته هنا بطريق أولى. وهو ضعيف.
(و) كذا ينزح (للفارة إن تفسخت) كما في الخبر (4) أو تسلخت كما في
آخر (5) سبع فيهما، ولا خلاف في الظاهر.
وما يوجد في بعض نسخ الكتاب وكلام جماعة من الأصحاب من الحاق
الانتفاخ بالتفسخ لا دليل عليه سوى الاجماع في الغنية (6) المؤيد بكلام
الجماعة. ولعله لعدم ثبوته في مثل المقام اقتصر على ما في الكتاب طائفة.
ودعوى الحلي كونه أول درجة الملحق به (7) غير مسموعة، سيما في مقابلة العرف
واللغة، وقد حكم المصنف (8) بعد نقله بغلطه.
(وإلا) أي وإن لم يتفسخ (فثلاثة) على الأشهر الأظهر، للصحيحين

(1) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في منزوحات البئر ج 1 ص 15 س 25.
(2) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب الماء المطلق ح 1 ج 1 ص 134.
(3) السرائر: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 76.
(4) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الماء المطلق ح 1 وذيله ج 1 ص 137.
(5) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الماء المطلق ح 1 وذيله ج 1 ص 137.
(6) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة فيما يحصل به الطهارة ص 490 س 14 و 16.
(7) السرائر: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 77.
(8) المعتبر: كتاب الطهارة في منزوحات البئر ج 1 ص 71.
162

المطلقين (1) بحملهما على الخبرين المتقدمين. خلافا للمرتضى (2) في الظاهر (3)
فسبع لآخرين (4) وقد حملا على الخبرين المتقدمين، كالصحيحين. وفي الصحيح:
ما لم يتفسخ أو يتغير طعم الماء فيكفيك خمس دلاء (5) (وقيل دلو) والقائل
الصدوق في المقنع (6). ولم نقف على دليله.
وفي بعض الأخبار نزحها كلها بوقوعها فيها مطلقا (7)، وهو مع الشذوذ
مؤول بما يؤول إلى الأول. وفي آخر: مع عدم النتن أربعون (8)، وحمل على
الاستحباب. ومثلهما ما دل على العشرين في المتقطع منها، كما في الرضوي (9)
ومسائل علي بن جعفر عن أخيه - (عليه السلام - (10).
(و) ينزح (لبول الصبي) المفسر بآكل الطعام مطلقا كما عن الأكثر
ومنهم المصنف هنا وإن قابله بالرضيع بناء على تفسيره في شرحه بمن لم يأكل
الطعام، أو بالذي لم يغتذ باللبن أو اغتذى به مع غلبة غيره عليه كما عن
الذكرى (11) بناء على مقابلته للرضيع فيها مع تفسيره له بضد ما هنا، أو بالذي لم

(1) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الماء المطلق ح 2 وذيله ج 1 ص 137 و 138.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة: في منزوحات البئر ج 1 ص 7 س 23 نقلا عن المرتضى.
(3) في نسخة ق " خلافا للمرتضى والصدوق ".
(4) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب الماء المطلق ح 3 ج 1 ص 134: (عن القاسم بن محمد عن علي
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الفأرة تقع في البئر؟ فقال: سبع دلاء). وأيضا: ح 11
ص 136 (عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عما يقع في الآبار؟ فقال: أما الفأرة
وأشباهها فينزح منها سبع دلاء).
(5) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب الماء المطلق ح 7 ج 1 ص 135.
(6) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة باب ما يقع في البئر ص 4 س 8.
(7) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب الماء المطلق ح 8 ج 1 ص 135.
(8) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الماء المطلق ح 4 ج 1 ص 138.
(9) فقه الرضا (عليه السلام): ب 5 في المياه وشربها و... ص 92.
(10) بحار الأنوار: كتاب الاحتجاج ب 17 مسائل علي بن جعفر ج 10 ص 290.
(11) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام ماء البئر ص 11 س 34.
163

يكن في الحولين مطلقا كما عن الحلي (1) بناء على تفسيره الرضيع المقابل بمن هو
في سن الرضاع الشرعي، وأنكره الفاضلان (2). وفي الرضوي: وإن بال الصبي
وقد أكل الطعام استقي منها ثلاثة أدلو، وإن كان رضيعا استقي منه دلو
واحد (3). وفيه إشعار بما ذكره بناء على حمل الرضيع فيه على الشرعي، فتأمل
(سبع) على الأظهر الأشهر، بل عن السرائر (4) والغنية (5) الاجماع عليه، وعليه
حمل إطلاق الخبر " ينزح منها سبع دلاء إذا بال فيها الصبي " (6) وبظاهره
حمل (7) سلار فأطلق السبع في بوله (8). وهو ضعيف بقصور سنده بالارسال
وغيره، ولا جابر له على إطلاقه.
(وفي رواية) رضوية مضى ذكرها (ثلاث) وبها أخذ الصدوق (9)
والمرتضى (10) وهي ضعيفة عن مقاومة الشهرة مع الاجماع المتقدم.
وعن ابن حمزة: وجوب السبع في بوله مطلقا، ثم وجوب الثلاثة فيه إذا
أكل ثلاثة أيام، ثم الواحد فيه إذا لم يطعم (11) ومستنده غير واضح.
وما في الصحيح: من نزح الجميع لبول الصبي (12) لشذوذه مطروح أو مؤول.

(1) السرائر: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 78.
(2) أي: المحقق الحلي في المعتبر: كتاب الطهارة في منزوحات البئر ج 1 ص 72، والعلامة الحلي في مختلف
الشيعة: كتاب الطهارة في منزوحات البئر ج 1 ص 8 س 10.
(3) فقه الرضا (عليه السلام): ب 5 في المياه وشربها و... ص 94 و 95، وفيه " دلاء " ولم يرد " أدلو " في كتب اللغة،
فراجع.
(4) السرائر: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 78.
(5) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في ما يحصل به الطهارة ص 490 س 14 و 16.
(6) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب الماء المطلق ح 1 ج 1 ص 133.
(7) في المخطوطة " جمد سلار ".
(8) المراسم: كتاب الطهارة فيما يتطهر به وهو المياه ص 36.
(9) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة باب ما يقع في البئر ص 4 س 4.
(10) كما في المختلف الشيعة: كتاب الطهارة في منزوحات البئر ج 1 ص 7 س 36.
(11) الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان أحكام المياه ص 75.
(12) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب الماء المطلق ح 7 ج 1 ص 134.
164

(ولو كان) الصبي (رضيعا فدلو واحد) على الأشهر الأظهر، للرضوية
المتقدمة وإن اشتملت على ما لم نذهب إليه لكونها حينئذ كالعام المخصص.
وربما استدل له بالخبر " عن بول الفطيم يقع في البئر؟ فقال: دلو واحد " (1) وهو مع
ضعفه غير دال، واعتبار دلالته بمفهومه فرع العمل بمنطوقه، وحمل " الفطيم " على
المشارف عليه فرع وجود القرينة المومية إليه، مع كونه حينئذ أخص من
المدعى. خلافا للحلبيين فأوجبا الثلاث له، مدعيا عليه أحدهما (2) الاجماع،
لكنه عبر بالطفل الشامل للأنثى، ومستندهما من النص غير واضح. وربما يحتج
لهما بما في الصحيح الموجب نزح دلاء لقطرات البول (3)، وهو كما ترى!
(وكذا) ينزح دلو واحد (في) موت (العصفور) بضم عينه على الأشهر
الأظهر، للموثق " وأقله العصفور وينزح منها دلو واحد " (4). خلافا لظاهر المنقول
عن الصدوقين فخصاه بالصعوة (5) المفسرة في القاموس بالعصفور الصغير -
للرضوي (6).
والأول أولى، للشهرة ودعوى الاجماع عليه في الغنية (7)، فانجبر بهما الخبر
وترجح، مضافا إلى حجيته في نفسه على الأصح. وبه يخص ما في الصحيح: من
نزح دلاء لموت شئ صغير فيها (8)، وإن نفى البعد عن العمل به بعض

(1) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب الماء المطلق ح 2 ج 1 ص 133.
(2) الكافي في الفقه: كتاب الصلاة في منزوحات البئر ص 130، غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب
الطهارة فيما يحصل به الطهارة ص 490 س 15 و 16.
(3) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب الماء المطلق ح 6 ج 1 ص 133.
(4) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب الماء المطلق ح 2 ج 1 ص 141.
(5) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة باب ما يقع في البئر ص 4 س 3.
(6) فقه الرضا (عليه السلام): ب 5 في المياه وشربها و... ص 94.
(7) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة فصل في ما يحصل به الطهارة ص 490
س 15 و 16.
(8) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الماء المطلق ح 6 ج 1 ص 132.
165

المتأخرين (1). وكذا ما في بعض الأخبار: من الأمر بنزح سبع أو خمس في مطلق
الطير (2). ولو احتيط بهما بل وبالأول كان أولى.
(و) كذا الحكم في (شبهه) في المشهور. ومستندهم غير واضح، اللهم إلا
أن يدعي استفادته من الخبر المتقدم بنوع من الاعتبار.
وفسر العصفور بما دون الحمامة وشبهه وبمضاهيه في الجسم والمقدار.
ولا يخفى ما بينهما من التنافي.
والحكم معلق عليه في المشهور بقول مطلق، خلافا للراوندي فخصه بمأكول
اللحم احترازا عن الخفاش (3). ولا دليل عليه سوى توهم كونه مسخا ونجاسته
مطلقا. وهما في محل المنع، مع كونه أخص من المدعى.
(ولو غيرت النجاسة ماءها) فعلى المختار: من عدم انفعالها بالملاقاة يكفي
زوال التغيير بالنزح مطلقا، للمستفيضة، منها: الصحيح المتقدم في أول بحث
البئر المعلل (4). ومنها: الصحيح الآخر: فإن تغير الماء فخذ منه حتى يذهب
الريح (5).
وينبغي حمل غيرها كالصحيح " فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة
ونزحت البئر " (6) وغيره عليها، لضعف دلالته وعدم تكافؤه لها من حيث العدد والسند.
وعلى غيره ففي الاكتفاء بذلك مطلقا كما عن المفيد (7) وجماعة، أو وجوب
نزح الجميع مع الامكان ومع عدمه فالتراوح مطلقا كما عن

(1) لعل المراد به صاحب المدارك - قدس سره - راجع مدارك الأحكام: ص 13 س 15 ذيل قول الماتن:
" وينزح سبع لموت الطير ".
(2) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الماء المطلق ح 2 و 8 ج 1 ص 136 و 137.
(3) كما في المعتبر: كتاب الطهارة في منزوحات البئر ج 1 ص 74.
(4) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الماء المطلق ح 6 ج 1 ص 126.
(5) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب الماء المطلق ح 7 ج 1 ص 135.
(6) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الماء المطلق ح 10 ج 1 ص 127.
(7) المقنعة: كتاب الطهارة ب 11 في تطهير المياه من النجاسات ص 66.
166

الصدوقين (1) والمرتضى (2) وسلار (3)، أو الاكتفاء بما يزول به التغير مع تعذر نزح الكل
كذلك كما عن الشيخ (4)، أو وجوب نزح الأكثر مما يحصل به زوال التغير
واستيفاء المقدر كما عن ابن زهرة (5) والذكرى (6)، أو وجوب ذلك مع ورود
التقدير في النجاسة وإلا فالجميع فإن تعذر فالتراوح كما عن الحلي (7) والمحقق
الشيخ علي (8) والشهيد الثاني (9) في شرح الارشاد (10) أو وجوب نزح الكل فإن
غلب فأكثر الأمرين مما يزول به التغير والمقدر كما عن الدروس (11) والمصنف
في المعتبر (12) على احتمال ظاهر من كلامه، أو وجوب أن (ينزح كله) (13) مع
الامكان (ولو غلب الماء فالأولى أن ينزح حتى يزول التغير ويستوفى
المقدر) بعده إن كان هناك تقدير كما هو مختار المصنف وغيره على ما نقل، أو
وجوب نزح أكثر الأمرين مما يزول معه التغير ويستوفى به المقدر إن كان تقدير
وإلا اكتفي بزواله كما اختاره بعض المتأخرين (14) وتبعه عليه جماعة أقوال مستندة

(1) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة: في ماء البئر ج 1 ص 5 س 6 نقلا عن الصدوق الأب، ومن لا يحضره
الفقيه: باب المياه وطهرها ونجاستها ج 1 ص 19 ذيل الحديث 24.
(2) كما في المعتبر: كتاب الطهارة ج 1 ص 76.
(3) المراسم: كتاب الطهارة فيما يتطهر به وهو المياه ص 35.
(4) النهاية: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ص 7.
(5) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة فيما يحصل به الطهارة ص 490 س 6.
(6) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام ماء البئر ص 9 السطر الأخير.
(7) السرائر: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 72.
(8) جامع المقاصد: كتاب الطهارة في تطهير المياه النجسة ج 1 ص 137.
(9) روض الجنان: كتاب الطهارة في ماء البئر ص 143 س 25.
(10) في نسخة م " في ح ئع ".
(11) الدروس الشرعية: كتاب الطهارة في منزوحات البئر ص 15 س 18.
(12) المعتبر: كتاب الطهارة في منزوحات البئر ج 1 ص 76 و 77. (13) في المتن المطبوع " تنزح كلها ".
(14) نسبه في الحدائق الناضرة (ج 1 ص 368) إلى صاحب المعالم. ويستفاد اختيار ذلك أيضا من كلام
صاحب المدارك ص 15 س 27.
167

إلى اختلاف الأنظار في الجمع بين الأخبار في المضمار. ولا نص فيه بالخصوص
إلا ما قدمناه، والعمل بظاهرها حينئذ أيضا غير بعيد، وإن كان الأخير أجود،
لفحوى ما دل على المقدر في الشق الأول فيخص به عموم ما دل على الاكتفاء
بما يزول به التغير وعمومه من دون مزاحم في الثاني.
ولكن العمل بالثاني أحوط، للرضوي " وإن تغير الماء وجب
أن ينزح الماء كله، فإن كان كثيرا وصعب نزحه وجب أن يكترى أربعة رجال
يستقون منها على التراوح مع الغدوة إلى الليل (1) وهو في حكم القوي، ولكنه
لا يعارض ما قدمناه من الأخبار.
وفي طهرها بزوال التغير بنفسه أم لا؟ وجهان، أقربهما الثاني. وعليه ففي
وجوب نزح الجميع حينئذ أو الاكتفاء بما يزول معه التغير لو كان؟ قولان، أقربهما
الثاني إذا حصل العلم بذلك، ومع عدمه فالأول، وفاقا للشهيدين (2) وغيرهما،
لفحوى ما دل على الاكتفاء به مع وجوده فمع عدمه بطريق أولى. خلافا
لآخرين، للأصل وتعذر ضابط تطهيره فيتوقف الحكم بطهارته على نزح
الجميع. وفرض حصول العلم كما هو المتحقق في أكثر الأوقات يدفعه، وهو
مسلم في غيره.
(ولا ينجس البئر بالبالوعة) التي يرمى بها المياه النجسة مطلقا (وإن
تقاربتا) بلا خلاف، للأصل وللخبرين المنجبرين، ففي أحدهما: في البئر يكون
بينها وبين الكنيف خمسة وأقل وأكثر يتوضأ منها؟ قال: ليس يكره من قرب
ولا بعد يتوضأ منها ويغتسل ما لم يتغير الماء (3).
(ما لم يتصل نجاستها) بها، ومعه فينجس مطلقا على الأشهر، أو مع التغير

(1) فقه الرضا (عليه السلام): ب 5 في المياه وشربها و... ص 94، مع اختلاف يسير.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام ماء البئر ص 10 س 4، وروض الجنان: كتاب الطهارة
في منزوحات البئر ص 143 س 16 - 21.
(3) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الماء المطلق ح 7 ج 1 ص 146، وفيه: " خمسة أذرع ".
168

على الأظهر. وفي اعتبار العلم أو الاكتفاء بالظن في حصول الأمرين قولان:
أقواهما الأول وأحوطهما الثاني. وعلى ذلك ينزل ما في الحسن المضمر: من
تنجسها بقرب البالوعة إليها بأقل من ثلاثة أذرع أو أربعة (1).
(لكن يستحب تباعدهما قدر خمس أذرع إن كانت الأرض صلبة)
مطلقا (أو كانت) رخوة مع كون (البئر فوقها) قرارا (وإلا) بأن تكون
الأرض رخوة وقرارهما متساويا أو قرار البالوعة أعلى (فسبع) أذرع على الأشهر
جمعا بين الخبرين المطلقين (2) في كلا الأمرين.
وفي رواية " إن كان الكنيف فوق النظيفة " أي كان في جهة الشمال منها
" فلا أقل من اثني عشر ذراعا، وإن كان تجاها بحذاء القبلة وهما مستويان في
مهب الشمال فسبعة أذرع " (3) وبها أفتى الإسكافي (4) إلا أن في تطبيق مذهبه
المنقول عنه عليها نوع غموض وإن استدل بها عليه. وفي رواية في قرب الإسناد:
إن كان بينهما عشرة أذرع وكانت البئر التي يستقون منها مما يلي الوادي فلا
بأس (5).
واختلاف التقادير في هذه الأخبار قرينة الاستحباب، مضافا إلى الأصل
وضعف الأسانيد والاتفاق المنقول، وخصوص ما تقدم من قوله: " ليس يكره
من قرب ولا بعد " والثاني غير مانع من الفتوى به، على ما تقرر من جواز المسامحة
في أدلة السنن. ولا ينافيه نفي الكراهة عن صورة انتفى فيها التقادير إلا على

(1) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الماء المطلق ح 1 ج 1 ص 144.
(2) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الماء المطلق ح 2 (خبر قدامة بن أبي زيد الجماز عن بعض
الأصحاب عن أبي عبد الله عليه السلام) و ح 3 (خبر الحسين بن رباط عن أبي عبد الله عليه السلام)
ج 1 ص 145.
(3) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الماء المطلق ح 6 ج 1 ص 145.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في حكم المضاف والأسئار ج 1 ص 15 س 29.
(5) قرب الإسناد: ص 16 س 13.
169

القول بأن ترك المستحب مكروه، وهو خلاف التحقيق.
(وأما المضاف فهو ما) أي الشئ الذي (لا يتناوله الاسم) أي اسم الماء
(باطلاقه) مع صدقه عليه (و) لكن (يصح سلبه عنه) عرفا (كالمعتصر من
الأجسام والمصعد والممزوج بما يسلبه الاطلاق) دون الممتزج على وجه
لا يسلبه الاسم، وإن تغير لونه كالممتزج بالتراب، أو طعمه كالممتزج بالملح،
وإن أضيف إليهما.
(وكله طاهر) في نفسه مع طهارة أصله (لكن لا يرفع حدثا) مطلقا ولو
اضطرارا، بلا خلاف كما عن المبسوط (1) والسرائر (2)، بل إجماعا كما في
الشرائع (3) والاستبصار (4) والتهذيب (5) وعن التذكرة (6) ونهاية الإحكام (7)
والغنية (8) والتحرير (9)، للأصل وقوله تعالى: " فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا
طيبا " (10) وقولهم - عليهم السلام - في المعتبرة: " إنما هو الماء والصعيد " (11)
و " إنما هو الماء والتيمم " (12). والتقريب: أن اللفظ إنما يحمل على حقيقته، ولو
كان الوضوء جائزا بغيره لم يجب التيمم عند فقده ولم ينحصر الطهارة فيه عنده.

(1) المبسوط: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 5.
(2) السرائر: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 59.
(3) شرائع الاسلام: كتاب الطهارة في المضاف ج 1 ص 15.
(4) الاستبصار: كتاب الطهارة ب 5 في حكم المياه المضافة ج 1 ص 14 ذيل الحديث الثاني.
(5) تهذيب الأحكام: ب 10 في المياه وأحكامها و... ج 1 ص 219 ذيل الحديث العاشر.
(6) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في المضاف ج 1 ص 5 س 1 و 2.
(7) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في المضاف ج 1 ص 236.
(8) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في ما يحصل به الطهارة ص 490 س 17.
(9) تحرير الأحكام: كتاب الطهارة في المضاف والأسئار ج 1 ص 5 س 19.
(10) النساء: 43، والمائدة: 6.
(11) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الماء المضاف ح 1 و 2 ج 1 ص 146، ففيه وفي التهذيب
والاستبصار " أو التيمم "، لكن في نسخة من الاستبصار " والتيمم ".
(12) تقدم آنفا تحت رقم 11.
170

خلافا للصدوق في الفقيه (1) والأمالي (2) والهداية (3)، فجوز الطهارة
عن الحدث بماء الورد مطلقا، لرواية (4) شاذة متروكة بالاجماع، ومع ذلك سندها -
لاشتماله على " سهل ومحمد بن عيسى عن يونس " - غير مكافئ لأسانيد
معتبرة، من حيث اعتضاد تلك بالشهرة وما تقدم من الأدلة. هذا على تقدير
عدم القدح فيه بهما، وإلا كما هو المشهور في الأول وقول جماعة ومنهم الصدوق
- بل هر الأصل فيه باعتبار متابعة شيخه - في الثاني، فهي ساقطة بالكلية.
ولابن أبي عقيل، فجوز التطهير به اضطرارا (5). ولم نقف على مستنده، ولعله
الجمع بين المعتبرة والرواية. وهو ضعيف، مع أنه خال عن الشاهد.
(وفي طهارة محل الخبث به قولان: أصحهما) وأشهرهما (المنع) مطلقا،
لأصالة بقاء النجاسة، واشتغال الذمة بالمشروط بإزالته فيه، والأوامر الواردة بغسل
الثوب والبدن والظروف وغيرها بالماء، فلا يجوز المخالفة، ويدل على التقييد من
هذه الجهة، فيقيده به الأخبار المطلقة، مع التأمل في شمولها لمثل المقام.
ويظهر التقييد من غير هذه الجهة من بعض المعتبرة، كقوله " ولا يجزي في
البول غير الماء " (6) وقوله: " كيف يطهر من غير ماء؟ " وفي الصحيح: عن
رجل أجنب في ثوب وليس معه غيره؟ قال: يصلي فيه إلى حين وجدان الماء (8).
خلافا للمرتضى (9) والمفيد (10) فجوزاه كذلك، للاجماع، وإطلاق الأمر

(1) من لا يحضره الفقيه: باب المياه وطهرها ونجاستها ج 1 ص 6.
(2) أمالي الصدوق: المجلس 93 في دين الإمامية ص 514.
(3) الهداية (الجوامع الفقهية): باب المياه ص 48 س 12.
(4) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الماء المضاف ح 1 ج 1 ص 148.
(5) كما في ذكرى الشيعة: ص 7 س 25.
(6) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب أحكام الخلوة ح 6 ج 1 ص 223 مع اختلاف يسير.
(7) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب النجاسات ح 7 ج 2 ص 1043.
(8) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب النجاسات ح 1 ج 2 ص 1066، مع اختلاف.
(9) كما في المعتبر: كتاب الطهارة في التطهير بالمضاف ج 1 ص 82.
(10) كما في المعتبر: كتاب الطهارة في التطهير بالمضاف ج 1 ص 82.
171

بالتطهير أو الغسل في الآية والنصوص مع شمولها للإزالة بكل مائع وأصالة
عدم الاختصاص وعدم المانع شرعا من استعمال غيره في الإزالة، وتبعة
النجاسة للعين فإذا زالت زالت، وقول مولانا أمير المؤمنين - عليه السلام - في خبر
غياث بن إبراهيم: " لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق " (1) وعمل به ابن
الجنيد (2) وحسن حكم بن حكيم الصيرفي قال للصادق - عليه السلام -: أبول
فلا أصيب الماء وقد أصاب يدي شئ من البول فأمسحه بالحائط والتراب ثم
تعرق يدي فأمس وجهي أو بعض جسدي أو يصيب ثوبي؟ قال: لا بأس به (3).
والاجماع ممنوع في مثل المقام لمخالفة الأعلام، والاطلاق مع المنع لشموله
للمقام - للانصراف إلى المتعارف وعدم قدح إلحاق غيره بالاجماع به - مقيد بما
قدمناه، والأصل معارض بما قدمناه من الأصول وهي مقدمة عليه، ودعوى
التبعية مصادرة محضة، والخبر مع ضعفه وعدم صراحته لا يقاوم ما قدمناه وهو مع
ذلك من طريق الآحاد والسيد لا يعمل به، وبه يجاب عن الحسن مع معارضته
بما تقدم من أنه " لا يجزي في البول غير الماء " مع عدم وضوح الدلالة، لاحتمال
رجوع نفي البأس إلى نجاسة المماس لا إلى طهارة الماس بذلك، وذلك بناء على
عدم العلم بملاقاة المحل النجس له وإن حصل الظن به بناء على عدم اعتباره في
أمثاله. وفي الموثق: إذا بلت وتمسحت فامسح ذكرك بريقك فإن وجدت شيئا
فقل هذا من ذاك (4). فتأمل.
والمنقول عن المرتضى في الخلاف (5) والمعتبر (6) وغيرهما جواز الإزالة

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الماء المضاف ح 2 ج 1 ص 149.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في أحكام النجاسات ج 1 ص 63 س 17.
(3) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب النجاسات ح 1 ج 2 ص 1005.
(4) من لا يحضره الفقيه: باب ما ينجس الثوب والبدن ح 160 ح 1 ص 69.
(5) الخلاف: كتاب الطهارة م 8 في عدم جواز الإزالة بالمائعات ج 1 ص 59.
(6) المعتبر: كتاب الطهارة في المضاف ج 1 ص 82.
172

بالمائعات مطلقا، ومقتضى بعض أدلته ذلك مع التعميم في الجامدات أيضا.
وعن ابن أبي عقيل جوازه بالمضاف اضطرارا لا مطلقا (1). وهو كسابقه
لا دليل عليه.
(وينجس) المضاف (بالملاقاة) للنجاسة مطلقا (وإن كان
كثيرا) (2) إجماعا كما في المعتبر (3) والمنتهى (4) والتذكرة (5) وعن
الشهيدين (6) ولا دليل يعتد به في الكثير منه سواه. ويدل عليه في القليل منه بعده
فحوى ما دل على انفعال قليل المطلق، وخصوص الخبر " من قدر طبخت فإذا في
القدر فأرة؟ قال: يهراق مرقها " (7) وفي آخر " عن قطرة نبيذ أو خمر مسكر قطرات
في قدر فيه لحم كثير ومرق كثير؟ قال: يهراق المرق " (8) الحديث.
(وكل ما يمازج) الماء (المطلق ولم يسلبه الاطلاق) عرفا (لا يخرجه (9)
عن إفادة التطهير) مطلقا (وإن غير أحد أوصافه) خالفه الممازج فيها إجماعا
أو وافقه مطلقا على أظهر الأقوال لدوران الأحكام مع الاسم، أو مع أكثرية
المطلق أو مساواته لكونهما المناط في الحكم دون الاسم فيجوز التطهير معهما
مطلقا على قول، لأصالة الإباحة. وهي مع عدم صدق الاسم ممنوعة. وفيه قول
آخر.

(1) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في المضاف ج 1 ص 10 س 26.
(2) في المتن المطبوع " وإن كثر ".
(3) المعتبر: كتاب الطهارة في المضاف ج 1 ص 84.
(4) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في المياه وما يتعلق بها ج 1 ص 22 س 1.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في المضاف ج 1 ص 5 س 9.
(6) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة ص 7 السطر الأخير. والروضة البهية: كتاب الطهارة في الماء المضاف
ج 1 ص 279.
(7) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب الماء المضاف ح 3 ج 1 ص 150.
(8) وسائل الشيعة: ب 38 من أبواب النجاسات ح 8 ج 2 ص 1056، مع اختلاف يسير.
(9) في المتن المطبوع " لا يخرج ".
173

وهل الممازجة المذكورة على فاقد الماء المتمكن من تحصيله بها واجبة أم لا؟
قولان: أظهرهما الأول، لاطلاق ما دل على لزوم الطهارة الاختيارية فلا يتقيد
بوجود الماء وعدمه، فتكون حينئذ مقدمة الوجود، ولا ريب في وجوبها ولو شرطا.
وما دل على جواز التيمم مع فقد الماء من الآية والسنة شموله لمثل المقام
محل نظر، ولعله لتوهم الشمول وظن كون التحصيل شرطا للوجوب قبل
بالعدم. وهو ضعيف. ويؤيد المختار المبالغة في تحصيل الماء ولو بالثمن الغالي في
الأخبار (1).
(وما يرفع به الحدث الأصغر طاهر ومطهر) مطلقا من الحدث والخبث
فضلة وغسالة باجماعنا والأصول والعمومات، مع خصوص بعض المعتبرة، ففي
الخبر: أما الماء الذي يتوضأ به الرجل فيغسل به وجهه ويده في شئ نظيف
فلا بأس أن يأخذه غيره ويتوضأ به (2).
وفي آخر: كان النبي - صلى الله عليه وآله - إذا توضأ أخذ ما يسقط من
وضوئه فيتوضؤن به (3).
ويستفاد من الأول من جهة العموم نفي الكراهة مطلقا، فما نقل عن المفيد
من القول باستحباب التنزه عنه (4) لا وجه له.
(وما يرفع به الحدث الأكبر) مع خلوه عن النجاسة (طاهر) إجماعا،
لأكثر ما تقدم، والأخبار به مستفيضة، منها الصحيح: " عن الجنب يغتسل
فينتضح من الأرض في الإناء؟ فقال: لا بأس، هذا مما قاله الله تعالى: " ما
جعل عليكم في الدين من حرج " (5).

(1) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب التيمم ج 2 ص 997.
(2) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الماء المضاف ح 13 ج 1 ص 155، مع اختلاف يسير.
(3) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الماء المضاف ح 1 ج 1 ص 152.
(4) المقنعة: باب المياه وأحكامها ص 64 قال - قدس سره -: " والأفضل تحري المياه الطاهرة التي لم
تستعمل في أداء فريضة ولا سنة "
(5) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الماء المضاف ح 1 ج 1 ص 153.
174

ومطهر عن الخبث - أيضا بلا خلاف - كما عن السرائر (1) والمعتبر (2)
والتذكرة (3) والمختلف (4) ونهاية الإحكام (5) لنصهم على حصر الخلاف فيما
سيأتي، بل وعن المنتهى وولده الاجماع عليه (6).
وتوهم وجود الخلاف هنا أيضا عن الذكرى (7) مدفوع بعدم التصريح
بكون المانع هنا منا، فلعله من العامة، ولا بعد فيه، كما اتفق له في بحث وجوب
الوضوء لغيره، حيث نسب القول بالوجوب النفسي إلى القيل مع عدم وجود
القائل به منا، وتصريحه في قواعده بكونه من العامة العمياء (8).
وكيف كان: فلا شبهة فيه، لما تقدم، وفقد ما يدل على المنع، واختصاص
ما دل على المنع من رفع الحدث به - على تقدير تسليمه - بمورده، مع عدم دليل
على التعدي.
(وفي) جواز (رفع الحدث به ثانيا قولان) مختار الصدوقين (9)
والشيخين (10) (و) هو (المروي) في بعض المعتبرة (المنع) منه، ففي الصحيح:

(1) السرائر: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 61.
(2) المعتبر: كتاب الطهارة في المضاف ج 1 ص 86.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في المضاف ج 1 ص 5 س 17.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في الماء المستعمل ج 1 ص 12 س 33.
(5) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في المستعمل في رفع الحدث ج 1 ص 241.
(6) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في الماء المستعمل ج 1 ص 22 س 35 و 37، وإيضاح الفوائد: كتاب
الطهارة في المستعمل ج 1 ص 18.
(7) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في استعمال الماء ص 12 س 16.
(8) انظر الذكرى: ص 23 السطر الأخير. والقواعد والفوائد: القاعدة 165 ج 2 ص 65.
(9) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في الماء المستعمل ج 1 ص 12 س 34. ومن لا يحضره الفقيه: باب
المياه وطهرها ونجاستها ج 1 ص 13 ذيل الحديث 17.
(10) المقنعة: كتاب الطهارة باب 10 في المياه وأحكامها ص 64. والخلاف: كتاب الطهارة م 126 ج 1
ص 172.
175

عن ماء الحمام؟ فقال: ادخله بإزار، ولا تغتسل من ماء آخر، إلا أن يكون
فيه جنب أو يكثر فيه أهله فلا تدري فيهم جنب أم لا (1).
وفي القاصر سندا: الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به من الجنابة
لا يتوضأ به وأشباهه (2).
وفي مثله: عن الحمام؟ فقال: ادخله بمئزر وغض بصرك، ولا تغتسل من
البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام فإنه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب وولد الزنا
والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم (3).
والأول مع عدم صراحته في الأمر بالتنزه - لكون الاستثناء عن النهي عن
الاغتسال بماء آخر في صورتي المستثنى أعم من الأمر بالاغتسال به فيهما
للاكتفاء في رفع النهي بالإباحة - ظاهر في مساواتهما في الحكم بالتنزه عن
المستعمل فيهما، ولا قائل بذلك، ولعل في ذلك إشعارا بالكراهة.
والأخيران مع قصورهما سندا ولا جابر لهما في المقام - وإن نقل في الخلاف
اشتهار القول بالمنع (4) لعدم معارضة الشهرة المنقولة للشهرة المتأخرة المتحققة -
غير صريحي الدلالة، لاحتمال كون النهي عن ذلك لغلبة احتمال وجود
النجاسة في المغتسل من الجنابة، ولا بعد فيه.
والشاهد عليه أنه تضمنت الأخبار المشتملة على بيان كيفية غسل الجنابة
الأمر بغسل الفرج، ففي الصحيح: " عن غسل الجنابة؟ فقال تبدأ فتغسل
كفيك ثم تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك " الحديث (5) والمعتبرة في
معناه مستفيضة، وهو احتمال راجح فيندفع به الاستدلال.

(1) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الماء المطلق ح 5 ج 1 ص 111، مع اختلاف يسير.
(2) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الماء المضاف ح 13 ج 1 ص 155، مع اختلاف يسير.
(3) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الماء المضاف ح 1 ج 1 ص 158.
(4) الخلاف: م 126 ج 1 ص 172.
(5) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الجنابة ح 5 ج 1 ص 503.
176

ومع جميع ذلك فهي معارضة باستصحاب بقاء المطهرية والعمومات الآمرة
باستعمال الماء والناهية عن التيمم مع التمكن منه، ومحض الاستعمال لا يخرجه
عن الاطلاق.
فاندفع بذلك الاحتياط المستدل به هنا على المنع على تقدير وجوبه في
العبادات، وإلا فهو ساقط من أصله.
فإذن القول بالجواز أظهر، كما هو بين المتأخرين أشهر.
ويدل عليه أيضا الصحيح: الحمام يغتسل فيه الجنب وغيره أغتسل من
مائه؟ قال: نعم لا بأس أن يغتسل الجنب (1).
وترك الاستفصال عن انفصال الماء المسؤول عنه عن المادة وعدمه دال
على العموم.
وفي آخر: فإن كان في مكان واحد وهو قليل لا يكفيه لغسله فلا عليه أن
يغتسل ويرجع الماء فيه، فإن ذلك يجزيه (2).
واعترف الشيخ بدلالته على الجواز (3)، إلا أنه حمله على الضرورة وقوفا على
ظاهره.
وأصرح منه الصحيح الآخر: عن الغدير يجتمع فيه ماء السماء ويستقى فيه
من بئر فيستنجي فيه الانسان من بوله أو يغتسل فيه الجنب، ما حده الذي
لا يجوز؟ فكتب: لا توضأ من مثل هذا إلا من ضرورة إليه (4).
وترك الاستفصال عن الكثرة وعدمها دليل العموم.
وظني أن التجويز في حال الضرورة هنا أمارة الكراهة في غيرها، ولا ريب
أن الترك مهما أمكن أحوط.

(1) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الماء المضاف ح 3 ج 1 ص 153.
(2) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الماء المضاف ح 1 ج 1 ص 156.
(3) الاستبصار: باب الماء المستعمل ذيل الحديث 2 ج 1 ص 28.
(4) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الماء المطلق ح 15 ج 1 ص 120.
177

وينبغي القطع بعدم المنع فيما ينتضح من الغسالة في الأثناء فيه - كما يفهم
من بعض المانعين - للصحيح: الرجل الجنب يغتسل فينتضح من الماء في
الإناء؟ فقال: لا بأس، ما جعل عليكم في الدين من حرج (1).
وكذلك الفضالة، للصحيح في اغتسال النبي - صلى الله عليه وآله - مع
عائشة في إناء (2) فتأمل.
وكذلك الكثير، للصحيح المتقدم في الغدير المجتمع فيه ماء السماء. والصحيح
الآخر: عن الحياض التي ما بين مكة إلى المدينة تردها السباع وتلغ فيها الكلاب
وتشرب منه الحمير ويغتسل فيها الجنب يتوضأ منها؟ فقال: وكم قدر الماء؟ قلت:
إلى نصف الساق وإلى الركبة وأقل، قال: توضأ منه (3).
وربما يستفاد من جمع عدم الخلاف فيه. وربما أوهم بعض العبارات ثبوت
الكراهة فيه. وما تقدم من الأخبار موردها الجنب، فإلحاق الغير به يحتاج إلى
دليل، والاجماع غير معلوم، لاختصاص بعض العبارات به كالأخبار، وتنزيله
على التمثيل يتوقف على الدليل، ومعه في أمثال الزمان لا يحصل العلم به، ولم
يتصد أحد لنقله ليجب اتباعه.
إلا أنه مع ذلك في الجملة غير بعيد بشهادة الاستقراء، حيث إن المستفاد
منه اشتراك الحائض ومن في حكمها معه في كثير من الأحكام. ولكن يبقى
الكلام في غيرهما كالمستحاضة الكثيرة مثلا، ولعل فتوى أكثر الأصحاب كافية
في ثبوت الكراهة، والله أعلم.
ومما ذكر يظهر عدم الكراهة في المستعمل في الأغسال المندوبة، ولعله
لا خلاف فيه، كما صرح به جماعة وأفتى به بعض المانعين.
(وفي) تنجس (ما يزال به الخبث إذا لم تغيره النجاسة قولان) بل

(1) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الماء المضاف ح 5 ج 1 ص 153.
(2) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الأسئار ح 1 ج 1 ص 168.
(3) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الماء المطلق ح 12 ج 1 ص 119 وليس فيه " وأقل ".
178

أقوال (أشهرهما) (1) وأظهرهما (التنجيس) (2) مطلقا من الغسلة الأولى
وما زاد فيما يجب فيه التعدد، كما عن الاصباح (3) والمعتبر (4) وظاهر المقنع (5)
وصريح التحرير (6) والتذكرة (7) والمنتهى (8)، وهو ظاهر مختار المصنف هنا وفي
الشرائع (9)، لعموم ما دل على نجاسة القليل باعتبار عموم مفهوم بعض أخباره
فثبت الكلية وانقدح فساد القدح فيها، وعموم المستفيضة الدالة على إهراق ما لاقته
المتنجسات من القليل الدالة بظاهرها على النجاسة، كما استدل بها لها. ولا
اعتبار للنية في حصول التطهير، فيحصل مع عدمها.
ويدل عليه في الجملة خصوص مضمرة عيص المروية في الخلاف والمعتبر
والمنتهى: عن رجل أصابه قطرة من طشت فيه وضوء؟ فقال: إن كان من بول
أو قذر فيغسل ما أصابه (10) وفي بعض النسخ: وإن كان وضوء الصلاة
فلا يضره.
والاضمار مع تسليم القدح بسببه وكذلك القصور بحسب السند منجبر
بالشهرة.
وفي الخبر: الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به من الجنابة لا يتوضأ به

(1) في المتن المطبوع " أشبههما التنجس ".
(2) في المتن المطبوع " أشبههما التنجس ".
(3) كما في كشف اللثام: كتاب الطهارة في الماء المستعمل ج 1 ص 32 س 32.
(4) المعتبر: كتاب الطهارة في نجاسة الغسالة ج 1 ص 90.
(5) المقنع (الجوامع الفقهية): ص 3 س 13.
(6) تحرير الأحكام: كتاب الطهارة في المضاف ج 1 ص 5 س 29.
(7) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في المضاف ج 1 ص 5 س 22.
(8) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في المياه في المياه وما يتعلق بها ج 1 ص 24 س 11.
(9) شرائع الاسلام: كتاب الطهارة في المضاف ج 1 ص 16.
(10) الخلاف: كتاب الطهارة: حكم ماء الغسالة م 135 ج 1 ص 179. المعتبر: كتاب الطهارة في
نجاسة الغسالة ج 1 ص 90. منتهى المطلب: كتاب الطهارة في المياه وما يتعلق بها ج 1 ص 24
س 18.
179

وأشباهه (1).
والاستدلال به يتم على تقدير استلزام عدم رفع الحدث به النجاسة،
ولا دليل عليه من الأخبار، والاجماع غير معلوم مع وجود القول بالانفكاك،
ومضمونه في المقام إجماعي كما عن المعتبر (2) والمنتهى (3) فسقط الاستدلال به للمقام.
وقيل بالطهارة مطلقا (4)، للأصل، وما سيأتي في الاستنجاء. وضعفه ظاهر،
للخروج عن الأول بما قدمناه، وعدم الكلام في الثاني، ولكن لا ملازمة بينه
وبين المقام، وهو مخصوص بالاستثناء عما تقدم بالنص والاجماع.
وقيل بها كذلك مع ورود الماء على النجاسة (5) التفاتا إلى أداء الحكم
بالنجاسة إلى عدم الطهارة المتنجس أبدا. وفيه - مع كونه أعم من المدعى - منع،
لتوقفه على ثبوت المنع من حصول التطهير بالمتنجس مطلقا، وليس كذلك،
كيف! وحصوله به في بعض المواضع كحجر الاستنجاء والأرض المطهرة
لباطن القدم مثلا مما لا مجال لانكاره. والاجماع على المنع لم يثبت إلا في
النجس قبله، وأما النجس في أثنائه فلا. وله جواب آخر.
وقيل بها في الولوغ مطلقا وفي الثانية من غسالة الثوب وبضدها في الأولى
منها (6)، التفاتا فيهما إلى ما تقدم في دليلي الطهارة والنجاسة مطلقا. وهو مع ضعفه
في الأول بما تقدم جار في الشق الثاني، وكذلك الثاني جار في الشق الأول.
بالتفصيل بقسميه لا وجه له.

(1) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الماء المضاف ح 13 ج 1 ص 155.
(2) المعتبر: كتاب الطهارة في نجاسة الغسالة ج 1 ص 90
(3) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في المياه وما يتعلق بها ج 1 ص 24 س 12.
(4) يظهر هذا من عبارة الشهيد في الذكرى ص 9 س 23.
(5) هذا هو مقتضى مذهب السيد المرتضى ومن تبعه في انفعال الماء القليل. راجع الناصريات (الجوامع
الفقهية): ص 215 المسألة الثالثة.
(6) اختاره الشيخ في الخلاف: في حكم ماء الغسالة م 135 وحكم الولوغ م 137 ج 1 ص 179 و 181.
180

ومرجع هذا القول بالنسبة إلى غسالة الثوب إلى أن الغسالة كالمحل بعدها
- أي بعد انفصالها عن المحل - وبالنسبة إلى الولوغ إلى أنها كهو بعد الغسل (1).
كما أن مرجع القولين بالطهارة مطلقا أو في الصورة الخاصة إلى الأخير أيضا.
وعلى المختار فهل هي كالمحل قبلها حتى إذا كانت غسالة الأولى فأصابت
شيئا وجب غسلة العدد وإن كانت غسالة الثانية نقصت واحدة وهكذا؟ أو
كهو قبل الغسل حتى يجب كمال العدد مطلقا؟ وجهان بل قولان: من أن
نجاستها فرع نجاسة المحل فتخف بخفتها وهو خيرة الشهيدين (2) وغيرهما، ومن
أن نجاستها ليست إلا النجاسة التي يجب لها العدد والخفة في المحل إنما هي لنفي
الحرج إذ لولاها لم يطهر، وهو خيرة نهاية الإحكام (3). واحتمل فيها النجاسة
مطلقا وكونها كالمحل بعدها حتى أن الغسالة الأخيرة طاهرة وما قبلها ينقص
الواجب في المتنجس بها عن الواجب في المحل لأن الماء الواحد الغير المتغير
لا يختلف أحكام أجزائه طهارة ونجاسة والغسالة الأخيرة لا شبهة في طهارة الباقي
منها في المحل وكذا المنفصل وعليها قياس ما قبلها.
والأقرب وجوب غسل ملاقيها مرتين مطلقا لو قلنا بوجوبهما في مطلق
النجاسات. وأما على الاكتفاء بالمرة فيما لم يرد التعدد فيه - كما هو الأشهر
الأظهر - فالمتجه الاكتفاء بالمرة في الغسالة مطلقا ولو وجب التعدد لذي الغسالة
لخصوص نجاسة - كالبول والولوغ مثلا - لصدق الامتثال وعدم تسمية الغسالة
بولا ولا ولوغا، صرح بما ذكرناه في الروضة (4). ولكن الثاني أحوط.
وربما أشعر بالمختار هنا مضمرة عيص (5) لعدم التعرض فيها بغسل ما

(1) في نسخة ق " كهو بالنسبة إلى نفسه ".
(2) اللمعة الدمشقية، والروضة البهية: كتاب الطهارة في الغسالة ج 1 ص 310.
(3) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في المستعمل في رفع الخبث ج 1 ص 244.
(4) الروضة البهية: كتاب الطهارة في الغسالة ج 1 ص 310.
(5) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الماء المضاف ح 14 ج 1 ص 156.
181

أصابته الغسالة مرتين مع التصريح فيها بكونها غسالة البول - وسيأتي اعتبار
المرتين فيه - بل اكتفى فيها باطلاق الغسل من دون تفصيل بين كونها من الأولى
أو الثانية.
(عدا ماء الاستنجاء) للقبل والدبر، مطلقا - كما عن الأكثر - أو من
الغسلة الثانية - كما عن الخلاف - إجماعا، للمعتبرة المستفيضة، منها: الصحيح،
عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به أينجس ذلك ثوبه؟ قال:
لا (1).
وظاهره - كنفي البأس عنه في الصحيحين (2) والمروي في العلل في تعليله
ب‍ " أن الماء أكثر من القذر " (3) الطهارة، كما هو أظهر القولين في المسألة، بل عن
المنتهى عليه الاجماع (4).
والقول الآخر هو العفو عنه من دونها. ولا ثمرة بينهما إلا ما صرح به
بعضهم: من جواز التطهير به على الأول دون الثاني.
وفي المعتبر (5) والمنتهى الاجماع على عدم رفع الحدث بما تزال به النجاسة
مطلقا، فتنحصر الثمرة في جواز إزالة النجاسة به ثانيا.
والأصح الجواز، لما تقدم، مع الأصل والعمومات، مضافا إلى أصالة بقاء المطهرية
مطلقا خرج ما خرج وبقي الباقي.
ويعتبر فيه مطلقا عدم العلم بتغيره بالنجاسة ووقوعه على نجاسة أخرى
خارجة ولو من السبيلين، ووجهه واضح.

(1) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الماء المضاف ح 5 ج 1 ص 161.
(2) المرويين في وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الماء المضاف ج 1 ص 160.
(3) علل الشرائع: ب 207 ح 1 ج 1 ص 287.
(4) كما في روض الجنان: ص 160. والموجود في المنتهى (ص 24) ما نصه " عفي عن ماء الاستنجاء " من
دون إشارة إلى الاجماع.
(5) المعتبر: كتاب الطهارة في نجاسة الغسالة ج 1 ص 90.
(6) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في المنفصل من غسالة النجس ج 1 ص 24 س 22.
182

وربما اعتبر أمور أخر، كعدم انفصال أجزاء من النجاسة متميزة مع الماء،
وعدم سبق اليد محل النجو على الماء، وهو أحوط.
(ولا) يجوز أن (يغتسل بغسالة الحمام) وهي الجية، وفاقا لأكثر
الأصحاب، بل عليه الاجماع في كلام بعضهم (1)، لأصالة بقاء التكليف،
وللروايات المنجبرة ضعفها بالشهرة، مع أن فيها الموثق المروي في العلل: إياك
أن تغتسل من غسالة الحمام! ففيها يجتمع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي
والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم، فإن الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقا
أنجس من الكلب وإن الناصب لنا أهل البيت لا نجس منه (2).
ويستفاد منه كبواقي الروايات أن العلة في المنع عن الغسل النجاسة.
ولعله لذا منع بعضهم من الاستعمال مطلقا وعليه ادعي الاجماع (3)، وينزل
عليه كلام من خص المنع عن الغسل - كما في المتن وغيره - أو التطهير - كما
في بعض العبارات - بالذكر، كما يشعر به أيضا بعضها من حيث تضمنه
للتعليل الوارد في الروايات، وبها صرح بعض متأخري الأصحاب (4).
فينبغي تخصيص المنع بعدم العلم بالطهارة واحتمال تحقق الأمور
المذكورة، كما يشير إليه قوله كغيره: (إلا أن يعلم خلوها من النجاسة)
وعليه ينزل بعض العبارات المانعة من استعمالها مطلقا.
وقوى جماعة من المتأخرين كالمصنف في المعتبر الطهارة (5)، للأصل
والعمومات، وضعف الأخبار المانعة مع احتمال اختصاصها بما علم اشتماله
على الغسالات المذكورة فيها، ومنع الاجماع المدعي. وهو قوي ويؤيده المعتبرة،

(1) كما في السرائر: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 91.
(2) علل الشرايع: ب 220 ح 1 ج 1 ص 292.
(3) الظاهر أن المراد به ابن إدريس أيضا، تقدم في الرقم (1).
(4) صرح بها الفاضل الهندي - رحمه الله - في كشفه: ج 1 ص 34 س 11.
(5) المعتبر: كتاب الطهارة في غسالة الحمام ج 1 ص 92.
183

ففي الصحيح، الحمام يغتسل فيه الجنب وغيره، يغتسل من مائه؟ قال: نعم
لا بأس أن يغتسل منه الجنب، ولقد اغتسلت فيه ثم جئت فغسلت رجلي وما
غسلتهما إلا مما لزق بهما من التراب (1).
وفيه: قال: رأيت أبا جعفر - عليه السلام - جائيا من الحمام وبينه وبين
داره قذر، فقال: لولا ما بيني وبين داري ما غسلت رجلي ولا تجنبت ماء
الحمام (2).
وبمعناه الخبر الموثق، وزيد فيه " لا يغسل رجله حتى يصلي " (3).
وحمل الحمام فيها على الغالب يأبى عن حملها على حمام علم طهارة أرضه،
مع أنه نفى البأس عن غسالته إذا أصابت الثوب في المرسل (4) من دون استفصال.
وكيف كان: فينبغي القطع بعدم جواز التطهير به مطلقا مع عدم العلم
بطهارته. وأما سائر الاستعمالات فالجواز قوي، لكن الاجتناب أحوط.
(ويكره الطهارة) بل مطلق الاستعمال على الأصح وفاقا للنهاية (5)
والمهذب (6) والجامع (7) (بماء أسخن بالشمس) قصدا خاصة كما هو ظاهر المتن
وعن السرائر (8) والجامع (9) والخلاف (10) أو أسخنته مطلقا كما عن المبسوط (11)

(1) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الماء المطلق ح 2 ج 1 ص 111.
(2) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الماء المطلق ح 3 ج 1 ص 111.
(3) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الماء المضاف ح 2 ج 1 ص 153.
(4) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الماء المضاف ح 9 ج 1 ص 154.
(5) النهاية: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ص 9.
(6) المهذب: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 27.
(7) الجامع للشرائع: كتاب الطهارة: باب المياه ص 20.
(8) السرائر: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 95.
(9) الجامع للشرائع: كتاب الطهارة باب المياه ص 20.
(10) الخلاف: كتاب الطهارة م 4 في جواز الوضوء بالماء المسخن ج 1 ص 54.
(11) المبسوط: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 9.
184

ونهاية الإحكام (1). وهو مع تعميم الكراهة في مطلق الاستعمال أوفق بظاهر
النصوص، للتعليل فيها بإيراثه البرص، ولا مدخل للقصد والاستعمال الخاص
فيه، ففي الخبر: الماء الذي تسخنه الشمس لا توضؤوا به ولا تغتسلوا به ولا
تعجنوا به، فإنه يورث البرص (2).
وفي النبوي - صلى الله عليه وآله - في الواضعة قمقمتها في الشمس لتغسل
رأسها وجسدها: لا تعودي فإنه يورث البرص (3).
والأصل مع ضعف السند مانع عن حمل النهي على الحرمة، مع ما عن
الخلاف من دعوى الاجماع على الكراهة (4).
هذا، وفي المرسل: لا بأس بأن يتوضأ بالماء الذي يوضع في الشمس (5).
وظاهر الأول الكراهة (في الآنية) وغيرها من الأنهار والمصانع ونحوها، إلا
أنه ينبغي تخصيصها بها، كما في المتن وعن النهاية (6) والسرائر (7)، لما عن
التذكرة (8) ونهاية الإحكام (9) من الاجماع على نفيها في غيرها.
والظاهر العموم في كل بلد وآنية، كما قطع به في التذكرة (10) أخذا بعموم
النص والفتاوى. وربما خص بالبلاد الحارة والأواني المنطبعة لاعتبارات في
مقابلة ما ذكرناه غير مسموعة، سيما والمقام مقام كراهة يكتفي فيها بالاحتمالات

(1) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في الماء المطلق ج 1 ص 226.
(2) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الماء المضاف ح 2 ج 1 ص 150.
(3) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الماء المضاف ح 1 ج 1 ص 150.
(4) الخلاف: كتاب الطهارة م 4 في جواز الوضوء بالماء المسخن ج 1 ص 54.
(5) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الماء المضاف ح 3 ج 1 ص 151.
(6) النهاية: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ص 9.
(7) السرائر: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 95.
(8) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في الماء المطلق ج 1 ص 3 س 5.
(9) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في الماء المطلق ج 1 ص 226.
(10) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في الماء المطلق ج 1 ص 3 س 6 و 7.
185

ولو كانت بعيدة.
وفي زوال الكراهة بزوال السخونة وجهان، الأظهر العدم أخذا بإطلاق
النص والفتوى معتضدا بالأصل والمسامحة في أدلتها، وفاقا لمستظهر المنتهى (1)
ومحتمل التذكرة (2) ومقطوع الذكرى (3).
(و) يكره أيضا الطهارة (بماء أسخن بالنار في غسل الأموات) إجماعا
كما عن الخلاف (4) والمنتهى (5)، للنصوص، منها، الصحيح، لا يسخن الماء
للميت (6).
وفي الحسن: لا يقرب الميت ماء حميما (7).
إلا مع الحاجة كشدة البرد المتعذر والمتعسر معه التغسيل أو إسباغه على
ما قيل، للرضوي: ولا يسخن له ماء إلا أن يكون باردا جدا فتوقى الميت مما
توقى منه نفسك (8). ورواه في الفقيه مرسلا (9).
وينبغي الاقتصار في السخونة على ما تندفع به الضرورة، ذكره المفيد (10)
وبعض القدماء (11) وفي آخر الرضوي المتقدم: ولا يكون حارا شديدا وليكن
فاترا.
وربما يلحق بالضرورة إسخانه لتليين أعضائه وأصابعه. وربما يستفاد من

(1) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في الماء المطلق ج 1 ص 5 س 32.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في الماء المطلق ج 1 ص 3 س 6 و 7.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في زوال أحد الأوصاف ص 8 س 18 - 20.
(4) الخلاف: كتاب الجنائز م 470 في كراهة أن يغسل الميت بماء مسخن ج 1 ص 692.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في تغسيل الميت ج 1 ص 430 س 10.
(6) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب غسل الميت ح 1 و 2 ج 2 ص 693.
(7) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب غسل الميت ح 1 و 2 ج 2 ص 693.
(8) فقه الرضا (عليه السلام): ب 22 غسل الميت وتكفينه ص 167.
(9) من لا يحضره الفقيه: باب غسل الميت ح 394 و 395 ج 1 ص 142.
(10) المقنعة: كتاب الطهارة ب 13 في تلقين المختصرين و... ص 82.
(11) علي بن بابويه في رسالته، على ما نقله الفاضل الهندي في كشفه: ج 1 ص 33 السطر ما قبل الأخير.
186

بعض العبارات تجويزه لذلك من دونها، لخروجه عن الغسل. وهو محجوج
بإطلاق النصوص المانعة من دون تعليق للكراهة على التغسيل، مع ظهور
التعليل في الرضوي المتقدم فيه. وبما ذكر ظهر ما في الالحاق، فتأمل.
(وأما الأسئار) وهي جمع سؤر، وهو في اللغة: البقية من كل شئ، أو
ما يبقيه المتناول من الطعام والشراب، أو من الماء خاصة مع القلة، فلا يقال لما
يبقى في النهر أو البئر أو الحياض الكبار إذا شرب منها. والمراد به هنا - على
ما يظهر من الفتاوى في الباب وبه صرح جمع منهم - ماء قليل باشره جسم
حيوان.
ويشهد به بعض الأخبار، ففي موثقة عيص: عن سؤر الحائض؟ قال: توضأ
منه وتوضأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة وتغسل يدها قبل أن تدخلها
الإناء، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وآله - هو وعائشة يغتسلان في إناء
واحد (1) فتأمل.
(فكلها طاهرة) إجماعا كما عن الغنية (2)، للأصل والعمومات.
وإن كره بعضها كسؤر الحائض مطلقا كما عن الإسكافي (3) والمصباح (4)
والمبسوط (5)، لاطلاق النهي عنه في الخبرين، مع ظهور القريب من الصحيح
في الكافي (6) فيه، وإن روى في التهذيبين بنحو يتوهم منه التقييد بغير

(1) الاستبصار: كتاب الطهارة ب 7 في استعمال فضل وضوء الحائض و... ح 2 ج 1 ص 17 مع اختلاف
يسير، لكن في الكافي: كتاب الطهارة باب الوضوء من سؤر الحائض و... ح 2 ج 3 ص 10،
" لا توضأ منه ".
(2) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في النجاسات ص 489 س 24.
(3) كما في كشف اللثام: كتاب الطهارة في الماء المضاف ج 1 ص 31 س 16.
(4) كما في المعتبر: كتاب الطهارة في الأسئار ج 1 ص 99.
(5) المبسوط: كتاب الطهارة: باب المياه وأحكامها ج 1 ص 10.
(6) الكافي: كتاب الطهارة في الوضوء من سؤر الحائض و... ح 1 ج 3 ص 10.
187

المأمونة (1) كما في الشرائع (2) وعن المقنعة (3) والمراسم (4) والجامع (5)
والمهذب (6)، ودل عليه الموثق: في الرجل يتوضأ بفضل وضوء الحائض؟
فقال: إذا كانت مأمونة فلا بأس (7).
وهذا هو الأوفق بالأصل سيما مع اعتضاده بالشهرة، فيقيد به إطلاق
الخبرين. والظاهر في الاطلاق لا يقاومه، سيما مع اختلاف نسخه. ولكن
الأول غير بعيد بالنظر إلى الاحتياط من باب المسامحة في أدلة السنن.
وربما نيطت الكراهة في القواعد (8) وكذا عن النهاية (9) والوسيلة (10)
والسرائر (11) بالمتهمة، ولا إشعار به في الأخبار، لعدم التلازم بين المتهمة وغير
المأمونة، فإن المتبادر من " المأمونة " من ظن تحفظها من النجاسات، ونقيضها
من لم يظن بها ذلك، وهو أعم من المتهمة والمجهولة.
ثم إن غاية ما يستفاد من الأخبار كراهة الوضوء لا مطلق الاستعمال، بل
المستفاد من بعضها عدم كراهة الشرب، فالتعميم وغير واضح، ولكن المسامحة في
أدلة الكراهة يقتضي لنا ذلك بل الظاهر الانفاق عليه، ولعله كاف ولو قلنا
بعدمها.

(1) تهذيب الأحكام: ب 10 في المياه وأحكامها ح 16 ج 1 ص 222. والاستبصار كتاب الطهارة ب 7
في استعمال فضل وضوء الحائض و... ح 2 ج 1 ص 17.
(2) شرائع الاسلام: كتاب الطهارة في الأسئار ج 1 ص 16.
(3) المقنعة: كتاب الصيد والذبائح والأطعمة ب 2 في الذبائح والأطعمة ص 584.
(4) المراسم: كتاب الطهارة فيما يتطهر به وهو المياه ص 37.
(5) الجامع للشرائع: كتاب الطهارة باب المياه ص 20.
(6) المهذب: كتاب الأطعمة والأشربة باب أقسام الأطعمة والأشربة ج 2 ص 430.
(7) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الأسئار ح 5 ج 1 ص 170.
(8) قواعد الأحكام: كتاب الطهارة في المضاف والأسئار ج 1 ص 99.
(9) النهاية: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ص 4.
(10) الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان أحكام المياه ص 76.
(11) السرائر: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 62.
188

لكن عن المقنع المنع عن الوضوء والشرب من سؤرها مطلقا (1). وهو جيد
لكن لا على إطلاقه، بل على التفصيل المتقدم لو لم ينعقد الاجماع على خلافه، فتأمل.
وربما الحق بها كل من لا يؤمن كما عن الشيخين (2) والحلي (3) والبيان (4)
والمصنف في الأطعمة (5) للاحتياط وفحوى الأخبار الناهية عن سؤرها،
وبخصوص سؤر الجنب الغير المأمون خبر عيص. وهو غير بعيد.
وكسؤر الحمير والخيل والبغال على المشهور، للموثق: هل يشرب سؤر شئ
من الدواب ويتوضأ منه؟ فقال: أما الإبل والبقر والغنم فلا بأس (6). وقريب
منه غيره (7).
ولولا الشهرة وتجويز المسامحة في أدلة الكراهة لكان القول بنفيها في غاية
القوة، للمعتبرة المستفيضة التي أكثرها صحاح وموثقة، ومع ذلك صريحة
الدلالة، ففي الصحيح: عن فضل الهرة والشاة والبقرة والإبل والحمار والخيل
والبغال والوحش والسباع؟ ولم أترك شيئا إلا سألته عنه، فقال: لا بأس
الحديث (8)
وكسؤر الدجاجة، كما عن الشيخ مطلقا (9) وعن المصنف المعتبر (10) في

(1) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة باب الوضوء ص 3 س 11.
(2) المقنعة: كتاب الصيد والذبائح والأطعمة ب 2 ص 584. والنهاية: كتاب الأطعمة والأشربة
ص 589.
(3) السرائر: كتاب الأطعمة والأشربة باب الأطعمة المخطورة والمباحة ج 3 ص 123.
(4) البيان: كتاب الطهارة في المضاف والأسئار ص 46.
(5) شرائع الاسلام: كتاب الأطعمة والأشربة في اللواحق ج 3 ص 228.
(6) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب الأسئار ح 3 ج 1 ص 167.
(7) الظاهر أن المراد به الحديث 5 من الباب.
(8) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الأسئار ح 4 ج 1 ص 163.
(9) المبسوط: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 10.
(10) المعتبر: كتاب الطهارة في الأسئار ج 1 ص 100.
189

الجملة، لعلة ضعيفة في مقابلة الأصل والمعتبرة المستفيضة، ففي الصحيح:
لا بأس بأن يتوضأ مما يشرب منه ما يؤكل لحمه (1). وفي معناه الموثق (2).
وفي مثله: عن ماء شربت منه الدجاجة؟ قال: إن كان في منقارها
قذر لم يتوضأ منه ولم يشرب، وإن لم تعلم أن في منقارها قذرا توضأ منه
واشرب (3). وقال: كل ما يؤكل لحمه فليتوضأ منه وليشرب (4).
وفي الخبر: فضل الحمامة والدجاجة لا بأس به، والطير (5).
ومع هذا فالكراهة غير بعيدة بالنظر إلى المسامحة وفحاوى المعتبرة في
الحائض المتهمة، فتأمل.
(عدا سؤر الكلب) في الجملة (والخنزير والكافر) وتفصيل الكلام فيها
يأتي في بحث أحكام النجاسات.
(وفي) طهارة (سؤر ما لا يؤكل لحمه) أم نجاسته (قولان) الأشهر الأول
مع الكراهة، تمسكا في الأول بالأصل والعمومات، والمعتبرة الواردة بطهارة
كثير مما وقع فيه النزاع، كالصحيح المتقدم في الحمول الثلاثة (6)، والصحاح
في سؤر السنور معللا في بعضها بأنها من السباع (7) وهو مشعر بالتعميم فيها،
والصحيح في سؤر الفأرة (8) والموثق: عما يشرب منه باز أو صقر أو عقاب؟
فقال: كل شئ من الطير يتوضأ مما يشرب منه، إلا أن ترى في منقاره دما،
فإن رأيت في منقاره دما فلا توضأ منه ولا تشرب (9).

(1) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب الأسئار ح 1 ج 1 ص 167.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الأسئار ج 3 و 4 و 1 ج 1 ص 166.
(3) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الأسئار ح 3 و 4 و 1 ج 1 ص 166.
(4) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الأسئار ح 3 و 4 و 1 ج 1 ص 166.
(5) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الأسئار ح 3 و 4 و 1 ج 1 ص 166.
(6) تقدم في ص 64.
(7) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الأسئار ح 3 ج 1 ص 164.
(8) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الأسئار ح 2 ج 1 ص 171.
(9) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الأسئار ح 2 ج 1 ص 166.
190

وفي الثاني بالاحتياط، والمرسل " إنه كان يكره سؤر كل شئ لا يؤكل
لحمه " (1) ومفهوم الموثق الآتي.
خلافا للمبسوط (2) والحلي (3) في الإنسي منه، فمنعا منه عدا ما لا يمكن
التحرز عنه - لكن في الأول لم ينص على النجاسة بل إنما منع عن الاستعمال
خاصة، وهو أعم منها - للموثق: عن ماء شرب منه الحمام؟ فقال: كل ما يؤكل
لحمه يتوضأ من سؤره ويشرب منه (4).
وهو مع قصوره سندا عن المقاومة لما تقدم لا دلالة له فيه إلا بالمفهوم
الضعيف.
(وكذا في) طهارة (سؤر المسوخ) قولان: الأشهر هنا أيضا الكراهة، لعين
ما تقدم. خلافا لمن شذ، ودليله غيره واضح.
(وكذا) الكلام في (ما أكل الجيف مع خلو موضع الملاقاة عن
النجاسة) (5) والجلال. وما تقدم من الخبر في الباز والصقر والعقاب
كالصريح في رفع المنع في الأول واختصاصه بوجود أثر الدم خاصة، ومع ذلك
فدليل المنع فيهما غير واضح، فخلاف من شذ ضعيف.
(والطهارة في الكل) لما ذكرنا (أظهر) وإن كره، لما تقدم.
(وفي نجاسة الماء بما لا يدركه الطرف من الدم قولان: أحوطهما
النجاسة) تقدم الكلام في المقام في مسألة القليل الراكد، وربما أشعر كلام
المصنف بالطهارة، وهو ضعيف.
(ولو نجس أحد الإناءين) مثلا فاشتبه بالآخر (ولم يتعين اجتنب

(1) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب الأسئار ح 2 ج 1 ص 167.
(2) المبسوط: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 10
(3) السرائر: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 85.
(4) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الأسئار ح 2 ج 1 ص 166، مع اختلاف يسير.
(5) في المتن المطبوع " من عين النجاسة ".
191

ماؤهما) إجماعا، كما عن صريح الخلاف (1) والغنية (2) والمعتبر (3) والتذكرة (4)
ونهاية الإحكام للعلامة (5) والمختلف (6) وظاهر السرائر (7)، ولتوقف الاجتناب
عن النجس الواجب على الاجتناب عنهما، وللموثقين: عن رجل معه إناءان
فيهما ماء، وقع في أحدهما قذر لا يدري أيهما هو وليس يقدر على ماء غيره؟ قال:
يهريقهما ويتيمم (8).
وفي وجوب الإراقة مطلقا كما عن الشيخين (9) لظاهر الخبرين، أو بشرط
إرادة التيمم ليتحقق فقدان الماء الموجب له كما عن ظاهر الصدوقين (10)، أو
العدم مطلقا كما هو ظاهر الأكثر - ومنهم الفاضلان (11) والحلي (12) - للأصل
وقوة احتمال إرادة الكناية عن النجاسة في الخبرين - لورود الأمر بالإراقة في
كثير من المياه القليلة الراكدة بوقوع النجاسة فيها مع عدم كونه فيها للوجوب
قطعا - أقوال. ولعل الأخير أقرب وإن كان ما عداه أحوط.
ولو لاقى ماء أحدهما طاهرا فالظاهر بقاؤه على الطهارة، للأصل مع عدم
المانع. وكونهما في حكم النجس يراد به المنع من الاستعمال خاصة، فاندفع

(1) الخلاف: كتاب الطهارة م 153 في حكم الإناء المشتبه ج 1 ص 196.
(2) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في ما يحصل به الطهارة ص 490 س 29 - 31.
(3) المعتبر: كتاب الطهارة: في الشبهة المحصورة ج 1 ص 103.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في الشبهة المحصورة ج 1 ص 10 س 6.
(5) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في الماء المشتبه بالنجس ج 1 ص 248.
(6) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في الإناءين المشتبه أحدهما بالنجاسة ج 1 ص 16 س 1.
(7) السرائر: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 85.
(8) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الماء المطلق ح 2 و 14 ج 1 ص 113 و 116.
(9) المقنعة: كتاب الطهارة ب 10 في المياه وأحكامها ص 65. والنهاية: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ص 4.
(10) من لا يحضره الفقيه: باب المياه وطهرها ونجاستها ح 3 ج 1 ص 7.
(11) المعتبر: كتاب الطهارة في الشبهة المحصورة ج 1 ص 104 ومختلف الشيعة: كتاب الطهارة في الشبهة
المحصورة ج 1 ص 16 س 2.
(12) السرائر: كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها ج 1 ص 85.
192

القول بخلافهما من هذه الجهة.
وفي حكمه المشتبه بالمغصوب، للدليل الثاني، مع عدم ظهور الخلاف فيه.
ولا كذلك المشتبه بالمضاف، فيجب الطهارة بكل منهما ثم الصلاة. ومع
انقلاب أحدهما يجمع بين التيمم مع الطهارة بالباقي مخيرا في تقديم أيهما شاء،
وإن كان الأحوط تقديم الطهارة ثم الاتيان بالتيمم، كما قيل.
ولو اشتبه الإناء المتيقن طهارته بأحد الإناءين المشتبهين بالنجاسة أو
المغصوب اتجه المنع من استعمالها من باب المقدمة، وفاقا للمنتهى (1).
ولا كذلك لو اشتبه بالإناء المشكوك في نجاسته من حيث الشك في
ملاقاته النجاسة، لجواز الاستعمال به، للأصل، فاستعمال المشتبه به أولى،
ولا ريب فيما ذكرناه، بل ولا خلاف.
ولكن في ثبوت نجاسته بظن الملاقاة مطلقا أو بشرط كونه معتبرا شرعا أو
العدم مطلقا، أقوال أقواها الأخير وأحوطها الثاني وفي الأول احتياط.
(وكل ماء حكم بنجاسته) شرعا ولو بالاشتباه بالنجس (لم يجز
استعماله) في الطهارة مطلقا والشرب اختيارا إجماعا. والمراد بعدم الجواز
بالنسبة إلى الأخير مطلقا (2) من التحريم قطعا، وكذا بالنسبة إلى الأول مع
اعتقاد حصولهما به، لاستلزامه التشريع المحرم، ومع عدمه فالظاهر عدمه، بل
المراد منه حينئذ عدم الاعتداد به، إذ لا دليل للمعنى الأول هنا.
(ولو اضطر معه إلى الطهارة تيمم) لدفع الضرورة هنا به، بخلاف ما لو
اضطر معه إلى شربه، لعدم المندوحة عنه وعدم اندفاعها إلا به.

(1) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في الإناءين المشتبهين ج 1 ص 30 س 27.
(2) كذا في المطبوعة وفي المخطوطتين " ظاهر من التحريم " ولا يخفى عدم سلاسة كليهما.
193

(الركن الثاني في الطهارة المائية)
(وهي وضوء وغسل، والوضوء يستدعي بيان أمور):
(الأول: في موجباته) الباعثة لخطاب المكلف بالطهارة وجوبا أو ندبا
لمشروط بها فعله أو كماله أولا له وإن حدثت قبل التكليف.
(وهي خروج البول والغائط والريح من الموضع) الطبيعي (المعتاد)
خروجه منه لعامة الناس وإن لم يحصل الاعتياد، بالاجماع كما عن المعتبر (1)
والمنتهى (2) وغيرهما، والصحاح المستفيضة.
منها: لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك، أو النوم (3)
ومنها: لا يوجب الوضوء إلا غائط أو بول أو ضرطة تسمع صوتها أو فسوة
تجد ريحها (4).
وتقييد الريح الناقض في هذا الصحيح بأحد الأمرين المذكورين محمول
على صورة حصول الشك بدونهما، وأما مع التيقن فلا ريب في عدم اعتباره
وناقضيته مطلقا، وللرضوي: فإن شككت في ريح أنها خرجت منك أو لم تخرج
فلا تنقض من أجلها الوضوء، إلا أن تسمع صوتها أو تجد ريحها، فإذا استيقنت

(1) المعتبر: كتاب الطهارة في موجبات الوضوء ج 1 ص 106.
(2) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في موجبات الوضوء ج 1 ص 31 س 14.
(3) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب نواقض الوضوء ح 1 ج 1 ص 177.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب نواقض الوضوء ح 2 ج 1 ص 175.
194

أنها خرجت منك فأعد الوضوء سمعت وقعها أو لم تسمع وشممت ريحها أو لم
تشم (1).
وفي رواية علي بن جعفر رواها في كتابه: أنه سأل أخاه عن رجل يكون
في صلاته فيعلم أن ريحا قد خرجت منه ولا يجد ريحها ولا يسمع صوتها؟ قال:
يعيد الوضوء والصلاة ولا يعتد بشئ مما صلى إذا علم ذلك يقينا (2).
وفي حكمه ما لو اتفق المخرج في غيره خلقة أو انسد الطبيعي وانفتح غيره،
وعليه الاجماع في المنتهى (3)، وظاهره عدم اعتبار الاعتياد فيه فينقض الخارج
ولو مرة.
وفي ناقضية الخارج من غيره مع عدم انسداده، أقوال: أشهرها نعم مع
الاعتياد ولا مع العدم. وقيل بالأول مع الخروج من تحت المعدة وبالثاني مع
الخروج من فوقها مطلقا (4). والقول بالعدم مطلقا قوي، للأصل وفقد المانع، لعدم
عموم في الأخبار ويشمل ما نحن فيه، وضعف حجج الأقوال الأخر، ولكن
الاحتياط واضح، بحمد الله وسبحانه.
وفي اعتبار الاعتياد في نفس الخروج - حتى لو خرجت المقعدة ملوثة
بالغائط ثم عادت ولم ينفصل لم يوجب - أو العدم، إشكال، والأصل مع فقد
العموم في الأخبار وتبادر الخروج المعتاد من المطلقات يقتضي العدم، وبه
صرح بعض المحققين (5) وفاقا للذكرى (6).
والمعتاد للريح هو الدبر، فلا يوجبه الخارج منه من القبل مطلقا، وفاقا

(1) فقه الرضا: ص 67.
(2) قرب الإسناد: ص 92 س 13.
(3) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في موجبات الوضوء ج 1 ص 32 س 5 و 6.
(4) اختاره الشيخ في الخلاف: كتاب الطهارة م 58 ج 1 ص 115 والمبسوط: ج 1 ص 27.
(5) هو السيد السند - قدس سره - في مدارك الأحكام ص 22 س 1.
(6) ذكرى الشيعة: الأسباب الموجبة للطهارة ص 26 س 6.
195

للمنقول عن السرائر (1) والمهذب (2) والمنتهى (3) والبيان (4)، لما تقدم. وعن
التذكرة (5) القطع بنقض الخارج منه من قبل المرأة، واستقربه في المعتبر (6)
والذكرى (7) مع الاعتياد، ولم نقف على مستندهما.
(والنوم الغالب على الحاستين) السمع والبصر تحقيقا أو تقديرا مطلقا،
إجماعا كما في التهذيب (8) وعن الإنتصار (9) والناصريات (10) والخلاف (11)
وللصحاح المستفيضة، وبعضها صريح في الاطلاق، ففي الصحيح: من وجد
طعم النوم قائما أو قاعدا، فقد وجب عليه الوضوء (12).
وفي آخر: من نام وهو راكع أو ساجد أو ماش أو على أي الحالات، فعليه
الوضوء (13).
وما سواها من الروايات المنافية (14) مع شذوذها وضعفها محمولة على الخفقة
أو التقية، كما يشعر به بعضها.
وحصر الناقض فيما يخرج من السبيلين إضافي بالنسبة إلى ما يخرج وليس
بحقيقي إجماعا.

(1) السرائر: كتاب الطهارة باب أحكام الأحداث الناقضة للطهارة ج 1 ص 107
(2) المهذب: كتاب الطهارة باب ما يوجب إعادة الطهارة ج 1 ص 49.
(3) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في نواقض الوضوء ج 1 ص 31 س 19.
(4) البيان: كتاب الطهارة في أسباب الوضوء ص 5.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في نواقض الوضوء ج 1 ص 11 س 8.
(6) المعتبر: كتاب الطهارة في نواقض الوضوء ج 1 ص 108.
(7) ذكرى الشيعة: الأسباب الموجبة للطهارة ص 26 س 4. لكنه - قدس سره - لم يستقرب بل استشكل
فيه، فراجع.
(8) تهذيب الأحكام: ب 1 في الأحداث الموجبة للطهارة ج 1 ص 5.
(9) الإنتصار: كتاب الطهارة في نواقض الوضوء ص 30.
(10) الناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة م 35 ص 222 س 19.
(11) الخلاف: كتاب الطهارة م 53 في النوم الناقض للوضوء ج 1 ص 109.
(12) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب نواقض للوضوء ح 9 و 3 ج 1 ص 181 و 180.
(13) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب نواقض للوضوء ح 9 و 3 ج 1 ص 181 و 180.
(14) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب نواقض الوضوء ح 11 و 12 و 14 و 15 ج 1 ص 181 و 182.
196

ونسبة المخالفة إلى الصدوقين ضعيفة وعبارتهما مؤولة، لدعوى أحدهما
الاجماع على النقض به في الخصال (1).
وإطلاق النصوص وكلام الأصحاب يقتضي ناقضية النوم بنفسه، لا من
حيث كونه محتملا لخروج الحدث معه، كما نسب إلى العامة، وفي الحسن
تصريح به، حيث قال - عليه السلام -: لا ينقض الوضوء إلا حدث والنوم حدث (2).
وما ربما يتوهم منه المخالفة لعله محمول على التقية، لما ذكر، ولتصريح بعض
المعتبرة بعد نقض الطهارة باحتمال طرو الناقض شكا أو ظنا، ففي الصحيح:
عمن حرك إلى جنبه شئ وهو لم يعلم به؟ قال: لا حتى يستيقن أنه قد نام
حتى يجئ من ذلك أمر بين، وإلا فإنه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين
أبدا بالشك ولكن ينقضه بيقين آخر (3).
وفي الموثق: إذا استيقنت أنك أحدثت فتوضأ وإياك أن تحدث وضوء
حتى تستيقن أنك أحدثت (4).
وبذلك صرح جمع من الأصحاب.
وفي حكمه الاغماء والجنون والمزيل للعقل مطلقا، بإجماع المسلمين كما في
التهذيب (5)، وبلا خلاف بين أهل العلم كما عن المنتهى (6)، وفي الخصال: أنه
من دين الإمامية (7)، وفي الصحيحين المعلق فيهما الحكم بالنقض في النوم على
ذهاب العقل (8) دلالة عليه.

(1) الخصال: أبواب المائة فما فوقه ج 2 ص 603 ولم أجد فيه التصريح بالاجماع، ولعله مستفاد من عنوان
" شرائع الدين ".
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب نواقض الوضوء ح 4 ج 1 ص 180.
(3) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب نواقض الوضوء ح 1 و 7 ج 1 ص 174 و 176.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب نواقض الوضوء ح 1 و 7 ج 1 ص 174 و 176.
(5) تهذيب الأحكام: ب 1 في الأحداث الموجبة للطهارة ج 1 ص 5.
(6) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في موجبات الوضوء ج 1 ص 34 س 15.
(7) كذا في النسخ ولعله من سهو القلم. وجدته في المجلس الثالث والتسعون من الأمالي بلفظ " والنوم إذا
ذهب بالعقل " ص 514.
(8) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب نواقض الوضوء ح 2 ج 1 ص 177، والآخر: ب 3 من أبواب نواقض
الوضوء ح 2 ج 1 ص 180.
197

وعن بعض الكتب وعن مولانا الصادق - عليه السلام - عن آبائه - عليهم
السلام - أن المرء إذا توضأ صلى بوضوئه ذلك ما شاء من الصلوات ما لم يحدث
أو ينم أو يجامع أو يغم عليه أو يكون منه ما يجب منه إعادة الوضوء (1).
وربما استدل ببعض الصحاح، ولا دلالة عليه. وبالتنبيه المستفاد من
الصحاح في النوم، فإنه إذا وجب الوضوء بالنوم الذي يجوز معه الحدث وجب
بالاغماء والسكر والجنون بطريق أولى. وهو كما ترى!
(والاستحاضة القليلة) الغير المثقبة للكرسف على الأشهر الأظهر،
للصحاح. خلافا للعماني فلم يوجب بها وضوء ولا غسلا (2) وللإسكافي فأوجب
بها غسلا واحدا في اليوم والليلة (3). وهما ضعيفان، كما سيأتي تحقيقه في محله
إن شاء الله.
(وفي) إيجاب (مس باطن الدبر أو باطن الإحليل) للوضوء وكذلك
المذي - بالتسكين - وهو ما يخرج عند الملاعبة والتقبيل، وكذا في التقبيل
(قولان) الأشهر (الأظهر العدم) (4) للأصل، والاجماع المحكي عن التذكرة (5)
ونهاية الإحكام للعلامة (6)، والصحاح المستفيضة ومثلها من المعتبرة عموما و
خصوصا، ففي الصحيح: ليس في القبلة ولا مس الفرج ولا الملامسة وضوء (7).
وفيه: في المذي ينقض الوضوء؟ قال: لا (8).
وفي المرسل كالصحيح: ليس في المذي من الشهوة ولا من الانعاظ ولا من

(1) دعائم الاسلام: كتاب الطهارة في ذكر أمر الله عز وجل عباده المؤمنين بالطهارة و... ج 1 ص 101.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في حكم الاستحاضة ج 1 ص 40 س 11 و 12.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في حكم الاستحاضة ج 1 ص 40 س 11 و 12.
(4) في المتن المطبوع " أظهر هما أنه لا ينقض ".
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في موجبات الوضوء ج 1 ص 11 س 24.
(6) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في حكم المس ج 1 ص 74.
(7) تهذيب الأحكام: ب 1 في الأحداث الموجبة للطهارة ح 59 ج 1 ص 23.
(8) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب نواقض الوضوء ح 5 ج 1 ص 196.
198

القبلة ولا من مس الفرج ولا من المضاجعة وضوء، ولا يغسل منه الثوب ولا
الجسد (1).
خلافا للإسكافي في الجميع مقيدا للأخيرين بكونهما عن شهوة (2) ووافقه
الصدوق في الأول وزاد فتح الإحليل (3) لأخبار (4) ضعيفة أو محمولة على
التقية، ومع ذلك ليست لما تقدم مكافئة من وجوه عديدة. وربما تحمل على
الاستحباب بناء على الاحتياط والمسامحة.
وعلى ذلك تحمل أيضا الأخبار المتضمنة لنا قضية غير ما ذكر (5) لما ذكر،
مضافا إلى مخالفتها لاجماع الطائفة على ما حكاه جماعة.
(الثاني في) بيان (آداب الخلوة) من واجباتها ومستحباتها.
(فالواجب) (6) على المتخلي بل مطلقا (ستر العورتين) (7) قبلا ودبرا عن
الناظر المحترم بالاجماع والكتاب والنصوص، ففي المرسل: عن قوله تعالى: قل
للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم؟ فقال: كل ما كان في
كتاب الله من ذكر حفظ الفرج فهو من الزنا، إلا في هذا الموضع، فإنه للتحفظ
من أن ينظر إليه (8).
وعلى التحريم يحمل لفظ الكراهة في بعض الأخبار (9)، مضافا إلى عدم
ثبوت كونه حقيقة في المعنى المصطلح.
(ويحرم) عليه حين التخلي أو مطلقا ولو حال الاستنجاء على الأحوط، كما

(1) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب نواقض الوضوء ح 2 ج 1 ص 191.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في موجبات الوضوء ج 1 ص 17 س 38.
(3) من لا يحضره الفقيه: باب ما ينقض الوضوء ج 1 ص 65 ذيل الحديث 148.
(4) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب نواقض الوضوء ح 10 ج 1 ص 193.
(5) مثل مس الكلب ومصافحة المجوسي، راجع الوسائل: ب 11 من أبواب نواقض الوضوء ح 4 و 5 ج 1
ص 195.
(6) في المتن المطبوع " والواجب ستر العورة ".
(7) في المتن المطبوع " والواجب ستر العورة ".
(8) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب أحكام الخلوة ح 3 ج 1 ص 211.
(9) وسائل الشيعة: ب 3 و 6 من أبواب آداب الحمام ح 3 و 2 ج 1 ص 364 و 366.
199

في الخبر (1) (استقبال القبلة) بمقاديم البدن خاصة أو الفرج أيضا على الأحوط
(واستدبارها) بالمآخير مطلقا (ولو كان في الأبنية على الأشبه) وعليه
الأكثر، بل عن الخلاف (2) والغنية (3) عليه الاجماع، للمستفيضة (4) وإن قصر
أسانيدها، لانجبارها بالشهرة مع حكاية اتفاق الطائفة، مؤيدا بالاحتياط
ووجوب تعظيم القبلة وما دل على حرمة الأمرين عن المباشرة بل ولعن فاعلهما
عندها (5) فمع جميع ذلك لا حكم للأصل هنا.
واشتمال بعضها على بعض المكروهات (6) غير ضائر وإن هو إلا كالعام
المخصص، سيما بعد ملاحظة ما ذكرناه.
وإشعار بعض الحسان بالكراهة (7) بمجرده غير صالح لصرف ظواهر
المستفيضة إليها، سيما مع عدم التكافؤ.
والحسن المتضمن لبناء الكنيف مستقبل القبلة في منزل مولانا الرضا - عليه
السلام - (8) مع عدم تكافؤه لما تقدم غير واضح الدلالة على جواز الاستقبال،
مضافا إلى قوة احتمال بناء بابه إليها.
فسقط حجج القول بالجواز مع الكراهة مطلقا، كما ربما نسب إلى
المقنعة (9) أو في البنيان خاصة، كما نسب إلى سلار (10).

(1) وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب أحكام الخلوة ح 1 و 2 ج 1 ص 253.
(2) الخلاف: كتاب الطهارة م 48 في حكم الاستقبال والاستدبار بالبول والغائط ج 1 ص 101.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في آداب الخلوة ص 487 س 21.
(4) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب أحكام الخلوة ج 1 ص 212.
(5) وسائل الشيعة: ب 69 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ح 3 ج 14 ص 98.
(6) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب أحكام الخلوة ح 1 و 2 و 3 و 6 ج 1 ص 213.
(7) لعله الحسن الآتي المتضمن لبناء الكنيف.
(8) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب أحكام الخلوة ح 7 ج 1 ص 213.
(9) المقنعة: كتاب الطهارة ب 3 في آداب الأحداث الموجبة للطهارات ص 41.
(10) المراسم: كتاب الطهارة في ذكر ما يتطهر منه الأحداث ص 32.
200

(ويجب غسل) ظاهر (مخرج البول) لا باطنه إجماعا (ويتعين الماء
لا زالته) فلا يجزي غيره مطلقا باجماعنا المحكي عن جماعة، والصحاح
المستفيضة.
منها: ولا يجزي من البول إلا الماء (1).
ومنها: الأخبار الدالة على وجوب غسل الذكر على من صلى قبل غسله من
دون استفصال، ففي الصحيح، في التارك لغسله: بئس ما صنع! عليه أن يغسل
ذكره ويعيد صلاته ولا يعيد وضوءه (2).
وبعض الأخبار المنافي لذلك (3) مع ضعفه وشذوذه وعدم وضوح دلالته
وعدم مقاومته لما تقدم مؤول بتأويلات جيدة أقربها الحمل على التقية، لاشتهاره
بين العامة.
وأما ما في الموثق " إني ربما بلت فلا أقدر على الماء ويشتد ذلك علي؟
فقال: إذا بلت وتمسحت فامسح ذكرك بريقك، فإن وجدت شيئا فقل
هذا من ذاك " (4) فليس بمناف لما تقدم كما توهم، إذ مع حصول الطهارة بالتمسح
لا وجه لمسح الذكر بالريق بعده ولا قول: " هذا من ذاك " بعد وجدان البلل.
وظني أن المراد به بيان حيلة شرعية يتخلص بها عما يوجد من البلل بعد
التمسح، بأن يمسح الذكر دون المخرج بالريق ويجعل وسيلة لدفع اليقين بنجاسة
ما يجده من البلل بعد ذلك باحتمال كونه منه لا من الخارج من المخرج، التفاتا
إلى ما ورد في المعتبرة: من عدم نقض يقين الطهارة بالشك في حصول
النجاسة (5) فهو بالدلالة على خلاف ما توهم أشبه. وفيه دلالة حينئذ على كون

(1) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب أحكام الخلوة ح 2 ج 1 ص 246.
(2) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب نواقض الوضوء ح 4 ج 1 ص 208.
(3) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب نواقض الوضوء ح 4 ج 1 ص 201.
(4) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب نواقض الوضوء ح 7 ج 1 ص 201.
(5) وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب النجاسات ح 1 ج 2 ص 1053.
201

المتنجس منجسا مطلقا، لا على الخلاف كما توهم، مضافا إلى ضعفه في نفسه
ومخالفته الاجماع وغيره من الأدلة، كالمعتبرة المستفيضة الآمرة بغسل الأواني
والفرش والبسط متى تنجس شئ منها (1)، وليس ذلك إلا لمنع تعدي نجاستها
إلى ما يلاقيها برطوبة مما يشترط فيه الطهارة، ولو كان مجرد زوال العين فيها
كافيا لعري الأمر فيها بذلك عن الفائدة لعدم استعمال شئ منها في مشروط
بالطهارة، ولأشير في خبر منها بكفاية التمسح، فتأمل.
وصرف الحيلة في الموثق إلى دفع اليقين بنقض الوضوء السابق بالبلل الذي
يحس به بعد التمسح بفرض كون البلل المحسوس من الريق دون المخرج ضعيف
أولا: بعدم التعرض للوضوء وعدم الاستبراء فيه. وثانيا: بأولوية الجواب
بالاستبراء حينئذ من الأمر بالحيلة المزبورة. وثالثا: بعدم المنافاة بين حصول هذه
الحكمة وبين القول بتعدي النجاسة، فجعله لذلك دليلا لعدم تعديها فاسد
بالبديهة. ورابعا: بأن هذا الاحتمال بعد تسليمه ليس بأولى مما ذكرناه من
الاحتمال، فترجيحه عليه وجعله دليلا غير واضح. وبالجملة: فشناعة هذا
التوهم أظهر من أن يبين.
(وأقل ما يجزي) من الماء هنا (مثلا ما على الحشفة) على الأشهر،
للخبر (2) وضعفه لو كان بالشهرة قد انجبر، وإلا فهو حسن على الأظهر، وهو حجة في
نفسه على الأصح، والعمل عليه متعين كيف كان.
والأظهر في تفسيره: كون المراد بالمثلين الكناية عن الغسلة الواحدة بناء
على اشتراط الغلبة في المطهر وهو لا يحصل بالمثل. وبه يظهر وجه القدح في
تفسيره بالغسلتين. وما قيل في دفعه تكلف مستغنى عنه. وفيه يظهر كون النزاع
بين المشهور وبين من قال بكفاية مسمى الغسل - تمسكا بالأصل والاطلاقات

(1) وسائل الشيعة: ب 5 و 51 و 53 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1004 و 1074 و 1076.
(2) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب أحكام الخلوة ح 5 ج 1 ص 242.
202

- لفظيا، كما نقل التصريح به عن البيان (1)، إلا أن يقال بحصول الثمرة فيما إذا
تحقق المسمى بالمثل ونصفه، فظاهر القول الأخير كفايته، وظاهر الأول العدم
تمسكا بالخبر.
هذا، والقول بالغسلتين إن لم نقل بقوته فلا ريب في أنه أحوط، للشبهة
وللأخبار الآمرة بالمرتين في غسله من الجسد (2). والثلاث أكمل، للصحيح:
كان يستنجي من البول ثلاث مرات (3).
(و) كذا يتعين (غسل) ظاهر (مخرج (4) الغائط) لا باطنه إجماعا،
للموثق: إنما عليه ما ظهر منها وليس عليه أن يغسل باطنها (5)، وفي
معناه الصحيح (6) (بالماء) إن تعدى الخارج إلى محل لا يعتاد وصوله إليه
ولا يصدق اسم الاستنجاء على إزالته إجماعا، كما عن المعتبر (7)، للخبر: يكفي
أحدكم ثلاثة أحجار إذا لم يتجاوز محل العادة (8)
وكذا مع استصحاب نجاسة خارجية (9) مع الخارج على الأحوط، بل
الأقوى، صرح به شيخنا في الذكرى (10).
(وحده الانقاء) كما في الحسن: قلت له: للاستنجاء حد؟ قال: لا، حتى ينقى ما
ثمة (11).
وربما فسر بزوال العين والأثر. والمراد به على الأظهر الأجزاء الصغار التي

(1) البيان: كتاب الطهارة في ما يجب على المتخلي ص 6.
(2) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب أحكام الخلوة ح 1 و 4 ج 1 ص 242.
(3) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب أحكام الخلوة ح 6 ج 1 ص 242.
(4) في المطبوع " موضع ".
(5) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب أحكام الخلوة ح 2 و 1 ج 1 ص 245.
(6) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب أحكام الخلوة ح 2 و 1 ج 1 ص 245.
(7) المعتبر: كتاب الطهارة في الاستنجاء ج 1 ص 128.
(8) المعتبر: كتاب الطهارة في الاستنجاء ج 1 ص 128.
(9) في المخطوطتين " خارجة ".
(10) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام الاستنجاء ص 21 س 5.
(11) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب أحكام الخلوة ح 1 ج 1 ص 227 وليس فيه " حتى ".
203

لا تزول بالأحجار. لا اللون - كما توهم - لدلالته على بقاء العين، لمنع الدلالة
أولا، ثم منع كون تلك العين الباقية - على تقدير تسليمها - غائطا ثانيا،
والنقض بعدم البأس بلون الدم بعد إزالة عينه - كما في الخبر المعتبر - (1) ثالثا.
ولا عبرة بالرائحة الباقية على المحل أو اليد خاصة إجماعا - كما حكي -
للأصل، ولذيل الحسن المتقدم: قال: فإن ينقى ما ثمة ويبقى الريح؟ قال:
الريح لا ينظر إليها.
وربما حد بالصرير وخشونة المحل حتى يصوت. وهو كما ترى!
(وإن لم يتعد المخرج تخير) في التطهير (بين الماء والأحجار) إجماعا،
للمعتبرة المستفيضة (2). وكذا غيرها من الأجسام الطاهرة المزيلة للعين على
الأشهر الأظهر، بل عن الخلاف عليه الوفاق (3)، لعموم الحسن السابق (4)
والموثق (5) والنبوي " إذا مضى أحدكم لحاجته فليتمسح بثلاث أحجار أو
بثلاثة أعواد أو ثلاث خشنات (6) من تراب " (7) وخصوص الصحاح في
الكرسف والمدر والخرق والخزف (8)، وإشعار الأخبار (9) الناهية عن العظم
والروث به. خلافا للإسكافي في الآجر والخزف (10). وما تقدم حجة
عليه.

(1) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1032.
(2) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب أحكام الخلوة ج 1 ص 246.
(3) الخلاف: كتاب الطهارة م 51 في جواز الاستنجاء بالأحجار وغيرها ج 1 ص 106.
(4) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب أحكام الخلوة ح 1 ج 1 ص 227.
(5) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب أحكام الخلوة ح 5 ج 1 ص 223.
(6) في المستدرك: ب 22 ح 7 ج 1 ص 274 " ثلاث حفنات " وفي الذكرى: ص 21 " ثلاثة حثيات ".
(7) سنن الدارقطني: كتاب الطهارة باب الاستنجاء ح 12 ج 1 ص 57، وفيه: " بثلاث حثيات ".
(8) وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب أحكام الخلوة ح 2 و 3 ج 1 ص 252.
(9) وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب أحكام الخلوة ج 1 ص 252.
(10) كما في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في استطابة الخلوة ص 21 س 13.
204

ولسلار فيما ليس أصله أرضا (1) وفسر في البيان بما ليس بأرض ولا نبات (2)
وهو أحوط.
(ولا يجزي أقل من ثلاثة) أحجار أو ما قام مقامها إذا لم يحصل النقاء به
إجماعا (ولو نقي بما دونها) اعتبر الاكمال ثلاثا وجوبا على الأشهر الأظهر،
لاستصحاب النجاسة، والاقتصار في استصحاب الأجزاء الباقية بعد
الاستجمار في الصلاة ونحوها على القدر المجمع عليه، وورود الأمر بالتثليث
والنهي عما دونه في العامية (3) المنجبرة بالشهرة والأصول المتقدمة، والصحيحين
المتضمنين لجريان السنة به (4) كالمرسل " جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة
أحجار أبكار " (5) مع إطلاق " الأجزاء " عليه في أحدهما، وخبر آخر المقتضي
لعدمه فيما دونه (6). خلافا لجماعة فاكتفوا بالأقل مع حصول النقاء به التفاتا
إلى الحسن السابق (7) والموثق " يغسل ذكره ويذهب الغائط " (8) وهما مع
قصورهما عن المقاومة لما تقدم غير صريحي الدلالة، لاحتمال الحسن الاستنجاء
بالماء - كما يشعر به ذيله - وإجمال الموثق، فيحمل على الطريق المعروف من
السنة.
ومما ذكر يظهر عدم كفاية ذي الجهات الثلاث عنها، وفاقا لجماعة.
خلافا لآخرين، لاعتبارات هينة واستبعادات ظنية غير لائقة بالأحكام
الشرعية التعبدية.

(1) المراسم: كتاب الطهارة في ذكر ما يتطهر منه الأحداث ص 32.
(2) البيان: كتاب الطهارة في ما يجب على المتخلي ص 6
(3) السنن الكبرى للبيهقي: باب وجوب الاستنجاء بثلاثة أحجار ج 1 ص 102.
(4) وسائل الشيعة: ب 9 و 30 من أبواب أحكام الخلوة ح 1 و 3 ج 1 ص 222 و 246.
(5) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب أحكام الخلوة ح 4 ج 1 ص 246.
(6) راجع مستدرك الوسائل: ب 22 من أبواب أحكام الخلوة ج 1 ص 274.
(7) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب أحكام الخلوة ح 1 ج 1 ص 227.
(8) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب أحكام الخلوة ح 5 ج 1 ص 223.
205

(ويستعمل الخرق) (1) جمع خرقة ونحوها (بدل الأحجار) وفاقا
للمعظم، لما تقدم.
وفي وجوب إمرار كل من الثلاث على مجموع المحل أم الاكتفاء بالتوزيع،
قولان: أصحهما الأول، يعرف وجهه مما تقدم من الأصول وأخبار التثليث،
لعدم تبادر المقام منها.
ولو لم ينق بها وجب الزيادة عليها إجماعا تحصيلا للنقاء المأمور به في
الأخبار.
ويستحب الوتر مع حصول النقاء بدونه، للنبويين، ففي أحدهما: من
استجمر فليوتر، فإن فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج (2).
(ولا) يجوز أن (يستعمل) النجس بغير الاستعمال إجماعا كما عن
المنتهى (3)، قيل: لخبر الأبكار (4). ولا ما يزلق عن النجاسة، لعدم تحقق النقاء.
والأحوط مراعاة الجفاف، بل قيل بوجوبه (5). ولا (العظم ولا الروث)
باجماعنا المحكي عن الفاضلين (6) وظاهر الغنية (7) والمعتبرة المنجبرة بالشهرة.
منها: من استنجى برجيع أو عظم فهو برئ من محمد - صلى الله عليه
وآله - (8).

(1) في المتن المطبوع " الخزف ".
(2) سنن أبي داود: كتاب الطهارة باب الاستتار في الخلاء ح 35 ج 1 ص 9، وأما النبوي الآخر ففي
وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب أحكام الخلوة ح 4 ج 1 ص 223.
(3) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أوصاف حجر الاستنجاء ج 1 ص 46 س 9.
(4) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب أحكام الخلوة ح 4 ج 1 ص 246.
(5) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في ما يستنجي به ج 1 ص 88.
(6) المعتبر: كتاب الطهارة في ما لا يجوز الاستنجاء به ج 1 ص 132. ومنتهى المطلب: كتاب الطهارة في
أوصاف حجر الاستنجاء ج 1 ص 46 س 20.
(7) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في الاستنجاء ص 487 س 30 و 31.
(8) سنن أبي داود: كتاب الطهارة في ما ينهى عنه أن يستنجي به ح 36 ج 1 ص 9.
206

ومنها: لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام، فإنه زاد إخوانكم من الجن (1).
وعن التذكرة احتمال الكراهة (2)، للأصل وضعف المعتبرة. وهو كما
ترى!.
(ولا الحجر المستعمل) لما تقدم.
ولا المطعوم إجماعا، كما في المنتهى (3)، لفحوى علة المنع في العظم وخصوص
الخبرين في الخبز (4). وفي الخبر: سأله عن صاحب له فلاح يكون على سطحه
الحنطة والشعير فيطأونه ويصلون عليه؟ فغضب - عليه السلام - وقال: لولا أني
أرى أنه من أصحابنا للعنته (5).
ولا المحترم، كورق المصحف ونحوه مما كتب عليه اسمه - سبحانه - أو اسم
أحد الأنبياء أو الأئمة - عليهم السلام - لفحوى ما دل على منع مس المحدث
بالجنابة مثلا في الأولين (6) وكونه إهانة موجبة للكفر لو فعل بقصدها في
الجميع، مضافا إلى فحوى الخبر المذكور في الحنطة والشعير.
وكالتربة الحسينية - على مشرفها السلام - لما ذكر، وللخبر الطويل عن أمالي
الشيخ (7).
وفي الاجزاء مع الاستعمال وجهان، والأحوط العدم، وفاقا لجماعة.
وقيل: نعم (7) وهو مشكل. وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وآله - تعليل

(1) الجامع الصحيح: ب 14 من أبواب الطهارة في كراهية ما يستنجى به ح 18 ج 1 ص 29.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في شرائط حجر الاستنجاء ج 1 ص 13 س 36 و 37.
(3) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أوصاف حجر الاستنجاء ج 1 ص 46 س 20.
(4) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب أحكام الخلوة ح 2 ج 1 ص 254. والآخر: ب 40 من أبواب أحكام
الخلوة ح 1 ج 1 ص 255.
(5) وسائل الشيعة: ب 79 من أبواب آداب المائدة ح 3 ج 16 ص 506.
(6) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب الوضوء ج 1 ص 269 و 270.
(7) أمالي الشيخ الطوسي: الجزء الحادي عشر ح 95 ج 1 ص 328.
(8) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في شرائط أحجار الاستنجاء ج 1 ص 13 س 35.
207

النهي عن العظم والروث بأنهما لا يطهران (1)، فتأمل.
(وسننها): ستر البدن كملا بتبعيد مذهب أو دخول بيت أو ولوج حفرة،
تأسيا بالنبي - صلى الله عليه وآله - (2) وللخبر في المحاسن في وصية لقمان لابنه:
إذا أردت قضاء حاجتك فأبعد المذهب في الأرض (3).
وارتياد موضع مناسب للبول بالجلوس في مكان مرتفع أو ذي تراب كثير،
تأسيا بالنبي - صلى الله عليه وآله - (4) وتوقيا منه، وللخبرين: من فقه الرجل
أن يرتاد موضعا لبوله (5).
والتقنع عند الدخول، للأخبار، منها: ما في مجالس الشيخ في وصية النبي
- صلى الله عليه وآله - لأبي ذر - رضي الله عنه -: يا أبا ذر! استح من الله، فإني
والذي نفسي بيده لأظل حين أذهب إلى الخلاء متقنعا بثوبي استحياء من
الملكين الذين معي (6).
وبفحوى هذه الأخبار ربما يمكن الاستدلال لاستحباب (تغطية الرأس
عند الدخول) لو كان مكشوفا، مضافا إلى الاتفاق المحكي عن المعتبر (7)
والذكرى (8). وفي الفقيه: إقرارا بأنه غير مبرئ نفسه من العيوب (9) وفي المقنعة:
إنه يأمن به من عبث الشيطان ومن وصول الرائحة الخبيثة إلى دماغه، وإن فيه

(1) سنن الدارقطني: كتاب الطهارة باب الاستنجاء ح 9 ج 1 ص 56.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب أحكام الخلوة ح 3 ج 1 ص 215.
(3) المحاسن: كتاب السفر ب 7 في آداب المسافر ح 145 ج 2 ص 376.
(4) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أحكام الخلوة ح 1 ج 1 ص 238.
(5) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أحكام الخلوة ج 1 و 3 ج 1 ص 238.
(6) أمالي الطوسي: المجلس الأول في وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لأبي ذر (ره) ج 2 ص 147، مع
اختلاف يسير.
(7) المعتبر: كتاب الطهارة في مندوبات الخلوة ج 1 ص 133.
(8) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام الخلوة ص 20 س 9.
(9) من لا يحضره الفقيه: باب ارتياد المكان للحدث و... ج 1 ص 24 ذيل الحديث 41.
208

إظهار الحياء من الله سبحانه لكثرة نعمه على العبد وقلة الشكر منه (1).
(والتسمية) دخولا وخروجا بالمأثور في الروايات، منها: الصحيح (2).
وفيما وجده الصدوق - رحمه الله - بخط سعد بن عبد الله مسندا عنه - عليه
السلام -: من كثر عليه السهو في الصلاة، فليقل إذا دخل الخلاء: بسم الله
وبالله أعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم (3).
واستحباب مطلقها محتمل. وربما يستفاد من بعضها استحباب الاخفات
بها (4)، وعند التكشف مطلقا، للخبرين: إذا انكشف أحدكم لبول أو غيره،
فليقل: بسم الله، فإن الشيطان يغض بصره (5).
(وتقديم الرجل اليسرى) عند الدخول، لفتوى الجماعة مع المسامحة في
أدلة الندب والكراهة.
وهو في البناء واضح، وفي الصحراء مثلا يتحقق بتقديمها
إلى المجلس، وربما يخص بالأول. والتعميم نظرا إلى ما قدمناه أقرب لفتوى البعض (6).
(والاستبراء) للرجل في البول، توقيا عن نقض الطهارتين، كما يستفاد
من الاجماع المحكي عن ابن إدريس (7) وفتاوى الأصحاب، والمعتبرة.
منها: الحسن، في الرجل يبول ثم يستنجي ثم يجد بعد ذلك بللا؟ قال: إذا
بال فخرط ما بين المقعدة والأنثيين ثلاث مرات وغمز بينهما ثم استنجى، فإن
سال حتى يبلغ الساق (8) فلا يبالي (9).

(1) المقنعة: كتاب الطهارة ب 3 في آداب الأحداث الموجبة للطهارات ص 39.
(2) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب أحكام الخلوة ح 1 ج 1 ص 216.
(3) من لا يحضره الفقيه: باب ارتياد المكان للحدث و... ح 42 ج 1 ص 25.
(4) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب أحكام الخلوة ح 2 ج 1 ص 214.
(5) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب أحكام الخلوة ح 4 و 9 ج 1 ص 217.
(6) أفتى به العلامة - قدس سره - في نهاية الإحكام: ج 1 ص 81.
(7) السرائر: كتاب الطهارة باب أحكام الاستنجاء و... ج 1 ص 96.
(8) في المخطوطتين " حتى يبلغ السوق ".
(9) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب نواقض الوضوء ح 2 ج 1 ص 200.
209

وعليها يحمل إطلاق ما دل على عدم البأس بالبلل الحادث بعد البول.
وفيه إشعار بعدم الوجوب، وهو مع الشهرة العظيمة وخلو الأخبار
المستفيضة الواردة في الاستنجاء عن البول من الأمر به بالمرة - كالصحيح " إذا
انقطعت درة البول فصب الماء " (1) بل وإشعار بعضها بانحصار الواجب فيه في
غسل الإحليل خاصة، كالموثق " إذا بال الرجل ولم يخرج منه شئ فإنما عليه
أن يغسل إحليله وحده ولا يغسل مقعدته " (2) فتأمل - كاف في حمل
الصحيحين الآمرين به (3) على الاستحباب، مع عدم صراحتهما وإشعار ذيلهما
بكون المقصود منه ما قدمناه، لا الوجوب.
ويؤيده الخبران المشعران بترك مولانا الصادق - عليه السلام - وأبي الحسن
- عليه السلام - إياه، ففي أحدهما: بال الصادق - عليه السلام - وأنا قائم على
رأسه، فلما انقطع شخب البول، قال بيده: هكذا إلي، فناولته فتوضأ
مكانه (4).
فسقط حجة القول بالوجوب، كما عن ابن زهرة (5) وابن حمزة (6)، وربما
نسب إلى الاستبصار. وسياق كلامه في بابه (7) يخالفه. والأحوط مراعاته
كيف كان.
والأحوط في كيفيته مراعاة تسع مسحات، بل لا يبعد عدم الخلاف فيه،

(1) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب أحكام الخلوة ح 1 ج 1 ص 247.
(2) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب أحكام الخلوة ح 1 ج 1 ص 244.
(3) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب نواقض الوضوء ح 3 ج 1 ص 200. والآخر: ب 11 من أبواب
أحكام الخلوة ح 2 ج 1 ص 225.
(4) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب أحكام الخلوة ح 4 ج 1 ص 247. والخبر الآخر: ب 26 من أبواب
أحكام الخلوة ح 8 ج 1 ص 243.
(5) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في أحكام الخلوة ص 487 س 27.
(6) الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان الطهارة ص 47.
(7) الاستبصار: كتاب الطهارة ب 28 في وجوب الاستبراء... ج 1 ص 48.
210

كما سيأتي تحقيقه مستوفي في بحث غسل الجنابة.
(والدعاء) بالمأثور في المعتبرة (1) (عند الدخول) والخروج (وعند النظر
إلى الماء وعند الاستنجاء) مطلقا (وعند الفراغ) منه.
(والجمع بين الأحجار والماء) مقدما الأول على الثاني، كما في المرسل:
جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار ويتبع بالماء (2).
وينبغي تخصيصه بغير المتعدي، للأصل واختصاص الخبر به، فتعديته إلى
المتعدي - كما عن المصنف في المعتبر - (3) يحتاج إلى دليل، ولعل المسامحة لنا في
أمثال المقام تقتضيه.
(والاقتصار على الماء إن لم يتعد) مخرجه إن لم يجمع، فإنه من الأحجار
خاصة أفضل، للمعتبرة.
منها: الصحيح، قال رسول الله - صلى الله عليه وآله - يا معشر الأنصار! قد
أحسن الثناء عليكم، فماذا تصنعون؟ قالوا: نستنجي بالماء (4).
ومنها: قال - صلى الله عليه وآله - لبعض نسائه: مري نساء المؤمنين أن
يستنجين بالماء ويبالغن، فإنه مطهرة للحواشي ومذهبة للبواسير (5).
(وتقديم) الرجل (اليمنى عند الخروج) لما تقدم.
والبدأة في الاستنجاء بالمقعدة قبل الإحليل، للموثق: عن الرجل إذا أراد
أن يستنجي فأيما يبدأ بالمقعدة أو الإحليل؟ فقال: بالمقعدة ثم بالإحليل (6).
(ويكره الجلوس) (7) حال التخلي (في المشارع) جمع مشرعة وهي موارد

(1) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب أحكام الخلوة ج 1 ص 216.
(2) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب أحكام الخلوة ح 4 ج 1 ص 246.
(3) المعتبر: كتاب الطهارة في مندوبات الخلوة ج 1 ص 136.
(4) وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب أحكام الخلوة ح 1 ج 1 ص 250.
(5) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب أحكام الخلوة ح 3 ج 1 ص 222.
(6) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب أحكام الخلوة ج 1 ص 227.
(7) في المتن المطبوع قبل ذلك " مكروهاتها ".
211

المياه، كشطوط الأنهار ورؤوس الآبار (والشوارع) جمع شارع، وهو الطريق
الأعظم - كما عن الجوهري - والمراد بها هنا مطلق الطريق النافذة، إذ المرفوعة
ملك لأربابها عند الأصحاب.
(ومواضع اللعن) المفسرة في الصحيح بأبواب الدور، ويحتمل أن يراد بها
ما هو أعم منها باحتمال خروج التفسير بها مخرج التمثيل.
(وتحت الأشجار المثمرة) بالفعل، كما يستفاد من الخبر: نهى أن يتغوط
على شفير بئر ماء يستعذب منها أو نهر يستعذب أو تحت شجرة فيها ثمرتها (1).
ويشهد له آخر في تعليل النهي بحضور الملائكة الموكلين لحفظ الثمار (2). هذا،
مضافا إلى الأصل.
أو مطلقا، لاطلاق الصحيح الآتي، مع المسامحة، فتأمل.
كل ذلك للمعتبرة، منها: الصحيح، تتقى شطوط الأنهار والطرق النافذة
وتحت الأشجار المثمرة ومواضع اللعن، قيل له: وأين مواضع اللعن؟ قال:
أبواب الدور (3).
وظاهرها المنع. وحمل في المشهور على الكراهة، للأصل. وعن الهداية (4)
والفقيه (5) والمقنعة (6) المنع من التغوط في الأخير خاصة. وهو أحوط.
(وفئ النزال) المواضع المعدة لنزول القوافل والمترددين - والتعبير به إما
لغلبة الظل فيها أو لفيئهم ورجوعهم إليها - للتأذي، وكونه من مواضع اللعن بناء
على الاحتمال المتقدم، وللخبرين (7). وظاهرهما التحريم وعدم الجواز، كما عن

(1) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب أحكام الخلوة ح 2 ج 1 ص 228.
(2) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب أحكام الخلوة ح 8 ج 1 ص 230.
(3) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب أحكام الخلوة ح 1 ج 1 ص 228.
(4) الهداية (الجوامع الفقهية): باب الوضوء ص 48 س 29.
(5) من لا يحضره الفقهية: باب ارتياد المكان للحدث و... ح 63 ج 1 ص 32.
(6) المقنعة: كتاب الطهارة ب 3 في آداب الأحداث الموجبة للطهارة ص 41.
(7) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب أحكام الخلوة ج 2 و 4 ج 1 ص 228 و 229.
212

الكتب ثلاثة المتقدمة. وهو أحوط.
(واستقبال) قرصي (الشمس والقمر) مطلقا - حتى الهلال - بفرجه
دون مقاديمه أو مآخيره، مطلقا على الأشهر، للمرسلين في الكافي (1) والفقيه (2)
أو في البول خاصة، كما عن ظاهر الشيخ في الاقتصاد (3) والجمل (4)
والمصباح (5) ومختصره (6) وابن سعيد (7) وسلار (8) ومحتمل الارشاد (9)
والبيان (10) والنفلية (11)، للأصل واختصاص أكثر الأخبار به. وهو كما ترى!
وقيل: بالمنع (12)، لظواهرها. وهو ضعيف، لضعفها وخلوا كثير من الروايات
المبينة لحدود الاستنجاء عما تضمنته.
ولا يكره الاستدبار عند البول والاستقبال عند الغائط مع ستر القبل،
للأصل، وحكاية الاجماع عليه عن فخر الاسلام (13) وظهور اختصاص الأخبار
بالاستقبال بالحدثين. وما في المرسل " لا تستقبل الهلال ولا تستدبره " (14) غير
صريح، لامكان اختصاص النهي في الأول بالبول وفي الثاني بالغائط.
(والبول في الأرض الصلبة) لما تقدم في ارتياد المكان المناسب.
(وفي مواطن الهوام) ولا يحرم. خلافا للهداية، فلم يجوزه (15) والأصل مع

(1) الكافي: كتاب الطهارة باب الموضع الذي يكره... ح 3 ج 3 ص 15.
(2) من لا يحضره الفقيه: باب ارتياد المكان للحدث و... ح 48 ج 1 ص 26.
(3) الاقتصاد: في ذكر الوضوء وأحكامه ص 241.
(4) الجمل والعقود: في ذكر الطهارة ص 37.
(5) مصباح المتهجد: في كيفية الطهارة ص 6.
(6) نقله في كشف اللثام: ج 1 ص 23.
(7) الجامع للشرائع: كتاب الطهارة باب الاستطابة وسنن الحمام ص 26.
(8) المراسم: كتاب الطهارة في ذكر ما يتطهر منه الأحداث ص 33.
(9) إرشاد الأذهان: كتاب الطهارة في ما يكره للمتخلي ج 1 ص 222.
(10) البيان: كتاب الطهارة في ما يكره على المتخلي ص 6.
(11) النفلية: الفصل الأول في سنن المقدمات ص 91.
(12) المقنعة: باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ص 42.
(13) حكاه في كشف اللثام (ج 1 ص 23) عن شرح الارشاد لفخر الاسلام.
(14) من لا يحضره الفقيه: باب ارتياد المكان للحدث و... ح 48 ج 1 ص 26.
(15) الهداية (الجوامع الفقهية): باب الوضوء ص 48 س 30.
213

ضعف ما فيه النهي عنه حجة عليه.
(وفي الماء جاريا أو ساكنا) (1) وفاقا للأكثر، للمستفيضة، منها: الصحيح
عن العلل: ولا تبل في ماء نقيع، فإنه من فعل فأصابه شئ فلا يلومن إلا نفسه (2).
ومنها: الخبر المحكي عن جامع البزنطي: لا تشرب وأنت قائم، ولا تنم
وبيدك ريح الغمر، ولا تبل في الماء، ولا تخل على قبر، ولا تمش في نعل
واحدة، فإن الشيطان أسرع ما يكون على بعض هذه الأحوال. وقال: ما
أصاب أحدا على هذه الحال فكان يفارقه إلا أن يشاء الله تعالى (3).
ومنها: الخبر المروي في الخصال: لا يبولن الرجل من سطح في الهواء
ولا يبولن في ماء جار، فإن فعل ذلك فأصابه شئ فلا يلومن إلا نفسه، فإن
للماء أهلا وللهواء أهلا (4).
وروي: أن البول في الراكد يورث النسيان (5) وأنه من الجفاء (6).
وعن بعض: أنه فيه يورث الحصر وفي الجاري السلس (7).
خلافا لظاهر الهداية ووالده في الأول (8) فنفيا البأس عنه، للصحيح:
لا بأس بأن يبول الرجل في الماء الجاري وكره أن يبول في الماء الراكد (9).
ويحمل على عدم تأكد الكراهة فيه أو عدم التنجيس أو التقذير وإن كره

(1) في المتن المطبوع " جاريا وراكدا ".
(2) علل الشرائع: ب 200 في علة النهي عن البول في الماء النقيع ح 1 ج 1 ص 283.
(3) بحار الأنوار: كتاب الطهارة ب 2 في آداب الخلاء ح 49 ج 80 ص 191، مع اختلاف يسير.
(4) الخصال: أبواب المائة فما فوق (حديث الأربعمائة) ح 10 ج 2 ص 613، وفيه: " ولا يبولن في ماء
حار " لكن وسائل الشيعة وبحار الأنوار ينقلان عن الخصال " ماء جار ".
(5) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب أحكام الخلوة ح 4 ج 1 ص 240.
(6) مستدرك الوسائل: ب 19 من أبواب أحكام الخلوة ح 1 و 6 ج 1 ص 270 و 271.
(7) مستدرك الوسائل: ب 19 من أبواب أحكام الخلوة ح 1 و 6 ج 1 ص 270 و 271.
(8) الهداية (الجوامع الفقهية): باب الوضوء ص 48 س 30. ولم أعثر على مصدر أصلي لفتوى والده وإن
أرسله في كشف اللثام ومفتاح الكرامة وغيرهما إرسال المسلمات.
(9) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب الماء المطلق ح 1 ج 1 ص 107.
214

من جهة أخرى، جمعا، ولا يعتبر التكافؤ هنا مسامحة، ويحتملهما كلامهما.
ولظاهرهما وظاهر المفيد في الثاني (1) فلم يجوزوه. وهو أحوط.
ويتأكد كراهتهما في الليل، لما ينقل: من أن الماء بالليل للجن، فلا يبال
فيه ولا يغتسل، حذرا من إصابة آفة من جهتهم (2).
وظاهر الروايات - كالمتن - مع الأصل يقتضي اختصاص الكراهة بالبول
خاصة. خلافا للأكثر ومنهم الشيخان، فألحقا به الغائط (3). ولا بأس،
للأولوية، كما عن الذكرى (4)، فتأمل.
وفي ثبوتها في الماء المعد في بيوت الخلا لأخذ النجاسة واكتنافها كما يوجد
في الشام وما جرى مجراها من البلاد الكثيرة الماء إشكال ينشأ من الاطلاق
ومن الأصل وعدم تبادر مثله منه. والأول أحوط.
(واستقبال الريح به) أي بالبول، بل مطلقا، للمرفوع: ما حد الغائط؟
فقال: لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ولا تستقبل الريح ولا تستدبرها (5).
ومثلها في المرسل (6).
وعن علل محمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم: ولا تستقبل الريح لعلتين:
إحداهما أن الريح يرد البول فيصيب الثوب وربما لم يعلم الرجل ذلك أو لم يجد
ما يغسله، والعلة الثانية أن مع الريح ملكا فلا تستقبل بالعورة (7).
والخبران وإن احتملا الاستقبال عند البول والاستدبار عند الغائط

(1) المقنعة: كتاب الطهارة ب 3 في آداب الأحداث الموجبة للطهارات ص 41.
(2) عوالي اللئالي: باب الطهارة ح 69 ج 2 ص 187.
(3) المقنعة: كتاب الطهارة ب 3 في آداب الأحداث الموجبة للطهارة ص 41. والنهاية: كتاب الطهارة
باب آداب الحدث وكيفية الطهارة ص 10.
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في استطابة الخلوة ص 20 س 22.
(5) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب أحكام الخلوة ح 2 ج 1 ص 213.
(6) من لا يحضره الفقيه: باب ارتياد المكان للحدث و... ح 47 ج 1 ص 26.
(7) بحار الأنوار: الطهارة ب 2 في آداب الخلاء ح 53 ج 80 ص 194.
215

ومرجعهما جميعا الاستقبال بالحدث، إلا أن الظهور بل مطلق الاحتمال في مثل
المقام لعله كاف، والله العالم.
(والأكل والشرب) حال التخلي كما عن جماعة، بل مطلقا كما عن
غيرهم، لمهانة النفس، وفحوى مرسل الفقيه: إن أبا جعفر - عليه السلام - دخل
الخلاء فوجد لقمة خبز في القذر فأخذها وغسلها ودفعها إلى مملوك له، وقال:
يكون معك لآكلها إذا خرجت (1).
وأسند في عيون أخبار الرضا - عليه السلام - (2) وفي صحيفة الرضا عن
الرضا - عليه السلام - أن الحسين بن علي - عليه السلام - فعل ذلك (3).
(والسواك) أي الاستياك حال التخلي أو مطلقا بناء على اختلاف
نسختي المرسل أن " السواك على الخلاء يورث البخر " كذا في الفقيه (4)
وظاهره الأول. وفي التهذيب بدل " على " " في " (5) وظاهره الثاني لو أريد به
بيته، وإلا فكا لأول.
(والاستنجاء) ومنه الاستجمار (باليمين) للنهي عنه في الأخبار، وفيها:
أنه من الجفاء (6). وفيها: النهي عن مس الذكر باليمين (7) وعنه: أنه كانت يمناه
لطهوره وطعامه، ويسراه لخلائه وما كان من أذى (8). واستحب أن يجعل اليمين
لما علا من الأمور واليسار لما دنأ.

(1) من لا يحضره الفقيه: باب ارتياد المكان للحدث و... ح 49 ج 1 ص 27.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ب 31 فيما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الأخبار المجموعة
ح 154 ج 2 ص 43.
(3) صحيفة الإمام الرضا (عليه السلام): ح 176 ص 80.
(4) من لا يحضره الفقيه: باب السواك ح 110 ج 1 ص 52.
(5) تهذيب الأحكام: ب 3 في آداب الأحداث الموجبة للطهارات ح 24 ج 1 ص 32.
(6) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب أحكام الخلوة ح 7 و 6 ج 1 ص 226.
(7) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب أحكام الخلوة ح 7 و 6 ج 1 ص 226.
(8) سنن أبي داود: كتاب الطهارة باب كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء ح 33 ج 1 ص 9.
216

ولا يدفعه ما في الخبر: يجزيك من الغسل والاستنجاء ما بلت يمينك (1).
فتدبر.
(وباليسار وفيها خاتم عليه اسم الله تعالى) بشرط عدم التلويث، ومعه
يحرم قطعا، والأخبار بالأول مستفيضة.
منها: الخبر المروي في الخصال: من نقش على خاتمه اسم الله عز وجل
فليحوله عن اليد التي يستنجي بها في المتوضأ (2).
ومنا: الخبر المروي في أمالي الصدوق: الرجل يستنجي وخاتمه في إصبعه
ونقشه لا إله إلا الله؟ فقال: أكره ذلك له، فقلت: جعلت فداك! أو ليس
كان رسول الله - صلى الله عليه وآله - وكل واحد من آبائك يفعل ذلك وخاتمه
في إصبعه؟ قال: بلى ولكن يتختمون في اليد اليمنى، فاتقوا الله وانظروا
لأنفسكم (3).
ومنها: المروي في قرب الإسناد: عن الرجل يجامع ويدخل الكنيف وعليه
الخاتم أو الشئ من القرآن، أيصلح ذلك؟ قال: لا (4).
وما ربما يوجد في شواذ الأخبار من عدم الكراهة لفعل الأئمة - عليهم
السلام - ذلك (5) فمع ضعفه مؤول أو محمول على التقية.
وربما ينقل عن الصدوق المنع من ذلك، وهو حسن لولا ضعف الأخبار.
ويلحق باسمه تعالى اسم الأنبياء والأئمة - عليهم السلام - وهو حسن وإن
اختصت النصوص بالأول، لما دل على استحباب تعظيم شعائر الله تعالى.
ولا ينافيه ما في الخبر: الرجل يريد الخلاء وعليه خاتم فيه اسم الله تعالى؟ فقال:

(1) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب الجنابة ح 5 ج 1 ص 511.
(2) الخصال: أبواب المائة فما فوق (حديث الأربعمائة) ح 10 ج 2 ص 612.
(3) أمالي الصدوق: المجلس 70 ح 5 ص 369.
(4) قرب الإسناد: ص 121 س 14، في المصدر: " وعليه الخاتم فيه ذكر الله ".
(5) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب أحكام الخلوة ح 8 ج 1 ص 234.
217

ما أحب ذلك، قال: فيكون اسم محمد - صلى الله عليه وآله -؟ قال: لا بأس (1)،
لضعفه وعدم تضمنه الاستنجاء.
ويلحق بذلك الفصة من حجر زمزم، للخبر: ما تقول في الفص من أحجار
زمزم؟ قال: لا بأس به، ولكن إذا أراد الاستنجاء نزعه (2) فتأمل.
وقيل: يوجد في نسخة الكافي بلفظ " حجارة زمرد " (3) بدل " أحجار
زمزم ".
(والكلام) حال التخلي مطلقا كما عن جماعة، أو التغوط خاصة كما عن
آخرين، للأخبار.
منها: ما في العلل: من تكلم على الخلاء لم تقض حاجته (4). وفي خبر آخر
" إلى أربعة أيام " (5).
وهما مشعران بالكراهة. وعليها يحمل النهي عن إجابة الرجل الآخر وهو
على الغائط في آخر (6). وهو مع الأصل وضعف الخبر يكفي لدفع المنع، كما عن
الصدوق (7).
(إلا بذكر الله تعالى) فإنه حسن على كل حال، كما في الصحيح
وغيره (8). ويعضده العمومات مع عدم تبادره من الأخبار الناهية.
والخبر كالمتن مطلقان فيه. وربما يقيدان بذكره فيما بينه وبين نفسه. وهو

(1) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب أحكام الخلوة ح 6 ج 1 ص 233.
(2) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب أحكام الخلوة ح 1 ج 1 ص 253.
(3) الكافي: كتاب الطهارة باب القول عند دخول الخلاء و... ح 6 ج 3 ص 17.
(4) علل الشرائع: ب 201 في العلة التي من أجلها لا يجوز الكلام على الخلاء ح 1 ج 1 ص 283.
(5) لم أجده في الوسائل وغيرها من الجوامع الحديثية المتداولة، ووجدته بعين العبارة في كشف اللثام: ج 1
ص 24.
(6) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب أحكام الخلوة ح 1 ج 1 ص 218.
(7) من لا يحضره الفقيه: باب ارتياد المكان للحدث و... ج 1 ص 31 ذيل الحديث 60.
(8) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب أحكام الخلوة ج 1 ص 219.
218

حسن، لأخبار التسمية عند الدخول (1). وعن قرب الإسناد مسندا عن أبي
جعفر - عليه السلام - عن أبيه - عليه السلام - قال: كان أبي يقول: إذا عطس
أحدكم وهو على الخلاء فليحمد الله تعالى في نفسه (2).
أو حكاية الأذان مطلقا أو سرا في نفسه، للأخبار، منها: الصحيح، ولو
سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر الله عز وجل وقل كما
يقول (3). وفي رواية: إنه يزيد في الرزق (4).
ولا يحتاج إلى تبديل الحيعلات بالحوالقات (5) التفاتا إما لي
إطلاق النصوص من دون إشارة فيها إلى ذلك، أو إلى الشك في دخول مثله في
الكلام المنهي عنه.
(أو للضرورة) في طلب الحاجة إن لم يكن بالإشارة أو التصفيق أو
نحوهما، فربما وجب، وهو واضح. أو لرد السلام وحمد العاطس وتسميته، كما
عن المنتهى (6) ونهاية الإحكام، (7) لعموم أدلة الوجوب والاستحباب.
(الثالث: في الكيفية)
(والفروض سبعة).
(الأول: النية) وهي القصد إلى فعله (مقارنة لغسل الوجه) المعتبر
شرعا، وهو أول جزء من أعلاه، لعدم تسمية ما دونه غسلا شرعا. مشتملة: على
قصد الوجوب فيما لو كان واجبا بوقوعه في وقت عبادة واجبة مشروطة به
والندب في غيره.
والتقرب به إلى الله تعالى، بأن يقصد فعله لله سبحانه امتثالا لأمره، أو

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب أحكام الخلوة ح 2 ج 1 ص 214.
(2) قرب الإسناد: ص 36 س 10.
(3) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب أحكام الخلوة ح 1 و 3 ج 1 ص 221.
(4) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب أحكام الخلوة ح 1 و 3 ج 1 ص 221.
(5) في نسخة ل " بالحوقلات ".
(6) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في مكروهات الخلوة ج 1 ص 41 س 17.
(7) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في آداب الاستنجاء ج 1 ص 84.
219

موافقة لطاعته، أو طلبا للرفعة عنده بواسطته تشبيها بالقرب المكاني، أو لنيل
الثواب عنده، أو الخلاص من عقابه. على خلاف في صحة الأخيرين من
جمع، نسبه شيخنا الشهيد في قواعده إلى الأصحاب (1)، استنادا منهم إلى منافاته
للاخلاص المأمور به. وهو خلاف ما يستفاد من الكتاب والسنة المتواترة معنى،
ولذا اختار جملة من المحققين الجواز. وقيل: أو مجردا عن ذلك، فإنه تعالى غاية
كل مقصود.
وعلى الاستباحة مطلقا أو الرفع حيث يمكن.
ولا شبهة في إجزاء النية المشتملة على ما تقدم، وإن كان في وجوب ما عدا
القربة نظر، لعدم قيام دليل عليه يعتد به.
أما هي: فلا شبهة في اعتبارها في كل عبادة، بل ولا خلاف فيه فتوى
ودليلا كتابا وسنة.
وربما نسب في الذكرى (2) إلى الإسكافي الاستحباب في الطهارات
الثلاث. ولكن المصنف في المعتبر نسب إليه الوجوب (3).
وكذا تمييز العبادة عن غيرها حيث يكون مشتركا، إلا أنه على ما قيل
لا اشتراك في مثل الوضوء حتى في الموجوب والندب، لأنه في وقت العبادة
الواجبة المشروطية به لا يكون إلا واجبا وبدونه يكون مندوبا، وعلى التقديرين يكون معينا.
(ويجوز) بل يستحب، (4) كما في القواعد (5) (تقديمها عند غسل اليدين)
المستحب للوضوء بوقوعه من حدث البول أو الغائط أو النوم والاغتراف من إناء
لا يسع كرا، أو مطلقا مع خلوهما عن النجاسة المتيقنة عند الأكثر، التفاتا إلى

(1) القواعد والفوائد: القاعدة 39 الفائدة الثانية ج 1 ص 77.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام الوضوء ص 80 س 7.
(3) المعتبر: كتاب الطهارة في نية الوضوء ج 1 ص 138.
(4) في النسخة المطبوعة وفي نسخة " ش " بل ويستحب.
(5) قواعد الأحكام: كتاب الطهارة في الوضوء ج 1 ص 9 السطر قبل الأخير.
220

كونه من الأجزاء المندوبة له. وهو غير معلوم.
فالتأخير إلى غسل الوجه أولى، وفاقا لجماعة منهم الشهيد في البيان (1)
والنفلية (2)، وعن ابن طاووس التوقف في ذلك (3).
وعلى الأول جاز التقديم عند المضمضة والاستنشاق أيضا وعن ظاهر
الغنية (4) وموضع من السرائر (5) تخصيص الجواز به خاصة. وهو حسن لو ثبت
فيهما الجزئية، ولكن النصوص بخروجهما من الوضوء كثيرة. ودعوى الوفاق على
كونهما مع ما تقدم من سننه لا تستلزم الدلالة على الجزئية، لكونه أعم.
(و) يجب (استدامة حكمها حتى الفراغ) من الوضوء، بمعنى أن لا
ينتقل من تلك النية إلى نية تخالفها، كما في الشرائع (6) وعن المبسوط (7)
والمنتهى (8) والجامع (9) والتذكرة (10) ونهاية الإحكام (11) ونسبه الشهيد إلى الأكثر،
قال: وكأنه بناء منهم على أن الباقي مستغن عن المؤثر (12). ولعله أراد أنه إذا
أخلص العمل لله تعالى ابتداء بقي الخلوص وإن غفل عنه في الأثناء.
وعن الغنية والسرائر: أن يكون ذاكرا لها غير فاعل لنية تخالفها (13).

(1) البيان: كتاب الطهارة في الوضوء ص 7.
(2) النفلية: الفصل الأول في سنن المقدمات ص 93.
(3) كما في الذكرى: في كيفية الوضوء ص 80 س 32، نقلا عن البشرى.
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في فرائض الوضوء ص 491 س 18.
(5) السرائر: كتاب الطهارة في كيفية الوضوء ج 1 ص 98.
(6) شرائع الاسلام: كتاب الطهارة في كيفية الوضوء ج 1 ص 20.
(7) المبسوط: كتاب الطهارة في ذكر وجوب النية في الطهارة ج 1 ص 19.
(8) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج 1 ص 55 س 26.
(9) الجامع للشرائع: كتاب الطهارة باب الوضوء ص 35.
(10) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج 1 ص 15 س 2.
(11) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في وقت نية الوضوء ج 1 ص 29.
(12) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام الوضوء ص 81 س 5.
(13) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في فرائض الوضوء ص 491 س 18. والسرائر:
كتاب الطهارة في كيفية الوضوء ج 1 ص 98.
221

ومقتضاه اعتبار استدامتها فعلا، كما هو مقتضى الأدلة، لوجوب تلبس العمل
بجميعه بالنية، والاستدامة الحكمية مستلزمة لخلو جل العمل عنها، إذ ليست
بنية حقيقة.
ومبنى الخلاف هو الاختلاف في تفسير أصل النية المعتبرة هل هي الصورة
المخطرة بالبال؟ أم نفس الداعي إلى الفعل وإن لم يكن بالبال مخطرا في
الحال؟
فعلى الأول: لا يمكن اعتبار الاستدامة الفعلية بناء على تعذرها أو تعسرها،
إذ " ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه " (1) واعتبار الحكمية حينئذ بالمعنى
المتقدم بناء على أن " ما لا يدرك كله لا يترك كله " (2) وذلك لاعتبارها بالمعنى
المزبور في أصل النية كاعتبار الجزء في الكل وسقوط الكل بالأمرين لا يستلزم
سقوط جزئه، لما عرفت، فتأمل.
وعلى الثاني: يمكن اعتبارها، فيجب وحيث إن المستفاد من الأدلة
ليس إلا الثاني بناء على دلالتها على اعتبار النية في أصل العمل ومجموعه
وهو ظاهر في وجوب بقائها بنفسها إلى منتهاه، وهو في المخطر - كما عرفت - غير
ممكن، وليس بعد ذلك إلا الداعي، فيجب إرادته منها. ولا صارف يوجب
المصير إلى الأول.
هذا، مع أن معناها لغة وعرفا ليس إلا ذلك، ولذا العامل عملا لم يخطر
القصد بباله حينه لا يكون في العرف عاملا بغير نية، بل لا ريب في تلبس عمله
بها عند أهله، وليست العبادات فيها إلا مثل غيرها، وإنما الفارق بينهما اعتبار
الخلوص والقربة في الأول دون الثاني، فالمكلف به المشترط في صحة العبادات
ليس إلا الخصوصية - وهي الاخلاص - دون أصل النية، لعدم القدرة على تركها،

(1) الأحزاب: 4.
(2) عوالي اللآلي: الخاتمة - الجملة الأولى ح 207 ج 4 ص 58.
222

ولذا قيل: لو كلفنا الله تعالى بايقاع الفعل من دون نية لكان تكليفا بما لا يطاق.
ومما ذكر ظهر سقوط كلفة البحث عن المقارنة وتقديمها عند غسل
اليدين، لعدم انفكاك المكلف على هذا التقدير عنها، فلا يتصور فقدها عند
القيام إلى العمل ليعتبر المقارنة لأول العمل الواجبي أو المستحبي.
(والثاني: غسل الوجه) بالنص والاجماع.
(وطوله من قصاص شعر الرأس) أي منتهى منبته عند الناصية، وهو
عند انتهاء استدارة الرأس وابتداء تسطيح الجبهة، فالنزعتان من الرأس (إلى)
محادر شعر (الذقن) أي المواضع التي ينحدر فيها الشعر عنه ويسترسل، بالنص
والاجماع (وعرضه ما اشتمل (1) عليه الابهام والوسطى) بهما، مراعيا في
ذلك مستوى الخلقة في الوجه واليدين، فيرجع فاقد شعر الناصية وأشعر الجبهة
- المعبر عن الأول بالأنزع والثاني بالأغم - وقصير الأصابع وطويلها بالنسبة إلى
وجهه إلى مستوى الخلقة، لبناء الحدود الشرعية على الغالب.
وعليه يحمل الصحيح: الوجه الذي قال الله عز وجل وأمر الله عز وجل بغسله
الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه ولا ينقص منه إن زاد عليه لم يؤجر وإن نقص
منه أثم: ما دارت عليه الابهام والوسطى من قصاص شعر الرأس إلى الذقن، وما
جرت عليه الإصبعان مستديرا فهو من الوجه، وما سوى ذلك فليس من الوجه،
قلت: الصدغ من الوجه؟ قال: لا (2).
(و) منه يعلم أنه (لا يجب غسل ما استرسل من اللحية) وزاد عليها
طولا وعرضا إجماعا، كما حكي (3). ولا الصدغ بجميعه لو فسر بما فوق العذار من
الشعر خاصة - كما هو ظاهر الصحيح وجمع من الأصحاب بل وصريح
بعضهم (4) - أو بعضه مما لم يصل إليه الإصبعان لو فسر بمجموع ما بين العين

(1) في المتن المطبوع " ما اشتملت ".
(2) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب الوضوء ح 1 ج 1 ص 283.
(3) كشف اللثام: كتاب الطهارة في فرائض الوضوء ج 1 ص 67 س 31 و 41.
(4) كشف اللثام: كتاب الطهارة في فرائض الوضوء ج 1 ص 67 س 31 و 41.
223

والإذن، كما عن بعض أهل اللغة (1) وظاهر جماعة. وكيف كان: فعدم دخوله
مطلقا أو في الجملة إجماعي، بل قيل: إنه مذهب جمهور العلماء (2) مضافا إلى
دلالة الصحيح عليه من وجهين. خلافا للمنقول عن بعض الحنابلة (3) وظاهر
الراوندي في الأحكام (4).
ولا ما يخرج من العذار - وهو ما حاذى الإذن من الشعر - عن إحاطة
الإصبعين، كما عن المعتبر (5) والتذكرة (6) ونهاية الإحكام (7).
ومنه يظهر ضعف القولين بوجوب غسله مطلقا كما عن ظاهر المبسوط (8)
والخلاف (9)، وعدمه كذلك كما عن صريح التحرير (10) والمنتهى (11) وربما
احتاط بالأول شيخنا في الذكرى (12) والدروس (13).
ومنه يعلم عدم وجوب غسل البياض الذي بينه وبين الإذن بطريق أولى،
ولا ما خرج من العارض - وهو ما تحت العذار من جانبي اللحية إلى شعر
الذقن - عن إحاطة الإصبعين، كما عن نهاية الإحكام (14).

(1) لسان العرب: مادة " صدغ " ج 8 ص 439.
(2) ذخيرة المعاد: كتاب الطهارة فيما يجب غسله في الوضوء ص 26 س 41.
(3) كما في منتهى المطلب: في أفعال الوضوء وكيفيته ج 1 ص 56 السطر ما قبل الأخير.
(4) فقه القرآن: كتاب الطهارة في غسل الوجه ج 1 ص 13.
(5) المعتبر: كتاب الطهارة في غسل الوجه ج 1 ص 141.
(6) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في غسل الوجه ج 1 ص 16 س 9.
(7) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في غسل الوجه ج 1 ص 36.
(8) المبسوط: كتاب الطهارة في كيفية الوضوء ج 1 ص 20.
(9) الخلاف: كتاب الطهارة م 23 في حد الوجه ج 1 ص 76.
(10) تحرير الأحكام: كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج 1 ص 9 السطر الأخير.
(11) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في غسل الوجه ج 1 ص 57 س 14.
(12) ذكرى الشيعة: كتاب الطهارة في غسل الوجه ص 83 س 35.
(13) الدروس الشرعية: كتاب الطهارة في الوضوء ص 4 س 2.
(14) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في غسل الوجه ج 1 ص 36.
224

ومنه يظهر ضعف القولين بوجوب غسله مطلقا كما عن الإسكافي (1)
والشهيدين (2)، وعدمه كذلك كما عن المنتهى (3). ولكن الأول أحوط،
لدعوى ثانيهما الاجماع عليه. ووجوب غسل ما نالته الإصبعان من مواضع
التحذيف - وهي منابت الشعر الخفيف بين النزعة والصدغ أو ابتداء العذار -
كما عن الروضة (4) والمسالك قطعا (5) والذكرى احتياطا (6). خلافا للمنقول
عن التذكرة (7) والمنتهى (8) بناء على دخولها في الرأس لنبات الشعر عليها.
وضعفه ظاهر.
(ولا) يجب (تخليلها) أي اللحية للأصل والاجماع كما عن نص
الخلاف (9) والناصريات (10) وهو كذلك في الكثيفة. وأما الخفيفة: فربما يتوهم
فيها الخلاف. والأشهر الأظهر العدم، للمعتبرة المستفيضة الصريحة الدلالة، ففي
الصحيح: كل ما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يطلبوه ولا يبحثوا عنه
ولكن يجري عليه الماء (11).
وفي آخر: عن الرجل يتوضأ أيبطن لحيته؟ قال: لا (12).

(1) كما في ذكرى الشيعة: كتاب الطهارة في غسل الوجه ص 83 س 31.
(2) الدروس الشرعية: كتاب الطهارة في الوضوء ص 4 س 3. والروضة البهية: كتاب الطهارة في
واجبات الوضوء ج 1 ص 323.
(3) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في غسل الوجه ج 1 ص 57 س 16.
(4) الروضة البهية: كتاب الطهارة في واجبات الوضوء ج 1 ص 323.
(5) مسالك الأفهام: كتاب الطهارة في غسل الوجه ج 1 ص 5 س 35.
(6) ذكرى الشيعة: كتاب الطهارة في غسل الوجه ص 84 س 1.
(7) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في غسل الوجه ج 1 ص 16 س 22.
(8) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في غسل الوجه ج 1 ص 57 س 16.
(9) الخلاف: كتاب الطهاة م 24 في ما استرسل من اللحية ج 1 ص 77.
(10) الناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة م 26 ص 220.
(11) وسائل الشيعة: ب 46 من أبواب الوضوء ح 3 ج 1 ص 335.
(12) وسائل الشيعة: ب 46 من أبواب الوضوء ح 1 ج 1 ص 335.
225

وفي الموثق: إنما عليك أن تغسل ما ظهر (1).
ويؤيده الصحاح المستفيضة المكتفية في غسل الوجه بالغرفة. (2).
والمراد بتخليلها إدخال الماء خلالها لغسل البشرة المستورة بها. أما الظاهرة
خلالها: فلا بد من غسلها بلا خلاف، كما يفهم من بعض العبارات، بل وعن
صريح بعض الاجماع عليه. (3) كما يجب غسل جزء آخر مما جاورها من
المستورة من باب المقدمة. وربما يحمل عليه كلام من أوجبه في الخفيفة، فيصير
النزاع لفظيا، كما صرح به جماعة.
وهل يستحب؟ (4) كما عن التذكرة (5) ونهاية الإحكام (6) والشهيد (7) أم
لا؟ كما عن المصنف (8) والمنتهى (9) وظاهر النفلية (10) والبيان (11) قولان: الظاهر
الثاني، لعدم الثبوت، واحتمال الاخلال بالموالاة، وظاهر النهي فيما تقدم،
واحتمال دخوله في التعدي المنهي عنه، وكونه مذهب العامة، كما صرح به
جماعة ويستفاد من بعض المعتبرة المروي عن كشف الغمة فيما كتب مولانا
الكاظم - عليه السلام - إلى علي بن يقطين اتقاء: اغسل وجهك وخلل شعر
لحيتك. ثم كتب إليه: توضأ كما أمر الله تعالى، اغسل وجهك مرة فريضة

(1) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب الوضوء ح 6 ج 1 ص 303.
(2) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب الوضوء ج 1 ص 306.
(3) هو الشهيد الثاني - قدس سره - في المقاصد العلية، كما في مفتاح الكرامة: ج 1 ص 242.
(4) أي التخليل
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في غسل الوجه ج 1 ص 16 س 31.
(6) لم نجده في نهاية الإحكام المطبوع.
(7) الدروس الشرعية: كتاب الطهارة في الوضوء ص 4 س 5.
(8) المعتبر: كتاب الطهارة في غسل الوجه ج 1 ص 142.
(9) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في غسل الوجه ج 1 ص 57 س 17.
(10) حيث لم يعده من سنن المقدمات، راجع النفلية: ص 93.
(11) البيان: كتاب الطهارة في غسل الوجه ص 8.
226

وأخرى اسباغا - إلى أن قال - فقد زال ما كنا نخاف عليك (1). ولم يتعرض له
ثانيا، ولو كان مستحبا لأمر به كما أمر بالاسباغ. ومع جميع ذلك لا يتم الثبوت
من باب الاحتياط مع عدم تماميته مطلقا، للاجماع على عدم الوجوب في
الكثيفة.
ويستوي في ذلك شعر اللحية والشارب والخد والعذار والحاجب والعنفقة
والهدب مطلقا، ولو من غير الرجل مطلقا، وعن الخلاف الاجماع عليه (2.
(والثالث: غسل اليدين مع المرفقين) بالنص والاجماع، وهو - بكسر الميم
وفتح الفاء أو بالعكس - مجمع عظمي الذراع والعضد لأنفس المفصل، كما
يستفاد من اطلاق الصحيحين الآمرين بغسل المكان المقطوع منه منهما (3)
الشاملين لما لو قطع من المفصل، وخصوص ظاهر الصحيح: عن رجل قطعت
يده من المرفق كيف يتوضأ؟ قال: يغسل ما بقي من عضده (4).
بناء على جعل الموصول للعهد والجار ظرفا مستقرا على أنه حال مؤكدة، أو
لغوا متعلقا ب‍ " يغسل " مع كونه للتبعيض، فتأمل.
ويظهر من هذا كون وجوب غسلهما أصالة لا من باب المقدمة، مضافا إلى
ظواهر المعتبرة في الوضوءات البيانية المتضمنة لوضع الغرفة على المرفق كوضعها
على الجبهة، فكما أن الثاني ليس من باب المقدمة بل بالأصالة، فكذا الأول،
وخصوص الاجماعات المنقولة عن التبيان (5) والطبرسي (6) والمنتهى (7). ومظهر

(1) كشف الغمة: باب في معجزات الإمام الكاظم عليه السلام ج 2 ص 226.
(2) الخلاف: كتاب الطهارة م 25 في عدم وجوب إيصال الماء إلى... ج 1 ص 77.
() وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب الوضوء ح 1 ج 1 ص 337، والظاهر أن الصحيح الآخر هو الحديث
الثالث من هذا الباب.
(4) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب الوضوء ح 2 ج 1 ص 337.
(5) التبيان: في تفسير الآية 6 من سورة المائدة ج 3 ص 450.
(6) مجمع البيان: في تفسير الآية 6 من سورة المائدة ج 3 ص 164.
(7) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في غسل اليدين ج 1 ص 58 س 25، وقد نسبه إلى أكثر أهل العلم.
227

ثمرة الخلاف ما ذكرناه، وغسل الزائد على المفصل من باب المقدمة، فيجب
على الأول دون الثاني.
ويجب أن يكون فيه (مبتدئا بهما. ولو نكس فقولان، أشبههما)
وأشهرهما، بل عن التبيان وغيره الاجماع عليه (1) (أنه لا يجوز) للأصل
والوضوءات البيانية المستفادة من المعتبرة.
منها: الصحيح في بيان وضوء رسول الله - صلى الله عليه وآله - أنه غمس
كفه اليسرى فغرف بها غرفة فأفرغ على ذراعه اليمنى فغسل بها ذراعه من المرفق
إلى الكف لا يردها إلى المرفق، ثم غمس كفه اليمنى فأفرغ بها على ذراعه
اليسرى من المرفق وصنع بها مثل ما صنع باليمنى (2) مع قوله - عليه السلام - في
المنجبر ضعفه بالشهرة: هذا وضوء لا يقبل الله تعالى الصلاة إلا به (3).
وخصوص المعتبرين: المروي أحدهما في تفسير العياشي، وفيه الأمر بصب
الماء على المرفق (4). وظاهره الوجوب، مضافا إلى تأيده بما في آخره: قلت له:
يرد الشعر؟ قال: إذا كان عنده آخر فعل وإلا فلا.
وفي ثانيهما: عن قول الله عز وجل: " فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق "
فقلت: هكذا؟ ومسحت من ظهر كفي إلى المرافق، فقال: ليس هكذا
تنزيلها، وإنما هي " فاغسلوا وجوهكم وأيديكم من المرافق " ثم أمر يده من
مرفقه إلى أصابعه (5).
وظاهره بل صريحه الوجوب، وضعفها مجبور بما تقدم.
ومما ذكر ظهر وجوب البدأة بالأعلى في غسل الوجه أيضا. مضافا إلى الأمر

(1) التبيان: في تفسير الآية 6 من سورة المائدة ج 3 ص 451.
(2) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الوضوء ح 3 ج 1 ص 272.
(3) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب الوضوء ح 11 ج 1 ص 308.
(4) تفسير العياشي: في تفسير الآية 6 من سورة المائدة ح 54 ج 1 ص 300.
(5) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الوضوء ح 1 ج 1 ص 285.
228

به بخصوصه في بعض الأخبار المنجبر قصور سنده بالاشتهار، رواه في قرب
الإسناد وفيه: لا تلطم وجهك بالماء لطما، ولكن اغسل من أعلى وجهك إلى
أسفله بالماء مسحا (1) الحديث.
خلافا للمرتضى (2) والحلي (3) في المقامين، فلم يوجباه، لاطلاق الآية (4).
وهو ضعيف بما قدمناه.
ويجب غسل ما اشتملت عليه الحدود: من لحم زائد ويد وإصبع وشعر
مطلقا - على الاشكال في الأخير - دون ما خرج وإن كان يدا على الأظهر، إلا أن
تشبه بالأصلية فيغسلان معا من باب المقدمة، قاصدا فيهما الوجوب أصالة
ظاهرا.
(وأقل الغسل) مطلقا (ما يحصل به مسماه) بأن ينتقل كل جزء من الماء
عن محله إلى غيره بنفسه أو بمعين، فيكفي ذلك (ولو) كان (دهنا) بالفتح، مع
الجريان. ولا يجزي ما دونه مطلقا على الأشهر الأظهر، بل كاد أن يكون
اجماعا، لظاهر الآية والنصوص المستفيضة الآمرة بالغسل في موضعين والمسح في
آخرين، فلا يجوز العدول عنها، وخصوص ظاهر المعتبرة، منها: الخبر، الغسل من
الجنابة والوضوء يجري منه ما أجري من الدهن الذي يبل الجسد (5).
وعلى المبالغة في الاكتفاء بالمسمى يحمل ما أطلق فيه الاجتزاء بالدهن:
من المعتبرة (6)، والخبر المزبور شاهد بذلك، لاعتبار الجريان فيه مع إطلاق
الدهن فيه أيضا، وإلا فهي مخالفة لظاهر ما تقدم، بل والضرورة من الدين، لما

(1) قرب الإسناد: ص 129 س 17.
(2) الإنتصار: ص 16. ورسائل الشريف المرتضى: المجموعة الأولى ص 213.
(3) السرائر: كتاب الطهارة في كيفية الوضوء ج 1 ص 99.
(4) المائدة: 6.
(5) وسائل الشيعة: ب 52 من أبواب الوضوء ح 5 ج 1 ص 341 وفيه " ما أجزى من الدهن ".
(6) وسائل الشيعة: ب 52 من أبواب الوضوء ح 1 ج 1 ص 340.
229

اشتهر بين الخاصة والعامة: من أن الوضوء غسلتان ومسحتان أو مسحة وثلاث
غسلات، من دون تفصيل.
خلافا للمقنعة (1) والنهاية (2) فاكتفيا به حال الضرورة. ويمكن حملهما
كالمعتبرة على المبالغة، وإلا فيتوجه عليهما ما تقدم.
مضافا إلى عدم ظهور المجوزة فيها، فلا وجه لتخصيصها بها مع حصول الجمع
بما تقدم. وعلى تقدير عدم إمكانه به فطرحها متعين والأخذ بما قابلها لازم،
للشهرة العظيمة وظاهر الآية والأخبار المستفيضة المؤيدة بوجوب تحصيل البراءة
اليقينية، فتأمل.
(والرابع: مسح) بشرة (مقدم الرأس) أو شعره الغير المتجاوز بمده عن
حده، بالنصوص والاجماع، ففي الصحيح: مسح الرأس على مقدمه (3). وفي
آخر: تمسح ببلة يمناك ناصيتك (4).
وبها يقيد اطلاق الآية والأخبار.
وما في شواذ أخبارنا مما يخالف بظاهره ذلك (5) فضعيف متروك
باجماعنا، محمول على التقية.
والمراد بالمقدم ما قابل المؤخر، لا خصوص ما بين النزعتين المعبر عنه
بالناصية، فلو مسح القدر الواجب من أي موضع منه ولو ارتفع الناصية ولم
يصادف منها شيئا كفى، على ما يستفاد من ظاهر كلمة الأصحاب
إلا أن ظاهر الصحيح المتقدم يعطي تعين الثاني، لظاهر الأمر، بناء على
تفسير الناصية به، إلا أنه ربما فسر بمطلق شعر مقدم الرأس أيضا.

(1) المقنعة: كتاب الطهارة ب 6 في حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ص 53.
(2) النهاية: كتاب الطهارة باب آداب وكيفية الطهارة ص 15.
(3) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب الوضوء ح 1 ج 1 ص 289.
(4) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الوضوء ح 2 ج 1 ص 272.
(5) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب الوضوء ح 5 و 6 و 7 ج 1 ص 290.
230

وفي كتب جماعة من أهل اللغة: أنها خصوص القصاص الذي هو آخر
منابت شعر الرأس. وبه يخرج عن صلاحية تقييد الأخبار المطلقة في المقدم.
ولكن مراعاته أحوط.
ويجب أن يكون المسح (ببقية البلل) ولو بالأخذ من مظانها إن لم تبق أو
مطلقا. والأول أظهر، نظرا إلى الاحتياط والوضوءات البيانية والتفاتا إلى
الحسن الآمر بمسح الناصية وظهر قدم اليمنى ببلة اليمنى وظهر قدم اليسرى ببلة
اليسرى (1)، والمرسل المشترط في جواز الأخذ من بلة اللحية والحاجب وأشفار
العينين جفاف بلة اليد (2) وفي معناه أخبار أخر، وقصور أسانيدها بالشهرة
منجبر.
وحملها ككلمة الأصحاب على الغالب نافع مع وجود الدليل على اجزاء
غيره وليس، إذ المطلق منصرف إلى الشائع المتبادر، فلا نفع.
ومنه يظهر ضعف القول بالثاني والمستند لأصل الحكم، مضافا إلى دعوى
الاجماع عليه، وبه يقيد اطلاق الآية والأخبار.
وربما نسب إلى الإسكافي تجويز استئناف ماء جديد مطلقا أو مع الجفاف (3)
- على اختلاف النقلين - للخبرين: أحدهما الصحيح: أيجزي الرجل أن يمسح
قدمه بفضل رأسه؟ فقال برأسه: لا، فقلت: أبماء جديد؟ فقال برأسه:
نعم (4). والآخر الموثق: أمسح بما في يدي من الندى رأسي؟ قال: لا، بل
تضع يدك في الماء ثم تمسح (5).
ودلالتهما كما ترى! مع أن في الأول اشعارا بالتقية، فيحملان عليها.

(1) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الوضوء ح 2 ج 1 ص 272.
(2) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب الوضوء ح 8 ج 1 ص 288.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في كيفية الوضوء، ج 1 ص 24 س 37.
(4) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب الوضوء ح 5، ج 1 ص 288.
(5) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب الوضوء ح 4 ج 1 ص 287، مع اختلاف يسير.
231

ولا ينافيه مسح القدم في الأول، لوجود القول به بينهم (1) في سابق الزمان.
وأقل الواجب منه الاتيان (بما يسمى) به (مسحا) ولو بجزء من إصبع ممرا
له على الممسوح ليتحقق اسمه - لا بمجرد وضعه - على الأصح الأشهر، بل عن
التبيان (2) ومجمع البيان (3) وروض الجنان للشيخ أبي الفتوح الرازي (4) وأحكام
القرآن للراوندي (5) وعن ابن زهرة العلوي (6) الاجماع عليه، للأصل والاطلاقات،
وخصوص الصحاح، منها: إذا مسحت بشئ من رأسك أو بشئ من قدمك
ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك (7).
وقيل: إن الأقل مقدار إصبع، كما في المقنعة (8) والتهذيب (9) وعن
الخلاف (10) وجمل السيد (11) والغنية (12) والمراسم (13) وأبي الصلاح (14)
والمهذب (15) والراوندي في موضع آخر من الكتاب المزبور (16)، للخبرين:

(1) وهم ابن عباس وأنس بن مالك وعكرمة والشعبي نقله التفسير الكبير في تفسير الآية (6) من سورة
المائدة ج 11 ص 161.
(2) التبيان: في تفسير الآية (6) من سورة المائدة ج 3 ص 451.
(3) مجمع البيان: في تفسير سورة المائدة ج 3 ص 164.
(4) روض الجنان: في تفسير الآية (9) من سورة المائدة ج 4 ص 125.
(5) كما في فقه القرآن: كتاب الطهارة في كيفية مسح الرأس ج 1 ص 17.
(6) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في فرائض الوضوء ص 491 س 29.
(7) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الوضوء ح 4 ج 1 ص 291.
(8) المقنعة: كتاب الطهارة ب 4 في صفة الوضوء و... ص 48.
(9) تهذيب الأحكام: ب 4 في صفة الوضوء و... ج 1 ص 89، ذيل الحديث 85.
(10) الخلاف: كتاب الطهارة م 29 في المقدار المجزي في مسح الرأس ج 1 ص 82.
(11) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى): كتاب الطهارة ب 3 في الاستنجاء وكيفية الوضوء
و... ج 3 ص 24.
(12) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في فرائض الوضوء ص 491 س 29.
(13) المراسم: كتاب الطهارة في ذكر الطهارة الصغرى ص 37.
(14) الكافي في الفقه: كتاب الصلاة في أحكام الوضوء ص 132.
(15) المهذب: كتاب الطهارة باب كيفية الوضوء ج 1 ص 44.
(16) كما في فقه القرآن: كتاب الطهارة في كيفية مسح الرأس ج 1 ص 17.
232

أحدهما: المرسل، في الرجل يتوضأ وعليه العمامة؟ قال: يرفع العمامة بقدر
ما يدخل إصبعه، فيمسح على مقدم رأسه (1).
وثانيهما: القاصر سندا والمعيب متنا: عن الرجل يمسح رأسه من خلفه
وعليه عمامة بإصبعه أيجزيه ذلك؟ فقال: نعم (2).
وهما مع هما عليه غير واضحي الدلالة والمقاومة لما قدمناه من الأدلة،
فيحملان على كون الادخال لتحصيل المسمى أو الاستحباب. وقد حمل على
الأول كلام الجماعة، لكن عبارة التهذيب يأباه، فإنها صريحة في المنع عن
الأقل من الإصبع الواحدة، مستندا إلى أن السنة منعت منه (3).
وربما عكس الأمر، فأول كلام من تقدم بإرادتهم من المسمى خصوص
الإصبع. هو مع بعده لا وجه له، سيما مع تصريح بعضهم بالاكتفاء بالأقل،
ولا ريب أنه أحوط.
(وقيل: أقله) أي المسح أن يمسح مقدار (ثلاث أصابع مضمومة)
مطلقا، كما عن الشيخ في بعض كتبه (4) والسيد في خلافه (5) لظاهر الصحيح:
المرأة يجزيها من مسح الرأس أن يمسح مقدمه قدر ثلاث أصابع ولا تلقي عنها
خمارها (6).
وهو مع قصوره عن المقاومة لما تقدم واشعاره باختصاصه بالمرأة - كما يعزى
إلى الإسكافي، حيث قال فيها بذلك ولكن في الرجل بالأصبع الواحدة - (7) غير

(1) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب الوضوء ح 3 ج 1 ص 289.
(2) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب الوضوء ح 4 ج 1 ص 289.
(3) تهذيب الأحكام: ب 4 في صفة الوضوء و... ج 1 ص 89 ذيل الحديث 85.
(4) النهاية: كتاب الطهارة باب آداب الحدث وكيفية الطهارة ص 14.
(5) كما في منتهى المطلب: في أفعال الوضوء ج 1 ص 60 س 19.
(6) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الوضوء ح 3 ج 1 ص 293.
(7) كما في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في كيفية الوضوء ص 86 س 18.
233

صريحي الدلالة، لاحتمال إرادة الاجزاء من القدر المندوب لا الواجب، بل
ولا يبعد ظهوره بملاحظة ما في خبر آخر " يجزي عن المسح على الرأس موضع
ثلاث أصابع وكذلك الرجل " (1) فإن عدم التفصيل في ذلك بين الرأس
والرجل مع استحبابه في الرجل اجماعا - كما حكى - (2) قرينة واضحة على كون
الاجزاء بالنسبة إلى الرأس كذلك.
هذا، والمنقول عن أبي حنيفة المصير إلى هذا القول (3)، فيتعين الحمل على
التقية. ولا بأس بالحمل على الاستحباب، وفاقا للجماعة.
وربما قيل: حده أن يسمح بثلاث أصابع مضمومة كذلك (4). ومستنده غير
واضح.
وعن النهاية والدروس وجوبها اختيارا والاكتفاء بالأصبع الواحدة
اضطرارا (5). وهو كسابقه في عدم وضوح
مستنده، ولعله للجمع بين خبري
الإصبع والثلاث، ولا شاهد له. ونقل نزع العمامة ليس بضرورة. وهذا مع عدم
التكافؤ بينهما، لما عرف.
(ولو استقبل) الشعر في مسحه فنكس (فالأشبه) الجواز مع (الكراهة)
وفاقا للمشهور، للصحيح " لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا " (6) مؤيدا
بالأصل والاطلاقات.
خلافا لجماعة، للاحتياط والوضوءات البيانية وغيرهما مما تقدم دليلا
لعدم جواز النكس في الغسلتين. وهو كذلك لولا الصحيح المعتضد بالشهرة.

(1) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الوضوء ح 5 ج 1 ص 294.
(2) الاجماع المحكي واقع على إجزاء إصبع واحدة لا استحباب ثلاث أصابع، راجع منتهى المطلب ج 1
ص 63 السطر ما قبل الأخير.
(3) المحلى: المسألة 198 حكم مسح الرأس ج 2 ص 52.
(4) قاله الصدوق في الفقيه: كتاب الطهارة باب حد الوضوء و... ج 1 ص 45.
(5) النهاية: كتاب الطهارة باب آداب الحدث وكيفية الطهارة ص 14. والدروس الشرعية: كتاب الطهارة.
في واجبات الوضوء: ص 4 س 12.
(6) وسائل الشيعة: 20 من أبواب الوضوء ح 1 ج 1 ص 286.
234

وإنما يكره تفصيا من الخلاف، واحتياطا عن الأدلة المزبورة، والاجماع
المنقول في الخلاف (1) والانتصار (2) وعدم مقاومته للصحيح مع كونه في حكم
الصحيح - على الصحيح - لتطرق القدح إليه بمخالفة الشهرة الموهنة المخرجة له عن
حيز الحجية في نفسه.
(ويجوز) المسح (على الشعر) بالشرط المتقدم، لاطلاق الأدلة مع كونه
أغلب أفراده (و (3) البشرة) بلا تأمل (ولا يجزي) المسح (على حائل،
كالعمامة) وغيرها اجماعا منا، لعدم الاتيان بالمأمور به على وجهه، وأخبار رفع
العمامة والقناع ثم المسح - كما تقدم - وخصوص الصحيح: عن المسح على الخفين
وعلى العمامة؟ قال: لا تمسح عليهما (4).
والمرفوع في الذي يختضب رأسه بالحنا ثم يبدو له الوضوء؟ قال لا يجوز
حتى يصيب بشرة رأسه الماء (5).
والخبر المروي في كتاب علي بن جعفر عن أخيه - عليه السلام - عن المرأة
هل تصلح لها أن تمسح على الخمار؟ قال: لا يصلح حتى تمسح على رأسها (6).
والمجوز لمسحه على الحناء كالصحيحين (7) مع شذوذه محتمل للضرورة أو
اللون أو الانكار أو غير ذلك.
ومن العامة من جوزه على العمامة (8)، ومنهم من جوزه على الرقيق الذي ينفذ

(1) الخلاف: كتاب الطهارة م 31 في عدم جواز استقبال الشعر في المسح والغسل ج 1 ص 83.
(2) الإنتصار: في المسح ص 91.
(3) في المتن المطبوع " أو ".
(4) وسائل الشيعة: ب 38 من أبواب الوضوء ح 8 ج 1 ص 323.
(5) وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب الوضوء ح 1 ج 1 ص 320.
(6) وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب الوضوء ح 5 ج 1 ص 321.
(7) وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب الوضوء ح 3 و 4 ج 1 ص 321.
(8) أجاز ذلك أحمد بن حنبل وأبو ثور والقاسم بن سلام وجماعة، كما في بداية المجتهد: المسألة الثامنة من
كتاب الوضوء ج 1 ص 14.
235

منه الماء إلى الرأس (1).
ويخص ذلك بحال الاختيار، فيحوز على الحائل حال الاضطرار اتفاقا على
ما حكي (2)، لعموم أدلة جواز المسح على الجبائر، لقوله - عليه السلام - في
الحسن بعد أن سئل عن الرجل يكون به القرحة في ذراعه أو نحو ذلك من موضع
الوضوء، فيعصبها بخرقة ويتوضأ؟ إن كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة (3).
ويؤيده ما دل على جوازه فيها في مسح الرجلين، كما سيأتي. فلا ينتقل
حينئذ إلى التيمم. خلافا لمن شذ.
(والخامس: مسح الرجلين) دون غسلهما بالضرورة من مذهبنا والمتواترة
معنى من أخبارنا. وما في شواذها مما يخالف بظاهره ذلك (4) محمول على
التقية من أكثر من خالفنا، أو غير ذلك مما ذكره بعض مشايخنا (5).
ومحل ظهرهما اجماعا فتوى ورواية، وعن مولانا أمير المؤمنين - عليه السلام -
لولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وآله - يمسح ظاهر قدميه لظننت أن
باطنهما أولى بالمسح من ظاهرهما (6).
وما في الخبرين من مسح الظاهر
والباطن أمرا في أحدهما وفعلا في
الآخر (7) محمول على التقية. ولا مانع منه من جهة تضمنهما المسح، إما لأن
القائلين بغسلهما ربما يعبرون بمسحهما (8)، وإما لأن منهم من أوجب مسحهما

(1) كما في منتهى المطلب: في أفعال الوضوء وكيفيته ج 1 ص 61 س 19.
(2) الحاكي هو صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الطهارة في المسح على الحائل ج 2 ص 310.
(3) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب الوضوء ح 2 ج 1 ص 326.
(4) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب الوضوء ح 14 و 15 ج 1 ص 296.
(5) الظاهر هو صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الطهارة في مسح الرجلين ج 2 ص 290.
(6) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الوضوء ح 9 ج 1 ص 292.
(7) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الوضوء ح 7 و 6 ج 1 ص 292.
(8) راجع عمدة القاري: كتاب الوضوء الجواب الرابع ج 2 ص 239.
236

مستوعبا (1)، وإما لأجل ايهام الناس الغسل بمسحهما كذلك، وربما يحمل على
إرادة جواز الاستقبال والاستدبار. هذا مع قصور سندهما وشذوذهما.
وحده طولا من رؤوس الأصابع (إلى الكعبين) اجماعا، كما في
الخلاف (2) والانتصار (3) والتذكرة (4) وظاهر المنتهى (5) والذكرى (6) استنادا
إلى ظاهر الكتاب يجعل " إلى " غاية المسح. ولا يقدح فيه جعلها غاية للمغسول
في اليدين بالاجماع، لعدم التلازم، مع أنه على تقدير كونها غاية للممسوح يدل
على لزوم الاستيعاب الطولي، كما أن الأمر في غسل اليدين كذلك. هذا
، مضافا إلى ظاهر القدم.
نعم: ربما ينافيه جواز النكس، كما يأتي.
فالعمدة الاجماعات والاحتياط والوضوءات البيانية، ففي الخبر: أخبرني من
رأى أبا الحسن - عليه السلام - بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب
ومن الكعب إلى أعلى القدم، الحديث (7).
وخصوص الصحيح: عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفه على
الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم، الحديث (8)، فتأمل.
وربما احتمل الاكتفاء فيه بالمسمى بناء على كون الآية لتحديد الممسوح
بمعنى وجوب وقوع المسح على ما دخل في المحدود، تسوية بينه وبين المعطوف
عليه، وللصحيح: إذا مسح بشئ من رأسه أو بشئ من قدميه ما بين الكعبين

(1) أحكام القرآن للجصاص: في مسح الرجلين ج 2 ص 345.
(2) الخلاف: كتاب الطهارة م 40 في حد مسح الرجلين ج 1 ص 93.
(3) الإنتصار: في مسح الرجلين ص 27.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في مسح الرجلين ج 1 ص 18 س 15.
(5) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في مسح الرجلين ج 1 ص 63 س 35.
(6) ذكرى الشيعة: كتاب الطهارة في مسح الرجلين ص 88 س 31.
(7) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب الوضوء ح 3 ج 1 ص 286.
(8) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الوضوء ح 4 ج 1 ص 293.
237

إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه (1).
ويضعفان بما تقدم، ويضعف الثاني بالخصوص باحتمال موصولية " ما "
المفيدة للعموم والابدال من " شئ " فيفيد بمفهوم الشرط توقف الاجزاء على
مسح مجموع المسافة والكائنة بينهما، وهو يستلزم الوجوب، بل لعله الظاهر،
سيما بملاحظة ما تقدم، فينهض دليلا على لزوم الاستيعاب، فتأمل.
وعرضا مسماه إجماعا، كما عن المعتبر (2) والمنتهى (3) وظاهر التذكرة (4)،
للصحيح المتقدم المعتضد بالأصل والاطلاق.
ويستحب بثلاث أصابع، للخبر المتقدم في مسح الرأس. وقيل بوجوبه،
حكاه في التذكرة (5).
وعن النهاية وأحكام الراوندي تحديد الواجب بالأصبع (6)، وعن ظاهر
الغنية تحديده بالإصبعين (7) ومستند الجميع غير واضح.
وفي الصحيح المتقدم إيماء إلى الوجوب بكل الكف. ولا قائل به، فيحمل
على الاستحباب.
وعن بعض الأصحاب استحباب تفريج الأصابع (8) ولعله لا بأس به،
للتسامح في مثله.
وفي وجوب مسح الكعبين وجهان بل قولان: أحوطهما ذلك، وإن كان
ظاهر بعض الصحاح المتقدم في كفاية المسمى في المسح والمعتبرة النافية

(1) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الوضوء ح 3 ج 1 ص 273.
(2) المعتبر: كتاب الطهارة في المسح ج 1 ص 150.
(3) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في مسح الرجلين ج 1 ص 63 س 35.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في مسح الرجلين ج 1 ص 18 س 15.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في مسح الرجلين ج 1 ص 18 س 15.
(6) النهاية: كتاب الطهارة باب آداب الحدث وكيفية الطهارة ص 14. وكما في فقه القرآن: في مسح
الرجلين ج 1 ص 29.
(7) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في فرائض الوضوء ص 491 س 33.
(8) إشارة السبق (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في فروض الوضوء وسننه ص 118 س 25.
238

لوجوب استبطان الشراكين (1) العدم.
(وهما) أي الكعبان (قبتا القدم) أمام الساقين ما بين المفصل والمشط عند
علمائنا أجمع، كما عن الانتصار (2) والتبيان (3) والخلاف (4) ومجمع البيان (5)
والمعتبر (6) والمنتهى (7) والتذكرة (8)، وابن زهرة (9) وابن الأثير (10) وغيره، حيث
نسبوا ذلك إلى الشيعة، بل يستفاد من التهذيب كونه مجمعا عليه بين كل من
قال بوجوب المسح من الأمة، صرح بذلك في شرح كلام المقنعة الصريح فيما
ذكرناه (11)، بل هو عينه. وهو المتفق عليه بين لغويينا وجمع من لغويي العامة بل
جميعهم، لعدم الخلاف بينهم في تسمية ذلك كعبا، وإنما الخلاف في تسمية
ما عداه به، كما صرح بالأمرين جماعة، بل وعن الصحاح كونه مذهب الناس
عدا الأصمعي (12)، وهو المحكي في كلام الفراء عن الكسائي عن مولانا محمد
الباقر - عليه السلام - حيث إنه أشار في البيان إلى مشط الرجل قائلا: إنه
مذهب الخاصة (13).

(1) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الوضوء ح 9 ج 1 ص 292.
(2) الإنتصار: في المسح وغيره ص 28.
(3) التبيان: في تفسير الآية (6) من سورة المائدة ج 3 ص 456.
(4) الخلاف: كتاب الطهارة م 40 في حد مسح الرجلين ج 1 ص 92.
(5) مجمع البيان: في تفسير الآية (6) من سورة المائدة ج 3 ص 167.
(6) المعتبر: كتاب الطهارة في المسح ج 1 ص 151.
(7) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في معنى الكعبين ج 1 ص 64 س 13.
(8) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في مسح الرجلين ج 1 ص 18 في هامش س 14.
(9) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في فرائض الوضوء ص 491 س 32.
(10) النهاية لابن الأثير: باب الكاف مع العين ج 4 ص 178.
(11) تهذيب الأحكام: ب 4 في صفة الوضوء و... ج 1 ص 75.
(12) الصحاح: في مادة كعب ج 1 ص 213.
(13) نقله الشهيد - رحمه الله - عن كتاب فائت الجمهرة في ذكرى الشيعة: كتاب الطهارة في أحكام
الوضوء ص 88 س 35.
239

وأخبارنا به مع ذلك مستفيضة، ففي الصحيح: وإذا قطع - أي مولانا
أمير المؤمنين عليه السلام - الرجل قطعها من الكعب (1).
وهو فيما ذكرنا ظاهر بناء على أن موضع القطع عند معقد الشراك بإجماعنا
المستفيض نقله عن جماعة من أصحابنا، وأخبارنا، ففي المروي مسندا في
الفقيه (2) والتهذيب (3) والكافي (4) عن مولانا الصادق - عليه السلام - إنما يقطع
الرجل من الكعب ويترك من قدمه ما يقوم عليه ويصلي ويعبد الله، الحديث.
وهو كما ترى صريح في المطلبين، وسيأتي ما يدل على الثاني أيضا.
وفي الصحيح: عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفه على الأصابع
فمسحها إلى الكعبين إلى ظهر القدم (5). أو ظاهره، على اختلاف النسختين.
وظهوره فيما ذكرناه (6) بناء على إطلاق اللفظتين لما ارتفع وليس من القدم
إلا وسطه. وينقدح منه وجه الاستدلال بالخبرين الموصف - عليه السلام - له في
أحدهما في ظهر القدم (7) والواضع - عليه السلام - يده عليه قائلا: " إن هذا هو
الكعب " في ثانيهما (8).
وحمل الثلاثة الأخيرة ككلام أكثر الأصحاب على قول من يذهب منا إلى
أنه المفصل بين الساق والقدم بإرادة العظم المائل إلى الاستدارة الواقع في ملتقى
الساق والقدم الناتي في وسط القدم عرضا نتوا غير محسوس من العظم الناتي في
وسط القدم - كما في عبارات الأكثر - ومن ظهر القدم - كما في الثلاثة - بعيد

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب حد السرقة ح 8 ج 18 ص 491.
(2) من لا يحضره الفقيه: كتاب الحدود باب حد السرقة ح 5127 ج 4 ص 69.
(3) تهذيب الأحكام: ب 8 (الحد في السرقة) ح 18 ج 10 ص 103.
(4) الكافي: كتاب الحدود باب حد القطع ح 17 ج 7 ص 225.
(5) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الوضوء ح 4 ج 1 ص 293.
(6) في نسخة ق " فيما ذكرنا ظاهر ".
(7) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب الوضوء ح 1 ج 1 ص 306.
(8) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الوضوء ح 9 ج 1 ص 275.
240

مخالف للظاهر والمتبادر منهما، كما اعترف به الحامل (1). فلا وجه له أصلا،
سيما بعد ذلك.
مضافا إلى عدم قبول ظاهر عبارات الأكثر ذلك، لوصفه بالنتو في ظهر
القدم عند معقد الشراك في عبارة، وكونه معقد الشراك في أخرى، وكونهما في ظهر القدم
عند معقد الشراك في ثالثة، وأنهما في معقد الشراك في رابعة (2)
ولعل الحامل للحامل بهذا الحمل واختياره ذلك مذهبا نسبة ذلك إلى
الشيعة في كلام جماعة من العامة (3) وكلام أهل التشريح وظاهر الصحيح
بزعمه، وفيه " قلنا: أين الكعبان؟ فقال: هاهنا يعني المفصل دون عظم الساق،
فقلنا: هذا ما هو؟ فقال: هذا عظم الساق " كذا في التهذيب (4) وفي الكافي (5)
بزيادة قوله: " والكعب أسفل من ذلك " وفي الجميع نظر.
ففي الأول: بالمعارضة بنسبة من تقدم من علمائهم أيضا ما ذكرناه إلينا (6).
والثاني: بالمعارضة بكلام اللغويين منا وغيرهم ممن خالفنا - كما عرفت -
مضافا إلى المعارضة بالاجماعات المستفيضة فيهما.
والثالث: بالمعارضة بالصحيح الأول وتاليه الصريحين فيما ذكرنا، واحتمال
أن يراد بالمفصل فيه مقطع السارق، أي المفصل الشرعي، بل لعله الظاهر
بملاحظة بعض المعتبرة، كالرضوي " يقطع السارق من المفصل ويترك العقب
يطأ عليه " (7) لايمائه إلى معروفية المفصل عند الاطلاق في ذلك الزمان وأنه

(1) الحامل هو الشيخ بهاء الملة والدين في مقام انتصار مذهب العلامة - قدس سرهما - راجع الحبل المتين:
الفصل الرابع من الباب الأول ص 18 - 21.
(2) انظر الحدائق الناضرة: كتاب الطهارة في مسح الرجلين ج 2 ص 298.
(3) كالفخر الرازي وصاحب الكشاف والنيشابوري منه (قده).
(4) تهذيب الأحكام: ب 4 في صفة الوضوء... ح 4 ج 1 ص 76 مع تفاوت يسير.
(5) الكافي: كتاب الطهارة باب صفة الوضوء ح 5 ج 3 ص 26.
(6) كابن الأثير في النهاية: ج 4 ص 178 والفيومي في المصباح المنير: ج 2 ص 734.
(7) لم نعثر عليه في فقه الرضا (عليه السلام) وجاء الحديث في البحار: ب 91 في السرقة و... ح 35
ج 79 ص 192، وفي مسندا عن الإمام الصادق - عليه السلام -.
وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب حد السرقة ح 7 ج 18 ص 491 مسندا عن الإمام الصادق - عليه السلام -.
241

الذي في وسط القدم حيث أطلق عليه مجردا عن القرينة ابتداء اتكالا على
معروفيته.
ومنه ينقدح وجه استدلال المعظم من أصحابنا به لما ذهبوا إليه. هذا،
مضافا إلى دلالته على ما ذكرنا أيضا مع قطع النظر عن ملاحظة ما ذكر بملاحظة
لفظ " الدون " الدال على لزوم مسافة - ولو في الجملة - بين المفصل وعظم
الساق، وليست مع إرادة المفصل بين عظم الساق والقدم من لفظ " المفصل "
فيه، بل المفصل حينئذ عين عظم الساق أو جزئه، لكونه عبارة عن مجمع
العظمين منه ومن القدم، فكيف يكون دونه؟ ويتأيد الدلالة بملاحظة نسخة
الكافي (1)، كما لا يخفى.
فالمصير إلى هذا القول ليس بحسن مصير، كما عن المختلف (2) والشهيد في
الرسالة (3) وصاحب الكنز (4) وغيرهم من متأخري المتأخرين.
هذا، وربما يؤول كلام الأول إلى ما يؤول إلى الأول ويدعى عدم مخالفته له
بتوجيه حسن مع شاهد جميل. وكيف كان: فالمذهب الأول، والأحوط الثاني
مع تأمل فيه، فتأمل.
ويؤيد المختار ما نص من الأخبار على المسح على النعلين من غير استبطان
الشراكين (5)، خصوصا على دخول الكعبين في الممسوحين كما هو أحوط القولين
المتقدمين قبيل المقام.

(1) الكافي: كتاب الطهارة باب صفة الوضوء ح 5 ج 3 ص 26.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في كيفية الوضوء ج 1 ص 24 س 16.
(3) الألفية: الفصل الأول في المقدمات ص 47.
(4) كنز العرفان: كتاب الطهارة في مسح الرجلين ج 1 ص 18.
(5) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الوضوء ح 8 ج 1 ص 292.
242

(ويجوز) المسح هنا كالرأس (منكوسا) على الأشهر الأظهر، لما تقدم.
مضافا إلى خصوص الخبر، بل الصحيح: أخبرني من رأى أبا الحسن - عليه
السلام - بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب ومن الكعب إلى أعلى
القدم ويقول: الأمر في مسح الرجلين موسع من شاء مسح مقبلا ومن شاء مسح
مدبرا، فإنه من الأمر الموسع (1). والصحيح المتقدم ثمة المروي بطريق آخر
هكذا: لا بأس بمسح القدمين مقبلا ومدبرا (2).
خلافا لمن تقدم لما تقدم. والجواب ما عرفت ثمة.
(ولا يجوز على حائل من خف وغيره) ومنه الشعر المختص على الأحوط،
لندرة إحاطة الشعر بالرجل، فلا يعمه الاطلاق وعموم " الأرجل " بالنسبة إلى
المكلفين، وكذا النهي عن البحث عما أحاط به الشعر. والأصل في المقام
- مضافا إلى ما تقدم في المسح الأول من الاجماع منا وغيره - النصوص.
(إلا لضرورة) اتفاقا على الظاهر، للعمومات وأخبار الجبائر، منها: خبر
وضع المرارة على الإصبع (3). ومنها: التقية، لخبر أبي الورد - المعتبر بورود المدح فيه
ورواية حماد عنه واشتهاره بين الأصحاب - عن الخفين هل فيهما رخصة؟
فقال: لا إلا من عدو تتقيه أو ثلج تخاف على رجليك (4).
وما ورد في المعتبرة: من عدم التقية في المسح على الخفين ومتعة الحج (5) مع
مخالفته الاعتبار والأخبار - عموما وخصوصا - يحتمل الاختصاص بهم - عليهم
السلام - كما قاله زرارة في الصحيح (6) وأنه لا حاجة إلى فعلهما غالبا للتقية،

(1) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب الوضوء ح 3 ج 1 ص 286.
(2) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب الوضوء ح 2 ج 1 ص 286.
(3) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب الوضوء ح 5 ج 1 ص 327.
(4) وسائل الشيعة: ب 38 من أبواب الوضوء ح 5 ج 1 ص 322.
(5) وسائل الشيعة: ب 38 من أبواب الوضوء ح 1 ج 1 ص 321.
(6) نفس المصدر السابق.
243

لعدم إنكار خلعهما للوضوء ولا متعة الحج، وإن كان فعلهما على بعض
الوجوه مما يوهمهم الخلاف.
وفي حكمه غسل الرجلين، فيجوز للتقية. ولو دارت بينه وبين ما تقدم قيل:
هو أولى كما عن التذكرة (1) لخروج الخف من الأعضاء.
وفي وجوب إعادة الوضوء حينئذ مع زوال السبب من غير حدث وجهان،
بل قولان: أحوطهما الأول لو لم يكن أقوى، لتعارض أصالة بقاء الصحة بأصالة بقاء
يقين اشتغال الذمة بالمشروط بالطهارة وعدم ثبوت أزيد من الاستباحة من
الخبر المجوز له للضرورة، وهي تتقدر بقدرها، وهو خيرة المنتهى (2) ومقرب
التذكرة (3) وفي التحرير (4) ما ذكرناه. خلافا للمشهور لاختيارهم الثاني، كما
فلو زال قبل فوات الموالاة وجب المسح، لبقاء وقت الخطاب، كما عن
مقتضى المبسوط (5) والمعتبر (6) والمنتهى (7). ويأتي العدم على الثاني.
(والسادس: الترتيب) بالكتاب والسنة والاجماع، وهو أن (يبدأ بالوجه،
ثم باليمنى، ثم باليسرى، ثم بالرأس، ثم بالرجلين) بلا خلاف في شئ
من ذلك فتوى ورواية، ففي الصحيح: تابع بين الوضوء كما قال الله عز وجل،
ابدأ بالوجه، ثم باليدين، ثم بمسح الرأس والرجلين ولا تقدمن شيئا بين يدي
شئ تخالف ما أمرت به، فإن غلست الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه وأعد على
الذراع، وإن مسحت على الرجل (قبل الرأس خ ل) فامسح على الرأس قبل

(1) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج 1 ص 18 س 34.
(2) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أفعال الوضوء وكيفياته ج 1 ص 66 س 7.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج 1 ص 18 س 31.
(4) تحرير الأحكام: كتاب الطهارة في أفعال الوضوء وكيفيته ج 1 ص 10 س 17.
(5) المبسوط: كتاب الطهارة في كيفية الوضوء ج 1 ص 22.
(6) المعتبر: كتاب الطهارة في المسح ج 1 ص 154.
(7) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أفعال الوضوء وكيفياته ج 1 ص 66 س 7.
244

الرجل ثم أعد على الرجل، ابدأ بما بدأ الله عز وجل به (1).
وفي آخر: في الرجل يتوضأ فيبدأ بالشمال قبل اليمين؟ قال: يغسل اليمين
ويعيد اليسار (2).
وبضمه مع الأول يتم المطلوب. وفي الموثق تمامه (3).
ويكفي قصده مع عدمه حسا بوقوع الوضوء في المطر فينوي الأول فالأول.
وعليه يحمل الخبر الصحيح المجوز له فيه (4)، وإلا فهو غير باق على ظاهره إجماعا.
وفي وجوب الترتيب بين الرجلين بتقديم اليمنى على اليسرى أقوال، ثالثها:
نعم مع انفرادهما ولا مع العدم، كما في الذكرى (5) عن بعض، واختاره جمع من
متأخري المتأخرين، للمروي في الاحتجاج: يسمح عليهما جميعا معا، فإن بدأ
بإحديهما قبل الأخرى فلا يبدأ إلا باليمين (6)
ولا حجة فيه لقصور السند، ولا جابر.
وقيل بالوجوب مطلقا، كما اختاره الشهيدان في اللمعة وشرحها (7)،
وعن الصدوقين (8) والإسكافي (9) وسلار (10)، وهو مختار جمع ممن تقدم ومنهم
الشيخ في ظاهر الخلاف مدعيا عليه الاجماع (11)، للأصل والصحيح أو الحسن:

(1) وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب الوضوء ح 1 ج 1 ص 315.
(2) وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب الوضوء ح 2 ج 1 ص 317.
(3) وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب الوضوء ح 8 ج 1 ص 318.
(4) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب الوضوء ج 1 ص 320.
(5) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام الوضوء ص 90 س 35.
(6) الاحتجاج: توقيعات الناحية المقدسة ج 2 ص 492.
(7) اللمعة الدمشقية والروضة البهية: كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج 1 ص 326.
(8) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في كيفية الوضوء ح 1 ص 25 س 13 و 14 ومن لا يحضره الفقيه:
باب حد الوضوء وترتيبه وثوابه ج 1 ص 45 ذيل الحديث 88.
(9) تقدم آنفا تحت رقم 8.
(10) المراسم: كتاب الطهارة في كيفية الطهارة الصغرى ص 38.
(11) الخلاف: كتاب الطهارة م 42 في وجوب الترتيب في الوضوء ج 1 ص 95.
245

امسح على القدمين وابدأ بالشق الأيمن (1).
ومروي النجاشي مسندا - في رجاله - عن مولانا أمير المؤمنين - عليه السلام -
أنه كان يقول: إذا توضأ أحدكم للصلاة فليبدأ باليمين قبل الشمال من
جسده (2). وهو عام.
وما روي عن مولانا رسول الله - صلى الله عليه وآله - أنه كان إذا توضأ بدأ
بميامنه (3).
والوضوء البياني مع قوله - صلى الله عليه وآله - هذه وضوء لا يقبل الله
تعالى الصلاة إلا به (4).
وحمل هذه الأخبار على الاستحباب - كما عن المعتبر (5) والمنتهى (6)
والتذكرة (7) والنفلية (8) - وجهه غير واضح، سوى الأصل وإطلاق الآية
وغيرهما، وهما غير صالحين له، لما فيها من معتبر السند المؤيد بالأصل والباقي،
فيقيد الجميع بها.
(و) المشهور أنه (لا ترتيب فيهما) بل عن الحلي في بعض فتاويه نفي
الخلاف عنه (9)، فإن تم إجماعا، وإلا فالوجوب مطلقا قوي، لضعف مستند
العدم بما تقدم. والاحتياط لا يترك.
(والسابع: الموالاة) بالنص والاجماع، والمراد بالوجوب هنا معناه

(1) وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب الوضوء ح 2 ج 1 ص 316.
(2) رجال النجاشي: في ذكر الطبقة الأولى، ص 7.
(3) وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب الوضوء ح 3 ج 1 ص 316.
(4) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب الوضوء ح 11 ج 1 ص 308.
(5) المعتبر: كتاب الطهارة في وجوب الترتيب والموالاة ج 1 ص 156.
(6) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ومتعلقاته ج 1 ص 69 س 23.
(7) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج 1 ص 19 س 35 و 36.
(8) النفلية: الفصل الأول في سنن لمقدمات ص 93.
(9) السرائر: كتاب الطهارة باب أحكام الاستنجاء... وكيفية الوضوء وأحكامه ج 1 ص 100.
246

الشرعي لا الشرطي خاصة كما ربما يتوهم من أدلتها، لا لها، بل لعموم الناهي عن
إبطال الأعمال (وهو أن يكمل) المتوضي (طهارته قبل) حصول (الجفاف)
في العضو السابق على اللاحق وإن لم يتتابعا حقيقة أو عرفا، كما هنا وفي
اللمعة (1) وشرحها (2) وعن الجمل والعقود (3) والمراسم (4) والغنية (5) والوسيلة (6)
والسرائر (7) والشرائع (8) والذكرى (9) والدروس (10) والبيان (11) والألفية (12)
وظاهر الكامل (13)، وهو المشهور بين الأصحاب، للأصل، وإطلاق الآية (14)
والنصوص، وإطلاق الصحيح: فيمن توضأ فبدأ بالشمال قبل اليمين؟ إنه
يغسل اليمين ويعيد اليسار (15) الشامل للعامد.
وعن المقنعة (16) والنهاية (17) والتهذيب (18) والمبسوط (19) والخلاف (20)

(1) اللمعة الدمشقية والروضة البهية: كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج 1 ص 326.
(2) اللمعة الدمشقية والروضة البهية: كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج 1 ص 326.
(3) الجمل والعقود: في ذكر ما يقارن الوضوء ص 38.
(4) المراسم: كتاب الطهارة في كيفية الطهارة الصغرى ص 38.
(5) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في فرائض الوضوء ص 492 س 20.
(6) الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان ما يقارن الوضوء ص 50.
(7) السرائر: كتاب الطهارة باب أحكام الاستنجاء... وكيفية الوضوء وأحكامه ج 1 ص 101.
(8) شرائع الاسلام: كتاب الطهارة في كيفية الوضوء ج 1 ص 22.
(9) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في كيفية الوضوء ص 91 س 8.
(10) الدروس الشرعية: كتاب الطهارة ص 4 س 20.
(11) البيان: كتاب الطهارة في كيفية الوضوء ص 10.
(12) الألفية: الفصل الأول في المقدمات ص 44.
(13) راجع ذكرى الشيعة: الواجب السابع الموالاة ص 91 س 36. (14) المائدة: 6.
(15) وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب الوضوء ح 1 ج 1 ص 317، نقلا، نقلا بالمضمون.
(16) المقنعة: كتاب الطهارة ب 4 في صفة الوضوء والفرض منه و... ص 47.
(17) النهاية: كتاب الطهارة باب آداب الحدث وكيفية الطهارة ص 15.
(18) تهذيب الأحكام: ب 4 في صفة الوضوء... ج 1 ص 97 في ذيل الحديث 103.
(19) المبسوط: كتاب الطهارة في كيفية الوضوء... ج 1 ص 23.
(20) الخلاف: كتاب الطهارة م 41 في وجوب الموالاة... ج 1 ص 93.
247

والاقتصاد (1) وأحكام الراوندي (2) والمعتبر (3) وكتب العلامة (4) المتابعة
الحقيقية، حتى يجب أن يعقب كل عضو بالسابق عليه عند كماله من دون
مهلة، للاحتياط، والوضوء البياني مع قوله - صلى الله عليه وآله -: " هذا وضوء
لا يقبل الله الصلاة إلا به " (5) والفورية المستفادة من الآية (6) - إما من الأمر
فيها، أو الفاء فيها المفيدة للتعقيب بلا مهلة، أو الاجماع - والحسن " أتبع وضوءك
بعضه بعضا " (7) والخبر: فيمن نسي الذراع والرأس؟ إنه يعيد الوضوء إن
الوضوء يتبع بعضه بعضا (8).
والأول معارض بالأصل، إما بنفسه، لجريانه في المقام ولو كان عبادة بناء
على عدم شرطيتها فيها بل هي واجبة خارجية لا يبطل الوضوء بفواتها، كما هو
ظاهر أكثر أصحاب هذا القول حيث جعلوا الشرط خصوص عدم الجفاف
وأبطلوا الوضوء به لا بفواتها، من حيث عدم تعلقه حينئذ بالعبادة مطلقا بل
بالتكليف الخارجي ولا فرق حينئذ بينها وبين غيرها. أو به بمعونة ما دل على
عدم البطلان إلا بالجفاف من الأخبار لو قيل باشتراطها في الصحة لا وجوبها
على حدة كما عن المبسوط (9).
والثاني معارض بهما مضافا إلى عدم انطباقه على قول الأكثر من أصحاب

(1) الاقتصاد: في ذكر الوضوء وأحكامه ص 243.
(2) لا يوجد لدينا هذا الكتاب ووجدناه في فقه القرآن: كتاب الطهارة في وجوب الموالاة في الوضوء
ج 1 ص 29.
(3) المعتبر: كتاب الطهارة في وجوب الترتيب والموالاة ج 1 ص 156.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في بقايا أحكام الوضوء ج 1 ص 25 س 17. وقواعد الأحكام:
كتاب الطهارة في الوضوء ج 1 ص 11 س 18. وتذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في أفعال الوضوء
ج 1 ص 20 س 4. ومنتهى المطلب: كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ومتعلقاته ج 1 ص 70 س 25.
(5) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب الوضوء ح 11 ج 1 ص 308. (6) المائدة: 6.
(7) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب الوضوء ح 1 ج 1 ص 314.
(8) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب الوضوء ح 6 ج 1 ص 315.
(9) المبسوط: كتاب الطهارة في كيفية الوضوء ج 1 ص 23.
248

هذا القول.
والثالث مردود بعدم إفادة الأمر الفورية على الأظهر الأشهر، والشك في إفادة
الفاء المزبورة لها للاختلاف فيها، ومنع الاجماع في مثل المقام. وعلى تقدير تسليم
الفورية، فالثابت منها إنما هو بالنظر إلى نفس الوضوء ومجموعه، لا أبعاض أفعاله
وأجزائه، ولو سلم فمفادها الفورية بالنسبة إلى غسل الوجه بالإضافة إلى إرادة
القيام إلى الصلاة، ولا قائل بها، وصرفها إلى غسل اليدين وما بعده خاصة مما
كاد أن يقطع بفساده. والاتباع المأمور به في الخبرين مراد به الترتيب ظاهرا،
على ما يشهد به سياقهما، ومع التنزل فالاحتمال كاف في عدم الدلالة.
وهل يعتبر في الجفاف على القول به جفاف جميع ما سبق؟ كما هو الأشهر
الأظهر وعن المعتبر (1) والمنتهى (2) والتذكرة (3) ونهاية الإحكام (4) والبيان (5)
وظاهر الخلاف (6) والنهاية (7) والكامل (8) والكافي لأبي الصلاح (9)،
لاستصحاب بقاء الصحة والاتفاق فتوى ورواية على جواز أخذ البلل من
الوجه للمسح إن لم يبق على اليدين (10) وظاهر النصوص الناطقة بالبطلان بجفاف
الوضوء الظاهر في جفاف الجميع خاصة، منها: الموثق " إذا توضأت بعض
وضوئك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوؤك فأعد على (11) وضوئك، فإن

(1) المعتبر: كتاب الطهارة في وجوب الترتيب والموالاة ج 1 ص 157.
(2) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ومتعلقاته ج 1 ص 70 س 31.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج 1 ص 20 س 12.
(4) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في باقي أركانه ج 1 ص 49.
(5) البيان: كتاب الطهارة في كيفية الوضوء ص 10.
(6) الخلاف: كتاب الطهارة م 41 في وجوب الموالاة... ج 1 ص 94.
(7) النهاية: كتاب الطهارة باب آداب الحدث وكيفية الطهارة ص 15.
(8) راجع ذكرى الشيعة: الواجب السابع الموالاة ص 91 س 36.
(9) الكافي في الفقه: كتاب الصلاة في الوضوء والغسل ص 133.
(10) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب الوضوء ج 1 ص 287، وليس فيه الأخذ من بلل الوجه بل من
اللحية أو الحاجبين أو أشفار العينين.
(11) كذا في أكثر السنخ، والظاهر، زيادة " على " ولم يرد في الوسائل أيضا.
249

الوضوء لا يتبعض " (1) والمفهوم منه عدم لزوم الإعادة مع عدم يبس الوضوء
بمجموعه. وهو حجة على الأصح.
أو جفاف البعض مطلقا؟ كما عن الإسكافي (2) ليقرب من الموالاة
الحقيقية، ولعموم جفاف الوضوء الوارد في الأخبار الشامل لجفاف البعض
مطلقا. ولا يخفى ضعفه.
أو الأقرب؟ كما عن الناصريات (3) والمراسم (4) والسرائر (5) والإرشاد (6)
والمهذب (7)، بناء على تفسير الموالاة بذلك، فإنها اتباع الأعضاء بعضها بعضا،
فالجفاف وعدمه إنما يعتبران في العضوين المتصلين. وهو مع ضعفه بما تقدم لا دليل عليه
وفي الصحيح: قلت: ربما توضأت ونفذ الماء فدعوت الجارية فأبطأت علي
بالماء فيجف وضوئي؟ فقال: أعده (8).
والمستفاد منه ومن الموثق السابق بطلان الوضوء بالجفاف مع التأخير
خاصة لا مطلقا، فاطلاق القول ببطلانه به غير وجيه، بل مقتضى استصحاب
بقاء الصحة صحته لو جف بدونه.
وبالجملة: الأصل مع فقد ما يدل على البطلان حينئذ لاختصاص
الخبرين بحال الضرورة الخاصة دليل الصحة لو جف (9) لشدة حرارة ومثلها

(1) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب الوضوء ح 2 ج 1 ص 314، مع اختلاف يسير.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في بقايا أحكام الوضوء ج 1 ص 27 س 7.
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة م 33 ص 221.
(4) المراسم: كتاب الطهارة في كيفية الطهارة الصغرى ص 38.
(5) السرائر: كتاب الطهارة باب أحكام الاستنجاء... وكيفية الوضوء وأحكامه ج 1 ص 101.
(6) إرشاد الأذهان: كتاب الطهارة في أسباب الوضوء وكيفيته ج 1 ص 223.
(7) المهذب: كتاب الطهارة باب كيفية الوضوء ج 1 ص 45.
(8) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب الوضوء ح 3 ج 1 ص 314.
(9) ما أثبتناه مطابق لنسخة م، وفي نسخة ق و ش " ولو جف... لما جف الوضوء " وفي المطبوع " ولو
جف... لما جف وتم الوضوء ".
250

بحيث لولاها واعتدل الهواء لما جف وتم الوضوء. ويظهر من الذكرى (1) - كما
سيأتي - كونه وفاقا بين الأصحاب، مضافا إلى الرضوي، وفيه: فإن فرغت من
بعض وضوئك وانقطع بك الماء من قبل أن تتمه ثم أوتيت بالماء فأتم وضوءك
إذا كان ما غسلته رطبا، فإن كان قد جف فأعد الوضوء. وإن جف بعض
وضوئك قبل أن تتم الوضوء من غير أن ينقطع عنك الماء فامض على ما بقي
جف وضوؤك أو لم يجف (2).
وبمضمونه أفتى الصدوقان في الرسالة (3) والمقنع (4). وينبغي حمله ككلام
الصدوقين على الجفاف لنحو شدة الحر لا على اعتدال الهواء، لعدم تبادر غير ما
ذكر منهما.
ويؤيده ظاهر خبر حريز عن مولانا الصادق - عليه السلام - كما عن مدينة
العلم (5) وعن التهذيب (6) وغيره الوقف على حريز، قال: " فإن جف الأول
قبل أن أغسل الذي يليه؟ قال: جف أو لم يجف اغسل ما بقي " (7) إلا أن
الظاهر حمله على التقية، كما يشهد به تتمته.
والأصح اعتبار الجفاف حسا لا تقديرا، فلو لم يحصل لعارض في مدة

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في كيفية الوضوء ص 92 س 22.
(2) فقه الرضا (عليه السلام): ص 68.
(3) من لا يحضره الفقيه: باب حكم جفاف بعض الوضوء قبل تمامه ج 1 ص 57
ونقله العلامة في المختلف: كتاب الطهارة في بقايا أحكام الوضوء
ج 1 ص 25 س 20.
(4) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة باب الوضوء ص 3 س 9.
(5) مدينة العلم للصدوق، وهو خامس الكتب الأربعة المهمة بل أكبر من كتاب من لا يحضره الفقيه
لأنه كان يحتوي على عشرة أجزاء والفقيه يحتوي على أربعة أجزاء. ولكنه مفقود عندنا فلم نقف على
أثره وأما الخبر: فنقله الشهيد - رحمه الله - عنها في الذكرى: كتاب الطهارة في كيفية الوضوء ص 91 س 12.
(6) تهذيب الأحكام ب 4 في صفة الوضوء و... ح 81 ج 1 ص 88.
(7) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب الوضوء ح 4 ج 1 ص 314.
251

مديدة لو فرض فقده لحصل قبلها ولو بكثير صح الوضوء، وفاقا للشهيدين (1).
وتقييد الأصحاب الجفاف بالهواء المعتدل ليخرج طرف الافراط في
الحرارة كما ذكرناه، لا لاخراج ما فرضناه، صرح به شيخنا في الذكرى (2).
وكلامه هذا كما ترى ظاهر فيما قدمناه: من عدم البطلان بالجفاف في غير
الضرورة الخاصة (3) الناشئة عن التأخير.
((4) والفرض في الغسلات) التي يتحقق به الامتثال (مرة) واحدة
إجماعا من الكل (و) الغسلة (الثانية) جائزة بلا خلاف، كما صرح به
بعض المحققين (5) ونقله عن أمالي الصدوق (6)، ودل عليه الأخبار حتى الأخبار النافية
للاستحباب عنها، كالخبر المروي في الخصال: هذه شرائع الدين لمن تمسك بها
وأراد الله تعالى هداه: إسباغ الوضوء كما أمر الله تعالى (7) في كتابه
الناطق، غسل الوجه واليدين إلى المرفقين، ومسح الرأس والقدمين إلى
الكعبين مرة مرة، ومرتان جائز (8) فالقول المنقول في الخلاف (9) عن بعض
الأصحاب بعدم مشروعيتها (10) ضعيف قطعا.

(1) البيان: كتاب الطهارة في كيفية الوضوء ص 10. والروضة البهية: كتاب الطهارة في أفعال الوضوء
ج 1 ص 327.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في كيفية الوضوء ص 92 س 22.
(3) في نسخة ق " الصورة الخاصة ".
(4) الموجود في المتن المطبوع " مسائل: والفرض الخ ".
(5) لعل مراده من " بعض المحققين " كاشف اللثام، حيث قال: " والبزنطي والكليني والصدوق على أنه
لا يوجر عليها وهو أقوى الخ " لكنه - قدس سره - لم يصرح بعدم الخلاف، راجع كشف اللثام: كتاب
الطهارة في أحكام الوضوء ج 1 ص 74 س 16.
(6) أمالي الصدوق: المجلس 93 ص 514. (7) في نسخة ل " سبحانه عز وجل ".
(8) الخصال: باب الواحد إلى المائة ح 9 ج 2 ص 603 مع اختلاف يسير.
(9) الخلاف: كتاب الطهارة م 38 في غسل الأعضاء ج 1 ص 87.
(10) نسب القول بعدم المشروعية إلى صريح كلام الصدوق في الفقيه وظاهر كلام الكليني في الكافي،
راجع الحدائق الناضرة: ج 2 ص 320 - 321.
252

و (سنة) على الأظهر الأشهر، بل عليه الاجماع عن الانتصار (1) والغنية (2)
والسرائر (3)، للمسامحة في أدلة السنن بناء على ما عرفت من الجواز قطعا،
وللصحاح وغيرها المستفيضة المؤيدة بالشهرة والاجماعات المنقولة وأدلة
المسامحة: مع صراحة بعضها وعدم قبوله شيئا من الاحتمالات (4) التي
ذكرت للجمع بينها وبين الأخبار المانعة من الاستصحاب، مع بعدها بالنسبة
إلى غيره إما في نفسه أو لقرائن ظاهرة، كمروي الكشي في الرجال بسنده فيه
عن داود الرقي، وفيه الأمر بالثلاث أولا للتقية، ثم بعد ارتفاعها الأمر
بالثنتين (5).
ومثله بل وأصرح منه مروي المفيد - رحمه الله - في إرشاده عن علي بن
يقطين، وفيه بعد الأمر بالثلاث وغسل الرجلين وتبطين اللحية تقية وظهور
ارتفاع التقية: ابتدء الآن يا علي بن يقطين، توضأ كما أمر الله تعالى، اغسل
وجهك مرة فريضة وأخرى إسباغا، واغسل يديك من المرفقين كذلك، وامسح
بمقدم رأسك وقدميك من فضل نداوة وضوئك، فقد زال ما كنا نخاف
عليك (6).
وقصور سندهما منجبر بما تقدم، مضافا إلى اعتبار متنيهما من حيث تضمنهما
الاعجاز، فيترجح على غيرها (7) من بعض الأخبار المانعة من استحبابها - كما
تقدم - ومرسل الفقيه " من توضأ مرتين لم يؤجر " (8) مضافا إلى

(1) الإنتصار: في المسح وغيره ص 28.
(2) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في فرائض الوضوء ص 492 س 26.
(3) السرائر: كتاب الطهارة في كيفية الوضوء ج 1 ص 100.
(4) في نسخة ل " المزبورة ".
(5) رجال الكشي: في داود بن زربي ص 312.
(6) الارشاد: باب ذكر طرف من دلائل أبي الحسن موسى (عليه السلام)... ومعجزاته ص 295.
(7) كذا في النسخ والصحيح: فيترجحان على غيرهما.
(8) من لا يحضره الفقيه: باب صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله ح 83 ج 1 ص 41.
253

ضعفه سندا.
وليس منه الأخبار البيانية، لورودها في بيان الواجبات، لخلوها من كثير
من المستحبات.
وكذا الأخبار الدالة على أن الوضوء مرة مرة (1) لحملها على
الواجبي. وكذا الأخبار الدالة على كون وضوء النبي (2) - صلى الله عليه وآله -
وعلي - عليه السلام - (3) مرة مرة، لعدم التصريح فيها بعدم استحباب الثانية،
مع ما علم من حال النبي - صلى الله عليه وآله - من الاقتصار في العمل على
ما وجب، اشتغالا منه بالأهم وإظهارا للاستحباب وجواز الترك. مضافا إلى
معارضتها بما دل على تثنيتهما في غسله، ففي الخبر: إني لأعجب ممن يرغب أن
يتوضأ اثنتين! وقد توضأ رسول الله - صلى الله عليه وآله - اثنتين اثنتين (4).
مضافا إلى ضعف أسانيدها.
فالقول بعد استحبابها مع الجواز - كما عن البزنطي (5) والكليني (6)
والصدوق في الهداية (7) والأمالي (8) - ضعيف جدا لا يلتفت إليه، سيما عدم
التئامه مع ما دل على وجوب رجحان العبادة وكون المسح ببقية البلة.
(و) منه يظهر أن (الثالثة بدعة) مضافا إلى استفادتها من المعتبرة المنجبرة
بالشهرة، ففي المرسل " إنها بدعة " (9) وفي الخبر " من توضأ ثلاثا فلا صلاة

(1) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب الوضوء ح 6 ج 1 ص 307.
(2) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب الوضوء ح 11 ج 1 ص 308.
(3) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب الوضوء ح 26 ج 1 ص 310.
(4) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب الوضوء ح 16 ج 1 ص 309.
(5) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب الوضوء ح 27 ج 1 ص 310.
(6) الكافي: كتاب الطهارة باب صفة الوضوء ح 9 ج 3 ص 27.
(7) الهداية (الجوامع الفقهية): باب وضوء السنة ص 49 س 2.
(8) أمالي الصدوق: المجلس 93 (في دين الإمامية) ص 514.
(9) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب الوضوء ح 3 ج 1 ص 307.
254

له " (1) وفي آخر " توضأ مثنى مثنى ولا تزدن عليه، فإنك إن زدت عليه فلا صلاة
لك " (2) خلافا لمن شذ، كالمفيد حيث جعلها تكلفا والزائد عليها بدعة (3)،
والإسكافي فجعل الثالثة غير محتاج إليها (4)، ومال إليه المصنف في المعتبر،
قال: لأنه لا ينفك عن ماء الوضوء الأصلي (5). وهو ضعيف، لعدم انحصار
دليل المنع في وجوب المسح بالبلة، ومع ذلك فهو غير تام في نفسه من حيث إن
المستفاد من الأدلة المسح بالبلة، والمتبادر منه عدم ممازجتها بشئ آخر
غيرها.
(ولا تكرار في المسح) عندنا لا وجوبا ولا استحبابا، للاجماع والنصوص
والأصل والوضوءات البيانية. خلافا للشافعي فاستحب تثليثه (6)، وابن
سيرين فأوجب التثنية (7). ولكن لا ضرر في مجرد فعله مطلقا، وفاقا للشهيد من
غير قصد المشروعية مطلقا (8)، ومعه حرام وبدعة البتة، كما عن التذكرة (9).
وعليه ينزل إطلاق التحريم عليه في كلام الشيخين (10) وابن حمزة (11) وابن
إدريس (12) ويكون حينئذ آثما ووضوؤه صحيحا، وفاقا للتذكرة (13) لخروجه

(1) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب الوضوء ح 2 ج 1 ص 312.
(2) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب الوضوء ح 2 ج 1 ص 312.
(3) المقنعة: كتاب الطهارة ب 4 في صفة الوضوء والفرض منه... ص 49.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في كيفية الوضوء ج 1 ص 22 س 34.
(5) المعتبر: كتاب الطهارة في وجوب الترتيب والموالاة ج 1 ص 160.
(6) الأم: كتاب الطهارة باب عدد الوضوء و... ج 1 ص 32 ج 1 ص 21 س 15.
(7) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في مندوبات الوضوء ج 1 ص 21 س 14.
(8) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في كيفية الوضوء ص 95 س 33.
(9) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في مندوبات الوضوء ج 1 ص 21 س 15.
(10) المقنعة: كتاب الطهارة ب 4 في صفة الوضوء والفرض منه... ص 49 الخلاف: كتاب الطهارة م 38
في الفرض في غسل الأعضاء مرة واحدة ج 1 ص 87.
(11) الوسيلة: كتاب الصلاة في تروك الوضوء ص 51.
(12) السرائر: كتاب الطهارة باب أحكام الاستنجاء... وكيفية الوضوء وأحكامه ج 1 ص 100.
(13) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في مندوبات الوضوء ج 1 ص 21 س 15.
255

بالمسح الأول عن العهدة، وعن الذكرى عدم الخلاف فيه (1)، وكذا عن
السرائر (2).
(ويحرك) أو ينزع (ما يمنع وصول الماء إلى البشرة، كالخاتم) والدملج
ونحوهما، ومنه الوسخ تحت الأظفار الخارج عن العادة قطعا، وغيره على الأحوط
(وجوبا) لعدم صدق الامتثال بدونه، وللنصوص، منها: الصحيح، عن المرأة
عليها السوار والدملج في بعض ذراعها لا تدري يجري الماء تحته أم لا كيف
تصنع إذا توضأت أو اغتسلت؟ قال: تحركه حتى يدخل الماء تحته أو تنزعه (3).
والحسن: عن الخاتم إذا اغتسلت؟ قال: حوله من مكانه، وفي الوضوء
تديره (4).
(ولو لم يمنع) قطعا (حركه استحبابا) ولا وجه له إلا أن يكون تعبدا، وهو
فرع الثبوت.
(والجبائر) أي الألواح والخرق التي تشد على العظام المنكسرة، وفي حكمها
ما يشد على الجروح أو القروح أو يطلى عليها أو على الكسور من الدواء اتفاقا
فتوى ورواية (تنزع) وجوبا اتفاقا، تحصيلا للامتثال، والتفاتا إلى ما يأتي من
فحاوي الأخبار، أو يكرر الماء أو يغمس العضو فيه حتى يصل البشرة (إن
أمكن) شئ منها لذلك على الترتيب بينها على الأحوط - بل قيل بتعينه، كما
عن التذكرة (5) - والتخيير على الأظهر، وفاقا لظاهر التحرير (6) ونهاية الإحكام (7) للأصل، وحصول الغسل المعتبر شرعا، وظاهر الاجزاء في الموثق في ذي

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في كيفية الوضوء ص 95 س 33.
(2) السرائر: كتاب الطهارة باب أحكام الاستنجاء... وكيفية الوضوء وأحكامه ج 1 ص 100.
(3) وسائل الشيعة: ب 41 من أبواب الوضوء ح 1 ج 1 ص 329.
(4) وسائل الشيعة: ب 41 من أبواب الوضوء ح 2 ج 1 ص 329.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج 1 ص 21 س 37.
(6) تحرير الأحكام: كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج 1 ص 10 س 35.
(7) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في أحكام وضوء الجبيرة ج 1 ص 64.
256

الجبيرة: كيف يصنع؟ قال: إذا أراد أن يتوضأ فليضع إناء فيه ماء ويضع
موضع الجبر في الإناء حتى يصل إلى جلده وقد أجزأه ذلك من غير أن يحله (1).
ولهذا يحمل عليه الأمر بالنزع الوارد في الحسن: وإن كان لا يؤذيه الماء
فلينزع الخرقة ثم ليغسلها (2).
هذا إذا كان في محل الغسل.
وأما إذا كان في محل المسح: تعين الأول - أي النزع - مع الامكان، ومع
عدمه يمسح على الجبيرة.
وقيل: بوجوب التكرار والوضع هنا أيضا (3) تحصيلا لما تيسر من مباشرة الماء
أصل المحل ولو في الجملة. والاكتفاء به عن المسح على الجبيرة مشكل، والجمع
بين الأمرين احتياط لا يترك.
(وإلا) أي وإن لم يمكن النزع ولا شئ من الأمرين المذكورين بتعذر
الحل أو عدم طهارة المحل مع عدم قبوله لها (مسح عليها) أي الجبائر (ولو)
كانت (في موضع الغسل) اتفاقا كما عن الخلاف (4) والتذكرة (5) والمنتهى (6)
وظاهر المعتبر (7)، للحسان، منها: عن الرجل يكون به القرحة في ذراعه أو نحو
ذلك من مواضع الوضوء فيعصبها بالخرقة ويتوضأ ويمسح عليها إذا توضأ؟ فقال:
إن كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة، الحديث (8).

(1) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب الوضوء ح 7 ج 1 ص 327.
(2) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب الوضوء ح 2 ج 1 ص 326.
(3) اختاره في جامع المقاصد: ج 1 ص 233 وأفتى به في كشف اللثام: ج 1 ص 75 ونقله في مفتاح
الكرامة عن رياض المسائل، من دون ذكر الوضع في الثلاثة.
(4) الخلاف: كتاب الطهارة م 110 في حكم الجبائر والدماميل في الطهارة ج 1 ص 159.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج 1 ص 21 س 38.
(6) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في الوضوء وما يتعلق به ج 1 ص 72 س 10.
(7) المعتبر: كتاب الطهارة في وجوب الترتيب والموالاة ج 1 ص 161.
(8) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب الوضوء ح 2 ج 1 ص 326.
257

وفي آخر: قال: قلت له: عثرت فانقطع ظفري فجلعت على إصبعي مرارة
فكيف أصنع بالوضوء؟ قال: يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله تعالى " ما
جعل عليكم في الدين من حرج " امسح عليه (1).
ومثله في آخر: إن كان يتخوف على نفسه فليمسح على جبائره وليصل (2).
وفي الحسن: عن الدواء إذا كان على يدي الرجل أيجزيه أن يمسح على
طلاء الدواء؟ قال: نعم يجزيه أن يمسح عليه (3).
وإطلاقه مقيد بتلك مع شيوعه هنا في المقيد.
وليس فيما في الصحيح وغيره من الاقتصار على غسل ما حوله (4) منافاة
لذلك، إذ من المحتمل أن يكون المراد منها الاقتصار في بيان الغسل لا مطلق
الواجب، ولعله الظاهر من الصحيح، فلا ينافي وجوب المسح على الجبيرة.
وظاهر المعتبر كفاية المسح ولو بأقل مسماه (5)، لكن من دون تجفيف. وعن
العلامة في النهاية احتمال لزوم مراعاة أقل الغسل معه (6)، وظاهره لزوم
تحصيل الماء للمسح على الجبيرة تحصيلا لذلك لو جف الماء ولم يف به. وهو
أحوط مصيرا إلى ما هو أقرب إلى الحقيقة.
ومنه يظهر عدم جواز المسح على الجبيرة مع إمكانه بنزعها على البشرة،
وفاقا للمصنف في المعتبر (7) والعلامة في النهاية (8)، إلا إذا كانت البشرة نجسة
فاشكال.

(1) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب الوضوء ح 5 ج 1 ص 327، مع اختلاف يسير.
(2) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب الوضوء ح 8 ج 1 ص 327.
(3) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب الوضوء ح 9 ج 1 ص 328.
(4) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب الوضوء ح 2 و 3 و 4 ج 1 ص 326.
(5) المعتبر: كتاب الطهارة ج 1 ص 161.
(6) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في أحكام وضوء الجبيرة ج 1 ص 65.
(7) المعتبر: كتاب الطهارة ج 1 ص 161.
(8) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في أحكام وضوء الجبيرة ج 1 ص 64.
258

والأحوط الجمع بين المسحين، بل قيل: بتعين المسح على البشرة مطلقا (1).
وهو حسن إن لم يكن إجماع على اشتراط طهارة محل الطهارة مطلقا.
ولا بد من استيعاب الجبيرة بالمسح إذا كانت في موضع الغسل، كما عن
الخلاف (2) والتذكرة (3) ونهاية الإحكام (4). وعن المبسوط (5) جعله أحوط
وظاهره عدم اللزوم التفاتا إلى صدق المسح عليها بالمسمى. وهو مشكل، لعدم
تبادره من الاطلاق هنا، فالمصير إلى الأول متعين، ولكن لا يشترط فيه
الاستيعاب حقيقة بحيث يشمل الخلل والفرج والثقوب والنقوب، لتعذره أو
تعسره عادة.
هذا كله إذا كانت الجبيرة طاهرة، ومع نجاستها يجب وضع طاهر عليها ثم
المسح عليه، تحصيلا للأقرب إلى الحقيقة، وخروجا عن الشبهة، وطلبا للبراءة
اليقينية، كما عن التذكرة (6). وعن الشهيد إجراؤها مجرى الجرح في الاكتفاء
عن غسله بغسل ما حولها فقط (7).
ومما ذكر يظهر وجوب تقليل الجبائر لو تعددت بعضها على بعض. مع
احتمال العدم والاكتفاء بالمسح على الظاهر، لأنه بالنزع لا يخرجه عن الحائل،
كما عن نهاية الإحكام (8). وهو مشكل.
والكسر المجرد عن الجبيرة وكذا القرح والجرح إذا كان في موضع الغسل مع

(1) قائله الفاضل الهندي في كشف اللثام: كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج 1 ص 75 س 10.
(2) الخلاف: كتاب الطهارة م 11 في حكم المسح على الجبائر ج 1 ص 160.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج 1 ص 21 س 40.
(4) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في أحكام وضوء الجبيرة ج 1 ص 65.
(5) المبسوط: كتاب الطهارة في كيفية الوضوء وأحكامه ج 1 ص 23.
(6) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة: في أحكام الوضوء ج 1 ص 21 س 42.
(7) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام الجبيرة ص 97 س 2.
(8) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في أحكام وضوء الجبيرة ج 1 ص 66.
259

تعذر الغسل وجب مسحه مع الامكان، تحصيلا للأقرب إلى الحقيقة، ولتضمن
الغسل إياه فلا يسقط بتعذر أصله، وفاقا لنهاية الإحكام (1) والدروس (2) ومع
عدمه فالأحوط بل اللازم وضع جبيرة أو لصوق عليه، وفاقا للمنتهى (3) ونهاية الإحكام (4) تحصيلا للأقرب إلى الحقيقة. بل قيل: لا خلاف فيه ما لم يستر شيئا
من الصحيح، كما عن الذكرى (5). والجمع بينه وبين التيمم أحوط.
ويحتمل قويا الاكتفاء بغسل ما حوله، كما عن المعتبر (6) والنهاية (7)
والتذكرة (8)، للحسن " عن الجرح؟ قال: اغسل ما حوله " (9). ونحوه وغيره (10)
ولكنهما لا ينفيان المسح على نحو الجبيرة. ولكن في السكوت عنه إيماء إليه، فتأمل.
(ولا يجوز أن يولي) واجبات أفعال (وضوءه) كنفس الغسل والمسح
لا غير (غيره اختيارا) إجماعا، كما عن الانتصار (11) والمعتبر (12) والمنتهى (13)
ونهاية الإحكام (14) وروض الجنان (15)، لظاهر الأوامر بها في الكتاب والسنة

(1) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في أحكام الوضوء الجبيرة ج 1 ص 66.
(2) الدروس الشرعية: كتاب الطهارة في سنن الوضوء ص 5 س 11.
(3) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في الوضوء وما يتعلق به ج 1 ص 72.
(4) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في أحكام وضوء الجبيرة ج 1 ص 66.
(5) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام الجبيرة ص 97 س 18.
(6) المعتبر: كتاب الطهارة في أحكام الجبيرة ج 1 ص 410.
(7) النهاية: كتاب الطهارة باب آداب الحدث وكيفية الطهارة ص 16.
(8) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في أحكام التيمم ج 1 ص 66 س 36.
(9) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب الوضوء ح 2 ج 1 ص 326.
(10) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب الوضوء ح 3 و 4 ج 1 ص 326.
(11) الإنتصار: في المسح وغيره ص 29.
(12) المعتبر: كتاب الطهارة ج 1 ص 162.
(13) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في الوضوء وما يتعلق به ج 1 ص 72 س 37.
(14) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في الموالاة ج 1 ص 49.
(15) روض الجنان: كتاب الطهارة في اشتراط الوضوء... ص 43 س 3.
260

والوضوءات البيانية، مع قوله - صلى الله عليه وآله -: هذا وضوء لا يقبل الله تعالى
الصلاة إلا به (1).
وخلاف الإسكافي وقوله بالجواز مع استحباب العدم (2) شاذ مدفوع بما ذكر.
ويستفاد من القيد هنا وفي كلام الأصحاب الجواز اضطرارا، بل عن ظاهر
المعتبر الاجماع عليه (3). والمراد منه المعنى الأعم الشامل للوجوب. ولا ريب فيه
هنا، لعدم سقوط نفس الغسل بتعذر المباشرة، كيف لا! و " الميسور لا يسقط
بالمعسور " كما في المعتبر (4). مضافا إلى ورود الأمر بالتولية في تيمم المجدور في
المعتبر (5). ولا قول بالفرق، فتجب أيضا في المسألة.
(ومن دام به السلس) أي تقطير البول بحيث لا يكون معه فترة تسع
الصلاة (يصلي كذلك) من دون تجديد للوضوء، وفاقا للمبسوط (6) وغيره،
لاستصحاب صحة الوضوء السابق مع الشك في حدثية القطرات الخارجة بغير
اختيار بالشك في شمول إطلاقات حدثية البول لها لندرتها، وظاهر إطلاق
الموثق: عن رجل يأخذه تقطير في فرجه إما دم وإما غيره؟ قال: فليضع خريطة
وليتوضأ وليصل، فإنما ذلك بلاء ابتلي به، فلا يعيدن إلا من الحدث الذي
يتوضأ منه (7).
ويؤيده - مضافا إلى التعليل فيه - ظواهر المعتبرة الأخر التي لم يتعرض فيها
لذكر الوضوء لكل صلاة مع التعرض لما سواه (8) مما دونه من التحفظ من

(1) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب الوضوء ح 11 ج 1 ص 308.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في بقايا أحكام الوضوء ج 1 ص 25 س 36.
(3) المعتبر: كتاب الطهارة ج 1 ص 162.
(4) المعتبر: كتاب الطهارة ج 1 ص 162.
(5) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب التيمم ح 10 ج 2 ص 968.
(6) المبسوط: كتاب الطهارة في ذكر الاستحاضة وأحكامها ج 1 ص 68.
(7) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب نواقض الوضوء ح 9 ج 1 ص 189.
(8) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب نواقض الوضوء ح 1 ج 1 ص 210.
261

الخبث بوضع الخريطة فيها والقطنة، كالحسن: في الرجل يعتريه البول ولا يقدر
على حبسه؟ قال: إذا لم يقدر على حبسه فالله تعالى أولى بالعذر، يجعل
خريطة (1) ومثله غيره (2) مضافا إلى الملة السهلة السمحة.
والأمر بالجمع بين الصلاتين الظهرين أو العشائين بأذان وإقامتين في
الصحيح (3) لعله للخبث لا للحدث، أو فيمن يمكنه التحفظ مقدارهما، أو
للاستحباب.
(وقيل: يتوضأ لكل صلاة) وهو أشهر وعن الخلاف (4) والسرائر (5)،
لحدثية الصادر عنه وناقضيته للوضوء، ولا دليل على العفو مطلقا واستباحة
أكثر من صلاة بوضوء واحد مع تخلله، وعليه يجب المبادرة إلى إيقاع المشروط
بالوضوء عقيبه (وهو حسن) قوي متين لو وجد عموم على الأمرين فيه هنا
أيضا، وليس إلا الاطلاق، وقد عرفت ما فيه مع ما تقدم. ولا ريب أنه أحوط،
وليكن العمل عليه مهما أمكن.
وعن المنتهى المصير إلى هذا القول فيما سوى الظهرين والعشائين، وفيهما إلى
الأول لكن مع الجمع لا مطلقا (6)، للصحيح المتقدم. وقد مر الكلام فيه.
(وكذا) الكلام قولا ودليلا واحتياطا في (المبطون) الغير القادر على
التحفظ من الغائط أو الريح بقدر الصلاة. والمختار المختار، ويؤيده ما سيأتي من
ظاهر بعض الأخبار، وليس فيه القول الثالث.
(و) القادر على ذلك (لو فجأه الحدث في) أثناء (الصلاة توضأ وبنى)

(1) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب نواقض الوضوء ح 2 ج 1 ص 210.
(2) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب نواقض الوضوء ح 5 ج 1 ص 210.
(3) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب نواقض الوضوء ح 1 ج 1 ص 210.
(4) الخلاف: كتاب الطهارة م 221 في المستحاضة ومن به سلس البول ج 1 ص 249.
(5) السرائر: كتاب الصلاة في حكم المريض المبتلى بسلس البول والثفل ج 1 ص 350
(6) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في الوضوء وما يتعلق به ج 1 ص 73.
262

على الأشهر بين الأصحاب، للمعتبرة، كالصحيح: صاحب البطن الغالب
يتوضأ ويبني على صلاته (1). ومثله الموثق (2).
ويحتمل البناء فيهما على عدم القطع، أي يبني على صحة صلاته ولا يقطعها
بالحدث في الأثناء. والمراد بالوضوء المأمور به حينئذ قبل الدخول فيها. ويؤيده
توصيف الداء ب‍ " الغالب " في الأول المشعر بالاستمرار المنافي للفترة المتسعة
للصلاة، فهما حينئذ دليلان للمختار: من عدم حدثية مثله، فلا يتم الاستناد
إليهما حينئذ.
نعم: في الموثق " صاحب البطن يتوضأ ثم يرجع في صلاته فيتم ما بقي " (3)
وهو ظاهر في المرام، للفظي " الرجوع " و " الاتمام " ولكن في مقاومته لما دل
على اشتراط الصلاة بالطهارة وعدم وقوع الفعل الكثير فيها من الأخبار
والاجماع المحكي عن بعض الأخبار (4) نوع تأمل، مع عدم الصراحة فيه بل وعدم
الظهور المعتد به، لاحتمال أن يراد منه أنه يجدد الوضوء بعد ما صلى صلاتا ثم
يرجع في الصلاة فيصلي الصلاة الباقية من عصر أو عشاء مثلا. ولعله لهذا اختار
في المختلف (5) والتذكرة (6) ونهاية الإحكام (7) وجوب الوضوء والاستئناف.
وتمام التحقيق سيأتي - إن شاء الله تعالى - في قواطع الصلاة. والجمع بين
القولين طريق الاحتياط، وينبغي أن يكون العمل عليه.

(1) من لا يحضره الفقيه: باب صلاة المريض والمغمى عليه والضعيف والمبطون... ح 1043 ج 1
ص 363.
(2) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب نواقض الوضوء ح 3 ج 1 ص 210.
(3) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب نواقض الوضوء ح 4 ج 1 ص 210.
(4) كما في تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في التروك الواجبة ج 1 ص 132.
(5) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في بقايا أحكام الوضوء ج 1 ص 28 س 5.
(6) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج 1 ص 21 س 34.
(7) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في حكم المسلوس والمبطون ج 1 ص 68.
263

(والسنن عشرة) أمور:
الأول: (وضع الإناء على اليمين) في المشهور، للنبوي: كان - صلى الله
عليه وآله - يحب التيامن في طهوره وشغله وشأنه كله (1).
وفي الحسن المروي في الكافي في باب علة الأذان: فتلقى رسول الله - صلى
الله عليه وآله - الماء بيده اليمنى، فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمنى (2).
وربما علل بأنه أمكن في الاستعمال وأدخل في الموالاة وفي الأول تأمل،
إلا أن يكون النظر فيه إلى ما ورد من محبوبية السهولة له تعالى (3).
وإطلاق المتن كغيره يشمل الإناء الضيق الرأس، كالإبريق. والتعليلان
لا يساعدانه، بل يناسبهما الانعكاس - كما عن نهاية الإحكام (4) - ولا بأس به.
ولا ينافيه الروايتان بعد الاغتراف باليمين، فتأمل.
(و) الثاني: (الاغتراف بها) لما مر، مضافا إلى الوضوءات البيانية
المتضمنة لاغترافهم - عليهم السلام - وإطلاق المتن كغيره وربما نسب إلى
المشهور الاستحباب مطلقا حتى لغسلها. ولعله لاطلاق الدليل مع ما في
الصحيح في الوضوء البياني من قوله: ثم أخذ كفا آخر بيمينه فصبه على يساره
ثم غسل به ذراعه الأيمن (5). ومثله الموثق على نسخة التهذيب (6). ولكنها في
الكافي بعكس ذلك (7) كما في الصحاح. وحملها على مجرد الجواز وعدم
الالتفات فيها إلى بيان استحباب ذلك ممكن، ولكنه ليس بأولى من العكس.

(1) صحيح البخاري: كتاب الوضوء باب التيمن في الوضوء والغسل ج 1 ص 53، نقلا بالمعنى.
(2) الكافي: كتاب الصلاة باب النوادر ح 1 ج 3 ص 485.
(3) لم نعثر عليه في مظانه، ولكن عثرنا عليه في جواهر الكلام: كتاب الطهارة في سنن الوضوء ج 2
ص 328 ما لفظه: ورد في الأخبار على ما قيل: إن الله يحب ما هو الأيسر والأسهل.
(4) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في كيفية وضع الإناء والاغتراف منها ج 1 ص 53.
(5) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الوضوء ح 7 ج 1 ص 274.
(6) تهذيب الأحكام: باب 4 في صفة الوضوء ح 7 ج 1 ص 56.
(7) الكافي: كتاب الطهارة باب صفة الوضوء ح 5 ج 3 ص 25.
264

ولكن إطلاق ما تقدم مع الشهرة يرجح الأول.
(و) الثالث: (التسمية) عند وضع اليد في الماء كما في الصحيح (1)
وغيره (2)، أو عند وضعه على الجبينين كما في آخر صريحا (3) والصحاح ظاهرا،
ففي الصحيح: من ذكر اسم الله تعالى على وضوئه فكأنما اغتسل (4).
والجمع بينهما أكمل. ولا ضرر في تركها إجماعا، للأصل وظاهر الصحيح:
إذا سميت طهر جسدك كله وإذا لم تسم لم يطهر من جسدك إلا ما مر عليه
الماء (5). مؤيدا بظاهر الصحيح المتقدم.
وما في بعض الأخبار مما ينافي بظاهره ذلك (6) مع قصوره سندا ومقاومة لما
تقدم وشذوذه محمول على شدة تأكد الاستحباب.
وفي استحباب الاتيان بها في الأثناء مع الترك ابتداء عمدا أو سهوا - كما
عن الذكرى (7) وغيره - تأمل، خصوصا في الأول. وثبوته في الأكل مع حرمة
القياس غير نافع. وشمول المعتبرة بعدم سقوط الميسور بالمعسور (8) لمثله محل
تأمل. ولكن الاتيان بها حينئذ بقصد الذكر حسن.
(و) الرابع: (غسل اليدين) من الزندين، للتبادر والاقتصار على المتيقن
(مرة للنوم والبول ومرتين للغائط، قبل الاغتراف) في المشهور، بل عن
المعتبر الاتفاق عليه (9)، للحسن: كم يفرغ الرجل على يده قبل أن يدخلها في

(1) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الوضوء ح 5 ج 1 ص 298.
(2) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الوضوء ح 4 ج 1 ص 298.
(3) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الوضوء ح 2 ج 1 ص 272.
(4) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الوضوء ح 3 ج 1 ص 298.
(5) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الوضوء ح 5 ج 1 ص 298، مع اختلاف يسير.
(6) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الوضوء ح 6 ج 1 ص 298.
(7) ذكرى الشيعة: البحث الثاني في مستحبات الوضوء ص 93 س 2.
(8) عوالي اللآلي: الخاتمة - الجملة الأولى ح 205 ج 4 ص 58، الموجود بلفظ: لا يترك الميسور بالمعسور.
(9) المعتبر: كتاب الطهارة: في سنن الوضوء ج 1 ص 164.
265

الإناء؟ قال: واحدة من حدث البول واثنتان من الغائط وثلاث من الجنابة (1).
وفي الخبر: في الرجل يستيقظ من نومه ولم يبل أيدخل يده في الإناء قبل أن
يغسلها؟ قال: لا لأنه لا يدري أين باتت يده، فليغسلها (2).
وفي المرسل في الفقيه: اغسل يدك من البول مرة ومن الغائط مرتين ومن
الجنابة ثلاثا. وقال: اغسل يدك من النوم مرة (3).
وإطلاق المرة فيما عدا الجنابة - كما عن البيان (4) والنفلية (5) - لا دليل عليه،
كاطلاق المرتين فيه، كما عن اللمعة (6).
وأما ما في الخبر " يغسل الرجل يده من النوم مرة ومن الغائط والبول مرتين
ومن الجنابة ثلاثا " (7) فمع شذوذه وقصوره سندا ومقاومة لما تقدم يحتمل
التداخل، كما عن ظاهر الأصحاب.
وهل هو لدفع النجاسة المتوهمة؟ فلا يستحب إلا في القليل وصورة عدم
تيقن الطهارة ولا يحتاج إلى النية، أم تعبد محض؟ فيعم جميع ذلك. الأقرب
الثاني وفاقا للمنتهى (8)، لاطلاق ما عدا الخبر الثاني، وليس فيه - مع قصور سنده
واختصاصه بالنوم - ما يوجب التقييد مطلقا. فالتعميم أولى.
ومنه يظهر عدم الاختصاص بالإناء الواسع الرأس وإن اختص هو
كالحسن (9) به، لاطلاق الأخيرين وغيرهما. ولا وجه للتقييد، لعدم المنافاة.

(1) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الوضوء ح 1 ج 1 ص 301.
(2) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الوضوء ح 3 ج 1 ص 301.
(3) من لا يحضره الفقيه: باب حد الوضوء وترتيبه وثوابه ح 91 و 92 ج 1 ص 46.
(4) البيان: كتاب الطهارة في مستحبات الوضوء ص 11 س 2.
(5) النفلية: الفصل الأول في سنن المقدمات ص 92.
(6) اللمعة الدمشقية: كتاب الطهارة في سنن الوضوء ج 1 ص 329.
(7) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الوضوء ح 2 ج 1 ص 301.
(8) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في السواك وآداب الوضوء... ج 1 ص 48 س 36.
(9) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الوضوء ح 1 ج 1 ص 301.
266

(و) الخامس والسادس: (المضمضة) وهي إدارة الماء في الفم
(والاستنشاق) وهو جذبه إلى داخل الأنف على المشهور، بل عن الغنية
الاجماع عليه (1)، والنصوص به مستفيضة، ففي المروي في الكتب الثلاثة - مسندا
فيما عدا الفقيه ومرسلا فيه - في وصف وضوء مولانا أمير المؤمنين - عليه السلام -
ثم تمضمض فقال: " وذكر الدعاء " ثم استنشق وقال، الحديث (2).
والمروي في مجالس أبي علي ولد شيخنا الطوسي - رحمه الله - فانظر إلى
الوضوء فإنه من تمام الصلاة، تمضمض ثلاث مرات واستنشق ثلاثا (3).
والنبوي في ثواب الأعمال مسندا: ليبالغ أحدكم في المضمضة
والاستنشاق، فإنه غفران لكم ومنفرة للشيطان (4).
وفي الخصال في حديث الأربعمائة: المضمضة والاستنشاق سنة وطهور
للفم والأنف (5).
وقصور أسانيدها كغيرها منجبر بالشهرة وأدلة المسامحة في أدلة السنن
والكراهة.
خلافا للعماني، فليسا بفرض ولا سنة (6) وله شواهد من الأخبار (7). لكنها
ككلامه محتملة للتأويل القريب بحمل السنة المنفية فيها على الواجبة النبوية،
ولعل سياقها شاهد عليه. مضافا إلى عدم ثبوت كونها فيها وفي كلامه حقيقة

(1) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في مسنونات الوضوء ص 492 س 28.
(2) الكافي: كتاب الطهارة باب النوادر ح 6 ج 3 ص 70. وتهذيب الأحكام: باب 4 في صفة
الوضوء ح 2 ج 1 ص 53. ومن لا يحضره الفقيه: باب صفة وضوء أمير المؤمنين - عليه السلام - ح 1 ج 1
ص 26.
(3) أمالي الطوسي: (الجزء الأول) ج 1 ص 29.
(4) ثواب الأعمال: في ثواب المبالغة في المضمضة والاستنشاق ح 1 ص 35.
(5) الخصال: (حديث الأربعمائة) ح 10 ج 2 ص 611.
(6) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في كيفية الوضوء ج 1 ص 21 س 22.
(7) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب الوضوء ح 5 و 6 و 7 و 8 و 9 و 10 و 12 ج 1 ص 303 و 304.
267

في المعنى المصطلح.
وعن أمالي الصدوق: أنهما مسنونان خارجان من الوضوء، لكونه فريضة
كله (1).
وحمل الأخبار عليه غير بعيد.
ومقتضى الخبر الأول - كالترتيب الذكري في غيره - تقديم الأول، كما عن
الوسيلة (2) والتحرير (3) والتذكرة (4) ونهاية الإحكام (5) والذكرى (6) والنفلية (7)
والجامع (8) والمقنعة (9) والمصباح (10) ومختصره (11) والمهذب (12) والبيان (13)
والمبسوط (14) وفيه: أنه لا يجوز تقديم الاستنشاق. وهو كذلك مع قصد
المشروعية، لعدم ثبوتها فيه، للشك في شمول إطلاق الأخبار له، سيما مع
الترتيب الذكري فيها والفعلي في غيرها.
ومقتضى الخبر الثاني التثليث فيهما، وعن الغنية الاجماع عليه (15). وليس

(1) نعثر عليه في أمالي الصدوق - قدس سره ولكن الذي يهون الخطب أن كاشف اللثام صرح - ج 1
ص 73 س 28 - بوجود هذه العبارة في الهداية. ووجدناه كذلك في الهداية (الجوامع الفقهية): باب
وضوء السنة ص 49 س 6.
(2) الوسيلة: كتاب الصلاة في مندوبات الوضوء ص 51.
(3) تحرير الأحكام: كتاب الطهارة في آداب الوضوء ج 1 ص 8 س 19.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في مندوبات الوضوء ج 1 ص 21 س 1.
(5) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في المضمضة والاستنشاق ج 1 ص 56.
(6) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في مستحبات الوضوء ص 93 س 18.
(7) النفلية: الفصل الأول في سنن المقدمات ص 93.
(8) الجامع للشرائع: كتاب الطهارة باب الوضوء ص 34.
(9) المقنعة: كتاب الطهارة ب 4 في صفة الوضوء والفرض منه ص 43.
(10) مصباح المتهجد: آداب الوضوء ص 7. (11) لا يوجد لدينا
(12) المهذب: كتاب الطهارة باب كيفية الوضوء ج 1 ص 43.
(13) البيان: كتاب الطهارة في مستحبات الوضوء ص 11 س 4.
(14) المبسوط: كتاب الطهارة في كيفية الوضوء... ج 1 ص 20.
(15) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في مسنونات الوضوء ص 492 س 28.
268

فيه كغيره تعداد الغرفات ستا كما عن التذكرة (1) ونهاية الإحكام (2)، أو
الاقتصار بكف لكل منهما، أو مرتين لهما بالتوزيع بينهما فيها (3) كما عن
المصباح ومختصره (4) والنهاية (5) والمقنعة (6) والوسيلة (7) والمهذب (8)
والإشارة (9).
بل ظواهر الاطلاقات فيهما جواز الاكتفاء بكف لهما، كما عن
الاقتصاد (10) والجامع (11) والمبسوط (12) والاصباح (13). وفي الأخيرين التصريح
بالتخيير بين أن يكونا بغرفة أو بغرفتين كما في الأول، أو ثلاث كما في الثاني.
ولكن المتابعة لهم جيدة بناء على المسامحة.
ومقتضى الخبرين الأخيرين - ولا سيما الأول منهما - استحباب إدارة الماء في
جميع الفم والأنف للمبالغة، كما عن المنتهى (14) والذكرى (15). وليس في شئ
منها كغيرها اشتراط المج والاستنثار للمستعمل عن الموضعين في الاستحباب

(1) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في مندوبات الوضوء ج 1 ص 21 س 1.
(2) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في المضمضة والاستنشاق ج 1 ص 56.
(3) كذا في المطبوع ونسخة م، ولعل الصحيح " بينها فيهما ".
(4) مصباح المتهجد: آداب الوضوء ص 7، وظاهر كلامه الاقتصار بكف لكل منهما، فراجع.
(5) النهاية: كتاب الطهارة باب آداب الحدث وكيفية الطهارة ص 12.
(6) المقنعة: كتاب الطهارة ب 4 في صفة الوضوء والفرض منه ص 43.
(7) الوسيلة: كتاب الصلاة في مندوبات الوضوء ص 52.
(8) المهذب: كتاب الطهارة باب كيفية الوضوء ج 1 ص 43.
(9) إشارة السبق (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في فروض الوضوء وسننه ص 118 س 23.
(10) الاقتصاد: في ذكر الوضوء وأحكامه ص 242.
(11) الجامع للشرائع: كتاب الطهارة في باب الوضوء ص 34.
(12) المبسوط: كتاب الطهارة في كيفية الوضوء... ج 1 ص 20.
(13) كما في كشف اللثام: كتاب الطهارة في مندوبات الوضوء ج 1 ص 73 س 32.
(14) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في السواك وآداب الوضوء... ج 1 ص 51 س 12.
(15) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في مستحبات الوضوء ص 93 س 18.
269

كما عن الذكرى (1) وفاقا للمنتهى (2). وجعلهما في النفلية مستحبا آخر (3).
(و) السابع: (أن يبدأ الرجل) في صب الماء (بظاهر ذراعيه والمرأة
بباطنهما) مطلقا على الأشهر الأظهر، للخبر: فرض الله تعالى على النساء في
الوضوء أن يبدأن بباطن أذرعهن وفي الرجال بظاهر الذراع (4). ومثله مروي في
الخصال (5) وعن المبسوط (6) والنهاية (7) والغنية (8) والاصباح (9)
والإشارة (10) وظاهر السرائر اختصاص ذلك بالغسلة الأولى وينعكس في
الثانية (11)، وعليه الاجماع في الغنية (12) والتذكرة (13). فإن تم، وإلا فمستنده
غير واضح من الرواية. واشتهار الاطلاق يدافع تمامية الاجماع.
ويتخير الخنثى بين البدأة بالظهر أو البطن على الأول وبين الوظيفتين على
الثاني.
(و) الثامن: (الدعاء عند غسل) كل من (الأعضاء) الواجبة والمندوبة

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في مستحبات الوضوء ص 93 ص 18.
(2) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في السواك وآداب الوضوء... ج 1 ص 51 س 19.
(3) النفلية: الفصل الأول في سنن المقدمات ص 93.
(4) وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب الوضوء ح 1 ج 1 ص 328.
(5) الخصال: (أبواب السبعين وما فوقه) ح 12 ج 2 ص 585.
(6) المبسوط: كتاب الطهارة في كيفية الوضوء... ج 1 ص 20.
(7) النهاية: كتاب الطهارة باب آداب الحدث وكيفية الوضوء ص 13.
(8) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في مسنونات الوضوء ص 492 س 26.
(9) كما في كشف اللثام: كتاب الطهارة في مندوبات الوضوء ج 1 ص 74 س 1.
(10) إشارة السبق (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في فروض الوضوء وسننه ص 118
س 24.
(11) السرائر: كتاب الطهارة باب أحكام الاستنجاء والاستطابة وكيفية الوضوء وأحكامه ج 1
ص 101.
(12) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في مسنونات الوضوء ص 492 س 28.
(13) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في مندوبات الوضوء ج 1 ص 21 س 19.
270

بالمأثور في الخبر (1).
(و) التاسع: اسباغ (الوضوء بمد) باجماعنا وأكثر أهل العلم، كما عن
التذكرة (2). وعليه تدل الأخبار المستفيضة، ففي الصحيح: كان رسول الله
- صلى الله عليه وآله - يتوضأ بمد ويغتسل بصاع (3).
خلافا لبعض من أوجبه من العامة (4). ويضعفه بعد الاجماع ما تقدم من
الأخبار في إجزاء مثل الدهن.
وليس في استحبابه دلالة على وجوب غسل الرجلين بناء على زيادته عن
ماء الوضوء مع مسحهما - كما توهمته العامة - (5) لمنعها على تقدير استحباب كل
من المضمضة والاستنشاق ثلاثا وتعدد الغسلات مرتين مع غسل اليدين مرة أو
مرتين - كما تقدم - فإن مجموع ذلك يبلغ ثلاث عشرة كفا أو أربع عشرة، والمد
لا يزيد عن ذلك، لكونه رطلا ونصفا بالمدني، كما في الصحيح (6)، بحمل
الأرطال فيه عليه إجماعا، مع تأيده بكونه رطل بلد الإمام - عليه السلام -
المذكور فيه، فيكون رطلين وربعا بالعراقي. والرطل مائة وثلاثون درهما على
الأشهر - كما تقدم في بحث الكر - والدرهم ستة دوانيق باتفاق الخاصة والعامة
ونص أهل اللغة، والدانق ثمان حبات من أوسط حب الشعير بلا خلاف منا.
والخبر الوارد بخلافه (7) مع شذوذه ضعيف بجهالة الراوي، فيكون المد على
ما قلناه وزن ربع من تبريزي واف.

(1) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب الوضوء ح 1 ج 1 ص 282.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في مندوبات الوضوء ج 1 ص 21 س 16.
(3) وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب الوضوء ح 1 ج 1 ص 338.
(4) المبسوط للسرخسي: باب الوضوء والغسل ج 1 ص 45 س 7.
(5) لم أظفر على مأخذه.
(6) وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب الوضوء ح 1 ج 1 ص 338.
(7) وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب الوضوء ح 3 ج 1 ص 338.
271

نعم: يشكل ذلك على القول بعدم استحباب الأولين أو الثالث، وربما
يؤول حينئذ بدخول ماء الاستنجاء فيه. ولكنه بعيد وإن استشهد له ببعض
الأخبار (1)، ففيه شهادة حينئذ على استحباب الأمرين مع التثليث في كل من
الأولين.
(و) العاشر: (السواك) أي دلك الأسنان بعود وشبهه، ومنه الإصبع،
كما في الخبر: السواك بالمسبحة والابهام عند الوضوء سواك (2). ولكن في
الصحيح: في الرجل يستاك بيده إذا قام إلى الصلاة وهو يقدر على السواك؟
قال: إذا خاف الصبح فلا بأس (3) (عنده) أي قبل الوضوء. فإن لم يفعل
فبعده، للخبر: الاستياك قبل أن يتوضأ، قال: أرأيت إن نسي حتى يتوضأ؟
قال: يستاك ثم يتمضمض ثلاث مرات (4).
ولعله مراد النفلية باستحبابه قبله وبعده (5). ويحتمل إرادة الظاهر،
لاطلاق النصوص باستحبابه لكل صلاة أو عندها إلا أن الظاهر أن المأتي به
قبل وضوء كل صلاة يكون لها أو عندها، فلا تكرار.
والأولى تقديمه على غسل اليدين كما استظهره في الذكرى (6) وجعله الشيخ
في بعض كتبه أفضل (7). وظاهر المتن كغيره كونه من سنن الوضوء، كما في
الخبر " السواك شطر الوضوء " (8) وليس فيما دل على استحبابه على الاطلاق

(1) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب الوضوء ح 1 ج 1 ص 282 و ب 15 من أبواب الوضوء ح 8 ج 1
ص 275.
(2) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب السواك ح 4 ج 1 ص 359، مع تفاوت.
(3) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب السواك ح 1 ج 1 ص 358.
(4) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب السواك ح 1 ج 1 ص 354.
(5) النفلية: الفصل الأول في سنن المقدمات ص 93.
(6) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في مستحبات الوضوء ص 93 س 23.
(7) عمل اليوم والليلة (الرسائل العشر): في بيان الطهارة ص 142.
(8) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب السواك ح 3 ج 1 ص 354.
272

حتى فيمن لم يتمكن منه منافاة لذلك. خلافا لنهاية الإحكام، فاحتمل كونه
سنة برأسها (1)، فتأمل.
والمستند في شرعيته مطلقا وفي خصوص المقام الاجماع والنصوص بالعموم
والخصوص، فمن الأول الصحيح النبوي " ما زال جبرئيل - عليه السلام - يوصيني
بالسواك حتى خفت أن أحفى أو أدرد " (2) وهما بإهمال الحاء والدالين عبارة
على إذهاب الأسنان.
ومن الثاني - بعد ما تقدم - الصحيح: وعليك بالسواك عند كل وضوء (3).
وظاهر كل منهما وخصوص الصحيح وغيره كالمتن وغيره استحبابه للصائم
مطلقا ولو كان بالرطب. ولعله الأشهر. وربما قيل: بالكراهة له حينئذ (4)،
للمستفيضة الناهية عنه في هذه الصورة، منها: الحسن " لا يستاك بسواك
رطب " (5) ولعل مراعاته أحوط لظاهر النهي، إلا أن يكون إجماع على الجواز،
فالأول متعين.
(ويكره الاستعانة فيه) أي في مقدمات الوضوء - كصب الماء - لا نفسه،
لكونه تولية محرمة - كما تقدم - للخبرين، في أحدهما: أن أمير المؤمنين - عليه
السلام - كان لا يدعهم يصبون الماء على يديه ويقول: لا أحب أن أشرك في
صلاتي أحدا (6).
والآخر يظهر منه التحريم (7). لكن لضعفه يحمل على الكراهة للاحتياط

(1) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في السواك ج 1 ص 52.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب السواك ح 1 ج 1 ص 346.
(3) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب السواك ح 1 ج 1 ص 353.
(4) قال الشيخ الطوسي: في الاستبصار: كتاب الصيام ب 146 السواك الصائم بالرطب واليابس ج 2 ص 92.
(5) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب السواك ح 2 ج 1 ص 360.
(6) وسائل الشيعة: ب 47 من أبواب الوضوء ح 2 ج 1 ص 335، نقلا بالمعنى.
(7) وسائل الشيعة: ب 47 من أبواب الوضوء ح 1 ج 1 ص 335.
273

والمسامحة، أو التولية المحرمة.
وتوضئة أبي عبيدة الحذاء مولانا الباقر - عليه السلام - في المشعر - كما في
الصحيح - (1) محمولة على بيان الجواز أو الضرورة لو كانت من الاستعانة، وعلى
الضرورة فقط لو كانت من التولية المحرمة.
وليس منها استحضار الماء وإسخانه، للأصل، والخروج عن الصب
المرغوب عنه في الخبرين، والشك في شمول التعليل فيهما لمثله، مضافا إلى فعلهم
- عليهم السلام - ذلك، فتأمل.
(والتمندل منه) أي تجفيف ماء الوضوء عن الأعضاء المغسولة بالمنديل،
للشهرة مع ما فيه من التشبه بالعامة المرغوب عنه في المعتبرة (2). واستدل لها
بالخبر (3). وفيه نظر، مع معارضته بأخبار أخر (4) هي في استحباب التمندل من
الكراهة أظهر. إلا أن مداومة العامة عليه شاهد قوي على ورودها للتقية.
ولعله لما ذكرنا من الأخبار قيل بعدم الكراهة فيه، كما عن المرتضى في
شرح الرسالة (5) والشيخ في أحد قوليه (6).
(الرابع: في الأحكام)
(من تيقن الحدث وشك في الطهارة) بعده أو ظن على الأشهر الأظهر
هنا وفيما سيأتي (أو تيقنهما وجهل المتأخر) منهما والحالة السابقة عليهما (تطهر)
فيهما إجماعا فتوى ونصا.
فما يتعلق بالأولى منه، الصحيح " ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين

(1) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الوضوء ح 8 ج 1 ص 275.
(2) الكافي: كتاب فضل العلم باب اختلاف الحديث ح 10 ج 1 ص 67.
(3) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب الوضوء ح 5 ج 1 ص 334.
(4) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب الوضوء ح 1 و 2 و 3 و 4 و 6 و 7 و 8 و 9 ج 1 ص 333 و 334.
(5) نقله عن شرح الرسالة الشهيد في الذكرى: كتاب الصلاة في مستحبات الوضوء ص 95 س 17.
(6) الخلاف: كتاب الطهارة م 44 في عدم البأس بالتمندل ج 1 ص 97.
274

بالشك أبدا " (1) وبمعناه الأخبار المستفيضة، مضافا إلى الاطلاقات والقاعدة
فيها، وفي الثانية، لتكافؤ الاحتمالين الموجب لتساقطهما من البين الرافع لليقين
بالطهارة الواجب للمشروط بها.
ومما يتعلق بالثانية منه، الرضوي " وإن كنت على يقين من الوضوء
والحدث ولا تدري أيهما أسبق فتوضأ " (2) وإطلاقه يعم صورتي العلم والجهل
بالحالة السابقة على الأمرين في الثانية، كما هو الأشهر الأظهر. وضعفه بها قد
انجبر، مضافا إلى ما تقدم.
وربما فصل هنا بتفصيلين متعاكسين في صورة العلم بالحالة السابقة على
الأمرين، فيأخذ بضدها على قول - كما عن المصنف في المعتبرة - (3) بالمماثل على
قول آخر - كما عن الفاضل في القواعد والمختلف - (4) لاعتبارات هينة ووجوه
ضعيفة، هي في مقابلة النص المتقدم المعتضد بالشهرة مع الاطلاقات والقاعدة
غير مسموعة.
(ولو تيقن الطهارة وشك) أو ظن (في الحدث) بعدها (أو شك)
أو ظن (في شئ من أفعال الوضوء بعد انصرافه) عنه وإتمامه له وإن لم يقم
من محله في الأشهر (5) كما عن ثاني المحققين (6) وثاني الشهيدين (7) وغيرهما
لظاهر الصحيحين الآتيين مع قوة في أحدهما (بنى على الطهارة) إجماعا فيهما

(1) وسائل الشيعة: ب 41 من أبواب النجاسات ح 1 ج 2 ص 1061. و ب 37 من أبواب النجاسات ح 1
ج 2 ص 1053. و ب 44 من أبواب النجاسات ح 1 ج 2 ص 1065.
(2) فقه الرضا (عليه السلام): (في المقدمة) ص 67.
(3) المعتبر: كتاب الطهارة ج 1 ص 171.
(4) قواعد الأحكام: كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج 1 ص 12 س 8. ومختلف الشيعة: كتاب
الطهارة في بقايا أحكام الوضوء ج 1 ص 27 س 13.
(5) الموجود في المخطوطتين، " في الأشهر الأظهر ".
(6) جامع المقاصد: كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج 1 ص 237.
(7) الروضة البهية: كتاب الطهارة الشك في الطهارة ج 1 ص 332.
275

نصا وفتوى.
فمن الأول في الأول - بعد ما تقدم من المستفيضة الناهية عن نقض اليقين
بالشك - الصحيح: في متطهر حرك إلى جنبه شئ ولم يعلم به؟ قال: لا حتى
يستيقن أنه قد نام حتى يجئ من ذلك أمر بين، وإلا فإنه على يقين من وضوئه
ولا ينقض اليقين أبدا بالشك ولكن ينقضه بيقين آخر (1).
والموثق: إذا استيقنت أنك أحدثت فتوضأ، وإياك! أن تحدث وضوء أبدا
حتى تستيقن أنك أحدثت (2).
وظاهر النهي والتحذير فيهما الحرمة، وربما حمل على الرخصة لا عليها بناء على
استحباب التجديد. وابقائهما عليه مع تقييد إطلاقهما بقصد الوجوب لعله
أظهر. إلا إذا كان الشك بخروج البلل ولم يستبرئ فيجب الإعادة بالاجماع،
كما عن الحلي (3) ومفهوم المعتبرة، منها الصحيح، وفيه بعد الأمر بالاستبراء: ثم
إن سال حتى يبلغ الساق فلا يبالي (4).
ومثله الحسن، وفيه: فإن خرج بعد ذلك شئ فليس من البول ولكنه من
الحبائل (5).
ومن الأول في الثاني، الصحيح: فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه
وقد صرت في حال أخرى في الصلاة أو غيرها فشككت في بعض ما سمى الله
تعالى مما أوجب الله تعالى عليك فيه وضوءه لا شئ عليك (6).
ومثله الآخر المضمر، قال: قلت: الرجل يشك بعد ما يتوضأ؟ قال: هو

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب نواقض الوضوء ح 1 ج 1 ص 174 نقلا بالمعنى.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب نواقض الوضوء ح 7 ج 1 ص 176.
(3) السرائر: كتاب الطهارة باب أحكام الاستنجاء... ج 1 ص 97.
(4) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب نواقض الوضوء ح 2 ج 1 ص 200.
(5) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب أحكام الخلوة ح 2 ج 1 ص 225.
(6) وسائل الشيعة: ب 42 من أبواب الوضوء ح 1 ج 1 ص 330.
276

حينما يتوضأ أذكر منه حين يشك (1).
ومن هذا التعليل يستفاد اتحاد الغسل مع الوضوء في حكم الشك المزبور،
مضافا إلى استلزام وجوب الرجوع على الاتيان بالمشكوك فيه بعد الانصراف
الحرج المنفي آية ورواية وفتوى، وخصوص الصحيح: عن رجل ترك بعض
ذراعه أو بعض جسده من غسل الجنابة؟ فقال: إذا شك وكانت به بلة وهو في
صلاته مسح بها عليه، وإن كان استيقن رجع فأعاد عليهما ما لم يصب بلة، فإن
دخله الشك وقد دخل في صلاته فليمض في صلاته ولا شئ عليه (2).
ولو كان شكه في العضو الأخير منه أو من الغسل وجب التدارك قبل
الانصراف، لعدم تحقق الاكمال، ومنه الجلوس وإن لم يطل زمانه، كذا
قيل (3)، فتأمل. ولا ريب أنه أحوط في الجملة.
(ولو كان) شكه في شئ من أفعال الوضوء أو الغسل (قبل انصرافه)
عنه (أتى به) أي بالمشكوك فيه (وبما بعده) وجوبا في الغسل مطلقا وفي
الوضوء إن لم يحصل الجفاف، ومعه فيعيد، لما تقدم، كما هو ظاهر الأصحاب،
للاجماع كما في المدارك (4) وغيره، والأصل، والصحيح: إذا كنت قاعدا على
وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا، فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه
أنك لم تغسله أو تمسحه مما سمى الله تعالى ما دمت في حال الوضوء، الحديث (5)
ولا ينافيه الموثق " إذا شككت في شئ من الوضوء وقد دخلت في غيره
فليس شكك بشئ، إنما الشك إذا كنت في شئ لم تجزه " (6) لاجماله

(1) وسائل الشيعة: ب 42 من أبواب الوضوء ح 7 ج 1 ص 331 وفيه " حين يتوضأ أذكر... ".
(2) وسائل الشيعة: ب 41 من أبواب الجنابة ح 2 ج 1 ص 524.
(3) قاله صاحب مدارك الأحكام: كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ص 38 س 32.
(4) مدارك الأحكام: كتاب الطهارة اليقين بالحدث والشك بالطهارة ص 38 س 23.
(5) وسائل الشيعة: ب 42 من أبواب الوضوء ح 1 ج 1 ص 330.
(6) وسائل الشيعة: ب 42 من أبواب الوضوء ح 2 ج 1 ص 330.
277

باحتمال رجوع الضمير في " غيره " إلى الوضوء وما قبله، ولا منافاة على الأول،
بل هو معاضد للصحيح حينئذ، فتأمل.
وبه وبالاجماع تخص أو تقيد المعتبرة الدالة على عدم العبرة بالشك مع
تجاوز المحل - كما هو المجمع عليه في الصلاة - بغير المقام، مع ظهور سياقها في
ورودها فيها، وربما خصت بها لذلك ومنع عمومها لما سوى ذلك، وفيه تأمل،
فتأمل.
وفي عموم الحكم لمن كثر شكه أيضا أم تخصيصه بمن عداه وجهان:
للأول إطلاق الصحيح المتقدم. وفي شموله لمثله تأمل مع كون المواجه
بالخطاب خاصا لم يعلم كونه كذلك، ولا إجماع على التعميم، فتأمل.
وللثاني بعد التأيد بالحرج وعدم الأمن من عروض الشك مفهوم التعليل في
الصحيح فيمن كثر شكه في الصلاة بعد الأمر له بالمضي في الشك فيها " لا تعودوا
الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه، فإن الشيطان خبيث معتاد لما
عود " (1) وظاهر خصوص الصحيح: قال: ذكرت له رجلا مبتلى بالوضوء
والصلاة وقلت: هو رجل عاقل، فقال أبو عبد الله - عليه السلام -: وأي عقل له
وهو يطيع الشيطان؟ فقلت له: وكيف يطيع الشيطان؟ فقال: أسأله هذا الذي
يأتيه من أي شئ؟ فإنه يقول لك: من عمل الشيطان (2).
وهو أقوى، وفاقا لجماعة.
(ولو تيقن ترك) غسل (عضو) أو بعضه أو مسحه (أتى به على الحالين)
أي في حال الوضوء أو بعده (وبما بعده) إن كان (ولو كان مسحا) إن لم
يجف البلل من الأعضاء مطلقا ولو مع عدم اعتدال الهواء على الأصح كما مر
فإن جف مع الاعتدال استأنف الوضوء مطلقا على الأشهر بين الأصحاب.

(1) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب الخلل ح 2 ج 5 ص 329.
(2) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب مقدمات العبادات ح 1 ج 1 ص 46.
278

خلافا للإسكافي، فاكتفى بغسل المتروك خاصة إن كان دون الدرهم، وقال:
أنه حديث أمامة عن رسول الله - صلى الله عليه وآله - وزرارة عن أبي جعفر - عليه
السلام - وأبي منصور عن زيد بن علي - عليه السلام - (1). وهو ضعيف، وأدلة
وجوب الترتيب - المتقدمة في بحثه - من الأخبار ترده.
(ولو لم يبق على أعضائه) الماسحة (نداوة أخذ من لحيته) الغير المسترسل
عن حد الوجه على الأحوط، أو مطلقا على الأقوى - كما عن الذكرى (2) -
لاطلاق الروايات، وتعين الأول منقول عن العلامة في النهاية (3) (وأجفانه)
لا مع البقاء، كما تقدم في مسح الرأس.
(ولو لم يبق نداوة) أصلا (يستأنف الوضوء) من أوله، لوجوب المسح
وعدم صحته بغير البلة، وللروايات المنجبر ضعفها بالشهرة، ففي الخبر: وإن لم
يكن في رأسه بلل فلينصرف وليعد الوضوء (4).
وفي آخر: وإن لم يبق من بلة وضوئك شئ أعدت الوضوء (5). ومثله في
آخر (6).
وهو مع إمكان المسح بالبلة بالوضوء ثانيا لكثرة الماء واعتدال الهواء مقطوع
به في كلام الأصحاب مدلول عليه بالروايات. وأما مع العدم: ففي وجوبه
حينئذ مع استئناف ماء جديد للمسح - كما عن المعتبر (7) والمنتهى (8)

(1) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في بقايا أحكام الوضوء ج 1 ص 27 س 6 و 11.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام الوضوء ص 87 س 18.
(3) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في الموالاة ج 1 ص 49.
(4) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب الوضوء ح 7 ج 1 ص 288، وفيه: في لحيته بلل.
(5) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب الوضوء ح 8 ج 1 ص 288.
(6) وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب الوضوء ح 4 ج 1 ص 317.
(7) المعتبر: كتاب الطهارة في وجوب الترتيب والموالاة ج 1 ص 158.
(8) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أفعال الوضوء وكيفيته ج 1 ص 70 س 33.
279

والبيان (1) - للضرورة، أو العدم والعدول إلى التيمم - كما عن التحرير (2)
لاطلاق ما دل على لزوم التيمم مع عدم التمكن من الوضوء، قولان. ولعل الثاني
أقوى، والعمل بهما أحوط.
(ويعيد الصلاة) وجوبا (لو ترك غسل أحد المخرجين) وما في حكمه
وصلاها في تلك الحال مطلقا على الأصح الأشهر، للمعتبرة المستفيضة، منها
الصحاح وغيرها، ففي الصحيح فيمن بال وتوضأ ونسي الاستنجاء: اغسل
ذكرك وأعد صلاتك ولا تعد وضوءك (3). ومثله الصحيح الآخر (4) والموثق.
وفي الموثق: إذا دخلت الغائط فقضيت الحاجة فلم تهرق الماء ثم توضأت
ونسيت أن تستنجي فذكرت بعد ما صليت، فعليك الإعادة، فإن كنت
أهرقت الماء فنسيت أن تغسل ذكرك حتى صليت فعليك إعادة الوضوء
والصلاة وغسل ذكرك، لأن البول مثل البراز (5) أو " ليس " كما في بعض
نسخ الكافي.
خلافا للإسكافي فحض وجوب الإعادة بالوقت استحبها في خارجه (6).
وكلامه في البول خاصة، ولا مستند له سوى الجمع بين المعتبرة والروايات الآتية
النافية للإعادة بقول مطلق بحمل الأولة على الوقت والثانية على الخارج.
ولا شاهد له مع عدم التكافؤ، لاعتضاد الأولة بالكثرة وصحة سند أكثرها
والشهرة التي هي العمدة في الترجيح.
وللصدوق في ترك الاستنجاء من الغائط خاصة، فلم يوجب الإعادة فيه

(1) البيان: كتاب الطهارة فيما يتعلق بأجزاء الوضوء ص 9 س 19.
(2) تحرير الأحكام: كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج 1 ص 11 س 30.
(3) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب نواقض الوضوء ح 3 ج 1 ص 208.
(4) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب نواقض الوضوء ح 7 ج 1 ص 209.
(5) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب أحكام الخلوة ح 5 ج 1 ص 224.
(6) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في التخلي والاستنجاء ج 1 ص 19 س 35.
280

في الفقيه مطلقا (1). ولعله للموثق: لو أن رجلا نسي أن يستنجي من الغائط
حتى يصلي لم يعد الصلاة (2).
وفي المقنع في الخارج خاصة (3)، للموثق الآخر: في الرجل ينسى أن يغسل
دبره بالماء حتى صلى إلا أنه قد تمسح بثلاثة أحجار؟ قال: إن كان في وقت
تلك الصلاة فليعد الصلاة وليعد الوضوء، وإن كانت قد خرجت تلك الصلاة
التي صلى فقد جازت صلاته وليتوضأ لما يستقبل من الصلاة (4).
وهما - مع تعارض كل من مستندهما مع الآخر فيتساقطان - لا يصلحان
لمقاومة ما قدمناه من المعتبرة بوجوه عديدة.
وللعماني فجعل الإعادة مطلقا أولى (5). ولعله للخبرين في أحدهما: في
الرجل يتوضأ وينسى أن يغسل ذكره وقد بال؟ فقال: يغسل ذكره ولا يعيد
الصلاة (6).
ويرد عليهما ما تقدم، مضافا إلى قصور سندهما واختصاصهما بالبول خاصة
فلا يساعدان الاطلاق. وتتميمه بالموثق الأول للفقيه غير تام، لمعارضة الموثق
الثاني للمقنع إياه
(ولا) يجب أن (يعيد الوضوء) بترك أحد الاستنجائين مطلقا على الأشهر
الأقوى الأظهر (7)، للأصل، والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة الصريحة،
ففي الصحيح: عن الرجل يبول فلا يغسل ذكره حتى يتوضأ وضوء الصلاة؟

(1) من لا يحضره الفقيه: باب ارتياد المكان للحدث... ج 1 ص 31 ذيل الحديث 59.
(2) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب أحكام الخلوة ح 3 ج 1 ص 224.
(3) المقنع (الجوامع الفقهية): باب الوضوء ص 2 السطر الأخير.
(4) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب أحكام الخلوة ح 1 ج 1 ص 223، وفيه " وإن كان قد مضى وقت
تلك الصلاة ".
(5) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في التخلي والاستنجاء ج 1 ص 20 س 13.
(6) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب أحكام الخلوة ح 2 ج 1 ص 224.
(7) في نسخة ق " على الأشهر الأقوى " وفي م " على الأشهر الأظهر ".
281

قال: يغسل ذكره ولا يعيد وضوءه (1). وقد تقدم مثله أيضا. ويؤيده المعتبرة
الأخرى الآمرة بإعادة الصلاة وغسل الذكر (2) من دون تعرض للأمر بإعادته،
مع كون المقام مقامه بالبديهة.
خلافا للصدوق في الفقيه، فأوجب الإعادة في نسيان الاستنجاء من البول
خاصة (3)، للمعتبرة، منها: الصحيح، عمن توضأ وينسى غسل ذكره؟ قال:
يغسل ذكره ثم يعيد الوضوء (4). ومثله الموثق المتقدم. وهي لقصورها عن
المقاومة لما تقدم من طرق شتى يجب طرحها أو حملها على الاستحباب أو
ارتكاب التأويل فيها بنحو آخر. وفي المقنع، فأطلق الإعادة (5) حتى في نسيان
الاستنجاء من الغائط ظاهرا، للموثق المتقدم مستندا له فيما تقدم من عدم إعادة
الصلاة في خارج الوقت - كما اختاره في هذا الكتاب - وهو وإن لم أقف له على
معارض هنا، إلا أن تطرق القدح إليه من الجهات المتقدمة ودلالته على عدم
كفاية الاستجمار بدلا عن الماء - مع كونها مجمعا عليها فتوى ورواية - يمنع من
التمسك به. مع أن ظاهر الأصحاب الاجماع على عدم إعادة الوضوء هنا.
هذا، مع احتمال حمل الوضوء فيه كالوضوء في كلامه على الاستنجاء بالماء،
فتأمل.
(ولو كان الخارج) من السبيلين (أحد الحدثين) خاصة (غسل مخرجه
دون) مخرج (الآخر) إجماعا كما عن المعتبر (6) والذكرى (7)، للأصل، والموثق:
إذا بال الرجل ولم يخرج منه شئ غيره فإنما عليه أن يغسل إحليله وحده

(1) الاستبصار: كتاب الطهارة ب 31 في وجوب الاستنجاء من الغائط والبول ح 10 ج 1 ص 53.
(2) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب نواقض الوضوء ح 7 ج 1 ص 209.
(3) من لا يحضره الفقيه: باب ارتياد المكان للحدث... ج 1 ص 31 ذيل الحديث 59.
(4) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب نواقض الوضوء ح 9 ج 1 ص 209، نقلا بالمضمون.
(5) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في باب الوضوء ص 2 س 30.
(6) المعتبر: كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج 1 ص 174.
(7) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام الاستنجاء ص 21 س 19.
282

ولا يغسل مقعدته، وإن خرج من مقعدته شئ ولم يبل فإنما عليه أن يغسل
المقعدة وحدها ولا يغسل الإحليل (1).
(وفي جواز مس كتابة المصحف للمحدث) بالحدث الأصغر أم العدم
(قولان: أصحهما المنع) وهو أشهرهما، بل عن ظاهر التبيان (2) ومجمع
البيان (3) إجماعنا عليه وعلى رجوع الضمير في " لا يمسه إلا المطهرون " إلى القرآن
دون الكتاب لهذه الآية، بمعونة ما ذكر تفسيرها بذلك في الخبر: المصحف
لا تمسه على غير طهر ولا جنبا ولا تمس خطه - أو " خيطه " على الاختلاف في
النسخة - ولا تعلقه، إن الله تعالى يقول: " لا يمسه إلا المطهرون " (4). ومثله آخر
مروي في مجمع البيان عن مولانا الباقر - عليه السلام - (5).
هذا، مضافا إلى المعتبرة المعتضدة أو المنجبرة بالشهرة والآية بمعونة التفسير
الوارد عن أهل العصمة، ففي الموثق: عمن قرأ القرآن وهو على غير وضوء؟ قال:
لا بأس ولا يمس الكتاب (6).
وفي المرسل: لا تمس الكتابة ومس الورق (7).
ويؤيده الصحيح: عن الرجل أيحل له أن يكتب القرآن في الألواح
والصحيفة وهو على غير وضوء؟ قال: لا (8).
بناء على أن المنع من الكتابة فيه للمحدث لعله من حيث احتمال تحقق
المساورة لأصل الكتابة فمنع عنها من باب المقدمة، وإلا فلا قائل به على الظاهر.

(1) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب أحكام الخلوة ح 1 ج 1 ص 244، مع اختلاف يسير.
(2) التبيان: الآية 79 من سورة الواقعة.
(3) مجمع البيان: الآية 79 من سورة الواقعة.
(4) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب الوضوء ح 3 ج 1 ص 269.
(5) مجمع البيان: في تفسير الآية 79 من سورة الواقعة.
(6) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب الوضوء ح 1 ج 1 ص 269.
(7) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب الوضوء ح 2 ج 1 ص 269.
(8) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب الوضوء ح 4 ج 1 ص 270.
283

خلافا للمبسوط (1) وابني براج (2) وإدريس (3) فالكراهة، للأصل، وضعف سند
الأخبار ودلالة الآية، باحتمال عود الضمير فيها إلى الكتاب المكنون (4)
والتطهير التطهير من الكفر. وضعف الجميع ظاهر بما تقدم.
وليس في النهي عن التعليق ومس الخيط الذي وهو الكراهة اتفاقا من
المشهور دلالة على كون النهي عن المس لها أيضا لوحدة السياق، لمعارضته بنهي
الجنب فيه عنه أيضا، وهو للتحريم إجماعا، كما يأتي - إن شاء الله - فيكون النهي
عن المس كذلك أيضا لذلك. وتعارض السياقين يقتضي بقاء النهي عن المس
على ظاهره.
هذا، مع احتمال كون المنهي عنه عن تعليق ما يمكن فيه مساورة كتابته
لجسده، ولا تصريح فيه لغيره (5) وكون " الخط " بدل " الخيط " كما في النسخة
الأخرى، فيكون حينئذ تأكيدا للنهي عن مس الكتابة أو بيانا لأنواع المنهي
عنه في المس، ولا إجماع على الكراهة في شئ من ذلك، فلا سياق يشهد على
الكراهة أصلا.
* * *

(1) المبسوط: كتاب الطهارة في كيفية الوضوء ج 1 ص 23.
(2) المهذب: كتاب الطهارة باب أقسام الطهارة ج 1 ص 32.
(3) السرائر: كتاب الطهارة في تقسيم الطهارة إلى كبرى وصغرى و... ج 1 ص 57.
(4) الواقعة: 78 " كتاب مكنون ".
(5) في نسخة م، " مع احتمال كون المنهي فيه عن تعليقه ما يمكن فيه مساورة كتابته لجلده، ولا تصريح
فيه بغيره " ويخالفهما نسخة ق في بعض العبارات، لا يهمنا نقله.
284

(أما الغسل)
(ففيه الواجب والندب، فالواجب منه ستة) على الأشهر الأظهر، كما
سيأتي أن شاء الله تعالى.
(الأول)
(غسل الجنابة، والنظر) فيه في أمور ثلاثة: الأول (في موجبه) وسببه
(و) الثاني في (كيفيته و) الثالث في (أحكامه).
(أما الموجب) له (فأمران):
الأول: (إنزال المني (1)) وخروجه إلى خارج الجسد لا مطلقا بجماع أو غيره.
(يقظة أو نوما) رجلا كان المنزل أو امرأة، إجماعا في الأول واشتهارا في
الثاني، بل كاد أن يكون اتفاقا كما حكي في كلام جماعة، بل في بعضها إجماع
الأمة.
والصحاح به مستفيضة، كغيرها.
منها: الصحيح، في الرجل يجامع المرأة فيما دون الفرج وتنزل المرأة هل
عليها غسل؟ قال: نعم (2).
وفي آخر: عن المرأة ترى في المنام ما يرى الرجل؟ قال: إن أنزلت فعليها
الغسل وإن لم تنزل فليس عليها الغسل (3).

(1) في المتن المطبوع " إنزال الماء ".
(2) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الجنابة ح 3 ج 1 ص 471.
(3) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الجنابة ح 5 ج 1 ص 472.
285

نعم: بإزائها أخبار معتبرة (1)، إلا أنها في الظاهر شاذة لا يرى القائل بها،
ولم ينقل إلا عن ظاهر الصدوق في المقنع، لكن عبارته النافية في احتلامها
خاصة (2).
والأصل في المسألة بعد إجماع العلماء كافة كما ادعاه جماعة الآية
الكريمة (3) والنصوص المستفيضة التي كادت تكون متواترة، بل هي متواترة
بالبديهة.
منها: كالصحيح، كان علي - عليه السلام - يقول: لا يرى في شئ الغسل
إلا في الماء الأكبر (4).
والحصر إضافي بالنسبة إلى الوذي والودي والمذي. ومقتضى إطلاقه
كغيره كالمتن وعن صريح غيره عدم الفرق في ذلك بين خروجه عن المحل
المعتاد أو غيره مطلقا وإن لم يعتد أو ينسد الخلقي.
وربما قيل باختصاصه بالأول أو الثاني مع اعتبار أحد الأمرين فيه، للأصل
وعدم انصراف إطلاق النصوص إلى غيرهما. وهو أقوى، كما عن الذكرى (5)،
فلا فرق بينه وبين الحدث الأصغر. ولكن الأول أحوط.
ومنه ينقدح وجه الاشكال في التعميم بالنسبة إلى الخالي عن الصفات
الغالبة لولا الاجماعات المنقولة. ولكنها كافية في إثباته.
ولا ينافيه الصحيح: عن الرجل يلعب مع المرأة يقبلها فيخرج منه المني فما
عليه؟ قال: إذا جاءت الشهوة ودفع وفتر فعليه الغسل، وإن كان إنما هو شئ

(1) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الجنابة ح 18 و 19 و 20 و 21 و 22 ج 1 ص 474 و 475.
(2) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة باب الغسل ص 4 س 33.
(3) المائدة: 6.
(4) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الجنابة ح 11 ج 1 ص 473 وليس فيه لفظ " يقول ".
(5) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الجنابة ص 27 س 34.
286

لم يجد له فترة ولا شهوة فلا بأس (1).
ومثله الآخر: إذا أنزلت بشهوة فعليها الغسل (2).
لحملهما على صورة الاشتباه كما فهمه الأصحاب، أو التقية لاشتهاره بين
العامة ونقل عن مالك وأحمد وأبي حنيفة (3). على أن المنافاة في الثاني
بالمفهوم الوارد مورد الغالب ولا عبرة به.
ثم إن هذا مع القطع بكون الخارج منيا (و) أما (لو اشتبه) بغيره (اعتبر)
في الرجل الصحيح (بالدفق) والشهوة (وفتور البدن) إذا خرج، فما اشتمل
عليها جميعا أوجبه، وإلا فلا، للصحيح المتقدم، مضافا إلى الأصل في الثاني،
فتأمل.
وكذلك في المرأة كما يقتضيه إطلاق المتن كغيره - ولم يساعده الصحيح
المزبور لاختصاصه بالرجل - ولعله لاطلاق الآية بتوصيف الماء بالدافق (4)،
وفيه تأمل.
والأظهر فيها الاكتفاء بمجرد الشهوة، للصحيح المتقدم ذيل الصحيح
الأول وغيره: إذا جاءت الشهوة فأنزلت الماء وجب عليها الغسل (5).
وعن نهاية الإحكام الاستشكال في ذلك (6)، ولعله لاطلاق الآية
والاكتفاء في هذه الأخبار بمجرد. الشهوة. وقد عرفت ما في الأول.
والاكتفاء بالأول في الأول - كما عن ظاهر نهاية الإحكام (7) والوسيلة (8)

(1) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الجنابة ح 1 ج 1 ص 477.
(2) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الجنابة ح 1 ج 1 ص 471.
(3) راجع الفقه على المذاهب الأربعة: كتاب الطهارة في موجبات الغسل ج 1 ص 107.
(4) الطارق: 6.
(5) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الجنابة ح 13 ج 1 ص 473.
(6) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في الانزال ج 1 ص 100.
(7) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في الانزال ج 1 ص 98.
(8) الوسيلة: كتاب الصلاة في أحكام الجنابة ص 55.
287

والمبسوط (1) والاقتصاد (2) والمصباح (3) ومختصره (4) وجمل العلم والعمل (5)
والعقود (6) والمقنعة (7) والتبيان (8) والمراسم (9) والكافي (10) والاصباح (11)
ومجمع البيان (12) وروض الجنان (13) وأحكام الراوندي (14) - لعله للآية، إلا أنها
معارضة بالصحيح المتقدم المعتبر فيه الأمور الثلاثة، إلا أن يحمل على الغالب، لكنه
ليس بأولى من حملها عليه المستلزم لعدم شمولها للماء الدافق خاصة، لغلبة
مصاحبة الدفق باقي الأوصاف، وتجرده عنها فرد نادر لا يحمل عليه، والأصل
يقتضي العدم، والله العالم. وكيف كان: فهو أحوط.
واعتبار الأوصاف المزبورة للصحيح المتقدم خاصة مع الاعتضاد بعمل
الطائفة، لا لكونها صفات لازمة غالبة حتى يعتبر فيه قربه من رائحة الطلع
وغير ذلك، لأنه لا يستفاد منه إلا الظن ولا عبرة به، ولا ينقض يقين الطهارة إلا
بمثله، لا به. نعم: الأحوط المراعاة.
(ويكفي في المريض الشهوة) خاصة، للصحاح.

(1) المبسوط: كتاب الطهارة في غسل الجنابة وأحكامها ج 1 ص 27.
(2) الاقتصاد: في ذكر الجنابة ص 244.
(3) مصباح المتهجد: ص 8، لكنه اكتفى بالدفق في الرجل والمرأة، لا في الأول خاصة.
(4) نقله عنه الفاضل الهندي في كشف اللثام: كتاب الطهارة في بيان غسل الجنابة ج 1 ص 79 س 16.
(5) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى): كتاب الطهارة في نواقض الطهارة ج 3 ص 25.
(6) جمل العقود: كتاب الطهارة فيما ينقض الوضوء ص 41.
(7) المقنعة: كتاب الطهارة باب 6 في حكم الجنابة... ص 51.
(8) التبيان: الآية 6 من سورة المائدة ج 3 ص 457.
(9) المراسم: كتاب الطهارة في غسل الجنابة وما يوجبه ص 41.
(10) الكافي في الفقه: كتاب الصلاة في الجنابة ص 127.
(11) كما في كشف اللثام: كتاب الطهارة في غسل الجنابة ج 1 ص 79 س 17.
(12) مجمع البيان: الآية 6 من سورة المائدة ج 2 ص 42.
(13) روض الجنان: كتاب الطهارة في موجبات الوضوء ص 48 س 5.
(14) فقه القرآن: كتاب الطهارة في تفسير ألفاظ آية الغسل ج 1 ص 32.
288

منها: في الرجل يرى في المنام ويجد الشهوة فيستيقظ وينظر فلا يجد شيئا ثم
يمكث بعد فيخرج؟ فقال: إن كان مريضا فليغتسل وإن لم يكن مريضا فلا
شئ عليه، قال: قلت: فما فرق بينهما؟ فقال: لأن الرجل إذا كان صحيحا
جاء الماء بدفعة وقوة (1) وإذا لم يكن صحيحا لم يجئ إلا بعد (2).
(و) يجب أن (يغتسل المستيقظ إذا وجد منيا على جسده أو ثوبه
الذي ينفرد به) مع إمكان كونه منه وعدم احتماله من غيره، للموثق: عن
الرجل ينام ولم ير في نومه أنه احتلم فوجد في ثوبه وعلى فخذه الماء، هل عليه
غسل؟ قال: نعم (3).
ومثله في آخر: عن الرجل يرى في ثوبه المني بعد ما يصبح ولم يكن رأى في
منامه أنه احتلم؟ قال: فليغتسل وليغسل ثوبه (4).
وظاهر إطلاقهما جواز الاكتفاء بالظاهر هنا عملا بشهادة الحال. ونقل
القطع به هنا عن الشيخ (5) والفاضلين (6) والشهيد (7) وغيرهم، وعن التذكرة
الاجماع عليه (8).
وينبغي الاقتصار فيه على ظاهر موردهما من وجدانه عليهما بعد الانتباه
كظاهر المتن، اقتصارا فيما خالف الأصل المتيقن - من عدم نقض اليقين إلا

(1) في نسخة ق " جاء الماء معه بدفق وقوة ".
(2) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الجنابة ح 3 ج 1 ص 478، مع اختلاف يسير.
(3) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الجنابة ح 1 ج 1 ص 480.
(4) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الجنابة ح 2 ج 1 ص 480.
(5) النهاية: كتاب الطهارة باب الجنابة وأحكامها ص 20.
(6) المعتبر: كتاب الطهارة في خروج المني ج 1 ص 178. وتحرير الأحكام: كتاب الطهارة في الجنابة
ج 1 ص 12 س 6.
(7) الدروس الشرعية: كتاب الطهارة في الجنابة ص 5 س 17.
(8) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في غسل الجنابة ج 1 ص 23 س 21.
289

بمثله الوارد في الصحاح وغيرها (1) المعتضدة بالاعتبار وغيره - على القدر المتيقن
من الروايتين، فلا يجب الغسل بوجدانه عليهما مطلقا، بل ينحصر الوجوب في
الصورة المزبورة دون غيرها.
وعليه يحمل الخبر: عن الرجل يصيب بثوبه منيا ولم يعلم أنه احتلم؟ قال:
ليغسل ما وجد بثوبه وليتوضأ (2).
وحمله على ما سيأتي من الثوب المشترك - كما عن الشيخ (3) - بعيد.
ومنه الوجدان في الثوب المشترك مطلقا ولو بالتعاقب مع وجدان صاحب
النوبة له بعد عدم العلم بكونه منه واحتمال كونه من الشريك، وفاقا لظاهر
المتن وغيره، ظاهرا كما في عبارة (4) وصريحا كما في أخرى (5).
وعن الدروس (6) والروض (7) والمسالك (8) وجوبه على صاحب النوبة،
ولعله لأصالة التأخر المعارضة بأصالة الطهارة وغيرها، فليس بشئ إلا أن يستند إلى
إطلاق الروايتين، ولعله خلاف المتبادر منهما. ولكنه أحوط.
وحيث لا يجب الغسل عليهما، ففي جواز إيتمام أحدهما بالآخر كما عن
التحرير (9) والتذكرة (10) والمنتهى (11) ونهاية الإحكام (12) وهو صريح غيرها، أم

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب نواقض الوضوء ح 1 و 7 ج 1 ص 174 و 176.
(2) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الجنابة ح 3 ج 1 ص 480.
(3) النهاية: كتاب الطهارة باب الجنابة وأحكامها... ص 20.
(4) لعل المراد بها عبارة كل من لم يتعرض للمسألة.
(5) عبارة كل من تعرض للمسألة، فتأمل.
(6) الدروس الشرعية: كتاب الطهارة في الجنابة ص 5 س 19.
(7) روض الجنان: كتاب الطهارة في موجبات الجنابة ص 49 س 21.
(8) مسالك الأفهام: في الغسل ج 1 ص 7 س 30.
(9) تحرير الأحكام: كتاب الطهارة في الجنابة ج 1 ص 12 س 9.
(10) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في غسل الجنابة ج 1 ص 23 س 24.
(11) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في موجبات الغسل وأحكامه ج 1 ص 81 س 1.
(12) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في الانزال ج 1 ص 101.
290

العدم كما عن المعتبر (1) والشهيدين (2) قولان: أحوطهما الثاني احتياطا في
العبادة وتحصيلا للبراءة اليقينية، وإن كان الأول أقوى لإناطة التكليف
بالظاهر وعدم العبرة بنفس الأمر ولو علم به إجمالا، ولذا يصح صلاتهما ويسقط
أحكام الجنابة عنهما قطعا ووفاقا.
ويعيد من وجب عليه الغسل كل صلاة لا يحتمل سبقها على الجنابة، وفاقا
للأشهر، اقتصارا فيما خالف الأصل على القدر المتيقن. وفيه قول آخر
للمبسوط (3) وغيره، ضعيف لا دليل عليه.
(و) الثاني (الجماع في القبل) إجماعا من المسلمين كافة ولو في الميتة
إجماعا منا خاصة. خلافا لأبي حنيفة (4). والصحاح وغيرها به مستفيضة.
منها: الصحيح، عن الرجل يجامع المرأة قريبا من الفرج فلا ينزلان متى يجب
الغسل؟ فقال: إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل (5).
وفي آخر: إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم (6).
(وحده غيبوبة الحشفة) للصحيح: قلت: التقاء الختانين هو غيبوبة
الحشفة؟ قال: نعم (7). أو قدرها في مقطوع الذكر كما عن ظاهر الأصحاب،
لا غير اقتصارا في مخالفة الأصل على المتيقن. وربما احتمل الاكتفاء فيه بالمسمى
لظاهر إطلاق " إذا أدخله " وهو ضعيف لحمله على الغالب وهو غيره، فلا
يشمله مع تقييده في صحيح الذكر بقدر الحشفة بالصحيح المتقدم.

(1) المعتبر: كتاب الطهارة في خروج المني ج 1 ص 179.
(2) البيان: كتاب الطهارة فيما يوجب الغسل ص 14. وروض الجنان: كتاب الطهارة في موجبات
الجنابة ص 49 س 24.
(3) المبسوط: كتاب الطهارة في غسل الجنابة وأحكامها ج 1 ص 28.
(4) عمدة القاري: في باب الغسل ذيل حديث 43 ج 3 ص 253 س 1.
(5) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الجنابة ح 2 ج 1 ص 469.
(6) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الجنابة ح 1 ج 1 ص 469.
(7) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الجنابة ح 2 ج 1 ص 469.
291

ومقتضى إطلاق الصحاح وصريح المتقدم منها - كالاجماع - الاكتفاء
بالدخول في وجوب الغسل (وإن أكسل) عن الانزال.
(وكذا) يجب الغسل على الفاعل والمفعول في الجماع (في دبر المرأة) مع
إدخال قدر الحشفة (على الأشبه) الأشهر، بل نقل عليه المرتضى إجماع
المسلمين كافة (1)، بل ادعى كونه ضروري الدين، لفحوى الصحيح " أتوجبون
عليه الجلد والرجم ولا توجبون عليه صاعا من ماء " (2) وخصوص المرسل
المنجبر بالشهرة المؤيد بإطلاق الملامسة في الآية (3) المفسرة بالاجماع والصحيح
بالوقاع في الفرج (4) الشامل للقبل والدبر لغة وعرفا، وبالادخال في المعتبرة: في
رجل يأتي أهله من خلفها؟ قال: هو أحد المأتيين فيه الغسل (5).
مضافا إلى الاجماع المنقول المتلقى حجيته مطلقا وفي خصوص المقام عند
أكثر الأصحاب بالقبول. خلافا لظاهر الاستبصار (6) والنهاية (7) وسلار (8) فلم
يوجباه، للأصل، والصحيح: عن الرجل يصيب المرأة فيما دون الفرج أعليها
غسل إن أنزل هو ولم تنزل هي؟ قال: ليس عليها غسل، وإن لم ينزل هو فليس
عليه غسل (9).
والمراسيل، منها: إذا أتي الرجل المرأة في دبرها فلم ينزل فلا غسل عليهما،

(1) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في غسل الجنابة ج 1 ص 31 س 9.
(2) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الجنابة ح 5 ج 1 ص 470.
(3) المائدة: 6
(4) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الجنابة ح 3 ج 1 ص 469.
(5) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب الجنابة ح 1 ج 1 ص 481.
(6) الاستبصار: كتاب الطهارة ب 66 في الرجل يجامع المرأة فيما دون الفرج... ج 1 ص 112 ذيل
الحديث 4.
(7) النهاية: كتاب الطهارة باب الجنابة وأحكامها ص 19.
(8) المراسم: كتاب الطهارة في غسل الجنابة ص 41.
(9) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الجنابة ح 1 ج 1 ص 481.
292

وإن أنزل فلا غسل عليها وعليه الغسل (1).
ومنها: في الرجل يأتي المرأة في دبرها وهي صائمة؟ قال: لا ينقض صومها
وليس عليها غسل (2). ونحوه غيره.
وفي الجميع نظر، لتخصيص الأول بما تقدم. وعدم الصراحة في الثاني، لاحتمال
إرادة التفخيذ، بل ولا يبعد عدم الظهور بناء على شمول " الفرج " حقيقة للدبر،
كما تقدم، فتأمل. والضعف بالارسال في البواقي مع عدم الصراحة في الدخول،
فيمكن إرادة ما تقدم.
وعلى تقدير تمامية الجميع، فهي لمقاومة شئ مما قدمناه من الأدلة غير
صالحة، للاعتضاد بالشهرة العظيمة التي كادت تبلع الاجماع، لضعف المخالف
قلة مع رجوعه عنه في باقي كتبه.
(وفي وجوب الغسل بوطئ الغلام تردد) ينشأ من الأصل وعدم النص
مطلقا، ومن دعوى السيد الاجماع على الوجوب (3). وعن المعتبر اختياره
العدم (4)، لمنع الدعوى. وليس في محله، لقوة دليل حجيتها، فالوجوب أقوى.
مضافا إلى فحوى الصحيح المتقدم وظاهر إطلاق الحسن في النبوي: من جامع
غلاما جاء جنبا يوم القيامة لا ينقيه ماء الدنيا، الحديث (5).
ومن فحواه يظهر أيضا وجوب الغسل في وطئ البهيمة، مضافا إلى ما روي
عن الأمير - عليه السلام - " ما أوجب الحد أوجب الغسل " (6). لكنه على القول
بثبوت الحد في وطئها دون التعزير أو شمول الحد فيه لمثله.

(1) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب الجنابة ح 2 ج 1 ص 481.
(2) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب الجنابة ح 3 ج 1 ص 481.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في غسل الجنابة ج 1 ص 31 س 16.
(4) المعتبر: كتاب الطهارة في غسل الجنابة ج 1 ص 181.
(5) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب النكاح المحرم ح 1 ج 14 ص 248.
(6) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الجنابة ح 4 ج 1 ص 469، نقلا بالمضمون.
293

وعن السيد ذهاب الأصحاب إليه (1)، وهو مختار المختلف (2) والذكرى (3)
وصوم المبسوط (4). خلافا له في غيره (5) وللخلاف (6) والجامع (7) والمصنف في
الكتابين (8)، للأصل وفقد النص. وهو ضعيف.
(وأما كيفيته: فواجبها خمسة) أمور:
الأول: (النية) وقد تقدم تحقيقها في الوضوء. ويجب على المشهور أن تكون
(مقارنة لغسل الرأس أو مقدمة عند غسل اليدين) بناء على ما مر. وفيه ما
تقدم.
وهل التقديم عند غسلهما على طريق الجواز فقط؟ كما هو ظاهر القواعد (9)
وعن غيره، أو الاستحباب؟ كما عن الاصباح (10) والمبسوط (11) والسرائر (12)
والشرائع (13) والتذكرة (14) ونهاية الإحكام (15) قولان.
(و) الثاني: (استدامة حكمها) بالمعنى المتقدم على الأشهر، ونفسها - كما

(1) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في غسل الجنابة ج 1 ص 31 س 25 و 30.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في غسل الجنابة ج 1 ص 31 س 25 و 30.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الجنابة ص 27 س 13.
(4) المبسوط: كتاب الصوم في ما يمسك عنه الصائم ج 1 ص 270.
(5) المبسوط: كتاب الطهارة في غسل الجنابة ج 1 ص 28.
(6) الخلاف: كتاب الطهارة م 59 في وجوب الغسل بوطئ البهيمة ج 1 ص 117.
(7) الجامع للشرائع: كتاب الطهارة باب الجنابة ص 38.
(8) المعتبر: كتاب الطهارة ج 1 ص 181، وشرائع الاسلام: كتاب الطهارة في سبب الجنابة ج 1
ص 26.
(9) قواعد الأحكام: كتاب الطهارة في غسل الجنابة ج 1 ص 13 س 8.
(10) كما في كشف اللثام: كتاب الطهارة في بيان غسل الجنابة ج 1 ص 80 س 12.
(11) المبسوط: كتاب الطهارة في أحكام الجنابة ج 1 ص 29.
(12) السرائر: كتاب الطهارة في أحكام الجنابة ج 1 ص 118.
(13) شرائع الاسلام: كتاب الطهارة في غسل الجنابة ج 1 ص 28.
(14) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في غسل الجنابة ج 1 ص 24 س 4.
(15) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في واجباته ج 1 ص 106 و 108.
294

هو الأظهر - إلى الفراغ. إلا إذا لم يوال فيذهل عن النية السابقة، فتجديدها عند
المتأخر، كما عن نهاية الإحكام (1) والذكرى (2). ووجهه (3) واضح.
(و) الثالث: (غسل البشرة بما يسمى غسلا ولو كان كالدهن) لما مر
في الوضوء.
(و) الرابع: (تخليل ما لا يصل إليه) أي البدن المدلول عليه بالبشرة (الماء
إلا به) كالشعر - ولو كان كثيفا - ونحوه إجماعا، تمسكا بعموم ما علق الحكم
فيه على الجسد الغير الصادق على مثل الشعر ونحوه، والتفاتا إلى النبوي المقبول
" تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وانقوا البشرة " (4) ومثله الرضوي: وميز
الشعر بأناملك عند غسل الجنابة، فإنه يروى عن رسول الله - صلى الله عليه
وآله - أن تحت كل شعرة جنابة فبلغ الماء تحتها في أصول الشعر كلها وخلل
أذنيك بإصبعك وانظر أن لا يبقى شعرة من رأسك ولحيتك إلا وتدخل تحتها
الماء (5).
وهذه الأدلة كالاجماع هي الفارقة بين المقام والوضوء، حيث يجب
التخليل فيه دونه.
وما في شواذ أخبارنا مما يشعر بالمخالفة لذلك وصحة الغسل بحيلولة الخاتم
في حال النسيان - كما في الحسن " عن الخاتم إذا اغتسل؟ قال: حوله من مكانه
وقال في الوضوء: تديره، فإن نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن
تعيد " (6) أو صفرة الطيب مطلقا، كما في الخبر " كن نساء النبي - صلى الله عليه

(1) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في واجباته ج 1 ص 107.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام الغسل ص 100 س 21، وفيه اختلاف يسير.
(3) في نسخة ق " غير واضح ".
(4) كنز العمال: كتاب الطهارة في آداب الغسل 26595 ج 9 ص 385.
(5) فقه الرضا (عليه السلام): باب الغسل من الجنابة وغيرها ص 83.
(6) وسائل الشيعة: ب 41 من أبواب الوضوء ح 2 ج 1 ص 329.
295

وآله - إذا اغتسلن من الجنابة يبقين صفرة الطيب على أجسادهن، وذلك أن
النبي - صلى الله عليه وآله - أمرهن أن يصببن الماء صبا على أجسادهن " (1)
فمطروح، كالصحيح " الرجل يجنب فيصيب رأسه أو جسده الخلوق والطيب
والشئ الكد مثل علك الروم والطراز ونحوه؟ قال: لا بأس " (2) أو مؤول،
بحمل الأول على ما لا يمنع الوصول وإن استحب التحويل للاستظهار.
وكذا الثاني بحمل الصفرة فيه على الأثر العسير الزوال الذي لا يجب إزالته في
التطهير من النجاسات، فهنا أولى.
وظاهر الأصحاب عدم وجوب غسل الشعر، بل عن المعتبر (3) والذكرى (4)
الاجماع عليه. وهو مقتضى الأصل وخلو الأخبار البيانية عنه، مع خروجه عن
مسمى الجسد قطعا، وإطلاق الصحيح " لا تنقض المرأة شعرها إذا اغتسلت من
الجنابة " (5) الشامل لما لا يبلغ إليه الماء مع عدم النقض.
وفي الصحيح: من ترك شعره من الجنابة متعمدا فهو في النار (6).
وفي آخر: الحائض ما بلغ بلل الماء من شعرها أجزأها (7).
وهما بالدلالة على ما تقدم أولى من الدلالة على العدم - كما فهمه
الأصحاب - سيما بملاحظة الرضوي المتقدم، والأمر ببله في النبوي لعله من باب
المقدمة لا بالأصالة، كما يستفاد من سياقه. نعم: هو أحوط.
(و) الخامس: (الترتيب) وهو أن (يبدأ برأسه) إجماعا، كما عن

(1) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب الجنابة ح 2 ج 1 ص 510.
(2) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب الجنابة ح 1 ج 1 ص 509.
(3) المعتبر: كتاب الطهارة: ج 1 ص 194.
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام الغسل ص 100 س 30.
(5) وسائل الشيعة: ب 38 من أبواب الجنابة ح 4 ج 1 ص 521.
(6) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الجنابة ح 5 ج 1 ص 463.
(7) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب الجنابة ح 4 ج 1 ص 511.
296

الخلاف (1) والانتصار (2) والتذكرة (3) والغنية (4) والحلي (5) وغيرهم ممن
سيذكر، للمعتبرة المستفيضة، مضافا إلى ما سيأتي.
منها: الصحيح قولا: ثم تصب على رأسك ثلاثا ثم تصب على سائر
جسدك مرتين (6). ومثله الحسن فعلا (7).
وفي الحسن: من اغتسل من جنابة فلم يغسل رأسه ثم بدا له أن يغسل رأسه
لم يجد بدا من إعادة الغسل (8).
ومثله الرضوي: فإن بدأت بغسل جسدك قبل الرأس فأعد الغسل على
جسدك بعد غسل رأسك (9).
وبعين هذه العبارة أفتى والد الصدوق كما نقلها عنه في الفقيه (10). ومنه
يظهر فساد نسبة القول بعدم وجوبه هنا إليهما في الكتاب المذكور. وعبارة
الإسكافي المنقولة (11) لا تنفيه، فنقل النفي عنه لا وجه له، بل ربما أشعرت
بثبوته، فالظاهر عدم الخلاف فيه.

(1) الخلاف: كتاب الطهارة م 75 في وجوب الترتيب في الغسل ج 1 ص 132.
(2) الإنتصار: كتاب الطهارة في ترتيب غسل الجنابة ص 30.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في غسل الجنابة ج 1 ص 24 س 12.
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في غسل الجنابة ص 492 س 32.
(5) السرائر: كتاب الطهارة في أحكام الجنابة ج 1 ص 119، لم يذكر هنا صريحا بل أشار بقوله: " على
ما حررناه وبيناه " ومقصوده هو في كيفية الوضوء ج 1 ص 103، حيث صرح هناك بالاجماع، فراجع
بقرينة أنه قبل هذا التصريح بصفحتين تقريبا ذكر بأنه: يجب الترتيب في الطهارة الصغرى
والكبرى معا.
(6) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الجنابة ح 1 ج 1 ص 502.
(7) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب الجنابة ح 1 ج 1 ص 508.
(8) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب الجنابة ح 1 ج 1 ص 506.
(9) فقه الرضا (عليه السلام): باب الغسل من الجنابة وغيرها ص 85.
(10) من لا يحضره الفقيه: باب صفة غسل الجنابة ج 1 ص 88 ذيل الحديث 191.
(11) كما في ذكرى الشيعة: كتاب الطهارة في أحكام الغسل ص 101 س 11.
297

وبالمعتبرة هنا يقيد إطلاق الصحاح، منها: ثم تمضمض واستنشق ثم
تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك، الحديث (1). كتقييدها في الترتيب
الآخر بما سيأتي.
وما لا يقبل التقييد - كالصحيح، في أمر مولانا الصادق - عليه السلام -
الجارية في الحكاية المعروفة بخلاف الترتيب - (2) معارض بصحيح آخر لراويه
تضمن أمره الجارية بخلاف ما فيه (3). وهذا مع ذلك دليل آخر لما نحن فيه.
ويدخل الرقبة هنا في الرأس، كما عن المقنعة (4) والتحرير (5) وكتب
الشهيد (6) وظاهر أبي الصلاح (7) والغنية (8) والمهذب (9)، لتصريحهم بغسل
الرأس إلى أصل العنق. وما عن الإشارة: من غسل كل من الجانبين من رأس
العنق (10) غير مخالف، إذ يحتمل إرادة أصله من رأسه فيه فيوافق. وعن بعض
مقاربي العصر الاجماع عليه (11)، ولعله كذلك، ويشهد له الحسن: ثم صب على
رأسه ثلاث أكف، ثم صب على منكبه الأيمن مرتين وعلى منكبه الأيسر مرتين،
الحديث (12).

(1) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الجنابة ح 5 ج 1 ص 503.
(2) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب الجنابة ح 4 ج 1 ص 507.
(3) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب الجنابة ح 1 ج 1 ص 508.
(4) المقنعة: كتاب الطهارة ب 6 في حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ص 52.
(5) تحرير الأحكام: كتاب الطهارة في غسل الجنابة ج 1 ص 12 س 33.
(6) اللمعة الدمشقية: كتاب الطهارة في واجبات الغسل ج 1 ص 94. الدروس الشرعية: كتاب
الطهارة: في الجنابة ص 6 س 3. ذكرى الشيعة: كتاب الطهارة في أحكام الغسل ص 100
(7) الكافي في الفقه: كتاب الصلاة في غسل الجنابة ص 133.
(8) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في غسل الجنابة ص 492 س 31.
(9) المهذب: كتاب الطهارة باب كيفية الغسل ج 1 ص 46.
(10) إشارة السبق (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في الأغسال ص 118 س 31.
(11) وهو صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الطهارة في كيفية الغسل الترتيبي ج 3 ص 65.
(12) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الجنابة ح 2 ج 1 ص 502.
298

ونقله في الكافي (1) والتهذيب (2) مقطوعا غير قادح أولا باشتهار العمل به،
وثانيا بنقله في المعتبر (3) والتذكرة (4) مسندا إلى الصادق - عليه السلام -.
وقريب منه الموثق: ثم ليصيب على رأسه ثلاث مرات ملأ كفيه، ثم يضرب
بكف من ماء على صدره وكف بين كتفيه، ثم يفيض الماء على جسده كله،
الحديث (5).
(ثم) يغسل (ميامنه ثم مياسره) كل منهما من أصل العنق إلى تمام
القدم في المشهور بين الأصحاب، بل عن المعتبر اتفاق فقهاء عصره عليه (6)،
وعن التذكرة (7) والغنية (8) وظاهر الانتصار (9) والخلاف (10) والمنتهى (11)
والحلي (12) الاجماع عليه، وعن التذكرة (13) ونهاية الإحكام (14) والذكرى (15)
الروض (16) الاجماع ممن رتب الرأس على البدن، وفي الأخيرين: ومن رتب

(1) الكافي: كتاب الطهارة باب صفة الغسل والوضوء قبله و... ح 3 ج 3 ص 43.
(2) تهذيب الأحكام: باب 6 في حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ح 59 ج 1 ص 133.
(3) المعتبر: كتاب الطهارة: في آداب الغسل وسننه ج 1 ص 183.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في غسل الجنابة ج 1 ص 24 س 13.
(5) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الجنابة ح 8 ج 1 ص 503.
(6) المعتبر: كتاب الطهارة في آداب الغسل وسننه ج 1 ص 184.
(7) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في غسل الجنابة ج 1 ص 24 س 12.
(8) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في غسل الجنابة ص 492 س 32.
(9) الإنتصار: في ترتيب غسل الجنابة ص 30.
(10) الخلاف: كتاب الطهارة م 75 في وجوب الترتيب في الغسل ج 1 ص 132.
(11) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في كيفية الغسل ج 1 ص 83 س 20.
(12) السرائر: كتاب الطهارة في أحكام الجنابة، ج 1 ص 119، لم يذكر هنا صريحا بل أشار بقوله: " على
ما حررناه وبيناه " ومقصوده في كيفية الوضوء، حيث صرح بالاجماع فلاحظ ج 1 ص 103
(13) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في غسل الجنابة ج 1 ص 24 س 12.
(14) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في واجباته ج 1 ص 107.
(15) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام الغسل ص 100 س 35.
(16) روض الجنان: كتاب الطهارة في الترتيب في الغسل ص 53 س 14.
299

بينهما في الوضوء أيضا.
والأصل فيه - بعد الاحتياط الواجب هنا وبعض الأخبار العامية المعتضدة
بالشهرة وحب النبي - صلى الله عليه وآله - التيامن في طهوره - الرضوي المصرح
بهذا الترتيب فيه، والنصوص المصرحة به في غسل الأموات مع ما ورد باتحاده
في الكيفية مع غسل الجنابة، ففي الخبر " غسل الميت كغسل الجنابة " (1) وفي
آخر بعد ما سئل مولانا الباقر - عليه السلام - عن الميت لم يغسل غسل الجنابة؟
أجاب بما حاصله " لخروج النطفة التي خلق منها، فلذلك يغسل غسل
الجنابة " (2) وفيه زيادة على الدلالة من جهة التشبيه الدلالة من جهة التعليل
المستفاد منه كون غسله عين غسل الجنابة، والأخبار بهذا التعليل مستفيضة بل
كادت تكون متواترة مروية في العلل (3) والعيون (4) وغيرهما من الكتب
المعتبرة، فلا وجه لتأمل بعض المتأخرين منا (5) تبعا لشاذ من أصحابنا في ذلك.
ولا يجب الابتداء في المواضع الثلاثة بالأعلى، للأصل مع ظاهر عبارات
الأصحاب، والصحيحة المصرحة باكتفاء الإمام - عليه السلام - بغسل ما بقي في
ظهره بعد الاتمام من اللمعة (6)، وهي للعصمة غير منافية، لعدم التصريح فيها
بالنسيان أو الغفلة. نعم: في الحسن السابق الآمر بصب الماء على الرأس والمنكبين
إيماء إلى رجحانه واستحبابه، وعن الذكرى استظهاره (7). ولا بأس به.
ويتبع السرة والعورتان الجانبين فيوزع كل من نصفيها على كل منهما مع

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب غسل الميت ح 1 ج 2 ص 685.
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب غسل الميت ح 2 ج 2 ص 685.
(3) علل الشرائع: باب 238 العلة التي من أجلها يغسل الميت والعلة... ج 1 ص 299.
(4) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): باب 33 علة تشريع غسل الميت ومسه ج 2 ص 89.
(5) وهو السيد العاملي - قدس سره - في مدارك الأحكام: ص 43 س 36 والمولى الكاشاني - رحمه الله - في
مفاتيح الشرائع: ج 1 ص 56.
(6) تهذيب الأحكام: باب 17 في الأغسال وكيفية الغسل من الجنابة ح 1 ج 1 ص 365.
(7) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام الغسل ص 100 س 38.
300

زيادة شئ في كل من النصفين من باب المقدمة. وعن الذكرى الاكتفاء
بغسلها مع أحدهما عن ذلك (1)، لعدم الفصل المحسوس وامتناع إيجاب غسلها
مرتين. وما ذكرناه أحوط وغسلها مع الجانبين أولى.
وتغسل اللمعة المغفلة هنا خاصة مع الجانب الآخر مطلقا إذا كانت في
اليمين وبدونه إذا انعكس، كما عن الأصحاب.
(ويسقط الترتيب) مطلقا (بالارتماس) وشمول الماء لجميع البدن
بالانغماس فيه دفعة واحدة إجماعا، للنصوص المستفيضة.
منها: الصحيح، ولو أن رجلا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك
وإن لم يدلك جسده (2). ومثله الآخر (3) والحسن (4).
والترتيب الحكمي الذي قيل فيه (5) مع شذوذه بجميع تفاسيره مدفوع
بالأصل وخلو النصوص عنه، مع عدم الدليل عليه، لاختصاص أدلة الترتيب بغير
ما نحن فيه. ومع ذلك لا ثمرة فيه في التحقيق وإن أثبتها جماعة.
وفي اعتبار توالي غمس الأعضاء بحيث يتحد عرفا - كما عن المشهور بين
المتأخرين - أو مقارنة النية للانغماس التام حتى تقارن انغماس جميع البدن
- كما عن الألفية (6) - أو عدم اعتبار شئ منهما حتى إذا نوى فوضع رجله مثلا
في الماء ثم صبر ساعة فغمس عضوا آخر وهكذا إلى أن ارتمس - كما هو مختار
بعض المحققين (7) - أقوال. وليس في شئ من النصوص والعبارات الموصفة

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام الغسل ص 102 س 34.
(2) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الجنابة ح 5 ج 1 ص 503.
(3) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الجنابة ح 13 ج 1 ص 504.
(4) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الجنابة ح 12 ج 1 ص 504.
(5) والقائل هو صاحب المراسم: كتاب الطهارة في غسل الجنابة وما يوجبه ص 42.
(6) الألفية: الفصل الأول في المقدمات ص 45.
(7) وهو صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الطهارة في الغسل الارتماسي ج 3 ص 82.
301

للارتماس بالوحدة دلالة على تعيين أحد الأولين، لاحتمال إرادة عدم التفرقة
من " الوحدة " تنبيها على سقوط التعدد والترتيب فيصح مع الثاني في إتيانه،
كذا قيل (1). وهو مشكل، واعتبار الأولين أحوط.
وعلى الأول لا ينافي الوحدة توقف إيصال الماء إلى البشرة على تخليل ما يعتبر
تخليله من الشعر ونحوه.
ويستفاد من مفهوم النصوص - مضافا إلى الاحتياط اللازم في مثلا المقام -
عدم سقوط الترتيب بالوقوف تحت المطر ونحوه بناء على عدم صدق الارتماس
عليه، مضافا إلى ما دل على وجوبه مطلقا إلا ما خرج قطعا، وفاقا لجماعة.
وليس في الصحيح (2) وغيره (3) - مع ضعف الأخير - دلالة على السقوط، بل هما
في النظر على الدلالة بالثبوت أظهر، ومع ذلك فهما مطلقان يقيدان بما تقدم.
فظهر سقوط حجة القول بالسقوط، كما في القواعد (4) وعن الاصباح (5) وظاهر
الاقتصاد (6) والمبسوط (7).
ولو أغفل لمعة ففي وجوب الاستئناف مطلقا، أم الاكتفاء بغسلها كذلك
خاصة، أو مع ما بعده، أو التفصيل بين طول الزمان فالأول وقصره فالثاني،
أقوال: أصحها الأول، كما عن الدروس (8) والبيان (9) والمنتهى (10) لعدم

(1) والقائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الطهارة في بيان غسل الجنابة و... ج 1 ص 81 س 22.
(2) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الجنابة ح 10 ج 1 ص 504.
(3) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الجنابة ح 14 ج 1 ص 505.
(4) قواعد الأحكام: كتاب الطهارة في كيفية الجناية ج 1 ص 13 س 10.
(5) كما في كشف اللثام: كتاب الطهارة في بيان غسل الجنابة ج 1 ص 81 س 23.
(6) الاقتصاد: في ذكر الجنابة ص 245.
(7) المبسوط: كتاب الطهارة في أحكام الجنابة ج 1 ص 29.
(8) الدروس الشرعية: كتاب الطهارة في الجنابة ص 6 س 9.
(9) البيان: كتاب الطهارة في كيفية الغسل ص 15 س 11.
(10) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في كيفية الغسل ج 1 ص 84 س 29.
302

الارتماس المعني منه شمول الماء لجميع البدن دفعة المشترط في سقوط الترتيب
وصحة الغسل نصا وإجماعا حينئذ، مضافا إلى الأصل. وحجج الباقي ركيكة.
والخبر " ما جرى عليه الماء فقد طهر " (1) مورده الترتيبي خاصة،
فافهم.
(ومسنونها (2) سبعة) الأول: (الاستبراء) للمنزل أو محتمله مع تعين الغسل
أو عدمه مع استحبابه بالبول للرجل. ولا يجب على الأشهر الأظهر، للأصل
المؤيد بخلو كثير من الأخبار البيانية المتضمنة لكثير من الواجبات والمستحبات
عنه.
وإشعار أخبار إعادة الغسل بتركه به، وهو المحكي عن المرتضى (3)
والحلي (4) [وابن حمزة وابن البراج والحلبي] (5) ومختار الفاضلين (6)
والشهيدين (7).
خلافا للمبسوط (8) والجمل والعقود (9) والمصباح ومختصره (10)

(1) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الجنابة ح 1 ج 1 ص 502.
(2) في المطبوع من المتن " وسننها ".
(3) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في غسل الجنابة ج 1 ص 32 س 27.
(4) السرائر: كتاب الطهارة في أحكام الجنابة ج 1 ص 122.
(5) ما بين المعقوفتين في نسخة م غير موجود، وفي ق بدل " ابن حمزة " الموجود " ابن زهرة " مع إضافة
" الكيدري ".
(6) المعتبر: كتاب الطهارة في البلل المشتبه ج 1 ص 193. وإرشاد الأذهان: كتاب الطهارة في الجنابة
ج 1 ص 226.
(7) اللمعة الدمشقية والروضة البهية؟: كتاب الطهارة في واجبات الغسل ج 1
ص 94.
(8) المبسوط: كتاب الطهارة في أحكام الجنابة ج 1 ص 29.
(9) الجمل والعقود: كتاب الطهارة: في ذكر الجنابة ص 42.
(10) مصباح المتهجد: في ذكر الجنابة وكيفية الغسل منها ص 9.
303

والمراسم (1) والكامل (2) والوسيلة (3) والغنية (4) والاصباح (5) وفي الغنية
الاجماع عليه (6) كما حكى، فأوجبوه لأخبار إعادة الغسل مع الاخلال به
وخروج شئ من الذكر. ولا دلالة فيها إلا على الوجوب الشرطي. ولعله
مرادهم، كما يومي إليه كلامه في الاستبصار (7) في المضمار، لذكره الأخبار
المزبورة في هذا الباب مع عنوانه بالوجوب.
وليس في الصحيح " عن غسل الجنابة؟ فقال: تغسل يدك اليمنى من
المرفقين إلى أصابعك وتبول إن قدرت على البول " (8) دلالة عليه، لوروده في
سياق الأوامر المستحبة الموهن لدلالة الأمر به على الوجوب، بل سياقه ربما أشعر
بالاستحباب. وعدم الترك أحوط.
وتخصيصه بالرجل كما ذكرنا محكي عن المبسوط (9) والجمل والعقود (10)
والمصباح ومختصره (11) والوسيلة (12) والاصباح (13) والسرائر (14) والجامع (15)،

(1) المراسم: كتاب الطهارة في غسل الجنابة... ص 41.
(2) الكامل للقاضي عبد العزيز بن البراج، لا يوجد لدينا، نقل عنه في كشف اللثام: ج 1 ص 82
س 13.
(3) الوسيلة: كتاب الصلاة في أحكام الجنابة ص 55.
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في غسل الجنابة ص 492 س 30 و 32.
(5) الاصباح غير موجود في نسخة ق، وفي م " والاصباح والجامع ".
(6) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في غسل الجنابة ص 492 س 30 و 32.
(7) الاستبصار: كتاب الطهارة ب 72 في وجوب الاستبراء من الجنابة... ج 1 ص 118.
(8) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الجنابة ح 6 ج 1 ص 503.
(9) المبسوط: كتاب الطهارة في أحكام الجنابة ج 1 ص 29.
(10) الجمل والعقود: كتاب الطهارة في ذكر الجنابة ص 42
(11) مصباح المتهجد: في ذكر الجناية وكيفية الغسل منها ص 9.
(12) الوسيلة: كتاب الصلاة في أحكام الجنابة ص 55.
(13) كما في كشف اللثام: كتاب الطهارة في بيان غسل الجنابة ج 1 ص 82 س 13.
(14) السرائر: كتاب الطهارة في أحكام الجنابة ج 1 ص 122.
(15) الجامع للشرائع: كتاب الطهارة باب الجنابة ص 39.
304

لاختلاف المخرجين في المرأة فلا يثمر، واختصاص الأخبار به. خلافا للمحكي
عن النهاية (1) والمقنعة (2) فعمماه. وهو أحوط.
ثم إنه مع تركه وعدم خروج شئ بعد الغسل فلا كلام. وكذا معه مع
العلم بالخارج منيا فيغتسل وبولا فيتوضأ. ومع عدمه والشك فيه فلا شئ إن
بال واستبرأ منه بعده إجماعا، للأصل والعمومات والصحاح المستفيضة وغيرها.
منها: الصحيح في الغسل: إلا أن يكون قد بال قبل أن يغتسل فإنه لا يعيد
غسله (3).
ومثله في الوضوء. ينتره ثلاثا ثم إن سال حتى يبلغ الساق فلا يبالي (4).
وما في الصحيح " يجب الوضوء مما خرج بعد الاستبراء " (5) محمول على
التقية، كما في الاستبصار (6).
ويغتسل إن لم يأت بهما على الأشهر الأظهر، بل عن الحلي الاجماع
عليه (7)، للصحاح المستفيضة وغيرها الآمرة بإعادة الغسل مع عدم البول
مطلقا، كالصحيح: وإن لم يبل حتى اغتسل ثم وجد البلل فليعد الغسل (8).
والروايات بعدم الإعادة مطلقا (9) أو مع النسيان خاصة (10) مع ضعفها
شاذة لم يعرف قائل بمضمونها، وإن نقل من ظاهر الفقيه والمقنع الاكتفاء

(1) النهاية: كتاب الطهارة باب الجنابة وأحكامها... ص 21.
(2) المقنعة: كتاب الطهارة ب 6 في حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ص 54.
(3) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب الجنابة ح 6 ج 1 ص 518.
(4) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب نواقض الوضوء ح 3 ج 1 ص 200 وفيه " حتى يبلغ السوق ".
(5) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب نواقض الوضوء ح 9 ج 1 ص 202.
(6) الاستبصار: كتاب الطهارة ب 28 في وجوب الاستبراء... ح 3 ج 1 ص 49.
(7) السرائر: كتاب الطهارة في أحكام الجنابة ج 1 ص 122.
(8) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب الجنابة ح 9 ج 1 ص 519.
(9) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب الجنابة ح 10 و 11 و 14 ج 1 ص 519.
(10) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب الجنابة ح 12 و 13 ج 1 ص 519.
305

بالوضوء (1)، لعدم التصريح به في شئ منها، مع التصريح بنفي " الشئ "
الشامل له في بعضها (2)، ومتمسكه ليس إلا ما رواه مرسلا: إن كان قد رأى
بللا ولم يكن بال فليتوضأ ولم يغتسل، إنما ذلك من الحبائل (3).
وهو مع ضعفه سندا ومقاومة لما تقدم من وجوه شتى يدافع ذيله صدره،
بناء على عدم الوضوء فيما يخرج من الحبائل إجماعا، فحمله على مجرد الغسل غير بعيد.
وكذا إن لم يبل مع إمكانه وإن استبرأ على الأشهر الأظهر، وعن الخلاف
الاجماع عليه هنا وفي الصورة الآتية (4) لاطلاق ما تقدم من الصحاح، بل وعموم
بعضها، كالصحيح: عن الرجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شئ؟
قال: يغتسل ويعيد الصلاة، إلا أن يكون قد بال قبل أن يغتسل فلا بعيد غسله (5).
خلافا لظاهر المصنف هنا وفي الشرائع (6) فلم يوجبه اكتفاء منه بالاستبراء
باليد. وهو ضعيف، والأصل مدفوع بما تقدم من العموم.
ومنه يظهر اتحاد الحكم في هذه الصورة ومثلها بدون قيد الامكان، خلافا
للمحكي عن الأكثر، فلم يوجبوه، والروايات المتقدمة النافية للإعادة مع ما فيها
مما تقدم لا اختصاص لها بهذه الصورة. والجمع بينها وبين الصحاح بذلك فرع
وجود شاهد، وليس.
نعم: في الرضوي: إذا أردت الغسل من الجنابة فاجتهد أن تبول حتى
تخرج فضلة المني من إحليلك، وإن جهدت ولم تقدر على البول فلا شئ عليك (7).

(1) من لا يحضره الفقيه: باب صفة غسل الجنابة ج 1 ص 85 ذيل الحديث 188. والمقنع (الجوامع
الفقهية): كتاب الطهارة باب غسل الجنابة ص 4 س 33.
(2) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب الجنابة ح 13 ج 1 ص 519.
(3) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب الجنابة ح 2 ج 1 ص 517.
(4) الخلاف: كتاب الطهارة م 67 في وجوب الغسل بعد الانزال ج 1 ص 126.
(5) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب الجنابة ح 6 ج 1 ص 518.
(6) شرائع الاسلام: كتاب الطهارة في غسل الجنابة ج 1 ص 28.
(7) فقه الرضا (عليه السلام): ب 3 في الغسل من الجنابة وغيرها ص 81.
306

وهو أعم من المدعى، ومع ذلك يحتمل نفي الشئ فيه نفي الإثم أو
المرجوحية. وكيف كان: فالأحوط ما ذكرنا.
ويتوضأ إن انعكس الفرض في الأخيرين فبال ولم يستبرأ منه، بلا
خلاف، للصحيح: وإن كان بال ثم اغتسل ثم وجد بللا فليس ينقض
غسله، ولكن عليه الوضوء (1). ومثله الموثق (2). مضافا إلى عموم الأخبار الآمرة
بالوضوء بترك الاستبراء بعد البول (3)، وبمفهومها يقيد إطلاق هذين الخبرين
الشامل لما إذا استبرأ.
وربما ينقل عن ظاهر الشيخين في المقنعة (4) والتهذيبين (5) عدم الوضوء
أيضا، بناء على عدمه مع غسل الجنابة. وفي إطلاقه منع، لاختصاصه بخروج
موجبه مطلقا قبل الغسل لا بعده، والخبران صريحان في أن السبب للأمر بالوضوء
نفس البلل المشتبه لا غير.
(و) كيفية الاستبراء مطلقا (هو أن يعصر ذكره من) أصل (المقعدة
إلى طرفه) أي الأنثيين بإصبعه الوسطى بقوة (ثلاثا وينتره) بجذب القضيب
من أصله إلى الحشفة بالأصبع المذكورة والابهام (ثلاثا) على الأشهر الأظهر
المحكي عن النهاية (6) والفقيه (7) والهداية (8) وبني حمزة (9) وسعيد (10) وإدريس (11)

(1) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب الجنابة ح 7 و 8 و ب 13 من أبواب نواقض الوضوء ح 2 و 3
ج 1 ص 518 و 200.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) المقنعة: كتاب الطهارة ب 6 في حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ص 53.
(5) تهذيب الأحكام: ب 6 في حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ج 1 ص 143 ذيل الحديث 94
والاستبصار: كتاب الطهارة ب 72 في وجوب الاستبراء من الجنابة... ج 1 ص 118 ذيل الحديث 9
(6) النهاية: كتاب الطهارة باب آداب الحدث و... ص 11.
(7) من لا يحضره الفقيه: باب ارتياد المكان للحدث و... ج 1 ص 31 ذيل الحديث 59.
(8) الهداية (الجوامع الفقهية): باب وضوء السنة ص 46 س 33.
(9) الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان الطهارة ص 47.
(10) الجامع للشرائع: كتاب الطهارة باب الاستطابة وسنن الحمام ص 28.
(11) السرائر: كتاب الطهارة باب أحكام الاستنجاء... ج 1 ص 96.
307

وزهرة (1) وشيخنا المفيد في المقنعة (2) لكن باسقاط مسحتين، ولا دليل عليه،
ومستندهم الحسن: " إذا بال فخرط ما بين المقعدة والأنثيين ثلاث مرات
وغمز ما بينهما ثم استنجى " الحديث (3)، بناء على رجوع ضمير التثنية إلى
الأنثيين، والمراد به الذكر ولقبحه لم يذكر، لا هما والمقعدة، للقرب والاعتبار،
والصحيح " في الرجل يبول؟ قال: ينتره ثلاثا " الحديث (4)، بناء على كون
الضمير المفعول عائدا إلى الذكر أو البول، ولا مجال لرجوعه إلى ما تحت الأنثيين.
وعلى التقديرين يتم الاستشهاد به، بل هو على الثاني نص في المطلوب، فتدبر.
ومنه يظهر وجه تقييد الغمز المطلق في الحس بالثلاث، لتصريح الصحيح
به، مضافا إلى عدم القول بالفصل حتى من المفيد، لتصريحه هنا بالمرتين
واكتفائه بهما أيضا فيما تحت الأنثيين، والحسن مخالف له في الأمرين.
ولا فرق في التحقيق بين القول بالست مسحات وبين القول بالتسع
مسحات، كما في القواعد (5) والشرائع (6).
وعن المبسوط (7) والتحرير (8) وعن والد الصدوق (9) الاكتفاء بمسح ما
تحت الأنثيين ثلاثا. ولا دلالة في الحسن عليه، لما عرفت. كما لا دلالة في
الصحيح على مرتضى المرتضى والمهذب (10) من الاكتفاء بنتر القضيب من أصله

(1) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة ص 487 س 24.
(2) المقنعة: كتاب الطهارة ب 3 في آداب الأحداث... ص 40.
(3) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب نواقض الوضوء ح 2 ج 1 ص 200.
(4) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب نواقض الوضوء ح 3 ج 1 ص 200.
(5) قواعد الأحكام: كتاب الطهارة في آداب الخلوة وكيفية الاستنجاء ج 1 ص 4 س 2.
(6) شرائع الاسلام: كتاب الطهارة في غسل الجنابة ج 1 ص 28.
(7) المبسوط: كتاب الطهارة في ذكر مقدمات الوضوء ج 1 ص 17.
(8) تحرير الأحكام: كتاب الطهارة في أحكام الجنابة ج 1 ص 13 س 3.
(9) كما في كشف اللثام: كتاب الطهارة في آداب المتخلي ج 1 ص 22 س 10.
(10) المهذب: باب الاستنجاء وأحكامه ج 1 ص 41 والمنقول عن المرتضى في المعتبر: ج 1 ص 134.
308

ثلاثا إلى الطرف كما زعم، لما تقدم.
وربما حمل كلامهما على ما حمل الصحصح عليه، فلا خلاف.
(و) الثاني (غسل اليدين (1)) قبل إدخالهما الإناء (ثلاثا) لما مر في الوضوء
من الزندين في المشهور وأكثر الأخبار، منها: الصحيح تبدأ بكفيك فتغسلهما ثم
تغسل فرجك الحديث (2).
أو دون المرفق كما في الموثق (3) أو إلى نصف الذراع كما في المرسل (4) أو
المرفقين كما في الصحيحين (5) وغيرهما.
والنصوص بالتثليث مستفيضة، ولا دليل على الاكتفاء بالمرة سوى
الاطلاق في المعتبرة (6)، وتقييده بها مقتضى القواعد الشرعية.
(و) الثالث والرابع: (المضمضة والاستنشاق) بعد تنقية الفرج، وفاقا
للمعظم، بل في المدارك عليه الاجماع (7) للنصوص.
منها: الصحيح، تبدأ فتغسل كفيك، ثم تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل
فرجك، ثم تمضمض وتستنشق (8).
ولم يذكرا في المقنع والكافي لأبي الصلاح، وتمام الكلام قد
مضى (9).

(1) في المطبوع من المتن " وغسل يديه ".
(2) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الجنابة ح 1 ج 1 ص 502.
(3) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الجنابة ح 8 ج 1 ص 503.
(4) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب غسل الميت ح 3 ج 1 ص 681.
(5) وسائل الشيعة: ب 26 و 34 من أبواب الجنابة ح 6 و 1 و ج 1 ص 503 و 515.
(6) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الجنابة ح 5 ج 1 ص 503.
(7) مدارك الأحكام: كتاب الطهارة في سنن الغسل ص 56 س 37.
(8) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الجنابة ح 5 ج 1 ص 503 مع اختلاف يسير.
(9) في سنن الوضوء ص 142.
309

ومقتضى إطلاق المتن - كالنصوص - الاكتفاء بالمرة، ولكن عن صريح
المقنعة (1) والنهاية (2) والسرائر (3) والوسيلة (4) والمهذب (5) والاصباح (6)
والتذكرة (7) والتحرير (8) ونهاية الإحكام (9) والذكرى (10) والبيان (11)
استحباب التثليث. ولعله للرضوي. وفيه: وقد يروى أن يتمضمض ويستنشق
ثلاثا، وروي مرة يجزيه، والأفضل الثلاث، وإن لم يفعل فغسله تام (12).
(و) الخامس: (إمرار اليدين (13) على الجسد) إجماعا كما عن الخلاف (14)
والتذكرة (15) وظاهر المعتبر (16) والمنتهى (17) استظهارا والتفاتا إلى الرضوي: ثم
تسمح سائر بدنك بيديك وتذكر الله تعالى، الحديث (18).
وفي الصحيح: ولو أن جنبا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك وإن

(1) المقنعة: كتاب الطهارة ب 6 في حكم الجنابة وصفة الطهارة ص 52.
(2) النهاية: كتاب الطهارة باب آداب الحدث و... ص 13.
(3) السرائر: كتاب الطهارة باب الجنابة وأحكامها و... ج 1 ص 118.
(4) الوسيلة: كتاب الصلاة في أحكام الجنابة ص 56.
(5) المهذب: كتاب الطهارة باب كيفية الغسل ج 1 ص 45.
(6) كما في كشف اللثام: كتاب الطهارة في بيان غسل الجنابة ج 1 ص 82 س 1.
(7) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في مسنونات الغسل ج 1 ص 24 س 23.
(8) تحرير الأحكام: كتاب الطهارة في غسل الجنابة ج 1 ص 13 س 4.
(9) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في سننه ج 1 ص 109.
(10) ذكرى الشيعة: كتاب الطهارة في أحكام الغسل ص 104 س 26.
(11) البيان: كتاب الطهارة في كيفية الغسل ص 14.
(12) فقه الرضا (عليه السلام): باب 3 في الغسل من الجنابة وغيرها ص 81.
(13) في المتن المطبوع " اليد ".
(14) الخلاف: كتاب الطهارة م 21 في مسنونية المضمضة و... ج 1 ص 75.
(15) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في غسل الجنابة ج 1 ص 24 س 24.
(16) المعتبر: كتاب الطهارة في آداب الغسل وسننه ج 1 ص 185.
(17) منتهى المطلب: كتاب الطهارة: في كيفية الغسل و... ج 1 ص 85 س 27.
(18) فقه الرضا (عليه السلام): ب 3 في الغسل من الجنابة وغيرها ص 81.
310

لم يدلك جسده (1).
وهو نص في عدم الوجوب في الجملة، كالاجماعات المنقولة، ولكنها نفته
بالكلية. وعن مالك إيجابه (2).
(و) السادس: (تخليل ما يصل إليه الماء) للمعتبرة، منها: الصحيح
" يبالغن في الماء " (3) وفي الحسن " يبالغن في الغسل " (4) وفي الرضوي
" الاستظهار فيه إذا أمكن " (5).
(و) السابع: (الغسل بصاع) بالاجماع، والصحاح.
منها: كان رسول الله - صلى الله عليه وآله - يتوضأ بمد ويغتسل بصاع (6).
والمد رطل ونصف، والصاع ستة أرطال. وحمله الشيخ على أرطال المدينة،
فيكون تسعة أرطال بالعراقي (7). والكلام في تحديده يأتي في بحث الزكاة إن
شاء الله تعالى.
ولا يجب باجماع علمائنا وأكثر أهل العلم خلافا لأبي حنيفة (8)، كما في
المعتبر (9) والمنتهى (10) وأخبارنا بإجزاء مثل الدهن (11) حجة لنا. وما في الصحيح
" من أنفرد بالغسل وحده فلا بد له من الصاع " (12) محمول على الاستحباب أو

(1) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الجنابة ح 5 ج 1 ص 503.
(2) المحلى: كتاب الطهارة م 189 في أحكام الغسل ج 2 ص 30.
(3) وسائل الشيعة: ب 38 من أبواب الجنابة ح 1 ج 1 ص 521.
(4) وسائل الشيعة: ب 38 من أبواب الجنابة ح 2 ج 1 ص 521.
(5) فقه الرضا (عليه السلام): ب 3 في الغسل من الجنابة وغيرها ص 81.
(6) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب الجنابة ح 3 ج 1 ص 512.
(7) تهذيب الأحكام: ب 6 في حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ج 1 ص 137 ذيل الحديث 70.
(8) المبسوط (للسرخسي): كتاب الصلاة باب الوضوء والغسل ج 1 ص 45.
(9) المعتبر: كتاب الطهارة في آداب الغسل وسننه ج 1 ص 186.
(10) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في كيفية الغسل وأحكامه وتوابعه ج 1 ص 86 س 2.
(11) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب الجنابة ح 6 ج 1 ص 511.
(12) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب الجنابة ح 4 ج 1 ص 512.
311

التقية، فتأمل.
(وأما أحكامه) أي الجنب (فيحرم عليه قراءة) إحدى (العزائم)
بالاجماع، كما عن المعتبر (1) والمنتهى (2) وأحكام الراوندي (3) والتذكرة (4)
وغيرها، للمعتبرة.
منها: الموثق، الحائض والجنب يقرءان شيئا؟ قال: نعم ما شاء إلا
السجدة (5). ومثله في الحسن (6).
والمراد بالسجدة فيهما نفس السورة، كما فهمه الأصحاب، لشيوع التعبير عن
السور بأشهر ألفاظها، كالبقرة وآل عمران والأنعام والرحمن والواقعة، وغير
ذلك. وللرضوي: ولا بأس بذكر الله تعالى وقراءة القرآن وأنت جنب إلا
العزائم التي يسجد فيها، وهي: ألم تنزيل وحم السجدة والنجم وسورة
اقرأ (7).
فاحتمال تخصيص التحريم بنفس السجدة لا وجه له. مع أن في المعتبر بعد
التعميم " رواه البزنطي، عن المثنى، عن الحسن الصيقل، عن الصادق عليه
السلام " (8) ولا بأس بضعف السند بعد الانجبار بالفتاوى.
وعلى هذا فتحرم قراءة أجزائها المختصة بها مطلقا والمشتركة بينها وبين غيرها
مع النية.

(1) المعتبر: كتاب الطهارة في أحكام الجنب ج 1 ص 187.
(2) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أحكام الجنب ج 1 ص 86 س 34.
(3) لم يوجد لدنيا هذا الكتاب ووجدناه في فقه القرآن: كتاب الطهارة في أحكام الجنب ج 1 ص 50.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في أحكام الجنب ج 1 ص 24 س 31.
(5) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الجنابة ح 4 ج 1 ص 493، مع اختلاف يسير.
(6) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الجنابة ح 7 ج 1 ص 494.
(7) فقه الرضا (عليه السلام): ب 3 في الغسل من الجنابة وغيرها ص 84.
(8) المعتبر: كتاب الطهارة أحكام الجنب ج 1 ص 187.
312

(ومس كتابة القرآن) إجماعا من علماء الإسلام، كما عن المعتبر (1)
والمنتهى (2) إلا " داود " كما عن التذكرة (3)، لفحوى ما دل على تحريمه على
المحدث بالحدث الأصغر، ولورود النهي عنه في النبوي والرضوي: لا تمس
القرآن إن كنت جنبا أو على غير وضوء (4).
وخلاف الإسكافي (5) والشيخ في المبسوط (6) فيه لفتويهما بالكراهة غير
معلوم، لاحتمال إرادتهما التحريم منها، كما عن مختلف (7) والذكرى (8). والمراد
بالكتابة صور الحروف. قيل: ومنه المد والتشديد، لا الاعراب (9). ويعرف كونها
قرآنا بعدم احتمالها غير ذلك وبالنية، وأما مع انتفائهما فلا تحريم.
(ودخول المساجد) مطلقا، وفاقا للمعظم، بل عن المنتهى عدم
الخلاف (10) وفي الخلاف الاجماع (11) بالكتاب المفسر بهذا في الصحيح:
الحائض والجنب يدخلان المسجد أم لا؟ قال: لا يدخلان المسجد إلا مجتازين،
إن الله تبارك وتعالى يقول: " ولا جنبا إلا عابري سبيل " (12). مضافا إلى
الصحاح الأخر (13).

(1) المعتبر: كتاب الطهارة في أحكام الجنب ج 1 ص 187.
(2) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أحكام الجنب ج 1 ص 87 س 16.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في أحكام الجنب ج 1 ص 24 س 42.
(4) فقه الرضا (عليه السلام): ب 3 في الغسل من الجنابة وغيرها ص 85 وسنن البيهقي ج 1، ص 309
(5) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في غسل الحيض ج 1 ص 36 س 19.
(6) المبسوط: كتاب الطهارة في كيفية الوضوء ج 1 ص 23.
(7) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في بقايا أحكام الوضوء ج 1 ص 26 س 20.
(8) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في النفاس وأحكامه، أشار إليه في ص 34 س 6، وفصل في ص 33 س 36
(9) كما في جامع المقاصد: ج 1 ص 367 قال: ومنه التشديد والمد، وهل الاعراب كذلك؟ فيه وجهان.
(10) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أحكام الجنب ج 1 ص 87 س 36.
(11) الخلاف: كتاب الصلاة م 258 في عدم جواز اللبث للجنب في المسجد ج 1 ص 514.
(12) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الجنابة ح 10 ج 1 ص 486.
(13) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الجنابة ح 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و ج 1 ص 485.
313

والقول بالجواز مع استحباب الترك مطلقا للأصل - كما عن سلار (1) أو
للنوم خاصة كما عن الصدوق في الفقيه والمقنع (2) - شاذ، والأصل مخصص
بالدليل. وليس في الخبر " عن الجنب ينام في المسجد؟ فقال: يتوضأ ولا بأس
أن ينام في المسجد ويمر فيه " (3) مع قصور السند دلالة على شئ منهما، وحمله على
التقية ممكن، لمصير بعض العامة إلى مضمونه، كما حكي (4).
(إلا اجتيازا) فيها، لا مطلق المرور والمشي في الجوانب - كما قيل (5) - على
الأصح، للصحيح المتقدم وغيره.
(عدا المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وآله) فيحرم
الدخول مطلقا بالاجماع كما في المدارك (6) وعن المعتبر (7) وظاهر الغنية (8)
والتذكرة (9)، للمعتبرة المستفيضة، منها: الصحيح، ولا يقربان المسجدين الحرامين (10)
وليس في عدم تعرض الصدوقين والمفيد وسلار والشيخ في الجمل
والاقتصاد والمصباح ومختصره والكيدري (11) له مع إطلاقهم جواز الاجتياز في

(1) المراسم: كتاب الطهارة في غسل الجنابة وما يوجبه ص 42.
(2) من لا يحضره الفقيه: باب صفة غسل الجنابة ج 1 ص 87 ذيل الحديث 191 والمقنع (الجوامع
الفقهية): كتاب الطهارة باب الغسل من الجنابة وغيرها ص 5 س 4.
(3) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الجنابة ح 18 ج 1 ص 488.
(4) عن أحمد وإسحاق وزيد بن أسلم، كما عن الخلاف: كتاب الطهارة م 258 في عدم جواز اللبث
للجنب في المسجد ج 1 ص 514.
(5) وهو صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الطهارة في حرمة اللبث فيما عدا المسجدين على الجنب ج 3
ص 53.
(6) مدارك الأحكام: كتاب الطهارة في أحكام الجنب ج 1 ص 42 س 10.
(7) المعتبر: كتاب الطهارة في حكم المكث في المساجد ج 1 ص 189.
(8) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في الجناية ص 488 س 2.
(9) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في أحكام الجنب ج 1 ص 25 س 7.
(10) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الجنابة ح 17 ج 1 ص 488.
(11) وهو قطب الدين الكندري على الأصح - كما في الذريعة ج 2 ص 118 في مادة " أصب " لا الكيدري
المشهور في كتب الأصحاب، وله كتاب معروف في الفقه يسمى ب‍ " الاصباح في فقه الإمامية " من
أعلام القرن السادس.
314

المساجد تصريح بالمخالفة، بل ولا ظهور بملاحظة الاجماعات المنقولة، فتأمل.
(ولو احتلم فيهما) نوما أو يقظة أو دخلهما سهوا أو عمدا لضرورة أم لا،
لاطلاق النص وعدم تعقل الفرق بين الأفراد، كذا قيل (1) فتأمل (تيمم
لخروجه) منهما على الأشهر الأظهر، للصحيح: إذا كان الرجل نائما في المسجد
الحرام أو في مسجد الرسول - صلى الله عليه وآله - فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمم
ولا يمر في المسجد إلا متيمما (2).
وقول الشاذ منا بالاستحباب (3) ضعيف خال عن المستند. ولا عبرة
بالأصل في مقابلة الصحيح.
(ووضع شئ فيها) مطلقا (على الأظهر) الأشهر، بل عن ظاهر الغنية
الاجماع عليه (4) للمعتبرة، منها: الصحيح، عن الجنب والحائض يتناولان من
المسجد المتاع يكون فيه؟ قال: نعم، ولكن لا يضعان في المسجد شيئا (5).
ويظهر منه عدم تحريم الأخذ منها، كما هو المجمع عليه. وعلل الأمران في
آخر بأنهما لا يقدران على أخذ ما فيه إلا منه ويقدران على وضع ما بيدهما في
غيره (6).
وعن سلار (7) وموضع من الخلاف (8) الكراهة. وهو ضعيف. والأصل بما

(1) كشف اللثام: كتاب الطهارة في أحكام الجنب ج 1 ص 83 س 1.
(2) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الجنابة ح 6 ج 1 ص 485.
(3) الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان التيمم ص 70.
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في الجنابة ص 488 س 2.
(5) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب الجنابة ح 1 ج 1 ص 490.
(6) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب الجنابة ح 2 ج 1 ص 491.
(7) المراسم: كتاب الطهارة في غسل الجنابة وما يوجبه ص 42.
(8) الخلاف: كتاب الصلاة م 258 في عدم جواز اللبث للجنب في المسجد ج 1 ص 513.
315

قدمناه مخصص.
(ويكره قراءة ما زاد على سبع آيات) للمضمر: عن الجنب هل يقرأ
القرآن؟ قال: " ما بينه وبين سبع آيات " (1). وتشتد فيما زاد على السبعين،
للمضمر الآخر: قال بدل ما تقدم: " ما بينه وبين سبعين آية " (2).
أما الجواز: فمقطوع به بين أكثر الأصحاب، كما في المختلف (3)، بل عن
الانتصار (4) والخلاف (5) والغنية (6) وأحكام الراوندي (7) والمعتبر (8) الاجماع
عليه. والصحاح بذلك مستفيضة، كغيرها من المعتبرة المعتضدة بالأصل
والعمومات والشهرة. وليس شئ من المضمرين وغيرهما مما سيأتي يصلح
لتخصيصها بالبديهة، ولا سيما لاثبات الحرمة، لعدم الصراحة. ولكن باب
المسامحة في أدلة الاستحباب والكراهة مفتوحة، فلأجل ذلك حكم بها في
موردهما تبعا للجماعة. ولا يمكن الحكم بها في مطلق القراءة لموافقة الناهية عنها
كذلك - مع ضعفها - للتقية، مع مخالفته للشهرة العظيمة، فلا يمكن مع ذلك
المسامحة، سيما مع معارضتها بالمسامحة في أدلة السنن، لفتوى الأصحاب
بالاستحباب في الباب ودلالة النصوص عليه.
فظهر ضعف القول بها مطلقا كما عن الخصال (9) والمراسم (10) وابن

(1) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الجنابة ح 9 ج 1 ص 494.
(2) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الجنابة ح 10 ج 1 ص 494.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في غسل الجنابة ج 1 ص 32 س 20.
(4) الإنتصار: في نواقص الوضوء ص 31.
(5) الخلاف: كتاب الطهارة م 47 في جواز قراءة القرآن للجنب والحائض ج 1 ص 100.
(6) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في الجنابة ص 488 س 1.
(7) لا يوجد لدينا هذا الكتاب ووجدناه في فقه القرآن: كتاب الطهارة في أحكام الجنب ج 1 ص 50.
(8) المعتبر: كتاب الطهارة في أحكام الجنب ج 1 ص 187.
(9) الخصال: (باب السبعة) ج 2 ص 358 ذيل الحديث 42.
(10) المراسم: كتاب الطهارة في غسل الجنابة وما يوجبه ص 42.
316

سعيد (1) لاطلاق النهي عنه في الخبر المروي في الأول: سبعة لا يقرأون القرآن:
الراكع والساجد وفي الكنيف وفي الحمام والجنب والنفساء والحائض.
والقول بنفيها كذلك كما عن الجمل (2).
والقول بالتحريم كذلك كما عن سلار (3) للنبوي: يا علي! من كان جنبا
في الفراش مع امرأته فلا يقرأ القرآن فإني أخشى أن ينزل عليهما نار من السماء
فتحرقهما (4) وهو مع ضعفه واحتماله للتقية محتمل لخصوص العزائم، بل صرح
بكونها المراد منه في الفقيه (5)، أو ما زاد على السبع خاصة كما عن القاضي (6)
وظاهر المقنعة (7) والنهاية (8) ومحتمل التهذيبين (9) وبعض الأصحاب كما حكاه
في الخلاف (10) أو على السبعين كذلك كما في المنتهى عن بعض الأصحاب (11)

(1) الجامع للشرايع: كتاب الطهارة في باب الجنابة ص 39.
(2) الجمل والعقود: كتاب الطهارة في ذكر الجنابة ص 42، حيث إنه حصر المكروهات في غير القراءة
فراجع.
(3) الأبواب والفصول: لم نعثر على هذا الكتاب، ولكن نقل عنه صاحب ذكرى الشيعة: كتاب
الصلاة في النفاس ص 34 س 21.
(4) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الجنابة ح 3 ج 1 ص 493.
(5) من لا يحضره الفقيه: كتاب الطلاق باب النوادر ح 4899 ج 3 ص 552.
(6) المهذب: كتاب الطهارة باب الجنابة ج 1 ص 34.
(7) المقنعة - كما في بعض النسخ -: كتاب الطهارة ب 6 في حكم الجنابة وصفة الطهارة
منها ص 52.
(8) النهاية: كتاب الطهارة باب الجنابة و... ص 20.
(9) تهذيب الأحكام: ب 6 في حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ج 1 ص 127 ذيل الحديث 40، ولكن
الذي يظهر منه الحرمة (لا الاحتمال) حيث قال: فما تتضمن هذه الأخبار من إباحة قراءة القرآن
ما شاء للجنب والحائض فمعناه ما شاء من أي سورة شاء بسبع آيات... الخ. والاستبصار: كتاب
الطهارة ب 69 في الجنب و... ج 1 ص 115 ذيل الحديث 5.
(10) الخلاف: كتاب الطهارة م 47 في جواز قراءة القرآن... ج 1 ص 100.
(11) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أحكام الجنب ج 1 ص 87 س 14.
317

وفي نهاية الإحكام عن القاضي (1) وعن المبسوط الاحتياط أن لا يزيد على سبع
أو سبعين (2). وهو راجع إلى ما ذكرناه.
(ومس المصحف وحمله) للصحيح: الجنب والحائض يفتحان المصحف
من وراء الثوب، الحديث (3). وفي الخبر: لا تمس خيطه ولا تعلقه (4).
وفي الاستدلال به للكراهة نظر، لاختلاف النسخة في " الخيط " فذكر بدله في
بعضها " الخط " والنهي عنه حينئذ للتحريم، واحتمال ما نهي عن تعلقه ما يباشر
البدن من الكتابة، بل وهما قريبان بملاحظة تعليل النهيين فيه بالآية الكريمة (5)، فتأمل
ولا يحرم وفاقا للمشهور، للأصل والرضوي: ولا تمس القرآن إذا كنت
جنبا أو على غير وضوء، ومس الأوراق (6).
فيحمل الصحيح على الكراهة جمعا. وليس الصحيح أقوى من الرضوي بعد
اعتضاده بالأصل والشهرة، بل حينئذ هو مع اعتباره في نفسه أقوى منه.
فظهر ضعف القول بالتحريم ومستنده، كما عن المرتضى (7).
(والنوم ما لم يتوضأ) إجماعا كما عن المعتبر (8) والمنتهى (9) والغنية (10)

(1) لم نعثر في نهاية الإحكام على نسبة ذلك إلى القاضي. نعم نقل تحريمه عن القاضي في مفتاح الكرامة:
ج 1، ص 327.
(2) المبسوط: كتاب الطهارة في ذكر غسل الجنابة وأحكامها ج 1 ص 29.
(3) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الوضوء ح 7 ج 1 ص 494.
(4) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب الجنابة ح 3 ج 1 ص 269.
(5) الواقعة: 79.
(6) فقه الرضا (عليه السلام): ب 3 في الغسل من الجنابة وغيرها ص 85.
(7) كما في المعتبر: كتاب الطهارة في ما يكره للجنب ج 1 ص 190 ناقلا له عن المصباح، لكن لم يذكر
عنه حرمة الحمل وإنما ذكر عنه حرمة المس فقط. فراجع.
(8) المعتبر: كتاب الطهارة في أحكام الجنب ج 1 ص 191.
(9) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أحكام الغسل ج 1 ص 89 س 4.
(10) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في الجنابة ص 488 س 2.
318

وظاهر الذكرى (1)، للمعتبرة، منها: الصحيح، عن الرجل أينبغي له أن ينام
وهو جنب؟ قال: يكره ذلك حتى يتوضأ (2).
وظاهره كالمتن وغيره انتفاء الكراهة مع الوضوء، إلا أن مقتضى مثله سندا
بقاؤها إلى الاغتسال، لتعليل الأمر بالغسل فيه بعد الفراغ ب‍ " أن الله تعالى
يتوفى الأنفس في منامها ولا يدري ما يطرقه من البلية " (3) ولذا قيل بها مع
الخفة بالوضوء وحكي عن ظاهر النهاية (4) والسرائر (5). وهو حسن، وفي
الموثق " عن الجنب يجنب ثم يريد النوم؟ قال: إن أحب أن يتوضأ فليفعل والغسل
أفضل من ذلك " (6) إشعار بذلك. ولا خلاف في الجواز، كما في
آخره والصحيح.
ولو لم يتمكن من الطهارتين بالماء أمكن استحباب التيمم، للعموم،
وخصوص الخبر: لا ينام المسلم وهو جنب ولا ينام إلا على طهور، فإن لم يجد الماء
فليتيمم بالصعيد (7).
ويتخير في نية البدلية عن أحد الطهورين واختيار نية البدلية عن الغسل
أفضل، فتأمل.
وعن الاقتصاد إطلاق الكراهية (8) وعن المهذب تخصيصها بعدم الاغتسال
أو الاستنشاق والمضمضة (9).
(والأكل والشرب ما لم يتمضمض ويستنشق) في المشهور، بل عن

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام المحدث ص 34 س 26.
(2) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب الجنابة ح 1 و 4 ج 1 ص 501.
(3) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب الجنابة ح 1 و 4 ج 1 ص 501.
(4) النهاية: كتاب الطهارة باب الجنابة و... ص 21.
(5) السرائر: كتاب الطهارة باب الجنابة و... ج 1 ص 118.
(6) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب الجنابة ح 6 ج 2 ص 502.
(7) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب الجنابة ح 3 ج 1 ص 501.
(8) الاقتصاد: في ذكر الجنابة ص 244.
(9) المهذب: كتاب الطهارة باب الجنابة ج 1 ص 34.
319

الغنية (1) والتذكرة (2) الاجماع عليه، لورود النهي عنهما في المعتبرة، منها: خبر
المناهي في آخر الفقيه: نهى رسول الله عن الأكل على الجنابة وقال: إنه يورث
الفقر (3). ومنها: الرضوي، وإذا أردت أن تأكل على جنابتك فاغسل يديك
وتمضمض واستنشق ثم كل واشرب إلى أن تغتسل، فإن أكلت أو شربت
قبل ذلك أخاف عليك البرص، ولا تعود على ذلك (4).
وفي الخبر: لا يذوق الجنب شيئا حتى يغسل يديه ويتمضمض، فإنه يخاف
منه الوضح (5) أي البرص.
والنهي فيها مع قصور أسانيدها للكراهة، للأصل مع ما تقدم، والموثق " عن
الجنب يأكل ويشرب ويقرأ القرآن؟ قال: نعم، ويذكر ما شاء " (6) مع إشعار
سياقها بالكراهة، فالقول بالحرمة قبل الأمرين وغسل اليدين - كما عن
الفقيه - (7) مع شذوذه ضعيف، مع احتمال عدم مخالفته، لأشعار التعليل في
عبارته بعدمها، بل بالكراهة.
وظاهر المتن - كالمحكي عن المشهور - انتفاؤها بالأمرين. ولا مستند له من الأخبار
في البين. كما لا مستند للمحكي عن المنتهى (8) والتحرير (9) ونهاية الإحكام (10)
والدروس (11) من التخيير في نفيها بهما أو بالوضوء. وليس في الصحيحين النافيين

(1) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في الجنابة ص 488 س 2.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في أحكام الجنب ج 1 ص 25 س 17.
(3) من لا يحضره الفقيه: باب ذكر جمل من مناهي النبي صلى الله عليه وآله ح 4968 ج 4 ص 3.
(4) فقه الرضا (عليه السلام): باب 3 في الغسل من الجنابة وغيرها ص 84.
(5) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب الجنابة ح 2 ج 1 ص 495.
(6) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الجنابة ح 2 ص 493 ج 1، مع اختلاف يسير.
(7) من لا يحضره الفقيه: باب صفة غسل الجنابة ج 1 ص 83.
(8) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أحكام الغسل ج 1 ص 89 س 15.
(9) نحرير الأحكام: كتاب الطهارة في أحكام الجنابة ج 1 ص 12 س 26.
(10) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في حكم الجنابة ج 1 ص 104.
(11) الدروس الشرعية: كتاب الطهارة في الجنابة ص 6 س 2.
320

لها به خاصة - كما في أحدهما - (1) أو مع غسل اليد مخيرا بينهما مع أفضلية الوضوء
- كما في ثانيهما - (2) دلالة عليه.
وظاهر الفقيه (3) والهداية (4) والأمالي (5) انتفاؤهما بالأمرين في المتن مع
غسل اليدين، للرضوي المتقدم. وعن المعتبر انتفاؤها بغسلهما وبالأول منهما.
وليس في الصحيح " الجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب غسل يده وتمضمض
وغسل وجهه " (6) دلالة عليه، لزيادة الثالث. كما لا دلالة فيه على ما حكي عن
النفلية (7) وإن زيد فيها، لازدياد لاستنشاق أيضا مع خلوه عنه.
والكل حسن - إن شاء الله - مع ترتب الكل في الفضلية، فأكملها الوضوء،
ثم الأمران مع غسل الوجه واليدين، ثم هما مع الثاني، ثم هما فقط، ثم هو
خاصة.
ونص الشرائع بثبوت الخفة بذلك لا الانتفاء بالكلية (8)، كما عن
الاقتصاد (9) والمصباح (10) ومختصره (11) والسرائر (12) ونهاية الإحكام (13).
ولا بأس به، لرواية المناهي المتقدمة المعلل فيها النهي عن الأكل على الجنابة

(1) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب الجنابة ح 4 ج 1 ص 495.
(2) وسائل الشيعة: ب 20 أبواب الجنابة ح 7 ج 1 ص 496.
(3) من لا يحضره الفقيه: باب صفة غسل الجنابة ج 1 ص 83.
(4) الهداية (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة باب غسل الجنابة ص 49 س 31.
(5) أمالي الصدوق: مجلس 93 (في دين الإمامية) ص 516.
(6) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب الجنابة ح 1 ج 1 ص 495.
(7) النفلية: الفصل الأول في سنن المقدمات ص 96.
(8) شرائع الاسلام: كتاب الطهارة في أحكام الجنابة ج 1 ص 27.
(9) الاقتصاد: في ذكر الجنابة ص 244.
(10) مصباح المتهجد: في ذكر الجنابة وكيفية الغسل منها ص 9.
(11) نقله عنه الفاضل الهندي في كشف اللثام: كتاب الطهارة في أحكام الجنب ج 1 ص 83 س 33.
(12) السرائر: كتاب الطهارة باب الجنابة و... ج 1 ص 117.
(13) الظاهر هو النهاية - كما في نسخة " م " و " ق " - كتاب الطهارة باب الجنابة و... ص 21.
321

بإيراثه الفقر والفاقة وشئ من الأمور المذكورة لا ترفع الجنابة التي هي المناط
في هذه الآفة.
(والخضاب) وهو ما يتلون به من حناء وغيره في المشهور، بل عن الغنية
الاجماع عليه (1) للمستفيضة الناهية عن ذلك المعلل في بعضها بإصابة الشيطان،
رواه الفضل بن الحسن الطبرسي في مكارم الأخلاق من كتاب اللباس
للعياشي عن مولانا الرضا - عليه السلام - (2).
ولا يحرم إجماعا، للمستفيضة النافية للبأس عنه، منها: الموثق، عن الجنب
والحائض يختضبان؟ قال: لا بأس (3). ومثله الحسن في الجنب على نسخة
وبدلها " يحتجم " في أخرى (4)، مع إشعار المعلل به.
وعلى ظاهر الأخيرة جمد في الفقيه، فنفى البأس مطلقا (5). ويمكن حملها
ككلامه على نفي التحريم المجامع للكراهة جمعا بينها وبين الأدلة، فلا خلاف فيها
نصا وفتوى.
وهي كما دلت على ثبوتها في الخضاب بعد الجنابة كذا دلت على العكس.
وعلل هذا أيضا في الخبر المعلل بما علل. ولكن حدث هنا بعدم أخذ الحناء
مأخذه وسلبت معه، ففي الخبر بعد النهي عنه: أفلا أدلك على شئ تفعله؟
قلت: بلى، قال: إذا اختضبت بالحناء وأخذ الحناء مأخذه فحينئذ فجامع (6).
ومثله المرسل (7).
ومقتضى حمل المطلقات على الأفراد المتبادرة تخصيص الاختضاب بالحناء

(1) غنية النزوع (جوامع الفقهية) كتاب الطهارة ص 488 س 2.
(2) مكارم الأخلاق: في كراهية الخضاب للجنب ص 83.
(3) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب الجنابة ح 6 ج 1 ص 497.
(4) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الجنابة ح 1 ج 1 ص 498.
(5) من لا يحضره الفقيه: باب صفة غسل الجنابة ج 1 ص 87 ذيل الحديث 191.
(6) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب الجنابة ح 4 ج 1 ص 497.
(7) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب الجنابة ح 2 ج 1 ص 497.
322

ونحوه بالكراهة، فلا يكره غيره، للأصل. وما يوجد في عبارة المقنعة من تعليل
الكراهة بمنع الخضاب وصول الماء إلى الجسد (1) وإن اقتضى العموم فيما له لون،
إلا أنه فرع ثبوته، مع ما فيه من اقتضائه التحريم لا الكراهة.
(ولو رأى بللا بعد الغسل أعاده إلا مع البول) قبله (والاجتهاد) (2)
كما تقدم الكلام فيه وفي صور المسألة في بحث الاستبراء.
(ولو أحدث) بالأصغر (في أثناء غسله، ففيه أقوال أصحها: الاتمام
والوضوء) بعده، وفاقا للمرتضى (3) وجماعة. فعدم الإعادة للأصلين: البراءة
واستصحاب الصحة المتيقنة. والقدح فيهما بعدم جريانهما في العبادة مع
معارضتهما بمثلهما من الأصل والقاعدة، مقدوح بعموم الأدلة لحصول الطهارة لما
جرى عليه الماء من أعضاء الجنابة، كما ورد في المعتبرة، منها: " ما جرى عليه
الماء فقد طهر " (4) ومنها: " كل شئ أمسسته الماء فقد أنقيته " (5) وضعف
المعارضين من حيث مهجورية العمل بهما هنا عند الجماعة بالبديهة، كيف لا!
والعمل بمقتضاهما لا يحصل إلا بالعمل بالأقوال الثلاثة في المسألة وهو
إحداث قول رابع بالبديهة، وليس فيهما تعيين لأحد الأقوال بالضرورة، فتأمل. فلا إعادة
ووجوب الوضوء، لعموم ما دل على إيجاب الأصغر إياه لحصول الاستباحة
في المشروط بالطهارة من العبادة، خرج منه ما كان منه قبل غسل الجنابة
بالاجماع والأدلة.
وقيل بوجوب الإعادة خاصة (6)، التفاتا إلى أن الصحيح من غسل الجنابة

(1) المقنعة: كتاب الطهارة ب 7 في حكم الحيض و... ص 58.
(2) في المطبوع من المتن " أعاد إلا مع البول أو الاجتهاد ".
(3) كما في المعتبر: كتاب الطهارة ج 1 ص 196.
(4) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الجنابة ح 1 ج 1 ص 502.
(5) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الجنابة ح 5 ج 1 ص 503.
(6) والقائل هو الشيخ في النهاية: كتاب الطهارة باب الجنابة و... ص 22، والمبسوط: كتاب الطهارة في
ذكر غسل الجنابة وأحكامها ج 1 ص 30. والشيخ علي بن بابويه - قدس سره - في رسالته، نقله
ابنه الصدوق - قدس سره - في من لا يحضره الفقيه: باب صفة غسل الجنابة ج 1 ص 88 ذيل
الحديث 191، والهداية (الجوامع الفقهية): باب غسل الجنابة ص 49 س 36. وتبعه جماعة من
متأخر المتأخرين. فراجع.
323

ما يرتفع معه الأحداث الصغار بالمرة ومثل هذا الغسل بعد إتمامه لا يرفع
ما تخلله بالبديهة. وأن المتخلل حدث ولا بد له من أثر فهو إما موجب الغسل
فلا كلام أو الوضوء وليس مع غسل الجنابة. وأن الحدث بعد تمامه ينقض
حكمه من إباحة الصلاة، فنقض حكم بعضه المتقدم أولى، ولا يكفي البعض في
الإباحة ولا يخلو عنها غسل جنابة.
وفي الجميع نظر، لمنع كون شأن الصحيح عنه ذلك على الاطلاق، كيف
لا! ولا تساعده الأدلة المثبتة لذلك فيه، بل غايتها الثبوت في الجملة. ومنع المنع
عن الوضوء مع غسل الجنابة مطلقا حتى المقام، لعدم تبادر مثله من أدلته.
ولاقتضاء الأولوية المزبورة ثبوت ما للأصل للفرع وليس له إلا الوضوء ونحن
نقول به، وليس له إعادة الغسل فثبت له، توضيحه: أن لغسل الجنابة حكمين:
أحدهما رفع الأثر الحاصل من الجنابة المانع من استباحة الدخول في المشروط
بالطهارة، والآخر رفع الأثر الحاصل من الحدث الأصغر المانع من ذلك،
ولا ينقض الحدث الأصغر بعد الاتمام منهما إلا الثاني دون الأول إجماعا،
ومقتضى الأولوية انتقاض هذا الحكم في بعض الأجزاء بالحدث في الأثناء
ونحن نقول به، والقول بنقضه هنا للأول أيضا مع عدم ثبوته من الأولوية فرع
التلازم بين النقضين وهو ممنوع، كيف لا! والتفكيك ثابت فيه بعد صدوره
بعده. ولا استبعاد فيه مطلقا إلا بتقدير انحصار معنى صحة الغسل في حصول
الاستباحة، وتطرق المنع إليه جلي، كيف لا! وما عدا غسل الجنابة صحيح مع
عدم استباحة الدخول في المشروط بالطهارة به بخصوصه إلا بعد الاتيان
بالوضوء على الأظهر الأشهر، وإليه ذهب أصحاب هذا القول، فليس معنى
324

صحة الغسل هنا إلا رفع الأثر الموجب له، ولا امتناع في إرادته من الصحة في
المقام. فالمراد بصحة الغسل فيه ارتفاع الأثر الموجب له وإن لم يستبح به الصلاة
إلا بالوضوء بعده، كما في نظائره. ولا دليل على كون صحة غسل الجنابة خاصة
هو حصول الاستباحة مطلقا، ولا إجماع، كيف! وهو أول الكلام.
وربما يمكن الاستدلال لهذا القول بالرضوي: فإن أحدثت حدثا من بول أو
غائط أو ريح بعد ما غسلت رأسك من قبل أن تغسل جسدك فأعد الغسل من
أوله (1).
وهو مع قوته في نفسه معتضد بالشهرة المحكية عن بعض المحققين في شرح
الألفية (2)، والخبر الذي بمعناه عن عرض المجالس (3). فهو أقوى وفاقا للفقيه (4)
والهداية (5) والنهاية (6) والمبسوط (7) والاصباح (8) والجامع (9) وجماعة. ولكن
الأحوط الجمع بين القولين بالإعادة ثم الوضوء.
وربما قيل بالاكتفاء بالاتمام كما عن الحلي (10) وابن البراج (11) والشيخ

(1) فقه الرضا (عليه السلام): ب 3 في باب الغسل من الجنابة وغيرها ص 85.
(2) وهو إما المحقق الكركي أو ابنه. راجع حاشية الألفية للمحقق الكركي في مكتبة المسجد
الأعظم (6970 - ذب 40 - 2).
(3) أي أمالي الصدوق، ولكن لم نعثر عليه في الأمالي، وإن ذكره صاحب وسائل الشيعة: ب 29 من
أبواب الجنابة ح 4 ج 1 ص 509، نقلا عن ذكرى الشيعة ص 106، وروض الجنان ص 59،
ومدارك الأحكام ص 59.
(4) من لا يحضره الفقيه: باب صفة غسل الجنابة ج 1 ص 88 ذيل الحديث 191.
(5) الهداية (الجوامع الفقهية): باب غسل الجنابة ص 49 س 36.
(6) النهاية: كتاب الطهارة باب الجنابة و... ص 22.
(7) المبسوط: كتاب الطهارة في ذكر غسل الجنابة وأحكامها ج 1 ص 30.
(8) كما في كشف اللثام: كتاب الطهارة في أحكام الجنب ج 1 ص 84 س 34.
(9) الجامع للشرائع: كتاب الطهارة باب الجنابة ص 40.
(10) السرائر: كتاب الطهارة باب الجنابة و... ج 1 ص 119.
(11) جواهر الفقه: باب في مسائل ما يتعلق بالطهارة ص 12، مسألة 22.
325

علي (1) بناء على عدم إيجاب المتخلل الغسل، فلا وجه للإعادة ولا وجه للوضوء
بناء على عدمه مع الغسل عن الجنابة.
وضعفه ظاهر بما تحرر. ولا احتياط في مراعاته، وإن قيل فلا بأس به.
(ويجزي غسل الجنابة عن الوضوء) مطلقا بإجماعنا حكاه جماعة من
أصحابنا، وإن اختلف في استحبابه وعدمه، إلا أن المشهور الثاني. ويدل عليه
جملة من أخبارنا الحاكمة ببدعية الوضوء قبل الغسل وبعده، ويدل عليه أيضا
ما سيأتي.
وما ربما يتوهم منه الجواز (2) فمع متروكية ظاهره للأمر به فيه - مع قصور
سنده - يوافق مذاهب جميع من خالفنا، إذ هم ما بين موجب ومستحب له فيه،
فحمله على التقية مقتضى القواعد المقررة عن أئمتنا - عليهم السلام - فمصير الشيخ
في التهذيب إلى الاستحباب حملا للخبر عليه (3) غير واضح، ولا يبعد ذكره ذلك
لمجرد الجمع بين الأخبار، لا لأجل الفتوى، فنسبة ذلك إليه لا يخلو عن شئ.
(وفي) إجزاء (غيره) عنه (تردد أظهره أنه لا يجزي) وفاقا لجمهور
أصحابنا بل كاد أن يكون إجماعا بيننا كما صرح به بعض أصحابنا (4) وعن
الصدوق في الأمالي كونه من دين الإمامية (5) وعبارته وإن قصرت عن
التصريح بالوجوب إلا أنها كعبارة المرسل كالصحيح الآتي الظاهر في الوجوب،
لاطلاق الآية الآمرة به للصلاة من دون تقييد، وعموم ما دل على وجوبه
بحدوث أحد أسبابه، كما في الصحاح المستفيضة التي كادت تكون متواترة - بل

(1) جامع المقاصد: كتاب الطهارة في غسل الجنابة ج 1 ص 276.
(2) وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب الجنابة ح 6 ج 1 ص 516.
(3) تهذيب الأحكام: ب 6 في حكم الجنابة... ج 1 ص 140.
(4) وهو صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الطهارة في عدم اجزاء غير غسل الجنابة عن الوضوء ج 3
ص 118.
(5) أمالي الصدوق: مجلس 93 في دين الإمامية ص 515.
326

متواترة بالضرورة - فإجزاء الغير عنه يحتاج إلى دليل، وليس، كما يأتي.
وخصوص المرسل - كالصحيح على الصحيح - " كل غسل قبله وضوء إلا غسل
الجنابة " (1) وظاهره بنفسه اللزوم والمشروعية على التحتم، أو بمعونة الشهرة أو
الأخبار الأخر التي هي دليل برأسها، كالرضوي: وليس في غسل الجنابة
وضوء، والوضوء في كل غسل ما خلا الجنابة، لأن غسل الجنابة فريضة (2)،
ولا يجزيه سائر الأغسال عن الوضوء، لأن الغسل سنة والوضوء فريضة ولا تجزي
سنة عن فرض، وغسل الجنابة والوضوء فريضتان فإذا اجتمعا فأكبرهما يجزي
عن أصغرهما، وإذا اغتسلت لغير جنابة فابدأ بالوضوء ثم اغتسل، ولا يجزيك
الغسل عن الوضوء، فإن اغتسلت ونسيت الوضوء فتوضأ وأعد الصلاة (3).
ولا يخفى ما فيه من الأمر به فيه والتأكيد في ايجابه والأمر بإعادة الصلاة مع
تركه، ومثله حجة لقوته، سيما مع اشتهاره.
ومثله في الأمر به والتأكيد في وجوبه المروي في الغوالي عن النبي - صلى
الله عليه وآله - كل الأغسال لا بد فيها من الوضوء إلا الجنابة (4).
هذا، مع ما في الصحيح: إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضأ واغتسل
والأمر للوجوب ولا قائل بالفصل، فيتم المطلوب.
خلافا للمرتضى (6) والمحكي في المختلف عن الإسكافي (7)، فحكما بالاجزاء

(1) وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب الجنابة ح 1 ج 1 ص 516.
(2) هنا عبارة ساقطة والموجود فيه بلفظة (فريضة مجزية عن الفرض الثاني ولا يجزيه) الخ.
(3) فقه الرضا (عليه السلام): ب 3 في الغسل من الجنابة وغيرها ص 82.
(4) عوالي اللآلي: باب الطهارة ح 110 ج 2 ص 203.
(5) وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب الجنابة ح 3 ج 1 ص 517.
(6) كما في مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في غسل الجنابة ج 1 ص 33 س 25، لكن الموجود في جمله
- ضمن الرسائل - خلاف ذلك. قال - رحمه الله -: ويستبيح بالغسل الواجب الصلاة من غير وضوء،
وإنما الوضوء في غير الأغسال الواجبة. المجموعة الثالثة: ص 24.
(7) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في غسل الجنابة ج 1 ص 33 س 26.
327

مع استحبابه.
واستدل لهما بعض المتأخرين (1) تارة: بالصحيحين الحاكمين بالاجزاء
معللين له بأي وضوء أطهر من الغسل؟ (2). وهما لعدم عمومهما - لفقد اللفظ
الدال عليه فيهما وانصرافهما إلى الفرد المتبادر الغالب الذي هو الغسل عن
الجنابة مع ظهور صدر أحدهما فيه وبه تعلق الجواب - لا يصلحان لصرف
الأخبار المتقدمة عن ظواهرها. وليس في التعليل إشعار بالعموم، لاحتمال
الخصوصية، ونفيها هنا فاسد بالبديهة.
وأخرى: بما دل على بدعيته مع الغسل. كالصحيح وغيره (3). وفيه - مع ما
تقدم من الاطلاق المنصرف إلى ما تقدم - متروكية ظاهرها على تقدير تعميمها،
كيف لا! والاستحباب معتقد الخصم والرجحان والمشروعية في الجملة مجمع
عليه، وهو من أعظم الشواهد على حمل الغسل المطلق فيها وفي غيرها على
ما ذكرنا.
وأخرى: بالأخبار النافية له عن غسل مثل الجمعة والعيد (4)، معللا في
بعضها بما تقدم من العلة. وهي مع قصور أسنادها كملا وضعف أكثرها قطعا
معارضة بالصحيح المتقدم الآمر به في غسل الجمعة. ولا شئ منها تبلغ قوة
المقاومة له - ولو صحت - لاعتضاده بإطلاق الآية والشهرة العظيمة وصريح غيره
من المعتبرة.
وأخرى: بالصحاح في غسل الحائض والمستحاضة والنفساء (5) الظاهرة في

(1) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في غسل الجنابة ج 1 ص 33 س 31.
(2) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب الجنابة ح 1 و 4 ج 1 ص 513 و 514.
(3) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب الجنابة ح 9 و 6 ج 1 ص 514.
(4) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب الجنابة ح 2 و 3 و 4 ج 1 ص 513 و 514.
(5) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الحيض ح 7 ج 2 ص 541. و ب 5 من أبواب الحيض ح 6 ج 2
ص 543. و ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 7 ج 2 ص 606. و ب 1 من أبواب النفاس ح 1 ج 2 ص 610
و ب 3 من أبواب النفاس ح 19 ج 2 ص 616. و ب 5 من أبواب النفاس ح 2 ج 2 ص 619.
328

عدم وجوبه، للاكتفاء فيها بذكر الغسل خاصة وعدم تعرضها له بالمرة مع
ورودها في مقام الحاجة. وفيها: أن الظاهر من سياقها الحاجة إلى معرفة الرافع
للأحداث الثلاثة وبيانه لا بيان غيره من الرافع للأصغر، فقد يكون وجوب
رفعه في حقهن معروفا معلوما من الخارج. ولو سلم فلا عبرة بها بعد الثبوت،
وإن هي حينئذ إلا كالعام المخصص أو المطلق المقيد أو الظاهر المؤول.
ثم على المختار هل يستحب تقديم الوضوء على الغسل؟ كما عن النهاية (1)
والوسيلة (2) والسرائر (3) والجامع (4) والمعتبر (5) وموضع من المبسوط (6) وفي
الشرائع (7) والقواعد (8)، وادعي عليه الشهرة (9) بل عن الحلي الاجماع
عليه (10)، أم يجب؟ كما عن ظاهر الصدوقين (11) والمفيد (12) والحلبيين (13)

(1) النهاية: كتاب الطهارة باب الجنابة وأحكامها و... ص 23.
(2) الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان الطهارة الكبرى ص 56، لكنه لم يذكر صريحا باستحباب تقديم
الوضوء. وهكذا أيضا في الكتب الآتية ما عدا المبسوط والنهاية، فإنهما ذكرا صريحا الاستحباب
فلاحظ.
(3) السرائر: كتاب الطهارة باب أحكام الأحداث الناقضة للطهارة ج 1 ص 113.
(4) الجامع للشرائع: كتاب الطهارة في باب الطهارة ص 33.
(5) المعتبر: كتاب الطهارة في إجزاء الغسل عن الوضوء ج 1 ص 196.
(6) المبسوط: كتاب الطهارة في ذكر غسل الجنابة وأحكامها ج 1 ص 30.
(7) شرائع الاسلام: كتاب الطهارة في الحيض ج 1 ص 31.
(8) قواعد الأحكام: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 15.
(9) الحدائق الناضرة: كتاب الطهارة في أنه هل يجب تقديم الوضوء على القول بوجوبه مع الغسل أم
لا؟ ج 3 ص 127.
(10) السرائر: كتاب الطهارة باب أحكام الأحداث الناقضة للطهارة ج 1 ص 113.
(11) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في غسل الجنابة ج 1 ص 34 س 11. وأمالي الصدوق: المجلس 93
(في دين الإمامية) ص 515.
(12) المقنعة: كتاب الطهارة ب 6 في حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ص 53.
(13) الكافي في الفقه: كتاب الصلاة في الوضوء والغسل ص 134. وغنية النزوع (الجوامع الفقهية):
كتاب الطهارة غسل الجنابة ص 492 س 35.
329

قولان. وظاهر أكثر الأخبار مع الثاني وإطلاق بعضها مع الأول، إلا أن
مقتضى القاعدة إرجاعه إلى الأول.
وإن كان القول بالاستحباب ليس بذلك البعيد، للاجماع المنقول المعتضد
بالشهرة. وكيف كان فلا تعلق له بصحة الغسل بلا خلاف، على ما حكاه
بعض مشايخي - سلمه الله تعالى -.
فلو أثم بالتأخير عمدا على القول بالوجوب صح غسله ولزمه الاتيان به
لمشروط به من العبادة. وهو العالم.
(الثاني)
(غسل الحيض) وهو لغة في المشهور السيل، من قولهم: " حاض الوادي "
إذا سال. وفي القاموس: الدم السائل من المرأة.
(والنظر فيه وفي أحكامه).
(وهو) دم يقذفه الرحم إذا بلغت المرأة، ثم تعتاده في أوقات معلومة غالبا
لحكمة تربية الولد، فإذا حملت صرف الله تعالى ذلك الدم إلى تغذيته، فإذا
وضعت الحمل خلع الله تعالى عنه صورة الدم وكساه صورة اللبن غالبا لاغتذاء
الطفل، فإذا خلت المرأة من حمل ورضاع بقي ذلك الدم بلا مصرف فيستقر في
مكانه، ثم يخرج في الغالب في كل شهر ستة أيام أو تسعة أو أقل أو أكثر
بحسب قرب المزاج من الحرارة وبعده عنها. وهو شئ معروف بين الناس، له
أحكام كثيرة عند أهل الملل والأطباء، ليس بيانه موقوفا على الأخذ من
الشرع، بل هو كسائر الأحداث - كالمني والبول وغيرهما - من موضوعات
الأحكام التي لا نحتاج في معرفتها إلى بيان منه، بل متى تحقق وعرف تعلق به
أحكامه المرتبة عليه عرفا وشرعا ولو خلت عن الأوصاف المتعارفة لها غالبا،
كترتب أحكام الأحداث عليها بعد معرفتها ولو خلت عن أوصافها الغالبة لها.
330

نعم: ربما يتحقق الاشتباه بينه وبين غيره من الدماء فاحتيج إلى مميز شرعي
يميزه عما عداه.
فإن اشتبه بالاستحاضة ودار الأمر بينهما رجع في الحكم به إلى الصفات
الثابتة له (في الأغلب) لحصول المظنة به، وهي أنه (دم أسود أو أحمر) كما
هنا وفي الشروح (1) وعن التذكرة (2) وفي الشرائع (3). وعن النهاية (4) والمبسوط (5)
والوسيلة (6) والمنتهى (7) والتبصرة (8) والإرشاد (9) والتلخيص (10) والتحرير (11)
الاقتصار على الأول، وعن المقنعة الاقتصار على الثاني (12) (غليظ حار) عبيط
(له دفع) للنصوص.
منها: الصحيح، الحيض والاستحاضة ليس يخرجان من مكان واحد، إن
دم الاستحاضة بارد وإن دم الحيض حار (13).
وفي آخر: دم الحيض ليس به خفاء، وهو دم حار تجد له حرقة، ودم
الاستحاضة دم فاسد بارد (14).

(1) المعتبر: كتاب الطهارة في غسل الحيض ج 1 ص 197.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في الحيض ج 1 ص 26 س 18.
(3) شرائع الاسلام: كتاب الطهارة في الحيض ج 1 ص 28.
(4) النهاية: كتاب الطهارة باب حكم الحائض و... ص 23.
(5) المبسوط: كتاب الطهارة في ذكر الحيض والاستحاضة ج 1 ص 41.
(6) الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان أحكام الحيض ص 56.
(7) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في الحيض ج 1 ص 95 س 10.
(8) تبصرة المتعلمين: كتاب الطهارة في الحيض ص 8.
(9) إرشاد الأذهان: كتاب الطهارة في الحيض ج 1 ص 226.
(10) نقله عنه الفاضل الهندي في كشف اللثام: كتاب الطهارة في دم المبيض وأحكامه ج 1 ص 86 س 26.
(11) تحرير الأحكام: كتاب الطهارة في الحيض ج 1 ص 13.
(12) المقنعة: كتاب الطهارة ب 7 في حكم الحيض و... ص 54.
(13) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الحيض ح 1 ج 2 ص 537.
(14) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الحيض ح 3 ج 2 ص 538.
331

وفي الحسن: عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدري حيض هو أم غيره؟ قال:
فقال لها: إن دم الحيض حار عبيط أسود له دفع وحرارة ودم الاستحاضة
أصفر بارد (1).
وظاهره يعطي الاقتصار على وصف الأول، إلا أن توصيف الاستحاضة
بالصفرة وجعله في مقابلة توصيفه بالسواد قرينة إرادة الأعم من السواد الشامل
لمثل الحمرة من الأسود في توصيفه. مضافا إلى الاعتبار وشهادة بعض الأخبار
الموصف له ب‍ " البحراني " المفسر له في كتب اللغة بالحمرة الشديدة الخالصة.
وعن المعتبر (2) والتذكرة (3) أنه الشديد الحمرة والسواد.
هذا، مع ما في المرسل الآتي في الحبلى، وفيه: إن كان دما أحمر كثيرا فلا
تصلي، وإن كان قليلا أصفر فليس عليها إلا الوضوء (4).
ونحوه المرسل الآخر: إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة، الخبر (5).
فظهر وجه صحة ما في المتن من التخيير بين الوصفين وعدم الاقتصار على
أحد الأمرين.
وليس في هذه الأخبار - لاختلافها في بيان الأوصاف - دلالة على كونها
خاصة مركبة للحيض متى وجدت حكم بكون الدم حيضا ومتى انتفت انتفى
إلا بدليل من خارج - كما زعم - (6) بل المستفاد من بعضها الرجوع إليها عند

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الحيض ح 2 ج 2 ص 537.
(2) المعتبر: كتاب الطهارة في غسل الحيض ج 1 ص 197.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في الحيض ج 1 ص 26 س 18.
(4) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب الحيض ح 16 ج 2 ص 579.
(5) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب الحيض ح 2 ج 2 ص 580.
(6) والزاعم هو صاحب روض الجنان: كتاب الطهارة في الحيض ص 60 س 1، وتبعه على ذلك سبطه
صاحب مدارك الأحكام: كتاب الطهارة في الحيض ص 60 س 16، وتبعهما على ذلك
صاحب ذخيرة المعاد: كتاب الطهارة في الحيض ص 61 س 39، وصاحب الحدائق الناضرة:
كتاب الطهارة في تعريف الحيض ج 3 ص 152.
332

الاشتباه بينه وبين الاستحاضة خاصة. مضافا إلى أن الخاصة المركبة شئ غير
قابل للتخلف وتخلفها عنه غير عزيز.
هذا، مع ما عرفت من أنه كغيره من الموضوعات التي يرجع فيها إلى غير
الشرع، فلو قطع فيه بكون مسلوب الصفات منه حيضا ما كان لنفيه معنى
والحكم له بغيره، كما هو الحال في المني. ولما ذكرناه قيدها المصنف - كالأكثر - بالأغلب
(فإن اشتبه بالعذرة) بضم العين المهملة والذال المعجمة: البكارة، بفتح
الباء (حكم لها) أي للعذرة (بتطوق القطنة) التي تستدخلها، وللحيض
بانغماسها، كما قطع به أكثر الأصحاب، للصحيحين (1). وبمعناهما الرضوي:
وإن افتضها زوجها ولم يرق دما ولا تدري دم الحيض هو أم دم العذرة؟ فعليها
أن تدخل قطنة فإن خرجت القطنة مطوقة بالدم فهو من العذرة، وإن خرجت
منغمسة فهو من الحيض (2).
خلافا لظاهر المصنف هنا وفي الشرائع (3) وصريحه في المعتبر في الثاني (4)
ويحتمله القواعد (5). ووجهه الشهيد بأنه قد لا يستجمع مع ذلك الشرائط، ولذا
اعترضه (6)، فقال: قلنا بثبوت الحيض فيه إنما هو بالشرائط المعلومة ومفهوم
الخبرين أنه ملتبس بالعذرة لا غير، انتهى (7).
ويحتمل لما ذكره عدم المخالفة، وإنما لم يحكما بالحيضية في صورة الانغماس

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الحيض ح 1 و 2 ج 2 ص 535 و 536.
(2) فقه الرضا (عليه السلام): ب 27 في الحيض والاستحاضة و... ص 194.
(3) شرائع الاسلام: كتاب الطهارة في الحيض ج 1 ص 29.
(4) المعتبر: كتاب الطهارة في غسل الحيض ج 1 ص 198.
(5) قواعد الأحكام: كتاب الطهارة في الحيض ج 1 ص 14 س 8.
(6) أي اعترض على المحقق - قدس سره - في معتبره لذكره " الاحتمال " صريحا فإنه قال بعد ذكر حكم
التطوق للعذرة ما لفظه: أما إذا خرجت منتقعة فهو محتمل، فإذا يقضى بأنه من العذرة مع التطوق
قطعا الخ. والوجه المذكور للشهيد وجه وتوجيه لعبارة المعتبر.
(7) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الحيض ص 28 س 13.
333

اتكالا منهما إلى فرض انحصار الاشتباه بين الدمين خاصة، فإذا تميز دم العذرة
عن دم الحيض بمميزه فقد ارتفع الاشكال في الحكم بالحيضية مع عدمه بحكم
الفرض وما ذكراه تبعا للأصحاب من غير خلاف من أن الأصل في دم المرأة
الحيضية وأن كل ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض.
وإن اشتبه بالقرحة حكم لها إن خرج من الأيمن وللحيض إن انعكس على
الأصح الأشهر، كما في الفقيه (1) والقواعد (2) والبيان (3) والنهاية (4) وعن
المقنع (5) والمبسوط (6) والمهذب (7) والسرائر (8) والوسيلة (9) والاصباح (10)
والجامع (11)، للخبر المنجبر ضعفه بالشهرة، وفيه " مرها فلتستلق على ظهرها
وترفع رجليها وتستدخل إصبعها الوسطى، فإن خرج الدم من الجانب الأيسر
فهو من الحيض، وإن خرج من الجانب الأيمن فهو من القرحة " كما في
التهذيب (12)، وفي الكافي بالعكس (13)، وهو وإن كان أضبط، إلا أن القرينة
على ترجيح الأول هنا موجودة، لشهرة مضمونه والتصريح به في الرضوي (14).

(1) من لا يحضره الفقيه: باب غسل الحيض والنفاس ج 1 ص 97 ذيل الحديث 203.
(2) قواعد الأحكام: كتاب الطهارة في الحيض ج 1 ص 14 س 9.
(3) البيان: كتاب الطهارة في الحيض ص 16.
(4) النهاية: كتاب الطهارة باب حكم الحائض و... ص 24.
(5) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة باب الحيض و... ص 5 س 25.
(6) المبسوط: كتاب الطهارة في ذكر الحيض و... ج 1 ص 43.
(7) المهذب: كتاب الطهارة باب الحيض ج 1 ص 35.
(8) السرائر: كتاب الطهارة باب أحكام الحيض و... ج 1 ص 146.
(9) الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان أحكام الحيض ص 57.
(10) كما في كشف اللثام: كتاب الطهارة في الحيض ج 1 ص 86 س 33.
(11) الجامع للشرائع: كتاب الطهارة باب الحيض و... ص 41.
(12) تهذيب الأحكام: ب 19 في الحيض و... ح 8 ج 1 ص 385.
(13) الكافي: كتاب الحيض باب معرفة دم الحيض والعذرة والقرحة ح 3 ج 3 ص 94.
(14) فقه الرضا (عليه السلام): ب 27 في الحيض و... ص 193.
334

فظهر ضعف العكس المحكي عن الإسكافي (1).
وقصور الخبرين - مع قوة الثاني وحجيته في نفسه - منجبر بالشهرة، فلا وجه
لعدم اعتبار الجانب بالمرة، كما عن المعتبر (2) وظاهر المتن والشرائع (3).
والاضطراب في متن الخبر مدفوع بما مضى من الترجيح. ومخالفة الاعتبار غير
مسموعة في مقابلة النص، لا سيما مع شهادة المتدينة من النسوة بذلك، على
ما حكاه بعض المشايخ (4).
(ولا حيض مع) رؤيته بعد (سن اليأس) وهو خمسون مطلقا أو ستون
كذلك أو الأول فيما عدا القرشية والثاني فيها على الاختلاف الآتي في بحث العدد
- إن شاء الله تعالى - (ولا مع الصغر) أي قبل إكمال تسع سنين إجماعا فيهما
حكاه جماعة، للنصوص المستفيضة.
منها: الصحيح: ثلاث يتزوجن على كل حال. وعد منها التي لم تحض
ومثلها لا تحيض والتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض (5).
(وهل يجتمع) الحيض (مع الحمل) مطلقا؟ كما هو الأشهر الأظهر وعن
الفقيه (6) والمقنع (7) والناصريات (8) والقواعد (9) والمبسوط (10) أو بشرط عدم

(1) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 36 س 33.
(2) المعتبر: كتاب الطهارة في غسل الحيض ج 1 ص 199.
(3) شرائع الاسلام: كتاب الطهارة في الحيض ج 1 ص 29.
(4) لم نعثر عليه في مظانه المتوفرة لدينا.
(5) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب العدد ح 4 ج 15 ص 406.
(6) من لا يحضره الفقيه: باب غسل الحيض والنفاس ج 1 ص 91 ذيل الحديث 197.
(7) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة باب الحيض و... ص 5 س 20.
(8) الناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة م 61 ص 227.
(9) قواعد الأحكام: كتاب الطهارة في الحيض ج 1 ص 14 س 11.
(10) المبسوط: كتاب الطهارة في ذكر النفاس وأحكامه ج 1 ص 68، لكن الموجود فيه خلافه، حيث
قال: قد بينا أن الحامل المستبين حملها لا ترى دم الحيض - أي تجتمع مع الحيض بشرط عدم
الاستبانة - والظاهر أنه لم يتقدم منه في هذا الكتاب ولكن عثرنا على ما يشم منه رائحة اجتماع
الحيض مع الحمل مطلقا، حيث قال في كتاب العدد ج 5 ص 240، ما لفظه: أن الحامل تحيض
وهو الأظهر من الروايات.
335

استبانة الحمل؟ كما عن الخلاف (1) والسرائر (2) والاصباح (3) وفي الأول
الاجماع عليه، أولا مطلقا؟ كما عن الإسكافي (4) والتلخيص (5) وفي
الشرائع (6) وظاهر المتن، أو بشرط تأخره عن العادة عشرين يوما؟ كما عن
النهاية وفي كتابي الحديث (7)، أقوال: و (فيه روايات) أكثرها و (أشهرها)
مع صحتها واستفاضتها وتأيدها بغيرها من المعتبرة مع الأول، منها: الصحيح
" عن الحبلى ترى الدم أتترك الصلاة؟ قال: نعم إن الحبلى ربما قذفت
بالدم " (8). وأشهرها بين العامة كما حكاه جماعة (9) (أنه لا يجتمع) مطلقا،
رواه السكوني، وفيه " ما كان الله ليجعل حيضا مع حبل " (10). وهو لضعفه من

(1) الخلاف: كتاب الطهارة م 205 القول في الحامل تحيض أم لا؟ ج 1 ص 239، ولكنه ذكر في موضع
آخر منه خلاف ذلك، حيث قال في كتاب الطلاق م 6 في طلاق الحامل المستبين
ما لفظه: طلاق الحامل المستبين حملها يقع على كل حال بلا خلاف سواء كانت
حائضا أو طاهرا.
(2) السرائر: كتاب الطهارة باب أحكام الحيض و... ج 1 ص 150، وإن احتمل خلاف ذلك.
(3) كما في كشف اللثام: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 87 س 16.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 36 س 39.
(5) لا يوجد لدينا.
(6) شرائع الاسلام: كتاب الطهارة في الاستحاضة ج 1 ص 32.
(7) النهاية: كتاب الطهارة باب حكم الحائض و... ص 25. وتهذيب الأحكام: ب 19 في الحيض
والاستحاضة والنفاس ج 1 ص 388 ذيل الحديث 19. والاستبصار: كتاب الطهارة ب 83 في
الحبلى ترى الدم ج 1 ص 140 ذيل الحديث 9.
(8) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب الحيض ح 1 ج 2 ص 576.
(9) الحاكي هو الشيخ في خلافه: كتاب الطهارة م 205 القول في الحامل تحيض أم لا؟ ج 1 ص 239.
والمحقق في معتبره: كتاب الطهارة في اجتماع الحيض مع الحبل ج 1 ص 200. والعلامة في تذكرته:
كتاب الطهارة في الحيض ج 1 ص 26 س 32.
(10) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب الحيض ح 12 ج 2 ص 579.
336

وجوه لا يبلغ درجة المعارضة لتلك، فيحمل على التقية أو إرادة بيان الغلبة،
فلا تترك لأجله الصحاح المستفيضة. فظهر ضعف القول الثالث وحجته.
وليس في أخبار الاستبراء بالحيض في العدد (1) دلالة عليه لو لم نقل بدلالته
على خلافه، كيف لا! ولو صح عدم الجمع مطلقا لاكتفي بالحيضة الواحدة في
مطلق الاستبراء البتة، فاعتبار التعدد دليل على مجامعته له.
ومن هنا يتضح الجواب بالمعارضة عن الاستدلال بالأخبار الدالة على
وجوب استبراء الأمة بالحيضة الواحدة (2) من حيث إن الاجتماع لا يجامع
الاستبراء بها، وذلك بأن يقال: عدم اجتماعهما يوجب الاكتفاء بالحيضة
الواحدة في عدة الحرة المطلقة. فقد تعارضا فليتساقطا، فلا دلالة في كل منهما
على شئ من القولين.
هذا، ويمكن أن يقال: بصحة الاستدلال للمختار بأخبار عدة المطلقة،
ويذب عن المعارضة باستبراء الأمة بامكان كون اكتفاء الشارع فيه بالحيضة
الواحدة ليس من حيث استحالة الاجتماع، بل من حيث غلبته عادة، كما
مرت إليه الإشارة، ولا ريب في حصول المظنة بها بعدم الاجتماع، والشارع قد
اعتبر هذه المظنة في هذه المسألة وإن كانت من الموضوعات، كما اعتبرها في
مواضع كثيرة منها بلا شبهة، فلا يكون فيه دلالة على استحالة الاجتماع، كما هو
مفروض المسألة.
وكذا ليس في عدم صحة طلاقها حين رؤيته مع صحة طلاق الحامل
مطلقا ولو رأته دلالة عليه، إلا مع قيام الدليل على عدم صحته في مطلق
الحائض، وهو في حيز المنع، كيف لا! وقد صح طلاق الحائض مع غيبة
زوجها عنها.

(1) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب العدد ج 15 ص 421.
(2) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب بيع الحيوان ح 6 ج 13 ص 38. و ب 11 من أبواب بيع الحيوان
ح 4 و 5 ج 13 ص 39.
337

ويدل على الرابع الصحيح: إذا رأت الحامل الدم بعد ما يمضي عشرون يوما
من الوقت الذي كانت ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت تقعد فيه، فإن
ذلك ليس من الرحم ولا من الطمث فلتتوضأ وتحتشي بكرسف وتصلي، وإذا
رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من
ذلك الشهر فإنه من الحيضة فلتمسك عن الصلاة عدد أيامها التي كانت تقعد
في حيضها، فإن انقطع عنها الدم قبل ذلك فلتغتسل ولتصل (1).
وهو صريح فيه، لكنه لوحدته وعدم اشتهاره لا تبلغ لمقاومة الصحاح مع
ما هي عليه من الشهرة والاستفاضة والمخالفة للعامة - فتأمل - والتعليلات الواردة
فيها المخرجة لها عن حيز العموم المقربة لها من حيز الخصوص الذي لا يصلح معه
التخصيص.
ولم نعثر للقول الثاني على دليل إلا الصحيح المتقدم لو أريد ب‍ " الاستبانة "
مضي عشرين يوما من العادة - فتأمل - وإلا فدليله غير واضح.
نعم: في الرضوي بعد الحكم بما تضمنته الصحاح " وقد روي أنها تعمل ما
تعمله المستحاضة إذا صح لها الحمل فلا تدع الصلاة، والعمل من خواص
الفقهاء على ذلك " (2). وهو مع ضعفه بالارسال، مقدوح بالفتوى في الصدر على
خلافه، معارض بما تقدم وخصوص الصحيح: عن الحبلى قد استبان ذلك منها
ترى كما ترى الحائض من الدم؟ قال: تلك الهراقة إن كان دما كثيرا فلا
تصلين وإن كان قليلا فلتغتسل عند كل صلاتين (3). والمرسل: عن الحبلى قد
استبان حملها ترى ما ترى الحائض من الدم؟ قال: تلك الهراقة من الدم إن
كان دما أحمر كثيرا فلا تصلي وإن كان قليلا أصفر فليس عليها إلا الوضوء (4).

(1) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب الحيض ح 3 ج 2 ص 577.
(2) فقه الرضا (عليه السلام): ب 27 في الحيض و... ص 192.
(3) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب الحيض ح 5 ج 2 ص 577.
(4) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب الحيض ح 16 ج 2 ص 579.
338

فلم يبق إلا الاجماع المحكي، ولا يعترض به ما تقدم من الأدلة، سيما مع
الوهن فيه بمصير معظم الأصحاب على خلافه.
هذا، وربما يجمع بين الأخبار بحمل ما دل على الاجتماع على صورة اتصاف
الدم بلون الحيض وكثرته وعدم تقدمه وتأخره عن أيام العادة كثيرا، وما دل على
المنع منه على غيرها. وهو حسن إن لم يكن إحداث قول خامس في
المسألة.
وفي الخبرين الأخيرين ربما كان دلالة عليه، كالرضوي المصرح بأنه " إذا
رأت الدم كما كانت تراه تركت الصلاة أيام الدم فإن رأت صفرة لم تدع
الصلاة " (1) والموثق " عن المرأة الحبلى ترى الدم اليوم واليومين؟ قال: إن كان
دما عبيطا فلا تصلي ذلك اليومين وإن كانت صفرة فلتغتسل عند كل
صلاتين " (2) والاحتياط لا يترك.
(وأقله) (3) أي الحيض (ثلاثة أيام) متوالية (وأكثره) كأقل الطهر
(عشرة أيام) بالاجماع منا، والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة، منها:
الصحيح، أدنى الحيض ثلاثة وأقصاه عشرة (4).
والصحيح المخالف للثاني لتحديده بالثمانية (5) شاذ مؤول بإرادة بيان
الغالب. وهو كذلك.
وكذا الخبران المخالفان للثالث الدالان على جواز حصول الطهر بخمسة أيام
أو ستة كما في أحدهما (6)، أو ثلاثة أربعة كما في الآخر وأنها برؤية الدم

(1) فقه الرضا (عليه السلام): ب 27 في الحيض و... ص 191، مع اختلاف يسير.
(2) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب الحيض ح 6 ج 2 ص 578، مع اختلاف يسير.
(3) في المطبوع من المتن " وأكثر الحيض عشرة أيام وأقله ثلاثة أيام ".
(4) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الحيض ح 10 ج 2 ص 552.
(5) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الحيض ح 14 ج 1 ص 553.
(6) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الحيض ح 3 ج 2 ص 545.
339

تعمل بمقتضى الحيض وبرؤية الطهر تعمل بمقتضاه إلى ثلاثين (1) محمولان على
أنها تفعل ذلك لتحيرها واحتمالها الحيض عند كل دم والطهر عند كل نقاء
إلى أن يتعين لها الأمران بما أمر به الشارع، لا أن كلا من هذه الدماء حيض
وكلا مما بينها من النقاء طهر شرعا، كما قد يتوهم من الفقيه (2) والمقنع (3)
والاستبصار (4) والنهاية (5) والمبسوط (6). كذا فسر به المصنف كلام
والاستبصار. وهو جيد. وتوقف العلامة في المنتهى (7).
ولا حد لأكثر الثالث بلا خلاف، كما عن الغنية (8). عن ظاهر الحلبي
تحديده بثلاثة أشهر (9)، وحمل على الغالب. وعن البيان احتمال أن يكون نظره
إلى عدة المسترابة (10).
(فلو رأت يوما أو يومين) ولم تر إلى العشرة دما (فليس حيضا) إجماعا،
لما عرفت، وصرح به الرضوي: وإن رأت يوما أو يومين فليس ذلك من الحيض
ما لم تر ثلاثة أيام متواليات (11).
(ولو كملت) (12) المرأة اليوم أو اليومين (ثلاثا في جملة العشرة) من يوم

(1) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الحيض ح 2 ج 2 ص 544.
(2) من لا يحضره الفقيه: باب غسل الحيض والنفاس ج 1 ص 98 ذيل الحديث 203.
(3) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة باب الحيض و... ص 5 س 17.
(4) الاستبصار: كتاب الطهارة ب 79 في أقل الطهر ج 1 ص 132 ذيل الحديث 3.
(5) النهاية: كتاب الطهارة باب حكم الحائض و... ص 24.
(6) المبسوط: كتاب الطهارة في ذكر الحيض والاستحاضة ج 1 ص 43.
(7) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في بيان أنواع الحيض وأحكامه ج 1 ص 105 س 32.
(8) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في دم الحيض ص 488 س 6.
(9) الكافي في الفقه: كتاب الصلاة في الحيض ص 128.
(10) البيان: كتاب الطهارة في الحيض ص 16.
(11) فقه الرضا (عليه السلام): ب 27 في الحيض و... ص 192.
(12) في المتن المطبوع " ولو كمل ثلاثة في جملة عشرة ".
340

رأت الدم (ف‍) في كونه حيضا (قولان) أصحهما وأشهرهما العدم، وهو المحكي
عن الصدوقين في الرسالة (1) والهداية (2) والإسكافي (3) والشيخ في الجمل
والمبسوط (4) والمرتضى (5). وابني حمزة (6) وإدريس (7)، للرضوي المتقدم
الصريح المعتضد، مضافا إلى قوته في نفسه بالشهرة العظيمة، فلا تقاومه المرسلة
الآتية، وإن كانت في الدلالة على الخلاف صريحة.
ولا دليل في المقام سواه، عدا ما زعم من ثبوت الصلاة في الذمة بيقين فلا
يسقط التكليف بها إلا مع تيقن السبب ولا يقين بثبوته مع فقد التوالي، ومن
تبادره من قولهم: أدنى الحيضة ثلاثة وأقله ثلاثة، وأصالة عدم تعلق أحكام
الحائض بها.
ويضعف الأول بالمنع من ثبوتها في الذمة في المقام، كيف لا! وهو أول
الكلام، من أن مقتضى الأصل عدمه. والتمسك بذيل الاستصحاب في صورة
رؤيتها الدم المزبور بعد دخول الوقت ومضي مقدار الطهارة والصلاة وإلحاق
ما قبله به بعدم القائل بالفرق، معارض بالتمسك به في صورة رؤيتها إياه قبل
الدخول ويلحق به ما بعده بالاجماع المزبور، هذا مع ضعف هذا الأصل من
وجوه أخر لا تخفى على من تدبر.

(1) من لا يحضره الفقيه: باب غسل الحيض والنفاس ج 1 ص 90 ذيل الحديث 195، حيث قال
ما لفظه: قال أبي - رحمه الله - في رسالته إلي: إعلم أن أقل الحيض... إلى أن قال: فإن رأت الدم يوما
أو يومين فليس ذلك من الحيض... الخ.
(2) الهداية (الجوامع الفقهية): باب غسل الحيض ص 50 س 3.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 36 س 22.
(4) الجمل والعقود: كتاب الطهارة ب 7 في ذكر الحيض و... ص 45. والمبسوط: كتاب الطهارة في
ذكر الحيض والاستحاضة ج 1 ص 42.
(5) لم نعثر عليه في مظانه المتوفرة لدينا، ولكن مما يهون الخطب أنه في نسخة (م) لا توجد كلمة (والمرتضى).
(6) الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان أحكام الحيض ص 56.
(7) السرائر: كتاب الطهارة باب أحكام الحيض و... ج 1 ص 145.
341

والثاني يتوقف صحته على ما لو ذهب الخصم إلى كون الثلاثة في ضمن
العشرة حيضا خاصة وهو غير معلوم، بل مقتضى إطلاق الاجماعات المنقولة في
عدم كون الطهر أقل من عشرة كونها مع الباقي حيضا، فليس الاستدلال في
محله، إذ الكلام حينئذ يرجع إلى اشتراط التوالي في الثلاثة الأول من أكثر
الحيض أم لا، وإلا فالأقل لا بد فيه منه إجماعا.
والثالث بمعارضته بأصالة عدم التكليف بالعبادات المشروطة بالطهارة.
و (المروي) في المرسل (1) (أنه حيض) كما عن الشيخ في النهاية (2)
والقاضي (3). وهو ضعيف، لعدم معارضته بعد إرساله لما تقدم.
وليس في الموثق " إذا رأت الدم قبل العشرة فهو من الحيضة الأولى وإذا
رأته بعد عشرة أيام فهو من حيضة أخرى مستقبلة " (4) ومثله الحسن (5) دلالة
عليه بوجه، كما حققناه في بعض التحقيقات.
وعلى هذا القول فهل النقاء المتخلل طهر؟ كما يظهر من صدر المرسل، أم
حيض؟ كما يظهر من ذيلها، بل وربما يتأمل في دلالة الصدر على الأول.
مقتضى الاطلاقات بعدم قصور أقل الطهر عن عشرة - كاطلاقات الاجماعات
المنقولة فيه - هو الثاني. وربما ينسب إلى القائل بهذا القول الأول. وفيه نظر.
وعلى المختار: فهل يجب استمرار الدم في الثلاثة بلياليها؟ بحيث متى
وضعت الكرسف تلوثت كما عن المحقق الشيخ علي (6) والمحرر (7) ومعطى

(1) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الحيض ح 1 ج 2 ص 544.
(2) النهاية: كتاب الطهارة باب حكم الحائض و... ص 26.
(3) المهذب: كتاب الطهارة في باب الحيض ج 2 ص 34.
(4) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الحيض ح 11 ج 2 ص 552.
(5) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الحيض ح 3 ج 2 ص 554.
(6) جامع المقاصد: كتاب الطهارة في الحيض ج 1 ص 287.
(7) المحرر لابن فهد الحلي (المطبوع في ضمن الرسائل العشر): كتاب الطهارة ص 140.
342

الكافي للحلبي (1) والغنية (2)، أم يكفي وجوده في كل يوم من الثلاثة وإن لم
يستوعبها؟ كما عن الروض (3) وظاهر العلامة (4) واختاره في المدارك وعزاه إلى
الأكثر (5)، أم يعتبر وجوده في أول الأول وآخر الآخر وجزء من الثاني؟ أقوال.
وظاهر إطلاق النص مع الثاني، لصدق رؤية ثلاثة أيام بذلك لأنها ظرف
له، ولا يجب المطابقة بين الظرف والمظروف.
ويؤيده ما حكي عن التذكرة (6) ونهاية الإحكام (7): من أن لخروج الدم
فترات معهودة لا تخل بالاستمرار، وفي الأول الاجماع عليه.
لكن عن المبسوط: أنه إذا رأت ساعة دما وساعة طهرا كذلك إلى العشرة
لم يكن ذلك حيضا على مذهب من يراعي ثلاثة أيام متواليات، ومن يقول:
يضاف الثاني إلى الأول يقول: ينتظر، فإن كان يتم ثلاثة أيام من جملة العشرة
كان الكل حيضا، وإن لم يتم كان طهرا (8).
وعن المنتهى: أنه لو تناوب الدم والنقاء في الساعات في العشرة يضم الدماء
بعضها إلى بعض على عدم اشتراط التوالي (9). وكذا عن الجامع (10).
وعن ابن سعيد: أنه لو رأت يومين ونصفا وانقطع لم يكن حيضا لأنه لم
يستمر ثلاثا بلا خلاف (11).

(1) الكافي في الفقه: كتاب الصلاة في الحيض ص 128.
(2) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في دم الحيض ص 488 س 9.
(3) روض الجنان: كتاب الطهارة في الحيض ص 60 س 15.
(4) إرشاد الأذهان: كتاب الطهارة في الحيض ج 1 ص 226.
(5) مدارك الأحكام: كتاب الطهارة في الحيض ص 61 س 33.
(6) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج 1 ص 35 س 11.
(7) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة خاتمة في التلفيق ج 1 ص 164.
(8) المبسوط: كتاب الطهارة في أحوال المستحاضة ج 1 ص 67.
(9) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 108 س 11، نقلا بالمعنى.
(10) الجامع للشرائع: كتاب الطهارة باب الحيض و... ص 43.
(11) الجامع للشرائع: كتاب الطهارة باب الحيض و... ص 43.
343

وظاهرهم كما ترى - سيما الشيخ وابن سعيد - مسلمية اعتبار الاستمرار عند
القائلين بالتوالي، وربما أشعر عبارة الثالث بالاجماع. فدعوى الشهرة على
الاكتفاء بالمسمى مشكلة. والتعلق بذيل إطلاق النص مع ظهور عبارات
هؤلاء الأعاظم في الشهرة على الاستمرار بل وإشعار البعض بالاجماع مشكل،
لا سيما مع احتمال وروده على الغالب من أحوال النساء في رؤيتهن الحيض،
ولعله لم يخل عن الاستمرار ولو بحصول تلويث ما ضعيف في القطنة متى
ما وضعته، فتنزيله عليه متعين.
وعلى هذا فلا يضره فترات الدم المعهودة للنساء في حيضهن، كما تقدم عن
التذكرة ونهاية الإحكام مع دعوى الاجماع عليه في الأول، فهذا القول في غاية
القوة.
وعلى قول الشيخ فالظاهر اشتراط ثلاثة أيام كاملة بلا تلفيق في العشرة،
لكونه المتبادر من الأيام. فما تقدم عن المبسوط والمنتهى من الاكتفاء بها مطلقا
ولو ملفقة من الساعات في ضمن العشرة غير واضح.
ثم على المختار هل يعتبر الثلاثة أيام بلياليها؟ كما عن الإسكافي (1) وفي
المنتهى (2) والتذكرة (3) مع دعوى فهم الاجماع عليه منهما، أم يكفي ما عدا الليلة
الأولى؟ كما احتمله بعض المحققين (4) - ولعله الظاهر من النص - إشكال، وإن
كان الأخير لا يخلو عن قوة، إلا أن يصح دعوى الاجماع المذكورة، وفيها تأمل.
هذا، مع احتمال الاقتصار على النهار خاصة، لصدق الثلاثة أيام، لعدم
تبادر الليالي منها. إلا أن الظاهر: عدم الخلاف في دخول الليلتين فيها. والله
العالم.

(1) كما في المعتبر: كتاب الطهارة في اعتبار الثلاث ج 1 ص 202.
(2) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 97 س 22.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في الحيض ج 1 ص 26 س 37.
(4) والمحتمل هو صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الطهارة في المراد من التوالي ج 3 ص 169.
344

(وما) تراه المرأة (بين الثلاثة) المتوالية أي بعدها (إلى) تمام (العشرة)
من أول الرؤية مما يمكن أن يكون حيضا إمكانا مستقرا غير معارض بامكان
حيض آخر فهو (حيض، وإن اختلف لونه) وكان بصفة الاستحاضة (ما لم
يعلم أنه لعذرة أو قرح) أو جرح، بلا خلاف بين الأصحاب قطعا فيما لو
اتصف بصفة الحيض مطلقا أو وجد في أيام العادة وإن لم يكن بصفته.
ولا إشكال فيهما، لعموم أخبار التمييز (1) في الأول وخصوص الصحيح في الثاني،
وفيه: عن المرأة ترى الصفرة في أيامها؟ قال لا تصلي حتى تنقضي أيامها،
الحديث (2).
وعلى الأشهر الأظهر فيما عداهما أيضا بل كاد أن يكون إجماعا، بل عن
المعتبر (3) والمنتهى (4) الاجماع عليه لأصالة عدم كونه من قرح أو مثله. ولا يعارض
بأصالة عدم كونه من الحيض بناء على أن الأصل في دماء النساء كونها
للحيض، كيف لا! وقد عرفت أنها خلقت فيهن لغذاء الولد وتربيته وغير
ذلك. بخلاف مثل الاستحاضة، فإنه من آفة، كما صرح به في بعض
الأخبار (5)، مضافا إلى الأخبار المستفيضة الدالة على جعل الدم المتقدم على
العادة حيضا، معللا بأنه ربما تعجل بها الوقت، مع تصريح بعضها بكونه بصفة
الاستحاضة، ففي الموثق: عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها؟ قال: فلتدع
الصلاة فإنه ربما تعجل بها الوقت (6).
وفي آخر: الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض وبعد أيام الحيض

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الحيض ج 2 ص 537.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الحيض ح 1 ج 2 ص 540.
(3) المعتبر: كتاب الطهارة في اعتبار الثلاثة ج 1 ص 203.
(4) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 98 س 32.
(5) لعل مراده - قدس سره - ما رواه في الوسائل (ج 18 ص 321) عن أبي عبد الله - عليه السلام - " لا يقام
الحد على المستحاضة حتى ينقطع الدم عنها ".
(6) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الحيض ح 2 ج 2 ص 560.
345

فليس من الحيض وهي في أيام الحيض حيض (1). وفي معناه أخبار كثيرة،
فتأمل.
ويشهد له أيضا إطلاق الأخبار الدالة على ترتب أحكام الحائض على مجرد
رؤية الدم، ففي الخبر " أي ساعة رأت الصائمة الدم تفطر " (2) وفي آخر " تفطر
إنما فطرها من الدم " (3) وفي معناهما غيرهما (4).
ويعضده أيضا - بعد فحوى إطلاق أخبار الاستظهار لذات العادة إذا رأت
ما زاد عليها الشامل لغيرها بطريق أولى - إطلاق الموثق: إذا رأت الدم قبل
العشرة فهو من الحيضة الأولى وإذا رأته بعد عشرة أيام فهو من حيضة أخرى
مستقبلة (5). ومثله الحسن (6).
ويؤيده أيضا إطلاق ما مر في أخبار اشتباه الدم بالعذرة: من الحكم بكونه
حيضا مع الاستنقاع، وفي أخبار اشتباهه بالقرحة: من الحكم بكونه كذلك
بمجرد خروجه من الأيسر أو الأيمن - على الخلاف المتقدم -.
قيل: ولو لم يعتبر الامكان لم يحكم بحيض، إذ لا يقين، والصفات إنما
تعتبر عند الحاجة إليها لا مطلقا، للنص والاجماع على جواز انتفائها، فلا جهة لما
قيل: من أصل الاشتغال بالعبادات والبراءة من الغسل وما على الحائض،
وخصوصا إذا لم يكن الدم بصفات الحيض (7)، انتهى.
وهو حسن، ولكن الاحتياط مطلوب.

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الحيض ح 6 ج 2 ص 541.
(2) وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب الحيض ح 3 ج 2 ص 601، مع اختلاف يسير.
(3) وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب الحيض ح 7 ج 2 ص 602.
(4) وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب الحيض ح 6 ج 2 ص 602.
(5) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الحيض ح 11 ج 2 ص 552.
(6) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الحيض ح 3 ج 2 ص 554.
(7) والقائل هو كاشف اللثام: كتاب الطهارة في دم الحيض وأحكامه ج 1 ص 88 س 9.
346

وفي حكمه النقاء المتخلل بين الثلاثة والعشرة فما دون، فالمجموع حيض
مطلقا، لما تقدم، سيما الخبرين الأخيرين، مع عموم الأدلة الدالة على عدم نقص
أقل الطهر من عشرة.
هذا إذا لم يتجاوز الدم عن العشرة (و) أما (مع تجاوز) ه عن (العشرة
ترجع ذات العادة إليها) مطلقا وقتية وعددية كانت أو الأول خاصة أو
بالعكس، لكنها في الأخيرتين ترجع إلى أحكام المضطربة في الذي لم يتحقق
لها عادة فيه، فتجعل ما يوافقها خاصة حيضا مع عدم التميز المخالف اتفاقا نصا
وفتوى، ومطلقا على الأشهر الأظهر، كما سيأتي - إن شاء الله -.
(والمبتدأة) بفتح الدال وكسرها، وهي من لم يستقر لها عادة، إما لابتدائها
كما يستفاد من المعتبرة كرواية يونس الطويلة (1) وموثقتي ابن بكير (2)
وسماعة (3) أو بعده مع اختلافه عددا ووقتا - كما قيل - (4). ولم أقف له على دليل.
(والمضطربة) وهي من نسيت عادتها وقتا أو عددا أو معا، وربما أطلقت على
ذلك وعلى من تكرر لها الدم مع عدم استقرار العادة، وتخص المبتدأة على هذا
التفسير بمن رأته أول مرة، وعن المشهور الأول. وتظهر فائدة الاختلاف في رجوع
ذات القسم الثاني من المبتدأة إلى عادة أهلها وعدمه [وظاهر اختصاص ما دل
على الرجوع إلى أهلها بالمبتدأة بالمعنى الأول هو الثاني] (5) وكيف كان: هما
ترجعان أولا (إلى التميز) كما قطع به الشيخ (6) وجماعة، بل عن المعتبر (7)

(1) الكافي: كتاب الحيض في باب جامع في الحائض والمستحاضة ج 3 ح 1 ص 83.
(2) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الحيض ح 6 ج 2 ص 549.
(3) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الحيض ح 1 ج 2 ص 559.
(4) نسبه الشهيد الثاني - قدس سره - في الروضة البهية (ج 1 ص 378) إلى الأشهر، وفي مسالك الأفهام
(ج 1 ص 10) إلى المشهور.
(5) ما بين المعقوفتين غير موجود في النسختين المخطوطتين.
(6) المبسوط: كتاب الطهارة في أقسام المضطربة ج 1 ص 49.
(7) المعتبر: كتاب الطهارة في ذات العادة ج 1 ص 204.
347

والمنتهى (1) الاجماع عليه فيهما، وعن صريح الخلاف (2) والتذكرة (3) الاجماع في
المبتدأة، للعمومات الدالة على اعتبار الصفات والنصوص.
منها: الصحيح، عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدري أحيض هو أو غيره؟
فقال لها: إن دم الحيض حار عبيط أسود له دفع وحرارة، ودم الاستحاضة بارد
أصفر، فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة (4).
وليس في ظاهره كغيره اختصاص الحكم بالرجوع إلى التميز في حق
المضطربة دون المبتدأة، بل يعمهما. نعم: ظاهر مرسلة يونس الطويلة
الاختصاص بها دونها. لكنها لا تبلغ قوة لمعارضة العمومات القوية الدلالة
بالتعليلات الواردة فيها، مثل " أنه ليس به خفاء " (5) وغيره الوارد مناطا
للرجوع إلى الصفات، منها: الصحيح المزبور والاجماعات المستفيضة المعتضدة
بالشهرة وعدم ظهور مخالف، فيخص الروايات في رجوعها إلى أهلها بقول مطلق
بها، وتحمل المرسلة على أن مبنى ذلك على ندور الاختلاف في دم المبتدأة لغلبة
دمها، كما يشعر به ما ورد من جعلها الحيض في الدور الأول عشرة أيام (6)،
فتأمل.
ويحصل التميز بأمور:
الأول: الاختلاف في الصفات المتقدمة، منها: الثخانة، لوصف الاستحاضة في
بعض الأخبار بالرقة (7)، فتجعل ما بصفة الحيض حيضا والباقي استحاضة.

(1) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في بيان أقسام الحيض ج 1 ص 104 س 24.
(2) الخلاف: كتاب الطهارة م 200 في حكم المبتدأة بالحيض... ج 1 ص 234.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في أقسام المستحاضة ج 1 ص 31 س 10.
(4) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الحيض ح 2 ج 2 ص 537.
(5) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الحيض ح 3 ج 2 ص 537.
(6) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الحيض ح 5 و 6 ج 2 ص 549.
(7) تهذيب الأحكام: ب 7 في حكم الحيض و... ح 62 و 69 ج 1 ص 172 و 174.
348

وأما إلحاق الرائحة الكريهة بصفات الحيض وضدها بصفات الاستحاضة:
فلا دليل عليه سوى التجربة، ولا يستفاد سوى المظنة، وفي اعتبارها في مثل
المقام مناقشة، لمخالفته الأصل، لإناطة التكليف بالاسم، ومقتضاها حصول
العلم به، فالاكتفاء بالمظنة بدله يحتاج إلى دليل، فلا دليل تميز لفاقدة الصفات
المنصوصة كما لا تميز لواجدتها للاستحاضة أو للحيض خاصة، إجماعا في
المتساوية منها قوة وضعفا، وعلى الأظهر في المختلفة جدا.
خلافا للفاضلين (1) وجماعة، فحكموا بالتمييز هنا وأوجبوا الرجوع في الحيض
إلى الأقوى وفي الاستحاضة إلى الأضعف، واعتبروا القوة بأمور ثلاثة: اللون،
فالأسود قوي الأحمر، وهو قوي الأشقر، وهو قوي الأصفر، وهو قوي
الأكدر. والرائحة، فذو الرائحة الكريهة قوي ما لا رائحة له أو رائحة ضعيفة.
والثخن، فالثخين قوي الرقيق. وذو الثلاث قوي ذي الاثنين، وهو قوي ذي
الواحدة، وهو قوي العادم.
وفيه ما عرفت، إلا أن يدعى حصول الظن بالاستقراء وتتبع موارد الحيض
باكتفاء الشارع بالمظنة لها في تعيين حيضها، وهو غير بعيد.
ثم إن اختلفت الدماء ثلاث مراتب، كأن رأت الحمرة ثلاثا والسواد
كذلك والصفرة فيما بقي، فهل الحيض السواد خاصة؟ كما عن المعتبر (2)
والمنتهى (3) وموضع من التذكرة (4)، أم هو مع الحمرة؟ كما عن نهاية الإحكام (5) وموضع آخر من التذكرة (6)؟ إشكال: ينشأ من أنه مع انفرادهما

(1) المعتبر: كتاب الطهارة في غسل الحيض ج 1 ص 197. ونهاية الإحكام: كتاب الطهارة في
المستحاضات ج 1 ص 135.
(2) المعتبر: كتاب الطهارة في ذات العادة ج 1 ص 205.
(3) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 105 س 8.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في المستحاضات ج 1 ص 31 س 30.
(5) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في المستحاضات ج 1 ص 136.
(6) لم نعثر عليه بالصراحة، ولكن عثرنا على ما يحتمل منه ذلك، لاحتمال أن يكون حكاية لكلام
الشافعي، إذ ذكره في سياق كلامه. تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في المستحاضات ج 1 ص 32
س 7.
349

مع التجاوز كان الحيض السواد خاصة مؤيدا بالاحتياط وأصالة عدم الحيض،
ومن قوتهما بالنسبة إلى الصفرة وإمكان حيضيتهما مؤيدا بأصالة عدم
الاستحاضة. وهذا أقوى، لما عرفت، بشرط عدم تجاوزهما عن العشرة، وإلا فلا
تميز.
الثاني: كون ما بصفة الحيض غير قاصر عن الثلاثة ولا زائد على العشرة،
لعموم ما دل على اعتبار الأمرين في الحيض من الاجماع المنقول (1) والأخبار
المعتبرة (2). وليس في إطلاق ما دل على الصفات مخالفة لذلك، لورودها في
بيان الوصف لا بيان المقدار، وعلى تقدير وروده فيه يقيد بما دل على اعتباره.
وأما في رواية يونس (3) - الطويلة - من الأمر بتحيض المضطربة برؤية ما
بالصفة مطلقا قليلا كان أو كثيرا، فليس بمضار لما ذكرنا، لاحتمال أن يراد
بالقلة والكثرة قليل الحيض وكثيره شرعا، وليس فيها التصريح بقدر الأمرين،
بل لعله المتعين، لذكر مثل ذلك في ذات العادة. وعلى التسليم: يحمل الاطلاق
على ما تقدم من الأدلة، ولو لم يحتمل ما ذكرناه وجب طرحها، لشذوذها حينئذ
ومخالفتها الاجماع والنصوص. فلا وجه لتوهم بعض من عاصرناه عدم اعتبار هذا
الشرط (4). فلا تميز لفاقدته.
وهل تتحيض ببعض ما زاد على العشرة مما يمكن جعله حيضا وبالناقص

(1) كما في كشف اللثام: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 89 س 9.
(2) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الحيض ج 2 ص 551، و ب 8 من أبواب الحيض ح 5 و 6 ج 2
ص 549.
(3) الكافي: كتاب الحيض باب جامع في الحيض والاستحاضة ج 3 ح 1 ص 83.
(4) والمتوهم هو صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الطهارة ج 3 ص 186 و 195، عند قوله: أقول:
ويستفاد من هذه الرواية أحكام... الخ، وقوله: الثاني - إن ما اشترطوه هنا من أنه لا يقصر ما شابه
دم الحيض... الخ.
350

مع إكماله بما في الأخبار؟ كما عن المبسوط (1)، أم لا بل يتعين الرجوع إلى
عادة النساء والروايات أولا؟ كما عن المعتبر (2) والتذكرة (3) والمنتهى (4)
والتحرير (5)، قولان: من عموم أدلة التميز، ومن عموم الرجوع إلى الأمرين.
ولعل الأول أقرب. ومراعاة الاحتياط أولى.
الثالث: عدم قصور الضعيف المحكوم بكونه طهرا أو مع النقاء المتخلل عن
أقله في المشهور، بل حكي عليه الاجماع (6)، ويدل عليه ما دل على اعتباره فيه
من الأخبار (7). فلا يمكن جعل كل من الدمين المتخلل بينهما ذلك حيضا وإن
اجتمعت فيها باقي الشرائط.
لكن وقع الخلاف فيما إذا تخلل الضعيف القوي الصالح للحيضية في كل
من الطرفين، فعن المبسوط: لو رأت ثلاثة دم الحيض وثلاثة دم الاستحاضة ثم
رأت بصفة الحيض تمام العشرة، فالكل حيض، وإن تجاوز الأسود إلى تمام
ستة عشر كان العشرة حيضا والستة السابقة استحاضة (8).
وكأنه نظر إلى أن دم الاستحاضة لما خرج عن كونه حيضا خرج ما قبله
أيضا، كذا عن المحقق (9). وهو ضعيف، لوروده فيما بعده أيضا، فالترجيح من

(1) المبسوط: كتاب الطهارة في ذكر الاستحاضة وأحكامها ج 1 ص 46، فقال: إذا رأت أولا دم
الاستحاضة خمسة أيام، ثم رأت ما هو بصفة دم الحيض باقي الشهر... الخ.
(2) المعتبر: كتاب الطهارة في ذات العادة ج 1 ص 206.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في المستحاضات ج 1 ص 31 س 34.
(4) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 105 س 14.
(5) تحرير الأحكام: كتاب الطهارة في الحيض ج 1 ص 14 س 9.
(6) والحاكي هو صاحب كشف اللثام: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 89 س 14.
(7) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الحيض ح 2 و 3 ج 2 ص 544 و 545.
(8) المبسوط: كتاب الطهارة في ذكر الاستحاضة وأحكامها ج 1 ص 50، مع اختلاف يسير.
(9) المعتبر: كتاب الطهارة في ذات العادة ج 1 ص 206، لا يخفى عليك أن هذه تعليقة من المعتبر على
المبسوط، حيث قال - بعد نقل عبارة المبسوط -: وكأنه - رحمه الله - نظر إلى دم الاستحاضة، إلى أن
قال: ولو قيل لا تمييز لها كان حسنا.
351

دون مرجح قبيح. ومنه يظهر الكلام في جعل المتقدم حيضا، كما عن
التذكرة (1) والمدارك (2). ولعله لهذا حكي عنه استحسان نفي التميز مطلقا (3)،
واستقر به في التذكرة (4)، وعن المنتهى والتحرير التردد فيه (5).
الرابع: التجاوز عن العشرة، لما عرفت من حيضية ما انقطع عليها فما دون
بالقاعدة والمتفق عليها.
الخامس: عدم المعارضة بالعادة على المختار، لما سيأتي.
وذكر الشرطين الأخيرين في المقام استطرادي، فتدبر. والحكم برجوعهما
إلى التميز - كما عرفت - مشهور بين الأصحاب منقول عليه الاجماعات المستفيضة
في المبتدأة والاجماعات (6) في المضطربة. ولم ينقل في ذلك خلاف في الكتب
المعتبرة، إلا أنه حكى بعض الأصحاب عن ابن زهرة في ذلك المخالفة (7)،
فجعل عملهما على أصل أقل الطهر وأكثر الحيض من دون ذكر التميز. وكذا عن
الصدوقين (8) والمفيد (9) من عدم ذكرهم إياه.
وعن التقي رجوع المضطربة إلى نسائها فإن فقد فإلى التميز، والمبتدئة إلى

(1) الظاهر هو ذكرى الشيعة - كما في نسخة م - كتاب الصلاة في مبحث الحيض ص 29 س 6.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الطهارة في تجاوز الدم عن العشرة ص 70 س 16.
(3) المعتبر: كتاب الطهارة في ذات العادة ج 1 ص 206.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في المستحاضات ج 1 ص 31 س 37.
(5) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 105 س 11. وتحرير الأحكام: كتاب
الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 14 س 6.
(6) في م " والاجماعان ".
(7) الحاكي هو كاشف اللثام: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 89 س 23، حكاه عن
غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في دم الحيض ص 488 س 7.
(8) من لا يحضره الفقيه: باب غسل الحيض والنفاس ج 1 ص 89 ذيل الحديث 195، عند قوله: قال أبي
- رحمه الله - في رسالته إلي... الخ. والمقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة باب الحيض و...
ص 5.
(9) المقنعة: كتاب الطهارة ب 7 في حكم الحيض و... ص 55.
352

نسائها خاصة إلى أن تستقر لها عادة (1).
وعن المبسوط: أنه إذا رأت المبتدئة ما هو بصفة الاستحاضة ثلاثة عشرة يوما
ثم رأت ما هو بصفة الحيض بعد ذلك واستمر كان ثلاثة أيام من أول الدم
حيضا والعشرة طهرا، وما رأته بعد ذلك من الحيضة (2).
وعن المحقق: استشكاله بعدم تحقق التمييز لها، إلا أنه قال: لكن إن قصد أنه
لا تميز لها فتقتصر على ثلاثة لأنه المتيقن كان وجها (3). ونحوه عن التذكرة (4).
والمعتمد ما عليه الأصحاب، لما تقدم، من عدم دليل يعتد به على شئ من
ذلك.
(ومع فقده) أي التميز بفقد أحد شروطه (ترجع المبتدئة) خاصة بالمعنى
الأول كما عرفت (إلى عادة أهلها) من أمها وعشيرتها من أي الأبوين كن
وفاقا للمشهور، للخبر (5) - المنجبر ضعفه بجميع جهاته بالشهرة والاجماع من
الأصحاب على العمل بمضمونه، كما عن الخلاف (6) وغيره (7) - وفيه: عن
جارية حاضت أول حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر؟ قال: قرءها مثل قرء
نسائها (8).
وفي الموثق: المستحاضة تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها (9).
وفي آخر: النفساء إن كانت لا تعرف أيام نفاسها فابتليت جلست مثل

(1) الكافي في الفقه: كتاب الصلاة في الحيض ص 128.
(2) المبسوط: كتاب الطهارة في ذكر الاستحاضة وأحكامها ج 1 ص 47.
(3) المعتبر: كتاب الطهارة في ذات العادة ج 1 ص 206.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في المستحاضات ج 1 ص 31 س 35.
(5) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الحيض ح 2 ج 2 ص 547.
(6) الخلاف: كتاب الطهارة م 200 في حكم المبتدأة بالحيض لو استمر الدم بها ج 1 ص 234.
(7) المعتبر: كتاب الطهارة في المبتدأ ج 1 ص 208.
(8) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الحيض ح 2 ج 2 ص 547.
(9) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الحيض ح 1 ج 2 ص 546.
353

أيام أمها أو أختها أو خالتها واستظهرت بثلثي ذلك (1).
ولا دلالة فيهما على المطلوب بوجه، لشمولهما المضطربة ودلالتهما على
الاكتفاء ببعض النسوة ولو كانت واحدة، ولا قائل بشئ من ذلك. أما
الثاني: فظاهر، لتخصيص من جوز الرجوع إلى البعض إياه بالأغلب. وأما
الأول: فلا يجاب من جوز رجوع المضطربة إلى النسوة الرجوع إلى الجميع ولم
يجوز الاقتصار بواحدة. نعم: يمكن إرجاعهما إلى ما عليه الأصحاب بدفع الأول
بتقييدهما بالمبتدئة، والثاني بانحصار النسوة في البعض أو عدم التمكن من
استعلام حال الباقيات للتشتت، فتأمل.
وظاهر المرسل الطويل رجوع المبتدئة إلى العدد خاصة مطلقا. لكن احتمل
الشهيد - رحمه الله - في قوله - صلى الله عليه وآله - لحمنة بنت جحش: " تلجمي
وتحيضي في كل شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام " (2) أن يكون المعنى:
فيما علمك الله تعالى من عادات النساء، فإنه الغالب عليهن (3). وهو بعيد.
والجواب بعدم التكافؤ لما تقدم أو تقييده به أولى.
وفي اعتبار اتحاد البلد - كما عن الشهيد (4) - وعدمه وجهان: من عموم
النص، وعدم تبادر غير المتحدة منه. ولعل الأول أولى، لعدم اعتبار مثل هذا
التبادر في العموم الوضعي المستفاد هنا من الإضافة مع عدم سبق معهود،
فتأمل.
وخلاف الحلبيين في المسألة - كما عرفت - ضعيف لا مستند له. كخلاف
النهاية وتردده بين احتمال الرد إلى أقل الحيض لتيقنه ومشكوكية الزائد عليه
ولا يترك اليقين إلا بيقين أو بأمارة طاهرة كالتميز والعادة، والرد إلى الأكثر

(1) وسائل الشيعة ب 3 من أبواب النفاس ح 20 ج 2 ص 616.
(2) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الحيض ح 3 ج 2 ص 547.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الاستحاضة وأحكام الحائض ص 30 س 22.
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الاستحاضة وأحكام الحائض ص 31 س 1.
354

لامكان حيضيته ولغلبة كثرة الدم في المبتدئة (1). وإن هما إلا اجتهاد في مقابلة
النص المعتبر.
(و) ظاهر جماعة جواز الرجوع هنا إلى (أقرانها) وذوات أسنانها أيضا، إما
مطلقا كما هنا عن التلخيص (2) عاطفين لهن على الأقارب (3)، أو مع فقد
الأقارب خاصة مطلقا كما عن المهذب (4) والتحرير (5) والتبصرة (6) وجمل
الشيخ (7) واقتصاده (8) والسرائر (9)، أو مقيدا باتحاد البلد كما عن الوسيلة (10)،
أو مع اختلافهن أيضا مطلقا كما في القواعد (11) والمبسوط (12) وعن الارشاد (13)
ونهاية الإحكام (14)، أو مقيدا باتحاد البلد كما عن المبسوط (15) والاصباح (16)،
ولا دليل عليه من أصله عدا أمر اعتباري لا يصلح دليلا. والاستدلال عليه بلفظ
" نسائها " في الخبر المتقدم - بناء على كفاية أدنى الملابسة في صدق الإضافة

(1) الظاهر هو نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في المستحاضات ج 1 ص 138.
(2) لا يوجد لدينا.
(3) في المطبوع " عاطفين لهن على الأقارب بأو ".
(4) المهذب: كتاب الطهارة باب الاستحاضة ج 1 ص 37.
(5) تحرير الأحكام: كتاب الطهارة في الحيض ج 1 ص 14 س 2.
(6) تبصرة المتعلمين: كتاب الطهارة في الحيض ص 9.
(7) الجمل والعقود: كتاب الطهارة فصل في الحيض ص 46.
(8) الاقتصاد: في ذكر الحيض و... ص 247.
(9) السرائر: كتاب الطهارة باب أحكام الحيض و... ج 1 ص 146.
(10) الوسيلة: كتاب الصلاة في أحكام المستحاضة ص 59.
(11) قواعد الأحكام: كتاب الطهارة في الحيض ج 1 ص 14 س 18.
(12) كذا في نسخة ق أيضا ولعله سهو أو تصحيف، لأنه ذكر المبسوط بعده في عداد المقيدين باتحاد
البلد، مع عدم وجوده في نسخة م.
(13) إرشاد الأذهان: كتاب الطهارة في الحيض ج 1 ص 226.
(14) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في المستحاضات ج 1 ص 139.
(15) المبسوط: كتاب الطهارة في ذكر الاستحاضة وأحكامها ج 1 ص 46.
(16) كما في كشف اللثام: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 89 س 40.
355

وهي تحصل بالمشاكلة في السن واتحاد البلد غالبا - لا يخلو عن نظر، لعدم
التبادر، ويضعف بما تقدم.
وعدم القول بالاكتفاء باتحاد البلد أو السن لا يوجب وهن الخبر بعد
شمول إطلاقه للاكتفاء بأحدهما، كيف لا! والعام المخصص حجة في
الباقي.
فقول المصنف لا يخلو عن قوة، لا سيما مع اشتهاره بين الأصحاب. ويؤيده
المرسل: إن المرأة أول ما تحيض ربما كانت كثيرة الدم فيكون حيضها عشرة أيام
فلا تزال كلما كبرت نقصت حتى ترجع إلى ثلاثة أيام (1).
وهو كما ترى دال على توزيع الأيام على الأعمار غالبا. إلا أن الأحوط
الرجوع إلى الأقارب، ثم مع الفقد أو الاختلاف إلى الأقران. ولا يعتبر فيهن
جميعهن، بل يكفي من كانت من بلدها ممن يمكنها استعلام حالها، لاستحالة
الرجوع إلى الجميع.
ويظهر من المصنف في الشرائع نوع تردد في الرجوع إليهن (2)، بل صرح في
المعتبر بالمنع منه (3)، وتبعه في المنتهى (4). وهو مشكل.
(فإن لم يكن أو كن مختلفات) مطلقا وإن اتفق الأغلب منهن، وفاقا
لنهاية الإحكام (5) والمعتبر (6) تبعا لظاهر الخبر، خلافا للذكرى (7)، ولا دليل
عليه، وما تقدم من الموثقين لا يقول باطلاقهما وحينئذ (رجعت هي) أي

(1) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الحيض ح 4 ج 2 ص 551.
(2) شرائع الاسلام: كتاب الطهارة في الاستحاضة ج 1 ص 32.
(3) المعتبر: كتاب الطهارة في المبتدأة ج 1 ص 208.
(4) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في الحيض وأحكامه ص 101 ج 1، س 10.
(5) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في المستحاضات ج 1 ص 138.
(6) المعتبر: كتاب الطهارة في المبتدأ ج 1 ص 207.
(7) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الاستحاضة وأحكام الحائض ص 30 س 34.
356

المبتدئة (والمضطربة) وقتا وعددا وتسمى بالمتحيرة بعد فقدها التميز (إلى)
الأيام التي في (الروايات، وهي ستة) في كل شهر (أو سبعة) كما في مرسلة
يونس - الطويلة - التي هي كالصحيحة - بل قيل: صحيحة، لعدم تحقق
الارسال بمثل غير واحد، مضافا إلى كون المرسل مع وثاقته ممن أجمعت
العصابة - من قوله - صلى الله عليه وآله - للمبتدئة: تحيضي في كل شهر ستة أيام
أو سبعة، ثم اغتسلي وصومي ثلاثة وعشرين يوما أو أربعة وعشرين يوما (1).
وقول الصادق - عليه السلام -: وهذه سنة التي استمر بها الدم أول ما تراه
أقصى وقتها سبعة وأقصى طهرها ثلاث وعشرون (2).
وقوله - عليه السلام - وإن لم يكن لها أيام قبل ذلك واستحاضت أول ما
رأت فوقتها سبع وطهرها ثلاث وعشرون (3).
وقوله - عليه السلام - في المضطربة الفاقدة للتميز: فسنتها السبع والثلاث
والعشرون (4).
واستفادة التخيير بين العددين في المرأتين منها مشكل، لتخصيص
المضطربة فيها بالعدد الأخير، مع احتمال مشاركة صاحبتها لها في ذلك، وإن
وقع الترديد بينهما في حقها بناء على التصريح فيه أخيرا بعد الترديد بكون
الثلاث والعشرين أقصى مدة طهرها، ولو جاز الاقتصار على الست لما كان
ذلك أقصى بل الأربع والعشرين، فتأمل.
ولا ينافيه الترديد أولا، لاحتمال كونه من الراوي، ولذا عين السبع في
القواعد (5) وحكى عن الأكثر، فهو الأقوى.
فظهر به ضعف ما في المتن من التخيير، كما عن التحرير (6) ونهاية

(1) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الحيض ح 3 ج 2 ص 547.
(2) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الحيض ح 3 ج 2 ص 548.
(3) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الحيض ح 3 ج 2 ص 548.
(4) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الحيض ح 3 ج 2 ص 548.
(5) قواعد الأحكام: كتاب الطهارة في الحيض ج 1 ص 14 س 7.
(6) تحرير الأحكام: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 14 س 2.
357

الأحكام (1) والتذكرة (2) والخلاف (3). نعم: فيه الاجماع على روايته. كما أن في
سابقه دعوى مشهوريته. ولا ريب أن اختيار السبع أولى، لاتفاقهم على جوازه
(أو) يتحيضان (ثلاثة من شهر وعشرة من) شهر (آخر) في جميع الأدوار،
للموثق: إذا رأت الدم في أول حيضها فاستمر الدم تركت الصلاة عشرة أيام ثم
تصلي عشرين يوما، فإن استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام
وصلت سبعة وعشرين يوما (4).
وعن الخلاف الاجماع على روايته (5). ومثله في آخر (6). وليس فيها (7) مع
اختصاصها بالمبتدئة دلالة على التحيض بذلك في جميع الأدوار، بل ظاهرها
الاختصاص بالدور الأول، ومع ذلك تضمنها تقديم العشرة، ولم أر عاملا بها
سوى الإسكافي على ما حكاه بعض (8) وربما حكي عنه القول بتعين الثلاثة
مطلقا (9).
فالرواية حينئذ شاذة، فالاستدلال بها لذلك والقول بالتخيير بينها وبين ما
تقدم للجمع بينها وبين ما مر ضعيف، مضافا إلى عدم تكافؤهما للأول، وعلى
تقدير التكافؤ فهو فرع وجود شاهد عليه، وليس، فيبطل، فتأمل. فالقول بالأول
متعين ولا تخيير.

(1) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في المستحاضات ج 1 ص 138.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في المستحاضات ج 1 ص 32 س 39.
(3) الخلاف: كتاب الحيض م 200 في حكم المبتدأة بالحيض لو استمر الدم بها ج 1 ص 234.
(4) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الحيض ح 6 ج 2 ص 549.
(5) الخلاف: كتاب الحيض م 200 في حكم المبتدأة بالحيض لو استمر الدم بها ج 1 ص 234.
(6) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الحيض ح 5 ج 2 ص 549.
(7) كل من النسخ الثلاثة في إفراد الضمير وتثنيته إلى آخر الفقرة مختلفة وإن كان كل منهما صحيحا،
ونحن أثبتنا إفراد الضمير ليطابق قوله بعدا: " فالرواية حينئذ شاذة " في النسخ الثلاثة.
(8) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في غسل الحيض وأحكامه ج 1 ص 38 س 20.
(9) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في غسل الحيض وأحكامه ج 1 ص 38 س 21.
358

وعن الصدوق (1) والمرتضى (2) في المبتدئة: أنها تتحيض في كل شهر
بثلاثة إلى عشرة، لمضمرة سماعة: فإن كن نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها
عشرة أيام وأقله ثلاثة أيام (3). وما في بعض المعتبرة: عن المستحاضة كيف
تصنع؟ فقال: أقل الحيض ثلاثة وأكثره عشرة وتجمع بين الصلاتين (4).
وفي التمسك بهما مع أعمية الثاني في مقابل المرسل المتقدم - المعتضد بالشهرة
والاجماع المحكي - إشكال، وإن تأيدا باختلاف الأخبار في التحديد. وعن
النهاية (5) الموافقة للمتن في المبتدئة لما مر والمخالفة له كغيره - كالصدوق في الفقيه
والمقنع (6) وهو في الاستبصار (7) أيضا على احتمال - في المضطربة، فحكما بأنها
تترك الصوم والصلاة كلما رأت الدم وتفعلهما كلما رأت الطهر إلى أن ترجع إلى
حال الصحة أو تعرف عادتها، للموثق: عن المرأة ترى الدم خمسة أيام والطهر
خمسة وترى الدم أربعة أيام والطهر ستة أيام؟ فقال: إن رأت الدم لم تصل وإن
رأت الطهر صلت ما بينها وبين ثلاثين يوما، فإذا تمت ثلاثون فرأت الدم دما
صبيبا اغتسلت واستثفرت واحتشت بالكرسف في وقت كل صلاة، فإذا رأت
صفرة توضأت (8). ومثله الآخر (9).

(1) من لا يحضره الفقيه: باب غسل الحيض والنفاس ج 1 ص 92 ذيل الحديث 198.
(2) لم نجده في كتبه المتوفرة لدينا، ولكن وجدناه في المعتبر نقلا عن السيد المرتضى - قدس سره -:
كتاب الطهارة في المبتدأة ج 1 ص 207.
(3) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الحيض ح 2 ج 2 ص 547.
(4) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الحيض ح 4 ج 2 ص 549، مع اختلاف يسير.
(5) النهاية: كتاب الطهارة باب حكم الحائض ص 24 و 25.
(6) من لا يحضره الفقيه: باب غسل الحيض والنفاس ج 1 ص 98. والمقنع (الجوامع الفقهية): كتاب
الطهارة باب الحائض و... س 18 ص 5.
(7) الاستبصار: ب 79 في أقل الطهر ج 1 ص 132 ذيل الحديث 3.
(8) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الحيض ح 3 ج 2 ص 445.
(9) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الحيض ح 2 ج 2 ص 544.
359

وهما مع قصورهما عن المعارضة لما دل على عدم قصور أقل الطهر عن عشرة
من وجوه عديدة وخصوص المرسلة المتقدمة - المعتضدة بالشهرة العظيمة التي
كادت تكون اتفاق الطائفة - لا اختصاص لهما بالمضطربة، بل يعمان المبتدئة،
مع اختصاص الحكم فيهما بالشهر الأول، ولم يقل به الشيخ في النهاية، فطرحهما
رأسا متعين والرجوع إلى المرسل لازم.
وهنا أقوال أخر متشتتة: كالمنقول عن الجامع: من تحيض كل منهما بسبعة
أو ثلاثة عملا بالرواية واليقين (1).
والمنقول عن الاقتصاد: من تحيض المضطربة بسبعة في كل شهر أو بثلاثة
في الشهر الأول وعشرة في الثاني، والمبتدئة بسبعة خاصة (2).
وعن الخلاف والجمل والعقود والمهذب (3) والاصباح (4) العكس. لكن
في الخلاف تحيض المبتدئة بستة أو سبعة أو بثلاثة أو عشرة.
والمنقول عن المبسوط (5) وابن حمزة (6) القطع بتخيير المبتدئة بين السبعة
والثلاثة والعشرة، وإيجاب العمل بالاحتياط في المتحيرة بأن تجمع بين عملي
الحيض والاستحاضة.
والمنقول عن موضع آخر من المبسوط (7) والغنية (8): من جعل عشرة طهرا
وعشرة حيضا.

(1) الجامع للشرائع: كتاب الطهارة باب الحيض و... ص 42.
(2) الاقتصاد: في ذكر الحيض و... ص 247.
(3) الخلاف: كتاب الطهارة م 200 في المبتدأة لو استمر بها الدم ج 1 ص 234. الجمل والعقود: كتاب
الطهارة في ذكر الحيض و... ص 46. المهذب: كتاب الطهارة باب الاستحاضة ج 1 ص 37.
(4) كما في كشف اللثام: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 90 س 33.
(5) المبسوط: كتاب الطهارة في ذكر الاستحاضة وأحكامها ج 1 ص 47 و 51.
(6) الوسيلة: كتاب الصلاة في أحكام المستحاضة ص 59 و 61.
(7) نقله عنه في كشف اللثام: ج 1 ص 90 س 37. وفي الجواهر (ج 3 ص 285): ولم نعرف قائله وقد
يريد به المنسوب إلى ابن زهرة.
(8) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في دم الحيض ص 488 س 7.
360

والمنقول عن موضع آخر منه (1): من رجوع المبتدئة إلى ما حكم به في النهاية
تبعا للصدوق في المضطربة مدعيا عليه رواية.
والمنقول عن المصنف في المعتبر: من التحيض بالمتيقن استظهارا وعملا
بالأصل في لزوم العبادة (2).
إلى غير ذلك من الأقوال. وليس علي شئ منها دليل يعتد به، لا سيما في
مقابلة ما تقدم، مع ما في بعضها: من لزوم العسر والحرج المنفيين إجماعا ونصا
آية ورواية، مع ما عن البيان (3) وفي الروضة: من أن ذلك ليس مذهبا
لنا (4).
فالقول بالرجوع إلى السبع مطلقا أقوى، كما عن الجمل (5).
وحيثما خيرت كان التعيين إليها، إلا إذا اختارت العدد الذي اختارته
أو تعين عليها في أواسط الشهر أو أواخره (6) الذي رأت الدم فيه، فهل لها ذلك
أم لا؟ بل يتعين جعل أول ما رأته حيضا، فوجهان:
أحدهما: نعم، وحكي عن المعتبر (7) والاصباح (8) والمنتهى (9) والتحرير (10)
للعموم وعدم إمكان الترجيح.

(1) المبسوط: كتاب الطهارة في موارد خلط الحيض بالاستحاضة ج 1 ص 66.
(2) المعتبر: كتاب الطهارة في طريق ثبوت العادة ج 1 ص 210.
(3) البيان: كتاب الطهارة في أحكام المضطربة ص 17.
(4) الروضة البهية: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 381.
(5) الجمل والعقود: كتاب الطهارة في ذكر الحيض و... ص 46.
(6) في نسخة م " في أوسط الشهر أو آخره... بل يتعين عن جعل... وجهان ".
(7) المعتبر: كتاب الطهارة في طريق ثبوت العادة ج 1 ص 209.
(8) كما في كشف اللثام: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 91 س 13.
(9) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 102 س 2.
(10) تحرير الأحكام: كتاب الطهارة في المتجاوز عن العادة ج 1 ص 14 س 3.
361

والآخر: لا، كما عن التذكرة (1) وظاهر المبسوط (2) والجواهر (3)، للمرسل:
عدت من أول ما رأت الدم الأول والثاني عشرة أيام ثم هي مستحاضة (4).
والموثق: تركت الصلاة عشرة أيام ثم تصلي عشرين يوما (5).
والمرسل الطويل: تحيضي في كل شهر في علم الله تعالى ستة أيام أو سبعة
أيام ثم اغتسلي وصومي ثلاثة وعشرين يوما أو أربعة وعشرين يوما (6).
ولأن عليها أول ما ترى الدم واحتمل حيضيته أن تتحيض به للقاعدة
المسلمة " كل ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض إلى أن يتجاوز العشرة ". ثم
لا وجه لرجوعها عن ذلك وتركها العبادة فيما بعد وقضائها لما تركته من الصلاة.
واختيار هذا القول أحوط وأولى.
ثم الظاهر موافقة الشهر الثاني لمتلوه، خلافا للروضة فأوجب عليها فيه
الأخذ بما يوافق الشهر الأول في الوقت (7). ودليله غير واضح.
وهذا إذا نسيت المضطربة الوقت والعدد معا.
أما لو نسيت أحدهما خاصة وفقدت التميز:
فإن كان الوقت: أخذت العدد كالروايات، مع أولوية اختيارها الأول.
أو العدد: جعلت ما تيقنت من الوقت حيضا أولا أو آخرا أو ما بينهما
وأكملته بالسبع أو إحدى الروايات مطلقا، على وجه يطابق. فإن ذكرت
أوله: أكملته ثلاثة متيقنة وأكملته بعدد مروي، سبع أو غيره. أو آخره:

(1) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في المستحاضات ج 1 ص 32 س 40.
(2) المبسوط: كتاب الطهارة في أحوال المستحاضة ج 1 ص 67.
(3) جواهر الفقه: باب في مسائل ما يتعلق بالطهارة ص 16، مسألة 36.
(4) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب الحيض ح 2 ج 2 ص 555.
(5) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الحيض ح 6 ج 2 ص 549.
(6) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الحيض ح 3 ج 2 ص 547، مع اختلاف يسير.
(7) الروضة البهية: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 380.
362

تحيضت بيومين قبله وقبلهما تمام الرواية سبعا أو غيره. أو وسطه المحفوف
بمتساويين وأنه يوم حفته بيومين: واختارت السبع لتطابق الوسط، أو يومان:
حفتهما بمثلهما فتيقنت أربعة واختارت هنا الستة، مع احتمال الثمانية، بل والعشرة بناء
على تعين السبع وإمكان كون الثامن والعاشر حيضا فتجعل قبل المتيقن يوما أو
يومين أو ثلاثة وبعده كذلك. أو الوسط بمعنى الأثناء مطلقا: حفته بيومين
متيقنة وأكملت السبع أو إحدى الروايات متقدمة أو متأخرة أو بالتفريق.
ولا فرق هنا بين تيقن يوم أو أزيد.
ولو ذكرت عددا في الجملة كما لو ذكرت ثلاثة مثلا في وقت لم تجزم
بكونها جميع العادة ولا بعضها ولا أولها ولا آخرها، فهو المتيقن خاصة، وأكملته
بإحدى الروايات قبله أو بعده أو بالتفريق.
كل ذلك إما لعموم أدلتي الاعتبار بالعادة والرجوع إلى الروايات، أو لعدم
القول بالفصل، فتدبر.
(و) إنما (تثبت العادة) بأقسامها عندنا وأكثر العامة (باستواء شهرين)
متواليين أو غيرهما مع عدم التحيض في البين (في أيام رؤية الدم) فتتحيض
بمجرد رؤيته في الثالث، وترجع عند التجاوز عن العشرة إليها، فتجعل العدد
والوقت فيه كهما فيهما إن تساويا فيهما. وإلا فلتأخذ بما تساويا فيه وتراعي في غير
المتساوي حكم المبتدئة أو المضطربة، وذلك: لاطلاق أخبار العادة بل وعموم
بعضها الصادق بذلك، وخصوص المعتبرين (1) منهما الموثق " إذا اتفق شهران
عدة أيام سواء فتلك عادتها " مضافا إلى الاجماع.
وفي اشتراط استقرار الطهر بتكرره مرتين متساويتين في استقرار العادة
عددا ووقتا قولان: الأقوى العدم، للأصل وظاهر الخبرين، وفاقا للعلامة (2)

(1) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الحيض ح 2 و 1 ج 2 ص 545 و 546
(2) تحرير الأحكام: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 14 س 10.
363

والروض (1)، وخلافا للذكرى (2)، فلا وقتية إلا به.
وتظهر الفائدة في الجلوس لرؤية الدم في الثالث. ولو تغاير الوقت فيه
فتجلس على المختار بمجردها وعلى غيره بمضي ثلاثة أو حضور الوقت. ولا فرق
فيه بين التقدم والتأخر. نعم: في الأخير ربما قطع بالحيضية فتجلس برؤيته. فلا
ثمرة هنا بل تنحصر في الأول.
(ولا تثبت) برؤية الدم مرة (في (3) الشهر الواحد) إجماعا. خلافا لبعض
العامة (4). وكذا برؤيته فيه مرارا متساوية بينها أقل الطهر على قول (5) تمسكا
بظاهر الخبرين المعتبرين في تحققها الشهرين (6). والأصح حصولها بذلك، كما
عن المبسوط (7) والخلاف (8) والمعتبر (9) والذكرى (10) والروض (11) عملا باطلاق
أخبار العادة الصادق بذلك، وتنزيلا لهما على الغالب، فلا عبرة بمفهومهما، ولذا
يحكم بحصول العادة برؤية الدمين المتساويين فيما يزيد على شهرين، وورود

(1) روض الجنان: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ص 63 س 27.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الحيض ص 28 س 30 و 32.
(3) في المتن " بالشهر الواحد ".
(4) وهو الشافعي في السنن الكبرى: كتاب الحيض باب المعتاد لا تميز بين الدمين ج 1 ص 332 و 333.
والمجموع: كتاب الحيض فرع في المبتدأة رأت الدم في أول أمرها ج 2 ص 402 س 1 والمغني ج 1
ص 316 ما لفظه: لم يختلف المذهب أن العادة لا تثبت بمرة، وظاهر مذهب الشافعي أنها تثبت بمرة.
(5) الظاهر هو صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الطهارة: في أنه هل يشترط في استقرار العادة عددا
ووقتا استقرار عادة الطهر ج 3 ص 209.
(6) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الحيض ح 2 ج 2 ص 546، و ب 14 من أبواب الحيض ح 1 ج 2
ص 559.
(7) المبسوط: كتاب الطهارة في ذكر الاستحاضة وأحكامها ج 1 ص 47.
(8) الخلاف: كتاب الطهارة م 206 في كيفية ثبوت العادة ج 1 ص 239.
(9) المعتبر: كتاب الطهارة في طريق ثبوت العادة ج 1 ص 211.
(10) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في مبحث الحيض ص 28 س 28.
(11) روض الجنان: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ص 64 س 23.
364

مثله فيه مع عموم بعضها غير معلوم. فلا يعتبر تعدد الشهر الهلالي، بل يكفي تعدد
الحيضي، والمراد به ما يمكن أن يعرض فيه حيض وطهر صحيحان، وهو ثلاثة
عشر يوما.
ومما ذكرنا من الاطلاق يظهر وجه حصول العادة بالتميز مع استمرار الدم
الشهرين أو الأشهر.
(ولو رأت في أيام العادة صفرة أو كدرة، وقبلها أو بعدها) أيضا لكن
(بصفة الحيض) وشرائطه (وتجاوز) المجموع (العشرة، فالترجيح للعادة)
كما عن الجمل والعقود (1) وجمل العلم والعمل (2) والشرائع (3) والجامع (4)
والمعتبر (5) والكافي (6) وموضع من المبسوط (7) وظاهر الاقتصاد (8) والسرائر (9)،
وعن التذكرة (10) والذكرى (11) وغيرهما أنه المشهور. وهو كذلك وهو
الأصح، عملا بعموم أخبار العادة والعمل فيما عداها بالاستحاضة، وقولهم
- عليهم السلام -: " إن الصفرة في أيام الحيض حيض " (12) واختصاص أخبار
التميز بغير ذات العادة مع وقوع التصريح باشتراط فقدها في الرجوع إليه في

(1) الجمل والعقود: كتاب الطهارة في ذكر الحيض و... ص 46.
(2) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى): كتاب الطهارة في الحيض و... ج 3 ص 26.
(3) شرائع الاسلام: كتاب الطهارة في الاستحاضة ج 1 ص 33.
(4) الجامع للشرائع: كتاب الطهارة باب الحيض و... ص 44.
(5) المعتبر: كتاب الطهارة في طريق ثبوت العادة ج 1 ص 206.
(6) الكافي في الفقه: كتاب الصلاة في الحيض ص 128.
(7) المبسوط: كتاب الطهارة في ذكر الاستحاضة وأحكامها ج 1 ص 49.
(8) الاقتصاد: في ذكر الحيض و... ص 246.
(9) السرائر: كتاب الطهارة باب أحكام الحيض و... ج 1 ص 147.
(10) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في المستحاضات ج 1 ص 32 س 19.
(11) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الحيض ص 29 س 30.
(12) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الحيض ح 9 ج 2 ص 541.
365

المعتبرة منها كالمرسلة، الطويلة، وفيها بعد الحكم بأن الصفرة في أيام الحيض
حيض " وإذا جهلت الأيام وعددها احتاجت حينئذ إلى النظر إلى إقبال الدم
وإدباره " (1). وعلى تقدير تساوي العمومين فالترجيح للأول، للشهرة العظيمة
التي كادت تكون إجماعا، لرجوع الخصم عن المخالفة في باقي كتبه، مع كون
العادة أفيد للظن لاطرادها إجماعا، بخلاف التميز لتخلفها إجماعا ونصوصا.
(وفيه قول آخر) بترجيح التميز لأخباره، كما نسب إلى النهاية (2)
والمبسوط (3) والاصباح (4). وظهر ضعفه. ومع ذلك فقد قوي المختار في الكتب
المزبورة بعد الحكم بتقديمه. وكذا القول بالتخيير، كما عزي إلى ابن حمزة (5).
ولا فرق في العادة بين الحاصلة بالأخذ والانقطاع والحاصلة بالتميز، للعموم.
وتبادر الأول دون الثاني بعد تسليمه غير مجد في مثله، لكونه لغويا لا عرفيا يجري
فيه ذلك، فالقول بترجيح التميز عليها حينئذ - كما ينسب إلى بعض - (6) لعدم
مزية الفرع على أصله ضعيف.
ثم إن محل الخلاف اتصال الدمين أو انفصالهما مع عدم تخلل أقل الطهر
وتجاوزهما العشرة. أما مع الانفصال والتخلل وكذا مع عدم الأول وفقد التجاوز
فالأقوى الرجوع إلى العادة هنا، لعموم أخباره مع عدم معلومية شمول أدلة
إمكان الحيض لمثل المقام، إلا أن يتم الاجماع المنقول في الصورة الثانية.
فالقول بجعل الدمين حيضين في الصورة الأولى وحيضا في الثانية - كما
نسب إلى جماعة من المتأخرين - لعموم الأدلة مشكل، لما عرفت، مضافا إلى

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الحيض ح 4 ج 2 ص 539.
(2) النهاية: كتاب الطهارة باب حكم الحائض و... ص 24.
(3) المبسوط: كتاب الطهارة في أقسام الاستحاضة ج 1 ص 48.
(4) كما في كشف اللثام: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 91 س 23.
(5) الوسيلة: كتاب الطهارة في أحكام المستحاضة ص 60.
(6) وهو صاحب جامع المقاصد: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 308.
366

المرسلة المشترطة في الرجوع إلى التميز فقد العادة (1). لكن ما ذكروه لا يخلو عن
قوة سيما في الصورة الثانية، لما ستعرفه.
(وتترك ذات العادة) الوقتية مطلقا (الصلاة والصوم برؤية الدم)
مطلقا إذا كانت في أيامها إجماعا - كما عن المعتبر (2) والمنتهى (3) والتذكرة (4) -
ونصوصا عموما وخصوصا، وكذا برؤيته قبلها أو بعدها مطلقا ولو كان المرئي
بصفة الاستحاضة على الأظهر الأشهر بل قيل: إنه اجماع (5)، لأصالة عدم الآفة
والخروج عن الخلقة، ولعموم الأخبار المستفيضة في تحيض المرأة بمجرد الرؤية -
كما سيأتي في حكم المبتدئة - وخصوص الأخبار الدالة على أن المرئي قبل
الحيض حيض.
منها: الموثق، عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها؟ قال فلتدع الصلاة،
فإنه ربما يعجل لها الوقت (6).
وهي مع ما سيأتي حجة على من يدعي إلحاق هذه الصورة بالمبتدئة مطلقا،
فأوجب فيها الاستظهار على تقدير وجوبه في المبتدئة. كما أن المعتبرة المستفيضة
الناطقة بأن الصفرة المرئية قبل الحيض بيومين منه، كالموثقين في أحدهما
" ما كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض " الحديث (7)، ومثلهما رواية

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الحيض ح 3 ج 2 ص 537.
(2) المعتبر: كتاب الطهارة في أيام الاستظهار ج 1 ص 213.
(3) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 109 س 15.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 28 س 41.
(5) كشف اللثام: ج 1 ص 91 س 24، وعبارته " اتفاقا كما هو الظاهر ".
(6) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الحيض ح 1 ج 2 ص 556، وفيه: قبل وقت حيضها، فقال: إذا
رأت الدم قبل وقت حيضها فلتدع... الخ.
(7) وسائل الشيعة ب 4 من أبواب الحيض ح 2 ج 2 ص 540، مع اختلاف يسير. والموثق الآخر هو: ب 4
من أبواب الحيض ح 5 ج 2 ص 540.
367

أخرى (1) والرضوي " الصفرة قبل الحيض حيض " (2) حجة على من خص
المختار بصورة اتصاف الدم المتقدم أو المتأخر بصفة الحيض.
هذا، مع ما فيهما ولا سيما الأول من العسر والحرج المنفيين. وهي وإن
اشتركت في الدلالة على أن الصفرة بعد الحيض ليس منه، لكنها مع مخالفتها
الاجماع البسيط والمركب والأخبار الآتية في الاستظهار محمولة على رؤيتها بعد
انقضاء أيام العادة بيومين. وفي القوي: إذ رأت المرأة الصفرة قبل انقضاء
أيامها لم تصل وإن رأت صفرة بعد انقضاء أيام قرئها صلت (3) فتأمل.
(وفي) تحيض (المبتدئة) مطلقا (والمضطربة) بمجرد الرؤية كذات العادة
(تردد) ينشأ من الأصل المتقدم والقاعدة المتفق عليها: من أن ما يمكن أن يكون
حيضا فهو حيض، وعموم النصوص المعتبرة المستفيضة في التحيض بمجرد
الرؤية الناشئ من ترك الاستفصال في أكثرها، كالموثق: المرأة ترى الدم أول
النهار في رمضان تصوم أو تفطر؟ قال: تفطر، إنما فطرها من الدم (4). ومثله
الموثقات المستفيضة (5). وفي الصحيح: أي ساعة رأت الدم فهي تفطر
الصائمة (6).
وخصوص بعض النصوص، كالموثق: إذا رأت الدم في أول حيضها
واستمرت تركت الصلاة عشرة أيام ثم تصلي عشرين (7).
وأوضح منه دلالة مماثله في السند: في الجارية أول ما تحيض تدفع عليها

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الحيض ح 6 ج 2 ص 541.
(2) فقه الرضا (عليه السلام): ب 27 في الحيض و... ص 191.
(3) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الحيض ح 4 ج 2 ص 540، مع اختلاف يسير.
(4) وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب الحيض ح 7 ج 2 ص 602، مع اختلاف يسير.
(5) وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب الحيض ج 2 ص 601.
(6) وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب الحيض ح 3 ج 2 ص 601.
(7) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الحيض ح 6 ج 2 ص 549، مع اختلاف يسير.
368

الدم فتكون مستحاضة إنها تنتظر بالصلاة فلا تصلي حتى يمضي أكثر ما يكون
من الحيض فإذا مضى ذلك وهو عشرة أيام فعلت ما تفعله المستحاضة (1).
ومثله أيضا الموثق: عن الجارية البكر أول ما تحيض تقعد في الشهر يومين
وفي الشهر ثلاثة يختلف عليها الحيض لا يكون طمثها في الشهر عدة أيام سواء؟
قال: فلها أن تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة (2).
والمناقشة في الأخبار الأخيرة بالتدبر فيها مدفوعة، مضافا إلى عموم أخبار
التميز فيما اتصف بصفة الحيض ويتم الغير المتصف بها بعدم القول بالفصل، فإن
محل النزاع أعم.
وليس كما توهم: من الاختصاص بالأول ومن أصالة اشتغال الذمة
بالعبادة إلا مع تيقن المسقط ولا مسقط كذلك إلا بمضي ثلاثة.
وفيه بعد تماميته معارضة بالأصل المتقدم وبعد التساقط يبقى ما عداه مما
تقدم سليما من المعارض. وبعد تسليم فقد المعارض المزبور يكون ما عداه مما مر
مخصصا لها. والظن الحاصل منه قائم مقام اليقين كقيام غيره مقامه، وهو مسلم
عنده، وإلا لما حصل تيقن المسقط بمضي الثلاثة أيضا، لجواز رؤيتها الأسود
المتجاوز عن العشرة، فيكون هو الحيض دونها. والتمسك في نفيه بالأصل غير
مورث لليقين، بل غايته الظن، وهو حاصل بما تقدم من الأدلة على التحيض
بمجرد الرؤية.
فالأصح الأول وفاقا للشيخ (3) وغيره، وهو المشهور. خلافا للمرتضى (4)
ومن تبعه، ومنهم الماتن في غير الكتاب صريحا (5) وفيه احتياطا.

(1) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الحيض ح 5 ج 2 ص 549.
(2) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الحيض ح 1 ج 2 ص 559، مع اختلاف يسير.
(3) المبسوط: كتاب الطهارة في ذكر الحيض والاستحاضة ج 1 ص 42.
(4) نقله صاحب المعتبر عن المصباح وهو مفقود عندنا: كتاب الطهارة في أيام الاستظهار ج 1 ص 213.
(5) المعتبر: كتاب الطهارة في أيام الاستظهار ج 1 ص 213.
369

(و) لكن لا يبعد كون (الاحتياط للعبادة) وامتثال التروك بمجرد
الرؤية (أولى حتى يتيقن الحيض) بمضي الثلاثة.
وهنا قولان آخران (1) هما بمحل من الشذوذ.
ثم إن المبتدئة إذا انقطع دمها لدون العشرة تستبرئ وجوبا كما عن ظاهر
الأكثر بل قيل: إنه لا خلاف (2) وعن الاقتصاد التعبير عنه بلفظ
" ينبغي " (3) الظاهر في الاستحباب - ولأجله احتمل الخلاف - بوضع القطنة
مطلقا على الأصح، وفاقا لجماعة، عملا باطلاق الصحيح (4) والتفاتا إلى
اختلاف غيره في الكيفية، ففي رواية والرضوي قيامها وإلصاق بطنها إلى
الحائط ورفع رجلها اليسرى (5) وفي أخرى مرسلة بدل اليسرى " اليمنى " (6) مع
قصورها - كالموثق المطلق في وضع الرجل - (7) عن المقاومة للصحيح سندا
واعتبارا، فحملها على الاستحباب متعين مسامحة في أدلته. فإن خرجت نقية
طهرت فلتغتسل من دون استظهار كما عن الأصحاب وعليه الأخبار (8) ولا

(1) أحدهما ما يستفاد من البيان: كتاب الطهارة في أحكام الحائض ص 20، حيث قال: وفي المبتدأة قولان
أقواهما قول المرتضى بمضي ثلاثة أيام بالنسبة إلى الأفعال، وأما التروك فالأحوط تعلقها برؤية الدم
المحتمل. والظاهر أنه أشار بالمحتمل إلى ما كان بصفة الحيض. وحينئذ يصير هذا قولا ثالثا في المسألة.
والآخر ما يستفاد من مدارك الأحكام: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ص 62 س 30، حيث
قال ما مضمونه: تتحيض إذا كان الدم بصفة الحيض. فحينئذ يصير هذا قولا رابعا.
(2) والقائل هو صاحب حدائق الناضرة: كتاب الطهارة في وجوب الاستبراء إذا انقطع الدم لدون
العشر ج 3 ص 191.
(3) الاقتصاد: في ذكر الحيض و... ص 246.
(4) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب الحيض ح 1 ج 2 ص 562.
(5) فقه الرضا (عليه السلام): ب 27 في الحيض و... ص 193.
(6) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب الحيض ح 2 ج 2 ص 562.
(7) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب الحيض ح 4 ج 2 ص 562.
(8) وهي الروايات المتقدمة آنفا كالصحيح وغيره.
370

وجه للقول به هنا مطلقا كما عن السرائر (1) وتوهمه الشهيدان (2) من المختلف
أو مع ظن العود كما عن الدروس (3)، وإلا احتمل الحيض وإن لم يظهر عليها
إلا ضد صفته كما عن صريح سلار (4) ومحتمل المقتصر على ظهور الدم عليها
كالشيخين (5) والقاضي (6) والعلامة في التذكرة (7) فعليها الصبر إلى النقاء أو
مضي العشرة، للاجماع المحكي والموثق: فلها أن تجلس وتدع
الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة (8). وقريب منه موثقتا
ابن بكير (9).
(و) مثلها في وجوب الاستبراء (ذات العادة) العددية مطلقا، مع
انقطاع دمها عليها فيما دون،
و (مع) استمراره وتجاوز (الدم) منها (تستظهر)
وتحتاط بترك العبادة مطلقا كما هو ظاهر الفتاوى، أو مع استقامة الحيض
كما في الصحيح (10) ويومي إليه الخبر (11).

(1) السرائر: كتاب الطهارة باب أحكام الحيض و... ج 1 ص 149.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الحيض ص 29 س 32. روض الجنان: كتاب الطهارة في
أحكام الحيض ص 73 س 18.
(3) الدروس الشرعية: كتاب الطهارة في الحيض ص 6 س 21.
(4) المراسم: كتاب الطهارة في حكم الحيض وغسله ص 43.
(5) المقنعة: كتاب الطهارة ب 7 في حكم الحيض و... ص 55. النهاية: كتاب الطهارة باب حكم
الحائض و... ص 26.
(6) المهذب: كتاب الطهارة باب الحيض ج 1 ص 35.
(7) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في غسل الحائض كغسل الجنابة ج 1 ص 29 س 7.
(8) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الحيض ح 1 ج 2 ص 559.
(9) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الحيض ح 5 ج 2 ص 549. والآخر: ب 8 من أبواب الحيض ح 6
ج 2 ص 549.
(10) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 8 ج 2 ص 607.
(11) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب المستحاضة ح 1 ج 2 ص 609.
371

وجوبا كما عن ظاهر الأكثر وصريح الاستبصار (1) والسرائر (2)، عملا
بظاهر الأوامر الواردة به في الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة (3)،
والاحتياط في العبادة فإن تركها على الحائض عزيمة، واستصحاب الحالة
السابقة.
أو استحبابا كما عن التذكرة (4) وعامة المتأخرين، التفاتا إلى الأخبار الآمرة
بالرجوع إلى العادة والعمل فيما عداها بالاستحاضة (5) وأخذا بظن الانقطاع على
العادة وبظاهر لفظ " الاحتياط " في بعض المعتبرة (6)، وحملا للأوامر على
الاستحباب جمعا. وهو الأقوى، لا لما ذكر: لتصادم الأخبار من الطرفين وعدم
مرجح ظاهر في البين إلا التقية في الثانية لكونه مذهب أكثر العامة واختلاف
الأدلة في مقادير الاستظهار مع التخيير فيما بينها الظاهر كل منهما في
الاستحباب، بل للأصل السليم عن المعارض في البين بناء على ما عرفت من تصادم
الأدلة من الطرفين.
أو جوازا مطلقا عاريا عن قيدي الوجوب والاستحباب. وهو مردود بظاهر
الأوامر في الصحاح التي أقلها الاستحباب. ولا يعارض بأوامر الرجوع إلى
العادة، لورودها في مقام توهم الحظر المفيد للإباحة خاصة، والمناقشة بورود
مثله في الأدلة غير مسموعة.
وكيف كان: فتستظهر (بعد عادتها بيوم أو يومين) كما هنا وفي

(1) الاستبصار: كتاب الطهارة ب 90 في الاستظهار للمستحاضة ج 1 ص 149 ذيل الحديث 5.
(2) السرائر: كتاب الطهارة باب أحكام الحيض و... ج 1 ص 149.
(3) راجع ب 13 من أبواب الحيض و ب 1 من أبواب الاستحاضة.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في أحكام الحائض ج 1 ص 29 س 11.
(5) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الحيض ج 2 ص 544.
(6) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 8 و 12 ج 2 ص 608. و ب 13 من أبواب الحيض ح 7
ج 2 ص 557.
372

الشرائع (1) وعن النهاية (2) والوسيلة (3) والصدوق (4) والمفيد (5)، للصحاح
المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
منها: الصحيح المحكي في المعتبر عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب: إذا
رأت دما بعد أيامها التي كانت ترى الدم فيها فلتقعد عن الصلاة يوما أو يومين
ثم تمسك قطنة، فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كل صلاتين
بغسل، الحديث (6).
أو بثلاثة كما عن السرائر (7) والمعتبر (8) والمنتهى (9) والتذكرة (10)
والمقنع (11)، إلا أنه اقتصر عليها خاصة للنصوص المعتبرة، منها: الصحيحان (12)
والموثقان (13) وأحدهما كأحد الأولين كالمقنع في الاقتصار عليها.
أو إلى العشرة كما عن السيد (14) والإسكافي (15) وظاهر المقنعة (16)

(1) شرائع الاسلام: كتاب الطهارة في الحيض ج 1 ص 30.
(2) النهاية: كتاب الطهارة باب حكم الحائض و... ص 24.
(3) الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان أحكام الحيض ص 58 - 59.
(4) لم نعثر عليهما في كتبهما المتوفرة لدينا، ولكن نقل القول عنهما صاحب المعتبر: كتاب الطهارة في
أيام الاستظهار ج 1 ص 214.
(5) لم نعثر عليهما في كتبهما المتوفرة لدينا، ولكن نقل القول عنهما صاحب المعتبر: كتاب الطهارة في
أيام الاستظهار ج 1 ص 214.
(6) المعتبر: كتاب الطهارة في أيام الاستظهار ج 1 ص 215.
(7) السرائر: كتاب الطهارة باب أحكام الحيض و... ج 1 ص 149.
(8) المعتبر: كتاب الطهارة في أيام الاستظهار ج 1 ص 215.
(9) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 100 س 13.
(10) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 29 س 4.
(11) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة باب الحائض و... ص 5 س 20.
(12) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الحيض ح 8 ج 2 ص 557. والآخر: ب 13 من أبواب الحيض
ح 9 ج 2 ص 557.
(13) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الحيض ح 6 ج 2 ص 557. والآخر: ب 13 من أبواب الحيض
ح 10 ج 2 ص 557.
(14) الظاهر أنه هو السيد المرتضى - قدس سره - في المصباح كما نقله المعتبر: كتاب الطهارة في أيام
الاستظهار ج 1 ص 214.
(15) كما في كشف اللثام: كتاب الطهارة في أحكام الحائض ج 1 ص 97 س 40.
(16) المقنعة: كتاب الطهارة ب 7 في حكم الحيض و... ص 55.
373

والجمل (1)، وأجازه الماتن في غير الكتاب (2) ولكن احتاط بما فيه، وكذا عن
الشهيد (3) إلا أنه اشترط في البيان ظنها بقاء الحيض (4)، للموثق " تنتظر
عدتها التي كانت تجلس ثم تستظهر بعشرة أيام " (5) وفي معناه المرسل " إن
كان قرؤها دون العشرة انتظرت العشرة " (6) وهما مع قصورهما سندا وعملا
وعددا يحتملان الورود مورد الغالب، وهو كون العادة سبعة أو ثمانية، فيتحدان
مع الأخبار السابقة. وهو وإن جرى فيها فيخلو ما عدا الغالب عن النص
بالاستظهار، إلا أن إلحاقه به بالاجماع المركب كاف في ثبوته فيه والاجماع
لا يتم إلا في الناقص عن الثلاثة، فتبقى هي كالزائد عليها إلى العشرة خاليا من
الدليل، فيرجع حينئذ إلى مقتضى الأصل، وهو عدم مشروعية الاستظهار.
فتعين القول بالأول، سيما مع كثرة القائل به. والأول أقرب إلى الترجيح،
ولكن الثاني غير بعيد.
وغير خفي أن الاختلاف بين الأولين والثالث إنما هو مع قصور العادة عن
العشرة بأزيد من الثلاثة، وبين الأولين مع قصورها عنها بها، وإلا فلا خلاف.
كما لا خلاف في عدم الاستظهار مع استتمامها إياها وتطابقها معها، إذ
الاستظهار احتياط عن الحيض المحتمل، وليس معه، مع ورود بعض المعتبرة
به (7).
(ثم) هي بعد أيام الاستظهار كيف كان (تعمل ما تعمله المستحاضة)

(1) الجمل والعقود: في ذكر الحيض و... ص 45.
(2) المعتبر: كتاب الطهارة في أيام الاستظهار ج 1 ص 214 - 215.
(3) الدروس الشرعية: كتاب الطهارة في غسل الحيض ص 6 س 20.
(4) البيان: كتاب الطهارة في الحيض وغسله ص 17.
(5) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الحيض ح 12 ج 2 ص 558.
(6) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الحيض ح 11 ج 2 ص 558.
(7) الظاهر أن المراد به ما رواه في وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الحيض ح 7 ج 2 ص 557.
374

وتصبر إلى العشرة إن احتيج إلى الصبر (فإن استمر) وتجاوز العشرة كان ما عدا
أيام الاستظهار مطلقا استحاضة، وهي داخلة في الحيض حكمها حكمه، كما
يستفاد من النصوص الواردة فيه (1).
والمشهور دخولها حينئذ في الاستحاضة، فيجب عليها قضاء ما تركته فيها من
العبادة. ولم أفهم المستند، وبه صرح جماعة، ولعله لهذا الماتن لم يعدل عن ظواهر
النصوص، كالمرتضى في المصباح (2) وظاهر القواعد (3) والنهاية (4) حيث
استشكل في الأخير وجوب قضاء العبادة ولم يذكر في الأول مع تصريحه فيه
باجزائها ما فعلته، ومن جملته الكف عن العبادة، وإجزاؤه كناية عن عدم
وجوب قضائها.
(وإلا) يستمر بأن انقطع عن العاشر فما دونه (قضت الصوم) الذي أتت
به فيما بعد أيام الاستظهار أيضا دون الصلاة التي صلتها فيها، لظهور كون أيام
الاستظهار مع ما بعده إن كان حيضا.
هذا هو المشهور، بل ربما حكي عليه الاجماع (5). ولا تساعده الأخبار في
المضمار، بل هي في الدلالة على دخول ما بعد الاستظهار في الاستحاضة بقول
مطلق ولو مع الانقطاع عليه واضحة. ولكن قوة احتمال ورودها مورد الغالب
توجب ظهورها في الشق الأول، وهو انتهاء أيام الاستظهار إلى العاشر
وانقطاعها عليه. وعلى هذا يحمل لفظة " أو " على التنويع وبيان ما هو الغالب
من الأفراد كما فعله في المنتهى (6) ولو من وجه آخر، لا التخيير كما هو المشهور،

(1) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الحيض ج 2 ص 556.
(6) وعبارته - كما في المعتبر: ج 1 ص 214 - " تستظهر عند استمرار الدم إلى عشرة أيام فإن استمر عملت
ما تعلمه المستحاضة ". (3) قواعد الأحكام: كتاب الطهارة في أحكام الحائض ج 1 ص 16 س 5.
(4) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 123.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في المعتادة ج 1 ص 32 س 13، لكنه ادعى الاجماع على الحيضية،
فيلازمها قضاء الصوم.
(6) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في الحيض وبيان أحكامه ج 1 ص 104 س 18.
375

فلا تشمل حينئذ المقام.
وليس في الحكم بتحيضها الجميع حذر من جهتها، نعم: فيه الحذر من
جهة الأخبار الآمر بالرجوع إلى العادة وجعلها حيضا خاصة (1)، لكنها مع
تطرق الوهن إليها بأخبار الاستظهار إجماعا معارضة بأدلة " ما يمكن أن يكون
حيضا فهو حيض " بالبديهة، ولا ريب في رجحانها بالضرورة، لغلبة الظن
بالحيضية والاعتضاد بالشهرة العظيمة التي كادت تكون من الاجماع قريبة، مع
أن الحكاية في نقله صريحة - كما مرت إليه الإشارة - مضافا إلى الاعتضاد
باطلاق الحسنة " إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيام فهو من الحيضة الأولى وإن
كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة " (2) وخصوص المرسلة المنجبر ضعفها
بالشهرة وقصور دلالتها بالاجماع المركب من الطائفة، وفيها: إذا حاضت المرأة
وكان حيضها خمسة أيام ثم انقطع الدم اغتسلت وصلت، فإن رأت بعد ذلك
الدم ولم يتم لها من يوم طهرت عشرة أيام فذلك من الحيض تدع الصلاة، فإن
رأت الدم أول ما رأته الثاني الذي رأته تمام العشرة أيام ودام عليها عدت من
أول ما رأت الدم الأول والثاني عشرة أيام، ثم هي مستحاضة تعمل ما تعمله
المستحاضة (3).
وفي ذيلها دلالة أيضا على ما اخترناه في الشق الأول، فتأمل.
فإذا الذي اختاره المصنف في المسألة بكلا شقيها هو الأقرب. ولكن ما
عليه المشهور أحوط، بل وعليه العمل.
(وأقل الطهر عشرة أيام) لما تقدم في حدي الحيض (ولا حد لأكثره)
على المشهور، بل بلا خلاف كما عن الغنية (4). وعن ظاهر الحلبي تحديده بثلاثة

(1) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الحيض ج 2 ص 556.
(2) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب الحيض ح 1 ج 2 ص 554.
(3) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب الحيض ح 2 ج 2 ص 555.
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في دم الحيض ص 488 س 6.
376

أشهر (1)، وحمل على الغالب. وعن البيان احتمال أن يكون نظره إلى عدة
المسترابة (2).
(وأما الأحكام) اللاحقة للحائض فأمور أشار إليها بقوله:
(فلا تنعقد) ولا تصح (لها صلاة ولا صوم ولا طواف) مع حرمتها عليها
بالاجماع والنصوص، ففي الصحيح: إذا كانت المرأة طامثا فلا يحل لها
الصلاة (3).
وفي الخبر في العلل: لا صوم لمن لا صلاة له (4). وعلل به فيه حرمة الأولين
عليها.
وفي نهج البلاغة جعل العلة في نقص إيمانهن قعودهن عن الأولين (5)
وفي النبوي خطابا للحائض: اصنعي ما يصنع الحاج غير أن
لا تطوفي (6).
ولا فرق في ذلك بين بقاء أيام الحيض وانقطاعها قبل الغسل فيما سوى
الثاني إجماعا، وفيه أيضا على قول قوي (7)، وفيه قول آخر بالتفصيل (8).
ولا فرق في العبادات بين الواجبة والمندوبة، لفقد الطهور المشترط في صحة

(1) الكافي في الفقه: كتاب الصلاة في الحيض ص 128.
(2) البيان: كتاب الطهارة في الحيض ص 16.
(3) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب الحيض ح 1 ج 2 ص 586.
(4) علل الشرائع: ب 182 في علل الشرائع وأصول الاسلام ح 9 ج 1 ص 271.
(5) نهج البلاغة: الخطبة 80 في ذم النساء ص 105.
(6) كما في نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في الحيض ج 1 ص 118. وفي سنن الدارمي: كتاب المناسك
باب ما تصنع الحاجة إذا كانت حائضا ج 2 ص 44 " افعلي ما يفعل الحاج... ".
(7) نسبه صاحب المدارك إلى الأشهر: كتاب الطهارة في أحكام الحائض ص 64 س 33.
(8) الظاهر هو التفصيل بين القضاء خاصة أو القضاء والكفارة، لابن أبي عقيل كما نقله صاحب الحدائق
الناضرة - عن مختلف الشيعة - كتاب الطهارة في أنه هل يبطل الصوم باخلال الحائض بالغسل قبل
الفجر ج 3 ص 123.
377

الأولين مطلقا والواجب من الأخير إجماعا وعلى الأصح في المقابل له منه أيضا،
وعلى غيره أيضا كذلك لتحريم دخول المسجد مطلقا عليها.
(ولا يرتفع لها حدث) لو تطهرت قبل انقضاء أيامها وإن كان في الفترة
أو النقاء بين الدمين الملحق بالحيض، وإن استحب لها الوضوء في وقت كل
صلاة والذكر بقدرها. وقلنا بوجوب التيمم إن حاضت في أحد المسجدين أو
استحبابه إلا مع مصادفة فقد الماء على قول (1) فإن جميع ذلك تعبد، ففي
الحسن: عن الحائض تتطهر يوم الجمعة وتذكر الله تعالى؟ فقال - عليه السلام - أما
الطهر فلا، ولكنها تتوضأ في وقت الصلاة ثم تستقبل القبلة وتذكر الله
تعالى (2)، فتأمل.
(ويحرم عليها) أيضا كالجنب (دخول المساجد) مطلقا (إلا اجتيازا)
فيما (عدا المسجدين) الحرامين، فيختص التحريم فيه باللبث ويعمه والمستثنى
فيهما، كل ذلك على الأظهر الأشهر، بل لا خلاف في حرمة اللبث كما عن
التذكرة (3) والمنتهى (4) والمعتبر (5) والتحرير (6) مع وقوع التصريح في الأخيرين
بالاجماع، ولا ينافيه استثناء سلار في الأخير بناء على عدم القدح فيه بخروجه
لمعلومية نسبه.
وليس في إطلاق كراهة الجواز في المساجد - كما في القواعد (7) والشرائع (8)

(1) كذا في النسخ.
(2) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب الحيض ح 3 ج 2 ص 566 مع تفاوت في بعض الألفاظ.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 27 س 26.
(4) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أحكام الحائض ج 1 ص 110 س 4.
(5) المعتبر: كتاب الطهارة في أحكام الحائض ج 1 ص 221.
(6) تحرير الأحكام: كتاب الطهارة في أحكام الحائض ج 1 ص 15 س 7.
(7) قواعد الأحكام: كتاب الطهارة في أحكام الحائض ج 1 ص 15 س 18.
(8) شرائع الاسلام: كتاب الطهارة في الحيض ج 1 ص 30.
378

وعن الخلاف (1) والتذكرة (2) والإرشاد (3) ونهاية الإحكام (4) - أو إطلاقه من
دونها - كما عن الهداية (5) والمقنعة (6) والمبسوط (7) والنهاية (8) والاقتصاد (9)
والمصباح (10) ومختصره (11) والاصباح (12) - دلالة على المخالفة للمشهور في عدم جواز
الجواز في المسجدين، لاحتمال وروده مورد الغالب، وهو ما عداهما. وعليه يحمل
إطلاق الصحيح " الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلا مجتازين " (13) لكونه
الحكم في المطلق، وللصحيح " الحائض والجنب يدخلان المسجد مجتازين
ولا يقعدان فيه ولا يقربان المسجدين الحرامين " (14).
وهما حجة على سلار مع عدم الوقوف له على دليل سوى الأصل الغير
المعارض لهما. كما أنهما حجة على المانع من الدخول مطلقا بناء على تحريم
إدخال النجاسة في مطلق المسجد مطلقا، ولو مع عدم التلويث، كما عن الفقيه (15)

(1) الخلاف: كتاب الصلاة م 259 في كراهة عبور الحائض في المساجد ج 1 ص 517.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 27 س 27.
(3) إرشاد الأذهان: كتاب الطهارة في الحيض ج 1 ص 228.
(4) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 119.
(5) الهداية (الجوامع الفقهية): باب غسل الجنابة ص 49 السطر الأخير.
(6) المقنعة: كتاب الطهارة ب 7 في حكم الحيض ص 54.
(7) المبسوط: كتاب الطهارة في ذكر الحيض والاستحاضة ج 1 ص 41.
(8) النهاية: كتاب الطهارة باب حكم الحائض و... ص 25.
(9) الاقتصاد: في ذكر الحائض و... ص 245 حيث حكم باشتراكها مع الجنب.
(10) مصباح المتهجد: في ذكر الحيض و... ص 10.
(11) لا يوجد لدينا.
(12) كما في كشف اللثام: كتاب الطهارة في أحكام الحائض ج 1 ص 94 س 17.
(13) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب الجنابة ح 2 ج 1 ص 491.
(14) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الجنابة ح 17 ج 1 ص 488.
(15) من لا يحضره الفقيه: باب غسل الحيض والاستحاضة ج 1 ص 90 ذيل الحديث 195.
379

والمقنع (1) والجمل والعقود (2) والوسيلة (3).
وليس في إطلاقهما دلالة على الجواز ولو مع التلويث، لندرته وغلبة ضده
الموجبة لحمله عليه.
(و) كذا يحرم عليها (وضع شئ فيها) مطلقا (على الأظهر) الأشهر، بل
قيل: بلا خلاف (4) إلا من سلار (5)، للصحاح (6).
ويجوز لها الأخذ منها مع عدم استلزامه المحرم، ويحرم معه لعموم ما تقدم، إلا
مع الضرورة المبيحة للمحرم.
(وقراءة) إحدى سور (العزائم) وكذا أبعاضها بقصدها إن اشتركت،
وإلا فيحرم مطلقا، لما مر في الجنب، وعن المعتبر والمنتهى الاجماع عليه (7)
(ومس كتابة القرآن) على الأشهر الأظهر، بل عليه الاجماع، كما عن
الخلاف (8) والمنتهى (9) والتحرير (10) لما مر ثمة. خلافا للإسكافي، فحكم
بالكراهة (11) للأصل. وهو ضعيف. وقد تقدم هناك المراد من الكتابة.
(و) كذا (يحرم على زوجها) ومن في حكمه (وطؤها) قبلا، أي (موضع

(1) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة باب الغسل من الجنابة وغيرها ص 4 س 31.
(2) الجمل والعقود: كتاب الطهارة في ذكر الحيض ص 44.
(3) الوسيلة: كتاب الصلاة في أحكام الحيض ص 58.
(4) الحدائق الناضرة: كتاب الطهارة في ما يحرم على الحائض ج 3 ص 256.
(5) المراسم: كتاب الطهارة في ذكر الحائض ص 43.
(6) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب الجنابة ح 1 و 2 ج 1 ص 491.
(7) المعتبر: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 223. ومنتهى المطلب: كتاب الطهارة في أحكام
الحائض ج 1 ص 110 س 26.
(8) الخلاف: كتاب الطهارة م 46 في حرمة مس كتابة القرآن ج 1 ص 100.
(9) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 110 س 31.
(10) تحرير الأحكام: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 15 س 11.
(11) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 36 س 19.
380

الدم) خاصة على الأشهر الأظهر، ومطلقا على قول يأتي ذكره، عالما به
وبالتحريم عامدا إجماعا ونصوصا، بل قيل: إنه من الضروريات ولذا حكم
بكفر مستحله (1). والمراد من العلم هنا المعنى الأعم الشامل لمثل الظن الحاصل
من اخبارهن مع عدم التهمة - بلا خلاف بين الطائفة - به، لأشعار الآية " لا يحل
لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن " (2) وصراحة المعتبرة كالحسن " العدة
والحيض إلى النساء إذا ادعت صدقت " (3) وقيدت بعدم التهمة لاستصحاب
الإباحة السابقة وعدم تبادر التهمة من المعتبرة وإشعار بعض المعتبرة: في امرأة
ادعت أنها حائض في شهر واحد ثلاث حيض؟ فقال: كلفوا نسوة من بطانتها
أن حيضها كان فيما مضى على ما ادعت، فإن شهدن صدقت وإلا فهي
كاذبة (4).
ويلحق بأيام الحيض أيام الاستظهار وجوبا على القول بوجوبه واستحبابا
على تقديره. والأحوط اعتزالهن فيها إلى انقطاع العشرة مطلقا ولو على الثاني،
لاحتمال الحيضية بالانقطاع إليها، لما مر. ولكن في بلوغه حد الوجوب - كما عن
المنتهى - (5) تأمل.
(ولا يصح طلاقها) اتفاقا (مع دخوله) أي الزوج (بها وحضوره) أو
حكمه من الغيبة التي يجامعها معرفته بحالها، وانتفاء الحمل، وإلا صح، كما يأتي
في محله إن شاء الله.
(ويجب عليها الغسل) لمشروط بالطهارة (مع النقاء) أو ما في حكمه
إجماعا ونصوصا (وقضاء الصوم) الواجب المتفق في أيامه في الجملة أو مطلقا

(1) وهو كاشف اللثام: كتاب الطهارة في أحكام الحائض ج 1 ص 94 س 40.
(2) البقرة: 228.
(3) وسائل الشيعة: ب 47 من أبواب الحيض ح 1 ج 2 ص 596.
(4) وسائل الشيعة: ب 47 من أبواب الحيض ح 3 ج 2 ص 596.
(5) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أحكام الحائض ج 1 ص 104 س 13 لكنه صرح بعدم وجوب الاستظهار.
381

حتى المنذور على قول أحوط (1) (دون الصلاة) إجماعا ونصوصا فيهما، إلا
ركعتي الطواف مع فواتهما بعده والمنذورة المتفقة في أيامها على قول (2).
(وهل يجوز) لها (أن تسجد لو سمعت) آية (السجدة) أو تلتها أو
استمعت إليها؟ (الأشبه) الأشهر (نعم) كما عن المختلف (3) والتذكرة (4)
وظاهر التحرير (5) والمنتهى (6) ونهاية الإحكام (7) والمبسوط (8) والجامع (9)
والمعتبر (10) والشرائع (11)، لكن ما عدا الثاني في صورتي التلاوة والاستماع، وفي
الخمسة الأول - عدا الثاني - تصريح بالوجوب وهو أيضا ظاهر فيه، وفيما عدا
الأخيرين بالجواز، وفيهما الاكتفاء بلفظ " يسجد " المحتمل لهما الظاهر في
الأول. خلافا للمقنعة (12) والانتصار (13) والتهذيب (14) والوسيلة (15) والنهاية (16)
والمهذب (17) فحرموا السجود عليها، لاشتراطه بالطهارة كما في غيره.

(1) البيان: كتاب الطهارة في أحكام الحائض ص 19.
(2) جامع المقاصد: كتاب الطهارة في أحكام الحائض ج 1 ص 328.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في غسل الحيض و... ج 1 ص 34 س 28.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 28 س 23.
(5) تحرير الأحكام: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 15 س 21.
(6) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 109 س 11.
(7) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في أحكام الحائض ج 1 ص 119.
(8) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر الركوع والسجود ج 1 ص 114.
(9) الجامع للشرائع: كتاب الصلاة في كيفية الصلاة ص 83.
(10) المعتبر: كتاب الطهارة في أحكام الحائض ج 1 ص 227.
(11) شرائع الاسلام: كتاب الطهارة في الحيض ج 1 ص 30.
(12) المقنعة: كتاب الطهارة ب 6 في حكم الجنابة ص 52، حيث حكم بعدم جواز السجود إلا لطاهر من النجاسات.
(13) الإنتصار: مسائل الطهارة في قراءة العزائم ص 31.
(14) تهذيب الأحكام: ب 6 في حكم الجنابة و... ج 1 ص 129.
(15) الوسيلة: كتاب الصلاة في أحكام الحيض ص 58.
(16) النهاية: كتاب الطهارة باب حكم الحائض ص 25.
(17) المهذب: كتاب الطهارة باب الحيض ج 1 ص 35، حيث حكم باشتراكها مع الجنب.
382

وعن المفيد نفي الخلاف عنه (1). وهو ضعيف، لعدم وضوح الدليل عليه
وتطرق الوهن إلى دعوى عدم الخلاف بمصير الأكثر من الأصحاب إلى العدم مع
تصريح جمع منهم بالوجوب.
وليس في الموثق " عن الحائض هل تقرأ القرآن وتسجد إذا سمعت
السجدة؟ قال: تقرأ ولا تسجد " (2) ومثله الخبر المروي وعن غياث في كتاب ابن
محبوب " لا تقضي الحائض الصلاة ولا تسجد إذا سمعت السجدة " (3) حجة
عليه ولا على المنع من سجود الحائض، لمعارضتهما - مع ضعف الأخير - الأقوى
منهما الصحيح " عن الطامث تسمع السجدة؟ فقال: إن كانت من العزائم
فلتسجد إذا سمعتها " (4) والموثق كالصحيح " الحائض تسجد إذا سمعت
السجدة " (5) وغيرهما من المعتبرة المعتضدة بالشهرة ومخالفة العامة، لكون المنع
مذهب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة (6).
وظاهرهما كما ترى الوجوب بمجرد السماع كما عن الأكثر مطلقا. وهو
الأظهر كذلك. ولتحقيق المسألة محل آخر.
فما عن التذكرة والمنتهى: من الفرق هنا بين السماع والاستماع بالوجوب في
الأول والتردد فيه في الثاني (7) غير واضح، ولذا صرح في التحرير بعد اختيار

(1) المقنعة: كتاب الطهارة ب 6 حكم الجنابة و... ص 52 لكن " بلا خلاف " ساقطة في الطبعة الحديثة وموجودة
في الطبعة القديمة: كتاب الطهارة ص 6.
(2) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب الحيض ح 4 ج 2 ص 584.
(3) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب الحيض ح 5 ج 2 ص 585.
(4) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب الحيض ح 1 ج 2 ص 584.
(5) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب الحيض ح 3 ج 2 ص 584.
(6) الفقه على المذاهب الأربعة: كتاب الصلاة في مباحث سجدة التلاوة ج 1 ص 465 و 466.
(7) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 28 س 22 - 25. ومنتهى المطلب: كتاب
الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 115 س 4 - 16.
383

جواز سجودها بعدم الفرق بينهما (1).
(وفي وجوب الكفارة على الزوج) بل الواطئ مطلقا لعموم المستند مع
ثبوت الحكم في بعض الصور بطريق أولى - فتأمل جدا - وإن اختص بعض
الأخبار به في الظاهر (بوطئها) المحرم (روايتان: أحوطهما الوجوب) بل
الأظهر عند أكثر المتقدمين، كالمفيد (2) والمرتضى (3) وابني بابويه (4) والشيخ في
الخلاف والمبسوط (5)، بل عليه الاجماع عن الحلي (6) والانتصار (7)
والخلاف (8) والغنية (9)، تمسكا بظواهر بعض المعتبرة، كرواية داود بن
فرقد (10) المقيدة هي كالرضوي (11) بغيرها من المعتبرة، كالحسن: عمن أتى
امرأته وهي طامث؟ قال: يتصدق بدينار ويستغفر الله تعالى (12)
والموثق: من أتى حائضا فعليه نصف دينار يتصدق به (13).
والخبر: عن الرجل يأتي المرأة وهي حائض؟ قال: يجب عليه في استقبال
الحيض دينار وفي وسطه نصف دينار (14).

(1) تحرير الأحكام: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 15 س 22.
(2) المقنعة: كتاب الطهارة: ب 7 في الحيض و... ص 55.
(3) الإنتصار: في كفارة وطئ الحائض ص 33.
(4) من لا يحضره الفقيه: باب غسل الحيض والنفاس ج 1 ص 96 ذيل الحديث 199.
(5) الخلاف: كتاب الحيض م 194 في حكم وطئ الحائض ج 1 ص 225. والمبسوط: كتاب الطهارة في
الحيض... ج 1 ص 41.
(6) السرائر: كتاب الطهارة باب أحكام الحائض ج 1 ص 144.
(7) الإنتصار: في كفارة وطئ الحائض ص 34.
(8) الخلاف: كتاب الحيض م 194 في حكم وطئ الحائض ج 1 ص 226.
(9) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في أحكام دم الحيض ص 488 س 13 - 15.
(10) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب الحيض ح 1 ج 2 ص 574.
(11) فقه الرضا (عليه السلام): ب 32 في النكاح والمتعة والرضاع ص 236.
(12) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب الحيض ح 3 و 4 ج 2 ص 575.
(13) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب الحيض ح 3 و 4 ج 2 ص 575.
(14) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب بقية الحدود والتعزيرات ح 1 ج 18 ص 586، وفيه: " وفي
استدباره " بدل " وسطه ".
384

وهي - مع اعتبار سند أكثرها واعتضادها بالشهرة العظيمة بين متقدمي
الأصحاب والاجماعات المنقولة التي هي كأربع أحاديث صحيحة (1) - مخالفة لما
عليه الجمهور من العامة، منهم: مالك وأبو حنيفة، كما حكاه العلامة (2).
خلافا لأكثر المتأخرين فحكموا بالاستحباب، للأصل، والصحيح: عن
رجل واقع امرأته وهي طامث؟ قال: لا يلتمس فعل ذلك وقد نهى الله تعالى
أن يقربها، قلت: إن فعل عليه كفارة؟ قال: لا أعلم فيه شيئا، يستغفر الله
تعالى (3). ومثله الموثق (4) والخبر (5) لكنه في المجامع خطأ.
مضافا إلى اختلاف الأخبار الموجبة، لأنها بين مطلق للدينار ومطلق
لنصفه - كما في الموثقين المتقدمين - ومقيد له بما يأتي - كما في الرواية المتقدمة -
وموجب للتصدق على مسكين بقدر شبعه مطلقا - كما في رواية (6) - وموجب له
على عشرة كذلك - كما في الموثق (7) - إلا أنه في وطئ الجارية، وموجب له على
سبعة في استقبال الدم مع التصريح بلا شئ عليه في غيره مطلقا - كما في
الصحيح (8) -.
ولقائل الجواب عن الأول: بالعدول عنه بما تقدم.
وعن الثاني: بحمله على التقية المؤيد بكون روايته عن الصادق - عليه
السلام - وفتوى أبي حنيفة في زمانه مشتهرة. مع ورود الخبر الثالث في الخاطئ

(1) يعني الاجماعات المنقولة عن السرائر والانتصار والخلاف والغنية.
(2) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 115 س 35.
(3) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب الحيض ح 1 ج 2 ص 576.
(4) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب الحيض ح 2 ج 2 ص 576.
(5) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب الحيض ح 3 ج 2 ص 576.
(6) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب الحيض ح 5 ج 2 ص 575.
(7) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب الحيض ح 2 ج 2 ص 574.
(8) الكافي: كتاب الأيمان و... باب النوادر، ح 13 ج 7 ص 462.
385

منه، والمراد منه إما الجاهل بالموضوع - كما حمله الشيخ عليه - (1) أو الحكم كما
يناسبه ذيله من نسبته إلى العصيان. ولا كفارة عليه على التقدير الأول إجماعا،
وكذلك على التقدير الثاني لاشتراط العلم في الوجوب كما عن الخلاف (2)
والجامع (3) أو الرجحان المطلق كما عن المنتهى (4) والتذكرة (5) والتحرير (6)
ونهاية الإحكام (7) والشرائع (8) والذكرى (9)، بل وعن بعض الأصحاب الاجماع
عليه أيضا (10). فعد مثله من أدلة الاستحباب واضح الفساد.
وعن الثالث: بصحته مع استفادته من المعتبرة لا مطلقا، وليس المقام
كذلك، إذ الاختلاف الذي تضمنته المعتبرة إنما هو بحسب الاطلاق والتقييد،
ومقتضى القاعدة المسلمة حمل الثاني على الأول.
وأما باقي الاختلافات: فليس المشتمل عليها بمعتبر، إما سندا كالموجب
للتصدق على مسكين بقدر شبعه لاشتمال سنده على جهالة. أو من حيث
العمل كهو وغيره وإن اعتبر سنده بالصحة في بعض والموثقية في آخر، لعدم
مفت بالتصدق بقدر الشبع لمسكين إلا نادرا والعشرة أو السبعة في استقبال
الدم مع عدم شئ في غيره مطلقا لا وجوبا ولا استحبابا. بل وربما نص على

(1) الاستبصار: كتاب الطهارة ب 80 في كفارة من وطئ حائضا ج 1 ص 135 ذيل الحديث 8.
(2) الخلاف: كتاب الحيض م 194 في حكم وطئ الحائض ج 1 ص 225.
(3) الجامع للشرائع: كتاب الطهارة باب الحيض و... ص 41.
(4) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في حكم وطئ الحائض ج 1 ص 115 س 35.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 28 س 1.
(6) تحرير الأحكام: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 15 س 28.
(7) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 121.
(8) شرائع الاسلام: كتاب الطهارة في الحيض ج 1 ص 31.
(9) ذكرى الشيعة: كتاب الطلاة في حكم الحائض ص 34 س 31.
(10) الظاهر هو الهادي إلى الرشاد في شرح الارشاد - للقطيفي - كما نقله كاشف اللثام: كتاب الطهارة في
أحكام الحائض ج 1 ص 95 س 6.
386

خلاف بعضها كالمتضمن للتصدق على عشرة، فإنها وردت في الجارية، وقد أفتى
الأصحاب وادعى عليه الاجماع في السرائر (1) والانتصار (2) وورد في
الرضوي (3) بكون التصدق فيها بثلاثة أمداد، وظاهره عدم اتساعها العشرة، بل
وعن بعضهم التصريح بالتفريق على ثلاثة وهو الانتصار (4) والمقنعة (5)
والنهاية (6) والمهذب (7) والسرائر (8) والجامع (9). فهي شاذة لا عمل عليها.
وبعد تسليم اعتبار مثل هذا الاختلاف فليس يبلغ درجة اعتبار تلك
الاجماعات المنقولة التي هي بمنزلة الأخبار الصحاح الصراح المستفيضة، إذ غاية
الاختلاف التلويح والإشارة وأين هو من الظهور؟ فضلا عن الصراحة. ولعله
لهذا لم يحكم المصنف هنا وفي الشرائع بالاستحباب، بل صرح في الثاني أولا
بالوجوب (10) ومثل كتاب اللمعة (11) وظاهرهم التردد والتوقف كشيخنا
البهائي (12). ولعله في محله، إلا أن الاحتياط في مثل المقام كاد أن يكون لازما،
فلا يترك على حال.
(وهي أي الكفارة) فيما عدا وطئ الأمة (دينار) أي مثقال ذهب
خالص إجماعا مضروب على الأصح وفاقا لجماعة للتبادر، خلافا لآخرين
فاجتزؤا بالتبر لاطلاق الاسم وهو ضعيف، وفي إجزاء القيمة عنه قولان:

(1) السرائر: كتاب الأيمان باب الكفارات ج 3 ص 76.
(2) الإنتصار: في حكم وطئ الأمة الحائض ص 165.
(3) فقه الرضا (عليه السلام): ب 32 في النكاح والمتعة والرضاع ص 236.
(4) الإنتصار: في حكم وطئ الأمة الحائض ص 165.
(5) المقنعة: كتاب الكفارات في كفارة الواطئ أمته ص 569.
(6) النهاية: كتاب الأيمان و... باب الكفارات ص 571.
(7) المهذب: كتاب الكفارات باب كفارة من وطئ... ج 2 ص 423.
(8) السرائر: كتاب الأيمان باب الكفارات ج 3 ص 76.
(9) الجامع للشرائع: كتاب الطهارة باب الحيض و... ص 41.
(10) شرائع الاسلام: كتاب الطهارة في الحيض ج 1 ص 31.
(11) اللمعة الدمشقية: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 384.
(12) الحبل المتين: كتاب الصلاة في أحكام الحيض ص 51.
387

أصحهما العدم جمودا على ظاهر النص مع اختلافها وعدم انضباطها، وقيل:
بالجواز (1) ولا دليل عليه (في أوله) أي الحيض (ونصف في وسطه وربع في
آخره) ويختلف بحسب اختلاف الحيض الذي وطئت فيه، فالثاني أول لذات
الستة، ووسط لذات الثلاثة، وهكذا.
وبالجملة: التثليث مرعي بالإضافة إلى أيام الحيض مطلقا دات عادة
كانت أم غيرها كانت العادة عشرة أم لا، هذا هو الأشهر الأظهر عملا بظاهر
الخبر (2).
وعن المراسم تحديد الوسط بما بين الخمسة إلى السبعة (3)، فلا وسط ولا آخر
لمن حيضها خمسة فما دون، ولا آخر إن لم يزد حيضها عن منتهى الحد. وهو لعدم
الدليل عليه ضعيف. كاعتبار الراوندي التثليث بالإضافة إلى أقصى الحيض
مطلقا (4)، فلا وسط ولا آخر لذي الثلاثة، ولا آخر لذي الأربعة وإن كان لها
وسط وهو الثلثان الباقيان من اليوم الرابع، وهو الفارق بينه وبين القول الأول،
لأنه في هذه الصورة على تقديره لا وسط لقصورها عن الخمسة التي خامسها
مبدأ الوسط.
والمستند في هذا التفصيل رواية داود بن فرقد (5) والخبر المتقدم، لكن ليس
فيه ذكر الآخر، ومثل الأول الرضوي (6). وقصور سندها مجبور بالعمل، مضافا
إلى اعتبار الأخير في نفسه.
ومصرفها عند الأصحاب مستحق الزكاة. ولا يعتبر فيه التعدد، للأصل

(1) الموجز لابن فهد الحلي (المطبوع ضمن الرسائل العشر): ص 47 ونسبه في مفتاح الكرامة (ج 1
ص 375) إلى كشف الالتباس أيضا.
(2) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب الحيض ح 1 ج 2 ص 574.
(3) المراسم: كتاب الطهارة في حكم الحيض ص 44.
(4) كما في فقه القرآن: كتاب الطهارة في حرمة مقاربة الحائض ج 1 ص 54.
(5) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب الحيض ح 1 ج 2 ص 574.
(6) فقه الرضا (عليه السلام): ب 32 في النكاح والمتعة والرضاع ص 236.
388

وإطلاق الخبر.
وهي في وطئ الأمة ما تقدم لما تقدم، مع شذوذ ما دل على خلافه (1).
ولا كفارة على الموطوءة مطلقا ولو كانت مطاوعة، للأصل واختصاص
دليلها بالواطئ. نعم: عليها الإثم حينئذ.
(ويستحب لها الوضوء) المنوي به التقرب دون الاستباحة (لوقت كل)
صلاة (فريضة) من فرائضها اليومية والاستقبال للقبلة (وذكر الله تعالى)
بعده (في مصلاها) كما عن المبسوط (2) والخلاف (3) والنهاية (4) والمهذب (5)
والوسيلة (6) والاصباح (7) والجامع (8)، أو محرابها كما عن المراسم (9)
والسرائر (10)، وهما بمعنى واحد، ويحتمله ما عن المقنعة " ناحية من
مصلاها " (11). أو حيث شاءت مطلقا كما في الشرائع (12) والمعتبر (13)
والمنتهى (14) والذكرى (15)، بل نسب في الأخيرين إلى غير الشيخين مطلقا.

(1) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة باب الحائض و... ص 5 س 24.
(2) المبسوط: كتاب الطهارة في الحيض و... ج 1 ص 45.
(3) الخلاف: كتاب الطهارة م 198 في استحباب الوضوء للحائض ج 1 ص 232.
(4) النهاية: كتاب الطهارة باب حكم الحائض ص 25.
(5) المهذب: كتاب الطهارة باب الحيض ج 1 ص 36.
(6) الوسيلة: كتاب الصلاة في أحكام الحيض ص 58.
(7) كما في كشف اللثام: كتاب الطهارة في أحكام الحائض ج 1 ص 96 س 31.
(8) الجامع للشرائع: كتاب الطهارة باب الحيض و... ص 42.
(9) المراسم: كتاب الطهارة في حكم الحيض و... ص 43.
(10) السرائر: كتاب الطهارة باب أحكام الحيض و... ج 1 ص 145.
(11) المقنعة: كتاب الطهارة ب 7 في حكم الحيض و... ص 55.
(12) شرائع الاسلام: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 31.
(13) المعتبر: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 232.
(14) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 115 س 16 و 17.
(15) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام الحائض ص 35.
389

وهو أولى، لاطلاق النصوص، مع عدم الدليل على شئ مما تقدم بالعموم أو
الخصوص. وليس في الصحيح " ويجلسن قريبا من المسجد " (1) دلالة على شئ
منه لو لم نقل بالدلالة على خلاف بعضه.
والأحوط ما ذكروه مع وجود ما عينوه، وإلا فالاطلاق أحوط.
والحكم بالاستحباب مشهور بين الأصحاب، للأصل وظاهر " ينبغي " في
بعض المعتبرة (2). خلافا للصدوقين فالوجوب (3)، للرضوي المصرح به (4)
كالمرسل في الهداية (5). وقريب منهما الحسن " عليها أن تتوضأ الخ " (6) مع
الأوامر الظاهرة فيه في المعتبرة. ولولا الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا
- بل إجماع في الحقيقة، كما عن الخلاف (7) - لكان المصير إليه في غاية القوة،
لعدم معارضة ما تقدم لمثل هذه الأدلة.
وإطلاق الذكر مذهب الأكثر، لاطلاق أكثر المعتبرة. وعن المراسم
الاقتصار بالتسبيحة (8)، ومثله المقنعة بزيادة التحميدة والتكبيرة والتهليلة (9).
ولا دليل على شئ منها إلا الدخول تحت الاطلاق.
كما لا دليل على ازدياد الصلاة على النبي وآله مع الاستغفار على
التسبيحات الأربع كما عن النفلية (10) إلا ذلك. وليس في الخبر " إذا كان
وقت الصلاة توضأت واستقبلت القبلة وهللت وكبرت وتلت القرآن وذكرت

(1) وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب الحيض ح 1 و 3 ج 2 ص 587.
(2) وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب الحيض ح 1 و 3 ج 2 ص 587.
(3) من لا يحضره الفقيه: باب غسل الحيض والنفاس ج 1 ص 90 ذيل الحديث 195.
(4) فقه الرضا (عليه السلام): ب 27 في الحيض والاستحاضة ص 192.
(5) الهداية (الجوامع الفقهية): باب غسل الحيض ص 50 س 9.
(6) وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب الحيض ح 2 ج 2 ص 587.
(7) الخلاف: كتاب الطهارة م 198 في استحباب الوضوء للحائض ج 1 ص 232.
(8) المراسم: كتاب الطهارة في حكم الحيض وغسله ص 43.
(9) المقنعة: كتاب الطهارة ب 7 في حكم الحيض و... ص 55.
(10) النفلية: الفصل الأول في سنن المقدمات ص 97.
390

الله عز وجل " (1) - كالحسن الآتي - دلالة على شئ منها، كما لا يخفى.
وهو وإن أطلق في أكثر المعتبرة، إلا أن التقييد له (بقدر صلاتها) قائم في
المعتبر، كالحسن: تذكر الله تعالى وتسبحه وتهلله وتحمده بمقدار صلاتها (2).
وبمعناه غيره (3).
(ويكره لها) كالجنب (الخضاب) بالاتفاق، كما عن المعتبر (4)
والمنتهى (5) والتذكرة (6). والروايات في كل من النهي عنه (7) ونفي البأس (8)
- مع اشتمالها في الجانبين على المعتبرة - مستفيضة. وحمل الأولة على الكراهة
طريق الجمع - كما فعله الجماعة - لرجحان الثانية بعملهم، مع أصالة الإباحة
والاجماعات المنقولة. ولا ينافيها فتوى الصدوق ب‍ " لا يجوز " (9) لعدم البأس بخروجه
مع معلومية نسبه، مع عدم صراحته في أمثال كلامه في الحرمة، فيحتمل
شدة الكراهة، وبإرادته لها من تلك العبارة صرح العلامة (10).
ولا فرق فيه بين الحناء وغيره، كعدم الفرق في المخضوب بين اليد والرجل
وغيرهما في المشهور. والمسامحة في أدلة السنن تقتضيه، وإن كان إثباته فيهما
بالدليل فيه ما فيه، لعدم عموم في المعتبرة (11) إذ غايتها الاطلاق المنصرف إلى

(1) وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب الحيض ح 5 ج 2 ص 588.
(2) وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب الحيض ح 2 ج 2 ص 587.
(3) وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب الحيض ح 3 ج 2 ص 587.
(4) المعتبر: كتاب الطهارة في ما يكره للحائض ج 1 ص 233.
(5) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 115 س 28.
(6) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة ج 1 ص 25 س 20.
(7) وسائل الشيعة: ب 42 من أبواب الحيض ح 3 و 8 ج 2 ص 593.
(8) وسائل الشيعة: ب 42 من أبواب الحيض ح 5 و 6 ج 2 ص 593.
(9) من لا يحضره الفقيه: باب غسل الحيض والنفاس ج 1 ص 91 ذيل الحديث 196.
(10) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة ج 1 ص 25 س 21.
(11) وسائل الشيعة: ب 42 من أبواب الحيض ج 2 ص 593.
391

الأفراد المتبادرة التي ليس غير الحناء، كما عدا اليدين والرجلين والشعور منها.
ولعله لذا اقتصر سلار على الحناء (1) والمفيد على اليدين والرجلين (2). ولكن
الأحوط ما قدمناه.
(وقراءة ما عدا العزائم) الأربع مطلقا حتى السبع أو السبعين المستثناة
في الجنب في المشهور، كما هنا وفي الشرائع (3) وعن المبسوط (4) والجمل
والعقود (5) والسرائر (6) والوسيلة (7) والاصباح (8) والجامع (9)، لاطلاق النهي
عنه في المستفيضة، كالنبوي " لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن " (10)
والمروي في الخصال " سبعة لا يقرؤون القرآن " (11) وعد منها الجنب والحائض.
والمرسل عنه في بعض الكتب " لا تقرأ الحائض قرآنا " (12) وعن مولانا الباقر
- عليه السلام " إنا نأمر نساءنا الحيض أن يتوضأن عند وقت كل صلاة " إلى
قوله: " ولا يقربن مسجدا ولا يقرأن قرآنا " وهي لضعفها ومخالفتها الأصل
وموافقتها العامة محمولة على الكراهة، مع ما عن الانتصار (14) والخلاف (15)

(1) المراسم: كتاب الطهارة في حكم النفاس وغسله ص 44.
(2) المقنعة: كتاب الطهارة ب 7 في حكم الحيض و... ص 58.
(3) شرائع الاسلام: كتاب الطهارة في الحيض ج 1 ص 30.
(4) المبسوط: كتاب الطهارة في الحيض والاستحاضة ج 1 ص 42.
(5) الجمل والعقود: كتاب الطهارة في الحيض والاستحاضة ص 45.
(6) السرائر: كتاب الطهارة باب أحكام الحيض و... ج 1 ص 145.
(7) الوسيلة: كتاب الصلاة في أحكام الحيض ص 58.
(8) كما في كشف اللثام: كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج 1 ص 94 س 25.
(9) الجامع للشرائع: كتاب الطهارة باب الحيض و... ص 42.
(10) عوالي اللآلي: الفصل الثامن ح 12 ج 1 ص 131.
(11) الخصال: باب السبعة ح 42 ج 1 ص 357.
(12) دعائم الاسلام: في أحكام الحيض ج 1 ص 128.
(13) دعائم الاسلام: في أحكام الحيض ج 1 ص 128.
(14) الإنتصار: في نواقض الوضوء ص 31.
(15) الخلاف: كتاب الطهارة م 47 في جواز قراءة الحائض القرآن ج 1 ص 100.
392

والمعتبر (1) في الجواز من الاجماعات المنقولة.
وعن التحرير (2) والمنتهى (3) كبعض الأصحاب الذي حكى عنه في
الخلاف (4) قصر الكراهة كالجنب على الزائد على السبع أو السبعين آية. وهو
متجه لولا المسامحة في أدلة الكراهة بناء على اشتراكها معه في أغلب الأحكام
الشرعية، كما يستفاد من الأخبار المعتبرة (5) فيغلب لحوقها به هنا، لالحاق
الظن الشئ بالأعم الأغلب.
(وحمل المصحف ولمس هامشه) وبين سطوره، للصحيح " الجنب
والحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب " (6) مضافا إلى ما عن المصنف في
المعتبر من الاجماع على كراهة تعليقه (7) فتأمل.
والأمر فيه محمول على الاستحباب، لنفي البأس عن مس الورق للجنب في
الرضوي (8)، فتلحق هي به أيضا لما تقدم، مع الأصل. فالقول بالتحريم كما عن
المرتضى - رحمه الله (9) ضعيف.
(والاستمتاع) للزوج مطلقا كالسيد (منها بما بين السرة والركبة)
لظواهر المعتبرة كالصحيح: في الحائض ما يحل لزوجها؟ قال: تتزر بإزار إلى
الركبتين وتخرج ساقيها، وله ما فوق الإزار (10). ومثله الموثق وغيره (11).

(1) المعتبر: كتاب الطهارة في أحكام الجنب ج 1 ص 186.
(2) تحرير الأحكام: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 15 س 10.
(3) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 110 س 31.
(4) الخلاف: كتاب الطهارة م 47 ج 1 ص 100.
(5) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الجنابة ج 1 ص 492.
(6) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الجنابة ح 7 ج 1 ص 494.
(7) المعتبر: كتاب الطهارة في مكروهات الحائض ج 1 ص 234.
(8) فقه الرضا (عليه السلام): ب 3 في الغسل من الجنابة وغيرها ص 85.
(9) المصباح كما نقله المعتبر: كتاب الطهارة في مكروهات الحائض ج 1 ص 234.
(10) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الحيض ح 2 ج 2 ص 572، مع اختلاف يسير.
(11) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الحيض ح 1 ج 2 ص 571. والآخر: ب 26 من أبواب الحيض ح 3
ج 2 ص 572.
393

وحملت على الكراهة جمعا بينها وبين المعتبرة المستفيضة الصريحة في الجواز
المعتضدة بالأصل والعمومات الكتابية والسنية والشهرة العظيمة التي كادت
تكون إجماعا، بل هي إجماع في الحقيقة، بل حكي صريحا عن جماعة
- كالتبيان (1) والخلاف (2) ومجمع البيان (3) - المخالفة لما عليه أكثر العامة،
كالموثق بابن بكير فلا يضر الارسال بعده: إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها
حيث شاء ما اتقى موضع الدم (4). ومثله الموثق الآخر وغيره في الصراحة
باختصاص المنع بموضع الدم (5).
وقريب منها الصحيح: ما للرجل من الحائض؟ قال: ما بين أليتيها
ولا يوقب (6).
للتصريح بحلية ما عدا الايقاب، فالمراد به هنا الجماع في القبل بالاجماع
المركب، فيجوز الاستمتاع بما عداه ولو كان الدبر، كما عن صريح السرائر (7)
ونهاية الإحكام (8) والمختلف (9) والتبيان (10) ومجمع البيان (11) مع دعواهما الاجماع

(1) التبيان: في ذيل تفسير الآية 222 من سورة البقرة ج 2 ص 220.
(2) الخلاف: كتاب الطهارة م 195 في مباشرة المرأة دون الفرج ج 1 ص 227.
(3) مجمع البيان: في ذيل تفسير الآية 222 من سورة البقرة ج 2 ص 319.
(4) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب الحيض ح 5 ج 2 ص 570.
(5) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب الحيض ح 6 ج 2 ص 571. والآخر: ب 25 من أبواب الحيض ح 1
ج 2 ص 570.
(6) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب الحيض ح 8 ج 2 ص 571.
(7) السرائر: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 150.
(8) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في أحكام الحائض ج 1 ص 123.
(9) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في غسل الحيض وأحكامه ج 1 ص 35 س 8.
(10) التبيان: في ذيل تفسير الآية 222 من سورة البقرة ج 2 ص 220.
(11) مجمع البيان: في ديل تفسير الآية 222 من سورة البقرة ج 2 ص 319.
394

عليه، وظاهر الخلاف (1) والمعتبر (2) والمنتهى (3) والتذكرة (4) والتحرير (5)
والشرائع (6) والمبسوط (7) والنهاية (8) والاقتصاد (9)، وإن ضعف في الثلاثة
الأخيرة، لتعليق الاستمتاع فيها بما عدا الفرج المحتمل للدبر أيضا، ولكنه بعيد.
ومما ذكر ظهر ضعف مرتضى المرتضى: من تبديل الكراهة بالمنع (10)، لضعف
دليله المتقدم كضعف باقي أدلته من الآيتين: الناهية عن قربهن حتى يطهرن
والآمرة باعتزالهن في المحيض (11) لعدم إرادة المعنى اللغوي من القرب فينصرف
إلى المعهود المتعارف، وكون " المحيض " اسم مكان لا مصدر أو اسم زمان،
وإلا لزم الاضمار أو التخصيص المخالف كل منهما للأصل.
(ووطؤها قبل الغسل) مطلقا، وتتأكد إذا لم تكن شبقا، للنهي عنه في
بعض المعتبرة، كالموثق: أفلزوجها أن يأتيها قبل أن تغتسل؟ قال: لا حتى
تغتسل (12).
وهو محمول على الكراهة، لأشعار الموثقين المتضمنين ل‍ " لا يصلح " (13) بها،

(1) الخلاف: كتاب الطهارة م 195 في مباشرة المرأة دون الفرج ج 1 ص 226.
(2) المعتبر: كتاب الطهارة في حرمة وطئ الحائض ج 1 ص 224.
(3) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 111 س 23.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 27 س 32.
(5) تحرير الأحكام: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 15 س 26.
(6) شرائع الاسلام: كتاب الطهارة في الحيض ج 1 ص 31.
(7) المبسوط: كتاب النكاح في ذكر ما يستباح من الوطئ ج 4 ص 242.
(8) النهاية: كتاب الطهارة باب حكم الحائض و... ص 26.
(9) الاقتصاد: في الحيض والنفاس و... ص 245.
(10) شرح الرسالة كما نقله في المعتبر: كتاب الطهارة في حرمة وطئ الحائض ج 1 ص 224.
(11) لا يخفى أن الآيتين الناهية والآمرة في الحقيقة آية واحدة، البقرة: 222.
(12) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الحيض ح 7 ج 2 ص 574.
(13) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الحيض ح 6 ج 2 ص 573. والآخر: ب 21 من أبواب الحيض ح 3
ج 2 ص 565.
395

مع التصريح بالجواز إما مطلقا أو مع الشبق في المعتبرة المستفيضة المعتضدة
بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا، بل إجماع في الحقيقة، بل حكي
صريحا عن جماعة - كالانتصار (1) والخلاف (2) والغنية (3) وظاهر التبيان (4)
ومجمع البيان (5) وروض الجنان (6) وأحكام الراوندي (7) والسرائر (8) - ومع ذلك
مخالفة لما عليه العامة، ففي الموثق: إذا انقطع الدم ولم تغتسل فليأتها زوجها إن
شاء (9).
وفي آخر: عن الحائض ترى الطهر يقع عليها زوجها أن تغتسل؟ قال:
لا بأس وبعد الغسل أحب إلي (10).
وفي الخبر: إذا طهرت من الحيض ولم تمس الماء فلا يقع عليها زوجها حتى
تغتسل فإن فعل فلا بأس به، وقال: تمس الماء أحب إلي (11).
ولا يبعد دلالة الآية " ولا تقربوهن حتى يطهرن " عليه بناء على حجية
مفهوم الغاية، وظهور " يطهرن " بناء على القراءة بالتخفيف في انقطاع الدم
خاصة، لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية له في معنى المتشرعة. ويؤيده هنا السياق
مع ما في بعض المعتبرة: من كون غسل الحيض سنة (12) أي لا فريضة إلهية

(1) الإنتصار: في أحكام الحيض ص 34.
(2) الخلاف: كتاب الطهارة م 196 في جواز الوطئ بعد الطهر ج 1 ص 228.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في دم الحيض ص 488 س 16.
(4) التبيان: في ذيل تفسير الآية 222 من سورة البقرة ج 2 ص 221.
(5) مجمع البيان: في ذيل تفسير الآية 222 من سورة البقرة ج 2 ص 320.
(6) روض الجنان: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ص 80 س 11.
(7) كما في فقه القرآن: كتاب الطهارة في الوطئ عند قطع الدم والطهارة ج 1 ص 55.
(8) السرائر: كتاب الطهارة باب أحكام الحيض و... ج 1 ص 151.
(9) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الحيض ح 3 ج 2 ص 573.
(10) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الحيض ح 5 ج 2 ص 573.
(11) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الحيض ح 4 ج 2 ص 573.
(12) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الجنابة ح 4 و 11 ج 1 ص 463 و 464.
396

تستفاد من الآيات القرآنية، فتأمل.
ولا ينافيه القراءة بالتشديد، إما لمجئ " يفعل " بمعنى " فعل " مجازا شائعا
فيكون هنا من قبيله لما تقدم من الأدلة على الجواز من دون توقف على
اغتسال، وإما لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية في التطهير في معنى المتشرعة، أي
اغتسال، فيحتمل إرادة المعنى اللغوي ويكون إشارة إلى غسل الفرج، كما
يعرب عنه الصحيح: في المرأة ينقطع عنها دم الحيض في آخر أيامها؟ قال: إذا
أصاب زوجها شبق فليأمرها فلتغتسل فرجها ثم يمسها إن شاء (1).
ولذا حكي عن ظاهر الأكثر وجوب الغسل المزبور. إلا أن الآية لا تساعد
عليه بل غايته الشرطية، كما عن صريح ابن زهرة (2).
وعن ظاهر التبيان (3) والمجمع (4) وأحكام الراوندي (5) توقف الجواز على
أحد الأمرين: منه ومن الوضوء. ولا دليل عليه.
وعن صريح التحرير (6) والمنتهى (7) والمعتبر (8) والذكرى (9) والبيان (10)
استحبابه. وهو غير بعيد، للأصل وخلو أكثر الأخبار المجوزة الواردة في الظاهر في
مقام الحاجة عنه، فلو وجب الغسل أو اشترط لزم تأخير البيان عن وقتها. إلا
أن الأحوط مراعاته.

(1) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الحيض ح 1 ج 2 ص 572 وفيه " فلتغسل فرجها ".
(2) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في دم الحيض ص 488 س 16.
(3) التبيان: ذيل تفسير الآية 222 من سورة البقرة ج 2 ص 221.
(4) مجمع البيان: ذيل تفسير الآية 222 من سورة البقرة ج 2 ص 320.
(5) كما في فقه القرآن: كتاب الطهارة في الوطئ عند قطع الدم والطهارة ج 1 ص 55.
(6) تحرير الأحكام: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 16 س 2.
(7) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 118 س 11.
(8) المعتبر: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 236.
(9) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام الحيض والنفاس ص 34.
(10) البيان: كتاب الطهارة في أحكام الحائض ص 20.
397

وقول الفقيه: بالمنع فيما عدا الشبق (1) شاذ، كالصحيح الدال عليه (2)،
وربما حمل كلامه كصحيحه على شدة الكراهة، فلا شذوذ ولا مخالفة.
(وإذا حاضت بعد دخول الوقت ولم تصل مع الامكان) بأن مضى
من أول الوقت مقدار فعلها ولو مخففة مشتملة على الواجبات دون المندوبات
وفعل الطهارة خاصة وكل ما يعتبر فيها مما ليس بحاصل لها - في الروضة (3) -
طاهرة (قضت) في المشهور، بل حكى عليه الاجماع بعض الأصحاب
صريحا (4)، للموثق: في امرأة دخل وقت الصلاة وهي طاهرة فأخرت الصلاة
حتى حاضت؟ قال: تقضي إذا طهرت (5). وبمعناه غيره (6).
وتفسيره الامكان بما ذكرنا هو المشهور بين الأصحاب، فلا يجب القضاء مع
عدمه مطلقا، وعن الخلاف الاجماع عليه (7). خلافا للإسكافي (8)
والمرتضى (9)، فاكتفيا في الامكان الموجب للقضاء بمضي ما يسع أكثر الصلاة
من الوقت والزمان طاهرة. وهو ضعيف، والدليل عليه غير معروف.
وليس في الخبر " عن المرأة التي تكون في صلاة الظهر وقد صلت ركعتين ثم
ترى الدم؟ قال: تقوم من مسجدها ولا تقضي الركعتين، قال: فإن رأت الدم
وهي في صلاة المغرب وقد صلت ركعتين فلتقم من مسجدها، فإذا تطهرت

(1) من لا يحضره الفقيه: باب غسل الحيض والنفاس ج 1 ص 95 ذيل الحديث 199.
(2) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الحيض ح 1 ج 2 ص 572.
(3) الروضة البهية: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 388.
(4) وهو كاشف اللثام: كتاب الطهارة في أحكام الحائض ج 1 ص 98 س 25.
(5) وسائل الشيعة: ب 48 من أبواب الحيض ح 4 ج 2 ص 597.
(6) وسائل الشيعة: ب 48 من أبواب الحيض ح 4 ج 2 ص 597.
(6) وسائل الشيعة: ب 48 من أبواب الحيض ح 5 ج 2 ص 597.
(7) الخلاف: كتاب الصلاة م 16 في حكم من أدرك من أول وقت الظهر... ج 1 ص 275.
(8) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة باب التوابع ج 1 ص 148 س 14.
(9) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الطهارة في أحكام قضاء الصلاة
ج 3 ص 38.
398

فلتقض الركعة التي فاتتها من المغرب " (1) مع ضعفه وأخصيته من المدعي - بل
وإشعاره باختصاص الحكم بالمغرب - دلالة على ما حكي عنهما: من لزوم قضاء
مجموع الصلاة التي أدركت أكثرها طاهرة مطلقا، لدلالته على كفاية فضاء الغير
المدرك مع فعل المدرك، فطرحه رأسا لشذوذه حينئذ متعين.
نعم: في الفقيه والمقنع أفتى بمضمونه (2)، ويكتفى حينئذ بما أسلفناه - من
ضعف السند - في رده، مضافا إلى الأصل والشهرة ودعوى الاجماع على
خلافه.
ثم إن ما ذكرنا: من اعتبار مضي زمان الطهارة أو مطلق الشرائط في تفسير
الامكان، ظاهر الأكثر، وهو الأظهر بناء على عدم جواز الأمر بالصلاة مع عدم
مضي زمان الطهارة، لاستلزامه التكليف بالمحال بناء على اشتراطها في
وجودها، فاستشكال العلامة في النهاية فيه بمجرد إمكان التقديم على الوقت (3)
لا وجه له.
ومقتضى ما ذكرنا من الدليل عدم اعتبار مضي زمانها مع الاتيان بها قبل
الوقت، لامكان التكليف حينئذ، وعن التذكرة (4) ونهاية الإحكام (5)
والذكرى (6) القطع بذلك.
(وكذا لو أدركت من آخر الوقت قدر الطهارة) حسب أو وسائر
الشروط، كما في الروضة (7) وحكي عن جماعة (و) أداء أقل الواجب من ركعة

(1) وسائل الشيعة: ب 48 من أبواب الحيض ح 3 ج 2 ص 597.
(2) من لا يحضره الفقيه: في غسل الحيض والنفاس ج 1 ص 93 ذيل الحديث 198. والمقنع (الجوامع
الفقهية): كتاب الطهارة باب الحائض و... ص 5 س 28.
(3) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في أوقات المعذورين ج 1 ص 317.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في غسل الحيض ج 1 ص 27 س 32.
(5) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 123.
(6) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام الحائض ص 35 س 5.
(7) الروضة البهية: كتاب الطهارة في أحكام الحيض ج 1 ص 388.
399

من (الصلاة) بحسب حالها من ثقل اللسان وبطؤ الحركات وضدهما كما
احتمله في نهاية الإحكام (1) (وجبت) باجماع أهل العلم في العصر والعشاء
والصبح - كما عن الخلاف (2) - لعموم النبوي: من أدرك ركعة من الصلاة فقد
أدرك الصلاة (3).
وخصوص المرتضويين في الصبح والعصر، ففي أحدهما: من أدرك ركعة
من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر (4).
وفي الثاني: من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة
تامة (5).
ونحوه الصادقي: فإن صلى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتم
الصلاة وقد جازت صلاته وإن طلعت الشمس قبل أن يصلي ركعة فليقطع
الصلاة ولا يصلي حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها (6).
وكذلك في الظهر والمغرب على الأشهر الأظهر، بل نفي الخلاف عنه في
الخلاف، لعموم النبوي المتقدم وعموم المستفيضة في المقام، كالصحيح:
إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصل الظهر والعصر وإن طهرت من
آخر الليل فلتصل المغرب والعشاء (7).
ونحوه روايات أخر، وأوضح منها الخبر: إذا طهرت الحائض قبل العصر
صلت الظهر والعصر وإن طهرت في آخر وقت العصر صلت العصر (8).

(1) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في أوقات المعذورين ج 1 ص 314.
(2) الخلاف: كتاب الصلاة م 13 ج 1 ص 271.
(3) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب المواقيت ح 4 ج 3 ص 158.
(4) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب المواقيت ح 5 ج 3 ص 158، وفيه: أدرك الشمس.
(5) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب المواقيت ح 2 ج 3 ص 158.
(6) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب المواقيت ح 3 ج 3 ص 158.
(7) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب الحيض ح 10 ج 2 ص 600.
(8) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب الحيض ح 6 ج 2 ص 599.
400

وبه يقيد الصحيح مع مضاهياته في الجملة، كتقييد المجموع بمفهوم النبوي
المتقدم كغيره: من أن من لم يدرك الركعة فلم يدرك الصلاة. فلا يشمل إطلاقها
جميع الصلاة أداء وقضاء بادراك الطهارة وشئ من الصلاة ولو كان أقل من
ركعة.
فاحتمال المصنف العمل باطلاقها مطلقا (1) ضعيف. كضعف ما عن
النهاية: من لزوم قضاء الفجر عليها بحصول الطهر لها قبل طلوع الشمس على
كل حال (2).
فيجب على المختار قضاء الظهرين كالعشاءين بادراك خمس ركعات بعد
الطهارة أو الشروط قبل الغروب وانتصاف الليل أو الفجر - على الاختلاف في
آخر وقت العشاءين - وهو المحكي عن المبسوط في الظهرين في بحث الصلاة (3)
وابن سعيد (4) وكافة المتأخرين. خلافا لموضع آخر من المبسوط (5)،
والمهذب (6)، فاستحبابهما حينئذ كالعشاءين. وهو ضعيف. كضعف ما عن
الاصباح: من استحباب فعل الظهرين بادراك خمس قبل الغروب والعشاءين
بادراك أربع (7).
وما عن الفقيه من وجوب الظهرين بادراك ست ركعات (8) إن أريد به
المثل فلا بأس به، وإن أريد به اشتراط الست في الوجوب - كما هو ظاهر

(1) المعتبر: كتاب الطهارة في أحكام الحائض ج 1 ص 240.
(2) النهاية: كتاب الطهارة باب حكم الحائض و... ص 27.
(3) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر المواقيت ج 1 ص 73.
(4) الجامع للشرائع: كتاب الصلاة باب أوقات الصلاة ص 61.
(5) المبسوط: كتاب الطهارة في ذكر الحيض والاستحاضة ج 1 ص 45.
(6) المهذب: كتاب الطهارة باب الحيض ج 1 ص 36.
(7) كما في كشف اللثام: كتاب الطهارة في أحكام الحائض ج 1 ص 98 س 41.
(8) من لا يحضره الفقيه: باب أحكام السهو في الصلاة ذيل ح 1029 ج 1 ص 355.
401

العبارة - فهو كسابقه ضعيف.
ثم في كون الصلاة المدركة منها ركعة لو أتى بها في الوقت (أداء) بجميعها
كما عن المبسوط (1) والتحرير (2) والمختلف (3) والمنتهى (4) ونهاية الإحكام (15) -
ولعله المشهور بل عن الخلاف نفي الخلاف عنه (6) - " الادراك " في
الأخبار المتقدمة، أو قضاء كذلك كما في المبسوط عن بعض الأصحاب (7) لعدم
الوقوع في الوقت بناء على أن أجزاء الوقت بإزاء أجزائها فالآخر بإزاء الآخر
وأوقع فيه ما قبله فلم يقع شئ منها في وقته، أو المدركة أداء والباقي قضاء لوقوع
بعض في الوقت وبعضه في خارجه مع كون الظاهر والأصل أن جملة الوقت
بإزاء الجملة من دون توزيع أوجه: أوجهها الأول. ولا ثمرة لهذا الاختلاف على
القول بعدم لزوم نية الأداء والقضاء في العبادة، كما هو الأظهر.
(و) يجب عليها (مع الاهمال) بما وجب عليها أداؤه فعله (قضاء) إجماعا
فتوى ونصوصا عموما وخصوصا، ففي الخبر الموثق: عن المرأة ترى الطهر عند
الظهر فتشتغل في شأنها حتى يدخل وقت العصر؟ قال: تصلي العصر وحدها،
فإن ضيعت فعليها صلاتان (8). ومثله في آخر (9). وفيهما دلالة (10) على اعتبار
إدراك مقدار الطهارة في وجوب الصلاة.

(1) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر المواقيت ج 1 ص 72.
(2) تحرير الأحكام: كتاب الطهارة في أحكام الحائض ج 1 ص 15 س 20.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في غسل الحيض وأحكامه ج 1 ص 37 س 19.
(4) منتهى المطلب: كتاب الطهارة في أحكام الحيض وما يتعلق به ج 1 ص 114 س 35.
(5) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في أحكام الحائض ج 1 ص 124.
(6) الخلاف: كتاب الصلاة م 13 ج 1 ص 271.
(7) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر المواقيت ج 1 ص 72.
(8) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب الحيض ح 5 ج 2 ص 599.
(9) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب الحيض ح 4 ج 2 ص 599.
(10) في نسخة ق " ومثله في آخر وقتها ولا دلالة فيه على اعتبار مقدار الطهارة ".
402

ولم أقف على دليل على اعتبار سائر الشروط الملحقة بها فيه أيضا، مع
اقتضاء عمومات الأوامر بالصلاة وإطلاقاتها العدم، فتكون بالنسبة إليها
واجبة مطلقة لا مشروطة، فالالحاق ضعيف. كضعف احتمال عدم اعتبار
وقت الطهارة كما عن العلامة في النهاية (1) بناء على عدم اختصاصها بوقت
واشتراطها في اللزوم بل الصحة، لدلالة المعتبرة المتقدمة المعتضدة بالشهرة
العظيمة على خلافه ولزوم اعتباره.
(وتغتسل كاغتسال الجنب) في كيفيته وواجباته ومندوباته، لعموم
المعتبرة.
كالموثق: غسل الجنابة والحيض واحد (2).
وفي آخر: أعليها غسل مثل غسل الجنابة؟ قال: نعم، يعني
الحائض (3).
ولكن عن النهاية: أنها تغتسل بتسعة أرطال من ماء وإن زادت على ذلك
كان أفضل (4). وفي الجنابة: فإن استعمل أكثر من ذلك جاز (5). ولعله رأى
الاسباغ لها بالزائد لشعرها وجلوسها في الحيض أياما، أو لاحظ مكاتبة الصفار
" كم حد الذي يغسل به الميت كما رووا أن الجنب يغتسل بستة أرطال
والحائض بتسعة أرطال " (6) أو الخبر " عن الحائض كم يكفيها من الماء؟ قال:
فرق " (7)

(1) نهاية الإحكام: كتاب الطهارة في الأوقات ج 1 ص 317.
(2) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الحيض ح 1 ج 2 ص 566.
(3) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الحيض ح 6 ج 2 ص 567.
(4) النهاية: كتاب الطهارة باب حكم الحائض و... ص 28.
(5) النهاية: كتاب الطهارة باب الجنابة وأحكامها و... ص 22.
(6) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب غسل الميت ح 2 ج 2 ص 718، مع اختلاف يسير.
(7) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب الحيض ح 3 ج 2 ص 564.
403

وهو كما قاله أبو عبيدة - بلا اختلاف بين الناس - ثلاثة أصوع. ولا بأس به،
للتسامح، وإن كان في أدلته نظر.
(لكن لا بد معه من وضوء) (1) على الأشهر الأظهر كما مر في بحث
الجنابة.
إلى هنا انتهى الجزء الأول من كتاب " رياض المسائل " حسب تجزئتنا
ويتلوه الجزء الثاني وأوله: الثالث غسل الاستحاضة.
والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على محمد وآله الطاهرين المعصومين.
وسلم تسليما كثيرا.

(1) في نسخة ش والمتن المطبوع " من الوضوء ".
404

متن
المختصر النافع (1)

(1) خدمة للقارئ الكريم ننقل متن كتاب (المختصر النافع) للمحقق الحلي قدس سره - وهي
النسخة المطبوعة المتداولة - بقدر ما جاء في هذا الجزء من (رياض المسائل) لآية الله
السيد علي الطباطبائي رحمه الله، ولا يخفى أن بين النسخة المذكورة والنسخ المتعددة من
الرياض اختلافات لم نذكر مواردها بل تركناها للقارئ العزيز.
405

كتاب الطهارة
وأركانه أربعة:
الركن الأول: في المياه، والنظر في المطلق والمضاف والأسآر.
أما المطلق فهو في الأصل طاهر ومطهر، يرفع الحدث ويزيل الخبث، وكله
ينجس باستيلاء النجاسة على أحد أوصافه، ولا ينجس الجاري منه بالملاقاة، ولا الكثير
من الراكد
وينجس القليل من الراكد بالملاقاة على الأصح.
وحكم ماء الحمام حكمه إذا كان له مادة، وكذا ماء الغيث حال نزوله.
وفي تقدير الكثرة روايات، أشهرها ألف ومائتا رطل، وفسر الشيخان بالعراقي.
في نجاسة البئر بالملاقاة قولان، أظهرهما التنجيس.
407

منزوحات البئر:
وينزح - لموت البعير والثور وانصباب الخمر - ماؤها أجمع، وكذا قال
الثلاثة في المسكرات. وألحق الشيخ الفقاع والمني والدماء الثلاثة.
فإن غلب الماء تراوح عليها قوم اثنين اثنين يوما. ولموت البغل والحمار ينزح كر،
وكذا قال الثلاثة في الفرس والبقرة.
ولموت الإنسان سبعون دلوا.
وللعذرة عشرة، فإن ذابت فأربعون أو خمسون.
وفي الدم أقوال، والمروي في دم ذبح الشاة من ثلاثين إلى أربعين، وفي القليل.
دلاء يسيرة.
ولموت الكلب وشبهه أربعون، وكذا في بول الرجل.
وألحق الشيخان بالكلب موت الثعلب والأرنب والشاة.
وروى في الشاة تسع أو عشر. وللسنور أربعون، وفي رواية سبع.
ولموت الطير واغتسال الجنب سبع، وكذا للكلب لو خرج حيا، وللفأرة إن
تفسخت، وإلا فثلاث، وقيل: دلو.
ولبول الصبي سبع، وفي رواية ثلاث.
ولو كان رضيعا فدلو واحد، وكذا، في العصفور وشبهه.
ولو غيرت النجاسة ماءها تنزح كلها.
ولو غلب الماء فالأولى أن تنزح حتى يزول التغير، ويستوفى المقدر.
ولا ينجس البئر بالبالوعة ولو تقاربتا ما لم تتصل نجاستها، لكن يستحب
تباعد هما قدر خمس أذرع إن كانت الأرض صلبة أو كانت البئر فوقها، وإلا فسبع.
408

وأما المضاف: فهو ما لا يتناوله الاسم بإطلاقه، ويصح سلبه عنه،
كالمعتصر من الأجسام والمصعد والممزوج بما يسلبه الإطلاق.
وكله طاهر لكن لا يرفع حدثا، وفي طهارة محل الخبث به قولان، أصحهما: المنع،
وينجس بالملاقاة وإن كثر.
وكل ما يمازج المطلق ولم يسلبه الإطلاق لا يخرج عن إفادة التطهير وإن غير
أحد أوصافه.
وما يرفع به الحدث الأصغر طاهر ومطهر، وما يرفع به الحدث الأكبر طاهر.
وفي رفع الحدث به ثانيا قولان، المروي: المنع.
وفيما يزال به الخبث إذا لم تغيره النجاسة قولان، أشبههما: التنجس عدا
ماء الاستنجاء.
ولا يغتسل بغسالة الحمام إلا أن يعلم خلوها من النجاسة.
وتكره الطهارة بماء أسخن بالشمس في الآنية، وبماء أسخن بالنار في
غسل الأموات.
وأما الأسئار: فكلها طاهرة عدا سؤر الكلب والخنزير والكافر.
وفي سؤر ما لا يؤكل لحمه قولان، وكذا في سؤر المسوخ، وكذا ما أكل
الجيف مع خلو موضع الملاقاة من عين النجاسة، والطهارة في الكل أظهر.
وفي نجاسة الماء بما لا يدركه الطرف من الدم قولان، أحوطهما:
409

النجاسة.
ولو نجس أحد الإناءين ولم يتعين اجتنب ماؤهما.
وكل ماء حكم بنجاسته لم يجز استعماله ولو اضطر معه إلى الطهارة تيمم.
الركن الثاني - في الطهارة المائية، وهي وضوء وغسل.
[الوضوء]
فالوضوء يستدعي بيان أمور:
(الأول) في موجباته. وهي خروج البول والغائط والريح من الموضع
المعتاد والنوم الغالب على الحاستين والاستحاضة القليلة.
وفي مس باطن الدبر وباطن الإحليل قولان، أظهرهما أنه لا ينقض.
(الثاني) في آداب الخلوة:
والواجب ستر العورة.
ويحرم استدبار القبلة واستقبالها ولو كان في الأبنية على الأشبه
ويجب غسل مخرج البول ويتعين الماء لإزالته، وأقل ما يجزئ مثلا ما
على الحشفة، وغسل موضع الغائط بالماء، وحده الإنقاء، فإن لم يتعد المخرج
تخير بين الأحجار والماء.
410

ولا يجزئ أقل من ثلاثة ولو نقى بما دونها.
ويستعمل الخزف بدل الأحجار.
ولا يستعمل العظم ولا الروث ولا الحجر المستعمل.
وسننها: تغطية الرأس عند الدخول. والتسمية. وتقديم الرجل
اليسرى والاستبراء والدعاء عند الدخول، وعند النظر إلى الماء، وعند الاستنجاء
وعند الفراغ. والجمع بين الأحجار والماء، والاقتصار على الماء إن لم يتعد. وتقديم
اليمنى عند الخروج.
(مكروهاتها): ويكره الجلوس في الشوارع والمشارع ومواضع اللعن وتحت
الأشجار المثمرة وفئ النزال. واستقبال الشمس والقمر، والبول في الأرض الصلبة،
وفي مواطن الهوام، وفي الماء جاريا وراكدا، واستقبال الريح به، والأكل
والشرب والسواك، والاستنجاء باليمين، وباليسار وفيها خاتم عليه اسم الله تعالى،
والكلام إلا بذكر الله أو لضرورة.
(الثالث): في الكيفية.
والفروض سبعة:
الأول: النية مقارنة لغسل الوجه، ويجوز تقديمها عند غسل اليدين، واستدامة
حكمها حتى الفراغ.
والثاني: غسل الوجه، وطوله من قصاص شعر الرأس إلى الذقن، وعرضه
ما اشتملت عليه الإبهام والوسطى.
ولا يجب غسل ما استرسل من اللحية ولا تخليلها.
والثالث: غسل اليدين مع المرفقين مبتدئا بهما.
ولو نكس فقولان، أشبههما: أنه لا يجزئ.
411

وأقل الغسل ما يحصل به مسماه ولو دهنا.
والرابع: مسح مقدم الرأس ببقية البلل بما يسمى مسحا.
وقيل: أقله ثلاث أصابع مضمومة، [ولو استقبل فالأشبه الكراهية]
ويجوز على الشعر أو البشرة، ولا يجزئ على حائل كالعمامة.
والخامس: مسح الرجلين إلى الكعبين وهما قبتا القدم، ويجوز منكوسا،
ولا يجوز على حائل من خف وغيره إلا للضرورة.
والسادس: الترتيب: يبدأ بالوجه ثم باليمنى ثم باليسرى ثم بالرأس ثم
بالرجلين ولا ترتيب فيهما.
والسابع: الموالاة. وهي أن يكمل طهارة قبل الجفاف.
مسائل: والفرض في الغسلات مرة، والثانية سنة، والثالثة بدعة، ولا تكرار
في المسح،
ويحرك ما يمنع وصول الماء إلى البشرة وجوبا كالخاتم، ولو لم يمنع حركه استحبابا.
والجبائر تنزع إن أمكن، وإلا مسح عليها ولو في موضع الغسل.
ولا يجوز أن يولي وضوءه غيره اختيارا.
ومن دام به السلس يصلي كذلك، وقيل يتوضأ لكل صلاة وهو حسن. وكذا
المبطون، ولو فجأه الحدث في الصلاة توضأ وبنى.
والسنن عشرة: وضع الإناء على اليمين، والاغتراف بها، والتسمية، وغسل
اليدين مرة للنوم والبول، ومرتين للغائط قبل الاغتراف، والمضمضة، والاستنشاق،
وأن يبدأ الرجل بظاهر ذراعيه والمرأة بباطنهما، والدعاء عند
412

غسل الأعضاء،
والوضوء بمد، والسواك عنده، ويكره الاستعانة فيه والتمندل. منه.
(الرابع) في الأحكام:
فمن تيقن الحدث وشك في الطهارة أو تيقنهما وجهل المتأخر تطهر.
ولو تيقن الطهارة وشك في الحدث، أو شك في شئ من أفعال الوضوء بعد انصرافه
بنى على الطهارة. ولو كان قبل انصرافه أتى به وبما بعده.
ولو تيقن ترك عضو أتى به على الحالين وبما بعده ولو كان مسحا.
ولو لم تبق على أعضائه نداوة أخذ من لحيته وأجفانه ولو لم تبق نداوة
استأنف الوضوء.
ويعيد الصلاة لو ترك غسل أحد المخرجين ولا يعيد الوضوء، ولو كان الخارج
أحد الحدثين غسل مخرجه دون الآخر.
وفي جواز مس كتابة المصحف للمحدث، قولان أصحهما المنع:
(الغسل)
وأما الغسل ففيه الواجب والندب. فالواجب منه ستة.
(الأول) غسل الجنابة، والنظر في موجبه وكيفيته وأحكامه.
أما الموجب: فأمران:
1 - إنزال الماء يقظة أو نوما ولو اشتبه اعتبر بالدفق وفتور البدن.
وتكفي
413

في المريض الشهوة.
ويغتسل المستيقظ إذا وجد منيا على جسده أو ثوبه الذي ينفرد به.
2 - الجماع في القبل. وحده غيبوبة الحشفة وإن أكسل. وكذا في دبر
المرأة على الأشبه.
وفي وجوب الغسل بوطء الغلام تردد وجزم علم الهدى بالوجوب.
وأما كيفيته: فواجبها خمسة:
النية مقارنة لغسل الرأس أو متقدمة عند غسل اليدين. واستدامة حكمها
غسل البشرة بما يسمى غسلا ولو كان كالدهن. وتخليل ما لا يصل الماء إليه
إلا به. والترتيب. يبدأ برأسه، ثم ميامنه، ثم مياسره. ويسقط الترتيب بالارتماس
وسننها سبعة: الاستبراء، وهو أن يعصر ذكره من المقعدة إلى طرفه ثلاثا
وينتره ثلاثا، وغسل يديه ثلاثا، والمضمضة، والاستنشاق، وإمرار اليد على الجسد
وتخليل ما يصل الماء إليه والغسل، بصاع.
وأما أحكامه:
فيحرم عليه قراءة العزائم، ومس كتابة القرآن، ودخول المساجد
إلا اجتيازا، عدا المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم
ولو احتلم فيهما تيمم لخروجه. ووضع شئ فيها على الأظهر.
ويكره قراءة ما زاد على سبع آيات، ومس المصحف وحمله، والنوم ما لم يتوضأ
والأكل والشرب ما لم يتمضمض ويستنشق، والخضاب.
414

ولو رأى بللا بعد الغسل أعاد إلا مع البول أو الاجتهاد.
ولو أحدث في أثناء غسله ففيه أقوال، أصحها: الإتمام والوضوء.
ويجزئ غسل الجنابة عن الوضوء، وفي غيره تردد أظهره أنه لا يجزئ
(الثاني): غسل الحيض، والنظر فيه وفي أحكامه.
وهو في الأغلب دم أسود أو أحمر غليظ حار له دفع.
فإن اشتبه بالعذرة حكم لها بتطوق القطنة.
ولا حيض مع سن اليأس ولا مع الصغر.
وهل يجتمع مع الحمل؟ فيه روايات، أشهرها أنه لا يجتمع.
وأكثر الحيض عشرة أيام، وأقله ثلاثة أيام.
فلو رأت يوما أو يومين فليس حيضا، ولو كمل ثلاثة في جملة عشرة فقولان،
المروي أنه حيض.
وما بين الثلاثة إلى العشرة حيض وإن اختلف لونه، ما لم يعلم أنه لعذر
أو قرح. ومع تجاوز العشرة ترجع ذات العادة إليها.
والمبتدئة والمضطربة إلى التميز، ومع فقده ترجع المبتدئة إلى عادة أهلها وأقرانها.
فإن لم يكن أو كن مختلفات رجعت هي والمضطربة إلى الروايات وهي ستة
أو سبعة، أو ثلاثة من شهر وعشرة من آخر.
وتثبت العادة باستواء شهرين في أيام رؤية الدم ولا تثبت بالشهر الواحد.
ولو رأت في أيام العادة صفرة أو كدرة، وقبلها أو بعدها بصفة الحيض
415

وتجاوز العشرة، فالترجيح للعادة، وفيه قول آخر.
وتترك ذات العادة الصوم والصلاة برؤية الدم.
وفي المبتدئة والمضطربة تردد، والاحتياط للعبادة أولى حتى يتيقن الحيض.
وذات العادة مع الدم تستظهر بعد عادتها بيوم أو يومين ثم تعمل ما تعمله
المستحاضة، فإن استمر وإلا قضت الصوم.
وأقل الطهر عشرة أيام ولا حد لأكثره.
وأما الأحكام فلا ينعقد لها صلاة ولا صوم ولا طواف، ولا يرتفع لها حدث،
ويحرم عليها دخول المساجد إلا اجتيازا عدا المسجدين، ووضع شئ فيها على الأظهر،
وقراءة العزائم، ومس كتابة القرآن.
ويحرم على زوجها وطؤها موضع الدم ولا يصح طلاقها مع دخوله بها وحضوره.
ويجب عليها الغسل مع النقاء، وقضاء الصوم دون الصلاة.
وهل يجوز أن تسجد لو سمعت السجدة؟ الأشبه نعم.
وفي وجوب الكفارة بوطئها على الزوج روايتان أحوطهما الوجوب.
وهي أي الكفارة دينار في أوله، ونصف في وسطه وربع في آخره.
ويستحب لها الوضوء لوقت كل فريضة، وذكر الله تعالى في مصلاها
بقدر صلاتها.
ويكره لها الخضاب، وقراءة ما عدا العزائم، وحمل المصحف ولمس هامشه،
والاستمتاع منها بما بين السرة والركبة، ووطؤها قبل الغسل.
وإذا حاضت بعد دخول الوقت فلم تصل مع الإمكان قضت، وكذا لو أدركت
من آخر الوقت قدر الطهارة والصلاة وجبت أداء ومع الإهمال قضاء.
وتغتسل كاغتسال الجنب لكن لا بد معه من الوضوء.
416