الكتاب: رياض المسائل
المؤلف: السيد علي الطباطبائي
الجزء: ٥
الوفاة: ١٢٣١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: شعبان المعظم ١٤١٤
المطبعة:
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك:
ملاحظات:

رياض المسائل
تأليف
الفقيه المدقق
السيد علي الطباطبائي
المتوفى في سنة 1231 ه‍ ق
الجزء الخامس
تحقيق
مؤسسة النشر الاسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة
1

رياض المسائل
في بيان
أحكام الشرع بالدلائل
(ج 5)
المؤلف: الفقيه المدقق السيد علي الطباطبائي
الموضوع: فقه
تحقيق ونشر: مؤسسة الاسلامي
عدد الأجزاء: 18 جزء
الطبعة: الأولى
المطبوع: 1000 نسخة
التاريخ: شعبان المعظم 1414 ه‍ ق
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
2

متن
المختصر النافع (1)

(1) خدمة للقارئ الكريم ننقل متن كتاب " المختصر النافع " للمحقق الحلي قدس سره - وهي
النسخة المطبوعة المتداولة - بقدر ما جاء في هذا الجزء من " رياض المسائل " لآية الله
السيد علي الطباطبائي رحمه الله، ولا يخفى أن بين النسخة المذكورة والنسخ المتعددة من
الرياض اختلاف لم نذكر مواردها بل تركناها للقارئ العزيز.
3

بسم الله الرحمان الرحيم
كتاب الزكاة
وهي قسمان:
الأول: زكاة المال
وأركانها أربعة:
(الأول) من تجب عليه:
وهو كل بالغ عاقل حر مالك للنصاب متمكن من التصرف،
فالبلوغ يعتبر في الذهب والفضة إجماعا.
نعم لو أتجر من إليه النظر أخرجها استحبابا، ولو ضمن الولي واتجر
لنفسه كان الربح له، إن كان مليا وعليه الزكاة استحبابا، ولو لم يكن
مليا ولا وليا ضمن ولا زكاة، والربح لليتيم.
وفي وجوب الزكاة في غلات الطفل روايتان، أحوطهما الوجوب،
وقيل: تجب في مواشيهم، وليس بمعتمد.
ولا تجب في مال المجنون صامتا كان أو غيره، وقيل: حكمه حكم
الطفل.
والأول أصح.
5

والحرية معتبرة في الأجناس كلها.
وكذا التمكن من التصرف فلا تجب في مال الغائب إذا لم يكن
صاحبه متمكنا منه، ولو عاد اعتبر الحول بعد عوده إليه.
ولو مضت عليه أحوال زكاه لسنة استحبابا.
ولا في الدين، وفي رواية إلا أن يكون صاحبه هو الذي
يؤخره.
وزكاة القرض على المقترض إن تركه بحاله حولا، ولو أتجر به
استحب.
(الثاني) فيما تجب فيه وما يستحب:
تجب في الأنعام الثلاثة: الإبل والبقر والغنم، وفي الذهب والفضة.
وفي الغلات الأربع: الحنطة، والشعير، والشعير، والتمر، والزبيب، ولا تجب
فيما عداها.
ويستحب في كل ما ينبت من الأرض مما يكال أو يوزن عدا
الخضر.
وفي مال التجارة قولان، أصحهما الاستحباب.
وفي الخيل الإناث، ولا تستحب في غير ذلك، كالبغال والحمير
والرقيق، ولنذكر ما يختص كل جنس إن شاء الله تعالى.
القول في زكاة الأنعام
والنظر في الشرائط واللواحق.
والشرائط أربعة:
(الأول) في النصب، وهي في الإبل اثنا عشر نصابا، خمسة كل
6

واحد خمس وفي كل واحد شاة، فإذا بلغت ستا وعشرين ففيها بنت
مخاض، فإذا بلغت ستا وثلاثين ففيها بنت لبون، وإذا بلغت ستا
وأربعين ففيها حقة، فإذا بلغت إحدى وستين ففيها جذعة، فإذا بلغت
ستا وسبعين ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حقتان، ثم
ليس في الزائد شئ حتى يبلغ مائة وإحدى وعشرين، ففي كل خمسين
حقة، وفي كل أربعين بنت لبون دائما.
وفي البقر نصابان، ثلاثون، وفيها تبيع أو تبيعة، وأربعون وفيها
مسنة.
وفي الغنم خمسة نصب، أربعون، وفيها شاة، ثم مائة وإحدى
وعشرون وفيها شاتان، ثم مائتان وواحدة ففيها ثلاث شياه.
فإذا بلغت ثلاثمائة وواحدة فروايتان، أشهرهما أن فيها لأربع شياه
حتى يبلغ أربعمائة فصاعدا، ففي كل مائة شاة، وما نقص فعفو.
وتجب الفريضة في كل واحد من النصب. ولا يتعلق بما زاد، وقد
جرت العادة بتسمية ما لا يتعلق به الزكاة من الإبل شنقا، ومن البقر
وقصا، ومن الغنم عفوا.
(الشرط الثاني) السوم، فلا تجب في المعلوفة ولو في بعض الحول.
(الثالث) الحول، وهو اثنا عشر هلالا، وإن لم يكمل أيامه، وليس
حول الأمهات حول السخال، بل يعتبر فيها الحول كما في الأمهات، ولو
تم ما نقص عن النصاب في أثناء الحول استأنف حوله من حين تمامه،
ولو ملك مالا آخر كان له حول بانفراده، ولو ثلم النصاب قبل الحول
سقط الجوب، وإن قصد الفرار ولو كان بعد الحول لم يسقط.
7

(الرابع) أن لا تكون عوامل.
وأما اللواحق فمسائل:
(الأولى) الشاة المأخوذة في الزكاة، أقلها الجذع من الضأن، والثنى
من المعز، ويجزى الذكر والأنثى، وبنت المخاض هي التي دخلت في
الثانية، وبنت اللبون هي التي دخلت في الثالثة، والحقة هي التي
دخلت في الرابعة، والجذعة هي التي دخلت في الخامسة، والتبيع من
البقر هو الذي يستكمل سنة ويدخل في الثانية، والمسنة هي التي تدخل
في الثالثة.
ولا تؤخذ الربى، ولا المريضة، ولا الهرمة ولا ذات العوار، ولا تعد
الأكولة ولا فحل الضراب.
(الثانية) من وجب عليه سن من الإبل وليس عنده وعنده أعلى
منها بسن دفعها وأخذ شاتين أو عشرين درهما، ولو كان عنده الأدون
دفعها ومعها شاتين أو عشرين درهما، ويجزي ابن اللبون الذكر عن بنت
المخاض مع عدمها من غير جبر، ويجوز أن يدفع عما يجب في النصاب من
الأنعام وغيرها من غير الجنس بالقيمة السوقية، والجنس أفضل.
ويتأكد في النعم.
(الثالثة) إذا كانت النعم مراضا لم يكلف صحيحة.
ويجوز أن يدفع من غير غنم البلد ولو كانت أدون.
(الرابعة) لا يجمع بين متفرق في الملك، ولا يفرق بين مجتمع فيه ولا
اعتبار بالخلطة.
8

القول في زكاة الذهب والفضة
ويشترط في الوجوب النصاب، والحول، وكونهما منقوشين بسكة
المعاملة.
وفي قدر النصاب الأول من الذهب روايتان، أشهرهما عشرون
دينارا، ففيها عشرة قراريط، ثم كلما زاد أربعة ففيها قيراطان، وليس فيما
نقص عن أربعة زكاة، ونصاب الفضة الأول مائتا درهم ففيها خمسة
دراهم، ثم كلما زاد أربعون ففيها درهم، وليس فيما نقص عن أربعين
زكاة.
والدرهم ستة دوانيق، والدانق ثماني (ثمان خ) حبات من الشعير
يكون قدر العشرة سبعة مثاقيل.
ولا زكاة في السبائك، ولا في الحلي، وزكاته إعارته.
ولو قصد بالسبك الفرار قبل الحول لم تجب الزكاة، ولو كان بعد
الحول لم تسقط.
ومن خلف لعياله نفقة قدر النصاب فزائد المدة وحال عليها
الحول، وجبت عليه زكاتها لو كان، شاهدا، ولم تجب لو كان غائبا.
ولا يجبر الجنس بالجنس الآخر
القول في زكاة الغلات
لا تجب الزكاة في شئ من الغلات الأربع حتى تبلغ نصابا، وهو
خمسة أوسق، بهل وسق ستون صاعا، يكون بالعراقي ألفين
وسبعمائة رطل، ولا تقدير فيما زاد، بل تجب فيه وإن قل.
9

ويتعلق به الزكاة عند التسمية حنطة أو شعيرا أو زبيبا أو تمرا.
وقيل: إذا احمر ثمر النخل أو اصفر أو انعقد الحصرم.
ووقت الاخراج إذا صفت الغلة وجمعت الثمرة، ولا تجب في الغلات
إلا إذا نمت في الملك، لا ما يبتاع حبا أو يستوهب.
وما يسقى سيحا أو بعلا أو عذيا ففيه العشر، وما يسقى بالنواضح
والدوالي ففيه نصف العشر، ولو اجتمع الأمران حكم للأغلب، ولو
تساويا أخذ من نصفه العشر، ومن نصفه نصف العشر، والزكاة بعد المؤونة.
القول فيما تستحب فيه الزكاة:
يشترط في مال التجارة الحول، وأن يطلب برأس المال أو الزيادة
في الحول كله، وأن يكون قيمته نصابا فصاعدا، فتخرج الزكاة حينئذ
عن قيمته دراهم أو دنانير. ويشترط في الخيل حؤول الحول والسوم،
وكونها إناثا، فيخرج عن العتيق ديناران، وعن البرذون دينار، وما يخرج
من الأرض مما تستحب فيه الزكاة حكمه حكم الأجناس الأربعة في
اعتبار السقي وقدر النصب وكمية الواجب.
(الركن الثالث) في وقت الوجوب:
إذا أهل الثاني عشر وجبت الزكاة تعتبر شرائط الوجوب فيه
كله.
وعند الجوب يتعين دفع الواجب، ولا يجوز تأخيره إلا لعذر،
كانتظار المستحق وشبهه.
وقيل: إذا عزلها جاز تأخيرها شهرا أو شهرين.
والأشبه: أن جواز التأخير مشروط بالعذر، فلا يتقدر بغير زواله، ولو
10

أخر مع إمكان التسليم ضمن.
ولا يجوز تقديمها قبل وقت الوجوب على أشهر الروايتين.
ويجوز دفعها إلى المستحق قرضا واحتساب ذلك عليه من الزكاة إن
تحقق الوجوب، وبقى القابض على، صفة الاستحقاق.
ولو تغير حال المستحق استأنف المالك الاخراج، ولو عدم المستحق
في بلده نقلها ولم يضمن لو تلفت، ويضمن لو نقلها مع وجوده، والنية
معتبرة في إخراجها وعزلها.
(الركن الرابع) في المستحق:
والنظر في الأصناف والأوصاف واللواحق.
أما الأصناف فثمانية:
الفقراء، والمساكين، وقد اختلف في أيهما أسوء حالا ولا ثمرة مهمة
في تحقيقه.
والضابط، من لا يملك مؤونة سنة له ولعياله، ولا يمنع لو ملك الدار
والخادم، وكذا من في يده ما يتعيش به ويعجز عن استنماء الكفاية ولو
كان سبعمائة درهم.
ويمنع من يستنمى الكفاية ولو ملك خمسين، وكذا يمنع ذو
الصنعة إذا نهضت بحاجته.
ولو دفعها المالك بعد الاجتهاد فبان الآخذ غير مستحق ارتجعت،
فإن تعذر فلا ضمان على الدافع.
والعاملون، وهم جباة الصدقة.
والمؤلفة، وهم الذين يستمالون إلى الجهاد بالأسهام في الصدقة وإن
11

كانوا كفارا.
وفي الرقاب، وهم المكاتبون والعبيد الذين تحت الشدة ومن وجب
عليه كفارة ولم يجد ما يعتق، ولو لم يوجد مستحق جاز ابتياع العبد
ويعتق.
والغارمون، وهم المدينون في غير معصية دون من صرفه في المعصية.
ولو جهل الأمران قيل: يمنع، وقيل: لا، وهو أشبه.
ويجوز مقاصة المستحق بدين في ذمته، وكذا لو كان الدين على من
يجب الانفاق عليه جاز القضاء عنه حيا وميتا.
وفي سبيل الله، وهو كل ما كان قربة أو مصلحة، كالحج والجهاد،
وبناء القناطر.
وقيل: يختص بالجهاد.
وابن السبيل، وهو المنقطع به، وإن كان غنيا في بلده،
والضيف، ولو كان سفرهما معصية منعا.
وأما الأوصاف المعتبرة في الفقراء والمساكين فأربعة:
(الأول) الايمان: فلا يعطى منهم كافر ولا مسلم غير
محق.
وفي صرفها إلى المستضعف مع عدم العارف تردد، أشبهه المنع،
وكذا في الفطرة.
ويعطى الأطفال (أطفال خ) المؤمنين، ولو أعطى مخالف فريضة
ثم استبصر أعاد.
(الثاني) العدالة وقد اعتبرها قوم، وهو أحوط، واقتصر آخرون على
12

مجانبة الكبائر.
(الثالث) أن لا يكون ممن تجب نفقته كالأبوين وإن علوا، والأولاد
وإن نزلوا، والزوجة، والمملوك، ويعطى باقي الأقارب.
(الرابع) أن لا يكون هاشميا، فإن زكاة غير قبيلته محرمة عليه دون
زكاة الهاشمي، ولو قصر الخمس عن كفايته جاز أن يقبل الزكاة ولو من
غير الهاشمي، وقيل: لا يتجاوز قدر الضرورة وتحل لمواليهم.
والمندوبة لا تحرم على هاشمي ولا غيره.
والذين يحرم عليهم الواجبة ولد عبد المطلب.
وأما اللواحق فمسائل:
(الأولى) يحب دفع الزكاة إلى الإمام إذا طلبها، ويقبل قول المالك
لو ادعى الاخراج ولو بادر المالك بإخراجها أجزأته.
ويستحب دفعها إلى الإمام ابتداء، ومع فقده إلى الفقيه المأمون من
الإمامية لأنه أبصر بمواقعها.
(الثانية) يجوز أن يخص بالزكاة أحد الأصناف ولو واحدا، وقسمتها
على الأصناف أفضل.
وإذا قبضها الإمام أو الفقيه برئت ذمة المالك ولو تلفت.
(الثالثة) لو لم يجد مستحقا استحب عزلها والايصاء بها.
(الرابعة) لو مات العبد المبتاع بمال الزكاة ولا وارث له ورثته
أرباب الزكاة، وفيه وجه آخر، وهذا أجود.
(الخامسة) أقل ما يعطي الفقير ما يجب في النصاب الأول، وقيل:
13

ما يجب في الثاني، والأول أظهر، ولا حد للأكثر، فخير الصدقة ما أبقت
غنى.
(السادسة) يكره أن يملك ما أخرجه في الصدقة اختيارا، ولا بأس
أن يعود إليه بميراث وشبهه.
(السابعة) إذا قبض الإمام أو الفقيه الصدقة دعا لصاحبها استحبابا
على الأظهر.
(الثامنة) يسقط مع غيبة الإمام سهم السعاة والمؤلفة، وقيل: يسقط
سهم السبيل، وعلى ما قلناه لا يسقط.
(التاسعة) ينبغي أن يعطى زكاة الذهب والفضة أهل المسكنة،
وزكاة النعم أهل التجمل، والتوصل، إلى المواصلة بها ممن يستحيي من قبولها
القسم الثاني: في زكاة الفطر
وأركانها أربعة:
(الأول) فيمن تجب عليه:
إنما تجب على البالغ العاقل الحر الغني، يخرجها عن نفسه وعياله،
من مسلم وكافر وحر وعبد وصغير وكبير، ولو عال تبرعا.
ويعتبر النية في أدائها، وتسقط عن الكافر لو أسلم.
وهذه الشروط تعتبر عند هلال شوال، فلو أسلم الكافر أو بلغ
الصبي أو ملك الفقير القدر المعتبر قبل الهلال وجبت الزكاة.
ولو كان بعده لم تجب، وكذا لو ولد له أو ملك عبدا.
وتستحب لو كان ذلك ما بين الهلال وصلاة العيد، والفقير
14

مندوب إلى إخراجها عن نفسه وعن عياله وإن قبلها، ومع الحاجة يدبر
على عياله صاعا ثم يتصدق به على غيرهم.
(الثاني) في جنسها وقدرها:
والضابط إخراج ما كان قوتا غالبا كالحنطة والشعير والتمر والزبيب
والأرز والأقط واللبن، وأفضل ما يخرج التمر، ثم الزبيب، ويليه ما يغلب
على قوت بلده، وهي من جميع الأجناس وهو تسعة أرطال
بالعراقي.
ومن اللبن أربعة أرطال، وفسره قوم بالمدني، ولا تقدير في عوض
الواجب، بل يرجع إلى القيمة السوقية.
(الثالث) في وقتها:
ويجب بهلال شوال، ويتضيق عند صلاة العيد، ويجوز تقديمها في شهر
رمضان ولو من أوله أداء، ولا يجوز تأخيرها عن الصلاة إلا لعذر، أو
انتظار المستحق.
وهي قبل صلاة العيد فطرة، وبعدها صدقة.
وقيل: يجب القضاء وهو أحوط.
وإذا عزلها وأخر التسليم لعذر لم يضمن لو تلفت، ويضمن لو أخرها
مع إمكان التسليم، ولا يجوز نقلها مع وجود المستحق، ولو نقلها ضمن،
ويجوز مع عدمه، ولا يضمن.
(الرابع) في مصرفها:
وهو مصرف زكاة المال، ويجوز أن يتولى المالك إخراجها، وصرفها
15

إلى الإمام أو من نصبه أفضل، ومع التعذر إلى فقهاء الإمامية.
ولا يعطي الفقير أقل من صاع، إلا أن يجتمع من لا تتسع لهم،
ويستحب أن يخص بها القرابة، ثم الجيران مع الاستحقاق.
16

كتاب الخمس
وهو يجب في غنائم دار الحرب، والكنائز، والمعادن، والغوص،
وأرباح التجارات، وأرض الذمي إذا اشتراها من مسلم، وفي الحرام إذا
اختلط بالحلال ولم يتميز.
ولا يجب في الكنز حتى تبلغ قيمته عشرين دينارا.
وكذا يعتبر في المعدن على رواية البزنطي.
ولا في الغوص حتى تبلغ دينارا.
ولا في أرباح التجارات إلا فيما فضل منها عن مؤونة السنة له
ولعياله، ولا يعتبر في الباقية مقدار.
ويقسم الخمس ستة أقسام على الأشهر: ثلاثة للإمام عليه السلام، وثلاثة
لليتامى والمساكين وأبناء السبيل ممن ينتسب إلى عبد المطلب بالأب،
وفي استحقاق من ينتسب إليه بالأم قولان، أشبههما أنه لا يستحق.
وهل يجوز أن تخص به طائفة حتى الواحد؟ فيه تردد، والأحوط
بسطه عليهم ولو متفاوتا.
ولا يحمل الخمس إلى غير بلده، إلا مع عدم المستحق فيه.
ويعتبر الفقر في اليتيم، ولا يعتبر في ابن السبيل، ولا تعتبر العدالة.
وفي اعتبار الايمان تردد، واعتباره أحوط.
17

ويلحق بهذا الباب مسائل
(الأولى) ما يخص به الإمام عليه السلام من الأنفال هو ما يملك من
الأرض بغير قتال، سلمها أهلها، أو انجلوا.
والأرض الموات التي باد أهلها، أو لم يكن لها أهل، ورؤوس
الجبال، وبطون الأودية، والآجام وما يختص به ملوك أهل الحرب من
الصوافي، والقطائع غير المغصوبة، وميراث من لا وارث له.
وفي اختصاصه بالمعادن تردد، أشبهه أن الناس فيها شرع.
وقيل: إذا غزا قوم بغير إذنه، فغنيمتهم له، والرواية مقطوعة.
(الثانية) لا يجوز التصرف فيما يختص به مع وجوده إلا بإذنه،
وفي حال الغيبة لا بأس بالمناكح، وألحق الشيخ المساكن والمتاجر.
(الثالثة) يصرف الخمس إليه مع وجوده، وله ما يفضل عن كفاية
الأصناف من نصيبهم، وعليه الاتمام لو أعوز، ومع غيبته يصرف إلى
الأصناف الثلاثة مستحقهم.
وفي مستحقه عليه السلام أقوال، أشبهها جواز دفعه إلى من يعجز
حاصلهم من الخمس عن قدر كفايتهم على وجه التتمة لا غير.
18

كتاب الصوم
وهو يستدعى بيان أمور:
(الأول) الصوم وهو الكف عن المفطرات مع النية، ويكفي في شهر
رمضان نية القربة، وغيره يفتقر إلى التعيين.
وفي النذر المعين تردد.
ووقتها ليلا ويجوز تجديدها في شهر رمضان إلى الزوال.
وكذا في القضاء، ثم يفوت وقتها.
وفي وقتها للمندوب روايتان، أصحهما مساواة الواجب.
وقيل: يجوز تقديم نية شهر رمضان على الهلال ويجزئ فيه نية
واحدة، ويصام يوم الثلاثين من شعبان بنية الندب، ولو اتفق من
رمضان أجزأ، ولو صام بنية الواجب لم يجز.
وكذا لو ردد نيته، وللشيخ قول آخر.
ولو أصبح بنية الافطار فبان من شهر رمضان جدد نية الوجوب ما لم
تزل الشمس وأجزأه، ولو كان بعد الزوال أمسك واجبا، وقضاه.
(الثاني) فيما يمسك عنه الصائم وفيه مقصدان:
(الأول) يجب الامساك عن تسعة: الأكل، والشرب المعتاد وغيره.
والجماع والاستمناء، وإيصال الغبار إلى الحلق متعديا، والبقاء على
19

الجنابة حتى يطلع الفجر، ومعاودة النوم جنبا، والكذب على الله
ورسوله والأئمة عليهم السلام.
والارتماس في الماء، وقيل: يكره.
وفي السعوط ومضغ العلك تردد، أشبهه الكراهية.
وفي الحقنة قولان، أشبههما التحريم بالمائع.
والذي يبطل الصوم إنما يبطله عمدا اختيار.
فلا يفسد بمص الخاتم، ومضغ الطعام للصبي، وزق الطائر،
وضابطه ما لا يتعدى الحلق، ولا استنقاع الرجل في الماء.
والسواك في الصوم مستحب ولو بالرطب.
ويكره مباشرة النساء تقبيلا ولمسا وملاعبة، والاكتحال بما
فيه صبر أو مسك، وإخراج الدم المضعف، ودخول الحمام كذلك، وشم
الرياحين.
ويتأكد في النرجس، والاحتقان بالجامد، وبل الثوب على الجسد،
وجلوس المرأة في الماء.
المقصد الثاني وفيه مسائل:
(الأولى) تجب الكفارة والقضاء بتعمد الأكل والشرب والجماع
قبلا ودبرا على الأظهر، والامناء بالملاعبة، والملامسة، وإيصال الغبار
إلى الحلق.
وفي الكذب على الله والرسول والأئمة عليهم السلام، وفي الارتماس
قولان، أشبهما أنه لا كفارة.
وفي تعمد البقاء على الجنابة إلى الفجر روايتان، أشهرهما الوجوب.
20

وكذا لو نام غيرنا وللغسل حتى طلع الفجر.
(الثانية) الكفارة عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام
ستين مسكينا، وقيل: هي مرتبة.
وفي رواية، يجب على الافطار بالمحرم كفارة الجمع.
(الثالثة) لا تجب الكفارة في شئ من الصيام عدا شهر رمضان
والنذر المعين وقضاء شهر مضان بعد الزوال.
والاعتكاف كل وجه.
(الرابعة) من أجنب ونام ناويا للغسل حتى طلع الفجر فلا قضاء
ولا كفارة.
ولو انتبه ثم نام ثانيا فعليه القضاء، ولو انتبه ثم نام ثالثة قال
الشيخان: عليه القضاء والكفارة.
(الخامسة) يحب القضاء دون الكفارة في الصوم الواجب المتعين
بسبعة أشياء. فعل المفطر والفجر طالع ظانا بقاء الليل مع القدرة على
مراعاته.
وكذا مع الاخلاد إلى المخبر ببقاء الليل مع القدرة على المراعاة
والفجر طالع.
وكذا لو ترك قول المخبر؟ بالفجر لظنه كذبه ويكون صادقا.
وكذا لو أخلد إليه في دخول الليل فأفطر وبان كذبه مع القدرة
على المراعاة.
والافطار للظلمة الموهمة دخول الليل، ولو غلب على ظنه دخول
الليل لم يقض.
21

وتعمد القئ ولو ذرعا لم يقض وإيصال الماء إلى الحلق متعديا لا
للصلاة.
وفي إيجاب القضاء بالحقنة قولان أشبههما أنه لا قضاء.
وكذا من نظر إلى امرأة فأمنى.
(السادسة) تتكرر الكفارة مع تغاير الأيام.
وهل تتكرر بتكرر الوطئ في اليوم الواحد؟ قيل: نعم والأشبه أنها لا
تتكرر. ويعزر من أفطر لا مستحلا مرة وثانية فإن عاد ثالثة
قتل.
(السابعة) من وطأ زوجته مكرها لها لزمه كفارتان ويعزر دونها.
ولو طاوعته كان على كل منهما كفارة ويعزران.
(الثالث) من يصح منه ويعتبر في الرجل العقل والاسلام.
وكذا في المرأة مع اعتبار الخلو من الحيض والنفاس فلا يصح من
الكافر وإن وجب عليه ولا من المجنون.
والمغمى عليه ولو سبقت منه النية على الأشبه.
ولا من الحائض والنفساء ولو صادف ذلك أول جزء من النهار
أو آخر جزء منه ولا يصح من الصبي غير المميز ويصح من الصبي المميز
ومن المستحاضة مع فعل ما يجب عليها من الأغسال.
ويصح من المسافر في النذر المعين المشترط سفرا وحضرا على قول
مشهور وفي ثلاثة أيام لدم المتعة وفي بدل البدنة لمن أفاض من عرفات
قبل الغروب عامدا.
ولا تصح في واجب غير ذلك على الأظهر إلا أن يكون سفره أكثر
22

من حضره أو يعزم الإقامة عشرة.
والصبي المميز يؤخذ بالواجب لسبع استحبابا مع الطاقة،
ويلزم به عند البلوغ، فلا يصح من المريض مع التضرر به، ويصح لو لم
يتضرر ويرجع في ذلك إلى نفسه.
(الرابع) في أقسامه، وهي أربعة: واجب، وندب، ومكروه، ومحظور.
فالواجب ستة: شهر رمضان، والكفارة، ودم المتعة، والنذر وما
في معناه، والاعتكاف على وجه، وقضاء الواجب المعين.
أما شهر رمضان فالنظر في علامته وشروطه وأحكامه:
(الأول) أما علامته، فهي رؤية الهلال، فمن رآه وجب عليه صومه، ولو
انفرد بالرؤية.
ولو رأي شائعا أو مضى من شعبان ثلاثون وجب الصوم عاما، ولو
لم يتفق ذلك قيل: يقبل الواحد احتياطا للصوم خاصة.
وقيل: لا يقبل مع الصحو إلا خمسون نفسا أو اثنان من خارج،
وقيل: يقبل شاهدان كيف كان، وهو أظهر.
ولا اعتبار بالجدول، ولا بالعدد، ولا بالغيبوبة بعد الشفق، ولا
بالتطوق ولا بعد خمسة أيام من هلال الماضية.
وفي العمل برؤيته قبل الزوال تردد، ومن كان بحيث لا يعلم
الأهلة توخى صيام شهر، فإن استمر الاشتباه أجزأه.
وكذا إن صادف أو كان بعده، ولو كان قبله استأنف.
ووقت الامساك طلوع الفجر الثاني، فيحل الأكل والشرب حتى
يتبين خيطه، والجماع حتى يبقى لطلوعه قدر الوقاع والاغتسال.
23

ووقت الافطار ذهاب الحمرة المشرقية.
ويستحب تقديم الصلاة على الافطار إلا أن تنازع نفسه أو يكون
من يتوقع إفطاره.
أما شروطه فقسمان:
(الأول) شرائط الوجوب، وهي ستة: البلوغ، وكمال العقل، فلو بلغ
الصبي أو أفاق المجنون أو المغمى عليه لم يجب على أحدهم الصوم إلا ما
أدرك فجره كاملا.
والصحة من المرض، والإقامة أو حكمها.
ولو زال السبب قبل الزوال ولم يتناول أمسك واجبا وأجزأه، ولو
كان بعد الزوال أو قبله وقد تناول أمسك ندبا وعليه القضاء.
والخلو من الحيض والنفاس.
(الثاني) شرائط القضاء: وهي الثلاثة: البلوغ، وكمال العقل،
والاسلام فلا يقضى ما فاته لصغر أو جنون أو إغماء أو كفر، والمرتد
يقضي ما فاته، وكذا كل تارك، عدا الأربعة، عامدا أو ناسيا.
وأما أحكامه ففيه مسائل:
(الأولى) المريض إذا استمر به المرض إلى رمضان آخر سقط القضاء
على الأظهر، وتصدق عن الماضي عن كل يوم بمد.
ولو برئ وكان في عزمه القضاء ولم يقض صام الحاضر وقضى
الأول ولا كفارة، ولو ترك القضاء تهاونا صام الحاضر وقضى الأول
وكفر عن كل يوم منه بمد.
(الثانية) يقضي عن الميت أكبر ولده ما تركه من صيام لمرض وغيره
24

مما تمكن من قضائه ولم يقضه، ولو مات في مرضه لم تقض عنه وجوبا،
واستحب.
وروي القضاء عن المسافر، ولو مات في ذلك السفر.
والأولى مراعاة التمكن ليتحقق الاستقرار، ولو كان وليان قضيا
بالحصص، ولو تبرع بعض صح، ويقضي عن المرأة ما تركته على تردد.
(الثالثة) إذا كان الأكبر أنثى فلا قضاء، وقيل: يتصدق من التركة
عن كل يوم بمد، ولو كان عليه شهران متتابعان جاز أن يقضي الولي شهرا
ويتصدق عن شهر.
(الرابعة) قاضي رمضان مخير حتى تزول الشمس ثم يلزمه المضي،
فإن أفطر لغير عذر أطعم عشرة مساكين ولو عجز صام ثلاثة أيام.
(الخامسة) من نسي غسل الجنابة حتى خرج الشهر فالمروي قضاء
الصلاة والصوم، والأشبه قضاء الصلاة حسب.
وأما بقية أقسام الصوم فستأتي في أماكنها إن شاء الله تعالى.
والندب من الصوم، منه ما لا يختص وقتا، فإن الصوم جنة من
النار، ومنه ما يختص وقتا، والمؤكد منه أربعة عشرة، صوم أول خميس
من الشهر، وأول أربعاء من العشر الثاني، وآخر خميس من العشر
الأخير، ويجوز تأخيرها مع المشقة من الصيف إلى الشتاء، ولو عجز
تصدق عن كل يوم بمد، وصوم أيام البيض، ويوم الغدير، ومولد النبي
صلى الله عليه وآله ومبعثه، ودحو الأرض، ويوم عرفة لمن لا يضعفه
الدعاء مع تحقق الهلال، وصوم (يوم خ) عاشوراء حزنا، ويوم المباهلة،
وكل خميس وجمعة، وأول ذي الحجة، ورجب كله، وشعبان كله.
25

ويستحب الامساك في سبعة مواطن: المسافر إذا قدم أهله (بلده)
أو بلدا يعزم فيه الإقامة بعد الزوال أو قبله وقد تناول.
وكذا المريض إذا برئ، وتمسك الحائض والنفساء والكافر والصبي
والمجنون والمغمى عليه إذا زالت أعذارهم في أثناء النهار لو لم يتناولوا.
ولا يصح صوم الضيف ندبا من غير إذن مضيفه، ولا المرأة من غير
إذن الزوج، ولا المولد من غير إذن الوالد، ولا المملوك بدون إذن مولاه.
ومن صام ندبا ودعي إلى طعام فالأفضل الافطار.
والمحظور صوم العيدين وأيام التشريق لمن كان ب‍ (منى).
وقيل: القاتل في أشهر الحرم يصوم شهرين منها، وإن دخل فيهما
العيد وأيام التشريق لرواية زرارة، والمشهور عموم المنع.
وصوم آخر شعبان بنية الفرض.
ونذر المعصية، والصمت.
والوصال وهو أن يجعل عشاءه سحوره، وصوم الواجب سفرا عدا ما
استثني.
(الخامس) في اللواحق، وهي مسائل:
(الأولى) المريض يلزمه الافطار مع ظن الضرر، ولو تكلفه لم يجزه.
(الثانية) المسافر يلزمه الافطار، ولو صام عالما بوجوبه قضاه، ولو
كان جاهلا لم يقض.
(الثالثة) الشروط المعتبرة في قصر الصلاة معتبرة في قصر الصوم.
ويشترط في قصر الصوم تبييت النية.
وقيل: الشرط خروجه قبل الزوال.
26

وقيل: يقصر ولو خرج قبل الغروب، وعلى التقديرات لا يفطر إلا
حيث يتوارى جدران البلد الذي يخرج منه، أو يخفى أذانه.
(الرابعة) الشيخ والشيخة إذا عجزا تصدقا عن كل يوم بمد
وقيل: لا يجب عليهما مع العجز، ويتصدقان مع المشقة.
وذو العطاش يفطر ويتصدق عن كل يوم بمد، ثم إن برئ قضى.
والحامل المقرب، والمرضع القليلة اللبن، لهما الافطار، ويتصدقان
لكل يوم بمد ويقضيان.
(الخامسة) لا يجب صوم النافلة بالشروع فيه، ويكره إفطاره بعد
الزوال.
(السادسة) كل ما يشترط فيه التتابع إذا أفطر لعذر بنى، وإن أفطر
لا لعذر استأنف إلا ثلاثة مواضع:
من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فصام شهرا ومن الثاني شيئا.
ومن وجب عليه شهر بنذر فصام خمسة عشر يوما.
وفي الثلاثة الأيام عن هدي التمتع إذا صام يومين وكان الثالث
العيد أفطر وأتم الثالث بعد أيام التشريق إن كان ب‍ (منى)، ولا يبني لو كان
الفاصل غيره.
27

كتاب الاعتكاف
والنظر في شروطه وأقسامه وأحكامه.
أما الشروط فخمسة:
(1) النية.
(2) والصوم، فلا يصح إلا في زمان يصح صومه ممن يصح منه.
(3) والعدد، وهو ثلاثة أيام.
(4) والمكان، وهو كل مسجد جامع.
وقيل: لا يصح إلا في أحد المساجد الأربعة: مكة، والمدينة،
وجامع الكوفة، والبصرة.
(5) والإقامة في موضع الاعتكاف، فلو خرج أبطله إلا لضرورة أو
طاعة مثل تشييع جنازة مؤمن أو عيادة مريض أو شهادة، ولا يجلس لو
خرج، ولا يمشي تحت ظل.
ولا يصلي خارج المسجد إلا بمكة.
وأما أقسامه:
فهو واجب وندب، فالواجب ما وجب بنذر وشبهه وهو ما يلزم
بالشروع، والمندوب ما يتبرع به.
ولا يجب بالشروع، فإذا مضى يومان ففي وجوب الثالث قولان،
28

المروي أنه يجب.
وقيل: لو اعتكف ثلاثا فهو بالخيار في الزائد، فإن أعتكف يومين
آخرين وجب الثالث.
وأما أحكامه فمسائل:
(الأولى) يستحب للمعتكف أن يشترط كالمحرم فإن شرط جاز له
الرجوع ولم يجب القضاء، ولو لم يشترط ثم مضى يومان وجب الاتمام
على الرواية، ولو عرض عارض خرج فإذا زال وجب القضاء.
(الثانية) يحرم على، المعتكف الاستمتاع بالنساء، والبيع، والشراء
وشم الطيب.
وقيل يحرم عليه ما يحرم على المحرم، ولم يثبت.
(الثالثة) يفسد الاعتكاف ما يفسد الصوم، ويجب الكفارة
بالجماع فيه، مثل كفارة شهر رمضان، ليلا كان أو نهارا، ولو كان في
نهار شهر رمضان لزمه كفارتان.
ولو كان بغير الجماع مما يوجب الكفارة في شهر رمضان، فإن
وجب بالنذر المعين لزمت الكفارة، وإن لم يكن معينا أو كان تبرعا فقد
أطلق الشيخان لزوم الكفارة.
ولو خصا ذلك بالثالث كان أليق بمذهبهما.
29

كتاب الزكاة
32

بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين.
(كتاب الزكاة)
وهي لغة الزيادة والنمو والطهارة. وشرعا حق يجب في المال يعتبر في
وجوبه النصاب قاله في المعتبر (1).
ونقض طردا بخمس الكنز والغوص، وعكسا بالصدقة المندوبة. فالأجود
أن يقال: إنها صدقة راجحة مقدرة بأصل الشرع ابتداء. وقريب منه ما ذكره
الشهيد رحمه الله من أنها صدقة متعلقة بنصاب بالأصالة (2).
هذا والأمر في هذه التعاريف هين، ووجوبا ثابت بالكتاب والسنة
وإجماع الأمة، والنصوص في فضلها وعقاب تاركها (3) متواترة، بل لا تكاد
تحصى.
(وهي قسمان):
(الأول: زكاة الأموال)
(وأركانها أربعة)
(الأول: من تجب عليه وهو كل بالغ عاقل حر مالك للنصاب

(1) المعتبر: كتاب الزكاة ج 2 ص 485.
(2) الدروس الشرعية: كتاب الزكاة ص 57 س 4.
(3) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ج 2 ص 3.
33

متمكن من التصرف)، فهذه شروط خمسة.
وتفصيل الكلام فيها أن (البلوغ (1) يعتبر) في وجوبها (في الذهب
والفضة إجماعا) منا ظاهرا، وحكاه جماعة (2) مستفيضا.
ولحديث رفع القلم (3)، مضافا إلى الأصل، والصحاح المستفيضة، وغيرها
من المعتبرة، ليس في مال اليتيم زكاة (4). وخصوص ما سيأتي فحوى، بل
صريحا في بعضه.
(نعم لو أتجر من إليه النظر) في مال الطفل أي وليه الشرعي
(أخرجها) عنه (استحبابا) على الأشهر الأقوى، بل في المعتبر (5)
والمنتهى (6) ونهاية الإحكام (7) وظاهر الغنية (8) كما حكي أن عليه إجماع
علمائنا (9). وهو الحجة، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة، وفيها الصحيح والموثق
وغيرهما ليس على مال اليتيم زكاة إلا أن يتجر به (10). وظاهرها وإن أفاد

(1) في المتن المطبوع: (فالبلوغ).
(2) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في من تجب الزكاة عليه ج 1 ص 471 س 35، ومدارك الأحكام:
كتاب الزكاة في من تجب عليه ج 5 ص 15، والروضة البهية: كتاب الزكاة في من تجب عليه الزكاة
ج 2 ص 11.
(3) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب مقدمة العبادات ح 10 ج 1 ص 32.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة ح 8 ج 6 ص 56.
(5) المعتبر: كتاب الزكاة في من يجب عليه ج 2 ص 487.
(6) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في استحباب اخراج الزكاة لولي الطفل والمجنون إذا أتجر لهما، ج 1
ص 472 س 14.
(7) نهاية الإحكام: كتاب الزكاة في الشرائط العامة في البلوغ ج 2 ص 299.
(8) الغنية (الجوامع الفقهية) كتاب الزكاة س 8 ص 507.
(9) في نسخة (م) و (ق): (وعن الغنية ونهاية الإحكام عليه إجماع علمائنا).
(10) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب ح 1 و 2 ج 6 ص 57.
34

الوجوب كما هو ظاهر المقنعة (1)، إلا أنه محمول على الاستحباب لما سيأتي في
زكاة التجارة من عدم وجوبها على البالغ فهنا أولى، كما صرح به في
التهذيب (2) مؤولا به عبارة المقنعة، واستحسنه جماعة.
خلافا للحلي (3)، فلا يستحب أيضا، ومال إليه بعض المتأخرين (4)، وهو
أحوط، وإن كان في تعينه نظر، لاعتبار سند الروايات في أنفسها وإن ادعى
قصورها، مضافا إلى اعتضادها بشهرة الفتوى بها، ودعوى الاجماع عليه كما
مضى. وليس فيها قصور دلالة كما ادعاه أيضا إلا من جهة ظهورها في
الوجوب بلفظه في بعضها، وما في معناه من نحو لفظة (على).
وقد عرفت الذب عنها بالحمل على تأكد الاستحباب لما سيأتي في زكاة
التجارة، إلا أن المستفاد من بعض النصوص النافية لوجوبها ثمة أن حكمهم
عليهم السلام بوجوبها في هذه النصوص وأمثالها للتقية.
فلم يبق دليل للاستحباب إلا الاجماع المنقول، مع الشهرة العظيمة بين
الأصحاب، وهو كاف في إثباته. هذا إذا أتجر الولي للطفل إرفاقا له.
(ولو ضمن الولي) ماله بأن نقله إلى ملكه بناقل شرعي كالقرض ونحوه
(واتجر لنفسه كان الربح له إن كان مليا) بحيث يقدر على أداء المال
المضمون من ماله لو تلف بحسب حاله (وعليه الزكاة استحبابا) بلا
خلاف أجده، إلا من المنتهى (5) فقد نسب ما في العبارة إلى الشيخ خاصة من
غير اعتراف به ولا رد له مشعرا بنوع تردد له فيه.

(1) المقنعة: ب 7 زكاة أموال الأطفال والمجانين ص 238.
(2) تهذيب الأحكام: ب 8 زكاة أموال الأطفال والمجانين ح 5 ج 4 ص 27.
(3) السرائر: كتاب الزكاة باب وجوب الزكاة ومعرفة من تجب عليه ج 1 ص 441.
(4) الحدائق الناضرة: كتاب الزكاة ج 12 ص 27.
(5) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في استحباب اخراج الزكاة لولي الطفل إذا أتجر لهما ج 1 ص 472 س 20
35

ولم أعرف وجهه ولا متعلقه أهو استحباب الزكاة وهو يقول في التجارة
على الاطلاق، أو استحقاق الربح؟.
ولا يمكن التأمل فيه بعد جواز ضمانه الموجب له الثابت بلا خلاف، إلا
من الحلي (1). وهو نادر؟ مضافا إلى الخبر المنجبر قصوره أو ضعفه بالعمل: عن
مال اليتيم يعمل به؟ فقال: إذا كان عندك مال وضمنته فلك الربح، وأنت
ضامن للمال، وإن كان لا مال لك وعملت به فالربح للغلام، وأنت ضامن
للمال (2).
وقريب منه الصحيح: في رجل عنده مال اليتيم، فقال: إن كان محتاجا
ليس له مال فلا يمس ماله، وإن هو أتجر فالربح لليتيم وهو ضامن (3). ونحوه
غيره (4). فتدبر.
وهذه النصوص هي الحجة في اعتبار الملاءة وإطلاقها كالعبارة ونحوها مما
وقفت عليه من عبائر الفقهاء هنا يقتضي عدم الفرق في الولي بين الأب والجد
له وسائر الأولياء. خلافا للمحكي عن المتأخرين كافة في كلام جماعة (5) حد
الاستفاضة، فقيدوه بمن عدا الأولين. واستشكله بعضهم.
ولعله لعدم وضوح المقيد من النص، إلا ما قيل: من أنه ما ورد من أن
الولد وماله لأبيه (6). وفي صلوحه للتقييد نظر. نعم يصلح للتأبيد بعد وجود

(1) السرائر: كتاب الزكاة باب وجوب الزكاة ومعرفة من تجب عليه ج 1 ص 441.
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ح 7 ج 6 ص 58.
(3) وسائل الشيعة: ب 75 من أبواب ما يكتسب به ح 3 ج 12 ص 191.
(4) وسائل الشيعة: ب 75 من أبواب ما يكتسب به ح 4 ج 12 ص 191. وفيه اختلاف يسير.
(5) والحاكي له صاحب، مدارك الأحكام ج 5 الزكاة في من تجب عليه الزكاة ص 19 ومجمع الفائدة
والبرهان ج 4 كتاب الزكاة في شرائط وجوب الزكاة ص 14.
(6) وسائل الشيعة: ب 78 من أبواب ما يكتسب به ح 8 ج 12 ص 197.
36

الدليل، وليس إلا أن يكون إجماعا، كما يفهم من المقدس الأردبيلي، حيث
قال: وكأنه لا خلاف فيه على ما يظهر (1).
ولا ريب أن اعتبار الملاءة مطلقا أحوط، وإن كان في تعيينه نظر، لما مر،
سيما مع تأيده بضعف الاطلاق بقوة احتمال اختصاصه بحكم التبادر
والسياق بغير الأب، فيرجع إلى عموم ما دل على ثبوت الولاية لهما على
الاطلاق.
(ولو لم يكن مليا ولا وليا ضمن) مال الطفل مع التلف بمثله أو قيمته بلا
خلاف، إلا من الحلي (2). وهو نادر، مضافا إلى الأصول.
وما مر من النصوص وإن اختصت بصورة عدم الملاءة، إذ لا فرق في سبب
الضمان بينه وبين عدم الولاية، فإن كلا منهما موجب له بمقتضى عموم
القاعدة، مع عدم القائل بالفرق بينهما بين الطائفة، مضافا إلى الأولوية.
(ولا زكاة) هنا على العامل قطعا، للأصل، والموثق: الرجل يكون عنده
مال اليتيم فيتجر به أيضمنه؟ قال: نعم، قلت: فعليه الزكاة؟ قال: لا،
لعمري لا أجمع عليه خصلتين: الضمان والزكاة (3).
ولا على اليتيم على الأقوى، وفاقا للفاضلين (4)، للأصل، مع فقد ما يدل
على الاستحباب هنا، عدا إطلاق الأخبار المتقدمة ونحوها. وفي انصرافه إلى
مفروض المسألة مناقشة، لاختصاصها بحكم التبادر بصورة كون الاتجار
لليتيم لا غيره، كما فيما نحن فيه.

(1) مجمع الفائدة والبرهان: كتاب الزكاة في شرائط وجوب الزكاة ج 4 ص 14.
(2) السرائر: كتاب الزكاة باب وجوب الزكاة ومعرفة من تجب عليه ج 1 ص 441.
(3) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ح 5 ج 6 ص 58.
(4) المعتبر: كتاب الزكاة في من تجب عليه ج 2 ص 487، ونهاية الإحكام: كتاب الزكاة في الشرائط
العامة في البلوغ ج 2 ص 299.
37

هذا مع ما عرفت من قوة احتمال ورودها للتقية، وانحصار دليل
استحباب الزكاة في الاجماع، وهو مفقود في محل النزاع. خلافا لجماعة
فيستحب للعموم، وقد عرفت أنه ممنوع.
(و) أطلق الماتن وكثير أن (الربح لليتيم) لا طلاق ما مر من
النصوص (1)، وقيده جماعة بصورة وقوع الشراء بالعين وكون المشتري وليا أو من
أجازه (2)، وإلا كان الشراء باطلا من أصله. وزاد بعضهم فاشترط الغبطة (3).
وآخر فقال: بل لا يبعد توقف الشراء على الإجازة في صورة شراء الولي
أيضا، لأن الشراء لم يقع للطفل ابتداء وإنما أوقعه المتصرف لنفسه، فلا
ينصرف إلى الطفل بدون الإجازة، قال: ومع ذلك كله فيمكن المناقشة في
صحة مثل هذا العقد وإن قلنا بصحة العقد الواقع من الفضولي مع الإجازة،
لأنه لم يقع للطفل ابتداء من غير من إليه النظر في ماله، وإنما وقع التصرف
وجه منهي (4) عنه. وقيل: ولما ذكره وجه (5) إلا أنه يدفعه ظاهر النص
(وفي وجوب الزكاة في غلات الطفل روايتان (6) أحوطهما) ما دل
(على الوجوب) بلفظه، وهو صحيح، وعليه الشيخان (7) وأتباعهما (8)، كما في

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ح 7 ج 6 ص 58 ب 75 من
أبواب ما يكتسب به ح 3 ج 12 ص 191.
(2) التنقيح الرائع: كتاب الزكاة ج 1 ص 296، والدروس الشرعية: كتاب الزكاة ص 57 س 19،
وجامع المقاصد: كتاب الزكاة ج 3 ص 5.
(3) مسالك الأفهام: كتاب الزكاة ج 1 ص 51 س 1.
(4) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في من تجب عليه الزكاة ج 5 ص 20.
(5) والقائل هو.
(6) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة ح 2 ج 6 ص 54، و ح 11 ص 56.
(7) المقنعة: ب 7 زكاة أموال الأطفال والمجانين ص 238، المبسوط: كتاب الزكاة في مال الأطفال
والمجانين ج 1 ص 234.
(8) المهذب: باب زكاة الغلات ج 1 ص 168، الكافي في الفقه: في زكاة الحرث ص 165.
38

المعتبر (1) والمنتهى (2). وفي الناصرية أنه مذهب أكثر أصحابنا (3).
وظاهر العبارة التردد، ولعله لذلك وللأصل، مع اختصاص ما دل على
الوجوب من العمومات كتابا وسنة بالبالغ، لأنه تكليف وليس الطفل من
أهله.
مضافا إلى الرواية الثانية: ليس على جميع غلاته من نخل أو زرع أو غلة
زكاة وإن بلغ فليس عليه لما مضى زكاة، ولا عليه لما يستقبل حتى يدرك،
فإذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة، وكان عليه مثل ما على غيره من
الناس (4)، وهي موثقة، ومع ذلك معتضدة بالأصل، وعموم رفع القلم،
وخصوص ما استفاض من الصحاح وغيرها بنفي الزكاة عن مال اليتيم على
الاطلاق، مع دلالة بعضها على تلازم وجوب الصلاة والزكاة نفيا وإثباتا.
فهذه الرواية أولى، وعليها جملة من أعاظم القدماء، وتبعهم المتأخرون كافة
على الظاهر المصرح به في المدارك (5)، وعزاها في التحرير (6) إلى أكثر علمائنا،
وادعى شهرتها غير واحد.
وبالجملة فهذه الرواية أرجح من الأولى، وإن كانت صحيحة، سيما وقد
عزى القول بمضمونها في المنتهى إلى الجمهور كافة (7) فيتجه حملها على التقية أو

(1) المعتبر: كتاب الزكاة في من يجب عليه ج 2 ص 487.
(2) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في حكم زكاة الأطفال والمجانين ج 1 ص 472 س 21.
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة مسألة 122 ص 241.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب من تجب عليه ومن لا تجب عليه ح 11 ج 6 ص 56، وفيه: (وإن
بلغ اليتيم).
(5) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة ج 5 ص 22.
(6) تحرير الأحكام: كتاب الزكاة فيمن تجب عليه ج 10 ص 57 س 30.
(7) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في حكم زكاة غلات الأطفال والمجانين ج 1 ص 472 س 27.
39

تأكد الاستحباب، لعدم خلاف فيه، بل تأمل جماعة في دلالتها على الوجوب،
وإن تضمنت لفظة (مع) لفظة (على)، لكثرة استعمالها في الاستحباب
المؤكد وفيه نظر. نعم هي موجبة لوهن الدلالة بالإضافة إلى الموثق، ولا ريب
أنه أصرح، فيترجح أيضا من هذا الوجه.
وربما يرجح الصحيحة باعتضادها بإطلاق ما دل على أن الصدقة في
أربعة: في التمر والزبيب والشعير والحنطة (1)، ويضعف بوروده لبيان حكم
آخر غير محل الفرض، وهو يوهن دلالته، بالإضافة إليه كما قرر، في محله، مع
أنه على تقدير تسليمه معارض بما مر من النصوص على أنه ليس في مال اليتيم
زكاة، لأنه أصرح دلالة.
(و) من هنا يظهر أنه لا وجه لما (قيل): من أن الزكاة (تجب في
مواشيهم) (2) أيضا، لضعف الاطلاق الدال على وجوبها بما عرفته هنا،
واختصاص الصحيح الموجب لها في الغلات بها، ولذا لم يحتط الماتن هنا
بالوجوب (و) قطع بأنه (ليس بمعتمد) ونحوه غيره من جملة من
المتأخرين (3) عنه.
لكن ظاهر من عداهم من الأصحاب الموجبين والمستحبين عدم الفرق
بين المسألتين، حتى أن ابن حمزة الذي هو أحد الموجبين ادعى الاجماع منهم
عليه (4) كما حكاه في الايضاح (5). فينبغي الاحتياط هنا أيضا، للاجماع

(1) وسائل الشيعة: باب 1 من أبواب زكاة الغلات ح 5، ح 8 ج 6 ص 120 - 121.
(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة المسألة 122 ص 241، والمبسوط: كتاب الزكاة في
مال الأطفال والمجانين ج 1 ص 234.
(3) المهذب البارع: كتاب الزكاة باب زكاة الغلات ج 1 ص 504.
(4) الوسيلة: كتاب الزكاة ما يستحب فيه الزكاة ص 121.
(5) إيضاح الفوائد، كتاب الزكاة ج 1 ص 167.
40

المنقول، كما احتيط للصحيح سابقا، سيما مع تأيد الاجماع بعدم الخلاف إلا
من نحو الماتن ممن هو معلوم النسب، الذين لا يضر خروجهم قطعا مضافا إلى
بعد الفرق اعتبارا.
(ولا تجب في المال المجنون صامتا) أي نقدا (كان أو غيره) من
الغلات والمواشي، وفاقا لكل من مر.
(وقيل: حكمه حكم الطفل (1)) فتجب في غلاته ومواشيه أيضا،
والقائل جميع من قال به فيه، عدا ابن حمزة فلم ينقل عنه الحكم هنا بشئ
أصلا (والأول أصح) وإن كان الوجوب أحوط، بأن لم يقم هنا عليه
دليل صالح عدا الاطلاق، والصحيح المتقدم المضعفين بما مضى، وذلك
لظهور عدم الفرق بين الطفل والمجنون فتوى حتى من المستحبين، عدا الماتن
وبعض من تأخر عنه، مع أنه لم يظهر منه نفي الاستحباب صريحا هنا ولا
سابقا، وإنما نفى الوجوب خاصة، مع تأيده بالاعتبار والاستقراء، لاشتراكهما
في الأحكام غالبا.
ومنها استحباب إخراج الزكاة من مالهما إذا أتجر به.
ففي الصحيح.. قلت لأبي عبد الله عليه السلام: عن امرأة مختلطة عليها
زكاة؟ فقال: إن كان عمل به فعليها زكاة وإن لم تعمل به فلا (2). ونحوه
غيره (3).
واعلم أن الزكاة إنما تسقط عن المجنون المطبق، أما ذوي الأدوار ففي تعلق

(1) المقنعة: كتاب الزكاة في زكاة الأطفال والمجانين ص 238، والمبسوط: كتاب الزكاة في أموال
الأطفال والمجانين ج 1 ص 234.
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب من تجب عليه ومن لا تجب عليه ح 1 ج 6 ص 59.
(3) وسائل الشيعة: ب 3 من تجب عليه ومن لا تجب عليه ح 2 ج 6 ص 59.
41

الوجوب به في حال الإفاقة أم العدم إلا أن يحول الحول حالتها؟ قولان (1)
أجودهما الثاني، وفاقا للتذكرة (2) والنهاية (3) للأصل، مع اختصاص ما دل
على اعتبار الحول بمن يكون المال عنده طوله بحيث يتمكن من التصرف فيه،
كما هو المتبادر من إطلاقه: والمجنون للحجر عليه غير متمكن منه اتفاقا.
ومن هنا يظهر عدم وجوبها على الطفل أيضا إلا بعد حول الحول بعد
بلوغه مضافا إلى عموم الموثق السابق (وإن بلغ فليس عليه لما مضى زكاة)
وهو عام لما حال عليه أحوال عديدة أو حول عدا أيام قليلة. وأما قوله بعد
ذلك (ولا عليه لما يستقبل حتى يدرك) فإن جعل معطوفا على الجزاء كما هو
الظاهر فلا بد من حمل الادراك على غير البلوغ، لينتظم الكلام، فيكون
المعنى: أنه إذا بلغ فليس عليه زكاة لما يستقبل في تلك الأموال التي ملكها
أولا حتى يدرك الحول، فإذا أدركه وجبت عليه، وإن جعل جملة مستقلة مع
بعده يكون المعنى أنه ليس عليه لما يستقبل من الزمان زكاة متى حال عليه
الحول حتى يحول وهو مدرك بالغ فإذا حال عليه وهو كذلك وجبت عليه
زكاة واحدة. فتدبر.
ومحصل الكلام اعتبار استمرار الشرطين طول الحول. خلافا لبعض
المتأخرين فاكتفى بحصولهما بعده، لمستند قد عرفت وهنه.
(والحرية معتبرة في) جميع (الأجناس (4)) بلا خلاف فيه من هذا
الوجه، وإن كان يظهر من المعتبر (5) والمنتهى (6) وقوعه في أصل اعتبارها، بناء

(1) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة ج 5 ص 23.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في العقل شرط في وجوب الزكاة ص 201 س 17.
(3) نهاية الإحكام: كتاب الزكاة الشرائط العامة في العقل ج 2 ص 300.
(4) كذا في جميع النسخ، ولكن في المتن المطبوع والشرح الصغير: (في الأجناس كلها).
(5) المعتبر: كتاب الزكاة في من يجب عليه ج 2 ص 489.
(6) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في من تجب عليه ج 1 ص 472 س 37.
42

على الاختلاف في تملك العبد شيئا أم لا؟ وصرحا بالعدم على الأول، مع
أنه صرح في المنتهى (1) أخيرا باعتبارها عليه أيضا، معللا له بنقص ملكه
وتزلزله، كما صرح به أيضا شيخنا الشهيد الثاني (2).
وعليه فيتوجه اعتبارها مطلقا كما يشهد به الأصول، وإطلاق ما ورد في
نفي وجوب الزكاة على العبد من النصوص (3)، وفيها الصحيح وغيره، وعليه
الاجماع في الخلاف (4) وعن التذكرة (5). ولذا أن جملة من متأخري
المتأخرين (6) مع قولهم بأن العبد يملك في الجملة أو مطلقا نفوا عنه وجوبها
مطلقا معللين بإطلاقها.
هذا مع أن المختار أنه لا يملك طلقا، ويتفرع عليه وجوب الزكاة على
السيد كما صرح به جماعة من الأصحاب، منهم الفاضل في المنتهى قال: وعلى
غيره لا تجب على العبد لما مرو لا على السيد لأن المال لغيره (7).
وربما يتوهم تأيد هذا القول بالصحيح قلت له: مملوك في يده مال أعليه
زكاة؟ قال: لا، قلت: فعلى سيده، فقال: لا، أنه لم يصل إلى السيد، وليس
هو للمملوك (8)، مع أنه بطرف الضد من التأييد للتصريح فيه بعدم مالكية
العبد لما في يده، وأنه ليس له، ونفي الزكاة عن السيد لا ينافي ملكه، بل
يحتمل استناده إلى عدم تمكن السيد من التصرف فيه بحمله به مثلا، كما

(1) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في من تجب عليه س 6 ص 473.
(2) الروضة البهية: كتاب الزكاة ج 2 ص 12.
(3) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ج 6 ص 60.
(4) الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 44 ج 1 ص 286.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في شرائط الوجوب ج 1 ص 201 س 19.
(6) مجمع الفائدة والبرهان في شرائط وجوب الزكاة ج 4 ص 17.
(7) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في من يجب عليه ج 1 ص 473 س 3.
(8) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ح 4 ج 6 ص 60.
43

يومئ به التعليل بأنه لم يصل إلى السيد. والتعليل به دون عدم تملك السيد أو
تزلزله ظاهر في تملك السيد، لما في يد عبده، سيما مع تعليل الحكم من جهة
العبد بعدم ملكه.
ولا فرق بين القن والمدبر وأم الولد والمكاتب الذي لم يتحرر منه شئ،
أما من تبعضت رقيته فتجب في نصيب الحرية بشرطه، وإطلاق النص
والفتوى يقتضي عدم الفرق في الحكم، بين ما لو كان العبد مأذونا من سيده
في التصرف في ماله أم لا، ويحكى قول بتقييده بالثاني (1)، لزعم استناده إلى
الحجر، وبالإذن يرتفع، وهو ضعيف، لما مر.
نعم في الخبر المروي عن قرب الإسناد: (ليس على المملوك زكاة إلا
بإذن مواليه (2) لكنه قاصر السند، بل والدلالة، لاحتمال كون متعلق الإذن
إخراج الزكاة عن السيد لا التصرف في المال الموجب لتعلق الزكاة على العبد،
كما توهم.
(وكذا التمكن من التصرف) معتبر فيها عند علمائنا أجمع كما عن
التذكرة (3)، وقريب منه في المنتهى (4)، وفي الغنية (5) الاجماع عليه صريحا،
وكذا في الخلاف (6)، لكن في جملة من الأفراد التي لا يتمكن فيها من التصرف
خاصة، ولم ينقله على القاعدة كلية، ولكن الظاهر أن ذكره لتلك الأفراد
للتمثيل لا للحصر، كما يفهم منه في موضع آخر.

(1) الحدائق الناضرة: كتاب الزكاة هل تجب على العبد على القول بملكه ج 12 ص 28.
(2) قرب الإسناد: باب الزكاة ص 102.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في شرائط وجوبها ج 1 ص 201 س 30.
(4) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في ما يجب ج 1 ص 475 س 11.
(5) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة في شرائط وجوبها ص 505 س 5.
(6) الخلاف كتاب الزكاة م 42 ص 285.
44

وكيف كان (فلا تجب في مال الغائب إذا لم يكن صاحبه) ولا
وكيله (متمكنا منه (1)) إجماعا، كما عرفته، وللمعتبرة المستفيضة وفيها
الصحيح والموثق وغيرهما، (و) جملة منها صريحة في أنه (لو عاد) المال إليه
وتمكن من التصرف (اعتبر) حول (الحول بعد عوده) إليه وتمكنه منه.
فني الصحيح الرجل يكون له الوديعة والدين فلا يصل إليهما ثم يأخذهما
متى تجب عليه الزكاة؟ قال: إذا أخذها ثم يحول عليه الحول يزكي (2). ونحوه
الموثق وغيره لا حتى يحول عليه الحول في يده كما في الأول (3)، وهو عنده كما
في الثاني (4).
وقريب منها النصوص الدالة على أنه لا شئ فيما لم يحل عليها الحول عند
ربه (5)، وعليها يحمل إطلاق نحو الصحيح لا صدقة على الدين، ولا على المال
الغائب عنك حتى يقع في يدك (6).
(ولو مضت عليه) أي على المال الغائب حين ما هو غائب (أحوال
زكاة لسنة) واحدة (استحبابا) لورود الأمر به في الصحيح والموثق
والحسن وظاهره وإن أفاد الوجوب، إلا أنه محمول على الاستحباب على
المشهور، للأصل، وإطلاق ما مر من النصوص بنفي الوجوب، وتقييدها بالأمر
وإن أمكن، إلا أن حمله على الاستحباب أظهر لكونه أشهر، بل لا خلاف فيه
يظهر إلا من بعض من ندر ممن تأخر، وهو نادر بل على خلافه الاجماع في

(1) في المطبوع من الشرح و (مش): (عنه) والصحيح ما أثبتناه كما في المتون وباقي النسخ.
(2) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ح 1 ج 6 ص 63.
(3) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ح 2 ج 6 ص 62.
(4) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ح 3 ج 6 ص 62.
(5) وسائل الشيعة: ب 5 - 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ج 6 ص 61 - 63.
(6) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ح 6 ج 6 ص 63.
45

ظاهر جملة من العبائر، ومنها عبارة المنتهى حيث قال: إنه مذهب علمائنا،
ونسب الوجوب إلى مالك (1)، وفي المدارك أنه مذهب الأصحاب لا أعلم فيه
مخالفا (2).
(ولا في الدين) إذا لم يقدر صاحبه على أخذه اتفاقا فتوى ونصا، إلا
الصحيح يزكيه ولا يزكي ما عليه من الدين، إنما الزكاة على صاحب المال (3)
وهو محمول على التفصيل الآتي أو الاستحباب جمعا أو التقية، لمطابقته لمذهب
أكثر العامة، كما يفهم من المنتهى (4) وغيره، ومنهم أصحاب الرأي، وهم
أصحاب أبي حنيفة.
(وفي رواية) بل روايات (إلا أن يكون صاحبه هو الذي
يؤخره (5)، وعمل بها جماعة من القدماء كالشيخين (6) والمرتضى (7).
خلافا لآخرين منهم، كالعماني (8) والإسكافي (9) والحلي حاكيا له عن
الشيخ في الاستبصار (10) وتبعهم عامة المتأخرين، ومنهم فخر الدين حاكيا له
عن المرتضى (11) للأصل، وضعف سند الروايات، فلا تصلح لتخصيصه، ولا

(1) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في أن الملك شرط في وجوبها ج 1 ص 5 47 س 17.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في موانع وجوب دفعها ج 5 ص 37.
(3) وسائل الشيعة: باب 9 من أبواب من تجب عليه الزكاة ح 1 ج 6 ص 69.
(4) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في الدين ج 1 ص 476 س 10.
(5) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب ما تجب عليه ومن لا تجب عليه ح 7 ج 6 ص 65.
(6) المقنعة: كتاب الزكاة ب 8 في زكاة مال الغائب والدين والقرض ص 239، والخلاف: كتاب
الزكاة في الدين مسألة 95 ج 1 ص 303.
(7) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى): كتاب الزكاة في شروط وجوبها ج 3 ص 74.
(8) مختلف الشيعة كتاب الزكاة في من فر من الزكاة ص 174 س 7.
(9) مختلف الشيعة: كتاب الزكاة في من فر من الزكاة ج 1 ص 174 س 13.
(10) حاكيه في السرائر: كتاب الزكاة باب ما تجب فيه وما لا تجب ج 1 ص 444.
(11) إيضاح الفوائد: كتاب الزكاة ج 1 ص 168.
46

لتخصيص ما بمعناه من إطلاق الصحيح المتقدم وغيره من الموثقات.
منها قلت: ليس في الدين زكاة قال: لا (1).
ومنها: لا حتى يقبضه، قلت: فإذا قبضه أيزكيه؟ قال: لا حتى يحول عليه
الحول في يده (2). ونحوهما غيرهما (3). وهذا أقوى، وإن كان الأول أحوط
وأولى، لشبهة الخلاف فتوى ورواية.
ومنها الرضوي: وإن غاب مالك عنك فليس عليك الزكاة، إلا أن يرجع
إليك ويحول عليه الحول وهو في يدك، إلا أن يكون مالك على رجل متى ما
أردت أخذت منه فعليك زكاته (4).
وربما استدل على القول الأول زيادة على الرواية به وبالموثق: في رجل ماله
عنه غائب لا يقدر على أخذه قال: فلا زكاة عليه حتى يخرج، فإذا خرج زكاة
لعام واحد، فإن كان يدعه متعمدا وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما
مر به من السنين (5) - وبالصحيح المتقدم المثبت الزكاة في الدين على
الاطلاق. وهو ضعيف لضعف الرواية بما عرفته، والرضوي بقصور الدلالة بقوة
احتمال اختصاصه بالمال الغائب، كما فرض في صدره. والأصل في الاستثناء
يقتضي تعلق ما بعده بما قبله.
وحينئذ فنحن نقول بحكمه وهو الوجوب في المال الغائب مع القدرة على
أخذه، وصرح به الحلي (6) والعماني (7) وغيرهما، بل لا خلاف فيه، وهو غير

(1) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ح 4 ج 6 ص 64.
(2) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ح 3 و 7 ج 6 ص 64 و 65.
(3) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ح 5 و 6 ج 6 ص 64 نحوهما.
(4) فقه الإمام الرضا (ع): ب 28 في الزكاة ص 198.
(5) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ح 7 ج 6 ص 63.
(6) السرائر: كتاب الزكاة باب ما يجب فيه الزكاة وما لا تجب ج 1 ص 443.
(7) السرائر: كتاب الزكاة باب ما يجب فيه الزكاة وما لا تجب ج 1 ص 444.
47

جار فيما نحن فيه من الدين فإنه أمر كلي، ولا يتشخص ملكا للمدين إلا
بقبضه، ولا زكاة إلا في الشخص، ولا كذلك المال الغائب فإنه مملوك
شخصي. وغاية الأمر أنه ممنوع من التصرف فيه فإذا ارتفع المنع وجبت
الزكاة.
ومنه ظهر دليل آخر على عدم الوجوب في الدين.
ومحصله: أنه غير مملوك للمدين فعلا إلا بعد قبضه له، ولا زكاة إلا في
الملك اتفاقا فتوى ورواية، وبه استدل أيضا جماعة، وهو غاية المتانة.
ومنه يظهر الجواب عن الموثقة، فإنها في المال الغائب واردة لا
في مفروض المسألة، وأحدهما غير الآخر كما عرفته. وأما الصحيح فلا
قائل بإطلاقه، وتقييده بما في الرواية من التفصيل ليس بأولى من حمله
على الاستحباب، بل هو أولى، للأصل، وضعف المقيد عن التقييد سندا،
كما مضى.
وبالجملة لا ريب في ضعف هذا الاستدلال كالاستدلال للمختار
بالروايات المتضمنة لسقوط الزكاة عن القرض، بتخيل أنه نوع من الدين
مطلقا حتى في المضمار، وذلك لأن المفهوم منها أن محل السؤال فيها إنها هو
عن تلك العين المستقرضة، ومحل البحث إنها هو الدين المستقر في الذمة مع
حلوله وتعيين فرد من أفراده ليدفع بدله ولم يقبضه المدين فرارا من الزكاة أو
مساهلة أو مطلقا.
نعم يمكن الاستدلال بما في جملة منها، من التعليل بأن القرض ملك
المقترض ونفعه له فخسارته عليه، وهو جار في الدين إذا لم يقبضه مالكه، لأن
شخصه ملك المديون فنفعه له وعليه خسارته.
(وزكاة القرض على المقترض) بلا خلاف أجده، وبه صرح في
48

الخلاف (1) والسرائر (2)، وعزاه في التنقيح (3) إلى الأصحاب كافة، مؤذنا
كسابقيه بالاجماع عليه، والصحاح به مع ذلك مستفيضة.
منها: على من الزكاة على المقرض أو على المستقرض؟ فقال: على
المستقرض، لأن له نفعه وعليه زكاته (4).
ومنها: ليس على الدافع شئ، لأنه لس في يده شئ إنما المال في يد
الآخر فمن كان المال في يده زكاه - إلى أن قال -: أرأيت وضيعة ذلك المال
وربحه لمن هو وعلى من، قلت: للمقترض، قال: فله الفضل وعليه النقصان
وله أن ينكح ويلبس منه ويأكل منه الحديث (5).
ومنها: في رجل استقرض مالا فحال عليه الحول وهو عنده، قال: إن
كان الذي أقرضه يؤدي زكاته فلا عليه زكاة وإن كان لا يؤدي أدى
المستقرض (6). وإطلاقها كالعبارة ونحوها يقتضي عدم الفرق بين ما لو شرط
الزكاة على المقرض أم لا، وبه صرح جماعة.
خلافا لموضع من النهاية فأسقطها بالشرط وأوجبها على المقرض (7)، واحتج
له بالرواية الأخيرة. ويضعف بأنه ليس فيها ذكر الشرط، فضلا عن لزومه.
يحتمل التبرع، ونحن نقول به وفاقا لجماعة من غير خلاف فيه بينهم
أجده، وإن اختلفوا في إطلاق السقوط به كما هو ظاهرها، وعليه الفاضل في

(1) الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 128 ج 1 ص 316.
(2) السرائر: كتاب الزكاة باب ما يجب فيه الزكاة وما لا تجب ج 1 ص 445.
(3) التنقيح الرائع: كتاب الزكاة فيما تحب فيه ج 1 ص 299.
(4) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ذيل ح 5 ج 6 ص 68.
(5) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ح 1 ج 6 ص 67.
(6) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ح 2 ج 6 ص 67.
(7) النهاية: كتاب الزكاة باب ما تجب فيه وما لا تجب فيه ص 176.
49

المختلف (1) والتحرير (2) والمنتهى (3) وغيره، أو تقييده بما إذا أذن له المقترض
وإلا فلا، كما عليه الشهيد في الدروس (4)، وحملها على صورة الشرط ليس
بأولى من حملها على الصورة الأخرى.
قيل: مع أن الزكاة تابعة للملك والمقترض قد ملك والشرط غير لازم،
لأنه شرط للعبادة على غير من تجب عليه (5).
ويضعف بأن الزكاة وإن كانت من قبيل العبادة من جهة، إلا أنها من
قبيل الدين من أخرى، ولذا تبرأ ذمة من تجب عليه إذا أخرجت عنه تبرعا.
ولو روعي فيها الجهة الأولى لم تبرأ الذمة عنها مطلقا، وهو خلاف ما اتفق
عليه القائل وغيره، ودلت عليه الرواية.
وإذا تمهد هذا، أمكن توجيه الاستدلال بها على مختار النهاية (6) بأن
يقال: لا ريب في دلالتها على جواز مباشرة الغير لاخراجها عمن لزمته ولو
تبرعا، وحيث جازت صح اشتراطها ولزم لعموم ما دل على لزوم الوفاء
بالشروط السائغة وهذا منها كما عرفته.
هذا مضافا إلى التأيد بجملة من المعتبرة الواردة في نظير المسألة،
كالصحيح: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: باع أبي من هشام بن
عبد الملك أرضا بكذا وكذا ألف دينار، واشترط عليه زكاة ذلك المال عشر

(1) مختلف الشيعة: كتاب الزكاة ج 1 ص 174 س 24.
(2) تحرير الأحكام: كتاب الزكاة ج 1 ص 59 س 1.
(3) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في كيفية الزكاة بالقرض ج 1 ص 477 س 26.
(4) الدروس: كتاب الزكاة: ص 58 س 6.
(5) المختلف: كتاب الزكاة ج 1 ص 174 س 23.
(6) النهاية: كتاب الزكاة باب ما تجب فيه الزكاة وما لا تجب: ص 176.
50

سنين، الحديث (1). ونحوه آخر (2).
والرضوي: فإن بعت شيئا وقبضت ثمنه واشترطت على المشتري زكاة سنة
أو سنتين أو أكثر من ذلك فإنه يلزمه ذلك دونك (3). وحكي الفتوى به عن
الصدوقين (4). وعليه فيقوى القول بالسقوط.
اللهم إلا أن يقال: أن مقتضى الأدلة المزبورة لزومها على المشروط عليه
من باب الشرط لا أصالة، وهو لا يستلزم السقوط عن الشارط حيث لم يف
المشروط عليه بالشرط.
توضيحه: أنه لا ريب أن الزكاة إنها تجب في العين وعلى مالكها، ومقتضاه
لزوم إخراجها عليه دون غيره، لكن لما ثبت بالنص والفتوى جواز الاخراج
عنه تبرعا قلنا به وبجواز اشتراطه، لكن المشروط حينئذ تفريغ ذمة المالك عن
الزكاة، لا تعلقها بذمة المشروط عليه بمجرد الشرط ابتداء، بحيث لم يكلف
الشارط بها أصلا حتى لو لم يف المشروط عليه بها لم يكن الشارط مكلفا بها،
كما توهمه عبارة النهاية (5) ونحوها، وإن هو إلا كاشتراط المديون أداء دينه
لزيد على عمرو في معاملة له معه، ولا ريب أن بالشرط فيه لا يبرأ بل يتوقف
على الأداء إن حصل برء، وإلا فلا. وفائدة الشرط إنما هو تعين الابراء على
عمرو فكذا هنا.
وبعبارة أخرى أن فائدة الشرط تعين الابراء على المشروط لا براءة الشارط

(1) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب زكاة الذهب والفضة ح 1 ج 6 ص 118.
(2) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب زكاة الذهب والفضة ح 2 ج 6 ص 118.
(3) فقه الإمام الرضا (ع): ب 28 في الزكاة ص 198.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الزكاة في من فر من الزكاة بتفريق الأجناس ج 1 ص 174 س 33، ومن
لا يحضره الفقيه: باب الأصناف التي تجب عليها الزكاة ذيل ح 1602 ج 2 ص 21.
(5) النهاية: كتاب الزكاة باب ما تجب فيه الزكاة وما لا تجب ص 176.
51

عنها ابتداء.
وقد تحصل مما ذكرنا أن الظاهر لزوم الشرط، لكن يتوقف براءة ذمة
المالك على الوفاء، فإن أراد الشيخ ومن ضارعه من السقوط عن المستقرض
ونحوه السقوط بهذا المعنى - أي مراعى متزلزلا إلى حين الوفاء - فمرحبا، وإلا فلم
أعرف له مستندا.
واعلم أن وجوب الزكاة القرض على المقترض إنما هو (أن) قبضه
و (تركه بحاله حولا) عنده، (ولو أتجر به) قبله (استحب) له زكاته،
بناء على استحبابها في مال التجارة.
(الثاني)
(في ما تجب فيه) الزكاة (وما يستحب)
إعلم أنها (تجب في الأنعام الثلاثة، وهي: (الإبل والبقر والغنم،
وفي الذهب والفضة، وفي الغلات الأربع) وهي: (الحنطة والشعير
والتمر والزبيب، ولا تجب فيما عداها).
أما وجوبها في التسعة فمجمع عليه بين المسلمين كافة في المنتهى (1) وعن
التذكرة (2)، وقريب منهما الغنية (3)، والنصوص (4) به مع ذلك مستفيضة، بل
متواترة.
وأما عدمه فيما عداها فمجمع عليه بيننا، كما صرح به جماعة من أصحابنا

(1) منتهى المطلب: كتاب الزكاة المقصد الثاني ما يجب فيه ج 1 ص 473 س 24.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة المقصد الثاني ج 1 ص 20 س 3.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة ص 504 س 23.
(4) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ج 6 ص 32.
52

كالنصارية (1) والانتصار (2) والخلاف (3) والغنية (4) والمنتهى (5) وغيرها،
والنصوص (6) به مع ذلك مستفيضة من طرقنا، وما يخالفها بظاهره محمول على
الاستحباب قطعا.
(وتستحب في كل ما أنبتته (7) الأرض مما يكال أو يوزن) من
الحبوب، كالسمسم والأرز الدخن والحمص والعدس وأشباهما (عدا
الخضر) من بقل وقثاء، وبطيخ وكل شئ يفسد من يومه كما في المعتبرة
المستفيضة (8)، وظاهر جلها أو كلها وإن كان الوجوب كما عن يونس (9)
والإسكافي (10)، إلا أنها محمولة على الاستحباب كما عليه الأصحاب، جمعا
بينها وبين ما مر من الأدلة على عدم الوجوب إلا في التسعة.
ويمكن حمل هذه على التقية لموافقتها لمذهب جمهور العامة، كما في
الذخيرة (11) ويومئ إليه بعض المعتبرة المروي عن معاني الأخبار، وفيه بعد
ذكره عليه السلام وضع رسول الله صلى الله عليه وآله الزكاة في التسعة وعفى
عما عداها، فقال السائل: والذرة، فغضب عليه السلام. ثم قال: كان والله

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية) كتاب الزكاة ص 240 س 31.
(2) الإنتصار: كتاب الزكاة ص 75.
(3) الخلاف: كتاب الزكاة م 62 ص 291 ج 1، و م 73 ص 294، و م 89 ص 301.
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة ص 504 س 23.
(5) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في ما يجب فيه ج 1 ص 473 س 24.
(6) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ج 6 ص 32.
(7) في المتن المطبوع و (ش): (كل ما تنبته الأرض)، وفي الشرح المطبوع و (ق): (كل ما تنبت
الأرض)، والصحيح ما أثبتناه كما في متن الشرح الصغير و (م).
(8) وسائل الشيعة: ب 9 و ب 11 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ج 6 ص 39 وص 43.
(9) ذخيرة المعاد: كتاب الزكاة في أن الزكاة على تسعة أشياء لا غير ص 430 س 42 و 44.
(10) المعتبر: كتاب الزكاة فيا يجب ويستحب ج 2 ص 493.
(11) ذخيرة المعاد: كتاب الزكاة في أن الزكاة على تسعة أشياء لا غير ص 430 س 42 و 44.
53

على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله السماسم والذرة والدخن وجميع ذلك،
فقال: إنهم يقولون أنه لم يكن ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله
وإنما وضع على تسعة لما لم يكن بحضرته غير ذلك فغضب وقال: كذبوا، فهل
يكون العفو إلا عن شئ قد كان! لا والله ما أعرف شيئا عليه الزكاة غير هذا
فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر (1).
وعلى هذا فينحصر دليل الاستحباب في فتوى الأصحاب بعنوان الاجماع
كما في المدارك (2) مضافا إلى الاحتياط خروجا عن شبهة الخلاف.
ويدخل فيما يستحب فيه السلت والعلس على المشهور، للأصل مع عدم
دخولهما في التسعة، حتى في الشعير والحنطة، كما يستفاد من المعتبرة وفيها
الصحيح وغيره (3).
خلافا للشيخ (4) وجماعة (5) فأوجبوا فيهما الزكاة، بدعوى أن الأول من نوع
الأول، والثاني من الثاني، كما يستفاد من بعض أهل اللغة، وفيها أنها اجتهاد
في مقابلة النص الظاهر في التغاير، مع أنه المستفاد أيضا من بعض أهل اللغة.
ولو سلم الاتحاد فلا ريب في عدم تبادرهما من الاطلاق، وينبغي
الاقتصار فيه على المتبادر والرجوع في غيره إلى حكم الأصل، وهو العدم.

(1) معاني الأخبار: باب معنى عفو رسول الله (ص) عما سوى التسعة الأصناف في الزكاة ص 154
ح 1.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في بيان ما تجب فيه الزكاة ج 5 ص 48.
(3) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب ما تجب فيه ج 6 ص 32.
(4) المبسوط: كتاب الزكاة زكاة الغلات ج 1 ص 217.
(5) السرائر: كتاب الزكاة في حقيقة الزكاة وما تجب فيه ج 1 ص 428 - 429، جامع المقاصد: كتاب
الزكاة أحكام زكاة الغلات ج 3 ص 22 - 23، مسالك الأفهام: كتاب الزكاة في زكاة الغلات ج 1
ص 56 س 6.
54

وحكم الحبوب المستحب فيها الزكاة حكم الغلات الأربع في اعتبار
النصاب، وغيره من الشرائط، وتعيين المخرج من العشر ونصفه، ونحو ذلك بلا
خلاف كما في المنتهى (1).
(و) في وجوبها (في مال التجارة) أو استحبابها، مع استجماعه
الشرائط المعتبرة فيه (قولان، أصحهما الاستحباب) وفاقا للأكثر، بل عليه
عامة من تأخر، بل ومن تقدم عدا ظاهر الصدوقين (2)، لشبهة الأمر بها في
الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة (3) الواردة هنا وفي مال اليتيم والمجنون
وغيرهما، وحمله الأصحاب على الاستحباب جمعا بينها وبين ما دل على نفي
الزكاة صريحا.
ومنه مضافا إلى ما مر من الأدلة على نفيها فيما عدا الأشياء التسعة من
النصوص والأصول والاجماعات المحكية، خصوص الصحاح وغيرها من
المعتبرة.
ففي الصحيح: إن أبا ذر وعثمان تنازعا على عهد رسول الله صلى الله عليه
وآله، فقال عثمان: كل مال من ذهب أو فضة يدار به ويعمل به ويتجر به
ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول، فقال: أبو ذر أما ما يتجر به أو دير أو عمل
به فليس فيه زكاة إنما الزكاة فيه إذا كان ركازا أو كنزا موضوعا، فإذا حال
عليه الحول ففيه الزكاة، فاختصما في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله،
قال: فقال: القول ما قاله أبو ذر، فقال أبو عبد الله عليه السلام لأبيه: ما تريد

(1) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في استحباب الزكاة في كل ما يخرج من الأرض ج 1 ص 510
س 23.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الزكاة القول في ما يستحب فيه الزكاة: ج 1 ص 179 س 37، والمقنع
(الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة ص 14 س 35.
(3) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ج 6 ص 45.
55

إلا أن يخرج مثل هذا فكيف الناس أن يعطوا فقرائهم ومساكينهم، فقال:
أبوه إليك عني لا أجد منها بدا (1).
يحتمل الحمل على التقية كما صرح به جماعة ويومئ إليه هذه
الصحيحة، وظاهر عمومها نفي الزكاة مطلقا حتى استحبابا فيشكل الحكم
به، إلا أن الظاهر عدم خلاف فيه، مع أن الأدلة على جواز المسامحة في أدلة
السنن والكراهة تقتضيه مضافا إلى ما دل على رجحان الاحتياط في مثله،
وفحوى ما دل على الاستحباب في مال اليتيم فها هنا بطريق أولى.
(و) وتستحب (في الخيل الإناث) السائمة إذا حال عليها الحول
بالنص (2) والاجماع الظاهر المصرح به في جملة من العبائر.
(ولا تستحب في غير ذلك كالبغال والحمير والرقيق) للأصل
والمعتبرة المستفيضة، وفيها الصحيح والموثق وغيرهما.
ففي جملة منها: ليس في شئ من الحيوان غير هذه الثلاثة الأصناف شئ
- يعني الإبل والبقر والغنم (3). وهي وإن عمت الخيل الإناث لكنها خرجت بما مر
وفي الصحيح: هل في البغال شئ؟ فقال: لا، فقلت: فكيف صار على
الخيل ولم يصر على البغال، فقال: لأن البغال لا تلقح والخيل الإناث ينتجن
وليس على الخيل الذكور شئ، قال: قلت: فما في الحمير؟ قال: ليس فيها
شئ، قال: قلت: هل على الفرس أو البعير يكون للرجل يركبها شئ؟
فقال: لا ليس على ما يعلف شئ إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها
عامها، الذي يقتنيها فيها الرجل فأما ما سوى ذلك فليس فيه شئ (4) وفي

(1) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ح 1 ج 6 ص 48.
(2) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ح 1 ج 6 ص 51.
(3) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ح 5 ج 6 ص 53.
(4) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب ما يجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ح 3 ج 6 ص 51.
56

آخر عما في الرقيق فقالا: ليس في الرأس شئ أكثر من صاع من تمر إذا
حال عليه الحول (1). والمراد بصاع التمر ما يخرج عنه في زكاة الفطر.
(فلنذكر (2) ما يختص كل جنس) من الشرائط والأحكام (إن شاء
الله تعالى (3). ولنبدأ ب‍:
(القول في زكاة الأنعام) الثلاثة
(والنظر) فيه تارة يكون (في الشرائط، و) أخرى في (اللواحق).
(فالشرائط (4) أربعة):
(الأول: النصب وهي في الإبل اثنا عشر نصابا خمسة) منها (كل
واحد؟ منها (خمس) من الإبل (وفي كل واحد) من هذه النصب
الخمسة (شاة).
بمعنى أنه لا يجب شئ فيما دون خمس، فإذا بلغت خمسا ففيها شاة، ثم
لا يجب شئ في الزائد إلى أن تبلغ عشرا ففيها شاتان، ثم لا يجب شئ في
الزائد إلى أن تبالغ خمس عشرة ففيها ثلاث شياه، ثم في عشرين أربع، ثم في
خمس وعشرين خمس.
ولا فرق فيها بين الذكر والأنثى على المشهور، بل في السرائر الاجماع
عليه (5)، وتأنيثها هنا تبعا للنص (6) بتأويل الدابة كما قيل، ومثلها الغنم
بتأويل الشاة.

(1) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب ما يجب فيه الزكاة وما تستحب فيه صدر ح 1 ج 6 ص 52.
(2) في المتن المطبوع: (ولنذكر).
(3) لا يوجد هذا المتن في جميع النسخ، وأثبتناه من المتن المطبوع والشرح الصغير.
(4) في المتن المطبوع: (والشرائط).
(5) السرائر: كتاب الزكاة باب المقادير التي تجب فيها الزكاة وكمية ما تجب ج 1 ص 448.
(6) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب زكاة الأنعام ج 6 ص 72.
57

(فإذا بلغت ستا وعشرين ففيها بنت مخاض) بفتح الميم، أي بنت ما
من شأنها أن تكون ماخضا، أي حاملا.
(فإذا بلغت ستا وثلاثين ففيها بنت لبون) بفتح اللام أي بنت ذات
لبن ولو بالصلاحية.
(فإذا بلغت ستا وأربعين ففيها حقة) بكسر الحاء أي ما استحقت
الحمل أو الفحل.
(فإذا بلغت إحدى وستين ففيها جذعة) بفتح الجيم والذال سميت
بذلك لأنها تجذع مقدم أسنانها أي تسقطه.
(فإذا بلغت ستا وسبعين ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى
وتسعين ففيها حقتان، ثم ليس في الزائد شئ حتى يبلغ مائة وإحدى
وعشرين ففي كل خمسين كل حقة، وفي كل أربعين بنت لبون دائما) أي
بلغت ما بلغت كذا في النصوص المستفيضة، وفيها الصحاح (1)، وغيرها،
وعليه كافة علمائنا عدا القديمين (2) فإنهما أوجبا بنت مخاض في النصاب
الخامس وإن اختلفا في تعينها مطلقا إلى السابع كما عليه العماني.
ويلزمه سقوط السادس أو تعينها في السادس مطلقا، وفي الخامس
اختيارا، ومع العجز عنها فما عليه أصحابنا، وهما نادران، بل على خلافهما
الاجماع في عبائر جماعة حد الاستفاضة كالانتصار (3) والخلاف (4) والغنية (5)
وغيرها من كتب الجماعة.

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب زكاة الأنعام ج 6 ص 72.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الزكاة في الأنعام ج 6 ص 175 س 18.
(3) الإنتصار: كتاب الزكاة في الإبل ص 80.
(4) الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 2 ج 2 ص 6.
(5) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة ص 505 س 34.
58

والصحيحة الدالة على الأول مؤولة أو محمولة على التقية، لموافقتها لمذهب
الجمهور، كما صرح به جماعة (1)، ويفهم من بعض الأخبار الصحيحة.
لكن ربما ينافيه سياقها، بناء على تضمنه ما لا يقول به أحد من العامة،
ولا من الخاصة. فيتعين التأويل بما ذكره شيخ الطائفة (2) وإن كان بعيدا
غايته جمعا بين الأدلة، مع أنها مروية في الوسائل (3) عن معاني الأخبار بما
يوافق المستفيضة، إلا أنه قال: على ما في بعض النسخ الصحيحة
والصدوقين (4) فبدلا النصاب العاشر بإحدى والثمانين، والمرتضى في الانتصار
فبدل النصاب الأخير فجعله مائة وثلاثين، قال: فإذا بلغت ففيها حقة واحدة
وابنتا لبون (5).
ومستندهما مع ندرتهما أيضا ومخالفتهما لجميع ما مضى من الأدلة نصا
وفتوى، غير واضح، عدا الرضوي للأول (6) والاجماع المحكي للثاني (7).
وهما كما ترى لا يقاومان شيئا مما مضى، فضلا عن جميعها، ولا سيما
الثاني فقد ادعى القائل به في الناصرية الاجماع على خلافه (8)، كالحلي (9)

(1) الوافي: كتاب الزكاة ب 6 في الإبل والبقر والغنم المجلد 2 جزء 6 ص 13 س 4، والحدائق الناضرة:
كتاب الزكاة في زكاة الإبل ج 12 ص 47.
(2) تهذيب الأحكام: ب 5 في زكاة الإبل ذيل ح 4 ج 4 ص 23.
(3) وسائل الشيعة: ب 2 في أبواب زكاة الأنعام ح 7 ج 6 ص 75.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الزكاة في زكاة الإبل وذكر الأقوال فيها ج 1 ص 176 س 25، وكتاب
الهداية (الجوامع الفقهية): ص 54 س 17.
(5) الإنتصار: كتاب الزكاة في الإبل ص 81.
(6) فقه الرضا - عليه السلام -: ب 28 في الزكاة 197.
(7) الخلاف: كتاب الزكاة في نصاب الإبل مسألة 3 ج 2 ص 7، السرائر: كتاب الزكاة في النصاب و
ما تجب فيه ج 1 ص 449.
(8) الناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة المسألة 119 ص 241.
(9) السرائر: كتاب الزكاة باب المقادير التي تجب فيها الزكاة وكمية ما تجب ج 1 ص 449.
59

مصرحا هو كالفاضل في المختلف (1) برجوعه فيها عما ذكره في انتصاره.
وهل التقدير بالأربعين والخمسين في النصاب الأخير على التخيير مطلقا،
كما هو ظاهر النصوص والفتاوى كما قيل (2)، أم إذا حصل الاستيعاب بكل
منهما، وإلا فالواجب التقدير بالأكثر استيعابا منهما حتى لو كان التقدير بهما
معا وجب، كما هو ظاهر المنتهى (3)، وغيره، وصريح الشهيد الثاني (4) والمحقق
الثاني (5)؟ وجهان، بل قولان.
مما عرفت للأول من إطلاق النص، بل ظهور جملة منه صحيحة في جواز
التقدير بالخمسين في المائة والعشرين وواحدة.
ومن أن التقدير بها فيها يوجب حقتين، مع أنهما واجبتان فيما دونها فلا
فائدة في جعلها نصابا آخر، وفيه نظر؟ لامكان كون الفائدة جواز العدول عن
الحقتين إلى ثلاث بنات لبون على وجه الفريضة لا القيمة والتخيير بينهما
مضافا إلى فائدة أخرى في نصاب الغنم مشهورة، فالقول الأول لعله أقوى، وإن
كان الثاني أحوط وأولى، سيما مع ورود ما يناسبه في البقر نصا (6) وفتوى من
غير اشكال فيه في شئ منهما.
ثم هل الواحدة الزائدة على المائة والعشرين جزء من النصاب، أو شرط
في الوجوب فلا يسقط بتلفها بعد الحول بغير تفريط شئ كما لا يسقط في
الزائد عنها مما ليس بجزء؟ وجهان، بل قولان، من اعتبارها نصا الموجب

(1) مختلف الشيعة: كتاب الزكاة في زكاة الإبل وذكر الأقوال فيها ج 1 ص 176 س 16.
(2) والقائل هو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في زكاة الأنعام ج 5 ص 58.
(3) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في الإبل إذا زادت على مائة وعشرين ج 1 ص 480 س 25.
(4) مسالك الأفهام: كتاب الزكاة في زكاة الأنعام ج 1 ص 52 س 8.
(5) جامع المقاصد: كتاب الزكاة في تقدير النصب والفرائض ج 3 ص 15.
(6) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب زكاة الأنعام ح 1 ج 6 ص 77.
60

للجزئية، ومن إيجاب الفريضة في كل خمسين وأربعين الظاهر في خروجها، ولعل هذا أقوى، لقوة وجهه وضعف مقابله، لأعمية اعتبارها من كونها جزء
أو شرطا، فلا يعارض ما دل على الثاني خصوصا.
(وفي البقر نصابان): الأول: (ثلاثون وفيها تبيع) حولي (أو
تبيعة، و) الثاني (أربعون وفيها مسنة).
ولا يجزئ المسن إجماعا، وهكذا أبدا يعتبر بالمطابق من العددين، وبهما مع
مطابقتهما كالستين بالثلاثين والسبعين بهما معا والثمانين بالأربعين ويتخير في
المائة والعشرين كل ذلك بالنص (1)، والاجماع الظاهر المستفيض النقل في
جملة من العبائر، إلا التخيير بين التبيع والتبيعة فلم يذكره العماني ولا
الصدوقان، وإنما ذكروا التبيع خاصة (2) كما هو مورد نصوص المسألة إلا أن
ظاهر باقي الأصحاب الاطباق على التخيير حتى نحو الحلي (3) وابن زهرة (4)
ممن لا يعمل إلا بالأدلة القاطعة.
مع أن جملة منهم لم يجعلوه محل خلاف مشعرين بالاجماع، كما في محتمل
الخلاف (5) والغنية (6)، وصريح المنتهى (7) وغيرها من كتب الجماعة، حيث
ادعوا الاجماع على مجموع ما في العبارة. فلا بأس بالمصير إليه، سيما وعن المعتبر
نقله لبعض نصوص المسألة مخيرا فيه بين التبيع والتبيعة (8)، مع إمكان إثباته

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب زكاة الأنعام ح 1 ج 6 ص 77
(2) مختلف الشيعة: كتاب الزكاة في زكاة الأنعام ج 1 ص 177 س 19 والمقنع (الجوامع الفقهية):
كتاب الزكاة ص 14 س 4.
(3) السرائر: كتاب الزكاة باب المقادير التي تجب فيها الزكاة وكمية ما تجب ج 1 ص 450.
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة ص 501 س 1.
(5) الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 14 ج 1 ص 275.
(6) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة ص 506 س 3.
(7) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في زكاة البقر ج 1 ص 487 س 37.
(8) المعتبر: كتاب الزكاة القول في زكاة الأنعام ج 2 ص 502.
61

بالأولوية لأفضلية التبيعة من التبيع منفعة عرفا وعادة، فتأمل.
(وفي الغنم خمسة نصب)، أو أربع على الاختلاف الذي سيذكر
(أربعون وفيها شاة، ثم مائة وإحدى وعشرون وفيها شاتان، ثم مائتان
وواحدة وفيها ثلاث شياه) بلا خلاف في شئ من هذه النصب، إلا من
الصدوق في الأول فجعله أربعين وواحدة (1)، للرضوي (2). وهو نادر، بل على
خلافه الاجماع في جملة من العبائر، والرضوي معارض بأجود منه سندا وعددا
وعملا.
(فإذا بلغت ثلاثمائة وواحدة فروايتان) صحيحتان (3)، وقولان
(أشهرهما)، كما هنا وفي الشرائع (4) وعن المعتبر (5) وفي الروضة (6) وغيرها.
(أن فيها أربع شياه حتى يبلغ أربعمائة فصاعدا، ففي كل مائة
شاة وما نقص فعفو) وهي مع ذلك مخالفة لما عليه أصحاب المذاهب
الأربعة، كما عن التذكرة (7)، وفي غيرها من كتب الجماعة، وقد ادعى
الاجماع عليه في صريح الخلاف (8) وظاهر الغنية (9).
والرواية الثانية أن فيها ثلاث شياه (10)، وعليه من القدماء جماعة، وهي

(1) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة ص 14 س 8.
(2) فقه الإمام الرضا (ع): باب 28 كتاب الزكاة ص 196.
(3) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب زكاة الأنعام ح 1 و 2 ج 6 ص 78.
(4) شرائع الاسلام: كتاب الزكاة في زكاة الأنعام ج 1 ص 143.
(5) المعتبر: كتاب الزكاة القول في زكاة الأنعام ج 2 ص 503.
(6) الروضة البهية: كتاب الزكاة ج 2 ص 19.
(7) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في نصب الغنم ج 1 ص 210 ص 25.
(8) الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 17 ج 1 ص 276.
(9) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة ص 506 س 5.
(10) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب زكاة الأنعام ح 2 ج 6 ص 78.
62

ليست بصريحة فإن فيها بعد النصاب الثالث فإن فيه ثلاث من الغنم إلى
ثلاثمائة، فإذا كثرت الغنم ففي كل مائة شاة، والكثرة لم إن كانت تتحقق
بالواحدة إلا أنه يمكن تقييدها بما إذا بلغت أربعمائة ويكون النصاب الرابع
مسكوتا عنه.
وهو وإن بعد، إلا أنه لا بأس به جمعا بين الأدلة، وحذرا من إطراح تلك
الصحيحة، مع ما هي عليه من الرجحان بالمرجحات المتقدمة، بخلاف هذه
فإنها بطرف الضد من تلك. ومع ذلك فقد حملها جماعة على التقية لما عرفته.
وبنحو ذلك يجاب عن الرضوي الموافق لها هنا، مع تضمن صدره في
النصاب الأول ما يخالف الاجماع كما مر، وأما الأصل فلا حجية فيه بعد قيام
الدليل على خلافه. وبما ذكرنا اندفع حجج القول الثاني.
والثمرة في هذا الاختلاف واضحة، وهي وجوب أربع شياه في الثلاثمائة
وواحدة على المختار وثلاث على غيره.
نعم هنا سؤال وجواب مشهوران وهو أنه إذا وجب في أربعمائة ما يجب
في ثلاثمائة وواحدة فما الفائدة في جعلهما نصابين؟ وينسحب مثله في المائتين
وواحدة والثلاثمائة وواحدة على القول الآخر.
والجواب أنها تظهر في موضعين الوجوب والضمان.
أما الأول: فلأن محله في الأربعمائة مثلا مجموعها وفي الثلاثمائة وواحدة
إلى الأربعمائة والثلاثمائة وواحدة خاصة، فهو عفو، فهذا أحد وجهي
الفائدة.
وأما الثاني: فلأنه لو تلف واحدة من الأربعمائة بعد الحول بغير تفريط
سقط من الفريضة جزء من مائة جزء من شاة، ولو كان محل الفريضة ناقصا
عن هذا العدد لم يسقط من الفريضة شئ ما دامت الثلاثمائة وواحدة باقية،
لأن الزائد عفو ولا يخلوان عن مناقشة.
63

(و) اعلم أنه (تجب الفريضة في كل واحد (1) من النصب) في
الأنعام على حسب ما فصل فيها (ولا تتعلق بما زاد) لأن ذلك مما يتعلق
بتقدير النصب معنى وفائدة. وفي الصحيح وليس على النيف شئ (2).
(وقد جرت العادة) من الفقهاء (بتسمية ما لا يتعلق به الزكاة من
الإبل شنقا) بفتح الشين العجمة والنون (ومن البقر وقصا) بالتحريك
(ومن الغنم عفوا) والمستفاد من كلام أكثر أهل اللغة ترادف الأولين وكأنهما
بمعنى واحد، وهو ما بين الفريضتين في الزكاة مطلقا، وفي مجمع البحرين عن
بعضهم ما عليه الفقهاء.
(الشرط (3) الثاني: السوم طول الحول) بالنص والاجماع (فلا تجب)
الزكاة (في المعلوفة ولو في بعض الحول) إجماعا إذا كان غالبا أو مساويا،
وفي الأقل أقوال أجودها الالحاق بغيره إن لم يصدق السوم طول الحول عرفا
وبالسائم طوله حقيقة إن صدق، وفاقا لأكثر المتأخرين، لعدم النص ووجوب
الرجوع إلى العرف المحكم في مثله.
خلافا للشيخ فأطلق إلحاق الأول بالثاني (4) وللماتن فعكس، وهما غير
ظاهري الوجه، إلا بعض الوجوه الاعتبارية التي هي مع معارضتها بعضا مع
بعض لا تصلح للحجية.
ولا فرق في العلف بين أن يكون لعذر أو غيره، ولا بين أن تعتلف الدابة
بنفسها أو بالمالك أو بغيره من دون إذن المالك أو بإذنه من مال المالك أو
غيره، وفاقا لجماعة.

(1) في الشرح الصغير، ونسخة (مش): (واحدة).
(2) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب زكاة الأنعام ح 1 ج 6 ص 78.
(3) هذه الكلمة غير موجودة في الشرح المطبوع، وأثبتناها من المتن المطبوع والنسخ.
(4) الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 62 ج 2 ص 53.
64

خلافا للمحكي عن التذكرة (1) وغيره فاستقرب وجوب الزكاة لو علفها
الغير من ماله، لعدم المؤونة. وفيه أن العلة غير منصوصة بل مستنبطة، فلا
تصلح مقيدة لاطلاق ما دل على نفي الزكاة في المعلوفة.
ولو اشترى مرعى فالظاهر أنه علف، بخلاف ما لو أستأجر الأرض للرعي
أو صانع الظالم على الكلاء المباح بشئ وفاقا للشهيدين (2) وغيرهما في
المقامين.
(الثالث: الحول) بالنص (3) والاجماع (وهو) هنا (اثنا عشر هلالا)
فيتعلق الوجوب بدخول الثاني عشر (وإن لم تكمل أيامه) إجماعا، وللصحيح:
إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليها الحول، ووجبت عليه فيها
الزكاة (4).
وهل يستقر الوجوب بذلك حتى أنه لو دفع الزكاة بعد دخوله ثم أختل
أحد الشروط فيه لم يرجع، أم يتوقف على تمامه؟ وجهان، من ظاهر الصحيح
والفتاوى، ومن أن غايتهما إفادة الوجوب بدخوله وحول الحول به، والأول أعم
من المستقر والمتزلزل، والثاني ليس نصا في الحول الحقيقي.
فيحتمل المجازي للقرب من حصوله، وهو إن كان مجازا لا يصار إليه إلا
بالقرينة، إلا أن ارتكابه. أسهل من حمل الحول المشترط في النص المتواتر
والفتوى مثله الذي هو حقيقة في اثني عشر شهرا كاملة عرفا ولغة، على الاثني
عشر هلالا ناقصة.

(1) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في السوم ج 1 ص 205 س 22.
(2) الدروس: كتاب الزكاة في السوم ص 59 س 8، ومسالك الأفهام: كتاب الزكاة في زكاة الأنعام
ج 1 ص 53 س 1.
(3) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب زكاة الأنعام ج 6 ص 82.
(4) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب زكاة الذهب والفضة ح 2 ج 6 ص 111.
65

ولو سالم التساوي فالأمر دائر بين مجازين متساويين لا يمكن الترجيح بينهما.
فينبغي الرجوع إلى حكم الأصل، وهو عدم الاستقرار، والأول أحوط،
بل لعله أظهر لقوة دليله، مع ضعف ما مر في جوابه فالأول بأن الظاهر من
الوجوب حيثما يطلق بحكم التبادر هو المستقر دون المتزلزل، وحمل الحول على
ما مر مجاز، والأصل الحقيقة.
ويمنع عن المعارضة بأن ذلك المجاز لا بد من ارتكابه ولو في الجملة، إذ
لا خلاف في الخروج عن حقيقة تلك النصوص والفتاوى، وهو عدم وجوب
شئ قبل حول الحول وتمامه، وهو مخالف للاجماع، والصحيح الماضي إن حمل
الوجوب فيها على مطلقة، وإن حمل على المستقر، فهو مجاز أيضا وتقييد للعام
ولو بزعم المخالف من غير دليل.
ومجرد الجمع بينها وبين الصحيح هنا بحمل الوجوب فيه على المتزلزل
ليس بدليل، بعد خلوه عن الشاهد، مع أنه ليس بأولى من حمل الحول فيها
على الشرعي.
وبالجملة لا ريب أن الصحيح هنا أخص من تلك النصوص والفتاوى،
ولذا خولف به ظاهرها ولو في الجملة إجماعا، فارتكاب التجوز المتقدم فيها
أولى من ارتكابه فيه جدا، ولذا أن شيخنا الشهيد الثاني - الذي هو أحد
القائلين بالقول الثاني - اعترف بدلالة الصحيح على خلافه (1)، إلا أنه ذب
عنه بالتأمل في سنده، وليس أيضا في محله، كما قرر في محله.
نعم ربما يستفاد من جملة من المعتبرة اعتبار كمال السنة، كالصحيح: لما
نزلت آية الزكاة (خذ من أموالهم) الآية أمر رسول الله صلى الله عليه وآله
مناديه فنادى في الناس أن الله تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم

(1) مسالك الأفهام: كتاب الزكاة في زكاة الأنعام: ج 1 ص 53 س 11.
66

الصلاة - إلى أن قال -: لم يتعرض لشئ من أموالهم حتى حال عليهم الحول من
قابل فصاموا وأفطروا فأمر مناديه فنادى في الناس أيها المسلمون زكوا أموالكم
تقبل صلاتكم، الحديث (1).
والموثق: السخل متى تجب فيه الصدقة، قال: إذا أجذع (2)، أي دخل في
السنة الثانية.
والجواب عنهما وإن أمكن، إلا أنه لا يخلو عن بعد.
ويستفاد من الرواية الأخيرة كغيرها من المعتبرة وفيها الصحيح مضافا
إلى الاجماع الظاهر المصرح به في جملة من العبائر.
(و) عموم ما دل على أن كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شئ عليه
فيه (3)، أنه (ليس حول الأمهات حول السخال، بل يعتبر فيها) بانفرادها
(الحول كما في الأمهات) هذا إن كانت نصابا مستقلا بعد نصابها، كما لو
ولدت خمس من الإبل خمسا أو أربعون من البقر أربعين أو ثلاثين.
أما لو كان غير مستقل، ففي ابتداء حوله مطلقا كما عن محتمل المعتبر (4)،
أو مع إكماله للنصاب الذي بعده كما استقر به في المنتهى () أولا، أو عدم
ابتدائه حتى يكل الأول فيجزئ الثاني لهما أوجه، وأقوال، أجودها الأخير،
وفقا لجماعة من المتأخرين (6).

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ح 1 ج 6 ص 3.
(2) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب زكاة الأنعام ح 3 ج 6 ص 83.
(3) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب زكاة الأنعام ج 6 ص 82.
(4) المعتبر: كتاب الزكاة السادس ج 2 ص 509.
(5) منتهى المطلب: كتاب الزكاة ج 1 ص 490 س 10.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: كتاب الزكاة في شرائط ما تجب فيه ج 4 ص 58، ومدارك الأحكام:
كتاب الزكاة ج 5 ص 76.
67

فلو كان عنده أربعون شاة فولدت أربعين لم يجب فيها شئ، للأصل،
وعموم ما دل على أن الزائد عن النصاب عفو (1). وعلى الأول فشاة عند تمام
حولها، لعموم في كل أربعين شاة شاة (2)، وهو مع اختصاصه بالنصاب المبتدأ
بحكم التبادر وفحوى الخطاب بل والاجماع، معارض بما مر من العموم المترجح
على هذا، بعد تسليم تكافئهما بالأصل.
أو ثمانون فولدت اثنتين وأربعين فشاة للأولى خاصة، ثم يستأنف حول
الجميع بعد تمام الأول.
وعلى الأولين تجب أخرى عند تمام حول الثانية، لعموم ما دل على وجوب
الزكاة في النصاب الثاني لو ملكه، وهو مخصص بما دل على أنه لا يثني في
الصدقة من الصحيح وغيره (3)، بناء على وجوبها في الأمهات بعد حولها قطعا،
وللعمومات. فإذا وجبت فيها امتنع ضمها إلى السخال في حولها (4)، لما
مضى، ولذا رجع عما اختاره في المنتهى (5) أخيرا.
وهل مبدأ حول السخال غناؤها بالرعي ليتحقق السوم المشترط في إطلاق
النص والفتوى كما مضى، أو نتاجها كما في المعتبرة وفيها الصحيح وغيره، أم
التفصيل بارتضاعها من معلوفة فالأول أو سائمة فالثاني جمعا بين الدليلين؟
أقوال، خيرها أوسطها، وفاقا للمحكي عن الشيخ (6) والإسكافي (7) ومن تبعهما،

(1) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب زكاة الأنعام ج 6 ص 78.
(2) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب زكاة الأنعام صدر ح 1 ج 6 ص 78.
(3): وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة ح 1 ج 6 ص 67.
(4) وسائل الشيعة: باب 9 من أبواب زكاة الأنعام ح 5 ج 6 ص 84.
(5) منتهى المطلب: كتاب الزكاة ج 1 ص 491 س 7.
(6) الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 18 ج 1 ص 271.
(7) مختلف الشيعة: كتاب الزكاة في زكاة الأنعام ج 1 ص 175 س 13.
68

بل في المختلف (1) والمسالك (2) دعوى كونه مشهورا؟ لأن ما دل عليه أقوى دلالة
فيخص به عموم الدليل الأول.
ويندفع به الثالث لأن الجمع به أقرب منه، وبالأصول أوفق. فتأمل.
واعلم أن المعتبر حول الحول على العين وهي مستجمعة للشرائط المتقدمة،
فلو حال عليها وهي مسلوبة الشرائط أو بعضها، كأن كانت دون النصاب لم
تجب فيها.
(ولو تم ما نقص عن النصاب في أثناء الحول استأنف حوله من
حين تمامه)، وكذا لو حصلت باقي الشرائط بعد فقدها يستأنف لها الحول
بعد حصولها.
(ولو ملك مالا آخر كان له حول بانفراده) إن كان نصابا مستقلا
بعد نصاب الأول، وإلا ففيه الأوجه الماضية، والمختار منها ما عرفته.
(ولو ثلم النصاب) فتلف بعضه أو اختل غيره من الشرائط (قبل)
تمام (الحول) الشرعي أو اللغوي، على الاختلاف الماضي (سقط
الوجوب) يعني لا تجب الزكاة بعد حوله عليه كذلك مطلقا.
(وإن قصد) بالثلم (الفرار) من الزكاة (ولو كان) نحو الثلم
(بعد) تمام (الحول لم يسقط) أما عدم السقوط حيث يكون الثلم بعد
الحول فهو موضع نص ووفاق، وكذلك السقوط به قبله مع عدم قصد الفرار،
وأما مع قصده فمحل خلاف.
وما اختاره الماتن هو الأشهر الأقوى، بل عليه عامة متأخري أصحابنا،
بل لا خلاف فيه أجده إذا كان الثلم بالنقص، بل على السقوط حينئذ

(1) مختلف الشيعة: كتاب الزكاة في زكاة الأنعام ج 1 ص 175 س 11.
(2) مسالك الأفهام: كتاب الزكاة في زكاة الأنعام ج 1 ص 52 س 31.
69

الاجماع في الخلاف (1).
ويظهر منه ومن غيره اختصاص الخلاف بما إذا كان الثلم بتبديل
النصاب أو بعضه بغيره، من جنسه أو غيره.
وسيأتي الكلام في هذه المسألة في بحث زكاة الذهب والفضة.
ثم إن ما ذكرناه من الاجماع على السقوط بالثلم قبل، الحول بقصد الفرار
إنما هو فيما إذا كان بالنقص، أو التبديل بغير الجنس، وإلا فقد خالف فيه
الشيخ في المبسوط (2) والخلاف (3)، لكنه شاذ محجوج بالأصل، وعموم ما دل
على أن ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شئ عليه فيه مع سلامتهما عما
يصلح للمعارضة.
الشرط (الرابع: ألا تكون عوامل) بالنص (4) والاجماع، وما يخالفه
فشاذ محمول على الاستحباب أو التقية لكونه مذهب بعض العامة (5).
والمعتبر فيه الصدق العرفي طول الحول، ولا يقدح النادر الغير المنافي له،
كما مر في السوم.
(وأما اللواحق فمسائل) أربع:
(الأولى: الشاة المأخوذة في الزكاة) مطلقا (أقلها) الذي لا يجزئ
دونه (الجذع) بفتحتين (من الضأن أو الثني من المعز) على الأظهر
الأشهر، بل لا خلاف فيه يعرف، ولا ينقل إلا في الشرائع فقد حكى القول
فيه بكفاية ما يسمى شاة (6)، والقائل غير معروف ولا منقول، فهو نادر بل

(1) الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 64 ج 2 ص 55.
(2) المبسوط: كتاب الزكاة في نقصان النصاب قيل حؤول الحول ج 1 ص 225.
(3) الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 65 ج 2 ص 56.
(4) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب زكاة الأنعام، ح 1، ج 6 ص 80.
(5) المحلى: ج 6 ص 45، والمبسوط للسرخسي: ج 2 ص 165.
(6) شرائع الاسلام: كتاب الزكاة في زكاة الأنعام ج 2 ص 147.
70

على خلافه الاجماع في الغنية (1) والخلاف (2)، وهو الحجة.
مضافا إلى النبوية المنجبرة سندا ودلالة بالشهرة، وفيها: نهينا أن نأخذ
المراضع وأمرنا أن نأخذ الجذعة والثنية (3).
خلافا لجماعة من أفاضل متأخري المتأخرين فوافقوا القائل المزبور (4)،
لاطلاق النصوص (5)، وضعف الرواية والاجماع المنقول.
وهما كما ترى أما الثاني: فلما مضى. وأما الأول: فلعدم معلومية انصرافه
إلى خلاف ما عليه المشهور، لو لم نقل بتعين انصرافه إليه، بل فصاعدا لحكم
التبادر وغيره، مما دل على تعلق الزكاة في العين، ووجوب حول الحول عليها،
فلا يكون بعد ذلك إلا وجوب شاة يكون سنها سنة لا أقل منها، ولكن لما
كان لا تجب هذه بخصوصها في الجملة إجماعا فتوى ونصا تعين ما يقرب منها
سنا.
واعلم أنه قد اختلف كلمة أهل اللغة في بيان سن الفريضتين على أقوال
في الأولى: منها أنها ماله سنة كاملة، ومنها ستة أشهر، ومنها سبعة، ومنها
ثمانية، ومنها عشرة (6).
وعلى قولين في الثانية: أحدهما: أنها ما دخلت في السنة الثالثة، والثاني

(1) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): في شرائط وجوب الزكاة س 7 ص 506.
(2) الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 20 ج 2 ص 24.
(3) سنن أبي داود: كتاب الزكاة ج 2 ح 1579 ص 102.
(4) ذخيرة المعاد: كتاب الزكاة في أسنان الإبل ص 436 س 33. ومجمع الفائدة: كتاب الزكاة في
الخاتمة ج 4 ص 77. والحدائق الناضرة: كتاب الزكاة في سن الشاة في زكاة الإبل والغنم ج 12
ص 66.
(5) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب زكاة الأنعام ج 6 ص 72.
(6) مجمع البحرين: في مادة جذع ج 4 ص 310.
71

ما دخلت في الثانية (1)، لكن التفسير الأول، الفريضتين أشهر بينهم، كما
صرح به في الثانية جماعة، وفي الأولى صاحب مجمع البحرين بل ذكر أنه
الصحيح بين أصحابنا أيضا.
أقول: بل المستفاد من كلمات من وقفت على كلماته في المسألة، كالشيخ
في المبسوط (2)، والفاضل في التحرير (3) والمنتهى (4) والتذكرة (5)، والشهيد
الثاني في الروضة (6) وغيرهم، وهو المفهوم من الحلي، أنها ماله سبعة (7).
وربها يحكي عن بعضهم أنها ستة (8)، وظاهر هؤلاء التفسير الثاني في
الفريضة الثانية، وادعى الشهرة عليه جماعة (9).
وما اختاروه رضوان الله عليهم في المقامين أوفق بأصالة البراءة. ولكن
الأحوط ما عليه جمهور أهل اللغة، تحصيلا للبراءة اليقينية.
(ويجزئ الذكر والأنثى)، سواء كان النصاب كله ذكرا أو أنثى أو
ملفقا منهما، إبلا كان أو غنما كان الذكر، حيث ما يدفع في نصاب الغنم
الإناث بجميعها بقيمة. واحدة منها أم لا، وفاقا لجماعة ومنهم الشيخ في

(1) الصحاح: في مادة جذع ج 3 ص 1194.
(2) المبسوط: كتاب الزكاة في زكاة الإبل ج 1 ص 196.
(3) تحرير الأحكام: كتاب الزكاة في زكاة الإبل ج 1 ص 59 س 31.
(4) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في تعيين ما يؤخذ من الشياه ج 1 ص 482 س 35.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في الشاة المأخوذة في نصب الإبل ج 1 ص 213 س 41.
(6) الروضة البهية: كتاب الزكاة في زكاة الأنعام ج 2 ص 27.
(7) السرائر: كتاب الزكاة في شروط ما تجب فيه الزكاة ج 1 ص 437.
(8) المصباح المنير: في مادة جذع ج 1 ص 94.
(9) ذخيرة المعاد: كتاب الزكاة في نصاب الغنم ص 436 س 31، والحدائق الناضرة: كتاب الزكاة في
زكاة الغنم ج 12 ص 66.
72

المبسوط (1)، والفاضل في جملة من كتبه (2)، للاطلاقات.
خلافا للأول في الخلاف فعين الأنثى في الإناث من الغنم مطلقا (3)،
وللثاني في المختلف ففصل فيها فجوز دفع الذكر إذا كان بقيمة واحدة منها،
ومنع في غيره (4).
ولعل وجهه تعلق الزكاة بالعين، فلا بد في دفعها منها أو من غيرها، مع
اعتبار القيمة.
ولا يخلو عن مناقشة، فإن الزكاة المتعلقة بالعين ليس إلا مقدار ما جعله
الشارع فريضة، لا بعض آحادها بخصوصها، وإلا لما تصور تعلقها بالإبل، بل
ولا الغنم حيث يجوز دفع الجذعة عنها كما مر (5).
وحينئذ، فننقل الكلام في الفريضة، وهي على ما وصلت إلينا من الشرع
من جهة إطلاق الشاة بقول مطلق، وهو يصدق على الذكر والأنثى لغة وعرفا.
: وبالجملة فما ذكره الماتن وغيره أقوى، وإن كان ما في المختلف (6) أحوط
وأولى.
(وبنت المخاض هي التي دخلت في) السنة (الثانية، وبنت
اللبون هي التي دخلت في الثالثة، والحقة هي التي دخلت في الرابعة،
والجذعة) من الإبل (هي التي دخلت في الخامسة) بلا خلاف في شئ

(1) المبسوط: كتاب الزكاة زكاة الإبل ج 1 ص 196.
(2) تحرير الأحكام: كتاب الزكاة في زكاة الإبل ج 1 ص 59 س 32، وتذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة
في الشاة المأخوذة في نصب الإبل ج 1 ص 213 س 38.
(3) كتاب الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 22 ج 2 ص 25.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الزكاة في زكاة الأنعام ج 1 ص 177 س 17 و 18.
(5) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب زكاة الأنعام ج 6 ص 86.
(6) مختلف الشيعة: كتاب الزكاة في نصاب الغنم وأحكامها ج 1 ص 177 س 36.
73

من ذلك أجده بين أصحابنا، ولا بين أهل اللغة.
(والتبيع من البقر هو الذي يستكمل سنة ويدخل في الثانية،
والمسنة هي التي تدخل في الثالثة) بلا خلاف أجده ولا أحد نقله، بل
يفهم الاجماع عليه من جماعة (1).
ولكن الموجود في اللغة في تفسير الأول أنه ما كان في السنة الأولى (2)،
وهو أعم من استكمالها، إلا أنه لا إشكال في اعتباره، للاجماع عليه فتوى
ونصا.
ففي الصحيح: في كل ثلاثين بقرة تبيع حولي (3).
(ولا) يجوز (أن يؤخذ الربى) بضم الراء وتشديد الباء في مجمع
البحرين، قيل: هي الشاة التي تربى في البيت من الغنم لأجل اللبن، وقيل:
هي الشاة القريبة العهد بالولادة، وقيل: هي الوالد ما بينها وبين خمسة عشر
يوما، وقيل: ما بينها وبين عشرين يوما، وقيل: ما بينها وبين شهرين، وخصها
بعضهم بالمعز وبعضهم بعضهم بالضأن (4).
أقول: والمشهور بين الأصحاب من هذه التفاسير هو ما عدا الأول، وعللوا
المنع - بعد اتفاقهم عليه - على الظاهر المصرح به في بعض العبائر، تارة بأن فيه
إضرارا بولدها (5) وأخرى بأنها مريضة كالنفساء (6).

(1) الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 15 ج 2 ص 20، والغنية (الجوامع الفقهية): في زكاة نصاب البقر
ص 506 س 3.
(2) القاموس: ج 3 باب العين فصل التاء ص 8، والصحاح للجوهري: ج 3 ترع ص 1190.
(3) وسائل الشيعة: باب 4 من أبواب زكاة الأنعام ح 1 ج 6 ص 77.
(4) مجمع البحرين: ج 2 باب الباء ما أوله راء ص 65.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: كتاب الزكاة ج 4 ص 74.
(6) المبسوط: كتاب الزكاة ج 1 ص 199.
74

والأجود الاستدلال عليه بالموثق: ولا تؤخذ الأكولة الكبيرة من الشاة
تكون في الغنم، ولا الوالدة، ولا الكبش الفحل (1).
وقريب منه الصحيح: ليس في الأكيلة، ولا في الربى التي تربى اثنين،
ولا شاة لبن، ولا فحل الغنم صدقة (2). بناء على حمله على عدم الأخذ لا عدم
العد، للاجماع على عد الربى وشاة اللبن، كما في المدارك (3) وغيره (4)، لكن
فيه تفسيرها بالتي تربى اثنين أو تقييد المنع بها خاصة ولا قائل بهما.
وهل يجوز أخذها مع رضاء المالك بدفعها كما عليه الفاضلان (5)، أم لا
كما عليه شيخنا الشهيد الثاني؟ قولان مبنيان على الاختلاف في تعليل المنع
بما مر، فمن علله بالأول قال: بالأول، ومن علله بالثاني قال: بالثاني (6)
ولا ريب أن هذا أحوط، سيما مع تأيده بظاهر إطلاق النص (7). لكن ربما
يستفاد من المنتهى (8) عدم الخلاف في الأول.
هذا إذا لم تكن المأخوذة فيها جمع ربى، وإلا فلم يكلف غيرها قولا
واحدا.
(ولا المريضة) كيف كان (ولا الهرمة) المسنة عرفا (ولا ذات
العوار) مثلثة العين مطلق العيب إجماعا، على الظاهر المصرح به في جملة من

(1) وسائل الشيعة: باب 10 من أبواب زكاة الأنعام ح 2 ج 6 ص 84.
(2) وسائل الشيعة: باب 10 من أبواب زكاة الأنعام ح 1 ج 6 ص 84.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في زكاة الغلات ج 5 ص 107.
(4) مفاتيح الشرائع: كتاب الزكاة مفتاح 228 نصاب الغنم ج 1 ص 200.
(5) المعتبر: كتاب الزكاة في لواحق الزكاة ج 2 ص 514، وتذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة ج 1 ص 215
س 9.
(6) مسالك الأفهام: كتاب الزكاة في زكاة الأنعام ج 1 ص 54 س 36.
(7) وسائل الشيعة: باب 10 من أبواب زكاة الأنعام ج 6 ص 84.
(8) منتهى المطلب: كتاب الزكاة فيما يجب فيه الزكاة ج 1 ص 485 س 24.
75

العبائر مستفيضا، وللصحيح وغيره الواردين في الأخيرين (1)، ويلحق بهما
الأول، لعدم قائل بالفرق، وفيهما إلا أن يشاء المصدق، ولم أر مفتيا بهذا
الاستثناء صريحا.
هذا إذا وجد في النصاب صحيح مثلا، فلو كان كله مريضا لم يكلف
شراء صحيحة إجماعا، كما يأتي إن شاء الله تعالى.
(ولا تعد) في النصاب (الأكولة) بفتح الهمزة، وهي المعدة للأكل
(ولا فحل الضراب) وهو المحتاج إليه لضرب الماشية عادة، فلو زاد كان
كغيره في العد.
والحكم بعدم عدهما خيرة الماتن هنا، والفاضل في الارشاد (2)،
والشهيدين في اللمعة وشرحها (3)، لظاهر الصحيح الماضي في الربى.
خلافا للأكثر بل المشهور كما قيل، فيعدان للاطلاقات، مع قصور
الصحيح عن مكافأتها لقصوره دلالة بقوة احتمال كون المراد منه عدم الأخذ
بقرينة ما مضى مضافا إلى التعبير به في الموثق فيهما وفي الربى، وهو متفق
عليه بيننا، إلا أن يرضى المالك فيعدان بلا خلاف كما في المنتهى (4)،
واستقرب في البيان عدم عد الفحل إلا أن يكون كلها فحولا أو معظمها
فيعد (5). ومستنده غير واضح، وخير هذه الأقوال أوسطها، مع كونه أحوط
وأولى.
(الثانية من وجب عليه سن من الإبل وليست عنده وعنده أعلى

(1) وسائل الشيعة: باب 10 من أبواب زكاة الأنعام ح 3 ج 6 ص 85.
(2) إرشاد الأذهان: كتاب الزكاة في خاتمة ج 1 ص 281.
(3) اللمعة الدمشقية والروضة البهية: كتاب الزكاة ج 2 ص 27.
(4) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في حكم من وجد الأعلى ج 1 ص 485 س 23.
(5) البيان: كتاب الزكاة في عدم جواز الأدنى عن الأعلى في الزكاة ص 176.
76

منها بسن) واحد (دفعها وأخذ شاتين أو عشرين درهما ولو كان عنده
الأدون) منها بسن (دفعها و) دفع (معها شاتين أو عشرين (1) درهما)
بلا خلاف أجده إلا من الصدوقين فجعلا التفاوت بين بنت المخاض وبنت
اللبون شاة يأخذها المصدق (2)، أو يدفعها، للرضوي (3). وهو نادر، بل على خلافه
الاجماع في جملة العبائر كالمنتهى! (4) والتذكرة (5)، وغيرهما من كتب
الجماعة (6). مضافا إلى المعتبرة، وفيها الصحيح المروي في الفقيه (7)، وغيره.
وإطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق بين ما لو كانت قيمة الواجب
السوقية مساوية لقيمة المدفوع على الوجه المذكور، أم زائدة عليها، أم ناقصة
عنها، وهو مشكل في صورة استيعاب قيمة المأخوذ من المصدق لقيمة المدفوع
إليه، لاختصاص الاطلاق بحكم التبادر وغيره بغيرها، مع أن العمل به فيها
يوجب عدم وجوب الزكاة، لأن المؤدي لها على هذا الوجه كأنه لم يؤد شيئا.
فعدم الاجزاء فيها في غاية القوة، كما عليه جماعة حاكين له عن التذكرة (8).
واحترز بالإبل والسن الواحد عما عدا أسنان الإبل والسن المتعدد، لعدم
الاجزاء ووجوب القيمة السوقية فيهما بلا خلاف في الأول كما في التذكرة (9)

(1) في المتن المطبوع: " شاتان أو عشرون ".
(2) مختلف الشيعة: كتاب الزكاة في جواز دفع ما هو أعلى في السن ج 1 ص 176 س 38 والمقنع
(الجوامع الفقهية): الزكاة س 35 ص 13.
(3) فقه الرضا عليه السلام: ب 28 في الزكاة ص 196 و 197.
(4) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في حكم من وجد الأعلى ج 1 ص 483 س 31.
(5) تذكرة الفقهاء: ج 1 س 7 ص 208.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: ج 4 ص 82، ومدارك الأحكام: كتاب الزكاة في زكاة الغلات ج 5 ص 83.
(7) من لا يحضره الفقيه: باب صدقة الأنعام ج 2 ح 1604 ص 23.
(8) الحدائق الناضرة: كتاب الزكاة في دفع الأعلى أو الأدنى ج 12 ص 54.
(9) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في زكاة الجبران ج 1 ص 208 س 40.
77

وغيرها، اقتصارا فيما خالف الأصل الدال على لزوم الفريضة بعينها، مع
الامكان، وبدلها مع العدم وهو القيمة السوقية كائنة ما كانت على مورد
النص والفتوى، وهو سن الإبل خاصة، وعليه أكثر المتأخرين، تبعا للحلي في
الثاني لعين الدليل الماضي (1).
خلافا للمبسوط (2) والمختلف (3) والحلبي (4) فيجزئ لأمر اعتباري، لا يكاد
يفرق بينه وبين القياس الخفي، وإن زعم كونه من باب تنقيح المناط
القطعي.
ونحوه في الضعف القول بالاكتفاء بالجبر بشاة وعشرة دراهم، كما عن
التذكرة (5) وشيخنا الشهيد الثاني (6).
وبالجملة، حيث كان الحكم في المسألة مخالفا للأصول، لزم الاقتصار فيه
على مورد الفتاوى، والنصوص.
(ويجزئ ابن اللبون الذكر عن بنت المخاض مع عدمها من غير
جبر) مطلقا، بغير خلاف ظاهر مصرح به في بعض العبائر، وعن التذكرة
الاجماع عليه، للنصوص المستفيضة، وفيها الصحاح وغيرها إن لم يكن فيها بنت
مخاض فابن لبون ذكر (7).
وهل يجزئ عنها مع وجودها؟ الأظهر لا، اقتصارا فيما خالف الأصل على

(1) السرائر: كتاب الزكاة باب المقادير التي تجب فيها الزكاة ج 1 ص 450.
(2) المبسوط: كتاب الزكاة باب زكاة الإبل ج 1 ص 195.
(3) مختلف الشيعة: الزكاة جواز دفع ما هو أعلى في السن س 15 ص 177.
(4) الكافي في الفقه: كتاب الزكاة ص 167.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في زكاة الجبران ج 1 ص 208 س 31.
(6) مسالك الأفهام: كتاب الزكاة في زكاة الأنعام ج 1 ص 53 س 31.
(7) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في زكاة الجبران ج 1 ص 208 س 18.
78

مورد النص والفتوى وهو الاجزاء بشرط عدمها، مع أنه قضية الشرط فيها.
مع أنا لم نقف على مصرح بالاجزاء مطلقا، عدا الفاضل المقداد في
التنقيح فقال: الفتوى على الاجزاء مطلقا اختيارا واضطرارا لكونه أكبر منها
سنا (1).
وفيه أن الأكبرية سنا لا دليل على اعتبارها، وإنما المعتبر الفريضة
الشرعية، أو ما يقوم مقامها في الشريعة وهو هنا ابن اللبون، مع فقدها
خاصة، أو مع وجودها أيضا إن ساوى قيمته قيمتها، أو زادت عليها وجوزنا
إخراج القيمة مطلقا، والأول: خارج عن مفروضنا، والثاني: أخص من المدعى.
ولو عدمهما معا تخير في شراء أيهما شاء كما عليه الشيخ في الخلاف (2)
والفاضلان معربين عن كونه موضع وفاق بين علمائنا (3)، وأكثر العامة (4)
العمياء
خلافا لبعضهم فعين شراء بنت مخاض (5).
وربما يظهر من بعضنا وقوع الخلاف فيه بيننا.
ولا ريب أن شرائها أحوط وأولى، وإن كان التخيير أظهر وأولى (6) فتوى
لما مضى، ولائه بشراء ابن اللبون يكون له واجدا، فيكون عنها مجزئا.
(ويجوز أن يدفع عما يجب في النصاب) مطلقا (من النعم

(1) التنقيح الرائع: كتاب الزكاة في زكاة الأنعام ج 1 ص 306.
(2) الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 5 ج 2 ص 11.
(3) المعتبر: كتاب الزكاة في زكاة الأنعام ج 2 ص 515، ومنتهى المطلب: كتاب الزكاة في زكاة الأنعام ج 1
ص 484 س 18.
(4) الأم: ج 2 ص 6. والمجموع: ج 5 ص 401 والوجير: ج 1 ص 81.
(5) بداية المجتهد: ج 1 ص 252 والمجموع ج 5 ص 402.
(6) في (مش) (ق) بدل (وأولى)، (وأقوى).
79

الثلاثة) كان (أو غيرها (1)) من النقدين والغلات (من غير الجنس
بالقيمة السوقية) بلا خلاف أجده فيما عدا النعم، بل عليه الاجماع في عبائر
جماعة، ومنهم الفاضل في التذكرة (2)، للصحيحين (3) وغيرهما، وعلى الأقوى
فيها أيضا، وهو الأشهر بين أصحابنا، حتى أن الشيخ رحمه الله في الخلاف (4)
حكى عليه إجماعنا. وهو الحجة المعتضدة بالشهرة العظيمة القريبة من
الاجماع، وفتوى من لا يرى العمل إلا بالأدلة القطعية كالمرتضى (5)
والحلي (6)، مدعيا في ظاهر كلامه الاجماع عليه أيضا.
وبما استدل عليه جماعة (7)، من أن المقصود من الزكاة دفع الخلة وسد
الحاجة، وهو يحصل بالقيمة كما يحصل بالفريضة، وأن الزكاة إنما شرعت
جبرا للفقراء ومعونة لهم.
وربما كانت القيمة أنفع في بعض الأزمنة، فكان التسويغ مقتضى
الحكمة.
هذا مضافا إلى عموم بعض النصوص، كالمروي في قرب الإسناد: عيال
المسلمين أعطيهم من الزكاة فاشتري لهم منها ثيابا وطعاما، وأرى أن ذلك خير
لهم، فقال: لا بأس (8)، والزكاة فيه مطلقا يشمل المخرجة من الأنعام وغيرها

(1) في المتن المطبوع: (من الأنعام وغيرها).
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في القصد بالزكاة سد الخلة ج 1 ص 225 س 33.
(3) وسائل الشيعة: باب 14 من أبواب زكاة الذهب والفضة ح 1 و ح 2 ج 6 ص 114.
(4) الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 59 ج 2 ص 50.
(5) الإنتصار: فيما نفى عنه الزكاة ص 79.
(6) السرائر: كتاب الزكاة في النصاب وما يجب فيه ج 1 ص 451.
(7) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في القصد بالزكاة سد الخلة ج 1 ص 225 س 37، ومدارك
الأحكام: في جواز اخراج غير جنس الفريضة س 30 ص 298.
(8) قرب الإسناد: ص 24.
80

وقد سوغ عليه السلام إخراجها بالقيمة من غير استفصال، وهو يفيد العموم،
كما مر في غير مقام. وقصور السند منجبر بما مر، مع أنه موثق، وهو حجة على
الأظهر.
خلافا للمفيد فعين الفريضة إلا مع العجز عنها (1). فالقيمة للأصول
المتقدمة، وهي بما قدمناه من الأدلة مخصصة.
هذا (و) لا ريب أن إخراج (الجنس أفضل) مطلقا، كما صرح به
الحلي (2) وغيره (3)، لظاهر بعض الأخبار: قلت أيشتري الرجل من الزكاة
الثياب والسويق والدقيق والبطيخ والعنب فيقسمه؟ قال: لا يعطيهم إلا
الدراهم كما أمر الله تعالى (4).
وفي قوله: (كما أمر الله تعالى) إشعار بأن الزكاة المسؤول عن جواز إخراج
قيمتها إنما هو الدراهم، وإلا فليس المأمور به من الله سبحانه في كل جنس
إلا ما يجانسه لا الدراهم مطلقا، وعليه فقوله عليه السلام: (لا يعطيهم إلا
الدراهم) وارد على زكاتها، ويكون قوله: (كما أمر الله تعالى) مشعرا، بل
ظاهرا في عموم المنع وثبوته مطلقا، وظاهره لم إن أفاد المنع والحرمة لكنه محمول
على الكراهة، جمعا بين الأدلة.
(ويتأكد) الاخراج من الجنس (في النعم) خروجا عن شبهة الخلاف
فيه فتوى ونصا، وهي التي أوجبت التأكد فيها، ولولاها لكان سبيل النعم في
مرتبة الفضيلة سبيل غيرها.
(الثالثة: إذا كانت النعم) كلها (مراضا لم يكلف) المالك بشراء

(1) المقنعة: كتاب الزكاة باب الزيادات في الزكاة ص 253.
(2) السرائر: كتاب الزكاة في النصاب وما يجب فيه ج 1 ص 451.
(3) مجمع الفائدة: كتاب الزكاة خاتمة ج 4 ص 124.
(4) وسائل الشيعة: باب 14 من أبواب زكاة الذهب والفضة ح 3 ج 6 ص 114.
81

(صحيحة) بإجماعنا الظاهر المحكي في صريح الخلاف (1) وظاهر المنتهى (2)
وغيره (3)، وهو الحجة المعتضدة بالأصل، والاطلاقات السليمة عما يصلح
للمعارضة، عدا ما مر من إطلاق ما دل على المنع عن أخذ نحو العوراء والهرمة،
وهو مخصوص بحكم التبادر والغلبة بغير مفروض المسألة، وهو ما إذا كان
كلها صحاحا، أو ملفقة منها ومن المراض.
(ويجوز أن يدفع) عن الشاة الواجبة في زكاة الإبل والغنم (من غير غنم
البلد) من غير فرق في ذلك بين الزكاة (ولو كانت) الشاة المدفوعة عن الفريضة
(أدون) من غير فرق في ذلك بين الزكاة الإبل والغنم، على ما يقتضيه
إطلاق العبارة هنا وفي الشرائع (4) والخلاف (5) وغيرها، وبه صرح بعض
أصحابنا (6)، ولعله لعموم الأدلة أو اطلاقاتها.
خلافا للشهيدين وغيرهما فقيدوا ذلك بزكاة الإبل واشترطوا في غيرها
أخذ الأجود أو الأدون بالقيمة لا فريضة (7). ووجهه غير واضح، وإن كان
أحوط وأولى.
(الرابعة: لا يجمع بين متفرق في الملك) فلا يضم مال انسان بغيره
وإن كانا في مكان واحد، بل تعتبر النصاب في مال كل واحد (ولا يفرق

(1) الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 9 ج 2 ص 15.
(2) منتهى المطلب: كتاب الزكاة فيما يجب فيه الزكاة ج 1 ص 483 س 5.
(3) شرائع الاسلام: كتاب الزكاة في اللواحق ج 1 ص 149.
(4) شرائع الاسلام: كتاب الزكاة في اللواحق ج 1 ص 149.
(5) الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 12 ج 2 ص 17.
(6) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في زكاة الأنعام ج 1 ص 213 س 39.
(7) الدروس الشرعية: كتاب الزكاة ص 60 س 6، ومسالك الأفهام: كتاب الزكاة في زكاة الأنعام
ج 1 ص 54 س 39.
82

بين مجتمع فيه) فلا يفرق بين مالي مالك واحد ولو تباعد مكانهما، ولا
خلاف في الثاني بين العلماء ظاهرا، بل عليه الاجماع في المنتهى (1)، وكذا في
الأول إن لم يختلط المالان مطلقا.
وأما مع الاختلاط، ففيه خلاف بينهم، والذي عليه علماؤنا ظاهرا من
غير خلاف بينهم أجده، بل عليه الاجماع في صريح الخلاف (2) وغيره،
وظاهر (3) السرائر والمنتهى (4) (و) غيرهما أنه (لا اعتبار بالخلطة) مطلقا،
سواء كان خلطة أعيان كأربعين بين شريكين، أو ثمانين بينهما مشاعة، أو
خلطة أوصاف كالاتحاد في المرعى والمشرب والمراح، مع تميز المالين.
للنبوي: إذا كانت سائمة الرجل ناقصة عن أربعين فليس فيه صدقة (5).
وفي آخر: من لم يكن له إلا أربعة من الإبل فليس فيها صدقة (6). ونحوه
المرتضوي الخاصي (7).
ولا فرق بين مواردها وغيرها إجماعا، على الظاهر المحكي في ظاهر
المنتهى (8)، وللمروي في العلل: قلت له: مائتا درهم بين خمسة أناس أو عشرة
حال عليها الحول وهي عندهم أيجب عليهم زكاتها؟ قال: لا هي بمنزلة تلك
- يعني جوابه في الحرث - ليس عليهم شئ حتى يتم لكل إنسان منهم مائتا

(1) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في عدم الاعتبار بالخلطة ج 1 ص 504 س 34.
(2) الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 35 ج 2 ص 36.
(3) السرائر: كتاب الزكاة في النصاب وما يجب فيه ج 1 ص 451.
(4) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في عدم الاعتبار بالخلطة ج 1 ص 451.
(5) سنن البيهقي: كتاب الزكاة باب كيف فرض صدقة الغنم ج 4 ص 100.
(6) سنن ابن ماجة: كتاب الزكاة باب صدقة الإبل ج 1 ح 1799 ص 574.
(7) مستدرك الوسائل: ب 1 من أبواب زكاة الأنعام ح 1 ج 7 ص 57.
(8) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في وجوب الزكاة في العين ج 1 ص 505 س 34.
83

درهم، قلت: وكذلك في الشاة والإبل والبقر والذهب والفضة وجميع الأموال
قال: نعم (1).
وفي جملة من المعتبرة العامية والخاصية، وفيها الصحيح وغيره، لا يفرق بين
مجتمع، ولا يجمع بين متفرق، وظاهرها على ما عقله أصحابنا الدلالة على
مطلوبنا لا ما زعمته هؤلاء، كما صرح به في السرائر (2)، وكذا في المنتهى.
فقال - بعد أن احتج لهم على اعتبار الخلطة بها -: الجواب أنه حجة لنا لأن
المراد أن لا يجمع بين متفرق في الملك، ولا يفرق بين مجتمع فيه، ولا اعتبار
بالمكان، وإلا لزم أن لا يجمع بين مال الواحد إذا تفرق في الأمكنة، وهو
منفي إجماعا. إلى آخر ما ذكره (3).
ولا ضير في قصور الأسانيد أو ضعفها، حيث كان بعد الانجبار بعمل
الأصحاب، والاجماعات المنقولة في كلمة الأعيان.
(القول في زكاة الذهب والفضة)
(ويشترط في الوجوب) فيهما - زيادة على الشروط العامة - (النصاب،
والحول) بلا خلاف بين العلماء كما في المنتهى (4) بل اجماعهم كما في المدارك
في الثاني (5)، ولا شبهة فيهما لما مضى ويأتي.
(وكونهما منقوشين بسكة المعاملة)، الخاصة بكتابة وغيرها، بلا خلاف

(1) علل الشرائع: باب 103 نوادر علل الزكاة ح 1 ج 1 ص 375.
(2) السرائر: كتاب الزكاة في النصاب وما يجب فيه ج 1 ص 451.
(3) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في عدم الاعتبار بالخلطة ج 10 ص 504 س 33.
(4) منتهى المطلب: كتاب الزكاة فيما يجب في الزكاة ج 1 ص 493 س 18.
(5) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في زكاة الذهب والفضة س 36 ص 267.
84

فيه بين علمائنا ظاهرا، بل عليه إجماعهم في صريح الانتصار (1) والمدارك (2)
وغيرهما (3)، ونصوصهم به مستفيضة جدا، كما ستقف عليها إن شاء الله
تعالى.
وصرح جماعة بأنه لا يعتبر التعامل بهما فعلا، بل متى تعومل بهما وقتا ما
تثبت الزكاة فيها وانهجرت، ولم أر فيه خلافا.
وربما يعضده بعض النصوص: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني كنت
في قرية من قرى خراسان فرأيت فيها دراهم تعمل ثلث فضة وثلث نحاسا
وثلث رصاصا، وكانت تجوز عندهم وكنت أعملها وأنفقها، قال: فقال:
لا بأس بذلك إذا كانت تجوز عندهم، قال: قلت: أرأيت إن حال عليها
الحول وهي عندي وفيها ما يجب فيه الزكاة أزكيها؟ قال: نعم إنما هو مالك.
قلت: فإني أخرجتها إلى بلدة لا ينفق فيها مثلها فبقيت عندي حتى حال
عليها الحول أزكيها؟ قال: إن كنت تعرف أن فيها من الفضة الخالصة ما تجب
عليك فيه الزكاة فزك ما كان لك فيها من الفضة الخالصة ودع ما سوى ذلك
من الخبث.
قلت: وإن كنت لا أعلم ما فيها من الفضة الخالصة، إلا إني أعلم أن
فيها ما تجب فيه الزكاة، قال: فاسبكها حتى تخلص الفضة ويحترق الخبث،
ثم تزكي ما خلص من الفضة لسنة واحدة (4).
وضعف السند مجبور بالعمل، والموافق لاطلاق ما دل على ثبوت الزكاة في
النقد المنقوش؟ مضافا إلى إطلاق ما دل على ثبوتها في الذهب والفضة مطلقا

(1) الإنتصار: فيما عنه الزكاة ص 80.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في زكاة الذهب والفضة س 31 ص 267.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة في شرائط وجوب الزكاة في النقدين ص 505 س 7.
(4) وسائل الشيعة: باب 7 من أبواب زكاة الذهب والفضة ح 1 ج 6 ص 104.
85

خرج نحو السبائك والنقار مما لم ينقش أصلا، إجماعا فتوى ونصا، وبقي غيره
داخلا. فتأمل جدا.
مع إن في جملة من النصوص إنما هي على الدنانير والدراهم، وهما عامان
يتناولان المفروض ولو لم يتبادر منهما.
ويستفاد من الرواية أنه لا زكاة في المغشوش منهما ما لم يبلغ الصافي نصابا،
فتجب فيه خاصة، ولا خلاف فيهما بين أصحابنا ظاهرا، ويفهم من
الخلاف (1) والمنتهى (2)، وصرح به بعض متأخرينا (3)، وبالوفاق غيرهما. وهو
الحجة الجابرة لضعفها مضافة إلى عموم الأدلة على نفيها عما لم يبلغ منهما
نصابا، وثبوتها فيما بلغه منهما.
وإن كان ربما يستشكل في هذا، لكنه ضعيف جدا.
ومنه يظهر وجه ما في المنتهى وغيره أنه: لو كان معه دراهم مغشوشة
بذهب أو بالعكس وبلغ كل من الغش والمغشوش النصاب وجب الزكاة
فيهما (4).
ويجب الاخراج من كل جنس بحسابه أن عالم، وإلا توصل إليه بالسبك
إن لم يتسامح المالك بما يحصل له به يقين البراءة، وفاقا للمحكي عن
الشيخ (5) وجماعة، تحصيلا للبراءة اليقينية، والتفاتا إلى ظاهر الرواية المتقدمة
المنجبر ضعفها بالقاعدة.

(1) الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 89 ج 2 ص 76.
(2) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في حكم المغشوش من الذهب والفضة ج 1 ص 494 س 13.
(3) الحدائق الناضرة كتاب الزكاة في زكاة المغشوش في النقدين ج 12 ص 92.
(4) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في حكم المغشوش من الذهب والفضة ج 1 ص 494 س 23،
والحدائق الناضرة: كتاب الزكاة في زكاة المغشوش في النقدين ما لم يبلغ ج 12 ص 93.
(5) المبسوط: كتاب الزكاة في زكاة الذهب والفضة ج 1 ص 210.
86

خلافا للفاضلين (1) وجماعة ممن تأخر عنهما، فاستوجهوا الاكتفاء بما يتيقن
اشتغال الذمة وطرح المشكوك فيه، عملا بأصالة البراءة، وبأن الزيادة
كالأصل، وكما تسقط الزكاة مع الشك في بلوغ الصافي النصاب فكذا تسقط
مع الشك في بلوغ الزيادة نصابا آخر. وفي الدليلين نظر.
أما الأول: فلعدم جريانه إلا فيما لم يثبت فيه تكليف أصلا، أما ما يثبت
فيه ولو مجملا فلا، بل لا بد فيه من تحصيل البراءة اليقينية، عملا
بالاستصحاب.
وبه يظهر ضعف الثاني، وأنه قياس مع الفارق، وهو تيقن التكليف ولو
بالمجمل في المصنوع (2)، وعدمه مطلقا في الأصل.
مع أنه يمكن المناقشة في حكمه بعدم دليل عليه غير ما يقال: من أن بلوغ
النصاب شرط ولم يعلم حصوله (3) فأصالة البراءة لم يعارضها شئ.
وفيه: أن مقتضى الأدلة وجوب الزكاة في النصاب، وهو اسم لما كان
نصابا في نفس الأمر، من غير مدخلية للعلم به في مفهومه.
وحينئذ فيجب تحصيل العلم والتفحص عن ثبوته وعدمه في نفس الأمر،
ولو من باب المقدمة، لكن ظاهر كلمة من وقفت عليه من الأصحاب
الاطباق على عدم الوجوب هنا، فإن تم إجماعا، وإلا فالأحوط الاستعلام، أو
إخراج ما تيقن معه بعدم اشتغال الذمة، كما صرح به بعض متأخر
المتأخرين (4).

(1) شرائع الاسلام: كتاب في أحكام في الزكاة ج 1 ص 151، وقواعد الأحكام: كتاب الزكاة
في زكاة النقدين ج 1 ص 54 س 20.
(2) في (خ ل الشرح المطبوع) و (خ ل مش): (الفرع).
(3) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في حكم المغشوش من الذهب والفضة ج 1 ص 494 س 13.
(4) مجمع الفائدة: كتاب الزكاة ج 4 ص 99 - 100.
87

وإن كان ما ذكروه لا يخلو عن قوة، لامكان دفع المناقشة بما هنا ليس
محله.
واعلم أن لكل من النقدين نصابين (وفي قدر النصاب الأول من
الذهب) بل الثاني منه أيضا (روايتان أشهرهما) أنه (عشرون دينارا)
كما في جملة (1)، أو عشرون مثقالا كما في أخرى (2)، والمعنى واحد قطعا
ويستفاد من بعضها أيضا (ففيها عشرة قراريط) نصف دينار.
(ثم كلما زاد أربعة) دنانير (ففيها قيراطان) عشر الدينار وربع
عشرها مضافا إلى ما في العشرين دينارا من النصف.
ثم على هذا الحساب في كل عشرين نصف دينار، وفي كل أربعة بعدها
قيراطان.
(وليس فيما نقص عن) العشرين، و (عن) كل (أربعة زكاة)
وهي مع ذلك في الأول مستفيضة، بل متواترة وفيها الصحاح والموثقات
وغيرهما، وفي الثاني جملة من المعتبرة.
ففي الصحيح: ليس على الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالا، فإذا بلغ
عشرين مثقالا ففيه نصف مثقال إلى أن يبلغ أربعة وعشرين ففيه نصف
دينار وعشر دينار، ثم على هذا الحساب حتى زاد على عشرين أربعة أربعة،
ففي كل أربعة عشر إلى أن يبلغ أربعين. مثقالا ففيه مثقال الحديث (3). ونحوه
الموثق، وغيره.

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب زكاة الذهب والفضة ح 4 ج 6 ص 93.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب زكاة الذهب والفضة ح 5 ج 6 ص 93.
(3) من لا يحضره الفقيه: باب الأصناف التي تجب عليها الزكاة ح 1598 ج 2 ص 14، والظاهر أنه
ليست رواية، راجع هامش الصفحة.
88

وفيه: إذا جازت الزكاة العشرين دينارا ففي كل أربعة دنانير عشر دينار (1).
وفي الخلاف دعوى الاجماع عليهما مطلقا (2)، وفي السرائر من المسلمين (3) في
الأول منهما، ولم ينقل خلافا في الثاني كالمتن، والمنتهى مدعيا فيه كونه مذهب
علمائنا (4)، وبه صرح أيضا في المختلف (5) والتنقيح (6) - لكن مستثنى منهم والد
الصدوق - قالا: فإنه جعله أربعين مثقالا، قال: وليس في النيف شئ حتى
يبلغ أربعين.
وظاهر غيرهما كالمتن وغيره كما مر اختصاص خلافه بالنصاب الأول،
حيث جعله أربعين استنادا إلى الرواية الثانية، وهي الموثقة في الذهب في
أربعين مثقالا مثقال - إلى أن قال: وليس في أقل من أربعين مثقالا شئ (7).
وهي لوحدتها وقصور سندها وشذوذها ومخالفتها الاجماع الآن قطعا،
لا تصلح لمعارضة شئ مما قدمنا.
سيما مع تأيده بالاطلاقات كتابا وسنة بوجوب الزكاة في الذهب بقول
مطلق، خرج منه ما نقص عن العشرين دينارا بإجماع المسلمين كافة، كما في
المنتهى وغيره، والأخبار جملة، وتبق هي فما فوقها تحتها مندرجة.
فينبغي طرحها أو تخصيص الشئ المنفي فيها بالدينار الكامل خاصة،
حملا للعام على الخاص، أو حملها على التقية لكونها مذهب جماعة من العامة (8)

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب زكاة الذهب والفضة ح 6 و 10 ج 6 ص 93 و 94.
(2) الخلاف: كتاب الزكاة م 99 ج 2 ص 84.
(3) السرائر: كتاب الزكاة في المقادير التي يجب فيها الزكاة وكمية ما تجب ج 1 ص 447.
(4) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في بيان أول النصاب ج 1 ص 492 س 10.
(5) مختلف الشيعة: كتاب الزكاة في باقي الأصناف ج 1 ص 178 س 5.
(6) التنقيح الرائع: كتاب الزكاة في زكاة الذهب والفضة ج 1 ص 308.
(7) وسائل الشيعة: باب 1 من أبواب زكاة الذهب والفضة ح 13 ج 6 ص 94.
(8) بداية المجتهد: كتاب الزكاة في الذهب والفضة ج 1 ص 263.
89

وإن قلوا، جمعا بين الأدلة، وتفاديا من الطرح بالكلية.
وربما جعل منها الصحيح: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل عنده مائة
درهم وتسعة وتسعون درهما وتسعة وثلاثون دينارا أيزكيهما؟ قال: ليس عليهما
شئ من الزكاة في الدراهم ولا في الدنانير حتى تتم أربعين والدراهم مائتي
درهم.
وفيه أنه مروي في التهذيب (1) هكذا، وأما في الفقيه فروي بمتن لا يخالف
مختارنا، وهو تبديل تسعة وثلاثون دينارا في السؤال بتسعة عشر دينارا، مع
الجواب بنفي الزكاة فيها حتى تتم (2)، وهذه النسخة لو لم نقل برجحانها
- لأضبطية المروية فيها وموافقتها لأخبارنا - فلا ريب أنها ليست بمرجوحة.
بالإضافة إلى الأولى فغايتها التساوي، وهو قادح في الاستدلال جدا.
(ونصاب الفضة الأول) وهو صفته للنصاب أي النصاب الأول
للفضة (مائتا درهم ففيها خمسة دراهم)، ليس فيما نقص عنه شئ.
(و) (3) الثاني (كل ما زاد) على المائتين (أربعين) (4) درهما
(ففيها) زيادة على الخمسة الدراهم مثلا (درهم) وهكذا دائما.
(وليس فيما نقص عن الأربعين (5) زكاة) بلا خلاف في شئ من
ذلك نصا وفتوى، حتى ادعى في المنتهى وغيره على النصاب الأول إجماع
المسلمين كافة، وجعل النصاب الثاني في الأول مذهب أصحابنا (7).

(1) تهذيب الأحكام: ب 29 من الزيادات في الزكاة ج 4 ح 1 ص 92.
(2) من لا يحضره الفقيه: كتاب الزكاة في الأصناف التي تجب عليها الزكاة ج 2 ح 1598 ص 14.
(3) في المتن المطبوع: (ثم).
(4) في المتن المطبوع: (أربعون).
(5) في المتن المطبوع: (أربعين).
(6) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في عدم الزكاة فيما دون النصاب ج 1 ص 493 س 4.
(7) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في عدم الزكاة فيما بين النصابين ج 1 ص 493 س 19.
90

(الدراهم) الذي قدر به المقادير الشرعية هنا وفي القطع والديات
والجزية (ستة دوانيق) على ما صرح به الأصحاب، من غير خلاف بينهم
أجده، بل عزاه جماعة منهم إلى الخاصة والعامة وعلماؤهم مؤذنين بكونه مجمعا
عليه بينهم، وصرح به أيضا جماعة من أهل اللغة (1).
(والدانق) بمقدار (ثمان حبات من أوساط) حبات (الشعير) فيما
قطع به الأصحاب على الظاهر المصرح به في المدارك (2)، بل متفق عليه بينهم
وصرح به علماء الفريقين، كما في رسالة الخال العلامة المجلسي رحمة الله عليه
في تحقيق الأوزان وغيرها (3)، ونقلهم كاف في الحجة، وإن لم نقف لهم على
حجة، وبه اعترف جماعة.
لكن في الخبر بعد الحكم - بأنه ستة دوانيق - والدانق وزن ست حبات،
والحبة وزن حبتي شعير من أوسط الحب لا من صغاره ولا من كباره (4). وهو
مخالف لما ذكروه في وزن الدانق، لكنه ضعيف السند بالجهالة فلا تصلح
للحجية، سيما وأن يعترض به مثل ما عرفته.
وأشار بقوله و (يكون قدر العشرة) دراهم (سبعة مثاقيل) إلى بيان
قدر المثقال وما به يحصل معرفته نسبة الدرهم.
ويعلم منه أن المثقال درهم وثلاثة أسباع درهم، والدرهم نصف المثقال
وخمسه، فيكون العشرون مثقالا في وزان ثمانية وعشرين درهما وأربعة أسباع
درهم، والمائتا درهم في وزان مائة وأربعين مثقالا.

(1) المصباح المنير: ج 1 دنق ص 201، ومجمع البحرين: ج 5 دنق ص 163.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في زكاة الذهب والفضة ج 5 ص 114.
(3) لا يوجد لدينا كتابه.
(4) وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب الوضوء ح 3 ج 1 ص 338.
91

قال الخال العلامة: وهذه النسب مما لا شك فيها، واتفقت عليها العامة
والخاصة، كما ظهر مما أسلفناه في المقدمة الأولى (1)، انتهى.
ومن جملة ما ذكره في النسب التي نفي الشك فيها نسبة المثقال الشرعي
إلى الصيرفي، فقال: هو ثلاثة أرباع الصيرفي، فالصيرفي هو مثقال وثلث من
الشرعي.
أقول: ومن هنا يعلم نصاب الفضة بهذه المحمديات الجارية في هذه
الأزمان المتأخرة، حيث أن المحمدية منها كما قيل: وزن الدينار مثقال شرعي،
فيكون النصاب الأول منها مائة وأربعين محمدية.
(ولا زكاة في السبائك) أي قطع الذهب الغير المضروبة، وفي معناها
قطع الفضة المعبر عنها بالنقر وكذا التبر المفسر تارة بتراب الذهب قبل
تصفيته، وأخرى بما يرادف السبائك.
(ولا في الحلي) وإن كان محرما بإجماعنا، والصحاح المستفيضة وغيرها
من أخبارنا.
ففي الصحيح: كلما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شئ، قال: قلت: وما
الركاز قال: الصامت المنقوش، ثم قال: إذا أردت ذلك فاسبكه، فإنه ليس
في سبائك الذهب ونقار الفضة شئ من الزكاة (2).
وفيه: ليس في نقر الفضة زكاة (3).
وفيه: عن المال الذي لا يعمل به ولا يقلب، قال: تلزمه الزكاة، إلا أن
يسبك (4).

(1) رسالة الخال العلامة المجلسي في تحقيق الأوزان: لا توجد لدينا.
(2) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب زكاة الذهب والفضة ح 2 ج 6 ص 105.
(3) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب زكاة والفضة ح 1 ج 6 ص 105.
(4) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب زكاة الذهب والفضة ح 4 ج 6 ص 105.
92

وفي الخبرين: ليس في التبر زكاة إنما هي على الدنانير والدراهم (1).
وفي الصحاح وغيرها: عن الحلي فيه زكاة قال: لا (2)، وزيد في بعضها ولو
بلغ مائة ألف (3).
(و) أما ما في المرسل - كالصحيح على الصحيح - من أن (زكاته) أي
الحلي (إعارته) (4) محمول على الاستحباب بلا خلاف.
(و) يستفاد من الصحيحة الأولى، وقريب منها الثالثة أنه (لو قصد
بالسبك الفرار) من الزكاة (قبل الحول لم تجب الزكاة) أيضا، كما لم
تجب مع عدم القصد إجماعا، فتوى ونصا، وعليه أكثر المتأخرين، بل عامتهم،
وفاقا للمفيد (5) والحلي (6) وعن العماني (7) والقاضي (8) والمرتضى (9) في بعض
كتبه، والشيخ في النهاية (10) وكتابي الحديث (11)، كما قيل لذلك، مضافا إلى
الأصل، وإطلاق البواقي، وخصوص المعتبرة المستفيضة الآخر.
منها الصحيح: قلت له عليه السلام: رجل فربما له من الزكاة فاشترى به
أرضا أو دارا أعليه في شئ؟ قال: لا، ولو جعله حليا أو نقرا فلا شئ عليه

(1) وسائل الشيعة: باب 8 من أبواب زكاة الذهب والفضة ح 3 ج 6 ص 105.
(2) وسائل الشيعة: باب 9 من أبواب زكاة الذهب والفضة ح 3 ج 6 ص 106.
(3) وسائل الشيعة: باب 9 من أبواب زكاة الذهب والفضة ح 4 ج 6 ص 106.
(4) وسائل الشيعة: باب 10 من أبواب زكاة الذهب والفضة ح 1 ج 6 ص 108.
(5) المقنعة: كتاب الزكاة باب زكاة الذهب ص 235.
(6) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في شرائط الوجوب س 6 ص 492.
(7) مختلف الشيعة: كتاب الزكاة فيما يستحب الزكاة فيه س 12 ص 179.
(8) المهذب: كتاب الزكاة باب زكاة الذهب ج 1 ص 159.
(9) الإنتصار: في زكاة الذهب والفضة ص 80.
(10) النهاية: كتاب الزكاة باب ما تجب فيه الزكاة وما لا تجب ص 175.
(11) تهذيب الأحكام: ج 4 باب 2 في زكاة الذهب ح 17 ص 11، والاستبصار: ج 2 باب 3 زكاة
الحلي ح 8 ص 8.
93

فيه، وما منع نفسه من فضله أكثر مما منع من حق الله الذي يكون فيه (1).
والصحيح: في الذي جعل المال حليا أراد أن يفر به من الزكاة أعليه
الزكاة؟ قال: ليس على الحلي زكاة، وما أدخل على نفسه من النقصان في
وضعه ومنعه نفسه فضله أكثر مما يخاف من الزكاة (2).
وفي جملة من المعتبرة المروية عن المحاسن والعلل: لا تجب الزكاة فيما سبك
فرارا من الزكاة ألا ترى أن المنفعة قد ذهبت منه فلذلك لا تجب الزكاة (3).
وقصور الأسانيد أو ضعفها مجبور بالشهرة العظيمة المتأخرة، بل المطلقة كما
حكماه جماعة؟ مضافا إلى الأصل، والاطلاقات المتقدمة، وعموم كل ما لم يحل
عليه الحول عند ربه فلا شئ عليه، فيما إذا حصل الفرار بتبديل العين بغير
الجنس، إذ لا قائل بالفرق كما يفهم من كلام المرتضى (4)، وغيره.
خلافا لأكثر المتقدمين على الظاهر المصرح به في بعض العبائر، فأوجبوها
بالفرار ومنهم السيدان في الغنية (5) والانتصار (6) والمسائل المصرية (7) الثالثة،
والشيخ في الخلاف (8) مدعين عليه الاجماع، لجملة من المعتبرة، ومنها
الوثقات، والقوي المروي في مستطرفات السرائر (9) صحيحا، والرضوي (10)

(1) وسائل الشيعة: ب 11 في أبواب زكاة الذهب والفضة ح 1 ج 6 ص 108.
(2) وسائل الشيعة: ب 11 في أبواب زكاة الذهب والفضة ح 4 ج 6 ص 109.
(3) محاسن البرقي: كتاب العلل ح 52 ص 319، وعلل الشرائع: ب 93 في العلة التي من أجلها لا تجب
الزكاة في السبائك ح 1 ج 2 ص 370.
(4) الإنتصار: في من حرم عليه الزكاة ص 83.
(5) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة شرائط الوجوب ص 505 س 7.
(6) الإنتصار: في من حرم عليه الزكاة ص 83.
(7) المسائل المصرية: غير موجود لدينا.
(8) الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 90 ج 2 ص 77.
(9) مستطرفات السرائر: المستطرف من كتاب معاوية بن عمار ح 2 ص 21.
(10) فقه الرضا عليه السلام: ب 28 في الزكاة ص 199.
94

وأجاب عنها المتأخرون بقصور الاسناد، والحمل على الاستحباب، أو
الفرار بعد الحول كما في الصحيح في الكافي.
قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أن أباك قال: من فر بها من الزكاة فعليه
أن يؤديها، فقال: صدق أبي عليه أن يؤدي ما وجب عليه وما لم يجب عليه فلا
شئ عليه فيه، ثم قال لي: أرأيت لو أن رجلا أغمي عليه يوما ثم مات
فذهب صلاته أكان عليه وقد مات أو يؤديها، قلت: لا، قال: إلا أن يكون
أفاق من يومه، ثم قال لي: أرأيت لو أن رجلا مرض في شهر رمضان ثم مات
فيه أكان يصام عنه، قلت، لا، قال: وكذلك الرجل لا يؤدي عن ماله إلا ما
حل عليه (1).
وفي الحمل الأخير نظر لعدم جريانه في نحو الصحيح إن كان فر به من
الزكاة فعليه الزكاة، وإن كان إنها فعله ليتجمل به فليس عليه زكاة (2)، فإنه
متى جعل المقسم بعد تمام الحول ووجوب الزكاة، اقتضى سقوط الزكاة عمن
فعله، ليتجمل به، مع أنه لا قائل به، بل الاخفاق على الوجوب.
ولا جائز أن يحمل الفرار على ما بعد الحول، وقصد التجمل على ما قبله،
لتهافت الكلام على تقديره، فيجل عنه كلام الإمام، الذي هو إمام الكلام.
مع أن هذا الحمل كالأول، فرع رجحان الأخبار الأولة على الأخيرة.
ولا يخلو عن مناقشة، بعد قوة احتمال جبر قصور الاسناد بالشهرة القديمة
المحققة والمحكية، سيما وإن انضم إليها الاجماعات المزبورة في الكتب المسطورة
والمخالفة للعامة. ولذا احتمل المرتضى حمل ما خالفها على التقية، قال: لأن
ذلك مذهب جميع المخالفين (3) وحكى القول بمضمونها أيضا في المنتهى عن

(1) الكافي: كتاب الزكاة باب المال الذي لا يحول عليه... ح 4 ج 3 ص 526.
(2) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب زكاة الذهب والفضة ح 6 ج 6 ص 110.
(3) الإنتصار: في من حرم عليه الزكاة ص 83.
95

الشافعي وأبي حنيفة (1).
ولا يقدح حكايته مضمون الأخبار المخالفة عن مالك (2) وأحمد (3)، فإن ما
يوافق رأي أبي حنيفة أولى بالحمل على التقية.
وربها أشعر به الصحيحة الأخيرة لتضمنه نحو القياسات العامية.
وعلى هذا فتبقى المسألة في قالب الاشكال، فالاحتياط فيها مطلوب على
كل حال، وإن كان قول المتأخرين لا يخلو عن رجحان، لكثرة ما يدل عليه
من الأصول والنصوص، عموما وخصوصا.
مع كون الشهرة المرجحة لها أقوى من الشهرة المقابلة لها، لقربها من
الاجماع، بل يمكن أن يكون إجماعا دونها، والاجماعات المحكية غير صريحة في
نقله، غير ما في الانتصار والمسائل المصرية.
وربما يوهنه كإجماع الخلاف على تقدير صراحة مصير مدعيه إلى خلافه،
ولو في بعض كتبه.
واحتمال الحمل على التقية في الأخبار الأولة وإن كان أرجح بما عرفته،
إلا أنه لا يبلغ المرجحات المزبورة.
فقول المتأخرين لا يخلو عن قوة، سيما وأن الأصل بعد التردد في التكليف
وعدمه - كما نحن فيه - على تقديره براءة الذمة، مضافا إلى استصحاب الحالة
السابقة.
(ولو كان) فراره (بعد الحول لم تسقط) الزكاة إجماعا، فتوى ونصا
واستصحابا.

(1) منتهى المطلب: كتاب الزكاة فيما لو قصد الفرار بتغيير الدراهم والدنانير ج 1 ص 494 س 32.
(2) المصدر السابق.
(3) المصدر السابق.
96

(ومن خلف لعياله نفقة قدر النصاب فزائدا لمدة) كسنة وسنتين
فصاعدا (وحال عليها الحول وجبت عليه زكاتها لو كان شاهدا) غير
غائب (ولم تجب لو كان غائبا) للمعتبرة وفيها الموثق، والمرسل
كالصحيح (1).
وباطلاقها عمل الشيخان في المقنعة (2) والنهاية (3) وجماعة كالفاضلين (4)
وغيرهما (5)، حتى ادعى عليه جماعة الشهرة، فإن تم شهرة جابرة، وإلا فهو محل
مناقشة، لمعارضته بإطلاق ما دل على وجوب الزكاة، مع التمكن من التصرف
وعدمه مع عدمه.
والتعارض بينهما وإن كان تعارض العموم والخصوص من وجه يمكن تقييد
كل بالآخر إلا أن الأخير لكثرته واعتضاده بالشهرة القطعية، بل الاجماع من
أصله أرجح، ولا كذلك الأول على ما ذكرناه من الفرض.
وعليه فينبغي إرجاعه إليه، بتقييد نفي الزكاة في صورة الغيبة، التي هي
محل النزاع والمشاجرة بصورة عدم التمكن من التصرف خاصة، كما عن الحلي
في المشهور (6)، وبما يحكى عن جماعة.
ولكن المسألة بعد محل إشكال، والاحتياط مطلوب على كل حال.
وعلى كل حال لا تجب الزكاة على العيال لو تركوه بحاله حولا، لعدم

(1) وسائل الشيعة: باب 17 من أبواب زكاة الذهب والفضة ج 6 ص 117.
(2) المقنعة: كتاب الزكاة باب زكاة مال الغائب ص 239.
(3) النهاية: كتاب الزكاة باب المقادير التي تجب فيها الزكاة وكمية ما تجب ص 178.
(4) المعتبر: كتاب الزكاة في زكاة النقدين ج 2 ص 530، وتذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في زكاة
النقدين ج 1 ص 203 س 26.
(5) مدارك الأحكام: كتاب لو خلف الرجل نفقة لعياله س 3 ص 269. والحدائق الناضرة: كتاب
الزكاة في ما لو خلف الرجل نفقة لعياله وبلغت النصاب ج 12 ص 95.
(6) السرائر: كتاب الزكاة باب ما تجب فيه الزكاة وما لا تجب و... ج 1 ص 443.
97

الملك، فإن النفقة إنها تجب يوما فيوما.
(ولا يجبر جنس) (1) مما تجب فيه الزكاة (بالجنس الآخر) منه بإجماع
العلماء، فيما عدا الحبوب والأثمان، وفيهما أيضا بإجماعنا، صرح بهما في
المنتهى (2)، وبالثاني في غيره أيضا، للأصل، وعموم ما دل على نفي الزكاة في
كل جنس إذا لم يبالغ نصا به، وخصوص ما مر من بعض الصحاح.
وأما الخبز قلت: له تسعون ومائة درهم وتسعة عشر دينارا أعليها في الزكاة
شئ؟ فقال: إذا اجتمع الذهب والفضة فبلغ ذلك مائتي درهم ففيها
الزكاة (3).
فمع قصور سنده، بل ضعفه، وشذوذه، غير صريح في المخالفة، لاحتماله
الحمل على محامل أقربها التقية، كما ذكره شيخ الطائفة قال: لأنه مذهب
العامة، واحتمل حمله على من جعل ماله أجناسا مختلفة كل واحد لا تجب فيه
الزكاة فرارا من لزومها، قال: فإنه متى فعل ذلك لزمته عقوبة (4).
للموثق: عن رجل له مائة درهم وعشرة دنانيره عليها زكاة؟ فقال: إن كان
فر بها من الزكاة فعليه الزكاة، قلت: لم يفر بها ورث مائة درهم وعشرة دنانير،
قال: ليس عليه الزكاة، قلت: فلا تكسر الدارهم على الدنانير ولا الدنانير على
الدراهم، قال: لا (5).
قال في المدارك: هذا الحمل جيد لو صح سند الخبرين، لكنهما ضعيفا

(1) في المتن المطبوع: (الجنس).
(2) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في وجوب الزكاة في العين لا في الذمة ج 1 ص 505 س 34.
(3) وسائل الشيعة: باب 1 من أبواب زكاة الذهب والفضة ح 7 ج 6 ص 93.
(4) الاستبصار: كتاب الزكاة ب 20 في الجنسين ذيل ح 3 ج 2 ص 40.
(5) وسائل الشيعة: باب 5 من أبواب زكاة الذهب والفضة ح 3 ج 6 ص 102.
98

السند، فيتعين المصير إلى ما عليه الأصحاب من عدم الضم مطلقا (1).
وفيه نظر فإن صحة السند بمجردها غير كافية، بعد وجود المعارض
الصحيح الأقوى الدال على سقوط الزكاة بالفرار، كما مضى، وبه أفتى هو
أيضا حاكيا له عن أكثر أصحابنا، وصرح ثمة بأنه لو صح سند ما دل على
عدم السقوط بالفرار لوجب حملها على الاستحباب.
أقول: وعلى هذا فلا يتوجه كلامه هنا.
(القول في زكاة الغلات)
إعلم أنه لا تجب الزكاة في شئ من الغلات الأربع حتى تبلغ
نصابا، وهو خمسة أوسق، وكل وسق ستون صاعا) بإجماعنا الظاهر،
المصرح به في جملة من العبائر مستفيضا، كالناصرية (2) والخلاف (3) والغنية (4)
والمنتهى (5)، بل فيه في أصل اشتراط النصاب لا نعلم فيه خلافا إلا من
مجاهد (6) وأبي حنيفة (7)، فإنهما أوجبا الزكاة في قليل الغلات وكثيرها، وباقي
العلماء اشترطوا بلوغها خمسة أوسق، والصحاح وغيرها بالجميع مستفيضة من
طرقنا (8).

(1) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في مال التجارة س 31 ص 262.
(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): في زكاة ما أخرجته الأرض ص 241 س 29.
(3) الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 69 ج 2 ص 58.
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): مقدار الواجب من الزكاة س 24 ص 505.
(5) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في اشتراط الملك والنصاب ج 1 ص 496 س 36.
(6) شرح فتح القدير: زكاة الزروع والثمار ج 2 ص 188.
(7) بداية المجتهد: كتاب الزكاة في نصاب الحبوب ج 1 ص 273.
(8) وسائل الشيعة: باب 1 من أبواب زكاة الغلات ج 6 ص 119.
99

وما يخالفها في أصل النصاب بإيجاب الزكاة في قليلها وكثيرها، مع قصور
سنده، وندوره مطروح، أو محمول على التقية، أو إرادة نفي النصاب بعد
النصاب الأول، كما يأتي.
وما يخالفها في مقداره بأنه وسق كما في رواية، أو وسقان كما في غيرها (1).
فمع ضعف أسانيدها جملة، حملها الشيخ على الاستحباب (2)، وتبعه
جماعة (3). ولا بأس به، مسامحة في أدلة السنن، وجمعا بين الروايات المختلفة.
(و) اعلم أنه (يكون) مقدار النصاب (ب‍) الرطل (العراقي ألفين
وسبعمائة رطل) بناء على أن كل صاع تسعة أرطال بالعراقي وستة بالمدني،
كما في صريح الخبرين (4) المنجبرين بالعمل، وظاهر الصحيحين الوارد
أحدهما كالأولين في صاع الفطرة، ولا قائل بالفرق كما صرح به في
الناصرية (5)، وفيها وفي الخلاف (6) والغنية (7) الاجماع أيضا على الصاع المطلق
تسعة أرطال بالعراقي، كما في صريح الأخيرين، وظاهر الأول، لأنه عراقي،
مع أنه صرح به في الانتصار مدعيا أيضا الاجماع (8).
ومنه يظهر وجه حمل الرطل في الصحيح الماضي أيضا على العراقي، لأن
الراوي كما قيل عراقي.

(1) وسائل الشيعة: باب 3 من أبواب زكاة الغلات ج 6 ص 123.
(2) تهذيب الأحكام: في زكاة الحنطة والشعير ذيل ح 45 ج 4 ص 18.
(3) المعتبر: كتاب الزكاة في زكاة الغلات ج 2 ص 534. ومجمع الفائدة: كتاب الزكاة في خاتمة
الزكاة ج 4 ص ه‍ 130.
(4) وسائل الشيعة: باب 7 من أبواب زكاة الفطرة خ 1، ح 2 ج 6 ص 236.
(5) الناصريات (الجوامع الفقهية): في زكاة ما أخرجته الأرض س 7 ص 242.
(6) الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 199 ج 2 ص 156.
(7) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): في مقدار الواجب من الزكاة ص 505 س 27.
(8) الإنتصار: في ما يجب فيه الخمس ص 88.
100

وفيه: أنه كتب إلى أبي الحسن عليه السلام وقد بعثت لك العام من كل
رأس من عيالي بدرهم على قيمة تسعة أرطال (1)، فكتب جوابا محصوله التقرير
على ذلك.
ولا ريب أن الأرطال عبارة عن الصاع، لأنه الواجب في الفطرة.
وفي الثاني: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتوضأ بمد ويغتسل
بصاع المد رطل ونصف والصاع ستة أرطال - يعني أرطال المدينة - فيكون تسعة
أرطال بالعراقي (2).
ويظهر من غير واحد أن التفسير من تتمة الرواية، وهو غير بعيد.
وإن احتمل كونه من كلام الشيخ الراوي له، لضعفه بما في الذخيرة من
أن الماتن نقله عن كتاب الحسين بن سعيد هكذا، والصاع ستة أرطال
بأرطال المدينة يكون تسعة أرطال بالعراقي (3). وأن الفاضل في التذكرة نقل
عن مولانا الباقر عليه السلام (4) عن العبارة المذكورة.
هذا مع أني لم أجد خلافا في المسألة، إلا من البزنطي، حيث جعل المد
الذي هو ربع الصاع بإجماع العلماء، كما في صريح المعتبر) والمنتهى (6)
وغيرهما (7)، والصحاح رطلا وربعا، فيكون الصاع عنده خمسة أرطال، وهو
نادر.

(1) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب زكاة الفطرة ح 3 ج 6 ص 240.
(2) وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب الوضوء ح 1 ج 1 ص 338.
(3) المعتبر: كتاب الزكاة في زكاة الغلات ج 2 ص 533.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في زكاة الغلات ج 1 ص 218 س 31.
(5) المعتبر: زكاة الغلات ج 2 ص 533.
(6) منتهى المطلب: فيما يجب فيه الزكاة ج 1 ص 497 س 6.
(7) الحدائق الناضرة: تقدير الصاع بالأمداد والأرطال ج 12 ص 112، ومدارك الأحكام: تقدير
الصاع بالأمداد والأرطال ص 269 س 31.
101

والموثق الذي استدل به لقصور سنده وإضماره غير معارض للصحيح
الثاني، الصريح في خلافه، المعتضد - زيادة على الشهرة العظيمة القريبة من
الاجماع، بل الاجماع حقيقة كما صرح به في الخلاف والغنية (1) - بالأصل.
للشك في حصول شرط الوجوب، إلا مع التقدير الأعلى، فيكون الوجوب
عند عدمه بالأصل منفيا، سيما مع ضعفه دلالة، كما لا يخفى على من راجعه،
وبه صرح الخال العلامة في الرسالة والأشهر في مقدار الرطل العراقي أنه مائة
وثلاثون درهما أحد وتسعون مثقالا (2). وهو الأظهر للأصل، وللخبرين.
في أحدهما: الصاع ستة أرطال بالمدني وتسعة بالعراقي، قال: وأخبرني أنه
يكون بالوزن ألفا ومائة وسبعين وزنة (3)، والمراد بالوزنة الدرهم كما صرح به
الثاني.
وفيه ستة أرطال برطل المدينة، والرطل مائة وخمسة، وتسعون درهما، يكون
الفطرة ألفا ومائة وسبعين درهما.
خلافا للفاضل في التحرير (4) وموضع من المنتهى فوزنه مائة وثمانية
وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم تسعون مثقالا (5). ومستنده غير واضح.
ومما ذكرنا يظهر أن هذا التقدير تحقيق لا تقريب، وبه صرح جماعة،
ومنهم الفاضل في التذكرة (6) والمنتهى (7)، مشعرا بعدم خلاف فيه بيننا. وفيهما

(1) الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 199 ج 2 ص 156، وغنية النزوع (الجوامع الفقهية): في مقدار
الواجب في الزكاة ص 505 س 27.
(2) تقدم أنه لا يوجد عندنا كتابه.
(3) وسائل الشيعة: باب 7 من أبواب زكاة الفطرة ح 1 ج 6 ص 236.
(4) تحرير الأحكام: كتاب الزكاة في تعيين الصاع والوسق ج 1 ص 62 السطر الأخير.
(5) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في تعيين الصاع والوسق ج 1 ص 497 س 17.
(6) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في أن الوسق ستون صاعا ج 1 ص 218 س 38.
(7) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في تعيين الصاع والوسق ج 1 ص 497 س 30.
102

الاجماع على أن النصاب المزبور إنما يعتبر وقت الجفاف، قال: ولو جفت تمرا
أو زبيبا أو حنطة أو شعيرا فنقص فلا زكاة إجماعا، وإن كان وقت تعلق
الوجوب نصابا (1).
(ولا تقدير فيما زاد) على النصاب (بل تجب فيه) أي في الزائد الزكاة
(وإن قل) بلا خلاف، فتوى ونصا (2)، وفي المنتهى أنه لا خلاف فيه بين
العلماء (3).
ومن هنا يعلم أن للغلات نصابا واحدا، وهو خمسة أوسق، وعفوا واحدا
وهو ما نقص عنه.
(و) اعلم أنه (يتعلق به) أي بكل واحد من الغلات وجوب (الزكاة
عند تسميته (4) حنطة أو شعيرا أو زبيبا أو تمرا) تسمية حقيقية، ولا
يكون إلا عند الجفاف، وعليه الإسكافي فيما حكاه عنه الفاضل في جملة من
كتبه (5) وولده في الايضاح (6)، وغيرهما، وعليه الماتن في كتبه الثلاثة، كما
حكاه (7) عنه جماعة، وحكاه في المنتهى (8) عن والده أيضا، ومال إليه شيخنا
في الروضة (9) وصاحب الذخيرة (10) للأصل.

(1) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في تعريف النصاب المعتبر ج 1 ص 219 س 9.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب زكاة الغلات ح 5، ح 8 ج 6 ص 120، ص 121.
(3) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في تعيين الصاع والوسق ج 1 ص 497 س 20.
(4) في المتن المطبوع: (التسمية).
(5) مختلف الشيعة: كتاب الزكاة في زكاة الغلات ج 1 ص 178 س 30.
(6) إيضاح الفوائد: كتاب الزكاة في الغلات وشروطها ج 1 ص 175.
(7) شرائع الاسلام: كتاب الزكاة في شروط زكاة الغلات ج 1 ص 153، والمعتبر: كتاب الزكاة في
زكاة الغلات ج 2 ص 534، وهذا الكتاب الذي بين يديك.
(8) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في تعلق الوجوب بالحبوب ج 1 ص 499 س 2.
(9) الروضة البهية: كتاب الزكاة في الغلات وشروطها ج 2 ص 33.
(10) ذخيرة المعاد: كتاب الزكاة في الغلات ومقدار وجوب الزكاة ص 443 س 36.
103

وحصر الزكاة في التسعة التي منها التمر والزبيب والشعير والحنطة، فيكون
المعتبر صدق الأسامي المزبورة، ولا يصدق حقيقة إلا عند الجفاف كما عرفته.
(وقيل)، والقائل المشهور كما حكاه كثير ومنهم الشيخ (1) والحلي (2)،
يتعلق به (إذا احمر ثمر النخل أو اصفر أو انعقد) الحب و (الحصرم).
واستدل عليه في المنتهى بتسمية الحب إذا اشتد حنطة وشعيرا والبسر
تمرا، قال: لتصريح أهل اللغة بأن البسر نوع من التمر وكذا الرطب (3).
وبورود الرواية بوجوب الزكاة في العنب إذا بلغ خمسة أوساق زبيبا.
ولعلها الصحيح ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق، والعنب مثل
ذلك حتى يبالغ خمسة أو ساق زبيبا (4).
وفيهما نظر، لمنع التسمية على الحقيقة، فيحتمل مجازا باعتبار ما يؤول إليه،
بل لعله متعين لصحة السلب أحيانا، سيما في نحو البسر.
وتصريح أهل اللغة بكونه تمرا غير معلوم، بل المعلوم من جماعة منهم،
كالجوهري (5) وصاحبي المجمع (6) والمصباح المنير (7) وغيره كما حكي خلافه
وأن التمرة لا تسمى تمرا إلا عند الجفاف، وحكى في المصباح عليه إجماع أهل
اللغات (8).

(1) المبسوط: كتاب الزكاة في زكاة الغلات ج 1 ص 214.
(2) السرائر: ج 1 وقت وجوب الزكاة ص 453.
(3) منتهى المطلب: ج 1 تعلق الوجوب بالحبوب س 3 ص 499.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب زكاة الغلات ح 7 ج 6 ص 120.
(5) الصحاح: مادة بسر ج 2 ص 589.
(6) مجمع البحرين: مادة بسر ج 3 ص 221.
(7) المصباح المنير: مادة البسر ج 1 ص 48.
(8) المصباح المنير: مادة تمر ج 1 ص 76.
104

ولم يوجد في كلام غيرهم ما يخالفه، عدا القاموس (1)، فإن فيه ما ربما
يومئ إليه ويشعر به، ولكن فيه أيضا ما يخالفه، ومع ذلك فغاية ما يستفاد
منه الاطلاق، وهو أعم من الحقيقة.
ويحتمل التجوز فيحمل عليه جمعا وتوفيقا بينه وبين من عداه من أهل
اللغة.
وعلى تقدير المعلومية فهو معارض بالعرف، لأن مقتضاه عدم الصدق
حقيقة إلا بما عرفته، وبه اعترف جماعة، وهو مقدم على اللغة حيث ما حصل
بينهما معارضة، سيما هنا لظهور بعض المعتبرة في ظهور المعنى العرفي في زمن
صاحب الشريعة.
ولو سلمنا توافقهما في الصدق التسمية قبل الجفاف حقيقة، لكن
الأسامي المزبورة مطلقات، وهي إنما تنصرف إلى الأفراد المتبادرة كسائر
المطلقات وإن كان غير المتبادر منهما من أفراد الحقيقة.
ثم لو تم ما ذكره لثبت فيما عدا الزبيب، إذ لا خلاف في عدم إطلاقه على
نحو الحصرم، فلا يتم به المدعى، وإتمامه بالاجماع المركب معارض بالمثل.
فتدبر وتأمل.
وأما الرواية فقد أجاب عنها في الذخيرة، بأن لمفهومها احتمالين:
أحدهما: إناطة الوجوب بحالة يثبت له البلوغ خمسة أو ساق حال كونه
زبيبا.
وثانيهما: إناطته بحالة يقدر له هذا لوصف.
والاستدلال بها إنما يستقيم على ظهور الثاني، وهو في معرض المنع، بل
لا يبعد ادعاء ظهور الأول، إذ اعتبار التقدير خلاف الظاهر، ولا يرجح الثاني

(1) القاموس المحيط: مادة بسر ج 1 ص 2 ص 372.
105

زوال وصف العنبية عند كونه زبيبا، لأن مثله شائع - إلى أن قال: - على أنه
يجوز أن يكون اسناد الحكم إلى العنب، من قبيل المساهلة في التعبير باعتبار
ما يؤول إليه كما في الاسناد إلى النخل في الخبر الأول، فلا يبعد المصير إليه
جمعا بين الأدلة (1)، انتهى. وهو حسن.
ومما ذكره وجها لظهور المعنى الأول، ينقدح وجه الاستدلال القول الأول
بالنصوص الدالة على اعتبار النصاب في الغلات، وأنه لا شئ فيها حتى
تكون وتبلغ خمسة أو ساق (2)، وذلك لأن مفادها أن مناط الوجوب حين البلوغ
خمسة أوساق، وهو حقيقة في التحقيقي لا التقديري كما ذكره، وقد مر أن بلوغ
النصاب إنما يعتبر عند الجفاف إجماعا (3)، وليس فيها ما في هذه الرواية مما
توجب المعارضة ويحوج إلى الجمع، بل فيها ما يؤكد الظهور من نحو لفظ التمر
بناء على كونه حقيقة في اليابس كما عرفته.
فالقول المزبور لا يخلو عن قوة، وإن كان في تعينه مناقشة، لأن هنا
روايتين صحيحتين يمكن التمسك بهما للمشهور.
في إحداهما: عن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب متى تجب على
صاحبها؟ قال: إذا صرم وخرص (4).
وفي الثانية: هل على العنب زكاة أو إنما تجب إذا صيره زبيبا؟ قال: نعم
إذا خرصه أخرج زكاته (5). وذلك لظهورهما في إناطة الوجوب بأوان الخرص،
وهو على ما صرح به الأصحاب، ومنهم الماتن في المعتبر فيما حكي عنه، إنما

(1) ذخيرة المعاد: كتاب الزكاة في وقت الوجوب في الغلات ص 428 س 3.
(2) وسائل الشيعة: باب 1 من أبواب زكاة الغلات ج 6 ص 119.
(3) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في تعيين الصاع والوسق ج 1 ص 497 س 30.
(4) وسائل الشيعة: باب 12 من أبواب زكاة الغلات ح 1 ج 6 ص 133.
(5) وسائل الشيعة: باب 12 من أبواب زكاة الغلات ح 2 ج 6 ص 134.
106

يكون في حال كون الثمرة بسرا أو عنبا.
ومن هنا ينقدح وجه الاستدلال على قولهم: بكل ما دل على جواز الخرص
في النخيل والكروم من الروايات، والاجماع المنقول الذي حكاه الماتن في
المعتبر (1)، بناء على ما ذكره هو وغيره من الأصحاب (2) في فائدته وصفته، من
أنه تقدير الثمرة لو صارت تمرا والعنب لو صارت زبيبا، فإن بلغت الأوساق
وجبت الزكاة، ثم يخيرهم بين تركه أمانة في أيديهم، وبين تضمينهم حصة
الفقراء، أو يضمن لهم حصتهم إلى آخر ما ذكروه.
بهل هذا إنما يتوجه على المشهور، وإلا فعلى غيره لا وجه للخرص في ذلك
الوقت، ولا المنع عن التصرف، إلا بالتضمين لجوازه، من غير احتياج إليه
على هذا التقدير.
وهذا أحد الثمرات المتفرعة على الخلاف هنا.
لكن أجاب عن هذا في الذخيرة، بأنه على تقدير ثبوته يجوز أن يكون
مختصا بما كان تمرا على النخل، أو يكون الغرض من ذلك أن يؤخذ منهم إذا
صارت الثمرة تمرا أو زبيبا، فإذا لم يبلغ ذلك لم يؤخذ منهم (3). وهو حسن.
إلا أن قوله (على تقدير ثبوته) مشعر بتردد له فيه، وليس في محله،
للروايات (4) المعتضدة والمنجبرة بالشهرة، والاجماع المحكي، وكذا تجويزه
الاختصاص بما إذا كان تمرا على النخل، لما عرفت من اعترافهم - حتى
الماتن الموافق له هنا - بخلافه.

(1) المعتبر: كتاب الزكاة في زكاة الغلات ج 2 ص 535.
(2) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في جواز الخرص في النخل والكرم ج 1 ص 502 س 7.
(3) ذخيرة المعاد: كتاب الزكاة في وقت الوجوب في الغلات ص 428 س 17.
(4) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب زكاة الغلات ج 6 ص 131.
107

نعم يتوجه الأخير وبه يجمع بين كلامي الماتن هنا وثمة، أو يجعل
كلامه ثمة تفريعا على القول المشهور وإلا فالمنافاة بينهما واضحة.
ويمكن الجواب عن الرواية الأولى: بقوة احتمال كون وقت الخرص فيها
هو وقت الصرام (1)، لجعله فيها أيضا وقت الوجوب فإذا حمل وقته على ما هو
المشهور لكان التعليق بوقت الصرام ملغى، لما بين وقته ووقت الخرص بالمعنى
المشهور من المدة ما لا يخفى، إذ الخرص بهذا المعنى في حال البسرية والعنبية
والصرام إنما يكون بعد صيرورته تمرا، فكيف يستقيم تعليق الوجوب بكل
منهما، بل إنما يستقيم بحمل الخرص فيها على وقت كونه تمرا أو زبيبا.
والمراد أن في ذلك الوقت يتعلق به الوجوب، سواء صرمه أو خرصه على
رؤوس الأشجار والنخيل والزروع.
وعلى هذا فيسهل الجواب عن الثانية، بحمل الخرص فيها أيضا على ما
حمل عليه في سابقتها، فإن أخبارهم عليهم السلام يكشف بعضها بعضا.
ولعله لذا لم يستدل بهما في المنتهى، ويبعد غاية البعد غفلته عنهما.
وبما ذكرنا يقوى القول الأول جدا.
ولكن المسألة بعد محل تردد،.
ولا ريب أن المشهور أحوط وأولى، سيما مع مصير نحو الحلي (2) الذي
لا يعمل إلا بالقطعيات إليه، وتصريح الفاضل المقداد في الشرح بأنه لا يعالم
للماتن قبله موافق (3).
(ووقت الاخراج إذا صفت الغلة وجمعت الثمرة) بل إذا يبست

(1) وسائل الشيعة: باب 12 من أبواب زكاة الغلات ح 1 ج 6 ص 133.
(2) السرائر: كتاب الزكاة في زكاة الغلات ج 1 ص 453.
(3) التنقيح الرائع: كتاب الزكاة في زكاة الغلات ج 1 ص 311.
108

إجماعا، كما صرح به جماعة، بل في المنتهى (1) أن عليه اتفاق العلماء كافة،
ونحوه عن التذكرة (2)، وللصحيحين المتقدمين بالقريب المتقدم إليه الإشارة.
والمراد بوقت الاخراج، الوقت الذي يصير ضامنا بالتأخير، أو الوقت الذي
يجوز للساعي مطالبة المالك.
وليس المراد الوقت الذي لا يجوز التقديم عليه، لتصريحهم بجواز مقاسمة
الساعي للمالك الثمرة قبل الجذاذ، وإجزاء دفع الواجب على رؤوس
الأشجار.
(ولا تجب) الزكاة (في) شئ من (الغلات إلا إذا نمت في
الملك) أي ملكت قبل وقت الوجوب، بإجماع المسلمين كما عن الماتن (3)،
وفي المنتهى أنه قول العلماء كافة (4)، والحجة عليه واضحة.
ف‍ (لا) تجب في (ما يبتاع حبا) مثلا (أو يستوهب) كذلك، بل
تجب على البائع والواهب مع الشرط، وإلا فعلى من جمعه.
(وما يسقى سيحا) أي بالماء الجاري على وجه الأرض، سواء كان قبل
الزرع كالنيل، أم بعده (أو عذيا) بكسر العين، وهو أن يسقى بالمطر (أو
بعلا) وهو شربه بعروقه القريبة من الماء (ففيه العشر)،.
(وما يسقى بالنواضح) وهو جمع ناضحة، وهو البعير يستسقى عليه
(والدوالي) جمع دالية، وهي الناعورة التي يديرها البقر (ففيه نصف
العشر) بلا خلاف في الحكمين بين العلماء كما في التذكرة (5)، وفي المعتبر (6)

(1) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في زكاة الملك تاما ج 1 ص 497 س 30.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في المؤنة ج 1 ص 219 س 8.
(3) المعتبر: كتاب الزكاة فيما لا تجب الزكاة في الغلات ج 2 ص 538.
(4) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في زكاة الملك تاما ج 1 ص 497 س 31.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في أن المؤنة من جملة احياء الأرض ج 1 ص 219 س 21.
(6) المعتبر: كتاب الزكاة فيما سقي سيحا أو بعلا ج 2 ص 539.
109

والمنتهى (1) أنهما مذهبهم كافة، والصحاح وغيرها (2) بهما مع ذلك مستفيضة.
ويستفاد منها جملة، أن الضابط في موضع الحكمين عدم توقف ترقية الماء
إلى الأرض على آلة من دولاب ونحوه، وتوقفه على ذلك، فلا عبرة بغير ذلك
من الأعمال كحفر السواقي والأنهار وإن كثرت مؤنتها، لعدم اعتبار الشارع
إياه.
وهنا سؤال وجواب مشهوران - يأتيان - مبنيان على ما هو المشهور من عدم
وجوب الزكاة في الغلات، إلا بعد إخراج المؤن، وأما على غيره فالسؤال ساقط
من أصله.
(ولو اجتمع الأمران) فسقي بالسيح مثلا تارة، وبمقابله أخرى (حكم
للأغلب) منهما، فالعشر إن كان هو الأول، ونصفه إن كان الثاني بالنص
الآتي، والاجماع منا ومن أكثر العامة (3) كما صرح به جماعة.
وفي اعتبار الأغلبية بالأكثر عددا، كما هو المتبادر من نحو العبارة، أو
زمانا، كما ربما يستفاد من ظاهر إطلاق الرواية (4)، بل عمومها، أو نفعا كما
استقر به العلامة (5) وولده (6)، أوجه، وأقوال، ولعل أوجهها الأول، سيما وأن
المؤنة إنما تكثر بسبب ذلك، ولعلها الحكمة في اختلاف الواجب.
ويمكن أن يرجع إليه الرواية بتقييد إطلاقها بما هو الغالب في الزمان

(1) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في أن ما يفتقر إلى المؤنة ففيه نصف العشر ج 1 ص 498 س 5.
(2) وسائل الشيعة: باب 4 من أبواب زكاة الغلات ج 6 ص 124.
(3) المجموع: كتاب الزكاة الطرف الثاني في الواجب من العشر ونصف العشر ج ص 579، والمغني:
كتاب الزكاة اختلاف الواجب فيما يحتاج إلى مؤنة ص 560 ج 2 ص 562.
(4) وسائل الشيعة: باب 6 من أبواب زكاة الغلات ح 1 ج 6 ص 128.
(5) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في أن ما يفتقر إلى المؤنة ج 1 ص 498 س 27.
(6) لم نعثر عليه في كتاب الايضاح، لعله في كتاب له آخر غير موجود لدينا.
110

الأكثر من احتياجه في السقي إلى عدد أكثر فتدبر هذا، والاحتياط لا يترك.
(ولو تساويا أخذ من نصفه العشر، ومن نصفه نصف العشر)
إجماعا كما صرح به جماعة، وفي المعتبر (1) والمنتهى (2) أنه إجماع العلماء، وللنص
المعتبر المنجبر بالعمل هنا.
وفيما مر فيما سقت السماء والأنهار أو كان بعلا العشر وأما ما سقت
السواقي والدوالي فنصف العشر، قلت: له فالأرض تكون عندنا تسقى بالدوالي
ثم تزيد الماء فتسقى سيحا، قال: إن ذا ليكون عندكم كذلك، قلت: نعم،
قال: النصف والنصف نصف بنصف العشر ونصف بالعشر، فقلت: الأرض
تسق بالدوالي ثم يزيد الماء فتسقى السقية والسقيتين سيحا، قال: كم تسقي
السقية والسقيتين سيحا، قلت: في ثلاثين ليلة أو أربعين ليلة وقد مضت قبل
ذلك في الأرض ستة أشهر سبعة أشهر، قال: نصف العشر (3).
اعتبار التساوي بالمدة والعدد ظاهر، وأما بالنفع والنمو فيرجع فيه إلى
أهل الخبرة، وإن أشتبه الحال وأشكل الأغلب، ففي وجوب الأقل للأصل،
أو العشر للاحتياط، أو الالحاق بالتساوي لتحقق تأثيرهما، والأصل عدم
التفاضل أوجه، أحوطها الوسط إن لم يكن أجود.
(و) إنما تجب (الزكاة بعد) إخراج (المؤنة) وحصة السلطان بلا
خلاف في الثاني أجده، بل بالاجماع عليه صرح في الخلاف (4) والمعتبر (5)
والمنتهى (6)، وعزاه فيهما إلى أكثر الجمهور أيضا وللنصوص.

(1) المعتبر: كتاب الزكاة فيما يسقى سيحا وبعلا ج 2 ص 539.
(2) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في أن ما يفتقر إلى المؤنة ففيه نصف العشر ج 1 ص 498 س 22.
(3) وسائل الشيعة: باب 6 من أبواب زكاة الغلات ح 1 ج 6 ص 128.
(4) الخلاف: كتاب الزكاة م 78 ج 2 ص 67.
(5) المعتبر: كتاب الزكاة في زكاة الزرع بعد المؤنة: ج 2 ص 541.
(6) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في أن المؤنة على رب المال ج 1 ص 500 س 1.
111

منها الصحيح: كل أرض دفعها إليك السلطان فتاجرته فيها فعليك فيما
أخرج الله تعالى منها الذي قاطعك عليه، وليس على جميع ما أخرج الله منها
العشر، إنما عليك العشر فيما حصل في يدك بعد مقاسمته لك (1).
والصحيح: ذكرت لأبي الحسن الرضا عليه السلام الخراج وما سار به
أهل بيته، فقال: ما أخذ بالسيف فذاك إلى الإمام يقبله الذي يرى، وقد
قبل رسول الله صلى الله عليه وآله خيبر وعليهم في حصصهم العشر ونصف
العشر (2). ونحوه الخبر.
وعلى الأظهر في الأول أيضا، وفاقا للأكثر، على الظاهر المصرح به في
عبائر جمع، وفي المختلف (3) وغيره أنه المشهور، للرضوي، المعتبر في نفسه، المعتضد
- زيادة على الشهرة - بما يأتي.
وفيه: وليس في الحنطة والشعير شئ إلى أن يبلغا خمسة أو ساق، والوسق
ستون صاعا، والصاع أربعة أمداد، والمد مائتان واثنان وتسعون درهما
ونصف، فإذا بلغ ذلك وحصل بعد خراج السلطان ومؤنة العمارة والقرية
أخرج منه العشر إن كان سقي بماء المطر أو كان بعلا، وإن كان سقي
بالدلاء ففيه نصف العشر، وفي التمر والزبيب مثل ما في الحنطة والشعير (4).
والمراد بمؤنة العمارة والقرية مؤنة الزراعة قطعا، وبه صرح جدي المجلسي
فيما حكاه عنه خالي العلامة دام ظله، معترفا بصحته (5).
وللصحيح: يترك للحارس يكون في الحائط العذق والعذقان والثلاثة

(1) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب زكاة الغلات ح 1 ج 6 ص 129.
(2) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب زكاة الغلات ح 3 ج 6 ص 129.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الزكاة ج 3 ص 191.
(4) فقه الرضا عليه السلام: ب 28 في الزكاة ص 197.
(5) لا يوجد عندنا كتابه.
112

لحفظه إياه (1).
وأخصيته من المدعى مجبورة بعموم التعليل، مع ضرورة عدم القائل
بالفرق بين مؤنة الحارس وغيرها كما صرح به في المنتهى (2)، ولأن النصاب
مشترك بين المالك والفقراء، فلا يختص أحدهم بالخسارة عليه كغيره من
الأموال المشتركة، ولأن الزكاة في الغلات إنما تجب في النماء والفائدة، وهو
لا يتناول المؤنة. وما يقال على أول هذين الدليلين.
أولا: بأن الشركة هنا ليس على حد سائر الأموال المشتركة لتكون
الخسارة على الجميع، ولهذا جاز للمالك الاخراج من غير النصاب،
والتصرف فيه بمجرد الضمان.
وثانيا: بأنه إنما يقتضي استثناء المؤنة المتأخرة عن تعلق الوجوب
بالنصاب، والمدعى أعم من ذلك، وعلى ثانيهما: بأن متعلق الزكاة ما يخرج
من الأرض، وهو شامل لما قابل المؤنة وغيرها.
فضعيف، بأن مقتضى الأصل في الشركة بمقتضى القاعدة المقررة،
المتفق عليها فتوى ورواية هو الشركة في النفع والخسارة (3)، وغيرها من
الأحكام المترتبة على الشركة.
وخروج بعضها مما ذكره هنا بدليل من خارج لا يقتضي انفساخ قاعدة
أصل الشركة، وإن هي إلا كالعام المخصص في الباقي حجة.
مع أن الظاهر أن الوجه في خروج الخارج من نحو جواز التصرف
والاخراج من غير النصاب، إنما هو التخفيف على المالك، والسهولة، وهو

(1) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب زكاة الغلات ح 4 ج 6 ص 131.
(2) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في أن المؤنة على رب المال والفقراء ج 1 ص 500 س 3.
(3) وسائل الشيعة: ب 1 من كتاب الشركة ج 13 ص 174.
113

يقتضي استثناء المؤنة، فإن في عدمه عسرا وحرجا عظيما منفيا في الشريعة
والأخصية مدفوعة بعدم قائل بالفرق بين المؤنة المتأخرة عن تعلق الوجوب
والمتقدمة عليه.
ولو عورض بالمثل، وهو اقتضاء الاطلاقات (1) بوجوب العشر أو نصفه فيما
خرج عدم استثناء المؤنة المتقدمة، فكذا المتأخرة لعدم القائل بالفرق.
لا جيب عنها بأنها من باب تعارض العموم والخصوص المطلق والخاص
مقدم بالاتفاق.
ولو سلم كونها من باب التعارض من وجه، قلنا: لزم الرجوع في مثله
إلى الترجيح، وهو هنا مع ما دل على الاستثناء لمطابقته لمقتضى الأصل، فتدبر.
ودعوى تعلق الزكاة بمجموع ما يخرج من الأرض، حتى ما قابل البذر.
ممنوعة كيف لا! وإيجاب الزكاة فيه يستلزم تكرر وجوب الزكاة في
الغلات، وقد أجمع المسلمون على خلافه كما صرح به في المنتهى (2) وغيره،
وحيث ثبت استثناء البذر ثبت غيره، لعدم القائل بالفرق، فتأمل.
خلافا للخلاف (3) والجامع (4) مدعيين عليه الاجماع إلا من عطا، على
ما حكاه عنهما جماعة من الأصحاب، ولم أره في الخلاف، بل فيه مجرد
الفتوى، ووافقهما جماعة من متأخري متأخري الأصحاب، للعمومات المتقدم
إليها الإشارة.
قيل: وأظهر منها الصحيحة الأولى المستثنية. لحصة السلطان (5) إذ المقام

(1) في (مش) و (ش): (الاطلاقات العمومات)، وفي الشرح المطبوع خ ل.
(2) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في كون الملك تاما ج 1 ص 497 س 32.
(3) الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 77 ج 2 ص 66.
(4) الجامع للشرائع: كتاب الزكاة في زكاة الغلاة ص 134.
(5) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب زكاة الغلاة ح 1 ج 6 ص 132.
114

فيها مقام البيان، واستثناء ما عسى أن يتوهم اندراجه في العموم.
وفي الجميع نظر.
أما الاجماع، فلوهنه بمصير معظم الأصحاب على خلافه، ومنهم المفيد (1)
والشيخ في النهاية (2) والاستبصار (3)، والصدوق (4) والسيدان في الجمل (5)
والغنية (6) والحلي في السرائر (7)، فكيف يمكن الاعتماد على مثله، سيما وأن
يكون دعواه بلفظ إجماع المسلمين.
ولا يبعد أن يكون المراد بوجوب المؤنة على رب المال في عبارة ناقلة، غير
المعنى المعروف في البحث، وهو اختصاصه بخسارتها دون الفقراء، بل المراد
تعلق الوجوب بإخراجها أولا به دون الفقراء، وهو لا ينافي احتسابها عليهم
بمقدار حصتهم بعد اخراجها، كذا ذكره بعض الأصحاب جامعا به بين
عبارتي المبسوط (8)، على ما وجدهما فيه دالة إحداهما على ما في
النهاية (9) والأخرى على ما في الخلاف (10).
وأما العمومات (11)، فيجب تخصيصها بما مر، إن لم يناقش في دلالتها

(1) المقنعة: باب 9 وقت الزكاة ص 239.
(2) النهاية: كتاب الزكاة باب الزكاة الغلات ص 178.
(3) الاستبصار: كتاب الزكاة باب 11 ح 1 ج 2 ص 25.
(4) من لا يحضره الفقيه: باب زكاة الغلات ج 2 ص 35.
(5) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الزكاة في زكاة الغلات ج 3 ص 78.
(6) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): في زكاة الغلات ص 505 س 24.
(7) السرائر: كتاب الزكاة في النصاب وما يجب فيه ج 1 ص 448.
(8) المبسوط: كتاب الزكاة في زكاة الغلات ج 1 ص 217.
(9) النهاية: كتاب الزكاة باب زكاة الغلات ص 198.
(10) الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 78 ج 2 ص 67.
(11) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب زكاة الغلات ج 6 ص 124.
115

بورودها لبيان حكم آخر، وهو التفصيل بين ما يجب فيه العشر ونصفه، ولذا
لم تستثن فيها جملة، أو أكثرها ما وقع الاتفاق على استثنائه.
هذا (1) ودعوى أظهرية الصحيحة دلالة ممنوعة، فإنها وإن اتجهت من
الوجه الذي ذكره، إلا إنها تنعكس دلالة بملاحظة قوله عليه السلام: (إنما
عليك العشر فيما حصل في يدك بعد مقاسمته لك) (2) بناء على أن مقاسمة
السلطان لا يكون عادة، إلا بعد إخراج المؤن من نفس الزرع كما قيل.
وعليه فالحاصل في يده حينئذ ليس، إلا ما عدا المؤن، ولعله لذا جعلها
الشيخ في الاستبصار (3)، وغيره دليلا على المختار، وهو غير بعيد.
وربما يستشهد لهذا القول بالنصوص الدالة على لزوم العشر فيما المؤنة فيه
أقل، ونصفه فيما المؤنة فيه أكثر ولعله بناء على السؤال المشهور، من أن الزكاة
إذا كانت لا تجب إلا بعد إخراج المؤن، فأي فارق بين ما كثرت مؤنته
وقلت، حتى وجب في أحدهما العشر، وفي الآخر نصفه.
وفيه نظر، لامكان الاستشهاد بها أيضا للقول الآخر.
بتقريب: أن المؤنة لو كانت على رب المال لما توجه تنصيف العشر فيما
كثرت فيه. والجواب بخروج هذه المؤنة بالنص، معارض بالمثل.
وهذا هو الجواب المشهور الموعود به وبسؤاله فيما سبق.
وبالجملة الحق أنه لا شهادة لهذه النصوص على شئ من القولين لكونها

(1) مع أن مقتضى العمومات شركة الفقراء في العشر ونصفه ومقتضاها الشركة في الخسارة لما عرفته
فكيف يستدل بها على عدم استثناء المؤنة مطلقا وبها لنفيها قبل تعلق الوجوب وتتميم الباقي
بالاجماع المركب معارض بالمثل إن لم نقل أقوى وحينئذ يرجع إلى مقتضى الأصل وهو عدم
وجوب احتساب المؤنة على المالك ومقتضاه استثناؤها ثمة. خ. (هامش المطبوع).
(2) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب زكاة الغلات ح 1 ج 6 ص 129.
(3) الاستبصار: كتاب الزكاة باب 11 خ 2 ص 25.
116

متفقا عليها بين الفريقين، مخصصا بها عموم أدلة الطرفين.
قال شيخنا في الروضة: والمراد بالمؤنة ما يغرمه المالك على الغلة، من
ابتداء العمل لأجلها وإن تقدم على عامها إلى تمام التصفية ويبس الثمرة،
ومنها البذر. ولو اشتراه اعتبر المثل أو القيمة.
ويعتبر النصاب بعد ما تقدم منها على تعلق الوجوب، وما تأخر عنه يستثنى
ولو من نفسه، ويزكى الباقي وإن قل، وحصة السلطان كالثاني.
ولو اشترى الزرع أو الثمرة فالثمن من المؤنة. ولو اشتراها مع الأصل وزع
الثمن عليهما، كما توزع المؤنة على الزكوي وغيره لو جمعهما.
ويعتبر ما غرمه بعده ويسقط ما قبله، كما يسقط اعتبار المتبرع، وإن كان
غلامه أو ولده انتهى (1). وهو حسن.
إلا أن ما اختاره في اعتبار استثناء المؤنة - من التفصيل بين ما تقدم منها
على تعلق الوجوب فيستثنى من نفس الغلة، حتى لو لم يبق بعده نصاب لم
يجب زكاة، وما تأخر عنه فيستثنى من النصاب إن بلغته الغلة، ولو مع المؤنة
فيجب زكاة ما بقي منه بعد استثنائها وإن قل - خلاف المشهور بين الأصحاب
وإن اختلفوا في اعتباره، فبين من جعله بعد النصاب مطلقا كالفاضل في
التذكرة فيما حكاه عنه في المدارك (2) واختاره، وبين من عكس كهو في
المنتهى (3) والنهاية (4)، والماتن في المعتبر في الخراج (5) والتحرير (6) والحلي (7)

(1) الروضة البهية: كتاب الزكاة في زكاة الغلات: ج 2 ص 36.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في زكاة الغلات ج 5 ص 145.
(3) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في مال التجارة ج 1 ص 500 س 9.
(4) النهاية: كتاب الزكاة باب الوقت الذي يجب فيه الزكاة ص 182.
(5) المعتبر: كتاب الزكاة في زكاة الغلات ج 2 ص 541.
(6) تحرير الأحكام: كتاب الزكاة في زكاة الغلات ج 1 ص 63 س 28.
(7) السرائر: كتاب الزكاة الأصناف التي تجب فيها الزكاة ج 1 ص 434.
117

وابن زهرة (1) وغيرهم ولعله المشهور.
ودل عليه الرضوي (2) المتقدم الذي هو الأصل في المسألة، ولعله الأظهر،
وإن كان الأحوط ما في التذكرة (3)، ثم ما في الروضة (4)، وأحوط من الكل
علم استثناء المؤنة بالكلية، خروجا عن شبهة الخلاف، ومن حذا حذوه.
(القول في) بيان شروط (ما يستحب في الزكاة)
إعلم أنه (يشترط في مال التجارة الحول) السابق (وأن يطلب
برأس المال أو الزيادة في الحول كله)، فلو طلب المتاع بأنقص منه - وإن
قل - في بعض الحول فلا زكاة وإن كان ثمنه أضاف النصاب، إذا طلب
به فصاعدا استأنف الحول.
(وأن يكون قيمته) يبلغ (نصابا) لأحد النقدين (فصاعد) (5) إن
كان أصله عروضا، وإلا فنصاب أصله وإن نقص بالآخر.
(فيخرج الزكاة حينئذ) أي عند اجتماع هذه الشروط الثلاثة (عن
قيمته) ربع العشر (دراهم أو دنانير) ولا خلاف في شئ من هذه الشروط
أجده، بل على ما عدا الثاني منها أنه قول فقهاء الاسلام في المعتبر (6)
والمنتهى، وعليه فيهما أنه مذهب علمائنا أجمع (7) وفيهما أيضا وعن التذكرة أن

(1) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة ص 505 س 24.
(2) فقه الإمام الرضا عليه السلام: ب 28 في الزكاة ص 197.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في زكاة الغلات ج 1 ص 220 س 1.
(4) الروضة البهية: كتاب الزكاة في زكاة الغلات ج 2 ص 35.
(5) لم يوجد في جميع النسخ والشرح المطبوع، والصحيح ما أثبتناه من المتن المطبوع والشرح الصغير.
(6) المعتبر: كتاب الزكاة القول فيما يستحب فيه الزكاة ج 2 ص 544.
(7) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في استحباب الزكاة في مال التجارة ج 1 ص 507 س 24.
118

اعتبار بقاء النصاب طول الحول (1) مذهبهم أيضا، وبه صرح في المدارك،
بزيادة قوله وأكثر العامة (2).
وهذه العبارات كلها ظاهرة في الاجماع، بل كالصريحة فيه، وبه صرح
أيضا في المدارك (3) وغيره في الأول، والفاضل في النهاية (4) في الأخير على
ما حكاه عنه في الذخيرة (5). وهو كاف في الحجة، مضافا إلى الأصل
والمعتبرة المستفيضة في الأولين.
ففي الصحيح: عن رجل اشترى متاعا فكسد عليه، وقد بهى ماله قبل أن
يشتري المتاع متى يزكيه؟ فقال: إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله
فليس عليه زكاة، وإن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة، بعد ما
أمسكه بعد رأس المال، قال: وسألته عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل
بها فقال: إذا حل عليه الحول فيزكها (6).
وفيه: إن كنت تربح فيه شيئا، أو تجد رأس مالك فعليك فيه زكاة، وإن
كنت إنما تربص به لأنك لا تجد إلا وضيعته فليس عليه زكاة، حتى يصير
ذهبا أو فضة، فإذا صار ذهبا أو فضة تزكيه للسنة التي أتجر فيها (7).
وما فيه وفي الموثق من الأمر بتزكية لسنة واحدة مع النقيصة، إذا مضت
عليه سنتان أو سنون عديدة (8).

(1) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في زكاة التجارة مستحبة ج 1 ص 227 س 36.
(2) مدارك الأحكام: ص 274 س 10.
(3) مدارك الأحكام: ص 274 س 10.
(4) نهاية الإحكام: كتاب الزكاة في الشرائط ج 2 ص 364.
(5) ذخيرة المعاد: كتاب الزكاة في الزكاة في مال التجارة ص 449 س 18.
(6) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ح 3 و 1 و 2
ج 6 ص 46.
(7) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ح 3 و 1 و 2
ج 6 ص 46.
(8) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ح 3 و 1 و 2
ج 6 ص 46.
119

فمحمول على الاستحباب، كما صرح به جماعة (1)، جمعا بين الأدلة، مع
قصورهما سندا بالاضمار في الأول، وعدم إيمان بعض رواة الثاني، فلا
يقاومان إطلاق ما دل على نفي الزكاة مع النقيصة من الفتوى والرواية،
مضافا إلى الاجماعات المحكية.
وأما تقدير النصاب هنا بنصاب أحد النقدين دون غيرهما فلم أجد من
النصوص عليه دلالة. نعم ربما يستشعر ذلك من بعضها، بل في المدارك أن
ظاهر الروايات أن هذه الزكاة بعينها زكاة النقدين، فيعتبر نصابهما،
ويتساويان في قدر المخرج (2).
وفي الذخيرة بعد نقله عنه وللتأمل فيه مجال وإن كان لما ذكره وجه (3)،
انتهى. وهو حسن.
وكيف كان فالحكم مما لا إشكال فيه، بعد عدم ظهور خلاف فيه، بل
قيل: أنه متفق عليه بين الخاصة والعامة (4).
واعلم أنه يعتبر زيادة على هذه الشروط ما مر من الشروط العامة.
وهل يشترط بقاء عين السلعة طول الحول كما في المال، أم لا فيثبت
الزكاة وإن تبدلت الأعيان، مع بلوغ القيمة النصاب؟ قولان.
ظاهر الأصل والنصوص هو الأول، كما عن الصدوق (5) والمفيد (6) وعليه

(1) المبسوط: كتاب الزكاة في مال التجارة ج 1 ص 220، والكافي في الفقه: في زكاة مال التجارة
ص 165، وتذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في مال التجارة ج 1 ص 227 س 31.
(2) المدارك: ص 274 س 18.
(3) ذخيرة المعاد: كتاب الزكاة في زكاة مال التجارة ص 449 س 19.
(4) الحدائق الناضرة: كتاب الزكاة في زكاة مال التجارة ج 12 ص 146.
(5) من لا يحضره الفقيه: باب الأصناف التي تجب عليها الزكاة ح 1602 ج 2 ص 20.
المقنعة: كتاب الزكاة باب حكم 1 متعة التجارات ص 247.
120

الماتن في الشرائع (1) وغيره.
خلافا للفاضل وولده ومن تأخر عنهما، كما في المدارك (2) قال: وادعيا
عليه في التذكرة (3) والشرح (4) الاجماع. وهو ضعيف.
وظاهر المتن تعلق الزكاة بالقيمة لا بالسلعة، كما صرح به في الشرائع (5)
وتبعه الفاضل في المنتهى (6) وغيره، وعزاه في المدارك (7) إلى الشيخ وأتباعه.
والحجة عليه غير واضحة، عدا أمر اعتباري ضعيف، ورواية قاصرة
الدلالة (8)، فلا يصلحان صارفا لظواهر جملة من النصوص الدالة على تعلقها
بعين مال التجارة (9).
ولعله لذا جعل الماتن مدلولها في المعتبر مع جواز العدول إلى القيمة بدلا
عن الزكاة، أنسب بالمذهب (10) ونفى عنه البأس في التذكرة (11) على ما نقله
عنهما في المدارك واستحسنه (12).
(ويشترط في) زكاة (الخيل حؤول الحول) السابق عليها (والسوم،

(1) شرائع الاسلام: كتاب الزكاة في الشروط ج 1 ص 157.
(2) مدارك الأحكام: ص 275 س 8.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في ما يستحب فيه الزكاة ج 1 ص 217 س 39.
(4) ايضاح الفرائد: كتاب الزكاة في ما يستحب فيه الزكاة ج 1 ص 172.
(5) شرائع الاسلام: كتاب الزكاة في الشروط ج 1 ص 157.
(6) منتهى المطلب: كتاب الزكاة فيما يستحب الزكاة فيه ج 1 ص 507 س 8.
(7) مدارك الأحكام: ص 275 س 13.
(8) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الذهب والفضة ح 7 ج 6 ص 93.
(9) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ج 6 ص 46.
(10) المعتبر: كتاب الزكاة في ما يستحب فيه الزكاة ج 2 ص 550.
(11) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في ما يستحب فيه الزكاة: ج 1 ص 228 س 35.
(12) مدارك الأحكام: ص 275 س 16.
121

وكونها إناثا) بإجماعنا الظاهر المصرح به في التذكرة (1) والمنتهى (2)، وقد مر
الصحيح المستفاد منه اعتبار الثلاثة في بحث عدم الزكاة مطلقا، فيما عدا
الخيل والحمول الثلاثة. وحيث اجتمعت الشروط الثلاثة.
(فيخرج عن العتيق) الذي أبواه عربيان كريمان (ديناران، وعن
البرذون) الذي هو خلافه (دينار) واحد، بلا خلاف.
للصحيح: وضع أمير المؤمنين عليه السلام على الخيل العتاق الراعية في
كل فرس في كل عام دينارين، وجعل على البراذين دينارا (3).
(و) كل (ما يخرج من الأرض مما تستحب فيه الزكاة حكمه
حكم الأجناس الأربعة في اعتبار السقي) والمؤن (وقدر النصب وكمية
الواجب) اخراجه منها بلا خلاف فيه أجده، وبه صرح في الذخيرة (4)، وفي
المدارك أنه متفق عليه بين الأصحاب (5)، بل قال في المنتهى: أنه لا خلاف
فيه بين العلماء (6)، مؤذنا بدعوى الاجماع عليه. وهو الحجة، مضافا إلى
الصحاح المستفيضة في اعتبار النصاب والسقي.
ففي الصحيح: إن لنا رطبة وأرزا فما الذي علينا فيها؟ فقال عليه السلام:
أما الرطبة فليس عليك فيها شئ، وأما الأرز فما سقت السماء العشر،
وما سقي بالدلو فنصف العشر من كل ما كلت بالصاع، أو قال وكيل

(1) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في ما يستحب فيه الزكاة ج 1 ص 230 س 28.
(2) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في ما يستحب فيه الزكاة ج 1 ص 510 س 8.
(3) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ح 1 ج 6 ص 51.
(4) ذخيرة المعاد: كتاب الزكاة في ما يستحب فيه الزكاة ص 451 س 7.
(5) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في زكاة الغلات ص 273 س 13
(6) منتهى المطلب: كتاب الزكاة فيما يستحب فيه الزكاة ج 1 ص 510 س 23.
122

بالمكيال (1).
وفي آخر: الذرة والعدس والسلت والحبوب فيها مثل ما في الحنطة والشعير،
وكل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي تجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة (2).
ولا قائل بالفرق، مع أن في بعضها كل ما دخل القفيز فهو يجري مجرى
الحنطة والشعير والتمر والزبيب (3).
وعموم المنزلة يقتضي الشركة في جميع الشروط المزبورة.
(الركن الثالث)
(في) بيان (وقت الوجوب)
إعلم أنه فيما لا يعتبر فيه الحول، كالغلات التسمية أو الاحمرار والاصفرار
والانعقاد، على ما مر من الخلاف.
وأما ما يعتبر فيه فقد مر أيضا أنه (إذا أهل) الشهر (الثاني عشر
وجبت الزكاة) بلا خلاف، وإن اختلف في استقرار الوجوب به، كما هو
ظاهر النص والفتاوى، بالتقرب الماضي، أو تزلزله وعدم استقراره، إلا
بتمام الحول اللغوي والعرفي، كما عليه شيخنا الشهيد الثاني (4).
ولكنه نادر، حتى أن سبطه في المدارك (5) قال: أنه لم يعرف له من
السلف موافق.
(ويعتبر) استكمال (شرائط الوجوب) من النصاب، وإمكان

(1) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ح 2 ج 6 ص 39.
(2) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ح 10 ج 6 ص 41.
(3) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ح 1 ج 6 ص 39.
(4) مسالك الأفهام: كتاب الزكاة في زكاة الأنعام ج 1 ص 53 س 30.
(5) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في زكاة الأنعام س 15، 16 ص 262.
123

التصرف والسوم في الماشية، وكونها دراهم أو دنانير منقوشة في الأثمان
(فيه) أي في الحول المدلول عليه بالسياق (كله) (1) لا الشهر الثاني عشر،
بلا خلاف، ولا إشكال.
(وعند الوجوب) واستقراره (يتعين دفع الواجب) مطلقا، حتى في
الغلات إن جعلنا وقته فيها ووقت الاخراج واحدا، وهو التسمية بأحدها
عرفا، كما هو مختار الماتن، إلا كما هو المشهور فالوقتان متغائران.
ويمكن أن يريد بوقت الوجوب وجوب الاخراج، لا وجوب الزكاة وإن
خالف ظاهر العبارة، ليناسب مذهب الكل إذ على التفصيل يجوز التأخير
عن أول وقت الوجوب إلى وقت الاخراج إجماعا كما مضى، وبه صرح في
الروضة (2) هنا.
وأما بعد وقت الاخراج (فلا يجوز (3) تأخيره) مطلقا (إلا لعذر
كانتظار المستحق وشبهه) من خوف أو غيبة المال، فيجوز التأخير حينئذ
بلا خلاف [بل عليه الاجماع في المنتهى] (4).
وأما عدم الجواز لغير عذر فهو الأشهر بين أصحابنا، حتى أن الفاضل في
المنتهى عزاه إلى علمائنا (5)، مؤذنا بدعوى الاجماع عليه، كما هو ظاهر
الغنية (6) أيضا، وهو الحجة مضافا إلى المعتبرة المستفيضة كما ادعاه المفيد في
المقنعة (7).

(1) لا يوجد في جميع النسخ هذه الكلمة، وأثبتناه من المتن المطبوع والشرح الصغير.
(2) الروضة البهية: كتاب الزكاة في استحباب زكاة التجارة ج 2 ص 38.
(3) في المتن المطبوع: (ولا يجوز).
(4) ما بين المعقوفتين ليس في جميع النسخ الخطية، وأثبتناه من الشرح المطبوع.
(5) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في وقت الوجوب ج 1 ص 510 س 32.
(6) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة في شرائط الوجوب س 14 ص 505.
(7) المقنعة: كتاب الزكاة. باب تعجيل الزكاة ص 240.
124

منها - زيادة على ما يأتي من الصحيح المشبه للزكاة بالصوم في عدم جواز
التأخير عن وقته الاقتضاء، ونحوه الرضوي الآتي - الصحيح: عن الرجل تحل
عليه الزكاة في السنة في ثلاثة أوقات أيؤخرها حتى يدفعها في وقت واحد؟
فقال: متى حلت أخرجها.
والخبر المروي في آخر السرائر نقلا عن كتاب محمد بن علي بن
محبوب (1) بسند فيه ضعف بالجوهري، ولكنه بالشهرة مجبور: وليس لك أن
تؤخرها بعد حلها.
(وقيل) والقائل الشيخ في النهاية (إذا عزلها) عن ماله (جاز
تأخيرها شهرا أو شهرين) (2).
للصحيح: لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين وتأخيرها شهرين (3). وإطلاقه
وإن اقتضى جواز تأخيرها إلى الشهرين مطلقا، لكنه مقيد بصورة العزل.
للموثق: زكاتي تحل في شهر أيصلح لي أن أحبس منها شيئا مخافة أن
يجيئني من يسألني؟ فقال: إذا حال الحول فأخرجها من مالك ولا تخلطها
بشئ ثم أعطها كيف شئت، قال: قلت: فإن أنا كتبتها وأثبتها أيستقيم لي؟
قال: نعم لا يضرك (4). وإطلاقه بجواز التأخير مع العزل مقيد بما إذا لم
يتجاوز المدة، للصحيحة، وبه تصرف المستفيضة المتقدمة عن ظواهرها،
بحمل الاخراج المستفاد منها لزومه فورا على العزل لا الدفع أو يحمل على
الاستحباب.
وفيه أن الجمع بذلك فرع التكافؤ المفقود في هذين الخبرين، لأرجحية

(1) مستطرفات السرائر: ب 11 تصنيف محمد بن علي بن محبوب ح 25 ص 99 بتفاوت.
(2) النهاية: كتاب الزكاة باب الوقت الذي تجب فيه الزكاة ص 183.
(3) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب المستحقين للزكاة ح 11 ج 6 ص 210.
(4) وسائل الشيعة: ب 52 من أبواب المستحقين للزكاة ح 2 ج 6 ص 213.
125

ما قابلها بالاستفاضة، والشهرة، وحكاية الاجماع المتقدمة، مع قوة احتمال
وورد صحيحها للتقية، فقد حكاه في المنتهى عن أبي حنيفة وغيره من
العامة، وهما وإن أطلقا جواز التأخير ما لم يطالب (1)، فيعم ما لو تأخر عن
المدة.
لكن تحديد التأخير بها في الصحيح، يحتمل التمثيل لورود أخبار أخر في
التعجيل والتأخير بها، وبزيادة من ثلاثة كما في بعضها، أو أربعة كما في
آخر أو خمسة (2) كما في غيرهما، وليس ذلك، إلا لعدم الحصر في مدة.
ويعضده خلو الموثقة عن التقييد بها بالكلية، ولعله لذا أفتى الشهيد في
الدروس بجواز التأخير مطلقا لانتظار الأفضل (3)، أو التعميم من غير تقييد
بمدة، وكذا في البيان بزيادة التأخير لمعتاد الطلب بما لا يؤدي إلى إهمال.
لكنه محل نظر أيضا، لتضمن الموثق الآمر بالعزل، وهو لم يذكره أصلا،
وعمومه بجواز التأخير بعد العزل، من غير تقييد بكونه لانتظار الأفضل ونحوه،
وهو قد قيده به.
هذا مع أن الخبرين قد تضمنا ما لا يقول به الشيخ، لتضمن الأول جواز
تعجيل الزكاة، والثاني جواز الاكتفاء عن العزل بالكتابة والاثبات، ولم
يذكره هو، إلا أن يكون مراده بالعزل ما يعمه.
هذا ويمكن الجمع بينهما وبين المستفيضة بإبقائها على حالها وتقييدهما
بحال العذر والضرورة.
ولا ريب أن هذا الجمع أقوى، لما مضى.

(1) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في وقت الوجوب ج 1 ص 510 س 33.
(2) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب المستحقين للزكاة ح 13 و ح 15 ج 6 ص 211.
(3) الدروس الشرعية: كتاب الزكاة في وجوب الدفع عند الوجوب ص 64 س 3.
126

وظاهر الحلي جواز التأخير إيثارا لبعض المستحقين (1)، وإن ضمن مع
التلف ولو بغير تفريط، قال: ولا يأثم بغير خلاف، وادعى بعيد ذلك أيضا
الاجماع صريحا، قال: لأنه لا خلاف بينهم في أن للانسان أن يخص بزكاته
فقيرا دون فقير، ولا يكون مخلا، - بواجب، ولا فاعلا لقبيح (2).
وفي ثبوت الاجماع بمثل هذا التعليل ما ترى، مع أنه موهون جدا بمصير
الأكثر إلى خلافه، كما مضى.
ولشيخنا الشهيد الثاني (3) هنا قول آخر قد تبعه فيه سبطه ومن عنهما
تأخر، وهو جواز التأخير لشهر وشهرين مطلقا، ولعله للصحيح الماضي سندا
للشيخ (4)، وقد مر ما فيه.
والعجب ممن تبعه في الاستدلال عليه، بما دل على جواز التقديم
والتأخير زيادة على الشهرين عن ثلاثة أشهر أو أربعة (5). مع أنه لم يذكروها
بالكلية.
اللهم إلا أن يكون ذكرهم الشهرين تمثيلا لا حصرا، كما مضى.
(و) كيف كان (الأشبه أن جواز التأخير مشروط بالعذر، فلا
يتقدر بغير زواله) مطلقا.
(ولو أخر) الدفع (مع إمكان التسليم ضمن) بلا خلاف أجده،

(1) السرائر: كتاب الزكاة باب الوقت الذي تجب فيه الزكاة ج 1 ص 454.
(2) السرائر: كتاب الزكاة في الوقت الذي تجب فيه الزكاة ج 1 ص 454.
(3) الروضة البهية: كتاب الزكاة في استحباب زكاة التجارة ج 2 ص 39.
(4) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة وقت التسليم ص 292 س 20.
(5) الحدائق الناضرة: كتاب الزكاة في جواز تأخير الزكاة ج 12 ص 229.
(6) النهاية: كتاب الزكاة الوقت الذي تجب فيه الزكاة ص 183.
(7) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب المستحقين للزكاة ح 13 ج 6 ص 211.
127

حتى ممن جوز التأخير لغير عذر كالحلي (1) وغيره، فقد صرحا بهذا الحكم،
للنصوص.
منها الصحيح: رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها
حتى تقسم؟ قال: إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى
يدفعها، وإن لم يجد من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان،
لأنها قد خرجت من يده وكذلك الوصي الذي يوصى إليه يكون ضامنا لما
دفع إليه إذا وجد ربه الذي آمر بدفعه إليه، فإن لم يجد فليس عليه
ضمان (2). ونحوه الصحيح الآتي في الضمان بنقلها من البلد مع وجود
المستحق وغيره.
وفي هذه النصوص تأييد لما قدمناه، من عدم جواز التأخير لغير عذر
مطلقا، لبعد الضمان، مع كون التأخير برخصة الشارع، بل الظاهر أنه من
حيث الإثم به، وعدم رخصة من الشارع فيه.
وما دل عليه الصحيح الأول، من انسحاب الحكم في الوصي بالتفرقة لها
قد صرح به جماعة، من غير خلاف بينهم أجده. وألحقوا به الوكيل والوصي
بتفرقة غيرها، وصرحوا بجواز التأخير لهما أيضا، مع خوف الضرر ولو مع
وجود المستحق.
ولا ريب فيه، لا تحاد الدليل وهو عموم نفي الضرر.
وهل الحكم بالضمان بالتأخير مع التمكن من الدفع يعم ما لو كان
لتعميمها لمستحق البلد مع كثرتهم وغيره كما هو ظاهر إطلاق النص
والفتوى، أم يختص بالثاني؟ وجهان، من الاطلاق، وقوة احتمال اختصاصه

(1) السرائر: كتاب الزكاة الوقت الذي تجب فيه الزكاة ج 1 ص 454.
(2) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب المستحقين للزكاة ح 1 ج 6 ص 198.
128

بالثاني بحكم التبادر وغيره، فإن التأخير في الأول لا يسمى تأخيرا عرفا،
ولعل هذا هو الأقوى، وفاقا لبعض المتأخرين (1).
خلافا للفاضل فبقي على التردد في التحرير (2) والمنتهى (3).
ومما ذكرنا يظهر جواز هذا التأخير كما قطع به في الكتابين أيضا.
(ولا يجوز تقديمها قبل وقت الوجوب) بنيتها (على أشهر الروايتين)
وأظهرهما، بل عليه عامة متأخري أصحابنا (4)، بل وقدمائهم أيضا، إلا
ما يحكى عن ظاهر العماني (5) والديلمي (6)، وعبارته المحكية غير صريحة فيه
ولا ظاهرة، بل ولا مشعرة، وإن ادعاه الفاضل في المختلف.
وعلى تقدير ثبوت المخالفة، فهما نادران، بل على خلافهما الاجماع في
الخلاف (7). وهو الحجة مضافا إلى الأصول والنصوص.
منها الصحيح: الرجل يكون عنده المال أيزكيه إذا مضى نصف السنة؟
قال: لا، ولكن حتى يحول عليه الحول وتحل عليه أنه ليس لأحد أن يصلي
صلاة إلا لوقتها، وكذلك الزكاة فيها، ولا يصومن أحد شهر رمضان إلا في
شهره إلا قضاء، وكل فريضة إنما تؤدى إذا حلت (8).
والصحيح: أيزكي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟ قال: لا أيصلي

(1) وهو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في وقت تسليم الزكاة ج 5 ص 291.
(2) تحرير الأحكام: كتاب الزكاة في وقت الاخراج ج 1 ص 66 س 18.
(3) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في وقت الوجوب ج 1 ص 511 س 28.
(4) إيضاح الفوائد: كتاب الزكاة في كيفية الاخراج ج 1 ص 200، والدروس الشرعية: كتاب
الزكاة في دفعها عند الوجوب ص 64 س 5.
(5) مختلف الشيعة: كتاب الزكاة في كيفية الاخراج ج 1 ص 188 س 32.
(6) المراسم: كتاب الزكاة في وقت الوجوب ص 128.
(7) الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 46 ج 2 ص 44.
(8) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب المستحقين للزكاة ح 2 ج 6 ص 212.
129

الأولى قبل الزوال (1).
والرواية الثانية كثيرة، لكنها - مع ندرتها وضعف جملة منها - مختلفة في
تحديد مدة التعجيل، فبين محدد لها بشهر وشهرين خاصة، كالصحيح المتقدم
إليه الإشارة، أو ثلاثة، بل وأربعة (2)، كالصحيح أنها لا تحل عليه إلا في
المحرم فيعجلها في شهر رمضان، قال: لا بأس (3)، أو بخمسة (4)، كما في
رواية، أو من أول السنة (5) كما في أخرى.
غير مكافاة لما مر من الأدلة، فلتطرح، أو تحمل على التقية، فقد حكي
جواز التعجيل في المعتبر (6) والمنتهى (7) عن أحمد والشافعي وأبي حنيفة.
ولا ينافيه تحديد جملة منها التعجيل بمدة، مع أنه لم يحك عنهم التحديد
بها، لأن اختلافها فيها لعله كاشف عن كون التحديد بها تمثيلا لا حصرا،
أو على كون التعجيل قرضا لجوازه، بل استحبابه اتفاقا، فتوى ونصا كما
سيأتي.
ويشهد له الرضوي: إني أروي عن أبي عليه السلام في تقديم الزكاة
وتأخيرها أربعة أشهر، إلا أن المقصود منها أن تدفعها إذا وجبت عليك،
ولا يجوز لك تقديمها ولا تأخيرها لأنها مقرونة بالصلاة، ولا يجوز لك تقديم
الصلاة قبل وقتها ولا تأخيرها، إلا أن يكون قضاء، وكذلك الزكاة.
وإن أحببت أن تقدم من زكاة مالك شيئا تفرج به عن مؤمن فاجعلها
دينا عليه، فإذا حلت وقت الزكاة فاحتسبها له زكاة، فإنه يحسب لك من

(1) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب المستحقين للزكاة ح 3 ج 6 ص 212.
(2) (3) (4) (5) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب المستحقين للزكاة ح 13 و 9 و 12 و 10 ج 6
ص 210 و 211.
(6) المعتبر: كتاب الزكاة في وقت الوجوب ج 2 ص 556.
(7) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في وقت الوجوب ج 1 ص 511 س 31.
130

زكاة مالك، ويكتب لك أجر القرض والزكاة (1).
ولا ينافيه أيضا التحديد بالمدة، لما عرفت.
(ويجوز) بل يستحب (دفعها إلى المستحق) بل مطلقا (قرضا،
واحتساب ذلك عليه من الزكاة إن تحقق الوجوب) بدخول وقته، مع
حصول شرائطه (وبقي القابض) لها (على صفة الاستحقاق) أو حصلت
له، لما مر من الرضوي؟ مضافا إلى النصوص المستفيضة المنجبر ضعف
أسانيدها بالشهرة.
منها: أني رجل موسر ويجيئني الرجل ويسألني الشئ وليس هو أيان
زكاتي، فقال عليه السلام له: القرض عندنا بثمانية عشر والصدقة بعشرة
وما زاد عليك إن كنت كما تقول موسرا أعطيته، فإذا كان أيان زكاتك
احتسبت بها من الزكاة، يا عثمان لا ترده فإن رده عند الله عظيم (2).
ومنها؟ قرض المؤمن غنيمة وتعجيل خير أن أيسر أدى، وإن مات احتسب
من الزكاة (3) وفيها تأييده ما للمختار من المنع عن تقديمها زكاة، كما لا يخفى.
وكما يجوز احتسابه عليه من الزكاة مع بقائه على صفة الاستحقاق، كذا
يجوز مطالبته بعوضه ودفعه إلى غيره ودفع غيره إلى غيره، لأن حكمه حكم
الديون مع عدم ظهور ما يخالفه من النصوص، إذ غايتها جواز الاحتساب عليه
من الزكاة لا وجوبه، وبهذا الحكم صرح جماعة من الأصحاب من غير
خلاف.
(ولو تغيرت (4) حال، المستحق) عند تحقق الوجوب، بأن صار غنيا

(1) فقه الرضا عليه السلام: ب 28 في الزكاة ص 197.
(2) (3) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب المستحقين للزكاة ح 2 و 3 ج 6 ص 209.
(4) في المتن المطبوع: (تغير).
131

مثلا، أو فقد فيه أحد شروط الاستحقاق (استأنف المالك الاخراج) بلا
خلاف ولا إشكال على المختار من عدم جواز التعجيل إلا قرضا وكذا على
غيره، وفاقا للمنتهى (1) وغيره قالا: لأن الدفع يقع مراعى في جانب الدافع
اتفاقا فكذا القابض. وفيه نظر.
نعم في الصحيح: رجل عجل زكاة ماله ثم أيسر المعطى قبل رأس السنة،
فقال: يعيد المعطي الزكاة (2).
(ولو عدم المستحق في بلده نقلها) إلى غيره جوازا، بل وجوبا (ولم
يضمن لو تلف) بغير تفريط (ويضمن لو نقلها مع وجوده) فيه بغير
خلاف في شئ من ذلك أجده، وبه صرح جماعة مؤذنين بدعوى الاجماع
عليه كما في صريح الخلاف (3) في الجميع والمنتهى (4) في الثاني. وهو الحجة
مضافا إلى الأصول والنصوص.
منها الصحيحان الماضي أحدهما قريبا.
وفي الثاني: عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسمها فضاعت، فقال:
ليس على الرسول ولا على المؤدي ضمان، قلت: فإن لم يجد لها أهلا ففسدت
وتغيرت أيضمنها؟ قال: لا، ولكن إن عرف لها أهلا فقطعت أو فسدت فهو
لها ضامن حتى يخرجها (5).
وعليهما ينزل إطلاق ما دل على نفي الضمان، كالموثق: الرجل يبعث بزكاة
ماله من أرض إلى أرض فيقطع عليه الطريق، فقال: قد أجزئت عنه، ولو
كنت أنا لأعدتها (6)، والحسن: ليس عليه شئ، بحملها على صورة النقل مع

(1) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في وقت الوجوب ج 1 ص 512 س 26.
(2) وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب المستحقين للزكاة ح 1 ج 6 ص 211.
(3) الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 26 ج 2 ص 28.
(4) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في أحكام الزكاة ج 1 ص 529 س 21.
(5) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب المستحقين للزكاة ح 2 و 6 ج 6 ص 198 و 199.
(6) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب المستحقين للزكاة ح 2 و 6 ج 6 ص 198 و 199.
132

عدم المستحق وفي جواز النقل في غير هذه الصورة، أم تحريمه؟ قولان. من
أصل، واستفاضة النصوص بالجواز على الاطلاق.
ومنها الصحيح: في الرجل يعطي الزكاة ليقسمها أله أن يخرج الشئ منها
من البلدة التي هو فيها إلى غيره، قال: لا بأس (1).
ومن أن فيه نوع خطر، وتغرير بالزكاة، وتعريضا لاتلافها، مع إمكان
إيصالها إلى مستحقها، فيكون حراما، وأنه مناف للفورية.
وعلى هذا الشيخ في الخلاف مدعيا عليه الاجماع (2)، كما هو ظاهر
التذكرة حيث عزاه إلى علمائنا (3)، فإن تم إجماعا، وإلا كما هو الظاهر،
لمصير الناقلين له إلى الجواز في جملة من كتبهما، وعزاه في المنتهى (4) إلى شيخنا
المفيد (5) والشيخ (6) في كتبه واختاره، وفي المختلف (7) إليه في المبسوط بشرط
الضمان (8)، وإلى ابن حمزة مع الكراهة (9)، واستقربه، فالأول أقوى لما
مضى.
وضعف الوجهين للمنع، فالأول باندفاعه بالضمان، والثاني بمنعه،
لأن النقل شروع في الاخراج فلم يكن منافيا للفورية.

(1) وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب المستحقين للزكاة ح 1 ج 6 ص 195.
(2) الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 13 ج 2 ص 17 فيها إشارة إلى فورية الأداء، ومسألة 26 ص 28،
فيها الاجماع بعدم نقل الزكاة مع وجود المستحق.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة الأداء شرط في الوجوب ج 1 ص 225 س 4.
(4) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في وقت الوجوب ج 1 ص 225 س 5.
(5) المقنعة: كتاب الزكاة ب 10 في تعجيل الزكاة ص 240.
(6) النهاية: كتاب الزكاة باب الوقت الذي تجب فيه ص 183.
(7) مختلف الشيعة: كتاب الزكاة في عدم جواز نقل الزكاة ج 1 ص 190 س 21.
(8) المبسوط: كتاب الزكاة اعتبار النية في الزكاة ج 1 ص 234.
(9) الوسيلة: كتاب الزكاة في مستحق الزكاة ص 130.
133

هذا إن قلنا بوجوبها كما هو الأقوى، وإلا فهو غير متوجه من أصله جدا.
نعم الأحوط الثاني، لشبهة دعوى الاجماع المعتضدة بالشهرة المنقولة في عبارة
بعض الأصحاب؟ مضافا إلى التأيد بما دل على الضمان، بناء على ما قدمنا
من بعد ثبوته، مع كون النقل برخصة الشرع وتجويزه.
هذا مع ضعف أكثر النصوص المجوزة أو بعضها، مع موافقتها لمذهب أبي
حنيفة، كما حكاه عنه في المنتهى (1).
وفي الصحيح: لا تحل صدقة المهاجرين للأعراب، ولا صدقة الأعراب
للمهاجرين (2).
وفي آخر: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقسم صدقة أهل البوادي
على أهل البوادي، وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر (3)، وفيهما تأييد ما
للمنع.
ويفهم من الكافي كونهما من روايات المسألة، حيث نقلهما في بابها (4).
ثم على القولين لو نقلها أجزأته إذا وصلت إلى الفقراء عند علمائنا
أجمع، كما في المنتهى (5) وغيره مؤذنين بدعوى الاجماع عليه، كما صرح به في
المختلف (6). وهو الحجة، مضافا إلى الأصل، وصدق الامتثال.
وفي المنتهى إذا نقلها اقتصر على أقرب الأماكن التي وجد المستحق فيها
استحبابا عندنا، ووجوبا عند القائلين بتحريم النقل (7). وهو حسن.

(1) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في وقت الوجوب ج 1 ص 510 س 33، والمجموع: كتاب الزكاة
ج 6 ص 221 س 23.
(2) وسائل الشيعة: ب 38 من أبواب المستحقين للزكاة ح 1 و 2 ج 6 ص 197.
(3) وسائل الشيعة: ب 38 من أبواب المستحقين للزكاة ح 1 و 2 ج 6 ص 197.
(4) الكافي: كتاب نوادر الزكاة ج 3 ص 554.
(5) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في أحكامها ج 1 ص 529 س 24.
(6) مختلف الشيعة: كتاب الزكاة في عدم جواز نقل الزكاة ج 1 ص 190 س 22.
(7) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في أحكامها ج 1 ص 529 س 28.
134

واعلم أن نقل الواجب إنها يتحقق مع عزله قبله بالنية، وإلا فالذاهب
من ماله، كما عليه شيخنا الشهيد الثاني قال: لعدم تعينه (1)، أو منه ومن
الزكاة على الشركة وإن ضمنها مع التلف، كما هو الظاهر، وهو خيرة
سبطه (2).
ولا فرق على القولين بين وجود المستحق وعدمه.
ثم إنه لا ريب في جواز العزل مع عدم وجود المستحق، بل يستحب كما
يأتي.
وفي جوازه مع وجوده نظر لشيخنا الشهيد الثاني، قال: من أن الدين لا
يتعين بدون قبض مالكه أو ما في حكمه مع الامكان، واستقرب في الدروس
جواز العزل بالنية مطلقا، وعليه تبنى المسألة هنا.
وأما نقل قدر الحق بدون النية، فهو كنقل شئ من ماله، فلا شبهة في
جوازه مطلقا، فإذا صار في بلد آخر، ففي جواز احتسابه على مستحقيه مع
وجودهم في بلده - على القول بالمنع - نظر، من عدم صدق النقل الموجب
للتغرير بالمال، وجواز كون الحكمة نفع المستحقين بالبلد، وعليه يتفرع ما لو
احتسب القيمة في غير بلده أو المثل من غيره. انتهى (3).
وفي كل من وجهي المنع في النظرين نظر، لمخالفتهما عموم ما دل على
جواز العزل من النصوص من غير تخصيص فيها بفقد المستحق، بل ظهور
بعضها في جوازه مع وجوده، كما حكاه هو عن الدروس (4) وسبطه () عنه،

(1) الروضة البهية: كتاب الزكاة في استحباب زكاة التجارة ج 2 ص 40.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في أوصاف المستحقين ص 289 س 37.
(3) الروضة البهية: كتاب الزكاة في استحباب زكاة التجارة ج 2 ص 40.
(4) الدروس الشرعية: كتاب الزكاة في دفع الزكاة عند الوجوب ص 64 س 21.
(5) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة أوصاف المستحقين س 38 ص 289.
135

وعن ظاهر المعتبر (1)، وصريح التذكرة (2) وما دل على جواز إخراج القيمة عن
الزكاة من غير تخصيص ببلد المال.
مع أن جواز كون الحكمة نفع المستحقين أمر مستنبط، فلا يكون حجة
من أصله، فضلا عن أن يعارض به النص، سيما مع قيام الاجماع على خلافه
في نفس الزكاة إذا نقلت مع وجود المستحق وأوصلت إلى الفقراء فإنها
تجزئ كما مضى.
ثم أن في كل من دعوى ابتناء المسألة عل جواز العزل بالنية مطلقا،
وعدم شبهة في إطلاق جواز نقل قدر الحق بدون النية، نظر أيضا.
أما الأولى: فلامكان تحقق الضمان بالنقل، بتقدير وجود المستحق بعد
العزل، فلا يتوقف على القول بإطلاق جواز العزل، ويتوجه على القول بالمنع
أيضا مع وجود المستحق.
ثم إنها على تقدير تسليمها لا يجامع النظر في جواز العزل مع وجود
المستحق، لأن فيها اعترافا باتفاق الأصحاب على جوازه، حيث فرضوا
الضمان في المسألة، وهو لا يتم إلا على تقدير صحة جواز العزل كما ذكره،
فتدبر.
وأما الثانية: فلأن قدر الحق المنقول مشترك بينه وبين الزكاة، فيتوجه
المنع عن نقلها على القول به، إلا أن يبنى، هذا على ما اختاره سابقا.
(والنية معتبرة في إخراجها وعزلها) بإجماع العلماء، عدا الأوزاعي
كما في المعتبر (3) والمنتهى (4)، وغيرهما.

(1) المعتبر: كتاب الزكاة في زكاة الأنعام ج 2 ص 516.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في زكاة سد النخلة ج 1 ص 225 س 33.
(3) المعتبر: كتاب الزكاة في وقت الوجوب ج 2 ص 559.
(4) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في المنية ج 1 ص 16 س 6.
136

ولا بد فيها من مقارنتها للدفع إلى المستحق، أو الإمام، أو الساعي، أو
وكيل المستحق، على قول قوي في الأخير للمبسوط (1) والفاضل في
المختلف (2)، حيث جوزا الدفع إليه لكونه توكيلا في المباح فيجوز.
خلافا للقاضي (3) والحلي (4) فلا يجوز، ومال إليه في الذخيرة (5)
والمدارك (6)، قالا: لأن إقامة الوكيل مقام الموكل في ذلك يحتاج إلى الدليل،
ولم يثبت.
ويضعف بأن الدليل بالخصوص غير مشترط قطعا، والعام ثابت، وهو
ما قدمنا.
واعتبار المقارنة - بمعنى عدم جواز التقديم - متفق عليه بيننا كما في
المدارك (7) وغيره (8)، وعزاه في الأول إلى أكثر العامة.
وفي جواز التأخير مطلقا كما هو ظاهر إطلاق الفاضلين (9)، أو بشرط بقاء
العين، أو علم القابض بكون المدفوع زكاة، وإلا فإشكال، والاحتياط
يقتضي المصير إلى الثاني.
ولا بد فيها أيضا من التعيين، وقصد القربة قطعا، والوجوب أو الندب
على الأحوط، كما في كل عبادة.

(1) المبسوط: كتاب الوكالة ج 2 ص 361.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الديون في الوكالة ج 1 ص 435 س 24.
(3) المهذب: كتاب الزكاة في المستحق للزكاة ج 1 ص 171.
(4) السرائر: كتاب الوكالة ج 2 ص 82.
(5) ذخيرة المعاد: كتاب الزكاة في كيفية الاخراج ص 468 س 16.
(6) مدارك الأحكام كتاب الزكاة في وقت التسليم ص 327 س 37.
(7) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في وقت التسليم ص 338 س 1.
(8) ذخيرة المعاد: كتاب الزكاة في كيفية الاخراج ص 468 س 17.
(9) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في النية ج 1 ص 516 س 14، وشرائع الاسلام: كتاب الزكاة ج 1 ص 168
137

ولا يفتقر إلى تعيين الجنس الذي يخرج عنه إجماعا، كما في المنتهى (1)،
وفي غيره نفي الخلاف عنه (2).
(الركن الرابع)
(في) بيان (المستحق) وما يتعلق به
(والنظر)، فيه (في) أمور ثلاثة المعتبرة فيهم (واللواحق).
(أما الأصناف والأوصاف فثمانية) بنص الآية الكريمة، بناء على
تغاير الفقراء والمساكين، كما هو المشهور لغة وفتوى حتى أن في المنتهى ادعى
الاجماع عليه ولو التزاما، حيث قال - بعد جعلهم ثمانية بالنص والاجماع - قال
الله سبحانه: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم
وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل - إلى أن قال - ولا خلاف بين
المسلمين في ذلك (3).
الصنف الأول والثاني: (الفقراء والمساكين) ولا تميز بينهما مع
الانفراد، بل العرب قد استعملت كل واحد من اللفظين في معنى الآخر،
أما مع الجمع بينهما فلا بد من المائز.
(وقد اختلف) العلماء (في)، أن (أيهما أسوأ حالا) من الآخر، وهو
كالصريح في الاجماع على التغاير، وعلى دخول كل منهما في الآخر إذا انفرد،
كما يستفاد أيضا من ظاهر السرائر (4) والمختلف (5) وغيرهما، وبه صرح في

(1) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في النية ج 1 ص 516 س 13.
(2) مفاتيح الشرائع: كتاب الزكاة م 237 في اشتراط النية في الدفع ج 1 ص 209.
(3) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في مستحق الزكاة ج 1 ص 517 س 18.
(4) السرائر: كتاب الزكاة باب مستحقي الزكاة وأقل ما يعطى منها وأكثر ج 1 ص 456.
(5) مختلف الشيعة: كتاب الزكاة القول في مصرف الزكاة ج 1 ص 180 س 35.
138

الروضة بعد الإشارة إلى محل الخلاف.
(ولا ثمرة مهمة في تحقيقه) للاجماع على إرادة كل منهما من الآخر
حيث يفرد، وعلى استحقاقهما من الزكاة، ولم يقعا مجتمعين إلا فيها، وإنما
تظهر الفائدة في أمور نادرة (1).
أقول: كما إذا نذر أو وقف أو أوصى لأسوئهما حالا، وقريب منه في
المسالك (2)، فلا إشكال في التغاير، سيما مع تصريح الغنية بالاجماع على أن
المسكين أسوأ حالا، قال: وقد نص على ذلك الأكثر من أهل اللغة (3)، ونحوه
في نسبته إلى أهل اللغة - لكن من غير تقييد بالأكثر الفاضل المقداد في
التنقيح (4)، وشيخنا في المسالك (5)، ويدل عليه الصحيح أيضا الفقير الذي
لا يسأل والمسكين الذي هو أجهد منه الذي يسأل (6)، ونحوه الحسن، وفيه: أن
البائس أجهدهم (7).
وكما أن في هذه الأدلة دلالة على التغاير، كذا فيها دلالة على أن
المسكين أسوأ حالا كما هو الأقوى، وفاقا لجمهور متأخري أصحابنا وفاقا
للنهاية (8) والمفيد (9) والإسكافي (10) والديلمي (11) من القدماء.

(1) الروضة البهية: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 42.
(2) مسالك الأفهام: كتاب الزكاة في أصناف المستحقين ج 1 ص 59 س 13.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة في المستحق ص 506 س 8.
(4) التنقيح الرائع: كتاب الزكاة في المستحق ج 1 ص 318.
(5) مسالك الأفهام: كتاب الزكاة في أصناف المستحقين ج 1 ص 59 س 15.
(6) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب المستحقين للزكاة ح 2 و 3 ج 6 ص 144.
(7) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب المستحقين للزكاة ح 2 و 3 ج 6 ص 144.
(8) النهاية: كتاب الزكاة باب مستحق الزكاة ص 184.
(9) المقنعة: كتاب الزكاة باب أصناف أهل الزكاة ص 241.
(10) مختلف الشيعة: كتاب الزكاة القول في مصرف الزكاة ج 1 ص 180 س 37.
(11) المراسم: كتاب الزكاة من يجوز اخراج الزكاة إليه ص 132.
139

خلافا للمبسوط (1) والخلاف (2) وعن الجمل (3) والقاضي (4) وابن
حمزة (5) والحلي (6) فالعكس، لوجوه مدخولة معارضة بمثلها، وأقوى، وهو
ما قدمناه.
(والضابط) الجامع بين الصنفين في استحقاقهما الزكاة ونحوها، هو أن
لا يكون أخذها غنيا بلا خلاف، فتوى ونصا، وإن اختلفا في تحديده ب‍ (من
لا يملك مؤنة سنة له ولعياله) اللازمين له، أو من لا يملك نصابا تجب فيه
الزكاة، والأول أقوى، وفاقا لجمهور أصحابنا، بل عامتهم، عدا نادر صار إلى
الثاني، وهو غير معروف، وربما يجعل الشيخ في الخلاف (7)، مع أن المحكي
عنه في السرائر (8) خلافه، ومصيره إلى المختار.
وكيف كان فلا ريب في ضعفه وشذوذه، حتى أن المرتضى في
الناصرية ادعى الاجماع على خلافه (9)، والحجة عليه بعده النصوص
المستفيضة، وهي ما بين صريحة في ذلك وظاهرة.
فمن الأدلة الخبران، المروي أحدهما في المقنعة: عن يونس بن عمار قال:
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة،

(1) المبسوط: كتاب الزكاة قسمة الزكاة ج 1 ص 246.
(2) ليس في الشرح المطبوع: " الخلاف ".
(3) ليس في " مش " و " ش ".
(4) المهذب: كتاب الزكاة في المستحق للزكاة ج 1 ص 169.
(5) الوسيلة: كتاب الزكاة في بيان من يستحق الزكاة ص 128.
(6) السرائر: كتاب الزكاة في مستحقي الزكاة ج 1 ص 456.
(7) الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 196 ج 2 ص 154.
(8) السرائر: كتاب الزكاة في مستحقي الزكاة ج 1 ص 456.
(9) الناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة م 24 ص 242 س 15.
140

وتجب الفطرة على من عنده قوت السنة (1)، الخبر.
وثانيهما في العلل: وفيه عن السائل وعنده قوت يوم أيحل له أن يسأل
وإن أعطي شيئا من قبل أن يسأل يحل له أن يقبله؟ قال: يأخذ وعنده
قوت شهر ما يكفيه لسنة من الزكاة، لأنها إنما هي من سنة إلى سنة (2).
وقريب منهما الصحيح: يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة إذا لم يجد غيره،
قلت: فإن صاحب السبعمائة تجب عليه الزكاة؟ قال: زكاته صدقة على
عياله ولا يأخذها إلا أن يكون إذا اعتمد على السبعمائة أنفدها في أقل من
سنة فهذا يأخذها (3)، الخبر.
وقصور أو السند أو ضعفة حيث كان منجبر بعمل الأصحاب ومن الثانية
النصوص الآتية في جواز أخذ الزكاة لمن له سبعمائة إذا كانت تقصر عن
استنماء الكفاية، بناء على أن الظاهر المتبادر من الكفاية فيها الكفاية طول
السنة، مع أنها صريحة في جواز أخذ الزكاة لمن عنده نصاب.
خلافا للقول الثاني فتعين الأول إذ لا قائل بالفرق.
وأما ما يحكى عن المبسوط من اعتباره الكفاية على الدوام (4)، فغير مفهوم
مراده هل الدوام إلى سنة كما استظهره من عبارة الفاضل (5)، أو غيره.
وعلى هذا فلا يمكن جعله مخالفا، سيما وأن ظاهر جملة من الأصحاب،
ومنهم الفاضل المقداد في التنقيح (6) انحصار القول هنا فيما ذكرناه من القولين،

(1) المقنعة: كتاب الزكاة باب زكاة الفطرة ص 248.
(2) علل الشرائع: باب 97 العلة التي من أجلها يجوز للرجل أن يأخذ الزكاة ح 1 ج 1 ص 371.
(3) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب المستحقين للزكاة ح 1 ج 6 ص 158.
(4) مفاتيح الشرائع: كتاب الزكاة في المستحقين للزكاة ج 1 ص 204.
(5) تحرير الأحكام: كتاب الزكاة في شرائط المستحقين ج 1 ص 68 س 5.
(6) التنقيح الرائع: كتاب الزكاة في المستحق ج 1 ص 318.
141

وحيث ثبت فساد الثاني قطعا تعين الأول.
(ولا يمنع) عن الزكاة (لو ملك الدار والخادم) والدابة المحتاج إليها
بحسب حاله بلا خلاف ظاهر مصرح به في بعض العبائر، وعن التذكرة
إلحاق ثياب التجمل، نافيا الخلاف عن أصل الحكم فيها وفي الملحق به،
مؤذنا بدعوى الاجماع عليه (1). وهو الحجة؟ مضافا إلى المعتبرة المستفيضة.
ففي الصحيح: المروي عن كتاب علي بن جعفر عن الزكاة أيعطاها من له
الدابة؟ قال: نعم ومن له الدار والعبد، فإن الدار ليس يعدها بمال (2).
ونحوه المرسل القريب منه سندا: عن الرجل له دار وخادم أو عبدا أيقبل
الزكاة؟ قال: نعم إن الدار والخادم ليسا بمال (3).
ونحوهما الموثق والخبران، معللا فيهما الحكم بنحو ما في سابقيهما.
ويستفاد من التعليل عدم اختصاص الحكم بالمذكورات، بل يلحق بها
كلما يحتاج إليه من الآلات اللائقة بحاله وكتب العلم، لمسيس الحاجة إلى
ذلك كله، مع عدم الخروج بملكه عن حد الفقر عرفا، وبه صرح جماعة من
أصحابنا (4).
وإطلاق النص والفتوى وإن اقتضى عموم الحكم في المذكورات،
وشموله لما إذا زادت عن حاجته، بحيث يكفيه قيمة الزيادة لمؤنة السنة
وأمكنه بيعها منفردة إلا أن حملها على المتعارف يقتضي تقييدها بغير هذه
الصورة، مع عدم صدق الفقر في مثلها، بلا شبهة، فتجب بيع الزيادة.
نعم لو كان حاجته تندفع بأقل منها قيمة فلا يبعد أن لا يكلف بيعها

(1) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في اخراج الزكاة ج 1 ص 236 س 1.
(2) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب المستحقين للزكاة ح 5 و 2 ج 6 ص 162.
(3) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب المستحقين للزكاة ح 5 و 2 ج 6 ص 162.
(4) الحدائق الناضرة: كتاب الزكاة في الدار والخادم والفرس لا تمنع من أخذ الزكاة ج 12 ص 161.
142

وشراء الأدون منها قيمة، للاطلاق، مع ما في تكليفه بذلك من العسر
والمشقة.
اللهم إلا أن يخرج عن مناسبة حاله كثيرا، بحيث لا ينصرف إليها
الاطلاقات عرفا. قيل: ولو فقدت هذه المذكورات استثنى أثمانها، مع
الحاجة إليها، ولا يبعد إلحاق ما يحتاج إليه في التزويج بذلك، مع حاجته إليه.
(وكذا) لا يمنع (من في يده ما) يتجر فيه (ليتعيش به و) (1) لكن
(يعجز عن استنماء الكفاية) (2) له ولعياله طول السنة، بل يعطى منها (ولو
كان) ما بيده (سبعمائة درهم) ولا يكلف إنفاقها.
(ويمنع من يستنمى الكفاية) منه (ولو) كان (ملك خمسين) (3)
درهما، بلا خلاف أجده فيهما أيضا، لصدق الغنى في الثاني، والفقر في
الأول، وللمعتبرة المستفيضة.
منها الصحيح: عن الرجل تكون له ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم وله
عيال، وهو يحترف فلا يصيب نفقته فيها أيكسب فيأكلها، أو يأخذ الزكاة؟
قال: لا، بل ينظر إلى فضلها فيقوت بها نفسه ومن وسعه ذلك من عياله،
ويأخذ البقية من الزكاة، ويتصرف بهذه ولا ينفقها (4).
وفي الموثق: عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار والخادم؟ قال: نعم، إلا
أن يكون داره دار غلة، فيخرج من غلتها ما يكفيه لنفسه ولعياله، فإن لم
تكن الغلة تكفيه لنفسه وعياله في طعامهم وكسوتهم وحاجتهم - من غير

(1) في المتن المطبوع: " ما يتمعيش ".
(2) في الشرح الصغير وجميع النسخ: " استنمائه ".
(3) أثبتناه من المتن المطبوع والشرح الصغير.
(4) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب المستحقين للزكاة ح 1 ج 6 ص 164.
143

إسراف - فقد حلت له الزكاة، فإن كانت غلتها تكفيهم فلا (1).
وأما الموثق: لا تحل لمن كانت عنده أربعون درهما يحول عليه الحول عنده
أن يأخذها وإن أخذها أخذها حراما (2).
فمع قصور سنده وشذوذه، محمول على عدم احتياجه كما يفهم من سياقه،
أو على التقية، لأنه مذهب العامة.
(وكذا يمنع)، عنها (ذو الصنعة) والكسب (إذا نهضت بحاجته) على
الأظهر الأشهر بل لا خلاف فيه يظهر، إلا ما حكاه في الخلاف عن بعض
الأصحاب، وهو مع عدم معروفيته نادر، وفي الخلاف (3) والناصرية (4)
الاجماع على خلافه.
للنبوي: لاحظ فيها لغني ولا ذي قوة مكتسب، ونحوه مروي في جملة من
أخبارنا، وفيها الصحيح وغيره (5).
وما ورد في بعضها مما يوهم خلافه، مطروح، أو مؤول.
ولا يمنع إذا قصرت عنها، بلا خلاف فيه على الظاهر المصرح به في
بعض العبائر، وعن التذكرة (6) أنه موضع وفاق بين العلماء. وهو الحجة؟
مضافا إلى صدق الفقر عليه عرفا وعادة.
وهل يتقدر الأخذ بشئ، وهو التتمة خاصة كما حكاه قولا جماعة،
وعزى إلى الشهيد في البيان (7)، أم لا، بل يجوز الأخذ زائدا عليها، كما عليه

(1) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب المستحقين للزكاة ح 1 ج 6 ص 161.
(2) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب المستحقين للزكاة ح 5 ج 6 ص 165.
(3) الخلاف: كتاب قسمة الفقراء م 11 ج 2 ص 350 " طبعة اسماعيليان ".
(4) الناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة 24 ص 242 س 15.
(5) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب المستحقين للزكاة ج 6 ص 158.
(6) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في اخراج الزكاة ج 1 ص 236 س 6.
(7) البيان: كتاب الزكاة في المستحقين ص 193.
144

الأكثر على الظاهر المصرح به في عبائر جمع، حتى أن في بعضها أنه المشهور:
وجهان، من الأصل وعموم ما دل على جواز إغناء الفقير، وأن خير الصدقة
ما أبقت غنى، ومن ظاهر الصحيح المتقدم في المسألة. السابقة المتضمن، لقوله
عليه السلام ويأخذ البقية (1) ونحوه غيره، إلا أنهما ليسا صريحين في المنع عن الزيادة.
ومع ذلك فموردهما من كان معه مال يتجر به وعجز عن استنماء الكفاية،
لا ذو الكسب القاصر الذي هو مفروض المسألة، إلا أن يعمم الخلاف إلى
المسألتين، كما يفهم من المنتهى (2).
وحينئذ يكفي في الجواب عنهما قصور الدلالة، فلا يصلحان لتقييد
الأخبار المطلقة، المعتضدة بالأصل والشهرة.
ولكن الأحوط ترك الزيادة عن التتمة، خروجا عن الشبهة فتوى
ورواية، لقوة احتمال ظهورها دلالة وإن لم تكن صريحة.
(ولو دفعها المالك بعد الاجتهاد فبان الآخذ غير مستحق) لها
(ارتجعت) الزكاة بعينها مع بقائها، ومثلها أو قيمتها مع تلفها اتفاقا، إذا
علم الأخذ كونها زكاة، وكذا مع جهله به مطلقا كما عن التذكرة، قال:
لفساد الدفع ولأنه أبصر بنيته (3)، أو بشرط بقاء العين وانتفاء القرائن الدالة
على كونها صدقة كما في المدارك (4).
خلافا للمعتبر) والمنتهى (6)، فلا ترتجع مطلقا، لأن الظاهر أنها صدقة

(1) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب المستحقين للزكاة ح 1 ج 6 ص 164.
(2) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في مستحق الزكاة ج 1 ص 518 س 27.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في اللواحق ج 1 ص 245 س 34.
(4) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في المستحقين ص 280 س 3.
(5) المعتبر: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 569.
(6) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في مستحق الزكاة ج 1 ص 527 س 17.
145

كما في الأول، أو لأن دفعه محتمل للوجوب والتطوع كما في الثاني.
وهما كما ترى، لا ينافيان جواز الارتجاع مع بقاء العين، لأن ظهور
الصدقة واحتمال التطوع إنها هو بالنسبة إلى الأخذ، لا إلا فالدافع أبصر
بنيته، وإذا عرف عدمهما جاز له ارتجاعها مع بقائها، ولا مع تلفها، لأنه
سلطه على إتلافها، والأصل براءة ذمته فلا يستحق عوضها.
نعم يمكن أن يقال: إن للأخذ الامتناع عن الرد، بناء على ثبوت الملك
له بالدفع في الظاهر، فعلى المرتجع إثبات خلافه، ولا يختلف في ذلك الحال
بين بقاء العين وتلفها.
وأما القطع بجواز الارتجاع إذا كان المدفوع إليه ممن لا تلزم هبته، فلعله
خروج عن مفروض المسألة، وهو ما إذا قارن الدفع قصد القربة، كما يومئ
إليه تعليل الفاضلين المتقدم إليه الإشارة.
ولا يجوز معه الرجوع ولو في الهبة (فإن تعذر) الارتجاع (فلا ضمان
على الدافع) لوقوع الدفع مشروعا، فلا يستعقب ضمانا، لأن امتثال الأمر
يقتضي الاجزاء.
خلافا للمحكي عن المفيد (1) والحلبي (2)، فيضمن قياسا على الدين. وهو
كما ترى.
وللمرسل: في رجل يعطي زكاة ماله رجلا وهو يرى أنه معسر فوجده
موسرا، قال: لا تجزئ عنه (3).
وإرساله يمنع عن العمل به وإن كان في سنده ابن أبي عمير، لأن

(1) المقنعة: كتاب الزكاة باب الزيادات في الزكاة ص 259.
(2) الكافي في الفقه: كتاب الزكاة في جهة هذه الحقوق ص 173.
(3) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب المستحقين للزكاة ح 5 ج 6 ص 148.
146

المرسل غيره وإن كان قبله، لأن الالحاق بالصحيح بمثله، وكذا بدعوى اجماع
العصابة على تصحيح ما يصح عن ابن أبي عمير، وأنه لا يروي إلا عن ثقة غير
متضح، فلا يخرج بمثله عن الأصل المقرر.
سيما مع اعتضاده في المسألة بعمل الأكثر، وإن اختلفوا في إطلاق
الحكم بنفي الضمان، كما عن جماعة، منهم الشيخ في المبسوط (1) أو تقييده
بصورة الدفع مع الاجتهاد، وإلا فيضمن كما في ظاهر العبارة والمنتهى (2)،
وعن المعتبر (3) والأصح الأول عملا بعموم مقتضى الأصل، مع عدم ظهور
ما يصلح لتخصيصه فيصح الثاني.
عدا ما قيل: من أن المالك أمين على الزكاة فيجب عليه الاجتهاد،
والاستظهار في دفعها إلى مستحقها (4)، فبدونه تجب الإعادة.
والصحيح: قلت له: رجل عارف أدى الزكاة إلى غير أهلها زمانا هل
عليه أن يؤديها ثانية إلى أهلها إذا علمهم؟ قال: نعم، قال: قلت: فإن لم
يعرف لها أهلا فلم يؤدها أو لم يعلم أنها عليه فعلم بعد ذلك؟ قال: يؤدها
إلى أهلها لما مضى، قلت: فإن لم يعلم أهلها فدفعها إلى من ليس هو لها
بأهل، وقد كان طلب واجتهد ثم علم بعد ذلك سوء ما صنع؟ قال: ليس
عليه أن يؤديها مرة أخرى (5). وفي رواية أخرى مثلها، غير أنه قال: إن اجتهد
فقد برئ وإن قصر في الاجتهاد فلا.

(1) المبسوط: كتاب الزكاة في قسمة الزكاة ج 1 ص 261.
(2) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في مستحق الزكاة ج 1 ص 527 س 8.
(3) المعتبر: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 569.
(4) والقائل هو صاحب المدارك حيث استدل لهما: كتاب الزكاة في مستحقي الزكاة ج 5 ص 206
فراجع.
(5) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب المستحقين للزكاة ح 1 ج 6 ص 147.
147

ويضعف الأول بأنه إن أريد بالاجتهاد القدر المسوغ لدفع الزكاة إليه ولو
بدعواه الفقر فرجع هذا التفصيل إلى المختار.
وإن أريد به الزائد على ذلك، كما هو الظاهر من لفظ الاجتهاد، فهو غير
واجب عندهم بلا خلاف بينهم فيه أجده، وبه صرح جماعة، حملا لأفعال
المسلمين وأقوالهم على الصحة، كما يستفاد من التتبع والاستقراء لموارد
كثيرة، مع استلزام وجوبه العسر والحرج المنفيين في الشريعة، وكونه
خلاف الطريقة المستمرة في الأزمنة السابقة واللاحقة، وخلاف ما يدل عليه
جملة من المعتبرة، بتصديق الأئمة عليهم السلام لمدعى الفقر والمسكنة من غير
حلف ولا بينة.
ومع ذلك فقد نقل في المدارك الاجماع عل عدم وجوب ذلك (1) عن
جماعة. نعم يظهر من المبسوط (2) وقوع الخلاف في المسألة.
ولكن في المختلف الظاهر أنه من العامة. نعم له قول بعدم تصديق الفقير
في دعواه الفقر إذا كان له مال فادعى تلفه إلا بالحلف أو البينة (3)، على
اختلاف النقل عنه والحكاية، وهو وإن وافق الأصل واستصحاب الحالة
السابقة، إلا أنه لعله لا يعارض ما قدمناه من الأدلة، لم إن كان الأحوط
مراعاته.
والثاني: وهو الروايتان بأن موردهما غير محل النزاع، كما لا يخفى على
المتدبر فيهما.
ثم إن هذا إذا بان عدم الاستحقاق بالغنى، ولو بان بالكفر والفسق
ونحوهما.

(1) المدارك: كتاب الزكاة في المستحقين ص 280 س 15.
(2) المبسوط: كتاب الزكاة في قسمة الزكاة ج 1 ص 261.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الزكاة فيما تصرف إليه الزكاة ج 1 ص 185 س 21.
148

ففي الذخيرة أن الذي قطع به الأصحاب عدم الإعادة، مؤذنا بعدم
خلاف فيه بينهم، قال: واستدل عليه بأن الدفع واجب فيكتفي في شرطه
بالظاهر تعليقا للوجوب على الشرط الممكن، فلم يضمن لعدم العدوان
بالتسليم المشروع (1). انتهى.
وهذا الدليل يؤيد ما قدمناه، كما يؤيده أيضا ما ذكروه من عدم الضمان
مع تعذر الارتجاع، إذا كان الدافع الإمام أو نائبه، من غير خلاف أجده،
وبه صرح في الذخيرة (2) وفي المنتهى أنه لا خلاف فيه بين العلماء (3) لأن
المالك خرج عن العهدة بالدفع إليهما، وهما خرجا عن العهدة بالدفع إلى من
يظهر منه الفقر وإيجاب الإعادة تكليف جديد منفي بالأصل.
(و) الصنف الثالث: (العاملون) عليها (وهم جباة الصدقة)
والسعاة في أخذها وجمعها وحفظها حتى يؤدوها إلى من يقسمها، كما في
المرسل، ولا خلاف بين العلماء في استحقاقهم لها كما في ظاهر المنتهى (4)، وفيه
عندنا أنه يستحق نصيبا من الزكاة، وبه قال الشافعي (5)، وقال أبو
حنيفة (6): يعطى عوضا وأجرة لا زكاة، وما عزاه إلينا قد ادعى في المدارك (7)
وغيره عليه الاجماع منا ومن أكثر العامة.
ولا ريب فيه، لظاهر الآية، لاقتضاء العطف بالواو التسوية.

(1) ذخيرة المعاد: كتاب الزكاة في المستحق ص 464 س 5.
(2) ذخيرة المعاد: كتاب الزكاة في المستحق ص 463 س 33.
(3) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في مستحق الزكاة ج 1 ص 527 س 1.
(4) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في مستحقي الزكاة ج 1 ص 519 س 9.
(5) الأم: كتاب الزكاة في قسم الصدقات ج 2 ص 75 س 12.
(6) المبسوط للسرخسي: ج 2 و ج 3 كتاب الزكاة باب عشر الأرضين ج 2 ص 9.
(7) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في المستحقين ص 280 س 26.
149

وفي الصحيح - بعد السؤال عن الآية -: أن الإمام يعطي هؤلاء جميعا (1).
وذكر جماعة من غير خلاف بينهم أجده أن الإمام بالخيار بين أن يقرر
لهم أجرة معلومة عن مدة معينة، أو يجعل له جعالة، أو يجعل له نصيبا من
الصدقات.
وفي الصحيح: ما يعطى المصدق؟ قال: ما يرى الإمام ولا يقدر له شئ (2).
ولا يجوز أن يكونوا من بني هاشم كما في الصحيح (3). قيل: إلا إذا
استؤجر أو دفع إليهم الإمام من بيت المال، ولا بأس به.
ولا يعتبر فيهم الفقر، لأنهم قسيمهم.
(و) الصنف الرابع: (المؤلفة) قلوبهم بالكتاب والسنة.، واجماع العلماء
كما في عبائر جماعة (وهم الذين يستمالون إلى الجهاد بالاسهام) لهم
(في الصدقة وإن كانوا كفارا).
ظاهر العبارة عدم إشكال في دخول المسلمين فيهم، حيث جعل الكفار
فيها الفرد الأخفى، مع أن ظاهر الأصحاب عكس ذلك، لاتفاقهم على
دخول الكفار في الجملة، وإن اختلف عبائرهم في التأدية عنهم بالمنافقين
خاصة كما عن الإسكافي (4)، أو بمطلقهم كما في عبائر غيره.
وإنما اختلفوا في عمومهم للمسلمين كما عليه جماعة ومنهم الحلي قال:
لأنه يعضده ظاهر التنزيل وعموم الآية، فمن خصها يحتاج إلى دليل (5).
وفي المختلف هو الأقرب لنا عموم كونهم مؤلفة، وما رواه زرارة ومحمد

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب المستحقين للزكاة ح 1 ج 6 ص 143.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب المستحقين للزكاة ح 4 ج 6 ص 144.
(3) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب المستحقين للزكاة ح 1 ج 6 ص 186.
(4) المختلف: كتاب الزكاة فيما تصرف إليه ج 1 ص 181 س 7.
(5) السرائر كتاب الزكاة باب مستحق الزكاة ج 1 ص 457.
150

بن مسلم، أقول: في الصحيح أنهما قالا: لأبي عبد الله عليه السلام: أرأيت قول
الله عز وجل - إلى أن قال -: سهم المؤلفة وسهم الرقاب عام، والباقي خاص،
إنما يكون لو تناول القسمين (1).
أو اختصاصهم بالكفرة مطلقا، أو في الجملة كما عليه آخرون. وقيل:
أنه المشهور، ولعله كذلك، حتى أن الشيخ في المبسوط قال: بأن المؤلفة
عندنا هم الكفار الذين يستمالون بشئ من مال الصدقات إلى الاسلام،
ويتألفون ليستعان بهم على قتال أهل الشرك، ولا يعرف أصحابنا مؤلفة أهل
الاسلام (2).
ومستندهم إن لم يكن إجماع غير واضح، عدا الاجماع على دخول الكفار
ووقوع الخلاف في المسلمين.
ويضعف بما مر من الدليل فيهم أيضا، بل ظاهر جملة من النصوص أنهم
قوم مسلمون قد أقروا بالاسلام ودخلوا فيه، لكنه لم يستقر في قلوبهم ولم
يثبت ثبوتا راسخا، فأمر الله تعالى نبيه بتأليفهم بالمال لكي تقوى عزائمهم
وتشتد قلوبهم على البناء على هذا الدين.
ففي الصحيح: هم قوم وحدوا الله تعالى وخلعوا عبادة من دون الله، ولم
تدخل المعرفة قلوبهم أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله، فكان رسول الله
صلى الله عليه وآله يتألفهم ويعرفهم ويعلمهم كيما يعرفوا، فجعل لهم نصيبا
في الصدقات لكي يعرفوا ويرغبوا (3). ونحوه آخر وغيره.
ومنها يظهر: أن التأليف إنها هو لأجل البقاء على الدين والثبات عليه،

(1) المختلف: كتاب الزكاة فيما تصرف إليه الزكاة ج 1 ص 181 س 11.
(2) المبسوط: كتاب الزكاة في أصناف المستحقين ج 1 ص 249
(3) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب المستحقين للزكاة ح 7 ج 6 ص 145.
151

لا لما ذكروه رضوان الله عليهم من الجهاد كفارا كانوا أم مسلمين، وإنهم
يتألفون بهذا السهم لأجله، فلولا أن ظاهرهم الاطباق على دخول من ذكروه
في المؤلفة، ويستفاد من عبارة المبسوط المتقدمة، ونفى عنه الخلاف في
الغنية (1)، لما كان يعدل عن النصوص المزبورة.
هذا ولا ثمرة مهمة على القول بسقوط هذا السهم في زمن الغيبة كما هو
خيرة الماتن - على ما سيأتي إليه الإشارة - بل ولا على غيره أيضا كما أشار إليه
شيخنا في الروضة.
فقال: وحيث لا يوجب البسط وتجعل الآية لبيان المصرف كما هو
المنصور تقل فائدة الخلاف، لجواز اعطاء الجميع من الزكاة في الجملة.
وأشار بالجميع إلى الكفار والمسلمين بأقسامهم الأربعة التي أشار إليها
بقوله: وهم أربع فرق قوم لهم نظراء من المشركين إذا أعطى المسلمون رغب
نظراؤهم في الاسلام، وقوم نياتهم ضعيفة في الدين يرجى باعطاءهم قوة
نيتهم، وقوم بأطراف بلاد الاسلام إذا أعطوا منعوا الكفار من الدخول أو
رغبوهم في الاسلام، وقوم جاوروا قوما تجب عليهم الزكاة إذا أعطوا منها
جبوها منهم واغنوا عن عامل (2).
ووجه تجويز اعطاء الجميع منها ما أشار إليه فيها بقوله ردا على من ألحق
المسلمين بأقسامهم بالكفار في الدخول في المؤلفة ما هذا لفظه:
لعدم اقتضاء ذلك الاسم، إذ ربما يمكن رد ما عدا الأخير إلى سبيل الله،
والأخير إلى العمالة.
ويستفاد من كلامه هذا وكلام الدروس (3) أيضا، أن تعميم المؤلفة

(1) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة في المستحق ص 506 س 9.
(2) الروضة البهية: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 46.
(3) الدروس الشرعية: كتاب الزكاة في أصناف المستحق للزكاة ص 62 س 10.
152

للمسلمين بفرقهم الأربعة إنما هو من جهة الصرف في المصلحة أو العمالة،
مع أنك عرفت أن الوجه فيه إنما هو عموم الآية والرواية.
وكيف كان بعد الاتفاق على جواز الاعطاء في الجملة، لا ثمرة
للخلاف أيضا من هذه الجهة.
والصنف الخامس: ما نص عليه سبحانه بقوله: (وفي الرقاب) والدليل
عليه بعده الاجماع والسنة كما سيأتي إليهما الإشارة (وهم المكاتبون) بلا
خلاف بين العلماء، كما في صريح المبسوط (1) والسرائر (2) والغنية (3) وغيرها.
للمرسل: عن مكاتب عجز عن مكاتبته وقد أدى بعضها، قال: يؤدي
عنه من مال الصدقة، إن الله تعالى يقول في كتابه: (وفي الرقاب) (4)
ومورده وإن كان من عجز، إلا أنه في كلام السائل، فلا يخصص به عموم
الآية المستدل به في ذيل الرواية.
لكن ظاهر الأصحاب على ما يفهم من بعض العبائر اشتراط أن لا يكون
معه ما يصرفه في كتابته، وظاهر بعض إطلاقاتهم جواز الاعطاء وإن قدر على
تحصيل مال الكتابة بالتكسب، واعتبر الشهيدان في الروضة (5) والبيان قصور
كسبه عن مال الكتابة (6).
ولا يشترط الشدة هنا كما صرح به في المنتهى (7) من غير نقل خلاف
أصلا.

(1) المبسوط: كتاب الزكاة في أصناف المستحقين ج 1 ص 250.
(2) السرائر: كتاب الزكاة باب مستحق الزكاة ج 1 ص 457.
(3) غنية النزوع: (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة في المستحق ص 506 س 9.
(4) وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب المستحقين ح 1 ج 6 ص 204.
(5) الروضة البهية: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 47.
(6) البيان: كتاب الزكاة في مستحقي الزكاة ص 195.
(7) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في مستحقي الزكاة ج 1 ص 520 س 21.
153

(والعبيد الذين) هم (تحت الشدة) بإجماعنا الظاهر المصرح به في
كلام جماعة، كالمبسوط (1) والاقتصاد (2) والسرائر (3) والغنية (4) والمنتهى (5)
وغيرها من كتب الجماعة، لعموم الآية، وبعض المعتبرة ولو بالشهرة:
عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة والسبعمائة يشتري منها
نسمة ويعتقها؟ قال: إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم، ثم مكث مليا ثم قال:
إلا أن يكون عبدا مسلما في ضرورة فيشتريه ويعتقه (6). وما فيه من اشتراط
الضرورة هنا هو المشهور بين الأصحاب، بل ظاهر نقلة الاجماع، ولا سيما
المنتهى كونه مجمعا عليه عندنا (7)، فلا إشكال فيه.
خلافا لجماعة من متأخري المتأخرين (8)، تبعا للمحكي عن المفيد (9)
والحلي (10) فلم يشترطوها، لعموم الآية والخبرين.
أحدهما الصحيح المروي في العلل:
قلت لأبي عبد الله عليه السلام: مملوك يعرف هذا الأمر الذي
نحن عليه أشتريه من الزكاة فاعتقه؟ فقال: اشتره وأعتقه، قلت:
وإن هو مات وترك مالا قال: فقال: ميراثه لأهل الزكاة، لأنه اشتري

(1) المبسوط: كتاب الزكاة في أصناف المستحقين ج 1 ص 250.
(2) الاقتصاد: كتاب الزكاة في مستحق الزكاة ص 282.
(3) السرائر: كتاب الزكاة باب مستحق الزكاة ج 1 ص 457.
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة في المستحق ص 506 س 10.
(5) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في مستحقي الزكاة ج 1 ص 502 س 22.
(6) وسائل الشيعة: ب 43 من أبواب المستحقين للزكاة ح 1 ج 6 ص 202.
(7) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في مستحقي الزكاة ج 1 ص 520 س 19.
(8) الحدائق الناضرة: كتاب الزكاة في أصناف المستحقين ج 12 ص 183.
(9) المقنعة: كتاب الزكاة باب أصناف أهل الزكاة ص 241.
(10) السرائر: كتاب الزكاة باب مستحق الزكاة ج 1 ص 457.
154

بما لهم (1).
والثاني الخبر المروي في الكافي في باب نادر: عن رجل اشترى أباه من
الزكاة زكاة ماله، قال: اشترى خير رقبة لا بأس بذلك (2).
وهو حسن لولا الرواية المتقدمة المصرحة بالاشتراط، المنجبر ضعف
سندها بالشهرة والاجماعات المنقولة. وأما معها فلا، لوجوب تخصيص عموم
الكتاب والخبرين، مع إرسال ثانيهما بها.
فالمشهور أقوى، مع أنه أحوط وأولى.
(ومن وجبت (3) عليه كفارة ولم يجد ما يعتق) على رواية رواها
أصحابنا فيما صرح به في المبسوط (4).
ولعلها ما رواه القمي في تفسيره مرسلا: عن العالم عليه السلام قال: وفي
الرقاب قوم لزمتهم كفارات في قتل الخطأ، وفي الظهار، وفي الايمان، وفي
قتل الصيد في الحرم وليس عندهم ما يكفرون به وهم مؤمنون، فجعل الله
تعالى لهم سهما في الصدقات ليكفر عنهم (5).
وظاهره كما ترى أعم من العتق وغيره، وإن قيل: كونه تفسيرا للرقاب
يعطي تخصيصه بالعتق، فإنه غير مفهوم لي.
ومع ذلك فمستنده ضعيف لا يمكن التعويل عليه، ولعله لذلك تردد فيه
الماتن في المعتبر، وقال: عندي أن ذلك أشبه بالغارم، لأن القصد ابداء ذمة
المكفر عما في عهدته، قال: ويمكن أن يعطى من سهم الرقاب، لأن القصد

(1) وسائل الشيعة: ب 43 من أبواب المستحقين للزكاة ح 3 ج 6 ص 203.
(2) الكافي: كتاب الزكاة باب نادر ح 1 ج 3 ص 552.
(3) في المتن المطبوع: " وجب ".
(4) المبسوط: كتاب الزكاة في أصناف المستحقين ج 1 ص 250.
(5) تفسير القمي: في مصرف الصدقات ج 1 ص 299.
155

به اعتاق الرقبة (1)، وفي المبسوط الأحوط عندي أن يعطى ثمن الرقبة، لكونه
فقيرا فيشترى هو ويعتق عن نفسه (2).
(ولو لم يجد) المزكي (مستحقا) للزكاة (جاز)، له (ابتياع العبد
ويعتق) مطلقا.
للموثق عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد موضعا يدفع
ذلك إليه، فنظر إلى مملوك يباع فيمن يريده فاشتراه بتلك الألف درهم التي
أخرجها من زكاته فأعتقه هل يجوز ذلك؟ قال: نعم لا بأس بذلك (3) الخبر.
وعزاه الفاضلان إلى الأصحاب كما في المنتهى (4)، أو فقهائهم كما في
المعتبر (5) مؤذنين بدعوى الاجماع عليه، فلا إشكال فيه، سيما مع عموم الآية
الكريمة (6)،
(و) الصنف السادس: (الغارمون) لعين ما مر من الأدلة (وهم
المدينون في غير معصية دون من صرفه في المعصية) بإجماعنا الظاهر،
المحكي في ظاهر الغنية (7) والمنتهى (8) والتذكرة (9)، والنصوص به مع ذلك
مستفيضة.
منها: في المدين المعسر ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام فيقضي عنه

(1) المعتبر: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 574.
(2) المبسوط: كتاب الزكاة في أصناف المستحقين ج 1 ص 250.
(3) وسائل الشيعة: ب 43 من أبواب المستحقين للزكاة ح 2 ج 6 ص 203.
(4) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في مستحقي الزكاة ج 1 ص 520 س 18.
(5) المعتبر: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 575.
(6) البقرة: 177.
(7) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة في المستحق ص 506 س 11.
(8) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في مستحقي الزكاة ج 1 ص 521 س 6.
(9) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في الأصناف ج 1 ص 233 س 36.
156

ما عليه من الدين من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة الله عز وجل،
فإن كان أنفقه في معصية الله فلا شئ له على الإمام (1).
ومنها: أيما مؤمن أو مسلم مات وترك دينا لم يكن في فساد ولا إسراف،
فعلى الإمام أن يقضيه، وإن لم يقضه فعليه إثم ذلك، إن الله تعالى يقول:
" إنما الصدقات ". الآية، فهو من سهم الغارمين (2).
ومنها: في تفسيرهم هم قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة الله
تعالى من غير اسراف، فيجب على الإمام أن يقضي عنهم، ويفكهم من مال
الصدقات (3).
وقريب منها المروي عن قرب الإسناد (4).
وفي الصحيح: عن رجل عارف فاضل توفي وترك دينا لم يكن بمفسد ولا
مسرف ولا معروف بالمسألة هل يقضي عنه من الزكاة الألف والألفان؟
قالة: نعم (5).
وضعف ما عداه مجبور بعمل الطائفة، بل إجماع المسلمين كافة في المدين
في غير معصية كما في صريح المنتهى (6)، وظاهر المبسوط (7) والمعتبر (8)
والتذكرة (9).

(1) مستدرك الوسائل: ب 28 من أبواب المستحقين للزكاة ح 3 ج 7 ص 129.
(2) مستدرك الوسائل: ب 27 من أبواب المستحقين للزكاة ح 1 ج 7 ص 127.
(3) تفسير القمي: في مصرف الصدقات ج 1 ص 299.
(4) قرب الإسناد: ص 146.
(5) وسائل الشيعة: ب 46 من أبواب المستحقين للزكاة ح 1 ج 6 ص 205.
(6) المنتهى: كتاب الزكاة في مستحقي الزكاة ج 1 ص 521 س 6.
(7) المبسوط: كتاب الزكاة في أصناف المستحقين ج 1 ص 251.
(8) المعتبر: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 575.
(9) التذكرة: كتاب الزكاة في الأصناف ج 1 ص 233 س 27.
157

وأما المدين فيها فلم يخالف فيه، إلا الماتن في المعتبر، وبعض من تأخر
فجوز الدفع إليه بعد التوبة (1)، لعموم الآية، بناء على أن الغارم مطلق
المدين، اتفاقا عرفا ولغة.
ولا مخصص له، عدا النصوص المزبورة، وهي ضعيفة، وأمر اعتباري غير
صالح للحجية، فضلا عن أن يخصص به عموم نحو الآية.
وهو حسن لولا انجبار النصوص المزبورة بما عرفته؟ مضافا إلى الاجماعات
المحكية، والاحتياط المطلوب في العبادة.
واعلم أن الأصحاب قسموا الغارم قسمين المديون لمصلحة نفسه، والغارم
لاصلاح ذات البين، واعتبروا الفقر في الأول، دون الثاني، ومنهم الشيخ في
المبسوط (2)، والحلي (3) وابن حمزة (4)، والفاضلان في المعتبر (5) والمنتهى (6)
والتذكرة (7)، على ما حكاه عنهم في الذخيرة (8) وفي ظاهر الأخير الاجماع على
اعتبار الفقر في الأول.
فإن تم، وإلا فهو مشكل، لمخالفته لظاهر الآية (9) لجعلها الغارمين قسيم
الفقراء، مع عدم وضوح دليل عليه، عدا ما دل على أنها لا تحل لغني، وأنها
إنما شرعت لسد الخلة ورفع الحاجة.

(1) المعتبر: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 575.
(2) المبسوط: كتاب الزكاة في أصناف المستحقين ج 1 ص 251.
(3) السرائر: كتاب الزكاة في مستحق الزكاة ج 1 ص 457.
(4) الوسيلة: كتاب الزكاة في المستحقين للزكاة ص 129.
(5) المعتبر: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 575.
(6) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في مستحقي الزكاة ج 1 ص 521 س 6.
(7) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في الأصناف ج 1 ص 233 س 27.
(8) ذخيرة المعاد: كتاب الزكاة في الاخراج ص 455 س 32.
(9) التوبة: 60.
158

وهما غير معلومي الشمول لمفروض المسألة، بعد مخالفتهما لظاهر الآية،
وتخصيصهما في جملة من الأفراد الثمانية: وهم العاملون عليها، والغزاة،
والغارمون لمصلحة ذات البين، وابن السبيل المنشئ للسفر من بلده، والمؤلفة
على ما صرح به جماعة من هؤلاء، كالشيخ (1) وابن حمزة (2).
مع أنه يحتملان ككلامهم الحمل على أن المراد اعتبار عدم تمكنهم من
الأداء، كما عبر به جماعة من المتأخرين، كالشهيدين (3) وغيرهما.
وعلى هذا نبه في المدارك، فقال - بعد نقل ما حكاه عن المعتبر من أن
الغارم لا يعطى مع الغنى - والظاهر أن مراده بالغنى انتفاء الحاجة إلى
القضاء، لا الغنى الذي هو ملك قوت السنة، إذ لا وجه لمنع مالك قوت
السنة من أخذ ما يوفي به الدين إذا كان غير متمكن من قضائه (4)، إنتهى.
وهو حسن.
ويشهد له أن الفاضل مع أنه أحد هؤلاء الجماعة قد استقرب في النهاية
جواز الدفع إلى المديون، وإن كان عنده ما يفي بدينه، إذا كان بحيث لو دفعه
صار فقيرا، لانتفاء الفائدة في أن يدفع ماله ثم يأخذ الزكاة باعتبار الفقر (5)
فتدبر، وتأمل.
(ولو جهل الأمران) فلم يعلم أنفقه في طاعة أو معصية (قيل:
يمنع) والقائل الشيخ في النهاية (6)، لاشتراط الدفع بالانفاق في طاعة،

(1) المبسوط كتاب الزكاة في أصناف المستحقين ج 1 ص 253.
(2) الوسيلة كتاب الزكاة في بيان من يستحق الزكاة ص 129.
(3) اللمعة الدمشقية والروضة البهية: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 50.
(4) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في الأصناف ص 283 س 3.
(5) نهاية الإحكام: كتاب الزكاة في مستحق الزكاة ج 2 ص 391.
(6) النهاية: كتاب الزكاة باب مستحق الزكاة ص 184.
159

وحيث جهل الشرط لم يثبت المشروط، وللخبر قال: قلت: فهو لا يعلم فيما
أنفقه في طاعة أو معصية، قال: يسعى في ماله ويرده عليه وهو صاغر (1).
(وقيل: لا) يمنع، والقائل الحلي (2) والشيخ في المبسوط (3)، كما
حكي، وتبعهما الفاضلان (4) وغيرهما من المتأخرين، فقالوا: (وهو أشبه)
بالأصول الدالة على أن الأصل في تصرفات المسلم وقوعها على الوجه
المشروع، مع أن تتبع مصارف الأموال عسير، فلا يتوقف دفع الزكاة على
اعتباره.
وأجابوا عن الرواية بضعف السند، وزاد بعضهم الضعف في الدلالة، فلا
يخرج بها عن مقتضى الأصول. وبها يضعف الحجة الأولى قبل الرواية، فإن
مقتضاها حصول الشرط فيثبت المشروط.
إلا أن يقال: إن الشرط هو الانفاق في غير المعصية في نفس الأمر، وحمل
تصرف المسلم على الصحة لا يحصله.
ويمكن دفعه: بأن ذلك وإن كان مقتضى النصوص، إلا أنها لضعفها
لا تصلح لاثبات ذلك، والشهرة الجابرة لها يدار مدار حصولها ولم تحصل على
اشتراط ذلك كذلك، بل المتحقق منها هو اشتراط عدم العلم بصرفه في
معصية، لا العلم بصرفه في غيرها، وهو حاصل هنا.
ثم لو سلمنا كون الشرط هو العلم بصرفه في غيرها كما هو مفاد النصوص
ومقتضاها.

(1) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الدين والقرض ح 3 ج 13 ص 92.
(2) السرائر: كتاب الديون باب وجوب قضاء الدين إلى الحي والميت ج 2 ص 34.
(3) المبسوط: كتاب الزكاة في أصناف المستحقين ج 1 ص 251.
(4) المعتبر: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 576، وقواعد الأحكام: كتاب الزكاة في المستحق ج 1
ص 57 س 26.
160

قلنا: إن كون الأصل في تصرفات المسلم الصحة في حكم العلم بذلك
بحكم التتبع وشهادة الاستقراء.
هذا ورجوع الشيخ في المبسوط (1) إلى المختار يقتضي كونه الآن إجماعيا،
ولكن مختاره في النهاية (2) لعله أحوط وأولى.
(ويجوز) للمزكي (مقاصة المستحق) للزكاة (بدين) له (في ذمته)
بلا خلاف ظاهر مصرح به في جملة من العبائر، بل في المدارك عن ظاهر
المعتبر والمنتهى والتذكرة، أنه لا خلاف فيه بين العلماء (3)، والنصوص به مع
ذلك مستفيضة.
منها - زيادة عل ما مضى في بحث جواز تقديم الزكاة قرضا - الصحيح: عن
دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه، وهم مستوجبون
للزكاة، هل لي أن أدعه واحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال: نعم (4).
وظاهره كغيره أن المراد بالمقاصة هي القصد إلى إسقاط ما في ذمته من
الدين على وجه الزكاة، وبه صرح جماعة، حاكين عن شيخنا الشهيد الثاني
خلافه (5)، وهو احتساب الزكاة على الفقير، ثم أخذها مقاصة من دينه (6)،
وهو بعيد.
وإطلاق العبارة وجملة من النصوص المزبورة، بل صريح بعضها المتقدم
ثمة، جواز الاحتساب بها عن الدين في الميت أيضا، ونفى عنه.

(1) مر سابقا.
(2) مر سابقا.
(3) مدارك الأحكام كتاب الزكاة في أصناف المستحقين ص 283 س 21.
(4) وسائل الشيعة: ب 46 من أبواب المستحقين للزكاة ح 2 ج 6 ص 206.
(5) الحدائق الناضرة: كتاب الزكاة في اعطاء الغارم ج 12 ص 196.
(6) الروضة البهية: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 48.
161

وعن جواز القضاء عنه أيضا الخلاف في كلام جماعة، بل في المدارك أنه
متفق عليه بين علمائنا، وأكثر العامة (1).
وهل يشترط ني الأداء عنه قصور تركته عن الوفاء بالدين، كما عن
الشيخ (2) والإسكافي (3)، أم لا كما عليه الفاضلان؟ وجهان، أحوطهما الأول
إن لم يكن متعينا.
للصحيح: رجل حلت عليه الزكاة ومات أبوه وعليه دين أيؤدي زكاته في
دين أبيه وللابن مال كثير؟ قال: إن كان أبوه أورثه مالا، ثم ظهر عليه دين
لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه قضاء عن جميع الميراث ولم يقضه من زكاته، وإن
لم يكن أورثه مالا لم يكن أحد أحق بزكاته من دين أبيه، فإذا أداها في دين
أبيه على هذه الحال أجزأت عنه (4).
وبه يضعف العموم المستدل به للثاني.
وأضعف منه الاستدلال عليه بأنه بموته انتقلت التركة إلى ورثته فصار في
الحقيقة عاجزا.
وهو كما ترى إذ لا انتقال إلا بعد الدين، لقوله تعالى: (من بعد وصية
يوصى بها أو دين) (5).
(وكذا لو كان الدين على من يجب) على المزكي (الانفاق عليه)
من أب وأم ونحوهما (جاز) له (القضاء عنه) وكذا المقاصة (حيا) كان

(1) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في أصناف المستحقين س 29 ص 283.
(2) المبسوط: كتاب الزكاة في أصناف المستحقين ج 1 ص 252.
(3) المختلف: كتاب الزكاة في أصناف من تصرف إليه الزكاة ص 183 س 16.
(4) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب المستحقين للزكاة ح 1 ج 6 ص 172.
(5) النساء: 12.
162

(أو ميتا) (1) بلا خلاف فيه أجده، وبه صرح في الذخيرة (2)، وفي المدارك (3)
وغيره أنه مقطوع به في كلام الأصحاب ومتفق عليه بينهم، وفيه عن ظاهر
المعتبر (4) والمنتهى (5) والتذكرة (6) إنه متفق عليه بين العلماء، وهو الحجة،
مضافا إلى العموم، وخصوص ما مر من الصحيح في الأب الميت، ولا قائل
بالفرق، والموثق في الأب الحي.
وبهذه الأدلة يحمل ما دل على أنه لا يصرف الزكاة في واجبي النفقة، على
أن المراد إعطاؤهم النفقة الواجبة، كما يدل عليه تعليله بأنهم عياله لازمون
له، فإن قضاء الدين لا يلزم المكلف بالانفاق.
(و) الصنف السابع: (في سبيل الله) بالأدلة الثلاثة (وهو كل
ما كان قربة أو مصلحة، كالجهاد والحج وبناء) المساجد (القناطر)
على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تأخر على الظاهر المصرح به في كلام
جماعة، وفاقا للمبسوط (7) والخلاف (8) وابن حمزة (9) والحلي (10) وابن زهرة (11)
مدعيا عليه إجماع الطائفة.

(1) في المتن المطبوع: (وميتا).
(2) ذخيرة المعاد: كتاب الزكاة في جواز قضاء الدين عن الزكاة ص 464 السطر الأخير.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في المستحقين للزكاة ج 5 ص 228.
(4) المعتبر: كتاب الزكاة في المستحق ج 1 ص 576.
(5) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في مستحقي الزكاة ج 1 ص 521 س 33.
(6) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في الأصناف ج 1 ص 234 س 3.
(7) المبسوط: كتاب الزكاة في أصناف المستحقين ج 1 ص 252.
(8) الخلاف: كتاب قسمة الصدقات مسألة 21 ج 2 ص 352.
(9) الوسيلة: كتاب الزكاة في بيان من يستحق الزكاة ص 128.
(10) السرائر: كتاب الزكاة في مستحقي الزكاة ج 1 ص 458.
(11) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة في المستحق ص 506 س 12.
163

واستدل عليه بعده بما استدل به سائر الجماعة، من أن سبيل الله هو
الطريق إلى ثوابه، وما أفاد التقرب إليه، قال: وإذا كان كذلك جاز صرف
الزكاة فيه.
وزادوا عليه فاستدلوا بالمرسل في تفسيرهم أنهم قوم يخرجون إلى الجهاد،
وليس عندهم ما ينفقون به، أو قوم مؤمنين ليس عندهم ما يحجون به، أو في
جميع سبل الخير (1).
وإرساله منجبر بالعمل، وبأخبار أخر فيها الصحيح وغيره، تتضمن جواز
صرف الزكاة في الحج (2)، ولا قائل بالفرق بينه، وبين سائر القرب.
وظاهره اعتبار الحاجة فيمن يدفع إليه هذا السهم ليحج، أو يزور، كما
عليه شيخنا في المسالك (3) والروضة (4)، وسبطه (5)، لكن مع تأمل له فيه،
كالفاضل في التذكرة (6)، وزاد جده فاشترط الفقر (7)، ولم أعرف وجهه إن
أراد به عدم تملك مؤنه السنة، لعموم الكتاب والسنة، بل ظاهرهما لما مضى
قريبا في نظير المسألة وما دل على إنها لسد الخلة ورفع الحاجة لا يفيد اشتراطه،
بل اشتراط حاجة ما مجامعة لملك مؤنة السنة، وهي هنا عدم تمكن فاعل
القرب منها بدونها مطلقا، ولو كان مالكا لمؤنة السنة بكمالها.
وبالجملة الظاهر اشتراطه خاصة لما عرفته، دون الفقر بالمعنى المشهور
فيعطى مالك قوت السنة ليحج أو يزور مثلا إذا لم يتمكن منها بدونها، وإن

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب المستحقين للزكاة ح 7 ج 6 ص 146.
(2) وسائل الشيعة: ب 42 من أبواب المستحقين للزكاة ح 1 ج 6 ص 201.
(3) مسالك الأفهام: كتاب الزكاة في أصناف المستحقين ج 1 ص 60 س 39 و 40.
(4) الروضة البهية: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 49.
(5) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة المستحقون للزكاة ج 5 ص 230.
(6) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في الأحكام ج 1 ص 237 س 6.
(7) مسالك الأفهام: كتاب الزكاة في أصناف المستحقين ج 1 ص 60 س 39 و 40.
164

كان الترك أحوط وأولى.
(وقيل: يختص) هذا السهم (بالمجاهدين) (1) والقائل المفيد (2)
والديلمي (3) والشيخ في النهاية (4)، ولا وجه له بعد عموم الآية، وصريح
المرسلة.
ودعوى اختصاص الآية بهم بحكم التبادر، ممنوعة، كدعوى ضعف سند
المرسلة، لانجبارها بالشهرة زيادة على ما عرفته من الأدلة.
نعم في بعض النصوص الواردة في الوصية الأمر بإخراج ما أوصى به في
سبيل الله فيهم، لكن لا دلالة فيه صريحة، بل ولا ظاهرة، مع إحتماله الحمل
على التقية، فقد حكى القول بتفسير السبيل بهم عن أكثر العامة، ومنهم أبو
حنيفة، مع إشعار سياق الرواية به، كما لا يخفى على من راجعه وتدبره.
(و) الصنف الثامن: (ابن السبيل) بالأدلة الثلاثة (وهو المنقطع
به) في غير بلده فيأخذ ما يبلغه بلده (وإن كان (5) غنيا في بلده) إذا كان
بحيث يعجز التصرف في أمواله ببيع ونحوه على الأظهر، وفاقا للأكثر، أو مطلقا
كما عن الماتن في المعتبر (6)، ووافقه بعض من تأخر في الاستدانة، فلم يعتبر
العجز عنها خاصة عملا بعموم الآية.
ويضعف بما مر مرارا، وسلمه في مواضع أيضا، من أن الزكاة شرعت لسد
الخلة ورفع الحاجة، ولا حاجة مع التمكن من الاستدانة.

(1) في المتن المطبوع: (بالجهاد).
(2) المقنعة: كتاب الزكاة باب أصناف أهل الزكاة ص 241.
(3) المراسم: كتاب الزكاة من يجوز اخراج الزكاة إليه ص 133.
(4) النهاية كتاب الزكاة في مستحق الزكاة ص 184.
(5) في المطبوع: (ولو كان).
(6) المعتبر: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 578.
165

وبنحو هذا يجاب عن إطلاق المرسلة وعمومها، حيث فسرته بأبناء
الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة الله ويقطع عليهم، ويذهب مالهم،
فعلى الإمام أن يردهم إلى أوطانهم من مال الصدقات (1).
(و) ألحق به جماعة (الضيف) والإسكافي (2) المنشئ للسفر الواجب أو
الندب.
ولا ريب في ضعف الثاني، مع ندوره ومخالفته لظاهر اللفظ، وخصوص
ما مر من المرسل المنجبر هنا بالعمل.
وأما الأول فحسن إن كان مسافرا محتاجا إلى الضيافة، لأنه حينئذ داخل
في ابن السبيل، كما صرح به الفاضل في المختلف وغيره. (3)
والفرق بينهما حينئذ ما نقل عن بعض الفضلاء، أن الضيف نزيل عليك،
بخلاف ابن السبيل.
ويشكل إن أبقي على إطلاقه، لعدم وضوح مأخذه، عدا رواية مرسلة
رواها من القدماء جماعة، كالشيخين (4) (5) وابن زهرة (6)، وإرسالها يمنع عن
العمل بها، سيما وأن ظاهر هؤلاء النقلة لها عدم العمل بها وتركها.
والمفيد أرجعها إلى المختار، فقال - بعد قوله وقد جاءت أنهم الأضياف -:
يراد بهم من أضيف لحاجته إلى ذلك، وإن كان له في موضع آخر غنى أو
يسار، وذلك راجع إلى ما قدمناه، وأشار به إلى ما فسر به أولا، من أنهم هم

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب المستحقين للزكاة ح 7 ج 6 ص 145.
(2) المعتبر: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 578، (نقله عن ابن الجنيد).
(3) المختلف: كتاب الزكاة في أصناف من تصرف إليه الزكاة ج 1 ص 182 س 3.
(4) المقنعة: كتاب الزكاة باب أصناف أهل الزكاة ص 341.
(5) النهاية: كتاب الزكاة باب مستحق الزكاة ص 184.
(6) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة في المستحق ص 506 س 14.
166

المنقطع بهم في الأسفار.
(ولو كان سفرهما معصية منعا) من هذا السهم، بلا خلاف بين
العلماء كما قيل، لما في ذلك من الإعانة على الإثم والعدوان، وللمرسلة
المتقدمة (1)
لكن ظاهرها اعتبار كون السفر طاعة، كما عن الإسكافي (2)، وباقي
الأصحاب على خلافه، فاكتفوا بالمباح، لعموم الآية، وضعف سند المرسلة،
مع عدم جابر لها في المسألة.
مع أنها ليست بتلك الصراحة، لشيوع استعمال الطاعة فيما قابل المعصية،
بل ظاهر المختلف (3) كون صدقها على المباح على الحقيقة، لكنه ضعيف
غايته كما صرح به ممن تأخر عنه جماعة.
(وأما الأوصاف المعتبرة في الفقراء والمساكين) بل وغيرهم - على
تفصيل يأتي - (فأربعة:).
الأول: (الايمان) بالمعنى الخاص، وهو الاسلام مع المعرفة بالأئمة
عليهم السلام الاثني عشر سلام الله تعالى عليهم.
واعتباره فيمن عدا المؤلفة مجمع عليه بين الطائفة على القطوع به المصرح
في كلام جماعة حد الاستفاضة، كالانتصار (4) والغنية (5) والمنتهى (6)
والمدارك (7) وغيرهما من كتب الجماعة، والصحاح به وغيرها مستفيضة، بل

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب المستحقين للزكاة ح 9 ج 6 ص 146.
(2) المختلف: كتاب الزكاة في أصناف من تصرف إليه الزكاة ج 1 ص 182 س 11.
(3) المختلف: كتاب الزكاة في أصناف من تصرف إليه الزكاة ج 1 ص 182 س 12.
(4) الإنتصار: في من حرم عليه الزكاة ص 82.
(5) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة في المستحق ص 506 س 5.
(6) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في المستحقين ج 1 ص 522 س 26.
(7) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في أوصاف المستحق ج 5 237.
167

متواترة سيأتي إلى جملة منها الإشارة.
(فلا يعطي منهم كافر) وهو مجمع عليه بين العلماء كافة، إلا النادر من
العامة، كما في المنتهى (1).
(ولا مسلم غير محق) في الإمامة بإجماعنا، والمتواتر من أخبارنا، كما
عرفته.
(وفي صرفها إلى المستضعفين) (2) من أهل الخلاف الذين لا يعاندون
في الحق (مع عدم العارف) بالإمامة (تردد) للماتن هنا (أولا) (3).
ولعله من عموم الأدلة المتقدمة بأنها لأهل الولاية، ومنع غيرهم عنها،
حتى أن في بعضها إن لم تكن نصب لها أحدا - أي من أهل الولاية - فصرها
صرارا واطرحها في البحر، فإن الله عز وجل حزم أموالنا وأموال شيعتنا على
عدونا، قال في المنتهى: وهذا نص في تحريم إعطائهم مع فقد المستحق (4).
وأما الأمر بالطرح في البحر، فيحتمل أن يكون مع التيقن بفقد المستحق
دائما، وإنما الأصل حفظها إلى أن يوجد المستحق، ومن ورود بعض النصوص
بالجواز.
وفيه: قلت له: الرجل منا يكون في أرض منقطعة كيف يصنع بزكاة ماله
قال: يضعها في إخوانه وأهل ولايته، فقلت: فإن لم يحضره منهم فيها أحد،
قال: يبعث بها إليهم، قلت: فإن لم يجد من يحملها إليهم، قال: يدفعها إلى من
لا ينصب، قلت: فغيرهم، فقال: ما لغيرهم إلا الحجر (5).

(1) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في المستحقين ج 1 ص 522 س 27.
(2) في المتن المطبوع: (المستضعف).
(3) كذا في أكثر النسخ وفي (مش) ليس موجود.
(4) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في المستحقين للزكاة ج 1 ص 523 س 7.
(5) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب المستحقين ح 7 ج 6 ص 153.
168

وأجاب عنه في المعتبر بضعف السند (1)، وفي المنتهى بالشذوذ (2) مشعرا
بدعوى الاجماع على خلافه وإن حكى القول به في عنوان المسألة، ومع ذلك
فلم يعرب عن قائله أنه من هو.
وكل هذا فلا ريب أن (أشبهه المنع) بل ولا وقع للتردد في مثله، لعدم
مقاومة دليل الجواز مع ما عليه - مما عرفته - لمقابله من وجوه عديدة يأن تأيد
بما دل على الجواز في زكاة الفطرة من المعتبرة المستفيضة، لمعارضتها بمثلها، بل
وأجود، مضافا إلى ما سيأتي فيها.
(وكذا) الكلام (في) زكاة (الفطرة) فلا تعطى غير المؤمن مطلقا على
الأشهر الأقوى، بل عليه في الانتصار (3) والغنية (4) إجماعنا، لعموم الأدلة
المتقدمة.
وصريح الصحيح: عن الزكاة هل يوضع فيمن لا يعرف؟ قال: لا، ولا
زكاة الفطرة (5). وفي معناه خبران آخران.
روي أحدهما عن العيون، وفيه: لا يجوز دفعها، إلا إلى أهل الولاية (6).
وفي الآخر: لا ينبغي لك أن تعطي زكاتك إلا مؤمنا. وأشير بالزكاة فيهما
إلى خصوص زكاة الفطرة، المفروضة فيهما سؤالا في أحدهما، وجوابا في ثانيهما.
خلافا للمحكي في المختلف (7) عن الشيخ في النهاية (8) والمبسوط (9)

(1) المعتبر: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 580.
(2) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في المستحقين للزكاة ج 1 ص 523 س 8.
(3) الإنتصار: في من حرم عليه الزكاة ص 82.
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة في المستحق ص 506 س 15.
(5) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب المستحقين للزكاة ح 1 ج 6 ص 152.
(6) عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج 2 ب 35 ح 1 ص 122.
(7) المختلف كتاب الزكاة في الفطرة س 17 ص 201.
(8) النهاية: كتاب الزكاة في اخراج الفطرة ومن يستحقها ص 192.
(9) المبسوط: كتاب الزكاة في مقدار الفطرة ج 1 ص 242.
169

وموضع من الخلاف (1) خاصة، فجوز الدفع إلى المستضعف، مع عدم وجود
المؤمن المستحق، وعزاه في المدارك (2) والذخيرة (3) إليه ومن تبعه، ولم أعرف
وجهه، مع أنه في المختلف (4) حكى عنه المختار في الاقتصاد (5) أيضا فله قولان.
ويدل على قوله هذا النصوص المستفيضة.
وهي ما بين مطلق في جواز اعطائهم، كالصحيح: أيصلح أن يعطى
الجيران والظؤرة ممن لا يعرف ولا ينصب؟ فقال: لا بأس بذلك إذا كان
محتاجا (6).
والموثق وغيره: أعطيها غير أهل ولايتي من فقراء جيراني، فقال: نعم
الجيران أحق بها لمكان الشهرة (7).
والمكاتبة المضمرة: تقسم الفطرة على من حضر، ولا يوجه ذلك إلى بلدة
أخرى وإن لم يجد موافقا.
وبين مقيد له بعدم وجد المؤمن، كالموثق: هي لأهلها إلا أن لا تجدهم
فلمن لا ينصب ولا ينقل من أرض إلى أرض (1).
والخبر: يعطيها المسلمين، فإن لم تجد مسلما فمستضعفا (9). وبهما يقيد ما
سبقهما.

(1) الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 196 ج 2 ص 154.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في المستحقين للزكاة ج 5 ص 240.
(3) ذخيرة المعاد: كتاب الزكاة في مستحقي الزكاة ص 458 س 11.
(4) المختلف: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 201 س 21.
(5) الاقتصاد: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ص 285.
(6) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب زكاة الفطرة ح 6 ج 6 ص 251.
(7) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الزكاة الفطرة ح 2 ج 6 ص 250.
(8) وسائل الشيعة.: ب 15 من أبواب زكاة الفطرة ح 3 ج 6 ص 250.
(9) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب زكاة الفطرة ح 1 ج 6 ص 250.
170

وهو حسن إن صلح الجميع لمقاومة ما قدمنا، وليس بمقاومة لها من وجوه
شتى.
منها اعتضادهما بالشهرة العظيمة، والاجماعات المحكية والموافقة للعمومات
الكثيرة القريبة من التواتر، بل المتواترة، المعللة بعلل تجعلها كالصريحة.
ولا كذلك هذه، فإنها بطرف الضد من المرجحات المزبورة، مع أن
المطلقة منها مع قصور سند أكثرها وضعف جملة منها، لا عمل على إطلاقها
إجماعا، والمقيدة الضيف منها سندا ليس حجة، سيما مع ضعف دلالتها بعدم
التصريح فيه بكون المستضعف فيه من العامة، فيحتمل المجانين والبله من
الشيعة، كما صرح به في المختلف.
قال: لأنه عليه السلام قال: وإن لم يجد مسلما فمستضعفا، ولا خلاف في
أن غير المسلم لا يعطي، سواء كان مستضعفا، أم لا، فلا محمل للحديث سوى
حمله على المجانين والبله (1).
والموثق منه وإن كان حجة على المختارة إلا أنه لم يبالغ قوة المعارضة، لما
قدمناه من الأدلة، مضافا إلى أن ظاهره المنع من نقلها من أرض إلى أرض،
مع عدم وجود المستحق، وهو خلاف الاجماع فتوى ورواية، بل ظاهرهما أن
التمكن من بعثها من بلدة إلى أخرى واجد لمستحقها.
وحينئذ، فيكون الموثق من جملة ما دل على جواز الدفع إلى المستضعف، مع
وجود المستحق ولو في الجملة.
هذا مع إمكان حملها على الاتقاء، كما يستفاد من قرائن في جملة منها،
كتضمن بعضها قوله: (لمكان الشهرة)، وكون بعضها مكاتبة، وراوي
الصحيح، منها علي بن يقطين الذي كان وزير الخليفة، والمروي عنه فيه من

(1) المختلف: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 201 س 33.
171

مولانا موسى بن جعفر عليه السلام، والتقية كانت في زمانهما شديدة غاية
الشدة.
(و) يجوز أن (يعطي أطفال المؤمنين) بغير خلاف فيه بيننا أجده، وبه
صرح جماعة، وفي المدارك أنه مجمع عليه بين علمائنا وأكثر العامة (1)،
والنصوص به مع ذلك مستفيضة (2).
وإطلاقها كالعبارة ونحوها يقتضي عدم الفرق فيهم بين ما لو كان آباؤهم
فساقا، أم لا، وبه صرح الحلي في السرائر (3)، والفاضل في المنتهى (4) بعد أن
حكاه عن الشيخ في التبيان والمرتضى (5)، وتبعهم المتأخرون ومنهم الشهيدان
في اللمعة وشرحها (6)، وفيه الاجماع عليه.
وعلى جواز الاعطاء فلا ريب فيه، وإن اشترط العدالة في الآباء مضافا
إلى الاطلاقات العامة، مع اختصاص ما دل على اشتراطها بالآباء.
ولا دليل على تبعيتهم لهم هنا، وإنما هو في تبعيتهم لهم في الايمان والكفر،
لا غيرهما، وبذلك صرح في المنتهى (7).
ومن التبعية في الكفر يظهر عدم جواز إعطاء أطفال غير المؤمنين، كما هو
ظاهر العبارة، وغيرها بلا خلاف فيه أيضا أجده.
ثم ظاهر النصوص جواز الدفع إليهم من غير اشتراط ولي، كما صرح به

(1) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في المستحقين الزكاة ج 5 ص 240.
(2) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب المستحقين للزكاة ج 6 ص 155.
(3) السرائر: كتاب الزكاة قي مستحقي الزكاة ج 1 ص 460.
(4) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في المستحقين للزكاة ج 1 ص 523 س 16.
(5) الطبريات (رسائل المرتضى): المسألة 7 من ج 1 ص 155.
(6) اللمعة الدمشقية والروضة البهية: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 50.
(7) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في المستحقين للزكاة ج 1 ص 523 س 16.
172

من متأخري المتأخرين جماعة من الفضلاء (1) إذا كانوا بحيث يصرفوها في وجه
يسوغ للولي صرفها فيه، وحكي عن الفاضل في المنتهى. خلافا له في التذكرة، فمنع
عن الدفع إليهم مطلقا، مستدلا عليه بأنه ليس محلا لاستيفاء ماله من الغرماء فكذا هنا.
ثم قال: ولا فرق بين أن يكون يتيما أو غيره، فإن الدفع إلى الولي، فإن لم
يكن له ولي جاز أن يدفع إلى من يقوم بأمره ويعتني بحاله (2). إنتهى.
وهو أحوط وأولى، خروجا عن شبهة شمول عموم أدلة الحجر عليهم
لمسألتنا، وضعف دلالة الاطلاقات الواردة فيها، بقوة احتمال كون المراد من
الدفع فيها هو صرفها فيهم بطريق شرعي، مع أنه مراد منها، بالإضافة إلى
الصغار قطعا، وليس فيها التقييد بغيرهم أصلا.
قيل: وحكم المجنون حكم الطفل، أما السفيه فإنه يجوز الدفع إليه وإن
تعلق به الحجر بعده. انتهى (3) ولا بأس به.
(ولو أعطى مخالف) في الحق زكاته (فريضة ثم استبصر) وصار محقا
عارفا (أعاد) ها إجماعا فتوى ونصا.
ففي الصحيح: كل عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته.، ثم من الله
تعالى عليه وعرفه الولاية فإنه يوجر عليه، إلا الزكاة فإنه يعيدها، لأنه وضعها
في غير موضعها، لأنها لأهل الولاية (4). ونحوه آخران.
(الثاني (5) العدالة، وقد اعتبرها قوم) من القدماء، كالمفيد (6)

(1) مدارك الأحكام: ج 5 ص 242، وذخيرة المعاد: ص 458 س 34، وحدائق الناضرة: ج 12 ص 208.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في الأحكام ج 1 ص 236 س 27.
(3) والقائل هو صاحب المدارك: كتاب الزكاة في المستحقين ج 5 ص 242.
(4) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب المستحقين للزكاة ح 1 ج 6 ص 148.
(5) في المتن المطبوع: (والثاني).
(6) المقنعة: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ص 252. (ذكر المعرفة والايمان).
173

والشيخ (1) والحلبي (2) وابن حمزة (3) والحلي (4)، والقاضي (5) والسيدين (6)،
مدعين عليه إجماعنا، وعزاه في الخلاف إلى ظاهر مذهب أصحابنا (7)، وهو مشعر
به أو بالشهرة العظيمة بين القدماء.
ولا ريب فيها، بل لم أر لهم مخالفا لم يعتبر العدالة مطلقا صريحا، بل ولا ظاهرا،
عدا ما يحكى عن ظاهر الصدوقين (8) (9) والديلمي (10)، حيث لم يذكروها في الشروط.
وهو كما ترى، ليس فيه الظهور المعتد به، سيما وأن يقدح به في الاجماع
المنقول، فقد يحتمل اكتفاؤهم عنها بذكر الايمان، بناء على احتمال اعتبار
العمل فيه عندهم، كما يعزى إلى غيرهم من القدماء.
نعم أكثر المتأخرين على عدم اعتبارها مطلقا، وحكاه في الخلاف (11) عن
قوم من أصحابنا، بعد أن عزاه إلى جميع الفقهاء من العامة العميا، للأصل
والعمومات، كتابا وسنة.
وهو كما ترى، لوجوب تخصيصهما بما مر من الاجماع المنقول، المعتضد

(1) المبسوط: كتاب الزكاة في أصناف المستحقين ج 1 ص 247.
(2) الكافي في الفقه: كتاب الزكاة في جهة الحقوق ص 172.
(3) الوسيلة: كتاب الزكاة من يستحق الزكاة ص 129.
(4) السرائر: كتاب الزكاة في مستحقي الزكاة ج 1 ص 459.
(5) المهذب: كتاب الزكاة في المستحق للزكاة ج 1 ص 169.
(6) الإنتصار: في من حرم عليه الزكاة ص 82، وغنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة في
المستحق ص 506 س 15.
(7) الخلاف: كتاب قسمة الصدقات م 3 ج 2 ص 347 (طبعة اسماعيليان).
(8) المختلف: كتاب الزكاة في أصناف من تصرف إليه الزكاة ج 1 ص 182 س 26.
(9) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة في صرف الزكاة ص 14 س 27.
(10) المراسم: كتاب الزكاة في من يجوز اخراج الزكاة إليه ص 133.
(11) الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 196 ج 2 ص 154.
174

بالشهرة العظيمة بين القدماء، القريبة من الاجماع، بل الاجماع حقيقة في
اعتبار مجانبة الكبائر، إذ لا خلاف بينهم أجده، وبه تشعر العبارة هنا وفي
الشرائع (1)، حيث لم ينقل، فيهما قولا بعدم اعتبارها مطلقا، بل اعتبارها في
الجملة أو مطلقا.
(و) كيف كان (هو) أي اعتبارها مطلقا (أحوط) تحصيلا للبراءة
اليقينية، وخروجا عن الشبهة، بل لا يبعد المصير إلى نعينه، لما عرفته، وقد
ذهب إليه من المتأخرين الشهيد في اللمعة (2).
والشهرة المتأخرة ليست بتلك الشهرة، التي تقوي العمومات وتصونها عن
قبولها التخصيص، بما عرفته من الاجماعات المحكية، المعتضدة بالشهرة القديمة
القطعية، بل إجماعهم ولو في الجملة، كما عرفته.
هذا مضافا إلى اعتضاده - ولو في الجملة - بالمضمر عن شارب الخمر يعطى
من الزكاة شيئا، قال: لا (3).
ولولا إضماره لكان حجه مستقلة وإن ضعف سنده بغيره ودلالته
بأخصيته من المدعى، لاختصاصه بشارب الخمر، فلا يكون عاما، لانجبار
الأول بالشهرة والاجماعات المنقولة، والثاني بعدم قائل بالفرق، بين هذه
الكبيرة وغيرها من الكبائر، على الظاهر المصرح به في المنتهى (4).
(و) لولا أنه (اقتصر آخرون) كالإسكافي (5) (على) اعتبار (مجانبة
الكبائر) خاصة، لأمكن الاستدلال بالرواية على تمام ما اشتهر بين قدماء

(1) شرائع الاسلام: كتاب الزكاة في أوصاف المستحقين ج 1 ص 163.
(2) اللمعة الدمشقية: كتاب الزكاة في المستحق ص 24.
(3) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب المستحقين للزكاة ح 1 ج 6 ص 171.
(4) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في المستحقين للزكاة ج 1 ص 523 س 20.
(5) المختلف: كتاب الزكاة في أصناف من تصرف إليه ج 1 ص 182 س 21.
175

الطائفة.
هذا ويمكن إرجاع هذا القول إلى مختارهم، بما ذكره شيخنا في
الروضة (1)، حيث قال: الصغائر إن أصر عليها لحقت بالكبائر وإلا لم يوجب
فسقا، والمروة غير معتبرة في العدالة هنا على ما صرح به المصنف في شرح
الارشاد، فلزم من اشتراط تجنب الكبائر اشتراط العدالة. وهو في غاية الجودة
وإن تأمل فيه في الذخيرة (2)
ولعله، لأن المتبادر من الكبائر في عبائرهم، هو كل من الذنوب التي
تكون بنفسه كبيرة لا باجتماع الصغائر سيما في عبائر النقلة لهذا القول،
كالمتن والشرائع والمنتهى، حيث جعلوه في مقابل القول باعتبار العدالة مطلقا (3)
فتأمل جدا.
وكيف كان فما عليه القدماء لعله أقوى، لما عرفت من الأدلة المعتضدة
بالرواية.
ولا يعارضها المرسل المروي عن العلل: قلت: للرجل - يعني أبا الحسن
عليه السلام - ما حد المؤمن الذي يعطى الزكاة قال: يعطى المؤمن ثلاثة آلاف،
ثم قال: أو عشرة آلاف، ويعطى الفاجر بقدر لأن المؤمن ينفقها في طاعة
الله، والفاجر ينفقها في معصية الله (4)،.
لأنه مع ضعفه بالارسال وغيره غير دال على الجواز مطلقا، كما هو ظاهر
القوم، بل على إعطائه بقدر، ولم يذكروا هذا الشرط، فتأمل.
ومع ذلك فيحتمل قويا حمله على التقية، لكونه مذهب فقهاء العامة، كما

(1) الروضة البهية: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 51.
(2) ذخيرة المعاد: كتاب الزكاة في مستحقي الزكاة ص 458 س 10.
(3) شرائع الاسلام، ج 1 ص 163، ومنتهى المطلب: ج 1 ص 523 س 19.
(4) علل الشرائع: ب 98 ح 1 ج 2 ص 372.
176

تقدم عن الخلاف، وفي المعتبر (1) والمنتهى (2) عزياه إلى فقهائهم الأربعة وربما
يعضده سياق الرواية، كما لا يخفى على من تدبره.
واعلم أن محل الخلاف إنما هو من عدا المؤلفة والعاملين عليها، لاعتبار
العدالة فيهم دون المؤلفة إجماعا، على الظاهر المصرح به في الدروس (3)
والروضة (4) وغيرهما في الأول، ولتضمن العمالة الائتمان قطعا، وللصحيح:
ولا نوكل به إلا ناصحا شفيقا أمينا (5)، ولا أمانة لغير العدل. فتأمل.
وعلى ما صرح به جماعة ممن اعتبرها فيمن عداهما في الثاني، ومنهم الشيخ
في الجمل (6) والاقتصاد (7)، وابنا حمزة (8) وزهرة (9)، والشهيدان في
اللمعتين (10)، قال ثانيهما: لأن كفرهم مانع من العدالة، والغرض منهم يحصل
بدونها انتهى. وهو حسن.
ومنه يظهر اتفاق الكل عليه أيضا.
(الثالث: ألا يكون ممن تجب) عليه (نفقته) شرعا (كالأبوين
وإن علوا، والأولاد وإن سفلوا (11) والزوجة) الدائمة الغير الناشزة

(1) المعتبر: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 580.
(2) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في المستحقين للزكاة ج 1 ص 523 س 19.
(3) الدروس الشرعية: كتاب الزكاة في أصناف المستحقين ص 62 س 26.
(4) الروضة البهية: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 50.
(5) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب زكاة الأنعام ح 1 ج 6 ص 89.
(6) الجمل والعقود (الرسائل العشر): كتاب الزكاة في مستحق الزكاة ص 206.
(7) الاقتصاد: كتاب الزكاة في مستحق الزكاة: ص 282.
(8) الوسيلة: كتاب الزكاة في بيان من يستحق الزكاة ص 129.
(9) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة في المستحق ص 506 س 15.
(10) اللمعة الدمشقية والروضة البهية: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 50.
(11) في المتن المطبوع: (وإن نزلوا).
177

(والمملوك) إجماعا، على الظاهر المصرح به مستفيضا، بل هو قول كل من
يحفظ عنه العلم، كما في المنتهى (1)، والنصوص به مع ذلك مستفيضة.
ففي الصحيح وغيره المروي في العلل وغيره: خمسة لا يعطون من الزكاة
شيئا الأب والأم والولد والمملوك والزوجة، وذلك أنهم عياله لازمون له (2).
والخبران المخالفان لذلك، مع شذوذهما ضعيفان سندا، محتملان لمحامل،
أقربها الحمل على صورة العجز عن كمال نفقتهم الواجبة، لجواز دفع التتمة
منها حينئذ، كما صرح به جماعة من غير خلاف بينهم أجده، للأصل، وانتفاء
المانع، وخصوص جملة من المعتبرة.
بل قيل: بجواز الدفع أيضا للتوسعة، لعدم وجوبها على المتفق، ولفحوى
التعليل في الصحيحة، فإن مقتضاه أن المانع لزوم الانفاق.
ورد، باحتمال كون المقصود منه التنبيه على أنهم لكونهم لا زمين له، بناء
على وجوب نفقتهم عليه بمنزلة الأغنياء، فلا يجوز الدفع إليهم، فلا يقتضي
التخصيص.
أقول: ويعضده ورود التعليل في غير الصحيح هكذا، لأنه يجبر على
نفقتهم. فتدبر.
لكن يضفه اقتضاء التعليل حينئذ المنع عن الدفع للتوسعة، إذا كان من
غير المنفق عليهم أيضا.
وهو خلاف مختار المورد وجماعة، وحيث صرحوا بجوازه له، للعموم،
والصحيح: عن الرجل يكون أبوه أو عمه أو أخوه يكفيه مؤنته، أيأخذ من
الزكاة شيئا فيوسع به إذا كانوا لا يوسعون عليه في كل ما يحتاج إليه؟ قال:

(1) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في المستحقين للزكاة ج 1 ص 523 س 27.
(2) علل الشرائع: ب 94 ح 1 ج 2 ص 371.
178

لا بأس (1).
فالجواز لعله أقوى، وإن كان الأحوط الترك مطلقا، حتى في غير المنفق،
وفاقا للمحكي عن التذكرة، لعموم لا يعطون من الزكاة شيئا (2).
واحتمال كون مفاد التعليل ما ذكره المورد، وعدم صراحة الصحيح في
التوسعة، لاحتماله الاختصاص بكمال النفقة، وإن ذكر في صدره أنه يكفونه
مؤنته، لاحتمال كون المراد الكفاية في الجملة، بحيث لا ينافي القصور عن
كمال النفقة.
وهو وإن بعد غايته، إلا أنه يضربه لا يوسعون عليه في كل ما يحتاج إليه في
ذيل الرواية.
ويتأكد الاحتياط في الزوجة، بل صرح من هؤلاء باخراجها جملة، لأن
نفقتها كالعوض، فتكون كذي العقار الذي يستعين بالأجرة.
ولو امتنع المنفق من الانفاق جاز التناول للجميع قولا واحدا، كما صرح
به جماعة.
ويجوز للزوجة اعطاؤها زوجها وانفاقه عليها على الأشهر الأقوى، للأصل،
وانتفاء المانع.
خلافا للصدوق في الأول (3)، والإسكافي في الثاني (4). ومستندهما غير
واضح.
ثم إن هؤلاء إنما يمنعون من سهم الفقراء، وإلا فيجوز الدفع إليهم من

(1) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب المستحقين للزكاة ح 1 ج 6 ص 163.
(2) تذكرة الفقهاء: ج 1 كتاب الزكاة في الاخراج ج 1 ص 231 س 30.
(3) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة ص 14 س 28.
(4) المختلف: كتاب الزكاة في أصناف من تصرف إليه الزكاة ج 1 ص 183 س 14.
179

غيره، على المقطوع به بين الأصحاب، كما في الذخيرة (1)، وفي غيرها نفي
الخلاف عنه.
ولا ريب فيه، للمعتبرة المتقدمة المجوزة لقضاء دين الأب منها وشرائه.
واحترز (بالدائمة) و (غير الناشزة) عنها وعن المتمتع بها، لعدم وجوب
الانفاق عليهما اتفاقا.
وهل يجوز الدفع إليهما؟ الأقوى لا في الناشزة، لفسقها أو تمكنها من النفقة
في كل وقت أرادت الطاعة، فتشبه الأغنياء، وفي المعتبر عليه الاجماع (2).
ونعم في المتمتع بها، للعموم، مع خروجها عن النصوص، لعدم تبادرها
من لفظ (الزوجة) المطلق فيها، فلا تدخل فيه، مع أنها ليست بزوجة حقيقة
على الأقوى، بل مستأجرة كما في رواية، مع فقد المناط للمنع فيها، والعلة
وهي كونها من واجبي النفقة.
(و) يجوز أن (يعطى باقي الأقارب) بلا خلاف، للأصل، والعموم،
والنصوص المستفيضة، بل الدفع إليهم أفضل، لعموم (وأولوا الأرحام بعضهم
أولى ببعض) (3)، وصريح الموثق: قلت: له لي قرابة أنفق على بعضهم، وأفضل
بعضهم على بعض، فيأتيني إبان الزكاة أفأعطيهم منها؟ قال: مستحقون لها؟
قلت: نعم، قال: هم أفضل من غيرهم أعطهم (4).
وفي الخبر: أي الصدقة أفضل؟ فقال: على ذي الرحم الكاشح (5). وقريب

(1) ذخيرة المعاد: كتاب الزكاة في مستحقي الزكاة ص 459 س 37.
(2) المعتبر: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 582.
(3) الأنفال: 75.
(4) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب المستحقين للزكاة ح 2 ج 6 ص 169.
(5) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب المستحقين للزكاة ح 5 ج 6 ص 170.
180

منه غيره (1).
ويستفاد من الموثقة جواز الاعطاء ولو مع العيلولة، وهو كذلك، حتى
فيمن عدا الأقارب (2)، للأصل، والعموم، وانتفاء المانع، وهو وجوب النفقة
على ما مر في الصحيحة، وعليه الاجماع في صريح المدارك (3) والتذكرة (4)، على
ما حكاه عنه في الذخيرة (5)، ونفى عنه الخلاف أيضا بعض الأجلة (6).
(الرابع: ألا يكون هاشميا، فإن زكاة غير قبيله (7) محرمة عليه) في
الجملة، باتفاق الخاصة والعامة كما صرح به جماعة، والصحاح به وغيرها
مستفيضة، بل متواترة (دون زكاة الهاشمي) فإنها لا تحرم عليه مطلقا
بإجماعنا الظاهر، المحكي في صريح الانتصار (8) والغنية (9) والخلاف (10) وظاهر
المنتهى (11) وغيرها، والنصوص به مع ذلك مستفيضة جدا (12).
(و) وكذا (لو قصر الخمس عن كفايته جاز) له (أن يقبل الزكاة)
مطلقا (ولو) كان (من غير الهاشمي) بإجماعنا الظاهر، المحكي أيضا في

(1) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب المستحقين للزكاة ح 6 ج 6 ص 170.
(2) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب المستحقين للزكاة ح 2 ج 6 ص 169.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في أوصاف المستحقين ج 5 ص 248.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في الأوصاف ج 1 ص 235 س 4.
(5) ذخيرة المعاد: كتاب الزكاة في مستحقي الزكاة ص 459 س 38.
(6) الحدائق الناضرة: كتاب الزكاة في أوصاف المستحقين ج 12 ص 214.
(7) في المتن المطبوع: (قبيلته).
(8) الإنتصار: فيمن حرم عليه الزكاة ص 84.
(9) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة في المستحق ص 506 س 16.
(10) الخلاف: كتاب الوقوف والصدقات مسألة 5 ج 2 ص 227.
(11) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في المستحقين للزكاة ج 1 ص 524 س 33.
(12) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب المستحقين للزكاة ج 6 ص 189.
181

صريح الانتصار (1) والغنية (2) وظاهر المنتهى (3) وغيرها.
وللموثق: لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلى صدقة إن الله
تعالى جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم، ثم قال: إن الرجل إذا لم يجد
شيئا حلت له الميتة، والصدقة لا تحل لأحد منهم، إلا أن لا يجد شيئا فيكون
ممن تحل له الميتة (4).
وعليه يحمل إطلاق آخر، والخبرة أعطوا من الزكاة بني هاشم من أرادها،
فإنها تحل لهم، وإنما تحرم على النبي صلى الله عليه وآله، وعلى الإمام الذي
يكون بعده، وعلى الأئمة عليهم السلام (5).
ويكون وجه اختصاص الأئمة منهم بالذكر أنهم لا يضطرون إلى أكل
الزكاة، والتقوي بها، وغيرهم قد يضطرون إليها.
ويحتمل الحمل على المندوبة إن حرمناها على الأئمة، كما احتمله في
المنتهى، لكن حكى خلافه عن أكثر علمائنا (6)، ويشهد لهم بعض الصحاح
الآتية في جواز أخذهم من المندوبة (7).
أو على ما إذا كانوا عاملين عليها، بناء على جواز أخذهم من سهم هؤلاء،
كما عليه قوم على ما حكي عنهم في المبسوط والسرائر، ولكن الظاهر على ما في
المختلف أنهم من العامة العميا.

(1) الإنتصار: فيمن حرم عليه الزكاة ص 85.
(2) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة في المستحق ص 506 س 16.
(3) منتهى المطلب: كتاب الزكاة من يستحق الزكاة ج 1 ص 526 س 4.
(4) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب المستحقين للزكاة ح 1 ج 6 ص 191.
(5) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب المستحقين للزكاة ح 5 ج 6 ص 186.
(6) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في من يستحق الزكاة ج 1 ص 526 س 9.
(7) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب المستحقين للزكاة ح 3 ج 6 ص 189.
182

قال: إذ لا أعرف في ذلك لعلمائنا قولا وأكثرهم منع من اعطاء بني
هاشم مطلقا - إلى أن قال -: وبالجملة فإن كان القوم الذين نقل الشيخ وابن
إدريس عنهم علمائنا صارت المسألة خلافية، وإلا فلا (1). انتهى.
هذا والمعتمد عدم جواز أخذهم مطلقا، لدعوى الشيخ بنفسه في الخلاف
الاجماع عليه، ولم يحك خلافا فيه، إلا عن بعض أصحاب الشافعي (2)،
ولاطلاق الأدلة المانعة، بل صريح بعضها.
كالصحيح: أن أناسا من بني هاشم أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله
فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي، قالوا: يكون لنا هذا السهم الذي
جعله الله تعالى للعاملين عليها فنحن أولى به؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه
وآله يا بني عبد المطلب إن الصدقة لا تحل لي ولا لكم، ولكني قد وعدت
الشفاعة (3) الخبر.
وظاهر العبارة عدم تقدر المأخوذ في الضرورة بقدرها، وهو ظاهر كل من
أطلق الجواز من غير تقدير، كالسيدين وغيرهما (4)، وجعله في المختلف أشهر
واختاره.
قال: لأنه أبيح له الزكاة، فلا تتقدر بقدر، أما المقدمة الأولى فلأن التقدير
ذلك، وأما الثانية، فلما رواه، ثم ساق بعض الروايات الدالة على جواز
الاعطاء، إلى أن يحصل الغنى (5).

(1) المختلف: كتاب الزكاة في أصناف من تصرف إليه الزكاة ج 1 ص 184 س 17.
(2) الخلاف: كتاب الوقوف والصدقات مسألة 5 ج 2 ص 227.
(3) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب المستحقين للزكاة ح 1 ج 6 ص 185.
(4) الإنتصار: فيمن حرم عليه الزكاة ص 84، غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة في
المستحق ص 506 س 16.
(5) المختلف: كتاب الزكاة في أصناف من تصرف إليه الزكاة ج 1 ص 185 س 1.
183

وفيه أن المتبادر منها غير مسألتنا، ومع ذلك فالموثقة السابقة لعلها ظاهرة
في تقدرها بقدر الضرورة، كأكل الميتة (1).
(و) لعله لذا (قيل) أنه (لا يتجاوز قدر الضرورة) وحكاه في
التنقيح (2) عن الشيخ (3)، واستقر به الشهيدان في الدروس (4) والروضة (5)،
والفاضل في التحرير (6) والمنتهى (7)، وجماعة من المتأخرين منهم.
ولا ريب أنه أحوط وأولى. وفسر قدر الضرورة بقدر قوت يوم وليلة،
وما يفهم من الموثقة أخص منه، كما صرح به جماعة.
(وتحل) الزكاة (لمواليهم) أي عتقائهم، كما صرح به في التحرير (8)
والمنتهى (9) قال: وعليه علماؤنا، للعموم، وخصوص النصوص المستفيضة
المتضمنة للصحيح والحسن وغيرهما.
وأما الموثق: مواليهم منهم، ولا تحل الصدقة من الغريب لمواليهم، ولا بأس
بصدقات مواليهم عليهم (10)، فحمله الشيخ تارة على كونهم مماليك (11) وأخرى
على الكراهة (12) كما حكاه في المختلف عن الإسكافي واختارها.

(1) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب المستحقين للزكاة ح 1 ج 6 ص 191.
(2) التنقيح الرائع: كتاب الزكاة في الأوصاف ج 1 ص 325.
(3) النهاية: كتاب الزكاة في مستحق الزكاة ص 187.
(4) الدروس الشرعية: كتاب الزكاة أصناف المستحقين ص 63 س 3.
(5) الروضة البهية: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 52.
(6) تحرير الأحكام: كتاب الزكاة في شرائط المستحقين ج 1 ص 69 س 27.
(7) منتهى المطلب: كتاب الزكاة من يستحق الزكاة ج 1 ص 526 س 4.
(8) تحرير الأحكام: كتاب الزكاة في شرائط المستحقين ج 1 ص 69 س 25.
(9) منتهى المطلب: كتاب الزكاة من يستحق الزكاة ج 1 ص 525 س 33.
(10) وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب المستحقين للزكاة ح 5 ج 6 ص 193.
(11) الاستبصار: كتاب الزكاة ب 18 في اعطاء الزكاة لموالي بني هاشم ج 2 ص 37، ذيل الحديث 2.
(12) مختلف الشيعة: كتاب الزكاة في أصناف من تصرف إليه الزكاة ج 1 ص 184 س 31.
184

ولا بأس بهما، جمعا بين الأدلة، لكن الأول ربما ينافيه ذيل الرواية، لأن
المملوك لا يملك شيئا يتصدق به.
أقول: ويحتمل الحمل على التقية، فقد حكى المنع في المنتهى عن بعض
العامة (1).
(و) اعلم أن الصدقة (المندوبة لا تحرم على هاشمي، ولا غيره) بلا
إشكال في الثاني.
وأما الأول: فهو المشهور بين الأصحاب، حتى عزاه في المنتهى إلى علمائنا
وأكثر العامة (2)، وكذا في المدارك، ونفى عنه الخلاف (3) في التنقيح (4)،
وقرب منه في الذخيرة (5) كما ستعرفه مؤذنين بدعوى الاجماع عليه كما في
صريح الخلاف (6)، والنصوص به مع ذلك مستفيضة.
منها الصحيح: لو حرمت علينا الصدقة لم يحل لنا أن نخرج إلى مكة، لأن
كل ما بين مكة والمدينة فهو صدقة (7).
والخبر - أو الصحيح كما قيل -: أيحل الصدقة لبني هاشم؟ قال: إنما تلك
الصدقة الواجبة على الناس لا تحل لنا، فأما غير ذلك فليس به بأس، ولو كان
كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكة هذه المياة عامتها صدقة (8).
وفي آخرين: عن الصدقة التي حرمت على بني هاشم ما هي؟ فقال: الزكاة

(1) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في من يستحق الزكاة ج 1 ص 525 س 33.
(2) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في من يستحق الزكاة ج 1 ص 525 س 3.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في أوصاف المستحقين للزكاة ج 5 ص 255.
(4) التنقيح الرائع: كتاب الزكاة في الأوصاف ج 1 ص 326.
(5) ذخيرة المعاد: كتاب الزكاة في مستحقي الزكاة ص 461 س 8.
(6) الخلاف: كتاب الوقوف والصدقات مسألة 5 ج 2 ص 228.
(7) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب المستحقين للزكاة ح 1 و ح 3 ج 6 ص 189.
(8) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب المستحقين للزكاة ح 1 و ح 3 ج 6 ص 189.
185

المفروضة (1).
ويستفاد منهما جواز ما عدا الزكاة، ولو كانت واجبة كالكفارة والموصى
بها والمنذورة، وبه صرح في المدارك (2)، وقواه في الذخيرة (3)، قال: واحتمل
المصنف المنع في التذكرة (4).
أقول: ولعله لعموم ما دل على منعهم من مطلق الصدقة من غير تقييد
بالزكاة المفروضة، مع سلامتها عما يصلح للمعارضة، سوى الخبرين المتقدم
إليهما الإشارة، وهما لضعفهما سندا لا تصلحان لتقييد الاطلاقات، بل
العمومات المتواترة من طرف الخاصة والعامة، وإنما قيدناها بهما - بالإضافة إلى
المندوبة - لضرورة الاجماعات المحكية، والاعتضاد بالصحيحة والشهرة
العظيمة، التي لا يكاد يوجد لها مخالف، عدا ما يحكى أيضا عن التذكرة.
قال: فيها وما روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه كان يشرب من
سقايات بين مكة والمدينة فقيل له: أتشرب من الصدقة؟ فقال: إنما حرم
علينا الصدقة المفروضة مما تفرد بروايته العامة (5).
وهو كما ترى في غاية الغرابة إن صحت الحكاية عنه والنسبة، ويشبه أن
تكون سهوا من الحاكي، وإلا فلم يحك عنه الخلاف أحد من علمائنا، بل
في الذخيرة مع نقله عنه احتمال المنع عن الكفارة (6)، لم ينقل عنه الخلاف في
المندوبة، بل قال: لا أعم فيه خلافا بين أصحابنا.

(1) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب المستحقين للزكاة ح 4 ج 6 ص 190.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في أوصاف المستحقين ج 5 ص 256.
(3) ذخيرة المعاد: كتاب الزكاة في المستحقين ص 461 س 20.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في الأوصاف ج 1 ص 235 س 19.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في الأوصاف ج 1 ص 235 س 17.
(6) ذخيرة المعاد: كتاب الزكاة في المستحقين ص 461 س 20.
186

وكيف كان لا شبهة في ضعفه، وإن شهدت له جملة من النصوص الظاهرة
القريبة من الصراحة، لعدم مكافأتها الأدلة المتقدمة وإن تأيدت بالاطلاقات
الأخبار المانعة.
(والذين يحرم عليهم) الصدقة (الواجبة ولد عبد المطلب) بن هاشم
بن عبد مناف دون عمه المطلب بلا خلاف ظاهر، ولا محكي، إلا عن شيخنا
المفيد في الرسالة الغرية (1) والإسكافي (2) فعمما التحريم لولدهما، للموثق
المتقدم.
وهو مع عدم صراحته نادر، كما أجاب عنه الفاضلان في المعتبر (3)
والمنتهى (4)، مشعرين بدعوى الاجماع على خلافه، فلا يخصص بمثله عموم نحو
الكتاب، مضافا إلى إشعار جملة من المستفيضة بالاختصاص ببني هاشم،
حيث اقتصرت على ذكرهم خاصة، من غير إشارة في شئ منها إلى غيرهم
بالكلية.
بل قال في المنتهى: وتخصيص الصادق عليه السلام التحريم يدل على نفيه
عما عدا المخصوص، وذلك في قوله: لا يحل لولد العباس ولا لنظرائهم من بني
هاشم، وكذا في قول النبي صلى الله عليه وآله: أن الصدقة لا تحل لي ولا لكم
يا بني عبد المطلب، والمراد بذلك كله شرف المنزلة وتعظيم الرسول صلى الله
عليه وآله، فلو شاركهم بنو المطلب في ذلك لذكره، لأنه في معرض التعظيم
لنسبه (5).

(1) لا يوجد لدينا هذا الكتاب ونقله عنه في المعتبر: كتاب الزكاة في أوصاف المستحقين ج 2 ص 585.
(2) كما في مختلف الشيعة: كتاب الزكاة في ما تصرف فيه ج 3 ص 212.
(3) المعتبر: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 585.
(4) منتهى المطلب: كتاب الزكاة من يستحق الزكاة ج 1 ص 525 س 20.
(5) منتهى المطلب: كتاب الزكاة من يستحق الزكاة ج 1 ص 525 س 22.
187

(وأما اللواحق فمسائل) تسع:
(الأولى: يجب دفع الزكاة إلى الإمام عليه السلام إذا طلبها) قطعا
لوجوب إطاعته وتحريم مخالفته.
(ويقبل قول المالك لو ادعى الاخراج) بنفسه، ولا يكلف يمينا،
ولا بينة بغير خلاف أجده، قيل: لأن ذلك حق له كما هو عليه، ولا يعلم إلا
من قبله وجاز احتسابه من دين وغيره مما يتعذر، الاشهاد عليه. ويدل عليه
أيضا جملة من النصوص الواردة في آداب المصدق.
ففي الصحيح وغيره: خطابا له قل يا عباد الله أرسلني إليكم ولي الله لآخذ
منكم حق الله تعالى في أموالكم، فهل لله تعالى في أموالكم من حق فتؤدوه
إلى وليه، فإن قال لك قائل، فلا تراجعه، وإن أنعم لك منعم فانطلق معه (1)
الحديث.
وكذا يقبل دعواه عدم الحول، وتلف المال، وما ينقص النصاب ما لم يعلم
كذبه، ذكر ذلك شيخنا في الروضة قال: ولا تقبل الشهادة عليه في ذلك إلا
مع الحصر لأنه نفي (2).
(ولو بادر المالك باخراجها) إلى المستحق بنفسه أو وكيله، قبل الدفع
إلى الإمام أو نائبه حيث يجب عليه (أجزأته)، كما هنا وفي الارشاد (3)
والتذكرة (4)، لأنه دفع المال إلى مستحقه فخرج عن العهدة، كالدين إذا دفعه
إلى من يستحقه.
خلافا للشيخ (5) وجماعة فلا تجزئ، لأنه عبادة ولم يؤت بها على وجهها

(1) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب زكاة الأنعام ح 7 ج 6 ص 91.
(2) الروضة البهية: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 54.
(3) إرشاد الأذهان: كتاب الزكاة في كيفية الاخراج ج 1 ص 288.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في المخرج ج 1 ص 241 س 18.
(5) المبسوط: كتاب الزكاة في اعتبار النية ج 1 ص 233.
188

المطلوب شرعا، فلا يخرج عن العهدة المكلف بها، ولأن الأمر بالشئ يقتضي
النهي عن ضده الخاص، والنهي في العبادة مفسد لها.
والمسألة محل إشكال وتوقف، كما في المنتهى (1) والتحرير (2) وغيرهما، إلا
أن الأمر فيه هين، لاختصاص الحكم بطلب الإمام، ومع ظهوره عجل الله
فرجه يتضح الاحكام كلها إن شاء الله تعالى. انتهى.
وهو حسن، إلا أن دعواه اختصاص الحكم بطلبه عليه السلام لعلها لا يخلو
عن شئ، إلا أن تبنى على ما هو المشهور الآن، من عدم وجوب دفعها إلى
الفقيه المأمون في هذا الزمان.
وهو خيرة الماتن لقوله (ويستحب دفعها إلى الإمام ابتداء) أي من
غير أن يطلبها (ومع فقده إلى الفقيه المأمون من الإمامية) المفسر في كلام
جماعة من المتأخرين، كما في الذخيرة (3) بمن لا يتوصل إلى أخذ الحقوق، مع
غنائه عنها بالحيل الشرعية.
وإنما يستحب دفعها إليهما (لأنه) أي كلا منهما (أبصر بمواقعها) وأخبر
بمواضعها، ولا فيه من الخروج من شبهة خلاف من أوجب الدفع إليهما ابتداء،
كالمفيد (4) والحلبي (5) والقاضي (6) وابن زهرة (7) العلوي، لكنه والقاضي سوغا
تولي المالك إخراجها مع غيبة الإمام، كزماننا مطلقا، كما في عبارة القاضي

(1) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في النية ج 1 ص 516 س 14.
(2) تحرير الأحكام: كتاب الزكاة في المتولي للاخراج ج 1 ص 67 س 25.
(3) ذخيرة المعاد: كتاب الزكاة في كيفية الاخراج ص 465 س 15.
(4) المقنعة: كتاب الزكاة ب 27 في وجوب اخراج الزكاة إلى الإمام ص 252.
(5) الكافي في الفقه: فصل في جهة الحقوق ص 172.
(6) المهذب: كتاب الزكاة في مستحق الزكاة ج 1 ص 171.
(7) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة فيما يتعلق بالزكاة ص 506 س 22.
189

المنقولة في المختلف (1) أو بشرط المعرفة وإلا فيحمل إلى الفقيه المأمون من أهل
الحق كما في الغنية، ولا شبهة فيه ولا ريب يعتريه.
وعليه يحمل قطعا إطلاق القاضي،. وهما في المعنى الآن موافقان لنا، وإنما
المخالف الأولان، ولم أقف على دليل يدل على أصل وجوب الدفع إلى الإمام
عليه السلام، فضلا عن نائبه.
والاستدلال عليه آية (خذ من أموالهم صدقة) (3) الآية، لا وجه له، كما
صرح به جماعة، لأن غايتها وجوب الدفع مع المطالبة، وهو لا يستلزم وجوبه
قبلها كما هو مفروض المسألة، والأصح الأول، للأصل والعمومات كتابا
وسنة، واستفاضة الروايات بجواز تولي المالك بنفسه أو وكيله، لاخراجها، مع
عدم وضوح مقيد لها (3)، لما مضى.
مع أن في ظاهر الغنية الاجماع عليه مع الغيبة والمعرفة (4)، كما هو مفروض
المسألة، وهو صريح الخلاف في كتاب قسمة الصدقات (5)، وظاهره عدم
خلاف في ذلك في الأموال الباطنة بين العامة والخاصة، ومورد عبارته لم إن
كان الإمام دون الفقيه، لكنه هنا ملحق به بالأولوية، وما استدل به من عموم
الأدلة.
(الثانية: يجوز أن يخص بالزكاة أحد الأصناف) الثمانية بل (ولو)
خص بها شخصا (واحدا) جاز بإجماعنا الظاهر، المصرح به في التذكرة (6)

(1) المختلف: كتاب الزكاة في كيفية الاخراج ج 1 ص 187 س 5.
(2) التوبة: 103.
(3) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب المستحقين للزكاة ح 6 ج 6 ص 195.
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة فيما يتعلق بالزكاة ص 506 س 25.
(5) الخلاف: كتاب قسمة الصدقات مسألة 4 ج 2 ص 347.
(6) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في كيفية التقسيط ج 1 ص 244 س 1.
190

وغيرها، ونفى عنه الخلاف من متأخري المتأخرين جماعة، والصحاح به مع
ذلك مستفيضة، وبها تصرف الآية الكريمة عن ظاهرها، بحملها على أمور.
أجودها ما في المنتهى (1)، من أنها سيقت لبيان المصرف خاصة، ولكن
لعل مراعاة ظاهرها أحوط.
(و) لعله لذا يكون (قسمتها على الأصناف أفضل) مع ما فيه من
عموم النفع، وشمول الفائدة، أو لما فيه من التخلص من الخلاف، وحصول
الاجزاء يقينا، كما في المنتهى (2) والتذكرة (3)، وكأنه أراد بذلك خلاف
العامة، لتصريحه بالاجماع على عدم وجوب البسط في التذكرة.
(وإذا قبضها الإمام) أو الساعي (أو الفقيه برئت ذمة المالك ولو
تلفت) بعد ذلك بغير خلاف أجده، وبه صرح في الذخيرة (4)، وفي
المدارك (5) أنه مما لا خلاف فيه بين العلماء، لأن الإمام أو نائبه، كالوكيل
لأهل السهمين، فكأن قبضهما جاريا مجرى قبض المستحق، ولفحوى الصحيح
إذا أخرجها من ماله فذهبت ولم يسمها لأحد فقد برئ منها.
(الثالثة: لو لم يوجد مستحق استحب) للمالك (عزلها) بل عن
التذكرة (6) والمنتهى (7) استحبابه بعد الحول مطلقا، لوجوه اعتبارية، يشكل
التمسك بها في إثبات ما هو العمدة.
والمقصود من العزل من صيرورة نصيب المالك ملكا للمستحقين قهرا،

(1) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في أحكام الزكاة ج 1 ص 528 س 20.
(2) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في أحكام الزكاة ج 1 ص 528 س 32.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في كيفية التقسيط ج 1 ص 244 س 15.
(4) ذخيرة المعاد: كتاب الزكاة في كيفية الاخراج ص 467 س 5.
(5) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في أحكام دفع الزكاة ج 5 ص 274.
(6) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في وقت الاخراج ج 1 ص 238 س 8.
(7) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في أحكام الزكاة ج 1 ص 529 س 33.
191

حتى لا يشاركهم عند التلف أصلا. نعم يدل عليه الصحيحة المتقدمة قريبا،
ونحوها أخبار أخر معتبرة.
منها الصحيح: إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثم سماها لقوم
فضاعت، أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شئ عليه (1).
والموثق: زكاة يحل على شهر أفيصلح لي أن أحبس منها شيئا مخافة أن
يجيئني من يسألني يكون عندي عدة؟ قال: إذا حال الحول فأخرجها من
مالك، ولا تخلطها بشئ، وأعطها كيف شئت، قال: قلت: فإن كتبتها وأثبتها
يستقيم لي، قال: نعم (2).
وهي حجة على من منع من صحة العزل، مع وجود المستحق كشيخنا
الشهيد الثاني (3)، والصحة مطلقا خيرة الفاضلين - كما مضى - والشهيد في
الدروس (4).
ولعله الأقوى، إلا أن يحمل إطلاق النصوص على صورة فقد المستحق،
بدعوى تبادرها منها، لكنها محل نظر، مع أن صدر الموثق ظاهر في خلافها.
والمراد بالعزل تعيينها في مال خاص، وصحته تقتضي كونها أمانة في يده
لا يضمن عند التلف، إلا مع التفريط، أو تأخير الدفع مع التمكن من الايصال
إلى المستحق.
ولازم ذلك أنه ليس للمالك إبدالها لصيرورتها بالعزل، كالمقسوم مال
الفقراء.

(1) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب المستحقين للزكاة ح 3 ج 6 ص 198.
(2) وسائل الشيعة: ب 52 من أبواب المستحقين للزكاة ح 2 ج 6 ص 213.
(3) مسالك الأفهام: كتاب الزكاة في أصناف المستحقين ج 1 ص 62 س 4.
(4) الدروس الشرعية: كتاب الزكاة في دفع الزكاة عند وجوبها ص 65 س 7.
192

لكن في الصحيح - الوارد في آداب الساعي -: اصدع المال صدعين - إلى أن
قال -: حتى يبقى وفاء لحق الله في ماله، فاقبض حق الله تعالى منه، وإن
استقالك فأقله (1)، دلالة على جواز التبديل كما قيل (2).
ولعله لا يخلو عن نظر، ومع ذلك فعدم التبديل أحوط إن لم نقل بكونه
المتعين.
والنماء تابع لها مطلقا على الأقوى، وفاقا للمدارك (3) وغيره - لما مضى -
وللخبر: عن الزكاة يجب علي في موضع لا يمكنني أن أؤديها قال: إعزلها فإن
اتجرت بها فأنت ضامن لها، ولها الربح - إلى أن قال -: وإن لم تعزلها واتجرت
بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح، ولا وضيعة عليها (4).
خلافا للدروس فللمالك (5)، ولم أعرف له مستندا.
(و) يستحب (الايصاء بها) إذا لم تحضره الوفاة، لئلا يشتبه على
الورثة لو مات فجأة، كما علل به في المنتهى (6) فإذا حضرته وجب، لتوقف
الواجب عليه، ولعموم الأمر بالوصية، وأوجب الشهيد في الدروس العزل مع
الوصية (7) أيضا، وهو أحوط.
والمعتبر في الوصية ما يحصل به الثبوت الشرعي.
وفي الصحيح: رجل مات وعليه زكاة وأوصى أن تقضى عنه الزكاة وولده

(1) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب زكاة الأنعام ح 1 ج 6 ص 89.
(2) لم نعثر عليه.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في أحكام دفع الزكاة ج 5 ص 275.
(4) وسائل الشيعة: ب 52 من أبواب المستحقين للزكاة ح 3 ج 6 ص 214.
(5) الدروس الشرعية: كتاب الزكاة في دفع الزكاة عند وجوبها ص 65 س 8.
(6) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في أحكام الزكاة ج 1 ص 529 س 35.
(7) الدروس الشرعية: كتاب الزكاة في دفع الزكاة عند وجوبها ص 65 س 6.
193

محاويج إن دفعوها أضربهم ضرارا شديدا؟ فقال: يخرجونها فيعودون بها على
أنفسهم، ويخرجون منها شيئا (1).
(الرابعة: لو مات العبد المبتاع بمال (2) الزكاة ولا وارث له) يختص به
(ورثة أرباب الزكاة) كما في الصحيح (3)، وبه عبر أكثر الأصحاب أو فقراء
المؤمنين الذين يستحقون الزكاة، كما في الموثق (4)، وبه عبر المفيد (5)، قال:
لأنه اشتري بحقهم من الزكاة، وفي المختلف (6) أن الظاهر أن مراده ليس
تخصيص الفقراء والمساكين، بل أرباب الزكاة، لأن التعليل يعطيه.
وفي المدارك (7) والذخيرة (8) الأحوط صرف ذلك في الفقراء خاصة لأنهم
من أرباب الزكاة في حال الغيبة، يستحقون ما يرثه الإمام ممن لا وارث له،
فيكون الصرف إليهم مجزئا على التقديرين، انتهى. ولا بأس به.
وهذا الحكم من أصله مشهور بين الأصحاب، حتى أن في المعتبر (9) والمنتهى (10)
عزياه إلى علمائنا أجمع، كالمرتضى في الانتصار (11)، مؤذنين بدعوى الاجماع عليه.
وهو الحجة، مضافا إلى الخبرين المزبورين المتقدمين في بحث الرقاب.

(1) وسائل، الشيعة: ب 14 من أبواب المستحقين للزكاة ح 5 ج 6 ص 168.
(2) في المتن المطبوع: (من مال).
(3) وسائل الشيعة: ب 43 من أبواب المستحقين للزكاة ح 3 و 2 ج 6 ص 203.
(4) وسائل الشيعة: ب 43 من أبواب المستحقين للزكاة ح 3 و 2 ج 6 ص 203.
(5) المقنعة: كتاب الزكاة ب 28 في زيادات الزكاة ص 259.
(6) المختلف: كتاب الزكاة في كيفية الاخراج ج 1 ص 191 س 21.
(7) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة أحكام دفع الزكاة ج 5 ص 276.
(8) ذخيرة المعاد: كتاب الزكاة في كيفية الاخراج ص 468 س 44.
(9) المعتبر: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 589.
(10)، منتهى المطلب: كتاب الزكاة في أحكام الزكاة ج 1 ص 531 س 14.
(11) الإنتصار: فيمن حرم عليه الزكاة ص 85.
194

(و) ذكر الفاضلان هنا وفي الشرائع (1) والمعتبر (2) والمنتهى (3) أنه (فيه
وجه آخر) يكون إرثه للإمام عليه السلام.
قالا: لأنهم لا يملكون العبد المبتاع بمال الزكاة، لأنه أحد مصارفه، فيكون
كالسائبة، ولضعف الرواية، وأشار بها إلى الموثقة، قالا: لأن في طريقها ابن
فضال، وهو فطحي، وابن بكير، وفيه ضعف. ثم قالا: غير أن القول بها أقوى،
لمكان سلامتها عن المعارض، باطباق المحققين منا على العمل بها كذا في
المعتبر، وقريب منه في المنتهى.
(و) منه يظهر الوجه في (هذا) أي ما ذكره أولا، وفاقا للأصحاب
(أجود).
ولكن ذهب الفاضل في الارشاد (4) والقواعد (5)، وولده (6) في الشرح إلى
الثاني، وهو ضعيف، كتوقفه في المختلف (7).
وفصل الشهيد (8) بين ما لو اشترى لعدم المستحق فالأول، لأنه يكون
مصروفا عن حق الفقراء، ويحمل عليه الرواية المشعرة بذلك، ويكون تسلط
المكلف على الشراء موجبا للولاء لهم، وبين ما لو اشترى من سهم الرقاب،
كالعبد تحت الشدة فالإمام عليه السلام لم يشتر بمالهم، وقواه الفاضل المقداد في

(1) شرائع الاسلام: كتاب الزكاة في اللواحق ج 1 ص 166.
(2) المعتبر: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 589.
(3) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في أحكامها ج 1 ص 531 س 18.
(4) إرشاد الأذهان: كتاب الزكاة في كيفية الاخراج ج 1 ص 290.
(5) قواعد الأحكام: كتاب الزكاة في كيفية الاخراج ج 1 ص 59 س 1.
(6) إيضاح الفوائد: كتاب الزكاة في كيفية الاخراج ج 1 ص 207.
(7) المختلف: كتاب الزكاة في كيفية الاخراج س 30 ص 191.
(8) المدروس الشرعية: كتاب الزكاة في دفع الزكاة عند وجوبها ص 63 س 22.
195

الشرح (1).
وهو اجتهاد في مقابلة النص المعتبر بما مر.
ودعوى إشعار التعليل بالأول، مضعفة بأن ظاهر الرواية وقوع الشراء
لجميع الزكاة، لابسهم مخصوص منها (2).
ولعل المقصود منه أنه اشترى بمال يسوغ صرفه في الفقراء، لا أنه ما لهم
حقيقة، والغرض منه توجيه الحكمة المقتضية للحكم.
(الخامسة: أقل ما يعطى الفقير) الواحد (ما يجب في النصاب
الأول) وهو نصف مثقال في الذهب، وخمسة دراهم في الفضة، وفاقا للأكثر
على الظاهر المصرح به في عبائر جمع، ومنهم الفاضلان في المنتهى (3)
والشرائع (4) والمعتبر (5)، للصحيح (6) وغيره، المنجبر ضعفه بالشهرة، بل الاجماع
كما في الانتصار (7) والغنية (8)، وهو بنفسه حجة أخرى مستقلة.
(وقيل): إنه (ما يجب في الثاني) من درهم أو عشر دينار، والقائل
الإسكافي (9) والديلمي (10) وغيرهما.
ومستندهما غير واضح، عدا الاجماع المحكي من المرتضى (11) في المسائل

(1) التنقيح الرائع: كتاب الزكاة في اللواحق ج 1 ص 327.
(2) وسائل الشيعة: ب 43 من أبواب المستحقين للزكاة ح 2 ج 6 ص 203.
(3) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في أحكامها ج 1 ص 530 س 3.
(4) شرائع الاسلام: كتاب الزكاة في المتولي للاخراج ج 1 ص 166.
(5) المعتبر: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 590.
(6) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب المستحقين للزكاة ح 2 ج 6 ص 177.
(7) الإنتصار: في أقل ما يعطى الفقير ص 82.
(8) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة في مقدار ما يعطى الفقير ص 556 س 20.
(9) المختلف: كتاب الزكاة في كيفية الاخراج ج 1 ص 186 س 6.
(10) المراسم: كتاب الزكاة في أقل ما يجزئ اخراجه من الزكاة ص 134.
(11) نقله عنه في المختلف: كتاب الزكاة في كيفية الاخراج ج 1 ص 186 س 2.
196

المصرية، وهو مع وهنه - بمصير الأكثر إلى خلافه - معارض بمثله المعتضد بمثله،
وبالصحيح وغيره.
(و) عليه فيكون القول (الأول أظهر).
ويظهر من العبارة ونحوها انحصار القول في المسألة فيهما، مع أن هنا قولا
ثالثا للحلي (1) والمرتضى في الجمل (2)، فلم يقدر المدفوع بقدر، واختاره جمع
ممن تأخر، للأصل، والاطلاقات كتابا وسنة، والصحاح المستفيضة.
وهي ما بين مصرحة بجواز دفع درهمين أو ثلاثة كالصحيح: هل يجوز لي
يا سيدي أن أعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين والثلاثة فقد اشتبه
ذلك علي فكتب ذلك جائز (3). ونحوه آخر لراويه، فيحتملان الاتحاد.
وقائله بأنه لا تقدير في المدفوع، وأنه بحسب ما يراه الإمام، كالصحيحين.
وفي الجميع نظر، لوجوب الخروج عن الأولين بما مر، وقوة احتمال ورود
الصحاح للتقية، فإن القول بعدم التقدير مذهب الجمهور كافة، كما صرح به
جماعة، ويشهد له كون الروايتين الأوليين منها مكاتبة، مع أنهما لم يدلا على
عدم اشتراط التقدير، بل غايتهما الدلالة على جواز دفع الدرهمين والثلاثة في
الجملة.
وهو لا ينافي التقدير بما دونها كما هو أحد الأقوال في المسألة، ومع ذلك
فيحتملان التقييد بما إذا أدى ما وجب في النصاب الأول، كما صرح به جمع.
وكذلك الصحيحان الأخيران يحتملان التقييد بما بعد النصاب الأول،
يعني أنه لا يقدر بشئ بعد ذلك التقدير، مع أن التقدير المنفي في أحدهما

(1) السرائر: كتاب الزكاة باب مستحق الزكاة ج 1 ص 464.
(2) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الزكاة في اخراج الزكاة ج 3 ص 79.
(3) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب المستحقين للزكاة ح 5 ج 6 ص 178.
197

يحتمل التقدير بحسب البسط على الأصناف وعدمه، لا المقدار، كما يشهد لهذا
سيافه.
وكيف كان فلا ريب أن القول الأول مع كونه أقوى أحوط وأولى.
وهل هذا التقدير على الوجوب، كما هو ظاهر أكثر العبارات، بل صريح
جملة منها، قد ادعي فيها الاجماع، تبعا لظاهر النهي، والصحيح، ولفظة لا يجوز
في غيره، أم الاستحباب، كما صرح به جمع من المتأخرين، ومنهم الفاضل في
التذكرة مدعيا كونه إجماعيا (1)؟ إشكال. ولا ريب أن الأول أحوط إن لم نقل
بكونه أظهر.
ثم هل الحكم المذكور مختص بزكاة الفضة لكونها مورد نصوص المنع في
المسألة، أم يعمها وغيرها حتى الأنعام، فلا يجوز أن يدفع فيها أقل مما يجب في
أول نصابها، أو أول نصاب الفضة، كما يستفاد من فحواها لتضمن بعضها
تعليل المنع عن أداء الخمسة دراهم بأنها. أقل الزكاة؟ إشكال، ولكن
التعميم أحوط وأولى.
ولو أعطى ما في الأول ثم وجبت الزكاة عليه في النصاب الباقي أخرج
زكاته، وسقط اعتبار التقدير إذا لم يجتمع معه ما لم يبلغ الأول.
ولو كان له نصابان أول وثان فالأحوط دفع الجميع لواحد.
خلافا للشهيد (2) وغيره فجوزوا دفع ما في الأول لواحد، وما في الثاني
لغيره.
ويضعف بإطلاق النهي عن إعطاء ما دون الخمسة، وإمكان الامتثال
بدفع الجميع لواحد.

(1) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في كيفية التقسيط ج 1 ص 244 س 25.
(2) الدروس الشرعية: كتاب الزكاة أصناف المستحق ص 63 س 27.
198

(ولا حد للأكثر) أي أكثر ما يعطى الفقير الواحد منها، فيجوز أن يعطى
ما يغنيه وما يزيد على غناه، بإجماعنا الظاهر المصرح به في عبائر جماعة،
كالمنتهى (1) والمدارك (2) والغنية (3)، والمعتبرة به مع ذلك من طرقنا مستفيضة،
مضافا إلى النبوية المشهورة المشار إليها في العبارة بقوله: (فخير الصدقة
ما أبقت غنى) (4).
لكن الدلالة لعلها لا تخلو عن مناقشة، أشار إلى وجهها في الذخيرة (5)،
قال: لأن الظاهر أن المراد ما أبقت غنى لمعطيها، أي لا يوجب فقره
واحتياجه، فإن الابقاء ظاهره ذلك.
(السادسة: يكره أن يملك) الدافع الزكاة، بل مطلق (ما أخرجه في
الصدقة اختيارا) إجماعا كما في المعتبر (6) والمدارك (7)، وفي المنتهى أنه
لا خلاف بين العلماء (8)، لأنها طهارة للمال فيكره له شراء طهوره، ولأنه ربما
استحيى الفقير فيترك المماكسة معه، ويكون ذلك وسيلة إلى استرجاع
بعضها، وربما طمع الفقير في غيرها منه فأسقط بعض ثمنها.
وذهب بعض العامة إلى التحريم، ولا خلاف بيننا في عدمه، وعن جميع
دعوى الاجماع عليه.

(1) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في أحكامها ج 1 ص 530 س 11.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة أحكام دفع الزكاة ج 5 ص 283.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة في ما يتعلق بالزكاة ص 506 س 21.
(4) سنن أبي داود: كتاب الزكاة باب الرجل يخرج من ماله ح 1676 ج 2 ص 129.
(5) ذخيرة المعاد: كتاب الزكاة في مستحقي الزكاة ص 462 س 1.
(6) المعتبر: كتاب الزكاة في أحكام دفع الزكاة ج 2 ص 591.
(7) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة أحكام دفع الزكاة ج 5 ص 285.
(8) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في أحكامها ج 1 ص 530 س 36.
199

ويدل عليه - بعده - الأصل والعمومات كتابا وسنة، السليمة عن المعارض
بالكلية، حتى أنه لولا الاجماع على الكراهة لكانت أيضا محل مناقشة، لعدم
دليل عليها عدا الوجوه المتقدمة وهي لاثبات الحكم غير صالحة.
نعم تصلح أن تكون وجها للحكمة، وخصوص الخبر: إذا أخرجها - يعني
الشاة - فليقومها فيمن يزيد، فإذا قامت على ثمن، فإن أرادها صاحبها فهو
أحق بها، وإن لم يردها فليبعها (1).
(ولا بأس بعوده إليه بميراث وشبهه) كشراء الوكيل العام، ومعنى نفي
البأس أنه يملكه.
ولا يستحب له إخراجه عن ملكه، والأصل فيه - بعد الأصل، واختصاص
دليل المنع بغير هذا الفرض - نفي الخلاف عنه في المنتهى قال: إلا من الحسن
ابن حي وابن عمر، والنبوي المروي فيه: أن رجلا تصدق على أبيه بصدقة، ثم
مات فسأل النبي صلى الله عليه وآله؟ فقال: وقد قبل الله تعالى صدقتك
وردها إليك بالميراث (2).
واحترز ب‍ (الاختيار) عن فرضنا هذا وعما لو احتاج إلى شرائها، بأن
يكون الفرض جزء من حيوان لا يمكن الفقير الانتفاع به، ولا يشتريه غير
المالك، أو يحصل للمالك ضرر بشراء غيره، فإنه تزول الكراهة حينئذ، ويجوز
الشراء إجماعا، كما عن التذكرة (3) والمنتهى (4).
(والسابعة: إذا قبض الإمام الصدقة دعا لصاحبها) وكذا الساعي،

(1) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب زكاة الأنعام ح 3 ج 6 ص 90.
(2) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في أحكامها ج 1 ص 531 س 11.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في اللواحق ج 1 ص 247 س 13.
(4) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في أحكامها ج 1 ص 531 س 13.
200

إجماعا كما في المنتهى (1) ولقوله تعالى: (وصل عليهم إن صلاتك سكن
لهم) (2)، وللنبوي إذا أتى بصدقة، قال: اللهم صل على أبي فلان (3).
ويكون ذلك (استحبابا على الأظهر) وفاقا للأكثر بل لا خلاف فيه
يظهر إلا من الشيخ في الخلاف في كتاب الزكاة (4) والماتن في المعتبر (5)
والفاضل في الارشاد (6)، والشهيد في الدروس (7).
وقد رجعوا عنه إلى الاستحباب في الكتاب، وكتاب قسمة الصدقات من
الخلاف (8) والمبسوط (9) والمختلف (10) واللمعة (11)، ولعله للأصل، وعدم
صراحة الآية في كون الصلاة المأمور بها لأجل أداء الزكاة وبعد قبضها، بل
لا يبعد دعوى عدم ظهورها فيه أيضا.
والرواية - بعد الاغماض عن سندها - غير دالة على الوجوب، كما لا يخفى.
هذا وينبغي القطع بعدم الوجوب بالنسبة إلى الفقيه والفقير، أما الثاني:
فلدعوى الاجماع على عدم الوجوب فيه صريحا في الروضة (12)، وغيرها، وأما

(1) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في أحكامها ج 1 ص 531 س 23.
(2) التوبة: 103.
(3) سنن ابن ماجة: باب 8 ما يقال عند اخراج الزكاة ح 1796 ج 1 ص 572.
(4) الخلاف: كتاب الزكاة م 155 ج 2 ص 125.
(5) المعتبر: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 592.
(6) إرشاد الأذهان: كتاب الزكاة في كيفية الاخراج ج 1 ص 289.
(7) الدروس الشرعية: كتاب الزكاة في دفع الزكاة عند وجوبها ص 64 ص 19.
(8) الخلاف: كتاب قسمة الصدقات مسألة 5 ج 2 ص 347.
(9) المبسوط: كتاب قسمة الزكاة ج 1 ص 244.
(10) المختلف: كتاب الزكاة في كيفية الاخراج ج 1 ص 188 س 3.
(11) اللمعة الدمشقية: كتاب الزكاة في المستحق ص 24.
(12) الروضة البهية: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 56.
201

الأول: فللأصل.
واختصاص أدلة الوجوب كتابا وسنة على تقدير تسليمها بالنبي صلى
الله عليه وآله خاصة أو الإمام عليه السلام على احتمال، فلا وجه للمنع فيه
جدا، وبذلك صرح جملة من متأخري متأخري أصحابنا.
(الثامنة: يسقط مع غيبة الإمام سهم السعاة والمؤلفة) بلا خلاف
ولا إشكال، حيث لا يحتاج إليهما، كما في زماننا هذا وما ضاهاه غالبا.
ويشكل فيما لو احتيج إليهما، كما إذا تمكن الفقيه النائب عن الإمام عليه السلام من نصب السعاة، أو دهم المسلمين عدو يخاف منه والعياذ بالله
بحيث يجب عليهم الجهاد.
ويحتاج إلى التأليف فإن الظاهر عدم السقوط هنا، وفاقا للشهيدين في
الدروس (1) واللمعتين (2)، وجماعة من متأخري المتأخرين، للعمومات السليمة
عن المعارض.
ومن هنا يظهر ما في القول بسقوط سهم المؤلفة بعد النبي صلى الله عليه
وآله، كما عن الصدوق (3) وبعض العامة (4) (5)، بطريق أولى، مع أن المحكي
من دليلهما في غاية الضعف جدا.
(وقيل: يسقط) معها (سهم السبيل) أيضا، بناء على اختصاصه عنده
بالجهاد، المفقود في هذا الزمان.
وفيه ما قدمناه من إمكان فيه أيضا فلا يستقيم الحكم بالسقوط مطلقا.

(1) الدروس الشرعية: كتاب الزكاة في وجوب دفع الزكاة عند وجوبها ص 65 ص 17.
(2) اللمعة الدمشقية والروضة البهية: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 57.
(3) من لا يحضره الفقيه: كتاب الزكاة باب علة وجوب الزكاة ج 2 ص 6.
(4) المغني والشرح الكبير: كتاب الزكاة في المؤلفة قلوبهم ج 2 ص 697.
(5) وفي (م) و (ق) زيادة: (وحجته مع ذلك ضعيفة).
202

(و) مع ذلك ف‍ (على ما اخترناه) (1) من عدم اختصاص هذا السهم
بالجهاد (لا يسقط) مطلقا كما لا يخفى.
(التاسعة: ينبغي أن تعطى زكاة الذهب والفضة) والثمار والزروع
(أهل) الفقر (والمسكنة، وزكاة النعم أهل التجمل) كما في النص،
معللا بأن أهل التجمل يستحيون من الناس، فيدفع إليهم أجل الأمرين
عندهم.
(والتوصل إلى المواصلة بها من يستحيي من قبولها) للنص، فيوصل
إليه هدية، ويحتسب عليه بعد وصولها إلى يده، أو يد وكيله مع بقاء عينها.
(القسم الثاني: في زكاة الفطرة)
ويطلق على الخلقة وعلى الاسلام، والمراد بها على الأول زكاة الأبدان
مقابل الأموال، وعلى الثاني زكاة الدين والاسلام.
(وأركانها أربعة):
(الأول):
(في) بيان (من تجب عليه)
إعلم أنه (إنما تجب على الحر، البالغ، العاقل، الغني) فلا تجب على
الصبي، ولا المجنون إجماعا، كما في المعتبر (2) والتحرير (3) والمنتهى (4)، لحديث

(1) في المتن المطبوع والشرح الصغير: (على ما قلناه).
(2) المعتبر: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ج 2 ص 593.
(3) تحرير الأحكام: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ج 701 س 32.
(4) منتهى الطلب: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ج 1 ص 531 س 36.
203

رفع القلم (1)، وللصحيح في الأول؟ الوصي يزكي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا
كان لهم مال، فكتب لا زكاة على يتيم (2).
ولا على المملوك إجماعا أيضا، كما في صريح الخلاف (3) والسرائر (4)
وغيرهما، وظاهر المنتهى (5)، بل صريحه أيضا.
ولا شبهة فيه على القول بأنه لا يملك شيئا، وكذا على القول الآخر، للاجماع
المنقول، وعموم الصحيح ليس في مال المملوك شئ (6).
وفي الصحيح: قلت له: مملوك بيده مال أعليه زكاة؟ قال: لا، قلت: فعلى
سيده، فقال: لا، أنه لم يصل إلى سيده، وليس هو للمملوك (7). فتدبر.
ولا فرق في إطلاق النص والفتوى، بين القن والمدبر والمكاتب، إلا إذا
تحرر بعض المطلق فيجب عليه بحسابه على المشهور.
خلافا للصدوق (8) فيجب على المكاتب، للصحيح (9).
ويعارض بالمرفوع المعمول به يؤدي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه (10)
وحمله على صورة العيلولة ليس بأولى من حمل المعارض على المبعض
بالنسبة إلى الحرية، بل هو أولى، للشهرة، وللمبسوط (11) في المبعض فنفاها عنه

(1) سنن البيهقي: كتاب الحج باب اثبات فرض الحج ج 4 ص 325.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب زكاة الفطرة ح 2 ج 6 ص 226.
(3) الخلاف: كتاب زكاة الفطرة مسألة 3 ج 1 ص 324.
(4) السرائر -: كتاب الزكاة أحكام، زكاة الفطرة ج 1 ص 466.
(5) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ج 1 ص 532 س 6.
(6) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة ح 1 ج 6 ص 60.
(7) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة ح 4 ج 6 ص 60.
(8) من لا يحضره الفقيه: كتاب الصوم في الفطرة ح 207 ج 2 ص 179.
(9) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب زكاة الفطرة ح 3 ج 6 ص 253.
(10) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب زكاة الفطرة ح 2 ج 6 ص 253.
(11) المبسوط: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 239.
204

رأسا، وهو نادر، محجوج بالعموم، المؤيدة بكثرة النظائر.
ولا على الفقير على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، وفي المعتبر (1)
والمنتهى أنه مذهب علمائنا أجمع، إلا الإسكافي فأوجب عليه إذا فضل عن
مؤنته ومؤنة عياله ليوم وليلة صاع (2).
وهو نادر - وإن نقله في الخلاف (3) عن كثير من الأصحاب - محجوج
بالمعتبرة المستفيضة، المتضمنة للصحيح وغيره، الدالة على أن الفقير ومن أخذ
الزكاة لفقره لا فطرة عليه (4)، وهي أصرح دلالة على عدم الوجوب من إطلاق
الكتاب والسنة.
وخصوص ما ورد بإيجابها عليه من المعتبرة، كالصحيح الفقير الذي
يتصدق عليه هل تجب عليه صدقة الفطرة؟ قال: نعم يعطي مما يتصدق به
علية (5)، بتقييد الاطلاق بمن عداه، وصرف الموجب إلى الاستحباب، أو
تقييده أيضا بما إذا حصل له الغنى بما يتصدق عليه.
وربما يشير إلى هذا الموثق وغيره: أعلى من قبل الزكاة زكاة؟ قال: أما من
قبل زكاة المال فإن عليه الفطرة، وليس على من قبل الفطرة فطرة (6). بناء على
أنه لا قائل بهذا التفصيل، إلا على تقدير حمل الوجوب على من قبل الزكاة،
على ما إذا حصل له بها الغنى، وعدمه على من قبل الفطرة على غيره.
وضابطه على الأظهر الأشهر من ملك مؤنة سنة له ولعياله فعلا أو قوة،

(1) المعتبر: كتاب الزكاة في المستحق ج 2 ص 593.
(2) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ج 1 ص 532 س 11.
(3) الخلاف: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة م 28 ج 1 ص 331.
(4) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب زكاة الفطرة ج 6 ص 223.
(5) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب زكاة الفطرة ح 2 ج 6 ص 225.
(6) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب زكاة الفطرة ح 10 ج 6 ص 224.
205

لأن من عداه تحل له الزكاة - على ما مر في بحثها - فلا تجب عليه الفطرة، كما
دلت عليه نصوص المسألة.
التي منها الصحيح: رجل أخذ من الزكاة عليه صدقة الفطرة، قال: لا (1).
وفي الخبر من أخذ الزكاة فليس عليه فطرة (2). وبمعناه آخر.
وفي ثالث: قلت له: لمن تحل الفطرة؟ قال: لمن لا يجد، ومن حلت له لم
تحل عليه، ومن حلت عليه لم تحل له (3). وقصور الأسانيد أو ضعفها مجبور
بالشهرة.
خلافا لجماعة من أعيان القدماء، بل أكثرهم فعبروا عن الغنى بمن ملك
أحد النصب الزكوية، مشعرين بكونه المعيار لوجوب الفطرة مطلقا، إثباتا
ونفيا، ولذا جعلهما محل الخلاف في المختلف (4).
ولكنه في الثاني بعيد في الغاية، بل الظاهر أن مرادهم الأول، أي
الوجوب بملك النصاب وإن لم تملك مؤنة السنة لذلك، ولدلالة عبارة
بعضهم عليه، كالشيخ في الاستبصار، حيث قال في جملة كلام له: لأن
الفرض يتعلق بمن كان غنيا، وأقل أحواله إذا ملك مقدار ما تجب فيه
الزكاة (5).
لم نقف لهم على حجة يعتد بها، عدا دعوى الاجماع عليه في السرائر (6)
والغنية (7)، وهي معارضة بالأخبار المتقدمة المعتضدة بالشهرة العظيمة،

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب زكاة الفطرة ح 5 ج 6 ص 223.
(2) (3) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب زكاة الفطرة ح 7، و 9 ج 6 ص 224.
(4) المختلف: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ص 193 س 23.
(5) الاستبصار: كتاب الزكاة في ماهية زكاة الفطرة ج 2 ص 42.
(6) السرائر: كتاب الزكاة أحكام زكاة الفطرة ج 1 ص 465.
(7) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة فصل في زكاة الرؤس ص 506 س 34.
206

المتأخرة القريبة من الاجماع، بل لعلها إجماع في الحقيقة؟ مضافا إلى أصالة
البراءة.
ومع الشروط يجب عليه أن (يخرجها عن نفسه وعياله، من مسلم
وكافر وحر وعبد وصغير وكبير ولو عال تبرعا) كالضيف إجماعا، على
الظاهر المصرح به في كلام جماعة، بل في المنتهى أن عليه الاجماع ممن عدا
أبي حنيفة (1)، والصحاح به مع ذلك مستفيضة.
منها: عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه فيحضر يوم الفطر يؤدي
عنه الفطرة؟ قال: نعم الفطرة واجبة على كل من يعول، من ذكر أو أنثى
صغير أو كبير حر أو مملوك (2).
وفي رواية كل من ضممت إلى عيالك من حر أو مملوك فعليك أن تؤدي
الفطرة عنه (3):
وأما ما في الصحيح: عن رجل ينفق على رجل ليس من عياله إلا أنه
يتكلف له نفقته وكسوته أيكون عليه فطرته؟ قال: لا إنما يكون فطرته على
عياله صدقة دونه، وقال: العيال الولد والمملوك والزوجة وأم الولد (4) فمعناه
أنه لم يضمه إلى عيال بل يتصدق عليه بالنفقة والكسوة.
وفي تفسير الضيف المعال سبعة أقوال: الضيافة طول الشهر، أو النصف
الأخير منه، أو العشر الأخير منه، أو ليلتين من آخره، أو ليلة واحدة، أو جزء
منه بحيث يهل الهلال وهو في ضيافته وإن لم يأكل، أو صدق العيلولة عرفا.

(1) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ج 1 ص 533 س 1.
(2) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب زكاة الفطرة ح 2 ج 6 ص 227.
(3) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب زكاة الفطرة ح 8 ج 6 ص 229.
(4) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب زكاة الفطرة ح 3 ج 6 ص 221.
207

ولم نجد لشئ منها دليلا يعتد به، عدا الاجماع المنقول في الانتصار (1)
والخلاف (2) على الأول، وظواهر النصوص المتقدمة على الأخير، فإن مقتضاها
أن الوجوب تابع للعيلولة لا لوجوب النفقة.
ولا يتكلف المتصدق بها عليه، ولا الضيافة المحضة من دون عيلولة، وهو
المعتمد، وعليه العمل، لوهن الاجماع المنقول، لشدة هذا الاختلاف والتشاجر
بين الأصحاب.
هذا على تقدير تخالفهما، وإلا فيرجع إلى شئ واحد مالهما، والمشهور
وجوبها عن الزوجة والمملوك مطلقا ولو لم يكونا في عياله، بل ظاهر المنتهى (3)
وصريح السرائر (4) دعوى الاجماع عليه، ولعله لاطلاق نحو الموثق: الواجب
عليك أن تعطى عن نفسك وأبيك وأمك وولدك وخادمك وامرأتك (5)،
مضافا إلى الصحيح السابق.
وفيهما نظر، لقوة احتمال ورود إطلاقهما مورد الغالب من حصول العيلولة
الفعلية، مع أن جماعة منهم صرحوا باعتبارها فيمن عدا الزوجة والمملوك،
والاكتفاء بوجوب الانفاق فيهما. والروايتان لا تصلحان دليلا على هذا
التفصيل.
وحيث لا عموم فيهما باختصاص موردهما بالغالب، بقي غيره مندرجا تحت
الأصل، المعتضد بفحوى الأخبار السابقة، المقتضية لدوران وجوب الفطرة
مدار العيلولة الفعلية لا وجوب النفقة.

(1) الإنتصار: كتاب الخمس ص 88.
(2) الخلاف: كتاب زكاة الفطرة مسألة 7 ج 1 ص 325.
(3) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ج 1 ص 533 س 1.
(4) السرائر: كتاب الزكاة في أحكام زكاة الفطرة ج 1 ص 465.
(5) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب زكاة الفطرة ح 4 ج 6 ص 228.
208

وإجماع المنتهى غير واضح الدلالة على الوجوب من غير عيلولة فعلية في
الزوجة.
وإجماع السرائر وإن كان صريحا، إلا أنه على جعل السبب نفس الزوجية
حتى مع النشوز والانقطاع - اللذين لا يجب معهما النفقة اجماعا وهو كذلك -
نادر، بل عن المعتبر (1) وفي المنتهى (2) أنه متفرد بذلك.
فالتمسك للوجوب بمثل ذلك لا يخلو عن إشكال. نعم هو أحوط، سيما في
العبد، لصراحة عبارة المنتهى في دعوى الاجماع عليه (3) منا ومن أكثر العلماء.
(وتعتبر النية) أي الخلوص والقربة، وقصد كونها فطرف لا صدقة (في
أدائها) أي عنده، لعموم ما دل على وجوبها في كل عبادة.
(وتسقط عن الكافر لو أسلم) بعد الهلال، بالنص عموما وخصوصا
- كما يأتي - والاجماع الظاهر المصرح به في بعض العبائر.
(وهذه الشروط) إنما (تعتبر عند هلال شوال) (4) أي قبله، بأن يكون
قبل غروب الشمس ليلة الفطر ولو بلحظة.
(فلو أسلم الكافر أو بلغ الصبي أو ملك الفقير القدر المعتبر قبل
الهلال وجبت الزكاة، ولو كان بعده لم تجب، وكذا لو ولد له أو ملك
عبدا) قبله وجبت عليه وإلا فلا، إجماعا على الظاهر المصرح به في عبائر
جماعة، للخبرين.
أحدهما: الصحيح: عن مولود ولد ليلة الفطر عليه الفطرة، قال: لا، قد
خرج الشهر وعن يهودي أسلم ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال: لا (5). ونحوه

(1) المعتبر: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ج 2 ص 601.
(2) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ج 1 ص 533 س 24.
(3) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ج 1 ص 534 س 3.
(4) في الشرح المطبوع وجميع النسخ: (الهلال).
(5) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب زكاة الفطرة ح 2 ج 6 ص 245.
209

الثاني (1)،
وأخصية المورد غير قادح بعد استفادة العموم من الاجماع، وما في الأول من
قوله عليه السلام: (قد خرج الشهر)، وفي الثاني من قوله (ليس الفطرة إلا
على من أدرك الشهر) المفيدين للعموم.
(وتستحب لو كان ذلك) أي استجماع هذه الشروط، (ما بين الهلال
وصلاة العيد) بلا خلاف ظاهر ولا محكي، إلا من ظاهر. الصدوق فأمر بها
في المقنع (2)، كما في الخبرين.
قيل: والظاهر أن مراده به الاستحباب، لتصريحه به في الفقيه (3)، وإنما
حملهما الأصحاب على الاستحباب جمعا بينهما وبين الخبرين السابقين،
الصريحين في عدم الوجوب، مضافا إلى الأصل.
(والفقير مندوب إلى إخراجها عن نفسه وعن عياله وإن قبلها،
ومع الحاجة يدير (4) على عياله صاعا ثم يتصدق به على غيرهم).
أما الأول: فلما مر في تحقيق معنى الغنى، وفي المنتهى: أن عليه علماؤنا
أجمع، إلا من شذ (5)، ولعله الإسكافي (6) القائل بالوجوب كما مر.
وأما الثاني: فللموثق: الرجل لا يكون عنده شئ من الفطرة إلا ما يؤدي
عن نفسه وحدها يعطيه غريبا، أو يأكل هو وعياله، قال: يعطي بعض عياله
ثم يعطي الآخر عن نفسه يردونها، فيكون عنهم جميعا فطرة واحدة (7).

(1) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب زكاة الفطرة ح 1 ج 6 ص 245.
(2) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم باب الفطرة ص 18 س 11.
(3) والقائل هو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ج 5 ص 322.
(4) في المتن المطبوع: (يدبر).
(5) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ج 1 ص 536 س 13.
(6) المختلف: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ج 1 ص 193 س 11.
(7) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب زكاة الفطرة ح 3 ج 6 ص 225.
210

وليس فيه دلالة على أن الأخير منهم يدفعه إلى الأجنبي، كما في صريح
العبارة هنا وفي السرائر (1) والقواعد (3)، بل التحرير (3) والشرائع (4)، وعن
البيان (5)، ولعلهم أخذوه من عموم ما دل على كراهية الصدقة، مع أن في قوله
عليه السلام (يكون عنهم جميعا فطرة واحدة) إشعارا بذلك، ومورد النص
كون العيال بأجمعهم مكلفين، فيشكل التعدي إلى غيرهم.
خلافا لشيخنا الشهيد الثاني (6)، وظاهر العبارة، فيتولى الولي ذلك عن
الصغير.
ويشكل بإخراج ما صار ملكه إلى غيره، مع عدم دليل عليه إلا ما ادعى
من إطلاق النص.
وقد عرفت ما فيه، ومن ثبوت مثله في الزكاة، وهو على تقديره قياس
لا نقول به.
(الثاني)
(في) بيان (قدرها وجنسها) (7)
إعلم أن (الضابط) في الجنس (إخراج ما كان قوتا غالبا كالحنطة

(1) السرائر: كتاب الزكاة أحكام زكاة الفطرة ج 1 ص 467.
(2) قواعد الأحكام: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ج 1 ص 60 س 11.
(3) تحرير الأحكام: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ج 1 ص 72 س 1.
(4) شرائع الاسلام: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ج 1 ص 171.
(5) البيان: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ص 209.
(6) الروضة البهية: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ج 2 ص 58.
(7) في المتن المطبوع: (جنسها وقدرها).
211

والشعير والتمر والزبيب والأرز والأقط واللبن) وفاقا للشيخين (1)
والسيدين (2) والحلي (3) والفاضلين (4) والشهيدين (5) وغيرهم، وفي
الدروس (6) الأكثر، وفي غيره الأشهر، وفي المنتهى (7) أنه مذهب علمائنا
وكذا عن الشهيد والماتن في المعتبر، وهو الأظهر للنصوص.
منها: الصحيح: الفطرة على كل قوم مما يغذون عيالهم من لبن أو زبيب
أو غيره (8).
والمرسل: الفطرة على كل من أقتات قوتا فعليه أن يودي من ذلك
القوت (9).
وضعف السند مجبور بالعمل، والاعتضاد باختلاف الصحاح المستفيضة
وغيرها في ذكر الأجناس المزبورة، نقيصة وزيادة.
ففي الصحيحين وغيرهما الاقتصار على الأربعة الزكوية، وفي الصحيح
الاقتصار على ما عدا الشعير منها، وفي آخر على ما عدا الحنطة مبدلا عنها بالذرة،

(1) المقنعة: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ص 250، والنهاية: كتاب الزكاة في ما يجوز إخراجه في
الفطرة ص 190.
(2) حكاه في المختلف عن السيد المرتضى ص 197 س 7، وغنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب
الزكاة في زكاة الفطرة ص 506 س 37.
(3) السرائر: كتاب الزكاة أحكام زكاة الفطرة ج 1 ص 468.
(4) المعتبر: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ج 2 ص 605، وقواعد الأحكام: كتاب الزكاة في زكاة
الفطرة ج 1 ص 61 س 12.
(5) اللمعة الدمشقية والروضة البهية: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ج 2 ص 59.
(6) الدروس الشرعية: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ص 66 س 18.
(7) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ج 1 ص 536 س 18.
(8) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب زكاة الفطرة ح 1 ت 6 ص 238.
(9) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب زكاة الفطرة ح 4 ج 6 ص 239.
212

وفي آخرين على ما عدا الزبيب، وفي آخر على ما عدا الحنطة منها، وتبديلها
بالأقط.
وفي الصحيح: يعطي أصحاب الإبل والبقر والغنم في الفطرة من الأقط
صاعا (1).
وفي الخبر: صاع من تمر أو زبيب أو شعير أو نصف ذلك كله حنطة أو
دقيق أو سويق أو ذرة أو سلت (2) إلى غير ذلك من الاختلافات، وليس
ذلك إلا لورودها باختلاف العادات.
ويومئ إليه - زيادة على ما مر الخبر: صاع من قوت بلدك على أهل مكة
واليمن والطائف تمر - إلى أن قال - وعلى أهل طبرستان الأرز (3).
وقول القاضي (4) بتعين ما فيه ضعيف، لضعف سنده وقوة احتمال كون
المراد به التمثيل أو الفضيلة.
وهو نص في كون المعتبر غالب قوت القطر والبلد لا المخرج، كما هو ظاهر
الأصحاب، حتى الحلي (5) فإن صدر عبارته وإن أوهم اعتبار الغلبة في المخرج
- كما عزى إليه في المفاتيح (6) - إلا أن ذيلها كالصريح في خلافه، لقوله: (ومن
عدم الأقوات الغالبة على بلده، أو أراد أن يخرج ثمنها بقيمة الوقت ذهبا أو
فضة لم يكن به بأس)

(1) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب زكاة الفطرة ح 2 ج 6 ص 231.
(2) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب زكاة الفطرة ح 17 ج 6 ص 234
(3) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب زكاة الفطرة ح 2 ج 6 ص 238.
(4) المهذب: كتاب الزكاة زكاة الرؤوس ج 1 ص 174.
(5) السرائر: كتاب الزكاة أحكام زكاة الفطرة ج 1 ص 468.
(6) مفاتيح الشرائع: كتاب الزكاة ما يتصدق به في الفطرة ج 1 ص 217.
213

وصرح جماعة من المتأخرين بإجزاء الأجناس السبعة وإن لم يغلب على قوة
المخرج، ومنهم الفاضل في المنتهى (1) نافيا الخلاف عنه بين علمائنا، وفي
الخلاف (2) الاجماع على اجزائها بقول مطلق، فيشمل ما نحن فيه.
وعليه فلا اشكال في صرف الخبرين المتقدمين الظاهرين في اعتبار الغلبة
على قوت المخرج عن ظاهره، بحملها على الغالب من توافق غالب قوت المخرج
مع غالب قوت أهل بلده أو الفضيلة، كما يأتي.
ثم في الخلاف لا دليل على اجزاء ما عدا السبعة. وفيه ما عرفته، فهو
ضعيف.
وأضعف منه القول بالحصر في الأجناس الأربعة، كما عن
الصدوقين (3) (4) والعماني (5)، أو بزيادة الأقط كما عليه بعض المتأخرين،
ويميل إليه آخر منهم، لكن بزيادة الذرة، لصحة الرواية المتضمنة له.
وفيه أن الحجة غير منحصرة في الرواية الصحيحة، بل الضعيفة حجة
أيضا، بعد انجبارها بالشهرة الظاهرة والمحكية مضافا إلى الاجماعات المنقولة.
هذا مع أنه يشبه أن يكون قولهما خرقا للاجماع المركب، بل البسيط، إذ
الظاهر أن مراد من عدا الأكثر ليس الحصر بل التمثيل، ولعله. لذا يظهر من
المختلف عدم قطعه بمخالفة الصدوقين حيث قال: فإن أراد بذلك الحصر، فهو
ممنوع (6).

(1) منتهى المطلب: ج 1 كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ج 1 ص 536 س 29.
(2) الخلاف: ج 1 كتاب الزكاة مسألة 33 ج 1 ص 333.
(3) المختلف: كتاب الزكاة في الفطرة س 6 ص 197.
(4) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم في الفطرة ص 18 س 8.
(5) المختلف: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 197 س 6.
(6) المختلف: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 197 س 7.
214

(وأفضل ما يخرج التمر، ثم الزبيب، ويليه ما يغلب على قوت بلده)،
وفاقا لكثير، ومنهم الشيخان والحلي والقاضي في الكامل (1)، لكن لم يذكروا الأخير.
ولم أقف لهم على مستند على هذا الترتيب، ولعلهم أخذوه من الجمع،
بين النصوص المستفيضة الدالة على أفضلية التمر، ومنها الصحيح معللا بأنه
أسرع منفعة، وذلك أنه إذا وقع في يد صاحبه أكله (2).
وبين الرواية الأخيرة المتقدمة المعينة على أهل كل فطرة ما يقتاتونه،
المحمولة على الاستحباب دون الوجوب، بالاجماع كما في المدارك (3) بحملها
على تفاوت مراتب الفضيلة.
وإنما جعلوا التمر أفضل، لكثرة النصوص الدالة عليه، المعتضدة بالشهرة
العظيمة، التي لا يكاد يظهر فيها مخالف بالكلية، عدا الديلمي فجعل الأفضل
من الأجناس أعلاها قيمة، وجعل أفضلية التمر رواية (4)، والخلاف فجعل
الغالب على قوت البلد مستحبا (5).
وهما مع عدم معلومية مخالفتهما، لا دليل على أولهما، والرواية المتقدمة - التي
هي المستند لثانيهما ظاهرا - لا تكافؤ النصوص المعارضة من وجوه شتى، ولعل
هذا هو العذر للأكثر لجعل هذا آخر المراتب وأدناها.
وإنما جعلوا الزبيب بين المرتبتين، لأضعفيته من التمر، لعدم استفاضة
النصوص به، بل وعدم ورود نص صريح فيه، وكونه أقوى من تاليه،
لاستفادته من العلة في الصحيح الماضي دون تاليه، لضعف النص الوارد به
- مع شذوذه - بظهوره في الوجوب الذي لا يقولون به.

(1) المقنعة: ص 251، والنهاية ونكتها: ج 1 ص 441، والسرائر: ج 1 ص 468 وكما في المختلف: ج 3 من 285.
(2) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب زكاة الفطرة ح 8 ج 6 ص 244.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة زكاة الفطرة ج 5 ص 338.
(4) المراسم: كتاب الزكاة في الفطرة ص 135. (5) الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 34 ج 1 ص 333
215

واقتصر جماعة على التمر اقتصارا على المستفيضة، وهو ضعيف، لاستفادة
الزبيب من الصحيح منها، وظاهره وإن أفهم التساوي كما عن القاضي في
المهذب (1)، إلا أن ما قدمناه لعله كاف لاثبات مرجوحيته، هذا ما يتعلق
بجنس الفطرة.
(و) أما قدرها ف‍ (هي من جميع الأجناس صاع وهو تسعة أرطال
بالعراقي) بإجماعنا الظاهر المصرح به في عبائر جماعة، والصحاح به مع ذلك
مستفيضة كغيرها من المعتبرة.
وما دل منها على نصف صاع من الحنطة - فمع شذوذها - محمولة على
التقية، كما صرح به جماعة، ودلت عليه المعتبرة المستفيضة، المتضمنة للصحيح (2) وغيره.
وفي جملة منها أنه من بدع عثمان، وفي أخرى معاوية (3).
(و) يجزئ (من اللبن أربعة أرطال) كما هنا وفي الشرائع (4)
والقواعد (5) والسرائر (6)، وحكاه في المختلف عن الشيخ في النهاية (7) (8)، وكتابي
الأخبار (9) (10) وابن حمزة (11) وعزاه ولده في الايضاح (12) إلى الشيخ والحلي

(1) المهذب: كتاب الزكاة زكاة الرؤوس ج 1 ص 175.
(2) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب زكاة الفطرة ح 11 ج 6 ص 233.
(3) الاستبصار: ب 24 في كمية زكاة الفطرة ج 2 ص 48.
(4) شرائع الاسلام: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 174.
(5) قواعد الأحكام: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 61 س 14.
(6) السرائر: كتاب الزكاة أحكام زكاة الفطرة ج 1 ص 469.
(7) المختلف: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 198 س 4.
(8) النهاية: كتاب الزكاة في الفطرة ص 191.
(9) تهذيب الأحكام: كتاب الزكاة في كمية زكاة الفطرة ج 4 ص 84.
(10) الاستبصار: كتاب الزكاة في كمية زكاة الفطرة ج 1 ص 49.
(11) الوسيلة: كتاب الزكاة في زكاة الرؤوس ص 131.
(12) إيضاح الفوائد: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ج 1 ص 214.
216

وكثير من الأصحاب، للخبر: عن رجل من أهل البادية لا يمكنه الفطرة، قال:
يتصدق بأربعة أرطال من لبن (1).
وضعف سنده يمنع عن العمل به، فلا يعارض به استصحاب شغل الذمة
المعتضد بعموم جملة من النصوص، الدالة على أن الفطرة صاع مطلقا، كالخبر
يخرج عن كل شئ التمر والبر وغيره صاع، قال الراوي: وليس عندنا - بعد
جوابه عليه السلام علينا - في ذلك اختلاف (2).
وفي آخر تخرج عن نفسك صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وآله، وعن
عيالك أيضا (3).
وفحوى الصحيح المتقدم، ونحوه المتضمن للصاع في الأقط، فإن اعتباره
فيه - مع زيادة جوهرية - يستلزم اعتباره في اللبن بطريق أولى، لكثرة مائيته،
وبهذه الأولوية صرح الفاضل في المختلف (4) وغيره، مع أن الظاهر من الشيخ
في كتاب الحديث عدم الفرق بينهما.
هذا مع أن الرواية في الرطل مطلقة (و) قد (فسره قوم) من هؤلاء
(بالمدني) كالشيخ والحلي وابن حمزة فيما حكاه عنه فخر الدين (5)، وعزاه في
المدارك (6) إلى الشيخ ومن تبعه.
ولا دليل لهم عليه، مع انصرافه بحكم التتبع للأخبار وغيره إلى العراقي،
ولذا في القواعد (7) أفتى به.

(1) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب في زكاة الفطرة ح 3 ج 6 ص 236.
(2) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب زكاة الفطرة ح 4 ج 6 ص 231
(3) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب زكاة الفطرة ح 6 ج 6 ص 232.
(4) المختلف: كتاب الزكاة في الفطرة، ج 1 ص 198 س 20.
(5) إيضاح الفوائد: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ج 1 ص 214.
(6) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ج 5 ص 342.
(7) قواعد الأحكام: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ج 1 ص 61 س 14.
217

نعم في الصحيح: كتبت إلى الرجل أسأله عن الرجل كم يؤدي؟ فقال:
أربعة أرطال بالمدني (1)، لكنه بإطلاقه شاذ لم يقولوا به.
ولعله لذا ضعفه الماتن في المعتبر (2)، وأشار إليه في المدارك فقال - بعد نقله
عنه - وكان الوجه في ذلك إطباق الأصحاب على ترك العمل بظاهرها، وإلا
فهي معتبرة الاسناد (3)، إنتهى.
واحتمل الشيخ في كتاب الحديث حمل هذا على أن المراد أربعة أمداد،
فوقع التصحيف من الراوي (4).
أقول: وهذا جار في الخبر الأول أيضا.
ويحتمل فيه - زيادة عليه - الحمل على الاستحباب، فيما لو كان المزكي
فقيرا، كما هو مورده على ما في المختلف (5) وغيره.
ولا بأس به في مقام الجمع، وإلا فظاهر المورد من لا يتمكن لكونه في
البادية، وهو غير عدم التمكن من جهة الفقر والفاقة.
وكيف كان، فالظاهر ضعف هذا القول، ومساواة اللبن لغيره
في وجوب الصاع بتمامه، وفاقا لما أطلقه أكثر
القدماء، كالمفيد (6) والمرتضى (7) والإسكافي (8) والقاضي (9)

(1) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب زكاة الفطرة ح 5 ج 6 ص 237.
(2) المعتبر: كتاب الزكاة في الفطرة ج 2 ص 608.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في أحكام الفطرة ج 5 ص 343.
(4) تهذيب الأحكام: كتاب الزكاة في كمية الفطرة ج 4 ص 84.
(5) المختلف: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 198 س 17.
(6) المقنعة: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ص 250.
(7) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الزكاة في الفطرة ج 3 ص 80.
(8) عن ابن الجنيد المختلف: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 198 س 3.
(9) المهذب: كتاب الزكاة في زكاة الرؤوس ج 1 ص 175.
218

والحلبي (1) والشيخ في الخلاف (2) وابن زهرة العلوي (3)،
وبه صرح المتأخرون من غير خلاف يعرف بينهم، عدا الفاضل في
القواعد (4)، وقد رجع عنه في المختلف (5)، ولعله لذا عزى بعض المتأخرين
الرواية الدالة عليه إلى الشذوذ.
ولا يخلو عن مناقشة، لما عرفته من مصير جملة من القدماء إليه، وسيما نحو
الحلي الذي لا يعمل بخبر الواحد إلا بعد قطعيته (6)، وقد مر عن فخر الدين
دعواه كونها مذهب كثير.
ومع ذلك رواها في النهاية (1) مرسلا، بل يحتمل كونها من كلامه،
ورواها أيضا في الخلاف (8) بسند لا بأس به، غير الرفع الممكن جبره بما مر،
مضافا إلى الأصل السالم عن المعارض، عدا ما مر من العموم والفحوى وهي
لا تخلو عن مناقشة، والأول في سند ما دل عليه قصور.
فلولا الشهرة - العظيمة المتأخرة القريبة من الاجماع، بل لعلها إجماع في
الحقيقة، الجابرة له، المعتضدة بالفحوى المتقدمة - لكان المصير إلى هذا القول
لا يخلو عن قوة.
سيما ومخالفة من مر من القدماء وصريحة غير معلومة، سيما ونحو ابن زهرة
لم يذكر اللبن في الغنية (9).

(1) الكافي في الفقه: كتاب الزكاة في الفطرة ص 169.
(2) الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 33 ج 1 ص 333.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة في الفطرة ص 506 س 37.
(4) قواعد الأحكام: ج 1 كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 61 س 14.
(5) المختلف: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 198 س 8.
(6) السرائر: كتاب الزكاة أحكام زكاة الفطرة ج 1 ص 469.
(7) النهاية: كتاب الزكاة في وجوب زكاة الفطرة ص 191.
(8) الخلاف: كتاب الزكاة مسألة 38 ج 1 ص 334.
(9) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ص 506 س 37.
219

وكيف كان لا ريب أن خيرة المتأخرين أقرب إلى الاحتياط، ولزوم
تحصيل البراءة اليقينية عما اشتغلت به الذمة، فلا معدل عنه ولا مندوحة.
واعلم أنه تجزئ القيمة عن الأجناس المزبورة ولو مع وجودها، بإجماعنا
الظاهر المصرح به في جملة من العبائر، ومنها صريح الغنية (1) وظاهر السرائر (2)،
وللصحاح المستفيضة، وفي أكثرها بلفظ الدرهم والفضة (3)، وفي الموثق أن
ذلك أنفع له يشتري ما يريد (4) وصرح الشيخ في المبسوط وغيره بجواز غيره حتى
الثياب والسلعة (5)، كما هو ظاهر إطلاق الموثق، بل الصحيح لا بأس بالقيمة
في الفطرة (6)، ونحوه الاجماع المنقول.
والأحوط الأول، لتبادر النقد من الاطلاق مطلقا، فيشكل الصرف إلى
غيره.
(ولا تقدير في عوض الواجب، بل يرجع إلى القيمة السوقية) وقت
الدفع، وفاقا للأكثر على الظاهر المصرح به في عبائر جمع، وعليه عامة
المتأخرين.
وتقديرها بدرهم - كما في رواية (7)، أو أربعة دوانيق كما في أخرى (8) -
منزل على اختلاف الأسعار، ومع ذلك مجهول القائل، كما في المختلف (9)

(1) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ص 506 س 1.
(2) السرائر: كتاب الزكاة في أحكام زكاة الفطرة ج 1 ص 468.
(3) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب زكاة الفطرة ح 5، ح 8 ج 6 ص 241.
(4) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب زكاة الفطرة ح 6 ج 6 ص 241.
(5) المبسوط: كتاب الزكاة في مقدار الفطرة ج 1 ص 242.
(6) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب زكاة الفطرة ح 9 ج 6 ص 241.
(7) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب زكاة الفطرة ح 11 ج 6 ص 242.
(8) المبسوط: كتاب الزكاة في مقدار الفطرة ج 1 ص 242.
(9) المختلف: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 198 س 30.
220

والمسالك وغيرهما (1).
لكن الأول عزى في التنقيح (2) إلى الشيخ في النهاية (3)، وفي غيره إليه في
الاستبصار (4).
ولا ريب في ضعفه كتاليه، لضعف المستند سندا ودلالة، وعدم مقاومته،
لاطلاق ما مضى من الأدلة.
(الثالث)
(في) بيان (وقتها)
(و) اعلم أنه (تجب بهلال شوال) مع حصول الشرائط المتقدمة قبله،
وفاقا للشيخ في الجمل (5) والاقتصاد (6) وابن حمزة (7) والحلي (8)، وعليه أكثر
المتأخرين، لنحو ما مر من الصحيح عن مولود ولد ليلة الفطر أعليه فطرة؟
قال: لا، قد خرج الشهر.
خلافا له في النهاية (9) والمبسوط (10) والخلاف (11)، وللمفيد (12)

(1) مسالك الأفهام: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 65 س 30.
(2) التنقيح الرائع: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 333.
(3) النهاية: كتاب الزكاة في أحكام الفطرة ص 191.
(4) الاستبصار: ب 26 كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ج 2 ص 50.
(5) جمل العقود (رسائل العشر: كتاب الزكاة في الفطرة ص 209.
(6) الاقتصاد: كتاب الزكاة في الفطرة ص 284.
(7) الوسيلة: كتاب الزكاة في زكاة الرؤوس ص 131.
(8) السرائر: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 469.
(9) النهاية: كتاب الزكاة في الفطرة 191.
(10) المبسوط: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 242.
(11) الخلاف: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة مسألة 43 ج 1 ص 335.
(12) المقنعة: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ص 249.
221

والإسكافي (1) والسيدين (2) (3) والقاضي (4) والحلبي (5)، فبطلوع الفجر من
يوم العيد، لنحو الصحيح: عن الفطرة متى هي؟ فقال: قبل الصلاة يوم الفطر،
قلت: فإن بقي منه شئ بعد الصلاة، قال: لا بأس نحن نعطي عيالنا منه ثم
يبقى فنقسمه (6).
وفيه نظر، لأن قبل الصلاة كما يعم عند طلوع الفجر بلا فصل، كذا يعم
قبيله القريب منه كذلك، ولا قائل بالفرق، مع أن المتبادر من السياق - أن
المراد من القبيلة - إنها هو بالمعنى المقابل لما بعد الصلاة، لا المتبادر إلى الذهن
منها حقيقة، وهو ما قرب من الصلاة، مع أنه لا قائل به منا هنا، للاتفاق على
كون ما بعد الفجر بغير فصل وقتا، مع أنه غير متبادر منه جدا.
وما يجاب عن رواية المختار بأنها إنما تدل على وجوب الاخراج عمن
أدرك الشهر، لا على أن أول وقت الاخراج الغروب، وأحدهما غير الآخر.
فمنظور فيه، لأنها وإن لم تدل على ذلك صريحا، إلا أنها دالة عليه
بالاطلاق، وهو كاف، حيث لم يقم على توقيت بالطلوع دليل، كما هو
الفرض، لما مر من عدم وضوح دلالة الرواية الأخيرة على التقييد.
هذا وما يستفاد منه من عدم خلاف في تعلق الوجوب بالغروب، وأنه إنما
هو في وقعت الاخراج، فهو خلاف ما يستفاد من كلام جماعة.
وكيف كان، فالتحقيق: أنه إن كان محل النزاع وقت تعلق الوجوب

(1) المختلف (عن ابن الجنيد): كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 200 س 3.
(2) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ص 80.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة في زكاة الرؤوس ص 507 س 2.
(4) المهذب: كتاب الزكاة في زكاة الرؤوس ج 1 ص 176.
(5) الكافي في الفقه: كتاب الزكاة فصل في الفطرة ص 169.
(6) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب زكاة الفطرة ح 5 ج 6 ص 246.
222

واشتغال الذمة به فينبغي القطع بصحة القول الأول، وإن كان وقت
الاخراج فالظاهر صحته أيضا، وإن كان التأخير إلى طلوع الفجر أحوط، أخذا
بالمتفق عليه، مع تصريح جمع ممن اختار الأول بأنه أفضل.
(ويتضيق عند صلاة العيد) بل إذا بقي للزوال من يومه بمقدار أدائها.
(ويجوز تقديمها) زكاة (في شهر رمضان ولو من أوله أداء) (1) وفاقا
لجماعة من القدماء والمتأخرين، بل عزى في التنقيح إلى كثير (2)، وفي المنتهى
إلى الأكثر (3)، وفي الدروس (4) والمسالك إلى المشهور (5)، وهو خيرة الماتن هنا
وفي المعتبر.
للصحيح: يعطي يوم الفطر فهو أفضل، وهو في سعة أن يعطيها من أول يوم
ويدخل شهر رمضان إلى آخره، فإن أعطى تمرا فصاع لكل رأس، وإن لم
يعط تمرا فنصف صاع لكل رأس من حنطة أو شعير (6).
والرضوي لا بأس بإخراج الفطرة في أول يوم من شهر رمضان إلى آخره،
وهي زكاة إلى أن يصلي صلاة العيد، فإن أخرجها بعد الصلاة فهي صدقة،
وأفضل وقتها آخر يوم من شهر رمضان (7).
خلافا لآخرين فلم يجوزوه إلا قرضا، ومنهم الماتن في الشرائع (8) وكثير،

(1) لا توجد هذه الكلمة في جميع، النسخ الخطية والشرح المطبوع، وأثبتناها من المتن المطبوع.
(2) التنقيح الرائع: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 333.
(3) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 540 س 23.
(4) الدروس الشرعية: كتاب الزكاة في الفطرة ص 66 س 13.
(5) مسالك الأفهام: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 65 س 33.
(6) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب زكاة الفطرة ح 4 ج 6 ص 246.
(7) فقه الرضا عليه السلام: ب 30 في نوافل شهر رمضان ودخوله ص 210.
(8) شرائع الاسلام: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 175.
223

حتى أن في كلام جماعة من متأخري المتأخرين دعوى الشهرة، التفاتا إلى أنه
لا معنى لتأدية الفرض قبل وجوبه، كما يشهد له الاعتبار.
ونبه عليه في الصحاح الواردة في المالية، بقوله عليه السلام: أيصلي الأولى
قبل الزوال (1)؟.
والصحيح السابق مقدوح، باشتماله على ما يخالف إجماع المسلمين، من
إجزاء نصف الصاع من الشعير.
ويمكن الجواب عنه، بأنه لا يوجب ترك العمل بجميع ما اشتمل عليه،
فلعل بعض مدلوله جار على تأويل ومصلحة، وهو بالإضافة إلى مقابله خاص،
فيكون مخصصا به.
ولكن المسألة مع ذلك محل تردد، والاحتياط واضح.
(ولا يجوز تأخيرها عن الصلاة، إلا لعذر أو انتظار المستحق) بعد
العزل، بلا خلاف في حكم المستثنى، فتوى ونصا في المعتبر (2) والتحرير (3)
والنهاية (4) إجماعا، وعلى الأشهر في حكم المستثنى منه في صريح الغنية (5)
وظاهر التذكرة (6) والمنتهى (7) دعوى الاجماع عليه، لكن الأخير قرب - بعد
ذلك بأسطر قليلة - جواز التأخير عن الصلاة، كما هو ظاهر خيرة الحلي (8)

(1) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب زكاة الفطرة ح 3 ج 6 ص 213.
(2) المعتبر: كتاب الزكاة في الفطرة ج 2 ص 613.
(3) تحرير الأحكام: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 72 س 28.
(4) النهاية: كتاب الزكاة في الفطرة ص 191.
(5) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة في زكاة الرؤوس ص 507 س 2.
(6) تذكرة الفقهاء: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 250 س 40.
(7) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 541 س 11.
(8) السرائر: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 469.
224

وتحريمه عن العبد.
مستدلا عليه بذيل الصحيح المتقدم، المتضمن لقوله: فإن بقي منه شئ بعد
الصلاة، فقال: لا بأس، نحن نعطي عيالنا منه ثم يبقى فنقسمه، وتبعه في
المدارك (1).
مستدلا عليه بقوله عليه السلام في الصحيح المتقدم، المتضمن لقوله:
يعطي يوم الفطر فهو أفضل.
ويضعف الأول: بدلالة صدره على قول الأكثر، وقوة احتمال ذيله الحمل
على صورة العزل، كما يشير إليه قوله عليه السلام: نحن نعطي عيالنا منه ثم
يبقى إلى آخر، بناء على أن الظاهر أن المراد به عزلها وإعطائها العيال،
ليدفعونه إلى المستحق.
والثاني: بقوة احتمال كون المفضل عليه تقديمها أول الشهر، لا التأخير
عن الصلاة، ولذا لم يقابل الأفضل فيه إلا بالأول، ويعضد هذا الحمل،
التصريح في الصحيح الآخر بأنها بعد الصلاة صدقة، بعد التصريح فيه بأنها
قبلها أفضل (2).
ويحتمل الأفضل فيها الحمل على ما لا مفضل عليه له، كما هو شائع في
الكتاب والسنة، وارتكابه أولى من حمل الصدقة على الواجبة، إذ المقابلة بها
للفطرة أوضح ديل على أن المراد بها المندوبة، وإلا فالفطرة أيضا صدقة
واجبة، مع أنه لا داعي لوجوبها بعد خروجها عن حقيقة الفطرة، لاختصاص
ما دل على الوجوب بها دون الصدقة.
وعلى أحد هذين الحملين أيضا يحمل لفظة (ينبغي) الواردة في المروي

(1) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في الفطرة ج 5 ص 349.
(2) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب زكاة الفطرة ح 1 ج 6 ص 246.
225

في الاقبال، وفيه روينا بإسنادنا إلى الصادق عليه السلام قال: ينبغي أن
تؤدى قبل أن تخرج الناس إلى الجبانة، فإذا أداها بعد ما رجع فإنها هي صدقة
وليست فطرة (1).
وبما ذكر ظهر أن الأشهر أظهر، سيما وفي المختلف الاجماع على حصول
الإثم بالتأخير عن الزوال (2)، ولعله فهم من لفظ الصلاة وقتها، بناء على كونه
عندهم الزوال.
ويعضده التحديد بالظهر في المروي في الاقبال، بقوله عليه السلام إن
أخرجتها قبل الظهر فهي فطرة، وإن أخرجتها بعد الظهر فهي صدقة
لا تجزئك (3) مضافا إلى أنه قد لا يقع صلاة، وسقوط الفطرة حينئذ فاسد، فلا
وقت يتعين له لولا ما ذكر.
وحيث ثبت التعيين إليه في هذه الصورة ثبت في غيرها، لعدم القائل
بالفرق، فتأمل.
(وهي قبل صلاة العيد) بل الزوال (فطرة) واجبة (وبعدها صدقة)
مندوبة، بمقتضى النصوص المتقدمة، بالتقرب المتقدم إليه الإشارة، ونحوها
نصوص أخر، ضعف أسانيدها أو قصورها منجبر بالشهرة، الظاهرة والمحكية في
كلام جماعة، وعليه الاجماع في الغنية (4).
(وقيل: يجب القضاء) والقائل الإسكافي (5) والمفيد (6) والشيخ في

(1) اقبال الأعمال: في أعمال يوم عيد الفطر ص 283 س 8.
(2) المختلف: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 200 س 28.
(3) اقبال الأعمال: في أعمال ليلة عيد الفطر ص 274 س 27.
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة في زكاة الرؤوس ص 507 س 3.
(5) المختلف: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 200 س 35.
(6) المقنعة: كتاب الزكاة في الفطرة ص 249.
226

الاقتصاد (1) والديلمي (2)، لكنهما لم يصرحا بالوجوب، بل قالا وإن أخر كان
قضاء، وتبعهما جماعة من المتأخرين.
(و) لم أقف له على دليل يعتد به. نعم (هو أحوط) تفصيا عن شبهة
الخلاف، وإن كان الأظهر ما تقدم، لما تقدم، كل ذا إذا لم يعزلها.
(وإذا عزلها) وجبت مطلقا، بلا خلاف كما مضى، والمعتبرة به
مستفيضة جدا.
منها الموثق - كالصحيح -: إذا عزلتها فلا يضرك متى أعطيتها قبل الصلاة
أو بعدها (3).
والمرسل - كالصحيح -: إذا عزلتها وأنت تطلب بها الموضع أو تنتظر بها رجلا
فلا بأس (4).
ومنها: إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة (5).
وفي هذه النصوص إشعار بحرمة التأخير عن الصلاة اختيارا أيضا كما
اخترناه.
(و) لو (أخر التسليم لعذر) بفقد المستحق، أو انتظار رجل كما في
المرسل المتقدم (لم يضمن لو تلفت) من غير تفريط (ويضمن لو أخرها مع
إمكان التسليم) لأنها أمانة في يده فلا يضمنها، إلا بتعد أو تفريط، ومنه
تأخير الدفع إلى المستحق مع امكانه، مضافا إلى ما مر من المرسل، وبه يقيد نفي

(1) الاقتصاد: كتاب الزكاة في الفطرة ص 385.
(2) المراسم: كتاب الزكاة في الفطرة ص 135، قال: (ومن أخرجها كما حررناه كان كافيا) إلا أنه
نقل عنه في مختلف الشيعة - (ومن أخر عما حددناه كان قاضيا) وهو الصحيح، لأن عبارة المراسم
لا معنى لها -: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ج 1 ص 200 س 36.
(3) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب زكاة الفطرة ح 4 ج 6 ص 248.
(4) (5) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب زكاة الفطرة ح 5، ح 1 ج 6 ص 248.
227

الضرر بعد العزل في الموثق بقول مطلق.
وفي الصحيح: رجل أخرج فطرته فعزلها حتى يجد لها أهلا، فقال إذا
أخرجها من ضمانه فقد برئ، وإلا فهو ضامن لها حتى يؤديها (1).
قيل: ولعل المراد أنه إذا أخرج الفطرة التي عزلها إلى مستحقها فقد برئ،
وإلا فهو ضامن لها حتى يؤديها، بمعنى أنه مكلف بإيصالها إلى مستحقها،
لا كونه بحيث يضمن المثل أو القيمة مع التلف، لأنها بعد العزل تصير أمانة
في يد المالك.
ويحتمل رجوع الضمير في قوله أخرجها إلى مطلق الزكاة، ويكون المراد
بإخراجها من ضمانه عزلها، والمراد أنه إذا عزلها فقد برئ مما عليه من
التكليف بالعزل، وإلا فهو ضامن لها، مكلف بأدائها إلى أن يوصلها إلى
أربابها، وكان المعنى الأول أقرب (2) انتهى.
وهل الدفع بعد الصلاة مع العزل قبلها أداء أو قضاء؟ وجهان، بل قيل:
قولان، وليس في النصوص ما يدل على شئ منهما، فالأولى ترك التعرض لهما،
أو الترديد بينهما.
(ولا يجوز نقلها) بعد العزل (مع وجود المستحق).
(ولو نقلها ضمن ويجوز مع عدمه ولا يضمن) بلا خلاف في شئ من
ذلك، بل على الثالث الاجماع في المنتهى (3) ولا إشكال إلا في الحكم، بعد
جواز النقل مع وجود المستحق، ففيه الخلاف المتقدم في زكاة المال، ويتفرع
الخلاف هنا على الخلاف ثمة صرح جماعة، ومنهم الفاضل في التحرير (4)

(1) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب زكاة الفطرة ح 2 ج 6 ص 248.
(2) القائل هو السبزواري في ذخيرته: كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ص 476 س 28.
(3) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 541 س 24.
(4) تحرير الأحكام: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 72 س 30.
228

والمنتهى (1) والمختلف (2) والمحقق المقداد في شرح الكتاب (3).
ووجهه عموم الأدلة من الطرفين كما لا يخفى على الناظر فيها، إلا أن هنا
ما يدل على المنع صريحا، كالمكاتبة الصحيحة يقسم الفطرة على من حضر،
ولا يوجه ذلك إلى بلدة أخرى وإن لم يجد موافقا (4).
والموثق: هي لأهلها، إلا أن لا تجدهم، فإن لم تجدهم فلمن لا ينصب
ولا ينقل من أرض إلى أرض (5). فهو أحوط وأولى.
(الرابع):
(في) بيان (مصرفها)
(وهو مصرف زكاة المال)، وهو الأصناف الثمانية لآية (إنما
الصدقات) (6)، وفي المدارك أنه مقطوع به في كلام الأصحاب (7)،
وفيه وفي غيره عن ظاهر المفيد في المقنعة اختصاصها بالمساكين (8). وهو
أحوط.
وفي الصحيح: عن كل إنسان صاع من حنطة أو شعير أو صاع من تمر أو
زبيب لفقراء المسلمين (9).

(1) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 541 س 22.
(2) المختلف: كتاب الزكاة في كيفية الاخراج ج 1 ص 190 س 18.
(3) التنقيح الرائع: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 334.
(4) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب زكاة الفطرة ح 4 ج 6 ص 251.
(5) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب زكاة الفطرة ح 3 ج 6 ص 250.
(6) التوبة: 60.
(7) مدارك الأحكام: كتاب الزكاة في أحكام الفطرة ج 5 ص 353.
(8) المقنعة: كتاب الزكاة في الفطرة ص 252.
(9) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب زكاة الفطرة ح 11 ج 6 ص 233.
229

وفي رواية: لمن تحل الفطرة؟ فقال: لمن لا يجد (1).
وفي أخرى: أما من قبل زكاة المال فإن عليه الفطرة، وليس على من قبل
الفطرة فطرة (2).
وجوز جماعة دفعها إلى المستضعف الذي لا يعرف ولا ينصب، مع عدم
المؤمن، وفي النصوص المعتبرة ما يدل عليه، وقد مر قريبا بعضها، وربما يحمل
على التقية، لا شعار بعضها الموثق به، ولمعارضتها المعتبرة.
ففي الصحيح: عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف؟ قال: ولا زكاة الفطرة (3).
وفي آخر لا ينبغي لك أن تعطي زكاتك إلا مؤمنا (4).
وفي رواية الفضل عن مولانا الرضا عليه السلام - المروية عن العيون -
ولا يجوز لك دفعها إلا إلى أهل الولاية (5).
وهذه الروايات وإن احتملت الحمل على الاستحباب، كما تومئ إليه
الرواية الثانية، مع كونه أولى من حمل تلك على التقية، لمنافاة التفصيل فيها
له. والموثقة المشعرة موردها الدفع إلى غير المؤمن (6) على الاطلاق، إلا أن الأخذ
بها أحوط وأولى. فتأمل جدا.
(ويجوز أن يتولى المالك إخراجها) بلا خلاف أجده هنا، وبه صرح
بعض أصحابنا، وفي المعتبر (7) والمنتهى (8) أنه لا خلاف فيه بين العلماء كافة.

(1) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب زكاة الفطرة ح 4 ج 6 ص 249.
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب زكاة الفطرة ح 10 ج 6 ص 224
(3) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب المستحقين للزكاة ح 1 ج 6 ص 152.
(4) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب زكاة الفطرة ح 2 ج 6 ص 249.
(5) عيون أخبار الرضا عليه السلام: ب 35 في محض الاسلام وشرائع الدين ح 1 ج 2 ص 124.
(6) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب زكاة الفطرة ح 1 ج 6 ص 250.
(7) المعتبر: كتاب الزكاة في الفطرة ج 2 ص 615.
(8) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 542 س 7.
230

وهو الحجة مضافا إلى ما مر في الزكاة المالية.
(وصرفها إلى الإمام) عليه السلام مع وجوده (أو من نصبه أفضل،
ومع التعذر فإلى فقهاء (1) الإمامية) كما مر في الزكاة المالية، وفي الخبر
الإمام أعلم يضعها حيث يشاء، وفي آخر لمن هي قال: للإمام.
(ولا) يجوز أن (يعطى الفقير) الواحد (أقل من صاع) وفاقا للأكثر
كما في كلام جماعة، بل المشهور كما في كلام آخرين بل في المختلف أنه قول
فقهائنا.
ولم نقف له على مخالف، فوجب المصير إليه (2)، وفي صريح الانتصار (3)،
وظاهر الغنية (4) دعوى الاجماع عليه، للمرسل لا يعطي أحد أقل من رأس (5)
والارسال منجبر بفتوى الأصحاب، بحيث لا يوجد لهم مخالف من
قدمائهم - كما مر في المختلف - بل ولا متأخريهم، عدا الفاضلين في المعتبر (6)
والتحرير (7) والمنتهى (8)، والشهيدين في الدروس (9) والمسالك (10)
واللمعتين (11)، وجماعة من متأخري المتأخرين.

(1) في المتن المطبوع: (إلى فقهاء).
(2) المختلف: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 202 س 7.
(3) الإنتصار: في الفطرة ص 88.
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة في زكاة الرؤوس ص 507 س 5.
(5) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب زكاة الفطرة ح 2 ج 6 ص 252.
(6) المعتبر: كتاب الزكاة في الفطرة ج 2 ص 616.
(7) تحرير الأحكام: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 73 س 2.
(8) منتهى المطلب: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 542 س 13.
(9) الدروس الشرعية: كتاب الزكاة في الفطرة ص 66 س 25.
(10) مسالك الأفهام: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 65 س 40.
(11) اللمعة الدمشقية والروضة البهية: كتاب الزكاة في الفطرة ج 2 ص 61.
231

والأولان مع اعترافهما بالشهرة، بل وعدم الخلاف، وافقا الأصحاب فيه
في الشرائع (1) والكتاب، والقواعد (2) والمختلف (3) والارشاد (4) والمبسوط (5)،
وحكي عن الشهيد الميل إليه في البيان (6).
ومع ذلك فلا حجة لهم، عدا إطلاقات السنة والكتاب، ورواية - هي مع
ضعف سندها - غير واضحة الدلالة، إلا من حيث العموم، أو الاطلاق
القابلين، كالاطلاقات، للتقييد بمستند الأصحاب من النص والاجماع، وهو
أولى من حمله على الاستحباب حيثما. حصل بينهما التعارض، كما عرفته في غير
باب.
ومع ذلك إطلاق الرواية لا يخلو عن مناقشة، بعد قوة احتمال
اختصاصها، بل وربما يشعر به ذيلها من كون ذلك مع تعدد الفطرة.
ومع ذلك محتملة للحمل على التقية، لكونها موافقة لمذهب جميع العامة
على ما صرح به جماعة، ومنهم المرتضى (7) وشيخ الطائفة (8).
وبالجملة فما اختاره المتأخرون ضعيف غايته (إلا أن يجتمع من
لا تتسع لهم) الفطرة الواحدة، فيجوز التفريق حينئذ على ما صرح به الشيخ
وجماعة، قالوا: تعميما للنفع ودفعا لأذية المؤمن.
ولا بأس به اقتصارا فيما خالف الأصل، والاطلاقات على القدر المتيقن

(1) شرائع الاسلام: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 176.
(2) قواعد الأحكام: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 61 س 9.
(3) المختلف: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 202 س 9.
(4) إرشاد الأذهان: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 291.
(5) المبسوط: كتاب الزكاة في الفطرة ج 1 ص 242.
(6) البيان: كتاب الزكاة في الفطرة ص 210.
(7) الإنتصار: في الفطرة ص 88.
(8) الاستبصار: كتاب الزكاة ب 28 في أقل ما يعطى الفقير منها ج 2 ص 52 ذيل الحديث 2.
232

من الفتوى والرواية، وبه جمع أيضا شيخ الطائفة (1) بينها وبين الرواية
المعارضة.
(ويستحب أن يخص بها القرابة (2)، ثم الجيران) (3) وترجيح أهل
الفضل والمعرفة (مع الاستحقاق) كما يستفاد من النصوص، والحمد لله
سبحانه.

(1) النهاية: كتاب الزكاة في الفطرة ص 192.
(2) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب الصدقة ج 6 ص 286.
(3) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب زكاة الفطرة ح 10 ج 6 ص 242.
233

كتاب الخمس
235

(كتاب الخمس)
وهو حق مالي يثبت لبني هاشم، عوض الزكاة بالكتاب والسنة والاجماع،
قال سبحانه: (واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه) (1) الآية. وأما
السنة فهي متواترة.
وأما الاجماع فمن المسلمين كافة، وإن اختلفوا فيما يجب فيه بعد اتفاقهم
على أنه (يجب في غنائم دار الحرب والكنز) (2) لصريح الآية، والسنة
المتواترة في الأول، بناء على أن الغنيمة فيهما حقيقة في مفروض المسألة قطعا،
عرفا ولغة، ويقتضي إرادته سوق الآية جدا.
(و) زاد أصحابنا، كما في مجمع البيان (3) والبحرين (4) وكنز العرفان (5)
(المعادن) معربين عن دعوى الاجماع عليه منا، كما في صريح الانتصار (6)

(1) الأنفال: 41.
(2) في المتن المطبوع: (والكنائز).
(3) مجمع البيان: تفسير أنما غنمتم ج 3 - 4 ص 543.
(4) مجمع البحرين: مادة غنم ج 6 ص 129.
(5) كنز العرفان: كتاب الخمس ج 1 ص 248.
(6) الإنتصار: كتاب الخمس ص 87.
237

والغنية (1) والخلاف (2) وغيرها، وظاهر المنتهى (3)، لعموم الغنيمة هنا لها، كما
يظهر من جماعة، ومنهم الطبرسي في الكتاب (4) وصاحب الكنز (5).
ويظهر منه عمومها لجميع ما في العبارة عند أصحابنا، وإثباته حقيقة لغة
أو عرفا مشكل، بل ظاهر الأصحاب وجملة من الروايات العدم، حيث قوبل
فيها وفي كلامهم المعادن، ونحوها بالغنيمة، بحيث يظهر المغايرة بحسب الحقيقة
الوضعية، كما هي ظاهر جماعة من أهل اللغة، بل عامتهم، والعرف أيضا، كما
صرح به بعض الأجلة (6)، وفي الكنز أنها مذهب أصحابنا والشافعي (7).
وحينئذ فتعميم الأصحاب الغنيمة للجميع كما فيه لعله من جهة
النصوص المفسرة للغنيمة في الآية بكل فائدة، وسيأتي إليها الإشارة في الأرباح
هذا والصحاح بالحكم فيها مع ذلك مستفيضة كغيرها من المعتبرة التي
كادت تبلغ هي مع السابق التواتر بل لعلها متواترة مضافا إلى الاجماعات
المحكية.
فلا اشكال في المسألة، وإنما الاشكال في تحقيق المعدن، فقد اختلف فيه
كلمة أهل اللغة، فبين من خصصه بمنبت الجواهر من ذهب ونحوه، كما في
القاموس (8)، ومن عممه له ولغيره مما يخرج من الأرض ويخلق فيها من غيرها
مما له قيمة، كما في النهاية الأثيرية (9).

(1) غنية النزوع (الجوامع الفقهية)، كتاب الخمس ص 507 س 11.
(2) الخلاف: كتاب الخمس مسألة 137 ج 1 ص 319.
(3) منتهى المطلب: كتاب الخمس ج 1 ص 544 س 35.
(4) مجمع البيان في تفسير أنما غنمتم ج 3 - 4 ص 544.
(5) كنز العرفان: كتاب الخمس ج 1 ص 249.
(6) الظاهر أنه العلامة السبزواري في ذخيرته: كتاب الخمس في المعادن ص 478 س 8.
(7) كنز العرفان: كتاب الخمس ج 1 ص 249.
(8) القاموس: ج 5 مادة (عدن) ص 247 س 1. (9) النهاية لابن الأثير: مادة (عدن) ج 3 ص 192.
238

والأول لعله المفهوم المتبادر منه عرفا وعادة، فيشكل المصير إلى الثاني، مع
نوع إجمال فيه، ومخالفته لبعض الصحاح الجاعل للملاحة، مثل المعدن لا نفسه.
لكنه في النهاية (1) والتهذيب (2) جعلت نفسه، فيتقوى الثاني، سيما مع
اعتضاده بالاجماع المحكي في ظاهر التذكرة، على أن المعادن كل ما خرج من
الأرض مما يخلق فيها من غيرها مما له قيمة، قال: سواء كان منطبعا
بانفراده، كالرصاص والصفر والنحاس والحديد، أو مع غيره كالزئبق أو لم
يكن منطبعا كالياقوت والفيروزج والبلخشن والعقيق والبلور والسبخ
والكحل والزاج والزرنيخ والمغرة والملح، أو كان مائعا، كالقير والنفط
والكبريت (3)، وقريب منه في المنتهى (4)، وجزم الشهيدان باندراج المغرة
والجص والنورة وطين الغسل وحجارة الرحى (5).
وتوقف فيه جماعة من متأخري المتأخرين، قالوا: للشك في إطلاق اسم
المعدن عليها، على سبيل الحقيقة، وانتفاء ما يدل على وجوب الخمس فيها على
الخصوص (6)،
وهو في محله، لكن ينبغي القطع بوجوب الخمس فيها أجمع، بناء على
عموم الغنيمة لكل فائدة، ولكل منها بلا شبهة. ووجوبه فيها من هذه الجهة
غير وجوبه فيها من حيث المعدنية.
وتظهر الثمرة في اعتبار مؤنة السنة، فتعتبر على جهة الفائدة، ولا على

(1) النهاية: كتاب الخمس باب الخمس والغنائم ص 197.
(2) تهذيب الأحكام: ب 35 في الخمس والغنائم ج 4 ص 121.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الخمس ج 1 ص 251 س 42.
(4) منتهى المطلب كتاب الخمس ج 1 ص 545 س 19.
(5) الدروس الشرعية: كتاب الخمس ص 68 س 24، والروضة البهية: كتاب الخمس ج 2 ص 66.
(6) مدارك الأحكام: ج 5 ص 364، والحدائق الناضرة: ج 12 ص 328.
239

المعدنية، ولعل هذا أحوط.
(و) زادوا أيضا، كما في كتب التفسير المتقدمة ما يخرج من البحر
ب‍ (الغوص) وفي صريح الانتصار (1) والغنية (2)، وظاهر المنتهى (3) وغيره
الاجماع عليه، لعموم الآية بالتقريب المتقدم إليه الإشارة والنصوص
المستفيضة.
ففي جملة منها مستفيضة، الخمس من خمسة أشياء من الكنوز والمعادن
والغوص والمغنم الذي يقاتل عليه (4)، ولم يحفظ الراوي في جملة منها الخامسة
وجعلت في أخرى الملاحة (5).
وضعف أسانيدها منجبر بفتوى الطائفة، والموافقة لعموم الآية ولو في
الجملة، والاجماعات المحكية، وخصوص أخبار أخر صحيحة.
منها المروي في الخصال: في ما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال
المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه، والكنوز الخمس (6).
وفي أخرى: عن العنبر وغوص اللؤلؤ قال: عليه خمس (7). وقصوره عن إفادة
التعميم بما مر مجبور.
(و) زادوا أيضا، كما فيها (أرباح التجارات) والزراعات والصنائع،
وجميع أنواع الاكتسابات، وفواضل الأقوات من الغلات والزراعات عن مؤنة

(1) الإنتصار: كتاب الخمس ص 86.
(2) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الخمس ص 507 س 12.
(3) منتهى المطلب: كتاب الخمس ج 1 ص 547 س 23.
(4) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس ح 11 ج 6 ص 341.
(5) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس ح 9 ج 6 ص 340.
(6) الخصال: باب الخمسة ما يجب فيه الخمس ح 51 ج 1 ص 290.
(7) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب ما يجب فيه الخمس ح 1 ج 6 ص 347.
240

السنة على الاقتصاد، وفي صريح الانتصار (1) والغنية (2) والخلاف (3)، وظاهر
المنتهى (4) وعن التذكرة (5) والشهيد (6) عليه الاجماع، ولعله كذلك، لعدم
وجود مخالف فيه ظاهر ولا محكي، إلا العماني والإسكافي حيث حكى عنهما
القول بالعفو عن هذا النوع (7).
وفي استفادته من كلامهما المحكي إشكال. نعم ربما يستفاد منهما التوقف
فيه، ولا وجه له لاستفاضة الروايات، بل تواترها، كما عن التذكرة (8)
والمنتهى (9) بالوجوب.
ولذا لم يتأمل في أصل الوجوب أحد من المتأخرين ولا متأخريهم، وإنما
تأمل جملة من متأخري متأخريهم فيما هو ظاهر الأصحاب، وجملة من
الروايات، بل كلها، كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى، من أن مصرف خمس
هذا النوع مصرف سائر الأخماس.
بل احتملوا قريبا اختصاصه بالإمام عليه السلام، بدعوى دلالة جملة من
الروايات عليه، لدلالة بعضها على تحليلهم عليهم السلام هذا النوع من
الخمس، ولولا اختصاصه بهم عليهم السلام لما ساغ لهم ذلك، لعدم جواز
التصرف في مال الغير، وتضمن آخر منها إضافته إلى الإمام عليه السلام، بمثل

(1) الإنتصار: كتاب الخمس في ما يجب فيه الخمس ص 86.
(2) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة في الخمس ص 507 س 15.
(3) الخلاف: كتاب الزكاة في الخمس مسألة 138 ج 1 ص 319.
(4) منتهى المطلب: كتاب الخمس في ما يجب فيه الخمس ج 1 ص 548 س 1.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الخمس في ما يجب فيه الخمس ج 1 ص 253 س 6.
(6) البيان: كتاب الخمس فيما يتعلق بالخمس ص 218.
(7) البيان: كتاب الخمس فيما يتعلق بالخمس ص 218.
(8) تذكرة الفقهاء: كتاب الخمس في ما يجب فيه الخمس ج 1 ص 253 س 6.
(9) منتهى المطلب: كتاب الخمس في ما يجب فيه الخمس ج 1 ص 548 س 5.
241

قول الراوي حقك أو قوله لك أو قوله لي الخمس، وأمثال ذلك.
ففي الصحيح: قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقك فأعلمت
مواليك ذلك، فقال لي بعضهم: وأي شئ حقه، فلم أدر ما أجيبه، فقال:
يجب عليهم الخمس، فقلت: في أي شئ، فقال: في أمتعتهم وضياعهم، قال:
والتاجر والصانع بيده، وذلك إذا أمكنهم بعد مؤنتهم (1). وتصريح جملة منها
بأنه لهم خاصة.
ففي الخبر: على كل امرئ غنم أو اكتسب الخمس مما أصاب لفاطمة
عليها السلام، ولمن يلي أمرها من بعدها من ورثتها الحجج على الناس، فذلك
لهم خاصة يضعونه حيث شاؤوا، وحرم عليهم الصدقة، حتى الخياط يخيط
قميصا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق، إلا من أحللناه، ليطيب لهم به
الولادة (2).
وفي الجميع نظر، أما الأول: فبعد المعارضة والنقض بجملة من الأخبار
المحللة للخمس بقول مطلق بحيث يشمل هذا النوع وغيره بل جملة منها صريحة
في الثاني وهم لا يقولون بالاختصاص فيه فما هو الجواب عنها فهو الجواب عما
نحن فيه ومنع عدم جواز تصرفهم عليهم السلام في مال الغير مطلقا كيف لا
وهم أولى بالمؤمنين من أنفسهم فما ظنك بأموالهم.
مع أن الذي يظهر من بعض الأخبار أن لهم تحليل سهام باقي الفرق
الثلاث.
منها - زيادة على ما سبق إليه قريبا الإشارة - الصحيح كنت عند أبي جعفر
عليه السلام إذ دخل عليه صالح بن محمد بن سهل - وكان يتولى له الوقف

(1) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس ح 3 ج 6 ص 348.
(2) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب ما يجب في الخمس ح 8 ج 6 ص 351.
242

بقم - فقال: يا سيدي اجعلني من عشرة آلاف درهم في حل، فقال: أنت في
حل، فلما خرج صالح، قال: أحدهم يثب على أموال آل محمد صلى الله عليه
وآله ويتاماهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم فيأخذها فيجئ فيقول: إجعلني في
حل، أتراه ظن أني أقول لا أفعل، والله ليسألنهم يوم القيامة سؤالا حثيثا (1).
وأما عن الثاني: فبأن المقصود، بمثل قوله حقك حق ينبغي أن يصل إليه،
وله ولاية التصرف فيه يضعه حيث شاء، ألا ترى إلى عدوله عن قوله: (حقي
الخمس) - إلى قوله - يجب عليهم الخمس.
ولعل وجه الحصر في الأمتعة والضياع والكسب علمه بأن الجماعة
المخصوصين من مواليه المأمورين بإخراج الحق لم يكونوا مغتنمين غنيمة من دار
الحرب ولا عاثرين على كنز ولا معدن، بل الغالب فيما عندهم مما يتعلق
الخمس فيه هذا النوع خاصة.
ويعضد ما ذكرنا من أن المراد - بالإضافة إلى ذلك - استفاضة النصوص
بتفسير الغنيمة في الآية الكريمة بهذا النوع خاصة، أو ما يعمه وغيره.
ففي الصحيح - الطويل -: فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل
عام، قال الله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه، وساق الآية
- إلى أن قال -: والغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء، والفائدة
تفيدها، والجائزة من الانسان للانسان التي لها خطر، والميراث الذي
لا يحتسب من غير أب ولا ابن، ومثل عدو يصطلم (2)، الحديث.
وفي الرضوي - بعد ما ذكر الآية -: وكل ما أفاده الناس غنيمة لا فرق بين
الكنوز والمعادن والغوص - إلى أن قال -: وربح التجارة وغلة الضيعة وسائر

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الأنفال ح 1 ج 6 ص 375.
(2) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس ح 5 ج 6 ص 350.
243

الفوائد من المكاسب والصناعات والمواريث وغيرها، لأن الجميع غنيمة
وفائدة (1)
وفي الخبر: عن الآية فقال: هي والله الإفادة يوما بيوم، إلا أن أبي جعل
شيعته في حل ليزكوا (2).
وفي الموثق: عن الخمس فقال: في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير (3).
وحيث دخلت في الغنيمة ثبت خمسها لجميع الأصناف المذكورة في الآية
والسنة المتواترة فإن ظاهرها بل صريحها إفادة التشريك في الاستحقاق في
خمس كل غنيمة.
وتخصيصها بما عدا الأرباح للنصوص المتقدمة - مع بعده في الغاية - ليس
بأولى من صرف النصوص المزبورة عن ظواهرها بما ذكرنا، بل هو أولى،
لاعتضاده بفتوى الأصحاب قاطبة، كما اعترف به من هؤلاء جماعة، أو
متأخريهم خاصة، كما في الذخيرة (4)؟ مضافا إلى اعتضاده بأمر آخر وهو دلالة
جملة من النصوص.
وكلمة الأصحاب على أن الخمس إنما شرع للسادة عوض الزكاة، إكراما
لهم وصيانة عن الأوساخ.
ومن الواضح البين أن خمس ما عدا الأرباح قليلة التحقق في غالب
الأزمان، وإنما الغالب حصوله إنما هو منها، فلو خص بالإمام عليه السلام لم
يحصل لباقي السادة تلك الكرامة، ولبقوا في مضيق العسر والشدة.
وهذا أوضح شاهد وأبين قرينة على أن ما ورد بإباحتهم الخمس بقول

(1) فقه الإمام الرضا عليه السلام: ب 49 في الغنائم والخمس ص 294.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الأنفال ح 8 ج 6 ص 381.
(3) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس ح 6 ج 6 ص 350.
(4) ذخيرة المعاد: كتاب الخمس في ما يجب فيه الخمس ص 485 س 13.
244

مطلق أو هذا النوع منه للشيعة، ليس باقيا على ظاهره من كونها على العموم
والكلية إلى يوم القيامة، بل ينبغي صرف التأويل إليه بحمله على ما يختص
بهم عليهم السلام، أو يعمهم وغيره، لكن في زمانهم خاصة، ولهذا شواهد من
روايات المسألة.
ومن هنا يظهر الجواب عن الثالث، مع ضعف سند جملة، ومتروكية متن
الرواية المتقدمة منه لو أريد منها الحصر الحقيقي، كيف لا وظاهرها
الاختصاص بسيدة النساء فاطمة عليها السلام والحجج من ذريتها، وهو شئ
لا يقول به أحد من المسلمين. ومع ذلك فقد تضمنت الغنيمة مع الاكتساب،
وهؤلاء لم يقولوا باختصاصها بهم عليهم السلام.
وحينئذ فيجب جعل الحصر إضافيا، وجعل ذكرهم عليهم السلام دون
غيرهم تغليبا.
وفي قوله عليه السلام: (يضعونه حيث شاؤوا) وكذا قول: (وحرم عليه
الصدقة) (1)، إشعار تام بذلك، كما لا يخفى.
وبالجملة لا ريب للأحقر في أن مصرف هذا الخمس مصرف سائر
الأخماس. وأما إباحتهم عليهم السلام إياه للشيعة فسيأتي الكلام فيه إن شاء
الله تعالى.
(و) زادوا أيضا كما في الكتابين الآخرين (أرض الذمي إذا اشتراها
من مسلم) (2) وعزاه في المنتهى أيضا إلى علمائنا، مؤذنا بدعوى الاجماع
عليه (3) كما في الغنية (4)، فلا إشكال فيه، وإن لم يذكره من القدماء كثير أيما

(1) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس ح 8 ج 6 ص 351.
(2) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب ما يجب فيه الخمس ح 1 ج 6 ص 352
(3) منتهى المطلب: كتاب الخمس ج 1 ص 549 س 1.
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة في الخمس ص 507 س 17.
245

ذمي اشترى من مسلم أرضا فإن عليه الخمس، وإنما الاشكال في مصرفه،
وظاهر الأصحاب أنه كسائر الأخماس.
خلافا لجماعة من متأخري المتأخرين فاحتملوا أن يكون المراد من
الحديث تضعيف العشر على الذمي إذا كانت الأرض عشرية، كما ذهب إليه
بعض العامة، لا أخذ الخمس منه للذرية.
وهو بعيد، مع عدم مصير أحد من الإمامية إليه، فإنهم بين قائل بوجوب
الخمس بالمعنى المصطلح فيها، وبين عدم ذاكر له أصلا أو ناف له كذلك،
وهو شيخنا الشهيد الثاني في فوائد القواعد (1)، عملا الأصل، وتضعيفا
للرواية.
وأما القول بوجوب الخمس بالمعنى المحتمل، فلم نعرف قائله من الطائفة،
فهو ضعيف في الغاية، كدعوى ضعف الرواية أو كونها موثقة، كما في
المختلف (2) والروضة (3)، فإن سندها على ما وجدناه في أعلى درجات الصحة
وبه صرح جماعة.
ولا فرق في إطلاق الرواية والعبارة ونحوها من عبائر الجماعة، بين أرض
السكنى، والزراعة، وحكي التصريح به عن شيخنا الشهيد الثاني، قال: سواء
كانت بياضا أو مشغولة بغرس أو بناء (4)، لكن عن الماتن في المعتبر أن الظاهر
أن مراد الأصحاب الثانية خاصة (5)، واستجوده بعض متأخري المتأخرين،
قال: لأنه المتبادر (6).

(1) فوائد القواعد: لا يوجد لدينا الكتاب.
(2) المختلف: في الخمس ج 1 ص 203 س 3.
(3) الروضة البهية: كتاب الخمس في ما يجب فيه ج 2 ص 72.
(4) الروضة البهية: كتاب الخمس في ما يجب فيه ج 2 ص 72.
(5) المعتبر كتاب الخمس في ما يجب فيه ج 2 ص 624.
(6) وهو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الخمس في ما يجب فيه الخمس ج 5 ص 386.
246

وزادوا أيضا كما فيهما وجوبه (في الحلال إذا اختلط بالحرام ولم
يتميز) أحدهما عن الآخر لا قدرا ولا صاحبا، وفي الغنية الاجماع عليه (1). وهو
الحجة مضافا إلى ما مر في الغوص من الصحيحة الصريحة، وقريب منها
نصوص أخر مستفيضة.
منها الموثق: عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل، قال: لا، إلا أن لا يقدر
- إلى أن قال -: فإن فعل فصار في يده شئ فليبعث بخمسه إلى أهل البيت
عليهم السلام (2).
والقوي: تصدق بخمس مالك فإن الله تعالى رضي من الأشياء بالخمس
وسائر المال لك حلال (3) ونحوه الخبر مبدلا فيه لفظ تصدق بإخراج
الخمس (4).
والمرسل: آتيني بخمسه فأتاه بخمسه، فقال: هو لك حلال إن الرجل إذا
تاب تاب ماله معه (5).
وقصور السند أو ضعفه بالعمل منجبر، وكذا ضعف الدلالة أو قصورها إن
سلم، وإلا فهي ظاهرة بعد الضم إلى الصحيحة الصريحة، فإن أخبارهم
عليهم السلام بعضها يكشف عن بعض، مع ظهور لفظ الخمس فيها أجمع في
المعنى المصطلح.
سيما المتضمن منها للتعليل بأنه تعالى رضي من الأموال إلى آخره، إذ
لا خمس رضى به منها سبحانه، إلا ما يكون مصرفه الذرية. وقريب منها المرسلة

(1) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة في الخمس ص 507 س 17.
(2) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس ح 2 ج 6 ص 353.
(3) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس ح 4 ج 6 ص 353.
(4) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس ح 1 ج 6 ص 352.
(5) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس ح 3 ج 6 ص 353.
247

المتضمنة للأمر بإتيان المال إليه عليه السلام ثم رده عليه، الظاهرين في كونه
له عليه السلام فتدبر.
هذا مع أن لفظ الخمس فيها سبيله سبيل لفظه، الوارد في نصوص باقي
الأخماس، فكأنه صار يومئذ حقيقة شرعية فيما هو المصطلح بيننا.
ولا ينافيه لفظ التصدق في القوي، لشيوع استعماله في التخميس كما ورد
في الصحيح، مع احتمال أن يراد به مطلق الاخراج كما عبر به، وبمعناه فيما
بعده.
ومع ذلك فصرفه إلى الذرية أحوط، كما صرح به جماعة، بناء على
اختصاص الصدقة المحرمة عليهم بالزكاة المفروضة.
ومما ذكرنا ظهر ضعف القول بعدم وجوب الخمس فيه أصلا، كما ربما
يعزى إلى جماعة من القدماء، حيث لم يذكروا هذا القسم أصلا.
وإن علم الحرام قدرا وصاحبا فالأمر واضح. وإن علم الأول دون الثاني
قيل: يتصدق به عن المالك مطلقا ولو زاد عن الخمس، وعن التذكرة (1)،
وجماعة فيه إخراج الخمس ثم التصدق بالزائد، ووجهه غير واضح.
وإن انعكس صولح المالك بما يرضى ما لم يطلب زائدا عما يحصل به يقين
البراءة، مع احتمال الاكتفاء بدفع ما يتيقن انتفائه عنه، إلا أن الأول أحوط
وأولى.
وقيل: يدفع إليه الخمس لو أبى عن الصلح، لأن الله تعالى جعله مطهرا
للمال. ولا يخلو عن إشكال.
وحيثما خمس أو تصدق به عن المالك، ثم ظهر، فإن رضى بما فعل، وإلا
ففي الضمان وعدمه وجهان، بل قولان، أحوطهما الأول، وإن كان الثاني

(1) تذكرة الفقهاء: كتاب الخمس في ما يجب فيه الخمس ج 1 ص 253 س 15.
248

أوفق بالأصل.
(و) اعلم أنه (لا يجب) الخمس (في الكنز حتى تبلغ) عينه أو
(قيمته) ما يجب في مثله الزكاة من مائتي درهم أو (عشرين دينارا)
بإجماعنا الظاهر المنقول في كلام جماعة مستفيضا.
للصحيح: عما يجب فيه الخمس من الكنز، فقال: ما تجب الزكاة في مثله
ففيه الخمس (1). ونحوه المرسل (2)، بل أصرح، لتضمنه السؤال عن المقدار
لا المحتمل لإرادة النوع وإن بعد، لا تفاق الأصحاب على فهم المقدار منه
لا النوع، مع تصريح بعضهم بوجوب الخمس في الكنز بأنواعه من الذهب
والفضة والرصاص والصفر والنحاس والأواني، وظاهر المنتهى (3) عدم خلاف
بيننا، وبعضده إطلاق النصوص والفتاوى.
وإنما عبرنا عن النصاب بما ذكرنا، وفاقا للسرائر والخلاف والمنتهى
والشهيدين في البيان والروضة وغيرهما، تبعا لظاهر الخبرين اللذين مضيا، مع
احتمال فهم الاجماع عليه من الخلاف والمنتهى.
خلافا لنحو العبارة فالعشرين دينارا خاصة، وحجته غير واضحة إن أريد
الحصر، ولا خلاف إن أريد المثل، كما هو الظاهر، واحتمله جمع.
وفي المنتهى أن المعتبر النصاب الأول، فما زاد عليه يجب فيه الخمس،
قليلا كان أو كثيرا، واستشكل بظهور النص في مساواة الخمس للزكاة في
اعتبار النصاب الثاني كالأول (4).
ولا يخلو عن نظر، لأن الظاهر كون المقصود من السؤال والجواب فيه إنما

(1) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس ح 2 ج 6 ص 345.
(2) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس ح 6 ج 6 ص 346.
(3) منتهى المطلب: كتاب الخمس في ما يجب فيه ج 1 ص 549 س 7 و 14.
(4) منتهى المطلب: كتاب الخمس في ما يجب فيه ج 1 ص 549 س 7 و 14.
249

هو مبدأ تعلق الخمس والمساواة مع الزكاة فيه.
(وكذا يعتبر) النصاب المزبور (في المعدن على رواية البزنطي)
الصحيحة، وفيها ليس فيه شئ حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين
دينارا (1)، وعمل به الشيخ في النهاية (2) والمبسوط (3) وابن حمزة (4)، والمتأخرون
قاطبة.
خلافا للخلاف (5) والسرائر (6) والقاضي (7)، فلا نصاب فيه أصلا، كما
هو ظاهر كثير من القدماء، كالإسكافي (8) والعماني (9) والمفيد (10)
والديلمي (11) وابن زهرة (12)، والمرتضى (13)، وادعى الأولان عليه إجماعنا،
للعمومات كتابا وسنة.
ويخص بما مضى ويذب عن الاجماع بوهنه من الخلاف برجوعه في
المبسوط إلى المختار، كما مضى، ومن السرائر بوقوع دعواه بنحو لفظة:
لا خلاف.

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب ما يجب فيه الخمس، ح 1 ج 6 ص 344.
(2) النهاية: كتاب الزكاة باب الخمس والغنائم ص 197.
(3) المبسوط: كتاب الخمس في ما يجب فيه ج 1 ص 237.
(4) الوسيلة: كتاب الخمس ص 138.
(5) الخلاف: كتاب الزكاة في الخمس مسألة 141 ج 1 ص 320.
(6) السرائر: كتاب الخمس باب الخمس والغنائم ج 1 ص 488.
(7) المهذب: كتاب الخمس في ما يجب فيه ص 179.
(8، 9) المختلف (نقلا عن ابن الجنيد والعماني) كتاب الخمس ج 1 ص 203 س 13 و 14.
(10) المقنعة: كتاب الخمس ب 34 في الخمس والغنائم ص 276.
(11) المراسم: كتاب الخمس ص 139.
(12) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة في الخمس ص 507 س 19.
(13) الإنتصار: كتاب الخمس ص 86.
250

ولا ريب في ضعفه، بعد وجود الخلاف من واحد، فضلا عن كثير كما
هنا. نعم هذا القول أحوط وأولى، وللحلبي فاعتبر بلوغ قيمته دينارا (1).
قيل: ورواه الصدوق في المقنع (2) والفقيه (3)، وهو ضعيف لضعف الخبر
الدال عليه سندا ومقاومة لما مضى، لصحته، واعتضاده بالشهرة العظيمة
المتأخرة، التي كادت تكون إجماعا، بل لعلها إجماع في الحقيقة دون هذا.
فليطرح، أو يحمل على الاستحباب، أو يصرف النصاب فيه إلى الغوص
المسؤول عن حكمه فيه أيضا، دون المعدن.
(ولا) يجب الخمس (في الغوص) أيضا (حتى يبلغ) قيمته
(دينارا) على الأشهر الأقوى، بل لعله عليه عامة أصحابنا، عدا المفيد في
الرسالة الغرية فجعل النصاب عشرين دينارا (4)، وهو - مع عدم وضوح
مستنده - نادر، بل على خلافه الاتفاق في صريح التنقيح (5)، وظاهر المنتهى (6)
والسرائر (7)، مضافا إلى مخالفته عموم ما دل على وجوب الخمس فيه بقول
مطلق، خرج منه ما نقص عن الدينار بالاجماع الظاهر المصرح به في جملة من
العبائر وبقي الباقي.
هذا مضافا إلى النص السابق، وعمل الأصحاب هنا، لضعف سنده
جابر مع كون الراوي عن موجبه ممن لا يروي إلا عن ثقة، كما عن شيخ

(1) الكافي في الفقه: في الخمس س 170.
(2) المقنع (الجوامع الفقهية): باب الخمس ص 15 س 8.
(3) من لا يحضره الفقيه: باب الخمس ح 1644 ج 2 ص 39.
(4) الرسالة الغرية: لا يوجد لدينا هذا الكتاب.
(5) التنقيح الرائع: كتاب الخمس في ما يجب فيه ص 338.
(6) منتهى المطلب: كتاب الخمس في ما يجب فيه ج 1 ص 549 س 26.
(7) السرائر: كتاب الخمس باب الخمس والغنائم ج 1 ص 488.
251

الطائفة (1).
ويعتبر النصاب في الثلاثة بعد المؤنة، التي يغرمها على تحصيله من حفر
وسبك في المعدن وآلة غوص أو إرشها، وأجرة الغواص في الغوص، وأجرة
الحفر ونحوه في الكنز، كما صرح به جماعة، من غير خلاف فيه بينهم ولا غيرهم
أجده، بل الظاهر الاجماع عليه، كما يفهم من جمع، وبه صرح في الخلاف (2)
في الركاز والمعدن، وفي الروضة يعتبر النصاب بعدها مطلقا في ظاهر
الأصحاب (3).
وفي الصحيح: كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام الخمس أخرجه قبل المؤنة
أو بعد المؤنة، فكتب بعد المؤنة (4).
وفي اعتبار اتحاد الاخراج منها مطلقا، أو العدم كذلك، أو الفرق بين ما
لو طال الزمان، أو قصد الاعراض فالأول، وغيره فالثاني، أوجه، بل وأقوال،
من إطلاق النص وقوة احتمال اختصاصه بحكم التبادر بالمتحد مطلقا، أو
على التفصيل، ولا ريب أن الأول أحوط، وإن كان التفصيل لا يخلو عن وجه.
ثم في اعتبار اتحاد النوع فيها أو العدم أو نعم في الكنز والمعدن دون
غيرهما، أوجه، أوجهها الثاني وفاقا لجماعة.
خلافا للروضة فالثالث، قال: وفاقا للعلامة (5).
ولو اشتراك جماعة اعتبر بلوغ نصيب كل نصابا بعد مؤنته.
(ولا في أرباح التجارات، إلا فيما فضل منها عن مؤنة السنة له

(1) تهذيب الأحكام: باب الخمس والغنائم ح 356 ج 4 ص 124.
(2) الخلاف: كتاب الزكاة في الخمس مسألة 146 ج 1 ص 321.
(3) الروضة البهية: كتاب الخمس خ 2 ص 71.
(4) وسائل الشيعة:. ب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس ح 1 ج 6 ص 354.
(5) منتهى المطلب: كتاب الخمس في ما يجب فيه ج 1 ص 549 س 33.
252

ولعياله) الواجبي النفقة ومندوبيها، والنذور والكفارات، ومأخوذ الظالم غصبا
ومصانعة والهدية والصلة اللائقتين بحاله، ومؤنة الحج الواجب عام
الاكتساب، وضروريات أسفار الطاعات ونحوه، بلا خلاف أجده في أصل
اعتبار مؤنة السنة له ولعياله وإن اختلفت عباراتهم في تفصيل المؤنة بما
ذكرناه، وفاقا لجماعة أو بغيره من تخصيص العيال بواجبي النفقة من غير
إشارة إلى مندوبيها كما في السرائر (1) وغيره.
لكن ما ذكرناه أقوى، لكونه المفهوم والمتبادر من لفظ المؤنة الواردة في
المعتبرة المستفيضة، وفيها الصحاح وغيرها، التي هي المستند في أصل
اعتبارها، مضافا إلى الاجماعات المحكية.
وهي وإن كانت مجملة غير مبين كون المراد بها ما يتعلق بالسنة، إلا أن
الأصحاب قاطعون بكونه المراد، من غير خلاف بينهم أجده، بل عليه الاجماع
في صريح السرائر (3)، وظاهر المنتهى (3) والتذكرة (4)، ولعله المفهوم منها عند
الاطلاق في مثل هذه الأخبار عرفا وعادة.
ولو كان له مال لا خمس فيه، ففي احتساب المؤنة منه، أو من الربح
المكتسب، أو بالنسبة بينهما أوجه، أحوطها الأول، ثم الثالث.
(ولا يعتبر) في الأموال (الباقية مقدار) ونصاب، بلا خلاف أجده، إلا
من المفيد فيما يحكى عنه في الغنيمة، فاعتبر في وجوب الخمس فيها بلوغها
عشرين دينارا (5)، وهو مع ندوره لم نعثر على مستنده.
وكما لا يعتبر النصاب فيها كذا لا يعتبر الحول فيها ولا في غيرها مما مضى،

(1) السرائر: كتاب الخمس باب الخمس والغنائم ج 1 ص 489.
(2) السرائر: كتاب الخمس باب الخمس والغنائم ج 1 ص 489.
(3) منتهى المطلب: كتاب الخمس في ما يجب فيه ج 1 ص 550 س 8.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الخمس في ما يجب فيه ج 1 ص 253 س 7.
(5) حكاه الفيض في مفاتيح الشرائع: كتاب الزكاة م 250 في وجوب الخمس في الغنائم ج 1 ص 222.
253

بإجماعنا الظاهر المصرح به من جملة من العبائر، وفي المنتهى أنه قول العلماء
كافة إلا من شذ من العامة (1)، للعمومات كتابا وسنة. نعم يحتاط في الأرباح
بالتأخير إلى كماله، لاحتمال تجدد مؤنته، ولا خلاف فيه، بل يعزى إلى
الحلي عدم مشروعية الاخراج قبله وإن علم زيادته عن مؤنة سنة.
وفي استفادته من عبارته الموجودة في السرائر (2) إشكال، بل ظاهر سياقها
عدم وجوب الاخراج قبله فورا كما هو ظاهر باقي الأصحاب أيضا.
ومع ذلك فهو - على تقديره - ضعيف، يدفعه ظاهر إطلاق الأدلة، بل في
بعض الأخبار الخياط ليخيط قيصا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق (3)، لكنه
- مع قصور سنده، بل ضعفه - يجب تقييده بأدلة استثناء مؤنة السنة.
(ويقسم الخمس ستة أقسام على) الأظهر (الأشهر ثلاثة) منها
(للإمام) سهمه وسهم الله وسهم رسول الله صلى الله عليه وآله (وثلاثة)
منها للأصناف الثلاثة الباقية (اليتامى (4) والمساكين وأبناء السبيل)
لظاهر الآية الكريمة (5)، والمعتبرة المستفيضة، المنجبر قصورها أو ضعفها بالشهرة
العظيمة، التي كادت تكون إجماعا، بل إجماع في الحقيقة، لعدم ظهور قائل
بخلافها منا.
وإن حكى الفاضلان في المعتبر (6) والمنتهى (7) تبعا للشيخ (8) عن بعض

(1) منتهى المطلب: كتاب الخمس في ما يجب فيه ج 1 ص 549 س 7.
(2) السرائر: كتاب الخمس باب الخمس والغنائم ج 1 ص 489.
(3) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس ح 8 ج 6 ص 351.
(4) في المتن المطبوع: (لليتامى).
(5) الأنفال: 41.
(6) المعتبر: كتاب الخمس فيما يجب فيه ج 2 ص 628.
(7) منتهى المطلب: كتاب الخمس في ما يجب فيه ج 1 ص 550 س 19.
(8) الخلاف: كتاب الفئ وقسمة الغنائم م 37 ج 2 ص 340 (طبعة اسماعيليان).
254

أصحابنا أنه يقسم خمسة أسهم سهم له عليه السلام وسهم لأقرباء الرسول
صلى الله عليه وآله وثلاثة للثلاثة، كما عليه أكثر العامة، وحكي عن
الشافعي وأبي حنيفة، لندوره، وعدم معروفية قائله، مع عدم وضوح مستنده،
عدا الصحيح الفعلي، وهو - مع عدم وضوح دلالته، بعد كونه قضية في واقعة
فلا تفيد الكلية، وموافقته لأكثر العامة - لا يكافؤ ما مر من الأدلة.
ويشترط في الأصناف الثلاثة أن يكونوا (ممن ينسب (1) إلى
عبد المطلب ولو بالأب) خاصة على الأظهر الأشهر أيضا، بل لا خلاف فيه
يظهر جدا، إلا من الإسكافي فلم يشترطه، بل جوز صرفه إلى غيرهم من
المسلمين، مع استغناء القرابة عنه (3).
وهو مع ندورة مستنده غير واضح، عدا إطلاق الأدلة المقيد بالنصوص
المستفيضة، المنجبر - قصورها أو ضعفها - بالشهرة العظيمة، بل الاجماع حقيقة،
كما في الانتصار (3).
وأما الاستدلال له بإطلاق الصحيح الماضي فغفلة واضحة، إذ الفعل
لا عموم له، كما عرفته.
ومنه ومن المفيد فجوزا دفعه إلى بني المطلب مطلقا (4)، ومر ضعفه في بحث
الزكاة.
(وفي استحقاق من ينسب (5) إليه بالأم) خاصة (قولان، أشبههما

(1)، في المتن المطبوع: (ينتسب).
(2) المختلف (حكى عن ابن الجنيد): كتاب الخمس ج 1 ص 205 س 19.
(3) الإنتصار: كتاب الخمس ص 87.
(4) لم نعثر عليه في كتبه الموجودة لدينا، ونقله عنه في المعتبر: كتاب الخمس في ما يجب فيه ج 2
ص 631.
(5) في المتن المطبوع: (ينتسب).
255

وأشهرهما أنه لا يستحق) بل عليه عامة أصحابنا، عدا المرتضى (1)، وهو
نادر، ومستنده مع ذلك غير واضح، عدا إطلاق الولد ونحوه عليه حقيقة.
وهو - بعد تسليمه - غير مجد فيما نحن فيه، بعد معلومية عدم انصراف
الاطلاق بحكم التبادر إلى مثله، مع ورود النص المعمول عليه عند الأصحاب بحرمانه.
ففيه من كانت أمه من بني هاشم وأبوه من سائر القريش فإن الصدقة
تحل له، وليس له من الخمس شئ.
وحمله على التقية - بناء على أنه مذهب الجمهور كافة - يأباه سياقه،
وتضمنه أحكاما كثيرة، كلها موافقة لمذهب الإمامية.
هذا من أن إدخاله في الهاشمي - بناء على الصدق الحقيقي - معارض بمثله،
وهو اندراجه تحت إطلاق القريشي مثلا، الذي يحرم عليه الخمس إجماعا.
فترجيح الاطلاق الأول على هذا ليس بأولى من عكسه، لو لم نقل لكونه
الأولى، لكون جانب الأب أرجح قطعا، زيادة على ما مضى، من ورود
النص، المنجبر بالعمل، حتى من الحلي (2) الذي لا يعمل بالآحاد، إلا بعد
كونها مقطوعا بها. فتأمل جدا.
(وهل يجوز أن يخص به) أي بالخمس (طائفة) من الثلاثة (حتى
الواحد) منهم؟ (فيه تردد) واختلاف بين الأصحاب.
فبين موجب للتعميم، كما يحكى عن ظاهر المبسوط (3) والحلبي (4)
والتنقيح (5)، لظاهر الآية، فإن اللام للملك أو الاختصاص، والعطف بالواو

(1) حكاية تحكى عنه ولم نجد ذلك في كتبه الموجودة والمتوفرة لدينا.
(2) السرائر: كتاب الخمس باب الخمس والغنائم ج 1 ص 501.
(3) المبسوط: كتاب الخمس في قسمة الأخماس ج 1 ص 262.
(4) الكافي في الفقه: في جهة الحقوق ص 173.
(5) التنقيح الرائع: كتاب الخمس في ما يجب فيه ج 1 ص 339.
256

يقتضي التشريك في الحكم.
ومجوز للتخصيص، كالفاضلين (1) ومن تأخر عنهما، لظاهر الصحيح: أرأيت
إن كان صنف أكثر من صنف كيف يصنع؟ فقال: ذلك إلى الإمام
عليه السلام، أرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله كيف يصنع: إنما كان
يعطي على ما يرى، وكذلك الإمام عليه السلام (2).
ولأجله يصرف الآية عن ظاهرها، بالحمل على بيان المصرف، كما في
الزكاة، مؤيدا بثبوته فيها، فإن الخمس زكاة في المعنى؟ مضافا إلى اشتهاره هنا
بين متأخري أصحابنا، كما صرح به جماعة.
(و) لكن (الأحوط بسطه عليهم ولو متفاوتا) لعدم صراحة
الصحيحة في جواز التخصيص بطائفة. نعم هي صريحة في عدم وجوب
استيعاب الثلاثة وجواز البسط عليهم متفاوتا، ولا كلام فيه أصلا، بل في
المدارك (3) والذخيرة (4) أنه المعروف من مذهب الأصحاب، ونفي الخلاف
عنه في غيرهما.
وحيث انتفت الصراحة، أشكل صرف الآية عن ظاهرها، وإن سلم
ظهور الرواية أيضا، لأن الصرف بظهورها فرع كونه أوضح من ظهور الآية،
وأقوى وهو غير معلوم جدا.
فاحتياط تحصيل البراءة اليقينية عما اشتغلت به الذمة يقتضي البسط
على الثلاثة، بل استيعابها أيضا، إلا أن يشق ذلك، فيقتصر على من حضر

(1) شرائع الاسلام: كتاب الخمس في ما يجب فيه ج 1 ص 182، ومنتهى المطلب: كتاب الخمس في
ما يجب فيه ج 1 ص 552 س 10.
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من قسمة الخمس ح 1 ج 6 ص 362.
(3) مدارك الأحكام: كتاب قسمة الخمس ج 5 ص 403.
(4) ذخيرة المعاد: كتاب في ما يجب فيه ص 488 س 11.
257

البلد، ويبسط عليهم مع الامكان، كما هو ظاهر السرائر (1) والدروس (2) وإن
ضعفه من تأخر عنهما، معربين عن عدم خلاف في فساده، كما مضى.
فإن تم إجماعا، وإلا فما فيهما قوي جدا، وإن كان خيرة المتأخرين لعله
أقوى، بل ربما يفهم من عبارة المبسوط - المحكية - كون البسط مطلقا على
الاستحباب.
(ولا يحمل الخمس إلى غير بلده) كما هنا وفي الشرائع (3) والارشاد (4)
والتحرير (5) والدروس (6) والمنتهى (7)، وفيه لأن المستحق مطالب من حيث
الحاجة، فنقله عن البلد تأخير لصاحب الحق عن حقه مع المطالبة، فيكون
ضامنا.
خلافا لشيخنا الشهيد الثاني (8) وسبطه (9) وغيرهما، فجوزوا النقل مع
الضمان، ولعله أقوى، كما في الزكاة، وقد مضى، خصوصا لطلب المساواة بين
المستحقين، والأشد حاجة.
نعم الأول أحوط وأولى (إلا مع عدم المستحق فيه) فيجوز النقل حينئذ
قولا واحدا، لأنه توصل إلى إيصال الحق إلى مستحقه، فيكون جائزا، بل
واجبا.

(1) السرائر: كتاب الخمس باب قسمة الغنائم والأخماس ج 1 ص 497.
(2) الدروس الشرعية: كتاب الخمس في مستحق الخمس ص 69 س 13.
(3) شرائع الاسلام: كتاب الخمس في ما يجب فيه ج 1 ص 183.
(4) إرشاد الأذهان: في الخمس ج 1 ص 293.
(5) تحرير الأحكام: كتاب الخمس في مستحق الخمس ج 1 ص 74 س 22.
(6) الدروس الشرعية: كتاب الخمس في مستحق الخمس ص 69 س 12.
(7) منتهى المطلب: كتاب الخمس في ما يجب فيه ج 1 ص 552 س 5.
(8) مسالك الأفهام: كتاب قسمة الخمس ج 1 ص 68 س 26.
(9) مدارك الأحكام: كتاب قسمة الخمس ج 5 ص 410.
258

(ويعتبر الفقر في اليتيم) وهو الطفل الذي لا أب له، وفاقا لجماعة، بل
في الروضة وخيرها أنه المشهور (1). لأن الخمس عوض الزكاة، ومصرفها
الفقراء في غير من نص على عدم اعتبار فقره، فكذا العوض.
ولأن الإمام عليه السلام يقسمه بينهم على قدر حاجتهم، والفاضل له
والمعوز عليه - كما يأتي - وإذا انتفت الحاجة انتفى النصيب.
ولأنه لو كان له أب لم يستحق شيئا قطعا، فإذا كان المال له كان
بالحرمان أولى، إذ وجود المال له أنفع من وجود الأب.
هذا وفي بعض المعتبرة: وليس في مال الخمس زكاة، لأن فقراء الناس
جعل أرزاقهم في أموال الناس على ثمانية أسهم، فلم يبق منهم أحد وجعل
لفقراء قرابة الرسول صلى الله عليه وآله نصف الخمس، فأغناهم به عن
صدقات الناس، فلم يبق فقير من فقراء الناس، ولم يبق فقير من الفقراء قرابة
رسول الله صلى الله عليه وآله، إلا وقد استغنى فلا فقير (2)، الحديث وهو
كالصريح في اعتبار الفقر.
خلافا للمبسوط (3) والسرائر (4)، فلا يعتبر، لعموم الآية، ويخصص بما مر
من الأدلة، ولأنه لو اعتبر الفقر لم يكن قسما برأسه.
ويضعف باحتمال كون ذلك لمزيد التأكيد، كالأمر بالمحافظة على
الصلاة والصلاة الوسطى، مع اندراجها في الصلاة المذكورة قبلها، مع أن مثل
ذلك وارد في آية الزكاة، مع الاتفاق على اعتبار الفقر في مستحقيها جميعا، إلا
من خرج بالنص والفتوى.

(1) الروضة البهية: كتاب الخمس في قسمة الخمس ج 2 ص 82.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب قسمة الخمس ح 8 ج 6 ص 359.
(3) المبسوط: كتاب الخمس في قسمة الأخماس ج 1 ص 262.
(4) السرائر: كتاب الخمس باب الخمس والغنائم ج 1 ص 496.
259

فما هو الجواب عنه هناك فهو الجواب هنا، والدليل الصارف عن الظاهر
موجود هنا أيضا.
هذا والمسألة مع ذلك لا تخلوا عن تردد، كما هو ظاهر جماعة، إلا أن
مقتضاه وجوب الأخذ بجادة الاحتياط بتحصيل البراءة اليقينية عما اشتغلت
به الذمة يقينا، ومرجعه إلى اعتبار الفقر.
(ولا يعتبر) الفقر (في ابن السبيل) إجماعا، كما في المنتهى (1)، وفيه
نعم يشترط فيه الحاجة في السفر، والبحث فيه قد تقدم، وبمثله صرح جملة من
الأصحاب، بل في الروضة وظاهرهم هنا عدم الخلاف فيه وإلا كان دليل
اليتيم آتيا فيه (2).
وفيه أن ظاهر العبارة هنا وفي السرائر المخالفة، حيث أطلق فيهما عدم
اعتبار الفقر بحيث يشمل بلد التسليم، بل في السرائر (3) استدل على عدم
اعتباره هنا وفي اليتيم بظاهر الآية.
وهو مؤيد لاحتمال المخالفة، وإن احتمل حمل إطلاق عبارتهما هنا على
عدم اعتباره في الجملة - يعني في بلده لا بلد المسافر - كما في الذخيرة (4)، لكنه
بعيد في عبارة السرائر في الغاية.
وكيف كان، فلا ريب في اعتباره أيضا في بلد التسليم، لما مر إليه
الإشارة، مضافا إلى الشهرة العظيمة، التي كادت تكون إجماعا، كما يفهم
من الروضة، بل وغيرها، بل في الارشاد (5) ويعتبر في ابن السبيل الحاجة

(1) منتهى المطلب: كتاب الخمس في ما يجب فيه ج 1 ص 552 س 19.
(2) الروضة البهية: كتاب الخمس باب الخمس ج 2 ص 83.
(3) السرائر: كتاب الخمس في قسمة الخمس ج 2 ص 496.
(4) ذخيرة المعاد: كتاب الخمس في ما يجب فيه ص 489 س 3.
(5) إرشاد الأذهان: في الخمس ج 1 ص 293.
260

عندنا لا في بلده.
(ولا تعتبر العدالة) هنا بلا خلاف أجده، لاطلاق الأدلة السليمة هنا
عما يصلح للمعارضة. نعم ربما يظهر من الشرائع (1) وجود مخالف في المسألة،
وفي المدارك أنه مجهول (2).
أقول: ولعله المرتضى (3) فإنه وإن لم يصرح باعتبارها هنا، لكنه اعتبرها في
الزكاة، مستدلا بما يجري هنا، وهو كل ظاهر من قرآن أو سنة، مقطوع عليها،
يقتضي النهي عن معاونة الفساق والعصاة. فتأمل جدا.
(وفي اعتبار الايمان تردد) كل من إطلاق الأدلة، ومن أن الخمس عوض
الزكاة، وهو معتبر فيها إجماعا، فتوى ورواية، وأن غير المؤمن معاد لله بكفره
فلا يفعل معه ما يؤذن بالمودة، للنهي عنها في الآية الكريمة.
(و) لا ريب أن (اعتباره أحوط) خروجا عن الشبهة، وتحصيلا للبراءة
اليقينية، وجزم باعتباره جماعة، من غير مخالف صريح لهم أجده، قال المحقق
الثاني: ومن العجائب هاشمي مخالف يرى رأي بني أمية - لعنهم الله - (4)
فيشترط الايمان لا محالة.
(ويلحق بهذا الباب مسائل) ثلاثة.
(الأولى ما يختص به الإمام) ويزيد به عن فريقه (من الأنفال) جمع
نفل بسكون الفاء وفتحها، وهو الزيادة، ومنه سميت النافلة لزيادتها على
الفريضة.

(1) شرائع الاسلام: كتاب الخمس في قسمة الخمس ج 1 ص 183.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الخمس في قسمة الخمس ج 5 ص 411.
(3) الإنتصار: كتاب الزكاة ص 82.
(4) لم نعثر عليه في كتابه، ووجدناه منقول في مدارك الأحكام: كتاب الخمس في قسمته ج 5
ص 411.
261

(وهو ما ملك (1) من الأرض بغير قتال) أو أرض (سلمها أهلها)
للمسلمين طوعا من غير قتال، مع بقائهم فيها (أو انجلوا) عنها وتركوها.
(والأرض الموات التي باد)، وهلك (أهلها) مسلمين كانوا، أم كفارا
(أو) مطلق الأرض التي (لم يكن لها أهل) معروف.
(ورؤوس الجبال، وبطون الأودية) والمرجع فيهما إلى العرف والعادة.
(والآجام) بكسر الهمزة وفتحها مع المد، جمع أجمة، بالتحريك، وهي
الأرض المملؤة من القصب، ونحوه في غير الأرض المملوكة.
(وما يخص (2) به ملوك أهل الحرب من الصوافي والقطائع)
وضابطه كلما اصطفاه ملك الكفار لنفسه، واختص به من الأموال
المنقولة، المعبر عنها بالأول، وغيرها كالأراضي المعبر عنها بالثاني (غير
المغصوب) من مسلم أو مسالم.
(وميراث من لا وارث له) ممن عدا الإمام عليه السلام، وإلا فهو وارث
من يكون كذلك، كما هو الفرض وما يصطفيه من الغنيمة لنفسه من فرس أو
ثوب أو جارية أو نحو ذلك، بلا خلاف في شئ من ذلك أجده - غير ما سيأتي
إليه الإشارة - بل عزى الأخيرين في المنتهى إلى علمائنا أجمع، مؤذنا بدعوى
إجماعهم (3) عليهما، ولم ينقل خلافا في سابقتهما، مشعرا بكونها مما لا خلاف فيه
بين العلماء، والمعتبرة بالجميع مستفيضة جدا، بل كادت تكون متواترة.
وإطلاق جملة ما يتعلق منها برؤوس الجبال وتاليها يشمل ما لو كانت
الثلاثة في الأراضي المملوكة له عليه السلام، أم غيرها، ونحوها كلمة أكثر
الأصحاب.

(1) في المتن المطبوع: (ما يملك).
(2) في المتن المطبوع: (وما يختص).
(3) منتهى المطلب: كتاب الخمس في الأنفال ج 1 ص 553 س 25.
262

خلافا للحلي فقيدها بما كانت في الأولى خاصة (1)، ورده الشهيد في
البيان بأنه يفضي إلى التداخل وعدم الفائدة في ذكر اختصاصه بهذين
النوعين (2).
وقيل: هو جيد لو كانت الأخبار المتضمنة لاختصاصه بها على الاطلاق
صالحة لاثبات هذا الحكم، لكنها ضعيفة السند، فيتجه المصير إلى ما ذكره
الحلي، قصرا لما خالف الأصل على موضع الوفاق (3). إنتهى.
وهو حسن لولا انجبار الضعف بإطلاق فتوى الأكثر، مع أن في جملة أخبار
حسنة بإبراهيم، بل صحيحة عد بطون الأودية، ويلحق الآخران بها بعدم قائل
بالفرق بين الطائفة.
فإذا المتجه الاطلاق، كما عليه الجماعة، سيما مع كثرة الروايات بعد
الثلاثة.
(وفي اختصاصه بالمعادن) الظاهرة والباطنة في غير أرضه (تردد)
واختلاف.
فبين قائل به، كما هو إطلاق الشيخين على ما في التنقيح (4)، وزاد في المختلف الديلمي
والقاضي (5) وغيره والقمي في تفسيره (6) والكليني (7)، للمروي في التفسير موثقا.
وفيه: عن الأنفال فقال: هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها فهي

(1) السرائر: كتاب الخمس باب الأنفال ج 1 ص 497.
(2) البيان: كتاب الخمس في الأنفال ص 222.
(3) والقائل هو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الخمس في الأنفال ج 5 ص 416.
(4) التنقيح الرائع: كتاب الخمس في الأنفال ج 1 ص 343.
(5) المختلف في الأنفال ج 1 ص 206 س 32.
(6) تفسير القمي: آية 1 من سورة الأنفال ج 1 ص 254.
(7) أصول الكافي: باب الفئ والأنفال ج 1 ص 539.
263

لله تعالى والرسول صلى الله عليه وآله، وما كان للملوك فهو للإمام
عليه السلام، وما كان في أرض خربة لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، وكل
أرض لا رب لها، والمعادن منها ومن مات وليس له مولى فماله من الأنفال.
وفي الوسائل عن العياشي في تفسيره: عن أبي بصير عن أبي جعفر قال: لنا
الأنفال، قال: قلت: وما الأنفال؟ قال: منها المعادن والآجام وكل أرض
لا رب لها وكل أرض باد أهلها فهو لنا (1).
وعن داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: قلت:
وما الأنفال؟ قال: بطون الأودية ورؤوس الجبال والآجام المعادن، وكل
أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب وكل أرض ميتة قد جلى أهلها وقطائع الملوك (2).
وقصور السند أو ضعفه مجبور بعمل الجماعة، ولذا قال به أيضا في
الذخيرة (3)
وقائل بأن (أشبهه أن الناس فيها شرع) سواء، كالحلي (4) والماتن
وفي المعتبر (5)، والفاضل في التحرير (6)، والشهيدين في اللمعتين (7)، وادعى
أولهما عليه الشهرة في المعادن الظاهرة، ولعله للأصل، وعدم وضوح سند
الروايات، إلا الأولى منها، وهي وإن كانت من موثقة، لكن متنها مختلف
النسخة، فيدل منها في بعض النسخ فيها.
وعليه فلا دلالة لها، إلا على المعادن في أرضه عليه السلام، ونحن نقول به،

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الأنفال ح 28 و 32 ج 6 ص 372.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الأنفال ح 28 و 32 ج 6 ص 372.
(3) ذخيرة المعاد: كتاب الخمس باب الأنفال ص 490 س 4.
(4) السرائر: كتاب الخمس باب الأنفال ج 1 ص 497.
(5) المعتبر: كتاب الخمس في الأنفال ج 2 ص 634.
(6) تحرير الأحكام: كتاب الخمس في الأنفال ج 1 ص 75 س 3.
(7) اللمعة الدمشقية والروضة البهية: كتاب الخمس ج 2 ص 85.
264

بل على تقدير تعين نسخة منها كما هي الأكثر، الدلالة أيضا غير واضحة،
لاحتمال رجوع الضمير إلى الأرض لا الأنفال، سيما مع قرب المرجع،
واستلزام الرجوع إلى الأنفال استئناف الواو، مع أن الأصل فيها العطف،
سيما مع كونه معينا عن قوله (1) منها، كما لا يخفى، فزيادته دليل على ما قلنا.
وفي بلوغ عمل الجماعة الشهرة الجابرة لما عدا الموثقة مناقشة، سيما وأن
الشهرة على الخلاف كما في الدروس (2)، فلا يخرج به عن مقتضى الأصل
المقطوع، سيما مع تأيده بخلو الأخبار الكثيرة المعتبرة البالغة حد التواتر عن
عدا المعادن وبالأخبار الكثيرة القريبة من التواتر، بل المتواترة الدالة على أن
المعادن مما يجب فيه الخمس.
وهو مناف، لكونها من الأنفال، إذ لا معنى (3) لو جوبه في ماله عليه السلام
على الغير.
لكن أجاب عن هذا في الذخيرة: بأنه يجوز أن يكون الحكم في المعادن أن
من أخرجه بإذنه عليه السلام يكون خمسه له والباقي له، كما صرح به الكليني
وسلار، ومعنى كونه مالكا للمجموع أن له التصرف في المجموع بالإذن والمنع،
فمعنى تلك الأخبار أن من أخراجها على الوجه الشرعي كان عليه الخمس،
وهو إنما يكون مع إذنه عليه السلام (4).
ولا يخفى أن هذا الجواب إنما يتمشى على تقدير ثبوت كونها له فيرتكب
جمعا، وإلا فلا ريب أنه خلاف الظاهر المنساق إلى الذهن عند فقد الدليل
من تلك الأخبار.

(1) في (م) و (ق): عن كونه.
(2) الدروس الشرعية: كتاب الخمس ص 70 س 5.
(3) في (م) و (ق) و (خ ل) الشرح المطبوع: إذ لا وجه.
(4) ذخيرة المعاد: كتاب الخمس في الأنفال ص 490 س 9.
265

(وقيل: إذا غزى قوم بغير إذنه فغنيمتهم له) والقائل الثلاثة
وأتباعهم، كما صرح به جماعة، للخبر: إذا غزى قوم بغير إذن الإمام فغنموا
كانت الغنيمة كلها للإمام، وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام
الخمس (1).
وهذه الرواية وإن كانت مقطوعة أي مرسلة ضعيفة، إلا أنها منجبرة
بالشهرة العظيمة المقطوع بها المحكية في التنقيح (2) والمسالك (3) والروضة (4)
وغيرها من كتب الجماعة، بل في الأول أن عليها عمل الأصحاب، وفي
الأخير أنه لا قائل بخلافها، وعن الخلاف (5) والحلي دعوى الاجماع (6)، وهو
حجة أخرى، مضافا إلى التأيد برواية صحيحة مروية في الكافي، في كتاب
الجهاد، في أول باب قسمة الغنيمة.
وفيها: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: السرية يبعثها الإمام فيصيبون غنائم
كيف تقسم؟ قال: إن قاتلوا عليها مع أمير أمره الإمام عليه السلام أخرج منها
الخمس لله تعالى والرسول وقسم بينهم ثلاثة أخماس، وإن لم يكن قاتلوا عليها
المشركين كان كلما غنموا للإمام يجعل حيث أحب (7).
وبجميع ذلك يقيد إطلاق الآية الكريمة بما إذا كان بالإذن، كما هو
المتبادر من حال الخاطبين المشافهين بها.

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الأنفال ح 16 ج 6 ص 369.
(2) التنقيح الرائع: كتاب الخمس في الأنفال ج 1 ص 343.
(3) مسالك الأفهام: كتاب الخمس في الأنفال ج 1 ص 68 س 35.
(4) الروضة البهية: كتاب الخمس في الأنفال ج 2 ص 85.
(5) الخلاف: كتاب الفئ وقسمة الغنائم مسألة 16 ج 2 ص 332.
(6) السرائر كتاب الخمس باب الأنفال ج 1 ص 497، و ج 2 ص 4.
(7) الكافي: كتاب الجهاد باب قسمة الغنيمة ح 1 ج 5 ص 43.
266

ولا بعد في جعل ذلك أيضا دليلا على ضعف إطلاقها.
وأما الصحيح: في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم
فيصيب غنيمة، قال: يؤدي خمسها وتطيب له (1)، فلندوره، وعدم مقاومته
لمقابله يحتمل العمل على تحليله عليه السلام لذلك الرجل بخصوصه، حيث
أنه من الشيعة حقه من ذلك.
فما استجوده بعض المتأخرين من العمل بظاهره وفاقا لمقوى المنتهى (2)
فيه ما فيه.
(الثانية: لا يجوز التصرف فيما يختص به) مطلقا (مع وجوده) وعدم
غيبته (إلا بإذنه) بالكتاب والسنة المستفيضة.
قال الله سبحانه: (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) الآية (3). وقال
عليه السلام: لا يحل مال امرئ مسلم، إلا عن طيب نفس (4).
واستدل عليه في المنتهى (5) بالنصوص، المتضمنة، لتأكيدهم عليهم السلام
في إخراج الخمس، وعدم إباحتهم له مطلقا.
ففي الصحيح: يا سيدي اجعلني من عشرة آلاف درهم في حل فإني
أنفقتها؟ فقال: أنت في حل، فلما خرج قال: أحدهم يثب على أموال آل
محمد صلى الله عليه وآله وأيتامهم ومساكينهم وفقرائهم وأبناء سبيلهم
فيأخذها ثم يجئ فيقول: إجعلني في حل أتراه، ظن أني أقول لا أفعل والله
ليسألنهم الله تعالى يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا (6).

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب ما يجب فيه لخمس ح 8 ج 6 ص 340.
(2) منتهى المطلب: كتاب الخمس في ما يجب فيه الخمس ج 1 ص 554 س 5.
(3) البقرة: 188.
(4) عوالي اللآلي: ج 98 ج 1 ص 222.
(5) منتهى المطلب: كتاب الخمس في الأنفال ج 1 ص 554 س 7.
(6) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الأنفال ح 1 ج 6 ص 375.
267

وفي الخبر: كتب رجل من تجار فارس إلى بعض موالي أبي الحسن الرضا
عليه السلام يسأله الإذن في الخمس، فكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم إن الله واسع كريم ضمن على العمل الثواب وعلى
الخلاف العقاب، لا يحل مال إلا من وجه أحله الله تعالى، أن الخمس عوننا
على ديننا وعلى عيالنا وعلى أموالنا وما نبذل وما نشتري من أعراضنا مما نخاف
سطوته، فلا تزووه عنا ولا تحرموا أنفسكم دعائنا ما قدرتم عليه، فإن إخراجه
مفتاح رزقكم وتمحيص ذنوبكم، ولا تمهدون لأنفسكم في يوم فاقتكم،
والمسلم من يفي الله تعالى بما عاهد عليه وليس المسلم من أجاب باللسان
وخالف بالقلب والسلام (1).
وفي آخر: قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا عليه السلام فسألوه
أن يجعلهم في حل من الخمس؟ فقال: ما أمحل هذا؟! تمحضونا المودة
بألسنتكم وتزوون عنا حقنا جعله الله تعالى لنا وجعل لنا الخمس، لا نجعل
أحدا منكم في حل (2).
أقول: نحوها كثير من الأخبار.
منها: الصحيح: لعلي بن مهزيار وهو طويل وفي آخره وأما الغنائم والفوائد
فهي واجبة عليهم في كل عام - إلى أن قال - فمن كان عنده شئ من ذلك
فليوصله إلى وكيلي، ومن كان نائبا بعيد المشقة فليعمد لإيصاله ولو بعد حين،
فإن نية المؤمن خير من عمله (3).
والخبر: قلت له عليه السلام: ما أيسر ما يدخل به العبد النار، قال: من أكل

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الأنفال ح 2 ج 6 ص 375.
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الأنفال ح 3 ج 6 ص 376.
(3) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس ح 5 ج 6 ص 350.
268

من مال اليتيم درهما ونحن اليتيم (1).
وفي آخر: من اشترى شيئا من الخمس لم يعذره الله تعالى، اشترى ما
لا يحل له (2).
ونحوه آخر: لا يحل لأحد أن يشتري من الخمس شيئا حتى يصل إلينا
حقنا (3).
ونحوها: التوقيع عن مولانا صاحب الزمان عجل الله فرجه، المروي عن
إكمال الدين وإتمام النعمة، وفيه اللعن على من استحل التصرف فيه ومن
غير الإذن (4).
ولا يضر قصور سند جملة من هذه الأخبار بعد انجبارها بموافقة الكتاب
العزيز، والسنة المطهرة، والاعتبار، وموافقة ما عداها من الصحاح.
(وفي حال الغيبة لا بأس بالمناكح) للشيعة خاصة على الأشهر بين
الطائفة، كما صرح به جماعة، بل في ظاهر المنتهى دعوى الاجماع عليه (5) - كما
يأتي - وهو الأظهر، سواء فسرت بالجواري المسبية من دار الحرب مطلقا، أو
بمهر الزوجة.
وثمن السراري من أرباح التجارات خاصة، لدخولها بالمعنى الثاني في
المؤن المستثناة، والتنصيص على إباحتها بالمعنى الأول في المعتبرة المستفيضة
وهي ما بين صريحة فيه أو ظاهرة.
ففي الحسن: قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لفاطمة عليها السلام: أحلي

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الأنفال ح 5 ج 6 ص 374.
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الأنفال ح 5 ج 6 ص 376.
(3) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الأنفال ح 9 ج 6 ص 378.
(4) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الأنفال ح 6 ج 6 ص 376.
(5) منتهى المطلب: كتاب الخمس في الأنفال ج 1 ص 555 س 7.
269

نصيبك من الفئ: لآباء شيعتنا ليطيبوا، ثم قال: إنا أحللنا أمهات شيعتنا
لآبائهم ليطيبوا (1).
وفي المروي: عن تفسير مولانا العسكري عن آبائه عن أمير المؤمنين
عليه السلام: أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وآله: قد علمت أنه سيكون
بعدك ملك عضوض وجبر مستولي على خمسي من السبي والغنائم ويبيعونه،
ولا يحل لمشتريه، لأن نصيبي فيه وقد وهبت نصيبي منه لكل من طلب شيئا
من ذلك من شيعتي، ليحل لهم منافعهم من مأكل ومشرب، ولتطيب
مواليدهم ولا يكون أولادهم أولاد حرام، فقال: ما تصدق أحد أفضل من
صدقتك وقد تبعك رسول الله صلى الله عليه وآله في فعلك أحل للشيعة كلما
كان فيه من غنيمة أو بيع من نصيبه على واحد من شيعتي، ولا أحلها أنا ولا
أنت لغيرهم (2).
وفي الصحيح: قال أمير المؤمنين عليه السلام: هلك الناس في بطونهم
وفروجهم لأنهم لا يؤدون إلينا حقنا ألا وأن شيعتنا من ذلك وأبنائهم في
حل (3).
وفي آخر قلت: له: أن لنا أموالا وتجارات ونحو ذلك، وقد علمت أن لك
فيها حقا، قال: فلم أحللنا إذا لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم، وكل من والى
آبائي فهم في حل مما في أيديهم من حقنا فليبلغ الشاهد الغائب (4). إلى غير
ذلك كل من النصوص الكثيرة المتضمنة للحكم، مع العلة المسطورة في هذه
الروايات.

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الأنفال ح 10 ج 6 ص 381.
(2) تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام: في عبادة علي عليه السلام ص 86.
(3) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الأنفال ح 1 ج 6 ص 379.
(4) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الأنفال ح 9 ج 6 ص 381.
270

ولأجلها خص المفيد (1) والماتن ومن تعبهما ما أباحوه للشيعة بالمناكح
خاصة، مع ما فيه من الجمع بين النصوص المختلفة في هذا الباب، المبيحة
للخمس على الاطلاق، والمؤكدة في إخراجه على أي حال.
وخلاف الحلي (2) - هنا وفيما يأتي بعدم التحليل - نادر لا وجه له، عدا
العمومات كتابا وسنة بوجوب الخمس المخصصة بما مر، وكذا خلاف
الإسكافي (3)، كما يأتي.
(وألحق الشيخ) في النهاية (4) وغيرها، والحلي في السرائر (5) (المساكن
والمتاجر) به، وتبعهما جماعة من المتأخرين.
ولا بأس به في الأول مطلقا، سواء فسر بما يختص به من الأرض، أو من
الأرباح، بمعنى أنه يستثنى منها مسكن فما زاد مع الحاجة، لرجوع الأول إلى
الأراضي المباحة في زمن الغيبة - كما يأتي إليه الإشارة في كتاب أحياء
الموات - والثاني إلى المؤن المستثناة من الأرباح.
وفي الثاني: إن فسر بما يشتري من الغنيمة المأخوذة من أهل الحرب في
حال الغيبة، أو بشراء متعلق الخمس ممن لا يخمس، فلا يجب على المشتري
إخراجه، إلا أن يتجر فيه ويربح، لرواية مولانا العسكري عليه السلام
المتقدمة، وغيرها، المعتضدة بالشهرة المحكية في كلام جماعة، مع استلزام عدم
الإباحة لمثله العسر والحرج المنفيين في الشريعة آية ورواية.
وبذلك أشار الفاضل المقداد في التنقيح، فقال: ولا شك أن العمل بهذا

(1) المقنعة: كتاب الخمس ب 38 في الزيادات ص 385.
(2) الكافي في الفقه: فصل في الخمس والأنفال ص 174.
(3) المختلف عن ابن الجنيد في الأنفال ومستحقه س 2 ص 208.
(4) النهاية: كتاب الخمس في الأنفال ص 200.
(5) السرائر: كتاب الخمس باب الأنفال ومستحقها ج 1 ص 498.
271

القول أخذ باليسر، ورفع للحرج اللازم، وجمع بين الروايات (1).
هذا مضافا إلى الصحاح المستفيضة، وغيرها من المعتبرة، الدالة على
إباحة الأئمة عليه السلام الخمس كله للشيعة (2)، خرج ما عدا الثلاثة بالاجماع
ممن عدا الديلمي (3)، وبعض المتأخرين، فتبقى هي تحتها مندرجة.
ولا فرق في ظاهر أكثر الأدلة - بل والفتاوى، ما عدا العبارة - بين حالتي
الحضور والغيبة، وبه صرح في المنتهى.
فقال: وقد أباح الأئمة عليهم السلام لشيعتهم المناكح في حالتي ظهور
الإمام وغيبته، وعليه علماؤنا أجمع (4)، لأنه مصلحة لا يتم التخلص من المآثم
بدونها، فوجب في نظرهم عليهم السلام فعلها، والإذن في استباحة ذلك من
دون إخراج حقهم منه، لا على أن الواطي يطأ الحصة بالإباحة، إذ قد ثبت
أنه يجوز إخراج الخمس بالقيمة، فكان الثابت قبل الإباحة في الذمة إخراج
خمس العين من الجارية أو قيمته وبعد الإباحة ملكها الواطئ ملكا تاما
فاستباح وطئها بالملك التام - إلى أن قال -: وألحق الشيخ به المساكن والمتاجر.
والدليل على الإباحة ما رواه الشيخ عن أبي خديجة سالم بن مكرم عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: قال له: رجل وأنا حاضر حلل لي الفروج ففزع أبو
عبد الله عليه السلام، فقال: رجل ليس يسألك أن يتعرض الطريق إنما
يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوجها أو ميراث أيصيبه أو تجارة أو شيئا
أعطيه، فقال: هذا لشيعتنا حلال الشاهد والغائب، والميت منهم والحي،

(1) التنقيح الرائع: كتاب الخمس في الأنفال ج 1 ص 345.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الأنفال ج 6 ص 379.
(3) المراسم: كتاب الخمس في الأنفال من 140.
(4) منتهى المطلب: كتاب الخمس في الأنفال ج 1 ص 555 س 7.
272

وما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال (1). الحديث. إلى آخر ما ذكره رحمه
الله.
وكلماته هذه كما ترى كالصريحة في الثلاثة بجميعها، بعدم اختصاصها
بزمن الغيبة.
وما ذكره في المناكح من أن إباحتها تمليك لا تحليل، قد صرح به
في الدروس (3) أيضا، وارتضاه جماعة، وهو كذلك، لظواهر النصوص
المتقدمة.
ثم إن دعواه الاجماع - على إباحة المناكح في حالتي الظهور والغيبة - منافية
لما حكاه هو تبعا للماتن عن الإسكافي، حيت قال: وكما يسوغ له أن يحلل في
زمانه، فكذلك يسوغ له أن يحلل بعده، وقال: ابن الجنيد لا يصح التحليل،
إلا لصاحب الحق في زمانه، إذ لا يسوغ تحليل ما يملكه غيره (3).
وهو ضعيف، لأنهم عليهم السلام، قد أباحوا، وجعلوا الغاية قيام القائم في
أكثر الأحاديث، والإمام لا يحل إلا ما يعلم أن له الولاية في إباحته، وإلا
لاقتصر على زمانه، ولم يقض فيه بالدوام.
ويؤيده ما رواه أبو خالد الكابلي، قال: قال: إن رأيت صاحب هذا الأمر
يعطي كل ما في بيت المال رجلا واحدا فلا يدخلن في قلبك شئ فإنه إنما
يعمل بأمر الله (4).
وكذا حكي الخلاف عن الحلبي في المختلف في أصل التحليل، فنفاه

(1) تهذيب الأحكام: باب الأنفال في الزيادات ح 384 ج 4 ص 137.
(2) الدروس الشرعية: كتاب الخمس في مستحق الخمس ص 69 السطر الأخير.
(3) المعتبر: كتاب الخمس في الأنفال ج 2 ص 637.
(4) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب قسمة الخمس ح 3 ج 6 ص 363.
273

مطلقا (1)، ولعله لندورهما لم يعتد بهما.
وكيف كان، فلا ريب في ضعفهما، لتواتر الأخبار بالتحليل ولو في
الجملة، وعليها عمل الأصحاب كافة وإن اختلفوا في العمل بها مطلقا، أو في
الثلاثة المتقدمة خاصة، أو المناكح منها خاصة، أو غير ذلك على أقوال - سيأتي
في المتن إليها الإشارة - فبها تقيد عموم الكتاب والسنة ونحوهما، مما يوجب
الخمس مطلقا.
هذا مضافا إلى الاجماع المنقول زيادة على ما في المنتهى (2) والبيان (3)
وللشهيد على ما حكاه عنه في الروضة (4)، ولأجله اختار التحليل في الثلاثة.
(الثالثة: يصرف الخمس إليه مع وجوده) عليه السلام وجوبا،
بالإضافة إلى حصته قطعا، وكذا بالإضافة إلى حصص الباقين احتياطا، كما
يستفاد من النصوص قولا وفعلا.
(وله ما يفضل عن كفاية الأصناف) الثلاثة (من نصيبهم وعليه
الاتمام لو أعوز) كما في مرسلة حماد بن عيسى (5) المجمع على تصحيح
ما يصح عنه، ونحوه أخرى مقطوعة (6)، وعليهما فتوى الشيخين وجماعة، كما في
المعتبر (7) والمنتهى (8)، بل يفهم منهما كونهما مجمعا عليهما بين قدماء أصحابنا،

(1) المختلف: باب الأنفال ومستحقه ج 1 ص 207 سر 15.
(2) منتهى المطلب: كتاب الخمس في الأنفال ج 1 ص 555 س 35.
(3) البيان: كتاب الخمس في مصرف الخمس ص 221.
(4) الروضة البهية: كتاب الخمس في قسمة الخمس ج 2 ص 80.
(5) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب قسمة الخمس ح 1 ج 6 ص 363.
(6) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب قسمة الخمس ح 2 ج 6 ص 364.
(7) المعتبر: كتاب الخمس في مصرف الخمس ج 2 ص 638.
(8) منتهى المطلب: كتاب الخمس قي الأنفال ج 1 ص 554 س 17.
274

ولذا عملا بهما.
وفي المختلف والمسالك وغيرهما دعوى اشتهارهما (1)، ولا ريب فيه، فيجبر به
ضعف سندهما، مع اعتبار الأول منهما في الجملة، بل قال، بحجية مثله جماعة،
فالقول بهما متعين.
خلافا للحلي فلا يجوز له الأخذ ولا عليه اتمام المعوز (2)، لوجوه لا بأس
بها، لولا الرواية المنجبرة بالشهرة العظيمة بين أصحابنا، وفي شرح القواعد
للمحقق الثاني - بعد اختياره المختار - قال: ويتفرع عليه جواز صرف حصته في
حال الغيبة إليهم وعدم جواز اعطاء زائد على مؤنة السنة (3)، وهو ظاهر غيره
أيضا.
إلا أنه يشكل بأنه قد توقف جماعة في المسألة، ومع ذلك فذهبوا إلى جواز
صرف حصته في زمان الغيبة إليهم على وجه التتمة، كالفاضل في التحرير (4)
والمختلف (5)، وصاحب الذخيرة (6).
ومع ذلك فالمتفرع على المختار الوجوب، لا الجواز، إلا أن يراد به المعنى
الأعم الشامل له.
(ومع غيبته يصرف إلى الأصناف الثلاثة مستحقهم) على الأظهر
الأشهر بين الطائفة، بل لا خلاف فيه أجده إلا من نادر من القدماء حكى

(1) المختلف: في قسمة الخمس ج 1 ص 205 س 4، ومسالك الأفهام: كتاب الخمس في الخمس ج 1
ص 69 س 3.
(2) السرائر: كتاب الخمس في قسمة الغنائم ج 1 ص 492 - 493.
(3) جامع المقاصد: كتاب الخمس في مستحقيه ج 3 ص 54.
(4) تحرير الأحكام: كتاب الخمس ومستحقه ج 1 ص 75 س 13.
(5) المختلف: في الأنفال ومستحقه ج 1 ص 210 س 18.
(6) ذخيرة المعاد: كتاب الخمس في قسمة الخمس ص 492 س 25.
275

الشيخان وغيرهما عنه القول بإباحة الخمس مطلقا وتبعه صاحب الذخيرة (1).
وهو ضعيف في الغاية، لاطلاق الكتاب والسنة - مما مضى في بحث
القسمة - وظهورها في اختصاص النصف بالأصناف، واعتضادها بالنصوص
المتواترة، الظاهرة في وجوب الأخماس، وبقائه إلى يوم القيامة، سيما وأن في
بعضها المنجبر سنده بالفتاوى والاعتبار تعويضهم، بل مطلق الذرية بها عن
الزكاة، صيانة لهم عن أوساخ أيدي الناس، مع سلامتها عن المعارض، عدا
أخبار التحليل من الصحاح وغيرها.
وفيها مع ضعف جملة منها سندا، واختصاص بعضها ببعضهم عليهم السلام
صريحا، كالصحيح من أعوزه شئ من حقي فهو في حل (2).
ومعارضتها بمثلها مما قد دل على مطالبتهم إياها في زمانهم، مصرحا بعدم
التحليل في بعضها، وبأنه ليسألنهم الله يوم القيامة سؤالا حثيثا (3)، أنه ليس
في شئ منها التصريح بإباحة الأخماس كلها، بل ولا مما يتعلق بالأئمة
عليهم السلام جميعا، وإنما غايتها إفادة إباحة بعضهم عليهم السلام شيئا منها، أو
للخمس مطلقا.
لكن كونه ما يتعلق بالجميع أو به خاصة فلا، مع أن مقتضى الأصول
تعين الأخير.
فليس في تعليل الإباحة بطيب الولادة، والتصريح بدوامها وإسنادها
بصيغة الجمع في جملة، دلالة على تحليل ما يتعلق بالأصناف الثلاثة، بل
ولا ما يتعلق بمن عدا المحلل من باقي الأئمة عليهم السلام، لظهور أن ليس

(1) ذخيرة المعاد: كتاب الخمس في قسمة الخمس ص 492 س 27.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الأنفال ح 2 ج 6 ص 379.
(3) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الأنفال ح 1 ج 6 ص 375.
276

المقصود من الأول تطيبها من كل محرم، وإلا لاستبيح بذلك أموال الناس
كافة، وهو مخالف للضرورة.
فيحتمل، طيبها من مال المحلل خاصة، أو ما يتعلق بجميعهم من الأمور
الثلاثة المتقدمة، كما نزلها عليه جمهور الأصحاب.
وإرادة هذا مما يجتمع معه إطلاق الدوام والإباحة بصيغة الجمع، فلا
دلالة في شئ منها على عموم التحليل، والكلية، مع أن أحللنا بالإضافة إلى من
يأتي مجاز قطعا، وكما يمكن ذلك يمكن التعبير بها عن المحلل، أو مع من سبقه
خاصة.
والترجيح لا بد له من دليل، وليس إن لم نقل بقيامه على الأخير، ولذا أن
في المدارك (1) لم يجعل هذه القرائن أمارة على إباحة الأخماس مطلقا، وإنما
استند إليها لاثباتها، بالإضافة إلى حقوقهم عليهم السلام خاصة، ولكن فيه
أيضا ما عرفته.
وبالجملة فالخروج عن ظاهر الآية والسنة - من اختصاص النصب
بالأصناف الثلاثة والباقي بالأئمة عليهم السلام بمثل ذلك - لا وجه له.
وأما الذب في الذخيرة عن الآية باختصاصها بالغنائم المختصة بحال الحضور
دون الغيبة، مع أنها من الخطابات الشفاهية المتوجهة إلى الحاضرين خاصة،
والتعدية إلى الغيبة بالاجماع، إنما يتم مع التوافق في الشرائط وهو ممنوع في محل
البحث، فلا تنهض حجة في زمان الغيبة.
ولو سلم، فلا بد من صرفها إلى خلاف ظاهرها، أما بالحمل على بيان
المصرف أو بالتخصيص جمعا بينها وبين الأخبار الدالة على الإباحة.
وعن السنة بضعف أسانيدها جملة، مع أنها غير دالة على تعلق النصف

(1) مدارك الأحكام: كتاب الخمس في مصرف الأنفال ج 5 ص 423.
277

بالأصناف على وجه الملكية أو الاختصاص مطلقا، بل دلت على أن الإمام عليه السلام يقسمه كذلك، فيجوز أن يكون هذا واجبا عليه من غير أن يكون
شئ من الخمس ملكا لهم أو مختصا بهم.
سلمنا لكنها تدل على ثبوت الحكم في زمان الحضور لا مطلقا، فيجوز
اختلاف الحكم باختلاف الأزمنة.
سلمنا، لكن لا بد من التخصيص فيها، وصرفها عن ظاهرها جمعا بين
الأدلة (1).
فضعيف في الغاية، لما عرفت من عموم الغنيمة لكل فائدة إجماعا منا، كما
مضى، وفسرت بها في المستفيضة، وفيها الصحيح وغيره.
ومنها يظهر عموم الحكم في الآية لمن غاب عن زمن الرسول صلى الله
عليه وآله، حيث أتى بها فيها لثبوته في زمانهم عليهم السلام وهو متأخر عن
زمانه، مع أن أخبار التحليل للخمس مؤبدا إلى يوم القيامة كاشف عن بقاء
الحكم كذلك، وإلا فلا معنى للتحليل بالكلية.
هذا مع أن الاجماع ثابت على الشركة في الحكم والآية المفيدة له،
بالإضافة إلى شرط الحضور مطلقة.
فالتقييد به يحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة، مع أن دعوى اشتراط
الحضور مما كاد أن يحصل القطع بفسادها، بل فاسدة ومخالفة للاجماع
والضرورة، لأن المبيح، في زمن الغيبة مع ندرته يقول به من جهة التحليل،
لا من عدم عموم الدليل.
وصرف الآية عن ظاهرها جمعا يتوقف على المعارض الأقوى وليس، لما
مضى من عدم وضوح دلالة أخبار التحليل على ما يوجب صرفها عن ظاهرها.

(1) ذخيرة المعاد: كتاب الخمس في قسمة الخمس ص 492 س 19.
278

ومع ذلك فظهور الآية أرجح بالاعتضاد بالشهرة العظيمة بين أصحابنا،
بحيث كاد أن يكون المخالف لهم نادرا، بل نادر جدا، وإطلاق السنة المتواترة
بإيجاب الأخماس، كما عرفته.
ومع ذلك فالجمع غير منحصر فيما ذكره، لامكانه بوجوه، ومنها ما عليه
جمهور أصحابنا من تخصيص أخبار التحليل بالمناكح وأختيها خاصة لا وجه،
لأولوية الأول على هذا إن لم يكن هذا أولى، كما هو كذلك جدا.
وضعف أسانيد السنة قد عرفت انجبارها بعمل الأصحاب - في بحث
القسمة - وبه اعترف ثمة، مضافا إلى اشتهار ما دلت عليه من الاختصاص
بالخصوص في المسألة، ومع ذلك معتضدة بظاهر الكتاب.
وإنكار دلالتها على تعلق النصف بالأصناف على وجه الملكية أو
الاختصاص، مكابرة صرفة، لتضمن بعضها بعد ذكر الخمس، وأنه يقسم
ستة، قوله: والنصف له والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل
محمد صلى الله عليه وآله، الذين لا تحل لهم الصدقة، ولا الزكاة عوضهم الله
تعالى مكان ذلك بالخمس (1).
ولا ريب أن اللام هنا للملك أو الاختصاص، وقد أعترف هو به في الآية
في بعض كلماته، ويؤكده ذكر التعويض لهم عن الصدقة، ونحوه في آخر منها.
وفيه: وإنما جعل الله تعالى هذا الخمس لهم خاصة، دون مساكين الناس
وأبناء سبيلهم، عوضا لهم عن صدقات الناس، تنزيها من الله تعالى لهم
لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وكرامة من الله تعالى لهم عن
أوساخ الناس، فجعل لهم خاصة من عنده ما يغنيهم عن أن يصيرهم في موضع
الذل والمسكنة - إلى أن قال -: أيضا وجعل لفقراء قرابة رسول الله صلى الله

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب قسمة الخمس ح 2 ج 6 ص 364.
279

عليه وآله نصف الخمس فأغناهم به عن صدقات الناس، فلم يبق فقير من
فقراء الناس، ولم يبق فقير من فقراء الرسول صلى الله عليه وآله، إلا وقد
استغنى فلا فقير (1) الحديث، وأي دلالة تزيد أوضح من هذا.
وبهذا يجاب عن احتمال اختصاص التملك والاستحقاق بزمن الحضور،
لصراحة التعويض عن الصدقة، وقوله عليه السلام: (بعده فلا فقير) في
خلاف ذلك، وفي تخصيصها وصرفها عن ظاهرها جمعا، ما مضى حرفا بحرف.
وبالجملة لا ريب في فساد أمثال هذه المناقشات. فإذا المعتمد ما عليه
جمهور الأصحاب من لزوم صرف مستحق الأصناف الثلاثة إليهم على
الاطلاق، إلا ما أباحه بعضهم في حال حضوره، ولعله يجبره ذلك من عنده
وظاهر سياق المتن أنه لا خلاف في ذلك.
(وفي مستحقه عليه السلام أقوال) منتشرة.
ولكن الذي استقر عليه رأي المتأخرين كافة على الظاهر المصرح به في
المدارك (2)، وفي كلام جماعة دعوى الشهرة تبعا للمفيد في الغرية، وحكاه في
المختلف (3) عن جماعة أن (أشبهها جواز دفعه إلى من يعجز حاصلهم من
الخمس عن قدر كفايتهم) من مؤنة السنة (على وجه التتمة لا غير) لما مر
من وجوب إتمام ما يحتاجون إليه من حصته مع حضوره فكذا مع غيبته، لأن
الحق الواجب لا يسقط بغيبة من ثبت في حقه.
مؤيدا بأن مثل هذا التصرف لا ضرر فيه على المالك بوجه، فينتفي المانع
منه، بل ربما يعلم رضاه به إذا كان المدفوع إليه من أهل الاضطرار والتقوى،

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب قسمة الخمس ح 8 ج 6 ص 358.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الخمس في قسمة الخمس ج 5 ص 409.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الخمس في مصارف سهام الخمس ص 206 س 8.
280

وكان المال معرضا للتلف مع التأخير، كما هو الغالب في مثل هذا الزمان،
فيكون الدفع إلى من ذكرناه إحسانا محضا، وما على المحسنين من سبيل.
ولا ريب في كونه أحوط للمالك، كما صرح به جماعة من متأخري
المتأخرين.
وربما يستشكل في إلزامه بذلك، للأخبار المتضمنة لتحليلهم لشيعتهم
من ذلك.
وفيه ما مر من أن المتيقن منها ليس إلا تحليل، من عدا صاحب الزمان
عليه السلام لحقه في زمانه، أو مطلق حقهم مما يتعلق بالمناكح وأختيها،
بالمعنى الذي قدمناه خاصة، وأما ما عدا ذلك فلم يثبت، فالأصل بقاؤه على
حاله.
نعم في الوسائل والذخيرة وغيرهما عن الصدوق في إكمال الدين وإتمام
النعمة رواية متضمنة لتوقيعه عليه السلام إلى محمد بن عثمان العمري، وفيه:
أما ما سألت عنه - إلى أن قال -: وأما المتلبسون بأموالنا ممن يستحل شيئا منها
فأكله فإنما يأكل النيران، وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل
إلى وقت ظهور أمرنا، لتطيب ولادتهم ولا تخبث (1).
لكنها مع قصور سندها - لتضمنه جملة من الجهلاء، ومع نوع تأمل في
دلالتها للتعبير بصيغة المجهول - معارض بما في الكتب المزبورة عن الصدوق
أيضا في الكتاب المزبور، من توقيع آخر بسند غير واضح كالسابق، وفيه: بسم
الله الرحمن الرحيم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على من أكل من مالنا
درهما حراما (2).

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الأنفال ح 6 ج 6 ص 376، وذخيرة المعاد: كتاب الخمس في
قسمته ص 482 س 37.
(2) إكمال الدين: في ذكر التوقيعات ح 51 ج 2 ص 522.
281

وبمعناه توقيع آخر مروي في الذخيرة عنه في الكتاب المزبور بسند لا يخلو
عن اعتبار، كما صرح به فيها. وفيه: من استحل ما في يده من أموالنا ويتصرف
فيه تصرفه في ماله من غير أمرنا ملعون، ونحن خصماؤه يوم القيامة - إلى أن
قال -: ومن أكل من أموالنا شيئا فإنما يأكل في بطنه نارا وسيصلى سعيرا (1).
وأما ما أجاب عنه به في الذخيرة، من أن المستفاد منه توجه الذم إلى من
تصرف في شئ من أموالهم بغير أمرهم وإذنهم، وهو لا ينافي جواز التصرف
للشيعة في الخمس أو مطلق حقوقهم بإذنهم، كما يستفاد من الأخبار (2).
فحسن إن ثبت منها الإذن عموما، وفيه ما مضى.
هذا وفي الوسائل روى عن كتاب الخرائج والجرائح حديثا بطريق غير
واضح عنه، وفيه: يا حسين كم ترزأ على الناحية، ولم تمنع أصحابي من خمس
مالك، ثم قال: وإذا مضيت إلى الموضع الذي تريده فدخلته عفوا وكسبت
ما كسبت تحمل خمسه إلى مستحقه، قال: فقلت: السمع والطاعة، ثم ذكر في
آخره أن العمري أتاه وأخذ خمس ماله بعد ما أخبره بما كان (3).
وهل الدفع إليهم على الوجوب، كما هو ظاهر المفيد (4) والدليل، أم الجواز
المخير بينه وبين الحفظ والايصاء، كما هو ظاهر كثير؟.
ولا ريب أن الأول أحوط إن لم نقل بكونه المتعين، وبه صرح من متأخري
المتأخرين جمع.
ثم هل يشترط مباشرة الفقيه المأمون له، كما هو ظاهر المتأخرين، بل
صرح جملة منهم بضمان المباشر غيره، أم لا، بل يجوز لغيره، كما هو ظاهر
إطلاق المفيد (5)؟.

(1) ذخيرة المعاد: كتاب الخمس في قسمة الخمس ص 483 س 14 و 18.
(2) ذخيرة المعاد: كتاب الخمس في قسمة الخمس ص 483 س 14 و 18.
(3) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الأنفال ح 8 ج 6 ص 378.
(4) المقنعة: كتاب الخمس ب 38 في الزيادات ص 286.
(5) المقنعة: كتاب الخمس ب 38 في الزيادات ص 286.
282

ولا ريب أن الأول أوفق بالأصول، إلا أن يكون مباشرة الغير بإذن الفقيه
فيجوز كما في الدروس (1)، وعليه الخال العلامة، أدام الله سبحانه ظلاله (2).
وهل يجوز دفعه إلى الموالي كالذرية، كما استحسنه ابن حمزة (3)، ونفى عنه
البعد المفيد في غير الغرية (4)، أم لا؟.
فالوجه التفصيل بين وجود المستحق من الذرية فلا، وفقده فلا بأس به،
لما مر من الاعتبار العقلي، وأنه إحسان محض ليس شئ على فاعله.
والحمد لله أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا، وصلى الله على محمد وآله
الطاهرين.

(1) الدروس الشرعية: كتاب الخمس في مستحق الخمس ص 69 س 16.
(2) منتهى المطلب: كتاب الخمس في الأنفال ج 1 ص 555 السطر الأخير.
(3) الوسيلة: كتاب الخمس ص 137.
(4) المقنعة: كتاب الخمس ب 38 في الزيادات ص 286.
283

كتاب الصوم
285

(كتاب الصوم)
(وهو يستدعي بيان أمور):
(الأول: الصوم) لغة هو الامساك بقول مطلق على ما صرح به جمع (1)
(و) شرعا (هو الكف عن المفطرات مع النية) بلا خلاف في اعتبارها
فتوى ودليلا، كتابا (2) وسنة (3).
ولا فائدة تترتب على الاختلاف في كونها شرطا أو ركنا، كما لا فائدة
مهمة في الاختلافات الكثيرة في تعريف الصوم بما هنا وغيره، لابتنائها على
اختلاف الآراء والأنظار في تصحيحه عن توجه النقض عليه طردا وعكسا أو
نحوهما، مما لا يترتب على الذب عنه فائدة علمية، إلا ما يتعلق بعدد المفطرات.
والتعرض لها فيما بعده مغن عن تكلف التعرض لها هنا.
ولقد أحسن وأجاد جماعة من الأصحاب، حيث عرفوه بأنه الامساك عن

(1) القاموس المحيط: فصل الصاد والضاد باب الميم ج 4 ص 141. والمصباح المنير: (مادة صوغ) ج 1
ص 352.
(2) سورة البينة: الآية 5، سورة الزمر: الآية 14.
(3) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب مقدمة العبادات انظر أحاديث الباب ج 1 ص 33.
287

أشياء مخصوصة في زمان مخصوص على وجه مخصوص، أو ما يقرب منه (1)،
وأخصره ما في المنتهى بأنه إمساك مخصوص (2)، يأتي بيانه.
(ويكفي في شهر رمضان نية القربة) فلا يحتاج إلى نية أنه من رمضان
على الأظهر الأشهر بين الطائفة، بل لا خلاف فيه أجده، إلا من نادر حكاه
في الذخيرة (3)، من غير أن يذكر اسمه.
ولا ريب في ضعفه، لنقل الاجماع في الغنية (4) والتنقيح (5) على خلافه
مضافا إلى الأصل، وعدم دليل على اعتبار نية التعيين يعتد به. نعم لو نوى به
غيره أمكن بطلان الصوم من أصله عند جماعة، وصحته عنه دون غيره عند
آخرين.
والمسألة محل إشكال، فالأحوط ترك نية غيره والقضاء معها. هذا مع
العلم برمضان.
وأما مع الجهل به، كمن صامه عن شعبان فيقع عنه دونه قولا واحدا
- كما يأتي إن شاء الله تعالى -.
وبالاتفاق عليه هنا صرح في التذكرة (6).
(و) في (غيره يفتقر إلى) نية (التعيين) وهو القصد إلى الصوم
المخصوص، كالقضاء والكفارة والنافلة، لأنه زمان لا يتعين فيه صوم
مخصوص، فلا يتعين إلا بالنية.

(1) المبسوط: كتاب الصوم في ذكر حقيقة الصوم ج 1 ص 265، والوسيلة: كتاب الصوم ص 139.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصوم في نية الصوم ج 2 ص 577 س 7.
(3) ذخيرة المعاد: كتاب الصوم ص 513 س 9.
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 509 س 3.
(5) التنقيح الرائع: كتاب الصوم ج 1 ص 348.
(6) تذكرة الفقهاء: كتاب الصوم ج 1 ص 256 س 5.
288

قال في المعتبر: وعلى ذلك فتوى الأصحاب (1)، مشعرا بدعوى الاجماع، كما
في ظاهر المنتهى (2) والتنقيح (3)، وصريح التحرير (4).
واستثنى الشهيد في البيان - فيما حكي عنه - الندب المعين كأيام البيض،
فألحقه بالصوم المعين في عدم افتقاره إلى التعيين (5)، بل عنه - في بعض
تحقيقاته - أنه ألحق المندوب مطلقا، بالمعين، لتعينه شرعا في جميع الأيام، إلا
ما استثنى (6)، واستحسنه جماعة (7). ولا بأس به..
(وفي) افتقار (النذر المعين) إليه (تردد) واختلاف بين الأصحاب.
فبين من قال: بالافتقار، كالشيخ (8) وجماعة، ومنهم الفاضل في المختلف،
قال: لأنه زمان لم يعينه الشارع في الأصل للصوم فافتقر إلى التعيين كالنذر
المطلق، وأن الأصل وجوب التعيين، إذ الأفعال إنما تقع على الوجوه
المقصودة، ترك ذلك في شهر رمضان، لأنه زمان لا يقع فيه غيره فيبقى الباقي
كل أصالته (9).
وبين من قال: بالعدم، كالمرتضى (10) والحلي (11) وجماعة من محققي

(1) المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 644.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصوم ج 2 ص 557 س 26.
(3) التنقيح الرائع: كتاب الصوم ج 1 ص 349.
(4) تحرير الأحكام: كتاب الصوم ج 1 ص 76 س 5.
(5) البيان: كتاب الصوم ص 223.
(6) اللمعة الدمشقية: كتاب الصوم ج 2 ص 108.
(7) الروضة البهية: كتاب الصوم ج 2 ص 109، وذخيرة المعاد: كتاب الصوم ص 513 س 32.
(8) المبسوط: كتاب الصوم في النية وبيان أحكامها ج 1 ص 278.
(9) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في حقيقة الصوم ج 1 ص 211 س 27.
(10) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصوم ج 3 ص 53.
(11) السرائر: كتاب الصيام ج 1 ص 370.
289

المتأخرين (1) ومتأخريهم (2) عنهما، ولعله الأقوى لأنه زمان تعين بالنذر للصوم
فكان كشهر رمضان.
واختلافهما بأصالة التعيين، وعرضيته لا يقتضي اختلافهما في هذا الحكم.
ويضعف الدليلان المتقدمان.
فالأول: بأنه مصادرة على المطلوب وإلحاقه بالنذر المطلق قياس مع
الفارق.
والثاني: يمنع أصالة الوجوب؟ مع أن الوجه الذي لأجله ترك العمل
بالأصل المذكور في يوم شهر رمضان آت فيما نحن فيه، فإنه إن أريد - بعدم وقوع
غيره فيه - استحالته عقلا كان منتفيا فيهما، وإن أريد امتناعه شرعا كان ثابتا
كذلك.
(ووقتها ليلا) أي في الليل ولو في الجز الأخير منه على الأشهر الأقوى،
بل لا أعرف فيه خلافا ظاهرا ولا محكيا، إلا من ظاهر العماني كما في
المدارك (3) وغيره (4)، أو جماعة كما في الروضة (5) فقالوا: بتحتم إيقاعها ليلا.
وعبارتهم - مع عدم صراحتها في المخالفة - يحتمل أن يكون التعبير فيها بذلك
إنما هو لتعذر المقارنة، فإن الطلوع لا يعلم إلا بعد الوقوع فيقع النية بعده،
وذلك غير المقارنة المعتبرة فيها، لا لتحتم التبييت.

(1) كالعلامة في منتهى المطلب: كتاب الصوم في نية الصوم ج 2 ص 577 س 25، والأردبيلي في مجمع
الفائدة: كتاب الصوم في ما يمسك عنه الصائم ج 5 ص 13.
(2) كالخوانساري في مشارق الشموس: كتاب الصوم ص 351 س 33، والمحدث البحراني في الحدائق
الناضرة: كتاب الصوم ج 13 ص 17 - 18.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الصوم ج 6 ص 21.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في حقيقة الصوم ج 1 ص 211 س 32.
(5) الروضة البهية: كتاب الصوم ج 2 ص 106.
290

إذ لا وجه له عدا الاجماع الظاهر المصرح به في الخلاف (1) والمنتهى (2)
والروضة (3) وهو على الجواز لا التحتم، والنص لا صيام لمن لم يبت الصيام من
الليل (4)، ويجري فيه ما ذكرناه في عبارتهم.
وحيث انتفى النص والاجماع على جواز المقارنة، كان اعتبارها لو اتفقت
أوفق بالأصل في النية، وهو لزوم مقارنتها للعبادة المندوبة.
(ويجوز تجديدها في) نحو (شهر رمضان) من الصوم المعين (إلى
الزوال).
إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين العامد والناسي، بل
مطلق المعذور، ولا خلاف في الثاني، إلا من العماني (5) حيث أطلق وجوب
تبييت النية، وهو - مع عدم معلومية مخالفته - نادر، بل على خلافه الاجماع عن
ظاهر الفاضلين في المعتبر (6) والمنتهى (7) والتذكرة (8)، وبه صرح في الغنية (9)
وهو الحجة المعتضدة بفحوى ما سيأتي من الأدلة على ثبوت الحكم في الصوم

(1) الخلاف: كتاب الصوم م 5 ج 2 ص 167.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصوم في نية الصوم ج 2 ص 558 س 30.
(3) الروضة البهية: كتاب الصوم ج 2 ص 107.
(4) عوالي اللآلي: باب الصوم ح 5 ج 3 ص 132.
(5) حكاه عنه العلامة في المختلف: كتاب الصوم في حقيقة الصوم ج 1 ص 211 س 32.
(6) المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 645 - 646، ولكن ليس فيه ظهور بالاجماع، نعم نقل صاحب الحدائق
عبارة تدل على ذلك، الحدائق: ج 13 ص 19.
(7) منتهى المطلب كتاب الصوم ج 2 ص 558، س 6 ولكن لم نعثر فيه ما يشعر بالاجماع سوى ما نقل
صاحب الحدائق ج 13 ص 19 عن المنتهى والمعتبر: أنه موضع وفاق.
(8) تذكرة الفقهاء: كتاب الصوم ج 1 ص 256 س ولكن يذكر العلامة ما يشعر بالاجماع نعم
ما ذكره المحدث البحراني في حدائقه ونسبه للعلامة حيث نقل عنه (أنه موضع وفاق) الحدائق
ج 13 ص 19، وقد عبر صاحب الجواهر عنه بالقيل راجع الجواهر: ج 16 ص 197.
(9) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 508 س 31.
291

الغير المعين، ففيه أولى فتأمل جدا.
هذا مضافا إلى التأيد بما ذكره جماعة على ذلك حجة (1) من حديث رفع
عن أمتي الخطأ والنسيان (2).
وما روي عنه صلى الله عليه وآله أن ليلة الشك أصبح الناس، فجاء
أعرابي إليه فشهد برؤية الهلال فأمر صلى الله عليه وآله مناديا ينادي من لم
يأكل فليصم ومن أكل فليمسك (3).
وفحوى ما دل على انعقاد الصوم من المريض والمسافر إذا زال عذرهما قبل
الزوال (4).
وأصالة عدم تبيت النية، بل يمكن جعل الوسطين حجة مستقلة، وإن
ضعف السند في أولهما والدلالة فيهما، لاختصاصهما بمن عدا الناسي، مع عدم
وضوح الأول في التحديد إلى الزوال.
وذلك لانجبار ضعف السند بالعمل، والدلالة بعدم قائل بالفرق بين
الطائفة، إذ إطلاق العماني بوجوب تبيت النية (5)، يشمل موردهما وغيره،
فإذا رد بهما إطلاقه تعين ما عليه الجماعة.
والتحديد إنما جاء مما يأتي من الأدلة على أنه إذا زالت فات وقت النية.
وأما الأول: فهو خلاف ما عليه أكثر الأصحاب، بل عامتهم، عدا
المرتضى.

(1) الحدائق الناضرة: كتاب الصوم ج 13 ص 21.
(2) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2 ج 5 ص 345.
(3) السنن الكبرى: كتاب الصيام باب الشهادة على رؤية الهلال ج 4 ص 211 - 212 ولم نعثر على
حديث بهذا اللفظ في كتب العامة وفيه: (قال يا بلال أذن في الناس أن يصوموا غدا) وليس فيه:
(من لم يأكل.... الخ)، نعم ورد هذا في صوم عاشوراء راجع السنن الكبرى ج 4 ص 288.
(4) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب من يصح منه الصوم انظر أحاديث الباب ج 7 ص 134 - 135.
(5) حكاه عنه العلامة في المختلف: كتاب الصوم في حقيقة الصوم ج 1 ص 211 س 32.
292

حيث أطلق أن وقت النية في الصيام الواجب من قبل طلوع الفجر إلى
قبل الزوال (1). وهو نادر، مع عدم ظهور عبارته في المخالفة، بعد قوة احتمال
كون المراد بها ما يتناول وقت الاختيار والاضطرار، بل حملها عليه جماعة (2)
ويمكن أن يحمل عليه العبارة، بل جريانه فيها أولى، لأشعار سياقها به، حيث
قال: أولا ووقتها ليلا (3)، ولو جاز تأخيرها إلى الزوال عمدا، لما كان لجعل
الليل وقتا لها معنى.
(وكذا) حال النية (في القضاء) والنذر المطلق فوقتها ليلا.
ويجوز تجديدها نهارا إلى الزوال إذا لم يفعل منافيا فيما قطع به
الأصحاب (4)، على الظاهر المصرح به في جملة من العبائر، مشعرة بدعوى
الاجماع عليه، كما في ظاهر غيرها، والصحاح وغيرها به جمع ذلك مستفيضة
جدا.
منها: الصحيح: عن الرجل يبدو له بعد ما يصبح ويرتفع النهار أن يصوم
ذلك اليوم ويقضيه من رمضان، وإن لم يكن نوى ذلك من الليل قال: نعم
صومه ويعتد به إذا لم يكن يحدث شيئا (5).
والخبر: قلت له: رجل جعل لله تعالى عليه صيام شهرا فيصبح وهو ينوي
الصوم ثم يبدو له فيفطر ويصبح وهو لا ينوي الصوم فيبدو له فيصوم، فقال:
هذا كله جائز (6).

(1) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصوم ج 3 ص 53.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الصوم ج 6 ص 21، والمحدث البحراني في الحدائق الناضرة: كتاب
الصوم ج 13 ص 19.
(3) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصوم ص 53 نقلا بالمضمون.
(4) المعتبر: كتاب الصوم: ج 2 ص 646، والسبزواري في الذخيرة: كتاب الصوم ص 513 س 41.
(5) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 2 ج 7 ص 4.
(6) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 4 ج 7 ص 5.
293

وإطلاقها كإطلاق عبائر الأصحاب، بل ظواهرها يقتضي عدم الفرق
بين حالتي الاختيار والاضطرار حتى لو تعمد الاخلال بالنية ليلا فبدأ له في
الصوم قبل الزوال جاز وبه صرح في السرائر.
فقال: وأما الصوم الغير المعين فمحل النية فيه هو ليله ونهاره إلى قبل زوال
الشمس من يومه، سواء تركها سهوا أو عمدا أو ناسيا، فهذا الفرق بين ضربي
الصوم الواجب (1).
(ثم) إن إطلاق جملة منها وإن اقتضى جواز التجديد بعد الزوال أيضا،
إلا أن ظاهر جملة أخرى منها أن بالزوال (يفوت وقتها).
منها الصحيح: إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه
وإن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى (2).
وأظهر منه الموثق: في الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان يريد أن
يقضيها متى ينوي الصيام؟ قال: هو بالخيار إلى زوال الشمس، فإذا زالت،
فإن كان قد نوى الصوم فليصم، وإن كان نوى الافطار فليفطر، سئل فإن
كان نوى الافطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟ قال: لا (3).
ولا ينافي ذلك دلالة الصحيح على احتساب الصوم له من الوقت الذي
نوى، لأن ذلك كناية عن فساده بذلك، إذ نية الصوم نهارا يقتضي كونه من
أوله صائما، بالاجماع الظاهر المصرح به في الخلاف (4).
لكن بإزاء هذه الأخبار ما يدل على امتداد وقتها إلى بعد الزوال.

(1) السرائر: كتاب الصيام ج 1 ص 373.
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 8 ج 7 ص 6.
(3) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 10 ج 7 ص 6، مع اختلاف يسير.
(4) الخلاف: كتاب الصوم م 7 ج 2 ص 169.
294

كالصحيح: عن الرجل يصبح ولم يطعم ولم يشرب ولم ينو صوما وكان عليه يوم
من شهر رمضان أله أن يصوم ذلك اليوم وقد ذهب عامة النهار؟ قال: نعم له
أن يصوم ويعتد به من شهر رمضان (1).
وأظهر منه المرسل: قلت له: الرجل يكون عليه القضاء من شهر رمضان
ويصبح فلا يأكل إلى العصر أيجوز أن يجعله قضاء من شهر رمضان؟ قال:
نعم (2).
وعليهما الإسكافي (3)، ولا يخلو عن قوة، لاعتضادهما - مع صحة أولهما -
بإطلاق ما عداهما من المستفيضة (4)، إلا أن ظاهر من عداه من الأصحاب (5)،
بل صريحهم العمل بالأخبار الأولة.
حتى أن ظاهر الانتصار والمنتهى دعوى إجماعنا عليه، حيث قال في
الأول: صوم الفرض لا يجزئ عندنا إلا بنيته قبل الزوال (6)، وقال في الثاني في
الجواب عن المرسل: فإنه مع أنه شاذ لا تعرض فيه بالنية (7).
وحينئذ فلا بد من طرحه كالصحيح قبله، أو حملهما على ما يؤولان إلى
المختار، بحمل عامة النهار على ما بين الفجر إلى الزوال ولو على المجاز، على
ما ذكره جماعة من الأصحاب (8).

(1) تهذيب الأحكام: ب 44 في نية الصيام ح 9 ج 4 ص 187.
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 9 ج 7 ص 6.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في حقيقة الصوم ج 1 ص 212 س 11.
(4) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 2 ج 7 ص 4.
(5) المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 647، والمختلف: كتاب الصوم في حقيقة الصوم ج 1 ص 212.
(6) الإنتصار: كتاب الصوم ص 60.
(7) منتهى المطلب: كتاب الصوم في نية الصوم ج 2 ص 559 س 5.
(8) منهم العلامة في المختلف: كتاب الصوم في حقيقة الصوم ج 1 ص 212 س 25.
295

وزاد بعضهم فجعله على الحقيقة، فقال: على أن ما بين طلوع الفجر
والزوال أكثر من نصف النهار، وحمل المرسل على أن المراد أول وقت العصر،
وهو عند زوال الشمس، كما ذكره الشيخ (1)، أو على من نوى صوما فصرفه
إلى القضاء عند العصر، كما في المختلف (2).
وفيهما بعد، لكن الخطب - بعد ضعف السند وعدم الجابر، مضافا إلى عدم
التكافؤ لما مر - سهل.
(وفي) استمرار (وقتها للمندوب) إلى قريب الغروب بمقدار ما يكون
بعدها صائما إليه (روايتان، أصحهما) عند الماتن هنا تبعا للمحكي (3) عن
العماني وظاهر الخلاف (4)، وجعلها في الشرائع (5) أشهرهما، وتبعه على دعوى
الشهرة جملة ممن تأخر عنه من علمائنا، كشيخنا الشهيد الثاني (6) وسبطه (7)
وغيرهما (8) (مساواته للواجب) (9) في فوات وقتها بالزوال.
وهذه الرواية لم نقف عليها، ولعلها الصحيحة (10) المتقدمة المقيدة هي
والموثقة (11) بعدها، للنصوص التقدمة عليها، كما يظهر من المعتبر على ما حكاه

(1) الاستبصار: ب 46 في من أصبح بنية الافطار إلى متى تجوز له النية ج 2 ص 119.
(2) المختلف: كتاب الصوم ومباحث حقيقة الصوم ج 1 ص 212 س 26.
(3) حكاه عنه العلامة في المختلف: كتاب الصوم ومباحث حقيقة الصوم ج 1 ص 212 س 35.
(4) الخلاف: كتاب الصوم م 6 ص 167.
(5) شرائع الاسلام: كتاب الصوم ج 1 ص 187.
(6) الروضة البهية: كتاب الصوم ج 2 ص 107.
(7) مدارك الأحكام: كتاب الصوم ج 6 ص 25.
(8) الحدائق الناضرة: كتاب الصوم منتهى وقت النية في الصوم المستحب ج 13 ص 24.
(9) في المتن المطبوع: (مساواة الواجب).
(10) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 8 ج 7 ص 6.
(11) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 9 ج 7 ص 6.
296

عنه في التنقيح (1)، وهي غير صريحة في النافلة، فيحتمل الاختصاص
بالفريضة، كما هي مورد المرسلة (2).
ومع ذلك غير صريحة في الفوات بالزوال، بل ولا ظاهرة، إلا بالتقريب
الذي سبق إليه الإشارة.
وفي جريان وجهه في النافلة نوع مناقشة.
والرواية الثانية عمل بها أكثر القدماء، بل ومطلقا، كما في المنتهى (3)،
ومنهم السيدان والحلي، مدعين عليه إجماعنا في الانتصار (4) والغنية (5)
والسرائر (6).
وهي مع ذلك ما بين ظاهرة في الحكم إطلاقا أو عموما وهي جملة من
الصحاح وغيرها وصريحة.
كالموثق: عن الصائم المتطوع تعرض له الحاجة، قال: هو بالخيار ما بينه
وبين العصر وإن مكث حتى العصر ثم بدا له أن يصوم ولم يكن نوى ذلك
فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء (7).
وقريب منه الصحيح: إذا لم يفرض الرجل على نفسه صياما ثم ذكر
الصيام قبل أن يطعم طعاما أو يشرب شرابا ولم يفطر، فهو بالخيار إن شاء
صام وإن شاء أفطر (8).

(1) التنقيح الرائع: كتاب الصوم ج 1 ص 351.
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 9 ج 7 ص 6.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصوم في نية الصوم ج 2 ص 559 س 21.
(4) الإنتصار: كتاب الصوم ص 60.
(5) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 508 س 35.
(6) السرائر: كتاب الصيام ج 1 ص 373.
(7) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 1 ج 7 ص 7.
(8) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 5 ج 7 ص 5.
297

وحينئذ فلا تعارضها الصحيحة (1) السابقة، سيما مع ما هي عليه مما
عرفته فالعمل بها أولى.
وذهب إليه من المتأخرين الفاضل في التحرير (2) والمنتهى (3)، وقواه في
المختلف (4) أخيرا، والشهيدان في الدروس (5) والروضة (6)، وجماعة (7) ممن
تأخر عنهما، وهو أوفق بقاعدة التسامح في أدلة السنن أيضا، كما لا يخفى.
ويظهر من المعتبر كون الرواية الثانية الصحيح المتضمن، لأن عليا
عليه السلام كان يدخل أهله فيقول هل عندكم شئ، فإن كان عندهم شئ
أتوه به، وإلا صام (8). وروى الجمهور نحوه عن النبي صلى الله عليه وآله (9)
وهو كما ترى، لأن الفعل لا عموم فيه فلا يشمل بعد الزوال، لاحتمال
اختصاص فعلهما بما قبله، كما هو الغالب، بل والمستحب شرعا لمن أراد البقاء
ولا بقاء. نعم هو دليل صريح على جواز النية نهارا، كما هو المجمع عليه بيننا.
واعلم أن مقتضى الأصل اشتراط مقارنة النية للمنوي خرج منه تقديمها
للصوم من الليل، للضرورة والاجماع، وبقي الباقي، فلا يجوز التقديم عليه مطلقا
ولو في شهر رمضان، وعليه عامة المتأخرين ويدل عليه أيضا حديث لا صيام

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 8 ج 7 ص 6.
(2) تحرير الأحكام: كتاب الصوم في نية الصوم ج 1 ص 76 س 17.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصوم في نية الصوم ج 2 ص 559 س 21.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في حقيقة الصوم ج 1 ص 213 س 17.
(5) الدروس الشرعية: كتاب الصوم ص 70 س 11.
(6) الروضة البهية: كتاب الصوم ج 2 ص 107.
(7) مجمع الفائدة: كتاب الصوم ج 5 ص 24، وذخيرة المعاد: كتاب الصوم ص 514 س 29.
(8) المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 648.
(9) المجموع: كتاب الصيام ج 6 ص 303.
298

لمن لم يبت الصيام إلى آخره (1).
(وقيل: يجوز تقديم نية شهر رمضان على الهلال) والقائل به الشيخ
في النهاية (2) والمبسوط (3) والخلاف (4) وعزاه فيه إلى الأصحاب، مشعرا
بالاجماع.
فإن تم، وإلا كما هو الظاهر، إذ لم يرو ولم ينقل له من القدماء ولا من
المتأخرين موافق. فهو مشكل، لمخالفته الأصل، مع عدم وضوح الدليل.
عدا ما قيل (5) له: من أن مقارنة النية ليست شرطا في الصوم، وكما جاز
أن تتقدم من أول ليلة الصيام وأن يتعقبها النوم والأكل والشرب والجماع،
جاز أن تتقدم على تلك الليلة بالزمان المتقارب كاليومين والثلاثة.
وهو كما ترى، قياس مع الفارق.
وهل الحكم بجواز التقديم على القول به مطلق كما يفيده إطلاق عبارة
الخلاف (6)، أم يختص بالناسي، بمعنى أنه لو نسي عند دخوله فصام من دون
نية كانت الأولى كافية، بخلاف العامد العالم بالدخول فإنه تجب عليه تجديد
النية، كما عن صريح المبسوط (7) والنهاية (8)؟ احتمالان، إلا أن ظاهر الدليل
الأول، والأصحاب الثاني، بل عليه الاجماع في المختلف (9)، وعن الشهيد في

(1) عوالي اللآلي: باب الصوم ح 5 ج 3 ص 132.
(2) النهاية: كتاب الصيام باب علامة شهر رمضان ص 151 - 152.
(3) المبسوط: كتاب الصوم في ذكر النية وبيان أحكامها ج 1 ص 276.
(4) الخلاف: كتاب الصوم م 5 ج 2 ص 166.
(5) المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 649.
(6) الخلاف: كتاب الصوم م 5 ج 2 ص 166.
(7) المبسوط: كتاب الصوم في ذكر النية وبيان أحكامها ج 1 ص 276.
(8) النهاية: كتاب الصيام باب علامة شهر رمضان ص 151.
(9) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في حقيقة الصوم ج 1 ص 213 س 35.
299

البيان، فقال: ولو ذكر عند دخول الشهر لم يجز العزم السابق قولا واحدا (1)
(ويجزئ فيه) أي في شهر رمضان (نية واحدة) من أوله، ظاهر العبارة
أن هذا الكلام عطف على ما قبله، أي وقيل: يجزئ.
والقائل الثلاثة (2) والديلمي (3) والحلبي (4) والحلي (5)، وابن زهرة العلوي
مدعيا عليه الاجماع (6)، كالمرتضى في الرسية (7) والانتصار (8)، والشيخ في
الخلاف (9)، وعزاه في المنتهى (10) إلى الأصحاب من غير نقل خلاف.
وعلله في الانتصار بعده بأن النية تؤثر في الشهر كله، لأن حرمته حرمة
واحدة، كما أثرت في اليوم الواحد لما وقعت في ابتدائه (11).
ويضعف بمنع كونه عبادة واحدة، فإن صوم كل يوم مستقل بنفسه
لا تعلق له بما قبله وما بعده، ولذلك تتعدد الكفارة بتعدد الأيام، ولا يبطل
الشهر كله ببطلان صوم بعض أيامه.
بخلاف الصلاة الواحدة، فإن بطلان بعض أجزائها يقتضي بطلانها

(1) البيان: كتاب الصوم ص 227 س 3.
(2) الخلاف: كتاب الصوم م 3 ج 2 ص 163، والمبسوط: كتاب الصوم ج 1 ص 276، والنهاية: كتاب
الصيام باب علامة شهر رمضان ص 151.
(3) المراسم: كتاب الصوم ذكر أحكام الصوم ص 96.
(4) الكافي في الفقه: فصل في صوم شهر رمضان ص 181.
(5) السرائر: كتاب الصيام ج 1 ص 384.
(6) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 509 س 6.
(7) المسائل الرسية (رسائل المرتضى): في حكم نية صوم الشهر كله في أوله ج 2 ص 355.
(8) الإنتصار: كتاب الصوم ص 61.
(9) الخلاف: كتاب الصوم م 3 ج 2 ص 163.
(10) منتهى المطلب: كتاب الصوم في النية ج 2 ص 560 س 7.
(11) الإنتصار: كتاب الصوم ص 62.
300

رأسا، والحمل إنما يتم على تقدير عدم الفرق، وقد أوضحناه.
فإذن المتجه عدم الاجزاء، كما عليه الفاضل في جملة من كتبه (1)، والماتن
في ظاهر الكتاب والمعتبر.
إلا أن فيه - بعد تضعيف ما مر - بأنه قياس محض فلا يتمشى على أصولنا،
لكن علم الهدى ادعى على ذلك الاجماع، وكذلك الشيخ أبو جعفر، والأولى
تجديد النية لكل يوم في ليلته، لأنا لا نعلم ما ادعياه من الاجماع (2).
وظاهره كما ترى الميل إلى ما عليه القدماء، ولا ينافيه دفعه ما ادعياه من
الاجماع، إذ المراد منه الدفع بحسب الاطلاع عليه من غير جهة النقل، وإلا فهو
حاصل.
ودفعه من جهته غير متوجه إلا على القول بعدم حجية الاجماع المنقول بخبر
الآحاد، ولكنه خلاف التحقيق، سيما إذا احتف بالقرائن، مثل الشهرة
العظيمة القديمة التي لم يوجد معها مخالف بالكلية، وهي من أعظم القرائن
على صحة الرواية.
نعم الأولى التجديد في كل ليلة خروجا عن شبهة الأصول والقاعدة، بل
والفتوى بالنسبة إلينا، لحصولها به في كتب من عرفته، بل ادعى عليه الشهرة
المتأخرة جماعة (3).
ولكنها موهونة، وذلك بناء على ما ظاهرهم الاتفاق عليه، وعدم الخلاف

(1) تذكرة الفقهاء: كتاب الصوم ج 1 ص 256 س 41، والمنتهى: كتاب الصوم في النية ج 2 ص 360
س 15 والتحرير: كتاب الصوم ج 1 ص 76 س 21.
(2) المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 649.
(3) ذخيرة المعاد: كتاب الصوم في المفطرات ص 514 س 39، والمحدث البحراني في الحدائق: كتاب
الصوم (هل تكفي نية واحدة لشهر رمضان؟) ج 13 ص 27.
301

فيه، كما في الغنية (1) والمنتهى (2) من جواز تفريق النية هنا، وإن قلنا بكون
صوم الشهر كله عبادة واحدة، ومنعنا عن تفريقها عليه، كما هو خيرة
جماعة (3).
فما في الروضة من المنع عن التفريق (4) بناء على القول به، لا وجه له في
المسألة.
(و) يستحب (أن يصام يوم الثلاثين من شعبان) الذي يشك فيه أنه
منه أو من رمضان (بنية الندب) مطلقا، بلا خلاف فيه بيننا، إلا من المفيد
- فيما حكي عنه - فكرهه على بعض الوجوه (5)، وهو شاذ، بل على خلافه
الاجماع في صريح الانتصار (6) والغنية (7) والخلاف (8)، وظاهر غيرها
كالتنقيح (9) والروضة (10).
والنهي عن صيامه في بعض النصوص (11) محمول.
إما على التقية، فإنه مذهب جماعة من العامة (12)، ويشهد له بعض المعتبرة

(1) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 509 س 7.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصوم في النية ج 2 ص 560 س 7.
(3) تحرير الأحكام: كتاب الصوم في النية ج 1 ص 76 س 21.
(4) الروضة البهية: كتاب الصوم ج 2 ص 107.
(5) لعل هذا الرأي للشيخ في غير المقنعة، وإلا فالاستحباب فيها صريح مطلقا، وأصل الحكاية عن
المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 650 فراجع.
(6) الإنتصار: مسائل الصوم ص 62.
(7) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 508 س 23.
(8) الخلاف: كتاب الصوم م 9 ج 2 ص 170.
(9) التنقيح الرائع: كتاب الصوم ج 1 ص 353.
(10) الروضة البهية: كتاب الصوم ج 2 ص 109.
(11) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 2 - 3 - 4 ج 7 ص 15 - 16.
(12) المدونة الكبرى: كتاب الصوم ج 1 ص 204، والمجموع: كتاب الصوم ج 6 ص 403.
302

عن اليوم الذي يشك فيه فإن الناس يزعمون أن من صامه بمنزلة من أفطر في
شهر رمضان، فقال: كذبوا، إن كان من شهر رمضان فهو يوم وفق له، وإن
كان من غيره فهو بمنزلة ما مضى من الأيام (1).
أو على صومه بنية الفرض، كما يشهد له جملة من المعتبرة.
منها الموثق: إنها يصام يوم الشك من شعبان ولا يصومه من شهر رمضان،
لأنه قد نهى أن ينفرد الانسان بالصيام في يوم الشك، وإنها ينوي من الليلة أنه
يصوم من شعبان، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه بتفضل الله تعالى
عز وجل، وبما قد وسع على عباده، ولولا ذلك لهلك الناس (2). وبمعناه
الرضوي (3).
وحديث الزهري (4) معارض.
(و) ما يستفاد من هذه النصوص من أنه (لو اتفق) ذلك اليوم (من
رمضان أجزأ) عنه مجمع عليه بين الأصحاب على الظاهر المصرح به في
عبائر جماعة حد الاستفاضة والنصوص به - مع ذلك زيادة على ما مر - مستفيضة
متضمنة للصحيح وغيره.
وألحق به الشهيدان كل واجب معين فعل بنية الندب، مع عدم
العلم (5). ولا بأس به.
وفي حديث الزهري (6) دلالة عليه، لتضمنه تعليل الاجزاء عن رمضان

(1) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 7 ج 7 ص 13.
(2) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 4 ج 7 ص 13.
(3) فقه الرضا (ع): ب 29 في الصوم ص 201.
(4) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 8 ج 7 ص 14.
(5) الدروس الشرعية: كتاب الصوم ص 70 س 25، والروضة البهية: كتاب الصوم ج 2 ص 108.
(6) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 8 ج 7 ص 14.
303

بأن الفرض وقع على اليوم بعينه، وهو جار في الملحق به.
(ولو صام) يوم الشك (بنية الواجب) من رمضان (لم يجز) عنه، ولا
عن شعبان على الأشهر الأظهر بل عليه عامة من تأخر، وعزاه في المبسوط إلى
الأصحاب (1)، مشعرا بدعوى الاجماع، للنهي عن صومه كذلك فيما مر من
المستفيضة.
والنهي مفسد للعبادة إذا تعلق بها ولو من جهة شرطها، كما هو الواقع في
المستفيضة كما ترى، مع أن في بعضها التصريح بالقضاء.
وهو الصحيح: في يوم الشك من صامه قضاه وإن كان كذلك - يعني من
صامه على أنه من شهر رمضان بغير رؤية - قضاه وإن كان يوما من شهر
رمضان، لأن السنة جاءت في صيامه على أنه من شعبان، ومن خالفها كان
عليه القضاء (2).
وقريب منه الصحيح الآخر في الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من
رمضان، فقال: عليه قضاؤه وإن كان كذلك (3).
بناء إما على ظهور المراد منه ومن الصحيح السابق.
أو على رجوع الجار إلى قوله: (يصوم دون شك). فيكون المراد صومه بنية
رمضان، كما ذكره في المنتهى في الصحيح السابق وقال: ويدل عليه قوله:
(وإن كان كذلك)، لأن التشبيه إنما هو للنية (4).
أو على أن هذا الصوم إن وقع بنية أنه من رمضان فهو المطلوب، وإن وقع

(1) المبسوط: كتاب الصوم في ذكر النية وبيان أحكامها ج 1 ص 276.
(2) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 5 ج 7 ص 17.
(3) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الصوم ونيته ح 1 ج 7 ص 15.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصوم في النية ج 2 ص 561 س 16.
304

بنية أنه من شعبان فهو متروك العمل به إجماعا.
وحمل الحديث على ما يصح الاعتماد عليه أولى من إبطاله بالكلية كما في
المختلف (1).
ولكن الانصاف إن من جملة هذه الأبنية نظر.
أما الأول: فلابتنائه على كون التفسير في الصحيح السابق بقوله:
(يعني (2) إلى آخره) من الإمام عليه السلام دون الراوي، وهو غير معلوم،
ولا حجة فيه على الثاني، فلا دلالة في هذا الصحيح، فضلا عن الثاني (3).
وأما الثاني: فلاحتمال الرجوع إلى الفعل الثاني بل قوته لقربه، ولا دلالة
لقوله وإن كان كذلك على مقابله.
وأما الثالث: فلعدم دليل يعتد به على أن أولوية حمل الحديث على معنى
تصح الاعتماد عليه من إبطاله تصلح لجعل ذلك المعنى حجة في المسألة ولو
سلم فالمعنى المعتمد عليه في هذه الرواية غير منحصر فيما ذكره، بعد احتمال
الورود مورد التقية، وهو معنى جيد يصح أن يحمل عليه أخبار أهل العصمة.
هذا مع أن الاستدلال بنحو هذه الرواية - على تقدير تسليم الدلالة -
معارض بروايات أخر معتبرة.
منها الصحيح: الرجل يصوم يوم الذي يشك فيه من شهر رمضان فيكون
كذلك، فقال: هو شئ وفق له (4).
وأظهر منه دلالة الموثق: عن اليوم الذي يشك فيه من رمضان لا يدري أهو
من شعبان أو من رمضان فصامه من شهر رمضان؟ قال: هو يوم وفق له

(1) مختلف الشيعة: كتاب الصوم ومباحث حقيقة الصوم ج 1 ص 214 س 38.
(2) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب وجوب الصوم ونية ج 5 ح 7 ص 17.
(3) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 1 ج 7 ص 15.
(4) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 5 ج 7 ص 13، وفيه (اليوم).
305

ولا قضاء عليه (1).
ولعلهما مستند العماني والإسكافي في حكمهما بالاجزاء عن رمضان
بشرطه (2).
لكنهما لا يعارضان ما مر، مضافا إلى قصور سند الثاني واختلاف متنه، بل
ضعفه، فحكاه الشيخ كما مر عن الكليني (3)، مع أنه رواه في الكافي هكذا
فصامه فكان من شهر رمضان (4)، فلا دلالة فيه على ما نحن فيه، إلا بحسب
الاطلاق أو العموم، لترك الاستفصال وهو مقيد أو مخصص بالصوم عن
شعبان جمعا.
ونحوه الجواب عن دلالة الأول، بعد تسليم احتمال رجوع الجار إلى الفعل
الثاني أو ظهوره.
لكن يلزم من هذا عدم إمكان الاستدلال على المختار بما ماثله في التعبير
مما سبق من الأخبار.
ولا ضير فيه، بعد ثبوته من القاعدة في النهي عن العبادة، الواردة في
المستفيضة (5) المعتضدة بالشهرة العظيمة القديمة، والحديثة القريبة من الاجماع،
بل الاجماع في الحقيقة كما يستشعر من المبسوط (6) على ما سبق إليه الإشارة.

(1) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 6 ج 7 ص 13 مع اختلاف يسير.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الصوم ج 1 ص 214 س 32.
(3) الاستبصار: ب 37 صيام يوم الشك ح 2 ج 2 ص 78.
(4) الكافي: كتاب الصيام باب اليوم الذي يبتدأ فيه من شهر رمضان هو أو من شعبان ح 2 ج 4
ص 81.
(5) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب وجوب الصوم ونيته انظر أحاديث الباب ج 7 ص 15.
(6) المبسوط: كتاب الصوم في ذكر النية ج 1 ص 276.
306

وأما دعوى الشيخ الاجماع - على ما عليه القديمان في الخلاف (1)، فيما يحكى
عنه - فمع أنا لم نقف عليها فيما عندنا من نسخته، موهونة بلا شبهة، مع أن
المحكي عنه في صريح التحرير (2) ومحتمل المختلف (3) التوقف في المسألة.
هذا والمختار فيها مع ذلك أحوط وأولى.
(وكذا لو ردد نيته) بين الوجوب إن كان من شهر رمضان، والندب
إن كان من شعبان لم يجز عنهما، وفاقا للمحكي عن الشيخ في أكثر كتبه (4)،
والحلي (5)، وأكثر المتأخرين، لأن صوم هذا اليوم إنما يقع على وجه الندب على
ما يقتضيه الحصر الوارد في النص، ففعله على خلاف ذلك لا يتحقق به
الامتثال.
(وللشيخ قول آخر)، بالاجزاء حكي عنه في المبسوط (6) والخلاف (7) وعن
العماني (8) وابن حمزة (9)، وتبعهم الفاضل في المختلف (10) والشهيد في جملة من
كتبه (11) لأنه لو نوى الواقع فوجب أن يجزيه، وإن نوى العبادة على وجهها

(1) الخلاف: كتاب الصوم 23 ج 2 ص 180.
(2) تحرير الأحكام: كتاب الصوم في النية ج 1 ص 76 س 24.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الصوم ومباحث حقيقة الصوم ج 1 ص 214 س 33.
(4) منها النهاية: كتاب الصيام باب علامة شهر رمضان ص 151، وتهذيب الأحكام: ب 42 في فضل
صيام يوم الشك ج 4 ص 182، والاستبصار: ب 37 صيام يوم الشك ج 2 ص 79.
(5) السرائر: كتاب الصيام ج 1 ص 384.
(6) المبسوط: كتاب الصوم في ذكر النية ج 1 ص 277.
(7) الخلاف: كتاب الصوم م 21 ج 2 ص 179.
(8) مختلف الشيعة: كتاب الصوم ومباحث حقيقة الصوم ج 1 ص 215 س 18.
(9) الوسيلة: كتاب الصوم ص 140.
(10) مختلف الشيعة: كتاب الصوم ومباحث حقيقة الصوم ج 1 ص 215 س 18.
(11) اللمعة الدمشقية: كتاب الصوم ج 2 ص 140، والدروس الشرعية: كتاب الصوم ص 70 س 16،
والبيان: كتاب الصرم فيما يتعلق بنية صوم رمضان ص 25 س 2.
307

فوجب أن يخرج عن العهدة، وأن نية القربة كافية وقد نواها.
ويضعف الأولان: بالمنع عنهما، فإن الوجه المعتبر هنا هو الندب خاصة
بمقتضى الحصر الوارد في الرواية. ولا ينافيه فرض كون ذلك اليوم من
رمضان، فإن الوجوب إنما يتحقق إذا ثبت دخول الشهر لا بدونه، والوجوب
في نفس الأمر لا معنى له.
والثالث: بأنه لا يلزم من الاكتفاء في صوم شهر رمضان بنية القربة
الصحة، مع إيقاعه على خلاف الوجه المأمور به، بل على الوجه المنهي عنه،
وأيضا فإن نية التعيين تسقط فيما علم أنه من شهر رمضان لا فيما لو لم يعلم.
(ولو أصبح) يوم الشك (بنية الافطار فبان من شهر رمضان جدد
نية الوجوب ما لم تزل الشمس وأجزأه) إذا لم يكن أفسد صومه، لما مر في
بحث تجديد النية إلى الزوال من بقاء وقتها إليه.
(ولو كان بعد الزوال أمسك واجبا وقضاه)
أما وجوب القضاء، فلفوات الصوم بفوات وقت نيته بالزوال على
الأقوى، كما مضى ثمة مفصلا.
وأما وجوب الامساك بقية النهار، فلعله لا خلاف فيه، بل ظاهر المنتهى
أنه لم يخالف فيه أحد من العلماء (1)، إلا النادر من العامة، وفي الخلاف
الاجماع عليه (2)، ولعله لعموم الميسور لا يسقط بالمعسور، بناء على أن المأخوذ
عليه في هذا الصوم مع النية، فإذا فاتت لم يفت هو، فتأمل.

(1) منتهى المطلب: كتاب الصوم في النية ج 2 ص 561 س 26.
(2) الخلاف: كتاب الصوم م 20 ج 2 ص 178.
308

(الثاني:)
(في) بيان (ما يمسك عنه)
(وفيه مقصدان):.
(الأول: يجب الامساك عن تسعة) أشياء: عن (الأكل والشرب
المعتاد) كالخبز والفاكهة ونحوهما (وغيره) كالحصاة والحجر والتراب ونحوها
بالكتاب والسنة، والاجماع المحقق المقطوع به في الأول، والمحكي في صريح
الناصرية (1) والخلاف (2) والغنية (3) والسرائر (4) وظاهر المنتهى (5) وغيره (6) في
الثاني، بل ظاهر الأولين أنه مجمع عليه بين العلماء إلا النادر ممن (7) خالفنا.
وهو الحجة فيه، مضافا إلى فحوى ما دل على وجوب الامساك عن الغبار
الغليظ، ونحوه مؤيدا باطلاق ما دل (8) على وجوب الامساك عنهما، بل ربما
جعله حجة مستقلة جملة من علمائنا.
إلا أنه لا يخلو عن إشكال، لعدم تبادر غير المعتاد منه عرفا، ولعله لذا
اقتصر على المعتاد الإسكافي (9) والمرتضى (10) فلم يبطلا الصوم بغيره فيما حكي

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم م 29 ص 242 س 38.
(2) الخلاف: كتاب الصوم م 71 ج 2 ص 212.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 509 س 12.
(4) السرائر: كتاب الصيام ج 1 ص 377.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيما يمسك عنه الصائم ج 2 ص 563 س 4.
(6) الوسيلة: كتاب الصوم في بيان أقسام الصوم ص 142.
(7) المجموع: كتاب الصوم ج 6 ص 317.
(8) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 48.
(9) مختلف الشيعة: كتاب الصوم فيما يمسك عنه الصائم ج 1 ص 216 س 5.
(10) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصوم فيما يفسد الصوم وينقضه ج 3 ص 54.
309

عنهما. ولكنهما نادران قطعا، محجوجان بما مضى.
(و) عن (الجماع) قبلا ودبرا ولو لم ينزل إجماعا في الأول كتابا وسنة
وفتوى، وعلى الأشهر الأقوى في الثاني، بل لم أجد فيه مخالفا، إلا المبسوط
حيث جعله أحوط (1)، مشعرا بتردده فيه كما في المختلف (2)، مع أنه جعله فيه
الظاهر من المذهب (3)، مشعرا بالاجماع، كما يفهم منه في التهذيب، حيث قال
بعد الرواية الآتية: إلا أنها غير معمول عليها (4)، وبه صرح في الخلاف (5)
وكذا ابن حمزة في الوسيلة (6)، وجعله في المدارك المعروف من مذهب
الأصحاب.
قال: لاطلاق النهي عن المباشر في الآية الكريمة خرج من ذلك ما عدا
الوطئ في القبل والدبر فيبقى الباقي مندرجا في الاطلاق، ومتى ثبت التحريم
كان مفسدا للصوم بالاجماع المركب.
ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ: عن علي بن الحكم عن رجل عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: إذا أتى الرجل المرأة في الدبر وهي صائمة لم ينقض صومها،
وليس عليها غسل.
لأنا نجيب عنه بالطعن في السند بالارسال (7) انتهى. وهو حسن.
وفي فساد الصوم بوطئ الغلام تردد، وإن حرم ينشأ من التردد في وجوب

(1) المبسوط: كتاب الصوم فيما يمسك عنه الصائم ج 1 ص 270.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الصوم فيما يجب الامساك عنه ج 1 ص 216 س 19.
(3) المبسوط: كتاب الصوم فيما يجب الامساك عنه ج 1 ص 270.
(4) تهذيب الأحكام: ب 72 في الزيادات ج 4 ص 320.
(5) الخلاف: كتاب الصوم م 25 ج 2 ص 181.
(6) الوسيلة: كتاب الصوم ص 142.
(7) مدارك الأحكام: كتاب الصوم ج 6 ص 44.
310

الغسل به وعدمه، بناء على التلازم بني المسألتين، كما يظهر من الفاضلين
وغيرهما قالا: وحيث أوجبنا الغسل وجب الاجتناب (1).
أقول: وعليه أكثر الأصحاب، وفي الذخيرة أنه المشهور بينهم (2)، وفي
الخلاف الاجماع (3)، وهو الحجة المعتضدة بفحوى ما دل على الفساد بوطئ المرأة
المحللة، وإطلاق الصحيح عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني
قال عليه من الكفارة مثل ما على المجامع (4)، ونحوه المرسل (5).
والتقرب أن الواطئ مجامع، وفيهما نظر.
فإذا العمدة هو نقل الاجماع مؤيدا بالشهرة بين الأصحاب، وما دل على
وجوب الغسل (6) إن صح ما مر من البناء.
وعليه فيتجه القول بالفساد بوطئ البهيمة أيضا، لما مر من إيجابه الغسل،
وفي الخلاف نفي الخلاف عنه (7)، مؤذنا بدعوى الاجماع.
ولا ينافيها تصريحه قبلها بأنه لم يجد فيه لأصحابنا نصا (8)، لاحتمال أن
يكون مراده من النص النص الصادر عن المعصوم عليه السلام.

(1) المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 654، ومختلف الشيعة: كتاب الصوم ج 1 ص 216 س 25.
(2) ذخيرة المعاد: كتاب الصوم ص 496 س 41.
(3) الخلاف: كتاب الصوم م 41 ج 2 ص 190.
(4) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 25، مع اختلاف يسير.
(5) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 2 ج 7 ص 25.
(6) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب الجنابة ح 1 ج 1 ص 481، وكذا استدل بمطلق الادخال في نفس
المصدر ص 469 ب 6 من أبواب الجنابة ح 1، واستدل أيضا بما في الوسائل: ج 14 ب 17 من أبواب
النكاح المحرم ج 1.
(7) الخلاف: كتاب الصوم م 42 ج 2 ص 191.
(8) نفس المصدر السابق.
311

وبالجملة فالمتجه في المسألتين الفساد، وفاقا لأكثر الأصحاب (1).
خلافا للحلي في الثانية (2)، وللمبسوط في الأولى (3) فجعلهما كالوطئ في دبر
المرأة.
ولا دليل لهما سوى الأصل المخصص بما مر، كعموم لا يضر الصائم إذا
اجتنب أربع خصال: الطعام والشراب والنساء والارتماس في الماء (4).
هذا، وخلاف المبسوط هنا (5) وفيما مر غير معلوم، بل ولا ظاهر إلا من جهة
التعبير بلفظ الاحتياط، وهو غير صريح في الاستحباب، بل ولا ظاهر في كلمة
القدماء، لاستدلالهم به على كثير من الواجبات، مضافا إلى تصريحه قبله
بالوجوب (6)، جاعلا له مقتضى المذهب كما مر.
وكذا الموطوء فإن البحث فيه كالبحث في الواطئ، فيجب على الموطوء في
دبره الغسل، ويكون مفطرا إذا كان مطاوعا.
وكذا المرأة الموطوءة في دبرها أو قبلها، بلا خلاف ظاهرا، بل ظاهر المنتهى
أنه لا خلاف فيه بين العلماء (7) حيث لم ينقل عن أحد فيه منهم خلافا.
(و) عن (الاستمناء) وإنزال الماء ولو بالملاعبة والقبلة والملامسة مع
العمد بلا خلاف أجده، بل عليه الاجماع في الانتصار (8) والغنية (9)، وعن

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك: كتاب الصوم ج 1 ص 70 س 37 والفاضل السيوري في التنقيح:
ج 1 ص 357.
(2) السرائر: كتاب الصيام ج 1 ص 380.
(3) المبسوط: كتاب الصوم في ذكر ما يمسك عنه الصائم ج 1 ص 270.
(4) المبسوط: كتاب الصوم في ذكر ما يمسك عنه الصائم ج 1 ص 270.
(5) المبسوط: كتاب الصوم في ذكر ما يمسك عنه الصائم ج 1 ص 270.
(6) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 18، وفيه اختلاف يسير.
(7) منتهى المطلب: كتاب الصوم في ما يمسك عنه الصائم ج 2 ص 564 س 7.
(8) الإنتصار: في مفطرات الصوم ص 64.
(9) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 509 س 10.
312

التذكرة (1) والمنتهى (2) وغيرها (3)، بل ظاهر المنتهى عدم خلاف بين العلماء (4)،
للمعتبرة المستفيضة.
منها الصحيح: عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني، قال: عليه
من الكفارة مثل ما على الذي يجامع (5).
والموثق: عن رجل لزق بأهله فأنزل، قال: عليه إطعام ستين مسكينا مد لكل
مسكين (6). وبمعناه الخبر (7)، والرضوي (8).
وإطلاقها - بل عموم أكثرها الناشئ عن ترك الاستفصال - يستلزم عموم
الحكم المذكور فيها للأمناء الحاصل عقيب الملامسة ولو لم يقصد الانزال، وفي
المختلف وغيرهما أنه المشهور بين الأصحاب (9)، وعن المعتبر الاجماع عليه (10)،
وقريب منه الخلاف (11) حيث ادعى الاجماع على لزوم القضاء والكفارة بذلك
على الاطلاق.
خلافا للإسكافي فأوجب به القضاء خاصة (12) وهو - مع ندوره - لم يقف
له على حجة.

(1) تذكرة الفقهاء: كتاب الصوم فيما يمسك عنه الصائم ج 1 ص 257 س 34.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيما يمسك عنه الصائم ج 2 ص 564 س 10.
(3) كالمدارك: كتاب الصوم ج 6 ص 61.
(4) نفس المصدر السابق.
(5) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 25.
(6) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ج 4 ح 7 ص 25.
(7) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 5 ج 7 ص 26.
(8) فقه الرضا عليه السلام: ب 30 نوافل شهر رمضان ودخوله ص 212.
(9) المختلف: كتاب الصوم في ما أوجب الامساك عنه ج 1 ص 224 س 35.
(10) المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 654.
(11) الخلاف: كتاب الصوم م 40 ج 2 ص 190.
(12) حكاه عنه العلامة في المختلف: كتاب الصوم فيما أوجب الامساك عنه ج 1 ص 224 س 35.
313

ولبعض المتأخرين فلم يوجب مع عدم التعمد شيئا، للأصل، وضعف
ما يدل عليه من النصوص سندا.
وهو كما ترى، لدلالة الصحيح (1) والموثق (2) عليه أيضا، مع أن ضعف
ما عداهما منجبر بما عرفته من الشهرة المحكية، بل الظاهرة والاجماع المتقدم إليه الإشارة.
نعم في المرسل المروي عن المقنع: لو أن رجلا لصق بأهله في شهر رمضان
فأمنى لم يكن عليه شئ (3).
وهو وإن دل بإطلاقه على ما ذكره، إلا أنه - مع إرساله وشذوذ إطلاقه -
محمول على التقية، لأن القول بمضمونه مذهب فقهاء العامة، كما في
الانتصار (4).
(و) عن (إيصال الغبار إلى الحلق متعديا (5)) بلا خلاف يظهر من
كل من عمم المأكول لغير المعتاد، إلا من الماتن في المعتبر فتردد فيه (6)،
لضعف سند ما سيذكر من الخبر، مع كون الغبار ليس كابتلاع الحصى
والبرد، وهو نادر، بل أفتى بخلافه في الكتاب والشرائع (7).
ومع ذلك فظاهر الغنية (8) والتنقيح (9)، وصريح السرائر (10)، ونهج الحق (11)

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 25.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الصوم فيما أوجب الامساك عنه ج 1 ص 224 س 35.
(3) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم باب ما يفطر الصائم وما لا يفطره ص 16 س 21.
(4) الإنتصار: في مفطرات الصوم ص 64.
(5) هذه الكلمة لا توجد في جميع النسخ الخطية والشرح المطبوع، وأثبتناها من المتن المطبوع.
(6) المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 655.
(7) شرائع الاسلام: كتاب الصوم ما يجب الامساك عنه ج 1 ص 189.
(8) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 509 س 9.
(9) التنقيح الرائع: كتاب الصوم ج 1 ص 357.
(10) السرائر: كتاب الصيام باب ما يوجب القضاء والكفارة ج 1 ص 377.
(11) نهج الحق: في الصوم م 2 ص 461.
314

- فيما حكي عنه - الاجماع على خلافه. وهو الحجة المؤيدة بعدم ظهور الخلاف،
إلا في إيجابه القضاء خاصة أو مع الكفارة، وهو شئ آخر سيذكر.
وبالخبر: سمعته يقول: إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق
متعمدا أو شم رائحة غليظة أو كنس بيتا، فدخل في أنفه وحلقه غبار فعليه
صوم شهرين متتابعين، فإن ذلك مفطر مثل الأكل والشرب والنكاح (1).
ولا بأس بضعف السند والاشتمال لما يقول به أحد، بعد الانجبار بالعمل
وجواز تقييد مالا يقول بإطلاقه أحد بما يقول به كلهم أو بعضهم، فيكون
كالعام المخصص حجة في الباقي، مع أن خروج بعض الرواية عن الحجية
لا يستلزم خروجها جملة.
نعم في الموثق: عن الصائم يدخن بعود أو بغير ذلك فدخل الدخنة في
حلقه، قال: لا بأس، وعن الصائم يدخل الغبار في حلقه، قال: لا بأس (2)، وهو
صريح في الخلاف، مؤيد بالصحيح (3) الحاصر ما يضر الصائم فيما ليس منه
المقام مضافا إلى الأصل، ولذا مال جملة من متأخري المتأخرين إليه (4).
لكنه ضعيف، لوجوب تخصيص الأخيرين بما مر، مع احتمال دخول
الغبار في بعض أفراد الحصر المعدودة في الصحيح، وموافقة الموثقة للعامة، كما
صرح به جماعة (5) مع مكافأتها لما مر من الأدلة من وجوه عديدة.
ويمكن الجمع بينها وبين الرواية السابقة، بحملها على الغليظ خاصة وهذه
على غيره - كما عليه جماعة (6)، وربما ادعى عليه الشهرة، ولا يخلو عن قوة -

(1) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 48.
(2) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 2 ج 7 ص 48 مع اختلاف يسير.
(3) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 18.
(4) ذخيرة المعاد: كتاب الصوم ص 499 س 20، ومدارك الأحكام: كتاب الصوم ص 352 س 31.
(5) يظهر ذلك من المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 654.
(6) منهم الحر العاملي في الوسائل: ب 22 من أبواب ما يمسك عنه الصائم تعليقه على ح 2 ج 7 ص 48.
315

لا للجمع، لعدم شاهد عليه، بل لعدم دليل على الابطال على الاطلاق، سوى
الرواية، وهي لقطعها - وعدم معلومية المسؤول عنه فيها - لا تصلح للحجية وإن
حصلت معها الشهرة، لأنها إنما تجبر الرواية المسندة لا المقطوعة، ولا إجماع على
الاطلاق، لوقوع الخلاف فيما عدا الغليظ، مع شهرة التقييد به، كما عرفته.
(و) عن (البقاء على الجنابة) متعمدا (حتى يطلع الفجر) على
الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تأخر وفي صريح الانتصار (1) والخلاف (2)
والغنية (3) والسرائر (4) والوسيلة (5)، وظاهر المحكي عن التذكرة (6) والمنتهى (7)
الاجماع عليه. وهو الحجة، مضافا إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة،
القريبة من التواتر، بل لعلها متواترة.
منها الصحيح: في رجل احتلم أول الليل أو أصاب من أهله ثم نام
متعمدا في شهر رمضان حتى أصبح، قال: يتم صومه ذلك، ثم يقضيه إذا
أفطر من شهر رمضان، ويستغفر ربه (8).
خلافا لظاهر الصدوق في المقنع، حيث أرسل فيه عن مولانا الصادق
عليه السلام: أنه كان رسول الله صلى الله عليه وآله يجامع نسائه من أول الليل

(1) الإنتصار: كتاب الصوم ص 63.
(2) الخلاف: كتاب الصوم م 87 ج 2 ص 222.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 509 س 10.
(4) السرائر: كتاب الصوم ج 1 ص 377.
(5) الوسيلة: كتاب الصوم ص 142.
(6) تذكرة الفقهاء: كتاب الصوم فيما يمسك عنه الصائم ج 1 ص 258 س 1.
(7) لم يذكر (قدس سره) ما يدل على الاجماع في خصوص مسألة البقاء متعمدا على الجنابة، راجع المنتهى:
كتاب الصوم في ما يمسك عنه الصائم ج 2 ص 665 س 35. نعم نسبه إلى المنتهى السبزواري في
الذخيرة: كتاب الصوم ص 497 س 4.
(8) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 42.
316

ويؤخر الغسل حتى يطلع الفجر (1) الخبر، بناء على ما قيل: من أن عادته في
ذلك الكتاب الافتاء بمضمون الأخبار ونقل متونها (2)، ويميل إليه بعض
متأخري المتأخرين (3)، لاطلاق الآية أو عمومها، وصريح جملة من الصحاح
وغيرها.
ويضعف الأول: بلزوم التقييد أو التخصيص بما مضى، والثاني: بالحمل
على التقية، كما ذكره جماعة (4).
ويشهد له اسناد نقل ما مر في المرسل إلى عائشة في بعض الروايات (5)،
بل جملة.
وربما حملت (6) على محامل أخر لا بأس بها في مقام الجمع بين الأدلة وإن
بعدت غايته.
وهي أولى من حمل تلك على الفضيلة، لرجحانها على هذه من وجوه
شتى.
أعظمها الاعتضاد بالشهرة العظيمة القريبة من الاجماع، بل إجماع
المتأخرين حقيقة، مضافا إلى الاجماعات المنقولة حد الاستفاضة والمخالفة
للعامة، ولا كذلك هذه فإنها في طرف الضد من المرجحات المزبورة.

(1) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 16 س 22.
(2) قاله السيد السند في المدارك: كتاب الصوم ج 6 ص 53.
(3) كالمقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة: كتاب الصوم ما يمسك عنه الصائم ج 5 ص 36.
(4) منهم السيد في المدارك: كتاب الصوم ج 6 ص 55، والسبزواري في الذخيرة: كتاب الصوم
ص 497 س 42، والمحدث البحراني في الحدائق: كتاب الصوم هل يبطل الصوم بالاصباح جنبا
عمدا ج 13 ص 119.
(5) كما في تهذيب الأحكام: ب 55 في اعتماد افطار يوم من شهر رمضان ح 17 ج 4 ص 210.
(6) كما في الرسائل: ب 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ج 5 ص 44 في ذيل الحديث 5.
317

وهل يختص هذا الحكم بشهر رمضان، أم يعمه وغيره؟ وتردد فيه في
المنتهى.
قال: من تنصيص الأحاديث برمضان دون غيره من الصيام، ومن تعميم
الأصحاب وإدراجه في المفطرات (1)، ومال الماتن في المعتبر إلى الأول (2)
وهو الأظهر، وفاقا لجملة ممن تأخر، لما مر، مع عدم بلوغ فتوى
الأصحاب بالاطلاق الاجماع، سيما مع اختصاص عبائر جملة منهم،
كالنصوص برمضان كابن زهرة (3) والشيخ في الخلاف (4) وغيرهما (5) مضافا إلى
جملة من المعتبرة المصرحة بالعدم في التطوع، وفيها الصحيح (6) والموثق (7)
غيرهما.
ويلحق به ما عداه من الصوم الواجب بمعونة ما مر من الدليل، ويستثنى منه
قضاء رمضان، للصحيح: عن الرجل يقضي شهر رمضان فيجنب من أول
الليل، ولا يغتسل حتى يجئ آخر الليل، وهو يرى أن الفجر قد طلع، قال:
لا يصوم ذلك اليوم، ويصوم غيره (8). وبمعناه آخر (9)، والموثق (10)
هذا، وفي الصحيح الأول من الصحاح المستفيضة ربما كان إشعارا

(1) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيما يمسك عنه الصائم ج 2 ص 566 س 37.
(2) المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 656.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 509 س 9.
(4) الخلاف: كتاب الصوم م 13 ج 2 ص 174.
(5) كالسيد في الانتصار: كتاب الصوم 63.
(6) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 47.
(7) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 2 ج 7 ص 47.
(8) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ج 1 ج 7 ص 46.
(9) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 2 ج 7 ص 46.
(10) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 3 ج 7 ص 46.
318

بتخصيص الحكم برمضان واشتراطه فيه، فتأمل.
وقرب منه اختصاص سائر النصوص مع كثرتها به، فإن فيه نوع إشعار
بذلك، كما لا يخفى على المتأمل.
ثم هل يختص الحكم بالجنابة، أم يعمها والحيض والنفاس والاستحاضة
الكثيرة؟ الأجود الثاني، وفاقا لجماعة (1)، للموثق في الأول (2)، والصحيح في
الثاني (3).
ولا يقدح تضمنه لما لا يقول به الأصحاب، ولا كونه مكاتبة، كما لا يقدح
قصور سند الأول، لما تقرر في محله من حجية الموثق والمكاتبة، وعدم خروج
الرواية - باشتمالها على ما لا يقول به أحد - عن الحجية، وأنها كالعام المخصص
في الباقي حجة. مضافا إلى انجبار جميع ذلك بالشهرة على ما ادعاها بعض
الأجلة، بل قال في الاستحاضة: أن الحكم فيها مما لا خلاف فيه أجده إلا
من المعتبر والمبسوط فتوقفا فيه (4)، وفي المسالك الاجماع عليه، وعلى وجوب
القضاء مع الاخلال بالأغسال، قال: وكذا الحائض والنفساء إذا انقطع دمهما
قبل الفجر (5)، إنتهى.
وظاهر الخبرين وجوب القضاء خاصة، حيث لم يذكر فيهما الكفارة، مع
ورودهما في بيان الحاجة، فتكون بالأصل مدفوعة، وحكاه في المختلف عن
العماني في الحيض والنفاس (6)، واختار هو فيه وفي التحرير كونهما كالجنابة

(1) منهم العلامة في المنتهى: كتاب الصوم فيما يمسك عنه الصائم ج 2 ص 566 س 17، والمحدث
البحراني في الحدائق: كتاب الصوم ج 13 ص 123.
(2) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 3 ج 7 كل، 46.
(3) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 45.
(4) الحدائق الناضرة: كتاب الصوم ج 13 ص 125.
(5) مسالك الأفهام: كتاب الصوم ج 1 ص 75 س 28.
(6) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في مباحث حقيقة الصوم ج 1 ص 220 س 25.
319

فإن أوجبنا القضاء والكفارة فيها أوجبناهما فيهما، وإلا فالقضاء خاصة (1)،
لحجة لا تصلح مخصصة لأصالة البراءة، ولكن الأحوط ما ذكره.
(و) عن (معاودة النوم جنبا) لئلا يستمر به النوم إلى الفجر فيجب عليه
القضاء مطلقا بلا خلاف أجده، بل عليه الاجماع في الخلاف (2) والغنية (3).
وهو الحجة؟ مضافا إلى الصحيح: الرجل يجنب من أول الليل ثم ينام حتى
يصبح في شهر رمضان، قال: ليس عليه شئ قلت: فإن استيقظ ثم نام حتى
أصبح، قال: فليقض ذلك اليوم عقوبة (4). ونحوه آخر مروي في الفقيه (5)
والرضوي (6) الآتي.
وصريحها عدم وجوب الامساك عن النومة الأولى، وعدم ترتب شئ عليها
أصلا، وعليه فتوى أصحابنا على الظاهر المصرح به في المنتهى (7)، إلا إذا
صادفت العزم على ترك الاغتسال، فإنه كتعمد البقاء على الجنابة اتفاقا، وكذا
إذا صادفت عدم العزم عليه وعلى (عدم) (8) الاغتسال عند جماعة (9).
وحجتهم غير واضحة عند إطلاق جملة من النصوص بوجوب القضاء بالنوم

(1) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في مباحث حقيقة الصوم ج 1 ص 220 س 27، وتحرير الأحكام:
كتاب الصوم في موجبات القضاء والكفارة ج 1 ص 78 س 8.
(2) الخلاف: كتاب الصوم م 87 ج 2 ص 222.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 509 س 19.
(4) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 41.
(5) من لا يحضره الفقيه: باب ما يجب على من أفطر أو جامع في شهر رمضان ح 1898 ج 2 ص 119.
(6) فقه الرضا: ب 30 في نوافل شهر رمضان ودخول كل، 207.
(7) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيما يوجب القضاء والكفارة ج 2 ص 577 س 24.
(8) ما بين المعقوفتين ليس بموجود في جميع المخطوطات.
(9) كالعلامة في المنتهى: كتاب الصوم فيما يجب القضاء والكفارة ج 2 ص 573 س 33، والشهيد الثاني
في المسالك: كتاب الصوم ج 1 ص 71 س 9.
320

بقول مطلق، كالصحيح: عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان ثم ينام قبل أن
يغتسل، قال: يتم صومه ويقضي ذلك اليوم، إلا أن يستيقظ قبل الفجر، فإن
انتظر ماء يسخن أو يستقي فطلع الفجر فلا يقضي يومه (1)، ونحوه آخر (2)
والموثق (3).
وهي مع معارضتها بأكثر منها، مستفيضة دالة على عدم شئ بمطلق النوم
فيها أنها كمعارضتها، مطلقة تحتمل التقييد بالنومة الثانية كالمعارض بالأولى
بشهادة الصحيح المفصل بينهما بالقضاء في الثانية، وعدم شئ في الأولى.
وهذا الحكم فيها وإن كان مطلقا يشمل ما لو كان النوم مصادفا للعزم على
ترك الاغتسال الموجب لفساد الصوم اتفاقا، إلا أنه بعد تسليم انصراف
الاطلاق إلى هذه الصورة - مع ندرتها - مقيد بغيرها، لما مضى من وجوب
الامساك عن تعمد البقاء الذي منه أو بمعناه هذه الصورة، كما أن النصوص
المزبورة المطلقة للزوم القضاء بالنوم المشتملة لذلك، لما إذا صادف العزم على
الاغتسال، مع أنه غير موجب للقضاء اتفاقا مقيد بغيره.
وبالجملة، لم أجد للقول المزبور حجة، عدا إطلاق الصحيح (4) والموثقة (5)،
وما في معناهما، ومقتضى الأصول المقررة تقييده بما في الصحيح (6)، أو حملها
على الاستحباب إن كانت ظاهرة في النومة الأولى كما هو ظاهر سياقها، لأنه
أصرح دلالة منها، سيما مع ضعف إطلاقها بالتقييد بما إذا لم يصادف العزم على
الاغتسال.

(1) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 3 ج 7 ص 41، مع اختلاف يسير.
(2) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 2 ج 7 ص 41.
(3) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 5 ج 7 ص 42.
(4) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 3 ج 7 ص 41.
(5) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 5 ج 7 ص 42.
(6) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 41.
321

وعلى تقدير تسليم التكافؤ دلالة، فكما يمكن الجمع بينهما بما ذكروه، كذا
يمكن بما ذكرنا، ولا ريب أنه أولى، لاعتضاده بالأصل.
نعم في الرضوي: إذا أصابتك جنابة في أول الليل فلا بأس بأن تنام متعمدا
وفي نيتك أن تقوم وتغتسل قبل الفجر، فإن غلبك النوم حتى تصبح فليس
عليك شئ، إلا أن تكون انتبهت في بعض الليل ثم نمت وتوانيت وكسلت
فعليك صوم ذلك اليوم، وإعادة يوم آخر مكانه، وإن تعمدت النوم إلى أن
تصبح فعليك قضاء ذلك اليوم والكفارة (1).
وهو بمفهومه الأول ربما دل على ما ذكروه، فيكون أحوط، وإن أمكن المناقشة
فيه، بأنه لعل المراد من مفهوم قوله: (وفي نيتك أن تقوم) إلى آخره، تعمد
الترك، كما ربما يفصح قوله في الذيل وإن تعمدت النوم.
والمتبادر منه العزم على البقاء وعلى الجنابة، ويكون حكم المفروض وهو
النوم ذاهلا عن العزم على الغسل، وتركه مسكوتا عنه، ولعله لندرته، كما مر،
وسيأتي للمسألة مزيد تحقيق إن شاء الله تعالى.
(و) عن (الكذب على الله سبحانه والرسول صلى الله عليه وآله
والأئمة عليهم السلام) بلا خلاف فيه، ولا في وجوب الامساك عن مطلق
الكذب، بل مطلق المحرمات.
وإنما الخلاف في إيجابه الافساد والافطار الموجب للقضاء والكفارة،
وسيأتي الكلام في تحقيق المسألة، بعون الله سبحانه.
(و) عن (الارتماس في الماء) على الأشهر الأقوى، للنهي عنه في
الصحاح (2) وغيرها.

(1) فقه الرضا (ع): ب 30 في نوافل شهر رمضان ودخول ص 207 مع اختلاف يسير فيه.
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم انظر أحاديث الباب ج 7 ص 22.
322

(وقيل) والقائل المرتضى (1) في أحد قوليه والحلي (2) وغيرهما (3) أنه
(يكره) ولا يجب الامساك عنه، للأصل المضعف بما مر، وللخبر القاصر سندا
ودلالة، وتكافؤ لما مضى من وجوه شتى، مع إحتماله الحمل على التقية، لموافقته
لمذهب جماعة من العامة، كما ذكره جماعة (4).
وهل يجب به القضاء خاصة، أو مع الكفارة، أو لا يجب به شئ أصلا؟ فيه
أقوال ثلاثة، سيأتي إليه الإشارة بعون الله تعالى.
(وفي) وجوب الامساك عن (السعوط) في الأنف، مع إيجابه
القضاء والكفارة، كما عن المفيد (5) والديلمي (6)، وحكاه المرتضى
عن قوم من أصحابنا (7)، أم القضاء خاصة، كما عن الحلبي (8)
والقاضي (9) وابن زهرة (10)، أم الجواز من غير كراهة، كما عن ظاهر
الإسكافي (11) والمقنع (12)، أو معها، كما عن الخلاف (13)

(1) الإنتصار: كتاب الصوم ص 63.
(2) السرائر: كتاب الصوم ج 1 ص 386.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الصوم ومباحث حقيقة الصوم ج 1 ص 218 س 39.
(4) منهم الشيخ في الاستبصار: ب 42 حكم من الارتماس في الماء ج 2 ص 85، والمحدث البحراني في
الحدائق: كتاب الصوم ج 13 ص 137.
(5) المقنعة: كتاب الصوم ب 19 في ما يفسد الصوم ص 344.
(6) المراسم: كتاب الصوم ص 98.
(7) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصوم في ما يفسد الصوم وينقضه ج 3 ص 54.
(8) الكافي في الفقه: كتاب الصوم ص 183.
(9) المهذب: كتاب الصوم ج 1 ص 192.
(10) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 509 س 18.
(11) حكاه عنه العلامة في المختلف: كتاب الصوم فيما أوجب الامساك عنه ج 1 ص 221 س 31.
(12) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب باب ما يفطر الصائم وما لا يفطره ص 16 س 27.
(13) الخلاف: كتاب الصوم م 75 ج 2 ص 215.
323

والجمل (1) والنهاية (2) والمبسوط (3)، وإن اختلفت عباراته
في هذه الكتب في التأدية عن السعوط بقول مطلق، كما في الثلاثة
الأول (4)، أو تقييده بغير المتعدي منه إلى الحق، وإلا فيوجب القضاء، كما في
الأخير (5)، وعليه الفاضل في المختلف (6)، مضيفا الكفارة، ومشترطا لتعمد
التعدية.
(و) عن (مضغ العلك) ذي الطعم مع إيجابه القضاء، كما عن
الإسكافي (7) والنهاية (8) لكن ليس فيها سوى المنع خاصة، أو جوازه مع
الكراهة، كما عن المبسوط (9) (تردد) للماتن.
لم يظهر وجهه في طرف المنع عنهما، عدا ما قيل في الأول، من وصوله إلى
الدماغ وهو مفطر. وفيه منع ظاهر. وفي الثاني (من وصول طعمه إلى الحلق،
وليس ذلك إلا بسبب وصول بعض أجزائه المتخللة، لامتناع انتقال
الأعراض) (10) وهو في المنع كالسابق.
وفيهما مع ذلك أنهما اجتهاد في مقابلة ما سيأتي من النص.

(1) الجمل والعقود: كتاب الصوم في ذكر ما يمسك عنه الصائم ص 113.
(2) النهاية: كتاب الصيام باب ما على الصائم اجتنابه مما يفسد الصيام ص 156.
(3) المبسوط: كتاب الصوم قي ذكر ما يمسك عنه الصائم ج 1 ص 272.
(4) الخلاف: كتاب الصوم م 75 ج 2 ص 215، والجمل والعقود: كتاب الصيام ص 113، والنهاية:
كتاب الصيام باب ما على الصائم اجتنابه ص 156.
(5) المبسوط: كتاب الصوم فصل في ذكر ما يمسك عنه الصائم ج 1 ص 272.
(6) مختلف الشيعة: كتاب الصوم فيما وجب الامساك عنه ج 1 ص 221 س 36.
(7) حكاه عنه العلامة في المختلف: كتاب الصوم فيما وجب الامساك عنه ج 1 ص 222 س 4.
(8) النهاية: كتاب الصيام باب ما على الصائم اجتنابه ص 157.
(9) المبسوط: كتاب الصوم فصل في ذكر ما يمسك عنه الصائم ج 1 ص 273.
(10) قاله الفاضل المقداد في التنقيح: كتاب الصوم ج 1 ص 359 - 360.
324

فإذا (أشبهه) بل وأشهره كما في المنتهى في الثاني (1)، وفي المدارك (2)
والذخيرة (3) في الأول (الكراهية) في المقامين، استنادا إلى وجه الجواز فيهما،
وهو الأصل، وحصر ما يضر الصائم في معدود (4) ليسا منها مضافا في الأول إلى
فحوى ما دل على كراهة الاكتحال بما له طعم يصل إلى الحلق (5)، وعموم
التعليل في جملة من النصوص الدالة على جواز الاكتحال بقول مطلق، بأنه
ليس بطعام ولا شراب (6).
نعم يكره للشبهة والتعبير بلفظ الكراهة في جملة من النصوص (7)، بل في
الرضوي التصريح بلا أو لا يجوز (8)، وهو محمول على الكراهة جمعا وفي الثاني إلى
الصحيح (9) وغيره الصريحين في الجواز.
وأما الصحيح الآخر الناهي عنة (10) فمحمول على الكراهة، لما عرفته.
(وفي) جواز (الحقنة) كما عليه المرتضى في الجمل (11)، وعدمه كما عليه
الأكثر (قولان) مطلقان غير مفصلين بين الجامد منه والمائع.

(1) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيما يمسك عنه الصائم ج 2 ص 568 س 14.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الصوم ج 6 ص 128.
(3) ذخيرة المعاد: كتاب الصوم ص 504 السطر الأخير.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 18.
(5) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب ما يمسك عنه الصائم انظر أحاديث الباب ج 7 ص 51 - 52.
(6) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 و 6 ج 7 ص 51 - 52.
(7) وسائل الشيعة: ج 7 ص 27 - 28 انظر الأحاديث 1، 2، 3 من الباب 7 من أبواب ما يمسك عنه
الصائم.
(8) فقه الرضا (ع): ب 30 في نوافل شهر رمضان ودخوله ص 212.
(9) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 3 ج 7 ص 74.
(10) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 2 ج 7 ص 74.
(11) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصوم في ما يفسد الصوم وينقضه ج 3 ص 54.
325

(أشبههما) الثاني، وهو (التحريم) لكن (بالمائع) خاصة، والكراهة في
الجامد، وفاقا للشيخ في جملة من كتبه (1)، والحلي (2) وجماعة (3).
استنادا في الأول: إلى الصحيح: الصائم لا يجوز أن يحتقن (4)، والرضوي:
لا يجوز للصائم أن يقطر في إذنه شيئا ولا يسعط ولا يحتقن (5).
وفي الثاني: إلى الأصل والحصر السابقين، مع اختصاص الخبرين بحكم
التبادر بالمائع، وتصريح الصحيح بجواز استدخال الدواء الشامل للجامد (6)،
بل الظاهر فيه بحكم التبادر، ولذا لا يصرف به ظاهر الصحيح السابق إلى
الكراهة مضافا إلى صريح الموثق: ما تقول في اللطيف من الأشياء يستدخله
الانسان وهو صائم، فكتب: لا بأس بالجامد (7).
هذا، ولولا اشتهار القول بتحريم المائع - بل عدم الخلاف فيه، إلا من
المرتضى (8)، حتى أنه سيأتي من الناصرية (9) والغنية (10) دعوى الاجماع على

(1) منها النهاية: كتاب الصيام باب ما على الصائم اجتنابه ص 156 والمبسوط: كتاب الصوم في ذكر
ما يمسك عنه الصائم ج 1 ص 272، والاقتصاد: كتاب الصوم فيما يجب على الصائم اجتنابه
ص 288.
(2) السرائر كتاب الصيام ج 1 ص 387.
(3) كالقاضي في المهذب: كتاب الصوم باب ما يفسد الصوم ويوجب القضاء ج 1 ص 192، وابن
سعيد في الجامع: كتاب الصوم ص 156.
(4) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 4 ج 7 ص 27.
(5) فقه الرضا (ع): ب 30 في نوافل شهر رمضان ودخوله ص 212.
(6) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 26.
(7) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 2 ج 7 ص 26.
(8) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصوم فيما يفسد الصوم وينقضه ج 3 ص 54.
(9) الناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الصيام م 129 ص 242 - 243.
(10) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 509 س 18.
326

إيجابه الافطار والقضاء - لكان القول بمقالته عن الجواز مطلقا غير بعيد من
الصواب، لما مر في السعوط من الأدلة، مع قوة احتمال الجمع بين أخبار
المسألة بحمل المانعة على الكراهة، سيما الرضوي منها المتضمن للنهي عن
السعوط أيضا بكلمة (لا يجوز) (1) الداخلة على كليهما.
وهي بالإضافة إلى السعوط للكراهة - كما مضى - فلتكن بالإضافة إلى
الاحتقان لها أيضا لئلا يلزم استعمال اللفظ في معنييه الحقيقي والمجازي
الممنوع منه على الأقوى.
(و) اعلم أن (الذي يبطل الصوم) كائنا ما كان (إنما يبطله) إذا
صدر عن الصائم (عمدا واختيارا (2)) مطلقا واجبا كان الصوم، أو ندبا،
فليس على الناسي شئ في شئ من أنواع الصيام، ولا في شئ من المفطرات
بغير خلاف أجده، بل نفى الخلاف عنه جماعة (3)، معربين عن دعوى الاجماع
عليه، كما صرح به بعضهم (4)، والمعتبرة (5) به مع ذلك مستفيضة.
ففي جملة منها صحيحة: لا يفطر إنما هو شئ، رزقه الله تعالى (6).
وأخصيتها من المدعى باختصاصها بالأكل والشرب والجماع غير قادح،
بعد عدم قائل بالفرق بينها وبين سائر المفطرات.
ولا على الموجور في حلقه بغير خلاف ظاهر مصرح به في جملة من العبائر.

(1) فقه الرضا (ع): ب 30 في نوافل شهر رمضان ودخول ص 212.
(2) في المتن المطبوع: (اختيارا).
(3) كالعلامة في المنتهى: كتاب الصوم فيما يوجب القضاء والكفارة ج 2 ص 577 س 10، والسبزواري
في الذخيرة: كتاب الصوم ص 507 س 19.
(4) كالشيخ في الخلاف: كتاب الصوم م 31 ج 2 ص 185.
(5) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب ما يمسك عنه الصائم انظر أحاديث الباب ج 7 ص 33.
(6) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب ما يمسك عنه الصائم مقطع ح 1 ج 7 ص 33.
327

ولا على المكره بأنواعه عند الأكثر (1)، للأصل، مع عدم عموم فيما دل على
وجوب القضاء، لاختصاصه نصا وفتوى لحكم التبادر بغيره مضافا إلى
التأيد بحديث ما استكرهوا عليه (2) وإن أشكل الاستدلال به كما اتفق
لبعض (3)، لأن المتبادر منه نفي المؤاخذة لا ارتفاع الأحكام جملة.
خلافا للمبسوط، لأنه يفعل باختياره (4). وهو قوي، لضعف المنع عما يدل
على كلية الكبرى، كما مضى.
أما بناء على ثبوت الكلية من تتبع نفس النصوص ولا سيما الواردة منها في
المتسحر في شهر رمضان بعد الفجر قبل المراعاة (5) وغيره، لغاية وضوحها في
التنافي بين نحو الأكل والصوم، بحيث لم يجتمعا وإن كان الأكل جائزا شرعا،
ولذا أمر المتسحر المزبور بعدم صوم يومه إذا كان قضاء عن رمضان مطلقا ولو
كان للفجر مراعيا.
أو لأن حقيقة الصوم ليس إلا عبارة عن الامساك عن المفطرات، وهو في
المقام لم يتحقق قطعا، لا لغة ولا عرفا ولا شرعا. أما الأولان فظاهران.
وأما الثالث: فلأن معناه الحقيقي ليس إلا ما هو المتبادر عند المتشرعة،
ولا ريب أنه الامساك، وعدم وقوع المفطر باختيار المكلف أصلا، ولا ريب أنه
منتف هنا، ولذا يصح سلب الصوم والامساك فيه جدا، فيقال: إنه ما صام
وما أمسك ولو اضطرارا.
ويعضده إطلاق لفظ الافطار فيما سيأتي من الأخبار، مع تضمن بعضها

(1) مختلف الشيعة: كتاب الصوم ج 1 ص 323 س 16، ومجمع الفائدة: كتاب الصوم ج 5 ص 126.
(2) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2 ج 5 ص 345.
(3) نفس المصدرين السابقين.
(4) المبسوط: كتاب الصوم في ذكر ما يمسك عنه الصائم ج 1 ص 273.
(5) وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، انظر أحاديث الباب ج 7 ص 81 - 82.
328

القضاء، وهو أوضح شاهد على عدم الاتيان بماهية الصوم المأمور بها، وهو عين
معنى الفساد، وإذا ثبت ثبت وجوب القضاء، لعدم قائل بالفرق بينهما.
وبالجملة، غير خفي متانة هذا القول وقوته إن لم يكن خلافه اجماعا.
وكيف كان، فلا ريب أنه أحوط وأولى. وفي حكمه المفطر في يوم يجب
صومه تقية، كما في النصوص.
منها: والله أفطر يوما من شهر رمضان أحب إلي من أن يضرب عنقي (1).
وفي آخر: إفطاري يوما وقضاؤه أيسر علي من أن يضرب عنقي ولا يعبد
الله (2).
ويستفاد منه ثبوت القضاء، بل وجوبه كما قيل به (3)، وهو أحوط، بل
وأولى، لما مضى، وبه يجبر ضعف السند هنا.
والظاهر الاكتفاء في التقية المبيحة للافطار بمجرد ظن خوف الضرر، كما
هو المعلوم من الأخبار.
خلافا للمحكي عن الدروس فاعتبر خوف التلف على النفس (4)، كما
ربما يتوهم من الخبرين المتقدمين.
وفيه نظر، مضافا إلى ضعفهما بالارسال، فلا يخصص بهما ظواهر تلك
الأخبار المؤيدة بالاعتبار.
ولا على الجاهل بالحكم إلا الإثم في تركه تحصيل المعرفة، لا القضاء
والكفارة، كما عليه الحلي (5) والشيخ في موضع من التهذيب (6)، واحتمله في

(1) وسائل الشيعة: ب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم مقطع ح 4 ج 7 ص 95.
(2) وسائل الشيعة: ب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم مقطع ح 5 ج 7 ص 95
(3) الحدائق الناضرة: كتاب الصوم ج 13 ص 69.
(4) الدروس الشرعية: كتاب الصوم ص 72 س 13.
(5) السرائر: كتاب الصيام ج 1 ص 376.
(6) تهذيب الأحكام: ب 55 الكفارة في اعتماد افطار يوم من شهر رمضان ح 9 ج 4 ص 208.
329

المنتهى (1)، للموثق: عن رجل أتى أهله في شهر رمضان أو أتى أهله وهو محرم
وهو لا يرى إلا أن ذلك حلال له، قال: ليس عليه شئ (2).
وفيه أن التعارض بينه وبين ما دل على وجوب القضاء تعارض العموم
والخصوص من وجه، لأنه وإن كان صريحا في الجاهل، إلا أنه عام بالنسبة
إلى القضاء، وما دل على وجوبه وإن كان عاما بالنسبة إلى الجاهل، إلا أنه
صريح بالنسبة إلى القضاء.
فكما يمكن تخصيص هذا بالموثق كذا يمكن العكس، بل هو أولى من
وجوه شتى، لأرجحية ما دل على القضاء عددا وسندا واشتهارا وغيرها.
وحينئذ فيقيد بهذه الموثق، ويحمل على نفي الكفار، كما في المنتهى (3).
خلافا لأكثر المتأخرين فكالعامد يقضي ويكفر (4)، لعموم أخبارهما (5).
وفي انصراف ما دل على الكفارة منها إلى الجاهل سيما المتضمن منها
للتعمد، نظر واضح، مع أنها محتملة للتقييد بالموثقة (6)، لكونها حجة، ولجماعة
فعليه القضاء، لعموم الأمر به عند عروض أحد أسبابه دون الكفارة، للأصل،
ولتعلق الحكم بها في النصوص على تعمد الافطار لا تعمد الفعل، بل قيد في
بعضها بغير العذر، والجهل بالحكم من أقوى الأعذار، كما يستفاد من المعتبرة.
منها: أي رجل ارتكب أمرا بجهالة فلا شئ عليه (7) مضافا إلى الموثق (8)

(1) منتهى المطلب: كتاب الصوم ج 2 ص 569 س 25.
(2) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 12 ج 7 ص 35.
(3) نفس المصدر السابق.
(4) كالمحقق في الشرائع: كتاب الصوم ج 1 ص ى 190، وإرشاد الأذهان: كتاب الصوم ج 1 ص 298.
(5) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم انظر أحاديث الباب ج 7 ص 29 - 31.
(6) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الامساك ح 12 ج 7 ص 35.
(7) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1 ج 5 ص 344، وفيه (ركب).
(8) نفس المصدر السابق.
330

المتقدم، وهذا القول أقوى.
هذا، ولا ريب أن القضاء والكفارة معا أحوط وأولى، سيما مع عموم جملة
من الأخبار بترك الاستفصال الشامل لمفروضنا.
(ولا يفسد) (1) الصوم (بمص الخاتم، ومضغ الطعام للصبي، وزق
الطائر) وذوق المرق، ونحو ذلك.
(وضابطه ما لا يتعدى الحلق) للمعتبرة المستفيضة (2)، وفيها الصحاح
وغيرها من المعتبرة مضافا إلى الأصل والحصر المتقدم إليهما الإشارة، مع أنه
لا خلاف في شئ منها أجده، إلا من الشيخ في التهذيب (3) في الأخير في غير
الضرورة، للصحيح المانع عنه على الاطلاق بحمله على تلك الصورة، جمعا بينها
وبين الصحاح لمرخصة ولو على الاطلاق بحملها على غيرها.
وفيه أن هذا التفصيل غير موجود في شئ منها، فالترجيح متعين، وهو في
جانب الرخصة، للتعدد، وموافقة الأصل والحصر، فيحمل، النهي في المعارض
على الكراهة كما ذكره جماعة (4)، أو توجيهه إلى الازدراد بتقديره كما ذكره
بعض (5) ولا بأس به.
(ولا) يفسد أيضا (باستنقاع (6) الرجل في الماء) بلا خلاف لجملة

(1) في المتن المطبوع (فلا يفسد).
(2) وسائل الشيعة: انظر أحاديث الأبواب 37 - 38 - 40 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ج 7
ص 74 - 77.
(3) تهذيب الأحكام: ب 72 في الزيادات ح 11 ج 4 ص 312.
(4) منهم السيد السند في المدارك: كتاب الصوم ما يفسد الصيام وما لا يفسده ج 6 ص 72، والمحقق
السبزواري في ذخيرة المعاد: كتاب الصوم في جواز مضغ الطعام للصائم ص 506 س 44، والحر
العاملي في الوسائل: ب 37 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 2 ج 7 ص 74.
(5) كالمحدث البحراني في الحدائق: كتاب الصوم ج 13 ص 76.
(6) في المتن المطبوع: (استنقاع).
331

مما مر؟ مضافا إلى النصوص (1) وفيها الصحيح وغيره: عن الصائم يستنقع في
الماء، قال: لا بأس (2).
(والسواك في الصوم مستحب ولو بالرطب) على الأشهر، بل في
المنتهى أنه مذهب علمائنا أجمع، إلا العماني فإنه كرهه بالرطب (3)، ويفهم
منه عدم الخلاف بيننا في أصل الجواز مطلقا، مع أنه حكي في المختلف عن
العماني المنع عن الرطب (4)، الظاهر في التحريم.
ولا ريب في ضعفه، للأصل، والحصر المتقدمين، والعمومات، وخصوص
إطلاق الصحاح وغيرها من المعتبرة المستفيضة: يستاك الصائم أي ساعة من
النهار شاء (5).
وفي الصحيح: أيستاك الصائم بالماء وبالعود الرطب يجد طعمه؟ فقال:
لا بأس به (6).
والنهي عن الرطب منه في المعتبرة (7) المستفيضة محمول.
إما على الكراهة كما حكاها عنه في المنتهى (8)، وتبعه الشهيد في الدروس،
فقال - بعد الحكم بنفي البأس عن السواك بقول مطلق في أول النهار وآخره -:
وكرهه الشيخ والحسن بالرطب (9).

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم انظر الأحاديث 2 - 5 - 6 - 7 ج 7 ص 22 - 23.
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 6 ج 7 ص 23.
(3) منتهى المطلب كتاب الصوم فيما لو أدخل فمه شيئا وابتلعه سهوا ج 2 ص 568 س 32.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الصوم فيما وجب الامساك عنه ج 1 ص 223 س 8.
(5) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 57، وفي (أحب بدل شاء).
(6) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 3 ج 7 ص 58.
(7) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 7 - 8 - 9 ج 7 ص 58 - 59.
(8) نفس المصدر السابق.
(9) الدروس الشرعية: كتاب الصوم فيما يجوز ارتكابه وما لا يجوز للصائم ص 74 س 15.
332

أقول: ووافقهما في الكراهة ابن زهرة في الغنية (1)، واختارها من متأخري
المتأخرين جماعة (2).
أو على التقية من مذهب بعض العامة (3)، وربما يناسبه ظاهر بعض
الروايات، كالمروي عن قرب الإسناد: قال علي عليه السلام: لا بأس بأن
يستاك الصائم بالسواك الرطب في أول النهار وآخره، فقيل لعلي عليه السلام:
في رطوبة السواك، فقال: المضمضة بالماء أرطب منه، فقال علي عليه السلام:
فإن قال قائل لا بد من المضمضة لسنة الوضوء، قيل: فإنه لا بد من لسواك
للسنة التي جاء بها جبرئيل عليه السلام (4). ونحوه آخر مروي في التهذيب (5).
وضعفهما مجبور بالعمل وما فيهما من التعليل، فالقول بالجواز من غير كراهة،
بل الاستحباب كما عليه الأصحاب أوجه، وإن كانت الكراهة بقاعدة
التسامح في أدلتها لعلها أنسب، فتدبر وتأمل.
(ويكره مباشرة النساء تقبيلا ولمسا وملاعبة) مع ظن عدم الامناء
لمن تحرك شهوته بذلك إجماعا، كما في الخلاف (6) والمنتهى (7)، للصحاح (8)

(1) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم فيما يكره للصائم ص 509 س 28.
(2) منهم شارح الدروس في المشارق: كتاب الصوم ص 438 س 1، والحر العاملي في الوسائل: ب 28
من أبواب ما يمسك عنه الصائم عنوان الباب 28 ص 57.
(3) منهم مالك بن أنس في المدونة الكبرى: كتاب الصيام في المضمضة والسواك للصائم ج 1 ص 201،
والشافعي في المجموع: كتاب الصوم في مسائل تتعلق بالصيام المسألة التاسعة ج 6 ص 377.
(4) قرب الإسناد: ص 43 س 9.
(5) تهذيب الأحكام: ب 63 حكم العلاج للصائم والكحل والحجامة والسواك ودخول الحمام وغير
ذلك ح 26 ج 4 ص 263.
(6) الخلاف: كتاب الصيام م 48 ج 2 ص 197.
(7) منتهى المطلب: كتاب الصوم في كراهية مباشرة النساء تقبيلا ولمسا وملاعبة ج 2 ص 581 س 24.
(8) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب ما يمسك عنه الصائم انظر أخبار الباب ج 7 ص 68 - 71.
333

وغيرها، وظاهرها اختصاص الكراهة بمن ذكرنا، كما عليه الشيخ في
الخلاف (1)، والفاضلان (2)، والشهيدان (3)، وجملة ممن تأخر عنهما (4)
خلافا لظاهر إطلاق العبارة هنا، وفي السرائر (5) وغيرهما (6) فمطلقا،
لاطلاق جملة من النصوص (7)، ويحتمل كاطلاقات كلامهم التقييد بمن
ذكرنا، لكونه الأغلب من أفرادها.
(والاكتحال بما فيه مسك) (8) أو طعم يصل إلى الحلق، للنهي عنه في
الصحيحين وغيرهما، المحمول على الكراهة إجماعا وللأصل والحصر السابقين،
وخصوص الصحيحين وغيرهما، المرخصين له على الاطلاق، معللين بأنه ليس
بطعام يؤكل.
والكحل في كل من هذه النصوص وإن كان مطلقا يشمل ما اختصت به
العبارة وغيره، إلا أنها محمولة على التفصيل الموجود فيها.
فالمانعة مقيدة بما في العبارة، والمرخصة بما عداه، لمفهوم المعتبرة كالصحيح:

(1) الخلاف: كتاب الصوم م 48 ج 2 ص 197.
(2) المحقق في المعتبر: كتاب الصوم مكروهات الصوم ج 2 ص 663، والعلامة في التذكرة كتاب الصوم
فيما يستحب للصائم اجتنابه ج 1 ص 265 س 41.
(3) الشهيد الأول في الدروس: كتاب الصوم في مكروهات الصوم ص 74 س 16، ولكن لا ساقطة في
النسخة مع أنها موجودة في النسخة الخطية، والشهيد الثاني في المسالك: كتاب الصوم مكروهات
الصوم ج 1 ص 74 س 23، والروضة البهية: كتاب الصوم المسألة التاسعة ج 2 ص 132.
(4) كالسيد السند في المدارك: كتاب الصوم فيما يكره للصائم ج 6 ص 124، والسبزواري في ذخيرة
المعاد: كتاب الصوم في كراهية تقبيل النساء للصائم ص 504 س 12.
(5) السرائر: كتاب الصيام فيما يجب اجتنابه على الصائم ج 1 ص 389.
(6) كابن حمزة في الوسيلة: كتاب الصوم أحكام الصوم ص 143، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة:
كتاب الصوم في أحكام متفرقة ج 5 ص 339.
(7) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 - 9 - 10 - 15 ج 7 ص 68 - 70.
(8) في المتن المطبوع: (صبر أو مسك).
334

عن المرأة تكتحل وهي صائمة، فقال: إذا لم يكن كحلا تجد له طعما في
حلقها فلا بأس (1).
والموثق: إذا كان كحلا ليس فيه مسك ولا طعم في الحلق فليس به
بأس (2).
والرضوي: ولا بأس بالكحل إذا لم يكن ممسكا (3). وعلى هذا التفصيل
أكثر الأصحاب.
خلافا لبعضهم (4) فاحتمل الاطلاق.
وعليه، فيجمع بين الأخبار بحمل المرخصة منها على الجواز المطلق، والمانعة
على الكراهة، والمفصلة على شدتها.
(وباخراج الدم المضعف ودخول الحمام كذلك) ونحوهما، للصحاح
المستفيضة.
منها: عن الصائم أيحتجم؟ فقال لا بأس، إلا أن يتخوف على نفسه
الضعف (5). ونحوه آخران (6).
ولا يضر اختصاصهما بالاحتجام، لاستفادة العموم من السياق.
ومنها: عن الرجل يدخل الحمام وهو صائم، فقال: لا بأس ما لم يخش
ضعفا (7).

(1) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 5 ج 7 ص 52.
(2) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 2 ج 7 ص 52 مع اختلاف يسير في
النقل.
(3) فقه الرضا (ع): ب 30 في نوافل شهر رمضان ودخوله ص 212، مقطع من حديث.
(4) كالمحقق السبزواري الذخيرة: كتاب الصوم فيما يكره للصائم ص 504 س 31، والسيد في
المدارك: كتاب الصوم فيما يكره ج 6 ص 125.
(5) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 10 ج 7 ص 56.
(6) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 2 ج 7 ص 54.
(7) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 57.
335

(وشم الرياحين) وهو جمع ريحان، وهو ما طاب ريحه من النبات بنص
أهل اللغة (1).
(ويتأكد في النرجس) بغير خلاف في شئ من ذلك أجده، وبه صرح
في الذخيرة (2)، مشعرا بدعوى الاجماع عليه، كما يظهر من المنتهى (3)، حيث
عزاهما إلى علمائنا، للنهي عنهما في النصوص المستفيضة، المحمول على الكراهة
جمعا بينها، وبين ما هو على الجواز أصرح دلالة منه على الحرمة، كالصحيح: عن
الصائم يشم الريحان أم لا ترى ذلك له، فقال: لا بأس به (4).
والصحيح: الصائم يشم الريحان والطيب قال: لا بأس به (5). ونحوهما
غيرهما.
وهي كثيرة بحمل هذه على الجواز المطلق، وتلك على الكراهة، مع إشعار
جملة منها بها، لتضمنها تعليل النهي بكراهة التلذذ للصائم، وهو ليس للتحريم
قطعا.
وقريب منه تعليل النهي عن النرجس في بعص الأخبار، بأنه ريحان
الأعاجم (6).
وما ورد من أن الطيب تحفة الصائم (7)، محمول على ما عدا الرياحين جمعا،

(1) منهم الفيومي في المصباح: مادة (راح) ج 1 ص 332، والفيروز آبادي في القاموس: مادة
(الروح) ج 1 ص 224، والطريحي في مجمع البحرين: مادة (ريح) ج 2 ص 363.
(2) ذخيرة المعاد: كتاب الصوم فما يكره للصائم ص 505 س 10.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيما يستحب للصائم اجتنابه ج 2 ص 583 س 16.
(4) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 8 ج 7 ص 65.
(5) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 64.
(6) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 4 ج 7 ص 65.
(7) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 17 ج 7 ص 67.
336

ولعدم خلاف في استحبابه للصائم على ما صرح به جماعة (1)، إلا المسك فقد
ألحقه الفاضل في جملة من كتبه (2) تبعا للحلي (3) وابن زهرة (4) بالرياحين،
وزاد هو فألحقه بالنرجس في تأكد الكراهة، للرواية أن عليا عليه السلام كره
المسك أن يتطيب به الصائم (5).
وهي وإن كانت ضعيفة السند، بل والدلالة على ما ذكره العلامة، لعدم
ظهور التأكد منها، بل ولا من الرواية الواردة في النرجس (6)، وإن استدل بهما
عليه فيهما، إذ غايتهما النهي الوارد فيما سواهما من الرياحين أيضا، إلا أن
المساحة في أدلة السنن يقتضي ذلك، سيما مع التأيد بفتوى الأصحاب كافة
بالتأكد في النرجس، وجماعة منهم به في المسك بالكراهة المطلقة والمؤكدة، كما
عرفته.
(والاحتقان بالجامد) لما مر (وبل الثوب الجسد) بلا خلاف ظاهر،
للنهي عنه في النصوص المحمول لضعفها على الكراهة، مضافا إلى الأصل
والحصر السابقين، والصحيح: الصائم يستنقع في الماء ويصب على رأسه ويتبرد
بالثوب وينضح بالمروحة وينضح البوريا تحته ولا يغمس رأسه في الماء (7).
وما فيه من جواز الاستنقاع في الماء قد دل عليه بعض النصوص السابقة،

(1) منهم المحدث البحراني في الحدائق: كتاب الصوم استحباب الطيب للصائم ج 13 ص 160.
(2) منها تحرير الأحكام: كتاب الصوم فيما يستحب اجتنابه للصائم ج 791 س 6، والتذكرة: كتاب
الصوم فيما يستحب للصائم اجتنابه ج 1 ص 266 س 13، والمنتهى: كتاب الصوم فيما يستحب
للصائم اجتنابه ج 2 ص 583 س 24.
(3) السرائر: كتاب الصيام فيما يجب اجتنابه على الصائم ج 1 ص 388.
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم في مكروهات الصوم ص 509 س 29.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيما يستحب للصائم اجتنابه ج 2 ص 583 س 24.
(6) نفس المصدر السابق: س 23.
(7) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 2 ج 7 ص 22.
337

مع تضمنه النهي عن بل الثوب، ولما أن سئل عليه السلام عن وجه الفرق؟
قال: أول من قاس إبليس (1). ولا خلاف فيه أجده للرجل.
وأما المرأة فالمشهور بين المتأخرين الكراهة (2)، وإليه أشار الماتن بقوله:
(وجلوس المرأة في الماء).
خلافا للقاضي (3) وابن زهرة (4) والحلبي (5)، فيجب عليها به القضاء، وزاد
الأولان فأوجبا به الكفارة أيضا، وادعى عليه الثاني إجماعنا، فإن تم، وإلا
كما هو الظاهر، لندرة القول بهما، بل شذوذهما كما قيل (6).
فالظاهر الأول، للأصل والحصر، مع عدم دليل على شئ من الأمرين.
نعم في الموثق: عن الصائم يستنقع في الماء، قال: لا بأس، ولكن لا يغمس
رأسه، والمرأة لا تستنقع، لأنها تحمله بقبلها (7). وهو غير صريح، بل ولا ظاهر
في شئ منهما، وإنما غايته النهي المفيد للحرمة، وهي أعم من ثبوتهما، إلا أن
يتم بعدم قائل بها من غير قضاء فيكون ثابتا.
وهو حسن إن قاوم الخبر الأصل والحصر المنافيين لها، وهو محل نظر، بعد
اشتهارهما بالشهرة (9) العظيمة المتأخرة، التي كادت تكون لنا إجماعا، مع

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 5 ج 7 ص 23، مقطع حديث.
(2) كالشهيد في اللمعة: كتاب الصوم المسألة التاسعة ج 2 ص 133، والشهيد الثاني في المسالك:
كتاب الصوم فيما يكره للصائم ج 2 ص 74 س 26، والأردبيلي في مجمع الفائدة: كتاب الصوم في
ذكر أحكام متفرقة ج 5 ص 340.
(3) المهذب: كتاب الصيام باب ما يفسد الصوم ويوجب القضاء والكفارة ج 1 ص 192.
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ما يوجب القضاء والكفارة ص 509 س 11.
(5) الكافي في الفقه: فصل في صوم شهر رمضان ص 183.
(6) والقائل الكاشاني في المفاتيح: كتاب مفاتيح الصوم مفتاح 276 في ما لا يجب الامساك عنه ج 1
ص 250.
(7) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 6 ج 7 ص 23، مع اختلاف يسير.
(8) كما عند السبزواري في الذخيرة: كتاب الصوم فيما يكره للصائم ص 505 س 36.
338

قصوره سندا.
فالأولى حمله على الكراهة، وإن كان الأحوط الاجتناب بلا شبهة، بل
لا يبعد القول بالتحريم، لاعتبار السند بالموثقية، المؤيد مع ذلك بإجماع ابن
زهرة (1)، فلا يعارضه الأصل والحصر وإن اعتضدا بالشهرة، لكونها متأخرة،
فيخصص به عمومهما، سيما مع اختصاص الثاني بحكم السياق بالرجل جدا،
مع وهن عمومه بلزوم تخصيصه في مواضع.
(المقصد الثاني):
في بيان ما يجب به القضاء والكفارة أو القضاء خاصة، وسائر ما يتعلق بهما
(وفيه مسائل) سبع:
(الأولى: تجب الكفارة والقضاء) معا (بتعمد الأكل والشرب)
المعتادين بإجماع العلماء، كما صرح به جماعة (2) مستفيضا، وكذا غير المعتاد
منهما على الأقوى، بناء على ما مر من حصول الفطر به، فيدخل في عموم ما دل
على إيجابه لهما، كالصحيح: في رجل أفطر في شهر رمضان متعمدا يوما واحدا
من غير عذر، قال: يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين
مسكينا، فإن لم يقدر تصدق بما يطيق (3). ويأتي على قول المرتضى عدم إيجابه
لشئ منهما (4).

(1) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ما يوجب القضاء والكفارة ص 509 س 12.
(2) منهم العلامة في التذكرة: كتاب الصوم في بيان ما يوجب القضاء والكفارة ج 1 ص 260 س 9،
والمحقق السبزواري في الذخيرة: كتاب الصوم في الامساك ص 496 س 12، والمحدث البحراني في
الحدائق: كتاب الصوم المطلب الثاني ص 13 ص 56.
(3) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 27.
(4) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصوم فيما يفسد الصوم وينقضه ج 3 ص 54.
339

وأما ما حكاه عن بعض أصحابنا من إيجابه القضاء خاصة (1)، فلم نعرف
قائله، ولا مستنده، مع أن ما قدمناه من الأدلة على خلافه حجة واضحة.
(والجماع قبلا) إجماعا من المسلمين قاطبة، كما صرح به جماعة (2)،
والنصوص به عموما وخصوصا مستفيضة (3).
(و) كذا (دبرا على الأظهر) الأشهر، بناء على ما مر من حصول الفطر
به، فيدخل في عموم نحو الصحيح الماضي.
(والامناء بالملاعبة والملامسة) لما مر إليه الإشارة، مع نقل الخلاف
فيما لو لم يتعمده عن الإسكافي بإيجابه القضاء خاصة (4)، وعن غيره بنفيه له
أيضا (5).
(وإيصال الغبار) الغليظ (إلى الحلق) على الأظهر الأشهر، وفي ظاهر
الغنية (6)، وعن صريح نهج الحق الاجماع عليه (7). وهو الحجة مضافا إلى ما مر
من الخبر الصريح (8)، المنجبر ضعفه سندا ومتنا بما مضى، ومن تحقق الافطار
به فيجب به الكفارة، لعموم نحو الصحيح الماضي.

(1) نفس المصدر السابق: ص 55.
(2) منهم العلامة في التذكرة: كتاب الصوم في بيان ما يوجب القضاء والكفارة ج 1 ص 259 س 17،
والسيد السند في المدارك: كتاب الصوم فيما يوجب القضاء والكفارة ج 6 ص 75، والسبزواري في
الذخيرة: كتاب الصوم ص 496 س 22.
(3) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم انظر أحاديث الباب ج 7 ص 25.
(4) نقله عنه العلامة في المختلف: كتاب الصوم في وجوب القضاء إذا أمنى عند الملامسة ج 1 ص 224
س 35.
(5) كالسيد السند في المدارك: كتاب الصوم ج 6 ص 61.
(6) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 509 س 8.
(7) نهج الحق: في الصوم م 2 ص 461.
(8) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 48.
340

خلافا للتقي (1) والحلي (2) فيجب به القضاء خاصة اقتصارا على المجمع
عليه. وهو حسن إن لم يوجد دليل آخر، وقد وجد كما ظهر.
ومن هنا يظهر الاجماع على وجوب القضاء. نعم مر عن السيد أنه يلزمه
في أحد قوليه عدم وجوبه أيضا (3)، وهو نادر وإن مال إليه جماعة من متأخري
المتأخرين (4).
(وفي) وجوبهما بتعمد (الكذب على الله تعالى والرسول والأئمة
عليهم السلام والارتماس قولان).
أولهما: للشيخين (5) والقاضي (6) والتقي (7) في الأول، والصدوق (8) في
الثاني، والسيدين في الانتصار (9) والغنية (10)، مدعيين عليه فيهما إجماع الإمامية، وعزاه في المختلف (11) إلى أكثر الأصحاب، وفي الدروس (12) إلى

(1) الكافي في الفقه: في صوم شهر رمضان ص 183.
(2) السرائر: كتاب الصيام ما يوجب القضاء والكفارة ج 1 ص 377.
(3) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصوم فيما يفسد الصوم وينقضه ج 3 ص 54.
(4) منهم السبزواري في كفاية الأحكام: كتاب الصوم ص 46 س 16، والمحدث البحراني في الحدائق:
كتاب الصوم إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق عمدا ج 13 ص 72.
(5) المفيد في المقنعة: كتاب الصوم باب ما يفسد الصوم ص 344، والطوسي في المبسوط: كتاب الصوم
فيما يمسك عنه الصائم ج 1 ص 270.
(6) كما في المهذب: كتاب الصيام باب ما يفسد الصوم ويوجب القضاة والكفارة ج 1 ص 192.
(7) كما. في الكافي: في صوم شهر رمضان ص 182.
(8) كما في الفقيه: باب آداب الصائم وما ينقض صومه وما لا ينقضه ح 1854 ج 2 ص 107، والهداية
من الجوامع الفقهية: كتاب الصوم باب ما يفطر الصائم وما لا يفطره ص 16 س 20.
(9) الإنتصار: الصوم في القضاء والكفارة ص 62 - 63.
(10) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ما يوجب القضاء والكفارة ص 509، س 12.
(11) مختلف الشيعة: كتاب الصوم مباحث حقيقة وأحكامه ج 1 ص 218 س 19، لكن هذا من كلام
الشيخ في الخلاف، كما نقله العلامة، راجع الخلاف: كتاب الصوم م 85 ج 2 ص 221.
(12) الدروس الشرعية: كتاب الصوم ص 73 س 5.
341

المشهور، ولعله المنصور، للاجماع المنقول، المعتضد بالشهرة القديمة، بل المطلقة
المحكية، مضافا إلى النصوص المستفيضة في الأول، بإفطاره للصائم ووجوب
القضاء به.
كالموثق: عن رجل كذب في رمضان، قال: قد أفطر وعليه قضاؤه، قلت:
وما كذبته، قال: يكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وآله (1).
والخبر أو الموثق: إن الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة عليهم السلام
يفطر الصائم (2).
وفي جملة منها أنه ينقض الوضوء ويفطر الصائم (3). والخبرين فيهما بايجابهما
ذلك.
أحدهما: الرضوي: واتق في صومك خمسة أشياء: تفطرك الأكل والشرب
والجماع والارتماس في الماء والكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة
عليهم السلام (4).
ونحوه الثاني: المرفوع المروي في الخصال (5)، وإذا ثبت إيجابهما الافطار
تعين القول بوجوب القضاء والكفارة معا، لعموم نحو الصحيح (6) الذي
مضى، مع تصريح جملة منها بوجوب القضاء (7).
وكل من أوجبه بالأول أوجب الكفارة أيضا، إلا الفاضل في القواعد (8)

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 20.
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 4 ج 7 ص 21.
(3) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 2، 3، 7 ج 7 ص 20 - 21.
(4) فقه الرضا (ع): ب 30 في نوافل شهر رمضان ودخوله ص 207.
(5) الخصال: باب الخمسة ح 39 ج 1 ص 286.
(6) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب ما يمسك عنه لصائم ح 1 ج 7 ص 18.
(7) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم انظر أحاديث الباب ج 7 ص 20 - 21.
(8) قواعد الأحكام: كتاب الصوم فيما يوجب الافطار ج 1 ص 64 س 11.
342

فأوجبه احتمالا، ولم يوجبها قطعا، ونحوه الماتن هنا، ولعله للأصل وخلو
النصوص عنها، سيما ما تضمن منها لايجابه القضاء لورودها في مقام الحاجة مع
عدم دليل عليها، عدا عموم الصحيح بإيجاب المفطر لها، والمتبادر منه نحو
الأكل والشرب والجماع، دون نحو المقام. ولا يخلو عن وجه ما، لكنه نادر
جدا.
مع أن عبارته موهمة لما ذكرنا، وإلا فعذر التحقيق يظهر خلافه، وهو أن
عدم إيجابه الكفارة فيه إنما هو لعدم وجوب القضاء به، وقصور الأسانيد أو
ضعفها مجبور بالشهرة القديمة، بل مطلقا مضافا إلى الاجماعات المحكية (1)
فيخصص بها الأصل المعارض لها في المقامين، والصحيح الحاصر المعارض لها
في الأول (2).
ويستدل به على الحكم في الثاني، بناء على أن المتبادر من إضراره بالصائم
المفهوم منه إنما هو الاضرار بحسب الافساد، وربما أشعر به السياق، كما صرح
به جماعة من الأصحاب (3).
ولئن تنزلنا، فلا ريب في صلوحه للتأييد، كالنهي الوارد عنه في الصحاح
وغيرها، بناء على الظاهر أنه إنما هو من حيث ما يترتب عليه من بطلان الصوم
لا التعبد أو الاحتياط من دخول الماء في الجوف (4).

(1) كما في الانتصار: الصوم في القضاء والكفارة ص 62 - 63، والغنية (الجوامع الفقهية): كتاب
الصوم ما يوجب القضاء والكفارة ص 509 س 12.
(2) نفس المصدر السابق.
(3) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة: كتاب الصوم في أحكام المفطرات ج 5 ص 102، والسيد السند في
المدارك: كتاب الصوم ج 6 ص 50، والمحدث البحراني في الحدائق: كتاب الصوم حكم ارتماس
الصائم في الماء ج 13 ص 136.
(4) كما ذكره المحقق في المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 657.
343

وثانيهما: للمرتضى في الجمل (1) والعماني (2) والحلي (3)، وأكثر
المتأخرين (4)، فلم يوجبوهما في المقامين، للأصل فيهما، وعموم الصحيح الحاصر
في الأول (5)، مع سلامتهما عن المعارض، عدا الاجماع الموهون في محل
النزاع (6).
والنصوص المتقدمة المشتركة في ضعف السند أو قصوره في الأول (7)، مع
تضمن جملة منها ما لا يقول به أحد من نقض الوضوء به أيضا.
وإشعار الصحيح الحاصر في الثاني (8)، وهو ضعيف، وغاية ما يستفاد منه
التحريم، ونحن نقول به.
وجواب جميع ذلك يعلم مما سبق، إلا وهن الاجماع في محل النزاع،
وتضمن جملة من الأحاديث ما لا يقول به أحد.
وفي الأول: منع، سيما مع الاعتضاد بالشهرة القديمة، الظاهرة لعدم
انطباقه على أصول الإمامية، وما قرروه في الاجماع من وجه الحجية، وهو
الكشف عن قول الحجة، وأنه لا ينافيه خروج معلوم النسب ولو كان مائة.
والثاني: غير قادح، فإنه كالعام المخصص حجة في الباقي، مع أن الحجة

(1) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): فيما يفسد الصوم وينقضه ص 54.
(2) حكاه عنه العلامة في المختلف: كتاب الصوم فيما يوجب الامساك عنه ج 1 ص 218 س 21.
(3) كما في السرائر: كتاب الصيام ما يوجب القضاء والكفارة ج 1 ص 376 - 377.
(4) كالعلامة في المختلف: كتاب الصوم فيما يوجب الامساك عنه ج 1 ص 218 س 21 و س 39،
والشهيد الثاني في المسالك: كتاب الصوم ج 1 ص 70 س 41، ص 71 س 1، والسيد السند في
المدارك: كتاب الصوم ج 6 ص 88.
(5) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 18.
(6) كما ادعاه السيدان في الانتصار: الصوم ص 62، والغنية (الجوامع الفقهية) ص 509 س 12.
(7) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم انظر أحاديث الباب ج 7 ص 20 - 21.
(8) نفس المصدر السابق.
344

غير منحصرة في تلك النصوص، لوجود غيرها مما لا يتضمن ذلك وفيه كفاية.
وفي الثاني قول ثالث: وهو وجوب القضاء خاصة للحلبي صريحا (1)،
والفاضل في القواعد احتمالا (2).
وربما يميل إليه كلام الماتن هنا حيث أنه بعد نقل القولين بوجوب
القضاء والكفارة معا كما يقتضيه سياق العبارة قال: (أشبههما أنه
لا كفارة) ولم ينف القضاء، لكنه غير صريح، بل ولا ظاهر في إثباته، سيما ولم
يذكره في المسألة الخامسة فيما يوجب القضاء خاصه، وربما يقال: إنه لتردده
فيه.
وكيف كان، فلا وجه لهذا القول غير ما قدمناه للفاضل في إيجابه له
خاصة في الأول، ولا يخلو. عن وجه لولا الندرة، ودعوى الاجماعات على
خلافه.
و (في) وجوبهما ب‍ (تعمد البقاء على الجنابة إلى الفجر) أم القضاء
خاصة، كما عن العماني (3) والمرتضى في أحد قوليه (4).
(روايتان) أظهرهما (وأشهرهما الوجوب) بل عليه الاجماع في صريح
الغنية (5) والخلاف (6) والسرائر (7) وظاهر الانتصار (8)، وهي مع ذلك عديدة.

(1) كما في الكافي: في صوم شهر رمضان ص 183.
(2) قواعد الأحكام: كتاب الصوم فيما يوجب الافطار ج 1 ص 64 س 11.
(3) نقله عنه العلامة في المختلف: كتاب الصوم في أن تعمد البقاء على الجنابة مفسد للصوم ج 1
ص 220 س 5.
(4) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصوم ص 55.
(5) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ما يفسد الصوم ص 509 س 10.
(6) الخلاف: كتاب الصوم م 87 ج 2 ص 222.
(7) السرائر: كتاب الصيام ما يوجب القضاء والكفارة ج 1 ص 377.
(8) الإنتصار: الصوم في القضاء والكفارة ص 63.
345

منها الموثق: في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثم ترك الغسل متعمدا
حتى أصبح، قال: يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين
مسكينا، الحديث (1). ونحوه الخبران (2) المنجبر ضعفهما سندا، كقصور الأول عن
الصحة بالشهرة العظيمة القديمة والمتأخرة، والاجماع المستفيض للنقل،
والحكاية، والرضوية المتقدمة (3)، فيخصص بها الأصل.
ويصرف الرواية الثانية (4) - المتضمنة للأمر بالقضاء خاصة، ثم اتباعه
بالاستغفار الظاهر في عدم لزوم كفارة غيره، وهي الصحيحة (5) المتقدمة في
بحث وجوب الامساك عن هذا عن ظاهرها - إلى ما يوافق الرواية الأولى.
فإذن العمل عليها دون الثانية وإن مال إليها في التحرير (6)، وأفتى بها
بعض متأخري المتأخرين (7)، وفاقا لما عرفته.
وأما الرواية بعدم وجوب شئ منهما به (8)، بل ولا إثم، فقد عرفت الجواب
عنها ثمة.
(وكذا لو نام غير ناو للغسل حتى طلع الفجر) عند جماعة (9) إن أريد

(1) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 2 ج 7 ص 43.
(2) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 3، 4 ج 7 ص 43.
(3) فقه الرضا (ع): ب 30 في نوافل شهر رمضان ودخوله ص 207.
(4) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 42.
(5) نفس المصدر السابق.
(6) تحرير الأحكام: كتاب الصوم في موجبات القضاء والكفارة في الصوم ج 1 ص 79 س 31.
(7) كالسيد السند في المدارك: كتاب الصوم ج 6 ص 76، وشارح الدروس في المشارق: كتاب الصوم
ص 443 س 11، والكاشاني في المفاتيح: كتاب الصوم في ما يجب الامساك عنه ج 1 ص 247.
(8) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم باب ما يفطر لصائم وما لا يفطره ص 16 س 22.
(9) منهم المحقق في الشرائع: كتاب الصوم ما يمسك عنه الصائم ج 1 ص 191، والعلامة في التذكرة:
كتاب الصوم في بيان ما يوجب القضاء والكفارة ج 1 ص 260 س 21، وابن فهد في المحرر من
الرسائل العشر: كتاب الصوم ما يجب الامساك عنه ص، 185.
346

من العبارة ظاهرها، وهو النوم مع الذهول عن نية الاغتسال بعد النومة، ولو
أريد بها النوم مع العزم على ترك الاغتسال فهو إجماعي، كما مر البحث فيه وفي
سابقه هناك، وسيأتي أيضا ماله ارتباط بهذه المسألة في المسألة الرابعة.
(الثانية: الكفارة) الواجبة هنا مخيرة بين خصال ثلاث وهي: (عتق
رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا) على الأشهر
الأقوى، بل عليه عامة متأخري أصحابنا، وفي صريح الانتصار (1) وظاهر
الغنية (2) أن عليه إجماعنا. وهو الحجة، مضافا إلى النصوص (3) المستفيضة
المتضمنة للصحيح والموثق، وغيرهما، وقد تقدم إلى جملة منها الإشارة.
(وقيل:) والقائل العماني (4) والمرتضى (5) في أحد قوليه (هي مرتبة)
كما في العبارة، واحتمله الشيخ في الخلاف (6)، واستدل (7) لهم بأخبار ليست
بواضحة الدلالة، زيادة على ما هي عليه من ضعف السند وقصوره عن
الصحة.
نعم في الصحيح المروي في الوسائل وغيره: عن علي بن جعفر في كتابه
عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجل نكح امرأته وهو
صائم في رمضان ما عليه، قال: عليه القضاء وعتق رقبة، فإن لم يجد فصيام

(1) فيمن وجب عليه قضاء الصوم ص 69.
(2) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 509 س 16.
(3) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم انظر أحاديث الباب ج 7 ص 28 - 32.
(4) نقله عنه العلامة في المختلف: كتاب الصوم في أحكام الكفارات ج 1 ص 225 س 10.
(5) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصوم فيما يفسد الصوم وينقضه ج 3 ص 55.
(6) الخلاف: كتاب الصوم م 32 ج 2 ص 186.
(7) المستدل المحدث البحراني في الحدائق: كتاب الصوم ما هي كفارة صوم شهر رمضان ج 13
ص 219.
347

شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، فإن لم مجد فليستغفر
الله (1).
وهو ظاهر، بل صريح في الترتيب، إلا أنه قاصر عن مقاومة ما مر
المعتضد - زيادة على ما هو عليه من الكثرة والشهرة - بأصالة البراءة والمخالفة لما
عليه أكثر العامة (2)، ومنهم أبو حنيفة على ما حكاه جماعة (3)، فليحمل هذا على
التقية، أو الأفضلية.
وأما الموثق (4) - الدال على أنها كفارة الجمع بين ما مر من الخصال - فمع قصور
سنده شاذ مؤول (5) بحمل الواو فيه على (أو) لشيوعه، أو على ما (إذا أفطر
على محرم) كما أفتى به الصدوق في الفقيه (6)، وابن حمزة (7) على ما حكاه عنه
فخر الاسلام (8)، والفاضل المقداد في التنقيح (9) والايضاح (10) تبعا للفاضل في

(1) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 9 ج 7 ص 31.
(2) منهم النووي في المجموع: كتاب الصيام ج 6 ص 345، وابن قدامة في المغني: كتاب الصيام ج 3
ص 65، والمرغياني في الهداية: كتاب الصوم باب ما يوجب القضاء والكفارة ج 1 ص 125.
(3) حكاه عنه الشيخ في الخلاف: كتاب الصوم م 32 ج 2 ص 186، والنووي في المجموع: كتاب
الصيام ج 6 ص 345، والعلامة في المنتهى: كتاب الصوم فيما يوجب القضاء والكفارة ج 2 ص 574
س 15. (4) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 2 ج 7 ص 36.
(5) كما احتمله الشيخ في التهذيب: كتاب الصيام ب 55 في الكفارة ج 4 ص 208.
(6) من لا يحضره الفقيه: باب ما يجب على من أفطر أو جامع في شهر رمضان متعمدا أو ناسيا ج 2
ص، 118.
(7) الوسيلة: كتاب الصوم في أحكام الصوم ص 146.
(8) كما في الايضاح: كتاب الصوم في بقايا مباحث موجبات الافطار ج 1 ص 233.
(9) التنقيح الرائع: كتاب الصوم ج 1 ص 365.
(10) إيضاح الفوائد: كتاب الصوم في بقايا مباحث موجبات الافطار ج 1 ص 233.
348

المختلف (1) مقويين له أيضا، والفاضل في صريح القواعد (2) والارشاد (3)،
وظاهر التحرير (4) والشهيدين في الدروس (5) والمسالك (6) واللمعتين (7) ومال
إليه جماعة من متأخري المتأخرين (8)، لرواية مفصلة جامعة بين الأخبار
المختلفة أشار إليها الماتن بقوله:
(وفي رواية) أنه (يجب على (9) الافطار بالمحرم كفارة الجمع) رواها
الصدوق عن عبد الواحد بن عبدوس عن علي بن محمد بن قتيبة عن حمدان بن
سليمان عن عبد السلام بن صالح الهروي.
قال: قلت للرضا عليه السلام: يا بن رسول الله قد روي عن آبائك فيمن
جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه ثلاث كفارات، وروي عنهم أيضا كفارة
واحدة فبأي الخبرين نأخذ.
قال: بهما جميعا، فمتى جامع الرجل حراما أو أفطر على حرام في شهر
رمضان فعليه ثلاث كفارات عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين

(1) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في أحكام الكفارات ج 1 ص 226 السطر الأخير والأول من
ص 227.
(2) قواعد الأحكام: كتاب الصوم بقايا مباحث الصوم ج 1 ص 66 س 8.
(3) إرشاد الأذهان: كتاب الصوم ج 1 ص 298.
(4) تحرير الأحكام: كتاب الأيمان والكفارات أقسام الكفارات وأحكامها ج 2 ص 110 س 13.
(5) الدروس الشرعية: كتاب الصوم ما يفسد الصوم ص 72 س 21.
(6) مسالك الأفهام: كتاب الصوم في الامساك ج 1 ص 71 س 40.
(7) اللمعة الدمشقية والروضة البهية: كتاب الصوم المسألة الثانية ج 2 ص 120.
(8) منهم السيد السند في المدارك: كتاب الصوم في الكفارة ج 6 ص 84. والكاشاني في المفاتيح:
كتاب مفاتيح الصوم مفتاح موارد كفارة الجمع ج 1 ص 261، والمحدث البحراني في الحدائق:
كتاب الصوم ما هي كفارة صوم شهر رمضان ج 13 ص 222.
(9) في جميع النسخ والشرح المطبوع: (يجب عن).
349

مسكينا وقضاء ذلك اليوم، وإن كان نكح حلالا أو أفطر على حلال فعليه
كفارة واحدة (1).
وقد حكم بصحتها جماعة، كالفاضل في التحرير (2) في بحث الكفارات،
وشيخنا في الروضة (3)، مع أن الأول في المختلف قال في حق الراوي الأول:
أنه لا يحضرني حاله، فإذا كان ثقة فالرواية صحيحة (4).
وهو كما ترى ظاهر في جهالة حال الراوي عنده، وهو كذلك، فإنه لم
يذكر في الرجال. نعم ذكر شيخنا في المسالك (5) وغيره (6) أنه شيخ الصدوق
وهو قد عمل بها، فهو في قوة الشهادة له بالثقة، ومن البعيد أن يروي الصدوق
عن غير الثقة بلا واسطة.
أقول: وفي إفادة ذلك التوثيق بالمعنى المصطلح بين المتأخرين، مناقشة
واضحة. نعم غايته إفادة القوة، فلا وجه للحكم بالصحة.
ولو سلم فإنما يتجه لو خلي السند عن غيره ممن يقدح بسببه فيها، وليس
كذلك سند هذه الرواية، لاشتماله على علي بن محمد القتيبي وعبد السلام بن
صالح الهروي، ولم يوثق الأول، بل قيل: إنه فاضل اعتمد عليه الكشي (7).
وغاية ذلك إفادة المدح على تقدير تسليمه، فلا يمكن الصحة أيضا من
جهته.

(1) من لا يحضره الفقيه: باب الأيمان والنذور والكفارات ح 4331 ج 3 ص 378، ولكن حذف آخر
الخبر، وهو (قضاء ذلك اليوم، وإن كان ناسيا فلا شئ عليه).
(2) تحرير الأحكام: كتاب الأيمان والكفارات أقسام الكفارات وأحكامها ج 2 ص 110 س 13.
(3) الروضة البهية: كتاب الصوم ج 2 ص 120.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في أحكام الكفارات ج 1 ص 226 س 39.
(5) مسالك الأفهام: كتاب الصوم في الامساك ج 1 ص 71 س 38.
(6) كالسيد السند في المدارك: كتاب الصوم في الكفارة ج 6 ص 84.
(7) قاله العلامة في رجاله: في العين (علي) 16 ص 94.
350

والثاني وإن وثقه النجاشي (1)، وكثير (2)، إلا أنه ضعفه الشيخ بأنه
عامي (3) والجمع بينهما يقتضي كونه موثقا، فلا وجه للحكم بالصحة.
وبالجملة، فلا ريب في قصور الرواية عن الصحة (4).
فيشكل الخروج بها عن الأدلة المشهورة، سيما وأن ظاهر جملة من القائلين
بمضمونها الاستناد فيه إلى غيرها، كالصدوق نفسه في الفقيه، وفخر الدين،
فقد قال الأول بعد الفتوى: لوجود ذلك في روايات أبي الحسين الأسدي
رضي الله عنه فيما ورد عليه عن الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (5)
وقال الثاني: لأنه أحوط (6).
وفي الدليلين نظر، لقطع الخبر وإن كان الظاهر الاتصال إلى مولانا
صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه (7)، لكن في الاكتفاء بمثل هذا الظهور
في الخروج عن أدلة المشهور فتور.
والاحتياط إنما يكون دليلا شرعيا حيث لم يقم دليل على الخلاف، وقد
مر قيامه.
إلا أن يقال: إن غايته الاطلاق الغير المعلوم انصرافه كإطلاق فتوى
الأصحاب بالكفارة الواحدة إلى مفروض المسألة، لقوة احتمال وروده على

(1) رجال النجاشي: باب العين (643) عبد السلام بن صالح ص 245.
(2) منهم العلامة في رجاله: الفصل الثامن عشر في العين الباب الثامن عبد السلام 2 ص 117،
والتفريشي في نقد الرجال: باب العين عب السلام 5 ص 187، والطريحي في جامع المقال:
الفائدة الثانية في معرفة الأنساب والألقاب باب الهاء ص 172.
(3) رجال الطوسي: أصحاب الرضا (ع) باب العين 14 ص 380.
(4) من لا يحضره الفقيه: باب ما يجب على من أفطر في شهر رمضان متعمدا أو ناسيا ج 2 ص 118.
(5) إيضاح الفوائد: كتاب الصوم في بقايا مباحث موجبات الافطار ج 1 ص 233.
(7) كما عن المجلسي الأول في روضة المتقين: كتاب الصوم حكم من أفطر في شهر رمضان ج 3
ص 326.
351

ما يقتضيه الأصل في أفعال المسلمين من الصحة، وهو هنا الافطار بالحلال
دون الحرام.
فلا يخلو ما ذكره عن القوة، سيما مع اعتضاده بالروايتين المتقدم إليهما
الإشارة، بل لا يبعد جعلهما حجة، لاعتبار سنديهما بلا شبهة.
والحجة غير منحصرة فيما اتصف سنده بالصحة، بل الحق حجية الأخبار
الموثقة والحسنة، سيما مع التأيد بفتوى من قدمناه من الجماعة الذين لا مخالف
صريح لهم من الطائفة.
(الثالثة: لا تجب الكفارة) أي جنسها كائنة ما كانت بالافطار (في
شئ من) أقسام (الصيام عدا شهر رمضان والنذر المعين وقضاء شهر
رمضان) إذا كان الافطار فيه (بعد الزوال والاعتكاف على وجه) يأتي
بيانه إن شاء الله تعالى في بحثه.
فلا تجب في النذر المطلق وصوم الكفارة وقضاء غير رمضان وقضاؤه قبل
الزوال، والمندوب كالأيام المستحب صومها، والاعتكاف المندوب وإن فسد
الصوم في ذلك كله بلا خلاف في ذلك أجده، وبه صرح في الذخيرة (1)، وفي
المدارك أنه موضع وفاق بين الأصحاب (2)، بل قال في المنتهى: أنه قول
العلماء كافة (3). وهو الحجة، مضافا إلى الأصل واختصاص الموجب لها
بالأقسام الأربعة.
وأما الوجوب فيها فهو الأظهر الأشهر بين أصحابنا، بل في المنتهى أنه
مذهب علمائنا (4) ونفى عنه الخلاف في المدارك فيما عدا الأخير، وعزى

(1) ذخيرة المعاد: كتاب الصوم في المفطرات ص 510 س 24.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الصوم ج 6 ص 80.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيما يوجب القضاء والكفارة ج 2 ص 576 س 13.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيما يوجب القضاء والكفارة ج 2 ص 576 س 12.
352

الوجوب فيه إلى الأكثر، وعدمه إلى العماني (1) - وسيأتي الكلام فيه - بل فيما
عدا الاعتكاف في بحث الكفارات.
وأما كفارة الصوم الاعتكاف فسيأتي الكلام فيها إن شاء الله في كتابه.
(الرابعة: من أجنب) ليلا من رمضان (ونام ناويا للغسل) قبل الفجر
(حتى طلع الفجر فلا قضاء) عليه (ولا كفارة) بلا خلاف أجده، وفي
المنتهى أنه الصحيح عندي وعمل الأصحاب عليه (2)، وفي المدارك أنه مذهب
الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا (3)، وجعله في الذخيرة مشهورا لنقله الخلاف فيه
بالفساد (4).
ووجوب القضاء عن الماتن في موضع من المعتبر، لكنه في موضع آخر منه
قال بمقالة الأصحاب، كما في الشرائع (5) والكتاب، وهو صريح في رجوعه
عنه، ولعله لذا لم ينقل كثير هنا الخلاف.
والأصل فيه - بعد الأصل - جملة من المعتبرة المتقدم إليها الإشارة،
والصحيحان (6) منها وإن أطلق النوم فيهما بالنسبة إلى نية الاغتسال وعدمها،
إلا أن ظاهرهما بحكم لزوم حمل أفعال المسلمين على الصحة، هو النوم مع النية
على الاغتسال لا عدمها.
مع أن فردا منه - وهو العزم على ترك الاغتسال - هو عمد جزما، فيشمله
عموم ما دل على إيجابه الكفارة والقضاء.

(1) مدارك الأحكام: كتاب الصوم ج 6 ص 78، ولكن السيد (قده) نفى الخلاف فيما عدا الثاني، حيث
نقل مخالفة ابن أبي عقيل فيه لا الأخير فليراجع.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيما يمسك في الصائم ج 2 ص 566 س 35.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الصوم ج 6 ص 60.
(4) ذخيرة المعاد: كتاب الصوم في المفطرات ص 498 س 32.
(5) شرائع الاسلام: كتاب الصوم ما يجب الامساك عنه ج 1 ص 190.
(6) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 - 2 ج 7 ص 41.
353

والفرد الآخر منه - وهو عدم العزم على شئ - لا حاجة بنا إلى إخراجه من
الاطلاق، لعدم دليل عليه، إلا ما قدمناه من إطلاق جملة (1) من النصوص
بوجوب القضاء بالنوم بقول مطلق، والرضوي (2).
وقد عرفت الجواب عنهما، مع احتمال النصوص المزبورة للتقية أيضا.
لكن ظاهر المنتهى دعوى الاجماع عليه، وأنه موجب للقضاء، حيث قال:
ولو نام غير ناو للغسل فسد صومه وعليه قضاؤه ذهب إليه علمائنا (3)، ويعضده
تعبير كثير، من غير خلافي يعرف بينهم بعين ما في المنتهى هنا، ومنهم الماتني في
المعتبر (4).
لكن الظاهر من استدلاله كالمنتهى أيضا إرادتهما من النوم على غير نية
الغسل النوم مع العزم على تركه، حيث قالا في الاستدلال على ما ذكراه: لأن
مع العزم على ترك الاغتسال يسقط اعتبار النوم ويعود كالمتعمد للبقاء على
الجنابة (5).
ولولا أن مرادهما من العبارة ما ذكرنا لما توجه الاستدلال، وورد عليهما
ما أورده بعض الأبدال من أن عدم نية الغسل أعم من العزم على ترك
الاغتسال.
هذا، مع أن الاستدلال هو الغالب من أفراد النوم على غير نية الغسل،
لندور الذهول عن النية مطلقا، وبه صرح في المدارك (6).

(1) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 3 - 4 ج 7 ص 41 - 42، وكذا ب 19 من
نفس الأبواب ح 3 ج 7 ص 46.
(2) فقه الرضا (ع): ب 30 في نوافل شهر رمضان ودخوله ص 207.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيما يمسك عنه الصائم ج 2 ص 566 س 25، وفيه (إذا أجنب ليلا ثم
نام ناويا... الخ). (4) المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 655.
(5) المحقق في المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 672، والعلامة في المنتهى: كتاب الصوم فيما يوجب
القضاء والكفارة ج 2 ص 573 س 32. (6) مدارك الأحكام: كتاب الصوم ج 6 ص 59.
354

وعليه، فيمكن تنزيل ما في إطلاقات عبائر القوم على الغالب من النوم على
عزم ترك الاغتسال.
وكيف كان، فلا دليل يعتد به على وجوب القضاء هنا وإن كان أحوط.
(ولو انتبه ثم نام) ناويا للغسل حتى طلع الفجر (فعليه القضاء)
خاصة، لعين ما قدمناه من الأدلة في الصورة السابقة، حتى العبارات المشعرة
بالاجماع، إلا أن في المنتهى (1) هنا بدل ما مر ذهب إليه علماؤنا، وعزى الحكم
هنا في الذخيرة (2) إلى المشهور أيضا، لكن لم ينقل مخالفا.
وكيف كان فلا إشكال في هذا الحكم أيضا إلا من جهة النصوص
الدالة على أنه لا شئ في النوم على الجنابة بقول مطلق، لكن قد عرفت الجواب
فيما مضى.
(ولو انتبه) من النومة الثانية (ثم نام ثالثة) حتى طلع الفجر (قال
الشيخان). في المقنعة (3) والمبسوط (4) والخلاف (5) والنهاية (6): (عليه القضاء
والكفارة) وتبعهما جماعة كالحلي (7) وابن زهرة (8) والفاضل في القواعد (9)

(1) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيما يوجب القضاء والكفارة ج 2 ص 574 س 3، لكن العبارة موهمة
فلم يذكر المبدل، ولعله اشتباه في نقل عبارة العلامة وهي (عندنا) بدل هنا، فليراجع.
(2) ذخيرة المعاد: كتاب الصوم في المفطرات ص 498 س 32.
(3) المقنعة: كتاب الصيام ب 20 في الكفارة في اعتماد افطار يوم من شهر رمضان ص 347.
(4) المبسوط: كتاب الصوم فصل فيما يمسك عنه الصائم ج 1 ص 271.
(5) الخلاف: كتاب الصوم م 87 ج 2 ص 222.
(6) النهاية: كتاب الصيام باب ما على الصائم اجتنابه مما يفسد الصيام وما لا يفسده والفرق بين ما يلزم
بفعله القضاء والكفارة وبين ما يلزم منه القضاء دون الكفارة ص 154.
(7) السرائر: كتاب الصيام ما يوجب القضاء والكفارة ج 1 ص 374.
(8) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 509 س 10.
(9) قواعد الأحكام: كتاب الصوم فيما يجب بالافطار ج 1 ص 65 س 8.
355

والارشاد (1) والشهيد في الدروس (2) واللمعة (3)، والمحقق الثاني في شرحيه
على القواعد والشرائع (4) وغيرهم من الجماعة.
وفي الشرائع (5) أنه قول مشهور، وأظهر منه ما في المسالك (6)، وفي
المدارك (7) أنه قول الشيخين وأتباعهما، وفي الغنية (8) والخلاف (9)
والوسيلة (10) وشرح القواعد (11) للمحقق الثاني أن عليه الاجماع.
فإن تم، وإلا ففيه مناقشة، لمخالفته الأصل، مع عدم دليل واضح عليه
من النصوص، غير ما استدل به الشيخ في التهذيب من النصوص الدالة على
لزوم الكفارة بالبقاء على الجنابة (12) وهي مع قصور سندها، بل ضعف
أكثرها وظهور المعتبر منها سندا في صورة تعمد البقاء لا إشعار فيها بهذا
التفصيل جدا.
وحملها عليه ليس بأولى من حملها على صورة تعمد البقاء لو لم نقل إنه

(1) إرشاد الأذهان: كتاب الصوم ج 1 ص 296.
(2) الدروس الشرعية: كتاب الصوم ص 72 س 15.
(3) اللمعة الدمشقية: كتاب الصوم ج 2 ص 90.
(4) جامع المقاصد: كتاب الصوم أحكام الامساك ج 3 ص 70، وأما الشرائع فلعله المسمى
بنكت الشرائع لا يوجد لدينا.
(5) شرائع الاسلام: كتاب الصوم المسألة الثامنة ج 1 ص 192.
(6) مسالك الأفهام: كتاب الصوم ج 1 ص 72 س 3.
(7) مدارك الأحكام: كتاب الصوم المسألة الثامنة ج 6 ص 89.
(8) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 509 س 12.
(9) نفس المصدر السابق.
(10) الوسيلة: كتاب الصوم أحكام الصوم ص 142.
(11) نفس المصدر السابق.
(12) تهذيب الأحكام: ب 55 الكفارة في اعتماد افطار يوم من شهر رمضان ح 23 - 24 - 25 ج 4
ص 212.
356

لموافقته الأصل أولى، وإلى هذا يميل جملة من متأخري المتأخرين من
أصحابنا (1) تبعا للفاضلين في المعتبر (2) والمنتهى (3).
لكن الأول لعله أقوى، للاجماعات (4) المحكية المعتضدة بالشهرة الظاهرة،
بل المحكية (5) أيضا، ومع ذلك فهو أحوط وأولى.
ويحتمل التوقف، كما هو ظاهر المتن والشرائع (6) والتحرير (7) وغيرها (8).
(الخامسة: يجب القضاء دون الكفارة في الصوم الواجب المعين (9)
بسبعة أشياء: فعل المفطر) مطلقا (والفجر طالع) حال كونه (ظانا بقاء
الليل) كما في عبائر جماعة (10) وشاكا كما في عبائر آخرين (11).
وما هنا أولى بالنسبة إلى ثبوت القضاء، لاطلاق النص أو اختصاصه به،
ويستلزم ثبوته مع الشك بطريق أولى.

(1) منهم شارح الدروس في المشارق: كتاب الصوم ص 400 س 8، والمحدث البحراني في الحدائق:
كتاب الصوم ج 13 ص 127.
(2) المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 674.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيما يوجب القضاء والكفارة ج 2 ص 574 س 3.
(4) كما عند السيد في الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 509 س 12، والشيخ في الخلاف:
كتاب الصوم م 87 ج 2 ص 222، وابن حمزة في الوسيلة: كتاب الصوم أحكام الصوم ص 142.
(5) كما عند المحقق في الشرائع: كتاب الصوم المسألة الثامنة ج 1 ص 192.
(6) نفس المصدر السابق.
(7) تحرير الأحكام: كتاب الصوم في موجبات القضاء والكفارة ج 1 ص 79 س 31.
(8) كالفاضل السيوري في التنقيح: كتاب الصوم ج 1 ص 367.
(9) في المتن المطبوع: (المتعين).
(10) كالشهيد في الدروس الشرعية: كتاب الصوم فيما يفسد الصوم ص 72 س 22، وأبي الصلاح الحلبي
في الكافي: كتاب الصوم فصل في صوم شهر رمضان ص 183.
(11) منهم ابن حمزة في الوسيلة: كتاب الصوم ص 143، والسبزواري في الذخيرة: كتاب الصوم في
المفطرات ص 501 س 12.
357

وأما بالنسبة إلى عدم وجوب الكفارة فما ذكره هؤلاء أولى، لعدم الدليل
على ثبوتها معه فعله شاكا، كما ربما يفهم من العبارة إن أرجع القيد فيها إلى
هذا الحكم، بل مقتضى الأصل - مع اختصاص ما دل على وجوبها - بما إذا
تعمد المفطر العدم هنا.
ولا وجه للتردد في ثبوتها وعدمه أيضا إن جعل هو المقصود من التقييد
بالظن في العبارة.
وإنما يجب القضاء إذا كان فعل المفطر (مع القدرة على مراعاته) أي
الفجر، لا مطلقا.
فلو عجز عنها، كما يتفق للمحبوس والأعمى، فلا يجب القضاء بلا
خلاف أجده، للأصل مع اختصاص النص (1) والفتوى - بحكم التبادر وغيره -
بصورة القدرة عليها، كما لا يخفى على من تدبرهما.
(وكذا) يجب القضاء خاصة بفعله (مع الاخلاد) والركون (إلى)
أخبار (الخبر ببقاء الليل مع القدرة على المراعاة و) الحال أن (الفجر
طالع) حين فعله المفطر.
ولا فرق في المخبر بين كونه واحدا أو كثيرا، كما يقتضيه إطلاق النص (2)
والفتوى، إلا إذا كانا عدلين، فاستوجه ثاني (3) المحققين وثاني (4) الشهيدين
وغيرهما (5) سقوط القضاء حينئذ، لكونهما حجة شرعية.
وزاد غيرهما (6) فاحتمل الاكتفاء بالعدل، للأصل، واختصاص الصحيح

(1) وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 3 ج 7 ص 82.
(2) وسائل الشيعة: ب 46 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 84.
(3) كما في جامع المقاصد. كتاب الصوم أحكام الامساك ج 3 ص 66.
(4) كما في المسالك: كتاب الصوم ج 1 ص 72 س 6.
(5) كالسيد السند في المدارك: كتاب الصوم ج 6 ص 93.
(6) كالسبزواري في الذخيرة: كتاب الصوم في المفطرات ص 501 س 44.
358

الوارد هنا بالجارية، وغيره الوارد في غيره بغير مفروض المسألة.
والأحوط الاطلاق، كما عليه إطلاق عبائر باقي الأصحاب، لتضمن ذيل
الصحيح (1) ما يدل على العموم، وأن المسقط إنما هو مراعاته له بنفسه.
ولا ينافيه اختصاص السؤال في الصدر بالجارية، فإن العبرة بعموم الجواب
لا خصوص السؤال، فيخصص به الأصل على تقدير تسليم جريانه في محل
البحث، وكذا يخصص به عموم ما دل على حجية العدلين على الاطلاق إن
كان، وإلا فلم نقف عليه كذلك. فتأمل.
(وكذا) يجب القضاء خاصة (لو ترك قول الخبر بالفجر لظنه كذبه
ويكون صادقا) والحال في الخبر، كما مضى.
خلافا للشهيدين (2) والفاضل في التحرير (3) والمنتهى (4) وغيرهم (5)
فاستقربوا وجوب الكفارة بأخبار العدلين، لما مر. وهو حسن إن تم.
وإلا فالعدم أحسن، للأصل السليم عما يصلح للمعارضة على هذا
التقدير.
واعلم أنه لا خلاف في الحكمين في هذه الثلاثة غير ما مر إليه الإشارة، بل
على الحكم الأول منهما الاجماع في الأولين في الغنية (6)، ويجري في الثالث
بطريق أولى، وفي الأول منهما في صريح الانتصار (7) والخلاف (8) وظاهر

(1) وسائل الشيعة: ب 46 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 84.
(2) الشهيد الأول في الدروس: كتاب الصوم ص 72 س 23، والشهيد الثاني في المسالك: كتاب
الصوم ص 72 س 8.
(3) تحرير الأحكام: كتاب الصوم في موجبات القضاء والكفارة في الصوم ج 1 ص 80 س 2.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيما يوجب القضاء والكفارة ج 2 ص 578 س 24.
(5) كشارح الدروس، في المشارق: كتاب الصوم ص 407 س 19.
(6) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 509 س 19.
(7) الإنتصار: في مفطرات الصوم ص 65 - 66. (8) الخلاف: كتاب الصوم م 14 ج 2 ص 174.
359

المنتهى (1) وغيرهما (2)، وفي الثالث في ظاهر المدارك (3) والذخيرة (4)
وغيرهما (5)، والصحاح وغيرها به فيها مستفيضة جدا.
منها: عن رجل تسحر ثم خرج من بيته وقد طلع الفجر وتبين، قال: يتم
صومه ذلك ثم ليقضه، وإن تسحر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر،
الخبر (6).
ومنها: أمرت الجارية لتنظر إلى الفجر فتقول لم يطلع بعد فآكل ثم أنظر
فأجده قد كان طلع حين نظرت، قال: فاقضه، أما لو كنت أنت الذي
نظرت لم يكن عليك شئ (7).
ومنها: عن رجل خرج في شهر رمضان وأصحابه يتسحرون في بيت فنظر
إلى الفجر فناداهم أنه قد طلع الفجر فكف بعض وظن بعض أنه يسخر،
فقال: يتم صومه ويقضي (8) ونحوه الرضوي (9).
ومنها الموثق: عن رجل أكل أو شرب بعد ما طلع الفجر في شهر رمضان،

(1) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيما يوجب القضاء والكفارة ج 2 ص 577 س 37.
(2) كالسبزواري في الكفاية: كتاب الصوم تتمة ص 46 س 37.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الصوم ج 6 ص 93.
(4) ذخيرة المعاد: كتاب الصوم في المفطرات ص 502 س 2.
(5) كالمحدث البحراني في الحدائق: كتاب الصوم لو ظن كذب الخبر بطلوع الفجر فأكل ثم بان
الصدق ج 13 ص 97.
(6) الكافي: كتاب الصيام باب من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر أو بعد طلوعه ح 1 ج 4
ص 96.
(7) وسائل الشيعة: ب 46 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 84، وفيه: (أما أنك لو....).
(8) وسائل الشيعة: ب 47 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 84، وفيه: (وظن بعض أنه
يسخر فأكل...).
(9) فقه الرضا (ع): ب 30 في نوافل شهر رمضان ودخوله ص 208.
360

فقال: إن قام فنظر فلم يرى الفجر فأكل ثم عاد فرأى الفجر فليتم صومه
ولا إعادة عليه، وإن قام فأكل وشرب ثم نظر إلى الفجر فرأى أنه قد طلع
الفجر فليتم صومه ويقضي يوما آخر مكانه، لأنه بدأ بالأكل قبل النظر فعليه
الإعادة (1).
ويستفاد منه ومن الصحيح (2) الثاني عدم وجوب القضاء مع مراعاته
الفجر بنفسه، ولا خلاف فيه أيضا، بل عليه الاجماع في صريح الانتصار (3)،
وظاهر المنتهى (4) وغيرهما.
وهل يختص هذا الحكم برمضان، أم يعمه والواجب المعين؟ وجهان:
من اختصاص الموثق برمضان (5)، وإطلاق الصحيح الأول بلزوم الافطار في
التناول عند الفجر في غير رمضان (6). ونحوه الخبر: عن رجل شرب بعد ما طلع
الفجر وهو لا يعلم في شهر رمضان، قال: يصوم يومه ذلك ويقضي يوما آخر،
وإن كان قضاء لرمضان في شوال أو غيره فشرب بعد الفجر فليفطر يومه ذلك
ويقضي (7).
وفي الحسن - كالموثق -: يكون علي اليوم واليومان من شهر رمضان فأتسحر
مصبحا أفطر ذلك اليوم وأقضي مكان ذلك يوما آخر أو أتم على صوم ذلك
اليوم وأقضي يوما آخر، فقال: لا، بل تفطر ذلك اليوم لأنك أكلت مصبحا

(1) وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 3 ج 7 ص 82، مع اختلاف يسير.
(2) وسائل الشيعة: ب 46 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 84.
(3) الإنتصار: في مفطرات الصوم ص 65 - 66.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيما يوجب القضاء والكفارة ج 2 ص 577 س 37.
(5) وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 3 ج 7 ص 82.
(6) الكافي: كتاب الصيام باب من أكل أو شراب وهو شاك في الفجر أو بعد طلوعه ح 1 ج 4 ص 96.
(7) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 3 ج 7 ص 83.
361

وتقضي يوما آخر (1).
ومن إطلاق قوله عليه السلام فيما مر من الصحيح: (لو كنت أنت الذي
نظرت لم يكن عليك شئ) (2) بل عمومه الناشئ عن ترك الاستفصال
الشامل لما نحن فيه، بل ولغيره المعتضد في محل البحث المعين بعدم الفساد،
لعدم معلومية حصول الافطار الشرعي بمثله وإن فسد الصوم اللغوي والعرفي،
لعدم التلازم بينه وبين الفساد الشرعي، فكم من صوم شرعي ليس بصوم
لغوي ولا عرفي، وبالعكس، كما إذا تناول ناسيا فإنه ليس بصوم لغوي
ولا عرفي قطعا، مع أنه صوم شرعي إجماعا.
فلعل ما نحن فيه من قبيله وإن لم نقيع به، فإذا لم يثبت الفساد شرعا
وجب عليه إمساكه، تحصيلا لامتثال الأمر القطعي بصومه، ولا يجب
القضاء، لكونه بفرض جديد، ولم يثبت إلا بدليل مفقود فيما نحن فيه وأمثاله،
مما يكون المكلف فيه غير مقصر في إفطاره بوجه، لاجتهاده، فيكون كالناسي.
فيبعد غاية البعد شمول ما دل على القضاء بتناول المفطرات لمثله، سيما مع
اختصاصه بصوم رمضان، فلا يعم ما نحن فيه.
وهذا الأصل يختص بالواجب المعين، لأنه الذي يفرض فيه القضاء
- المتوقف على أمر جديد - منفي فيما نحن فيه، ولا كذلك الواجب المطلق، لأن
أمره لعدم توقيته بوقت باق، فلا بد من الخروج عن عهدته، ولا يحصل بمثل
هذا الصوم المشكوك في صحته وفساده.
ومن هنا يظهر الحكم في المندوب بقسميه.

(1) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 2 ج 7 ص 83.
(2) وسائل الشيعة: ب 46 من أبواب ما يمسك عنه مقطع من ح 1 ج 7 ص 84.
362

وهذا الوجه لعله أقوى، وفاقا لجماعة (1) من متأخري متأخري أصحابنا.
ويذب عن اختصاص الموثق برمضان، بعدم معارضته لعموم الدليل بعد
وجوده، وعن إطلاق الصحيح (2) وتاليه (3)، مع ضعف سنده باختصاصه
بحكم التبادر الموجب عن ملاحظة سياقهما بما إذا لم يراع.
فلا يعارض عموم الصحيح (4) المذكور في الوجه الثاني المعتضد بالأصل
الماضي.
ولا يعارضه الحسن (5) بعدهما، لقصور سنده وإن اعتبر، مع وروده كالخبر
الثاني (6) في قضاء رمضان.
وهل يجوز فعل المفطر مع الشك في دخول الفجر؟ قال في الخلاف (7):
لا، وربما يشير إليه نصوص القضاء، مضافا إلى تعلق الأمر بإمساك النهار
الذي هو اسم لما هو نهار واقعا، فيجب ولو من باب المقدمة.
وهذا الدليل جار فيما إذا حصل له الظن بالبقاء، لعدم اعتبار به في نحو
ما نحن فيه، لكن في المدارك لا خلاف في جواز فعل المفطر مع الظن الحاصل
من استصحاب بقاء الليل، بل مع الشك في طلوع الفجر (8).
ويعضده - مضافا إلى الأصل - ظاهر الآية الكريمة (حتى يتبين لكم

(1) كشارح الدروس في المشارق: كتاب الصوم ص 406 س 31، والمحدث البحراني في الحدائق:
كتاب الصوم تناول المفطر بعد طلوع الفجر في غير شهر رمضان ج 13 ص 94.
(2) الكافي: كتاب الصيام باب من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر أو بعد طلوعه ح 1 ج 4 ص 96.
(3) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 2 - 3 ج 7 ص 83.
(4) وسائل الشيعة: ب 46 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 84.
(5) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 2 ج 7 ص 83.
(6) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 3 ج 7 ص 83.
(7) الخلاف: كتاب الصوم م 14 ج 2 ص 174.
(8) مدارك الأحكام: كتاب الصوم ج 6 ص 91.
363

الخيط الأبيض من الخيط الأسود) (1).
والموثق: عن رجلين قاما فنظرا إلى الفجر، فقال: أحدهما هو ذا، وقال
الآخر: ما أرى شيئا، قال: فليأكل الذي لم يستبن له الفجر وقد حرم على
الذي زعم أنه رأى الفجر، إن الله عز وجل يقول: (كلوا واشربوا حتى
يتبين) (2) الآية.
وهذا أقوى، وفاقا لشيخنا الشهيد الثاني (3) أيضا. ودلالة لزوم القضاء على
منع الفعل ضعيف جدا، لعدم التلازم بينهما.
وعليه، فهل يكفي في وجوب الكف حصول الظن بالفجر، أم لا بد من
حصول القطع به؟ الأوجه الثاني، لأن الظن في الموضوعات لا عبرة به.
ولو تناول حينئذ فصادف الفجر فهل يجب القضاء به، أم لا؟.
يحتمل الثاني للأصل، والشك في انصراف ما دل على وجوبه إلى نحو
ما نحن فيه بعد وقوع الفعل برخصته من الشرع وأمره.
ويحتمل الأول، لاطلاق ما دل على أم القضاء بتناول المفطر وفعله مع عدم
معلومية صلوح الشك بالسبب المذكور مقيدا له، ولعل هذا أقرب، سيما مع
تأيده بما دل على وجوبه مع الظن ببقاء الليل وعدم خروجه باخبار المخبر
مضافا إلى استصحاب بقائه.
(وكذا) يجب القضاء خاصة (لو أخلد إليه) أي إلى المخبر (في دخول
الليل فأفطر وبان كذبه مع القدرة على المراعاة) بلا خلاف، إلا من
السيد في المدارك (4) فاستشكل في إطلاق الحكمين وخص وجوب القضاء بما

(1) البقرة: 187.
(2) وسائل الشيعة: ب 48 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 85.
(3) كما في المسالك: كتاب الصوم ج 1 ص 72 س 5.
(4) مدارك الأحكام: كتاب الصوم ج 6 ص 94.
364

إذا لم يجز للمضطر الاخلاد إليه، وإلا فلم يجب أيضا، وعدم وجوب الكفارة
بما إذا جاز وإلا وجبت أيضا.
ولا مخالفة له مع الأصحاب في الأول مع فرض وجود مخبر يجوز الاخلاد
إليه في الافطار، ولم يذكره الأصحاب، بل مقتضى أصولهم العدم إلا إذا
كان المخبر عدلين.
ومن جوز الاخلاد إليهما، كالمحقق (1) الثاني صرح بما ذكره من انتفاء
القضاء، ومن لا فلا وجه للتخصيص عنده، بل يجب عنده القضاء مطلقا.
ويدل عليه - مضافا إلى إطلاق ما دل على وجوبه بتناول المفطر فحوى
ما دل على وجوبه مع الاخلاد إليه في طلوع الفجر فإنه مع جواز المفطر بظن
استصحاب بقاء الليل، كما إذا قلنا وجب القضاء، فلئن يجب مع عدم جوازه
بظن استصحاب بقاء النهار بطريق أولى، وفي الغنية (2) والخلاف (3) الاجماع على
وجوبه خاصة هنا إذا أفطر شاكا.
وإذا أريد بالشك في عبارتهما ما قابل اليقين - كما هو معناه لغة، ويفهم من
كثير من الأخبار (4) الواردة في بحث الشكوك في الصلاة، بل وفتاوى القدماء
ما دل على وجوبه مع الظن أيضا - فإنه أحد أفراده.
ولا فرق فيه بين المستفاد من خبر العدلين وغيرهما، كما هو مقتضى إطلاق
الفتاوى هنا أيضا، من غير خلاف إلا ممن قدمنا.
ويمكن أن يكون التخصيص لاخراج نحو الأعمى ممن لا يتمكن من

(1) كما في جامع المقاصد: كتاب الصوم أحكام الصوم ج 3 ص 66.
(2) غنية النزوع (الجوامع الفقهية) كتاب الصوم ص 509 س 20.
(3) الخلاف: كتاب الصوم م 14 ج 2 ص 174.
(4) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 4 - 5 - 8 ج 5 ص 321 - 322.
365

المراعاة، لعدم وجوب القضاء عليه - كما يأتي - بناء على أن عبارة الشرائع (1)
مطلقة بالنسبة إليه أيضا حيث لم يقيده فيها بصورة القدرة على المراعاة.
فمراده بالاطلاق هذا، فهو المخصص لا إطلاق ما هنا، لعدم فرد له يمكن
إخراجه، حتى العدلين عند السيد، لتصريحه بانتفاء ما يدل على جواز التعويل
عليهما على وجه العموم، خصوصا في موضع يجب فيه تحصيل اليقين كما هنا.
وحينئذ فاشكاله متوجه، إلا أن دخول نحو الأعمى في إطلاق عباراتهم
غير معلوم، ولا سيما عبارة الشرائع (2)، كما لا يخفى على من تدبرها، بل الظاهر
المتبادر منها من لا يسوغ له التقليد خاصة.
فلا مخالفة له على هذا التقدير أيضا، ولا في الثاني، إلا على تقدير وجود
دليل يدل على وجوب الكفارة بمطلق الافطار من غير إذن شرعي ولم نجده
كذلك، لاختصاص ما دل عليه من الفتوى والنصوص مع كثرتها بحكم
التبادر وغيره بما إذا أفطر عامدا متعمدا عالما بكون الزمان الذي أفطر فيه نهارا،
وما نحن فيه لا ريب في عدم تبادره منها عند الاطلاق جدا.
واللازم حينئذ الرجوع في غير المتبادر إلى مقتضى الأصل وهو العدم، كما
ذكره الأصحاب، وقد صرح السيد (3) بذلك في غير باب.
ولعله إلى هذا نظر صاحب الذخيرة في اعتراضه على السيد - بعد نقل
تفصيله بقوله: وفيه تأمل - فإن مقتضى كون المفطر ممن لا يسوغ له التقليد
ترتب الإثم على الافطار لا القضاء والكفارة.
ثم قال: ولا يبعد أن يقال: إن حصل الظن بإخبار المخبر اتجه سقوط

(1) شرائع الاسلام: كتاب الصوم المقصد الثاني المسألة التاسعة ج 1 ص 192.
(2) نفس المصدر السابق.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الصوم ج 6 ص 92.
366

القضاء والكفارة، لصحيحة زرارة المذكورة في المسألة الآتية.
ولا يبعد انتفاء الإثم أيضا، وإلا فالظاهر ترتب الإثم، لقوله تعالى: (ثم
أتموا الصيام إلى الليل)، فإن مقتضاها وجوب تحصيل العلم أو الظن
بالامتثال وهو منتف في الفرض المذكور.
وأما وجوب القضاء ففيه تأمل، لعدم دليل دال عليه، وعدم الاستلزام
بين حصول الإثم ووجوب القضاء (1) إنتهى. وهو حسن.
إلا أن ما ذكره - من سقوط القضاء بالظن الحاصل من الخبر بدعوى دلالة
الصحيحة (2) عليه - محل نظر، وجهه سيذكر.
وكذا ما ذكره من عدم دليل دال على القضاء في صورة الشك، لأنك قد
عرفت الدليل الدال عليه هنا فيما مضى.
واحترز (بالقدرة على المراعاة) عمن تناول كذلك، مع عدم إمكانها لغيم
أو حبس أو عمى، حيث لا يجد من يقلده فإنه لا يقضي، وهو كذلك.
لا لما قيل: من أن المرء متعبد بظنه (3) إذ لم أقف على دليل عليه على
إطلاقه، بل للأصل، وعدم دليل على وجوب القضاء حينئذ، لاختصاص
ما دل عليه من الأولوية ونحوها بما إذا أفطر قادرا على المراعاة لا مطلقا والشك
في عبارتي الخلاف (4) والغنية (5) ليس نصا في المعنى الأعم، فيحتمل الأخص
الذي ليس منه محل الفرض، لحصول الظن بإخبار الغير غالبا، ولو فرض
العدم اتجه الوجوب، لعموم الاجماع المنقول.

(1) ذخيرة المعاد: كتاب الصوم في المفطرات ص 502 س 9.
(2) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 2 ج 7 ص 88.
(3) قاله الشهيد الثاني في الروضة البهية: كتاب الصوم ج 2 ص 93.
(4) الخلاف: كتاب الصوم م 14 ج 2 ص 174.
(5) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 509 س 19.
367

هذا، ويؤيد عدم وجوب القضاء في أصل الفرض ما سيأتي من النصوص
في المسألة الآتية.
ويفهم من العبارة ونحوها انتفاء القضاء إذا راعى، ولا ريب فيه مع
اليقين بدخول الليل، ومع الظن به إشكال.
ومقتضى الأصل الانتفاء إذا جاز الاعتماد عليه شرعا، وإلا فالثبوت
أقوى، عملا بعموم ما دل على إيجاب فعل المفطرات القضاء.
ويحتمل وجوب الكفارة أيضا هنا وفيما مضى، كما ذكره في المدارك (1)،
وفاقا لجده (2)، إما لصدق التعمد عليه حقيقة كما ذكراه، أو لعموم بعض
النصوص الصحيحة (3) بوجوبها بفعل المفطر مطلقا من غير تقييد بالتعمد، وإنما
هو في أكثر أخبارها في كلام الرواة خاصة، فلا يصلح مقيدا لما أطلق من
أخبارها.
وحينئذ فالأصل وجوبها مطلقا، إلا ما قام الدليل على العدم فيه، وليس
منه ما نحن فيه.
وبعض الأخبار (4) الدالة على اشتراط التعمد بالنسبة إليها بل والقضاء
أيضا، ضعيف السند، بل والدلالة، كما بينته في محل أليق به وأحرى.
اللهم إلا أن يقال: بالاتفاق على التقييد بالعمد فيها، وفيه أنه لا يتم في
محل النزاع.
وكيف كان، لا ريب أنها أحوط وأولى. هذا هو الأمر الرابع.

(1) مدارك الأحكام: كتاب الصوم ج 6 ص 94.
(2) كما في مسالك الأفهام: كتاب الصوم ج 1 ص 72 س 12.
(3) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 6 - 9 - 12 ج 7 ص 30 - 31 والباب 16 من
نفس الأبواب ح 3 - 4 ج 7 ص 43.
(4) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 - 2 - 5 ج 7 ص 43 - 44.
368

وأما الخامس: فهو ما أشار إليه بقوله: (والافطار للظلمة الموهمة دخول
الليل) بلا خلاف ولا إشكال في وجوب القضاء إن أريد بالوهم معناه
المعروف، وهو الطرف المرجوح أو الشك المقابلان للظن وانكشف فساد
الوهم وبقاء النهار، لعموم ما دل على وجوبه بفعل أحد موجباته؟ مضافا إلى ما
مر من إجماع الغنية (1) والخلاف (2) على وجوبه مع الشك، فمع الوهم بالمعنى
الأول أولى.
ويشكل الحكم بعدم وجوب الكفارة حينئذ، بل قطع جماعة (3) من
متأخري الأصحاب بوجوبها تبعا للحلي (4)، ولعله الأقوى، عملا بعموم ما دل
على وجوبها، إلا ما أخرجه النص والفتوى اتفاقا، وليس منه ما نحن فيه جدا.
خلافا للمختلف فخطأ الحلي في ذلك، وقال: إنه كلام من لا يحقق شيئا (5)،
ولم أعرف له وجها.
نعم لو تبين دخول الليل كان ما ذكره حقا، كما لو استمر الاشتباه على
الأقوى، وفاقا للمنتهى (6)، للأصل، واختصاص ما دل على الكفارة بتناول
المفطر بصورة العلم بوقوعه نهارا.
وإن أريد بالوهم الظن، بناء على أنه أحد معانيه أيضا، وربما يومئ إليه
المقابلة له بقوله: (ولو غلب على ظنه دخول الليل لم يقض) كان وجوب

(1) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 509 س 20.
(2) الخلاف: كتاب الصوم م 14 ج 2 ص 174.
(3) منهم الشهيد الثاني في الروضة البهية: كتاب الصوم ج 2 ص 94، والمحقق الثاني في جامع المقاصد:
كتاب الصوم ج 3 ص 65، لكنه لم يجز بها.
(4) كما في السرائر: كتاب الصيام في كفارات الصوم ج 1 ص 378.
(5) مختلف الشيعة: كتاب الصوم حقيقة الصوم وأحكامه ج 1 ص 224 س 32.
(6) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيما يوجب القضاء والكفارة ج 2 ص 579 س 10.
369

القضاء محل إشكال، لاختلاف الأصحاب فيه على قولين، بل أقوال، بعد
اتفاقهم على عدم وجوب الكفارة، على الظاهر المصرح به في الروضة (9).
وإن احتمل فيها وجوبها مع ظهور الخطأ، بل مع استمرار الاشتباه أيضا،
ولكنه نادر جدا.
فالمشهور بين القدماء، بل مطلقا كما في المختلف (2) والدروس (3) وجوبه
مطلقا، ومنهم المفيد (4) والشيخ في المبسوط (5) والمرتضى (6) والحلبي (7)
والديلمي (8) وغيرهم (9)، وهو صريح الفاضلين في المعتبر (10) والتحرير (11)
والمنتهى (12)، ويميل الفاضل إليه في المختلف (13)، لعموم ما دل على وجوبه
بفعل أحد أسبابه، وللصحيح أو الموثق: في قوم صاموا شهر رمضان فخشيهم
سحاب أسود عند غروب (الشمس فرأوا أنه الليل فأفطر بعضهم ثم أن
السحاب انجلى فإذا الشمس، فقال: على الذي أفطر صيام ذلك اليوم أن الله

(1) الروضة البهية: كتاب الصوم ج 2 ص 94.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الصوم مباحث حقيقة الصوم ج 1 ص 224 س 21.
(3) الدروس الشرعية: كتاب الصوم ما يفسد الصوم ص 702 س 24.
(4) المقنعة: كتاب الصيام ب 29 في حكم الساهي والغالط في الصيام ص 358.
(5) المبسوط: كتاب الصوم فصل في ذكر ما يمسك عنه الصائم ج 1 ص 272.
(6) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصوم في ما يفسد الصوم وينقضه ج 3 ص 55.
(7) الكافي في الفقه: فصل في صوم شهر رمضان ص 183، وفي جميع المخطوطات: الحلي.
(8) المراسم: كتاب الصوم أحكام الافطار في صوم الواجب ص 98.
(9) كالمحقق الأردبيلي في المجمع: كتاب الصوم أحكام المفطرات ج 5 ص 92.
(10) المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 677.
(11) تحرير الأحكام: كتاب الصوم في موجبات القضاء والكفارة ج 1 ص 80 س 3.
(12) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيما يوجب القضاء والكفارة ج 2 ص 578 س 25.
(13) مختلف الشيعة: كتاب الصوم مباحث حقيقة الصوم ج 1 ص 224 س 21.
370

عز وجل يقول: (ثم أتموا الصيام إلى الليل)، فمن أكل قبل أن يدخل الليل
فعليه قضاؤه، لأنه أكل متعمدا (1).
خلافا للشيخ في النهاية (2) والصدوق (3) والقاضي (4) فيما حكي، والفاضل
في الارشاد (5) والقواعد (6)، وجماعة من متأخري المتأخرين (7)، للنصوص
المستفيضة.
منها الصحيح: وقت المغرب إذا غاب القرص فإن رأيته بعد ذلك وقد
صليت أعدت الصلاة ومضى صومك وتكف عن الطعام إن كنت أصبت
منه شيئا (8). ونحوه الخبر (9).
ومنها الصحيح - أيضا على الظاهر كما قيل (10) -: عن رجل صام ثم ظن
الشمس قد غابت وفي السماء علة فأفطر ثم إن السحاب انجلى فإذا الشمس لم
تغب، فقال: قد تم صومه ولا يقضيه (11). ونحوه الخبر (12).

(1) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 87، وفيه: (وأتموا الصيام...).
(2) النهاية: كتاب الصيام باب ما على الصائم اجتنابه مما يفسد الصيام وما لا يفسده ص 155.
(3) من لا يحضره الفقيه: باب ما يجب على من أفطر أو جامع في شهر رمضان متعمدا أو ناسيا ج 2 ص 121.
(4) المهذب: كتاب الصيام باب ما يفسد الصوم ويوجب القضاء دون الكفارة ج 1 ص 192.
(5) إرشاد الأذهان: كتاب الصوم ج 1 ص 297.
(6) قواعد الأحكام: كتاب الصوم فيما يوجب الافطار ج 1 ص 64 س 12.
(7) منهم السبزواري في الذخيرة: كتاب الصوم في المفطرات ص 502 س 32، والحر العاملي في
الوسائل: ب 51 من أبواب ما يمسك عنه الصائم انظر أحاديث الباب ج 7 ص 87 - 88.
(8) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 87، مع اختلاف يسير.
(9) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 2 ج 7 ص 88.
(10) قاله المولى المجلسي في روضة المتقين: كتاب الصوم حكم من أفطر في شهر رمضان ج 3 ص 333.
(11) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 3 ج 7 ص 88، وفي: (وفي السماء
غيم....).
(12) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 4 ج 7 ص 88.
371

ومنها الموثق - كالصحيح، بل الصحيح كما قيل (1) -: في رجل ظن أن
الشمس قد غابت فأفطر ثم أبصر الشمس بعد ذلك، قال: ليس عليه
قضاء (2).
وهذه النصوص - مع استفاضتها، وصراحة ما عدا الصحيحة (3) الأولى منها
وظهورها أيضا، واعتبار أسانيد أكثرها وإن سلمنا عدم صحتها - لا معارض
لها، عدا الاطلاقات.
واللازم على تقدير انصرافها إلى محل البحث تقييدها بهذه، لأخصيتها
بالإضافة إليها.
والصحيح (4) المتقدم سندا للقدماء، وهو - بعد الاغماض عن سنده - غير
واضح الدلالة على مطلوبهم، إذ ليس فيه إلا الأمر بصيام ذلك اليوم. والمراد
به إتمامه، دفعا لتوهم أن الافطار في الأثناء مبيحة في الباقي.
ولا ينافيه الاستدلال بالآية الكريمة، بل يؤكده، لدلالتها على وجوب
الامساك إلى الليل مطلقا أكل في الأثناء أم لا.
وكذا قوله تفريعا عليها: (فمن أكل) (5)، بل قوله في تعليل القضاء بأنه:
(أكل متعمدا) (6) يؤكد إرادة ما ذكرنا، وإلا فالأكل بظن الغروب ليس
أكلا متعمدا، كما لا يخفى.
ولئن تنزلنا فلا أقل من احتمال ما ذكرناه احتمالا متساويا، فتكون به
الرواية مجملة لا تصلح للحجية، فضلا عن أن تعارض بها تلك الأخبار

(1) قاله السبزواري في الذخيرة: كتاب الصوم في المفطرات ص 502 س 34.
(2) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 2 ج 7 ص 88.
(3) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 87.
(4) وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 87.
(5) نفس المصدر السابق.
(6) نفس المصدر السابق.
372

المستفيضة التي في الدلالة هي ما بين صريحة وظاهرة، مع أنها موافقة لما عليه
الجمهور، كما صرح به في المنتهى (1).
فينبغي حملها على التقية، وإن سلمت عما قدمناه من وجوه المناقشة.
فهذا القول في غاية القوة، سيما مع اعتضاده بأصالة البراءة، وإن كان
الأول أحوط للشهرة العظيمة القريبة من الاجماع من القدماء لولا مخالفة
الصدوق (2)، لرجوع الشيخ في المبسوط (3) عما في النهاية (4)، وعدم معلومية
مذهب القاضي في المسألة (5) لاختصاص عبارته المنقولة في المختلف (6) بصورة
الشك، كعبارتي الخلاف (7) والغنية (8).
ويحتمل إرادتهم منه معناه المعروف لغة المقابل لليقين الشامل للظن
أيضا، فيكون فتواهم فيه الحكم بوجوب القضاء، مع دعوى الاجماع عليه، كما
مضى.
وأما الفاضل فهو وإن اختار الثاني فيما مر من كتبه (9)، لكنه في
المختلف (10) الذي هو آخر مؤلفاته - قد رجع عنه، ومال إلى الأول.

(1) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيما يوجب القضاء والكفارة ج 2 ص 568 س 31.
(2) من لا يحضره الفقيه: باب ما يجب على من أفطر أو جامع في شهر رمضان متعمدا أو ناسيا ج 2
ص 121.
(3) المبسوط: كتاب الصوم فصل في ذكر ما يمسك عنه الصائم ج 1 ص 272.
(4) النهاية: كتاب الصوم باب ما على الصائم اجتنابه مما يفسد الصيام ص 155.
(5) المهذب: كتاب الصيام باب ما يفسد الصوم ويوجب القضاء ج 1 ص 192.
(6) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في مباحث حقيقة الصوم وأحكامه ج 1 ص 224 س 6.
(7) الخلاف: كتاب الصوم م 14 ج 2 ص 175.
(8) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 509 س 19.
(9) منها الارشاد: كتاب الصوم ج 1 ص 297، والقواعد: كتاب الصوم المقصد الثاني فيما يوجب
الافطار ج 1 ص 64 س 12.
(10) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في مباحث حقيقة الصوم وأحكامه ج 1 ص 224 س 27.
373

فيمكن ترجيح الاطلاقات على ما قابلها من النصوص، لقطعيتها، وشذوذه
على ما فرضنا، سيما مع قصور سند أكثره عن الصحة، وعدم صراحة دلالة
الصحيحة بما ذكره في المختلف (1) من أن مضي الصوم لا يستلزم عدم القضاء.
أقول: مع أنها باطلاقها شاذة لا عامل بها، لشمولها صور الوهم والشك
والظن، مع العجز من تحصيل العلم بالمراعاة وعدمه، ولا قائل بها في الأولين
منها قطعا، وكذا في الأخيرة، مع إمكان العلم.
خلافا لصاحب الذخيرة (2) فيها، فظاهره عدم وجوب القضاء، لاطلاق
هذه الصحيحة، بل جملة نصوص المسألة.
وفيه أن سياق ما عداها ظاهر في الاختصاص بصورة عدم الامكان، كما
لا يخفى.
وأما هي فيمكن تخصيصها بهذه الصورة، توفيقا بينها وبين الأصول
المقتضية لاعتبار تحصيل العلم بدخول الليل، المؤيدة بجملة من النصوص
الدالة على لزوم مراعاة الوقت بالنظر إلى القرص أو الحمرة، مع دلالة بعضها
- كما قيل -: على أنه مع عدم العذر لا بد في الحكم بدخول الوقت من العلم
بغيبوبة القرص أو زوال الحمرة (3).
هذا، وما أبعد ما بين هذا، وبين ما يستفاد من كلام المفيد (4) - المحكي في
المختلف (5) في المسألة - من عدم جواز التعويل على الظن مع الضرورة، ولزوم

(1) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في مباحث حقيقة الصوم وأحكامه ج 1 ص 224 س 22.
(2) ذخيرة المعاد: كتاب الصوم في المفطرات ص 502 س 32.
(3) قائله المحدث البحراني في الحدائق: كتاب الصوم لو أفطر بظن الغروب ثم بان فساد الظن ج 13
ص 102.
(4) المقنعة: كتاب الصيام ب 29 في حكم الساهي والغالط في الصيام ص 358.
(5) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في مباحث حقيقته وأحكامه ج 1 ص 224 س 3.
374

التأخير إلى تيقن الوقت تحصيلا للبراءة اليقينية.
ولا ريب أن هذا أوفق بالأصول، بل يتعين العمل عليه لولا فحوى ما دل
على جواز التعويل على الظن بدخول الوقت في الصلاة، فهاهنا أولى، وأما
معها فلا.
سيما وفي المدارك لا خلاف بين علمائنا ظاهرا في جواز الافطار عند ظن
الغروب إذا لم يكن للظان طريق إلى العلم (1)، وقريب منه عبارة الفاضل في
المختلف (2).
لكن قد عرفت خلاف المفيد (3)، مع أنه يتوجه عليه ما في الذخيرة من أن
ما ذكره من نفي الخلاف غير واضح، فإن أكثر عباراتهم خال من التصريح،
وقال: المصنف في التذكرة الأحوط للصائم الامساك عن الافطار حتى يتيقن
الغروب، لأصالة بقاء النهار، فيستصحب إلى أن يتيقن خلافه. ولو اجتهد
وغلب على ظنه دخول الليل فالأقرب جواز الأكل، وظاهره وجود الخلاف في
الحكم المذكور، وما قربه متجه، لصحيحة زرارة (4).
أقول: وممن ظاهره المخالفة وعدم جواز التعويل على الظن الحلي في
السرائر (5)، لكن في الظن غير القوي - كما يستفاد من عبارته - حيث أوجب
فيه القضاء مع الظن، ونفاه عن منع غلبته، معللا الثاني بصيرورة تكليفه في

(1) مدارك الأحكام: كتاب الصوم ج 6 ص 95.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الصوم ومباحث حقيقة الصوم وأحكامه ج 1 ص 224 س 10، إلا أن العلامة
تبرع به للشيخ ولم يرتضيه فهو في المسألة من المتوقفين وإن كان يظهر منه بعض الميل للشيخ المفيد،
راجع نفس المصدر س 27.
(3) المقنعة: كتاب الصيام باب 29 حكم الساهي والغالط في الصيام ص 358.
(4) ذخيرة المعاد: كتاب الصوم في المفطرات ص 502 س 18.
(5) السرائر: كتاب الصيام ما يوجب القضاء والكفارة ج 1 ص 377.
375

عبارته غلبة ظنه، وهو ظاهر، بل صرح في أن تكليفه مع الظن غير الغالب
الصبر، وعدم جواز الاعتماد عليه.
وما ذكره الحلي من هذا التفصيل في أصل المسألة، غير واضح المأخذ
والحجة، بل إطلاق النصوص المتقدمة تدفعه، مع أن مراتب الظن غير
منضبطة، إذ ما من ظن إلا وفوقه أقوى وما دونه أدنى، لاختلاف الأمارات
الموجبة له.
فالوقوف على أول جزء من مراتبه لا يكاد يتحقق، بل وعلى فوقه، وبذلك
رده من المتأخرين جماعة (1).
وقد تلخص ممن ذكرنا أن الأقوال في المسألة ثلاثة: وجوب القضاء
مطلقا، وعدمه كذلك، والتفصيل بين ضعيف الظن فالأول، وقويه فالثاني،
وخيرها أوسطها لولا ما قدمناه، وأحوطها أولها قطعا.
(و) السادس: (تعمد القئ) مع عدم رجوع شئ إلى حلقه اختيارا
(وإن ذرعه لم يقض) بلا خلاف في الثاني، إلا من الإسكافي (2) فيقضي
من المحرم ويكفر أيضا لو استكره، وهو - مع ندوره ومخالفته لما يأتي من
النصوص (3) دليله - غير واضح.
وفي صريح المنتهى (4) وغيره (5) الاجماع على خلافه، وعلى الأظهر الأشهر

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك: كتاب الصوم ج 1 ص 72 س 40، والسيد السند في المدارك:
كتاب الصوم ج 6 ص 97، والسبزواري في الذخيرة: كتاب الصوم ص 502 س 30.
(2) حكاه عنه العلامة في المختلف: كتاب الصوم في مباحث حقيقته وأحكامه ج 1 ص 222 س 18.
(3) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب ما يمسك عنه الصائم انظر أحاديث الباب ج 7 ص 60 - 61.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيما يوجب القضاء والكفارة ج 2 ص 579 س 19.
(5) كالتذكرة: كتاب الصوم ج 1 ص 263 س 40.
376

في الأول، بل عليه عامة من تأخر (1)، وفي صريح الخلاف (2)، ومحتمل
الغنية (3)، بل ظاهره وظاهر المنتهى (4) الاجماع عليه. وهو الحجة، مضافا إلى
الأصل في الجملة، والمعتبرة المستفيضة.
منها الصحيح - المروي بطريقين كذلك -: إذا تقيأ الصائم فقد أفطر، وإن
ذرعه من غير أن يتقيأ فليتم صومه (5).
والصحيح المروي عن كتاب علي بن جعفر: إن كان تقيأ متعمدا فعليه
قضاؤه، وإن لم يكن تعمد ذلك فليس عليه شئ (6).
والموثق: إن كان شئ يبدره فلا بأس، وإن كان شئ يكره نفسه عليه
أفطر وعليه القضاء (7).
خلافا للمرتضى (8) والحلي (9) فلا قضاء به وإن حرم، للأصل،
والصحيح (10) الحاصر، ويخصصان بما ذكر.
وللصحيح - أو الموثق كما قيل (11): ثلاثة لا يفطرن الصائم: القئ والاحتلام

(1) كالعلامة في المنتهى: كتاب الصوم فيما يوجب القضاء والكفارة ج 2 ص 579 س 14، والشهيد
الثاني في المسالك: كتاب الصوم ج 1 ص 73 س 12، والأردبيلي في المجمع: كتاب الصوم ما يمسك
عنه الصائم ج 5 ص 55.
(2) الخلاف: كتاب الصوم م 19 ج 2 ص 178.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 509 س 19.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيما يوجب القضاء والكفارة ج 2 ص 579 س 14.
(5) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 60.
(6) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 10 ج 7 ص 62.
(7) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 5 ج 7 ص 61.
(8) جمل لعلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصوم في ما يفسد الصوم وينقضه ج 3 ص 54
(9) السرائر: كتاب الصيام فيما يجب اجتنابه على الصائم ج 1 ص 387.
(10) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 18.
(11) قائله العلامة المحدث المجلسي في ملاذ الأخيار: ب 63 في حكم العلاج للصائم ح 13 ج 7 ص 46.
377

والحجامة (1).
وليس فيه تصريح بالتعمد، فيقيد بغيره جمعا حملا للمطلق على المقيد، وهو
أولى من حمل تلك الأدلة على الاستحباب، لرجحانه في حد ذاته على الثاني
مضافا إلى رجحانه في المسألة برجحان أدلة القضاء بالكثرة والشهرة.
مع أن الاجماع المنقول لا يقبل الحمل على الاستحباب، كبعض النصوص
من تقيأ متعمدا وهو صائم فقد أفطر وعليه الإعادة، فإن شاء الله عذبه، وإن
شاء غفر له (2). ولا بأس بقصور السند أو ضعفه بعد العمل.
ولبعض أصحابنا فيما حكاه عنه المرتضى (3) أنه يكفر أيضا. وهو غير
معروف، ومع ذلك مستنده غير واضح، عدا تضمن جملة (4) من النصوص أنه
مفطر، فيدخل في عموم الأخبار الكثيرة: إن من تعمده كان عليه الكفارة.
ويضعفه - بعد الأصل والاجماع على خلافه على الظاهر أن تلك النصوص
كما تضمنت ذلك دلت هي كباقي الأخبار على عدم وجوبها، من حيث
تضمنها جملة وجوب القضاء خاصة، من غير إشارة إلى الكفارة، مع أنها واردة
في مقام الحاجة.
مع أن المتبادر من الافطار إفساد الصوم بالأكل والشرب، فيجب الحمل
عليه خاصة، لأن اللفظ إنها يحمل على الحقيقة.
وإطلاق الوصف عليه - فيما مر من النصوص - لا يستلزم كونه من أفرادها،
لأن الاستعمال أعم من الحقيقة، والمجاز أولى من الاشتراك.
إلا أن يقال: إن التجوز يستلزم الشركة في وجوه الشبه، ومنها هنا لزوم الكفارة.

(1) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 8 ج 7 ص 62.
(2) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 6 ج 7 ص 61.
(3) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى)، كتاب الصوم في ما يفسد الصوم وينقضه ج 3 ص 54
(4) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 - 5 - 6 ج 7 ص 60 - 61.
378

وهو حسن إن تساوت في التبادر ونحوه. وفيه مناقشة، بل المتبادر منها
الإثم ولزوم القضاء خاصة.
(و) السابع (إيصال الماء إلى الحلق متعديا لا للصلاة) يعني من
أدخل فمه الماء فابتلعه سهوا، فإن كان في غير المضمضة للطهارة - كأن كان
متبردا أو عابثا - فعليه القضاء خاصة، وإن كان في المضمضة لها فلا قضاء
أيضا.
ولا خلاف في هذا التفصيل في الجملة بين علمائنا، بل عزاه في المنتهى (1)
إليهم مشعرا بكونه إجماعا، كما هو صريح الانتصار (2) والخلاف (3) والغنية (4)
أيضا، وإن اختلفت عبائرهم في التعبير عما لا يجب فيه القضاء بالتمضمض
للطهارة ولو لنحو البقاء عليها والطواف، كما في عبارة الانتصار (5) وكثير (6)
وبه صرح في السرائر (7)، ولعله يفهم من الغنية (8) والمنتهى (9).
أو به للصلاة خاصه، كما في عبارة الخلاف (10) وجماعة (11) وجعل هذا

(1) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيما يوجب القضاء والكفارة ج 2 ص 579 س 21.
(2) الإنتصار: في مفطرات الصوم ص 65.
(3) الخلاف: كتاب الصوم م 76 ج 2 ص 216.
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 509 س 19.
(5) الإنتصار: في مفطرات الصوم ص 64.
(6) منهم الشيخ في النهاية: كتاب الصيام ص 154، والمحقق الحلي في الشرائع: كتاب الصوم ج 1
ص 192.
(7) السرائر: كتاب الصيام ما يوجب القضاء والكفارة ج 1 ص 375.
(8) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 509 س 30.
(9) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيما يوجب القضاء والكفارة ج 2 ص 579 س 22.
(10) الخلاف: كتاب الصوم م 76 ج 2 ص 215.
(11) منهم الشيخ في المبسوط: كتاب الصوم فيما يمسك عنه الصائم ج 1 ص 272، والمحقق في المعتبر:
كتاب الصوم ج 2 ص 678، والعلامة في القواعد: كتاب الصوم ج 1 ص 64.
379

محل خلاف في السرائر (1)، وجعل الأول هو الصحيحة، حاكيا له عن الشيخ
في الجمل والعقود والنهاية. وعما يجب فيه القضاء بمطلق ما عدا الطهارة أو
الصلاة، كما في عبارتي الأولين (2).
أو بالتبرد خاصة من غير إشارة إلى غيره مطلقا كما في عبارتي
الأخيرين (3)، ويظهر من الارشاد (4) كون هذا أيضا محل خلاف، حيث
ألحق المضمضة به للتداوي والعبث بها للصلاة قائلا بعده على رأي.
والأصح في المقامين ما في الانتصار () والمنتهى (6)، استنادا - بعد الاجماع
المنقول فيهما عليهما - إلى فحوى الصحيح وغيره، بل صريحهما في الجملة في الثاني.
والموثق: فيهما عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش فدخل حلقه،
قال: عليه القضاء وإن كان في وضوء فلا بأس (7)، ومنطوقه يعم الوضوء
للصلاة وغيرها، كما صرح به الحلي (8)، ومفهومه العبث به وغيره.
ولكن ينبغي أن يستثنى من هذا ما إذا كان لإزالة النجاسة أو التداوي،
وفاقا للتذكرة (9) والدروس (10)، وغيرهما، للأمر بهما شرعا، فلا يستعقبان شيئا

(1) نفس المصدر السابق.
(2) الإنتصار: في مفطرات الصوم ص 64 المنتهى: كتاب الصوم فيما يوجب القضاء والكفارة ج 2
ص 579 س 25.
(3) الحلاف: كتاب الصوم م 76 ج 2 ص 315، والسرائر: كتاب الصيام ما يوجب القضاء والكفارة
ج 1 ص 375.
(4) إرشاد الأذهان: كتاب الصوم ج 1 ص 297.
(5) نفس المصدر السابق.
(6) نفس المصدر السابق.
(7) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 4 ج 7 ص 50.
(8) السرائر: كتاب الصيام فيما يوجب القضاء والكفارة ج 1 ص 375.
(9) تذكرة الفقهاء: كتاب الصوم ج 262 س 38.
(10) الدروس الشرعية: كتاب الصوم ص 73 س 1.
380

مع بعد انصراف الاطلاق إليهما جدا، بل لولا النص (1) والاجماع لكان القول
بعدم لزوم القضاء مطلقا متوجها، للصحيح (2) الحاصر، ولو قوع الفعل سهوا مع
جوازه من أصله، بلا خلاف أجده، إلا من الشيخ في كتابي الحديث فمنع عنه
للتبرد - في الاستبصار (3) وفي التهذيب (4) - إن كان لغير الصلاة فدخل حلقه
فعليه الكفارة والقضاء.
ولا دليل عليه، بل في المرسل كالصحيح: في الصائم يتمضمض ويستنشق،
قال: نعم ولا يبلغ (5).
وفي الموثق: عن الرجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء وهو صائم، قال:
ليس عليه شئ إذا لم يتعمد ذلك، قلت: فإن تمضمض الثانية فدخل في
حلقه الماء، قال: ليس عليه شئ، قلت: فإن تمضمض الثالثة، قال: فقال:
قد أساء وليس عليه شئ ولا قضاء (6).
وفي المنتهى لو تمضمض لم يفطر بلا خلاف بين العلماء كافة، سواء كان
في الطهارة أو غيرها، أما لو تمضمض فدخل الماء إلى حلقه، فإن تعمد
بابتلاع الماء وجب عليه القضاء والكفارة، وهو قول كل من أوجبهما بالأكل
والشرب، وإن لم يقصده بل ابتلعه بغير اختياره، فإن كان قد تمضمض
للصلاة فلا قضاء عليه ولا كفارة، وإن كان للتبرد أو العبث وجب عليه

(1) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب ما يمسك عنه الصائم انظر أحاديث الباب ج 7 ص 49 - 50.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 18.
(3) الاستبصار: ب 48 حكم المضمضة والاستنشاق ج 2 ص 95.
(4) تهذيب الأحكام: ب 55 في الكفارة في اعتماد أفطار يوم من شهر رمضان ج 4 ص 214.
(5) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 2 ج 7 ص 49، وفيه: (ولكن
لا يبالغ...).
(6) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 5 ج 7 ص 50.
381

القضاء خاصة، وهو قول علمائنا (1) انتهى.
والنص (2) الوارد بوجوب الأمرين بالتمضمض والاستنشاق لا قائل
بإطلاقه، لشموله ما إذا لم يتعد الحلق.
فينبغي تقييده بما إذا تعمد الازدراد جمعا. وتقييده بصورة التعدي خاصة
فيه اطراح لما مر من الأدلة.
وبما ذكرنا ظهر وجه سقوط الكفارة مطلقا، حتى في صورة يجب فيها
القضاء، لمخالفتها الأصل، فيقتصر فيها على مورد النص والفتوى مضافا إلى خلو
النصوص الآمرة بالقضاء عن التعرض لها أصلا، مع ورودها في مقام الحاجة.
ثم إن ظاهر ما مر من الأدلة عدم الفرق في الطهارة بين كونها فريضة،
أو نافلة، وبه صرح جماعة، ومنهم الشيخ في الخلاف (3)، مع دعواه الاجماع،
لكن نقل عن طائفة من الأصحاب الميل إلى الفرق بينهما (4)، فيجب القضاء
في الثانية، وأما الأولى فلا، واحتاط به المحقق (5) الثاني، وهو كذلك،
للصحيح: إن كان وضوؤه لصلاة فريضته فليس عليه قضاء وإن كان وضوؤه
لصلاة نافلة فعليه القضاء (6). وقريب (7) منه المقطوع.
وفي إلحاق الاستنشاق بالمضمضة في إيجاب القضاء؟ وجهان، بل، قولان،
من الأصل واختصاص الموجب له بالمضمضة، فلا يتعدى، ومن اتحادهما في

(1) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيما يوجب القضاء والكفارة ج 2 ص 579 س 21.
(2) الاستبصار: ب 48 حكم المضمضة والاستنشاق ح 3 ج 2 ص 94.
(3) الخلاف: كتاب الصوم م 76 ج 2 ص 215.
(4) منهم الشهيد في الدروس: كتاب الصوم ص 73 س 1، والشهيد الثاني في المسالك: كتاب الصوم
ج 1 ص 73 س 16، وشارح الدروس في المشارق: كتاب الصوم ص 412 س 9.
(5) جامع المقاصد: كتاب الصوم في أحكام الامساك ج 3 ص 66.
(6) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 49، مع اختلاف يسير.
(7) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 3 ج 7 ص 49.
382

المعنى، وعلى هذا ابن زهرة في الغنية (1)، مع دعواه الاجماع، وهو أحوط إن لم
نقل بكونه المتعين.
وعلى الأول السيد في المدارك (2) وصاحب الذخيرة (3)، وتردد بينهما
الفاضل في المنتهى (4).
(وفي إيجاب القضاء بالحقنة) بالمائع (قولان).
أولهما للمرتضى في الناصريات (5) نافيا الخلاف عنه، والشيخ في
الجمل (6) والاقتصاد (7) والمبسوط (8) والخلاف (9) مدعيا فيه عليه الاجماع،
وابن زهرة في الغنية (10) مدعيا له أيضا في محتمل كلامه أو ظاهره،
والقاضي (11) والحلبي (12) والماتن في موضع من الشرائع (13) والفاضل
في موضع من القواعد (14) والتحرير (15) والارشاد (16)

(1) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 509 س 19.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الصوم ج 6 ص 101.
(3) ذخيرة المعاد: كتاب الصوم فيما يكره للصائم ص 506 س 19.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيما يوجب القضاء والكفارة ج 2 ص 579 س 37.
(5) الناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الصيام م 129 ص 242.
(6) الجمل والعقود: في ذكر ما يمسك عنه الصائم ص 112.
(7) الاقتصاد: كتاب الصوم فيما يجب على الصائم اجتنابه ص 288.
(8) المبسوط: كتاب الصوم فصل في ذكر ما يمسك عنه الصائم ج 1 ص 272.
(9) الخلاف: كتاب الصوم م 73 الحقنة بالمائعات تفطر ج 2 ص 213.
(10) نفس المصدر السابق.
(11) المهذب: كتاب الصيام باب ما يفسد الصوم ويوجب القضاء والكفارة ج 1 ص 192.
(12) الكافي في الفقه: فصل في صوم شهر رمضان ص 183.
(13) شرائع الاسلام: كتاب الصوم ما يجب الامساك عنه ج 1 ص 192.
(14) قواعد الأحكام: كتاب الصوم المطلب الثاني فيما يوجب الافطار ج 1 ص 64 س 14.
(15) تحرير الأحكام: كتاب الصوم في أحكام القضاء والكفارة ج 1 ص 80 س 4.
(16) إرشاد الأذهان: كتاب الصوم ج 1 ص 296.
383

والمختلف (1)، والشهيد في الدروس (2).
ولا دليل عليه، سوى ما في المختلف من أنه قد أوصل إلى جوفه فأشبه ما لو
ابتلعه، لاشتراكهما في الاغتذاء.
والصحيح: الصائم لا يجوز له أن يحتقن (3)، لأن تعليق الحكم على الوصف
يشعر بالعلية فيكون بين الصوم والاحتقان - الذي هو نقيض المعلول - منافاة،
وثبوت أحد المتنافيين يستلزم نفي الآخر، وذلك يوجب عدم الصوم عند ثبوت
الاحتقان فوجب القضاء (4).
ويضعف الأول: بأنه قياس مع الفارق، فإن الحقنة لا تصل إلى المعدة،
ولا إلى موضع الاغتذاء، كما عن المعتبر (5).
والثاني: بأن نقيض المعلول إنما هو جواز الاحتقان لا نفسه، واللازم منه
انتفاء الصوم عند جوازه لا عند حصوله وإن كان محرما، فلم يبق إلا الاجماع المنقول.
فإن تم وإلا كان (أشبههما أنه لا قضاء) وفاقا للمرتضى في الجمل (6)
حاكيا له عن قوم، والحلي (7) والشيخ في النهاية (8) والاستبصار (9)،
والفاضل في المنتهى (10)، وشيخنا في المسالك (11)، وسبطه في المدارك (12)،

(1) مختلف الشيعة: كتاب الصوم فيما وجب الامساك عنه ج 1 ص 221 س 8 و س 9.
(2) الدروس الشرعية: كتاب الصوم ص 82 س 13.
(3) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 4 ج 7 ص 27.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الصوم فيما وجب الامساك عنه ج 1 ص 221 س 8 و س 9.
(5) المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 679.
(6) رسائل الشريف المرتضى: المجموعة الثالثة فيما يفسد الصوم وينقضه ص 54.
(7) السرائر: كتاب الصيام ما يوجب القضاء والكفارة ج 1 ص 378.
(8) النهاية: كتاب الصيام باب ما على الصائم اجتنابه... ص 156.
(9) الاستبصار: ب 41 حكم الاحتقان ح 1 ج 2 ص 83.
(10) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيما يمسك عنه الصائم ج 2 ص 567 س 17.
(11) مسالك الأفهام: كتاب الصوم ج 1 ص 73 س 13.
(12) مدارك الأحكام: كتاب الصوم ج 6 ص 64.
384

وجماعة (1) ممن تأخر عنه، وهو ظاهر العماني (2) حيث لم يذكرها في موجبات
القضاء، والإسكافي (3) حيث استحب تركها، وحكي عن المعتبر (4) أيضا،
للأصل، واستصحاب بقاء صحة الصوم.
والنهي عن الاحتقان لا يقتضي فساده، لاحتمال أن يكون حراما، لا
لكونه له مفسدا كذا عن المعتبر (5) وسلمه جملة ممن (6) تأخر عنه.
وفي الاحتمال بعد، بل الظاهر خلافه، كما يشهد له التتبع، فيمكن أن
يوجه به الافساد الموجب للقضاء، سيما مع اعتضاده بنقل الاجماع عديدا،
معتضدا بشهرة القدماء.
وكيف كان لا ريب أنه أحوط وأولى إن لم نقل بكونه متعينا.
(وكذا) لا يجب القضاء على (من نظر إلى امرأة) ونحوها أو أصغى
إليهما (فأمنى) محللة كانت، أو محرمة، إلا إذا كان معتادا للأمناء عقيب
النظر وقصد ذلك، فيجب القضاء والكفارة معا على أصح الأقوال، وأظهرها
استنادا في الأول إلى الأصل، مع عدم دليل على وجوب شئ بمجرد النظر
مطلقا مع اعتياد الامناء عقيبه من غير قصد إليه.
مع أن في الناصرية (7) والخلاف (8) الاجماع عليه، وفي الثاني إلا أنه

(1) كالفاضل الآبي في الكشف: كتاب الصوم ج 1 ص 281 - 282، والشهيد الثاني في الروضة البهية:
كتاب الصوم ج 2 ص 92.
(3) حكاه عنه العلامة في المختلف: كتاب الصوم فيما أوجب الامساك عنه ج 1 ص 221 س 6.
(3) حكاه عنه العلامة في المختلف: كتاب الصوم فيما أوجب الامساك عنه ج 1 ص 221 س 7.
(4) المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 679.
(5) نفس المصدر السابق.
(6) كالفاضل الآبي في كشف الرموز: كتاب الصوم ج 1 ص 282، والمقدس الأردبيلي في المجمع:
كتاب الصوم ج 5 ص 57، والسيد السند في المدارك: كتاب الصوم ج 6 ص 64.
(7) الناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم م 129 ص 243 س 4.
(8) الخلاف: كتاب الصوم م 50 ج 2 ص 198.
385

بقصده النظر واعتياده الامناء عقيبه متعمد له، فيشمله ما دل على وجوب
القضاء والكفارة بالاستمناء عمدا.
والذي أظنه أن هذا ليس محل خلاف لأحد في إيجابه الأمرين معا، وإنما
الخلاف في عدم وجوبهما في الأول مطلقا، كما هو خيرة السيدين (1)
والقاضي (2) والحلي (3) والفاضلين هنا وفي المعتبر (4) والشرائع (5) والارشاد (6)،
وشيخنا في المسالك (7) وسبطه في المدارك (8).
أو إذا لم يكن إلى محرم، وإلا فيجب القضاء مطلقا، كما عن الشيخين (9)
والديلمي (10)، وفي التنقيح (11) والتحرير (12) والمنتهى (13)، لكن فيهما التقييد
بشهوة خاصة، كما عن المبسوط أيضا (14)

(1) علم الهدى في الناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 243 س 3، وأما السيد ابن زهرة
فظاهره خلاف ذلك، راجع الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 509 س 9.
(2) المهذب: كتاب الصيام باب ما يجب الامساك عنه مما لا يفسد الصوم ج 1 ص 193.
(3) السرائر: كتاب الصيام فيما يجب اجتنابه على الصائم ج 1 ص 389.
(4) المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 670.
(5) شرائع الاسلام: كتاب الصوم ما يجب الامساك عنه ج 1 ص 192.
(6) إرشاد الأذهان: كتاب الصوم ج 1 ص 297.
(7) مسالك الأفهام: كتاب الصوم ج 1 ص 71 س 15.
(8) مدارك الأحكام: كتاب الصوم ج 6 ص 63.
(9) المفيد في المقنعة: كتاب الصيام باب 29 حكم الساهي والغالط في الصيام ص 359، والشيخ
في المبسوط: كتاب الصوم في ذكر ما يمسك عنه الصائم ج 1 ص 272.
(10) المراسم: كتاب الصوم أحكام الافطار في صوم الواجب ص 98.
(11) التنقيح الرائع: كتاب الصوم ج 1 ص 368.
(12) تحرير الأحكام: كتاب الصوم ج 1 ص 80 س 5.
(13) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيما يمسك عنه الصائم ج 2 ص 564 س 16.
(14) المبسوط: كتاب الصوم في ذكر ما يمسك عنه الصائم ج 1 ص 272.
386

أو إذا لم يقصد الانزال ولا كرر النظر وإلا فيجب بقصد الانزال القضاء
والكفارة معا، وبالتكرار الأول خاصة، كما في المختلف (1).
ولبعض الأصحاب هنا تفصيل آخر (2)، لم أعرف وجهه. والمستفاد من
الأصول ما حررناه.
(السادسة: تتكرر الكفارة مع) فعل موجبها ب‍ (تغاير الأيام) ولو من
رمضان واحد مطلقا بإجماعنا على الظاهر المصرح به في عبائر جماعة (3)
مستفيضا.
(وهل تتكرر بتكرر الوطء (في اليوم الواحد) (4)) خاصة دون غيره
مطلقا في المقامين، كما رواه الصدوق (5) في العيون والخصال عن مولانا الرضا
عليه السلام، والفاضل في المختلف (6) عن العماني عن زكريا بن يحيى
- صاحب كتاب شمس الذهب - عنهم عليهم السلام، أو بتكررهما مطلقا كما
هو خيرة المرتضى (7) وثاني المحققين (8) وإليه يميل ثاني الشهيدين (9)، أو مع

(1) مختلف الشيعة: كتاب الصوم ج 1 ص 223 س 6.
(2) الظاهر أنه هو صاحب المسالك: كتاب الصوم ج 1 ص 71 س 16.
(3) منهم المحقق الحلي في المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 680، والعلامة في المنتهى: كتاب الصوم فيما
يوجب القضاء والكفارة ج 2 ص 580 س 18.
(4) ما بين المعقوفتين ليس بموجود في جميع النسخ والشرح المطبوع وأثبتناه من المطبوع.
(5) عيون أخبار الرضا (ع): باب 26 ما جاء عن الرضا (ع) من الأخبار النادرة في متون شتى ح 1
ص 198، والخصال: باب العشرة ح 54 ج 2 ص 450.
(6) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في أحكام الكفارات ج 1 ص 227 س 13.
(7) لم نعثر عليه في كتب السيد المتوفرة هنا، نعم نقله العلامة في المختلف: كتاب الصوم ج 1 ص 227
س 5.
(8) جامع المقاصد: كتاب الصوم أحكام الامساك ج 3 ص 70.
(9) مسالك الأفهام: كتاب الصوم ج 1 ص 73 س 42.
387

تخلل التكفير، وإلا فلا مطلقا، كما عن الإسكافي (1)، أو مع تغاير الجنس وإلا
فلا، إلا مع تخلل التكفير فيتكرر، كما عليه الفاضل في القواعد (2) والمختلف (3)
والارشاد (4)، إلا أن فيه تخصيص التكرر بالاختلاف فقط، أو بتكرر الوطئ
مطلقا وغيره بشرط تغاير الجنس، أو تخلل التكفير، وإلا فلا، كما في
الدروس (5) واللمعة (6)، أو لا يتكرر مطلقا، كما عليه الشيخ في المبسوط (7)
والخلاف (8) وابن حمزة في الوسيلة (9) والماتن في كتبه (10) الثلاثة والفاضل في
المنتهى (11).
(قيل: نعم) مطلقا أو في الجملة على التفصيل الذي مضى لكل قائل
بحسب قوله.
(والأشبه أنها لا تتكرر) وفاقا لما مر، وتبعهم جملة (12) ممن تأخر،
للأصل، واختصاص أكثر ما دل على وجوبها من النصوص (13) بتعمد الافطار،

(1) حكاه العلامة في المختلف: كتاب الصوم في أحكام الكفارات ج 1 ص 227 س 11.
(2) قواعد الأحكام: كتاب الصوم فيما يجب بالافطار ج 1 ص 65 س 12.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في أحكام الكفارات ج 1 ص 227 س 15.
(4) إرشاد الأذهان: كتاب الصوم ج 1 ص 298.
(5) الدروس الشرعية: كتاب الصوم ص 73 س 12.
(6) اللمعة الدمشقية: كتاب الصوم ج 2 ص 99.
(7) المبسوط: كتاب الصوم في ذكر ما يمسك عنه الصائم ج 1 ص 274.
(8) الخلاف: كتاب الصوم م 38 عدم تكرار الكفارة بتكرار المفسد ج 2 ص 189.
(9) الوسيلة: كتاب الصوم في أحكام الصوم ص 146.
(10) المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 680 والشرائع: كتاب الصوم ج 1 ص 194، والمختصر النافع:
كتاب الصوم السادسة ص 67.
(11) منتهى المطلب: كتاب الصوم في ما يوجب القضاء والكفارة ح 2 ص 581 س 28.
(12) منهم الفاضل الآبي في كشف الرموز: كتاب الصوم في أحكام الصوم ج 1 ص 291، والمقدس
الأردبيلي في المجمع: كتاب الصوم في الكفارة ج 5 ص 140.
(13) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم انظر أحاديث الباب ج 7 ص 28 - 29..
388

وهو إنما يتحقق بفعل ما يحصل به المفطر ويفسد به الصوم، وهو الظاهر المتبادر
من إطلاق باقيها، فيرجع فيما عداه إلى مقتضى الأصل.
والخبران (1) الأولان غير واضحي السند، فيشكل الخروج بهما عن
مقتضاه مع ندورهما، لعدم ظهور قائل بما فيهما، لأن الأقوال التي وصلت إلينا
هي ما قدمناه، وليس هو شيئا منها، فيشكل المصير إليه ولو كان الخبر
صحيحا.
ولم نجد لشئ من الأقوال الأخر حجة ودليلا عدا ما في المختلف (2) من أمر
اعتباري ضعيف، مبني - هو كما استدل به للقول، الأول من أن تعدد الأسباب
يقتضي تعدد المسببات - على دعوى عموم أخبار الكفارة للمتكرر من موجبها
لغة، وقد عرفت ضعفها.
(ويعزر) بما يراه الحاكم (من أفطر) في شهر رمضان عالما عامدا، لكن
(لا مستحلا) بل معتقدا للعصيان (مرة، و) إن لم ينجع فيه ذلك، بل عاد
(ثانية) عزر أيضا (فإن) لم ينجع فيه أيضا و (عاد ثالثة قتل) فيها، وفاقا
للأكثر، كما في المدارك (3) والذخيرة (4)، وفي غيرهما (5) أنه المشهور بين
الأصحاب، لموثقة سماعة - المضمرة -: عن رجل أخذ في شهر رمضان وقد أفطر
ثلاث مرات وقد رفع إلى الإمام ثلاث مرات، قال: فليقتل في الثالثة (6)،

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 - 2 ج 7 ص 36 - 37.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في أحكام الكفارات ج 1 ص 227 س 11.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الصوم ج 6 ص 116.
(4) ذخيرة المعاد: كتاب الصوم ص 512 س 25.
(5) كالمحدث البحراني في الحدائق: كتاب الصوم في عقوبة من أفطر عامدا في شهر رمضان ج 13
ص 239.
(6) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 2 ج 7 ص 179، مع اختلاف يسير.
389

مضافا إلى عموم الصحيح أصحاب الكبائر إذا أقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في
الثالثة (1).
وقيل: يقتل في الرابعة (2)، لما رواه الشيخ عنهم عليهم السلام مرسلا: أن
أصحاب الكبائر يقتلون فيها (3).
وهو أحوط، وإن كان الأول أظهر للتعدد واعتبار السند مضافا إلى
أخصية الموثق (4)، واعتضاده بالصحيحة (5) والشهرة.
واحترز بقوله: (لا مستحلا) عما لو كان مستحلا، فإنه مرتد إجماعا إن
كان ممن عرف قواعد الاسلام وكان إفطاره بما علم تحريمه من دين الاسلام
ضرورة، كالأكل والشرب المعتادين والجماع قبلا.
ولا يكفر المستحل بغيره، خلافا للحلبي (6) فيكفر، ولا دليل له يظهر.
هذا إذا لم تدع الشبهة المحتملة في حقة، وإلا درئ عنه الحد.
وفي الصحيح: عن رجل شهد عليه شهود أنه أفطر في شهر رمضان ثلاثة
أيام، قال: يسئل هل عليك في إفطارك إثم، فإن قال: لا فإن على الإمام أن
يقتله، وإن قال نعم فإن على الإمام أن ينهكه ضربا (7).
واعلم أنه إنما يقتل في الثالثة أو الرابعة لو رفع إلى الإمام وعزر في كل

(1) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب مقدمات الحدود ح 1 ج 18 ص 313، وفيه: (أصحاب الكبائر
كلها).
(2) قاله المقدس الأردبيلي في المجمع: كتاب الصوم في الكفارة ج 5 ص 150.
(3) كما في المبسوط: كتاب المرتد حكم تارك الصلاة ج 7 ص 284.
(4) نفس المصدر السابق.
(5) نفس المصدر السابق.
(6) الكافي في الفقه: في صوم شهر رمضان ص 183.
(7) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 1 ج 7 ص 178.
390

مرة، وإلا فإنه يجب عليه التعزيز خاصة كذا عن التذكرة (1)، واستحسنه
جماعة، وهو كذلك، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن من الفتوى
والرواية.
(السابعة: من وطئ زوجته مكرها لها لزمه كفارتان ويعزر دونها) (3)
هو بخمسين سوطا، ولا شئ عليها حتى القضاء بلا خلاف، إلا من العماني
فأوجبه عليها (4)، وهو مع ندوره لم أعرف له مستندا، بعد فرض كونها مكرهة،
بناء على ما مر من صحة صوم المكره، وأنه لا شئ عليه أصلا.
(ولو طاوعته) ولو في الأثناء (كان على كل واحد منهما كفارة) عن
نفسه زيادة على القضاء (ويعزران) أي كل منهما بنصف ما مضى، بلا
خلاف ولا إشكال في هذا، لاقدام كل منهما على الموجب اختيارا، وإنما هما في
اجتماع الكفارتين على المكره لها، لمخالفته الأصول، بناء على أنه لا كفارة
ولا قضاء على المكرهة لصحة صومها.
فلا وجه لتحمل الكفارة عنها، ولذا نفى عنه العماني الكفارة عنها، كما
عزاه في المختلف (5) إلى ظاهره، ولكن باقي الأصحاب على خلافه.
وإيجابهما عليه للنص: في رجل أتى امرأته وهو صائم وهي صائمة، فقال: إن
استكرهها فعليه كفارتان، وإن كانت طاوعته فعليه كفارة وعليها كفارة،
وإن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطا نصف الحد، وإن كانت طاوعته

(1) تذكرة الفقهاء: كتاب الصوم ج 1 ص 265 س 22.
(2) منهم السيد السند في المدارك: كتاب الصوم ج 6 ص 116، وشارح الدروس في المشارق: كتاب
الصوم ص 421 س 6.
(3) ليس في جميع النسخ والشرح المطبوع، وأثبتناه من المتن المطبوع.
(4) حكاه عنه العلامة في المختلف: كتاب الصوم فيما أوجب الامساك عنه ح 1 ص 223 س 19.
(5) مختلف الشيعة: كتاب الصوم فيما أوجب الامساك عنه ج 1 ص 223 س 25.
391

ضرب خمسة وعشرين سوطا وضربت خمسة وعشرين سوطا (1).
وضعف السند مجبور بعمل الأكثر، بل الاجماع كما في الخلاف (2) وفي
المنتهى (3) والتنقيح (4).
وعن المعتبر أنها وإن كانت ضعيفة السند، إلا أن أصحابنا ادعوا الاجماع
على صحة مضمونها، مع ظهور الفتوى بها ونسبة الفتوى إلى الأئمة
عليهم السلام، وإذا عرفت ذلك لم يعتد بالناقلين، إذ لم يعلم أقوال أرباب
المذاهب بنقل اتباعهم وإن استندت في الأصل إلى الضعفاء (5) انتهى. وهو
حسن.
وإطلاق الرواية - بل عمومها الناشئ عن ترك الاستفصال - يقتضي عدم
الفرق في المرأة بين كونها زوجة دائمة أو منقطعة، وبه صرح جماعة (6) من غير
خلاف بينهم أجده.
وفي التحمل - عن الأمة والأجنبية، وتحمل المرأة لو أكرهته، وتحمل
الأجنبي لو أكرههما، والنائمة - اختلاف بين الأصحاب وإشكال.
ومقتضى الأصل العدم، حتى في الأمة والأجنبي، لمنع الأولوية في
الأخير، بعد قوة احتمال مانعية عظم الذنب قبوله للتكفير، سيما مع وجود
النظير، ومنع صدق المرأة مضافة إليه حقيقة على الأمة عرفا وعادة.

(1) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 37.
(2) الخلاف: كتاب الصوم م 27 حكم من زنى بامرأة في شهر رمضان ج 2 ص 183.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيما يوجب القضاء والكفارة ج 2 ص 571 س 6.
(4) التنقيح الرائع: كتاب الصوم ج 1 ص 370.
(5) المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 681، مع اختلاف في نقل العبارة.
(6) منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد: كتاب الصوم في أحكام الامساك ج 3 ص 70، والشهيد
الثاني في المسالك: كتاب الصوم ج 1 ص 74 س 6.
392

ولكن الأحوط التحمل في الجميع، ولا سيما ما صرحنا فيه بالعدم، لقوة
الشبهة فيه، خصوصا الأمة، لتسميتها امرأة حقيقة لغة (1)، وهو مقدم على
العرف والعادة على قول جماعة (2) لا يخلو عن قوة.
(الثالث)
في بيان (من يصح منه) الصوم
(و) اعلم أنه (يعتبر في) صحة صوم (الرجل العقل والاسلام وكذا)
يعتبران (في) صوم (المرأة
مع) شرط وهو (اعتبار الخلو من الحيض
والنفاس).
(فلا يصح من الكافر) بأنواعه لعدم تأتي قصد القربة وامتثال الأمر
به منه، لانكاره له، مع أنه شرط في الصحة إجماعا نصا وفتوى، فإذا انتفى
الشرط انتفى المشروط تحقيقا للشرطية (وإن وجب عليه) عندنا، بناء على
أنه مكلف بالفروع، كما حقق في محله مستقصى، وفي المنتهى أنه مذهب
علمائنا أجمع (3).
(ولا من المجنون).
قال في المنتهى: لأن التكليف يستدعي العقل، لأن تكليف غير العاقل
قبيح، ولقوله عليه السلام: وعن المجنون حتى يفيق، ولا يؤمر بالصوم كما يؤمر
الصبي به بلا خلاف، لأنه غير مميز بخلاف الصبي فإنه مميز، فكان للتكليف
في حقه فائدة، بخلاف المجنون هذا إذا كان جنونه مطبقا.

(1) لم نعثر عليه في كتب اللغة نعم ذكره الفاضل السيوري في التنقيح: كتاب الصوم ج 1 ص 370.
(2) كالعلامة في المختلف: كتاب الصوم فما أوجب الامساك عنه ج 1 ص 223 س 33، وفخر المحققين
في الايضاح: كتاب الصوم فيما يجب بالافطار ح 1 ص 229.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيمن يصح منه الصوم ج 2 ص 585 س 9.
393

أما لو أفاق وقتا دون وقت، فإن كان إفاقته يوما كاملا وجب عليه
الصيام فيه، لوجود المقتضي بشرطه، وهو العقل (ذلك اليوم وعدم المانع وهو
عدم التعقل) (1) ولأن صوم كل يوم عبادة بانفراده فلا يؤثر فيه ما يزيل الحكم
عن غيره (2).
(و) لا من (المغمى عليه ولو سبقت منه النية على الأشبه) وعليه
الأكثر، كما في المنتهى (3) وغيره (4)، وفي شرح الشرائع (5) للصيمري
والذخيرة (6) أنه المشهور بين الأصحاب.
قيل: لأن زوال العقل مسقط للتكليف، فلا يصح منه مع السقوط وأن
كلما أفسد الصوم إذا وجد في جميعه أفسده إذا وجد في بعضه كالجنون
والحيض، وأن سقوط القضاء يستلزم سقوط الأداء في الصوم، والأول ثابت على
ما يأتي، فيثبت الثاني (7).
وأجيب عن الأول بمنع الكبرى مستندا بالنائم، وعن الثاني بمنع كون
الاغماء في جميع النهار مع سبق النية مفسدا للصوم فإنه أول البحث، وعن
الثالث بمنع الاستلزام المذكور (8).
وهذه الأجوبة حسنة، إلا الأول، لابتنائه على عدم الفرق بين النوم
والاغماء، مع أن الفرق بينهما واضح، كما نبه عليه جماعة، منهم شيخنا في

(1) ما بين المعقوفتين ليس موجود في المصدر ولعله أضافه المصنف لتوضيحه.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيمن يصح منه الصوم ج 2 ص 585 س 3.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيمن يصح منه الصوم ج 2 ص 585 س 26.
(4) كالسيد السند في المدارك: كتاب الصوم ج 6 ص 139.
(5) لا يوجد الكتاب.
(6) ذخيرة المعاد: كتاب الصوم ص 525 س 13.
(7) قاله العلامة في المنتهى: كتاب الصوم فيمن يصح منه الصوم ج 2 ص 585 س 28.
(8) كما عن المحدث البحراني في الحدائق: كتاب الصوم هل الاغماء مخل بصحة الصوم ح 13 ص 167.
394

المسالك (1)، وقد أطنب الكلام فيه بما لا مزيد عليه، وأشار بالأشبه إلى
خلاف المفيد (2) والمرتضى (3)، حيث صححا صومه مع سبق النية، ونفيا عنه
القضاء حينئذ.
ولا دليل عليه يعتد به، مع أنه لا ثمرة بين القولين بالنسبة إلى القضاء،
لاتفاقهما على نفيه، بل سيأتي أن الأظهر الأشهر عدم وجوبه عليه مطلقا ولو لم
يسبق منه النية.
نعم تحصل الثمرة فيما لو أفطر عامدا في نهار نوى صومه ثم أغمي في بعضه
فتجب الكفارة عليه على الثاني دون الأول، وهو الأقرب، ويعضده - زيادة
على ما دل على صحة - الأصل.
(ولا من الحائض والنفساء) باتفاق العلماء، كما عن المعتبر (4)
والمنتهى (5)، والنصوص به (6) مستفيضة جدا.
فالحكم بذلك مطلق (ولو) في صورة (صادف ذلك) أي الدم المدلول
عليه بالمقام، (أول من النهار، أو آخر جزء منه) وفي المنتهى أنه
لا خلاف فيه بين العلماء.
قال: ويدل عليه ما تقدم من الأحاديث.
لا يقال: قد روى الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:

(1) مسالك الأفهام: كتاب الصوم ج 1 ص 74 س 37.
(2) المقنعة: كتاب الصيام ب 24 في حكم المغمى عليه وصاحب المرة والمجنون في الصيام ص 352.
(3) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصوم في حكم من أسلم أو بلغ أو جن أو أغمي عليه
في شهر رمضان ج 3 ص 57.
(4) المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 683.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيمن يصح منه الصوم ج 2 ص 585 س 10.
(6) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب ما يصح منه الصوم لاحظ أحاديث الباب ج 7 ص 162 - 164،
والباب 26 من نفس الأبواب ح 1 ج 7 ص 164.
395

إن عرض للمرأة الطمث في شهر رمضان قبل الزوال فهي في سعة أن تأكل
وتشرب، وإن عرض لها بعد الزوال فلتغتسل ولتعتد بصوم ذلك اليوم ما لم
تأكل وتشرب.
لأنا نمنع صحة سنده، إذ في طريقه علي بن فضال وهو فطحي، قال
الشيخ هذا الحديث وهم من الراوي، لأنه إذا كان رؤية الدم هو المفطر فلا
يجوز لها أن تعتد بذلك اليوم، وإنما يستحب لها أن تمسك بقية النهار تأديبا
إذا رأت الدم بعد الزوال، لما رواه محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر
عليه السلام عن المرأة ترى الدم غدوة أو ارتفاع النهار أو عند الزوال؟ قال:
تفطر، وإن كان بعد العصر أو بعد الزوال فلتمض على صومها، ولتقض ذلك
اليوم (1).
(ولا يصح من الصبي غير المميز (2) ويصح) الصوم (من الصبي المميز)
وفاقا للشيخ (3) وجماعة، ومنهم الفاضلان (4)، بل يظهر من ثانيهما في المنتهى
عدم خلاف فيه بيننا.
فإنه قال: ولا خلاف بين أهل العلم في شرعية ذلك، لأن النبي صلى
الله عليه وآله أمر ولي الصبي بذلك، ومن طرق الخاصة ما رواه الشيخ في
الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إنا نأمر صبياننا
بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين ما أطاقوا من صيام اليوم، فإذا غلبهم

(1) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيمن يصح منه الصوم ج 2 ص 585 س 19.
(2) لا توجد هذه الجملة: في جميع النسخ والشرح المطبوع وأثبتناه من المتن المطبوع.
(3) كما في المبسوط: كتاب الصوم في ذكر حقيقة الصوم ج 1 ص 266، والنهاية: كتاب الصيام باب
ماهية الصوم ص 149.
(4) المحقق في المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 683 والعلامة في التذكرة: كتاب الصوم في شرائط صحة
الصوم ج 1 ص 266 س 38.
396

العطش أفطروا، ولأن فيه تمرينا على الطاعة ومنعا عن الفساد، فكان شرعه
ثابتا في نظر الشرع إذا ثبت ذلك، فإن صومه صحيح شرعي ونيته صحيحة
شرعية.
وينوي الندب، لأنه الوجه الذي يقع عليه فلا ينوي غيره، وقال أبو
حنيفة: إنه ليس شرعي، وإنما هو إمساك عن المفطرات، وفيه قوة.
وكذا المرأة تؤمر بالصيام قبل سن البلوغ، وهو تسع أو الانزال أو الحيض
- على ما يأتي - لأن المقتضي في الصبي موجود فيه فثبت الأثر (1) انتهى.
لكنه - زيادة على تقويته الخلاف هنا - خالف صريحا في المختلف (2)،
ووافق ما قواه.
قال: لأن التكليف مشروط بالبلوغ، ومع انتفاء الشرط ينتفي المشروط،
وهو خيرة ولده في الايضاح (3) وغيره (4).
وهو غير بعيد، لقوة دليله، وضعف ما استدل به على خلافه.
أما الأول: فلعموم رفع (5) القلم الشامل للندب أيضا. وما يقال (6) في
الجواب: من اختصاصه بالوجوب والمحرم، فغير واضح الوجه.
وأما الثاني: فلأن أمر الولي بأمر الصبي بالصيام ليس أمرا له به. وعلى
تقدير التسليم فالذي يظهر من جملة من النصوص أنه أمر تأديب.

(1) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيمن يصح منه الصوم ج 2 ص 584 س 35، مع اختلاف في نقل
العبارة.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ح 1 ص 153 س 18.
(3) إيضاح الفوائد: كتاب الصوم في وقت الامساك ج 1 ص 243.
(4) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد: كتاب الصوم أحكام الامساك ج 3 ص 82.
(5) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب مقدمة العبادات ح 11 ج 1 ص 32.
(6) كما عن المحدث البحراني في الحدائق: كتاب الصوم هل عبادة الصبي شرعية أم تمرينية ج 13
ص 54.
397

ففي رواية الزهري (1)، والفقه الرضوي: وأما صوم التأديب فإنه يؤمر
الصبي إذا بلغ سبع سنين بالصوم تأديبا وليس ذلك بفرض، وزاد في الأخير
وإن لم يقدر إلا نصف النهار يفطر إذا غلبه العطش، وكذلك من أفطر لعلة
أول النهار ثم نوى بقية يومه أمر بالإمساك بقية يومه تأديبا، وليس بفرض
وكذلك المسافر إذا أكل من أول النهار ثم قدم أهله أمر بقية يومه بالإمساك
تأديبا وليس بفرض (2)، وزاد في الأولى، وكذلك الحائض إذا طهرت أمسكت
بقية يومها (3).
ونحوهما في التصريح بالتأديب رواية أخرى مروية في الوسائل (4) عن
الخصال (5).
وظاهرها - سيما بعد ضم الزيادات - أنه ليس بصوم حقيقي، بل هو إمساك
بحت.
وأما ما يستدل للصحة بإطلاق الأمر، فقد أجاب عنه في الذخيرة (6) بأنه
للايجاب، والظاهر عدم تعلقه بالصبيان.
أقول: ولو أريد به الأوامر المستحبة ففيه أولا: أنها منساقة لبيان أصل
الاستحباب، وأما من يستحب له فالمتضمن لها بالنسبة إليه مجملة.

(1) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب من يصح منه الصوم ح 4 ج 7 ص 168، مع اختلاف يسير.
(2) فقه الرضا (ع): ب 29، ب في الصوم ص 202.
(3) هذه الزيادة في الخبر أوردها الشيخ (قده) في التهذيب: ب 67 وجوه الصيام ح 1 ج 4 ص 296، مع أنه رواه الكليني في الكافي: كتاب الصيام باب وجوه الصوم ح 1 ج 4 ص 83، والصدوق في الفقيه:
باب وجوه الصوم ح 1784 ج 2 ص 77 بدون هذه الزيادة، وكذا العاملي في الوسائل: ج 7 ص 168.
(4) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب من يصح منه الصوم ح 13 ج 7 ص 170.
(5) الخصال: أبواب الخمسة عشر ح 3 ج 2 ص 501.
(6) ذخيرة المعاد: كتاب الصوم ص 530 س 13.
398

مع أنه يمكن أن يقال: إن المتبادر منها بالنسبة إليه من عدا الصبيان.
ويتفرع على الخلاف فروع منها: ما لو بلغ في أثناء النهار قبل الزوال بغير
المبطل، فعلى الصحة يجب الاتمام، وعلى عدمها فلا.
ومنها: ما لو وقف للصائمين فيعطى الصبيان على الأول دون الثاني.
(و) يصح (من المستحاضة مع فعل ما يجب عليها من الأغسال)
الثلاثة في الكثيرة والغسل الواحد في المتوسطة، بلا خلاف ولا ريبة فتوى
ورواية (1).
(ويصح من المسافر في النذر المعين المشترط سفرا وحضرا) أو سفرا
خاصة (على قول مشهور) ذهب إليه الشيخان (2) والاتباع (3) على ما حكاه
عنهم جماعة من غير نقل مخالف لهم بالكلية، فإن تم إجماعا، كما هو ظاهر
المنتهى (4) حيث نفى الخلاف عنه، وصريح غيره (5) حيث ادعى اتفاق
الأصحاب عليه.
وإلا ففيه إشكال، لعدم وضوح مستنده، عدا الموثق: عن الرجل يجعل لله
تعالى عليه صوم يوم مسمى، قال: يصوم أبدا في السفر والحضر (6).
والمكاتبة الصحيحة: كتب إليه بندار مولى إدريس يا سيدي نذرت أن
أصوم كل يوم سبت فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب

(1) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب من يصح منه الصوم ح 1 ج 7 ص 164.
(2) المفيد في المقنعة: كتاب الصيام ب 22 في حكم المسافرين في الصيام ص 350، والشيخ في المبسوط:
كتاب الصوم في حكم المريض والمسافر ج 1 ص 284.
(3) كالمحقق في الشرائع: كتاب الصوم من يصح منه الصوم ج 1 ص 197.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصوم في الزمان الذي يصح صومه ج 2 ص 586 س 26.
(5) كما عن المحدث البحراني في الحدائق: كتاب الصوم ما يستثنى من المنع من الصوم في السفر
ج 13 ص 191.
(6) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب من يصح منه الصوم ح 7 ج 7 ص 141، مع اختلاف يسير.
399

عليه السلام وقرأته: لا تتركه إلا من علة، وليس عليك صومه في سفر ولا
مرض، إلا أن تكون نويت ذلك (1).
وفيهما نظر، لاطلاق الأول، وشموله ما لم يقيده بالسفر ولم يقولوا به عدا
المرتضى (2)، وهو نادر، ومع ذلك معارض بأجود منه، وإضمار الثاني
واشتماله على ما لم يقل به أحد من وجوب الصوم في المرض إذا نوى ذلك.
ولعله لذا ضعف الماتن الرواية في المعتبر، فقال: ولمكان ضعف هذه
الرواية جعلناه قولا مشهورا (3) وإلا فهي صحيحة السند، ولا يضر جهالة
المكاتب، لأن مقتضى الرواية أخبار الثقة بقراءة المكتوب.
والأحوط عدم التعرض لايقاع مثل هذا النذر، ولو أوقع فالعمل على
المشهور، للاجماع المنقول الجابر لضعف الرواية.
(و) يصح منه (في ثلاثة أيام لدم المتعة، وفي بدل البدنة) وهو
ثمانية عشر يوما (لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامدا)، كما سيأتي،
بيانهما مع المستند في كتاب الحج إن شاء الله تعالى.
(ولا يصح) منه (في واجب غير ذلك على الأظهر) الأشهر، بل عليه
عامة (4) من تأخر، للمعتبرة (5) المستفيضة القريبة من التواتر، بل لعلها متواترة،
وفيها الصحاح والموثقات وغيرها، وهي ما بين عامة لجميع الواجبات وخاصة
بجملة منها، كالنذر وغيره.

(1) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب من يصح منه الصوم ح 1 ج 7 ص 139، وفيه تكملة.
(2) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصوم في حكم المسافر والمريض ج 3 ص 56.
(3) المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 684.
(4) منهم العلامة في القواعد: كتاب الصوم في وقت الامساك وشرائطه ج 1 ص 67 س 24، والشهيد
في الدروس: كتاب الصوم ص 71 س 16.
(5) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب من يصح منه الصوم انظر أحاديث الباب ج 7 ص 142 - 143.
400

خلافا للمرتضى (1) في النذر المعين وإن لم يقيد بالسفر لما مر وجوبه قد
ظهر، وللمفيد (2) فيما حكاه عنه الفاضلان في المعتبر (3) والمختلف (4) وغيرهما (5)
في مطلق الواجب عدا رمضان، وللصدوقين (6) في جزاء الصيد.
وهذه الأقوال - مع ندورها ومتروكيتها، كما صرح به في الدروس (7)
والمنتهى (8) - لم أقف على دليل على شئ منها، فلا إشكال في ضعفها.
(إلا أن يكون سفره أكثر من حضره أو يعزم الإقامة عشرة) أيام
فإنه يصوم في المقامين وما في حكمهما قطعا، كما أنه يتم الصلاة فيهما.
وأما المندوب: ففيه أقوال ثالثها الكراهة، وعليها الأكثر (9)، عملا
بالخبرين (10) الصريحين في الجواز، إلا أنهما ضعيفا السند غير معلومي الجابر، حتى
الشهرة، لكونها متأخرة.
وأما القديمة: فهي على المنع مطلقا، كما يستفاد من المفيد في المقنعة (11)

(1) لم نعثر عليه في كتب السيد هنا، نعم نقله عنه العلامة في المختلف: كتاب الصوم ج 1 ص 229
س 21.
(2) لم نعثر على رأي كهذا للمفيد، راجع المقنعة: كتاب الصيام ب 22 في حكم المسافرين ص 350.
و ب 30 في قضاء شهر رمضان وحكم من أفطر فيه ص 361، ونقله عنه الفاضلان فيما يأتي.
(3) المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 685.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الصوم فيمن يصح منه الصوم ج 1 ص 229 س 5.
(5) كالمنتهى: كتاب الصوم في الزمان الذي يصح صومه ج 2 ص 586 س 29.
(6) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم باب تقصير المسافر في الصوم ص 17 س 14.
(7) الدروس الشرعية: كتاب الصوم ص 71 س 18.
(8) منتهى المطلب: كتاب الصوم في الزمان الذي يصح صومه ج 2 ص 586 س 29.
(9) منهم المحقق في المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 684، والعلامة في المختلف: كتاب الصوم فيمن يصح
منه الصوم ج 1 ص 230 س 14، والمحقق الثاني في جامع المقاصد: كتاب الصوم في أحكام الامساك
ج 3 ص 83.
(10) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب من يصح منه الصوم ح 4 - 5 ج 7 ص 144 - 145.
(11) المقنعة: كتاب الصيام ب 22 حكم المسافرين في الصيام ص 350.
401

فيشكل الخروج بهما عن مقتضى إطلاق النصوص المستفيضة.
وخصوص جملة كالصحيح: عن الصيام بمكة والمدينة ونحن في سفر، قال:
فريضة: قلت: لا، ولكنه تطوع كما تتطوع بالصلاة، فقال: تقول اليوم وغدا،
قلت: نعم، قال: لا تصم (1).
والموثق: إذا سافر فليفطر، لأنه لا يحل له الصوم في السفر فريضة كان، أو
غيره، والصوم في السفر معصية (2).
لكن ربما يقال: إن المفهوم من الصحيحة الفرق بين الصوم الفريضة
والنافلة، لسؤاله عليه السلام في مقام الجواب عن كون صومه أيهما، ولولا
الفرق لاتجه الجواب به بلا تصم مطلقا من غير استفسار، فهو أوضح شاهد
على الفرق، وليس إلا كون النهي في النافلة للكراهة، إذ لا فارق آخر بينهما
غيره إجماعا.
فما عليه الأكثر لعله أظهر، سيما مع تأيده بصريح الخبرين (3).
والصحيح: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: كان أبي يصوم عرفة في
اليوم الحار في الموقف وما مر بظل مرتفع فيضرب له فيغتسل ما يبلغ منه
الحر (4).
وأن ضعف دلالة هذا باحتمال كون صومه عليه السلام لعدم بلوغ المسافة
حدا يجب فيه التقصير. فتدبر.
وكيف كان، فلا ريب أن المنع مطلقا أحوط، إلا ثلاثة أيام الحاجة عند

(1) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب من يصح منه الصوم ح 2 ج 7 ص 144، مع اختلاف يسير.
(2) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب من يصح منه الصوم ح 8 ج 7 ص 141.
(3) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب من يصح منه الصوم ح 4 - 5 ج 7 ص 144 - 145.
(4) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب من يصح منه الصوم ح 3 ج 7 ص 144، وذكره الشيخ بتمامه في
الاستبصار: كتاب الصيام ب 77 صوم يوم عرفة ح 2 ج 2 ص 133، وفيه: (ويأمر بظل.).
402

قبر النبي صلى الله عليه وآله، للصحيح (1).
وألحق المفيد (2) مشاهد الأئمة عليهم السلام، والصدوقان (3) والحلي (4)
الاعتكاف في المساجد الأربعة، ولم أعرف دليلهما.
(والصبي المميز) وكذا الصبية فيما قطع به الأصحاب (يؤخذ ب‍) الصوم
(الواجب لسبع) سنين (استحبابا مع الطاقة) وفاقا لجماعة، ومنهم الشيخ
في المبسوط (5)، والماتن في الشرائع (6)، والفاضل في المختلف (7) والقواعد (8)،
والشهيدان في الدروس (9) واللمعتين (10).
ولكن جعل جملة (11) منهم السبع مبدأ التشديد ومبدأ الأخذ قبله.
ومستندهم مطلقا غير واضح، عدا الصحيح: إنا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا

(1) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب المزار ح 1 ج 10 ص 274.
(2) المقنعة: كتاب الصيام ب 22 حكم المسافرين في الصيام ص 350.
(3) المقنع: (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم باب تقصير المسافر في الصوم ص 17 س 15.
(4) السرائر: كتاب الصيام في حكم المسافر والمريض وغيرهما ج 1 ص 394.
(5) المبسوط: كتاب الصوم في حقيقة الصوم وشرائطه ووجوبه ج 1 ص 266، ولكن رأي الشيخ على التسع
لا السبع، كما نقل السيد كما في النهاية، ولم ينقل رواية السبع إلا في الاستبصار: ب 68، حتى يجب
على الصبي الصيام ح 3 ج 2 ص 123، وهي مشتملة على التسع أيضا، وكذا التهذيب والكافي، إلا إن
العلامة نقل الرواية بدون تفرقة بين صبيان أهل البيت (ع) وصبيان غيرهم، راجع المختلف:
كتاب الصوم في مباحث حقيقة أحكامه ج 1 ص 234 س 5.
(6) شرائع الاسلام: كتاب الصوم فيمن يصح منه الصوم ج 1 ص 198.
(7) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في مباحث حقيقة الصوم وأحكامه ج 1 ص 234 س 4.
(8) قواعد الأحكام: كتاب الصوم في وقت الامساك وشرائطه ج 1 ص 68 س 6.
(9) الدروس الشرعية: كتاب الصوم ص 71 س 4.
(10) الشهيد الأول في اللمعة الدمشقية: كتاب الصوم ج 2 ص 105، والشهيد الثاني في الروضة البهية
كتاب الصوم ج 2 ص 105.
(11) كالمحقق في الشرائع: كتاب الصوم فيمن يصح منه الصوم ج 1 ص 198.
403

بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم ما كان إلى نصف النهار وأكثر من
ذلك وأقل، وإذا غلبهم العطش والغرث أفطروا حتى يتعودوا الصوم ويطيقوه،
فمروا صبيانكم إذا كانوا أبناء تسع سنين بما أطاقوا من صيام، فإذا غلبهم
العطش أفطروا (1).
وظاهره اختصاص السبع بأولادهم، وأن غيرهم إنما يأمرون لتسع، كما
عليه الشيخ في النهاية (2) والصدوقان (3) وغيرهما، ودل عليه أيضا جملة من
النصوص، كالرضوي (4) والمرسل (5)، ولعله الأقوى.
وللمفيد قول (6) بأنه يؤخذ به إذا بلغ الحلم، أو قدر على صيام ثلاثة أيام
تباعا، للقوي.
في الصحيح: في كم يؤخذ الصبي من الصيام؟ قال: ما بينه وبين خمس
عشرة سنة وأربع عشرة سنة، فإن هو صام قبل ذلك فدعه (7).
وفي الموثق: عن الصبي متى يصوم؟ قال: إذا قوى على الصيام (8). ونحوه
غيره (9).

(1) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب من يصح منه الصوم ح 3 ج 7 ص 167، مع اختلاف يسير في
النقل.
(2) النهاية: كتاب الصيام باب ماهية الصوم ومن يجب عليه ذلك ص 149.
(3) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم باب الوقت الذي يؤخذ الصبي فيه بالصوم ص 16 س 37.
(4) فقه الرضا (ع): ب 30 في نوافل شهر رمضان ودخوله ص 211
(5) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب من يصح منه الصوم ح 11 ج 7 ص 169.
(6) المقنعة: كتاب الصيام ب 30 في قضاء شهر رمضان وحكم من أفطر فيه على التعمد والنسيان
ص 360.
(7) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب من يصح منه الصوم ح 1 ج 7 ص 167، مع اختلاف يسير في
النقل.
(8) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب من يصح منه الصوم ح 10 ج 7 ص 169.
(9) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب من يصح منه الصوم ح 2 ج 7 ص 167.
404

وربما يقال: إن الذي يتلخص من الجمع بين الأخبار - بعد ضم بعضها
إلى بعض - هو أن مراتب الأطفال - في القوة والضعف والإطاقة وعدمها -
متفاوتة، وبلوغ التسع أعلى المراتب، بمعنى إمكان ذلك وتيسره من الجميع،
وأما ما قبلها فالمراتب فيه متفاوتة، فبعض، يكلف قبل السبع لاطاقته ذلك،
وبعض بوصولها وبعض بعدها.
وهو قريب من الصواب، ومرجعه إلى العمل بالموثقة (1)، وما في معناها من
تحديد وقت الأخذ بالطاقة، وإرجاع ما تضمن التحديد بسبع أو تسع إليها،
بحملها على الغالب من حصول الطاقة بهما، لا أنهما حدان لا يستحب التمرين
قبلهما.
وربما يفهم هذا من المنتهى، فإنه قال: ويؤخذ الصبي بالصوم إذا أطاقه،
ثم قال: قال الشيخ: وحده إذا بلغ تسع سنين، ويختلف حاله بحسب المكنة
والطاقة (2).
(ويلزم به) كل منهما (عند البلوغ) إجماعا فتوى ودليلا.
(ولا يصح) (3) الصوم (من المريض مع التضرر به) ولو بخوف زيادة
المرض بسببه، أو بطئ برئه، أو بحصول مشقة لا يتحمل مثلها عادة، أو
بحدوث مرض آخر، بالكتاب والسنة والاجماع.
قال سبحانه: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام
أخر) (4).
وفي الصحيح: الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر وقال

(1) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب من يصح منه الصوم ح 8 ج 7 ص 169.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيمن يصح منه الصوم ج 2 ص 584 س 34.
(3) في المتن المطبوع: (فلا يصح).
(4) سورة البقرة: الآية - 184 -.
405

عليه السلام، كلما أضر به الصوم فالافطار له واجب (1).
(ويصح لو لم يتضرر) به بإجماعنا، وفي المنتهى أن عليه أكثر العلماء،
وحكى عن قوم لا اعتداد بهم إباحة الفطر بكل مرض، سواء زاد في المرض،
أو لم يزد (2).
والأصل عليه - بعد عمومات - (3) وجوب الصوم على من شهد الشهر، مع
اختصاص إطلاق ما دل على الفطر بالمرض بحكم التبادر - الموجب عن الغالب
بالمضر منه لا مطلقا مضافا إلى فحاوي جملة من النصوص الواردة في المسألة.
(و) منها ما دل على أنه (يرجع في ذلك) أي المرض المبيح للافطار
وغيره (إلى نفسه) وهي مستفيضة.
منها الصحيح: ذاك إليه هو أعلم بنفسه إذا قوي فليصم (4). ونحوه آخر
بزيادة (5) قوله: بل الانسان على نفسه بصيرة.
الموثق: هو مؤتمن عليه مفوض إليه فإن وجد ضعفا فليفطر وإن وجد قوة
فليصمه كان المرض ما كان (6).
وفي آخر إذا صدع صداعا شديدا وإذا حم حمى شديدة وإذا رمدت عيناه
رمدا شديدا فقد حل له الافطار (7). إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة والمعتبر
القطع بالتضرر أو الظن به.

(1) من لا يحضره الفقيه: باب حد المرض الذي يفطر صاحبه ح 1945 - 1946 ج 2 ص 132.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصوم في شرائط الصوم ج 2 ص 596 س 20.
(3) سورة البقرة: الآية - 185 -.
(4) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب من يصح منه الصوم ح 3 ج 7 ص 156.
(5) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب من يصح منه الصوم ح 5 ج 7 ص 157.
(6) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب من يصح منه الصوم ح 4 ج 7 ص 156.
(7) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب من يصح منه الصوم ح 6 ج 7 ص 157.
406

وفي الاحتمال المساوي إشكال، وعمومات نفى الحرج في الدين، وإرادة
اليسر دون العسر في الشرع المبين لعلها ترجح الافطار به، كما رجحه
بعض (1) المتأخرين.
(الرابع)
(في أقسامه)،
أي أقسام مطلق الصوم المتناول للصحيح والفاسد.
(وهي أربعة: واجب وندب ومكروه ومحظور) على ما سيأتي بيانها.
(فالواجب ستة): - بحكم الاستقراء وتتبع الأدلة الشرعية - صوم (شهر
رمضان، و)، صوم (الكفارات، و) (2) صوم (دم المتعة، و) صوم (النذر
وما في معناه) من العهد واليمين (و) صوم (الاعتكاف على وجه)، يأتي
بيانه في محله (وقضاء) الصوم (الواجب المعين).
(أما شهر رمضان فالنظر) فيه (في) أمور ثلاثة: (في علامته
شروطه وأحكامه).
(أما علامته، فهي رؤية الهلال).
فاعلم أن (من رآه (3) وجب عليه صومه) مطلقا (ولو انفرد بالرؤية)
إذا لم يشك بإجماعنا الظاهر المصرح به في جملة من العبائر مستفيضا، بل في
التذكرة (4) والمنتهى (5) بعد نسبته إلينا أنه مذهب أكثر العامة، والأصل فيه

(1) كالسيد السند في المدارك: كتاب الصوم فيمن يصح منه الصوم ج 6 ص 158، من هنا بدأ
الاستخراج من، الطبعة الحديثة للمدارك.
(2) في المتن المطبوع: (الكفارة).
(3) في المتن المطبوع: (فمن رآه).
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الصوم في أقسام الصوم ج 1 ص 268 س 32.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصوم في رؤية الهلال ج 2 ص 588 س 5.
407

بعده الكتاب والسنة المتواترة.
ففي جملة منها - صحيحة مستفيضة -: عن الأهلة، فقال: هي أهلة الشهور
فإذا رأيت الهلال فصم وإذا رأيته فأفطر (1).
وأظهر منها دلالة الصحيح: عن الرجل يرى الهلال في شهر رمضان وحده
لا يبصره غيره أنه أن يصوم؟ قال: إذا لم يشك فيه فليصم، وإلا فليصم مع
الناس (2).
(ولو رأى شائعا) (3) بين جماعة تأمن النفس من تواطئهم على الكذب
ويحصل بخبرهم العلم بوجوده، أو الظن المتأخم له على قول (4) (أو مضى
من شعبان ثلاثون) يوما (وجب الصوم) (5) بإجماع المسلمين في الثاني، بل
قيل: أنه من ضروريات الدين (6) وفي بعض الأخبار تصريح به (7).
وأما الأول فلم نقف فيه على نص صريح. نعم ربما يلوح الحكم فيه من
جملة من الأخبار، ولعله كاف في إثباته مضافا إلى ما في المعتبر (8) والتذكرة (9)
والمنتهى (10) وغيرها من أنه لا خلاف فيه بين العلماء، واحتج عليه في الأخيرين
بأنه نوع تواتر يفيد العالم.

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 7 ج 7 ص 183، مع اختلاف يسير.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 1 ج 7 ص 188، مع اختلاف يسير.
(3) في المتن المطبوع: (ولو رؤي).
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الصوم في بيان ما لا يثبت به رؤية الهلال ج 1 ص 271 س 9.
(5) في المتن المطبوع: (عاما).
(6) قائله السيد السند في المدارك: كتاب الصوم في علامة شهر رمضان ج 6 ص 165.
(7) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 11 - 17 ج 7 ص 184 - 185.
(8) المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 686.
(9) تذكرة الفقهاء: كتاب الصوم في بيان ما لا يثبت به رؤية الهلال ج 1 ص 271 س 8.
(10) منتهى المطلب: كتاب الصوم في رؤية الهلال ج 2 ص 590 س 18.
408

ولا ريب فيه مع العلم، وإنما الاشكال مع الظن، فقد حكي عن
الفاضل (1) أنه قوى إلحاقه بالعلم، معللا بأن الظن الحاصل بشهادة
الشاهدين حاصل مع الشياع، وتبعه شيخنا الشهيد الثاني (2).
وحكى عنه سبطه - في موضع من المسالك - اعتبار زيادة الظن الحاصل
منه على ما يحصل منه بقول العدلين ليتحقق الأولوية المعتبرة في مفهوم
الموافقة (3).
ثم اعترضه فقال: ويشكل بأن ذلك يتوقف على كون الحكم بقبول
شهادة العدلين، معللا بإفادتهما الظن ليتعدى إلى ما يحصل به ذلك، ويتحقق
به الأولوية المذكورة.
وليس في النص ما يدل على هذا التعليل وإنما هو مستنبط، فلا عبرة به،
مع أن اللازم من اعتباره الاكتفاء بالظن الحاصل بالقرائن إذا ساوى الظن
الحاصل من شهادة العدلين أو كان أقوى، وهو باطل إجماعا.
والأصح اعتبار العلم، كما اختاره العلامة في المنتهى وصرح به المصنف
في كتاب الشهادات من هذا الكتاب، لانتفاء ما يدل على اعتبار الشياع
بدون ذلك.
وعلى هذا فينبغي القطع بجريانه في جميع الموارد، وحيث كان المعتبر
ما أفاد العلم فلا ينحصر المخبرون في عدد.
ولا فرق في ذلك بين خبر المسلم والكافر، والصغير والكبير، والأنثى
والذكر، كما قرر في حكم التواتر (4) انتهى. وتبعه جماعة من متأخري

(1) كما في التذكرة: كتاب الصوم في بيان ما لا يثبت به رؤية الهلال ج 1 ص 271 س 9.
(2) مسالك الأفهام: كتاب الصوم ج 1 ص 76 س 16.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الصوم في علامة شهر رمضان ج 6 ص 165.
(4) مدارك الأحكام: كتاب الصوم في علامة شهر رمضان ج 6 ص 166.
409

المتأخرين (1). وهو حسن.
ويزيد الحجة على فساد اعتبار الظن مطلقا استفاضة المعتبرة بأنه ليس
الهلال بالرأي ولا التظني، وأن اليقين لا يدخل فيه الشك صم للرؤية وأفطر
للرؤية، وفيها الصحيح (2) والموثق (3) وغيرهما (4). فالقول باعتباره ضعيف
جدا.
(ولو لم يتفق) شئ من (ذلك قيل:) والقائل الديلمي (5) (يقبل)
الشاهد (الواحد).
واستدل (6) له بأن فيه (احتياطا للصوم) وبالصحيح: إذا رأيتم الهلال
فافطروا أو شهد عدل من المسلمين، الحديث (7).
ويضعف الأول، بأنه على تقدير تسليمه ليس بدليل شرعي، مع أنه إنما
يتم على القول بجواز صوم يوم الشك بنيته والصوم بنية رمضان وأجزأه عنه إذا
طابقه. وأما على القول بالعدم - كما هو الأقرب على ما مر فلا يمكن الاحتياط
بصومه بنيته والصوم بنية شعبان ليس فيه عمل بشهادة العدل الواحد، بل
عدول عنها.
والثاني، أولا: بمخالفة المطلوب، لوروده بالقبول في أول شوال لا أول
رمضان، كما هو المطلوب.

(1) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: كتاب الصوم ص 530 س 42، والمحدث البحراني في الحدائق:
كتاب الصوم في كفاية الظن في الشياع ج 13 ص 249.
(2) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 11 ج 7 ص 209.
(3) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 13 ج 7 ص 184.
(4) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 4 ج 7 ص 208.
(5) المراسم: كتاب الصوم أحكام صوم شهر رمضان ص 96.
(6) المستدل الفاضل الآبي في كشف الرموز: كتاب الصوم في أحكام الصوم ج 1 ص 293.
(7) تهذيب الأحكام: ب 41 في علامة أول شهر رمضان وأخره ح 12 ج 4 ص 158.
410

وثانيا: بأن لفظ العدل كما يطلق على الواحد كذا يطلق على الزائد، لأنه
مصدر يصدق على القليل والكثير، تقول رجل عدل ورجلان عدل ورجال
عدل.
وثالثا: باختلاف النسخ، فبعض بما ذكر، وآخر مكان أو شهد عدل أو
شهدوا عليه عدولا (1)، وثالث مكانه أو يشهد عليه بينة عدل من المسلمين (2)
ومع اختلاف النسخ لم يكن فيها حجة.
ورابعا: بعدم معارضته للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة الآتية من
جوه عديدة.
فإذا الاعتماد عليه بالكلية، سيما وأن في الخلاف (3) والغنية (4) على
خلافه دعوى اجماع الإمامية.
واعلم أن قوله: (خاصة)، يرجع إلى الصوم، بمعنى أنه إنما يقبل بالإضافة
إليه فقط دون غيره، فلا يثبت به أول ما عدا شهر رمضان ولا أوله لو كان
منتهى أجل دين أو عدة أو مدة ظهار ونحوه. نعم يثبت به هلال شوال بمضي
ثلاثين منه تبعا وإن لم يثبت أصالة بشهادته.
(وقيل: لا يقبل مع الصحو إلا خمسون نفسا) عدد القسامة (أو اثنان
من خارج) البلد، والقائل به الصدوق في المقنع (5) والشيخ في النهاية (6)

(1) تهذيب الأحكام: ب 41 علامة أول شهر رمضان وأخره ودليل دخوله ح 63 ج 4 ص 177.
(2) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 6 ج 7 ص 208.
(3) الخلاف: كتاب الصوم م 11 ج 2 ص 172.
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم في علامة دخول رمضان ص 508 س 22.
(5) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم باب رؤية هلال رمضان ص 16 س 6.
(6) النهاية: كتاب الصوم باب علامة شهر رمضان ص 151.
411

والمبسوط (1) والخلاف (2) والقاضي (3) والحلبي (4) وابن حمزة (5) وابن
زهرة (6) العلوي، للخبرين.
أحدهما: الصحيح قلت، له كم يجزئ في رؤية الهلال؟ فقال: إن شهر
مضان فريضة من فرائض الله تعالى فلا تؤدوا بالتظني، وليس رؤية الهلال
أن يقوم عدة فيقول واحد رأيته ويقول الآخرون لم نره إذا رآه واحد رآه مائة
وإذا رآه مائة رآه ألف، لا يجوز في رؤية الهلال إذا لم تكن في السماء علة أقل
من شهادة خمسين، وإذا كان في السماء علة قبل شهادة رجلين يدخلان
ويخرجان من مصر (7). ونحوه الثاني (8).
وأجيب عنهما تارة في المعتبر: بأن اشتراط الخمسين لم يوجد في حكم سوى
قسامة الدم ثم لا يفيد اليقين، بل قوة الظن، وهي تحصل بشهادة العدلين. ثم
قال: وبالجملة فإنه مخالف لما عليه عمل المسلمين كافة، فكان ساقطا (9).
وأخرى: في المنتهى (10) بالمنع عن صحة السند.
وثالثة: في المختلف (11) والروضة (12) وغيرهما بالحمل على حصول التهمة في

(1) المبسوط: كتاب الصوم في ذكر علامة شهر رمضان ج 1 ص 267.
(2) الخلاف: كتاب الصوم م 11 ج 2 ص 172.
(3) المهذب: كتاب الصوم باب صوم شهر رمضان وعلامة دخوله ج 1 ص 189.
(4) الكافي في الفقه: في صوم شهر رمضان ص 181.
(5) الوسيلة: كتاب الصوم في بيان أقسام الصوم ص 141.
(6) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 508 س 21.
(7) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 10 ج 7 ص 209.
(8) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 13 ج 7 ص 210.
(9) المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 688.
(10) منتهى المطلب: كتاب الصوم في رؤية الهلال ج 2 ص 589 س 21.
(11) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في بيان أقسام الصوم ج 1 ص 235 س 5.
(12) الروضة البهية: كتاب الصوم ج 2 ص 110.
412

أخبارهم، وهو الأقوى لظهور سياقهما فيه، كما صرح به في الروضة (1) شيخنا.
(وقيل:) والقائل الإسكافي (2) والمفيد (3) والمرتضى (4) والحلي (5)
(يقبل شاهدان) عدلان. (كيف كان) صحوا أو غيما
(وهو أظهر) وعليه الفاضلان (6) والشهيدان (7) وغيرهما من
المتأخرين (8)، بل عليه عامتهم، وادعى كونه مذهب الأكثر بقول مطلق جملة (9)
منهم، لعموم ما دل على حجية البينة الشرعية، مضافا إلى خصوص الصحاح
المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
منها: صم لرؤية الهلال وأفطر لرؤيته، فإن شهد عندك شاهدان عدلان
مرضيان بأنهما رأياه فاقضه (10) ونحوه بعينه غيره (11).
ومنها: أن عليا عليه السلام كان يقول لا أجيز في رؤية الهلال إلا شهادة

(1) نفس المصدر السابق.
(2) حكاه عنه العلامة في المختلف: كتاب الصوم في أقسام الصوم ج 1 ص 234 س 11.
(3) المقنعة: كتاب الصوم ب 2 في علامه أول شهر رمضان وآخره ص 297..
(4) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصوم في حقيقة الصوم وعلامة دخوله ج 3 ص 54
(5) السرائر: كتاب الصوم باب علامة شهر رمضان ج 1 ص 380.
(6) المحقق في المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 686، والعلامة في المختلف: كتاب الصوم في مباحث حقيقة
الصوم وأحكامه ج 1 ص 234 س 23.
(7) الشهيد الأول في اللمعة الدمشقية: كتاب الصوم ج 2 ص 109، والشهيد الثاني في المسالك:
كتاب الصوم ج 1 ص 76 س 18.
(8) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد: كتاب الصوم أقسام الصوم ج 3 ص 92.
(9) كالسيد السند في المدارك: كتاب الصوم في علامة شهر رمضان ج 6 ص 167، والسبزواري في
الذخيرة: كتاب الصوم ص 530 س 3.
(10) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 4 ج 7 ص 208.
(11) المقنعة: كتاب الصوم باب 2 في علامة أول شهر رمضان وآخره ص 297.
413

رجلين عدلين (1). ونحوه غيره (2).
وما يقال: من أن غاية ما تفيده هذه الأخبار قبول العدلين في الجملة،
ولا تصريح فيها بالقبول في حالة الصحو بخلاف الخبرين السابقين فإن فيهما
تصريحا بالعدم فيه، ومقتضى الجمع بينهما تقييدها بهما.
مدفوع، بأنه لا تصريح فيهما بعدم القبول مع الصحو مطلقا، بل مع تعارض
الشهادات، وإنكار من عدا العدلين لما شهدا به، وهو عين التهمة. وعدم
القبول حينئذ مجمع عليه بالضرورة، إذ من شرائط العمل بالبينة ارتفاع
التهمة، ومع ثبوتها - كما هو مورد الخبرين - فلا عمل بها بالضرورة.
فالتحقيق في المسألة، أن الأصل في شهادة العدلين الحجية ولو في نحو
المسألة، كما هو مقتضى العموم، وخصوص إطلاق ما مر من المستفيضة، إلا
مع حصول التهمة ولو بما في سياق الخبرين من استهلال جماعة سالمي الأبصار
فاقدي الموانع منه خارجا وداخلا.
ثم دعوى بعضهم الرؤية مع إنكار الباقين لها بحيث يوجب الظن
بتوهمهم مثلا فلا حجة حينئذ فيها، وغير بعيد أن يكون مراد المانعين هذه
الصورة خاصة، والأكثر الأولى، وعليه فلا نزاع أصلا.
وكيف كان، فإن كان مراد الأولين ما ذكرنا، وإلا فلا أعرف لهم حجة،
لما عرفت من اختصاص الخبرين بالصورة التي لا نزاع فيها.
نعم ربما يبقى الاشكال في اعتبار الخمسين مع التهمة وعدم حصول القطع
من شهادتهم، من اطلاق الخبرين بالاعتبار، ومن احتمال وروده فيهما مورد
التمثيل لما يحصل به اليقين، وأن اعتباره من جهته لا لخصوصية فيه، كما ربما

(1) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 8 ج 7 ص 208.
(2) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 9 ج 7 ص 209.
414

يفهم من سياق الصحيح (1)، حيث صرح في صدره بالنهي عن التظني، كما
وقع مثله في كثير من النصوص، بل في بعضها (2) التصريح بالنهي عن
الخمسين مع عدم اليقين، ولعل هذا أجود.
فالمعتبر في صورة التهمة وتعارض الشهادة القطع دون الظن، إلا على
القول بكفايته في الشياع. وهو ضعيف.
فحيث ما حصل اعتبر ولو فيما دون العدد، وحيث لا فلا ولو فيه فصاعدا،
كل ذلك عملا بالأصول والنصوص الناهية في الرؤية عن الظنون.
(و) منها مضافا إلى الحصر المستفاد من الظواهر يستفاد أنه (لا اعتبار)
في معرفة الشهر (بالجدول) وهو كما قيل: حساب مخصوص مأخوذ من سير
القمر واجتماعه مع الشمس (3).
(ولا بالعدد) بأي معنى فسر، سواء يعد شعبان ناقصا أبدا، أو رمضان
تاما أبدا، أو يعد شهر تاما وآخر ناقصا مطلقا، أو عد تسعة وخمسين من هلال
رجب، أو غير ذلك.
(ولا بالغيبوبة) أي غيبوبة الهلال (بعد الشفق ولا بالتطوق) بظهور
النور في جرمه مستديرا (ولا بعد خمسة أيام من هلال) شهر رمضان السنة
(الماضية) كما عليه أكثر الأصحاب، بل عامة المتأخرين في أكثرها، وفي
ظاهر الغنية (4) وغيرها (5) الاجماع.

(1) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 10 ج 7 ص 209.
(2) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 12 ج 7 ص 210
3) قاله السيد السند في المدارك: كتاب الصوم في علامة شهر رمضان ج 6 ص 175.
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 507 س 34.
(5) كالفاضل المقداد في التنقيح: كتاب الصوم ج 1 ص 376.
415

خلافا للمحكي في الخلاف (1) عن شاذ منا، وفي المنتهى (2) عن بعض
الجمهور في الأول، لقوله تعالى: (وبالنجم هم يهتدون)، وللرجوع إليه في القبلة.
وهما مجابان على أنهم كما قيل: لا يثبتون أول الشهر بمعنى جواز الرؤية،
بل بمعنى تأخر القمر عن محاذاة الشمس، مع اعترافهم بأنه قد لا يمكن
الرؤية (3).
هذا، وفي التنقيح الاجماع منعقد على عدم اعتبار قول المنجم في الأحكام الشرعية، مع أنه قال صلى الله عليه وآله: من صدق كاهنا أو منجما فهو كافر
بما أنزل على محمد (4) صلى الله عليه وآله.
وللمفيد فيما حكي (5) عنه، والصدوق (6) في الثاني فاعتبروه بالتفسير
الأول، لأخبار كلها ضعيفة غير مكافئة لما مر من الأدلة، معارضة بالصحاح
الصراح.
منها: شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان (7).
ومنها: إذا كانت علة فأتم شعبان (8).
ولصريح المقنع في الثالث (9)، ومحتمل الفقيه أو ظاهره فيه وفي الرابع (10)،

(1) الخلاف: كتاب الصوم م 8 علامة شهر رمضان ج 2 ص 169.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصوم في رؤية الهلال ج 2 ص 590 س 32.
(3) قاله الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع: كتاب مفاتيح الصوم مفتاح 286 ج 1 ص 258.
(4) التنقيح الرائع: كتاب الصوم ج 1 ص، 376.
(5) لم نعثر عليه في المقنعة وحكاه عنه الفاضل الآبي في كشف الرموز: كتاب الصوم ج 1 ص 298.
(6) من لا يحضره الفقيه: باب النوادر ح 2040 ج 2 ص 169.
(7) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 3 ج 7 ص 190.
(8) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 4 ج 7 ص 190، مع اختلاف يسير.
(9) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم باب رؤية هلال شهر رمضان ص 16 س 17.
(10) من لا يحضره الفقيه: باب الصوم للرؤية والفطر للرؤية ح 1916 - 1917 ج 2 ص 124 - 125.
416

للنصوص.
منها الخبر: إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة، فإذا غاب بعد الشفق
فهو لليلتين (1). ونحوه آخر (2).
ومنها الصحيح: إذا تطوق الهلال فهو لليلتين، وإذا رأيت ظل رأسك فيه
فهو لثلاث (3).
وفيها أجمع قصور عن المقاومة لما مر، مضافا إلى ضعف سند الأولين،
ومعارضتهما - زيادة على ما مضى - بظاهر خصوص بعض، النصوص.
وفيه: كتب إلي أبو الحسن العسكري كتابا أرخه يوم الثلاثاء لليلة بقيت
من شعبان وكان يوم الأربعاء يوم الشك وصام أهل بغداد يوم الخميس
وأخبروني أنهم رأوا الهلال ليلة الخميس ولم يغب إلا بعد الشفق بزمان
طويل، قال: فاعتقدت أن الصوم يوم الخميس وأن الشهر كان عندنا يوم
الأربعاء، قال: فكتب إلي زادك الله توفيقا فقد صمت بصيامنا، قال: ثم
لقيته بعد ذلك فسألته عما كتبت به إليه؟ فقال: لي أو لم أكتب إليك إنما
صمت الخميس ولا تصم إلا للرؤية (4).
فتدبر في الدلالة وتأمل فيها فإنها لعلها لا تخلو عن نوع مناقشة، كما أشار
إليه في الذخيرة (5).
لكنها عند التحقيق ضعيفة، مع احتمال هذه النصوص الحمل على

(1) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 3 ج 7 ص 204.
(2) الكافي: كتاب الصيام باب الأهلة والشهادة عليها ح 7 ج 4 ص 77.
(3) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 2 ج 7 ص 203.
(4) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 1 ج 7 ص 203، مع اختلاف يسير في
النقل.
(5) ذخيرة المعاد: كتاب الصوم ص 533 س 8.
417

التقية، أو الأغلبية، كما في الوسائل (1) وغيره.
وأما الحمل على صورة الغيم - كما ذكره الشيخ في كتابي (2) الحديث - فلعله
لمجرد الجمع بين النصوص، وإلا فلا شاهد عليه، مع أن الجمع بينها بذلك فرع
المقاومة، وهي في المقام مفقودة، كما عرفته.
وللمحكي في التنقيح (3) عن الإسكافي في الأخير، للنصوص المستفيضة
ومنها الرضوي (4)، وهي ما بين ضعيفة السند أو قاصرة، فلا تعارض ما قدمناه
من الأدلة، فلتكن مطرحة، أو محمولة على استحباب صوم الخامس بنية
شعبان احتياطا، وهو أولى مما حملها عليه جماعة (5)، من التقييد بصورة ما إذا
غمت شهور السنة، لعدم قبول بعضها له.
وفيه: أن السماء يطبق علينا بالعراق اليومين والثلاثة فأي يوم نصوم؟
قال: انظر اليوم الذي صمت من السنة الماضية وصم يوم الخامس (6).
مع عدم دليل عليه، عدا ما في المختلف من أن العادة قاضية بعدم كمال
شهور السنة ثلاثين، فلا يجوز بناء السنة على ما يعلم انتفاؤه، وإنما يبنى
على مجاري العادات، والعادة قاضية بتفاوت هذا العدد في شهور السنة (7).
وفيه أن قضاء العادة بتفاوت هذا العدد في شهور السنة إن كان بعنوان

(1) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب أحكام شهر رمضان تعليقه (قده) على ح 3 ج 7 ص 204.
(2) الاستبصار: ب 35 حكم الهلال إذا غاب قبل الشفق أو بعده ج 2 ص 75، وتهذيب الأحكام:
ب 41 في علامة أول شهر رمضان وآخره ج 4 ص 178.
(3) التنقيح الرائع: كتاب الصوم ج 1 ص 377.
(4) فقه الرضا (ع): ب 30 في نوافل شهر رمضان ودخوله ص 209.
(5) منهم الشيخ الطوسي في التهذيب: ب 41 في علامة أول شهر رمضان وآخره ج 4 ص 179.
(6) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 3 ج 7 ص 205.
(7) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في بيان حقيقة أحكامه ج 1 ص 236 س 12.
418

المظنة فغير كاف - لما عرفته غير مرة - وإن كان بعنوان القطع، فعلى تقدير
تسليمه لا يستلزم صحة هذا الحساب، لجواز الاختلاف.
ولو سالم، فلا وجه للفرق بين هذه الصورة وما إذا لم يغم شهور السنة، مع
أنهم قد فرقوا بينهما.
(وفي العمل) لمعرفة هلال الشهر (برؤيته قبل الزوال) أم العدد
(تردد) للماتن هنا وفي المعتبر (1)، قيل: ينشأ من الأصل (2).
ودلالة جملة من النصوص على الثاني، كالصحيح: إذا رأيتم الهلال فافطروا
أو يشهد عليه عدل من المسلمين، فإن لم تروا الهلال إلا من وسط النهار فأتموا
الصيام إلى الليل، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما ثم افطروا (3).
والخبر: من رأى هلال شوال نهارا في رمضان فليتم صيامه (4).
وفي آخر: كتبت إليه عليه السلام: جعلت فداك ربما غم علينا هلال شهر
رمضان فترى من الغد الهلال قبل الزوال، وربما رأيناه بعد الزوال أفترى أن
نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا، كيف تأمرني في ذلك؟ فكتب عليه السلام
تتم إلى الليل فإنه إذا كان تاما رؤي قبل الزوال (5).
ومن إطلاق ما دل (6) على أن الصوم للرؤية والفطر للرؤية الشامل
لمفروض المسألة مضافا إلى دلالة جملة أخرى من النصوص على الأول
كالصحيح والموثق: إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية وإذا رأوه بعد

(1) المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 689.
(2) قاله الفاضل السيوري في التنقيح: كتاب الصوم ج 1 ص 378.
(3) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 1 ج 7 ص 201، مع اختلاف يسير في
النقل.
(4) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 2 - 4 ج 7 ص 201 - 202.
(5) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 2 - 4 ج 7 ص 201 - 202.
(6) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 4 ج 7 ص 208.
419

الزوال فهو لليلة المستقبلة (1).
وإلى هذا القول مال جملة من متأخري المتأخرين (2)، وفاقا للمرتضى في
الناصرية (3)، لصراحة النصوص (4) الدالة عليه، مع اعتبار أسانيدها واعتضادها
بما مر من الاطلاقات، ومخالفتها لما عليه جمهور العامة، كما صرح به جماعة (5)،
مع دعوى المرتضى (6) عليه الاجماع من الإمامية والصحابة، فيخصص بها الأصل.
ويصرف النصوص المتقدمة عن ظواهرها بحمل وسط النهار في
الصحيح (7) على ما بعد الزوال، بل قيل: هو الظاهر منه (8)، لأشعار لفظة
(من) به، وتقييد الثاني به أيضا، مع ضعف سنده كالثالث.
وفيه - زيادة عليه - أنه مكاتبة محتملة للتقية عما عليه جمهور العامة (9) مع
اختلاف نسخه الموجب لاضطراب دلالته، ففي الاستبصار (10) كما ذكر، وفي
التهذيب (11) بدل (غم الهلال شهر رمضان) (غم هلال شهر رمضان).

(1) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 6 ج 7 ص 202.
(2) منهم الفاضل الخراساني في الذخيرة: كتاب الصوم ص 533: س 24، والمحدث الكاشاني في المفاتيح:
كتاب مفاتيح الصوم مفتاح 285 في طريق ثبوت شهر رمضان ج 1 ص 257.
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الصيام م 126 ص 242.
(4) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 5 - 6 ج 7 ص 202.
(5) منهم الشيخ الطوسي في الخلاف: كتاب الصوم م 10 ج 2 ص 171، والعلامة في المنتهى: كتاب
الصوم في رؤية الهلال ج 2 ص 592 س 6.
(6) الناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الصيام م 126 ص 242.
(7) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 1 ج 7 ص 201.
(8) قاله المحدث البحراني في الحدائق: كتاب الصوم هل تعتبر رؤية الهلال يوم الثلاثين قبل الزوال
ج 13 ص 289.
(9) منهم ابن قدامة في المغني: كتاب الصيام حكم رؤية الهلال نهارا ج 3 ص 99، والشافعي في الأم:
كتاب الصيام ج 2 ص 95.
(10) الاستبصار: ب 34 في حكم الهلال إذا رؤي قبل الزوال أو بعده ح 1 ج 2 ص 73.
(11) تهذيب الأحكام: ب 41 في علامة أول شهر رمضان وآخره ح 62 ج 4 ص 177.
420

وعلى هذه النسخة فلا دلالة لو لم تكن منعكسة، ولا يخلو عن قوة لولا
شذوذ هذا القول، على الظاهر المصرح به في كلام جماعة، كالمنتهى (1)
والمسالك (2) والخلاف (3) والغنية (4)، بل فيها الاجماع من الإمامية.
وفي الخلاف روي ذلك عن علي عليه السلام وعمرو بن عمر وأنس فقالوا
كلهم لليلة القابلة، ولا مخالف يدل على أنه إجماع الصحابة (5).
ودعوى (6) الشهرة على هذا القول مستفيضة، بل مسلمة.
وحينئذ فتقوى الأدلة الدالة عليه ولو ضعف دلالة، بالإضافة إلى
النصوص المقابلة.
والجمع بين الأدلة ولو بالتقييد أو التخصيص فرع المقاومة، وهي مفقودة،
لما عرفت من اعتضاد الأدلة بالشهرة العظيمة المسلمة التي هي أقوى
المرجحات الشرعية، واستصحاب الحالة السابقة، بل هي حجة برأسها
مستقلة، مضافا إلى أصالة البراءة عن وجوب الصوم والقضاء والافطار،
وحكاية (7) الاجماع المتقدمة وما يقرب منها مما مر إليه الإشارة. ولا يعارضها
حكاية (8) الاجماع على الخلاف، للندرة الموهنة.
وبجميع ذلك يجبر ضعف سند الخبرين.

(1) منتهى المطلب: كتاب الصوم في رؤية الهلال ج 2 ص 592 س 6.
(2) مسالك الأفهام: كتاب الصوم ج 1 ص 77 س 4.
(3) الخلاف: كتاب الصوم م 10 ج 2 ص 172.
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 508 س 18.
(5) نفس المصدر السابق.
(6) ادعاها الفاضل الخراساني في الذخيرة: كتاب الصوم ص 533 س 20.
(7) حكاه الشيخ في الخلاف: كتاب الصوم م 10 حكم من رأى الهلال قبل الزوال أو بعده ج 2
ص 172.
(8) حكاه السيد في الناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الصيام ص 242 س 22.
421

واختلاف النسخة في ثانيهما غير ضائر بعد شهادة السياق بأولهما، كما
لا يخفى.
وحينئذ فيجاب عن إطلاقات الصوم للرؤية بالتقييد بالرؤية الليلية، حمل
المطلق على المقيد.
هذا على تقدير تسليم شمولها للرؤية النهارية، وإلا فالمتبادر منها والغالب
الأولى خاصة، وعليه فيكون من أدلة المختار بناء على الحصر المستفاد من
ظواهرها، لرجوع حكم منطوقه إلى الفرد المتبادر ويدخل النادر في مفهومه.
ولعله لهذا أجاب عن الخبرين المعارضين الشيخ في الكتابين، فقال - بعد
نقلهما -: فهذان الخبران لا تعارض بهما الأخبار المتقدمة، لأنها موفقة لظاهر
القرآن والأخبار المتواترة التي ذكرناها، وهذان الخبران مخالفان لذلك فلا يجوز
العمل عليهما (1)، ونحوه الفاضل في المنتهى (2).
ولا بأس به وعن الخبرين بقصور سند الثاني عن الصحة، بل الأولى أيضا
على المشهور، فإنها عندهم حسنة ولو بإبراهيم، فلا يعارضان الصحيح المتفق
على صحته سندا، وإن ترجحا عليه دلالة فليطرحا، أو يحملا على التقية ولو
عن نادر من العامة، أو على ما ذكره الشيخ (3) من صورة التعميم ونحوها مع
انضمام الشهود إلى الرؤية.
ولولا موافقة القول المشهور لما عليه جمهور الجمهور، لكان القول به مقطوعا
به من غير ريبة، إلا أنه لها ربما لا تخلو المسألة عن تردد وشبهة، كما عليه الماتن،
إلا أن مقتضى الأصول حينئذ تعين العمل بما عليه المشهور.

(1) الاستبصار: ب 34 في حكم الهلال إذا رؤي قبل الزوال وبعده ج 2 ص 74، وتهذيب الأحكام: ب 41
في علامة أول شهر رمضان وآخره ج 4 ص 177.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصوم في رؤية الهلال ج 2 ص 592 س 22.
(3) تهذيب الأحكام: ب 41 في علامة أول شهر رمضان وآخره ج 4 ص 177.
422

وللفاضل في المختلف (1) قول آخر في المسألة بالتفصيل بين يوم الشك من
شعبان - فخيرة المرتضى - ومن رمضان، فالمختار احتياطا للصوم في المقامين،
وهو ضعيف.
(ومن كان بحيث لا يعلم الأهلة) كالمحبوس (توخى) أي تحرى
ل‍ (صيام شهر) يغلب على ظنه أنه هو شهر رمضان فيجب عليه صومه.
(فإن استمر الاشتباه) ولم تظهر له الشهور قط فقد (أجزأه) ما فعله عن
صوم رمضان. (وكذا إن صادف) ووافقه (أو كان بعده، ولو كان قبله
استأنف) الصوم عن رمضان أداء، أو قضاء بلا خلاف في شئ، من ذلك
أجده، بل عليه الاجماع عن المنتهى (2) وصريح التذكرة (3)، للصحيح وغيره.
قيل: ويلحق بما ظنه حكم الشهر في وجوب الكفارة في إفساد يوم منه،
ووجوب متابعته وإكماله ثلاثين يوما لو لم ير الهلال، وأحكام العيد بعده من
الصلاة والفطر، ولو لم يظن شهرا تخير في كل سنة شهرا مراعيا للمطابقة بين
الشهرين (4).
(ووقت الامساك)، عن المفطرات من (طلوع الفجر الثاني فيحل
الأكل والشرب) مثلا قبله (حتى يتبين خيطه) الكتاب والسنة والاجماع
(والجماع حتى يبقى لطلوعه قدر الوقاع والاغتسال) بناء على الأشهر
الأظهر من بطلان الصوم بتعمد البقاء على الجنابة. ويأتي على القول الآخر
جوازه إلى الفجر كالآخرين، وهو ضعيف كما مر.
(ووقت الافطار ذهاب الحمرة المشرقية) على الأظهر الأشهر، كما في

(1) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في أقسام الصوم ج 1 ص 235 س 15.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصوم في رؤية الهلال ج 2 ص 593 س 25.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الصوم في بيان ما لا يثبت به رؤية الهلال ج 1 ص 272 س 1.
(4) قاله الشهيد في المسالك: كتاب الصوم ج 1 ص 77 س 22.
423

بحث مواقيت الصلاة مفصلا قد مر.
(ويستحب تقديم الصلاة على الافطار، إلا أن تنازعه نفسه، أو
يكون) هناك (من يتوقع إفطاره) للمعتبرة المتضمنة للصحيح وغيره، إلا
أنه ليس في شئ منها استثناء منازعة النفس.
نعم رواه في المقنعة (1) مرسلا، إلا أن فيها غير أن ذلك مشروط بأن
لا تشتغل بالافطار قبل الصلاة إلى أن يخرج وقتها.
وهذا الشرط غير مذكور في العبارة، ونحوها.
والظاهر أن المراد بالصلاة المأمور بتقديمها في النص والفتوى هي الصلاة
الأولى وحدها، محافظة على وقت فضيلتها، فيكفي في تأدي السنة تقديمها
خاصة.
(وأما شروطه فقسمان:)
(الأول: شرائط الوجوب، وهي ستة:).
الأول، والثاني: (البلوغ، وكمال العقل، فلو بلغ الصبي، أو أفاق
المجنون، أو المغمى عليه لم يجب على أحدهم الصوم) مطلقا بلا خلاف
إلا من الشيخ في الخلاف (2) في الكتاب فأوجبه على الصبي إذا بيت النية
وبلغ قبل الزوال.
وهو - مع مخالفته لما صرح به في كتاب الصلاة من الخلاف (3) - نادر، بل
على خلافه الاجماع في صريح السرائر (4). وهو الحجة عليه؟ مضافا إلى

(1) المقنعة: كتاب الصوم ب 12 في فضل السحور وما يستحب أن يكون عليه الافطار ص 318.
(2) الخلاف: كتاب الصوم م 57 ج 2 ص 203.
(3) الخلاف: كتاب الصلاة م 53 ج 1 ص 306.
(4) السرائر: كتاب الصيام باب حكم من أسلم في شهر رمضان ومن بلغ فيه ج 1 ص 403.
424

الأصول، وفحوى النصوص المتضمنة للسقوط عن الكافر والحائض اللذين هو
أعذر منهما، وهما أقرب منه إلى التكليف إذا زال عذرهما قبل الزوال.
ففي الصحيح - المروي في الكتب الثلاثة -: عن قوم أسلموا في شهر
رمضان وقد مضى منه أيام هل عليهم أن يقضوا ما مضى منه أو يومهم الذي
أسلموا فيه؟ فقال: ليس عليهم قضاؤه ولا يومهم الذي أسلموا فيه، إلا أن
يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر (1).
وهو حجة على قوله في المبسوط (2) في الكافر بمقالته هنا من وجوب
الاتمام عليه إذا أسلم قبل الزوال، مع أنه لا حجة له في المقامين، عدا
ما ذكره في المعتبر (3)، ولأجله مال إليه من أن الصوم ممكن في حقهما، لأن
وقت النية باق.
وهو على تقدير تسليمه لم يتوجه عذرا للشيخ في الخلاف، لأن مقتضاه
عدم الفرق بين الصبي والكافر، مع أنه فيه فرق بينهما فأسقطه عن الثاني دون
الأول.
ومع ذلك فاشترط فيه تبييت النية، والدليل يقتضي عدم السقوط مطلقا،
ولا وجه له بعد ورود النص الصحيح بخلافه.
فلا يكون إلا اجتهادا صرفا في مقابلته، سيما مع اعتضاده - زيادة على
الأصول - بالاجماع المنقول والشهرة العظيمة القريبة من الاجماع، بل الاجماع،

(1) الكافي: كتاب الصيام باب من أسلم في شهر رمضان ح 3 ج 4 ص 125، والاستبصار: ب 56
في حكم من أسلم في شهر رمضان ح 2 ج 2 ص 107، وتهذيب الأحكام: ب 60 فيمن أسلم في شهر
رمضان وحكم من بلغ فيه ح 2 ج 4 ص 246.
(2) المبسوط: كتاب الصوم فصل في حكم قضاء ما فات من الصوم ج 1 ص 286.
(3) المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 711.
425

مع أنه أفتى بخلافه في الكتاب والشرائع (1).
وبالجملة، لا شبهة في عدم الوجوب عليهم (إلا ما أدركوا (2) فجره كاملا)
فيجب صومه عليهم إجماعا.
(و) الثالث، والرابع: (الصحة من المرض) المضر (والإقامة أو
حكمها) ككثرة السفر، أو المعصية به أو الإقامة عشرا، أو مضي ثلاثين يوما
مترددا، فلا يجب على المريض، ولا على المسافر الذي يجب عليه تقصير
الصلاة، بالكتاب والسنة والاجماع فيهما.
(ولو زال السبب) مرضا كان أو سفر (قبل الزوال ولم يتناول)
المكلف شيئا من المفطرات ولم يفعلها نوى الصوم و (أمسك واجبا وأجزأه)
عن رمضان، فلا يجب عليه القضاء، بلا خلاف على الظاهر المصرح به في
المفاتيح (3) في السببين، وفي الذخيرة (4) في ثانيهما.
وفيها في الأول عن بعض الأصحاب نقل الاجماع عليه، وهو الحجة فيه
المؤيدة بعدم الخلاف، وبه يستدل على الحكم في الثاني، مضافا إلى ورود
النصوص فيه.
منها الموثق: إن قدم قبل الزوال فعليه صيام ذلك اليوم ويعتد به (5).
لكنها معارضة بجملة من المعتبرة الناصة بالتخيير.
منها الصحيح: إذا دخل أرضا قبل طلوع الفجر وهو يريد الإقامة بها فعليه

(1) شرائع الاسلام: كتاب الصوم في الشروط ج 1 ص 202.
(2) في المتن المطبوع: (إلا ما أدراك).
(3) مفاتيح الشرائع: كتاب مفاتيح الصوم مفتاح 267 ما لو زال العذر في أثناء النهار ج 1 ص 240.
(4) ذخيرة المعاد: كتاب الصوم ص 525 س 37 وص 526 س 8.
(5) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب من يصح منه الصوم ح 6 ج 7 ص 136.
426

صوم ذلك اليوم، وإن دخل بعد طلوع الفجر فلا صيام عليه، وإن شاء
صام (1). ونحوه آخر (2).
والخبر: وإن قدم من سفره قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم إن
شاء (3)، لكنها شاذة لا عامل بها، فينبغي طرحها، أو تنزيلها على أن المراد بها
ما في الصحيح: عن الرجل، يقدم في شهر رمضان من سفر حتى يرى أنه
سيدخل أهله ضحوة أو ارتفاع النهار فقال: إذا طلع الفجر وهو خارج ولم
يدخل أهله فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر (4)، وبه أفتى جماعة (5) من
غير خلاف.
(ولو كان) زوال السبب كائنا ما كان (بعد الزوال أو قبله و) الحال
أنه قد (تناول) شيئا أو فعل مفطرا لم يجب عليه الصوم و (أمسك ندبا
وعليه القضاء) بلا خلاف في رجحان الامساك واستحبابه في حق المتناول،
وعليه في ظاهر المنتهى (6) والغنية (1) وصريح الخلاف (8) والمدارك (9) الاجماع،
وبه نص حديث (10) الزهري والفقه الرضوي (11).

(1) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب من يصح منه الصوم ح 1 ج 7 ص 134.
(2) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب من يصح منه الصوم ح 3 ج 7 ص 135.
(3) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب من يصح منه الصوم مقطع ح 7 ج 7 ص 136.
(4) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب من يصح منه الصوم ح 2 ج 7 ص 135، مع اختلاف يسير.
(5) كالسيد السند في المدارك: كتاب الصوم ج 6 ص 199.
(6) منتهى المطلب: كتاب الصوم في استحباب الامساك للمسافر ج 2 ص 600 س 2.
(7) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 511 س 21.
(8) الخلاف: كتاب الصوم م 57 ج 2 ص 204.
(9) مدارك الأحكام: كتاب الصوم في الصوم المندوب ج 6 ص 273.
(10) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب من يصح منه الصوم ح 3 ج 7 ص 136.
(11) فقه الرضا (ع): ب 30 في نوافل شهر رمضان ودخوله ص 208.
427

وإنما اختلفوا في وجوبه في حق المسافر إذا لم يتناول، فعن الشيخ في
النهاية (1) الوجوب، لكن كلامه غير صريح في محل البحث، فيحتمل
الاختصاص بقبل الزوال، كما صرح به في المبسوط (2).
ومع ذلك فهو نادر، بل على خلافه الاجماع في صريح السرائر (3)، ويرده
مفهوم الموثق (4) السابق؟ مضافا إلى الأصول وعدم وضوح دليل، ولا شاهد له
على ما يقوله، وهو أوضح شاهد على أن المراد بما في النهاية (5) هو ما في
المبسوط (6).
(و) الخامس، والسادس: (الخلو من الحيض والنفاس) فتفطر
الحائض والنفساء وإن حصل العذر قبيل الغروب أو انقطع بعيد الفجر
بالنص والاجماع.
(الثاني)
في (شرائط القضاء)
(وهي ثلاثة: البلوغ، وكمال العقل، والاسلام، فلا يقضي ما فاته
لصغر) مميزا كان، أم لا (أو جنون) مطبقا، أو أدواريا وقد فاته في غير حال
إفاقته (أو إغماء) استوعب يوم الفوات، أم لا يبيت نية الصوم ليلا، أم لا

(1) النهاية: كتاب الصيام باب حكم من أسلم في شهر رمضان ومن بلغ فيه والمسافر إذا قدم أهله
ص 160.
(2) المبسوط: كتاب الصوم في حكم المريض والمسافر والمغمى عليه ج 1 ص 284.
(3) السرائر: كتاب الصيام باب حكم من أسلم في شهر رمضان ومن بلغ فيه والمسافر إذا قدم أهله
ج 1 ص 403.
(4) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب من يصح منه الصوم ح 6 ج 7 ص 136.
(5) النهاية: كتاب الصيام باب حكم من أسلم في شهر رمضان ص 160.
(6) نفس المصدر السابق.
428

(أو كفر) أصلي لا مطلقا، بلا خلاف في شئ من ذلك، ما عدا الاغماء على
الظاهر المصرح به في جملة من العبائر، بل في المنتهى أنه مذهب علمائنا (1)، بل
نفى عنه الخلاف بين العلماء في بعض أقسام الأول والأخير (2).
وهو الحجة، مضافا إلى الأصل وتبعية القضاء للأداء مفهوما، فلا يشمل
عموم أو إطلاق ما دل على وجوبه بعد تسليم وجوده لنحو المجنون والصبي،
لحديث (3) رفع القلم، ونحوه (4) الدال على عدم وجوب الأداء في حقهما، فلا
معنى للقضاء.
ولعل هذا هو الوجه في استدلال جماعة (5) على الحكم فيهما لحديث رفع
القلم، وإلا فلا وجه له أصلا، إذ هو في حال الصباوة والجنون، فلا ينافي
ثبوته بعد ارتفاعهما، كما لا يخفى.
وهذا الدليل وإن لم يجز في الكافر، بناء على عدم سقوط الأداء في حقه
عندنا، فيصدق في حقه القضاء وإن ورد في عموم، لكنه مخصوص بحديث
الاسلام يجب ما قبله (6) مضافا إلى خصوص جملة من النصوص.
منها - زيادة على الصحيحة المتقدمة - الصحيح أيضا: عن رجل أسلم في
النصف من شهر رمضان ما عليه من صيامه؟ قال: ليس عليه، إلا ما أسلم
فيه (7). ونحوه الخبر (8).

(1) منتهى المطلب: كتاب الصوم في شروط قضاء الصوم ج 2 ص 601 س 29.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصوم في شروط قضاء الصوم ج 2 ص 600 س 33.
(3) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب مقدمة العبادات ح 11 ج 1 ص 32.
(4) عوالي اللآلي: ح 38 ج 2 ص 224.
(5) منهم السيد السند في المدارك: كتاب الصوم ج 6 ص 201، والفاضل الخراساني في الذخيرة:
كتاب الصوم ص 525 س 11.
(6) عوالي اللآلي: ح 38 ج 2 ص 224.
(7) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 2 ج 7 ص 239.
(8) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 1 ج 7 ص 238.
429

وأما ما في الآخر ليقض ما فاته (1)، فمع ضعف سنده - وشذوذه، وعدم
مقاومته، لمعارضته بوجه - محتمل للحمل على الاستحباب، أو على كون الفوت
بعد الاسلام.
وأما الاغماء فقد اختلف فيه الأصحاب - بعد اتفاقهم - على ثبوته فيه في
الجملة، والأظهر ثبوته فيه مطلقا، لفحوى ما مر في الصلاة، وعدم وجوب
قضائها عليه، فهنا أولى، كما لا يخفى، مع عدم قائل بالفرق بينهما، كما صرح به
في المختلف (2)، مضافا إلى خصوص ما ورد في المقام من النصوص (3) وفيها
الصحاح وغيرها.
وعلى هذا الحلي (4) والشيخ في جمله (5) من كتبه، وابن حمزة (6)، وعامة
المتأخرين على الظاهر المصرح به في عبائر جماعة (7).
خلافا للشيخين (8) والقاضي (9) والمرتضى (10) فيقضي إن لم يثبت النية

(1) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أحكام شهر رمضان مقطع ح 5 ج 7 ص 239.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الصوم فيمن يصح منه الصوم ج 1 ص 228 س 17.
(3) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب من يصح منه الصوم انظر أحاديث الباب ج 7 ص 161.
(4) السرائر: كتاب الصيام أحكام قضاء شهر رمضان ج 1 ص 409.
(5) منها المبسوط: كتاب الصوم فصل في حكم المريض والمسافر والمغمى عليه ج 1 ص 285، والنهاية:
الصيام باب قضاء شهر رمضان ص 165.
(6) الوسيلة: كتاب الصوم في بيان أحكام المريض والمعاجز عن الصيام ص 150.
(7) منهم السيد السند في المدارك: كتاب الصوم ج 6 ص 194، والفاضل الخراساني في الذخيرة: كتاب
الصوم ص 526 س 13.
(8) الشيخ المفيد في المقنعة: كتاب الصيام باب 24 حكم المغمى عليه ص 352، والشيخ الطوسي في
الخلاف: كتاب الصوم م 51 ج 2 ص 198.
(9) المهذب: كتاب الصيام باب المريض والمعاجز عن الصيام ج 1 ص 196.
(10) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): في حكم من أسلم أو بلغ أو جن أو أغمي عليه في شهر
رمضان ج 3 ص 57.
430

مطلقا. قيل (1): لعموم الآية بوجوب القضاء على المرضى، وخصوص ما مر في
الصلاة من النصوص (2) الآمرة بقضائها، بناء على ما مضى من عدم القائل
بالفرق بينهما.
ويضعف الأول بمنع الصغرى، ولئن سلمت فالكبرى، وسند المنع فيها
ما تلوناه.
والثاني بالمعارضة بالمثل، بل الأولى لوجوه شتى، ولذا حملت على
الاستحباب، كما ثمة قد مضى.
وللمحكي في المختلف (3) عن الإسكافي، فخص نفي القضاء بما إذا لم يكن
أدخل على نفسه سبب الاغماء وكان لجميع النهار مستغرقا، وإلا فالقضاء.
ولم أعرف له على التفصيل مستندا، إلا على وجوب القضاء فيها لو أدخل
على نفسه السبب، فيمكن توجيهه بما مر في الصلاة، مع الجواب عنه.
(والمرتد) عن ملة أو فطرة (يقضي ما فاته) بلا خلاف فيه بين
الأصحاب أجده، وبه صرح أيضا في الذخيرة (4)، للعمومات أو الاطلاقات
السليمة عما يصلح للمعارضة، عدا إطلاق ما مر من أن الاسلام يجب
ما قبله (5) والكافر إذا أسلم لا يقضي ما فاته (6) وهو بحكم التبادر مختص بالكافر
الأصلي دون مفروض المسألة.
(وكذا كل تارك) للصوم يجب عليه قضاؤه (عدا الأربعة) يعني

(1) قائله العلامة في المختلف: كتاب الصوم فيمن يصح منه الصوم ج 1 ص 228 س 15.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب قضاء الصلوات انظر أحاديث الباب ج 5 ص 356 - 357.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الصوم فيمن يصح منه الصوم ج 1 ص 228 س 10.
(4) ذخيرة المعاد: كتاب الصوم ص 526 س 27.
(5) عوالي اللآلي: ح 38 ج 2 ص 224.
(6) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أحكام شهر رمضان انظر أحاديث الباب ج 7 ص 238 - 339.
431

الصبي والمجنون والمغمى عليه والكافر (عامدا) كان في تركه (أو ناسيا)
إجماعا لما مضى.
(وأما أحكامه فمسائل) (1) خمس:
(الأولى المريض إذا استمر به المرض)، الذي أفطر معه في شهر رمضان
(إلى رمضان آخر سقط) عنه (القضاء على الأظهر).
(وتصدق) عما فات (من) شهر رمضان (الماضي لكل يوم) (2) كما
في المتن (بمد) من طعام، وهو الأشهر، بل عليه عامة من تأخر (3)، وفي
الروضة عزى غيره إلى الندرة (4)، مشعرا بدعوى الاجماع.
والصحاح به مع ذلك مستفيضة، كغيرها من المعتبرة القريبة من المتواتر،
بل لعلها متواترة، مروية في الكتب الأربعة (5)، وغيرها من الكتاب المعتبرة،
كالعلل (6) والعيون (7) وقرب الإسناد (8) والفقه الرضوي (6) وتفسير

(1) في المتن المطبوع: (ففيه مسائل).
(2) في المتن المطبوع: (عن الماضي عن كل يوم).
(3) كالسيد السند في المدارك: كتاب الصوم ج 6 ص 213، والفاضل الخراساني في الذخيرة: كتاب
الصوم ص 527 س 4.
(4) الروضة البهية: كتاب الصوم ج 2 ص 120.
(5) الكافي: كتاب الصيام باب من توالى عليه رمضانان انظر أحاديث الباب ج 4 ص 119، ومن
لا يحضره الفقيه: باب قضاء صوم شهر رمضان ح 1999 ج 2 ص 148، والاستبصار: ب 58 من أفطر
شهر رمضان فلم يقضه حتى يدركه رمضان آخر أحاديث الباب ج 2 ص 110 - 111، وتهذيب
الأحكام: ب 60 من أسلم في شهر رمضان وحكم من بلغ الحلم فيه ح 17 - 22 ج 4
ص 250 - 253.
(6) علل الشرائع: باب 182 علل الشرائع وأصول الاسلام ج 1 ص 271.
(7) عيون أخبار الرضا (ع): باب 34 في علل بعض الأحكام ج 2 ص 116.
(8) قرب الإسناد: ص 103 س 11. (9) فقه الرضا (ع): ب 30 في نوافل شهر رمضان ودخوله ص 211.
432

العياشي (1).
ومع ذلك كلها صريحة، وجملة منها معللة ومخالفة لما عليه الجمهور كافة،
في المنتهى (2)، فيقيد بها إطلاق قوله سبحانه: (فعدة من أيام أخر) (3)، ونحوه
من إطلاق السنة ولو كانت مقطوعا بها متواترة.
مع إمكان المناقشة في أصل شمول نحو هذين الاطلاقين، لزمان مؤخر عن
السنة، لكونه المتبادر منه خاصة، مع أن إطلاق الثاني وارد لبيان أحكام أخر
غير الوقت.
فيمكن التأمل في شموله أيضا من هذا الوجه، ويحمل ما ظاهره المنافاة لها
من الأخبار - مع قصور سنده، وإضماره، وعدم وضوح دلالته - على التقية، لما
عرفته، أو على الاستحباب، كما هو ظاهره على ما قيل (4).
وصريح الصحيح: من أفطر شيئا من رمضان في عذر ثم أدركه رمضان
آخر وهو مريض فليتصدق بمد لكل يوم، وأما أنا فإني صمت وتصدقت (5).
ومما ذكرنا ظهر ضعف القول بوجوب القضاء دون ما مر من الكفارة،
كما عليه العماني (6) والحلي والحلبي، وقواه في المنتهى والتحرير (7).
والقول بالاحتياط بالجمع بينهما كما عن الإسكافي أيضا (8) إن أريد
بالاحتياط الوجوب، وإلا فلا ضعف فيه، لرجحانه، خروجا عن شبهة
الخلاف، وعملا بصريح ما مر من الصحيح.

(1) تفسير العياشي: في سورة البقرة ح 178 ج 1 ص 79.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصوم في أحكام القضاء ج 2 ص 603 س 6.
(3) البقرة: 185. (4) قاله المحدث البحراني في الحدائق: ج 13 ص 304.
(5) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 4 ج 7 ص 245.
(6) حكاه عنهما العلامة في المختلف: كتاب الصوم في لواحق الصوم ج 1 ص 239 س 31 و 30.
(7) السرائر: ج 1 ص 396، والكافي في الفقه: ص 184، والمنتهى: ج 2 ص 603 س 10، والتحرير: ج 1 ص 83
25.
(8) حكاه عنهما العلامة في المختلف: كتاب الصوم في لواحق الصوم ج 1 ص 239 س 31 و 30.
433

ويستفاد منه تعدي الحكم إلى ما فاته من الصوم بغير المرض ثم حصل له
المرض المستمر، وهو أحد القولين في المسألة والقول الآخر عدم التعدي،
تمسكا بعموم الآية، إلا ما خرج بالدليل، وحملا للعذر في الصحيح على
المرض، كما يشعر به قوله: (وهو مريض).
وفيه نظر، بل لعل الأول أظهر، سيما مع التأمل في العموم، كما مر،
مضافا إلى صريح ما رواه الصدوق بسنده عن الفضل بن شاذان عن مولانا
الرضا عليه السلام في العيون والعلل.
وفيه: إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره أو لم
يفق من مرضه حتى يدخل عليه شهر رمضان آخر وجب الفداء للأول وسقط
القضاء، فإذا أفاق بينهما أو أقام ولم يقضه فوجب عليه القضاء والفداء (1).
(ولو برئ) بينهما (وكان في عزمه القضاء) قبل الثاني وأخره اعتمادا
على سعة الوقت فلما ضاق عرض له مانع عنه (فلم يقض صام الحاضر
وقضى الأول) إجماعا (ولا كفارة) على الأشهر، كما في الروضة (2) وغيرها،
وهو الأقوى، للأصل، مع عدم تقصيره في الفوات لسعة الوقت ابتداء وعروض
العذر اضطرارا.
ومعه يبعد التكفير جدا، إذ هو لستر الذنب غالبا، والنادر كالعدم،
وللصحيح: إن كان برئ ثم توانى قبل أن يدركه الرمضان الآخر صام الذي
أدركه وتصدق عن كل يوم بمد من طعام على مسكين وعليه قضاؤه (3)
الحديث. ونحوه خبران آخران.

(1) عيون أخبار الرضا (ع): باب 34 في علل بعض الأحكام ج 2 ص 116، وعلل الشرائع: باب 182
علل الشرائع وأصول الاسلام ج 1 ص 271.
(2) الروضة البهية: كتاب الصوم ج 2 ص 121.
(3) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 1 ج 7 ص 244.
434

مروي أحدهما عن تفسير العياشي (1)، بزيادة التعليل بقوله: (من أجله
أنه ضيع ذلك الصيام). وبدل التواني بالتهاون في الثاني (2).
وقريب منها خبر ثالث (3)، لعله لا يخلو عن قصور في سند، ونوع إجمال في
دلالة. وتقريبها فيما عداه واضح، لاشتراط التكفير فيها أجمع بالتهاون والتواني،
وشئ منهما لا يصدق فيما نحن فيه.
خلافا للمحكي عن الصدوقين (4) والعماني (5)، فأطلقوا التكفير بالتأخير
بحيث يشمله وما يأتي، وهو خيرة جماعة (6) من المتأخرين، لاطلاق الأمر به في
نحو الصحيح: إن كان صح فيما بينهما ولم يضم حتى أدركه شهر رمضان آخر
صامهما جميعا وتصدق عن الأول (7).
وفيه نظر، لوجوب حمله على ما مر حمل المطلق على المقيد.
(ولو ترك القضاء تهاونا) بأن لم يعزم عليه في ذلك الوقت، أو عزم
فلما ضاق الوقت عزم على عدمه (صام الحاضر وقضى الأول) قطعا
(وكفر عن كل يوم منه بمد) وجوبا على الأشهر الأقوى، بل عليه عامة (8)

(1) تفسير العياشي: سورة البقرة ح 178 ج 1 ص 79.
(2) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 6 ج 7 ص 246.
(3) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 2 ج 7 ص 245.
(4) الصدوق في المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم باب قضاء شهر رمضان ص 17 س 24،
وحكاه عنه والده العلامة في المختلف: كتاب الصوم في بيان حقيقته وأحكامه ج 1 ص 240 س 26.
(5) حكاه عنه العلامة في المختلف: كتاب الصوم في بيان حقيقته وأحكامه ج 1 ص 240 س 37.
(6) منهم الشهيد في الدروس: كتاب الصوم ص 77 س 7، والشهيد الثاني في المسالك: كتاب الصوم
ج 1 ص 78 س 8، والسيد في المدارك: كتاب الصوم ج 6 ص 218.
(7) وسائل الشيعة: باب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان مقطع من ح 2 ج 7 ص 245.
(8) منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع: كتاب الصوم ج 1 ص 381، والشهيد الثاني في الروضة:
كتاب الصوم ج 1 ص 122.
435

متأخري أصحابنا، وجملة (1) من قدمائهم أيضا، عدا الحلي (2) فلم يوجبه هنا
ولا فيما مضى، وهو مع ندورة الأخبار المتقدمة - مع استفاضتها، وصحة جملة
منها، واشتهارها - حجة على خلافه.
والخبر المخالف لها - مع ضعفه سندا - مطروح، أو مؤول بما يؤول إليها جمعا
وإن أمكن الجمع بحملها على الاستحباب، إلا أن الأول أولى، لرجحانها بما
مضى، فينبغي صرف التوجيه إلى هذا.
(الثانية: يقضي عن الميت) الذكر (أكبر أولاده) (3) الذكر (ما تركة
من صيام لمرض وغيره) من الأعذار الشرعية إذا كان (مما تمكن من
قضائه ولم يقضه) بلا خلاف ظاهر، إلا من العماني (4) فأوجب الصدقة
عنه، وللمرتضى في الانتصار فأوجبها إن خلف ما لا وإلا فعلى وليه القضاء (5)،
وادعى الأول تواتر الأخبار بذلك، وشذوذ ما عليه الأصحاب قاطبة عداهما.
ولا ريب في وهن هذه الدعوى بقسميها.
أما الثانية، فلما يظهر من تتبع الفتاوى، حتى أن الشيخ في الخلاف (6)
والحلي في السرائر (7) ادعيا الاجماع على القضاء، وعزاه في المنتهى (8) إلى
علمائنا أيضا من غير أن يذكر قوله من أحد من علمائنا أصلا، مؤذنا بكون

(1) كالشيخ الطوسي في النهاية: كتاب الصيام ص 158، والمحقق الحلي في المعتبر: كتاب الصوم ج 2
ص 698.
(2) السرائر: كتاب الصيام باب حكم المسافر والمريض ج 1 ص 397.
(3) في المتن المطبوع: (ولده).
(4) حكاه عنه العلامة في المختلف: كتاب الصوم في بيان حقيقته وأحكامه ج 1 ص 242 س 9.
(5) الإنتصار: مسائل الصوم ص 70.
(6) الخلاف: كتاب الصوم م 66 ج 2 ص 209.
(7) السرائر: كتاب الصيام باب قضاء شهر رمضان ج 1 ص 409.
(8) منتهى المطلب: كتاب الصوم في أحكام القضاء ج 2 ص 604 س 1.
436

خلافه إجماعيا، وكذا المرتضى (1) في كتابه الذي مضى، لكن على التفصيل
الذي قدمنا.
وكذلك الأولى، فإن الأخبار المستفيضة القريبة من التواتر، بل لعلها
متواترة مصرحة بثبوت القضاء، وإن اختلفت في الدلالة على ثبوته ووجوبه في
الجملة، أو مطلقا، ومع ذلك فهي مخالفة لما عليه جمهور العامة، كما صرح به
جماعة. ولا معارض لها عدا الصحيح المروي في التهذيبين (2).
وفيه إن صح ثم مرض حتى يموت وكان له مال تصدق عنه، فإن لم يكن
له مال تصدق عنه وليه، لكنه مروي في الكافي والفقيه بمتن مغاير وهو قوله:
(إن صح ثم مات وكان له مال تصدق عنه مكان كل يوم بمد، وإن لم يكن
له مال صام عنه وليه) (3).
والطريق في الأول وإن ضعف، إلا أنه في الثاني موثق كالصحيح بأبان
المجمع على تصحيح ما يصح عنه، وهذا المتن مغاير لما ذكره، وإن وافقه في
الجملة، لكنها غير كافية.
وكيف كان، فمثل هذه الرواية يشكل أن يعترض بها ما اشتهر بين
الطائفة المستند إلى الاجماعات المحكية (4)، وجملة () من الأخبار المعتبرة
الواضحة الدلالة على وجوب القضاء على الولي مطلقا، من غير تفصيل بين ما

(1) نفس المصدر السابق.
(2) تهذيب الأحكام: ب 60 من أسلم في شهر رمضان ومن مات وقد صام بعضه أو لم يصم منه شيئا
ح 1 ج 4 من 248، والاستبصار: ب 57 حكم من مات في شهر رمضان ح 6 ج 2 ص 109.
(3) الكافي: كتاب الصيام باب الرجل يموت وعليه من صيام شهر رمضان ح 3 ج 4 ص 123، ومن
لا يحضره الفقيه: باب قضاء الصوم عن الميت ح 2008 ج 2 ص 152.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصوم في أحكام القضاء ج 2 ص 604 س 1، والسرائر: كتاب الصيام باب
قضاء شهر رمضان ج 1 ص 409.
(5) وسائل الشيعة: باب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 11، 13 ج 7 ص 242 - 243.
437

إذا كان له مال، أم لا.
وتنزيلها عليه وإن أمكن بالخبر المتقدم المروي في الكتابين (1) الأخيرين،
إلا أنه فرع التكافؤ المفقود من وجوه شتى، فطرحه، أو حمله على اشتباه في
المتن وأنه المتن الأول وصحف على التقية، لما عرفته متعين.
وأما الصحيح: قلت له: رجل مات وعليه صوم يصام عنه أو يتصدق؟
قال: يتصدق عنه فإنه أفضل (2)، فمع عدم ظهور قائل بها من التخيير وأفضلية
الصدقة، فمحمول على ما إذا لم يكن له ولي من الأولاد الذكور، كما حمل عليه
الفاضل في المختلف (3) الرواية السابقة.
ولكنه فيها بعيد غايته، مع أن مقتض هذه الرواية حصول البراءة
بالقضاء أيضا فيكون أولى، تفاديا من طرح ما عليه معظم العلماء، مع عدم
خروج عنها.
واعلم أن إطلاق جملة من النصوص المعتبرة والفتوى يقتضي عدم الفرق
في القضاء عنه بين ما فات عذرا، أو عمدا.
خلافا لجماعة (4) فخصوه بالأول، حملا لها على الغالب من الترك، وهو
ما كان كل هذا الوجه.
ولا بأس به، سيما مع قوة احتمال ظهور سياقها في ذلك، كما لا يخفى على
المتدبر فيها، ولكن الأحوط القضاء مطلقا.

(1) الكافي: كتاب الصيام باب الرجل يموت وعليه من صيام شهر رمضان ح 3 ج 4 ص 123، ومن
لا يحضره الفقيه: باب قضاء الصوم عن الميت ح 2008 ج 2 ص 152.
(2) من لا يحضره الفقيه: باب الأيمان والنذور والكفارات ح 4322 ج 3 ص 376.
(3) المختلف: كتاب الصوم في بيان حقيقته وأحكامه ج 1 ص 242 س 12.
(4) منهم الشهيد في الذكرى: كتاب الصلاة ص 138 س 35، والسيد في المدارك: كتاب الصوم ج 6
ص 222، والمحدث البحراني في الحدائق: كتاب الصوم ج 13 ص 238.
438

(ولو مات في مرضه) ولم يتمكن من القضاء (لا) يجب أن (يقضى
عنه و) إن (استحب) (1).
أما الأول، فبالنص المستفيض المتضمن للصحاح وغيرها مضافا إلى
الاجماع الظاهر المصرح به في الخلاف (3)، وقريب منه بعض العبائر.
وأما الثاني، فقد صرح به جماعة، وعزاه في المنتهى إلى أصحابنا قال: لأنه
طاعة فعلت عن الميت فيصل إليه ثوابها (3).
وفيه نظر، وفاقا لجملة ممن تأخر (4)، إذ لا كلام في جواز التطوع عنه،
وإنما الكلام في القضاء الفائت عنه، والوظائف الشرعية إنما يستفاد من
النقل، ولم يرد التعبد بذلك، بل ورد خلافه صريحا في الخبر.
وفيه: عن امرأة مرضت في شهر رمضان فماتت في شوال وأوصتني أن
أقضي عنها، قال: هل برئت من مرضها؟ قلت: لا ماتت عليه، قال:
لا يقضي عنها فإن الله تعالى لم يجعله عليه، قلت: فإني أشتهي أن أقضي عنها
وقد أوصتني، قال: فكيف تقضي شيئا لم يجعله الله تعالى عليها (5)!! لكنه غير
واضح السند وإن ألحق بالموثق (6)، لعدم ظهور الوجه.
وما تقدمه من الاعتبار حسن إن لم نكتف في نحو المقام بفتوى جماعة،
فضلا عن الجماعة، كما هنا على ما قيل (1). وأما معه - كما هو الأقوى - فلا، إلا

(1) في المتن المطبوع: (لم يقض عنه وجوبا).
(2) الخلاف: كتاب الصوم م 64 ج 2 ص 208.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصوم في أحكام القضاء ج 2 ص 603 س 37.
(4) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان: كتاب الصوم ج 5 ص 259، والفاضل الخراساني في
الذخيرة: كتاب الصوم ص 527 س 1، والسيد في المدارك: كتاب الصوم ج 6 ص 212.
(5) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 12 ج 7 ص 242، مع اختلاف يسير.
(6) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 10 ج 7 ص 242.
(7) لم نعثر عليه.
439

أن يقال: إنه حيث لا يحتمل التحريم، وهو هنا يحتمل لظاهر الخبر المؤيد
بالنهي أو النفي الراجع إليه في كثير من الأخبار فالترك لعله أحوط، وإن
كان في تعينه نظر.
(وروي القضاء عن المسافة) مطلقا (ولو مات في ذلك السفر).
ففي الصحيح والموثق: عن امرأة مرضت أو طمثت أو سافرت فماتت قبل
خروج شهر رمضان هل يقضى عنها؟ قال: أما الطمث والمرض فلا، وأما
السفر فنعم (1). ونحوهما الخبر (2).
وفي الموثق الآخر: عن رجل سافر في شهر رمضان فأدركه الموت قبل أن
يقضيه، قال: يقضيه أفضل أهل بيته (3).
وهي مع قصور أكثرها سندا - وضعف بعضها دلالة - لم أر عاملا بها
صريحا، بل ولا ظاهرا، عدا الشيخ في التهذيب (4)، مع أنه رجع عنه في
الخلاف (5) إلى ما عليه الماتن وأكثر الأصحاب.
(و) هو أن (الأولى مراعاة التمكن ليتحقق الاستقرار) مدعيا عليه
الاجماع، وهو الأقوى له؟ مضافا إلى الأصل، وشذوذ الروايات، ومعارضتها بما
يدل على أن وجوب القضاء على الولي، بل جوازه مشروط بوجوبه على الميت
من الروايات.

(1) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 4 ج 7 ص 241، وأما الموثق فهو في نفس
الباب ح 16 ص 243.
(2) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 15 ج 7 ص 243.
(3) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 11 ج 7 ص 242.
(4) تهذيب الأحكام: ب 60 من أسلم في شهر رمضان وحكم من بلغ ومن مات فيه انظر أحاديث
14، 15 ج 4 ص 249.
(5) الخلاف: كتاب الصوم م 65 ج 2 ص 208.
440

منها - زيادة على الخبر المتقدم قريبا - المرسل - كالموثق -: فإن مرض فلم يصم
شهر رمضان ثم صح بعد ذلك فلم يقضه ثم مرض فمات فعلى وليه أن يقضي
عنه، لأنه قد صح فلم يقض ووجب عليه (1). وقصور السند أو ضعفه منجبر
بالعمل والموافقة لمقتضى الأصل.
ولشيخنا في المسالك (2) والروضة (3) قول آخر بالتفصيل بين السفر
الضروري فالثاني وغيره فالأول، ولم أقف على مستنده، عدا أمر اعتباري
استنبطه مما ذكره في الدروس توجيها للرواية من أن السر فيها تمكن المسافر
من أداء وهو أبلغ من التمكن من القضاء إذا كان ترك السفر سائغا (4).
وما ذكره في رده بقوله: (وهو ممنوع) لجواز كونه ضروريا كالسفر الواجب
فالتفصيل أجود (5).
وهو كما ترى فإنه اجتهاد صرف لا دليل عليه أصلا، فلا يمكن الاستناد
إليه جدا.
(ولو كان) له (وليان) فصاعدا (قضيا بالحصص) وفاقا للشيخ (6)
وجماعة (7)، لعموم نحو الصحيح يقضي عنه أولى الناس بميراثه (8)، لشموله
بإطلاقه المتحد والمتعدد ويتساوون، لامتناع الترجيح من غير مرجح.

(1) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان مقطع من ح 13 ج 7 ص 243.
(2) مسالك الأفهام: كتاب الصوم ج 1 ص 78 س 11.
(3) الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية: كتاب الصوم ج 2 ص 124.
(4) الدروس الشرعية: كتاب الصوم ص 77 س 16.
(5) الروضة البهية: كتاب الصوم ج 2 ص 124.
(6) كما في المبسوط: كتاب الصوم فصل في حكم قضاء ما فات من الصوم ج 1 ص 286.
(7) كالشهيد الثاني في شرح اللمعة: كتاب الصوم ج 2 ص 122، والسيد في المدارك: كتاب الصوم
ج 6 ص 226، والمحدث البحراني في الحدائق: كتاب الصوم ج 13 ص 327.
(8) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان مقطع من ح 5 ج 7 ص 241.
441

خلافا للقاضي (1) فالتخيير ومع الاختلاف فالقرعة، وللحلي (2) فلا يجب
على أحدهم بالكلية.
ولا حجة لهما أجده، عدا ما استدل (3) للأول، من عموم ما دل على أن
القرعة لكل أمر مشكل.
وهو بعد تسليم جريانه في نحو العبادات - مع أنه قد أنكره الفاضل في
المختلف (4) - لا يتم بإثبات التخيير، فتأمل.
وللثاني (5) من الأصل، واختصاص الموجب للقضاء بالولد الأكبر، وليس
هنا بمقتضى الفرض.
وضعفه ظاهر إن سلم العموم المتقدم، ولا يخلو عن نظر، لتبادر الواحد، مع
ندرة المتعدد المتحدين بحسب السن لرجل واحد، بحيث لا يزيد أحدهما على
الآخر بشئ ولو من نحو دقيقة، بأن ينفصلا دفعة واحدة.
فلما ذكره وجه إن لم ينعقد الاجماع على خلافه كما هو الظاهر، لعدم
مخالف فيه عداه، وهو نادر.
مع أنه يمكن أن يقال: بأن المعتبر اتحاد السن العرفي لا اللغوي، ولا يشترط
فيه ما مر، بل لو انفصلا متعاقبين بينهما دقيقة، بل دقائق كانا متحدين سنا
عرفا، والاتحاد بهذا المعنى غير نادر.
(ولو تبرع بعضهم) فأتى بعضا مما يجب على الآخر (صح) عند الشيخ

(1) كما، في المهذب: كتاب الصيام باب المريض والعاجز عن الصيام ج 1 ص 196.
(2) كما في السرائر: كتاب الصيام باب حكم المسافر والمريض والعاجز عن الصيام ج 1 ص 399.
(3) المستدل المحدث البحراني في الحدائق الناضرة: كتاب الصوم فروع في قضاء الولي ج 13 ص 327.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في لواحق الأحكام ج 1 ص 243 س 11.
(5) أي واستدل للثاني، والمستدل نفسه ابن إدريس في السرائر: كتاب الصيام باب حكم المسافر
والمريض والعاجز عن الصيام ج 1 ص 399.
442

ومن تبعه، بل والقاضي أيضا على ما يقتضيه مذهبه من التخيير، كما عرفته.
قيل (1): لأن المقصود براءة الذمة وقد حصل.
خلافا للحلي (2) فمنع، وللمنتهى فتردد أولا من الوجوب على الولي فلا
يخرج عن العهدة بفعل المتبرع كالصلاة عنه حيا، ومن كون الحق على الميت
فأسقط بفعل المتبرع عنه الوجوب، لكن استقرب أخيرا المنع، فقال:
والأقرب في ذلك كله عدم الاجزاء عملا بالأصل (3)، وأشار بكله إلى التبرع
بالإذن، أو الأمر، أو الاستئجار.
وينبغي القطع ببراءة ذمة الميت، لعموم ما دل على انتفاعه بما يرد عليه
من العبادات، حتى أنه ليكون في شدة فيوسع عليه.
ويتعلق الاشكال ببراءة الولي خاصة، لكن الأقرب فيه البراءة أيضا،
بناء على ما يستفاد من تتبع الأخبار بل والفتاوى أن المقصود من أمر الولي
بالقضاء ليس إلا إبراء ذمة ميته، بل ورد في جملة من الأخبار فيلقض عنه
أفضل أهل بيته (4)، أو من شاء من أهل بيته (5). فتأمل.
وفي النبوي: أن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال
عليه السلام: لو كان على أمك دين أكنت تقضيه عنها! قال: نعم، قال:
فدين الله تعالى أحق أن يقضى (6).
وفي المختلف - بعد نقله وهذا الحديث - وإن أورده الجمهور في الصحيح،

(1) قائله الشهيد الثاني في المسالك: كتاب الصوم ج 1 ص 78 س 25.
(2) السرائر: كتاب الصيام باب حكم المسافر والمريض والعاجز عن الصيام ج 1 ص 399.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصوم في أحكام القضاء ج 2 ص 604 س 34.
(4) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان مقطع من ح 1 ج 7 ص 240، وفيه يقضيه.
(5) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان مقطع من ح 1 ج 7 ص 240.
(6) صحيح مسلم: كتاب الصيام باب قضاء الصيام عن الميت ح 154 ج 2 ص 804.
443

إلا أنه مناسب للمعقول (1) إنتهى.
هذا مضافا إلى الشهرة، وعموم (2) يقتضيه أولى الناس بميراثه، بناء على
صدقه على المتعدد، والتزام التخصيص بينهم إنما هو لدفع إلزام بعضهم
بالتكليف من غير مرجح، وإلا فلو تكلفه بعضهم صدق أنه قضاه أولى الناس
به.
ولعله لهذا قال القاضي (3): بالتخيير، والشيخ (4) ومن تبعه (5) بالصحة مع
التبرع.
وكيف كان، فما اختاروه في غاية القوة.
(ويقضى عن المرأة ما تركته) من الصيام على نحو ما يقضي عن الرجل
بلا خلاف في جوازه، و (على تردد) في وجوبه على الولي.
من اشتراكها مع الرجل في الأحكام غالبا، ودلالة الصحيح (6) والموثق (7)
صريحا على أنه يقضي عنها ما فاتها سفرا، وقرب منهما رواية (8) أخرى مضت،
كالخبرين قريبا.
ومن الأصل، وضعف الظن الحاصل من الاشتراك هنا، وقصور دلالة
الروايات على الوجوب وغايتها الجواز، ونحن نقول به، مع كونه مجمعا عليه،
كما مضى، مع أن الخبرين الأولين لا يقول بمضمونهما الأكثر، لتضمنهما ثبوت

(1) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في لواحق الأحكام ج 1 ص 243 س 3.
(2) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان مقطع من ح 5 ج 7 ص 241.
(3) المهذب: كتاب الصيام باب المريض والعاجز عن الصيام ج 1 ص 196.
(4) المبسوط: كتاب الصوم في حكم قضاء ما فات ج 1 ص 286.
(5) كالشهيد الثاني في المسالك: كتاب الصوم ج 1 ص 78 س 24.
(6) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 4 ج 7 ص 241.
(7) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 16 ج 7 ص 243.
(8) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 12 ج 7 ص 242.
444

القضاء على الولي، مع عدم تمكن الميت منه.
وهذا الوجه أقوى، وفاقا للحلي (1)، والمحقق الثاني (2) فيما حكى الأكثر
عنه، وشيخنا في المسالك (3) وغيرهم (4).
خلافا للشيخ (5). والفاضل في جملة من كتبه ومنها المختلف حاكيا له فيه
عن القاضي (6)، والشهيد في الدروس (7)، والفاضل المقداد في شرح
الكتاب (8) وغيرهم فاختاروا الأول، ولا ريب أنه أحوط.
(الثالثة: إذا كان الأكبر) أي أكبر أولاده (أنثى فلا قضاء) عليها
على الأشهر الأقوى، للأصل، وصريح الصحيح (9) والمرسل (10) يقضي عنه أولى
الناس بميراثه، قلت: فإن كان أولى الناس به امرأته، فقال: لا، إلا الرجل
خلافا للمفيد (11) والصدوقين (12) والإسكافي (13) والقاضي (14) فتقضي.

(1) السرائر: كتاب الصيام باب حكم المسافر والمريض والعاجز عن الصيام ج 1 ص 399.
(2) جامع المقاصد: كتاب الصوم ج 3 ص 80.
(3) مسالك الأفهام: كتاب الصوم ج 1 ص 78 س 28.
(4) كالفاضل الآبي في كشف الرموز: كتاب الصوم ج 1 ص 305.
(5) النهاية: كتاب الصيام باب حكم المريض والعاجز عن الصيام ص 158.
(6) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في لواحق الأحكام ج 1 ص 243 س 35.
(7) الدروس الشرعية: كتاب الصوم ص 77 س 19.
(8) التنقيح الرائع: كتاب الصوم ج 1 ص 384.
(9) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 5 ج 7 ص 241.
(10) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 6 ج 7 ص 241.
(11) كما في المقنعة: كتاب الصيام ب 25 في حكم من أسلم في شهر رمضان وحكم من بالغ
فيه... ص 353.
(12) الصدوق في المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم قضاء شهر رمضان ص 17 س 22، وحكاه عن
والده العلامة في المختلف: كتاب الصوم في بيان حقيقته وأحكامه ج 1 ص 242 س 25.
(13) حكاه عنه العلامة في المختلف: كتاب الصوم في بيان حقيقته وأحكامه ج 1 ص 242 س 24.
(14) المهذب: كتاب الصيام باب المريض والعاجز عن الصيام ج 1 ص 195 - 196.
445

ولا حجة لهم واضحة، عدا الاطلاقات (1) بإثبات القضاء على الولي، والرضوي:
وإذا كان للميت وليان فعلى أكبرهما من الرجال أن يقضي عنه، وإن لم
يكن له ولي من الرجال قضى عنه وليه من النساء (2).
وفيهما نظر.
أما الأول، فلعدم معلومية حجية مثله بعد قوة احتمال وروده، لاثبات
القضاء في الجملة على الولي، من غير نظر إلى تشخيصه وربما يستأنس له
ملاحظة سياق الخبرين (3) الماضيين حيث أنه أطلق في صدورهما الحكم
بالقضاء عليه من غير تفصيل، ثم فصل في ذيلهما بعد السؤال بمن عدا النساء.
وأما الثاني، فلعدم مقاومته للصحيح وغيره، سيما بعد اعتضادهما بالأصل
والشهرة المتأخرة الظاهرة والمحكية في المسالك (4) وغيره (4)، وفتوى جماعة من
القدماء كالشيخ في المبسوط (6) والنهاية (7) والحلي (8) وابن حمزة (9).
ومع ذلك فلا قائل بما فيه، عدا الصدوقين (10) حتى المفيد (11) والإسكافي (12)

(1) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 7، 13 ج 7 ص 241 - 243.
(2) فقه الرضا (ع): ب 30 في نوافل شهر رمضان ودخوله ص 211.
(3) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 5، 6 ج 7 ص 241.
(4) مسالك الفهام: كتاب الصوم ج 1 ص 78 س 13.
(5) كالمحدث البحراني في الحدائق: كتاب الصوم ج 13 ص 322.
(6) المبسوط: كتاب الصوم في حكم قضاء ما فات من الصوم ج 1 ص 286.
(7) النهاية: كتاب الصيام باب حكم المريض والعاجز عن الصيام ص 157.
(8) السرائر: كتاب الصيام باب قضاء شهر رمضان ج 2 ص 408.
(9) الوسيلة: كتاب الصوم في بيان أحكام المريض والمعاجز عن الصيام ص 150.
(10) الصدوق في المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم باب قضاء شهر رمضان ص 17 س 22
وحكاه عن والده العلامة في المختلف: كتاب الصوم ج 1 ص 242 ص 25.
(11) المقنعة: كتاب الصيام ب 25 في حكم من أسلم في شهر رمضان ص 353.
(12) حكاه عنه العلامة في المختلف: كتاب الصوم في بيان حقيقته وأحكامه ج 1 ص 242 س 24.
446

والقاضي (1) لقول الأول بأنه أكبر الأولاد، ومع فقده فأكبر أهله من الذكور
فإن فقدوا فالنساء، والثاني بأنه أكبر الأولاد الذكور، أو أقرب أوليائه،
وكذلك القاضي. وأقوالهم متفقة على تقديم أكبر الأولاد على أكبر من عداهم
من الرجال.
ولا كذلك الرضوي (2)، لدلالته على تقديم أكبر الرجال مطلقا، حتى لو
اجتمع أبو الميت وأكبر أولاده تحتم على أبيه، وينعكس على قول الباقين.
وعلى المختار فهل يجب مع فقد أكبر أولاد الذكور على أكبر الرجال، كما
يقتضيه إطلاق الصحيح (3) وما بعده، أم لا، كما يقتضيه الأصل وعدم قائل
به بعد نفي الوجوب عن أكبر النساء؟ وجهان.
ولا ريب أن الثاني أقوى إن أفاد عدم القائل به بعد ذلك إجماعا، ولعله
الظاهر من تتبع الفتاوى، ويشير إليه العبارة هنا وفي التنقيح (4) وغيرهما، كما
لا يخفى على المتدبر جدا.
ولعله لذا اشتهر بين المتأخرين أن الولي هو أكبر أولاده الذكور خاصة
مضافا إلى الأصل، مع إجمال في إطلاقات الولي، كما عرفت. فينبغي
الاقتصار فيما خالفه على المجمع عليه فتوى ورواية.
ولعله إلى هذا نظر من (5) استدل عليه بأن الأصل براءة الذمة، إلا
ما حصل الاتفاق عليه. فتدبر.

(1) المهذب: كتاب الصيام باب المريض والعاجز عن الصيام ج 1 ص 195 - 196.
(2) فقه الرضا (ع): ب 30 في نوافل شهر رمضان ودخوله ص 212.
(3) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 5 - 6 ج 7 ص 241.
(4) التنقيح الرائع: كتاب الصوم ج 1 ص 384.
(5) المستدل المحقق في المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 702.
447

ثم إن المراد بأكبر أولاده على ما في كلام شيخنا الشهيد (1) الثاني
وغيره (2)، هو من ليس له أكبر منه وإن لم يكن له ولد متعددون، مع بلوغه
عند موته، ولعله لاطلاق لفظ الولي في أكثر الأخبار (3)، ووروده في بعضها (4)
بلفظ أفعل التفضيل لا يقتضي التقييد، لوقوعه جوابا عن السؤال عن الوليين.
وفي وجوبه عليه عند بلوغه إذا كان صغيرا عند موته وجهان، بل قيل (5):
قولان.
وكما لا قضاء كذا لا فداء على الأقوى، وفاقا لجماعة، للأصل السليم عما
يصلح للمعارضة.
(وقيل: يتصدق من التركة عن كل يوم بمد) والقائل الشيخ (6)
وجماعة، بل المشهور في المختلف (7) والدروس (8)، للصحيحة المتقدمة في صدر
المسألة الثانية، وليس لها عليه دلالة بالكلية، وبه صرح أيضا جماعة.
(ولو كان عليه شهران متتابعان جاز أن يقضي الولي شهرا
ويتصدق عن شهر) وفاقا للشيخ (9) وجمع (10)، للخبر: إذا مات رجل وعليه

(1) كما في المسالك: كتاب الصوم ج 1 ص 78 س 13.
(2) كالمحقق الأردبيلي في المجمع: كتاب الصوم ج 5 ص 271.
(3) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 3، 7، 13 ج 7 ص 240، 243.
(4) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 3 ج 7 ص 240.
(5) قاله السيد في المدارك: كتاب الصوم 6 ص 225 - 226.
(6) كما في المبسوط: كتاب الصوم في حكم قضاء ما فات ج 1، 286.
(7) نقل الفاضل الشهرة على وجوب التصدق مع فقد الولي لا مع وجود الأنثى وعدم وجود الذكر كما
تعطيه عبارة السيد (قده)، راجع المختلف: كتاب الصوم في بيان حقيقته وأحكامه ج 1 ص 242
س 14.
(8) نفس الملاحظة بالنسبة للدروس: كتاب الصوم ص 77 س 17.
(9) النهاية: كتاب الصيام في حكم المريض والعاجز عن الصيام ص 158.
(15) كالعلامة في القواعد: كتاب الصوم ج 1 ص 67 والشهيد في اللمعة الدمشقية: كتاب الصوم ت 2 ص 125.
448

صيام شهرين متتابعين من علة فعليه أن يتصدق عن الشهر الأول ويقضي
الشهر الثاني (1). وفيه ضعف سندا.
خلافا للحلي (2) فأوجب قضاءهما، إلا أن يكونا من كفارة مخيرة فيتخير
بينه وبين العتق، أو الاطعام من مال الميت، وهو خيرة الفاضل (3) وجماعة (4).
ولا يخلو عن قرب، استنادا في وجوب القضاء إلى عموم جملة من
النصوص الواردة في أصل المسألة، ومورد أكثرها وإن كان قضاء رمضان
خاصة، إلا أن في الجواب ما هو ظاهر في العموم، مع أنه لا قائل بتخصيص
الحكم بالمورد، بل يتعدى عنه ولو في جملة إجماعا. فتأمل.
وفي التخيير بينه وبين غيره إلى الأصل السليم عما يصلح للمعارضة، عدا
الخبر السابق، وقد عرفت جوابه، مع عدم معلومية انصرافه إلى المخيرة، بل
ظاهره غيرها، كما صرح به في الذخيرة (5).
وبمثله يجاب عن إطلاق النصوص الواردة في أصل المسألة، فإن أكثرها
مختصة بقضاء شهر رمضان، وبعضها ظاهر في الصوم المتعين لا المخير
ومن هنا يظهر ضعف القول بوجوب القضاء مطلقا، كما اختاره بعض متأخري
أصحابنا (6).
ولولا ظهور اتفاق الأصحاب على اشتغال ذمة الولي بشئ ما هنا، لكان
القول ببراءتها متعينا، لعدم دليل على شئ من الأقوال، حتى قول الحلي،

(1) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 1 ج 7 ص 244.
(2) السرائر: كتاب الصيام باب حكم المسافر والمريض والعاجز عن الصيام ج 1 ص 398.
(3) كما في المختلف: كتاب الصوم في بيان حقيقته وأحكامه ج 1 ص 244 س 5.
(4) منهم الشهيد الثاني في المسالك: كتاب الصوم ج 1 ص 78 س 41، والسيد في المدارك: كتاب الصوم
ج 6 ص 230.
(5) ذخيرة المعاد: كتاب الصوم ص 529 س 21. (6) الحدائق الناضرة: كتاب الصوم ج 13 ص 322.
449

لعدم دليل عليه بالخصوص، والأصل أيضا ينفيه، لكن شبهة الاجماع دعتنا إلى
قبوله بعد ما ظهر فساد قول غيره بمخالفته الأصل، مع ضعف الدليل الخاص
المستدل به عليه.
ثم إن ظاهر العبارة التخيير بين القضاء وما في الرواية وظاهرها تعين ما فيها.
(الرابعة: قاضي) شهر (رمضان مخير) في الافطار مع سعة الوقت
(حتى تزول الشمس) على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تأخر (1)،
للأصل والمعتبرة المستفيضة، وفيها الصحاح وغيرها.
منها: في الذي يقضي شهر رمضان أنه بالخيار إلى زوال الشمس. فإن
كان تطوعا فإنه إلى الليل بالخيار (2).
خلافا لظاهر العماني (3) والحلبي (4) فلا خيار، لعموم (5) النهي عن إبطال
العمل، ويخصص بما مر، وللصحيح وغيره (6)، وحملا على الاستحباب، أو على
ضيق الوقت جمعا.
(ثم) بعد الزوال (يلزمه المضي) به بلا خلاف (فإن أفطر لغير عذر)
أثم و (أطعم عشرة مساكين) لكل مسكين مد (ولو عجز صام ثلاثة
أيام) * على الأظهر الأشهر، للخبر (7) المنجبر بالعمل المؤيد بالصحيح (8) القريب

(1) منهم العلامة في المنتهى: كتاب الصوم في أحكام القضاء ج 2 ص 605 س 19، والشهيدان في اللمعة
وشرحها: كتاب الصوم ج 2 ص 118.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب وجوب الصوم ح 4 ج 7 ص 9.
(3) حكاه عنه العلامة في المختلف: كتاب الصوم في لواحق الأحكام ج 1 ص 247 س 9.
(4) الكافي في الفقه: في صوم شهر رمضان ص 184.
(5) محمد: 33.
(6) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب وجوب الصوم انظر أحاديث الباب ج 7 ص 8.
(7) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 1 ج 7 ص 253.
(8) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 2 ج 7 ص 254.
450

منه دلالة.
خلافا للحلبي (1) وابن زهرة (2) فخيرا بينهما، وللقاضي (3) فكفارة يمين.
ولم أقف على حجة للقولين، عدا ما في الغنية (4) من دعوى الاجماع على
الأول، ووهنها ظاهر، مع قصوره عن مقاومة الخبر (5) السابق. وللصدوقين (6)
فكفارة شهر رمضان، للموثق (7)، والرضوي (8)، وحملا على الاستحباب
وللعماني (9) فلا كفارة أصلا للموثق (10)، وهو محمول على التقية، لكونه
مذهب الجمهور كافة، عدا قتادة كما في المنتهى (11). وسيأتي مزيد تحقيق في
المسألة في كتاب الكفارات مستقصى.
واحترز بقضاء رمضان عن غيره في الحكم التكليفي، كقضاء النذر المعين
حيث أخل به في وقته فلا تحريم فيه مطلقا فضلا عن الكفارة. وكذا كل
واجب غير معين كالنذر المطلق والكفارة، وبه صرح جماعة (12).

(1) الكافي في الفقه: في صوم شهر رمضان ص 184.
(2) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 509 - 510، وفيه قبل الزوال.
(3) المهذب: كتاب الصيام باب قضاء الفائت من الصيام لمرض أو غيره ج 1 ص 203.
(4) نفس المصدر السابق.
(5) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 1 ج 7 ص 253.
(6) الصدوق في المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم باب قضاء شهر رمضان ص 17 س 17.
وحكاه عن والده العلامة في المختلف: كتاب الصوم في بيان حقيقته وأحكامه ج 1 ص 246 س 38.
(7) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 3 ج 7 ص 254.
(8) فقه الرضا (ع): باب 30 نوافل شهر رمضان ودخول ص 213.
(9) حكاه عنه العلامة في المختلف: كتاب الصوم في لواحق الأحكام ج 1 ص 247 س 6.
(10) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 4 ج 7 ص 254.
(11) منتهى المطلب: كتاب الصوم في أحكام القضاء ج 2 ص 605 س 27.
(12) منهم الشهيد الثاني في الروضة البهية: كتاب الصوم ج 2 ص 119، والمحقق الأردبيلي في المجمع:
كتاب الصوم ج 5 ص 81، والسيد في المدارك: كتاب الصوم ج 6 ص 233.
451

خلافا للحلبي (1) وغيره فيحرم، للنهي السابق؟ مضافا إلى الخبر في قوله:
الصائم بالخيار إلى زوال الشمس، قال: إن ذلك في الفريضة، فأما النافلة فله
أن يفطر أي وقت شاء إلى غروب الشمس (2).
ونحوه أخر: صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك وبين الليل متى ما شئت،
وقضاء صوم الفريضة لك أن تفطر إلى زوال الشمس، فإذا زالت الشمس
فليس لك أن تفطر (3).
وفيه قوة، لا للخبرين، لضعف سندهما، وعدم صراحتهما في غير قضاء
رمضان، بل يحتملان الاختصاص به للغلبة، أو التبادر، بل لعموم (4) النهي
عن الابطال السالم هنا عن المعارض، عدا فحوى ما دل (5) على جواز الافطار
في قضاء رمضان قبل الزوال، ففي غيره أولى لما في بعض الأخبار من أنه عند
الله تعالى من أيام شهر رمضان، مؤيدا باتفاق أكثر الفتاوى بحرمة إفطاره ولو
في الجملة دون غيره فهو آكد من غيره جدا.
فيخصص بالإضافة إلى قبل الزوال، ويبقى ما بعده داخلا في العموم،
ويعضده الخبران حينئذ. نعم لا يجب الكفارة قطعا، لعدم دليل عليه هنا
أصلا.
(الخامسة: من نسي غسل الجنابة حتى خرج الشهر فالمروي) في
المعتبرة أن عليه (قضاء الصلاة والصوم) معا.
ففي الصحيح: عن رجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى

(1) الكافي في الفقه: في صوم شهر رمضان ص 184 - 185.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب وجوب الصوم ح 8 ج 7 ص 10.
(3) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب وجوب الصوم ح 9 ج 7 ص 10.
(4) محمد: 33.
(5) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب وجوب الصوم ح 1 - 4 - 6 - 7 ج 7 ص 9 - 10.
452

خرج رمضان، قال: عليه أن يقضي الصلاة والصيام (1).
ونحوه الخبران المنجبران (2) بموافقة الصحيح وعمل الأكثر، كالشيخ في
النهاية (3) والمبسوط (4) والإسكافي (5)، وأكثر المتأخرين (6)، بل عامتهم حتى
الماتن في المعتبر (7)، ولكنه هنا قال: (الأشبه قضاء الصلاة حسب) لكونه
مجمعا عليه نصا وفتوى، وبالاجماع عليه صرح جماعة (8) مستفيضا دون قضاء
الصوم، لعدم إجماع عليه.
والأمر به في الصحيح وغيره (9) وإن أوجبه، إلا أنه معارض بأجود منه،
وهو الصحاح (10) المستفيضة المتضمنة، لأن الجنب إذا أصبح في النومة الأولى
فلا قضاء عليه، وهي أيضا مشهورة معتضدة بأصالة البراءة السليمة عما
يصلح للمعارضة، عدا دعوى اشتراط الصوم بالطهارة، ولا حجة عليها بالكلية.
ولأجل هذا اختار الحلي (11) العدم أيضا.

(1) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 3 ج 7 ص 170.
(2) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 1 - 2 ج 7 ص 170.
(3) النهاية: كتاب الصيام باب قضاء شهر رمضان ومن أفطر فيه ص 165.
(4) المبسوط: كتاب الصوم في حكم قضاء ما فات من الصوم ج 1 ص 288.
(5) حكاه عنه العلامة في المختلف: كتاب الصوم فيمن يصح منه الصوم ج 1 ص 233 س 19.
(6) منهم العلامة في المختلف: كتاب الصوم فيمن يصح منه الصوم ج 1 ص 33 س 20، والشهيد الأول
في اللمعة الدمشقية: كتاب الصوم ج 2 ص 116، والمحقق الأردبيلي في المجمع: كتاب الصوم ج
ص 127.
(7) المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 705 - 706.
(8) منهم السيد السند في المدارك: كتاب الصوم ج 6 ص 235، والمحدث البحراني في الحدائق الناضرة:
كتاب الصوم ج 13 ص 298.
(9) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 1 - 2 - 3 ج 7 ص 170 - 171.
(10) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب ما يمسك عنه الصائم انظر أحاديث الباب ج 7 ص 38.
(11) كما في السرائر: كتاب الصيام باب قضاء شهر رمضان ج 1 ص 407.
453

والجمع بينهما - بتقييد ما هنا بما إذا عرض النسيان في الليلة الأولى وانتبه
قبل طلوع الفجر على وجه يمكنه الاغتسال لو كان ذاكرا، أو أصبح في النومة
الثانية، كما اتفق لبعض (1) المتأخرين - وإن أمكن، إلا أنه فرع وجود قائل بهذا
التفصيل قبله ولم نجده، لكن فتوى المشهور بالمتعارضين في المقامين يستلزم
الجمع بينهما بما ذكر، أو بحمل ما هنا على الناسي، ويخصص ذلك بالنائم
عالما عازما.
وفي الروضة أن هذا أوفق، قال: بل لا تخصيص فيه لأحد النصين،
لتصريح ذلك بالنوم عالما عازما وهذا بالناسي.
ثم قال: ويمكن الجمع أيضا بأن مضمون هذه الرواية نسيانه الغسل حتى
خرج الشهر، فيفرق بين اليوم والجميع عملا بمنطوقهما، إلا أنه يشكل بأن
قضاء الجميع يستلزم قضاء الأبعاض، لاشتراكهما في المعنى إن لم يكن
أولى (2)، إنتهى.
وفي بعض ما ذكره نظر لا يخفى.
واعلم أن هذا الذي تقدم إنما هو بعض أقسام الصوم الواجب (وأما بقية
أقسام الصوم فسيأتي) ذكرها (في أماكنها إن شاء الله تعالى) وفيها غنى
عن ذكرها هنا.
(والندب من الصوم)
أقسام أيضا.
ف‍ (منه ما لا يختص وقتا) معينا كصيام أيام السنة عدا ما استثنى (فإن

(1) منهم السيد في المدارك: كتاب الصوم ج 6 ص 237.
(2) الروضة البهية: كتاب الصوم ج 2 ص 117 - 118.
454

الصوم جنة من النار) كما في النبوي (1).
وفيه: الصائم في عبادة وإن كان على فراشه ما لم يغتب مسلما (2).
وفي الحديث القدسي: الصوم لي وأنا أجزئ به (3).
وفي الصادقي: نوم الصائم عبادة، وصمته تسبيح، وعمله متقبل، ودعاؤه
مستجاب (4).
وفيه: من صام لله عز وجل يوما في شدة الحر فأصابه ظمأ وكل الله تعالى به
ألف ملك يمسحون وجه ويبشرونه بالجنة، حتى إذا أفطر قال الله جل جلاله:
ما أطيب ريحك وروحك يا ملائكتي اشهدوا أني قد غفرت له (5).
ولو لم يكن في الصوم إلا الارتقاء من حضيض حظوظ النفس البهيمية إلى
ذروة التشبه بالملائكة الروحانية، لكفى به فضلا ومنقبة.
(ومنه ما يختص وقتا) معينا، وهو كثير (و) لكن (المؤكد منه أربعة
عشرة) صوما:
(صوم) ثلاثة أيام من كل شهر (أول خميس من الشهر، وأول
أربعاء من العشر الثاني) منه (وآخر خميس من العشر الأخير) منه فقد
كثر الحث عليه في السنة المطهرة.
ففي الصحيح: يعدلن صوم الدهر ويذهبن بوحر الصدر، قال: الراوي
الوحر الوسوسة (6).

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الصوم المندوب ح 1 ج 7 ص 289.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الصوم المندوب ح 12 ج 7 ص 291
(3) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الصوم المندوب ح 15 ج 7 ص 292.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الصوم المندوب ح 17 ج 7 ص 292.
(5) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الصوم المندوب ح 1 ج 7 ص 299، مع اختلاف يسير.
(6) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الصوم المندوب ح 1 ج 7 ص 303.
455

وفيه: أن النبي صلى الله عليه وآله قبض عليه.
وفي الموثق: أنه جميع ما جرت به السنة (1).
وفي رواية: لا يقضي شيئا من صوم التطوع، إلا الثلاثة الأيام التي
يصومها من كل شهر (2).
ويسقط القضاء مع السفر، كما في الصحيح وغيره (3). وكذا المرض، لأن
المريض أعذر.
وللخبر المرض قد وضعه الله عنك، والسفر إن شئت فاقضه، وإن لم تقضه
فلا تقضه (4)، لكنه - مع ضعف سنده، ومخالفته الصحيح في السفر معارض
بآخر إن كان من مرض، فإن برئ فليقضه، وإن كان من كبر أو عطش
فبدل كل يوم مد (5).
والعمل بهذا وبسابقه في إثبات القضاء في السفر أحوط، بناء على المسامحة
في أدلة السنن، وبحمل الصحيح في السفر على نفي التأكيد، أو الوجوب كما
يشعر به سياقه.
(ويجوز تأخيرها مع المشقة من الصيف إلى الشتاء) ويكون مؤديا
للسنة، كما في النصوص (6) المستفيضة، بل يستفاد من إطلاقها جواز التأخير
اختيارا، كما صرح به جماعة (7).

(1) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الصوم المندوب ح 6 ج 7 ص 305.
(2) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب من يصح منه الصوم ح 2 ج 7 ص 159.
(3) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب من يصح منه الصوم ح 3 و 4 ج 7 ص 159.
(4) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب من يصح منه الصوم قطعة من ح 5 ج 7 ص 159.
(5) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الصوم المندوب قطعة من ح 8 ج 7 ص 319، مع تفاوت يسير.
(6) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الصوم المندوب ح 1 و 3 ج 7 ص 314 - 315.
(7) منهم المحقق في الشرائع: كتاب الصوم ج 1 ص 207، والمحدث البحراني في الحدائق الناضرة: كتاب
الصوم ج 13 ص 353.
456

(وإن عجز (1) تصدق عن كل يوم بمد) من طعام، أو بدرهم، كما في
النصوص (3) المستفيضة، وفيها الصحيح وغيره.
ثم إن ما في العبارة من الكيفية في ترتيب الأيام الثلاثة هو الأظهر
الأشهر فتوى، ورواية، كما صرح به جماعة، بل عليه الاجماع في ظاهر الغنية (3).
خلافا للشيخ (4) فخير بين صوم أربعاء بين خميسين أو خميس بين
أربعاءين، للخبر (5). وللإسكافي (6) فهكذا في شهر وهكذا في آخر لآخر،
وليس في الخبرين مقاومة لما مر بوجه.
وللعماني (7) فجعل الأربعاء الوسط الأخير من العشر الثاني، ولم أعثر له
على خبر، فضلا عن أن يقاوم ما مر.
وللحلبي (8) فأطلق الخميس في العشر الأول والأربعاء من الثاني والخميس
من الثالث، لاطلاقه جملة من النصوص المقيد بما مر حمل المطلق على المقيد.
(وصوم أيام البيض) بالاجماع، كما في المختلف (9) والغنية (10) وعن
المنتهى (11) والتذكرة (12) أنه مذهب العلماء كافة، لروايتي الزهري (13) والفقه

(1) في المتن المطبوع: (ولو عجز).
(2) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الصوم المندوب أحاديث الباب ج 7 ص 317 - 319.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 511 س 21.
(4) كما في التهذيب: ب 68 في صيام ثلاثة أيام في كل شهر ج 4 ص 303.
(5) التهذيب: ب 68 صيام ثلاثة أيام في كل شهر ح 5 ج 4 ص 303.
(6) حكاه عنه العلامة في المختلف: كتاب الصوم في بيان حقيقته وأحكامه ج 1 ص 238 س 23.
(7) حكاه عنه العلامة في المختلف: كتاب الصوم في بيان حقيقته وأحكامه ج 1 ص 238 س 22.
(8) الكافي في الفقه: في مسنون الصيام ص 189.
(9) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في بيان حقيقته وأحكامه ج 1 ص 238 س 33.
(10) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 511 س 21.
(11) منتهى المطلب: كتاب الصوم في الصيام المندوب ج 2 ص 609 س 25.
(12) تذكرة الفقهاء: كتاب الصوم في أقسام الصوم المستحب ج 1 ص 278 س 2.
(13) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب الصوم المندوب ح 1 ج 7 ص 300.
457

الرضوي (1)، وغيرهما المروي في الوسائل عن بعض الكتب.
ورواه أيضا الصدوق في العلل (2) عن النبي صلى الله عليه وآله مع علته
وعلة تسمية الأيام بالبيض بما يرجع حاصله إلى أن آدم عليه السلام لما أصابته
الخطيئة إسود لونه فلهم صوم هذه الأيام، وفيه أنها الثالث عشر والرابع عشر
والخامس عشر من كل شهر، كما هو المشهور (3)، بل قيل: إنه مذهب العلماء
كافة، وعن العماني (4) أنها الثلاثة أيام من كل شهر المتقدمة، ولا أعرف
وجهه.
والمشهور في وجه التسمية خلاف ما في الرواية من أنها إنما سميت بذلك
لبياض لياليها جمع بضوء القمر، وعلى هذا الوجه يحتاج إلى حذف الموصوف
في العبارة، أي أيام الليالي البيض، وعلى الوجه الآخر العبارة جارية على
ظاهرها من غير حذف.
ثم إن الصدوق (5) ذكر بعد نقل الرواية أنه منسوخ بصوم الخميس
والأربعاء، وربما يشعر به بعض (6) الصحاح، لكنه لما عرفت شاذ.
(ويوم الغدير، ومولد النبي صلى الله عليه وآله، ومبعثه، ودحو
الأرض) وهذه الأيام هي الأربعة التي يصام فيهن في السنة، كما في
النصوص.

(1) فقه الرضا (ع): ب 29 في الصوم ص 201.
(2) علل الشرائع: باب العلة التي من أجلها سمي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهر
أيام البيض ج 2 ص 379.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصوم في الصيام المندوب ج 2 ص 609 س 25.
(4) حكاه عنه العلامة في المختلف: كتاب الصوم في أقسام الصوم ج 1 ص 238 س 35.
(5) علل الشرائع: العلة التي من أجلها سمي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهر أيام
البيض ج 2 ص 380.
(6) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الصوم المندوب ح 16 ج 7 ص 309.
458

منها: عن الأيام التي تصام في السنة، فقال: اليوم السابع عشر من ربيع
الأول، وهو اليوم الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وآله، واليوم السابع
والعشرون من رجب، وهو اليوم الذي فيه بعث رسول الله صلى الله عليه
وآله، واليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة، وهو اليوم الذي دحيت فيه
الأرض من تحت الكعبة - أقول: أي بسطت - واليوم الثامن عشر من
ذي الحجة (1)، وهو يوم الغدير.
والنصوص بتأكد استحباب صوم آحادها بالخصوص مستفيضة، ولا سيما
في الأول فإنها فيه كادت تبالغ التواتر، بل لعلها متواترة.
ففي جملة منها: أن صومه يعدل صوم ستين سنة (2).
وفي بعضها: كفارة ستين سنة (3).
وفي آخر: يعدل عند الله عز وجل في كل عام مائة حجة ومائة عمرة
مبرورة متقبلات، وهو عيد الله الأكبر (4).
وما في الرواية من تفسير الإمام عليه السلام الأيام الأربعة بما فيها مما
لا خلاف فيه بيننا فتوى ورواية، إلا من الكليني في مولد النبي صلى الله
عليه وآله فجعله الثاني عشر من الشهر، كما صححه الجمهور، ومال إليه
شيخنا الشهيد الثاني في فوائد القواعد، كما في المدارك (5) والذخيرة (6)، وفيهما
وفي الروضة أن الأول هو المشهور (7).

(1) تهذيب الأحكام: ب 69 صوم الأربعة أيام في السنة ح 4 ج 4 ص 305 مع تفاوت في النقل.
(2) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الصوم المندوب ح 7 ج 7 ص 325.
(3) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الصوم المندوب ح 5 - 8 ج 7 ص 325.
(4) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الصوم المندوب ح 4 ج 7 ص 324.
(5) مدارك الأحكام: كتاب الصوم ج 6 ص 264.
(6) ذخيرة المعاد: كتاب الصوم ص 419 س 29.
(7) الروضة البهية: كتاب الصوم ج 2 ص 134.
459

أقول: وبه - زيادة على ما مضى - نصوص مذكورة في غير الكتب الأربعة،
وضعف أسانيدها - بالشهرة فتوى وعملا - مجبور.
(ويوم عرفه لمن لم يضعفه) عن (الدعاء) المقصود له في ذلك اليوم
كمية وكيفية (مع تحقق الهلال) وعدم التباس فيه لغيم أو غيره، للمعتبرة (1)
المستفيضة، وفيها الصحيح والموثق وغيرهما، في بعضها: أن صومه تعدل السنة،
وفي آخر: أنه كفارة ستين.
وإنما حملت على صورة اجتماع الشرطين، للمعتبرة الأخر الدالة على
الكراهة مع فقدهما، أو أحدهما.
منها الصحيح: من قوى عليه فحسن إن لم يمنعك من الدعاء، فإنه يوم
دعاء ومسألة فصمه، وأن خشيت أن تضعف عن ذلك فلا تصمه (2).
ومنها: أن يوم عرفة يوم دعاء ومسألة فأتخوف أن يضعفني من الدعاء،
وأكره أن أصومه تخوف أن يكون يوم عرفة يوم أضحى، وليس بيوم صوم (3).
وعليها ينزل إطلاق بعض (4) الأخبار المانعة بحمله على صورة فقد أحد
الشرطين.
وربما يجمع بين النصوص جملة بحمل المرغبة منها على التقية، كما يفهم من
بعضها من أنه يومئذ مذهب العامة، والناهية على صومه بنية السنة، كما هم
عليه، ومرجعه إلى عدم خصوصية لهذا اليوم في الترغيب، ومساواته لسائر
الأيام في الاستحباب المطلق.

(1) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الصوم المندوب أحاديث الباب ج 7 ص 343.
(2) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الصوم المندوب ح 4 ج 7 ص 343.
(3) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الصوم المندوب ح 6 ج 7 ص 344.
(4) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الصوم المندوب ح 2 ج 7 ص 343، ب 21 ح 6 من أحاديث أبواب
الصوم المندوب ج 7 ص 341.
460

وما ذكرناه أظهر، لوضوح الشاهد عليه من الفتوى والنص، مع أن في
الغنية (1) الاجماع عليه، كما هو الظاهر.
هذا مع أن المانع قاصر سندا لا يكافؤ المرغبة، لصحة جملة منها، وانجبار
باقيها بأدلة التسامح في السنن وأدلتها.
وأما ما ورد (2) في جملة منها من أنه لم يصمه النبي صلى الله عليه وآله منذ
نزل شهر رمضان، وكذا الحسنان عليهما السلام حال إمامتهما، فوجهه لئلا
يتأسى الناس بهم، كما صرح به في بعضها، وخوفهم عن التأسي لعله ليس
لتوهم الوجوب كما قيل (3)، بل لئلا يحرم الضعفاء به عن الدعاء الذي هو
أفضل منه هنا، كما مضى.
(وصوم) يوم (عاشوراء حزنا) بمصاب آل محمد صلى الله عليه وآله
بغير خلاف أجده، بل عليه الاجماع في ظاهر الغنية (4)، قالوا (5): جمعا بين
ما ورد (6) في الأمر بصومه وأنه كفارة سنة، وما ورد (7) من أن من صامه كان
حظه من ذلك حظ آل زياد وابن مرجانة عليهم اللعنة.
ولا شاهد على هذا الجمع من رواية، بل في جملة (8) من الأخبار المانعة

(1) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 511 س 21.
(2) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الصوم المندوب ح 2 - 7 - 9 - 13 ج 7 ص 344 - 345.
(3) قال المحدث العاملي في الوسائل: ب 23 من أبواب الصوم المندوب تعليقه على ح 13 ج 7 ص 345.
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 511 س 21.
(5) منهم الشيخ في الاستبصار: ب 78 صوم يوم عاشوراء ج 2 ص 135 والسيد في المدارك: كتاب
الصوم ج 6 ص 267 والمحدث البحراني في الحدائق: كتاب الصوم ج 13 ص 370.
(6) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الصوم المندوب ح 1 - 2 - 3 ج 7 ص 337.
(7) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب الصوم المندوب ح 4 ج 7 ص 340.
(8) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب الصوم المندوب ح 5 - 7 ج 7 ص 340 - 341.
461

ما يشيد خلافه، وأن صومه مطلقا بدعة ليس فيه رخصة.
منها: أن الصوم لا يكون للمصيبة ولا يكون، إلا شكرا للسلامة، وأن
الحسين عليه السلام أصيب يوم عاشوراء، فإن كنت فيمن أصيب به فلا
تصم، وإن كنت ممن سره سلامة بني أمية فصم شكرا لله تعالى، لكنها
كغيرها غير نقية الأسانيد، فلا يمكن أن يثبت بها التحريم، كما هو ظاهرها،
ومال إليه، بل قال به لذلك بعض (1) من عاصرناه، وحمل المعارضة على
التقية، كما يفهم من بعضها.
وهو ضعيف في الغاية لما عرفته؟ مضافا إلى شذوذ المنع مطلقا ولو كراهة،
إذ لم نعثر عل قائل به من الطائفة، بل كل من وصل إلينا كلامه مفت بما في
العبارة.
وعليه فلا يمكن أن يخصص العمومات القطعية باستحباب الصوم في
نفسه وأنه من النار جنة، وخصوص الأخبار المرغبة وإن قصر أسانيدها جملة،
لانجبارها بعمل الأصحاب جملة ولو في الجملة، حتى نحو الحلي وابن زهرة ممن
لم يعمل بأخبار الآحاد إلا حيث تكون محفوفة بالاجماع وغيره من القرائن
القطعية.
نعم يبق الاشكال في الاستحباب من حيث الخصوصية ولو في الجملة،
وهو إن لم ينعقد عليه إجماع محل مناقشة، لعدم دليل عليها، إلا النصوص
المرغبة، وهي - مع قصور أسانيدها، وعدم ظهور عامل بإطلاقها بالكلية -
معارضة بأكثر منها كثرة زائدة تكاد تقرب التواتر، ولأجلها لا يمكن العمل
بتلك ولو من باب المسامحة، إذ هي حيث لم تحتمل منعا ولو كراهة، وهي
محتملة من جهة الأخبار المانعة.

(1) مراده صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الصوم ج 13 ص 375.
462

اللهم إلا أن يقال: إن أكثرها تقبل الحمل الذي ذكره الجماعة،
وما لا يقبله منها قليلة نادرة لا يعبأ، بما فيها من احتمال حرمة أو كراهة في
مقابلة الاجماع المنقول - كما عرفته - المعتضد بالشهرة العظيمة على وجه الجمع
الذي ذكره الجماعة. وهو حسن، وإن كان في النفس بعد ذلك منه شئ.
سيما مع احتمال تفسير الصوم على وجه الحزن في العبائر بما ذكره (1) جماعة
من استحباب الامساك عن المفطرات إلى العصر، كما في النص صمه من غير
تبييت، وأفطره من غير تشميت، ولا تجعله يوم صوم كملا، وليكن إفطارك
بعد العصر بساعة على شربة من ماء، فإنه في ذلك الوقت من ذلك اليوم
تجلت الهيجاء عن آل محمد صلى الله عليه وآله (2) وانكشفت الملحمة عنهم،
قالوا (3) وينبغي أن يكون العمل على هذا الحديث، لاعتبار سنده انتهى. وهو حسن.
(ويوم المباهلة) بما في المشهور بين الطائفة، ولم أجد به رواية (مستنده وإنما
علل بالشرافة) (4).
نعم رواها (5) الخال العلامة عليه الرحمة مرسلة، وفيها كما قالوا إنه الرابع
والعشرون من ذي الحجة (6)، وفي المسالك أنه قيل: الخامس والعشرون (7)،

(1) منهم العلامة في المنتهى: كتاب الصوم في الصيام المندوب ج 2 ص 611 س 3، وابن سعيد الحلي في
الجامع: كتاب الصوم ص 162، والمحدث البحراني في الحدائق الناضرة: كتاب الصوم ج 13
ص 369.
(2) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب الصوم المندوب ح 7 ج 7 ص 238.
(3) منهم السيد في المدارك: كتاب الصوم ج 6 ص 268، والمحدث البحراني في الحدائق الناضرة:
كتاب الصوم ج 13 ص 376.
(4) ما بين المعقوفتين أثبتناه من نسخة (م) و (ق) و (ش).
(5) في نسختي (م) و (ق) زيادة: (في زاد المعاد)، بعد جملة (نعم رواها).
(6) زاد المعاد: أعمال ماه ذي الحجة در بيان روز مباهلة ص 351، فراجع.
(7) مسالك الأفهام: كتاب الصوم ج 1 ص 80 س 32.
463

ولم أجد قائله، وذكر الحلي والكفعمي أن فيه تصدق أمير المؤمنين
عليه السلام بخاتمه في ركوعه (1)، ونزل فيه آية الولاية (2).
(وكل خميس وجمعة) قيل: لشرفهما، وفي رواية عامية الاثنين
والخميس (3)، والإسكافي لا يستحب إفراد يوم الجمعة، إلا أن يصوم معه
ما قبله أو ما بعده (4)، وبه خبر عامي (5)، قال (6): وصوم الاثنين والخميس
منسوخ وصيام السبت منهي عنه، والمشهور خلافه.
نعم ورد من طرقنا ذم يوم الاثنين، فالأولى ترك صيامه، بل ترك
صيام الجمعة أيضا، للمكاتبة الصحيحة رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة
دائما فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو يوم جمعة أو أيام التشريق أو
سفرا أو مرضا هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه أو كيف يضع ذلك
يا سيدي؟ فكتب إليه قد وضع الله الصيام في هذه الأيام كلها، ويصوم يوما
بدل يوم إن شاء (8)، وليس في أخرى (9) قوله: (ويوم جمعة)، وكأنه الصحيح.
أقول: ويعضد هذه المكاتبة جملة من المعتبرة الواردة بالترغيب إلى الصوم
فيها.
منها الصحيح: في الرجل يريد أن يعمل شيئا من الخير مثل الصدقة

(1) السرائر: كتاب الصيام ج 1 من 418، ومصباح الكفعمي: ص 688.
(2) المائدة: 55.
(3) سنن أبي داود: كتاب الصوم باب صوم الاثنين والخميس ح 2436 ج 2 ص 325.
(4) قاله ابن الجنيد حكاه عنه العلامة في المختلف: كتاب الصوم في أحكام أقسام الصوم ج 1
ص 7 س 2 س 21 و 27.
(5) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب الصوم المندوب ح 6 ص 302.
(6) قاله ابن الجنيد حكاه عنه العلامة في المختلف: كتاب الصوم في أحكام أقسام الصوم ج 1
ص 7 س 2 س 21 و 27.
(7) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب الصوم المندوب ح 3 ج 7 ص 340.
(8) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب كتاب النذر والعهد ح 1 ج 16 ص 233.
(9) نفس المصدر السابق.
464

والصوم. ونحو هذا قال: يستحب أن يكون ذلك اليوم الجمعة فإن العمل يوم
الجمعة يضاعف (1).
ومنها: رأيته عليه السلام صائما يوم الجمعة، فقلت: جعلت فداك إن
الناس يزعمون أنه يوم عيد، قال: كلا إنه يوم خفض ودعة (2).
ومنها النبوي المروي عن العيون: من صام يوم الجمعة صبرا واحتسابا
أعطي ثواب عشرة أيام غر زهر لا تشاكل أيام الدنيا (3).
وعليه فلتطرح المكاتبة الأولى - مع شذوذها - أو تحمل على التقية، كما ربما
يستأنس له بملاحظة الرواية الثانية، مضافا إلى كونها مكاتبة.
والرواية الناهية عن إفرادها بالصوم عامية، والخاصية الموافقة لها فيه
لأجلها محتملة للحمل على التقية، مع أنها ضعيفة السند أيضا غير مقاومة
لاطلاق المعتبرة المستفيضة - المتقدمة التي فيها الصحيحان وغيرهما - المعتضدة
بفتوى أصحابنا، إلا النادر منهم المتقدم إليه الإشارة.
(وأول ذي الحجة)، وهو مولد إبراهيم الخليل عليه السلام، وصيامه يعدل
صيام ستين شهرا، كما في الخبر (4)، بل ثمانين، كما في آخر (5).
وفيه: فإن صام التسع كتب الله تعالى له صوم الدهر.
(ورجب كله، وشعبان كله) أو ما تيسر منهما، فقد استفاضت
النصوص (6)، بل تواترت بذلك.

(1) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب الصوم المندوب ح 4 ج 7 ص 301.
(2) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب الصوم المندوب ح 5 ج 7 ص 301.
(3) عيون أخبار الرضا (ع): ب 31 فيما جاء عن الرضا من الأخبار المجموعة ح 92 ج 2 ص 36.
(4) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الصوم المندوب ح 1 ج 7 ص 333.
(5) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الصوم المندوب ح 2 ج 7 ص 334.
(6) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الصوم المندوب أحاديث الباب ج 7 ص 348 والباب 28 من
أبواب الصوم المندوب أحاديث الباب ج 7 ص 360.
465

وما ورد بخلافه (1) - في شعبان مع ندوره وإجماع الأصحاب على خلافه فيما
أجده ويستفاد أيضا من الغنية (3) - فقد أجاب عنه الكليني.
فقال: فأما الذي جاء في صوم شعبان أنه سأل عنه، فقال: ما صامه
رسول الله صلى الله عليه وآله، ولا أحد من آبائي، قال ذلك، لأن قوما قالوا:
إن صيامه فرض مثل صيام شهر رمضان ووجوبه مثل وجوب شهر رمضان،
وأن من أفطر يوما فعليه من الكفارة مثل ما على من أفطر يوما من شهر
رمضان.
وإنما قال - العالم عليه السلام: ما صامه رسول الله صلى الله عليه وآله
ولا أحد من آبائه أي ما صاموه فرضا واجبا - تكذيبا لقول من زعم أنه فرض،
وإنما كلفوا بصومه سنة فيها فضل، وليس على من لم يصمه شئ (3)، ونحوا منه
ذكر الشيخ (4).
وذكر أن أبا الخطاب لعنه الله وأصحابه يذهبون إلى أن صوم شعبان
فريضة، وذكر أن الأخبار التي تضمنت الفصل بين شهر شعبان وشهر
رمضان. فالمراد به النهي عن الوصال الذي بينا فيما مضى أنه محرم.
(ويستحب الامساك) تشبيها بالصائمين (في سبعة مواطن).
(المسافر إذا قدم بلده، أو بلدا يعزم فيه الإقامة) عشرة فصاعدا (بعد
الزوال) مطلقا (أو قبله، وقد) كان (تناول) قبله مفطرا.
(وكذا المريض إذا برئ، و) كذا (تمسك الحائض والنفساء

(1) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب الصوم المندوب ح 6 ج 7 ص 361.
(2) غنية النزوع: (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 511 س 21.
(3) الكافي: كتاب الصيام باب صوم رسول الله صلى الله عليه وآله ج 4 ص 91.
(4) تهذيب الأحكام: ب 71 في صيام شعبان ج 4 ص 309.
466

والكافر والصبي والمجنون والمغمى عليه إذا زالت أعذارهم في أثناء
النهار) مطلقا (ولو) قبل الزوال و (لم يتناولوا) بالنص (1) والاجماع في
الجميع، إلا الصبي والكافر إذا زال عذرهما قبل الزوال ولم يتناولا، فقيل:
بوجوب الصوم عليهما حينئذ (2)، وقد مضى الكلام فيه مفصلا.
(ولا ينعقد (3) صوم الضيف من غير إذن مضيفه) إذا كان (ندبا،
ولا المرأة من غير إذن الزوج، ولا المولد من غير إذن الوالد، ولا المملوك
من غير إذن المولى) (4) للنهي عنه في الجميع في النصوص المستفيضة جدا (5)
إلا أن ما يتعلق منها بمن عدا المرأة غير نقية الأسانيد، مع قصور دلالة جملة
منها على التحريم، بل ظهور بعضها في الكراهة، للتعبير عن المنع فيه (بلا
ينبغي) الظاهر فيها عرفا فكذا شرعا، للأصل. وجعل النهي عن صوم هؤلاء
في أقسام لصوم الإذن في مقابل الصيام المحرم، كما في رواية الزهري (6) والفقه
الرضوي (7)، وغير ذلك من أمارات الكراهة.
وأما ما يتعلق بالمرأة فهو وإن صح سنده، إلا أنه معارض بمثله المروي في
الوسائل (8)، عن علي بن جعفر في كتابه، عن أخيه عليه السلام عن المرأة

(1) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب من يصح منه الصوم ح 1 ج 7 ص 160 و ب 28 من نفس الأبواب
ج 7 ص 165.
(2) قاله الشيخ في المبسوط: كتاب الصوم في حكم قضاء ما فات ج 1 ص 286.
(3) في المتن المطبوع: (ولا يصح)..
(4) في المتن المطبوع: (بدون إذن مولاه).
(5) وسائل الشيعة: ب 8 - 9 - 10 من أبواب الصوم المحرم والمكروه انظر أحاديث الأبواب ج 7
ص 193 - 195.
(6) الكافي: كتاب الصيام باب وجوه الصوم ج 4 ص 83 - 86.
(7) فقه الرضا (ع): ب 29 في الصوم ص 202.
(8) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الصوم المحرم والمكروه ح 5 ج 7 ص 394.
467

تصوم تطوعا بغير إذن زوجها، قال: لا بأس.
ومقتضى الجمع بينهما الكراهة، كما عليه السيدان في الجمل (1) والغنية (2)
وغيرهما، وفيها دعوى الاجماع عليها فيها وفي صوم العبد بغير إذن مولاه،
والضيف بغير إذن مضيفه، لكن عبر عن الكراهة باستحباب الترك، والمشهور
فيها وفي المملوك المنع تحريما، بل عن المعتبر (3) وفي غيره دعوى الاتفاق عليه
في المرأة، وعن المنتهى (4) وفي غيره دعواه في العبد.
وهذه الاجماعات المنقولة أقوى من إجماع الغنية، سيما بعد الاعتضاد
بالشهرة العظيمة المتأخرة، فترجح بها الصحيحة المانعة على مقابلتها.
اللهم إلا أن يخصص هذه الاجماعات بصورة نهي الزوج والمولى، كما يشعر
به بعضها، والتحريم فيها مقطوع به جدا.
وعليه فيكون النهي في غيرها للكراهة، جمعا بين الصحيحين وإجماع
الغنية، ولا بأس به، وإن كان الأحوط المنع مطلقا، للشهرة العظيمة، وإطلاق
بعض الاجماعات المنقولة. هذا بالنسبة إلى صوم المرأة والمملوك.
وأما غيرهما فالأصح الكراهة مطلقا، إلا مع النهي في الولد فيحرم قطعا،
وعليها الأكثر على الظاهر المصرح به في بعض العبائر لما مر مضافا إلى دعوى
الاجماع عليها في الغنية (5) في الضيف، ولا قائل بالفرق. فتدبر.
(ومن صام ندبا ودعي إلى طعام فالأفضل) له (الافطار) للنصوص
المستفيضة (6) وفيها الصحيح وغيره.

(1) رسائل الشريف المرتضى: المجموعة الثالثة كتاب الصوم ص 59.
(2) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الزكاة في زكاة الفطرة ص 506.
(3) المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 712.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصوم في صوم الإذن والتأدب ج 2 ص 614 س 33.
(5) في نسختي " م " و " ق " لا يوجد جملة " في الغنية ".
(6) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب آداب الصائم أحاديث الباب ج 7 ص 109 - 111.
468

ولا فرق - في إطلاقها كالفتوى - بين دعائه أول النهار أو آخره، ولا بين
مهيئ الطعام له وغيره، ولا بين من يشق عليه المخالفة وغيره. نعم يشترط كونه
مؤمنا، والحكمة في ذلك إجابة دعوة المؤمن، وإدخال السرور عليه، وعدم رد
قوله، لا مجرد كونه آكلا.
وليس في العبارة وجملة من الروايات اشتراط عدم الاخبار بالصوم، كما
قيل (1)، بل هي مطلقة. نعم في بعضها التقييد بذلك، ولعله محمول على
اشتراطه في ترتب الثواب المذكور فيه وهو أنه يكتب له صوم سنة.
وبذلك يجمع بينه وبين ما دل (2) على أنه يكتب له بذلك صوم عشرة
أيام، بحمل هذا على من أخبر بصومه، والأول على من لم يخبر، لكن في ثالث
لافطارك في منزل أخيك المسلم أفضل من صيامك سبعين ضعفا أو تسعين
ضعفا (3). والأمر سهل.
(والمحظور) من الصوم
(صوم العيدين) مطلقا بإجماع العلماء، كما عن المعتبر (4) والتذكرة (5)
بل قيل (6): بالضرورة من الدين، واستفاضة النصوص.
(وأيام التشريق) وهي الثلاثة بعد العيد، بإجماعنا عليه في الجملة، على

(1) قاله المحقق الثاني في جامع المقاصد: كتاب الصوم ج 3 ص 87.
(2) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب آداب الصائم ح 1 ج 7 ص 109.
(3) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب آداب الصائم ح 6 ج 7 ص 110.
(4) المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 712.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الصوم في أقسام الصوم ج 1 ص 268 س 4.
(6) قاله الفيض الكاشاني في المفاتيح: كتاب مفاتيح الصوم ج 1 مفتاح 322 ص 285.
469

الظاهر المصرح به في عبائر جماعة (1).
ولكن اختلفت العبارات في الاطلاق، أو التقييد (لمن كان بمنى) (2)
وهذا هو الأقوى، أخذا بموضع الوفاق، وتمسكا في غيره بالأصل والصحيح،
أما بالأمصار فلا بأس، والمطلق يحمل على المقيد.
هذا وفي المختلف (3) أن من أطلق أراد به المقيد، وتبعه شيخنا في الروضة،
بل زاد.
فقال: ولا يحرم صومها على من ليس بمنى إجماعا وإن أطلق تحريمها في
بعض العبارات، كالمصنف في الدروس فهو مراد من قيده، وربما لحظ
المطلق أن جمعها كاف عن تقييد كونها بمنى، لأن أقل الجمع ثلاثة، وأيام
التشريق لا تكون ثلاثة إلا بمنى، فإنها في غيرها يومان لا غير، وهو لطيف (4).
ثم إن إطلاق النص (5) والفتوى يقتضي عدم الفرق بين الناسك بحج، أو
عمرة، أو غيره، ولا بين من يصومها عن كفارة قتل وغيره.
خلافا للفاضل في القواعد (6) فقيده بالنساك، ولعله ناظر إلى حمل
الاطلاق على الغالب. ولا يخلو عن وجه، إلا أنه نادر.
وللشيخ (7) فقيده بمن لم يصمها عن الكفارة، وإلا فهو جائز، وإلى قوله

(1) منهم المحقق في المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 713، والعلامة في المنتهى: كتاب الصوم في الصوم
الحرام ج 2 ص 616 س 37.
(2) في الشرح المطبوع و (م) و (خ ل ق) و (خ ل ش): (بمن).
(3) مختلف الشيعة: كتاب الصوم وبيان حقيقته وأحكامه ج 1 ص 238 س 37.
(4) الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية: كتاب الصوم ج 2 ص 138 - 139.
(5) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الصوم المحرم والمكروه ح 1 ج 2 ص 387.
(6) قواعد الأحكام: كتاب الصوم ج 1 ص 67 س 17.
(7) تهذيب الأحكام: ب 67 وجوه الصيام ج 4 ص 297.
470

أشار بقوله: (وقيل (1): القاتل في أشهر الحرم يصوم شهرين منها، وإن
دخل فيهما العيد وأيام التشريق، لرواية زرارة) الصحيحة قال: قلت
للباقر عليه السلام: رجل قتل رجلا في الحرم، قال: عليه دية وثلث، ويصوم
شهرين متتابعين من أشهر الحرم، ويعتق رقبة، ويطعم ستين مسكينا، قال:
قلت: فيدخل في هذا شئ قال: وما يدخل، قلت: العيدان وأيام التشريق،
قال: يصوم فإنه حق لزمة (2).
وإليه يميل بعض متأخري المتأخرين (3) زاعما فتوى الشيخ بها في كتابي
الحديث (4): وانحصار جواب القوم عنها في ضعف الطريق لما اتفق في بعض
طرقها، مع أنه رواها الشيخ في كتاب الديات (5) بطريق صحيح، وكذلك
رواها الصدوق في الفقيه (6).
(والمشهور) على الظاهر المصرح به هنا، وفي المختلف (7) وغيرهما (8)
(عموم المنع) لمورد الرواية وغيرها، ولعله الأقوى، لندرة الرواية وشذوذها
كما أشار إليه في المختلف.
فقال في الجواب عنها: إن العمومات المعلومة بالاجماع وبالأخبار المتواترة
لا يجوز تخصيصها بمثل هذا الخبر الشاذ النادر. ثم قال: مع قصوره عن إفادة

(1) القائل الشيخ في المصدر السابق.
(2) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب بقية الصوم الواجب ح 2 ج 7 ص 278.
(3) هو الشيخ حسن في المنتقى: كتاب الصيام والاعتكاف ج 2 ص 567.
(4) الاستبصار: ب 74 تحريم صوم يوم العيد ج 2 ص 131، والتهذيب: ب 67 في وجوه الصيام ص 297.
(5) تهذيب الأحكام: ب 16 في القاتل في الشهر الحرام والحرم ح 4 ج 10 ص 216، لكنه رواه عن أبي
عبد الله (ع).
(6) من لا يحضره الفقيه: باب القود ومبالغ الدية ح 5212 ج 4 وص 110.
(7) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في بيان حقيقته وأحكامه ج 1 ص 238 س 38.
(8) كالمحدث البحراني في الحدائق: كتاب الصوم ج 13 ص 388.
471

المطلوب، إذ ليس فيه أن يصوم العيد وإنما أمره بصوم أشهر الحرم، وليس في
ذلك دلالة على صوم العيد، وأيام التشريق يجوز صومها في غير منى (1).
ومنه يظهر فساد الزعم الثاني المتقدم، حيث أن الفاضل لم يجب عنه
بضعف السند، بل بالندرة مؤذنا بمخالفتها الاجماع.
ويمكن تطرق النظر إلى الزعم الأول أيضا، بناء على ما يقال: من عدم
ظهور فتوى الشيخ في كتابي الحديث. نعم في التنقيح (2) أنه خيرته أيضا في
المبسوط.
وأما ما ذكره الفاضل في الجواب - علاوة بقصور الدلالة - فهو بعيد غايته
عن سياق الرواية، كما لا يخفى على من تدبره.
(وصوم آخر شعبان) الذي يشك فيه أنه من رمضان بالغيم، أو تحدث
الناس برؤية الهلال فيه، أو شهادة من لا يثبت بقوله: (بنية الفرض)،
المعهود وهو رمضان وإن ظهر كونه منه بلا خلاف فيه أجده، وعليه الاجماع في
الغنية (3)، للنهي عنه في النصوص (4) المستفيضة.
وبعضها وإن كان مطلقا، إلا أنه عمول على ذلك، جمعا بينه وبين
ما دل (5) على الجواز منها، وعملا بما دل (6) على التفصيل، كرواية الزهري (7)
والفقه الرضوي (8)، وغيرهما مما سبق إليه الإشارة في بحث استحباب صومه

(1) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في بيان حقيقته وأحكامه ج 1 ص 239 س 2.
(2) التنقيح الرائع: كتاب الصوم ج 1 ص 390.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 511 س 23.
(4) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 2 - 3 - 4 ج 7 ص 16.
(5) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 4 - 10 ج 7 ص 17 - 18
(6) دل (خ ل).
(7) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 4 ج 7 ص 16.
(8) فقه الرضا (ع): ب 29 في الصوم ص 201.
472

بنية شعبان.
وأما ما لا يقبل الحمل على ذلك - كالموثق: إني جعلت على نفسي أن
أصوم حتى يقوم القائم، فقال: لا تصم في السفر، ولا في العيدين ولا أيام
التشريق، ولا اليوم الذي يشك فيه (1) فمحمول على التقية، لكونه مذهب
العامة، كما صرح به جماعة (2)، واستفيد من جملة من النصوص.
منها - زيادة على ما مر ثمة - الموثق: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل
صام يوما ولا يدري أمن رمضان هو أو من غيره فجاء قوم فشهدوا أنه كان من
رمضان، فقال: بعض الناس عندنا لا يعتد به، فقال: بلى، فقلت: إنهم قالوا
صمت وأنت لا تدري أمن شهر رمضان هذا أم من غيره، فقال: بلى، فاعتد
به فإنما هو شئ وفقك الله تعالى، إنها يصام يوم الشك من شعبان، ولا يصومه
من شهر رمضان، الحديث (3).
هذا، مضافا إلى إجماعنا الظاهر المصرح به في جملة من العبائر مستفيضا،
كما مضى على استحباب صومه بنية شعبان.
مؤيدا بجملة من النصوص (4) المستفيضة الواردة فيمن صامه ثم ظهر كونه
من رمضان أنه وفق له، والمتضمنة لقوله عليه السلام: لئن أصوم يوما من
شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من شهر رمضان، فإنها ظاهرة غاية الظهور
في استحباب صوم اليوم المزبور بالنهج المذكور.
فما يوجد في كلام بعض (5) متأخري المتأخرين - من أن الأولى ترك صومه

(1) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 3 ج 7 ص 16.
(2) كالمحدث البحراني في الحدائق الناضرة: كتاب الصوم ج 13 ص 41.
(3) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 4 ج 7 ص 13.
(4) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب وجوب الصوم ونيته أحاديث الباب ج 7 ص 12.
(5) هو المولى الكاشاني في مفاتيح الشرائع: كتاب مفاتيح الصوم ما يحرم من الصوم ج 1 ص 286.
473

مطلقا، لاطلاق الموثق المزبور ففي غاية الضعف والقصور.
(و) صوم (نذر المعصية) بجعله شكرا على ترك الواجب، أو فعل المحرم
وزجرا على العكس.
(و) صوم (الصمت) بأن ينوي الصوم ساكتا فإنه محرم في شرعنا،
لا الصوم ساكتا بدون جعله وصفا للصوم بالنية.
(و) صوم (الوصال) كذلك (وهو) عند الأكثر كما في المدارك (1)
والذخيرة (2)، بل المشهور كما في المسالك (3) أن (يجعل عشاءه سحوره)
كما في الصحيحين (4) وغيرهما، وفي السرائر (5) وعن الاقتصاد (6) والمعتبر أنه (7)
صوم يومين بليلة، للخبر (8). وفي سنده ضعف.
وفي المسالك (9) والروضة (10) وغيرهما حصوله بكل منهما. وهو حسن إن
أريد من حيث التحريم، لعموم بعض الأدلة، وهو كونه بدعة.
وإن أريد من حيث حصول الوصال الشرعي - المنهي عنه بالخصوص في
النصوص، حتى لو نذر أن لا يأتي به كفر لو أتى به في التفسير الثاني - فمشكل،
لضعف ما دل عليه سندا وعددا واشتهارا، بالإضافة إلى ما دل على الأول.

(1) مدارك الأحكام: كتاب الصوم ج 6 ص 283.
(2) ذخيرة المعاد: كتاب الصوم ص 522 س 29.
(3) مسالك الأفهام: كتاب الصوم ج 1 ص 81 س 9.
(4) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الصوم المحرم والمكروه ح 7 - 9 ج 7 ص 388 - 389.
(5) السرائر: كتاب الصيام باب صيام التطوع... وما لا يجوز صيامه ج 1 ص 420.
(6) الاقتصاد: كتاب الصوم في ذكر أقسام الصوم ص 293.
(7) المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 714.
(8) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الصوم المحرم والمكروه ح 10 ج 7 ص 389.
(9) نفس المصدر السابق.
(10) الروضة البهية: كتاب الصوم ج 2 ص 141 - 142.
474

والأصل في تحريم الثلاثة - بعد الاجماع الظاهر المصرح به في عبائر
جماعة (1) - الاعتبار المتقدم إليه الإشارة، والنصوص المستفيضة المتكفل جملة
منها للجميع، كرواية (2) الزهري والفقه (3) الرضوي، وجملة منها لآحادها وفيها
الصحيح وغيره، وفي العامة لها التصريح بحرمتها، ومقتضاها فسادها أيضا،
كما نقل عن ظاهر الأصحاب في المدارك (4) والذخيرة (5) وغيرها.
وربما احتمل صحتها ما عدا الأول وإن حرمت، لصدق الامتثال
بالإمساك عن المفطرات مع النية، وتوجه النهي إلى خارج العبادة.
وهو ضعيف، بعد وجود النص المضيف للتحريم إلى نفس الصوم المنجبر
ضعف سنده أو قصوره بفتوى الأصحاب، مع أن الصوم عبادة يتوقف صحتها
على قصد القربة، وهي في الصيام المزبور غير حاصلة، فيفسد أيضا من هذه
الجهة.
ولعله لهذا ورد النهي عنها، ولموجب ذلك يصح الصوم نهارا صمتا ووصلا
حيث لم يحصلا في النية ابتداء وإن حصلا أخيرا اتفاقا، وبذلك صرح بعض
أصحابنا، وعزاه في المدارك إلى الأصحاب، لكن قال: الاحتياط يقتضي
اجتناب ذلك، إذ المستفاد من الرواية تحقق الوصال بتأخير الافطار إلى السحر
مطلقا (6)، وأشار بالرواية إلى الصحيح (7) الوصال في الصيام أن يجعل عشاءه

(1) منهم السيد ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 511 س 22، والمولى
الكاشاني في المفاتيح: كتاب الصوم حرمة الصوم في السفر والمرض والوصال ج 1 ص 287.
(2) تهذيب الأحكام: ب 67 في وجوه الصيام وشرحها على البيان ح 1 ج 4 ص 294.
(3) فقه الرضا (ع): ب 29 في الصوم ص 201.
(4) مدارك الأحكام: كتاب الصوم ج 6 ص 282.
(5) ذخيرة المعاد: كتاب الصوم ص 522 س 26.
(6) مدارك الأحكام: كتاب الصوم ج 6 ص 283.
(7) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الصوم المحرم والمكروه ح 5 ج 7 ص 388.
475

سحوره.
وفيه نظر، إذ ظاهره تعريف الوصال في الصيام الشرعي، يعني الذي
يقرن بالقربة لا مطلق الصيام.
وأظهر منه الصحيح (1) الآخر في تعريفه يصوم يوما وليلة ويفطر في السحر،
لمكان لفظ الصوم المضاف إلى الليلة، وذكر الافطار بعده لصيرورتهما حقيقة
شرعية أو متشرعة في التناول، بعد الامساك الخاص، لا مطلق الامساك.
فتدبر.
(وصوم الواجب سفرا) على وجه موجب للقصر (عدا ما استثني) بما
مر من المنذور المقيد به، وثلاثة الهدي، وبدل البدنة. وفهم من تقييده
بالواجب جواز المندوب، وقد مر الكلام في الجميع مفصلا.
(الخامس: في اللواحق)
(وهي مسائل:).
(الأولى: المريض) المتضرر بالصوم (يلزمه الافطار) ولو (مع ظن
الضرر) (2) بلا خلاف يظهر، بل عليه الاجماع في كلام جمع (3)، والنص بجوازه
مستفيض (4) مضافا إلى العقل والكتاب (فعدة من أيام أخر) (5). فتدبر.

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الصوم المحرم والمكروه ح 9 ج 7 ص 389.
(2) في المتن المطبوع: (مع ظن به).
(3) منهم السبزواري في الذخيرة: كتاب الصوم ص 523 س 43، والمحدث البحراني في الحدائق:
كتاب الصوم ج 13 ص 169.
(4) وسائل الشيعة: ب 19، 20 من أبواب من يصح منه الصوم انظر أحاديث البابين ج 7
ص 155 - 156.
(5) البقرة: 185.
476

والمرجع في الظن إلى ما يجده ولو بالتجربة في مثله سابقا، أو بقول من يفيد
قوله الظن ولو كان كافرا.
ولا فرق في الضرر بين كونه لزيادة وشدة بحيث لا يتحمل عادة، أو لبطء
برئه.
(و) حيث يحصل الضرر (لو تكلفه لم يجزه) إجماعا، للنهي عنه المفسد
للعبادة عندنا.
وهل الصحيح الذي يخشى المرض بالصيام يباح له الفطر؟ تردد فيه في
المنتهى.
قال: من وجوب الصوم بالعموم وسلامته من المرض، ومن كون المرض
إنما أبيح له الفطر لأجل التضرر به، وهو حاصل هنا، لأن الخوف من تجدد
المرض في معنى الخوف من زيادته وتطاوله (1) انتهى.
قيل: ويمكن ترجيح الثاني بعموم قوله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين
من حرج)، وقوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)، وقوله
عليه السلام في صحيحة حريز: (كلما أضر به الصوم فالافطار له واجب) (2).
أقول: بل في صدرها دلالة عليه أيضا حيث، قال: لصائم إذا خاف على
عينيه الرمد أفطر (3)، وهو بإطلاقه يشمل صورة السلامة من الرمد، ولا قائل
بالفرق.
ثم إن إطلاق الخوف فيه يشمل ما لو لم يظن الضرر، بل أحتمله احتمالا
متساويا، لصدق الخوف عليه حقيقة عرفا وعادة، وعليه فيتوجه الافطار
حينئذ، لكن ظاهر العبارة ونحوها اعتبار الظن، فإن تم إجماعا وإلا فلعل

(1) منتهى المطلب: كتاب الصوم في شرائط الصوم ج 2 ص 596 س 37.
(2) قائله المحدث البحراني في الحدائق: كتاب الصوم ج 13 ص 171.
(3) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب من يصح منه الصوم ح 1 ج 7 ص 155.
477

المتوجه العدم، وكفاية الاحتمال المتساوي.
(الثانية: المسافر) حيث يجب عليه قصر الصلاة (يلزمه الافطار) أيضا
(ولو صام عالما بوجوبه قضاه) بإجماعنا الظاهر المصرح به في جملة من
العبائر، كالانتصار (1) والخلاف (2) والمنتهى (3) والمدارك (4).
وفيه (و) في غيره الاجماع على أنه (لو كان جاهلا) بالحكم (لم
يقض) كما هو الظاهر. وهو الحجة في المقامين مضافا إلى النهي المفسد
للعبادة في الأول، والصحاح (5) المستفيضة فيه وفي الثاني.
منها: إن كان بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن ذلك فعليه
القضاء، وإن لم يكن بلغه فلا شئ عليه.
وفي إلحاق الناسي به، أم بالعامد؟ وجهان، بل قولان، من تقصيره في
التحفظ، ومن فوات وقته ومنع تقصير الناسي ولرفع الحكم عنه، والأحوط
الثاني، لاطلاق النص الشامل لمحل الفرض وإن احتمل اختصاصه بحكم
التبادر بالعمد، وعلى هذا الشهيد (6) في اللمعة، ويميل إلى الآخر شارحها (7).
ولو علم الجاهل والناسي في أثناء النهار أفطرا وقضيا قطعا.
(الثالثة: الشروط المعتبرة في قصر الصلاة معتبرة في قصر الصوم)
بلا خلاف أجده فتوى ورواية، إلا ما سبق إليه الإشارة في كتاب الصلاة.

(1) الإنتصار: في مفطرات الصوم ص 66.
(2) الخلاف: كتاب الصوم م 53 ج 2 ص 201.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصوم في شرائط الصوم ج 2 ص 697 س 13.
(4) مدارك الأحكام: كتاب الصوم ج 6 ص 285.
(5) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب من يصح منه الصوم أحاديث الباب ج 7 ص 127.
(6) اللمعة الدمشقية: كتاب الصوم ج 2 ص 126.
(7) الروضة البهية: كتاب الصوم ج 2 ص 126 - 127.
478

(و) لكن (يشترط في قصر الصوم تبييت النية) للسفر من الليل عند
الماتن هنا وفي الشرائع (1) والمعتبر (2)، وفاقا للشيخ في النهاية (3) والجمل (4)
والقاضي (5) في الجملة، للنصوص المستفيضة، أظهرها سندا الموثق: في الرجل
يسافر في شهر رمضان أيفطر في منزله؟ قال: إذا حدث نفسه في الليل بالسفر
أفطر إذا خرج من منزله، وإن لم يحدث نفسه من الليل ثم بدا له في السفر من
يومه أتم صومه (6) ونحوه المراسيل الثلاثة أكثرها، لجملة ممن أجمعت العصابة
على تصحيح ما يصح عنهم، كصفوان وابن مسكان.
وهي بجملتها ظاهرة في الخروج قبل الزوال، فإن في بعضها: فإن هو
أصبح ولم ينو السفر قصر ولم يفطر (7).
وفي آخر: إذا خرجت بعد طلوع الفجر ولم تنو السفر من الليل فأتموا
الصوم واعتد به من شهر رمضان (8)، وفي الثالث: إذا أردت السفر في شهر
رمضان فنويت الخروج من الليل، فإن خرجت قبل الفجر أو بعده فأنت
مفطر وعليك قضاء ذلك اليوم (9).
وعليها ينزل إطلاق المستفيضة الآمرة بالصيام إذا سافر في النهار، كالحسن
أو الموثق: عن الرجل يعرض له في السفر في شهر رمضان حين يصبح، قال:

(1) شرائع الاسلام: كتاب الصوم في اللواحق ج 1 ص 210.
(2) المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 715.
(3) النهاية: كتاب الصيام باب حكم المسافر في شهر رمضان ص 161.
(4) الجمل والعقود: كتاب الصيام في حكم المسافرين ص 124.
(5) المهذب: كتاب الصيام باب حكم المسافر في الصوم ج 1 ص 194.
(6) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب من يصح منه الصوم ح 10 ج 7 ص 133.
(7) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب من يصح منه الصوم ح 11 ج 7 ص 133.
(8) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب من يصح منه الصوم ح 12 ج 7 ص 133.
(9) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب من يصح منه الصوم ح 13 ج 7 ص 133.
479

يتم صومه ذلك (1)، والخبر: إذا أصبح في أهله فقد وجب عليه صيام ذلك
اليوم، إلا أن يدلج دلجة (2).
بحملها على ما إذا لم يبيت، بل ظاهر الحسن ذلك للفظ يتم صومه الظاهر
في تبييته من الليل. فتأمل.
وعلى صورة التبييت مجمل ما دل عل الافطار ولو مع السفر بعد الزوال.
وهو حسن لولا المعتبرة المستفيضة الآتية المفصلة، بين السفر قبل الزوال
فيفطر، وبعده فيتم، فإنها لا تقبل الحمل على شئ، من ذلك، إلا بتكلف بعيد
لا وجه له، عدا الجمع بين النصوص المختلفة في المسألة، وهو غير منحصر في
ذلك.
ويحتمل الجمع بوجه آخر، وهو حمل نصوص هذا القول بجملتها مفصلها
ومطلقها بعد التنزيل على التقية، فقد حكي (3) القول بوجوب الصوم مع
تبييت نيته عن جماعة من العامة، كالشافعي ومالك والأوزاعي وأبي ثور
والنخعي وأبي حنيفة.
بل هذا الجمع أولى، لرجحان المستفيضة الآتية سندا، واعتضادا لفتوى
جماعة من أعيان القدماء، وأكثر المتأخرين، مع وضوح الشاهد عليه نصا
واعتبارا.
(و) لذا (قيل: الشرط خروجه قبل الزوال) فيفطر معه مطلقا ويصوم
مع عدمه كذلك، والقائل المفيد (4) والإسكافي (5) والحلبي (6)، لكنه أوجب

(1) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب من يصح منه الصوم ح 5 ج 7 ص 132.
(2) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب من يصح منه الصوم ح 6 ج 7 ص 132.
(3) حكاه عنهم العلامة في المنتهى: كتاب الصوم في شرائط الصوم ج 2 ص 599 س 1.
(4) المقنعة: كتاب الصيام باب 26 حكم المريض يفطر ثم... ص 354.
(5) حكاه عنه العلامة في المختلف: كتاب الصوم فيمن يصح منه الصوم ج 1 ص 230 س 26.
(6) الكافي في الفقه: في صوم شهر رمضان ص 182.
480

القضاء مطلقا، والصدوق في ظاهر الفقيه (1) والمقنع (2)، والكليني في
الكافي (3)، وإليه ذهب الفاضل في أكثر كتبه (4) وولده (5) والشهيدان (6)
وغيرهم (7) من المتأخرين، للمعتبرة المستفيضة الراجحة على مقابلتها بما عرفته.
منها الصحيح: عن الرجل يخرج من بيته يريد السفر وهو صائم، قال:
فقال: إن خرج من قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقض ذلك اليوم، وإن
خرج بعد الزوال فليتم صومه (8).
والصحيح: في الرجل يسافر في شهر رمضان يصوم أو يفطر؟ قال: إن
خرج قبل الزوال فليفطر، وإن خرج بعد الزوال فليصم، فقال: يعرف ذلك
بقول علي عليه السلام: (أصوم وأفطر حتى إذا زالت الشمس عزم علي) يعني
الصيام (9). ونحوهما الموثق (10) بابني فضال وبكير المجمع على تصحيح ما يصح
عنهما.
وقرب منهما الصحيح (11) الدال على الحكم الأول بالمفهوم، وعلى الثاني

(1) من لا يحضره الفقيه: باب وجوب التقصير في الصلاة ج 2 ص 142.
(2) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم باب تقصير المسافر في الصوم ص 17 س 5.
(3) الكافي: كتاب الصيام باب الرجل يريد السفر أو.... ج 4 ص 131.
(4) كالتذكرة: كتاب الصوم قي بيان شرائط وجوب الصوم ج 1 ص 273 س 40، والمختلف: كتاب
الصوم فيمن يصح منه الصوم ج 1 ص 231 س 2، والمنتهى: كتاب الصوم في شرائط الصوم ج 1
ص 599 س 3.
(5) إيضاح الفوائد: كتاب الصوم ج 1 ص 244.
(6) كما في اللمعة وشرحها: كتاب الصوم ج 2 ص 127.
(7) كالسيد السند في المدارك: كتاب الصوم ج 6 ص 287.
(8) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب من يصح منه الصوم ح 2 ج 7 ص 131.
(9) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب من يصح منه الصوم ح 3 ج 7 ص 132.
(10) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب من يصح منه الصوم ح 4 ج 7 ص 132.
(11) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب من يصح منه الصوم ح 1 ج 7 ص 131.
481

بالمنطوق.
وهذه النصوص - مع ما هي عليه من الاستفاضة، واعتبار أسانيدها جملة
بالصحة في أكثرها، والقرب منها في باقيها، وصراحة أكثرها - معتضدة في
الحكم الأول بعموم الكتاب والسنة المتواترة بوجوب القصر على كل مسافر،
وخصوص المعتبرة والاجماعات القائلة على الكلية إذا قصرت أفطرت وإذا
أفطرت قصرت (1).
ونفي الخلاف عنه المحكي في السرائر (2)، لكن مع التبييت خاصة، وفي
الثاني إلى الاجماع المحكي في الخلاف (3) عليه مطلقا.
(وقيل:) يجب أن (يقصر) في الصوم مطلقا (ولو خرج قبل الغروب)
ولم يبت نية السفر ليلا، والقائل بذلك والد الصدوق (4) في الرسالة، والحلي
في السرائر (5) صريحا، والسيدان (6) والعماني (7) والفاضل في الارشاد (8)
ظاهرا، للعمومات، وخصوص الخبر: في الرجل يريد السفر في شهر رمضان
قال يفطر وإن خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل (9). والرضوي: فإن خرجت
في سفر وعليك بقية يوم فأفطر (10).

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب من يصح منه الصوم ح 1 ج 7 ص 130.
(2) السرائر: كتاب الصيام باب حكم المسافر و... ج 1 ص 391
(3) الخلاف: كتاب الصوم م 53 حكم الصائم في السفر ج 2 من 201.
(4) نقله عنه الحلي في السرائر: كتاب الصيام باب حكم المسافر و... ج 1 ص 392.
(5) السرائر: كتاب الصوم باب حكم المسافر و... ج 1 من 392.
(6) السيد المرتضى في الرسائل: المجموعة كتاب الصوم في حكم المسافر والمريض... ص 55، والسيد
ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 509 س 23.
(7) حكاه عنه العلامة في المختلف: كتاب الصوم فيمن يصح منه الصوم ج 1 ص 230 س 34.
(8) إرشاد الأذهان: كتاب الصوم في اللواحق ج 1 ص 304.
(9) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب من يصح منه الصوم ح 14 ج 7 ص 134.
(10) فقه الرضا (ع): ب 30 في نوافل شهر رمضان ودخوله ص 208.
482

والعمومات مخصصة بما عرفته، والخبر مقطوع، ومع ذلك في سنده ضعف
بالجهالة.
والرضوي - مع قصوره عن الصحة - معارض بمثله المذكور في كتاب الصلاة
منه، وهو قوله: (وإن خرجت بعد طلوع الفجر أتممت صوم ذلك اليوم وليس
عليك القضاء، لأنه دخل عليك وقت الفرض على غير مسافرة) (1).
ومع ذلك فهو كسابقه قاصر عن مقاومة الأدلة المتقدمة، فلا يمكن المصير
إليهما بالكلية.
وهنا أقوال أخر غير واضحة المأخذ، عدا ما عن المبسوط من جمل الشرط
التبييت والخروج قبل الزوال معا (2)، وما في المختلف (3) من التخيير بين الصوم
والافطار بعد الزوال، وتبعه جماعة (4) من متأخري المتأخرين، لكن لم يقيدوه
ببعد الزوال، لامكان استناد الأول إلى الجمع بين النصوص الواردة بالأمرين
بتقييد إطلاق ما دل على الافطار بما إذا خرج قبل الزوال، وما دل عليه في
صورة القيد بما إذا تبيت، لأن التعارض بينهما تعارض العموم والخصوص من
وجه، فيقيد عموم كل منهما بخصوص الآخر، فإن الظاهر يحمل على النص.
ومثل هذا الجمع لا يحتاج إلى شاهد، وهو أولى من الجمع بينهما بالاكتفاء
بأحد الأمرين، كما في الوسائل (5) فإنه يحتاج إلى شاهد.

(1) فقه الرضا (ع): ب 21 في صلاة المسافر والمريض ص 160.
(2) المبسوط: كتاب الصوم في أحكام أصحاب الأعذار ج 1 ص 284.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الصوم فيمن يصح منه الصوم ج 1 ص 232 س 4.
(4) منهم السيد السند في المدارك: كتاب الصوم ج 6 ص 290 والسبزواري في الذخيرة: كتاب
الصوم ص 538 س 7.
(5) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب من يصح منه الصوم حيث عنون الباب باشتراط النية في
التبييت أو الخروج قبل الزوال وإلا لم يجز الافطار ج 7 ص 131.
483

ومع ذلك فهو كسابقه فرع التكافؤ بين المتعارضين المفقود في البين،
لرجحان ما دل على التحديد بالزوال بما عرفته، واستناد الثاني إلى الصحيح:
إذا أصبح في بلده ثم خرج، فإن شاء صام، وإن شاء أفطر (1). وهو حسن إن
وجد به من القدماء قائل، وليس.
ومع ذلك فليس لنصوص المختار بمكافئ، فليطرح، أو يحمل على أن المراد
صام بتأخير المسافرة إلى بعد الزوال وأفطر بتقديمها عليه.
هذا، مع أن العمل بالمختار ليس فيه خروج عن مقتضى هذا الصحيح،
فالأحوط الاقتصار عليه على كل حال، وأحوط منه عدم المسافرة إلا قبل
الزوال مع تبييت النية.
(وعلى التقديرات) والأقوال (لا) يجوز أن (يفطر، إلا حيث يتوارى
جدران البلد الذي خرج منه، أو يخفى أذانه)، اتفاقا فتوى ونصا، كما
مضى.
(الرابعة: الشيخ والشيخة إذا عجزا) عن الصيام أصلا أو مع مشقة
شديدة جاز لهما الافطار إجماعا فتوى ودليلا، كتابا وسنة، و (تصدقا عن كل
يوم بمد) من الطعام، أو مدين على الخلاف بلا خلاف أجده في الصورة
الثانية، بل عليه الاجماع في عبائر جماعة (2). وهو الحجة، مضافا إلى الكتاب (3)
والسنة المستفيضة، وفيها الصحاح وغيرها من المعتبرة.
ففي الصحيح: الشيخ الكبير والذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في
شهر رمضان ويتصدق كل واحد منهما في كل يوم بمد من طعام، ولا قضاء

(1) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب من يصح منه الصوم ح 7 ج 7 ص 132.
(2) منهم العلامة في المنتهى: كتاب الصوم في لواحق الصوم ج 2 ص 618 س 6.
(3) البقرة: 184.
484

عليهما، فإن لم يقدرا فلا شئ عليهما (1). ونحوه آخر (2)، لرواية أيضا، إلا أنه بدل
المد فيه بالمدين.
وحمله الأصحاب على الاستحباب، ومنهم الشيخ في الاستبصار (3)، جمعا
بينه وبين سائر أخبار المسألة المتضمنة للمد خاصة.
ومنها الرواية الأولى لراوي هذه الرواية، كما عرفته، وحمله في التهذيب (4)
على اختلاف مراتب الناس في القدرة، ولا شاهد له.
وفيه: عن رجل كبير يضعف عن صوم شهر رمضان، قال: يتصدق في كل
يوم بمد بما يجزئ من طعام مسكين (5). ونحوه آخر.
وفي مرسلة ابن بكير - المجمع على تصحيح ما يصح عنه - في قول الله
عز وجل: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين)، قال: الذين كانوا
يطيقون الصوم فأصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك فعليهم لكل يوم مد (6).
وفي المروي في تفسير العياشي - كما حكي في تفسيرها -: أنه هو الشيخ
الكبير الذي لا يستطيع والمريض (7). وفي المروي فيه أيضا فيه أنه المرأة تخاف
على ولدها والشيخ الكبير (8).
وإطلاق أكثر هذه النصوص يشمل الصورة الأولى، فيجب فيها الفدية

(1) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب من يصح منه الصوم ح 1 ج 7 ص 149.
(2) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب من يصح منه الصوم ح 2 ج 7 ص 150.
(3) الاستبصار: باب 54 ما يجب على الشيخ الكبير والذي به العطاش إذا أفطر ج 2 ص 104.
(4) تهذيب الأحكام: ب 58 العاجز عن الصيام ج 4 ص 238 - 239.
(5) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب من يصح منه الصوم ح 5 ج 7 ص 151، وليس فيه: (بمد).
(6) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب من يصح منه الصوم ح 6 ج 7 ص 151.
(7) تفسير العياشي: في سورة البقرة ح 117 ج 1 ص 78.
(8) تفسير العياشي: في سورة البقرة ح 180 ج 1 ص 79.
485

أيضا، كما عليه الشيخ في النهاية (1) والاقتصاد (2) والمبسوط (3) والعماني (4)
والإسكافي (5) وابنا بابويه (6) والقاضي (7) والماتن هنا وفي الشرائع (8)
والفاضل في الارشاد (9) والقواعد (10) والمنتهى (11) والشهيد في الدروس (12)
واللمعة (13) وابن فهد في المهذب (14) فيما حكي وغيرهم.
(وقيل: لا يجب عليهما) الفدية (مع العجز، و) أنه إنما (يتصدقان مع
المشقة) خاصة، والقائل به المفيد (15) والمرتضى (16) وابن زهرة (17)
والديلمي (18) والحلي (19) والحلبي (20)، فيما حكي، والفاضل

(1) النهاية: كتاب الصيام باب حكم المريض والعاجز عن الصيام ص 159.
(2) الاقتصاد: كتاب الصوم في حكم المريض والعاجز عن الصيام ص 294.
(3) المبسوط: كتاب الصوم في حكم المسافر والمريض... ج 1 ص 285.
(4) حكاه عنهما العلامة في المختلف: كتاب الصوم في لواحق الأحكام ج 1 ص 244 س 29.
(5) حكاه عنهما العلامة في المختلف: كتاب الصوم في لواحق الأحكام ج 1 ص 244 س 29.
(6) الصدوق في المقنع (الجوامع الفقهية) كتاب الصوم ص 16 س 34، وحكاه عن والده العلامة
في المختلف: كتاب الصوم في لواحق الأحكام ج 1 ص 244 س 30.
(7) المهذب: كتاب الصيام باب المريض والعاجز عن الصيام ج 1 ص 196.
(8) شرائع الاسلام: كتاب الصوم في اللواحق ج 1 ص 210 - 211.
(1) إرشاد الأذهان: كتاب الصوم في اللواحق ج 1 ص 304.
(10) قواعد الأحكام: كتاب الصوم ج 1 ص 67 س 8.
(11) منتهى المطلب: كتاب الصوم في لواحق الصوم ج 2 ص 618 س 10.
(12) الدروس الشرعية: كتاب الصوم ص 78 س 7.
(13) اللمعة الدمشقية: كتاب الصوم ج 2 ص 127.
(14) المهذب البارع: كتاب الصوم في اللواحق ج 2 ص 86.
(15) المقنعة: كتاب الصيام ب 23 حكم العاجز عن الصيام ص 351.
(16) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصوم في حكم المسافر و... ج 3 ص 56.
(17) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 509 س 26.
(18) المراسم: كتاب الصوم في، حكام الافطار ص 97.
(19) السرائر: كتاب الصوم باب حكم المسافر والمريض والعاجز عن الصيام ج 1 ص 400.
(20) الكافي في الفقه: في صوم شهر رمضان ص 182.
486

في المختلف (1) وشيخنا في المسالك (2) والروضة (3) والمحقق الثاني (4) وكثير، وعن
التذكرة (5) والمنتهى (6) أنه مذهب الأكثر.
ولعله الأظهر للأصل، وظاهر الخبر المروي في الفقيه (7) والتهذيب (8): قلت
له عليه السلام: رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء ولا يمكنه الركوع
والسجود، فقال: ليؤم برأسه إيماء - إلى أن قال -: قلت له: فالصيام، قال: إذا
كان في ذلك الحد فقد وضع الله تعالى عنه، وإن كانت له مقدرة فصدقة مد
من طعام بدل كل يوم أحب إلي، وإن لم يكن له يسار فلا شئ عليه.
وقريب منه الصحيحة (9) الأولى على احتمال لا يخلو عن قرب (10). وضعف
السند مجبور بالشهرة الظاهرة والمحكية (11)، مضافا إلى دعوى الاجماع عليه في
الانتصار (12)، ونفى الخلاف عنه في الغنية (13).
وأقلهما - إن لم نقل بكونهما حجة مستقلة - إفادة الشهرة العظيمة القديمة بلا
شبهة، فيجبر بها، مضافا إلى ما مر ضعف الرواية.

(1) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في لواحق الأحكام ج 1 ص 244 س 38.
(2) مسالك الأفهام: كتاب الصوم ج 1 ص 81 س 39.
(3) الروضة البهية: كتاب الصوم ج 2 ص 128.
(4) جامع المقاصد: كتاب الصوم ج 3 ص 80.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الصوم في اللواحق ج 1 ص 281 س 1.
(6) منتهى المطلب: كتاب الصوم في اللواحق ج 2 ص 618 س 9.
(7) من لا يحضره الفقيه: باب صلاة المريض والمغمى عليه و... ح 1052 ج 1 ص 365.
(8) تهذيب الأحكام: ب 30 في صلاة المضطر ح 29 ج 3 ص 307.
(9) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب من يصح منه الصوم ح 1 ج 7 ص 149.
(10) في (م) و (ق): (عن قوة) بدل (عن قرب).
(11) حكاها المحدث البحراني في الحدائق: كتاب الصوم ج 13 ص 423.
(12) الإنتصار: فيمن سقط عنه الصوم ص 68.
(13) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 509 س 26.
487

وبهذا يقيد إطلاق المستفيضة إن سلم عن دعوى اختصاصه بحكم التبادر
بالصورة الثانية، وإلا - كما هو ظاهر جماعة - فلا معارضة له لما قدمناه من
الحجة. نعم ربما كان ظاهر بعض الأخبار الاطلاق، بل خصوص الصورة
المقابلة. لكنه لضعف السند، وعدم المعارضة لا يصلح للحجية.
هذا، والمسألة مع ذلك لا تخلو عن شبهة، ولذا تردد فيها جماعة (1). فالأحوط
ما في العبارة، وإن كان ما اخترناه لا يخلو عن قوة.
وهل يجب عليهما القضاء مع القدرة؟ قيل: نعم، وهو الأشهر على ما صرح
به جمع (2)، وقيل (3): لا، كما هو ظاهر سياق العبارة، وحكي (4) عن والد
الصدوق أيضا، ولعله الأقوى، للأصل، وإطلاق الصحيحة (5) الأولى،
والرضوي (6).
وحملهما - كالعبارة ونحوها - على الغالب من عدم القدرة على القضاء وإن
كان متوجها، إلا أن ثبوت القضاء في غيره هنا لم نجد له دليلا لا عموما
ولا خصوصا، لاختصاص نحو الكتاب (فعدة من أيام أخر) (7) بالفائت مرضا
أو سفرا، وليس عل الفرض منهما، فيكون الوجوب فيه بالأصل مدفوعا.
(وذو العطاش) بضم أوله وهو داء لا يروى صاحبه ولا يتمكن من ترك
الشرب الماء طول النهار (يفطر)، إجماعا على الظاهر المصرح به في جملة من

(1) منهم السبزواري في الذخيرة: كتاب الصوم ص 536 س 5.
(2) منهم السبزواري في الذخيرة: كتاب الصوم ص 536 س 19، والحدث البحراني في الحدائق:
كتاب الصوم ج 13 ص 423.
(3) قاله المولى الكاشاني في المفاتيح: كتاب مفاتيح الصوم ج 1 ص 241.
(4) حكاه عنه العلامة في المختلف: كتاب الصوم في لواحق الأحكام ج 1 ص 245 س 30.
(5) وسائل الشيعة: ب 15 من لا يصح منه الصوم ح 1 ج 7 ص 149.
(6) فقه الرضا (ع): ب 30 في نوافل شهر رمضان ودخوله ص 211.
(7) البقرة: 184.
488

العبائر كالتحرير (1) والتذكرة (2) والمنتهى (3) وغيرها وللكتاب (4) إجماعا والسنة
المستفيضة عموما وخصوصا ومنه الصحيح (5) الذي مضى والموثق (6)
وغيرهما (7) (ويتصدق عن كل يوم بمد) من طعام.
(ثم إن برئ قضى) بلا خلاف في وجوبه، كما في ظاهر المختلف (8)
وغيره (9)، وصريح الحلي (10)، لأنه مريض، فيشمله عموم ما دل على وجوبه
في حقه.
ونفيه على الاطلاق - في الصحيح الماضي - محمول على صورة العجز عنه
باستمرار المرض وعدم برئه، جمعا بينه وبين سابقه، لرجحانه بشهرته وقطعيته
دون الصحيح لظنيته.
وليس التعارض بينهما تعارض العموم والخصوص مطلقا، فيكون الصحيح
لخصوصيته بالتقديم أولى، لأن خصوصيته إنما هي بالنسبة إلى خصوص
المرض، وأما بالنسبة إلى انقطاعه واستمراره فعام، كما أن سابقه بالإضافة إلى
انقطاع المرض خاص، وبالإضافة إلى نفسه عام.
فيمكن تخصيص كل منهما بصاحبه، فلا بد من الترجيح، ولا ريب أنه مع

(1) تحرير الأحكام: كتاب الصوم في المسائل والتوابع لباب الصوم ج 1 ص 85 س 3.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الصوم ج 1 ص 281 س 9.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصوم في لواحق الصوم ج 2 ص 619 س 4.
(4) البقرة: 184.
(5) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب من يصح منه الصوم ح 1 ج 7 ص 149.
(6) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب من يصح منه الصوم ح 6 ج 7 ص 151.
(7) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب. من يصح منه الصوم ح 3 ج 7 ص 150.
(8) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في لواحق الأحكام ج 1 ص 245 س 20.
(9) كابن فهد الحلي في المهذب البارع: كتاب الصوم ج 2 ص 88.
(10) السرائر: كتاب الصوم باب حكم المسافر والمريض والعاجز عن الصيام ج 1 ص 400.
489

العموم دون الصحيح، لقطعية متنه واشتهاره، بل عدم ظهور خلاف فيه فيما
نحن فيه، فينبغي تقييد الصحيح به، وحمله على صورة بقاء المرض واستمراره.
فميل بعض (1) متأخر المتأخرين إلى العمل بإطلاق الصحيح وتخصيص
العموم به، فيه ما فيه.
وأما التصدق، ففي وجوبه خلاف، والأجود فيه - وفاقا لكثير ومنهم
الفاضل في جملة من كتبه (2) والمرتضى (3) والحلي (4) - التفصيل بين استمرار
المرض فيجب بدلا عن القضاء، وعدمه فلا.
استنادا في الأول إلى الصحيح (5) الماضي مضافا إلى عموم ما دل على
وجوبه على كل مريض استمر به المرض من رمضان إلى آخر، كما مر.
وفي الثاني إلى الأصل، وعدم ظهور دليل على تخصيصه، عدا إطلاق
الصحيح الماضي. وهو بعد تنزيله - بالنسبة إلى القضاء على خصوص صورة
الاستمرار غير معلوم الشمول لما نحن فيه، فيحتمل تنزيله بالنسبة إليه عليه
أيضا، احتمالا مساويا إن لم يكن أولى.
خلافا للشيخ (6) وجماعة (7) فأوجبوه مطلقا، ولم أقف لهم على حجة يعتد
بها.

(1) مال إلى ذلك المحدث البحراني في الحدائق: كتاب الصوم ج 13 ص 425.
(2) كالتحرير: كتاب الصوم في المسائل والتوابع ج 1 ص 85 س 3، والتذكرة: كتاب الصوم ج 1
ص 281 س 5، والمنتهى: كتاب الصوم في لواحق الصوم ج 2 ص 618 س 35.
(3) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصوم في حكم المسافر و... ج 3 ص 56.
(4) السرائر: كتاب الصيام باب حكم المسافر والمريض والعاجز عن الصيام ج 1 ص 400.
(5) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب من يصح منه الصوم ح 1 ج 7 ص 149.
(6) النهاية: كتاب الصيام باب حكم المريض والعاجز عن الصيام ص 159.
(7) منهم ابن بابويه في المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 16 س 34، واستظهره الأردبيلي
في المجمع: كتاب الصوم ج 5 ص 326، واختاره المحدث البحراني في الحدائق: كتاب الصوم ج 13
ص 426.
490

(والحامل المقرب) وهي التي قرب زمان وضعها (والمرضعة القليلة
اللبن) إذا خافتا يجوز (لهما الافطار) على ولدهما، أو أنفسهما بإجماع فقهاء
الاسلام، كما في المنتهى (1)، للضرورة المبيحة لكل محظور بالكتاب والسنة
والاجماع والاعتبار ولخصوص ما سيأتي من النصوص.
(ويتصدقان لكل (2) يوم بمد) من طعام، بإجماعنا على الظاهر المصرح به
في المنتهى (3) فيما إذا خافتا على ولدهما، وفي الخلاف مطلقا (4). وهو الحجة على
الاطلاق مضافا إلى إطلاق الصحيح، بل ظاهر: الحامل المقرب والمرضعة
القليلة اللبن لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان، لأنهما لا يطيقان الصوم،
وعليهما أن يتصدق كل واحدة منهما في كل يوم تفطر فيه بمد من طعام، وعليهما
قضاء كل يوم أفطرتا فيه تقضيانه بعد (5).
وعلى هذا الاطلاق جماعة من الأصحاب كابن حمزة (6)، والفاضلين في
ظاهر إطلاق العبارة هنا وفي الشرائع (7) والارشاد (8)، وصريح المعتبر (9)
والتحرير (10) وغيرهما، بل ظاهر المعتبر (1) كونه مجمعا عليه بيننا، حيث عزى

(1) منتهى المطلب: كتاب الصوم في لواحق الصوم ج 2 ص 619 س 10.
(2) في المتن المطبوع: (عن كل).
(3) منتهى المطلب: كتاب الصوم في لواحق الصوم ج 2 ص 619 س 16.
(4) الخلاف: كتاب الصوم م 47 ج 2 ص 196.
(5) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب من يصح منه الصوم ح 1 ج 7 ص 153.
(6) الوسيلة: كتاب الصوم في بيان أحكام المريض والعاجز ص 150.
(7) شرائع الاسلام: كتاب الصوم في اللواحق ج 1 ص 211.
(8) إرشاد الأذهان: كتاب الصوم في اللواحق ج 1 ص 304.
(9) المعتبر: كتاب الصوم ج 2 ص 718 - 719.
(10) تحرير الأحكام: كتاب الصوم في المسائل التوابع ج 1 ص 85 س 6، لكن العلامة فصل في المقام
وإن كانت النتيجة واحدة.
(11) نفس المصدر السابق.
491

التفصيل - بين الخوف على الولد فيجب، وعلى النفس فلا - إلى الشافعي
خاصة.
خلافا للفاضل في المنتهى (1) وولده في الايضاح (2) وثاني المحققين (3) وثاني
الشهيدين (4)، فالتفصيل، ولا وجه له بعد إطلاق الصحيح (5)، بل ظاهره
والاجماع المحكي كما مضى. نعم في مستطرفات السرائر رواية صريحة في
الخوف على النفس، ولم يذكر فيها بل الصدقة، بل الفطر والقضاء خاصة (6).
لكنها مع ضعف سندها تقبل الارجاع إلى الصحيح الذي هو أقوى منها
سندا، فيكون بالترجيح أولى، سيما مع اعتضاده بإطلاق الخبر: قلت لأبي
الحسن عليه السلام: إن امرأتي جعلت على نفسها صوم شهرين فوضعت ولدها
وأدركها الحبل ولم تقو على الصوم، قال: ولتصدق مكان كل يوم بمد على
مسكين (7).
(ويقضيان) ما فاتهما على الأشهر الأقوى، بل عليه إجماع أصحابنا مطلقا
كما في الخلاف (8)، أو من عدا سلار كما في صريح المنتهى (9)، وظاهر غيره
وظاهر المختلف (10) والتنقيح (11) وغيرهما عدم الخلاف فيه، إلا من والد

(1) منتهى المطلب: كتاب الصوم في لواحق الصوم ج 2 ص 619 س 9.
(2) إيضاح الفوائد: كتاب الصوم في أحكام القضاء ج 1 ص 235.
(3) جامع المقاصد: كتاب الصوم في أحكام الامساك ج 3 ص 77.
(4) مسالك الأفهام: كتاب الصوم ج 1 ص 82 س 2.
(5) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب من يصح منه الصوم ح 1 ج 7 ص 153.
(6) السرائر: (المستطرفات): ما استطرفه من كتاب مسائل الرجال ج 3 ص 583.
(7) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب من يصح منه الصوم ح 2 ج 7 ص 154.
(8) الخلاف: كتاب الصوم م 47 ج 2 ص 196.
(9) منتهى المطلب: كتاب الصوم في لواحق الصوم ج 2 ص 619 س 15.
(10) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في لواحق الأحكام ج 1 ص 245 س 31.
(11) التنقيح الرائع: كتاب الصوم ج 1 ص 396.
492

الصدوق، وعزاه في السرائر (1) إلى الديلمي والفقيه.
أقول: ولم يذكره المرتضى (2) فكأنه مخالف أيضا. وكيف كان، فالخلاف
ممن كان ضعيف جدا، يدفعه الصحيح (3) السابق، ورواية السرائر صريحا،
ولم أجد للمخالف مستندا، عدا الأصل المخصص بما مر.
والخبر (4) الأخير - الساكت عن الأمر به، مع وروده في مقام الحاجة، وهو
مع ضعفه وعدم جابر له فيما نحن فيه - لا حجة فيه، بعد ورود الأمر به في
الصحيح وغيره، المعتضدين بالشهرة العظيمة القريبة من الاجماع، بل الاجماع
حقيقة، كما عرفت حكايته.
والرضوي (5) وهو وإن كان قويا في سنده صريحا في نفيه، إلا أنه غير
مقاوم لمقابله.
وإطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق في المرضع بين الأم وغيرها،
ولا بين المتبرعة والمستأجرة إذا لم يقم غيرها مقامها، (أما لو قام غيرها
مقامها) (6) بحيث لا يحصل ضرر على الطفل أصلا، فالأجود عدم جواز
الافطار، لانتفاء الضرورة المسوغة للفدية، ولرواية السرائر المتقدم إليها
الإشارة، فإن فيها إن كانت ممن يمكنها اتخاذ ظئر استرضعت لولدها وأتمت
صيامها، وإن كان ذلك لا يمكنها أفطرت وأرضعت ولدها وقضت صيامها متى
ما أمكنها (7).

(1) السرائر: كتاب الصيام باب حكم المسافر والمريض والعاجز عن الصيام ج 1 ص 400.
(2) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصوم في حكم المسافر و... ج 3 ص 56.
(3) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب من يصح منه الصوم ح 1 ج 7 ص 153.
(4) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب من يصح منه الصوم ح 2 ج 7 ص 154.
(5) فقه الرضا (ع): ب 30 في نوافل شهر رمضان ودخوله ص 211.
(6) ما بين المعقوفتين أثبتناه من جميع النسخ، إلا أنه في (م) و (ق) بدل (أما لو قام) (إذ لو قام).
(7) السرائر: المستطرفات ما استطرفه من كتاب مسائل الرجال ج 3 ص 583.
493

(الخامسة: لا يجب صوم النافلة ب‍) مجرد (الشروع فيه) بل يجوز
الافطار فيه إلى الغروب، كما في النصوص (1) المستفيضة، وفيها الصحيح
وغيره، ولا خلاف فيه أجده، بل عليه الاجماع في عبائر جماعة (2).
(و) لكن (يكره إفطاره بعد الزوال) للنص (3) المصرح بوجوبه حينئذ،
المحمول (4) على تأكد الاستحباب، جمعا والتفاتا إلى قصوره عن الايجاب سندا
ومقاومة لمقابله من وجوه شتى وإن صرح به متنا، ويستثنى من الكراهة من
دعي إلى طعام، لما مر إليه الإشارة.
(السادسة: كل ما يشترط فيه التتابع إذا أفطر) في الأثناء (لعذر)
كحيض ومرض وسفر ضروري (بنى) بعد زواله مطلقا، كان قبل تجاوز
النصف، أو بعده، كان الصوم شهرين أم ثمانية عشر أم ثلاثة.
بلا خلاف أجده، إلا من الفاضل في القواعد (5)، والشهيد في
الدروس (6)، وشيخنا في المسالك (7) والروضة (8)، وسبطه (9)، فجزموا بوجوب
الاستئناف في كل ثلاثة. يجب تتابعها، سواء كان لعذر، أم لا، إلا ثلاثة
الهدي لمن صام يومين وكان الثالث العيد، بل زاد الأخير فاستجود اختصاص

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 8 و 9 و 10 ج 7 ص 10.
(2) منهم السيد في المدارك: كتاب الصوم ج 6 ص 273 - 374.
(3) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 11 ج 7 ص 11.
(4) حمله الشيخ على تأكد الاستحباب في التهذيب: ب 65 في قضاء شهر رمضان و... ج 4 ص 281.
(5) قواعد الأحكام: كتاب الصوم ج 1 ص 69 س 12.
(6) الدروس الشرعية: كتاب الصوم ص 79 س 25.
(7) مسالك الأفهام: كتاب الصوم ج 1 ص 79 س 25.
(8) الروضة البهية: كتاب الصوم ج 2 ص 132.
(9) مدارك الأحكام: كتاب الصوم ج 6 ص 247.
494

البناء مع الاخلال المتتابع للعذر بصيام الشهرين المتتابعين والاستئناف في
غيره.
قال: لأن الاخلال بالمتابعة يقتضي عدم الاتيان بالمأمور به على وجهه،
فيبقى المكلف تحت العهدة إلى أن يتحقق الامتثال (1)، انتهى.
وهو حسن إن لم يستفد من الاعتبار، والنصوص الواردة في الشهرين
ما يتعدى به الحكم إلى غيرهما، وإلا فلا، وما نحن فيه من قبيل الثاني، لشهادة
الاعتبار بالعموم كجملة من الأخبار (2)، وفيها الصحيح وغيره. أما الأول،
فواضح.
وأما الثاني، فلتضمنه تعليل الحكم بأن الله تعالى حبسه (3)، كما في
الصحيح، وأن هذا مما غلب الله، وليس على ما غلب الله تعالى شئ (4)، كما في
غيره.
وهو كما ترى عام يشمل محل النزاع وغيره، واختصاص المورد بالشهرين
غير قادح، فإن العبرة بعموم اللفظ لا خصوصه.
ومن العجب أنه (5) استدل بهذا التعليل لتعميم العذر للفرض ونحوه، مع
أن المورد خصوص المرض، وقد ورد فيه في الشهرين وجوب الاستئناف في
الصحيح وغيره، وهو رحمه الله (6) قد حملها لذلك على الاستحباب، ناقلا عن
الشيخ حملها عل مرض لا يمنع الصوم.
وذلك فإن التعليل كما صلح حجة لما ذكره، فكذا لما ذكرنا، بل بطريق

(1) مدارك الأحكام: كتاب الصوم ج 6 ص 247.
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب بقية الصوم الواجب أحاديث الباب ج 7 ص 271 - 274.
(3) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب بقية الصوم الواجب ح 10 ج 7 ص 274.
(4) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب بقية الصوم الواجب ح 13 ج 7 ص 274.
(5) المستدل السيد في المدارك: كتاب الصوم ج 6 ص 248 - 249.
(6) المستدل السيد في المدارك: كتاب الصوم ج 6 ص 248 - 249.
495

أولى، لخلوه عن المعارض الصريح دون ما ذكره، لما عرفت من الصحيح وغيره
الأمرين بالاستئناف.
وبالجملة، فما في العبارة ونحوها كعبارة الشرائع (1) والارشاد (2) واللمعة (3)
وصريح التحرير (4) والسرائر (5) والغنية (6) من التعميم أولى، سيما وأن في
الكتاب الأخير ادعى عليه إجماعنا.
وأما الصحيح: كل صوم يفرق إلا ثلاثة أيام في كفارة اليمين (7)،
فمحمول على أن المراد أن بقية الكفارات يجوز تفريقها في الجملة بعد تجاوز
النصف لا مطلقا، والحصر إضافي، وإلا فهو شاذ لا نجد به قائلا، حتى
الشهيدين وسبط ثانيهما، كما لا يخفى.
(ولو أفطر (8) لا لعذر استأنف) قطعا إجماعا فتوى ودليلا (إلا ثلاثة
مواضع).
الأول: (من وجب عليه صوم شهرين فصام شهرا، ومن الثاني
شيئا) ولو يوما بإجماعنا المحقق المصرح به في الغنية (9) والتذكرة (10) والمنتهى (11)

(1) شرائع الاسلام: كتاب الصوم ج 1 ص 205.
(2) إرشاد الأذهان: كتاب الصوم ج 1 ص 304.
(3) اللمعة الدمشقية: كتاب الصوم ج 2 ص 131.
(4) تحرير الأحكام: كتاب الصوم في المسائل والتوابع ج 1 ص 85 من 20.
(5) السرائر: كتاب الصيام باب ما يجري مجرى شهر رمضان ج 1 ص 411.
(6) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 510 س 4.
(7) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب بقية الصوم الواجب ح 1 ج 7 ص 280.
(8) في المتن المطبوع: (وإن أفطر).
(9) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 510 س 5.
(10) تذكرة الفقهاء: كتاب الصوم ج 1 ص 282 س 2.
(11) منتهى المطلب: كتاب الصوم في اللواحق ج 1 ص 621 س 12.
496

وغيرها، وأخبارنا المستفيضة جدا، وفيها الصحاح وغيرها.
(و) الثاني: (من وجب عليه) صوم (شهر بنذر) وشبهه (فصام
خمسة عشر يوما) على الأشهر الأقوى، بل ظاهر المختلف (1) وغيره أنه
لا خلاف فيه أصلا، وسيأتي بيانه وبيان سائر ما يتعلق بهذه المسائل في كتاب
الكفارات مفصلا.
(و) الثالث: (في) صوم (ثلاثة (2) الأيام) بدلا (عن هدي التمتع
إذا صام يومين) منها (وكان الثالث العيد أفطر وأتم الثالث بعد أيام
التشريق إن كان بمنى) بلا خلاف فيه أجده في الجملة، إلا من بعض (3)
متأخري متأخري الطائفة فتردد فيه. وهو ضعيف، بل على خلافه الاجماع في
المختلف (4)، وعن السرائر (5) مطلقا، وفي الغنية (6) مع الضرورة.
وقريب من الأول المنتهى فإن فيه: أجمع علماؤنا على إيجاب التتابع فيها،
إلا إذا فاته قبل يوم التروية فإنه يصوم التروية ويوم عرفة ويفطر العيد ثم
يصوم يوما آخر بعد انقضاء أيام التشريق، ولو كان غير هذه الأيام وجب فيها
التتابع ثلاثة (7) انتهى.
وهو الحجة، مضافا إلى جملة من المعتبرة ولو بالشهرة، مع أن فيها
الصحيح، كما قيل (8)، ولا يبعد، أو الموثق والحسن، كما في الذخيرة: عن رجل

(1) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في لواحق الأحكام ج 1 ص 248 س 21.
(2) في المتن المطبوع: (الثلاثة).
(3) كالسيد السند في المدارك: كتاب الحج ج 8 ص 51.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الحج في بيان أحكام الصوم أيام التشريق ج 1 ص 304 س 29.
(5) السرائر: كتاب الحج باب الذبح ج 1 ص 593.
(6) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 510 س 29.
(7) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 743 س 32.
(8) قاله الأردبيلي في المجمع: كتاب الحج ج 7 ص 295.
497

قدم يوم التروية متمتعا وليس له هدي فصام يوم التروية ويوم عرفة، قال:
يصوم يوما آخر بعد أيام التشريق (1). وبمعناه غيره (2).
وهي بإطلاقها، بل عمومها الناشئ عن ترك الاستفصال يتم صورتي
الاختيار والضرورة، كما هو ظاهر العبارة هنا وفي الشرائع (3) والتحرير (4)
والمنتهى (5) والقواعد (6) والتهذيبين (7) واللمعتين (8) والسرائر (9) وعن المبسوط (10)
والجمل (11) بل صريحهما، وصريح ابن حمزة (12) على ما حكاه بعض (13) الأجلة
قال: وخالف فيه القاضي والحلبيان والمحقق الثاني فاشترطوا الضرورة.
أقول: وظاهر الغنية (14) دعوى الاجماع.
وعليه فيمكن الجمع بين ما مر من المعتبرة، والصحاح المعارضة.
منها: في متمتع دخل يوم التروية ولا يجد هديا فلا يصوم ذلك اليوم ولا يوم

(1) ذخيرة المعاد: كتاب الصوم ص 672 س 28.
(2) وسائل الشيعة: ب 52 من أبواب الذبح ح 1 ج 10 ص 167.
(3) شرائع الاسلام: كتاب الحج في البدل ج 1 ص 262.
(4) تحرير الأحكام: كتاب الحج في صفات الهدي وبدله ج 1 ص 105 س 25.
(5) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 743 س 33.
(6) قواعد الأحكام: كتاب الحج ج 1 ص 88 س 1.
(7) الاستبصار: ب 192 من صام يوم التروية ويوم عرفة هل يجوز له أن يضيف إليهما يوما آخر... ج 2
ص 281، وتهذيب الأحكام: ب 16 في المذبح ج 5 ص 231.
(8) اللمعة الدمشقية وشرحها: كتاب الحج ج 2 ص 295.
(9) السرائر: كتاب الحج باب الذبح ج 1 ص 593.
(10) المبسوط: كتاب الحج في ذكر نزول منى بعد الإفاضة ج 1 ص 370.
(11) الجمل والعقود: في ذكر أقسام الصوم ومن يجب عليه الصوم ص 119.
(12) الوسيلة: كتاب الحج في بيان نزول منى ثانيا وقضاء المناسك ص 182.
(13) هو الفاضل الهندي في كشف اللثام: كتاب الحج في الهدي ج 1 ص 364 س 19.
(14) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 510 س 29.
498

عرفة ويتسحر ليلة الحصبة فيصبح صائما وهو يوم النفر ويصوم يومين بعده (1).
بحمل الأدلة على حال الضرورة، وهذه على الصورة المقابلة.
ولا ريب أن هذا التفصيل أحوط، وإن كان الجمع بينهما بحمل الأخيرة
على الاستحباب لعله أظهر، للأصل، وشهرة الاطلاق، والعموم للصورتين
الموجب لوهن الاجماع، الذي هو الشاهد على الجمع الأول.
ومنه يظهر ضعف ما يحكى (2) عن بعض المتأخرين من اشتراط الجهل
بكون الثالث العيد.
(ولا) يجوز أن (يبني لو كان الفاصل) بينهما (غيره) أي غير العيد
مطلقا على الأشهر الأقوى، لعموم ما دل على وجوب التتابع فيها من النص
والفتوى.
خلافا للمحكي عن ابن حمزة (3) فاستثنى ما لو كان الفاصل يوم عرفة لمن
يخاف بصومه الضعف عن الدعاء، ونفى عنه البأس في المختلف (4)، والبعد في
المدارك (5)، استنادا إلى أن التشاغل فيه مطلوب للشارع، فجاز الافطار.
وضعفه ظاهر، فإن ذلك لا يوجب حصول التتابع المأمور به شرعا، بل مع
الافطار يجب عليه استئناف الثلاثة من أولها.
وأظهر من هذا ضعفا ما يحكى عن المبسوط (6) والجمل (7) من اغتفار

(1) وسائل الشيعة: ب 52 من أبواب الذبح ح 5 ج 10 ص 168.
(2) حكاه الفاضل الهندي في كشف اللثام: كتاب الحج في الهدي ج 1 ص 364 س 23.
(3) الوسيلة: كتاب الحج أحكام منى وعرفات ص 182.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الحج في بيان أحكام الصوم في أيام التشريق ج 1 ص 305 س 4.
(5) مدارك الأحكام: كتاب الحج ج 8 س 54.
(6) المبسوط: كتاب الصوم في ذكر أقسام الصوم ج 1 ص 280.
(7) الجمل والعقود: في ذكر أقسام الصوم ومن يجب عليه ص 119.
499

التفريق بينها إذا صام يومين منها مطلقا، إذ لم أر له حجة يعتد بها، عدا ما في
المختلف (1) من أن تتابع الأكثر يجري مجرى تتابع الجميع. وهو كما ترى.
وهل يجب المبادرة إلى الثالث بعد زوال العذر؟ وجهان، من إطلاق
النصوص وأكثر الفتاوى، ومن وجوب الاقتصار في ترك الواجب للضرورة
على قدرها. وهذا أحوط وأولى، وبه أفتى صريحا بعض أصحابنا حاكيا له عن
ابن سعيد (2).
والحمد لله تعالى.

(1) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في مباحث أحكامه ج 1 ص 249 س 19.
(2) الفاضل الهندي في كشف اللثام: كتاب الحج ج 1 ص 364 س 29.
500

كتاب الاعتكاف
501

(كتاب الاعتكاف)
وهو لغة الاحتباس، واللبث الطويل. وشرعا اللبث الخصوص للعبادة.
وشرعيته ثابتة بالكتاب والسنة والاجماع، قال الله سبحانه:
(ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) (1)، وقال عز وجل: (وطهر بيتي
للطائفين والعاكفين والركع السجود) (2).
وفي الصحيح: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كان العشر
الأواخر اعتكف في المسجد، وضربت له قبة من شعر، وشمر المئزر، وطوى
فراشه، الحديث (3).
ويستفاد منه ومن غيره من النصوص أن أفضل أوقاته العشر الأواخر من
شهر رمضان، حتى أن في بعضها: لا اعتكاف إلا في عشر الأواخر من شهر
رمضان كما في نسخة، أو العشرين منه كما في أخرى (4).
وفي الخبر: اعتكاف عشر في شهر رمضان يعدل حجتين وعمرتين (5).

(1) البقرة: 187.
(2) البقرة: 125.
(3) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الاعتكاف ح 1 ج 7 ص 397.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الاعتكاف ح 5 ج 7 ص 398.
(5) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الاعتكاف ح 3 ج 7 ص 397.
503

وهو في الأصل مستحب. وإنما يجب بالنذر، وبمضي يومين، فيجب
الثالث. وكذا كل ثالث كالسادس والتاسع على الخلاف الآتي.
(والكلام (1) في) هذا الكتاب يقع في أمور ثلاثة (شروطه وأقسامه
وأحكامه).
(أما الشروط ف‍) - هي (خمسة):
الأول: (النية) بلا خلاف كما في كل عبادة، وقد مضى تحقيقها في
كتاب الطهارة.
(و) الثاني: (الصوم) بالاجماع، والمعتبرة المستفيضة، وفيها الصحيح
وغيره لا اعتكاف، إلا بصوم (2).
وفي الصحيح: تصوم ما دمت معتكفا (3)، ونحوه في إيجاب الصوم حال
الاعتكاف كثير (4).
والمراد بالوجوب فيها الشرطي كما في سابقها، لا الشرعي، وإلا لزاد
الشرط على مشروطه.
وإطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق في الصوم بين كونه ندبا، أو
واجبا لرمضان، أو غيره.
ومحصله: أنه لا يعتبر وقوعه لأجله، بل يكفي حصوله على أي وجه اتفق،
وبه صرح جماعة معربين عن عدم خلاف فيه، كما صرح به بعضهم (5)، وعن
المعتبر أن عليه فتوى علمائنا (6).

(1) في المتن المطبوع: (والنظر).
(2) رسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الاعتكاف ج 7 ص 398.
(3) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الاعتكاف ح 1 ج 7 ص 398.
(4) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الاعتكاف ج 7 ص 398.
(5) مدارك الأحكام: ج 6 ص 315، وذخيرة المعاد: ص 540 س 28، والحدائق الناضرة: ج 13 ص 457.
(6) المعتبر: كتاب الاعتكاف في شروطه ج 2 ص 726.
504

أقول: ويدل عليه - بعد الاجماع والاطلاقات - صريح ما مر من النصوص
المرغبة لإيقاعه في شهر رمضان، بناء على ما مر في الصوم مات أنه لا يقع في
شهر رمضان غيره إجماعا.
وعلى هذا الشرط (فلا يصح) الاعتكاف (إلا في زمان يصح صومه)
و (ممن يصح منه) فلا يصح الاعتكاف في العيدين، ولا من الحائض
والنفساء، والمريض المتضرر بالصوم.
(و) الثالث: (العدد وهو ثلاثة أيام) ولا اعتكاف في أقل منها،
بإجماعنا الظاهر المصرح به في جملة من العبائر مستفيضا، والمعتبرة به مع ذلك
مستفيضة جدا.
ففي جملة منها لا يكون اعتكاف أقل من ثلاثة أيام (1).
ولا خلاف في دخول ليلتي الثاني والثالث، ممن عدا الشيخ في موضع من
الخلاف (2)، بل عليه الاجماع في ظاهر جملة من العبائر، كالمعتبر والمنتهى (3)
وغيرها. وقول الشيخ بالخروج متروك كما في عبائر، ومنها الدروس (4).
وفي دخول ليلة الأول خلاف، الأقرب الخروج وفاقا للمشهور، ومنهم
الشيخ في موضع من الخلاف (5)، والفاضلان في المعتبر والتحرير (6)،

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الاعتكاف ج 7 ص 404.
(2) الخلاف: كتاب الاعتكاف م 115 ج 2 ص 239.
(3) المعتبر: كتاب الاعتكاف ج 2 ص 728، ومنتهى المطلب: كتاب الاعتكاف في شرائط الاعتكاف
ج 2 ص 630 ص 12.
(4) الدروس الشرعية: كتاب الاعتكاف ج 1 ص 298.
(5) الخلاف: كتاب الاعتكاف م 114 ج 2 ص 239.
(6) المعتبر: كتاب الاعتكاف ج 2 ص 730، وتحرير الأحكام: كتاب الصوم في أحكام الاعتكاف
ج 1 ص 86 س 32.
505

والشهيدان في الروضة والدروس (1)، والفاضل المقداد في التنقيح (2) وجماعة
من محققي متأخري المتأخرين، لأن المتبادر من لفظ (اليوم) - الوارد في الفتوى
والنص - إنما هو من عند الفجر إلى الغروب.
وإنما قلنا: بدخول الليلتين، لما مر من الاجماع المنقول على دخولهما
بالخصوص ج مضافا إلى الاجماع على أن أقل الاعتكاف ثلاثة، إذ لو لم
يدخلا لتحقق الخروج منه بدخول الليل، فجاز فعل المنافي، فانقطع اعتكاف
ذلك اليوم عن غيره، فيصير منفردا، فحصل اعتكاف أقل من ثلاثة أيام،
وهذا خلف.
والحاصل: أن الليل لا يدخل في مسمى اليوم، إلا بقرينة، أو دليل من
خارج، وهما مختصان بالأخيرتين.
وأما دخول الليلة المستقبلة في مسماه - كما نقل قولا (3) - فلا وجه له.
ويتفرع على الخلاف فروع جليلة لا تليق بهذا المختصر، ذكرها جملة.
نعم لا بأس بذكر ما يتعلق منها بأمر النية، وهو ابتداء الاعتكاف الذي
يجب مقارنتها له، وهو على المختار عند طلوع الفجر، وعلى غيره عند الغروب.
(و) الرابع: (المكان وهو كل مسجد جامع) جمع فيه إمام عدل ولو
غير إمام الأصل، وفاقا للمفيد (4)، وعليه الماتن في كتبه (5) والشهيدان (6)،

(1) الروضة البهية: كتاب الاعتكاف ج 2 ص 150، والدروس الشرعية: كتاب الاعتكاف ج 1
ص 298.
(2) التنقيح الرائع: كتاب الاعتكاف ج 1 ص 399.
(3) الظاهر أنه المحقق الأردبيلي في مجمعه: كتاب الاعتكاف ج 5 ص 358.
(4) المقنعة: ب 31 في الاعتكاف وما يجب فيه من الصيام ص 363.
(5) المعتبر: كتاب الاعتكاف ج 2 ص 732، وشرائع الاسلام: كتاب الاعتكاف ج 1 ص 216.
(6) اللمعة الدمشقية والروضة البهية: كتاب الاعتكاف ج 2 ص 150.
506

وجماعة من محققي متأخري المتأخرين (1)، لعموم الآية، والنصوص المستفيضة،
وفيها الصحيح والموثق وغيرهما لا اعتكاف، إلا بصوم في المسجد الجامع كما في
بعضها (2)، أو مسجد جماعة كما في أخرى (3).
(وقيل: لا يصح إلا في أحد المساجد الأربعة: مكة، والمدينة،
وجامع الكوفة، والبصرة) والقائل الشيخ (4) والسيدان (5) والحلبي (6)
والقاضي (7) وابن حمزة (8) والحلي (9)، والفاضل في القواعد والارشاد والتحرير
والمنتهى (10)، والمحقق المقداد في التنقيح (11) وغيرهم.
وبالجملة الأكثر كما في كلام جماعة (12) بل المشهور كما في كلام

(1) مدارك الأحكام: كتاب الاعتكاف ج 6 ص 323، وجامع المقاصد: كتاب الصوم في الاعتكاف
ج 3 ص 98، وذخيرة المعاد: كتاب الصوم في الاعتكاف ص 539 س 44.
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الاعتكاف ح 1 ج 7 ص 400.
(3) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الاعتكاف ح 7 ج 7 ص 401.
(4) النهاية: كتاب الصوم ب 10 في الاعتكاف ج 8 ص 415، والمبسوط: كتاب الاعتكاف ج 1
ص 289.
(5) الإنتصار: في الاعتكاف ص 72، وغنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم ص 511 س 1.
(6) الكافي في الفقه: في صوم الاعتكاف ص 186.
(7) المهذب: باب الاعتكاف ج 1 ص 204.
(8) الوسيلة: كتاب الاعتكاف ص 153.
(9) السرائر: كتاب الصوم باب الاعتكاف ج 1 ص 421.
(10) قواعد الأحكام: كتاب الصوم في الاعتكاف ج 1 ص 70 س 23، وإرشاد الأذهان: كتاب الصوم
في الاعتكاف ج 1 ص 305، وتحرير الأحكام: كتاب الصوم في الاعتكاف ج 1 ص 87 س 16،
ومنتهى المطلب: كتاب الاعتكاف في شرائط الاعتكاف ج 2 ص 632 س 29.
(11) التنقيح الرائع: كتاب الاعتكاف ج 1 ص 402.
(12) منهم العلامة في المنتهى: كتاب الاعتكاف في شرائط الاعتكاف ج 1 ص 632 س 27، والفاضل
السيوري في التنقيح: كتاب الاعتكاف ج 1 ص 401، والشهيد الثاني في الروضة: كتاب
الاعتكاف ج 2 ص 150.
507

آخرين، بل عليه الاجماع في صريح الانتصار (2) والغنية (3) والخلاف (4)
وظاهر السرائر (5). وهو الحجة مضافا إلى الصحيح المروي في الفقيه ما تقول
في الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها، فقال: لا يعتكف، إلا في مسجد
جماعة صلى فيه إمام عدل جماعة، ولا بأس بأن يعتكف في مسجد الكوفة
والبصرة ومسجد المدينة ومسجد مكة (6).
وما يقال: من أن الاجماع ممنوع والحديث لا دلالة فيه، فإن الإمام العدل
لا يختص بالمعصوم كالشاهد العدل، إلا أن يجعل ذكر هذه المساجد قرينة على
إرادته عليه السلام، فيحمل على نفي الفضيلة.
فمردود بعدم وجه، لمنع الاجماع، عدا وجود الخلاف، وهو على أصلنا غير
ضائر، فينبغي قبول دعواه، سيما مع استفاضة نقله، وشهرة الفتوى به اشتهارا
محققا ومحكيا، مع عدم ظهور مخالف يعتد به من القدماء، عدا العماني حيث
جوز الاعتكاف في كل مسجد (7)، لعموم الآية، والموثق المروي في المعتبر
والمنتهى لا اعتكاف إلا بصوم وفي مسجد المصر الذي أنت فيه (8).
والمفيد حيث جوزه في المسجد الأعظم المرجوع إلى الجامع (9) كما في

(1) منهم العلامة في المنتهى: كتاب الاعتكاف في شرائط الاعتكاف ج 2 ص 632 س 29.
(2) الإنتصار: في الاعتكاف ص 72.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم في الاعتكاف ص 511 س 1.
(4) الخلاف: كتاب الاعتكاف: م 91 ج 2 ص 227.
(5) السرائر: كتاب الصوم باب الاعتكاف ج 1 ص 421.
(6) من لا يحضره الفقيه: باب الاعتكاف ح 2089 ج 2 ص 184.
(7) نقله عنه في مختلف الشيعة: كتاب الصوم في الاعتكاف ج 1 ص 251 س 14.
(8) المعتبر: كتاب الاعتكاف ج 2 ص 733، ومنتهى المطلب: كتاب الاعتكاف في شرائط الاعتكاف
ج 2 ص 633 س 10.
(9) المقنعة: ب 31 في الاعتكاف وما يجب فيه من الصيام ص 363.
508

كلام الماتن. والصدوقين حيث جوز أولهما في المساجد الأربعة مبدلا البصرة
منها بالمدائن (1)، وثانيهما في الخمسة (2).
ولا ريب في ندرة الأول، وشذوذه، ومخالفة الاجماع القطعي، والنص
المستفيض المخصص بهما عموم دليله على تقدير تسليمه. وكذلك الصدوقان،
مع عدم وضوح دليل لهما، عدا الرضوي لأولهما.
ففيه صوم الاعتكاف في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه
وآله ومسجد الكوفة ومسجد المدائن، ولا يجوز الاعتكاف في غير هذه المساجد
الأربعة.
والعلة في هذه أنه لا يعتكف، إلا في مسجد جمع فيه إمام عدل، وجمع
رسول الله صلى الله عليه وآله بمكة والمدينة، وأمير المؤمنين عليه السلام في هذه
الثلاثة المساجد (3).
وما روي أن مولانا الحسن عليه السلام صلى في مسجد المدائن جماعة
لثانيهما (4).
وهما - مع قصور سندهما، بل ضعفهما في مقابلة ما مضى - لا مخالفة لهما، لما
عليه أصحابنا، من حيث اتفاقهما لهم في اعتبار مسجد صلى فيه إمام الأصل
جمعة كما عليه أكثرهم، ومنهم جملة من نقلة الاجماع كالسيدين والحلي
وجماعة، كما هو عليه.
ولذا أن كثيرا من أصحابنا ألحقوهما بالمشهور، فلم يبق مخالف لهم سوى

(1) نقله عنه في مختلف الشيعة: كتاب الصوم في الاعتكاف ج 1 ص 251 س 5.
(2) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم باب الاعتكاف ص 18 س 4.
(3) فقه الرضا (ع): ب 30 في نوافل شهر رمضان ودخوله ص 213.
(4) لم نعثر في الكتب الحديثية لكن نقلها فخر المحققين في كتابه الايضاح: كتاب الصوم في الاعتكاف
ج 1 ص 256.
509

المفيد، وهو بالإضافة إليهم نادر، وإن وافقه الماتن، لتأخره عنهم.
ومع ذلك لا مستند لهم حيث قيد المسجد بالأعظم، إلا إذا أريد به الجامع
- يعني الذي يجتمع فيه أهل البلد - دون نحو مسجد القبيلة، فيدل عليه
المستفيضة المتقدمة، لكن قد عرفت أن في جملة منها بدل (الجامع) مسجد
جماعة، ولا ريب أنه أعم من الجامع، لصدقه على مسجد القبيلة إذا صلى فيه
جماعة، ولم يقولوا به.
وتقييده بالجامع - على تقدير تسليم صحته - ليس بأولى من تقييدهما بما
عليه أصحابنا من مسجد صلى فيه إمام الأصل جمعة، أو جماعة، بل هو أولى،
للاجماعات الكثيرة، والشهرة العظيمة، وقاعدة توقيفية العبادة، ووجوب
الاقتصار فيها على المتيقن ثبوته من الشريعة، مضافا إلى الصحيحة المتقدمة.
والجواب عنها بالحمل على الفضيلة - بعد الاعتراف بالدلالة - لا وجه له،
لاشتراطه بالتكافؤ المفقود في البين، لأرجحية هذه بالإضافة إلى المستفيضة بما
عرفته من الشهرة والاجماعات المحكية، وبمرجوحيته بالإضافة إلى حمل المطلق
على المقيد.
هذا مع احتمال ورود المستفيضة للتقية، لموافقتها لمذهب جماعة من
العامة، كأبي حنيفة ومن تبعه (1).
وبالجملة المشهور في غاية القوة، سيما مع اعتضاده أيضا بما رواه في
المختلف عن الإسكافي أنه قال: روى ابن سعيد عن أبي عبد الله عليه السلام
جوازه في كل مسجد صلى فيه إمام عدل صلاة جماعة، وفي المسجد الذي
صلى فيه الجمعة بإمام وخطبة (2). فتأمل.

(1) المبسوط للسرخسي: كتاب الصوم باب الاعتكاف ج 3 ص 115.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في الاعتكاف ج 1 ص 251 س 27.
510

(و) الخامس: (الإقامة في موضع الاعتكاف) بإجماع العلماء في
المعتبر (1) والتذكرة (2) والمنتهى (3)، والصحاح وغيرها به مستفيضة من طرقنا.
ففي الصحيح: ليس للمعتكف أن يخرج من المسجد، إلا إلى الجمعة، أو
جنازة، أو غائط (4).
وفي آخرين: لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد الجامع، إلا لحاجة
لا بد منها، ثم لا يجلس حتى يرجع، والمرأة مثل ذلك (5).
وزيد في أحدهما: ولا يخرج في شئ إلا لجنازة، أو يعود مريضا (6).
وما فيهما من أن المرأة مثل الرجل مجمع عليه بيننا، وبه صرح في
المختلف (7) وغيره أيضا.
وعليه (فلو خرج) كل منهما عن المسجد بجميع بدنه لا ببعضه على
الأقوى (أبطله). وكذا لو صعد سطحه على قول، والأقوى لا، وفاقا
للمحكي عن المنتهى، لأنه من جملته (8).
نعم الأحوط ترك هذا وسابقه (إلا لضرورة) كتحصيل مأكول
ومشروب.
وفعل الأول - في غيره لمن عليه فيه غضاضة، وقضاء حاجة من بول أو
غائط واغتسال واجب - لا يمكن فعله فيه، ونحو ذلك مما لا بد منه.

(1) المعتبر: كتاب الاعتكاف ج 2 ص 733.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الصوم في الاعتكاف ج 1 ص 290 س 16.
(3) منتهى المطلب: كتاب الاعتكاف في شرائط الاعتكاف ج 2 ص 633 س 27.
(4) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الاعتكاف ح 6 ج 7 ص 409.
(5) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الاعتكاف ح 2 ج 7 ص 458.
(6) المصدر السابق.
(7) لم نعثر عليه.
(8) والحاكي هو السيد السند في مداركه: كتاب الاعتكاف في شروط الاعتكاف ج 6 ص 330.
511

ولا يمكن فعله في المسجد، ولا يتقدر معها بقدر، إلا زوالها. نعم لو خرج
عن كونه معتكفا بطل مطلقا. وكذا لو خرج مكرها أو ناسيا فطال، وإلا
رجع حيث ذكر، فإن أخر بطل كل ذلك على الأظهر، وفاقا لجمع.
خلافا للمحكي عن المعتبر في المكره فيبطل بقول مطلق (1)، لمنافاته لماهية
الاعتكاف.
وفيه على إطلاقه نظر، والأصل يقتضي الصحة. والنهي الموجب للفساد
غير متوجه في هذه الصورة، ولذا قال الأكثر: بعدم البطلان في الناسي،
وسؤال الفرق متوجه.
(أو طاعة مثل تشييع جنازة مؤمن) للصحيحين المتقدمين، وليس فيهما
التقييد بالمؤمن.
(أو عيادة مريض) لفحواهما، مع التصريح به في إحداهما، وهو مطلق
كالأول، فالتفصيل غير ظاهر الوجه، وعلى جواز الأمرين بقول مطلق الاجماع
في الانتصار (2) والغنية (3) والتذكرة (4).
(أو شهادة) تحملا وإقامة إن لم يكن بدون الخروج، سواء تعينت عليه،
أم لا، بلا خلاف ولا إشكال في الصورة الأولى، لكونها من الحاجة المرخص
في الخروج لأجلها.
ويشكل في الثانية وإن ذكر جواز الخروج فيها أيضا جماعة، ومنهم
الفاضل في المنتهى، معللا بكونها من الحاجة المرخص لها (5). وهو مشكل

(1) الحاكي هو صاحب المدارك: كتاب الاعتكاف في شروط الاعتكاف ج 6 ص 329.
(2) الإنتصار: في الاعتكاف ص 74.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم في الاعتكاف ص 511 س 7.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الصوم في الاعتكاف ج 1 ص 291 س 2.
(5) منتهى المطلب: كتاب الاعتكاف في شرائط الاعتكاف ج 2 ص 635 س 1.
512

جدا، إلا أن يتمسك بفحوى الجواز للتشييع وعيادة المريض، لكونهما
مستحبا، فالجواز لهما يستدعي الجواز للواجب، ولو كفاية بطريق أولى.
(ولا) يجوز أن (يجلس لو خرج) لشئ من الأمور المذكورة.
(ولا) أن (يمشي تحت ظلال) (1) اختيارا، بلا خلاف في الأول في
الجملة، لا إن اختلفت العبارات في الاطلاق كما في الصحيحين الماضيين، أو
التقييد بتحت الظلال كما في الخبر (2)، لكنه قاصر عن المقاومة بهما سندا
ودلالة.
فإذا الأول أظهر، مع أنه أحوط.
وعلى الثاني جماعة، منهم الشيخ في أكثر كتبه (3)، والحلي (4) والحلبي (5)
كما حكي، والمرتضى في الانتصار مدعيا عليه الاجماع (6)، كما هو ظاهر المحقق
الثاني حيث عزاه إلى الشيخ والجماعة (7)، فإن تم كان هو الحجة، وإلا
فالأصل يقتضي الجواز كما في الغنية (8)، وعن الشيخ في المبسوط (9)،
والمفيد (10) والديلمي (11)، وأكثر المتأخرين.

(1) في المتن المطبوع: (تحت الظل).
(2) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الاعتكاف ح 3 ج 7 ص 408.
(3) الجمل والعقود: في الاعتكاف وأحكامه ص 126، والنهاية: كتاب الصيام باب الاعتكاف
ص 172، والمبسوط: كتاب الاعتكاف في ما يمنع الاعتكاف منه وما لا يمنع ج 1 ص 293.
(4) السرائر: كتاب الصيام باب الاعتكاف ج 1 ص 425.
(5) الكافي في الفقه: في صوم الاعتكاف ص 187.
(6) الإنتصار: في الاعتكاف ص 74.
(7) جامع المقاصد: كتاب الصوم في الاعتكاف ج 3 ص 99.
(8) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم في الاعتكاف ص 511 س 8.
(9) المبسوط: كتاب الاعتكاف في ما يمنع الاعتكاف منه وما لا يمنع ج 1 ص 293.
(15) المقنعة: كتاب الصوم ب 31 في الاعتكاف ص 363.
(11) المراسم: كتاب الصوم في الاعتكاف ص 99.
513

ولكن في النسبة مناقشة فإن القدماء المحكي عنهم ذلك ليس عباراتهم
المحكية صريحة في ذلك وإنما الموجود فيها النهي عن الجلوس تحت الظلال
خاصة من غير تعرض للمشي وهو ليس بصريح في جواز المشي تحته.
وأما المتأخرون فلم أقف على مصرح به سوى الماتن في المعتبر (1)،
والفاضل في المختلف (2) وشيخنا في المسالك والروضة (3) وبعض من تأخر
عنهم والأولان وافقا الجماعة في أكثر كتبهما والشهيد في الدروس وإن كان
ظاهره الميل إليه (4) إلا أنه في اللمعة وافق الجماعة (5)
وكيف كان فلا ريب أن المنع أحوط إن لم نقل بكونه أظهر.
(ولا) يجوز أن (يصلى خارج المسجد) الذي اعتكف فيه بلا
خلاف للصحيحين (6) فيرجع الخارج لضرورة إليه وإن كان في مسجد
آخر أفضل منه إلا مع الضرورة كضيق الوقت فيصليها حيث أمكن مقدما
للمسجد مع الامكان احتياطا ومن الضرورة إلى الصلاة في غيره إقامة
الجمعة فيه دونه والصحيح الماضي فيخرج إليها.
وبدون الضرورة لا تصح الصلاة أيضا للنهي (إلا بمكة) فيصلي - إذا
خرج لضرورة - بها حيث شاء ولا يختص بالمسجد ولا خلاف في هذا أيضا،
للصحيحين المشار إليهما.

(1) المعتبر: كتاب الاعتكاف ج 2 ص 735.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في الاعتكاف ج 1 ص 255 س 4.
(3) مسالك الأفهام: كتاب الاعتكاف ج 1 ص 84 س 31، والروضة البهية: كتاب الصوم في
الاعتكاف ج 2 ص 152.
(4) الدروس الشرعية: كتاب الاعتكاف ج 1 ص 299.
(5) اللمعة الدمشقية: كتاب الصوم في الاعتكاف ج 2 ص 151.
(6) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الاعتكاف ح 1 و 2 ج 7 ص 410.
514

(وأما أقسامه ف‍) هو على قسمين: (واجب، ومندوب) (1).
(فالواجب ما وجب بنذر وشبهه)، من عهد ويمين ونيابة حيث تجب.
ويشترط في النذر وما في معناه إطلاقه، فيحمل على ثلاثة، أو تقييده بها
فصاعدا، أو بما لا ينافيها كنذر يوم لا أزيد.
وأما غيرهما فبحسب (2) المستلزم، فإن قصر عن الثلاثة اشترط إكمالها في
صحته ولو عن نفسه.
(وهو) أي الواجب (يلزم (3) بالشروع) فيه بلا إشكال مع تعين الزمان
ويستشكل فيه مع إطلاقه، لعدم دليل يقتضيه، ولذا قيل: بمساواته للمندوب
في عدم وجوب المضي فيه قبل اليومين (4)، وهو بناء على منع العموم الدال
على حرمة إبطال الأعمال.
ولو قيل به - إلا ما أخرجه الدليل، وهو المندوب على الاطلاق كما هو
ظاهر الأصحاب - لم يكن بعيدا من الصواب، ونحو المتن في الحكم باللزوم
بالشروع، الشرائع (5) والقواعد (6) ربما عزى إلى المشهور، وفي التنقيح أنه
لا خلاف فيه (7).
(والمندوب ما يتبرع به) من غير موجب (ولا يجب بالشروع) فيه على
الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، للأصل وصريح الصحيحين الآتيين.

(1) في المتن المطبوع: (وندب).
(2) في (م) و (مش) و (ق): فيجب.
(3) في المتن المطبوع: (ما يلزم).
(4) القائل السيد السند في المدارك: كتاب الاعتكاف ج 6 ص 339.
(5) شرائع الاسلام: كتاب الاعتكاف في أقسامه ج 1 ص 218.
(6) قواعد الأحكام: كتاب الصوم في الاعتكاف ج 1 ص 70 س 8.
(7) التنقيح الرائع: كتاب الاعتكاف ج 1 ص 403.
515

خلافا للمحكي عن المبسوط والحلبي فيجب (1)، ولعله لعموم النهي عن
إبطال العمل كما في التنقيح (2)، أو لاطلاق نحو الصحيح عن امرأة كان
زوجها غائبا فقدم وهي معتكفة - بإذن زوجها - فخرجت حين بلغها قدومه من
المسجد الذي هي فيه فتهيأت لزوجها حتى واقعها، فقال: إن كانت خرجت
من المسجد قبل أن يمضي ثلاثة ولم تكن اشترطت في اعتكافها، فإن عليها
ما على المظاهر.
وهما مقيدان بما يأتي من صريح الصحيحين المعتضدين بالأصل، والشهرة
العظيمة القريبة من الاجماع.
هذا وفي الناصرية والسرائر أن عندنا العبادة المندوب إليها لا تجب
بالدخول فيها (3).
وهو كما ترى ظاهر في انعقاد إجماعنا عليه مطلقا، ويشهد لصحة دعواه
تتبع كثير من المستحبات المحكوم فيها عند الأصحاب بعدم وجوبها بالشروع
فيها.
(فإذا مضى يومان، ففي وجوب الثالث قولان) بين الأصحاب (و)
لكن (المروي أنه يجب).
ففي الصحيح: إذا اعتكف الرجل يوما ولم يكن اشترط فله أن يخرج وأن
يفسخ اعتكافه، وإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه
حتى يمضي ثلاثة أيام (4)، ونحوه آخر سيذكر، وعليه أكثر القدماء والمتأخرين،

(1) الحاكي هو الفاضل السيوري في التنقيح: كتاب الاعتكاف ج 1 ص 403.
(2) التنقيح الرائع: كتاب الاعتكاف ج 1 ص 403.
(3) الناصرية الجوامع الفقهية: في الاعتكاف م 135 ص 243، والسرائر: كتاب الصيام باب
الاعتكاف ج 1 ص 422.
(4) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الاعتكاف ح 1 ج 7 ص 404.
516

وفي التنقيح واللمعتين والنكت أنه الأشهر (1).
خلافا للمرتضى (2) والحلي (3) والفاضلين في المعتبر والمختلف (4) فلا يجب،
للأصل، وبعض الأمور الاعتبارية المخصصين على تقدير تسليمهما بما مر من
الصحيحين المعتضدين، مضافا إلى الشهرة بإطلاق نحو الصحيحة السابقة.
والجواب عن الصحيحين بضعف السند كما في المختلف (5)، أو الدلالة كما
في الذخيرة (6) لا وجه له، لاختصاص ضعف السند برواية الشيخ.
وإلا فهما في الكافي والفقيه مرويان صحيحان كما قلنا، ومع ذلك
الضعف بابن فضال، وهو موثق، وهو حجة على الأصح، سيما إذا اعتضد
بالشهرة الظاهرة والمحكية في عبائر جماعة حد الاستفاضة.
وأما ضعف الدلالة فلا وجه له بالكلية، عدا احتمال إرادة الكراهة،
وهو مرجوح في الغاية بالنسبة إلى لفظ ليس له الوارد في الرواية، وليس
كلفظ النهي المحتمل لها قريبا، أو متساويا في أخبار الأئمة عليهم السلام كما
عليه صاحب الذخيرة (7)، مع أنه اختار ذلك في النهي حيث لم تنظم إليه
الشهرة، وإلا فهو قد جعل الشهرة دائما قرينة على تعين الحرمة، وهي أيضا في

(1) التنقيح الرائع: كتاب الاعتكاف ج 2 ص 404، واللمعة الدمشقية والروضة البهية: كتاب
الاعتكاف ج 2 ص 154، ولعل المراد من النكت هو نكت الارشاد للشهيد الأول - لا نكت النهاية
لعدم وجود الأشهرية فيه - ولا يوجد عندنا.
(2) الإنتصار: في الاعتكاف ص 73.
(3) السرائر: كتاب الصوم باب الاعتكاف: ج 1 ص 424.
(4) المعتبر: كتاب الاعتكاف ج 2 ص 735، ومختلف الشيعة: كتاب الصوم في الاعتكاف ج 1
ص 252 س 7.
(5) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في الاعتكاف: ج 1 ص 252 س 12.
(6) ذخيرة المعاد: كتاب الصوم في الاعتكاف ص 539 س 9.
(7) ذخيرة المعاد: كتاب الصوم في الاعتكاف من 39.
517

المسألة حاصلة.
فالمناقشة في الدلالة على أي تقدير ضعيفة، بل واهية.
(وقيل: لو اعتكف ثلاثا فهو بالخيار في الزائد، فإن اعتكف يومين
آخرين وجب الثالث) للصحيح: ومن اعتكف ثلاثة أيام فهو يوم الرابع
بالخيار، إن شاء زاد ثلاثة أخرى، وإن شاء خرج من المسجد، وإن أقام
يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أيام أخر (1).
والقائل الشيخ (2) والإسكافي (3) والتقي (4)، بل في التنقيح أنه فرع القول
بالوجوب بالثالث فيما سبق (5)، وهو ظاهر في عدم القائل بالفرق، لكن في
الروضة ما يدل على وجوده.
فإنه قال: وعلى الأشهر يتعدى إلى كل ثلاث على الأقوى كالسادس،
والتاسع لو اعتكف خمسة وثمانية، وقيل: يختص بالأول خاصة، وقيل: في
المندوب دون ما لو نذر خمسة فلا يجب السادس، ومال إليه المصنف في بعض
تحقيقاته (6) انتهى.
ولم أجد القائل الذي حكاه مؤذنا بعدم تفرع هذه المسألة على سابقتها كما
هو ظاهر المتن أيضا.
وكيف كان فما قواه في محله، لصراحة الصحيح فيه ولو في الجملة، ويتم
الكلية بعدم القائل بالفرق بين مورده، وغيره على الظاهر المصرح به في

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الاعتكاف ج 7 ح 3 ص 404.
(2) النهاية: كتاب الصوم باب الاعتكاف ص 171.
(3) نقله عنه في مختلف الشيعة: كتاب الصوم في الاعتكاف ج 1 ص 251 س 36.
(4) الكافي في الفقه: في صوم الاعتكاف ص 186.
(5) التنقيح الرائع: كتاب الاعتكاف ج 1 ص 404.
(6) الروضة البهية كتاب الصوم في الاعتكاف ج 2 ص 154.
518

المدارك (1) وغيره.
(وأما أحكامه فمسائل) ثلاثة:
(الأولى: يستحب للمعتكف أن يشترط) في ابتدائه الرجوع فيه عند
العارض (كالمحرم) بإجماع العلماء، عدا مالك كما عن التذكرة والمنتهى (2)
والنصوص به مستفيضة جدا، فيرجع عنده وإن مضى يومان.
وقيل: يجوز اشتراط الرجوع فيه مطلقا ولو اقتراحا، فيرجع متى شاء، وإن
لم يكن لعارض. ولعله الأقوى، وفاقا لجماعة، ومنهم الشهيد الأول (3) عملا
بالصحيحين المتقدمين الظاهرين في ذلك.
أحدهما الوارد في المعتكفة بإذن زوجها الخارجة من المسجد بعد أن بلغها
قدومه، لظهور أن حضور الزوج ليس من الأعذار المرخصة للخروج.
وثانيهما المتضمن لقوله: (وإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن
يفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام)، لظهور أن الفرق في جواز الرجوع
- بعد اليومين، وعدمه بالاشتراط وعدمه - إنما يظهر مع عدم الضرورة المسوغة
للخروج بنفسها.
وحيث ثبت منهما جواز اشتراط الرجوع لغير ضرورة، ظهر أن المراد من
التشبيه بالمحرم فيما عداهما التشبيه في أصل جواز الاشتراط لا كيفيته. نعم هما
يحملان بالإضافة إلى مطلق العارض.
وحيث أن المشهور بين الأصحاب انحصار القول بينهم في الاقتراح، أو
الضرورة المسوغة خاصة أمكن تتميم دلالتهما - على الأول - بعدم القائل بينهم

(1) مدارك الأحكام: كتاب الاعتكاف ج 6 ص 319.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الصوم في الاعتكاف ج 1 ص 293 س 9، ومنتهى المطلب: كتاب
الاعتكاف في أحكامه ج 2 ص 638 س 6.
(3) الدروس الشرعية: كتاب الاعتكاف في أحكامه ج 1 ص 301.
519

بالعارض المطلق، فيكون من قبيل التتميم بالاجماع المركب.
وهو وإن كان لا يخلو عن إشكال، لعدم معلومية بلوغ ذلك مرتبة الاجماع،
سيما مع وجود قائل به - كما يأتي - إلا أن التمسك بالأصل لعله كاف في ذلك.
بيانه أن الأصل عدم وجوب الاعتكاف بأحد موجباته، إلا ما قام الدليل
القاطع على خلافه.
ومورده بحكم التبادر وغيره مختص بصورة عدم الاشتراط مطلقا، أما معه
- ولو في الجملة - فلا.
خلافا لآخرين، ومنهم شيخنا الشهيد الثاني (1) فاختاروا الأول، لتشبيهه
بشرط المحرم في الصحيح، أو الموثق: وينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن
يشترط كما يشترط الذي يحرم (2).
وأظهر منه غيره واشترط على ربك في اعتكافك كما تشترط عند
إحرامك أن يحلك من اعتكافك عند عارض إن عرض من علة تنزل بك من
أمر الله تعالى (3).
وليسا بمكافئين لما قدمنا سندا ودلالة (4)، فليحملا عل أن المراد جواز
اشتراط ذلك لا الحصر فيه، مع احتمال الأول كالعبارة، ونحوها الحمل على
جعل التشبيه في أصل الاشتراط لا كيفيته.
ولبعض المتأخرين هنا قول آخر، هو التقييد بالعارض مع تعميمه للعذر
وغيره (5). وهو ضعيف جدا، لما مضى.

(1) مسالك الأفهام: كتاب الاعتكاف ج 1 ص 85 س 5.
(2) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الاعتكاف ح 1 ج 7 ص 411.
(3) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الاعتكاف ح 2 ج 7 ص 411.
(4) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الاعتكاف ح 1 ج 7 ص 404.
(5) مدارك الأحكام: كتاب الاعتكاف ج 6 ص 341.
520

ولا فرق في جواز الاشتراط بين الواجب وغيره، لكن محله في الأول عند
الأصحاب وقت النذر وأخويه لا وقت الشروع، بخلاف المندوب فإنه عنده
كما هو ظاهر النصوص.
وإنما خصت به دون المنذور مع إطلاقها لهما، بناء على أن إطلاق النذر
عن هذا الشرط يقتضي لزومه وعدم سقوطه، فلا يؤثر فيه الشرط الطارئ،
سيما مع تعين زمانه ووجوبه في المطلق بمجرد الشروع فيه عندهم كما مر.
وأما جواز هذا الشرط حين النذر فلعله لا خلاف فيه في الجملة، بل يفهم
من التنقيح دعوى الاجماع عليه، كما يأتي.
وينبغي تقييده هنا بالعارض لا اقتراحا، لمنافاته لمقتضى النذر، صرح
بذلك المحقق الثاني (1) وغيره.
وفائدة الشرط ما أشار إليه بقوله: (فإن شرط جاز له الرجوع) مطلقا
حتى في الواجب، ولو بدخول الثالث في المندوب على المشهور.
خلافا للمبسوط فخصه فيه باليومين ومنعه في الثالث (2). وهو ضعيف.
(ولم يجب القضاء) في المندوب مطلقا، وكذا الواجب المعين إجماعا كما
في التنقيح (3).
أما المطلق فلعله ليس كذلك - كما قطع به جماعة، ومنهم شيخنا الشهيد
الثاني حاكيا له عن الماتن (4) - لبقاء الوقت، مع عدم دليل على السقوط
بالشرط، وإنما الثابت به جواز الرجوع عن الاعتكاف حيث يجب، ولا تلازم
بينه وبين سقوط الأمر الباقي وقته.

(1) جامع المقاصد: كتاب الاعتكاف ج 3 ص 95.
(2) المبسوط: كتاب الاعتكاف ج 1 ص 289.
(3) التنقيح الرائع: كتاب الاعتكاف ج 1 ص 406.
(4) مسالك الأفهام: كتاب الاعتكاف ج 1 ص 85 س 12.
521

هذا مضافا إلى إطلاق الخبرين الآتيين الشاملين لما نحن فيه أيضا، بل
للمندوب والواجب المعين الوقت بنذر وشبهه، لكنهما خرجا منه بفحوى ما دل
على عدم لزوم الأول من أصله وفرعه أولى، والاجماع المنقول في الثاني، كما
مضى.
وإطلاقهما - فيما نحن فيه - يشمل صورتي اشتراط التتابع فيه حين الايجاب
وعدمه، لكن أحدهما ظاهر في وجوب الإعادة من رأس، والآخر يحتمل إرادة
ما بقي.
ويمكن الجمع بينهما بحمل الأول على ما إذا لم يتم أقل الاعتكاف، والثاني
على ما إذا أتى به فصاعدا ولما يتم العدد الواجب.
وهذه صور أربع من الواجب بالنذر الذي يقترن بالشرط يجب القضاء في
المطلق منها مطلقا على التفصيل، ولا في المعين منها مطلقا.
(ولو لم يشترط) على ربه (ثم مضى يومان) في المندوب (وجب
الاتمام على الرواية) السابقة (1)، وكذا إذا أتم الخامس وجب السادس،
وهكذا على الرواية الأخرى (2) المعمول بهما، كما مضى.
(ولو عرض عارض) ضروري من مرض وطمث ونحوهما (خرج فإذا
زال)، العارض (وجب القضاء) كما في الصحيح إذا مرض المعتكف أو
طمثت المرأة المعتكفة، فإنه يأتي بيته ثم يعيد إذا برئ وبصوم (3).
وفي آخر والموثق: في المعتكفة إذا طمثت، قال: ترجع إلى بيتها، فإذا
طهرت رجعت فقضت ما عليها (4).

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الاعتكاف ح 1 ج 7 ص 404.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الاعتكاف ح 3 ج 7 ص 404.
(3) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الاعتكاف ح 1 ج 7 ص 412.
(4) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الاعتكاف ح 3 ج 7 ص 412.
522

وهما بإطلاقهما يشملان ما لو كان مندوبا فوجب، أو واجبا بالنذر وشبهه
معينا كان، أو مطلقا مشروطا فيه التتابع، أو لا، وهو ظاهر العبارة أيضا.
لكنهما اختلفا من جهة أخرى، فدل الأول على وجوب الإعادة الظاهرة
في الاستئناف مطلقا، والثاني على قضاء ما عليها كذلك، وهو مجمل يحتمل
الأول وإعادة ما بقي خاصة. ولا ريب في تعين الأول حيث لم يتم أقل
الاعتكاف مطلقا ويحتمله والثاني لو أتى به فصاعدا ولما يتم العدد الواجب،
سواء تعين النذر، أو أطلق لم يشترط في شئ منهما التتابع، أو شرط.
خلافا للمبسوط في المعين المشروط فيستأنف (1)، وللمختلف وغيره فيه
أيضا فيبنى (2).
ولبعضهم فعين البناء فيما عداه مطلقا، إلا إذا كان مطلقا واشترط فيه
التتابع فيستأنف (3)، ولا يخلو عن وجه.
خلافا للمحكي عن التذكرة في المستثنى فاستشكل فيه بأنه بالشروع فيه
صار واجبا، فيكون كالمعين، فيبني على ما مضى، كما في المعين (4).
هذا ولا ريب أن الاستئناف في جميع الصور أحوط وأولى عملا بإطلاق
الصحيح الراجح على مقابله سندا ودلالة.
(الثانية: يحرم على المعتكف الاستمتاع بالنساء) لمسا وتقبيلا وجماعا
بلا خلاف في تحريم الثلاثة، قيل (5): لاطلاق الآية الكريمة (6). ولا في

(1) المبسوط: كتاب الاعتكاف ج 1 ص 291.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الصوم في الاعتكاف ج 1 ص 253 س 34.
(3) الحدائق الناضرة: كتاب الاعتكاف ج 13 ص 490.
(4) الحدائق الناضرة: كتاب الاعتكاف ج 13 ص 490.
(5) والقائل هو صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الاعتكاف ج 13 ص 491.
(6) البقرة: 187.
523

البطلان بالأخير، بل عليه الاجماع في عبائر جماعة (1).
وألحق به الاستمناء بأي شئ كان في الخلاف مدعيا الاجماع (2)، ولعله
لأنه أشد من التقبيل واللمس بشهوة، فيستلزم تحريمهما تحريمه بالأولوية.
ولا بأس به إن أريد من حيث التحريم، سيما مع تحريم أصله إن لم يكن
مع حلاله، ويشكل إن أريد من حيث البطلان ووجوب الكفارة به، كما هو
ظاهر الخلاف فإن تم إجماعا عليه، وإلا فالأجود عدمهما فيه، بل وفي الملحق
بهما، للأصل، مع عدم دليل على شئ منهما.
(والبيع والشراء وشم الطيب) على الأشهر الأظهر، بل لا خلاف في
شئ من ذلك يظهر، إلا من المبسوط في الأخير فلم يحرمه (3)، ومن اللمعتين في
الأولين فلم يذكراهما (4).
وهما نادران، ضعيفان، محجوجان بالصحيح، المعتكف لا يشم الطيب،
ولا يتلذذ بالريحان، ولا يماري، ولا يشتري، ولا يبيع (5).
مع أن في الخلاف الاجماع على حرمة استعمال الطيب بقول مطلق (6)،
وفي الانتصار الاجماع على حرمة الأولين، بل كل تجارة، بل فساد
الاعتكاف (7) بها، ويقرب منه في دعوى الاجماع على تحريمهما عبارتا

(1) الحدائق الناضرة: كتاب الاعتكاف ج 13 ص 491، والمبسوط: كتاب الاعتكاف ج 1 ص 294،
والتذكرة: كتاب الصوم في الاعتكاف ج 1 ص 285 س 40.
(2) الخلاف: كتاب الاعتكاف م 113 ج 2 ص 238.
(3) المبسوط: كتاب الاعتكاف ج 1 ص 293.
(4) اللمعة الدمشقية: كتاب الاعتكاف ج 2 ص 156.
(5) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الاعتكاف ح 1 ج 7 ص 411.
(6) الخلاف: كتاب الاعتكاف م 116 ج 2 ص 240.
(7) الإنتصار: ص 74 آخر كتاب الاعتكاف.
524

المدارك (1) والذخيرة (2) فإن تم إجماع السيد على الفساد بهما مع عدم وضوح
دعواه فيه، وإلا فالمتجه عدم الفساد بهما، بل ولا بشئ مما عدا الجماع،
للأصل، وتعلق النهي بالخارج، وبه أفتى جماعة.
خلافا لآخرين فافسدوه بهما، وهو أحوط.
(وقيل: يحرم عليه ما يحرم على المحرم) والقائل به الشيخ في الجمل (3)،
وربما يحكى عن القاضي (4) وابن حمزة (5).
(ولم يثبت)، ذلك من حجة ولا أمارة. نعم في التنقيح جعله في المبسوط
رواية، قال: وذلك مخصوص بما قلناه، لأن لحم الصيد لا يحرم عليه، وكذا
المخيط وتغطية الرأس (6).
ولا حجة في مثل هذه الرواية، لكونها مرسلة، ومخالفة بعمومها للاجماع ولو
في الجملة بلا شبهة، ولذا قال في التذكرة: أن الشيخ لا يريد بها العموم، لأنه
لا يحرم على المعتكف لبس المخيط إجماعا، ولا إزالة الشعر ولا أكل الصيد
ولا عقد النكاح (7).
وبالجملة لا ريب في ضعف هذا القول - كالقول ببطلانه بكل ما يفعله
المعتكف من القبائح، ويتشاغل به من المعاصي والسيئات كما عليه
الحلي (8) - لعدم دليل عليه، عدا دعواه منافاتها لحقيقة الاعتكاف وماهيته.

(1) مدارك الأحكام: كتاب الاعتكاف ج 6 ص 360.
(2) ذخيرة المعاد: في الاعتكاف ص 542.
(3) الجمل والعقود: في الاعتكاف ص 125.
(4) المهذب: في الاعتكاف ص 204.
(5) الوسيلة: كتاب الاعتكاف ص 154.
(6) التنقيح الرائع: كتاب الاعتكاف ج 1 ص 406.
(7) تذكرة الفقهاء: كتاب الصوم في الاعتكاف ج 1 ص 286 س 36.
(8) السرائر: كتاب الصوم باب الاعتكاف ج 1 ص 426.
525

وفيه ما فيه.
نعم الأولى تركها وترك النظر في معائشه، والخوض في المباح زيادة على
قدر الضرورة. ويجوز له معها البيع والشراء اللذين منع عنهما، لكن يجب
الاقتصار فيهما على ما تندفع به، حتى لو تمكن من التوكيل فعل.
(الثالثة: يفسد الاعتكاف ما يفسد الصوم) من حيث فوات الصوم
الذي هو شرط فيه بلا خلاف.
(ويجب الكفارة بالجماع فيه، مثل كفارة) من أفطر (شهر رمضان
ليلا كان)، الجماع فيه (أو نهارا) بلا خلاف في أصل وجوب الكفارة ليلا
أو نهارا، على الظاهر المصرح به في بعض العبائر (1)، وفي الغنية الاجماع
عليه (2)، والمعتبرة بذلك مستفيضة جدا.
ففي الصحيح: عن المعتكف يجامع، قال: إذا فعل فعليه مثل ما على
المظاهر (3). ونحوه آخر (4)، وقد مر.
وفي الموثق: مثل ما على الذي أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا عتق رقبة
أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا (5).
وفي الخبر: عن رجل وطأ امرأته وهو معتكف ليلا في شهر رمضان، قال:
عليه الكفارة، قال: قلت: فإن وطأ نهارا، قال: عليه كفارتان (6).

(1) السرائر: كتاب الصوم باب الاعتكاف ج 1 ص 425، والحدائق: كتاب الاعتكاف ج 13
ص 491.
(2) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): كتاب الصوم في الاعتكاف ص 511 س 9.
(3) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الاعتكاف ح 1 ج 7 ص 406.
(4) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الاعتكاف ح 6 ج 7 ص 407.
(5) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الاعتكاف ح 5 ج 7 ص 407.
(6) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الاعتكاف ح 4 ج 7 ص 407.
526

وما دل عليه الموثق - من أن عليه كفارة رمضان (1) مخيرة - مشهورة بين
الأصحاب على الظاهر المصرح به في جملة من العبائر مستفيضا (2)، وعليه
الاجماع في الغنية (3)، وعزاه في المختلف إلى الأصحاب (4)، فهو الأقوى، سيما مع
اعتضاده بالأصل.
خلافا للمحكي عن ظاهر المقنع (5)، فما دل عليه الصحيحان - من أنها
كفارة ظهار (6)، واختاره جماعة (7) من متأخري المتأخرين - لا يخلو عن قوة، لولا
الشهرة العظيمة، وحكاية الاجماع المتقدمة المرجحتين للموثقة عليهما ترجيحا
قويا، مضافا إلى صراحة دلالتها، وقصور دلالتهما باحتمالهما لإرادة التشريك،
مع المظاهر في أصل الكفارة، أو مقدارها، لا في ترتيبها. ولعله لذا لم يجعل في
المختلف (8) مخالفة المقنع صريحا، حيث أن عبارته عين عبارتهما.
(ولو كان) الجماع (في نهار رمضان لزمته كفارتان) بلا خلاف كما
في التنقيح وغيره (9)، بل عليه الاجماع في الغنية وغيره (10) للرواية المتقدمة،

(1) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الاعتكاف ح 2 و 5 ج 7 ص 406.
(2) السرائر: ج 1 ص 425، والحدائق: ج 13 ص 492، ومدارك الأحكام: ج 6 ص 361.
(3) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): ص 511 س 10.
(4) مختلف الشيعة: ج 1 ص 254.
(5) مختلف الشيعة: ج 1 ص 254 س 30، والحدائق الناضرة: ج 13 ص 497، وفيهما: عن ظاهر ابن ظاهر ابن بابويه بدل
المقنع.
(6) وسائل الشيعة: ب 6 من أبوب الاعتكاف ح 1 و 6 ج 7 ص 406 و 407.
(7) منهم صاحب مدارك الأحكام: ج 6 ص 361، وصاحب مجمع الفائدة: ج 5 ص 405، وصاحب مفاتيح
الشرائع: ج 1 ص 261.
(8) مختلف الشيعة: ج 1 ص 254 س 28.
(9) التنقيح الرائع: ج 1 ص 407.
(10) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): ص 511 س 11.
527

مضافا إلى عموم ما ورد (1) بايجابهما بالجماع في كل من نهاري رمضان
والاعتكاف، بناء على أن الأصل عدم التداخل، سيما على القول باختلاف
الكفارتين تخييرا للرمضان، وترتيبا للاعتكاف.
ومنه يظهر وجوبهما لو وقع في نهار غير رمضان، إذا كان الاعتكاف واجبا
معينا بالنذر وشبهه، أو صومه قضاء عن رمضان، وكان السبب بعد الزوال
إحداهما، لمخالفته، والأخرى للاعتكاف ومخالفته كما أفتى به الفاضل (2)
وجماعة، وفي التنقيح أطلق الشيخ وباقي الأصحاب التكرار نهارا (3)، وفي
التذكرة والظاهر أن مراده رمضان (4)، واستقرب الشهيد في الدروس هذا
الاطلاق قال: لأن في النهار صوما واعتكافا (5).
وهو ضعيف، لأن مطلق الصوم لا تترتب على إفساده كفارة. نعم في
الغنية (6) والخلاف الاجماع على هذا الاطلاق (7). فهو الحجة المعتضدة بالشهرة
بين الأصحاب، مضافا إلى ما في المقنع من وجود رواية بذلك (8)، وعن
الإسكافي أنه بذلك جاءت الروايات (9).
لكن يحتمل أن يكون مرادهما منهما نحو الرواية السابقة، ويقربه ما في

(1) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الاعتكاف ح 3 ج 7 ص 406.
(2) مختلف الشيعة: ج 1 ص 254 س 20.
(3) التنقيح الرائع: ج 1 ص 407.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الاعتكاف في بيان كفارة الاعتكاف ج 1 ص 294 س 37.
(5) الدروس: من 81 س 21.
(6) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): ص 511 س 16.
(7) الخلاف: كتاب الاعتكاف م 113 ج 2 ص 238.
(8) ما عثرت عليه في المقنع ولا في الهداية ووجدته في من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 188 ذيل
خ 2102.
(9) مختلف الشيعة: في الاعتكاف وآدابه ج 1 ص 25 س 15، وفيه: الرواية.
528

الفقيه (1) حيث إنه - بعد ذكره نحو ما في المقنع - أشار إلى الرواية وقال: روي
ذلك، ثم ساق الرواية السابقة.
(ولو كان) الافساد المدلول عليه بالسياق (بغير الجماع، مما يوجب
الكفارة في شهر رمضان) كالأكل والشرب ونحوهما (فإن وجب)
الاعتكاف (النذر المعين) أو كان صومه قضاء عن رمضان والافساد بعد
الزوال (لزمت الكفارة) للسبب الموجب لها اتفاقا.
(وإن لم يكن معينا، أو كان تبرعا) ولم يكن الصوم فيهما قضاء عن
رمضان، أو كان الافساد قبل الزوال (فقد أطلق الشيخان) (2) والسيدان (3)
والحلبي (4) والديلمي (5) (لزوم الكفارة) بحيث يشمل جميع ذلك، ولا حجة
لهم واضحة، عدا ما في الغنية من الاجماع (6) فإن تم كان هو الحجة، وإلا
فالنصوص (7) المثبتة لها مختصة بالجماع، ولا وجه للتعدية، مع أن الأصل
البراءة، ولذا اختار الماتن في الشرائع (8) وجماعة من المتأخرين - بل أكثرهم
كما في المدارك (9) والذخيرة (10) - عدم وجوبها إلا بالجماع خاصة.

(1) من لا يحضره الفقيه: كتاب الاعتكاف ذيل الحديث 2102 ج 2 ص 188.
(2) المبسوط: كتاب الاعتكاف فصل فيما يفسد الاعتكاف ج 1 ص 294 والمقنعة: ب 31 الاعتكاف
وما يجب في من الصيام ص 363 س 7.
(3) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): ص، 511 س 12، والانتصار: في الاعتكاف ص 73.
(4) الكافي في الفقه: فصل في صوم الاعتكاف وكفارة الافطار ص 187.
(5) المراسم: ذكر الاعتكاف ص 99.
(6) الغنية (الجوامع الفقهية): ص 511 س 13.
(7) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الاعتكاف ح 7 ج 7 ص 406 - 407.
(8) شرائع الاسلام: ج 1 ص 220.
(9) مدارك الأحكام: ج 6 ص 361.
(10) ذخيرة المعاد: ص 542 س 31.
529

ثم إن إطلاق عبارتهما كما يعم الصور بالإضافة إلى المفطر عدا الجماع كذا
يعمها بالإضافة إليه أيضا، ونحوهما هنا - زيادة على ما قدمناه - كل من
اختصت عبارته المنقولة في المختلف (1) إلينا بالجماع خاصة، كالشيخ في
النهاية (2) والمبسوط (3) والخلاف (4) والاقتصاد (4) والقاضي (6) وابن حمزة (7)
والصدوق في المقنع (8) والإسكافي (9) والحلي (10) (11).
وبالجملة الظاهر أنه المشهور بين القدماء، بل لم نر بينهم فيه خلاف، بل
عليه في الغنية (12) والخلاف (13) الاجماع، وهو خيرة الفاضل في التحرير (14)،
ولا يخلو عن قوة، لاطلاق النصوص المتقدمة، زيادة على حكاية الاجماع
المزبورة.
خلافا لجماعة من المتأخرين تبعا للماتن في المعتبر حيث قال: فيه بعد

(1) مختلف الشيعة: ج 1 ص 254 س 22.
(2) النهاية: باب الاعتكاف ص 172.
(3) المبسوط: كتاب الاعتكاف، فصل فيما يفسد الاعتكاف ج 1 ص 294.
(4) الخلاف: كتاب الاعتكاف م 113 ج 2 ص 238.
(5) الاقتصاد: فصل في حكم الاعتكاف ص 296.
(6) المهذب: باب الاعتكاف ج 1 ص 204.
(7) المراسم: ذكر الاعتكاف ص 99.
(8) ما عثرت عليه في المقنع ولا في الهداية ووجدته في من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 188، والمختلف
ج 1 ص 254 س 14.
(9) مختلف الشيعة: ج 1 ص 254 س 15.
(10) السرائر: ج 1 ص 425.
(11) الحلبي (خ) الكافي في الفقه: ص 187.
(12) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): ص 511 س 13.
(13) الخلاف: كتاب الاعتكاف م 113 ج 2 ص 238.
(14) تحرير الأحكام: ج 1 ص 88 س 34.
530

نقل الاطلاق عنهما (ولو خصا ذلك ب‍) اليوم (الثالث) أو بالاعتكاف
اللازم (كان أليق بمذهبهما).
لأنا بينا أن الشيخ ذكر في النهاية والخلاف أن للمعتكف الرجوع في
اليومين الأولين من اعتكافه، وأنه إذا اعتكفهما وجب الثالث، وإذا كان له
الرجوع لم يكن لايجاب الكفارة مع جواز الرجوع وجه، لكن يصح هذا على
قول الشيخ في المبسوط فإنه يرى وجوب الاعتكاف بالدخول لا فيه (1)، ونفى عنه
البعد في المدارك. قال: لأن الاطلاق لا عموم له، فيكفي في العمل به إجراؤه
في الواجب (2).
وفيه نظر، للزوم إرجاع الاطلاق إلى العموم بالاتفاق حيث يتساوى
أفراده، بالإضافة إلى ما يرجع إلى اللفظ من التبادر ونحوه - كما نحن فيه - مع أن
إطلاقه بترك الاستفصال عموم هذا.
وهو في بحث ما يجب على المعتكف اجتنابه، قال: وهل يختص هذه
المحرمات بالاعتكاف الواجب أو يتناول المندوب أيضا؟ إطلاق النص وكلام
الأصحاب يقتضي الثاني وتقدم نظيره في التكفير في صلاة النافلة والارتماس
في الصوم المندوب (3) انتهى.
وهو كما ترى ظاهر في منافاته لما قدمناه عنه سابقا.
ومما ذكرنا عنه أخيرا يظهر الجواب عن استبعاد المحقق وجوب التكفير في
نحو المندوب، مع عدم وجوب أصله.
ثم دعواه إطلاق كلام الأصحاب - بالإضافة إلى المحرمات - منظور فيه
أيضا، فإن من جملتهم جده في الروضة (4)، وهو قد خالف فيه فقيدها

(1) المعتبر: كتاب الاعتكاف ح 2 ص 743.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الاعتكاف ج 6 ص 361.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الاعتكاف ج 6 ص 361.
(4) الروضة البهية: في الاعتكاف ج 2 ص 157.
531

بالاعتكاف الواجب (1)، وصرح في غيره بعدم التحريم، قال: وإن فسد في
بعضها (2).
(والحمد لله أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا، وصلى الله على محمد وآله
الطاهرين) (3). قد فرغت بعون الله سبحانه من تسويد هذه الجملة ليلة الاثنين
السادس والعشرين من شهر ربيع الأول من شهور سنة ست وتسعين بعد المائة
والألف من الهجرة النبوية، عليه وآله أفضل صلاة وسلام وتحية.
إلى هنا انتهى الجزء الخامس - حسب تجزئتنا -
ويتلوه الجزء السادس إن شاء الله تعالى وأوله:
(كتاب الحج)

(1) مدارك الأحكام: كتاب الاعتكاف ج 6 ص 361.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الاعتكاف ج 6 ص 361.
(3) ما بين المعقوفتين أثبتناها من نسخة (م) لشدة احتياجه إليه.
532