الكتاب: رياض المسائل
المؤلف: السيد علي الطباطبائي
الجزء: ٣
الوفاة: ١٢٣١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: شعبان المعظم ١٤١٤
المطبعة:
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك:
ملاحظات:

رياض المسائل
تأليف
الفقيه المدقق
السيد علي الطباطبائي
المتوفى سنة 1231 ه‍ ق
الجزء الثالث
تحقيق
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة
1

رياض المسائل
في بيان
أحكام الشرع بالدلائل
(ج 3)
المؤلف: الفقيه المدقق السيد علي الطباطبائي
الموضوع: فقه
تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي
عدد الأجزاء: 18 جزء
الطبعة: الأولى
المطبوع: 1000 نسخة
التاريخ: رمضان المبارك 1412 ه‍
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة
2

متن
المختصر النافع (1)
(1) خدمة للقارئ الكريم ننقل متن كتاب (المختصر النافع) للمحقق الحلي قدس سره - وهي
النسخة المطبوعة المتداولة - بقدر ما جاء في هذا الجزء من (رياض، المسائل) لآية الله
السيد علي الطباطبائي رحمه الله، ولا يخفى أن بين النسخة المذكورة والنسخ المتعددة من
الرياض اختلافات لم نذكر مواردها بل تركناها للقارئ العزيز.
3

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الصلاة
والنظر في المقدمات والمقاصد.
والمقدمات سبع
(الأولى) في الأعداد:
والواجبات تسع: الصلوات الخمس، وصلاة الجمعة، والعيدين،
والكسوف، والزلزلة، والآيات، والطواف، والأموات،. وما يلتزمه
الانسان بنذر وشبهه، وما سواه مسنون.
فالصلوات الخمس سبع عشرة ركعة في الحضر، وإحدى عشرة ركعة
في السفر.
ونوافلها أربع وثلاثون ركعة على الأشهر في الحضر.
ثمان للظهر قبلها، وكذا العصر، وأربع للمغرب بعدها، وبعد
العشاء ركعتان من جلوس تعدان بواحدة، وثمان لليل، وركعتان
للشفع.، وركعة الوتر، وركعتان للغداة.
ويسقط في السفر نوافل الظهرين.
وفي سقوط الوتيرة قولان، والسقوط أظهر، ولكل ركعتين من هذه
5

النوافل تشهد وتسليم، وللوتر بانفرداه.
(الثانية) في المواقيت: والنظر في تقديرها ولواحقها:
أما الأول: فالروايات فيه مختلفة، ومحصلها اختصاص الظهر عند
الزوال بمقدار أدائها، ثم يشترك الفرضان في الوقت، والظهر مقدمة حتى
يبق للغروب مقدار أداء العصر فتختص به ثم يدخل وقت المغرب، فإذا
مضى مقدار أدائها اشترك الفرضان في الوقت، والمغرب مقدمة حتى
يبق لانتصاف الليل مقدار أداء العشاء فتختص به.
وإذا طلع الفجر الثاني دخل وقت صلاته ممتدا حتى تطلع الشمس.
ووقت نافلة الظهر من حين الزوال حتى يصير الفئ على قدمين.
ونافلة العصر إلى أربعة أقدام.
ونافلة المغرب بعدها حتى تذهب حمرة المغربية، وركعتا الوتيرة
تمتدان بامتداد العشاء. وصلاة الليل بعد انتصافه، كلما قرب من الفجر
كان أفضل.
وركعتا الفجر بعد الفراغ من الوتر، وتأخيرها حتى يطلع الفجر
الأول أفضل، ويمتد حتى تطلع الحمرة.
وأما اللواحق فمسائل:
(الأولى) يعلم الزوال بزيادة الظل بعد انتقاصه، وبميل الشمس
إلى الحاجب الأيمن ممن يستقبل القبلة، ويعرف الغروب بذهاب
الحمرة المشرقية.
6

(الثانية) قيل: لا يدخل وقت العشاء حتى تذهب الحمرة المغربية،
ولا تصلي قبلة إلا مع العذر، والأظهر الكراهية.
(الثالثة) لا تقدم صلاة الليل على الانتصاف إلا لشاب تمنعه
رطوبة رأسه أو لمسافر. وقضاؤها أفضل.
(الرابعة) إذا تلبس بنافلة الظهر ولو بركعة ثم خرج في وقتها أتمها
مقدمة على الفريضة، وكذا العصر، وأما نوافل المغرب فمتى ذهبت الحمرة
ولم يكملها بدأ بالعشاء.
(الخامسة) إذ طلع الفجر الثاني فقد فاتت النافلة عدا ركعتي الفجر،
ولو تلبس من صلاة الليل بأربع ركعات زاحم بها (وأتمها) الصبح ما
لم يخش فوات الفرض، ولو كان تلبس بما دون الأربع ثم طلع الفجر، بدأ
بالفريضة وقضى نافلة الليل.
(السادسة) تصلى الفرائض أداء وقضاء، ما لم يتضيق وقت الفريضة
الحاضرة، والنوافل ما لم يدخل وقت الفريضة.
(السابعة) يكره ابتداء النوافل عند طلوع الشمس، وغروبها، وقيامها
نصف النهار، وبعد الصبح، والعصر، عدا النوافل المرتبة، وما له سبب.
(الثامنة) الأفضل في كل صلاة تقديمها في أول أوقاتها، إلا ما
نستثنيه في مواضعه، إن شاء الله تعالى.
(التاسعة) إذا صلى ظانا دخول الوقت، ثم تبين الوهم، أعاد، إلا
أن يدخل الوقت ولم يتم، وفيه قول آخر.
(الثالثة)، في القبلة:
وهي الكعبة مع الامكان، وإلا فجهتها وإن بعد، وقيل: هي قبلة
7

لأهل المسجد الحرام، والمسجد قبلة من صلى في الحرم، والحرم قبلة أهل
الدنيا، وفيه ضعف.
ولو صلى في وسطها استقبل أي جدرانها شاء، ولو صلى على
سطحها أبرز بين يديه شيئا منها ولو قليلا.
وقيل: يستلقي ويصلي موميا إلى البت المعمور.
ويتوجه أهل كل إقليم إلى سمت الركن الذي يليهم.
فأهل المشرق يجعلون المشرق على المنكب الأيسر، والمغرب على،
اليمين (الأيمن خ)، والجدي خلف المنكب الأيمن، والشمس عند الزوال
محاذية لطرف الحاجب الأيمن مما يلي الأنف.
وقيل: يستحب التياسر لأهل العراق عن سمتهم قليلا وهو بناء
على توجههم إلى الحرم.
وإذا فقد العلم بالجهة والظن، صلى الفريضة إلى أربع جهات،
ومع الضرورة أو ضيق الوقت يصلي إلى أي جهة شاء.
ومن ترك الاستقبال عمدا أعاد، ولو كان ظانا أو ناسيا
وتبين الخطأ لم يعد ما كان بين المشرق والمغرب.
ويعيد الظان ما صلاه إلى المشرق والمغرب في وقته لا ما خرج
وقته، وكذا لو استدبر القبلة، وقيل: يعيد وإن خرج الوقت.
ولا يصلى الفريضة على الراحلة اختيارا، ويرخص في النافلة
سفرا حيث توجهت الراحلة.
(الرابعة) في لباس المصلي:
لا يجوز الصلاة في جلد الميتة ولو دبغ، وكذا ما لا يؤكل
8

ذكي ودبغ، ولا في صوفه وشعره ووبره ولو كان قلنسوة أو تكة. ويجوز
استعماله لا في الصلاة، ولو كان مما يؤكل لحمه جاز في الصلاة
وغيرها، وإن أخذ من الميتة جزا أو قلعا مع غسل موضع الاتصال.
ويجوز في الخز الخالص لا المغشوش بوبر الأرانب والثعالب.
وفي فرو السنجاب قولان، أظهرهما الجواز.
وفي الثعالب والأرانب روايتان، أشهرهما المنع.
ولا يجوز الصلاة في الحرير المحض للرجال إلا مع الضرورة أو في
الحرب.
وهل يجوز للنساء من غير ضرورة؟ فيه قولان، أظهرهما الجواز.
وفي التكة والقلنسوة من الحرير تردد، أظهره الجواز مع الكراهية.
وهل يجوز الركوب عليه والافتراش له؟ المروي نعم.
ولا بأس بثوب مكفوف به.
ولا يجوز في ثوب مغصوب مع العلم، ولا فيما يستر ظهر القدم ما لم
يكن له ساق كالخف.
ويستحب في النعل العربية.
ويكره في الثياب السود ما عدا العمامة والخف.
وفي الثوب الذي يكون تحته وبر الأرانب والثعالب أو فوقه، وفي
ثوب واحد للرجال - ولو حكى ما تحته - لم يجز.
وأن يتزر (يأتزر خ) فوق القميص، وأن يشتمل الصماء، وفي عمامة
لا حنك لها.
وأن يؤم بغير رداء، وأن يصحب معه حديدا ظاهرا، وفي ثوب يتهم
9

صاحبه، وفي قباء فيه تماثيل، أو خاتم فيه صورة.
ويكره للمرأة أن تصلي في خلخال له صوت، أو متنقبة.
ويكره للرجال اللثام.
وقيل: يكره في قباء مشدود إلا في الحرب.
مسائل ثلاث
(الأولى) ما يصح فيه الصلاة يشترط فيه الطهارة، وأن يكون مملوكا
أو مأذونا فيه.
(الثانية) يجب للرجل ستر قبله ودبره، وستر ما بين السرة والركبة
أفضل، وستر جسده كله مع الرداء أكمل، ولا تصلي الحرة إلا في
درع وخمار ساترة جميع جسدها عدا الوجه والكفين.
وفي القدمين تردد، أشبهه الجواز، والأمة والصبية تجتزءان
بستر الجسد، وستر الرأس مع ذلك أفضل.
(الثالثة) يجوز الاستتار في الصلاة بكل ما يستر (به خ) العورة
كالحشيش وورق الشجر والطين، ولو لم يجد ساترا صلى عريانا قائما
موميا إذا أمن المطلع.
ومع وجوده يصلي جالسا موميا للركوع والسجود.
(الخامسة) في مكان المصلي:
يصلي في كل مكان إذا كان مملوكا أو مأذونا فيه، ولا يصح في
المكان المغصوب مع العلم (اختيارا خ).
وفي جواز صلاة المرأة إلى جانب المصلي قولان، (أحدهما)
10

المنع سواء صلت بصلاته أو منفردة محرما كانت أو أجنبية، (والآخر)
الجواز على كراهية، ولو كان بينهما حائل، أو تباعدت عشرة أذرع
فصاعدا أو كانت متأخرة عنه ولو بمسقط الجسد صحت صلاتهما.
ولو كان في مكان لا يمكن فيه التباعد صلى الرجل أولا ثم المرأة.
ولا تشترط طهارة موضع الصلاة إذا لم تتعد نجاسته، ولا طهارة
موضع السجدة عدا موضع الجبهة.
وتستحب صلاة الفريضة في المسجد إلا في الكعبة، والنافلة في المنزل.
ويكره الصلاة في الحمام، وبيوت الغائط، ومبارك الإبل،
ومساكن النمل، ومرابط الخيل والبغال، والحمير، وبطون الأودية، وأرض
السبخة والثلج، إذا لم تتمكن جبهته من السجود، وبين المقابر إلا مع
حائل، وفي بيوت المجوس والنيران والخمور، وفي جواد الطرق، وأن يكون
بين يديه. نار مضرمة أو مصحف مفتوح أو حائط ينز من بالوعة.
ولا بأس بالبيع والكنائس ومرابض الغنم.
وقيل: يكره إلى باب مفتوح أو إنسان مواجه.
(السادسة) فيما يسجد عليه:
لا يجوز السجود على ما ليس بأرض كالجلود والصوف، ولا يخرج
باستحالته عن اسم الأرض كالمعادن.
ويجوز على الأرض وما ينبت منها ما لم يكن مأكولا بالعادة.
وفي الكتان والقطن روايتان، أشهرهما المنع، إلا مع الضرورة.
ولا يسجد على شئ من بدنه، فإن منعه الحر سجد على ثوبه.
11

ويجوز السجود على الثلج والقير وغيره مع عدم الأرض وما ينبت
منها، فإن لم يكن فعلى كفه، ولا بأس بالقرطاس.
ويكره منه ما فيه كتابة، ويراعى فيه أن يكون مملوكا أو مأذونا
فيه، خاليا من النجاسة.
(السابعة) في الأذان والإقامة:
والنظر في المؤذن وما يؤذن له، كيفية الأذان والإقامة ولواحقهما.
أما المؤذن فيعتبر فيه العقل والاسلام، ولا يعتبر فيه البلوغ، والصبي
يؤذن، والعبد يؤذن، وتؤذن المرأة للنساء خاصة.
ويستحب أن يكون عادلا، صيتا، بصيرا بالأوقات، متطهرا، قائما
على مرتفع، مستقبل القبلة، رافعا صوته، وتسر به المرأة، ويكره
الالتفات به يمينا وشمالا.
ولو أخل بالأذان والإقامة ناسيا وصلى، تداركهما ما لم يركع
واستقبل صلاته، ولو تعمد لم يرجع
وأما ما يؤذن له: فالصلوات الخمس لا غير، أداء وقضاء، استحبابا
للرجال والنساء، والمنفرد والجامع،؟ قيل: يجبان في الجماعة، ويتأكد
الاستحباب فيما يجهر فيه، وآكده الغداة والمغرب.
وقاضي الفرائض الخمس يؤذن لأول ورده؟، ثم يقيم لكل واحدة، ولو
جمع بين الأذان والإقامة لكل فريضة كان أفضل.
ويجمع يوم الجمعة بين الظهرين بأذان واحد وإقامتين.
ولو صلى في مسجد جماعة ثم جاء آخرون لم يؤذنوا ولم يقيموا ما
دامت الصفوف باقية، ولو انفضت أذن الآخرون وأقاموا، ولو أذن بنية
12

الانفراد ثم أراد الاجتماع استحب له الاستئناف.
وأما كيفيته فلا يؤذن لفريضة إلا بعد دخول وقتها، ويتقدم في
الصبح رخصة، لكن يعيده بعد دخوله.
وفصولهما على أشهر الروايات خمسة وثلاثون فصلا، والأذان ثمانية
عشر فصلا، والإقامة سبعة عشر فصلا، وكله مثنى عدا التكبير في أول
الأذان فإنه أربع، والتهليل في آخر الإقامة فإنه مرة، والترتيب فيه
شرط.
والسنة فيه: الوقوف على فصوله، متأنيا في الأذان، هادرا في
الإقامة، والفصل بينهما بركعتين أو جلسة أو سجدة أو خطوة، خلا
المغرب، فإنه لا يفصل بين أذانيها إلا بخطوة، أو سكتة، أو تسبيحة.
ويكره الكلام في خلالهما، والترجيع إلا للاشعار، وقول: الصلاة
خير من النوم.
وأما اللواحق، فمن السنة حكايته عند سماعه، وقول ما يخل به
المؤذن، والكف عن الكلام بعد قوله: (قد قامت الصلاة) إلا بما يتعلق
بالصلاة.
مسائل ثلاث
(الأولى) إذا سمع الإمام أذانا جاز أن يجتزئ به في الجماعة ولو
كان المؤذن منفردا.
(الثانية) من أحدث في الصلاة أعادها، ولا يعيد الإقامة إلا مع
الكلام.
(الثالثة) من صلى خلف من لا يقتدى به أذن لنفسه وأقام، ولو
13

خشي فوات الصلاة اقتصر من فصوله على تكبيرتين وقد (قامت الصلاة).
وأما المقاصد فثلاثة
(الأول) في أفعال الصلاة: وهي واجبة ومندوبة.
فالواجبات ثمانية
(الأول) في النية:
وهي ركن، وإن كانت بالشرط أشبه، فإنها تقع مقارنة، ولا بد من
نية القربة والتعيين والوجوب أو الندب، والأداء أو القضاء، ولا يشترط
نية القصر ولا الاتمام، ولو كان مخيرا، ويتعين استحضارها عند أول
جزء من التكبير، واستدامتها.
(الثاني) في التكبير
وهو ركن في الصلاة، وصورته: الله أكبر، مرتبا، ولا ينعقد بمعناه،
ولا مع الاخلال (بها خ) ولو بحرف، ومع التعذر تكفي الترجمة، ويجب
التعلم ما أمكن، والأخرس ينطق بالممكن، ويعقد قلبه بها مع الإشارة.
ويشترط فيها القيام، ولا يجزئ قاعدا مع القدرة، وللمصلي الخيرة
في تعيينها من السبع.
وسننها: النطق بها على وزن (أفعل) من غير مد، وإسماع الإمام
من خلفه، وأن يرفع بها المصلي يديه محاذيا وجهه.
الثالث القيام:
وهو ركن. مع القدرة، ولو تعذر الاستقلال اعتمد، ولو عجز عن
البعض أتى بالممكن، ولو عجز أصلا صلى قاعدا.
14

وفي حد ذلك قولان، أصحهما مراعاة التمكن، ولو وجد القاعد خفا
(خفة خ) نهض قائما، ولو عجز عن القعود صلى مضطجعا موميا، وكذا
لو عجز صلى مستلقيا.
ويستحب أن يتربع القاعد قارئا، ويثني رجليه راكعا
وقيل: يتورك متشهدا.
الرابع القراءة:
وهي متعينة بالحمد وسورة في كل ثنائية، وفي الأوليين من كل
رباعية؟ ثلاثية، ولا تصح الصلاة مع الاخلال بها عمدا ولو بحرف،
وكذا الاعراب والتشديد، وترتيب آيها (آياتها خ)، وكذا البسملة في
الحمد والسورة، ولا تجزئ الترجمة، ولو ضاق الوقت قرأ ما يحسن بها.
ويجب التعلم ما أمكن، ولو عجز قرأ من غيرها ما تيسر، وإلا سبح
الله وكبره وهلله بقدر القراءة، ويحرك الأخرس لسانه بالقراءة ويعقد بها
قلبه.
وفي وجوب سورة مع الحمد في الفرائض للمختار مع سعة الوقت و
إمكان التعلم قولان، أظهرهما الوجوب، ولا يقرأ في الفرائض عزيمة، ولا
ما يفوت الوقت بقراءتها، ويتخير المصلي في كل ثالثة ورابعة بين قراءة
الحمد والتسبيح، ويجهر من الخمس واجبا، في الصبح وأوليي المغرب
والعشاء، ويسر في الباقي وأدناه أن يسمع نفسه، ولا تجهر المرأة.
ومن السنن: الجهر بالبسملة في موضع الاخفات من أول الحمد
والسورة، وترتيل القراءة، وقراءة سورة بعد الحمد في النوافل والاقتصار
في الظهرين والمغرب على قصار المفصل، وفي الصبح على مطولاته وفي
15

العشاء على متوسطاته.
وفي ظهري الجمعة بسورتها (بها خ) وبالمنافقين، وكذا لو صلى
الظهر جمعة على الأظهر.
ونوافل النهار إخفات، والليل جهر، يستحب إسماع الإمام قن
خلفه قراءته ما لم يبلغ العلو، وكذا لشهادتين..
مسائل أربع
(الأولى) يحرم قول آمين آخر الحمد وقيل: يكره.
(الثانية) والضحى وألم نشرح سورة واحدة، وكذا الفيل ولايلاف.
وهل تعاد البسملة بينهما؟ قيل: لا، وهو أشبه.
(الثالثة) يجزئ بدل " الحمد " في الأواخر تسبيحات أربع، صورتها:
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وروي تسع، وقيل:
عشر، وقيل: اثنا عشر، وهو أحوط.
(الرابعة) لو قرأ في النافلة إحدى العزائم سجد عند ذكره، ثم يقوم
فيتم ويركع، ولو كان السجود في آخرها قام وقرأ الحمد استحبابا،
ليركع عن قراءة،
الخامس الركوع:
وهو واجب في كل ركعة مرة، إلا في الكسوف والزلزلة. وهو ركن
في الصلاة، والواجب فيه خمسة. الانحناء قدر ما تصل معه كفاه إلى ركبتيه،
ولو عجز اقتصر عن الممكن وإلا أومأ. والطمأنينة بقدر الذكر الواجب،
وتسبيحة واحدة كبيرة صورتها: سبحان ربي العظيم وبحمده، أو سبحان
16

الله ثلاثا، ومع الضرورة تجزئ واحدة صغرى وقيل: يجزئ الذكر فيه
وفي السجود، ورفع الرأس منه، والطمأنينة في الانتصاب.
والسنة فيه: أن يكبر له رافعا يديه، محاذيا بهما وجهه، ثم يركع بعد
إرسالهما ويضعهما على ركبتيه، مفرجات الأصابع، رادا ركبتيه إلى
خلفه، مسويا ظهره، مادا عنقه، داعيا أمام التسبيح، مسبحا ثلاثا
كبرى فما زاد، قائلا بعد انتصابه: سمع الله لمن حمده، داعيا بعده،
ويكره أن يركع ويداه تحت ثيابه.
السادس السجود:
ويجب في كل ركعة سجدتان، وهما ركن معا في الصلاة.
وواجباته سبع: السجود على الأعضاء السبعة: الجبهة، والكفين،
والركبتين، وإبهامي الرجلين. ووضع الجبهة على ما يصح السجود عليه
وألا يكون موضع السجود عاليا بما يزبد عن لبنة، ولو تعذر الانحناء رفع
ما يسجد عليه.
ولو كان بجبهته دمل احتفر حفيرة ليقع السليم على الأرض، ولو
تعذر السجود سجد على أحد الجبينين، وإلا فعلى ذقنه، ولو عجز أومأ.
والذكر فيه أو التسبيح كالركوع، والطمأنينة بقدر الذكر الواجب.
ورفع الرأس مطمئنا عقيب الأولى.
وسننه: التكبير الأول قائما، والهوي بعد إكالمه سابقا بيديه، وأن
يكون موضع سجوده مساويا لموقفه، أن يرغم بأنفه، ويدعو قبل
التسبيح، والزيادة على التسبيحة الواحدة، والتكبيرات ثلاثا، ويدعو
بين السجدتين، والقعود متوركا، والطمأنينة عقيب رفعه من الثانية،
17

والدعاء، ثم يقوم معتمدا على يديه سابقا برفع ركبتيه، ويكره الاقعاء
بين السجدتين.
السابع التشهد:
وهو واجب في كل ثنائية مرة. وفي الثلاثية والرباعية مرتين.
وكل تشهد يشتمل على خمسة: الجلوس بقدره، والطمأنينة،
والشهادتان، والصلاة على النبي وآله، وأقله أشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم يأتي بالصلاة على النبي وآله.
وسننه: أن يجلس متوركا، ويخرج رجليه ثم يجعل ظاهر اليسرى
على الأرض وظاهر اليمنى على باطن اليسرى، والدعاء بعد الواجب،
ويسمع الإمام من خلفه.
الثامن التسليم:
وهو واجب في (على خ) أصح القولين، وصورته: السلام علينا وعلى
عباد الله الصالحين، أو السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبأيهما بدأ، كان الثاني مستحبا.
والسنة فيه: أن يسلم المنفرد تسليمة إلى القبلة، ويومئ بمؤخر عينيه
إلى يمينه، والإمام بصفحة وجهه. والمأموم تسليمتين يمينا وشمالا.
ومندوبات الصلادة خمسة،
(الأول) التوجه بسبع تكبيرات. واحدة منها الواجبة، بينها ثلاثة
أدعيه، يكبر ثلاثا ثم يدعو، ثم اثنتين ثم يدعو، ثم اثنتين ويتوجه.
(الثاني) القنوت قي كل ثانية قبل الركوع، إلا في الجمعة، فإنه في
18

الأولى قبل الركوع، وفي الثانية بعده، ولو نسي القنوت قضاه بعد
الركوع.
(الثالث) نظره قائما إلى موضع سجوده. وقانتا إلى باطن كفيه.
وراكعا إلى ما بين رجليه، وساجدا إلى طرف أنفه، ومتشهدا إلى حجره.
(الرابع) وضع اليدين قائما على فخذيه بحذاء ركبتيه. وقانتا تلقاء
وجهه. وراكعا على ركبتيه، وساجدا بحذاء أذنيه، ومتشهدا على فخذيه.
(الخامس) التعقيب، ولا حصر له، وأفضله تسبيح الزهراء عليها السلام.
خاتمة
يقطع الصلاة ما يبطل الطهارة ولو كان سهوا، والالتفات
دبرا، والكلام بحرفين فصاعدا عمدا، وكذا القهقهة، والفعل الكثير
الخارج عن الصلاة، والبكاء لأمور الدنيا.
وفي وضع اليمين على، الشمال قولان، أظهرهما: الابطال.
ويحرم قطع الصلاة إلا لخوف ضرر، مثل فوات الغريم، أو تردي طفل.
وقيل: يقطعها الأكل والشرب، إلا في الوتر لمن عزم على الصوم ولحقه
عطش.
وفي جواز الصلاة بشعر معقوص قولان، أشبههما الكراهية.
ويكره الالتفات يمينا وشمالا، والتثاؤب، والتمطي، والعبث،
ونفخ موضع الجود، والتنخم، والبصاق، وفرقعة الأصابع، والتأوه
بحرف، ومدافعة الأخبثين، ولبس الخف ضيقا.
ويجوز للمصلي تسميت العاطس.
ورد السلام، مثل قوله: السلام عليكم، والدعاء في أحوال الصلاة
بسؤال المباح دون المحرم.
19

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين.
كتاب الصلاة،
وهي لغة: الدعاء، وشرعا: العبادة المخصوصة بكيفياتها المعهودة. وعدها
جماعة من أهل اللغة من جملة معانيها اللغوية، وفي إثبات الحقيقة بذلك
إشكال، بل الظاهر العدم. والنصوص في فضلها وعقاب تاركها أكثر من أن
تحصى.
(والنظر) في هذا الكتاب يقع في المقدمات والمقاصد)
(والمقدمات سبع)
(الأولى: في) بيان (الأعداد)
وهي: إما واجبة أو مندوبة، لأنها عبادة، ولا تكون بالذات إلا راجحة.
(فالواجبات) على الجملة بالحصر المستفاد من تتبع الأدلة الشرعية
(تسع) على المشهور. وقيل: سبع بإدراج الكسوف والزلزلة في الآيات.
الأولى: (الصلوات الخمس) الفرائض اليومية أداء وقضاء ولو من ولي
الميت عنه.
والثانية: (صلاة الجمعة).
22

والثالثة: صلاة (العيدين).
والرابعة: صلاة (الكسوف).
والخامسة: صلاة (الزلزلة).
والسادسة: صلاة (الآيات).
والسابعة: صلاة (الطواف).
والثامنة: صلاة (الأموات).
والتاسعة: (ما) - أي - كل صلاة (يلتزمه الانسان بنذر وشبهه) من
العهد واليمين. ويدخل فيه الملتزم بالإجارة، وصلاة الاحتياط في وجه، وفي آخر
يدخل في الأولى، لكونها مكملة لما يحتمل فواته منها.
وفي إدخال الثامنة اختيار إطلاقها عليها بطريق الحقيقة الشرعية، كما هو
ظاهر الحلي (1)، وصريح الذكرى (2) فيما حكي عنه (3).
وقيل: إنه على المجاز (4)، لعدم التبادر، أو تبادر ذات الركوع والسجود، أو
ما قام مقامهما منها عند الاطلاق، وهو أمارة المجاز، مع أن نفي الصلاة عما
لا فاتحة فيها ولا طهور.
والحكم بتحليلها بالتسليم ينافي الحقيقة بناء على أن الأصل في تعلقه
بالماهية، لا الخارج من الكمال والصحة، وهو حسن، إلا أنه ربما يدعى عدم
صحة السلب عرفا، ودلالة بعض النصوص على كونها صلاة، فيعترض بهما
الدليلان السابقان.

(1) السرائر: كتاب الصلاة، ج 1 ص 192.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة ص 7 س 5.
(3) لا يوجد في المخطوطات.
(4) من القائلين بالمجاز: العلامة الحلي في نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في أعدادها ج 1 ص 307،
والشهيد الثاني في روض الجنان: كتاب الصلاة، ص 172، والسيد العاملي في مدارك الأحكام:
كتاب الصلاة ص 111، س 23.
23

(وما سواه) - أي - ما سوى ما ذكر من الصلوات (مسنون) وكل منهما:
إما بأصل الشرع: كاليومية فرائضها ونوافلها، والجمعة والعيدين وصلاة
الطواف. أو بسبب من المكلف: كالملتزمات وصلوات الاستخارات
والحاجات. أولا منه: كصلاة الآيات وصلاة الشكر والاستسقاء. ويمكن
إدخاله في الحاجات.
ومنها: ما يجب تارة ويستحب أخرى: كصلاة العيدين وصلاة الطواف.
ومنها: ما يجب عينا تارة وتخييرا أخرى، أو تجب وتحرم أخرى: كصلاة
الجمعة على الخلاف. وإطلاق الصلاة عليها على القول بحرمتها مجاز قطعا.
(والصلوات الخمس سبع عشرة ركعة في الحضر، وإحدى عشرة
ركعة في السفر، ونوافلها أربع وثلاثون ركعة) فيكون المجموع إحدى
وخمسين ركعة (على الأشهر) في الروايات.
ففي الصحيح: كم الصلاة من ركعة؟ قال: إحدى وخمسون (1).
وفي آخر: الفريضة والنافلة إحدى وخمسون ركعة، منها: ركعتان بعد العتمة
جالسا تعدان بركعة، والنافلة أربع وثلاثون ركعة (2).
وفي ثالث: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي من التطوع مثلي
الفريضة، ويصوم من التطوع مثلي الفريضة (3). ونحوها أخبار كثيرة ستأتي إليها
الإشارة.
وأما الأخبار الأخر الدالة على نقص النوافل عن الأربع والثلاثين
بإسقاط الوتيرة خاصة كما في بعضها، أو مع الست من نوافل العصر كما في أخر
منها، أو مع الأربع منها كما في غيرهما وإن كثرت وتضمنت الصحيح وغيره فلا

(1) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها، ح 11 ج 3 ص 34.
(2) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها، ح 3 ج 3 ص 32.
(3) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها، ح 4 ج 3 ص 32.
24

يستفاد منها إلا تأكيد الاستحباب في الأقل. واختلافها فيه محمول على
اختلاف مراتبه في الفضل.
ولو سلم مخالفتها لما سبق لكان اللازم طرحها، لعدم ظهور قائل بها، كما
اعترف به جماعة من أصحابنا، حيث قالوا بعد نقل ما في العبارة: ونسبته إلى
الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا (1)، بل زاد الصيمري فقال بعد نقله: أطبق
الأصحاب في كتب الفتاوى عليه، ثم نقل الأخبار المزبورة، وقال: ولم يعمل
بها أحد من الأصحاب (2). وهو نص في الاجماع كما في الانتصار (3) والخلاف (4)
فلا إشكال.
واحترز بقوله: (في الحضر) عن السفر لنقصان العدد فيه إجماعا، كما
سيذكر.
واعلم، أن الصحاح المتقدمة وإن أجملت النوافل لكن فصلته أخبار أخر
غيرها بما أشار إليه بقوله: (ثمان للظهر قبلها، وكذا للعصر (5)) ثمان لها
قبلها، (وأربع للمغرب بعدها وبعد العشاء ركعتان من جلوس تعدان
بواحدة، وثمان لليل، وركعتا الشفع، وركعة الوتر، وركعتان للغداة).
ففي الصحيح: ثمان ركعات قبل الظهر وثمان بعدها، قلت: فالمغرب؟
قال: أربع بعدها (6).
وفي الموثق: صلاة النافلة ثمان ركعات حين تزول الشمس قبل الظهر،

(1) من القائلين: الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة: ص 112 س 26، والسيد العاملي في
مدارك الأحكام: كتاب الصلاة: ص 111 س 33.
(2) غاية المرام في شرح شرائع الاسلام للمحقق مفلح بن حسن الصيمري، ولم يتيسر لدينا نسخته.
(3) الإنتصار: مسائل الصلاة في ترتيب الصلوات اليومية، ص 50.
(4) الخلاف: كتاب الصلاة، م 266 في عدد ركعات النوافل اليومية ج 1 ص 525.
(5) في المتن المطبوع والمخطوطات (العصر).
(6) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح 15 ج 3 ص 35.
25

وست ركعات بعد الظهر، وركعتان قبل العصر، وأربع ركعات بعد المغرب،
وركعتان بعد العشاء الآخرة يقرأ فيهما مائة آية قائما أو قاعدا، والقيام أفضل
ولا تعدهما من الخمسين. وثمان ركعات من آخر الليل تقرأ - إلى أن قال -: ثم
الوتر ثلاث ركعات تقرأ فيها جميعا " قل هو الله أحد " وتفصل بينهن، ثم
الركعتين اللتين قبل الفجر (1). إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.
(وتسقط في السفر نوافل الظهرين) إجماعا على الظاهر المصرح به في
كثير من العبائر، والنصوص به مع ذلك مستفيضة.
في الصحيح: الصلاة في السفر ركعتان، ليس قبلهما ولا بعدهما شئ إلا
المغرب، فإن بعدها أربع ركعات، لا تدعهن في حضر ولا سفر (2).
وفي الخبر عن صلاة النافلة بالنهار في السفر، فقال: يا بني، لو صلحت
النافلة في السفر تمت الفريضة (3). وفي آخر عن التطوع بالنهار: وأنا في سفر
فقال: لا (4).
وربها يستفاد منهما، ومن غيرهما - كالصحيح عن الصلاة تطوعا في السفر،
قال: لا تصل قبل الركعتين في السفر، ولا بعدهما شيئا نهارا (5) - اختصاص
السقوط بالنوافل النهارية دون الليلية، وهو ظاهر الأصحاب في غير الوتيرة من
غير خلاف بينهم أجده، والصحاح به مع ذلك مستفيضة.
منها: زيادة على الصحيحة المتقدمة في نافلة المغرب صحيحان آخران فيهما
أيضا: لا تدعهن في حضر ولا سفر (6).

(1) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها، ح 16 ج 3 ص 35.
(2) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح 2 ج 3 ص 63.
(3) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح 4 ح 5 ج 3 ص 60.
(4) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح 4 ح 5 ج 3 ص 60.
(5) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها، ح 1 ج 3 ص 59.
(6) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها، ح 1 ج 3 ص 63.
26

وزيد في أحدهما: وكان أبي لا يدع ثلاث عشرة ركعة بالليل في سفر
ولا حضر (1).
ونحوه آخر: صل صلاة الليل والوتر والركعتين في المحمل (2).
ونحوهما في نافلتي الفجر الصحيح: صلهما في المحمل (3).
(وفي سقوط الوتيرة قولان): مقتضى الأصل - زيادة على ما مر - العدم،
كما عن النهاية (4) والأمالي (5)، مدعيا أنه من دين الإمامية الذي يجب الاقرار
به، وبه صريح الرضوي (6).
ورواية رجاء بن أبي الضحاك، المروية عن العيون (7)، المتضمنة لفعل
مولانا الرضا - عليه السلام - في السفر بما حكي، وقواه الشهيدان في الذكرى (8)
والروضة (9) للخبر المعلل بأنها زيادة في الخمسين تطوعا، ليتم بدل كل ركعة
من الفريضة ركعتان من التطوع (10) ورد بقصور السند، ويمكن جبره بموافقة
مضمونه لكثير من النصوص.
منها: الصحيح: هل قبل العشاء الآخرة وبعدها شئ؟ فقال: لا، غير

(1) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح 1 ج 3 ص 66.
(2) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح 2 ج 3 ص 66.
(3) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح 1 ج 3 ص 76، وفيه: صل ركعتي
الفجر.
(4) النهاية: كتاب الصلاة في أعداد الصلاة ص 57.
(5) أمالي الصدوق: المجلس 93 (في دين الإمامية)، ص 514.
(6) فقه الرضا عليه السلام: ب 7 في الصلوات المفروضة ص 100.
(7) عيون أخبار الرضا عليه السلام: ب 44 في أخلاق الرضا عليه السلام ح 5 ج 2 ص 182.
(8) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة ص 113 السطر ما قبل الأخير.
(9) الروضة البهية: كتاب الصلاة في أعدادها ج 1، ص 473.
(10) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح 3 ج 3 ص 70.
27

أني أصلي بعدها ركعتين، ولست أحسبهما من صلاة الليل (1).
وفي آخر: عن أفضل ما جرت به السنة، قال: تمام الخمسين (2). وفي
الموثق: لا تعدهما من الخمسين (3). إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على أنها
ليست من الرواتب، وزيدت لتمام العدد كما في بعضها، أو ليتدارك بها صلاة
الليل لو فاتت، وأنها وتر تقدم لذلك كما في غيره، ولذا ما كان يصليها النبي
- صلى الله عليه وآله - لوجوب الوتر عليه (4) كما فيه.
فهذا القول في غاية القوة لولا ندرة القائل به، فإن الشيخ قد رجع عنه في
جملة من كتبه كالحائريات والجمل والعقود فيما حكاه عنه الحلي (5)، بل
المبسوط (6) أيضا، كما حكاه غيره.
وأما الشهيد فهو وإن قواه لكن قال: إلا أن ينعقد الاجماع على خلافه،
مشعرا بنوع تردد له فيه، مع أن ظاهر إطلاق عبارته في الدروس (7) واللمعة (8)
القول بالسقوط، كما هو المشهور على الظاهر، بل المقطوع به المصرح به في كلام
كثير، بما، في السرائر الاجماع عليه،
وحكي أيضا عن الغنية (9). وكما يعارض إجماع الأمالي، مع رجحانهما عليه

(1) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح 1 ج 3 ص 68.
(2) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح 5 ج 3 ص 32.
(3) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح 16 ج 3 ص 35.
(4) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح 6 ج 3 ص 49.
(5) السرائر: كتاب الصلاة باب أعداد الصلاة، ج 1، ص 194، لكنا لم نجده في نسخة أجوبة المسائل
الحائريات المطبوعة ضمن (الرسائل العشر) للشيخ الطوسي، الجمل والعقود: كتاب الصلاة
في أعداد الصلوات ص 58.
(6) المبسوط: كتاب الصلاة في أقسام الصلاة وأعدادها ج 1 ص 71.
(7) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في أعدادها ص 21 س 16.
(8) اللمعة الدمشقية: كتاب الصلاة في أعدادها ج ص 473.
(9) غنية النزوع (الجوامع الفقهة): كتاب الصلاة في كيفة الصلوات المسنونات ص 502 س 23 و 28.
28

من وجوه، وضعفه كذلك، مع وهنه بشهرة خلافه.
ويخصص الأصل، ويذب عن الرضوي وتالييه، مع قصور سندها جميعا،
وعدم جابر لها، عدا ظهور ما مر من النصوص في اختصاص نوافل النهار
بالسقوط، ويترك بالاجماع المنقول الذي هو مع التعدد نص، ومعتضد بفتوى
المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، لندرة القائل كما مضى.
ولكن المسألة مع ذلك محل إشكال، فللتوقف فيها مجال، كما. هو ظاهر
الفاضلين هنا وفي التحريز (1)، والمحقق المقداد (2) والصيمري (3) وغيرهم (4).
والاحتياط يقتضي الترك إن كان المراد بالسقوط التحريم، كما هو ظاهر
النصوص والفتاوى.
وصريح الشيخ في كتابي الحديث عدم الاستحباب (5)، فيكون فعله بقصد
القربة تشريعا محرما. ومنه يظهر ما في الاستدلال، لعدم السقوط بالتسامح في
أدلة السنن، إذ هو عند من يقول به يثبت حيث لا يحتمل التحريم، وإلا فلا
تسامح قولا واحدا.
وليس في النصوص الدالة على تسويغ قضاء النوافل النهارية في الليل دلالة
على مشروعيتها نهارا حتى تجعل دليلا، على أن المراد بالسقوط حيث يطلق
الرخصة في الترك ورفع تأكد الاستحباب، ولو سلمت، فهي معارضة ببعض

(1) تحرير الأحكام: كتاب الصلاة في أعدادها ج 1 ص 26 س 33.
(2) التنقيح الرائع: كتاب الصلاة في أعدادها ج 1 ص 163.
(3) غاية المرام: كتاب الصلاة: ويسقط في السفر [مخطوط].
(4) وممن تردد وتوقف: المحقق السبزواري في كفاية الأحكام: كتاب الصلاة ص 15 س 11، وابن
سعيد الحلي في الجامع للشرائع: كتاب الصلاة في أعدادها ص 59.
(5) التهذيب: في نوافل الصلاة في السفر ج 2 ص 17.
الاستبصار: في نوافل الصلاة في السفر ج 1 ص 221.
29

الروايات السابقة، الدالة على عدم صلاحية النافلة في السفر كعدم صلاحية
الفريضة فيه، وعدم الصلاح يرادف الفساد لغة، بل وعرفا، مع شهادة السياق
بذلك. فتأمل جدا.
(ولكل ركعتين من هذه النوافل) وغيرها من النوافل (تشهد وتسليم)
لأنه المعروف من فعل صاحب الشريعة، فيجب الاقتصار عليه، لتوقيفية
العبادة، وللنبوي - صلى الله عليه وآله -: صلوا كما رأيتموني أصلي (1)،
ولخصوص المستفيضة من طرق العامة والخاصة:
ففي النبوي - صلى الله عليه وآله -: بين كل ركعتين تسليمة (2). وفي آخر:
صلاة الليل والنهار مثنى مثنى (3).
وفي الخبر المروي عن قرب الإسناد: عن الرجل يصلي النافلة، أيصلح له
أن يصلي أربع ركعات لا يسلم بينهن؟ قال: لا، إلا أن يسلم بين كل
ركعتين (4).
وفي آخر مروي عن كتاب حريز: وأفصل بين كل ركعتين من نوافلك
بالتسليم (5).
وظاهر الأدلة - كالعبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة - حرمة الزيادة

(1) عوالي اللآلي: الفصل التاسع، ح 8، ج 1، ص 197.
(2) وجدناه بهذا النص في المعتبر: كتاب الصلاة في أعدادها، ج 2، ص 18، لكن في (سنن ابن ماجة)
حديثان يقربان من هذا النص: الأول في كتاب إقامة الصلاة: ب 109 في ما يستحب من التطوع
بالنهار ح 1161 ج 1 ص 367 "... يفصل بين كل ركعتين بالتسليم... "، والثاني: ب 172، في ما جاء
في صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، ح 1324، ج 1 ص 419، أنه (ص) قال: " في كل ركعتين
تسلمية ".
(3) السنن الكبرى (للبيهقي): كتاب الصلاة، باب صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، ج 2، ص 487.
(4) قرب الإسناد: ص 90، س 9.
(5) نقله عنه في وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها، ح 3، ج 3، ص 46.
30

على الركعتين، والنقص عنهما من دون تشهد وتسليم بعدهما.
وكما صرح جماعة، ومنهم الحلي في السرائر، مدعيا الاجماع عليه، خلافا
لظاهري الشيخ في الخلاف (2) والفاضل في المنتهى (3)، فعبرا عن المنع ب‍ " لا ينبغي
والأفضل " وادعى الأول الاجماع عليه، لكنهما ذكرا بعيد ذلك ما يعرب عن
إرادتهما منهما التحريم، بل صرحا به أخيرا، فلا خلاف لهما.
(وللوتر) تشهد وتسليم (بانفراده) إجماعا منا على الظاهر المستظهر من
عبارتي الخلاف والمنتهى، وبه صرح جماعة من متأخرينا، والصحاح به
مستفيضة.
منها: عن الوتر أفصل أم وصل؟ قال: فصل (4). وظاهره - كغيره - لزومه،
ويقتضيه قاعدة توقيفية العبادة، ولزوم الاقتصار على ما ثبت عن صاحب
الشريعة.
والنصوص المرخصة للوصل شاذة، غير مكافئة لما سبقها من وجوه شتى
وإن تضمنت الصحيحين (5) وغيرهما، مع عدم صراحتهما (6)، لا احتمال حمل
التسليم في الأولين المخير بينه وبين عدمه فيهما على التسليم المستحب - يعني
السلام عليكم - ولا بعد فيه، سيما مع شيوع إطلاقه على الصيغة المزبورة في
النصوص والفتاوى إطلاقا شائعا، بحيث يفهم كون الاطلاق عليها حقيقيا،

(1) السرائر: كتاب الصلاة باب أعدادها ج 1 ص 193.
(2) الخلاف: كتاب الصلاة م 267 في أن النافلة ركعتان ركعتان ج 1 ص 527، وفيه: (ينبغي...
أن يتشهد).
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في أن النافلة ركعتان ج 1 ص 196 س 25.
(4) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح 12 ج 3 ص 47.
(5) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح 16 و ح 17 ج 3 ص 48.
(6) في (مش) و (م) و (ق) " صراحتها ".
31

وعلى غيرها مجازيا، وحينئذ التخيير فيها لا يفيد جواز الوصل في الوتر أصلا،
لاحتمال تعيين (1) لزوم الفصل بالصيغة الأخرى، وليس في الرواية الأخيرة. مع
ضعفها بالجهالة إلا قول مولانا الكاظم - عليه السلام -: صله، بعد أن سئل عن
الوتر (2). وهو كما يحتمل قراءته بسكون اللام يحتمل قراءته بكسرها وتشديدها
ويكون إشارة إلى الأمر بفعلها. ولو لم تحتمل هذه النصوص شيئا مما قدمناه
تعين طرحها، أو حملها على التقية، كما ذكره شيخ الطائفة قال: لأنها موافقة
لمذاهب كثير من العامة (3)، مع أن مضمون حديثين منها التخيير، وليس ذلك
مذهبا لأحد، لأن من أوجب الوصل لا يجوز الفصل، ومن أوجب الفصل
لا يجوز الوصل.

(1) في (م) و (مش) " تعين ".
(2) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها، ح 18، ج 3، ص 48.
(3) تهذيب الأحكام: ب 8 في كيفية الصلاة و... ج 1، ص 129، ذيل الحديث 264.
32

(الثانية: في) بيان (المواقيت)
والمراد بها هنا: مواقيت الصلات الخمس ونوافلها. (والنظر) فيها يكون
تارة (في تقديرها) وتعيينها (و) أخرى في (لواحقها).
(أما الأول) فاعلم: أن (الروايات فيه مختلفة) كالفتاوى بعد اتفاقهما
على أن الزوال أول وقت الظهرين، والغروب آخر وقتهما وأول وقت المغرب،
والفجر الثاني أول وقت صلاته، وطلوع الشمس آخر وقتها. وتأتي الإشارة إلى
مواضع اختلافاتهما في أثناء البحث إن شاء الله تعالى، (ومحصلها) الذي عليه
الفتوى.
ويظهر من الجمع بينها هو (اختصاص الظهر عند الزوال بمقدار
أدائها) تامة الأفعال والشروط بأقل واجباتها، بحسب حال المكلف باعتبار
كونه مقيما ومسافرا، صحيحا ومريضا، سريع القراءة والحركات وبطئها،
مستجمعا بعد دخول الوقت لشروط الصلاة أو فاقدها، فإن المعتبر قدر أدائها
وأداء شرائطها المفقودة.
(ثم) بعد مضي هذا المقدار من الزوال (يشترك الفرضان في الوقت،
والظهر مقدمة) على العصر، إلا مع النسيان، فتصح العصر لو صلاها قبل
الظهر ناسيا مطلقا، وهذه فائدة الاشتراك (حتى يبقى للغروب مقدار أداء
العصر) خاصة على الوجه المتقدم (فتختص) العصر (به).
(ثم يدخل وقت المغرب، فإذا مضى مقدار أدائها) على الوجه الذي
33

مضى (اشترك الفرضان، والمغرب مقدمة) على العشاء، إلا في صورة
الاستثناء حتى يبق لانتصاف الليل مقدار أداء العشاء) بالنحو الذي
مضى (فتختص به).
(وإذا طلع الفجر) الثاني، وهو: المعترض المستطير في الأفق، ويسمى
" الصادق "، لأنه صدقك عن الصبح، ويسمى الأول " الكاذب "، لأنه
ينمحي بعد ظهوره ويزول ضوءه (دخل وقت صلاته ممتدا حتى تطلع
الشمس) وعلى هذه الجملة كثير من القدماء والمتأخرين كافة فيما أجده، وفي
السرائر (1) الاجماع عليه.
ويدل عليها - ما عدا الأخير - صريحا بعض المعتبرة ولو بالشهرة: إذا زالت
الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي أربع
ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتى يبقى من
الشمس مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج
وقت الظهر، وبقي وقت العصر حتى تغيب الشمس، فإذا غابت الشمس فقد
دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي ثلاث ركعات، فإذا
مضى مقدار ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من
انتصاف الليل مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات، فإذا بقي مقدار ذلك فقد
خرج وقت المغرب، وبقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل (2).
ويعضده الصحيح: في قول الله تعالى: " أقم الصلاة " الآية (3) قال: إن
الله تعالى افترض أربع صلوات، أول وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف
الليل، منها صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس،

(1) السرائر: كتاب الصلاة باب أوقات الصلاة المرتبة ج 1 ص 195.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب المواقيت ح 7 ج 3 ص 92.
(3) الأسراء: 78.
34

إلا أن هذه قبل هذه، ومنها صلاتان أول وقتهما من عند غروب الشمس إلى
انتصاف الليل، إلا أن هذه قبل هذه (1). وفي هذا الاستثناء ظهور تام في
الأوقات المختصة، كما صرح به جماعة.
وعليه يحمل إطلاق نحو الصحيح: إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر
والعصر، فإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة (2)، مع
إشعار فيه بها أيضا. وعلى تقدير عدم الاشعار فيه، والظهور في سابقه يحمل
الاشتراك فيهما على ما عدا محل الاختصاص حمل المطلق على المقيد، وهو الخبر
المتقدم والنصوص الصحيحة ولو في الجملة.
منها: في الرجل يؤخر الظهر حتى يدخل وقت العصر: أنه يبدأ بالعصر، ثم
يصلي الظهر (3).
ومنها: عن رجل نسي الأولى والعصر جميعا، ثم ذكر ذلك عند غروب
الشمس، فقال: إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصل الظهر، ثم
ليصل العصر، وإن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر، ولا يؤخرها فتفوته،
فيكون قد فاتتاه جميعا، الخبر (4).
وبهذا يندفع القول بالاشتراك مطلقا، كما عن الصدوقين، - مع احتمال
إرادتهما فيما عدا محل الاختصاص، كما يظهر من كلام المرتضى (5)، فيرتفع
الخلاف كما في المختلف (6) وغيره.

(1) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب المواقيت ح 4 ج 3 ص 115.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب المواقيت ح 1 ج 3 ص 91.
(3) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب المواقيت ح 17 ج 3 ص 94.
(4) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب المواقيت ح 18 ج 3 ص 94.
(5) الناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة، م 72 ص 229.
(6) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في أوقاتها ج 1 ص 66 س 23.
35

ثم إن ظاهر النصوص المزبورة كغيرها، والآية الكريمة بمعونة التفسير الوارد
عن أهل العصمة - سلام الله عليهم - امتداد وقت إجزاء الظهرين إلى الغروب،
والعشائين إلى انتصاف الليل، وجواز تأخير كل منهما إلى كل منهما ولو اختيارا
خلافا لنادر في المغرب، فوقتها عند الغروب، وهو مع جهالته - وإن حكاه
القاضي (1) - ومخالفته النصوص المتقدمة، والصحاح المستفيضة، وغيرها من
المعتبرة: في أن (لكل صلاة وقتين) (2) وغيرها من النصوص المعتبرة الصريحة
شاذ، اتفق الأصحاب في الظاهر على خلافه وإن اختلفوا من وجه آخر، كما
سيظهر.
والصحيحان الموافقان له محمولان على استحباب المبادرة مؤكدا.
وللشيخين، وغيرهما من القدماء فلم يجوزوا التأخير عن الوقت الأول
اختيارا (3)، للنصوص المستفيضة، وفيها الصحيح، وغيره:
منها: لكل صلاة وقتان، وأول الوقت أفضله، وليس لأحد أن يجعل آخر
الوقتين وقتا، إلا في عذر من غير علة (4).
ومنها: لكل صلاة وقتان، وأول الوقتين أفضلهما، ووقت صلاة الفجر حين
ينشق الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء، ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا، ولكنه
وقت من شغل أو نسي أو سهى أو نام، ووقت المغرب حين تجب الشمس إلى
أن تشتبك النجوم، وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا، إلا من عذر

(1) المهذب: كتاب الصلاة، باب أوقات الصلاة ج 1 ص 69.
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب المواقيت ح 11 و ح 13 ج 3 ص 89، وأيضا: ب 26 من أبواب
المواقيت، ح 5 ج 3 ص 151.
(3) الشيخ المفيد في المقنعة: كتاب الصلاة ب 5 في أوقات الصلوات ص 94، والشيخ الطوسي في
النهاية: كتاب الصلاة باب أوقات الصلاة ص 58.
(4) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب المواقيت ح 13 ج 3 ص 89.)
36

وعلة (1).
ومنها: أول الوقت رضوان الله، وآخره عفو الله، والعفو لا يكون إلا عن
ذنب (2). إلى غير ذلك من النصوص، وهي معارضة بمثلها.
منها: زيادة على ما مضى الموثق: لا تفوت صلاة النهار حتى تغيب
الشمس، ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر، ولا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس (3).
ومنها: النصوص المستفيضة في أن نصف الليل آخر العتمة (4).
ومنها: وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس (1).
ومنها: أحب الوقت إلى الله - عز وجل - حين يدخل وقت الصلاة فصل
الفريضة، فإن لم تفعل ذلك فإنك في وقت منها حتى تغيب الشمس (6).
والقول: بأن المراد من هذه بيان مطلق وقت الاجزاء فلا ينافي الأخبار
السابقة المانعة عن التأخير عن الوقت الأول مع الاختيار فمقتضى الجمع
بينهما تعين المصير إلى ما عليه الشيخان وأضرابهما، حسن إن حصل شرط
الجمع، وهو التكافؤ وصراحة دلالة الخاص، وفيهما نظر، لرجحان الأخبار
المطلقة بالأصل، وموافقة الكتاب والشهرة العظيمة، التي كادت تكون من
المتأخرين إجماعا، بل إجماع في الحقيقة، كما في السرائر (7) وعن الغنية (8).

(1) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب المواقيت ح 5 ج 3 ص 151.
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب المواقيت ح 16 ج 3 ص 90.
(3) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب المواقيت ح 9 ج 3 ص 116.
(4) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب المواقيت ح 8 ج 3 ص 135، وفيه: " آخر وقت العتمة نصف
الليل ".
(5) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب المواقيت ح 6 ج 3 ص 152.
(6) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب المواقيت ح 5 ج 3 ص 87، مع اختلاف.
(7) السرائر: كتاب الصلاة، باب أوقات الصلاة المرتبة ج 1 ص 197.
(8) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة فصل في أوقات الصلاة ص 494 س 10.
37

وضعف الأخبار المانعة، إذ كما تضمنت جملة منها المنع عن التأخير كذا
تضمنت ما هو صريح في الأفضلية، وصرفها إلى ما يوافقني المنع وإن أمكن، إلا
أنه ليس بأولى من العكس، بل هو أولى من وجوه شتى، لموافقته الكتاب
والأصل والشهرة العظيمة، مع تبديل النهي في بعض الأخبار المانعة
ب‍ " لا ينبغي " المشعر، بل الظاهر في الكراهة، وخبر: " آخره عفو الله " كالصريح
في عدم حرمة التأخير بحيث يوجب العقاب، إذ لو أوجب وعاقب لما صدق
مضمون الخبر.
فالمراد تأكد الاستحباب. ولا ينافيه الذنب، لا طلاقه على ترك كثير من
المستحبات، كما ورد في النافلة: أن تركها معصية (1)، فبموجب ذلك انتفت
الصراحة التي هي المناط في تخصيص العمومات وتقييد المطلقات.
هذا، وفي التهذيب: أنه إذا كان أول الوقت أفضل، ولم يكن هناك منع
ولا عذر فإنه يجب فعلها فيه، ومتى لم يفعلها فيه استحق اللوم والتعنيف، وهو
مرادنا بالوجوب لا استحقاق العقاب (2).
وفي النهاية: لا يجوز لمن ليس له عذر أن يؤخر الصلاة من أول وقتها إلى آخره
مع الاختيار، فإن أخرها كان مهملا لفضيلة عظيمة وإن لم يستحق العقاب،
لأن الله تعالى قد عفا له عن ذلك (3)، ونحوه عن القاضي في شرح الجمل (4).
وهذه العبارات صريحة في الموافقة للمشهور، مع تضمنها صيغة " لا يجوز ".
وبهذا يضعف القول بالمنع عن التأخير، وتظهر قوة احتمال إرادة المانعين منه
ما يوافق المختار كما وقع في هذه العبارات.

(1) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح 1 ج 3 ص 42.
(2) تهذيب الأحكام: ب 4 في أوقات الصلاة ج 2 ص 41 ذيل الحديث 83، مع اختلاف في التعبير.
(3) النهاية: كتاب الصلاة باب أوقات الصلاة ص 58.
(4) شرح جمل العلم والعمل: كتاب الصلاة في أوقات الصلاة ص 66.
38

وعليه، فلا حاجة بنا مهمة إلى بيان الأوقات الأولة لكل من الصلوات
الخمس حيث يجوز لنا التأخير عنها مطلقا، وإنما المهم بيان آخر المغرب وأول
وقت العشاء وآخره، والمشهور فيها ما قدمناه. خلافا لجماعة من القدماء، فأطلقوا
أن آخر وقت المغرب غيبوبة الشفق، للنصوص المستفيضة وفيها الصحيح
والموثق وغيرهما. وهي: محمولة إما على التقية فقد حكاه في المنتهى عن جماعة
من العامة ومنهم أصحاب الرأي وهم أصحاب أبي حنيفة (1)، أو على
الفضيلة، جمعا بينها وبين النصوص المستفيضة الآخر التي كادت تبلغ التواتر.
ومنها - زيادة على ما مر المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر بجواز تأخير
المغرب في السفر إلى ثلث الليل كما في الصحيح (2)، أو ربعه كما في الموثق
وغيره، أو إلى خمسة أميال من الغروب كما في الصحيح وغيره (4)، أو ستة أميال
منه كما في الخبر (5)، وفي جملة منها جواز التأخير عن الشفق بقول مطلق.
أما في السفر خاصة، كما في الصحيح: لا بأس أن تؤخر المغرب في السفر
حتى يغيب الشفق (6).
وفي آخر عن الرجل تدركه صلاة المغرب في الطريق، أيؤخرها إلى أن
يغيب الشفق؟ قال: لا بأس بذلك في السفر، فأما في الحضر فدون ذلك
شيئا (7).

(1) المنتهى: كتاب الصلاة في المواقيت ج 1 ص 203.
(2) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب المواقيت ح 1 ج 3 ص 141.
(3) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب المواقيت ح 2 و ح 5 ج 3 ص 141 وص 142.
(4) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب المواقيت ح 6 ج 3 ص 142.
(5) وسائل الشيعة: ب 18 و ب 19 من أبواب المواقيت ح 17 و ح 7 ج 3 ص 139 وص 142.
(6) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب المواقيت ح 4 ج 3 ص 142.
(7) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب المواقيت ح 15 ج 3 ص 144.
39

أو مطلقا كما في ظاهر الصحيح: رأيت الرضا - عليه السلام - وكنا عنده - لم
يصل المغرب حتى ظهرت النجوم، ثم قام فصلى بنا على باب دار ابن أبي
محمود (1).
وأظهر منه الخبر: كنت عند أبي الحسن الثالث - عليه السلام - يوما، فجلس
يحدث حتى غابت الشمس، ثم دعا بشمع وهو جالس يتحدث، فلما خرجت
من البيت نظرت فقد غاب الشفق قبل أن يصلي المغرب، ثم دعا بالماء،
فتوضأ وصلى (2).
وفي الموثق: في الرجل يصلي المغرب بعد ما يسقط الشفق؟ فقال: لعلة
لا بأس، قلت: فالرجل يصلي العشاء الآخرة قبل أن يسقط الشفق؟ فقال:
لعلة لا بأس (3). إلى غير ذلك من النصوص الصريحة في جواز التأخير عن الشفق
مطلقا أو في الجملة فهي - مضافة (4) إلى ما قدمناه من النصوص في صدر المسألة -
أقوى قرينة على أن المنع في المستفيضة السابقة على الفضيلة.
يحتمل قريبا أن يحمل عليها إطلاق كلام هؤلاء الجماعة، بل ظاهر
المدارك الاجماع على عدم بقائها على ظاهرها، حيث قال - بعد حملها على
الفضيلة أو الاختيار في إذ لا قائل بأن ذلك آخر الوقت مطلقا (5)، ولآخرين (6)،
فجعلوه غيبوبة الشفق للمختار، وربعه للمضطر، جمعا بين النصوص المانعة على

(1) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب المواقيت ح 9 و ح 10 ج 3 ص 143.
(2) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب المواقيت ح 9 و ح 10 ج 3 ص 143.
(3) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب المواقيت ح 13 ج 3 ص 143.
(4) في " م " مضافا.
(5) مدارك الأحكام: مبحث المواقيت ص 119 س 15.
(6) منهم: الشيخ الطوسي في أكثر كتبه ومنها المبسوط: كتاب الصلاة في أوقاتها ج 1 ص 74 و 75،
والكليني في الكافي: كتاب الصلاة باب وقت المغرب في. ج 3 ص 278، وابن حمزة في الوسيلة:
كتاب الصلاة في أوقاتها ص 83، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: كتاب الصلاة في
أوقاتها ص 137.
40

الاطلاق، والنصوص المرخصة للتأخير إلى ربع الليل للمسافر وغيره من ذوي
الحاجة، وفيه: أنه إطراح للنصوص السابقة في صدر المسألة بأن وقت العشائين
إلى نصف الليل عموما في بعضها وصريحا في آخر.
وهي أرجح من تلك بجميعها، للشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا،
بل هي من المتأخرين إجماع في الحقيقة، بل مطلقا كما في السرائر (1) وعن
الغنية (2). فيكون بالترجيح أولى، سيما مع اختلاف مقابلتها في التقدير بربع
وبثلث وبخمسة أميال وستة، وفي التخصيص بالسفر والتعميم له، ولكل علة
مع إطلاق في مدة التأخير.
وكل هذا قرائن واضحة على حمل الاختلافات على اختلاف مراتب
الفضيلة. ولجماعة من القدماء (3) أيضا في أول وقت العشاء، فجعلوه غيبوبة
الشفق، للنصوص المستفيضة، وفيها الصحيح وغيره وهي عمولة: إما على
التقية فقد حكاه في المنتهى عن الجمهور (4) (وفي الخلاف: نفي الخلاف عنه بين
فقهائهم) (5) (6) أو على الفضيلة، جمعا بينها وبين المعتبرة المستفيضة التي كادت
تكون متواترة، بل لعلها متواترة.
ومنها - زيادة على ما مر في صدر المسألة -: المعتبرة المستفيضة الدالة على

(1) السرائر: كتاب الصلاة باب أوقات الصلاة المرتبة ج 1 ص 197.
(2) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في أوقاتها ص 494 س 10
(3) منهم: الشيخ الطوسي في الاقتصاد: كتاب الصلاة في ذكر المواقيت ص 256، والسيد المرتضى في
الناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة م 74 ص 229، وسلار في المراسم: كتاب الصلاة
في ذكر الأوقات ص 62.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في المواقيت ج 1 ص 205 س 8.
(5) الخلاف: كتاب الصلاة م 39 في استحباب تقديم الصلاة أول وقتها ج 1 ص 292.
(6) ما بين القوسين ليس في (م) و (ق) و (ش).
41

جواز تقديمها على الشفق إما مطلقا، كما في جملة:
منها الموثق: صلى رسول الله - صلى الله عليه وآله - بالناس المغرب والعشاء
الآخرة قبل الشفق من غير علة جماعة ليتسع الوقت على أمته (1).
والموثق: عن الجمع بين العشائين في الحضر قبل أن يغيب الشفق؟ قال:
لا بأس (2).
ونحوهما الموثقان الآخران: عن صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق؟
فقال: لا بأس به (3).
وفي الخبر: رأيت أبا عبد الله - عليه السلام - صلى العشاء الآخرة قبل سقوط
الشفق (4).
أو في السفر خاصة، كما في الصحيح: لا بأس بأن تعجل العتمة في السفر
قبل أن يغيب الشفق (5). أو في المطر كما في آخر (6). واحتمال اختصاص
الرخصة في التقديم بهما أو مطلق العلة، كما عن بعض هؤلاء الجماعة يدفعه
تصريح الموثقين السابقين، ولا سيما الأول بجوازه مطلقا من غير علة، هذا، وفي
المختلف: لا قائل بالفرق بين الظهرين والعشائين، فمن قال بالاشتراك عند الفراغ
من الظهر قال به عند الفراغ من المغرب (7).
ولجماعة منهم أيضا في آخره، فجعلوه ثلث الليل إما مطلقا كما عن

(1) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب المواقيت ح 2 ج 3 ص 148.
(2) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب المواقيت ح 8 ج 3 ص 149.
(3) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب المواقيت ح 6 و 5 ج 3 ص 148.
(4) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب المواقيت ح 7 ج 3 ص 148.
(5) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب المواقيت ح 4 ج 3 ص 148، مع اختلاف يسير.
(6) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب المواقيت ح 3 ج 3 ص 148.
(7) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في أوقات الصلوات ج 1 ص 69.
42

بعضهم (1)، للخبرين: وقت العشاء حين يغيب الشفق إلى ثلث الليل، كما في
أحدهما (2).
وفي الآخر: آخر وقت العشائين ثلث الليل (3).
أو مقيدا بكونه للمختار، وللمضطر إلى النصف، كما عن غيره (4)، للموثق:
العتمة إلى ثلث الليل، أو إلى نصف الليل، وذلك التضييع (5).
وهذه النصوص مع معارضتها بعضا مع بعض معارضة بالنصوص
المستفيضة، زيادة على ما مر في صدر المسألة.
ففي الخبرين: آخر وقت العتمة نصف الليل (6). وفي آخر مروي في العلل:
لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى نصف الليل (7).
وفي الموثق: وأنت في رخصة إلى نصف الليل، وهو غسق الليل (8). وهما
كالنص في جواز التأخير من غير عذر، بل ظاهر أو لهما استحباب التأخير إلى النصف.
لكن في كثير من النصوص: لولا أن أشق على أمتي لأخرت العتمة إلى
ثلث الليل (9). وعليه، فليحمل أخبار الثلث على الفضيلة جمعا.
(1) منهم: الشيخ المفيد في المقنعة: كتاب الصلاة ب 5 في أوقاتها ص 93، والشيخ الطوسي في النهاية:
كتاب الصلاة باب أوقات الصلاة ص 59، والقاضي ابن البراج في المهذب: كتاب الصلاة باب
أوقات الصلاة ج 1 ص 69.
(2) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب المواقيت ح 2 ج 3 ص 114.
(3) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب المواقيت ح 3 ج 3 ص 114، مع اختلاف يسير.
(4) منهم: الشيخ الطوسي في المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر المواقيت ج 1 ص 75، وابن حمزة في
الوسيلة: كتاب الصلاة في أوقاتها ص 83.
(5) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب المواقيت ح 9 و 8 ج 3 ص 135.
(6) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب المواقيت ح 9 و 8 ج 3 ص 135.
(7) علل الشرائع: ب 40 في العلة... لم يؤخر رسول الله (ص) العشاء...، ح 1 ج 2 ص 340.
(8) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب المواقيت ح 2 ج 3 ص 146.
(9) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب المواقيت ح 2 و 7 ج 3 ص 135 و 136، مع اختلاف فيهما.
43

وقيل: يمتد وقت العشائين إلى طلوع الفجر (1)، للخبر: لا تفوت صلاة النهار
حتى تغيب الشمس، ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر (2).
وحمله الشيخ في كتابي الحديث (3) والماتن في المعتبر (4) وبعض من
تأخر (5) على وقت المضطر كما في الصحيح: إن نام رجل أو نسي أن يصلي
المغرب والعشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما
وإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء، وإن استيقظ بعد الفجر فليصل
الصبح، ثم المغرب، ثم العشاء قبل طلوع الشمس (6). وفي الأول قصور من
حيث السند، وفي الثاني من حيث المتن، لتضمنه تقديم الحاضرة على الفائتة،
وهو خلاف الأظهر الأشهر فتوى ورواية، ومع ذلك قاصران عن المقاومة
للنصوص المتقدمة من وجوه عديدة، وموافقان للعامة كما صرح به شيخنا في
الروض.
قال: وللأصحاب أن يحملوا الروايات الدالة على امتداد الوقت إلى الفجر
على التقية، لاطباق الفقهاء الأربعة عليه وإن اختلفوا في كونه آخر وقت
الاختيار أو الاضطرار (7).

(1) الظاهر هو للصدوق في من لا يحضره الفقيه: باب أحكام السهو والشك ج 1 ص 355 ذيل الحديث
1030، كما نسبه إليه الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في تأخير العشاء ص 121
س 17.
(2) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب المواقيت ح 9 ج 3 ص 116.
(3) تهذيب الأحكام: ب 13 في المواقيت ج 2 ص 256 قبل الحديث 52، والاستبصار: كتاب الصلاة
ب 148 في آخر وقت الظهر والعصر ج 1 ص 261 ذيل الحديث 13.
(4) المعتبر: كتاب الصلاة في المواقيت ج 2 ص 43.
(5) كالسيد محمد الطباطبائي في مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في المواقيت ص 120 س 6.
(6) وسائل الشيعة: ب 62 من أبواب المواقيت ح 4 ج 3 ص 209.
(7) روض الجنان: كتاب الصلاة في أوقاتها ص 180 س 9.
44

أقول: وحكاه في المنتهى عن أبي حنيفة (1).
(ووقت نافلة الظهر) من (2) (حين الزوال) في ظاهر النصوص وكلمة
الأصحاب، ولكن في جملة من النصوص جواز التقديم إما مطلقا كما في كثير
منها، معللة بأن النافلة بمنزلة الهدية متى أتي بها قبلت (3).
أو بشرط خوف فواتها في وقتها، كما في بعضها: عن الرجل يشتغل عن
الزوال، أيعجل من أول النهار؟ قال: نعم، إذا علم أنه يشتغل فيعجلها في
صدر النهار كلها (4). ولم أر عاملا بما عدا الشيخ في كتابي الحديث، فاحتمل
الرخصة في التقديم مع الشرط المتقدم لما دل عليه، حاملا للنصوص المطلقة
عليه (5)، وتبعه الشهيد (6) وغيره، بل زاد، فاستوجهوا التقديم مطلقا، لظاهر الخبر:
صلاة النهار ست عشرة، أي ساعات النهار شئت أن تصليها صلها، إلا أنك، إذا
صليتها في مواقيتها أفضل (7). وفيه - كأكثر ما تقدم - قصور سندا ومكافأة لما تقدم من
وجوه شتى. فليحمل في صورة التقديم على أن المراد جواز فعلها لا بقصد نافلة
الزوال، بل بقصد (8) نافلة مبتدأة، ويعتد بها مكانها، كما هو ظاهر بعضها، وهو
الصحيح: إني أشتغل، قال: فاصنع كما تصنع، صل ست ركعات إذا كانت

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في المواقيت ج 1 ص 205 س 18.
(2) لا يوجد في المخطوطات.
(3) وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب المواقيت ح 3 ج 3 ص 169.
(4) وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب المواقيت ح 1 ج 3 ص 168.
(5) الاستبصار كتاب الصلاة 151 في وقت نوافل النهار ج 1 ص 278 قبل الحديث 8، وتهذيب الأحكام: ب 13 في المواقيت ج 2 ص 267 قبل الحديث 104
(6) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في مواقيت الرواتب ص 123 س 34
(7) وسائل الشيعة ب 37 من أبواب المواقيت ح 5 ج 3 ص 169 باختلاف يسير
(8) لا يوجد في المخطوطات
45

الشمس في مثل موضعها من صلاة العصر - يعني - ارتفاع الضحى الأكبر، واعتد بها
من الزوال (1).
وفي صورة التأخير على فعلها بنية القضاء كما هو ظاهر بعضها أيضا، وهو
الحسن: عن نافلة النهار، قال: ست عشرة ركعة متى ما نشطت، إن علي بن
الحسين - عليه السلام - كان له ساعات من النهار يصلي فيها، فإذا شغله
صنيعة (2) أو سلطان قضاها، إنما النافلة مثل الهدية، متى ما أتى بها قبلت (3).
وفي الخبر: فإن عجل بك أمر فابدأ بالفريضتين واقض بعدهما النوافل (4).
ويمتد وقتها (حتى يصير الفئ على قدمين) أي سبعي الشاخص (و)
وقت (نافلة العصر) مما بعد الظهر (إلى) أن يزيد الفئ (أربعة أقدام)
على الأشهر، كما صرح به جمع ممن تأخر، للمعتبرة المستفيضة التي كادت تبلغ
التواتر.
ففي الصحيح: أن حائط مسجد رسول الله - صلى الله عليه وآله - كان قامة،
وكان إذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر، وإذا مضى من فيئه ذراعان صلى
العصر.
ثم قال: أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قلت: لم جعل ذلك قال لمكان
النافلة لك أن تنتفل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع، فإذا بلغ فيئك ذراعا
بدأت بالفريضة وتركت النافلة، وإذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة

(1) وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب المواقيت ح 4 ج 3 ص 169.
(2) في (م) (صنعة) وفي الشرح المطبوع (صنيعة) والصحيح ما أثبتناه، كما في باقي النسخ والمصدر.
(3) وسائل: ب 8 من أبواب المواقيت ح 31 ج 3 ص 169
(4) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب المواقيت ح 31 ج 3 ص 109.
46

وتركت النافلة (1).
وصدره قد تضمن القدمين والأربعة أقدام، وأنهما والذراع والذراعين بمعنى
واحد كما صرح به الأصحاب وجملة من النصوص.
ولذا جمع الإسكافي (2) بينهما خلافا للحلي (3) وجماعة، فقالوا بالامتداد
إلى المثل في الأولى، والمثلين في الثانية إما مطلقا، أو مستثنى منهما مقدار
الفرضين.
واستدل عليه تارة بالصحيحة المتقدمة، بناء على أن حائط المسجد كان
ذراعا، لتفسير القامة به في النصوص، وفيها ضعف سندا، بل ودلالة، لعدم
تفسيرها القامة في الصحيحة بذلك، بل مطلق القامة، وعليه نبه الشهيد - رحمه
الله - في الذكرى (4).
ويحتمل أن يكون المراد بالقامة المفسرة به: القامة التي وردت وقتا للظهر
والعصر في نحو الصحيح: عن وقت الظهر والعصر، فكتب: قامة للظهر وقامة
للعصر (5). ويكون محصله: التنبيه على أن وقت الظهر من بعد الزوال إلى أن
يرجع الفئ ذراعا أي سبعي الشاخص، كما عليه المفيد (6).
وبالجملة: ليس في تلك النصوص: أن قامة حائط المسجد كان ذراعا،
بل يحتمل أن القامة التي وردت أنها من فئ الزوال للظهر، وضعفها للعصر
كان ذراعا. وإذا جاء الاحتمال فسد الاستدلال. وينبغي الرجوع في تفسير

(1) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب المواقيت ح 3 و 4 ج 3 ص 103.
(2) كما في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في مواقيت الرواتب ص 123 س 22.
(3) السرائر: كتاب الصلاة باب أوقات الصلاة ج 1 ص 198.
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في مواقيت الرواتب ص 133 س 17.
(5) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب المواقيت ح 12 ج 3 ص 105.
(6) المقنعة: كتاب الصلاة ب 5 في أوقات الصلوات ص 92.
47

القامة (1) إلى ما هو المتبادر منها عند الاطلاق، عرفا وعادة من قامة الشاخص
الانساني.
وبه صرح أيضا في الرضوي. وفيه: إنما سمي ظل القامة قامة، لأن حائط
مسجد رسول الله - صلى الله عليه وآله - كان قامة إنسان (2). وهو معارض صريح
لتلك الأخبار، وأقوى منها سندا.
فيتعين حمل الصحيح السابق عليه، سيما مع شهادة سياقه عليه، وتأيده
بظاهر الموثق: عن صلاة الظهر قال: إذا كان الفئ ذراعا، قلت: ذراعا من أي
شئ؟ قال: ذراعا من فيئك، الخبر (3).
وأخرى بالمعتبرة المستفيضة الدالة على أن لكل من الصلاتين سبحة بين
يديها طولت أو قصرت (4)، من دون تعيين مقدار لها أصلا من نحو الذراع
والذراعين، والقدمين والأربعة الأقدام، بل ظاهر بعضها عدم اعتبار هذه
المقادير أصلا.
ففي الصحيح: كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن - عليه السلام -: روي
عن آبائك القدم والقدمين والأربع، والقامة والقامتين، وظل مثلك، والذراع
والذراعين، فكتب - عليه السلام -: لا القدم ولا المقدمين، إذا زالت الشمس
فقد دخل وقت الصلاتين وبين يديها سبحة، وهي ثمان ركعات، إن شئت
طولت، وإن شئت قصرت، ثم صل الظهر، فإذا فرغت كان بين الظهر والعصر سبحة
وهي ثمان ركعات، فإن شئت طولت، وإن شئت قصرت، ثم صل العصر (5).

(1) في (م) و (مش) و (ش) (القامة المطلقة).
(2) فقه الرضا عليه السلام: ب 1 في مواقيت الصلاة، ص 76، باختلاف يسير.
(3) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب المواقيت، ج 3، ص 106، مع اختلاف.
(4) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب المواقيت، ج 3، ص 96 وأكثرها متقاربة مضمونا.
(5) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب المواقيت، ح 13، ج 3، ص 98.
48

وقريب منه الصحيح الآخر (1)، وفيه نظر، لعدم إشعار فيها بالتحديد بالمثل
والمثلين كما هو المدعى، بل ظاهرها - سيما الصحيح الأول - تجويز فعل نافلة
الفريضتين ولو بعدهما، ولم يقل به أحد إلا النادر، وهو الحلبي (2) فيما حكي
عنه، حيث قال: بامتداد وقت نوافل كل فريضة بامتداد وقتها، ومع ذلك فهي
قاصرة عن المقاومة، للنصوص المستفيضة القريبة من التواتر، المانعة من النافلة
عموما في جملة منها وافرة، وخصوصا في أخرى كذلك.
ومنها: الصحيحة المتقدمة المتضمنة لقوله: أتدري لم جعل الذراع
والذراعان (3)؟ ونحوها أخبار كثيرة، فإذا مختار الأكثر أظهر.
ومع ذلك فهو أحوط وإن كان القول الثاني ليس بذلك البعيد، لظاهر
الموثق: إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر، وإذا كان ظلك مثليك فصل
العصر (4) بناء على أن الأمر بتأخير الفرضين إلى المثل والمثلين ليس إلا لأجل
نافلتهما. فتأمل جدا.
(و) وقت (نافلة المغرب بعدها حتى تذهب الحمرة المغربية) وفاقا
للشيخ والجماعة كما في شرح القواعد للمحقق الثاني (1)، وفي المدارك: أنه
مذهب الأصحاب، لا نعلم فيه مخالفا (6)، وفي المنتهى (7) وعن المعتبر (8) دعوى
الاتفاق عليه. وهو الحجة، مضافا إلى النصوص المانعة عن فعل النافلة في

(1) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب المواقيت ح 1 ج 3 ص 96.
(2) الكافي في الفقه: كتاب الصلاة في أحكام الصلوات المسنونة ص 158.
(3) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب المواقيت ح 3 و 4 ج 3 ص 103.
(4) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب المواقيت ح 13 ج 3 ص 105.
(5) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في أوقاتها ج 2 ص 20.
(6) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في مواقيت الصلاة ج 3 ص 73.
(7) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في المواقيت ج 1 ص 207 س 34.
(8) المعتبر: كتاب الصلاة في وقت نافلة المغرب ج 2 ص 53.
49

وقت الفريضة، خرج منها النوافل الرواتب لما عدا المغرب في أوقاتها المضروبة
وكذا نافلتها إلى ذهاب الحمرة المغربية بالاجماع فتوى ورواية، ويبقى
ما عداها.
ومنه: نافلة المغرب بعدها تحتها داخلة. والنصوص الدالة على استحباب
نافلة المغرب بعدها وإن كانت معتبرة مستفيضة، شاملة لما بعد الحمرة إلا أن
شمولها بالاطلاق (1). وهو غير معلوم الشمول لنحو المقام بعد ورودها، لا ثبات
أصل استحباب النافلة من دون نظر إلى وقتها بالمدة، وإن هي - حينئذ - إلا
كالنصوص الدالة على استحباب باقي النوافل الراتبة، من دون تقييد فيها بوقت
بالمرة، مع أنها مقيدة بأوقات خاصه اتفاقا، فتوى ورواية.
ومن هنا يظهر مؤيد آخر لما عليه الأصحاب، من توقيت نافلة المغرب
بذهاب الحمرة، لا بقائها ما دام وقت الفريضة، لبعد اختصاصها من بين
الرواتب بالبقاء إلى وقت الفريضة، مع أن عموم التعليل الوارد لتحديد نوافل
الظهرين بوقت، وهو: أنه " لا تزاحم الفريضة " يقتضي التحديد هنا أيضا،
ولا حد لها، إلا ما ذكره الأصحاب من ذهاب الحمرة.
وأما الصحيح: صليت خلف أبي عبد الله - عليه السلام - المغرب بالمزدلفة،
فقام فصلى المغرب، ثم صلى العشاء الآخرة ولم يركع بينهما. ثم صليت خلفه بعد
ذلك بسنة، فلما صلى المغرب قام فتنفل بأربع ركعات، ثم قام فصلى العشاء
الآخرة (2). فمعارض بالنصوص المانعة عن التنفل بين العشائين إذا جمع بينهما في
المزدلفة.
ففي الصحيح: عن صلاة المغرب والعشاء بجمع فقال: بأذان وإقامتين

(1) في (مش) " بالاطلاقات ".
(2) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب المواقيت ح 1 ج 3 ص 163 و ب 6 من أبواب الوقوف بالمشعر
ح 5 ج 10 ص 41 مع اختلاف في كل واحد منهما.
50

لا تصل بينهما شيئا (1). فتأمل جدا.
ومما ذكرنا، ظهر ضعف ميل الشهيد في الذكرى (2) والدروس (3) إلى
احتمال بقائها ببقاء الفريضة وإن تبعه من متأخري المتأخرين جماعة، ونقله
بعضهم عن الحلبي (4)، لقوله المتقدم.
(وركعتا الوتيرة يمتد) وقتهما (لا بامتداد) وقت العشاء بلا خلاف
أجده، بل عليه الاتفاق في صريح المنتهى (5)، وعن ظاهر المعتبر (6). وهو الحجة
بعد الأصل المؤيد بإطلاقات ما دل على استحبابهما بعدها مطلقا، مع سلامتهما
هنا عن المعارض بالكلية.
(و) وقت (صلاة الليل بعد انتصافه) عندنا، بل عليه إجماعنا عن
الخلاف (7) والمعتبر (8)، وفي كلام المرتضى (9) والسرائر (10) والمنتهى (11) وغيرها، وهو
الحجة، مضافا إلى أنها عبادة يجب الاقتصار في وقتها على ما تيقن ثبوته من
الشريعة، وهو فعلها بعد الانتصاف.
ففي المعتبرة المستفيضة، وفيها الصحاح وغيرها أن النبي - صلى الله عليه

(1) وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب المواقيت ح 1 ج 3 ص 164.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في مواقيت الرواتب ص 124 س 32.
(3) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في أوقات النوافل ص 23 س 2.
(4) الكافي في الفقه: كتاب الصلاة في أحكام الصلوات المسنونة ص 158.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في المواقيت ج 1 ص 208 س 2.
(6) المعتبر: كتاب الصلاة في وقت نافلة العشاء ج 2 ص 54.
(7) الخلاف: كتاب الصلاة م 272 في وقت صلاة الليل ج 1 ص 533.
(8) المعتبر: كتاب الصلاة في وقت صلاة الليل ج 2 ص 54.
(9) الناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة م 76 في وقت صلاة الليل ص 230.
(10) السرائر: كتاب الصلاة باب أوقات الصلاة المرتبة ج 1 ص 202، وادعاؤه الاجماع عليه في
ص 196.
(11) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في المواقيت ج 1 ص 208 س 3.
51

وآله - والأمير - عليه السلام - ما كانا يصليان من الليل إذا صليا العتمة شيئا
حتى ينتصف الليل (1).
وفي بعضها: ثم يصلي ثلاث عشرة ركعة، منها الوتر، ومنها ركعتا الفجر (2).
وفي آخر: فإذا زال نصف الليل صلى ثمان ركعات، وأوتر في الربع الأخير
من الليل بثلاث ركعات (3).
هذا مضافا إلى خصوص المعتبرة المؤقتة لها بذلك صريحا في بعضها،
كالمرسل: وقت صلاة الليل ما بين نصف الليل إلى آخره (4). وظاهرا في جملة
منها.
ومنها: الأخبار الآتية المجوزة لفعلها قبل الانتصاف لعلة، فإنها ظاهرة، بل
كالصريحة في أن ذلك رخصة في التقديم لأجلها، لا أنه لكونه فعلا في وقتها، كما
يتوهم من الموثقين: لا بأس بصلاة الليل من أول الليل إلى آخره، إلا أن أفضل
ذلك إذا انتصف الليل (5)، كما في أحدهما.
وفي الثاني: عن وقت صلاة الليل في السفر، فقال: من حين تصلي
العتمة إلى أن ينفجر الصبح (6). وهما وإن أوهما ذلك، إلا أنهما مع قصور سندهما،
وعدم معارضتهما مما قدمناه، وموافقتهما لما عليه العامة العمياء ليسا نصين فيه
فيحتمل أن يراد بهما ما أفادته الأخبار السابقة من كون التقديم رخصة

(1) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب المواقيت ح 3 ج 3 ص 114 من أبواب المواقيت ح 5 و 6 ص 167 و 168 و ب 43 من أبواب المواقيت ح 1 و ح 4 ج 3 ص 180
(2) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب المواقيت ح 3 ج 3 ص 114.
(3) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح 6 ج 3 ص 43.
(4) وسائل الشيعة: ب 43 من أبواب المواقيت ح 2 ج 3 ص 180.
(5) وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب المواقيت ح 9 ج 3 ص 183، مع اختلاف يسير
(6) وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب المواقيت ح 5 ج 3 ص 182.
52

للضرورة، لا لكون أول الليل وقتا حقيقة.
وإليه أشار في الفقيه، فقال: كلما روي من الاطلاق في صلاة الليل من
أول الليل فإنما هو في السفر، لأن المفسر من الأخبار يحمل على المجمل (1).
وكذا قال في التهذيبين وزاد: وفي وقت أيضا يغلب على ظن الانسان أنه
إن لم يصلها فاتته، أو شق عليه القيام في أخر الليل: ولا يتمكن من القضاء
فحينئذ يجوز له تقديمها (2).
أقول: ويرشد إلى هذا التوجيه الخبر: (3) كتبت إليه في وقت صلاة الليل،
فكتب: عند الزوال، وهو نصفه أفضل، فإن فات فأوله وآخره جائز،
لتضمنه التوقيت بالزوال، بعد السؤال عن أصل وقت صلاة الليل مع لفظة
(فات) الصريحين في التوقيت، ومع ذلك صرح بالأفضلية الظاهرة في اشتراك
ما قبل الانتصاف لما بعده في فضيلة الوقت، لكن ما ذكرنا أصرح دلالة على
التوقيت منها على الاشتراك فيها، فلتحمل عليه. فتأمل.
فما يقال: من أن احتمال حمل أخبار التصنيف على الفضيلة والموثقين وما
بعدهما على كون الليل بتمامه وقتا، ضعيف غايته سيما مع مخالفته الاجماع
على الظاهر المصرح به فيما مر من عبائر الجماعة حد الاستفاضة.
(وكلما قرب من الفجر كان أفضل) بلا خلاف أجده، بل عليه في
الكتب المتقدمة والناصريات (5) إجماع الإمامية. وهو الحجة، مضافا إلى المعتبرة

(1) من لا يحضره الفقيه: باب وقت صلاة الليل ح 1 ص 478 ذيل الحدث 1381.
(2) تهذيب الأحكام: ب 8 في كيفية الصلاة ج 2 ص 118 ذيل الحديث 213 والاستبصار: كتاب
الصلاة ب 152 في أول وقت نوافل الليل ج 1 ص 279 ذيل الحديث 3.
(3) في (ق) (الخبر الحسن).
(4) وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب المواقيت ح 13 ج 3 ص 183.
(5) تقدم ذكر هذه الكتب في ص 40 و 41.
53

المستفيضة.
منها: الصحيح: سمعته - عليه السلام - يقول في قول الله - عز وجل - " و
بالأسحار هم يستغفرون) (1) في الوتر في آخر الليل سبعين مرة (2) والسحر ما
قبل الفجر على ما نص عليه أهل اللغة.
والصحيح: عن ساعات الوتر، فقال: أحبها إلي الفجر الأول، وعن أفضل
ساعات الليل، قال: الثلث الباقي (3).
والخبر: متى أصلي صلاة الليل؟ فقال: صلها آخر الليل (4). وضعف
سنده كاختصاص الأولين بالوتر مجبور بالفتاوى، وعدم فارق أصلا، مع تصريح
الصحيح الثاني بأن أفضل ساعات الليل الثلث الباقي.
هذا، مضافا إلى جملة من المعتبرة الواردة في تعداد النوافل اليومية أن في
السحر ثماني ركعات، ثم يوتر، وأحب صلاة الليل إليهم آخر الليل كما في
الصحيح (5).
وفي الموثق القريب منه عما جرت به السنة في الصلاة، فقال: ثماني
ركعات الزوال - إلى أن قال -: ثلاث عشرة ركعة من آخر الليل (6). ونحوه في
مثله سندا.
وعن العلل بطريق صحيح عن مولانا الباقر - عليه السلام - في قوله تعالى:
(تتجافى جنوبهم عن المضاجع) الآية (7): نزلت في أمير المؤمنين - عليه

(1) الذاريات: 18.
(2) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب القنوت ح 7 ج 4 ص 910.
(3) وسائل الشيعة: ب 54 من أبواب المواقيت ح 4 ج 3 ص 197.
(4) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب المواقيت ح 6 ج 3 ص 186.
(5) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح 2 و 3 ج 3 ص 42 و 43.
(6) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح 2 و 3 ج 3 ص 42 و 43.
(7) السجدة: 16.
54

السلام - وأتباعه من شيعتنا ينامون في أول الليل، فإذا ذهب ثلثا الأول، أو ما
شاء الله تعالى فزعوا إلى ربهم (1)، الحديث.
وعن كتاب الخصال: في الخصال التي سأل عنها أبو ذر - رضي الله عنه -
رسول الله - صلى الله عليه وآله - سأله: أي ساعات الليل، أفضل؟ قال: جوف
الليل الغابر (2). أي الباقي.
هذا، مضافا إلى النصوص (3) في فضل الثلث الأخير واستجابة الدعاء
فيه، ويعضدها الكتاب (4) والسنة (5) باستحباب الاستغفار في الأسحار.
لكن المستفاد من الصحيحين (6) توزيع النبي - صلى الله عليه وآله - لها
على تمام الوقت، وتوسيطه النومتين، والايتار بين الفجرين بهما عليه
الإسكافي (7).
ويمكن الجمع بينهما وما سبق بتخصيصهما بمريد التفريق، وما سبق بمريد
الجمع، كما قيل (8).
لكن فتوى الأصحاب وأدلتهم من الاجماعات والروايات مطلقة، ولا
يكافئها الصحيحان، مع أن الجمع بين الروايات بذلك فرع شاهد عليه، وليس
هذا.

(1) علل الشرائع: ب 86، في علة مدح الله - عز وجل - " المستغفرين بالأسحار "
(2) الخصال: أبواب العشرين وما فوقه ح 13 ج 2 ص 523.
(3) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الدعاء ح 1 و ح 3 ج 4 ص 1118.
(4) الذاريات: 18 (وبالأسحار هم يستغفرون)، وآل عمران: 15 (والمستغفرين بالأسحار).
(5) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الذكر ج 4 ص 1201.
(6) وسائل الشيعة: ب 53 من أبواب المواقيت ح 1 و 2 ج 3 ص 195 و 196.
(7) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في وقت صلاة الليل ج 1 ص 124 س 31.
(8) الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة ج 6 ص 228.
55

ويحتمل حملهما على وقوع التوزيع في آخر الليل، إذ ليس فيهما الدلالة على
أنه - صلى الله عليه وآله - متى كان يقوم، بل صرح في الثاني أنه كان يقوم بعد
ثلث الليل.
لكن قال الكليني: وفي حديث آخر: بعد نصف الليل (1). ومع ذلك،
أفضلية التوزيع من أول الثلث تنافي كلية أفضلية ما قرب منه الفجر.
فتدبر.
ومن هنا، يظهر وجه النظر في بعض ما مر من النصوص الدالة على كون
أفضل ساعات الليل الثلث الأخير، فإن غايته أفضلية خاصة، لا كونه - أيضا -
متفاوت الأجزاء بحسب الفضيلة، كما هو ظاهر الكلية في العبارة وعبائر
الجماعة. فإذا العمدة هو إجماع الإمامية على هذه الكلية.
والمراد بالفجر: هو الثاني، كما هو ظاهر النصوص، وأكثر الفتاوى، وصريح
جملة منها، خلافا للمرتضى (2)، فقيده بالأول.
قال في الذكرى: ولعله نظر إلى جواز ركعتي الفجر حينئذ، والغالب أن
دخول وقت صلاة يكون بعد خروج وقت أخرى (3). ودفعه: بأنهما من صلاة
الليل كما في الأخبار الآتية، وظاهر أن ما قبل طلوع الفجر الثاني من الليل،
مضافا إلى ما سيأتي من أن محل ركعتي الفجر قبله، ومعه، وبعده.
ثم إن المتبادر من الانتصاف هو منتصف ما بين غيبوبة الشمس إلى
طلوع الفجر، إلا أنه صرح بعض الأصحاب بأن المعتبر تنصيف ما بين طلوع
الشمس وغروبها.

(1) الكافي: كتاب الصلاة، باب الصلاة م 76 ص 445.
(2) الناصريات (الجوامع الفقهية) كتاب الصلاة ص 230
(3) ذكرى، الشيعة: كتاب الصلاة في مواقيت الرواتب ص 125 س 22.
56

قال: ويعرف بانحدار النجوم الطالعة مع غروب الشمس (1).
ولعله لمروي الفقيه: بسنده، عن عمر بن حنظلة: أنه سأل أبا عبد الله - عليه
السلام - فقال له: زوال الشمس نعرفه بالنهار، فكيف لنا بالليل؟ فقال: لليل
زوال كزوال الشمس، قال: فبأي شئ نعرفه؟ قال: بالنجوم إذا انحدرت (2).
وقريب منه آخر مروي في مستطرفات السرائر: نقلا عن كتاب محمد بن
علي بن محبوب، عن أبي جعفر - عليه السلام - قال: دلوك الشمس زوالها،
وغسق الليل بمنزلة الزوال من النهار (3). وفيهما كما قصور من حيث السند، لكنهما
مناسبان لتوزيع الصلوات اليومية على أوقاتها، مع أن ذلك أحوط جدا، سيما
مع وقوع التعبير عن الانتصاف في بعض ما مر من الأخبار بزوال الليل، كما في
الخبرين وإن شابههما في قصور السند، لاحتمال حصول الجبر بكثرة العدد.
فتأمل.
(وركعتا الفجر) وقتهما (بعد الفراغ من الوتر)، على الأشهر، سيما بين
من تأخر، بل عليه عامتهم إلا من ندر، بل في ظاهر الغنية والسرائر الاجماع
عليه (4)، للصحاح المستفيضة، وغيرها من المعتبرة الدالة جملة منها وافرة على
أنها من صلاة الليل (5). وتضمن أخرى كذلك للأمر بحشوهما في صلاة
الليل (6).

(1) كفاية الأحكام: كتاب الصلاة في الأوقات ص 15 ص 22.
(2) من لا يحضره الفقيه: باب معرفة زوال الليل، ح 678، ج 1، ص 227.
(3) مستطرفات السرائر: من كتاب محمد بن علي بن محبوب الأشعري، ح 7، ص 94
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في أوقاتها، ص 494، س 27 و 30، السرائر: كتاب
الصلاة، باب أوقات الصلاة المرتبة، ج 1، ص 195، 196.
(5) وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب المواقيت ح 3 و ح 4، ج 3، ص 192.
(6) وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب المواقيت ح 1 و ح 6 و ح 8، ج 3، ص 192.
57

وقريب منها المعتبرة المستفيضة، وفيها الصحاح وغيرها المرخصة لفعلها قبل
الفجر ومعه، وبعده (1)، خلافا للمرتضى والمبسوط، فوقتاهما بالفجر
الأول (2)، للصحيح وغيره: صلهما بعد ما يطلع الفجر (3)، بحمل الفجر فيهما
على الفجر الأول، ليناسب الأخبار السابقة. وفيهما - مع ضعف الثاني سندا،
وعدم مقاومتهما لما مر جدا - ضعف دلالة، لاجمال مرجع الضمير المحتمل كونه الغداة
ويراد بالفجر: هو الثاني، كما هو المتبادر منه عند الاطلاق، ولو سلم كونه
الركعتين فيضعف الدلالة من إجمال الفجر المحتمل للأول والثاني على تقدير
التنزل، وإلا فقد مر أنه ظاهر في الثاني، ويكون سبيلهما حينئذ سبيل النصوص
المرخصة لفعلهما بعد الفجر، ومعه، وقبله إن حمل الأمر فيهما على الرخصة، وإلا
فالمتعين حملهما على التقية، لأنه مذهب كثير من العامة كما صرح به جماعة.
ويفهم من بعض النصوص: متى أصلي ركعتي الفجر؟ قال: فقال لي:
بعد طلوع الفجر، قلت له: إن أبا جعفر - عليه السلام - أمرني أن أصليهما قبل
طلوع الفجر، فقال: يا أبا محمد، إن الشيعة أتوا أبي مسترشدين، فأفتاهم بمر
الحق، وأتوني شكاكا، فأفتيتهم بالتقية (4).
وبالجملة: لا ريب في ضعف هذا القول وإن مال إليه الماتن في الشرائع (5)
والفاضل في الارشاد والقواعد (6)، لكن جوزا تقديمهما على الفجر الأول كتقديم

(1) وسائل الشيعة: ب 52 من أبواب المواقيت ج 3 ص 194.
(2) كما في المعتبر: كتاب الصلاة في وقت ركعتي الفجر ج 2 ص 56، والمبسوط: كتاب الصلاة في
أوقات الصلوات ج 1 ص 76.
(3) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب المواقيت ح 5 و 6 ج 3 ص 193 و 194.
(4) وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب المواقيت ج 3 ص 191.
(5) شرائع الاسلام: كتاب الصلاة في وقت النوافل اليومية ج 1 ص 63.
(6) إرشاد الأذهان: كتاب الصلاة في أوقاتها ج 1 ص 243، وقواعد الأحكام: كتاب الصلاة في
أوقاتها ج 1 ص 24 س 21.
58

باقي النوافل قبل أوقاتها رخصة.
(و) لا ريب أن (تأخيرهما (1) حتى يطلع الفجر الأول أفضل)، خروجا
عن شبهة الخلاف، وأخذا بفحوى ما دل على استحباب إعادتهما بعد الفجر
الأول لو صليتا قبله.
ففي الصحيح، قال: قال أبو عبد الله - عليه السلام -: ربما صليتهما وعلي ليل
فإن قمت ولم يطلع الفجر أعدتهما (2).
وفي الموثق، قال: سمعت أبا جعفر - عليه السلام - يقول: إني لأصلي
صلاة الليل، فأفرغ من صلاتي وأصلي الركعتين، فأنام ما شاء الله قبل أن يطلع
الفجر، فإن استيقظت عند الفجر أعدتهما (3). وهما وإن لم يقع التصريح فيهما
بكون الفجر الأول وقت الإعادة، لكنه ظاهرهما، سيما الثاني، لظهوره في وقوع
الإعادة عند الفجر، الذي هو الثاني بحكم التبادر، وعنده القريب منه، وهو
الفجر الأول.
وللإسكافي هنا قول آخر، فقال لا استحب صلاة الركعتين قبل سدس الليل (4)
من آخره.
ولعله للخبر عن أول ركعتي الفجر، فقال: سدس الليل الباقي (5). ولضعفه
يحمل على الفضل، وربما يومى إليه أيضا عبارة الإسكافي. فتدبر.
(ويمتد) وقتهما (حتى تطلع الحمرة) المشرقية على الأشهر، بل عليه
عامة من تأخر، بل عليه في ظاهر الغنية والسرائر الاجماع عليه (6)، للصحاح

(1) في المتن المطبوع و خ ل (م) " تأخيرها ".
(2) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب المواقيت ح 8 و 9 ج 3 ص 194.
(3) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب المواقيت ح 8 و 9 ج 3 ص 194.
(4) كما في مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في أوقاتها ج 1 ص 71 س 32.
(5) وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب المواقيت ح 5 ج 3 ص 192.
(6) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في أوقاتها ص 494 س 27 و 30، والسرائر: كتاب
الصلاة باب أوقات الصلاة المرتبة ص 195، وادعى الاجماع عليه في ص 196.
59

وغيرها: صلهما قبل الفجر، ومعه، وبعده، بناء على أن المراد من الفجر هو
الثاني لما مر.
والبعدية تستمر إلى ما بعد الأسفار وطلوع الحمرة، إلا أن جملة من
النصوص دلت على انتهاء الوقت بهما.
ففي الصحيح: عن الرجل لا يصلي الغداة حتى تسفر وتظهر الحمرة، ولم
يركع ركعتي الفجر، أيركعهما أو يؤخرهما؟ قال: يؤخرهما (1). خلافا لظاهر
الإسكافي (2) والشيخ في التهذيبين (3)، فوقتهما الفجر الثاني، عملا بما مر
من النصوص من أنهما من صلاة الليل، وحملا لهذه الصحاح تارة على التقية
لما مرت إليه الإشارة.
وأخرى على أول ما يبدو الفجر، استظهارا لتبيين الوقت يقينا، للمرسل:
صل الركعتين ما بينك وبين أن يكون الضوء حذاء رأسك، فإذا كان بعد
ذلك فابدأ بالفجر (4).
والخبر: عن الرجل يقوم وقد نور بالغداة، قال: فليصل السجدتين اللتين
قبل الغداة، ثم ليصل الغداة. وهما مع ضعف سندهما أوفق بما عليه الأكثر.
وحمل النصوص السابقة على التقية حسن إن وافقت مذهب أكثرهم،

(1) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب المواقيت ح 1 ج 3 ص 193
(2) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في أوقاتها ج 1 ص 71 س 31
(3) الاستبصار: كتاب الصلاة ب 155 (وقت ركعتي، الفجر) ج 1 ص 284 و 285، ذيل الحديث
14 و 16، وتهذيب الأحكام: ب 8 في كيفية الصلاة و... ج 2 ص 134 و 135، ذيل الحديث 291 و 293
(4) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب المواقيت ح 7 ج 3 ص 194.
(5) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب المواقيت ح 4 ج 3 ص 193.
60

الذي لأجله حملت عليها، وليس، فإن مذهبهم تحتم الركعتين بعد الفجر،
وعدم جواز فعلهما قبله، ولا معه، والنصوص أباحت جميع ذلك.
إلا أن يقال: إن مراده - عليه السلام - تقية السائل في فعلهما بعده، ولكن
فيه بعد.
ولعل الداعي إلى ارتكابه رجحان الأخبار الدالة على أنهما من صلاة
الليل. عددا، واعتضادا بالعمومات المانعة عن فعل النافلة في وقت الفريضة،
وظهور جملة منها دلالة، بعضها كالصريح في ذلك.
وهو الصحيح: عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر، فقال: قبل الفجر، إنهما من
صلاة الليل أتريد أن تقايس؟ لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوع إذا
دخل عليك وقت الفريضة؟ فابدأ بالفريضة (1).
وهو كالصريح في أن الصلاة كالصوم الواجب لا يجوز أن تزاحمه النافلة،
فالأمر بالبدأة بالفريضة للوجوب جدا.
ومنه يظهر ما في حمله على الاستحباب والفضيلة، فقولهما لا يخلو من قوة
لولا الشهرة العظيمة التي كادت تكون من المتأخرين إجماعا، بل لعلها إجماع في
الحقيقة، مع بعد حمل أخبارهم على التقية - كما عرفته - كحمل الفجر فيها على
الفجر الأول، مع عدم نفع في هذا الحمل، إلا بعد ارتكاب مخالفة أخرى،
للظاهر هي تقييد البعدية بالمستمرة إلى الفجر الثاني خاصة.
ومع ذلك، فالأحوط تركهما بعد الفجر وقضاؤهما بعد الفريضة. وما أبعد ما
بين هذا وبين القول بامتدادهما بامتداد الفريضة.
كما مال إليه الشهيد في الذكرى، للصحيح: عن الركعتين قبل الفجر، قال:

(1) وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب المواقيت ح 3 ج 3 ص 192.
61

تتركهما (1)، وفي خط الشيخ: يركعهما حين يترك الغداة، أنهما قبل الغداة (2).
قال: وهذا يظهر منه امتدادهما بامتدادها، وليس ببعيد، وقد تقدم رواية
فعل النبي - صلى الله عليه وآله - إياهما قبل الغداة في قضاء الغداة، فالأداء
أولى، والأمر بتأخيرهما عن الإقامة أو عن الأسفار جاز كونه لمجرد الفضيلة
لا توقيتا انتهى (3).
ويضعف بأنه لا جهة للأولوية، واستظهاره من خبر سليمان على لفظ
(يتركهما) ظاهر، فإن ظاهر معناه: أنه إنما يتركهما حين يترك الفرض، أي
إنما يصيران قضاء إذا صار الفرض قضاء، وإنما يتركهما إذا أدى فعلهما إلى
ترك الفرض.
أما على خط الشيخ فالظاهر هو التقديم على الفجر الثاني، سيما وأنه روى
في رواية أخرى بدل: " حين يترك الغداة " " حين تنور الغداة " (4). فتدبر.
وبالجملة: الاستناد إلى مثل هذه الرواية المختلفة النسخ والأولوية المزبورة
لا وجه له، سيما في مقابلة ما قدمناه من الأدلة المعتضدة بالشهرة العظيمة.
(وأما اللواحق فسائل) تسع:
(الأولى: يعلم الزوال) الذي هو ميل الشمس عن وسط السماء،
وانحرافها عن دائرة نصف النهار
(بزيادة الظل بعد نقصه (5)) كما في النصوص المنجبرة بالاعتبار وفتوى
الأصحاب، أو حدوثه بعد عدمه، كما في مكة وصنعاء في بعض الأزمنة (وبميل

(1) تهذيب الأحكام: ب 8 في كيفية الصلاة و... ح 282 ج 2 ص 133.
(2) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب المواقيت ح 2 ج 3 ص 193.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في مواقيت الرواتب ص 126 س 27، وفيه: امتدادها بامتدادها.
(4) الاستبصار: كتاب الصلاة ب 155 وقت ركعتي الفجر ح 6 ج 1 ص 283.
(5) في المتن المطبوع " انتقاصه ".
62

الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن (1) يستقبل القبلة) لأطراف العراق
الغربية التي قبلتها نقطة الجنوب، كما ذكره جماعة من الأصحاب، ومنهم الشيخ
في المبسوط بما حكي عنه.
فقال: وقد روي: أن من يتوجه إلى الركن العراقي إذا استقبل القبلة
ووجد الشمس علن حاجبه الأيمن علم أنها قد زالت (2). ويعلم منه أن هذا
الاعتبار موجود في الروايات، ولم نقف عليها، كما ذكره.
نعم في الوسائل روي عن مجالسه في حديث: أن رسول الله - صلى الله
عليه وآله - قال: أتاني جبرائيل - عليه السلام - فأراني وقت الظهر حين زالت
الشمس، فكانت على حاجبه الأيمن (3). وليس فيه التقييد بمتوجه الركن
العراقي كما قيده هو والفاضل في المنتهى (4)، وقيده آخرون بمكان قبلته نقطة
الجنوب، أو قريبة منها، أو بمن استقبل الجنوب كما ذكرناه، ووجه التقييدات
واضح، فإن المقصود: العلم بانحراف الشمس عن دائرة نصف النهار، وهو
لا يحصل بهذه العلامة كليا، بل ربما يحصل القطع بعدمه معها، فينبغي أن يدار
في تحصيل المعرفة بالزوال بهذه العلامة مدار القيود المزبورة.
ولمعرفته طرق أخر ذكرها جملة من الأصحاب (5) وورد ببعضها بعض
الروايات، ولا بأس بها، بل وبغيرها مما أفاد المعرفة بالزوال ولو ظنا إن قلنا

(1) في المتن المطبوع " ممن ".
(2) المبسوط: كتاب الصلاة، في ذكر المواقيت، ج 1، ص 73.
(3) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب المواقيت، ح 12، ج 3، ص 118، وأمالي الطوس: (الجزء الأول) من
كتاب أمير المؤمنين عليه السلام لمحمد بن أبي بكر لما ولاه مصر، ج 1 ص 29، س 11
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة، في معرفة الزوال، ج 1، ص 199، س 16.
(5) المهذب لابن البراج: كتاب الصلاة باب ما يعرف به زوال الشمس ص 72، ومختلف الشيعة:
كتاب الصلاة باب مقدماتها ص 72، وذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في علامات الزوال
ص 190 س 37.
63

باعتباره، وإلا فلا بد من القطع كيف اتفق.
(ويعرف الغروب) الذي هو وقت للمغرب اتفاقا، فتوى ونصا
(بذهاب الحمرة المشرقية) على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، إلا
من ندر لتوقيفية العبادة، ولزوم الاقتصار في فعلها على المتيقن ثبوته من
الشريعة فتوى ورواية، وليس إلا بعد ذهاب الحمرة، وللأخبار المستفيضة وإن
اختلف ظهورا وصراحة.
منها الموثق: عن الإفاضة من عرفات، قال: إذا ذهبت الحمرة من هاهنا،
وأشار بيده إلى المشرق وإلى مطلع الشمس (1).
ومنها: وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق قال: لأن المشرق مطل
على المغرب هكذا - ورفع يمينه فوق يساره - فإذا غابت الشمس هاهنا ذهبت
الحمرة من هاهنا (2).
ومنها: إنما أمرت أبا الخطاب أن يصلي المغرب حين زالت الحمرة فجعل
هو الحمرة التي من قبل المغرب (3).
ومنها: عن وقت المغرب، قال: إذا تغيرت الحمرة في الأفق، وذهبت
الصفرة، وقبل أن تشتبك النجوم (4).
وفي عدة منها: إذا غابت الحمرة من المشرق فقد غابت الشمس من شرق
الأرض وغربها (5) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة. وقصور الأسانيد، أو

(1) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ح 2 ج 10 ص 29.
(2) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب المواقيت ح 3 ج 3 ص 126.
(3) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب المواقيت ح 10 ج 3 ص 128.
(4) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب المواقيت ح 12 ج 3 ص 129.
(5) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب المواقيت ح 1 و 7 و 11 و 128، مع اختلاف يسير.
64

ضعفها منجبر بفتوى الفقهاء وعملهم كافة، كما ذكره الماتن في المعتبر، قال:
وعليه - يعني ذهاب الحمرة - عمل الأصحاب (1).
وذهاب الحمرة المشرقية في العبارة وما ضاهاها، والروايات وإن كانت
مطلقة (2)، إلا أن الظاهر أن المراد ذهابها من الأفق إلى أن تجاوز سمت
الرأس، كما صرح به في الكافي، وشيخنا الشهيد الثاني في كتبه الثلاث
وغيرهما (3). ودل عليه جملة من النصوص:
منها المرسل: وقت سقوط القرص، ووجوب الافطار أن تقوم بحذاء
القبلة، وتتفقد الحمرة التي ترفع من المشرق، إذا جازت قمة الرأس من ناحية
المغرب فقد وجب الافطار وسقط القرص (4).
ومنها الرضوي: وقد كثرت الروايات في وقت المغرب، وسقوط القرص
والعمل في ذلك على سواد المشرق إلى حد الرأس (5).
ومنها: أي ساعة كان رسول الله - صلى الله عليه وآله - يوتر؟ فقال: على
مثل مغيب الشمس إلى صلاة المغرب (6). خلافا للإسكافي والصدوق في
العلل، والمبسوط، فعلامة المغرب غيبتها عن الحس بالغروب (7).

(1) المعتبر: كتاب الصلاة في معرفة الغروب ج 2 ص 52.
(2) " وإن كان مطلق " في جميع المخطوطات.
(3) الكافي: كتاب الصلاة باب وقت المغرب ح 4 خ 3 ص 279، وروض الجنان: كتاب الصلاة في
وقت المغرب ص 179 س 11 و 15، والروضة البهية: كتاب الصلاة في الوقت ج 1 ص 485،
ومسالك الأفهام: كتاب الطهارة قي أوقات اليومية ج 1 ص 20 س 5، وكشف اللثام: كتاب
الصلاة في أول وقت المغرب ج 1 ص 157 السطر الأخير.
(4) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب المواقيت ح 4 ج 3 ص 127.
(5) فقه الرضا عليه السلام: ب 7 في الصلوات المفروضة، ص 104.
(6) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب المواقيت ح 5 ج 3 ص 127.
(7) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في وقت الغروب ج 1 ص 72 س 17، وعلل الشرائع: ب 60
في العلة التي من أجلها صار وقت المغرب...، ج 2، ص 350، والمبسوط: كتاب الصلاة في ذكر
المواقيت، ج 1، ص 74.
65

قيل: ويحتمله كلام الديلمي، والمرتضى والقاضي في بعض كتبهما، (1)
لجعلهم الوقت سقوط القرص، وليس نضا فيه (2). وربها نسب الاستبصار
والفقيه، لذكره بعض الأخبار الآتية. وفيه نظر.
لأن الأول كلامه صريح في موافقة المشهور حيث قال - بعد ذكر جملة من
الأخبار الدالة على الأمر بالصبر إلى ذهاب الحمرة -: فالوجه في هذه الأخبار
أحد شيئين:
أحدهما: أن يكون إنما أمرهم أن يمسوا قليلا أو يحتاطوا، ليتيقن بذلك
سقوط الشمس، لأن حدها غيبوبة الحمرة من ناحية المشرق، لا غيبوبتها عن
العين.
ثم استشهد عليه بجملة من الأخبار السابقة، ثم نقل ما ظاهره المنافاة لها
مما يأتي.
وقال بعده: فلا تنافي بين هذين الخبرين، وبين ما اعتبرناه في غيبوبة
الشمس من زوال الحمرة من ناحية المشرق، لأنه لا يمتنع (3). إلى آخر ما
ذكره.
وأما الفقيه: فلم نجد فيه ما يدل على صحة النسبة، عدا ذكره بعض
الأخبار الآتية، بناء على ما قدمه في أول كتابه: من أنه لا يروي فيه إلا ما

(1) في نسخة (ق) (كتبهم).
(2) كشف اللثام: كتاب الصلاة، ج 1، ص 158، س 5، والمراسم: كتاب الصلاة، أوقات الصلاة
ونقلها، ص 62. وكتاب شرح الجمل لابن البراج لم يتيسر لدينا ورسائل الشريف المرتضى، المجموعة
الأول، جواب المسائل الميافارقيات، المسألة 5، ص 274.
(3) الاستبصار: كتاب الصلاة ب 149 وقت المغرب و... ج 1 ص 265 و 266، ذيل الحديث 16 و 23.
66

يفتي به ويحكم بصحته، وهو بعد تسليمه معارض بروايته فيه ما ينافي القول
المزبور أيضا.
فقال: وروى بكر بن محمد، عن أبي عبد الله - عليه السلام - أنه سأله سائل
عن وقت المغرب فقال: إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه لإبراهيم - عليه
السلام -: " فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي " (1) فهذا أول الوقت
وآخر الوقت غيبوبة الشفق، الخبر (2). وهو كما ترى كالصريح، بل صريح في
عدم الاعتبار بغيبوبة الشمس عن النظر، واشتراط شئ زائد من ظهور
كوكب، بل جعله بعض المحققين من أدلة الأكثر.
قال: لأن ذهاب الحمرة المشرقية يستلزم رؤية كوكب غالبا (3). ولنعم
ما ذكره، ونسب أيضا إلى المرتضى (4). وفيه ما عرفته، بل يمكن التأمل في مصير
المبسوط إليه أيضا، لأنه وإن حكم أو لا بما حكي عنه، إلا أنه بعد نقله المشهور
حكم بأنه الأحوط (5)، والاحتياط في كلامه ليس نصا في الاستحباب،
فيحتمل الوجوب، بناء على طريقته المستمرة من استدلاله بالاحتياط في
العبادة، لايجاب كثير من الأمور التي يدعى وجوبها فيها.
وكيف كان، فلا ريب في ضعف هذا القول وإن استدل عليه بالنصوص
الكثيرة المتواترة معنى، الدالة على أن أول المغرب سقوط القرص أو استتاره أو
غيبوبة الشمس، بناء على أن المفهوم عنها لغة وعرفا هو الغيبوبة عن النظر،

(1) الأنعام: 76.
(2) من لا يحضره الفقيه: باب مواقيت الصلاة ح 657 ج 1 ص 219، باختلاف يسير، والاستبصار:
ب 149 وقت المغرب والعشاء الآخرة ح 953 ج 1 ص 264.
(3) انظر الحدائق: ج 6 ص 175، وروضة المتقين: ج 2 ص 67.
(4) المسائل الميافارقيات (رسائل الشريف المرتضى): ص 274.
(5) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر المواقيت ج 1 ص 274.
67

لضعفه أو لا بأن المراد بسقوط القرص وغيبوبة الشمس سقوطه عن الأفق
المغربي، لاخفاءها عن أعيننا قطعا، وعليه نبه شيخنا في الروض.
قال: لأن ذلك يحصل بسبب ارتفاع الأرض والماء ونحوهما، فإن الأفق
الحقيقي غير مرئي (1). وأما ما يقال عليه: من أن غيبوبة الشمس عن الأفق
الحقيقي في الأرض المستوية حسا إنما يتحقق بعد غيبوبتها عن الحس بمقدار
دقيقة تقريبا وهذا أقل من ذهاب الحمرة المشرقية بكثير (2)، فمنظور فيه:
أولا: بأن فيه اعترافا برفع اليد عن المفهوم اللغوي والعرفي، واعتبار شئ
زائد عليه ولو دقيقة، ومعه لا يتوجه الاستدلال بالأخبار المزبورة بالتقريب
المتقدم.
ثانيا: بأن كون غيبوبتها عن الحس بمقدار دقيقة أقل من ذهاب الحمرة وإن
كان صحيحا، إلا أنه لما كان مجهولا غير مضبوط لا يمكن إحالة عامة
المكلفين، ولا سيما العوام منهم عليه لا جرم وجب إحالته على أمر منظبط، وهو
ذهاب الحمرة من أفق المشرق، أو بدو النجم، ونحو ذلك.
وعلى هذا، فيكون ذهاب الحمرة علامة لتيقن الغروب كما صرحت به
جملة من النصوص، لا أنه نفس الغروب.
وبه يندفع ما يقال على المشهور: من أنه لا فرق بحسب الاعتبار بين طلوع
الشمس وغروبها، فلو كان وجود الحمرة المشرقية دليلا على عدم غروب
الشمس، وبقاؤها فوق الأرض بالنسبة إلينا لكان وجود الحمرة المغربية دليلا
على طلوع الشمس، ووجودها فوق الأرض بالنسبة إلينا من دون تفاوت (3).

(1) روض الجنان: كتاب الصلاة في وقت المغرب ص 179 س 16.
(2) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في أول وقت المغرب ص 193 س 11.
(3) كشف اللثام: كتاب الصلاة ج 1 ص 165 س 8.
68

ووجهه دفعه: أنا لا نقول: إن وجود الحمرة دليل على بقاء الشمس في
الأفق الغربي للمصلي، بل نقول: إن معه لا يحصل القطع بالغروب الذي هو
المعيار في صحة الصلاة، وقطع استصحاب عدم الغروب به، فلا يرد النقض
بظهور الحمرة عند الطلوع في أفق المغرب، لأن مقتضى ذلك حصول الشك
بذلك في طلوع الشمس على الأفق المشرقي، ولا يقطع به يقين بقاء الوقت، بل
بظهور الشمس الحسي، فينعكس الأمر.
وثانيا: بعد تسليم دلالتها فغايتها أنها من قبيل المجمل أو المطلق، وأخبارنا
من قبيل المفسر أو المقيد، فيجب حملها عليها قطعا، ولا استبعاد فيه بعد ورودها
قطعا، كما هو الحال في حمل المطلقات وإن كثرت وتواترت على المقيدات وإن
قلت. ولو أثر الاستبعاد في منعه لما استقام لنا أكثر الأحكام، لكونها من الجمع
بين نحو المطلقات والمقيدات.
ودعوى عدم قوة أخبارنا، وعدم بلوغها حد المكافأة للأخبار المعارضة
لاستفاضتها، بل وتواترها، وصحة (1) أكثرها، دون أخبارنا فاسدة كدعوى: أن
الجمع بالتقييد إنما يتعين إذا انحصر طريق الجمع فيه، ولم يكن في المقام حمل أقرب
منه، مع أن الجمع بحمل أخبار المشهور على الفضل ممكن، بل وأقرب، وذلك
لقوة أخبارنا بالاستفاضة القريبة من التواتر أيضا، وانجبارها بالشهرة العظيمة
التي كادت تكون إجماعا، بل لعلها من المتأخرين إجماع في الحقيقة، وقد عرفت
استشعاره من عبارة الماتن في المعتبر (2). ومع ذلك كثير منها في المدعى صريحة،
ولا سيما الدال منها على تفسير استتار القرص بذهاب الحمرة، ومع ذلك مخالفة
لما عليه الجمهور كافة، كما صرح به جماعة، ومنهم الفاضل في المنتهى والتذكرة

(1) في (مش) و (ش) " وصحة سند أكثرها ".
(2) المعتبر: كتاب الصلاة، في معرفة الغروب ج 2 ص 52.
69

فقال مشيرا إلى قول المبسوط: وهو قول الجمهور (1). ويستفاد ذلك من كثير
من النصوص.
منها - زيادة على ما يأتي -: رواية أبان بن تغلب، وربيع بن سليمان، وأبان
بن أرقم وغيرهم، قالوا: أقبلنا من مكة، حتى إذا كنا بواد الأخضر إذا نحن
برجل يصلي، ونحن ننظر إلى شعاع الشمس فوجدنا في أنفسنا، فجعل يصلي
ونحن ندعوا عليه، حتى صلى ركعة ونحن ندعوا عليه، ونقول: هذا من شباب
المدينة، فلما أتينا إذا هو أبو عبد الله - عليه السلام - فنزلنا وصلينا معه، وقد فاتتنا
ركعة، فلما قضينا الصلاة قمنا إليه، فقلنا: جعلنا فداك، هذه الساعة تصلي!؟
فقال: إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت (3). وذلك فإن صدره كما ترى يدل
على أنه كان مقررا عند الشيعة: أنه لا يدخل الوقت قبل مغيب الحمرة
المشرقية، ولذا كانوا يدعون على المصلي قبله، وزعموه من شباب المدينة، أي
من شباب العامة.
ومنها: رواية جارود، قال: قال لي أبو عبد الله - عليه السلام -: يا جارود
ينصحون فلا يقبلون، لم إذا سمعوا بشئ نادوا به، أو حدثوا بشئ أذاعوه،
قلت لهم: أمسوا بالمغرب قليلا فتركوها حتى اشتبكت النجوم، فأنا الآن
أصليها إذا سقط القرص (3). وذلك لدلالة الأمر بالامساء قليلا على مذهب
المشهور، ولما رأى - عليه السلام - أنهم نادوا به وأذاعوه قال: أنا أفعل الآن،
إلى آخره. وهو كالصريح في أن فعله - عليه السلام - ذلك للتقية.
ومنها: كتبت إلى العبد الصالح عليه السلام: يتوارى القرص ويقبل

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في أول وقت المغرب، ج 1 ص 303 س 3، وتذكرة الفقهاء: كتاب
الصلاة في أول وقت المغرب ج 1 ص 76 س 40.
(2) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب المواقيت ح 23 ج 3 ص 131، مع اختلاف يسير.
(3) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب المواقيت ح 15 ج 3 ص 129، مع اختلاف يسير
70

الليل، ثمت يزيد الليل ارتفاعا، وتستر عنا الشمس وترتفع فوق الليل، ويؤذن
عندنا المؤذنون، أفأصلي - حينئذ - وأفطر إن كنت صائما، أو أنتظر حتى تذهب
الحمرة التي فوق الليل؟ فكتب إلي: أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة،
وتأخذ الحائطة لدينك (1). وهو صريح في أن المؤذنين يومئذ كانوا يؤذنون قبل
ذهاب الحمرة، ولا ريب أنهم كانوا من العامة.
وهذه الرواية كسابقتها، دليل على المختار أيضا وإن استدل بالأولى، وهذه
على خلافه لفعله - عليه السلام - في الأولى وتخصيصه لراوي هذه بقوله: أرى
لك - إلى آخره - الظاهر في الاستحباب، وإلا لعمم، وما عبر بلفظ
الاحتياط. وقد عرفت ما في فعله من كونه للتقية وتخصيص الراوي لعلة، بل
الظاهر أنه من جهة علمه - عليه السلام - بعدم ابتلائه بالتقية، أو بمعرفة (2) سبيل
الخلاص عنها. ولفظ الاحتياط. ليس نصا، بل ولا ظاهرا في الاستحباب، لأن
ذلك إنما هو بالاصطلاح المتأخر بين الأصحاب، وإلا فالاحتياط هو الاستظهار،
والأخذ بالأوثق لغة، بل وفي كلمة متقدمي الأصحاب أيضا، كما مضى.
ولا ريب أن مثله في أمثال العبادات واجب للرجوع إلى حكم
الاستصحاب ببقاء شغل الذمة اليقيني الذي لا بد في الخروج عنه من اليقين.
وبالجملة: لا ريب في دلالة هذه الأخبار على المختار، وأن خلافه مذهب
أولئك الكفرة الفجار، وبه يظهر جواب آخر عن تلك الأخبار الدالة على
حصول الغروب بمجرد الاستتار، وهو حملها على التقية. ونحوها الأخبار
الظاهرة من غير جهة الاطلاق، كالخبر عن وقت المغرب.
فقال: إذا غاب كرسيها، قلت: وما كرسيها؟ قال: قرصها، قلت: ومتى

(1) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب المواقيت، ح 14، ج 3، ص 129، مع اختلاف
وكذا في ب 52. من أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الامساك، ح 2، ج 7، ص 89 مع اختلاف
(2) في جميع المخطوطات " أو معرفته ".
71

يغيب قرصها؟ قال: إذا نظرت إليه فلم تره (1).
ومنها: أنا ربما صلينا، ونحن نخاف أن تكون الشمس خلف الجبل وقد
سترنا منها الجبل، قال: فقال: ليس عليك صعود الجبل (2).
ونحوه آخر: إنما تصليها إذا لم تر خلف الجبل غارت أو غابت ما لم يتجللها
سحاب أو ظلمة تظلمها، فإنها عليك مشرقك ومغربك، وليس على الناس أن
يبحثوا (3). وفي صدره إشعار أيضا بوروده تقية.
فإن فيه: قال - يعني الرواي -: صعدت مرة جبل أيي قبيس والناس يصلون
المغرب، فرأيت الشمس لم تغب، إنما توارت خلف الجبل عن الناس، فلقيت
أبا عبد الله - عليه السلام - فأخبرته بذلك فقال لي: ولم فعلت ذلك؟ بئس ما
صنعت. مع أنها قاصرة الأسانيد وإن قيل (4): روى الأول في مجالس
الصدوق (5) بسند صحيح، مع أن ظاهرها - ولا سيما الأخير عدم البأس بوجود
الضوء والشعاع على نحو التلال والجبال، وأن المعتبر غيبوبة الشمس عن نظر
المصلي وهو على الأرض.
وهو مما قطع جماعة من أرباب هذا القول بفساده، ومنهم: صاحبا المدارك
والذخيرة حيث قالا - بعد أن نقلا عن التذكرة تحديد الغروب على هذا القول
في العمران: بأن لا يبقى شئ من الشعاع على رؤوس الجدران وقلل الجبال -
ما لفظه: وهو حسن (6).

(1) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب المواقيت، ح 25، ج 3، ص 132.
(2) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب المواقيت، ح 1 و ح 2، ج 3، ص 145.
(3) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب المواقيت، ح 1 و ح 2، ج 3، ص 145.
(4) الظاهر أن القائل هو المحقق السبزواري في ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة، في وقت المغرب، ص 191،
س 40
(5) أمالي الصدوق: المجلس 18 ح 3 ص 74.
(6) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة، في أول وقت الغروب، ج 3، ص 53، ذخيرة المعاد: كتاب
الصلاة، في أول وقت المغرب ص 193 س 42 وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في أوقات
الفرائض ج 1 ص 76 س 40.
72

وهو كما ترى خلاف ما دلت عليه تلك الأخبار، فكيف يستدلون بها مع
أن الذي يظهر من المبسوط كون ما دلت عليه مما يتفرع على هذا القول!؟
حيث قال بعد نقل القولين: فأما على القول الأول - وأشار به إلى هذا -: إذا
غابت الشمس عن البصر، ورأي ضوءها على جبل يقابلها، أو على مكان
عال مثل: منارة الإسكندرية (1) وشبهها فإنه يصلي، ولا يلزمه حكم طلوعها
- إلى أن قال -: وعلى الرواية الأخرى: لا مجوز حتى تغيب في كل موضع تراه،
وهو الأحوط (2).
ومنه يظهر جواب آخر عما دل على حصول الغروب بالاستتار من
الاطلاق، لعدم صدقه قطعا بمجرد غيبتها عن النظر، مع رؤية شعاعها على قلل
الجبال.
والعجب عن غفلة هؤلاء الجماعة عن قول المبسوط هذا، وزعمهم موافقتهم
له، وتفريعهم ما مر نقله عن التذكرة عليه من أن عبارته - كما عرفت - صريحة في
خلاف ما زعموه.
ولعله لذا قال في الذخيرة - بعد قوله: " حسن " -: وإن أمكن المنازعة فيه (3)
وليت شعري كيف حسنه مع إمكان المنازعة؟!.
ومع ذلك، فالظاهر أن وجه المنازعة إنما هو ظهور عبارة المبسوط والنصوص

(1) وهي بناية مربعة شبيهة بالحصن والصومعة على سن جبل مشر في البحر في طرف جزيرة بارزة في
ميناء الإسكندرية (في مصر)، وأن طولها مائتان وثلاثون ذراعا، وهي وسط المدينة التي أنشأها
الإسكندر، وفتحت سنة 20 من الهجرة في أيام الخليفة الثاني. (بتصرف) (معجم البلدان: ج 1
ص 263، الإسكندرية).
(2) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر المواقيت ج 1 ص 74.
(3) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في الاختلاف الواقع في وقت المغرب ص 193 س 42.
73

الأخيرة في خلاف ما حسنه، وهو الاكتفاء بالغيبة عن النظر، وعدم البأس
برؤية الشعاع على الجبل.
وهذا كيف يمكن احتماله، فضلا عن المصير إليه مع ضعف النصوص
الدالة عليه، وعدم جابر لها بالكلية، ومخالفة الأصول والأخبار المتواترة، حتى
الأخبار التي استدل بها على مذهبه؟! لما عرفت من عدم صدق الغيبة
والاستتار الواردين فيها، مع وجود الأشعة على قلل الجبال قطعا، لغة وعرفا،
فليس بعد ذلك إلا طرحا.
وبالجملة: فقول المبسوط على تقديره ضعيف جدا يستحيل المصير إليه
قطعا
وأما ما اختاره هؤلاء الجماعة فالظاهر أنه قول محدث، إذ ليس إلا قول
المشهور، وما في المبسوط الذي يرجع إليه قول الإسكافي (1) والمرتضى (2) على
تقدير ثبوته وقول العماني الآتي وغيره، وهو لا يوافق شيئا منها، فيندفع - زيادة
على ما مر بالندرة، والشذوذ، ومخالفته الاجماع. فتأمل جدا.
وهنا قولان آخران باعتبار اسوداد الأفق من المشرق، كما عن العماني (3)
للخبرين، وببدو ثلاثة أنجم به، كما عن الصدوقين في المقنع والرسالة
للصحيح (5)، وهما شاذان، ومستنداهما لا يقاومان شيئا مما قدمناه من وجوه

(1) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في وقت الغروب ج 1 ص 72 س 17.
(2) المسائل الميافارقيات (رسائل الشريف المرتضى) م 5 ج 1 ص 274.
(3) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في وقت الغروب، ج 1، ص 72، س 18
(4) وسائل الشيعة: ب 52 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت ح 3 و 4 ج 7 ص 89.
(5) من لا يحضره الفقيه: باب الوقت الذي يحل فيه الافطار وتجب فيه الصلاة ج 2 ص 129 ذيل
الحديث 1932، والمقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصوم باب الوقت الذي يجوز فيه الافطار
ص 17 س 32.
74

شتى، مع ضعف دلالتهما، واحتمالها لكلامهم الرجوع إلى ما عليه القوم، بل
أرجعهما إليه بعض الفضلاء بوجه قريب لا فائدة في التعرض لذكره ولا جدوى.
وإنما طولنا الكلام في المسألة لأنهما من المهمات، وذيل الكلام فيها أطول من
ذلك، تركناه خوفا من زيادة التطويل الذي لا يناسب هذا التعليق.
(الثانية: قيل) والقائل الشيخان (1) وجماعة إنه (لا يدخل وقت
العشاء حتى تذهب الحمرة المغربية، ولا) يجوز أن (تصلى قبله إلا مع
العذر) فيجوز حينئذ، كما هو ظاهر بعضهم (2).
وأطلق بعضهم المنع عن الصلاة قبله من دون استثناء (3). وقد مر في أواخر
مواقيت الفرائض ما يصلح مستندا لهم مطلقا. (و) أن الأشهر (الأظهر)
جواز التقديم مطلقا ولو اختيارا، لكن مع (الكراهة) (4) خروجا عن الشبهة
الناشئة من اختلاف الفتوى والرواية وإن كان الأظهر حمل المانعة منها على
التقية، لكونه مذهب الجمهور كافة كما عرفته.
(الثالثة: لا) يجوز أن (تقدم صلاة الليل على الانتصاف) لما مر في
توقيتها به (إلا لشاب تمنعه) من فعلها في وقته (رطوبة رأسه) ودماغه (أو
مسافر) (5) أو شبههما من ذوي الأعذار المحتملة، منعها لهم عن فعلها في الوقت
فيجوز لهم حينئذ تقديمها عليه على الأظهر الأشهر، بل (6) في الخلاف (7)

(1) المقنعة: كتاب الصلاة، ب 5 في أوقات الصلوات ص 93، والنهاية: كتاب الصلاة باب أوقات
الصلاة ص 59.
(2)، انظر النهاية: ص 59.
(3) الظاهر أنه سلار، راجع المراسم: ص 63.
(4) في المطبوع من المتن " الكراهية ".
(5) في المتن المطبوع " لمسافر ".
(6) في جميع المخطوطات بدل " بل في " " وفي ".
(7) الخلاف: كتاب الصلاة م 275 في عدم جواز الوتر أول الليل ج 1 ص 537.
75

الاجماع عليه، بل عليه عامة من تأخر، عدا الفاضل في المختلف والتحرير (1)،
لكنه فيه توقف، وفي الأول صرح بالمنع وفاقا للحلي وزرارة من القدماء، لعدم
جواز الوقت قبل وقته (2).
وفيه منع على إطلاقه، ولظاهر الصحيح: قلت له: إن رجلا من مواليك
من صلحائهم شكا إلي ما يلقى من النوم، وقال: إني أريد القيام بالليل،
فيغلبني النوم حتى أصبح، فربما قضيت صلاتي الشهر المتتابع والشهرين أصبر
على ثقله؟ فقال: قرة عين له والله، قرة عين والله ولم يرخص في النوافل أول
الليل، قال: القضاء بالنهار أفضل (3).
وهو معارض بالصحاح المستفيضة، وغيرها من المعتبرة المرخصة للتقديم
مطلقا، كما في بعضها، وقد مضى (4) أو في السفر خاصة، كما في كثير منها وفيها
الصحيح وغيره (5) أو مطلق العذر، كما في أكثرها، وفيها الصحاح وغيرها (6) وهي
أرجح من تلك الصحيحة من وجوه عديدة، ومنها: صراحة الدلالة، والاعتضاد
بالشهرة العظيمة، فلتحمل على الكراهة، لا الحرمة.
ويشير إليه ما في آخرها برواية الكليني والشيخ: قلت: فإن من نسائنا
أبكار الجارية تحب الخير وأهله، وتحرص على الصلاة، فيغلبها النوم، حتى ربما
قضت، وربما ضعفت من قضائه، وهي تقوى عليه أول الليل، فرخص، لهن

(1) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في تقديم صلاة الليل على وقتها ج 1 ص 74 س 32، تحرير الأحكام:
كتاب الصلاة في المواقيت ج 1 ص 28 س 2.
(2) السرائر: كتاب الصلاة باب أوقات الصلاة المرتبة ج 1 ص 203، وأما بالنسبة لرأي زرارة بن
أعين فكما في الوسائل (عن التهذيبين) في ذيل رواية محمد بن مسلم: ب 45 من أبواب المواقيت
ح 7 ج 3 ص 186.
(3) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب المواقيت ح 1 و 2 ج 3 ص 185، بزيادة ونقصان.
(4) وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب المواقيت ج 3 ص 181.
(5) وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب المواقيت ج 3 ص 181.
(6) وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب المواقيت ج 3 ص 181.
76

الصلاة في أول الليل. إذا ضعفن وضيعن القضاء (1).
وهو كما ترى صريح في الترخيص، لغلبة النوم، لكن ظاهره اختصاصه
بصورة خوف فوت القضاء، كما حكاه عن التذكرة (2). وربما يفهم من المختلف
والمنتهى (3) ولا ريب أنه أحوط وإن كان جواز التقديم مع العذر مطلقا أقوى، ومع
ذلك (فقضاؤها (4) أفضل) من تقديمها اتفاقا، فتوى ونصا.
ومنه - زيادة على ما تقدم - الصحيح: الرجل من أمره القيام بالليل،
تمضي عليه الليلة والليلتان والثلاث لا يقوم، فيقضي أحب إليك، أم يعجل
الوتر أول الليل؟ قال: لا، بل يقضي وإن كان ثلاثين ليلة (5).
ونحوه الخبر: يقضي أحب إلي، إني أكره أن يتخذ ذلك خلقا (6).
وفي آخر عن قرب الإسناد: عن الرجل يتخوف أن لا يقوم من الليل،
أيصلي صلاة الليل إذا انصرف من العشاء الآخرة؟ فهل يجزيه ذلك أم عليه
قضاء؟ قال: لا صلاة حتى يذهب الثلث الأول من الليل، والقضاء بالنهار
أفضل (7).

(1) تتمة الحديث في الكافي: كتاب الصلاة باب صلاة النوافل ح 20 ج 3 ص 447، والاستبصار: كتاب
الصلاة ب 152 في أول وقت نوافل الليل ح 4 ج 1 ص 279، وتهذيب الأحكام: ب 8 في كيفية
الصلاة و... ح 215 ج 2 ص 119.
(2) حكاه الفاضل الهندي في كشف اللثام: كتاب الصلاة في تقديم صلاة الليل على وقتها ج 1
ص 171 س 1.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في تقديم صلاة الليل على وقتها ج 1 ص 74 س 38، ومنتهى المطلب:
كتاب الصلاة في أحكام المواقيت ج 1 ص 213 س 7.
(4) في المتن المطبوع " وقضاؤها ".
(5) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب المواقيت ح 5 ج 3 ص 185.
(6) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب المواقيت ح 7 ج 3 ص 186.
(7) قرب الإسناد: ص 91 س 17.
77

وحيث تقدم فلا يجوز قبل الغروب، لتصريح النص والفتوى بأول الليل،
بل ظاهر الخبر الأخير: اعتبار مضي ثلثه الأول. وضعف سنده يمنع عن تقييد
النص والفتوى به، واطلاقهما (بجواز التقديم) (1) أول الليل ظاهره بحكم
التبادر كونه بعد العشائين.
ولعله متعين قصرا للضرورة على محلها، والتفاتا إلى عموم ما دل على
المنع من فعل النافلة في وقت الفريضة، إلا في المواضع المستثناة، ولم يعلم كون
هذا منها.
والمراد بصلاة الليل المتقدمة: مجموع الثلاث عشرة ركعة، لاطلاقها عليها
إطلاقا شائعا، مع التصريح بتقديم الوتر في جملة من النصوص (3). ومر في كثير
من النصوص: أن ركعتي الفجر من صلاة الليل (3) ويسمى (الدساستين)
لدسهما فيها (4).
فما في الروض من استثنائهما من الحكم (بجواز التقديم) (5) (6) غير ظاهر
الوجه. وهل ينوي مع التقديم الأداء؟ الأقوى لا، بل ينوي التعجيل، ولو انتبه
في الوقت بعد أن قدمها عليه فهل يسوغ الاتيان بها ثانيا؟ وجهان.

(1) ما بين القوسين ليس موجودا في المخطوطات.
(2) وسائل الشيعة: ب 46 من أبواب المواقيت ح 2 و 1 و 8 ج 3 ص 187 و 188، و ب 47 من أبواب
المواقيت ح 2 خ 3 ص 189.
(3) وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب المواقيت ح 3 و 4 ج 3 ص 192.
(4) لم نجد في الكتب الحديثة رواية فيها كلمة (الدس)، غيران الروايات الموجودة في الكتب الحديثية
بهذا المضمون فيها كلمة (الحشو) مثل ما في الوسائل: ب 50 من أبواب المواقيت ح 1 و 6 و 8 ج 3
ص 191 و 192، لكن الفقيه ابن إدريس الحلي قال في السرائر: كتاب الصلاة باب أوقات الصلاة
المرتبة ج 1 ص 195: " لقولهم (عليهم السلام) - المجمع عليه -: دسهما في صلاة الليل دسا ".
(5) روض الجنان: كتاب الصلاة في وقت النوافل ص 183 س 5.
(6) ما بين القوسين ليس موجودا في المخطوطات.
78

(الرابعة: إذا تلبس بنافلة الظهر ولو بركعة، ثم خرج وقتها أتمها
مقدمة على الظهر، وكذا) لو تلبس بنافلة (العصر) ولو بركعة، ثم
خرج وقتها أتمها مقدمة عليه، كما في السرائر (1)، وعن النهاية والمهذب (2)،
وعزي في المدارك وغيره إلى الشيخ وأتباعه واختاره (3) أيضا (4)، كالفاضلين (5)
والشهيدين (6) وغيرهم من المتأخرين (7)، من غير خلاف بينهم أجده.
للموثق: للرجل أن يصلي من نوافل الزوال إلى أن يمضي قدمان، وإن كان
بقي من الزوال ركعة واحدة، أو قبل أن يمضي قدمان أتم الصلاة حتى يصلي
تمام الركعات، فإن مضى قدمان قبل أن يصلي ركعة بدأ بالأولى، ولم يصل
الزوال إلا بعد ذلك. وللرجل أن يصلي من نوافل الأولى ما بين الأول إلى
أن تمضي أربعة أقدام، فإن مضت الأربعة أقدام ولم يصل من النوافل شيئا فلا
يصلي النوافل، وإن كان قد صلى ركعة فليتم النوافل حتى يفرغ منها، ثم
يصلي العصر، الخبر (8).

(1) السرائر: كتاب الصلاة، باب أوقات الصلاة المرتبة ج 1 ص 202.
(2) النهاية: كتاب الصلاة، باب أوقات الصلاة ص 60، والمهذب: كتاب الصلاة في أوقات الصلاة
ج 1 ص 71.
(3) في نسخة " م " و " مش " " واختاراه ".
(4) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة، في وقت نافلة الظهر والعصر ج 3 ص 71، وذخيرة المعاد: كتاب
الصلاة في وقت نافلة الظهر ص 198 س 30.
(5) المعتبر: كتاب الصلاة في مزاحمة النوافل للفرائض ج 2 ص 58، ونهاية الإحكام: كتاب الصلاة، في
الأوقات ج 1 ص 330.
(6) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في وقت نافلة الزوال ص 22 س 25، ومسالك الأفهام: كتاب
الصلاة في أوقات النوافل اليومية ج 2 ص 17.
(7) كالفقيه الشيخ يوسف البحراني في الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في ما لو خرج وقت النافلة وقد
تلبس بها ج 6 ص 215.
(8) وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب المواقيت ح 1 ج 3 ص 178.
79

وهو نص في نافلة العصر وفيه نوع إجمال - في نافلة الظهر.
لكن يدفع بعدم القائل بالفرق، وبظهور قوله - عليه السلام -: " فإن كان
مضى قدمان قبل أن يصلي ركعة بدأ بالأولى " فيه.
ولعل معنى قوله - عليه السلام -: " فإن كان قد بقي من الزوال ركعة
واحدة، أو قبل أن يمضي قدمان ": أنه إن بقي من وقت الزوال - أي - ما قبل
فرض الظهر من النوافل قدر ركعة، أو " الزوال هنا ": الوقت من الزوال إلى
قدمين.
وعلى التقديرين، قوله: " أو قبل أن يمضي قدمان " تعبير عنه بعبارة أخرى
للتوضيح، أو الترديد من الراوي.
ومن الجائز أن يكون فيه سهو من الأقلام، وتكون العبارة (قد صلى)
مكان (قد بقي) وتكون (أو) سهوا، كذا ذكره بعض الأفاضل (1). وفيه
اعتراف بقصور الصدر عن إفادة حكم نافلة الظهر كما ذكرناه، وبه صرح في
الذخيرة (2).
ومن هنا ينقدح ما في المدارك من دعوى صراحة الخبر في الحكمين (3).
ولعله إنما نشأ من اقتصاره على الشرطية التي دلت عليه، ولم يذكر الشرطية
الأخرى، وهي قوله: (فإن كان قد بقي إلى آخره)، والاجمال إنما نشأ منها.
وإطلاق العبارة كغيرها يقتضي عدم اشتراط التخفيف في المزاحمة، إلا أن في
السرائر (4) وعن المعتبر وجماعة (5) اشتراطه، والنص كما ترى مطلق، لكن في ذيله

(1) كشف اللثام: كتاب الصلاة في أوقات النوافل ج 1 ص 169 س 30 - 32.
(2) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في ما لو زاحمت النافلة الفريضة ص 198 س 36
(3) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في ما لو خرج الوقت وقد تلبس بالنافلة ج 3 ص 71.
(4) السرائر: كتاب الصلاة باب أوقات الصلاة المرتبة ج 1 ص 202.
(5) المعتبر: كتاب الصلاة ج 2 ص 56.
80

اشتراط المزاحمة بأن يمضي بعد القدمين نصف قدم في الظهر، وبعد الأربعة
أقدام قدم في العصر، فإن صح مستندا لهم، وإلا فلا أعرف مستندهم عدا ما
قيل (1): من أن فيه محافظة على المسارعة إلى فعل الواجب وهو حسن إن كان
اشتراط التخفيف بمجرد الفضل.
وإن كان المقصود به حرمة النافلة مع عدمه فلا تفيدها المحافظة على
السنن، إذ غايتها إثبات الفضل، بناء على جواز تأخير الفريضة عن وقت
الفضيلة اختيارا، كما هو الأشهر الأقوى.
نعم، لو قلنا بالمنع عنه كما هو مذهب الشيخين وغيرهما (2) - اتجه ذلك، كما
لو قلنا بحرمة النافلة في وقت الفريضة، وعدم حجية الموثقة، فإنه حينئذ يجب
الاقتصار في المزاحمة المزبورة، المخالفة للأصل على هذا التقدير على القدر المجمع
عليه.
واطلاق الموثق لا عبرة به، لعدم حجيته، مع عدم معارضته لاطلاق
خصوص النصوص المانعة عن مزاحمة نافلة الظهرين لهما بعد خروج وقتهما، وفيها
الصحيح وغيره خرج منها القدر المتفق عليه، وهو المزاحمة مع التخفيف، وبقي
الباقي.
ومن هنا يتوجه إثبات شرطية التخفيف بناء على الأصل المتقدم ولو قلنا
بحجية الموثق، إذ هو حيث لم يعارضه أقوى منه عددا وسندا واعتضادا
بالأصول. فتأمل جدا.

(1) القائل هو: الفقيه السيد محمد بن علي الموسوي الطباطبائي العاملي في مدارك الأحكام: كتاب
الصلاة في وقت النوافل اليومية، ج 3، ص 72.
(2) المقنعة: كتاب الصلاة باب أوقات الصلوات، ص 94، والنهاية: كتاب الصلاة باب أوقات
الصلاة ص 58، والفقيه ابن حمزة في الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان أوقات الصلاة ص 81،
والفقيه أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: في أوقات الصلاة، ص 137.
81

وكيف كان فلا ريب أن التخفيف أحوط وأولى. والمراد به كما ذكروه:
الاقتصار على أقل ما يجزئ فيها من قراءة الحمد وحدها وتسبيحة واحدة في
محلها، بل عن بعض المتأخرين أنه لو تأدى التخفيف بالصلاة جالسا آثره على
القيام قال: لاطلاق الأمر بالتخفيف (1).
وهل يختص الحكم بجواز المزاحمة بما عدا يوم الجمعة أو صلاتها أو يعمها
أيضا؟ أوجه: إطلاق النص والفتوى يقتضي الأخير، واختصاصه بما عدا صلاة
الجمعة بحكم التبادر يقتضي الاختصاص بما عداها، سيما مع كثرة الأخبار
بضيقها، وهذا أحوط وأولى. وهل هي أداء؟ قيل (2): الأقرب ذلك، تنزيلا
لها منزلة صلاة واحدة أدرك ركعة منها، ولا يبعد هذا إن اشترطنا قصد
الأداء، وإلا كما هو الأقوى فيكفي قصد القربة مطلقا.
ولو ظن خروج وقت النافلة قبل إكمال ركعة حيث لا طريق له إلى
العلم، فشرع في الفريضة، فتبين السعة قيل (3): يصليها بعدها أداء لبقاء وقتها.
وفيه نظر.
ويأتي على المختار كفاية قصد القربة هنا أيضا إن لم يحصل الاشكال في
أصل فعلها، كما إذا كانت نافلة العصر وصليت في وقتها بعد فريضتها.
ويشكل فيما لو كانت نافلة الظهر، إذ فعلها بعد فريضتها فعل نافلة في وقت
فريضة لم يعلم استثناؤه، لاختصاص المستثنى لها من النص والفتوى بحكم
التبادر بفعلها في وقتها قبل فريضتها، لا مطلقا. وهذا هو وجه النظر الذي قدمناه
فتأمل جدا.
واعلم، أن هذا الحكم يختص بنافلة الظهرين.

(1) مستند الشيعة: كتاب الصلاة في مواقيت النوافل اليومية ص 241 س 31.
(2) القائل هو الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في مواقيت الرواتب ص 124 س 23.
(3) القائل هو الشهيد الثاني في روض الجنان: كتاب الصلاة في وقت النوافل ص 181 س 7.
82

(أما (1) نوافل المغرب: فمتى ذهبت الحمرة المغربية) التي هي آخر
وقتها كما مضى (ولم يكملها بدأ بالعشاء) إن لم نقل بامتدادها بامتداد وقت
الفريضة، كما هو الأشهر الأقوى، بل نفى الحلي عنه الخلاف في نوافل
الظهرين (2).
ولا قائل بالفرق جدا، للأصل من غير معارض، لاختصاصه بنوافلهما.
والتعدي قياس لا يجوز عندنا.
فقول الحلي (3) هنا: بإتمام الأربع بالشروع في ركعة منها كما في الظهرين
لا وجه له ظاهرا، إلا أن يكون إجماعا. وهو ضعيف جدا، لاشتهار خلافه بين
الأصحاب على الظاهر المصرح به في الذخيرة (4) وإن اختلفوا في إطلاق الحكم
كما هنا، وفي القواعد والارشاد والتحرير والمنتهى (5)، أو تقييده بما إذا لم يكن
شرع في ركعتين منها، وإلا فيكملهما خاصة، أوليين كانتا أو أخيرتيهما، كما
ذكره الشهيدان وغيرهما، قالوا: للنهي عن إبطال العمل (6). وهو حسن إن قلنا
بتحريمه مطلقا.

(1) في المتن المطبوع ونسخة (ش) " وأما ".
(2) السرائر: كتاب الصلاة في أوقات الصلاة ج 1 ص 202.
(3) نفس المصدر السابق.
(4) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في وقت نافلة المغرب ص 199 س 19.
(5) قواعد الأحكام: كتاب الصلاة في أوقاتها ص 24 س 20، وإرشاد الأذهان: كتاب الصلاة في
أوقاتها ج 1 ص 243، وتحرير الأحكام، كتاب الصلاة في أوقات النوافل ج 1 ص 27 س 17،
ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في أوقات النوافل الرواتب ج 1 ص 207 س 33.
(6) ذكره الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في وقت نافلة المغرب ص 124 س 34،
والشهيد الثاني في روض الجنان: كتاب الصلاة في وقت نافلة المغرب ص 181 س 25، والمحقق
الثاني الكركي في جامع المقاصد: كتاب الصلاة في أوقاتها ج 2 ص 21، والسيد محمد الموسوي
الطباطبائي العاملي في مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في مواقيتها ج 3 ص 75.
83

وإن خصصناه بالفريضة، وقلنا بكراهته في النافلة، كما عليه شيخنا
الشهيد الثاني (1)، أو مطلقا كما عليه بعض هؤلاء الجماعة (2) أشكل الاستثناء
لعموم أدلة تحريم النافلة في وقت الفريضة، والابطال لا يستلزم غير الكراهة،
وهي بالإضافة إلى التحريم مرجوحة، بل منتفية، لاختصاصها بما إذا لم
تعارضها حرمة، وقد عارضتها في المسألة، لعموم الأدلة على الحرمة، إلا أن يمنع
ويدعى اختصاصها بحكم التبادر بابتداء النوافل في وقت الفريضة، لا عدم
وقوعها فيه مطلقا ولو بجزء منها، وهو غير بعيد. فما قالوه حسن، سيما على المختار
من عموم تحريم الابطال للنوافل أيضا.
وربما يشكل لو علم قبل الشروع فيها بمزاحمتها الفريضة في الأثناء، لقوة
احتمال شمول أدلة حرمة النافلة في وقت الفريضة لمثل هذا، مع احتمال منعه
أيضا.
(الخامسة: إذا طلع الفجر الثاني فقد فاقت) وقت (النافلة) الليلة
(عدا ركعتي الفجر) فتبقيان إلى ظهور الحمرة المشرقية على المشهور، والشيخ
- كما عرفت - لم يستثنهما، بل جعلهما من صلاة الليل التي تفوت بطلوع الفجر الثاني
بلا خلاف إلا منه في كتاب الحديث، فجوز فعلهما بعده مزاحما بها الفريضة (3) وتبعه
الماتن في المعتبر، وصاحب المدارك والذخيرة (4)، للنصوص المستفيضة الدالة عاليه
وفيها الصحيحان وما يقرب منهما سندا وغيرها.
ولعله ظاهر الصدوق أيضا، حيث قال: وقد رويت رخصة في أن يصلي

(1) نفس المصدر في هامش (3).
(2) نفس المصدر في هامش (2).
(3) تهذيب الأحكام: كتاب الصلاة ب 8 في كيفية الصلاة و... ج 2 ص 134 ذيل الحديث 291.
(4) المعتبر: كتاب الصلاة في وقت ركعتي الفجر ج 2 ص 56، ومدارك الأحكام: كتاب الصلاة في وقت
ركعتي الفجر ج 3 ص 11. وذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في وقت صلاة الليل ص 201 س 29.
84

الرجل صلاة الليل بعد طلوع الفجر، المرة بعد المرة، ولا يتخذ ذلك عادة (1).
لكنه - كما ترى - اشترط في ذلك عدم الاعتياد، كما هو ظاهر جملة منها.
وإلى هذا يميل في المنتهى، وبه جمع بين هذه الأخبار، والأخبار الآتية
الناهية عن الايتار (2) في وقت الفريضة.
فقال: لا منافاة بينهما، فإن ما دل منها على جواز إيقاع صلاة الليل والوتر
بعد الفجر مخصوص بما إذا لم يجعل ذلك عادة، والنهي متوجه إلى من يتخذه
عادة (3). وهو حسن مع حصول التكافؤ بينهما، وليس لضعف سند أكثر الأخبار
المرخصة، وعدم مقاومة صحيحها كالباقية، للأخبار المقابلة المعتضدة بالشهرة
العظيمة التي كادت تكون إجماعا، وبالاستفاضة التي كادت تبلغ التواتر، بل
لعلها متواترة في أن آخر صلاة الليل طلوع الفجر الثاني وإن اختلفت في المنع عن
فعلها بعده ظهورا وصراحة.
فمن الأول: كل ما دل منها على أنه آخرها، إذ لو ساغ فعلها بعده لما كان
آخرا لها، مع أنه يستلزم وقوع النافلة في وقت الفريضة، وقد منعت عنه
النصوص المستفيضة المعتضدة بالشهرة العظيمة.
ومنها: خصوص الصحيحة المتقدمة في آخر ركعتي الفجر المانعة عن فعلهما
بعد الفجر معللا بقوله: أتريد أن تقايس؟ إلى آخرها (4) الصريح في كون النهي
على جهة الحمرة كما عرفته.
ومن الثاني: الصحيح: أوتر بعد ما يطلع الفجر؟ قال: لا (5). والمنع عن

(1) من لا يحضره الفقيه: باب صلاة الليل ج 1 ص 486 ذيل الحديث 1401.
(2) في الشرح المطبوع " الاتيان ".
(3) لم نعثر عليه.
(4) وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب المواقيت ح 3 ج 3 ص 192.
(5) وسائل الشيعة ب 46، من أبواب المواقيت ح 6 ج 3 ص 188.
85

الايتار (1) يستلزم المنع عن غيره بطريق أولى، ومنع الأولوية كما في الذخيرة (2)
لا أعرف له وجها، مع أنه لا قائل بالفرق جدا.
وأظهر منه الصحيح: عن الرجل يكون في بيته، وهو يصلي، وهو يرى أن
عليه ليلا، ثم يدخل عليه الآخر من الباب، فقال: قد أصبحت، هل يصلي (3)
الوتر أم لا؟ أو يعيد شيئا من صلاته؟ قال: يعيد إن صلاها مصبحا (4).
والخبر: إذا أنت قمت وقد طلع الفجر فابدأ بالفريضة، ولا تصل غيرها،
فإذا فرغت فاقض ما فاتك، الحديث (5).
وقريب منه الرواية الآتية من حيث دلالتها على المنع بالمفهوم: إذا لم يصل
أربع ركعات.
هذا، مع أن النصوص السابقة غير صريحة في الترخيص لفعلها في وقت
الفريضة مطلقا، كما ذكره الشيخ ومن تبعه، أو مع عدم الاعتياد، كما ذكره
الصدوق ومن بعده، بل مطلقة، أو ظاهرة يحتمل تقييدها بما إذا أدرك أربعا في
الليل للاتفاق على الجواز حينئذ، كما ستأتي إليه الإشارة.
أو حمل الفجر فيها على الأول، وهما وإن بعدا إلا أنهما أولى من الجمع
الذي ذكروه جدا، فإن فيه إيثارا للأخبار المرجوحة، وطرحا للأخبار المشهورة،
ولا كذلك الجمع الذي ذكرناه، وهو مع ذلك أوفق، للنصوص المستفيضة
المانعة عن النافلة في وقت الفريضة، وأنسب بطريق الاحتياط اللازم المراعاة

(1) في الشرح المطبوع " الآيتان ".
(2) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في آخر وقت نافلة الليل، ص 200 س 33.
(3) في تهذيب الأحكام: كتاب الصلاة ب 15 في كيفية الصلاة، ج 2، ص 339، ح 1404: " هل
يعيد ".
(4) وسائل الشيعة: ب 46 من أبواب المواقيت ح 7 ج 3 ص 188.
(5) وسائل الشيعة: ب 48 من أبواب المواقيت ح 4 ج 3 ص 190.
86

في نحو العبادات التوقيفية، فلا معدل عما ذكره الأصحاب. فلا مندوحة، سيما
مع احتمال الأخبار المرخصة للتقية.
(ولو تلبس من صلاة الليل بأربع ركعات زاحم بها) صلاة (الصبح
ما لم يخش فوات الفرض) عن وقت فضيلته بلا خلاف أجده، وبه صرح
بعض الأجلة (1)، وادعى (2) عليه الشهرة جماعة (3)، للخبر المنجبر ضعفه بعمل
الأصحاب، كما في المنتهى والذخيرة (4).
وفيه: إذا كنت صليت أرج ركعات من صلاة الليل قبل طلوع الفجر فأتم
الصلاة، طلع أم لم يطلع (5).
ونحوه الرضوي (6)، وعليه يحمل إطلاق ما مر.
وخبر آخر: قلت له - عليه السلام -: أقوم وأنا أشك في الفجر، فقال: صل
على شكك، فإذا طلع الفجر فأوتر، وصل الركعتين، الخبر (7).
وأما ما في آخر: قلت له: أقوم قبل الفجر بقليل، فأصلي أربع ركعات، ثم
أتخوف أن ينفجر الفجر، أبدأ بالوتر، أو أتم الركعات؟ فقال: لا، بل أوتر،

(1) كالفقيه السيد محمد الموسوي العاملي في مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في وقت صلاة الليل
ج 3 ص 82، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان: كتاب الصلاة في وقت صلاة الليل
ج 2 ص 36، والمحقق النراقي في مستند الشيعة: كتاب الصلاة في وقت صلاة الليل ص 244
س 29
(2) في الشرح المطبوع " بل وادعى ".
(3) منهم: الفاضل الهندي في كشف اللثام: كتاب الصلاة في وقت نافلة الليل ج 1 ص 170 س 2.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في أحكام المواقيت ج 1 ص 214 س 14، وذخيرة المعاد: كتاب
الصلاة في أوقات النوافل ص 200 س 26.
(5) وسائل الشيعة: ب 47 من أبواب المواقيت ح 1 ج 3 ص 189.
(6) فقه الرضا عليه السلام: ب 11 في صلاة الليل ص 139.
(7) وسائل الشيعة: ب 48 من أبواب المواقيت ح 4 ج 3 ص 190.
87

وأخر الركعات حتى تقضيها في صدر النهار (1). فمع قصور سنده بالضعف،
والاضمار غير معلوم المنافاة لما سبق، فإن مورده من: " صلى أربعا وطلع
الفجر "، ومورد هذا من. " صلاها وخشي طلوعه " وإنما أمره بالايتار حينئذ
ليدرك الوتر في الليل ظافر الأخبار بفضل الايتار في الليل.
منها: عن الرجل يقوم آخر الليل، وهو يخشى أن يفجأه الصبح، أيبدأ
بالوتر؟ أو يصلي الصلاة على وجهها، حتى يكون الوتر آخر ذلك؟ قال: بل
يبدأ بالوتر (2).
وفي الصحيح: أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح، ويوتر ويصلي
ركعتي الفجر، ويكتب له بصلاة الليل (3). وبما ذكرنا من عدم المنافاة صرح من
المحققين جماعة (4)، ولكن ظاهر الشيخ، والفاضل في المنتهى وغيرهما فهم
المنافاة " (5).
ولذا حملوه على الفضيلة، والرواية السابقة على مطلق الجواز. وقد ذكر
جماعة - هنا - التخفيف أيضا (6)، والكلام فيه كما في التخفيف في نافلة
الظهرين.
وربما يعضد ثبوته هنا الخبر: قلت لأبي عبد الله - عليه السلام -: إني أقوم
آخر الليل وأخاف الصبح، قال: اقرأ الحمد وأعجل وأعجل (7). وفيه دلالة
أيضا على المنع عن نافلة الليل بعد الفجر كما مر، وإلا لما أمر بالاعجال.

(1) وسائل الشيعة: ب 47 من أبواب المواقيت ح 2 ج 3 ص 189.
(2) وسائل الشيعة ب 46 من أبواب المواقيت ح 2 و ح 3 ج 3 ص 187، مع اختلاف يسير في الأول.
(3) وسائل الشيعة ب 46 من أبواب المواقيت ح 2 و ح 3 ج 3 ص 187، مع اختلاف يسير في الأول.
(4) انظر مدارك الأحكام: ج 3 ص 82، وذخيرة المعاد: ص 200 س 29، والحدائق: ج 6 ص 234.
(5) راجع تهذيب الأحكام: ج 2 ب 8 ص 125، ذيل ح 243، والمنتهى: ج 1 ص 214 س 11 - 12.
(6) راجع شرائع الاسلام: ج 1 ص 62، ومنتهى المطلب: ج 1 ص 214 س 10، والحدائق: ج 6 ص 233.
(7) وسائل الشيعة: ب 46 من أبواب المواقيت ح 1 ج 3 ص 187.
88

(و) عليه (فلو تلبس (1) بما دون الأربع ثم طلع الفجر بدأ
بالفريضة وقضى نافلة الليل) اقتصارا (2) في محل الرخصة على مورد الرواية
المقبولة، مع أنها على المنع هنا بالمفهوم المعتبر دالة. هذا إذا لم يشرع في ركعتين،
وإلا يتمهما إن قلنا به فيما مضى من نافلة المغرب، فإنه بحسب الدليل لا فرق
بينهما.
(السادسة): يجوز أن (تصلى الفرائض أداء وقضاء ما لم يتضيق وقت (3)
الحاضرة)، فتقدم إجماعا في المقامين على الظاهر المصرح به في جملة من
العبائر (4). وهو الحجة، مضافا إلى الأصل والعمومات السليمة عن المعارض،
وخصوص النصوص الآتية في بحث القضاء والصلوات الآتية مثل: الكسوف
والزلزلة.
(و) كذا (تصلى النوافل)، مطلقا (ما لم يدخل وقت الفريضة)
فتقدم عليها، إلا إذا كانت راتبة لم يخرج وقتها المضروب لها، وإلا فتقدم عليها
- أيضا -. وجوبا، وفاقا للمبسوط والمقنعة والنهاية والاقتصاد والجمل والعقود
والسرائر والوسيلة والاصباح والجامع وكتب الماتن (5) وظاهر محتمل المهذب فيما

(1) في المتن المطبوع والشرح الصغير " ولو كان التلبس ".
(2) في الشرح المطبوع " اختصارا ".
(3) في المتن المطبوع (الفريضة).
(4) كعبارة المحقق الحلي في المعتبر: للصلاة في تقديم الفريضة ما لم يتضيق وقت الحاضرة، ج 2
ص 60، والفقيه السيد محمد الموسوي العاملي في مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في مواقيتها،
ج 3، ص 87، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة من أحكام المواقيت ج 1 ص 214 س 214 س 23.
(5) المبسوط: ج 1 ص 74، والمقنعة: ب 23 في أحكام الفوائت ص 212، والنهاية ونكتها: ب 16 ج 1 ص 367،
والاقتصاد: في ذكر المواقيت ص 256، والجمل والعقود: ص 60، والسرائر: ج 1 ص 202 والوسيلة:
في بيان أوقات الصلاة ص 84. والاصباح كما في كشف اللثام: ج 1 ص 162 س 10، والجامع
للشرائع: ص 62، والمعتبر: في مواقيت النوافل ج 2 ص 62، وشرائع الاسلام: في وقت النوافل ج 1
ص 62، والنهاية ونكتها: ب 16 في قضاء ما فات من الصلوات ج 1 ص 367.
89

حكي (1)، والفاضل في القواعد والارشاد (2). وبالجملة المشهور على الظاهر
المصرح به في الروض وغيره (3)، بل أسنده الماتن في المعتبر إلى علمائنا، مؤذنا
بدعوى الاجماع عليه (4). وهو الحجة، مضافا إلى الصحاح المستفيضة، وغيرها
من المعتبرة المستفيضة المتجاوزة حد الاستفاضة:
منها: - زيادة على النصوص المتقدمة في تحديد وقت نوافل الظهرين بالذراع
والذراعين، الآمرة بالبدأة بالفريضة بعد خروج وقت النافلة، والمتقدمة في آخر
ركعتي الفجر، وفي عدم جواز الايتار بعد طلوع الفجر الثاني - الصحيح: إذا دخل
وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى تبدأ بالمكتوبة (5).
والصحيح المروي في كلام جماعة: لا تصلى نافلة في وقت فريضة،
أرأيت لو كان عليك من شهر رمضان، كان لك أن تتطوع حتى تقضيه؟ قال،
قلت: لا، قال: فكذلك الصلاة، قال: فقايسني، وما كان يقايسني (6).

(1) حكاه الفاضل الهندي في كشف اللثام: كتاب الصلاة في وقت قضاء الفرائض والنوافل ج 1
ص 162 س 11.
(2) قواعد الأحكام: كتاب الصلاة في أوقاتها ج 1 ص 25 س 14، وإرشاد الأذهان: كتاب الصلاة في
أوقاتها ج 1 ص 243.
(3) روض الجنان: كتاب الصلاة في وقت قضاء الفرائض والنوافل ص 183 س 17، وجامع المقاصد:
كتاب الصلاة في أوقاتها ج 2 ص 23، وقال الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في
أحكام أوقات النوافل ص 130 س 28: (اشتهر بين متأخري الأصحاب منع صلاة النافلة لمن عليه
فريضة).
(4) المعتبر: كتاب الصلاة في النافلة بعد دخول الفريضة ج 2 ص 60.
(5) وسائل الشيعة: ب 61 من أبواب المواقيت ح 6 ج 3 ص 207.
(6) كما نقله الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في مواقيت القضاء ص 134 س 17، وكذا في
مستدرك الوسائل: ب 46 من أبواب المواقيت ح 3 ج 3 ص 160، أخرجه عن روض الجنان: كتاب
الصلاة في وقت النوافل ص 184 س 11، والوافي: ب 48 من أبواب مواقيت الصلاة ج 7 ص 365
ذيل الحديث 11، نقله عن الحبل المتين: كتاب الصلاة في أوقات القضاء و... ص 150 س 13،
وكذا نقله مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في مواقيت الصلاة ج 3 ص 88، والحدائق الناضرة:
كتاب الصلاة في النافلة في وقت الفريضة ج 6 ص 256، مع اختلاف يسير في جميعها.
90

ونحوه في المقايسة الصحيحة المتقدمة في آخر الفجر، الناهية عن
فعلهما بعده (1).
والصحيح المروي في مستطرفات السرائر: لا تصل من النافلة شيئا في وقت
فريضة، فإنه لا تقضى نافلة في وقت فريضة فإذا دخل وقت الفريضة فابدأ
بها (2).
وفي الموثق قيل لأبي جعفر - عليه السلام -: مالي لا أراك تتطوع بين الأذان
والإقامة كما يصنع الناس؟ فقال: إنا إذا أردنا أن نتطوع كان تطوعنا في غير
وقت فريضة، فإذا دخلت الفريضة فلا تطوع (3). إلى غير ذلك من النصوص
الظاهرة في المطلوب من جهة الأمر بالبدأة بالفريضة، والنهي عن النافلة أو
النفي لها، الراجع إليهما في إفادة التحريم، والمفيد للبطلان على الأشهر الأقوى.
ويعضده وجوه الدلالة المقايسة كل
والتنظير في، الصحيحة بصوم النافلة لمن عليه صوم فريضة، الممنوع عنه منع
تحريم اتفاقا، فيكون المنع هناك كذلك بحكم الزيادة (4) ما لا يخفى. ومنه يظهر
عدم إمكان حمل نحوهما على الكراهة، كما زعمه الشهيدان وجماعة (5)، جامعين

(1) وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب المواقيت ح 3 ج 3 ص 192.
(2) السرائر (باب المستطرفات من كتاب حريز): ص 480 س 7، مع اختلاف يسير.
(3) وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب المواقيت ح 3 ج 3 ص 165.
(4) في المخطوطات بدل " الزيادة " " الساق ".
(5) الشهيد الأول، في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في منع صلاة النافلة لمن عليه فريضة، ص 130
س 35، والشهيد الثاني في روض الجنان: كتاب الصلاة في جواز النافلة ما لم يدخل وقت الفريضة
ص 184 س 2، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع: كتاب مفاتيح الصلاة في كراهة التنفل بعد
دخول أوقات الفرائض ج 1 ص 97، والشيخ الحر العاملي في وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب
المواقيت ج 3 ص 167 ذيل الحديث 11.
91

بها بين النصوص المتقدمة، والنصوص الأخر المرخصة لفعلها، وهي مستفيضة،
مستشهدين عليه بالصحيح أو الحسن: قلت له - عليه السلام -: إذا دخل وقت
الفريضة أتنفل، أو أبدأ بالفريضة؟ قال: الفضل أن تبدأ بالفريضة، إنما أخرت
الظهر ذراعا عند الزوال من أجل صلاة الأوابين (1). وفيه - زيادة على ما عرفته من
عدم قبول نحو الصحيحين، المانعين الحمل على الفضيلة -: أن الجمع فرع المكافأة
وهي في المقام مفقودة، لصحة كثير من الأخبار، واستفاضتها القريبة من التواتر،
واعتضادها بالشهرة العظيمة، والتعليلات الواردة فيها:
منها: زيادة على ما مر في الصحيحين - التعليل الوارد في تحديد نوافل
الظهرين بالذراع والذراعين بقولهم - عليهم -: لمكان النافلة لك أن تتنفل
من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع (2) إلى آخر ما عرفت ومفهومه: أنه
بعد مضي الذراع ليس لك أن تتنفل، وهو كالنص في التحريم، ومع ذلك
مؤكد فيما بعد بالأمر بفعل الفريضة وترك النافلة. ولا كذلك أخبارهم، فإنها
مع مخالفتها الشهرة، بل الاجماع إذ لم نجد قائلا بها، عدا الشهيد - رحمه الله - ومن
تبعه، وإلا فلم يعرف قائل بها قبله من الطائفة. ولعله لذا ادعى الماتن عليه
إجماع الطائفة كثير منها قاصرة الأسانيد غير صريحة الدلالة، بل ولا ظاهرة
كالصحيح.
منها أيضا: إذا دخل المسافر مع أقوم حاضرين في صلاة فإن كانت الأولى
فليجعل الفريضة في الركعتين الأوليين وإن كانت العصر فليجعل الركعتين الأوليين

(1) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب المواقيت ح 2 و 3 ج 3 ص 167.
(2) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب المواقيت ح 3 و 4 ج 3 ص 103.
92

نافلة، والأخيرتين فريضة (1)، وذلك فإن النافلة فيه إن أريد بها الفريضة المعادة لم
يرتبط بموضوع المسألة.
كما لا ربط به، للصحيح: عن رجل دخل المسجد، وافتتح الصلاة، فبينما
هو قائم يصلي إذ أذن مؤذن، وأقام الصلاة، قال: فليصل ركعتين، ثم ليستأنف
الصلاة مع الإمام، ولتكن الركعتان تطوعا (2)، لكون هذه النافلة مستثناة
إجماعا، كما سيأتي في محله إن شاء الله تعالى.
وكذلك النصوص الدالة على خصوص بعض النوافل فيما بعض أوقات
الفرائض كالغفيلة (3) لا ربط لها بالمقام، لأنه ارتضاها الأصحاب واستثنوها
بالخصوص.
وإن أريد بها النافلة الحقيقية لدلت حينئذ على جواز الجماعة في
النافلة، وهو خلاف الاجماع، كما ستعرفه في بحثها إن شاء الله تعالى. فتكون
الرواية لذلك شاذة - فتأمل - كالصحيح الآخر: عن الرواية التي يروون: (أنه
لا ينبغي أن يتطوع في وقت فريضة) ما حد هذا الوقت؟ قال: إذا قام المقيم وقد
شرع في الإقامة فقال له: الناس يختلفون في الإقامة، قال: المقيم الذي تصلي
معه (4). وذلك لعدم قائل بهذا التفصيل فيما أجده، وإن احتمله بعضهم (5) في
مقام الجمع بين الأخبار المختلفة، لكن فتواه: القول بإطلاق الكراهة.
وأما النصوص الدالة على شرعية النوافل مطلقا، وقضاء الرواتب منها متى
شاء فهي وإن كانت كثيرة قريبة من التواتر، وفيها الصحاح وغيرها، إلا أن

(1) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب صلاة الجماعة ح 4 ج 5 ص 403، مع اختلاف يسير.
(2) وسائل الشيعة: ب 56 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 ج 5 ص 458، مع اختلاف يسير.
(3) في جميع المخطوطات (كالفضيلة) بدل (كالغفيلة).
(4) وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب المواقيت ح 9 ج 3 ص 166، مع اختلاف يسير.
(5) مدارك الأحكام: ج 3 ص 89، وذخيرة المعاد: ص 203 س 29 و س 33.
93

دلالتها بالعموم، وما قدمناه من الأدلة خاصة يجب تخصيصه بها، كما هو
القاعدة المقررة المسلمة.
فليت شعري، كيف يمكن الاستناد بمثل هذه الأخبار في رد تلك الأخبار
الواضحة الدلالة، والاسناد المعتضدة بعمل الأصحاب، المخالفة للعامة على ما
يستفاد من الموثقة السابقة لقوله: (كما يصنع الناس) والمراد بهم: العامة كما
لا يخفى على المتتبع لأخبار الأئمة - عليهم السلام -.
ثم قوله - عليه السلام -: " إنا إذا أردنا إلى آخره " حيث جعل - عليه
السلام - ذلك من خواصهم!؟.
وربما يومئ إليه الصحيحان المتقدمان، المتضمنان لقياس الصلاة
بالصيام، فإن الظاهر أن المقصود منه إنما هو إثبات ما هم عليه على هؤلاء
العبدة للأصنام جدلا معهم، بمقتضى مذهبهم في العمل بالقياس.
وبذلك يقوى احتمال حمل الأخبار المتقدمة، - على تقدير تسليم دلالتها -
على التقية، وكذا يحمل عليها ماله على الجواز ظهور دلالة أو صراحة.
ومنها: الحسنة المتقدمة، المتضمنة لقوله - عليه السلام -: " لفضل أن تبدأ
بالفريضة " مع أنه تأمل في دلالتها - أيضا - جماعة، بناء على أن الفضل غير
الأفضلية، وهو يحصل في الواجب أيضا. فتأمل جدا.
ومنها: الصحيحان: عن رجل فاتته صلاة النهار متى يقضيها؟ قال: متى
شاء، إن شاء بعد المغرب، وإن شاء بعد العشاء (1).
والموثق: إن فاتك شئ من تطوع النهار والليل فاقضه عند زوال الشمس،
وبعد الظهر عند العصر، وبعد المغرب، وبعد العتمة ومن آخر السحر (2).

(1) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب المواقيت ح 7 ج 3 ص 175، والصحيح الآخر ح 6 مع تفاوت
بينهما.
(2) وسائل الشيعة: ب 57 من أبواب المواقيت ح 10 ج 3 ص 201.
94

ونحوه المروي عن قرب الإسناد (1). وإن أبيت عن الحمل على التقية،
لأجبنا عن الأخبار السابقة بما عرفته، وعن هذه.
أولا: بقصورها جملة عن المقاومة لأخبارنا المتقدمة من وجوه عديدة، كما
عرفته.
وثانيا: بقصور سند الأخيرين منها وإن كانا صريحين، مع عدم جابر لهما في
مقابلة ما قدمناه، ولا سيما الصحيحين الصريحين.
وأما الصحيحان الأولان فليسا نصين في قضاء النوافل، فيحتمل الفرائض
خاصة. وترك الاستفصال وإن اقتضى عمومهما لهما، لكن العموم غايته
الظهور.
ويصرف عنه بما قدمناه من أدلة المشهور، فيخصصان بها، لكن على هذا
ينافيان المشهور، القائلين بالمضايقة في أوقات الفرائض الفائتة، ولزوم تقديمها
على الحاضرة، لدلالتهما على هذا التقدير على جواز فعل الحاضرة قبل الفائتة،
ولم يقولوا به، لكن فيما ذكرناه أو لا من الأجوبة كفاية إن وافقنا المشهور على
القول بالمضايقة بهما هو الأقرب، وإلا فلا يرد علينا الاشكال المزبور بالمرة.
واعلم أن ظاهر العبارة كغيرها من عبائر الجماعة عدم البأس بفعل
النافلة لمن عليه فريضة، مع أن الأشهر الأظهر عدم الفرق، وحرمتها عليه أيضا.
وسيأتي في بحث القضاء من الماتن، وغيره ممن ضاهى (2) عبارته ما يعرب عن
الموافقة، وقولهم - أيضا - بالحرمة.
ويمكن استنباطه من العبارة بتعميم الوقت الفريضة فيها لوقتي الحاضرة
والفائتة، وخالف فيه أيضا كل من قال هنا بالكراهة.
وبالجملة: لم أعرف قائلا بالفرق بين المسألتين فيما أجده، وبه صرح شيخنا

(1) قرب الإسناد ص 93، س 10.
(2) في المخطوطات (عبارته هنا عبارته).
95

في الروض (1) في هذه المسألة. وتحقيق القول في المسألة الثانية يأتي في بحث
القضاء إن شاء الله تعالى.
(السابعة: يكره ابتداء النوافل) في خمسة مواطن: ثلاثة يتعلق النهي فيها
بالزمان، وهي:
(عند طلوع الشمس) حتى ترتفع وتذهب الحمرة، ويستوي سلطانها
بظهور أشعتها، فإنه في ابتداء طلوعها ضعيف.
(و) عند (غروبها): أي ميلها إلى الغروب، وهو: اصفرارها حتى
يكمل الغروب بذهاب الحمرة المشرقية.
(و) عند (قيامها) في وسط النهار، ووصولها إلى دائرة (نصف
النهار)، المعلوم بانتهاء نقصان الظل إلى أن تزول.
(و)، وقتان: يتعلق النهي فيهما بالفعل وهما (بعد) صلاتي (الصبح)
حتى تطلع الشمس (والعصر) حتى تغرب. كل ذلك على المشهور بين
الأصحاب، بل لعله عليه عامة متأخريهم على الظاهر المصرح به في عبائر
جماعة، وعن الغنية الاجماع عليها (3). وهو الحجة، مضافا إلى المعتبرة
المستفيضة.
ففي الصحيح: يصلى على الجنازة في كل ساعة. إنها ليست بصلاة ركوع
ولا سجود، وإنما تكره الصلاة عند طلوع الشمس، وعند غروبها التي فيها الخشوع
والركوع والسجود، لأنها تغرب بين قرني شيطان، وتطلع بين قرني شيطان (4).

(1) روض الجنان: كتاب الصلاة في جواز النافلة ما لم يدخل وقت الفريضة ص 184 س 8.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: كتاب الصلاة في كراهة النوافل في الأوقات الخمسة ج 2 ص 46،
ومفاتيح الشرائع: كتاب الصلاة في موارد كراهة التنفل ج 1 ص 98.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة ص 494 س 30.
(4) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب صلاة الجنازة ح 2 ج 2 ص 797.
96

وفيه: لا صلاة نصف النهار إلى يوم الجمعة (1).
وفي الموثق: لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، فإن رسول الله - صلى،
الله عليه وآله - قال: إن الشمس (وذكر العلة المتقدمة في الصحيحة المتقدمة)
وقال: لا صلاة بعد العصر حتى تصلى المغرب (2).
ونحوه الموثق الآخر (3)، لكن من دون ذكر التعليل، وظاهرهما كالعبارة:
" تعلق النهي بالنوافل بعد زماني الفجر والعصر "، لا بعد صلاتيهما كما قلناه
وفاقا للمشهور.
بل قيل: إن الأصحاب قاطعون (4) به مؤذنا بنقل الاجماع، وهو ظاهر
الشهيد - رحمه الله - حيث حكى ظاهر الخبرين عن بعض العامة خاصة (5).
وفي الخبرين: نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله - عن صلاة بعد طلوع
الشمس، وعند غروبها، وعند استوائها (6). وزيد في أحدهما التعليل بما مر. إلى
غير ذلك من النصوص الكثيرة، وظاهر أكثرها التحريم كما عليه المرتضى (7) في
الثلاثة الأول، مدعيا على الأول منها الاجماع في صريح الانتصار وظاهر الناصرية.
وزاد فيهما الخامس، وقال فيهما بامتداد الكراهة في الأول إلى الزوال،
ويوافقه ظاهر العماني (8) فيه كذلك، وفي الخامس، وظاهر الإسكافي (9) في

(1) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب صلاة الجمعة ج 6 ج 5 ص 18.
(2) وسائل الشيعة: ب 38 من أبواب المواقيت ح 2 ج 3 ص 170 و 171
(3) وسائل الشيعة: ب 38 من أبواب المواقيت ح 2 ج 3 ص 170 و 171
(4) حكاه الفاضل الهندي في كشف اللثام: كتاب الصلاة في كراهة ابتداء النوافل بعد صلاتي
الصبح والعصر ج 1 ص 166 س 30.
(5) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في كراهة الابتداء بالنافلة... ص 127 س 27.
(6) وسائل الشيعة: ب 38 من أبواب المواقيت ح 6 و ح 7 ج 3 ص 171 و 172
(7) الإنتصار: كتاب الصلاة في حرمة التنفل بعد طلوع الشمس... ص 50، الناصريات (الجوامع
الفقهية): كتاب الصلاة م 78 في عدم جاوز التطوع في... ص 230 س 20.
(8) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في الأوقات التي تكره فيها الصلاة ج 1 ص 76 س 4 و 5.
(9) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في الأوقات التي تكره فيها الصلاة ج 1 ص 76 س 4 و 5.
97

لثلاثة الأول كما في العبارة، لكن كلامهما ليس نصا في التحريم، وكذا كلام
السيد، لاحتمال نفي الجواز (1) الذي لا كراهة فيه، كما يستعمل كثيرا في
عبارات القدماء، وإلا فهو شاذ، بل على خلافه الاجماع في المختلف (2).
وهو مع الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا أوجبا صرف النهي وما
في معناه في النصوص إلى الكراهة، مضافا إلى التعبير بها عن المنع في
الصحيحة الأولى، وب‍ (لا ينبغي) في المروي عن العلل (3).
هذا، وتوقف الصدوق في أصل الحكم، قال في الفقه - بعد نقل رواية
النهي في الثلاثة الأول -: إلا أنه روى جماعة، عن مشايخنا، عن الحسين بن
محمد بن جعفر الأسدي - رضي الله عنه - أنه ورد عليه (4) من جواب مسائله، عن
محمد بن عثمان العمري - قدس الله روحه -: وأما ما سألت عنه من الصلاة عند
طلوع الشمس، وعند غروبها فلئن كان كما يقول الناس: إن الشمس تطلع
بين قرني الشيطان، وتغرب بين قرني الشيطان فما أرغم أنف الشيطان بشئ
أفضل من الصلاة، فصلها وأرغم أنف الشيطان (5).
وقال في الخصال - بعد أن روي عن عائشة، وغيرها نصوصا مستفيضة،
متضمنة لفعل النبي - صلى الله عليه وآله -: ركعتين بعد العصر، وركعتين بعد
الفجر (6) كما في جملة منها.
وقوله - صلى الله عليه وآله -: من صلى البردين دخل الجنة (7) يعني بعد

(1) في نسخة (مش) و (م) و (ش) " نفي الجواز فيه نفي الجواز ".
(2) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في الأوقات التي تكره فيها الصلاة ج 1 ص 76 س 11.
(3) علل الشرائع: ب 47 في العلة التي من أجلها لا يجوز... ح 1 ج 2 ص 343.
(4) في المخطوطات " ورد عليه فيما ورد ".
(5) من لا يحضره الفقيه: ب 76 في قضاء صلاة الليل ح 4 ج 1 ص 315.
(6) الخصال: باب الاثنين، ح 105 ص 69، وفيه " وركعتين قبل الفجر ".
(7) نفس المصدر: ح 108 ص 71.
98

الغداة، وبعد العصر.
كما في بعضها ما لفظه: كان مرادي بإيراد هذه الأخبار الرد على المخالفين،
لأنهم لا يرون بعد الغداة وبعد العصر صلاة، فأحببت أن أبين لهم أنهم قد
خالفوا النبي - صلى الله عليه وآله - في قوله وفعله (1).
ونحوه المفيد - رحمه الله - في كتابه المسمى ب‍ " افعل لا تفعل " حيث شنع
على العامة في روايتهم عن النبي - صلى الله عليه وآله - ذلك (2). ومال إليه جماعة
من محققي متأخري المتأخرين (3). وهو غير بعيد، سيما مع إطلاق بعض النصوص
بفعل النوافل في الأخيرين.
ففي الخبرين: صل بعد العصر من النوافل ما شئت، وبعد صلاة الغداة ما
شئت (4). ولكن كان الأولى عدم الخروج عما علمه الأصحاب من الكراهة،
نظرا إلى التسامح في أدلتها كما هو الأشهر الأقوى.
واعلم أن قوله: (عدا) قضاء (النوافل المرتبة، وما له سبب) كصلاة

(1) الخصال: باب الاثنين، ص 71 ذيل الحديث 108.
(2) الظاهر - بعد التتبع في الكتب الرجابة والفهارسية - أن الشيخ المفيد - رحمه الله - ليس له كتاب بهذا
الاسم. قال صاحب الذريعة: كتاب (إفعل لا تفعل) لأبي جعفر محمد بن علي بن النعمان بن أبي
طريقة البجلي الأحول الصيرفي الملقب بمؤمن الطاق يروي عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه
السلام (الذريعة: ج 2، ص 261، ترجمة 1061) وقال النجاشي - بعد ترجمته للمشار إليه - له كتاب
" افعل لا تفعل " رأيته عند أحمد بن الحسين بن عبيد الله [الغضائري] كتاب كبير حسن. (رجال
النجاشي: ص 228) وراجع معجم الحديث: ج 17، ص 32.
(3) منهم: صاحب مدارك الأحكام: في أحكام مواقيت الصلاة ج 3 ص 108، وصاحب ذخيرة المعاد:
في كراهة التنفل في الأوقات الخمسة ص 205 س 36، وصاحب بحار الأنوار: ب 11 الأوقات
المكروهة ج 83 ص 153، وصاحب الحدائق الناضرة: في الاشكال في كراهة الصلاة في الأوقات
الخمسة ج 6 ص 313.
(4) وسائل الشيعة: ب 38 من أبواب المواقيت ح 5 ج 3 ص 171، وفيه: "... وصل بعد الغداة من
النوافل ما شئت ".
99

الطواف والاحرام والزيارة والحاجة والاستخارة والاستسقاء والتحية والشكر،
ونحو ذلك استثناء متصل إن أريد بابتداء النوافل الشروع فيها، وإلا فمنقطع.
وكيف كان، فهدا الاستثناء مشهور بين الأصحاب، بل عليه عامة
متأخريهم، وفي الناصرية الاجماع عليه (1). وهو الحجة المخصصة لعموم النصوص
المانعة، مضافا إلى عموم المستفيضة بقضاء النافلة في أي وقت شاء، بل ظاهر
جملة منها المترجحة بذلك، وبالشهرة على الأخبار المانعة.
ففي الصحيح: عن قضاء النوافل، قال: ما بين طلوع الشمس إلى غروبها (2).
وفي المرسل، كالصحيح عن القضاء قبل طلوع الشمس وبعد العصر، فقال:
نعم، فاقضه، فإنه من سر آل محمد - صلى الله عليه وآله - المخزون (3). ونحوه الخبران (4).
وفي آخرين: أحدهما الحسن: اقض، صلاة الليل أي ساعة شئت من ليل
أو نهار، كل ذلك سواء (5) ونحوهما الصحيح (6) "
وفي آخر: كتبت إليه في قضاء النافلة، من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس،
ومن بعد العصر إلى أن تغيب الشمس فكتب إلي: لا يجوز ذلك إلا للمقتضي (7).
فتدبر.
وفي الخبر: في قضاء صلاة الليل والوتر تفوت الرجل، أيقضيها بعد صلاة
الفجر، وبعد صلاة العصر؟ قال: لا بأس بذلك (8). وعموم أدلة شرعية ذوات

(1) الناصريات، (الجوامع الفقيه): كتاب الصلاة م 77 في جواز قضاء الفرائض و... ص 230.
(2) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب المواقيت ح 9 و 17 ج 3 ص 176 و 177.
(3) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب المواقيت ح 9 و 17 ج 3 ص 176 و 177.
(4) وسائل الشيعة: ب 56 من أبواب المواقيت ح 1 و 3 ج 3 ص 198 و 199.
(5) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب المواقيت ح 12 و 13 ج 3 ص 176 وفي الحسن: " إقض، صلاة
النهار ".
(6) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب المواقيت ح 3 ج 3 ص 175.
(7) وسائل الشيعة: ب 38 من أبواب المواقيت ح 3 ج 3 ص 171.
(8) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب المواقيت ح 10 ج 3 ص 176.
100

الأسباب عند حصولها، بل ظاهر جملة منها في ركعتي الاحرام، وفيها الصحيح وغيره:
خمس صلوات لا تترك على حال: إذا طفت بالبيت، وإذا أردت أن تحرم، وصلاة
الكسوف، وإذا نسيت فصل إذا ذكرت، وصلاة الجنازة (1)، كما في الأول.
ونحوه الثاني بزيادة: وصلاة الطواف من الفجر إلى طلوع الشمس، وبعد
العصر إلى الليل (2). والتعارض بينه وبين عموم الأخبار المانعة أو إطلاقها
وإن كان تعارض العموم من وجه يمكن تخصيص كل منهما كما بالآخر، إلا أن
الأصل والشهرة العظيمة، وحكاية الاجماع المتقدمة أوجب ترجيح هذا العموم،
وتخصيصه، لعموم المنع، سيما مع وهنه بتخصيص قضاء النوافل عنه، كما مر.
وكذا الفرائض مطلقا، كما هو المشهور، لفحوى ما دل على استثناء قضاء النوافل،
وللاجماع المحكي عليه في صريح الناصرية والمنتهى والتحرير وظاهر
التذكرة (3)
للنصوص المستفيضة منها: النصوص الآمرة بقضاء الفرائض متى
ذكرها (4) - كما سيأتي في بحثه إن شاء الله تعالى - وأوامر المسارعة إلى
المغفرة (5)، وإلى نقل الموتى إلى مضاجعهم (6)، واحتمال فوات الوقت إذا
أخرت نحو (7): صلاة الكسوف، وخصوص نصوص صلاة طواف الفريضة،
وهي كثيرة.

(1) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب المواقيت ح 4 و 5 ج 3 ص 175.
(2) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب المواقيت ح 4 و 5 ج 3 ص 175.
(3) حكاه في كشف اللثام: كتاب الصلاة في التنفل في الأوقات المكروهة ج 1 ص 166 س 35.
(4) وسائل الشيعة: ب 57 من أبواب المواقيت ج 3 ص 199.
(5) سورة آل عمران: 133.
(6) وسائل الشيعة: ب 47 من أبواب الاحتضار ح 1 ج 2 ص 674.
(7) في نسخة (ق) " عن " بدل " نحو ".
101

منها: عن رجل طاف طواف الفريضة، وفرغ من طوافه حين غربت
الشمس، قال: وجبت عليه تلك الساعة الركعتان، فليصلهما قبل المغرب (1).
ومنها: عن الرجل يطوف الطواف الواجب بعد العصر، أيصلي الركعتين
حين يفرغ من طوافه؟ قال: نعم، أما بلغك قول رسول الله - صلى الله عليه وآله -
يا بني عبد المطلب، لا تمنعوا الناس عن الصلاة بعد العصر فتمنعوهم من
الطواف (2)!؟.
وخصوص الصحيحة المتقدمة في صلاة الجنازة (3)، ونحوها أخرى: لا بأس
بصلاة الجنازة حين تغيب الشمس وحين تطلع، إنما هو استغفار (4).
وقريب منهما بعض الأخبار: هل يمنعك شئ من هذه الساعات عن
الصلاة على الجنازة؟ قال: لا (5).
وخصوص ما ورد في صلاة الكسوف، كالصحيح: وقت صلاة الكسوف
في الساعة التي تنكسف عند طلوع الشمس وعند غروبها (6).
وما ورد بكراهة قضاء الفرائض، وصلاة الجنازة في بعض هذه الأوقات (7)
فلا تكافئ هذه النصوص من وجوه - شتى وإن تضمنت الصحاح وغيرها.
وينبغي حملها على التقية جدا، كما أنه ينبغي أن يحمل عليها مطلق الأخبار
المانعة لما عرفته، لكن الشهرة ربما أبعدته فيها أو أوجبت هي الكراهة بنفسها،
وينبغي حينئذ أن تدور مدارها. وحيث لا شهرة على الكراهة في المستثنيات

(1) وسائل الشيعة: ب 76 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 486.
(2) وسائل الشيعة: ب 76 من أبواب الطواف ح 2 ج 9 ص 487.
(3) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب صلاة الجنازة ح 2 و 1 و 3 ج 2 ص 797.
(4) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب صلاة الجنازة ح 2 و 1 و 3 ج 2 ص 797.
(5) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب صلاة الجنازة ح 2 و 1 و 3 ج 2 ص 797.
(6) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 2 ج 5 ص 146.
(7) وسائل الشيعة: ب 62 من أبواب المواقيت ح 3 و ح 4 ج 3 ص 209، وأيضا: الشيعة: ب 20
من أبواب صلاة الجنازة ح 5 ج 2 ص 798.
102

والفرائض، بل الشهرة على خلافها نفيناها بالأصل السليم عن المعارض بعد
ما عرفت من حمل الأخبار المانعة على التقية.
ومن هنا، ظهر ضعف قول الشيخين بعدم استثناء ما استثني في المتن في
الأولين، وزاد في الحلاف الثالث (1).
واعلم، أن الصحيحة الثانية من النصوص الماضية في صدر المسألة تضمنت
استثناء نوافل يوم الجمعة، وهو المشهور بين الأصحاب، بل عليه الاجماع في
المنتهى والناصرية (2)، ولا خلاف فيه - أيضا - أجده، إلا من إطلاق العبارة،
ونحوها بكراهة ابتداء النوافل من دون استثنائها، وليس ذلك نصا، بل ولا
ظاهرا في المخالفة، سيما مع إمكان إدراجها في النوافل الراتبة المستثناة، فإنها
منها، لكونها النوافل النهارية قدمت على الجمعة، وزيادة أربع ركعات فيها
لا يخرجها عن كونها راتبة.
(الثامنة: الأفضل في كل صلاة تقديمها في أول وقتها) (3) لعموم أدلة
استحباب المسارعة إلى الطاعة، وخروجا عن شبهة الخلاف، فتوى ورواية في
الفرائض، ما عدا العشاء، فيستحب تأخيرها إلى ذهاب الشفق المغربي، بل
قيل: بوجوبه كما مضى (4)، والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة التي
كادت تبلغ التواتر، بل لعلها متواترة.
ففي الصحيح: أول الوقت أفضل، فعجل الخير ما استطعت (5). وبمعناه كثير.

(1) المقنعة: كتاب الصلاة ب 23 في أحكام فوائت الصلاة ص 212، والخلاف: كتاب الصلاة م 263
في الأوقات المكروهة فيها الصلاة ج 1 ص 520.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في أحكام المواقيت ج 1 ص 216 السطر الأخير، والناصريات
(الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة م 78 ص 230.
(3) في المتن المطبوع " أوقاتها ".
(4) مضى في شرح. قول الماتن " الثانية: قيل: لا يدخل وقت العشاء حتى تذهب الحمرة المغربية... ".
(5) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب المواقيت ح 1 ج 3 ص 88.
103

وفيه: الصلوات المفروضات في أول وقتها إذا أقيمت حدودها أطيب ريحا
من قضيب الآس حين يؤخذ من شجرة في طيبه وريحه وطراوته، فعليكم
بالوقت الأول (1).
(إلا) ما مر من تأخير المستحاضة الظهر والمغرب إلى آخر وقت فضيلتهما،
وتأخير المتيمم التيمم، إلى آخر الوقت بقدر ما يصلي الفريضة إن قلنا بجواز
تقديمه في أول وقتها في الجملة أو مطلقا، وإلا فيجب التأخير.
وتأخير المربية للصبي ذات الثوب الواحد الظهرين إلى آخر الوقت، لتغسل
الثوب قبلهما، ويحصل فيه أربع صلوات بغير نجاسة، وتأخير صلاة الليل إلى
الثلث الأخير وما يقرب من الفجر وتأخير ركعتيها إلى الفجر الأول، وتأخير
فريضة الصبح لمن أدرك من صلاة الليل أربع ركعات إلى أن يتمها، والوتر
وصلاة الفجر، وتأخير العشاء إلى الشفق - كما مر - بل إلى ثلث الليل، أو
نصفه كما في النصوص المتقدمة جملة منها. إلى غير ذلك من المواضع المستثناة.
ومنها: (ما نستثنيه في مواضعه، إن شاء الله تعالى) من تأخير دافع
الأخبثين إلى أن يخرجهما، وتأخير الصائم المغرب إلى بعد الافطار، لدفع
منازعة النفس أو الانتظار، وتأخير المفيض من عرفة العشائين إلى الجمع،
وتأخير مريد الاحرام الفريضة الحاضرة حتى يصلي نافلة الاحرام.
ومنها: تأخير صاحب العذر الراجي للزوال لتقع صلاته على الوجه الأكمل،
بل أوجبه السيد وجماعة (2)، ولا يخلو عن قوة، واشتهر بين المتأخرين خلافه.
ومنها: ما إذا كان التأخير مشتملا على صفة كمال كاستيفاء الأفعال،
وتطويل الصلاة، واجتماع البال ومزيد الاقبال، وإدراك فضيلة الجماعة،

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب المواقيت ح 1 ج 3 ص 86.
(2) الناصريات، " ضمن الجوامع الفقهية ": م 51 ص 225، والمراسم: ص 54 والمهذب: ج 1 ص 47،
والكافي الفقه: ص 136.
104

والسعي إلى مكان شريف، ونحو ذلك على المشهور، قيل: ويستفاد من
النصوص، ولم أقف عليها.
نعم، ربما دل بعضها على استحباب التأخير، لانتظار الإمام، وقد تقدم.
وفي الخبر الوارد في المغرب: إذا كان أرفق بك، وأمكن لك في صلاتك،
وكنت في حوائجك فلك أن تؤخرها إلى ربع الليل (1). وغاية ما يستفاد منه
جواز التأخير، لا استحبابه كما يفهم منهم.
نعم، في الصحيح: أكون في جانب المصر، فتحضر المغرب، وأنا أريد
المنزل، فإن أخرت الصلاة حتى أصلي - في المنزل كان أمكن لي، وأدركني
المساء فأصلي في بعض المساجد؟ فقال: صل في منزلك (2).
ونحوه خبر آخر: إئت منزلك، وانزع ثيابك (3)، وربما كان فيهما دلالة على
الاستحباب، الذي هو أقل مراتب الأمر الذي تضمناه، ولكن يمكن وروده
لمطلق الرخصة باحتمال وروده مورد توهم المنع، كما يستفاد من السؤال فيهما،
إلا أن الشهرة ربما ترجح إرادة الاستحباب. وهنا مواضع أخر مستثناة في كلام
الأصحاب لا فائدة مهمة في ذكرها، مع تأمل في بعضها.
(التاسعة لا يجوز صلاة الفريضة قبل وقتها) إجماعا، والنصوص به مع ذلك
- مضافا إلى الأصول - مستفيضة جدا، وفيها الصحاح وغيرها.
وأما الصحيح: إذا صليت في السفر شيئا من الصلوات في غير وقتها فلا
يضرك (4) فمحمول على خارج الوقت، أو النافلة، أو وقت الفضيلة. ويحتمل
التقية.

(1) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب المواقيت ح 8 ج 3 ص 142.
(2) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب المواقيت ح 14 ج 3 ص 144.
(3) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب المواقيت ح 11 ج 3 ص 143.
(4) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب المواقيت ح 9 ج 3 ص 123.
105

فقد حكي عن الحسن والشعبي وابن عباس أنهم قالوا - في مسافر صلى
قبل الزوال -: يجزيه (1)، وحيث ثبت ذلك وجب تحصيل العلم بالوقت، ولا
يجوز التعويل على الظن، وهو مع التمكن من العلم إجماعي، كما صرح به
جماعة (2).
ولا ينافيه إطلاق كلام الشيخين بكفاية المظنة (3)، لعدم معلومية شموله
لنحو الصورة المفروضة، بل الظاهر بحكم التبادر عدمه.
وبنحو ذلك يجاب عن النصوص (4) المعتبرة، للمظنة الحاصلة من أذان
المؤذنين، وصياح الديكة، وفيها الصحيح وغيره، مع أنه قضيته الجمع بينها وبين
النص المانع عن الاعتماد على الأذان بحمله على صورة التمكن من العلم،
والسابقة على صورة عدم التمكن، إلا من المظنة وإن أمكن الجمع بحمل الأولة
على أذان الثقة، والثاني على غيره، لكون الجمع الأول أوفق بالأصول
والشهرة، بل الاجماع كما حكاه الفحول.
ويجوز التعويل - مع عدمه - على الأمارات المفيدة للظن على المشهور، بل في
التنقيح دعوى الاتفاق عليه (5) لما مر من الروايات، مضافا إلى خصوص ما

(1) حكاه العلامة الحلي في منتهى المطلب: كتاب الصلاة في عدم جواز الصلاة قبل وقتها ج 1 ص 212
س 25
(2) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان: كتاب الصلاة في أوقات الصلوات ج 2 ص 52،
ومفاتيح الشرائع: كتاب الصلاة في عدم جواز التعويل على الظن في الوقت ج 1 ص 95، وكشف
اللثام: كتاب الصلاة في عدم جواز التعويل على الظن ج 1 ص 164 س 23.
(3) المقنعة: كتاب الصلاة ب 5 في أوقات الصلوات ص 94، النهاية: كتاب الصلاة باب أوقات الصلاة
ص 62.
(4) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب المواقيت ج 3 ص 124، أيضا: ب 3 من أبواب الأذان والإقامة ج 4
ص 618.
(5) التنقيح الرائع: كتاب الصلاة في لواحق أحكام المواقيت ج 1 ص 171.
106

سيأتي من الخبر، خلافا للإسكافي وغيره، فيصبر حتى يتيقن (1) وهو الأوفق
بالأصول، لولا ما مر من النصوص المعتضدة بالشهرة، والاجماع المنقول،
والنصوص المستفيضة، وفيها الصحيح وغيره بجواز الافطار عند ظن الغروب (2).
ولا قائل بالفرق بينه وبين جواز الصلاة بعده، فهي أيضا أدلة مستقلة،
كالموثقة: إني ربما صليت الظهر في يوم غيم، فانجلت، فوجدتني صليت حين
زوال النهار، قال: فقال: لا تعد ولا تعد (3).
وعلى المختار: (فإذا (4) صلى ظانا دخول الوقت، ثم تبين الوهم
أعاد) الصلاة إجماعا، فتوى ونصا (إلا أن يدخل الوقت) وهو متلبس
بشئ منها ولو كان تشهدا أو تسليما (ولما يتم) (5) فيتمها.
ولا قضاء على الأشهر الأظهر للخبر: إذا صليت وأنت ترى أنك في وقت،
فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك (6). وقوله - عليه السلام -
" وأنت ترى " ظاهر في الظن، وقصور السند أو ضعفه منجبر الشهرة الظاهرة،
والمحكية في عبائر جماعة (7) حد الاستفاضة، ومؤيد بالاعتبار، فإنه امتثل، بناء
على أنه مأمور باتباع ظنه، فتجزئ، خرج ما إذا وقعت الصلاة كلها خارج
الوقت بالاجماع والنص، فيبقى الباقي.

(1) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في أوقاتها ج 1 ص 74 س 10 عن السيد المرتضى وابن أبي
عقيل وابن الجنيد وهو رأي العلامة فيه، وصاحب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في أحكام
المواقيت 99.
(2) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ج 7 ص 87.
(3) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب المواقيت ح 16 ج 3 ص 94، مع اختلاف يسير.
(4) في المتن المطبوع " وإذا ".
(5) في المتن المطبوع " ولم يتم ".
(6) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب المواقيت ح 1 ج 3 ص 150.
(7) منهم: صاحب التنقيح الرائع: كتاب الصلاة في لواحق أحكام المواقيت ج 1 ص 171، وجامع
المقاصد: كتاب الصلاة في أوقاتها ج 2 ص 29، ومسالك الأفهام: كتاب الصلاة في تحصيل الوقت
بالإمارة ج 2 ص 23.
107

(وفيه قول آخر): للمرتضى وجماعة (1)، فأوجبوا الإعادة، لوجوب
تحصيل يقين الخروج عن العهدة، وإنما يحصل إذا وقعت بتمامها في الوقت،
ولعدم الامتثال للأمر بإيقاعها في الوقت، وللنهي عنها قبله فيفسد، وللزوم تبعية
الوقت للأفعال، فإنها قد تكون إذا حضرت وقعت كلها قبل الوقت، فيخرج
الوقت (2) عن كونه مضروبا لها.
ولعموم الموثق: من صلى في غير وقت فلا صلاة له (3). مع ضعف الخبر
المتقدم بجهالة الراوي، وفيه أنه منجبر بما مر.
وأما باقي الوجوه: فمع أنها اجتهادات في مقابلة النص مضعفة، فالثلاثة
الأول بمنعها أجمع إن أريد بالوقت فيها: الوقت النفس الأمري.
كيف لا والمفروض كفاية الظن ولزوم الإعادة تنفيه أصالة البراءة.
وإن أريد به ما هو وقت في ظن المكلف فقد خرج عن العهدة، وامتثل
بإيقاعها في الوقت، ولم يوقعها قبله حتى يتعلق بها النهي فتفسد، وبنحوه يجاب
عن الرابع وزيادة هي: المنع عنه بشهادة الصحة إذا أدرك في الآخر ركعة.
ودعوى خروجها بالأدلة معكوسة لخروج ما نحن فيه أيضا، بما مر من
الأصول والرواية المعتبرة، ولا يعارضها الموثقة، مع أنها عامة لصورتي وقوع تمام
الصلاة قبل الوقت أو بعضها، والمعتبرة خاصة بالأخيرة، فليخصص بها

(1) المسائل الرسية (رسائل المرتضى): في حكم الواقع بعض صلاته قبل الوقت ج 2 ص 350، ومجمع
الفائدة والبرهان: كتاب الصلاة في أوقات الصلوات ج 2 ص 53، ومدارك الأحكام: كتاب
الصلاة في أحكام مواقيتها ج 3 ص 101.
(2) في نسخة (ق) " الصلاة " بدل " الوقت ".
(3) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب المواقيت ح 7 ج 3 ص 123.
108

الموثقة، أو يحمل الوقت فيها على الوقت الظاهري الذي يظنه المكلف. وعليه،
فلا صلاة قبل الوقت.
وبالجملة: خيرة الأكثر أظهر وإن كان القول الثاني أحوط، ويستفاد من
العبارة بطلان الصلاة لو فعلت قبل الوقت في غير صورة الظن مطلقا، وبه صرج
في الشرائع (1)، وهو موضع وفاق لو لم يصادف الصلاة شيئا من الوقت، ونفى
عنه الخلاف المحقق الثاني وغيره (2).
ويشكل فيما لو صادفت شيئا منه، أو وقعت فيه بتمامها، والمشهور البطلان في
الأول أيضا مطلقا، وعن التذكرة الاجماع عليه فيه كذلك (3) لعدم صدق الامتثال
المقتضي لبقاء المكلف تحت العهدة، سيما مع العمد، لوقوع النهي فيه عن الشروع في
العبادة فتفسد، خلافا للمحكي عن النهاية والمهذب والكافي والبيان، فتصح (4) لكن
الأخيرين قالا بها في الناسي (5) وزاد أو لهما الجاهل أيضا لرفع النسيان.
وفيه: أن معناه رفع الإثم، ولتنزيل إدراك الوقت في البعض منزلته في
الكل، وهو ممنوع على إطلاقه، وللخبر المتقدم في الظان، وهو مع ضعف
نده، وعدم جابر له في المقابل مخصوص بالظان، فإن (ترى) بمعنى: تظن - كما

(1) شرائع الاسلام: كتاب الصلاة في أحكام المواقيت ج 1 ص 64
(2) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في أوقاتها ج 2 ص 28، مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في أوقاتنا ج 1
ص 73 السطر الأخير.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في عدم إجزاء الصلاة قبل الوقت ج 1 ص 85 س 18.
(4) حكاه الفاضل الهندي في كشف اللثام: كتاب الصلاة في حكم من صلى قبل الوقت ج 1
ص 164 س 13.
(5) الكافي في الفقه: باب حقيقة الصلاة في أوقاتها ص 138، والبيان: كتاب الصلاة في أحكامها
ص 51 س 17.
109

عرفت - والقياس حرام.
وللدروس وغيره (1) قول بالصحة فيما لو صادفت الوقت بتمامها، ناسيا أو
جاهلا، وهو قوي في الناسي مطلقا، سواء فسر بناسي مراعاة الوقت كما هو
المتبادر، أو من جرت منه الصلاة حال عدم حضور الوقت بالبال كما أطلقه عليه
في الذكرى (2)، لوقوع الصلاة في الوقت.
غاية ما في الباب: انتفاء عالم المكلف به، وهو غير قادح، لعدم دليل على
شرطيته، مع أن الأصل ينفيه. ويشكل في الجاهل بأي معنى فسر: بجاهل
الحكم، أو جاهل دخول الوقت، لأنه بالمعنى الثاني بحكم الشاك بل هو عينه،
فيتعلق به النهي عن الدخول الوارد في النصوص بالعموم، كما مر من الموثق.
ونحوه آخر: إياك أن تصلي قبل أن تزول، فإنك تصلي في وقت العصر
خير لك من أن تصلي قبل أن تزول (3).
وبالخصوص كالحسن المروي عن مستطرفات السرائر: إذا كنت شاكا في
الزوال فصل ركعتين، فإذا استيقنت أنها زالت: بدأت بالفريضة (4). وبالمعنى
الأول في حكم العامد لم يتأت منه قصد التقرب، كما تقرر في محله.

(1) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في وجوب معرفة الموقت ص 23 س 25 والكافي في الفقه - كما
مضى -، ومجمع الفائدة والبرهان: كتاب الصلاة في أوقاتها ج 2 ص 54، ومدارك الأحكام: كتاب
الصلاة في أحكام المواقيت ج 3 ص 102، وكشف اللثام: كتاب الصلاة في حكم من صلى قبل
الوقت ج 1 ص 164 س 15 و 21.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في عدم جواز التعويل في الوقت على الظن ص 128 س 29.
(3) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب المواقيت ح 6 ج 3 ص 123.
(4) مستطرفات السرائر: من نوادر البزنطي ح 22 ص 30.
110

(الثالثة في القبلة)
(وهي) في اللغة - على ما قيل: حالة المستقبل أو الاستقبال على هيئة (1)
وفي الاصطلاح: ما يستقبل: واختلف الأصحاب في تعيينه بعد اتفاقهم على
أنه: الكعبة، في الجملة، فأكثر المتأخرين على أنها القبلة مطلقا (مع
الامكان) من مشاهدتها، كمن كان في مكة متمكنا منها ولو بمشقة يمكن
تحملها عادة،
(إلا) يتمكن بالبعد عنها، أو تعذر مشاهدتها لمرض أو حبس
أو نحوهما (فجهتها وإن بعد) وفاقا منهم للمحكي عن كثير من القدماء
كالمرتضى والحلبي (والحلي) (2) والإسكافي (3).
ولعله الأقوى استنادا في الشق الأول إلى الاجماع المحكي عن المعتبر
والتذكرة (4)، والنصوص (5) المستفيضة، بل المتواترة المتضمنة للصحيح والموثق،
وغيرهما على أنها القبلة، والاحتياط للاجماع على صحة الصلاة إليها،

(1) القائل هو الفاضل الهندي في كشف اللثام: كتاب الصلاة في القبلة ج 1 ص 172 س 11.
(2) ما بين القوسين ليس في (م) و (ش).
(3) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصلاة في مقدماتها ج 3 ص 29، والكافي في الفقه:
باب حقيقة الصلاة في القبلة ص 138، وقواعد الأحكام: كتاب الصلاة في القبلة ج 1 ص 26 س 27.
وكما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في القبلة ج 1 ص 76 س 27.
(4) المعتبر: كتاب الصلاة في القبلة ج 2 ص 64، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في الاستقبال ج 1
ص 100 س 13.
(5) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب القبلة ج 3 ص 214.
111

والخلاف في الصلاة إلى المسجد والحرم، مع اختلاف المسجد صغرا وكبرا في
الأزمان، وعدم انضباط ما كان مسجدا عند نزول الآية بيقين.
وخصوص المروي في الاحتجاج عن مولانا العسكري - عليه السلام - في
احتجاج النبي - صلى الله عليه وآله - على المشركين قال: إنا عباد الله تعالى
- إلى أن قال -: فلما أمرنا أن نعبده بالتوجه إلى الكعبة أطعنا، ثم أمرنا بعبادته بالتوجه
نحوها في سائر البلدان التي يكون بها (1). نقله في الوسائل، وهو نص في المدعى كملا، حتى
في الشق الثاني.
والحجة فيه بعده أيضا النصوص المتقدمة بأن القبلة هي الكعبة، بناء
على أن تعذر عينها للبعيد يوجب إرادة الجهة، مضافا إلى ظهور جملة منها في
كونها مرادة، وهي ما دل على أنه - صلى الله عليه وآله - حول إليها (2). وهي
أيضا مستفيضة متضمنة للصحيح وغيره.
مضافا إلى الصحيحين وغيرهما: ما بين المشرق والمغرب قبلة (3). وهو وإن
اختص بالمضطر إلا أنه صريح في تعين الجهة ولو في الجملة، كما صرح به
الشهيد رحمه الله (4).
ويندفع به القول بتعين العين للقبلة المشار إليه بقوله: (وقيل) والقائل:
الشيخ في أكثر كتبه، والقاضي وابن حمزة والديلمي (5)، بل ذكر الشهيدان

(1) الاحتجاج: في احتجاجات النبي صلى الله عليه وآله ج 1 ص 27.
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب القبلة ح 1 و 2 و 3 و 4 و 12 و 14 و 17 ج 3 ص 215 - 220.
(3) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب القبلة ح 1 و ح 2 ج 3 ص 228.
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في جهة القبلة، ص 162، س 15.
(5) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر القبلة ج 1 ص 77، والخلاف: كتاب الصلاة في مسائل القبلة ج 1
ص 295، والنهاية: كتاب الصلاة في معرفة القبلة ص 62، والجهل والعقود: كتاب الصلاة في ذكر
القبلة ص 61، ومصباح المتهجد: في القبلة ص 24، والاقتصاد: كتاب الصلاة في ذكر القبلة
ص 257، والمهذب: كتاب الصلاة باب القبلة ج 1 ص 84، والوسيلة: كتاب الصلاة في بيان القبلة
ص 85، والمراسم: كتاب الصلاة في معرفة القبلة ص 60.
112

أنه (1) أكثر الأصحاب (2) وزاد أولهما وغيره، فادعيا أنه هو المشهور (3) (هي)
أي: الكعبة (قبلة لأهل المسجد الحرام (4) والمسجد قبلة من صلى في
الحرم، والحرم قبله أهل الدنيا) لنصوص (5) ضعيفة لا تصلح من أصلها
للحجية، فضلا عن أن تقاوم ما قدمناه من الأدلة، والشهرة المحكية على
تقدير تسليمها معارضة بالشهرة المتأخرة المحققة، والمحكية أيضا في كلام
جماعة فلا تصلح - للضعف - جابرة
وظاهر النصوص: كالعبارة، والمحكي عن الخلاف والاقتصاد والمصباح
ومختصره والمراسم والنهاية: جواز صلاة من خرج من المسجد إليه، منحرفا عن
الكعبة وإن شاهدها أو تمكن من المشاهدة، ومن خرج من الحرم إليه،
منحرفا عن الكعبة والمسجد (6).
ولكن: عن المبسوط والجمل والعقود والمهذب والوسيلة والاصباح أنهم:
اشترطوا في استقبال المسجد أن لا يشاهد الكعبة ولا يكون بحكمه، وفي استقبال
الحرم أن لا يشاهد المسجد ولا يكون بحكمه (7)، وهو صريح في الموفقة للمختار في
الشق الأول. ويمكن تنزيل إطلاق ما مر من العبائر عليه، فيرفع فيه الخلاف، كما

(1) في نسخة (ق) " أنه مذهب أكثر الأصحاب ".
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في القبلة ص 162 س 7، وروض الجنان: كتاب الصلاة في
الاستقبال ص 189 س 21.
(3) لم نعثر عليه.
(4) هذه الكلمة أثبتناها من متن المختصر والشرح الصغير.
(5) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب القبلة ج 3 ص 220.
(6) والحاكي هو الفاضل الهندي في كشف اللثام: كتاب الصلاة في القبلة ج 1 ص 172 س 35 -
38.
(7) والحاكي هو الفاضل الهندي في كشف اللثام: كتاب الصلاة في القبلة ج 1 ص 172 س 35 -
38.
113

صرح به بعض الأصحاب، وحكاه عن ابن زهرة (1)، ولعله لذا صرح الماتن
بالاجماع في المعتبر كالفاضل المقداد في كنز العرفان (2).
وربما يفهم - أيضا - من شيخنا الشهيد في الذكرى، وجملة ممن تبعه (3)،
حيث فهموا من كلام القائلين بهذا القول تعين استقبال عين المسجد والحرم لمن
كان خارجهما، وعدم اعتبار جهتهما، وحملوا كلامهم والروايات على الجهة وإن
كان ذلك ذكر على سبيل التقريب إلى الأفهام، إظهارا لسعة الجهة، وزعموا
بذلك الجمع من القولين.
ولولا اتفاقهما على تعين الكعبة للمشاهد ومن بحكمه لما ارتفع بمجرد ذلك
الخلاف بينهما. فإن ثمرة الخلاف بينهما تظهر في شيئين:
أحدهما: تعين الكعبة للمشاهد ومن بحكمه ولو كانا خارج المسجد - مثلا -
كما هو مقتضى القول الأول، وعدمه وجواز استقبال جزء من المسجد والحرم
ولو منحرفا عنها كما هو مقتضى القول الثاني.
وثانيهما: تعين استقبال عين المسجد أو الحرم للنائي دون الجهة، كما هو
مقتضى القول الثاني، وكفاية الجهة دون عينهما كما هو مقتضى. القول الأول.
وحيث أن الشهيد ومن تبعه بعده لم يتعرضوا إلا للثمرة الأخيرة، وجمعوا
بين القولين - بما مر - ظهر منهم انحصار ثمرة الخلاف فيها خاصة دون السابقة،
وليس ذلك إلا لتعين الكعبة للمشاهد ومن بحكمه كما عرفته.
واعلم، أن الجمع الذي ذكروه حسن، إلا أنه ربما تأبى عنه عبارة

(1) حكاه الفاضل الهندي في كشف اللثام: كتاب الصلاة في القبلة ج 1 ص 172 س 38 - إلى الأخير
وص 173 س 1 - 3 باختصار.
(2) المعتبر: كتاب الصلاة في القبلة ج 2 ص 65، كنز العرفان: كتاب الصلاة في القبلة ج 1 ص 85.
(3) ذكرى الشيعة: ص 162 س 11، ومدارك الأحكام: ج 3 ص 120، الحدائق: ج 6 ص 375.
114

الخلاف (1) المحكية، حيث استدل على مختاره بعد النصوص المتقدمة وما
ادعاه من إجماع الإمامية: بأن المحذور في استقبال عين الكعبة لازم لمن أوجب
استقبال جهتها،. فإن لكل مصلا جهة، والكعبة لا تكون في الجهات كلها، ولا
كذلك التوجه إلى الحرم، لأنه طويل يمكن أن يكون كل واحد متوجها إلى
جزء منه - وهو كما ترى - صريح في نفي الجهة وتعين استقبال عين الحرم
خاصة، فلا يقبل الجمع المتقدم إليه الإشارة، (و) لكن (فيه ضعف)
لا يخفى وجهه، لاتفاق الفريقين - كما ذكره جماعة - (2): على أن فرض النائي
هو التعويل على الأمارات المتفق عليها بينهم لأهل كل إقليم.
وعليه، فلا ثمرة لهذا الاختلاف إلا بالنسبة إلى الثمرة الأولى، وقد عرفت
ارتفاع الخلاف فيها أيضا.
ولو سلم وجوده لمنع كل ما في الخلاف (الخلاف) (3) من الدليل
فالنصوص - بما مر والاجماع المحكي بالمعارضة، بما يحكى (4) عن ابني زهرة
وشهر آشوب من نفي الحلاف عن وجوب استقبال جهة المسجد لمن نأى عنه،
كما هو ظاهر الآية (5) ولو سلم فغايته أنه خبر صحيح (6) لا يعارض ما قدمناه
من الأدلة.

(1) الخلاف: كتاب الصلاة م 41 في أن الكعبة قبلة من في المسجد و... ج 1 ص 295
(2) منهم الفاضل الآبي في كشف الرموز: كتاب الصلاة في القبلة ج 1 ص 131، والمحقق الطباطبائي في
مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في القبلة ج 3 ص 121، والمحدث البحراني في الحدائق الناضرة:
كتاب الصلاة في ما يجب استقباله ج 6 ص 375.
(3) ما بين القوسين ليس في المخطوطات.
(4) حكاه الفاضل الهندي في كشف اللثام: كتاب الصلاة في القبلة ج 1 ص 173 س 2.
(5) البقرة: 144.
(6) في نسخة (ق) " غير صريح " بدل " خبر صحيح ".
115

وأما الاعتبار فيما ذكره جماعة من أنا نعني بالجهة السمت الذي فيه
الكعبة، لا نفس البنية، وذلك متسع يمكن أن يوازي جهة كل مصل على أن
الالزام في الكعبة لازم في الحرم وإن كان طويلا (1).
واعلم، أن للأصحاب اختلافا كثيرا في تعريف الجهة، لكنه قليل الفائدة
بعد اتفاق الكل على أن فرض النافي رعاية العلامات المقررة، والتوجه إلى
السمت الذي عينه رعاية تلك العلامة. فالأولى إناطة تعريفها بذلك، كما
ذكره بعض الأجلة (2).
(ولو صلى في وسطها) حيث جازت له الصلاة فيه (استقبل أي
جدرانها (3) شاء) مخيرا بينها، وإن كان الأفضل استقبال الركن الذي فيه
الحجر على ما ذكره الصدوق (4)، بلا خلاف في أصل الحكم على الظاهر
المصرح به في بعض العبائر)، بل في المنتهى أنه قول كل أهل العلم (6). وهو
الحجة، لا ما ذكروه من حصول استقبال القبلة، بناء على أنها ليست مجموع
البنية، بل نفس العرصة وكل جزء من أجزائها، إذ لا يمكن محاذاة المصلي
بإزائها منه إلا قدر بدنه، والباقي خارج عن مقابلته. وهذا المعنى يتحقق مع
الصلاة فيها، كما يتحقق مع الصلاة في خارجها، لقوة احتمال تطرق الوهن
إليه بأن الثابت من الأدلة كون جملة البنية قبلة.
وأما كون أي بعض منها قبلة فلم يثبت، لاختصاص ما دل على أن

(1) منهم: المحقق الحلي ذكره في المعتبر: كتاب الصلاة في القبلة ج 2 ص 66.
(2) كالمحدث البحراني في الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في ما يستقبل له ج 6 ص 376.
(3) في شرح الصغير " أي جهة شاء " بدل " أي جدرانها شاء ".
(4) من لا يحضره الفقيه: باب القبلة ج 1 ص 274 ذيل الحديث 845.
(5) كما في الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة، في الصلاة في جوف الكعبة ج 6 ص 378.
(6) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في من صلى في الكعبة ج 1 ص 218 س 2.
116

الكعبة قبلة بحكم التبادر بكون القبلة جملتها، والمراد بها القطر والقدر الذي
يحاذي المصلي من قطر الكعبة، ومجموعها والمصلي داخلها لم يحصل له هذا.
فتأمل.
ولهذا، منع الشيخ في الخلاف، والقاضي وغيرهما من صلاة الفريضة
جوفهما. ويعضده الصحيحان الناهيان عنه وغيرهما (2)، والموثق المرخص
لفعلها فيها (3) - مع قصوره عن المقاومة لها سندا - موافق للعامة، فقد نسبه في
المنتهى إلى جماعة منهم، ومنهم أبو حنيفة (4).
نعم، هو مشهور بين المتأخرين، بل عليه عامتهم. وفي السرائر الاجماع
عليه (5)، وبه - مضافا إلى الموثقة المعتضدة بالشهرة - يصرف النهي في
الصحيحين وغيرهما إلى الكراهة، سيما مع تبديل النهي في أحدهما في بعض
الطرق ب‍ " لا يصلح " المشعر بالكراهة، بل جعله الشيخ صريحا (6)، مع أنه رواه
بطريق آخر " يصلح " (7) بدون " لا " وهو صريح في الجواز.
وهنا روايتان لم أجد عاملا بهما، مع ضعف إحداهما بالجهالة، والأخرى

(1) الخلاف: كتاب الصلاة م 186 في الصلاة جوف الكعبة ج 1 ص 439، والمهذب: كتاب الصلاة
باب ما تجوز عليه الصلاة من المكان وما لا تجوز ج 1 ص 76، والحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في
الصلاة في جوف الكعبة ج 6 ص 381، ومستند الشيعة: كتاب الصلاة في حكم الصلاة داخل
الكعبة ص 258 س 24.
(2) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب القبلة ح 1 و ح 3 و ح 4 ج 3 ص 245 و 246.
(3) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب القبلة ح 6 ج 3 ص 246.
(4) لم نعثر عليه.
(5) السرائر: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 266.
(6) الاستبصار: كتاب الصلاة ب 162 في الصلاة في جوف الكعبة ج 1 ص 298 ذيل الحديث 3.
(7) كما نقله عنه في وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب القبلة ح 5 ج 3 ص 246، لكن في تذيب
الأحكام: ب 19 من الزيادات ح 6 ج 2 ص 383: " لا تصلح ".
117

بالارسال.
ففي الأول: عن الرجل إذا حضرته صلاة الفريضة، وهو في الكعبة، ولم
يمكنه الخروج منها استلق على قفاه ويصلي إيماء، الحديث (1).
وفي الثانية: يصلي الأربع جوانبها إذا اضطر إلى ذلك (2).
قال في الذكرى بعد نقل هذه: هذا إشارة إلى أن القبلة إنما هي جميع
الكعبة، فإذا صلى في الأربع فكأنه استقبل جميع الكعبة (3). وهو حسن فيها،
بل وفي الأولى - أيضا كالرواية الآتية - تأييد لما قدمناه من: أن القبلة هي مجموع
قطر الكعبة يجب استقباله ولو بعضا حيث كان خارجها، لكن ضعف
سندهما، ومعارضتهما بعضا مع بعض يمنع عن العمل بهما وإن تأيدا بالصحيحين
الناهيين، لما عرفت من مرجوحيتهما، بالإضافة إلى الموثقة المعتضدة بالشهرة،
وحكاية الاجماع المتقدمة، لكنها معارضة. بنقل الشيخ في الخلاف الاجماع على
المنع.
والشهرة المرجحة معارضة باحتمال التقية الموجب للمرجوحية، والموثقة
لا تعارض الصحيحين من وجوه عديدة، إن كانت صريحة، والاحتياط اللازم
المراعاة في العبادة التوقيفية يقتضي المنع عن فعل الفريضة جوف الكعبة، إلا
مع الضرورة المسوغة له، ولكن الأقرب الجواز مع الكراهة بلا شبهة.
(ولو صلى على سطحها) صلى قائما و (أبرز بين يديه شيئا منها ولو
كان (4) قليلا) ليكون توجهه إليه، ويراعي ذلك في جميع أحواله، حتى
الركوع والسجود.

(1) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب القبلة ح 7 و ح 2 ج 3 ص 246 و 245.
(2) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب القبلة ح 7 و ح 2 ج 3 ص 246 و 245.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في مكروهات المكان ص 151 س 14، والعبارة فيه ناقصة لكن جاء
بكاملها في وسائل الشيعة ذيل الحديث المذكور.
(4) أثبتناها من المتن المطبوع.
118

فلو خرج بعض بدنه عنها، أو ساواها في بعض الحالات، كما لو حاذى
رأسه نهايتها حال السجود بطلت صلاته.
هذا هو المشهور بين المتأخرين، بل عليه عامتهم على الظاهر المصرح به في
التنقيح وغيره (1). وفاقا منهم للحلي والمبسوط (2) ولكن عبارته قاصرة عن إفادة
الوجوب لتعبيره عن الأمر بالصلاة قائما بجوازها الذي هو أعم منه وإن أرجعه
المتن إليه.
قال: لأن جواز الصلاة قائما يستلزم الوجوب، لأن القيام شرط مع
الامكان (3). وهو حسن لو كان بناء الشيخ على ما ذكروه من حصول
الاستقبال باستقبال المبرز من الكعبة.
وأما على ما قدمناه وهو: خيرته في المسألة السابقة من أن القبلة إنما هي
مجموع قطر الكعبة، ولو بعضا مما يحاذيه المصلي فلا يستلزم الجواز الوجوب،
لاحتمال كون المراد منه مطلق الرخصة، ووجهه دوران الأمر بين فوات
الاستقبال لو صلى قائما أو القيام، ونحوه من الواجبات لو صلى مستلقيا مومئا،
وحيث لا ترجيح فلم يبق إلا التخيير. كذا قيل (4) وفيه نظر، لفوات الاستقبال
المأمور به في الكتاب والسنة على التقديرين، ومع ذلك فترجيح الصلاة قائما
أظهر، لعدم فوات شئ من الواجبات معه، عدا الاستقبال، ولا كذلك الصلاة

(1) التنقيح الرائع: كتاب الصلاة في الصلاة على سطح الكعبة ج 1 ص 173، وروض الجنان: كتاب
الصلاة في الصلاة على سطح الكعبة ص 202 السطر الأخير.
(2) السرائر: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 271، والمبسوط: كتاب الصلاة في ما يجوز الصلاة
فيه من المكان وما لا يجوز ج 1 ص 85.
(3) المعتبر. كتاب الصلاة في الصلاة على سطح الكعبة ج 2 ص 68.
(4) القائل هو الفاضل الهندي في كشف اللثام: كتاب الصلاة في صلاة المصلي على سطح الكعبة ج 1
ص 173 س 31.
119

مستلقيا، لفوات القيام والركوع والسجود ورفع الرأس منهما معا، فيكون الأول
بالترجيح أولى.
ومن هنا ظهر مستند الأكثر في تعيين الصلاة قائما، وهو الأقوى، ويتعين
الابراز. أما على ما اختاروه في القبلة، وأنه ما حاذى المصلي من أبعاضها
مطلقا فظاهر.
وأما على ما ذكرناه فللاحتياط اللازم المراعاة، مضافا إلى الاجماع من
كل من جوز الصلاة قائما.
والفرق بين المختار وما اختاروه إنما هو أصل جواز الصلاة عليها اختيارا،
فيأتي على مختارهم، ولا على المختار إلا مع الاضطرار (وحكي التصريح بعدم
الجواز هنا إلا مع الاضطرار) (1) عن المهذب والجامع (2).
(وقيل:) والقائل الشيخ في النهاية والخلاف، مدعيا فيه الاجماع،
والقاضي وغيرهما (3) أنه لو صلى فوقها وجب عليه أن (يستلقي ويصلي
مومئا إلى البيت المعمور) للخبر (4). وفيه ضعف، سندا ومقاومة كالاجماع
للأدلة الدالة على لزوم الأفعال الواجبة من القيام والركوع وغيرهما، المعتضدة
من أصلها بالاجماع، وفي خصوص المسألة بالشهرة العظيمة المتأخرة، التي

(1) ما بين القوسين أضفناه من المخطوطات.
(2) المهذب: كتاب الصلاة باب القبلة ج 1 ص 85، والجامع للشرائع: كتاب الصلاة باب القبلة
ص 64.
(3) من القائلين: الشيخ الطوسي في النهاية: كتاب الصلاة باب ما يجوز الصلاة فيه من الثياب
والمكان... ص 101، والخلاف: كتاب الصلاة م 188 في الصلاة فوق الكعبة ج 1 ص 441
والقاضي في المهذب: كتاب الصلاة باب القبلة ج 1 ص 85، وجواهر الفقه (الجوامع الفقهية): باب
مسائل الصلاة في الصلاة فوق الكعبة ص 413 س 24، والصدوق في من لا يحضره الفقيه: باب القبلة
ج 1 ص 274 ذيل الحديث 845.
(4) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب القبلة، ح 2، ج 3، ص 248.
120

كادت تكون إجماعا، بل لعلها إجماع في الحقيقة كما صرح به في الروض (1).
واعلم، أنه ذكر جماعة من الأصحاب أنه يجب أن يكون (توجه أهل كل
إقليم إلى سمت الركن الذي يليهم).
(فأهل المشرق) وهم: أهل العراق ومن والاهم، وكان في جهتهم إلى
أقصى المشرق وجنبيه مما بينه وبين الشمال أو الجنوب إلى الركن الذي يليهم،
وهو الركن العراقي الذي فيه الحجر الأسود.
وأهل المغرب إلى الغربي، وأهل الشام إلى الشامي، وأهل اليمن إلى
اليمني.
وهذا لا يلائم شيئا من القولين المتقدمين في قبلة النائي: أنها جهة الكعبة أو
الحرم، فإنهما أوسع من ذلك، فلا يتم الحكم بوجوب التوجه إلى سمت
الركن نفسه، إلا أن يراد بسمت الركن سمت الكعبة، ولا بأس به، إلا أنه
لا فائدة لذكره هنا بعد معلوميته سابقا، لكنهم أعرف بما قالوه، ومع ذلك
فالتعبير بسمت الركن أولى من التعبير بالركن، كما اتفق في القواعد (2) لايهامه
وجوب التوجه إلى عينه، لا سمته.
ولذا قال المحقق الثاني: والمراد بالإقليم هنا: الجهة والناحية، ويتوجه أهل
كل إقليم إلى ركنهم، توجههم إلى جهة الركن الذي يليهم، لأن البعيد لما
كان قبلته الجهة، وكونها أوسع من الكعبة بمراتب أمر معلوم، فلا بد أن يراد
بتوجههم إلى الركن: توجههم إلى جهته.
أو يراد أن حق توجههم الصحيح في الواقع الذي ليس فيه ميل أصلا ولا
انحراف: أن يكون إلى الركن الذي يليهم وإن اكتفى منهم بالتوجه إلى الجهة،

(1) روض الجنان: كتاب الصلاة في قبلة المصلي على سطح الكعبة: ص 203، س 3
(2) قواعد الأحكام: كتاب الصلاة في القبلة ج 1 ص 26.
121

لأن البعد يمنع عن العالم بذلك (1) انتهى. وهو حسن.
إلا أن قوله في التوجيه الأخير: " حق توجههم الصحيح إلى آخره " غير
مفهوم للعبد، لأن التوجه الصحيح بالنسبة إلى القريب إنما هو إلى نفس
الكعبة، وأي قطر منها يحاذي المصلي ولو كان ركنا مخالفا لركنه، كما إذا توجه
إلى الركن اليمني وهو عراقي - مثلا - فإنه صحيح، وبالنسبة إلى البعيد جهتها،
وهي أوسع من الركن كما مضى. فحصر " التوجه للصحيح " فيما ذكره غير
مستقيم على التقديرين، ولا أعرف وجهه، وهو أعرف بما حرره.
وكيف كان، فقد ذكر الأصحاب لأهل الأركان علامات: فلأهل الشام:
جعل الجدي خلف الكتف اليسرى، وسهيل عند طلوعه بين العينين، وعند
غروبه على العين اليمنى، وبنات النعش عند غيبوبتها خلف الأذن اليمنى.
ولأهل اليمن: جعل الجدي بين العينين، وسهيل عند غيبوبته بين الكتفين.
ولأهل المغرب: جعل الجدي على الخد الأيسر، والثريا، والعيوق على
اليمين واليسار.
ولأهل السند والهند: جعل الجدي إلى الأذن اليمنى، وسهيل عند طلوعه
خلف الأذن اليسرى، وبنات النعش عند طلوعها على الخد الأيمن، والثريا
عند غيبوبتها على العين اليسرى.
ولأهل البصرة وفارس: جعل الجدي على الخد الأيمن، والشولة إذا نزلت
للمغيب بين العينين، والنسر الطائر عند طلوعه بين الكتفين.
ولأهل المشرق: ما أشار إليه بقوله: " يجعلون المشرق إلى المنكب " وهو
مجمع العضد والكتف (الأيسر، والمغرب إلى الأيمن) هذه علامة.
(و) أخرى: أن يجعلوا (الجدي) وهو: نجم مضئ في جملة أنجم بصورة

(1) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في القبلة ج 2 ص 53، باختلاف يسير.
122

سمكة، يقرب من القطب الشمالي، الجدي رأسها، والفرقدان ذنبها (خلف
المنكب الأيمن).
(و) ثالثة: أن يجعلوا (الشمس عند الزوال محاذية لطرف الحاجب
الأيمن مما يلي الأنف).
ورابعة: ذكرها بعضهم (1)، وهي: جعل القمر ليلة السابع من كل شهر عند
غروب الشمس بين العينين، وكذا ليلة إحدى وعشرين عند طلوع الفجر.
ومستندهم في هذه العلامات قوانين الهيئة، فإنها مفيدة للظن الغالب
بالعين، والقطع بالجهة كما ذكره جماعة (2). وإلا فلم يرد بشئ منها نص
ولا رواية، عدا العلامة الثانية لأهل العراق، فقد ورد بها نصوص.
منها: الموثق: عن القبلة، فقال: ضع الجدي في قفاك وصل (3).
ومنها: المرسل: أكون في السفر، ولا أهتدي إلى الكعبة بالليل، فقال:
أتعرف الكوكب الذي يقال لها: جدي؟ قلت: نعم، قال: اجعله على يمينك،
وإذا كنت في طريق الحج فاجعله بين كتفيك (4).
ومنها: المروي عن تفسير العياشي: في تفسير (وبالنجم هم يهتدون) قال:
هو الجدي، لأنه نجم لا يزول، وعليه بناء القبلة، وبه يهتدي أهل البر
والبحر (5).

(1) كالعلامة الحلي في تحرير الأحكام: كتاب الصلاة في القبلة ج 1 ص 28 س 27، والشهيد
الأول في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في علامات القبلة ص 163 س 8، والفيض الكاشاني في
مفاتيح الشرائع: كتاب مفاتيح الصلاة مفتاح 128 في كيفية معرفة القبلة ج 1 ص 113
(2) منهم: الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في علامات القبلة ص 162 س 29،
والفيض في مفاتيح الشرائع: كتاب مفاتيح الصلاة مفتاح 128 في كيفية معرفة القبلة ج 1 ص 112.
(3) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب القبلة ح 1 و ح 2 ج 3 ص 222.
(4) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب القبلة ح 1 و ح 2 ج 3 ص 222.
(5) تفسير العياشي: سورة النحل ح 12 ج 2 ص 256.
123

ونحوه آخر، مروي فيه أيضا في تفسيره (1)، وهي وإن كانت مطلقة ليس فيها
التقييد بأهل العراق لكنها خصت بهم بقرينة الرواة، لكونهم منهم، لكنها مع
ذلك لا تخلو من إجمال، سيما الروايات الأخيرة، مع ضعف أسانيدها جملة
بالارسال والضعف بالسكوني في المشهور بين الطائفة.
فإذا العمدة هو: استعمال قوانين الهيئة، وعليه لا يستقيم جعل الأمور
الأخيرة علامات لأهل العراق على الاطلاق، كما نبه عليه جماعة من المحققين.
فقيدوا المشرق والمغرب بالاعتدالين حاكين له عن الأكثر، وجملة منهم
قيدوا الجدي بحالة غاية ارتفاعه بأن يكون إلى جهة السماء والفرقدان إلى
جهة الأرض، أو غاية انخفاضه عكس الأول.
ومع ذلك فقالوا: إن بين العلامات الثلاث الأول اختلافا واضحا، فإن
العلامة الأولى، سواء قيد المشرق والمغرب بالاعتدالين، أو كان المقصود أن
يجعل مشرق يوم، على اليسار، ومغرب ذلك اليوم على اليمين تقتضي محاذاة
نقطة الجنوب، وكذا العلامة الثالثة.
وأما الثانية: فيقتضي انحرافا بينا عنها نحو المغرب، وهو الموافق لمعظم
بلاد العراق، والأولى حمل العلامة الأولى والثالثة على أطراف العراق
الغربية كالموصل وبلاد الجزيرة، فإن قبلتهما تناسب نقطة الجنوب.
والعلامة الثانية على أوساط العراق: كبغداد والكوفة والحلة والمشاهد
المقدسة، فإنه تنحرف قبلتها عن نقطة الجنوب نحو المغرب.
وأما أطرافها الشرقية: كالبصرة فهي أشد انحرافا، ويقرب منها تبريز
وأردبيل وقزوين وهمدان، وما والاها من بلاد خراسان.
ونزلوا إطلاق عبائر الأصحاب على ما ذكروه. وفيه بعد، ولذا جعل ذلك

(1) تفسير العياشي: سورة النحل، ح 13، ج 2، ص 256.
124

سبيلا إلى سهولة الأمر في القبلة، واتساع الدائرة فيها، وأنه لا ضرورة إلى ما
ذكره أرباب الهيئة، مضافا إلى خلو النصوص عن بيان العلامات بالكلية، إلا
ما مرت إليه الإشارة، وقد عرفت أيضا إجماله.
ومع ذلك، فقد ورد في الصحيح وغيره: ما بين المشرق والمغرب قبلة (1).
قيل: ويؤيد ذلك بأوضح تأييد ما عليه قبور الأئمة - عليهم السلام - في
العراق من الاختلاف، مع قرب المسافة بينهما على وجه يقطع بعدم انحراف
القبلة فيه، مع استمرار الأعصار والأدوار من العلماء الأبرار على الصلاة
عندها، ودفن الأموات ونحو ذلك، وهو أظهر، ظاهر في التوسعة، كما لا يخفى (2).
وفيه نظر، يظهر وجهه بالتدبر فيما ذكره شيخنا في الروض، فقال في جملة
كلام له: وأما توهم اغتفار التفاوت الحاصل بينها - أي بين العلامات الثلاث -
وعدم تأثيره في الجهة ففاسد، لما تقدم في تحقيق الجهة من اعتبار تعين الكعبة،
وظنها أو احتمالها، وهذا القدر من التفاوت لا يبقى معه شئ منها.
فإن من كان بالموصل - مثلا - وكان عارفا مجتهدا في القبلة يقطع بكونه إذا
انحرف عن نقطة الجنوب نحو المغرب بنحو ثلث ما بين الجنوب والمغرب
الاعتدالين خارجا عن سمت الكعبة.
وكذا من كان بأطراف العراق الشرقية كالبصرة إذا استقبل نقطة
الجنوب. وهذا أمر لا يخفى على من تدبر قواعد القبلة، وما يتوقف عليه من
المقدمات، ومن طريق النص إذا كان جعل الجدي على الأيمن يوجب مسامتة
الكعبة في الكوفة، التي هي بلد الراوي، ونحوها كيف يوجب مسامتتها إذا كان
بين الكتفين، لبعد ما بينهما بالنسبة إلى بعد المسافة.

(1) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب القبلة ح 1 و ح 2 ج 3 ص 228.
(2) والقائل: هو المحدث البحراني في الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في سهولة الأمر في القبلة ج 6
ص 387.
125

فإن الانحراف اليسير عن الشئ مع البعد عنه يقتضي انحرافا فاحشا بينه
وبين (1) محاذاته. فإنا إذا أخرجنا خطين من نقطة واحدة لم يزالا يزدادا بعدا كلما
ازدادا امتدادا كما لا يخفى، وأيضا فلو كان جعله بين الكتفين محصلا للجهة
كان الأمر بجعله على المجني لغوا، خاليا عن الحكمة (2). وإنما ذكرناه بطوله
لحسن مفاده وجودة محصله.
(و) كذا منع هو وكثير من الأصحاب كالمحقق الثاني وجملة ممن تأخر
عنهما عما (قيل) (3): من أنه (يستحب التياسر لأهل المشرق عن سمتهم
قليلا).
قالوا (4): لأن البعد الكثير لا يؤمن معه الانحراف الفاحش بالميل اليسير.
(و) مع ذلك (هو) أي هذا الحكم (بناء) أي مبني (على أن (5)
توجههم إلى الحرم) كما يستفاد من النصوص الدالة عليه:
منها: الخبر: عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة، وعن السبب
فيه فقال: إن الحجر الأسود لما أنزل به من الجنة، ووضع في موضعه جعل
إنصاب الحرم من حيث يلحقه النور، نور الحجر، فهي عن يمين الكعبة أربعة

(1) في المخطوطات " عند " بدل " وبين ".
(2) روض الجنان: كتاب الصلاة في القبلة ص 198 س 12.
(3) من القائلين بالاستحباب: المحقق الحلي في شرائع الاسلام: كتاب الصلاة في القبلة ج 1 ص 66،
والفقيه ابن سعيد الحلي في الجامع للشرائع: كتاب الصلاة باب القبلة ص 63، والعلامة الحلي في
تحرير الأحكام: كتاب الصلاة في المقبلة ج 1 ص 28 س 31، والشهيد الأول في ذكرى الشيعة:
كتاب الصلاة في المستقبل ص 167 س 1 - 10.
(4) من القائلين بالمنع: الشهيد الثاني في روض الجنان: كتاب الصلاة في القبلة ص 199 س 7، والمحقق
الثاني في جامع المقاصد: كتاب الصلاة في القبلة ج 2 ص 57، والفيض الكاشاني في مفاتيح
الشرائع: كتاب مفاتيح الصلاة مفتاح 128 في معرفة كيفية القبلة ج 1 ص 113.
(5) في المتن المطبوع.
126

أميال، وعن يساره ثمانية أميال، كله اثنا عشر ميلا، فإذا انحرف الانسان
ذات اليمين خرج عن حد القبلة، لقلة إنصاب الحرم، وإذا انحرف ذات اليسار
لم يكن خارجا عن حد القبلة (1).
ونحوه: المرفوع (2) والرضوي: إذا أردت توجه القبلة فتياسر مثل ما تيامن،
فإن الحرم عن يمين الكعبة أربعة أميال، وعن يسارها ثمانية أميال (3).
والمبنى عليه ضعيف كما تقدم، وكذا النصوص الواردة هنا سندا، لرفع الثاني
وارسال الأول في التهذيب وضعفه في الفقيه، لتضمن سنده محمد بن سنان،
ومفضل بن عمر، الضعيفين عند الأكثر. والرضوي قاصر عن الصحة، وإنما
غايته القوة.
وهي بمجردها لا تصلح لمعارضة الاعتبار الذي ذكره الجماعة، فما ذكروه
لا يخلو عن قوة، ولذا توقف فيه في ظاهر الدروس (4) كالماتن في ظاهر العبارة
إلا أن ظاهر من تقدمهم من الأصحاب عدم الخلاف في رجحان التياسر وإن
اختلفوا في استحبابه، كما هو المشهور (5) على الظاهر المصرح به في عبائر هؤلاء
الجماعة حد الاستفاضة، وغيرهم كالشهيد في الذكرى، وبها قد اختاره.

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب القبلة ح 2 ج 3 ص 221، عن تهذيب الأحكام: ب 5 في القبلة ج 10
ج 2 ص 44، ومن لا يحضره الفقيه: باب القبلة ح 845 ج 1 ص 272.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب القبلة ح 1 ج 3 ص 221، عن الكافي: كتاب الصلاة باب النوادر
ح 6 ج 3 ص 487، وتهذيب الأحكام: ب 5 في القبلة ح 9 ج 2 ص 44.
(3) فقه الرضا (ع): ب 6 في الأذان والإقامة ص 98.
(4) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في الاستقبال ص 30 س 13.
(5) وممن صرح به: الشهيد الأول في الذكرى والدروس - كما مر والبيان: كتاب الصلاة في القبلة
ص 54، والشهيد الثاني في الروض، والمحقق الثاني في جامع المقاصد، والفيض في المفاتيح - كما مر
عنهم في الهامش -، والسيد العاملي في مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في القبلة ج 3 ص 130
127

أو وجوبه، كما هو ظاهر جماعة من القدماء (1) ومنهم: الشيخ في كثير من
كتبه، ومنها: الخلاف (2) مدعيا عليه الاجماع، وحكى أيضا عن غيره (3) فيمكن
أن يجبر بذلك ضعف سند الروايات أو قصورها.
والبناء المتقدم وإن كان ظاهر كثير من الأصحاب، كالفاضل في المنتهى
والمحقق الثاني والشهيد الثاني، وجملة ممن تبعهم (4)، ولكن ظاهر آخرين:
كالفاضل في المختلف والتحرير والارشاد والقواعد، والشهيد في الذكرى
وغيرهما (5) اطراد الحكم على كل من القول بالمبني عليه ومقابله، لتصريحهم
بهذا الحكم، مع اختيارهم القول الثاني.
ولعل وجهه ما ذكره في الذكرى وغيره من: أن القبلة هي الجهة، ولا
يخفى ما فيها من السعة. ومرجعه إلى ما مر إليه الإشارة من سهولة الأمر في
القبلة، ولكن فيه ما عرفته.
فإذا العمدة هو النصوص المعمول عليها بين الطائفة، مضافا إلى حكاية
الاجماع المتقدمة وإن لم يصلح للحجية، لوهنه بندرة القول به من حيث دلالته

(1) منهم: الشيخ المفيد في المقنعة: كتاب الصلاة ب 6 في القبلة ص 96، والشيخ الطوسي في النهاية:
كتاب الصلاة باب معرفة القبلة ص 63، وأبو الفتوح الرازي في تفسير روح الجنان: في تفسير الآية 140 من
سورة البقرة ج 1 ص 360، وابن حمزة في الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان القبلة ص 85.
(2) الخلاف: كتاب الصلاة م 42 في مسائل القبلة ج 1 ص 297.
(3) الحاكي هو الفاضل الهندي في كشف اللثام: كتاب الصلاة في القبلة ج 1 ص 175 س 7 عن
الشهيد الثاني في روض الجنان.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في استحباب التياسر ج 1 ص 219 س 26، وجامع المقاصد: كتاب
الصلاة في القبلة ج 2 ص 57، ومسالك الأفهام: كتاب الصلاة في القبلة ج 2 ص 32.
(5) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في القبلة ج 1 ص 76 س 26 - 28، وتحرير الأحكام: كتاب الصلاة
في القبلة ج 1 ص 28 س 17 - 19، والارشاد: كتاب الصلاة في الاستقبال ج 1 ص 244 و 245،
وقواعد الأحكام: كتاب الصلاة في القبلة ج 1 ص 26 س 1 و 9، وذكرى الشيعة: ص 167.
128

على الوجوب، ولم نر قائلا به عدا الناقل، ونادر.
وكيف كان، فهو أحوط من الترك، لضعف القول به بضعف دليله عن
المقاومة، لما دل على رجحان التياسر من الاجماع المنقول والنص المعمول به.
وأما ما ربما يجاب عنه بوروده مورد التقية، لكون المحاريب المشهورة المبينة
في العراق في زمان خلفاء الجور، ولا سيما المسجد الأعظم كانت مبنية على
التيامن عن القبلة، ولم يمكنهم - عليهم السلام - إظهار خطأ هؤلاء الفسقة، فأمروا شيعتهم
بالتياسر عن تلك المحاريب، معللين بما عرفته من العلة، لئلا يشتهر منهم - عليهم السلام -
الحكم بخطأ من مضى من هؤلاء الكفرة (1). فغير مفهوم للعبد.
فإن مراعاة التقية على تقدير ثبوت بناء المسجد على التيامن يقتضي
أمر الشيعة بمتابعة قبلة هؤلاء الفجرة، كي لا يعرفوا فيقتلوا، لا أن يأمروا
بالمخالفة لهم، فيؤخذ برقابهم.
واعلم، أن مقتضى الأصول والنصوص، وفتوى الأصحاب من غير خلاف
معروف وجوب تحصيل العلم بالقبلة عينا أو جهة، مع الامكان ولو بالأمارات
المتقدمة المستندة إلى القواعد الرياضية، بناء على إفادتها العلم بالجهة، كما
صرح به جماعة كالفاضلين في المعتبر، والمنتهى (2) على ما حكي عنهما
والشهيدين في الروض، والذكرى (3) وإن كان يظهر من بعضهم إفادتها المظنة،
ولعلها بالنسبة إلى العين، وإلا فالأمر بالنسبة إلى الجهة، كما ذكره الجماعة.
وإن فقد العلم جاز الاكتفاء بالظن الحاصل بأي نحو كان من الأمارات

(1) بحار الأنوار: كتاب المزار ب 6 في فضل الكوفة ومسجدها... ج 100 ص 433.
(2) المعتبر: ج 2 ص 71، ومنتهى المطلب: ج 1 ص 220 س 6.
(3) روض الجنان: ص 192 س 27، وذكرى الشيعة: ص 164 س 18.
129

المفيدة له، متحريا في ذلك ظن الأقوى بلا خلاف، إلا ما يحكى (1) عن
المبسوط، حيث أوجب الصلاة إلى أربع جهات إذا فقد العراقي ما نصب له
من العلامات، وهو غير ظاهر في المخالفة، حتى في صورة حصول المظنة بجهة
القبلة من حق غير تلك العلامة، لاحتمال اختصاصه بصورة فقدها بالكلية كما هو
الغالب.
ولعله لذا لم ينقل عنه الخلاف هنا إلا نادر، وعلى تقدير ظهور المخالفة فهو
شاذ محكي على خلافه الاجماع من المسلمين كافة في كثير من العبائر: كالمعتبر
والمنتهى والتحرير والتذكرة والذكرى (2).
وبه صرح بعض الأجلة حيث قال: وهل له الاجتهاد إذا أمكنه الصلاة
إلى أربع جهات؟ الظاهر إجماع المسلمين على تقديمه وجوبا على الأربع، قولا
وفعلا، وإن فعل الأربع - حينئذ - بدعة، فإن غير المشاهد للكعبة ومن بحكمه
ليس إلا مجتهدا أو مقلدا، فلو تقدمت الأربع على الاجتهاد لو جبت على عامة
الناس، وهم غيرهما أبدا، ولا قائل به (3). إلى آخر ما قال. ونعم ما قال،
والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة.
ففي الصحيح: يجزئ التحري أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة (4).
وفي الموثق: عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم تر الشمس ولا القمر ولا

(1) حكاه في ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في القبلة ص 218 س 17.
(2) المعتبر: كتاب الصلاة في القبلة ج 2 ص 70، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في القبلة ج 1 ص 219
س 32، وتحرير الأحكام: كتاب الصلاة في المستقبل ج 1 ص 29 س 2، وتذكرة الفقهاء: كتاب
الصلاة في المستقبل ج 1 ص 102 س 22، وذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في المستقبل ص 164
(3) كشف اللثام: كتاب الصلاة في القبلة ج 1 ص 178 س 2.
(4) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب القبلة ح 1 ج 3 ص 223.
130

النجوم، قال: اجتهد رأيك، وتعمد القبلة جهدك (1).
وقريب منهما الصحيح: في الأعمى يؤم القوم وهو على غير القبلة، قال:
يعيد ولا يعيدون، فإنهم قد تحروا (2).
وفي آخر: الرجل يكون في قفر من الأرض في يوم غيم، فيصلي لغير القبلة
كيف يصنع؟ قال: إن كان في وقت فليعد صلاته، وإن كان مضى الوقت
فحسبه اجتهاده (3). ونحوه الأخبار الدالة على عدم الإعادة بعد خروج الوقت في
صورة التحري (4).
نعم، ربما ينافي ذلك المرسل الآتي، الظاهر في نفي الاجتهاد من أصله،
مضافا إلى الأصل الجابر لضعف سنده، مضافا إلى الجابر الآتي، وهو
لزوم الأربع صلوات إلى الجهات الأربع من باب المقدمة، لتحصيل الأمر
بالاستقبال بقول مطلق. لكن في مقاومتها للأدلة المتقدمة نصا وفتوى إشكال،
والظاهر بل المقطوع به عدمها.
(وإذا فقد العلم بالجهة والظن) مطلقا لغيم أو ريح أو ظلمة أو شبهها
(صلى الفريضة) مطلقا إلى أربع جهات، متقاطعة على زوايا قوائم، أو
مطلقا كيف اتفق، أو بشرط التباعد بينها بحيث لا يكون بين كل واحدة وبين
الأخرى ما يعد قبلة واحدة، لقلة الانحراف على اختلاف الأقوال (5) إلا أن
أشهرها، بل وأصحها الأول، اقتصارا على المتبادر من النص والفتوى.

(1) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب القبلة و ح 2 ج 3 ص 223.
(2) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب القبلة ح 7 و 6 ج 3 ص 231 و 230.
(3) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب القبلة ح 7 و 6 ج 3 ص 231 و 230.
(4) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب القبلة ح 2 ج 3 ص 230.
(5) القول الأول في مسالك الأفهام: كتاب الصلاة في المستقبل ج 2 ص 36 ومدارك الأحكام: كتاب
الصلاة في القبلة ج 3 ص 137، والقول الثاني والثالث في البيان: كتاب الصلاة في الاستقبال
ص 55 - 56، وكشف اللثام: كتاب الصلاة في المستقبل ج 1 ص 180 س 4.
131

(ومع الضرورة) بخوف لص أو سبع أو نحوهما (أو ضيق الوقت) عن
الصلوات الأربع (يصلي إلى أي جهة (1) شاء) ما قدر منها ولو واحدة،
كما صرح به جماعة (2) أو يصليها خاصة ولو قدر على الزيادة، كما هو ظاهر
العبارة وكثير من عبائر الجماعة (3) وهو الأوفق بالأصل، كالأول بالاحتياط
اللازم المراعاة في العبادة.
ولا خلاف نصا وفتوى في جواز الاقتصار عن الأربع صلوات بالمقدور
منها، أو الواحدة في صورة الضرورة، وإنما اختلفوا في وجوبها مع الامكان على
أقوال ما في المتن من وجوبها أشهرها، بل، في ظاهر المعتبر والمنتهى وشرح
القواعد للمحقق الثاني: أن عليه إجماعنا (4)، وحكى التصريح به عن الغنية (5).
وهو الحجة، مضافا إلى الأصل المتقدم إليه الإشارة من لزوم الاتيان بالأربع
من باب المقدمة، تحصيلا للأمر المطلق باستقبال القبلة.
وخصوص المرسل: قلت - جعلت فداك -: إن هؤلاء المخالفين علينا يقولون:
إذا أطبقت السماء علينا أو أظلمت فلم يعرف السماء كنا وأنتم سواء في

(1) في المخطوطات (أي الجهات).
(2) منهم: المحقق في المعتبر: كتاب الصلاة في القبلة ج 2 ص 70، والشهيد الثاني في الروضة البهية:
كتاب الصلاة في القبلة ج 1 ص 518، والسيد الموسوي العاملي في مدارك الأحكام: كتاب الصلاة
في القبلة ج 3 ص 138.
(3) منهم: المفيد في المقنعة: كتاب الصلاة ب 6 في القبلة ص 96، والشيخ في المبسوط: كتاب الصلاة في
ذكر القبلة ج 1 ص 80، وابن حمزة في الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان القبلة ص 86
(4) المعتبر: كتاب الصلاة في القبلة ج 2 ص 70، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في القبلة ج 1 ص 219
س 35، وجامع المقاصد: كتاب الصلاة في القبلة ج 2 ص 71.
(5) حكاه في كشف اللثام: ج 1 ص 180 س 4 عن غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في
القبلة ص 494 س 6.
132

الاجتهاد، فقال: ليس كما يقولون، إذا كان ذلك فليصل لأربع وجوه (1) خلافا
للعماني وظاهر الصدوق كما قيل (2): فيصلي حيث شاء.
ومال إليه الفاضل في المختلف (3) والشهيد في الذكرى (4) وغيرهما (5) من
متأخري متأخري أصحابنا، التفاتا إلى الصحيح: يجزي المتحير أبدا أينما توجه
إذا لم يعلم أين وجه القبلة (6).
والصحيح المروي في الفقيه (7): عن الرجل يقوم في الصلاة، ثم ينظر بعد
ما فرغ فيرى أنه قد انحرف عن القبلة يمينا وشمالا، فقال: قد مضت صلاته،
فما بين المشرق والمغرب قبلة ونزلت هذه الآية في قبلة المتحير: (ولله المشرق
والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) (8).
والمرسل كالصحيح بابن أبي عمير - المجمع على تصحيح ما يصح عنه -: عن
قبلة المتحير، فقال: يصلي حيث يشاء (9).
وطعنا في الاجماع بعدم المسموعية في محل النزاع، وفي الأصل يمنع وجوب
الاستقبال مع الجهل بالقبلة استنادا إلى ما تقدم من المعتبرة، وفي الخبر بضعف
السند بالارسال وغيره، والمتن بتضمنه سقوط الاجتهاد من أصله، وهو مخالف

(1) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب القبلة ح 5 ج 3 ص 226، باختلاف يسير.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في القبلة ح 1 ص 77 س 35 وص 78 س 7.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في القبلة ح 1 ص 77 س 35 وص 78 س 7.
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في المستقبل ص 166 س 24 - 27.
(5) منهم: السيد الموسوي العاملي في مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في القبلة ج 3 ص 136 المحقق السبزواري
في ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في القبلة ص 218 السطر الأخير، والمحدث البحراني في الحدائق
الناضرة: كتاب الصلاة في أنه هل تجزي الصلاة الواحدة بعد تعذر الظن بالقبلة؟ ج 6 ص 400.
(6) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب القبلة ح 2 ج 3 ص 226.
(7) في الشرح المطبوع " النهاية " والصحيح ما أثبتناه كما في المخطوطات.
(8) من لا يحضره الفقيه: باب القبلة ح 848 ج 1 ص 276.
(9) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب القبلة ح 3 ج 3 ص 226.
133

للاجماع الظاهر والمحكي وفي الجميع نظر، لانجبار الضعف بالارسال، وغيره
بالشهرة العظيمة، والاجماعات المحكية حد الاستفاضة التي كل منها حجة
مستقلة.
واحتمال الاجتهاد الممنوع عنه: الاجتهاد في مسألة قبلة فاقد العلم، وهي:
أنه يعمل بالظن مع القدرة عليه، وإلا فيسقط اعتبار القبلة، وهو وإن بعد لكن
لا محيص عنه، جمعا وصيانة للنص عن المخالفة للاجماع مهما أمكن، سيما مع
اعتضاده - بعد فتوى الأصحاب والاجماع المحكي - بالمرسل الآخر المروي في
الفقيه (1) من دون هذا المحذور وكذا في الكافي (2)، مع أنه حجة مستقلة بنفسه،
لانجباره بما مضى، وبالأصل الذي قدمناه.
والجواب عنه بما مر فرع تسليم سند المنع، وهو غير مسلم، لارسال الخبر الأخير
وإن قرب من الصحيح، لضعفه عن المقاومة للمنجبر بالعمل، لكونه أقوى منه،
بل ومن الصحيح وإن تعدد واستفاض على الصحيح.
وبه يظهر الجواب عن الصحيحين الأولين، مع احتمال القدح في أولهما.
بأن راويه قد رواه بدل ما هنا " يجزئ التحري " لا " المتحير " فيحتمل كون
الأصل هذا، والتحريف وقع في المبدل، ومعه لا يصح الاعتماد عليه في مقابلة ما
مضى، واتحادهما سندا ومتنا غير ما وقع فيه الاختلاف مع الأصل يدفع
احتمال التعدد رواية، وأنه روى بهذا مرة وبالأخرى أخرى، وفي الثاني منهما
بأن محل الدلالة قوله: " ونزلت هذه الآية في قبلة المتحير إلى آخرها ".
وهو كما يحتمل كونه من تتمته كذا يحتمل كونه من كلام الفقيه، بل هذا
أظهر على ما يشهد به سياق الخبر، مع أنه مروي في التهذيب (3) بدون هذه الزيادة.

(1) من لا يحضره الفقيه: باب القبلة ح 854 ج 1 ص 278.
(2) الكافي: كتاب الصلاة باب وقت الصلاة... ومن صلى لغير القبلة ح 10 ج 3 ص 286.
(3) تهذيب الأحكام: ب 5 في القبلة ح 25 ج 2 ص 48.
134

فإذا، يشكل الاستناد إلى هذه المعتبرة، سيما في مقابلة خصوص ما مر من
المراسيل المنجبرة بالشهرة، والاجماعات المحكية التي كل منها حجة مستقلة.
وتخيل الجواب عنه بما مر إليه الإشارة مضعف بعدم انطباقه على قواعد
الإمامية، كما مر غير مرة.
ثم لو سلم اعتبار هذه الأدلة، وخلوصها عن القوادح المتقدمة فغايتها إيراث
شبهة في المسألة، بناء على أن ترجيحها على الأدلة المقابلة فاسد بلا شبهة. فينبغي
الرجوع إلى مقتضى الأصل، وهو ما مر من لزوم فعل الأربع من باب المقدمة.
والقدح فيه - زيادة على ما مر - بإمكان تحصيل المأمور به بصلوات ثلاث
إلى ثلاث جهات ممنوع بعدم تحصيل القبلة الواقعية بذلك، بل غايتها تحصيل ما
بين المشرق والمغرب، وهو ليس بقبلة، بل هي: الجهة المخصوصة التي لا يجوز
الانحراف عنها ولو بشئ يسير، إلا فيما استثني بالمرة، وكون ما نحن فيه منه أول
الكلام، ولا كذلك الصلاة إلى الأربع جهات، فإنها وإن لم تحصل الجهة
الواقعية كما هي، إلا أنه يدفع الزائد عنها بعدم القائل به، بلا شبهة.
ولو سلم فساد هذا الأصل فلنا أصل آخر، هو استصحاب شغل الذمة
اليقيني، المقتضي لوجوب تحصيل البراءة اليقينية، ومرجعه إلى استصحاب
الحالة السابقة، وهو أخص من أصالة البراءة، فتكون به مخصصة.
وللمحكي (1) عن. ابن طاووس: فأوجب استعمال القرعة، فإنها لكل أمر
مشكل. ويضعف بأنه لا إشكال هنا على كل من القولين السابقين، لاستناد
كل منهما إلى حجة شرعية ينتفي معها الاشكال بالمرة.
ومن هنا ينقدح ما في المدارك (2) من نفي البأس عن هذا القول، مع أنه

(1) حكاه المحدث البحراني في الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في أنه هل تجزي الصلاة الواحدة... ج 6
ص 402.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في القبلة ج 3 ص 137.
135

اختار القول الثاني، الذي مقتضاه جواز الصلاة إلى أي جهة شاء، وصحتها
كذلك ولو من دون قرعة، ولا كذلك القول بلزومها، فإن مقتضاه البطلان لو
صليت من دونها.
(و) اعلم، أن (من ترك الاستقبال) إلى القبلة (عمدا أعاد)
(مطلقا) (1) وقتا وخارجا إجماعا، لعدم الاتيان بالمأمور به على وجهه، مضافا
إلى النهي المفسد للعبادة، فكأنه ما أتى بها، فيصدق الفوت كما إذا ترك أصل
الصلاة عامدا، فيجب القضاء، مضافا إلى النصوص (2) المستفيضة بإعادة
الصلاة بترك القبلة بقول مطلق، خرج منها ما سيأتي لما يأتي، فيبقى الباقي.
(ولو صلى) (3) إلى القبلة (ظانا) لجهتها، أو لضيق الوقت عن الصلاة
إلى الجهات الأربع، أو لاختيار المكلف لها إن قلنا بتخيير المتحير، (أو
ناسيا) لمراعاة القبلة، أو لجهتها (و) بعد الفراغ (تبين الخطأ) والصلاة إلى
غير القبلة (لم يعد ما كان) صلاه (بين المشرق والمغرب) مطلقا في وقت
كان أو خارجا إجماعا (في الضان) (4)، كما في التنقيح والروض وغيرهما، بل في
المنتهى وعن المعتبر: أن عليه إجماع العلماء (5) وهو الحجة، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة.

(1) ما بين القوسين غير موجود في المخطوطات.
(2) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب القبلة ج 3 ص 227.
(3) في المتن المطبوع " ولو كان " بدل " ولو صلى ".
(4) ما بين القوسين أثبتناه من المخطوطات.
(5) التنقيح الرائع: كتاب الصلاة في القبلة ج 1 ص 177، وروض الجنان: كتاب الصلاة في الخلل
ص 203 س 22، ومدارك الأحكام: كتاب الصلاة في القبلة ج 3 ص 151، ومفاتيح الشرائع:
كتاب الصلاة مفتاح 130 في من تبين خطأه في القبلة ج 1 ص 114، ومنتهى المطلب: كتاب
الصلاة: في أحكام الخلل ج 1 ص 223 السطر الأخير، والمعتبر: كتاب الصلاة: في ما لو تبين خطأه في
القبلة ج 2 ص 72.
136

منها: - زيادة على الصحاح وغيرها - المتضمنة ل‍: " أن ما بين المشرق
والمغرب قبلة " (1).
وخصوص الصحيح: قلت: الرجل يقوم في الصلاة، ثم ينظر بعد ما فرغ،
فيرى أنه قد انحرف عن القبلة يمينا وشمالا، قال: قد مضت صلاته، وما بين
المشرق والمغرب قبلة (2).
وموثقة عمار عنه: في رجل صلى على غير القبلة، فيعلم وهو في الصلاة
قبل أن يفرغ من صلاته، قال: إن كان متوجها فيما بين المشرق والمغرب
فليحول وجهه إلى القبلة ساعة يعلم، وإن كان متوجها إلى دبر القبلة فليقطع
الصلاة، ثم يحول وجهه إلى القبلة، ثم يفتتح الصلاة (3).
والخبر المروي عن قرب الإسناد: من صلى على غير القبلة، وهو يرى أنه
على القبلة، ثم عرف بعد ذلك فلا إعادة عليه إذا كان فيما بين المشرق
والمغرب (4).
ونحوها المروي عن نوادر الراوندي: من صلى على غير القبلة فكان إلى غير
المشرق والمغرب فلا يعيد الصلاة (5). وربما تنافي هذه النصوص الصحاح الآتية
بلزوم الإعادة في الوقت ما صلي إلى غير القبلة، ونحوها عبائر كثير من قدماء
الطائفة كالشيخين والمرتضى والحلي وابن زهرة (6)، لكن الاجماعات المنقولة

(1) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب القبلة ح 1 و 2 ج 3 ص 228.
(2) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب القبلة، ح 1 و ح 4، ج 3، ص 228.
(3) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب القبلة، ح 1 و ح 4، ج 3، ص 228.
(4) قرب الإسناد: ص 54 س 7.
(5) لم نجده في المطبوع، لكن نقله عنه في مستدرك الوسائل: ب 7 من أبواب القبلة ح 1 ج 3 ص 184،
وكذا عنه في بحار الأنوار: كتاب الصلاة ب 10 في القبلة ح 26 ج 84 ص 69، مع اختلاف فيهما.
(6) المقنعة: كتاب الصلاة في القبلة ص 97، والنهاية كتاب الصلاة باب معرفة القبلة ص 64، وجمل
العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصلاة في مقدماتها ج 3 ص 29، والسرائر: كتاب الصلاة
باب القبلة ج 1 ص 255، وغنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في القبلة ص 494 س 4.
137

أوجبت تقييد إطلاق فتاواهم بالصورة الآتية بهما أوجبت هي - مضافا إلى المعتبرة
المستفيضة المتقدمة - تقييد النصوص المطلقة بها.
(ويعيد الظان) بل كل من مر (ما صلاه إلى المشرق والمغرب) إذا
كان (في وقته) و (لا) يعيد بعد (ما خرج وقته) بإجماعنا الظاهر المحكي
في جملة من العبائر كالخلاف والناصرية والسرائر والمختلف والتنقيح
والمدارك (1)، وغيرها من كتب الجماعة وهو الحجة، مضافا إلى الأصول
والصحاح المستفيضة، وغيرها من المعتبرة.
ففي الصحيح والموثق: قلت: الرجل يكون في قفر من الأرض في يوم غيم،
فيصلي لغير القبلة، ثم يصحى فيعلم أنه قد صلى لغير القبلة، كيف يصنع؟
قال: إن كان في وقت فليعد صلاته، وإن كان مضى الوقت فحسبه
اجتهاده (3).
وفيهما: إذا صليت وأنت على غير القبلة واستبان لك أنك صليت وأنت
على غير القبلة وأنت في وقت فأعد، وإن فاتك الوقت فلا تعد (3).
(وكذا لو استدبر القبلة) فيعيد في الوقت، دون خارجه إجماعا في
الأول، وعلى الأصح في الثاني، وفاقا للمرتضى والحلي (4) وهو الأشهر بين من

(1) الخلاف: كتاب الصلاة م 51 في من صلى إلى غير القبلة ج 1 ص 303، والناصريات (الجوامع
الفقهية): كتاب الصلاة م 80 في أحكام القبلة ص 230، والسرائر: كتاب الصلاة باب القبلة ج 1
ص 205، ومختلف الشيعة: كتاب الصلاة في القبلة ج 1 ص 78 س 13، والتنقيح الرائع: كتاب
الصلاة في القبلة ج 1 ص 177، ومدارك الأحكام: كتاب الصلاة في القبلة ج 3 ص 151.
(2) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب القبلة ح 6 ج 3 ص 235، والموثق هو نفس الحديث باسناد الشيخ
عن الطاطري.
(3) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب القبلة ح 1 و ح 5 ج 3 ص 229 و 230، وثانيهما هو الموثق.
(4) الناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة م 80 في القبلة ص 230، والسرائر: كتاب الصلاة
باب القبلة ج 1 ص 205.
138

تأخر، بل عليه عامتهم، إلا من ندر كالفاضل في جملة من كتبه (1)، والمقداد في
الشرح (2)، والمحقق الثاني في شرح القواعد (3)، مع أن الأول قد رجع عنه في
المختلف (4)، والأخيرين لم يصرحا بهذا القول، بل الأول قد احتاط به، والثاني
قال: والعمل عليه بعد أن قوى المختار، فلا خلاف منهم أيضا حقيقة،
لاطلاق الأدلة المتقدمة السليمة عما يصلح للمعارضة، عدا ما يأتي، وستعرف
جوابه
(وقيل) والقائل الشيخان وجماعة (5): إنه (يعيد) مطلقا (وإن خرج
الوقت) لموثقة عمار المتقدمة، وفيها قصور سند، وضعف دلالة، كما نبه عليه
جماعة.
قالوا: فإن مقتضاها أنه " علم وهو في الصلاة " وهو دال على بقاء الوقت،
ونحن نقول بموجبه، إذ النزاع إنها هو فيما إذا علم بعد خروجه (6)،
أقول: مع أن ظاهرها بقرينة السياق كون المراد بالاستدبار ما يعم
التشريق والتغريب، وقضاء الصلاة معه خلاف الاجماع.

(1) قواعد الأحكام: كتاب الصلاة في القبلة ج 1 ص 27 س 6، وإرشاد الأذهان: كتاب الصلاة في
الاستقبال ج 1 ص 245.
(2) التنقيح الرائع: كتاب الصلاة في القبلة ج 1 ص 178.
(3) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في القبلة ج 2 ص 75.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في القبلة ج 1 ص 78 س 14.
(5) الشيخ المفيد في المقنعة: كتاب الصلاة باب 6 في القبلة ص 97، والشيخ الطوسي في المبسوط: كتاب
الصلاة في ذكر القبلة ج 1 ص 80، وسلار الديلمي في المراسم: كتاب الصلاة في معرفة القبلة
ص 61، والحلبي في الكافي في الفقه: باب حقيقة الصلاة في القبلة ص 139، وابن زهرة في غنية
النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في القبلة ص 494 س 5.
(6) منهم: المحقق السيد الموسوي العاملي الطباطبائي في مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في القبلة ج 3
ص 153.
139

وبالجملة: فالاستدلال بها ضعيف، سيما في مقابلة الأدلة المتقدمة
كالاستدلال باشتراط الصلاة بالقبلة بالنص والاجماع. والمشروط منتف عند
انتفاء شرطه، فهي إلى غير القبلة فائتة، ومن فاتته صلاة وجب عليه القضاء
إجماعا، نصا وفتوى، وإنما لم يجب إعادة ما بين المشرق والمغرب، ولا قضاء ما
صلى إليهما، للاتفاق عليهما نصا وفتوى كما مضى.
وبالخبرين: عن رجل صلى على غير القبلة، ثم تبين القبلة، وقد دخل
وقت صلاة أخرى، قال: يصليها قبل أن يصلي هذه التي دخل وقتها، إلا أن
يخاف فوت التي دخل فيها (1) (2). لمنع الأول بمنع الاشتراط بالقبلة، بل بظنها
فلا فوت للامتثال.
ولذا قال الفاضل في النهاية: والأصل أنه إن كلف بالاجتهاد لم يجب
القضاء، وإن كلف بالاستقبال وجب (3) انتهى. ولا يرد أنه لو كفى الاجتهاد لم
تجب الإعادة في الوقت، للخروج بالنص والاجماع، ولضعف الخبرين، أو
قصورهما سندا ومكافأة لما مضى، بل ودلالة أيضا، لعدم تقييدهما بالاستدبار،
بل هما عامان له، وللتشريق والتغريب وما دونهما، وهو خلاف الاجماع.
وتقييدهما بالأول جمعا بينهما وبين الأخبار المتقدمة فرع الشاهد عليه
وليس، مضافا إلى استلزامه حمل المطلق على الفرد النادر، إذ الاستدبار
الحقيقي قل ما يتفق، سيما للمجتهد كما هو بعض أفراد محل البحث،
ولا يرد مثله على النصوص السابقة، لعموم بعضها من حيث التعليل
بقوله: " فحسبه اجتهاده "، مضافا إلى اعتضادها أجمع بالأصول العامة مثل:
أصالة البراءة، بناء على أن القضاء بفرض جديد، ولا يثبت إلا حيثما يصدق

(1) تهذيب الأحكام: كتاب الصلاة ب 5 في القبلة ح 17 و ح 18 ج 2 ص 46.
(2) في نسخة (مش) و (ش) " وقتها " بدل " فيها ".
(3) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في خلل الاجتهاد ج 1 ص 399.
140

الفوت حقيقة، ولا يصدق هنا كذلك، بناء على أن الامتثال يقتضي الاجزاء،
ومعه لا يصدق الفوت قطعا، ومع التنزل فلا أقل من التردد في الصدق وعدمه.
وبمجرده لا يخرج عن الأصل القطعي.
ومن هنا: يصح إلحاق الناسي بالظان في عدم وجوب القضاء، كما عليه
جماعة من أصحابنا: كالشيخين (1) وغيرهما، كثير من المتأخرين وزادوا،
فألحقوه به في جميع الأحكام، حتى في عدم الإعادة. ولو صلى منحرفا إلى ما
بين المشرق والمغرب، كما صرح الماتن هنا. وهو حسن، لعموم النصوص
المتقدمة في هذه الصورة له كعموم بعض الصحاح النافية للقضاء خارج
الوقت (2) له أيضا، بل وللجاهل مطلقا.
ولولاه لأشكل الالحاق كليا، لاقتضاء الأصل إعادة ما صلى إلى غير
القبلة ولو لم يصل إلى حد التشريق والتقريب، كما ستعرفه. خلافا لآخرين
ومنهم الماتن في ظاهر عبارته هنا، فمنعوا عن إلحاقهما مطلقا، عملا بالأصول،
وتنزيلا للنصوص على الظان بدعوى اختصاصها به بحكم التبادر وغيره دونهما.
وفيهما نظر، لاختصاص الأصول بمنع الالحاق في صورة عدم الإعادة في الوقت،
لا غيرها، بل مقتضاها فيه الالحاق جدا، أما صورة عدم القضاء فلما مضى.
وأما صورة الإعادة في الوقت، كما إذا صلى مشرقا ومغربا فلبقاء وقت
الأمر بالأداء، فيجب امتثاله بعد ظهور المخالفة والخطأ، مضافا إلى فحوى ما دل
على لزومها على الظان، فهاهنا أولى.
وأما دعوى اختصاص النصوص به فممنوعة في بعضها، لعمومه له
وللناسي، بل الجاهل أيضا بترك الاستفصال في مقام جواب السؤال، مع قيام

(1) المقنعة: كتاب الصلاة باب 6 في القبلة ص 97، والنهاية: كتاب الصلاة باب معرفة القبلة ص 64.
(2) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب القبلة ح 1 ج 3 ص 229.
141

الاحتمال المقتضي للعموم في المقال. لكن الحكم بشموله للجاهل بالحكم
- نظرا إلى قطعية ما دل على كونه كالعامد - لا يخلو عن إشكال، والاحتياط فيه
لا يترك على حال.
ثم إن هذا كله إذا تبين الخطأ بعد الفراغ من الصلاة بما قدمناه، وإذا تبين في
أثنائها فكما بعد الفراغ في الصور الثلاث، إلا أنه يستدير إلى القبلة في الصورة
الأولى منها بلا خلاف، بل عليه الاجماع في صريح المدارك (1) وعن ظاهر
المعتبر (2) وعن المبسوط، وفي غيره نفي الخلاف عنه (3) وهو الحجة، مضافا
صريح موثقة عمار السابقة، وفيها الدلالة على الاستئناف في الصورة الثالثة،
ولا خلاف فيها أيضا على الظاهر المحكي عن المبسوط (4).
ويحتمل شمولها للصورة الثانية أيضا إن عممنا الاستدبار فيها، للتشريق
والتغريب، كما هو ظاهر سياقها، وتقدم الإشارة إليه سابقا، وفيها الحجة
- حينئذ - على المبسوط (5) فيما حكي عنه، من إلحاقه الصورة الثانية بالأولى في
لزوم الاستدارة إلى القبلة، نافيا الخلاف عنه.
مضافا إلى تطرق الوهن إلى قوله، ونفيه الخلاف بندرته وشذوذه، مع عدم
صراحة عبارته في المخالفة، واحتمالها الموافقة لما عليه الجماعة والموثقة. وأطلقها
في صورة الاستئناف يقتضي عدم الفرق بين بقاء الوقت بعد القطع، وعدمه.
ويشكل في الثاني، بناء على أن الظاهر أن مراعاة الوقت مقدمة على
مراعاة القبلة. ولذا يجب على الجاهل بها الغير المتمكن من الاجتهاد فيها أن
يصلي إلى حيث شاء في الجملة أو مطلقا، بل مقدمة على جل واجبات

(1) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في القبلة ج 3 ص 154.
(2) المعتبر: كتاب الصلاة في القبلة ج 2 ص 72.
(3) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر القبلة ج 1 ص 81.
(4) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر القبلة ج 1 ص 81.
(5) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر القبلة ج 1 ص 81.
142

الصلاة من الشرائط والأجزاء.
واستشكل فيه الشهيدان (1) أيضا، بل رجح الالحاق بالصورة الأولى
ثانيهما، وسبطه في المدارك وغيرهما (2)، وهو الأقوى.
(ولا) يجوز أن (يصلي الفريضة على الراحلة اختيارا) إجماعا من
العلماء، كما في المعتبر (3). والمنتهى (4) والذكرى، لكنه قال: إجماعا (5)، وأطلق،
ولا شبهة فيه إذا استلزم فوات الاستقبال، أو غيره من الشرائط والأجزاء،
للأصول المعتضدة بالنصوص
منها: الصحيح: لا يصلي على الدابة - الفريضة - إلا مريض، ويستقبل بها
القبلة (6). ونحوه الموثق (7)، وغيره (8).
ويشكل إذا لم يستلزم الفوات كالصلاة على الدواب المعقولة - بحيث يؤمن
عن الاضطراب والحركة - من إطلاق الفتوى والنصوص، بل عموم الصحيح
منها من حيث الاستثناء بالمنع، ومن انصرافه بحكم التبادر والغلبة إلى الصورة
الأولى خاصة.
والاستثناء في الصحيح يفيد عموما في حالات المصلي، لا المركوب، كما
هو واضح، وبه صرح جماعة، مختارين الجواز في هذه الصورة، وفاقا للفاضل
في النهاية (10) ولا يخلو من قوة خلافا للأكثر، فاختاروا المنع، وهو أحوط،

(1) ذكرى الشيعة: ص 166 س 20، ومسالك الأفهام: ج 1 ح 23 س 19.
(2) مدارك الأحكام: ج 3 ص 154، وجامع المقاصد: ج 2 ص 74.
(3) المعتبر: كتاب الصلاة في القبلة ج 2 ص 75.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في ما يستقبل له ج 1 ص 222 س 1.
(5) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في ما يستقبل له ص 167 س 31.
(6) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب القبلة ح 1 و 7 و 4 ج 3 ص 236 و 238 و 237.
(7) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب القبلة ح 1 و 7 و 4 ج 3 ص 236 و 238 و 237.
(8) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب القبلة ح 1 و 7 و 4 ج 3 ص 236 و 238 و 237.
(9) انظر المدارك: ج 3 ص 142، وذخيرة المعاد: ص 217 س 20، والحدائق: ج 6 ص 414.
(10) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في ما يستقبل له: ج 1 ص 404.
143

تحصيلا للبراءة القطعية.
وهل الفريضة تشمل كل واجب حتى نحو الصلاة المنذورة، أم تختص
بالصلوات الخمس اليومية؟ مقتضى الاطلاق: الأول، وصرح به الفاضل في
المنتهى والتحرير (1) وفاقا للمحكي عن المبسوط (2)، وتبعهما في الذكرى.
قال: ولا فرق في ذلك بين أن ينذرها راكبا، أو مستقرا على الأرض،
لأنها بالنذر أعطيت حكم الواجب (3).
وتنظر فيه جمع قالوا: عملا بالأصل، وعموم ما دل على وجوب الوفاء
بالنذر (4).
مضافا إلى الخبر: عن رجل جعل لله تعالى أن يصلي كذا وكذا، هل
يجزيه أن يصلي ذلك على دابته وهو مسافر؟ قال: نعم (5).
وفيه نظر؛ لاندفاع الأولين بعموم أدلة المنع، فإنه بالنظر إليهما أخص
فليقدم. والخبر غير معلوم الصحة، ومع ذلك غير صريح الدلالة، بل ولا ظاهره،
إلا من حيث العموم لحالتي الاختيار والضرورة.
ويمكن تخصيصه بالأخيرة جمعا بين الأدلة، إلا أن يمنع عموم المانعة منها
باختصاصها لحكم التبادر والغلبة، والتعبير بلفظ الفريضة المستعمل كثيرا في
النصوص فيما استفيد وجوبه من الكتاب، لا السنة بالصلوات الخمس اليومية.
ولا يخلو عن قوة وإن كان الأحوط عموم المنع، تحصيلا للبراءة اليقينية، سيما مع

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في ما يستقبل له ج 1 ص 223 س 28، وتحرير الأحكام: كتاب
الصلاة في ما يستقبل له ج 1 ص 29 س 30.
(2) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر القبلة ج 1 ص 80.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في ما يستقبل له ص 167 س 32.
(4) منهم: السيد العاملي في مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في القبلة ج 3 ص 139.
(5) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب القبلة ح 6 ج 3 ص 238.
144

مقابلة الفريضة بالنافلة في بعض النصوص:
أصلي في محملي وأنا مريض؟ قال: فقال: أما النافلة فنعم، وأما الفريضة
فلا (1). وهو مشعر بعموم الفريضة لكل صلاة واجبة ولو بالسنة، إلا أن الاشعار
لا يصلح الاستناد إليه، للمنع مع ضعف السند بالاضمار والجهالة، وتضمن
الذيل - الذي لم نذكره - عدم جواز الفريضة على الراحلة ولو حال الضرورة، ولم
يقل به أحد من الطائفة، كما عرفته.
واحترز بقوله: " اختيارا " عن الصلاة عليها اضطرارا، لجوازها - حينئذ -
إجماعا ظاهرا، ومصرحا به في المعتبر (2) والمنتهى (3) وغيرهما، والنصوص به مع
ذلك - بعد الأصول - مستفيضة جدا.
منها: زيادة على المعتبرين السابقين الصحاح.
منها: يصيبنا المطر ونحن في محاملنا، والأرض مبتلة والمطر يؤذي، فهل يجوز
لنا يا سيدي أن نصلي في هذه الحالة في محاملنا أو على دوابنا الفريضة؟ فوقع
- عليه السلام -: يجوز ذلك مع الضرورة في الشديدة (4).
ومنها: إن كنت في أرض مخافة فخشيت لصا أو سبعا فصل، الفريضة وأنت
على دابتك (5).
وفي النصوص الكثيرة وفيها الصحيح وغيره أنه: صلى رسول الله - صلى الله
عليه وآله - الفريضة في المحمل في يوم وحل ومطر (6). وكما تجوز على الراحلة
(1) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب القبلة ح 10 ج 3 ص 238.
(2) المعتبر: كتاب الصلاة في القبلة ج 2 ص 75.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في ما يستقبل له ج 1 ص 222 س 5.
(4) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب القبلة ح 5 ج 3 ص 237.
(5) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة ح 10 ج 5 ص 484.
(6) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب القبلة ح 9 ج 3 ص 238.
145

للضرورة كذا تجوز ماشيا، كما صرح به جماعة، وحكي عن الأصحاب كافة،
وباجماعهم صرح في المنتهى (1)، للأصول، وخصوص النصوص الدالة عليه
بالعموم والخصوص.
ففي الصحيح: عن الرجل يخاف من سبع أو لص، كيف يصلى؟ قال:
يكبر ويومئ برأسه (2). ونحوه آخر (3).
وفي ثالث: عن الصلاة في السفر وأنا أمشي؟ قال: نعم، تومئ إيماء، وليجعل
السجود أخفض من الركوع (4). ونحوها غيرها من الصحاح الدالة عليه عموما
من حيث الشمول للفريضة.
ومن الدالة عليه بالخصوص: الرضوي، ففيه بعد ذكر صلاة الراكب:
الفريضة على ظهر الدابة، وأنه يستقبل القبلة بالتكبيرة، ثم يمضي حيث
توجهت دابته، وأنه وقت الركوع والسجود يستقبل القبلة، ويركع ويسجد - إلى
أن قال -: وتفعل فيها مثله إذا صليت ماشيا، إلا أنك إذا أردت السجود
سجدت على الأرض (5).
وقريب منه بعض النصوص المرخصة للفريضة على الراحلة حال الضرورة
من حيث التعليل فيه بقوله - عليه السلام -: (فالله تعالى أولى بالعذر) (6).
وهو كالصريح في العموم، مضافا إلى الاعتبار والأصول، وقوله سبحانه:
" فرجالا أو ركبانا " (7).

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في ما يستقبل له ج 1 ص 223 س 16.
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة ح 9 و ح 1 ج 5 ص 484 و 482.
(3) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة ح 9 و ح 1 ج 5 ص 484 و 482.
(4) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب القبلة ح 3 ج 3 ص 244، مع اختلاف يسير.
(5) فقه الرضا (ع): ب 21 في صلاة المسافر، المريض ص 164.
(6) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب القبلة ح 2 ج 3 ص 237.
(7) البقرة: 239.
146

وهل يجب الاستقبال بقدر الامكان - كما ذكره جماعة - اقتصارا في الضرورة
المرخصة على قدرها، أم يكفي الاستقبال بتكبيرة الاحرام خاصة كما في ظاهر
الصحيح وغيره معتضدا بإطلاقات الأخبار؟ وجهان، أحوطهما الأول، بل لعله
أظهرهما، لقوة دليله، وضعف معارضه من الاطلاق، وظاهر الخبرين،
لاحتمال ورودهما مورد الغالب من عدم التمكن من الاستقبال فيما عدا التكبيرة
للراكب. وإذا (1) لم يتمكن من الاستقبال مطلقا حتى قي التكبيرة سقط قولا
واحدا للضرورة.
كما أنه يجب الاستقبال فيها مع الامكان قولا واحدا، وبالاجماع صرح
الفاضل في المنتهى (2) هنا وسابقا، وغيره هنا.
وهل يجب التأخير إلى ضيق الوقت، أم يجوز مع السعة؟ مقتضى
الاطلاقات نصا وفتوى الثاني. والأول صريح الرضوي (3) وبه صرح الماتن في
الشرائع (4) في الماشي، وهو أحوط، سيما مع أوفقيته بمقتضى الأصول الدالة على
اعتبار القبلة وسائر الشروط، فيجب تحصيلها ولو بالتأخير من باب المقدمة.
(ورخص (5) في النافلة سفرا) أن تصلى على الراحلة (وحيثما (6) توجهت
الراحلة) ولو إلى غير القبلة، إجماعا ظاهرا ومصرحا به في المعتبر (7) والمنتهى (8)

(1) في نسخة (م) و (مش) " إذا " بدون واو.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في ما يستقبل له ج 1 ص 221 س 24.
(3) فقه الرضا (ع): ب 14 في صلاة الخوف ص 148.
(4) شرائع الاسلام: كتاب الصلاة في المستقبل ج 1 ص 67.
(5) في المتن المطبوع " ويرخص ".
(6) في المتن المطبوع " حيث " بدون " ما ".
(7) المعتبر: كتاب الصلاة في القبلة ج 2 ص 75.
(8) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في ما يستقبل له ج 1 ص 222 س 9.
147

والذكرى (1) وغيرها، وللصحاح المستفيضة وغيرها. ويستفاد من جملة منها
صحيحة عدم صحة (2) الاختصاص بالسفر، وجوازها في الحضر، بل وماشيا
أيضا مطلقا.
ففي الصحيح: في الرجل يصلي النافلة وهو على دابته في الأمصار؟ قال:
لا بأس (3)
ونحوه آخر (4) وفيه: عن صلاة النافلة في الحضر على ظهر الدابة إذا خرجت
قريبا من أبيات الكوفة، أو كنت مستعجلا بالكوفة فقال: إن كنت مستعجلا
لا تقدر على النزول وتخوفت فوت ذلك إن تركته وأنت راكب فنعم، وإلا
فإن صلاتك على الأرض أحب إلي (5).
وفيه: لا بأس بأن يصلي الرجل صلاة الليل بالسفر وهو يمشي، ولا بأس إن
فاتته صلاة الليل أن يقضيها بالنهار وهو يمشي، يتوجه إلى القبلة ويقرأ، فإذا
أراد أن يركع حول وجهه إلى القبلة وركع وسجد ثم مشى (6) إلى غير ذلك
من النصوص، وهو خيرة الشيخ في الخلاف (7)، لكن في خصوص الجواز على
الراحلة في الحضر مدعيا هو عليه، وكذا الفاضل في ظاهر المنتهى في الماشي
مطلقا إجماع الأصحاب (8)، وتبعهما عامة متأخري الأصحاب.
والنصوص المتقدمة وإن لم يستفد منها جواز الصلاة ماشيا في الحضر لكنه

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في ما يستقبل له ص 168 س 20.
(2) كلمة " صحة " غير موجودة في المخطوطات.
(3) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب القبلة ح 10 و 1 و 12 ج 3 ص 240 و 239 و 241.
(4) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب القبلة ح 10 و 1 و 12 ج 3 ص 240 و 239 و 241.
(5) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب القبلة ح 10 و 1 و 12 ج 3 ص 240 و 239 و 241.
(6) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب القبلة ح 1 ج 3 ص 244.
(7) الخلاف: كتاب الصلاة (م 43) في النافلة على الراحلة سفرا ج 1 ص 298.
(8) الشيخ في الخلاف: كتاب الصلاة م 44 في النافلة على الراحلة حضرا ج 1 ص 299، والعلامة في
منتهى المطلب: كتاب الصلاة في ما يستقبل له ج 1 ص 223 س 10.
148

مستفاد من إطلاق الاجماع المنقول.
مضافا إلى إطلاق الخبرين في أحدهما: إن صليت وأنت تمشي كبرت
ثم مشيت، ثم قرأت، فإذا أردت أن تركع أومأت بالركوع، ثم أومأت
بالسجود، وليس في السفر تطوع (1).
وفي الثاني: أنه لم يكن يرى بأسا أن يصلي الماشي وهو يمشي ولكن لا يسوق
الإبل (2). كذا قيل (3) وفيه نظر، بل العمدة في التعميم للماشي في الحضر هو الاجماع
المنقول، بل المحقق، لعدم قائل بالمنع عن صلاته فيه مع تجويز صلاة الراكب فيه
فكل من صححها صحح صلاة الماشي حضرا، وكل من أبطلها أبطلها،
وهو العماني (4) والحلي في ظاهر كلامه، حيث خص صلاة النافلة على
الراحلة بالسفر خاصة (5).
ولعل مستندهما: إما الاقتصار فيما خالف الأصل الدال على لزوم الصلاة إلى
القبلة مطلقا ولو نافلة من العموم، وتوقيفية العبادة على المجمع عليه، وهو السفر خاصة.
أو ظهور بعض الصحاح المتقدمة، المرخصة لها فيه في التقييد به، مؤيدا
بجملة من النصوص (6) الواردة في تفسير قوله سبحانه: " أينما تولوا فثم وجه
الله " (7) أنه ورد في النوافل في السفر خاصة وفي الجميع نظر، لضعف
النصوص المفسرة سندا، بل ودلالة.
إذ غايتها بيان ورود الآية فيه خاصة، وهو لا يستلزم عدم المشروعية في

(1) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب القبلة ح 2 و ح 5 ج 3 ص 244.
(2) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب القبلة ح 2 و ح 5 ج 3 ص 244.
(3) لم نعثر على قائله، وذكره العاملي في مفتاح الكرامة: ج 2 ص 103 س 20.
(4) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في ما يستقبل ج 1 ص 79 س 4.
(5) السرائر: كتاب الصلاة باب القبلة ج 1 ص 208.
(6) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب القبلة ح 18 و ح 19 و ح 23 ج 3 ص 242 و 243.
(7) البقرة: 115.
149

غيره، والصحيح غير صريح، بل ولا ظاهر في التقييد إلا بالمفهوم الضعيف
بورود القيد فيه مورد الغالب، والاقتصار على التيقن غير لازم، حيث يوجد ما
يقوم مقامه، وهو النصوص الصحيحة المتقدمة الظاهرة في الجواز حضرا على
الراحلة، ولا قائل بالفرق، كما عرفته.
وبها يذب عن النصوص المفسرة، والصحيحة المقيدة على تقدير تسليم
صحة السند ووضوح الدلالة. فإن هذه النصوص أقوى دلالة منها بلا شبهة،
سيما بعد الاعتضاد بالشهرة العظيمة، والاجماعات المنقولة.
وهل يتعين هنا الاستقبال بتكبيرة الاحرام كما في الصحيح (1) وعن
الحلي (2) حاكيا له عن جماعة، أم لا، بل يستحب كما عليه آخرون (3)، لاطلاق
النصوص وصريح الصحيح الآخر (4)؟ قولان، ولعل الثاني أظهر وإن كان
الأول أحوط. ويكفي في الركوع والسجود هنا الايماء، وليكن السجود أخفض
من الركوع بهما في النصوص (5).
ولا يجب في الايماء للسجود وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، للصحيح:
يضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شئ، ويومئ في النافلة إيماء (6).
ولو ركع وسجد مع الامكان كان أول، للصحيح (7) وأولى منه أن يصلي
على الأرض، مستقرا، للصحيح الآخر (8) الماضي، كسابقه.

(1) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب القبلة ح 13 ج 3 ص 241.
(2) السرائر: كتاب الصلاة باب صلاة المسافر ج 1 ص 336.
(3) منهم: السيد العاملي في مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في القبلة ج 3 ص 148.
(4) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب القبلة ح 6 و 7 ج 3 ص 240.
(5) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب القبلة ح 14 و ح 15 ج 3 ص 241 و 242.
(6) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب القبلة ح 1 ج 3 ص 236.
(7) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب القبلة ح 1 ج 3 ص 244.
(8) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب القبلة ح 12 ج 3 ص 241.
150

(الرابعة في) بيان ما يجوز الصلاة فيه من (لباس المصلي)
إعلم أنه (لا يجوز الصلاة في جلد الميتة ولو دبغ، إجماعا على الظاهر
المصرح به في كثير من العبائر، وللنصوص المستفيضة التي كادت تكون
متواترة، بل قيل: متواترة (1).
ففي الصحيح: عن جلد الميتة أيلبس في الصلاة إذا دبغ؟ قال لا، ولو دبغ
سبعين مره (2).
وفي القريب منه سندا: في الميتة قال: لا تصل في شئ منه، ولا شسع (3).
وظاهره عموم المنع لما ليس بساتر أيضا، وبه صرح جماعة من أصحابنا.
ويستفاد من أخبار أخر أيضا.
منها: الموثق وغيره: لا بأس بتقليد السيف في الصلاة فيه الفراء
والكيمخت ما لم يعلم أنه ميتة (4).
وفي الخبر الصحيح: كتبت إلى أبي محمد - عليه السلام -: يجوز للرجل أن
يصلي ومعه فارة المسك؟ فكتب: لا بأس به إذا كان ذكيا (5).

(1) روض الجنان: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 212 س 25.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب لباس المصلي ح 1 و ح 2 ج 3 ص 249، مع اختلاف يسير فيها.
(3) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب لباس المصلي ح 1 و ح 2 ج 3 ص 249، مع اختلاف يسير فيها.
(4) وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب النجاسات ح 12 ج 2 ص 1073، نقل بالمعنى.
(5) وسائل الشيعة: ب 41 من أبواب لباس المصلي ح 2 ج 3 ص 315.
151

وإطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق بين ذات النفس وغيرها، وبه
صرح بعض أصحابنا (1) خلافا لآخرين، فقيدوها بالأولى (2)، لكونها المتبادر
من الاطلاق جدا.
وهذا أقوى وإن كان الأول أحوط وأولى، وينبغي عليه تقييد غير ذي
النفس بنحو السمك مما له الجلد الذي هو مورد النص، دون نحو القمل والبق
والبرغوث، للقطع بعدم البأس فيها.
ثم إن هذا إذا علم كونه ميتة أو وجد في يد كافر، أما مع الشك في
التذكية فقد مضى في أواخر كتاب الطهارة: " المنع عنه " أيضا، وفاقا
لجماعة، خلافا لنادر، وقد عرفت مستنده، وضعفه بمعارضته بالمعتبرة المستفيضة
المعتضدة بالشهرة، واستصحاب بقاء شغل الذمة.
نعم، لو أخذ من بلاد الاسلام حكم بذكاته، وكذا لو أخذ من يد مسلم،
للنصوص المستفيضة المتقدمة ثمة، ومقتضاها - إطلاقا - عدم الفرق بين كون
المسلم المأخوذ منه ممن يستحل الميتة بالدبغ، وعدمه، وبه صرح جماعة (3)،
مستندين إلى إطلاق المستفيضة، بل عمومها الناشئ عن ترك الاستفصال في
جملة منها، خلافا للتذكرة والتحرير والمنتهى (4)، فمنع عما يؤخذ من يد مستحل
الميتة بالدم مطلقا وإن أخبر بالتذكية، لأصالة العدم، وفيه - بعد ما عرفت من

(1) حبل المتين: ص 180 س 10 و 16، وكفاية الأحكام: ص 16 س 15.
(2) مدارك الأحكام: ج 3 ص 161، ومفاتيح الشرائع: م 123 ج 1 ص 108، والحدائق: ج 7 ص 56.
(3) منهم: المحدث الفيض في مفاتيح الشرائع: كتاب الصلاة مفتاح 123 في عدم جواز الصلاة في جلد
الميتة ج 1 ص 108.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في جنس لباس المصلي ج 1 ص 94 س 38، وتحرير الأحكام: كتاب
الصلاة في اللباس ج 1 ص 30 س 15، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 226 س 4
152

إطلاق النص أو عمومه - نظر.
وأما الخبران: كان علي بن الحسين - عليهما السلام - رجلا صردا، لا يدفئه
فراء الحجاز، فإن دباغها بالقرظ فكان يبعث إلى العراق فيؤتى من قبلكم
بالفراء، فيلبسه، فإذا حضرت الصلاة ألقاه وألقى القميص الذي يليه، فكان
يسأل عن ذلك فيقول إن أهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة، ويزعمون
أن دباغه ذكاته (1). كما في أحدهما.
وفي الثاني: إني أدخل سوق المسلمين، فأشتري منهم الفراء للتجارة،
فأقول لصاحبها: أليست ذكية؟ فيقول: بلى، فهل يصلح لي أن أبيعها على
أنها ذكية؟ فقال: لا، ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول: قد شرط الذي اشتريتها
منه أنها ذكية، قلت: وما أفسد ذلك؟ قال: استحلال أهل العراق للميتة،
وزعموا أن دباغ جلد الميتة ذكاته الحديث (2) فلا يعارضان ما قدمنا، لضعف
سندهما، بل ودلالتهما أيضا.
فإن غاية ما يستفاد من الأول: أنه - عليه السلام - كان ينزع منه فرو
العراق حال الصلاة. ومن الجائز أن يكون ذلك على جهة الأفضلية، وفي
لبسها في غير حال الصلاة إشعار بعدم كونه ميتة.
ومن الثاني: المنع (3) عن بيع ما أخبر بذكاته على أنه مذكى، وهو غير دال
على تحريم استعماله، بل نفي البأس عن بيعه أخيرا يشعر بل يدل على عدم
كونه ميتة، لعدم جواز بيعها إجماعا.
(وكذا) لا تجوز الصلاة في جلد (ما لا يؤكل لحمه) شرعا مطلقا (ولو
ذكي ودبغ، ولا في صوفه وشعره ووبره) بإجماعنا الظاهر، المصرح به في

(1) وسائل الشيعة: ب 61 من أبواب لباس المصلي ح 2 ج 3 ص 338، باختلاف.
(2) وسائل الشيعة: ب 61 من أبواب النجاسات ح 4 ج 2 ص 1081، باختلاف.
(3) في المخطوطات " النهي " بدل " المنع ".
153

كثير من العبائر كالخلاف (1) والغنية (2) والمعتبر (3) والمنتهى (4) والتذكرة (5)
ونهاية الإحكام (6) وشرح القواعد (7) للمحقق الثاني وروض الجنان (8). ونفى
عنه الخلاف في السرائر (9)،
وادعاه في الانتصار: في وبر الثعالب والأرانب وجلودهما، قال: وإن
ذبحت ودبغت (10) والنصوص به مع ذلك مستفيضة، وفيها الصحاح والموثقات
وغيرها.
منها: الصحيح: عن الصلاة في جلود السباع فقال: لا تصل فيها (11).
والموثق المروي بعدة طرق: عن جلود السباع فقال: اركبوها، ولا تلبسوا
شيئا منها تصلون فيه (12). كما في طريقين.
وفي آخرين: عن لحوم السباع وجلودها فقال: أما لحوم السباع: فمن الطير
والدواب فإنا نكرهه، وأما الجلود فاركبوا عليها، ولا تلبسوا شيئا منها تصلون
فيه (13). واختصاصها بالسباع غير ضائر، بعد عدم قول بالفرق بين الأصحاب،
مستندا إلى عموم كثير من النصوص في الباب.

(1) الخلاف: كتاب الصلاة م 11 في استعمال جلود ما لا يؤكل لحمه ج 1 ص 64.
(2) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 493 س 22 - 23.
(3) المعتبر: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 81.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 226 س 23 و 35.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في جنس لباس المصلي ج 1 ص 95 س 2.
(6) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في الساتر ج 1 ص 373.
(7) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 81.
(8) روض الجنان: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 213 س 23 و 26.
(9) السرائر: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 262.
(10) الإنتصار: مسائل الصلاة في عدم جواز الصلاة في وبر الأرانب و... ص 38.
(11) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب لباس المصلي ح 1 ج 3 ص 257.
(12 و 13) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب لباس المصلي ح 3 و 4 ج 3 ص 256.
154

منها: الموثق - كالصحيح، بل قيل (1): صحيح - أن الصلاة في وبر كل شئ
حرام أكله، فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه، وكل شئ منه
فاسد، لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل الله تعالى أكله.
ثم قال: يا زرارة، فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وروثه
وألبانه، وكل شئ منه جائز إذا علمت أنه ذكي قد ذكاه الذبح، وإن كان
غير ذلك مما قد نهيت عن أكله، أو حرم عليك أكله فالصلاة في كل شئ
منه فاسد، ذكاه الذبح أو لم يذكه (2).
ومنها: المروي في الفقيه: في وصية - النبي صلى الله عليه وآله - لعلي - عليه
السلام -: يا علي، لا تصل في جلد ما لا يشرب لبنه، ولا يؤكل لحمه (3).
والمروي عن العلل: لا تجوز الصلاة في شعر ووبر ما لا يؤكل لحمه، لأن
أكثرها مسوخ (4).
والمرسل في التهذيب المروي عن العلل صحيحا: كان أبو عبد الله - عليه
السلام - يكره الصلاة في وبر كل شئ لا يؤكل لحمه (5). والمراد بالكراهة فيهما:
التحريم، كما يستفاد من تتبع نصوص الباب.
والخبر: كتبت إليه: يسقط على ثوبي الوبر والشعر مما لا يؤكل لحمه من غير
تقية ولا ضرورة، فكتب: لا تجوز الصلاة فيه (6). وظاهره إطلاق المنع (ولو
كان) شعرات ملقاة على الثوب فضلا عن أن يكون (قلنسوة أو تكة)

(1) لم نعثر على قائله.
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب لباس المصلي ح 1 ج 3 ص 250، و ب 17 ح 1 ص 277.
(3) من لا يحضره الفقيه: باب النوادر في وصايا النبي (ص) لعلي (ع) ج 4 ص 366 س 6.
(4) علل الشرائع: ب 43 في علة ما لا تجوز الصلاة في ما لا يؤكل لحمه ح 1 و ح 2 ج 2 ص 342
(5) علل الشرائع: - المصدر، وتهذيب الأحكام: ب 11 في ما يجوز الصلاة في... ح 28 ج 2 ص 209.
(6) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب لباس المصلي ح 4 ج 3 ص 251.
155

مضافا إلى وقوع التصريح بالمنع في علي الخصوص في الصحيح المروي
في الكافي. والتهذيب: عن علي بن مهزيار قال: كتب إليه إبراهيم بن عقبة:
عندنا جوارب وتك تعمل من وبر الأرانب فهل تجوز الصلاة فيه من غير
ضرورة ولا تقية؟ فكتب - عليه السلام - لا تجوز الصلاة فيها (1).
ونحوه الخبر المروي في التهذيب والاستبصار (2) بسند محتمل الصحة في
الأخير. هذا مضافا إلى إطلاق النصوص (3) بالمنع عن الصلاة في نحو الوبر
والشعر.
وتوهم اختصاصه بالملابس بملاحظة لفظة " في " المقتضية لذلك، مدفوع
بعدم جريانه في الموثق كالصحيح المتقدم، لدخولها عليهما وعلى البول والروث
أيضا، وليست بالنسبة إليهما للظرفية قطعا، بل لمطلق الملابسة. ومثله حجة،
سيما بعد اعتضاده بالشهرة بين الطائفة عموما في أصل المسألة، وخصوصا في نحو
التكة على الظاهر المصرح به في كلام جماعة، ومنهم صاحب المدارك (4)
والذخيرة، بل صرح الأخير بالشهرة على الاطلاق، حتى في نحو الشعرات
الملقاة (5) كخالي العلامة المجلسي (6) فيما حكي عنه، مع مخالفته العامة كما صرح
به جماعة (7)، واعتضاده بالصحيحين وما قبلهما من الرواية. خلافا للمبسوط

(1) الكافي: كتاب الصلاة باب اللباس الذي تكره الصلاة في...، ح 9، ج 3، ص 399، وتهذيب
الأحكام: ب 11 في ما تجوز الصلاة فيه من اللباس و... ح 806 ج 2 ص 206، وفيه اختلاف يسير.
(2) تهذيب الأحكام: ب 11 في ما لا يجوز الصلاة فيه من اللباس ح 13 ج 2 ص 206، والاستبصار:
كتاب الصلاة ب 223 من أبواب ما يجوز الصلاة فيه و... ح 10 ج 1 ص 383.
(3) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب لباس المصلي ج 3 ص 250.
(4) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 3 ص 167.
(5) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 234 س 3 و 13 - 19.
(6) بحار الأنوار: كتاب الصلاة في ما تجوز الصلاة فيه... وما لا تجوز ج 83 ص 221 ذيل الحديث الخامس
(7) ذخيرة المعاد: ص 175 سطر آخر وص 227 س 3، والحدائق المناضرة: ج 7 ص 70 و 79.
156

وابن حمزة، فيجوز مع الكراهة (1). وحجتهما غير واضحة، عدا ما في المختلف من
وجه اعتباري ضعيف (2).
ومكاتبة أخرى صحيحة: هل يصلى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه،
أو تكة حرير محض، أو تكة من وبر الأرانب؟: فكتب: لا تحل الصلاة في الحرير
المحض، وإن كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه (3).
وفيها - بعد الاغماض من كونها مكاتبة تضعف عن مقاومة الرواية مشافهة
وإن قصرت عن الصحة، لانجبارها - كما عرفت - بالشهرة المرجحة لها على
الصحيح، بل الصحاح مع اعتضادها بالمكاتبات الثلاث التي جملة منها - كما
عرفت - صحيحة لا تعارضها هذه المكاتبة للشهرة - أنها قاصرة الدلالة بما ذكره
الماتن في المعتبر، وحكاه عنه في الذكرى ساكتا عليه من: أن غايتها أنها
تضمنت قلنسوة عليها وبر، فلا يلزم جوازها من الوبر (4).
وما يقال: من أنها مصرحة براز الصلاة في الوبر المسؤول عنه، ومن جملة
ما وقع السؤال عنه التكة المعمولة من وبر الأرانب، فكيف يدعى أنها تضمنت
ما على القلنسوة من الوبر لا غير؟ (5).
يمكن الجواب عنه: بأن ما ذكره حسن لو عطف قوله: " أو تكة إلى آخره "
على قوله: " قلنسوة "، مع أنه يحتمل العطف على قوله: (وبر) بعد قوله:

(1) المبسوط: كتاب الصلاة في ما يجوز الصلاة فيه من اللباس ج 1 ص 84، والوسيلة كتاب الصلاة في
بيان ما يجوز فيه الصلاة ص 88.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 80 س 37.
(3) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب لباس المصلي ح 4 ج 3 ص 273.
(4) المعتبر: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 83، وذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الساتر
ص 144 السطر الأخير.
(5) روض الجنان: كتاب الصلاة في اللباس ص 214 س 12.
157

" عليها "، ولا ترجيح للأول على الثاني بل قرب المرجع يرجح الثاني وإن بعد
عن الاعتبار، لكن غايته التوقف في الترجيح. فتأمل (1).
ولو سلم ترجيح الأول لكان المتعين حملها على التقية، لكون الجواز مذهب
العامة كما صرح به جماعة (2)، ويشير إليه كونها مكاتبة، مع أنها متضمنة
لاشتراط كون الوبر مذكى في حل الصلاة فيه، وهو خلاف الاجماع نصا
وفتوى بأي معنى اعتبر التذكية فيها بمعنى الطهارة، أو قبول الحيوان ذي الوبر
التذكية، إذ الطهارة غير مشترطة في نحو التكة التي هي مورد السؤال مما لا
تتم فيه الصلاة اتفاقا. وكذا قبول الحيوان التذكية، لعدم اشتراطها في الوبر من
طاهر العين منه الذي هو مورد البحث في المسألة إجماعا.
قيل: ولعل المراد من التذكية فيها كونه مما يؤكل لحمه (3)، ويشير إلى
ذلك بعض الأخبار: في الصلاة في الفراء، فقال: لا تصل فيها، إلا ما كان
ذكيا، قال: قلت: أليس الذكي ما ذكي بالحديد؟ فقال: بلى، إذا كان مما
يؤكل لحمه (4). ولا بأس به وإن بعد جمعا.
ولكن الأولى حملها على التقية، لما مر، مضافا إلى مناسبة اشتراط
التذكية فيها، لما يحكى عن الشافعي وأحمد من اشتراطهما كون الشعر ونحوه
مأخوذا من الحي أو بعد التذكية، وأنه إذا أخذ من الميت فهو نجس لا تصح
الصلاة فيه (5).

(1) في نسخة (م) لا توجد كلمة " فتأمل ".
(2) منهم: الشيخ في الاستبصار: كتاب الصلاة ب 223 من أبواب ما يجوز الصلاة فيه... ج 1 ص 382
ذيل الحديث السابع.
(3) الظاهر أنه هو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 186 س 9.
(4) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب لباس المصلي ح 2 ج 3 ص 251.
(5) المجموع: كتاب الطهارة في أن كل حيوان نجس بالموت نجس شعره و... ج 1 ص 230، والمغني:
كتاب الطهارة في حكم الصوف والشعر والريش ح 1 ص 66.
158

ومما ذكر، ظهر ضعف الاستناد إلى هذه الرواية للحكم بجواز الصلاة في
الشعرات الملقاة خاصة، دون نحو التكة، نظرا إلى صحتها، وضعف الرواية
السابقة المصرحة بالمنع فيها بالخصوص، لأن الضعف - كما عرفت بما مر - مجبور،
والصحيحة قد عرفت وجوه القدح فيها، سيما التقية.
وأضعف منه الاستناد لذلك، لأن فيه الجمع بين الأخبار المانعة بحملها
على الثوب المعمول من ذلك، والمجوزة بحملها على الشعرات الملقاة على
الثوب، لعدم الشاهد عليه أو لا، وفقد التكافؤ ثانيا، مع تصريح المكاتبة
الصحيحة أخيرا بزعمه بجواز الصلاة في التكة، والمكاتبة الأولى بالمنع عن
الشعرات الملقاة، وقريب منها الموثقة كالصحيحة المتقدمة كما عرفته.
فكيف يتم له الجمع بما ذكره؟ وقريب منه في الضعف ما ذكره الشيخ
من الجمع بينها، بحمل المجوزة على ما يعمل منها ما لا تتم الصلاة فيه وحده
كالتكة ونحوها، والمانعة على غيره (1).
إذ فيه إطراح للمكاتبتين المصرحتين بالمنع عن التكة والقلنسوة. وأضعف
من الجميع الاستناد للجواز في الشعر الملقى بالمعتبرة الدالة على جواز الصلاة في
شعر الانسان وأظفاره، كما في الصحيحين (2)، وبزاقه كما في المروي عن قرب الإسناد (3).
فإن الظاهر خروج ذلك كفضلات ما لا يؤكل لحمه، غير ذي النفس، مما
لا يمكن التحرز عنه كالقمل والبرغوث والبق ونحوه عن محل النزاع، كما صرح به

(1) تهذيب الأحكام: كتاب الصلاة ب 11 في ما يجوز الصلاة فيه من اللباس و... ج 2 ص 206 ذيل
الحديث 17.
(2) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب لباس المصلي ح 1 و ح 2 ج 3 ص 277.
(3) قرب الإسناد: ص 42 س 5.
159

جماعة (1) من الأصحاب، لاختصاص أدلة المنع نصا وفتوى بحكم التبادر،
وغيره بغير ذلك جدا، مع لزوم العسر والحرج والضيق في التجنب عن نحو ذلك
قطعا، ومخالفته لاجماع المسلمين، بل الضرورة أيضا.
ويعضد المختار ما سيأتي من الأخبار المانعة عن الصلاة في الخز المغشوش
بوبر الأرانب (2). فتأمل.
والمانعة عن الصلاة في الثياب الملاصقة لوبر الأرانب والثعالب (3)، بناء
على أن الظاهر أن وجه المنع فيها إنما هو احتمال تساقط الشعرات منهما عليها،
ولا يتم إلا بتقدير المنع عن الصلاة معها مطلقا.
(ويجوز استعماله) أي كل من جلد ما لا يؤكل لحمه وصوفه وشعره
ووبره (لا في الصلاة) مطلقا ولو أخذ من ميتة (إلا إذا كانت نجسة العين،
أو كان المأخوذ منه جلده) (4).
(ولو كان) كل من المذكورات (مما يؤكل لحمه) شرعا (جاز)
استعماله (في الصلاة وغيرها) مطلقا، فيما عدا الجلد. ويشترط التذكية فيه،
وإلا فهو ميتة، بلا خلاف في الجواز في شئ من ذلك أجده، بل عليه في
المتخذ من مأكول اللحم إجماع الإمامية في عبائر جماعة (5) والنصوص به مع
ذلك - بعد الأصل (6) - مستفيضة.

(1) منهم: المحدث البحراني في الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في حكم فضلات الانسان ج 7 ص 84.
(2) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب لباس المصلي ج 3 ص 262.
(3) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب لباس المصلي ح 4 و ح 8 ج 3 ص 258 و 259.
(4) ما بين القوسين لا يوجد في نسخة (مش) و (م).
(5) منهم: العلامة في تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة: في جنس لباس المصلي ج 1 ص 94 س 32،
والمحقق في المعتبر: كتاب الصلاة في لباس الصلي ج 2 ص 83، والمحقق الثاني في جامع المقاصد:
كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 80.
(6) جملة " بعد الأصل " أثبتناها من المخطوطات.
160

منها: الصحيح: عن لباس الفراء والسمور والفنك والثعالب وجميع
الجلود، قال: لا بأس (1).
وفي الصحيح: عن لبس فراء السمور والسنجاب والحواصل وما أشبها
والمناطيق والكيمخت والمحشو بالقز والخفاف من أصناف الجلود، فقال:
لا بأس بهذا كله، إلا بالثعالب (2).
ويستفاد منه البأس في الثعالب، ولعله للكراهة، وإلا فقد صرحت
الصحيحة السابقة بالجواز.
ونحوها غيرها: قلت لأبي جعفر - عليه السلام -: الثعالب يصلى فيها؟
قال: لا، ولكن تلبس بعد الصلاة (3). إلى غير ذلك من النصوص الآتية.
وفي الصحيح: لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة، إن الصوف ليس
فيه روح (4)، وفيه اللبن واللباء والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب والحافر،
وكل شئ ينفصل من الشاة والدابة فهو ذكي، وإن أخذته منه بعد أن يموت
فاغسله وصل فيه (5).
وفي الموثق كالصحيح السابق: فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله
وشعره وروثه وألبانه، وكل شئ منه جائز إذا علمت أنه ذكي قد ذكاه الذبح (6)
وفي الخبر: عن لباس الفراء والصلاة فيها، فقال: لا تصل فيها، إلا ما كان
ذكيا (7) إلى آخر ما مر قريبا.

(1) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب لباس المصلي ح 1 و 2 ج 3 ص 255 - 256، وفيه اختلاف في ح 2.
(2) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب لباس المصلي ح 1 و 2 ج 3 ص 255 - 256، وفيه اختلاف في ح 2.
(3) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب لباس المصلي ح 4 ج 3 ص 258.
(4) وسائل الشيعة: ب 56 من أبواب لباس المصلي ح 1 ج 3 ص 333.
(5) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة ح 3 ج 16 ص 356.
(6) وسائل الشيعة: ب 2 من لباس المصلي ح 1 ج 3 ص 250.
(7) وسائل الشيعة: ب 3 من لباس المصلي ح 3 ج 3 ص 252.
161

وفي آخر: أن بلادنا بلاد باردة، فما تقول في لبس هذا الوبر؟ فقال: البس
منها ما أكل وضمن (1).
وعن تحف العقول في حديث: وكل شئ يؤكل لحمه فلا بأس بلبس جلده
المذكى منه، وصوفه وشعره ووبره، وإن كان الصوف والشعر والريش والوبر
من الميتة وغير الميتة ذكيا فلا بأس بلبس ذلك والصلاة فيه (2).
إلى غير ذلك من النصوص وإطلاقها، بل صريح بعضها - كما ترى -
يقتضي جواز استعمال نحو الصوف والشعر مطلقا.
(وإن أخذ من ميتة جزا) وقرضا أو (قلعا) ونتفا، ولا خلاف فيه في
الأول، وهو في الثاني مشهور بين الأصحاب على الظاهر المصرح به في كلام
بعض (3) للاطلاق.
وهو وإن عم صورتي كون القلع (مع غسل موضع الاتصال نتفا) (4)
وعدمه إلا أنه يجب تقييده بالصحيح المتقدم المتضمن لقوله: " وإن أخذته
بعد أن يموت فاغسله " وظاهر أن المأمور بغسله هو موضع الاتصال خاصة، أو
المجموع بعد امتزاج بعضها ببعض كما هو الغالب، فيلزم غسله أجمع من باب المقدمة.
وعلل زيادة عليه: بأن باطن الجلد لا يخلو من رطوبة (5)، مع أن بعضهم
نجس الملاقي للميتة مطلقا (6). خلافا للمحكي (7) عن ابن حمزة (8)، والصيد

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب لباس المصلي ح 3 ج 3 ص 251.
(2) تحف العقول: في صفة المحبة لأهل البيت (ع) و... فيما يجوز من اللباس ص 338.
(3) وهو صاحب ذخيرة المعاد في كتاب الصلاة فيما يجوز الصلاة فيه: ص 225 س 9.
(4) أثبتناه في المتن المطبوع.
(5) والمعلل هو صاحب كشف اللثام كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 183 س 36.
(6) قواعد الأحكام: كتاب الطهارة في أحكام النجاسات ج 1 ص 8 س 8.
(7) والحاكي هو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 183 س 37.
(8) الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان ما تجوز فيه الصلاة ص 87.
162

والذبائح من النهاية والمهذب، وكتاب المأكول المشروب من الاصباح.
فقالوا: لا يحل الصوف والشعر والوبر من الميتة إذا كان مقلوعا (1)، وحمل في
السرائر والمعتبر والمنتهى على أن لا يزال ما يستصحبه ولا يغسل موضع
الاتصال (2).
قيل: وقد يقال: إن ما في باطن الجلد لم يتكون صوفا أو شعرا أو وبرا،
وضعفه ظاهر. وعن الوسيلة: اشتراط أن لا ينتف من حي أيضا، وهو مبني على
استصحابها شيئا من الاجزاء.
والأجزاء المبانة من الحي كالمبانة من الميت، ولذا اشترط في المنتهى ونهاية
الأحكام في المنتوف منه أيضا الإزالة والغسل، وذكر: أنه لا بد فيه من
استصحاب شئ من مادته قلت: نعم، ولكن في كون مادته جزء (3) له نظر،
بل الظاهر كونه فضلة، إلا أن يحس بانفصال شئ من الجلد أو اللحم معه
كيف، ولو صح ذلك لم يصح الوضوء غالبا!! خصوصا في الأهوية اليابسة،
لأنها لا تخلو عن انفصال شئ من الحواجب واللحى (4).
(ويجوز) الصلاة (في) وبر (الخز الخالص) من الامتزاج بوبر
الأرانب والثعالب، وغيرهما مما لا تصح الصلاة فيه، لا مطلق الخلوص.
فلو كان ممتزجا بالحرير - مثلا - بحيث لا يكون الخز مستهلكا به لم يضر به،

(1) النهاية: كتاب الصيد والذبائح باب ما يحل من الميتة و... ص 585، والمهذب: كتاب الصيد
والذبائح باب مما يحل من الذبائح و... ج 2 ص 441، وكما في كشف اللثام: كتاب الصلاة في لباس
المصلي ج 1 ص 183 س 38.
(2) السرائر: كتاب الصيد والذبائح باب ما يحل من الميتة و... ج 3 ص 111، والمعتبر: كتاب الصلاة في
لباس المصلي ج 2 ص 84، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 231 س 3.
(3) في نسخة (م). و (ق) " جزا ".
(4) والقائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 183 س 39.
163

وقع التصريح في بعض الأخبار (1)، والأصل فيه بعد الاجماع على الظاهر
المصرح به في كثير من العبائر (2) حد الاستفاضة، بل - فصاعدا - المعتبرة
المستفيضة، وفيها الصحاح الموثق وغيرهما.
وكذلك جلده عند الأكثر على الظاهر المصرح به في كلام بعض (3) للصحيح:
عن جلود الخز، فقال: هو ذا نحن نلبس، فقلت: ذاك الوبر؟ قال: إذا حل
وبره حل جلده (4).
والموثق: عن الصلاة في الخز، فقال: صل فيه (5) وفيهما نظر، لعدم تصريح
في الأول بجواز الصلاة، فيحتمل حل اللبس كما يشعر به سياقه.
نعم، قوله: (إذا حل وبره) انتهى، ربما أشعر بتلازمهما في الحل مطلقا،
حتى في الصلاة، لكنه ليس بصريح، بل ولا ظاهر، لقوة احتمال اختصاص
التلازم في حل اللبس المستفاد من السياق خاصة.
فيشكل الخروج بمجرده عن عموم ما دل على المنع عن الصلاة في جلد كل
ما لا يؤكل لحمه.
وبنحوه يجاب عن الموثق وإن صرح فيه بجواز الصلاة لاطلاقه أو عمومه
من وجه آخر وهو عدم التصريح فيه بالمراد من الخز المطلق فيه أهو الجلد، أو
الوبر، أو هما معا؟ فيحتمل إرادة الوبر منه خاصة، كما هو المتبادر منه حيثما

(1) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب لباس المصلي ح 2 و 7 ج 3 ص 263 و 264.
(2) (كالغنية والسرائر والمعتبر والمنتهى والتذكرة ونهاية الإحكام والذكرى وشرح القواعد للمحقق الثاني
وروض الجنان للشهيد الثاني وشرح الشرائع للصيمري ونفى عنه الخلاف التنقيح وغيره، (منه رحمه
الله).
(3) الظاهر أنه هو صاحب المقاصد العلية كما نسبه إليه صاحب المفتاح الكرامة: ج 2 ص 138 س 19.
(4) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب لباس المصلي ح 14 ج 3 ص 265.
(5) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب لباس المصلي ح 5 ج 3 ص 261.
164

يطلق، سيما في الأخبار كما لا يخفى على الناظر فيها بعين الانصاف.
وأضعف منهما الاستدلال له بالصحيح: عن جلود الخز، فقال: ليس بها
بأس (1). لعدم التصريح فيه بالصلاة، مع عدم تضمنه ما في الصحيح الأول،
مما يشعر بالتلازم بين حكم الجلد والوبر على الاطلاق.
ومن هنا، ظهر عدم نص في الجلد يطمئن إليه في تخصيص عموم المنع.
ولعله لذا أفتى الفاضل في التحرير والمنتهى بالمنع قائلا: إن الرخصة
وردت في وبر الخز، لا في جلده، فيبقى على المنع المستفاد من العموم (2)، وهو
خيرة الحلي، نافيا الخلاف عنه (3)، كما حكي، ولا ريب أنه الأحوط للعبادة،
تحصيلا للبراءة اليقينية، وإن كان الجواز لا يخلو عن قرب لقوة الاشعار السابق،
المعتضد بعموم الموثق المتقدم.
مضافا إلى ظاهر الخبر المنجبر ضعفه بعمل الأكثر: ما تقول في الصلاة في
الخز؟ فقال: لا بأس بالصلاة فيه (إلى أن قال عليه السلام): فإن الله تعالى
أحله، وجعل ذكاته موته، كما أحل الحيتان وجعل ذكاتها موتها (4). والتقريب:
وروده في الصلاة، مع التصريح فيه بالذكاة، وهي إنما تعتبر في نحو الجلد،
لا الوبر مما لا تحله الحياة.
لكنه ينافيه الخبر المروي في الاحتجاج، عن مولانا صاحب الزمان - عليه
السلام - أنه سئل: روي لنا عن صاحب العسكر - عليه السلام - أنه سئل: عن
الصلاة في الخز الذي يغش بوبر الأرانب، فوقع - عليه السلام -: يجوز. وروي

(1) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب لباس المصلي ح 1 ج 3 ص 263.
(2) تحرير الأحكام: كتاب الصلاة فيما يجوز الصلاة فيه ج 1 ص 30 س 33، ومنتهى المطلب: كتاب
الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 231 س 28.
(3) السرائر: كتاب الصلاة باب القول في لباس المصلي ج 1 ص 261 - 262.
(4) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب لباس المصلي ح 4 ج 3 ص 261.
165

عنه أيضا: لا يجوز. فأي الخبرين نعمل؟ فأجاب - عليه السلام -: إنما حرم في
هذه الأوبار والجلود، فأما الأوبار وحدها فكل حلال (1).
وكيف كان، فالاحتياط لا يترك، بل عن أمالي الصدوق: أن الأولى
ترك الصلاة في الخز من أصله (3). قيل: ولم يذكر جواز الصلاة فيه الحلبي، ولا
الصدوق في الهداية، بل اقتصر فيها على رواية. ولا الشيخ في عمل يوم وليلة،
بل اقتصر فيه على حرمة الصلاة فيما لا يؤكل لحمه من الأرنب والثعلب
وأشباههما. وكذا العلامة في التبصرة (3).
و (لا) تجوز الصلاة في (المغشوش) منه (بوبر الأرانب والثعالب)
على الأظهر الأشهر بل لا خلاف فيه يظهر، إلا من الصدوق في الفقيه،
حيث قال بعد نقل رواية الجواز: هذه رخصة، الآخذ بها مأجور، والراد لها
مأثوم، والأصل ما ذكره أبي - رحمه الله - في رسالته إلي: وصل في الخز ما لم يكن
مغشوشا بوبر الأرانب (4).
وهو شاذ كروايته، مع ضعف سندها، وبشذوذها صرح الشيخ في
التهذيبين حاملا لها على التقية (5)، مؤذنا بدعوى إجماعنا عليه، كما صرح به في
الخلاف في المغشوش بوبر الأرانب (6). وكذا ابن زهرة فيه وفي المغشوش بوبر

(1) الاحتجاج: في توقيعات الناحية المقدسة ج 2 ص 492، باختلاف يسير.
(2) أمالي الصدوق: في دين الإمامية مجلس 93 ص 513، نقلا بالمعنى.
(3) والقائل هو صاحب كشف اللئام، كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 182 س 38.
(4) من لا يحضره الفقيه: باب ما يصلى فيه وما لا يصلى فيه من الثياب ج 1 ص 263 ذيل الحديث 809
(5) تهذيب الأحكام: كتاب الصلاة ب 11 فيما يجوز الصلاة فيه من اللباس ج 2 ص 213 ذيل
الحديث 41، والاستبصار: كتاب الصلاة ب 226 في الصلاة في الخز المنشوش ج 1 ص 387 ذيل
الحديث 3.
(6) الخلاف: كتاب الصلاة م 257 ج 1 ص 512.
166

الثعالب (1) كما حكي عنهما.
وبه صرح فيهما أيضا في المنتهى، حاكيا نقله عن كثير من أصحابنا كالماتن
في المعتبر (2). وهو الحجة على المنع، مضافا إلى النصوص.
منها: الخبران: الصلاة في الخز الخالص ليس به بأس، وأما الذي يخلط فيه
الأرانب أو غيرها مما يشبه هذا فلا تصل فيه (3).
ومنها: الرضوي: وصل في الخز إذا لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب (4). وقصور
السند أو ضعفه مجبور بالعمل، والمخالفة لما عليه العامة العمياء.
مضافا إلى عموم أدلة المنع عما لا يؤكل لحمه، خرج منه الخز الخالص
بالنص والاجماع المختصين به بحكم التبادر وغيره، فيبقى الباقي تحت العموم
مندرجا.
ويستفاد منه - مضافا إلى قوله: " مما يشبه هذا " في الخبرين - المنع عن
الخز المغشوش بوبر ما لا يؤكل لحمه وشعره وصوفه مطلقا، كما استقر به في
التحرير (5)، احتاط به في المنتهى (6)، ويظهر أيضا من جماعة من أصحابنا.
(وفي) جواز الصلاة في (فرو السنجاب قولان): أظهرهما الجواز، وفاقا
للمقنع (7) والشيخ في المبسوط، وموضع من النهاية والخلاف، نافيا عنه في الأول

(1) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في لباس المصلي ص 493 س 23.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 231 س 21، والمعتبر كتاب الصلاة في
لباس المصلي ج 2 ص 85.
(3) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب لباس المصلي ح 1 ج 3 ص 262.
(4) فقه الرضا (ع): ب 20 في اللباس وما لا يجوز فيه الصلاة ص 157.
(5) تحرير الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 30 س 32.
(6) منتهى المطلب: كتاب الصلاة قي لباس المصلي ج 1 ص 231 س 27.
(7) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة باب ما يصلى فيه من الثياب و... ص 7 س 16.
167

الخلاف (1)، مؤذنا بدعوى الاجماع عليه، كالصدوق في الأمالي، حيث جعله من
دين الإمامية الذي يجب الاقرار به (2).
ونسبه في المنتهى إلى أكثر الأصحاب (3)، وفي شرح القواعد للمحقق
الثاني إلى جمع من كبرائهم (4)، وفي الذخيرة وغيره إلى المشهور بين
المتأخرين (5) وهو كذلك، بل لعله عليه عامتهم، عدا الفاضل في التحرير
والقواعد (6) وفخر الدين في شرحه (7) والصيمري (8).
وظاهرهم التردد، لاقتصارهم على نقل القولين من غير ترجيح. ولعله في
محله وإن كان القول بالجواز ليس بذلك البعيد، للاجماع المحكي المعتضد
بالشهرة العظيمة الظاهرة والمحكية في كلام جماعة، مضافا إلى، النصوص
المستفيضة.
ففي الصحيح: صل في الفنك والسنجاب، فأما السمور فلا تصل فيه،
قلت: والثعالب يصلى فيها؟ قال: لا، الحديث (9).

(1) المبسوط: كتاب الصلاة فيما مجرز الصلاة فيه من اللباس ج 1 ص 82 - 83، والنهاية: كتاب الصلاة
باب ما يجوز فيه من الثياب في ص 97، الحلاف: كتاب الصلاة ح 11 ج 1 ص 63.
(2) أمالي الصدوق: م 93 في دين الإمامية ص 513.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 228 س 2.
(4) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 79.
(5) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة فيما يجوز الصلاة فيه ص 226 س 16.
(6) تحرير الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 30 س 13، وقواعد الأحكام: كتاب
الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 27 س 12.
(7) إيضاح الفوائد: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 83.
(8) غاية المرام في شرح شراح الاسلام للصيمري: ص 30 (مخطوط).
(9) ذكر صدره في وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب لباس المصلي ح 5 ج 3 ص 253، وذيله في ب 7 ح 4
ج 5 ص 258.
168

وفيه: عن الفراء والسمور والسنجاب والثعالب وأشباهه، قال: لا بأس
بالصلاة فيه (1).
وفي الخبر: صل في السنجاب والحواصل الخوارزمية، ولا تصل في الثعالب
ولا السمور (2).
وفي آخر: أصلي في الفنك والسنجاب؟ قال: نعم، قلت: تصلي في
الثعالب إذا كانت ذكية قال: لا تصل فيها (3).
وفي آخرين: عن الصلاة في السمور والسنجاب والثعالب، فقال: لا خير في
ذا كله، ما خلا السنجاب، فإنه دابة لا تأكل اللحم (4). كما في أحدهما، ونحوه
الثاني (5).
وضعف الأسانيد، والتضمن لما لا يقولون به غير ضائر، لانجبار الأول
بالشهرة، والاجماع المحكي، وعدم الخروج عن الحجية بالثاني كما قرر في محله
وإن أوجب الوهن في مقام التعارض، لانجباره بالكثرة والشهرة وبالصراحة،
بالإضافة إلى المعارض، إذ ليس إلا العمومات المانعة، حتى الموثق كالصحيح
الذي هو الأصل والعمدة من أدلة المنع. (6)
ودعوى صراحته في المنع عن السنجاب - لابتناء الجواب العام فيه عليه
لسبق السؤال عنه الذي يصيره كالنص في المسؤول عنه - غير مفهومة وإن صرح

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب لباس المصلي ح 2، ج 3، ص 254.
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب لباس المصلي ح 4 ج 3 ص 253.
(3) ذكر صدره في وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب لباس المصلي ح 7 ج 3 ص 253، وذيله في وسائل
الشيعة: ب 7 من أبواب لباس المصلي ح 7 ج 3 ص 259.
(4) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب لباس المصلي ح 2 ج 3 ص 252.
(5) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب لباس المصلي ح 3 ج 3 ص 252.
(6) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب لباس المصلي ح 1 ج 3 ص 250.
169

بها جماعة (1)، لامكان تخصيص السنجاب في الجواب بأن يقال: كل شئ
حرام أكله فالصلاة في وبره - مثلا - حرام، إلا وبر السنجاب الذي سألت
عنه. وحيث جاز التخصيص متصلا جاز منفصلا، لعدم الفرق بينهما جدا.
وبالجملة: لم أجد من المعارض ما يدل على المنع بالخصوص، بل ما وقفت
عليه منه دلالته كله من جهة العموم، وهو لا يعارض الخصوص وإن اشتمل
على ما لا يقول به أحد.
نعم، في الرضوي: ولا تجوز الصلاة في سنجاب ولا سمور وفنك، وإياك
أن تصلي في الثعالب، كما عن موضع منه.
وعن موضع آخر منه: وإن كان عليك غيره من سنجاب أو سمور أو فنك
وأردت الصلاة فيه فانزعه (2).
وهو نص في المنع، كما هو خيرة المختلف (3)، وعن صريح والد الصدوق (4)
والشيخ في قوله الآخر (5) والحلي (6) والقاضي (7) وظاهر الإسكافي (8)

(1) منهم مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 3 ص 171، وذخيرة المحاد: كتاب الصلاة
في لباس المصلي ص 226. س 41.
(2) الظاهر أن تمام المنقول هنا غير موجود في فقه الرضا (ع)، بل بعضه موجود في فقه الرضا (ع)،
والبعض الآخر وجدناه في من لا يحضره الفقيه، ولعله للخلط الحاصل بين رسالة علي بن بابويه وفقه
الرضا (ع)، راجع فقه الرضا (ع)، ب 20 في اللباس وما لا تجوز فيه الصلاة ص 157، ومن لا يحضره
الفقيه: باب ما يصلى فيه وما لا يصلى فيه من الثياب و... ج 1 ص 262 ذيل الحديث ح 805.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 79 س 22.
(4) كما في من لا يحضره الفقيه: باب ما يصلى فيه وما لا يصلى فيه من الثياب و... ج 1 ص 262 ذيل
الحديث 805.
(5) الخلاف: كتاب الصلاة م 256 ج 1 ص 511.
(6) السرائر كتاب الصلاة باب القول في لباس المصلي ج 1 ص 262.
(7) المهذب: كتاب الصلاة باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس وما لا يجوز ج 1 ص 74 - 75.
(8) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 79 س 16.
170

والحلبي (1) والمرتضى (2) وابن زهرة (3) حيث منعوا عن كل ما لا يؤكل لحمه
من دون استثناء ما نحن فيه.
ونسبه الشهيدان في الذكرى والروض، والمحقق الثاني في شرح القواعد إلى
أكثر الأصحاب (4).
وعن ابن زهرة: دعوى الاجماع عليه (5). وفي السرائر: جلد ما لا يؤكل لحمه
لا يجوز الصلاة فيه بغير خلاف من غير استثناء (6).
ولذا يشكل الحكم بالجواز في المسألة، لنفي الخلاف في كلام الحلي،
ودعوى الاجماع في كلام ابن زهرة، المعتضدين بالشهرة المنقولة في كلام هؤلاء
الجماعة، وصريح الرضوي المعتضد بعموم الأخبار المانعة، مع خلوصها عن
التضمن لما لا يقول به أحد من الطائفة، وبعدها عن طريقة العامة.
ولكن يمكن الذب عن جميع ذلك، فنفي الخلاف والاجماع بالمعارضة
بالمثل، مع كون الثاني مدعى على المنع عموما ولا كذلك معارض لدعواه
على الجواز في السنجاب بالخصوص. وكذا الشهرة المحكية معارضة بمثلها، كما
عرفت، مع قوله وأرجحيته عليها بالتحقق والقطع به من غير جهة النقل، دون
الشهرة المحكية في كلام هؤلاء، لعدم تحققها، بل ظهور استناد حكايتهم إلى
إطلاق المنع من غير استثناء في عبائر جماعة جملة من القدماء.

(1) الكافي في الفقه: في تعيين شروط الصلاة في لباس المصلي ص 140.
(2) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصلاة في مقدمات الصلاة من لباس وغيره ج 3
ص 28.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في لباس المصلي ص 493 س 22.
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 144 س 23، وروض الجنان: كتاب الصلاة في
لباس المصلي ص 207 س 8، وجامع المقاصد: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 79.
(5) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 493 س 23.
(6) السرائر: كتاب الصلاة باب القول في لباس المصلي ج 1 ص 262.
171

والرضوي - مع قصور سنده، وعدم اشتهاره، وعدم مكافأته للمستفيضة
المتضمنة للصحيح وغيره - مصرح بعد المنع بورود رواية بالرخصة (1)، مشعرا
بأن الأصل المنع، والجواز رخصة كما هو ظاهر الصدوق (2)، وجماعة كالشيخ
في الحلاف (3) والتهذيبين (4) والديلمي (5) والجامع، كما حكي (6). فهو أيضا
مؤيد للجواز ولو رخصة.
وعموم الأخبار مخصص بخصوص الأخبار المرخصة. وهي أقوى دلالة،
وبعيدة أيضا عن مذهب العامة، لتضمن أكثرها المنع عما ظاهرهم الاطباق
على الجواز فيه كما حكاه جماعة. فالتفصيل لا يوافق مذهبهم بلا شبهة.
وبالجملة: فالجواز لعله لا يخلو عن قوة، ولكن مع الكراهة بهما عن ابن
حمزة (7) وإن كان الأحوط الترك بلا شبهة، تحصيلا للبراءة اليقينية، وخروجا
عن شبهة الحلاف في المسألة فتوى وأدلة.
(وفي) جواز الصلاة في (الثعالب والأرانب روايتان) كل منهما
مستفيضة، وفيها الصحاح وغيرها، وقد تقدمت الإشارة إلى جملة من كل منهما،
إلا أن أكثرهما و (أشهرهما): ما دل على (المنع).

(1) فقه الرضا (ع): ب 20 في اللباس وما لا يجوز فيه الصلاة ص 157.
(2) من لا يحضره الفقيه: باب ما يصلى فيه وما لا يصلى فيه من الثياب و... ج 1 ص 262 ذيل الحديث 805
(3) الحلاف: كتاب الصلاة م 256 ج 1 ص 511.
(4) تهذيب الأحكام: كتاب الصلاة ب 11 فيما يجوز الصلاة فيه من اللباس و... ج 2 ص 211 ذيل،
الحديث 34، والاستبصار: كتاب الصلاة: ب 224 في الصلاة في الفنل والسمود والسنجاب ج 1
ص 385 ذيل الحديث 7.
(5) المراسم: كتاب الصلاة في أحكام ما يصلى فيه ص 64.
(6) الجامع للشرائع: كتاب الصلاة باب ستر العورة وما يجوز الصلاة فيه... ص 66.
(7) الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان ما يجوز فيه الصلاة ص 87.
172

واستفاض نقل الشهرة في كلام جماعة من الأصحاب كالمعتبر (1)
والمنتهى (2) والذكرى (3) والتنقيح (4) والمدارك (5)، بل زاد هو كسابقه، فادعى
الاجماع بحسب الظاهر، كما في كلام الأخير، أو نفي الخلاف كما في الأول (6)،
والمحكي عن الخلاف (7).
ويشعر به عبارة الدروس والبيان، حيث جعل رواية الجواز مهجورة
متروكة، مشعرا بدعوى الاجماع. عليه، كما هو ظاهر المحقق الثاني والشهيد
الثاني وغيرهما، حيث ادعوا الاجماع على المنع كل ما لا يؤكل لحمه، من
غير استثناء لما نحن فيه أصلا (9)، وبالاجماع هنا صرح في الانتصار (10) وهو
حجة أخرى زيادة على ما مضى من الاجماعات المحكية في خصوص المغشوش
بوبر الأرانب والثعالب عن الخلاف والمنتهى وابن زهرة.
وعلى هذا، فلا ريب في ضعف رواية الجواز وشذوذها، فلتطرح أو تحمل
على التقية، سيما وأن أمارتها في صحيحين منها لائحة، لتضمنها الرخصة في

(1) المعتبر: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 86.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 227 س 13.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 144 س 28.
(4) التنقيح الرائع: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 180.
(5) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 3 ص 173.
(6) المعتبر: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 87.
(7) الخلاف: كتاب الطهارة م 11 خ 1 ص 64.
(8) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 26 س 17، والبيان: كتاب الصلاة في لباس
المصلي ص 57.
(9) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 81، وروض الجنان: كتاب الصلاة في
لباس المصلي ص 213 س 26.
(10) الإنتصار: في مسائل الصلاة في لباس المصلي ص 38.
173

الفراء والسمور والفنك والثعالب وجميع الجلود كما في أحدهما (1)، وفيما ذكر
وأشباهه، كما في الثاني (2)، ولا يقول به الأصحاب على الظاهر المصرح به في
الذكرى، فإنه قال بعد نقل إذعان المحقق بهما لوضوح سندهما: قلت هذان
الخبران مصرحان بالتقية لقوله: (في الأول وأشباهه، وفي الثاني في جميع
الجلود)، وهذا العموم لا يقول به الأصحاب (3)،
ومنه يظهر ضعف إذعان المحقق (4) وإن تبعه في المدارك (5)، سيما مع
اعترافهما باتفاق الأصحاب على المنع.
ووضوح السند بمجرده لا يبلغ قوة المعارضة لذلك، سيما مع موافقته للعامة،
واشتمال المعارض على متضح السند أيضا كما عرفته، فلا إشكال في المسألة
بحمد الله سبحانه.
(ولا تجوز الصلاة) ولا تصح (في الحرير) المحض أو الممتزج على وجه
يستهلك الخليط لقلته (للرجال) بإجماعنا الظاهر المصرح به في كثير من
العبائر: كالانتصار (6) والخلاف (7) والمنتهى (8)، والمدارك (9) والذكرى (10)
وغيرها

(1) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب لباس المصلي ح 1 ج 3 ص 255.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب لباس المصلي ح 2 ج 3 ص 254.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 144 س 32.
(4) المعتبر: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 87.
(5) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 3 ص 173.
(6) الإنتصار: في مسائل الصلاة في لباس المصلي ص 37.
(7) الخلاف: كتاب الصلاة م 245 ج 1 ص 504.
(8) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 228 س 12.
(9) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 3 ص 173.
(10) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 145 س 1.
174

لكن فيها عندنا. وهو وإن لم يكن صريحا في الاجماع، لكنه ظاهر فيه جدا.
وهو الحجة.
مضافا إلى النهي عن استعماله - مطلقا - الثابت بإجماع علماء الإسلام على
الظاهر المحكي في ظاهر الانتصار (1) والخلاف (2) وصريح المعتبر (3) والمنتهى (4)
والتذكرة (5) والذكرى (6) وشرح القواعد للمحقق الثاني (7) والتحرير (8) وروض
الجنان (9) وغيرها
وفي الأخير وشرح القواعد للمحقق الثاني، أن به أخبارا متواترة (10). وهو
كذلك بعد ضم بعضها إلى بعض من طرق العامة والخاصة، وهي: ما بين
عامة للنهي عن لبسه مطلقا، ومصرحة بعدم حل الصلاة فيها الظاهر في
فسادها بنفسه، أو بضميمة اقتضاء النهي في العبادة الفساد، كما عليه
علماؤنا.
ولا فرق في إطلاق النص والفتوى بين كونه ساترا للعورة، أم لا، وبه صرح

(1) الإنتصار: مسائل الصلاة في لباس المصلي ص 37.
(2) الخلاف: كتاب صلاة الخوف م 421 ج 1 ص 648.
(3) المعتبر: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 87.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 228 س 4.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 95 س 25.
(6) ذكرى الشيعة كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 145 س 1.
(7) جامع المقاصد: باب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 83.
(8) تحرير الأحكام: باب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 30 س 15
(9) روض الجنان: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 207 س 17.
(10) روض الجنان: كتاب الصلاة في لباس الملي ص 207 س 17، وجامع المقاصد: كتاب الصلاة
في لباس المصلي ج 2 ص 83.
175

جماعة، ومنهم الفاضلان في المعتبر والمنتهى (1)، وعزاه في الأخير إلى علمائنا
بعد أن نسبه - وفاقا للأول - إلى الشيخين وأتباعهما.
وكثير من النص والفتوى (2)، وإن دل على المنع مطلقا (إلا) أنه مقيد
بحال الاختيار وغير الحرب، إذ يجوز استعماله مطلقا ولو في الصلاة (مع
الضرورة، أو في) حال (الحرب) المرخص فيه مطلقا ولو من غير ضرورة
بإجماعنا الظاهر المحكي في كثير من العبائر كالمنتهى وروض الجنان
والذكرى وغيرها. لكن في الأول حكاه في الضرورة خاصة (3). وهو الحجة.
مضافا إلى العمومات بأن: " الضرورات تبيح المحظورات ". وقولهم - عليهم
السلام -: " كلما غلب الله تعالى فالله أولى بالعذر " (4).
وقوله - صلى الله عليه وآله -: " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما أكرهوا
عليه وما لا يطيقون " (5)، وخصوص المستفيضة، وفيها الموثقات وغيرها:
منها: لا يلبس الرجل الحرير والديباج، إلا في الحرب (6).
ونحوه آخر، لكن بدل " لا يلبس " " لا يصلح للرجل " (7). وهو وإن أشعر
بالكراهة ككثير من الأخبار المتضمنة للفظها، لكنها محمولة على الحرمة بإجماع

(1) المعتبر: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 87، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس
المصلي ج 1 ص 228 س 18.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 228 س 17.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 228 س 19، وروض الجنان: كتاب
الصلاة في لباس المصلي ص 207 س 19، وذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 145
(4) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب قضاء الصلاة ج 3 ج 5 ص 352.
(5) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب لباس المصلي، ح 8 ج 3، ص 270.
(6) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب لباس المصلي ح 2 ج 3 ص 269.
(7) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب لباس المصلي ح 1 ج 3 ص 269.
176

. علماء الإسلام، كما عرفته
ومنها: عن لباس الحرير والديباج فقال: أما في الحرب فلا بأس به، وإن
كان فيه تماثيل (1).
ومنها: المروي عن قرب الإسناد: أن عليا - عليه السلام - كان لا يرى بلبس
الحرير والديباج إذا لم يكن فيه التماثيل بأسا (2).
وفي الفقيه: لم يطلق النبي - صلى الله عليه وآله - لبس الحرير، إلا لعبد
الرحمان بن عوف، وذلك أنه كان رجلا قملا (3).
واحترز بالمحض عن الممتزج بما تصح الصلاة فيه مزجا لا يستهلك فيه
الخليط، لجواز لبسه حينئذ ولو في الصلاة إجماعا على الظاهر المصرح به في
الخلاف وشرح القواعد للمحقق الثاني (4) وغيرهما، والمعتبرة به مع ذلك
مستفيضة جدا.
ففي الصحيح: عن الثوب الملحم بالقز والقطن، والقز أكثر من النصف،
أيصلى فيه؟ قال: لا بأس (5).
وفي المرسل كالموثق: في الثوب يكون فيه الحرير، فقال: إن كان فيه خلط
فلا بأس (6)
في الخبر: سمعت أبا جعفر - عليه السلام - ينهى عن لباس الحرير للرجال

(1) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب لباس المصلي ح 3 ج 3 ص 270.
(2) قرب الإسناد: ص 50.
(3) من لا يحضره الفقيه: باب ما يصلى فيه وما لا يصلى فيه من الثياب و... ج 775 ج 1 ص 253.
(4) الخلاف: كتاب الصلاة م 246 و 422 ص 505 و 649، وجامع المقاصد، كتاب الصلاة في
لباس المصلي ج 2 ص 83.
(5) وسائل الشيعة: كتاب 13 من أبواب لباس المصلي ح 1 ج 3 ص 271.
(6) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب لباس المصلي ح 4 ج 3 ص 271.
177

وللنساء، إلا ما كان من حرير مخلوط بخز، لحمته أو سداه خزا أو قطن أو
كتان، وإنما يكره المحض للرجال والنساء (1).
هذا مضافا إلى الأصل، واختصاص النصوص المانعة، والاجماعات
المحكية بحكم التبادر، بل والتقييد بالمحض والمبهم في جملة منهما به خاصة.
وظاهر جملة من النصوص المزبورة كفاية مطلق الخليط ولو كان أقل من الحرير.
وبه صرح جماعة قالوا: سواء كان الخليط أقل أو أكثر، ولو كان عشرا، ما
لم يكن مستهلكا بحيث يصدق على الثوب أنه إبريسم محض. وهو حسن (2).
وفي شرح القواعد للمحقق الثاني بعد ذكر ذلك: وأنه يشترط في الخليط أن
يكون محللا، وعلى ذلك كله إجماع الأصحاب، نقله في المعتبر والمنتهى (3).
واعلم أن ما تضمنته الرواية الأخيرة من نهي النساء عن لباس الحرير
كالرجال مخالف لاجماع علماء الإسلام، لاطباقهم على الجواز في غير الصلاة،
كما في المعتبر (4) والمنتهى (5) وشرح القواعد (6) للمحقق الثاني، والذكرى (7)
وروض الجنان (8) وغيرها. ويعضده الأصل، واختصاص الأدلة المانعة، نصا
وفتوى بعد ضم بعضها إلى بعض بالرجال خاصة.

(1) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب لباس المصلي ح 5 ج 3 ص 271، باختلاف يسير.
(2) منهم: صاحب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 3 ص 175، وصاحب ذخيرة
المعاد: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 227 س 6، ومنهم صاحب حدائق الناضرة: كتاب
الصلاة في لباس المصلي ج 7 ص 93.
(3) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 83.
(4) المعتبر: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 89.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 228 س 32.
(6) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 84.
(7) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 145 س 13.
(8) روض الجنان كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 208 س 10.
178

فالرواية شاذة من هذه الجهة، مع أنها بحسب السند ضعيفة لا تصلح
للحجية، ومعارضة بالنصوص المستفيضة بجواز لبس الحرير مطلقا كما في جملة
منها (1)، أو في غير الاحرام كما في بعضها (2)، أو غير الصلاة أيضا، كما في
آخر منها (3).
ومن هنا ظهر أن لا تحريم على الخناثى والصبيان قطعا في الأخير، وفاقا
لجماعة (4)، للأصل وعدم صدق الرجال عليهم، مع عدم قابليتهم لتوجه المنع
إليهم للأصل...
وتوجه إلى أوليائهم لا دليل عليه، فيندفع بالأصل، وعلى الظاهر في
الأول، لما مر. ويحتمل المنع فيهم احتياطا، لاحتمال كونهم في نفس الأمر
ذكورا، فيتوجه إليهم النهي أيضا.
(وهل تجوز للنساء) الصلاة فيه (من غير ضرورة؟ فيه قولان: أظهرهما
الجواز) وهو أشهرهما، بل لا خلاف فيه ظاهرا، إلا من الصدوق في الفقيه
حيث قال بالمنع (5)، والفاضل في المنتهى حيث توقف بينهما (6).
وهما شاذان، بل على خلافهما إطلاق باقي الأصحاب، كما صرح به في

(1) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب لباس المصلي ج 3 ص 275.
(2) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب لباس المصلي ح 3 ج 3 ص 275.
(3) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب لباس المصلي ح 6 ج 3 ص 276.
(4) منهم صاحب جامع المقاصد: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 87، ومنهم صاحب روض
الجنان: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 257 س 21، ومنهم صاحب الحدائق الناضرة كتاب
الصلاة في لباس المصلي ج 7 ص 100.
(5) من لا يحضره الفقيه: باب ما يصلى فيه وما لا يصلى فيه من الثياب و... ج 1 ص 263 ذيل الحديث
811.
(6) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 229 س 1.
179

المختلف (1)، ويفهم أيضا من الشهيدين في الذكرى وروض الجنان (2) وغيرهما.
ولعله كذلك، سيما بملاحظة حال المسلمين في الأعصار والأمصار من عدم
منعهم النساء عن الصلاة فيه، كما لا يمنعونهن عن لبسه في غيرها.
وهو إجماع. قطعي لا يكاد ينكر، ومع ذلك معاضد بالأصل السليم عن
المعارض، عدا إطلاق النصوص المانعة عن الصلاة.
وحلها فيه بقول مطلق كالصحيحين في أحدهما: هل يصلى في قلنسوة
حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب: لا تحل الصلاة في حرير محض (3). ونحوه
الثاني، لكن بزيادة السؤال فيه: عن الصلاة في تكة حرير (4).
والموثق: عن الثوب يكون علمه ديباجا، قال: لا يصلي فيه (5). والرواية
السابقة المسوية بين الرجل والمرأة في كراهة الحرير لهما، بناء على عدم إمكان
حملها (6) على مطلق اللبس، لمخالفة النص والاجماع بما مر، فينبغي التقييد
بحالة الصلاة.
وخصوص المروي في الخصال: مجوز للمرأة لبس الحرير والديباج في غير
صلاة وإحرام، وحرم ذلك على الرجال، إلا في الجهاد (7).
وشئ من ذلك لا يصلح دليلا لا ثبات المنع، لمعارضة الاطلاق بعد

(1) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 80 س 5.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 145 س 17، وروض الجنان: كتاب الصلاة في
لباس المصلي ص 208 س 11.
(3) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب لباس المصلي ح 1 ج 3 ص 272.
(4) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب لباس المصلي ح 4 ج 3 ص 273، باختلاف يسير.
(5) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب لباس المصلي ح 8 ج 3 ص 268.
(6) في نسخة (م) " حملهما ".
(7) الخصال: في أبواب السبعين وما فوقه في آداب النساء و... ح 12 ج 2 ص 588
180

تسليمه بإطلاق النصوص المتقدمة، المرخصة لهن في لبسه، الشاملة لحال
الصلاة وغيرها.
بل عموم بعضها لهما كالمرسل، كالموثق بابن بكير المجمع على تصحيح
ما يصح عنه: النساء يلبسن الحرير والديباج، إلا في الاحرام (1). وقضية
الاستثناء جواز لبسهن في الصلاة.
وقريب منه الموثق: لا ينبغي للمرأة أن تلبس الحرير المحض وهي محرمة،
فأما في الحر والبرد فلا بأس (2). وقصور الأسانيد أو ضعفها مجبور بعمل العلماء
كافة كما مضى.
والتعارض بين الاطلاقين وإن كان من قبيل تعارض العمومين من وجه
يمكن تقييد كل منهما بالآخر، إلا أن تقييد الاطلاق الأول بهذا بأن يراد منه:
المنع وعدم الحل لخصوص الرحال - كما ربما يشعر به ساق الصحيحة الأولى -
أولى من العكس بأن يقيد الاطلاق الأخير بحل اللبس غير الصلاة، وذلك
لرجحان هذا الاطلاق بالأصل، والشهرة العظيمة المحققة، والمحكية في كلام
جماعة حد الاستفاضة، بل قد عرفت قوة احتمال كونها إجماعا.
والرواية السابقة مع ضعف دلالتها ومخالفة إطلاقها إجماع العلماء - قد
عرفت - أنها ضعيفة سندا، وكذلك رواية الخصال ضعيف سندها بعدة من
المجاهيل، فلا حجة فيما من أصلهما.
وإن اتضحت دلالتهما فكيف تقاومان أدلة المشهور وتخصصانها!؟ بل ينبغي
طرحهما، أو حملهما على الأفضلية كما عن المبسوط (3) والجامع (4) وفي السرائر (5)، أو

(1) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب لباس المصلي ح 3 و 4 ج 3 ص 275.
(2) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب لباس المصلي ح 3 و 4 ج 3 ص 275.
(3) المبسوط: كتاب الصلاة في ما يجوز الصلاة فيه من اللباس ج 1 ص 83
(4) الجامع للشرائع: كتاب الصلاة باب ستر العورة وما يجوز الصلاة فيه... ص 65.
(5) السرائر: كتاب الصلاة باب القول في لباس المصلي ج 1 ص 263.
181

الكراهة كما عن الوسيلة (1) والنزهة (2)، ولا بأس بهما خروجا عن الشبهة،
ومسامحة في أدلة السنن والكراهة.
(وفي) جواز الصلاة في نحو (التكة والقلنسوة) مما لا تتم فيه (من
الحرير) للرجال (تردد) واختلاف بين الأصحاب.
فبين مانع عنه: كالمفيد والديلمي والصدوق والإسكافي وابن حمزة (3)
وغيرهم من القدماء، والفاضل في المختلف والقواعد والمنتهى (4) والشهيد في
اللمعة (5)، وكثير من متأخري المتأخرين.
ومجوز: كالنهاية والمبسوط (6) والسرائر (7) والحلبي (8)، والفاضلين في
المعتبر والارشاد والتلخيص والتذكرة (9)، والشهيدين في صريح الروض

(1) الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان ما يجوز فيه الصلاة ص 87.
(2) نزهة الناظر: فصل ما يجوز فيه الصلاة من اللباس ص 23.
(3) المقنعة: كتاب الصلاة ب 12 في ما تجوز الصلاة فيه من اللباس و... ص 150، والمراسم: كتاب
الصلاة في أحكام ما يصلى فيه ص 64، ومن لا يحضره الفقيه: باب ما يصلى فيه وما لا يصلى فيه من
الثياب و... چ 1 ص 264 ذيل الحديث 814، وكما في مختلف الشيعة: كتاب. الصلاة في لباس
المصلي ج 1 ص 80 س 14، والوسيلة: كتاب الصلاة في بيان ما يجوز فيه الصلاة ص 88، حيث لم
يستثنوا من الحرير والظاهر من مذهبهم حينئذ عموم المنع، عدا الفقيه فإنه صرح بعدم الجواز.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 80 س 23، وقواعد الأحكام: كتاب
الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 27، س 16، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1
ص 229 س 1، أقول: في القواعد أيضا يظهر منه المنع، كما يظهر من القدماء حيث لم بستثن.
(5) لم يستثن " الشهيد " من الحرير أيضا فيستفاد منه عموم المنع، اللمعة الدمشقية: كتاب الصلاة في
اللباس ج 1 ص 528.
(6) النهاية: كتاب الصلاة باب ما يجوز الصلاة في الثياب و... ص 98، والمبسوط: كتاب الصلاة في ما
يجوز الصلاة في لباس المصلي ص 84.
(7) السرائر: كتاب الصلاة باب 1 القول في لباس المصلي ج 1 ص 269.
(8) الكافي في الفقه: في تعيين شروط الصلاة في لباس المصلي ص 140.
(9) المعتبر: كتاب الصلاة في لباس الصلي ج 2 ص 89، وإرشاد الأذهان: كتاب الصلاة في لباس
المصلي ج 246، وتلخيص المرام: لا يوجد عندنا وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في لباس
المصلي ج 1 ص 95 س 37.
182

والدروس (1) وظاهر الروضة والذكرى (2).
أو محتملهما، ونسبه في الذخيرة وغيرها إلى المشهور (3)، وفي المفاتيح وغيره
إلى المتأخرين (4)، (وهو كما ترى) (5).
ومتردد فيه: كالفاضل في التحرير (6) والصيمري (7) وغيرهما، والماتن في
الشرائع (8) وهنا.
لكن قال: (أظهره الجواز مع الكراهة) (9) استنادا فيها إلى الشبهة
الناشئة من اختلاف الفتوى والرواية.
وفي الجواز إلى الأصل، وخصوص الخبر: كل ما لا تجوز فيه الصلاة وحده
فلا بأس بالصلاة فيه مثل: التكة الإبريسم والقلنسوة والخف والزنار يكون في
السراويل (10) مع سلامتهما عن المعارض، عدا إطلاقات الأدلة المانعة عن
الصلاة في الحرير، أو لبسه مطلقا، أو عمومها، وهي تقبل التقييد بالرواية الصريحة.

(1) روض الجنان: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 207 س 526 والدروس الشرعية: كتاب
الصلاة في لباس المصلي ص 26 س 20.
(2) الروضة البهية: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 528، وذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في
لباس المصلي ص 145 س 6.
(3) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في لباس، المصلي ص 227 س 40.
(4) مفاتيح الشرائع: كتاب الصلاة م 125 في لباس المصلي ج 1 ص 110.
(5) ما بين القوسين في (ش) و (ق) لا يوجد.
(6) تحرير الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 30 س 14 - 15.
(7) غاية المرام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 30. (مخطوط).
(8) شرائع الاسلام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 69.
(9) في المتن المطبوع " الكراهية ".
(10) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب لباس المصلي ح 2 ج 3 ص 273.
183

ويضعف الأصل بمعارضته بالاحتياط اللازم المراعاة في نحو المسألة من
العبادات التوقيفية، والرواية بضعف سندها فإن فيه: أحمد بن هلال، وهو
ضعيف لا يلتفت إلى روايته جدا وإن روى عن ابن أبي عمير كما هنا، فإن
ذلك لا يفيد توثيقا وإن أفاد اعتبارا ما عند علماء الرجال أو جملة منهم.
فإن الاعتماد على مثل ذلك هنا، مع إطراح جملة من القدماء والمتأخرين،
بل المشهور لها بالخصوص مما يوهن التمسك بها لذلك، والخروج بها عن
الاطلاقات والعمومات القطعية، مع قوة دلالة جملة منها صحيحة من حيث وقوع
الجواب فيها بالمنع عن الصلاة في الحرير المحض بعد أن سئل عنها في المعمول منه من
نحو التكة والقلنسوة.
وذلك كالنص إن لم يكن نصا، كما ذكره جماعة، وهي أكثر وأصح، فلتكن
بالتقديم أرجع، ولا يقدح كونها مكاتبة، لكونها على الأصح حجة، سيما مع
اتفاق الأصحاب على العمل عليها ولو في غير المسألة، ومخالفتها العامة لظهورها
في أن للصلاة في المنع عن لبسه فيها مدخلية، وليس إلا من حيث بطلانها به،
وهو من خصائص الإمامية، كما عرفته.
فكيف يمكن تصور حملها على التقية، كما قيل؟ بل حمل الرواية السابقة
عليها جماعة، كما ذكره في الوسائل، فقال: وذهب جماعة إلى المنع، وحملوا الجواز
على التقية، وهو أحوط (1).
ولا ريب أن حمل الرواية عليها أمكن من حمل الصحاح عليها، لبعدها عن
طريقتهم في الغاية، دون الرواية، فإنها تنطبق على مذهبهم لولا ما يتوهم من
مفهومها المنع - عن الصلاة فيما تتم فيه - المخالف للعامة.
إلا أن الذب عنها ممكن بأن دلالتها على ذلك بالمفهوم الضعيف، فلعل

(1) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب لباس المصلي ج 3 ص 274 ذيل الحديث 6.
184

العامة زمان صدور الرواية لم يقولوا به.
هذا مع معارضة الرواية بصريح بعض المعتبرة كالرضوي: لا تصل في
ديباج ولا في حرير - إلى أن قال -: ولا في ثوب إبريسم محض، ولا في تكة
إبريسم، وإذا كان الثوب سداه إبريسم، ولحمته قطن أو كتان أو صوف فلا
بأس بالصلاة فيه (1).
ويستفاد منها - زيادة على ذلك -: إطلاق الحرير على المنسوج من
الإبريسم، فيشمل نحو القلنسوة. ونحوه في ذلك الصحاح المتقدمة المعبرة في
السؤال: بالقلنسوة من الحرير. والاطلاق وإن كان أعم من الحقيقة، إلا أن
أمارتها فيه هنا موجودة، لعدم صدق سلب الحرير عن القلنسوة المعمولة منه بلا
شبهة.
وحيث ثبت شمول الحرير لنحو المعمول منه مما لا تتم فيه الصلاة ظهر
شمول الاطلاقات المانعة عن لبسه مطلقا، وفي الصلاة له جدا، فمنع
الاطلاقات لا وجه له جدا. فإذا المنع أقوى. (2)
(وهل يجوز الركوب عليه والافتراش به) فيه تردد (المروي نعم).
ففي الصحيح: عن الفراش الحرير، ومثله من الديباج والمصلى الحرير
يصلح للرجل النوم عليه والتكأة والصلاة عليه؟ قال: يفترشه ويقوم عليه، ولا
يسجد عليه (3).
وفي الخبر: لا بأس أن يأخذ من ديباج الكعبة، فيجعله غلاف مصحف، أو
يجعله مصلى يصلي عليه (4). وهو المعروف بين الأصحاب، كما في المدارك

(1) فقه الرضا (ع): ب 20 في اللابس وما لا يجوز فيه الصلاة ص 157. باختلاف يسير.
(2) في المتن المطبوع " له " بدل " به ".
(3) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب لباس المصلي ح 1 ج 3 ص 274، باختلاف.
(4) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب لباس المصلي ح 2 ج 3 ص 274، باختلاف.
185

والذخيرة، مؤذنين بدعوى الاجماع عليه (1)، ولعله كذلك وإن أشعرت العبارة
بالتردد، كما هو ظاهر الصيمري (2) وصريح المعتبر (3)، لعدم ثبوت الخلاف بالتردد.
نعم، حكي المنع عن المبسوط (4) والوسيلة (5)، ونسبه في المختلف إلى بعض
المتأخرين (6)، ولكنه شاذ غير معروف المستند، عدا عموم بعض النصوص بالمنع
كخبر:
هذان محرمان على ذكور أمتي (7). وهو على تقدير تسليم سنده، وعمومه لما
نحن فيه مخصص بما مر، لكونه خاصا، فليكن مقدما.
والجمع بينهما بحمل الحرير والديباج فيه على الممتزج وإن أمكن لكنه
مجاز. وما قدمناه تخصيص، فهو عليه مقدم كما هو الأشهر الأقوى، وبين وجهه
في الأصول مستقصى، مع كون التخصيص هنا أوفق بالأصل جدا.
ولكن الأحوط ترك الصلاة عليه، للرضوي: ولا تصل على شئ من هذه
الأشياء إلا ما يصلح لبسه (8). وأشار ب‍ " الأشياء " إلى نحو الحرير والذهب
وغيرهما. وذكر جماعة أن في حكم الافتراش التوسد عليه، والالتحاف به (9).

(1) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 3 ص 179، وذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في
لباس المصلي ص 228 س 6.
(2) غاية المرام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 30 (مخطوط).
(3) المعتبر: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 89.
(4) لم نعثر عليه في المبسوط ولكن حكاه عنه كاشف اللثام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1
ص 187 س 3، والمهذب البارع: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 327.
(5) الوسيلة: كتاب المباحات في بيان أحكام الملبوسات ص 367.
(6) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 80 س 28.
(7) مستدرك الوسائل: ب 24 من أبواب لباس المصلي ح 1 ج 3 ص 218.
(8) فقه الرضا (ع): ب 20 من اللباس وما لا يجوز فيه الصلاة ص 158.
(9) منهم صاحب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 3 ص 180، وذخيرة المعاد:
كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 228 س 9، وظاهر مسالك الأفهام: كتاب الصلاة في لباس
المصلي ج 1 ص 23 س 36.
186

وهو حسن، لا للالحاق بالنص لكونه قياسا، بل (1) للأصل، وعدم دليل يعتد به،
إلا على تحريم اللبس، لا مطلق الاستعمال، وهو غير صادق في محك البحث.
وزاد شيخنا الشهيد الثاني لذلك: جواز التدثر به (2)، ومنعه سبطه، زعما
منه صدق اللبس عليه (3)، وفيه نظر.
ولو سلم ففي دخوله في إطلاق اللبس الوارد في النصوص نوع (4) شك،
فيندفع بالأصل. فتأمل.
(ولا بأس بثوب مكفوف به) أي بالحرير أن يلبس، ويصلي فيه على
الأشهر بين الأصحاب، بل لا خلاف فيه يظهر، إلا من نادر سيذكر.
ونسب في الذكرى إلى الأصحاب مؤذنا بدعوى الاجماع عليه (5)، وفي
المدارك أنه مقطوع بين المتأخرين (6)، مشرا بدعواه كجملة ممن لم ينقلوا
الحلاف فيه، مع كون ديدنهم نقله حيث كان.
واستدل عليه الفاضلان في المعتبر والمنتهى، والمحقق الثاني والشهيد في
الذكرى بالنبوي العامي: أنه - صلى الله عليه وآله - نهى عن الحرير، إلا موضع
إصبعين أو ثلاث أو أربع.
والخبر: كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج، ويكره لباس

(1) في الشرح المطبوع " قياسا قابل "، والصحيح ما أثبتناه كما في جميع المخطوطات.
(2) روض الجنان: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 208 س 4.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 3 ص 185.
(4) في نسخة (مش) " وقوع " بدل " نوع ".
(5) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 145 س 9.
(6) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 3 ص 180.
187

الحرير... الحديث (1). وفي الاستدلال بهما لولا الشهرة، بل الاجماع نظر؛ لضعف
سندهما، وضعف دلالة الأخير جدا، إذ الكراهة أعم منها - بالمعنى المصطلح -
ومن الحرمة، مع ظهور السياق فيه. وفي كثير من النصوص المعبرة (2) عن حرمة
الحرير بلفظ الكراهة بإرادة الأخير الحرمة خاصة.
فالخروج بهما عما دل على حرمة لبس الحرير، والصلاة فيه مشكل لولا
الشهرة الجابرة لضعف السند والدلالة، وربما أيد الجواز بالأصل.
والخبر: لا بأس بالثوب أن يكون سداه وزره وعلمه حريرا (3). وفيهما نظر؟
لمعارضة الأول بالاحتياط اللازم المراعاة في العبادات التوقيفية، وضعف الثاني
سندا، بل ودلالة، كالخبرين السابقين، لعدم إشعار فيهما بجواز الصلاة فيه وإن
أمكن الذب عن هذا بكفاية الشمول إطلاقا، مع عدم القائل بالفرق أصلا.
لكن في الموثق: عن الثوب يكون علمه ديباجا، قال: لا تصل فيه (4). وهو
بالنسبة إلى المنع عن الصلاة فيه خاص، وتلك الأخبار باللبس مطلقة، تصلح
أن تكون به مقيدة.
ولعله لذا منع عنه القاضي (5)، والمرتضى في بعض مسائله فيما حكي
عنه (6). وهو أحوط وإن كان في تعينه نظر، لقصور الموثق عن المقاومة لما مر.

(1) المعتبر: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 91، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس المصلي
ج 1 ص 229 س 19، وجامع المقاصد: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 86، وذكرى الشيعة:
كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 145 س 5 و 8.
(2) في نسخة (م) و (مش) و (ش) " المعتبرة " بدل " المعبرة ".
(3) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب لباس المصلي ح 6 ج 3 ص 272.
(4) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب لباس المصلي ح 8 ج 3 ص 268.
(5) المهذب: كتاب الصلاة باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس وما لا يجوز ج 1 ص 75.
(6) لم نعثر عليه وحكاه عنه مدارك الأحكام (ط قديم): كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 138
س 35.
188

وأما ما عليه الصدوق من المنع عن الصلاة في تكة رأسها من إبريسم (1)
فلم يقم عليه دليل صالح إلا عموم ما دل على المنع عن الصلاة في الحرير، وهو
غير معلوم الشمول لنحو ذلك من خيوط الإبريسم إما: لاقتضاء الظرفية كونه
من الملابس، أو لعدم صدق الحرير عليه لغة وعرفا، لاختصاصه فيهما بالمنسوج
منه، لا مطلقا.
ولو سلم الصدق عليه حقيقة فغير معلوم كونه من الأفراد المتبادرة له عند
الاطلاق جدا.
وعليه، فيجب الرجوع إلى مقتضى الأصل، مع كون قوله شاذا لم
أعرف به قائلا، حتى القاضي والمرتضى، لمنعهما عن الكف به خاصة والمراد
به: أن يجعل في رؤوس الأكمام والذيل وحول الزيق.
وقدر عند جماعة - بما مر في النبوي - من الأربع أصابع، وتوقف فيه نادر (2)،
ولا وجه له، إلا ضعف السند، وقد انجبر بالعمل كما مر،
مضافا إلى لزوم الاقتصار فيما خالف دليل المنع على المتيقن من
الرخصة، فتوى ورواية، وليس إلا قدر الأصابع الأربع مطلقا (3)، بل مضمومة.
ولا ينافيه إطلاق العبارة وغيرها من عبائر الجماعة، لورودها مورد الغلبة،
وليس إلا الأربع أصابع مضمومة، أو غايتها منفرجة، فالزيادة تعدية تحتاج إلى
دلالة هي في المقام مفقودة.
والحق بالكف اللبنة - أي الجيب - للنبوي الآخر: كان له - صلى الله عليه
وآله - جبة كسروانية، لها لبنة ديباج، فرجاها مكفوفان بالديباج (4).

(1) من لا يحضره الفقيه: باب ما يصلى فيه وما لا يصلى فيه من الثياب و... ج 1 ص 264 ذيل الحديث
(2) الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 7 ص 99.
(3) في نسخة (ق) " لا مطلقا ".
(4) صحيح مسلم: ب 2 كتاب اللباس والزينة ح 10 ج 3 ص 1641.
189

(ولا تجوز) الصلاة ولا تصح (في ثوب مغصوب، مع العلم) بالغصبية
- بلا خلاف أجده - فيما لو كان ساترا، إلا من نادر لا يعبؤ به (1).
مع دعوى الاجماع على خلافه في كلام كثير: كالسيدين في الناصريات
والغنية (2)، والفاضل في ظاهر المنتهى وصريح التحرير ونهاية الإحكام
والتذكرة (3)، والمحقق الثاني في شرح القواعد (4)، والشهيدين في الذكرى
والروض (5). وهو الحجة، مضافا إلى الأصول الآتية ومقتضى إطلاق العبارة،
وغيرها من عبائر الجماعة - ومنهم كثير من نقلة الاجماع - عدم الفرق بين كونه
ساترا أو غيره.
وبه صرح جماعة، ومنهم: الشهيد - رحمه الله - في جملة من كتبه، بل زاد،
فقال: ولا تجوز الصلاة في الثوب المغصوب ولو خيطا، فتبطل الصلاة مع علمه
بالغصب (6). وهو حسن، لما ذكره جماعة من أن الحركات الواقعة في الصلاة
منهي عنها، لأنها تصرف في المغصوب.
والنهي عن الحركة نهي عن القيام والقعود والركوع والسجود، وكل منها

(1) وهو الفضل بن شاذان كما نقله عنه في الحدائق: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 7 ص 103.
(2) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة م 81 ص 231 س 12، وغنية النزوع (الجوامع
الفقهية): كتاب الصلاة في ستر العورة ص 493 س 23.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 229 س 25، بل صرح فيه، وتحرير
الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 30 س 20، ونهاية الإحكام: كتاب الصلاة في
لباس المصلي ج 1 ص 378، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة لباس المصلي ج 1 ص 96 س 8.
(4) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 87.
(5) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 146 س 6، وروض الجنان: كتاب الصلاة في
لباس المصلي ص 204 س 19.
(6) البيان: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 58، والدروس الشرعية، كتاب الصلاة في لباس المصلي
ص 26 س 26.
190

جزء للصلاة (1)، فتفسد، لأن النهي في العبادة يقتضي الفساد، فتكون الصلاة
باطلة، لفساد جزئها، وبأنه مأمور بإبانة المغصوب عنه ورده إلى مالكه.
فإذا افتقر إلى فعل كثير كان مضادا للصلاة. و " الأمر بالشئ يقتضي
النهي عن ضده " بالتقريب الآتي، فيفسد.
وأما ما يقال في الجواب عن الأول: بأن النهي إنما يتوجه إلى التصرف في
المغصوب من حيث هو تصرف فيه، لا إلى الحركات من حيث هي حركات
الصلاة. فالنهي متعلق بأمر خارج عنها، ليس جزء ولا شرطا، فلا يتطرق إليه
الفساد، بخلاف ما لو كان المغصوب ساترا أو مسجدا أو مكانا، لفوات بعض
الشروط، أو بعض الأجزاء، وعن الثاني: بمنع اقتضاء الأمر بالشئ النهي
عن ضده الخاص، وإنما يقتضي النهي عن ضده العام، الذي هو الترك أو الكف،
فضعيف.
أما الأول: فلما ذكره بعض الأفاضل من: أن الانسان إذا كان متلبسا
بلباس مغصوب في حال الركوع - مثلا - فلا خفاء في أن الحركة الركوعية حركة
واحدة شخصية محرمة، لكونها محركة للشئ المغصوب، فيكون تصرفا في مال
الغير محرما (2)، فلا يصح التعبد به، مع أنه جزء الصلاة، واعتبار الجهتين غير
نافع في صحة تعلق الوجوب والحرمة، إلا مع اختلاف المتعلقين، لا مطلقا.
وبالجملة: لا يصح هذا الكلام على رأي أصحابنا، القائلين: بأن الشئ
الواحد الشخصي لا يجوز أن يكون متعلقا للوجوب والحرمة معا مطلقا، وإنما يتم
على رأي جماعة من العامة المخالفين في هذا المسألة (3) إلى آخر ما ذكره.

(1) في الشرح المطبوع ونسخة (ق) و (ش) " للعبادة ".
(2) في نسخة (ق) " عرفا " بدل " محرما ".
(3) وهو صاحب ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 224 س 11.
191

ولنعم ما أفاده وأجاده، شكر الله سعيه.
هذا، مع أن اختلاف الجهة لو أثر للزم صحة الصلاة فيه ولو تعلق بها أو
بجزئها أو بشرطها النهي. ولا يقول به، لما عرفت من تصريحه بالفساد لو كان
ساترا، لفوات الشرط.
هذا، ودعوى فساد المشروط بتعلق النهي بشرطه مطلقا كما يقتضيه عبارته
ممنوعة، بل يختص ذلك بما إذا كان الشرط عبادة، فإن تعلق النهي به يستلزم
فساده، ويترتب عليه فساد مشروطه.
وأما إذا لم يكن عبادة فلا وجه لذلك فيه، فإن النهي لا يقتضي فساده
حتى يترتب عليه فساد المشروط، وإنما يقتضي حرمته، ولا تلازم بينها وبين
حرمة المشروط، كما لو أوقع إزالة الخبث المشترطة في صحة الصلاة بالماء
الغصبي، فإن ذلك لا يؤثر في بطلان مشروطها.
والستر من قبيلها ليست بعبادة جدا، وإلا لما صح صلاة من ستر عورته من
دون قصد القربة، بناء على اشتراطه. في مطلق العبادة، وأنها به تفترق عما
ليس بعبادة.
ومن هنا يظهر ما في دعوى بعض الأفاضل كون الستر عبادة، حيث قال
بعد نقل كلام الماتن في المعتبر:
إعلم أني لم أقف على نص من أهل البيت [عليهم السلام] بابطال
الصلاة، بأنما هو شئ ذهب إليه المشايخ الثلاثة وأتباعهم، والأقرب (1) أنه إن
ستر به العورة أو سجد عليه أو قام فوقه كانت الصلاة باطلة، لأن جزء الصلاة
يكون منهيا عنه، وتبطل الصلاة بفواته.
أما لو لم يكن كذلك لم تبطل كلبس خاتم من ذهب ما صورته يعني

(1) في نسخة (ق) " الأقوى " بدل " الأقرب ".
192

جزؤها، وما جرى مجرى الجزء من الشرط المقارن - يعني -: أن النهي إنما يقتضي
الفساد إذا تعلق بالعبادة، فإذا استتر بالمغصوب صدق أنه استتر استتارا منهيا
عنه، فإن الاستتار به لبسه والتصرف فيه، فلا يكون استتارا مأمورا به في
الصلاة، فقد صلى صلاة خالية عن شرطه الذي هو الاستتار المأمور به.
وليس هذا كالتطهير من الخبث بالمغصوب، فإنه وإن نهي عنه لكن تحصل
الطهارة، وشرط الصلاة إنها هو الطهارة، لا فعلها لينتفي الشرط إذا نهي عنه (1).
إلى آخر ما ذكره.
ومحصل كلامه كما ترى في وجه الفرق بين التطهير والستر كونه عبادة دون
سابقه، إذ به تتم الخصوصية للستر وقد عرفت ما فيه.
وليت شعري ما الذي دعاه إلى جعله عبادة، ولم أر له أثرا، عدا تعلق
الأمر بالستر!! وأن الأصل فيما تعلق به أوامر الشرع أن تكون عبادة موقوفة على
قصد القربة، وهذا بعينه موجود في إزالة الخبث عن الثوب.
فإن ادعي خروج ذلك بالاجماع على عدم اعتبار قصد القربة فيه قلنا له:
كذلك الأمر في محل النزاع، وإلا لما صح صلاة من ستر عورته بمحلل، إلا بقصد
القربة (2)، وهو خلاف الاجماع، بل البديهة.
ومن هنا ظهر أنه لا وجه لفساد الصلاة في المغصوب الساتر للعورة، غير ما
قدمنا إليه الإشارة من كون الحركات الأجزائية منهيا عنها باعتبار كونها تصرفا
فيه. وهذا لا يختلف فيه الحال بين الساتر وغيره.
فالقول بالفرق كما عليه الماتن في المعتبر (3) وشيخنا في الروض (4) وسبطه

(1) وهو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 187 س 22.
(2) في المخطوطات " لا بقصد القربة ".
(3) المعتبر: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 92.
(4) روض الجنان: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 204 س 19.
193

في المدارك (1) وقواه في الذكرى (2) ضعيف، سيما مع إطلاق جملة من
الاجماعات المحكية المؤيدة بالدليلين، المتقدم إليهما الإشارة، لضعف ما يرد
عليهما.
أما الأول: فلما مر. وأما الثاني: فلأن الأمر بالشئ وإن كان لا يقتضي
النهي عن ضده الخاص، لفظا ولا معنى بهما هو الأشهر الأقوى، إلا أنه يستلزم
عدم اجتماع أمر آخر معه يضاده لو كان مضيقا، والآخر موسعا كما فيما نحن
فيه.
فإن الأمر بالإبانة فوري إجماعا، والفرض سعة وقت الصلاة، وإلا فهي
مقدمة على جميع الواجبات.
وحيث استلزم عدم الاجتماع بقي الصلاة بلا أمر، وهو عين معنى الفساد،
إذ الصحة في العبادة: عبارة عن موافقة الأمر، وحيث لا أمر فلا موافقة، فجاء
الفساد من هذه الجهة، لا استلزام الأمر بالشئ، النهي عن ضده وإن أوهم
ما سبق في الدليل من العبارة، لكن المراد ما عرفت، وإنما وقع التعبير بذلك
مسامحة.
وبهذا الوجه يصح المنع عن الصلاة وبطلانها في خاتم الذهب والثوب المموه
به (إذا استلزم نزعهما ما ينافي الصلاة لتحريم لبسه ووجوب نزعه إجماعا، فتوى
ونصا.
وبه صرح الفاضل في التحرير والمنتهى والتذكرة (3)، والشهيد في الدروس

(1) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 3 ص 182.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 146 س 11.
(3) تحرير الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 30 س 25، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة
في لباس المصلي ج 1 ص 230 س 3 - 4 و 10، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1
ص 95 س 28.
194

والبيان والذكرى (1)، وعن الصدوق (2) والإسكافي (3) ونسب إلى الأكثر، لعله
كذلك، بل لا خلاف فيها مطلقا يظهر إلا من الماتن في المعتبر في خصوص الخاتم
كما مر. وتوقف فيه خاصة في الذكرى بعد أن حكم ببطلان الصلاة في الثوب
المموه منه) (4).
ويظهر من المنتهى التردد فيه (5). وفي المنطقة أيضا. لكن اختار المنع في الأول.
قال: لأن النهي في العبادة يدل على الفساد (6). وفيه نظر، لمنع توجه النهي
هنا إلى العبادة، بل إلى اللبس خاصة، وهو ليس جزء من العبادة. فالأولى
الاستدلال عليه بما قدمنا إليه الإشارة، لكنه في الجملة، ويتم بعدم القائل
بالفرق بين الطائفة، مضافا. إلى النصوص المستفيضة.
ففي الموثق المروي في الوافي والتهذيب والعلل: لا يلبس الرجل الذهب، ولا
يصلي فيه، لأنه من لباس أهل الجنة (7).
وفي الرضوي: ولا تصل في جلد الميتة، ولا في خاتم ذهب الخبر (8).
وفي المروي عن الخصال: يجوز للمرأة لبس الديباج (إلى أن قال): ويجوز

(1) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 26 س 23، والبيان: كتاب الصلاة في لباس
المصلي ص 58، وذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 146 س 1.
(2) من لا يحضره الفقيه: باب ما يصلى فيه وما لا يصلى فيه من الثياب في. ح 775 ج 1 ص 253.
(3) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 80 س 29.
(4) ما بين القوسين ليس في المطبوع، وأثبتناه من المخطوطات.
(5) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 146 س 3.
(6) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 230 س 3 - 4 و 10
(7) الوافي: ب 54 من أبواب لباس المصلي ذيل حديث 11 ج 7 ص 427، وتهذيب الأحكام: كتاب
الصلاة ب 17 فيما يجوز الصلاة فيه من اللباس و... ح 80 ج 2 ص 372، وعلل الشرائع: ب 57 في
العلة التي من أجلها لا يجوز للرجل أن يتختم... ح 3 ج 2 ص 349، وفي الأخير مثله لا نفسه كما لا يخفى،
فلا حظ.
(8) فقه الرضا (ع): ب 20 في اللباس وما لا يجوز فيه الصلاة ص 157.
195

أن تتختم بالذهب وتصلي فيه، وحرم ذلك على الرجال (1).
وفي آخر: جعله الله تعالى حلية أهل الجنة، فحرم على الرجال لبسه
والصلاة فيه (2). وقصور الأسانيد منجبر بالفتاوى وبالقاعدة، ولكن مقتضاها
بطلان الصلاة في الملبوس منه خاصة كالخاتم والثوب المموه به، وكذا المنطقة،
لصدق اللبس عليها عادة، دون ما يستصحبه المصلي من نحو الدنانير مما
لا يصدق اللبس عليه عادة، إذ لا نهي فيه عموما ولا خصوصا، بل ظاهر جملة من
النصوص جواز شد السن الثنية بالذهب مطلقا، من دون تقييد له بغير حال الصلاة
مع أن الظاهر من حال الشد دوامه، ولو حال الصلاة فالظاهر عدم البأس
به، وإن كان الأحوط تركه ما لم يخف ضياعه، أو تدعوه ضرورة أخرى إلى
استصحابه فلا بأس به، بل ينبغي القطع بجوازه حينئذ ولو كان مثل خاتم
أو ثوب مموه، فإن " الضرورات تبيح المحظورات ".
واحترز بالعلم بالغصبية عن صورة الجهل بها، لصحة الصلاة هنا قطعا، إذ
لا نهي معه إجماعا. والفساد إنما ينشأ من جهته، لا من حيث كون الثوب
مغصوبا، إذ لا دليل عليه جدا.
ومنه يظهر وجه الصحة لو صلى فيه ناسيا للغصبية، وبه صرح جماعة،
مؤيدين له بعموم رفع النسيان عن الأمة (3). وفيه مناقشة، خلافا للفاضل في
القواعد والمختلف فيعيد مطلقا كما في الأول، أو في الوقت خاصة كما في الثاني (4).
وربما فصل بين العالم بالغصب عند اللبس الناسي له عند الصلاة

(1) الخصال: باب السبعين فما فوقه ح 12 ج 2 ص 588.
(2) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب لباس المصلي ح 5 ج 3 س 300.
(3) منهم صاحب السرائر: كتاب الصلاة باب القول في لباس المصلي ج 1 ص 270 - 271، ومنتهى
المطلب: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 230 س 2.
(4) قواعد الأحكام: كتاب الصلاة في لباس الصلي ج 1 ص 27 س 18، ومختلف الشيعة: كتاب
الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 82 س 35.
196

فالإعادة، والناسي له عند اللبس خاصة فالعدم. ولم أجد لشئ من هذه
الأقوال دلالة، عدا وجوه اعتبارية، هي مع معارضتها بعضا مع بعض لا تصلح
حجة في مقابلة الأصل، المعتضد بما قدمناه من الحجة.
وفي إلحاق الجاهل بالحكم مطلقا بالعامد وجهان، بل قولان أحدهما:
نعم، وفاقا للتحرير والمنتهى.
قال: لأن التكليف لا يتوقف على العلم به وإلا لزم الدور (1)، وعليه الشهيد في
الدروس والذكرى (2)، والمحقق الثاني في شرح القواعد (3)، وظاهر الأصحاب
فيما أعلم، وبه صرح بعض إلحاق ناسي حكم الغصبية بجاهله في وجوب
الإعادة (4)، ولا يخلو عن إشكال إن لم يكن إجماع.
(و) كذا (لا) تجوز الصلاة ولا تصح (فيما يستر ظهر القدم ما لم يكن
له ساق) بحيث يغطي المفصل الذي بين الساق والقدم وشيئا من الساق
كالشمشك بضم الأولين أو ضم الأول وكسر تاليه على الاختلاف في الضبط
والنعل السندي وشبههما، كما عليه الماتن هنا وفي الشرائع (5)، والفاضل في
الارشاد والقواعد (6)، والشهيد في الدروس (7) وغيره، بل نسبوه إلى النهاية

(1) تحرير الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 30 س 22، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة
في لباس المصلي ج 1 ص 229 س 35.
(2) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 26 س 25، وذكرى الشيعة: كتاب الصلاة
في لباس المصلي ص 146 س 12.
(3) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 87.
(4) وهو صاحب ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 224 س 38.
(5) شرائع الاسلام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 69.
(6) إرشاد الأذهان: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 247، وقواعد الأحكام: كتاب الصلاة في
لباس المصلي ج 1 ص 28 س 4 - 5.
(7) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 27 س 1.
197

والمقنعة والقاضي والديلمي وغيرهم من القدماء (1).
بل ادعى شيخنا في الروضة والروض كونه مشهورا (2)، وفيه نظر: فإن
المحكي عن الشيخين وأضرابهما إنما هو المنع عن الصلاة في النعل السندي
والشمشك خاصة (3)، وهو أخص من المدعى، فقد لا يكون لسترهما ظهر القدم،
كما ظنه الفاضلان وغيرهما، بل لورود خبر بهما كما صرح به ابن حمزة في
الوسيلة (4)، ولعله الحجة لهم دون ما قرره الفاضلان من حجج ضعيفة غير صالحة
للحجية أصلا، حتى على إثبات الكراهة فكيف تثبت بها الحرمة؟.
ولذا أعرض عن القول بها المتأخرون أو أكثرهم، كما في المدارك (5)
والذخيرة (6) وغيرهما، ولكن قالوا بالكراهة وفاقا للمبسوط (7) والاصباح (8)
والوسيلة (9) في الشمشك والنعل السندي خاصة. وللتحرير وظاهر المنتهى في
كل ما يستر ظهر القدم (10) كما في عنوان العبارة، لا لما مر من الحجج الضعيفة،
بل تفصيا عن شبهة الخلاف الناشئة من اختلاف الفتوى والرواية، مسامحة
في أدلة السنن والكراهة.

(1) والناسب هو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 3 ص 183.
(2) الروضة البهية: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 529، وروض الجنان: كتاب الصلاة في
لباس المصلي ص 214 س 19.
(3) والحاكي هو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 192 س 12.
(4) الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان ما يجوز فيه الصلاة ص 88.
(5) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 3 ص 184.
(6) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 235 س 14.
(7) المبسوط: كتاب الصلاة فيما يجوز الصلاة فيه من اللباس ج 1 ص 83.
(8) كما في كشف اللثام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 192 س 14.
(9) الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان ما يجوز فيه الصلاة ص 88.
(10) تحرير الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 30 س 27، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة
في لباس المصلي ج 1 ص 230 س 16.
198

والمراد بالرواية: ما وقع الإشارة إليه في الوسيلة، لكنها - كما عرفت - غير
عامة لكل ما يستر ظهر القدم، بل في خصوص ما مر من الأمرين.
وفي الاحتجاج، وعن كتاب الغيبة لشيخ الطائفة فيما ورد من التوقيع من
مولانا صاحب الزمان - عليه وعلى آبائه السلام - إلى الحميري، فيما كتب إليه
يسأله: هل يجوز للرجل أن يصلي وفي رجليه بطيط ولا يغطي الكعبين، أم
لا يجوز؟ فوقع - عليه السلام -: جائز (1). والبطيط - كما في القاموس - رأس الخف
بلا ساق كأنه سمي به تشبيها له بالبط.
قيل: وفيه تأييد للقول بالمنع (2). وفيه نظر؛ بل هو لتأييد القول الآخر
أظهر، كما صرح به بعض من تأخر.
وكيف كان، فالأحوط، الترك مطلقا، سيما فيما ورد به المنع في خصوص
النص وإن كان من المرسل، لكفايته في الاحتياط، بل لولا الشهرة المتأخرة
المحققة والمحكية، ورجوع الشيخ في المبسوط عن القول بالحرمة لكان القول بها
للرواية لا يخلو عن قول ولو كانت مرسلة، لقوة احتمال انجبارها بالشهرة القديمة
على ما حكاه شيخنا في كتابيه المتقدم إليهما الإشارة.
واحترز بقوله: " ما لم يكن إلى آخره " عما لو كان له ساق يغطى ولو شيئا
من الساق (كالخف) والجرموق، فإنه يجوز الصلاة فيه إجماعا على الظاهر
المصرح به في التحرير والتذكرة (4) وغيرهما. وهو الحجة، مضافا إلى الأصل،

(1) الاحتجاج: في توقيعات الناحية المقدسة ج 2 ص 484، والغيبة: في ذكر طرف من أخبار السفراء
الذين كانوا في حال الغيبة ص 234.
(2) لم نعثر على القائل.
(3) هو صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 7 ص 161، وبحار الأنوار: كتاب
الصلاة ب 9 في الصلاة في النعال و... ج 83 ص 274 ذيل الحديث 1.
(4) تحرير الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 30 س 27، وتذكرة الفقهاء كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 98 س 37.
199

والاطلاقات السليمة هنا عن المعارض ولو على الكراهة بالكلية.
(ويستحب) الصلاة (في النعل العربية) عند علمائنا أجمع، كما صرح
به جماعة حد الاستفاضة، مؤذنين بدعوى الاجماع عليه. وهو الحجة،
مضافا إلى الصحاح المستفيضة المرغبة إليه أمرا، كالصحيح: إذا صليت
فصل في نعليك إذا كانت طاهرة، فإن ذلك من السنة (1).
ونحوه آخر، إلا أن فيه: بدل " أن ذلك من السنة " يقال ذلك من
السنة (2).
وفعلا من رسول الله - صلى الله عليه وآله - والصادقين - عليهما السلام كما في
الصحاح (3).
وفي الخبر: سمعت الرضا - عليه السلام - يقول: أفضل موضع القدمين في
الصلاة النعلان (4). ومقتضى هذه الروايات استحباب الصلاة في النعل
مطلقا. وربما كان الوجه في حملها على العربية أنها هي المتعارفة في ذلك
الزمان، كما صرح به جماعة من الأصحاب.
لكن قالوا: ولعل الاطلاق أولى (5)، ولعل وجهه مع الاعتراف بصحة
الحمل كفاية الاحتمال في المستحبات من باب التسامح والاحتياط. فاندفع

(1) وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب لباس المصلي ح 1 ج 3 ص 308.
(2) وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب لباس المصلي ح 5 ج 3 ص 309.
(3) وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب لباس المصلي ج 3 ص 308، و ب 63 من نفس الأبواب ح 1 ج 3
ص 339.
(4) وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب لباس المصلي ح 9 ج 3 ص 309.
(5) منهم صاحب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 3 ص 185، وبحار الأنوار:
كتاب الصلاة ب 9 في الصلاة في النعال و... ج 83 ص 275 ذيل الحديث 3.
200

الاعراض بأنه محل تأمل لما ذكروه، لأن المطلق ينصرف إلى المتعارف،
وليس هنا عموم لغوي ينفع.
(وتكره) الصلاة (في الثياب السود ما (1) عدا العمامة والخف)
والكساء، لاطلاق المستفيضة بكراهة لبسها، عدا المستثنيات الثلاثة،
مع تصريح جملة من النصوص بكراهة الصلاة في خصوص القلنسوة، معللة
بأنها لباس أهل النار (2)، والتعليل عام لا يخص المورد كما يستفاد من النصوص.
ففي الخبر: كنت عند أبي عبد الله - عليه السلام - بالحيرة، فأتاه رسول أبي
العباس الخليفة يدعوه، فدعا بمطر، أحد وجهيه أسود والآخر أبيض، فلبسه، ثم
قال: أما أني ألبسه، وأنا أعلم أنه لباس أهل النار (3).
مضافا إلى عموم المرسل: لا تصل في ثوب أسود، فأما الخف والكساء
والعمامة فلا بأس (4). فلا إشكال في كل من حكمي المستثنى والمستثنى منه،
إلا في استثناء الكساء، لعدم وقوعه في العبارة، ونحوها من عبائر كثير من
الجماعة: كالحلي في السرائر، والماتن في الشرائع، والفاضل في الارشاد
والقواعد وكذا المفيد والديلمي وابن حمزة فيما حكي عنهم (5). بل قيل: إنهم لم
يستثنوا غير العمامة (6).
وبالجملة: أكثر الأصحاب على عدم استثناء الكساء، بل قيل: كلهم لم
يستثنوه إلا ابن سعيد في الجامع (7). وفيه نظر: فقد استثناه جماعة ممن تأخر

(1) أثبتنا " ما " من المتن المطبوع.
(2) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب لباس المصلي ج 3 ص 280.
(3) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب لباس المصلي ح 7 ج 3 ص 279.
(4) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب لباس المصلي ح 2 ج 3 ص 281.
(5) والحاكي هو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 192 س 21.
(6) والقائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 192 س 21.
(7) والقائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة ج 1 ص 192 س 20 - 21.
201

تبعا للمستفيضة، ولا يخلو عن قوة وإن كان عدم (1) الاستثناء أيضا لا بأس
به، مسامحة في أدلة الكراهة، بناء على حصول الشبهة، لعدم استثناء الأكثر،
واقتصارهم على ما في العبارة ومنهم: الفاضل في المنتهى مدعيا عليه إجماع الإمامية (2). مع عموم بعض النصوص ككلام الصدوق بكراهة مطلق
السود (3)، خرج المجمع على استثنائه ويبقى الباقي وظاهر العبارة - كغيرها من
عبائر الجماعة - اختصاص الكراهة بالسود، وعدم كراهة غيرها.
مع أن في الموثق: تكره الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع المفدم (4).
وفي الخبر: تكره الصلاة في المشبع بالعصفر والمضرج بالزعفران (5). وبهما
أفتى الفاضلان في المعتبر والتحرير والمنتهى (6) وغيرهما، بل عن الشيخ وجماعة،
ومنهم: الحلي والإسكافي كراهية الصلاة في الثياب المفدمة بلون من
الألوان (7).
ولعل مستندهم الموثق المتقدم، بناء على تفسير المفدم بالخاثر المشبع بقول
مطلق، من دون تقييد بالحمرة.
وأما على التفسير الآخر المفيد بها، فلا يعم كل لون، بل يخص المشبع

(1) في نسخة (ق) لا يوجد كلمة " عدم ".
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 232 س 9.
(3) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة باب ما يصلى فيه من الثياب و... ص 187.
(4) وسائل الشيعة: ب 59 من أبواب لباس المصلي ح 2 ج 3 ص 336.
(5) وسائل الشيعة: ب 59 من أبواب لباس المصلي ح 3 ج 3 ص 336.
(6) المعتبر: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 94، وتحرير الأحكام: كتاب المصلاة في لباس
المصلي ج 1 ص 30 س 35، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 232 س 19.
(7) المبسوط: كتاب الصلاة في حكم الثوب و... ج 1 ص 95، والسرائر: كتاب الصلاة باب القول في
لباس المصلي ج 1 ص 263، وكما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 80
س 30.
202

بالحمرة خاصة، ولذا اقتصر الفاضلان على كراهيته، للموثقة، وكراهة المضرج
بالزعفران والمعصفر - أيضا - لما بعدها. والتعميم أولى بالمسامحة في نحو محل
البحث كما مر.
(و) كذا تكره الصلاة (في الثوب الذي يكون تحته وبر الأرانب
والثعالب، أو فوقه) وفاقا للأكثر، بل لا خلاف فيه يظهر، إلا من الشيخ في
النهاية، والصدوق، فقالا بالحرمة (1). والأول قد رجع عنها إلى الكراهة في
المبسوط (2). فانحصر المانع في الثاني، وهو شاذ على الظاهر المصرح به فيما يحكى
من كلام الماتن، مشعرا بدعوى الاجماع على الجواز، فإن تم وإلا فالمنع لا يخلو
عن قوة، لورود النهي عنه في المعتبرة المستفيضة.
ففي الصحيح: قلت لأبي جعفر - عليه السلام -: الثعالب يصلى فيها؟ قال:
لا، ولكن تلبس بعد الصلاة. قلت: أصلي في الثوب الذي يليه؟ قال: لا (3)
وفيه: عن رجل سأل الماضي - عليه السلام - عن الصلاة في جلود الثعالب،
فنهى عن الصلاة فيها.
وفي الثوب الذي يليه، فلم أدر أي الثوبين: الذي يلصق بالوبر، أو الذي
يلصق بالجلد؟ فوقع - عليه السلام - بخطه: الثوب الذي يلصق بالجلد...
الحديث (4)
وفي الرضوي: وإياك أن تصلي في الثعالب ولا في ثوب تحته جلد ثعالب (5).

(1) النهاية: كتاب الصلاة باب ما يجوز الصلاة فيه من الثياب و... ص 98، والمقنع (الجوامع الفقهية):
كتاب الصلاة باب ما يصلى فيه من الثياب ص 7 س 17.
(2) المبسوط: كتاب الصلاة فيما يجوز الصلاة فيه من اللباس ج 1 ص 83.
(3) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب لباس المصلي ح 4 ج 3 ص 258.
(4) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب، لباس المصلي ح 8 ج 3 ص 259.
(5) فقه الرضا (ع): ب 20 في اللباس وما لا يجوز فيه الصلاة ص 157.
203

وقريب منها، المروي في الاحتجاج عن مولانا صاحب الزمان - عليه
السلام -: أنه كتب إليه الحميري: قد سأل بعض العلماء عن معنى قول
- الصادق عليه السلام -: لا تصل في الثعلب، ولا في الأرنب، ولا في الثوب
الذي يليه، فقال - عليه السلام -: إنما عنى الجلود دون غيرها (1).
وهي مع استفاضتها أكثرها معتبرة السند بالصحة والقوة، فلا وجه لحمل
النهي فيها على الكراهة، عدا ما يتخيل من عدم وجيه للمنع، عدا تخيل نجاسة
الجلود الملاقية بالرطوبة، وهو خلاف الأظهر الأشهر من قبولها التذكية، فحينئذ
لا وجه للمنع بالمرة.
فينبغي الحمل على الكراهة. وفيه نظر، لاحتمال التعبد (2)، أو كونه
باعتبار ما يسقط عليه من الوبر، ويتناثر عليه في وقت لبسه له، تحت الوبر
كان أو فوقه، كذا قيل. وفيه نظر، لظهور سياق الروايات بعد ضم بعضها إلى
بعض في كون المنع متوجها إلى الثوب الذي يلي الجلد، لا الوبر (3)، بل صرح
بعضها بعدم المنع في الملاصق للوبر (4).
فظهر أن المنع ليس لما ذكر من تناثر الشعر، بل من حيث الملاصقة للجلد،
ولا وجه للمنع حينئذ غير ما ذكروه، ويتوجه حينئذ حمل المنع فيها على
الكراهة كما قرروه، بناء على بعد احتمال تعبدية المنع، فلا يخرج بمجرده عن
الأصل المعتضد بالشهرة، بل الاجماع المنقول كما عرفته.
ولكن المسألة بعد مشكلة، لعدم ظهور نقل الاجماع من لفظ الشذوذ بحيث
يطمئن به، والشهرة الاعتماد عليها لعله لا يخلو عن إشكال، بناء على ظهور

(1) الاحتجاج: في توقيعات الناحية المقدسة ج 2 ص 492.
(2) في نسخة (1) " التقييد ".
(3) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب لباس المصلي.
(4) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب لباس المصلي ح 8 ج 3 ص 259.
204

كلمة جملة منهم بانحصار سند المنع في الصحيحة الثانية.
ومع ذلك أجابوا عنها بأنها مرسلة وهما - كما ترى - لتعدد روايات المنع
واستفاضتها، وعدم إرسال فيما أجابوا به عنه وإن كان فيه: عن رجل، إذ هو
ليس راويا، بل الرواي له هو الراوي عنه، وليس روايته عنه بطريق الارسال
بحيث يسند الخبر إليه، بل أخبر الراوي الثقة عنه بأنه سأل الماضي - عليه
السلام - فكأنه الخبر عن السؤال والجواب. فتأمل جدا.
مع أن في ذيل الخبر ما يعرب عن مشافهة الثقة له - عليه السلام - وسؤاله
عن ذلك فأجابه بالمنع أيضا حيث قال وذكر أبو الحسن علي بن مهزيار وهو
الراوي عن الرجل أنه سأله عن هذه المسألة فقال: لا تصل في الذي فوقه، ولا
في الذي تحته.
فالخبر على أي تقدير مسند، لكن اختلف الجوابان فيه. ففي الأول:
خص المنع بالذي يلصق الجلد. وفي الثاني: عمم له ولما يلصق الوبر، وهو
الأوفق، لما ذكروه من تعميم المنع كراهة أو تحريما.
وبالجملة: المسألة محل إشكال، ولا ريب أن التنزه عنه أفضل إن لم نقل
بكونه المتعين.
(و) كذا تكره (في ثوب واحد) رقيق لم يحك ما تحته من العورة
(للرجل) خاصة بلا خلاف أجده، والنصوص به مع ذلك مستفيضة.
ففي الصحيح: يصلي الرجل في قميص واحد، فقال: إذا كان كثيفا فلا
بأس (1).
وفي آخر بعد السؤال عن نحو ذلك: إذا كان عليه قميص صفيق أو قباء

(1) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب لباس المصلي ح 1 ج 3 ص 281.
205

ليس بطويل الفرج فلا بأس (1). ومقتضاهما ككلام أكثر الأصحاب، بل
عامتهم، كما يفهم من الذكرى والروض عدم الكراهة في الثوب الواحد إذا
كان كثيفا (2)، وهو أيضا ظاهر جملة من الصحاح.
منها: لا بأس أن يصلي أحدكم في الثوب الواحد وأزراره محلولة إن دين
محمد - صلى الله عليه وآله - حنيف (3). ونحوه غيره، خلافا لبعض أصحابنا، كما
حكاه في المنتهى (4)، ولعله الماتن هنا، حيث لم يقيد كراهة الثوب الواحد بما إذا
كان رقيقا كما عليه باقي أصحابنا، مؤذنا بكراهة الصلاة فيه للرجل مطلقا،
وتبعه الشهيد في الذكرى قال: لعموم " خذوا زينتكم عند كل مسجد " (5)،
ودلالة الأخبار على أن الله تعالى أحق أن يتزين له، والاتفاق على أن الإمام
يكره له ترك الرداء.
وما روي عنه صلى الله عليه وآله من قوله: إذا كان لأحدكم ثوبان
فليصل فيهما، قال: والظاهر أن القائل بثوب واحد من الأصحاب إنما يريد به
الجواز المطلق، ويريد به أيضا على البدن، وإلا فالعمامة مستحبة مطلقا، وكذا
السراويل.
وقد روي تعدد الصلاة الواحدة بالتعمم والتسرول (6). وفي جميع ما ذكره
نظر، فإن غايته - عدا كراهية ترك الإمام الرداء الدلالة على استحباب

(1) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب لباس المصلي ح 2 ج 3 ص 283.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 146 س 33، وروض الجنان: كتاب الصلاة في
لباس المصلي ص 209 س 1
(3) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب لباس المصلي ح 1 ج 3 ص 285.
(4) لم نعثر عليه.
(5) الأعراف: 31.
(6) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 147 س 1، بتفاوت مع تقديم وتأخير في النقل.
206

التعدد، وهو غير كراهية الوحدة، إلا أن يريد بها ترك الأولى، ولعله غير المتنازع
فيه.
نعم، في قرب الإسناد للحميري: عن عبد الله بن الحسن، عن جده، عن
علي بن جعفر - عليه السلام - أنه سأل أخاه - عليه السلام - عن الرجل: هل
يصلح له أن يصلي في سروال واحد وهو يصيب ثوبا؟ قال: لا يصلح (1).
(و) احترزنا بعدم الحكاية لما تحته عما (لو حكى ما تحته) فإنه (لم
يجز) قولا واحدا إذا كان لبشرة العورة ولونها حاكيا للزوم سترها، كما يأتي
إجماعا، وكذا لو حكى حجمها وخلقتها على الأحوط، بل قيل: بتعينه (2)،
لرواية قاصرة السند، ضعيفة الدلالة.
ولذا اختار الأكثر الاجزاء هنا. ولعله الأقوى، للأصل وصدق الستر عرفا،
مع إطلاق ما مر من النص الصحيح: بعدم البأس بالصلاة في الثوب إذا كان
كثيفا، إذ قد لا يفيد إلا ستر البشرة دون الحجم. مضافا إلى التأيد بأخبار: أن
النورة سترة (3)، وأن جسد المرأة عورة (4)، فلو وجب ستر الحجم وجب فيه، وإن
كان في الاستدلال بهما نظر.
(و) يكره (أن يأتزر فوق القميص) على المشهور، للصحيح الصريح
فيه المروي في الكافي: لا ينبغي أن تتوشح بإزار فوق القميص وأنت تصلي، ولا
تتزر بإزار فوق القميص إذا أنت صليت، فإنه من زي الجاهلية (5). خلافا

(1) قرب الإسناد: في الاسناد إلى أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليه السلام ص 89، في الحاشية.
(2) الظاهر هو جامع المقاصد: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 95.
(3) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب آداب الحمام ج 1 ص 378.
(4) وسائل، الشيعة: ب 24 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ح 4 و 6 ج 14 ص 43 و 43.
(5) الكافي: كتاب الصلاة باب الصلاة في ثوب واحد و... خ 7 ج 3 ص 395.
207

للفاضلين في المعتبر والمنتهى (1)، كثير ممن تبعهما فلا يكره، للصحيحين
النافيين للبأس عنه، فعلا في أحدهما (2) وقولا في الآخر (3) وفيه نظر، بل حمل
نفي البأس فيهما على نفي التحريم طريق الجمع، سيما مع اشتهار الكراهة،
وجواز المسامحة في أدلتها - كما عرفت - غير مرة، وما تضمنته الصحيحة من كراهة
التوضح فوق القميص قد أفتى بها جماعة (4)، والنصوص بها مع ذلك مستفيضة
وهي ما بين ناهية عنه ب‍ " لا " كما في بعضها (5) وب‍ " لا يجوز " (6) في آخر وب‍
" يكره " في جملة منها (7).
وحملت على الكراهة الاصطلاحية، جمعا بينها وبين الحسن: هل يصلي
الرجل وعليه إزار يتوشح به فوق القميص؟ فكتب نعم (8). وقيل: لا يكره (9).
ولا وجه له. واختلف أهل اللغة في معنى التوشح.
ففي القاموس: توشح الرجل بثوبه وسيفه إذا تقلد بهما. وفي المصباح المنير:
توشح به: أن يدخله تحت إبطه الأيمن، ويلقيه على منكبه الأيسر كما يفعله
المحرم. ونحوه عن المغرب.
وفي مجمع البحرين: وفيه كتاب يتوشح به أي: أن يتغشى به، والأصل في
ذلك كله من الوشاح ككتاب، وهو شئ ينسج من أديم عريضا، ويرصع

(1) المعتبر: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 96، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس المصلي
ج 1 ص 232 س 35.
(2) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب لباس المصلي ح 6 و ح 5 ج 3 ص 288.
(3) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب لباس المصلي ح 6 و ح 5 ج 3 ص 288.
(4) المعتبر: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 96، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس المصلي
ج 1 ص 232 س 35، وحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 7 ص 120.
(5) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب لباس الصلي ح 2 ج 3 ص 287.
(6) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب لباس الصلي ح 2 ج 3 ص 287.
(7) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب لباس المصلي ح 3 و 10 ج 3 ص 288 - 289.
(8) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب لباس المصلي ح 7 ج 3 ص 288، وفيه اختلاف.
(9) والقائل هو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 3 ص 204
208

بالجواهر ويوضع شبه قلادة تلبسه النساء.
يقال: وشح الرجل بثوبه أو بإزاره وهو: أن يدخله تحت إبطه الأيمن،
ويلقيه على منكبه الأيسر كما يفعله المحرم، كما يتوشح الرجل بحمائل
سيفه، فتقع الحمائل على عاتقه اليسرى، وتكون اليمنى مكشوفة.
وكلماتهم وإن كانت مختلفة في ذلك، إلا أن ظاهرها الاتفاق على أنه غير
الاتزار فوق القميص. فلا وجه للاستدلال بأخبار كراهة التوشح على كراهته.
لكن في بعض النصوص إشعارا باتحادهما كالخبر: في الذي يتوشح ويلبس
قميصه فوق الإزار، قال: هذا عمل قوم لوط، قلت: فإنه يتوشح فوق القميص،
قال: هذا من التجبر. ولكنه معارض بظاهر الصحيحة الأولى، حيث
عطفت الاتزار فوق القميص على التوشح فوقه، مؤذنا بتغايرهما.
ومع ذلك، الخبر ضعيف السند، متضمن صدره لما لم يقل به أحد، وهو
كراهة جعل المئزر تحت القميص، بل نفي الخلاف عن عدم كراهته في المنتهى
مؤذنا بدعوى الاجماع عليه (2)، كما حكي عن صريح المعتبر (3).
(وأن يشتمل الصماء) إجماعا، كما في التحرير (4) والمنتهى (5)
والذكرى (6) وشرح القواعد للمحقق الثاني (7) والروض (8) والمدارك (9)، وفي

(1) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب لباس المصلي ح 4 ج 3 ص 388.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 333 س 1.
(3) المعتبر: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 95.
(4) تحرير الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 31 س 1.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 233 س 2.
(6) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 147 س 31.
(7) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في لباس الصلي ج 2 ص 108.
(8) روض الجنان: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 209 س 28.
(9) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 3 ص 204.
209

غيرها نفي الخلاف فيه بين علمائنا للصحيح: إياك والتحاف الصماء، قلت:
وما التحاف الصماء؟ قال: أن تدخل الثوب من تحت جناحك فتجعله على
منكب واحد (1).
وبه فسر في معاني الأخبار (2) والنهاية والمبسوط والوسيلة وفيها: أنه فعل
اليهود (3)، وتبعهم المتأخرون، ونسبه في الروضة والروض إلى المشهور (4)
مشعرا بوقوع الخلاف فيه، ولم أجده بيننا، ولعله لأهل اللغة وفقهاء العامة،
ولا عبرة بمقالتهم في مقابلة الرواية الصحيحة الصريحة، المعتضدة بالشهرة
الظاهرة والمحكية.
وخصوص المروي في معاني الأخبار: أنه - صلى الله عليه وآله - نهى عن
لبستين: اشتمال الصماء، وأن يلتحف الرجل بثوبين، ليس بين فرجه وبين
السماء شئ.
قال: وقال الصادق - عليه السلام -: التحاف الصماء هو أن يدخل الرجل
رداءه تحت إبطه، ثم يجعل طرفيه على منكب واحد (5). لكن ظاهره كون
المراد: إدخال أحد طرفي الثوب من تحت أحد الجانبين، والطرف الآخر من
تحت الجناح الآخر، ثم جعلهما على منكب واحد.

(1) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب لباس المصلي ح 1 ج 3 ص 289.
(2) معاني الأخبار: باب معنى المحاقلة والمزابنة والعرايا و... ص 281 - 282
(3) النهاية.: كتاب الصلاة باب ما يجوز الصلاة فيه من الثياب و... ص 98، والمبسوط: كتاب الصلاة
فيما يجوز الصلاة فيه من اللباس ج 1 ص 83، والوسيلة: كتاب الصلاة في بيان ما يجوز فيه الصلاة ص
88..
(4) الروضة البهية: كتاب الصلاة في الستر ج 1 ص 530، وروض الجنان: كتاب الصلاة في لباس
المصلي ص 209 س 28.
(5) معاني الأخبار: باب معنى المحاقلة والمزابنة والعرايا و... محس 281.
210

وهذا وإن أمكن إرادته من الصحيحة بأن يراد من الجناح الجنس، إلا أنه
خلاف الظاهر المتبادر منها، وهو كون المراد إدخال طرفي الثوب معا من تحت
جناح واحد، سواء كان الأيمن أو الأيسر، ثم وضعه على منكب واحد،
ويتبادر هذا المعنى من الصحيحة، صرح المحقق الثاني في شرح القواعد (1)
وغيره، ولكن التنزه عن كلا المعنيين المحتملين لعله أحوط.
(و) أن يصلي (في عمامة لا حنك لها) باتفاق علمائنا كما في المعتبر (2)
والمنتهى (3). وهو الحجة،
مضافا إلى خصوص النبوي المروي عن العوالي وغيره، وفيه: من صلى
مقتعطا فأصابه داء لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه (4). وإطلاق النصوص
بكراهية التعمم من دون تحنك.
ففي المرسل كالصحيح: من تعمم ولم يتحنك فأصابه داء لا دواء له فلا
يلومن إلا نفسه (5).
ونحوه غيره من كثير من النصوص، مبدلا في بعضها " لم يتحنك " ب‍ " لم
يدر العمامة تحت حنكه " (6).
وفي آخرين: الفرق بيننا وبين المشركين في العمائم: الالتحاء بالعمائم كما
في أحدهما (7).

(1) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 108.
(2) معتبر: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 97.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 233 س 14.
(4) عوالي اللآلي: باب الصلاة ح 6 ج 2 ص 214.
(5) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب لباس المصلي ح 1 ج 3 ص 291.
(6) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب، لباس المصلي ح 5 ج 3 ص 291.
(7) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب لباس المصلي ح 10 ج 3 ص 291.
211

ونحوه الثاني بأدنى تفاوت في الألفاظ لا يخل بالمقصود (1). ولما كان
التحنك والتلحي في اللغة والعرف إدارة العمامة - أي - جزء منها تحت الحنك
فالظاهر أنه لا تتأدى السنة بالتحنك بغيرها، وفاقا للشهيد الثاني (2) وسبطه (3)
وغيرهما خلافا للمحقق الثاني، فاحتمل تأدي السنة به أيضا، لكن مترددا
بعد أن حكاه عن الشهيد في الذكرى (4)، وتبعهما في الاحتمال بعض
الفضلاء (5)، ولم أعرف له وجها.
ثم إن ظاهر النصوص والفتاوى، ولا سيما الحاكم منهما بكراهة ترك
التحنك في الصلاة استحباب دوامه، وعدم الاكتفاء به عند التعميم خاصة.
وعليه، فيشكل الجمع بين ما دل على استحبابه مطلقا مما مضى من النص
والفتوى، وبين النصوص المستفيضة، الدالة على استحباب إسدال طرف
العمامة على الصدر أو القفاء (6).
ولذا اضطرب كلام جملة من الفضلاء في الجمع بينهما، فبين من جمع بينهما:
تارة بحمل الأولة (7) على إرادة التحنك حين التعمم، والأخيرة على الاسدال
بعده. وأخرى بتخصيص السدل بحال الحرب ونحوه، مما يراد فيها الترفع
والاختيال، والتحنك بما يراد فيه التخشع والسكينة (8).

(1) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب لباس المصلي ح 8 ج 3 ص 291.
(2) روض الجنان: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 210 س 17.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 3 ص 207.
(4) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 110.
(5) وهو كاشف اللثام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 193 س 21.
(6) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب أحكام الملابس ج 3 ص 377.
(7) في المخطوطات " الأدلة ".
(8) الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 7 ص 134 - 135.
212

وبين من جمع بإرجاع أخبار التحنك إلى الاسدال بضرب من التوجيه،
بل ادعى اتحادهما معنى لغة (1)، وهو مشكل جدا.
ويحتمل الجمع بوجه آخر، وهو: تخصيص استحباب السدل بالرسول - صلى
الله عليه وآله - والأئمة - عليهم السلام - واستحباب التحنك بنا (2)، ولا بعد فيه إلا
من حيث عموم أخبار التحنك، وإلا فأخبار الاسدال لا عموم فيها.
فإن منها: اعتم رسول الله - صلى الله عليه وآله -، فسدلها من بين يديه ومن
خلفه (واعتم جبرئيل فسدلها، من بين يديه ومن خلفه) (3) (4).
ومنها: عمم رسول الله - صلى الله عليه وآله - عليا - عليه السلام - فسدلها من
بين يديه وقصرها من خلفه قدر أربع أصابع، ثم قال: أدبر فأدبر، ثم قال: أقبل
فأقبل، ثم قال: هكذا تيجان الملائكة (5) إلى غير ذلك من النصوص
الكثيرة، الظاهر اختصاص موردها بالرسول - صلى الله عليه وآله - والأئمة - عليهم
السلام - فلا غرو إن جمعنا بينها وبين النصوص الماضية بذلك، وقيدنا اطلاقاتها
بمن عداهم - عليهم السلام - بل لعله أظهر وجوه الجمع هنا.
ويحتمل آخر ضعيفا، وهو التخيير بينهما، ويكون المقصود من استحبابهما
كراهة الاقتعاط المقابل لهما.
واعلم: أن جمعا من الأصحاب حكوا المنع - هنا - الظاهر في التحريم عن
الصدوق، ولم أقف على تصريحه به.
نعم، في الفقيه: سمعت مشائخنا - رضي الله تعالى عنهم - يقولون: لا تجوز

(1) وهو كاشف اللثام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 26.
(2) بحار الأنوار: كتاب الصلاة ب 15 في الرداء؟ وسدله و... ج 83 ص 195 و 199.
(3) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب أحكام الملابس ح 1 ج 3 ص 377.
(4) ما بين القوسين لا يوجد في الشرح المطبوع، وأثبتناه من المخطوطات.
(5) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب أحكام الملابس ح 3 ج 3 ص 377.
213

الصلاة في طابقية، ولا يجوز للمتعمم أن يصلي إلا وهو متحنك (1). وهو ظاهر
في اتفاق مشايخه على ذلك، فيبعد مخالفته لهم، بل الظاهر موافقته لهم. ولعله
لذا نسبوه إليه أو وجدوا التصريح منه به في محلا آخر.
وكيف كان، فالمنع تحريما كما هو ظاهرهم ضعيف جدا، للأصل، مع عدم
دليل صالح على ما ذكروه.
فإن غاية النصوص - حتى النبوي الوارد في الصلاة إفادة الكراهة،
لا التحريم، فإثباته مشكل، سيما مع إطباق المتأخرين واختيارهم خلافه، مع
دعوى جملة منهم الاجماع عليه، كما عرفته.
ويحتمل إرادة المشائخ من " لا يجوز " الكراهة، لاستعماله كثيرا فيها في
الأخبار، وكلام قدماء الطائفة.
(وأن يؤم بغير رداء) على المشهور على الظاهر المصرح به في المدارك (2)
وغيره، بل عليه الاتفاق في الذكرى (3). وهو الحجة.
مضافا إلى الصحيح: عن رجل أم قوما في قميص ليس عليه رداء، فقال:
لا ينبغي، إلا أن يكون عليه رداء، أو عمامة يرتدي بها (4).
وأخصيته من المدعى بدلالته على كراهية الإمامة من دون رداء في
القميص وحده، لا مطلقا مجبورة بعدم القول بالفرق بين جمهور أصحابنا، وإن
توهمه شاذ من متأخري متأخرينا (5).

(1) من لا يحضره الفقيه: باب ما يصلى فيه وما لا يصلى فيه من الثياب و... ج 1 ص 265 ذيل الحديث
817.
(2) مدارك الأفهام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 3 ص 209.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 147 س 3.
(4) وسائل الشيعة: ب 53 من أبواب لباس المصلي ح 1 ج 3 ص 329.
(5) الظاهر هو كاشف اللثام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 193 س 34.
214

مع أن المقام مقام كراهة يتسامح في دليله بما لا يتسامح في غيره، فيكتفى
في إثباتها بفتوى فقيه واحد، فما ظنك بفتاوى جمهور أصحابنا؟.
وأما قول أبي جعفر - عليه السلام - لما أم أصحابه في قميص بغير رداء: إن
قميصي كثيف، فهو يجزئ أن لا يكون علي إزار ولا رداء (1). فليس فيه تأييد لما
توهمه الشاذ المتقدم من اختصاص الكراهة بمورد الصحيحة، لاحتمال الاجزاء
في هذه الرواية الاكتفاء بأقل الواجب من سترا العورة، لا الاجزاء عن
الاستحباب، وإلا لنافى إطلاق الصحيحة المتقدمة، بل عمومها الناشئ عن
ترك الاستفصال عن القميص هل هو كثيف أم رقيق؟ فحكمه حينئذ ب‍
" لا ينبغي " يعم الصورتين. مع أن الرواية السابقة على التقدير الثاني قد نفت
استحباب الرداء في الصورة الأولى.
وهذا الشاذ لا يقول به، فكيف يجعل قوله عليه السلام في هذه الرواية
مؤيدا، وإن هو إلا غفلة واضحة!؟ وظاهر الشهيدين وغيرهما استحباب الرداء
لمطلق المصلي ولو لم يكن إماما (2) للصحاح الدال بعضها على أن: أدنى ما يجزئك
أن تصلي فيه بقدر ما يكون على منكبيك مثل: جناحي الخطاف (3). والباقي على
استحباب ستر المنكبين لمن يصلي في إزار أو سراويل، ولا ذكر للرداء في الرواية
الأولى، والبواقي خارجة عما نحن فيه جدا، فلا وجه للاستدلال بها لما ذكروه
أصلا، ولا بأس بالقول باستحباب ما فيها.
وفي الخبر: عن الرجل، هل يصلح له أن يصلي في قميص واحد أو قباء

(1) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب لباس المصلي ح 7 ج 3 ص 284، وفيه اختلاف.
(2) البيان: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 59 وروض الجنان: كتاب الصلاة في لباس المصلي
ص 211 س 6.
(3) وسائل الشيعة: ب 53 من أبواب لباس المصلي ح 6 ج 3 ص 330.
215

واحد؟ قال: ليطرح على ظهره شيئا (1).
وعن الرجل، هل يصلح له أن يؤم في ممطر وحده، أو جبة وحدها؟ قال:
إذا كان تحته قميص فلا بأس (3).
وعن الرجل يؤم في قباء وقميص؟ قال: إذا كان ثوبين فلا بأس (3). والمعتبر
في الرداء: ما يصدق عليه الاسم عرفا.
قيل: وتقوم التكة ونحوها مقامه مع الضرورة (4). ولم أقف على ما دل على
إقامتها مقامه حيث، يكون هو المعتبر، كما في أصل البحث.
نعم، النصوص المتقدمة في المصلي في الإزار والسراويل دلت على
استحباب نحو التكة له، ولكنه غير قيامه مقام الرداء حيث يكون مستحبا.
(وأن يصحب معه حديدا ظاهرا) على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة
من تأخر. وفي الخلاف الاجماع عليه في الجملة (5). وهو الحجة، لا النصوص
المستفيضة وإن كان فيها الموثق وغيره (6)، لأن ظاهرها التحريم مطلقا كما عن
المقنع مستثنيا منه السلاح (7)، والنهاية والمهذب مستثنيين ما إذا كان مستورا (8)،
لأنها شاذة لا يوافق إطلاقها شيئا من الأقوال المزبورة: فلتكن مطرحة، ويكون
المستند في الكراهة هو الشبهة الناشئة من الفتوى بالحرمة، مع احتمال الاستناد

(1) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب لباس المصلي ح 11 ج 3 ص 284.
(2) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب لباس المصلي ح 12 ج 3 ص 285، وفيه اختلاف.
(3) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب لباس المصلي ح 13 ج 3 ص 285، وفيه اختلاف.
(4) والقائل هو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 3 ص 210، وفيه اختلاف.
(5) الخلاف: كتاب الصلاة م 250 في كراهة التختم بالحديد ج 1 ص 508.
(6) وسائل الشيعة: ب 32 من أبو لب لباس المصلي ج 3 ص 303.
(7) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في لباس المصلي فيه من الثياب و... ص 7 س 22.
(8) النهاية: كتاب الصلاة باب ما يجوز الصلاة فيه من الثياب و... ص 99 والمهذب: كتاب الصلاة
باب ما يجور الصلاة فيه من اللباس وما لا يجوز ج 1 ص 75
216

إليها لاثباتها بعد تقييدها بما إذا كان بارزا، جمعا بينها وبين ما دل على نفي
البأس عن الصلاة.
إما مطلقا كما في المروي في الإحتجاج للطبرسي، عن الحميري: أنه كتب
إلى الناحية المقدسة يسأله - عليه السلام -: عن الرجل يصلي وفي كمه أو
سراويله سكين أو مفتاح حديد، هل يجوز ذلك؟ فوقع - عليه السلام -:
جائز (1).
أو إذا كان مستورا، كما في المروي في الكافي مرسلا، قال: وروي إذا
كان المفتاح في غلاف فلا بأس (2).
وفي التهذيب: وقد قدمنا في رواية عمار: أن الحديد إذا كان في غلافه فلا
بأس بالصلاة.
لكن تعليل المنع في جملة من كتبه (3) المستفيضة بكونه " من لباس أهل
النار " كما في بعضها، أو " الجن والشياطين " كما في آخر منها، أو أنه " نجس
ممسوخ " كما في غيرها (4)، ربما يشعر بالعموم كما عليه المقنع (5)، لكن من دون
استثناء السلاح، لكن لا بعد في التقييد بعد وجود ما يدل عليه صريحا، سيما مع جمع
كونه - ولو في الجملة - متفقا عليه. هذا وربما يستشعر من التعليل الكراهة.
قال الماتن في المعتبر: وقد بينا أن الحديد ليس بنجس بإجماع الطوائف،
فإذا ورد التنجيس حملناه على كراهية استصحابه، فإن النجاسة تطلق على ما

(1) الاحتجاج: من توقيعات الناحية المقدسة ج 2 ص 484.
(2) الكافي: كتاب الصلاة باب اللباس الذي تكره فيه الصلاة وما لا تكره ح 5 ح 35 ص 404.
(3) لا يوجد كلمة " كتبه " في المخطوطات.
(4) تهذيب الأحكام: كتاب الصلاة ب 11 في ما يجوز فيه الصلاة من اللباس و... ج 2 ص 227 ذيل
الحديث 102، باختلاف في اللفظ.
(5) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب باب ما يصلى فيه وما لا يصلى فيه ص 7 ص 22.
217

يستحب أن يجتنب وتسقط الكراهة مع ستره وقوفا في الكراهة على موضع
الوفاق (1).
وهو حسن، إلا ما يستشعر منه من لزوم الاقتصار في الكراهة على محل
الوفاق، فإن فيه نظرا، لما عرفت مرارا من جواز التسامح فيها، والاكتفاء في
إثباتها، بقول فقيه واحد، فضلا عن إطلاق روايات بالمنع كما فيما نحن فيه.
فإطلاق الكراهة لا بعد فيه لولا الاتفاق على الظاهر، ممن عدا المقنع على
عدمها إذا كان مستورا.
(و) أن يصلي (في ثوب يتهم صاحبه) بعدم التوقي من النجاسة، أو
بمساورته له وهو نجس بلا خلاف أجده، إلا من المبسوط، فمنع عن الصلاة في
ثوب عمله كافر، أو أخذ ممن يستحل شيئا من النجاسات أو المسكرات،
معللا بأن الكافر نجس (2).
وتبعه الحلي للتعليل قائلا: إن إجماع أصحابنا منعقد على أن أسئار جميع
الكفار نجسة، بلا خلاف بينهم (3)، وهو خيرة الإسكافي، لكن مع اضطراب
لكلامه فيه (4). وما ذكروه من المنع حسن، مع العلم بالمباشرة برطوبة كما يفهم
من تعليلهما، بناء على أن نجاسة الكفار عينية لا تؤثر في الملاقي، إلا بالمباشرة له
برطوبة قطعا مطلقا.
ولعله لذا لم ينقل الخلاف هنا كثير من الأصحاب، معربين عن عدم
خلاف فيه ومحل نظر، مع عدم العلم بذلك، بل تجوز الصلاة حينئذ مطلقا ولو
كان حصول النجاسة بالمباشرة رطبا مظنونا، بناء على الأقوى من اشتراط

(1) المعتبر: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 98، باختلاف يسير.
(2) المبسوط: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 84.
(3) السرائر: كتاب الصلاة باب القول في لباس المصلي ج 1 ص 269.
(4) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 80 س 15.
218

العلم، أو ما يقوم مقامه شرعا، إن قلنا به في الحكم بالنجاسة.
وإن مع عدمهما فالأقوى الطهارة لعموم قولهم - عليهم السلام -: كل شئ
طاهر حتى تعلم أنه قذر (1)، وخصوص الصحاح في مفروض المسألة:
منها: أني أعير الذمي ثوبي، وأنا أعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم
الخنزير، فيرده علي، أفأغسله قبل أن أصلي فيه؟ فقال - عليه السلام -: صل
فيه، ولا تغسله من أجل ذلك، فإنك أعرته إياه وهو طاهر، ولم تستيقن أنه
نجسه، فلا بأس أن تصلي فيه حتى تستيقن أنه نجسه (2).
ومنها: عن الثياب السابرية يعملها المجوس، وهم أخباث وهم يشربون
الخمر، ونساؤهم على تلك الحال، ألبسها ولا أغسلها وأصلي فيها؟ قال: نعم،
الحديث (3).
ومنها: عن الصلاة في ثوب المجوس قال: يرش بالماء (4) إلى غير ذلك من
الأخبار.
نعم، في الصحيح: عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجري ويشرب
الخمر، فيرده، أيصلي فيه قبل أن يغسله؟ قال: لا يصلي فيه حتى يغسله (5).
وهو وإن دل على المنع إلا أنه قاصر عن المقاومة، لما مر جدا من وجوه
شتى. فليحمل على الكراهة جمعا، ولأجله قالوا بها، مضافا إلى الشبهة الناشئة
من القول بالمنع.
ولخصوص الصحيح: في الرجل يصلي في إزار المرأة وفي ثوبها، ويعتم

(1) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة باب الوضوء ص 3 س 4، وفيه " إلا ما علمت أنه قذر ".
(2) وسائل الشيعة: ب 74 من أبواب النجاسات ح 1 ج 2 ص 1095.
(3) وسائل الشيعة: ب 73 من أبواب النجاسات ح 1 ج 2 ص 1093.
(4) وسائل الشيعة: ب 73 من أبواب النجاسات ح 3 ج 2 ص 1093.
(5) وسائل الشيعة: ب 74 من أبواب النجاسات ح 2 ج 2 ص 1095.
219

بخمارها، قال: نعم، إذا كانت مأمونة (1). وأقل النفي المفهوم منه الكراهة.
وليس فيه - كالعبارة ونحوها كما ترى - بيان المأمونية عن أي شئ، فيشمل
عن كل محذور ولو غير النجاسات من نحو الغصب، واستصحاب فضلات
ما لا يؤكل لحمه كما عليه جماعة ومنهم الشهيدان.
قال ثانيهما: وينبه عليه كراهة معاملة الظالم وأخذ عطائه (2). وظاهر كثير
من العبارات تقييد نحو العبارة بمن لا يتوقى النجاسة خاصة. والأول أقرب
بالاحتياط، وأنسب بحال الكراهة، كما مر غير مرة.
(و) أن يصلي (في قباء) بل مطلق الثوب الذي يكون
(فيه (3) تماثيل، أو خاتم فيه صورة) حيوان بلا خلاف في المرجوحية على
الظاهر المصرح به في كلام بعض الأجلة (4)، بل عليه الاجماع في شرح القواعد
للمحقق الثاني (5). وهو الحجة.
مضافا إلى المعتبرة المعبر بعضها عنها بلفظ الكراهة، كالصحيحين
المتضمن أحدهما لقوله: كره أن يصلي وعليه ثوب فيه تماثيل (6).
وثانيهما لقوله: فكره ما فيه التماثيل بعد أن سئل عن الصلاة في الثوب
المعلم (7).
(1) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب النجاسات ح 1 ج 3 ص 325.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 148 س 5، وروض الجنان: كتاب الصلاة في
لباس المصلي ص 212 س 8.
(3) في الشرح المطبوع والمخطوطات " عليه "، وما أثبتناه هو الأصح كما في المختصر والمصادر الروائية.
(4) وهو صاحب بحار الأنوار: كتاب الصلاة ب 18 في النهي عن الصلاة في الحرير والذهب والحديد و...
ج 83 ص 243 ذيل الحديث 4.
(5) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 114.
(6) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب لباس المصلي ح 2 ج 3 ص 317.
(7) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب لباس المصلي ح 4 ج 3 ص 318.
220

وآخر منها ب " لا " و " لا يجوز " كالموثق: عن الثوب يكون في علمه مثال
طير أو غير ذلك، أيصلى فيه؟ قال: لا.
وعن الرجل يلبس الخاتم فيه نقش مثال الطير أو غير ذلك، قال: لا تجوز
الصلاة فيه (1). وظاهره وإن أفاد التحريم، كما عليه الشيخ في النهاية والمبسوط في
الثوب والخاتم (2) والقاضي في المهذب (3)، والصدوق في المقنع في الأخير
خاصة (4)، إلا أنه محمول على الكراهة، لا للأصل.
وضعف الموثق مع تصريح الصحيحين بالكراهة لأعميتها في الأخبار من
المعنى المصطلح عليه الآن، ومن الحرمة، وحجية الموثق فلا يعارضه الأصل.
بل للجمع بينه وبين ما نص على الجواز من الأخبار: كالمروي في قرب
الإسناد عن علي بن جعفر أنه سأل أخاه - عليه السلام - عن الخاتم يكون فيه
نقش سبع أو طير، أيصلى فيه؟ قال: لا بأس (5). وقصور السند مجبور بالشهرة
العظيمة، التي كادت تكون إجماعا، بل هي من المتأخرين إجماع في الحقيقة،
مع أن في المنتهى احتمل حمل " لا يجوز " في كلام الشيخ على الكراهة، لشيوع
استعماله فيها في عبارته (6)، بل مطلق القدماء والأخبار، كما لا يخفى. وعليه فلا
خلاف.

(1) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب لباس المصلي ح 15 ج 3 ص 320.
(2) النهاية: كتاب الصلاة باب ما يجوز الصلاة فيه من الثياب و... ص 99، والمبسوط: كتاب الصلاة
فيما يجوز الصلاة فيه من اللباس ج 1 ص 84.
(3) المهذب: كتاب الصلاة باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس وما لا يجوز ج 1 ص 75
(4) المقنع (الجوامع الفقهية) كتاب الصلاة باب ما يصلي فيه من الثياب ص 207، وفيه أيضا " ولا
تصلي في ثوب يكون في عمله مثال طير " الخ، س 19.
(5) قرب الإسناد: ص 97.
(6) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 234 س 10
221

واختصاصه بالخاتم مجبور بعدم القائل بالفرق، إذ كل من جوز الصلاة فيه
جوز في الثوب أيضا. وإن لم يكن بحسب المنع كذلك مع ظهور الموثقة المانعة،
كفتوى الأصحاب كافة في كون المنع إنما هو من حيث المثال خاصة، لا الثوبية
مع الصورة.
ولذا ورد كراهة الصلاة في الدراهم السود التي فيها التماثيل، كما في
الصحيح: ما أشتهي أن يصلي ومعه هذه الدراهم التي فيها التماثيل (1). ونحوه
غيره، وفي البسط التي فيها المثال (2) ونحو ذلك.
ومن تتبع جميع ذلك يظهر كون وجه المنع ما ذكرناه. وعليه فتدل هذه
الصحيحة الواردة في الدراهم على الكراهة، والجواز في مطلق ما فيه المثال ولو
كان الثوب والخاتم لظهور لفظ " ما أشتهي " فيها، مضافا إلى الصحيح
الصريح في الجواز، لكن فيما إذا كانت الدراهم مواراة.
وفيه: عن الدراهم السود فيها التماثيل أيصلي الرجل وهي معه؟ فقال:
لا بأس إذا كانت مواراة (3).
وهل المثال والصورة يعمان ما كان منهما للحيوان وغيره، أم يختصان
بالأول؟ ظاهر الأكثر على الظاهر المصرح به في كلام جمع الأول، بل نسبه في
المختلف (4) إلى باقي الأصحاب من عدا الحلي، واختاره للاطلاق. وفيه
نظر، لاختصاصه بحكم التبادر، وشهادة جملة من النصوص.
وبها اعترف جملة من الفحول بالأول، مع أن عن المغرب اختصاص التمثال
بصور أولي الأرواح، وعموم الصور حقيقية، قال: وأما تمثال شجر فمجاز.

(1) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب لباس المصلي ح 3 ج 3 ص 317.
(2) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب لباس المصلي ح 14 ج 3 ص 320.
(3) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب لباس المصلي ح 8 ج 3 ص 319.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 81 س 21.
222

وعن المصباح المنير في تفسير قوله: " وفي ثوبه تماثيل " أي صور حيوانات
مصورة. وكلامهما سيما الأول ظاهر في اختصاص التمثال بصور الحيوان حقيقة،
وكون إطلاقه على غيره مجازا.
نعم كلام الأول ظاهر في عموم الصور، ولكنه غير ضائر بعد اختصاص
مورد النصوص المانعة مطلقا بامتثال دون الصور. ولعله لذا اختار الحلي
التخصيص بالحيوان، وقواه جماعة من المحققين (1)، مضافا إلى الأصل. وهو
حسن لولا اشتهار إطلاق الكراهة، وشبهة دعوى الاتفاق عليه في المختلف، مع
المسامحة في أدلتها، كما سبق غير مرة.
وترتفع الكراهة بتغيير الصورة والضرورة كما صرح به جماعة (2)، للصحيح
في الأول (3)، وفحوى ما دل على سقوط التكليف الحتمي في الثاني (4).
مضافا إلى الموثق: عن لباس الحرير والديباج، فقال: أما في الحرب فلا
بأس وإن كان فيه تماثيل (5). وقريب منه ظواهر جملة من النصوص.
(ويكره للمرأة أن تصلي في خلخال لها (6) صوت، أو متنقبة) على
وجهها.
(و) معه كذا (يكره للرجال اللثام) بلا خلاف، إلا من القاضي في

(1) منهم كاشف اللثام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 194 س 30، والحدائق الناضرة
كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 7 ص 156.
(2) منهم جامع المقاصد: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 114، وروض الجنان: كتاب الصلاة.
في لباس المصلي ص 212 س 14، ومدارك الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 3 ص 214.
(3) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب لباس المصلي ح 13 ج 3 ص 320.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب القيام ج 4 ص 690.
(5) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب لباس المصلي ح 24 ج 3 ص 322.
(6) في الشرح المطبوع والمخطوطات " له ".
223

الأول فحرمه (1) ولا دلالة للصحيح عليه، لتضمنه " لا يصلح " (2) الظاهر في
الكراهة، أو الأعم منها ومن الحرمة.
فتدفع بالأصل مع عمومه لحال الصلاة وغيرها، ولا يقول به. فتأمل. ومن
الشيخين في المقنعة والمبسوط والنهاية فيما عداه، فأطلقا المنع عن اللثام والنقاب،
حتى يكشف عن الفم وموضع السجود (3).
وهو حسن إن أراد المنع إذا منعا عن القراءة وغيرها من الواجبات، وإلا
فمحل نظر، بل ظاهر المعتبرة المستفيضة ومنها الصحيحان (4) والموثقان (5) نفي
البأس عنهما على الاطلاق، إلا أن في أحد الموثقين التصريح بأفضلية
عدمهما (6). ولعله لذا حكموا بالكراهة. وفيه نظر.
يحتمل كون الوجه فيها الخروج عن شبهة إطلاق القول بالمنع، ويحتمل
اختصاصه بصورة ما إذا منع القراءة مثلا. والمنع حينئذ متفق عليه ظاهرا
وإن اختلفوا في انسحابه فيما إذا منع سماعها دونها فقيل: نعم (7). وهو
الأظهر وعليه الفاضلان (8) وغيرهما، لما في بعض المعتبرة لا يحسب لك من

(1) المهذب: كتاب الصلاة باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس وما لا يجوز ج 1 ص 75.
(2) وسائل الشيعة: ب 62 من أبواب لباس المصلي ح 1 ج 3 ص 338، عن الفقيه المتضمن " لا يصلح ".
(3). المقنعة: كتاب الصلاة ب 12 في ما تجوز الصلاة فيه من اللباس و... ص 152، والمبسوط: كتاب
الصلاة فيما يجوز الصلاة فيه من اللباس ج 1 ص 83، والنهاية: كتاب الصلاة باب ما يجوز الصلاة فيه
من الثياب و... ص 98.
(4) وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب لباس المصلي ح 2 و 3 ج 3 ص 307.
(5) وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب لباس المصلي ح 5 و 6 ج 3 ص 307.
(6) وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب لباس المصلي ح 6 ج 3 ص 307.
(7) القائل هو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 3 ص 208.
(8) المعتبر: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 99، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في لباس المصلي
ج 1 ص 98 س 41.
224

القراءة والدعاء إلا ما أسمعت نفسك (1).
مؤيدا بالصحيح النافي للبأس عن اللثام إذا سمع الهمهمة (2). وفي
الخلاف الاجماع على كراهة اللثام، قال: بل ينبغي أن يكشف عن جبهة موضع
السجود (3).
(وقيل: تكره) الصلاة (في قباء مشدود، إلا في) حال (الحرب)
قال في التهذيب - بعد ذكر عبارة المقنعة المتضمنة للفظة " لا يجوز " الظاهرة
في التحريم -: ذكر ذلك علي بن الحسين بن بابويه، وسمعناه من الشيوخ
مذاكرة، ولم أعرف به خبرا مسندا (4). وظاهره التردد كالماتن هنا، والفاضل
في التحرير والمنتهى (5)، والشهيدين في الروض والروضة والذكرى، وغيرهم
من متأخري أصحابنا، - حيث اقتصروا على نقل الكراهة عن الشيخين
والمرتضى كما في جملة من العبارات، أو مع زياد كثير من الأصحاب كما في
غيرها (6)، أو عن المشهور كما في الروضة والمدارك والذخيرة (7) وغيرها. وهو
حسن إن لم نتسامح في أدلة الكراهة، وإلا فالكراهة أولى.

(1) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1 ج 4 ص 77، وفيه اختلاف.
(2) وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب لباس المصلي ح 3 ج 3 ص 307.
(3) الخلاف: كتاب الصلاة: م 251: ج 1 ص 508.
(4) تهذيب الأحكام: كتاب الصلاة ب 11 في ما يجوز الصلاة فيه من اللباس و... ج 2 ص 232 ذيل
الحديث 121.
(5) تحرير الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 31 س 10، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة
في لباس المصلي ج 1 ص 235 س 4.
(6) روض الجنان: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 210 س 29، والروضة البهية: كتاب الصلاة في
لباس المصلي ج 1 ص 532، وذكرى الشيعة: كتاب الصلاة ي لباس المصلي ص 148 س 21.
(7) الروضة البهية: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 532 ومدارك الأحكام: كتاب الصلاة في
لباس المصلي ج 3 ص 208، وذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 230 س 19.
225

ولذا صرح الماتن بها في الشرائع (1)، والفاضل في الارشاد والقواعد (2)،
والشهيد في اللمعة والدروس (3)، مع أن ظاهر المقنعة وصريح الوسيلة
التحريم (4)، كما عن ظاهر المبسوط والنهاية (5).
فتتقوى الكراهة بالاحتياط في العبادة وإن كان ظاهر الجماعة عدا
الفاضل في المختلف (6) أنهم فهموا من العبارات المانعة للكراهة، حيث لم
ينقلوا عنهم الحرمة، بل صرحوا بنقل الكراهة.
وذكر الشهيد في الذكرى بعد نقل الكراهة عنهم، وذكر كلام التهذيب:
أنه روت العامة أن النبي - صلى الله عليه وآله - قال: لا يصلي أحدكم وهو
متحزم. وهو كناية عن شد الوسط وكرهه في المبسوط (7) واعترضه كثير منهم:
شيخنا الشهيد الثاني.
فقال: وظاهر استدراكه لذكر الحديث جعله دليلا على كراهة القباء
المشدود، وهو بعيد (8). وفيه نظر، فإن ظاهر الاستدراك وإن أو هم ذلك، إلا أن
نسبته بعد ذلك.

(1) شرائع الاسلام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 70.
(2) إرشاد الأذهان: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 247، وقواعد الأحكام: كتاب الصلاة في
لباس المصلي ج 1 ص 28 س 7.
(3) اللمعة الدمشقية: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 532، والدروس الشرعية: كتاب الصلاة
في لباس المصلي ص 25 س 21.
(4) المقنعة: كتاب الصلاة ب 12 في ما تجوز الصلاة فيه من اللباس و... ص 152، والوسيلة: كتاب
الصلاة في بيان ما يجوز فيه الصلاة ص 88.
(5) المبسوط: كتاب الصلاة فيما يجوز الصلاة فيه من اللباس. ج 1 ص 83، والنهاية: كتاب الصلاة باب
ما يجوز فيه من الثياب و... ص 98.
(6) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 82 س 3.
(7) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 148 س 22.
(8) الروضة البهية: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 532.
226

وفي البيان: كراهة شد الوسط الذي جعل الرواية كناية عنه إلى المبسوط
خاصة، دون الجماعة (1) ظاهر في المغايرة بينه وبين القباء المشدود، ولذا جعلهما
مكروهين، مؤذنا بتغايرهما في الدروس.
فقال: ويكره في قباء مشدود في غير الحرب ومشدود الوسط (2).
أقول: وما عزاه إلى المبسوط هو خيرته أيضا في الخلاف قال: ويكره أن
يصلي وهو مشدود الوسط، ولم يكره ذلك أحد من الفقهاء، دليلنا إجماع الفرقة
وطريقة الاحتياط (3).
وهو ظاهر شيخنا أيضا في الروضة، فقال: ويمكن الاكتفاء في دليل
الكراهة بمثل هذه الرواية، مشيرا بها إلى ما في الذكرى من الرواية النبوية (4).
وهو حسن.
قيل: وبكراهته يمكن أن يستدل على كراهية القباء المشدود بالفحوى،
لأن كراهة الصلاة مع التحزم الذي ليس فيه إلا قليل. شد يستلزم كراهيتها في
القباء المشدود الذي هو أكثر شدا بطريق أولى.
إلا أن يقال: إن الفقهاء لم يفتوا بكراهة التحزم، والقياس بطريق إلى
حجة إذا كان الحكم في المقيس عليه مقبولا (5). وفيه نظر، لعدم وضوح
الأولوية بعد احتمال كون القباء له مدخلية في الكراهة كما هو ظاهر
الجماعة، وليس كل متحزم عليه من نحو القميص والرداء وغيرهما قباء، بل هو

(1) البيان: في مكروهات اللباس في الصلاة، وفيه: وكذا يكره شد الوسط عند الشيخ، ص 59 س 13.
(2) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 25 س 21.
(3) الخلاف: كتاب الصلاة م 252 في كراهة شد الوسط ج 1 ص 509.
(4) الروضة البهية: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 532.
(5) والقائل هو صاحب حاشية مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 167، (الطبعة
الحجرية).
227

ثوب خاص.
وعن نظام الغريب: أنه قميص ضيق الكمين، مفرج المقدم والمؤخر.
ثم دعوى عدم مصير الفقهاء إلى كراهة الصلاة مع التحزم قد عرفت
ما فيها، لكونها مذهب الشيخ في جملة من كتبه، مدعيا في بعضها إجماعنا.
نعم، لا يمكن أن تكون الأولوية سندا لجميع الفقهاء، بل لمن قال بكراهة
الأصل من الفقهاء.
وفي الذخيرة: أن الشيخ أورد في زيادات التهذيب خبرين دالين على
كراهية حل الأزرار في الصلاة، فيمكن تخصيص كراهية الشد بما عدا الأزرار،
أو تخص كراهية حل الأزرار بما إذا كان واسع الجيب (1).
ولعله فهم من القباء المشدود ما يعم المشدود بالأزرار، ولذا فهم
التعارض بين الخبرين وما ذكروه من كراهة الصلاة في القباء المشدود. وفيه
نظر، لعدم صدق الشد على الزر بالأزرار.
وعليه، فلا تعارض بين الحكمين ليحتاج في الجمع بينهما إلى ما ذكره من
أحد التخصيصين.
وهنا (مسائل ثلاث)
(الأولى: ما تصح فيه الصلاة يشترط فيه الطهارة) من النجاسة،
على تفصيل تقدم ذكره في كتابها، من أراده فليراجعه ثمة.
(وأن يكون مملوكا) للمصلي عينا ومنفعة، أو منفعة خاصة، (أو مأذونا
فيه) للصلاة فيه، أو مطلقا بحيث يشملها كالإذن، صريحا أو فحوى، أو بشاهد
الحال إذا أفاد علما بالرضا، المباح معه المصرف في مال الغير، المنهي عنه من دونه

(1) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 230 س 23.
228

شرعا. فلا تجوز الصلاة في الثوب المغصوب كما مضى بيانه مفصلا.
(الثانية: يجب (1)) ستر العورة مطلقا في الصلاة، وفي غيرها إذا كان
هناك ناظر محترم، بإجماع العلماء كافة، كما حكاه جماعة حد الاستفاضة،
والنصوص به مع ذلك مستفيضة، بل متواترة:
منها: عورة المؤمن على المؤمن حرام (2). وهو شرط في الصلاة عند علمائنا
وأكثر العامة، كما صرح به جماعة حد الاستفاضة، وهو ظاهر جملة من
المستفيضة الآتية في صلاة العراة، منفردين وجماعة، حيث أسقطت معظم
الأركان من الركوع والسجود والقيام بفقد الساتر.
ولولا كونه شرطا للصحة لما ثبت ذلك. وهل شرطيته ثابتة مع المكنة على
الاطلاق، أو مقيدة بالعمد؟ الأصح الثاني، وفاقا للأكثر على الظاهر المصرح
به في كلام بعض، للأصل، وعدم دليل على الشرطية على الاطلاق.
وخصوص الصحيح: عن الرجل يصلي، وفرجه خارج لا يعلم به، هل عليه
الإعادة؟ قال: لا إعادة عليه، وقد تمت صلاته (4). خلافا للإسكافي، فيعيد
في الوقت (5)، ولا دليل عليه، مع أن الشرطية إن ثبتت على الاطلاق وجبت
الإعادة مع تركه على الاطلاق.
وللشهيد قول آخر (6)، لا أعرف وجهه وإن استحسنه في المدارك بعد اختياره

(1) في الشرح الصغير " يجزئ " بدل " يجب ".
(2) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب آداب الحمام ج 1 ص 366.
(3) لم نعثر على قائل " الأكثر ".
(4) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب لباس المصلي ح 1 ج 3 ص 293 باختلاف.
(5) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في باب لباس المصلي ح 1 ص 83 س 31.
(6) البيان: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 60، وذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي
ص 141 س 4 - 5.
229

المختار وهو الفرق بين نسيان الستر ابتداء فيشترط، وعروض التكشف في
الأثناء فلا (1). ويجب الستر بعد العلم بعدمه في الأثناء قولا واحدا.
ويجزئ (للرجل ستر قبله ودبره) على الأشهر الأقوى، بل عليه عامة
متأخري أصحابنا، بل ومتقدميهم أيضا كما يفهم من الأصحاب، حيث لم
ينقلوا الخلاف، إلا عمن يأتي، مؤذنين بندورهما وشذوذهما، كما صرح به
الشهيدان في الروض والذكرى (3).
وفي الخلاف والغنية: أن عليه إجماع الفرقة (3). وفي السرائر: أن عليه إجماع
فقهاء أهل البيت - عليهم السلام - (4) وهو الحجة، مضافا إلى الأصل، وظواهر
النصوص المستفيضة:
منها: العورة عورتان: القبل والدبر، والدبر مستور بالأليتين، فإذا سترت
القضيب والبيضتين فقد سترت العورة (5).
ومنها: عن الرجل بفخذه أو أليتيه الجرح، هل يصلح للمرأة أن تنظر إليه أو
تداويه؟ قال: إذا لم يكن عورة فلا بأس (6).
ومنها: الفخذ ليس من العورة (7). وفي آخر: أن الركبة ليست من

(1) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 3 ص 191.
(2) روض الجنان: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 215 س 13، وذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في
لباس المصلي ص 140 س 1.
(3) الخلاف: كتاب الصلاة م 149 في المراد من عورة الرجل ج 1 ص 398، وغنية النزوع (الجوامع
الفقهية): كتاب الصلاة في ستر العورة ص 493 س 23.
(4) السرائر: كتاب الصلاة باب القول في لباس المصلي ج 1 ص 260.
(5) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب آداب الحمام ح 2 ج 1 ص 365.
(6) وسائل الشيعة: ب 130 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ح 4 ج 14 ص 173. وفيه اختلاف.
(7) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب آداب الحمام ح 1 و 4 ج 1 ص 364 و 365.
230

العورة (1). وقصور الاسناد والدلالة في بعضها مجبور بالشهرة، وعدم قائل بالفرق
بين الطائفة.
(وستر ما بين السرة والركبة أفضل) كما هو المشهور بل في الخلاف
الاجماع عليه (2) وأوجبه القاضي (3).
ولعله للخبر المروي في قرب الإسناد للحميري: إذا زوج الرجل أمته فلا
ينظر إلى عورتها، والعورة ما بين السرة والركبة (4). وفيه مع، عدم وضوح السند،
وعدم المقاومة لما مر ظهوره في عورة الأمة، لا الرجل، أو العورة المطلقة على بعد،
فهو على التقديرين مخالف للاجماع فتوى ونصا على أن المرأة مطلقا جميع
جسدها عورة، إلا الوجه وما شابهه مما ستأتي إليه الإشارة.
وتقييده بالرجل بعيد عن سياقه. ولو سلم فلا يبعد حمله على التقية، فإن
القول بذلك نسبه في المنتهى إلى مالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين،
وأصحاب الرأي وأكثر الفقهاء (5). ويعضده أن الراوي حسين بن علوان وهو
عامي.
وفي الخبر: أن أبا جعفر - عليه السلام - اتزر بإزار وغطى ركبتيه وسرته، ثم
أمر صاحب الحمام فطلى ما كان خارجا من الإزار، ثم قال: اخرج عني، ثم
طلى هو ما تحته بيده، ثم قال: هكذا فافعل (6). وفيه دلالة على استحباب ستر

(1) لم نعثر عليه في كتب الحديث، والظاهر أن المصنف نقلها من كشف اللثام: كتاب الصلاة في لباس
المصلي ج 1 ص 188 س 21، فراجع.
(2) الخلاف: كتاب الصلاة م 149 في المراد من العورة ج 1 ص 398.
(3) التهذيب: باب الصلاة باب ستر العورة ح 1 ص 83.
(4) قرب الإسناد: ص 50.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في ستر العورة ح 1 ص 236 س 11.
(6) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب آداب الحمام ح 1 ج 1 ص 388، باختلاف يسير.
231

الركبة أيضا كما عن ابن حمزة (1)، وإنما حمل على الفضيلة لما مر من الأدلة.
مضافا إلى أنه روي في مثل هذه الحكاية التي تضمنها: أنه - عليه السلام -
كان يطلي عانته وما يليها، ثم يلف إزاره على طرف إحليله، ويدعو قيم الحمام
فيطلي سائر بدنه. الخبر 2). وربما يحكى عن الحلبي أنه جعل العورة من السرة
إلى نصف الساق (3). وفيه نظر.
فإن المحكي عنه في المختلف موافقته للقاضي إلا أنه قال: ولا يمكن ذلك
إلا بساتر من السرة إلى نصف الساق وليصح سترها في حال الركوع
والسجود (4).
وهو كما ترى ظاهر في موافقته القاضي. وإيجابه الستر إلى نصف الساق
لا ينافيه، لظهور عبارته في أنه من باب المقدمة، لا من حيث كون الركبة فما
دونها من العورة. ولعله لذا ادعى الفاضلان الاجماع على: أن الركبة ليست من
العورة في المعتبر والمنتهى والتحرير والتذكرة (5) فلا وجه لتلك الحكاية.
والمراد بالقبل: هو القضيب والبيضتان، دون العانة. وبالدبر: نفس
المخرج، دون الأليين بفتح الهمزة والياء بغير تاء، كما قيل تثنية الألية بالفتح
أيضا كما صرح به جماعة، من غير خلاف بينهم أجده، إلا من الفاضل في
التحرير، فظاهره التردد في جعل البيضتين من القبل (6). وهو شاذ، يرده أول

(1) الوسيلة: كتاب الصلاة بيان ستر العورة ص 89.
(2) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب آداب الحمام ح 1 ج 1 ص 378 باختلاف يسير
(3) والحاكي هو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 3 ص 191
(4) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 83 س 6 - 7.
(5) المعتبر: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 100، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس
المصلي ج 1 ص 236 س 20، وتحرير الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 31 س 21،
وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 92 س 33.
(6) تحرير الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 31 س 20.
232

المستفيضة مع شهادة العرف بأنهما من العورة.
(وستر جسده كله مع الرداء) أو ما يقوم مقامه مما يجعل على الكتفين
(أكمل)، كما مر في النصوص في بحث كراهة الإمامة من غير رداء.
(ولا تصلي الحرة إلا في درع وخمار ساترة) بهما (جميع جسدها، عدا
الوجه والكفين) بلا خلاف في كل من حكمي المستثنى منه والمستثنى إلا
من الإسكافي في الأول، فلم يوجب عليها إلا ستر سوئتيها: القبل والدبر
كالرجل (1). وهو شاذ مخالف لاجماع العلماء. على كون جميع جسدها عورة،
من غير استثناء كما في المنتهى (2)،
أو مع استثناء الوجه خاصة كما عن المعتبر
والتذكرة (3)، أو مع الكفين والقدمين كما في الذكرى.
قال: اقتصارا على المتفق عليه فيها بين جميع العلماء (4). وحيث ثبت كونها
بجميعهما، أو ما عدا المستثنى - عورة وجب عليها سترها، لاجماع العلماء على
وجوب ستر العورة مطلقا كما مضى، مع النصوص الدالة على ذلك أيضا.
هذا مضافا إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة. فني الصحيح عن
أدنى ما تصلي فيه المرأة قال: درع وملحفة تنشرها على رأسها وتجلل بها (5).
وفيه المرأة تصلي في الدرع والمقنعة إذا كان كثيفا (6). يعني ستيرا، بل
يستفاد من جملة منها الأمر بملحفة تضمنها عليها زيادة على الدرع والخمار كما في

(1) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 83 س 21.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 236 س 26.
(3) المعتبر: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 101، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في لباس
المصلي ج 1 ص 92 س 36.
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 139 س 31.
(5) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب لباس المصلي ح 9 ج 3 ص 295.
(6) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب لباس المصلي ح 1 ج 3 ص 281.
233

الصحيح (1).
ونحوه الموثق: تصلي المرأة في ثلاثة أثواب: إزار ودرع وخمار ولا يضرها بأن
تقنع بالخمار، فإن لم تجد فثوبين تتزر بأحدهما وتقنع بالآخر. الخبر (2) وحمله
الشيخ على الفضل، أو على كون الدرع والخمار لا يواريان شيئا (3). ولا بأس به،
جمعا بينهما وبين الصحيحين الظاهرين في كفاية الخمار والدرع إذا كان ستيرا.
ونحوهما غيرهما كالخبر: عن المرأة تصلي في درع وملحفة ليس عليها إزار ولا
مقنعة، قال: لا بأس إذا التفت بها، وإن لم تكن تكفيها عرضا جعلتها طولا (4).
ومن صريح الاقتصاد وظاهر الجمل والعقود والغنية فيما حكي في استثناء
الكفين فأوجبوا سترهما (5).
ولعله للمعتبرين السابقين الدالين على لزوم ملحفة تضمها عليها، زيادة
على الثوبين، وضمها عليها يستلزم سترهما، وقد عرفت ما فيهما. مضافا إلى
الاجماع المحكي في المختلف (6) والروض (7) والمنتهى (8) وشرح القواعد للمحقق

(1) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب لباس المصلي ح 11 ج 3 ص 295.
(2) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب لباس المصلي ح 8 ج 3 ص 295.
(3) تهذيب الأحكام: كتاب الصلاة ب 11 في ما يجوز الصلاة من اللباس و... ج 2 ص 219 ذيل
الحديث 68، والاستبصار: كتاب الصلاة ب 228 في أن المرأة الحرة لا تصلي بغير خمار ج 1 ص 390
ذيل الحديث 7.
(4) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب لباس المصلي ح 5 ج 3 ص 294.
(5) الاقتصاد: كتاب الصلاة في ستر العورة ص 258، وجمل العقود: كتاب الصلاة في ستر العورة
ص 23، " الطبعة القديمة "، وغنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 493
س 19.
(6) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 83 س 24.
(7) روض الجنان: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 217 س 18.
(8) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 236 س 29 و 31.
234

الثاني (1) والذكرى (2) على عدم وجوب سترهما، بل ظاهر الأخيرين كونه
مجمعا عليه بين العلماء، إلا نادرا من العامة العمياء.
فإيجاب سترهما ضعيف، سيما مع مخالفته الأصل، وعدم معلومية كونهما
عورة ليجب سترهما، لعدم دليل عليه، إلا الاجماع المحكي في المنتهى وغيره على
كونها جملة عورة. وهو عام مخصص بما مر من الاجماع المحكي فيه أيضا على عدم
وجوب سترهما، مع ما عرفت من الذكرى من جعل العورة فيها ما عدا
المستثنيات خاصة، مؤذنا بعدم كونها عورة كما صرح به الفاضل في المختلف
وغيره، بل هو المشهور فتوى ورواية.
لكن في الوجه والكفين خاصة، حيث جوزوا النظر إليهما للأجنبي في
الجملة، أو مطلقا، كما سيأتي بيانه في كتاب النكاح مفصلا إن شاء الله تعالى.
ولذا لا يتأتى لنا القطع بكون المرأة بجملتها عورة من جهة الاجماع لمكان
الخلاف.
نعم، في جملة من النصوص العامية والخاصية ما يدل عليها، لكنها بحسب
السند قاصرة. ودعوى جبرها بفتوى العلماء غير ممكنة على سبيل الكلية، بل
هي جابرة في الجملة. وأضعف منه ما يستفاد من إطلاق الكتب الثلاثة بعد
الاقتصاد (3)، من لزوم ستر الوجه أيضا المخالفة - زيادة على ما مر لاجماع
العلماء كما عن المعتبر والذكرى والمختلف والتذكرة وغيرها، من دون أن يستثنوا
أحدا.
ولعله لبعد (4) دخول الوجه في إطلاق تلك الكتب، بل في السرائر حكى

(1) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 96.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 139 س 35.
(3) لا يخفى أن المذكور قبلا بعد كتاب الاقتصاد كتابين لا ثلاث، فراجع.
(4) في نسخة (م) و (ش) " لتعدد " بدل " لبعد ".
235

استثناء الثلاثة من الجمل والعقود والخلاف (1)، وعبارة الأخير غير صريحة إلا في
استثناء. الوجه خاصة، مدعيا الاجماع عليه.
نعم روى نحو الصحيحين السابقين، الدالين على كفاية الدرع والخمار،
وأفتى به صريحا (2)، وهما لا يستران الكفين ولا القدمين، كما صرح به
الأصحاب، مستدلين كما لذلك على استثناء القدمين أيضا. هذا وما مر من
الأدلة في كراهة النقاب للمرأة أقوى حجة على استثناء الوجه، بل يستفاد منها
كونه على الفضيلة.
(وفي) استثناء (القدمين تردد) واختلاف، فبين غير مستثن
كالاقتصاد والكتب التي بعده صريحا في الأول وظاهرا فيها (3)، وربما نسب إلى
الحلبي أيضا (4). وفيه نظر، بل ظاهر كلامه بالدلالة على الاستثناء أظهر.
ومستند هذا القول ما مر من المعتبرين، مضافا إلى الاحتياط في العبادة، وكون،
جسدها عورة
وخصوص الصحيح: عن المرأة ليس لها إلا ملحفة واحدة كيف تصلي؟
قال: تلتف فيها وتغطي رأسها وتصلي، فإن خرجت رجلها وليست تقدر على
غير ذلك فلا بأس (5).
وبين من استثنى وجعل (أشبه الجواز) أي جواز الصلاة من غير سترهما،

(1) السرائر: كتاب الصلاة باب القول في لباس المصلي ج 1 ص 260.
(2) الخلاف: كتاب الصلاة م 144 في ستر العورة ج 1 ص 393. وفيه " إلا الوجه والكفين " فليلاحظ.
(3) الاقتصاد: كتاب الصلاة في ستر العورة ص 258، وجمل العقود: كتاب الصلاة في ستر العورة
ص 23، الطبعة القديمة، وغنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 493
س 19.
(4) والناسب إليه هو صاحب مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 83 س 20.
(5) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب لباس المصلي ح 2 ج 3 ص 294.
236

وهم عامة متأخري أصحابنا، وفاقا للمبسوط والحلي (1) وادعى جماعة عليه
الشهرة والأكثرية المطلقة إلى الاستفاضة، للنصوص المكتفية بالدرع
والقميص بالتقريب الذي عرفته، مع ضعف ما قابلها من الأدلة المتقدمة بما
عرفته، عدا الاحتياط والرواية الأخيرة.
ويمكن الجواب عنهما بعدم إفادة الأول، سوى الاستحباب كما هو ظاهر
الأصحاب، سيما مع ظهوره - ما مر - من النصوص في عدم لزوم سترهما.
وبالجملة: فيعارض بالأصل والنصوص المزبورة المعتضدة بالشهرة
العظيمة، التي هي من المتأخرين إجماع في الحقيقة.
والرواية وإن كانت صحيحة لكنها غير صريحة في المخالفة، بل ولا ظاهرة، لأن
المفهوم منها البأس، وهو أعم من المنع والكراهة، ولا شبهة فيها مع احتمال
الرجل فيها ما فوق القدم أو مجموعهما. وعلى تقدير الظهور في المنع والقدم
خاصة يمكن حملها على الاستحباب، جمعا بين وبين النصوص المكتفية بالدرع
والقميص، الظاهرة في عدم لزوم سترهما بالتقريب المتقدم.
وما يقال عليه من: أن ذلك يتم لو علم أن ثياب النساء في وقت خروج
هذه الأخبار كانت على ما يدعونه من عدم سترها الكفين والقدمين: ولم
لا يجوز أن دروعهن كانت مفضية إلى ستر أيديهن وأقدامهن، كما هو شاهد
الآن في نساء أعراب الحجاز، بل أكثر بلدان العرب (2)؟.
فيمكن دفعه: بأن ما ذكر من الاحتمال وإن كان ممكنا إلا أن ورود
الروايات عليه بعيد جدا. ولذا لم يحتمله أحد من الأصحاب فيها، بل استدلوا
بها من دون تزلزل أصلا، مع أنهم أكثر إطلاعا وعلما بثياب نساء العرب في

(1) المبسوط: كتاب الصلاة في ستر العورة ج 1 ص 87، والسرائر: كتاب الصلاة
باب القول في لباس المصلي ج 1 ص 260
(2) وهو صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في ستر العورة ج 7 ص 9.
237

زمانهم وزمان صدور الروايات جدا.
والذي نشاهد من نساء الأعراب في زماننا هذا عدم ستر دروعهن
لأقدامهن أصلا ولو كانت واسعة ذيلا، بل لو زاد السعة إلى جر الأذيال على
الأرض لم تستر الأقدام بجميعها، بل يبدو منها شئ ولو رؤوسها، سيما حالة
المشي. ومنه يظهر الجواب ولو سلم ورود تلك الروايات على ذلك الاحتمال،
لأنها تدل حينئذ أيضا على عدم لزوم ستر جزء من القدمين، ولا قائل بالفرق
في البين. فتأمل جدا.
هذا مع أن ورود الروايات على ذلك الاحتمال يستلزم الدلالة على لزوم
ستر جميع الكفين والقدمين، وهو كمال الستر الواجب إجماعا، مع أن في بعض
الصحاح المتقدمة كون القميص والدرع أدنى ما تستر به المرأة عورتها. ولا يخفى
التنافي بينهما.
ولو سلم عدم المنافاة قلنا: يكفي في رد هذا الاحتمال - زيادة على ما مر -
دلالة النصوص الآتية في بحث النكاح، تفسيرا لما ظهر منها في الآية الشريفة
" ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها " (1) بأنه: الوجه والكفان. وزيد في بعضها
القدمان أيضا، وظاهر الكليني: القول به (2)،
وإن لم أقف على ما عداه قائلا به على خلافه، وهو كون الوجه والكفين
والقدمين من مواضع الزينة الظاهرة، ولم يتم ذلك إلا على تقدير كون
دروعهن يومئذ غير ساترة للمواضع المزبورة.
وبالجملة: فما عليه المتأخرون كافة في غاية القوة، سيما مع إمكان إثباته
بوجه آخر، وهو عدم القائل بالفرق بين الكفين والقدمين، منعا وجوازا كما

(1) النور: 31.
(2) الكافي: كتاب النكاح ب 160 ما يحل النظر إليه من المرأة أحاديث الباب ج 5 ص 521.
238

يستفاد من تتبع الفتاوى، عدا الماتن حيث فرق بينهما، فحكم بالاستثناء في
الأولين قطعا، وفي الأخيرين مترددا. ولكن أثر هذا التردد هين بعد التصريح
بعده بالجواز ككما عليه الأصحاب.
وحيث ثبت عدم القول بالفرق توجه إلحاق القدمين بالكفين في
الاستثناء، لثبوته فيهما بما قدمناه من الاجماعات المحكية حد الاستفاضة، فثبت
الاستثناء في القدمين أيضا لما عرفت من عدم القائل بالفرق أصلا.
ثم إن ظاهر العبارة ككثير وصريح جماعة عدم الفرق في القدمين بين ظاهرهما
وباطنهما، ولعله الأقوى، للأصل، وعدم دليل على وجوب ستر باطنهما، عدا
دعوى كون القدمين عورة، خرج الظاهر بظواهر النصوص المكتفية بالدرع
والخمار، وكونه مجمعا عليه بين القائلين بالجواز، ويبقى الباطن داخلا، لكونه
مستورا بالأرض حالة القيام، وبالدرع حالة الجلوس والسجود.
وإنما ينكشف عن الدرع الظاهر في الحالة الأولى فلا يمكن إدخاله في
ظاهر النصوص المزبورة جدا، كما لا يمكن دعوى الوفاق من القائلين بالجواز
عليه أيضا، لمكان الخلاف، ومصير جم غفير إلى وجوب ستر الباطن لذلك،
وقد عرفت ما فيها، مع إمكان المناقشة في دعوى عدم دخوله في النصوص المخرجة
للظاهر بناء على انكشاف الباطن عن الدرع، الذي ينكشف عنه الظاهر حالة
المشي جدا.
ولعله لذا جعل القدمان بقول مطلق من مواضع الزينة الظاهرة في بعض
الروايات، ولكن الأحوط ستره، بل ستر الظاهر بل الكفين أيضا، مع تفاوت
مراتبه شدة وضعفا.
وأما ستر الشعر والعنق فظني كونه مجمعا عليه وإن تأمل فيه نادر (1)،

(1) الظاهر أنه هو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 3 ص 189 و 190.
239

لشذوذه، ومخالفته لاطلاق النصوص والفتاوى بكون بدن المرأة جملتها عورة. وقد
مرت دعوى جماعة الاجماع عليه من العلماء كافة، من غير استثناء لهما بالمرة وإن
استثنوا غيرهما، كما عرفته.
والمراد من البدن ما يعم الشعر، لتصريحهم بلزوم نحو الخمار الساتر للشعر
جدا. ولو كان مرادهم بالجسد ما يقابل الشعر لما كان لأمرهم بلزوم الخمار
وجه لستر الشعر جدا، الرأس جدا، فكأن فيه غنى عن الخمار الساتر قطعا، ومع
ذلك النصوص به مستفيضة كادت تبلغ التواتر، بل لعلها متواترة بلزوم سترهما
عن. الأجنبي، بل في الصلاة أيضا كما مر في أخبار الخمار. فإن خمور نساء
الأعراب اللواتي هن موردها تسترهما قطعا.
وليس الأمر بسترهما عن الأجنبي إلا لكونهما من العورة المأمور بسترها في
الصلاة بإجماع العلماء كافة، كما عرفت نقله من جماعة حد الاستفاضة.
مضافا إلى التأييد ببعض المعتبرة: صلت فاطمة - عليها السلام - في درع
وخمار وليس عليها أكثر مما وارت به شعرها وأذنيها (1). بل ربما استدل به على
ذلك.
وأما الاستدلال به على عدم لزوم ستر العنق (2) فضعيف في الغاية، لقصور
السند، وعدم المقاومة، لما مر من الأدلة، مع احتمال ضعف في الدلالة بوروده
مورد الضرورة، بل قيل: بأنها ظاهرة (3). ولا يخلو عن مناقشة.
بل يمكن أن يقال: إن المراد بقوله: (ليس عليها أكثر إلى آخره): بيان
عدم وجوب نحو الإزار زيادة عن الخمار والدرع، وإلا لالتفت بها - صلوات الله

(1) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب لباس المصلي ح 1 ج 3 ص 293.
(2) وهو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 3 ص 190.
(3) والقائل هو صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في ستر العورة ج 7 ص 13.
240

عليها، وليس فيه: أنه ما كان على رأسها من الخمار إلا قدر قليل تستر به الشعر
الذي فوق الأذنين خاصة، بل ظاهر قوله: " وارت شعرها " كون خمارها - عليها
السلام - كالخمر المتعارفة، أو دونها بحيث يستر الشعر المنسدل على الكتفين
والعنق غالبا. وليس فيها: أنها - عليها السلام - جمعت الشعر كله تحت ذلك
الخمار وحينئذ يكون الخمار المزبور ساترا للعنق أيضا، لاستلزام ستر الشعر
المنسدل عليه ستره قطعا. فتأمل جدا.
(والأمة والصبية) غير البالغة، (تجتزئان بستر الجسد) خاصة، ولا
يجب عليهما ستر الرأس إجماعا من العلماء كافة، إلا الحسن البصري كما حكاه
الشيخ في الخلاف (1) والفاضلان (2) والشهيدان (3) والمحقق الثاني (4). والصحاح
به مع ذلك مستفيضة (5)، مضافا إلى غيرها من المعتبرة، لكن أكثرها مختصة
بالأمة.
وأما الصبية فقل استدل على عدم الوجوب في حقها جماعة بأنه: " تكليف
وليست من أهله " (6).
وبالموثق: لا بأس بالمرأة المسلمة الحرة أن تصلي وهي مكشوفة الرأس.

(1) الخلاف: كتاب الصلاة م 145 في ستر العورة ج 1 ص 396.
(2) المعتبر: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 103، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس
المصلي ج 1 ص 237 س 10.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 140 س 5، وروض الجنان: كتاب الصلاة في
لباس المصلي ص 217 س 26.
(4) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 98.
(5) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب لباس المصلي ج 3 ص 297.
(6) منهم جامع المقاصد: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 98، وذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في
لباس المصلي ص 237 س 28، وكاشف اللثام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 189
س 34.
241

بجمله على الصغيرة (1). وفيهما نظر، لضعف الأول بابتنائه على كون المراد
بالوجوب الشرعي، لا الشرطي.
ويحتمل الثاني " وهي من أهله " ويكون حال الستر في حقها كاشتراط
الوضوء وغيره في صلاتها. والثاني بظهوره في البالغة، كما يمكن القول بمضمونه
عن الإسكافي، نظرا إلى تضمنه لفظ " المرأة " التي لا تطلق حقيقة إلا على
البالغة.
وحمله على الصغيرة وإن أمكن جمعا بينه وبين الأدلة المتقدمة على وجوب
ستر الرأس على الحرة البالغة، لرجحانها عليه من وجوه عديدة، وبها يضعف
مذهب الإسكافي، إلا أن الجمع غير منحصر في ذلك، لاحتماله الحمل على
الضرورة، أو التخلي عن الإزار والملحفة، أو على أن المراد: أنه لا بأس بها أن
تكون بين يدي المصلي مكشوفة الرأس، وتكون صيغة (تصلي) خطابا
لا غيبة.
والأجود الاستدلال عليه بالأصل، وعدم دليل على اشتراط الستر في
حقها، لظهور ما دل على اشتراط الستر في ستر ما هو عورة خاصة. وكون رأس
الصبية قبل البلوغ عورة غير معلوم من الشريعة. هذا مضافا إلى الاجماعات
المحكية.
وفي الخبر: على الجارية إذا حاضت الصيام والخمار، إلا أن تكون مملوكة،
فإنه ليس عليها خمار، إلا أن تحب أن تختمر وعليها الصيام (2). ولا فرق في الأمة
بين: المملوكة، والمدبرة، والمكاتبة المشروطة، والمطلقة التي لم تؤد شيئا من

(1) تهذيب الأحكام: كتاب الصلاة في ما يجوز الصلاة فيه من اللباس و... ج 3 ص 218 ذيل
الحديث 66.
(2) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب لباس المصلي ح 3 ج 3 ص 297.
242

المكاتبة، وأم الولد مطلقا ولو كان ولدها حيا وسيدها باقيا، كما يقتضيه
إطلاق العبارة وغيرها وأكثر النصوص. وبه صرح جماعة، ومنهم: الشيخ في
الخلاف، لكن في أم الولد خاصة مدعيا عليه إجماع الإمامية (1). وهو الحجة
بعد الاطلاقات.
مضافا إلى الصحيح: ليس على الأمة قناع في الصلاة، ولا المدبرة، ولا
على المكاتبة إذا اشترط عليها قناع في الصلاة وهي مملوكة، حتى تؤدي جميع
مكاتبتها - إلى أن قال -: وسألته عن الأمة إذا ولدت عليها الخمار؟ قال: لو
كان عليها لكان عليها إذا حاضت، وليس عليها التقنع في الصلاة (2).
وأما الصحيح: الأمة تغطي رأسها؟ فقال: لا، ولا على أم الولد أن تغطي
رأسها إذا لم يكن لها ولد (3). فمع قصوره عن المقاومة لما سبق من وجوه دلالته
بعموم المفهوم، القابل للتخصيص بما بعد وفاة المولى، مع كون ولدها حيا،
ويحتمل مع ذلك الحمل على التقية فقد حكاه في الخلاف عن مالك
وأحمد (4)، ويلحق العنق بالرأس هنا في عدم وجوب الستر كما صرح به
جماعة (5)، لأنه الظاهر من نفي وجوب الخمار عليهن.
قيل: ولعسر ستره من دون الرأس (6).
أقول: ويدل عليه صريح الخبر المروي في قرب الإسناد: عن الأمة، هل

(1) الخلاف: كتاب الصلاة م 148 في ستر العورة ج 1 ص 397.
(2) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب لباس المصلي ح 7 ج 3 ص 298 وفيه اختلاف.
(3) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب لباس المصلي ح 4 ج 3 ص 297.
(4) الخلاف: كتاب الصلاة م 148 في ستر العورة ج 1 ص 398.
(5) منهم جامع المقاصد: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 98، ومدارك الأحكام: كتاب الصلاة
في لباس المصلي ج 3 ص 199، وذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 237 س 38.
(6) والقائل هو صاحب. مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في لباس الصلي ج 3 ص 199، وذخيرة المعاد:
كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 237 س 38.
243

يصلح لها أن تصلي في قميص واحد؟ قال: لا بأس (1).
(وستر الرأس مع ذلك أفضل) كما عليه الفاضلان هنا، وفي المعتبر
والتحرير والمنتهى (2). وحكي عن صريح ابني زهرة (3) وحمزة (4)، والجامع (5)
وشرح الكتاب (6) والتذكرة (7) وظاهر المهذب (8) والمراسم (9).
قيل: لأنه أنسب بالخدر والحياء، وهو مطلوب من الإماء كالحرائر (10). ولا
بأس به على المقول بالمسامحة في السنن وأدلتها.
ويشكل على غيره، لقصور التعليل عن إفادة الحكم الشرعي على هذا
التقدير، مع عدم نص فيه بخصوصه كما اعترف به الفاضلان في المعتبر والمنتهى
والتحرير (11) وغيرها. ولذا اختار جماعة العدم (12)، بل وفي الدروس روى
استحبابه (13) وأشار بها إلى ما رواه في الذكرى (14)

(1) قرب الإسناد: ص 101.
(2) المعتبر: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 103، وتحرير الأحكام: كتاب الصلاة في لباس
المصلي ج 1 ص 31 س 22، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 237 س 18
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 493 س 19،
(4) الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان ستر العورة ص 89.
(5) الجامع للشرائع: كتاب الصلاة باب ستر العورة وما يجوز الصلاة فيه... ص 65.
(6) أي المعتبر: وقد تقدم.
(7) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 93 س 1.
(8) المهذب: كتاب الصلاة باب ستر العورة ج 1 ص 84.
(9) المراسم: كتاب الصلاة في أحكام ما يصلى فيه ص 64.
(10) والقائل هو كاشف اللثام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 189 س 40.
(11) المعتبر: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 103، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس
المصلي ج 1 ص 237 س 18، وتحرير الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 31 س 22.
(12) منهم مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 3 ص 199، وذخيرة المعاد: كتاب الصلاة
في لباس المصلي ص 237 س 34.
(13) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 25 س 14.
(14) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 140 س 6.
244

وروي عن المحاسن والعلل للصدوق - رحمه الله - أيضا عن أبي عبد الله - عليه
السلام -: في المملوكة تقنع رأسها إذا صلت؟ قال: لا، قد كان أبي - عليه
السلام - إذا رأى الخادمة تصلي مقنعة ضربها، لتعرف الحرة من المملوكة (1).
أقول: وظاهره التحريم، كما هو ظاهر الصدوق (2)، ولكنه ضعيف، لضعف
السند بالجهالة، مع احتمال الحمل على التقية كما يشعر به نسبته (ضربهن)
إلى أبيه - عليه السلام -.
ويعضده نقل ذلك عن عمر: أنه ضرب أمة لآل أنس رآها مقنعة، وقال:
اكشفي، ولا تشبهي بالحرائر (3). ومنه يظهر ضعف القول باستحباب الكشف
أيضا، لظهور الخبر في الوجوب، مع عدم قابليته للحمل على الندب بطريق
الجمع، لمكان الضرب الذي لا يفعل بتارك المستحب، فلم يبق محمل له غير
التقية.
كما يستفاد مما مر. مضافا إلى المروي في الذكرى: عن الأمة تقنع
رأسها؟ فقال: إن شاءت فعلت، وإن شاءت لم تفعل، سمعت أبي يقول: كن
يضربن، فيقال لهن: لا تشبهن بالحرائر (4). وظاهره التسوية كباقي النصوص
النافية لوجوب التقنع عنهن.
ويمكن حملها على التسوية في الأجزاء، فلا تنافي فضيلة الستر، كما هو
المشهور بين الطائفة.

(1) محاسن البرقي: كتاب العلل ح 45 ج 2 ص 318، وعلل الشرائع: ب 54 في العلة التي من أجلها
لا يجوز للأمة أن تقنع رأسها في الصلاة ح 2 ج 2 ص 345.
(2) علل الشرائع: ب 54 في العلة التي من أجلها لا يجوز للأمة أن تقنع رأسها في الصلاة ج 2 ص 345،
حيث استفاد من نفس العنوان.
(3) المغني (لابن قدامة): كتاب الصلاة في عورة الأمة ج 1 ص 639.
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 140 س 9.
245

(الثالثة: يجوز الاستتار في الصلاة لكل ما يستر العورة: كالحشيش
وورق الشجر والطين) بلا خلاف فيه بيننا في الجملة وإن اختلف في جواز
الستر بالحشيش وما بعده مطلقا، كما في ظاهر العبارة وغيرها، أو بشرط فقد
الثوب، وإلا فيتعين.
ولا دليل على شئ منهما يعتد به. ولا ريب أن الثاني أحوط. وأحوط منه
عدم الستر بالطين، إلا مع فقد سابقيه، بل قيل: بتعينه (1).
(ولو لم يجد) المصلي (ساترا) مطلقا لم تسقط عنه الصلاة، إجماعا كما
في المنتهى والذكرى (2) وغيرهما، بل (صلى عاريا (3) قائما مومئا) للركوع
والسجود، جاعلا الايماء فيه أخفض منه في الأول.
وقوله: (إذا أمن المطلع) - يعني الناظر المحترم - شرط لقوله: " قائما "
بدلالة قوله: (ومع وجوده) أي المطلع (يصلي جالسا مومئا للركوع
والسجود) على الأظهر الأشهر.
بل عليه عامة من تأخر، إلا من ندر، للمرسل كالصحيح: في الرجل
يخرج عريانا فتدركه الصلاة، قال: يصلي عريانا قائما إن لم يره أحد، فإن رآه
أحد صلى جالسا (4). ونحوه غيره (5).

(1) القائل هو صاحب الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 26 س 5، وغاية المرام:
كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 30 س 18، مخطوط، وجامع المقاصد: كتاب الصلاة في لباس
المصلي ج 2 ص 100، وغيرهم.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 238 س 6، وذكرى الشيعة: كتاب الصلاة
في لباس المصلي ص 141 س 11.
(3) في المتن المطبوع " عريانا ".
(4) وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب لباس المصلي ح 3 ج 3 ص 326.
(5) وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب لباس المصلي ح 5 ج 3 ص 327.
246

وبه يجمع بين النصوص الآمرة بالقيام مطلقا كالصحيح: وإن لم يصب
شيئا يستر به عورته أو ما وهو قائم (1).
والصحيح: وإن كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلد السيف ويصلي
قائما (3).
والآمرة بالجلوس كذلك، كالصحيح: يصلي إيماء، وإن كانت امرأة
جعلت يدها على فرجها، وإن كان رجلا وضع يده على، سوأته، ثم يجلسان
فيومئان إيماء، ولا يركعان ولا يسجدان، فيبدو ما خلفهما، تكون صلاتهما إيماء
برؤوسهما.
والصحيح: عن قوم صلوا جماعة وهم عراة، قال: يتقدمهم الإمام بركبتيه،
ويصلي بهم جلوسا وهو جالس (4). ونحوه الموثق (5) بحمل الأولة على صورة
الأمن من المطلع، والأخيرة على غيرها، مع ظهور الأخيرين منهما فيه جدا.
خلافا للمرتضى، فأطلق الأمر بالجلوس في المصباح والجمل (6) كالصدوق
في الفقيه والمقنع (7)، والشيخين في المقنعة والتهذيب (8) فيما حكي عنهم، أخذا

(1) وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب لباس المصلي ح 1 ج 3 ص 326.
(2) وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب لباس المصلي ح 4 ج 3 ص 326.
(3) وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب لباس المصلي ح 6 ج 3 ص 327 باختلاف يسير.
(4) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب لباس المصلي ح 1 ج 3 ص 328.
(5) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب لباس المصلي ح 2 ج 3 ص 328.
(6) كما في المعتبر: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 104، وجمل العلم والعمل (رسائل المرتضى):
كتاب الصلاة في أحكام صلاة الضرورة ج 3 ص 48.
(7) من لا يحضره الفقيه: باب صلاة الخوف والمطاردة و... ج 1 ص 468 ذيل الحديث 1349، والمقنع
(الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة باب صلاة العريان ص 10 س 15.
(8) المقنعة: كتاب الصلاة ب 28 في صلاة العراة ص 216، وتهذيب الأحكام: كتاب الصلاة ب 15 في
صلاة العراة ج 3 ص 178، حيث ذكر روايات الجلوس فقط، ولم يخالف، وأيضا ذكر روايات
الجلوس فقط في ب 17 في ما يجوز الصلاة فيه من اللباس و... ج 2 ص 364 و 365.
247

بالأخبار الأخيرة. وفيه ما عرفته.
مضافا، إلى مخالفته الأصول الدالة على وجوب القيام، السليمة عن
المعارض في صورة الأمن من المطلع. وللحلي فعكس، فأخذ بالأخبار الأولة (1)
والأصول المزبورة وفي الأخبار ما عرفته. وفي الأصول أنها معارضة في صورة
عدم الأمن من المطلع بما دل من الأصول الأخر على لزوم الستر عن الناظر
المحترم.
وبعد التعارض لا بد من الترجيح، وهو مع الأخيرة للشهرة المرجحة، مضافا
إلى الأخبار الأخيرة والرواية المفصلة، مع أنه شاذ لم ينقل خلافه جماعة، بل
ادعى في الحلاف على خلافه، وهو لزوم الجلوس مع عدم الأمن من الناظر
إجماع الإمامية (2). وللمعتبر وبعض من تأخر فخيرا بين الأمرين (3)، لتعارض
الأخبار من الطرفين، وعدم مرجح لأحد المتعارضين، مع ضعف المفصلة. وفيه
نظر؟ لانجبار الضعف بما مر مضافا إلى عمل الأكثر مع أنها مروية في المحاسن
بطريق صحيح وإن قيل فيه أيضا شائبة الارسال (4).
واعلم: أن النصوص الآمرة بالايماء للركوع والسجود في كل من حالتي
القيام والجلوس - زيادة على ما مر كثيرة، مع التصريح في جملة منها بكونه
بالرأس، وجعله للسجود أخفض منه للركوع (5).

(1) السرائر: كتاب الصلاة باب المقول في لباس المصلي ج 1 ص 260.
(2) الخلاف: كتاب الصلاة م 151 في صلاة العريان ج 1 ص 399 - 450.
(3) المعتبر: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 155، وفيه احتمال ومدارك الأحكام: كتاب
الصلاة في لباس المصلي ج 3 ص 195.
(4) الظاهر أن القائل هو صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في صلاة العاري ج 7 ص 43.
(5) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب القبلة ح 14 و 15 ج 3 ص 241 و 242، و ب 1 من أبواب القيام
ح 15 و 16 ج 4 ص 692.
248

وبه صرح أكثر الأصحاب من غير خلاف يعرف، إلا من ابن زهرة، فنص
على أن الايماء إذا صلى جالسا، فإن صلى قائما ركع وسجد (1). ونحوه عن
الفاضل في النهاية، لكن مرددا في الأخير، مستقرا بالايماء فيه أيضا (2).
قيل: ووجه فرقهما بين الحالتين الأمن حال القيام، فلا وجه لترك الركوع
والسجود، بخلاف حالة الجلوس، لعدم الأمن فيها (3). وفيه بعد تسليمه: أنه
اجتهاد في مقابلة النص المعتبر. والديلمي فلم يذكره أصلا، وكذا الشيخ وابن
حمزة والقاضي فلم يذكروه أيضا، إلا في صلاة العراة جماعة، فأوجبوا الايماء
على الإمام خاصة (4).
قيل: وعليه الاصباح والجامع (5)، للموثق: يتقدمهم إمامهم، فيجلس
يجلسون خلفه، فيومئ بالركوع والسجود، وهم يركعون ويسجدون خلفه على
وجوههم (6). ورجحه الفاضلان في المعتبر والمنتهى، والشهيد في الدروس، لقوة
الموثق (7).
قال في المنتهى: لا يقال: إنه قد ثبت أن العاري مع وجود غيره يصلي
بالايماء.

(1) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في صلاة المضطر ص 499 س 8.
(2) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 368.
(3) والقائل هو كاشف اللثام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 191 س 3 - 4
(4) النهاية: كتاب الصلاة باب صلاة المريض والموتحل و... ص 130، والوسيلة: كتاب الصلاة في بيان
أحكام الجماعة ص 107، والمهذب: كتاب الصلاة باب صلاة العراة ج 1 ص 116.
(5) والقائل هو كاشف اللثام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 191 س 5.
(6) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب لباس المصلي ح 2 ج 3 ص 328.
(7) المعتبر: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 157، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس
المصلي ج 1 ص 245 السطر الأخير. والدروس الشرعية: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 26
س 10 - 11.
249

لأنا نقول: إنما ثبت ذلك فيما إذا خاف من المطلع، وهو مفقود هاهنا، إذ
كل واحد منهم مع سمت صاحبه لا يمكنه أن ينظر إلى عورته حالتي الركوع
والسجود (1).
وفي الذكرى: أن الظاهر اختصاص الحم بأمنهم المطلع، وإلا فالايماء،
لا غير، واطلاع بعضهم على بعض غير ضائر، لأنهم في حيز التستر باعتبار
التضام واستواء الصف.
قال: ولكن يشكل بأن المطلع هنا إن صدق وجب الايماء، وإلا وجب
القيام (2).
ويجاب: بأن التلاصق في الجلوس أسقط اعتبار القيام، فكان المطلع موجودا
حالة القيام، وغير معتد به حالة الجلوس. وأوجب المفيد والمرتضى والحلي (3)
الايماء على الجميع، كما يقتضيه إطلاق العبارة وكثير، بل ادعى الأخير عليه
الاجماع، لعموم أدلته وكثرتها:
ومنها: الصحيحة الأولى من الأخبار الأخيرة، فإنها ظاهرة في المنع عن
الركوع والسجود مطلقا وإن اختص ظاهر موردها بصلاة المنفرد، لعموم
التعليل فيها بقوله: " فيبدو ما خلفه "، وهو ظاهر في أن علة المنع إنما هو بدو
الخلف، ولا يختلف فيه الحال في الجماعة والانفراد. وهي أصح من الموثقة،
معتضدة بإطلاق غيرها أيضا، مع إطلاق كثير من الفتاوى، وصريح جملة منها.
فالعمل بها أقوى.

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 240 السطر الأخير.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 142 س 28، وفي اختلاف.
(3) المقنعة: كتاب الصلاة ب 28 في صلاة العراة ص 216، وجمل العلم والعمل (رسائل المرتضى)
كتاب الصلاة في أحكام صلاة الضرورة و... ج 3 ص 49، والسرائر: كتاب الصلاة باب القول في
لباس المصلي ج 1 ص 260.
250

قال في الذكرى، معترضا على الموثقة: إنه يلزم من العمل بها أحد
الأمرين: إما اختصاص المأمومين بعدم الايماء مع الأمن، أو عمومه لكل عار
أمن، ولا سبيل إلى الثاني، والأول بعيد (1).
قلت: مع احتمال ركوعهم وسجودهم بوجوههم فيها ركوعهم وسجودهم
على الوجه الذي لهم، وهو الايماء، ولذا عن نهاية الإحكام أنها متأولة (2)، وفي
التحرير والمختلف والتذكرة التردد (3). ولا وجه له لما عرفته.
واطلاق النص والفتوى يقتضي جواز الصلاة عاريا ولو أول الوقت مطلقا،
كما عليه الأكثر خلافا لجماعة، فأوجبوا التأخير: إما مطلقا كما عليه جملة
منهم (4) وبشرط. أو بشرط رجاء حصول الساتر
لا يترك مهما أمكن.
ففي الخبر المروي عن قرب الإسناد: من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن
يصلي حتى يخاف ذهاب الوقت يبتغي ثيابا، فإن لم يجد صلى عاريا جالسا
يومي إيماء، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه، فإن كانوا جماعة تباعدوا في
المجالس، ثم صلوا كذلك فرادى (6).

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 142 س 26، وفيه اختلاف.
(2) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 371.
(3) تحرير الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 32 س 14 - 15، ومختلف الشيعة: كتاب
الصلاة في لباس المصلي ج 1 ص 84 س 15 - 18، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في لباس المصلي
ج 1 ص 94 س 17 - 18.
(4) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصلاة في الصلاة الضرورة... ج 3 ص 49،
والمراسم: كتاب الصلاة في باقي القسمة ص 76.
(5) منهم المعتبر: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 2 ص 108، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في لباس
المصلي ج 1 ص 239 س 30، ومدارك الأحكام: كتاب الصلاة في لباس المصلي ج 3 ص 196،
وواثق الناضرة: كتاب الصلاة في ستر العورة ج 7 ص 45، وغيرهم.
(6) قرب الإسناد: ص 66.
251

وضعف السند والدلالة مجبور بموافقة الأصل والقاعدة، الدالين على
اشتراط. الستر في الصلاة بقول مطلق. فيجب تأخيرها لتحصيله ولو من باب
المقدمة.
وكذا لا يقدح تضمنه لما لا يقول به أحد من تعين الصلاة فرادى، مع أن
استحباب الجماعة لهم أيضا متفق عليه ظاهرا، إلا من الصدوق في الفقيه، في
باب صلاة الخوف والمطاردة، فأفتى بمضمون الرواية (1).
وبالاجماع صرح في الذكرى: فإن خروج جزء الحديث عن الحجية
لا يوجب خروجه عنها طرا (2)، وإن هو حينئذ إلا كالعام المخصص حجة في
الباقي، مع عدم صراحته في المنع عن الجماعة، بعد احتمال اختصاصه بما إذا لم
يريدوها، أو إذا لم يكن لهم من يصلح أن يكون إماما.

(1) من لا يحضره الفقيه: باب صلاة الخوف والمطاردة و... ج 1 ص 468 ذيل الحديث 1349.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في لباس المصلي ص 142 س 22.
252

(الخامسة: في) بيان أحكام (مكان المصلي)
إعلم: أنه يجوز أن (يصلى في كل مكان) خال في نجاسة متعدية إلى
المصلى (إذا كان مملوكا)، عينا ومنفعة، أو منفعة خاصة، (أو مأذونا فيه)
صريحا كالكون أو الصلاة فيه، أو فحوى كإدخال الضيف منزله، مع عدم
ما يدل على كراهة المضيف لصلاته من نحو المخالفة في الاعتقاد، وهيئات الصلاة
على وجه تشهد القرائن بكراهته لها على تلك الحال، إذ معه لا فحوى.
قالوا: أو بشاهد الحال، كما إذا كان هناك أمارة تشهد أن المالك لا يكره،
كما في الصحاري والبساتين الخالية من أمارات الضرر ونهي المالك، فإن
الصلاة فيها جائزة وإن لم يعلم مالكها بشهادة الحال.
وفي حكم الصحاري: الأماكن المأذون في غشيانها على وجه مخصوص إذا
اتصف بها المصلي، كالحمامات والخانات والأرحية وغيرها. وهو حسن إن
أفادت الأمارة القطع بالإذن، وإلا فيشكل، لعدم دليل على جواز الاعتماد
على الظنون في نحو المقامات.
وأضعف منه ما يقال: من أن الأقرب جواز الصلاة في كل موضع لم يتضرر
المالك بالكون فيه، وجرت العادة بعدم المضايقة في أمثاله و
العلم بالرضا.
نعم، لو ظهرت من المالك أمارة عدم الرضا لم تجز
253

فإن مناط جواز التصرف في ملك الغير إذنه، لا عدم تضرره بالتصرف فيه، ولذا
مع ظهور كراهته لم يجز قطعا كما اعترف به.
وبالجملة: فالمتجه اعتبار القطع بالرضا عادة، ولا يجوز الاعتماد على الظن،
إلا مع قيام دليل عليه، والظاهر قيامه في الصلاة في نحو الصحاري والبساتين،
مع عدم العلم بكراهة المالك. فقد نفى عنه الخلاف على الاطلاق جماعة،
ومنهم شيخنا الشهيد في الذكرى (1)، وصاحب الذخيرة (2). لكن ظاهر الأول
كون الإذن فيها بالفحوى، فيكون مقطوعا وعليه، فلا يظهر شمول، دعواه نفي
الخلاف لما أفاد شاهد الحال في هذه المواضع ظنا.
وكيف كان، فالاحتياط يقتضي التورع عن الصلاة، مع عدم القطع بالإذن
عادة مطلقا.
(ولا تصح، الصلاة (في المكان المغصوب) ولو منفعة (مع العلم)
بالغصبية حال الصلاة، اختيارا بإجماعنا الظاهر المنقول في جملة من العبائر:
كالناصريات (3) ونهاية الإحكام والمنتهى (4) والذكرى (5) وشرح القواعد
للمحقق الثاني (6) والمدارك - (7) وفي الذخيرة نفى الخلاف عنه بين
الأصحاب (8). وهو الحجة، مضافا إلى ما مر في بحث اللباس من القاعدة.

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في المكان ص 149 س 36.
(2) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في المكان ص 238 س 14 - 15.
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة ج 81 ص 231.
(4) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في المكان ج 1 ص 340، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في المكان
ج 1 ص 241 س 17.
(5) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في المكان ص 149 س 37.
(6) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في المكان ج 2 ص 116.
(7) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في المكان ج 3 ص 217.
(8) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في المكان ص 238 س 20.
254

وفي وصية مولانا أمير المؤمنين - عليه السلام - لكميل: يا كميل، انظر فيما
تصلي، وعلى ما تصلي إن لم يكن من وجهه وحلله فلا قبول. رويت في
الوسائل (1) وغيره (2). وظاهر ما حكاه في الكافي في باب الفرق بين من طلق
على غير السنة، وبين المطلق إذا خرجت وهي في عدتها وأخرجها زوجها عن
الفضل الصحة (3). ولكنه شاذ.
قيل: ويحتمل كلامه الالزام (4)، ولا فرق بين الفريضة والنافلة كما صرح
به جماعة، ويقتضيه إطلاق الفتوى والرواية، وكثير من الجماعات المحكية، بل
والقاعدة خلافا للمحكي عن الماتن، فقال بصحة النافلة، لأن الكون ليس
جزء منها، ولا شرطا فيها، يعني أنها تصح ماشيا مومئا للركوع والسجود، فيجوز
فعلها في ضمن الخروج المأمور به (5).
وفيه بعد تسليمه أنه مختص بما إذا صليت كذلك، لا أن قام وركع وسجد،
فإن هذه الأفعال وإن لم تتعين عليه فيها لكنها أحد أفراد الواجب فيها. وعن
المرتضى وأبي الفتح الكراجكي وجه بالصحة في الصحاري المغصوبة،
استصحابا لما كانت الحال تشهد به من الإذن (6). وليس فيه مخالفة لما ذكرنا
من البطلان، مع العلم بالغصبية، وعدم الإذن للمصلي حال الصلاة، بل

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب مكان المصلي ح 2 ج 3 ص 423.
(2) تحف العقول: في كلامه عليه السلام لكميل بن زياد ص 174، وبشارة المصطفى: ص 28.
(3) الكافي: كتاب الطلاق باب الفرق بين من طلق على غير السنة و... ج 6 ص 94.
(4) والقائل هو كاشف اللثام: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 195 س 2.
(5) والحاكي هو كاشف اللثام: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 195 س 2.
(6) لم نجده في كتبهم الموجودة لدينا، ولكن نقله الشهيد الأول عن المرتضى في ذكرى الشيعة: كتاب
الصلاة في مكان المصلي ص 150 س 2، ونقله المحقق السبزواري عنهما في ذخيرة المعاد: كتاب
الصلاة في مكان المصلي ص 238 س 25.
255

مرجعه إلى دعوى حصوله ولو استصحابا. وهو من السيد غريب، لعدم مصيره
إلى حجيته.
وعن المبسوط أنه قال: فإن صلى في مكان مغصوب مع الاختيار لم تجز
الصلاة فيه، ولا فرق بين أن يكون هو الغاصب، أو غيره ممن أذن له في
الصلاة فيه، لأنه إذا كان الأصل مغصوبا لم تجز الصلاة فيه (1). وليس فيه
أيضا مخالفة لما ذكرنا من الصحة مع الإذن، لاحتمال كون المراد من الإذن
هو الغاصب، لا المالك، كما أفهمه الفاضل في كتبه (2) وإن استبعده الشهيد - رحمه
الله - وقرب العكس، وفاقا للماتن (3).
وقال: لأنه لا يذهب الوهم إلى احتماله، ولأن التعليل لا يطابقه (4). وفيه
منع، ووجهه بأن المالك لما لم يكن متمكنا من التصرف فيه لم يفد إذنه
الإباحة كما لو باعه، فإنه باطل لا يبيح المشتري التصرف فيه.
واحتمل أن يريد الإذن المستند إلى شاهد الحال، لأن طريان الغصب يمنع
من استصحابه كما صرح به الحلي قال: ويكون فيه التنبيه على مخالفة
المرتضى، وتعليل الشيخ مشعر بهذا (5) انتهى.
أقول: وفاقا لبعض المحققين، والظاهر اختلاف الأمكنة والملاك والمصلين
والأحوال والأوقات في منع الغصب من استصحاب الإذن الذي شهدت به الحال (6)

(1) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر ما يجوز الصلاة فيه من المكان وما لا يجوز ج 1 ص 84.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 241 س 32، ونهاية الإحكام: كتاب
الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 341، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 87
(3) المعتبر: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 2 ص 109.
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في مكان المصلي ص 150 س 10.
(5) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في مكان المصلي ص 150 س 10.
(6) منم: المحقق الفاضل الهندي في كشف اللثام: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 195
س 9.
256

ويلحق بالعلم الغصبية جاهل حكمها. أما ناسيها وجاهلها فلا، كما مضى
في بحث اللباس، وعلى الأخير هنا الاجماع في المنتهى (1) وفي ناسي الحكم ما
مضى.
(وفي جواز صلاة المرأة إلى جانب المصلي) أو أمامه، مع عدم الحائل
بينهما، ولا التباعد عشرة أذرع (قولان) مشهوران:
(أحدهما المنع، سواء صلت بصلاته أو منفردة، محرما) له (كانت
أو أجنبية) ذهب إليه أكثر القدماء، بل ادعى عليه في الخلاف والغنية
الاجماع (2). ولعله الحجة لهم، مضافا إلى النصوص المستفيضة.
ففي الصحيح: عن المرأة تزامل الرجل في المحمل يصليان جميعا؟ فقال: لا،
ولكن يصلي الرجل، فإذا فرغ صلت المرأة (3). ونحوه الخبر (4).
وفي آخر: وإن كانت تصلي - يعني المرأة - بجنبه فلا (5).
وفي الموثق: عن الرجل، يستقيم له أن يصلي وبين يديه امرأة تصلي؟
فقال: إن كانت المرأة قاعدة أو نائمة، أو قائمة في غير صلاة فلا بأس (6). ونحوه
غيره في إثبات البأس في المحاذاة والأمام (7). وهو وإن كان أعم من التحريم إلا
أنه محمول عليه بقرينة النهي في الأخبار السابقة الظاهرة فيه، مضافا إلى
الاجماعين المصرحين به.

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 241 س 28.
(2) الخلاف: كتاب الصلاة م 170 في صلاة الرجل والمرأة إلى جانبه ج 1 ص 423 - 424، وغنية النزوع
(الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في كيفية فعل الصلاة ص 496 السطر الأخير.
(3) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب مكان المصلي ح 1 ج 3 ص 433.
(4) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب مكان المصلي ح 2 ج 3 ص 433.
(5) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب مكان المصلي ح 1 ج 3 ص 425، باختلاف يسير.
(6) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب مكان المصلي ح 6 ج 3 ص 426.
(7) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب مكان المصلي ح 4 و 5 ج 3 ص 26 4.
257

والصحيح المصرح بالفساد: عن إمام في الظهر قامت امرأته بحياله تصلي
وهي تحسب أنها العصر، هل يفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها
وقد كانت صلت الظهر؟ فقال - عليه السلام - لا يفسد ذلك على القوم، وتعيد
المرأة (1). وأكثر هذه النصوص وإن شملت بإطلاقها صورتي وجود الحائل
والتباعد بعشرة أذرع (2)، المرتفع فيهما المنع كراهة وتحريما إجماعا كما يأتي، إلا أنها
مقيدة بغيرهما لذلك.
مضافا إلى الموثق: عن الرجل يستقيم له أن يصلي وبين يديه امرأة
تصلي؟ قال: لا يصلي حتى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع. وإن كانت
عن يمينه ويساره جعل بينه وبينها مثل ذلك، فإن كانت تصلي خلفه فلا بأس
إن كانت تصيب ثوبه (3). ونحوه آخر (4). وفي هذا الموثق أيضا دلالة على
المنع، بل هو العمدة في دليلهم عليه كما يظهر من الحلي (5).
(و) القول (الآخر: الجواز على كراهية) ذهب إليه المرتضى (6)
والحلي (7)، ويحتمله كلام الشيخ في الاستبصار، حيث حمل بعض الأخبار
المانعة على الاستحباب (8) وتبعهما عامة المتأخرين، عدا الماتن هنا، فظاهره

(1) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب مكان المصلي ح 1 ج 3 ص 432.
(2) وسائل الشيعة: ب 7 و 8 من أبواب مكان المصلي ج 3 ص 430 و 431.
(3) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب مكان المصلي ح 1 ج 3 ص 1 43.
(4) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب مكان المصلي ح 2 ج 3 ص 431.
(5) السرائر: كتاب الصلاة باب القول في لباس المصلي و... ج 1 ص 267.
(6) لم نعثر عليه في كتبه الموجودة لدينا والظاهر أنه موجود في كتابه المصباح كما نقله عنه ابن إدريس في
السرائر: كتاب الصلاة باب القول في لباس المصلي و... ج 1 ص 267 والمحقق في المعتبر: كتاب
الصلاة في مكان المصلي ج 2 ص 110.
(7) السرائر: كتاب الصلاة باب القول في لباس المصلي و... ج 1 ص 267.
(8) الاستبصار: كتاب الصلاة ب 240 في الرجل يصلي والمرأة تصلي بحذائه ج 1 ص 399 ذيل الحديث 7.
258

التردد كالصيمري (1) والفاضل المقداد، حيث اقتصروا على نقل القولين من
غير ترجيح، ولكن جعل الأخير الكراهة أحوط (2). وهو غريب، فإن الاحتياط
في القول بالحرمة وإن كان في تعينه نظر، للأصل، والصحاح. المستفيضة وغيرها
من المعتبرة المصرحة بعدم المنع.
إما مطلقا كما في الصحيح: لا بأس أن تصلي المرأة بحيال الرجل وهو
يصلي، الخبر (3). ونحوه المرسل لرواية (4).
وأصرح منهما الخبر: عن امرأة صلت مع الرجال، وخلفها صفوف وقدامها
صفوف، قال: مضت صلاتها ولم تفسد على أحد ولا تعيد (5).
أو إذا كان بينهما شبر كما في الصحيحين (6) وغيرهما (7). أو قدر ما لا يتخطى،
أو قدر عظم الذراع كما في آخرين (8)، أو موضع رجل كما في مثلهما سندا (9)،
أو بتقدمها بصدره كما في الصحيح (10)، أو إذا كان سجودها مع ركوعه كما في
المرسلين (11)
والبأس المفهوم منها بغير هذه المقادير وإن احتمل التحريم، إلا أنه مندفع

(1) غاية المرام: كتاب الصلاة في مكان المصلي ص 32، (مخطوط).
(2) التنقيح الرائع: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 186.
(3) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب مكان المصلي ح 4 ج 3 ص 426، وفيه بدل " بحيال " بحذاء..
(4) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب مكان المصلي ح 6 ج 3 ص 428.
(5) لم نعثر عليه.
(6) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب مكان المصلي ح 1 و 7 ج 3 ص 427 و 428.
(7) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب مكان المصلي ح 3 و 4 ج 3 ص 427.
(8) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب مكان المصلي ح 8 و 13 ج 3 ص 428 و 429.
(9) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب مكان المصلي ح 11 و 12 ج 3 ص 429.
(10) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب مكان المصلي ح 2 ج 3 ص 430.
(11) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب مكان المصلي ح 3 و 5 ج 3 ص 430.
259

بالأصل، وضم بعضها إلى بعض، مضافا إلى الاجماع، وعدم قائل بالمنع تحريما
بغيرها والجواز معها إلا الجعفي، فقال بالمنع فيما دون عظم الذراع والجواز
معه (1).
ولكن الدال عليه من النصوص قليل، ومع ذلك معارض بما يدل على
ارتفاع المنع بشبر، وهو دون عظم الذراع بيقين، ومع ذلك شاذ لم ينقله إلا
قليل، بل ظاهر جمع الاجماع على خلافه، حيث ادعوا عدم القول بالفرق بين
القولين المشهورين المؤذنين بدعوى الاجماع على فساد القول الثالث.
وبالجملة: فهذه النصوص مع صحة أكثرها واستفاضتها، واعتضادها
بالشهرة العظيمة المتأخرة القريبة من الاجماع، بل هي إجماع في الحقيقة،
واضحة الدلالة على نفي الحرمة وإثبات الكراهة ولو مختلفة المراتب ضعفا
وقوة، ومع ذلك معتضدة بأصالة البراءة والاطلاقات، بل استدل بهما أيضا جل
الطائفة.
ولا ريب أنها أرجح بالإضافة إلى الأدلة السابقة، مع قصور أكثر أخبارها
سندا ودلالة، وقبولها الحمل على الكراهة دون هذه الأدلة، إذ لا تقبل أكثرها
الحمل على شئ يجمع به بينها وبين تلك، مع مراعاة عدم القائل بالفرق بين
الطائفة الظاهر المصرح به في كلام جماعة، كما عرفته. فالعمل بتلك يوجب ترك
هذه بالمرة، ولا كذلك العكس، لقبولها الحمل على الكراهة دون هذه.
نعم، يبقى الكلام في دعوى الاجماع على المنع، فإن تأويلها إلى الكراهة
في غاية البعد، لنص الشيخ (2) الناقل له ببطلان الصلاة حيث منع عنها، وهو
لا يجتمع مع الكراهة، لكن إطراحها أولى من إطراح هذه الأدلة القوية بما

(1) كما في كشف اللثام: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 196 س 26.
(2) الخلاف: كتاب الصلاة م 170 ج 1 ص 423 - 424.
260

عرفته، مضافا إلى الصحيحين المعبرين عن المنع ب " لا ينبغي " كما في
أحدهما، مع الاكتفاء في رفعه فيه بشبر على إحدى النسختين والاحتمالين.
وب‍ " يكره " كما في الثاني المروي في العلل (1).
ودلالتهما على كل من التحريم والكراهة وإن كان غير ظاهر ظهورا معتدا به
إلا أن الاشعار فيهما بالكراهة حاصل، سيما في الأول، مضافا إلى ضم باقي
الأخبار إليهما.
فالقول بالجواز أقوى وإن كان التجنب أحوط بلا شبهة. ويتفرع على القول
بالحرمة فروعات جليلة، لا فائدة لنا في ذكرها مهمة بعد اختيارنا الكراهة.
(ولو كان بينهما حائل) من نحو ستر دون ظلمة وفقد بصر على الأظهر (2)
(أو تباعد (3) عشرة أذرع فصاعدا) بين موقفيهما، كما هو المتبادر (أو كانت
متأخرة عنه ولو بمسقط الجسد) بحيث لا يحاذي جزء منها جزء منه ارتفع
المنع، (وصحت صلاتهما) إجماعا، كما في المعتبر (4) والمنتهى (5) وغيرهما،
وللمعتبرة المستفيضة المتقدم إلى بعضها الإشارة، بل ظاهر جملة من الصحاح
المتقدمة انتفاء المنع مطلقا بالذراع والشبر ونحوهما، كما عن الجامع (6)، وهو ظاهر
الفاضلين في المعتبر والمنتهى، لكن في صورة تأخرها لا مطلقا (7) بهما كما احتمله

(1) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب مكان المصلي ج 3 ص 427، وعلل الشرائع: ب 137 في العلة
التي من أجلها سميت مكة بكة ح 4 ج 2 ص 397.
(2) في نسخة (ق) " على الأحوط الأظهر ".
(3) في المتن المطبوع: " أو تباعدت ".
(4) المعتبر: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 2 ص 111.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 243 س 24.
(6) الجامع للشرائع: كتاب الصلاة باب ستر العورة وما يجوز فيه من الساتر و... ص 69.
(7) المعتبر: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 2 ص 111، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في مكان
المصلي ج 1 ص 243 س 24.
261

الشيخ في كتابي الحديث (1)، وبه قال في الذخيرة أيضا (2). ولا بأس به لولا
الموثقة السابقة، الظاهرة في بقاء المنع في صورة التأخر إلى أن تتأخر عنه بحيث
لا يحاذي جزء منها جزء منه.
والأخبار الصحيحة وإن ترجحت عليها من وجوه عديدة ولكن الأخذ بها
أولى في مقام الكراهة، بناء على المسامحة في أدلتها، مع اشتهار العمل بها أيضا،
فلتحمل الصحاح على خفة الكراهة، لا انتفائها، وعليه تحمل الموثقة.
وهل يعتبر في الحائل كونه ستيرا بحيث لا يرى أحدهما الآخر مطلقا، كما
هو المتبادر من النص والفتوى، أم يكني مطلقا ولو لم يكن ستيرا، كما في
الصحيح: عن الرجل يصلي في مسجد حيطانه كوى كله قبلته وجانباه،
وامرأته تصلي حياله يراها ولا تراه، قال: لا بأس (3)؟ وجهان:
والأول أنسب بمقام الكراهة، ويرتفع المنع أيضا مطلقا مع الضرورة كما
صرح به جماعة، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن من النص والفتوى،
لاختصاصهما بحكم التبادر وغيره بحال الاختيار، مضافا إلى فحوى ما دل
على جواز الصلاة في المغصوب مع الضرورة.
وفي الصحيح المروي في العلل: إنما سميت مكة بكة لأنها يبتك بها
الرجال والنساء، والمرأة تصلي بين يديك وعن يمينك وعن يسارك ومعك، ولا
بأس بذلك، وإنما يكره في سائر البلدان (4).

(1) تهذيب الأحكام: كتاب الصلاة ب 11 في ما يجوز الصلاة فيه من اللباس والمكان و... ج 2 ص 232
ذيل الحديث 120، والاستبصار: كتاب الصلاة ب 240 في الرجل يصلي والمرأة تصلي بحذائه ج 1
ص 405 ذيل الحديث 7.
(2) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في مكان المصلي ص 243 س 42.
(3) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب مكان المصلي ح 1 ج 3 ص 431.
(4) علل الشرائع: ب 137 في العلة التي من أجلها سميت مكة بكة ح 4 ج 2 ص 397 وفيه " يبك ".
262

وعليه (فلو كان) (1) كل منهما (في مكان لا يمكن فيه التباعد) ولا
الحائل ولا يقدران على غيره وضاق الوقت ارتفع المنع مطلقا، ومع عدم الضيق
(صلى الرجل أو لا ثم المرأة) استحبابا، للأمر به في بعض الصحاح المتقدمة،
المحمول عليه عندنا قطعا، وكذا عند جملة من القائلين بالمنع، إذ هو لا يقتضي
تعين تقدم الرجل، بل تقدم أحدهما، كما في ظاهر الموثق كالصحيح: أصلي والمرأة
إلى جنبي تصلي؟ فقال: لا، إلا أن تتقدم هي أو أنت (2). خلافا للمحكي عن
الشيخ، فعين تقديم الرجل (3). ولعله لظاهر الأمر في الصحيح، وعدم وضوح الصحيح
الآخر في إرادة التقديم الفعلي، لاحتماله المكان، بل فهمه منه صاحبا المدارك
والذخيرة، فاستدلا به على جواز تقديم المرأة مكانا من غير حرمة (4). ولكنه بعيد، لظهور
الاحتمال الأول، للاجماع على ثبوت المنع ولو كراهة في تقدم المرأة مكانا بعد توافقهما
فعلا. فهو أقوى قرينة على تعين الاحتمال الأول، فيصرف به الأمر في الصحيح الأول
عن ظاهره إلى الاستحباب.
ثم إن هذا إذا لم يختص المكان بها عينا أو منفعة، بل تساويا فيه ملكا أو
إباحة، وإن اختصت به دونه فلا أولوية للرجل في تقديمه، إلا أن تأذن له فيه.
وهل الأولى لها أن تأذن له (5) في ذلك أم لا؟ كل محتمل، وبالأول صرح
جمع، ولا بأس به.

(1) في المتن المطبوع: " ولو كانا ".
(2) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب مكان المصلي ح 5 ج 3 ص 438.
(3) الاستبصار: كتاب الصلاة ب 240 في الرجل يصلي والمرأة تصلي بحذائه ج 1 ص 398، ح 1525.
(4) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 3 ص 222، وذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في
مكان المصلي ص 243 س 7.
(5) في المطبوع: " الأولى أن تؤذن لها "، والصحيح ما أثبتناه كما في جميع النسخ الخطية.
263

(ولا تشترط طهارة موضع الصلاة إذا لم تتعد نجاسته إلى المصلي
أو محموله الذي تشترط طهارته على وجه يمنع من الصلاة (ولا طهارة مواقع
المساجد (1)) السبعة
(عدا موقع (2) الجبهة) فيعتبر طهارة القدر المعتبر منه في
السجود مطلقا إجماعا فيه كما يأتي.
وعدم اعتبار الطهارة فيما عداه مطلقا مشهور بين الأصحاب على الظاهر
المصرح به في كلام جماعة، بل لا يكاد يعرف فيه خلاف، إلا من المرتضى
والحلبي، فاعتبرا طهارة مكان المصلي مطلقا وإن اختلفا في تفسيره بالمساجد
السبعة خاصة كما عليه الثاني، أو مطلق مكان المصلي كما عليه المرتضى (3).
ولا حجة لهما يعتد بها
عدا ما يستدل لهما من الموثقين، المانع أحدهما: عن الصلاة على الموضع
القذر، يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس، ولكنه قد يبس (4).
وثانيهما: عن الصلاة على الشاذكونة (5) التي يصيبها الاحتلام (6).
ومن قوله تعالى: " والرجز فاهجر " (7) ولا هجر إذا صلى عليه، ووجوب
تجنيب المساجد النجاسة، وإنما هو لكونها مواضع الصلاة والنهي عنها في المزابل
والحمامات، وهي مواطن النجاسة، وفي الجميع نظر، لضعف الخبرين

(1) في المتن المطبوع: " موضع السجدة ".
(2) في المتن المطبوع: " موضع ".
(3) لم نعثر عليه في كتبه الموجودة عندنا - ولعله موجود في المصباح -، ولكن نقله عنه في ذكرى الشيعة:
كتاب الصلاة في مكان المصلي ص 150 س 22. والكافي في الفقه: في الصلاة ص 140.
(4) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب النجاسات ح 4 ج 2 ص 1042.
(5) الشاذكونة: ثياب غلاظ مضربة تعمل باليمن. (القاموس المحيط: ج 4 ص 241).
(6) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب النجاسات ح 6 ج 2 ص 1044.
(7) المدثر: 5.
264

بمعارضتهما بالمعتبرة المستفيضة، المجوزة للصلاة في كل من الموضعين، الممنوع عن
الصلاة عليهما في الخبرين.
ففي الصحيح: عن البيت والدار لا تصيبهما الشمس، ويصيبهما البول
ويغتسل فيهما من الجنابة، أيصلى فيهما إذا جف؟ قال: نعم (1). ونحوه غيره من
الصحيح، وغيره وهو كثير (2).
وفي الصحيح: عن الشاذكونة يكون عليها الجنابة، أيصلى عليها في
المحمل، فقال: لا بأس (3).
ونحوه الخبر بدون قوله: " في المحمل " (4). وهي مع كثرتها، وصحة جملة منها،
واستفاضتها، واعتضادها بالأصل والاطلاقات والشهرة العظيمة التي كادت
تكون إجماعا، بل هي إجماع ظاهرا تترجح على الخبرين، فليطرحا أو يحملا
على الكراهة، أو النجاسة المتعدية، أو موضع الجبهة خاصة.
وعلى أحد هذه يحمل النهي في الرواية الأخيرة على تقدير تسليمها، مع
أن النهي فيها - بالإضافة إلى الحمام - للكراهة، فليحمل بالإضافة إلى الباقي
عليها جمعا بين الأدلة، ولا دليل على أن المراد بالرجز: النجاسة، فلعل المراد
به: العذاب والغضب.
ودعوى كون وجوب تجنيب المساجد لكونها مواضع الصلاة (5) ممنوعة، مع
احتمال المساجد في أخباره مواضع السجود وأن العلة صلاحيتها للسجود على

(1) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب النجاسات ح 1 ج 2 ص 1044.
(2) وسائل الشيعة: ب 29 - 30 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1042.
(3) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب النجاسات ح 3 ج 2 ص 1044.
(4) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب النجاسات ح 4 ج 2 ص 1044.
(5) لم نعثر على صاحب الدعوى، ولكن نقله كاشف اللثام " بعنوان - ويستدل لهما - ": كتاب الصلاة في
مكان المصلي ج 1 ص 197 س 7 - 10، ولعل هذا الاستدلال من الفاضل لهما، أي السيد والحلي.
265

أي موضع أريد منها.
ثم إن كل ذا إذا صلى على نفس الموضع النجس، من غير أن يستره
بطاهر يصلي عليه، وإلا صحت صلاته قولا واحدا، وعليه نبه في الذكرى (1)
وفي التحرير الاجماع عليه (2). وهو الحجة، مضافة إلى النصوص الكثيرة الناطقة
بجواز اتخاذ الحش (3) مسجدا إذا القي عليه من التراب ما يواريه.
ففي الصحيح: عن المكان يكون حشا زمانا، فينظف ويتخذ مسجدا؟
فقال: ألق عليه من التراب ما يواريه، فإن ذلك يطهره إن شاء الله
تعالى (4).
(ويستحب صلاة الفريضة) المكتوبة (في المسجد) بالاجماع، بل
الضرورة والنصوص المستفيضة، بل المتواترة (إلا) العيدين بغير مكة، كما
ستأتي إليه الإشارة. وكذا الفريضة (في) جوف (الكعبة) فيكره، أو يحرم
على الخلاف المتقدم إليه الإشارة في بحث القبلة
(و) أما (النافلة ففي
المنزل) (5) أفضل، كما عن النهاية (6) والمبسوط (7) والمهذب (8) والجامع (9)،

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة. في مكان المصلي ص 150 س 28.
(2) تحرير الأحكام: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 32 س 34.
(3) الحش والحش: المخرج لأنهم كانوا يقضون حوائجهم في البساتين. والمحش والمحش جميعا: كأنه
مجتمع العذرة. (لسان العرب: ج 6 ص 286).
(4) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب أحكام المساجد ح 4 ج 3 ص 490.
(5) في المتن المطبوع: " في المنزل ".
(6) النهاية: كتاب الصلاة باب فضل المساجد و... ص 111.
(7) المبسوط: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 162.
(8) المهذب: كتاب الصلاة باب المساجد وما يتعلق بها ج 1 ص 77.
(9) الجامع للشرائع: كتاب الصلاة باب المساجد ص 103.
266

وفي الشرائع (1) والارشاد (2) والقواعد (3) وشرحه للمحقق الثاني (4)، والروض (5)
وبالجملة: المشهور على الظاهر المصرح به في الذخيرة (6)، بل فيها عن
المعتبر والمنتهى: أنه فتوى علمائنا، وحكي عن غيرهما أيضا، وهو ظاهر في
الاجماع عليه، واستدل عليه بعده بأنها فيه أقرب إلى الاخلاص، وأبعد عن
الوسواس، ولذا كان الاسرار بالصدقات المندوبة أفضل، والنصوص النبوية:
منها: أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته، إلا المكتوبة (7)
ومنها: أمر - صلى الله عليه وآله - أن يصلوا النوافل في بيوتهم (8).
ومنها: في وصيته لأبي ذر المروية في مجالس الشيخ: يا أبا ذر أيها رجل تطوع
في يوم باثني عشرة ركعة سوى المكتوبة كان له حقا واجبا بيت في الجنة.
يا أبا ذر، صلاة في مسجدي هذا تعدل مائة ألف صلاة في غيره من
المساجد، إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة في
غيره، وأفضل من هذا كله صلاة يصليها الرجل في بيته حيث لا يراه إلا الله
عز وجل يطلب بها وجه الله تعالى.
يا أبا ذر، إن صلاة النافلة تفضل في السر على العلانية كفضل الفريضة
على النافلة (9).

(1) شرائع الاسلام: كتاب الصلاة في ما يتعلق بالمساجد ج 1 ص 128.
(2) إرشاد الأذهان: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 249.
(3) قواعد الأحكام: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 29 س 6.
(4) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 2 ص 143.
(5) روض الجنان: كتاب الصلاة في مكان المصلي ص 234 س 3.
(6) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في مكان المصلي ص 248 س 28.
(7) السنن الكبرى (البيهقي): كتاب الصلاة باب من زعم أن صلاة التراويح و... ج 2 ص 494.
(8) سن أبي داود: كتاب الصلاة بأفضل التطوع في البيت ج 2 ص 69.
(9) أمالي الشيخ الطوسي: مجلس يوم الجمعة في وصية لأبي ذر ج 2 ص 141 و 143، وفيه تقديم وتأخير.
267

وقال في الذخيرة بعد نقل جملة من هذه الأدلة: وفي الكل ضعف، والقول
الأخير حسن، وأشار به إلى ما حكاه عن الشهيد الثاني: أنه رجح في بعض
فوائده رجحان فعلها في المسجد أيضا كالفريضة.
قال - بعد الاستحسان -: وقد مرت أخبار كثيرة دالة عليه في المسألة
المتقدمة: كصحيحة ابن أبي عمير، وصحيحة معاوية بن عمار، ورواية هارون
بن خارجة، ورواية عبد الله بن يحيى الكاهلي، ورواية أبي حمزة، ورواية نجم
بن حطيم، ورواية الأصبغ، والعمومات الكثيرة.
وقد مر عند شرح قول المصنف: وكلما قرب من الفجر كان أفضل خبر
صحيح، دل على أن النبي - صلى الله عليه وآله - كان يصلي صلاة الليل في
المسجد (1).
أقول: ولعله ظاهر الكافي حيث قال في فضل صلاة الجمعة منه: يستحب
لكل مسلم تقديم دخول المسجد لصلاة النوافل بعد الغسل، وتغيير الثياب،
ومس النساء والطيب، وقص الشارب والأظافير. فإن اختل شرط من شروط
الجمعة المذكورة سقط فرضها، وكان حضور مسجد الجامع لصلاة النوافل
وفرضي الظهر والعصر مندوبا إليه (2) (3). وعن السرائر: أن صلاة نافلة الليل
خاصة في البيت أفضل (4).
ولعله للنصوص الدالة على أن أمير المؤمنين - عليه السلام - اتخذ مسجدا في
داره فكان إذا أراد أن يصلي في آخر الليل أخذ معه صبيا لا يحتشم منه، ثم

(1) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في مكان المصلي ص 248 س 31.
(2) الكافي في الفقه: في صلاة الجمعة ص 152. باختلاف يسير.
(3) في نسخة (ق) و (ش) زيادة جملة وهي: " وفي حاشية الخلاف لا يجوز أن تصلي الفريضة جوف
الكعبة مع الاختيار، وأما النافلة فلا بأس بها جوف الكعبة بل هو مرغب فيه، إلى آخر ما قال ".
(4) السرائر: كتاب الصلاة باب صلاة الجماعة وأحكامها و... ج 1 ص 280.
268

يذهب إلى ذلك البيت فيصلي (1).
وللشهيد الثاني - رحمه الله - وغيره قول آخر، فقال: ولو رجى بصلاة النافلة
في الملأ اقتداء الناس به ورغبتهم في الخير وأمن على نفسه الرياء ونحوه مما
يفسد العبادة لم يبعد زوال الكراهة كما في الصدقة المندوبة.
ويؤيده ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي جعفر - عليه السلام - قال: لا بأس
أن تحدث أخاك إذا تعين بالعمل إذا رجوت تنفعه وتحثه، وإذا سألك: هل
قمت الليلة أو صمت فحدثه بذلك إن كنت فعلته فقل: رزق الله تعالى ذلك،
ولا تقل: لا، فإن ذلك كذب (2).
ثم إن إطلاق العبارة كغيرها من الفتوى والرواية يقتضي عدم الفرق في
استحباب المكتوبة في المسجد بين ما لو كان المصلي رجلا أو امرأة.
وفي الفقيه: وروي أن خير مساجد النساء البيوت، وصلاة المرأة في بيتها أفضل من
صلاتها في صفتها، وصلاتها في صفتها أفضل من صلاتها في صحن دارها،
وصلاتها في صحن دارها أفضل من صلاتها في سطح بيتها (3). ولم أقف على
مفت بها من الأصحاب، عدا قليل، ولكن في الذخيرة نسبها إلى الأصحاب،
فقال: وأما النساء فذكر الأصحاب أن المستحب لهن أن لا يحضرن المساجد، لكون
ذلك أقرب إلى الاستتار المطلوب منهن.
وعن أبي عبد الله - عليه السلام -: خير مساجد نسائكم البيوت، رواه الشيخ عن
يونس بن ظبيان (4).

(1) وسائل الشيعة: ب 69 من أحكام المساجد ح 3 ج 3 ص 555، وفيه اختلاف.
(2) روض الجنان: كتاب الصلاة في مكان المصلي ص 234 س 6، وفيه اختلاف.
(3) من لا يحضره الفقيه: باب أدب المرأة في الصلاة ح 1088 ج 1 ص 374.
(4) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في مكان المصلي ص 246 س 33، وفيه اختلاف.
269

أقول: رواه في التهذيب في أوائل باب فضل المساجد (1).
(وتكره الصلاة في، بيت الحمام) دون المسلخ وسطحه، (و) في
(بيوت الغائط) أي المواضع المعدة له (ومبارك الإبل، ومساكن النمل،
وفي مرابط الخيل والبغال والحمير، وبطون الأودية) ومجرى المياه (و)
في (أرض السبخة، والثلج إذا لم تتمكن الجبهة من السجود) عليها كمال
التمكن، للنهي عن جميع ذلك في النصوص المستفيضة، المحمولة على الكراهة
بلا خلاف، إلا من الحلبي.
فقال: لا يحل للمصلي الوقوف في معاطن الإبل، ومرابط الخيل والبغال
والحمير والبقر ومرابض الغنم، وبيوت النار، والمزابل، ومذابح الأنعام،
والحمامات، وعلى البسط المصورة، وفي البيت المصور.
قال: ولنا في فسادها في هذه المحال نظر (2)؟ انتهى. وهو شاذ بقول
المقنعة: لا تجوز في بيوت الغائط والسبخة (3). وكذا الصدوق في العلل (4) في
الأخير بل على خلافهم الاجماع على الظاهر المحكي في الخلاف (5) في بيت
الحمام ومعاطن الإبل، وعن الغنية في الجميع، عدا بطون الأودية والثلج (6).
وهو الحجة الصارفة للنهي. إلى الكراهة.
مضافا إلى شهادة سياق جملة منها، بناء على تضمنها النهي عنها فيما ليست

(1) تهذيب الأحكام: كتاب الصلاة ب 25 في فضل المساجد و... ح 14 ج 3 ص 252.
(2) الكافي في الفقه: في الصلاة ص 141.
(3) المقنعة: كتاب الصلاة ب 12 في ما تجوز الصلاة فيه من اللباس والمكان و... ص 151.
(4) علل الشرائع: ب 21 في العلة التي من أجلها لا يجوز الصلاة في السبخة ج 2 ص 326.
(5) الخلاف: كتاب الصلاة م 238 في كراهة الصلاة في بيوت الحمام ج 1 ص 498.
(6) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في مكان المصلي ص 493 س 33 - 35، حيث لم
يذكر " بطون الأودية والثلج " في عداد المكروهات.
270

بحرام فيه إجماعا. ولا يجوز استعماله في المعنى الحقيقي والمجازي على الأشهر
الأقوى، مع كونها وجه جمع بينها وبين جملة من المعتبرة، مصرحة بالجواز في
بيت الحمام ومعاطن الإبل.
ففي الصحيح: عن الصلاة في بيت الحمام، فقال: إذا كان موضعا نظيفا
فلا بأس (1). ونحوه الموثق (2).
وفي مثله: عن الصلاة في أعطان الإبل، وفي مرابض البقر والغنم، فقال:
إن نضحته بالماء وكان يابسا فلا بأس (3). هذا وربما حمل كلام المفيد على
إرادته من: " لا يجوز " الكراهة، كما شاع استعماله فيها في عبائره، ولا بأس به،
وعليه فلا خلاف إلا من التقي، ولا ريب في ندرته وضعف قوله ذو أضعف منه
تردده في الفساد، مع كونه مقتضى النهي المتعلق في النصوص بالصلاة التي
هي من العبادات.
وأما ما يقال: من عدم نهي في بطون الأودية (4) فمحل مناقشة.
في المروي في الفقيه في جملة المناهي المنقولة عنه - صلى الله عليه وآله -: أنه
نهى أن يصلي الرجل في المقابر والطرق، والأرحية، والأودية، ومرابض الإبل،
وعلى ظهر الكعبة (5).
ويستفاد من هذه الرواية، حيث تضمنت النهي عنها في مرابض الإبل،
التي هي مطلق مباركها صحة ما في العبارة، وعليه الفقهاء، كما في السرائر (6)

(1) وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب مكان المصلي ح 1 ج 3 ص 466.
(2) نفس المصدر ج 2.
(3) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب مكان المصلي ح 4 ج 3 ص 443.
(4) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 3 ص 230، وذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في
مكان المصلي ص 244 س 43.
(5) من لا يحضره الفقيه: باب ذكر جمل من مناهي النبي (ص) ح 4968 ج 4 ص 9.
(6) السرائر: كتاب الصلاة باب القول في لباس المصلي ج 1 ص 266.
271

والتحرير والمنتهى (1) من تعميم معاطن الإبل الوارد في النصوص إلى مطلق
المبارك، مع اختصاصها عند أكثر أهل اللغة بمبرك الإبل حول الماء، لتشرب
علا بعد نهل، مع إشعار تعليل المنع الوارد في النبوي بأنها جن خلقت من الجن
به (2)
وقريب منه الصحيح: عن الصلاة في مرابض الغنم.
فقال: صل فيها، ولا تصل في أعطان الإبل، إلا أن تخاف على متاعك
الضيعة، فاكنسه ورشه بالماء وصل (3). فتدبر، مع أن المحكي عن العين
والمقاييس ما يوافق هذا.
(وبين المقابر) على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، وفي ظاهر
المنتهى وعن الغنية الاجماع عليه (4)، للنهي عنه في النصوص المستفيضة، المحمول
على الكراهة، جمعا بينها وبين غيرها من المعتبرة.
ففي الصحيحين: عن الصلاة هل تصلح بين القبور؟ قال: لا بأس (5).
خلافا للمحكي عن الديلمي، فأفسد أخذا بظاهر النهي (6). وفيه نظر، لضعف
سند المشتمل عليه
عدا الموثق: عن الرجل يصلي بين القبور؟ قال: لا يجوز ذلك، إلا أن يجعل

(1) تحرير الأحكام: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 33 س 12، ومنتهى المطلب: كتاب
الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 265 س 31.
(2) السنن الكبرى للبيهقي: كتاب الصلاة باب ذكر المعنى في كراهية الصلاة... ج 2 ص 449.
(3) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب مكان المصلي ح 2 ج 3 ص 443.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 244 س 27، وغنية النزوع (الجوامع
الفقهية): كتاب الصلاة في مكان المصلي ص 493 س 34.
(5) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب مكان المصلي ح 1 و 4 ج 3 ص 453.
(6) المراسم: كتاب الصلاة في أحكام المكان ص 65.
272

بينه وبين القبور إذا صلى عشرة أذرع من بين يديه، وعشرة أذرع من خلفه،
وعشرة أذرع عن يمينه وعشرة أذرع عن يساره، ثم يصلي إن شاء (1). وهو
معارض بما هو أصح منه سندا، وأشهر بين الأصحاب.
ولذلك لا يمكن أن يقيد به إطلاقهما بأن يحملا على أنه لا بأس مع التباعد
بعشر أذرع كما في الموثق، وللصدوق، والمفيد، والحلبي فلم يجوزوا الصلاة
إليها (2).
قيل: للموثق: لا بأس بالصلاة بين المقابر ما لم يتخذ القبر قبلة.
والصحيح: قلت له: الصلاة بين القبور؟ قال: صل بين خلا لها، ولا تتخذ
شيئا منها قبلة. ونحو هما غيرهما (3). وقواه بعض المعاصرين:
قال: لأن الصحيحين السابقين النافيين للبأس عامان، وهذان خاصان،
فليقدما عليهما (4). وهو حسن لولا رجحان الصحيحين على هذين سندا، واشتهار
عمومهما بين الأصحاب اشتهارا كاد أن يكون إجماعا، بل إجماع من المتأخرين
حقيقة، وقد مر نقله عن الغنية صريحا، والمنتهى ظاهرا، مع قصور هذين دلالة،
فإن التوجه إلى القبر أعم من اتخاذه قبلة.
كما أن البأس المفهوم من أو لهما أعم من التحريم، فلا يصلح شئ منهما
لاثباته جدا مع معارضتهما، زيادة على ما مر بالنصوص الكثيرة، الدالة على

(1) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب مكان المصلي ح 5 ج 3 ص 454.
(2) من لا يحضره الفقيه: باب المواضع التي لا تجوز الصلاة فيها و... ج 1 ص 242 ذيل الحديث 727،
والمقنعة: كتاب الصلاة ب 12 في ما تجوز الصلاة فيه من اللباس و... ص 151، لا يوجد في الكافي في
الفقه (هذه العبارة ضمن النسخة الموجودة عندنا ولعله حصل سقط): راجع ص 141، ولكن نقله
عنه العلامة (قدس سره " في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 85 س 21.
(3) والقائل هو صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 7 ص 224.
(4) وهو صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 7 ص 226.
273

جواز الصلاة خلف قبر الإمام - عليه السلام -، بل استحبابها كما يستفاد من
بعضها بالنسبة إلى الحسين - عليه السلام -.
منها: الصحيح المروي في التهذيب: عن الرجل يزور قبور الأئمة - عليهم
السلام - هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن صلى عند قبورهم
أن يقوم وراء القبر، ويجعل القبر قبلة، أو يقوم عند رأسه ورجليه؟ وهل يجوز أن
يتقدم القبر ويصلي ويجعله خلفه أم لا؟ فأجاب - عليه السلام وقرأت التوقيع،
ومنه نسخت -: أما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة،
بل يضع خده الأيمن على القبر. وأما الصلاة فإنها خلفه يجعله الإمام، ولا يجوز
أن يصلي بين يديه، لأن الإمام لا يتقدم، ويصلي عن يمينه وشماله (1).
ومنها: ما أسنده ابن قولويه في مزاره عن هشام: أن مولانا الصادق - عليه
السلام - سئل: هل يزار والدك؟ قال: نعم، ويصلى عنده قال: ويصلى خلفه
ولا يتقدم عليه (2).
وما أسنده عن محمد البصري، عنه، عن أبيه في حريث زيارة الحسين - عليه
السلام - قال: من صلى خلفه صلاة واحدة يريد بها الله تعالى لقي الله يوم يلقاه
وعليه من النور ما يغشى له كل شئ يراه (3).
وما أسنده عن الحسن بن عطية، عنه قال: إذا فرغت من التسليم على
الشهداء أتيت قبر أبي عبد الله - عليه السلام - تجعله بين يديك، ثم تصلي ما
بدا لك (4). وهي مع كثرتها، وصحة بعضها، واعتضادها بالشهرة العظيمة،
وحكاية الاجماع المتقدمة، والأخبار المتقدمة واضحة الدلالة، سيما الرواية

(1) تهذيب الأحكام: كتاب الصلاة ب 11 في ما يجوز الصلاة فيه من اللباس و... ح 106 ج 2 ص 228.
(2) كامل الزيارات: ب 44 في ثواب من زار الحسين عليه السلام... ص 123، باختلاف.
(3) كامل الزيارات: ب 44 في ثواب من زار الحسين عليه السلام... ص 122.
(4) كامل الزيارات: ب 80 في كيف الصلاة عند قبر الحسين عليه السلام ص 245.
274

الأخيرة، فإن جعل القبر بين يديه في غاية الظهور في وقوعه في القبلة.
ولذا، أن المعاصر اعترف بدلالة هذه الأخبار على الجواز وجعلها مستثناة
من الأخبار المانعة قائلا: إنه لا حرمة في الصلاة إلى قبور الأئمة - عليهم السلام -
مستندا إلى الروايات المزبورة (1)، وهو احداث قول ثالث لم يقل به القائلون
بالحرمة، سيما المفيد، فإنه بعد المنع قال:
وقد روي: أنه لا بأس بالصلاة إلى قبلة فيها قبر إمام، والأصل ما قدمناه (2).
وأعجب من ذلك أنه قال بالكراهة إلى قبورهم - عليهم السلام - مطلقا (3)، مع
أن بعض الروايات صرحت بالاستحباب خلف قبر أبي عبد الله - عليه السلام -.
واعلم: أنه يستفاد من الصحيحة: المنع من الصلاة بين يدي الإمام،
وظاهر الاطلاقات، وصريح جماعة الكراهة، بل لم أجد قائلا به، عدا جماعة من
متأخري المتأخرين، وهو غير بعيد إن لم ينعقد الاجماع على خلافه، لصحتها
واعتضادها بغيرها مما مضى، لكنه قاصر السند.
والأول أجاب عنه الماتن في المعتبر إنتصارا للمفيد في المنع عن الصلاة
إلى القبر بضعفه وشذوذه واضطراب لفظه (4).
قيل: ولعل الضعف، لأن الشيخ - رحمه الله - رواه عن محمد بن أحمد بن
داود عن الحميري، ولم يبين طريقه إليه، ورواه صاحب الاحتجاج مرسلا.
والاضطراب، لأنها في التهذيب كما سمعت، وفي الاحتجاج: ولا يجوز أن

(1) الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 7 ص 226.
(2) المقنعة: كتاب الصلاة ب 12 في ما تجوز الصلاة فيه من اللباس و... ص 152، وفيه " والأصل
ما ذكرناه ".
(3) المقنعة: كتاب الصلاة ب 12 في ما تجوز الصلاة فيه من اللباس و... ص 152، وفيه أنه قال: " يصلي
مما يلي الرأس أفضل من أن يصلي، إلى القبر " وهذا ليس فيه كراهة كما لا يخفى.
(4) المعتبر: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 2 ص 115.
275

يصلي بين يديه، ولا عن يمينه، ولا عن يساره، لأن الإمام لا يتقدم ولا يساوى.
ولأنه في التهذيب مكتوب: إلى الفقيه - عليه السلام - وفي الاحتجاج: إلى
صاحب الأمر - عليه السلام - والحق أنه ليس شئ منهما من الاضطراب في
شئ (1) انتهى. وهو حسن، ولم يجب عن شبهه ضعف السند في التهذيب مؤذنا
بالاذعان له، وفيه نظر، فإن الشيخ - رحمه الله - وإن لم يبين طريقه في كتاب
الحديث لكن قال في الفهرست في ترجمته: أخبرنا بكتبه ورواياته جماعة منهم:
محمد بن محمد بن النعمان، والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون كلهم (2)،.
وهو ظاهر في صحة طريقه إليه مطلقا، ولذا نص بصحته جماعة من أصحابنا.
نعم، رواية الطبرسي ضعيفة، فلا يمكن الاستناد إليها للمنع عن الصلاة
محاذيا للإمام - عليه السلام -، مع تصريح الصحيحة بجوازها، مضافا إلى
نصوص كثيرة بجوازها في زيارة الحسين - عليه السلام - وغيره من الأئمة - عليهم
السلام -، بل صرح بعضها بأنها أفضل من الصلاة خلفه - عليه السلام - (3)،
مع أنه لا قائل بالمنع أجده بين الأصحاب، عدا نادر من متأخري المتأخرين،
وظاهرهم الاطباق على خلافه، ولكنه أحوط، (إلا مع حائل) أو بعد عشر
أذرع، فيرتفع المنع مطلقا، للموثق المصرح به في الثاني (4).
وأما ارتفاعه مع الأول، فهو وإن لم نجد عليه من النص أثرا إلا أن معه
يخرج عن مفهوم ألفاظ النصوص والفتاوى، وإلا لزمت الكراهة وإن حالت
جدران معه، مع أنه لا خلاف في زوال المنع في المقامين وإن اختلفت العبارات

(1) والقائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 199 س 1.
(2) الفهرست: باب محمد رقم 604 ص 163.
(3) مستدرك الوسائل: ب 52 من أبواب المزار وما يناسبه ح 3 ج 10 ص 327.
(4) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب مكان المصلي ح 5 ج 3 ص 454.
276

في التعبير عنهما بالاطلاق، كما هنا، وفي الجامع في الأول (1)، وفي الشرائع وغيره
في الثاني (2). أو تعميم الأول لكل حائل ولو عنزة كما في الشرائع (3) والقواعد (4)
والنهاية، وزيد فيها ما أشبهها (5)، والمقنعة وزيد فيها قدر لبنة أو ثوب موضوع (6).
قيل: لعموم نصوص الحيلولة بها (7) ولم أجده. وتعميم الثاني للبعد بالمقدر
المزبور من كل جانب، كما في الموثق (8) وعن المقنعة (9) والنزهة (10). أو ما
سوى الخلف كما عن النهاية (11) والمبسوط (12) والمهذب (13) والوسيلة (14)
والجامع (15) والاصباح (16) ونهاية الإحكام (17) والتذكرة (18).
(وفي بيوت المجوس والنيران والخمور) على المشهور، بل لا خلاف فيما

(1) الجامع للشرائع: كتاب الصلاة باب ستر العورة وما يجوز الصلاة فيه من الساتر و... ص 68.
(2) شرائع الاسلام: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 72.
(3) شرائع الاسلام: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 72.
(4) قواعد الأحكام: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 28 س 21.
(5) النهاية: كتاب الصلاة باب ما يجوز الصلاة فيه من الثياب و... ص 99.
(6) المقنعة: كتاب الصلاة ب 12 في ما تجوز الصلاة فيه من اللباس و... ص 151
(7) والقائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 198 س 35.
(8) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب مكان المصلي ح 5 ج 3 ص 454.
(9) المقنعة: كتاب الصلاة ب 12 في ما تجوز الصلاة فيه من اللباس و... ص 151.
(10) نزهة الناظر: في مواضع تكره الصلاة فيها ص 26.
(11) النهاية: كتاب الصلاة بأب ما يجوز الصلاة فيه من الثياب و... ص 99.
(12) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر ما يجوز الصلاة فيه من المكان و... ج 1 ص 85.
(13) المهذب: باب ما تجوز عليه الصلاة... ج 1 ص 76.
(14) الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان ما تجوز الصلاة عليه من المكان ص 90.
(15) الجامع للشرائع: كتاب الصلاة باب ستر العورة وما يجوز الصلاة فيه... ص 68.
(16) كما في كشف اللثام: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 198 س 36.
(17) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 346.
(18) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 88 س 10.
277

بين المتأخرين، وعن الغنية الاجماع على الثاني (1). وهو الحجة فيه،
وصريح الخبر (3) أو فحواه في الأول: لا يصلى في بيت فيه مجوسي، ولا بأس
أن يصلى وفيه يهودي أو نصراني (4). وربما يشعر بالكراهة فيه النصوص
المتضمنة للصحيح، الآمرة برشق بيت المجوسي ثم الصلاة فيه (5). خلافا
للمحكي عن جماعة كالديلمي (6) والمقنعة (7) والنهاية (8)، فنعوا عن الصلاة
فيها أجمع، بل صرح الأول بالفساد فيما عدا الثاني (9)، وعن المقنع فمنع عنها في
الأخير.
لكن قال: روي أنها تجوز (10) وبالمنع صرح في الفقيه من دون نقل
رواية (11).
وهذه الأقوال مع ندرتها الآن حجتها ضعيفة، عدا الموثق في الأخير، فإنه
بحسب السند معتبر، لكنه معارض بالرواية المرسلة في المقنع، المنجبرة بالشهرة
العظيمة، التي هي من المتأخرين إجماع في الحقيقة، فتترجح. عليه، مضافا

(1) غنية النزوع (الجوامع الفقهية،: كتاب الصلاة في مكان المصلي ص 493 س 34.
(2) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب مكان المصلي ح 1 ج 3 ص 449.
(3) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب مكان المصلي ح 2 ج 3 ص 449.
(4) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب مكان المصلي ح 1 ج 3 ص 442.
(5) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب مكان المصلي ح 4 ج 3 ص 439.
(6) المراسم: كتاب الصلاة في أحكام المكان ص 65.
(7) المقنعة: كتاب الصلاة ب 12 في ما تجوز الصلاة فيه من اللباس و... ص 151.
(8) النهاية: كتاب الصلاة باب ما يجوز الصلاة فيه من الثياب و... ص 100.
(9) المراسم: كتاب الصلاة في أحكام المكان ص 65 - 66، فتأمل فيه.
(10) المقنع (الجوامع الفقهية) كتاب الصلاة باب فيما يصلي فيه من الثياب و... ص 7 س 19.
(11) من لا يحضره الفقيه: باب المواضع التي تجوز الصلاة فيها و... ج 1 ص 246 ذيل الحديث 743.
278

إلى اعتضادها بالأصل والعمومات.
فالقول بالمنع ضعيف، ولا سيما في بيوت النيران، لعدم ورود نص فيها
بالكلية، وإنما علل المنع فيها بأن في الصلاة فيها تشبها بعبادها (1). وهو كما ترى
لا يفيد المنع قطعا، بل الكراهة أيضا كما هو ظاهر صاحبي المدارك والذخيرة،
بل صريحهما حيث إنهما بعد تضعيف التعليل احتملا اختصاص الكراهة
بمواضع عبادة النيران، لأنها ليست موضع رحمة، فلا تصلح لعبادة الله
سبحانه (2)، بل قطع به في المدارك (3).
وذكر جماعة أن المراد ببيوت النيران: المواضع المعدة لاضرامها فيها كالأترن
والفرن، لا ما وجد فيه نار مع عدم إعداده كالمسكن إذا أوقدت فيه وإن كثر (4).
(وفي جواد (5) الطرق) أي: العظمى منها، وهي التي يكثر سلوكها، كما
ذكره جماعة (6)، للنهي عنه في الصحيحين (7) وغيرهما (8)، وأخذ بظاهره

(1) والمعلل هو العلامة " قدس سره " في تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 88
س 18، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 247 س 2.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 3 ص 232، وذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في
مكان المصلي ص 245 س 26.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 3 ص 232.
(4) منهم الشهيد الثاني في الروضة البهية: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 549، وسبطه في
مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 3 ص 232، والبحراني في الحدائق الناضرة:
كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 7 ص 235، ومنهم الشهيد الثاني في روض الجنان وغيرهم:
كتاب الصلاة في مكان المصلي ص 229 س 22.
(5) في المتن المطبوع: (جوار) والصحيح ما أثبتناه.
(6) وسبطه في مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 3 ص 233، وصاحب ذخيرة المعاد:
كتاب الصلاة في مكان المصلي ص 245 س 37.
(7) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب مكان المصلي ح 1 و 2 ج 3 ص 444 و 445.
(8) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب مكان المصلي ج 3 ص 444.
279

الصدوق (1) والشيخان (2) فيما حكي عنهم. خلافا للسرائر (3) وعامة
المتأخرين، فحملوه على الكراهة جمعا بينها وبين الأصل والعمومات، المؤيدة
بالمعتبرين:
أحدهما الصحيح: لا بأس أن يصلى بين الظواهر، وهي الجواد جواد
الطرق، ويكره أن يصلى في الجواد (4). وفي غيره " لا ينبغي " لظهورهما في
الكراهة. ولا بأس به، سيما مع دعوى المنتهى في ظاهر كلامه أن عليه
إجماعنا (5).
ويستفاد من جملة من النصوص، وفيها الموثق: كراهة الصلاة في مطلق
الطرق الموطوءة (6). وبه صرج جماعة (7)، ولا بأس به أيضا للمسامحة، سيما مع
اعتبار سند الموثقة، لكنها معارضة بالنصوص المتضمنة لنفي البأس عن الصلاة
في الظواهر التي بين الجواد، وفيها الصحيح وغيره (8)، وهو الأوفق بفتوى الأكثر،
إلا أن عموم الكراهة - ولو مختلفة المراتب - طريق الجمع، وأنسب بباب الكراهة
بناء على المسامحة.

(1) من لا يحضره الفقيه: باب المواضع التي لا تجوز الصلاة فيها و... ج 1 ص 243، ذيل الحديث 727.
(2) المقنعة: كتاب الصلاة ب 12 في ما تجوز الصلاة فيه من اللباس و... ص 151، والنهاية: كتاب
الصلاة باب ما يجوز الصلاة فيه من الثياب و... ص 100.
(3) السرائر: كتاب الصلاة باب القول في لباس المصلي و... ج 1 ص 266.
(4) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب مكان المصلي ح 1 ج 3 ص 444، والآخر: ب 19 من أبواب مكان
المصلي ح 2 ج 3 ص 445.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 247 ص 2 - 3.
(6) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب مكان الصلي ح 6 ج 3 ص 445.
(7) منهم: روض الجنان: كتاب الصلاة في مكان المصلي ص 229 س 22، وكاشف اللثام: كتاب
المصلاة في مكان المصلي ص 199 س 14، والحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في مكان المصلي
ح 7 ص 209.
(8) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب مكان المصلي ج 3 ص 444.
280

هذا كله في الطرق النافذة، وأما المرفوعة فلعلها كذلك إن أذن أربابها، وإلا
فيحرم قطعا
(وأن يكون بين يديه نار مضرمة) مشتعلة، بل مطلقا (أو
مصحف مفتوح، أو حائط ينز من بالوعة) البول والغائط، بلا خلاف، إلا
من الحلبي، فحرم مع التردد في الفساد (1)، أخذا بظاهر النهي في النصوص،
المحمول عند الأكثر، بل عامة من تأخر على الكراهة، جمعا بينها وبين الأصل
والعمومات، وخصوص بعض النصوص المصرحة بالجواز في الأول:
إما مطلقا، كالمرسل: لا بأس أن يصلي الرجل والنار والسراج والصورة بين
يديه، إن الذي يصلي له أقرب إليه من الذي بين يديه (2).
أو لمن لم يكن من أولاد عبدة الأصنام والنيران، كما في المرسل الآخر المروي
في الاحتجاج، وفيه: ولا يجوز ذلك لمن كان من عبدة الأوثان والنيران (3).
ولكنه مع ضعف سنده شاذ غير معروف القائل، ويمكن حمله على تفاوت
مراتب الكراهة.
والخبر المروي عن قرب الإسناد في الثاني: عن الرجل، هل يصلح له أن
ينظر في خاتمه كأنه يريد قراءته، أو في مصحف، أو في كتاب في القبلة؟
فقال: ذلك نقص في الصلاة، وليس يقطعها (4). وضعف الأسانيد مجبور
بالشهرة، بل الاجماع.
ويستفاد من هذه الرواية إلحاق كل مكتوب ومنقوش كما ذكره جماعة،

(1) لا يوجد في الكافي في الفقه، ولكن نقله عنه العلامة في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في مكان
المصلي ج 1 ص 85 س 20، ولكن ليس فيه (أو حائط ينز من بالوعة البول والغائط)، ولعله استفاد من
قوله: (والنجاسة الظاهرة)، فراجع.
(2) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب مكان المصلي ح 4 ج 3 ص 460.
(3) الاحتجاج: في توقيعات الناحية المقدسة ج 2 ص 480.
(4) قرب الإسناد ص 89.
281

معللين بحصول التشاغل المرغوب عنه في الصلاة (1).
(ولا بأس بالبيع والكنائس ومرابض الغنم) أن يصلي فيها على
المشهور، لنفي البأس عنها في النصوص المستفيضة، وفيها الصحاح وغيرها (2).
وفي ظاهر المنتهى الاجماع عليه في الأولين (3) خلافا للمحكي عن المراسم (4)
والمهذب (5) والغنية (6) والسرائر (7) والاصباح (8) والإشارة (9) والنزهة (10)،
فكرهوها فيهما، وهو خيرة الدروس أيضا (11). ولم أظفر بمستند لهم، سوى توهم
النجاسة والتشبه بأهلها، وعن الغنية الاجماع عليه (12) ولا بأس به مسامحة في
أدلة السنن.
وفي الصحيح: رش وصل (13) وظاهره استحباب الرش، وبه صرح في
المنتهى (14)، وللحلبي في الأخير، فحرم مترددا في الفساد، كما حكي عنه في

(1) منهم العلامة في نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 348، والمحقق الثاني في
جامع المقاصد: باب الصلاة في مكان المصلي ج 2 ص 139، والشهيد الثاني في روض الجنان:
كتاب الصلاة في مكان المصلي ص 230 س 15.
(2) وسائل الشيعة: ب 13 و 17 من أبواب مكان المصلي ج 3 ص 438 و 442.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 246 س 31.
(4) المراسم: كتاب الصلاة في أحكام المكان ص 65.
(5) المهذب: كتاب الصلاة باب ما تجوز عليه الصلاة من المكان وما لا تجوز ج 1 ص 75.
(6) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في مكان المصلي ص 493 س 34.
(7) السرائر: كتاب الصلاة باب القول في لباس، المصلي و... ج 1 ص 270.
(8) كما في كشف اللثام: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 197 س 40.
(9) إشارة السبق (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في مكان المصلي ص 121 س 21.
(10) نزهة الناظر: في مواضع تكره الصلاة فيها ص 26، وفيه أنه ذكر " الكنائس " فقط.
(11) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في مكان المصلي ص 28 س 10.
(12) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في مكان المصلي ص 493 س 35.
(13) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب مكان المصلي ح 2 ج 3 ص 438.
(14) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 246 س 36.
282

التحرير (1) والمنتهى (2) للموثق: عن الصلاة في أعطان الإبل، ومرابض البقر والغنم،
فقال: إن نصحه بالماء وكان يابسا فلا بأس بالصلاة فيها، وأما مرابط الخيل
والبغال فلا (3). وهو معارض بما هو أكثر عددا، وأصح سندا، واعتضادا بفتوى
الفقهاء، والأصل والعموم المتقدمين مرارا.
(وقيل: تكره) الصلاة إلى باب مفتوح، أو إنسان مواجه)
والقائل: الحلبي كما حكاه عنه الأصحاب (4)، مؤذنين بعدم الوقوف له على مستند.
إلا أن بعضهم استدل له في الأول باستفاضة الأخبار باستحباب السترة
ممن يمر بين يديه ولو بعود أو عنزة أو قصبة أو قلنسوة أو كومة من تراب.
وفي الثاني بالخبر المروي في قرب الإسناد: عن الرجل يكون في صلاته،
هل يصلح له أن تكون امرأة مقبلة بوجهها عليه في القبلة، قاعدة أو قائمة؟ قال:
يدرأها عنه (5).
وفي كتاب دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمد - عليهما السلام - أنه كره أن
يصلي الرجل ورجل بين يديه قائم (6). والاستدلال الأول غير مفهوم، والثاني
معارض بالأخبار الكثيرة، النافية للبأس عن أن تكون المرأة بحذاء المصلي قائمة
وجالسة ومضطجعة (7)، إلا أن يخص البأس المنفي فيها بالحرمة جمعا، ولكنه فرع
التكافؤ المفقود هنا، إلا أن يكون في مقام الكراهة مغتفرا.

(1) تحرير الأحكام: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 33 س 15.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 246 س 4.
(3) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب مكان الصلاة ح 4 ج 3 ص 443.
(4) حكاه عنه العلامة في تذكرة الأحكام: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 88، س 37.
(5) والمستدل هو كاشف اللثام: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 200 س 25 و 29.
(6) دعائم الاسلام:. في ذكر المساجد ج 1 ص 155، وفيه " بين يريه نائم ".
(7) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب مكان المصلي ج 3 ص 425.
283

(السادسة: في) بيان (ما) يجوز أن (يسجد عليه) وما لا يجوز
إعلم: أنه (لا يجوز السجود على ما ليس بأرض) ولا ما أنبتته
(كالجلود والصوف) والشعر (ولا ما يخرج باستحالته عن اسم الأرض
كالمعادن) من نحو الذهب والفضة والملح والعقيق ونحو ذلك بإجماعنا، بل
الضرورة من مذهبنا، مضافا إلى النصوص المستفيضة، بل المتواترة من
أخبارنا.
وفي الصحيح وغيره: لا يجوز السجود إلا على الأرض، أو ما على ما أنبتت
الأرض إلا ما أكل أو لبس الحديث (1). وقريب منه آخر (2).
وفي ثالث: أسجد على الزفت - أي القير؟ قال: لا، ولا على الثوب
الكرسف، ولا على الصوف، ولا على شئ من الحيوان، ولا على طعام، ولا
على شئ من ثمار الأرض، ولا على شئ من الرياش (3).
وفي رابع: لا تصل على الزجاج وإن حدثتك نفسك أنه مما أنبتت
الأرض، ولكنه من الملح والرمل، وهما ممسوخان (4).

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب ما يسجد عليه ح 1 و 2 ج 3 ص 591 و 592.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب ما يسجد عليه ح 3 ج 3 ص 592.
(3) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب ما يسجد عليه ح 1 ج 3 ص 594، باختلاف يسير.
(4) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب ما يسجد عليه ح 1 ج 3 ص 604.
284

وفي الخبر: لا تسجد على الذهب والفضة (1) إلى غير ذلك من النصوص
الكثيرة، الآتية إلى. جملة منها الإشارة.
(و) يستفاد منها أنه (يجوز) السجود (على الأرض وما ينبت منها
ما لم يكن مأكولا) ولا ملبوسا (بالعادة) مضافا إلى الاجماع عليه، بل
الضرورة، فلا إشكال في شئ من أحكام المسألة وإنما الاشكال في الأراضي
المستحيلة بالحرق وغيره عن مسمى الأرض كالجص والنورة والخزف.
فإن في جواز السجود عليها قولين فالأكثر على الجواز، بل ربها أشعر عبارة
الفاضلين وغيرهما بالاجماع في الخزف (2) فإن تم، وإلا فالأحوط، بل الأظهر
المنع، وفاقا لجمع، إما لعدم صدق الأرض عليها، أو للشك، فإنه كاف في
المنع، لتعارض استصحاب بقاء الأرضية، مع استصحاب بقاء شغل الذمة
فيتساقطان فتبقى. الأوامر عن المعارض سليمة. فتأمل مضافا إلى التصريح به
في الرضوي في الآجر، يعني المطبوخ كما فيه (3).
نعم في الصحيح: عن الجص توقد عليه بالعذرة وعظام الموقى، يحصص به
المسجد، أيسجد عليه؟ فكتب - عليه السلام - يخطه: أن الماء والنار قد
طهراه (4). وفيه إشعار بالجواز لكنه ليس بظاهر، ومع ذلك مكاتبة تحتمل
التقية.
واحترز بقوله: " بالعادة " عما أكل أو لبس نادرا، أو في مقام الضرورة
كالعقاقير التي تجعل في الأدوية من النباتات التي لم يطرد أكلها ولبسها عادة،

(1) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب ما يسجد عليه ح 2 ج 3 ص 604.
(2) المعتبر: كتاب الطهارة في التيمم ج 1 ص 375، وتذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في التيمم ج 1
ص 54 س 18.
(3) فقه الرضا عليه السلام: ب 7 في الصلوات المفروضة ص 113.
(4) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب ما يسجد عليه ح 1 ج 3 ص 602.
285

فإنه يجوز السجود عليها لدخولها فيما أنبتت الأرض، مع عدم شمول الاستثناء
لها، لانصرافه لحكم التبادر والغلبة إلى المأكول والملبوس العاديين، لكونهما من
الأفراد المتبادرة.
وفي مثل الزنجبيل والزعفران والدارجيني ونحوها وجهان: أقربهما المنع،
لاعتياد أكلها ظاهرا. أما مثل عود الصندل وأصل الخطمي وما ماثلهما فالظاهر
الجواز، لعدم صدق الاعتياد. ولو اعتيد أكله أو لبسه شائعا في قطر دون آخر
فإشكال، كما لو كان له حالتان يؤكل ويلبس في إحداهما شائعا دون
الأخرى، والأحوط المنع.
ثم إن الأظهر أنه لا يشترط في المأكول والملبوس فعلية الانتفاع كما فيهما،
بل يكني القوة القريبة منه للصدق العرفي، فإن مثل الحنطة والشعير، والقطن
والكتان يصدق عليها كونها مأكولة وملبوسة عادة، مع توقفهما على أفعال
كثيرة كالطحين والخبز والطبخ. والاخراج من القشر، ثم الحلج، ثم
الندف، ثم الغزل، ثم الحياكة، ثم الخياطة. خلافا للفاضل في المنتهى
والتذكرة والتحرير ونهاية الإحكام (1) فيما حكى، فجوز السجود على الحنطة
والشعير قبل الطحن معللا له في الأول بكونهما حينئذ غير مأكولين عادة.
وفي الثاني: بأن القشر حائل بين المأكول والجبهة، والمناقشة فيهما بعد
ما عرفت من صدق كونهما مأكولين عادة واضحة، مع أن في بعض الصحاح.
المتقدمة التصريح بالنهي عن السجود على الطعام، وهو شامل للحنطة والشعير
قبل الطحن قطعا، لغة وعرفا وشرعا.

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في ما يسجد عليه المصلي ج 1 ص 251 س 6، وتذكرة الفقهاء:
كتاب الصلاة في ما يسجد عليه المصلي ج 1 ص 92 س 2، وتحرير الأحكام: كتاب الصلاة في ما
يسجد عليه المصلي ج 1 ص 34 س 10، ونهاية الإحكام: كتاب الصلاة في ما يسجد عليه المصلي
ج 1 ص 362.
286

وفي المرتضوي المروي في الخصال: ولا يسجد الرجل على كدس حنطة ولا
على شعير، ولا على لوز (1) مما، يؤكل ولا يسجد على الخبز (2). وله أيضا في النهاية:
فجوز السجود على القطن والكتان قبل الغزل والنسج، وتوقف بعد الغزل (3).
وضعفه ظاهر بما مر.
نعم، في الصادقي المروي عن تحف العقول: كل شئ يكون غذاء الانسان
في مطعمه أو مشربه أو ملبسه فلا تجوز الصلاة عليه ولا السجود، إلا ما كان
من نبات الأرض من غير غير ثمر قبل أن يصير مغزولا، فإذا صار مغزولا فلا تجوز
الصلاة عليه، إلا في حال الضرورة (4). وهو ظاهر فيما ذكره، إلا أن في الاستناد
إليه لقصور سنده مناقشة.
(وفي) جواز السجود على (الكتان والقطن روايتان، أشهرهما المنع)
وهو أظهرهما، بل عليه عامة متأخري أصحابنا، بل وقدمائهم أيضا، عدا
المرتضى في بعض رسائله (5)، مع أنه قد أفتى بالمنع أيضا في جملة من كتبه (6)،
مدعيا في بعضها الاجماع عليه (7) كالشيخ في الخلاف (8)، والفاضل في
المختلف (9)، وهو ظاهر كل من ادعى الاجماع على اعتبار الأرضية، أو ما ينبت

(1) في المطبوع " نور "
(2) الخصال: في حديث الأربعمائة ج 2 ص 628 وفيه لون.
(3) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة فيما يجوز الصلاة فيه ج 1 ص 362 وفيه " الأقرب فيه المنع ".
(4) تحف العقول: في ما يجوز من اللباس ص 338، باختلاف.
(5) المسائل الموصلية (رسائل المرتضى): المسألة الثالثة في كراهة السجود على الثوب المنسوج ج 1
ص 174.
(6) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصلاة في مقدمات الصلاة... ج 3 ص 29،
والانتصار: في السجود على الثوب ص 38.
(7) الإنتصار: في السجود على الثوب ص 38.
(8) الخلاف: كتاب الصلاة م 112 في عدم جواز السجود إلا على الأرض ج 1 ص 357.
(9) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 86 س 34.
287

منها ما لم يكن مأكولا وملبوسا. وهو حجة أخرى معاضدة للرواية، مع صحة
أكثرها واستفاضتها عموما وخصوصا، وقد مضى شطر منها.
ومنها - زيادة عليه - الرضوي: كل شئ يكون غذاء الانسان في المطعم
والمشرب والثمر والكثر فلا يجوز الصلاة عليه، ولا على ثياب القطن، والكتان
والصوف والشعر والوبر، وعلى الجلد، إلا على شئ لا يصلح للبس فقط،
وهما مما يخرج من الأرض إلا أن يكون حال ضرورة (1).
والصادقي المروي عن الخصال: لا تسجد إلا على الأرض، أو ما أنبتت
الأرض، إلا المأكول والقطن والكتان (2). إلى غير ذلك من النصوص.
وأما الرواية الثانية: فهي وإن كانت مستفيضة إلا - أنها بحسب السند
قاصرة، بل جملة منها ضعيفة، ومع ذلك نادرة غير مكافئة لشئ مما قدمناه من
الأدلة موافقة للعامة، فلتكن مطرحة، أو محمولة على الضرورة، أو التقية وإن
استدعي في بعضها الجواب عن السجود من غير تقية، إذ لا يلزم الإمام - عليه
السلام - إلا الجواب بما فيه مصلحة السائل من التقية أو غيرها وإن ألح عليه في
سؤال الحكم من غير تقية.
وأما الجمع بينها وبين الأخبار المانعة بحملها على الكراهة كما استحسنه في
المعتبر وتبعه بعض من تبعه فضعيف في الغاية، لكونه فرع التكافؤ، بل ورجحان
الأخبار المرخصة، مع أن الأمر بالعكس، كما عرفته.
مع أن المنع في جملة من الأخبار المانعة لا يمكن صرفه الكراهة، لتعلقه
بجملة (مما لا يجوز السجود عليه) ويحرم بإجماع الطائفة بعبارة واحدة.

(1) فقه الرضا عليه السلام: ب 53 في اللباس وما يكره فيه الصلاة و... ص 302، وفيه: " لا يصلح
للملبس فقط، فهو ما يجوز، وأحسن منه الأرض " الخ.
(2) الخصال: أبواب المائة فما فوقه في شرائع الدين ج 2 ص 604.
288

واستعمال اللفظة الواحدة في معنييه الحقيقي والمجازي في استعمال واحد
مرغوب عنه عند المحققين كما تقرر في محله. فتأمل.
وبالجملة: القول بالجواز ضعيف في الغاية، كتردد الماتن هنا فيما يستفاد
من ظاهر العبارة، وفي الشرائع، ونحوه الفاضل في التحرير، والصيمري في شرح
الشرائع، حيث اقتصروا على نقل الروايتين أو القولين، مع نسبة المنع إلى
المشهور من غير ترجيح في البين (1)، بل المقطوع به المنع (إلا مع الضرورة)
بفقد ما يصح السجود عليه، أو عدم التمكن منه لتقية ونحوها، فيصح السجود
عليه - حينئذ - اتفاقا، فتوى ونصا.
ومنه - زيادة على ما تقدم - الصحيح: عن الرجل يسجد على المسح
والبساط؟ فقال: لا بأس إذا كان في حال التقية (2).
ونحوه الموثق (3) والرضوي: وإن كانت الأرض حارة تخاف على جبهتك أن
تحترق، أو كانت ليلة مظلمة خفت عقربا أو حية أو شوكة أو شيئا يؤذيك فلا
بأس أن تسجد على كمك إذا كان من قطن أو كتان (4). وقريب منه كثير من
النصوص الدالة على جواز السجود عليهما في شدة الحر والرمضاء (5)، مضافا إلى
الأدلة الآتية، الدالة على جواز السجود على ما لا يصح عليه في حال الاختيار
في حال الضرورة، منطوقا في بعض وفحوى في أخرى.
(ولا) يجوز أن (يسجد على شئ من بدنه) اختيارا، إذ ليس أرضا،

(1) شرائع الاسلام: كتاب الصلاة في ما يسجد عليه ج 1 ص 73، وتحرير الأحكام: كتاب الصلاة في
ما يسجد عليه ج 1 ص 34 س 11، وغاية المرام: كتاب الصلاة في مكان المصلي ص 32، مخطوط.
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب ما يسجد عليه ح 1 ج 3 ص 596.
(3) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب ما يسجد عليه ح 2 ج 3 ص 596.
(4) فقه الرضا (ع): ب 7 في الصلوات المفروضة ص 114.
(5) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب ما يسجد عليه ج 3 ص 596.
289

ولا ما ينبت منها، (فإن منعه الحبر) أو البرد أو نحوهما من السجود عليهما ولم
يتمكن من دفع المانع ولو بالتبريد مثلا (سجد على ثوبه) مطلقا، فإن لم
يتمكن منه سجد على ظهر كفه بلا خلاف، للضرورة المبيحة لكل محظور،
وللنصوص المستفيضة، بل المتواترة ولو معنى، وقد مضى شطر منها، وستأتي
جملة أخرى.
وأما الترتيب بين الثوب والكف بتقديم الأول على الثاني فقد ذكره جماعة.
من الأصحاب، من غير نقل خلاف.
وربما يشعر به الخبران. في أحدهما: قلت له: أكون في السفر فتحضر
الصلاة، وأخاف الرمضاء على وجهي كيف أصنع؟ قال: تسجد على بعض
ثوبك قلت: ليس علي ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه ولا ذيله، قال: اسجد
على ظهر كفك، فإنها إحدى المساجد (1).
وفي الثاني المروي عن علل الصدوق: عن الرجل يكون في السفر فينقطع
عليه الطريق، فيبقى عريانا في سراويل، ولا يجد ما يسجد عليه، يخاف إن
سجد على الرمضاء أحرقت وجهه، قال: يسجد على ظهر كفه، فإنها إحدى
المساجد (2). ولا دلالة فيهما على اعتبار الترتيب، بل ولا إشعار أيضا، فيشكل
إثباته بهما، بل وبالقاعدة أيضا إذا كان الثوب من غير القطن والكتان، من نحو
الشعر والصوف، لعدم الفرق بينهما وبين الكف في عدم جواز السجود عليها
اختيارا، واشتراك الضرورة المبيحة له عليها اضطرارا.
نعم، لو كان من القطن والكتان أمكن القول بأولوية تقديمهما على اليد،
بناء على الفرق بينها وبينهما في حالة الاختيار بالاجماع على العدم فيها حينئذ،

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب ما يسجد عليه ح 5 ج 3 ص 597، باختلاف يسير.
(2) علل الشرائع: ب 41 في العلة التي من أجلها يجوز السجود... ح 1 ج 2 ص 341.
290

والخلاف فيهما نصا وفتوى،. فتقديمهما عليها لعلة أولى، فتأمل جدا.
(ويجوز السجود على الثلج والقير وغيره) من المعادن ونحوها، (مع
عدم الأرض وما ينبت منها، فإن لم يكن) شئ من ذلك موجودا
(فعلى) ظهر (كفه) لعين ما مضى، مضافا إلى النصوص الأخر المستفيضة.
ففي الخبر: إن أمكنك أن لا تسجد على الثلج فلا تسجد عليه وإن لم
يمكنك فسوه واسجد عليه (1).
وفي الصحيح: عن الصلاة في السفينة - إلى أن قال -: يصلي على القير
والقفر ويسجد عليه (2).
وفي آخر: عن السجود على القفر والقير، فقال: لا بأس به (3). ويستفاد منه
كغيره جواز السجود على القير مطلقا، ولكنها حملت على الضرورة أو التقية،
جمعا بينها وبين الأدلة المانعة من الاجماعات المحكية، والنصوص المستفيضة
المانعة عن السجود عليه عموما وخصوصا.
والجمع بينهما بحمل المانعة على الكراهة إن لم ينعقد الاجماع على الحرمة
لا وجه له، لكثرة الأدلة المانعة، ومخالفتها العامة، وموافقتها الخاصة، فتكون هذه
الروايات بالإضافة إليها مرجوحة لا يمكن الالتفات إليها بالكلية.
(ولا بأس) بالسجود على (القرطاس) (4) بلا خلاف فيه في الجملة، بل
عليه الاجماع في ظاهر جماعة، وصريح المسالك والروضة (5)، والصحاح به مع

(1) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب مكان المصلي ح 3 ج 3 ص 457.
(2) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب ما يسجد عليه ح 6 ج 3 ص 600.
(3) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب ما يسجد عليه ح 4 ج 3 ص 599.
(4) في المتن المطبوع: " بالقرطاس ".
(5) مسالك الأفهام: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 26 س 9، والروضة البهية: كتاب الصلاة
فيما يصح السجود عليه ج 1 ص 557.
291

ذلك مستفيضة:
منها: عن القراطيس والكواغذ المكتوبة، هل يجوز السجود عليها أم لا؟
فكتب: يجوز (1) وعمومه من وجهين كإطلاق البواقي، وكلام الأصحاب على
الظاهر المصرح به في كلام جماعة يقتضي عدم الفرق في القرطاس بين القطن
وغيره، حتى الإبريسم، خلافا للفاضل في جملة من كتبه وغيره، فاعتبروا كونه
مأخوذا من غير الإبريسم، لأنه ليس بأرض، ولا من نباتها (2).
وهو تقييد للنص، وكلام الأصحاب من غير دليل، عدا مراعاة الجمع بينه
وبين ما مضى من الأدلة على اعتبار كون ما يسجد عليه أرضا، أو ما أنبتته،
بحملها على ظاهرها.
وإرجاع إطلاق النص والفتاوى هنا إليها، بتقييده بما إذا كان من نبات
الأرض، لا مطلقا ولا دليل عليه، مع عدم إمكانه من حيثما اشتمال القرطاس
على النورة المستحيلة، فلا فرد له آخر يبقى بعد التقييد (3) أو التخصيص، بل
لا بد من طرحه أو العمل به بإطلاقه. والأول باطل اتفاقا، فتوى ونصا، فتعين
الثاني. ولا يتوجه حينئذ أن يجعل إطلاق النص هنا مقيدا لما مضى بالنسبة
إلى النورة خاصة. ويعكس بالنسبة إلى غيرها، لأن هذا تخريج بحت لا يمكن
المصير إليه قطعا، لعدم شاهد عليه أصلا.
ثم إن كل ذا على تقدير صدق كونه من نبات الأرض عرفا إن اتخذ منه.
وعدم خروجه واستحالته بصيرورته قرطاسا إلى حقيقة أخرى، وإلا فلا
إشكال في كون إطلاق النص والفتوى هنا مقيدا للأدلة المانعة من السجود

(1) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب ما يسجد عليه ح 2 ج 3 ص 601.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في ما يسجد عليه ج 1 ص 92 س 6. ونهاية الإحكام: كتاب الصلاة
في ما يسجد عليه ج 1 ص 362.
(3) في نسخة (م) و (ش) " التحقيق " بدل " التقييد ".
292

على ما ليس بأرض ولا نباتها.
فإن التعارض بينهما حينئذ تعارض العموم والخصوص مطلقا، لا من
وجه، والجمع بينهما لا يكون إلا بتخصيص العام بالخاص قطعا، مع أن على
قولهم لو شك في جنس المتخذ منه كما هو الأغلب - لم يصح السجود عليه،
للشك في حصول شرط الصحة، وبهذا ينسد باب السجود عليه غالبا، وهو غير
مسموع في مقابل النص وعمل الأصحاب.
وبالجملة: فما ذكروه من التقييد ضعيف وأضعف منه توقف الشهيد في
أصل السجود عليه مطلقا، حيث قال: وفي النفس من القرطاس شئ من
حيث اشتماله على النورة المستحيلة عن اسم الأرض بالاحراق.
قال: إلا أن نقول: الغالب جوهر القرطاس أو نقول: جمود النورة يرد إليها
اسم الأرض (1). فإن هذا الايراد متوجه لولا خروج القرطاس بالنص
الصحيح (2)، وعمل الأصحاب.
وما رفع به الاشكال غير واضح، فإن أغلبية المسوغ لا تكفي مع امتزاجه
بغيره، وانبثاث أجزائهما بحيث لا يتميز وكون جمود النورة يرد إليها اسم الأرض
في غاية الضعف.
(ويكره منه ما فيه كتابة) بلا خلاف، للصحيح: أنه - عليه السلام - كره
أن يسجد على قرطاس عليه كتابة (3). والكراهة فيه مراد بها المعنى
الاصطلاحي بالاجماع، والصحيح الماضي. هذا إن لاقي الجبهة ما يقع عليه اسم
السجود خاليا من الكتابة، وإلا فلم يجز، كما أنه لا يكره إذا كانت الكتابة من طين
ونحوه مما يصح السجود عليه، لأنه فرد نادر لا ينصرف إليه إطلاق النص والفتوى.

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في ما يسجد عليه ص 160 س 2.
(2) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب ما يسجد عليه ح 2 ج 3 ص 601.
(3) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب ما يسجد عليه ح 3 ج 3 ص 601.
293

(ويراعى فيه أن يكون مملوكا) للمصلي ولو منفعة (أو مأذونا فيه)
كما مضى
(خاليا من النجاسة) إجماعا، محققا ومحكيا في كلام جماعة
كالغنية (1) والمعتبر (2) والمنتهى والمختلف والتذكرة (3) والذكرى (4) وروض
الجنان (5)، وشرح القواعد للمحقق الثاني (6) وغيرهم، والظواهر المعتبرة
المستفيضة.
ففي الصحيح: عن البول يكون على السطح، وفي المكان الذي يصلى فيه
فقال: إذا جففت الشمس فصل عليه فهو طاهر (7).
وقريب منه: الصحيح المتقدم، المتضمن للسؤال عن السجود على الجص
الموقد عليه النار وعظام الموتى. والجواب عنه بقوله: - إن الماء والنار قد طهراه.
وقريب منهما: النصوص الدالة على اشتراط جعل الكنيف مسجدا
بتطهيره بالتراب (8).
والنبوي - صلى الله عليه وآله -: جنبوا مساجدكم النجاسة (9).
وأما المعتبرة الواردة بجواز الصلاة في الأمكنة التي أصابها البول والمني إذا

(1) غنية النزوع (الجوامع الفقهية) كتاب الصلاة في مكان المصلي ص 493 س 28.
(2) المعتبر: كتاب الطهارة في أحكام النجاسات ج 1 ص 433.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في ما يسجد عليه ج 1 ص 253 س 13، ومختلف الشيعة: كتاب
الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 86 س 25، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1
ص 87 س 31.
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة فيما يسجد عليه ص 160 س 37.
(5) روض الجنان: كتاب الصلاة في مكان المصلي ص 221 س 3.
(6) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 2 ص 126 و 163.
(7) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب النجاسات ح 1 ج 2 ص 1042.
(8) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب أحكام المساجد ج 2 ص 490.
(9) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب أحكام المساجد ح 2 ج 3 ص 504.
294

كانت يابسة (1) فغير واضحة المعارضة، بعد قوة احتمال اختصاصها بإرادة
ما عدا موضع الجبهة، كما فهمه الأصحاب الذين لم يشترطوا طهارة ما عدا
موضعها إذا لم تتعد النجاسة، حيث استدلوا بها في تلك المسألة. وفيها أيضا
ضعف دلالة من وجه آخر، ليس لذكره كثير فائدة.
وأما ما ينقل عن الراوندي، وصاحب الوسيلة من المخالفة في المسألة (2) فغير
معلومة كما بينته في شرح المفاتيح بما لا مزيد عليه.

(1) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1043.
(2) كما في مختلف الشيعة: كتاب الطهارة في أحكام النجاسات ج 1 ص 61 س 12، والوسيلة: كتاب
الصلاة في بيان حكم التطهير ص 79.
295

(السابعة: في الأذان والإقامة)
(والنظر) هنا يقع (في) أمور أربعة: (المؤذن، وما يؤذن له، وكيفية
الأذان ولواحقه (1)).
(أما المؤذن: فيعتبر فيه) لصحة أذانه والاعتداد به (العقل) حال
الأذان، (و) كذا (الاسلام) إجماعا على الظاهر المصرح به في المعتبر (2)
والتذكرة والمنتهى (3) وشرح القواعد للمحقق الثاني (4)، والذكرى (5)، وروض
الجنان (6)، لكن في الأخير خاصة. وهو الحجة، مضافا إلى الموثقة الآتية، وأنه
عبادة توقيفية يجب الاقتصار فيها على المتيقن توبته من الشريعة، وليس إلا إذا
كان المؤذن متصفا بهذين الوصفين، ولأنه أمين وضامن كما في النصوص من
طرق الخاصة والعامة:

(1) في المتن المطبوع: (والإقامة ولواحقهما).
(2) المعتبر: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 2 ص 125.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 107 س 14 و 15، ومنتهى المطلب:
كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 257 س 9.
(4) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 2 ص 114.
(5) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ص 172 س 2 و 6.
(6) روض الجنان: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ص 242 س 17 - 18.
296

منها: المؤذن مؤتمن، والإمام ضامن (1).
ومنها: في المؤذنين أنهم الأمناء (2). لا والكافر والمجنون لا أمانة لهما، مع كون
عبارة الأخير مسلوبة العبرة، فكأنه ما صدر منه أذان أصلا.
وفي حكمه الصبي الغير المميز. وفي اشتراط الايمان قولان: ظاهر الأكثر، لا
للنصوص الظاهرة في جواز الاعتماد على أذان هؤلاء.
منها: الصحيح: صل الجمعة بأذان هؤلاء، فإنهم أشد مواظبة على
الوقت (3).
وفي الخبر: إذا نقص المؤذن الأذان وأنت تريد أن تصلي بأذانه فأتم ما نقص
هو من أذانه (4). والأصح اشتراطه وفاقا لجماعة، لما مر من القاعدة، ولبطلان
عبادة المخالف كما في النصوص الكثيرة.
وخصوص النبوي: يؤذن لكم خياركم (5). خرج منه المجمع على جوازه،
فبقي الباقي.
وللموثق: عن الأذان، هل يجوز أن يكون من غير عارف؟ قال: لا يستقيم
الأذان، ولا يجوز أن يؤذن به إلا رجل مسلم عارف، فإن علم الأذان وأذن
به ولم يكن عارفا لم يجز أذانه ولا إقامته، ولا يقتدى به (6). والمراد بالعارف:
الإمامي كما يستفاد من تتبع النصوص.
وفي الصحيح: إذا دخل الرجل المسجد وهو لا يأتم بصاحبه وقد بقي على

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الأذان والإقامة ح 2 ج 4 ص 618.
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الأذان والإقامة ح 6 ج 4 ص 619.
(3) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الأذان والإقامة ح 1 ج 4 ص 618.
(4) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب الأذان والإقامة ح 1 ج 4 ص 659.
(5) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب الأذان والإقامة ح 3 ج 4 ص 640.
(6) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الأذان والإقامة ح 1 ج 4 ص 654.
297

الإمام آية أو آيتان فخشي إن هو أذن وأقام أن يركع فليقل: قد قامت الصلاة،
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، وليدخل في الصلاة (1).
وفي الخبر: أذن خلف من قرأت خلفه (2). ولا يعارضها الخبران السابقان،
وإن صح أو لهما، وانجبر بالشهرة ثانيهما، لقصور دلالتهما (3).
فالأول باحتمال أن يكون المراد: جواز الاعتداد بأذانه في معرفة الوقت،
حيث لا يمكن العلم بدخوله، بناء على حصول الظن منه به، لا ترك الأذان
بسماع أذانه (بل لعله الظاهر من سياقه وهو التعليل) (4) فتأمل.
والثاني باحتمال اختصاص المؤذن فيه بالمؤمن المنقص لبعض الفصول
سهوا، مطلقا.
(ولا يعتبر فيه البلوغ) ولا الحرية (فالصبي (5)) المميز يجوز أن
(يؤذن) (و) كذا (العبد) (6) إجماعا على الظاهر المصرح به في المنتهى
والتذكرة (7) فيهما معا، وفي الخلاف (8) والمعتبر (9) والذكرى (10) وشرح القواعد

(1) وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب الأذان والإقامة ح 1 ج 4 ص 663.
(2) وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب الأذان والإقامة ح 2 ج 4 ص 664.
(3) في هامش الشرح المطبوع فقط توجد هذه الجملة " مع أنه روي مضمونه صحيحا ".
(4) ما بين القوسين أثبتناه من المخطوطات من دون كلمة " فتأمل " فإنه موجود فقط في نسخة (مش) خ
ل.
(5) في المتن المطبوع " والصبي ".
(6) في المتن المطبوع " العبد يؤذن ".
(7) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 257 س 14 و 24، وتذكرة الفقهاء:
كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 107 س 16 و 19.
(8) الخلاف: كتاب الصلاة م 23 في الأذان والإقامة ح 1 ص 281.
(9) المعتبر: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 2 ص 125.
(10) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ص 172 س 3.
298

للمحقق الثاني (1) في الأول خاصة. وهو الحجة، مضافا إلى العموم في الأخير،
مضافا إلى فحوى ما دل على جواز إمامته، كما يأتي إن شاء الله تعالى.
وخصوص المعتبرة المستفيضة في الأول، وفيها الصحيح وغيره: لا بأس أن
يؤذن الذي لم يحتلم (3). وبها مضافا إلى الاجماع يخص ما دل على اعتبار أمانة
المؤذن (3). وحديث: يؤذن لكم خياركم (4).
(و) يشترط الذكورة أيضا في الاعتداد عند الأكثر، إلا أن (تؤذن المرأة
للنساء) أو المحارم خاصة لظاهر الموثق السابق: لا يؤذن إلا رجل مسلم عارف،
وإن لم يبق على عمومه، لجواز أذان الصبي، وأذانها لهن وللمحارم إذا لم
يسمعها الأجانب. فإن العام المخصص حجة في الباقي.
قيل: ولأنها إن أسرت لم يسمعوا، ولا اعتداد بما لا يسمع. وإن جهرت كان
أذانا منهيا عنه، فيفسد للنهي، فكيف يعتد به!؟ (5). ويضعف بعد تسليم النهي
بأنه عن كيفيته وهو لا يقتضي فساده. وأيضا فلا يتم فيما إذا جهرت وهي
لا تعلم بسماع الأجانب، فاتفق أن سمعوه، وأيضا فاشتراط السماع في الاعتداد
ممنوع، وإلا لم يكره للجماعة الثانية ما لم تتفرق الأولى كذا قيل (6). وفي جميعه
نظر ما عدا الوجه الثاني، فإنه حسن، إلا أنه يحتمل خروج ما فرض فيه عن
محل النزاع. خلافا للمبسوط، فأطلق اعتداد الرجال بأذانها.
قيل: إن أراد الاعتداد مع الاسرار فهو بعيد، لأن المقصود بالأذان الابلاغ،

(1) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 2 ص 175.
(2) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب الأذان والإقامة ح 1 و 3 ج 4 ص 661.
(3) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الأذان والإقامة ح 2 و 6 ج 4 ص 618 و 619.
(4) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب الأذان والإقامة ح 3 ج 4 ص 640.
(5) القائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 207 س 14.
(6) القائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ح 1 ص 207 س 15.
299

وعليه قوله - صلى الله عليه وآله -: ألقه على بلال، فإنه أندى منك صوتا.
وإن أراد مع الجهر فأبعد للنهي عن سماع صوت الأجنبية.
إلا أن يقال: إنه من قبيل الأذكار وتلاوة القرآن مستثنى كما استثني
الاستفتاء من الرجال، وتعلمهن منهم والمحاورات الضرورية (1).
والأجود في الجواب: عدم دليل على جواز الاعتداد بأذانها، لاختصاص
ما دل على جواز الاعتداد بأذان الغير بحكم التبادر وغيره بغير أذانها، فيكون
بالأصل مدفوعا، مضافا إلى ما قدمناه للمشهور دليلا من الموثقة وغيرها.
(ويستحب أن يكون عدلا) (2) بلا خلاف إلا من الإسكافي،
فأوجبه (3)، وهو شاذ، بل على خلافه الاجماع في صريح المنتهى (4) وظاهر المحقق
الثاني (5)، والشهيد في الذكرى (6). وهو الحجة عليه، مضافا إلى النصوص
المتقدمة في الصبي، لعدم تعقل اتصافه بالعدالة، بناء على أنها من أوصاف
المكلفين.
قيل: يحتمل أن يريد عدم الاعتداد به في دخول الوقت (7)، وعليه فلا
خلاف (صيتا) شديد الصوت، كما عن جماعة من اللغويين، لما مر من قوله
- صلى الله عليه وآله -: ألقه على بلال، فإنه أندى منك صوتا (8). ولغيره من

(1) والقائل هو الشهيد في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في، الأذان والإقامة ص 172 س 15،
باختلاف ولكنه مطابق لما في كشف اللثام.
(2) في المتن المطبوع " عادلا ".
(3) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 90 س 22.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 257 س 21.
(5) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 2 ص 176.
(6) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ص 172 س 19.
(7) والقائل هو كاشف اللثام: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 207 س 22.
(8) سنن أبي داود: كتاب الصلاة باب كيف الأذان ح 499 ج 1 ص 135.
300

النصوص، وفيها الصحيح وغيره (1) ولأن إبلاغها أبلغ والمنتفعين بصوته أكثر
مبصرا (ليتمكن - من معرفة الوقت) (2)
(بصيرا بالأوقات) التي يؤذن، ولا
خلاف في جواز أذان غيرهما. فإن ابن أم مكتوم كان يؤذن لرسول الله - صلى
الله عليه وآله - والجاهل بالأوقات ليس أسوء حالا من الأعمى، لكنهما إنما يجوز
لهما أن يؤذنا إذا سددا، ولا يعتمد على أذانهما في دخول الوقت.
نعم، إذا علم الوقت وأذنا اكتفي بأذانهما، للأصل والعمومات (متطهرا)
من الحدثين إجماعا على الظاهر المصرح به في المعتبر (3) والمنتهى والتذكرة (4)
وغيرها، وهو الحجة.
مضافا إلى النبوي المشهور: حق وسنة أن لا يؤذن أحد إلا وهو طاهر (5).
وظاهره عدم الوجوب كما في المعتبرة المستفيضة، وفيها الصحاح وغيرها، وفيها
الدلالة على لزومه في الإقامة (6)، كما عليه جماعة، لسلامتها عن المعارض
بالكلية، عدا الأصل. ويجب تخصيصه بها فيما عليه الأكثر من الاستحباب فيها
غير ظاهر الوجه (قائما) إجماعا، كما في الكتب المتقدمة (7) ونهاية الإحكام

(1) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب الأذان والإقامة ج 4 ص 639.
(2) ما بين القوسين لا يوجد في نسخة (م) و (ق) و (ش).
(3) المعتبر: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 2 ص 127.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 257 س 35، وتذكرة الفقهاء: كتاب
الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 107 س 30.
(5) سنن الكبرى: كتاب الصلاة باب لا يؤذن إلا طاهر ج 1 ص 397.
(6) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الأذان والإقامة ج 4 ص 627.
(7) المعتبر: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 2 ص 128 ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في الأذان
والإقامة ج 1 ص 258 س 18 و 19، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 107
س 42.
301

للعلامة (1) وللنص المحمول على الاستصحاب (2)، للمعتبرة المستفيضة بجواز
الترك، وفيها أيضا الصحاح وغيرها، وظاهرها اللزوم في الإقامة أيضا (3)، كما هو
ظاهر المفيد (4) والنهاية (5). وتبعهما جماعة. خلافا للأكثر فكما مر.
نعم، في بعض الأخبار المرخصة في الإقامة وهو ماش إلى الصلاة (6). وعن
المقنع: وإن كنت إماما فلا تؤذن إلا من قيام (7).
ويستحب قيامه (على) موضع (مرتفع) بلا خلاف إلا من المبسوط.
فقال: لا فرق بين أن يكون الأذان. في المنارة أو على الأرض (8). والظاهر أن
مراده: المساواة في الأجزاء أو الاستحباب.
وإلا فإنه قال: ويستحب أن يكون المؤذن على موضع مرتفع.
وكيف كان، فهو على تقدير المخالفة شاذ، بل على خلافه في التذكرة
ونهاية الإحكام الاجماع (9). وهو الحجة.
مضافا إلى الخبر، بل هو في المحاسن صحيح كما قيل (10): عن رسول الله
- صلى الله عليه وآله - أنه كان يقول: إذا دخل الوقت يا بلال اعل فوق الجدار،

(1) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة الأذان والإقامة ج 1 ص 423.
(2) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الأذان والإقامة ح 11 ج 4 ص 636.
(3) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الأذان والإقامة ج 4 ص 634.
(4) المقنعة: كتاب الصلاة ب 7 في الأذان والإقامة ص 99.
(5) النهاية: كتاب الصلاة باب الأذان والإقامة وأحكامها وعدد فصولها ص 66.
(6) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الأذان والإقامة ح 9 ج 4 ص 635.
(7) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة باب الأذان والإقامة ص 8 س 1
(8) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر الأذان والإقامة وأحكامهما ج 1 ص 96.
(9) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 107 السطر الأخير، ونهاية الإحكام: كتاب
الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 424.
(10) والقائل هو كاشف اللثام: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 207 س 32.
302

وارفع صوتك بالأذان (1). مع أنه أبلغ في الابلاغ المقصود من شرعيته.
(مستقبل القبلة) إجماعا، محققا ومحكيا، والكلام في وجوبه في الإقامة وعدمه
كما تقدم في سابقة، فتوى ودليلا.
ويتأكد في الشهادتين، للصحيح: عن الرجل يؤذن وهو يمشي؟ قال: نعم،
إذا كان في التشهد مستقبل القبلة فلا بأس (2) (رافعا) به (صوته)
للصحاح المستفيضة.
منها - زيادة على ما مر عن الأذان فقال: اجهر به صوتك، وإذا أقمت
فدون ذلك (3).
ومنها: كلما اشتد صوتك من غير أن تجهد نفسك كان من يسمع أكثر، وكان
أجرك في ذلك أعظم (4).
ومنها: إذا أذنت فلا تخفين صوتك، فإن الله تعالى يأجرك مد صوتك فيه (5).
(وتسر به المرأة) عن الأجانب، لأن صوتها عورة يجب ستره، أو
يستحب، وظاهر العبارة استحباب الستر، أو وجوبه مطلقا، ولا وجه له على
التقدير الأخير، ولا بأس به على الأول، لأنه أنسب بالحياء المطلق منها، كما
يرشد إليه من النصوص ما مر في استحباب أن لا تحضر المساجد، وأن صلاتها
في بيتها أفضل منها فيه (6).
(ويكره الالتفات به يمينا وشمالا) لمنافاته الاستقبال المأمور به كما
مضى. خلافا لبعض العامة العمياء (7).

(1) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب الأذان والإقامة ح 7 ج 4 ص 640.
(2) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الأذان والإقامة ح 7 ج 4 ص 635.
(3) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب الأذان والإقامة ج 4 ص 640 وفيه اختلاف.
(4) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب الأذان والإقامة ح 2 و ح 5 ج 4 ص 640.
(5) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب الأذان والإقامة ح 2 و ح 5 ج 4 ص 640.
(6) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب أحكام المساجد ج 3 ص 509.
(7) انظر الفقه على المذاهب الأربعة: كتاب الصلاة في مندوبات الأذان وسنته ج 1 ص 317.
303

(ولو أخل بالأذان والإقامة ساهيا (1) وصلى تداركهما) استحبابا (ما لم
يركع، واستقبل صلاته، ولو تعمد) الاخلال بهما (لم) يجز أن (يرجع)
على الأظهر الأشهر.
بل لعله عليه عامة من تأخر، للصحيح: إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن
تؤذن وتقيم ثم ذكرت قبل أن تركع فانصرف، وأذن وأقم واستفتح الصلاة،
وإن كنت قد ركعت فأتم على صلاتك (2). وفيه الدلالة على حكمي النسيان
والعمد، منطوقا في الأول، ومفهوما في الثاني. وبه صرح فخر المحققين (3)،
ويعضد الثاني زيادة عليه عموم دليل تحريم إبطال العمل (4)، مع اختصاص
ما دل على جوازه هنا بالصورة الأولى، والأمر بالإعادة في الرواية في هذه
الصورة محمول على الندب بدلالة المعتبرة المستفيضة.
ففي الصحيح: رجل نسي الأذان والإقامة دخل في الصلاة، قال:
ليس عليه شئ (5).
ونحوه آخر بزيادة التعليل بقوله: فإنما الأذان سنة (6).
وفي الخبر: رجل ينسى الأذان والإقامة حتى يكبر، قال يمضي على
صلاته ولا يعيد (7). ونحوه غيره، (8).

(1) في المتن المطبوع " ناسيا " بدل " ساهيا ".
(2) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب الأذان والإقامة ح 3 ج 4 ص 657.
(3) إيضاح الفوائد: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 97.
(4) محمد: 33.
(5) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب الأذان والإقامة ح 2 ج 4 ص 657.
(6) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب الأذان والإقامة ح 1 ج 4 ص 657.
(7) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب الأذان والإقامة ح 7 ج 4 ص 658.
(8) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب الأذان والإقامة ح 8 ج 4 ص 658.
304

خلافا للنهاية والسرائر. فقالا بالعكس: يرجع إذا لم يركع، مع تعمد
الاخلاف، ويمضى مع النسيان (1). وللمبسوط، فأطلق الرجوع ما لم يركع (2). وحجة
القولين غير واضحة، مع مخالفتهما الأصل المتقدم في العمد، مضافا إلى مخالفتهما
الصحيح المعتضد بفتوى الأكثر.
نعم، يمكن الاستدلال لما في النهاية، لصورة النسيان بالمستفيضة المتقدمة،
الدالة على عدم الإعادة فيها، وحيث لا إعادة حرم، للأصل المتقدم لتحريم
إبطال العمل.
ولصورة العمد بالخبر: عن رجل نسي أن يؤذن ويقيم حتى كبر، ودخل في
الصلاة، قال: إن كان دخل المسجد ومن نيته أن يؤذن ويقيم فليمض في
صلاته ولا ينصرف (3). فإن مفهومه عدم الامضاء في الصلاة إذا لم يكن من
نيته الأذان، وهو عام شامل لصورة العمد. وفي الجميع نظر؟ لضعف هذا الخبر
سندا، بل يحتمل دلالة. فتدبر. وعدم دلالة المستفيضة إلا على عدم لزوم
الرجوع، لا حرمته، واستفادتها من الأصل المتقدم حسن إن لم تكن الصحيحة
السابقة الصريحة في الرخصة لا أقل منها موجودة.
وأما معها فيجب تخصيص الأصل بها، سيما مع اعتضادها بالشهرة،
وبأخبار أخر محتملة الموافقة لها في الدلالة على الرخصة.
منها: الصحيح: في الرجل ينسى الأذان والإقامة حتى يدخل في الصلاة،
قال: إن كان ذكر قبل أن يقرأ فليصل على النبي - صلى الله عليه وآله - وليقم،

(1) النهاية: كتاب الصلاة باب الأذان والإقامة وأحكامها وعدد فصولها ص 65، والسرائر: كتاب
الصلاة باب الأذان والإقامة وأحكامهما وعدد فصولهما ج 1 ص 209.
(2) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر الأذان والإقامة وأحكامهما ج 1 ص 95.
(3) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب الأذان والإقامة، ج 8 ح 4 ص 658.
305

وإن كان قد قرأ فليتم صلاته (1).
والحسن: عن الرجل يستفتح الصلاة، ثم يذكر أنه لم يقم، قال: فإن ذكر
أنه لم يقم قبل أن يقرأ فليسلم على النبي - صلى الله عليه وآله -، ثم يقيم
ويصلي، وإن ذكر بعد ما قرأ بعض السورة فليتم على صلاته (2).
قال في الذكرى بعد نقلهما: أشار بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله -
أو لا، وبالسلام في هذه الرواية إلى قطع الصلاة.
فيمكن أن يكون السلام على النبي - صلى الله عليه وآله - قاطعا لها،
ويكون المراد بالصلاة هناك: السلام، وأن يراد: الجمع بين الصلاة والسلام،
فيجعل القطع بهذا من خصوصيات هذا الموضع، لأنه قد روي أن التسليم على
النبي - صلى الله عليه وآله - آخر الصلاة ليس بانصراف.
ويمكن أن يراد: القطع بما ينافي الصلاة إما استدبار، أو كلام، ويكون
التسليم على النبي - صلى الله عليه وآله - مبيحا لذلك (3). وظاهره كما ترى
القطع بموافقة هاتين الروايتين للصحيحة في الدلالة على الرخصة، كما هو أيضا
ظاهر جماعة.
وأجابوا عن منافاتهما لهما من حيث الدلالة على المضي، وعدم الرجوع إن
شرع في القراءة، بجواز أن يكون الوجه أن الرجوع قبل القراءة آكد منه بعدها.
ولعل إذعانهم بدلالتهما على ما في الصحيحة من جواز القطع إنما هو للجمع
بين الأدلة، وإلا فلا دلالة لهما عليه ظاهرا، لقوة احتمال أن يكون المراد:
الاتيان بالصلاة على النبي، أو السلام، ثم الإقامة، ثم إتمام الصلاة من

(1) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب الأذان والإقامة ح 4 ج 4 ص 657.
(2) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب الأذان والإقامة ح 5 ج 5 ص 657.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ص 174 س 24.
306

دون قطع. ولا استبعاد فيه بعد ورود جملة من النصوص بمعناه.
ففي الخبر: قلت لأبي الحسن الرضا - عليه السلام -: جعلت فداك، كنت في
صلاتي، فذكرت في الركعة الثانية وأنا في القراءة أني لم أقم، فكيف أصنع؟
قال: اسكت موضع قراءتك، وقل: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، ثم
امض في قراءتك وصلاتك، وقد تمت صلاتك (1). وقريب منه الرضوي (2).
وعلى هذا الاحتمال تخرج الروايتان عن حيز الاعتضاد. ويبقى الكلام في
جواز العمل بهما على هذا الاحتمال وما شابههما.
واستشكله الشهيد - رحمه الله - في الذكرى، فقال: ويشكل بأنه كلام ليس
من الصلاة، ولا من الأذكار (3).
وأجيب عنه: باحتمال كون هذا مستثنى، ولا بعد فيه بعد ورود النص
به، سيما مع وجود النظائر المتفق عليها كغسل دم الرعاف، وقتل الحية، وإرضاع
الصبي في الصلاة، مع خروجها عنها اتفاقا، فلا يبعد كون ما نحن فيه كذلك
أيضا (4)، وهو حسن إن لم تشذ الرواية الدالة عليه، وإلا كما هو الظاهر فلا (5)،
سيما مع قصور الصريح منها كالرضوي، وسابقه سندا، والصحيح وما بعده
دلالة، لقوة احتمال ظهورهما فيما فهمه منهما القوم جدا
نظرا إلى قوله - عليه السلام -: فليتم على صلاته فيما إذا شرع في
القراءة (6) الظاهر في أنه لا يتم عليها قبل الشروع فيها، ولا يكون ذلك إلا

(1) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب الأذان والإقامة ح 6 ج 4 ص 658.
(2) فقه الرضا (ع): ب 7 في الصلوات المفروضة ص 116.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ص 174 س 22.
(4) وهو صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 17 ص 371، نقلا بالمعنى.
(5) في نسخة (مش) " ولا " بدل " فلا ".
(6) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب الأذان والإقامة ج 9 ج 4 ص 658.
307

بإبطالها ظاهرا، هذا مع قصور الجميع عن مقاومة مستند المشهور جدا.
وهنا رواية صحيحة، ظاهرها جواز الرجوع إلى الإقامة ما لم يفرغ من
صلاته ولو بعد الركوع، ولكنها مطلقة، محتملة للتقييد بما قبله كما أجاب به
عنها جمع، ومنهم الفاضل في المختلف، مدعيا الاجماع على عدم جواز الرجوع
بعد الركوع (1)، مع أن ظاهر الشيخ في التهذيبين العمل باطلاقها، حيث
حملها على الاستحباب (2).
ولعله لمجرد الجمع بين الأخبار من غير أن يقصد به الفتوى، ولكنها ظاهر
بعض متأخر متأخري الأصحاب (3)، وهو شاذ. وهنا أقوال أخر شاذة، لا جدوى
في التعرض لنقلها، ولا فائدة مهمة.
ثم إن ظاهر العبارة ونحوها كالصحيحة الأولى: اختصاص جواز الرجوع
بما إذا نسي الأذان والإقامة معا، والأصح جوازه للإقامة خاصة أيضا، وفاقا
لجماعة للصحيح والحسن المتقدمين، مضافا إلى الصحيح الأخير بالتقريب
الذي قدمناه في الجمع وعدمه للأذان وعدمه، لعدم الدليل عليه، لاختصاص
النصوص جملة بنسيانهما معا، أو الإقامة خاصة، والأصل حرمة إبطال العمل
كما عرفته. مضافا إلى دعوى الاجماع عليه في الايضاح (4). خلافا لثاني
المحققين في الأول (5)، وثاني الشهيدين في الثاني فنعم (6)، وما أبعد ما بينهما.

(1) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 89، س 6.
(2) تهذيب الأحكام: كتاب الصلاة ب 14 في الأذان والإقامة ج 2 ص 278، ذيل الحديث 7،
والاستبصار: كتاب الصلاة ب 166 في من نسي الأذان والإقامة حتى صلى أو دخل فيها ج 1
ص 304، ذيل الحديث 9.
(3) وهو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 3 ص 275.
(4) إيضاح الفوائد: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 97.
(5) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 2 ص 199.
(6) مسالك الأفهام: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 27 س 5.
308

ثم إن الفاضلين في الشرائع والتحرير اقتصرا على نسيان المنفرد (1)، ولعله
لاكتفاء الجامع بأذان غيره، مع بعد نسيان الجميع، أو للتنبيه بالأدنى على
الأعلى كما في الايضاح (2).
(وأما ما) يجوز أن يؤذن له لا من الصلوات (فالصلوات الخمس)
اليومية، ومنها: الجمعة (لا غير) إجماعا من المسلمين والعلماء كما في المعتبر (3)
والمنتهى (4) والذكر (5) وشرح القواعد للمحقق الثاني قال اتفاقا (6). وهو
الحجة، مضافا إلى أصالة عدم الشرعية، واختصاص ما دل على ثبوتها باليومية.
وفي الخبر الوارد في العيدين: ليس فيهما أذان ولا إقامة، ولكنه ينادي:
الصلاة ثلاث مرات (7) وهو صريح في نفيهما فيهما، ويتم المطلوب بعدم القائل
بالفرق، وظاهره استحباب النداء بالصلاة ثلاث مرات كما أفتى به جمع من
الأصحاب، وإن اختلفوا في الاقتصار على موردهما، أو التعدية إلى غير اليومية
مطلقا حتى النوافل، ولا بأس بهذا إن لم يحتمل التحريم مسامحة، ولا فرق في
استحبابهما لليومية بين أن تكون (أداء وقضاء) وإن كان استحبابهما في الأداء
آكد كما عن التذكرة والروض (8)، وادعى الأول الاجماع عليه. ويستحبان

(1) شرائع الاسلام: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 75، وتحرير الأحكام: كتاب الصلاة في
الأذان والإقامة ج 1 ص 36 س 3.
(2) إيضاح الفوائد: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ح 1 ص 97.
(3) المعتبر: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 2 ص 135.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 260 س 7.
(5) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ص 173 س 18.
(6) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 2 ص 169، وفي ص 167، فيه: " باجماع
العلماء ".
(7) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب صلاة العيد ح 1 ج 5 ص 101.
(8) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 106 س 29، وروض الجنان: كتاب
الصلاة في الأذان والإقامة ص 239 س 9.
309

(استحبابا) مؤكدا، سيما الإقامة مطلقا (للرجال والنساء) (المنفرد) (1)
منهما (والجامع) بل التأكد فيه أقوى.
كل ذلك على الأظهر الأشهر، بل لعلة عليه عامة من تأخر للأصل
والصحاح المستفيضة وغيرها الظاهرة، بل الصريحة في استحباب الأذان مطلقا.
ويلحق به الإقامة كذلك، لعدم القائل بالفرق بينهما كذلك على الظاهر المصرح
به في المختلف (2)، وأذعن له جماعة.
فالقول باستحبابه في كل موضع ووجوبها كذلك خرق للاجماع المركب.
هذا مضافا إلى بعض المعتبرة الآتية، الظاهر في استحباب الإقامة أيضا
بالتقريب الذي ستأتي إليه الإشارة.
وفي الصحيح المروي عن علل الصدوق - رحمه الله - والأذان والإقامة في
جميع الصلوات أفضل (3).
وفي الرضوي: أنهما من السنن اللازمة، وليستا بفريضة، وليس على النساء
أذان ولا إقامة، وينبغي لهن إذا استقبلن القبلة أن يقلن: أشهد أن لا إله إلا
الله، وأن محمدا رسول الله - صلى الله عليه وآله - (4).
(وقيل): والقائل الشيخان (5) وجماعة من القدماء (6) أنهما (يجبان)

(1) في نسخة (ش) والمتن المطبوع " والمنفرد ".
(2) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 88 س 1 - 2.
(3) علل الشرائع: ب 35 في العلة التي من أجلها لا يجوز ترك الأذان والإقامة... ح 1 ج 2 ص 337.
(4) فقه الرضا (ع): ب 6 في الأذان والإقامة ص 98.
(5) المقنعة: كتاب الصلاة ب 7 في الأذان والإقامة ص 97، والنهاية: كتاب الصلاة باب الأذان
والإقامة و... ص 94.
(6) المهذب: كتاب الصلاة باب الأذان والإقامة وأحكامها ج 1 ص 88، والكافي في الفقه: في صلاة
الجماعة ص 143، وجمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصلاة في حكم الأذان والإقامة
ج 3 ص 29.
310

(في) صلاة (الجماعة) إما مطلقا أو على الرجال خاصة على اختلاف
تعابيرهم.
للخبر: إن صليت جماعة لم تجز إلا أذان وإقامة، وإن كنت وحدك تبادر
أمرا تخاف أن يفوتك يجزيك إقامة، إلا الفجر والمغرب، فإنه ينبغي أن تؤذن
فيهما، وتقيم من أجل أنه لا تقصر فيهما كما تقصر في سائر الصلوات (1).
وهو مع ضعف سنده، وعدم مكافأته لما تقدم قاصر الدلالة، لأن الاجزاء
كما يجوز أن يراد به: الاجزاء (في الصحة كذا يجوز أن يراد به: الاجزاء) (2) في
الفضيلة، وهو وإن كان خلاف الظاهر لكن به تخرج الرواية عن الصراحة، بل
لا يبعد دعوى ظهوره من هذه الرواية بملاحظة ذيلها، المعبر عن عدم الاجزاء
المفهوم من قوله: " وإن كنت وحدك إلى قوله: يجزيك إقامة إلا الفجر
والمغرب " بقوله فيهما: " فإنه ينبغي أن تؤذن فيهما وتقيم " ولفظة " ينبغي " ظاهر
في الاستحباب.
مضافا إلى تعين إرادته منها هنا بملاحظة ما دل من الصحاح المستفيضة
وغيرها على استحباب الأذان، وهو أحد ما يتعلق به لفظ " ينبغي " فيكون
بالإضافة إلى الإقامة للاستحباب أيضا لوحدة السياق.
وحيث ثبت أن المراد بالاجزاء في ذيلها: الاستحباب فكذا في الصدر
لوحدة السياق. هذا مع أنه معارض زيادة على إطلاق جملة من الصحاح
بخصوص جملة من النصوص.
منها: الصحيح المروي عن قرب الإسناد: عن علي بن رئاب قال: سألت

(1) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الأذان والإقامة ح 7 ج 4 ص 624.
(2) ما بين القوسين لا يوجد في نسخة (مش) و (م) و (ق).
311

أبا عبد الله - عليه السلام - قلت: تحضرني الصلاة ونحن مجتمعون في مكان واحد
أتجزينا إقامة بغير أذان؟ قال: نعم (1).
والخبر: إذا كان القوم لا ينتظرون أحدا اكتفوا بإقامة واحدة (2). وقصور
سنده ودلالتهما بالأخصية من المدعى مجبور بالشهرة، وعدم القائل بالفرق
أصلا.
(ويتأكد الاستحباب) فيهما (فيما يجهر فيه) بالقراءة كالصبح
والعشائين (وآكده الغداة والمغرب) للمعتبرة المستفيضة، وفيها الصحاح
والموثق وغيرها.
ففي الصحيح: يجزيك في الصلاة إقامة واحدة، إلا الغداة والمغرب (3).
وفيه: أن أدنى ما يجزي من الأذان أن يفتتح الليل بأذان وإقامة، ويفتتح النهار
بأذان وإقامة (4).
وفيه: ولا بد في الفجر والمغرب من أذان وإقامة، في الحضر والسفر، لأنه
لا يقصر فيهما في حضر ولا سفر، وتجزيك إقامة بغير أذان في الظهر والعصر
والعشاء الآخرة، والإقامة والأذان في جميع الصلوات أفضل (5). وصريحه كظاهر
البواقي مساواة العشاء للظهرين في استحباب الأذان.
فما في المتن والشرائع وعبائر كثير من تأكده في العشاء (6) غير ظاهر الوجه،
عدا ما وجه به في المعتبر والمنتهى من: أن الجهر دليل اعتناء الشارع بالتنبيه

(1) قرب الإسناد: ص 76.
(2) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب الأذان والإقامة ح 8 ج 4 ص 622.
(3) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الأذان والإقامة ح 4 ج 4 ص 624.
(4) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الأذان والإقامة ح 1 ج 4 ص 623.
(5) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الأذان والإقامة ح 2 ج 4 ص 623.
(6) شرائع الاسلام: كتاب الصلاة في الأذان والقامة ج 1 ص 74.
312

والاعلام، وشرعهما لذلك (1)، وفي الاستناد إليه، سيما في مقابلة النصوص
إشكال، إلا أن المقام مقام الاستحباب، لا بأس فيه بمتابعة الأصحاب.
وهذه النصوص وإن أفادت الوجوب في الصلاتين لكنها محمولة على تأكد
الاستحباب، جمعا بينهما وبين الصحاح المستفيضة وغيرها، وهي ما بين مطلقة
للاستحباب كما مر.
والصحيح: أنه - عليه السلام - كان إذا صلى وحده في البيت أقام إقامة
واحدة، ولم يؤذن (2).
والصحيح: يجزيك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان (3).
ومصرح به في المغرب كالصحيح: عن الإقامة بغير أذان في المغرب: فقال:
ليس به بأس، وما أحب أن يعتاد (4). ولا قائل بالفرق بينها وبين الغداة.
فالقول بوجوبهما فيهما كما عن العماني والمرتضى والإسكافي (5) ضعيف.
وأضعف منه مصير الأول إلى شرطيتهما فيهما، وبطلانهما بدونها، إذ لا أثر لذلك
في النصوص المتقدمة وغيرها أصلا.
(وقاضي الفرائض الخمس) اليومية (يؤذن) ويقيم (لأول) صلاة
من (ورده (6)، ثم يقيم لكل صلاة واحدة) بلا خلاف، للصحيحين (7)

(1) المعتبر: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 2 ص 135، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في الأذان
والإقامة ج 1 ص 260 س 8.
(2) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب الأذان والإقامة ح 6 و ح 5 ج 4 ص 622.
(3) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب الأذان والإقامة ح 6 و ح 5 ج 4 ص 622.
(4) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الأذان، والإقامة ح 6 ج 4 ص 624.
(5) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 87 س 25، وجمل العلم والعمل
(رسائل المرتضى): كتاب الصلاة في حكم الأذان والإقامة ج 3 ص 29، وكما في مختلف الشيعة:
كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 87 س 18.
(6) في المطبوع من الشرح: " وروده "، والصحيح ما أثبتناه كما في المتن المطبوع.
(7) وسائل الشيعة: ب 62 من أبواب المواقيت ح 1 ج 3 ص 211، ووسائل الشيعة: ب 1 من أبواب
قضاء الصلوات ح 3 ج 5 ص 348.
313

والرضوي (1) وغيرهما.
(ولو جمع بين الأذان والإقامة لكل فريضة كان أفضل) على المشهور
بين الأصحاب، بل لا خلاف فيه ممن يعتد به.
وفي الناصرية والخلاف عليه الاجماع (2). وهو الحجة.
مضافا إلى إطلاقات أكثر السنة الواردة باستحباب الأذان والإقامة في
الصلاة، بل عموم بعضها، وهو الصحيح المتقدم المتضمن لقوله - عليه السلام -:
والإقامة والأذان في جميع الصلوات أفضل.
ويعضده عموم الصحيح: من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته (3).
والموثق: عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان والإقامة؟ قال:
نعم (4). بل استدل بهما جماعة، ولكن تنظر فيهما آخرون بضعف السند وقصور
الدلالة.
ولعله في الأول: من حيث أن المتبادر من قوله: - عليه السلام -: " كما
فاتته " أي: بجملة أجزائها وصفاتها الداخلة تحت حقيقتها، دون الأمور الخارجة
عنها.
وفي الثاني: من حيث عدم الدلالة على تعدد الصلاة المعادة، بل ظاهره
كونها واحدة وهي خارجة عن مفروض المسألة.

(1) فقه الرضا (ع): ب 7 في الصلوات المفروضة ص 125 - 126.
(2) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة م 71 في الأذان والإقامة ص 228، والخلاف:
كتاب الصلاة م 26 في الأذان والإقامة ج 1 ص 282 و 284.
(3) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب قضاء الصلوات ح 1 ج 5 ص 359.
(4) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب قضاء الصلوات ح 2 ج 5 ص 361.
314

قيل: وهذا الوجه جار في الرواية الأولى والثانية مع ذلك معارضة بمثلها
سندا (1).
وفيه: كتبت إليه: رجل يجب عليه إعادة الصلاة، أيعيدها بأذان وإقامة؟
فكتب: يعيدها بإقامة (2).
ويمكن الذب عن الجميع بانجبار قصور السند بالعمل، مع اختصاصه
بالأخير، وإلا فالأول صحيح أو حسن كالصحيح بإبراهيم، ومنع اختصاص
الكيفية المشبه بها بالأمور الداخلة بعد الاتفاق على الاستدلال بالرواية على
إثبات الأمور الخارجة عن الصلاة مما هو شرط فيها: كالطهارة عن الحدث
والخبث، والاستقبال، وستر العورة ونحو ذلك في الفائتة أيضا. فتأمل جدا.
والرواية الثانية عامة في الصلاة المعادة، لا مطلقة لترك الاستفصال في
مقام جواب السؤال المفيد للعموم في المقال، ومنه يظهر ما في دعوى ظهورها في
الواحدة، فإنها فاسدة كدعوى ظهور الصحيحة فيها أيضا، وذلك لنظير ما
عرفت، وهو استدلال الأصحاب بها لاثبات كثير مما يعتبر في الحاضرة في
الفائتة، من دون تخصيص بها بالواحدة أو المتعددة.
والرواية المعارضة مع قصور سندها وعدم جابر لها متروكة الظاهر، لدلالتها
على استحباب الإقامة خاصة مطلقا حتى في الأول من وروده، ولا قائل به
من الأصحاب، ومع ذلك لا يعترض بها ما قابلها من الرواية المنجبرة
بالعمومات، والاجماعات المحكية، والشهرة العظيمة.
ومن هنا يظهر فساد ما عليه بعض العامة من أفضلية ترك الأذان في
الصلاة الثانية فما فوقها من وروده. وأضعف منه قول بعض متأخري الطائفة

(1) الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 7 ص 374.
(2) وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب الأذان والإقامة ح 2 ج 4 ص 666.
315

من عدم المشروعية، لعدم ثبوت التعبد به على هذا الوجه وذلك. فإن التعبد
ثابت بما قدمناه من الأدلة.
(و) يستحب أن (يجمع يوم الجمعة بين الظهرين بأذان واحد
وإقامتين) ونسبه في المنتهى إلى علمائنا.
قال: لأن يوم الجمعة يجمع فيه بين الصلاتين، ويسقط ما بينهما من
النوافل، فيكتفي فيهما بأذان واحد (1).
أقول: وعلى هذا لا يختص سقوط الأذان. للثانية بصلاة العصر يوم الجمعة، بل
يجري في كل صلاتين جمع بينهما، فإنه لا ينبغي أن يؤذن للثانية إجماعا على
الظاهر المصرح به في الخلاف (2)، وبالحكم على العموم أيضا صرح الفاضل في
المنتهى (3) وغيره من أصحابنا.
مستدلين عليه بالصحيح: أن رسول الله - صلى الله عليه وآله - جمع بين الظهر
والعصر بأذان وإقامتين، وجمع بين المغرب والعشاء بأذان وإقامتين (4). ونحوه
آخر (5).
والخبر: صلى بنا أبو عبد الله - عليه السلام - الظهر والعصر عندما زالت
الشمس بأذان وإقامتين (6).
ونحوها النبوي العامي (7). وإنما خص الماتن ظهري يوم الجمعة بالذكر مع

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة: ح 1 ص 261 س 12.
(2) الخلاف: كتاب الصلاة م 27 في الأذان والإقامة ج 1 ص 284.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 261 س 3.
(4) وسائل المشية: ب 36 من أبواب الأذان والإقامة ح 2 ج 4 ص 665 وفيه اختلاف يسير.
(5) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب المواقيت ح 1 ج 3 ص 160.
(6) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب المواقيت ح 2 ج 3 ص 159.
(7) السن الكبرى: كتاب الحج باب الجمع بينهما بأذان وإقامة ج 5 ص 121.
316

اشتراكهما لكل صلاتي فريضة جمع بينهما في سقوط الأذان لثانيتهما،
لاختصاصهما باستحباب الجمع بينهما، بناء على ما سيأتي في سنن الجمعة، من
أن منها: تقديم نوافلها على الزوال، فلم يكن - حينئذ - بينهما نافلة أصلا.
وحيث لا نافلة صدق الجمع كما في الموثق: سمعت أبا الحسن موسى - عليه
السلام - يقول: الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن بينهما تطوع، فإذا كان بينهما
تطوع فلا جمع (1).
وفي الخبر: سمعته - عليه السلام - يقول: إذا جمعت بين الصلاتين فلا
تطوع (2). وبما ذكرنا من الفرق بين ظهري الجمعة وغيرها صرح المفيد وغيره
أيضا.
فقال في باب غسل ليلة الجمعة: والفرق بين الصلاتين في سائر الأيام مع
الاختيار وعدم العوارض أفضل قد ثبت السنة به إلا في يوم الجمعة، فإن الجمع
بينهما أفضل، وهو السنة (3).
ثم إن ما في الموثق وغيره من تحديد الجمع: بأن لا يصلي بينهما نافلة قد
صرح به الحلي (4) (5).
قيل: ويستفاد ذلك من الذكرى أيضا (6)، لكن لا يخفى أنه يعتبر مع لك
صدق الجمع عرفا بحيث لا يقع بينهما فصل يعتد به، ولا يتخلل عوارض خارجية
عن الأمور المرتبطة بالصلاة.

(1) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب المواقيت ح 3 ج 3 ص 163.
(2) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب المواقيت ح 2 ج 3 ص 163.
(3) المقنعة: كتاب الصلاة ب 13 في العمل في ليلة الجمعة ويومها ص 165.
(4) السرائر: كتاب الصلاة باب صلاة الجمعة وأحكامها ج 1 ص 304.
(5) في الشرح المطبوع للحلبي والصحيح ما أثبتناه، كما في جميع المخطوطات.
(6) والقائل هو. السبزواري في كفاية الأحكام: ص 17 س 17.
317

ويستفاد من بعض الأصحاب: أن مناط الاعتبار في الجمع حصولهما في
وقت فضيلة إحداهما، وهو على إطلاقه مشكل كاحتمال تحقق التفريق
بالتعقيب مطلقا.
نعم لو طال بحيث صدق معه الوصف أمكن، وعليه يحمل إطلاق المفيد
استحباب الآذان لعصر يوم الجمعة بعد أن عقب للأولى، وإلا فابقاؤه على
إطلاقه، والحكم بحصول التفريق بمطلق التعقيب مشكل جدا، لأنهم يستحبون
الجمع بين صلاتي الجمعة والعصر، والحكم باستحباب عدم التعقيب بعد صلاة
الجمعة بعيد قطعا، بل غير ممكن، للتصريح باستحبابه في عبارة المفيد المشار
إلى مضمونها.
(ولو صلى) قوم (في مسجد جماعة ثم جاء آخرون) جاز أن يصلوا
جماعة أيضا، ولكن (لم يؤذنوا، ولم يقيموا ما دامت الصفوف باقية) غير
متفرقة على المشهور، للنص: في رجلين دخلا المسجد، وقد صلى علي - عليه
السلام - بالناس، فقال - عليه السلام -: لهما: إن شئتما فليؤم أحدكما صاحبه،
ولا يؤذن ولا يقيم (1). وضعف السند مجبور بالعمل، وإطلاقه بسقوط الأذان
والإقامة مقيد ببقاء الصفوف بالاجماع، والنصوص الأخر..
منها: الموثق: قلت له: الرجل يدخل المسجد وقد صلى القوم، أيؤذن
ويقيم؟ قال: إذا كان دخل ولم تتفرق الصف صلى بأذانهم وإقامتهم، وإن
كان تفرق الصف أذن وأقام (2). ونحوه غيره (3). وهي وإن اختصت بالمنفرد
الخارج عن مفروض العبارة وكثير، إلا أنه ملحق به عند جماعة، معربين عن

(1) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب الأذان والإقامة ح 3 ج 4 ص 654.
(2) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب الأذان والإقامة ح 2 ج 4 ص 653.
(3) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب الأذان والإقامة ح 4 ج 4 ص 654.
318

عدم الخلاف فيه، إلا من ابن حمزة (1)، وضعفوه بالنصوص المزبورة، والأولوية
المستفادة من الرواية السابقة من حيث دلالتها على سقوط الأذان والإقامة عن
الجماعة الثانية التي يتأكدان فيها، بل قيل: بوجوبهما فيها (2)، فلئن يسقط في
المنفرد الذي لا يتأكدان في حقه كتأكدهما فيها بطريق أولى.
ومن هنا. يظهر وجه تخصيصهم الخلاف بابن حمزة، حيث خص السقوط
بالجماعة الثانية، مع أن عبائر الأكثر مختصة بها، لزعمهم شمول عبائر الأكثر
للمنفرد بالفحوى، وبه صرح في الروض، فقال: وإنما خص المصنف الثانية
بالجماعة، لأنه يستفاد منها حكم المنفرد بطريق أولى (3).
وفيه نظر لجواز أن تكون الحكمة في السقوط مراعاة جانب إمام المسجد،
الراتب بترك ما يوجب الحث على الاجتماع ثانيا، وهي مفقودة في المنفرد،
فانحصر دليل الالحاق في النصوص، وأكثرها ضعيفة السند، غير معلومة الجابر
بعد اختصاص عبائر الأكثر بالجماعة الثانية.
والموثقة وإن اعتبر سندها إلا أنها معارضة بمثلها في الرجل أدرك الإمام
حين سلم.، قال - عليه السلام -: عليه أن يؤذن ويقيم (4). وهو الأوفق بالأصل،

(1) منهم المحقق السبزواري في ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ص 253 س 37،
والفاضل الهندي في كشف اللثام: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 206 س 23،
والبحراني في الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 7 ص 389، قال السيد العاملي
في مفتاح الكرامة: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 2 ص 266 س 22،.... وظاهرها قصد الحكم
على الجماعة دون المنفرد كما نقله في الذكرى عن ابن حمزة ولم أجد في الوسيلة سوى قوله: يكره
الاجتماع مرتين في صلاة ومسجد واحد.
(2) المقنعة: كتاب الصلاة ب 7 في الأذان والإقامة ص 97، والنهاية: كتاب الصلاة باب الأذان
والإقامة وأحكامها وعدد فصولها ص 64، والوسيلة: كتاب الصلاة في بيان الأذان والإقامة ص 91،
والمهذب: كتاب الصلاة باب الأذان والإقامة وأحكامهما ج 1 ص 88.
(3) روض الجنان: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ص 241 س 14.
(4) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب الأذان والإقامة ح 5 ج 4 ص 654.
319

والعمومات، وظاهر فتوى الأكثر، فليكن بالترجيح أحق، وحمله على صورة
التفرق مع بعده عن السياق لا وجه له بعد فرض رجحانه على الموثقة السابقة.
لكن يمكن أن يقال: إنها معتضدة بباقي الروايات، وفتوى الجماعة، مع
دعواهم عدم الخلاف، إلا من ابن حمزة. ويعضدها استدلال جملة ممن اختص
عبارته بالجماعة بها وأمثالها، وهي مختصة بالمنفرد، كما عرفت.
فلولا عدم الفرق بينه وبين الجماعة لخلا استدلالهم بها عن الوجه بالكلية.
وعليه، فينبغي حمل الموثقة الأخيرة على الرخصة، والنهي في النصوص الأخيرة
على الكراهة جمعا بين الأدلة، وهي ظاهر جماعة منهم: الشيخ في ظاهر الخلاف
وموضع من المبسوط (1)، وظاهره في التهذيب المنع (2) كالعبارة ونحوها، واقتصر
جماعة على السقوط المطلق المحتمل للأمرين.
ولا ريب أن الترك أحوط، خروجا عن شبهة القول بالتحريم، مع معاضدته
بما مر من الأخبار.
وصريح آخر: صلينا الفجر، فانصرف بعضنا وجلس بعض بالتسبيح،
فدخل علينا رجل المسجد فأذن، فمنعناه، فقال، - عليه السلام - أحسنت، ادفعه
عن ذلك، وامنعه أشد المنع، فقلت: فإن دخلوا فأرادوا أن يصلوا فيه جماعة؟
قال: يقومون في ناحية المسجد، ولا يبدر بهم إمام (3).
لكنه مع ضعف سنده يتوهم منه المنع عن الجماعة الثانية مطلقا ولو من غير

(1) الخلاف: كتاب الصلاة م 280 في صلاة الجماعة ج 1 ص 542، والمبسوط: كتاب الصلاة في صلاة
الجماعة ج 1 ص 152.
(2) تهذيب الأحكام: كتاب الصلاة ب 3 في أحكام الجماعة وأقل و.. ج 3 ص 55 ذيل
الحديث 101.
(3) وسائل المشيعة: ب 65 من أبواب صلاة الجماعة ح 2 ج 5 ص 466، مع اختلاف في الألفاظ.
320

أذان وإقامة كما هو ظاهر الفقيه (1)، وتبعه بعض متأخري المتأخرين (2)، وهو
خلاف النص المتقدم، - المعروف من مذهب الأصحاب، بل لم ينقلوا فيه
خلافه، مع أنه معارض ببعض الأخبار الدالة على كون السقوط رخصة،
لا عزيمة.
ففيه: عن الرجل ينتهي إلى الإمام حين يسلم، فقال: ليس عليه أن يعيد
الأذان، فليدخل معهم في أذانهم، فإن وجدهم قد تفرقوا أعاد الأذان (3) ثم.
وهل يختص الحكم بالمسجد كما في ظاهر العبارة وصريح جماعة، أو يعمه
وغيره؟ وجهان، بل قولان، أجودهما الأول، اقتصارا فيما خالف الأصل على
المتيقن، فتوى ورواية، وإطلاق بعضها يحتمل الورود مورد الغالب، وهو وقوع
صلاة الجماعة الأولى، التي هي مفروض المسألة في المساجد.
ومنه يظهر الوجه في اشتراط اتحاد الصلاتين الساقط من ثانيتهما الأذان
نوعا، أداء وقضاء كما عن صريح النهاية والمبسوط والمهذب (4).
قال المحقق الثاني والشهيد الثاني: وهو متجه إن كان قد تجدد دخول وقت
الصلاة الأخرى. أما لو أذنوا وصلوا الظهر في وقت فالظاهر أن من دخل
ليصلي العصر - - حينئذ - لا يؤذن، تمسكا بإطلاق الأخبار (5).
أقول: وهو غير بعيد، للشك في علة الاتحاد من جميع الوجوه.

(1) من لا يخضره الفقيه: باب الجماعة وفضلها ج 1 ص 408 ذيل الحديث 1216.
(2) وهو صاحب الوافي: ب 77 في مواضع الأذان والإقامة ومتى يجوز تركهما ج 7 ص 608 ذيل
الحديث 20.
(3) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب الأذان والإقامة ح 1 ج 4 ص 653.
(4) النهاية: كتاب الصلاة باب الجماعة وأحكامها و... ص 118، المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر
الأذان والإقامة ج 1 ص 98، والمهذب: كتاب الصلاة باب الجماعة وأحكامها ج 1 ص 79.
(5) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ح 2 ص 173، وروض الجنان: كتاب الصلاة في
الأذان والإقامة ص 241 س 18.
321

(ولو انفضت) وتفرقت الصفوف بأن لا يبقى منهم ولا واحد كما يستفاد
من بعض الروايات السابقة، وصرح به جماعة، فيكون مبينا لباقي الروايات
المطلقة، مع ظهور بعضها فيه (أذن الآخرون وأقاموا) بلا خلاف، للأصل،
وما مر من النصوص.
(ولو أذن)، وأقام (بنية الانفراد ثم أراد الاجتماع استحب له
الاستئناف) لهما، وفاقا للمشهور، وللموثق: في الرجل يؤذن ويقيم ليصلي
وحده، فيجئ رجل آخر فيقول له نصلي جماعة، هل يجوز أن يصليا بذلك
الأذان والإقامة؟ قال: لا، ولكن يؤذن ويقيم (1).
قال الشهيد في الذكرى: وبه أفتى الأصحاب، ولم أر له رادا، سوى الشيخ
نجم الدين، فإنه ضعف سندها بأنهم فطحية، وقرب الاجتزاء بالأذان والإقامة
أولا (2). وفيه إشعار بالاجماع على مضمون الخبر كعبارته في الدروس (3)، وعبارة
المحقق الثاني في شرح القواعد (4)، وإن نقل الخلاف عن. الفاضل في المنتهي
أيضا (5)، وموافقة الماتن في الاجتزاء (6)، وبه صرح في التحرير أيضا (7)
واحتجا عليه بأنه قد ثبت جواز اجتزائه بأذان غيره مع الانفراد، فبأذان
نفسه أولى، ولا معارض له سوى الموثق، وقد عرفت تضعيفه سندا في المعتبر،
وكذا في المنتهى (8). وفيه نظر، لمنع الضعف أو لا، لكونه موثقا، وهو حجة كما قرر

(1) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الأذان والإقامة ح 1 ج 2 ص 655.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ص 174 س 1.
(3) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ص 32 س 20.
(4) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 2 ص 173.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 260 س 25.
(6) المعتبر: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 2 ص 137.
(7) تحرير الأحكام: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 34 السطر الأخير.
(8) لا يخفى على المراجع أنه لم يتقدم من المصنف " تضعيف السند " في المعتبر والمنتهى، وإنما الذي تقدم
منه هو عن الذكرى فقط.
322

في محله مستقصى، وعلى تقديره فهو مجبور بعمل الأصحاب.
والاجتزاء بأذان الغير لعله لمصادفة نية السامع للجماعة، فكأنه أذن لها
بخلاف الناوي بأذانه الانفراد.
ويعضد المختار عموم ما دل على تأكد استحباب الأذان والإقامة في صلاة
الجماعة (1)، والمتبادر منهما ما وقع في حال نية الجماعة، لا قبلها، ومع ذلك
فالاستئناف أحوط وأولى.
(وأما كيفيته)
فاعلم: أنه (لا يجوز) (2) الأذان (لفريضة إلا بعد
دخول وقتها) إجماعا، وللتأسي، والنصوص، والأصل لوضعه للاعلام بدخول
وقت الصلاة، والحث عليها.
(ويقدم (3) في الصبح رخصة) على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من
تأخر، وظاهر المنتهى دعوى الاجماع عليه (4) كالمعتبر (5) (6)، وقريب منه الذكرى
في موضع (7) حيث ينقل فيه خلافا (8)، وكذا المحقق الثاني في شرح
القواعد (9)، للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة. بل ادعى العماني
تواترها (10)

(1) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الأذان والإقامة ح 1 ج 4 ص 625.
(2) في المتن المطبوع: (فلا يؤذن).
(3) في المتن المطبوع: (ويتقدم).
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 261 السطر الأخير.
(5) المعتبر: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 2 ص 138.
(6) في نسخة (م) و " ق " و (ش) لا توجد كلمة " كالمعتبر ".
(7) في نسخة (م) و (ق) و (ش) لا توجد جملة (في موضع).
(8) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ص 169 س 13.
(9) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 2 ص 174 م
(10) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 89 س 15.
323

ففي الصحيح: أن لنا مؤذنا يؤذن بليل، فقال: أما إن ذلك لينفع الجيران
لقيامهم إلى الصلاة، وأما السنة فإنه ينادى مع طلوع الفجر، ولا يكون بين
الأذان والإقامة إلا الركعتان (1).
وروي: أنه كان لرسول الله - صلى الله عليه وآله - مؤذنان: أحدهما: ابن أم
مكتوم، وكان يؤذن قبل الصبح (2).
إلا أن في الصحيح: عن الأذان قبل الفجر، فقال: إذا كان في جماعة فلا،
وإذا كان وحده فلا بأس (3). ولكنه شاذ غير معروف القائل، لأن الأصحاب
ما بين مجوز على الاطلاق. (لكن) مع الحكم باستحباب أن (يعيده بعد
دخوله) كما كان يؤذن بلال بعد ابن أم مكتوم (4). وروي: أنه أذن قبل
الفجر، فأمر بإعادته (5). مع أن للوقت أذانا، والأصل عدم سقوطه بسابقة.
وبين مانع كذلك: كالمرتضى (6) والحلي (7)، وكذا، حكي عن الإسكافي
والجعفي والحلبي (8) للأصل، وأمره - صلى الله عليه وآله - بلالا بالإعادة إذا أذن
قبله، ونهيه له عن الأذان حتى يستبين له الفجر (9). والأصل معارض بما مر من
النصوص، والإعادة نقول بها، ونهي بلال إن ثبت لما عرفت من أن ابن أم مكتوم

(1) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الأذان والإقامة ح 7 ج 4 ص 626.
(2) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الأذان والإقامة ح 2 ج 4 ص 625، نقلا بالمعنى.
(3) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الأذان والإقامة ح 6 ج 4 ص 626.
(4) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الأذان والإقامة ح 2 ح 4 ص 625، نقلا بالمضمون
(5) مستدرك الوسائل: ب 7 من أبواب الأذان والإقامة ح 3 ج 4 ص 26.
(6) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في الأذان والإقامة م 68 ص 228.
(7) السرائر: كتاب الصلاة باب الأذان والإقامة وأحكامهما وعدد فصولهما ج 1 ص 210.
(8) والحاكي هو الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ص 175 س 10،
وما حكاه عن الحلبي الكافي في الفقه: في الأذان والإقامة ص 121.
(9) مستدرك الوسائل: ب 7 من أبواب الأذان والإقامة ح 4 ج 4 ص 26.
324

كان يؤذن قبله.
نعم في جملة من النصوص المروية في البحار، عن كتاب زيد النرسي ما
يدل على المنع (1). لكنها مع عدم وضوح سندها لا تقاوم الأخبار التي قدمناها من
وجوه شتى، فكان طرحها متعينا وإن كان ترك التأذين لعله أحوط وأولى،
لئلا يغتر العوام المعتمدون في دخول الوقت على الأذان، بل العلماء المجوزون
لذلك، حيث لا يمكن تحصيل العلم به تبعا لجملة من النصوص.
وليس في أذان ابن أم مكتوم قبل الفجر منافاة لذلك بعد إعلام النبي
- صلى الله عليه وآله - المسلمين بوقت أذانه، كما قال الصدوق: وكان لرسول الله
- صلى الله عليه وآله - مؤذنان: أحدهما: بلال، والآخر: ابن أم مكتوم، وكان
ابن أم مكتوم أعمى، وكان يؤذن قبل الصبح، وكان بلال يؤذن بعد الصبح.
فقال النبي - صلى الله عليه وآله - إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل، فإذا سمعتم
أذانه فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان بلال (2).
نعم، لو فرض عدم الاغترار بذلك جاز التقديم بلا إشكال، ولعله مراد
الأصحاب وإن أطلقت الجواز عباراتهم في الباب، عدا الشهيد - رحمه الله - في
الذكرى وغيره (3).
فقال: وينبغي أن يجعل ضابطا في هذا التقديم ليعتمد عليه الناس (4)، وكذا
غيره (5)

(1) بحار الأنوار: كتاب الصلاة ب 35 في الأذان والإقامة ح 76 ج 84 ص 172.
(2) من لا يحضره الفقيه: باب الأذان والإقامة و... ج 1 ص 297، نصفه مرقم بحديث 906، ونصفه
الآخر في آخر حديث 905.
(3) لا يوجد كلمة (غيره) في المخطوطات.
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ص 169 س 19.
(5) جملة (وكذا غيره) لا يوجد في نسخة (م) و (ق) و (ش).
325

(وفصولهما على أشهر الروايات) والأقوال بل المجمع عليه بين
الأصحاب على الظاهر المستفاد من كثير من العبارات (خمسة وثلاثون فصلا
الأذان (1) ثمانية عشر فصلا): التكبير أربعا، ثم الشهادة بالتوحيد، ثم
بالرسالة، ثم قول: في حي على الصلاة، ثم قول حي على الفلاح، ثم حي على
خير العمل، ثم التكبير، ثم التهليل، كل فصل مرتان.
(والإقامة سبعة عشر فصلا) بنقص تكبيرتين من الأربع وإبدالهما ب‍،
(قد قامت الصلاة) مرتين بعد حي على خير العمل، وحذف تهليلة من
آخرها. وعلى هذا (فكله) (2) أي: كل من الأذان والإقامة (مثنى) مثنى
(عدا التكبير في أول الأذان، فإنه أربع، والتهليل في آخر الإقامة، فإنه
مرة) واحدة.
ففي الموثق كالصحيح: سمعت أبا جعفر - عليه السلام - يقول: الأذان
والإقامة خمسة وثلاثون حرفا، فعد ذلك بيده واحدا واحدا: الأذان ثمانية عشر
حرفا، والإقامة سبعة عشر " حرفا (3). وهو وإن كان مجملا غير مبين لفصولهما
بالنحو المشهور، إلا أنه غير ضائر بعد ثبوت البيان من الاجماع، إذ لا قائل بما دل
عليه من فصولهما معا، وكونهما خمسة وثلاثين، والأذان ثمانية عشر، والإقامة سبعة
عشر مع تغيير (4) الفصول عما عليه الشهور، مضافا إلى ثبوت بيان فصول
الأذان من نصوص أخر معتبرة.
ففي الحسن وغيره الواردين فيه أنه: (الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله
أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول

(1) في المتن المطبوع " والأذان ".
(2) في المتن المطبوع " وكله ".
(3) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الأذان والإقامة ح 1 ج 4 ص 642.
(4) في نسخة (مش) " تعيين " بدل " تغيير ".
326

الله أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على
الفلاح حي على الفلاح، حي على خير العمل حي على خير العمل، الله أكبر
الله أكبر، لا إله إلا الله لا إله إلا الله (1).
وفي الصحيح: تفتح الأذان بأربع تكبيرات، وتختمه بتكبيرتين
وتهليلتين. مع أنه لم أجد لهذه النصوص معارضا، عدا النصوص الدالة على
تثنية التكبير في أوله، وهي وإن كانت معتبرة مستفيضة، متضمنة للصحيح
والحسن (3) وغيرهما، إلا أنها شاذة لا قائل، بها، بل على خلافها الاجماع في
صريح الخلاف (4) والناصرية (5) والغنية (6) والمنتهى (7) وظاهر غيرها من كلمة
كثير من أصحابنا.
مع أنها غير صريحة في المخالفة، لأنها ما بين مصرح في بيان الفصول بتثنية
التكبير، وهو يحتمل كون المقصود إفهام السائل التلفظ به، لا بيان تمام عدده
كما ذكره شيخ الطائفة (8) وهو وإن بعد في الغاية كما ذكره جماعة إلا أنه أولى
من طرحه، أو حمله على الجواز، مع كون الفصل في الأربع، كما يستفاد من
النهاية وغيره (9)، أو على كون التكبيرتين الأوليين للاعلام، كما يستفاد من

(1) وسائل الشيعة: ب 19. من أبواب الأذان والإقامة ح 6 و 9 ج 4 ص 643 و 644.
(2) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الأذان والإقامة ح 2 ج 4 ص 642.
(3) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الأذان والإقامة ح 5 و 8 و 19 ج 4 ص 643 و 644 و 648.
(4) الخلاف: كتاب الصلاة م 19 و 20 في الأذان والإقامة ح 1 ص 378 - 280.
(5) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في الأذان والإقامة م 66 ص 228.
(6) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ص 495 س 1. في نسخة (م) و (ق)
و (ش) لا يوجد كلمة " والغنية ".
(7) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ح 1 ص 254 س 18.
(8) تهذيب الأحكام: كتاب الصلاة ب 7 في عدد فصول الأذان والإقامة ووصفهما ج 2 ص 61، ذيل
الحديث 5
(9) النهاية: كتاب الصلاة باب الأذان والإقامة وأحكامها وعدد فصولها ص 68، وفي الاستفادة بعد
كما لا يخفى، ومجمع، الفائدة: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 2 ص 170.
327

غيرهما (1). فإن في ذلك خروجا عن الأخبار المعتمدة المجمع عليها.
وهو غير جائز وإن شهد لصحة الأخير الخبر المروي في علل الفضل: عن
مولانا الرضا - عليه السلام - أنه قال: علة تربيع التكبير في أوله: أن أول الأذان
إنما يبدأ غفلة، وليس قبله كلام ينبه المستمع له (2). فجعل الأوليين تنبيها على
الأذان، لعدم معارضة للأدلة القاطعة، بل لا يبعد دعوى ظهوره في موافقتها، كما
لا يخفى.
وبين دال - على أن الأذان مثنى مثنى، كالصحيحين وغيرهما (3)، وهو
يحتمل القصد إلى بيان أغلب فصولهما، ولا بعد فيه.
ألا ترى إلى الرضوي: أن الأذان ثمانية عشر كلمة، والإقامة سبعة عشر
كلمة. وذكر فيه صورة الأذان والإقامة بالتفصيل، بكون التكبير في أولهما أربعا
والباقي مثنى مثنى، إلا التهليل، في آخر الإقامة فإنه واحدة. ثم بعد تمام الذكر
التفصيلي لهما قال: الأذان والإقامة جميعا مثنى مثنى على ما وصفت لك (4).
وهو حجة أخرى على كون التكبير في أول الأذان أربعا، كما أنه حجة
على وحدة التهليل في آخر الإقامة، فيكون مبينا بالنسبة إليه لاجمال الرواية
السابقة، مضافا إلى ثبوت بيانه أيضا بأدلة أخر كالاجماع الظاهر المحكي في
صريح الناصرية (5) والغنية (6) والمنتهى (7) وظاهر غيرها والأخبار الأخر.

(1) كشف اللثام: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 208 س 32.
(2) من لا يحضره الفقيه: باب الأذان والإقامة وثواب المؤذن ح 914 ج 1 ص 299.
(3) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الأذان والإقامة ح 5 و 8 و 19 ج 4 ص 643 و 644 و 648.
(4) فقه الرضا (ع): ب 6 في الأذان والإقامة ص 96.
(5) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في الأذان والإقامة م 67 ص 228.
(6) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ص 455 س 1.
(7) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 255 س 6.
328

منها الصحيح: إذا دخل الرجل المسجد وهو لا يأتم بصاحبه وقد بقي على
الإمام آية أو آيتان فخشي إن هو أذن وأقام أن يركع فليقل: قد قامت الصلاة،
قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله (1).
ومنها الخبر المروي عن دعائم الاسلام: الأذان والإقامة مثنى مثنى،
وتفرد الشهادة في آخر الإقامة بقول: لا إله إلا الله مرة واحدة (2).
وأما النصوص الدالة على أن الإقامة مثنى مثنى كالآذان (3) فالجواب
عنها كما تقدم الآن، ومن جملته شذوذها، لعدم قائل بها ثم حتى الإسكافي ومن
حكى عنه الخلاف في المبسوط والخلاف، لتفصيل الأول بين الإقامة منفردة
عن الأذان، فالتهليل فيها مثنى، ومعه فمرة واحدة (4). ومصير الثاني إلى كون
فصولها كالآذان، حتى في التكبير أربعا، أو لهما مع زيادة قد قامت الصلاة فيها
مرتين، وليس في شئ من تلك النصوص دلالة على شئ من هذين
القولين، كما لا دلالة لغيرهما عليما أيضا. ومنه - زيادة على ما مر يظهر
آخرهما (6).
ثم إن كل ذا مع الاختيار، ويجوز إفراد فصولهما عند الحاجة والاستعجال

(1) وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب الأذان والإقامة ح 1 ج 4 ص 663. مع زيادة " وليدخل الصلاة "
في آخره.
(2) دعائم الاسلام. كتاب الصلاة في ذكر الأذان والإقامة ج 1 ص 144.
(3) وسائل الشيعة: ب 19 و 20 من أبواب الأذان والإقامة ج 4 ص 642 و 649.
(4) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 90 س 20.
(5) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر الأذان والإقامة وأحكامهما؟ ج 1 ص 99، والخلاف: كتاب الصلاة
م 20 في الأذان والإقامة ج 1 ص 279.
(6) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر الأذان والإقامة ص 99، والخلاف: كتاب الصلاة م 19 في
الأذان والإقامة ج 1 ص 278.
329

كما ذكره جماعة من الأصحاب (1).
للصحيح: رأيت أبا جعفر - عليه السلام - يكبر واحدة واحدة في الأذان،
فقلت له: لم تكبر واحدة واحدة؟ فقال: لا بأس به إذا كنت مستعجلا (2).
وفي المرسل: لأن أقيم مثنى مثنى أحب إلي من أن أؤذن وأقيم واحدا واحدا (3)
وفي الخبر: الأذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة، والأذان واحدا
واحدا، والإقامة واحدة واحدة (4).
وفي آخر: يجزئك من الإقامة طاق طاق في السفر (5).
(والترتيب) (6) بينهما وبين فصول كل منهما (شرط) في صحتهما بالاجماعات
والنصوص، فإن تعمد خلافه إثم إن قصد شرعيته، وإلا بطل بطل، كما إذا
سهى أو جهل فأخل، ويأتي بما يحصل معه الترتيب حينئذ.
(والسنة) أي المستحب (فيه) أي الأذان بالمعنى الأعم الشامل للإقامة
(الوقوف على فصوله) بترك الاعراب من أواخرها إجماعا على الظاهر
المحكي عن المعتبر (7) والتذكرة (8)، وفي الخلاف (9) والروض (10) والمنتهى (11)

(1) ومنهم: صا حب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 3 ص 281، وذخيرة المعاد:
كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ص 245 س 25، والحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في الأذان
والإقامة ج 7 ص 404.
(2) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب الأذان والإقامة ح 4 ج 4 ص 650.
(3) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب الأذان والإقامة ح 2 ج 4 ص 649.
(4) وسائل الشيعة: ب 21 كل من أبواب الأذان والإقامة ح 2 و ح 5 ج 4 ص 650.
(5) وسائل الشيعة: ب 21 كل من أبواب الأذان والإقامة ح 2 و ح 5 ج 4 ص 650.
(6) في المتن المطبوع: زيادة " فيه ".
(7) المعتبر: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ح 2 ص 141.
(8) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 105 س 41.
(9) الخلاف: كتاب الصلاة 341 في الأذان والإقامة ج 1 ص 282.
(10) روض الجنان: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ص 244 س 24.
(11) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 256 س 6.
330

وغيرها، للنص بأنهما مجزومان (1)، وفي آخر موقوفان (2).
وفي الصحيح: الأذان جزم بإفصاح الألف والهاء، والإقامة حدر (3).
وجعله الحلبي من شروطها (4) كما حكي، وهو ظاهر النصوص، إلا أنه محمول
على الاستحباب، للأصل المعتضد بالشهرة والاجماع المنقول.
وأن يكون (متأنيا في الأذان) بإطالة الوقوف على أواخر الفصول،
(حادرا في الإقامة) أي: مسرعا فيها بتقصير الوقوف على كل فصل لا تركه،
لكراهة إعرابها لما مضى بلا خلاف يعرف، كما عن التذكرة (5)، وفي المنتهى،
للصحيح المتقدم: بأن الإقامة حدر ونحوه آخر (6).
وفي الخبر: الأذان ترتيل، والإقامة حدر (7).
(والفصل بينهما) أي بين الأذان والإقامة (بركعتين، أو جلسة، أو
سجدة، أو خطوة، خلا المغرب، فإنه لا يفصل بين أذانيها إلا بخطوة، أو
سكتة، أو تسبيحة) على المشهور، بين الأصحاب، بل عن المعتبر والتذكرة،
وفي المنتهى وغيره الاجماع عليه (8)، والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة.
ففي الصحيح: أفرق بين الأذان والإقامة بجلوس أو ركعتين (9). وهذه

(1) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الأذان والإقامة ح 4 و ح 5 ج 4 ص 639.
(2) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الأذان والإقامة ح 4 و ح 5 ج 4 ص 639.
(3) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الأذان والإقامة ح 2 ج 4 ص 639.
(4) الكافي في الفقه: في الأذان والإقامة ص 121
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 106 س 1.
(6) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 256 س 14.
(7) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الأذان والإقامة ح 3 ج 4 ص 653.
(8) المعتبر: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 2 ص 142، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في الأذان
والإقامة ج 1 ص 106 س 11، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 256
س 20.
وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الأذان والإقامة ح 2 ج 4 ص 631.
331

الرواية مطلقة، كالفتاوى باستحباب الفصل بالركعتين ولو كانتا من غير
الرواتب وفي وقت الفرائض، لكن ظاهر جملة من النصوص التخصيص
بالرواتب في أوقاتها، كما عن بعض (1).
ففي الصحيح: القعود بين الأذان والإقامة في الصلوات كلها إذا لم يكن قبل
الإقامة صلاة يصليها (2).
وفي آخر في حديث أذان الصبح قال: السنة أن ينادى مع طلوع الفجر،
ولا يكون بين الأذان والإقامة إلا الركعتان (3).
وفي الخبر: يؤذن للظهر على ست ركعات، ويؤذن للعصر على ست
ركعات (4).
وفي آخر مروي عن دعائم الاسلام، عن مولانا الباقر - عليه السلام - قال:
ولا بد من فصل بين الأذان والإقامة بصلاة، أو بغير ذلك، وأقل ما يجزئ في
صلاة المغرب التي لا صلاة قبلها أن يجلس بعد الأذان جلسة يمس فيها الأرض
بيده (5). ويستفاد منها علة سقوط الفصل بالركعتين في المغرب بين الأذانين،
ولا يبعد أن يكون ذلك مراد الأصحاب.
كما يرشد إليه استثناؤهم المغرب كالروايات، مع احتمال إحالتهم له إلى
الوضوح من الخارج، من حرمة النافلة في وقت الفريضة، فهو أحوط، حتى أنه
لا يصلي من الراتبة بينهما إذا خرج وقتها.

(1) وهو صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 7 ص 414.
(2) وسائل الشيعة: ب 11 من أبوب الأذان والإقامة ح 3، ج 4 ص 631.
(3) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب الأذان والإقامة ح 4 ج 4 ص 667، وفيه اختلاف يسير.
(4) مستدرك الوسائل: ب 31 هن أبواب الأذان والإقامة ح 1 ج 4 ص 52، وفيه في آخره: " بعد
الظهر ".
(5) دعائم الاسلام: كتاب الصلاة في ذكر الأذان والإقامة ج 1 ص 145، مع اختلاف يسير باللفظ.
332

وفي الخبر: لا بد من قعود بين الأذان والإقامة (1). واطلاقه كأكثر الأخبار
المتقدمة، وصريح بعضها استحباب الفصل بالجلوس بينهما مطلقا، حتى في
المغرب، كما عن النهاية والحلي، لكنهما قيداه بالخفيف والسريع (2).
ويعضدها - زيادة على ذلك - الخبر: من جلس فيما بين أذان المغرب
والإقامة كان كالمتشحط بدمه في سبيل الله تعالى (3).
والمروي عن مجالس الشيخ، قال: سمعت أبا عبد الله - عليه السلام - يقول:
من السنة: الجلسة بين الأذان والإقامة، في صلاة الغداة، وصلاة المغرب،
وصلاة العشاء، ليس بين الأذان والإقامة سبحة. ومن السنة أن يتنفل بركعتين
من الأذان والإقامة في صلاة الظهر والعصر (4). فتأمل.
والمروي عن فلاح السائل، للسيد الزاهد العابد المجاهد رضي الدين بن
طاووس - رضي الله عنه - عن معاوية بن وهب، عن أبيه قال: دخلت على أبي
عبد الله - عليه السلام - وقت المغرب، فإذا هو قد أذن وجلس، فسمعت وهو
يدعو، الحديث (5). وظاهره كإطلاق البواقي يدفع التقييد بالخفيف كما ذكراه.
ولعلهما أخذاه من مراعاة ما دل على ضيق وقت المغرب، ولا بأس به، بل
الأحوط ترك الجلوس مطلقا، للمرسل: بين كل أذانين قعدة إلا المغرب، فإن
بينهما نفسا (6)،

(1) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الأذان والإقامة ح 1 ج 4 ص 631.
(2) النهاية: كتاب الصلاة باب الأذان والإقامة وأحكامها وعدد فصولها ص 67، والسرائر: كتاب
الصلاة باب الأذان والإقامة وأحكامهما وعدد فصولهما. ج 1 ص 214.
(3) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الأذان والإقامة ح 1 ج 4 ص 632.
(4) أمالي الطوسي: في مجلس 21 من يوم الجمعة 17 ذي القعدة ج 2 ص 306.
(5) فلاح السائل: في تلقين الملكين الحافظين عند ابتداء الليل وفي صفة صلاة المغرب. ص 228، وفيه
اختلاف يسير.
(6) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الأذان والإقامة ح 7 ج 4 ص 632.
333

ولعل المراد به: السكتة. وضعف المسند مجبور بالشهرة، وما عرفته من
الاجماعات المحكية، وبذلك تترجح على الأخبار المزبورة، مع أن الصريح منها
غير واضحة الأسانيد،. ومعتبرتها مطلقة قابلة للتقييد، مع ذلك فهي بإطلاقها
شاذة غير معروفة القائل، لما عرفت من تقييد النهاية والتحرير والسرائر بما ليس
فيها، مع أن ظاهر الحلي تخصيص استحباب الجلسة وبالأمور المتقدمة
بالمفرد دون الجامع (1)، فاستحب له الفصل بالركعتين.
وذكر جماعة عدم وقوفهم على نص يدل على استحباب الخطوة والسجود،
وإنما نسبوه إلى الأصحاب (2)، مشعرين بدعوى الاجماع.
مع أنه روي في فلاح السائل: عن الصادق - عليه السلام - قال: كان
أمير المؤمنين - عليه السلام - يقول لأصحابه: من سجد بين الأذان والإقامة فقال
في سجوده: ربي لك سجدت خاضعا خاشعا ذليلا، يقول الله تعالى:
ملائكتي، وعزتي وجلالي لا جعلن محبته في قلوب عبادي المؤمنين، وهيبته في
قلوب المنافقين (3).
وروي فيه أيضا: عنه - عليه السلام - أنه: من أذن ثم سجد فقال: لا إله
إلا أنت ربي سجدت لك خاضعا خاشعا غفر الله تعالى ذنوبه (4).
وفي الرضوي: وإن أ حببت أن تجلس بين الأذان والإقامة فافعل، فإن فيه

(1) السرائر: كتاب الصلاة باب الأذان والإقامة وأحكامهما وعدد فصولهما ج 1 ص 213.
(2) منهم الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ص 171 س 16، والمحقق
الثاني في جامع المقاصد: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 2 ص 185، وسبط الشهيد الثاني في
مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 3 ص 287، والمحقق السبزواري في الكفاية:
كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ص 17 س 26، وغيرهم.
(3) فلاح السائل: في الأذان والإقامة ص 152.
(4) نفس المصدر السابق.
334

فضلا كثيرا، وإنما ذلك على الإمام، وأما المنفرد فيخطو تجاه القبلة خطوة
برجله اليمنى، ثم يقول: بالله أستفتح، وذكر الدعاء (1).
وفي الموثق: إذا قمت إلى صلاة الفريضة فأذن وأقم، وأفصل بين الأذان
والإقامة بقعود أو بكلام، أو بتسبيح، قال: وسألته: وكم الذي يجزي بين الأذان
والإقامة من القول؟ قال: الحمد لله (2).
وفي الصحيح: رأيت أبا عبد الله - عليه السلام - أذن وأقام من غير أن يفصل
بينهما بجلوس (3). ويستفاد منه كون الفصل به للاستحباب، كما فهمه
الأصحاب مما مر من الأخبار الظاهرة في الوجوب.
(ويكره الكلام في خلالهما) وتتأكد في الإقامة بلا خلاف أجده إلا
من القاضي، فكرهه. في الإقامة خاصة، مشعرا بعدمها في الأذان (4)، وقريب
منه الفاضل في المنتهى.
فقال: ولا يستحب الكلام في أثناء الأذان - إلى أن قال -: ويكره في
الإقامة بغير خلاف بين أهل العلم (5).
وفي الكفاية: ويكره الكلام في أثناء الإقامة، والمشهور استحباب ترك
الكلام في خلال الأذان، ومستنده غير واضح (6).
أقول: بل ظاهر النصوص عدم البأس به.
ففي الصحيح: أيتكلم الرجل في الأذان؟ قال: لا بأس، قلت: في الإقامة؟

(1) فقه الرضا (ع): ب 6 في الأذان والإقامة ص 97.
(2) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الأذان والإقامة ح 4 و 11 ج 4 ص 631 و 633.
(3) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الأذان والإقامة ح 9 ج 4 ص 632.
(4) المهذب: كتاب الصلاة باب الأذان والإقامة وأحكامهما ج 1 ص 90.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 256 س 31.
(6) كفاية الأحكام: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ص 17 س 25.
335

قال: لا. وفيه: أيتكلم الرجل في الأذان؟ قال: لا بأس. ونحوه الموثق.
قال الشهيد الثاني وغيره بعد نقل الصحيح الأول: ولا ينافي الكراهة في
الأذان، لأن الجواز أعم، ونفي البأس يشعر به، وقطع توالي العبادة بالأجنبي
يفوت إقبال القلب عليها (1). وهو كما ترى، لكن لا بأس به بعد شهرة الكراهة
بناء على جواز المسامحة في أدلتها، وظاهر الصحيح الأول. وغيره تحريم التكلم في
الإقامة كما عن المفيد (2) والمرتضى (3) وغيرهما (4)، إلا أنه محمول على الكراهة،
جمعا بينها وبين الصحاح المستفيضة وغيرها.
ففي الصحيح: عن الرجل يتكلم بعد ما يقيم الصلاة؟ قال: نعم (5).
ونحوه آخر لكن بزيادة قوله - عليه السلام -: فإذا قال المؤذن: قد قامت
الصلاة فقد حرم الكلام على أهل المسجد، إلا أن يكونوا قد اجتمعوا من شتى
وليس لهم إمام، فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض، تقدم يا فلان (6).

(1) روض الجنان: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ص 244 س 29، وجامع المقاصد: كتاب الصلاة
في الأذان والإقامة ج 2 ص 189.
(2) المقنعة: كتاب الصلاة ب 7 في الأذان والإقامة ص 98.
(3) لم نعثر عليه في كتبه المتوفرة لدينا، إلا أنه نقل العلامة والسيد جواد العاملي " قدس سرهما " وغيرهما،
عن جمل السيد. فراجعنا الكتاب المذكور فلم نجد فيه القول الذي ذكراه، إلا مع تكلف وتصرف.
راجع جمل العلم والعمل: كتاب الصلاة في حكم الأذان والإقامة، ج 3 ص 30. عند قوله " ولا
يجوز ذلك في الإقامة "، فإنه لو تأخر بعد قوله " والكلام في خلال ذلك جائز " لصح النقل.
مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 88 س 19، ومفتاح الكرامة: كتاب
الصلاة في الأذان والإقامة ج 2 ص 288 س 12، وغيرهم.
(4) النهاية: كتاب الصلاة باب الأذان والإقامة وأحكامها وعدد فصولها ص 66، وتهذيب الأحكام:
كتاب الصلاة ب 6 في الأذان والإقامة ج 2 ص 55، ذيل الحديث 28.
(5) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الأذان والإقامة ح 9 ج 4 ص 629.
(6) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الأذان والإقامة ح 7 ج 4 ص 629.
336

ونحوه في الزيادة الموثق: إذا أقام المؤذن فقد حرم الكلام، إلا أن يكون
القوم ليس يعرف لهم إمام (1). وظاهر هما كغيرهما تحريم الكلام بعد قول المؤذن:
قد قامت الصلاة، إلا ما يتعلق بالصلاة من: تقديم إمام، أو تسوية صف، أو
نحو ذلك كما عليه الشيخان (2) والمرتضى (3) والإسكافي (4) (5). خلافا لعامة
المتأخرين، إلا النادر، فقطعوا بالكراهة، للمعتبرة المستفيضة.
منها: الصحيح وغيره المرويان في مستطرفات السرائر: أيتكلم الرجل بعد ما
تقام الصلاة؟ قال: لا بأس (6). ويعضده الاطلاق الصحيح السابق، بل عمومه
الناشئ من ترك الاستفضال عن كون المقيم مفردا أو جامعا متكلما قبل " قد
قامت الصلاة "، أو بعده لما يتعلق بالصلاة، أم غيره.
ونحوه الخبر: عن الرجل يتكلم في أذانه وإقامته؟ فقال: لا بأس (7).
وأظهر منه آخر بحسب الدلالة والسند: لا بأس بأن يتكلم الرجل وهو يقيم
الصلاة، أو بعد ما يقيم إن شاء (8). والجمع بينها وبين الأخبار السابقة وإن
أمكن بتقييد هذه بقبل قوله: قد قامت الصلاة " وبعده، مع كون الكلام لما

(1) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الأذان والإقامة ح 5 ج 4 ص 629.
(2) لم نعثر عليه في المقنعة، ولكنه نقل عنه المحقق في المعتبر والعلامة في المختلف وسبط الشهيد الثاني في
المدارك وغيرهم، والنهاية: كتاب الصلاة باب الأذان والإقامة وأحكامها وعدد فصولها ص 66،
والمبسوط: كتاب الصلاة؟ في ذكر الأذان والإقامة وأحكامهما ج 1 ص 95.
(3) في المصباح كما نقله المحقق في المعتبر: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 2 ص 143.
(4) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 90 س 25
(5) في نسخة (م) و (ق) و (ش) زيادة " وابن حمزة ".
(6) المستطرفان (السرائر): في ما استطرفناه من كتاب نوادر المصنف محمد بن علي بن محبوب الأشعري
ج 3 ص 601.
(7) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الأذان والإقامة ح 8 ج 4 ص 629 وفيه اختلاف يسير.
(8) وسأل الشيعة: ب 10 من أبواب الأذان والإقامة ح 10 ج 4 ص 630.
337

يتعلق بها، إلا أنه فرع التكافؤ المفقود هنا جدا، لندرة القائل بالمنع، ومخالفته
الأصل المقطوع به، المعتضد بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا.
فالكراهة الشديدة أقوى وإن كان الترك حينئذ بل مطلقا أحوط وأولى.
ولو تكلم أعادها مطلقا كما ذكره جماعة.
ونسبه في الروض إلى الأصحاب كافة (1)، للصحيح: لا تتكلم إذا أقمت
الصلاة، فإنك إذا تكلمت أعدت الإقامة (2)، ولو تكلم في خلال الأذان لم
يعده، عامدا كان أو ناسيا، إلا أن يتطاول بحيث يخرج عن الموالاة، ومثله
السكوت الطويل.
(و) من الكلام المكروه (الترجيع) كما عليه معظم المتأخرين، بل
عامتهم عدا نادر، وفي المنتهى، وعن التذكرة: أنه مذهب علمائنا (3). وهو
الحجة، مضافا إلى الاجماع في الخلاف على أنه غير مسنون (4)، فيكره لأمور قلة
الثواب عليه بالنسبة إلى أجزاء الأذان واخلاله بنظامه وفصله بأجنبي بين
أجزائه، وكونه شبه ابتداء.
وقال أبو حنيفة: إنه بدعة (5)، وعن التذكرة: وهو جيد عندي (6)، وفي
السرائر، وعن ابن حمزة: أنه لا يجوز (7). وهو حسن إن قصد شرعيته، كما صرح به

(1) روض الجنان: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ص 245 س 2.
(2) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الأذان والإقامة ح 3 ج 4 ص 629.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 254 س 38، وتذكرة الفقهاء: كتاب
الصلاة في الأذان والإقامة ح 1 ص 105 س 7.
(4) الخلاف: كتاب الصلاة م 32 في الأذان والإقامة ج 1 ص 288.
(5) المبسوط للسرخسي: باب الأذان ج 1 ص 128، والهداية: كتاب الصلاة باب الأذان ج 1 ص 41.
(6) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 105 س 8.
(7) السرائر: كتاب الصلاة باب الأذان والإقامة وأحكامهما وعدد فصولهما ج 1 ص 212، والوسيلة.
كتاب الصلاة في بيان الأذان والإقامة ص 92.
338

جماعة من المحققين (1)، وإلا فالكراهة متعينة للأصل، مع عدم دليل على
التحريم حينئذ، عدا ما قيل: من أن الأذان سنة متلقاة من الشارع كسائر
العبادات، فتكون الزيادة فيه تشريعا محرما كما تحريم زيادة: أن محمدا وآله خير
البرية ". فإن ذلك وإن كان من أحكام الايمان إلا أنه ليس من فصول
الأذان (2). وهو كما ترى، فإن التحريم لا يكون إلا إذا اعتقد شرعيته من غير
جهة أصلا.
ومنه يظهر جواز زيادة: " أن محمدا وآله خير البرية " وكذا: " عليا ولي
الله "، مع عدم قصد الشرعية في خصوص الأذان، وإلا فيحرم قطعا، ولا أظنهما
من الكلام المكروه أيضا، للأصل، وعدم انصراف إطلاق النهي عنه إليهما
بحكم عدم التبادر. بل يستفاد عن بعض الأخبار استحباب الشهادة بالولاية
بعد الشهادة بالرسالة (3). وقد استثنى المتأخرون تبعا للشيخ من كراهة الترجيع
ما أشار إليه بقوله، (إلا للاشعار) والتنبيه (4) كما في الخبر: وأن مؤذنا أعاد في
الشهادة أو في حي على الصلاة أو على الفلاح المرتين أو الثلاث أو أكثر
من ذلك إذا كان إماما يريد القوم ليجمعهم لم يكن به بأس (5).
وضعف السند مجبور بالشهرة، بل الاتفاق كما في صريح المختلف
والمنتهى (6) وظاهر غيره، وفيه دلالة على الكراهة بالمفهوم حيث لا يقصد

(1) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 2 ص 188، والشهيد
الثاني في روض الجنان: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ص 246 س 14، والفاضل الهندي في
كشف اللثام: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 209 س 29.
(2) والقائل هو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 3 ص 290.
(3) بحار الأنوار: كتاب الصلاة ب 35 في الأذان والإقامة و... ج 84 ص 112 في ذيل الحديث 7.
(4) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر الأذان والإقامة ج 1 ص 95.
(5) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الأذان والإقامة ح 1 ج 4 ص 652.
(6) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 89 س 22، راجع منتهى المطلب: كتاب
-
339

الاشعار، لكن لا تصريح فيه بلفظ الترجيع، ولا معناه المشهور من تكرار
الشهادتين مرتين أخريين، كما في الخلاف (1)، وعن الجامع (2) والتحرير
والتذكرة والمنتهى ونهاية الإحكام (3)، وعن المبسوط (4) والمهذب (5)، وفي
الدروس (6) أنه تكرير التكبير والشهادتين في أول الأذان.
وعن جماعة من أهل اللغة: أنه تكرير الشهادتين جهرا بعد إخفاتهما.
نعم، فسره في الذكرى: بتكرار الفصل زيادة على الموظف (7). وهو يوافق
ما في الخبر.
وقريب منه الرضوي، ليس فيهما - أي: في الأذان والإقامة - ترجيع، ولا
ترديد، ولا: الصلاة خير من النوم (8) فتأمل.
(و) كذا التثويب مكروه، سواء فيه فسر بقول: (الصلاة خير من
النوم) كما هو المشهور، أو بتكرير الشهادتين دفعتين كما عليه الحلي (9) وغيره،

الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 255 س 1، فإنه لم نجد فيه التصريح بالاتفاق، وإن قال بعدم
كراهته في المسألة.
(1) الخلاف: كتاب الصلاة م 32 في الأذان والإقامة ج 1 ص 288 وفي نسخة (م) و (ش) و خ ل الشرح
المطبوع " المختلف " بدل " الخلاف ".
(2) الجامع للشرائع: كتاب الصلاة باب الأذان والإقامة ص 71.
(3) تحرير الأحكام: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 35 س 10، وتذكرة الفقهاء: كتاب
الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 105 س 8، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة
ج 1 ص 254 س 28، ونهاية الإحكام: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 414.
(4) المبسوط: كتاب الصلاة قي ذكر الأذان والإقامة وأحكامهما ج 1 ص 95.
(5) المهذب: كتاب الصلاة باب الأذان والإقامة وأحكامهما ج 1 ص 89.
(6) الدروس: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ص 31 س 21.
(7) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ص 169 س 37.
(8) فقه الرضا (ع): ب 6 في الأذان والإقامة ص 96.
(9) السرائر: كتاب الصلاة باب الأذان والإقامة وأحكامهما وعدد فصولهما ج 1 ص 212.
340

أو بالاتيان " بالحيعلتين " مثنى بين الأذان والإقامة، كما قيل (1): للاجماع على
أنه بالمعنى الأول غير مسنون كما في التهذيبين، (2) والخلاف، وفيه: الاجماع على
أنه في العشاء الآخرة بدعة (3).
وفي الناصريات: أنه في صلاة الصبح بدعة (4)، وفي الانتصار كذلك، إلا
أنه قال: إنه مكروه (5). ويظهر منه أن مراده بالكراهة: المنع، حيث قال:
والدليل على صحة ما ذهبنا إليه من كراهيته والمنع منه: الاجماع الذي تقدم.
وفي السرائر: الاجماع على أنه: لا يجوز، واستدل عليه كالناصرية والخلاف
بعده بانتفاء الدليل على شرعيته وبالاحتياط، لأنه لا خلاف في أنه لا ذم
على تركه، فإنه إما مسنون أو غيره، مع احتمال كونه بدعة (6)، وظاهره التحريم
كما عليه المشهور على الظاهر المصرح به في المختلف (7)، ولا ريب فيه مع قصد
الشرعية كما في المسألة المتقدمة، وإلا فما ذكروه من الأدلة على التحريم
لا تفيده كلية، عدا الاجماع.
وفي شمول دعواه لمحل الفرض، اشكال، بل ظاهر سياق عباراتهم الاجماع
على المنع عنه بالنحو الذي يراه جماعة من العامة من كونه سنة. ومحصله الاجماع

(1) لم نعثر عليه عند علمائنا. الشيعة: ولعله أراد بذلك أبو حنيفة. راجع المغني لابن قدامة: كتاب الصلاة
في الأذان والإقامة ج 1 ص 420 س 1.
(2) تهذيب الأحكام: كتاب الصلاة ب 7 في عدد فصول الأذان والإقامة ووصفهما ج 2 ص 63، ذيل
الحديث 15، والاستبصار: كتاب الصلاة ب 167 في عدد الفصول في الأذان والإقامة ج 1
ص 308، ذيل الحديث 15.
(3) الخلاف: كتاب الصلاة م 31 في الأذان والإقامة ج 1 ص 288.
(4) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في الأذان والإقامة م 69 ص 228.
(5) الإنتصار: في الأذان والإقامة ص 39.
(6) السرائر: كتاب الصلاة باب الأذان والإقامة وأحكامهما وعدد فصولهما ج 1 ص 212.
(7) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 89 س 26.
341

على عدم كونه سنة، لا أنه محرم مطلقا ولو مع عدم قصد الشرعية.
وبالجملة: الظاهر أن محل النزاع الذي يدعى فيه الاجماع إنما هو التثويب
الذي يفعل بقصد الاستحباب، كما عليه العامة (1).
ولذا، أن المحقق الثاني مع تصريحه أو لا بالتحريم مطلقا قال بعد الاستدلال
عليه، ونقل معارضه من الأقوال والأخبار: نعم لو قاله معتقدا أنه كلام خارج
من. الأذان اتجه القول بالكراهة، لكن لا يكون بينه وبين غيره من الكلام فرق
على أن البحث فيه مع من يقول باستحبابه في الأذان وعده من الفصول،
فكيف يعقل القول بالكراهة؟ (2) انتهى. ولنعم ما أفاد وأجاد رحمه الله.
ويعضده ما في كتاب زيد النرسي، عن مولانا الكاظم - عليه السلام -:
الصلاة خير من النوم بدعة بني أمية، وليس ذلك من أصل الأذان، ولا بأس
إذا أراد الرجل أن ينته الناس للصلاة أن يناديهما بذلك، ولا يجعله من أصل
الأذان، فإنا لا نراه أذانا (3). فتأمل. وبه يجمع بين القول بالكراهة والتحريم،
بحمل الأول على صورة عدم قصد الاستحباب، والثاني على قصده.
فلا خلاف في المسألة إلا من الإسكافي، حيث قال: لا بأس به في أذان
الفجر (4).
والجعفي حيث قال: تقول في أذان صلاة الصبح بعد قولك " حي على
خير العمل ": " الصلاة خير من النوم " مرتين وليستا من الأذان (5). وظاهرهما

(1) ابن عمر والحسن البصري وابن سيرين وغيرهم، راجع المغني لابن قدامة: كتاب الصلاة في الأذان
والإقامة ج 1 ص 419 س 12.
(2) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 2 ص 195.
(3) بحار الأنوار: كتاب الصلاة ب 35 في الأذان والإقامة و... 84 ص 172، ذيل الحديث 76.
(4) كما في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ص 169 س 36.
(5) كما في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ص 169 س 36، وص 175 س 17.
342

عدم الكراهة، بل ظاهر الثاني الاستحباب. وهما شاذان مخالفان للاجماع
المحكي، بل القطعي فلا يمكن المصير إليهما وإن أيد الثاني الخبران:
أحدهما: الصحيح: كان أبي ينادي في بيته ب‍ (الصلاة خير من النوم) (1).
وفي الثاني: الموثق: النداء والتثويب في الإقامة من السنة (2) لشذوذهما،
وعدم وضوح دلالتهما، لاحتمال كون النداء في الأول في غير الأذان، أو
للتقية، وعدم معلومية المراد منه ومن التثويب في الثاني، كما قيل (3). والأجود
حمله على التقية.
وبه يجاب أيضا عن الصحيح المروي في المعتبر عن كتاب البزنطي: إذا
كنت في أذان الفجر فقل: " الصلاة خير من النوم " بعد " في علي خير
العمل "، وبعد " الله أكبر الله أكبر ": " لا إله إلا الله "، ولا تقل في
الإقامة: " الصلاة خير من النوم "، إنما هذا في الأذان (4). وأما ما استبعده
الماتن بناء على اشتماله على " حي على خير العمل " وهو انفراد الأصحاب (5)
فمنظور فيه، لجواز الاسرار به، فلا ينافي التقية.
ويدل على كراهة التثويب المعنى الثالث - زيادة على الاجماع المدعى
عليها في الخلاف ظاهر خصوص الصحيح: عن التثويب الذي يكون بين
الأذان والإقامة، فقال ما نعرفه (6).
(وأما اللواحق ف‍) اعلم: أن (من السنة حكايته) أي: الأذان (عند

(1) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب الأذان والإقامة ح 4 ج 4 ص 651.
(2) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب الأذان والإقامة ح 3 ج 4 ص 651.
(3) والقائل هو الفاضل الهندي في كشف اللثام: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 210
(4) المعتبر: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 2 ص 145.
(5) المعتبر: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 2 ص 145.
(6) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب الأذان والإقامة ح 1 ج 4 ص 650.
343

سماعه) ممن يشرع منه بالاجماع المستفيض النقل، والمعتبرة المستفيضة.
ففي الصحيح: كان رسول الله - صلى الله عليه وآله - إذا سمع المؤذن يؤذن
قال مثل ما يقول في كل شئ (1). وظاهره كإطلاق البواقي استحباب الحكاية
له بجميع فصوله حتى الحيعلات. خلافا للدروس، فجوز الحولقة بدل
الحيعلة (2)، ورواها في المبسوط (3)، الظاهر أنها عامية كما ذكره جماعة (4).
قال بعضهم: فإنه قد روى مسلم في صحيحه وغيره في غيره بأسانيد، عن
عمر ومعاوية: أن رسول الله - صلى الله عليه وآله - وذكر نحو الرواية (5)، وعليه
فيشكل الخروج بها عن ظواهر المستفيضة كما صرت به جماعة (6).
وهل يختص الحكم بالأذان أم يعمم الإقامة؟ ظاهر الأصل، واختصاص
أكثر الفتاوى والنصوص بالأول يقتضيه. وبه صرح جمع. خلافا للمحكي عن
النهاية والمبسوط (7)، والمهذب (8)
فالثاني. وهو غير بعيد، لعموم التعليل في بعض تلك المستفيضة: بأن ذكر
الله تعالى حسن على كل حال (9)، ولا ريب أن الإقامة كالآذان في كونها ذكرا.

(1) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب الأذان والإقامة ح 1 ج 4 ص 671.
(2) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ص 31 س الأخير.
(3) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر الأذان والإقامة وأحكامها ج 1 ص 97.
(4) منهم العلامة المجلسي " قدس سره " في بحار الأنوار: كتاب الصلاة ب 36 في حكاية الأذان والدعاء
بعده ج 84 ص 176، ذيل الحديث 6 والبحراني في الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في الأذان
والإقامة ج 7 ص 423.
(5) نفس المصدر السابق.
(6) منهم: المحقق السبزواري في ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ص 256 س 28.
(7) النهاية ونكتها: كتاب الصلاة ب 4 في الأذان والإقامة و... ج 1 ص 290، والمبسوط: كتاب الصلاة
في ذكر الأذان والإقامة وأحكامهما ج 1 ص 90.
(8) المهذب: كتاب الصلاة باب الأذان والإقامة وأحكامهما ج 1 ص 90.
(9) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب الأذان والإقامة ح 2 ج 4 ص 671.
344

ثم إن استحباب الحكاية ثابت على كل حال -، إلا في الصلاة مطلقا على
ما حكي عن المبسوط (1) والتذكرة ونهاية الإحكام (2)، لأن الاقبال على
الصلاة أهم، وإن حكى فيها جاز، إلا أنه يبدل الحيعلات بالحولقات. وذكر
جماعة: أنه تستحب حكاية الأذان المشروع، فلا يحكى أذان عصر الجمعة
والمرأة، حيث يكون حراما (3).
قيل: ولا أذان الجنب في المسجد (4)، وفيه نظر، لعدم تعلق النهي به، بل
باللبث الخارج عن أذانه.
(وقول ما يخل به المؤذن) من فصول عمدا وسهوا، تحصيلا للأذان
الكامل.
وفي الصحيح: إذا أذن مؤذن فنقص الأذان وأنت تريد أن تصلي بأذانه
فأتم ما نقص هو من أذانه (5).
(والكف عن الكلام بعد قول المؤذن (6): " قد قامت الصلاة " إلا)
أن يكون (بما يتعلق بالصلاة) من تقديم إمام، أو تسوية صف، أو نحو ذلك،
بل يكره ذلك كراهة مغلظة، حتى أنه قال بتحريمه جماعة، كما تقدم إليه
الإشارة.

(1) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر الأذان والإقامة وأحكامهما ج 1 ص 97.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 109 س 17، ونهاية الإحكام: كتاب
الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 429.
(3) منهم العلامة في نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 429، وصاحب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 3 ص 295، وصاحب ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة
في الأذان والإقامة ص 256 س 34.
(4) والقائل هو الشهيد الثاني في روض الجان: باب الصلاة في الأذان والإقامة ص 245 س الأخير.
(5) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب الأذان والإقامة ح 1 ج 4 ص 659.
(6) في المتن المطبوع " بعد قوله قد قامت ".
345

وهنا (مسائل ثلاث):
(الأولى: إذا سمع الإمام أذانا جاز أن يجتزئ به) عن أذانه (في)
صلاة (الجماعة ولو كان) ذلك (المؤذن منفردا) في صلاته وأذانه على
المشهور، بل لا خلاف فيه على الظاهر المصرح به في بعض العبائر (1)، إلا من
نادر، لظاهر الصحيح السابق.
مضافا إلى الخبرين المنجبرين بالعمل. في أحدهما: صلى بنا أبو جعفر
- عليه السلام - في قميص بلا إزار ولا رداء، ولا أذان، ولا إقامة - إلى أن قال -:
وإني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم، فلم أتكلم فأجزأني ذلك (2).
وفي الثاني: كنا معه - عليه السلام - فسمع إقامة جار له بالصلاة فقال:
قوموا فقمنا، فصلينا معه بغير أذان - ولا إقامة، وقال: يجزيكم أذان جاركم (3).
وظاهرهما من حيث التضمن للفظ الاجزاء كون السقوط هنا رخصة لا عزيمة،
وبه صرح جماعة (4).
وكذا ظاهرهما جواز الاجتزاء بالإقامة عنها أيضا، لكن يستفاد من أو لهما
اشتراط عدم التكلم بعدها. وهو حسن، لأن الكلام من المقيم بعد الإقامة
مقتض لإعادتها كما مضى. وهذه الإقامة أضعف حكما، فبطلانها بالكلام
بعدها أولى.

(1) الظاهر أنه صاحب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 3 ص 299، وفيه
" مقطوع به في كلام الأصحاب ".
(2) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب الأذان والإقامة ح 2 ج 4 ص 659.
(3) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب الأذان والإقامة ح 3 ج 4 ص 659.
(4) منهم الفيض في مفاتيح الشرائع: كتاب الصلاة م 132 في سقوط الأذان والإقامة عن السامع ج 1
ص 116.
346

وهل يجتزئ المنفرد بأذان المنفرد؟ قال الشهيد - رحمه الله - نظر، أقربه
ذلك، لأنه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى (1). وهو حسن.
ثم إن إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في المؤذن، بين
كونه مؤذن مصر أو مسجد أو منفرد. وجزم بعضهم باختصاص الحكم بمؤذن
الجماعة والمصر، ومنع من الاجتزاء بسماع أذان المنفرد بأذانه، وهو ما عدا
مؤذن الجماعة والمصر.
وحمل قولهم: " وإن كان منفردا " على أن المراد بالمنفرد: المنفرد بصلاته،
لا بأذانه (2)، وهو خروج من إطلاق النصوص والفتاوى المتقدمين، بل ظاهر
الأخيرين منها.
(الثانية: من أحدث) في الأذان والإقامة بنى بعد الطهارة وقبلها إذا لم
يقع فصل فاحش، ولا يستأنف، بناء على عدم اشتراط الطهارة فيهما، ولكن
الأفضل إعادة الإقامة، لتأكد استحبابها فيها.
وللخبر المروي عن قرب الإسناد: عن المؤذن يحدث في أذانه أو في إقامته،
قال: إن كان الحدث في الأذان فلا بأس، وإن كان في الإقامة فليتوضأ وليقم
إقامة (3).
وقريب منة آخر: الإقامة من الصلاة (4). ومن حكما الاستئناف بطرو
الحدث في أثنائها، فتكون الإقامة كذلك. ويأتي على القول بالاشتراط
وجوبها.

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ص 173 س 36.
(2) وهو الشهيد الثاني - قدس سره - في مسالك الأفهام: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 28 س 5
(3) قرب الإسناد: ص 85.
(4) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الأذان والإقامة ح 12 ج 4 ص 630.
347

ولو أحدث (في الصلاة أعادها) أي: الصلاة، (ولا يعيد الإقامة إلا
مع الكلام) بما لا يتعلق بالصلاة، وإن أوجبنا الإعادة مع الحدث في الإقامة،
كما عن صريح المبسوط (1). قيل: والفرق ظاهر (2)، ولعل وجهه ما ذكره في المنتهى
بعد أن عزى الحكم إلى الشيخ من: أن فائدة الإقامة - وهي الدخول في
الصلاة - قد - صل (3)، والأولى الإعادة كما يفهم من الرواية الأخيرة.
وأما الإعادة مع التكلم فللصحيح: لا تتكلم إذا ألحت، فإنك إذا تكلمت
أعدت الإقامة (4).
(الثالثة: من صلى خلف من لا يقتدي به أذن لنفسه وأقام) لما مر
من: عدم الاعتداد بأذان المخالف، وللنصوص.
منها: أذن خلف من قرأت خلفه (5).
(ولو خشي فوات الصلاة) خلفه (اقتصر من فصوله على تكبيرتين،
و (قد قامت الصلاة) مرتين وتهليلة، كما في الصحيح المتقدم في بيان فصول
الأذان والإقامة.

(1) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر الأذان والإقامة وأحكامها ج 1 ص 98.
(2) والقائل هو المفاضل الهندي في كشف اللثام: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 210
س 27.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الأذان والإقامة ج 1 ص 258 س 7.
(4) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الأذان والإقامة ح 3 ج 4 ص 629.
(5) وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب الأذان والإقامة ح 2 ج 4 ص 664.
348

(وأما المقاصد فثلاثة)
(الأول): في بيان (أفعال الصلاة)
(وهي: واجبة ومندوبة).
(فالواجبات ثمانية)
(الأول: النية (1): وهي ركن) والمراد به: ما يلتئم منه الماهية مع بطلان
الصلاة بتركه عمدا وسهوا كالركوع والسجود، وربما قيد بالأمور الوجودية المتلاحقة،
ليخرج التروك كترك الحدث في الأثناء، فإنها لا تعد أركانا عندهم.
ويمكن أن يكون المراد بالركن: ما يبطل الصلاة بتركه مطلقا، فيكون أعم
من الشرط، ولكنه بعيد وخلاف المصطلح عليه بينهم.
ولذا قال الماتن بعد الحكم بالركنية: (وإن كانت بالشرط أشبه) ولو
صح الركنية بهذا المعنى بينهم لما كان بينها وبين الشرطية منافاة، فلا وجه
لجعله لها مقابلا للركنية.
وكيف كان، فلا خلاف في ركنيتها بهذا المعنى، وادعى عليه جماعة اتفاق
العلماء (2). وهو الحجة بعد الكتاب والسنة المستفيضة، الدالة على اعتبار

(1) في المتن المطبوع " في النية ".
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في النية ج 1 ص 111 س 7 ومنتهى المطلب: كتب الصلاة في النية
ج 1 ص 266 س 20، والتنقيح الرائع: كتاب الصلاة في النية ج 1 ص 192.
349

الاخلاص في العبادة، وأنه لا عمل بلا نية (1). والمناقشة في الدلالة واهية،
واختلفوا في كون النية شرطا أو جزء. فالذي اختاره الماتن هنا كثير: الأول.
قال في المنتهى: لأن الشرط ما يقف عليه تأثير المؤثر، أو ما تقف عليه صحة
الفعل، وهذا متحقق فيها (2). وأيضا: (فإنها تقع مقارنة) لأول جزء من
الصلاة، أعني: التكبير، أو سابقة عليه، فلا يكون جزء، وهما ضعيفان كأكثر
الوجوه المستدل بها على القولين، وقد فرع عليما أمور لا يتفرع بعضها عليهما،
وبعضها قليل الفائدة.
وحيث كانت المسألة بهذه المثابة كانت الفائدة في تحقيقها قليلة،
فالاعراض عن الإطالة فيها أولى، والاشتغال بتحقيق ما هو أهم أحرى.
(و)، هو أنه لا بد له في النية (من نية القربة) وهي غاية الفعل المتعبد به
قرب الشرف، لا الزمان والمكان، لتنزهه تعالى عنهما، ولو جعلها لله تعالى
كفى (والتعيين) من ظهر أو عصر أو غير (والوجوب) إن كان واجبا
(والندب) (3) إن كان مندوبا (والأداء) إذا كان في الوقت (والقضاء) (4)
إذا كان في خارجه، ولا إشكال في اعتبار الأولين، لما مضى في أولهما.
ودعوى الفاضل في التذكرة وغيره في الثاني إجماعنا (5)، ونفى عنه الخلاف
في المنتهى (6). وهو الحجة، مضافا إلى أن الفعل إذا كان مما يمكن وقوعه على
وجوه متعددة افتقر اختصاصه بأحدها إلى النية، وإلا لكان صرفه إلى البعض

(1) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب مقدمة العبادات ح 1 و 2 و 3 و 4 و 9 ج 1 ص 33 - 34.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في النية ج 1 ص 266 س 25.
(3) في المتن المطبوع " أو الندب ".
(4) في المتن المطبوع " أو القضاء ".
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في النية ج 1 ص 111 س 11، و....
(6) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في النية ج 1 ص 266 س 27.
350

دون البعض ترجيحا من غير مرجح، مع أن الامتثال عرفا متوقف عليه جدا.
ومنه يظهر الوجه في عدم الاشكال في اعتبار البواقي، حيث تكون الذمة
مشغولة بكل من الواجب والمندوب، أو الأداء والقضاء، إذ مع عدم تشخيص
المتعبد به المشترك بين هذه الأفراد بأحد مشخصاتها لم يصدق الامتثال عرفا
مطلقا ولو صرف إلى بعض الأفراد بعده، مع أنه ترجيح من غير مرجح كما
مضى.
وأما مع تشخص الفعل في الواقع شرعا فمشكل جدا، وإليه أشار بعض
الأفاضل.
فقال - بعد نقل الاستدلال من الجماعة على اعتبار الفصول الباقية بأن
جنس الفعل لا يستلزم وجوده (1) إلا بالنية، فكل ما أمكن أن يقع على أكثر
من وجه واحد افتقر اختصاصه بأحد الوجوه إلى النية، فينوي الظهر - مثلا - ليتميز
عن بقية الصلوات، والفرض ليتميز عن إيقاعه ندبا، كمن صلى منفردا ثم
أدرك الجماعة، وكونها أداء ليتميز عن القضاء ما صورته -: وهو استدلال
ضعيف، فإن صلاة الظهر - مثلا - لا يمكن وقوعها من المكلف في وقت واحد
على وجهي الوجوب والندب، ليعتبر تمييزا أحدهما عن الآخر، لأن من صلى
الفريضة ابتداء لا تكون صلاته إلا واجبة، ومن أعادها ثانية لا تقع إلا
مندوبة. وقريب من ذلك الكلام في الأداء والقضاء (2).
أقول: ويمكن أن يقال: إن مرادهم من الامكان الامكان بحسب النية،
لا بحسب الشريعة. وعليه، فيمكن وقوع صلاة الظهر الواجبة على جهة الندب
بحسب قصد المكلف: إما عمدا أو سهوا أو جهلا.

(1) في نسخة (م) و (ق) " وجوبه " بدل " وجوده ".
(2) القائل هو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في النية ج 3 ص 310، باختلاف.
351

ولا ريب أنها بهذه الجهة وهذه الصفة غير مأمور بها في الشريعة، فتكون
فاسدة، كما أنه لو صلاها بقصد العصر فسدت. وكذلك الكلام لو صلاها أداء
زاعما بقاء الوقت مع خروجه، أ وقضاء زاعما خروجه مع بقائه بطلت أيضا،
كما صرح به في المنتهى (1)، جاعلا له من فروع المسألة مشعرا بعدم الخلاف في
الأصل بيننا، بل عن ظاهر التذكرة: أن عليه إجماعنا (2).
وهو الحجة المؤيدة بالشهرة العظيمة، حتى ممن تأمل في اعتبار قصد الوجه
في الطهارة، كشيخنا الشهيد الثاني في الروضة، حيث أن ظاهره في كتاب
الطهارة: التردد في اعتبار قصد الوجه من الوجوب والندب، بل الجزم بعدمه،
مدعيا عدم الدليل عليه، وعدم اشتراك في الوضوء حتى في الوجوب والندب.
قال: لأنه في وقت العبادة الواجبة المشروطة به لا يكون إلا واجبا، وبدونه
ينتفي (3) ظاهره في هذا الكتاب الجزم باعتباره مطلقا، كما هو ظاهر اللمعة (4)
قائلا في تقريبه: ولما كان القصد متوقفا على تعيين المقصود لوجه ليمكن توجه
القصد إليه اعتبر فيها إحضار ذات الصلاة وصفاتها المميزة لها، حيث تكون
مشتركا، والقصد إلى هذا المعين متقربا، ويلزم من ذلك كونها معينة الفرض
والأداء والقضاء، والوجوب والندب (5).
ولا يخفى ما بين كلاميه في المقامين من التدافع، وما ذكرناه من التوجيه
لتصحيح نحو الكلام الثاني غير نافع في كلامه الأول، لظهوره في أن المراد
بالامكان: الامكان بحسب الشرع، لا قصد المكلف، وإلا فيمكن وقوع الوضوء
أيضا من المكلف بقصد الندب حيث يكون واجبا عليه، وبالعكس كما إذا

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في النية ج 1 ص 266 س 33.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في النية ج 1 ص 111 س 12.
(3) الروضة البهية: كتاب الطهارة في واجبات الوضوء ج 1 ص 321.
(4) اللمعة الدمشقية، والروضة البهية: كتاب الصلاة في النية ج 1 ص 588.
(5) اللمعة الدمشقية، والروضة البهية: كتاب الصلاة في النية ج 1 ص 588.
352

قصد الوجوب (1) بظن دخول الوقت أو تيقنه ثم انكشف عدمه وبالعكس. مع
أنه صرح بعدم إمكانه على الوجهين، وليس إلا من حيث إرادته منه إياه
بحسب الواقع، وهو جار في المقام كما ذكره ممن مر من بعض الأفاضل. ولكن
الجواب عنه بما عرفت ظاهر.
لكن يمكن أن يقال: إن مقتضاه وجوب قصد الوجه إذا بنى المكلف على
التعدد عمدا أو تشريعا مثلا، وأما إذا بنى على الاتحاد مع كونه في الواقع
كذلك وقصده متقربا فقد قصد الذي هو متصف بالوجوب أو الندب، لأنه
أحضر المنوي المتصف بأحدهما واقعا، لأن النية أمر بسيط، فيكون ممتثلا وإن لم
يخطر بباله كون ما أتى به واجبا أو مندوبا، لأن الامتثال يحصل بقصد المأمور به
المعين وإن كان الواجب أن لا يخطر ما هو متصف بالوجوب بصفة الندب، ولا
العكس مع إمكان التأمل في هذا أيضا كما عن الماتن في بعض تحقيقاته في نية
الوضوء، حيث أنه بعد أن استظهر عدم اشتراط نية الوجه في صحته.
قال في جملة كلام له: وما يقوله المتكلمون من أن الإرادة تؤثر في حسن
الفعل وقبحه، فإذا نوى الوجوب والوضوء مندوب فقد قصد إيقاع الفعل على
غير وجهه كلام شعري، ولو كان له حقيقة لكان الناوي مخطأ في النية، ولم
تكن النية مخرجة للوضوء عن التقرب (2) انتهى. وهو في غاية الجودة.
لكن ينبغي تخصيصه بصورة ما إذا نوى المأمور به المعين في الوقت الذي
يفعله وكان واحدا كما فرضنا. ولكن الأحوط اعتبار الوجه مطلقا كما ذكروه،
خروجا عن شبهة الاجماع المؤيدة بالشهرة العظيمة بين الأصحاب وإن خالف
فيه جماعة من محققي متأخري المتأخرين.

(1) في الشرح المطبوع " الوضوء " والصحيح ما أثبتناه كما في المخطوطات.
(2) لم نعثر عليه في كتب المحقق " قدس سره " الموجودة والمتوفرة عندنا، إلا أنه يتناقلها المحققون في كتبهم
ويذكرون نص هذه الكلمات كالمدارك: كتاب الطهارة في نية الوضوء ص 38 س 22 - 25.
353

واعلم: أن شيخنا في الروضة بعد اختياره مذهب الأصحاب وتحقيقه الأمر
في النية قال - ولنعم ما قال -: وقد تلخص من ذلك أن المعتبر في النية أن يخطر
بباله - مثلا - صلاة الظهر الواجبة المؤداة، ويقصد فعلها لله تعالى، وهذا أمر
سهل، وتكليف يسير قل أن ينفك عن ذهن المكلف عند إرادته الصلاة، وكذا
غيرها، وتجشمها - زيادة على ذلك - وسواس شيطاني قد أمرنا بالاستعاذة منه
والبعد عنه (1).
(ولا يشترط نية القصر والاتمام) مطلقا (ولو كان) المصلي المدلول
عليه بالمقام (مخيرا) بينهما فيما جزم به كثير من الأصحاب على الظاهر المصرح
به في الذكرى (2)، واستدل عليه في المنتهى.
فقال: أما في مواضع لزوم أحدهما فلا يفتقر إلى نيته، لأن الفرض متعين
له. وأما في مواضع التخيير كالمسافر في أحوط المواطن الأربعة فلا يتعين أحدهما
بالنية، بل جائز له أن يقتصر على الركعتين، وجائز أن يتم، فلا يحتاج إلى
التعيين (3). وقريب منه كلام المحقق الثاني في شرح القواعد (4)، وهو حسن على
ما قدمنا.
إلا أن في التعليل الأول منافاة لما ذكروه: في اشتراط نية الوجه من
اشتراك المتعبد به بين فصوله، لا يتعين لأحدها إلا بنيته، بناء على ما وجهناه
به من أن المراد بالاشتراك الاشتراك بحسب نية المكلف لا الواقع.
وهذا الوجه جار في المقام، لامكان أن ينوي ما كلف به من قصر أو إتمام

(1) الروضة البهية: كتاب الصلاة في النية ج 1 ص 592.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في النية ص 177 س 24 - 25.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في النية ج 1 ص 266 س 37.
(4) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في ج 2 ص 231.
354

بضده، والفرض أن التعيين واقعا غير كاف.
وبالجملة، فالجمع بين الكلامين مشكل، إلا أن يقيد الأول بما إذا حصل
اشتراك في المتعبد به واقعا، كما إذا كان عليه واجب وندب، أو أداء
وقضاء، ولا ريب في اشتراط قصد الوجه حينئذ، كما قدمنا.
والشاهد على هذا التقييد كلامهم هنا، لكن مقتضى ذلك الاكتفاء
باشتراط نية التعيين عن نية الوجه، فلا وجه لاشتراطها أيضا، إلا لزومه مطلقا
ولو كان المتعبد به في الواقع واحدا، وربما يشير إليه أيضا ما قدمناه عن المنتهى
من التفريعات. فتأمل جدا.
وكيف كان، فالمتجه على ما قدمنا صحة ما حكموا به هنا، من غير خلاف
أجده، إلا من المحقق الثاني، فأوجب مع التخيير نية، أحدهما (1)، واحتمله
الشهيد - رحمه الله - في الذكرى.
قال: لأن الفرضين مختلفان، فلا يتخصص أحدهما إلا بالنية، وعلى
الأول لو نوى أحدهما فله العدول إلى الآخر، وعلى الثاني يحتمل ذلك، لأصالة
بقاء التخيير، ويحتمل جواز العدول من التمام إلى القصر دون العكس، كي لا يقع
الزائد بغير نية (2). وهو كما ترى.
(ويتعين استحضارها عند أول جزء من التكبير)، خاصة، أو مستمرة
إلى انتهائه، أو بين الألف والراء، أو قبله متصلة به بحيث يكون آخر جزء منها
عند أول جزء منه، على اختلاف الآراء بعد اتفاقها على لزوم أصل المقارنة في
الجملة، على الظاهر المصرح به في كلام جماعة.
ويظهر من التذكرة دعوى الاجماع على صحة العبادة بالمقارنة بالمعنى

(1) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في النية ج 2 ص 231.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في النية ص 177 س 25 - 27.
355

الأخير (1). وبه يضعف القول الثالث لو أريد به تعيينه، مضافا إلى ندرة قائله،
واستلزامه - زيادة على العسر - حصول أول التكبير بغير نية، وبذلك يضعف
الثاني أيضا لو أريد به التعيين، مع عدم وضوح مأخذه.
إلا ما يقال: من أن الدخول في الصلاة إنما يتحقق بتمام التكبير، بدليل
أن المتيمم لو وجد الماء قبل إتمامه وجب عليه استعماله، بخلاف ما لو وجده
بعد الاكمال، والمقارنة معتبرة في النية، فلا يتحقق من دونها.
ويضعف تارة: بأن آخر التكبير كاشف عن الدخول في الصلاة من
أوله.
وأخرى: بأن الدخول في الصلاة يتحقق بالشروع في التكبير، لأنه جزء من
الصلاة بالاجماع، فإذا قارنت النية أوله فقد قارنت أول الصلاة، لأن جزء
الجزء جزء، ولا ينافي ذلك توقف التحريم على انتهائه ووجوب استعمال الماء
قبله، لأن ذلك حكم آخر لم ينافي المقارنة.
وثالثة: باستلزامه العسر والحرج المنفيين شرعا. والحق أن هذا الجواب
جار أيضا في التفسير الأول، كما أجاب به عنه الحلي على ما حكاه عنه في
التنقيح (2)، ولذا اختار هو التفسير الأخير، وهو أسلم التفاسير وأوضحها، مع
دعوى الاجماع على حصول المقارنة به كما مضى.
هذا مع أن هذه التفاسير كلها تناسب القول: بأن النية: عبارة عن الصورة
المخطرة بالبال، كما هو المشهور بين الأصحاب، دون القول بأنها: عبارة عن
الداعي إلى الفعل، كما هو المختار، لأنها بهذا المعنى لازمة الاقتران من الفاعل
المختار، فلا يحتاج إلى هذه التدقيقات، وقد تقدم الكلام فيها.

(1) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في النية ج 1 ص 112 س 4.
(2) التنقيح الرائع: كتاب الصلاة في النية ص 193 - 194.
356

(و) في وجوب (استدامتها حكما) حتى الفراغ في بحث الوضوء من
كتاب الطهارة، من أراد التحقيق فليراجع ثمة.
(الثاني: التكبير): تكبيرة الاحرام نسبت إليه، لأن بها يحصل الدخول
في الصلاة، ويحرم ما كان محللا قبلها من الكلام وغيره.
(وهو ركن في الصلاة) تبطل بتركه مطلقا، إجماعا منا ومن أكثر العامة،
بل جميع الأمة، إلا النادر كما حكاه جماعة (1)، وللصحاح المستفيضة، المصرح
جملة منها بفساد الصلاة بتركه نسيانا (2).
ففي العمد وما في معناه أولى، وما في شواذها مما ينافي بظاهره ذلك من
عدم البأس بتركها نسيانا مطلقا كما في بعض (3)، أو إذا كبر للركوع فيجتزئ به
كما في آخر (4)، أو قضائه قبل القراءة، أو بعدها كما في ثالث (5)، أو قبل الركوع،
وإلا فيمضي كما في رابع (6)، مؤول بتأويلات غير بعيدة في مقام الجمع بين الأدلة.
(وصورته) التي يجب الاقتصار عليها إجماعا، كما في الانتصار (7)
والناصرية (8) والمنتهى (9) وعن الغنية (10)

(1) منهم صاح ب المعتبر: كتاب الصلاة في أفعال الصلاة ج 2 ص 151، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة
في تكبيرة الاحرام ج 1 ص 267 س 25، كشف اللثام: كتاب الصلاة في تكبيرة الاحرام ج 1
ص 214 س 16.
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب تكبيرة الاحرام ج 4 ص 715.
(3) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب تكبيرة الاحرام ح 10 ج 4 ص 717.
(4) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب تكبيرة الاحرام ح 2 ج 4 ص 718.
(5) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب تكبيرة الاحرام ح 8 و ح 10 ج 4 ص 717.
(6) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب تكبيرة الاحرام ح 8 و ح 10 ج 4 ص 717.
(7) الإنتصار: في افتتاح الصلاة ص 40.
(8) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة م 83 في فرض الافتتاح ص 232.
(9) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في تكبيرة الاحرام ص 268 س 2.
(10) غنية النزوع (الجوامع الفقهية) كتاب الصلاة في كيفية فعل الصلاة ص 495 س 28.
357

وتأسيا بصاحب الشريعة: (الله أكبر مرتبا) بين الكلمتين بتقديم الأولى
على الثانية مواليا بينهما، غير مبدل حرفا منهما بغيره، ولا كلمة بأخرى، ولا مزيد لها،
ولا الحرف مطلقا حتى الألف بين اللام والهاء من اسمه تعالى على الأحوط،
بل الأولى غير معرف لأكبر، ولا مضيف له إلى شئ ولا غير ذلك بأن وافق
القانون العربي، وفاقا للمشهور لما مر خلافا للإسكافي، فجوز التعريف على
كراهية (1)، ولهم فجوزوا زيادة الألف بين اللام والهاء إذا مده بحيث لا يزيد
على العادة، أو زاد ولكن لم يخرج الكلمة عن هيئتها على كراهية - كما يأتي -
لعدم تغير المعنى. وهما ضعيفان لما مر، ولا سيما الأول، بل هو شاذ على خلافه
الاجماع كما عرفته، وما اخترناه في الثاني خيرة المبسوط كما قيل (2).
(و) منه - مضافا إلى القاعدة المتقدمة - يظهر أنه (لا ينعقد) التكبير
بالترجمة عنه (بمعناه) مطلقا (ولا مع الاخلال بشئ) منه (ولو بحرف)
مطلقا، حتى بهمزة الجلالة متصلة بالنية المتلفظ بها، فإن الاخلال بها بإسقاطها
بالدرج حينئذ - وإن وافق العربية، إلا أنه مخالف لما قدمناه من الأدلة.
(ومع التعذر) والعجز عن الاتيان به بصيغة العربية المأثورة (تكفي
الترجمة) عن معناه بلغته، أو مطلقا مع المعرفة بها.
ولا تتعين السريانية والعبرانية، ولا الفارسية بعدهما وإن قيل: بتعين
الثلاثة مرتبا بينها (3) كما قلنا، لعدم وضوح مستنده وإن كان مراعاته أولى.
وهذا الحكم مشهور بين الأصحاب، بل لا يكاد يظهر فيه منهم خلاف،
عدا بعض متأخريهم، فاحتمل سقوط التكبير وفاقا لبعض العامة العمياء، مع

(1) كما في المعتبر: كتاب الصلاة في أفعال الصلاة ج 2 ص 152.
(2) كما في المعتبر: كتاب الصلاة في أفعال الصلاة ج 2 ص 152.
(3) والقائل هو صاحب المقاصد العلية وكشف الالتباس والموجز الحاوي كما نقله صاحب مفتاح
الكرامة: كتاب الصلاة في تكبيرة الاحرام ج 2 من 338 س 10 - 11، ولا يوجد عندنا هذه الكتب.
358

أنه وغيره ادعيا كونه مذهب علمائنا وأكثر العامة، معربين عن كونه مجمعا
عليه بيننا (1)، ومعه لا وجه للاحتمال وإن اتجه من دونه، لضعف ما يقال في
توجيه الحكم ودليله، كما بينته في شرح المفاتيح، من أراده فعليه بمراجعته.
واطلاق العبارة ونحوها يقتضي كفاية الترجمة مع التعذر مطلقا من دون
اشتراط، لضيق الوقت حتى لو صلى مترجما في أول الوقت مع علمه بعدم
إمكان التعلم إلى آخره لكفى، وبه صرح بعض الأصحاب (2). خلافا
لآخرين، فاشترطوه (3). وهو حسن مع إمكان التعلم، لا مطلقا.
(ويجب التعلم ما أمكن) بلا خلاف أجده، لتوقف الواجب عليه ولا
يتم إلا به، فيجب ولو من باب المقدمة.
(والأخرس) الذي سمع التكبيرة، وأتقن ألفاظها، ولا يقدر على التلفظ
بها أصلا، وكذا من بحكمه كالعاجز عن النطق لعارض (ينطق بالممكن)
منها (ويعقد قلبه بها) أي بالتكبيرة ولفظها، لأنها ثناء عليه تعالى، لا معناها
المطابقي، إذ لا يجب اخطاره بالبال.
وأما قصد اللفظ فلا بد منه (مع الإشارة) بلا خلاف في اعتبارها وإن
اختلف في اعتبار ما زاد عليها من عقد القلب خاصة أيضا كما هنا، وفي الشرائع
والارشاد، وعن النهاية (4)، أو بزيادة تحريك اللسان كما في القواعد وروض

(1) وهو صاحب الحدائق: كتاب الصلاة في تكبيرة الاحرام ج 9 ص 32.
(2) وهو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في تكبيرة الاحرام ج 1 ص 214 س 27.
(3) وهو صاحب الحدائق: كتاب الصلاة في تكبيرة الاحرام ح 8 ص 32.
(4) شرائع الاسلام: كتاب الصلاة في تكبيرة الاحرام ج 1 ص 79،
وإرشاد الأذهان: كتاب الصلاة في الكيفية اليومية ج 1 ص 252، والنهاية: كتاب الصلاة باب
القراءة في الصلاة وأحكامها و... ص 75.
359

الجنان، وعن الشهيد في البيان (1)، أو الاكتفاء بالإشارة خاصة، كما في المنتهى
والتحرير حاكيا له عن الشيخ (2) وحكي عنه في المبسوط، وعن المعتبر
في الذخيرة (3).
لكن الظاهر أن عقد القلب بالتكبير لا بد منه، وإلا لما تشخص لها الإشارة
عن غيرها، ولعله مراد الجماعة، فاتحد قولهم مع ما في العبارة.
بقي الكلام في اعتبار تحريك اللسان، واستدل على اعتباره بوجوبه مع
القدرة على النطق فلا تسقط، إذ لا يسقط الميسور بالمعسور (4)، فهو أحد
الواجبين. ولا يخلو عن نوع نظر: كالاستدلال له، ولاعتبار الإشارة بالخبر تلبية
الأخرس، وتشهده، وقراءته للقرآن في الصلاة تحريك لسانه، وإشارته
بإصبعه (5)، لخروجه عن المفروض كما ترى، إلا أن يستدل به عليه بالفحوى،
أو عدم تعقل الفرق بين التكبير ومورد الخبر أصلا. فتدبر.
وكيف كان، فلا بد من اعتبار ما عدا التحريك، لعدم الخلاف فيه على
الظاهر المصرح به في بعض العبائر. وأما اعتباره فهو أحوط، بل لعله أظهر.
(ويشترط فيها) جميع ما يشترط في الصلاة من الطهارة والستر
و (القيام) الاستقبال للصلوات البيانية، ولأن ذلك مقتضى الجزئية والركنية
الثابتة بما قدمناه من الأدلة.

(1) قواعد الأحكام: كتاب الصلاة في تكبيرة الاحرام ج 1 ص 32 س 17، وروض الجنان: كتاب
الصلاة في تكبيرة الاحرام ص 259 س 24 - 25، والبيان: كتاب الصلاة في تكبيرة الاحرام
ص 80.
(2) تحرير الأحكام: كتاب الصلاة في تكبيرة الاحرام ج 1 ص 37 س 25، ومنتهى المطلب: كتاب
الصلاة في تكبيرة الاحرام ج 1 ص 268 س 20.
(3) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في تكبيرة الاحرام ص 267 س 12 - 13
(4) عوالي اللآلي: الخاتمة في أحاديث متفرقة ح 205 ج 4 ص 58، وفيه " لا يترك "
(5) وسائل الشيعة: ب 59 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1 ج 4 ص 802.
360

(و) عليه ف‍ (لا تجزئ) التكبيرة أو الصلاة لو كبر غير متطهر أو غير،
مستتر، أو غير مستقبل، أو غير قائم مطلقا، سواء كبر (قاعدا) أو آخذا في
القيام أو هاويا إلى الركوع كما يتفق للمأموم (مع القدرة) على القيام بلا
خلاف أجده، إلا من المبسوط والخلاف.
فقال: إنه إن كبر المأموم تكبيرة واحدة للافتتاح والركوع وأتى ببعض
التكبير منحنيا صحت صلاته (1). وفي الذكرى وغيره لم نقف على مأخذه (2)،
مع أنه استدل له في الخلاف بأن الأصحاب حكموا بصحة هذا التكبير وانعقاد
الصلاة به، من غير تفصيل بين أن يكبر قائما أو يأتي به منحنيا. فمن ادعى
قلت: قد عرفته، وبعبارة أخرى: كل عبادة خالفت كيفيتها
المتلقاة من الشرع زيادة ونقصانا أو هيئة فالأصل بطلانها مطلقا، إلى أن يقوم
دليل على الصحة للتأسي الواجب في العبادة التوقيفية بحسب القاعدة
الأصولية، مضافا إلى الرواية في الصلاة الموجبة له (4)، وهي مشهورة.
هذا، وفي الصحيح: إذا أدرك الإمام وهو راكع فكبر الرجل وهو مقيم صلبه
ثم ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة (5).

(1) المبسوط: كتاب الصلاة في تكبيرة الافتتاح وبيان أحكامها ج 1 ص 105، والخلاف: كتاب
الصلاة م 92 في لزوم القيام عند تكبيرة الاستفتاح والركوع ج 1 ص 340.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في تكبيرة الاحرام ص 178 س 35، والحدائق الناضرة: كتاب
الصلاة في تكبيرة الاحرام ج 8 ص 33.
(3) الخلاف: كتاب الصلاة م 92 في لزوم القيام عند تكبيرة الاستفتاح والركوع ج 1 ص 341.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب القيام ح 1 ج 4 ص 689، و ب 2 من أبواب القيام ح 1 و 2 ج 4
ص 694.
(5) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 ج 5 ص 441.
361

ونحوه في الدلالة على اعتبار القيام في التكبيرة ولو في الجملة الموثق: عن
رجل سها خلف الإمام فلم يفتتح الصلاة، قال: يعيد الصلاة، ولا صلاة بغير افتتاح (1).
وعن رجل وجبت عليه صلاة من قعود، فنسي حتى قام، وافتتح الصلاة
وهو قائم، ثم ذكر، قال: يقعد، ويفتتح الصلاة وهو قاعد، وكذلك إن وجبت
عليه الصلاة من قيام حتى افتتح الصلاة وهو قاعد فعليه أن يفتتح الصلاة،
ويقوم فيفتتح الصلاة وهو قائم، ولا يعتد بافتتاحه وهو قاعد (2).
(وللمصلي الخيرة في تعيينها) أي: تكبيرة الاحرام (من) أي
التكبيرات (السبع) التي يستحب التوجه بها كما سيأتي في مندوبات الصلاة
بلا خلاف على الظاهر المصرح به في بعض العبائر، بل ظاهر المنتهى والذكرى
إجماع الأصحاب عليه (3)، لا طلاق النصوص باستحباب السبع، من دون
تصريح فيها بجعل أيها تكبيرة الاحرام، مع أنها واحدة إجماعا، فتوى ورواية.
نعم، في الرضوي: واعلم أن السابعة هي الفريضة، وهي تكبيرة
الافتتاح، وبها تحريم الصلاة (4).
قيل: وقد يظهر من المراسم والكافي والغنية أنها متعينة (5) كما في ظاهر
الرواية، وهي قاصرة السند عن الصحة ولو كانت معتبرة، وفتوى الجماعة بها
غير صريحة، مع أنها معارضة بجملة من النصوص الصحيحة الدالة على أنها
الأولى، مضافا إلى الاجماعات المتقدمة علن التخيير المنافي للتعيين.

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب تكبيرة الاحرام ح 7 ج 4 ص 716.
(2) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب القيام ج 1 ج 4 ص 704، وفيه اختلاف يسير.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في تكبيرة الاحرام ج 1 ص 268 س 28 - 29، وذكرى الشيعة:
كتاب الصلاة في تكبيرة الاحرام ص 179 س 33.
(4) فقه الرضا (ع): ب 7 في الصلوات المفروضة ص 105.
(5) والقائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الطهارة في تكبيرة الاحرام ج 1 ص 215.
362

منها: ما دل على تعليل استحباب السبع: بأن النبي - صلى الله عليه وآله -
افتتح الصلاة، والحسين - عليه السلام - إلى جانبه يعالج التكبير فلم يحره، ولم
يزل رسول الله - صلى الله عليه وآله - يكبر ويعالجه - عليه السلام - حتى أكمل
سبعا، فأحار في السابعة (1). وهو ظاهر، بل صريح في أن الأولى هي التي
افتتح بها الصلاة، والافتتاح لا يطلق حقيقة إلا على تكبيرة الاحرام.
وبهذا التقريب يظهر وجه دلالة الصحيح: إذا افتتحت فارفع كفيك، ثم
ابسطهما بسطا، ثم كبر ثلاث تكبيرات، الحديث (2).
وقريب منه آخر: قلت له: الرجل ينسى أول تكبيرة من الافتتاح (3).
وهذه أصح من تلك سندا وأكثر عددا، ومقتضى الجمع بينهما التخيير، كما
ذكروه، مع أفضلية جعلها الأخيرة كما عن المبسوط (4) والاقتصاد (5)
والمصباح (6) ومختصره (7)، وعليه الشهيدان في الذكرى والروضة وروض
الجنان (8) والمحقق الثاني (9)، ونسبه بعض إلى الشيخ والمتأخرين، خروجا عن

(1) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب تكبيرة الاحرام ح 1 ج 4 ص 721، فيه اختلاف بين المخطوطات،
ونحن نقلناها مطابقا للمصدر.
(2) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب تكبيرة الاحرام ح 1 ج 4 ص 723.
(3) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب تكبيرة الاحرام ح 8 ج 4 ص 717.
(4) المبسوط: كتاب الصلاة في تكبيرة الاحرام وبيان أحكامها ج 1 ص 104.
(5) الاقتصاد: في ما يقارن حال الصلاة ص 261.
(6) المصباح: كتاب الصلاة في التكبيرات السبعة في سبعة مواضع ص 33.
(7) مختصر المصباح: لم نعثر على كتابه ونقله عنه في كشف اللثام: كتاب الصلاة في تكبيرة الاحرام
ج 1 ص 215 س 10.
(8) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في تكبيرة الاحرام ص 179 س 34، والروضة البهية: كتاب الصلاة
في مستحبات الصلاة ج 1 ص 629، وروض الجنان: كتاب الصلاة في تكبيرة الاحرام ص 260 س 6.
(9) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في تكبيرة الاحرام ج 2 ص 241.
363

شبهة القول بالتعيين، كما مر من الجماعة، والتفاتا إلى صراحة الرضوية بأنها
السابعة، وأقلها الاستحباب، ولا كذلك الصحاح المتقدمة، إذ غايتها الدلالة
على الجواز لا الرجحان وجوبا أو استحبابا كما يتوهم، ولا جله يقال بعكس
ما في الرضوية، مع أنه لا قائل به من معتبري الطائفة، مع رجحان ما فيها بأنه
أبعد من عروض المبطل، وقرب الإمام من لحوق لاحق به فهو أولى.
(وسننها) ومستحباتها أمور:
منها: (النطق بها على وزن أفعل من غير مد) أي: إشباع حركتي
الهمزة والباء، أو إحداهما، لا بحيث يؤدي إلى زيادة ألف، وإلا فهو مبطل، كما
في السرائر والدروس، وعن المبسوط في أكبار.
قالوا: لأن أكبار جمع كبر وهو الطبل (1)، وتجمعهم جماعة من الأصحاب وإن
اختلفوا في إطلاق المنع كما هو ظاهرهم.
أو تقييده بقصد الجمع كما في المنتهى والتحرير والمعتبر على ما نقل (2).
أو تردد في غير صورة القصد كالشهيد في الذكرى (3). والأصح الأول،
وفاقا للشهيد الثاني وسبطه وغيرهما أيضا، لخروجه بذلك عن المنقول (4).
(و) منها: (إسماع الإمام من خلفه) من المأمومين إياها، بلا خلاف
يعرف على الظاهر المصرح به في المنتهى (5).

(1) السرائر: كتاب الصلاة باب كيفية فعل الصلاة على سبيل الكمال... ج 1 ص 216، والدروس
الشرعية: كتاب الصلاة في تكبيرة الاحرام ص 33 س 24، والمبسوط: كتاب الصلاة في تكبيرة
الاحرام وبيان أحكامها ج 1 ص 102.
(2) الناقل هو كاشف اللثام: كتاب الصلاة في تكبيرة الاحرام ج 1 ص 215 س 22.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في تكبيرة الاحرام ص 179 س 12.
(4) روض الجنان: كتاب الصلاة في تكبيرة الاحرام ص 260 س 25، ومدارك الأحكام: كتاب
الصلاة في تكبيرة الاحرام ص 184 س 34.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في تكبيرة الاحرام ج 1 ص 269 س 30.
364

قالوا: ليقتدوا به فيها لعدم الاعتداد بتكبيرهم وقبله.
أقول: مضافا إلى عموم ما دل على استحباب إسماع الإمام من خلفه كلما
يقول، وهو وإن دل على استحباب إسماعه إياهم التكبيرات الست أيضا إلا
أنه به تفوت الحكة المتقدمة في كلام الجماعة، مع أن هنا جملة من النصوص
الدالة على استحباب الاسرار بها.
ففي الصحيح: إذا كنت إماما فإنه يجزيك أن تكبر واحدة، تجهر فيها
وتسر ستا (1). ونحوه غيره (2). وليس فيها الدلالة علن استحباب الجهر بتكبيرة
الاحرام، ولا إسماعها من خلفه كما زعم (3). هذا إذا لم يفتقر إسماع الجميع
إلى العلو المفرط، ولو افتقر اقتصر على الوسط، واحترز بالإمام عن غيره، فإن
المأموم يسر بها كباقي الأذكار، ويتخير المنفرد للاطلاق.
وقيل: باستحباب رفع الصوت بها مطلقا (4). ومستنده غير واضح، عدا
إطلاق بعض النصوص: بأن النبي - صلى الله عليه وآله - كان يكبر واحدة
يجهر بها ويسر ستا (5). لكنه بيان للفعل الذي لا عموم فيه، فيحتمل وقوعه جماعة،
كما هو الغالب في صلاته. فتأمل.
(و) منها: (أن يرفع بها) وبسائر التكبيرات المستحبة (المصلي يديه
محاذيا وجهه) إلى شحمتي أذنيه أو منكبيه، أو نحوه (6) على اختلاف
الأقوال، كالنصوص بعد اتفاقها على كراهة أن يتجاوز بهما الرأس والأذنين،

(1) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب تكبيرة الاحرام ح 1 ج 4 ص 730.
(2) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب تكبيرة الاحرام ح 3 ج 4 ص 730.
(3) وهو ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في تكبيرة الاحرام ص 268 س 23.
(4) وهو الجعفي كما في ذكرى الشيعة: كتاب الطهارة في تكبيرة الاحرام ص 179 س 26.
(5) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب تكبيرة الاحرام ح 2 ج 4 ص 730.
(6) في نسخة (م) و (ق) " أو فكيه أو نحره " بدل " أو منكبيه أو نحوه ".
365

والأول أشهر وفي الخلاف: الاجماع عليه وعلى أصل الحكم (1)، بل نفى عنه
الخلاف بين علماء الإسلام جماعة من الأصحاب (2)،
وجعله في الأمالي من متفردات الإمامية (3). ولعله كذلك، إذ لم يخالف
فيه إلا المرتضى، حيث أوجب الرفع مدعيا الاجماع عليه (4). وهو شاذ، واجماعه
لا يبلغ قوة المعارضة لتلك الاجماعات المستفيضة، المعتضدة بفتوى الطائفة. وبها
يصرف الآية والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة على تقدير دلالتها على
الوجوب إلى الاستحباب جمعا، مع ظهور جملة من النصوص بحسب السياق
وغيره فيه.
مضافا إلى خصوص الصحيح: على الإمام أن يرفع يديه في الصلاة،
وليس على غيره أن يرفع يده في الصلاة (5). وهو نص في عدم وجوب الرفع
مطلقا على غير الإمام، وظاهر في وجوبه عليه، وصرف الظاهر إلى النص لازم
حيث لا يمكن الجمع بينهما بإبقاء كل منهما على حاله كما هنا، للاجماع على
عدم الفرق بين الإمام وغيره مطلقا، وهو هنا أن يحمل على الظاهرة في
الوجوب على تأكد الاستحباب. ومن أراد زيادة التحقيق فعليه بمراجعة شرح
المفاتيح.
وينبغي أن تكون يداه مضمومتي (6) الأصابع كلها كما عليه الأكثر ومنهم

(1) الخلاف: كتاب الصلاة م 71 و 72 في استحباب رفع اليدين إلى حذاء شحمتي أذنيه مع كل تكبيرة
ج 1 ص 319 - 320.
(2) المعتبر: كتاب الصلاة في تكبيرة الاحرام ج 1 ص 156، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في تكبيرة
الاحرام ج 1 ص 269 س 12، وجامع المقاصد: كتاب الصلاة في تكبيرة الاحرام ج 2 ص 240.
(3) أمالي الصدوق: م 93 في دين الإمامية ص 511.
(4) الإنتصار: في وجوب رفع اليدين في تكبيرات الصلاة ص 44.
(5) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب تكبيرة الاحرام ح 7 ج 4 ص 726، باختلاف يسير.
(6) في نسخة (م) " مبسوطتي الأصابع ".
366

الخلاف، مدعيا عليه الاجماع (1)، أو ما عدا الابهام كما عن الإسكافي
والمرتضى (2).
وأن يستقبل القبلة ببطنهما، للصحيحين (3). وأن يكون ابتداء الرفع مع
ابتداء التكبيرة، وانتهاؤه مع انتهائها على المشهور، بل عن المعتبر والمنتهى: أنه
قول علمائنا (4).
وقيل: فيه قولان آخران: يبتدأ بالتكبير حال إرسالهما كما في أحدهما، أو
يبتدأ. بالتكبير عند انتهاء الرفع فيكبر عند تمام الرفع، ثم يرسلهما.
ويشهد لهذا القول نحو الصحيح: إذا افتتحت فارفع يديك، ثم ابسطهما
بسطا، ثم كبر ثلاث تكبيرات (5). فتدبر.
وللأول نحو الصحيحين: رأيت أبا عبد الله - عليه السلام - يرفع يديه حيال
وجهه حين استفتح (6). فالعمل بهما أظهر. وأما دليل القول الآخر فلم يظهر.
(الثالث: القيام: وهو) في الفرائض (ركن مع القدرة) عليه تبطل
الصلاة مع الاخلال به مطلقا بإجماع العلماء، كما عن المعتبر والمنتهى (7) وغيره.

(1) الخلاف: كتاب الصلاة م 73 في ضم الأصابع حال التكبير ج 1 ص 321.
(2) كما في المعتبر: كتاب الصلاة في تكبيرة الاحرام ج 2 ص 156.
(3) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب تكبيرة الاحرام ح 6 ج 4 ص 726، والآخر: ب 9 من أبواب تكبيرة
الاحرام ح 17 ج 4 ص 728.
(4) المعتبر: كتاب الصلاة في الركوع ج 2 ص 200، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في الركوع ج 1
ص 285 س 9.
(5) والقائل هو صاحب حدائق الناضرة: كتاب الصلاة في تكبيرة الاحرام ج 8 ص 49.
(6) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب تكبيرة الاحرام ح 3 ج 4 ص 725، والآخر: ب 10 من أبواب تكبيرة
الاحرام ح 2 ج 4 ص 728.
(7) المعتبر: كتاب الصلاة في القيام ج 2 ص 158، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في القيام ج 1
ص 265 س 1.
367

وهو الحجة، مضافا إلى الاجماعات الأخر المحكية حد الاستفاضة، والكتاب
والسنة المستفيضة، بل المتواترة بوجوبه المستلزم لركنيته، بناء على أن الاخلال
به مع القدرة عليه يوجب عدم الاتيان بالمأمور به على وجهه، فيبقى تحت
عهدة التكليف إلى أن يتحقق الامتثال به.
هذا، وفي الصحيحين: من لم يقم صلبه فلا صلاة له (1). وهل الأصل فيه
الركنية مطلقا إلا في المواضع التي لا تبطل الصلاة بزيادته أو نقصه بالدليل
الخارجي، أو ما كان منه في تكبيرة الاحرام وقبل الركوع متصلا به خاصة، أو
أنه تابع لما وقع فيه فركن إذا كان المتبوع ركنا، وشرط إذا كان شرطا، وواجب
إذا كان واجبا، ومستحب إذا كان مستحبا؟ أقوال، لم تظهر للعبد ثمرة في
اختلافها بعد اتفاقهم على عدم ضرر في نقصانه بنسيان القراءة وأبعاضها،
وبزيادته في غير المحل سهوا، وبطلان الصلاة بالاخلال بما كان منه في تكبيرة
الاحرام وقبل الركوع مطلقا.
نعم اتفاقهم على البطلان في المقامين كاشف عن ركنيته فيهما، وثمرتها
فساد الصلاة لو أتى بهما من غير قيام. ومنه ينقدح وجه النظر فيما قيل: من أنه
لولا الاجماع المدعى على الركنية لأمكن القدح. فيها، لأن زيادته ونقصانه
لا يبطلان، إلا مع اقترانه بالركوع، ومعه يستغنى عن القيام، لأن الركوع كاف
في البطلان (2)، لمنع الحصر في قوله: " إلا مع اقترانه بالركوع " أو لا، لما عرفت
من البطلان بالاخلال به ففي التكبير أيضا. وتوجه النظر إلى قوله: " والركوع
كاف في البطلان " ثانيا، لدلالته على التلازم بين ترك القيام قبل الركوع
وتركه. وهو ممنوع، لتخلف ترك القيام من تركه فيما لو أتى به عن جلوس، لأنه

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب القيام ح 1 و 2 ج 4 ص 694.
(2) والقائل هو الشهيد الثاني في الروضة البهية: كتاب الصلاة في أركان الصلاة ج 1 ص 648.
368

ركوع حقيقة عرفا، ولا وجه لفساد الصلاة إلا ترك القيام جدا.
وكيف كان، لا شبهة ولا خلاف في كنيته في المقامين، إلا من المبسوط في
القيام حال التكبير (1)، وهو شاذ، وقد تقدم الكلام فيه في التكبير.
واعلم: أن حده الانتصاب عرفا، ويتحقق بنصب فقار الظهر كما هو ظاهر
الصحيحين المتقدمين، فلا يخل به الاطراق وإن كان الأولى تركه، للمرسل
المنجبر: الاعتدال في القيام: أن يقيم صلبه ونحره (2).
ويشترط فيه الاستقرار، لأنه معتبر في مفهومه. وفي الخبر: كف عن القراءة
حال مشيه (3). " والأظهر الأشهر بل عليه عامة من تأخر إلا من ندر وجوب
الاستقلال مع الاختيار، بمعنى عدم الاعتماد على شئ بحيث لو رفع السناد
لسقط، للتأسي.
وللصحيح: لا تستند. بخمرك وأنت تصلي، ولا تستند إلى جدار إلا أن
تكون مريضا (4).
وقريب منه الخبر المروي عن قرب الإسناد: عن الصلاة قاعدا أو متوكئا
على عصا أو حائط؟ فقال: لا (5). هذا مضافا إلى أن المتبادر؟ من القيام المأمور
به كتابا وسنة إنها هو الخالي عن السناد، بل ربما كان حقيقة فيه مجازا في غيره
كما يفهم من فخر المحققين في الايضاح.

(1) لم نعثر عليه في المبسوط كما لم ينقله عنه أحد من العلماء كالكشف والمفتاح والحدائق والمدارك
والذخيرة وغيرهم الذين يعرفون بنقل الأقوال، وقد يستفاد (احتمالا) من ص 105 ج 1 من المبسوط،
عند قوله: إذا كبر للافتتاح والركوع ينبغي (إلى أن قال:) وهو قائم الخ. فليراجع دقيقا.
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب القيام ح 3 ج 4 ص 694.
(3) وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1 ج 4 ص 775.
(4) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب القيام ح 2 ج 4 ص 702، وفيه اختلاف يسير.
(5) قرب الاستناد: ص 81.
369

حيث قال بعد نقل الرواية المعارضة في الجواب عنها: ولا يعمل بها، لقوله
تعالى: " وقوموا لله قانتين " والقيام: الاستقلال (1). ونحوه المحقق الثاني (2).
ويظهر من قوله: " ولا يعمل بها " شذوذها، كما يفهم من عبارة الصيمري في
شرح الشرائع أيضا (3). وفيه إشعار بدعوى الاجماع على الخلاف، وبه صرح في
المختلف. فقال بعد الاستدلال للقول بالعدم بالأصل مجيبا عنه: الأصل معارض
بالاجماع الدال على وجوب الاستقلال في القيام (4). ومنه يظهر ضعف القول
المزبور المحكي عن الحلبي (5)، وقواه جماعة من متأخري المتأخرين، للنصوص.
منها: الصحيح: عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد وهو
يصلي، أو يضع يده على الحائط وهو قائم من غير مرض ولا علة؟ فقال:
لا بأس (6). ومعناه الموثق وغيره، لكن فيهما التكأة بدل الاستناد (7). وللأصل.
ويجاب عنه بما مر، وعن النصوص مع قصور سند أكثرها، بل ضعف بعضها
بعدم مقاومتها لما قدمناه من الأدلة جدا، فلتطرح أو تحمل على ما لا اعتماد فيه
جما، أو التقية، كما أجاب بها عنها فخر المحققين، معربا عن كونها مذهب
العامة (8). فلا إشكال في المسألة بحمد الله سبحانه، سيما وأن راوي الموثقة بعينه
قد روى الرواية الثانية المتقدمة المانعة وما بعدها ضعيفة السند لا جابر لها

(1) إيضاح الفوائد: كتاب الصلاة في القيام ج 1 ص 99.
(2) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في القيام ج 2 ص 203.
(3) غاية المرام: كتاب الصلاة في القيام ص 33. مخطوط.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في تروك الصلاة ج 1 ص 100 س 37.
(5) الكافي في الفقه: باب تفصيل أحكام الصلاة الخمس ص 125.
(6) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب القيام ح 1 ج 4 ص 702.
(7) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب القيام ح 4 و 3 ج 4 ص 702.
(8) إيضاح الفوائد: كتاب الصلاة في القيام ج 1 ص 99.
370

بالكلية. فلم يبق إلا الصحيحة، ولا ريب أنها قاصرة عن مقاومة أدلة المشهور
من وجوه عديدة، فيجب طرحها، أو تأويلها بما عرفته. هذا مع الاختيار.
(ولو تعذر الاستقلال اعتمد) على ما مر في النصوص ونحوه قولا واحدا،
ولم يسقط عنه القيام عندنا، للنصوص بأن: " الميسور لا يسقط بالمعسور "،
وللشافعي قول بسقوطه عنه (1). وإن عجز عن الانتصاف قام منحنيا ولو إلى
حد الراكع، لما مر " ولو عجز عن " القيام في (البعض أتى بالممكن) منه في
الباقي بلا خلاف لذلك، فيقوم عند التكبيرة، ويستمر قائما إلى أن يعجز
فيجلس، وإذا قدر على القيام زمانا لا تسع القراءة والركوع معا ففي أولوية
القيام قارئا، ثم الركوع جالسا كما عن نهاية الإحكام (2) أو لزوم الجلوس ابتداء،
ثم القيام متى علم قدرته عليه إلى الركوع، حتى يركع عن قيام كما عن النهاية
والمبسوط (3) والسرائر (4) والمهذب (5) والوسيلة (6) والجامع (7) وجهان:
للأول: أنه حمال القراءة غير عاجز عما يجب عليه فإذا انتهى إلى الركوع
صار عاجزا.
وللثاني: أن الركوع عن قيام، لركنيته أهم من إدراك القراءة قائما، مع
ورود النصوص: بأن الجالس إذا قام في آخر السورة فركع عن قيام تحتسب له

(1) الأم: باب صلاة المريض ج 1 ص 80.
(2) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في القيام ج 1 ص 439.
(3) النهاية: كتاب الصلاة باب صلاة المريض و... ص 128، والمبسوط: كتاب الصلاة في ذكر صلاة
أصحاب الأعذار. ج 1 ص 129.
(4) السرائر: كتاب الصلاة باب صلاة المريض والعريان و... ج 1 ص 348.
(5) المهذب: كتاب الصلاة باب صلاة المريض ج 1 ص 111.
(6) الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان صلاة المريض ص 114.
(7) الجامع للشرائع: كتاب الصلاة باب شرح الفعل والكيفية ص 79.
371

صلاة القائم (1)، لكنها محتملة للاختصاص بالجالس في النوافل اختيارا
كاحتمال المهذب وما بعده من الكتب تجدد القدرة كما في المسألة الآتية. ولو
عجز عن الركوع والسجود أصلا دون القيام لم يسقط عنه بسقوطهما باتفاقنا كما
في صريح المنتهى (2) وظاهر غيره، لأن كلا واجب بحياله، فلا يسقط بتعذر
غيره.
فإن تعارض القيام والسجود والركوع بأن يكون إذا قام لم يمكنه الجلوس
للسجود ولا الانحناء للركوع، ففي لزوم المجوس والآتيان بهما أم القيام والاكتفاء
عنهما بالايماء احتمالان، تردد بينهما المحقق الثاني وغيره (3).
ومنه يظهر ما في دعوى جماعة كون الثاني متفقا عليه (4). وقريب منه في
الضعف دعوى بعضهم ظهور الاجماع عليه من المنتهى (5)، فإنه وإن أشعر عبارته
بذلك في بادئ النظر حيث قال: لو أمكنه القيام وعجز عن الركوع قائما أو
السجود لم يسقط عنه فرض القيام، بل يصلي قائما ويومئ للركوع، ثم يجلس
ويومئ للسجود، وعليه علمائنا (6)، إلا أن سياق احتجاجه فيما بعد يشعر
باختصاص الاتفاق المدعى بصورة العجز عنهما أصلا ولو جالسا، مع أن قوله:
" ثم يجلس ويومئ للسجود " ظاهر، بل صريح فيما ذكرنا. فتأمل جدا.
(ولو عجز) عن القيام (أصلا) أي: في جميع الصلاة بجميع حالاته:

(1) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب القيام ج 4 ص 700.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في القيام ج 1 ص 265 س 10.
(3) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في القيام ج 2 ص 204، وكاشف اللثام: كتاب الصلاة في القيام
ج 1 ص 211 س 39.
(4) الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في القيام ج 9 ص 67، وظاهرا روض الجنان: كتاب الصلاة في
القيام ص 251 س 2.
(5) وهو صاحب ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في القيام ص 261 س 22 - 23.
(6) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في القيام ج 1 ص 265 س 10.
372

منتصبا أو منحنيا ومستقلا ومعتمدا (صلى قاعدا) إجماعا، فتوى ونصا (و)
لكن (في حد ذلك) أي: العجز المسوغ (قولان، أصحهما) وأشهرهما، بل
عليه عامة متأخري أصحابنا (مراعاة التمكن) وعدمه العاديين الموكول معرفتهما
إلى نفسه، فإن " الانسان على نفسه بصيرة "، وفي الصحيح إن الرجل ليوعك
ويجرح، ولكنه أعلم بنفسه، ولكنه إذا قوي فليقم (1).
وفي آخرين: عن حد المرض الذي يفطر صاحبه ويدع الصلاة من قيام؟
فقال: " بل الانسان على نفسه بصيرة " وهو أعلم بما يطيقه (2)، كما في أحدهما.
وفي الثاني بعد قوله: بصيرة: ذلك إليه هو أعلم بنفسه (3). ولو كان للعجز حد
معين لبين، ولم يجعل راجعا إلى العلم بنفسه الذي هو: عبارة عن القدرة على
القيام وعدمها عادة. خلافا للمحكي عن المفيد في بعض كتبه
فحده: بأن لا يتمكن من المشي بمقدار زمان الصلاة (4)، للخبر: المريض إنما
يصلي قاعدا إذا صار بالحال التي لا يقدر فيها أن يمشي بقدر صلاته إلى أن يفرغ
قائما (5).
وفيه ضعف سندا، بل ودلالة، لابتنائها على أن المراد به: بيان مقدار
العجز المجوز للقعود، وأنه إذا عجز عن المشي مقدار صلاته قائما فله أن يقعد
فيها، مع أنه يحتمل أن يكون المراد به: أنه من قدر على المشي مصليا ولم يقدر
على القيام مستقرا فحكمه الصلاة ماشيا، دون الصلاة جالسا.
وقد فهم هذا منه بعض أصحابنا، فاستدل به على لزوم تقديم الصلاة

(1) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب القيام ح 3 ج 4 ص 699، باختلاف.
(2) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب القيام ح 2 ج 4 ص 698، باختلاف.
(3) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب القيام ح 1 ج 4 ص 698.
(4) والحاكي صاحب ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في القيام ص 261 س 31.
(5) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب القيام ح 4 ج 4 ص 699.
373

ماشيا على الصلاة جالسا مستقرا (1). وفي الاستدلال نظر. هذا مضافا إلى
مخالفته الاعتبار، فإن المصلي قد يتمكن من القيام بمقدار الصلاة ولا يتمكن
من المشي بمقدار زمانها وبالعكس، فينبغي طرحه أو حمله على أن المراد به
الكناية عن العجز عن القيام لتلازم العجزين والقدرتين غالبا كما نبه عليه
الشهيد في الذكرى (2)، فلا مخالفة فيه لمذهب المشهور أصلا (ولو وجد القاعد
خفة نهض متمما) (3) للقراءة بعد النهوض إن تمكن منه قبلها أو في أثنائها،
وإن تمكن من بعدها نهض مطمئنا على الأحوط، وقيل: لا يجب (4). ولا
خلاف بيننا في أصل لزوم النهوض مع التمكن منه على الظاهر المصرح به في
بعض العبائر (5)، وفي ظاهر المنتهى دعوى إجماعنا عليه (6)، لارتفاع العذر المانع،
ولا يجب استئناف الصلاة، كما قال به بعض العامة (1)، لأصالتي الصحة
والبراءة.
(ولو عجز عن القعود) مطلقا ولو مستندا (صلى مضطجعا) بالنص
والاجماع على الجانب الأيمن إن أمكن، وفاقا للمعظم، فإن لم يمكنه فالأيسر،
كما عن الجامع (8) والسرائر (9)، وعن المعتبر، وفي الخلاف والمنتهى دعوى إجماعنا

(1) الظاهر أنه هو صاحب جامع المقاصد: كتاب الصلاة في القيام ج 2 ص 205.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في القيام ص 180 س 28.
(3) في المتن المطبوع: " نهض قائما ختما ".
(4) والقائل هو صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في القيام ج 8 ص 74.
(5) وهو صاحب حدائق الناضرة: كتاب الصلاة في القيام ج 8 ص 73.
(6) منتهى. المطلب: كتاب الصلاة في القيام ج 1 ص 265 س 17 - 18.
(7) الفقه على المذاهب الأربعة: كتاب الصلاة في صلاة المريض ج 1 ص 500.
(8) الجامع للشرائع: كتاب الصلاة باب شرح الفعل والكيفية ص 79.
(9) السرائر: كتاب الصلاة باب صلاة المريض و... ج 1 ص 349.
374

على تعين الأيمن (1). وهو الحجة فيه، مضافا إلى الخبرين مطلقا.
أحد ما الموثق: يوجه كما يوجه الرجل لحده، وينام على جانبه الأيمن،
ثم يومئ بالصلاة إيماء، فإن لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر،
فإنه له جائز، ويستقبل بوجهه القبلة، ثم يومئ بالصلاة إيماء (2).
ونحوه الثاني المرسل والمروي مما عن دعائم الاسلام: فإن لم يستطع أن يصلي
جالسا صلى مضطجعا لجنبه الأيمن ووجهه إلى القبلة، فإن لم يستطع أن يصلي
على جنبه الأيمن صلى مستلقيا ورجلاه مما يلي القبلة يومئ إيماء (3). لكن
ظاهره تعين الاستلقاء بعد اليمين، كما هو ظاهر جماعة.
ويدفعه - مضافا إلى قصور سند الرواية - عدم مقاومتها، للخبرين، سيما
المرسلة، لتصريحها بالأيسر بعد الأيمن، ثم الاستلقاء.
وأما الموثقة: فهي وإن لم تصرح بذلك إلا أنها صرت بالجواز كيفما قدر
بعد العجز عن الأيمن، ومن جملته الصلاة على الأيسر، وحيث جازت تعينت،
لعدم قائل بالتخيير بينها وبين الصلاة مستلقيا. هذا وفي قوله: " ويستقبل
بوجهه القبلة إيماء " بإرادة الأيسر " فتدبر.
هذا، مضافا إلى اعتضادهما بإطلاق ما دل على وجوب الصلاة مضطجعا
بعد العجز عنها قاعدا، وهو يشمل الاضطجاع على الأيسر، ولذا قيل: بالتخيير
بينه وبين الأيمن، كما هو ظاهر إطلاق العبارة وغيرها وحتى التصريح به عن
الفاضل في النهاية والتذكرة (4)، وهو ضعيف، لضعف دلالة الاطلاق بعد

(1) المعتبر: كتاب الصلاة في القيام ج 2 ص 160، والخلاف: كتاب الصلاة م 167 في العجز عن القيام
والجلوس ج 1 ص 420، منتهى المطلب: كتاب الصلاة في القيام ج 1 ص 265 س 20.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب القيام ح 10 ج 4 ص 691.
(3) دعائم الاسلام: كتاب الصلاة في صلاة العليل ج 1 ص 198.
(4) الحاكي هو كاشف اللثام: كتاب الصلاة في القيام ج 1 ص 212 س 17، حيث قال بعد ما نسب
إلى ذكرى الشيعة نقل القيل عن بعض الأصحاب قال: وهو خيرة النهاية والتذكرة، والظاهر أن
القائل هو العلامة " قدس سره ".
375

تبادر الأيمن منه خاصة، ومع ذلك فهو مقيد بما مر من النصوص المقيدة، مضافا
إلى حكاية الاجماعين المتقدم إليهما الإشارة.
ويجب أن يكون حينئذ مستقبل القبلة بمقاديم بدنه كالملحد، لما مر من
الموثق (مومئا) للركوع والسجود بالرأس، مع رفع ما يسجد عليه مع الامكان،
وإلا فبالعينين، جاعلا ركوعه تغميضهما، ورفعه فتحهما، وكذلك سجوده على
المشهور هنا وفي الاستلقاء.
النصوص مختلفة في ذلك: فبين مطلقة للايماء كما في بعضها، ومقيدة له
بالرأس كما في كثير منها وفيها الصحيح وغيره، ومقيدة - له بالعينين كما في آخر
منها، ومورده الاستلقاء، ومورد سابقه الاضطجاع (1).
ولعل وجه ما ذكروه من التفصيل: هو الجمع بينهما. بحمل المطلق منها على
مقيدها، وتقييد المقيد بالرأس بصورة إمكانه، والمقيد بالعين بصورة عدمه كما
هو الغالب في مورد القيدين. ووجه الجمع هو الأول، فإن الايماء بالرأس
أقرب منه بالعين إلى الركوع الأصلي المأمور به، بل لعله جزءه، و " الميسور
لا يسقط بالمعسور ". وهو حسن، ومع ذلك أحوط.
ويجب جعل السجود أخفض من الركوع قطعا لو أومأ برأسه، واحتياطا لو
أومأ بعينه، بل عن ظاهر جماعة تعينه، ولعل وجهه مراعاة الفرق بينهما مهما
أمكن، ولا ريب أنه أولى.
(وكذا لو عجز) عن الصلاة مضطجعا وجب عليه أن (يصلي (2)
مستلقيا على قفاه، مستقبل القبلة بباطن قدميه كالمحتضر، مومئا لركوعه

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب القيام ج 4 ص 689.
(2) في المتن المطبوع: (صلى).
376

وسجوده كما مضى بالنص والاجماع. ومن العامة من قدمة على الاضطجاع
كسعيد بن المسيب وأبي ثور وأصحاب الرائي (1)، وهم أصحاب أبي حنيفة. وفي
بعض أخبارنا ما يدل عليه (2)، إلا أنه لشذوذه ومخالفته الاجماع والأخبار، بل
والكتاب بمعونة التفسير الوارد عن الأئمة الأطياب - عليهم السلام - مطروح أو
محمول على التقية.
(ويستحب أن يتربع القاعد) حال كونه (قارئا، ويثني رجليه)
حال كونه (راكعا) كما في الحسن، كان أي إذا صلى جالسا تربع، وإذا
ركع ثنى رجليه (3). ولا يجبان إجماعا كما في المنتهى (4) للأصل، والنصوص.
منها: أيصلي الرجل وهو جالس متربع ومبسوط الرجلين؟ فقال: لا بأس
بذلك (5).
ومنها: في الصلاة في المحمل، صل متربعا وممدود الرجلين، وكيفما
أمكنك (6). وفي الخلاف: الاجماع على أفضلية التربع (7)، وفي المدارك: الاجماع
عليها فيه وفي ثني الرجلين (8).
ثم المعروف من التربع لغة بل وعرفا: جمع القدمين، ووضع إحداهما تحت
الأخرى، ولكن ذكر جمع من الأصحاب من غير نقل خلاف، بل قيل (9): جميعهم

(1) المغني لابن قدامة: كتاب الصلاة في صلاة الجالس والمستلقي ج 1 ص 779.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب القيام ح 5 ج 4 ص 690.
(3) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب القيام ح 4 ج 4 ص 703.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في القيام ج 1 ص 266 س 4.
(5) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب القيام ح 3 ج 4 ص 703.
(6) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب القيام ح 5 ج 4 ص 704.
(7) الخلاف: كتاب الصلاة م 163 في كيفية الصلاة من جلوس ج 1 ص 418.
(8) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في القيام ص 186 س 18 - 19.
(9) القائل هو كشف اللثام: كتاب الصلاة في القيام ج 1 ص 212 س 11.
377

أن المراد به هنا: نصب الفخذين والساقين (1)، قيل: وهو القرفصاء (2)، وهو الذي
ينبغي فضله، لقربه من القيام، ولا تأباه ماهية اللفظ ولا صورته وإن لم نظفر له
بنص من أهل اللغة. والمراد بثني الرجلين: فرشهما تحته وقعوده على صدرهما
بغير إقعاء.
(وقيل): والقائل الشيخ في المبسوط (يتورك متشهدا) (3) وتبعه جماعة
من الأصحاب، لعموم ما دل على استحبابه، مع عدم ظهور خلاف فيه، إلا
من ضاهر عبارة الماتن حيث عزاه إلى القيل، مشعرا بضعفه أو تردده فيه، ولم
أعرف له وجها عدا عدم ورود نص فيه بالخصوص كما في سابقيه، وهو غير
محتاج إليه فأن العموم كاف.
(الرابع: القراءة: وهي) واجبة بإجماع العلماء كافة، إلا من شذ،
والأصل فيه بعده فعل النبي - صلى الله عليه وآله - والأئمة - عليهم السلام -
والنصوص المستفيضة كالصحيح: إن الله - عز وجل - فرض الركوع والسجود
والقراءة سنة، فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة، ومن نسي القراءة فقد
تمت صلاته (4). وفيه دلالة على كون وجوبا من السنة، لا الكتاب.
فالاستدلال عليه بآية (فاقرأوا ما تيسر منه) فيه ما فيه، مضافا إلى إجمالها،
واحتياج الاستدلال بها على المدعى إلى تكلف أمور مستغنى عنها، وفيه
كغيره: الدلالة أيضا على عدم الركنية كما هو الأظهر الأشهر، بل المجمع عليه،
إلا من بعض الأصحاب، المحكي عنه القول بالركنية في المبسوط (5)، وتبعه ابن

(1) القائل هو كشف اللثام: كتاب الصلاة في القيام ج 1 ص 212 س 11.
(2) القائل هو كشف اللثام: كتاب الصلاة في القيام ج 1 ص 212 س 11.
(3) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر القيام وبيان وأحكامه ج 1 ص 100.
(4) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب القراءة ح 2 ج 4 ص 767.
(5) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر القراءة وأحكامها ج 1 ص 105.
378

حمزة، فقد حكاه عنه في التنقيح (1). وهو شاذ، وعن الشيخ على خلافه
الاجماع (2).
نعم في الصحيح: عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب، قال: لا صلاة له، إلا
أن يقرأ بها في جهر أو إخفات (3). وهو محمول على العامد جمعا. والقراءة الواجبة
ليست مطلقة، بل (متعينة ب‍ " الحمد " والسورة في كل ثنائية) كالصبح
(وفي) الركعتين (الأوليين من كل رباعية) كالظهرين والعشاء،
(وثلاثية) كالمغرب إجماعا في الحمد، وعلى الأشهر الأقوى في السورة، كما
ستأتي إليه الإشارة، والنصوص بذلك مستفيضة، ستقف على جملة منها في
تضاعيف إلى الأبحاث الآتية زيادة على ما عرفته.
وهل تتعين الفاتحة في النافلة؟ الأقرب ذلك، لأن الصلاة كيفية متلقاة
من الشارع، فيجب الاقتصار فيها على موضع النقل، مضافا إلى عموم قوله
- عليه السلام -: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب (4). خلافا. للتذكرة: فلا يجب
للأصل (5)، ويضعف بما مر، إلا أن يريد بالوجوب: المنفى الشرعي فحسن، إذ
الفرع لا يزيد على أصله.
ويجب قراءتها أجمع عربية على الوجه المنقول بالتواتر، مخرجا للحروف
من مخارجها، مراعيا للترتيب بين الآيات وللموالاة العرفية، آتيا بالبسملة،
لأنها آية منها بإجماعنا وأكثر أهل العلم، وللصحاح المستفيضة. وما ينافيها من

(1) التنقيح الرائع: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 197.
(2) الخلاف: كتاب الصلاة م 156 في من نسي القراءة حتى ركع ج 1 ص 409.
(3) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب القراءة ح 4 ج 4 ص 767.
(4) عوالي اللآلي: في ذكر أحاديث تتضمن شيئا من أبواب الفقه ح 2 ج 1 ص 196، وأيضا في باب
الصلاة ح 13 ج 2 ص 218، وأيضا في باب الصلاة ح 65 ج 3 ص 82.
(5)، تذكرة الفقهاء: كتاب. الصلاة في القراءة ج 1 ص 114 س 24 - 25.
379

الصحاح فمحمول على محامل، أقربها التقية، كما تشعر به جملة من الأخبار.
والأصل في جميع ذلك - بعد عدم خلاف فيه بيننا على الظاهر المصرح به في
جملة من العبائر التأسي، ولزوم الاقتصار على الكيفية المنزلة، وما هو المتبادر
من القراءة المأمور بها في الشريعة.
(و) على هذا ف‍ (لا تصح الصلاة مع الاخلال بها عمدا) حتى ركع
(ولو بحرف) " منها " حتى التشديد، فإنه حرف مع زيادة، (وكذا الاعراب)
والمراد به: ما يعم حركات البناء توسعا، ولا فرق فيه بين كونه مغيرا للمعنى
وعدمه على الأشهر الأقوى، بل عليه عامة أصحابنا، عدا المرتضى في بعض
رسائله فيما حكي عنه، فخص البطلان بالأول تبعا لبعض العامة العمياء (1)،
وهو شاذ، بل عن الماتن على خلافه الاجماع (2). وهو الحجة، مضافا إلى ما
عرفته، مع عدم وضوح حجة له، عدا ما يستدل له من: أن من قرأ الفاتحة على
هذا الوجه يصدق عليه المسمى عرفا، والظاهر أن أمثال تلك التغييرات مما
يقع فيه التسامح والتساهل في الاطلاقات العرفية. والمناقشة فيه واضحة، سيما
في مقابلة ما عرفته من الأدلة.
(و) كذا لو أخل ب‍ (ترتيب آياتها (3)) وحروف كلماتها ولا يختلف
الحال (في) جميع ذلك بين (الحمد والسورة) على القول بوجوبها، بل يحتمل
مطلقا، (وكذا) الحال في الاخلال ب‍ (البسملة) عمدا (في) كل من
(الحمد والسورة) تبطل الصلاة به لما عرفته. واحترز بقوله: " عمدا " عما لو
أخل بشئ من ذلك حتى ركع نسيانا، فإنه لا تبطل به الصلاة، بناء على عدم
ركنية القراءة، كما مضى.

(1) الحاكي هو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في القراءة ص 186 س 35 - 36.
(2) المعتبر: كتاب الصلاة في القراءة ج 2 ص 166.
(3) في الشرح المطبوع " آيتها " وفي المخطوطات كلها " آيها "، والصحيح ما أثبتناه كما في المتن المطبوع.
380

(ولا تجزئ الترجمة) مع القدرة على القراءة العربية بإجماعنا المحقق،
الصرح به في كلام جماعة حد الاستفاضة: كالخلاف (1) والمنتهى (2)
والذكرى (3) والمدارك (4) والناصرية (5)، بل ظاهرها كالأولين الاجماع على
عدم إجزائها مطلقا، كما هو ظاهر العبارة ونحوها، وحكي عن ظاهر الكافي
والغنية والتحرير والمعتبر وصريح البيان أيضا (6).
وعن الفاضل في نهاية الإحكام وجوبها (7). وفي التذكرة جوازها مع العجز
عن القرآن وبدله من الذكر (8)، ونحوه عن الذكرى، إلا أنه اقتصر على العجز
عن القرآن (9). وفيه مخالفة لما دل من أنه بعد العجز عنه يبدل بالذكر، من
النص الصحيح الآتي.
ومنه يظهر ضعف ما في النهاية بطريق أولى، لكن الموجود فيها عين ما في
التذكرة، إلا أنه عبر فيها بالوجوب، وفي التذكرة بالجواز كما عرفته.
وأما القول بالمنع مطلقا مردود بما دل على جواز الترجمة عن التكبير مع
العجز عنها، فهنا أولى، فما في التذكرة أقوى. فتأمل. لكن هل الواجب ترجمة
القراءة أو بدلها من الذكر؟ وجهان، أظهرهما الأول كما هو ظاهر ما فيها.
خلافا للمحقق الثاني، فالثاني معللا بأن الذكر لا يخرج عن كونه ذكرا باختلاف

(1) الخلاف: كتاب الصلاة م 14 في عدم جواز قراءة غير الفاتحة لمن يحسنها ج 1 ص 343 - 344.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 273 س 33.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في القراءة ص 186 س 30.
(4) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في القراءة ص 186 س 17.
(5) المسائل الناصرية: كتاب الصلاة م 86 في القراءة ص 233.
(6) الحاكي هو كاشف اللثام: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 216 س 25.
(7) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 462.
(8) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 115 س 26.
(9) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في القراءة ص 186 س 37.
381

الألسنة بخلاف القرآن (1).
وفيه: أنه وإن لم يخرج عن كونه ذكرا لغة إلا أنه يخرج عن الذكر المأمور به
فيما سيأتي من النص. فتأمل جدا.
واعلم: أن من لم يحسن القراءة تعلمها وجوبا، كما يأتي. (ولو) تعذر أو
(ضاق الوقت) قيل: ائتم إن أمكنه، أو قرأ في المصحف إن أحسنه (2)، أو أتبع
القارئ الفصيح إن وجده، لأنه أقرب إلى القراءة المأمور بها، بل لعله عينها.
ولا ريب أنه أ حوط وأولى وإن لم يذكره الماتن وكثير، حيث اقتصروا في جزاء
الشرطية عن ذلك على قولهم: (قرأ ما يحسن منها) (3) إجماعا، كما في
الذكرى (4) وغيرها، فإن " الميسور لا يسقط بالمعسور).
ولو كان بعض آية ففي وجوب قراءته مطلقا - كما هو مقتضى الدليل أو
العدم كذلك، أو الأول لو سمي قرآنا، وإلا فالثاني - أقوال، أحوطها بل وأولاها
الأول. وعليه، ففي وجوب التعويض عن الباقي وعدمه قولان، أحوطهما بل
أظهرهما وأشهرهما - كما قيل - الأول (5).
وعليه، ففي وجوب التعويض منها بأن يكرر ما يحسنه مرارا بقدرها أو من
غيرها من القرآن إن عرفه، وإلا فمن الذكر أو مخيرا بينهما أوجه، بل وأقوال.
ويجب مراعاة الترتيب بين البدل والمبدل، فإن علم الأول أخر البدل، أو
الآخر قدمه، أو الطرفين وسطه، أو الوسط حفه به.

(1) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في القراءة ج 2 ص 246.
(2) القائل هو مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في القراءة ص 187 س 23، وذخيرة المعاد: كتاب
الصلاة في القراءة من 272 س 30، وحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في القراءة ج 8 ص 109.
(3) في المتن المطبوع " بها ".
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في القراءة ص 187 س 10.
(5) وهو صاحب روض الجنان: كتاب الصلاة في القراءة ص 262 س 13 - 16.
382

(ويجب التعلم)، لما لا يحسنه (ما أمكن) إجماعا من كل من أوجب
القراءة كما في المنتهى (1)، لتوقفها عليه، فيجب من باب المقدمة.
(ولو عجز) عنها طرا (قرأ من غيرها) من القرآن (ما تيسر) له منه ولو
آية، مقتصرا عليها، أو مبدلا عن الباقي منها بتكرارها، أو من الذكر على
الاختلاف الذي مضى (وإلا) يتيسر له شئ من القرآن (سبح الله تعالى
وكبره وهلله) على المشهور، للصحيح: إن الله تعالى فرض من الصلاة الركوع
والسجود، ألا ترى لو أن رجلا دخل في الاسلام ثم لا يحسن أن يقرأ القرآن
أجزأه أن يكبر ويسبح ويصلي!؟ (2). وظاهره الاكتفاء بمطلق الذكر كما هو
المشهور. خلافا للذكرى، فاعتبر الواجب في الأخيرتين، لثبوت بدليته عنها في
الجملة، وهو أحوط.
ثم إن ظاهره اشتراط العجز عن القرآن مطلقا في بدلية الذكر عن الفاتحة،
كما هو الأشهر الأقوى، بل قيل: لا خلاف فيه (3). وهو حجة أخرى، مضافا
إلى النبوية الآمرة بقراءة القرآن بعد العجز عنها (4). فالقول بالتخيير بينها وبين
الذكر كما هو، وظاهر اختيار الماتن في الشرائع (5) ضعيف لا أعرف وجهه.
وهل يجب أن يكون البدل من القرآن أو الذكر (بقدر القراءة) أم لا؟
قولان، أشهرهما الأول، وهو أحوط. وعليه ففي وجوب المساواة في الآيات أو
الحروف أو فيهما معا أقوال، خيرها أوسطها، بل قيل: إنه أشهرها (6).

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 274 س 13.
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب القراءة ح 1 ج 4 ص 735.
(3) الظاهر أنه هو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 218 س 10.
(4) سنن الكبرى: كتاب الصلاة باب الذكر يقوم مقام القراءة... ج 2 ص 380.
(5) شرائع الاسلام: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 81.
(6) الظاهر أنه هو صاحب روض الجنان: كتاب الصلاة في القراءة ص 262 س 22.
383

واعلم: أن ظاهر إطلاق العبارة ونحوها اشتراك الحمد والسورة في جميع
ما مر من الأحكام، في وجوب التعويض عما لا يحسن منها، كلا أو بعضا كما
حكي التصريح به عن التذكرة (1)، ولعل مستنده إطلاق الصحيحة المتقدمة.
وهو أحوط وإن كان في تعيينه نظر، لمصير عامة الأصحاب عداه إلى العدم،
حتى الماتن هنا، لأنه وإن أطلق العبارة بحيث تشمل مطلق القراءة حتى السورة
إلا أنه سيصرح باختصاص الخلاف في وجوبها بصورة إمكان التعلم، معربا عن
الاتفاق على عدمه في صورة عدمه كغيره من الأصحاب، وفي صريح المنتهى (2)
والمدارك (3) والذخيرة (4) وظاهر التنقيح (5) نفي الخلاف عنه.
قالوا: اقتصارا في التعويض المخالف، للأصل على موضع الوفاق، مع أن
السورة تسقط مع الضرورة، والجهل بها مع ضيق الوقت قريب منها. وهذه
الأدلة وإن كانت لا تخلو عن شوب مناقشة، إلا أنها مع الشهرة العظيمة التي
لعلها إجماع في الحقيقة معاضدة لنفي الخلاف المحكي في كلام هؤلاء الجماعة،
مضافا إلى أصالة البراءة.
(ويحرك الأخرس) ومن بحكمه (لسانه بالقراءة ويعقد بها قلبه)
لما مر في بحث التكبيرة، مع جملة ما يتعلق بالمسألة.
(وفي وجوب) قراءة (سورة) كاملة (مع الحمد) أي: بعده (في
الفرائض للمختار مع سعة الوقت وإمكان التعلم) أو استحبابه (قولان،

(1) لم نعثر على الحاكي.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 272 س 16.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في القراءة ص 188 س 9 - 10.
(4) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في القراءة ص 272 س 27.
(5) التنقيح الرائع: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 س 19.
384

أظهرهما الوجوب) وفاقا للمشهور، وفي الانتصار (1) وعن أمالي الصدوق (2)
والغنية (3) والقاضي (4) ابن حمزة (5) نقل الاجماع عليه كما تشير له عبارة
التهذيب، فإنه قال: وعندنا أنه لا تجوز قراءة هاتين السورتين - يعني: الضحى
وألم نشرح - إلا في ركعة واحدة (6). ولا يتوجه ذلك إلا على القول بالوجوب،
لجواز التبعيض على القول الآخر. وهو الحجة، مضافا إلى التأسي، والأخبار
البيانية، والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
ففي الصحيح الوارد: في المسبوق بركعتين، قال - عليه السلام -: قرأ في كل
ركعة مما أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب وسورة، الحديث (7).
وفيه: يجوز للمريض أن يقرأ فاتحة الكتاب وحدها، ويجوز في قضاء الصلاة
التطوع بالليل والنهار (8). والمقابلة بالصحيح تدل على اعتبار مفهوم المريض كما
يشهد به الذوق السليم، فدل على أن غير المريض لا يجوز له ذلك.
وفيه: سألته: أكون في طريق مكة فننزل للصلاة في مواضع فيها الاعراب
أنصلي المكتوبة علي الأرض فنقرأ أم الكتاب وحدها، أنصلي على الراحلة
فنقرأ فاتحة الكتاب والسورة؟ قال: إذا خفت فصل على الراحلة المكتوبة
وغيرها، وإذا قرأت الحمد وسورة أحب إلي، ولا أرى بالذي فعلت بأسا (9).

(1) الإنتصار: في الصلاة في السور وغيره ص 44.
(2) أمالي الصدوق: م 93 في دين الإمامية ص 512.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في كيفية فعل الصلاة ص 495 س 31.
(4) المهذب: كتاب الصلاة باب تفصيل الأحكام المقارنة للعادة ج 1 ص 97.
(5) الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان ما يقارن - حال الصلاة ص 93.
(6) تهذيب الأحكام: كتاب الصلاة ب 8 في كيفية الصلاة وصفتها و... ج 2 ص 72 ذيل الحديث 32.
(7) وسائل الشيعة: ب 47 من أبواب صلاة الجماعة ح 4 ج 5 - ص 544 وفيه اختلاف.
(8) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب القراءة ح 5 ت ج 4 ص 734، وفيه اختلاف.
(9) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب القراءة ح 1 ج 4 ص 736.
385

ولولا وجوب السورة لما جاز لأجله ترك الواجب من القيام وغيره، ووجه
التخيير اشتمال كل صورة على ترك واجب، مع أن ظاهر سوق السؤال قطع
السائل بوجوب السؤال، وإن تردد في ترجيحها على القيام ونحوه حيثما حصل
بينهما معارضة وهو - عليه السلام - قرره على معتقده، والتقرير حجة، كما تقرر
في محله.
وبه يظهر وجه دلالة الصحيح على الوجوب: عن الذي لا يقرأ فاتحة
الكتاب، قال: لا صلاة له إلا أن يقرأ بها في جهر أو، إخفات، قلت: أيهما أحب
إليك: إذا كان خائفا أو مستعجلا يقرأ بسورة أو فاتحة الكتاب؟ قال: فاتحة
الكتاب (1). لظهور السؤال في اعتقاد الراوي في أول الحمد والسورة في الوجوب
إلى حد سأله عن ترجيح ترك ترك أيهما في حال الاستعجال المرخص له، فأره
- عليه السلام - على معتقده، غير منكر عليه بأن السورة غير واجبة، أو أن
المستحب كيف يقاوم الواجب سيما وأن يكون مما لا صلاة إلا به!؟.
وفي الرضوي: ويقرأ سورة بعد الحمد في الركعتين الأوليين، ولا يقرأ في
المكتوبة سورة ناقصة (3).
وفي الصحيح أو القريب منه، المروي عن علل الفضل: عن مولانا الرضا
- عليه السلام -: إنما أمر الناس بالقراءة في المكتوبة لئلا يكون القرآن مهجورا
مضيعا، وإنما بدأ بالحمد دون سائر السور لأنه شئ من القرآن، الخبر (3).
وهو ظاهر في أنه لا قراءة ولا صلاة حتى يبدأ بالحمد، ولولا وجوب السورة
وتعينها لا بعده في الشريعة لما صح إطلاق لفظ البدأة.

(1) وسائل الشيعة: أبواب القراءة ح 1 ج 4 ص 732.
(2) فقه الرضا (ع): ب 7 في الصلاة المفروضة ص 105
() علل الشرائع: ب 182 في وأصول الاسلام ح 9 ص 260
386

ونحوه في الدلالة عليه من هذا الوجه الموثق: لا صلاة له حتى يبدأ بها في جهر أو
إخفات (1).
وفي بعض المعتبرة ولو بالشهرة، بل الصحيح كما قيل (2)، ولا يبعد -:
لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر (3).
وفي آخر: عمن ترك البسملة في السورة، قال: يعيد (4). إلى غير ذلك من
النصوص الظاهرة الدلالة أو المعاضدة، المنجبر ضعفها سندا في بعض، ودلالة
في آخر بالشهرة العظيمة القريبة من الاجماع، بل لعلها من القدماء إجماع في
الحقيقة، إذ لا مخالف منهم، إلا الشيخ في النهاية (5) والإسكافي (6)
والديلمي (7).
والأول غير ظاهر عبارته في المخالفة، بل هي مشوشة، فبعضها وإن أوهمها،
إلا أن بعضها الآخر ظاهر في الوجوب (8) كما لا يخفى على من راجعها. ولو
سلم المخالفة فقد رجع عنها في جملة من كتبه المتأخرة، ومنها: الخلاف والمبسوط
مدعيا فيهما أن الوجوب هو الظاهر من روايات الأصحاب ومذهبهم (9)، فلم

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب القراءة ح 3 ج 4 ص 732، وفيه " لا قراءة له حتى ".
(2) والقائل هو صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في القراءة ج 8 ص 118.
(3) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب القراءة ح 3 ج 4 ص 736.
(4) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب القراءة ح 6 ج 4 ص 746، وفيه اختلاف.
(5) النهاية: كتاب الصلاة باب القراءة في الصلاة وأحكامها و... ص 75.
(6) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 91 س 26.
(7) المراسم: كتاب الصلاة في كيفة الصلاة ص 69 - 70، - حيث قال بعد ذكر تعداد واجبات الصلاة
ولم يكن في ضمنها السورة، ثم قال بعد ذلك: وما عدا ذلك فمسنون.
(8) النهاية: كتاب الصلاة باب القراءة في الصلاة وأحكامها و... ص 76.
(9) الخلاف: كتاب الصلاة م 86 في وجوب قراءة السورة ح 1 ص 335، والمبسوط: كتاب الصلاة في
ذكر القراءة وأحكامها ج 1 ص 107.
387

يبق إلا الإسكافي والديلمي، وهما معلوما النسب، غير قادح خروجهما
بالاجماع. ولذ ادعاه من تقدم ذكرهم من الأصحاب.
هذا، مع أن عبارة الأول المحكية وإن أفادت عدم وجوب كمال السورة إلا
أنها ظاهرة في لزوم بعضها.
فإنه قال: ولو قرأ بأم الكتاب وبعض سورة في الفرائض أجزأ (1). وهو
ظاهر في لزوم البعض، ولم أر من يقول به ممن يوافقه في عدم وجوب السورة
بكمالها. ولذا ادعى بعضهم: عدم القائل بالفرق بينه وبين جواز الاقتصار على
الحمد وحده (2).
هذا، ويحتمل إرادة الإسكافي من الاجزاء: في صحة الصلاة، بمعنى: أنها
جمع التبعيض صحيحة، وهو يجتمع مع وجوب كمال السورة كما يظهر من عبارة
المبسوط المحكية، حيث قال: قراءة سورة بعد الحمد واجب، غير أن من قرأ
بعض السورة لا يحكم ببطلان الصلاة (3).
وقريب منه الفاضل في المنتهى، حيث إنه بعد حكمه بوجوب السورة بكمالها،
وفاقا لأكثر علمائنا حكى المخالفة فيه عن النهاية خاصة، ثم نقل عن
الإسكافي والمبسوط عبارتيهما المتقدمة، ومال إلى قولهما بعده، معربا عن
تغاير المسألتين، أي: مسألة وجوب السورة بكمالها، وعدم صحة الصلاة

(1) - حكاه المحقق عن ابن الجند في المعتبر: كتاب الصلاة في القراءة ج 2 ص 174.
(2) الظاهر أنه هو السيد العاملي رحمه الله - في مفتاح الكرامة: كتاب الصلاة في القراءة ج 2 ص 351
س 9 - مع أنه تتلمذ علن يد المصنف - قدس سره - إلا أنه فرغ السيد العاملي رحمه الله من كتاب
الطهارة وبعدها الصلاة في عام 1201 تقريبا وتوفي في عام 1226، والمصنف توفي رحمه الله في عام
1231، فيمكن أن ينقل منه.
(3) حكاه المحقق في المعتبر: كتاب الصلاة في القراءة ج 2 ص 174، وهذه العبارة المنقولة فيها اختلاف
مع الموجود في بين أيدينا، راجع المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر القراءة وحكامها ج 1 ص 107.
388

بتبعيضها (1). وحينئذ فلم يظهر من الإسكافي المخالفة في المسألة الأولى. فلم
يبق إلا الديلمي، وهو في مقابلة باقي القدماء شاذ كالماتن في المعتبر (2) وبعض
من تبعه في مقابلة المتأخرين (3)، مع أنه هنا وفي الشرائع وافق الأصحاب (4).
ومن هنا تنقدح ندرة القول الثاني وشذوذه، فلا ريب في ضعفه وإن دل
عليه الصحيحان: أن فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة (5)، لقصورهما عن
المقاومة لما مر من الأدلة من وجوه عديدة، سيما مع عدم صراحة الدلالة،
واحتمالهما الحمل على حال الضرورة، لجواز الترك فيها اتفاقا، فتوى ورواية،
أو التقية، لكون المنع عن الوجوب مطلقا مذهب العامة، كما صرح به جماعة (6).
وبه يجاب عن الصحاح المستفيضة وغيرها، المبيحة لتبعيض السورة، مع ابتناء
دلالتها على عدم وجوب السورة: على عدم القائل بالفرق بين الطائفة، وفيه ما عرفته.
هذا، مع اختلافها وتعارضها بعضا مع بعض من يحث إطلاق جواز
التبعيض كما في جملة منها (7)، أو التقييد بما إذا كانت ست آيات منتصفة بين
الركعتين كما في بعضها (8)، أو بما إذا كانت زيادة عن ثلاث آيات كما في آخر
منها (9).

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 272 س 2 و 23.
(2) المعتبر: كتاب الصلاة في القراءة ج 2 ص 173.
(3) وهو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في قراءة السورة ج 3 ص 347.
(4) شرائع الاسلام: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 82.
(5) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب القراءة ح 1 و 3 ج 4 ص 734.
(6) المعتبر: كتاب الصلاة في القراءة ح 2 ص 171، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في القراءة: ج 1
ص 271 س 35 - 36.
(7) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب القراءة ح 4 و 5 و 6 و 7 ج 4 ص 737.
(8) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب القراءة ح 2 ج 4 ص 738.
(9) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب القراءة ح 3 ج 4 ص 739.
389

فكيف يمكن الاستناد إليها أجمع لعدم إمكان المصير إليها بعد تضاد بعضها
مع بعض، مع أن الرواية المشترطة للزيادة عن ثلاث آيات غير صريحة في إرادة
التبعيض، بل ولا ظاهرة لاحتمالها إرادة تكرار السورة الواحدة بقراءتها في كل
من ركعتي المكتوبة على حده!؟ في هذا هو الذي فهمه منها جماعة (1) وإن
استبعده الشهيد قائلا: إنه لو أريد تكريرها لم يكن للتقييد بزيادتها على ثلاث
آيات فائدة (2).
وربما يناقش فيه: بجواز كراهة تكريرها إذا كانت ثلاث آيات تعبدا.
ودفعه بعدم القائل به مشترك الورود بين هذا الاحتمال واحتمال إرادة
التبعيض، إذ كل من قال بجوازه لم يشترط الزيادة عليها، مع أن اشتراطها على
هذا الاحتمال يشعر بورود الرواية للتقية، لدلالتها على كون البسملة ليست
من السورة، إذ ليس في السور ما يكون مع البسملة ثلاث آيات، فإن أقصرها
الكوثر، وهي مع البسملة آيات أربع، فاشتراط الزيادة لا يناسب طريقة
الإمامية، فتكون الرواية من جملة الدلائل على ورود أخبار التبعيض للتقية.
ومن جملتها أيضا الموثق كالصحيح، بل قيل: صحيح (3): صلى بنا أبو
عبد الله - عليه السلام - أو أبو جعفر - عليه السلام - فقرأ بفاتحة الكتاب وآخر
سورة المائدة، فلما سلم التفت إلينا فقال: أما إني أريد أن أعلمكم (4). ونحوه
خبر آخر مروي في الوسائل عن العلل (5). فتدبر.

(1) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في القراءة ص 269 س 11، والحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في
القراءة ج 8 ص 117، وكشف اللثام: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 216 س 12، وجامع
المقاصد: كتاب الصلاة في القراءة ج 2 ص 43.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في القراءة ص 186 س 22 - 23.
(3) والقائل هو صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في القراءة ج 8 ص 117.
(4) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب القراءة ح 1 ج 4 ص 738. باختلاف يسير.
(5) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب القراءة ح 3 ج 4 ص 738.
390

(ولا) يجوز أن (يقرأ في الفرائض عزيمة) من العزائم الأربع على
الأشهر الأظهر، بل لا خلاف فيه بين القدماء يظهر، إلا من الإسكافي حيث
قال: لو قرأ سورة من العزائم في النافلة سجد، وإن قرأ في الفريضة أومأ، فإذا
فرغ قرأها وسجد (1). وليس نصا في المخالفة وإن فهمها منه الجماعة، إذ ليس
فيها التصريح بجواز القراءة، بل غايته: أنه لو قرأ فعل كذا.
ويحتمل الاختصاص بصورة القراءة ناسيا أو تقية، وعلى تقدير ظهور
مخالفته فهو شاذ، بل على خلافه الاجماع في الانتصار (2) والخلاف (3) والغنية (4)
وشرح القاضي لجمل السيد (5) ونهاية الإحكام (6) والتذكرة (7). وهو الحجة،
مضافا إلى الخبرين الناهيين، معللا في أحدهما بأن السجود زيادة في
المكتوبة (8).
وأما النصوص المخالفة: فمع قصور سند أكثرها غير صريحة فيها، لأنها ما بين
مطلقة للجواز، كالصحيح: عن الرجل يقرأها بالسجدة في آخر السورة؟ قال:
يسجد، ثم يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب، ثم يركع ويسجد (9). ونحوه غيره من
الصحيح وغيره (10) وهي محتملة للحمل على النافلة أو الفريضة على بعض

(1) كما في المعتبر: كتاب الصلاة في القراءة ج 2 ص 175.
(2) الإنتصار: الصلاة في القراءة ص 43.
(3) الخلاف: كتاب الصلاة م 174 في حكم قراءة العزائم في الصلاة ج 1 ص 426.
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في كيفية فعل الصلاة ص 496 س 4 - 5.
(5) شرح جمل العلم والعمل: في كيفية أعمال الصلاة فصل اعلم أن قراءة العزائم ص 86.
(6) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 466.
(7) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 116 س 24.
(8) وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب القراءة ح 1 ج 4 ص 779، والآخر، ب 40 من أبواب القراءة ح 3
ج 4 ص 779.
(9) وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب القراءة ح 1 ج 4 ص 777.
(10) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب القراءة ج 4 ص 779.
391

الوجوه، ومصرحة بقراءتها فيها كالصحيح: عن إمام قرأ السجدة فأحدث قبل أن
يسجد كيف يصنع؟ قال: يقدم غيره، فيتشهد ويسجد وينصرف هو، وقد تمت
صلاتهم. ونحوه غيره، وهي محتملة للحمل على صورة النسيان وغيره من
الأعذار.
والموجب للخروج عن ظواهر هذه الأخبار، وحملها على ما مر في المضمار
رجحان الخبرين، المانعين بالشهرة العظيمة بين الأصحاب، الجابرة لضعفهما لو
كان، مضافا إلى الاجماعات المحكية حد الاستفاضة، التي كل منها في حكم
رواية صحيحة، والمخالفة للعامة، كما صرح به جماعة، ويشهد لها أحد الخبرين
وغيره من المعتبرة.
هذا، مضافا إلى ما احتج به الأصحاب - زيادة عليهما - من: أن قراءتها
مستلزم لأحد محذورين: إما الاخلال بالواجب إن نهيناه عن السجود، وإما
زيادة سجدة في الصلاة متعمدا إن أمرناه به.
وما يقال: من أن هذا مع ابتنائه على وجوب إكمال - السورة وتحريم
القرآن إنما يتم إذا قلنا بفورية السجود مطلقا وأن زيادة السجدة مبطلة
كذلك بل هذه المقدمات لا تخلو عن نظر (3)، فمنظور فيه وجهه لصحة المقدمات.
أما وجوب إكمال السورة فلما تقدم إليه الإشارة. وأما فورية السجود فللاجماع
عليها على الظاهر المصرح به في جملة من العبائر (4)، ومع ظهور أخبار المسألة في

(1) وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب القراءة ح 5 ج 4 ص 780.
(2) وسائل الشيعة: ب 42 من أبواب قراءة القرآن ح 4 ج 4 ص 880.
(3) وهو صاب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في القراءة ج 3 ص 352.
(4) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة: كتاب الصلاة في القراءة ج 2 ص 232، والسيد محمد في مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في السجود ج 3 ص 421، والبحراني في الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة
في القراءة ج 8 ص 157.
392

ذلك، حتى الأخبار المخالفة لتضمنها الأمر بالسجود بعد الفراغ من الآية بلا
فاصلة (1).
ولولا الفورية لما كان له وجه بالكلية، وأما بطلان الصلاة بزيادة السجدة
فلعله إجماعا، كما صرح به في التنقيح (2)، ويشهد له خصوص ما مر من أحد
الخبرين، المعلل للمنع باستلزام قراءتها الزيادة، وعموم النصوص المانعة عنها
مطلقا.
منها الحسن: إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها، واستقبل
صلاته استقبالا (3).
والخبر: من زاد في صلاته فعليه الإعادة (4). هذا، مع أنه مقتضى العبادة
التوقيفية، ولزوم الاقتصار فيها بحكم التأسي الثابت بالأصل، والنص على
الثابت منها في الشريعة من غير زيادة في ولا نقيصة.
وأما تحريم القرآن فهو الأظهر الأشهر، بل عن أمالي الصدوق وفي الانتصار
دعوى الاجماع عليه (5)، للمعتبرة المستفيضة وفيها الصحيح والقريب منه
وغيره (6)، والنصوص المعارضة محمولة على التقية، كما صرح به جماعة وإن
تضمنت الصحيح وغيره (7)، وذهب إليها جماعة.
لكن المحقق من أخبار المنع ثبوته في القرآن بين السورتين، لا سورة وبعض

(1) وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب القراءة في الصلاة ج 4 ص 779.
(2) التنقيح الرائع: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 199.
(3) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الخلل المواقع في الصلاة ح 1 ج 5 ص 332.
(4) وسائل الشيعة:: ب 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2 ج 5 ص 332.
(5) أمالي الصدوق: مجلس 93 في دين الإمامية ص 512، والانتصار: الصلاة في السور وغيره ص 44.
(6) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب القراءة ج 4 ص 740.
(7) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب القراءة ح 9 و 2 و 6 ج 4 ص 741 و 742.
393

أخرى وإن دل على المنع فيها أيضا بعضها المتقدم، المتضمن لقوله - عليه
السلام -: " لا تقرأ في المكتوب لا بأقل من سورة ولا بأكثر " (1) لعدم صراحته،
لاحتمال تقييد الأكثر فيه بما إذا بلغ سورة كاملة، أو إذا قصد جزئية الزيادة،
لا مطلقا.
والداعي إليه ما دل من النص والاجماع على جواز العدول من سورة إلى
أخرى ما لم يبلغ النصف (2)، ودعوى الاجماع على جواز قراءة القرآن وبعض
الآيات في القنوت، وجواب السلام ونحوه بها.
وعليه، فيتجه ما مر من الايراد، لعدم مانع حينئذ عن قراءة سورة السجدة
إلى آيتها، أو مطلقا وتركها، ثم قراءة سورة كاملة بعدها أو قبلها.
لكن التحقيق منع ما ذكر فيه من البناء، لتوقفه على كون مراد
الأصحاب المنع من قراءة العزيمة مطلقا، حتى أبعاضها، ومحصله المنع من
الشروع فيها، وهو غير متعين وإن لزم القائلين بلزوم صورة كاملة، والمنع عن القرآن
مطلقا حتى بين سورة وأبعاض أخرى، بل يحتمل كون مرادهم المنع من
قراءتها بتمامها كي يومئ إليه تعليلهم الذي مضى، والتعليل في أحد الخبرين
المانعين اللذين تقدما.
وعلى هذا، فلا يكون المنع مبتنيا على وجوب إكمال. السورة، ولا تحريم
القرآن بالكلية، بل يبتني على فورية السجدة، وكون زيادتها للصلاة مبطلة.
بل من هاتين المقدمتين حق، كما عرفته.
(ولا) يجوز أيضا قراءة (ما) أي سورة (يفوت الوقت بقراءتها) إما
بإخراج الفريضة الثانية على تقدير قراءتها في الفريضة الأولى كالظهرين،

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب القراءة ح 2 ج 4 ص 736.
(2) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب القراءة في الصلاة ج 4 ص 776.
394

أو بإخراج بعض الفريضة عن الوقت، كما لو قرأ سورة طويلة يقصر الوقت عنها
وعن باقي الصلاة، مع علمه بذلك، لاستلزام ذلك تعمد الاخلال بفعل الصلاة
في وقتها المأمور به إجماعا، فتوى ونصا، كتابا وسنة، فيكون منهيا عنه ولو ضمنا،
مضافا إلى التصريح به في الحسن: لا تقرأ في الفجر شيئا من " ال حم " (1).
ولا وجه له عدا فوت الوقت بقراءتها، وبه وقع التصريح في الخبر: من قرأ شيئا
من " ال حم " في صلاة الفجر فاته الوقت (2). ولا خلاف في هذا الحكم، إلا
من بعض متأخري المتأخرين، حيث فرعه على البناء المتقدم من وجوب
إكمال السورة، وحرمة القرآن مع عدم قوله بهما (3)، وفيه ما عرفته. وفي المسألة
وسابقتها فروع جليلة ذكرناها في شرح المفاتيح، من أرادها فليطلبها ثمة.
(ويتخير المصلي في كل) ركعة (ثالثة ورابعة) من الفرائض الخمس
اليومية (بين قراءة الحمد) وحدها (أو التسبيح) خاصة بإجماعنا المحقق
والمنقول في كلام الأصحاب مستفيضا، بل متواترا كأخبارنا.
واطلاقها يقتضي عدم الفرق بين ناسي القراءة وغيره كما هو الأشهر
الأقوى، بل عليه عامة أصحابنا، عدا الشيخ في الخلاف، فعين القراءة في
الأول، كما قيل (4)، وهو شاذ، مع قصور عبارته عن إفادة الوجوب، لتعبيره
بالاحتياط الظاهر في الأولوية والاستحباب كما صح به هو في المبسوط (5)
وتبعه الأصحاب، لعموم أدلة التخيير من النصوص والاجماعات المحكية، مع
خلوصها عما يصلح للمعارضة، عدا عموم ما دل على أنه: لا صلاة إلا بفاتحة

(1) وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب القراءة ح 2 ج 4 ص 94.
(2) وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب القراءة ح 1 ج 4 ص 784.
(3) وهو صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في القراءة ج 8 ص 126.
(4) والقائل هو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في القراءة ج 3 ص 344.
(5) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر القراءة وأحكامها ج 1 ص 106.
395

الكتاب (1).
وخصوص الصحيح: قلت له: رجل نسي القراءة في الأوليين، فذكرها في
الأخيرتين، فقال: يقضي القراءة والتكبير والتسبيح الذي فاته في الأوليين في
الأخيرتين، ولا شئ عليه (2).
والخبر: قلت له: أسهو عن القراءة في الركعة الأولى، قال: اقرأ في الثانية،
قلت: أسهو في الثانية، قال: اقرأ الثالثة، قلت: أسهو في صلاتي كلها، قال:
إذا حفظت الركوع والسجود فقد تمت صلاتك (3).
وفي الجميع نظر؟ لأن العموم بعد تسليمه مرجوح بالنسبة إلى العموم
الأول، لرجحانه بالشهرة العظيمة القريبة من الاجماع، بل لعلها إجماع في
الحقيقة كما عرفته؟ فيكون هو المخصص للعموم المعارض، مضافا إلى ضعف
دلالته في نفسه، وقصوره عن الشمول لما نحن فيه، لاختصاصه بحكم التبادر
الموجب عن تتبع النصوص والفتاوى بالفاتحة في محلها المقرر لها مطلقا شرعا،
وهما الركعتان الأوليان خاصة، والخبر الثاني ضعيف سندا، بل ودلالة أيضا
كالأول، لظهورهما في الاتيان بالقراءة في الأخيرتين بقول مطلق، والمراد بها
حيث يطلق الحمد والسورة معا، وهو مخالف للاجماع جدا.
وتزيد الصحيحة ضعفا، لظهورها في كون الاتيان بها قضاء عما فات في
الأوليين، لا أداء، لما وصف في الأخيرتين زيادة على ما فيها أيضا من
الحكم بقضاء التكبير والتسبيح، مصرحا بفواتهما في الأوليين، وهو مخالف
للاجماع أيضا.

(1) عوالي اللآلي: في ذكر أحاديث تتضمن شيئا من أبواب الفقه ح 2 ج 1 ص 196.
(2) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب القراءة ح 6 ج 4 ص 772.
(3) وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب القراءة ح 3 ج 4 ص 771.
396

ومع التردد فهما موافقان لرأي أبي حنيفة كما يظهر من الخلاف (1) وغيره،
إلا أنه أطلق الترك في الأوليين بحيث يشمل ما لو كان عمدا، ومع ذلك فهما
معارضان بالمعتبرة الظاهرة فيما ذكرناه ظهورا تاما.
ففي الموثق: إذا نسي أن يقرأ في الأولى والثانية أجزأه تكبير الركوع
والسجود. الحديث (2).
وفي القوي: عن الرجل يقوم في الصلاة، فينسى فاتحة الكتاب، قال:
فليقل - إلى أن قال -: فإذا ركع أجزأه إن شاء الله إلى (3).
وفي الخبر: عن رجل نسي أم القرآن، إن كان لم يركع فليعد أم القرآن (4).
وهي ظاهرة في إجزاء الركوع وتسبيحه عن القراءة إذا شرع فيهما ولو وجبت
القراءة في الأخرتين تداركا لما صدق معه الاجزاء جدا.
هذا، وفي الصحيح: في الرجل يسهو عن القراءة في الأوليين، فيذكر في
الأخيرتين؟ قال: أتم الركوع والسجود؟ قلت: نعم، قال: إني أكره أن أجعل
آخر صلاتي أولها (5). وفي قوله: " أتم الركوع إلى آخره " إشارة إلى ما أفادته
الأخبار السابقة من إجزائه عن القراءة قبله، وفي قوله: " أكره " رد على أبي
حنيفة حيط جعل الأخيرتين كالأوليين في تحتم القراءة فيهما، وفيه حينئذ
دلالة على أفضلية التسبيح، بكراهة القراءة كما اعتبر فيه جماعة، حاكين القول بها
عن العماني (6)، ولكن الأحوط القراءة خروجا عن شبهة الخلاف في المسألة.

(1) الخلاف: كتاب الصلاة م 93 في وجوب القراءة في الركعتين الاولتيين ج 1 ص 341.
(2) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب القراءة ح 3 ج 4 ص 769.
(3) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب القراءة ح 2 ج 4 ص 768.
(4) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب القراءة ح 1 ج 4 ص 768.
(5) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب القراءة ح 1 ج 4 ص 770.
(6) كصاحب المدارك: كتاب الصلاة في القراءة ج 3 ص 345، ومختلف الشيعة: كتاب الصلاة في
القراءة ج 1 ص 92 س 10.
397

وفي أفضلية التسبيح مطلقا، أم لغير الإمام الذي لم يتيقن عدم المسبوق، أم
القراءة مطلقا، أم للإمام خاصة كذلك، أم مع تجويزه دخول مسبوق خاصة، أم
تساويهما أقوال مختلفة، منشأها اختلاف الأخبار في المسألة، إلا أن أكثرها
وأظهرها ما دل على الأول، كما بينته في الشرح، من أرادها راجعها ثمة.
(ويجهر من) الصلوات (الخمس) اليومية (واجبا: في الصبح وأولي
المغرب والعشاء) الآخرة (ويسر في الباقي) على الأظهر الأشهر، وفي
الخلاف والغنية الاجماع على جميع ذلك (1)، وفي السرائر ففي الخلاف عن عدم
جواز الجهر في الاخفاتية (2). وهو الحجة بعد التأسي بالنبي - صلى الله عليه
وآله - والأئمة - عليهم السلام -، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة.
ففي الصحيح: قلت له: رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي أن يجهر فيه، أو
أخفى فيما لا ينبغي الاخفات فيه، فقال: أي ذلك فعل متعمدا فقد نقض
صلاته وعليه الإعادة، فإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شئ
عليه (3).
ونحوه آخر، لكن بزيادة في السؤال، هي قوله: وترك القراءة فيما ينبغي
القراءة فيه. وتبديل الجواب بقوله: أي ذلك فعل ناسيا أو ساهيا فلا شئ
عليه (4). ووجوه الدلالة فيهما واضحة، سيما بعد الاعتضاد بالأخبار الأخر
الصريحة.
منها: إن الصلاة التي يجهر فيها إنما هي في أوقات مظلمة، فوجب أن يجهر

(1) الخلاف: كتاب الصلاة م 83 في وجوب الجهر بالجملة في قراءة الحمد ج 1
(الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في كيفية فعل الصلاة ص 496 س 2.
(2) السرائر: كتاب الصلاة باب كيفية فعل الصلاة على سبيل الكمال... ج 1 ص 218.
(3) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب القراءة ح 1 ج 4 ص 766، باختلاف.
(4) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب القراءة ح 2 ج 4 ص 766.
398

فيها، ليعلم المار أن هناك جماعة (1).
ومنها: لأي علة يجهر في صلاة الجمعة، وصلاة المغرب، وصلاة العشاء
الآخرة، وسائر الصلوات الظهر والعصر لا يجهر فيها؟ قال: لأن النبي - صلى
الله عليه وآله - لما أسري إلى السماء كان أول صلاة فرض عليه الظهر يوم
الجمعة، فأضاف إليه الملائكة يصلون خلفه، وأمر نبيه - صلى الله عليه وآله - أن
يجهر بالقراءة، ليبين لهم فضله، ثم فرض عليه العصر ولم يضف إليه أحدا من
الملائكة، وأمره أن يخفي القراءة، لأنه لم يكن وراءه أحد، ثم فرض عليه
المغرب وأضاف إليه الملائكة، وأمره بالاجهاز وكذلك العشاء الآخرة، فلما
كان قرب الفجر ففرض الله تعالى عليه الفجر، وأمره بالاجهاز ليبين للناس
فضله كما بين للملائكة، فلهذه العلة يجهر فيها (2).
وضعف سندهما بالجهالة ودلالتهما بالأخصية مجبور بالشهرة، وعدم القائل
بالفرق بين الطائفة، مضافا إلى الأصول والاجماع المنقول، والمعتبرة المستفيضة
الصريحة في انقسام الصلوات إلى جهرية واخفاتية، وظاهرها التوظيف الظاهر
في الوجوب، سيما بعد ضم الأخبار بعضها مع بعض. خلافا للإسكافي، فقال
بالاستحباب (3).
ونسب إلى المرتضى حيث قال: إنه من وكيد السنن (4). وليس بصريح في
الخالفة. وعلى تقديرها فهو كسابقه شاذ، ومستندهما غير واضح، عدا

(1) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب القراءة ح 1 ج 4 ص 763.
(2) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب القراءة ج 2 ج 4 ص 764 وفيه اختلاف يسير.
(3) كما في المعتبر: كتاب الصلاة في القراءة ج 2 ص 176.
(4) كما في مختلف الشيعة - نقلا عن مصباح السيد رحمه الله -: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 93
س 21
399

الصحيح: في الجهرية: إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر (1). وهو مع قصوره عن
المقاومة، لما مر من وجوه عديدة محمول على التقية، لكونه مذهب العامة كما
صرح به جماعة.
ومنهم: شيخ الطائفة حيث قال بعد نقله هذا الخبر: موافق للعامة، ولسنا
نعمل به، والعمل على الخبر الأول (2). وفي عبارته هذه إشعار بالاجماع أيضا.
وأما الاعتراض على هذا الحمل بأنه فرع عدم وجود قائل به من الطائفة (3)
فغريب، إذ ما دل على لزوم حمل الأخبار على التقية من الاعتبار والأخبار غير
مشترطة لما ذكر بالمرة.
وأما الاحتجاج للاستحباب بآية " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها
وابتغ بين ذلك سبيلا " (4) (5) فلا وجه له، لدلالتها بظاهرها على وجوب
القراءة المتوسطة في جهرية أو إخفاتية أو استحبابها، وكلاهما ينفيان رجحانها
في مواضعهما، وهو مخالف للاجماع جدا. وكذا إن فرض دلالتها على التسوية
بينهما.
وإن حملت على أن المراد من الوسط الوسط من الجهر فيما يجهر ومن
الاخفات فيما يخافت فيه ومحصلها حينئذ المنع من الجهر والاخفات الزائدين
عن المعتاد كما فسرته كثير من النصوص (6)، فحسن، إلا أنه لا حجة فيها على
القائل بالوجوب، بل هي مجملة تفسرها الأخبار السابقة.

(1) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب القراءة ح 6 ج 4 ص 765، وفيه اختلاف يسير.
(2) الاستبصار: كتاب الصلاة ب 171 في وجوب الجهر بالقراءة ج 1 ص 313، ذيل الحديث 2.
(3) المعتبر: كتاب الصلاة في القراءة ج 2 ص 177.
(4) الأسراء: 110.
(5) المعتبر: كتاب الصلاة في القراءة ج 2 ص 178.
(6) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب القراءة ح 2 ج 4 ص 773.
400

وبالجملة: فلا ريب في المسألة، ويعذر الناسي والجاهل هنا، إجماعا على
الظاهر المصرح به في التذكرة والمنتهى (1)، للصحيحين الماضيين، ويختص الجهر
والاخفات بالقراءة وبدلها دون غيرها من الأذكار، بلا خلاف في أجده، للأصل
والصحيح: عن التشهد والقول في الركوع والسجود والقنوت، للرجل أن يجهر
به؟ قال: إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر (2).
(وأدناه) أي: الاسرار (أن يسمع نفسه) ما يقرأه، ولا يجزئ ما دونه
إجماعا على الظاهر المصرح به في المعتبر والمنتهى والتذكرة (3)، ونسبه في التبيان
إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الاجماع عليه أيضا.
فقال: وحد أصحابنا الجهر فيما يجب الجهر فيه: بأن يسمع غيره، والخافتة:
بأن يسمع نفسه (4). وهو الحجة، مضافا إلى المعتبرة.
منها: الصحيح: لا يكتب من القراءة والدعاء إلا ما أسمع نفسه (5). قيل:
والظاهر من الاسماع: إسماع جواهر الحروف (6)، ولا ينافيه الصحيح المكتفي
بسماع الهمهمة (7) ثم لأنها: الصوت الخفي كما في القاموس، ولا يعتبر فيه عدم
الفهم وإن كان كلام ابن الأثير يقتضيه.

(1) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 117 س 8 - 9، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة
في القراءة ج 1 ص 277 س 10.
(2) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب القنوت ح 2 ج 4 ص 918.
(3) المعتبر: كتاب الصلاة في القراءة ج 2 ص 177، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في القراءة ج 1
ص 277 س 15، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 117 س 16.
(4) التبيان: في تفسير آية 110 من سورة الإسراء ج 6 ص 534.
(5) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب القراءة ح 1 ج 4 ص 773.
(6) والقائل هو صاحب ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في القراءة ص 275 ص 15.
(7) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب القراءة ح 4 ج 4 ص 774.
401

وأما الصحيح: لا بأس أن لا يحرك لسانه يتوهم توهما (1)، فقد حمله الشيخ
على من يصلي خلف من لا يتقدى به، للخبر: يجزيك من القراءة معهم مثل
حديث النفس. ونحوه الصحيح: في الصلاة معهم اقرأ لنفسك، وإن لم تسمع
نفسك فلا بأس (2): والذي يظهر للعبد من الجمع بين الصحيحين الأولين
كفاية سماع الهمهمة ولو من دون تشخيص الحروف، ولكنه خلاف المتبادر
من كلام القوم، فالأحوط مراعاته.
ثم إن ظاهر العبارة هنا وفي التحرير (3) وبعض نسخ التلخيص - كما
حكي - (4) ونهاية الإحكام عدم منافاة استماع الغير للاسرار في الجملة (5)، وهو
خلاف ظاهر عبارة التبيان المتقدمة، كثير كالفاضلين في أكثر كتبهما (6)،
والراوندي (7) والحلي (8) والشهيد (9) " حيث جعلوا حد الاخفات إسماع النفس،
مؤذنين بخروج ما أسمع الغير عنه، حتى أن الحلي صرح بأن: أعلاه أن تسمع
أذناك، وليس له حد أدنى، بل إن لم يسمع أذناه القراءة فلا صلاة له، وإن
سمع من عن يمينه أو شماله صار جهرا، فإذا فعله عمدا بطلت صلاته، وظاهر

(1) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب القراءة ح 5 ج 4 ص 774.
(2) تهذيب الأحكام: كتاب الصلاة ب 3 في أحكام الجماعة و... ج 3 ص 36، ذيل الحديث 41.
(3) تحرير الأحكام: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 39 س 6.
(4) والحاكي هو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 220 س 29.
(5) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 471.
(6) المعتبر: كتاب الصلاة في القراءة ج 2 ص 177، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في القراءة ج 1
ص 117 س 16، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 277 س 15
(7) فقه القرآن: كتاب الصلاة في الجهر والاخفات ج 1 ص 104.
(8) السرائر: كتاب الصلاة باب كيفية الفعل على سيل الكمال... ج 1 ص 223.
(9) ذكرى الشيعة كتاب الصلاة في القراءة ص 190 س 5، وروض الجنان: كتاب الصلاة في القراءة
ص 265 س 17.
402

الشيخ والفاضلين في المعتبر والتذكرة والمنتهى كونه مجمعا عليه (1) فإن تم، وإلا
فالأقوى ما عليه المحقق الثاني والشهد الثاني (2)، وجملة ممن تأخر عنهما من
الفضلاء: من الرجوع فيهما إلى العرف (3)، لأنه المحكم فيما لم يرد به توظيف من
الشرع، ولا ريب أن إسماع الغير لا يسمى فيه جهرا ما لم يتضمن صوتا.
ومحصل تعريفهما على هذا: أن أقل الجهر أن يسمعه من قرب منه
صحيحا، مع اشتمالها على الصوت الموجب لتسميته جهرا عرفا، وأكثره أن
لا يبلغ العلو المفرط، وأقل السر أن يسمع نفسه صحيحا أو تقديرا، وأكثره أن
لا يبلغ أقل الجهر
ويعضد العرف ما في الصحاح: جهر بالقول: رفع الصوت به. قيل: ويظهر
ذلك أيضا من القاموس، مع أن ضبط التحديد الذي ذكروه يفضي إلى العسر
والضيق الشديد غالبا، والحال أنه لم يعهد منهم - عليهم السلام - المضايقة في
أمثال هذا كما صرح به بعض الفضلاء (4).
وصرح آخر بنظيره، فقال: تضعيفا لما ذكروه، قلت: عسى أن لا يكون
إسماع النفس بحيث لا يسمع من يليه مما يطاق. ثم قال: ويدل على السماع
ما مر عن العيون: من أن أحمد بن علي صحب الرضا - عليه السلام -، فكان
يسمع ما يقوله في الأخراوين من التسبيحات (5).

(1) التبيان: في تفسير آية 115 من سورة الإسراء ج 6 ص 534، والمعتبر: كتاب الصلاة في القراءة ج 2
ص 177، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 117 س 16، ومنتهى المطلب: كتاب
الصلاة في القراءة ج 1 ص 277 س 15 (2) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في
القراءة ج 2 ص 260، وروض الجنان كتاب الصلاة في القراءة ص 265 س 18.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في القراءة ج 3 ص 358، وذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في القراءة
ص 275 س 12، والحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في القراءة ج 8 ص 140.
(4) كما في ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في القراءة ص 275 س 12 - 13.
(5) وهو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 220 س 28.
403

أقول: مبنى الاستدلال به على ما ظاهرهم الاتفاق عليه من وجوب
الاخفات في الأخيرتين، وعليه فالرواية صريحة في المطلوب، معتضدة بالعرف
واللغة والاعتبار كما عرفته، لكن الأحوط ما ذكروه، لشبهة الاجماع الذي ادعوه
وإن أمكن الذب عنه بأن عبارة التبيان غير صريحة فيه، بل ولا ظاهرة.
وأما الفاضلان فهما وإن صرحا به إلا أنه يحتمل احتمالا قريبا يشهد له
سياق عبارتهما كون متعلقه خصوص لزوم اعتبار إسماع النفس في الاخفات،
ومن السياق الشاهد بذلك: عطفهما على الاجماع قولهما: ولأن ما لا يسمع لا يعد
كلاما ولا قراءة.
ومنه أيضا قولهما فيما عداه: المنتهى في حد الاخفات وأقله: أن يسمع
نفسه، وهو كالصريح: في أن للاخفات فردا آخر أعلى من إسماع النفس، ولا
يكون إلا بإسماع الغير من دون صوت، وإلا لتصادق الجهر والاخفات في
بعض الأفراد، وهو معلوم البطلان، لاختصاص الجهر ببعض الصلاة
والاخفات ببعض آخر وجوبا أو استحبابا.
(ولا) يجب أن (تجهر المرأة) في مواضعه إجماعا محققا ومحكيا في كلام
جمع، مستفيضا للأصل، مع اختصاص النصوص الموجبة له، وللاخفات بحكم
التبادر الموجب من سياق أكثرها، وفتوى الفقهاء بالرجل دونها. ومنه يظهر
عدم وجوب الاخفات في مواضعه أيضا، كما صرح به جمع (1)، ولكن ينافيه ظاهر
العبارة ككثير، حيث خصوا الجهر بالنفي (2). ووجهه غير واضح.
وفي الخبر: هل عليهن الجهر بالقراءة في الفريضة؟ قال: لا، إلا أن تكون

(1) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في القراءة ص 275 س 27، والحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في
القراءة ج 8 ص 142.
(2) المعتبر: كتاب الصلاة في القراءة ج 2 ص 178، وقواعد الأحكام: كتاب الصلاة في القراءة: ج 1
ص 33 س 10، ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في القراءة ص 195 س 8.
404

امرأة تؤم النساء، فتجهر بقدر ما تسمع (1). ولم يظهر بذيله عامل، والظاهر جواز
الجهر لها إذا لم يسمعها الأجانب كما صرح به جمع من غير نقل خلاف (2). وفي
جوازه مع السماع قولان، والمشهور المنع مع الفساد، بناء منهم على كون صوتها
عورة يجب إخفاتها من الأجانب، وظاهر المنتهى وغيره، وصريح غيرهما الاجماع
عليه (3). فإن تم وإلا فاذكروه مشكل وإن كان أحوط.
(ومن السنن):
الاستعاذة بعد التوجه قبل القراءة للآية، والمعتبرة
المستفيضة فعلا في جملة منها، وأمرا في أخرى، وتوهم الوجوب منها كالقول به
المحكي عن أبي علي ولد شيخنا الطوسي (4) مردود بإجماعنا على عدمه في
الظاهر المحكي في الخلاف ومجمع البيان (5) والمنتهى (6) والذكرى (7) وغيرهما
وتشهد له جملة من النصوص أيضا.
منها: إذا قرأت بسم الله الرحمن الرحيم فلا تبالي أن لا تستعيذ (8). ومحلها
الركعة الأولى من كل صلاة، لا مطلقا إجماعا كما في صريح المنتهى (9) وشرح

(1) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب القراءة ح 3 ج 4 ص 772.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في القراءة ص 190 س 8 - 9 والروضة البهية: كتاب الصلاة في
القراءة ج 1 ص 600، كشف اللثام: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 220 س 36.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 277 س 24، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في
القراءة ج 1 ص 117 س 17
(4) والحاكي هو ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في القراءة ص 191 س 22.
(5) والحاكي هو صاحب حدائق الناضرة: كتاب الصلاة في القراءة ج 8 ص 161.
(6) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في التكبير ج 1 ص 268 س 35.
(7) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في القراءة ص 191 س 23.
(8) وسائل الشيعة: ب 58 من أبواب القراءة ح 1 ج 4 ص 801.
(9) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في التكبير ج 1 ص 270 س 7.
405

القواعد للمحقق الثاني (1) وظاهر الذكرى (2) وغيرها، وهو ظاهر من الأخبار
حيث لم يستفد منها الشرعية إلا فيها، وإطلاق الآية يقيد بذلك، مع أن القصد
هو التعوذ من الوسوسة، وهو أصل في أول ركعة، فيكتفى به في الباقي، كذا
في المنتهى (3) وغيره، وزاد في الأول، فاستدل بالنبوية العامية: أنه - صلى الله
عليه وآله - إذا نهض من الركعة الثانية استفتح بقراءة الحمد (4). وهي سرية ولو
في الجهرية بلا خلا في أجده، وفي الخلاف الاجماع عليه (5)، والخبر الفعلي
محمول على تعليم الجواز إذ ليس الاجهار بها حراما، بل جائز وإن ترك
المستحب كما صرح به جمع.
(الجهر بالبسملة في مواضع (6) الاخفات من أول الحمد والسورة)
حيث تقرأ للإمام والمأموم، وفافا للأكثر على الظاهر المصرح به في كلام جمع،
بل المشهور كما في كلام آخرين، وفي الحلاف الاجماع عليه (7). وهو الحجة،
مضافا إلى المعتبرة المستفيضة، بل المتواترة، ففي جملة منها مستفيضة: عدة من
علامات المؤمن الخمس المذكورة فيها، وهي: صلاة الخمسين، وزيارة
الأربعين، والتختم باليمين، وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم (8)
وليس فيها كغيرها التقييد بالإمام كما عليه الإسكافي (9)، ولا بالأوليين كما

(1) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في القراءة ج 2 ص 271.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في القراءة ص 191 س 25.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في التكبير ج 1 ص 270 س 8.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في التكبير ج 1 ص 270 س 9.
(5) الخلاف: كتاب الصلاة م 79 في سرية التعود في الصلاة ج 1 ص 327.
(6) في المتن المطبوع " موضع ".
(7) الخلاف: كتاب الصلاة م 83 في الجهر في البسملة ج 1 ص 331.
(8) وسائل الشيعة: ب 56 من أبواب المزار وما يناسبه ح 1 ج 10 ص 373.
(9) كما في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في القراءة ص 191 س 36.
406

عليه الحلي (1)، مع أنهما شاذان غير واضحي المستند، عدا لزوم الاقتصار فيما
خالفت لزوم الاخفات المجمع عليه على المجمع عليه والمتيقن من النص، وهو
عند الأول الإمام خاصة دون غيره، وصرح بالاستحباب في الأخيرتين، وعند
الثاني بالعكس.
ويضعفهما بعد الشذوذ الاطلاق المتقدم الراجع إلى العموم، المقوى بفتوى
المشهور. وتزيد الحجة على الثاني بعدم ثبوت الاجماع على وجوب الاخفات في
الأخيرتين مطلقا، حتى في البسملة، إلا بنقله، وهو موهون بمصير عامة
الأصحاب، ولا أقل من الأكثر على خلافه.
ثم إن ظاهر سياق الأخبار المزبورة الاستحباب، حيث ساقت الاجهار به في
سياق المستحبات بلا خلاف، مع إشعاره به من وجه آخر، مضافا إلى
التصريح بالاجماع عاليه في الخلاف (2)، وفي المروي عن العيون: أن الجهر به في
جميع الصلوات سنة (3).
فالقول بالوجوب مطلقا كما عن القاضي (4)، أو فأي الأوليين خاصة كما في
الحلبي (5) ضعيف، يدفعه مع ذلك الأصل السليم عما يصلح للمعارضة، عدا
مداومتهم - عليهم السلام - بذلك، مضافا إلى الاحتياط، ويدفعان بما مر.
نعم، الأحوط عدم الترك، للمروي في الخصال أنه واجب (6). وعن
الأمالي دعوى الاجماع على الوجوب (7)، وضعف الأول سندا بل ودلالة، لعدم

(1) السرائر: كتاب الصلاة باب كيفية فعل الصلاة على سبيل الكمال... ج 1 ص 217.
(2) الخلاف: كتاب الصلاة مسألة 83 في وجوب الجهر ج 1 ص 332.
(3) عيون أخبار الرضا (ع): ب 35 في ما كتبه الرضا (ع) للمأمون في... ح 1 ج 2 ص 122.
(4) المهذب: كتاب الصلاة باب تفصيل الأحكام المقارنة للصلاة ج 1 ص 97.
(5) الكافي في الفقه: باب تفصيل الأحكام الصلاة الخمس ص 117.
(6) الخصال: في أبواب المائة فما فوق ج 2 ص 604.
(7) أمالي الصدوق: مجلس 93 في دين الإمامية ص 511.
407

الصراحة بعد ظهور كثرة استعمال لفظة الوجوب في المتأكد استحبابه في أخبار
الأئمة - عليهم السلام - مع كونه أعم من الوجوب بالمعنى المصطلح عليه الآن
لغة، ووهن الثاني بعدم ظهور موافق له عدا القاضي، مع ظهور عبارة ناقله في
الفقيه في عدم الوجوب (1) كما بينته في الشرح، مع معارضته بنقل الحلي الاجماع
على صحة الصلاة مع ترك الاجهار (2)، مضافا إلى قصور لفظ الوجوب في
عبارته عن إفادة معناه المصطلح عليه الآن لعين ما ذكر في ضعف دلالته عليه
في الأخبار بمنع المصير إلى هذا القول وتعيينه، سيما مع إطباق المتأخرين على
خلافه.
هذا، وربما يتردد في الاحتياط بالاجهار به في الأخيرتين، لمعارضة وجهه
من الخروج عن شبهة القول بالوجوب بمثله عن شبهة القول بالحرمة كما عرفته
من الحلي، مع تردد ما في شمول الاطلاقات بالاجهار وجوبا أو استحبابا،
نصا أو إجماعا منقولا لهما.
ولولا ما قدمناه من عدم دليل على وجوب الاخفات فيهما عدا الاجماع الغير
المعلوم الثبوت في محل النزاع إلا بدعوى الحلي الموهونة بلا شبهة كما عرفته لكان
المصير إلى قوله لا يخلو عن قوة وإن اعتضد خلافه بالشهرة.
(وترتيل القراءة)
بالكتاب والسنة، وإجماع العلماء كافة كما حكاه جماعة (3)، وهو لغة: الترسل
فيها، والتبيين بغير بغي وتجاوز عن حد، وشرعا على ما في الذكرى وغيرها:
حفظ الوقوف وأداء الحروف (4).

(1) من لا يحضره الفقيه: باب صفة الصلاة من فاتحتها إلى خاتمتها ج 1 ص 308 ذيل الحديث 922.
(2) السرائر: كتاب الصلاة باب كيفية الفعل على سبيل الكمال... ج 1 ص 218.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في القراءة ج 3 ص 361، والحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في
القراءة ج 8 ص 172.
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في القراءة ص 192 س 8.
408

أقول: ولعلهما متقاربان مع ورودهما في النصوص:
منها: في تفسير قوله تعالى: " ورتل القرآن ترتيلا " قال: قال أمير المؤمنين
- عليه السلام -: تبينه بيانا ولا تهذه هذ الشعر، ولا تنثره نثر الرمل (1). وبه فسره
علي بن إبراهيم في تفسيره (2).
ومنها: هو أن تمكث فيه وتحسن صوتك (3).
ومنها: ترتيل القرآن حفظ الوقوف وبيان الحروف (4). ونحوه، عن ابن
عباس، لكن مبدلا بيانها بأدائها (5). فلا يبعد استحبابهما، وفسر الوقوف بالوقف
التام (6)، وهو: الوقوف على كلام لا تعلق له بما بعده لفظا ولا معنى، والحسن:
وهو الذي له تعلق لفظا لا معنى. ومنه يظهر عدم وجوب الوقف مطلقا، مضافا
إلى الأصل، ودعوى الاجماع في كلام جمع، والصحيح المجوز لقراءة الفاتحة
الفريضة بنفس واحد (7).
نعم يجب المحافظة على النظم، تأسيا ووقوفا على المتيقن، وحذرا من
الخروج عن الأسلوب الذي فيه الاعجاز. ولذا يجب فيها الموالاة العرفية
المتحققة بأن لا يسكت فيها طويلا، ولا يقرأ فيها قرآنا أو ذكرا بحيث يخرج عن
كونه قارئا عرفا.
ولو أتي بهما مع صدق القارئ عليه عرفا جاز بلا خلاف يعرف فيه بين

(1) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب قراءة القرآن ح 1 ج 4 ص 856.
(2) تفسير القمي: في سورة المزمل ج 2 ص 392.
(3) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب قراءة القرآن ح 4 ج 4 ص 856.
(4) الوافي: ب 263 من أبواب القرآن وفضائله ج 9 ص 1739 ذيل الحديث 1.
(5) كما في مجمع البيان: في تفسير الآية: 5 من سورة المزمل ج 1 ص 377.
(6) كما في مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في القراءة ج 3 ص 361،
(7) وسائل الشيعة: ب 46 من أبواب القراءة ح 1 ج 4 ص 785.
409

علمائنا، كما في المنتهى (1).
(وقراءة سورة بعد الحمد في النوافل) إجماعا، ولا فرق فيها بين الرواتب
وغيرها، ولا فيه بين ما وظف فيه سورة خاصة وغيره، إلا وجوبها شرطا في
الأول دون غيره.
(والاقتصار في الظهرين والمغرب على قصار المفصل)
كالقدر والجحد والتوحيد و (ألهاكم)، وما شابهها (وفي الصبح على
مطولاته) كالمدثر والمزمل و (هل أتى) وشبهها (وفي العشاء على
متوسطاته) كالانفطار والطارق والأعلى وشببها.
قال في المنتهى: قاله الشيخ، وأومأ المفيد إلى بعضه، وعلم الهدى (2)،
وعزاه غيره إلى المشهور، معربين عن عدم دليل عليه من طرقنا. ولذا اختاروا
وفاقا للشهيد في الذكرى العمل بما في الصحيح وغيره من استحباب مثل
الأعلى والشمس في الظهر والعشاء، والنصر والتكاثر في العصر والمغرب، وما
يقرب من الغاشية والقيامة والنبأ في الغداة (3)، وهذا أولى وإن كان الأول
لشهرته مع المسامحة في المستحب. ودليله ليس بعيدا، سيما مع قربه مما ورد من
طرقنا.
(و) أن يقرأ (في ظهري الجمعة) أي: ظهرها وعصرها (بسورتها (4))
في الركعة الأولى (وب‍ " المنافقين ") في الثانية للمعتبرة.
منها: الصحيح عن القراءة في الجمعة، إذا صليت وحدي أربعا أجهر
بالقراءة؟ قال: نعم، وقال: اقرأ سورة الجمعة والمنافقين يوم الجمعة (5).

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 279 س 5.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 279 س 7.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في القراءة ص 192 س 18.
(4) في المتن المطبوع: " بها ".
(5) وسائل الشيعة: ب 73 من أبواب القراءة ح 3 ج 4 ص 819.
410

وفي آخر: من صلى الجمعة بغير الجمعة والمنافقين أعاد الصلاة في سفر أو
حضر. قيل: وهو ظاهر في شمول الجمعة للظهر، لأن الثابت في السفر إنما هو
الظهر، لا الجمعة (2) وفيه نظر.
وفي المرفوع: إذا كانت ليلة الجمعة يستحب أن يقرأ في العتمة سورة
الجمعة، و " إذا جاءك المنافقون "، وفي صلاة الصبح مثل ذلك، وفي صلاة
الجمعة مثل ذلك، وفي صلاة العصر مثل ذلك (3).
(وكذا لو صلى الظهر جمعة) للصحاح المستفيضة في جملة.
منها: ليس في القراءة شئ موظفة إلا الجمعة، تقرأ بالجمعة والمنافقين (4).
ومنها: عن الجمعة، فقال: القراءة في الركعة الأولى ب‍ " الجمعة " وفي
الثانية ب‍ " المنافقين " (5).
ومنها: رجل أراد أن يصلي الجمعة، فقرأ ب‍ " قل هو الله أحد "، قال:
يتمها ركعتين، ثم يستأنف (6).
وفي الخبر: من لم يقرأ في الجمعة ب‍ " الجمعة " والمنافقين فلا جمعة له (7).
وظاهره كسابقه، والصحيح الثاني المتقدم وغيرها وجوبهما فيها، كما عن
المرتضى والصدوق والحلبي وزادا، فألحقا الظهر بها أيضا (8)، لظاهر الأمر به

(1) وسائل الشيعة: ب 72 من أبواب القراءة ح 1 ج 4 ص 818.
(2) والقائل هو صاحب الحدائق: كتاب الصلاة في القراءة ج 8 ص 184.
(3) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب القراءة ح 3 ج 4 ص 789.
(4) وسائل الشيعة: ب 70 من أبواب القراءة ح 1 ج 4 ص 815، وفيه: " شئ مؤقت ".
(5) وسائل الشيعة: ب 70 من أبواب القراءة ح 6 ج 4 ص 816.
(6) وسائل الشيعة: ب 72 من أبواب القراءة ح 2 ج 4 ص 818.
(7) وسائل الشيعة: ب 70 من أبواب القراءة ح 7 ج 4 ص 816.
(8) الإنتصار: في صلاة الجمعة ونوافل شهر رمضان ص 54، ومن لا يحضره الفقيه باب صفة الصلاة من
فاتحتها إلى خاتمتها ج 1 ص 307، ذيل الحديث 922، والكافي في الفقه: في صلاة الجمعة ص 152.
411

في الصحيح الأول من الصحيحين المتقدمين، لكنها محمولة على الاستحباب
(على الأظهر) الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، للأصل، وحذا من لزوم
العسر والمشقة المنفيين في الشريعة، وخصوص المعتبرة.
منها - زيادة على المرفوعة المتقدمة المصرحة بالاستحباب - الصحيح: عن
الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمدا؟ فقال: لا بأس
بذلك (1). ونوه الخبر (2).
واطلاق آخر: رجل صلى الجمعة، فقرأ " سبح اسم ربك الأعلى " و " قل
هو الله أحد "، قال: أجزأه (3).
وفي الصحيح: سمعته يقول: في صلاة الجمعة: لا بأس بأن تقرأ فيهما بغير
الجمعة والمنافقين إذا كنت مستعجلا (4). والاستعجال أعم من الضرورة
المبيحة وغيرها.
وهذه المعتبرة ما بين صريحة وظاهرة في جواز الترك في. الجمعة، ففي الظهر
أولى، مضافا إلى عدم القول بالفرق أصلا، إلا من الصدوق - رحمه الله - على
نقل ضعيف أنه قال بوجوبها في ظهر الجمعة خاصة، لا جمعتها، وهي مع بعده
لا يلائم عبارته التي وصلت إلينا، كما بينته في الشرح مفصلا. ولذا نسب إليه في
الذكرى (5) وغيرها ما قلنا.
هذا، وفي الصحيح: عن الجمعة في السفر، ما أقرأ فيهما؟ قال: اقرأهما ب‍ " قل هو

(1) وسائل الشيعة: ب 71 من أبواب القراءة ح 1 ج 4 ص 817.
(2) وسائل الشيعة. ب 71 من أبواب القراءة ح 4 ج 4 ص 817.
(3) وسائل الشيعة: ب 71 من أبواب القراءة ح 5 ج 4 ص 818.
(4) وسائل الشيعة: ب 71 من أبواب القراءة ح 3 ج 4 ص 817.
(5) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في القراءة ص 192 س 36.
412

الله أحد " (1). وهو صريح في عدم الوجوب في الظهر أيضا، بل يستفاد منه كون
الظهر يطلق عليه الجمعة حقيقة أو مجازا شائعا، فيحتمل لذلك: الاستناد إلى
الأخبار المتقدمة بعدم الوجوب في الجمعة هنا أيضا. فتأمل جدا
(ونوافل
الليل جهر و) نوافل (النهار اخفات (2)) إجماعا منا، كما في المعتبر (3)
والمنتهى (4) والذكرى (5) وشرح القواعد للمحقق الثاني (6) وغيرها، للنصوص.
منها: السنة في صلاة النهار الاخفات، وفي صلاة الليل الاجهار (7). وليس
للوجوب بالاجماع.
والموثق: عن الرجل، هل يجهر بقراءته في التطوع بالنهار؟ قال: نعم (8).
(ويستحب إسماع الإمام من خلفه قراءته ما لم تبلغ العلو) إجماعا من
العلماء كما في المدارك والمنتهى (9)، وللصحيح: ينبغي للإمام أن يسمع من
خلفه كل ما يقول (10) ولعمومه لما عدا القراءة أيضا.
قال: (وكذا الشهادتان) بل مطلق الأذكار التي لم يجب إخفاتها.
نعم، يتأكد فيهما، للصحيحين الآتيين في بحث الجماعة إن شاء الله تعالى،

(1) وسائل الشيعة: ب 71 من أبواب القراءة ح 2 ج 4 ص 817.
(2) تقديم وتأخير عما في المتن المطبوع.
(3) المعتبر: كتاب الصلاة في القراءة ج 2 ص 184.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 278 س 23.
(5) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في القراءة ص 194 س 34.
(6) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في القراءة ج 2 ص 275.
(7) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب القراءة ح 2 ج 4 ص 759.
(8) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب القراءة ح 3 ج 4 ص 759.
(9) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في القراءة ج 3 ص 370، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في
القراءة ج 1 ص 277 س 36.
(5) وسائل الشيعة: ب 52 من أبواب صلاة الجماعة ج 3 ح 5 ص 452.
413

والمتصف بالاستحباب في الجهر بالقراءة عند من أوجبه القدر الزائد على ما
يتحقق به أصل الجهر.
وهنا (مسائل أربع):
(الأولى: يوم قول آمين في آخر الحمد) بل في أثناء الصلاة مطلقا،
وتبطل به أيضا على الأشهر الأقوى، بل كاد أن يكون إجماعا منا على الظاهر
المصرح به في شرح القواعد للمحقق الثاني (1)، وبالاجماع حقيقة صرح الصدوق
في الأمالي (2)، والشيخان (3) والمرتضى (4) وابن زهرة (5) والفاضل في ظاهر
المنتهى، وصريح التحرير ونهج الحق والنهاية (6) وهو الحجة، مضافا النهي
عنه في المعتبرة المستفيضة:
منها: الصحيح: إذا كنت خلف إمام، فقرأ الحمد ففرغ منها فقل أنت:
" الحمد لله رب العالمين "، ولا تقل: آمين (7).

(1) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في القراءة ج 2 ص 249.
(2) أمالي الصدوق: مجلس 93 في دين الإمامية ص 512.
(3) لم نعثر عليه في المقنعة كما صرح به صاحب مفتاح الكرامة، ولكن يمكن أن يستفاد من المقنعة:
كتاب الصلاة ب 9 في كيفية الصلاة وصفتها و... ص 105، حيث نسب الخلاف إلى اليهود
والنصاب. وهذا ظاهر الاجماع فيه، والخلاف: " كتاب الصلاة 84 في أن قول آمين تقطع الصلاة ج 1
ص 334.
(4) الإنتصار: في قول آمين في القراءة ص 42.
(5) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في كيفية فعل الصلاة ص 496 س 33.
(6) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 281 س 2، وتحرير الأحكام: كتاب الصلاة في
القراءة ج 1 ص 39 س 26، ونهج الحق: فيما يتعلق بالفقه في الصلاة م 10 ص 424، ونهاية الإحكام:
كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 465.
(7) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب القراءة ح 1 ج 4 ص 752.
414

والحسن المروي في العلل: ولا تقولن إذا فرغت من قراءتك: آمين (1).
والخبر: أقول إذا فرغت من فاتحة الكتاب: آمين؟ قال: لا (2).
وعن دعائم الاسلام أنه قال: وروينا عنهم - عليهم السلام - أنهم قالوا - إلى
أن قال -: وحرموا أن يقال بعد قراءة فاتحة الكتاب: آمين كما تقول العامة.
قال جعفر بن محمد - عليهم السلام -: إنما كانت النصارى تقولها (3). وعنه عن
آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله -: أمتي بخير وعلى
شريعتي ما لم يتخطوا القبلة بأقدامهم، ولم ينصرفوا قياما كفعل أهل الكتاب، ولم
تكن ضجة آمين (4). وقصور السند أو ضعفه في بعضها وأخصيتها من المدعى
مجبور بالشهرة العظيمة القريبة من الاجماع، بل الاجماع، كما عرفت نقله
مستفيضا.
(وقيل) والقائل الإسكافي: في أنه (يكره) (5) ومال إليه في المعتبر (6)،
للصحيح: عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب آمين،
قال: ما أحسنها واخفض الصوت بها (7). قيل: مع أصالة الجواز وكونه
دعاء (8). وفي الجميع نظر،
أما الأول فلابتنائه على كون " ما أحسنها " بصيغة التعجب، مع أنه

(1) علل الشرائع: ب 74 في علة الاقبال على الصلاة وعلة النهي عن التفكير و... ح 1 ج 2 ص 358.
(2) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب القراءة ح 3 ج 4 ص 752.
(3) دعائم الاسلام: كتاب الصلاة في ذكر صفات الصلاة ج 1 ص 160، باختلاف.
(4) دعائم الاسلام: كتاب الصلاة في ذكر صفات الصلاة ج 1 ص 160، وفيه: " ولم تكن لهم ضجة
بآمين " مع زيادة، فلا حظ.
(5) كما في مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في القراءة ج 3 ص 372.
(6) المعتبر: كتاب الصلاة في القراءة ج 2 ص 186.
(7) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب القراءة ح 5 ص 753.
(8) والقائل هو الفيض في مفاتيح الشرائع: م 150 ج 1 ص 130.
415

يحتمل أن تكون جملة منفية، بل لعله المتعين لاستلزام الأول الاستحباب،
ولا يقول به مع مخالفته الاجماع قطعا، ومع ذلك فليس للأمر بخفض الصوت
على تقديره وجه قطعا.
وأما على التقدير الثاني فهو خبر، ومن كلام الراوي، ويكون الوجه فيه
حينئذ التقية. ثم على تقدير دلالتها على الجواز خالصة مما مر من
الاعتراض فهو محمول عليها، كما صرح به جماعة.
ويفهم من الصحيح أقول: آمين إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا
الضالين؟ فقال: هم اليهود والنصارى (1). فإن عدو له - عليه السلام - عن
الجواب إلى تفسير الآية قرينة على ذلك واضحة، وربما جعل مرجع الضمير في
الجواب إلى قائليه، فيكون حينئذ جوابا مطابقا للسؤال جدا.
وعليه، فلا شهادة فيه على التقية، لكنه على هذا التقدير، بل على التقدير
الأول أيضا - كالصحيح السابق بالتقريب المتقدم - ظاهر في المنع جدا كما
اعترف به جمع، ومنهم صاحب المدارك قائلا لذلك إن الأجود التحريم،
لكن منع عن الابطال قائلا: إن النهي إنما يفسد العبادة إذا توجه إليها، أو
إلى جزء منها، أو إلى شرط لها، وهو هنا إنما توجه إلى أمر خارج عن العبادة،
فلا يقتضي فسادها (2). وفيه: أنه إحداث قول ثالث على الظاهر المصرح به في
الذخيرة (3) وغيرها.
ويضعفه - مضافا إلى ذلك - شمول كثير من الاجماعات المنقولة للابطال
أيضا كالانتصار والخلاف والتحرير والنهاية والمنتهى وغيرها، ومع ذلك تدفعه
قاعدة العبادة التوقيفية، المقتضية لاخلاء العبادة عما هو منهي عنه في الشريعة

(1) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب القراءة ح 2 ج 4 ص 752.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في القراءة ج 3 ص 374 و 373.
(3) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في القراءة ص 277 س 22.
416

وقضائها لو أتى به فيها، تحصيلا للبراءة اليقينية.
وأما الأخيران فبعد تسليمهما يندفعان بما مضى من الأدلة.
هذا، مع أن جماعة منعوا عن إجزاء أو لهما في العبادة وآخرين، بل الأكثرين
منعوا عن كون التأمين دعاء، ومن أراد تحقيق ذلك فعليه بمراجعة الشرح.
(الثانية: والضحى و " ألم نشرح " سورة واحدة، وكذا " الفيل "
و " ولايلاف ") إجماعا، كما في صريح الأمالي (2) والانتصار (3) وظاهر
التهذيب والاستبصار (4) والتحرير والتذكرة والنهاية (5). وفي التبيان ومجمع
البيان والشرائع نسب إلى رواية الأصحاب (6)، مشعرين بدعوى الاجماع أيضا،
وهي مستفيضة وإن لم يقف على شئ منها من المتأخرين جماعة.
منها: الرضوي: ولا تقرأ في الفريضة: " الضحى " و " ألم نشرح " وكذا " ألم
تر كيف " و " لايلاف " - إلى أن قال -: لأنه روي: أن " الضحى " و " ألم
نشرح " سورة واحدة، وكذلك " ألم تر كيف " و " لايلاف " سورة واحدة (7).
ومنها: مروي الصدوق في الهداية مرسلا: عن مولانا الصادق - عليه
السلام - أنه قال: وموسع عليك أي سورة قرأت في فرائضك إلا أربع وهي:

(1) في المتن المطبوع " الايلاف ".
(2) أمالي الصدوق: مجلس 93 في دين الإمامية ص 512.
(3) الإنتصار: الصلاة في السور وغيره ص 44.
(4) تهذيب الأحكام: ب 8 في كيفية الصلاة وصفتها و... ج 2 ص 72 ذيل الحديث 32، والاستبصار:
كتاب الصلاة ب 174 في القرآن بين السورتين في الفريضة ج 1 ص 317 ذيل الحديث 4.
(5) تحرير الأحكام: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 39 س 3، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في
القراءة ج 1 ص 116 س 40، ونهاية الإحكام: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 468.
(6) التبيان: في سورة الانشراح ج 10 ص 371، ومجمع البيان: في سورة الانشراح ج 10 ص 507، شرائع
الاسلام: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 83.
(7) فقه الرضا (ع): ب 7 في الصلوات المفروضة ص 112.
417

الضحى و " ألم نشرح " في ركعة، لأنهما جميعا سورة واحدة و " لايلاف " و " ألم
تر كيف " لأنهما سورة واحدة ولا تنفرد بواحدة من هذه الأربع السورة في ركعة
فريضة (1)
وفي المجمع: وروى العياشي، عن أبي العباس، عن أحدهما - عليه السلام -
قال: " ألم تر كيف " و (لايلاف) سورة واحدة، قال: وروي أن أبي بن كعب
لم يفصل بينهما في مصحفه (2).
ونقل خالي العلامة - أدام الله تعالى ظلاله - عن كتاب القراءة لأحمد بن
محمد بن سيار أنه: روى البرقي، عن القاسم بن عروة، عن أبي العباس، عن
مولانا الصادق - عليه السلام - ومحمد بن علي بن محبوب، عن أبي جميلة عنه
- عليه السلام - قال: الضحى و " ألم نشرح " سورة واحدة (3).
والبرقي، عن القاسم بن عروة، عن شجرة أخي بشير النبال، عنه - عليه
السلام -: أن " ألم تر كيف " و " لايلاف " سورة واحدة (4). ومحمد بن علي بن
محبوب عن أبي جميلة مثله (5). وضعف الأسانيد مجبور بالفتاوى والاجماعات
المحكية حد الاستفاضة، مضافا إلى التأيد بالصحيح: صلى بنا أبو عبد الله
- عليه السلام - فقرأ الضحى و " ألم نشرح " في بركعة واحدة (6). والخبر: لا تجمع
بين سورتين في ركعة واحدة، إلا الضحى و " ألم نشرح " وسورة الفيل

(1) الهداية (الجوامع الفقهية): باب القراءة ص 52 س 6، مع اختلاف يسير.
(2) مجمع البيان: في سورة لايلاف ج 10 ص 544.
(3) مصابيح الظلام: كتاب الصلاة في القراءة ج 2 ص 188 س 12، مخطوط، وفيه بدل " بن سيار "
" بن سنان " كما في جميع المخطوطات.
(4) مستدرك الوسائل: ب 7 من أبواب القراءة في الصلاة ح 2 ج 4 ص 163.
(5) مستدرك الوسائل: ب 7 من أبواب القراءة في الصلاة ج 4 ص 164، ذيل الحديث 2.
(6) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب القراءة ح 1 ج 4 ص 743.
418

و " لايلاف " (1). وحيث أن الجماعة المتأخرة لم يقفوا إلا عليهما اعترضوهما
بعدم الدلالة على الوحدة، فأنكروها، ولكن اعترف بعضهم كشيخنا الشهيد
الثاني في الروض بدلالتهما على وجوب قراءتهما معا في الركعة الواحدة.
فقال بعد الاعتراض عليهما بأنه: لا إشعار فيهما بذلك، وإنما يدلان على
وجوب قراءتهما معا، وهو أعم من المدعى، بل الأخير واضح في كونهما سورتين،
لأن الاستثناء حقيقة في المتصل، غاية ما في الباب: كونهما مستثنين من
القرآن المحرم أو المكروه. ويؤيده الاجماع على وضعهما في المصحف سورتين
ما صورته، والأمر في ذلك سهل، فإن الغرض من ذلك على التقديرين وجوب
قراءتهما في الركعة الواحدة وهو حاصل (2). وقريب منه المحقق الثاني، إلا أنه
زاد، فبين وجه الدلالة على وجوب قراءتهما في الركعة الواحدة (3).
وعليه، فلا ثمرة مهمة للنزاع في المسألة، فإن المقصود الأهم من دعوى
الاتحاد: المنع عن الانفراد بإحدى السور الأربع في ركعة واحدة من الفريضة
على القول بوجوب سورة كاملة، وهو ثابت من الخبرين باعتراف هذين
المحققين وإن كان بعض ما ذكراه لا يخلو عن نظر.
نعم ظاهر المعتبر وبعض من تأخر المشهور التأمل في المنع (4)، واحتمال
جواز إفراد بعض السور كما في المرسل كالصحيح: صلى بنا أبو عبد الله - عليه
السلام - فقرأ في الأولى الضحى، وفي الثانية " ألم نشرح " (5). وفيه بعد تسليم
(1) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب القراءة ح 5 ج 4 ص 744.
(2) روض الجنان: كتاب الصلاة في القراءة ص 269 س 27.
(3) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في القراءة ج 2 ص 262.
(4) المعتبر: كتاب الصلاة في القراءة ج 2 ص 188، ومدارك الأحكام: كتاب الصلاة في القراءة ج 3
ص 377.
(5) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب القراءة ح 3 ج 4 ص 743.
419

سنده محمول على التقية أو النافلة، كما ذكره شيخ الطائفة (1).
(وهل تعاد البسملة بينهما؟ قيل: لا) والقائل الشيخ وغيره (2)
(وهو) عند الماتن (أشبه) (3) لاقتضاء الوحدة ذلك. وفيه نظر. والقول الثاني
للحلي (4) كثير من المتأخرين، لثبوتها بينهما تواترا، وكتبتها في المصاحف
إجماعا، وهو أحوط، لأن بالإعادة بينهما تصح الصلاة بلا خلاف، كما في
السرائر (5)، ولكن في تعينه نظر.
فعن المجمع: أن الأصحاب لا يفصلون بينهما بها (6)، وكذا عن التبيان (7).
وفي الرضوي: فإذا قرأت بعض هذه السور فاقرأ " والضحى " و " ألم نشرح "
ولا تفصل بينهما، وكذلك " ألم تر كيف " و " لايلاف " (8). ومر عن أبي عدم
فصله بينهما بها في مصحفه. وأحوط مما مر عدم قراءة شئ من هذه السور.
(الثالثة: يجزئ بدل الحمد) في الركعات (الأواخر) (9) من الرباعية
والثلاثية (تسبيحات أربع) و (صورتها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله
إلا الله، والله أكبر) للصحيح كما قالوا: ما يجزئ من القول في الركعتين
الأخيرتين؟ قال: تقول: سبحان الله (10) إلى آخر ما في المتن. وهو خيرة

(1) تهذيب الأحكام: ب 8 في كيفية الصلاة وصفتها و... ج 2 ص 72، ذيل الحديث 33.
(2) التبيان: في صورة الانشراح ج 10 ص 371.
(3) في المتن المطبوع " الأشبه ".
(4) السرائر: كتاب الصلاة باب كيفية فعل الصلاة على سبيل الكمال ج 1 ص 221.
(5) السرائر: كتاب الصلاة باب كيفية فعل الصلاة على سبيل الكمال ج 1 ص 221.
(6) مجمع البيان: في سورة الانشراح ج 10 ص 507.
(7) التبيان: في سورة الانشراح ج 10 ص 371.
(8) فقه الرضا (ع): ب 7 في الصلوات المفروضة ص 113، مع اختلاف يسير.
(9) في المتن المطبوع (من الأواخر).
(10) وسائل الشيعة: ب 42 من أبواب القراءة ح 5 ج 4 ص 782.
420

المفيد (1) وكثير من المتأخرين. وهو حسن لو صح السند، وفيه منع، فإن فيه
محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، وفي الأول كلام مشهور، ومع
ذلك الدلالة ليست بذلك الوضوح، لاحتمال أن يكون بيانا لأجزاء ما يقال،
لا العدد، مع أنه معارض بما دل على الزائد من النصوص لراويه وغيره.
ومنها: ما أشار إليه بقوله: (وروي) في الفقيه والسرائر صحيحا أنها
(تسع) (2) بتكريرها كما في المتن ثلاثا، مع حذف التكبير في كل منها، كما هو
خيرة والد الصدوق (3).، بل هو أيضا في الفقيه والحلبي، كما قيل (4) وفيه نظر،
إذ لم يظهر من الفقيه ما يوجب قوله به إلا روايته للرواية كذلك في بحث
الجماعة، لكنه رواها في باب كيفية الصلاة بزيادة التكبيرات الثلاث (5) كما
هو القول الأخير.
وأما الحلبي، فالذي يظهر منه على ما نقله في المنتهى: أنه قائل بثلاث
تسبيحات (6)، كما في بعض النصوص، فانحصر القائل المعلوم قوله بهذه الرواية في
الأول.
نعم، حكي في المعتبر والذكرى والتذكرة، عن حريز بن عبد الله (7) من

(1) المقنعة: كتاب الصلاة ب 9 في كيفية الصلاة وصفتها و... ص 113.
(2) من لا يحضره الفقيه: باب الجماعة وفضلها ح 1159 ج 1 ص 392، والسرائر: كتاب الصلاة باب
كيفية فعل الصلاة على سبيل الكمال و... ج 1 ص 219.
(3) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 92 س 12.
(4) والقائل هو صاحب المدارك: كتاب الصلاة في القراءة ج 3 ص 379.
(5) من لا يحضره الفقيه: باب صفة الصلاة من فاتحها إلى خاتمتها ج 1 ص 318، ذيل الحديث 944.
(6) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 275 س 26.
(7) المعتبر: كتاب الصلاة في القراءة: ج 2 ص 189، وذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في القراءة
ص 188، س 37، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 116 س 21.
421

القدماء، وهذه الرواية وإن صحت سندا إلا أنها مضطربة متنا، لما عرفت من
اختلاف نسختها في الفقيه، وكذا في السرائر بعين ذلك. فقد رواها في باب
كيفية الصلاة متضمنة للتسع، كما رويت في الفقيه في باب الجماعة، وفي آخر
الكتاب فيما استطرفه من كتاب حريز بن عبد الله (1) بنحو ما في الفقيه في باب
كيفية الصلاة، ومع اختلاف النسخة يشكل التمسك بالرواية، سيما وأن
احتمال السقوط أرجح من احتمال الزيادة مع مرجوعيته أيضا بوجودها في
كثير من روايات المسألة.
ومنها: الصحيحة الأولى التي هي أيضا لراوي هذه الصحيحة بعينه.
ومنها: النصوص المعللة لشرعية التسبيح في الأواخر بأن النبي - صلى الله
عليه وآله - لما كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة الله سبحانه، فدهش
وقال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر (2).
ومنها: إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعات الأوليين، وعلى
الذين خلفك أن يقولوا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر
وهم قيام، فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرأوا
فاتحة الكتاب، وعلى الإمام التسبيح مثل ما يسبح القوم في الركعتين
الأخيرتين (3).
وقريب منها في الدلالة على اعتبار التكبير بعض الصحاح الواردة فيما
تقرأ في الركعتين الأخيرتين: أنه إنما هو تسبيح وتهليل وتكبير ودعاء (4).
فبملاحظة مجموع هذه الأخبار، بل وغيرها مما سيأتي يترجح احتمال السقوط،

(1) مستطرفات السرائر: في ما استطرفناه من كتاب حريز بن عبد الله ح 2 ص 71.
(2) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب القراءة ح 3 ج 4 ص 792.
(3) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب القراءة ح 13 ج 4 ص 794.
(4) وسائل الشيعة: ب 42 من أبواب القراءة ح 6 ج 4 ص 782.
422

ويتعين القول بزيادة التكبير، وتكون الرواية - حينئذ - دليلا للقول باثني عشرة
تسبيحه.
(وقيل): إنها (عشر) بزيادة التكبير في المرة الثالثة، والقائل السيدان
في المصباح والجمل والغنية (1)، والشيخ في المصباح والمبسوط والجمل وعمل يوم
وليلة (2)، والديلمي (3) والحلي (4) والقاضي (5). وحجتهم غير واضحة، عدا
ما يتوهم من بعض أنها الرواية بالتسع المتقدمة، وليس فيها ما يتوهم منه ذلك
إلا قوله - عليه السلام - بعد إتمام العدد: ثم تكبر وتركع. والظاهر أن المراد به:
تكبير الركوع، ومع التنزل فلا أقل من احتماله، ومعه لا يمكن الاستدلال.
(وقيل): إنها (اثنتا عشرة)، والقائل العماني، والشيخ في ظاهر النهاية
ومختصر المصباح والاقتصاد، والقاضي في ظاهر المهذب، والفاضل في
التلخيص كما حكي. (وهو أحوط) (7) للصحيحة المتقدمة، بناء على ما مر
من رجحان ما فيها من النسخة بزيادة التكبيرة في كل مرة، وهي ظاهرة في
الوجوب، لمكان الأمر الذي هو في الوجوب حقيقة.

(1) كما في المعتبر: كتاب الصلاة في القراءة ج 2 ص 189، وجمل العلم والعمل (رسائل المرتضى):
كتاب الصلاة في كيفية أفعال الصلاة ج 3 ص 33، وغنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة
في كيفية فعل الصلاة ص 495 س 31، والمبسوط: كتاب الصلاة في ذكر القراءة وأحكامها ج 1 ص
106، والجمل والعقود: في ذكر ما يقارن حال الصلاة ص 69، عمل اليوم والليلة (الرسائل العشرة):
في كيفية أفعال الصلاة المقارنة لها ص 146.
(2) المصباح المتهجد: في آداب صلاة الظهر ص 44.
(3) المراسم: كتاب الصلاة في كيفية الصلاة وشرحها ص 72.
(4) السرائر: كتاب الصلاة باب كيفية فعل الصلاة على سبيل الكمال و... ج 1 ص 222.
(5) المهذب: كتاب الصلاة باب تفصيل الأحكام المقارنة للصلاة ج 1 ص 97.
(6) والحاكي هو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 220 س 1 و 2.
(7) في المتن المطبوع " الأحوط ".
423

وحمله على الندب بقرينة الصحيحة الأولى حسن لو سلمت عما مر فيها من
المناقشة، وليست عنها بسالمة، سيما ضعف الدلالة لما عرفته، مع أن الراوي لها
حريز عن زرارة، وقد روي عنه أيضا الرواية المعارضة الآمرة بالتسع أو الاثني
عشر على اختلاف النسخة، وهو ظاهر في أن المراد من الاجزاء في رواية
الأولى ما ذكرنا، وإلا لتناقضت رواياته. فتأمل جدا.
ومع التنزل وتسليم ظهور الاجزاء بحسب المقدار فلا ريب أنه ليس أظهر
من ظهور الأمر في الوجوب. وكما يحتمل الجمع بحمله على الاستحباب كذا
يحتمل الجمع بحمل ما يجزئ على نفس القول لا المقدار.
فالترجيح لا بد له من دليل، وهو غير واضح للحمل الأول، بل وجوب
تحصيل البراءة اليقينية تعاضد الثاني، مضافا إلى الرضوي: تقرأ فاتحة الكتاب
وسورة في الركعتين الأوليين، وفي الركعتين الأخراوين الحمد وحده، وإلا فسبح
فيها ثلاثا ثلاثا، تقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر،
تقولها في كل ركعة منهما ثلاث مرات (1).
ونحوه المروي عن العيون: عن مولانا الرضا - عليه السلام - أنه سبح في
الأخيرتين بالاثني عشر (2). لكن قيل: في بعض النسخ تسع (3). ولعله بعيد،
لظهور الرواية في مداومته - عليه السلام - على ذلك.
ولو كان تسعا لكان مداوما على ترك هذا المستحب الذي لا خلاف في
استحبابه ومداومة الإمامية عليه جيلا بعد جيل وحديثا بعد قديم مداوما، وهو
بعيد جدا، مع أن الظاهر من بعض الروايات المتقدمة في ترجيح النسخة
وغيرها اعتبار كون التسبيح بمقدار القراءة، وهو لا يتحقق بالأربع بالضرورة.

(1) فقه الرضا (ع): ب 7 في الصلوات المفروضة ص 105.
(2) عيون أخبار الرضا (ع): ب 44 في ذكر أخلاق الرضا (ع) الكريمة و... ج 2 ص 180 - 181.
(3) والقائل هو صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في القراءة ج 8 ص 394 - 395.
424

وبالجملة: المسألة محل إشكال، والاحتياط فيها بما مر مطلوب على كل
حال، وفيها أقوال أخر نادرة ليس في التعرض لذكرها كثير فائدة.
(الرابعة: لو قرأ في النافلة إحدى العزائم) الأربع المنهي عنها في الفريضة
جاز ولو عمدا، بلا خلاف أجده فتوى ورواية خاصة وعامة، وقد تقدمت إليها
الإشارة.
وحيث قرأها أو استمع إلى ما يوجب السجود منها (سجد عند ذكر)
وجوبا على الأشهر الأقوى، للعموم، وخصوص الأمر به فيما مر من النصوص،
وبه يخص ما دل على المنع عن الزيادة في الصلاة من القاعدة، مع إشعار بعض
النصوص المعاضدة لها باختصاصه بالمكتوبة. وقيل: إن سجد جاز وإن لم يسجد
جاز (1). ولعله للخبر الآتي، وهو لضعف سنده وعدم مقاومته لسابقه مع عدم
جابر له فيما نحن فيه يمتنع العمل به.
(ثم) إنه بعد ما يسجد (يقوم فيتم) ما بقي من السورة، من غير إعادة
الفاتحة إذا لم يكن السجود في آخر السورة (ولو كان السجود في آخرها قام)
بعد سجدة العزيمة (وقرأ الحمد استحبابا ليركع عن قراءة) كما في
الصحيح وغيره. ولكن ليس فيهما التعليل ولا التصريح بالاستحباب، بل
ظاهرها الوجوب كما هو ظاهر الشيخ في كتاب الحديث وغيره (2)، لكن حمله
الأصحاب على الاستحباب للأصل، والخبر: إذا كان آخر السورة السجدة
أجزأك أن تركع بها (3). ولا يخلو عن نظر، ولا ريب أن الوجوب أحوط.
ثم إن ظاهر الأكثر والصحيح وما بعده الاقتصار على إعادة الحمد

(1) والقائل هو الشيخ في الخلاف: كتاب الصلاة م 178 في ما يجوز قراءته في الصلاة ج 1 ص 430.
(2) تهذيب الأحكام: ب 15 في كيفية الصلاة وصفتها و... ت 23 و 30 ج 2 ص 291 و 292، والاستبصار:
كتاب الصلاة ب 176 في من قراءة سورة من العزائم التي آخرها السجود ح 1 و 3 ج 1 ص 319 و 320.
(3) وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب القراءة ح 3 ج 4 ص 777.
425

خاصة. وعن المبسوط: وسورة أخرى أو آية (1). ولم أعرف مستنده.
(الخامس: الركوع: وهو واجب في كل ركعة) من الفرائض والنوافل
(مرة) واحدة بالضرورة من الدين، والأخبار المتواترة عن سيد المرسلين
والأئمة الطاهرين - عليهم السلام - (إلا في) صلاة الآيات (كالكسوف)
والخسوف (والزلزال) (2) فيجب في كل ركعة خمس مرات بالنص والاجماع
كما سيأتي في بحثها إن شاء الله تعالى.
(وهو) مع ذلك (ركن في الصلاة) تبطل بتركه فيها مطلقا ولو في
الأخيرتين من الرباعية إجماعا، إلا من المبسوط، ففيه: أنها لا تبطل بتركه فيها
سهوا إن ذكره بعد السجود، بل يسقط السجود ويركع، ثم يسجد (3). ولو
فسر الركن لا بأنه: ما يبطل الصلاة بتركه بالكلية لم يكن منافيا لذلك، لأن
الآتي بالركوع بعد السجود لم يتركه في جميع الصلاة. ولعله لذا صرح بعدم
الخلاف في الركنية - من غير استثناء للشيخ - جماعة، أو لشذوذه ومعلومية نسبه،
أو لنفيه في الحقيقة ركنية السجود، بمعنى: عدم بطلان الصلاة بزيادته، لا ركنية
الركوع، فلا خلاف فيها إلا ما يحكى من المبسوط أنه حكى قولا من بعض
الأصحاب بأن: من نسي سجدتين من ركعة - أية ركعة كانت - حتى ركع فيما
بعدها أسقط الركوع، واكتفى بالسجدتين بعده، وجعل الركعة الثانية أولة
والثالثة ثانية والرابعة ثالثة.
قيل: وأفتى به ابن سعيد في الركعتين الأخيرتين خاصة. وفي الصحيح: عن
رجل ينسى من صلاته ركعة أو سجدة أو الشئ منها، فقال: يقضي ذلك

(1) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر القراءة وأحكامها ج 1 ص 108.
(2) الموجود في المتن المطبوع هكذا " إلا في المكسوف والزلزلة ".
(3) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر الركوع والسجود وأحكامهما ج 1 ص 109.
426

بعينه، قال: أيعيد الصلاة؟ قال: لا (1)، ويحمل على بقاء المحل (2).
(والواجب فيه: خمسة) أشياء:
الأول: (الانحناء) ب‍ (قدر ما) يمكن أن (تصل معه كفاه إلى
ركبتيه) إجماعا ممن عدا أبي حنيفة كما حكاه جماعة (3) ثم حد الاستفاضة
للتأسي، والمعتبرة.
منها: الصحيح: فإذا وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك
أجزأك ذلك وأحب إلي أن تمكن كفيك من ركبتيك، فتجعل أصابعك في
غير الركبة وتفرج بينهما (4)،
ويستفاد منه ومن غيره كفاية الانحناء بقدر إمكان بلوغ رؤوس الأصابع
إلى الركبتين، وأن الزائد مستحب. وبه صرح بعض، بل وعن خالي العلامة
المجلسي - رحمه الله - في البحار: أنه مذهب الأكثر (6). خلافا لجماعة، فأوجبوا
الزيادة، وهو أحوط، لظهور عبائر الأكثر فيه، ومنهم: جملة من نقلة الاجماع:
كالفاضلين في المعتبر والتذكرة (7)، ولكن في تعينه نظر، لظهور النص المعتبر في
خلافه مع سلامته عن المعارض، عدا شبهة دعوى الاجماع.
ويحتمل تعلقها بالتحديد المشترك بين التحديدين، وهو ملاقاة اليدين

(1) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الركوع ح 1 ج 4 ص 934.
(2) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الصلاة الركوع ج 1 ص 225 س 13.
(3) المعتبر: كتاب الصلاة في الركوع ج 2 ص 193، والمنتهى: كتاب الصلاة في الركوع ج 1 ص 281
س 32، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في الركوع ج 1 ص 118 س 34.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 2 ج 4 ص 676.
(5) هو صاحب حدائق الناضرة: كتاب الصلاة في الركوع ج 8 ص 237.
(6) البحار: باب الصلاة ب 26 في الركوع وأحكامه وآدابه وعلله ج 85 ص 120.
(7) المعتبر: كتاب الصلاة في الركوع ج 2 ص 193، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في الركوع ج 1
ص 118 س 34.
427

الركبتين إما بالبلوغ أو الوضع. وأما خصوصية فلعله من اجتهاد الناقل، مع أن
ظاهر عبائر جمله آخرين من نقلة الاجماع هو ما ذكرنا، وإن كان يأباه سياق
عبارتهم في الاستدلال عليه كما يأبى سياق عبارة النقلة السابقين في
الاستدلال ما يستفاد من ظاهر عبارتهم أيضا وهذا من أوضح الشواهد على ما
ذكرنا من: أن المقصود من دعوى الاجماع: إنما هو اثبات القدر المشترك ردا
على أبي حنيفة في قوله بكفاية أقل ما يقع عليه اسم الانحناء (1). وإنما عبرنا
بإمكان الوصول لعدم وجوبه إجماعا على الظاهر المصرح به في بعض العبائر.
وهل يشترط في الانحناء قصد الركوع حتى لو انحنى لا له ثم ركع بقصده
لم يكن زاد ركوعا أم لا؟ وجهان، ظاهر جماعة الأول، بل قيل: لا خلاف
فيه (2)، ولهم الخبر: رأيت أبا الحسن - عليه السلام - يصلي قائما وإلى جنبه رجل
كبير يريد أن يقوم ومعه عصا له، فأراد أن يتناولها فانحط - عليه السلام - وهو
قائم في صلاته، فناول الرجل العصا، ثم عاد إلى صلاته (3). وقريب منه
إطلاق نحو الموثق: لا بأس أن تحمل المرأة صبيها وهي تصلي أو ترضعه وهي تتشهد (4).
وعليه، فلو هوى بسجدة العزيمة أو غيرها في النافلة أو لقتل حية أو لقضاء
حاجة فلما انتهى إلى حد الركوع أراد أن يجعله ركوعا لم يجز، فإن الأعمال
بالنيات ولكل امرئ ما نوى (5)، فيجب عليه الانتصاب ثم الهوي للركوع، ولا
يكون بذلك زيادة ركوع، صرح بذلك الشهيد - رحمه الله - في الذكرى (6) وفاقا

(1) الفقه على المذاهب الأربعة: كتاب الصلاة في فرض الركوع ج 1 ص 231.
(2) والقائل هو صاحب حدائق الناضرة: كتاب الصلاة في الركوع ج 8 ص 241.
(3) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب القيام ح 1 ج 4 ص 704.
(4) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب قواطع الصلاة ح 1 ج 4 ص 1274.
(5) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب مقدمة الصلاة ح 10 ج 1 ص 35.
(6) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الركوع ص 197 س 18.
428

له التذكرة ونهاية الإحكام (1).
وفيها: ولا فرق بين العامد والناسي على إشكال. قيل: من حصول هيئة
الركوع، وعدم اعتبار النية لكل جزء بهما في المعتبر والمنتهى والتذكرة، وغايته
أنه لا ينوي غيره (2). وفيه نظر.
(ولو عجز) عن الانحناء الواجب (اقتصر
على الممكن) (منه، فإن الميسور لا يسقط بالمعسور) (وإلا) يتمكن منه أصلا
ولو بالاعتماد على شئ (أومأ) برأسه إن أمكن، وإلا فبعينيه بلا خلاف
للنصوص.
(و) الثاني: (الطمأنينة) إجماعا، كما في الناصريات (3) والغنية (4)
والمعتبر (5) والمنتهى والتذكرة (6) وغيرها، وفي الخلاف الاجماع على ركنيتها (7).
وفي المنتهى بعد نقل الركنية عنه: إن عنى بها ما بيناه فهو في موضع المنع
على ما سيأتي، من عدم فساد الصلاة بتركه سهوا وإن أطلق عليه اسم الركن
بمعنى: أنه واجب إطلاقا لاسم الكل على الجزء فهو مسلم (8). انتهى. وهو
حسن، وفسرها كباقي الأصحاب بالسكون، حتى يرجع كل عضو مستقره وإن
قل.

(1) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في الركوع ج 1 ص 119 س 2، ونهاية الإحكام: كتاب الصلاة في
الركوع ح 1 ص 481 و 482.
(2) والقائل هو كشف اللثام: كتاب الصلاة في الركوع ج 1 ص 225 س 20.
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة م 87 ص 224.
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في كيفية فعل الصلاة ص 495 س 35 و 36.
(5) المعتبر: كتاب الصلاة في الركوع ج 2 ص 194.
(6) المنتهى المطلب: كتاب الصلاة في الركوع ج 1 ص 282 س 6، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في
الركوع ج 1 ص 118 س 41.
(7) الخلاف: كتاب الصلاة م 98 في ركنية الطمأنينة في الركوع ج 1 ص 348.
(8) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الركوع ج 1 ص 282 س 15.
429

قيل: وهو معنى قول النبي - صلى الله عليه وآله - في الخبر المروي في قرب الإسناد
للحميري: إذا ركع فليتم ركوعه (1).
قالوا: ويجب كونها (بقدر الذكر الواجب) وظاهرهم الاجماع عليه كما
في المعتبر والمنتهى (2) وغيرهما، لكنه نسبه بعض الأفاضل إلى السرائر وكتب
الماتن خاصة، مشعر باختصاص هذا التحديد بها (3)، وليس كذلك، لتصريح
باقي الأصحاب أيضا بذلك جدا. مع دعوى جملة منهم الاجماع عليه كما مضى.
وهو الحجة، لا ما يقال: من توقف الذكر الواجب عليها، لأنه إنما يتم إذا لم يزد
في الانحناء على قدر الواجب، وإلا فيمكن الجمع بين مسمى الطمأنينة
والذكر حين الركوع مع عدمها (4).
(و) الثالث: (تسبيحة واحدة كبيرة) و (صورتها: سبحان ربي
العظيم وبحمده، أو سبحان الله ثلاثا) وفاقا لجماعة، للصحاح.
منها: الرجل يسجد كم يجزيه من التسبيح في ركوعه وسجوده؟ فقال:
ثلاث، وتجزيه واحدة (5).
ونحوه آخران، لكن بزيادة قوله - عليه السلام -: تامة بعد واحدة في
أحدهما (6). والظاهر أن المراد بالواحدة التامة: التسبيحة الكبرى، وبالثلاث:
الصغريات، فإن جعل كل منهما في قالب الاجزاء يقتضي كونهما في مرتبة

(1) والقائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في الركوع ج 1 ص 225 س 22، وفيه " إذا ركع
فليتمكن ".
(2) المعتبر: كتاب الصلاة في الركوع ج 2 ص 194، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في الركوع ج 1
ص 282 س 6.
(3) وهو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في الركوع ج 1 ص 225 س 23.
(4) وهو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في الركوع ج 1 ص 225 س 23.
(5) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الركوع ح 4 ج 4 ص 924.
(6) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الركوع ح 2 ج 4 ص 923، والآخر: ب 4 من أبواب الركوع ح 3 ج 4
ص 923.
430

واحدة. هذا، مضافا إلى النصوص المصرحة بإجزاء الثلاث الصغريات،
كالصحيح: عن أخف ما يكون من التسبيح في الصلاة قال: ثلاث
تسبيحات، مترسلا تقول: سبحان الله سبحان الله سبحان الله (1).
ونحوه الموثق وغيره مما يأتي، وبه يتضح إجمال الثلاث تسبيحات في
الصحاح لو كان، وكذا في غيرها كالحسن، بل الصحيح كما قيل (2): يجزيك
من القول في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات أو قدرهن مترسلا (3). ونحوه
آخر (4) وغيره وفي قوله - عليه السلام -: (أو قدرهن) إشارة إلى جواز التسبيحة
الكبرى أيضا، فإنها بقدر الثلاث جدا، مع ظهور جملة من النصوص في جوازها.
منها: أتدري أي شئ حد الركوع والسجود؟ قلت: لا، قال: تسبح في
الركوع ثلاث مرات: سبحان ربي العظيم وبحمده، وفي السجود سبحان ربي
الأعلى وبحمده ثلاث مرات، فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته، ومن
نقص ثنتين نقص ثلثي صلاته، ومن لم يسبح فلا صلاة له (5).
ومنها: عن التسبيح في الركوع، فقال: تقول في الركوع: سبحان ربي
العظيم، وفي السجود سبحان ربي الأعلى، الفريضة من ذلك تسبيحة، والسنة
ثلاث، والفضل في سبرت (6). وقريب منه غيره (7). وقصورهما عن إفادة تمام
التسبيحة غير ضائر بعد وجوده في أخبار كثيرة.
ومنها: الرضوي: فإذا ركعت فمد ظهرك، ولا تنكس رأسك، وقل في

(1) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب الركوع ح 2 ج 4 ص 925.
(2) والقائل وصاحب حدائق الناضرة: كتاب الصلاة في الركوع ج 8 ص 246.
(3) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب الركوع ح 1 ج 4 ص 925.
(4) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب الركوع ح 4 ج 4 ص 926.
(5) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الركوع ح 7 ج 4 ص 924.
(6) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الركوع ح 1 ج 4 ص 923.
(7) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الركوع ح 5 ج 4 ص 924.
431

ركوعك بعد التكبير: اللهم لك ركعت ثم ساق الدعاء إلى أن قال بعد
تمامه: سبحان ربي العظيم وبحمده (ثم ساق الكلام في السجود كذلك إلى
أن قال: سبحان ربي الأعلى وبحمده (1).
وبالجملة: هذه الأخبار وغيرها بعد ضم بعضها مع بعض يتضح وجه
صحة ما في المتن التخيير بين الثلاث صغريات وواحدة كبرى، وضعف
القول بوجوبها خاصة كما عن النهاية (2)، وباجزاء التسبيح مطلقا ولو واحدة
صغرى مطلقا كما عن المرتضى (3)، وبالتخيير بين ثلاث كبريات ومثلها
صغريات مع أفضلية الكبريات كما عن الحلبي (4)، وبوجوب ثلاث كبريات
خاصة، كما حكاه عن بعض علمائنا في التذكرة (5).
هذا، مع دعوى الفاضل في المنتهى اتفاق كل من قال بتعين التسبيح على
ما هنا (6)، مؤذنا بكونه مجمعا عليه بينهم. كل ذلك مع الاختيار.
(ومع
الضرورة تجزئ الواحدة الصغرى (7)) قطعا، وفي المنتهى الاجماع عليه (8)، وفي

(1) فقه الرضا (ع): ب 7 في الصلوات المفروضة ص 106.
(2) النهاية: كتاب الصلاة باب القراءة في الصلاة وأحكامها والركوع و... ص 81، لكن الموجود فيه بل
صريح: هو التخيير، ويمكن أن يكون مراده هو السجود حيث يظهر منه وجوب التسبيح الكبرى
فراجع.
(3) الإنتصار: في ذكر الركوع ص 45.
(4) لم نعثر عليه في الكافي ولكن نقل عنه في المختلف: كتاب الصلاة في باقي الأفعال ج 1 ص 95
س 19، ما ظاهره التخيير، كما فهم عنه صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في الواجب من
التسبيح في الركوع والسجود ج 8 ص 248.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في الركوع ج 1 ص 119 س 10.
(6) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الركوع ج 1 ص 282 س 37.
(7) في المتن المطبوع " واحدة صغرى ".
(8) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الركوع ج 1 ص 283 س 1.
432

المرسل المروي عن الهداية: سبح في ركوعك ثلاثا تقول: سبحان ربي العظيم
وبحمده ثلاث مرات، وفي السجود: سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاث مرات،
لأن الله تعالى يقول (إلى أن قال): فإن قلت: سبحان الله سبحان الله سبحان
الله أجزاك، والتسبيحة الواحدة تجزئ للمعتل والمريض والمستعجل (1).
واعلم: أن القول بتعين التسبيح في كل من الركوع والسجود هو المشهور
بين الأصحاب، بل في الانتصار والخلاف والغنية الاجماع عليه (2).
(وقيل: يجزئ) مطلق (الذكر فيه وفي السجود) والقائل الشيخ في
المبسوط والجمل (3)، والحلي نافيا الخلاف عنه (4)، وتبعهما أكثر المتأخرين،
للأصل، والصحاح: يجزئ أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود: لا إله
إلا الله، والحمد لله، والله أكبر؟ قال: نعم، كل هذا ذكر الله (5). مضافا إلى
التأييد بالحسنين، أو الصحيحين المتقدمين، المتضمنين بقوله - عليه السلام -:
يجزيك من القول في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات، أو قدرهن مترسلا.
وقدرهن أعم من أن يكون من التسبيحة الكبرى أو مطلق الذكر فيهما، مع
أن عموم ما في الصحاح مما هو كالتعليل لاجزاء الذكر في المخصوص فيها يدفع
توهم جوازه خاصة بدل التسبيح كما عن الجامع والنهاية (6).

(1) الهداية (الجوامع الفقهية): باب الركوع والسجود ص 52 س 9.
(2) الإنتصار: في ذكر الركوع ص 45، والخلاف: كتاب الصلاة م 99 في وجوب التسبيح في الركوع
والسجود ج 1 ص 348 و 349، وغنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في كيفية فعل
الصلاة ص 496 س 10.
(3) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر الركوع والسجود وأحكامهما ج 1 ص 111، والجمل والعقود: في ذكر
ما يقارن حال الصلاة ص 70.
(4) السرائر: كتاب الصلاة باب كيفية فعل الصلاة على الكمال و... ج 1 ص 224.
(5) وسائل الشيعة.: ب 7 من أبواب الركوع ح 1 ج 4 ص 929.
(6) الجامع للشرائع: كتاب الصلاة باب شرح الفعل والكيفية ص 83، والنهاية: كتاب الصلاة باب -
القراءة في الصلاة وأحكامها و... ص 81.
433

وهذا القول في غاية من المتانة، لصراحة هذه الصحاح، واعتضادها
بالأصل والشهرة المتأخرة، وحكاية نفي الخلاف المتقدمة مع سلامتها عن
معارضة الصحاح المتقدمة وغيرها من المعتبرة، المتضمنة لبيان ما يجزئ من
التسبيح في الركوع والسجود، إلا هو أعم من الأمر به والحكم بلزومه.
وأما ما تضمن الأمر به كالخبر: فلما نزلت " فسبح اسم ربك العظيم " قال لنا
رسول الله - صلى الله عليه وآله -: اجعلوها في ركوعكم، فلما نزلت " سبح اسم
ربك الأعلى " قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وآله -: اجعلوها في
سجودكم (1). أو أنه من لم يسبح فلا صلاة له كالخبر (2)
فمع ضعف سندهما ليسا نصين في الوجوب، فيحتملان الحمل على الفضيلة
جمعا بين الأدلة، وحذرا من إطراح الصحاح الصريحة، فإن العمل بظاهر الأمر
يوجب إطراحها بالكلية، ولا كذلك لو حمل على الفضيلة، فإن معه لا يطرح
شئ من أخبار المسألة.
هذا، والمستفاد منها بعد ضم بعضها مع بعض: أن الأصل في ذكرى الركوع
والسجود هو التسبيح، وأن غيره من الأذكار مجر عنه. ويمكن أن ينزل على هذا
كلمة كل من عين التسبيح بإرادتهم كونه الأصل وإن ذكر بعضهم أنه:
لا صلاة لمن لا يسبح، لاحتمال إرادته نفي الصلاة مع عدم التسبيح وبدله، ألا
ترى إلى الصدوق أنه قال في الأمالي: إنه من دين الإمامية الاقرار بأن القول
في الركوع والسجود ثلاث تسبيح - إلى أن قال -: ومن لم يسبح فلا صلاة
له، إلا أن يهلل أو يكبر أو يصلي على النبي - صلى الله عليه وآله - بعدد

(1) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب الركوع ح 1 ج 4 ص 944.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الركوع ح 5 ج 4 ص 924.
434

التسبيح، فإن ذلك يجزيه (1)؟.
وعلى هذا فلا خلاف والحمد لله، ولكن عدم العدول عن التسبيح أولى،
خروجا عن شبهة الخلاف المشهور تحققه بين أصحابنا، وإن كان القول بكفاية
مطلق الذكر لعله أقوى.
وعليه، فهل يكفي مطلقه لو مقدار تسبيحة صغرى كلمة: " لا إله إلا الله "
وحدها كما هو ظاهر إطلاق الصحاح وأكثر الفتاوى، أم يتعين منه مقدار
ثلاث صغريات، أو واحدة كبرى كما هو ظاهر كلام الصدوق المتقدم
والحسنين المتضمنين لاجزاء الثلاث الصغريات، أو قدرها؟ وجهان، ولعل
الثاني أظهر وأولى حملا لمطلق النصوص على مقيدها. (و) الرابع والخامس
(رفع الرأس) منه (والطمأنينة في الانتصاب) إجماعا على الظاهر
المستفيض النقل في جملة من العبائر، وللتأسي والنصوص.
منها: إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك، فإنه لا صلاة لمن لم يقم
صلبه (2). ونحوه الرضوي، لكن من دون زيادة، فإنه لا صلاة (3). وظاهر
إطلاقها الركنية كما عليه الشيخ في الخلاف، مدعيا عليه الوفاق (4). ويعضده
القاعدة في نحو العبادة التوقيفية، إلا أن المشهور خلافه، بل لا يكاد يعرف فيه
مخالف سواه، ولعله شاذ، وسيأتي الكلام فيه في بحث الخلل الواقع في الصلاة.
ولا فرق في إطلاق النص والفتوى بين صلاتي الفريضة والنافلة خلافا
للفاضل في النهاية.
فقال: لو ترك الاعتدال في الرفع من الركوع أو السجود في صلاة النفل

(1) أمالي الصدوق: المجلس 93 في دين الإمامية ص 512.
(2) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب القراءة ح 2 ج 4 ص 939.
(3) فقه الرضا (ع): ب 7 في الصلوات المفروضة ص 102.
(4) الخلاف: كتاب الصلاة م 102 في وجوب الطمأنينة عند رفع الرأس في الركوع ج 1 ص 351.
435

عمدا لم تبطل صلاته لأنه ليس ركنا في الفرض، وكذا في النفل (1). وهو كما
ترى مع أنه شاذ لا يرى له موافق من الأصحاب، ويكفي في هذه الطمأنينة
مسماها اتفاقا.
(و) من (السنة فيه أن يكبر له) قائما قبل الهوي، (رافعا يديه، محاذيا
بهما وجهه) كغيره من التكبيرات، (ثم يركع بعد إرسالهما و) أن (يضعهما
على) عيني (ركبتيه) حالة الذكر أجمع، مالئا كفيه منهما، (مفرجات
الأصابع، رادا ركبتيه إلى خلفه، مسويا ظهره) بحيث لو صبت عليه قطرة
ماء لم تزل لاستوائه، (مادا عنقه)، مستحضرا فيه: آمنت بك ولو ضربت
عنقي، (داعيا أمام التسبيح) بالمأثور (مسبحا ثلاثا كبرى) أي: سبحان
ربي العظيم وبحمده (فما زاد) فقد عد لمولانا الصادق - عليه السلام - في الركوع
والسجود ستون تسبيحة كما في الصحيح (2).
وفي الخبر: دخلنا عليه - عليه السلام - وعنده قوم، وقد كنا صلينا، فعددنا له في
ركوعه وسجوده " سبحان ربي العظيم وبحمده ": أربعا أو ثلاثا وثلاثين (3).
وفي الموثق: ومن يقوى أن يطول فليطول ما استطاع، يكون ذلك في تسبيح
الله وتحميده وتمجيده والدعاء والتضرع، الحديث (4). إلا أن يكون إماما، فلا
يزيد على الثلاث، إلا مع حب المأمومين الإطالة. وظاهر الأكثر الاقتصار
على السبع، للخبر). وفيه ضعف سندا ودلالة، وفي آخر على التسع (قائلا
بعد انتصابه: سمع الله لمن حمده، داعيا بعده) بالمأثور. كل ذلك

(1) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في الركوع ج 1 ص 483.
(2) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الركوع ح 1 ج 4 ص 927.
(3) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الركوع ح 2 ج 4 ص 927.
(4) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الركوع ح 4 ج 4 ص 927.
(5) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الركوع ح 1 ج 4 ص 923.
436

للنصوص.
ففي الصحيح المتضمن لفعل مولانا الصادق - عليه السلام - تعليما لحماد:
ثم رفع يديه حيال وجهه، وقال: الله أكبر وهو قائم، ثم ركع وملأ كفيه من
ركبتيه مفرجات، ورد ركبتيه إلى خلفه، ثم سوى ظهره حتى لو صب عليه
قطرة ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره، ومد عنقه وغمض عينيه، ثم سبح
ثلاثا فقال: سبحان ربي العظيم وبحمده، الحديث (1).
وفي آخر: إذا أردت أن تركع فقل وأنت منتصب: الله أكبر، ثم أركع وقل:
ربي لك ركعت، ولك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وأنت ربي
خشع لك سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي ومخي وعصبي
وعظامي وما أقلته قدماي، غير مستنكف، ولا مستكبر ولا مستحسر، سبحان
ربي العظيم وبحمده ثلاث مرات في ترسل، وصف في ركوعك بين قدميك،
تجعل بينهما قدر شبر، وتمكن راحتيك من ركبتيك، وتضع يدك اليمنى على
ركبتك اليمنى قبل اليسرى، وبلغ بأطراف أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك
- إلى أن قال -: وأحب إلي أن تمكن كفيك من ركبتيك، فتجعل أصابعك
في عين المركبة، وتفرج بينها، وأقم صلبك، ومد عنقك، وليكن نظرك إلى
ما بين قدميك، ثم قل: " سمع الله لمن حمده " وأنت منتصب قائم " الحمد لله
رب العالمين، أهل الجبروت والكبرياء والعظمة، لله رب العالمين " تجهر بها
صوتك، ثم ترفع يديك بالتكبير وتخر ساجدا (2). ولا يجب شئ من ذلك على
المشهور، بل لا خلاف فيه أجده، إلا من العماني والديلمي في التكبير

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الأفعال ح 1 ج 4 ص 674.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الركوع ح 1 ج 4 ص 920، ذكر هنا قسم، والآخر ذكرها في ب 1 من
أبواب أفعال الصلاة ح 3 ج 4 ص 675.
437

فأوجباه (1)، وللمرتضى فأوجب رفع اليدين فيه وفي كل تكبير (2). وقد مضى
ضعف الثاني.
وأما الأول: فيضعفه شذوذه أولا، ودعوى الذكرى استقرار الاجماع على
خلافه (3) ثانيا، وتصريح جملة من النصوص بعدم الوجوب.
منها: الموثق: عن أدنى ما يجزئ من التكبير في الصلاة؟ قال: تكبيرة
واحدة (4).
والمروي في علل الفضل: أن التكبير المفروض في الصلاة ليس إلا
واحدة (5). وقصور السند أو ضعفه مجبور بالعمل والأصل، فيصرف بهما ظاهر
الأمر مع وروده في ضمن كثير من الأوامر المستحبة إجماعا، وهو موجب
للتزلزل في الظهور جدا.
(ويكره أن يركع ويداه تحت ثيابه) كما ذكره الجماعة، وفاقا
للمبسوط (6)، ومستنده غير معلوم.
نعم، في الموثق: في الرجل يدخل يديه تحت ثوبه؟ قال: إن كان عليه ثوب
آخر إزار أو سراويل فلا بأس، وإن لم يكن فلا يجوز له ذلك، وإن أدخل يدا
واحدة ولم يدخل الأخرى فلا بأس (7). وهو غير مطابق لما ذكروه، لعدم
اختصاصه بالركوع، ونفيه البأس إذا كان عليه مئزر أو سراويل، كما عن

(1) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في باقي الأفعال الواجبة ج 1 ص 96 س 19، والمراسم: كتاب
الصلاة في كيفية الصلاة ص 69.
(2) الإنتصار: في رفع اليدين في التكبيرات ص 44.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الركوع ص 198 س 34.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب تكبيرة الاحرام ح 5 ج 4 ص 714.
(5) لم نعثر على مأخذه.
(6) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر الركوع والسجود وأحكامهما ج 1 ص 112. (7) وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب لباس المصلي ح 4 ج 3 ص 314.
438

الإسكافي (1). وعن الحلبي إطلاق الكراهة، ملحقا الكمين بالثياب (2).
ويدفعه الصحيح: عن الرجل يصلي ولا يخرج يديه عن ثوبه قال: إن
أخرج يديه فحسن، وإن لم يخرج فلا بأس (3).
(السادس: السجود: ويجب في كل ركعة) من فريضة أو نافلة
(سجدتان) بالنص والاجماع، بل الضرورة من الدين. (وهما) معا (ركن
في الصلاة) تبطل بالاخلال بهما، إجماعا على الظاهر المصرح به في المعتبر
والتذكرة والمنتهى (4) وغيرها، وللصحيح: لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور
والوقت والقبلة والركوع والسجود (5). ونحوه غيره (6)، وكذا بزيادتهما مطلقا،
للقاعدة المستندة إلى الاعتبار والأخبار.
منها - زيادة على ما مر في النهي عن قراءة العزيمة في الفريضة - الصحيح:
إذا استيقن أنه زاد في صلاة المكتوبة لم يعتد بها، واستقبل صلاته استقبالا إذا
كان قد استيقن يقينا (7).
والموثق القريب منه: من زاد في صلاته فعليه الإعادة (8). خلافا للشيخ في
جملة من كتبه، فجعلهما ركنين في الأوليين وثالثة المغرب خاصة (9). وسيأتي

(1) كما في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام الركوع ص 198 س 20.
(2) الكافي في الفقه: باب تفصيل أحكام الصلاة الخمس ص 125.
(3) وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب لباس المصلي ح 1 ج 3 ص 313.
(4) المعتبر: كتاب الصلاة في السجود ج 2 ص 206، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في السجود ج 1
ص 120 س 32، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في السجود ج 1 ص 286 س 23.
(5) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب القراءة ح 5 ج 4 ص 770.
(6) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الركوع ح 5 ج 4 ص 934.
(7) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1 ج 5 ص 332.
(8) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2 ج 5 ص 332.
(9) المبسوط: كتاب الصلاة في أحكام السهو والشك في الصلاة ج 1 ص 120، وتهذيب الأحكام:
ب 9 في تفصيل ما تقدم ذكره في الصلاة و... ج 2 ص 150 ذيل الحديث 45، والاستبصار: كتاب
الصلاة في من نسي الركوع ج 1 ص 356 ذيل الحديث 7.
439

الكلام معه في بحث الخلل الواقع في الصلاة إن شاء الله تعالى.
ولا تبطل بالاخلال بإحداهما، ولا زيادتها سهوا مطلقا على الأشهر
الأقوى، بل في التذكرة والذكرى الاجماع عليه في الصورة الأولى (1)، للمعتبرة
المستفيضة.
ففي الصحيح: في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية، حتى قام وذكر
وهو قائم أنه لم يسجد، قال: فليسجد ما لم يركع، فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنه لم
يسجد فليمض على صلاته حتى يسلم، ثم يسجدها، فإنها قضاء (2). ونحوه
آخر (3)، والموثق وغيره.
وفي الموثق: لا يعيد الصلاة من سجدة، ويعيدها من ركعة (4). وفي آخر:
والله لا تفسد الصلاة بزيادة سجدة (5). خلافا للمحكي عن الكليني (6)،
وظاهر العماني، فتبطل بالاخلال مطلقا (7)، للخبر: في الرجل ينسى السجدة
من صلاته، فقال: إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها وبنى على صلاته، ثم
يسجد سجدتي السهو بعد انصرافه، وإن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة،
ونسيان السجدة في الأوليين والأخيرتين سواء (8).

(1) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في السجود ج 1 ص 120 س 32، وذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في
السجود ص 200 س 33.
(2) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب السجود ح 1 ج 4 ص 968.
(3) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب السجود ح 4 ج 4 ص 969.
(4) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الركوع ح 2 و ح 3 ج 4 ص 938.
(5) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الركوع ح 2 و ح 3 ج 4 ص 938.
(6) والحاكي هو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في السجود ج 1 ص 227 س 23.
(7) كما في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في السجود ص 200 س 33.
(8) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب السجود ح 5 ج 4 ص 969.
440

وهو مع ضعف سنده بالارسال وغيره، ومعارضته بما تقدم مما هو أرجح
سندا وعددا وعملا غير صريح، بل ولا ظاهر في المخالفة، لاحتمال السجدة
المنسية فيها السجدتين لا الواحدة بقرينة تعريفها باللام المفيدة للجنسية.
قال الشيخ: ولأجل هذا قال: " ونسيان السجدة في الأوليين والأخيرتين
سواء " يعني في السجدتين معا (1).
وكيف كان، فيتعين حمله على ذلك جمعا وإرجاعا له إلى الراجح،
وللمحكي عن الأول، والسيد في الجمل، والحلبيين والحلي، فتبطل
بالزيادة (2)، للقاعدة، وما بعدها من المعتبرة.
وهو في غاية القوة لولا الموثقان المتقدمان، الظاهر إن في عدم البطلان بها،
بل الثاني صريح فيه، لاعتضادهما بالشهرة العظيمة التي كادت تكون من
المتأخرين إجماعا، بل هو إجماع في الحقيقة، مضافا إلى فحوى ما دل على
عدمه بالاخلال بواحدة من الفتوى والرواية فتدبر وتأمل.
وللشيخ في ظاهر التهذيب ومحتمل الاستبصار، فوافق العماني في البطلان
بالاخلال بالواحدة إذا كانت من الأوليين، والأصحاب إذا كانت من
الأخيرتين (3)، للصحيح: إذا تركت السجدة في الركعة الأولى فلم تدر واحدة أو
ثنتين استقبلت حتى يصح لك ثنتان، وإذا كان في الثالثة والرابعة فتركت
سجدة بعد أن تكون قد حفظت الركوع أعدت السجود (4). وفيه مع إجماله كما
بينته في الشرح - قصور عن مقاومة ما مر، لاعتضاده بعد الكثرة بالأصل والشهرة

(1) الاستبصار: كتاب الصلاة ب 209 في من ترك سجدة واحدة... ج 1 ص 359، ذيل الحديث 4.
(2) والحاكي هو كشف اللثام: كتاب الصلاة في السجود ج 1 ص 227 س 23.
(3) تهذيب الأحكام: ب 9 في تفصيل ما تقدم ذكره في الصلاة... ج 2 ص 154 ذيل الحديث 62،
والاستبصار: كتاب الصلاة 209 في من ترك سجدة واحدة... ج 1 ص 359 ذيل الحديث 4.
(4) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب السجود ح 3 ج 4 ص 969.
441

العظيمة، مضافا إلى صريح بعض الأخبار المنجبر ضعفه بها:
عن الذي ينسى السجدة الثانية من الركعة الثانية أو شك فيها، فقال: إذا
خفت أن لا تكون وضعت جبهتك إلا مرة واحدة فإذا سلمت سجدت سجدة
واحدة وليس عليك سهو (1). فتأمل. مع أن ظاهره اختصاص الحكم
بالبطلان بتركها بالركعة الأولى، وعدمه فيما عداها كما يحكى عن والد
الصدوق والإسكافي (2).
نعم ربما يعضده تظافر الأخبار بأنه: لا سهو في الأوليين، وأنه لا بد من
سلامتهما، لكنها محمولة على الشك في الأعداد خاصة جمعا بين الأدلة.
(وواجباته) أمور (سبعة (3))
الأول: (السجود على الأعضاء السبعة) يعني (الجبهة، والكفين،
والركبتين، بابهامي الرجلين) بلا خلاف فيه بيننا أجده، إلا من المرتضى
والحلي، فجعلا عوض الكفين المفصل عند الزندين (4). وهما شاذان، بل على
خلافهما الاجماع في الخلاف (5) والذكرى (6) وشرح القواعد للمحقق الثاني (7)،
وعن التذكرة (8). وهو الحجة، مضافا إلى النصوص المستفيضة.
منها الصحيح: السجود على سبعة أعظم الجبهة واليدين والركبتين

(1) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب السجود ح 6 ج 4 ص 970.
(2) نقل عنهما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في السهو ج 2 ص 363.
(3) في المتن المطبوع " سبع ".
(4) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصلاة في كيفية أفعال الصلاة ج 3 ص 32،
والسرائر: كتاب الصلاة باب كيفية فعل الصلاة على سبيل الكمال... ج 1 ص 225.
(5) الخلاف: كتاب الصلاة م 110 في وجوب وضع اليدين و... ج 1 ص 356.
(6) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في السجود ص 201 س 4.
(7) جامع المقاصد كتاب الصلاة في السجود ج 2 ص 300.
(8) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في السجود ج 1 ص 120 س 32.
442

والابهامين، وترغم بأنفك إرغاما، فأما الفرض فهذه السبعة، وأما الارغام
بالأنف فسنة من النبي - صلى الله عليه وآله (1). ونحوه آخر مبدلا فيه اليدين
بالكفين (2). وعن جماعة من القدماء: فجعلوا عوض الابهامين أصابع الرجلين
كما في كلام جملة منهم (3)، أو أطرافهما كما في كلام آخرين (4). وفيه ما في
سابقه، مع عدم وضوح مستندهما، عدا ما يحكى من القاضي في شرح الجمل
من نقله الاجماع على الأول في ظاهر كلامه (4)، وما ورد في بعض الأخبار من
لفظ " الرجلين أو أطراف أصابعهما " (6).
والأول مع عدم صراحته، بل ولا ظهوره كما لا يخفى على المراجع لكلامه
موهون بمصير الأكثر، بل الكل على خلافه، ومعارض بأجود منه.
والثاني مع عدم سلامة سنده مطلق، والصحيحان المتقدمان مقيدان،
فيجب حمله عليهما جمعا، ويكفي فيما عدا الجبهة المسمى على الأشهر الأقوى، بل
في المدارك والذخيرة: أنه لا نعرف فيه خلافا (7). مع أنه تردد في المنتهى في
كفايته في الكفين، قال: والحمل على الجبهة يحتاج إلى دليل (8). وهو كما

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب السجود ح 2 ج 4 ص 954.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب السجود ج 4 ص 954، ذيل الحديث 2.
(3) النهاية: كتاب الصلاة باب كيفية الصلاة و... ص 71، والمقنعة: كتاب الصلاة ب 9 في كيفية
الصلاة و... ص 105، والهداية (الجوامع الفقهية)، باب الركوع والسجود ص 52 س 12.
(4) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصلاة في كيفية أفعال الصلاة ج 3 ص 32،
والسرائر: كتاب الصلاة باب كيفية فعل الصلاة على سبيل الكمال... ج 1 ص 225.
(5) والحاكي هو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في السجود ج 1 ص 227 س 37.
(6) مستدرك الوسائل: ب 4 من أبواب السجود ح 3 ج 4 ص 455.
(7) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في السجود ج 3 ص 404، وذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في
السجود ص 286 س 4.
(8) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في السجود ج 1 ص 290 س 10.
443

ترى، فإن ما دل عليها فيها يدل عليها هنا بالفحوى، مؤيدا بإطلاق الأمر،
والخبر المروي عن تفسير العياشي: عن أبي جعفر الثاني - عليه السلام - أنه سأل
المعتصم عن المازني: من أي موضع يجب أن يقطع؟ فقال: إن القطع يجب أن
يكون من مفصل أصول الأصابع، فيترك الكف، قال: وما الحجة في ذلك؟
قال: قول رسول الله - صلى الله عليه وآله - السجود على سبعة أعضاء: الوجه
واليدين والركبتين والرجلين، فإذا قطعت اليدين دون المرفق لم تبق له يد يسجد
عليها. الخبر (1). وهو صريح في عدم وجوب السجود على الأصابع، وكذا فيها
على الأشهر الأقوى، للاطلاق والمعتبرة المستفيضة.
منها: الصحيح: إذا مس شئ من جبهته الأرض فيما بين حاجبيه وقصاص
شعره فقد أجزأ عنه (2). ونحوه آخران (3)، والموثق (4)، والخبران (5). خلافا
للصدوق (6) والحلي (7) والشهيد في الدروس (8)، وموضع من الذكرى، فأوجبوا
مقدار الدرهم.
قال في الأخير: لتصريح الخبر وكثير من الأصحاب به فيحمل المطلق من
الأخبار وكلام الأصحاب على المقيد (9) وهو أعرف بما قال، إذ لم نقف على

(1) تفسير العياشي: في ذيل تفسير آية السارق والسارقة الخ من سورة المائدة ح 109 ج 1 ص 320، مع
اختلاف يسير.
(2) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب السجود ح 1 ج 4 ص 962.
(3) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب السجود ذيل الحديث 4 و 5 ج 4 ص 963.
(4) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب السجود ح 4 ج 4 ص 963.
(5) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب السجود ح 2 و 3 ج 4 ص 962 و 963.
(6) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة باب ما يسجد عليه وما لا يسجد عليه ص 7 س 29.
(7) السرائر: كتاب الصلاة باب كيفية الفعل، على سبيل الكمال... ج 1 ص 225.
(8) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في السجود ص 39 س 1.
(9) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في السجود ص 201 س 13.
444

الخبر ولا الكثير من الأصحاب.
وفي المدارك: ولعل مستنده ما رواه زرارة في الحسن، عن أبي جعفر - عليه
السلام - قال: الجبهة كلها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع
السجود، فأيها سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك مقدار الدرهم ومقدار طرف
الأنملة والاجزاء إنما يستعمل في أقل الواجب (1). ولم أعرف وجه دلالته أصلا
بل هو بالدلالة على خلافه أشبه وأحرى كما اعترف به أخيرا، فقال:
ومقتضاها الاكتفاء بقدر طرف الأنملة، وهو دون الدرهم، والأجود حملها على
الاستحباب.
وفي الصحيح: عن المرأة تطول قصتها، فإذا سجدت وقعت بعض جبهتها
على الأرض وبعض يغطيه الشعر هل يجوز ذلك؟ قال: لا، حتى تضع جبهتها
على الأرض (2). وظاهره إيجاب تمام الجبهة كما يحكى عن الإسكافي (3)، مع
إن جماعة اعترفوا بعدم قائل به (4)، ولعله لذا استدل به على القول بالدرهم، ولا
دلالة فيه على اعتباره. والحمل عليه بعد عدم الاكتفاء بما حصل من الجبهة
على الأرض ليس أولى من حمل ما وقع على ما دون المسمى والأمر بوضع
المسمى، مع أن ظاهره اعتبار جميع الجبهة، ولم يوجبه أحد، فليحمل على
الاستحباب جمعا، ولصريح الموثقة: الجبهة إلى الأنف، أي ذلك أصبت به
الأرض أجزأك، والسجود عليه كله أفضل (5).

(1) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في السجود ج 3 ص 405.
(2) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب ما يسجد عليه ح 5 ج 3 ص 606.
(3) والحاكي: هو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في السجود ج 1 ص 228 س 11
(4) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في السجود ج 2 ص 303، وروض الجنان: كتاب الصلاة في السجود
ص 275 س 29، ومدارك الأحكام: كتاب الصلاة في السجود ج 3 ص 405.
(5) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب السجود ح 3 ج 4 ص 963.
445

(و) الثاني: (وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه) مما مر في المقدمة
السادسة مع دليله.
(و) الثالث: (أن) ينحني بحيث (لا يكون موضع السجود عاليا) من
موقفه (بما يزيد عن) قدر (لبنة) بكسر اللام فسكون الباء أو فتحها، وكسرها
بإجماعنا الظاهر المحكي في كثير من العبائر، وللمرسل المروي في الكافي: إذا
كان موضع جبهتك مرتفعا عن رجليك قدر لبنة فلا بأس (1). ونحوه الخبر، بل
الحسن، لكن فيه: بدنك بدل رجليك بالباء ثم النون (2). وربما يوجد في بعض
النسخ بيائين مثناتين من تحت، فلا يفيد العلو على الموقف. فالاستدلال به
لذلك مشكل، وإن اتفق الجمع.
وربما يشكل من وجه آخر يجري أيضا في المرسل لولا الجبر بالاجماع، وهو
أن غايتهما: ثبوت البأس مع العلو زيادة عن اللبنة، وهو كما يحتمل التحريم
يحتمل الكراهة، لكن الاجماع جابر معين للأول، مضافا إلى أن الانحناء بهذا
القدر غير معلوم كونه سجودا مأمورا به شرعا، فيجب الاقتصار فيه على المتيقن،
وهو ما لا يزيد عن اللبنة جدا، بل الأحوط التساوي بين المسجد والموقف بحيث
لا يزيد بقدرها أيضا، بل ربما قيل بوجوبه (3)، للصحيح: عن موضع جبهة
الساجد يكون أرفع من مقامه، قال: لا، وليكن مستويا (4). وهو محمول على
الندب جمعا ولظاهر، الصحيح: إني أحب أن أضع وجهي في موضع قدمي (5).

(1) الكافي: كتاب الصلاة باب وضع الجبهة على الأرض ح 4 ج 3 ص 333.
(2) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب السجود ح 1 ج 4 ص 964.
(3) ظاهرا صاحب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في السجود ج 3 ص 407، والإسكافي كما نقله
عنه صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في السجود ج 1 ص 227 س 30.
(4) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب السجود ح 1 ج 4 ص 963.
(5) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب السجود ح 2 ج 4 ص 964.
446

ويلحق الانخفاض بالارتفاع عند جماعة، للموثق: في المريض يقوم على
فراشه ويسجد على الأرض، فقال: إن كان الفراش غليظا قدر آجرة أو أقل
استقام له أن يقوم عليه ويسجد على الأرض، وإن كان أكثر من ذلك فلا (1).
وقيل بجواز الانخفاض مطلقا، وحكي عن الفاضل في النهاية (2). قيل:
ونقل في التذكرة الاجماع عليه (3). ويدل عليه بعده صدق السجود معه،
فيحصل الامتثال، ويمكن حمل الموثق على الاستحباب.
ومنهم من ألحق بالجبهة بقية المساجد (4)، ولا ريب أنه أحوط وإن كان
مستنده بعد لم يظهر.
ولو وقعت الجبهة على موضع مرتفع عن القدر الذي يجوز السجود عليه تخير
بين رفعها وجرها إلى موضع الجواز، لعدم تحقق السجود على ذلك القدر.
وأما لو وقعت على ما يصح السجود عليه مع كونه مساويا للموقف أو
مخالفا بقدر المجزئ لم يجز رفعها، حذرا من تعدد السجود، بل يجرها إلى موضع
الجواز.
وفي الصحيح: عن الرجل يسجد على الحصى فلا يمكن جبهته على
الأرض، فقال: يحرك جبهته فينحي الحصى عن جبهته، ولا يرفع رأسه (5).
والخبر المخالف (6) له ضعيف الاسناد فلا يعبؤ به، مع معارضته بأجود منه بحسب
السند والاعتضاد بالأصل.
وأما النصوص في المنع عن المرتفع وجوازه فهي مطلقة، إلا أن حملها على

(1) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب السجود ح 2 ج 4 ص 965.
(2) القائل والحاكي هو صاحب ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في السجود ص 285 س 31.
(3) القائل والحاكي هو صاحب ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في السجود ص 285 س 31.
(4) انظر الذكرى: ص 202 س 2، ورسائل المحقق الكركي: ج 3 ص 278 - 279. ومدارك الأحكام:
ج 3 ص 408.
(5) وسائل الشيعة: 8 من أبواب السجود ح 3 و 4 ج 4 ص 961، باختلاف.
(6) وسائل الشيعة: 8 من أبواب السجود ح 3 و 4 ج 4 ص 961، باختلاف.
447

التفصيل المتقدم طريق الجمع بينها، والجامع الدليل المتقدم المعتضد بفتوى
الأكثر، بل قيل: لا خلاف فيه يعرف إلا من صاحب المدارك والذخيرة، حيث
عملا بإطلاق الخبر المانع لصحته وضعف مقابله (1)، ولكن الأحوط ما ذكراه،
لا لما ذكراه من صحة الخبر المانع، فإن فيها كلاما مشهورا من حيث تضمن
سنده محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان.
والأول مجهول على المشهور وإن عدوا السند الذي هو فيه صحيحا أو قريبا
منه، بل لتوقف ما مر من دليل الجواز في صورته على عدم صدق السجود على
الانحناء المفروض فيها، بكونه حقيقة في الانحناء إلى الوضع على ما يساوي
الموقف فصاعدا إلى قدر اللبنة، وهو مشكل، وإثباته بما دل على المنع عن
الوضع على الزائد عنها غير ممكن، لأن غايته المنع. ويمكن أن يكون وجهه
فوات بعض واجبات السجود لا نفسه.
نعم ذلك حسن، حيث لا يصدق السجود معه عرفا. وأما معه فمشكل،
ولا ريب أن الأحوط حينئذ عدم الرفع، وكذا الموضع الذي يشك في الصدق
وعدمه، مع احتمال جواز الرفع هنا كصورة عدم الصدق قطعا، ولكن الأحوط
- حينئذ - عدم الرفع مطلقا خروجا عن شبهة الخلاف نصا وفتوى.
(ولو تعذر الانحناء) الواجب أتى بالممكن منه، و (رفع ما يسجد
عليه) ليسجد عليه بلا خلاف فيه على الظاهر المصرح به في جملة من العبائر.
وظاهر المعتبر والمنتهى دعوى الاجماع عليه (2). وهو الحجة، مضافا إلى عموم
النص بعدم سقوط الميسور بالمعسور، وخصوص النصوص.

(1) والقائل هو صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في السجود ج 8 ص 287.
(2) المعتبر: كتاب الصلاة في السجود ج 2 ص 208، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في السجود ج 1
ص 288 س 13.
448

منها - مضافا إلى فتوى الموثق الآتي وغيره - الخبر: رجل شيخ لا يستطيع
القيام إلى الخلاء، ولا يمكنه الركوع والسجود، فقال - عليه السلام -: ليومئ
برأسه إيماء، وإن كان له من يرفع له الخمرة فليسجد، فإن لم يمكنه ذلك فليؤم
برأسه نحو القبلة (1).
وفي الحسن أو الصحيح: لا يصلي على الدابة فريضة إلا مريض يستقبل
بوجهه القبلة، ويجزيه فاتحة الكتاب، ويضع بوجهه في الفريضة على ما
أمكنه من شئ، ويومئ في النافلة إيماء (2). وأما الصحيحان المخالفان لذلك
- كما يأتي - فشاذان مطرحان أو مؤولان بما يأتي.
وإن تعذر رفع ما يسجد عليه اقتصر على الانحناء، وإن تعذر رأسا أومأ
برأسه إن أمكن، وإلا فبعينيه مع الامكان، وإلا فبواحدة. وهل يجب مع ذلك
رفع ما يسجد عليه إلى الجبهة مع الامكان؟ قولان، أجودهما الأول، للعموم
المتقدم، مضافا إلى خصوص النصوص.
منها الموثق: عن المريض لا يستطيع الجلوس، قال: فليصل وهو مضطجع،
وليضع على جبهته شيئا إذا سجد (3). ونحوه المرسل في الفقيه (4).
والمروي في قرب الإسناد: عن المريض لا يستطيع القعود ولا الايماء كيف
يصلي وهو مضطجع؟ قال: يرفع مروحة إلى وجهه ويضع على جبينه (5).
وقيل: لا (6)، للأصل، وخلو كثير من الأخبار والفتاوى عنه. ويندفعان

(1) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب السجود ح 1 ج 4 ص 976.
(2) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب القبلة ح 1 ج 3 ص 237.
(3) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب القيام ح 5 ج 4 ص 690.
(4) من لا يحضره الفقيه: باب صلاة المريض والمغمى عليه و... ح 1034 ج 1 ص 361.
(5) قرب الإسناد: باب صلاة المريض ص 97.
(6) والظاهر القائل هو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في القيام ج 3 ص 333.
449

بما مر، ولظاهر الصحيح: عن المريض إذا لم يستطع القيام والسجود؟ قال:
يومئ برأسه إيماء، وأن يضع جبهته على الأرض أحب إلي (1). وبمعناه آخر (3)،
وموردهما وضع الجبهة على الأرض، لا العكس، كما هو محل البحث.
وما يقال في توجيهه: بأن حملهما على ظاهرهما مصادم، لوقوع الشهرة على
خلافهما، فيجب صرفهما وحملهما على وضع الأرض وما يجري مجراها على
الجبهة (3) فبعيد، ومع ذلك فغير نافع، مع إمكان التوجيه بغير ذلك مما لا
يخالفان معه الاجماع أيضا، وقد ذكرناه في الشرح.
وأما الخبر: عن المريض هل تمسك له المرأة شيئا فيسجد عليه؟ فقال: لا،
إلا أن يكون مضطرا ليس عنده غيرها (4). فع قصور سنده لا يخالف ما ذكرناه
من وجوب الرفع، فإنه إنما يفيد كراهية إمساك المرأة إذا وجد غيرها كما عن
المقنع (5)، وكذا في المقنعة، لكن من دون تقييد بالمرأة، بل أطلق كراهة وضع
الجبهة على سجادة يمسكها غيره أو مروحة (6)، وهو غير كراهة أصل الرفع، مع
أنها مخالفة للاجماع، إذ لا خلاف في رجحانه مع ظهور الخبر في لزومه، كما
لا يخفى على من تدبر في سياقه ومفهومه.
(ولو كان بجبهته دمل) ونحوه مما يمنع الجبهة بأجمعها عن السجود
(احتفر حفيرة)، أو عمل شيئا من طين أو خشب ونحوها وجوبا ولو من باب
المقدمة (ليقع السليم) منها (على الأرض) وللنص: خرج في دمل،

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب القيام ح 2 ج 4 ص 689.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب ما يسجد عليه ح 1 و 2 ج 3 ص 606.
(3) وهو صاحب ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في كيفة القيام ص 263 س 17.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب القيام ح 7 ج 4 ص 695.
(5) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة باب صلاة المريض ص 10 س 13.
(6) المقنعة: كتاب الصلاة ب 27 في صلاة الغريق و... ص 215.
450

وكنت أسجد على جانب، فرآني أبو عبد الله - عليه السلام - فقال: ما هذا؟
قلت: لا أستطيع أن أسجد من أجل الدمل، فإنما أسجد منحرفا، فقال لي:
لا تفعل ذلك، احفر حفيرة واجعل الدمل في الحفيرة حتى تقع جبهتك على
الأرض (1).
ونحوه الرضوي: فإن كان في جبهتك دمل لا تقدر على السجود فاحفر
حفيرة، فإذا سجدت جعلت الدمل فيها (2). وقريب منهما المروي في تفسير علي
بن إبراهيم (3). وقصور السند أو ضعفه مجبور بما مر من القاعدة والشهرة العظيمة
التي كادت تكون من المتأخرين إجماعا، بل لعلها إجماع في الحقيقة.
ولم يذكر جماعة منهم خلافا في المسألة، مشعرين بعدم خلاف فيها، كما
صرح به في المدارك فقال: هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء (4). وفيه نظر، فقد
خالف فيها الشيخ في المبسوط والنهاية، يوجب الحفيرة، بل قال بجوازها بعد
الأمر بالسجود على أحد جانبيه (5) وظاهره التخيير بينهما كما عن الجامع أيضا (6).
وعن ابن حمزة عكس المختار، فأوجب السجود على أحد الجبينين، ومع
عدم التمكن فالحفيرة (7). لكن مستندهما - سيما الأخير - غير واضع، سيما في

(1) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب السجود ح 1 ج 4 ص 965، وفيه اختلاف يسير.
(2) فقه الرضا (ع): ب 7 في الصلوات المفروضة ص 114.
(3) تفسير القمي: ج 2 ص 30.
(4) مدارك الأحكام: كتاب الصادق في السجود ج 3 ص 416.
(5) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر الركوع والسجود وأحكامهما ج 1 ص 114 - 115، والنهاية: كتاب
الصلاة باب القراءة في الصلاة وأحكامها والركوع والسجود و... ص 82.
(6) الجامع للشرائع: كتاب الصلاة باب شرح الفعل والكيفية ص 84.
(7) لم نعثر عليه في الوسيلة ولعله ذكره في كتاب له يسمى " بالواسطة " كما احتمله مفتاح الكرامة: ج 2
ص 442، ونقل هذا المقول صاحب ذكرى الشيعة - عن ابن حمز من دون ذكر اسم الكتاب -:
كتاب الصلاة في السجود ص 201 س 17.
451

مقابلة ما قدمناه من النصوص المعتضدة بالقاعدة وفتوى المشهور فلا إشكال فيه،
ومع ذلك فهو أحوط لجوازه عند الشيخ أيضا، وأما ابن حمزة فهو نادر بلا شبهة.
(ولو تعذر ذلك) (1) إما لعدم إمكان النقل أو لاستيعابه الجبهة أو نحو
ذلك (سجد على أحد الجبينين) بلا خلاف على الظاهر المصرح به في
بعض العبائر. وفي المدارك: أنه قول علمائنا وأكثر العامة (2). وظاهره الاجماع
عليه، للمعتبرين.
أحدهما: الرضوي، ففيه بعد ما مر: وإن كان على جبهتك علة لا تقدر
على السجود من أجلها فاسجد على قرنك الأيمن، فإن تعذر فعلى قرنك
الأيسر، فإن تعذر فاسجد على ظهر كفيك، فإن لم تقدر فاسجد على ذقنك،
يقول الله تعالى: (يخرون للأذقان سجدا) (3) (4).
وقريب منه المروي في التفسير المتقدم، وفيه: قلت للصادق - عليه السلام -:
رجل بين عينيه قرحة لا يستطيع أن يسجد عليها، قال: يسجد ما بين طرف
شعره، فإن لم يقدر فعلى حاجبه الأيمن، وإن لم يقدر فعلى حاجبه الأيسر، وإن
لم يقدر فعلى ذقنه، الحديث (5).
وظاهرهما اعتبار الترتيب بين الجبينين كما عن الصدوقين (6)، وهو أحوط.
خلافا للظاهر الأكثر وصريح جمع، فالتخيير بينهما للأصل وقصور النص سندا

(1) في المتن المطبوع " السجود ".
(2) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في السجود ج 3 ص 417.
(3) الأسراء: 107.
(4) فقه الرضا (ع): ب 7 في الصلوات المفروضة ص 114.
(5) تفسير القمي: ج ص 30.
(6) كما في كشف اللثام حيث نقل عنه في الرسالة -: كتاب الصلاة في السجود ج 1 ص 229 س 4،
والمقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة باب ما يسجد عليه وما لا يسجد عليه ص 7 س 27.
452

عن تخصيصه. ويمكن دفعه لولا الشهرة، وعدم دلالة الروايتين على وجوب
الترتيب صريحا، ولكن مراعاته مهما أمكن أولى.
(وإلا) يتمكن من السجود
على أحد الجبينين (ف‍) ليسجد (على ذقنه) بلا خلاف إلا من الصدوقين:
فعلى ظهر كفه، وإلا فعلى ذقنه (1)، لما مر من الرضوي.
وهو مع شذوذه وندرته بل وانعقاد الاجماع على خلافه كما صرح به في
المدارك (2) غريب لا معنى له، معارض بما مر من الخبر المروي في التفسير
المتقدم. وفي آخر: فيمن لا يقدر على السجود على الجبهة يضع ذقنه على
الأرض، إن الله تعالى يقول: (يخرون للأذقان سجدا) (3)، وضعف السند منجبر
بالعمل. وإطلاق الأمر بالسجود على الذقن بعد العجز عن الجبهة مقيد بما مر من
النص والاجماع.
(ولو عجز) عن جميع ذلك (أومأ)، واضعا على جبهته ما يصح السجود
عليه كما مر.
(و) الرابع: (الذكر فيه) مطلقا (أو التسبيح) منه خاصة على
الخلاف المتقدم في الركوع، فإن السجود (كالركوع) في أمثال هذه المباحث
لاتحاد الدليل مطلقا.
(و) الخامس: (الطمأنينة بقدر الذكر الواجب)
(و) السادس: (رفع الرأس).
(و) السابع: أن يكون (مطمئنا عقيب) السجدة (الأولى) بإجماعنا
في الجميع على الظاهر المصرح به في جملة من العبائر مستفيضا، وللنصوص،

(1) كما في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في السجود ص 201 س 18، والمقنع (الجوامع الفقهية):
كتاب الصلاة باب ما يسجد عليه وما لا يسجد عليه ص 7 ص 28.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في السجود ج 3 ص 417.
(3) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب السجود ح 2 ج 4 ص 965.
453

والتأسي. وقول الخلاف بركنية الطمأنينة كما في الركوع (1) شاذ وإن ادعي
الاجماع عليه (2). ويكفي في الطمأنينة بعد الرفع مسماها اتفاقا.
(وسننه: التكبير للأولى) (3) حال كونه (قائما، والهوي بعد إكماله)
كما في الصحاح وغيرها. والقول بوجوب أصل التكبير شاذ كالقول باستحباب
البدأة به قائما والانتهاء به مع مستقره ساجدا. وقد مر الكلام في الأول:
وأما الثاني: فمن المعتبر دعوى كون المختار فيه اختيار الأصحاب (4) وفي
المنتهى، وعن التذكرة (5). أن عليه فتوى علمائنا (6). وظاهرهما دعوى الاجماع
عليه، وهو الحجة، مضافا إلى ظواهر الصحاح السليمة عما يصلح للمعارضة،
عدا الخبر: كان علي بن الحسين - عليه السلام - إذا هوى ساجدا انكب وهو
يكبر (7). وفيه ضعف من وجوه شتى.
وأن يكون (سابقا بيديه) إلى الأرض قبل ركبتيه إجماعا، كما في الخلاف
والمنتهى والتذكرة ونهاية الإحكام (8)، وللنصوص، وفيها الصحيح وغيره (9).

(1) الخلاف: كتاب الصلاة م 116 في ركنية الطمأنينة في السجود ج 1 ص 359.
(2) الخلاف: كتاب الصلاة م 116 في ركنية الطمأنينة في السجود ج 1 ص 359.
(3) في المتن المطبوع: " الأول ".
(4) المعتبر: كتاب الصلاة في الركوع ج 2 ص 198.
(5) لا يوجد في جميع المطبوعات.
(6) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في السجود ج 1 ص 288 س 28، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في
السجود ج 1 ص 121 س 25.
(7) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب السجود ح 2 ج 4 ص 982.
(8) الخلاف: كتاب الصلاة م 108 في استحباب تلقي الأرض بيديه عند السجود ج 1 ص 354،
ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في السجود ج 1 ص 288 س 31، تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في
السجود ج 1 ص 121 س 27 - 28، ونهاية الإحكام: كتاب الصلاة في السجود ج 1 ص 492.
(9) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب السجود ج 4 ص 950.
454

وزاد الصدوق في الأمالي، فقال: إنه واجب، مدعيا في ظاهر كلامه
الاجماع عليه (1). وهو شاذ ضعيف كدعواه، مدفوعان بالأصل، والصحيح: بأي
ذلك بدأ فهو مقبول (2). والموثق: لا بأس إذا صلى الرجل أن يضع ركبتيه إلى
الأرض قبل يديه (3). وفي الذكرى: يستحب أن تكونا معا، وروي السبق
باليمين، وهو اختيار الجعفي (4).
(وأن يكون موضع سجوده مساويا لموقفه) بل قيل لوجوبه كما مر
(وأن يرغم بأنفه) على المشهور، بل المجمع عليه كما في المدارك (5) وغيره.
وعن الصدوق القول بوجوبه (6) كما في الموثق وغيره: لا صلاة لمن لم يصب
أنفه ما يصيب جبينه (7). ويحتملان ككلامه تأكد الاستحباب لا الوجوب،
لانتفائه بالأصل، وظاهر النصوص: أن السجود على سبعة أعظم. وصريح
الخبر إنما السجود على الجبهة، وليس على الأنف سجود (8).
والارغام: الصاق الأنف بالرغام وهو التراب، لكن ظاهر الأصحاب
حصوله هنا بما يصيب الأنف، واستحبابه هو المستفاد من الموثق وغيره، وظاهر
إطلاقهما إجزاء إصابة الأنف المسجد بأي جزء اتفق خلافا للمرتضى، فعين
الجزء الأعلى منه (9)، ولم نقف على مأخذه، مع احتمال إرادته بذلك الاجزاء

(1) أمالي الصدوق: مجلس 93 في دين الإمامية ص 512.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب السجود ح 3 ج 4 ص 950.
(3) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب السجود ح 5 ج 4 ص 950.
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في السجود ص 202 س 1 - 2.
(5) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في السجود ج 3 ص 411.
(6) من لا يحضره الفقيه: باب وصف الصلاة من فاتحتها إلى خاتمتها ج 1 ص 313، ذيل الحديث 929.
(7) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب السجود ح 7 و 4 ج 4 ص 954 و 955.
(8) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب السجود ح 1 ج 4 ص 954.
(9) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصلاة في كيفية أفعال الصلاة ج 3 ص 32.
455

لا التعيين.
(و) أن (يدعو قبل التسبيح) بالمأثور أو غيره، للنصوص.
منها: قلت لأبي عبد الله - عليه السلام - أدعو وأنا ساجد؟ فقال: نعم، فادع
للدنيا والآخرة، فإنه رب الدنيا والآخرة (1).
(والزيادة على التسبيحة الواحدة) الكبرى إلى السبع أو ما يتسع له
الصدر كما مر في الركوع.
(والتكبيرات الثلاث) (2) التي مهنا: التكبير للرفع من السجدة الأولى
قاعدا معتدلا، ثم التكبير للسجدة الثانية معتدلا أيضا، ثم التكبير لها بعد رفعه
كما في الصحيح الفعلي (3) المشهور.
(والدعاء (4) بين السجدتين) بقوله: " أستغفر الله ربي وأتوب إليه "
كما فيه أيضا. وفي المنتهى دعوى الاجماع عليه (5). وفي آخر قل بين السجدتين:
" اللهم اغفر لي، وارحمني، وأجرني. الدعاء إلى آخره " (6). وفي الرضوي:
" اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني، فإني لما أنزلت إلي من خير
فقير " (7).
(والقعود) بينهما (متوركا) بأن يجلس على وركه الأيسر ويخرج رجليه
جميعا من تحته، ويجعل رجله اليسرى على الأرض، فظاهر قدمه اليمنى على

(1) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب السجود ح 2 ج 4 ص 973.
(2) في المتن المطبوع " ثلاثا ".
(3) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 1 ج 4 ص 674.
(4) في المتن المطبوع " ويدعو ".
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في السجود ج 1 ص 290 س 16.
(6) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب السجود ح 1 ج 4 ص 951.
(7) فقه الرضا (ع): ب 7 في الصلوات المفروضة ص 107.
456

باطن قدمه اليسرى، ويفضي بمقعدته إلى الأرض كما في الصحيحين (1).
وظاهرهما تفسيره بما قلنا، وفاقا للشيخ (2) ومن تبعه من متأخري أصحابنا (3).
خلافا للإسكافي (4) والمرتضى (5)، فقالا بقولين مع تخالفهما لم نجد لشئ منهما
مستندا.
هذا، وقول المرتضى قريب مما قلناه، إلا أنه زاد: وينصب طرف إبهام
رجله اليمنى على الأرض، ويستقبل القبلة بركبتيه معا.
(والطمأنينة عقيب رفع الرأس (6) من) السجدة (الثانية) وتسمى ب‍
" جلسة الاستراحة "، وفضلها مجمع عليه بين الأصحاب.
وفي بعض الأخبار: أنها من توقير الصلاة، وتركها من الجفاء (7).
وفي بعضها الأمر به كالموثق: إذا رفعت رأسك من السجدة الثانية من
الركعة الأولى حين تريد أن تقوم فاستو جالسا، ثم قم (8). وظاهره الوجوب كما
عليه المرتضى، مدعيا الاجماع عليه (9)، مستدلا به وبالاحتياط، ويعضده
التأسي لفعلهم - عليهم السلام - لها، كما في جملة من النصوص.
ففي الصحيح: رأيته - يعني: الصادق عليه السلام - إذا رفع رأسه من

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 1 و 3 ج 4 ص 673 و 675.
(2) الخلاف: كتاب الصلاة م 120 في كيفية الجلوس في التشهدين ج 1 ص 363.
(3) المعتبر: كتاب الصلاة في السجود ج 2 ص 215.
(4) في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في السجود ص 202 س 29.
(5) كما في الحدائق الناضرة - نقلا عن مصباحه -: كتاب الصلاة في السجود ج 8 ص 305.
(6) في المتن المطبوع: " رفعه ".
(7) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب السجود ح 5 ج 4 ص 956.
(8) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب السجود ح 3 ج 4 ص 956.
(9) الإنتصار: في جلسة الاستراحة ص 46، والمسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة م 87
ص 234.
457

السجدة الثانية من الركعة الأولى جلس حتى يطمئن (1).
ونحوه الخبر: كان أمير المؤمنين - عليه السلام - إذا رفع رأسه من السجود قعد
حتى يطمئن، ثم يقوم فقيل له: يا أمير المؤمنين، كان من قبلك أبو بكر وعمر
إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نهضوا على صدور أقدامهم كما تنهض الإبل،
فقال - عليه السلام -: إنما يفعل ذلك أهل الجفاء (2). خلافا للأكثر، بل عامة
من تأخر فلا يجب. وادعى الفاضل في نهج الحق الاجماع عليه (3). وهو الحجة
بعد الأصل المعتضد بالشهرة، وبعض المعتبرة المصرحة: بأن أبا جعفر وأبا
عبد الله - عليهما السلام - إذا رفعا رؤوسهما من السجدة الثانية نهضا، ولم
يجلسا (4). مع إشعار سياق كثير من نصوص الفضيلة بها مجردة عن الوجوب، كما
لا يخفى على من تدبرها، ولكن مع ذلك فالوجوب أحوط وأولى.
(والدعاء) عند القيام من السجود إلى الركعة الأخرى بقوله: " اللهم
ربي بحولك وقوتك أقوم وأقعد "، وإن شاء قال: " وأركع وأسجد " كما في
الصحيحين (5)، وفي آخرين: " بحول الله أقوم وأقعد " كما في أحدهما (6)
والحسن (7) وفي الثاني بحولك وقوتك أقوم وأقعد (8) وفي الصحيح: إذا جلست
في الركعتين الأوليين فتشهدت ثم قمت فقل: " بحول الله وقوته أقوم وأقعد " (9).

(1) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب السجود ح 1 ج 4 ص 956.
(2) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب السجود ح 5 ج 4 ص 956.
(3) نهج الحق كشف الصدق: في الصلاة م 19 ص 427.
(4) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب السجود ح 2 ج 4 ص 956.
(5) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب السجود ح 1 و 6 ج 4 ص 966 و 967.
(6) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب السجود ح 2 ج 4 ص 966.
(7) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب السجود ح 5 ج 4 ص 967.
(8) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب السجود ح 1 ج 4 ص 966.
(9) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب السجود ح 3 ج 4 ص 966.
458

(ثم يقوم معتمدا على يديه سابقا برفع ركبتيه) للنصوص، وفيها
الصحيح وغيره (1)، وفي المنتهى، وعن التذكرة إجماعنا عليه (2) كما هو ظاهر
المدارك (3) وغيره.
(ويكره الاقعاء بين السجدتين) على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة
من تأخر، وفي الخلاف الاجماع عليه (4)، للنهي عنه في المعتبرة.
ففي الصحيح: لا تقع بين السجدتين كإقعاء الكلب (5). وقريب منه
الموثق (6). خلافا للمرتضى وغيره، فلا يكره (7)، لنفي البأس عنه في
الصحيحين (8)، وحمله على نفي التحريم جمعا ومسامحة في أدلة الكراهة والسنن،
وهو عند الفقهاء أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض ويجلس على عقبه، وبه
صرح جمع، مشعرين بدعوى الاجماع عليه (9)، ولكن في بعض النصوص المانعة
التقييد باقعاء الكلب كما عرفته.
نعم في الصحيح وغيره: لا تلثم ولا تحتفز - إلى أن قال -: ولا تقع على

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب السجود ج 4 ص 950.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في السجود ج 1 ص 291 س 21، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في
السجود ح 1 ص 122 س 25.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في السجود ج 3 ص 415.
(4) الخلاف: كتاب الصلاة م 118 في كراهة الاقعاء ج 1 ص 361.
(5) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب السجود ح 2 ج 4 ص 957.
(6) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب السجود ح 1 ج 4 ص 957.
(7) لم نعثر عليه في كتبه الموجود عندنا ولكنه نقله عنه المعتبر: كتاب الصلاة في السجود ح 2 ص 218،
والمبسوط: كتاب الصلاة في ذكر الركوع والسجود وأحكامهما ج 1 ص 113.
(8) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب السجود ح 3 و 7 ج 4 ص 957 و 958.
(9) المعتبر: كتاب الصلاة في السجود ج 2 ص 218، وكشف اللثام: كتاب الصلاة في السجود ج 1
ص 230 س 34، والحدائق الناظرة: كتاب الصلاة في كيفية الاقعاء ج 8 ص 314.
459

قدميك، ولا تفترش ذراعيك (1).
وفي آخر: إياك والقعود على قدميك فتتأذى بذلك، ولا تكون قاعدا على
الأرض فيكون قعد بعضك على بعض فلا تصبر للتشهد (2).
وهذه النصوص ظاهرة في كراهة الاقعاء بالمعنى الذي ذكروه، واطلاقها
يشمل حال الجلوس مطلقا من غير اختصاص بما بين السجدتين كما في العبارة
كثير من عبائر الجماعة. وبالاطلاق أيضا صرح جماعة ومنهم الشيخ في
الخلاف مع دعواه الاجماع (3).
(السابع: التشهد وهو واجب) بإجماعنا، بل الضرورة من مذهبنا،
وأخبارنا (في كل) صلاة (ثنائية مرة) بعدها (وفي) الصلاة (الثلاثية
والرباعية مرتين): مرة آخرهما وأخرى بعد ثانيتهما.
وأما الخبر: إذا جلس الرجل للتشهد فحمد الله تعالى أجزأه (4). فمحمول
إما على التقية كما ذكره شيخ الطائفة (5)، أو على أن المراد بيان ما يستحب
فيه، أي أدنى ما يستحب فيه ذلك.
ففي الحسن: التشهد في الركعتين الأوليين الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا
الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل على محمد
وآل محملا، وتقبل شفاعته، وارفع درجته (6).

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 5 ج 4 ص 677، لكثرت الاختلاف في النسخ
أثبتناه مطابقا للمصدر، و ب 6 من أبواب السجود ح 5 ج 4 ص 958 وفيه " ولا تكن ".
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 3 ج 4 ص 676، باختلاف يسير.
(3) الخلاف: كتاب الصلاة م 118 في كراهة الاقعاء ج 1 ص 360.
(4) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب التشهد ح 2 ج 4 ص 993.
(5) تهذيب الأحكام: ب 15 في كيفة الصلاة وصفاتها و... ج 2 ص 320 ذيل الحديث 161،
والاستبصار: كتاب الصلاة ب 196 في وجوب الصلاة على النبي (ص) ج 1 ص 344 ذيل الحديث 3.
(6) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب التشهد ح 1 ج 4 ص 989، باختلاف يسير.
460

وفي الخبر: عن التشهد، فقال: لو كان كما يقولون واجبا على الناس
هلكوا، إنما كان القوم يقولون أيسر ما يعلمون، إذا حمدت الله أجزأ عنك (1).
فتدبر.
(وكل تشهد يشتمل على) واجبا في (خمسة:
الجلوس بقدره)
الواجب للتأسي، والأمر به في خصوص الصلاة، مضافا إلى الاجماع. ففي
المنتهى: أنه قول كل من أوجب التشهد (2)، وفي جملة من النصوص: إيماء
إليه (3) أيضا، مع الأمر به في بعضها (4) (5).
(والشهادتان) مطلقا على الأظهر
الأشهر بل عليه عامة من تأخر. وفي الخلاف وغيره (6) وعن الغنية (7)
والتذكرة (8) والذكرى (9) الاجماع عليه، للمعتبرة المستفيضة.
منها: عن أدنى ما يجزئ من التشهد؟ قال: الشهادتان (10).
ونحوه الرضوي (11)، خلافا للمحكي عن المقنع: فأدنى ما يجزئ في التشهد:

(1) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب التشهد ح 3 ج 4 ص 994.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في التشهد ج 1 ص 294 س 8.
(3) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب التشهد ح 1 ج 4 ص 987، و ب 3 من أبواب التشهد ح 1 ج 4
ص 989، و ب 4 من أبواب التشهد ح 4 ج 4 ص 992.
(4) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب التشهد ح 3 ج 4 ص 998.
(5) في المتن المطبوع: (والطمأنينة) وقد أسقطت من الشرح المطبوع ومن النسخ الخطية.
(6) الخلاف: كتاب الصلاة م 127 في كيفية التشهد ج 1 ص 369، والمبسوط: كتاب الصلاة في ذكر
التشهد وأحكامه ج 1 ص 115.
(7) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في كيفية الصلاة ص 497 س 36.
(8) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في التشهد ج 1 ص 125 س 32.
(9) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في التشهد ص 204 س 31.
(10) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب التشهد ح 6 ج 4 ص 993.
(11) فقه الرضا (ع): ب 7 في الصلوات المفروضة ص 111.
461

الشهادتان، أو قول: بسم الله وبالله (1). وعن صاحب الفاخر: فتجزئ شهادة
واحدة في التشهد الأول (2). وهما مع شذوذهما وضعفهما بما قدمناه لم أعرف
مستندهما.
نعم في الصحيح: ما يجزئ من التشهد في الركعتين الأوليين؟ قال: أن
تقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، قال: قلت: فما يجزئ من
التشهد في الركعتين الأخيرتين؟ قال: الشهادتان (3).
وفي الخبر: إن نسي الرجل التشهد في الصلاة فذكر أنه قال: (بسم الله)
فقط فقد جازت صلاته، وإن لم يذكر شيئا من التشهد أعاد الصلاة (4).
وفي آخر مروي عن قرب الإسناد: عن رجل ترك التشهد حتى سلم؟
قال: إن ذكر قبل أن يسلم فليتشهد، وعليه سجدتا السهو، وإن ذكر أنه قال:
(أشهد أن لا إله إلا الله) أو (بسم الله) أجزأه في صلاته، وإن لم يتكلم بقليل
ولا كثير حتى يسلم أعاد الصلاة (5).
وهذه النصوص مع قصور الأخيرين منها سندا وعدم انطباقها كما هو على
شئ من القولين كما ترى لا تقاوم شيئا مما قدمناه، سيما مع تضمن الأخيرين
ما يخالف الاجماع قطعا من فساد الصلاة، ولزوم إعادتها بترك التشهد شكا أو
نسيانا.
(والصلاة على النبي وآله) عليهم السلام مطلقا على الأظهر

(1) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة لم نعثر عليه وإن كان الحاكي هو صاحب كشف اللثام
كتاب الصلاة في التشهد ص 232 س 4.
(2) لا يوجد عندنا كتابه ونقل عنه صاحب ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في التشهد ص 206 س 5.
(3) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب التشهد ح 1 ج 4 ص 991.
(4) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب التشهد ح 7 ج 4 ص 996.
(5) قرب الإسناد: ص 90.
462

الأشهر، بل عليه عامة من تأخر. وفي الخلاف (1)، وعن الغنية (2)، والمعتبر (3)
والمنتهى (4) والتذكرة (5) والذكرى (6) الاجماع عليه. وهو الحجة، مضافا إلى قوله
سبحانه: (صلوا عليه وسلموا تسليما) (7) لإفادته الوجوب، وليس في غير
الصلاة إجماعا كما في الناصرية (8) والخلاف (9)، وعن المعتبر (10) والمنتهى (11)
فليكن واجبا فيها خاصة. وتقييده بهذا أو لي من حمله على الاستحباب مطلقا،
والنصوص المستفيضة:
منها - زيادة على ما تأتي إليه الإشارة - الصحيح: إن الصلاة على النبي
- صلى الله عليه وآله - من تمام الصلاة، ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على
النبي - صلى الله عليه وآله - (12)؟
ومنها: من صلى ولم يصل على النبي - صلى الله عليه وآله -، وترك ذلك
متعمدا فلا صلاة له (13) الخبر.

(1) الخلاف: كتاب الصلاة م 123 وجوب الصلاة على النبي في الصلاة ج 1 ص 365.
(2) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في كيفية الصلاة ص 497 س 36..
(3) المعتبر: كتاب الصلاة في التشهد ح 2 ص 226.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في التشهد ج 1 ص 294 س 8.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في التشهد ج 1 ص 125 س 42.
(6) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في التشهد ص 204 س 27.
(7) الأحزاب: 56.
(8) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة م 91 ص 235.
(9) الخلاف: كتاب الصلاة م 128 في الصلاة على النبي ركن من أركان الصلاة ج 1 ص 370.
(10) المعتبر: كتاب الصلاة في التشهد ج 2 ص 226.
(11) منتهى المطلب: كتاب الصلاة، في التشهد، ج 1 ص 213 س 32.
(12) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب التشهد ح 1 ج 4 ص 999، وفيه " من تمام الصلاة إذا تركها
متعمدا " الخ.
(13) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب التشهد ح 2 ج 4 ص 999.
463

ومنها: إذا صلى أحدكم ولم يذكر النبي - صلى الله عليه وآله - في صلاته
يسلك بصلاته غير سبيل الجنة (1).
ومنها: من صلى ولم يصل فيها علي وعلى آلي لم تقبل منه تلك الصلاة (2).
إلى غير ذلك من النصوص. قيل: خلافا للصدوق، فلم يذكر في شئ من كتبه
شيئا من الصلاتين في شئ من التشهدين كأبيه في الأول، للأصل (3)، وظاهر
الخبرين الماضيين بإجزاء الشهادتين كالصحاح.
منها: إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته، فإن كان مستعجلا في أمر
يخاف أن يفوته فسلم وانصرف أجزأه (4).
وفي الجميع نظرة لضعف الأصل بما مر، وقصور النصوص عن مقاومته، بل
وعن الدلالة على خلافه بعد قوة احتمال ما قيل: من أن الفرض منها بيان ما
يجب من التشهد، وإنما يصدق حقيقة على التشهد (5)، مع احتمال الحمل
على التقية، وعلى كون ترك الصلاة على محمد وآله للعلم بوجوبها من
الكتاب، أو لعدم اختصاص وجوبها بالتشهد، بل بوقت ذكره عليه السلام
على القول به. وهذه الاحتمالات محتملة في كلام الصدوقين أيضا، فلا
خلاف كما تشعر به الاجماعات المحكية، وما يحكى عن الصدوق في أماليه أنه
قال: من دين الإمامية الاقرار بأنه يجزئ في التشهد الشهادتان والصلاة على
النبي وآله (6).

(1) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب التشهد ح 3 ج 4 ص 999.
(2) عوالي اللآلي: في أحاديث رواها العلامة المقداد بن عبد الله السيوري ح 101 ج 2 ص 40.
(3) والقائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في التشهد ج 1 ص 232 س 13.
(4) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب التشهد ح 2 ج 4 ص 992.
(5) انظر الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في التشهد ج 8 ص 448.
(6) أمالي الصدوق: مجلس 93 في دين الإمامية ص 512، أقول لم نجد جملة: " والصلاة على النبي
- صلى الله عليه وآله - وآله " وإنما الموجود فيه هو " ويجزئ في التشهد الشهادتان فما زاد فتعبد " كما
لا يخفى.
464

ثم إن مقتضى الأصل وإطلاق الأدلة الموجبة للصلاة على النبي وآل ما
عدا الاجماعات المنقولة إنما هو وجوبها في الصلاة مطلقا ولو مرة، كما عن
الإسكافي (1)، إلا أن الاجماعات عينتها في التشهدين، وبها يقيد الاطلاق،
مضافا إلى انصرافه إلى المعهود من النبي - صلى الله عليه وآله - والأئمة - عليهم
السلام - والمسلمين في الأعصار والأمصار.
وفي الصحيح الوارد في بدو الأذان والصلاة: أنه - صلى الله عليه وآله - بعد
ما جلس للتشهد أوحى الله تعالى إليه: يا محمد، صل على نفسك وعلى أهل
بيتك، فقال: صلى الله عليه وعلى أهل بيتي (2)، ويوافقه الحسن المتقدم في
أول البحث.
(وأقله) أي: التشهد المجزئ (أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك
له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم يأتي بالصلاة على النبي وآله)
فيقول: اللهم صل على محمد وآل محمد. ولا خلاف في إجزاء هذا المقدار، بل
عليه الاجماع في الروضة (3) والمدارك (4)، وإنما اختلفوا في وجوب ما زاد عن
الشهادتين من قوله: " وحده لا شريك له، وعبده ورسوله ".
فقيل: نعم، كما هو ظاهر المتن وجماعة، لو روده في جملة من المعتبرة.
منها: زيادة على ما مر من الصحيح وغيره المروي في الخصال: إذا قال في
التشهد الأخير وهو جالس: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد

(1) كما في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في التشهد ص 204 س 29.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الأفعال ح 10 ج 4 ص 680.
(3) الروضة البهية: كتاب الصلاة في التشهد ج 1 ص 623.
(4) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في التشهد ج 3 ص 426.
465

أن محمدا عبده ورسوله " وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في
القبور " ثم أحدث حدثا فقد مضت صلاته (1). خلافا للأكثر على الظاهر
المصرح به في كلام جمع (2) فلا يجب، بل تجزئ الشهادتان مطلقا، لاطلاق
جملة من النصوص.
منها: الرضوي المتقدم وسابقه، ويضعف بوجوب حمل المطلق على المقيد،
وهو حسن لولا اشتمال جملة من المقيدات على ما لم يجب إجماعا وأخرى على
ترك ما يجب كذلك وهو الصلاة على النبي وآله كما مضى، مع قصور سند
بعضها، وأما معه فيشكل سيما بعد اشتهار الاطلاق بين الأصحاب، حتى أن
الشهيد - رحمه الله - في الذكرى عزاه إليهم بصيغة الجمع المفيد للاستغراق.
فقال: وظاهر الأصحاب وخلاصة الأخبار: الاجتزاء بالشهادتين مطلقا،
فعلى هذا لا يضر ترك " وحده لا شريك له " ولا لفظة " عبده "، وفي رواية أبي
بصير " وأن محمدا " بغير لفظة " أشهد " (3). وهو كما ترى مشعر بالاجماع عليه،
ولكنه في اللمعة والدروس عبر بما في المتن (4)، ولا ريب أنه أحوط وإن كان
القول بتعينه لعله لا يخلو عن نظر لما مر، مضافا إلى جملة مما دل على إجزاء
الشهادتين الصادقتين على ما عليه الأكثر أوضح دلالة على عدم وجوب الزائد
عليهما من دلالة المقيدات على وجوبه، وأظهر من حيث التصريح فيها بأنهما
أدنى ما يجزئ بخلافها، فإن غايتها: الدلالة على الأمر به ورجحانه، وهو ظاهر
في الوجوب، وأدنى ما يجزئ صريح في العدم، سيما مع ضم بعض النصوص

(1) الخصال: (حديث الأربعمائة) ح 10 ج 2 ص 629، وفيه اختلاف يسير.
(2) منهم صاحب روض الجنان: كتاب الصلاة في التشهد ص 278 س 2.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في التشهد ص 204 س 31.
(4) اللمعة الدمشقية: كتاب الصلاة في التشهد ج 1 ص 623، والدروس الشرعية: كتاب الصلاة في
التشهد ص 39 س 24.
466

المعبر عن الشهادتين بلفظهما من دون ذكر للزيادتين أصلا، فلا يمكن صرف
الشهادتين إلى ما يشملهما، والزيادتين وقصور السند أو ضعفه منجبر بالأصل
والشهرة بين الأصحاب.
(وسننه: أن يجلس متوركا) كما في الصحيح: فإذا قعدت في تشهدك
فألصق ركبتيك بالأرض وفرج بينهما شيئا، وليكن ظاهر قدمك اليسرى على
الأرض، وظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسر في، وأليتاك على
الأرض، وطرف إبهامك اليمنى على الأرض، وإياك والقعود على قدميك
فتتأذى بذلك ولا تكن قاعدا على الأرض فيكون إنما قعد بعضك على بعض
فلا تصبر للتشهد والدعاء (1). ويستفاد منه تفسيره بما قدمناه (و) هو: أن
(يخرج رجليه) من تحته (ثم يجعل ظاهر اليسرى إلى الأرض وظاهر
اليمنى إلى باطن اليسرى) وزيادة ما ذكره المرتضى: وأن يخطر بباله حال
التورك فيه حين يرفع اليمنى ويخفض اليسرى " اللهم أمت الباطل وأقم
الحق " (2) كما في النص (3).
(والدعاء بعد الواجب) من التشهد وقبله بما مر في بعض النصوص
وغيره، وأفضله ما تضمنه الموثق الطويل من الأذكار (4).
(و) أن (يسمع الإمام من خلفه) الشهادتين كما مر في بحث القراءة.
(الثامن: التسليم، وهو واجب في أصح القولين) وأشهرهما، وعن
الأمالي: أنه من دين الإمامية الذي يجب الاقرار به (5)، وفي الناصرية: الاجماع

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الأفعال ح 3 ج 4 ص 676.
(2) لم نعثر عليه في كتبه المتوفرة لدينا، ولعله في كتاب له غير موجود عندنا كالمصباح والمحمدية وغيرهما.
(3) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب التشهد ح 4 ج 4 ص 988.
(4) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب التشهد ح 2 ج 4 ص 989.
(5) أمالي الصدوق: مجلس 93 في دين الإمامية ص 512.
467

عليه من كل من جعل التكبير جزء من الصلاة (1). وأوجبه للتأسي
والاحتياط، واستصحاب تحريم ما يحرم فعله في الصلاة، وجعله في النصوص
المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر تحليل الصلاة بما يفيد الحصر في كثير منها،
وهو لا يجامع القول بالاستحباب، لحصول التحليل عليه بمجرد الفراغ من
التشهد، فلا معنى لحصوله بالتسليم بعد ذلك.
وقصور أسانيد هذه الأخبار أو ضعفها غير موهن للتمسك بما بعد بلوغها من
الكثرة إلى قرب التواتر، مع اشتهارها بين العلماء بحيث سلمها لذلك جماعة من
القائلين بالاستحباب أيضا. مضافا إلى الأمر به في الصحاح المستفيضة
وغيرها من المعتبرة التي كادت تبلغ التواتر، بل لعلها متواترة مروية جملة منها في
بحث الشكوك في عدد الركعات كالصحيح: إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم
نقصت أم زدت فتشهد وسلم واسجد سجدتين، الحديث (2).
وما يقال عليها من ضعف دلالة الأمر فيها على الوجوب من حيث وهن
دلالته في عرف الأئمة - عليهم السلام - عليه (3) فضعيف في الغاية كما بين في
الأصول، والاعتذار للضعف بوجود ما هو صريح في الاستحباب فيحمل
الأمر عليه جمعا، فإن النص حيثما تعارض مع الظاهر مقدم حسن لو سلم النص،
وإلا كما سيأتي.
فالوجوب معين، سيما مع اعتضاده بما مر من نصوص أخر كالموثق: فيمن
رعف قبل التشهد فليخرج، فليغسل أنفه ثم ليرجع فليتم صلاته، فإن آخر
الصلاة التسليم (4). والموثق حجة، والدلالة ظاهرة، فإن المتبادر من قوله: " آخر

(1) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية) كتاب الصلاة م 82 ص 232 س 19.
(2) وسائل الشيعة: ب 14 من، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 4 ج 5 ص 327.
(3) لم نعثر على قائلة
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب التسليم ح 4 ج 4 ص 1004.
468

الصلاة التسليم " كونه الجزء الأخير الواجبي لا الندبي، كما يقتضيه أيضا
تعليل الأمر بالرجوع الذي هو للوجوب به، ومتروكية ظاهر آخره غير ضارة، فإن
الرواية على هذا كالعام المخصص في الباقي حجة، مع احتماله الحمل على ما
لا يوجب المتروكية.
وقريب منه في الدلالة على كونه آخر الصلاة جملة من المعتبرة الآتية، وفيها
الصحيح وغيره أن به يحصل الانصراف من الصلاة، وهو ظاهر، في عدم
حصوله بالتشهد كما يدعيه القائل بالاستحباب.
وروى الصدوق في العلل عن المفضل بن عمر أنه سأله - عليه السلام - عن
العلة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة فقال: لأنه تحليل الصلاة (1). وهو
نص في الوجوب. فتأمل.
قيل: ولأن التسليم واجب بنص الآية الكريمة ولا شئ منه بواجب في غير
الصلاة، وأنه لو لم يجب لم تبطل صلاة المسافر بالاتمام (2). ويضعف الأول بأنه
يحتمل كون المراد: التسليم لأمره والإطاعة له، والثاني باحتمال استناد البطلان
إلى نية التمام، والقول الثاني بالاستحباب للشيخين (3) وجماعة من
الأصحاب (4) للأصل، ويندفع بما مر، وللصحاح المستفيضة:

(1) علل الشرائع: ب 77 في علة التسليم في الصلاة ج 2 ص 359.
(2) كما استدل به صاحب منتهى المطلب: كتاب الصلاة في التسليم ج 1 ص 295 و 296 س 27 و 3
وروض الجنان: ص 279 و 280. ومدارك الأحكام: ج 3 ص 431، وكشف اللثام: ج 1 ص 233
س 31، وغيرهم.
(3) المقنعة: كتاب الصلاة ب 15 في تفصيل أحكام ما تقدم... ص 139، والنهاية: كتاب الصلاة باب
فرائض الصلاة وسننه و... ص 89.
(4) كالقاضي في المهذب: كتاب الصلاة باب تفصيل الأحكام المقارنة للصلاة ج 1 ص 99، والسرائر:
كتاب الصلاة باب كيفية فعل الصلاة على سبيل الكمال... ج 1 ص 231، ومختلف الشيعة: كتاب
الصلاة فيها ظن أنه واجب ج 1 ص 97 س 12.
469

منها: إذا استويت جالسا فقل: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك
له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم تنصرف (1).
ومنها: إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته، وإن كان مستعجلا في
أمر يخاف فوته فسلم وانصرف أجزأه (2). والمراد: الاجزاء في حصول الفضيلة
كما يقتضيه صدر الرواية.
ومنها: عن المأموم، يطول الإمام، فتعرض له الحاجة، قال: يتشهد
وينصرف، فيدع الإمام (3).
ومنها: إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم - عليه السلام - فصل
ركعتين واجعله أمامك، فاقرأ فيهما في الأولى (قل هو الله أحد)، وفي الثانية
(قل يا أيها الكافرون) ثم تشهد واحمد الله واثن عليه، وصل على النبي صلى
الله عليه وآله واسأله أن يتقبله منك (4). فإن ظاهره عدم الوجوب في ركعتي
الطواف، ولا قائل بالفصل.
ويرد على الصحاح الأولى: أنها كما تدل على عدم وجوب السلام كذا
تدل على عدم وجوب الصلاة على النبي وآله ولا قائل به منا. هذا على تقدير
تسليم الدلالة، وإلا فإن غايتها الدلالة على حصول الانصراف من الصلاة
بالفراغ من الشهادتين، وهو لا يستلزم عدم وجوب السلام مطلقا، بل على عدم
وجوبه في الصلاة، وهو لا ينافي وجوبه خارجا من الصلاة بما هو رأي بعض
الأصحاب (5) وإن كان الأشهر الأظهر بل المجمع عليه كما ذكره جماعة

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب التشهد ح 4 ج 4 ص 992.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب التشهد ح 2 ج 4 ص 992.
(3) وسائل الشيعة: ب 64 من أبواب صلاة الجماعة ح 2 ج 5 ص 464، باختلاف.
(4) وسائل الشيعة: ب 71 من أبواب الطواف ح 3 ج 9 ص 479، باختلاف.
(5) كما في ذكرى الشيعة - نقلا عن صاحب الفاخر -: كتاب الصلاة في التسليم ص 206 س 7، وكما في
ذخيرة المعاد نقلا عن صاحب البشرى -: كتاب الصلاة في التسليم ص 290 س 18، ومفتاح
الشرائع: كتاب الصلاة م 173 في الواجب من التسليم ج 1 ص 152، والحدائق الناضرة: كتاب
الصلاة في التسليم ج 8 ص 475، وغيرهم.
470

خلافه (1).
هذا، مع أن الذي تقتضيه جملة من النصوص وفيها الصحيح وغيره أن المراد
بالانصراف: هو التسليم. ويشهد له الأمر به في جملة من هذه الصحاح (2) إذا
قله الطلب، وهو يستدعي عدم حصول المطلوب بعد الفراغ من الشهادتين،
ولا يكون ذلك إلا على تقدير كون المراد بالانصراف ما ذكرناه، لا المعنى
اللغوي لحصوله بمجرد الفراغ من الشهادتين على القول باستحباب التسليم، فلا
معنى لطلبه فتأمل.
ويشهد له أيضا لفظ (الاجزاء) في الصحيحة الثانية، وصرفه عن ظاهره
الذي هو الوجوب إلى الفضيلة بقرينة صدر الرواية ليس بأولى من صرف
الصدر عن ظاهره إلى ظاهر الاجزاء بحمل الشهادتين فيه على ما يشتمل
السلام، فإن إطلاق التشهد على ما يشمله شائع ووارد في الأخبار، مع أنه
لا بد منه، بالإضافة إلى الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله - وآله عليهم
السلام. وعلى هذا فهذه الروايات بالدلالة على الوجوب أولى. هذا مع أن
الصحيحة الثالثة نسخها مختلفة. ففي موضع من التهذيب كما ذكر (3) وفي آخر
منه وفي الفقيه: بدل (يتشهد) (يسلم) (4). ويعضد هذه النسخة - مضافا إلى

(1) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة م 82 في التسليم ص 232 س 27، وغنية النزوع
(الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في كيفية فعل الصلاة ص 496 س 21، والتنقيح الرائع: كتاب
الصلاة في التسليم ج 1 ص 211.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب التسليم ج 4 ص 1012.
(3) تهذيب الأحكام. كتاب الصلاة ب 16 في أحكام السهو ح 34 ج 2 ص 349.
(4) تهذيب الأحكام: كتاب الصلاة ب 25 في فضل المساجد والصلاة فيها وفضل الجماعة وأحكامها
ح 162 ج 3 ص 283، ومن لا يحضره الفقيه: باب الجماعة وفضلها ح 1192 ج 1 ص 401.
471

التعدد وأضبطية الفقيه - الموافقة لصحيحين آخرين مرويين فيهما: عن رجل
يكون خلف الإمام، فيطيل الإمام التشهد، قال: يسلم ويمضي لحاجته إن
أحب (1) هذا مع أوفقيتها بالسؤال في صدر الصحيحة. فتدبره تجده.
وعلى الصحيحة الرابعة: أن الذي يقتضيه التدبر فيها أن المقام فيها ليس
مقام ذكر واجبات الصلاة، ولذا لم يذكر فيها سوى قليل منها، بل المقام فيها
مقام بيان بعض ما يستحب فيها، ولذا ذكر فيه الجحد والتوحيد، مع أن عدم
ذكر التسليم فيها كما ينفي وجوبه كذا ينفي استحبابه، والخصم لا يقول به.
ولئن تنزلنا عن جميع ذلك نقول: إنها معارضة بالنصوص المستفيضة
القريبة من التواتر، بل المتواترة الآمرة بالتسليم (2)، وهي بالنسبة إليها أوضح
دلالة، وأن ضعف دلالتها في نفسها من حيث استعمال الأمر في الندب كثير،
لكن غايته دفع الصراحة النفسية لا الصراحية والظهور بالإضافة هذا، وقد
استدل لهذا القول بوجوه أخر هي مع الجواب عنها وتمام الكلام في المسألة في
الشرح مذكورة.
(وصورته) أي: صورة التسليم على تقدير وجوبه أو استحبابه: (السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين، أو السلام عليكم ورحمة الله وبركاته).
أما الأول: فلدلالة المعتبرة المستفيضة عليها.
منها الصحيح: إن قلت: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد
انصرفت (3).

(1) تهذيب الأحكام: كتاب الصلاة ب 16 في أحكام السهو ح 33 ج 2 ص 349، ومن لا يحضره الفقيه:
باب الجماعة وفضلها ح 1164 ج 1 ص 393.
(2) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب التشهد ح 3 و 4 ج 4 ص 995، و ب 3 من أبواب التسليم ح 5 ج 4
ص 1004 (3) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب التسليم ح 1 ج 4 ص 1012.
472

وفي معناه البواقي (1)، بل في الموثق: إذا كنت إماما فإنما التسليم أن تسلم
على النبي - صلى الله عليه وآله - وتقول: السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين، فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة، ثم تؤذن القوم وتقول وأنت
مستقبل القبلة: السلام عليكم، وكذلك إذا كنت وحدك تقول: السلام علينا
وعلى عباد الله الصالحين مثل ما سلمت وأنت إمام، وإذا كنت في جماعة فقل
مثل ما قلت، وسلم على من على يمينك وشمالك، الحديث (2). ونحوه غيره.
وهذه الأخبار وإن لم تصرح بتأدي الواجب من التسليم بها، لأن غايتها
التصريح بالخروج بها من الصلاة وهو أعم من ذلك، لكنها تستلزم ذلك، لأن
بالخروج بها يتحقق التحليل الذي لأجله وجب التسليم بمقتضى الرواية
المشهورة وما في معناها من الأخبار المستفيضة، ولا سيما ما تضمن منها لتعليل
وجوبه به كالمروي في العلل،: عن العلة التي من أجلها وجب التسليم في
الصلاة؟ قال: لأنه تحليل الصلاة (إلى أن قال): فلم صار تحليل الصلاة
التسليم؟ قال لأنه تحية الملكين (3).
وأما ما يقال: من عدم حصول التحليل بها وأن غايتها الخروج من الصلاة
وهو أعم من ذلك (4) فكلام شعري لا يلتفت إليه.
ويرده صريحا المروي في الخصال: عن أبي عبد الله - عليه السلام - قال:
لا يقال في التشهد الأول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، لأن تحليل
الصلاة هو التسليم، فإذا قلت هذا فقد سلمت (5). وصرف التحليل فيه عن

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب التسليم ج 4 ص 1012.
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب التسليم ح 8 ج 4 ص 1008.
(3) علل الشرائع: ب 77 في علة التسليم في الصلاة ح 1 ص 359.
(4) الظاهر إنه صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في التسليم ج 8 ص 490.
(5) الخصال: أبواب المائة فما فوقه ح 9 ج 2 ص 604.
473

معناه المعروف إلى أنه عبارة عن انقطاع الصلاة والخروج منها لا وجه له. ومن
هذه الأخبار يستفاد: عموم التسليم في الرواية المشهورة لمثل هذه الصيغة، بل
ظاهر الموثقة ونحوها انحصاره فيها، إلا أنه لما انعقد الاجماع على إجزاء الصيغة
الثانية وتحقق الخروج بها - كما حكاه جماعة - (1) لزم رفع اليد عن الحصر فيهما
بتأويله إلى ما يجامعه، مع قوة احتمال عدم الاعتبار بمفهومه ولا في معناه،
لورودهما مورد الغالب المعروف المعهود الشرعي من وقوع (السلام علينا إلى
آخره) بعد الشهادتين، كما هو المعمول عليه الآن.
وبعموم الرواية المشهورة في نفسها استدل الماتن فيما حكي عنه على التخيير
بين الصيغتين، لصدق التسليم بكل منهما (2). وهو حسن. وما قيل في تضعيفه
من أن التعريف للعهد والمعروف منه بين العامة والخاصة (السلام عليكم)
كما يعلم من تتبع الأحاديث حيث تذكر فيها ألفاظ السلام المستحبة، والسلام
علينا، ثم يقال: وسلم (3) فحسن لولا تلك الأخبار المستفيضة المصرحة بحصول
الانصراف.
والتحليل الواجب ب‍ " السلام علينا " فكما يعلم من الأخبار التي ذكرها
معهودية الصيغة الثانية فكذا يعلم من المستفيضة عموم التسليم الواجب للأولى
أيضا، فإن بها يتأدى التحليل الواجب في الصلاة الذي لأجله وجب التسليم.
وبما ذكرناه ظهر ضعف القول بتعين الثانية للخروج، وأنها هي الواجبة
كما عن الأكثر، بل في الدروس: أنه عليه الموجبون (4)، وفي البيان: لم يوجب

(1) المعتبر: كتاب الصلاة في التسليم ج 2 ص 235، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في التسليم ج 1
ص 296 س 17، وذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في التسليم ص 208 س 17 و 19.
(2) المعتبر: كتاب الصلاة في التسليم ج 2 ص 234، والحاكي هو مدارك الأحكام
(3) والقائل هو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في التسليم ج 3 ص 436.
(4) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في التسليم ص 40 س 5.
474

الأولى أحد من القدماء. وأن القائل بوجوب التسليم يجعلها مستحبة كالتسليم
على الأنبياء والملائكة، غير مخرجة من الصلاة، والقائل بندب التسليم يجعلها
مخرجة (1). وفيه نظر، بل ظاهر المحكي عن الشيخ في التهذيب: حصول الخروج
بالأولى وأنه متفق عليه بيننا (2)، مع أنه قد قال بذلك مخيرا بينها وبين الثانية
كما في كتب الماتن (3) والمنتهى (4)، والارشاد (5) والقواعد (6) والروض (7)
والروضة (8) وفي المهذب (9) والنكت (10) دعوى الشهرة عليه، وفي الدروس
والرسالة الألفية واللمعة الدمشقية (11) التي هي آخر مصنفاته، وقواه في الذكرى
أيضا وإن قال: إنه لا قائل به من القدماء، كيف يخفى عليهم مثله لو كان
حقا!؟ (12).
وقال بتعين الأولى للخروج (13) ووجوبها يحيى بن سعيد في الجامع (14)

(1) البيان: كتاب الصلاة في التسليم ص 94.
(2) تهذيب الأحكام: ب 8 في كيفية الصلاة... ج 2 ص 129، ذيل الحديث 264.
(3) المعتبر: كتاب الصلاة في التسليم ج 2 ص 234، وشرائع الاسلام: كتاب الصلاة في التسليم ج 1
ص 89.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في التسليم ج 1 ص 296 س 1.
(5) إرشاد الأذهان: كتاب الصلاة في التسليم ج 1 ص 256.
(6) قواعد الأحكام: كتاب الصلاة في التشهد ج 1 ص 35 س 11.
(7) روض الجنان: كتاب الصلاة في التسليم ص 281 س 8.
(8) الروضة البهية: كتاب الصلاة في التسليم ج 1 ص 624.
(9) لم نعثر عليه في المهذب، وعثرنا عليه في المهذب البارع - والظاهر هو المقصود -: كتاب الصلاة في
التسليم ح 1 ص 388.
(10) لم نعثر عليه في النسخة المتوفرة لدينا، ولعله يوجد في نسخ أخرى خطية والله العالم.
(11) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في التسليم ص 40 س 8، والألفية: في المقدمات ص 62، واللمعة
الدمشقية: كتاب الصلاة في التسليم ج 1 ص 624.
(12 و 13) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في التسليم كل ص 208 س 20 و 18.
(14) الجامع للشرائع: كتاب الصلاة باب شرح الفعل والكيفة ص 84.
475

لكنه ضعيف لما عرفت من الاجماعات على الخروج بالثانية وتأدي الواجب
بها. وفي الذكرى: أنه خروج عن الاجماع من حيث لا يشعر قائله (1).
أقول: ولولاه لأمكن القول بما قاله، لظواهر ما مر من المستفيضة، لكن معه
لا يمكن القول به، كما لا يمكن القول بتعيين الأولى للخروج ووجوب الثانية
كما عليه جماعة، لما عرفت من: أن بعد الخروج بها يتأدى التحليل الذي
لأجله وجب التسليم.
وأما الأخبار الآمرة بالثانية بعد الأولى فمحمولة على الاستحباب جدا،
لعدم قائل بوجوبهما معا.
ولذا قال الماتن: أو بأيهما بدأ كان الخافي مستحبا " وهو " حسن، إلا
أن ظاهره استحباب الأولى لو أتى بالثانية قبلها، ولم يستفد هذا من الأدلة التي
ذكرناها، ومع ذلك مخالفة للترتيب المعروف شرعا، ولذا أنكره الشهيد - رحمه
الله - فقال: إنه قول مستحدث في زمان المحقق ومن قبله بزمان يسير (2).
هذا، والأحوط الجمع بينهما مع تأخير الثانية عن الأولى لجوازه، بل
استحبابه اتفاقا كما حكاه بعض أصحابنا (3). وأحوط منه عدم ترك التسليم
على النبي - صلى الله عليه وآله - لمصير صاحب الفاخر إلى وجوبه (4)، ومال
إليه الفاضل المقداد في كنز العرفان (5) وتعضده الآية الموثقة المسابقة وما
بعدها، المتضمنان للحصر السابق وأن كان في الاستدلال بهما على ذلك نظر؟
لاحتمال التسليم في الأول: الانقياد وغيره مما لا يتم معه الاستدلال، ومنافاة

(1) الجامع للشرائع: كتاب الصلاة باب شرح الفعل والكيفية ص 84.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في التسليم ص 207 س 14.
(3) وهو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في التسليم ص 207 س 2.
(4) كما في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في التسليم ص 206 س 5.
(5) كنز العرفان: كتاب الصلاة في وجوب التسليم ج 1 ص 141 - 143.
476

الحصر في الثاني، للاجماع كما مر، مضافا إلى دعوى الفاضل: الاجماع على
استحباب هذا التسليم (1)، وجعل الشهيد القول بوجوبه غير معدود من
المذهب (2)، مشعرا بل مؤذنا بمخالفته الاجماع، بل الضرورة.
واعلم: أنه قد اختلف الأصحاب في المعتبر عن الصيغة الثانية، فبين من
عبر عنها بما في العبارة: كابن زهرة (3)، وبين من جعلها هو (السلام عليكم)
خاصة: كالصدوق والنعمان والإسكافي (4) وغيرهم، وبين من زاد عليه
" ورحمة الله " دون " وبركاته " كالحلبي (5).
ولعل منشأ الاختلاف: اختلاف النصوص في التأدية، مع اختلاف
الأنظار في الجمع بينها، فللأولين حمل ما دل منها على الناقص مطلقا على أن
ترك الزيادة لأجل وضوحها من الخارج عملا وللمقتصرين على الناقص حمل
الزيادة على الاستحباب، والكل محتمل، إلا أن الأحوط الأول وإن كان في
تعينه نظر، لما يظهر من المنتهى من عدم الخلاف في عدم وجوبه، وأنه لو قال:
" السلام عليكم ورحمة الله " جاز وإن لم يقل: " وبركاته " بلا خلاف (6). ولا
يبعد ترجيح الوسط، لرجحانه بفتوى الأكثر.

(1) لم نعثر عليه في كتب العلامة، وما وجدناه في المنتهى والتذكرة هو ادعاء الاجماع على عدم الخروج
فراجع منتهى المطلب: كتاب الصلاة في التسليم ج 1 ص 296 س 27 - 28، وتذكرة الفقهاء: كتاب
الصلاة في التسليم ج 1 ص 127 س 23.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في التسليم ص 206 س 6.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية) كتاب الصلاة في كيفية فعل الصلاة ص 497 س - 19.
(4) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة باب الأذان في الصلاة ص 8 س 22، وكما في المعتبر:
كتاب الصلاة في التسليم ج 2 ص 236، وكما في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في التسليم ص 306
س 37، وكما في كشف اللثام: كتاب الصلاة في التسليم ج 1 ص 234 س 12.
(5) الكافي في الفقه: باب تفصيل أحكام الصلاة ص 119.
(6) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في التسليم ج 1 ص 296 س 34.
477

(والسنة فيه أن يسلم المنفرد تسليمة) واحدة (إلى القبلة) كما في
الموثق وغيره المتقدمين، والصحيح: وإن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة (1)
(ويومئ بمؤخر عينيه إلى يمينه) على المشهور جمعا بين تلك النصوص،
والخبر المروي عن جامع البزنطي: إذا كنت وحدك فسلم تسليمة واحدة عن
يمينك (2). خلافا للمبسوط: فتجاه القبلة (3) كما هو ظاهر الأخبار الأولة، مع
قصور الرواية الأخيرة. وللصدوق: فيميل بأنفه إلى يمينه (4)، لرواية العلل
الآتية.
وربما قيل: بالتخيير، للرضوي: ثم تسلم على يمينك وإن شئت يمينا
وشمالا، وأن شئت تجاه القبلة (5). وفيه مناقشة بل هو ظاهر في الدلالة على
أفضلية اليمين، فيكون نحو الرواية الأخيرة، فيكون مؤيدا لها، مضافا إلى
الشهرة، والجمع بينهما وبين الروايات الأولة كما يمكن بطريق المشهور كذا
يمكن بطريق الصدوق، إلا أن الأول أقرب إلى مضمون الأولة. والثاني
أوضح، لوضوح الشاهد عليه من الرواية، وأوفق بما هو المتبادر من إطلاق " عن
يمينك "، بل المتبادر منه ما كان الالتفات فيه بتمام الوجه، لكن عدل عنه
اتفاقا للرواية، وحذرا عن الالتفات المكروه اتفاقا فتوى ورواية، ومع ذلك لعل
الأول أولى، للشهرة المرجحة، وأوفقيته للأخبار المعتبرة الدالة على استقبال
القبلة، وما قابلها من أخبار اليمين قاصرة الأسانيد أو ضعيفة، فطرحها متعين

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب التسليم ح 3 ج 4 ص 1007.
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب التسليم ح 12 ج 4 ص 1009. نقلا عن المعتبر عن الجامع البزنطي، والمعتبر: كتاب الصلاة في التسليم ج 1 ص 237.
(3) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر التشهد وأحكامه ج 1 ص 116
(4) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة باب الأذان في الصلاة ص 8 س 22.
(5) فقه الرضا (ع): ب 7 في الصلوات المفروضة ص 109.
478

إلا أن حملها على اليمين في الجملة ولو بمؤخر العين أولى جمعا تبرعيا، إذ يكفي
في صدق الإضافة أدنى الملابسة.
(و) كذلك (الإمام) يسلم تسليمة واحدة إلى القبلة، لكن يومئ
(بصفحة وجهه) إلى يمينه.
أما أنه يسلم واحدة إلى القبلة فللمعتبرة:
منها: الصحيح: إذا كنت إماما فسلم تسليمة واحدة مستقبل القبلة (1).
ونحوه الموثق وغيره المتقدمان.
والظاهر الخبر تقريرا، وفيه: تسليم الإمام وهو مستقبل القبلة، قال:
يقول: السلام عليكم (2).
وأما استحباب الايماء إلى اليمين فللجمع بينها وبين الصحيح: إن كنت
تؤم قوما أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك (3). وإنما جعل بصفحة الوجه أخذا
بما هو المتبادر من اللفظ عند الاطلاق كما مر. وفيه نظر، لجريان هذا الوجه في
المنفرد أيضا، مع أنهم جعلوا الايماء فيه لمؤخر العين مراعاة الحال الاستقبال
مهما أمكن. ويمكن أن يكون الوجه: الأخبار الدالة على أن كلا من الإمام
والمأمومين يسلم على الآخر، وهو يستلزم الميل بصفحة الوجه لا أقل منه وإنما
اقتصروا عليه حذرا من الالتفات المكروه. خلافا للمبسوط فكما مر لما مر. وفيه
نظر، وللصدوق فبعينه لرواية العلل وفيه ما مر.
(والمأموم) يسلم (بتسليمتين) بصفحة وجهه (يمينا وشمالا) إن كان
على شماله أحد وإلا فعلى يمينه خاصة مطلقا على المشهور كما يستفاد من
المعتبرة المستفيضة بعد ضم بعضها مع بعض.

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب التسليم ح 1 ج 4 ص 1007، وفيه اختلاف يسير.
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب التسليم ح 11 ج 4 ص 1009.
(3) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب التسليم ح 3 ج 4 ص 1007.
479

ففي الصحيح: وإن كنت مع إمام فتسليمتين (1). وإطلاقه بالإضافة إلى
اليمين والشمال مقيد بالمصرح بهما كالصحيح: إذا كنت قي صف فسلم تسليمة
عن يمينك وتسليمة عن يسارك، لأن عن يسارك من يستلم عليك (2).
وإطلاقهما بالإضافة إلى التسليم على اليسار وإن شمل ما لو لم يكن فيه أحد
لكن مقيد بما دل على اشتراطه من المعتبرة كالصحيح: الإمام يسلم واحدة ومن
ورائه يسلم اثنتين فإن لم يكن على شماله أحد سلم واحدة (3). ونحوه الموثق
وغيره المتقدمان وغيرها، مضافا عدم معلومية انصرف إطلاق الصحيحين
إلى من عدا محل القيد، سيما مع ما في ثانيهما من التعليل الظاهر في اختصاصه
بالمقيد فتدبر.
ومنه يظهر عدم استقامة ما في العبارة من الاطلاق، كما لا استقامة، لما فيها
من التسليم بالوجه يمينا وشمالا الظاهر في تمامه، لا صفحته خاصة لأن ذلك
وإن كان أظهر ما يتبادر من لفظ " عن يمينك وعن يسارك " كما مر إلا أنه
مستلزم للالتفات المكروه بلا خلاف، بل المحرم كما قيل، ففيما ذكره المشهور
احتراز عن ذلك كما في الإمام، مع أنه روى الصدوق في العلل بسنده: عن
مفضل بن عمر أنه سأله - عليه السلام - لأي علة يسلم ت على اليمين ولا يسلم على
اليسار؟ قال: لأن الملك الموكل يكتب الحسنات على اليمين، والذي يكتب
السيئات على اليسار، والصلاة حسنات ليس فيها سيئات، فلهذا يسلم على
اليمين دون اليسار، قال: فلم لا يقال: " السلام عليك " وعلى اليمين واحد
ولكن يقال: السلام عليكم؟ قال: ليكون قد سلم عليه وعلى من في اليسار،

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب التسليم ح 3 ج 4 ص 1007.
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب التسليم ح 1 ج 4 ص 1007.
(3) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب التسليم ح 1 ج 4 ص 1007.
480

وفضل صاحب اليمين عليه بالايماء إليه، قال: لا يكون الايماء في التسليم
بالوجه كله ولكن يكون في الأنف إن صلى وحده وبالعين لمن يصلي بقوم؟
قال: لأن مقعد الملكين من ابن آدم الشدقين، فصاحب اليمين على الشدق
الأيمن ويسلم المصلي عليه ليثبت له صلاته في صحيفته، قال: فلم يسلم
المأموم ثلاثا؟ قال: تكون واحدة ردا على إمام، ويكون عليه وعلى ملكيه
وتكون الثانية على يمينه والملكين الموكلين به، وتكون الثالثة على يساره والملكين
الموكلين به، ومن لم يكن على يساره أحد لم يسلم على يساره إلا أن يكون يمينه
إلى الحائط ويساره إلى من صلى معه خلف الإمام فيسلم على يساره (1).
وأفتى بما فيه في الفقيه والمقنع، إلا أنه قال: لا تدع السلام على يمينك إن
كان على يمينك أحد أو لم يكن (2). كما في الصحيح المروي عن قرب الإسناد
(3)، وقال: إنك تسلم على يسارك أيضا، إلا أن لا يكون على يسارك
أحد، إلا أن تكون بجنب الحائط فسلم على يسارك (4). ونحوه عن أبيه (5).
قال الشهيد - رحمه الله -: ولا بأس باتباعهما، لأنهما جليلان لا يقولان إلا
عن تثبت (6).

(1) علل الشرائع: ب 77 في علة التسليم في الصلاة ج 2 ص 359.
(2) من لا يحضره الفقيه: باب وصف الصلاة من فاتحتها إلى خاتمتها ج 1 ص 320، ذيل الحديث 944،
والمقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة باب الأذان في الصلاة ص 8 س 24.
(3) قرب الإسناد: ص 96.
(4) من لا يحضره الفقيه: باب وصف الصلاة من فاتحتها إلى خاتمتها ج 1 ص 319، ذيل الحديث 944،
مع اختلاف يسير والمقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة باب الأذان في الصلاة ص 8 س 23، مع
اختلاف يسير.
(5) كما في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في التسليم ص 208 س 33.
(6) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في التسليم ص 208 س 33.
481

(ومندوبات الصلاة) أمور (خمسة):
(الأول: التوجه) إليها (بسبع تكبيرات [واحدة] (1) منها) التكبير
(الواجب (2))، فالمندوب ست في الحقيقة بإجماع الإمامية على الظاهر المصرح
به في الانتصار والخلاف (3)، والصحاح به مع ذلك مستفيضة. ويستحب
(بينها ثلاثة أدعية) مأثورة كما في الصحيح، وكيفيتها كما فيه: أن (يكبر
ثلاثا، ثم يدعو) يقول: " اللهم أنت الملك الحق، لا إله إلا أنت سبحانك
إني ظلمت نفسي، فاغفر لي ذنبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت "، (و) يكبر
(اثنتين، ثم يدعو) فيقول: " لبيك وسعديك، والخير في يديك، والشر ليس
إليك، والمهدي من هديت، لا منجا منك إلا إليك، سبحانك وحنانيك
تباركت وتعاليت، سبحانك رب البيت " (ثم) يكبر (اثنتين) تمام السبع
(ويتوجه) بعد ذلك فيقول: " وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض،
عالم الغيب والشهادة، حنينا مسلما وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي
ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين "
ودونها في الفضل الخمس، ثم الثلاث كما في الصحيحين (4) وغيرهما.
ويجزئ التكبيرات ولاء، كما في الموثق (5) فعلا، ويتخير في جعل أيها شاء
تكبيرة الاحرام بلا خلاف، لكن في أفضلية جعلها الأولى أو الأخيرة وجهان،

(1) ما بين المعقوفتين أثبتناه في المتن المطبوع.
(2) في المتن المطبوع " الواجبة " والأصح. التكبيرة الواجبة.
(3) الإنتصار: في افتتاح الصلاة ص 40، والخلاف: كتاب الصلاة م 65 في استحباب افتتاح الصلاة
بسبع تكبيرات ج 1 ص 315.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب تكبيرة الاحرام ح 4 و 8 ج 4 ص 714.
(5) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب تكبيرة الاحرام ح 2 ج 4 ص 721
482

بل قولان تقدم ذكرهما مع دليل أصل التخيير في بحث التكبير.
وهل يشمل ذلك الحكم جميع الصلوات، أم يختص بالفرائض منها، أم بها
وبأول صلاة الليل والمفردة من الوتر، وأول نافلة الزوال، وأول نافلة المغرب،
وأول ركعتي الاحرام، أم بهذه الست والوتيرة؟ أقوال، أظهرها الأول، وفاقا
للأكثر، بل قيل: الأشهر (1)، لاطلاق النصوص، بل عموم جملة منها الناشئ
عن ترك الاستفصال المؤيد بالشهرة، وقاعدة التسامح في أدلة السنن، وأنه
ذكر الله تعالى، مضافا إلى فحوى رواية ابن طاووس: افتتح في ثلاثة مواطن
بالتوجه والتكبير في أول الزوال وصلاة الليل والمفردة من الوتر، وقد يجزئك فيما
سوى ذلك من التطوع أن تكبر تكبيرة لكل ركعتين (2).
وفي لفظ (الاجزاء) دلالة على ما ذكرناه، ولا ينافيه الصدر لحمله على
التأكد، وعليه أيضا يحمل الرضوي: افتتح بالصلاة، وتوجه بعد التكبيرة،
فإنه من السنة الموجبة في ست صلوات وهي: أول ركعة من صلاة الليل،
والمفردة من الوتر، وأول ركعة من نوافل المغرب، وأول ركعة من ركعتي الزوال،
وأول ركعة من ركعتي الاحرام، وأول ركعة من ركعتي الفريضة (3).
ولعله مستند القول الثالث، لكن ليس بصريح فيه، لاحتمال إرادة التأكد
في هذه المواضع كما يقتضيه سياقه، لا نفي الاستحباب في غيرها. ثم ظاهر
إطلاق النصوص والفتاوى عدم اختصاص الاستحباب بالمنفرد وعمومه
للجامع، وهو أيضا صريح الصحيح: وإذا كنت إماما فإنه يجزيك أن تكبر
واحدة تجهر فيها وتسر ستا (4). خلافا للمحكي عن الإسكافي، فقال

(1) لم نعثر على قائله.
(2) فلاح السائل: في استحباب الافتتاح بسبع تكبيرات ص 130.
(3) فقه الرضا (ع): ب 11 في صلاة الليل ص 138، وفيه اختلاف يسير.
(4) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب تكبيرة الاحرام ح 1 ج 4 ص 730.
483

بالاختصاص (1)، وهو مع عدم وضوح مأخذه ومخالفته لما مر شاذ.
وحكى الشهيدان عنه: أنه زاد بعد التوجه استحباب تكبيرات سبع زيادة
على التكبيرات الافتتاحية، و " سبحان الله " سبعا و " الحمد لله " سبعا،
و " لا إله إلا الله " سبعا، ونسبه إلى الأئمة عليهم السلام (2). ويناسبه الصحيح
المروي في العلل: تكبر سبعا، وتحمد سبعا، وتسبح سبعا، وتحمد وتثني عليه
لم تقرأ (3) لكن في تطبيقه على قوله إشكال، لخلوه عن التهليل، مع عدم
دلالته على كون التكبيرات السبع غير السبع الافتتاحية، كما هو ظاهره.
(الثاني: القنوت في كل) ركعة (ثانيه) من كل صلاة - فريضة أو نافلة
إجماعا كما في: الانتصار (4) والخلاف (5) والمنتهى (6) ونهج الحق للعلامة (7)، وعن
المعتبر (8)، للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة (9).
وأما الأخبار المنافية لذلك مطلقا (10) أو في الجملة (11) فمحمولة على التقية، أو
على أن المراد بها: بيان عدم الوجوب كما هو الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من

(1) كما في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في تكبيرة الاحرام ص 180 س 9.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في تكبيرة الاحرام ص 179 س 36، وفي شرح النفلية للشهيد الثاني
على ما نقله عنه صاحب حدائق الناضرة: كتاب الصلاة في تكبيرة الاحرام ج 8 ص 55.
(3) علل الشرائع: ب 30 في العلة التي من أجلها يقال في الركوع سبحان ربي... 2 ج 2 ص 332.
(4) الإنتصار: في القنوت ص 46.
(5) الخلاف: كتاب الصلاة م 137 في استحباب القنوت في الصلاة ج 1 ص 379 - 380.
(6) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في القنوت ج 1 ص 298 س 16.
(7) نهج الحق كشف الصدق: في الصلاة م 35 في القنوت ص 437.
(8) المعتبر: كتاب الصلاة في القنوت ج 2 ص 238.
(9) وسائل الشيعة: ب 1 و 2 من أبواب القنوت ج 4 ص 895 و 900.
(10) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب القنوت ح 1 و 2 ج 4 ص 901 و 902.
(11) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب القنوت ح 6 و 7 ج 4 ص 899.
484

تأخر، بل ومن تقدم أيضا عدا الصدوق في الفقيه، فقال: إنه سنة واجبة، من
تركه في كل صلاة فلا صلاة له (1). وفي المقنع والهداية: من ترك قنوته متعمدا
فلا صلاة له (2). وهو شاذ وإن وافقه العماني في نقل مشهور (3). وفي آخر: أنه
خص الوجوب بالصلاة الجهرية (4). وحجتهما غير واضحة، عدا الآية الكريمة:
" وقوموا لله قانتين " (5) وهي محتملة لمعان متعددة، وحملها على المتنازع فرع
القول بثبوت الحقيقة الشرعية مطلقا في لفظ " القنوت " في الآية، مع أن
الأخبار الواردة في تفسيرها بخلافه مصرحة.
ففي المروي في تفسير العياشي في تفسير " قانتين " أي: " مطيعين
راغبين " (6).
وفي آخر مروي فيه أيضا: مقبلين على الصلاة محافظين لأوقاتها (7). ونحوه
روى علي بن إبراهيم في التفسير (8).
نعم في مجمع البيان: عن مولانا الصادق - عليه السلام - في تفسيرها، أي:
داعين في الصلاة حال القيام (9). وهو وإن ناسب المعنى الشرعي إلا أنه غير
صريح فيه، بل ولا ظاهر، فإن الدعاء فيها حال القيام لا يستلزمه لأعميته منه

(1) من لا يحضره الفقيه: باب وصف الصلاة من فاتحتها إلى خاتمتها ج 1 ص 316 ذيل الحديث 932
(2) المعتبر (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة باب الجماعة وفضلها ص 9 س الأخير، والهداية (والجوامع
الفقهية): باب فريضة الصلاة ص 51 س 29.
(3) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في ما يظن أنه واجب ج 1 ص 69 س 38.
(4) كما في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في القنوت ص 183 س 22.
(5) البقرة: 238.
(6) تفسير العياشي: في تفسير آية وقوموا لله قانتين من سورة البقرة ح 416 و 418 ج 1 ص 127.
(7) تفسير العياشي: في تفسير آية وقوموا لله قانتين من سورة البقرة ح 416 و 418 ج 1 ص 127.
(8) تفسير القمي: في تفسير آية 238 من سورة البقرة ج 1 ص 79.
(9) مجمع البيان: في تفسير آية 238 من سورة البقرة ج 1 ص 343.
485

مع تضمن الحمد الدعاء، فيحتمل كونه المراد من الدعاء في الخبر أو الأعم منه
ومن غيره.
ثم لو سلم الدلالة فمبناها الأمر الظاهر في الوجوب المحتمل هو كالموثق،
ليس له أن يدعه متعمدا للحمل على الاستحباب فيتعين للاجماعات المتقدمة،
حتى الذي في المنتهى، فإنه قال: اتفق علماؤنا على استحباب القنوت في كل
ثانية من كل فريضة ونافلة (1). ولا ينافيه نسبة الخلاف بعد ذلك إلى
الصدوق (2)، لمعلومية نسبه، وعدم القدح في انعقاد الاجماع بخروجه. فتأمل.
هذا، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة. ففي الصحيح: إن شئت فاقنت، وإن
شئت فلا تقنت، وإذا كانت التقية فلا تقنت (3). ونحوه آخر لكن في قنوت
الفجر (4).
وفي الموثق الوارد في صلاة الجمعة: أما الإمام فعليه القنوت في الركعة
الأولى (إلى أن قال) ومن شاء قنت في الركعة الثانية قبل أن يركع، وإن
شاء لم يقنت وذلك إذا صلى وحده (5).
وبالجملة: لهذه الأدلة المعتضدة بعضها ببعض والأصل والشهرة العظيمة
القريبة من الاجماع، بل لعلها إجماع في الحقيقة يتوجه صرف الأمر في الآية
ونحوه عن ظاهره إلى الاستحباب، وكذا ما بحكمه من قولهم - عليهم السلام -
الوارد في الخبر، بل الصحيح: من ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له (6).
يحتمل الصرف إليه أيضا بأن يراد من المنفي: الكمال، لا الصحة، أو يقيد نفي

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في القنوت ج 1 ص 289 و 299 س 16 و 30.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في القنوت ج 1 ص 289 و 299 س 16 و 30.
(3) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب القنوت ح 1 ج 4 ص 901.
(4) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب القنوت ج 4 ص 902، ذيل الحديث 1.
(5) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب القنوت ح 8 ج 4 ص 904.
(6) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب القنوت ح 11 ج 4 ص 897.
486

الصحة بمن كان تركه القنوت رغبة عنه وهم العامة. ولعل هذا أقرب كما يدل
عليه التقييد بقوله: " رغبة عنه " وفيه - حينئذ - دلالة على الاستحباب وجواز
الترك من غير رغبة. ويشهد له حصر صدره محل القنوت في الجمعة والعشاء
والعتمة والوتر والغداة لمخالفته الاجماع، إذ لا قائل به حتى الصدوق والعماني.
ويحتمل أن يكون مراد الصدوق من المتعمد في الكتابين: متعمد الترك
للرغبة عنه، لا مطلق متعمد الترك، وربما أشعر به تقييد البطلان بالتعمد.
فتدبر. وحينئذ لمخالفته فيهما غير معلومة وكذا في الفقيه، بل سياق كلامه فيه
ظاهر في الاستحباب، فانحصر المخالف في العماني، ولا ريب في شذوذه
وضعفه، سيما على النقل الثاني وإن دل عليه المروي بطرق متعددة فيها
الصحيح والموثق: عن القنوت في الصلوات الخمس فقال: اقنت فيهن جميعا.
قال: وسألت أبا عبد الله - عليه السلام - بعد ذلك فقال لي: أما ما جهرت به
فلا تشك (1). لوروده مورد التقية كما يظهر من الموثق: عن القنوت، فقال: فيما
يجهر فيه بالقراءة، قال: فقلت: إني سألت أباك عن ذلك، فقال لي: في
الخمس كلها، فقال: رحم الله - تعالى - أبي، إن أصحاب أبي أتوه فسألوه،
فأخبرهم بالحق، ثم أتوني شكاكا فأفتيتهم بالتقية (2).
ومحله بعد القراءة (قبل الركوع) إجماعا كما في الخلاف (3) والمنتهى (4)
ونهج الحق (5) وغيرها، وللصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
ففي الصحيح: القنوت في كل صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع (6). وأما

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب القنوت ح 7 ج 4 ص 897، وفيه " بعد ذلك عن القنوت "
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب القنوت ح 1 ج 4 ص 897.
(3) الخلاف: كتاب الصلاة م 137 في استحباب القنوت ج 1 ص 379.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في القنوت ج 1 ص 296 س 36.
(5) نهج الحق وكشف الصدق: في الصلاة م 35 في القنوت ص 437.
(6) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب القنوت ح 1 ج 4 ص 900.
487

الخبر الدال على التخيير بينه وبين بعد الركوع (1) فمع ضعف سنده وعدم
مكافئته لمعارضته من وجوه - عديدة شاذ ضعيف لا يمكن القول به، ولا الميل إليه
وإن حكي عن الماتن في المعتبر (2)، واستحسنه بعض من تأخر عنه.
وقوله: (إلا في الجمعة) استثناء من الحكم بالقبلية، لا الندبية بدلالة
قوله: (فإنه) أي: القنوت في صلاة الجمعة مستحب في ركعتيها معا (في
الأولى قبل الركوع، وفي الثانية بعده) على الأشهر الأقوى، وفي الخلاف
الاجماع عليه (4). وهو الحجة، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة وفيها الصحيح
والموثقات وغيرها (5). خلافا للصدوق في الفقيه، حاكيا له عن مشائخه (6)،
وللحلي، فساويا بينها وبين غيرها في وحدته ومحله (7)، لعموم الصحاح
المتقدمة، وهو مخصص بهذه المستفيضة، المعتضدة مع كثرتها بالاجماع المنقول
والشهرة العظيمة والصحاح الآتية الدالة على ثبوته في الركعة الأولى،
ومخالفة العامة العمياء، كما يستفاد من الصحيح: عن القنوت يوم الجمعة، فقال
له: في الركعة الثانية، فقال له: قد حدثنا بعض أصحابنا أنك قلت: في
الأولى، فقال: في الأخيرة، وكان عنده أناس كثير، فلما رأى غفلة منهم قال:
يا أبا محمد هي في الأولى والأخيرة، قلت: جعلت فداك قبل الركوع أو بعده؟
فقال: كل القنوت قبل الركوع إلا في الجمعة، فإن الركعة الأولى القنوت فيها

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب القنوت ح 4 ج 4 ص 900.
(2) المعتبر: كتاب الصلاة في القنوت ج 2 ص 242 و 245.
(3) والمستحسن هو صاحب الروضة البهية: كتاب الصلاة في باقي مستحبات الصلاة ج 1 ص 632.
(4) الخلاف: كتاب الصلاة م 405 في أن للجمعة قنوتين ج 1 ص 631.
(5) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب القنوت ج 4 ص 902.
(6) من لا يحضره الفقيه: باب وجوب الجمعة وفضلها... ج 1 ص 411، ذيل الحديث 1219.
(7) السرائر: كتاب الصلاة باب كيفية الصلاة على سبيل الكمال... ج 1 ص 229.
488

قبل الركوع، والأخيرة بعد الركوع (1). وللمفيد وجماعة فكالصدوق في الوحدة،
وجعلوا الركعة الأولى محله (2)، لظواهر الصحاح المستفيضة:
منها: إذا كان إماما قنت في الركعة الأولى، وإن كان يصلي أربعا ففي
الركعة الثانية قبل الركوع (3). وفيه أنها ليست صريحة في النفي عن الثانية، بل
ولا ظاهرة، لقوة احتمال ورودها لبيان القنوت المخصوص بالجمعة، فلا ينافي
استحبابه فيها في الركعة الثانية.
ولو سلم الظهور وجب إرجاعه إلى المشهور بما ذكرناه من الاحتمال، جمعا
بين النصوص، وحذرا من إطراح المعتبرة المستفيضة الصريحة، المعتضدة مع
ذلك بالشهرة والاجماع المنقول.
ثم على المختار من تعدد القنوت هل هو ثابت على الاطلاق كما هو.
ظاهر الأكثر ومنهم: الخلاف، مدعيا عليه الوفاق (4)، ويعضده إطلاق
جملة من المستفيضة، ومنها: الصحيحة والموثقة: المتقدمة. أم يختص ذلك
بالإمام كما عن النهاية (5) والمراسم (6) والمعتبر (7) والتذكرة (8) والهداية (9)

(1) وسائل الشيعة: ب 55 من أبواب القنوت ح 12 ج 4 ص 904، لاختلاف يسير.
(2) المقنعة: كتاب الصلاة ب 13. في عمل ليلة الجمعة ويومها ص 164، أقول لا يخفى أن عبارته لا تدل
على المطلوب لأنها لا تنفي الثانية، لأنه قال " والقنوت في الأولى من الركعتين في فريضته "، كما نبه
عليه صاحب كشف اللثام: ج 1 ص 236 س 37، ولكن الذي يهون الخطب أن صاحب المدارك
استفاد من عبارته وحدة القنوت: ج 3 ص 447، فتأمل.
(3) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب القنوت ح 1 ج 4 ص 902.
(4) الخلاف: كتاب الصلاة م 405 في استحباب قنوتين في صلاة الجمعة ج 1 ص 631.
(5) النهاية: كتاب الصلاة باب الجمعة وأحكامها ص 106.
(6) المراسم: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ص 77.
(7) المعتبر: كتاب الصلاة في القنوت ج 2 ص 244.
(8) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في مندوبات الصلاة ج 1 ص 128 س 35.
(9) الهداية (الجوامع الفقهية): باب فضل الجماعة ص 52 س 24.
489

والمبسوط (1) والكافي (2) والمهذب (3) والوسيلة (4) والاصباح (5) والجامع (6) وإن لم
ينفهما ما خلا الأربعة الأول عن غيره، قيل: والمنفي نص المعتبر والتذكرة وظاهر
الأولين؟ وجهان، للأول ما مر، وللثاني ظواهر جملة من المعتبرة، ومنها: الصحيحة
المتقدمة سندا للمفيد (7) وفي أخرى: أن على الإمام في الجمعة قنوتين (8) وفي الموثق:
عن القنوت في الجمعة، قال أما الإمام فعليه القنوت في الركعة الأولى بعد ما يفرغ
من القراءة قبل أن يركع، وفي الثانية بعد ما يرفع رأسه عن الركوع (9).
وارجاعها إلى الأول ممكن، بل قريب بعد ملاحظة الصحيحة الأولى
الشاهد سياقها بأن المراد من الإمام فيها: من يقابل المنفرد ومن يصلي أربعا
لا المأموم أيضا، مضافا إلى بعد أن يقنت الإمام ويسكت من خلفه.
(ولو نسي القنوت) قبل الركوع (قضاه بعد الركوع) بلا خلاف
أجده. وبه صرح في المنتهى (10) والمدارك (11) والذخيرة (12)، للمعتبرة وفيها
الصحيح والموثق.

(1) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر الركوع والسجود وأحكامهما ج 1 ص 113، وكتاب صلاة الجمعة
ج 1 ص 151.
(2) الكافي في الفقه: في صلاة الجمعة، ص 151.
(3) المهذب: كتاب الصلاة في كيفية صلاة الجمعة ج 1 ص 103.
(4) الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان صلاة الجمعة ص 104.
(5) كما في كشف اللثام: كتاب الصلاة في القنوت ج 1 ص 236 س 30.
(6) الجامع للشرائع: كتاب الصلاة باب صلاة الجمعة ص 97.
(7) والقائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في القنوت ج 1 ص 236 س 30.
(8) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب القنوت ح 4 ج 4 ص 903.
(9) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب القنوت ح 8 ج 4 ص 904.
(10) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في القنوت ج 1 ص 300 س 9.
(11) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في القنوت ج 1 ص 448.
(12) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في القنوت ص 295 س 7.
490

وأما الصحيح: عن الرجل ينسى القنوت حتى يركع أيقنت؟ قال: لا (1).
ونحوه المرسل (2) أو الصحيح الوارد في الوتر (3) فمحمول على نفي اللزوم أو التقية.
قال في الفقيه بعد نقل الأخير: نما منع - عليه السلام - من ذلك في الوتر
والغداة، لأنهم يقنتون فيهما بعد الركوع، وإنما أطلق ذلك في سائر الصلوات،
لأن جمهور العامة لا يرون القنوت فيها (4). وظاهر العبارة كغيرها فعله بنية
القضاء، ولعله لفوات المحل خلافا للمنتهى فتردد فيه (5)، ولعله لذلك ولخلو
المعتبرة عن التعرض لها. وفيه نظر، ولعله لذا جعل الأول بعد التردد أظهر.
وتظهر الثمرة على القول بوجوب التعرض للأداء والقضاء في النية، وإلا
كما هو الأقوى فلا ثمرة. ولعله السر في عدم التعرض لهما في شئ من المعتبرة،
وذكر الشيخان في المقنعة (6)، والنهاية (7)، ونسبه في الروض إلى الشيخ
والأصحاب كافة: أنه لو لم يذكر القنوت حتى ركع في الثالثة قضاء بعد
الفراغ (8).
قيل: للصحيح: في الرجل إذا سها في القنوت قنت بعد ما ينصرف وهو
جالس (9).
قال شيخنا في الروض: ولا دلالة فيه على كون الذكر بعد ركوع الثالثة،

(1) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب القنوت ح 4 ج 4 ص 916.
(2) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب القنوت ح 6 ج 4 ص 916.
(3) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب القنوت ح 5 ج 4 ص 916.
(4) من لا يحضره الفقيه: باب دعاء قنوت الوتر ج 1 ص 493 ذيل الحديث 1418، وفيه اختلاف يسير.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في القنوت ج 1 ص 300 س 10.
(6) المقنعة: كتاب الصلاة ب 10 في تفصيل الأحكام ما تقدم ذكره... ص 139.
(7) النهاية: كتاب الصلاة باب فرائض الصلاة وسننها و... ص 90.
(8) روض الجان: كتاب الصلاة في القنوت ص 283 س 10.
(9) والقائل هو صاحب ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في القنوت ص 295 س 15.
491

فلو قيل بشموله ما بعد الدخول في سجود الثانية أمكن (1)، انتهى. وهو حسن،
سيما مع التصريح به في الرضوي: فإن ذكرته بعد ما سجدت فاقنت بعد
التسليم (2).
ولو لم يذكره حتى انصرف من محله قضاه في الطريق مستقبل القبلة، وفاقا
للمحقق الثاني والشهيد الثاني (3)، للنص، وفيه: إني لأكره للرجل أن يرغب
عن سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله - أو يدعها (4).
وفي التحرير: ولو نسيه حتى ركع في الثالثة ففي قضائه بعد الصلاة
قولان (5)، وظاهره وجود قول بالمنع، وهو للشيخ في المبسوط على ما حكاه عنه
في المنتهى واختاره (6).
ولعل مستنده الخبر: عن رجل نسي القنوت في المكتوبة، قال: لا إعادة
عليه (7). والمعاد فيه مجمل، يحتمل كونه الصلاة كما يحتمل القنوت، مع
احتمال تعلق النفي فيه باللزوم دون الشرعية والثبوت، ومع ذلك فإطلاق
الإعادة على إعادة القنوت لعدم الاتيان به بعيد.
ولعله لذا لم يستدل به في المنتهى بعد أن نقل المنع عن المبسوط واختاره، بل
استدل عليه بنحو الصحيح: عن الرجل ينسى القنوت حتى ركع، قال: يقنت

(1) روض الجنان: كتاب الصلاة في القنوت ص 283 س 12.
(2) فقه الرضا (ع): ب 7 في الصلوات المفروضة ص 118.
(3) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في القنوت ج 2 ص 333، وروض الجنان: كتاب الصلاة في القنوت
ص 283 س 13.
(4) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب القنوت ح 1 ج 4 ص 915.
(5) تحرير الأحكام: كتاب الصلاة في الأفعال المندوبة ج 1 ص 42 س 8.
(6) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في القنوت ج 1 ص 300 س 5 و 8.
(7) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب القنوت ح 1 ج 4 ص 914.
492

بعد الركوع، فإن لم يذكر فلا شئ عليه. ثم استدل على الثبوت بما قدمناه من
نحو الصحيح (1).
أقول: وفي الاستناد للمنع بما مر نظر، إذ ظاهره نفي لزوم القضاء ولو على
طريق تأكد الاستحباب، وهو لا ينافي ثبوت أصله في الجملة، فالجمع بينه
وبين ما قدمناه بهذا غير بعيد، سيما على القول بجواز التسامح في أدلة السنن كما
هو التحقيق، أو يحمل الصحيح المانع على ما إذا لم يذكر أصلا، ولو بعد
الصلاة وهذان الحملان أقرب من طرح الصحيح المثبت المعتضد بقاعدة
التسامح، وفتوى جمع، وفحوى النص (2)، والرضوي (3) المثبتين لقضائه مستقبل
القبلة في الطريق.
(الثالث): أن يكون (نظره) حال كونه (قائما إلى موضع سجوده) بلا
خلاف، للصحاح، (وقانتا إلى باطن كفيه) على المشهور.
قيل: جمعا بين الخبرين: الناهي أحدهما عن النظر في الصلاة إلى السماء،
وثانيهما عن التغميض فيها (4).
(وراكعا إلى ما بين رجليه) على المشهور، للصحيح، والرضوي الآمرين
به (5). خلافا للنهاية، فيستحب التغميض (6)، كما في الصحيح الفعلي (7)، وتبعه

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في القنوت ج 1 ص 300 س 6.
(2) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب القنوت ج 4 ص 915.
(3) فقه الرضا (ع): ب 7 في الصلوات المفروضة ص 119.
(4) والقائل هما صاحب المعتبر: كتاب الصلاة في القنوت ج 2 ص 246، وصاحب منتهى المطلب:
كتاب الصلاة في القنوت ج 1 ص 301 س 9.
(5) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 3 ج 4 ص 676، وفقه الرضا (ع): ب 7 في الصلوات
المفروضة ص 106.
(6) النهاية: كتاب الصلاة باب كيفية الصلاة و... ص 71.
(7) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 1 ج 4 ص 674.
493

الحلي (9)، وربما يجمع بينهما بالتخيير كما هو ظاهر المنتهى (2).
ويضعف بفقد التكافؤ المشترط فيه، لرجحان الأول بالتعدد والشهرة ولقوة
الدلالة، مضافا إلى إطلاق النهي عن التغميض في الرواية السابقة.
(وساجدا إلى طرف أنفه ومتشهدا) وجالسا بين السجدتين بل قيل:
مطلقا (3) (إلى حجره) للرضوي: ويكون نظرك في حال سجودك إلى طرف
أنفك وبين السجدتين في حجرك، وكذلك وقت التشهد (4). وعلل الجميع مع
ذلك بكونه أبلغ في الخضوع والاقبال المطلوبين في الصلاة.
(الرابع: وضع اليدين قائما على فخذيه بحذاء ركبتيه) كما في
الصحيحين المشهورين الواردين في كيفية الصلاة قولا وفعلا (5).
(وقانتا تلقاء وجهه) كما في الصحيحين: وترفع يديك في الوتر حيال
وجهك (6). ولا قائل بالفرق، مضافا إلى إطلاق الخبر المروي عن معاني
الأخبار: الرغبة أن تستقبل براحتيك السماء، وتستقبل بهما وجهك (7).
ويستفاد منه ما ذكره الأصحاب، كما في المعتبر والذكرى (8) وغيرهما من
استحباب كونهما مبسوطتين، يحاذي ببطونهما السماء وظهورهما الأرض. وحكى
في المعتبر القول بالعكس، لظواهر جملة من الأخبار (9)، وهو نادر كقول المقنعة:

(1) السرائر: كتاب الصلاة باب كيفية فعل الصلاة... ج 1 ص 225.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في القنوت ج 1 ص 301 س 8.
(3) والقائل هو صاحب المهذب: كتاب الصلاة باب تفصيل الأحكام المقارنة للصلاة ج 1 ص 98.
(4) فقه الرضا (ع): ب 7 في الصلوات المفروضة ص 106.
(5) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 3 ج 4 ص 675 و 674.
(6) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب القنوت ح 1 ج 4 ص 912.
(7) معاني الأخبار: باب معنى الرغبة والرهبة و... ص 370.
(8) المعتبر: كتاب الصلاة في القنوت ج 2 ص 247، وذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في القنوت
ص 184 س 22.
(9) المعتبر: كتاب الصلاة في القنوت ج 2 ص 247.
494

باستحباب الرفع حيال الصدر (1). فالمشهور أولى، سيما في مقابلة المفيد - رحمه
الله - لعدم ظهور دليل عليه أصلا، مع ظهور الصحيحة المشهورة بخلافه كما
عرفتها.
والأخبار الظاهرة في القول الآخر مطلقة تقبل التقييد بما عدا الصلاة،
للرواية المشهورة (2)، وهو أولى من الجمع بينهما بالتخيير وإن قاله في المعتبر (3)،
لكونه فرع التكافؤ المفقود هنا، لاشتهار الرواية دون الأخبار المقابلة.
(وساجدا بحذاء أذنيه) كما في أحد الصحيحين المشهورين، وفي الآخر:
ولا تلزق كفيك بركبتيك، ولا تدنهما من وجهك بين ذلك حيال منكبيك،
ولا تجعلهما بين يدي ركبتيك، ولكن تحرفهما عن ذلك شيئا (4). والعمل بكل
منهما حسن.
(ومتشهدا على فخذيه) مبسوطة الأصابع، مضمومة (5) على المشهور كما
في الذخيرة (6). وفي الروض: تفرد ابن الجنيد بأنه يشير بالسبابة في تعظيم الله
- عز وجل - كما نقله العامة (7).
(الخامس: التعقيب): وهو تفعيل من العقب. قال الجوهري: التعقيب
في الصلاة الجلوس بعد أن يقضيها لدعاء أو مسألة، وفضله عظيم. وثوابه جسيم،
والنصوص به مستفيضة، بل متواترة.

(1) المقنعة: كتاب الصلاة ب 13 في عمل ليلة الجمعة ويومها ص 160.
(2) الظاهر أنه نفس الصحيحة المتقدمة.
(3) المعتبر: كتاب الصلاة في القنوت ج 2 ص 247.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 2 و 3 ج 4 ص 675 و 676.
(5) في نسخة (م) و (مش) " مبسوطة الأصابع أو مضمومة ".
(6) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في مستحبات الصلاة ص 295 س 32.
(7) روض الجنان: كتاب الصلاة في مستحبات الصلاة ص 283 س 25.
495

منها: في تفسير قوله سبحانه: " فإذا فرغت فانصب " إذا فرغت من الصلاة
المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء، وارغب إليه في المسألة يعطيك (1).
ومنها: من عقب في صلاته فهو في صلاته (2).
ومنها: الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفلا (3).
ومنها: التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد (4). ويتأدى
بمطلق الدعاء المحلل.
ولكن المنقول عنهم - عليهم السلام - أفضل. (ولا حصوله، وأفضله: تسبيح
الزهراء عليها السلام)، للنصوص:
منها: ما عبد الله تعالى بشئ من التحميد أفضل منه (5).
ومنها: هو دبر كل صلاة أحب إلي من صلاة ألف ركعة (6). ومن سبحها
قبل أن يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر الله تعالى له، ويبدأ بالتكبير (7).
وإنما نسب إليها عليها السلام لأنها السبب في تشريعه كما في النص (8).
(خاتمة) في التروك
إعلم: أنه (يقطع الصلاة) ويبطلها أمور:
منها: كل (ما يبطل الطهارة) وينقضها من الأحداث مطلقا (ولو

(1) مجمع البيان: في تفسير آية 8 من سورة ألم نشرح ج 10 ص 559.
(2) لم نعثر على مأخذه.
(3) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب التعقيب ح 1 و 2 ج 4 ص 1020.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب التعقيب ح 1 ج 4 ص 1014.
(5) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب التعقيب ح 1 ج 4 ص 1024.
(6) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب التعقيب ح 2 ج 4 ص 1024.
(7) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب التعقيب ح 1 ج 4 ص 1021.
(8) علل الشرائع: ب 88 في علة تسبيح فاطمة (ع) ص 366.
496

كان صدوره سهوا عن كونه في الصلاة، أو من غير اختيار على الأظهر
الأشهر، بل عن الناصرية (1) ونهج الحق (2) والتذكرة (3) وأمالي الصدوق (4):
الاجماع عليه، وكذا في الروض وشرح الارشاد للمقدس الأردبيلي - رحمه الله -
لكن فيما إذا كانت الطهارة المنتقضة به مائية (5). ونفي عنه الخلاف في
التهذيب (6).
وعن نهاية الإحكام: الاجماع عليه فيما لو صدر من غير اختيار (7). وهو
الحجة، مضافا إلى شرطية الطهارة في الصلاة، وبطلانها بالفعل الكثير إجماعا،
والنصوص المستفيضة القريبة من التواتر، بل المتواترة كما صرح به بعض
الأجلة (8). فلا يضر قصور أسانيد جملة منها أو ضعفها، سيما مع اعتبار أسانيد
جملة منها، واعتضادها بالشهرة العظيمة الجابرة لما عداها، وهي قريبة من
الاجماع، بل إجماع حقيقة كما عرفته من النقلة له، سيما فيما إذا كانت الطهارة
المنتقضة طهارة مائية، إذ المخالف فيها ليس، إلا المرتضى في المصباح والشيخ في
المبسوط والخلاف، حيث قالا بالتطهير والبناء كما يفهم من عبارتهما، حيث
قالا: ومن سبقه الحدث من بول أو ريح أو غير ذلك فلأصحابنا فيه روايتان:

(1) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة م 93 ص 235.
(2) نهج الحق وكشف الصدق: في الصلاة م 25 ص 431.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في تروك الصلاة ج 1 ص 130 س 13.
(4) أمالي الصدوق: مجلس 93 في دين الإمامية ص 513.
(5) روض الجنان: كتاب الصلاة في مبطلات الصلاة ص 329 س 29، ومجمع الفائدة والبرهان:
كتاب الصلاة في مبطلات الصلاة ج 3 ص 48.
(6) تهذيب الأحكام: ب 8 في التيمم وأحكامه ج 1 ص 205، ذيل الحديث 69.
(7) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في التروك الواجبة ج 1 ص 513.
(8) لم نعثر على قائله في مظان كتب القوم.
497

إحداهما: وهي الأحوط أنه تبطل الصلاة (1). وفي لفظ " الاحتياط " دلالة
على ذلك لكنه غير صريح فيه، بل ولا ظاهر، كما بينته في الشرح.
ويعضده تصريح الخلاف بعد ذلك: بأن الرواية الأولى التي احتاط بها
أو لا هي المعمول عليها والمفتي بها (2). فلعل السيد كان كذلك أيضا، سيما مع
دعواه كالشيخ الاجماع عليها. فعلى هذا لا مخالف أصلا في الطهارة المائية،
ويكون الحكم فيها مجمعا عليه كما عرفته من الارشاد وغيرهما. وأما ما في
الذخيرة من: أن دعوى الاجماع هنا وهم (3) فلعله وهم.
ولو سلم ظهور خلاف الشيخ والمرتضى لمعلومية نسبهما عندنا وعدم القدح في
الاجماع بخروجهما وأمثالهما من معلومي النسب عندنا بل عند العامة العمياء
أيضا كما قرر مرارا، وحيث كانت المسألة بهذه المثابة فلا حاجة بنا إلى نقل
أدلة قولهما وما أورد من المناقشات على أدلتنا، مع ضعفها في حد ذاتها أجمع،
وقوة احتمال ورود أخبارهما، مع قصور سند بعضها، وضعف دلالتها مورد
التقية جدا كما صرح به بعض الأجلة (4).
فقد حكي القول بمضمونها في الناصرية والخلاف عن الشافعي في أحد
قوليه، ومالك وأبي حنيفة (5).

(1) كما نقله عنه في المعتبر: كتاب الصلاة في مبطلات الصلاة ج 2 ص 5 25، والمبسوط: كتاب الصلاة
في ذكر تروك الصلاة وما يقطعها ج 1 ص 117 والخلاف: كتاب الصلاة م 157 في حكم من سبقه
الحدث وهو في الصلاة ج 1 ص 409.
(2) الخلاف: كتاب الصلاة م 157 في حكم من سبقه الحدث وهو في الصلاة ج 1 ص 412.
(3) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في مبطلات الصلاة ص 11.
(4) الظاهر هو صاحب مصابيح الظلام كتاب الصلاة في منافيات الصلاة ج 2 ص 313، مخطوط.
(5) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة م 93 ص 235، والخلاف: كتاب الصلاة
م 157 في حكم من سبقه الحدث وهو في الصلاة ج 1 ص 410.
498

وبهذا يمكن الجواب عن الصحاح المستفيضة، الدالة جملة منها على التطهر
والبناء في المتيمم خاصة كالصحيحين: قلت له: رجل دخل في الصلاة وهو
متيمم، فصلى ركعة، ثم أحدث فأصاب الماء، قال: يخرج ويتوضأ، ثم يبني
على ما مضى من صلاته التي صلى بالتيمم (1).
والدال جملة أخرى منها عليها في المحدث قبل التشهد مطلقا كالصحيح: في
الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه من السجدة الأخيرة وقبل أن يتشهد، قال:
ينصرف ويتوضأ، فإن شاء رجع إلى المسجد، وإن شاء ففي بيته، وإن شاء
حيث شاء قعد فتشهد، ثم يسلم، وإن كان الحدث بعد الشهادتين فقد
مضت صلاته (2). ونحوه الموثقان (3)، مضافا إلى ضعف دلالة الأخبار الأولة
باحتمال أن يكون المراد بالصلاة في قوله: " يبني على ما مضى من صلاته "
هي الصلاة التي صلاها بالتيمم تامة قبل هذه الصلاة التي أحدث فيها،
ومرجعه: إلى أن هذه الصلاة قد بطلت بالحدث، وأنه يخرج ويتوضأ من هذا
الماء الموجود، ولا يعيد ما صلاها بهذا التيمم وإن كان في الوقت، ويكون قوله
- عليه السلام - في آخر الكلام: " التي صلى بالتيمم " قرينة على هذا المعنى.
ومن هنا ظهر ضعف القول بها كما عن الشيخين (4) وغيرهما. وأضعف منه
القول بالأخيرة، لندرته، وعدم اشتهاره بين الفقهاء وإن كان ظاهر الصدوق في
الفقيه (5) وبعض متأخري المتأخرين مقويا لعموم الحكم فيها لصورتي العمد

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب قواطع الصلاة ح 10 وذيله ج 4 ص 1242.
(2) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب التشهد ج 1 ج 4 ص 1001.
(3) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب التشهد ح 2 و 4 ج 4 ص 1001 و 1002.
(4) المقنعة: كتاب الصلاة ب 9 في التيمم وأحكامه ص 61، والنهاية: كتاب الصلاة باب التيمم
وأحكامه ص 48.
(5) من لا يحضره الفقيه: باب أحكام السهو في الصلاة ج 1 ص 356، ذيل الحديث 1030.
499

والنسيان بعد أن ادعى ظهوره من عبارة الفقيه والروايات (1)، وهو غريب، فإن
الحكم بالبطلان في الصورة الأولى كاد أن يكون ضروري المذهب، بل الدين
جدا. وقد استفاض، بل تواتر نقل الاجماع عليه أيضا.
" و " منها: الالتفات (عن) القبلة (دبرا) وإلى الخلاف، بلا خلاف في
الجملة، للصحاح المستفيضة:
منها: لا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك (2). وبمعناه غيره من الأخبار.
ففي بعضها: إن تكلمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد (3).
وفي آخر: إذا حول وجهه فعليه أن يستقبل الصلاة استقبالا (4). واطلاقها
وإن شمل البطلان مع الالتفات يمينا وشمالا فما دونهما كما عن فخر المحققين (5)
ومال إليه بعض المتأخرين (6) إلا أنه مقيد بجملة من المعتبرة الناصة: بأن
الالتفات يقطع الصلاة إذا كان إلى خلفه كما يأتي، أو إذا كان بكله كما في
الصحيح (7)، وفي آخر: أعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا (8). وقريب منه

(1) الظاهر أنه هو صاحب بحار الأنوار: كتاب الصلاة ب 39 في ما يجوز فعله في الصلاة ج 84 ص 282
ذيل الحديث 4. فراجع.
(2) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب القبلة ح 3 ج 3 ص 227.
(3) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب قواطع الصلاة ح 6 ج 4 ص 1249.
(4) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2 ج 5 ص 315.
(5) نسب جل متأخري المتأخرين إن لم نقل - كلهم إلى فخر المحققين، ونحن لم نعثر عليه في إيضاح الفوائد،
والموجود في خلافه أي القول بالكراهة: كتاب الصلاة في التروك ج 1 ص 118، ولعله ذكره في
كتاب آخر مفقود عندنا أو في مجلس بحثه، ونسب القول بالحرمة إلى بعض مشائخه صاحب ذكرى
المقنعة: كتاب الصلاة في قواطع الصلاة ص 217 س 23، والظاهر أن المراد هو فخر المحققين كما
استظهره صاحب - حدائق الناضرة: كتاب الصلاة في مبطلات الصلاة ج 9 ص 34.
(6) وهو صاحب تنقيح الرائع: كتاب الصلاة في قواطع الصلاة ج 1 ص 219.
(7) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب قواطع الصلاة ح 3 ج 4 ص 1248.
(8) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب قواطع الصلاة ح 2 ج 4 ص 1248.
500

المروي في الخصال: عن مولانا أمير المؤمنين - عليه السلام - في حديث
الأربعمائة قال: الالتفات الفاحش يقطع الصلاة (1). والمتبادر من الالتفات
الفاحش هنا: ما كان إلى الخلف، فاشتراطه وما بمعناه يدل بمفهومه على عدم
البطلان بغيره كما هو المشهور على الظاهر المصرح به في جملة من العبائر (2).
وتقييد المطلقات بهذه النصوص متعين لاعتبار أسانيد جملة منها، وانجبار
باقيها بالشهرة المحققة والمحكية، مضافا إلى التأيد بنصوص أخر كالصحيح:
عن الرجل يكون في صلاته، فيظن أن ثوبه قد انخرق أو أصابه شئ، هل
يصلح له أن ينظر فيه أو يمسه؟ قال: إن كان في مقدم ثوبه أو جانبيه فلا بأس،
وإن كان في مؤخره فلا يلتفت، فإنه لا يصلح (3).
والخبر: عن الالتفات في الصلاة يقطع الصلاة؟ قال: لا، وما أحب أن
يفعل (4).
والمروي في عقاب الأعمال والمحاسن: عن مولانا الصادق - عليه السلام -
قال: إذا قام العبد إلى الصلاة أقبل الله تعالى عليه بوجهه، ولا يزال مقبلا
عليه حتى يلتفت ثلاث مرات، فإذا التفت ثلاث مرات أعرض عنه (5). ونحوه
المروي عن قرب الإسناد (6). وهي صريحة في عدم البطلان بالالتفات إلى ما

(1) الخصال: حديث الأربعمائة ح 10 في علم أمير المؤمنين (ع)... ج 2 ص 622.
(2) منهم صاحب مجمع الفائدة والبرهان: كتاب الصلاة في مبطلات الصلاة ج 3 ص 62، وذخيرة
المعاد: كتاب الصلاة في تروك الصلاة ص 363 س 11، والحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في
مبطلات الصلاة ج 9 ص 34.
(3) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب قواطع الصلاة ح 4 ج 4 ص 1249.
(4) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب قواطع الصلاة ح 5 ج 4 ص 1249.
(5) ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: في عقاب من التفت في صلاته ثلاث مرات ج 1 ص 273،
والمحاسن: ب 3 في عقاب من تهاون بالصلاة ح 9 ج 1 ص 80.
(6) قرب الإسناد: ص 70.
501

عدا الخلف، أو مطلقا خرج منه ما كان إلى الخلف إجماعا فتوى ونصا وبقي
الباقي.
ولولا احتمال أن يكون المراد بالالتفات في الصحيح وما بعده: الالتفات
بالعين خاصة وفي غيرها الالتفات بالقلب لا بالجارحة لكانت حجة، لانجبار
الأسانيد بالشهرة.
ثم إن إطلاق أكثر النصوص كالعبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة عدم
الفرق في البطلان بين صور العمد والسهو والنسيان كما عن صريح الغنية (1)
والتهذيبين (2)، وظاهر إطلاق الصدوق في الفقيه، والمقنع، والهداية،
والأمالي (3).
ويعضده القاعدة من استلزام فوات الشرط الذي هو استقبال القبلة فوات
مشروطه. خلافا للمحكي عن المبسوط (4) والمراسم (5) والوسيلة (6) والاصباح (7)
وغيرها، فقيدوه بالأولى، وهو خيرة جماعة من المتأخرين، ومنهم الفاضل في

(1) غنية النزع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة قواطع الصلاة ص 503 س 29.
(2) تهذيب الأحكام: كتاب الصلاة ب 10 في أحكام السهو في الصلاة و... ج 2 ص 183 ذيل الحديث
32، والاستبصار: كتاب الصلاة ب 214 في الشك في فريضة الغداة ج 1 ص 368، ذيل الحديث
11، حيث استفاد منه البطلان سهوا، كما استفاده مفتاح الكرامة: كتاب الصلاة في مبطلات
الصلاة ج 3 ص 14 س 19.
(3) من لا يحضره الفقيه: باب وصف الصلاة من فاتحتها إلى خاتمتها ج 1 ص 303 الحديث 916،
والمقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في أبواب الصلاة ص 7 س 11، والهداية وأمالي الصدوق: مجلس 93 في
دين الإمامية ص 513.
(4) المبسوط: كتاب الصلاة في تروك الصلاة وما يقطعها ج 1 ص 111.
(5) المراسم: كتاب الصلاة في كيفية الصلاة ص 70.
(6) الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان ما يقارن حال الصلاة ص 97.
(7) كما في كشف اللثام: كتاب الصلاة في تروك الصلاة ج 1 ص 239 س 7.
502

المنتهى، قال: لقوله - عليه السلام -: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا
عليه (1). وهو كما ترى فإن غايته رفع المؤاخذة لا الصحة.
نعم ربما يعضده إطلاق جملة من النصوص الواردة في المأموم المسبوق
بركعة: أنه يعيدها بعد ما فرغ الإمام، وخرج هو مع الناس (2). وهي ظاهرة في
وقوع الالتفات دبرا، بل في بعضها: رجل صلى الفجر بركعة، ثم ذهب، وجاء
بعد ما أصبح وذكر أنه صلى ركعة، قال: يضيف إليها ركعة (3). لكن في جملة
من النصوص تقييد ذلك بعدم الانحراف.
منها: في رجل دخل مع الإمام في صلاته وقد سبقه بركعة، فلما فرغ الإمام
خرج مع الناس، ثم ذكر أنه فاتته ركعة، قال: يعيد ركعة واحدة يجوز له ذلك
إذا لم يحول وجهه عن القبلة، فإذا حول وجهه عن القبلة فعليه أن يستقبل
الصلاة استقبالا (4).
وفي آخر: إن كنت في مقامك فأتم بركعة، وإن كنت قد انصرفت فعليك
الإعادة (5).
واعلم: أن هذا كله إذا كان الالتفات بالوجه خاصة، وأما إذا كان
بجميع البدن فله شقوق مر أحكامها في مباحث القبلة.
ثم إن مقتضى إطلاق النص والفتوى عدم الفرق في البطلان بالالتفات
إلى الوراء بين الفريضة والنافلة، لكن في جملة من النصوص الفرق بينهما
بتخصيص الحكم بالأولى دون الثانية.

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في قواطع الصلاة ج 1 ص 308 س 2.
(2) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2 ج 5 ص 15، نقلا بالمعنى.
(3) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 4 ج 5 ص 316، نقلا بالمضمون
(4) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2 ج 5 ص 315.
(5) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1 ج 5 ص 315.
503

ففي الخبر المروي عن قرب الإسناد، وكتاب مسائل علي بن جعفر، عنه، عن
أخيه - عليه السلام -: عن الرجل يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته؟
قال: إذا كانت الفريضة والتفت إلى خلفه فقد قطع صلاته، فيعيد ما صلى،
ولا يرشد به. وإن كانت نافلة لم يقطع ذلك صلاته (1).
ونحوه المروي في مستطرفات السرائر: عن جامع البزنطي، عن مولانا الرضا
- عليه السلام - بزيادة قوله: " ولكن لا يعود " (2) وفي جملة من الصحاح إيماء إليه
أيضا.
منها: إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد إذا كان الالتفات
فاحشا (3).
وقريب منه الصحيحان المعللان خطر الالتفات بأن الله - عز وجل - يقول
لنبيه - صلى الله عليه وآله - في الفريضة: " فول وجهك شطر المسجد الحرام "
الآية (4). فلا يبعد المصير إليه، ولكن لم أجد مصرحا به.
(و) منها: (الكلام): أي: التكلم (بحرفين فصاعدا عمدا) مما ليس
بدعاء ولا ذكر ولا قرآن - مطلقا ولو كان مهملا لعمومه له لغة، كما عن شمس
العلوم ونجم الأئمة، والخبرين: من أن في صلاته فقد تكلم (5). إجماعا على
الظاهر المصرح به في عبائر جماعة (6) حد الاستفاضة، وللصحاح المستفيضة

(1) قرب الإسناد: ص 96 بزيادة في آخره: " ولكن لا يعود ".
(2) مستطرفات السرائر: ب 7 في ما استطرفناه عن الجامع البزنطي ح 2 ص 53، لا يخفى أن الزيادة
المذكورة موجودة أيضا في قرب الإسناد.
(3) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب قواطع الصلاة ح 2 ج 4 ص 1248.
(4) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الصلاة ح 3 ج 3 ص 227، ومثله في ذيله.
(5) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب قواطع الصلاة ح 2 و 4 ج 4 ص 1275.
(6) منهم صاحب ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في مبطلات الصلاة ص 352 س 35، وصاحب الحدائق)
الناضرة: كتاب الصلاة في قواطع الصلاة ج 9 س 18، وصاحب مصابيح الظلام للبهبهاني: كتاب
الصلاة في منافيات الصلاة ج 2 ص 317 س 11، مخطوط لم يطبع بعد.
504

وغيرها من المعتبرة تقدم إلى بعضها الإشارة.
وإطلاقه كغيره وإن شمل صورتي السهو والنسيان عن كونه في الصلاة
وظن الخروج منها إلا أنهما خرجتا عنه بالصحاح المستفيضة وغيرها من
المعتبرة.
منها: في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم، قال: يتم ما بقي من صلاته،
تكلم أو لم يتكلم، ولا شئ عليه (1). ونحوه آخر (2) وغيره (3).
ومنها: في رجل صلى ركعتين من المكتوبة، فسلم وهو يرى أنه قد أتم
الصلاة وقد تكلم، ثم ذكر أنه لم يصل غير ركعتين، فقال: يتم ما بقي من
الصلاة ولا شئ عليه (4). وفي كلام جماعة الاجماع عليه في الصورة الأولى (5)،
وهو حجة أخرى فيها، مؤيدة بعد الأصل والنصوص بعدم الخلاف فيها ولا في
الثانية، إلا من الشيخ في النهاية (وبعض من تبعه كالحلي وغيره) (6) فأبطل
الصلاة فيها، (7)، ولعله للاطلاق المقيد بما عرفته.
وإن سلم شموله لمثلها وإن ادعى تبادر العمد منه كما قيل (8) ارتفع

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 5 ج 5 ص 308.
(2) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب قواطع الصلاة ح 5 ج 4 ص 1275.
(3) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب قواطع الصلاة ح 3 ج 4 ص 1275.
(4) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 9 ج 5 ص 309.
(5) المعتبر: كتاب الصلاة في قواطع الصلاة ج 2 ص 253، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في تروك
الصلاة ج 1 ص 131 س 5، ومدارك الأحكام: كتاب الصلاة في قواطع الصلاة ج 3 ص 464.
(6) ما بين القوسين ليس في المخطوطات كلها.
(7) النهاية ونكتها: كتاب الصلاة ب 9 في السهو في الصلاة و... ج 1 ص 322.
(8) الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في قواطع الصلاة ج 9 ص 25.
505

الاشكال من أصله، ولا احتياج إلى التقييد به بالكلية. وفي الحرف الواحد
المفهم ك‍: " ق " وإن كان بدون هاء السكت لحنا والحرف بعده مده، أي: مد
صوت لا يؤدي إلى حرف آخر، وكلام المكره عليه نظر.
أما الأول: فمن الخلاف في دخوله في الكلام لغة كما عن شمس العلوم،
واختار دخوله نجم الأئمة كما قيل، وعن نهاية الإحكام: أنه من اشتماله على
مقصود الكلام والاعراض به عن الصلاة، ومن أنه لا يعد كلاما إلا ما انتظم
من حرفين، والحرف الواحد ينبغي أن يسكت عليه بالهاء (1). وعن التذكرة:
أنه من حصول الافهام فأشبه الكلام، ومن دلالة مفهوم النطق بحرفين على
عدم الابطال به (2) وعنهما القطع بخروجه عن الكلام (3)، وفي المنتهى: أن الوجه
الابطال، لوجود مسمى الكلام فيه، وفيه الاجماع على عدم إبطال غير المفهم
من الحرف الواحد كما هو الظاهر، لأنه لا يسمى كلاما (4). وعن التذكرة نفي
الخلاف عنه (5).
وأما الثاني: فمن التردد في أن الحركات المشبعة إنما يكون. ألفا أو واوا أو
ياء، ولعله المراد بما عن التذكرة ونهاية الإحكام من: أنه ينشأ من تولد المد من
إشباع الحركة ولا يعد حرفا، ومن: أنه إما ألف أو واو أو ياء (6).

(1): نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في التروك ج 1 ص 515.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في التروك ج 1 ص 131 س 10.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في التروك ج 1 ص 131 س 9، ونهاية الإحكام: كتاب الصلاة في
التروك ج 1 ص 515.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في قواطع الصلاة ج 1 ص 309 س 37 و 36.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في التروك ج 1 ص 131 س 9.
(6) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في التروك ج 1 ص 131 س 11، ونهاية الإحكام: كتاب الصلاة في
التروك ج 1 ص 515.
506

وأما الثالث: في عموم النصوص والفتاوى، وهو الأقوى كما عن التذكرة
ونهاية الإحكام، وهو فتوى التحرير (1)، ومن الأصل " ورفع ما استكرهوا
عليه " وحصر وجوب الإعادة في الخمسة: الطهور والوقت والقبلة والركوع
والسجود وتبادر الاختيار من الاطلاق. وفي الايضاح: المراد حول الاكراه
مع اتساع الوقت (2).
قيل: لأنه مع الضيق مضطر إلى فعله، مؤد لما عليه، وفيه: أنه مع السعة
أيضا كذلك خصوصا إذا طرأ الاكراه في الصلاة، ولا دليل على أن الضيق
شرط في الاضطرار، ولا على إعادة المضطر إذا بقي الوقت (3).
(وكذا القهقهة) يبطلها عمدا لا سهوا، إجماعا على الظاهر المصرح به فيهما
في كلام جماعة (4) حد الاستفاضة، والمعتبرة بالأول مع ذلك مستفيضة.
منها الصحيح: القهقهة لا تنقض الوضوء، أو تنقض الصلاة (5). ونحوه الموثق
وغيره بزيادة: أن التبسم لا يقطع الصلاة (6). وهو إجماع أيضا على الظاهر
المصرح به في جملة من العبائر (7). وبذلك يقيد النص المطلق كما يقيد هو وغيره

(1) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في التروك ج 1 ص 131 س 11، ونهاية الإحكام: كتاب الصلاة في
التروك ج 1 ص 516، وتحرير الأحكام: كتاب الصلاة في التروك ج 1 ص 43 س 3.
(2) إيضاح الفوائد: كتاب الصلاة في التروك ج 1 ص 117.
(3) والقائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في تروك الصلاة ج 1 ص 238 س 20.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في التروك ج 1 ص 132 س 4 و 8، ونهاية الإحكام: كتاب الصلاة
في التروك ج 1 ص 519، وذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في قواطع الصلاة ص 216 س 8 و 10،
ومفاتيح الشرائع: كتاب الصلاة م 195 في الضحك والبكاء في الصلاة ج 1 ص 172.
(5) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب قواطع الصلاة ح 1 ج 4 ص 1252.
(6) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب قواطع الصلاة ح 2 و 4 ج 4 ص 1253.
(7) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في قواطع الصلاة ج 1 ص 310 س 14، ونهاية الإحكام: كتاب
الصلاة في التروك ج 1 ص 519، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في التروك ج 1 ص 132 س 8 - 9،
وذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في قواطع الصلاة ص 216 س 10، وروض الجنان: كتاب الصلاة
في مبطلات الصلاة ص 333 س 1.
507

من النصوص، بالإضافة إلى القهقهة سهوا بما مر من الاجماع المنقول.
وهل المراد بالقهقهة: مطلق الضحك المقابل للتبسم كما هو ظاهر مقابلتها
له في النصوص ويقتضيه ما عن المفصل والمصادر للزوزني والبيهقي من أنها
الضحك بصوت، أو الضحك المشتمل على المد والترجيع كما عن العين وابن
المظفر، وقريب منها (1) ما عن الجمل والمقاييس من: أنها الاعراب في الضحك،
وعن شمس العلوم من: أنها المبالغة فيه، وعن الديوان والصحاح من أنها أن
يقول: " قه قه "، وعن الأساس " قه " الضاحك إذ قال في ضحكه: " قه " فإذا
كرره قيل: " قهقهة " كذا في القاموس؟ إشكال، والعرف يساعد الثاني،
والمقابلة تقتضي التجوز بإدخال ما لا مد فيه من الضحك في القهقهة أو التبسم،
ولا يتعين الأول.
بكلام بعض أهل اللغة وإن اقتضاه إلا أنه معارض بكلام الأكثر منهم
المعتضد بما عرفت من العرف، فلعله الأرجح، لكن ظاهر الروض كون الأول
مراد الأصحاب (2)، فالاحتياط لا يترك وإن غلب الضحك فقهقهه اضطرارا
بطلت الصلاة كما عن نهاية الإحكام (3) والذكرى (4) والتذكرة (5)، وظاهره كما
قيل الاجماع عليه (6)، لعموم النصوص. قيل: خلافا للشافعية وجمل العلم

(1) في الشرح المطبوع " منهما ".
(2) روض الجنان. كتاب الصلاة في مبطلات الصلاة ص 333 س 1.
(3) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في التروك ج 1 ص 519.
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في قواطع الصلاة ص 216 س 10.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في التروك ج 1 ص 132 س 4.
(6) والقائل هو صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في مبطلات الصلاة ج 9 ص 39.
508

والعمل على احتمال (1).
(و) كذا (الفعل الكثير الخارج عن الصلاة) يبطلها عمدا لا سهوا بلا
خلاف، حتى في الثاني إن لم يمح صورة الصلاة به، بل قيل: ظاهر الأصحاب
عدم البطلان فيه مطلقا (2)، وظاهره دعوى الاجماع فيه كالتذكرة والذكرى (3)
وهو الحجة فيه كالاجماعات المستفيضة النقل في الأول، مضافا فيه إلى إطلاق
المستفيضة.
كالمروي في قرب الإسناد: في التكتف في الصلاة أنه عمل في الصلاة،
وليس في الصلاة عمل (4).
والموثق الناهي عن قتل الحية بعد أن يكون بينه وبينها أكثر من خطوة (5).
والخبر الناهي عن الايماء في الصلاة (6).
والمروي في قرب الإسناد أيضا: عن الرجل يقرض أظافيره أو لحيته وهو في
صلاته، وما عليه إن فعل ذلك متعمدا؟ قال: إن كان ناسيا فلا بأس، وإن
كان متعمدا فلا يصلح (7). لكنها مطلقة شاملة لصور العمد والسهو والكثرة
والقلة إلا الأخير، ففصل بين الصورتين الأوليين، مع أن الصلاة غير فاسدة في
الثانية منهما إجماعا كما مضى، وكذا في الثانية من الأخيرتين على الظاهر

(1) والقائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في تروك الصلاة ج 1 ص 239 س 26.
(2) والقائل هو جامع المقاصد: كتاب الصلاة في تروك الصلاة ج 2 ص 350، وروض الجنان: كتاب
الصلاة في مبطلات الصلاة ص 333 س 10.
(3) تذكرة الفقهاء: باب الصلاة في التروك ج 1 ص 132 س 29، وذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في
قواطع الصلاة ص 215 س 32.
(4) قرب الإسناد: ص 95.
(5) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب، قواطع الصلاة ح 4 ج 4 ص 1269.
(6) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الأذان والإقامة ح 12 ج 4 ص 630.
(7) قرب الإسناد: ص 88.
509

المصرح به في المنتهى (1)، ومع ذلك معارضة بالصحاح المستفيضة وغيرها،
المجوزة لقتل البرغوث والحية والعقرب والبقة والقمل والذباب كما في
الصحاح وغيرها (2). وضم الجارية المارة إليه كما في الصحيح (3). وحمل الصبي
وارضاعه كما في الموثق وغيره (4). وتصفيق المرأة عند إرادة الحاجة كما في
الصحيح (5) وعد الرجل صلاته بخاتمه أو بحصى يأخذه بيده كما فيه (6). وفي
المنتهى دعوى الاجماع عليه (7). وتسوية الحصى في السجود بين السجدتين كما
في الموثق (8) وضرب الحائط لايقاظ الغلام كما في الصحيح (9). ومسح الرجل جبهته في
الصلاة إذا لصق بها تراب كما في الموثق (10).
ونحو ذلك من الأفعال التي تضمنها الأخبار الكثيرة، التي كادت تبلغ هي
مع سابقتها التواتر، ومع ذلك معمول بها بين الأصحاب وإن اختلفوا في
الاقتصار على مواردها كما عن المعتبر (11) ونهاية الإحكام (12)، أو إلحاق ما
يضاهيها بها كما يميل إليه بعض الأصحاب حيث قال بعد نقل جملة من هذه الأخبار.

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في قواطع الصلاة ج 1 ص 310 س 18.
(2) وسائل الشيعة: ب 19 و 20 من أبواب قواطع الصلاة ج 4 ص 1269 و 1270.
(3) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب قواطع الصلاة ح 1 ج 4 ص 1273.
(4) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب قواطع الصلاة ج 4 ص 1374.
(5) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب قواطع الصلاة ح 1 و 2 ص 1256.
(6) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3 ج 5 ص 343.
(7) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في قواطع الصلاة ج 1 ص 310 س 30 - 31.
(8) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب السجود ح 2 ج 4 ص 975.
(9) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب قواطع الصلاة ح 5 و 8 ج 4 ص 1256 و 1257.
(10) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب السجود ح 1 ج 4 ص 974.
(11) المعتبر: كتاب الصلاة في قواطع الصلاة ج 2 ص 255.
(12) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في التروك ج 1 ص 522.
510

ففي النظر إليها يظهر قلة وجود الفعل الكثير المبطل وعدم مدخلية الكثرة،
وأن بعض الأبحاث في هذه المسألة لا يخلو عن شئ مثل: هل يشترط في الكثرة
التوالي أم لا؟ وأن المرجع في القلة والكثرة إلى العادة، وأنه لا عبرة بالعدد، فقد
يكون الكثير قليلا كحركة الأصابع، والقليل كثيرا كالطفرة الفاحشة (9).
انتهى.
وهو حسن، مع أن ما ذكروه من الرجوع في تحقيق الكثرة والقلة إلى
العادة منظور فيه:
أولا: بما ذكره بعض الأصحاب من: أن ذلك متجه إن كان مستند الحكم
النص. وليس كذلك، فإني لم أطلع على نص يتضمن أن الفعل الكثير
مبطل، ولا ذكر نص في هذا الباب في شئ من كتب الاستدلال. فإذا مستند
الحكم هو الاجماع، فيجب إناطة الحكم بمورد الاتفاق. فكل فعل ثبت
الاتفاق. على كونه فعلا كثيرا كان مبطلا، ومتى ثبت أنه ليس بكثير
فهو ليس بمبطلا، ومتى اشتبه الأمر فلا يبعد القول بعدم كونه مبطلا،
لأن اشتراط الصلاة بتركه يحتاج إلى دليل، بناء على أن الصلاة اسم للأركان
مطلقا، فتكون هذه الأمور خارجة عن حقيقتها. ويحتمل البطلان لتوقف البراءة
اليقينية من التكليف الثابت عليه (2).
وثانيا: بأن العادة المحكوم بالرجوع إليها في ضبط الكثرة إن كان المراد بها
ما يرادف العرف العام ففساده واضح، وإن كان المراد بها عرف المتشرعة فهو
فرع ثبوته فهو في حيز المنع لو أريد بهم العلماء خاصة، لاختلافهم في الكثير
المبطل. فبعض يبطل مما لا يبطل به الآخر، ومعه لا يحصل الحقيقة التي هي

(1) مجمع الفائدة: كتاب الصلاة في مبطلات الصلاة ج 3 ص 71.
(2) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في مبطلات الصلاة ص 355 س 34.
511

المرجع. وكذا لو أريد بهم العوام مع أنهم ليسوا المرجع في شئ.
نعم هذا حسن فيما لو اتفق الكل على كونه كثيرا: كالأكل والشرب
والوثبة العظيمة والخياطة والحياكة، ونحوها مما تشهد بفساد الصلاة به البديهة
ومعلوم أن الفعل الكثير المستدل لبطلان الصلاة به بهذا الدليل أعم منه، ومع
ذلك فحيث اتفقوا يكون المناط في البطلان هو الاجماع حقيقة كما مر عن بعض
الأصحاب، وما عداه يكون الوجه فيه ما ذكره وإن كان الوجه الأخير الذي
احتمله أحوط.
(والبكاء لأمور الدنيا) يبطلها عمدا بلا خلاف يعتد به، بل
ظاهرهم الاجماع (كما عن ظاهر التذكرة) (1) عليه (2)، للخبر: إن بكى لذكر
جنة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة، وإن كان ذكر ميتا فصلاته
فاسدة (3). وضعفه سندا وقصوره عن إفادة تمام المدعى مجبور بالشهرة، وعدم
القائل بالفرق بين الطائفة المؤيدة بقرينة المقابلة الظاهرة في أن ذكر خصوص
البكاء على الميت إنما هو لمجرد التمثيل، وإلا لجعل مقابله مطلق البكاء على
غيره، لا البكاء على خصوص ذكر الجنة والنار.
وفي السهو قولان: من إطلاق النص، واحتمال اختصاصه بحكم التبادر
بصورة العمد كما في نظائره، مضافا إلى الأصل وحديث رفع القلم (4)، وحصر
وجوب الإعادة في الخمسة (5)، وهذا خيرة الحلبيين (6) وابن حمزة (7). وظاهر

(1) ما بين القوسين ليس في (م) و (ق) و (ش).
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في التروك ج 1 ص 132 س 10.
(3) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب قواطع الصلاة ح 4 ج 4 ص 125.
(4) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2 ج 5 ص 345.
(5) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب القراءة في الصلاة ح 5 ج 4 ص 770.
(6) الكافي في الفقه: في الصلاة ص 120، وغنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة كيفية فعل
الصلاة ص 496 س 34.
(7) الوسيلة: كتاب الصلاة في كيفة الصلاة اليومية ص 97.
512

العبارة خلافا للمحكي عن المبسوط (1) والمهذب (2) والاصباح (3) فالأول وهو أحوط.
ثم إن إطلاق النص يقتفي عدم الفرق في البكاء بين أنواعه، حتى ما
خلا صوت ونحيب، وربما خص بما اشتمل عليهما اقتصارا على المتفق
عليه. وهو حسن إن انحصر الدليل في الاتفاق، مع أن النص دليل آخر إلا أن
يضعف دلالته باشتماله على لفظ البكاء، ولا يدري ممدود فيه فيختص أم
مقصور فيعم.
وفيه: أن لفظ البكاء المحتمل للأمرين إنما هو في كلام الراوي، فأما لفظ
الإمام - عليه السلام - الذي هو المعتبر فإنما هو بكى بصيغة الفعل المطلق الشامل
للأمرين. فتأمل.
هذا، مع أن الفرق بين الأمرين أمر لغوي لا أظن العرف يعتبره، وهو مقدم
على اللغة حيثما حصل بينهما معارضة كما قرر في محله.
(وفي) بطلان الصلاة بالتكفير المفسر عند الأصحاب ب‍: (وضع اليمين
على الشمال) مطلقا وبالعكس أيضا على ما ذكره جماعة منهم ويظهر من
بعض الروايات وإن كان ظاهر الصحيح أنه الأول خاصة أو كراهته
(قولان)، إلا أن (أظهرهما) وأشهرهما (الابطال)، بل عليه عامة
المتأخرين. وفي الانتصار (4) والخلاف (5) (6)، وعن الأمالي (7) والغنية (8) الاجماع

(1) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر تروك الصلاة ويقطعها ج 1 ص 118.
(2) المهذب: كتاب الصلاة باب تفصيل الأحكام المقارنة للصلاة ج 1 ص 98.
(3) كما في كشف اللثام: كتاب الصلاة في تروك الصلاة ج 1 ص 240 س 12.
(4) الإنتصار: في التكفير ص 41.
(5) الخلاف: كتاب الصلاة م 74 في عدم جواز التكفير في الصلاة ج 1 ص 322.
(6) في نسخة (م) و (مش) و (ق) " والدروس ".
(7) أمالي الصدوق: مجلس 93 في دين الإمامية ص 512.
(8) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في كيفية فعل الصلاة ص 496 س 26 و 21.
513

عليه، والنصوص به مع ذلك مستفيضة.
منها الصحيح: قلت: الرجل يضع يده في الصلاة اليمنى على اليسرى،
قال: ذلك التكفير فلا تفعل (1).
وفي الصحيح وغيره: لا تكفر فإنما يفعل ذلك المجوس (2).
وفي جملة من النصوص المتقدم بعضها، المروية عن قرب الإسناد وغيره: إن
وضع الرجل إحدى يديه على الأخرى في الصلاة عمل، وليس في الصلاة
عمل (3).
وفي المروي عن دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمد - عليهما السلام - أنه
قال: إذا كنت قائما في الصلاة فلا تضع يدك اليمنى على اليسرى، ولا اليسرى
على اليمنى، فإن ذلك تكفير أهل الكتاب، ولكن أرسلهما إرسالا، فإنه أحرى
أن لا تشغل نفسك عن الصلاة (4).
وهو صريح فيما ذكره الجماعة من انسحاب الحكم في وضع الشمال على
اليمين أيضا وظاهر الشيخ في الخلاف دعوى الاجماع عليه (5)، وهو ظاهر كل من
استدل، على المنع بكونه فعل كثير. ونحوه كالمرتضى (6) وغيره، ولا بأس به وإن
تردد فيه في المنتهى (7)، لضعفه بدعوى الاجماع على خلافه، المعتضدة بصريح
الرواية، وظاهر ما تقدمها، بل صريحها من حيث التعليل المشترك بينه وبين الملحق به

(1) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب قواطع الصلاة ح 1 ج 4 ص 1264.
(2) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب قواطع الصلاة ح 2 س 3 ج 4 ص 1264.
(3) قرب الإسناد: ص 95.
(4) دعائم الاسلام: في ذكر صفات الصلاة ج 1 ص 159.
(5) الخلاف: كتاب الصلاة م 74 في عدم ص جواز التكفير في الصلاة ج 1 ص 322.
(6) الإنتصار: في التكفير ص 41.
(7) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في قواطع الصلاة ج 1 ص 311 س 29.
514

وهذه النصوص كبعض الاجماعات المنقولة وإن لم يصرح فيها بالابطال،
لكن بعد ثبوت التحريم منها بمقتضى النهي الذي هو حقيقة فيه يثبت هو أيضا
بالقاعدة المتقدمة في بحث التأمين في الصلاة، وبالاجماع المركب المصرح به في
كلام جماعة: كالمحقق الثاني وشيخنا الشهيد الثاني (1). فالقول بالتحريم دون
البطلان كما في المدارك (2) ضعيف، والقول الثاني للحلبي والإسكافي (3)، ولا
دليل عليه سوى الأصل، واشعار بعض الأخبار المعتبرة به من حيث عد النهي
عنه فيها في جملة من المكروهات المتفق عليها. ويضعفان بما مر، فإن الأصل يجب
الخروج عنه بالدليل، والاشعار لا يعارض الظاهر، فضلا عن الصريح.
نعم في المروي عن تفسير العياشي: قلت له: أيضع الرجل يده على ذراعه
في الصلاة؟ قال - عليه السلام -: لا بأس، الخبر (4). لكنه قاصر عن المقاومة، لما
مر من وجوه عديدة، مع أنه محتمل للورود مورد التقية.
وهل يختص الحكم بحالة العمد، أم يعمها وغيرها؟ وجهان، مضيا في
نظائر المسألة، وظاهر الأكثر هنا الأول، وبه صرح جماعة.
ثم إن الحكم تحريما أو كراهة يختص بحال الاختيار، فلو اضطر إليه لتقية
وشبهها جاز، بل وربما وجب قولا واحدا.
(ويحرم قطع الصلاة) بلا خلاف على الظاهر المصرح به في عبائر

(1) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في تروك الصلاة ج 2 ص 345، وروض الجنان: كتاب الصلاة في
مبطلات الصلاة ص 330 س 22.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في قواطع الصلاة ج 3 ص 461.
(3) الكافي في الفقه: في المكروه فعله في الصلاة ص 125، ومختلف الشيعة: كتاب الصلاة في تروك
الصلاة ج 1 ص 100 س 15.
(4) تفسير العياشي: في سورة الأعراف ح 100 ج 2 ص 36.
515

جماعة، معربين عن دعوى الاجماع عليه (1)، كما صرح به جملة منهم في جملة من
المنافيات المتقدمة كالشهيد - رحمه الله - في الذكرى في الكلام والحدث في
الأثناء، وتعمد القهقهة (2). وهو الحجة، مضافا إلى الآية الكريمة " لا تبطلوا
أعمالكم " (3).
والنهي للتحريم خرج منه ما أخرجه الدليل، ويبقى الباقي. والعبرة بعموم
اللفظ، لا خصوص المحل، والعام المخصص حجة في الباقي، والنص بأن تحريمها
التكبير وتحليلها التسليم (4)، إذ لا معنى لكون تحريمها التكبير إلى آخره إلا تحريم
ما كان محللا قبله به، وتحليله بالتسليم بعده.
وفي الصحيح: عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه، وهو يستطيع أن يصبر عليه
أيصلي علن تلك الحال أو لا يصلي؟ فقال: إذا احتمل الصبر ولم يخف إعجالا
عن الصلاة فليصل وليصبر (5) والأمر بالصبر حقيقة في الوجوب، ولولا حرمة
القطع لما وجب.
وفي آخرين: لا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك (6). وهو أظهر
دلالة على حرمة الافساد كلية، حيث علل به تحريم الالتفات.
وفي آخر: إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق أو غريما

(1) منهم: مجمع الفائدة والبرهان: كتاب الصلاة ما يجوز في الصلاة ج 3 ص 109، ومدارك الأحكام:
كتاب الصلاة في قواطع الصلاة ج 3 ص 477، وكشف اللثام: كتاب الصلاة في تروك الصلاة ج 1
ص 245 س 5.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في قواطع الصلاة ص 216 س 12 و 11 و 8.
(3) محمد: 33.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب التسليم ح 1 ج 4 ص 1003.
(5) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب قواطع الصلاة ح 1 ج 4 ص 1253.
(6) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب القبلة ح 3 ج 3 ص 227، والإسكافي: كتاب الصلاة باب الخشوع في
الصلاة وكراهية العبث ح 6 ج 3 ص 300.
516

لك عليه مال أو حية تتخوفها على نفسك فاقطع الصلاة، واتبع غلامك
وغريمك، واقتل الحية (1). وهو بمفهومه دال على الحكم المزبور وبمنطوقه على ما
ظاهرهم الاتفاق عليه من الجواز في صورة خوف الضرر بترك القطع المشار إليها
بقوله: (إلا لخوف ضرر كفوات (2) غريم، أو تردي طفل) أو نحو ذلك.
مضافا إلى الموثق الوارد فيها: عن الرجل يكون قائما في صلاة الفريضة
فينسى كيسه أو متاعا يخاف ضيعته أو هلاكه قال: يقطع صلاته ويحرز متاعه،
ثم يستقبل القبلة، قلت: فيكون في صلاة الفريضة فتغلب عليه دابته، فيخاف
أن تذهب أو يصيب منها عنتا، فقال: لا بأس، يقطع صلاته ويتحرز ويعود
إلى صلاته (3).
وفي القوي: رجل يصلي ويرى الصبي يحبو إلى النار، والشاة تدخل
البيت لتفسد الشئ، قال: فلينصرف، وليتحرز ما يتخوف منه، ويبني على
صلاته ما لم يتكلم (4). وهو ظاهر في الجواز، لكن مع البناء دون القطع
والاستثناء من المنع يقتضي ثبوت الجواز المطلق المجامع للوجوب والاستحباب
والكراهة والإباحة.
ولذا قسمه إليها الشهيدان وغيرهما فقالوا: يجب حفظ النفس والمال
المحترمين - حيث يتعين عليه (5).
ويستحب الاستدراك الأذان والإقامة، وقراءة الجمعة والمنافقين في الظهر

(1) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب قواطع الصلاة ح 1 ج 4 ص 1272.
(2) في المتن المطبوع: " مثل فوات ".
(3) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب قواطع الصلاة ح 2 ج 4 ص 1272.
(4) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب قواطع الصلاة ح 3 ج 4 ص 1272.
(5) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في قواطع الصلاة ص 215 س 14، وروض الجنان: كتاب الصلاة
في مبطلات الصلاة ص 338 س 17.
517

والجمعة، وللائتمام بإمام الأصل.
ويباح لاحراز المال اليسير الذي لا يتضرر بفواته، وقتل الحية التي لا يظن
أذاها.
ويكره لاحراز المال اليسير الذي لا يبالي بفواته، قاله في الذكرى (1)،
واحتمل التحريم، وقال: وإذا أراد القطع فالأجود التحليل بالتسليم، لعموم
وتحليها التسليم.
ولو ضاق الحال عنه سقط. وإن لم. يأت به وفعل منافيا آخر فالأقرب عدم
الإثم، لأن القطع سقط، والتسليم إنما يجب التحلل به في الصلاة التامة (2).
وهل الحكم بتحريم القطع يختص بالفريضة، أم يعمها والنافلة؟ ظاهر
إطلاق العبارة كغيرها من أكثر الفتاوى والأدلة الثاني، خلافا للقواعد وشيخنا
الشهيد الثاني وغيرهما. فالأول (3)، لمفهوم بعض الصحاح. المتقدمة، وخصوصا ما مر من
المعتبرة في بحث الالتفات عن القبلة، وهو غير بعيد لاعتبار هذه الأدلة، فتصلح
أن تكون للاطلاقات مقيدة.
نعم، يكره لشبهة الخلاف الناشئ من الاطلاق.
(وقيل:) والقائل الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف (يقطعها
الأكل والشرب) ولا ريب فيه إذا بلغ الكثرة، بل على البطلان حينئذ

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في قواطع الصلاة ص 215 س 15، ولكن لا توجد فيه جملة " ويباح
لاحراز " إلى قوله " لا يظن أذاها "، نعم نقلها روض الجنان: - كتاب الصلاة في مبطلات الصلاة
ص 338 س 19 - ولعله لا حط نسخة الأصل. والله العالم.
(2) المصدر السابق.
(3) قواعد الأحكام: كتاب الصلاة في التروك ج 1 ص 36 س 5، إلا أنه غير مقيد بالوجوب في النسخة
المطبوعة، ولكن النسخ المخطوطة ومتون شروحه مقيدة بالوجوب، وروض الجنان: كتاب الصلاة في مبطلات
الصلاة ص 338 س 13.
(4) النهاية: كتاب الصلاة باب النوافل وأحكامها ص 121، لكنه غير صريح فيه إلا أنه يمكن أن
يستفاد منه حيث خص الجواز بدعاء الوتر.
والمبسوط: كتاب الصلاة في ذكر تروك الصلاة وما يقطعها ج 1 ص 118، والخلاف: كتاب
الصلاة م 159 في عدم جواز الأكل والشرب في الصلاة ج 1 ص 413.
518

الاجماع في كلام جماعة، كما لا ريب في العدم مع النسيان مطلقا، للأصل، مع
دعوى الاجماع عليه في المنتهى
ويشكل مع القلة، لعدم دليل على البطلان بهما حينئذ يعتد به، عدا
دعوى الاجماع في الخلاف على البطلان بهما بقول مطلق (2).
وفي انصرافه إلى القليل منهما نظر؟ لاختصاصه بحكم التبادر بالكثير، مع
أن في المنتهى: الاجماع على عدم البطلان بابتلاع نحو ما بين الأسنان، وبوضع
سكرة في فيه فتذوب وتسوغ مع الريق (3). وفي الصحيح: عن الرجل هل يصلح
له أن يصلي وفي فيه الخبز واللوز؟ قال: إن كان يمنعه من قراءته فلا، وإن كان
لا يمنعه فلا بأس (4). وهو ظاهر أيضا في عدم البطلان، مضافا إلى الأصل.
وفحوى النصوص المجوزة لكثير من الأفعال المتقدمة في بحث الفعل الكثير من
نحو: إرضاع الطفل وإحضانه، وقتل الحية والعقرب، ونحو ذلك فالأجود - وفاقا
لجماعة من المتأخرين - عدم البطلان بالقليل واختصاصه بالكثير.
ولا فرق في القطع بهما في الجملة أو مطلقا بين الفريضة والنافلة (إلا في
الوتر لمن عزم [على] (5) الصوم ولحقه عطش، (شديد) (6) وكان الماء أمامه

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في قواطع الصلاة ج 1 ص 312 س 8.
(3) الخلاف: كتاب الصلاة م 159 في عدم جواز الأكل والشرب في الصلاة ج 1 ص 413.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في قواطع الصلاة ج 1 ص 312 س 17، باختلاف في اللفظ.
(4) وسائل الشيعة: ب 60 من أبواب لباس المصلي ح 2، 3 ج 3 ص 337 وفيه بدل " الخبز واللوز "
" الخزر واللؤلؤ " فلا حظ.
(5) ما بين المعقوفتين أثبتناه في المتن المطبوع.
(6) ما بين القوسين ليس موجودا في المخطوطات.
519

بعيدا عنه بخطوتين أو ثلاثة (1)، فيجوز له الشرب " حينئذ كما في النص (2).
وهذا الاستثناء بهذه القيود مجمع عليه كما في التنقيح (3). وظاهره عدم الفرق
بين القليل والكثير، مع أن في المنتهى؟ الأقرب اعتبار القلة (4). وفي المختلف:
أن الرخصة إما في القليل أو في الدعاء بعد الوتر (5).
أقول: وعليه لا معنى للاستثناء، لاشتراك مطلق النافلة، بل الفريضة
أيضا في جواز القليل من الأكل والشرب، بل مطلق الأفعال فيها، إلا على
القول بالمنع عنهما فيها مطلقا، ولم أجد به قائلا صريحا، بل ولا ظاهرا، لانصراف
الاطلاق في كلام الشيخ الذي هو الأصل في هذا القول إلى الكثير المتفق عليه
البطلان به كما مضى.
نعم، كل من عطفهما على الفعل الكثير ظاهره كونهما مبطلين عنده
مطلقا، فيصح الاستثناء على هذا مطلقا ولو قيد الشرب في المستثنى
بالقليل، لكنه خلاف ظاهر النص والأكثر.
وفي جواز استثناء مطلق النافلة مع القيود المزبورة أو مطلقا كالوتر بدونها
إشكال، والأصل يقتضي العدم كما هو ظاهر الأكثر. ويحتمل الجواز، لتخلف
حكم النافلة عن الفريضة في مواضع عديدة، مع ورود النص بأن النافلة
ليست كالفريضة (6). وفي الخلاف: وروي إباحة الشرب في النافلة (7). وظاهره

(1) في (مش) و (م) و (ق)، وثلاثة.
(2) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب قواطع الصلاة ح 1 ج 4 ص 1273.
(3) التنقيح الرائع: باب الصلاة في قواطع الصلاة ج 1 ص 217.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في قواطع الصلاة ج 1 ص 312 س 21.
(5) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في تروك الصلاة ج 1 ص 103 س 11 - 12.
(6) لم نعثر على مأخذه.
(7) الخلاف: كتاب الصلاة م 159 في عدم جواز الأكل والشرب في الصلاة ج 1 ص 413.
520

المصير إلى هذا الاحتمال، وورود نص به وإن احتمل أن يريد به المنصوص
في هذا النص خاصة من غير تعميم لغيره، ولا ريب أن الأحوط العدم.
(وفي جواز الصلاة بشعر (1) معقوص - قولان، أشبههما: الكراهة (2))
وفاقا للمفيد (3) والحلي (4) والديلمي (5) والحلبي (6) وعامة المتأخرين (7) للأصل،
وضعف دليل المانع، وهو: الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف، مدعيا فيه
الاجماع (9)، ومستندا إلى الخبر: في رجل صلى صلاة فريضة وهو معقوص
الشعر، قال: يعيد صلاته (9). وفي المسند ضعف، وفي الاجماع وهن بندرة القائل
به، بل بعدمه، إلا مدعيه، فلا يخصص به الأصل المعتضد بفتوى الأكثر بل
الكل، إلا النادر وإن تبعه الشهيد في الذكرى، لشبهة نقل الاجماع
وللاحتياط (10) وفي الأول ما مر.
وفي الثاني: أنه مرجوح بالنسبة إلى المعارض، مع أن في التمسك به

(1) في المطبوع من الشرح والمخطوطات " والشعر ".
(2) في المتن المطبوع " الكراهية ".
(3) المقنعة: كتاب الصلاة ب 12 فيما تجوز الصلاة فيه من اللباس... ص 152.
(4) السرائر: كتاب الصلاة باب القول في لباس المصلي ج 1 ص 271.
(5) المراسم: كتاب الصلاة في أحكام ما يصلى فيه ص 64.
(6) الكافي في الفقه: باب تفصيل أحكام الصلاة الخمس ص 125.
(7) المعتبر: كتاب الصلاة في قواطع الصلاة ج 2 ص 260، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة فيما يكره فيه
الصلاة ج 1 ص 99 س 33، والمهذب البارع: كتاب الصلاة في قواطع الصلاة ج 1 ص 397.
(8) النهاية: كتاب الصلاة باب السهو في الصلاة وأحكامها و... ص 95، والمبسوط: كتاب الصلاة في
ذكر تروك الصلاة وما يقطعها ص 119، والخلاف: كتاب الصلاة م 255 في عدم جواز الصلاة
في معقوص الشعر ج 1 ص 510.
(9) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب لباس المصلي ح 1 ج 3 ص 308.
(10) ذكرى الشيعة: باب الصلاة في قواطع الصلاة ص 217 س 17.
521

للوجوب إشكالا ليس هنا محل ذكره، والحكم تحريما أو كراهة مختص بالرجل
دون المرأة إجماعا كما صرح به جماعة، ولكن بعض العبارات كالمتن مطلقة.
والعقص هو: جمع الشعر في وسط الرأس وشده كما عن المعتبر (1)
والتذكرة (2) وفي غيرهما من كتب الجماعة.
قيل: ويقرب منه قول الفارابي، والمطرزي في كتابيه: أنه جمعه على
الرأس.
قال المطرزي: وقيل: هو ليه وإدخال أطرافه في أصوله.
قلت: هو قول ابن فارس في المقاييس.
قال المطرزي: وعن ابن دريد: عقصت شعرها: شدته في قفاها ولم تجمعه
جمعا شديدا.
وفي العين: العقص: أخذك خصلة من شعر فتلويها، ثم تعقدها حتى
يبقى فيها التواء، ثم ترسلها. ونحوه المجمل والأساس والمحيط وإن خلا عن
الارسال.
ويقرب منه ما في الفائق: أنه الفتل. وما في الصحاح: أنه ضفره وليه على
الرأس. وهو المحكي في تهذيب اللغة، والغريبين عن أبي عبيدة، إلا أنه قال:
ضرب من الضفر، وهو: ليه على الرأس.
وفي المنتهى: وقد قيل: إن اطراد بذلك: ضفر الشر وجعله كالكبة في مقدم
الرأس على الجبهة وعلى هذا يكون ما ذكره الشيخ حقا لأنه يمنع من
السجود (3). انتهى.

(1) المعتبر: كتاب الصلاة في قواطع الصلاة ج 2 ص 260.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة فيما يكره فيه الصلاة ج 1 ص 99 س 33.
(3) والقائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة فيما يكره فعله في الصلاة ج 1 ص 240 س 33.
522

وحكى المطرزي قولا: إنه وصل الشعر بشعر الغير.
(ويكره الالتفات) بالبصر أو الوجه (يمينا وشمالا) ففي الخبر: أنه
لا صلاة لملتفت (1). وحمل على نفي الكمال جمعا كما مضى. وفي آخر: عنه
- صلى الله عليه وآله -: أما يخاف الذي يحول وجهه في الصلاة أن يحول الله
تعالى وجهه وجه حمار (2). والمراد: تحويل وجه قلبه كوجه قلب الحمار في عدم
اطلاعه على الأمور العلوية، وعدم إكرامه بالكمالات العلية.
(والتثاؤب) بالهمزة، يقال: تثاءبت ولا يقال: تثاوبت، قاله الجوهري.
(والتمطي) وهو: مد اليدين. ففي الخبر: أنهما من الشيطان (3). وفي النهاية
الأثيرية: إنما جعلهما من الشيطان كراهية له، لأنه إنما يكون مع ثقل البدن
وامتلائه واسترخائه، وميله إلى الكسل والنوم، وأضافه إلى الشيطان لأنه
الذي يدعو إلى إعطاء النفس شهوتها. وأراد به: التحذير من السبب الذي
يتولد، وهو: التوسيع في المطعم والشبع، فيثقل عن الطاعات ويكسل عن
الخيرات.
(والعبث) بشئ من أعضائه، فقد رأى النبي - صلى الله عليه وآله -
رجلا يعبث في الصلاة، فقال: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه (4). وفي
بعض النصوص: أنه يقطع الصلاة (5). وحمل على ما إذا بلغ الكثرة المبطلة
جمعا.

(1) بحار الأنوار: كتاب الصلاة ب 15 في وصف الصلاة من فاتحتها... ج 84 س 211.
(2) بحار الأنوار: كتاب الصلاة ب 15 في وصف الصلاة من فاتحتها... ج 84 ص 211، و ب 16 في آداب
الصلاة ح 58 ج 84 ص 259.
(3) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب قواطع الصلاة ح 3 و 4 ج 4 ص 1259.
(4) الجعفريات: كتاب الصلاة ص 36.
(5) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب قواطع الصلاة ح 9 ج 4 ص 1261.
523

(ونفخ موضع السجود، والتنخم، والبصاق) وخصوصا إلى القبلة
واليمين وبين يديه.
(وفرقعة الأصابع) ونقضها لتصوت.
(والتأوه بحرف) واحد، وأصله قول: أوه عند التوجع والشكاية، والمراد به
هنا: النطق به على وجه لا يظهر منه حرفان.
(ومدافعة الأخبثين) البول والغائط، ولا خلاف في شئ من ذلك عدا
الالتفات، فقيل: بتحريمه (1)، وهو ضعيف، والنصوص بالجميع مستفيضة:
ففي الصحيح: إذا قلت في الصلاة فعليك بالاقبال على صلاتك، فإنها
يحسب لك منها ما أقبلت عليه، ولا تعبث فيها بيدك ولا برأسك ولا
بلحيتك، ولا تحدث نفسك، ولا تتثاءب، ولا تتمط ولا تكفر فإنما يفعل، ذلك
المجوس، ولا تلتثم ولا تحتفر، ولا تفرج كما يتفرج البعير، ولا تقع على قدميك،
ولا تفترش ذراعيك، ولا تفرقع أصابعك فإن ذلك كله نقصان من الصلاة،
ولا تقم إلى الصلاة متكاسلا ولا متناعسا ولا متثاقلا، فإنها من خلال
النفاق، فإن الله تعالى نهى المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة وهم سكارى،
يعني: سكر النوم، وقال في المنافقين: " وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى...
ولا يذكرون الله إلا قيلا " (2).
وفي آخر: لا صلاة لحاقن ولا لحاقب وهو بمنزلة من هو في ثيابه (3). والمراد:
نفي الفضيلة للاجماع على الصحة.

(1) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في تروك الصلاة ص 361 س 11.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 5 ج 4 ص 677.
(3) الوافي: ب 115 من أبواب ما يعرض للمصلي من الحوادث و... ح 3 ج 8 ص 864 ولكن الموجود في
التهذيب: ب 15 في كيفية الصلاة و... ح 228 ج 2 ص 333 والمحاسن: كتاب عقاب الأعمال ب 5
في عقاب من صلى وبه بول أو غائط ح 15 ج 1 ص 83، والوسائل: ب 8 من أبواب قواطع الصلاة ح 2
ج 4 ص 1254) هو (ولا لحاقنة)، وقد أشارا هذا الاختلاف صاحب الحدائق كتاب الصلاة فيما
يكره فعله في الصلاة ج 9 ص 61.
524

ويستفاد من الأول كراهة فعل ما يشعر بترك الخشوع، والاقبال إلى
الصلاة مطلقا كما عليه الأصحاب، ويستفاد من نصوص أخر أيضا وفيها
الصحاح وغيرها.
(و) منها يظهر وجه كراهة (لبس الخف) حال كونه (ضيقا) لما فيه
من سلب الخشوع والمنع من التمكن من السجود.
(ويجوز للمصلي تسميت العاطس) وهو: الدعاء له عند العطاس بنحو
قوله: (يرحمك الله) إذا كان مؤمنا بلا خلاف إلا من المعتبر، فقد تردد بفيه (1)،
ولا وجه له بعد ثبوت كونه دعاء بنص جماعة من أهل اللغة، فيشمله عموم
ما دل على جوازه في الصلاة كما يأتي، مضافا إلى عموم ما دل على جواز
التسميت، بل استحبابه مطلقا، مع أنه رجع عنه بعده إلى الجواز كما عليه
الأصحاب، وجعله مقتضى المذهب.
نعم روت العامة عن معاوية بن الحكم أنه قال: صليت مع رسول الله
- صلى الله عليه وآله وسلم - فعطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله،
فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: ما شأنكم تنظرون إلي، فجعلوا يضربون على
أفخاذهم، فعلمت أنهم يصمتوني فلما صلى رسول الله صلى الله عليه [وآله]
وسلم قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها كلام الناس، إنما هي التكبير وقراءة
القرآن (2). وفيه مع ضعف سنده عدم وضوح دلالته باحتمال رجوع الانكار فيه
إلى قوله الثاني، أو إلى إنكارهم، كما بينته في الشرح.

(1) المعتبر: كتاب الصلاة في مكروهات الصلاة ج 2 ص 263.
(2) سنن أبي داود: كتاب الصلاة باب تشميت العاطس في الصلاة ح 930 ج 1 ص 244، باختلاف
يسير وحذف.
525

وهل يجب على العاطس الرد؟ قيل: الأظهر لا، لأنه لا يسمى تحية (1)،
وفيه نظر، مع أنه روى الصدوق في آخر كتاب الخصال في حديث طويلا: عن
أبي جعفر، عن آبائه عن أمير المؤمنين - عليهم السلام - أنه قال: إذا عطس
أحدكم فسمتوه، قولوا: يرحمكم الله، ويقول: يغفر الله تعالى [لكم] ويرحمكم
قال الله عز وجل: " إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها " (2). وكما
يجوز بل يستحب التسميت يجوز له إذا عطس أن يحمد الله، ويصلي على النبي
- صلى الله عليه وآله - وأن يفعل ذلك إذا عطس غيره، للعمومات. وفي المنتهى
أنه مذهب أهل البيت عليهم السلام (3).
(و) يجوز له (رد السلام) أيضا على المسلم بإجماعنا الظاهر المصرح به
في جملة من العبائر. وهو الحجة بعد العمومات من الكتاب والسنة المستفيضة،
مضافا إلى خصوص المعتبرة.
منها: الصحيح: دخلت على أبي جعفر - عليه السلام - وهو في الصلاة،
فقلت: السلام عليك، فقال: السلام عليك فقلت: كيف أصبحت؟ فسكت،
فلما انصرف قلت: أيرد السلام وهو في الصلاة؟ فقال: نعم، مثل ما قيل
له (4).
والموثق: عن الرجل يسلم عليه وهو في الصلاة؟ فقال: يرد بقوله: سلام
عليكم، ولا يقول: عليكم السلام (5). ويستفاد منه وجوب كون الرد ب‍ (مثل
قوله: سلام عليكم واطلاقه كالعبارة يشمل ما إذا سلم به أم بغيره من صيغ

(1) القائل هو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في قواطع الصلاة ج 3 ص 472.
(2) الخصال: (حديث الأربعمائة) ح 10 ج 2 ص 633.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في قواطع الصلاة ج 1 ص 313 س 25.
(4) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب قواطع الصلاة ح 1 ج 4 ص 1265.
(5) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب قواطع الصلاة ح 2 ج 4 ص 1265.
526

السلام الأربع المشهورة. وهو مشكل، بل ضعيف، لتصريح الصحيحة المتقدمة
بخلافه مع اعتضادها بالعمومات، مضافا إلى الأصل.
ويستفاد منها: وجوب كون الرد بالمثل كما هو المشهور بين الأصحاب، وفي
ظاهر المدارك (1) وغيره، وصريح المرتضى والخلاف أن عليه إجماع
الأصحاب (2)، وهو حجة أخرى بعد الصحيح المعتضد بالموثق السابق ولو في
الجملة. ولولا دلالته على تعيين الصيغة المذكورة فيه للرد لكان كالصحيح
حجة، مع احتمال أن يقال في توجيه تعيينه إياها: غلبة حصول السلام بها
وندرة السلام بعليكم السلام، بل عدمه وفي بعض الأخبار: أنه تحية
الأموات (3).
وعلى هذا فالأمر فيه بالصيغة المزبورة إنما هو لمراعاة المماثلة، ويشير إلى
هذا التوجيه كلام الشيخ في الخلاف (4)، كما لا يخفى على من راجعه وتدبره،
خلافا للحلي والفاضل في المختلف (5) فجوز الرد بالمخالف ولو بقوله: " عليكم
السلام " خصوصا مع تسليم المسلم به، لعموم الآية، واستضعافا للرواية بناء على
أنها من الآحاد. وفيه: أنها من الآحاد المعمول بها، فيتعين العمل وتخصيص
العموم بها.
ثم ليس في العبارة ككثير إلا جواز الرد دون وجوبه، وبه صرح

(1) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في قواطع الصلاة ج 3 ص 474.
(2) الإنتصار: في القنوت والسلام ص 47، والخلاف: كتاب الصلاة م 141 في كيفية رد المصلي السلام
ج 1 ص 388.
(3) سن أبي داود: كتاب الأدب في كراهية أن يقول " عليك السلام " ح 5209 ج 4 ص 353.
(4) الخلاف: كتاب الصلاة م 141 في كيفية رد المصلي السلام ج 1 ص 388.
(5) السرائر: كتاب الصلاة باب ذكر أحكام الأحداث... ج 1 ص 236، ومختلف الشيعة: كتاب
الصلاة في التروك ج 1 ص 102 السطر الأخير.
527

الفاضل (1) وجماعة، ومنهم: الشهيد - رحمه الله - قال: والظاهر أن الأصحاب
أرادوا بيان شرعيته، ويبقى الوجوب معلوما من القواعد الشرعية (2). انتهى.
وهو حسن، ويجب إسماع الرد تحقيقا أو تقديرا كما في غير الصلاة على الأشهر
الأقوى عملا بعموم ما دل عليه، وحملا للصحيح والموثق الدالين على الأمر
بإخفائه كما في الأول (3)، أو على الاتيان به فيما بينه وبين نفسه كما في
الثاني (4) على التقية، كما بينته في الشرح مع جملة ما يتعلق بالمقام وسابقه من
أبحاث شريفة ومسائل مهمة تضيق عن نشرها هذه التعليقة.
(و) يجوز له (الدعاء في أحوال الصلاة) قائما وقاعدا وراكعا وساجدا
ومتشهدا بالعربية وإن كان غير مأثور إجماعا على الظاهر المصرح به في جملة من
العبائر، وللمعتبرة المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر.
ففي الصحيح: عن الرجل يتكلم في صلاة الفريضة بكل شئ يناجي
ربه؟ قال: نعم (5).
وهل يجوز بغير العربية؟ قيل: نعم (6)، وقيل: لا (7)، ولعله الأقوى
اقتصارا في الكلام المنهي عنه في الصلاة على المتيقن حصول الرخصة فيه منه
نصا وفتوى، وليس إلا العربية. ومنه يظهر وجه اشتراط كون الدعاء (بسؤال
المباح) دينا ودنيا (دون المحرم) مع أنه متفق عليه ظاهرا، فلو دعا به بطل

(1) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في التروك ج 1 ص 102 س 25.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في رد السلام ص 218 س 3 و 4.
(3) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب قواطع الصلاة ح 3 ج 4 ص 1265.
(4) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب قواطع الصلاة ح 4 ج 4 ص 1266.
(5) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب قواطع الصلاة ح 1 ج 4 ص 1262.
(6) القائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في التشهد ج 1 ص 233 س 16.
(7) القائل هو صاحب الحدائق الناضرة كتاب الصلاة في القنوت ج 8 ص 371.
528

الصلاة بلا خلاف أجده، وعن التذكرة دعوى الاجماع عليه (1) وإن اختلفوا في
إطلاق الحكم أو تقييده بصورة العلم بتحريم المدعو به، والأصح الأول، لعموم
الدليل. والجهل ليس بعذر مطلقا خصوصا في الصحة والبطلان.
وتنظر فيه شيخنا في الروض (2) قال: من عدم وصفه بالنهي، وتفريطه
بترك التعلم ثم حكى عن الذكرى ترجيح عدم الصحة قال: وقطع المصنف
بعدم عذره. ثم قال: ولا يعذر جاهل كون الحرام مبطلا لتكليفه بترك الحرام،
وجهله تقصير منه، وكذا الكلام في سائر منافيات الصلاة لا يخرجها الجهل
بالحكم عن المنافيات (3). انتهى.
أقول: وظاهره الفرق بين الجهل بكون الحرام مبطلا فلا يعذر، والجهل
بحرمة المدعو به ففيه نظر، وسؤال وجه الفرق متجه. فتدبر.
إلى هنا انتهى الجزء الثالث - حسب تجزئتنا -
ويتلوه الجزء الرابع إن شاء الله تعالى وأوله:
" المقصد الثاني في بيان بقية الصلوات "

(1) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في التروك ج 1 ص 132 س 2.
(2) في المطبوع من الشرح: " الروضة " والصحيح ما أثبتناه كما في جمع النسخ الخطية.
(3) روض الجنان: كتاب الصلاة في مبطلات الصلاة ص 338 س 26.
529