الكتاب: الحدائق الناضرة
المؤلف: المحقق البحراني
الجزء: ١٥
الوفاة: ١١٨٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق : محمد تقي الإيرواني
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية - قم المقدسة
ردمك:
ملاحظات: نهض بمشروعه الشيخ علي الآخوندي

الحدائق الناضرة
في
أحكام العترة الطاهرة
تأليف
العالم البارع الفقيه المحدث الشيخ يوسف البحراني قدس سره
المتوفى سنة 1186 هجرية
حققه وعلق عليه
محمد تقي الإيرواني
الجزء الخامس عشر
نهض بمشروعه الشيخ علي الآخوندي
منشورات
جماعة المدرسين في الحوزة العلمية
في قم المقدسة
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الباب الثاني
في الاحرام وما يتبعه، ومنه حكم الحصر والصد
والبحث فيه يقع في مقاصد:
المقصد الأول في مقدماته
وهي أمور: الأول توفير شعر الرأس من أول ذي القعدة إذا
أراد التمتع، ويتأكد عند هلال ذي الحجة. والمشهور بين الأصحاب أن
ذلك على سبيل الاستحباب، وهو قول الشيخ في الجمل وابن إدريس وسائر
المتأخرين. وقال الشيخ في النهاية: فإذا أراد الانسان أن يحج متمتعا
فعليه أن يوفر شعر رأسه ولحيته من أول ذي القعدة ولا يمس شيئا
منها. وهو يعطي الوجوب. ونحوه قال في الإستبصار. وقال الشيخ
المفيد في المقنعة: إذا أراد الحج فليوفر شعر رأسه في مستهل ذي القعدة
فإن حلقه في ذي القعدة كان عليه دم يهريقه.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة روايات:
منها ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله
2

(عليه السلام) (1) قال: (لا تأخذ من شعرك وأنت تريد الحج
في ذي القعدة، ولا في الشهر الذي تريد فيه الخروج إلى العمرة).
وما رواه أيضا في الحسن وابن بابويه في الصحيح عن معاوية بن
عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (الحج أشهر معلومات:
شوال وذو القعدة وذو الحجة، فمن أراد الحج وفر شعره إذا نظر إلى
هلال ذي القعدة، ومن أراد العمرة وفر شعره شهرا).
وما رواه الكليني في الحسن أو الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: (اعف شعرك للحج إذا رأيت هلال
ذي القعدة، وللعمرة شهرا).
وعن الحسين بن أبي العلاء في الحسن به (4) قال: (سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الرجل يريد الحج، أيأخذ من رأسه في شوال كله
ما لم ير الهلال؟ قال: لا بأس ما لم ير الهلال).
وعن إسماعيل بن جابر (5) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
كم أوفر شعري إذا أردت هذا السفر؟ قال: اعفه شهرا).
وعن إسحاق بن عمار (6) قال: (قلت لأبي الحسن موسى (عليه

(1) الوسائل الباب 2 من الاحرام. والراوي في المخطوطة والمطبوعة
هو " ابن مسكان " تبعا للوسائل، وفي التهذيب ج 5 ص 46 و ص 445 هو
" ابن سنان " وكذا في الوافي باب (أشهر الحج وتوفير الشعر فيها).
(2) الوسائل الباب 2 من الاحرام. والشيخ يرويه عن الكليني.
(3) الوسائل الباب 2 من الاحرام.
(4) الوسائل الباب 4 من الاحرام.
(5) التهذيب ج 5 ص 47، والوسائل الباب 3 من الاحرام.
(6) التهذيب ج 5 ص 445، والوسائل الباب 3 من الاحرام.
3

السلام): كم أوفر شعري إذا أردت العمرة؟ قال: ثلاثين يوما).
وقال الصدوق (1) بعد نقل صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة: وقد
يجزئ الحاج بالرخص أن يوفر شعره شهرا، روى ذلك هشام بن الحكم
وإسماعيل بن جابر عن الصادق (عليه السلام) ورواه إسحاق بن عمار
عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام). وطريق الصدوق إلى
هشام بن الحكم صحيح.
والظاهر كما استظهره في الوافي حمل رواية إسماعيل بن جابر
على العمرة لا الرخصة كما ذكره الصدوق (قدس سره).
وعن سعيد الأعرج عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال:
(لا يأخذ الرجل إذا رأى هلال ذي القعدة وأراد الخروج من رأسه
ولا من لحيته).
وعن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) قال: (لا تأخذ
من شعرك وأنت تريد الحج في ذي القعدة، ولا في الشهر الذي تريد
فيه الخروج إلى العمرة).
وموثقة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال:
(خذ من شعرك إذا أزمعت على الحج شوال كله إلى غرة ذي القعدة).
وبهذه الأخبار أخذ القائلون بالوجوب، وهي ظاهرة في ذلك
كما لا يخفى.
وقال العلامة في المختلف بعد أن نقل صحيحة معاوية بن عمار
المتقدمة دليلا للقائلين بالوجوب ما صورته: والجواب: نقول بموجب

(1) الفقيه ج 2 ص 197 و 198.
(2) الوسائل الباب 2 من الاحرام.
(3) الوسائل الباب 2 من الاحرام.
(4) الوسائل الباب 2 من الاحرام.
4

الحديث، فإن المستحب مأمور به كالواجب. قال في المدارك رادا عليه
ونعم ما قال: إن أراد بكون المستحب مأمورا به أنه تستعمل فيه
صيغة (افعل) حقيقة منعناه، لأن الحق أنها حقيقة في الوجوب كما
هو مذهبه (رحمه الله) في كتبه الأصولية، وإن أراد أن المندوب يطلق
عليه هذا اللفظ أعني: (المأمور به) سلمناه ولا ينفعه.
وأما ما ذكره الفاضل الخراساني في الذخيرة حيث قال بعد نقل
الأخبار المذكورة: وبهذه الأخبار استدل من زعم وجوب التوفير،
ونحن حيث توقفنا في دلالة الأمر في أخبارنا على الوجوب لم يستقم
لنا الحكم بالوجوب، فيثبت حكم الاستحباب بانضمام الأصل فهو
من جملة تشكيكاته الضعيفة وتوهماته السخيفة، وليت شعري إذا كانت
الأوامر الواردة في الأخبار لا تدل على الوجوب، فالواجب عليه القول
بإباحة جميع الأشياء وعدم التحريم والوجوب في حكم من أحكام
الشريعة بالكلية، لأنه متى كانت الأوامر لا تدل على الوجوب والنواهي
لا تدل على التحريم، فليس إلا القول بالإباحة وتحليل المحرمات
وسقوط الواجبات، وهو خروج عن الدين من حيث لا يشعر قائله.
واستدل العلامة في المختلف للقول المشهور بموثقة سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (سألته عن الحجامة وحلق القفا
في أشهر الحج. فقال: لا بأس به، والسواك والنورة) وردها في المدارك
بضعف السند وقصور الدلالة.
ويدل عليه أيضا رواية زرعة عن محمد بن خالد الخزاز (2) قال:
سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: أما أنا فآخذ من شعري حين أريد

(1) الوسائل الباب 4 من الاحرام.
(2) الوسائل الباب 4 من الاحرام.
5

الخروج. يعني: إلى مكة للاحرام).
وأنت خبير بأن الظاهر من الروايات المتقدمة أن هذا التوفير
وجوبا أو استحبابا إنما هو بالنسبة إلى شعر الرأس. ولهذا حمل
في الإستبصار رواية الخزاز على ما قبل ذي القعدة أو على ما سوى
شعر الرأس.
وتؤيده رواية أبي الصباح الكناني (1) قال: (سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الرجل يريد الحج، أيأخذ من شعره في أشهر الحج؟
فقال: لا، ولا من لحيته، ولكن يأخذ من شاربه وأظفاره. وليطل إن
شاء) وبه يظهر ضعف الدلالة في موثقة سماعة المذكورة.
ثم إنه لا يخفى أنه ليس في شئ من الأخبار المذكورة ما يدل على
التقييد بالتمتع كما هو المذكور في كلامهم، فالقول بالتعميم أظهر.
وبذلك صرح جملة من متأخري المتأخرين أيضا.
وأما ما ذكره الشيخ المفيد (قدس سره) من وجوب الدم بالحلق
في ذي القعدة فاستدل عليه الشيخ في التهذيب بما رواه عن جميل بن
دراج (2) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن متمتع حلق
رأسه بمكة. قال: إن كان جاهلا فليس عليه شئ، وإن تعمد ذلك
في أول الشهور للحج بثلاثين يوما فليس عليه شئ، وإن تعمد بعد
الثلاثين التي يوفر فيها الشعر للحج فإن عليه دما يهريقه).

(1) الوسائل الباب 4 من الاحرام. وفي المخطوطة والمطبوعة " بريد
الكناسي " وقد أوردناه كما ورد في كتب الحديث. راجع التهذيب
ج 5 ص 48.
(2) الوسائل الباب 5 من الاحرام، والباب 4 من التقصير.
6

وأجاب في المدارك عنها (أولا): بالطعن في السند باشتماله على
علي بن حديد. و (ثانيا): بالمنع من الدلالة، قال: فإنها إنما
تضمنت لزوم الدم بالحلق بعد الثلاثين التي يوفر فيها الشعر للحج،
وهو خلاف المدعى. مع أن السؤال، إنما وقع عن من حلق رأسه
بمكة، والجواب مقيد بذلك السؤال لعود الضمير الواقع فيه إلى المسؤول
عنه، فلا يمكن الاستدلال بها على لزوم الدم بذلك على وجه العموم.
وبالجملة فهذه الرواية ضعيفة السند متهافتة المتن، فلا يمكن الاستناد
إليها في اثبات حكم مخالف للأصل. انتهى.
أقول: فيه أولا إن الطعن في السند لا يقوم حجة على المتقدمين
كالشيخ ونحوه ممن لا أثر لهذا الاصطلاح عندهم، كما أشرنا إليه في
غير موضع من ما تقدم.
وثانيا إن هذه الرواية قد رواها الصدوق في الفقيه (1) عن جميل
ابن دراج، وطريقه إليه في المشيخة صحيح، كما لا يخفى على من
راجع ذلك. وهو إنما نقل الرواية عن التهذيب، وهي فيه ضعيفة
كما ذكره.
وثالثا إن ما طعن به على الدلالة مردود، بأن ظاهر سؤال السائل
وإن كان خاصا بمن حلق رأسه بمكة، وظاهره أن ذلك بعد عمرة
التمتع، إلا أن الإمام (عليه السلام) أجابه بجواب مفصل يشتمل على
شقوق المسألة كملا في مكة أو غير مكة، فبين حكم الجاهل والمتعمد، وأنه على
تقدير التعمد إن كان في أول شهور الحج يعني: شوال في مدة ثلاثين
يوما فلا شئ عليه، وإن تعمد بعد الثلاثين التي يوفر فيها الشعر،

(1) ج 2 ص 238.
7

يعني: بعد دخول الثلاثين المذكورة، والمراد ذو القعدة كما مر في
الأخبار من أنه يوفر الشعر من أول ذي القعدة، لا أن معناه بعد مضي
الثلاثين كما توهمه، فإنه معنى مغسول عن الفصاحة لا يمكن نسبته
إلى تلك الساحة. وبالجملة فإنه لا بد من تقدير مضاف في البين، وليس
تقدير المضي الذي هو في الفساد أظهر من أن يراد بأولى من تقدير
الدخول الذي به يتم المراد وتنتظم الرواية مع الروايات السابقة على
وجه لا يعتريه الشك والايراد.
وبذلك يظهر لك صحة الرواية ووضوح دلالتها على المدعى، وأن
مناقشته فيها وإن تبعه فيها من تأخر عنه كما هي عادتهم غالبا من ما
لا ينبغي أن يلتفت إليه ولا يعرج في مقام التحقيق عليه.
ثم إن هذه الرواية قد تضمنت أن الجاهل معذور لا شئ عليه.
والظاهر أن الناسي أيضا كذلك، لما رواه الشيخ في الصحيح عن جميل
عن بعض أصحابه عن أحدهما (عليهما السلام) (1): (في متمتع حلق
رأسه؟ فقال: إن كان ناسيا أو جاهلا فليس عليه شئ، وإن كان
متمتعا في أول شهور الحج فليس عليه إذا كان قد أعفاه شهرا).
وبمضمون رواية جميل المذكورة قال في كتاب الفقه الرضوي (2)
حيث قال: (وإذا حلق المتمتع رأسه بمكة فليس عليه شئ إن كان
جاهلا، وإن تعمد ذلك في أول شهور الحج بثلاثين يوما فليس عليه
شئ، وإن تعمد بعد الثلاثين التي يوفر فيها شعر الحج فإن عليه دما).
ومعنى العبارة المذكورة: أن المتمتع متى حلق رأسه بمكة يعني.

(1) الوسائل الباب 4 من التقصير.
(2) ص 29 و 30.
8

عوض التقصير من العمرة جاهلا فلا شئ عليه، لموضع جهله. وإن تعمد
الحلق، يعني: في مكة أو غيرها. وهذا بيان لحكم آخر غير الأول
لا ارتباط له به، وهو أنه لما كان يستحب توفير الشعر للحج، فإن حلقه
في أول شهور الحج في مدة ثلاثين يوما يعني: شهر شوال فليس عليه
شئ، وإن تعمد بعد الثلاثين التي يوفر فيها شعر الحج يعني: بعد دخولها،
وهي عبارة عن أول ذي القعدة فإن عليه دما. وهذا هو معنى رواية
جميل الذي ذكرناه.
الثاني تنظيف جسده، وقص أظفاره، والأخذ من شاربه، وطلي جسده
وإبطيه. ولا خلاف في استحباب ذلك نصا وفتوى.
ويدل على ذلك روايات كثيرة: منها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (إذا انتهيت إلى العقيق من قبل
العراق أو إلى وقت من هذه المواقيت، وأنت تريد الاحرام إن شاء الله
فانتف إبطيك، وقلم أظفارك، واطل عانتك، وخذ من شاربك.
ولا يضرك بأي ذلك بدأت. ثم استك، واغتسل، والبس ثوبيك.
وليكن فراغك من ذلك أن شاء الله عند زوال الشمس، فإن لم يكن
ذلك عند زوال الشمس فلا يضرك).
وصحيحة حريز (2) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
التهيؤ للاحرام. فقال: تقليم الأظفار، وأخذ الشارب، وحلق العانة).
وحسنة حريز أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: (السنة
في الاحرام: تقليم الأظفار، وأخذ الشارب، وحلق العانة).

(1) الفقيه ج 2 ص 200، والوسائل الباب 6 و 15 من الاحرام.
(2) الوسائل الباب 6 من الاحرام.
(3) الوسائل الباب 6 من الاحرام.
9

وصحيحة معاوية بن وهب (1) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) ونحن بالمدينة. عن التهيؤ للاحرام. قال: أطل بالمدينة، وتجهز
بكل ما تريد، واغتسل إن شئت، وإن شئت استمتعت بقميصك حتى
تأتي مسجد الشجرة).
ثم إنه قد ذكر الأصحاب أنه متى اطلى فإنه يجزئه لاحرامه ما لم
تمض خمسة عشر يوما.
وربما كان المستند فيه ما رواه الشيخ عن علي بن أبي حمزة (2)
قال: (سأل أبو بصير أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا حاضر، فقال:
إذا اطليت للاحرام الأول كيف أصنع في الطلية الأخيرة؟ وكم بينهما؟
قال: إذا كان بينهما جمعتان (خمسة عشر يوما) فاطل).
وروى ثقة الاسلام في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: (لا بأس بأن تطلي قبل الاحرام بخمسة عشر يوما).
وظاهر هذه الرواية الاكتفاء بالطلية المتقدمة على الاحرام بخمسة
عشر يوما، وأنه لا يستحب إعادة الطلية للاحرام بعد مضي هذه
المدة، مع أن ظاهر الأولى هو استحباب الإعادة بعد مضي خمسة
عشر يوما.
وروى الصدوق في الفقيه (4) في الصحيح عن معاوية بن عمار
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (أنه سأل عن الرجل يطلي قبل أن يأتي

(1) الفقيه ج 2 ص 200، والوسائل الباب 7 من الاحرام.
(2) الوسائل الباب 7 من الاحرام. والشيخ يرويه عن الكليني.
(3) الوسائل الباب 7 من الاحرام.
(4) ج 2 ص 200، والوسائل الباب 7 من الاحرام.
10

الوقت بست ليال. قال: لا بأس به. وسأله عن الرجل يطلي قبل أن
يأتي مكة بسبع ليال أو ثمان ليال. قال: لا بأس به).
والظاهر أن التحديد بالخمسة عشر المذكورة إنما هو لبيان أقصى
غاية الاجزاء، فلا ينافيه استحباب ذلك قبل مضي المدة المذكورة.
ويؤيده ما رواه ثقة الاسلام في الكافي (1) عن عبد الله بن أبي يعفور
(قال: كنا بالمدينة فلاحاني زرارة في نتف الإبط وحلقه، فقلت:
حلقه أفضل، وقال زرارة: نتفه أفضل. فاستأذنا على أبي عبد الله
(عليه السلام) فأذن لنا، وهو في الحمام يطلي، قد اطلى إبطيه، فقلت
لزرارة: يكفيك. قال: لا، لعله فعل هذا لما لا يجوز لي أن أفعله.
فقال: فيما أنتما؟ فقلت: إن زرارة لاحاني في نتف الإبط وحلقه،
فقلت: حلقه أفضل، وقال: زرارة: نتفه أفضل. فقال: أصبت السنة
وأخطأها زرارة، حلقه أفضل من نتفه، وطليه أفضل من حلقه. ثم
قال لنا: اطليا. فقلنا: فعلنا منذ ثلاث. فقال: أعيدا، فإن
الاطلاء طهور).
الثالث الغسل. والمشهور استحبابه، بل قال في المنتهى: إنه
لا يعرف فيه خلافا، مع أنه في المختلف نقل عن ابن أبي عقيل
أنه قال: غسل الاحرام فرض واجب. وقد تقدم الكلام في ذلك في
باب الأغسال.
وتحقيق البحث في المقام يقتضي بسطه في مواضع: الأول هل يجب
التيمم بدلا عنه لو تعذر؟ قولان، المشهور العدم، ونقل عن الشيخ

(1) الفروع ج 1 ص 255 و ج 2 ص 221، والوسائل الباب 32
و 85 من آداب الحمام.
11

وجماعة: القول بوجوب ذلك. وربما بني ذلك على القول برفع الأغسال
المستحبة، وبه جزم الشهيد الثاني وقد تقدم تحقيق القول في ذلك في
كتاب الطهارة.
الثاني لو اغتسل ثم أكل أو لبس ما لا يجوز للمحرم أكله ولبسه
أعاد الغسل استحبابا في ظاهر كلام الأصحاب.
ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (إذا لبست ثوبا لا ينبغي لك
لبسه، أو أكلت طعاما لا ينبغي لك أكله، فأعد الغسل).
وفي الصحيح عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: (إذا اغتسلت للاحرام، فلا تقنع، ولا تطيب، ولا تأكل طعاما
فيه طيب، فتعيد الغسل).
وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) قال: (إذا
اغتسل الرجل وهو يريد أن يحرم، فلبس قميصا قبل أن يلبي، فعليه
الغسل).
وما رواه ثقة الاسلام في الكافي عن علي بن أبي حمزة (4) قال:
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اغتسل للاحرام ثم لبس
قميصا قبل أن يحرم. قال: قد انتقض غسله)
وأنت خبير بأن هذه الروايات إنما دلت على إعادة الغسل بالنسبة
إلى أشياء مخصوصة، وهو لبس ما لا ينبغي، وأكل ما لا ينبغي، والتطيب

(1) الوسائل الباب 13 من الاحرام.
(2) الوسائل الباب 13 من الاحرام.
(3) الوسائل الباب 11 من الاحرام. والشيخ يرويه عن الكليني.
(4) الوسائل الباب 11 من الاحرام.
12

وأما التقنع في رواية عمر بن يزيد فالظاهر أنه داخل في لبس ما لا ينبغي
والمدعى في كلامهم أعم من ذلك كما عرفت. ولهذا استظهر السيد السند
في المدارك عدم استحباب الإعادة بفعل ما عدا ذلك من تروك الاحرام
لفقد النص. ويعضده ما ورد في من قلم أظفاره بعد الغسل من أنه
لا يعيده وإنما يمسحها بالماء، كما رواه الشيخ في الحسن عن جميل بن
دراج عن بعض أصحابه عن أبي جعفر (عليه السلام) (1): (في رجل
اغتسل للاحرام ثم قلم أظفاره؟ قال: يمسحها بالماء ولا يعيد الغسل)
الثالث إنه يجوز له تقديم الغسل على الميقات إذا خاف عوز الماء
فيه. ولو وجده فيه استحب له الإعادة.
ويدل على الحكمين المذكورين ما رواه الشيخ في الصحيح عن هشام
ابن سالم (2) (قال: أرسلنا إلى أبي عبد الله (عليه السلام) ونحن جماعة
ونحن بالمدينة: إنا نريد أن نودعك. فأرسل إلينا: أن اغتسلوا بالمدينة
فإني أخاف أن يعز عليكم الماء بذي الحليفة، فاغتسلوا بالمدينة، والبسوا
ثيابكم التي تحرمون فيها، ثم تعالوا فرادى أو مثاني. فقال له ابن
أبي يعفور: ما تقول في دهنة بعد الغسل للاحرام؟ فقال: قبل وبعد
ومع ليس به بأس. قال: ثم دعا بقارورة بأن سليخة ليس فيها شئ
فأمرنا فأدهنا منها. فلما أردنا أن نخرج قال: لا عليكم أن تغتسلوا إن
وجدتم ماء إذا بلغتم ذا الحليفة).
وظاهر جملة من الأخبار جواز تقديم الغسل على الميقات مطلقا:

(1) التهذيب ج 5 ص 66، والوسائل الباب 12 من الاحرام.
(2) التهذيب ج 5 ص 63 و 64 و ص 303، والوسائل الباب 8 من الاحرام
والباب 30 من تروك الاحرام.
13

نحو ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (1) قال: (سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الرجل يغتسل بالمدينة للاحرام، أيجزئه عن غسل
ذي الحليفة؟ قال: نعم) وصحيحة معاوية بن وهب المتقدمة في الأمر
الثاني (2).
وما رواه الكليني عن أبي بصير (3) قال: (سألته عن الرجل يغتسل
بالمدينة لاحرامه، أيجزئه ذلك من غسل ذي الحليفة؟ قال: نعم.
فأتاه رجل وأنا عنده، فقال: اغتسل بعض أصحابنا فعرضت له
حاجة حتى أمسى؟ فقال: يعيد الغسل، يغتسل نهارا ليومه ذلك
وليلا لليلته).
الرابع إنه قد صرح الأصحاب بأنه يجزئ الغسل في أول النهار
ليومه وفي أول الليل لليلته ما لم ينم.
ويدل عليه جملة من الأخبار: منها رواية أبي بصير المتقدمة في
سابق هذا الموضع.
ومنها: صحيحة عمر بن يزيد وربما وجد في نسخ التهذيب عثمان
ابن يزيد، ولعله من تحريفات صاحب التهذيب، كما لا يخفى على من
له أنس بما جرى له فيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: (من
اغتسل بعد طلوع الفجر كفاه غسله إلى الليل في كل موضع يجب فيه
الغسل، ومن اغتسل ليلا كفاه غسله إلى طلوع الفجر).

(1) الوسائل الباب 8 من الاحرام.
(2) ص 10
(3) فروع الكافي ج 1 ص 255، والوسائل الباب 8 و 9 من الاحرام.
(4) التهذيب ج 5 ص 64، والوسائل الباب 9 من الاحرام
14

وعن أبي بصير وسماعة في الموثق كلاهما عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) قال: (من اغتسل قبل طلوع الفجر وقد استحم قبل
ذلك ثم أحرم من يومه أجزأه غسله، وإن اغتسل في أول الليل ثم
أحرم في آخر الليل أجزأه غسله) والظاهر أن المراد بالاستحمام:
التنوير والتنظيف.
وما رواه ثقة الاسلام عن عمر بن يزيد في الصحيح أو الحسن عن أبي
عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (غسل يومك ليومك، وغسل
ليلتك لليلتك).
والظاهر أيضا الاكتفاء بغسل اليوم لذلك اليوم والليلة التي بعده،
وغسل الليلة لتلك الليلة واليوم الذي بعدها:
لما رواه الصدوق في الصحيح عن جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: (غسل يومك يجزئك لليلتك، وغسل ليلتك يجزئك ليومك).
وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر عن كتاب جميل عن
حسين الخراساني عن أحدهما (عليهما السلام) (4) أنه سمعه يقول:
(غسل يومك.. الحديث).
والأفضل هنا إعادة الغسل، لرواية أبي بصير المتقدمة الدالة على أنه متى أمسى ودخل عليه الليل ولم يأت بالاحرام أعاد الغسل. إلا أن
يحمل هذا الخبر على ما عدا غسل الاحرام.
وأما ما يدل على استحباب إعادة الغسل بالنوم فهو ما رواه الكليني
والشيخ عنه عن النضر بن سويد في الصحيح عن أبي الحسن (عليه

(1) الوسائل الباب 9 من الاحرام.
(2) الوسائل الباب 9 من الاحرام.
(3) الوسائل الباب 9 من الاحرام.
(4) الوسائل الباب 9 من الاحرام.
15

السلام) (1) قال: (سألته عن الرجل يغتسل للاحرام ثم ينام قبل أن
يحرم. قال: عليه إعادة الغسل).
وما رواه أيضا في الصحيح عن عبد الرحمان بن الحجاج (2) قال:
(سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الرجل يغتسل لدخول مكة ثم
ينام، فيتوضأ قبل أن يدخل، أيجزئه ذلك أو يعيد؟ قال: لا يجزئه
لأنه إنما دخل بوضوء)
وما ورآه أيضا عن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن (عليه السلام) (3)
قال: قال لي: (إن اغتسلت بمكة ثم نمت قبل أن تطوف فأعد غسلك).
وهل ينتقض الغسل الأول بالنوم؟ ظاهر السيد السند في المدارك
العدم، حيث قال: والأصح عدم انتقاض الغسل بذلك وإن استحب
الإعادة. وظاهر الأخبار المذكورة الانتقاض، ولا سيما الثاني.
إلا أن الأصحاب لم ينقلوا في هذه المسألة إلا صحيحة ابن سويد،
وهي وإن احتملت ما ذكره إلا أن ظاهر الرواية التي ذكرناها هو
الانتقاض. وبذلك يظهر ما في قوله بعد ذكر ما قدمنا نقله عنه: بل
لا يبعد عدم تأكد الاستحباب، كما تدل عليه صحيحة العيص.. ثم
ساق الرواية الآتية:
وأما ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن العيص بن القاسم (4)
قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يغتسل للاحرام
بالمدينة ويلبس ثوبين ثم ينام قبل أن يحرم. قال: ليس عليه غسل)
فالظاهر حمله على الرخصة. وقيل إنه محمول على نفي تأكيد

(1) الوسائل الباب 10 من الاحرام.
(2) الوسائل الباب 6 من مقدمات الطواف وما يتبعها.
(3) الوسائل الباب 6 من مقدمات الطواف وما يتبعها.
(4) الوسائل الباب 10 من الاحرام.
16

والاستحباب. وفيه ما عرفت.
وحمله الشيخ على أن المراد به نفي الوجوب. وهو بعيد، لأن سوق
الخبر يقتضي أن سقوط الإعادة للاعتداد بالغسل المتقدم، لا لكون غسل
الاحرام غير واجب كما ذكره.
ونقل عن ابن إدريس أنه نفى استحباب الإعادة بذلك. وهو مردود
بما ذكرناه من الأخبار الصحيحة الصريحة في الإعادة، بل في انتقاض
الغسل السابق كما عرفت.
وألحق الشهيد في الدروس بالنوم غيره من النواقض، قال في المدارك
بعد نقل ذلك عنه: ونفى عنه الشارح البأس، نظرا إلى أن غيره أقوى
منه. ثم قال: وهو ضعيف، والأصح عدم الاستحباب، لانتفاء الدليل
وربما كان في صحيحة جميل المتقدمة اشعار بذلك.
أقول: ما ذكره من اشعار الصحيحة المذكورة بذلك صحيح، لأنه
يبعد أن لا يحدث الانسان من أول اليوم لو اغتسل في أوله إلى آخر
تلك الليلة، إلا أن صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج التي تضمنت
الغسل لدخول مكة مشعرة أيضا بأنه ينبغي أن يكون الدخول بالغسل
من غير أن ينقضه بناقض من حدث وغيره، لأن قوله: (لا يجزئه،
لأنه إنما دخل بوضوء) من ما يشير إلى أنه لا بد أن يكون الدخول بغسل
غير منتقض بشئ من النواقض.
وأصرح منها في ذلك موثقة إسحاق بن عمار المروية في التهذيب (1)
قال: (سألته عن غسل الزيارة، يغتسل بالنهار ويزور بالليل بغسل واحد.
قال: يجزئه إن لم يحدث، فإن أحدث ما يوجب وضوء فليعد غسله)

(1) الوسائل الباب 3 من زيارة البيت.
17

ونحوها موثقته في الكافي أيضا (1).
وبذلك يظهر قوة ما نقله في المدارك عن الشهيدين. وحينئذ فيجب
تخصيص صحيحة جميل ونحوها بهذه الأخبار الدالة على الإعادة بحدث
النوم أو غيره. ويظهر أن ما ذهب إليه في المدارك وإن كان هو ظاهر
المشهور بمحل من القصور.
الخامس لو أحرم بغير غسل أو صلاة ثم ذكر، تدارك ما تركه
وأعاد الاحرام. ذكر ذلك الشيخ وجمع من الأصحاب. وصرح في
المبسوط بأن الإعادة على سبيل الاستحباب.
واستدل عليه في التهذيب بما رواه عن الحسين بن سعيد عن أخيه
الحسن (2) قال: (كتبت إلى العبد الصالح أبي الحسن (عليه السلام):
رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلا أو عالما، ما عليه في ذلك؟
وكيف ينبغي له أن يصنع؟ فكتب: يعيده).
ورواه في الكافي أيضا عن علي بن مهزيار (3) قال: (كتب الحسن
ابن سعيد إلى أبي الحسن (عليه السلام).. الحديث).
قال في المدارك: وإنما حملنا الإعادة على الاستحباب لأن السؤال
إنما وقع عن ما ينبغي لا عن ما يجب. وفيه ما قدمنا ذكره في غير
مقام من أن لفظ، (ينبغي ولا ينبغي) في الأخبار أكثر كثير في معنى
الوجوب والتحريم، وإن استعمل في هذا المعنى الذي ذكره أحيانا،
وأن الحمل على أحدهما يتوقف على القرينة.

(1) الوسائل الباب 3 من زيارة البيت.
(2) الوسائل الباب 20 من الاحرام.
(3) الوسائل الباب 20 من الاحرام.
18

ونقل عن ابن إدريس أنه أنكر استحباب الإعادة. وهو جيد على أصوله
الغير الأصيلة.
وهل المعتبر الاحرام الأول أو الثاني؟ فالشهيدان على أنه الأول،
قال في المسالك: والمعتبر هو الأول، إذ لا سبيل إلى ابطال الاحرام
بعد انعقاده. وعلى هذا ينبغي أن يكون المعاد هو اللبس والتلبية لا
النية. وظاهر العلامة في المختلف أنه الثاني، حيث قال: لا استبعاد في
استحباب إعادة الفرض لأجل النفل، كما في الصلاة المكتوبة إذا دخل المصلي
فيها بغير أذان ولا إقامة، فإنه يستحب إعادتها. وأجاب عنه في المسالك
بأن الفرق بين المقامين واضح، فإن الصلاة تقبل الابطال بخلافه.
واستشكل العلامة في القواعد في أن أيهما المعتبر. وقطع بوجوب
الكفارة بتخلل الموجب بينهما.
وربما أمكن توجيه الاشكال بأن الأول لم يقع فاسدا، فلا سبيل إلى
ابطاله بعد انعقاده، فيكون هو المعتبر المبرئ للذمة. وإن الأمر
بإعادته يدل على عدم اعتباره. ولأنه أرجح في نظر الشارع، فيكون
أولى بالاعتبار.
وفيه أنه لا منافاة بين الإعادة لطلب الكمال وبين براءة الذمة
بالأول. ولأن عدم اعتباره لا يدل على ابطاله. وقد عرفت أنه لا دليل
على ابطاله بعد انعقاده. ومن ما ينسب إلى الشهيد أن المعتبر في الاجزاء
الأول وفي الكمال الثاني. وهو ظاهر في ما ذكرناه. وقضية قطعه
بالكفارة بتخلل الموجب بينهما إنما يتم على تقدير صحة الأول وتعلق
غرض الشارع به.
الرابع أن يحرم عقيب فريضة الظهر أو فريضة فإن لم يتفق صلى للاحرام
19

ست ركعات، وأقلها ركعتان.
ويدل على ذلك جملة من الأخبار، كصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) أنه قال: (لا يكون احرام إلا في دبر
صلاة مكتوبة أو نافلة، فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم
وإن كانت نافلة صليت ركعتين وأحرمت في دبرها، فإذا انفتلت
من الصلاة فاحمد الله (عز وجل) واثن عليه.. الحديث).
وصحيحته الأخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (إذا
أردت الاحرام في غير وقت صلاة فريضة فصل ركعتين ثم أحرم في دبرهما)
وثالثة له أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: (صل المكتوبة
ثم أحرم بالحج أو بالمتعة، واخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى أول
البيداء.. الحديث).
وما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار وعبيد الله الحلبي كلاهما عن أبي عبد الله عليه السلام) (4) قال: (لا يضرك بليل أحرمت أو نهار
إلا أن أفضل ذلك عند زوال الشمس).
وعن الحلبي في الصحيح (5) قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
أليلا أحرم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أم نهارا؟ فقال: بل نهارا
فقلت: فأية ساعة؟ قال: صلاة الظهر).
وما ورآه الصدوق والكليني في الصحيح عن أبي عبد الله

(1) الوسائل الباب 16 من الاحرام.
(2) الوسائل الباب 18 من الاحرام.
(3) الوسائل الباب 34 من الاحرام.
(4) الوسائل الباب 15 من الاحرام.
(5) الوسائل الباب 15 من الاحرام.
20

(عليه السلام) (1) قال: (سألته أليلا أحرم رسول الله (صلى الله
عليه وآله) أم نهارا؟ فقال: نهارا. فقلت: أي ساعة؟ قال: صلاة
الظهر. فسألته متى ترى أن نحرم؟ فقال: سواء عليكم، إنما أحرم
رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلاة الظهر، لأن الماء كان قليلا كأن
يكون في رؤوس الجبال، فيهجر الرجل إلى مثل ذلك من الغد، ولا
يكاد يقدرون على الماء، وإنما أحدثت هذه المياه حديثا).
أقول: والظاهر أن هذه الأخبار الثلاثة هي مستند الأصحاب في ما
ذكروه من استحباب الاحرام عقيب فريضة الظهر. وظاهر الخبر الأخير أن
السبب في احرامه (صلى الله عليه وآله) في ذلك الوقت إنما هو قلة الماء وإنما
يؤتى به بعد الهجرة إليه في اليوم السابق في ذلك الوقت، ولهذا لما سأله
الراوي: (متى ترى أن تحرم؟ قال: سواء عليكم) يعني: أي وقت
أردتم. ثم ذكر له العلة في احرامه (صلى الله عليه وآله) بعد صلاة
الظهر. نعم (2) صحيحة الحلبي تضمنت أن أفضل ذلك عند زوال الشمس
ولعل وجه الجمع بينهما أنه لما اتفق احرامه (صلى الله عليه وآله) في
ذلك الوقت للعلة المذكورة صار الفضل في ذلك الوقت. إلا أن قوله
(عليه السلام): (سواء عليكم) من ما ينافر ذلك، وإن كان الجواز
لا ينافي الاستحباب.
وما رواه الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: (تصلي للاحرام ست ركعات تحرم في دبرها) وهذه الرواية هي

(1) الوسائل الباب 15 من الاحرام.
(2) أوردنا العبارة هنا كما جاءت في المخطوطة.
(3) الوسائل الباب 18 من الاحرام.
21

مستندهم في الاستحباب بعد الست ركعات.
وما رواه ابن بابويه في الموثق عن أبي الحسن (عليه السلام) (1)
(في الرجل يأتي ذا الحليفة أو بعض الأوقات بعد صلاة العصر أو في
غير وقت صلاة؟ قال: لا، ينتظر حتى تكون الساعة التي يصلي فيها
وإنما قال ذلك مخافة الشهرة) هكذا صورة الخبر في الفقيه (2).
وظاهر المحدث الكاشاني أن قوله: (وإنما.. إلى آخره) هو من
كلام صاحب الفقيه حيث لم يذكره في متن الخبر وإنما ذكره في البيان
نقلا عنه. وظاهر غيره ممن نقل الخبر أنه من متن الخبر، وكأنه بناء
على ذلك من كلام بعض الرواة.
وما رواه الشيخ في التهذيب عن إدريس بن عبد الله (3) قال:
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يأتي بعض المواقيت
بعد العصر كيف يصنع؟ قال: يقيم إلى المغرب. قلت: فإن أبي جماله
أن يقيم عليه؟ قال: ليس له أن يخالف السنة. قلت: أله أن يتطوع
بعد العصر؟ قال: لا بأس به، ولكني أكرهه للشهرة، وتأخير ذلك
أحب إلي. قلت: كم أصلي إذا تطوعت؟ قال: أربع ركعات).
وفي هذا الخبر ما يكشف عن الخبر المتقدم من الأمر بانتظار الساعة
التي يصلي فيها لئلا يصلي نافلة في الأوقات المكروهة فيها الصلاة عند
العامة (4) فيعرف بالتشيع ويؤخذ به. والظاهر أن المراد بقوله: (ليس

(1) الوسائل الباب 19 من الاحرام.
(2) ج 2 ص 208
(3) الوسائل الباب 19 من الاحرام.
(4) راجع طرح التثريب في شرح التقريب لعبد الرحيم العراقي الشافعي
ج 2 ص 182 إلى ص 184.
22

له أن يخالف السنة) أي يحرم من غير صلاة.
فوائد
الأولى ينبغي أن يعلم أنه على تقدير القول بكراهة الصلاة في
الأوقات المشهورة فإن صلاة الاحرام مستثناة من ذلك، كما استفاضت
به الأخبار:
ومنها قوله (عليه السلام) في صحيحة معاوية بن عمار (1): (خمس
صلوات لا تترك على حال: إذا طفت بالبيت، وإذا أردت أن تحرم..
الحديث).
وقوله (عليه السلام) في رواية أبي بصير (2): (خمس صلوات
تصليها في كل وقت: منها: صلاة الاحرام) إلى غير ذلك من الأخبار.
الثانية المفهوم من الأخبار التي ذكرناها في المقام وهي التي وقفنا
عليها من أخبار المسألة أن السنة في الاحرام أن يحرم عقيب فريضة
إن اتفق وإلا عقيب نافلة، وأفضلها ست ركعات وأقلها اثنتان. والمفهوم
من كلام الأصحاب هو الجمع بين النافلة والفريضة، مقدما للنافلة
على الفريضة كما في بعض، أو مؤخرا لها كما في آخر.
قال الشيخ في المبسوط: وأفضل الأوقات التي يحرم فيها عند الزوال
ويكون ذلك بعد فريضة الظهر، فإن اتفق أن يكون في غير هذا الوقت جاز،
والأفضل أن يكون عقيب فريضة، فإن لم يكن وقت فريضة صلى ست ركعات
من النواقل وأحرم في دبرها، فإن لم يتمكن من ذلك أجزأه ركعتان.

(1) الوسائل الباب 39 من مواقيت الصلاة، والباب 19 من الاحرام.
(2) الوسائل الباب 39 من مواقيت الصلاة، والباب 19 من الاحرام.
23

وظاهر هذه العبارة عدم الجمع، وهو المفهوم من الأخبار.
ثم قال بعد ذلك بأسطر: ويجوز أن يصلي صلاة الاحرام أي وقت
كان من ليل أو نهار ما لم يكن وقت فريضة قد تضيق، فإن تضيق
الوقت بدأ بالفرض ثم بصلاة الاحرام، وإن كان أول الوقت بدأ بصلاة
الاحرام ثم بصلاة الفرض.
ولا يخفى ما بين الكلامين من المدافعة والمنافاة، مع عدم وجود
دليل على هذا الكلام الأخير كما عرفت من أخبار المسألة. ونحو
ذلك عبارته في النهاية في الموضعين الظاهرين في التنافي رأي العين.
والظاهر أن المراد بقوله في الكلام الأول: (والأفضل أن يكون عقيب
فريضة) يعني: مع تقديم نافلة الاحرام على الفريضة والجمع بينهما،
بمعنى أن الأفضل تقديم النافلة وعقد الاحرام عقيب الفريضة دون العكس
ويكون مقيدا باتساع الوقت، كما يشعر به الكلام الأخير. وبه يندفع
التنافي عن كلاميه.
وقريب من عبارتي المبسوط والنهاية عبارة المحقق في الشرائع.
ويكشف عن ما ذكرناه عبارة ابن إدريس في السرائر حيث قال:
وأفضل الأوقات التي يحرم الانسان فيها بعد الزوال، ويكون ذلك بعد
فريضة الظهر، فعلى هذا تكون ركعتا الاحرام المندوبة قبل فريضة الظهر
بحيث يكون الاحرام عقيب صلاة الظهر.. ثم ساق الكلام على نحو
ما ذكره الشيخ في الموضعين المتقدمين. ونحو ذلك من ما يدل على الجمع
كلام الشيخ المفيد في المقنعة، والعلامة في المنتهى والقواعد والتذكرة
والشهيد في الدروس. وكل ذلك مع تقديم النافلة على الفريضة. ونقل
في المختلف عن ابن أبي عقيل ما يشعر بتقديم الفريضة على النافلة، وبه
24

صرح ابن حمزة في الوسيلة، حيث قال: وإذا كان بعد فريضة صلى ركعتين
له وأحرم بعدهما، وإن صلى ستا كان أفضل.
قال في المسالك بعد قول المصنف: ويحرم عقيب فريضة الظهر
أو فريضة غيرها، وإن لم يتفق صلى قبل الاحرام ست ركعات، وأقله ركعتان
ما لفظه: ظاهر العبارة يقتضي أنه مع صلاة الفريضة لا يحتاج إلى
سنة الاحرام وإنما يكون عند عدم الظهر أو فريضة. وليس كذلك.
وإنما السنة أن يصلي سنة الاحرام أولا ثم يصلي الظهر أو غيرها
من الفرائض ثم يحرم، فإن لم يتفق ثم فريضة اقتصر على سنة
الاحرام الست أو الركعتين. ولا فرق في الفريضة بين اليومية وغيرها،
ولا بين المؤداة والمقضية. وقد اتفق أكثر العبارات على القصور عن تأدية
المراد هنا.
أقول: وهذه العبارة نظير صدر عبارتي المبسوط والنهاية كما قدمنا
ذكره. وأشار بقوله: (وقد اتفق أكثر العبارات.. إلى آخره) إلى
نحو هذه العبارة التي اقتصر فيها على الاحرام بعد الفريضة من غير
الاتيان بسنة الاحرام.
ثم قال (قدس سره) بعد قول المصنف: ويوقع نافلة الاحرام
تبعا له ولو كان وقت فريضة ما صورته: أي تابعة للاحرام، فلا يكره
ولا يحرم فعلها في وقت الفريضة قبل أن يصلي الفريضة، كما لا يحرم
أو يكره فعل النوافل التابعة للفرائض كذلك. وقد خرجت هذه
بالنص كما خرجت تلك، فإن ايقاع الاحرام في وقت الفريضة بعدها
وبعد النافلة يقتضي ذلك غالبا. انتهى.
أقول: وعبارة المصنف هنا نظير عجز عبارتي المبسوط والنهاية
25

كما قدمنا في الدلالة على أن الاحرام وقت الفريضة بعد سنة الاحرام
والفريضة جميعا. ولا ريب أن هذا مناف لما قدمه في صدر عبارته التي
اعترض عليها الشارح. والعجب أنه (قدس سره) لم يتنبه لذلك. والظاهر أن وجه الجمع بين الكلامين هو ما قدمناه، كما هو صريح عبارة
السرائر.
ثم العجب من اتفاق كلمتهم (نور الله تعالى مراقدهم) على اعتبار
الجمع في وقت الفريضة بين سنة الاحرام والفريضة مع عدم وجوده
في النصوص المتقدمة. وأعجب من ذلك دعوى شيخنا المشار إليه في
كلامه الثاني وجود النص في قوله: (وقد خرجت هذه بالنص)
والنصوص المتقدمة كما دريت ظاهرة الدلالة في الاحرام عقيب الفريضة
أو النافلة كل على حده.
نعم في كتاب الفقه الرضوي ما يدل على ما ذكروه، ولعله المستند
عند المتقدمين فجرى عليه المتأخرون.
قال (عليه السلام) في الكتاب المذكور (1): فإن كان وقت صلاة
فريضة فصل هذه الركعات قبل الفريضة ثم صل الفريضة وروي أن
أفضل ما يحرم الانسان في دبر الصلاة الفريضة ثم أحرم في دبرها
ليكون أفضل. انتهى.
وقد ذكرنا في غير موضع من ما تقدم أن كثيرا ما يذكر المتقدمون
بعض الأحكام التي لم يرد لها مستند في كتب الأخبار المشهورة ويوجد
مستندها في هذا الكتاب، فلعل هذا من ذاك. والصدوق في الفقيه (2)
قد أفتى بمضمون هذه الرواية.

(1) ص 26 و 27
(2) ج 2 ص 313
26

وبما حققناه في المقام يظهر أن ما ذكره في المدارك من نسبة القول
المذكور إلى جده (قدس الله سرهما وروحيهما) خاصة وبحثه معه ليس
في محله، بل هو قول كافة الأصحاب كما تلوناه عليك.
الثالثة قد اختلفت كلمة الأصحاب في ما يقرأ في سنة الاحرام،
فقيل إنه يقرأ في الأولى بعد الحمد (قل يا أيها الكافرون) وفي الثانية
بعد الحمد (قل هو الله أحد) صرح به الشيخ في النهاية، وابن إدريس
في السرائر، والعلامة في التذكرة والمنتهى، وفي المبسوط عكس ذلك،
وفي الشرائع بعد ذكر القول الأول قال: وفيه رواية أخرى.
وأنت خبير بأنا لم نقف في الأخبار على ما يتعلق بهذه المسألة إلا
على ما رواه الكليني في الحسن عن معاذ بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) قال: (لا تدع أن تقرأ ب‍ (قل هو الله أحد) و (قل
يا أيها الكافرون) في سبع مواطن: في الركعتين قبل الفجر، وركعتي
الزوال، وركعتين بعد المغرب، وركعتين من أول صلاة الليل، وركعتي
الاحرام، والفجر إذا أصبحت بها، وركعتي الطواف) قال الشيخ في
التهذيب (2) بعد أن أورد هذه الرواية: وفي رواية أخرى: أنه يبدأ
في هذا كله ب‍ (قل هو الله أحد) وفي الثانية ب‍ (قل يا أيها الكافرون)
إلا في الركعتين قبل الفجر فإنه يبدأ: (قل يا أيها الكافرون) ثم يقرأ
في الركعة الثانية ب‍ (قل هو الله أحد).

(1) الوسائل الباب 15 من القراءة في الصلاة
(2) ج 1 ص 155، وكذا في فروع الكافي ج 1 ص 87، وفي الوسائل عنهما
في الباب 15 من القراءة في الصلاة.
27

المقصد الثاني في كيفيته
وهي تشتمل على واجب ومندوب، فالكلام هنا يقع في مقامين:
الأول في الواجب، وهو كما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم)
ثلاثة:
الأول النية بأن يقصد بقلبه إلى أمور أربعة: ما يحرم به من
حج أو عمرة متقربا، ونوعه من تمتع أو قران أو افراد، وصفته من
وجوب أو ندب، وما يحرم له من حجة الاسلام أو غيرها. كذا ذكروه
(عطر الله مراقدهم)
والعلامة في المنتهى بعد أن اعتبر في نية الاحرام القصد إلى هذه
الأمور الأربعة قال: ولو نوى الاحرام مطلقا ولم ينو حجا ولا عمرة
انعقد احرامه، وكان له صرفه إلى أيهما شاء. ولا يخفى ما بين الكلامين
من المدافعة.
ثم استدل على صحة نية الاحرام مطلقا بأنه عبادة منوية. وبحديث
أمير المؤمنين (عليه السلام) (1) وقوله: (اهلالا كاهلال النبي صلى
الله عليه وآله) وتقريره (صلى الله عليه وآله) على ذلك وقوله: (كن على
احرامك مثلي وأنت شريكي في هديي).
أقول: والأمر في النية عندنا هين، وقد تقدم الكلام فيها في كتاب
الطهارة مستوفى، وفي أثناء مباحث الكتاب. وأما حديث اهلال
أمير المؤمنين (عليه السلام) فسيأتي الكلام فيه في المقام إن شاء الله تعالى.
والأظهر عندي في هذا المقام هو الوقوف على ما رسمته النصوص
الواردة عنهم (عليهم السلام):

(1) الوسائل الباب 2 من أقسام الحج
28

ومن أوضحها وأكملها ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم)
في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) أنه
قال: (لا يكون احرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة، فإن كانت
مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم، وإن كانت نافلة صليت ركعتين
وأحرمت في دبرها، فإذا انفتلت من صلاتك فاحمد الله واثن عليه،
وصل على النبي (صلى الله عليه وآله) وقل: اللهم إني أسألك أن
تجعلني ممن استجاب لك وآمن بوعدك واتبع أمرك، فإني عبدك وفي
قبضتك، لا أوقى إلا ما وقيت، ولا آخذ إلا ما أعطيت، وقد ذكرت
الحج فأسألك أن تعزم لي عليه على كتابك وسنة نبيك (صلى الله عليه
وآله) وتقويني على ما ضعفت عنه، وتسلم مني مناسكي في يسر منك
وعافية، واجعلني من وفدك الذين رضيت وارتضيت وسميت وكتبت،
اللهم إني خرجت من شقة بعيدة، وأنفقت مالي ابتغاء مرضاتك،
اللهم فتمم لي حجتي وعمرتي، اللهم إني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج
على كتابك وسنة نبيك (صلى الله عليه وآله) فإن عرض لي عارض
يحبسني فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي، اللهم إن
لم تكن حجة فعمرة، أحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي وعظامي
ومخي وعصبي من النساء والثياب والطيب، أبتغي بذلك وجهك والدار
الآخرة. قال: ويجزئك أن تقول هذا مرة واحدة حين تحرم. ثم
قم فامش هنيئة، فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلب)
وروى الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه

(1) الفروع ج 4 ص 331، والتهذيب ج 5 ص 77، والفقيه ج 2 ص
206، والوسائل الباب 16 من الاحرام.
29

السلام) (1) قال: (قلت له: إني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج
فكيف أقول؟ قال: تقول: اللهم إني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى
الحج على كتابك وسنة نبيك (صلى الله عليه وآله). وإن شئت أضمرت
الذي تريد) وبمضمونها رواية أبي الصباح مولى بسام الصيرفي (2).
وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: (إذا أردت الاحرام والتمتع فقل: اللهم إني أريد ما أمرت به
من التمتع بالعمرة إلى الحج، فيسر ذلك لي وتقبله مني وأعني عليه،
وحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي، أحرم لك شعري وبشري
من النساء والطيب والثياب. وإن شئت فلب حين تنهض، وإن شئت
فأخره حتى تركب بعيرك وتستقبل القبلة فافعل).
وفي كتاب الفقه الرضوي (4) قال بعد ذكر العبارة المتقدمة نقلها عنه:
فإذا فرغت فارفع يديك ومجد الله كثيرا، وصل على محمد (صلى الله عليه وآله)
كثيرا، وقل: اللهم إني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج على
كتابك وسنة نبيك (صلى الله عليه وآله) فإن عرض لي عرض يحبسني فحلني
حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي، اللهم إن لم تكن حجة فعمرة.
ثم تلبي سرا بالتلبية الأربعة وهي المفترضات، تقول لبيك.. إلى آخره.
أقول: وغاية ما يستفاد من هذه الأخبار هو أن المكلف ينبغي أن

(1) الوسائل الباب 17 من الاحرام
(2) الوسائل الباب 17 من الاحرام. والراوي في التهذيب ج 5 ص 78
وغيره كما أوردناه هنا. نعم في الوسائل ورد بلفظ " أبي الصلاح ".
(3) الوسائل الباب 16 من الاحرام
(4) ص 27
30

يقول هذا القول وقت الاحرام والدعاء والاشتراط على ربه في حله حيث
حبسه. ومن الظاهر البين أن النية حقيقة أمر وراء ذلك، وهي القصد
إلى الفعل بعد تصور الداعي الباعث له على حركته من وطنه وتوجهه
إلى هذا الوجه وخروجه، وإن عبر عن ذلك بالنية مجازا فلا مشاحة
في ذلك.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن في المقام فوائد: الأولى: قال: الشيح في
المبسوط على ما نقله في المختلف: لو أحرم مبهما ولم ينو لا
حجا ولا عمرة كان مخيرا بين الحج والعمرة أيهما شاء فعل إذا كان في
أشهر الحج، وإن كان في غيرها لم ينعقد احرامه إلا بالعمرة. وبذلك
صرح العلامة في المنتهى مستندا إلى حديث علي (عليه السلام) (1)
واحرامه لما رجع من اليمن، وقال: (اهلالا كاهلال النبي صلى الله
عليه وآله) مع أنه رده في المختلف بعد نقله عن الشيخ بأن
الواجب عليه أحد النسكين، وإنما يتميز أحدهما عن الآخر بالنية.
وهو جيد.
ويؤيده ما قدمناه في بحث النية من كتاب الطهارة، من أن مدار الأفعال وجودا
وعدما، واتحادا وتعددا، وصحة وبطلانا
وجزائها ثوابا وعقابا على القصود والنيات، كما دلت عليه الأخبار
المذكورة في ذلك المقام.
ثم إنه في المختلف أجاب عن حديث علي (عليه السلام) بالمنع من أنه لم يعلم اهلال النبي (صلى الله عليه وآله). ولا يخلو من بعد. وسيأتي
تحقيق القول فيه إن شاء الله تعالى.
الثانية قال المحقق في الشرائع: لو أحرم بالحج والعمرة وكان

(1) الوسائل الباب 2 من أقسام الحج
31

في أشهر الحج كان مخيرا بين الحج والعمرة إذا لم يتعين عليه أحدها، وإن كان
في غير أشهر الحج تعين للعمرة. ولو قيل بالبطلان في الأول ولزوم
تجديد النية كان أشبه.
قال في المسالك بعد نقل العبارة المذكورة: أراد بالأول الاحرام
بهما في أشهر الحج. والقائل بالصحة فيه ابن أبي عقيل وجماعة، وله
شواهد من الأخبار. والأصح البطلان.
أقول: لا ريب أن ابن أبي عقيل وإن قال بالاحرام بالحج والعمرة
في نية واحدة بشرط سياق الهدي كما تقدم ذكره، لكنه لا يقول
بالتخيير بين الحج والعمرة، بل هو قائل بوجوب الاتيان بهما: العمرة
أولا ثم الحج، وأنه لا يحل من العمرة بعد الاتيان بأفعالها كما في
المتمتع الغير القارن، وإنما يحل بعد الاتيان بأفعال الحج كملا، كما
تقدم تحقيق الكلام في ذلك في البحث الثاني من المطلب الثاني من
المقدمة الرابعة (1).
وفي المدارك نقل القول بالتخيير في هذه الصورة عن الشيخ في الخلاف
والظاهر أنه الأظهر، لأنه موافق لما قدمنا نقله عن المبسوط، وإن كان قد
فرض المسألة ثمة في ما لو لم ينو حجا ولا عمرة، وهنا في ما لو نواهما
معا. ثم رده في المدارك بأنه ضعيف جدا، قال: لأن المنوي أعني:
وقوع الاحرام الواحد للحج والعمرة معا لم يثبت جوازه شرعا،
فيكون التعبد به باطلا، وغيره لم تتعلق به النية. مع أن العلامة في
المنتهى نقل عن الشيخ في الخلاف أنه قال: لا يجوز القران بين حج
وعمرة بإحرام واحد. وادعى على ذلك الاجماع. انتهى. وهو جيد.
أقول: ومع تسليم صحة وقوع الاحرام للحج والعمرة بناء على

(1) ج 14 ص 372
32

مذهب ابن أبي عقيل ومن قال بقوله فالقول بالتخيير يحتاج إلى دليل
فإن مقتضى قول أولئك إنما هو وجوب الاتيان بهما معا، وأنه لا يحل
من احرامه حتى يأتي بالعمرة ثم الحج، فالقول بالتخيير في الصورة
المذكورة لا وجه له.
ثم ظاهر عبارة المحقق المذكورة: أنه لو أحرم بهما في غير أشهر
الحج تعين للعمرة، حيث لم يتعرض لرده. وهو ظاهر الشيخ في المبسوط
والعلامة في المنتهى في المسألة الأولى. وهو أيضا غير جيد، كما ذكره في
المدارك وقبله جده (قدس الله روحيهما) في المسالك، لأن العبادات
توقيفية، ولم يثبت عن الشارع مثل ذلك. ومجرد كون الزمان لا يقبل
غير العمرة المفردة كما احتجوا به لا يصلح دليلا شرعيا.
الثالثة قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو قال:
(كاحرام فلان) وكان عالما بما أحرم صح، لحصول النية المعتبرة. وأما لو
كان جاهلا، فإن حصل العلم قبل الطواف قيل: الأصح صحته، فإن
أمير المؤمنين (عليه السلام) لما قدم من اليمن أحرم كذلك ولم يكن عالما
بما أحرم به النبي (صلى الله عليه وآله) وانكشف الحال له قبل الطواف.
وإن استمر الاشتباه لموت أو غيبة قال الشيخ: يتمتع احتياطا للحج
والعمرة، لأنه إن كان متمتعا فقد وافق وإن كان غيره فالعدول عنه
جائز. ورد بأن العدول إنما يسوغ في حج الافراد خاصة إذا لم يكن
متعينا عليه. ونقل في المسالك قولا بالبطلان في الصورة المذكورة،
قال: وهو أحوط. قال في التذكرة: ولو بان أن فلانا لم يحرم انعقد
مطلقا وكان له صرفه إلى أي نسك شاء. وكذا لو لم يعلم هل أحرم
فلان أم لا؟ لأصالة عدم احرامه. قال في المدارك: وهو حسن.
33

أقول: وعندي في أصل المسألة اشكال، فإن المستند في ذلك أنما
هو قول أمير المؤمنين (عليه السلام) لما قدم من اليمن: (اهلالا
كاهلال النبي صلى الله عليه وآله) (1) والذي يظهر لي من الخبر المذكور
اختصاص ذلك به (عليه السلام) حيث إن الصدوق في الفقيه (2) ذكر
حكاية حج النبي (صلى الله عليه وآله) وإن لم يسنده بهذه الصورة:
قال: (ونزلت المتعة على النبي (صلى الله عليه وآله) عند المروة بعد
فراغه من السعي، فقال: أيها الناس هذا جبرئيل (عليه السلام)
وأشار بيده إلى خلفه.. وساق الكلام إلى أن قال: وكان النبي
(صلى الله عليه وآله) ساق معه مائة بدنة، فجعل لعلي (عليه السلام) منها
أربعا وثلاثين ولنفسه ستا وستين، ونحرها كلها بيده.. إلى أن قال:
وكان علي (عليه السلام) يفتخر على الصحابة ويقول: من فيكم مثلي
وأنا شريك رسول الله (صلى الله عليه وآله) في هديه، من فيكم مثلي وأنا
الذي ذبح رسول الله (صلى الله عليه وآله) هديي بيده) ولا ريب أن
الصدوق وإن لم يسنده هنا إلا أنه لم يذكره إلا بعد ورود الخبر به
عنده. وهو ظاهر في ما ذكرناه، فإن افتخار علي (عليه السلام)
على الصحابة بكونه شريك رسول الله (صلى الله عليه وآله) في هديه
أظهر ظاهر في ما ذكرناه، ولو كان هذا الحكم عاما في جميع
الناس كما يدعونه لم يكن لافتخاره (عليه السلام) بذلك وجه.
ونحن قد قدمنا الخبر برواية الشيخ والكليني في صدر المقدمة الرابعة (3)

(1) الوسائل الباب 2 من أقسام الحج.
(2) ج 2 ص 153، والوسائل الباب 2 من أقسام الحج.
(3) ج 14 ص 315
34

على غير هذا النحو، إلا أنه لا يخلو من الاشكال كما نبهنا عليه ثمة.
وحينئذ فإن وقفوا على مضمون الخبر من أنه متى أهل كاهلال فلان،
فبان أن فلانا ساق الهدي، فإنه يكون شريكا في هديه، كما تضمنه
حديث علي (عليه السلام) ففيه أن افتخاره (عليه السلام) بذلك
ينافي القول بالعموم كما ادعوه، وإن خرجوا عنه في ذلك لم يتم لهم
الاستدلال به.
وبذلك يظهر لك ما في الفروع التي فرعوها في المسألة من الاختلال.
بل مع صحة الاستدلال بالخبر كما ادعوه لا تخلو أيضا من الاشكال
ولا سيما ما استحسنه في المدارك من كلام التذكرة، فإني لا أعرف
له وجه حسن مع بناء العبادات على التوقيف. وما رد به كلام الخلاف
في سابق هذه المسألة كما قدمنا نقله عنه جار هنا أيضا.
الرابعة قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو نوى
الاحرام بنسك ولبى بغيره انعقد ما نواه دون ما تلفظ به، لأن المدار
على النية، واللفظ لا اعتبار به. وهو كذلك.
ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (1) قال:
(قلت لأبي الحسن علي بن موسى (عليه السلام):
كيف أصنع إذا أردت أن أتمتع؟ فقال: لب بالحج وانو المتعة، فإذا
دخلت مكة، طفت بالبيت، وصليت الركعتين خلف المقام، وسعيت بين
الصفا والمروة، وقصرت، فنسختها وجعلتها متعة).
وقد تقدمت صحيحة زرارة المنقولة عن كتاب الكشي في التنبيه

(1) الوسائل الباب 22 من الاحرام
35

الخامس من البحث الرابع من المطلب الثاني في حج الافراد والقران (1)
دالة على ما دلت عليه الصحيحة المذكورة.
وأما ما ذكره في المدارك في معنى صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر
حيث نقلها إلى قوله: (وانو المتعة) كما هو أحد روايتي الشيخ لها، فإنه
رواها تارة كما ذكره في المدارك (2) وأخرى كما نقلناه (3) من أن المراد أنه
يهل بحج التمتع وينوي الاتيان بعمرة التمتع قبله فهو ناشئ عن الغفلة
عن ملاحظة الرواية الأخرى، فإنها صريحة في فسخ ما أتى به أولا
من حج الافراد والعدول عنه، وأنه ينوي بما أتى به عمرة التمتع.
ونحوها صحيحة زرارة المشار إليها (4) حيث قال فيها: (وعليك
بالحج أن تهل بالافراد وتنوي الفسخ، إذا قدمت مكة وطفت وسعيت
فسخت ما أهللت به وقلبت الحج عمرة، وأحللت إلى يوم التروية.. الحديث)
والأخبار في هذا المقام مختلفة، فبعضها يدل على ما دل عليه هذان
الخبران من التلبية بحج الافراد واضمار التمتع، وبعضها يدل على
التلبية بالعمرة المتمتع بها إلى الحج. والوجه في تلك الأخبار التقية.

(1) ج 14 ص 401
(2) التهذيب ج 5 ص 80، والوسائل الباب 22 من الاحرام. واللفظ
في التهذيب هكذا: " ينوي المتعة ويحرم بالحج " وفي الوسائل كما في
الإستبصار ج 2 ص 168: (ينوي العمرة ويحرم بالحج). والذي أورده
في المدارك هو اللفظ الوارد في الرواية المتقدمة سؤالا وجوابا.
(3) التهذيب ج 5 ص 86.
(4) الوسائل الباب 14 من أعداد الفرائض من كتاب الصلاة، والباب
5 من أقسام الحج.
36

ولا بأس بايراد جملة من الأخبار المذكورة، فمنها ما رواه في الكافي
في الموثق عن إسحاق بن عمار (1) قال: (قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام):
إن أصحابنا يختلفون في وجهين من الحج، يقول بعضهم: أحرم بالحج
مفردا، فإذا طفت بالبيت وسعيت بين الصفا والمروة فأحل وأجعلها عمرة.
وبعضهم يقول: أحرم وانو المتعة بالعمرة إلى الحج. أي هذين أحب
إليك؟ قال: انو المتعة)
وما رواه في الصحيح عن الحضرمي والشحام ومنصور بن حازم (2)
قالوا: (أمرنا أبو عبد الله (عليه السلام) أن نلبي ولا نسمي شيئا. وقال:
أصحاب الاضمار أحب إلي) ونحوها موثقة إسحاق بن عمار (3) وصحيحة
أبان بن تغلب (4).
وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن حمران بن أعين (5) قال:
(سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن التلبية. فقال لي: لب بالحج
فإذا دخلت مكة طفت بالبيت وصليت وأحللت) وبمضمونها صحيحة
زرارة (6).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الملك بن أعين (7) قال: (حج
جماعة من أصحابنا فلما وافوا المدينة دخلوا على أبي جعفر (عليه
السلام) فقالوا: إن زرارة أمرنا أن نهل بالحج إذا أحرمنا. فقال لهم:

(1) الوسائل الباب 4 من أقسام الحج، والباب 21 من الاحرام.
(2) الوسائل الباب 17 من الاحرام.
(3) الوسائل الباب 17 من الاحرام.
(4) الوسائل الباب 21 من أقسام الحج، والباب 21 من الاحرام.
(5) الوسائل الباب 22 من الاحرام
(6) الوسائل الباب 22 من الاحرام
(7) الوسائل الباب 3 من أقسام الحج
37

تمتعوا. فلما خرجوا من عنده دخلت عليه، فقلت له: جعلت فداك
والله لئن لم تخبرهم بما أخبرت به زرارة ليأتين الكوفة وليصبحن بها
كذابا. قال: ردهم علي. قال: فدخلوا عليه، فقال: صدق زرارة
ثم قال: أما والله لا يسمع هذا بعد اليوم أحد مني) أقول: الظاهر أن مراده (عليه السلام) يعني: لا يسمع الأمر بالتمتع.
وروى في التهذيب في الصحيح عن إسماعيل الجعفي (1) قال: (خرجت
أنا وميسر وأناس من أصحابنا، فقال لنا زرارة: لبوا بالحج. فدخلنا على أبي جعفر (عليه السلام) فقلنا له: أصلحك الله إنا نريد الحج ونحن
قوم صرورة أو كلنا صرورة، فكيف يصنع؟ فقال: لبوا بالعمرة. فلما خرجنا
قدم عبد الملك بن أعين، فقلت له: ألا تعجب من زرارة، قال لنا: لبوا
بالحج. وأن أبا جعفر (عليه السلام) قال لنا: لبوا بالعمرة. فدخل عليه
عبد الملك بن أعين، فقال له: إن أناسا من مواليك أمرهم زرارة أن
يلبوا بالحج عنك، وأنهم دخلوا عليك فأمرتهم أن يلبوا بالعمرة. فقال
أبو جعفر (عليه السلام): يريد كل انسان منهم أن يسمع على حده
أعدهم علي. فدخلنا، فقال: لبوا بالحج، فإن رسول الله (صلى الله عليه
وآله لبى بالحج).
أقول: لا يخفى أن الأمر من زرارة لهم بالاهلال بالحج إنما كان
تقية، كما هو صريح حديث الكشي المتقدم، ومراده الاعلان بذلك
ظاهرا بين الناس مع اضمار التمتع في أنفسهم، فلا ينافي أمره (عليه
السلام) لهم بالعمرة، ولكنهم لما لم يفهموا ذلك، وأنه يؤدي إلى
الطعن في زرارة الذي هو من أخص خواصه (عليه السلام) أفتاهم

(1) الوسائل الباب 21 من الاحرام
38

بالتقية وقررهم على الحج بما يحج به العامة. وغاضه ذلك منهم فقال:
(يريد كل انسان منهم أن يسمع على حده).
الخامسة قالوا: إذا نسي بماذا أحرم، فإن كان أحد النسكين
متعينا عليه انصرف ذلك الاحرام إليه. قال في المدارك: وبه قطع
العلامة ومن تأخر عنه، لأن الظاهر من حال المكلف أنه إنما
يأتي بما هو فرضه. قال: وهو حسن، خصوصا مع العزم المتقدم
على الاتيان بذلك الواجب. وإن لم يكن أحد النسكين متعينا
عليه، فقيل بالتخيير بين الحج والعمرة. وهو اختيار الشيخ في المبسوط
وجمع من الأصحاب، لأنه لا سبيل إلى الحكم بالخروج من الاحرام
بعد الحكم بانعقاده، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر. وقال في الخلاف
يجعله للعمرة، لأنه إن كان متمتعا فقد وافق، وإن كان غيره فالعدول
منه إلى غيره جائز. قال: وإذا أحرم للعمرة لا يمكنه أن يجعلها حجة
مع القدرة على الاتيان بأفعال العمرة، فلهذا قلنا يجعله عمرة على كل
حال. واستحسنه العلامة في المنتهى. قال في المدارك بعد نقل ذلك:
ولعل التخيير أجود.
أقول: وعندي في جميع شقوق هذه المسألة اشكال، لعدم الدليل
الواضح في هذا المجال. وبناء الأحكام الشرعية على مثل هذه التعليلات
لا يخلو من المجازفة في أحكام الملك المتعال، سيما مع تكاثر الأخبار
بالسكوت عن ما لم يرد فيه نص، وارجاع الأمر إليهم (صلوات الله
عليهم) والوقوف على جادة الاحتياط في كل ما اشتبه حكمه، كما
استفاضت به أخبار التثليث (1).

(1) الوسائل الباب 12 من صفات القاضي وما يقضي به
39

الثاني التلبيات الأربع، فلا ينعقد الاحرام لمتمتع ولا لمفرد
إلا بها. وهو من ما وقع الاجماع عليه نصا وفتوى.
وتحقيق الكلام في هذا المقام يتوقف على رسم مسائل:
الأولى اختلف الأصحاب في اشتراط مقارنة التلبية للنية، فقال
ابن إدريس باشتراط مقارنتها لها كمقارنة التحريمة لنية الصلاة. وإليه
ذهب الشهيد في اللمعة. ونقل في المسالك عن الشيخ علي أنه تبعهما على
ذلك. وقال في الدروس: الثالث مقارنة النية للتلبيات، فلو تقدمن
عليها أو تأخرن لم ينعقد. ويظهر من الرواية والفتوى جواز تأخير
التلبية عنها.
وقال العلامة في المنتهى: ويستحب لمن حج على طريق المدينة أن
يرفع صوته بالتلبية إذا علت راحلته البيداء إن كان راكبا، وإن
كان ماشيا فحيث يحرم. وإن كان على غير طريق المدينة لبى من موضعه
إن شاء، وإن مشى خطوات ثم لبى كان أفضل. ثم ساق جملة من
الروايات الدالة على تأخير التلبية إلى البيداء في الاحرام من مسجد الشجرة،
وقال بعدها: إذا ثبت هذا فإن المراد بذلك أن الاجهار بالتلبية
مستحب من البيداء، وبينها وبين ذي الحليفة ميل، وهذا يكون بعد
التلبية سرا في الميقات الذي هو ذو الحليفة، لأن الاحرام لا ينعقد إلا
بالتلبية. ولا يجاوز الميقات إلا محرما.
أقول: ظاهره حمل الروايات الدالة على تأخير التلبية إلى البيداء
على تأخير الجهر بها، فيجب عليه الاتيان بها سرا في الميقات بعد عقد
نية الاحرام. وهو ظاهر الصدوق في الفقيه (1) حيث أوجب التلبية

(1) ج 2 ص 313 و 314
40

سرا في الميقات ثم الاعلان بها إذا استوت به الأرض إن كان في غير
طريق المدينة، وإلا فإذا بلغ البيداء عند الميل إن كان في طريق المدينة.
ويحكى عن بعض الأصحاب أنه جعل التلبية مقارنة لشد الإزار.
وكلام أكثر الأصحاب خال عن اشتراط المقارنة. بل يحكى عن
كثير منهم التصريح بعدم الاشتراط.
أقول: والمستفاد من الأخبار على وجه لا يقبل المدافعة والانكار هو
جواز التأخير، ومنها صحيحة معاوية بن عمار، وقد تقدمت في صدر
المقام الأول من هذا المقصد (1).
وصحيحة عبد الله بن سنان (2) قال: (سمعت أبا عبد الله (عليه
السلام) يقول: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يكن يلبي حتى يأتي
البيداء).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (3) قال: (لا بأس أن يصلي الرجل في مسجد الشجرة
ويقول الذي يريد أن يقوله ولا يلبي، ثم يخرج فيصيب من الصيد
وغيره، فليس عليه فيه شئ).
وما رواه الصدوق عن حفص بن البختري ومعاوية بن عمار
وعبد الرحمان بن الحجاج والحلبي جميعا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)
قال: (إذا صليت في مسجد الشجرة فقل وأنت قاعد في دبر الصلاة

(1) ص 29
(2) الوسائل الباب 34 من الاحرام.
(3) الوسائل الباب 14 من الاحرام.
(4) الوسائل الباب 35 و 46 من الاحرام. وظاهر الفقيه ج 2
ص 207 أن الحديث ينتهي بقوله (ع): (فلب) وأن ما بعده من كلام
الصدوق. ويظهر ذلك أيضا من الوافي باب (وقت التلبية وكيفيتها).
41

قبل أن تقوم ما يقول المحرم، ثم قم فامش حتى تبلغ الميل وتستوي
بك البيداء، فإذا استوت بك البيداء فلب. وإن أهللت من المسجد
الحرام للحج فإن شئت لبيت خلف المقام، وأفضل ذلك أن تمضي حتى
تأتي الرقطاء وتلبي قبل أن تصير إلى الأبطح).
وعن عبد الرحمان بن الحجاج في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) (أنه صلى ركعتين وعقد في مسجد الشجرة ثم خرج، فأتي
بخبيص فيه زعفران فأكل قبل أن يلبي منه).
وعن هشام بن الحكم في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: (إن أحرمت من غمرة أو بريد البعث صليت وقلت ما يقول
المحرم في دبر صلاتك، وإن شئت لبيت من موضعك، والفضل أن تمشي
قليلا ثم تلبي).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمان بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3): (في الرجل يقع على أهله بعد ما يعقد
الاحرام ولم يلب؟ قال: ليس عليه شئ).
وعن منصور بن حازم في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)
قال: (إذا صليت عند الشجرة فلا تلب حتى تأتي البيداء حيث يقول
الناس يخسف بالجيش).

(1) الوسائل الباب 14 من الاحرام.
(2) الفقيه ج 2 ص 208، والوسائل الباب 35 من الاحرام.
(3) الوسائل الباب 14 من الاحرام.
(4) الوسائل الباب 34 من الاحرام.
42

وعن عبد الله بن سنان (1) قال: (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يكن يلبي حتى يأتي البيداء)
وما رواه الصدوق عن حفص بن البختري في الصحيح عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) " في من عقد الاحرام في مسجد الشجرة ثم وقع
على أهله قبل أن يلبي؟ قال: ليس عليه شئ ".
وما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: (صل المكتوبة ثم أحرم بالحج
أو بالمتعة، واخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى أول البيداء إلى أول ميل عن
يسارك، فإذا استوت بك الأرض راكبا كنت أو ماشيا فلب.. الحديث)
وعن إسحاق بن عمار في الموثق عن أبي الحسن (عليه السلام) (4)
قال: (قلت له: إذا أحرم الرجل في دبر المكتوبة أيلبي حين ينهض
به بعيره أو جالسا في دبر الصلاة؟ قال: أي ذلك شاء صنع).
قال الكليني (قدس سره) (5): وهذا عندي من الأمر المتوسع، إلا أن الفضل فيه أن يظهر التلبية حيث أظهر النبي (صلى الله عليه وآله)
على طرف البيداء. ولا يجوز لأحد أن يجوز ميل البيداء إلا وقد أظهر
التلبية. وأول البيداء أول ميل يلقاك عن يسار الطريق. انتهى.

(1) الوسائل الباب 34 من الاحرام. وقد تقدمت في الصفحة 41 برقم (2)
(2) الوسائل الباب 14 من الاحرام.
(3) الوسائل الباب 34 من الاحرام.
(4) الوسائل الباب 35 من الاحرام.
(5) فروع الكافي ج 4 ص 234.
43

وروى الشيخ عن زرارة في القوي (1) قال: (قلت لأبي جعفر
(عليه السلام): متى ألبي بالحج؟ قال: إذا خرجت إلى منى. ثم قال:
إذا جعلت شعب الدب على يمينك والعقبة على يسارك فلب للحج).
ويدل عليه أيضا جملة من الأخبار (2) زيادة على ما ذكرناه.
وهذه الأخبار كلها مع صحتها واستفاضتها صريحة في جواز التأخير
وبذلك يظهر ضعف القول بوجوب المقارنة. على أن ما حملوه عليه
من وجوب المقارنة في نية الصلاة لا دليل عليه، كما تقدم تحقيقه
في محله.
بقي الكلام هنا في شيئين: أحدهما ظاهر الروايات المتقدمة الدالة
على الاحرام من مسجد الشجرة وجوب تأخير التلبية عن موضع عقد
الاحرام في المسجد، لقوله (عليه السلام) في صحيحة معاوية بن عمار
المتقدمة (3) في صدر البحث: (ثم قم فامشي هنيئة فإذا استوت بك
الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلب) وقوله (عليه السلام) في صحيحته
الثانية أو حسنته المذكورة هنا: (وأخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى أول
البيداء) وقوله (عليه السلام) في رواية الصدوق عن الفضلاء الأربعة
المتقدمين: (ثم قم فامش حتى تبلغ الميل وتستوي بك البيداء، فإذا
استوت بك البيداء فلب) وقوله (عليه السلام) في رواية منصور بن
حازم: (إذا صليت عند الشجرة فلا تلب حتى تأتي البيداء) ويعضد
ذلك ظاهر صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة وقوله (عليه السلام)

الوسائل الباب 46 من الاحرام.
(2) الوسائل الباب 14 و 34 و 35 من الاحرام
(3) ص 29
44

فيها: (أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يكن يلبي حتى يأتي
البيداء).
إلا أنه قد روى ثقة الاسلام في القوي عن عبد الله بن سنان (1)
(أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) هل يجوز للمتمتع بالعمرة إلى
الحج أن يظهر التلبية في مسجد الشجرة؟ فقال: نعم، إنما لبى النبي
(صلى الله عليه وآله) على البيداء لأن الناس لم يعرفوا التلبية فأحب أن
يعلمهم كيف التلبية).
وظاهر كلام ثقة الاسلام المتقدم حمل الروايات الدالة على التأخير
على الأفضلية.
والشيخ فرق بين الراكب والماشي، فجمع بين الأخبار بحمل رواية
عبد الله بن سنان المذكورة على الماشي وحمل الروايات المتقدمة على الراكب
قال بعد ذكرها: والوجه في هذه الرواية أن من كان ماشيا يستحب
له أن يلبي من المسجد، وإن كان راكبا فلا يلبي إلا من البيداء.
واستدل على ذلك بصحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) قال: (إن كنت ماشيا فاجهر باهلالك وتلبيتك من
المسجد، وإن كنت راكبا فإذا علت بك راحلتك البيداء).
ورد بأن حمل الروايات المتضمنة للأمر بتأخير التلبية إلى البيداء
من غير تفصيل على الراكب بعيد جدا.
أقول: ويعضده الأمر بالتلبية للماشي والراكب - بعد الخروج عن
موضع عقد الاحرام وأن تستوي به الأرض في صحيحة معاوية بن

(1) الوسائل الباب 35 من الاحرام.
(2) الوسائل الباب 34 من الاحرام.
45

عمار، وقوله (عليه السلام) في رواية الصدوق عن الفضلاء الأربعة (1)
(ثم قم فامش حتى تبلغ الميل وتستوي بك البيداء.. فلب).
قال في الوافي: ويشبه أن يكون الفرق صدر عن تقية. وظاهره
حمل صحيحة عمر بن يزيد على التقية (2) وهو غير بعيد.
وبالجملة فالاحتياط في الوقوف على الروايات المتقدمة الدالة على
التأخير إلى البيداء راكبا كان أو ماشيا. بل لا يبعد المصير إليه لولا
ذهاب جملة من فضلاء قدماء الأصحاب إلى التخيير، كما سمعت من
كلام ثقة الاسلام (قدس الله روحه).
فإنه قد روى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن معاوية بن وهب (3)
قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التهيؤ للاحرام. فقال:
في مسجد الشجرة، فقد صلى فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد
ترى أناسا يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث الميل، فتحرمون
كما أنتم في محاملكم، تقول: لبيك اللهم لبيك.. الحديث).
أقول: وهذا الخبر ظاهر في أن الاحرام عبارة عن التلبية، كما
قدمنا الكلام فيه في مسألة ناسي الاحرام. والمراد بالتهيؤ للاحرام
في الخبر هو الصلاة والدعاء عقيبها بما تقدم، بعد الغسل ولبس ثوبي

(1) ص 41
(2) لم نقف بعد التتبع في كتب العامة على التفرقة بين الراكب والماشي
بذلك. وقال العيني الحنفي في عمدة القارئ ج 4 ص 519: اختلف العلماء
في الموضع الذي أحرم منه النبي صلى الله عليه وآله فقال قوم: أهل من مسجد ذي الحليفة
وقال آخرون: حين أطل على البيداء، وقال آخرون: من البيداء.
(3) الوسائل الباب 34 من الاحرام.
46

الاحرام. وقوله: (وقد ترى أناسا يحرمون فلا تفعل) يعني: يلبون
ويعقدون بالتلبية. فنهاهم عن ذلك حتى يبلغوا البيداء، وأمرهم
بالاحرام في محاملهم، يعني: التلبية، كما يشير إليه قوله: (تقول)
يعني: تحرم بهذا القول.
والخبر ظاهر في تعيين تأخير التلبية إلى البيداء، ومعتضد بالأخبار
المتقدمة. والظاهر أن هذا حكم مختص بالاحرام من مسجد الشجرة،
فلا تنافيه الأخبار الدالة على التخيير وأفضلية التأخير في غير هذا الميقات
وجملة من الأصحاب استندوا في التخيير في هذا الميقات إلى التخيير
الوارد في غيره من المواقيت. وفيه ما عرفت.
الثاني أنه قد تقدم في أخبار المواقيت أنه لا يجوز لأحد قاصد
النسك أن يتجاوزها إلا محرما، مع أن هذه الأخبار دلت على تجاوزها
إلى البيداء وهو على ميل من مسجد الشجرة كما عرفت بغير احرام لأن
الاحرام كما عرفت إنما يحصل بالتلبية، وهي قد دلت على تأخير
التلبية إلى البيداء. ومن هنا صرح العلامة (قدس سره) في ما قدمنا نقله عنه
من المنتهى أنه يحرم سرا بعد الصلاة في المسجد، قاصدا بذلك حمل
روايات تأخير التلبية إلى البيداء على تأخير الاجهار بها لا تأخيرها ولو
سرا. إلا أن حمل الروايات على ما ذكره بعيد جدا، ولا سيما
صحيحة معاوية بن وهب المذكورة. ولا يحضرني الآن وجه في الخروج
عن هذا الاشكال. إلا أن تحمل الأخبار الدالة على النهي عن تجاوز
تلك المواقيت إلا محرما على ما هو أعم من الاحرام والتهيؤ له، فإن
اطلاق الاحرام على الصلاة له والدعاء بعدها بعد الغسل ولبس ثوبي
الاحرام ونحو ذلك غير بعيد، بل هو أقرب المجازات، وإن كان
47

ترتب الكفارات إنما يحصل بعد التلبية.
المسألة الثانية المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لو
كان قارنا تخير في عقد احرامه بالتلبية وإن شاء قلد أو أشعر. ونقل
عن المرتضى وابن إدريس (رضي الله عنهما) أنه لا ينعقد احرام الأصناف
الثلاثة إلا بالتلبية، لأن انعقاد الاحرام بالتلبية مجمع عليه، ولا دليل
على انعقاده بهما. وهو ضعيف مردود بالأخبار الصحيحة الصريحة،
وإن كان كلامهما (روح الله روحيهما) جيدا على أصلهما الغير الأصيل
من عدم الاعتماد على أخبار الآحاد.
والذي يدل على القول المشهور روايات: منها صحيحة معاوية بن
عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (يوجب الاحرام ثلاثة
أشياء: التلبية والاشعار والتقليد، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة
فقد أحرم).
وصحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (من
أشعر بدنته فقد أحرم وإن لم يتكلم بقليل ولا كثير).
وصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال:
(تقلدها نعلا خلقا قد صليت فيها. والاشعار والتقليد بمنزلة التلبية).
وفي حديث طويل برواية الشيخ (4) عن صفوان في الصحيح عن
معاوية بن عمار وغير معاوية ممن روى صفوان عنه الأحاديث المتقدمة
المذكورة، وقال يعني: صفوان هي عندنا مستفيضة عن أبي جعفر
وأبي عبد الله (عليهما السلام).. إلى أن قال: (لأنه قد يوجب الاحرام

(1) الوسائل الباب 12 من أقسام الحج
(2) الوسائل الباب 12 من أقسام الحج
(3) الوسائل الباب 12 من أقسام الحج
(4) الوسائل الباب 14 من الاحرام
48

أشياء ثلاثة: الاشعار والتلبية والتقليد، فإذا فعل شيئا من هذه
الثلاثة فقد أحرم).
وما رواه ثقة الاسلام في الكافي باسنادين، أحدهما صحيح عندي
حسن على المشهور بإبراهيم عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) (في قول الله عز وجل: الحج أشهر معلومات فمن فرض
فيهن الحج (2) والفرض: التلبية والاشعار والتقليد، فأي ذلك فعل فقد
فرض الحج. ولا يفرض الحج إلا في هذه الشهور.. الحديث).
وعن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال:
(إذا كانت البدن كثيرة قام في ما بين ثنتين ثم أشعر اليمنى ثم اليسرى.
ولا يشعر أبدا حتى يتهيأ للاحرام، لأنه إذا أشعر وقلد وجلل وجب عليه
الاحرام. وهي بمنزلة التلبية).
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الاشعار على ما ذكره الأصحاب (رضوان
الله عليهم) أن يشق سنام البعير من الجانب الأيمن، ويلطخ صفحته
بدم اشعاره. والأخبار لا تساعد على ما ذكروه من اللطخ، وإنما اشتملت
على شق سنامها من الجانب الأيمن:
ففي صحيحة الحلبي المتقدمة في المقدمة الرابعة في أنواع الحج في مسألة
القارن (4): (والاشعار أن يطعن في سنامها بحديدة حتى يدميها).
وروى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (5) قال: (سألت

(1) الوسائل الباب 11 من أقسام الحج.
(2) سورة البقرة، الآية 197
(3) الوسائل الباب 12 من أقسام الحج.
(4) ج 14 ص 370، والوسائل الباب 12 من أقسام الحج.
(5) الوسائل الباب 12 من أقسام الحج.
49

أبا عبد الله (عليه السلام) عن البدنة كيف يشعرها؟ قال: يشعرها
وهي باركة، وينحرها وهي قائمة، ويشعرها من جانبها الأيمن، ثم
يحرم إذا قلدت وأشعرت).
وعن معاوية بن عمار في الصحيح (1) قال: (البدنة يشعرها من
جانبها الأيمن، ثم يقلدها بنعل قد صلى فيها).
وروى ثقة الاسلام في الموثق عن يونس بن يعقوب (2) قال: (قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): إني قد اشتريت بدنة فكيف أصنع بها؟
فقال: انطلق حتى تأتي مسجد الشجرة، فأفض عليك من الماء، والبس
ثوبيك، ثم انخها مستقبل القبلة، ثم ادخل المسجد فصل، ثم افرض
بعد صلاتك، ثم اخرج إليها فأشعرها من الجانب الأيمن من سنامها
ثم قل: بسم الله، اللهم منك ولك، اللهم فتقبل مني. ثم انطلق حتى
تأتي البيداء فلبه).
وعن عبد الرحمان بن أبي عبد الله وزرارة (3) قالا: (سألنا أبا عبد الله
(عليه السلام) عن البدن كيف تشعر؟ ومتى يحرم صاحبها؟ ومن أي
جانب تشعر؟ ومعقولة تنحر أو باركة؟ فقال: تشعر معقولة، وتشعر
من الجانب الأيمن).
وعن معاوية بن عمار في الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)
قال: (البدن تشعر من الجانب الأيمن، ويقوم الرجل في الجانب
الأيسر، ثم يقلدها بنعل خلق قد صلى فيها).
وروى الصدوق عن أبي الصباح الكناني (5) قال: (سألت

(1) الوسائل الباب 12 من أقسام الحج.
(2) الوسائل الباب 12 من أقسام الحج.
(3) الوسائل الباب 12 من أقسام الحج.
(4) الوسائل الباب 12 من أقسام الحج.
(5) الفقيه ج 2 ص 209، والوسائل الباب 12 من أقسام الحج.
50

أبا عبد الله (عليه السلام) عن البدن كيف تشعر؟ قال: تشعر وهي
باركة من شق سنامها الأيمن، وتنحر وهي قائمة من قبل الأيمن)
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.
وينبغي التنبيه على فوائد
الأولى: ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) ودلت عليه الأخبار
المتقدمة من استحباب الاشعار من الجانب الأيمن من سنام البدنة
مخصوص بغير البدن الكثيرة، فإنه يدخل بينها ويشعرها يمينا وشمالا.
ويدل على ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز بن عبد الله
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (إذا كانت بدن كثيرة فأردت
أن تشعرها، دخل الرجل بين كل بدنتين، فيشعر هذه من الشق الأيمن
ويشعر هذه من الشق الأيسر، ولا يشعرها أبدا حتى يتهيأ للاحرام، فإنه إذا
أشعرها وقلدها وجب عليه الاحرام. وهو بمنزلة التلبية) ونحوها رواية
جميل المتقدمة.
الثانية: قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن الاشعار مختص
بالإبل، والتقليد مشترك بينها وبين البقر والغنم.
وعلل بضعف البقر والغنم عن الاشعار. وبما رواه ابن بابويه
في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال: (كان
الناس يقلدون الغنم والبقر، وإنما تركه الناس حديثا، ويقلدون
بخيط أو بسير).
أقول: وهذه الرواية كما ترى لا صراحة فيها بل ولا ظاهرية
في ما ادعوه إن لم تكن بالدلالة على خلافه أشبه، إذ غاية ما تدل عليه

(1) الوسائل الباب 12 من أقسام الحج.
(2) الوسائل الباب 12 من أقسام الحج.
51

نقله (عليه السلام) عن الناس أنهم كان يفعلون ذلك. وهذا اللفظ
إنما يطلق غالبا على المخالفين. ومع تسليم إرادة الشيعة فلا دلالة فيه
أيضا. ومن المقرر في كلامهم أن الدليل الواضح والحجة الشرعية إنما هي
قول الإمام (عليه السلام) الذي هو عبارة عن أمره ونهيه ونحوهما، أو
فعله، أو تقريره، وأما مجرد حكاية ذلك عن الناس أي أناس كانوا فلا
دليل فيه. إلا أن الظاهر أن الحكم المذكور متفق عليه بينهم لا أعلم
فيه مخالفا.
والأظهر الاستدلال عليه بما رواه العياشي في تفسيره (1) عن
عبد الله بن فرقد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (الهدي من
الإبل والبقر والغنم، ولا يجب حتى يعلق عليه، يعني: إذا قلده
فقد وجب. وقال: وما استيسر من الهدي: شاة). والظاهر أن قوله
(يعني: إذا قلده) من كلام الراوي تفسيرا لقوله: (حتى يعلق عليه).
الثالثة قد ذكروا (رضوان الله عليهم) أيضا أن التقليد الذي
هو أحد الثلاثة الموجبة للاحرام، إما أن يكون بأن يعلق في عنق
هديه نعلا قد صلى فيها وهذا هو الذي اشتملت عليه الأخبار الكثيرة
المتقدمة وغيرها أو بأن يربط في عنقه خيطا أو سيرا. ولم نجده إلا في
رواية زرارة المذكورة، وظاهرها اختصاص ذلك بالغنم والبقر، فإن
التقليد المذكور في روايات الإبل إنما هو بالنعل. ولم يرد في شئ
منها على كثرتها ذكر الخيط والسير، وإنما ذكر في هذه الرواية المشتملة
على تقليد الغنم والبقر. والوقوف على ظاهر الأخبار يقتضي اختصاص
النعل بالإبل، والخيط والسير بالبقر والغنم.

(1) ج 1 ص 88، ومستدرك الوسائل الباب 6 و 8 من الذبح
52

الرابعة: قال المحقق في الشرائع بعد أن ذكر أن القارن بالخيار
إن شاء عقد احرامه بالتلبية وإن شاء قلد أو أشعر: وبأيهما بدأ كان
الآخر مستحبا. قال في المسالك: المراد أنه إن بدأ بالتلبية كان
الاشعار أو التقليد مستحبا، وإن بدأ بأحدهما كانت التلبية مستحبة.
ففي اطلاق أن البدأة بأحد الثلاثة توجب استحباب الآخر اجمال.
انتهى. وقال سبطه السيد في المدارك بعد نقل كلامه: ولم أقف على
رواية تتضمن ذلك صريحا. ولعل اطلاق الأمر بكل من الثلاثة كاف
في ذلك.
أقول: لا يخفى عليك أن بعض الأخبار المتقدمة في بيان معنى
الاشعار مثل صحيحة معاوية بن عمار المنقولة وحسنته قد اشتملت
على تعليق النعل بعد الاشعار.
ونحوهما رواية الفضيل بن يسار (1) قال: (قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): رجل أحرم من الوقت ومضى، ثم إنه اشترى بدنة
بعد ذلك بيوم أو يومين، فأشعرها وقلدها وساقها؟ فقال: إن كان
ابتاعها قبل أن يدخل الحرم فلا بأس. قلت: فإنه اشتراها قبل أن
ينتهي إلى الوقت الذي يحرم منه فأشعرها وقلدها، أيجب عليه حين
فعل ذلك ما يجب على المحرم؟ قال: لا، ولكن إذا انتهى إلى الوقت
فليحرم ثم يشعرها ويقلدها، فإن تقليده الأول ليس بشئ).
ورواية السكوني عن جعفر (عليه السلام) (2) (أنه سئل ما بال البدنة
تقلد النعل وتشعر؟ فقال: أما النعل فتعرف أنها بدنة ويعرفها صاحبها

(1) الوسائل الباب 12 من أقسام الحج.
(2) الوسائل الباب 12 من أقسام الحج، والباب 34 من الذبح.
53

بنعله. وأما الاشعار فإنه يحرم ظهرها على صاحبها من حيث أشعرها
فلا يستطيع الشيطان أن يتسنمها).
وموثقة يونس بن يعقوب (1) قد اشتملت على التلبية بعد الاشعار،
والروايتان الأوليان ظاهرتان في استحباب التقليد بعد الاشعار، وروايتا
الفضيل والسكوني شاملتان باطلاقهما لاستحباب الاشعار بعد التقليد،
والرواية الخامسة ظاهرة في استحباب التلبية بعد الاشعار. وأما ما يدل
على استحباب الاشعار والتقليد بعد التلبية فيظهر أيضا من صدر رواية الفضيل،
حيث إنه (عليه السلام) حكم بصحة الاشعار والتقليد، وأنه يكون بذلك
قارنا متى فعل ذلك قبل دخول الحرم. وبذلك يظهر لك ما في كلام الفاضلين
المتقدمين (قدس الله روحيهما).
المسألة الثالثة اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في كيفية
التلبيات الأربع بعد الاتفاق على أن الواجب هو أربع منها لا غير:
قال الشيخ في النهاية والمبسوط: التلبيات الأربع فريضة، وهي:
(لبيك اللهم لبيك، لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك
لبيك) وبه قال أبو الصلاح وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس
ونقله في المدارك عن أكثر المتأخرين.
وقال الشيخ في الإقتصاد: ثم يلبي فرضا واجبا فيقول: (لبيك
اللهم لبيك، لبيك، إن الحمد والنعمة والملك لك (2) لا شريك لك
لبيك).

(1) ص 50
(2) هذا القول يختلف عن القول الأول في تقديم كلمة (لك)
وتأخيرها، لأنها في القول الأول مقدمة على كلمة (والملك) وفي هذا
54

وقال المفيد: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن
الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) (1) وكذا قال علي بن بابويه
في رسالته، وابنه أبو جعفر في مقنعه وهدايته، وهو قول ابن أبي عقيل
وابن الجنيد وسلار.
وقال السيد المرتضى (رضي الله عنه): (لبيك اللهم لبيك، لا شريك
لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، لبيك).
هذا ما نقله في المختلف من الأقوال في المسألة.
وقال المحقق في الشرائع: وصورتها أن يقول: (لبيك اللهم لبيك

القول مؤخرة عنه، كما ورد في المختلف ج 1 ص 95. وقد اتفقت
النسخة المطبوعة والمخطوطة على تقديم كلمة (لك) في هذا القول كما في
القول الأول، وعليه فلا يبقى فرق بين القولين بمقدار ما نقله المصنف
(قدس سره) وإن كان يفترق القول الثاني عن القول الأول بفقرة لم ينقلها
(قدس سره) وهي قوله في آخرها: (بحجة وعمرة أو حجة مفردة
تمامها عليك لبيك) وعليه تكون التلبيات خمسا.
(1) الكيفية المنقولة عن الشيخ المفيد (قدس سره) تنتهي إلى هنا
كما يظهر بمراجعة المقنعة ص 62، والجواهر ج 18 ص 228 و 229، وكما
يأتي من المصنف (قدس سره) ص 59، حيث إنه بعد أن يذكر حديث
الخصال المتضمن للتلبيات الأربع بالكيفية المذكورة يقول: (أقول:
ومن هذه الرواية يعلم مستند الشيخ المفيد وابني بابويه ومن تبعهم) فما
ورد في المختلف ج 2 ص 95 من ذكر كلمة (لبيك) في آخر الكيفية
المنسوبة إلى الشيخ المفيد، وورد أيضا في نسخ الحدائق المطبوعة والمخطوطة
الظاهر أنه زيادة من قلم الناسخ.
55

لبيك لا شريك لك لبيك) واختار هذا القول العلامة في المختلف
وإليه يميل كلامه في المنتهى، واختاره جملة من المتأخرين ومتأخريهم:
منهم السيد السند في المدارك، وجده في المسالك، والفاضل الخراساني
في الذخيرة.
وأما الروايات الواردة في المسألة فمنها ما رواه الشيخ في الصحيح
عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (إذا
فرغت من صلاتك وعقدت ما تريد، فقم وامش هنيئة، فإذا استوت بك
الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلب. والتلبية أن تقول: لبيك اللهم
لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك
لا شريك لك لبيك، لبيك ذا المعارج لبيك، لبيك داعيا إلى دار السلام
لبيك، لبيك غفار الذنوب لبيك، لبيك أهل التلبية لبيك، لبيك

(1) هذا الحديث رواه الكليني في فروع الكافي ج 4 ص 335، وأول الحديث
هكذا: التلبية: لبيك اللهم لبيك.. إلى آخر ما أورده المصنف (قدس
سره) ورواه الشيخ عن الكليني بهذا اللفظ في التهذيب ج 5 ص 284. ورواه
بطريق آخر أيضا في التهذيب ج 5 ص 91، وأول الحديث هو قوله (عليه
السلام): (إذا فرغت من صلاتك.. إلى آخر ما أورده (قدس سره)
في الكتاب مع الزيادة التي يذكرها بعد ذلك. وهو المقصود بقوله (قدس
سره): (ورواه الشيخ أيضا بطريق آخر صحيح) والطريق الأول للشيخ
هو طريق الكليني، إلا أن لفظ الحديث الوارد من هذا الطريق يبتدئ
ببيان كيفية التلبية كما تقدم، وقوله: (إذا فرغت.. إلى قوله:
فلب) يختص بالطريق الآخر للشيخ. وبين اللفظين من الطريقين اختلاف
بسيط غير ما ذكرناه يظهر بالمراجعة. وأورد الحديث في الوسائل في الباب
40 من الاحرام.
56

ذا الجلال والاكرام لبيك، لبيك مرهوبا ومرغوبا إليك لبيك، لبيك
تبدئ والمعاد إليك لبيك، لبيك كشاف الكرب العظام لبيك،
لبيك عبدك وابن عبديك لبيك، لبيك يا كريم لبيك. تقول ذلك
في دبر كل صلاة مكتوبة أو نافلة، وحين ينهض بك بعيرك، وإذا
علوت شرفا، أو هبطت واديا، أو لقيت راكبا، أو استيقظت من منامك
وبالأسحار. وأكثر ما استطعت منها. واجهر بها. وإن تركت بعض
التلبية فلا يضرك، غير أن تمامها أفضل. واعلم أنه لا بد من التلبيات
الأربع التي في أول الكلام، وهي الفريضة، وهي التوحيد، وبها لبى
المرسلون. وأكثر من (ذي المعارج) فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) كان يكثر منها).
أقول: وبهذا الخبر استدل المحقق ومن تبعه وعليه اعتمدوا، قال
في المختلف: وهو أصح حديث رأيناه في هذا الباب.
أقول: ورواه الشيخ أيضا بطريق آخر صحيح (1) وزاد بعد قوله:
(لبيك تبدئ والمعاد إليك لبيك): (لبيك تستغني ويفتقر إليك
لبيك، لبيك إله الحق لبيك، لبيك ذا النعماء والفضل الحسن الجميل
لبيك) ثم ساق الحديث إلى قوله: (وهي الفريضة).
ومنها صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: (لما لبى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لبيك اللهم لبيك
لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك،

(1) الوسائل الباب 40 من الاحرام.
(2) الوسائل الباب 40 من الاحرام. وفي آخره هكذا: (وفي أدبار
الصلوات).
57

لبيك ذا المعارج لبيك. وكان (صلى الله عليه وآله) يكثر من ذي المعارج)
وكان يلبي كلما لقي راكبا، أو علا أكمة، أو هبط واديا، ومن آخر الليل)
وصحيحة معاوية بن وهب المتقدمة في المسألة الأولى (1) وفيها:
(تقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد
والنعمة لك والملك لا شريك لك، لبيك بمتعة بعمرة إلى الحج).
وروى ثقة الاسلام في الكافي عن عبد الله بن سنان في الصحيح (2) قال:
(قال أبو عبد الله (عليه السلام): ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحج
فكتب إلى من بلغه كتابه ممن دخل في الاسلام: أن رسول الله (صلى الله
عليه وآله) يريد الحج، يؤذنهم بذلك ليحج من أطاق الحج، فأقبل
الناس، فلما نزل الشجرة أمر الناس بنتف الإبط، وحلق العانة،
والغسل، والتجرد في إزار ورداء، أو إزار وعمامة يضعها على عاتقه
لمن لم يكن له رداء. وذكر أنه حيث لبى قال: لبيك اللهم لبيك، لبيك
لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك..
الحديث).
وروى في الفقيه مرسلا (3) قال: (قال أمير المؤمنين (عليه السلام)
جاء جبرئيل (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال له:
إن التلبية شعار المحرم فارفع صوتك بالتلبية: لبيك اللهم لبيك، لبيك
لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك).
وروى الصدوق في الخصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمد

(1) التهذيب ج 5 ص 84، والوسائل الباب 40 من الاحرام.
(2) الوسائل الباب 2 من أقسام الحج.
(3) الوسائل الباب 37 من الاحرام.
58

(عليهما السلام) في حديث شرائع الدين (1) قال: (والتلبيات
الأربع وهي: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد
والنعمة لك والملك لا شريك لك).
أقول: ومن هذه الرواية يعلم مستند الشيخ المفيد وابني بابويه
ومن تبعهم. وأما ما عدا هذين القولين فلم نقف له على دليل.
ومن أخبار المسألة أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن عمر بن
يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (إذا أحرمت من
مسجد الشجرة، فإن كنت ماشيا لبيت من مكانك من المسجد، تقول:
لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، لبيك ذا المعارج لبيك
لبيك بحجة تمامها عليك. واجهر بها كلما ركبت، وكلما نزلت،
وكلما هبطت واديا، أو علوت اكمة، أو لقيت راكبا، وبالأسحار)
وقال في كتاب الفقه الرضوي (3): ثم تلبي سرا بالتلبية الأربعة
وهي المفترضات، تقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك
إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. هذه الأربعة مفروضات
وتقول: لبيك ذا المعارج لبيك، لبيك تبدئ وتعيد والمعاد إليك
لبيك، لبيك داعيا إلى دار السلام لبيك، لبيك كشاف الكرب العظام
لبيك، لبيك يا كريم لبيك، لبيك عبدك وابن عبدك بين يديك لبيك
لبيك أتقرب إليك بمحمد وآل محمد لبيك. وأكثر من (ذي المعارج).
انتهى.

(1) الوسائل الباب 2 من أقسام الحج
(2) الوسائل الباب 40 من الاحرام
(3) ص 27
59

أقول: والقول الفصل في هذه الأخبار أنه لما دلت صحيحة معاوية
ابن عمار المتقدمة في صدر هذه الروايات على أن الفرض الواجب
إنما هو التلبيات الأربع التي في صدر الكلام وأنه لا يضر ترك غيرها
فلا بد من تخصيص باقي الأخبار بها، بحمل ما زاد على الأربع: (إن
الحمد والنعمة لك.. إلى آخره) في هذه الأخبار على الاستحباب
جمعا بين الأخبار. إلا أنه يمكن أن يقال: إن هذه الزيادة حيث
لم تكن مشتملة على تلبية فلا منافاة في دخولها تحت اطلاق العبارة المذكورة
ويؤيده عبارة كتاب الفقه الرضوي التي هي معتمد الصدوقين في ما
حكما به من دخول هذه الزيادة، كما عرفته في غير موضع من ما
تقدم، فإنه ذكر التلبيات الأربع المفروضة بإضافة الزيادة المذكورة،
وأكد ذلك بقوله أخيرا: (هذه الأربعة مفروضات) ثم ذكر التلبيات
المستحبة. لكن يمكن تأييد الاستحباب أيضا بخلو صحيحة عمر بن
يزيد عن هذه الزيادة. وبالجملة فالاحتياط بهذه الزيادة متعين (1)
فإن الحكم عندي لا يخلو من اشتباه.
ثم إن من العجب العجاب اشتهار القول بما ذهب إليه الشيخ في
النهاية والمبسوط بين أكثر متأخري الأصحاب حتى قال شيخنا الشهيد
في الدروس: الرابع التلبيات الأربع، وأتمها: (لبيك اللهم لبيك
لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك) ويجزئ:
(لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك) وإن أضاف إلى هذا:
(إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) كان حسنا. انتهى.
والحال أنه لا مستند لهذا القول بالكلية ولا دليل عليه بالمرة، وهذه

(1) أوردنا العبارة كما جاءت في النسخة المخطوطة
60

جملة أخبار المسألة التي قدمناها عارية عنه.
وتمام القول في المسألة يتوقف على بيان أمور:
الأول المشهور بين الأصحاب استحباب الجهر بالتلبية، وبذلك
صرح ابن إدريس، فقال: والجهر بها على الرجال مندوب على الأظهر من
أقوال أصحابنا. وقال بعضهم: الجهر بها واجب. ونقل في المختلف عن
علي بن بابويه أنه قال: ثم يلبي سرا بالتلبية الأربعة المفروضة.
أقول: وهذه عين عبارة كتاب الفقه المتقدمة، إلا أنه لم يذكر تمامها
وإنما ذكر ما يتعلق بالمسألة المذكورة. وقال الشيخ في التهذيب:
الاجهار بالتلبية واجب مع القدرة والامكان. وقال في الخلاف: التلبية
فريضة، ورفع الصوت بها سنة.
أقول: لا يخفى أن الأخبار بالنسبة إلى هذه المسألة ما بين مطلق
وبين مصرح بالجهر، ولم أقف على ما يتضمن الاسرار إلا في عبارة
كتاب الفقه المتقدمة.
ففي صحيحة حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) وجماعة
من أصحابنا ممن روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) (1)
أنهما قالا: (لما أحرم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاه جبرئيل
(عليه السلام) فقال له: مر أصحابك بالعج والثج فالعج رفع الصوت
والثج نحر البدن قالا: فقال جابر بن عبد الله: فما مشى الروحاء حتى
بحت أصواتنا) والخبر المذكور مروي بطرق عديدة (2). والظاهر أن

(1) التهذيب ج 5 ص 92، والوسائل الباب 37 من الاحرام.
(2) الوسائل الباب 37 من الاحرام
61

تفسير العج والثج من بعض الرواة. ويحتمل أن يكون منهما (عليهما
السلام).
وفي صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة في المسألة الأولى (1): (إن كنت
ماشيا فاجهر باهلالك وتلبيتك من المسجد، وإن كنت راكبا فإذا علت
بك راحلتك البيداء).
وأنت خبير بأن حمل الأخبار مطلقها على مقيدها يقتضي وجوب
الاجهار.
والعلامة في المختلف لما اختار الاستحباب قال: لنا الأصل عدم
الوجوب. ثم قال: ويدل على الأرجحية ما رواه حريز بن عبد الله..
وساق الرواية المتقدمة. ثم قال: احتج الموجبون بأن الأمر ورد
بالجهر، والأمر للوجوب. والجواب: المنع من الكبرى. انتهى. ولا يخفى
ما فيه مع تصريحه في كتبه الأصولية بأن الأمر حقيقة في الوجوب،
ولا سيما أوامر الله (عز وجل) كما هو ظاهر حديث حريز. وهذا
موجب للخروج عن حكم الأصل، كما لا يخفى.
وظاهر الأصحاب أن هذا الحكم مختص بالحج من ميقات ذي الحليفة
كما هو مورد الروايتين المذكورتين، وكذا بالاحرام بالحج من مكة
فإنه يرفع صوته بالتلبية إذا أشرف على الأبطح، كما تضمنته صحيحة
معاوية بن عمار (2) وفيها: (فاحرم بالحج، ثم امض وعليك السكينة

(1) الوسائل الباب 34 من الاحرام.
(2) التهذيب ج 5 ص 167، والفروع ج 4 ص 454، والوسائل الباب
52 من الاحرام، والباب 1 من احرام الحج. والحديث ينتهي بقوله: (حتى
تأتي منى) فكلمة (.. الحديث) ربما تكون زيادة من الناسخ.
62

والوقار، فإذا انتهيت إلى الرقطاء دون الردم فلب، وإذا انتهيت إلى
الردم وأشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى.. الحديث)
ومقتضاه تأخير التلبية عن موضع الاحرام إلى أن ينتهي إلى الرقطاء
دون الردم، فيلبي ثم يرفع صوته بها إذا أشرف على الأبطح.
واطلاقها يدل على عدم الفرق بين الراكب والماشي، إلا أن الشيخ
في التهذيب ذكر أن الماشي يلبي من موضع احرامه الذي يصلي فيه
والراكب يلبي عند الرقطاء أو عند شعب الدب، ولا يجهر بالتلبية إلا
عند الاشراف على الأبطح.
واستدل على ذلك برواية عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) قال: (إذا كان يوم التروية فاصنع كما صنعت بالشجرة
ثم صل ركعتين خلف المقام، ثم أهل بالحج، فإن كنت ماشيا فلب
عند المقام، وإن كنت راكبا فإذا نهض بك بعيرك) وهي كما ترى
غير دالة على ما ادعاه.
وبالجملة فالظاهر هو جواز التلبية من المسجد للماشي والراكب،
وإن كان الأفضل تأخير التلبية إلى الموضع المذكور في صحيحة معاوية
ابن عمار المتقدمة، والرفع بها إلى الموضع الآخر.
ومن ما يدل على ذلك ما رواه الصدوق في الصحيح عن حفص بن
البختري ومعاوية بن عمار وعبد الرحمان بن الحجاج والحلبي جميعا عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (2) أنه قال: (وإن أهللت من المسجد

(1) الوسائل الباب 46 من الاحرام.
(2) الوسائل الباب 46 من الاحرام. وقد ذكرنا في التعليقة (4)
ص 41 و 42 ما يتعلق بالمورد، فراجع.
63

الحرام للحج فإن شئت لبيت خلف المقام، وأفضل ذلك أن تمضي حتى
تأتي الرقطاء وتلبي قبل أن تصير إلى الأبطح).
ثم إنه ينبغي أن يعلم أن استحباب الجهر بالتلبية أو وجوبه على
القول به إنما هو للرجال خاصة دون النساء:
لما رواه الشيخ عن فضالة بن أيوب عن من حدثه عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: (إن الله وضع عن النساء أربعا: الجهر
بالتلبية، والسعي بين الصفا والمروة، ودخول الكعبة، والاستلام).
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (ليس
على النساء جهر بالتلبية).
الثاني المشهور أن احرام الأخرس أن يحرك بالتلبية لسانه، ويعقد
بها قلبه. وأضاف في المنتهى والدروس: الإشارة باليد. ونقل عن ابن
الجنيد أنه يلبي عنه غيره، وعبارته التي نقلها عنه في المختلف هكذا:
والأخرس يجزئه تحريك لسانه مع عقده إياها بقلبه. ثم قال: ويلبي
عن الصبي والأخرس وعن المغمى عليه. قال في المختلف: وهذا الكلام
يشعر بعدم وجوب التلبية عليه وأنه تجزئه النيابة.
أقول: والذي وقفت عليه من ما يتعلق بهذه المسألة من الأخبار
رواية السكوني عن جعفر (عليه السلام) (3) أن عليا (عليه السلام
قال: تلبية الأخرس وتشهده وقراءته للقرآن في الصلاة تحريك لسانه
وإشارته بإصبعه).

(1) الوسائل الباب 38 من الاحرام.
(2) الوسائل الباب 38 من الاحرام.
(3) فروع الكافي ج 3 ص 315 و ج 4 ص 335، والوسائل الباب 59 من
القراءة في الصلاة، والباب 39 من الاحرام.
64

ويمكن أن يستدل لما ذكره ابن الجنيد بما رواه في الكافي عن
زرارة (1): (أن رجلا قدم حاجا لا يحسن أن يلبي، فاستفتى له
أبو عبد الله (عليه السلام) فأمر أن يلبي عنه).
ولا ريب أن طريق الاحتياط الجمع بين الأمرين، ليحصل يقين براءة
الذمة من التكليف المعلوم ثبوته.
والظاهر أن مراد الأصحاب بعقد القلب بها يعني: تصورها
اجمالا الكناية عن النية والقصد إلى التلبية.
الثالث قال العلامة في المختلف: لا خلاف عندنا في وجوب
التلبيات الأربع، ولكن الخلاف في أنها ركن أم لا، فللشيخ قولان:
أحدهما أنها ليست ركنا، ذهب إليه في المبسوط والجمل، وقال في
النهاية: (من ترك التلبية متعمدا فلا حج له) فجعلها ركنا. وبالأول
قال السيد المرتضى وابن حمزة وابن البراج، وبالثاني قال سلار وابن
إدريس وأبو الصلاح. والأقرب الأول، لنا. أنه مع الاخلال بالتلبية
لم يأت بالمأمور به على وجهه فيبقى في عهدة التكليف. ولأنه ذكر واجب
في عبادة افتتحت به فكان ركنا، كالتكبير في الصلاة. ولما رواه معاوية
ابن عمار في الصحيح عن الصادق (عليه السلام) (2) أنه قال: (فإذا فعل
شيئا من هذه الثلاثة يعني: التلبيات والاشعار والتقليد فقد أحرم)
وتعليق الحكم على الوصف يقتضي عدمه عند عدمه. والاخلال بالاحرام عمدا
مبطل اجماعا. احتج الآخرون بأن الأصل صحة الحج. والجواب: المنع
لأنه لم يأت بالمأمور به على وجهه. انتهى.

(1) الفروع ج 4 ص 504، والوسائل الباب 39 من الاحرام، والباب
11 من الحلق والتقصير
(2) الوسائل الباب 12 من أقسام الحج
65

أقول: المراد بالركن عند الأصحاب (رضوان الله عليهم) في باب
الحج هو ما يكون تركه مبطلا عمدا لا سهوا، وبالواجب ما يكون تركه
عمدا موجبا للإثم دون الابطال. واستثنى من الركن على هذا التعريف
الوقوفان، فإن تركهما مبطل وإن كان سهوا.
ثم إن استدلال العلامة (قدس سره) هنا على الابطال بغير الرواية
لا يخلو من نظر: أما الدليل الأول فإنه جار في الواجب، وهو لا
يقول به. وأما الثاني فإنه محض قياس على تكبيرة الاحرام كما لا يخفى.
ويمكن المناقشة أيضا في الرواية المذكورة ونحوها بأن غاية ما يدل
عليه مفهوم الشرط هو عدم الاحرام، والخصم لا ينكر ذلك، والمدعى
بطلان الحج، لأنه قائل بصحة الحج مع ترك الاحرام عمدا، فالزامه
بما دلت عليه الرواية من بطلان الاحرام لا معنى له. وإنما المنافي لما
ذكره ما يدل على بطلان الحج بذلك. فالواجب هو الاتيان بدليل يدل
على بطلان الحج بترك الاحرام متعمدا. ودعوى الاجماع بقوله:
(والاخلال بالاحرام عمدا مبطل اجماعا) ينافي ما نقله عن الجماعة
المتقدمين القائلين بأنه واجب وليس بركن. والواجب كما عرفت
عندهم هو ما لا يبطل الحج بتركه ولو عمدا وإنما غايته الإثم. وسيأتي
إن شاء الله تعالى مزيد تحقيق للمسألة.
الرابع قال ابن الأثير في النهاية: (لبيك اللهم لبيك) هو من
التلبية، وهي إجابة المنادي، أي إجابتي لك يا رب. وهو مأخوذ
من (لب بالمكان والب) إذا أقام به، و (ألب على كذا) إذا لم يفارقه
ولم يستعمل إلا على لفظ التثنية في معنى التكرير، أي إجابة بعد إجابة
وهو منصوب على المصدر بعامل لا يظهر، كأنك قلت: (ألب البابا
66

بعد الباب). والتلبية من (لبيك) كالتهليل من (لا إله إلا الله)
وقيل: معناه: اتجاهي وقصدي يا رب إليك، من قولهم: (داري تلب
دارك) أي تواجهها. وقيل: معناه: اخلاصي لك، من قولهم: (حسب
لباب) إذا كان خالصا محضا. ومنه لب الطعام ولبابه. وقال في
القاموس نحو ذلك. وعن الجوهري أنه كان حقه أن يقال: (لبالك)
وثنى على معنى التأكيد، أي البابا لك بعد الباب، وإقامة بعد إقامة.
وقيل: أي إجابة لك يا رب بعد إجابة. وفي كتاب المصباح المنير:
أصل (لبيك) لبين لك، فحذفت النون للإضافة، قال: وعن يونس
أنه غير مثنى بل اسم مفرد يتصل بالضمير بمنزلة (على) و (لدى)
إذا اتصل به الضمير. وأنكره سيبويه وقال: لو كان مثل (على)
و (لدى) لثبتت الياء مع الضمير وبقيت الألف مع الظاهر. وحكى
من كلامهم (لبى زيد) بالياء مع الإضافة إلى الظاهر، فثبوت الياء
مع الإضافة إلى الظاهر يدل على أنه ليس مثل (على) و (لدى) انتهى
قال في المجمع: ولبأت بالحج تلبية. أصله (لبيت) بغير همز قال الجوهري:
قال الفراء: ربما خرجت بهم فصاحتهم إلى أن يهمزوا ما ليس بمهموز.
ثم إنه قد صرح بعضهم بأنه يجوز فتح الهمزة وكسرها من قوله:
(إن الحمد والنعمة.. إلى آخره) وحكى العلامة في المنتهى عن
بعض أهل العربية أنه من قال (إن) بفتحها فقد خص، ومن قال
بالكسر فقد عم. ووجهه ظاهر، فإن الكسر يقتضي تعميم التلبية
وانشاء الحمد مطلقا، والفتح يقتضي تخصيص التلبية، أي لبيك بسبب
إن الحمد لك.
67

الخامس روى الصدوق في كتاب العلل (1) في الصحيح عن عبيد الله
ابن علي الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (سألته: لم جعلت
التلبية؟ فقال: إن الله (عز وجل) أوحى إلى إبراهيم (عليه السلام): وأذن
في الناس بالحج يأتوك رجالا (2) فنادى فأجيب من كل فج يلبون).
وروى في كتاب من لا يحضره الفقيه (3) حديثا طويلا يتضمن
مناجاة الله (عز وجل) لموسى (عليه السلام) قال في آخره: فقال الله
(عز وجل): يا موسى أما علمت أن فضل أمة محمد (صلى الله عليه
وآله) على جميع الأمم كفضله على جميع الخلق. فقال موسى (عليه
السلام): يا رب ليتني كنت أراهم. فأوحى الله (جل جلاله) إليه
يا موسى إنك لن تراهم فليس هذا أوان ظهورهم، ولكن سوف تراهم
في جنات عدن والفردوس بحضرة محمد (صلى الله عليه وآله) في نعيمها
يتقلبون وفي خيراتها يتنعمون، أفتحب أن أسمعك كلامهم؟ فقال:
نعم يا إلهي. قال الله (عز وجل): قم بين يدي واشدد مئزرك قيام
العبد الذليل بين يدي الملك الجليل. ففعل ذلك موسى (عليه السلام)
فنادى ربنا (عز وجل): يا أمة محمد. فأجابوه كلهم وهم في
أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك
لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، لبيك) قال:
فجعل الله (عز وجل) تلك الإجابة شعار الحج.
أقول: وفي هذا الخبر ما يؤيد ما قدمناه من دخول (إن الحمد..

(1) ص 416، والوسائل الباب 36 من الاحرام.
(2) سورة الحج. الآية 27
(3) ج 2 ص 211 و 212، والوسائل الباب 40 من الاحرام
68

إلى آخره) في التلبية الواجبة.
وفي آخر صحيحة معاوية بن عمار المتقدم ذكرها (1): (وأول من
لبى إبراهيم (عليه السلام) قال: إن الله (عز وجل) يدعوكم إلى أن تحجوا بينه، فأجابوه بالتلبية، فلم يبق أحد أخذ ميثاقه بالموافاة
في ظهر رجل ولا بطن امرأة إلا أجاب بالتلبية).
فائدة
روى الصدوق في من لا يحضره الفقيه (2) قال: (روي أن إبراهيم
(عليه السلام) لما قضى مناسكه.. ثم ساق الخبر إلى أن قال: فلما
هم ببنائه قعد على كل ركن ثم نادى: (هلم إلى الحج) فلو ناداهم
(هلموا إلى الحج) لم يحج إلا من كان يومئذ إنسيا مخلوقا، ولكنه نادى:
(هلم إلى الحج) فلبى الناس في أصلاب الرجال وأرحام النساء:
(لبيك داعي الله لبيك داعي الله) فمن لبى مرة حج حجة، ومن لبى
عشرا حج عشر حجج، ومن لم يلب لم يحج.. الحديث).
قال المحقق الكاشاني في الوافي: بيان: (هلم إلى الحج) نادى جنس
الإنس بلفظ المفرد، ولذا عم نداؤه الموجودين والمعدومين، ولو نادى
الأفراد بلفظ الجمع لم يشمل المعدومين بل اختص بالموجودين، وذلك
لأن حقيقة الانسان موجودة بوجود فرد ما وتشمل جميع الأفراد
وجدت أو لم توجد. وأما الفرد الخاص منه فلا يصير فردا خاصا

(1) الوسائل الباب 40 من الاحرام.
(2) ج 2 ص 149، و 150، والباب 1 من وجوب الحج وشرائطه،
والباب 11 من مقدمات الطواف وما يتبعها، والوافي باب (حج إبراهيم
وإسماعيل).
69

جزئيا منه ما لم يوجد. وهذا من لطائف المعاني نطق به الإمام لمن
وفق لفهمه. انتهى.
وقال الفاضل المحدث السيد نعمة الله الجزائري: الوجه أن المقام
ظاهرا يقتضي صيغة الجمع، فالعدول عنه إلى الأفراد لا بد له من
نكتة وعلة تناسبه، وليست إلا إرادة استغراق جميع الأفراد من شهد
ومن غاب، على أن أهل البلاغة ذكروا أن استغراق الفرد أشمل من
استغراق الجمع، ونص عليه العلامة الزمخشري في مواضع من
الكشاف. انتهى.
وقال شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني في كتابه
أزهار الرياض: سئلت عن هذا الخبر قديما فكتبت في الجواب: لعل
مراده والله أعلم بمراد أوليائه أن الخطاب بصيغة الجمع يتناول الموجودين
وتناوله لغيرهم إنما هو بدليل من خارج من اجماع أو غيره، كما تقرر
في الأصول مستوفى، والمخالف فيه الحنابلة خاصة، وأطبق الكل على
فساده، وصيغة (هلموا) من هذا القبيل. فأما صيغة (هلم) فإنه
يمكن أن يجعل من قبيل الخطاب العام، كما تقرر في المعاني والبيان
قد يترك الخطاب من المعين إلى غير المعين قصدا للعموم وإرادة كل من
يصلح لذلك، وجعلوا منه قوله تعال: ولو ترى إذ وقفوا (1) ونحوه،
فكأنه يصلح لغير الموجودين أيضا، فيدخلون بعد اتصافهم بالوجود
والكمال. وحينئذ فحاصله أن العدول من (هلموا) إلى (هلم) لذلك
فإن صيغة (هلم) تصلح للمذكر والمؤنث، والمفرد والمثنى والجمع، بالاعتبار
المذكور، ولغير الموجود بالتقريب السابق، فيدخل بعد كماله ووجوده

(1) سورة الأنعام، الآية 27.
70

بخلاف (هلموا). ومعنى (لم يحج يومئذ إلا من كان إنسيا مخلوقا)
لم يحج إلا من كان مخلوقا من الإنس، لأنهم المقصودون بالخطاب المذكور
دون غيرهم. هذا ما ظهر لي فتأمل. انتهى.
أقول: أما صحة اطلاق (هلم) على المذكر والمؤنث، والمفرد والمثنى
والجمع، فهي لغة الحجاز، وبها نزل القرآن العزيز، كقوله تعالى:
والقائلين لإخوانهم هلم إلينا (1) وأما أهل نجد وهم بنو تميم فيلحقون
بها الضمائر كغيرها من الصيغ فيقولون: (هلموا وهلمي وهلما) وأما
تناولها في الخبر للموجودين والمعدومين فقد نقل الشيخ فخر الدين بن
طريح في كتاب مجمع البحرين، قال: وقيل: لفظ (هلم) خطاب
لمن يصلح أن يجيب وإن لم يكن حاضرا، ولفظ (هلموا) موضوع
للموجودين الحاضرين، ويفسره الحديث: (هلم إلى الحج).. ثم ساق
الخبر. وبذلك يزول الاشكال ويستغنى عن هذه التكلفات البعيدة
والتمحلات الشديدة، فإنه متى كان هذا اللفظ موضوعا في اللغة لذلك
فلا اشكال، ويخرج الخبر شاهدا عليه.
السادس قد عرفت من ما حققناه آنفا أن الاحرام الموجب
للكفارات بفعل ما لا يجوز للمحرم فعله وإنما هو عبارة عن التلبية أو
الاشعار أو التقليد، فإن أيها فعل حرام عليه ما يحرم على المحرم وترتبت
الكفارات على المخالفة. وعلى هذا فلو عقد نية الاحرام ولبس ثوبيه
ولم يأت بشئ من التلبية متى كان متمتعا أو مفردا، ولا بها ولا
باشعار ولا تقليد متى كان قارنا، وفعل ما لا يجوز للمحرم فعله، فإنه

(1) سورة الأحزاب، الآية 18.
71

لا يلزمه كفارة، ولا يبطل ما فعله سابقا، ولا يحتاج إلى تجديد
نية أخرى.
وعلى ذلك تدل الأخبار الكثيرة: منها ما تقدم (1) من صحيحة
معاوية بن عمار، وصحيحة عبد الرحمان بن الحجاج، وصحيحته الثانية
في المسألة الأولى.
ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن جميل بن دراج
عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما السلام) (2) (في رجل صلى الظهر
في مسجد الشجرة، وعقد الاحرام وأهل بالحج، ثم مس طيبا أو صاد صيدا
أو واقع أهله؟ قال: ليس عليه شئ ما لم يلب).
وما رواه في الكافي في الصحيح عن النضر بن سويد عن بعض
أصحابنا (3) قال: (كتبت إلى أبي إبراهيم (عليه السلام): رجل
دخل مسجد الشجرة فصلى وأحرم ثم خرج من المسجد، فبدا له قبل أن يلبي أن ينقض ذلك بمواقعة النساء، أله
ذلك؟ فكتب: نعم، ولا
بأس به) وبمضمونها رواية زياد بن مروان المروية في الكافي (4).
وما رواه في الكافي في الصحيح عن صفوان عن عبد الله بن مسكان
عن علي بن عبد العزيز (5) قال: (اغتسل أبو عبد الله (عليه السلام)

(1) ص 41 و 42
(2) الفروع ج 4 ص 330، والتهذيب ج 5 ص 82، والوسائل الباب
14 من الاحرام، والباب 11 من تروك الاحرام
(3) الفروع ج 4 ص 331. والوسائل الباب 14 من الاحرام،
والوافي باب (ما يجوز فعله بعد التهيؤ وقبل التلبية وما لا يجوز)
(4) الفروع ج 4 ص 331. والوسائل الباب 14 من الاحرام،
والوافي باب (ما يجوز فعله بعد التهيؤ وقبل التلبية وما لا يجوز)
(5) الفروع ج 4 ص 330، والوسائل الباب 14 من الاحرام.
72

للاحرام، ثم دخل مسجد الشجرة فصلى، ثم خرج إلى الغلمان فقال:
هاتوا ما عندكم من لحوم الصيد حتى نأكله).
وما رواه في الفقيه في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) (في من عقد الاحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على
أهله قبل أن يلبي؟ قال: ليس عليه شئ).
قال الشيخ (2) بعد ذكر جملة من هذه الأخبار: المعنى في هذه
الأحاديث أن من اغتسل للاحرام، وصلى، وقال ما أراد من القول بعد
الصلاة، لم يكن في الحقيقة محرما، وإنما يكون عاقدا للحج والعمرة
وإنما يدخل في أن يكون محرما إذا لبى. ثم حكى عن موسى
عن صفوان عن معاوية بن عمار وغيره ممن روى عنه صفوان هذه الأخبار
أن الأخبار مستفيضة عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) (3):
أن من صلى، وقال الذي يريد أن يقول، وفرض الحج أو العمرة على نفسه
وعقدهما، فله أن يفعل ما شاء ما لم يلب، فإذا أتم عقد احرامه
بالتلبية أو الاشعار أو التقليد، فقد حرم عليه الصيد وغيره، ووجب عليه
في فعله ما يجب على المحرم. انتهى ملخصا من كلامه الطويل الذيل.
قال في المدارك بعد ذكر بعض أخبار المسألة: وربما ظهر منها
أنه لا يجب استئناف نية الاحرام بعد ذلك بل يكفي الاتيان بالتلبية
وعلى هذا فيكون المنوي عند عقد الاحرام اجتناب ما يجب على المحرم
اجتنابه من حين التلبية. وصرح المرتضى في الإنتصار بوجوب استئناف
النية قبل التلبية والحال هذه. ويدل عليه ما رواه الكليني عن النضر بن

(1) الوسائل الباب 14 من الاحرام.
(2) التهذيب ج 5 ص 83
(3) الوسائل الباب 14 من الاحرام.
73

سويد عن بعض أصحابه.. ثم ساق الرواية المتقدمة. ثم قال:
لكن الرواية ضعيفة بالارسال. ولا ريب أن استئناف النية أولى
وأحوط. انتهى.
أقول: فيه أولا: إن النية التي أوجبوها في عقد الاحرام كما
قدمنا نقله عنهم في صدر المقصد إنما هي عبارة عن القصد إلى أمور
أربعة: ما يحرم به من حج أو عمرة، ونوعه من تمتع أو أحد
قسيميه، وصفته من وجوب أو ندب، وما يحرم له من حجة الاسلام
أو غيرها. ولم يعتبروا فيها قصد ما يجب اجتنابه على المحرم، وإنما
هذا أمر لازم لذلك ومترتب عليه متى أضاف التلبية إلى ما فعله
أولا. ومن ثم إنه لا تحصل المنافاة للنية بما يفعله من هذه الأشياء
المذكورة في الأخبار. وبذلك يظهر لك ما في قوله: (وعلى هذا
فيكون المنوي.. إلى آخره).
وثانيا: إني لا أعرف لهذه الرواية وجه دلالة على ما ذكره من
وجوب استئناف النية، حتى أنه يستدل بها للمرتضى على ما نقله
عنه، بل سبيلها سبيل الروايات المتقدمة.
وثالثا: إني لا أعرف وجها لهذه الأولوية والاحتياط الذي ذكره
في استئناف النية، مع ما عرفت من ما قدمناه من الأخبار المستفيضة المتفقة
الدلالة على صحة الاحرام بذلك، من غير تعرض ولو بالإشارة إلى ما ذكره
من استئناف النية.
وأما ما رواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن أحمد بن يحيى عن
محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد (1) قال: (سمعت أبي يقول في

(1) الوسائل الباب 14 من الاحرام. وارجع إلى الاستدراكات
74

رجل يلبس ثيابه ويتهيأ للاحرام ثم يواقع أهله قبل أن يهل بالاحرام
قال: عليه دم) فهو خبر شاذ لا يبلغ قوة في معارضة الأخبار
المتقدمة. وقد حمله الشيخ على من لم يجهر بالتلبية وإن كان قد لبى
في ما بينه وبين نفسه. واحتمل في الإستبصار حمله على الاستحباب أيضا
الثالث لبس ثوبي الاحرام للرجل، ووجوبه اتفاقي بين الأصحاب
قال في المنتهى: إنا لا نعلم فيه خلافا.
وتدل عليه الأخبار: منها قوله (عليه السلام) في صحيحة معاوية
ابن عمار (1): (إذا انتهيت إلى العقيق من قبل العراق، أو إلى وقت
من هذه المواقيت وأنت تريد الاحرام فانتف إبطيك.. إلى أن
قال: واغتسل، والبس ثوبيك.. الحديث).
وفي صحيحة معاوية بن وهب (2) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) ونحن بالمدينة عن التهيؤ للاحرام. فقال: أطل بالمدينة،
وتجهز بكل ما تريد، وإن شئت استمتعت بقميصك، حتى تأتي الشجرة
فتفيض عليك من الماء، وتلبس ثوبيك، إن شاء الله).
وفي صحيحة هشام بن سالم (3) قال: (أرسلنا إلى أبي عبد الله

(1) الفروع ج 4 ص 326، والفقيه ج 2 ص 200، والوسائل الباب
6 و 15 من الاحرام.
(2) روى الشيخ في التهذيب ج 5 ص 62 و 64 هذه الرواية بطريقين،
واللفظ يختلف فيهما. وأوردهما في الوسائل في الباب 7 من الاحرام
برقم (1) و (3).
(3) الفروع ج 4 ص 328، والفقيه ج 2 ص 201، والتهذيب ج 5
ص 63 و ص 303، والوسائل الباب 8 من الاحرام، والباب 30 من تروك
الاحرام
75

(عليه السلام) ونحن جماعة بالمدينة إنا نريد أن نودعك، فأرسل إلينا
أبو عبد الله (عليه السلام): أن اغتسلوا بالمدينة، فإني أخاف أن يعز
عليكم الماء بذي الحليفة، فاغتسلوا بالمدينة، والبسوا ثيابكم التي تحرمون
فيها، ثم تعالوا فرادى أو مثاني.. الحديث).
إلى غير ذلك من الأخبار.
والمستفاد من الروايات المذكورة أن اللبس قبل عقد الاحرام، بل
هو من جملة الأشياء التي يتهيأ بها للاحرام. قال العلامة في المنتهى:
فإذا أراد الاحرام وجب عليه نزع ثيابه ولبس ثوبي الاحرام، يأتزر
بأحدهما ويرتدي بالآخر. وقال ابن الجنيد: ولا ينعقد الاحرام بالميقات
إلا بعد الغسل والتجرد.
وينبه عليه أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (لا تلبس وأنت تريد
الاحرام ثوبا تزره ولا تدرعه، ولا تلبس سراويل إلا أن لا يكون
لك إزار، ولا الخفين إلا أن لا يكون لك نعلان).
بقي الكلام في أنه هل اللبس من شرائط صحة الاحرام؟ حتى لو
أحرم عاريا أو لابسا مخيطا لم ينعقد احرامه، أم ينعقد احرامه وإن أثم
تنظر فيه الشهيد في الدروس، ونسب الثاني إلى ظاهر الأصحاب، حيث
قال: وظاهر الأصحاب انعقاده، حيث قالوا: لو أحرم وعليه قميص
نزعه ولا يشقه، ولو لبسه بعد الاحرام وجب شقه واخراجه من تحته
كما هو مروي. انتهى.
وأشار بالرواية إلى ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار

(1) التهذيب ج 5 ص 69 و 70، والوسائل الباب 35 من تروك الاحرام
76

وغير واحد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) (في رجل أحرم وعليه
قميصه: فقال: ينزعه ولا يشقه. وإن كان لبسه بعد ما أحرم شقه وأخرجه
من ما يلي رجليه).
وقال السيد السند في المدارك: ولو أخل باللبس ابتداء فقد ذكر
جمع من الأصحاب أنه لا يبطل احرامه وإن أثم. وهو حسن. انتهى
أقول: والذي وقفت عليه من الأخبار زيادة على الصحيحة
المذكورة - ما رواه في الكافي في الصحيح عن صفوان عن خالد بن محمد
الأصم (2) قال: (دخل رجل المسجد الحرام وهو محرم، فدخل في
الطواف وعليه قميص وكساء، فأقبل الناس عليه يشقون قميصه وكان
صلبا، فرآه أبو عبد الله (عليه السلام) وهم يعالجون قميصه يشقونه، فقال:
له: كيف صنعت؟ فقال: أحرمت هكذا في قميصي وكسائي. فقال:
انزعه من رأسك، ليس ينزع هذا من رجليه، إنما جهل. فأتاه غير ذلك
فسأله فقال: ما تقول في رجل أحرم في قميصه؟ قال: ينزعه
من رأسه).
وما رواه الشيخ عن عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (3) قال: (جاء رجل يلبي حتى دخل المسجد الحرام وهو
يلبي وعليه قميصه، فوثب إليه أناس من أصحاب أبي حنيفة فقالوا:
شق قميصك واخرجه من رجليك، فإن عليك بدنة، وعليك الحج من
قابل، وحجك فاسد. فطلع أبو عبد الله (عليه السلام) فقام على باب

(1) الوسائل الباب 45 من تروك الاحرام.
(2) الوسائل الباب 45 من تروك الاحرام.
(3) التهذيب ج 5 ص 72، والوسائل الباب 45 من تروك الاحرام،
والوافي باب (المحرم يلبس ما لا ينبغي له).
77

المسجد، فكبر واستقبل الكعبة، فدنا الرجل من أبي عبد الله (عليه
السلام) وهو ينتف شعره ويضرب وجهه، فقال له أبو عبد الله (عليه
السلام): أسكن يا عبد الله. فلما كلمه وكان الرجل أعجميا
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ما تقول؟ قال: كنت رجلا أعمل
بيدي، فاجتمعت لي نفقة، فجئت أحج لم أسأل أحدا عن شئ،
فأفتوني هؤلاء أن أشق قميصي وأنزعه من قبل رجلي، وأن حجي،
فاسد، وأن علي بدنة. فقال له: متى لبست قميصك، أبعد ما لبيت
أم قبل؟ قال: قبل أن ألبي. قال: فاخرجه من رأسك، فإنه
ليس عليك بدنة، وليس عليك الحج من قابل، أي رجل ركب
أمرا بجهالة فلا شئ عليه. طف بالبيت سبعا، وصل ركعتين
عند مقام إبراهيم (عليه السلام) واسع بين الصفا والمروة، وقصر من
شعرك، فإذا كان يوم التروية فاغتسل وأهل بالحج، واصنع كما
يصنع الناس).
أقول: ظاهر هذين الخبرين إن لبس الثوب قبل الاحرام والاحرام فيه إنما
كان عن جهل، وأنه معذور في ذلك لمكان الجهل. وصحيحة معاوية
ابن عمار المتقدمة وإن كانت مطلقة إلا أنه يمكن حمل اطلاقها على
الخبرين. وحينئذ فيشكل الحكم بالصحة في من تعمد الاحرام في المخيط
عالما بالحكم. إلا أنه قد تقدم من الأخبار ما يدل على أن الاحرام
إنما هو عبارة عن التلبية وأخويها، فترك الثوبين لا يضربه ولا يبطله.
نعم يكون الاحرام فيهما (1) تعمدا موجبا للإثم، والظاهر سقوطه

(1) هكذا وردت العبارة في النسخة المطبوعة والمخطوطة، والظاهر
سقوط كلمة (ترك) من العبارة، والصحيح هكذا: (نعم يكون ترك
الاحرام فيهما تعمدا موجبا للإثم).
78

بالجهل حينئذ هو المؤاخذة والمعاقبة على ذلك.
ثم إنه من ما يدل على وجوب الشق والاخراج من الرجلين إذا
كان اللبس بعد الاحرام ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (إذا لبست قميصا وأنت
محرم فشقه وأخرجه من تحت قدميك).
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن على المشهور عن معاوية بن
عمار أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (إن لبست ثوبا في
احرامك لا يصلح لك لبسه فلب وأعد غسلك. وإن لبست قميصا فشقه
واخرجه من تحت قدميك).
وتحقيق القول في المقام يتوقف على بيان مسائل:
الأولى ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) الاتفاق على أنه
يتزر بأحد الثوبين، وأما الآخر فهل يتردى به أو يتخير بين أن يتردى
به أو يتوشح؟ قولان، وبالأول صرح العلامة في المنتهى والتذكرة،
وبالثاني الشهيدان في الدروس والمسالك والروضة، وقبلهما الشيخان
في المقنعة والمبسوط. والتوشح تغطية أحد المنكبين والارتداء تغطيتهما
معا. وبه صرح في المسالك والروضة. وذكر ابن حمزة في الوسيلة
أنه لا بد في الإزار من كونه ساترا لما بين السرة والركبة، وبذلك
صرح في المسالك أيضا.
والذي صرح به أهل اللغة في معنى التوشح هو أنه عبارة عن إدخال
الثوب تحت اليد اليمنى والقاء طرفيه على المنكب الأيسر. قال في
المغرب: توشح الرجل، وهو أن يدخل ثوبه تحت يده اليمنى ويلقيه

(1) الوسائل الباب 45 من تروك الاحرام.
(2) الوسائل الباب 45 من تروك الاحرام.
79

على منكبه الأيسر، كما يفعل المحرم. وكذلك الرجل يتوشح بحمائل
سيفه، فتقع الحمائل على عاتقه اليسرى فتكون اليمني مكشوفة. وقال
في كتاب المصباح المنير: وتوشح بثوبه، وهو أن يدخله تحت إبطه
الأيمن ويلقيه على منكبه الأيسر، كما يفعله المحرم.
والذي وقفت عليه من الأخبار في المقام صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة
في كيفية التلبيات الأربع (1) وفيها: (والتجرد في إزار ورداء، أو إزار
وعمامة يضعها على عاتقه لمن لم يكن له رداء) وفي رواية محمد بن
مسلم (2): (يلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء) وفي صحيحة
معاوية بن عمار (3): (ولا سراويل إلا أن يكون له إزار).
والمستفاد من هذه الأخبار أن الثوبين أحدهما إزار والآخر رداء، ومن
الظاهر أن الذي جرت به العادة في لبسهما هو شد الإزار من السرة
ووضع الرداء على المنكبين، والظاهر أنه في حال الاحرام كذلك أيضا. فالقول
بالتوشح بالرداء كما ذكروه لا أعرف له وجها. ومجرد ذكر أهل
اللغة في بيان التوشح أنه كما يفعل المحرم لا يصلح دليلا، إذ
لعله مخصوص بمذهب المخالفين المصرحين بذلك (4) وقال في المدارك:
ويعتبر في الإزار ستر ما بين السرة والركبة، وفي الرداء كونه من ما يستر
المنكبين. ويمكن الرجوع فيه إلى العرف. ولا يعتبر في وضعه كيفية

(1) ص 58، والوسائل الباب 2 من أقسام الحج.
(2) الفقيه ج 2 ص 218، والوسائل الباب 44 من تروك الاحرام
(3) الوسائل الباب 35 من تروك الاحرام رقم (1) واللفظ فيها بنحو الخطاب.
(4) العناية في شرح الهداية على هامش فتح القدير ج 2 ص 135، وحاشية
البحر الرائق لمحمد عابدين الحنفي ج 2 ص 320.
80

مخصوصة. وظاهره جواز الاتشاح كما تقدم. وبالجملة فالواجب حمل
اطلاق الأخبار المذكورة على ما جرت به العادة من لبس الثوبين المذكورين.
وبه يظهر قوة القول الأول.
الثانية قد صرح الأصحاب بأنه لا يجوز الاحرام في ما لا يجوز
لبسه في الصلاة. ومقتضى ذلك عدم جوازه في الحرير المحض، والنجس
بنجاسة غير معفو عنها في الصلاة، وما يحكى الصورة، وجلد غير
المأكول.
ويمكن أن يستدل على ذلك بمفهوم قوله (عليه السلام) في صحيحة
حريز (1): (كل ثوب تصلي فيه فلا بأس أن تحرم فيه) فإن كلا
من الأشياء المعدودة من ما في الصلاة فيه البأس. بل ربما يفهم من
الرواية المذكورة عدم الاحرام في الجلد وإن كان من مأكول اللحم،
لعدم صدق الثوب عليه عرفا.
واطلاق كلام الأصحاب يقتضي عدم الاحرام في ما يحكي العورة إزارا
كان أو رداء. وجزم الشهيد في الدروس بالمنع من الإزار الحاكي، وجعل
اعتبار ذلك في الرداء أحوط. والأقرب عدم اعتباره فيه، حيث إنه
تجوز الصلاة فيه وإن كان حاكيا.
ويدل على وجوب الطهارة في الثوبين زيادة على ما تقدم ما رواه
الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: (سألته عن المحرم تصيب ثوبه الجنابة. قال: لا يلبسه حتى
يغسله. واحرامه تام).

(1) الوسائل الباب 27 من الاحرام.
(2) الوسائل الباب 37 من تروك الاحرام.
81

قال في المدارك: ومقتضى الرواية عدم جواز لبس النجس حال
الاحرام مطلقا. ويمكن حمله على ابتداء اللبس، إذ من المستبعد
وجوب الإزالة عن الثوب دون البدن. إلا أن يقال بوجوب إزالتها
عن البدن أيضا للاحرام. ولم أقف على مصرح به، وإن كان الاحتياط
يقتضي ذلك. انتهى. وهو جيد.
ومن ما يؤيد ذلك أيضا ما رواه الكليني في الحسن أو الصحيح عن
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (سألته
عن المحرم يقارن بين ثيابه التي أحرم فيها وغيرها. قال: لا بأس بذلك
إذا كانت طاهرة).
أقول: ظاهر هذه الرواية موافق لظاهر الصحيحة المتقدمة في اشتراط
استدامة طهارة ثوبي الاحرام، وعدم جواز لبس النجس حال الاحرام
ولا يبعد القول به وإن لم يتنبه له الأصحاب في المقام.
الثالثة اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز احرام النساء
في الحرير المحض، فنقل عن الشيخ المفيد في كتاب أحكام النساء، وابن
إدريس، وجمع من الأصحاب: الجواز، وهو المشهور بين المتأخرين
وإليه مال في المدارك والذخيرة، وعن الشيخ وابن الجنيد: القول بالمنع،
وبه صرح الشيخ المفيد في المقنعة، والشهيد في الدروس.
واستدل على القول الأول بصحيحة يعقوب بن شعيب (2) قال:
(قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): المرأة تلبس القميص تزره عليها؟

(1) الفروع ج 4 ص 340 و 341، والوسائل الباب 30 من الاحرام.
والباب 37 من تروك الاحرام.
(2) الوسائل الباب 33 من الاحرام
82

وتلبس الحرير والخز والديباج؟ فقال: نعم لا بأس به).
وصحيحة حريز المتقدمة (1) الدالة على أن كل ثوب يصلى فيه فلا
بأس أن يحرم فيه. والحرير من ما يجوز للنساء الصلاة فيه.
ورواية النضر بن سويد عن أبي الحسن (عليه السلام) (2) قال:
(سألته عن المرأة المحرمة أي شئ تلبس من الثياب؟ قال: تلبس
الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران والورس.. إلى أن قال: ولا بأس
بالعلم في الثوب.. الحديث).
والذي يدل على المنع صريحا صحيحة العيص بن القاسم (3) قال:
(قال: أبو عبد الله (عليه السلام): المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من
الثياب غير الحرير والقفازين، وكره النقاب).
وما رواه الكليني عن داود بن الحصين عن أبي عيينة (4) قال:
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام): ما يحل للمرأة أن تلبس وهي
محرمة؟ قال: الثياب كلها ما خلا القفازين والبرقع والحرير. قلت:
تلبس الخز؟ قال: نعم. قلت: فإن سداه إبريسم وهو حرير؟ قال:
ما لم يكن حريرا خالصا فلا بأس) ورواه الشيخ في التهذيب عن

(1) ص 81
(2) الوسائل الباب 33 من الاحرام، والباب 39 و 49 من تروك الاحرام
والحديث ينتهي بقوله (ع): (ولا بأس بالعلم في الثوب) فكلمة (.. الحديث)
لعلها زيادة من الناسخ.
(3) الفروع ج 4 ص 344، والتهذيب ج 5 ص 73 و 74، والوسائل
الباب 33 من الاحرام، والباب 48 من تروك الاحرام.
(4) الفروع ج 4 ص 345، والوسائل الباب 33 من الاحرام.
83

داود بن الحصين (1).
وما رواه أيضا في الموثق عن إسماعيل بن الفضل (2) قال: (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة هل يصلح لها أن تلبس ثوبا حريرا
وهي محرمة؟ قال: لا، ولها أن تلبسه في غير احرامها).
وفي الموثق عن ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه
السلام (3) قال: (النساء تلبسن الحرير والديباج إلا في الاحرام)
وروى الشيخ في التهذيب عن مسمع عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)
في حديث قال فيه: (فأما المرأة فإنها يلبس من الثياب ما شاءت
ما خلا الحرير المحض والقفازين).
وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب نوادر أحمد
ابن محمد بن أبي نصر عن جميل (5) (أنه سأل أبا عبد الله (عليه

(1) التهذيب ج 5 ص 75، والوسائل الباب 33 من الاحرام.
(2) الفروع ج 4 ص 346، والوسائل الباب 33 من الاحرام.
(3) الوسائل الباب 16 من لباس المصلي
(4) لم أجد حديثا لمسمع بهذا المضمون في كتب الحديث، وقد روى
الشيخ في التهذيب ج 5 ص 73 عن مسمع حديثا في نسيان الحلق أو التقصير
وفي لبس المحرم الخاتم. ثم قال الشيخ: فأما المرأة فإنها تلبس من
الثياب ما شاءت ما خلا الحرير المحض والقفازين، ولا تلبس حليا تتزين
به، ولا تلبس الثياب المصبوغة المقدمة. ثم ذكر الروايات الواردة في ذلك.
والظاهر أن منشأ نسبة هذا اللفظ إلى مسمع هو تخيل أن كلام الشيخ
جزء من حديث مسمع.
(5) الوسائل الباب 33 من الاحرام.
84

السلام).. إلى أن قال: وعن المرأة تلبس الحرير؟ قال: لا)
والحديث كما ترى صحيح.
وأصحابنا (رضوان الله عليهم) لم ينقلوا من هذه الروايات إلا
القليل وهو ما حضرهم. وأجابوا عنه بالحمل على الكراهة وترك
الأفضل جمعا.
وأيد هذا الحمل الفاضل الخراساني في الذخيرة بجملة من الأخبار
الدالة على ذلك:
مثل ما رواه الصدوق في الصحيح عن عبيد الله الحلي عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: (لا بأس أن تحرم المرأة في الذهب والخز
وليس يكره إلا الحرير المحض).
وعن سماعه في الموثق عن الصادق (عليه السلام) (2) قال: (سألته
عن المحرمة تلبس الحرير؟ فقال: لا يصلح أن تلبس حريرا محضا
لا خلط فيه، فأما الخز والعلم في الثوب فلا بأس أن تلبسه وهي
محرمة.. وتلبس الخز، أما أنهم يقولون إن في الخز حريرا. وإنما يكره
الحرير المبهم).
وعن أبي بصير المرادي (3) (سأله عن القز تلبسه المرأة في الاحرام؟
قال: لا بأس، إنما يكره الحرير المبهم).

(1) الوسائل الباب 33 من الاحرام.
(2) الفقيه ج 2 ص 220، والوسائل الباب 33 من الاحرام. وليس
فيه توجيه السؤال بالنحو الذي ذكره (قدس سره).
(3) الفقيه ج 2 ص 220، والوسائل الباب 33 من الاحرام، والمسؤول
هو أبو عبد الله (ع).
85

وروى الكليني في الموثق عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: (لا ينبغي للمرأة أن تلبس الحرير المحض وهي محرمة، فأما
في الحر والبرد فلا بأس).
وفي الصحيح عن أبي الحسن الأحمسي عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) قال: (سألته عن العمامة السابرية فيها علم حرير، تحرم
فيها المرأة؟ قال: نعم، إنما يكره ذلك إذا كان سداه ولحمته جميعا
حريرا.. الحديث).
وأنت خبير بأن استعمال لفظ الكراهة في الأخبار بمعنى التحريم وكذا
لفظ: (لا ينبغي) من ما لا يكاد يعد ولا يحصى كثرة، وقد حققنا في
غير موضع من زبرنا ومؤلفاتنا أن هذين اللفظين ونحوهما من لفظ
(لا أحب) ولفظ (الوجوب والسنة) ونحوها من ما قد وقع استعمالها
في الأخبار في المعنيين استعمالا شائعا لا يمكن الحمل على أحدهما إلا مع
القرينة الصارفة عن المعنى الآخر.
وقد ساعدنا السيد السند في المدارك على ما ذكرناه في الأخبار
المصرحة بالكراهة، فقال بعد احتمال الجمع بين الأخبار بحمل
النهي على الكراهة، والاستدلال بصحيحة الحلبي ما لفظه: لكن في
حمل الكراهة الواقعة في الروايات على المعنى المتعارف نظر تقدم تقريره
مرارا. انتهى. وهو إشارة إلى ما ذكرناه من استعمال الكراهة في التحريم
استعمالا شائعا.
وحينئذ فيرجع الكلام إلى الروايات المتقدمة والنظر في الترجيح

(1) الوسائل الباب 16 من لباس المصلي.
(2) الوسائل الباب 33 من الاحرام.
86

بينها، فإن الروايات الأولى من ما استدل بها على الجواز، والروايات
الأخيرة ظاهرة في التحريم.
وهو الأظهر عندي في المسألة (أما أولا): فلأن روايات التحريم
أكثر فترجح بالكثرة.
و (أما ثانيا): فبحمل صحيحة يعقوب بن شعيب التي هي أظهر
ما استدل به لهذا القول وعليها اقتصر في المدارك على الحرير
الغير المحض.
وبذلك صرح أيضا في المدارك، فإنه احتمل في الجمع بين الأخبار
(أو لا) بحمل النهي على الكراهة، ثم رده بما قدمنا نقله عنه.
و (ثانيا) بحمل الأخبار المبيحة على أن المراد بالحرير غير المحض.
واستشهد برواية داود بن الحصين المتقدمة، ثم طعن فيها بضعف السند.
وأنت خبير بأنه مع الاغماض عن المناقشة في هذا الطعن كما قدمناه
مرارا، فإن الرواية المذكورة معتضدة بجملة من الروايات التي فيها
الصحيح والموثق وغيرهما، فيتعين حملها البتة على ما ذكرناه.
وأما صحيحة حريز باعتبار دلالتها على أن كل ثوب يصلى فيه يجوز
الاحرام فيه، فإن فيه أنه وإن كان المشهور هو جواز صلاة النساء
في الحرير المحض، ولم ينقلوا الخلاف في ذلك إلا عن الصدوق، إلا أن ما ذهب إليه الصدوق معتضد بجملة من الروايات أيضا، وقوله
لا يخلو من القوة.
ومن ما يدل عليه ما رواه في الخصال (1) عن جابر الجعفي عن

(1) ج 2 ص 142، والوسائل الباب 16 من لباس المصلي، والباب 123
من مقدمات النكاح
87

أبي جعفر (عليه السلام) قال: (يجوز للمرأة لبس الديباج والحرير
في غير صلاة واحرام).
ورواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: (سمعته
ينهى عن لباس الحرير للرجال والنساء إلا ما كان من حرير مخلوط..
إلى أن قال: وإنما يكره الحرير المحض للرجال والنساء).
وأما رواية النضر بن سويد فيقيد اطلاقها بما صرحت به الروايات
الأخر، ويستثنى الحرير كما استثنته تلك الأخبار، ومن هنا تحصل
القرينة الدالة على حمل (الكراهة) ولفظ (لا ينبغي) في الأخبار
المتقدمة على التحريم، وتنتظم تلك الأخبار في أخبار التحريم. ويعضده
رواية زرارة المذكورة، فإنه بعد أن نقل عن الإمام (عليه السلام)
أنه سمعه ينهى عن لباس الحرير، للرجال والنساء الدال على التحريم
عملا بحقيقة النهي قال في آخر الرواية: (وإنما يكره الحرير
المحض) فعبر عن التحريم الذي ذكره في صدر الرواية بالكراهة.
وبالجملة فالأظهر عندي هو القول بالتحريم، ولا سيما مع اعتضاده
بالاحتياط وحصول يقين البراءة.
الرابعة المعروف من مذهب الأصحاب جواز لبس المخيط للنساء
حتى قال العلامة في التذكرة. إنه مجمع عليه بين الأصحاب. وقال
في المنتهى: يجوز للمرأة لبس المخيط اجماعا، لأنها عورة وليست
كالرجال. ولا نعلم فيه خلافا إلا قولا شاذا للشيخ لا اعتداد به. انتهى.

(1) التهذيب ج 2 ص 367، والوسائل الباب 13 و 16 من لباس المصلي
88

والظاهر أنه إشارة إلى ما ذكره الشيخ في النهاية (1) حيث قال:
ويحرم على المرأة في حال الاحرام من لبس الثياب جميع ما يحرم على
الرجل، ويحل لها جميع ما يحل له. ثم قال بعد ذلك: وقد وردت
رواية بجواز لبس القميص للنساء، والأصل ما قدمناه. فأما السراويل
فلا بأس بلبسه لهن على كل حال. انتهى.
والظاهر هو القول المشهور، لما عرفت من تصريح صحيحة يعقوب
ابن شعيب بأن المرأة تلبس القميص تزره عليها. والروايات التي بعدها
من أنها تلبس ما شاءت إلا ما استثنى.
وأما ما يدل على جواز لبس السراويل لهن فهو ما رواه الصدوق في
الصحيح عن محمد الحلبي (2) (أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة
إذا أحرمت أتلبس السراويل؟ قال: نعم إنما تريد بذلك الستر).
وتجوز الغلالة للحائض، وهي بكسر الغين: ثوب رقيق يلبس
تحت الثياب. وجواز ذلك لها من ما لا خلاف فيه، بل نقل غير
واحد منهم الاجماع عليه، حتى أن الشيخ في النهاية صرح بجوازه
وكذا جواز السراويل كما تقدم في عبارته، مع ما عرفت من صدر
عبارته الدالة على المنع للمرأة من لبس المخيط وأنه يحرم عليها ما يحرم
على الرجل.
ومن ما يدل على الجواز ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن

(1) باب (ما يجب على المحرم اجتنابه وما لا يجب). والظاهر أنه
يقصد بذلك صحيحة يعقوب بن شعيب المتقدمة ص 82
(2) الوسائل الباب 50 من تروك الاحرام.
89

سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (تلبس المحرمة الحائض
تحت ثيابها غلالة) ورواه ابن بابويه عن عبد الله في الصحيح مثله (2).
الخامسة الظاهر أنه لا خلاف في أنه يجوز تعدد الثياب وابدالها
إلا أنه إذا أراد الطواف فالأفضل أن يطوف في ثوبيه اللذين أحرم فيهما.
ويدل على الحكم الأول ما رواه الكليني في الحسن أو الصحيح عن
الحلبي (3) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يتردى
بالثوبين؟ قال: نعم، والثلاثة إن شاء، يتقي بها الحر والبرد).
وعلى الثاني والثالث ما رواه الصدوق في الصحيح والكليني في
الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)
قال: (لا بأس بأن يغير المحرم ثيابه، ولكن إذا دخل مكة لبس
ثوبي احرامه اللذين أحرم فيهما. وكره أن يبيعهما) قال الصدوق:
وقد رويت رخصة في بيعهما (5).
ويدل على الحكم الثاني زيادة على الرواية المذكورة ما رواه الكليني
في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6)
في حديث قال: (ولا بأس أن يحول المحرم ثيابه).
وروى الشيخ عن الحلبي (7) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الثوبين يرتدي بهما المحرم. قال: نعم، والثلاثة، يتقي بها الحر

(1) الوسائل الباب 52 من تروك الاحرام.
(2) الوسائل الباب 52 من تروك الاحرام.
(3) الوسائل الباب 30 من الاحرام.
(4) الوسائل الباب 31 من الاحرام.
(5) الوسائل الباب 31 من الاحرام.
(6) الوسائل الباب 31 من الاحرام.
(7) التهذيب ج 5 ص 70، والوسائل الباب 30 و 31 من الاحرام.
والباب 38 من تروك الاحرام
90

والبرد. وسألته عن المحرم يحول ثيابه؟ فقال: نعم. وسألته:
يغسلها إن أصابها شئ؟ قال: نعم. وإذا احتلم فيها فليغسلها).
السادسة الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
في جواز لبس السراويل إذا لم يكن له إزار، وجواز لبس القباء إذا
لم يكن له رداء. إلا أن كلامهم في الثاني لا يخلو من اشتباه.
وقد وقع الخلاف في موضعين: أحدهما أنه هل يكون جواز لبس
القباء عند فقد ثوبي الاحرام معا أو فقد الرداء خاصة؟ ظاهر المحقق
في الشرائع والنافع: الأول، حيث قال في الأول: وإذا لم يكن مع
الانسان ثوبا الاحرام وكان معه قباء، جاز لبسه مقلوبا، ويجعل
ذيله على كتفيه، وقال في الثاني: ويجوز لبس القباء مع عدمهما مقلوبا
وبذلك صرح الشيخ في النهاية أيضا، حيث قال: فإذا لم يكن مع
الانسان ثوبا الاحرام وكان معه قباء فليلبسه مقلوبا، ولا يدخل
يديه في يدي القباء. ونحوها عبارته في المبسوط أيضا. وبه صرح
ابن إدريس في السرائر. وربما أشعر تصريح هؤلاء بذلك بشهرة ذلك
عند المتقدمين عليهم، مع أنه لم ينقل ذلك إلا عن المحقق في عبارتيه
المتقدمتين. وبالثاني صرح الشهيدان في اللمعة والدروس والمسالك
قال في المسالك بعد نقل عبارة الشرائع المذكورة: وتعليق الحكم
بذلك على فقد الثوبين يشعر بأن واجد أحدهما لا يجوز له لبسه، والظاهر
جوازه مع فقد أحدهما خاصة خصوصا الرداء. وخصه في الدروس بفقده
وجعل السراويل بدلا عن الإزار. انتهى. وعبائر جملة من الأصحاب
هنا مجملة مثل عبارة العلامة في المنتهى، حيث قال: ولا يجوز له لبس
القباء بالاجماع، لأنه مخيط، فإن لم يجد ثوبا جاز له أن يلبسه مقلوبا
91

ولا يدخل يديه في يدي القباء. ونحوها عبارته في التذكرة.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بالمقام منه: صحيحة عمر
ابن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (يلبس المحرم
الخفين إذا لم يجد نعلين، وإن لم يكن له رداء طرح قميصه على عنقه
أو قباء بعد أن ينكسه).
وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) (في
المحرم يلبس الخف إذا لم يكن له نعل؟ قال: نعم، ولكن يشق ظهر
القدم. ويلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء، ويقلب ظهره لباطنه)
وفي الكافي عن مثنى الخياط عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال:
(من اضطر إلى ثوب وهو محرم وليس معه إلا قباء فلينكسه وليجعل أعلاه
أسفله ويلبسه) قال: وفي رواية أخرى (4): (يقلب ظهره بطنه
إذا لم يجد غيره).
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5). (في رجل هلكت
نعلاه ولم يقدر على نعلين؟ قال: له أن يلبس الخفين إذا اضطر إلى
ذلك، وليشقه عن ظهر القدم. وإن لبس الطيلسان فلا يزره عليه. وإن
اضطر إلى قباء من برد ولا يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا، ولا يدخل
يديه في يدي القباء).
وأنت خبير بأن ظاهر صحيحتي عمر بن يزيد ومحمد بن مسلم الدلالة

(1) الوسائل الباب 44 من تروك الاحرام.
(2) الفقيه ج 2 ص 218، والوسائل الباب 44 و 51 من تروك الاحرام
(3) الوسائل الباب 44 من تروك الاحرام.
(4) الوسائل الباب 44 من تروك الاحرام.
(5) الفروع ج 4 ص 346، والوسائل الباب 51 و 36 و 44 من
تروك الاحرام.
92

على ما ذكره الشهيدان.
والذي يظهر لي في الجمع بين هذه الأخبار هو أنه متى فقد الرداء
خاصة جاز له لبس القباء، كما دلت عليه الصحيحتان المذكورتان،
ومتى فقدهما معا، فإن وجد السراويل جعلها عوضا عن الإزار كما
دل عليه جملة من الأخبار وجعل القباء عوضا عن الرداء، ومتى فقد
السراويل اجتزأ بالقباء عوضا عن الثوبين. وهو الذي دلت عليه ما بعد
الصحيحتين المذكورتين من الأخبار التي ذكرناها، فإنها قد اشتركت
في الدلالة على أنه اضطر إلى القباء لعدم وجود ثوب غيره من إزار
وسراويل ونحوهما. وأما تقييد الضرورة بالبرد في رواية أبي بصير
فالظاهر أن هذه ضرورة أخرى غير الضرورة المذكورة في الأخبار
الباقية.
وأما ما يدل على جواز السراويل مع فقد الإزار، فهو ما رواه ابن
بابويه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: (لا تلبس ثوبا له إزرار وأنت محرم إلا أن تنكسه، ولا ثوبا
تدرعه، ولا سراويل إلا أن لا يكون لك إزار، ولا خفين إلا أن
لا يكون لك نعلان).
وما رواه الكليني في الكافي في الموثق عن حمران عن أبي جعفر (عليه
السلام) (2) قال: (المحرم يلبس السراويل إذا لم يكن معه إزار،
ويلبس الخفين إذا يكن معه نعل).
وثانيهما في أنه هل المراد بقلب القباء هو تنكيسه وجعل ذيله

(1) الفقيه ج 2 ص 218، والوسائل الباب 35 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 50 من تروك الاحرام
93

على العنق، أو جعل باطنه ظاهره وبالعكس؟
وبالأول صرح ابن إدريس في السرائر، فقال: وإن لم يكن مع
الانسان ثوبان لاحرامه وكان معه قباء فليلبسه منكوسا، ومعنى ذلك أن يجعل ذيله فوق أكتافه. وقال بعض أصحابنا: فليلبسه مقلوبا
ولا يدخل يديه في يدي القباء. وإلى ما فسرناه يذهب ويعني بقوله: (مقلوبا)
لأن المقصود بذلك أنه لا يشبه لبس المخيط إذا جعل ذيله على أكتافه
فأما إذا قلبه وجعل ذيله إلى تحت فهذا يشبه لبس المخيط. وما فسرناه
به قد ورد صريحا في لفظ الأحاديث، أورده البزنطي صاحب الرضا
(عليه السلام) في نوادره (1). ويجوز أن يلبس السراويل إذا لم يجد
الإزار، ولا كفارة عليه. انتهى.
وبالثاني صرح الشيخ وجمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم).
واجتزأ العلامة في المنتهى والمختلف بكل من الأمرين، وهو الظاهر
الذي عليه تجتمع الأخبار فإن بعضا منها قد اشتمل على تفسيره
بالتنكيس، كصحيحة عمر بن يزيد ورواية مثنى الخياط، وبعضا فسره
بجعل الظاهر باطنا وبالعكس، كصحيحة محمد بن مسلم ومرسلة
الكليني، وهو الظاهر من صحيحة الحلبي ورواية أبي بصير، فإن النهي
عن إدخال يديه في يدي القباء إنما يترتب على ذلك.
قيل: والاحتياط يقتضي الجمع بين الأمرين. وفيه أن الروايات
المذكورة قد اشتملت في بيان كيفية القلب على هاتين الصورتين
والانسان مخير بينهما. وما ذكروه صورة ثالثة لا مستند لها، فهي إلى
خلاف الاحتياط أقرب منها إليه، كما لا يخفى.
وأما ما استند إليه ابن إدريس من التعليل لما ذهب إليه فعليل

(1) الوسائل الباب 44 من تروك الاحرام
94

وكأنه لم يقف على الروايات الدالة على القلب بالمعنى الآخر.
ثم إنه قد صرح شيخنا الشهيد الثاني بأن المراد بالجواز في عبارات
الأصحاب في قولهم: (يجوز لبس الثوب مقلوبا عند تعذر الثوبين أو
أحدهما) هو الجواز بالمعنى الأعم، والمراد منه الوجوب، لأنه بدل
عن الواجب، وعمل بظاهر الأمر في النصوص. وهو جيد.
المقام الثاني في مندوبات الاحرام،
ومنها رفع الصوت بالتلبية
على المشهور. وقد تقدم بيان ذلك (1) في أول ملحقات المسألة الثالثة
من مسائل التلبيات.
ومنها تكرار التلبية في المواضع التي تضمنتها الأخبار، كما تقدم
في صحيحة معاوية بن عمار وصحيحة عبد الله بن سنان، وقد تقدمتا (2)
في المسألة الثالثة من مسائل التلبيات.
ونحوهما صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: (واجهر بها كلما ركبت، وكلما نزلت، وكلما هبطت واديا،
أو علوت اكمة، أو لقيت راكبا، وبالأسحار)
ومنتهى التلبية وتكرارها إن كان حاجا إلى يوم عرفة عند الزوال
كما دلت عليه الأخبار:
ومنها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)
قال: (إذا زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية عند زوال الشمس)
وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (5) قال:

(1) ص 61
(2) ص 56 و 57 و 58
(3) الوسائل الباب 40 من الاحرام
(4) الوسائل الباب 44 من الاحرام.
(5) الوسائل الباب 44 من الاحرام.
95

(الحاج يقطع التلبية يوم عرفة زوال الشمس).
وصحيحة عمر بن يزيد (1) قال: (إذا زاغت الشمس يوم عرفة فاقطع
التلبية).
وظاهر الأخبار المذكورة وجوب القطع في الصورة المذكورة، وهو
المنقول عن الشيخ علي بن بابويه والشيخ (قدس سرهما).
وإن كان معتمرا بعمرة متعة فإذا شاهد بيوت مكة. قال في الدروس:
ونقل الشيخ الاجماع على أن المتمتع يقطعها وجوبا عند مشاهدة مكة.
ويدل على ذلك جملة من الأخبار: منها ما رواه الشيخ في الصحيح
أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (المتمتع
إذا نظر إلى بيوت مكة قطع التلبية).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (3) قال: (سألته: أين يمسك المتمتع عن التلبية؟ فقال:
إذا دخل البيوت بيوت مكة لا بيوت الأبطح).
وعن حنان بن سدير في الموثق عن أبيه (4) قال: (قال أبو جعفر
وأبو عبد الله (عليهما السلام): إذا رأيت أبيات مكة فاقطع التلبية).
وما رواه الشيخ في الموثق عن معاوية بن عمار والكليني في الصحيح
عنه أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال: (إذا دخلت
مكة وأنت متمتع فنظرت إلى بيوت مكة فاقطع التلبية. وحد بيوت

(1) الوسائل الباب 9 من احرام الحج والوقوف بعرفة
(2) الوسائل الباب 43 من الاحرام. والشيخ يرويه عن الكليني.
(3) الوسائل الباب 43 من الاحرام.
(4) الوسائل الباب 43 من الاحرام. والشيخ يرويه عن الكليني.
(5) الفروع ج 4 ص 399، والتهذيب ج 5 ص 94، والوسائل الباب
43 و 44 و 45 من الاحرام.
96

مكة التي كانت قبل اليوم عقبة المدنيين، وأن الناس قد أحدثوا بمكة ما لم
يكن. فاقطع التلبية. وعليك بالتكبير والتهليل والتحميد والثناء على
الله (عز وجل) ما استطعت. وإن كنت قارنا بالحج فلا تقطع التلبية
حتى يوم عرفة عند زوال الشمس. وإن كنت معتمرا فاقطع التلبية
إذا دخلت الحرم).
أقول: في رواية الشيخين المذكورين لهذا الخبر زيادة في بعض
ونقيصة في آخر، وما ذكرناه هو المجتمع من الروايتين.
وما رواه في الكافي في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) (1) (أنه سئل عن المتمتع متى
يقطع التلبية؟ قال: إذا نظر إلى أعراش مكة عقبة ذي طوى. قلت:
بيوت مكة؟ قال: نعم).
وقال الشيخ المفيد في المقنعة: وحد بيوت مكة عقبة المدنيين، وإن
كان قاصدا لها من طريق العراق فإنه يقطع التلبية إذا بلغ عقبة ذي طوى.
والظاهر أنه قصد بذلك الجمع بين صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر المذكورة وبين صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة أو موثقته
برواية الشيخين المتقدمين.
وأما ما رواه الشيخ في التهذيب عن زيد الشحام عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: (سألته عن تلبية المتعة متى تقطع؟ قال:
حين يدخل الحرم) فحمله في الإستبصار على الجواز، وأخبار النظر إلى
البيوت على الفضل.
وإن كان معتمرا بعمرة مفردة فقيل بالتخيير في قطع التلبية بين

(1) الوسائل الباب 43 من الاحرام
(2) الوسائل الباب 43 من الاحرام
97

دخول الحرم أو عند مشاهدة الكعبة. وهو مذهب الصدوق. وقيل:
إن كان ممن خرج من مكة للاحرام فإذا شاهد الكعبة، وإن كان ممن
أحرم من خارج فإذا دخل الحرم. وإليه ذهب الشيخ ومن تبعه.
وما صرح به الشيخ صرح به في الشرائع.
ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار ظاهرا، فإنه قد روى الصدوق
في من لا يحضره الفقيه (1) في الصحيح عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال: (من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر أحرم من
الجعرانة والحديبية وما أشبههما، ومن خرج من مكة يريد العمرة
ثم دخل معتمرا لم يقطع التلبية حتى ينظر إلى الكعبة).
وفي الموثق عن يونس بن يعقوب (2) قال: (سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الرجل يعتمر عمرة مفردة، من أين يقطع التلبية؟
قال: إذا رأيت بيوت ذي طوى فاقطع التلبية).
وعن الفضيل بن يسار (3) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
قلت: دخلت بعمرة، فأين أقطع التلبية؟ قال: حيال العقبة عقبة
المدنيين؟ قلت: أين عقبة المدنيين؟ قال: حيال القصارين).
وعن مرازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: (يقطع
صاحب العمرة المفردة التلبية إذا وضعت الإبل أخفافها في الحرم).

(1) ج 2 ص 276، والوسائل الباب 22 من المواقيت، والباب 45 من
الاحرام.
(2) الفقيه ج 2 ص 277، والتهذيب ج 5 ص 95 و 96، والوسائل
الباب 45 من الاحرام.
(3) الفقيه ج 2 ص 277، والتهذيب ج 5 ص 95 و 96، والوسائل
الباب 45 من الاحرام.
(4) الوسائل الباب 45 من الاحرام.
98

ثم قال بعد ذكر هذه الروايات: وروى (1): أنه يقطع التلبية
إذا نظر إلى المسجد الحرام.
ثم قال (2): هذه الأخبار كلها صحيحة، متفقة ليست بمختلفة، والمعتمر
عمرة مفردة في ذلك بالخيار يحرم من أي ميقات من هذه المواقيت شاء،
ويقطع التلبية في أي موضع من هذه المواضع شاء، وهو موسع عليه. ولا
قوة إلا بالله العلي العظيم.
وقال: الشيخ (3) بعد نقل هذه الروايات، ورواية عمر بن يزيد
الأخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: (من دخل مكة
مفردا للعمرة فليقطع التلبية حين تضع الإبل أخفافها في الحرم):
الوجه في الجمع بين هذه الأخبار أن نحمل الرواية الأخيرة يعني:
رواية الفضيل - على من جاء من طريق المدينة خاصة، فإنه يقطع
التلبية عند عقبة المدنيين، والرواية التي قال: فيها: (أنه يقطع التلبية عند
ذي طوى) على من جاء من طريق العراق، والرواية التي تضمنت
عند النظر إلى الكعبة على من يكون قد خرج من مكة للعمرة. وعلى
هذا الوجه لا تنافي بينها ولا تضاد. والرواية التي ذكرناها في الباب
الأول (أنه يقطع المعتمر التلبية إذا دخل الحرم) نحملها على الجواز
وهذه الروايات مع اختلاف أحوالها على الفضل والاستحباب. وكان
أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه (رحمه الله تعالى) حين روى هذه

(1) الفقيه ج 2 ص 277، والوسائل الباب 45 من الاحرام
(2) الفقيه ج 2 ص 277
(3) الإستبصار ج 2 ص 177 و 178
(4) الوسائل الباب 45 من الاحرام
99

الروايات حملها على التخيير حين ظن أنها متنافية، وعلى ما فسرناه
ليست متنافية، ولو كانت متنافية لكان الوجه الذي ذكره صحيحا.
أقول: الوجه هو رجحان ما ذكره الشيخ (رحمه الله) وهو الذي
استظهره في المسالك، قال بعد نقل عبارة المصنف: والتفصيل قول الشيخ
(رحمه الله تعالى) تنزيلا لاختلاف الأخبار على اختلاف حال المعتمر
فإن كان قد خرج من مكة للاحرام بالعمرة المفردة من خارج الحرم
فلا سبيل إلى العمل بمدلول الأخبار المتضمنة لقطعها إذا دخل الحرم
فإنه قد لا يكون بين موضع الاحرام وأول الحرم مسافة توجب التفصيل
فيقطعها إذا شاهد الكعبة، وإن كان قد جاء محرما بها من أحد المواقيت
فإذا دخل الحرم. وهذا هو الأصح. انتهى. وهو جيد.
ومنها أن يشترط في احرامه أن يحله حيث حبسه، وإن لم تكن
حجة فعمرة. واستحباب ذلك من ما أجمع عليه أصحابنا وأكثر
العامة (1).
والأصل فيه الأخبار المستفيضة، كقول أبي عبد الله (عليه السلام)
في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة (2) الواردة في كيفية الاحرام:
(اللهم إني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك (صلى
الله عليه وآله) فإن عرض لي شئ يحبسني فحلني حيث حبستني لقدرك
الذي قدرت علي، اللهم إن لم تكن حجة فعمرة).
وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال:

(1) المغني لابن قدامة الحنبلي ج 3 ص 282
(2) ص 29
(3) الوسائل الباب 16 من الاحرام.
100

(إذا أردت الاحرام والتمتع فقل: اللهم إني أريد ما أمرت به من
التمتع بالعمرة إلى الحج، فيسر ذلك لي وتقبله مني وأعني عليه، وحلني
حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي).
ورواية الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
(المعتمر عمرة مفردة يشترط على ربه أن يحله حيث حبسه. ومفرد
الحج يشترط على ربه إن لم تكن حجة فعمرة).
ورواية أبي الصباح الكناني (2) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن الرجل يشترط في الحج، كيف يشترط؟ قال: يقول حين
يريد أن يحرم: أن حلني حيث حبستني، فإن حبستني فهي عمرة.. الحديث)
وروى الحميري في كتاب قرب الإسناد عن حنان بن سدير في
الموثق (3) قال: (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا أتيت
مسجد الشجرة فافرض. قلت: فأي شئ الفرض؟ قال: تصلي ركعتين
ثم تقول: اللهم إني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج، فإن أصابني
قدرك فحلني حيث حبستني بقدرك. فإذا أتيت الميل فلبه).
والظاهر حصول الاشتراط بأي لفظ كان إذا أفاد معناه، كما صرح
به في المنتهى، وإن كان الاتيان بالمرسوم أولى.
والمستفاد من بعض الأخبار المذكورة أن وقته بعد الصلاة، كما صرح
به في صحيحة معاوية بن عمار، ورواية قرب الإسناد.
والظاهر عدم حصول الاشتراط بمجرد النية بل لا بد من التلفظ به
وقوفا على ظاهر الأخبار المذكورة. وتردد في المنتهى.

(1) الوسائل الباب 23 من الاحرام.
(2) الوسائل الباب 23 و 24 من الاحرام
(3) الوسائل الباب 23 من الاحرام.
101

واختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في فائدة هذا الاشتراط وما
يترتب عليه على أقوال:
أحدها أن فائدته سقوط الهدي مع الاحصار، وهو المنع بالمرض
فيحصل التحلل متى اشترط بمجرد النية. وهو قول السيد المرتضى وابن
إدريس، مدعيين اجماع الفرقة عليه.
وقيل بعدم السقوط. وهو منقول عن الشيخ وابن الجنيد، واختاره
في المختلف، وقواه في المنتهى.
ويدل على الأول ما رواه الشيخ في الصحيح عن ذريح المحاربي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (سألته عن رجل تمتع بالعمرة
إلى الحج، وأحصر بعد ما أحرم، كيف يصنع؟ قال: فقال: أو ما
اشترط على ربه قبل أن يحرم أن يحله من احرامه عند عارض عرض له
من أمر الله؟ فقلت: بلى قد اشترط ذلك قال: فليرجع إلى أهله
حلالا لا احرام عليه، إن الله أحق من وفى بما اشترط عليه. قلت:
أفعليه الحج من قابل؟ قال: لا.
وصحيحة البزنطي (2) قال: (سألت أبا الحسن (عليه السلام)
عن محرم انكسرت ساقه، أي شئ يكون حاله؟ وأي شئ عليه؟ قال:
هو حلال من كل شئ. فقلت: من النساء والثياب والطيب؟
فقال: نعم من جميع ما يحرم على المحرم. وقال: أوما بلغك قول أبي عبد الله
(عليه السلام): وحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي.. الحديث).
والتقريب فيهما أنهما دلتا على التحلل بمجرد الاحصار متى اشترط

(1) التهذيب ج 5 ص 81، والوسائل الباب 24 من الاحرام
(2) الوسائل الباب 1 و 8 من الاحصار والصد
102

من غير تعرض لاعتبار الهدي، ولو كان واجبا لذكره في مقام البيان.
احتج الشيخ على عدم السقوط بقوله تعالى: (فإن أحصرتم فما استيسر
من الهدي) (1) وأجاب عنه السيد بأنه محمول على من لا يشترط.
وهو غير بعيد. ويؤيده أيضا أن المتبادر من قوله: (وحلني حيث
حبستني) أن التحلل لا يتوقف على شئ أصلا.
قال في المدارك: وموضع الخلاف من لم يسق الهدي، أما السائق
فقال فخر المحققين أنه لا يسقط عنه باجماع الأمة.
أقول: ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) وبسند آخر صحيح عن رفاعة عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) (أنهما قالا: القارن يحصر، وقد قال واشترط: فحلني
حيث حبستني. قال: يبعث بهديه. قلت: هل يتمتع في قابل؟ قال:
لا ولكن يدخل في مثل ما خرج منه).
إلا أن الصدوق في الفقيه (3) قد ذكر هذا المضمون وقال: فلا
يبعث بهديه. قال (قدس سره): (والقارن إذا أحصر وقد اشترط
وقال: (وحلني حيث حبستني) فلا يبعث بهديه ولا يستمتع من قابل، ولكن
يدخل في مثل ما خرج منه). وظاهره كما ترى أنه يتحلل بمجرد
الشرط وإن كان قارنا، ولا يحب عليه بعث ما ساقه. ومنه يظهر وقوع
الخلاف في المسألة وعدم ثبوت الاجماع المدعى. وهو ظاهر في أن

(1) سورة البقرة، الآية 196.
(2) التهذيب ج 5 ص 423، والوافي باب (المحصور والمصدود)
والوسائل الباب 4 من الاحصار والصد.
(3) ج 2 ص 305 و 306
103

مذهب الصدوق في هذه المسألة هو ما ذهب إليه المرتضى.
إذا عرفت هذا فاعلم أن الروايات هنا قد اختلفت في وجوب الحج
من قابل وعدمه في الصورة المذكورة.
فمن ما يدل على العدم ما تقدم في صحيحة ذريح وصحيحتي محمد بن
مسلم ورفاعة المتقدمتين وغيرهما أيضا.
ومن ما يدل على الوجوب قوله في تتمة صحيحة البزنطي المتقدمة (1)
(قلت: أصلحك الله ما تقول في الحج؟ قال: لا بد أن يحج من قابل)
وما رواه الشيخ في التهذيب (2) في الصحيح عن أبي بصير وهو المرادي
بقرينة عبد الله بن مسكان عنه قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الرجل يشترط في الحج: أن حلني حيث حبستني أعليه الحج من قابل؟
قال: نعم).
وفي تتمة رواية أبي الصباح الكناني المتقدمة بعد ذكر ما قدمنا
نقله منها (3) (فقلت له: فعليه الحج من قابل؟ قال: نعم) وقال صفوان (4):
قد روى هذه الرواية عدة من أصحابنا كلهم يقول: إن عليه الحج
من قابل.
والشيخ قد جمع بين هذه الأخبار بحمل أخبار الوجوب على حجة
الاسلام وأخبار العدم على الحج المستحب. وهو جيد.
وثانيها أن فائدته جواز التحلل عند الاحصار من غير تربص
إلى أن يبلغ الهدي محله، فإنه لو لم يشترط لم يجز له التعجيل. وهو ظاهر

(1) الوسائل الباب 8 من الاحصار والصد
(2) ج 5 ص 80 و 81، والوسائل الباب 24 من الاحرام، والباب 8
من الاحصار والصد
(3) الوسائل الباب 24 من الاحرام
(4) الوسائل الباب 24 من الاحرام
104

المحقق في الشرائع وصريحه في النافع، حيث قال في الأول: الرابعة
إذا اشترط في احرامه أن يحله حيث حبسه ثم أحصر تحلل، وهل
يسقط الهدي؟ قيل: نعم، وقيل: لا، وهو الأشبه. وفائدة الاشتراط
جواز التحلل عند الاحصار. وقيل: يجوز التحلل من غير شرط،
والأول أظهر. والتقريب فيها بناء على ما ذكرناه أن قوله: (وفائدة
الاشتراط) جواب سؤال مقدر، وهو أن يقال: إذا أوجبتم هدي التحلل
على المحصور وإن اشترط على ربه أن يحله حيث حبسه، فما فائدة
هذا الاشتراط؟ وهذا هو الذي اعترض به ابن إدريس على الشيخ
في القول المتقدم وإذا لم يكن للشرط فائدة فقد انتفت شرعيته،
وأنتم لا تقولون به. فأجاب إن فائدته جواز التحلل أي تعجيله
للمحصور عند الاحصار من غير تربص إلى أن يبلغ الهدي محله، فإنه
لو لم يشترط لم يجز له التعجيل. وأما عبارة النافع فإنها صريحة في
ذلك، حيث قال: ولا يسقط هدي التحلل بالشرط بل فائدته جواز
التحلل للمحصور من غير تربص.
وثالثها أن فائدة هذا الشرط سقوط الحج في القابل عن من فاته
الموقفان. ذكره الشيخ في التهذيب.
واستدل عليه بما رواه في الصحيح عن ضريس بن أعين (1) قال:
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل خرج متمتعا بالعمرة إلى
الحج، فلم يبلغ مكة إلا يوم النحر: فقال: يقيم على احرامه، ويقطع
التلبية حين يدخل مكة، فيطوف ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق

(1) التهذيب ج 5 ص 295 و 296، والوسائل الباب 27 من الوقوف
بالمشعر. والحديث عن أبي جعفر (ع)
105

رأسه، وينصرف إلى أهله إن شاء. وقال: هذا لمن اشترط على ربه
عند احرامه، فإن لم يكن اشترط فإن عليه الحج من قابل).
واستشكله العلامة في المنتهى بأن الحج الفائت إن كان واجبا لم
يسقط فرضه في العام القابل بمجرد الاشتراط، وإن لم يكن واجبا
لم يجب بترك الاشتراط ثم قال: والوجه حمل إلزام الحج في القابل
مع ترك الاشتراط على شدة الاستحباب. انتهى. وهو جيد. ويؤكده
ما صرح به في المنتهى في موضع آخر، حيث قال: الاشتراط لا يفيد
سقوط فرض الحج في القابل لو فاته الحج، ولا نعلم فيه خلافا. ثم
أورد صحيحة أبي بصير ورواية أبي الصباح الكناني المتقدمتين (1) ثم
قال: وأما ما رواه جميل بن صالح عن ذريح المحاربي.. وساق
الرواية المتقدمة (2) ثم نقل عن الشيخ حملها على من كان حجه تطوعا،
واستحسنه. وبالجملة فإن الظاهر أن القول المذكور لا وجه له
وروايته متأولة.
ورابعها أن فائدة هذا الشرط استحقاق الثواب بذكره في عقد
الاحرام، لأنه مأمور به، وإن لم يحصل له فائدة لم تحصل بدون
الاشتراط. وهو قول شيخنا الشهيد الثاني في جملة من مصنفاته، قال
في المسالك بعد ذكر الفوائد الثلاث المذكورة: وكل واحدة من هذه
الفوائد لا تأتي على جميع الأفراد التي يستحب فيها الاشتراط: أما
سقوط الهدي فمخصوص بغير السائق، إذ لو كان قد ساق هديا لم يسقط
وأما تعجيل التحلل فمخصوص بالمحصر دون المصدود. وأما كلام التهذيب
فمخصوص بالمتمتع. وظاهر أن ثبوت التحلل بالأصل، والعارض

(1) ص 101 و 104
(2) ص 102
106

لا مدخل له في شئ من الأحكام. واستحباب الاشتراط ثابت لجميع
افراد الحج. ومن الجائز كونه تعبدا أو دعاء مأمورا به يترتب على فعله
الثواب. انتهى.
قال في المدارك بعد نقل الأقوال المذكورة: والذي يقتضيه
النظر أن فائدته سقوط التربص عن المحصر، كما يستفاد من قوله
(عليه السلام): (وحلني حيث حبستني) وسقوط الهدي عن المصدود،
لما ذكرناه من الأدلة. مضافا إلى ضعف دليل وجوبه بدون الشرط،
كما سنبينه في محله. بل لا يبعد سقوطه مع الحصر أيضا، كما ذهب
إليه المرتضى وابن إدريس. ولا ينافي ذلك قوله (عليه السلام) في
حسنة زرارة (1): (هو حل إذا حبسه اشترط أو لم يشترط) لأن
أقصى ما يستفاد من الرواية ثبوت التحلل مع الحبس في الحالين،
ونحن نقول به. ولا يلزم من ذلك تساويهما من كل وجه، فيجوز
افتراقهما بسقوط الدم مع الشرط ولزومه بدونه. والله أعلم بحقائق
أحكامه.
أقول: لا يخفى أن الظاهر من حسنة زرارة المذكورة الدالة على أنه حل إذا حبسه شرط أو لم يشترط ومثلها ما رواه في الفقيه (2)
عن حمزة بن حمران قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن

(1) الوسائل الباب 25 من الاحرام.
(2) ج 2 ص 306، والوسائل الباب 23 من الاحرام، والباب 8
من الاحصار والصد. واللفظ فيه هكذا: (سأل حمزة بن حمران
أبا عبد الله (ع) عن الرجل يقول..) وما أورده (قدس سره) يطابق
ما في الفروع ج 4 ص 333، والتهذيب ج 5 ص 80.
107

الذي يقول: حلني حيث حبستني. فقال: هو حل حيث حبسه
قال أو لم يقل) وروى مثله عن حمران بن أعين (1) إنما هو
التحلل بمجرد الحبس الذي هو عبارة عن الصد والحصر. وهو بالنسبة
إلى المصدود ظاهر، لما دلت عليه الأخبار. مضافا إلى اتفاق أكثر
الأصحاب من أنه يتحلل بذبح الهدي في مكانه. أما المحصور الذي
دلت الأخبار المعتضدة بكلام الأصحاب على أنه لا يتحلل حتى يبلغ
الهدي محله، من منى إن كان في حج، ومكة إن كان في عمرة ومع
هذا يبقى عليه تحريم النساء إلى أن يأتي بالمناسك في العام القابل
إن كان الحج واجبا، أو طواف النساء إن كان مستحبا، كما سيأتي
إن شاء الله (تعالى) جميع ذلك مفصلا في بابه فكيف يصدق عليه
أنه حل حيث حبسه شرط أو لم يشترط؟ إذ المتبادر من هذه العبارات
إنما هو حله بمجرد الحبس من غير توقف على أمر آخر. وهو في
المحصور مع عدم الاشتراط ليس كذلك. وأما مع الاشتراط فيبني
على الخلاف.
وبالجملة فظاهر الخبرين المذكورين بناء على ما عرفت لا يخلو
من الاشكال. وبذلك يظهر لك ما في قوله: (لأن أقصى ما يستفاد
من الرواية ثبوت التحلل مع الحبس في الحالين ونحن نقول به) فإن
فيه: أنه إذا أراد ثبوت التحلل مع الحبس بالنسبة إلى الحصر بمجرد
الحبس وإن كان مع عدم الشرط فهو لا يقول به ولا غيره، وإن أراد
في الجملة ولو بعد بلوغ الهدي محله فهو خلاف ظاهر الخبر المذكور.
وكذا الخبر الآخر.

(1) الفقيه ج 2 ص 207، والوسائل الباب 23 و 25 من الاحرام.
108

والظاهر أيضا من أخبار هدي المحصور أن الغرض منه إنما هو
التحلل به، وأن صاحبه يبقى على احرامه إلى يوم الوعد بينه وبين
أصحابه، ثم يحل في الساعة التي واعدهم. وحينئذ فإن كان مجرد
الحبس موجبا للحل كما هو ظاهر الروايتين المذكورتين فلا وجه للهدي
حينئذ، لأن الغرض من الهدي بمعاونة الأخبار المشار إليها إنما هو التحلل،
وهو قد تحلل بمجرد الحبس كما دل عليه الخبران المذكوران. وبذلك
يظهر ما في قوله (قدس سره): (فيجوز افتراقهما بسقوط الدم مع الشرط
ولزومه بدونه) بل لا فرق بينهما بظاهر الخبرين المشار إليهما.
والعجب أنه تبعه على هذه المقالة جمع ممن تأخر عنه: منهم
الفاضل الخراساني في الذخيرة، والمحدث الكاشاني في الوافي، ولم يتنبهوا
لما فيه من الاشكال المذكور.
وبالجملة فالمسألة عندي من جهة هذين الخبرين محل اشكال.
والله العالم.
ومنها التلفظ بما عزم عليه. ذكر ذلك جملة من الأصحاب.
ويدل عليه جملة من الأخبار: منها ما رواه الشيخ في الصحيح
عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (قلت
له: إني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج، فكيف أقول؟ قال:
تقول: اللهم إني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة
نبيك (صلى الله عليه وآله). وإن شئت أضمرت الذي تريد).
وعن أبي الصلاح مولى بسام الصيرفي (2) قال: (أردت الاحرام

(1) الوسائل الباب 17 من الاحرام
(2) الوسائل الباب 17 من الاحرام. وارجع إلى التعليقة (2) ص 30
109

بالمتعة، فقلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كيف أقول؟ قال: تقول:
اللهم إني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك (صلى الله
عليه وآله). وإن شئت أضمرت الذي تريد).
وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: (إذا أردت الاحرام والتمتع فقل: اللهم إني أريد ما أمرت
به من التمتع بالعمرة إلى الحج، فيسر ذلك لي، وتقبله مني، وأعني عليه
وحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي، أحرم لك شعري وبشري
من النساء والطيب والثياب. وإن شئت فلب حين تنهض، وإن شئت
فأخره حتى تركب بعيرك وتستقبل القبلة فافعل).
قال السيد السند (قدس سره) في المدارك في هذا المقام: والأفضل
أن يذكر في تلبية عمرة التمتع الحج والعمرة معا، على معنى أنه
ينوي فعل العمرة أولا ثم الحج بعدها باعتبار دخولها في حج التمتع
لقوله (عليه السلام) في صحيحة الحلبي (2): (إن أمير المؤمنين (عليه
السلام) كان يقول فيها: لبيك بحجة وعمرة معا لبيك) وفي صحيحة
يعقوب بن شعيب (3) (فقلت له: كيف تصنع أنت؟ قال: أجمعهما
فأقول: لبيك بحجة وعمرة معا). ولو أهل المتمتع بالحج جاز،
لدخول عمرة التمتع فيه، كما تدل عليه صحيحة زرارة (4) قال:

(1) الوسائل الباب 16 من الاحرام.
(2) الوسائل الباب 21 من الاحرام.
(3) الوسائل الباب 17 و 21 من الاحرام
(4) الوسائل الباب 22 من الاحرام. والحديث في النسخ عن أبي عبد الله
(عليه السلام) وهو عن أبي جعفر (عليه السلام) كما أوردناه.
110

(قلت لأبي جعفر (عليه السلام): كيف أتمتع؟ قال: تأتي الوقت
فتلبي بالحج، فإذا دخلت مكة طفت بالبيت، وصليت ركعتين خلف
المقام، وسعيت بين الصفا والمروة، وقصرت، وأحللت من كل شئ.
وليس لك أن تخرج من مكة حتى تحج) قال الشهيد في الدروس
بعد أن ذكر أن في بعض الروايات الاهلال بعمرة التمتع، وفي
بعضها الاهلال بالحج، وفي بعض آخر الاهلال بهما: وليس ببعيد
اجزاء الجميع، إذ الحج المنوي هو الذي دخلت فيه العمرة. فهو
دال عليها بالتضمن، ونيتهما معا باعتبار دخول الحج فيها. وهو
حسن. قال في المنتهى: ولو اتقى كان الأفضل الاضمار. واستدل
عليه بروايات: منها صحيحة منصور بن حازم (1) قال: (أمرنا
أبو عبد الله (عليه السلام) أن نلبي ولا نسمي شيئا. وقال: أصحاب
الاضمار أحب إلي). ولا بأس به. انتهى كلام السيد (قدس سره).
أقول: لا يخفى على من راجع الأخبار الجارية في هذا المضمار
أنه لما كان الحج الواجب على أهل الآفاق هو حج التمتع، والأفضل
من افراد الحج بعد الاتيان بحج الاسلام هو حج التمتع أيضا، وكان
العامة يبالغون في المنع من التمتع (2) خرجت الأخبار في التلبية
بحج التمتع مختلفة باختلاف مقتضيات الأحوال، فجملة منها تضمن
التلبية بالحج والعمرة، وجملة خرجت بالتلبية بالحج يعني: حج

(1) الوسائل الباب 17 من الاحرام.
(2) ارجع إلى الصفحة 358 و 359 و 405 من الجزء الرابع عشر
من الحدائق.
111

الافراد مع اضمار نية العدول عنه بعد الوصول إلى مكة والاتيان
بالطواف والسعي. ولكن أخبار هذا القسم ما بين مجمل كصحيحة
زرارة التي نقلها وحملها على حج التمتع، وإن تقدمه في ذلك في
الدروس كما نقله عنه وما بين مصرح بالفسخ بعد الدخول إلى مكة
كصحيحة البزنطي التي قدمناها في الفائدة الرابعة من الفوائد الملحقة
بمسألة النية من المقصد الثاني (1) ومثلها صحيحة زرارة المنقولة عن
كتاب الكشي كما قدمنا ذكرها أيضا (2) وروايات أخر تقدمت في
الموضع المذكور (3). والفاضلان المذكوران لعدم وقوفهما على تلك
الروايات حملوا هذه الرواية ومثلها صحيحة البزنطي الأخرى (4)
لاجمالها أيضا على حج التمتع. وهو سهو محض، فإنه لا يخفى على
من لاحظ الأخبار بعين التدبر والاعتبار أن لفظ الحج بقول مطلق إنما
يراد به حج الافراد، وكذا في عبارات الأصحاب أيضا. وجملة منها
قد تضمنت الأمر بالاضمار. وسبيل هذين القسمين الأخيرين هو التقية
فربما نادت بالاضمار، وربما لم تناد إلا بالاجهار بالتلبية بحج الافراد
فيلبي به ويضمر الفسخ بعد دخوله مكة.
ومن ما يستأنس به لما ذكرناه زيادة على ما قدمناه في الموضع
المشار إليه من الروايات الواضحة صحيحة الحلبي التي نقل عن
أمير المؤمنين (عليه السلام) ما ذكره (5) هذه صورتها: عن الحلبي عن

(1) ص 35
(2) ص 35 و 36، و ج 14 ص 401
(3) ص 37 و 38
(4) ص 36
(5) الوسائل الباب 21 من الاحرام
112

أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن عثمان خرج حاجا، فلما
صار إلى الأبواء أمر مناديا ينادي بالناس: اجعلوها حجة ولا تمتعوا.
فنادى المنادي، فمر المنادي بالمقداد بن الأسود، فقال: أما لتجدن
عند القلائص رجلا ينكر ما تقول. فلما انتهى المنادي إلى علي (عليه
السلام) وكان عند ركائبه يلقمها خبطا ودقيقا، فلما سمع النداء
تركها ومضى إلى عثمان، فقال: ما هذا الذي أمرت به؟ فقال:
رأي رأيته، فقال: والله لقد أمرت بخلاف رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ثم أدبر موليا رافعا صوته: لبيك بحجة وعمرة معا لبيك.. الحديث
) (1)
أقول: حيث كان عثمان لما فعله من البدع قد سقط قدره من
أعين الناس لم يتقه وجاهر بخلافه. ولكن سنته وسنن أمثاله جرت
بعد ذلك.
وأما صحيحة يعقوب بن شعيب فهي ما رواه عنه في التهذيب (2)
قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) فقلت: كيف ترى لي أن
أهل؟ فقال لي: إن شئت سميت وإن شئت لم تسم شيئا. فقلت له:
كيف تصنع أنت؟ فقال: أجمعهما فأقول: (لبيك بحجة وعمرة معا)
ثم قال: أما أني قد قلت لأصحابك غير هذا).
ومنها أن يحرم في الثياب القطن الأبيض.
أما استحباب كونها قطنا فاستدل عليه بما رواه الكليني في الكافي عن
الحسن بن علي عن بعض أصحابنا عن بعضهم (عليهم السلام) (3) قال: (أحرم

(1) صحيح البخاري باب (التمتع والافراد والقران في الحج) وصحيح
مسلم باب (جواز التمتع).
(2) ج 5 ص 88، والوسائل الباب 17 و 21 من الاحرام.
(3) الوسائل الباب 27 من الاحرام.
113

رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ثوبي كرسف) ورواه الصدوق
أيضا مرسلا (1).
وأما استحباب البيض فلما روى عن النبي (صلى الله عليه وآله) (2)
أنه قال: (خير ثيابكم البياض، فالبسوها أحياءكم، وكفنوا بها
موتاكم).
والظاهر أن هذه الرواية عامية، فإني لم أقف عليها في كتب الأخبار
إلا أنه قد روي نحو هذا المضمون في عدة من أخبارنا: منها ما رواه
الشيخ في التهذيب عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال:
(قال النبي (صلى الله عليه وآله): ليس من لباسكم شئ أحسن من البياض
فالبسوه، وكفنوا فيه موتاكم).
وما رواه في الكافي في الموثق عن ابن القداح عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (4) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): البسوا
البياض، فإنه أطيب وأطهر. وكفنوا فيه موتاكم).
وعن مثنى الخياط عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال: (قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): البسوا البياض، فإنه أطيب وأطهر

(1) الوسائل الباب 27 من الاحرام
(2) نقل في الوسائل الباب 14 من أحكام الملابس عن مجالس الشيخ
عن أبي هريرة عن النبي (ص) ما يقارب هذا اللفظ. وكذا في المسند لأبي
بكر عبد الله بن الزبير الحميدي ج 1 ص 240.
(3) الوسائل الباب 19 من التكفين، والباب 14 من أحكام الملابس.
(4) الوسائل الباب 19 من التكفين، والباب 14 من أحكام الملابس.
(5) الوسائل الباب 19 من التكفين.
114

وكفنوا فيه موتاكم).
ويمكن تأييدها بصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) قال: (كان ثوبا رسول الله (صلى الله عليه وآله) اللذان أحرم
فيهما يمانيين عبرى واظفار، وفيهما كفن) ووجه التأييد ما ورد من
استحباب التكفين في الثياب البيض (2).
ولا بأس بالاحرام بالثوب الأخضر، لما رواه الصدوق والكليني عن
خالد بن أبي العلاء الخفاف (3) قال: (رأيت أبا جعفر (عليه السلام)
وعليه برد أخضر وهو محرم).
والمصبوغ بمشق، لما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) (4) قال: (سمعته وهو يقول: كان علي (عليه
السلام) محرما ومعه بعض صبيانه، وعليه ثوبان مصبوغان، فمر به
عمر بن الخطاب فقال: يا أبا الحسن ما هذان الثوبان المصبوغان؟
فقال (عليه السلام): ما نريد أحدا يعلمنا بالسنة، إنما هما ثوبان
صبغا بالمشق، يعني: الطين).
والخز، لما رواه الطبرسي في كتاب الإحتجاج عن محمد بن عبد الله
الحميري (5) (أنه كتب إلى صاحب الزمان (عليه السلام): هل يجوز
للرجل أن يحرم في كساء خز أم لا؟ فكتب إليه في الجواب:

(1) الوسائل الباب 5 من التكفين، والباب 27 من الاحرام
(2) الوسائل الباب 19 من التكفين
(3) الوسائل الباب 28 من الاحرام
(4) الوسائل الباب 42 من تروك الاحرام
(5) الوسائل الباب 32 من الاحرام
115

لا بأس بذلك، وقد فعله قوم صالحون) ورواه الشيخ في كتاب
الغيبة مثله (1).
وما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الرحمان بن الحجاج (2) (أنه
سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن المحرم يلبس الخز؟ قال: لا بأس)
ورواه الكليني مثله (3).
والبرد، لما رواه الصدوق (قدس سره) بإسناده عن حماد النواء (4)
(أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) أو سئل وهو حاضر عن المحرم
يحرم في برد؟ قال: لا بأس به، وهل كان الناس يحرمون إلا في البرد)
وعن عمرو بن شمر عن أبيه (5) قال: (رأيت أبا جعفر (عليه السلام)
وعليه برد مخفف وهو محرم) والظاهر أن معنى قوله: (مخفف) أي
رقيق شفاف يرى ما تحته.
المقصد الثالث في أحكام الاحرام
وقد تقدم أكثرها في المباحث المتقدمة، إلا أنه بقي جملة منها
يجب تحريرها في مسائل:
الأولى لا يجوز لمن عقد احراما أن يعقد احراما آخر حتى يأتي
بأفعال ما أحرم له أولا كملا، والظاهر أنه لا خلاف فيه كما يظهر
من المنتهى.

(1) الوسائل الباب 32 من الاحرام.
(2) الوسائل الباب 32 من الاحرام. والمسؤول في الوسائل هو
أبو الحسن (ع) كما أورده، وفي الفقيه ج 2 ص 218 هو أبو عبد الله (ع).
(3) الوسائل الباب 32 من الاحرام.
(4) الوسائل الباب 28 من الاحرام.
(5) الوسائل الباب 28 من الاحرام.
116

ويدل عليه قوله (عز وجل): (وأتموا الحج والعمرة لله) (1)
وبإدخال أحدهما على الآخر لا يحصل الاتمام.
ويدل عليه أيضا الأخبار الدالة على كيفية كل من هذه الأفراد التي
يحرم لها من عمرة التمتع وحجه وحج الافراد وعمرته، فإنها صريحة في
وجوب اكمال كل منها، فادخال بعضها في بعض خلاف الكيفية المستفادة
من الشرع، فيكون تشريعا.
وعلى هذا فلو أحرم بحج التمتع قبل التقصير من عمرته، فإن كان
ناسيا فالمشهور أنه لا شئ عليه. وقيل عليه دم، نقل ذلك عن الشيخ
علي بن بابويه والشيخ الطوسي وابن البراج. وحكى العلامة في المنتهى
قولا لبعض الأصحاب ببطلان الاحرام الثاني والبقاء على الاحرام الأول
مع أنه قال في المختلف: لو أخل بالتقصير ساهيا وأدخل احرام الحج
على العمرة سهوا لم يكن عليه إعادة الاحرام وتمت عمرته اجماعا
وصح احرامه. ثم نقل الخلاف في وجوب الدم خاصة.
وكيف كان فالظاهر هو القول المشهور، لما رواه الشيخ في الصحيح
عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) (في رجل
متمتع نسي أن يقصر حتى أحرم بالحج؟ قال: يستغفر الله تعالى).
وفي الصحيح عن عبد الرحمان بن الحجاج (3) قال: (سألت أبا إبراهيم
(عليه السلام) عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج، فدخل مكة فطاف
وسعى، ولبس ثيابه وأحل، ونسي أن يقصر حتى خرج إلى عرفات.

(1) سورة البقرة، الآية 196
(2) الوسائل الباب 54 من الاحرام. والشيخ يرويه عن الكليني.
(3) الوسائل الباب 54 من الاحرام. والشيخ يرويه عن الكليني.
117

قال: لا بأس به، يبني على العمرة وطوافها وطواف الحج على أثره).
وفي الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: (سألته عن رجل أهل بالعمرة ونسي أن يقصر حتى دخل في
الحج. قال: يستغفر الله ولا شئ عليه، وتمت عمرته).
احتج الشيخ على وجوب الدم بما رواه عن إسحاق بن عمار في
الموثق (2) قال: (قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): الرجل يتمتع
فينسى أن يقصر حتى يهل بالحج؟ فقال: عليه دم يهريقه).
قال في الفقيه (3): الدم على الاستحباب، والاستغفار يجزئ عنه
والخبران غير مختلفين.
وقال في كتاب الفقه الرضوي (4): وإن نسي المتمتع التقصير حتى
يهل بالحج كان عليه دم. وروي يستغفر الله.
وهذا هو مستند الشيخ علي بن بابويه، بل الظاهر أن عبارته لو نقلت
عين هذه العبارة، كما عرفته في غير موضع من ما تقدم.
وإن كان عامدا فقيل إنه تبطل عمرته ويصير حجة مفردا، ذهب
إليه الشيخ وجمع من الأصحاب: منهم الشهيد في شرح الإرشاد،
وصاحب الجامع على ما نقله فيه أيضا، والعلامة في المختلف والتذكرة
والمنتهى، والشهيد الثاني في المسالك، والظاهر أنه المشهور. وذهب

(1) الوسائل الباب 54 من الاحرام، والباب 6 من التقصير. والشيخ
يرويه عن الكليني.
(2) الوسائل الباب 54 من الاحرام، والباب 6 من التقصير
(3) ج 2 ص 237، والوسائل الباب 6 من التقصير
(4) ص 29
118

ابن إدريس إلى بطلان الاحرام الثاني والبقاء على الاحرام الأول.
استدل الشيخ في التهذيب على ما ذهب إليه بما رواه في الموثق
عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (المتمتع إذا
طاف وسعى ثم لبى قبل أن يقصر، فليس له أن يقصر، وليس له متعة)
وهذه الرواية قد وصفها جمع بالصحة: منهم العلامة في التذكرة
والمنتهى والمختلف، والشهيد الثاني في المسالك، والأول في شرح
الإرشاد، مع أن في طريقها إسحاق بن عمار وهو مشترك بين الثقة
والفطحي.
وعن العلاء بن الفضيل (2) قال: (سألته عن رجل متمتع طاف
ثم أهل بالحج قبل أن يقصر. قال: بطلت متعته، هي حجة مبتولة)
قال في المدارك بعد نقل الخبرين المذكورين: وفي الروايتين قصور من
حيث السند، فيشكل التعويل عليهما في اثبات حكم مخالف للأصل
والاعتبار. وهو على أصله الغير الأصيل جيد. وقد عرفت في غير موضع
من ما تقدم أن الطعن في الأخبار بضعف السند لا يقوم حجة على الشيخ
ونحوه من المتقدمين الذين لا أثر لهذا الاصطلاح عندهم.
وبالجملة فظاهر الروايتين بطلان المتعة، والثانية صريحة في كونها
تصير حجة مفردة. ولا معارض لهما.
وما ذكره في الدروس في الجواب عنهما بالحمل على متمتع عدل
عن الافراد ثم لبى بعد السعي، قال: لأنه روى التصريح بذلك

(1) التهذيب ج 5 ص 159، والوسائل الباب 54 من الاحرام.
(2) التهذيب ج 5 ص 90، والوسائل الباب 54 من الاحرام.
119

فقد رده في المدارك بأنه حمل بعيد، قال: وما ادعاه من النص
لم نقف عليه.
أقول: أما ما ذكره من بعد الحمل فجيد، لأن ظاهر الروايتين
المذكورتين أن الطواف والسعي إنما وقع بنية المتعة، فالحمل على أنهما وقعا بنية الافراد، وأنه عدل عن الافراد بعدهما إلى التمتع
ونقل ما أتى به إلى عمرة التمتع تعسف محض. وأما ما ذكره من أن ما ادعاه من النص لم يقف عليه فعجيب، فإنه قد قدم في مسألة
جواز عدول المفرد إلى التمتع: أنه متى طاف وسعى في حج الافراد
بعد دخوله مكة وأراد نقله إلى التمتع، فإن كان قد لبى بعد الطواف
أو بعد السعي امتنع النقل، لأن التلبية عاقدة للاحرام الأول، وإن
لم يلب جاز له العدول. وهذا هو الذي أراده الشهيد هنا، وهو
من ما لا سبيل إلى انكاره.
ومن روايات المسألة ما رواه في الفقيه عن إسحاق بن عمار، وفي
التهذيب عنه عن أبي بصير (1) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام): الرجل يفرد الحج، فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة
ثم يبدو له أن يجعلها عمرة؟ قال: إن كان لبى بعد ما سعى قبل أن يقصر فلا متعة له) وهي ظاهرة في ما ذكره الشهيد من أن المفرد
متى عدل بعد الطواف والسعي إلا أنه لبى بعد السعي فإنه لا متعة له

(1) الفقيه ج 2 ص 204، والتهذيب ج 5 ص 90، والوسائل الباب
5 و 19 من أقسام الحج. والحديث في الفقيه عن إسحاق بن عمار عن أبي بصير أيضا. إلا أن صاحب الوسائل نقله في الباب 19 من أقسام
الحج عن الفقيه وأنهاه إلى إسحاق بن عمار.
120

بمعنى إن عدوله غير صحيح، بل يبقى على ما كان عليه حيث عقد
احرامه الأول بالتلبية.
احتج ابن إدريس بأن الاحرام بالحج إنما يسوغ التلبس به بعد
التحلل من الأول، وقبله يكون منهيا عنه، والنهي في العبادة يقتضي
الفساد. وبأن الاجماع منعقد على أنه لا يجوز إدخال الحج على العمرة
ولا العمرة على الحج قبل فراغ مناسكهما.
وأجيب عنه بمنع كون النهي هنا مفسدا، لرجوعه إلى وصف خارج
عن ماهية الاحرام. ومنع تحقق الادخال، لأن التقصير محلل لا جزء
من العمرة.
قال في المدارك بعد نقل هذا الجواب: ويتوجه على الأول: أن
المنهي عنه نفس الاحرام، لأن التلبس به قبل التحلل من احرام
العمرة إدخال في الدين ما ليس منه، فيكون تشريعا محرما، ويفسد
لأن النهي في العبادة يقتضي الفساد. وإذا كان فاسدا يكون وجوده
كعدمه، ويبقى الحال على ما كان عليه من وجوب التقصير وانشاء احرام
الحج. وعلى الثاني: أن المستفاد من الأخبار الكثيرة المتضمنة لبيان
أفعال العمرة كون التقصير من جملة أفعالها وإن حصل التحلل به،
كما في طواف الحج وطواف النساء. وقد صرح بذلك العلامة في
المنتهى مدعيا عليه الاجماع. ومتى ثبت كون التقصير نسكا تحقق
الادخال بالتلبس بإحرام الحج قبل الاتيان به جزما. على أن اللازم
من ما ذكره المجيب من عدم اقتضاء النهي الفساد، وعدم تحقق
الادخال المنهي عنه صحة الاحرام بالحج لا صيرورة الحجة مبتولة،
وهم لا يقولون به. ويظهر من المصنف التردد في هذه المسألة حيث اقتصر
121

على نقل القولين من غير ترجيح لأحدهما. وهو في محله، وإن كان
مقتضى الأصل المصير إلى ما ذكره ابن إدريس إلى أن يثبت سند
الروايتين. انتهى.
أقول: لا يخفى أن تصحيح كلام ابن إدريس والذب عنه بما
ذكره إنما يتجه مع طرح الخبرين كما اعترف به في آخر كلامه،
وأما مع العمل بهما عند من لا يرى العمل بهذا الاصطلاح فالقول بهما
متعين، وما ذكره ابن إدريس ساقط، وما نقله من الجواب عنه
والايراد على الجواب المذكور بما ذكره تطويل بغير طائل. وما قدمناه
من الدليل على عدم جواز الادخال مخصوص بالخبرين المذكورين، فلا
إشكال. على أن اللازم من احتجاج ابن إدريس بعد تصحيحه والذب
عنه بما ذكره هو بطلان الاحرام الثاني، وهو لا ينافي ما دل عليه
الخبران من صيرورة الحجة مفردة بذلك.
ثم إنه متى صارت الحجة مفردة بذلك كما ذكره الشيخ فيجب
اكمالها، وهل تجزئ عن الفرض الواجب؟ اشكال ينشأ، من تعلق
التكليف بالمتعة وعدم حصول الضرورة المسوغة للعدول كما في غيره
من ما تقدم، ومن عدم الأمر بالإعادة في الخبرين المذكورين مع أن
المقام مقام البيان. قال في المسالك: والأقوى أنه لا يجزئه عن فرضه
لأنه عدول اختياري، ولم يأت بالمأمور به على وجهه. والظاهر أن
الجاهل كالعامد، لدخوله في اطلاق صحيحة أبي بصير (1) وإنما خرج
الناسي بنص خاص. انتهى. ونقل الشهيد في شرح الإرشاد عن
صاحب الجامع أنه صرح بعدم الاجزاء عن الفرض، ثم قال: وهو

(1) ص 119
122

الوجه، إذ الفرض هو التمتع ولا ضرورة فلا يصح العدول. ويحتمل
الاجزاء، لعدم الأمر بالإعادة فلا يجب، وإلا لتأخر البيان عن وقت
الحاجة أو الخطاب. انتهى.
المسألة الثانية يجب الاحرام من المواقيت المتقدمة على كل من
دخل مكة، فلا يجوز لأحد دخولها بغير احرام إلا ما استثنى من ما
يأتي بيانه.
أما الحكم الأول فيدل عليه مضافا إلى اتفاق الأصحاب على الحكم
المذكور روايات: منها ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن
مسلم (1) قال: (سألت أبا جعفر (عليه السلام): هل يدخل الرجل
مكة بغير احرام؟ فقال: لا إلا أن يكون مريضا أو به بطن).
وفي الصحيح عن عاصم بن حميد (2) قال: (قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): أيدخل أحد الحرم إلا محرما؟ قال: لا إلا مريض
أو مبطون).
وروى ابن بابويه عن علي بن أبي حمزة (3) قال: (سألت أبا إبراهيم
(عليه السلام) عن رجل يدخل مكة في السنة المرة والمرتين والثلاث
كيف يصنع؟ قال: إذا دخل فليدخل ملبيا، وإذا خرج فليخرج محلا).
وفي الصحيح عن محمد بن مسلم (4) قال: (سألت أبا جعفر (عليه

(1) التهذيب ج 5 ص 165 و 448، والوسائل الباب 50 من الاحرام
(2) التهذيب ج 5 ص 165 و 468، والوسائل الباب 50 من الاحرام
(3) الفقيه ج 2 ص 239، والوسائل الباب 50 من الاحرام، والباب
6 من العمرة.
(4) روى الشيخ في التهذيب ج 5 ص 165 و 448 حديث محمد بن
مسلم بطريقين، وفي كليهما: (هل يدخل الرجل مكة بغير احرام؟)
وأوردهما في الوسائل في الباب 50 من الاحرام رقم (2) و (4) إلا أنه أورد
الأول بهذا اللفظ: (هل يدخل الرجل الحرم بغير احرام؟) ورواه
الصدوق في الفقيه ج 2 ص 239 بلفظ: (مكة) أيضا. وأورد الحديث في
الوافي باب (أنه لا يجوز دخول مكة بغير احرام إلا لعلة) جامعا
بين طريقي التهذيب والفقيه، واللفظ كما أورده المصنف (قدس سره) هنا
123

السلام): هل يدخل الرجل بغير احرام؟ فقال: لا إلا أن يكون
مريضا أو به بطن).
وظاهر الصحاح الثلاث المذكورة سقوط الاحرام عن المريض مطلقا،
وبه قطع الشيخ في جملة من كتبه، والمحقق في النافع.
وقال في التهذيب: إن الأفضل للمريض الاحرام. واستدل بما
رواه في الصحيح عن رفاعة بن موسى (1) قال: (سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن رجل به بطن ووجع شديد، يدخل مكة حلالا؟
فقال: لا يدخلها إلا محرما. وقال: يحرمون عنه. إن الحطابين والمجتلبة
أتوا النبي (صلى الله عليه وآله) فسألوه، فأذن لهم أن يدخلوا حلالا)
وبهذا جمع من تأخر عنه أيضا بين هذه الروايات.
ومثل صحيحة رفاعة المذكورة ما رواه في الكافي عنه أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (سألته عن الرجل يعرض له
المرض الشديد قبل أن يدخل مكة. قال: لا يدخلها إلا بإحرام).
ويمكن الجمع بينها، بحمل الروايات المبيحة للدخول من غير

(1) التهذب ج 5 ص 165، والوسائل الباب 50 و 51 من الاحرام.
(2) الوسائل الباب 50 من الاحرام
124

احرام على من لا يتمكن من الاتيان بالمناسك ولو بالحمل، والأخيرين على
من يتمكن. ويحتمل ولعله الأقرب حمل خبري رفاعة على التقية،
فإن مذهب أبي حنيفة على ما نقله في المنتهى أنه لا يجوز لأحد
دخول الحرم بغير احرام إلا من كان دون الميقات (1). ولا ريب أن
مذهب أبي حنيفة في زمانه له صيت وشهرة وقوة بخلاف سائر المذاهب
فالتقية أقرب قريب في الخبرين المذكورين.
ويجب على الداخل أن ينوي باحرامه النسك من حج أو عمرة،
فإن الاحرام وإن كان عبادة إلا أنه غير مستقل بنفسه بل إما أن يكون لحج أو عمرة. ويجب اكمال النسك الذي تلبس به ليتحلل من
الاحرام. ولا يخفى أن الاحرام إنما يوصف بالوجوب مع وجوب
الدخول، وإلا كان شرطا غير واجب كوضوء النافلة.
وأما الحكم الثاني فإنه قد استثنى الأصحاب (رضوان الله تعالى
عليهم) من هذا الحكم مواضع:
أحدها الحطابون والمجتلبة، ويدل عليه صحيحة رفاعة المتقدمة
والظاهر أن المراد بالمجتلبة من يجلب الأشياء إلى البلد كالحنطة والدقيق
والشعير والحشيش والفواكه ونحوها. والأصحاب قد عبروا هنا بالتكرر
قال في المدارك: ومقتضى عبارة المصنف وغيره استثناء كل من يتكرر
دخوله وإن لم يدخل في قسم المجتلبة. وهو غير بعيد، وإن كان
الاقتصار على مورد النص أولى. انتهى. وهو جيد.
وثانيها العبيد، صرح به الشيخ وجماعة، فجوزوا لهم دخول مكة
بغير احرام. واستدل عليه في المنتهى بأن السيد لم يأذن لهم بالتشاغل

(1) المغني لابن قدامة ج 3 ص 268
125

بالنسك عن خدمته، فإذا لم تجب عليهم حجة الاسلام لهذا المنع فعدم
وجوب الاحرام لذلك أولى. انتهى. وهو جيد. ومرجعه إلى أن الاحرام
إنما يجب للنسك، والنسك غير جائز له بدون إذن السيد، فيسقط
الاحرام حينئذ.
وثالثها من دخلها لقتال، فإنه يجوز أن يدخلها محلا، كما دخل
النبي (صلى الله عليه وآله) وأصحابه عام الفتح. والحكم بذلك مشهور
بين الأصحاب، ومستندهم دخوله (صلى الله عليه وآله) وأصحابه عام
الفتح (1). مع أن صحيحة معاوية بن عمار (2) دلت على أنه قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم فتح مكة: إن الله حرم مكة
يوم خلق السماوات والأرض، وهي حرام إلى أن تقوم الساعة، لم
تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ولم تحل لي إلا ساعة من نهار.
قال في المنتهى بعد ذكر جواز الدخول بغير احرام للحطابين والمرضى
وكل من يتكرر دخوله إليها: وكذا من يريد دخولها لقتال سائغ،
كأن يرتد قوم فيها، أو يبغون على إمام عادل، ويحتاج إلى قتالهم،
فإنه يجوز له دخولها من غير احرام، لأن النبي (صلى الله عليه وآله)
دخلها عام الفتح وعليه عمامة سوداء (3) لا يقال: إنه كان مختصا
بالنبي (صلى الله عليه وآله) لأنه قال (عليه السلام).. وذكر حديث

(1) السيرة الحلبية ج 3 ص 98، ومشكاة المصابيح ج 2 ص 62، والمغني
لابن قدامة ج 3 ص 268
(2) الوسائل الباب 50 من الاحرام
(3) الامتناع للمقريزي ج 1 ص 377، والسيرة الحلبية ج 3 ص 98،
ومشكاة المصابيح ج 2 ص 62
126

معاوية المتقدم. ثم قال: لأنا نقول: يحتمل أن يكون معناه:
أحلت لي ولمن هو في مثل حالي. انتهى. ولا يخفى ما فيه.
ومن ما يؤيد صحيحة معاوية المذكورة ما رواه الصدوق في الفقيه
بسنده عن كليب الأسدي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) (أن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) استأذن الله (عز وجل) في مكة ثلاث مرات
من الدهر، فأذن له فيها ساعة من النهار، ثم جعلها حراما ما دامت
السماوات والأرض).
وروى الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب إعلام الورى (2) نقلا
من كتاب أبان بن عثمان عن بشير النبال عن أبي عبد الله (عليه السلام)
في حديث فتح مكة (أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ألا إن
مكة محرمة بتحريم الله، لم تحل لأحد كان قبلي، ولم تحل لي إلا ساعة
من نهار، فهي محرمة إلى أن تقوم الساعة، لا يختلى خلاها، ولا يقطع
شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد. قال: ودخل
مكة بغير احرام وعليهم السلاح.. الحديث).
ورابعها من دخلها بعد خروجه محرما قبل مضي شهره الذي
خرج فيه. وقد تقدم تحقيق القول في هذه المسألة في المقدمة الرابعة
في المسألة الرابعة من مسائل المطلب الأول في حج التمتع (3).
المسألة الثالثة احرام المرأة كاحرام الرجل إلا في أشياء:
أحدها لبس المخيط لهن، فإنه جائز على المشهور. وقد تقدم

(1) الوسائل الباب 50 من الاحرام.
(2) ص 117، والوسائل الباب 50 من الاحرام.
(3) ج 14 ص 362
127

تحقيق القول فيه (1).
وثانيها الجهر بالتلبية، فإنه لا جهر عليها.
ويدل عليه ما رواه في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) قال: (ليس على النساء جهر بالتلبية).
وما رواه في التهذيب في الصحيح عن فضالة عن من حدثه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: (إن الله (تعالى) وضع عن النساء
أربعا: الجهر بالتلبية، والسعي بين الصفا والمروة، ودخول الكعبة،
والاستلام) ورواه في الفقيه (4) عن أبي سعيد المكاري مثله، وزاد
بعد قوله: (المروة): (يعني: الهرولة) وأضاف (الاستلام)
إلى (الحجر).
وثالثها التظليل سائرا، فإنه محرم على الرجال دون النساء.
وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (5)
قال: (سألته عن المحرم يركب القبة؟ فقال: لا. قلت: فالمرأة
المحرمة؟ قال: نعم).
وصحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6) قال: (لا بأس
بالقبة على النساء والصبيان وهم محرمون).

(1) ص 88 و 89
(2) الوسائل الباب 38 من الاحرام، والباب 18 من الطواف
(3) الوسائل الباب 38 من الاحرام
(4) ج 2 ص 210، والوسائل الباب 38 من الاحرام
(5) الوسائل الباب 64 من تروك الاحرام.
(6) الوسائل الباب 65 من تروك الاحرام.
128

وصحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
(لا بأس بالظلال للنساء، وقد رخص فيه للرجال) أقول: يعني:
حال الضرورة، كما يأتي تحقيقه في محله إن شاء الله تعالى.
ورابعها جواز لبس الحرير لها دونه. وقد تقدم الكلام
في ذلك (2).
وخامسها وجوب كشف وجهها دونه، فإنه يجب عليها أن تسفر
عن وجهها اجماعا، لأن احرامها في وجهها، فلا يجوز لها تغطيته.
قال في المنتهى: إنه قول علماء الأمصار، والأصل فيه قول
النبي (صلى الله عليه وآله) (3): (احرام الرجل في رأسه واحرام المرأة
في وجهها).
ويدل عليه ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: (مر أبو جعفر (عليه السلام)
بامرأة متنقبة وهي محرمة، فقال: احرمي واسفري وارخي ثوبك
من فوق رأسك، فإنك إن تنقبت لم يتغير لونك. فقال رجل: إلى

(1) الوسائل الباب 64 من تروك الاحرام
(2) ص 82
(3) هذا اللفظ ورد في حديث عبد الله بن ميمون الآتي غير منسوب إلى
النبي صلى الله عليه وآله. وفي سنن الدارقطني ج 2 ص 294: عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله
ولكن في سنن البيهقي ج 5 ص 47: أنه موقوف على ابن عمر. وفي المغني
ج 3 ص 323: كان ابن عمر يقول: (احرام الرجل في رأسه). وذكر
القاضي في الشرح: أن النبي صلى الله عليه وآله قال: (احرام الرجل في رأسه
واحرام المرأة في وجهها).
(4) الفروع ج 4 ص 344، والوسائل الباب 48 من تروك الاحرام.
129

أين ترخيه؟ فقال: تغطي عينيها. قال. قلت: يبلغ فمها؟
قال: نعم).
وفي الحسن عن عبد الله بن ميمون عن جعفر عن أبيه (عليهما
السلام) (1) قال: (المحرمة لا تتنقب، لأن احرام المرأة في وجهها
واحرام الرجل في رأسه).
وعن أحمد بن محمد عن أبي الحسن (عليه السلام) (2) قال:
(مر أبو جعفر (عليه السلام) بامرأة محرمة قد استترت بمروحة،
فأماط المروحة بقضيبه عن وجهها).
وفي رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال:
لا تطوف المرأة بالبيت وهي متنقبة).
أقول: وما تضمنته صحيحة الحلبي من جواز ارخاء الثوب من
فوق رأسها على وجهها فقد ورد في جملة من الأخبار:
ففي بعضها إلى أن يبلغ الفم، كما في الرواية المذكورة.
وروى الكليني في الصحيح عن العيص بن القاسم (4) قال: قال
أبو عبد الله (عليه السلام) في حديث: (وكره النقاب) يعني: للمرأة
المحرمة. وقال: (تسدل الثوب على وجهها. قلت: حد ذلك
إلى أين؟ قال: إلى طرف الأنف قدر ما تبصر) أقول: المراد

(1) الوسائل الباب 48 و 55 من تروك الاحرام
(2) الفروع ج 4 ص 346، والفقيه ج 2 ص 219، والوسائل الباب
48 من تروك الاحرام.
(3) الوسائل الباب 48 من تروك الاحرام، والباب 68 من الطواف
(4) الفروع ج 4 ص 344، والوسائل الباب 48 من تروك الاحرام.
130

بالكراهة التحريم، كما هو شائع في الأخبار.
وفي بعضها إلى الذقن، كما في صحيحة حريز (1) قال: (قال
أبو عبد الله (عليه السلام): المحرمة تسدل الثوب على وجهها إلى الذقن).
وفي آخر إلى النحر، كما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: (تسدل المرأة الثوب على وجهها من أعلاها
إلى النحر إذا كانت راكبة).
وفي الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال:
(المحرمة تسدل ثوبها إلى نحرها).
أقول: ظاهر اطلاق هذه الأخبار عدم وجوب مجافاة الثوب عن
الوجه، فإن اسداله من أعلى الرأس عليه إلى المواضع المذكورة لا يكاد
يسلم الوجه من إصابة الثوب له، كما هو ظاهر. إلا أن يقال:
إن المحرم إنما هو شد الثوب على الوجه كما هو في النقاب، أو أن
تخمره بالثوب، وإليه يشير قوله (عليه السلام) في صحيحة الحلبي:
(فإنك إن تنقبت لم يتغير لونك) ومجرد المماسة أحيانا لا يمنع من
تغير اللون، ومن صدق الاسفار المأمور به في الأخبار. وبه يزول
الاشكال.
ونقل عن الشيخ أنه أوجب مجافاة الثوب عن وجهها بخشبة وشبهها
بحيث لا يصيب البشرة، وحكم بلزوم الدم إذا أصاب الثوب وجهها
ولم تزله بسرعة. وقال العلامة في المنتهى بعد نقل ذلك عنه:
والوجه عندي سقوط هذا، لأنه غير مذكور في الخبر. مع أن الظاهر
خلافه، فإن سدل الثوب لا يكاد تسلم معه البشرة من الإصابة، فلو

(1) الوسائل الباب 48 من تروك الاحرام.
(2) الوسائل الباب 48 من تروك الاحرام.
(3) الوسائل الباب 48 من تروك الاحرام.
131

كان محرما لبين، لأنه محل الحاجة. انتهى. ونسب الشهيد في الدروس
اعتبار المجافاة إلى الشهرة. وهو مؤذن بتردده في ذلك. واستشكله
أيضا العلامة في التذكرة.
والظاهر عندي من الأخبار هو ما قدمت ذكره، إلا أن الأحوط
ما ذكره الشيخ من مجافاة الثوب عن وجهها بخشبة ونحوها. وأما
وجوب الدم فلم أقف على دليل عليه، ولا ذكره أحد غيره
في ما أعلم.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن المشهور بين الأصحاب تحريم النقاب
على المرأة، بل قال في المدارك: إنه مذهب الأصحاب، لا أعلم
فيه مخالفا. وهو غفلة منه (قدس سره) فإن العلامة في القواعد
والارشاد قد أفتى بالكراهة، ومثله المحقق في النافع، وتردد في
الشرائع. والظاهر أنه عبارة عن شد الثوب على فمها وأنفها وما
سفل عنهما، كاللثام للرجل. ويدل على التحريم الأخبار المتقدمة.
ولعل من ذهب إلى الكراهة استند إلى لفظ الكراهة في صحيحة عيص بن
القاسم المتقدمة. وفيه أن ورود الكراهة بمعنى التحريم في الأخبار
شائع. فالمتجه هو القول بالتحريم.
المسألة الرابعة الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في وجوب
الاحرام على الحائض إذا مرت بالميقات قاصدة النسك، ولكن لا تصلي
صلاة الاحرام.
ويدل على ذلك جملة من الأخبار: منها ما رواه الشيخ في الصحيح
عن معاوية بن عمار (1) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)

(1) التهذيب ج 5 ص 388، والوسائل الباب 48 من الاحرام.
132

عن الحائض تحرم وهي حائض؟ قال: نعم، تغتسل، وتحتشي،
وتصنع كما يصنع المحرم، ولا تصلي).
وفي الصحيح عن منصور بن حازم (1) قال: (قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): المرأة الحائض تحرم وهي لا تصلي؟ قال: نعم
إذا بلغت الوقت فلتحرم).
وفي الصحيح عن العيص بن القاسم (2) قال: (سألت أبا عبد الله
(عليه السلام): أتحرم المرأة وهي طامث؟ قال: نعم، تغتسل، وتلبي.
وروى في الكافي في الموثق عن يونس بن يعقوب (3) قال:
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحائض تريد الاحرام. قال:
تغتسل، وتحتشي بالكرسف، وتلبس ثوبا دون ثياب احرامها،
وتستقبل القبلة، ولا تدخل المسجد، وتهل بالحج بغير صلاة).
والظاهر أن المراد بقوله: (تلبس ثوبا دون ثياب احرامها)
أي تحتها لئلا تتلوث بالدم.
وعن زيد الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: (سئل
عن امرأة حاضت وهي تريد الاحرام فتطمث. فقال: تغتسل، وتحتشي
بكرسف، وتلبس ثياب الاحرام، وتحرم، فإذا كان الليل خلعتها
ولبست ثيابها الأخر، حتى تطهر).
ونقل السيد السند في المدارك عن جده (قدس الله روحيهما) في
مناسك الحج: أنها تترك الغسل. ورده بأنه غير جيد، لورود الأمر به

(1) التهذيب ج 5 ص 389، والوسائل الباب 48 من الاحرام
(2) الوسائل الباب 48 من الاحرام.
(3) الوسائل الباب 48 من الاحرام.
(4) الفروع ج 4 ص 445، والوسائل الباب 48 من الاحرام.
133

في الأخبار الكثيرة. ثم قال: ولو كان الميقات مسجد الشجرة أحرمت
منه اختيارا، فإن تعذر أحرمت من خارجه. انتهى. وبذلك صرح غيره
أقول: قد صرحت موثقة يونس بن يعقوب بالمنع من دخول
المسجد، وأن احرامها يصح من خارجه، فلا ضرورة لما ارتكبوه من
الاحرام اختيارا في المسجد، ومع تعذره فمن خارجه.
ولو تركت الاحرام من الميقات جهلا بالحكم وظنا منها أنه لا يجوز
لها الاحرام، رجعت إليه وأحرمت منه إن أمكن، وإلا أحرمت من
موضعها ولو في مكة إن لم تتمكن من الخروج إلى خارج الحرم.
ويدل على ذلك جملة من الأخبار: منها صحيحة معاوية بن عمار (1)
قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة كانت مع قوم
فطمثت، فأرسلت إليهم فسألتهم، فقالوا: ما ندري أعليك احرام
أم لا وأنت حائض، فتركوها حتى دخلت الحرم. فقال: إن كان
عليها مهلة فلترجع إلى الوقت فلتحرم منه، وإن لم يكن عليها وقت
فلترجع إلى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها).
إلى غير ذلك من الأخبار التي تقدمت في مسائل المقام الثاني من
المقدمة الخامسة.
المقصد الرابع
في تروك الاحرام وهي محرمات ومكروهات
وتحقيق الكلام فيه يقتضي بسطه في فصلين:

(1) الفروع ج 4 ص 325، والتهذيب ج 5 ص 389، والوسائل
الباب 14 من المواقيت.
134

الفصل الأول في التروك المحرمة، وهي أصناف:
الأول صيد البر، ويحرم اصطيادا وأكلا وإشارة ودلالة واغلاقا
وذبحا.
وههنا بحوث: الأول لا يخفى أن هذا الحكم مجمع عليه حتى
قال في المنتهى: إنه قول كل من يحفظ عنه العلم.
والأصل فيه الكتاب العزيز، والسنة المطهرة، قال الله (عز وجل):
(يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) (1) وقال (عز
وجل): (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) (2).
وأما السنة المطهرة فمستفيضة، ومنها وما رواه ثقة الاسلام في
الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: (لا
تستحلن شيئا من الصيد وأنت حرام، ولا وأنت حلال في الحرم،
ولا تدلن عليه محلا ولا محرما فيصطاده، ولا تشر إليه فيستحل من
أجلك، فإن فيه فداء لمن تعمده).
وفي الصحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)
قال: (المحرم لا يدل على الصيد، فإن دل عليه فقتل فعليه الفداء)
وما رواه الشيخ في الصحيح والكليني في الصحيح أو الحسن عن
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال: (لا تأكل

(1) سورة المائدة، الآية 95.
(2) سورة المائدة، الآية 96.
(3) الفروع ج 4 ص 381، والوسائل الباب 1 من تروك الاحرام.
(4) الوسائل الباب 1 من تروك الاحرام، والباب 17 من كفارات الصيد
(5) الوسائل الباب 31 من كفارات الصيد.
135

من الصيد وأنت حرام وإن كان أصابه محل، وليس عليك فداء ما أتيته
بجهالة إلا الصيد، فإن عليك فيه الفداء بجهل كان أو بعمد).
وما رواه في الكافي أيضا عن معاوية بن عمار في الصحيح أو
الحسن (1) قال: (قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما وطأته أو وطأه
بعيرك وأنت محرم فعليك فداؤه. وقال: إعلم أنه ليس عليك فداء
شئ أتيته وأنت جاهل به وأنت محرم في حجك ولا في عمرتك إلا الصيد
فإن عليك فيه الفداء بجهالة كان أو بعمد).
وفي الصحيح عن أحمد بن محمد البزنطي عن أبي الحسن الرضا
(عليه السلام) (2) قال: (سألته عن المحرم يصيب الصيد بجهالة
قال: عليه كفارة. قلت: فإن أصابه خطأ؟ قال: وأي شئ الخطأ
عندك؟ قلت: يرمي هذه النخلة فيصيب نخلة أخرى. قال: نعم هذا
الخطأ، وعليه الكفارة. قلت: فإنه أخذ طائرا متعمدا فذبحه وهو
محرم؟ قال: عليه الكفارة. قلت: ألست قلت: إن الخطأ والجهالة
والعمد ليسوا بسواء، فبأي شئ يفضل المتعمد الجاهل والخاطئ؟
قال: إنه إثم ولعب بدينه).
وما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: (إذا أحرمت فاتق قتل الدواب

(1) الفروع ج 4 ص 382 و 383، والوسائل الباب 31 من كفارات
الصيد.
(2) الفروع ج 4 ص 381، والوسائل الباب 31 من كفارات الصيد
(3) الفروع ج 4 ص 363، والتهذيب ج 5 ص 365، والوسائل
الباب 81 من تروك الاحرام، والوافي باب (قتل الدواب للمحرم)
136

كلها إلا الأفعى والعقرب والفأرة، فأما الفأرة فإنها توهي السقاء
وتحرق على أهل البيت، وأما العقرب فإن نبي الله (صلى الله عليه
وآله) مد يده إلى الحجر فلسعته عقرب، فقال: لعنك الله، لا برا
تدعين ولا فاجرا. والحية إذا إرادتك فاقتلها، فإن لم تردك فلا تردها
والكلب العقور والسبع إذا أرادك فاقتلهما، فإن لم يريداك فلا
تردهما. والأسود الغدر فاقتله على كل حال. وارم الغراب والحدأة
رميا عن ظهر بعيرك).
وما رواه في الصحيح عن حريز عن من أخبره عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: (كل ما خاف المحرم على نفسه من
السباع والحيات وغيرها فليقتله، وإن لم يردك فلا ترده).
وما رواه الشيخ في التهذيب عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: (واجتنب في احرامك صيد البر كله، ولا
تأكل من ما صاده غيرك، ولا تشر إليه فيصيده).
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.
وتنقيح البحث في المقام يتم برسم مسائل: الأولى اختلف كلام
الأصحاب (رضوان الله عليهم) في المعنى المراد من الصيد في هذا
المقام، فظاهر كلام جملة: منهم المحقق في الشرائع، والعلامة في
الإرشاد: إنه الحيوان الممتنع، وهو أعم من أن يكون محللا أو محرما.
وفي النافع: إنه الحيوان المحلل الممتنع. ومثله الشهيد في الدروس، إلا

(1) الفروع ج 4 ص 363، والتهذيب ج 5 ص 365 و 465، والوسائل
الباب 81 من تروك الاحرام.
(2) الوسائل الباب 1 من تروك الاحرام
137

أنه استثنى أفرادا من المحرم فألحقها به، حيث قال: الأول الصيد
وهو الحيوان المحلل، إلا أن يكون أسدا أو ثعلبا أو أرنبا أو ضبا أو
قنفذا أو يربوعا، الممتنع بالأصالة، البري. ونقل في المدارك عن
جملة من الأصحاب أنهم ألحقوا الستة المذكورة بالمحلل. وعن آخرين أنهم
ألحقوا الزنبور والأسد والعظاية. ونقل عن أبي الصلاح أنه حرم
قتل جميع الحيوان إلا إذا خاف منه أو كان حية أو عقربا أو فأرة
أو غرابا. والظاهر أن مراده بالحيوان: الممتنع لا مطلق الحيوان، للنص (1)
والاجماع على جواز ذبح غيره. وعلى هذا يرجع كلامه إلى ما تقدم
نقله عن المحقق في الشرائع من العموم للمحلل والمحرم. وفي المسالك
والروضة: إنه الحيوان المحلل الممتنع بالأصالة. ثم قال: ومن المحرم
الثعلب والأرنب والضب واليربوع والقنفذ والقمل. وهو يرجع إلى
ما ذكره الشهيد في الدروس. وفي التذكرة: إنه الحيوان الممتنع. وقيل
ما جمع ثلاثة أشياء: أن يكون مباحا وحشيا ممتنعا. وفي المنتهى:
إنه الحيوان الممتنع. وقيل يشترط أن يكون حلالا.
ولا يخفى أن الظاهر من الأخبار هو تحريم الصيد أعم من أن
يكون محللا أو محرما، ولا سيما رواية عمر بن يزيد وهي الأخيرة
من قوله (عليه السلام): (واجتنب في احرامك صيد البر كله)
ويدل عليه أيضا اطلاق قوله تعالى: (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) (2)
وقوله (عليه السلام) في صحيحة معاوية بن عمار: (إذا أحرمت
فاتق قتل الدواب كلها إلا الأفعى والعقرب والفأرة) وفي رواية

(1) الوسائل الباب 82 من تروك الاحرام، والباب 40 من كفارات الصيد
(2) سورة المائدة، الآية 95
138

حريز (1): (كل ما خاف المحرم على نفسه من السباع والحيات وغيرها
فليقتله، وإن لم يردك فلا ترده) ولا ينافي ذلك عدم ترتب الكفارة
على قتل بعض أنواع غير المأكول، إذ ليس من لوازم التحريم ترتب
الكفارة، كما لا يخفى.
الثانية الظاهر أن من قيد بالممتنع مقتصرا عليه فمراده الممتنع
أصالة، كما صرح به في الدروس، وإلا لدخل فيه ما توحش وامتنع
من الحيوانات الأهلية، وخرج عنه ما تأهل من الحيوانات الوحشية
الممتنعة، كالظبي ونحوه، مع أن الظاهر أنه لا خلاف في جواز قتل
الأول وعدم جواز قتل الثاني.
واعلم أن الدلالة أعم من الإشارة، لأن الإشارة لا تكون إلا
بأجزاء الجسد، والدلالة كما تكون بذلك تكون بالقول والكتابة.
ولا فرق في تحريم الدلالة على المحرم بين كون المدلول محرما أو
محلا، ولا بين الدلالة الخفية والواضحة.
قيل: ولو فعل المحرم عند رؤية الصيد فعلا أوجب لغيره أنه
فطن للصيد، مثل أن يتشوق إليه أو يضحك، ففي التحريم وجهان،
من الشك في تسميته دلالة، ومن كونه في معناها.
وقال بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن الدلالة إنما تحرم
لمن يريد الصيد إذا كان جاهلا بالمدلول عليه، فلو لم يكن مريدا
للصيد أو كان عالما به ولم تفده الدلالة زيادة انبعاث فلا حكم لها،
بل الظاهر أن مثل ذلك لا يسمى دلالة.
الثالثة ينبغي أن يعلم أن الجراد في معنى الصيد البري فيحرم

(1) الوسائل الباب 81 من تروك الاحرام
139

قتله، ويضمنه المحرم في الحل والحرم، وإن كان أصله من البحر،
لأنه يتولد منه أولا ثم يتوالد في البر. وذكر في التذكرة أنه قول
علمائنا وأكثر العامة (1).
ويدل على تحريمه على المحرم روايات عديدة: منها صحيحة
محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال: (مر علي
(صلوات الله عليه) على قوم يأكلون جرادا وهم محرمون، فقال:
سبحان الله وأنتم محرمون؟ فقالوا: إنما هو من صيد البحر. فقال لهم:
ارموه في الماء إذن).
وفي الصحيح عن معاوية بن عمار (3) قال: (قال أبو عبد الله (عليه
السلام): الجراد من البحر، وكل شئ أصله من البحر ويكون في
البر والبحر فلا ينبغي للمحرم أن يقتله، فإن قتله فعليه الفداء،
كما قال الله تعالى) (4).

(1) المجموع للنووي الشافعي شرح المهذب ج 7 ص 298 الطبعة
الثانية، والمغني لابن قدامة الحنبلي ج 3 ص 519، والبحر الرائق لابن
نجيم الحنفي ج 3 ص 35.
(2) الفروع ج 4 ص 393، والتهذيب ج 5 ص 363، والفقيه ج 2
ص 235، والوسائل الباب 7 من تروك الاحرام.
(3) التهذيب ج 5 ص 468، والوسائل الباب 6 من تروك الاحرام،
والباب 37 من كفارات الصيد.
(4) في سورة المائدة، الآية 95: يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد
وأنتم حرم.. الآية.
140

وعن معاوية في الصحيح أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: (ليس للمحرم أن يأكل جرادا، ولا يقتله. قال: قلت:
ما تقول في رجل قتل جرادة وهو محرم؟ قال: تمرة خير من جرادة.
وهو من البحر، وكل شئ أصله من البحر ويكون في البر والبحر
فلا ينبغي للمحرم أن يقتله، فإن قتله متعمدا فعليه الفداء، كما
قال الله تعالى) (2).
وعن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: (على المحرم
أن يتنكب الجراد إذا كان على طريقه، فإن لم يجد بدا فقتل فلا بأس)
وعن أبي بصير في الموثق (4) قال: (سألته عن الجراد يدخل
متاع القوم فيدوسونه من غير تعمد لقتله، أو يمرون به في الطريق
فيطأونه. قال: إن وجدت معدلا فاعدل عنه، فإن قتلته غير متعمد
فلا بأس).
وروى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (5) قال: (قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): الجراد يكون على ظهر الطريق والقوم
محرمون، فكيف يصنعون؟ قال: يتنكبونه ما استطاعوا. قلت:
فإن قتلوا منه شيئا، ما عليهم؟ قال: لا شئ عليهم) واطلاق الخبر
مقيد بسابقة.

(1) الوسائل الباب 37 من كفارات الصيد.
(2) في سورة المائدة، الآية 95: يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد
وأنتم حرم.. الآية.
(3) الوسائل الباب 38 من كفارات الصيد
(4) الوسائل الباب 7 من تروك الاحرام
(5) التهذيب ج 5 ص 364، والوسائل الباب 38 من كفارات الصيد
141

وعن معاوية بن عمار في الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) أنه قال: (إعلم أن ما وطأت من الدبا أو أوطأته بعيرك فعليك فداؤه).
الرابعة لا خلاف في جواز صيد البحر، نصا وفتوى، وجواز
أكله، وسقوط الفدية فيه.
والأصل فيه قوله (عز وجل): أحل لكم صيد البحر وطعامه
متاعا لكم وللسيارة (2).
وما رواه ثقة الاسلام في الحسن عن حريز عن من أخبره ورواه
الشيخ في الصحيح عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) وفي
الفقيه مرسلا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: (لا بأس
بأن يصيد المحرم السمك، ويأكل مالحه وطريه، ويتزود، قال الله
(عز وجل): أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة (4)
قال: هو مالحه الذي يأكلون. وفصل ما بينهما: كل طير يكون في الآجام
يبيض في البر ويفرخ في البر فهو من صيد البر، وما كان من صيد
البر يكون في البر ويبيض في البحر ويفرخ في البحر فهو من صيد البحر)
أقول: ومن هذه الرواية يعلم حكم الطيور التي تعيش في البر
والبحر، فإنه يكون المدار على الحاقها بأحد الصنفين على البيض في ذلك
المكان، فإن باضت في البحر وفرخت فيه فهي من الطيور البحرية،
وإن باضت وفرخت في البر فهي من الطيور البرية. والظاهر أنه

(1) الوسائل الباب 37 و 53 من كفارات الصيد.
(2) سورة المائدة، الآية 96.
(3) الفروع ج 4 ص 392، والتهذيب ج 5 ص 365، والفقيه
ج 2 ص 236، والوسائل الباب 6 من تروك الاحرام.
(4) سورة المائدة، الآية 96.
142

لا خلاف فيه أيضا.
الخامسة المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لو ذبح
المحرم الصيد كان ميتة حراما على المحل والمحرم، بل قال في المنتهى:
أنه قول علمائنا أجمع.
واستدل عليه برواية الشيخ عن وهب عن جعفر عن أبيه عن علي
(عليهم السلام) (1) قال: (إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحلال والحرام
وهو كالميتة، وإذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة، حلال ذبحه أو حرام)
وعن إسحاق في الموثق عن جعفر (عليه السلام) (2): (أن عليا
(عليه السلام) كأن يقول: إذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو
ميتة لا يأكله محل ولا محرم، وإذا ذبح المحل الصيد في جوف الحرم
فهو ميتة لا يأكله محل ولا محرم "
أقول: ويدل عليه أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي أحمد
يعني: محمد بن أبي عمير عن من ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: (قلت له: المحرم يصيب الصيد فيفديه، أيطعمه أو يطرحه؟
قال: إذا يكون عليه فداء آخر. قلت: فما يصنع به؟ قال: يدفنه)
قال الشيخ بعد ذكر هذا الخبر: فلولا أنه جرى مجرى الميتة لما
أمر بدفنه بل أمره بأن يطعم المحلين ولم يوجب فداء آخر.
وذهب الصدوق في من لا يحضره الفقيه (4) إلى أن مذبوح المحرم

(1) الوسائل الباب 10 من تروك الاحرام.
(2) الوسائل الباب 10 من تروك الاحرام.
(3) الوسائل الباب 10 من تروك الاحرام، والباب 55 من كفارات
الصيد.
(4) ج 2 ص 235.
143

في غير الحرم لا يحرم على المحل، قال: ولا بأس أن يأكل المحل ما صاده
المحرم وعلى المحرم فداؤه. ونقل في الدروس القول بذلك عن ابن الجنيد
أيضا، ونقل العلامة في المختلف هذا القول أيضا عن الشيخ المفيد
والسيد المرتضى (رحمهما الله) حيث قالا: لا بأس أن يأكل المحل
ما صاده المحرم، وعلى المحرم فداؤه. وكذا نقله عن ابن الجنيد أيضا.
وإليه مال في المدارك، للأخبار الكثيرة الصحيحة الدالة عليه:
ومنها صحيحة معاوية بن عمار (1) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن رجل أصاب صيدا وهو محرم، أيأكل منه الحلال؟
فقال: لا بأس إنما الفداء على المحرم).
وصحيحة حريز (2) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن محرم أصاب صيدا، أيأكل منه المحل؟ قال: ليس على المحل
شئ إنما الفداء على المحرم).
وصحيحة منصور بن حازم (3) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام): رجل أصاب صيدا وهو محرم، آكل منه وأنا حلال؟ قال:
أنا كنت فاعلا. قلت له: فرجل أصاب مالا حراما؟ فقال: ليس
هذا مثل هذا يرحمك الله).
وحسنة الحلبي (4) قال: (المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه
ويتصدق بالصيد على مسكين).

(1) الوسائل الباب 3 من تروك الاحرام.
(2) الوسائل الباب 3 من تروك الاحرام.
(3) التهذيب ج 5 ص 375، والوسائل الباب 3 من تروك الاحرام
(4) الوسائل الباب 10 من تروك الاحرام.
144

وحسنة معاوية بن عمار (1) قال: (قال أبو عبد الله (عليه السلام):
إذا أصاب المحرم الصيد في الحرم وهو محرم فإنه ينبغي له أن يدفنه ولا يأكله
أحد، وإذا أصابه في الحل فإن الحلال يأكله، وعليه هو الفداء).
والشيخ (رحمه الله تعالى) بعد ذكر الروايتين الأخيرتين تأولهما
بالحمل على ما إذا أدرك الصيد وبه رمق، بأن يحتاج إلى الذبح، فإنه
يجوز للمحل والحال هذه أن يذبحه ويأكله. ولا يخفى ما فيه من
البعد عن ظواهر الأخبار. ثم قال: ويجوز أيضا أن يكون المراد إذا
قتله برميه إياه ولم يكن ذبحه، فإنه إذا كان الأمر على ذلك جاز أكله
للمحل دون المحرم، والأخبار الأولة تناولت من ذبح وهو محرم،
وليس الذبح من قبيل الرمي في شئ. وهذا التفصيل ظاهر شيخنا
المفيد في المقنعة، إلا أن ظاهر نقل العلامة عنه المتقدم ذكره يعطي العموم
وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال، والاحتياط فيها
مطلوب على كل حال.
وأما من يقتصر في العمل بالروايات على الصحيح كالسيد السند
في المدارك فإنه يتحتم عنده العمل بالقول الثاني، لصحة أخباره،
كما أشار إليه في المدارك، ولكن من عداه من أصحاب هذا الاصطلاح
إنما جروا على ما جرى عليه المتقدمون من القول المشهور، والاستدلال
بالروايتين المتقدمتين.
السادسة قد استفاضت الروايات مضافا إلى اتفاق الأصحاب
بتحريم ما ذبحه المحل في الحرم، وأنه في حكم الميتة لا يحل لمحل
ولا محرم، ومنها ما تقدم في روايتي وهب وإسحاق المتقدمتين.

(1) الفروع ج 4 ص 382، والوسائل الباب 3 من تروك الاحرام
145

ومنها ما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن سنان (1) (أنه
سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل): ومن دخله كان
آمنا (2) قال: من دخل الحرم مستجيرا به فهو آمن من سخط الله (عز
وجل) وما دخل في الحرم من الوحش والطير كان آمنا من أن يهاج أو
يؤذى حتى يخرج من الحرم).
وعن محمد بن مسلم في الصحيح (3) (أنه سأل أحدهما (عليهما
السلام) عن الظبي يدخل الحرم. فقال: لا يؤخذ ولا يمس، لأن
الله (تعالى) يقول: ومن دخله كان آمنا) (4).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمان بن الحجاج (5) قال:
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن فرخين مسرولين ذبحتهما وأنا
بمكة محل. فقال لي: لم ذبحتهما؟ فقلت: جاءتني بهما جارية قوم
من أهل مكة فسألتني أن أذبحهما، فظننت أني بالكوفة ولم أذكر
أني بالحرم، فذبحتهما. فقال: تصدق بثمنهما. قلت: فكم ثمنهما؟
فقال: درهم، وهو خير منهما).
وما رواه الكليني في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6)

(1) الفقيه ج 2 ص 163، والوسائل الباب 88 من تروك الاحرام.
والباب 13 من كفارات الصيد
(2) سورة آل عمران، الآية 96
(3) الوسائل الباب 88 من تروك الاحرام
(4) سورة آل عمران، الآية 96
(5) التهذيب ج 5 ص 346، والفروع ج 4 ص 237، والوسائل
الباب 10 من كفارات الصيد.
(6) الوسائل الباب 14 من كفارات الصيد
146

(أنه سئل عن الصيد يصاد في الحل ثم يجاء به إلى الحرم وهو حي. فقال:
إذا أدخله إلى الحرم فقد حرم عليه أكله وامساكه، فلا تشترين في الحرم إلا
مذبوحا ذبح في الحل ثم جئ به إلى الحرم مذبوحا، فلا بأس به
للحلال).
وما رواه الصدوق عن حفص بن البختري في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1): (في من أصاب طيرا في الحرم.
قال: إن كان مستوي الجناح فليخل عنه، وإن كان غير مستو نتفه وأطعمه
وأسقاه، فإذا استوى جناحاه خلى عنه).
وما رواه الشيخ عن منصور بن حازم في الصحيح عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2): (في حمام ذبح في الحل. قال: لا يأكله
محرم، وإذا أدخل مكة أكله المحل بمكة، وإذا أدخل الحرم حيا
ثم ذبح في الحرم فلا يأكله، لأنه ذبح بعد ما دخل مأمنه).
وما رواه الصدوق عن شهاب بن عبد ربه في الصحيح (3) قال:
(قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني أتسحر بفراخ أوتى بها
من غير مكة فتذبح في الحرم فأتسحر بها؟ فقال: بئس السحور
سحورك، أما علمت أن ما دخلت به الحرم حيا فقد حرم عليك
ذبحه وامساكه؟).
وما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار (4)
قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن طائر أهلي أدخل

(1) الوسائل الباب 12 من كفارات الصيد
(2) الوسائل الباب 5 من تروك الاحرام
(3) الوسائل الباب 12 من كفارات الصيد
(4) الوسائل الباب 12 و 36 من كفارات الصيد
147

الحرم حيا. فقال: لا يمس، لأن الله (تعالى) يقول: ومن دخله
كان آمنا) (1).
وما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار (2) (أنه سأل
أبا عبد الله (عليه السلام) عن طير أهلي أقبل فدخل الحرم. فقال:
لا يمس، لأن الله (عز وجل) يقول: ومن دخله كان آمنا) (3).
وعن زرارة في الصحيح (4) (أن الحكم سأل أبا جعفر (عليه
السلام) عن رجل أهدي له في الحرم حمامة مقصوصة. فقال: انتفها
وأحسن علفها، حتى إذا استوى ريشها فخل سبيلها).
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.
ولو ذبحه المحل في الحل جاز أكله للمحل في الحرم. ويدل عليه
زيادة على ما تقدم في صحيحة الحلبي وصحيحة منصور بن حازم
ما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5)
قال: (لا تشترين في الحرم إلا مذبوحا قد ذبح في الحل ثم جئ به
إلى الحرم مذبوحا فلا بأس به للحلال).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن أبي يعفور (6) قال: (قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): الصيد يصاد في الحل ويذبح في الحل ويدخل

(1) سورة آل عمران، الآية 96
(2) الفقيه ج 2 ص 170، والوسائل الباب 12 و 36 من كفارات
الصيد. وهو نفس الحديث الذي تقدم نقله عن الشيخ والصدوق إلا أن
لفظ الصدوق يختلف قليلا عن لفظ الشيخ
(3) سورة آل عمران، الآية 96
(4) الوسائل الباب 12 من كفارات الصيد
(5) الوسائل الباب 5 من تروك الاحرام.
(6) الوسائل الباب 5 من تروك الاحرام.
148

الحرم ويؤكل؟ قال: نعم لا بأس به).
وفي الصحيح إلى الحكم بن عتيبة (1) قال: (قلت لأبي جعفر (عليه
السلام): ما تقول في حمام أهلي ذبح في الحل وأدخل الحرم؟ فقال:
لا بأس بأكله لمن كان محلا، فإن كان محرما فلا. وقال: فإن أدخل
الحرم فذبح فيه فإنه ذبح بعد ما دخل مأمنه).
وأما ما رواه الشيخ عن منصور في الصحيح (2) قال: (قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): أهدي لنا طير مذبوح فأكله أهلنا؟ فقال:
لا يرى به أهل مكة بأسا (3) قلت: فأي شئ تقول أنت؟ قال:
عليهم ثمنه).
قال الشيخ: ليس في هذا الخبر أن الطير ذبح في الحل أو الحرم،
فيحمل على أن ذبحه كان في الحرم لئلا ينافي ما سبق وما يأتي
من الأخبار.
أقول: ما ذكره (قدس سره) جيد، فإنه لا يخفى أن مقتضى
القواعد الكلية والضوابط الجلية هو حل الطير في هذه الصورة، لأن كل
شئ فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه (4)
وهذا منه. وحيث حكم (عليه السلام) في الخبر بوجوب الثمن فهو

(1) الوسائل الباب 5 من تروك الاحرام.
(2) الوسائل الباب 5 من تروك الاحرام، والباب 10 من كفارات
الصيد عن الفقيه، والباب 14 من كفارات الصيد عن الكافي
(3) المبسوط للسرخسي ج 4 ص 99 باب (جزاء الصيد)
(4) الوسائل الباب 4 من ما يكتسب به، والباب 64 من الأطعمة
المحرمة، والباب 61 من الأطعمة المباحة.
149

البتة إنما يكون عن قرينة مقامية اقتضت الدلالة على ذبحه في الحرم
وإن خفيت علينا الآن.
السابعة الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في جواز صيد البحر
وحله، وقد تقدم الكلام فيه. ومثله الدجاج الحبشي، قال في المسالك:
قيل إنه طائر أغبر اللون في قدر الدجاج الأهلي أصله من البحر. انتهى
وفي بعض الحواشي: أنه طير أسود مشهور في المغرب بالدجاج الحبشي،
كان بحريا في الأصل فصار بريا.
ومن ما يدل على جواز أكله مضافا إلى اتفاق الأصحاب على ذلك
ما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار (1) (أنه سأل
أبا عبد الله (عليه السلام) عن دجاج الحبش. فقال: ليس من الصيد
إنما الطير ما طار بين السماء والأرض، وصف).
وما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار (2) قال: (سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الدجاج الحبشي. فقال: ليس من الصيد، إنما
الصيد ما كان بين السماء والأرض. قال: وقال أبو عبد الله (عليه
السلام): ما كان من الطير لا يصف فلك أن تخرجه من الحرم، وما
صف منها فليس لك أن تخرجه).
وما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (3) قال: (كل ما لم يصف من الطير فهو بمنزلة
الدجاج).
وما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله

(1) الوسائل الباب 40 من كفارات الصيد.
(2) الوسائل الباب 41 من كفارات الصيد
(3) الوسائل الباب 40 من كفارات الصيد.
150

(عليه السلام) (1) قال: (ما كان يصف من الطير فليس لك أن
تخرجه. قال: وسألته عن دجاج الحبش. قال: ليس من الصيد
إنما الصيد ما طار بين السماء والأرض).
وعن عمران الحلبي في الصحيح أو الحسن (2) قال: (قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): ما يكره من الطير؟ فقال: ما صف على رأسك)
وعن محمد بن مسلم في الصحيح عندي (3) قال: (سئل أبو عبد الله
(عليه السلام) وأنا حاضر عن الدجاج الحبشي يخرج به من الحرم.
فقال: نعم، لأنها لا تستقل بالطيران) قال (4): وفي خبر آخر: إنها
تدف دفيفا.

(1) الفروع ج 1 ص 229 الطبع القديم، و ج 4 ص 232 الطبع
الحديث، والوافي باب (حكم صيد الحرم) والوسائل الباب 41 و 40 من
كفارات الصيد. وقد أورد المصنف (قدس سره) الحديث ناقصا كما ورد
في الطبع القديم من الفروع.
(2) الوسائل الباب 41 من كفارات الصيد.
(3) روى الكليني هذا الحديث في الفروع ج 4 ص 232 عن جميل عن
محمد بن مسلم، ورواه الصدوق في الفقيه ج 2 ص 172 عن جميل ومحمد
ابن مسلم، وقد أوردهما في الوافي باب (حكم صيد الحرم) وجمع بين
السندين بلفظ واحد. وأوردهما في الوسائل في الباب 40 من كفارات
الصيد. وقد أورد المصنف (قدس سره) اللفظ كما ورد في الوافي والفقيه.
(4) هذا كلام الصدوق في الفقيه ج 2 ص 172، وأورده في الوافي باب
(حكم صيد الحرم) وفي الوسائل الباب 40 من كفارات الصيد.
151

وروى عن الحسن الصيقل (1): (أنه سأله عن دجاج مكة وطيرها
فقال: ما لم يصف فكله، وما كان يصف فخل سبيله).
أقول: ومثل ذلك النعم ولو توحشت، ويدل على ذلك مضافا
إلى اتفاق علماء الأمصار على ذلك، كما نقله في المنتهى روايات:
منها ما رواه الكليني في الصحيح عندي عن حريز عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: (المحرم يذبح البقر والإبل والغنم، وكل
ما لم يصف من الطير، وما أحل للحلال أن يذبحه في الحرم، وهو محرم
في الحل والحرم).
قال في الوافي: قوله: (وهو محرم) متعلق بقوله: (يذبح)
وكذا قوله: (في الحل والحرم) يعني: أنه يذبح المذكورات حال
كونه محرما في الحل والحرم.
ورواية عبد الله بن سنان (2) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام): المحرم ينحر بعيره أو يذبح شاته؟ قال: نعم. قلت:
ويحتش لدابته وبعيره؟ قال: نعم، ويقطع ما شاء من الشجر حتى
يدخل الحرم، فإذا دخل الحرم فلا)
وما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (4) قال: (المحرم يذبح ما حل للحلال في الحرم أن يذبحه

(1) هذا الحديث رواه الصدوق في الفقيه ج 2 ص 172، وأورده
في الوافي باب (حكم صيد الحرم) وفي الوسائل الباب 40 من كفارات
الصيد.
(2) الوسائل الباب 82 من تروك الاحرام
(3) الوسائل الباب 85 من تروك الاحرام
(4) الوسائل الباب 82 من تروك الاحرام
152

هو في الحل والحرم جميعا).
وأنت خبير بأن هذه الأخبار قد اشتركت في الدلالة على إباحة
الدجاج ونحوه من ما لا يطير أو يطير ولا يصف للمحرم ولو في الحرم
وجواز اخراجه من الحرم. والأول لا اشكال فيه، وإنما الاشكال في الثاني
وهو ما يطير ولا يصف وإنما يدف دفيفا، أو يكون دفيفه أكثر من
صفيفه، والمراد به ما حل أكله. وهو ظاهر في أن ما حل أكله من الطير
ليس من الصيد المحرم على المحرم. مع أنك قد عرفت من ما تقدم في تفسير
الصيد هو التخصيص بالمحلل أو ما يشمله ويشمل المحرم. مع ما ورد في
حمام الحرم من الاتفاق على تحريمه، وتحريم اخراجه من مكة،
ووجوب إعادته لو أخرجه (1) والاشكال ظاهر على كلا التقديرين. ولم
أر من تنبه لذلك ولا نبه عليه. والله العالم.
الثامنة قال الشيخ في المبسوط: الوحشي غير المأكول أقسام:
الأول لا جزاء فيه بالاتفاق، كالحية والعقرب والفأرة والغراب والحدأة
والكلب والذئب. والثاني يجب فيه الجزاء عند من خالفنا، ولا
نص فيه لأصحابنا، والأولى أن نقول: لا جزاء فيه، لأنه لا دليل
عليه، والأصل براءة الذمة، كالمتولد بين ما يجب فيه الجزاء وما لا
يجب، كالسمع المتولد بين الضبع والذئب (2) والمتولد بين الحمار
الوحشي والأهلي. والثالث مختلف فيه وهو الجوارح من الطير، كالبازي
والصقر والشاهين والعقاب ونحو ذلك، والسباع من البهائم كالأسد

(1) الوسائل الباب 14 من كفارات الصيد
(2) في لسان العرب مادة (سمع): (السمع) هو ما تولد من الذئب
والضبع. وفي تاج العروس: (السمع): سبع مركب ولد الذئب والضبع.
153

والنمر والفهد وغير ذلك (1) فلا يجب الجزاء عندنا في شئ منه.
وقد روي أن في الأسد خاصة كبشا (2) وفي الخلاف: إذا قتل السبع
لزمه كبش على ما رواه بعض أصحابنا (3).
وقال في المختلف بعد نقله: ولا شئ في الذئب وغيره من السباع
سواء صال أو لم يصل، ولا في السمع. أما المتولد بين الوحشي والانسي
فالأقرب عندي فيه اعتبار الاسم، لنا: إنه قد ورد النص على الجزاء
عن أشياء مسماة بأسمائها، فيثبت في كل ما صدق عليه ذلك الاسم
وأما الأسد فالأقوى عندي أنه لا شئ فيه سواء أراده أو لم يرده، وبه
قال: ابن إدريس. وقال علي بن بابويه: وإن كان الصيد أسدا ذبحت
كبشا. وأوجب ابن حمزة فيه الكبش، لنا: الأصل براءة الذمة.
ولأنه أكثر ضررا من الحية والفأرة والعقرب، وقد جاز قتلها فجواز قتله
أولى. وما رواه حريز في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)
قال: (كل ما يخاف المحرم على نفسه من السباع والحيات وغيرها
فليقتله، وإن لم يردك فلا ترده) احتج الموجبون بما رواه أبو سعيد
المكاري (5) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل قتل
أسدا في الحرم؟ قال: عليه كبش يذبحه) والجواب سند حديثنا
أوضح وأصح. ونحمل هذا على الاستحباب. انتهى.

(1) المبسوط للسرخسي ج 4 ص 90 باب (جزاء الصيد) والمهذب
للشيرازي الشافعي ج 2 ص 211، وطرح التثريب لعبد الرحيم العراقي
الشافعي ج 5 ص 95 وما بعدها
(2) الوسائل الباب 39 من كفارات الصيد
(3) الوسائل الباب 39 من كفارات الصيد
(4) الوسائل الباب 81 من تروك الاحرام.
(5) الوسائل الباب 39 من كفارات الصيد
154

أقول: قد صرح غير واحد من أصحابنا بأنه لا كفارة في قتل
السباع ماشية كانت أو طائرة، إلا الأسد. والظاهر أنه لا خلاف
في ما عدا الأسد. فقول الشيخ في ما تقدم من عبارته: (الثالث
مختلف فيه.. إلى آخره) لعله إشارة إلى خلاف العامة (1) ويشير
إليه قوله: (ولا يجب الجزاء عندنا في شئ منه) ولا يخفى أن
وجوب الكفارة متوقف على الدليل، وليس فليس. نعم يبقى الكلام
في أن عدم وجوب الكفارة لا يستلزم جواز القتل أو الصيد، فيمكن
القول بالتحريم كما ذهب إليه الحلي في ما قدمنا نقله عنه وإن لم
تترتب عليه كفارة، وتؤيده الروايات التي أشرنا إليها آنفا. وأما
الأسد فقد ورد فيه ما تقدم من رواية أبي سعيد. إلا أنها خاصة
بالحرم. ومعارضة العلامة لها بصحيحة حريز المذكورة لا وجه له،
لأنها وإن كانت شاملة باطلاقها للأسد إلا أنها اشتملت على التفصيل
بين ما إذا أراده وخاف على نفسه فإنه يقتله، ومتى لم يرده فلا يعرض
له. ورواية أبي سعيد وإن كانت مطلقة إلا أن كل من قال بها فإنه
يخصها بما إذا لم يرده، كما لا يخفى على من راجع كلامهم. وهو
المفهوم من الأخبار أيضا، كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وحينئذ فلا
منافاة بين الخبرين بل هما متفقان على معنى واحد.
وقال في كتاب الفقه الرضوي (2): ولا بأس للمحرم أن يقتل

(1) المبسوط للسرخسي ج 4 ص 90 باب (جزاء الصيد) والمهذب
للشيرازي الشافعي ج 2 ص 211، وطرح التثريب لعبد الرحيم العراقي
الشافعي ج 5 ص 95 وما بعدها.
(2) ص 29
155

الحية والعقرب والفأرة. ولا بأس برمي الحدأة، وإن كان الصيد
أسدا ذبحت كبشا. انتهى
. أقول: ومن هذه العبارة أخذ علي بن الحسين عبارته التي تقدم
نقلها عنه، وهي مطلقة منطبقة على ما ادعاه الأصحاب، ولعلها المستند
لهم في ما أطلقوه.
والذي وقفت عليه من ما يدل على جواز قتل شئ من هذه
المذكورات ما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار وصحيحة حريز المتقدمتين
في صدر المقصد، وفي الأولى: الأمر باتقاء الدواب كلها إلا الأفعى،
والعقرب، والفأرة، والكلب العقور، والسبع إذا أرادك، والأسود
الغدر، وهو قسم من الحيات خبيث، وأنه يرمي الغراب والحدأة عن
ظهر البعير. وفي الثانية: جواز قتل كل ما خاف الانسان من السباع
والحيات، والنهي عنه إذا لم يرده.
وما رواه الكليني في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) قال: (يقتل في الحرم والاحرام: الأفعى، والأسود الغدر
وكل حية سوء، والعقرب، والفأرة وهي الفويسقة، ويرجم الغراب
والحدأة رجما).
وما رواه الكليني في الكافي في الصحيح عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله
عن أبي عبد الله عن أبيه عن علي (عليهم السلام) (2) قال: (تقبل
المحرم كل ما خشيه على نفسه).

(1) الوسائل الباب 81 من تروك الاحرام.
(2) الوسائل الباب 81 من تروك الاحرام. والراوي هو عبد الرحمان
العزرمي.
156

وفي حسنة الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: (يقتل المحرم: الأسود الغدر، والأفعى، والعقرب، والفأرة..
ويقذف الغراب).
وفي رواية محمد بن الفضيل عن أبي الحسن (عليه السلام) (2) قال:
(سألته عن المحرم وما يقتل من الدواب. فقال: يقتل الأسود،
والأفعى، والفأرة، والعقرب، وكل حية، وإن أرادك السبع فاقتله
وإن لم يردك فلا تقتله. والكلب العقور إذا أرادك فاقتله، ولا بأس
للمحرم أن يرمي الحدأة).
وفي رواية غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما
السلام) (3) قال: (يقتل المحرم: الزنبور والنسر، والأسود الغدر،
والذئب، وما خاف أن يعدو عليه. وقال: الكلب العقور هو الذئب)
وروى في الكافي والتهذيب في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: (سألته عن محرم قتل زنبورا.
قال: إن كان خطأ فليس عليه شئ. قلت: لا بل متعمدا؟ قال:

(1) التهذيب ج 5 ص 366، والوسائل الباب 81 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 81 من تروك الاحرام.
(3) الوسائل الباب 81 من تروك الاحرام. وما أورده (قدس سره)
من رواية الحديث عن أبي عبد الله عن أبيه (ع) يوافق ما أورده في الوافي
باب (قتل الدواب للمحرم). وفي الفروع ج 4 ص 363 و 364، والوسائل
هكذا. غياث بن إبراهيم عن أبيه عن أبي عبد الله (ع).
(4) الفروع ج 4 ص 364، والتهذيب ج 5 ص 365، والوسائل
الباب 81 من تروك الاحرام، والباب 8 من كفارات الصيد.
157

يطعم شيئا من طعام) وزاد في الكافي: (قلت: إنه أرادني؟ قال:
كل شئ أرادك فاقتله).
وفي صحيحة أخرى له أيضا عنه (عليه السلام) (1): (في محرم
قتل عظاية؟ قال: كف من طعام) والعظاية بالمهملة ثم المعجمة:
من كبار الوزغ.
أقول: ويستفاد من هذه الروايات أمور: أحدها جواز قتل
المؤذيات، من الأفعى، والحية، والعقرب، والفأرة، والذئب،
والكلب العقور وإن لم يرده ولم يؤذه. وبذلك صرح الشيخ على ما نقله
عنه في المنتهى، فقال: وله أن يقتل جمع المؤذيات، كالذئب، والكلب
العقور، والفأرة، والحيات، وما أشبه ذلك. ولا جزاء فيه.
وثانيها أنه يجوز له أن يقتل كل ما خاف منه على نفسه من
غير جزاء ولا فدية.
وثالثها أنه يجوز له قتل الزنبور متى عدا عليه، أو كان ذلك
خطأ. وعليه يحمل اطلاق صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة، وإلا ففيه
الفداء: شئ من الطعام.
ورابعها أن أكثر الروايات تضمن رمي الغراب والحدأة مطلقا،
وفي صحيحة معاوية بن عمار الأولى: التقييد بقوله: (عن ظهر بعيرك)
وبه قيد الحكم بعض الأصحاب. والظاهر العموم، إذ لا دلالة للخبر
المذكور على التخصيص. وظاهر اطلاق الأخبار المذكورة أيضا جواز
الرمي وإن أدى إلى القتل. والمنقول عن الشيخ في المبسوط جواز
قتلهما مطلقا. وقيل بالعدم. ونقل عن المحقق الشيخ علي: أنه ينبغي

(1) الوسائل الباب 7 من كفارات الصيد
158

تقييد الغراب الذي يجوز رميه بالمحرم الذي هو من الفواسق الخمس دون
المحلل، لأنه محترم لا يعد من الفواسق الخمس. وفيه أنه تقييد للنصوص من
غير دليل، لأنها وردت بالغراب مطلقا، واخراج بعض أفراده يتوقف على الدليل
التاسعة اختلف الأصحاب في قتل البرغوث، فذهب جمع
منهم: المحقق والعلامة في الإرشاد إلى الجواز، وذهب الشيخ وجماعة
منهم: العلامة في جملة من كتبه إلى التحريم.
ومستند القول الأول مضافا إلى الأصل رواية زرارة عن أحدهما
(عليهما السلام) (1) قال: (سألته عن المحرم يقتل البقة والبرغوث
إذا رآه. قال: نعم).
ومستند القول الثاني ما تقدم (2) من قوله (عليه السلام) في
صحيحة معاوية بن عمار. (إذا أحرمت فاتق قتل الدواب كلها إلا
الأفعى والعقرب والفأرة).
وفي صحيحة زرارة (3) (أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن
المحرم هل يحك رأسه، ويغتسل بالماء؟ فقال: يحك رأسه ما لم يتعمد
قتل دابة).
أقول: صورة رواية زرارة على ما نقله المحدث الكاشاني في الوافي:
(والبرغوث إذا أراده) وفي المدارك ومثله في الذخيرة نقلا الرواية
بما قدمناه، وعلى تقدير ما نقلناه عن الوافي فإنه لا دليل في الرواية
على القول المدعى، إذ لا خلاف نصا وفتوى في جواز قتل ما أراده

(1) الفروع ج 4 ص 364، والوسائل الباب 79 من تروك الاحرام
(2) ص 136 و 137
(3) الفروع ج 4 ص 366، والفقيه ج 2 ص 230، والوسائل الباب
73 من تروك الاحرام
159

من الحيوانات، كما عرفت من الروايات المتقدمة. والظاهر أن محل
الخلاف في المسألة إنما هو في ما إذا لم يرده ولم يقصده بالأذى كما
لا يخفى، ولا دلالة في الرواية على الجواز في الصورة المذكورة.
وكذا صحيحة معاوية بن عمار فإنه يجب تخصيص اطلاقها بما ذكرناه
كما يدل عليه ما تقدم من صحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله (1) وغيرها
فالقول بالتحريم مطلقا لا وجه له. وأما صحيحة زرارة فالظاهر منها
إنما هو القمل، كما احتج به الأصحاب على ذلك.
العاشرة قد صرح جملة من الأصحاب أولهم الشيخ بأنه يجوز
اخراج القماري والدباسي من مكة على كراهة، لا قتلهما، ولا أكلهما.
أقول: أما تحريم القتل والأكل فلا ريب فيه، لعموم الأدلة
المتقدمة الدالة على تحريم قتل الصيد وأكله (2) ولا سيما في الحرم.
وأما جواز اخراجه فقد نسبه المحقق في الشرائع إلى الرواية،
مؤذنا بتوقفه فيه، مع أنا لم نقف على رواية تدل على جواز الاخراج
بل الروايات مستفيضة بالتحريم عموما في مطلق الطير، وخصوصا في
الحمام الشامل لهذين الفردين.
نعم ورد في رواية العيص بن القاسم (3) قال: (سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن شراء القماري يخرج من مكة والمدينة. فقال:
ما أحب أن يخرج منهما شئ).
وهي مع اختصاصها بالقماري لا دلالة فيها صريحا على الجواز،
فإن لفظ: (لا أحب) وإن كان بحسب العرف الآن بمعنى الكراهة

(1) ص 156
(2) ص 135
(3) الوسائل الباب 14 من كفارات الصيد
160

إلا أن استعماله في الأخبار بمعنى التحريم كثير، وهو الأنسب بالحمل
على باقي روايات المسألة الآتية.
لا يقال: إن الحمل على التحريم يوجب القول بتحريم الاخراج
من المدينة أيضا مع أنه لا قائل به.
قلنا: هذا إنما يتجه على القول بالمنع من استعمال اللفظ في حقيقته
ومجازه، وهو وإن كان المشهور بينهم إلا أن المفهوم الأخبار جوازه،
كما نبهنا عليه في محل أليق.
ونقل عن ابن إدريس القول بالمنع من ذلك، وقربه العلامة في
المختلف، ونقل أيضا عن ابنه فخر الدين، وإليه ذهب السيد السند
في المدارك.
وهو المعتمد، للأخبار الكثيرة الدالة على عدم جواز اخراج الصيد
من مكة طيرا كان أو غيره:
ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر (1) قال:
(سألت أخي موسى (عليه السلام) عن رجل أخرج حمامة من
حمام الحرم إلى الكوفة أو غيرها. قال: عليه أن يردها، فإن ماتت
فعليه ثمنها يتصدق به).
وعن يونس بن يعقوب في الموثق (2) قال: (أرسلت إلى أبي الحسن

(1) الوسائل الباب 14 من كفارات الصيد.
(2) هذا الحديث بهذا اللفظ رواه الكليني في الفروع ج 4 ص 235،
والصدوق في الفقيه ج 2 ص 168، وأما الشيخ فرواه في التهذيب ج 5
ص 349، بلفظ أوجز، ونقلهما في الوسائل الباب 14 من كفارات
الصيد رقم 9 و 4.
161

(عليه السلام) أن أخا لي اشترى حماما من المدينة فذهبنا بها إلى مكة،
فاعتمرنا وأقمنا إلى الحج، ثم أخرجنا الحمام معنا من مكة إلى الكوفة
فعلينا في ذلك شئ؟ فقال للرسول: إني أظنهن كن فرهة. قل له:
يذبح مكان كل طير شاة).
قال في الوافي (1): (كن فرهة) أي بالغة حد الفراهة، وهي الحذاقة
يعني بها: استقلالهن بالطيران.
أقول: لعل الأظهر حمله على (فره) بالكسر، يعني: أشر وبطر
كما قيل في قراءة: (فرهين) من قوله (عز وجل): وتنحتون
من الجبال بيوتا فارهين (2) فإنه مشتق من (فره) بالكسر بمعنى: أشر
وبطر. والظاهر هنا حمل الخبر عليه، بمعنى أن قصدهم من استصحاب
الحمام الأشر والبطر واللهو واللعب.
وما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة (3): (أنه سأل أبا عبد الله
(عليه السلام) عن رجل أخرج طيرا من مكة إلى الكوفة. قال:
يرده إلى مكة).
وما رواه الشيخ عن يعقوب بن يزيد عن بعض رجاله عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (4) قال: (إذا أدخلت الطير المدينة فجائز لك أن
تخرجه منها ما أدخلت، وإذا أدخلت مكة فليس لك أن تخرجه).

(1) باب (حكم صيد الحرم)
(2) سورة الشعراء، الآية 149
(3) الفقيه ج 2 ص 171، والوسائل الباب 14 من كفارات الصيد.
(4) الوسائل الباب 14 من كفارات الصيد.
162

وما رواه الكليني في الكافي عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1)
قال: (سألته عن رجل خرج بطير من مكة إلى الكوفة. قال:
يرده إلى مكة) وعن علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) مثله (2)
وزاد: (فإن مات تصدق بثمنه).
ويدل على خصوص القماري ما رواه في الكافي (3) عن مثنى قال:
(خرجنا إلى مكة فاصطاد النساء قمرية من قماري امج حيث بلغنا
البريد، فنتفت النساء جناحها ثم دخلوا بها مكة، فدخل أبو بصير
على أبي عبد الله (عليه السلام) فأخبره، فقال: تنظرون امرأة لا بأس
بها فتعطونها الطير تعلفه وتمسكه، حتى إذا استوى جناحاه خلته).
ويؤيد ذلك جملة من الأخبار الدالة على أن من أصاب طيرا في
الحرم، فإن كان مستوى الجناحين خلى عنه، وإلا نتفه وأطعمه وسقاه
فإذا استوى جناحاه خلى عنه، وإن كان مسافرا أودعه عند أمين ودفع
إليه ما يحتاج إليه من الطعام، حتى يستوي جناحاه فيخلي عنه (4) والروايات
الدالة على أنه لا يجوز التعرض لما في الحرم (5) لقوله (عز وجل):
ومن دخله كان آمنا (6).

(1) الفروع ج 4 ص 234، والوسائل الباب 14 من كفارات الصيد
(2) الوسائل الباب 14 من كفارات الصيد
(3) ج 4 ص 237، والوافي باب (حكم صيد الحرم)، والوسائل
الباب 12 من كفارات الصيد.
(4) الوسائل الباب 12 من كفارات الصيد
(5) الوسائل الباب 88 من تروك الاحرام، والباب 12 و 13 و 36 من
كفارات الصيد (6) سورة آل عمران، الآية 96
163

الحادية عشرة الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في أنه متى
اضطر المحرم إلى أكل الصيد أكله وفداه، قال العلامة في المنتهى:
ويباح أكل الصيد للمحرم في حال الضرورة، يأكل منه بقدر ما يأكل
من الميتة من ما يمسك به الرمق ويحفظ به الحياة لا غير، ولا يجوز
له الشبع ولا التجاوز عن ذلك، ولا نعلم فيه خلافا.
ويدل عليه جملة من العمومات الدالة على وجوب دفع الضرر
عن النفس من الكتاب (1) والسنة (2) وتحليل المحرمات في مقام
الضرورة (3) وخصوص جملة من الروايات الآتية الدالة على أنه يأكل
الصيد ويفدي (4).

(1) كقوله تعالى في سورة البقرة، الآية 191: (ولا تلقوا بأيديكم
إلى التهلكة) وقوله تعالى في سورة آل عمران، الآية 27: (ومن يفعل
ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة).
(2) كالأحاديث الواردة في وجوب التيمم عند خوف الضرر من استعمال
الماء، والأحاديث الواردة في وجوب الافطار عند خوف الضرر من الصوم
والأحاديث الواردة في وجوب التقية عند خوف الضرر من العدو. ارجع
إلى باب 2 و 5 من التيمم والباب 18 و 20 ممن يصح منه الصوم من كتاب
الصوم، والباب 24 و 25 و 27 من الأمر والنهي من كتاب الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر.
(3) كقوله تعالى في سورة الأنعام، الآية 119: (وقد فصل لكم ما حرم
عليكم إلا ما اضطررتم إليه) وكقوله تعالى في سورة البقرة، الآية 173:
(فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) وكما في الوسائل في الباب 1
من القيام في الصلاة رقم 6 و 7، والباب 7 من القيام في الصلاة رقم 1
(4) الوسائل الباب 43 من كفارات الصيد.
164

إنما الخلاف في ما إذا كان عنده ميتة وصيد، فمن أيهما يجوز الأكل؟
قال الشيخ: يأكل الصيد ويفديه، ولا يأكل الميتة، فإن لم
يتمكن من الفداء جاز له أن يأكل الميتة. وكذا قال ابن البراج.
وقال الشيخ المفيد: من اضطر إلى صيد وميتة فليأكل الصيد
ويفديه، ولا يأكل الميتة. وأطلق. وكذا قال السيد المرتضى في
الجمل والانتصار وسلار.
وقال الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه: وإذا اضطر
المحرم إلى صيد وميتة فإنه يأكل الصيد ويفدي، وإن أكل الميتة
فلا بأس. إلا أن أبا الحسن الثاني (عليه السلام): قال: (يذبح
الصيد ويأكله ويفدي أحب إلي من الميتة) (1) وقال في المقنع (2): فإذا
اضطر المحرم إلى أكل صيد وميتة فإنه يأكل الصيد ويفدي. وقد روي
في حديث آخر: أنه يأكل الميتة، لأنها قد أحلت له ولم يحل له الصيد
وقال ابن الجنيد: وإذا اضطر المحرم المطيق للفداء إلى الميتة
والصيد أكل الصيد وفداه، وإن كان في الوقت من لا يطيق الجزاء أكل
الميتة التي كان مباحا أكلها بالذكاة. فإن لم يكن كذلك أكل الصيد.
وقال ابن إدريس: اختلف أصحابنا في ذلك، واختلفت
الأخبار، فبعض قال: يأكل الميتة، وبعض قال: يأكل الصيد
ويفديه. وكل منهما أطلق مقالته. وبعض قال: لا يخلو الصيد،
إما أن يكون حيا أو لا، فإن كان حيا فلا يجوز له ذبحه

(1) الفقيه ج 2 ص 235 والوسائل الباب 43 من كفارات الصيد
(2) المختلف ج 2 ص 109. وليس في المقنع المطبوع ص 21 قوله:
(وقد روى..) وكذا في مستدرك الوسائل الباب 30 من كفارات الصيد
165

بل يأكل الميتة، لأنه إذا ذبحه صار ميتة بغير خلاف، فأما أن
كان مذبوحا، فلا يخلو ذابحه، إما أن يكون محرما أو محلا، فإن
كان محرما فلا فرق بينه وبين الميتة، وإن كان ذابحه محلا، فإن ذبحه
في الحرم فهو ميتة أيضا، وإن ذبحه في الحل، فإن كان المحرم المضطر
قادرا على الفداء أكل الصيد ولم يأكل الميتة، وإن كان غير قادر على
فدائه أكل الميتة. قال: وهذا الذي يقوى في نفسي، لأن الأدلة
تعضده وأصول المذهب تؤيده، وهو الذي اختاره شيخنا في استبصاره.
وذكر في نهايته أنه يأكل الصيد ويفديه ولا يأكل الميتة. ثم رجع (1)
عن ما قواه وقال: والأقوى عندي أنه يأكل الميتة على كل حال،
لأنه مضطر إليها ولا عليه في أكلها كفارة، ولحم الصيد ممنوع منه
لأجل الاحرام على كل حال، لأن الأصل براءة الذمة من الكفارة.
أقول: وظاهره هو أكل الميتة إلا في تلك الصورة الخاصة، وهو
ما إذا ذبحه المحل في الحل وكان المضطر إلى أكله قادرا على الفداء. ثم إن ما يدل عليه كلامه من كون مذبوح المحرم ميتة مطلقا منظور
فيه بما عرفت في المسألة السادسة من القول بحله على المحل في الصورة
المذكورة، ودلالة جملة من الأخبار الصحاح على ذلك. وحينئذ ففي
شموله لمحل البحث تأمل.
ثم إنه لا يخفى أن الأصل في اختلاف هذه الأقوال هو اختلاف
الأخبار الواردة في المسألة:
ومنها ما رواه ثقة الاسلام في الكافي في الصحيح عن بكير وزرارة

(1) يعني: ابن إدريس
166

عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1): (في رجل اضطر إلى ميتة وصيد
وهو محرم؟ قال: يأكل الصيد ويفدي).
وعن الحلبي في الصحيح عندي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: (سألته عن المحرم يضطر فيجد الميتة والصيد، أيهما يأكل؟
قال: يأكل من الصيد، أليس هو بالخيار أن يأكل من ماله؟ قلت:
بلى. قال: إنما عليه الفداء فليأكل وليفده).
وعن يونس بن يعقوب في الموثق (3) قال: (سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن المضطر إلى الميتة وهو يجد الصيد. قال: يأكل
الصيد. قلت: إن الله قد أحل له الميتة إذا اضطر إليها ولم يحل له
الصيد؟ قال: تأكل من مالك أحب إليك أو ميتة؟ قلت: من مالي
قال: هو مالك لأن عليك فداءه. قلت: فإن لم يكن عندي مال؟
قال تقضيه إذا رجعت إلى مالك).
وما رواه الشيخ عن منصور بن حازم (4) قال: (سألته عن محرم
اضطر إلى أكل الصيد والميتة. قال: أيهما أحب إليك أن تأكل؟
قلت: الميتة، لأن الصيد محرم على المحرم. فقال: أيهما أحب إليك

(1) الفروع ج 4 ص 383، والوسائل الباب 43 من كفارات الصيد
والوافي باب (المحرم يضطر إلى الصيد والميتة).
(2) الفروع ج 1 ص 270 الطبع القديم و ج 4 ص 383 الطبع
الحديث، والوسائل الباب 43 من كفارات الصيد، والوافي باب (المحرم
يضطر إلى الصيد والميتة)
(3) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(4) التهذيب ج 5 ص 368، والاستبصار ج 2 ص 209، والوسائل
الباب 43 من كفارات الصيد
167

أن تأكل من مالك أو الميتة؟ قلت: آكل من مالي. قال: فكل
الصيد وافده).
وما رواه الصدوق في كتاب العلل في الصحيح عن علي بن جعفر
عن أخيه موسى (عليه السلام) (1) قال: (سألته عن المحرم إذا
اضطر إلى أكل صيد وميتة، وقلت: إن الله (عز وجل) حرم الصيد
وأحل الميتة. قال: يأكل ويفديه، فإنما يأكل ماله).
وعن أبي أيوب في الصحيح (2) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن رجل اضطر وهو محرم إلى صيد وميتة، من أيهما يأكل؟
قال: يأكل من الصيد. قلت: فإن الله قد حرمه عليه وأحل له
الميتة؟ قال: يأكل ويفدي، فإنما يأكل من ماله).
وعن منصور بن حازم في الموثق (3) قال: قلت لأبي عبد الله عليه
السلام: محرم اضطر إلى صيد وإلى ميتة، من أيهما يأكل؟
قال: يأكل من الصيد. قلت: أليس قد أحل الله الميتة لمن اضطر إليها؟
قال: بلى ولكن يفدي، ألا ترى أنه إنما يأكل من ماله، فيأكل
الصيد وعليه فداؤه) قال (4): وقد روى أنه يأكل من الميتة، لأنها
أحلت له ولم يحل له الصيد.
أقول: وهذه الروايات مع صحة أسانيد أكثرها صريحة في مذهب
الشيخ المفيد (قدس الله سره) ومن تبعه.
ومنها ما رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق عن جعفر عن أبيه
(عليهما السلام) (5): (أن عليا (صلوات الله عليه وعلى أولاده) كان

(1) الوسائل الباب 43 من كفارات الصيد.
(2) الوسائل الباب 43 من كفارات الصيد.
(3) الوسائل الباب 43 من كفارات الصيد.
(4) الوسائل الباب 43 من كفارات الصيد.
(5) الوسائل الباب 43 من كفارات الصيد.
168

يقول: إذا اضطر المحرم إلى الصيد وإلى الميتة فليأكل الميتة التي
أحل الله له). وعن عبد الغفار الجازي (1) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن المحرم إذا اضطر إلى ميتة فوجدها ووجد صيدا. فقال:
يأكل الميتة ويترك الصيد).
هذا ما وقفت عليه من روايات المسألة.
والشيخ (رحمه الله) قد تأول رواية إسحاق بعد نقلها بأنه ليس
في الخبر أنه إذا اضطر إلى الصيد والميتة، وهو قادر عليهما متمكن من
تناولهما. وإذا لم يكن ذلك في ظاهره حملناه على من لا يجد الصيد
ولا يتمكن من الوصول إليه ويتمكن من الميتة. انتهى. ولا يخفى
ما فيه. وقال بعد نقل خبر عبد الغفار: يحتمل أن يكون المراد بهذا
الخبر من لا يتمكن من الفداء ولا يقدر عليه، فإنه يجوز له والحال على
ما وصفناه أن يأكل الميتة. ويحتمل أن يكون المراد به إذا وجد
الصيد وهو غير مذبوح فإنه يأكل الميتة ويخلي سبيل الصيد.
والتأويلان كما ترى على غاية من البعد. والأظهر عندي هو
حمل الخبرين المذكورين على التقية كما احتمله في الاستبصار، فإن
ذلك منقول عن جملة من رؤوس المخالفين، مثل أبي حنيفة والحسن
البصري والثوري ومحمد بن الحسن ومالك وأحمد (2) كما ذكره في
المنتهى. ومن ذلك يظهر أن الحق في المسألة هو ما ذهب إليه شيخنا

(1) الوسائل الباب 43 من كفارات الصيد
(2) المغني ج 3 ص 314 و 315 و ج 9 ص 418، والبحر الرائق ج 3
ص 36.
169

المفيد والسيد المرتضى، وهو مختار جمع من الأصحاب.
الثانية عشرة المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لا يدخل
في ملك المحرم شئ من الصيد باصطياد ولا ابتياع ولا هبة ولا ميراث
إذا كان معه، أما لو كان بعيدا فإنه لا يخرج عن ملكه.
قال في المنتهى: لو صاد صيدا لم يملكه بالاجماع. ثم قال:
أما لو كان الصيد في منزله فإنه يجوز ذلك ولا يزول ملكه عنه.
ونقل في المختلف عن الشيخ (رحمه الله) أنه قال: إذا انتقل الصيد إليه
بالميراث لا يملكه ويكون باقيا على ملك الميت إلى أن يحل، فإذا
أحل ملكه. ثم قال: ويقوى في نفسي أنه إن كان حاضرا معه فإنه
ينتقل إليه ويزول ملكه عنه، وإن كان في بلده يبقى في ملكه. ثم
قال: (رحمه الله): وفي الانتقال إليه الذي قواه الشيخ اشكال. لنا
قوله تعالى: وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما (1).
أقول: أما الحكم الأول فاستدل عليه بقوله (عز وجل): وحرم عليكم
صيد البر ما دمتم حرما (2) كما سمعته من كلام العلامة، والمراد
وجوه الانتفاعات به، فيخرج عن المالية بالإضافة إليه. والظاهر ضعفه.
واستدل العلامة في المنتهى على ما قدمنا نقله عنه ببعض الروايات
المتقدمة الدالة على أن من أدخل الحرم صيدا فإنه لا يجوز له إمساكه (3)
ولا يخفى ما فيه: أما (أولا) فلأنها أخص من المدعى. وأما
(ثانيا) فلأن وجوب تخليته لا يدل على زوال الملك عنه، فإنه

(1) سورة المائدة، الآية 96.
(2) سورة المائدة، الآية 96.
(3) الوسائل الباب 36 من كفارات الصيد.
170

يجوز أن يبقى على ملكه وإن وجب عليه إرساله وتخليته وحرم
عليه إمساكه.
ونقل عن الشيخ (رحمه الله) أنه حكم بدخوله في الملك وإن وجب
إرساله، كما في صيد الحرم. قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه:
ولا يخلو من قوة.
أقول: لا يخفى أن الأخبار التي قدمناها في سابق هذه المسألة
صريحة الدلالة واضحة المقالة في الملك، فإنه في غير خبر منها قد
علل الأكل من الصيد وترجيحه على الميتة بأنه إنما يأكل من ماله
وظاهرها أن الملك عليه باق وإن وجب إرساله في غير الضرورة
الموجبة لأكله. ولم أقف على من تنبه للاستدلال بها على هذا الحكم، وهي
صريحة فيه كما ترى.
نعم روى الشيخ بسنده عن أبي سعيد المكاري عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: (لا يحرم أحد ومعه شئ من الصيد حتى
يخرجه من ملكه، فإن أدخله الحرم وجب عليه أن يخليه).
إلا أن غاية ما تدل عليه هو المنع من الاحرام حتى يخرج الصيد
عن ملكه، ولا دلالة فيها على أنه يخرج الصيد عن ملك المحرم
بمجرد الاحرام، وإن كان فيها نوع اشعار بذلك، إلا أنه غير ملتفت
إليه بعد ما عرفت من صراحة الروايات المشار إليها في ما ذكرناه.
وأما الحكم الثاني فيدل عليه ما رواه الصدوق في الصحيح عن
محمد بن مسلم (2) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن

(1) التهذيب ج 5 ص 362، والوسائل الباب 34 من كفارات الصيد
(2) الوسائل الباب 34 من كفارات الصيد.
171

الرجل يحرم وعنده في أهله صيد أما وحش وأما طير. قال: لا بأس)
وما رواه ثقة الاسلام والشيخ في الصحيح عن جميل (1) قال:
(قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الصيد يكون عند الرجل من
الوحش في أهله ومن الطير، يحرم وهو في منزله؟ قال: وما به
بأس لا يضره).
والظاهر أن الحكم المذكور لا خلاف فيه.
ثم إنه صرح جملة منهم أيضا بأن الصيد في الحرم لا يدخل في ملك
المحل ولا المحرم، وقيل إنه مذهب الأكثر. ومال المحقق في النافع إلى
وجوب الارسال خاصة، قال: وهل يملك المحل صيدا في الحرم؟ الأشبه
أنه يملك ويجب إرسال ما يكون معه. وحكى فخر المحققين هذا
القول عن الشيخ أيضا.
واستدل على القول المشهور بصحيحة معاوية بن عمار (2) قال:
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن طائر أهلي أدخل الحرم حيا
فقال: لا يمس، لأن الله (عز وجل) يقول: ومن دخله كان آمنا) (3)
ونحوها غيرها من ما تقدم ودل على تخلية سبيل ما أدخل الحرم
من الصيد.
وأنت خبير بأن المستفاد منها إنما هو وجوب إرساله وتخلية سبيله
كما ذكره في النافع، لا زوال الملك. واطلاق الروايات التي أشرنا

(1) الوسائل الباب 34 من كفارات الصيد.
(2) الوسائل الباب 12 و 36 من كفارات الصيد.
(3) سورة آل عمران، الآية 96.
172

إليها آنفا شاملة لهذه الصورة أيضا. فيكون الأظهر هو ما ذكره المحقق
ونقل عن الشيخ (رحمه الله).
البحث الثاني
في الكفارات
وينبغي أن يعلم أن ما تتعلق به الكفارة نوعان:
الأول ما لكفارته
بدل على الخصوص، وهو كل ما له مثل من النعم، والأصل في هذا
النوع قوله (عز وجل): فجزاء مثل ما قتل من النعم (1) والمتبادر
من المماثلة هو المشابهة في الصورة، كما في النعامة، فإنها تشابه
البدنة، وبقرة الوحش، فإنها تشابه البقرة الأهلية، والظبي يشابه
الشاة. إلا أنه لا يطرد كليا، فإنهم عدوا من هذا القبيل البيض
وجعلوه من قبيل ذوات الأمثال، ولعل الحكم مبني على الأغلب. والأمر
هين بعد وضوح الحكم والمأخذ.
وكيف كان فقد ذكروا أن أفراد هذا النوع خمسة:
الأول النعامة، وفي قتلها بدنة باجماع أصحابنا (رضوان الله
عليهم) وأكثر العامة (2)
ويدل عليه من الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز عن

(1) سورة المائدة، الآية 95.
(2) المهذب للشيرازي الشافعي ج 1 ص 216، والمجموع للنوري شرح
المهذب ج 7 ص 421 الطبع الثاني، وفتح القدير لابن همام الحنفي
ج 3 ص 260.
173

أبي عبد الله (عليه السلام) (1) أنه قال (في قول الله (عز وجل):
فجزاء مثل ما قتل من النعم (2) قال: في النعامة بدنة، وفي حمار وحش
بقرة، وفي الظبي شاة، وفي البقرة بقرة).
وما رواه الصدوق في الصحيح عن محمد بن مسلم وزرارة عن أبي عبد
الله (عليه السلام) (3): (في محرم قتل نعامة؟ قال: عليه
بدنة، فإن لم يجد فإطعام ستين مسكينا، فإن كانت قيمة البدنة أكثر
من اطعام ستين مسكينا لم يزد على اطعام ستين مسكينا، وإن كانت
قيمة البدنة أقل من اطعام ستين مسكينا لم يكن عليه إلا قيمة البدنة)
وما رواه ثقة الاسلام عن يعقوب بن شعيب في الصحيح عن أبي
عبد الله (عليه السلام) (4) قال: (قلت له: المحرم يقتل نعامة؟
قال: عليه بدنة من الإبل. قلت: يقتل حمار وحش؟ قال: عليه
بدنة. قلت: فالبقرة؟ قال: بقرة).
وما رواه الشيخ عن سليمان بن خالد في الصحيح (5) قال: (قال
أبو عبد الله (عليه السلام): في الظبي شاة، وفي البقرة بقرة، وفي
الحمار بدنة، وفي النعامة بدنة، وفي ما سوى ذلك قيمته).
وما رواه في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6)
قال: (سألته عن محرم أصاب نعامة أو حمار وحش. قال: عليه
بدنة. قلت: فإن لم يقدر على بدنة؟ قال: فليطعم ستين مسكينا.
قلت: فإن لم يقدر على أن يتصدق؟ قال: فليصم ثمانية عشر يوما.

(1) الوسائل الباب 1 من كفارات الصيد
(2) سورة المائدة، الآية 95
(3) الوسائل الباب 2 من كفارات الصيد.
(4) الوسائل الباب 1 من كفارات الصيد
(5) الوسائل الباب 1 من كفارات الصيد
(6) الوسائل الباب 2 من كفارات الصيد.
174

والصدقة مد على كل مسكين).
وهل المراد بالبدنة هي الأنثى فالواجب إنما هو هي أو ما يشمل
الذكر فالواجب أحدهما؟ قولان، منشأهما اختلاف أهل اللغة في
ذلك، فظاهر الصحاح على ما نقله عنه في المدارك اختصاص البدنة
بالناقة، وظاهره الميل إلى ذلك. وظاهر عبارة القاموس اطلاقها على
الذكر والأنثى، حيث قال: والبدنة محركة: من الإبل والبقر كالأضحية
من الغنم تهدى إلى مكة، للذكر والأنثى. وقال في كتاب المصباح المنير:
قالوا: وإذا أطلقت البدنة في الفروع فالمراد البعير ذكرا كان أو أنثى.
وربما أشعرت هذه العبارة بأن هذا الاطلاق ليس من جهة الوضع
اللغوي وإنما هو اصطلاح المتشرعة. وقال الشيخ فخر الدين بن طريح
في مجمع البحرين بعد ذكر البدنة: وإنما سميت بذلك لعظم بدنها
وسمنها، وتقع على الجمل والناقة عند جمهور أهل اللغة وبعض الفقهاء.
وبذلك يظهر أن الحكم لا يخلو من اشكال.
ثم إن ظاهر عبارة القاموس اطلاق البدنة على البقر أيضا، وبه
صرح في كتاب شمس العلوم، فقال: والبدنة: الناقة والبقرة تنحر
بمكة. انتهى. وهو أشد اشكالا.
إلا أن ظاهر صحيحة يعقوب بن شعيب كون البدنة هنا من الإبل
فلا اشكال.
قال الفيومي في كتاب المصباح المنير (1): والبدنة قالوا: هي ناقة
أو بقرة، وزاد الأزهري: أو بعير ذكر. قال: ولا تقع البدنة على
الشاة. وقال بعض الأئمة: البدنة هي الإبل خاصة. ويدل عليه قوله

(1) مادة (بدن).
175

تعالى: (فإذا وجبت جنوبها) (1) سميت بذلك لعظم بدنها. وإنما
ألحقت البقرة بالإبل بالسنة، وهو قوله (عليه السلام): (تجزئ البدنة
عن سبعة والبقرة عن سبعة) (2) ففرق الحديث بينهما بالعطف، إذ لو
كانت البدنة في الوضع تطلق على البقرة لما ساغ عطفها، لأن المعطوف
غير المعطوف عليه. انتهى.
أقول: ويؤيد ذلك ما وقع في جملة من أخبار المسألة من اطلاق
البدنة في مقابلة البقرة، كما في صحيحة حريز المتقدمة، حيث أوجب
في النعامة بدنة وفي حمار الوحش بقرة، ونحوها غيرها.
ونقل عن بعض الأصحاب أن البدنة هي الأنثى التي كمل لها خمس
سنين ودخلت في السادسة.
والقول بشمولها للذكر منقول عن الشيخ وجماعة، واستدلوا عليه
بما رواه الشيخ عن أبي الصباح (3) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن قول الله (عز وجل) في الصيد: ومن قتله منكم معتمدا
فجزاء مثل ما قتل من النعم (4) قال: في الظبي شاة، وفي حمار
وحش بقرة، وفي النعامة جزور) والجزور يشمل الأنثى والذكر:
قال في المصباح المنير: والجزور من الإبل خاصة يقع على الذكر
والأنثى. وفي القاموس: الجزور: البعير أو خاص بالناقة المجزورة.

(1) سورة الحج، الآية 36.
(2) ارجع إلى تتمة الكلام في المصباح فإنه يذكر الحديث، وإلى المغني
لابن قدامة الحنبلي ج 3 ص 551، وسنن البيهقي ج 5 ص 234
(3) الوسائل الباب 1 من كفارات الصيد
(4) سورة المائدة، الآية 95
176

والبعير من ما يطلق على الذكر والأنثى.
ويظهر من العلامة في التذكرة والمنتهى: أن البدنة والجزور بمعنى
واحد، حيث قال في التذكرة: يجب في النعامة بدنة عند علمائنا
أجمع، فمن قتل نعامة وهو محرم وجب عليه جزور. ونحوه في
المنتهى أيضا. وهو ظاهر في موافقة الشيخ (رحمه الله).
وبالجملة فقول الشيخ لا يخلو من قوة، للرواية المذكورة، وأن
كان الاحتياط في جانب القول الآخر.
ونقل عن العلامة في التذكرة أنه اعتبر المماثلة بين الصيد وفدائه
ففي الصغير من الإبل ما في سنه، وفي الكبير كذلك، وفي الأنثى أنثى، وفي
الذكر ذكر. ولم نقف له على دليل، بل اطلاق الأخبار الواردة في
المسألة يدفعه.
تنبيهات
الأول اختلف الأصحاب في ما لو لم يجد بدنة على أقوال:
أحدها القول بأنه لو لم يجد قوم الجزاء وفض ثمنه على الحنطة،
وتصدق به على كل مسكين نصف صاع، فإن زاد ذلك على اطعام ستين
مسكينا لم يلزمه أكثر منه، وإن كان أقل منه فقد أجزأه. وهو قول
الشيخ، وبه قال ابن إدريس وابن البراج، وهو المشهور بين المتأخرين.
وثانيها أنه لو لم يجد البدنة فقيمتها، فإن لم يجد فض القيمة على
البر، وصام لكل نصف صاع يوما. وبه قال أبو الصلاح. وظاهره
أنه يتصدق بالقيمة، فإن لم يجد القيمة فضها على البر، وصام عن
كل نصف صاع يوما. وثالثها أنه لو لم يجد فإطعام ستين مسكينا.
177

وبه قال ابن بابويه وابن أبي عقيل والشيخ المفيد والسيد المرتضى
وسلار.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة هو ما رواه
ثقة الاسلام والشيخ في الصحيح عن أبي عبيدة عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) قال: (إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفر من
موضعه الذي أصاب فيه الصيد، قوم جزاؤه من النعم دراهم، ثم
قومت الدراهم طعاما، لكل مسكين نصف صاع، فإن لم يقدر على
الطعام صام لكل نصف صاع يوما) ونحوها صحيحة محمد بن مسلم
وزرارة المتقدمة في صدر البحث.
وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر
(عليه السلام) (2) قال: (سألته عن قوله (عز وجل): أو عدل
ذلك صياما (3) قال: عدل الهدي ما بلغ يتصدق به، فإن لم يكن عنده
فليصم بقدر ما بلغ لكل طعام مسكين يوما).
وما رواه ثقة الاسلام في الصحيح عن جميل عن بعض أصحابنا
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4): (في محرم قتل نعامة؟ قال:
عليه بدنة، فإن لم يجد فإطعام ستين مسكينا. وقال: إن كان قيمة
البدنة أكثر من اطعام ستين مسكينا لم يزد على اطعام ستين مسكينا،

(1) الوسائل الباب 2 من كفارات الصيد، والوافي باب (كفارة
ما أصاب المحرم من الوحش).
(2) الوسائل الباب 2 من كفارات الصيد
(3) سورة المائدة: الآية 95.
(4) الوسائل الباب 2 من كفارات الصيد
178

وإن كان قيمة البدنة أقل من اطعام ستين مسكينا لم يكن عليه إلا
قيمة البدنة).
وروى العياشي في تفسيره عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) قال: (سألته عن قول الله (تعالى) في من قتل صيدا متعمدا
وهو محرم: فجزاء مثل ما قتل من النعم، يحكم به ذوا عدل منكم
هديا بالغ الكعبة، أو كفارة طعام مساكين، أو عدل ذلك صياما (2)
ما هو؟ قال: ينظر إلى الذي عليه بجزاء ما قتل، فإما أن يهديه،
وإما أن يقوم فيشتري به طعاما فيطعمه المساكين، يطعم كل مسكين
مدا، وإما أن ينظركم يبلغ عدد ذلك من المساكين فيصوم مكان كل
مسكين يوما).
وقد تقدم في صدر كتاب الصوم (3) حديث الزهري عن علي بن الحسين
(عليه السلام) وفيه: (أو تدري كيف يكون عدل ذلك صياما
يا زهري؟ قال: قلت: لا أدري. قال: يقوم الصيد قيمة عدل، ثم
تفض تلك القيمة على البر، ثم يكال ذلك البر أصواعا، فيصوم لكل
نصف صاع يوما) ونحوه في حديث كتاب الفقه الرضوي (4) المتقدم
ثمة أيضا.
وهذه الروايات ظاهرة في القول الأول.
ومنها ما رواه ثقة الاسلام في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله

(1) الوسائل الباب 2 من كفارات الصيد
(2) سورة المائدة، الآية 95
(3) ج 13 ص 3، والوسائل الباب 1 من بقية الصوم الواجب
(4) ص 23
179

(عليه السلام) ورواه الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن مسكان عن أبي بصير (1) وهو ليث المرادي بقرينة عبد الله بن مسكان قال:
(سألته عن محرم أصاب نعامة أو حمار وحش. قال: عليه بدنة. قلت:
فإن لم يقدر على بدنة؟ قال: فليطعم ستين مسكينا. قلت: فإن لم يقدر
على أن يتصدق؟ قال: فليصم ثمانية عشر يوما. والصدقة مد على كل
مسكين.. الحديث).
وما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار في الصحيح (2) قال: (قال
أبو عبد الله (عليه السلام): من أصاب شيئا فداؤه بدنة من الإبل،
فإن لم يجد ما يشتري به بدنة فأراد أن يتصدق فعليه أن يطعم ستين
مسكينا كل مسكين مدا، فإن لم يقدر على ذلك صام مكان ذلك ثمانية
عشر يوما، مكان كل عشرة مساكين ثلاثة أيام.. الحديث).
وفي حديث الجواد (عليه السلام) مع يحيى بن أكثم القاضي
المروي في جملة من الأصول المعتمدة التي من جملتها كتاب تحف
العقول للحسن بن علي بن شعبة (3) والمنقول هنا من عبارته قال
(عليه السلام): (وإن كان من الوحش فعليه في حمار وحش بدنة
وكذلك في النعامة بدنة، فإن لم يقدر فإطعام ستين مسكينا، فإن لم
يقدر فليصم ثمانية عشر يوما.. الحديث).
وروى الثقة الجليل علي بن جعفر (رضي الله عنه) في كتابه عن

(1) الفروع ج 4 ص 385، والفقيه ج 2 ص 233، والوسائل الباب
2 من كفارات الصيد.
(2) التهذيب ج 5 ص 343، والوسائل الباب 2 من كفارات الصيد
(3) الوسائل الباب 3 من كفارات الصيد
180

أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) (1) قال: (سألته عن رجل
محرم أصاب نعامة، ما عليه؟ قال: عليه بدنة، فإن لم يجد فليتصدق
على ستين مسكينا، فإن لم يجد فليصم ثمانية عشر يوما).
وفي كتاب الفقه الرضوي (2): (فإن كان الصيد نعامة فعليك
بدنة، فإن لم تقدر عليها أطعمت ستين مسكينا، لكل مسكين مد، فإن
لم تقدر صمت ثمانية عشر يوما).
أقول: وهذه الأخبار ظاهرة في القول الثالث. وأما القول الثاني
فلم أقف له في الأخبار على دليل، وقائله أعرف بما قاله.
ولم أقف على من تعرض للجمع بين هذه الأخبار، وأكثر المتأخرين
كالعلامة في مطولاته وغيره لم يتعرضوا لنقل الخلاف بالكلية فضلا
عن الروايات المخالفة، وإنما ذكروا القول الأول ورواياته. ولا يخفى
أن مذهب العامة كافة هو ما عليه المشهور بين أصحابنا من القول
الأول (3) وأخبارهم كلها موافقة للعامة، والأخبار الأخر مخالفة لهم
والمسألة لذلك لا تخلو من الاشكال، فإن الخروج عن مقتضى هذه الأخبار مع كثرتها وشهرتها بينهم مشكل، والقول بها مع موافقتها
لمذهب العامة أشكل.
ثم إن ظاهر أصحاب القول الأول هو الصدقة بعد تعذر البدنة
بمدين، وبه صرحت صحيحة أبي عبيدة المذكورة. إلا أن غيرها من
أخبار المسألة من ما صرح فيه بقدر الصدقة إنما تضمن المد، وهو

(1) الوسائل الباب 2 من كفارات الصيد
(2) ص 29
(3) المغني ج 3 ص 464 و 465 طبع مطبعة العاصمة
181

قول الصدوق وابن أبي عقيل، كما صرحت به رواية أبي بصير
الصحيحة بنقل الصدوق، وصحيحة معاوية بن عمار، ورواية العياشي،
ورواية كتاب الفقه الرضوي.
ويؤيده ما رواه ثقة الاسلام في الموثق عن ابن بكير عن بعض
أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) (في قول الله (عز وجل):
أو عدل ذلك صياما (2) قال: يثمن قيمة الهدي طعاما، ثم يصوم لكل
مد يوما، فإذا زادت الأمداد على شهرين فليس عليه أكثر منه).
وظاهر صاحب المدارك ومن تبعه الجمع بين الأخبار بحمل صحيحة
أبي عبيدة على الاستحباب.
ثم إن ظاهر أصحاب القول الأول هو التصدق بالبر بعد فض قيمة
البدنة عليه. وهو ظاهر صحيحة أبي عبيدة، حيث قال فيها: (ثم
قومت الدراهم طعاما) والطعام كما هو المستفاد من الأخبار
الحنطة. واكتفى شيخنا الشهيد الثاني وجمع ممن تأخر عنه بمطلق الطعام
نظرا إلى ظاهر الروايات الأخر المصرحة بالاطعام بقول مطلق. وهو محتمل
إلا أن الأحوط العمل بالأول.
الثاني قد صرح أصحاب القول الأول من الأقوال الثلاثة المتقدمة
بأنه لو عجز عن الصدقة بعد فض قيمة البدنة على الطعام أنه يصوم
عن كل مدين يوما، فإن عجز صام ثمانية عشر يوما. ومقتضاه أن
يصوم ستين يوما عدد المساكين الذين يتصدق عليهم. وبذلك قال الشيخ
المفيد والسيد المرتضى وسلار على ما نقله في المختلف. وبه صرحت

(1) الوسائل الباب 2 من كفارات الصيد
(2) سورة المائدة، الآية 95
182

صحيحة أبي عبيدة المتقدمة، وكذا مرسلة ابن بكير. إلا أن صوم
الثمانية عشر يوما بعد تعذر صوم الستين يوما لم أقف عليه في شئ من
رواياتهم، وإنما هو في روايات القول الآخر عوضا عن الصدقة على ستين
مسكينا، كما صرحت به صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة، ورواية
أبي بصير المتقدمة أيضا. والمستفاد من رواياتهم إنما هو الصدقة بالبدنة
أولا، ثم مع التعذر فض قيمتها على الطعام، والتصدق على ستين مسكينا
لكل مسكين نصف صاع، ومع العجز عن الطعام يصوم عن كل نصف صاع
يوما، يكون ستين يوما. هذا ما تضمنته أخبارهم. وأما القول الآخر فإنه
بعد تعذر البدنة يتصدق على ستين مسكينا، ومع العجز عن الصدقة يصوم
ثمانية عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام. وحينئذ فإن كان معتمدهم
في ما ذكروه من صوم الثمانية عشر يوما هو هذه الروايات فهي إنما تضمنت
صوم الثمانية عشر يوما عوضا عن الصدقة، وهم لا يقولون بذلك. ومقتضى
كلامهم إنما هو عوض عن صيام الستين يوما. ولعل مستندهم إنما
هو هذه لأخبار، لكنها لما كانت معارضة بالنسبة إلى حكم الصدقة
على الوجه الذي ذكروه، وكذا صوم الستين يوما بالأخبار التي
اعتمدوها، وحكم صوم الثمانية عشر لا معارض له، عملوا بها في هذا
الحكم خاصة حيث لا مانع منه. والفرق بين القولين من وجهين:
أحدهما أنه على تقدير القول الأول لو فض قيمة البدنة على الطعام
واتفق أن الطعام نقص عن عدد الستين لكل رأس نصف صاع، فإنه
يكتفي بما وسعهم ولا يجب عليه اتمام الستين من غير قيمة البدنة،
وعلى القول الآخر فإنه يجب عليه الصدقة على ستين مسكينا من غير
نظر إلى قيمة البدنة بالكلية. وثانيهما أنه على القول الأول مع
183

العجز عن الصدقة على ستين مسكينا يصوم ستين يوما، ومع العجز
عن ذلك يصوم ثمانية عشر يوما، وعلى القول الآخر أنه مع العجز
عن الصدقة يصوم ثمانية عشر يوما. والجمع بين روايات المسألة
لا يخلو من اشكال، وإن كان قد جمع بعضهم بينها بحمل صحيحة
أبي عبيدة على الاستحباب والأفضلية وحمل روايات القول الآخر على
أقل المجزئ. ومرجع ذلك إلى التخيير مع أفضلية أحد الفردين.
وأكثر الأصحاب كالعلامة في المنتهى والتذكرة لم يتعرضوا لنقل
القول الآخر، ولا لنقل شئ من رواياته بالكلية كما ذكرنا آنفا.
وصاحب المدارك قد غمض عينيه في هذا المقام ولم يتعرض للجمع بين
أخبار المسألة بنقض ولا ابرام، مع ما عرفت من أن روايات القول
المشهور معلولة بموافقة العامة. والله العالم.
الثالث اختلف الأصحاب في فرخ النعامة، فقال في الخلاف:
في صغار أولاد الصيد صغار أولاد الإبل. وقال ابن البراج: والكبار
أفضل. وقال شيخنا المفيد: في صغار النعام الفداء بقدره من صغار الإبل
في سنه، وكذا في صغار ما قتله من البقر والحمير والظباء. ونحوه قال
السيد، إلا أنه فرضه في صغار النعام خاصة. وبه قال أبو الصلاح
وقال ابن الجنيد: والاحتياط أن يكون جزاء الذكر من الصيد ذكرا
من النعم، وجزاء الأنثى أنثى، والمسن مسنا، والصغير صغيرا، من
الجنس الذي هو مثله في الجزاء، فإن تطوع بالأعلى سنا كان تعظيما
لشعائر الله تعالى. وهو اختيار ابن إدريس، وقواه العلامة في المختلف
استنادا إلى قوله (عز وجل): فجزاء مثل ما قتل من النعم (1) وقال

(1) سورة المائدة، الآية 95
184

الشيخ في النهاية، في فراخ النعامة مثل ما في النعامة سواء. وقد
روي أن فيه من صغار الإبل. والأحوط ما قدمناه. ومثله قال في
المبسوط. وقال المحقق في الشرائع: وفي فراخ النعام روايتان:
إحداهما مثل ما في النعام والأخرى من صغار الإبل. وهو أشبه.
أقول: والذي وقفت عليه في الأخبار من ما يتعلق بهذه المسألة
هو ما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1): (في قوم حجاج محرمين أصابوا
أفراخ نعام فأكلوا جميعا؟ قال: عليهم مكان كل فرخ أكلوه بدنة
يشتركون فيها جميعا فيشترونها على عدد الفراخ وعلى عدد الرجال).
وأما الرواية التي أشار إليها المحقق وقبله الشيخ في عبارة النهاية
فلم تصل إلينا في كتب الأخبار، ولم ينقلها أحد في كتب الاستدلال،
والظاهر وصولها إليهم، حيث إن المشهور بينهم كما عرفت هو
القول بها. وكيف كان فتكليفنا غير تكليفهم.
فالأظهر هو القول الأخير للصحيحة المذكورة، مضافا إلى ترجيحها
بالاحتياط كما لا يخفى.
الرابع قال العلامة في المنتهى: لو بقي ما لا يعدل يوما كربع
الصاع كان عليه صيام يوم كامل، ولا نعلم فيه خلافا، لأن صيام
اليوم لا يتبعض، والسقوط غير ممكن لشغل الذمة، فيجب اكمال اليوم.
وأورد عليه بأنه يمكن المناقشة فيه بأن مقتضى النص أن صيام اليوم
بدل عن نصف صاع كما في صحيحة أبي عبيدة، أو عن اطعام مسكين

(1) التهذيب ج 5 ص 353، والفقيه ج 2 ص 236، والوسائل الباب
2 و 18 من كفارات الصيد.
185

كما في صحيحة محمد بن مسلم، وهو غير متحقق في محل البحث.
وهو جيد. ومرجعه إلى المناقشة في ما ادعاه من شغل الذمة. ومع
ذلك فإنه متى كان الصوم في الأخبار إنما علق على قدر ما يجب اطعامه
المسكين، من نصف صاع كما في الصحيحة المذكورة، أو مد كما
تقدم في مرسلة ابن بكير، أو ما هو أعم كما في صحيحة محمد بن
مسلم، فما كان أقل من ذلك فإنه لا يوجب صوما البتة. والظاهر أن
تمثيله بربع الصاع بناء على ما قدمنا نقله عنهم من ايجابهم نصف
صاع لكل مسكين، وإلا فربع الصاع الذي هو عبارة عن مد بناء
على القول الآخر يعدل يوما، كما دلت عليه مرسلة ابن بكير
والروايات المتقدمة.
الخامس ظاهر كلام أصحاب القول الأول كالشيخ وابن إدريس
والمحقق والعلامة وغيرهم أنه لو نقصت قيمة البدنة عن اطعام
الستين وانتقل فرضه إلى الصوم، فإنه يصوم عن كل نصف صاع يوما
بالغا ما بلغ إن أوجبنا نصف الصاع لكل مسكين، أو مدا كما في
مرسلة ابن بكير، لأن الصوم في الأخبار متفرع على الصدقة، فأي
عدد حصل من قيمة البدنة بعد فض قيمتها على الطعام فإنه يجب
الصدقة به إن وجد الطعام، وإلا صام عوض اطعام كل مسكين يوما
وعلى هذا كما يكون النقص في الصدقة عن الستين لو عجزت قيمة
البدنة كذلك يكون النقص في الصوم.
وقرب العلامة في القواعد أنه يصوم الستين كملا في الصورة المذكورة
ونقله بعض الأصحاب أيضا عن ابن حمزة في الوسيلة. قال في الذخيرة:
ووجهه غير واحد من الشارحين بأن الواجب في الأصل هو اطعام الستين
186

وسقوط الزيادة عنه والعفو عن الناقص على تقديرهما في الاطعام
لا يستلزم مثله في الصيام. وبأن الكفارة في ذمته ستون ولا يخرج
عن العهدة إلا بصوم الستين.
أقول: الذي وقفت عليه في شرح المحقق الشيخ علي على الكتاب
المذكور ظاهر في ما قدمناه، ولم يلم فيه بشئ من هذه التوجيهات
الركيكة، حيث قال بعد قول المصنف: (والأقرب الصوم عن ستين
وإن نقص البدل) ما صورته: قد يومئ إلى ذلك وجوب ثمانية
عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام، ولا دلالة له صريحا
لجواز أن يكون المراد البدل عن ما هو نهاية ما يجب من الاطعام،
وليس في الروايات صيام ستين بل صيام يوم عن نصف صاع. لكن
الأحوط وجوب الستين. انتهى.
وأنت خبير بما في الاستناد في هذا الايماء إلى وجوب ثمانية عشر
يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام، وذلك فإنك قد عرفت
من ما قدمنا أن وجوب صيام الثمانية عشر يوما لم يقع في شئ
من روايات القول الأول وإنما أخذوه من روايات القول الآخر،
وهو في تلك الروايات ترتب على وجوب الصدقة على ستين مسكينا
إن وجد الطعام بلا زيادة ولا نقصان، لا على ما أوجبه فض
قيمة البدنة على الطعام كما قالوا به، فالتعليل في وجوب الثمانية عشر
بأن كل ثلاثة أيام عن عشرة مساكين إنما ترتب على هذه الستين
التي لا يتطرق إليها النقصان بوجه، لا تلك كما يوهمه كلامه
(قدس سره).
السادس لو تمكن من الزيادة على ثمانية عشر بعد عجزه عن
187

الستين صوما فهل تجب الزيادة أم لا؟ استشكل العلامة في القواعد
قيل: ولعل منشأ الاشكال، من أن العجز عن صوم الستين لا يقتضي
سقوط المقدور منه، ومن أن ايجاب العدد المخصوص في الرواية
منوط بالعجز عن المجموع فلا تجب الزيادة عليه.
أقول: لا يخفى أن هذا الاشكال لا وجه له بالكلية. وما وجهوه به مبني
على وجود الرواية بصوم الثمانية عشر يوما بعد تعذر صوم ستين يوما
كما قالوا به، وليس في الروايات له أثر كما قدمنا ذكره، وإنما
الذي فيها هو صوم الثمانية عشر يوما بعد تعذر الصدقة على ستين مسكينا
لكل عشرة مساكين ثلاثة أيام، كما تضمنته صحيحة معاوية
ابن عمار المتقدمة، والتعليل المذكور مؤذن بعدم الزيادة على الثمانية
عشر. وبذلك يظهر لك أنه لا معنى لقوله: (إن ايجاب العدد
المخصوص في الرواية منوط بالعجز عن المجموع) فإنه لم يقع في شئ
من الروايات تعليق صوم الثمانية عشر على العجز عن صوم الستين يوما.
السابع لو تجدد العجز عن صيام الستين يوما بعد صيام شهر،
فقيل بأنه يجب أن يصوم تسعة. وعلل بأن العجز عن المجموع يوجب
ثمانية عشر يوما، فالعجز عن النصف يوجب التسعة التي هي نصف
الثمانية عشر. وقواه في القواعد. ولا يخفى ما فيه، فإن ظاهر الخبر
الوارد بصوم ثمانية عشر إنما هو البدلية عن الصدقة على ستين مسكينا
كما تقدم. ومع تسليم ما ذكره فالمتبادر منه إنما هو البدلية عن
المجموع. والقول بالتوزيع لو صح كما ادعاه في الصورة المذكورة
لوجب بدل ما عجز عنه من الاطعام مع اطعام المقدور، فلو قدر على
اطعام ثلاثين مسكينا صام ثلاثين يوما عن الباقي، مع أنه لا قائل
به منهم. واعراضهم عنه دليل على أنهم إنما فهموا من الخبر المذكور
188

هو ما أشرنا إليه.
وقيل بوجوب صوم ما قدر عليه. وتوجيهه أن الرواية الواردة
بصوم الثمانية عشر على تقديرها منزلة على العجز الحاصل قبل الشروع
كما هو المعتاد، فيكون محل البحث من ما لا نص فيه، فيلزم القدر
المقدور، لعدم سقوط الميسور بالمعسور (1) ولقوله (صلى الله عليه
وآله): (إذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم) (2).
وبه يظهر ما في كلام المحقق الشيخ علي في الشرح في هذا المقام
حيث قال: وأما الثاني وأشار به إلى القول المذكور فلا يظهر
له وجه، فإن الحديث لا يتناوله، أعني قوله: (إذا أمرتكم بأمر
فأتوا منه ما استطعتم) (3) إذ لو تناوله لوجب مقدوره وإن زاد على
ثمانية عشر، وهو ينافي كونها بدلا من الستين الذي دلت عليه
الروايات. انتهى. فإن كلامه مبني على شمول العجز لما بعد الشروع.
ثم إنه لا يخفى ما في قوله: (الذي دلت عليه الروايات) فإنه
ليس في شئ من الروايات أن الثمانية عشر بدل من ستين يوما
كما عرفت.
وقيل بالسقوط، لتحقق العجز عن المجموع وحصول البدل في
ضمن المتقدم من الثلاثين التي صامها، كما يظهر من ابنه في الشرح،
حيث بناه على أن المكلف إذا علم انتفاء شرط التكليف قبل دخول
وقته لا يحسن منه التكليف، وأن المكلف والحال ما ذكر لا يجوز

(1) عوائد النراقي ص 88، وعناوين مير فتاح ص 146 عن عوالي
اللئالي عن علي (عليه السلام).
(2) صحيح مسلم ج 1 ص 513، والنسائي ج 2 ص 1
(3) صحيح مسلم ج 1 ص 513، والنسائي ج 2 ص 1
189

تكليفه بالستين وإن ظن ذلك ظاهرا، بل إنما عليه ثمانية عشر يوما
وقد صامها في ضمن ثلاثين.
وقيل عليه أنه يشكل على أصله أنه إن تم ما ذكره من القاعدة
الأصولية أمكن منع الاجزاء عن الثمانية عشر، لأنه حينئذ إنما أتى
بالصوم على أنه من جملة الستين التي هي الواجب الثالث لا أنه البدل
الذي هو ثمانية عشر، ومن أتى بعبادة ظانا وجوبها بسبب ثم تبين
وجوب بعضها خاصة بسبب آخر ففي اجزائها نظر.
أقول: ويعضده أنه لو تم ما ذكره للزم صحة صلاة من صلى في السفر
تماما، لوجود صلاة القصر الواجبة عليه في ضمنها وإن لم يقصدها.
وصحة صلاة من صلى الظهر خمسا ساهيا، لوجود الأربع في ضمنها
بل ينبغي أن يكون هذا أولى بالصحة، لأنه قصد الأربع في أول
دخوله في الصلاة وذلك لم يقصد الثمانية عشر بالكلية. وهو
لا يقول بذلك.
وبالجملة فإن المسألة لخلوها من النص موضع اشكال، والركون
إلى هذه التخريجات لا يخلو من المجازفة في الأحكام الشرعية.
الثامن اختلف الأصحاب في هذه الكفارة في النعامة وما بعدها
هل هي مخيرة أو مرتبة؟ فذهب الأكثر ومنهم: الشيخ في النهاية
والمبسوط، والشيخ المفيد، وابن أبي عقيل، وابن بابويه، والشهيد
في الدروس، والمرتضى، وغيرهم إلى أنها مرتبة، ونسبه في المبسوط
إلى أصحابنا مؤذنا بدعوى الاجماع عليه، بعد اعترافه بأن ظاهر
القرآن (1) يدل على التخيير. وظاهر العلامة في جملة من كتبه القول بأنها

(1) سورة المائدة، الآية 95
190

مخيرة، وبه صرح في المنتهى والتذكرة، ونقله في المختلف عن ابن إدريس
ونقل عنه أنه نسبه أيضا إلى الشيخ في الجمل والخلاف.
ويدل على الأول الأخبار المتقدمة كصحيحة محمد بن مسلم وزرارة
وصحيحة أبي عبيدة، وصحيحة معاوية بن عمار، ورواية أبي بصير (1)
فإن الجميع قد اشترك في الدلالة على أن الانتقال إلى المرتبة الثانية
مرتب على عدم القدرة على الأولى، وكذا من الثانية إلى الثالثة.
ويدل على الثاني ظاهر الآية وهو قوله (عز وجل): هديا بالغ
الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما (2) المؤكد بقول
الصادق (عليه السلام) في صحيحة حريز (3): (وكل شئ في القرآن
(أو) فصاحبه بالخيار يختار ما شاء، وكل شئ في القرآن (فمن
لم يجد فعليه كذا) فأول بالخيار) ورواية عبد الله بن سنان المتقدم
نقلها عن تفسير العياشي (4).
والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال والاحتياط في العمل بالترتيب
والقول بالتخيير لظاهر الآية فيه قوة ظاهرة. ويمكن ارجاع روايات
الترتيب إليها بالحمل على أفضلية المتقدم، فالترتيب إنما هو من حيث
الفضل والاستحباب.
ثم إنهم اختلفوا هنا في وجوب التتابع وعدمه، فالمنقول
عن الشيخ المفيد والمرتضى وسلار: الأول، وعن الشيخ أنه صرح بأن

(1) ص 174 و 178 و 180
(2) سورة المائدة، الآية 95
(3) الفروع ج 4 ص 358، والتهذيب ج 5 ص 333، والوسائل
الباب 14 من بقية كفارات الاحرام.
(4) ص 179
191

جراء الصيد لا يجب فيه التتابع. وهو الأظهر، عملا باطلاق
الآية (1) والروايات المتقدمة.
ويدل عليه أيضا ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن سليمان
ابن جعفر الجعفري (2) قال: (سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن
الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان أيقضيها متفرقة؟ قال:
لا بأس بتفرقة قضاء شهر رمضان، إنما الصيام الذي لا يفرق صوم كفارة
الظهار وكفارة الدم وكفارة اليمين).
الفرد الثاني بقرة الوحش وحماره، والمشهور بين الأصحاب أن
في قتل كل واحد منهما بقرة أهلية. ويدل عليه ما تقدم من صحيحة
حريز (3) وقوله (عليه السلام) فيها تفسيرا لقوله (عز وجل): مثل
ما قتل من النعم (4) قال: (في حمار وحش بقرة.. وفي البقرة بقرة،
ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال: (قلت:
فإن أصاب بقرة أو حمار وحش، ما عليه؟ قال: عليه بقرة) ورواية
أبي الصباح المتقدمة (6) وذهب الصدوق إلى أن الواجب في الحمار بدنة.
ونقله في المختلف عن الشيخين. ويدل عليه ما تقدم من صحيحة
يعقوب بن شعيب، وصحيحة سليمان بن خالد، ورواية أبي بصير
ورواية الجواد (عليه السلام) (7) وعن ابن الجنيد أنه خير في فداء

(1) سورة المائدة، الآية 95.
(2) الفقيه ج 2 ص 95، والفروع ج 4 ص 120، والوسائل الباب
26 من أحكام شهر رمضان
(3) ص 173 و 174
(4) سورة المائدة، الآية 95.
(5) الوسائل الباب 2 من كفارات الصيد
(6) 176
(7) 174 و 180
192

الحمار بين البدنة والبقرة. والظاهر أنه جعله وجه جمع بين الأخبار
المذكورة. وهو جيد.
ثم إنه مع تعذر الفداء المذكور بقرة كان أو بدنة، فإنه يرجع
الحكم فيه إلى ما تقدم في مسألة قتل النعامة، والخلاف الذي تقدم،
فالمشهور أنه يفض الثمن على البر ويطعم ثلاثين مسكينا لكل مسكين
نصف صاع، وما زاد فهو له، وما نقص فليس عليه اتمامه، ثم
الصوم عن كل نصف صاع يوما مع تعذر الاطعام، ثم صوم تسعة
أيام مع تعذر ما قبله. وهذا هو مدلول صحيحة أبي عبيدة المتقدمة (1)
وقوله (عليه السلام) فيها: (إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفر
من موضعه الذي أصاب فيه الصيد، قوم جزاؤه من النعم دراهم ثم
قومت الدراهم طعاما لكل مسكين نصف صاع، فإن لم يقدر على الطعام
صام لكل نصف صاع يوما) وهو متناول باطلاقه للبدنة والبقرة.
وأما أن الواجب الفض على ثلاثين في ما لو كان الواجب فيهما بقرة
فيدل عليه اطلاق صحيحة أبي عبيدة المذكورة. وأما أنه لا يجب
الاكمال مع النقصان فلاطلاق الاجتزاء بالقيمة في الصحيحة المشار إليها.
وقال العلامة في المنتهى: ولو لم يجد البقرة في جزاء حمار الوحش
وبقرته قوم ثمنها بدراهم وفضه على الحنطة، وأطعم كل مسكين نصف
صاع، ولا يجب عليه ما زاد على اطعام ثلاثين مسكينا، ولا اتمام
ما نقص عنه، عند علمائنا أجمع.
ونقل في المختلف هنا عن أبي الصلاح ما تقدم نقله عنه في النعامة
من الصدقة بالقيمة ثم الفض. وعن الشيخ المفيد والشيخ علي بن الحسين

ص 178
193

ابن بابويه كما في النعامة من قولهم بالانتقال إلى الاطعام بعد تعذر
الفدية ثم الصوم، من غير تعرض للتقويم والفض.
وعليه تدل صحيحة معاوية بن عمار (1) وقوله (عليه السلام)
فيها بعد ذكر ما تقدم منها: (ومن كان عليه شئ من الصيد فداؤه
بقرة فإن لم يجد فليطعم ثلاثين مسكينا، فإن لم يجد فليصم تسعة أيام)
ورواية أبي بصير التي تقدم أنها صحيحة برواية صاحب الفقيه (2)
وفيها: (وسألته عن محرم أصاب بقرة. قال: عليه بقرة. قلت:
فإن لم يقدر على بقرة؟ قال: فليطعم ثلاثين مسكينا. قلت:
فإن لم يقدر على أن يتصدق؟ قال: فليصم تسعة أيام).
وفي كتاب الفقه الرضوي (3): (وإن كان الصيد بقرة أو حمار
وحش فعليك بقرة، فإن لم تقدر أطعمت ثلاثين مسكينا، فإن لم تقدر
صمت تسعة أيام).
وفي حديث الجواد (عليه السلام) المتقدم ذكره برواية صاحب
كتاب تحف العقول (4): (فإن كان بقرة فعليه بقرة، فإن لم يقدر
فليطعم ثلاثين مسكينا، فإن لم يقدر فليصم تسعة أيام).
والخلاف في التخيير بين الابدال والترتيب كما تقدم في مسألة النعامة.
وكذا الخلاف في الاطعام مدين أو مدا كما تقدم فتوى ورواية.

(1) الوسائل الباب 2 من كفارات الصيد
(2) ج 2 ص 233، والوسائل الباب 2 من كفارات الصيد، في ذيل
رقم 3
(3) ص 29
(4) الوسائل الباب 3 من كفارات الصيد
194

وكذا في صغير البقر وحمار الوحش من الصغير في الفداء أيضا أو الكبير
عين ما سلف.
الفرد الثالث الظبي والثعلب والأرنب، فأما الظبي ففي قتله شاة
من غير خلاف يعرف. ثم مع تعذر الشاة فالمشهور كما تقدم في
النعامة وحمار الوحش وبقرته أنه يفض ثمن الشاة على البر ويتصدق
به على عشرة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، وما فضل فهو له
وما أعوز فلا شئ عليه. ومع تعذر البر يصوم عن كل مسكين يوما
ومع تعذر الصوم كذلك يصوم ثلاثة أيام. وعن الشيخ المفيد،
والسيد المرتضى، والصدوق في المقنع، وسلار، وابن أبي عقيل،
والشيخ علي بن بابويه: أنه مع العجز عن الشاة ينتقل إلى الاطعام،
ومع تعذره إلى صيام ثلاثة أيام. وهو جار على نحو ما تقدم نقله عنهم
في المسألتين الأولتين.
ويدل على الأول ما عرفت من اطلاق صحيحة أبي عبيدة.
وعلى الثاني قوله (عليه السلام) في صحيحة معاوية بن عمار
المتقدمة، زيادة على ما قدمنا نقله منها (1): (ومن كان عليه شاة
فلم يجد فليطعم عشرة مساكين، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام).
وقوله (عليه السلام) في رواية أبي بصير بنقل الشيخ (2) التي هي
صحيحة بنقل صاحب الفقيه (3): (قلت: فإن أصاب ظبيا ما عليه؟ قال:
عليه شاة. قلت: فإن لم يجد شاة؟ قال: فعليه اطعام عشرة مساكين. قلت:
فإن لم يقدر على ما يتصدق به؟ قال: فعليه صيام ثلاثة أيام).

(1) التهذيب ج 5 ص 343، والوسائل الباب 2 من كفارات الصيد
(2) الوسائل الباب 2 من كفارات الصيد رقم 10
(3) ج 2 ص 233
195

وفي كتاب الفقه الرضوي (1): (وإن كان الصيد ظبيا فعليك دم
شاة، فإن لم تقدر أطعمت عشرة مساكين، فإن لم تقدر صمت ثلاثة أيام)
وفي حديث الجواد (عليه السلام) المتقدم ذكره برواية صاحب
تحف العقول (2): (وإن كان ظبيا فعليه شاة، فإن لم يقدر فليطعم
عشرة مساكين، فإن لم يجد فليصم ثلاثة أيام.. الحديث).
قال في المدارك بعد قول المصنف: (في قتل الظبي شاة، ومع العجز
يقوم الشاة ويفض ثمنها على البر، ويتصدق به لكل مسكين مدين،
ولا يلزمه ما زاد) ما صورته: لا خلاف في لزوم الشاة بقتل الظبي
والانتقال مع العجز إلى فض ثمنها على البر والتصدق به. وقد تقدم
من الأخبار ما يدل عليه. ويدل على عدم لزوم اطعام ما زاد عن
العشرة إذا زادت قيمة الشاة عن ذلك قوله (عليه السلام) في صحيحة
معاوية بن عمار (3): (ومن كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة
مساكين، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام) انتهى.
أقول: الظاهر أن كلامه (قدس سره) هنا لا يخلو من سهو
وغفلة، لما عرفت آنفا من أن الانتقال مع العجز عن البدنة في النعامة
وعن البقرة في حمار الوحش وبقرته، وعن الشاة في الظبي إلى فض
القيمة على البر ليس مجمعا عليه في موضع من المواضع الثلاثة وإنما

(1) ص 29
(2) الوسائل الباب 3 من كفارات الصيد
(3) التهذيب ج 5 ص 343، والوسائل الباب 2 من كفارات
الصيد.
196

هو محل الخلاف، نعم المشهور ذلك كما أوضحناه في ما سبق في كل
من المواضع الثلاثة، فإن مقتضى القول الثالث إنما هو الانتقال إلى
اطعام ستين مسكينا في النعامة، وثلاثين في حمار الوحش وبقرته،
وعشرة في الظبي، من غير ملاحظة قيمة ولا فض ثمن على البر. وبذلك
يظهر أيضا ما في قوله: (ويدل على عدم لزوم اطعام ما زاد عن
العشرة إذا زادت قيمة الشاة عن ذلك قوله (عليه السلام) في
صحيحة معاوية بن عمار..)، فإن هذه الرواية إنما دلت في المواضع
الثلاثة منها على القول الآخر، وهو الانتقال من الفداء بعد تعذره
إلى الاطعام، ولا ذكر للفض فيها بالكلية. ومجرد اشتراك القولين في
اطعام العدد المذكور في المواضع الثلاثة لا يستلزم حمل أحدهما على
الآخر، والاستدلال بروايات أحدهما على الآخر، لظهور الفرق كما
قدمنا الإشارة إليه، وذلك لأنه على القول الأول من فض قيمة الفداء
بعد تعذره على الحنطة، فالواجب اخراج نصف صاع على المشهور
أو مد على القول الآخر لكل واحد من العدد المعتبر في تلك المسألة
فلو نقص البر عن الاتيان على العدد كفى ولم يجب عليه الزيادة على
ذلك. وأما على القول الآخر فلا بد من العدد تاما، إذ لا مدخل
للفض فيه بالكلية. فكيف يدعى أولا عدم الخلاف في الانتقال مع
العجز إلى فض ثمنها على البر والتصدق به، وينظم صحيحة معاوية بن
عمار في سلك هذا النظام؟
وعن أبي الصلاح هنا مثل ما تقدم في المسألتين السابقتين، قال:
إن كان ظبيا أو ثعلبا أو أرنبا فعليه شاة، فإن لم يجد فقيمتها، فإن
لم يجد صام عن كل نصف صاع من قيمتها يوما.. إلى آخره.
197

وأما الثعلب والأرنب فإنه لا خلاف في أن في قتل كل منهما شاة.
وعليه تدل جملة من الأخبار: منها صحيحة الحلبي (1) قال:
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الأرنب يصيبه المحرم. فقال:
شاة، هديا بالغ الكعبة)
وصحيحة أحمد بن محمد (2) قال: (سألت أبا الحسن (عليه
السلام) عن محرم أصاب أرنبا أو ثعلبا. فقال: في الأرنب
دم شاة).
ورواية أبي يصير (2) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن رجل قتل ثعلبا. قال: عليه دم. قلت: فأرنبا؟ قال: مثل
ما في الثعلب).
وفي كتاب الفقه الرضوي (1): (وفي الثعلب والأرنب دم شاة)
إنما الخلاف في مساواتهما للظبي في الابدال من الطعام والصيام،
فقال الشيخان والمرتضى وابن إدريس بالمساواة، وعن ابن الجنيد وابن أبي عقيل والشيخ علي بن بابويه: أنهم اقتصروا على الشاة ولم يتعرضوا
لابدالها.
واختار في المدارك القول الأول، واحتج عليه بقوله (عليه السلام)
في صحيحة أبي عبيدة (5): (إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفر

(1) الوسائل الباب 4 من كفارات الصيد
(2) الفقيه ج 2 ص 233، والتهذيب ج 5 ص 343، والوسائل الباب
4 من كفارات الصيد رقم 1 و 3
(3) الوسائل الباب 4 من كفارات الصيد
(4) ص 29
(5) الوسائل الباب 2 من كفارات الصيد
198

من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوم جزاؤه من النعم دراهم) فإن
الجزاء متناول للجميع.
وفي صحيحة معاوية بن عمار (1): (ومن كان عليه شاة فلم يجد
فليطعم عشرة مساكين، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) وهي متناولة
للجميع أيضا.
أقول: ويؤيد ذلك أيضا صحيحة محمد بن مسلم (2) وقوله فيها:
(سألته عن قوله تعالى: أو عدل ذلك صياما (3) قال: عدل الهدي
ما بلغ يتصدق به، فإن لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ، لكل
طعام مسكين يوما).
ونحو ذلك رواية عبد الله بن سنان المتقدم نقلها من تفسير العياشي
ورواية الزهري (4).
إلا أنه يمكن أن يقال: إن الأمر في ما دلت عليه هذه الروايات
وإن كان كذلك، لدخول هذا الفرد تحت اطلاقها، إلا أن ورود
روايات الثعلب والأرنب على تعددها خالية من الدلالة على الابدال،
بل الإشارة إليه بوجه مع اشتمال روايات الافراد المتقدمة على
ذلك من ما يوجب نوع اشكال في الحكم، ولا سيما كتاب الفقه
الرضوي، كما قدمنا من عبائره في كل فرد من النعامة وحمار الوحش
وبقرته والظبي، فإنه ذكر الأبدال في كل منها، وفي هذا المكان لم

(1) التهذيب ج 5 ص 343، والوسائل الباب 2 من كفارات الصيد
(2) الوسائل الباب 2 من كفارات الصيد.
(3) سورة المائدة، الآية 95
(4) ص 179
199

يتعرض له بالكلية كما نقلناه هنا. وعلى هذا اعتمد الشيخ علي بن
بابويه في ما نقل عنه هنا، فإنه كما عرفت في غير موضع من ما تقدم
إنما يفتي بعبارة الكتاب المذكور.
وإلى ما ذكرنا يميل كلام المحقق في الشرائع، حيث قال: وفي
الثعلب والأرنب شاة، وهو المروي. وقيل: فيه ما في الظبي.
واختاره شيخنا الشهيد الثاني في المسالك، فقال بعد نقل العبارة
المذكورة: القائل بالحاقه بالظبى الشيخ وجماعة، ومستندهم فيه غير
واضح، وأخبارهما على الخصوص إنما دلت على وجوب الشاة ولم تتعرض
إلى الأبدال، فعلى الأول وهو الأقوى يجب مع العجز عن الشاة
اطعام عشرة مساكين، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام، لصحيحة معاوية بن
عمار بوجوب ذلك في كل شاة لا نص في بدلها.. وذهب بعض
الأصحاب تفريعا على القول الأول إلى أنه مع العجز عن الشاة يستغفر
الله ولا شئ عليه. والرواية العامة تدفعه. والفرق بين مدلول
الرواية وبين إلحاقهما بالظبى يظهر في ما لو نقصت قيمة الشاة عن اطعام
عشرة مساكين، فعلى الالحاق يقتصر على القيمة وعلى الرواية يجب
اطعام العشرة. انتهى.
واعترضه سبطه السيد السند في المدارك بأنه يتوجه عليه أن رواية
أبي عبيدة المتضمنة للاقتصار على التصدق بقيمة الجزاء متناولة للجميع
فلا وجه لتسليم الحكم في الظبي ومنعه هنا. مع أن اللازم من ما
ذكره زيادة فداء الثعلب عن فداء الظبي. وهو بعيد. انتهى.
وهو جيد.
ولا يخفى أن مقتضى الوقوف على ظاهر روايات الثعلب والأرنب
200

من ايجاب الشاة فيهما والسكوت عن ما عداها هو ما نقله في المسالك
عن بعض الأصحاب من أنه مع العجز عن الشاة يستغفر الله (تعالى)
ولا شئ عليه. وهذا هو الظاهر من كلام أولئك القائلين بوجوب
الشاة والسكوت عن ما عداها. وبذلك يظهر أن المسألة لا تخلو من
شوب الاشكال. والاحتياط في العمل بالقول الأول.
الفرد الرابع كسر بيض النعام، وقد اختلفت كلمة الأصحاب
في هذا الباب واضطربت أي اضطراب.
فقال الشيخ (رحمه الله): إذا كسر المحرم بيض النعام اعتبر،
فإن كان قد تحرك فيه الفرخ فعليه عن كل بيضة بكارة من الإبل،
وإن لم يكن تحرك فعليه أن يرسل فحولة الإبل في إناثها بعدد البيض
فما خرج كان هديا لبيت الله (تعالى)، فإن لم يقدر على ذلك كان
عليه عن كل بيضة شاة، فإن لم يقدر على ذلك كان عليه اطعام عشرة
مساكين، فإن لم يقدر على ذلك صام ثلاثة أيام. وهذا هو المشهور
سيما بين المتأخرين.
وقال الشيخ المفيد: إذا كسر المحرم بيض نعام فعليه أن يرسل
فحولة الإبل في إناثها بعدد ما كسر، فما نتج كان هديا لبيت الله (تعالى)
فإن لم يجد ذلك فعليه لكل بيضة دم شاة، فإن لم يجد فإطعام عن
كل بيضة عشرة مساكين، فإن لم يجد صام عن كل بيضة ثلاثة أيام.
وكذا قال السيد المرتضى.
وقال الشيخ علي بن الحسين بن بابويه: فإن أكلت بيض نعامة
فعليك دم شاة، وكذلك أن وطئتها، فإن وطئتها. وكان فيها فرخ يتحرك
فعليك أن ترسل فحولة من الإبل على الإناث بقدر عدد البيض، فما نتج منها
201

فهو هدي لبيت الله (تعالى).
وقال ابنه في المقنع (1): فإذا أصاب المحرم بيض نعام ذبح عن
كل بيضة شاة بقدر عدد البيض، فإن لم يجد شاة فعليه صيام ثلاثة
أيام، فإن لم يقدر فإطعام عشرة مساكين، فإذا وطئ بيض نعام ففدغها
وهو محرم، فعليه أن يرسل الفحل من الإبل على قدر عدد البيض، فما
لقح وسلم حتى ينتج كان النتاج هديا بالغ الكعبة.
وكذا روى في كتاب من لا يحضره الفقيه (2) إلا أنه قال في الخبر:
وإذا وطئ بيض نعام ففدغها وهو محرم وفيها أفراخ تتحرك، فعليه أن
يرسل فحولة من البدن.. إلى آخر كلامه.
وقال سلار: ومن كسر بيض نعام كان عليه الارسال، فإن لم يكن
له إبل فعليه لكل بيضة شاة.
وقال أبو الصلاح: إن تحرك فيه الفرخ فلكل بيضة فصيل، وإن
لم يتحرك فارسال فحولة الإبل، فإن لم يكن له إبل فلكل بيضة شاة.
وقال ابن البراج: إن تحرك الفرخ فبدنة عن كل بيضة، وإن
لم يتحرك أرسل.
وقال ابن حمزة: إن تحرك الفرخ لزمه ماخض من الإبل، وإن
لم يتحرك أرسل الفحولة، فإن عجز فعن كل بيضة شاة، فإن عجز
تصدق على عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام.
وقال ابن إدريس: فإن تحرك الفرخ فعن كل بيضة من صغار

(1) ص 21.
(2) ج 2 ص 233 و 234، والوافي باب (كفارة ما أصاب المحرم
من الطير والبيض) والوسائل الباب 10 و 11 من كفارات الصيد.
202

الإبل. وروى: بكارة من الإبل. وليست هي الأنثى بل هي جمع
بكر. فوجب عن كل بيضة واحد من هذا الجمع. وإن لم يتحرك
أرسل الفحولة، فإن عجز فعن كل بيضة شاة، فإن عجز فعن كل
بيضة اطعام عشرة مساكين، فإن عجز فعن كل بيضة صيام ثلاثة أيام.
أقول: وبذلك يظهر لك ما في كلام صاحب المدارك، حيث إنه
بعد نقل عبارة المحقق المطابقة لمذهب الشيخ، الذي قدمنا نقله
عنه، المشتملة على وجوب بكارة من الإبل إن تحرك فيه الفرخ
والارسال قبل التحرك ادعى أن هذا الحكم في كل من المسألتين
مجمع عليه بين الأصحاب. والحال كما ترى.
والذي وقفت عليه من الروايات المتعلقة بهذه المسألة ما رواه
الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر (1) قال: (سألت أخي (عليه
السلام) عن رجل كسر بيض نعام وفي البيض فراخ قد تحرك. فقال:
عليه لكل فرخ تحرك بعير ينحره في المنحر).
وما رواه الصدوق في الفقيه (2) عن محمد بن الفضيل قال: (سألت
أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل قتل حمامة.. ثم ساق الخبر
إلى أن قال نقلا عنه (عليه السلام): وإذا أصاب المحرم بيض نعام
ذبح عن كل بيضة شاة بقدر عدد البيض، فإن لم يجد شاة فعليه
صيام ثلاثة أيام، فإن لم يقدر فإطعام عشرة مساكين. وإذا وطئ بيض
نعام ففدغها وهو محرم وفيها أفراخ تتحرك، فعليه أن يرسل فحولة من

(1) التهذيب ج 5 ص 355، والوسائل الباب 24 من كفارات الصيد.
(2) ج 2 ص 233 و 234، والوافي باب (كفارة ما أصاب المحرم من
الطير والبيض) والوسائل الباب 10 و 11 من كفارات الصيد.
203

البدن على الإناث بقدر عدد البيض، فما لقح وسلم حتى ينتج فهو
هدي لبيت الله الحرام، فإن لم ينتج شيئا فليس عليه شئ).
وما رواه ثقة الاسلام في الصحيح عن سليمان بن خالد (1) قال:
(قال أبو عبد الله (عليه السلام): في كتاب علي (صلوات الله عليه):
في بيض القطاة بكارة من الغنم إذا أصابه المحرم، مثل ما في بيض
النعام بكارة من الإبل).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: (في كتاب علي (صلوات الله عليه): في بيض
القطاة كفارة مثل ما في بيض النعام).
وعن سليمان بن خالد (3) قال: (سألته عن رجل وطئ بيض قطاة
فشدخه. قال: يرسل الفحل في عدد البيض من الغنم، كما يرسل
الفحل في عدد البيض من الإبل. ومن أصاب بيضة فعليه مخاض
من الغنم).
وعن أبي الصباح الكناني في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)
في حديث أنه قال (في رجل وطئ بيض نعام ففدغها وهو محرم. فقال:
قضى فيه علي (عليه السلام) أن يرسل الفحل على مثل عدد البيض
من الإبل، فما لقح وسلم حتى ينتج كان النتاج هديا بالغ الكعبة).

(1) الوسائل الباب 24 من كفارات الصيد
(2) الوسائل الباب 24 و 25 من كفارات الصيد
(3) الوسائل الباب 25 من كفارات الصيد.
(4) الفروع ج 4 ص 389، والوسائل الباب 23 من كفارات الصيد
204

وما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي الصباح أيضا (1) قال:
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن محرم وطئ بيض نعام فشدخها
قال: قضى فيها أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يرسل الفحل..
الحديث المتقدم، وزاد فيه: وقال: قال أبو عبد الله (عليه السلام):
ما وطئته أو وطئه بعيرك أو دابتك وأنت محرم، فعليك فداؤه).
وروى الشيخ مرسلا (2) ومثله الشيخ المفيد في كتاب المقنعة (3)
أنه روى: (أن رجلا سأل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات
الله عليه وعلى أولاده) فقال له: يا أمير المؤمنين إني خرجت محرما،
فوطئت ناقتي بيض نعام فكسرته، فهل علي كفارة؟ فقال له: امض
فاسأل ابني الحسن (عليه السلام) عنها وكان بحيث يسمع كلامه
فتقدم إليه الرجل فسأله، فقال له الحسن (عليه السلام): يجب
عليك أن ترسل فحولة الإبل في إناثها بعدد ما انكسر من البيض،
فما نتج فهو هدي لبيت الله (تعالى). فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام):
يا بني كيف قلت ذلك وأنت تعلم أن الإبل ربما أزلقت أو كان فيها
ما يزلق؟ فقال: يا أمير المؤمنين (عليه السلام) والبيض ربما أمرق
أو كان فيه ما يمرق. فتبسم أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال له:
صدقت يا بني. ثم تلا: ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) (4).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه

(1) التهذيب ج 5 ص 355، والوسائل الباب 23 من كفارات الصيد
(2) التهذيب ج 5 ص 354، والوسائل الباب 23 من كفارات الصيد
(3) الوسائل الباب 23 من كفارات الصيد
(4) سورة آل عمران، الآية 34
205

السلام) (1) قال: (من أصاب بيض نعام وهو محرم فعليه أن يرسل
الفحل في مثل عدد البيض من الإبل، فإنه ربما فسد كله وربما خلق
كله، وربما صلح بعضه وفسد بعضه، فما نتجت الإبل فهديا بالغ
الكعبة).
وما رواه في الكافي عن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن (عليه
السلام) (2) قال: (سألته عن رجل أصاب بيض نعام وهو محرم.
قال: يرسل الفحل في الإبل على عدد البيض. قلت: فإن البيض يفسد
كله ويصلح كله؟ قال: ما ينتج من الهدي فهو هدي بالغ الكعبة، وإن
لم ينتج فليس عليه شئ. فمن لم يجد إبلا فعليه لكل بيضة شاة،
فإن لم يجد فالصدقة على عشرة مساكين لكل مسكين مد، فإن لم يقدر
فصيام ثلاثة أيام).
وما رواه الشيخ في التهذيب عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (3) قال: (في بيضة النعام شاة، فإن لم يجد فصيام ثلاثة
أيام، فمن لم يستطع فكفارته اطعام عشرة مساكين إذا أصابه وهو
محرم).
وفي كتاب الفقه الرضوي (4) بعد ذكر النعامة: (فإن أكلت
بيضها فعليك دم شاة، وكذلك أن وطئتها، فإن وطئتها وكان فيها
فرخ يتحرك فعليك أن ترسل فحولة من البدن على عددها من الإناث
بقدر عدد البيض، فما نتج منها فهو هدي لبيت الله تعالى).

(1) الوسائل الباب 23 من كفارات الصيد
(2) الفروع ج 4 ص 387، والوسائل الباب 23 من كفارات الصيد.
(3) الوسائل الباب 23 من كفارات الصيد
(4) ص 29، ومستدرك الوسائل الباب 18 من كفارات الصيد
206

وهذه عين عبارة الشيخ علي بن بابويه المتقدمة، ومنها يعلم أن مستنده
في ما ذكره هو هذا الكتاب، كما قدمنا نظير ذلك في غير موضع.
هذا ما وقفت عليه من الأخبار الجارية في هذا المضمار، ولا يخفى
ما فيها من التصادم والاختلاف الذي نشأ منه هذا التشاجر والخلاف.
وقد استدل من اختار مذهب الشيخ (رحمه الله تعالى) وهو
المشهور من هذه الأقوال على ما ذكره من وجوب البكارة من الإبل
على من أصاب البيض وقد تحرك فيه الفراخ بصحيحة علي بن جعفر
المتقدمة، وهي صريحة في ذلك، وحمل عليها صحيحة سليمان بن خالد
الدالة على أنه في بيض القطاة بكارة من الغنم، كما في بيض النعام
بكارة من الإبل، بحملها على ما إذا تحرك فيها الفرخ جمعا. وهو جيد
إلا أن رواية محمد بن الفضيل قد صرحت بأنه إذا وطئ بيض
نعام فكسرها وفيها أفراخ تتحرك، فعليه الارسال دون البكارة التي صرحوا
بها في هذه الصورة. ومثلها عبارة كتاب الفقه الرضوي التي قد أفتى
بها الشيخ علي بن الحسين بن بابويه. والجمع بينهما وبين صحيحة علي
ابن جعفر مشكل كما ترى. نعم من يعمل على هذا الاصطلاح المحدث
له أن يردهما بضعف السند، وعدم مقاومتهما للصحيحة المذكورة،
وأما من لا يعمل عليه فيشكل الحكم عنده في ذلك.
واستدلوا أيضا على الحكم الثاني وهو أنه قبل التحرك يرسل
فحولة الإبل في إناث منها بعدد البيض بصحيحة الحلبي وصحيحتي
أبي الصباح والمرسلة المروية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) بحملها
على ما إذا لم يكن فيها أفراخ تتحرك كما هو ظاهرها. وهو جيد.
إلا أنه بالنظر إلى روايتي محمد بن الفضيل وكتاب الفقه الدالتين على
207

الارسال في صورة تحرك الأفراخ يمكن تقييد اطلاق هذه الروايات
بذلك وإن كان خلاف ظاهرها.
واستدلوا على الأحكام الباقية وهي أنه مع العجز عن الارسال
فعليه عن كل بيضة شاة، فإن عجز فعن كل بيضة اطعام عشرة مساكين
فإن عجز فعن كل بيضة صيام ثلاثة أيام برواية علي بن أبي حمزة
المتقدمة. واعتذر جملة من متصلبي أصحاب هذا الاصطلاح عن
ضعفها باتفاق الأصحاب على العمل بمضمونها.
وفي الاستدلال بهذه الرواية على الحكم المذكور اشكال من وجهين:
أحدهما دلالة رواية أبي بصير التي بعد رواية علي بن أبي حمزة
على أن الواجب في كسر بيض النعامة شاة لا إرسال الفحولة. ومثلها
رواية محمد بن الفضيل، وعبارة كتاب الفقه الرضوي، حيث إنهما
(عليهما السلام) في الأخيرتين خصا الارسال بما إذا كان في البيضة
فرخ يتحرك، ومع عدم ذلك أوجبا الشاة، والأولى دالة على ذلك
باطلاقها، ويمكن تقييدها برواية علي بن أبي حمزة المذكورة. إلا أن
الروايتين الأخيرتين لا يمكن فيهما ذلك لتخصيص الارسال بصورة
تحرك الفرخ.
وثانيهما دلالة رواية أبي بصير ومحمد بن الفضيل على أنه بعد
تعذر الشاة فعليه صيام ثلاثة أيام، ومع العجز فإطعام عشرة مساكين
وهو خلاف ما صرحوا به من تقديم الطعام على الصوم، كما دلت
عليه رواية علي بن أبي حمزة.
وربما جمع بين الأخبار هنا بالحمل على اختلاف الناس في القدرة
والعجز بالنسبة إلى الأمرين المذكورين، فمنهم من يقدر على الاطعام
208

دون الصيام، ومنهم بالعكس. واستظهر المحدث الكاشاني أن في الكلام
تقديما وتأخيرا، ولعله وقع سهوا من الراوي. قال: فإن الاطعام
أبدا مقدم. وهو جيد.
وبالجملة فما ذكروه لما عرفت لا يخلو من الاشكال.
وأما ما نقل عن الشيخ المفيد والمرتضى فيدل عليه ظاهر صحيحة
الحلبي، وصحيحة أبي الصباح (1). واطلاق كلام القائلين المذكورين
وكذا اطلاق هذه الروايات يقتضي وجوب الارسال، وجد فيها فرخ
يتحرك أو لم يوجد. إلا أنه يرد عليهما أن صحيحة علي بن جعفر (2)
دلت على وجوب البعير في الفرخ الذي يتحرك، فيجب تقييد ما ذكروه
بها. وكيف كان فإنه يشكل ذلك بروايتي محمد بن الفضيل (3) وكتاب
الفقه (4) الظاهرتين في أنه مع تحرك الفرخ الارسال.
وأما ما نقل عن الشيخ علي بن الحسين بن بابويه فقد عرفت أن
مستنده عبارة كتاب الفقه الرضوي
وأما باقي الأقوال المذكورة فبعضها يرجع إلى ما قدمنا نقله من
الأقوال، وبعضها شاذ لا دليل عليه.
وينبغي التنبيه على فوائد تتعلق بالمقام:
الأولى صرح العلامة في المنتهى والمختلف والظاهر أنه المشهور
بأن قدر ما يطعم كل مسكين مد، وعليه دلت رواية علي بن أبي حمزة
المتقدمة (5).
الثانية قطع العلامة (قدس سره) في المنتهى بأنه لو كسر بيضة
فيها فرخ ميت لم يلزمه شئ. وكذا لو كانت البيضة فاسدة. وكذا

(1) ص 204 و 205
(2) ص 203
(3) ص 203
(4) ص 206
(5) ص 206
209

لو كسرها فخرج منها فرخ فعاش. قال: ولو مات كان فيه ما في صغير النعام.
الثالثة قطع العلامة وغيره بأن الاعتبار في الارسال بعدد البيض
بالإناث، فيجب لكل بيضة أنثى وإن كان الذكر واحدا، وعليه تدل
ظواهر الأخبار المتقدمة. قال في المدارك: ولا يكفي مجرد الارسال
حتى يشاهد كل واحدة قد طرقت بالفحل. ويشترط صلاحية الإناث
للحمل. انتهى
الرابعة المستفاد من صحيحة أبي الصباح الثانية أنه لا فرق بين
أن يكسره بنفسه أو بدابته. وبه قال الأصحاب أيضا.
الخامسة ليس في الأخبار ولا كلام الأصحاب تعيين لمصرف هذا
الهدي، قال في المدارك: والظاهر أن مصرفه مساكين الحرم، كما في
مطلق جزاء الصيد. مع اطلاق الهدي عليه في الآية الشريفة (1) قال:
وجزم الشارح في الروضة بالتخيير بين صرفه في مصالح الكعبة ومعونة
الحاج، كغيره من أموال الكعبة. انتهى. والمسألة محل توقف.
السادسة اطلاق الأخبار المتقدمة يقتضي صرف النتاج هديا إلى
الكعبة من حين نتاجه، ولا يجب تربيته إلى أن يكبر.
الفرد الخامس بيض القطا والقبج، وقد اختلف فيه كلام
الأصحاب، فقال الشيخ: إذا أصاب المحرم بيض القطا أو القبج فعليه
أن يعتبر حال البيض، فإن كان قد تحرك فيها فرخ كان عليه عن كل
بيضة مخاض من الغنم، وإن لم يكن تحرك فيها شئ كان عليه أن يرسل
فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض، فما نتج كن هديا لبيت الله (عز
وجل) فإن لم يقدر كان حكمه حكم بيض النعام سواء. وقد تبعه جل

(1) سورة المائدة، الآية 95.
210

من تأخر عنه على ذلك. إلا أنهم اختلفوا في المعنى المراد من قوله:
(فإن لم يقدر كان حكمه حكم بيض النعام سواء) فجملة منهم كابن
إدريس وغيره حملوه على وجوب الشاة، ومع العجز فالصدقة على
عشرة مساكين، ومع العجز فصيام ثلاثة أيام: وجملة منهم كالعلامة
في مطولاته جعل وجه الشبه هو الانتقال إلى الاطعام ثم الصوم،
مستندين إلى أن الشاة إنما تجب مع تحرك الفرخ لا غير، بل لا تجب
شاة كاملة بل صغيرة، فكيف تجب الشاة الكاملة مع عدم التحرك وامكان
فساده وعدم خروج الفرخ منه؟
ونقل عن الشيخ المفيد أنه قال: فإن كسر بيض القطا والقبج
وما أشبههما أرسل فحولة الغنم في إناثها، وكان ما ينتج هديا لبيت
الله (تعالى)، فإن لم يجد فعليه لكل بيضه دم شاة، فإن لم يجد أطعم
عن كل بيضة عشرة مساكين، فإن لم يجد صام عن كل بيضة ثلاثة أيام.
وقال الشيخ علي بن بابويه: في بيض القطا إذا أصابه قيمته، فإن وطئتها
وفيها فراخ تتحرك فعليك أن ترسل الذكران من المعز على عددها من الإناث
على قدر عدد البيض، فما نتج فهو هدي لبيت الله (تعالى).
وقال ابنه في المقنع ومن لا يحضره الفقيه: فإن وطئ بيض قطاة فشدخه فعليه
أن يرسل الفحل من الغنم في عدد البيض كما أرسل الفحل من الإبل في عدد البيض
وقال سلار: وفي كسر بيض القطاة إرسال ذكور الغنم في إناثها وجعل
ما ينتج هديا.
وقال أبو الصلاح: ولبيض القبج والدراج إرسال فحولة الغنم على إناثها، فما نتج كان هديا.
وقال ابن البراج: فإن أصاب بيض حجلة أو حمامة وقد تحرك
الفرخ فشاة، وإن لم يكن قد تحرك أرسل فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض
فما تنج كان هديا لبيت الله (تعالى).
211

وقال ابن حمزة: إن تحرك الفرخ في بيض القطاة والقبج فعن كل بيضة
ما خص من الغنم، وإن لم يتحرك أرسل فحولة الغنم في إناثها بعدد
البيض، فالناتج هدي، فإن عجز تصدق عن كل بيضة قطاة بدرهم.
وقال ابن إدريس: إن تحرك الفرخ في بيض القطا أو القبج أو الدراج
فعن كل بيضة مخاض من الغنم، أي ما يصح أن يكون ماخضا، ولا نريد
به الحامل، وإن لم يكن قد تحرك كان عليه أن يرسل فحولة الغنم في
إناثها بعدد البيض، فما نتج كان هديا لبيت الله (تعالى)، فإن لم يقدر
كان حكمه حكم بيض النعام. هكذا أورده شيخنا في نهايته، وقد
وردت بذلك أخبار، ومعناه أن النعام إذا كسر بيضه فتعذر إرسال الغنم
وجب في كل بيضة شاة، والقطا إذا كسر بيضه فتعذر إرسال الغنم
وجب في كل بيضة شاة. فهذا وجه المشابهة بينهما، فصار حكمه
حكمه. ولا يمنع ذلك إذا قام الدليل عليه. انتهى.
وقال المحقق في الشرائع: في كسر بيض القطا والقبج إذا تحرك
الفرخ من صغار الغنم. وقيل: عن البيضة مخاض من الغنم. وإليه
مال السيد في المدارك.
أقول: هذا ما وقفت عليه من أقوالهم في المسألة المذكورة.
وأما الأخبار المتعلقة بها فمنها ما تقدم من صحيحة سليمان بن
خالد (1) وقوله (عليه السلام) فيها: (في كتاب على (صلوات الله
عليه وعلى أولاده): في بيض القطاة بكارة من الغنم إذا أصابه المحرم،
مثل ما في بيض النعام بكارة من الإبل).

(1) الوسائل الباب 24 من كفارات الصيد.
212

وصحيحته الثانية (1) وفيها: (في بيض القطاة كفارة مثل ما في
بيض النعام).
وروايته الثالثة (2) الدالة على أنه إذا وطئ بيض قطاة فشدخه
يرسل الفحل في عدد البيض من الغنم كما يرسل الفحل في عدد البيض
من الإبل. ومن أصاب بيضة فعليه مخاض من الغنم.
وصحيحته الرابعة مع منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (3) قالا: (سألناه عن محرم وطئ بيض القطاة فشدخه. فقال:
يرسل الفحل في مثل عدة البيض من الغنم، كما يرسل الفحل في عدة
بالبيض من الإبل).
وما رواه الشيخ عن ابن رباط عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (4) قال: (سألته عن بيض القطاة. قال: يصنع
فيه في الغنم كما يصنع في بيض النعام في الإبل).
وفي تتمة رواية محمد بن الفضيل المتقدمة (5): (وإن وطئ بيض
قطاة فشدخه فعليه أن يرسل فحولة من الغنم على عددها من الإناث
بقدر عدد البيض، فما سلم فهو هدي لبيت الله الحرام).
وفي كتاب الفقه الرضوي (6) بعد ذكر القطاة وأن فيها حملا قد

(1) الوسائل الباب 24 و 25 من كفارات الصيد.
(2) الوسائل الباب 25 من كفارات الصيد.
(3) التهذيب ج 5 ص 356، والوسائل الباب 25 من كفارات الصيد
(4) التهذيب ج 5 ص 356، والوسائل الباب 25 من كفارات الصيد
(5) الفقيه ج 2 ص 234، والوافي باب (كفارة ما أصاب المحرم من
الطير والبيض)
(6) ص 29
213

فطم من اللبن ورعى من الشجر: (وفي بيضه إذا أصبته قيمته، فإن
وطئتها وفيها فرخ يتحرك فعليك إن ترسل الذكران من المعز على عددها
من الإناث على قدر عدد البيض، فما نتج فهو هدي لبيت الله الحرام)
هذا ما وقفت عليه من أخبار المسألة، والكلام يقع فيها في مواضع:
الأول لا يخفى أن هذه الأخبار كلها إنما تضمنت حكم بيض
القطاة، وعبارات الأصحاب المتقدمة، ما بين مصرح بإضافة القبج
إلى القطاة، وما بين ما أضيف إليهما (ما أشبههما)، وما بين من اقتصر
على القطاة، وما بين من لم يذكر القطاة وإنما ذكر القبج والدراج
وما بين من ذكر القطاة والدراج. ولا يخفى ما في التعدي عن موضع
النصوص من الاشكال، إلا أن يكون لهم دليل لم نقف عليه، وهم
أعرف بما صاروا إليه:
الثاني لا يخفى أن ما ذكره الشيخ ومن تبعه من أنه إن كان في
البيضة فرخ قد تحرك فالواجب مخاض من الغنم، وإلا كان عليه الارسال
لا دلالة في شئ من هذه النصوص عليه، وإنما استدلوا عليه تبعا
للشيخ (رحمه الله) بحمل ما دل على أن في بيض القطاة بكارة من
الغنم كصحيحة سليمان بن خالد الأولى، ومثلها قوله في آخر روايته
الثالثة: (ومن أصاب بيضة فعليه مخاض من الغنم) على أن ذلك
مع تحرك الفرخ في البيضة، وما دل على الارسال بالحمل على ما إذا
لم يتحرك، حسبما ذكروه في بيض النعام.
واختار المحدث الكاشاني في الوافي الجمع بين الأخبار المذكورة
بحمل ما دل على وجوب البكارة أو المخاض على الإصابة باليد والأكل
214

تعمدا. ويشير إليه لفظ الإصابة كما في قوله في رواية أبان بن تغلب (1):
(في قوم حجاج محرمين أصابوا أفراخ نعام فأكلوا جميعا) وحمل
ما دل على الارسال على الوطئ، كما في جملة من الأخبار. وجعل
هذا وجه جمع بين أخبار بيض النعام وبيض القطاة.
أقول: ويؤيده ما تقدم من الاشكال في مسألة بيض النعام، فإن
جملة من الأخبار قد دلت على الارسال مع تحرك الفرخ الذي أوجبوا
فيه بكارة من الإبل، عملا بصحيحة علي بن جعفر (2) فيمكن هنا أن
يقال أيضا بوجوب الارسال مع الوطئ، تحرك الفرخ فيه أم لا، ويجعل
وجوب الشاة في تعمد الأكل. ويعضد ذلك عبارة كتاب الفقه الرضوي
وتصريحها بالارسال مع التحرك في هذه المسألة، وأنه مع عدم التحرك
ليس إلا القيمة.
وبالجملة فإنهم قد بنوا الكلام في هذه المسألة على ما ذكروه
في مسألة بيض النعام، نظرا إلى تشبيههم (عليهم السلام) هذه
المسألة في غير خبر من هذه الأخبار بمسألة بيض النعام. وهو
جيد لو كان ما ذكروه في بيض النعام خاليا من الاشكال، والأمر ليس
كذلك كما عرفت.
الثالث ما ذكره الشيخ (رحمه الله) ومن تبعه من وجوب
المخاض من الغنم فهو مدلول رواية سليمان بن خالد الثالثة.
والمحقق في الشرائع قد صرح هنا بأن الفداء من صغار الغنم.

(1) الفقيه ج 2 ص 236، والتهذيب ج 5 ص 353، والوسائل الباب
2 و 18 من كفارات الصيد.
(2) ص 203
215

والظاهر أنه اعتمد على صحيحة سليمان بن خالد وقوله (عليه السلام)
فيها: (في بيض القطاة بكارة من الغنم إذا أصابه المحرم) والبكرة
على ما في القاموس الفتية من الإبل. وقال في المصباح المنير:
والبكر بالفتح الفتى من الإبل، والبكرة الأنثى، والجمع بكار، مثل كلبة
وكلاب، وقد يقال بكارة مثل حجارة. انتهى.
وإلى ذلك مال السيد السند في المدارك لقوة الخبر المذكور،
وضعف الرواية التي اعتمد عليها الشيخ، مع ما فيها من الاشكال أيضا
بأنه إذا كان الواجب في القطاة حملا فطيما فكيف يكون في بيضها
ماخض؟ فيزيد حكم البيض على البائض. وهذا الاشكال منتف على
ما اختاره، إذ غاية ما يلزم تساوي الصغير والكبير في الفداء.
أقول: ما ذكره (قدس سره) جيد بناء على أصله المعتمد
عليه عنده، وأما بناء على القول بصحة جميع الأخبار كما هو مذهب
الشيخ وأمثاله من المتقدمين فيمكن القول بالتخيير في المسألة بين
الماخض والبكرة، ولا يلتفت إلى ما ذكره من الاشكال، فإنه مجرد
استبعاد عقلي في مقابلة النص. وملاحظة التفاوت بين البائض والبيض
يقتضي منع المساواة أيضا وأن يكون فداء البائض زائدا على فداء
البيض وما فيه، مع أنه لا يقول به.
الرابع قد استشكل العلامة في جملة من كتبه وجوب الشاة بعد
تعذر الارسال كما صرح به ابن إدريس والشيخ المفيد مستندا إلى ما
قدمنا نقله عنه، وحمل عبارة الشيخ على التشبيه في وجوب الاطعام
والصيام خاصة. وابن إدريس في عبارته المتقدمة قد ادعى ورود الأخبار
بالشاة في هذا الموضع، ولم نقف عليها. وكيف كان فوجوب الاطعام
والصيام هنا أيضا كما صرحوا به لا أعرف له مستندا، فإن
غاية ما يفهم من الأخبار المتقدمة هو وجوب البكارة من الغنم أو
216

المخاض في إصابة البيض كما في بعض، ووجوب الارسال في وطئ
البيض كما في الأخبار الأخر، وأما أنه مع تعذر الارسال فله مرتبة
أخرى من وجوب الشاة وما بعدها، أو الاطعام ثم الصيام فلا
يفهم منها بوجه. واستفادة ذلك من التشبيه الموجب للالحاق ببيض
النعام في ذلك غير مسلم، ولا مفهوم منها بوجه، فإن بعضا منها صريح
في التخصيص بالارسال، وبعضا في وجوب البكارة، وما أطلق وهو
صحيحة سليمان بن خالد الثانية لا دلالة فيها على أزيد من أن في
بيض القطاة كفارة كما في بيض النعام. وهو لا يقتضي ما ادعوه،
إذ غاية ما يدل عليه هو تشبيه أصل الكفارة بأصل الكفارة لا تشبيه
الكيفية بالكيفية، فإن المشابهة لا تقتضي المساواة من كل وجه،
ويكفي في المماثلة وجوب الكفارة المذكورة في هذه الأخبار من البكارة
أو المخاض أو الارسال.
وبالجملة فالمسألة على غاية من الاشكال. وأولياؤه العالمون
بحقيقة الحال.
الخامس قد عرفت أن ما ذهب إليه الشيخ علي بن الحسين بن بابويه
فإنما اعتمد فيه على الفقه الرضوي، كما عرفت من أخذه عبارة الكتاب
والافتاء بها على عادته التي عرفت في غير مقام من ما تقدم. وأما
ما ذكره ابنه في المقنع والفقيه فهو مضمون صحيحة سليمان بن خالد
الرابعة (1) ومثله كلام سلار وأبي الصلاح. وظاهر كلامهم كما هو
ظاهر اطلاق الرواية لا يخلو من اجمال. ومثله كلام الشيخ المفيد
(قدس سره) فإنه يحتمل الحمل على ما هو أعم من أن يكون في البيضة
فرخ قد تحرك أم لا. ويحتمل تخصيصه بالبيضة وقوفا على ظاهر

ص 213
217

خصوص اللفظ، ويكون حكم الفرخ الذي في البيضة غير مذكور في
كلامهم. وأما ما ذكره ابن حمزة من وجوب الماخض مع تحرك الفرخ
وإلا فالارسال فإنه قد تبع فيه الشيخ، إلا أنه انفرد عنه بالرجوع
إلى القيمة مع تعذر الارسال. والظاهر أن وجهه ما قدمناه من خلو
الأخبار عن التعرض لهذه المرتبة، فيرجع فيه إلى القيمة المعلومة من
العمومات الشاملة لمثل هذه المسألة. ولذا قال العلامة في المختلف
بعد الكلام في المسألة. وما أحسن قول ابن حمزة لو ساعده النقل.
وفيه إشارة إلى الطعن عليه بعدم وجود الدليل على وجوب القيمة. ولعل
مستنده في ذلك ما أشرنا إليه.
النوع الثاني ما لا بدل له على الخصوص، وينقسم أيضا إلى
خمسة أقسام:
(الأول) الحمام، وقيل:
إنه اسم لكل طائر يهدر ويعب الماء. ومعنى
(يهدر) يواتر صوته. ومعنى (يعب الماء) بالعين المهملة أي يشربه
من غير مص ولا يأخذه بمنقاره قطرة قطرة كالدجاج والعصافير. ونسب
هذا القول في المدارك إلى الشيخ وجمع من الأصحاب، قال: ولم أقف
عليه في ما وصل إلينا من كلام أهل اللغة. وقيل: هو كل مطوق.
قال في المدارك: وهو موجود في كلام الجوهري وصاحب القاموس.
أقول: قال في القاموس: والحمام كسحاب: طائر بري لا يألف
البيوت، أو كل ذي طوق، وتقع واحدته على المذكر والمؤنث.
وقال في كتاب المصباح المنير: والحمام عند العرب كل ذي طوق من
الفواخت، والقماري، وساق حر، والقطا، والدواجن، والوراشين، وأشباه
ذلك، الواحدة حمامة، ويقع على الذكر والأنثى، فيقال: حمامة ذكر
218

وحمامة أنثى. والعامة تخص الحمام بالدواجن، وكان الكسائي يقول: الحمام
هو البري واليمام هو الذي يألف البيوت. وقال الأصمعي: اليمام: حمام
الوحش، وهو ضرب من طير الصحراء. انتهى.
وقال في كتاب مجمع البحرين: وقال الجوهري: الحمام عند العرب
ذوات الأطواق، كالفواخت، والقماري بضم القاف وتشديد الياء، وساق
حر، والقطا بالفتح، والوراشين، وأشباه ذلك. ونقل عن الأصمعي أن
كل ذي طوق فهو حمام. والمراد بالطوق الخضرة أو الحمرة أو السواد
المحيط بعنق الحمامة. وعن الأزهري عن الشافعي: أن الحمام كل ما عب
وهدر وإن تفرقت أسماؤه. انتهى.
أقول: وبهذه الأفراد المذكورة ودخولها تحت لفظ الحمام صرح
العلامة في المنتهى والتذكرة وغيره، ولا يخلو من اشكال.
قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بعد اختيار تعريف الحمام
بأنها ذات الطوق، وأن جميع هذه الأفراد المذكورة داخلة تحت
ذلك ما صورته: وعلى كل حال فلا بد من اخراج القطا والحجل
من التعريف، لأن لهما كفارة معينة غير كفارة الحمام، مع مشاركتهما
له في التعريف. انتهى.
أقول: ما ذكره متجه بالنسبة إلى القطا، وأما الحجل فإنه وإن
ذكره بعضهم كما تقدم، إلا أنك قد عرفت أن الأخبار غير دالة إلا
على القطا خاصة، وأن جميع ما أضافوه إليها لا دليل عليه.
وقال سبطه في المدارك بعد ذكر التعريفين المتقدمين: والذي تقتضيه
القواعد وجوب الحمل على المعنى العرفي أن لم يثبت اللغوي. وصرح
العلامة في المنتهى بدخول الفواخت والوراشين والقمري والدبسي
219

والقطا في الحمام. وهو مشكل. انتهى.
أقول: فيه (أولا): إنك قد عرفت في غير موضع من ما تقدم
أن هذه القواعد التي تقتضي الحمل على المعنى العرفي في أمثال هذه
المواضع لا أصل لها في الدين، ولا مستند لها عن سادات المسلمين،
وإنما هي مجرد اصطلاحات أصولية وتخريجات فضولية، لأن العرف
لا انضباط له في حد ولا نهاية له في عد، فلكل إقليم عرف يعمل أهله
عليه، ومن ذا الذي يدعى الاطلاع أو يمكنه تعرف عرف جميع
الناس في جميع أقطار العالم، والأحكام الشرعية أمور مضبوطة معينة
لا تغير فيها، فكيف تناط بالعرف الذي هو على ما عرفت؟
و (ثانيا): إن المستفاد من الأخبار التي هي المرجع وعليها المعول
في الإيراد والاصدار هو أنه يجب الرجوع في كل حكم حكم وجزئي
جزئي إلى عرفهم (عليهم السلام) وما ورد عنهم (عليهم السلام)
فإن ثبت هناك شئ وجب الأخذ به، وإلا وجب الوقوف على
ساحل الاحتياط.
و (ثالثا): إن استشكاله في ما ذكره العلامة من هذه الأفراد بعد
قوله أولا: (إن الذي تقتضيه القواعد وجوب الحمل على المعنى
العرفي أن لم يثبت اللغوي) ليس في محله، لأنه متى كان المعنى اللغوي
يجب البناء عليه إذا ثبت، والحال أن أهل اللغة كلهم صرحوا بأن الحمام
هو المطوق، وهذه الأفراد داخلة في التعريف، مع تصريحهم بها على
الخصوص كما سمعت، فأي اشكال يلزم هنا؟ نعم الاشكال إنما هو
في القطا، حيث عدوه هنا مع أن له حكما آخر كما تقدم، فينبغي
استثناؤه كما أشير إليه.
220

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الواجب على المحرم في قتل الحمام شاة لكل
حمامة، والظاهر أنه لا خلاف فيه، بل قال في المنتهى: إنه قول
علمائنا أجمع.
ويدل عليه مضافا إلى الاتفاق المذكور روايات عديدة: منها
ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) أنه قال (في محرم ذبح طيرا: إن عليه دم شاة يهريقه
فإن كان فرخا فجدي أو حمل صغير من الضأن).
وما رواه الكليني والشيخ عن حريز في الحسن على المشهور والصحيح
عندي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (المحرم إذا أصاب
حمامة ففيها شاة،
وإن قتل فراخه ففيه حمل، وإن وطئ البيض
فعليه درهم).
وعن أبي بصير في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال:
(سألته عن محرم قتل حمامة من حمام الحرم خارجا من الحرم. فقال:
عليه شاة. قلت: فإن قتلها في جوف الحرم؟ قال: عليه شاة
وقيمة الحمامة. قلت: فإن قتلها في الحرم وهو حلال؟ قال: عليه
ثمنها، ليس عليه غيره. قلت: فمن قتل فرخا من فراخ الحمام وهو
محرم؟ قال: عليه حمل).
وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال:

(1) الوسائل الباب 9 من كفارات الصيد.
(2) الوسائل الباب 9 من كفارات الصيد.
(3) التهذيب ج 5 ص 347، والوسائل الباب 9 و 10 و 11 من كفارات
الصيد
(4) التهذيب ج 5 ص 347، والوسائل الباب 9 من كفارات الصيد
221

(سمعته يقول في حمام مكة الأهلي غير حمام الحرم: من ذبح منه
طيرا وهو غير محرم فعليه أن يتصدق، وإن كان محرما فشاة عن كل
طير) وروى الكليني في الموثق عن أبي بصير نحوه (1) إلا أن فيه:
(فعليه أن يتصدق بصدقة أفضل من ثمنه).
وما رواه الكليني عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) قال: (في الحمامة وأشباهها إذا قتلها المحرم شاة، وإن
كان فراخا فعدلها من الحملان).
ولو قتل فرخا من فروخ الحمام فعليه حمل، وهو بالتحريك من
أولاد الضأن ما له أربعة أشهر فصاعدا، على ما فسره جماعة من
الأصحاب.
وفي المصباح المنير: والحمل بفتحتين: ولد الضأن في السنة الأولى
والجمع حملان. وفي كتاب مجمع البحرين: والحمل محركة: الخروف
إذا بلغ ستة أشهر. وقيل: هو ولد الضأن الجذع فما دونه، والجمع
حملان وأحمال. وفي القاموس: الحمل محركة: الخروف أو الجذع من
أولاد الضأن فما دونه. ولا يخفى ما بين هذه الأقوال من التصادم
والأخذ بالأحوط وهو ما وقع اتفاق كلام الكل عليه من ما
لا ينبغي تركه.
ويدل على وجوب الحمل هنا ما تقدم من صحيحة حريز أو حسنته
وموثقة أبي بصير، ورواية أبي الصباح.

(1) الوسائل الباب 9 من كفارات الصيد رقم 5. والراوي هو (عبد الله
ابن سنان)
(2) الفروع ج 4 ص 389، والوسائل الباب 9 من كفارات الصيد.
222

وما رواه الكليني عن أبي بصير (1) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن رجل قتل فرخا وهو محرم في غير الحرم. فقال: عليه حمل
وليس عليه قيمته، لأنه ليس في الحرم).
وتدل عليه صحيحة زرارة ورواية أبي بصير الآتيتان في مسألة اجتماع
الفداء والقيمة على المحرم في الحرم (2).
وذهب بعض الأصحاب إلى الاكتفاء هنا بالجدي، لصحيحة عبد الله
ابن سنان المتقدمة، ولا بأس به.
والجدي على ما ذكره في المدارك وغيره: من أولاد المعز ما بلغ أربعة
أشهر، مثل الحمل في كلامهم منهم أولاد الضان. وفي مجمع البحرين أنه من
أولاد المعز ما بلغ ستة أشهر إلى سبعة، والجمع جداء واجدي مثل دلاء
وأدلى. وفي المصباح عن ابن الأنباري أنه قال: الجدي هو الذكر
من أولاد المعز والأنثى عناق. وقيده بعضهم بكونه في السنة الأولى. انتهى.
وفي بيض الحمام إن تحرك الفرخ فحمل وإلا فدرهم.
أما الحكم الأول فقد ذكره الشيخ وأكثر الأصحاب.
واستدلوا عليه بما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر (3)
قال: (سألت أخي موسى (عليه السلام) عن رجل كسر بيض الحمام
وفي البيض فراخ قد تحرك. فقال: عليه أن يتصدق عن كل
فرخ قد تحرك بشاة، ويتصدق بلحومها إن كان محرما، وإن كان الفرخ

(1) الفروع ج 4 ص 390، والوسائل الباب 9 من كفارات الصيد
(2) 231
(3) التهذيب ج 5 ص 358، والوسائل الباب 9 و 26 من كفارات الصيد
223

لم يتحرك تصدق بقيمته ورقا يشتري به علفا يطرحه لحمام الحرم)
وأورد عليه أن الرواية تتضمن التصدق بشاة لا الحمل.
أقول: يمكن أن يستدل على وجوب الحمل هنا بما رواه في التهذيب
عن يونس بن يعقوب (1) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن رجل أغلق بابه على حمام من حمام الحرم وفراخ وبيض. فقال:
إن كان أغلق عليها قبل أن يحرم، فإن عليه لكل طير درهما،
ولكل فرخ نصف درهم، والبيض لكل بيضة ربع درهم، وإن كان
أغلق عليها بعد ما أحرم، فإن عليه لكل طائر شاة، ولكل فرخ حملا
وإن لم يكن تحرك فدرهم، وللبيض نصف درهم)، فإن ظاهرها أن الحمل
في الفرخ سواء كان خارجا عن البيضة أو فيها مع حياته. إلا أن
مورد الرواية هنا في الحرم.
واستدل الشيخ على ذلك أيضا بما رواه عن الحلبي عبيد الله في
الصحيح (2) قال: (حرك الغلام مكتلا فكسر بيضتين في الحرم، فسألت
أبا عبد الله (عليه السلام) فقال: جديان أو حملان) بحملها على
ما إذا كان في البيض فرخ قد تحرك، حسبما ورد في صحيحة عبد الله
ابن سنان في الفرخ من التخيير بين الفردين.
وبالجملة فإن ما ذهب إليه الشيخ لا يخلو من قرب.
وأما الحكم الثاني فتدل عليه رواية حريز المتقدمة، وما رواه الشيخ
في الصحيح عنه أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: (وإن وطئ

(1) التهذيب ج 5 ص 350، والوسائل الباب 16 من كفارات الصيد
(2) التهذيب ج 5 ص 358، والوسائل الباب 26 من كفارات الصيد
(3) التهذيب ج 5 ص 346، والوسائل الباب 9 من كفارات الصيد
224

المحرم بيضة وكسرها فعليه درهم، كل هذا يتصدق به بمكة ومنى،
وهو قول الله (تعالى): تناله أيديكم ورماحكم) (1).
بقي الكلام في أن صحيحة علي بن جعفر دلت على أن عليه القيمة
وبه أفتى الشيخ (رحمه الله) ومن تبعه. والمستفاد من روايتي حريز
المذكورتين أن عليه عن كل بيضة درهما. ولعل وجه الجمع أن تحمل
على أن القيمة في ذلك الوقت درهم، أو التخيير بين الأمرين. والأحوط
التصدق بأكثر الأمرين كما ذكره في المنتهى.
وتنقيح البحث في المقام يتوقف على رسم مسائل:
الأولى ينبغي أن يعلم أن ما ذكرناه من أحكام الحمام وفرخه وبيضه
مخصوص بما إذا فعل ذلك محرما في الحل، أما لو فعله المحل في الحرم، فإن
عليه في كل حمامة درهم، ولكل فرخ نصف درهم، ولكل بيضة ربع درهم
ويدل على ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن حفص بن البختري
والكليني عنه باسنادين، أحدهما من الصحيح أو الحسن بإبراهيم
ابن هاشم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (في الحمامة
درهم، وفي الفرخ نصف درهم، وفي البيض ربع درهم).
وما رواه الشيخ عن عبد الرحمان بن الحجاج (3) قال: (قال

(1) سورة المائدة، الآية 94.
(2) التهذيب ج 5 ص 345، والفروع ج 4 ص 234. والوسائل
الباب 10 من كفارات الصيد
(3) الوسائل الباب 10 من كفارات الصيد. والحديث للصدوق في الفقيه
ج 2 ص 171 و 172.
225

أبو عبد الله (عليه السلام): في قيمة الحمامة درهم، وفي الفرخ نصف
درهم، وفي البيض ربع درهم).
وما رواه الكليني في الصحيح عن صفوان عن أبي الحسن الرضا (عليه
السلام) (1) قال: (من أصاب طيرا في الحرم وهو محل فعليه القيمة،
والقيمة درهم يشتري به علفا لحمام الحرم).
وما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: (سألته عن رجل أهدى له حمام أهلي جئ
به وهو في الحرم. فقال: إن هو أصاب منه شيئا فليتصدق بثمنه
نحوا من ما كان يسوى في القيمة) ورواه الشيخ في التهذيب (3)
وكذا الصدوق في الفقيه (4) إلا أنه قال في آخره: (فليتصدق مكانه
بنحو من ثمنه).
وعن حماد بن عثمان (5) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
رجل أصاب طيرين: واحد من حمام الحرم والآخر من حمام غير
الحرم؟ قال: يشتري بقيمة الذي من حمام الحرم قمحا فيطعمه حمام
الحرم، ويتصدق بجزاء الآخر).

(1) الفروع ج 4 ص 233، والوسائل الباب 10 و 22 من كفارات الصيد
(2) الفروع ج 4 ص 232، والوسائل الباب 12 من كفارات الصيد،
والوافي باب (حكم صيد الحرم).
(3) ج 5 ص 347، والوسائل الباب 12 من كفارات الصيد ملحق رقم 3
(4) ج 2 ص 168، والوسائل الباب 12 من كفارات الصيد رقم 3
(5) الفروع ج 4 ص 390 و 391، والوسائل الباب 22 من كفارات
الصيد
226

وما رواه الشيخ والصدوق عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن
(عليه السلام) (1) قال: (سألته عن رجل قتل حمامة من حمام
الحرم وهو غير محرم. قال: عليه قيمتها وهو درهم، يتصدق به أو
يشتري به طعاما لحمام الحرم. وإن قتلها وهو محرم في الحرم فعليه شاة
وقيمة الحمامة).
وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2): (في رجل أغلق باب بيت على طير من حمام الحرم فمات؟
قال: يتصدق بدرهم أو يطعم به حمام الحرم).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم (3) قال: (حدثني
صاحب لنا ثقة، قال: كنت أمشي في بعض طرق مكة فلقيني انسان
فقال لي: اذبح لنا هذين الطيرين. فذبحتهما ناسيا وأنا حلال، ثم
سألت أبا عبد الله (عليه السلام) فقال: عليك الثمن).
وما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن عبد الرحمان بن الحجاج (4)
قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن فرخين مسرولين ذبحتهما
وأنا بمكة. فقال لي: لم ذبحتهما؟ فقلت: جاءتني بهما جارية من
أهل مكة فسألتني أن أذبحهما، فظننت أني بالكوفة ولم أذكر أني

(1) التهذيب ج 5 ص 345، والفقيه ج 2 ص 167، والوسائل
الباب 10 و 11 من كفارات الصيد
(2) الفقيه ج 2 ص 167، والوسائل الباب 16 و 22 من كفارات الصيد
(3) التهذيب ج 5 ص 346، والوسائل الباب 10 من كفارات الصيد
(4) التهذيب ج 5 ص 346، والفقيه ج 2 ص 171، والفروع ج 4
ص 237، والوسائل الباب 10 من كفارات الصيد.
227

بالحرم. فقال: عليك قيمتهما. قلت: كم قيمتهما؟ قال: درهم،
وهو خير منهما) وفي رواية الشيخ: (خير من ثمنهما).
والمفهوم من ضم هذه الأخبار بعضها إلى بعض ونحوها من ما يأتي
في المقام أيضا إن شاء الله (تعالى) هو الاجتزاء بالدرهم مطلقا،
وأن المراد بالقيمة في ما أطلق فيه القيمة هو الدرهم. وأما الحمل
على أن القيمة في ذلك الوقت كان درهما فالظاهر بعده. بل ربما
أشعرت صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج المذكورة بأن جعل القيمة
درهما إنما هو نوع احتياط في القيمة، وإلا فربما كانت أنقص
من ذلك، كما يومئ إليه قوله: (والدرهم خير منهما، أو خير
من ثمنهما) كما في الرواية الأخرى. ومن ما يومئ إلى ذلك أيضا
ما في صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1):
(في حمام مكة، قال: من ذبح طيرا منه وهو غير محرم فعليه أن
يتصدق بصدقة أفضل من ثمنه) فإن الظاهر أن المراد بالصدقة هو
الدرهم الذي قد ورد في هذه الأخبار، الدال بعضها على أنه خير منهما
أو خير من ثمنهما.
وقال العلامة في المنتهى: إن الأحوط وجوب أكثر الأمرين من
الدرهم والقيمة. قال في المدارك بعد نقل ذلك: وهو كذلك، وإن كان
المتجه اعتبار القيمة مطلقا. أقول: بل الظاهر أن المتجه اعتبار
الدرهم مطلقا، حملا لمطلق الأخبار على مقيدها بالتقريب الذي
ذكرناه.
ونقل عن المحقق الشيخ علي (رحمه الله) أنه استشكل في أجزاء

(1) الوسائل الباب 9 من كفارات الصيد رقم 5
228

الدرهم مطلقا، فقال: إن أجزاء الدرهم في الحمام مطلقا وإن كان مملوكا في
غاية الاشكال، لأن المحل إذا قتل المملوك في غير الحرم تلزمه القيمة السوقية
بالغة ما بلغت، فكيف يجزئ الأنقص في الحرم؟ وأجاب عنه في المسالك
ونحوه في المدارك بأن هذا الاشكال إنما يتجه إذا قلنا إن فداء المملوك
لمالكه، لكن سيأتي إن شاء الله (تعالى) أن الأظهر كون الفداء لله (تعالى)
وللمالك القيمة السوقية، فلا بعد في أن يجب لله (تعالى) في حمام
الحرم أقل من القيمة مع وجوبها للمالك. انتهى. وهو جيد.
بقي هنا شئ، وهو أنه قد روى الشيخ عن يزيد بن خليفة (1)
قال: (سئل أو عبد الله (عليه السلام) وأنا عنده، فقال له رجل:
إن غلامي طرح مكتلا في منزلي، وفيه بيضتان من طير حمام الحرم.
فقال: عليه قيمة البيضتين يعلف به حمام الحرم، وقيمة البيضتين
وقيمة الطير سواء).
وما رواه في الكافي والتهذيب عن يزيد بن خليفة (2) قال: (كان
في جانب بيتي مكتل كان فيه بيضتان من حمام الحرم، فذهب الغلام
يكب المكتل وهو لا يعلم أن فيه بيضتين، فكسرهما، فخرجت فلقيت
عبد الله بن الحسن فذكرت ذلك له، فقال: تصدق بكفين من دقيق.
قال: ثم لقيت أبا عبد الله (عليه السلام) بعد فأخبرته، فقال: ثمن
طيرين تطعم به حمام الحرم. فلقيت عبد الله بن الحسن فأخبرته فقال:
صدق (عليه السلام) حدث به، فإنما أخذه عن آبائه عليهم السلام).

(1) التهذيب ج 5 ص 357، والوسائل الباب 26 من كفارات الصيد
(2) الفروع 4 ص 236، والتهذيب ج 5 ص 357، والوسائل الباب
26 من كفارات الصيد، والوافي باب (حكم صيد الحرم)
229

وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبيد الله الحلبي (1) قال:
(حرك الغلام مكتلا فكسر بيضتين في الحرم، فسألت أبا عبد الله
(عليه السلام) فقال: جديان أو حملان).
وهذه الأخبار كما ترى منافية لما تقدم في صحيحتي حفص بن
البختري وعبد الرحمان بن الحجاج، والجواب عنهما: أما عن صحيحة
الحلبي فما تقدم من حمل الشيخ لها على ما إذا كان في البيض
فرخ. وأما الروايتان الأولتان فظاهرهما أن في البيضتين ما في الطير
سواء، وهو القيمة أو الدرهم. ولا أعلم بذلك قائلا، مع مخالفتهما
للأخبار الكثيرة من الدلالة على الفرق بين الطير والبيض، وأن ما في
البيض من الجزاء أقل من ما في الطير. والكلام فيهما مرجأ إلى قائلهما.
الثانية لو فعله المحرم في الحرم اجتمع عليه الأمران المتقدمان
فيجتمع عليه في قتل الحمامة الشاة والدرهم، وفي قتل الفرخ الحمل
ونصف الدرهم، وفي البيضة درهم وربع، وإنما اجتمعا عليه لأنه
هتك حرمة الاحرام والحرم معا، فوجب عليه موجب كل منهما هذا
هو المشهور.
ويدل عليه من الأخبار ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن
الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (إن قتل المحرم حمامة
في الحرم فعليه شاة، وثمن الحمامة درهم أو شبهه، يتصدق به أو يطعمه
حمام مكة، فإن قتلها في الحرم وليس بمحرم فعليه ثمنها).

(1) التهذيب ج 5 ص 358، والوسائل الباب 26 من كفارات الصيد
(2) الفروع ج 4 ص 395، والوسائل الباب 11 من كفارات الصيد
230

وما تقدم في رواية محمد بن الفضيل (1) وقوله (عليه السلام)
فيها: (وإن قتلها وهو محرم في الحرم فعليه شاة، وقيمة الحمامة).
وما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه
السلام) (2) قال: (إذا أصاب المحرم في الحرم حمامة إلى أن يبلغ
الظبي فعليه دم يهريقه، ويتصدق بمثل ثمنه أيضا، فإن أصاب منه وهو
حلال فعليه أن يتصدق بمثل ثمنه).
وما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن أبي بصير عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (3) قال: (سألته عن محرم قتل حمامة من حمام
الحرم خارجا من الحرم. قال: فقال: عليه شاة. قلت: فإن قتلها في جوف
الحرم؟ قال: عليه شاة، وقيمة الحمامة. قلت: فإن قتلها في الحرم
وهو حلال؟ قال: عليه ثمنها، ليس عليه غيره. قلت: فمن قتل
فرخا من فراخ الحمام وهو محرم؟ قال: عليه حمل).
وما رواه الصدوق عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4):
(في رجل قتل طيرا من طيور الحرم وهو محرم في الحرم؟ فقال: عليه
شاة، وقيمة الحمامة درهم، يعلف به حمام الحرم، وإن كان فرخا
فعليه حمل، وقيمة الفرخ نصف درهم، يعلف به حمام الحرم).
ونقل عن ابن أبي عقيل إن من قتل حمامة في الحرم وهو محرم
فعليه شاة. وعن ابن الجنيد أن المحرم في الحرم يجب عليه الفداء

(1) ص 227
(2) الفقيه ج 2 ص 167، والوسائل الباب 11 من كفارات الصيد
(3) التهذيب ج 5 ص 347، والوسائل الباب 9 و 10 و 11 من كفارات الصيد
(4) الفقيه ج 2 ص 171، والوسائل الباب 11 من كفارات الصيد
231

مضاعفا. وهو أحد قولي السيد المرتضى. وجعله أبو الصلاح رواية.
والقول الآخر: يجب عليه الفداء والقيمة أو القيمة مضاعفة.
ويمكن أن يستدل لمن قال بوجوب مضاعفة الفداء بما رواه
الكليني في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: (إن أصبت الصيد وأنت حرام في الحرم فالفداء
مضاعف عليك، وإن أصبته وأنت حلال في الحرم فقيمة واحدة، وإن
أصبته وأنت حرام في الحل فإنما عليك فداء واحد).
وما رواه الشيخ في الموثق عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) في حديث قال: (وإن أصبته وأنت حرام في
الحرم فعليك الفداء مضاعفا).
واحتمال حملهما على ما هو المشهور غير بعيد، فإن باب التجوز
واسع، واطلاق الفداء على القيمة غير مستبعد. وبذلك يجمع بين
هذين الخبرين المذكورين وما تقدم من الأخبار.
وأما القولان الآخران فلم نقف لهما على دليل.
بقي في المقام أنه قد روى في الكافي عن الحارث بن المغيرة عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: (سئل عن رجل أكل بيض
حمام الحرم وهو محرم. قال: عليه لكل بيضة دم، وعليه ثمنها سدس
أو ربع الدرهم، الوهم من صالح (4) ثم قال: إن الدماء لزمته لأكله

(1) الفروع ج 4 ص 295، والوسائل الباب 44 من كفارات الصيد
(2) التهذيب ج 5 ص 370، والوسائل الباب 31 من كفارات الصيد
(3) الفروع ج 4 ص 395، والوسائل الباب 10 و 44 من كفارات الصيد
(4) وهو صالح بن عقبة الذي يروي هذا الحديث عن الحارث بن المغيرة
232

وهو محرم، وإن الجزاء لزمه لأخذه بيض حمام الحرم) مع أن مقتضى
ما تقدم أن في البيض في هذه الصورة درهما وربعا. ويمكن أن يقال:
إن ما تقدم مخصوص بالافساد والكسر، كما هو ظاهر تلك الأخبار،
وأما الأكل ففيه زيادة جزاء، ولا يبعد زيادة الجزاء والفدية فيه، كما
يدل عليه قوله (عليه السلام): (إن الدماء لزمته لأكله وهو محرم)
الثالثة قد اختلف الأصحاب في حكم تضاعف الفدية والقيمة
في الصيد للمحرم في الحرم، فنقل العلامة في المختلف عن الشيخ في
النهاية والمبسوط والتهذيب: القول بوجوب التضعيف ما لم يبلغ بدنة،
فإذا بلغ ذلك لم يجب عليه غير ذلك. وبه قال المحقق. ونقل عن
ابن إدريس: القول بالتضاعف مطلقا، قال: وباقي أصحابنا أطلق
القول بالتضعيف.
احتج الشيخ بما رواه عن الحسن بن علي بن فضال عن رجل سماه
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) (في الصيد يضاعفه ما بينه وبين
البدنة، فإذا بلغ البدنة فليس عليه التضعيف) وربما ردت الرواية
بضعف السند. وفيه أن هذا لا يقوم حجة على الشيخ ونحوه ممن
لا يرى العمل بهذا الاصطلاح.
أقول: ويدل عليه ما رواه في الكافي بسند صحيح إلى الحسن بن
علي والظاهر أنه ابن فضال عن بعض رجاله عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: (إنما يكون الجزاء مضاعفا في ما دون
البدنة حتى يبلغ البدنة، فإذا بلغ البدنة فلا تضاعف، لأنه أعظم

(1) التهذيب ج 5 ص 372، والوسائل الباب 46 من كفارات الصيد.
(2) الفروع ج 4 ص 295، والوسائل الباب 46 من كفارات الصيد.
233

ما يكون، قال الله (عز وجل): ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى
القلوب) (1).
قال في المختلف: والأصل يناسب ما ذهب إليه الشيخ، والاحتياط
ما ذهب إليه ابن إدريس. وكذا عموم رواية معاوية بن عمار عن
الصادق (عليه السلام) (2) إلا أن في طريقها إبراهيم بن أبي سماك،
ولا يحضرني الآن حاله، فإن كان ثقة فالعمل بعموم الرواية وهو
قوله (عليه السلام): (وإن أصبته وأنت حرام في الحرم فعليك
الفداء مضاعفا) أولى. انتهى.
أقول: قد تقدم أن معاوية بن عمار قد روى ما ذكره بالسند
الذي أشار إليه، ورواه أيضا بسند صحيح أو حسن لا يقصر عن
الصحيح (3) إلا أنه مطلق يجب تقييده بما ذكرناه من الروايتين
الصريحتين في عدم التضعيف مع وصول الفدية إلى البدنة. نعم من
يعمل على هذا الاصطلاح المحدث فله أن يقف على عموم روايتي معاوية
ابن عمار، ويرد الخبرين المذكورين بضعف السند.
الرابعة المستفاد من اطلاق عبارات جملة من الأصحاب في صورة
ما إذا كسر بيضة وهو محل في الحرم أن عليه ربع القيمة، سواء تحرك
الفرخ فيها أم لا. وهو ظاهر اطلاق صحيحتي حفص بن البختري
وعبد الرحمان بن الحجاج المتقدمتين. وعلى هذا فالحكم بالحمل في
صورة تحرك الفرخ مخصوص بالمحرم في الحل كما تقدم.

(1) سورة الحج، الآية 34
(2) الوسائل الباب 31 من كفارات الصيد رقم 5
(3) الوسائل الباب 44 من كفارات الصيد رقم 5
234

وظاهر عبارة المحقق في الشرائع العموم، حيث قال: وفي بيضها
إذا تحرك الفرخ حمل، وقبل التحرك على المحرم درهم، وعلى المحل
ربع درهم، ولو كان محرما في الحرم لزمه درهم وربع. ونحوه العلامة
في المنتهى والقواعد. ومقتضى تفصيله قبل التحرك بين ما إذا كان محلا
في الحرم أو محرما في الحل أو محرما في الحرم واجماله بعد التحرك هو
وجوب الحمل مع التحرك في الصور الثلاث.
وإلى ذلك مال في المدارك، استنادا إلى اطلاق صحيحة علي بن
جعفر المتقدمة، وصحيحة الحلبي المتقدمة أيضا، المتضمنة لكسر البيضتين
في المكتل، وأمره (عليه السلام) بجديين أو حملين، بحمل الرواية
المذكورة على ما إذا كان في البيض فرخ قد تحرك، كما قدمنا ذكره.
وموردها كما هو ظاهرها هو المحل في الحرم.
وظاهر شيخنا الشهيد الثاني وقبله الشهيد في الدروس أن
حكم البيض بعد تحرك الفرخ تابع للفرخ. ومقتضاه اختصاص
وجوب الحمل بما إذا أصاب البيض وقد تحرك فيه الفرخ وهو محرم
في الحل، فإنه في هذه الصورة لو أصاب الفرخ فإنه يجب عليه الحمل
كما تقدم، أما لو أصابه وهو محل في الحرم فليس عليه إلا نصف
درهم، الذي هو الواجب في الفرخ في الصورة المذكورة.
قال: (قدس سره) في المسالك بعد ذكر عبارة المصنف المتقدم
ذكرها: تفصيله حكم البيض قبل تحرك الفرخ بالحرم وغيره
، واطلاق حكمه بعد التحرك، يقتضي استواء الأقسام الثلاثة فيه. والحق
أن ما ذكره حكم المحرم في الحل، فلو كان محلا في الحرم فنصف درهم
ويجتمع الأمران على المحرم في الحرم، وبالجملة فحكمه حكم الفرخ.
وممن صرح بذلك الشهيد في الدروس. انتهى.
235

وأنت خبير بأن مقتضى ما دلت عليه عبارة المحقق واختاره في
المدارك هو أنه في صورة ما إذا أصاب المحل فرخا في الحرم، فإنه
ليس عليه إلا نصف الدرهم، كما صرح به هو وغيره، وهو مقتضى
الصحيحتين المتقدمتين، وفي هذه الصورة لو أصاب البيض وقد تحرك
فيه الفرخ، فإن عليه حملا. وهو بظاهره من ما يدل على زيادة البيض
الذي فيه فرخ على الفرخ بهذا المقدار من نصف الدرهم إلى الحمل.
وهو من ما يستبعد بحسب القواعد، كما صرح به هو وغيره في ما
تقدم من مسألة بيض القطاة إذا تحرك فيها الفرخ، حيث واجب الشيخ
فيها مخاضا من الغنم، فاستشكله هو وغيره بأن القطاة إذا كان الجزاء
فيها إنما هو حمل، فكيف يكون الجزاء في بيضها شاة؟ فيكون الجزاء
في البيض أكثر من الجزاء في البائض. والأمر هنا كذلك، فإذا قام
هذا الاستبعاد في تلك المسألة مع وجود الرواية الصريحة بما
ذكره الشيخ كما قدمناه فهنا بطريق أولى.
والظاهر أن مستند الشهيدين في ما ذهبا إليه هو أن ما دلت عليه
صحيحتا حفص وعبد الرحمان (1) من أن في الفرخ نصف درهم شامل
للفرخ الذي تحرك في البيضة، وربع الدرهم مختص بالبيضة الخالية
من ذلك. وعلى هذا فيحمل اطلاق صحيحة علي بن جعفر (2) على
الصورة الأولى، وهو المحرم في الحل كما قدمناه. وأما صحيحة الحلبي (3)
فليس فيها تصريح ولا ظهور في كون البيض فيه فرخ قد تحرك، وإنما
هذا تأويل من الشيخ (رحمه الله) فلا حجة فيها في التحقيق.
وبالجملة فإن المسألة لا تخلو من شوب الاشكال.

(1) ص 225
(2) ص 223
(3) 230
236

الخامسة الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
في تحريم ذبح الحمام الأهلي يعني: المملوك في الحرم، كما أنه يحرم
ذبح حمام الحرم الذي هو غير مملوك.
ويدل على ذلك جملة من الأخبار المتقدمة في مسألة تحريم ما ذبحه
المحل في الحرم:
ومنها ما رواه الصدوق في الصحيح عن شهاب بن عبد ربه (1)
قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني أتسحر بفراخ أوتى بها
من غير مكة، فتذبح في الحرم فأتسحر بها؟ فقال: بئس السحور
سحورك، أما علمت أن ما دخلت به الحرم حيا فقد حرم عليك
ذبحه وامساكه؟).
وفي صحيحة معاوية بن عمار (2) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن طائر أهلي أدخل الحرم حيا. فقال: لا يمس، لأن الله
(تعالى) يقول: ومن دخله كان آمنا) (3).
إلى غير ذلك من الأخبار المستفيضة المتقدم كثير منها ثمة.
وقد صرح المحقق الشيخ علي بأنه لا يتصور ملك الصيد في الحرم
إلا في القماري والدباسي، لجواز شرائهما واخراجهما.
أقول: كلامه (قدس سره) هذا مبني على ما هو المشهور من عدم
دخول الصيد وإن كان أهليا في الملك إذا كان في الحرم، كما قدمنا
نقله عنهم، وأما على مذهب المحقق في النافع من دخوله في الملك

(1) الفقيه ج 2 ص 170، والوسائل الباب 12 من كفارات الصيد
(2) الوسائل الباب 12 و 36 من كفارات الصيد عن التهذيب والفقيه
(3) سورة آل عمران، الآية 96
237

وإن وجب عليه إرساله فلا. ويأتي على المشهور أنه لا يتصور وجود
الحمام المملوك في الحرم، وعلى مذهب المحقق في النافع أنه يتصور
الملك ولكن يجب عليه الارسال. وما ذكره - من ثبوت الملك في
القماري والدباسي من الجهة التي ذكرها فقد بينا في ما سبق أنه
لا دليل على ذلك، فيكون حكمهما حكم غيرهما من أفراد الطير.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم)
بأنه يستوي الحمام الأهلي والحرمي في القيمة، قال في المنتهى: إنا
لا نعرف فيه خلافا إلا عن داود، حيث قال: لا جزاء في صيد الحرم (1).
ويدل على ذلك جملة من الأخبار المتقدمة، والمفهوم منها أن
ما يجب عليه من القيمة في الحمام الحرمي يتخير بين الصدقة به وبين
أن يشتري به علفا لحمام الحرم، وأفضله القمح المفسر بالحنطة.
ومن الأخبار في ذلك صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: (إن قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة، وثمن الحمامة
درهم أو شبهه، يتصدق به أو يطعمه حمام مكة).
ومن الأخبار زيادة على ما تقدم ما رواه الشيخ في الصحيح عن
صفوان بن يحيى عن زياد الواسطي (3) قال: (سألت أبا الحسن (عليه
السلام) عن قوم اغلقوا الباب على حمام من حمام الحرم. فقال:
عليهم قيمة كل طائر درهم، يشتري به علفا لحمام الحرم).
وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)

(1) المغني ج 3 ص 311 طبع مطبعة العاصمة
(2) الفروع ج 4 ص 395، والوسائل الباب 11 من كفارات الصيد
(3) التهذيب ج 5 ص 350، والوسائل الباب 16 من كفارات الصيد
(4) الفقيه ج ص 2 ص 167، والوسائل الباب 16 من كفارات الصيد
238

(في رجل أغلق باب بيت على طير من حمام الحرم فمات؟ قال:
يتصدق بدرهم، أو يطعم به حمام الحرم).
وأما الحمام الأهلي فالصدقة، روى حماد بن عثمان (1) قال:
(قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل أصاب طيرين: واحد
من حمام الحرم، والآخر من حمام غير الحرم؟ قال: يشتري بقيمة
الذي من حمام الحرم قمحا، فيطعمه حمام الحرم، ويتصدق بجزاء
الآخر).
قال في المدارك: والمراد بالقيمة هنا ما قابل الفداء، وهي المقدرة
في الأخبار بالدرهم ونصفه وربعه. قال: وذكر الشارح (قدس سره)
أن المراد بالقيمة هنا ما يعم الدرهم والفداء. وهو غير واضح. انتهى
وهو جيد. ثم قال في المدارك أيضا: ولو أتلف الحمام الأهلي المملوك
بغير إذن مالكه اجتمع على متلفه القيمة لحمام الحرم، وقيمة أخرى
للمالك، كما صرح به العلامة ومن تأخر عنه.
القسم الثاني القطا والحجل والدراج، وفي كل واحد منها حمل
قد فطم ورعى، وهو مذهب الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم)
لا يعرف فيه خلاف.
واستدل عليه بما رواه الشيخ في الصحيح عن سليمان بن خالد
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (وجدنا في كتاب علي (عليه
السلام): في القطاة إذا أصابها المحرم حمل قد فطم من اللبن

(1) الفروع ج 4 ص 390، والتهذيب ج 5 ص 353، والوسائل الباب
22 من كفارات الصيد
(2) التهذيب ج 5 ص 344، والوسائل الباب 5 من كفارات الصيد
239

وأكل من الشجر).
وعن سليمان بن خالد عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال:
(في كتاب علي (عليه السلام): من أصاب قطاة أو حجلة أو دراجة
أو نظيرهن فعليه دم).
ويدل على ذلك أيضا ما رواه الكليني في الصحيح عن ابن أبي نصر عن
المفضل بن صالح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (إذا قتل
المحرم قطاة فعليه حمل قد فطم من اللبن ورعى من الشجر).
وقيل عليه: إن الرواية الأولى وكذا الثالثة مختصة بالقطاة،
ومدلول الثانية أعم من المدعى.
أقول: الرواية الثانية وإن كانت مجملة، باعتبار الدم الذي هو
أعم من الحمل وغيره، إلا أن الروايتين الأخيرتين قد صرحتا بأن
الواجب في القطاة حمل بالوصف المذكور، فيجب حمل الدم بالنسبة
إلى القطا عليه، وينسحب ذلك إلى الفردين الأخيرين كما لا يخفى.
وذكر شيخنا الشهيد الثاني أن المراد بقوله: (قد فطم ورعى)
أنه قد آن وقت فطامه ورعيه وإن لم يكونا قد حصلا بالفعل. وفيه
أنه خروج عن ظاهر النص بغير ضرورة تدعو إلى ذلك.
قال في المدارك: وأورد هنا اشكال، وهو أن في بيض كل واحدة
من هذه بعد تحرك الفرخ مخاضا من الغنم، وهي ما من شأنها أن
تكون حاملا، فكيف يجب في فرخ البيضة مخاض وفي الطائر حمل

(1) الفروع ج 4 ص 390، والتهذيب ج 5 ص 344. والوسائل
الباب 5 من كفارات الصيد
(2) الفروع ج 4 ص 389، والوسائل الباب 5 من كفارات الصيد
240

وأجاب عنه في الدروس: أما بحمل المخاض هنا على بنت المخاض
وهو بعيد جدا. وأما بالتزام وجوب ذلك في الطائر بطريق أولى.
وفيه اطراح للنص المتقدم. بل قيل إن فيه مخالفة للاجماع أيضا. وأما
بالتخيير بين الأمرين. وهو مشكل أيضا. والأجود اطراح الرواية
المتضمنة لوجوب المخاض في الفرخ، لضعفها ومعارضتها بما هو أصح
منها اسنادا وأظهر دلالة، والاكتفاء بالبكر من الغنم المتحقق بالصغير
وغاية ما يلزم من ذلك مساواة الصغير والكبير في الفداء، ولا محذور
فيه. انتهى.
أقول: قد عرفت من ما قدمنا أن هذا الاشكال لازم له في ما ذهب
إليه من اطلاق القول بوجوب الحمل في فرخ بيض الحمام إذا تحرك
ولو بالنسبة إلى المحل في الحرم، مع أن الواجب في الفرخ في هذه
الصورة إنما هو نصف درهم كما عرفت، فكيف يكون الواجب في الفرخ
الكامل نصف درهم، وفي الفرخ المتحرك في بيضه حمل، وهو ماله
أربعة أشهر من أولاد الضأن؟ مع أنه لا رواية صريحة ثمة بوجوب الحمل
في الفرخ المتحرك في الصورة المذكورة، إلا ما يدعى من اطلاق
صحيحة علي بن جعفر، والرواية بالمخاض في المسألة التي ذكرها
موجودة. ولا يبعد في هذا المقام ما نقله جده (قدس سره) في المسالك
حيث قال في الجواب عن الاشكال المذكور: وقد أجيب أيضا بأن مبنى
شرعنا على اختلاف المتماثلات واتفاق المختلفات، فجاز أن يثبت في
الصغير أزيد من ما يثبت في الكبير في بعض الموارد، وفي بعض آخر
بالعكس، وإن كان ذلك خلاف الغالب. انتهى. وبالجملة فإنه متى دل
النص على حكم ولا معارض له فرده بمجرد هذه الاستبعادات مشكل.
241

القسم الثالث القنفذ والضب واليربوع، وفي قتل كل واحد
منها جدي على المشهور بين أصحابنا المتأخرين (رضوان الله تعالى عليهم)
وعن الشيخين والسيد المرتضى وعلي بن بابويه وابن البراج وابن حمزة:
أنهم ألحقوا بها في وجوب الجدي ما أشبهها. وعن أبي الصلاح: إن
في الثلاثة المذكورة حملا قد فطم ورعى من الشجر.
احتج الشيخ في التهذيب على ما نقله عن الشيخ المفيد من التعميم
لما أشبه هذه الثلاثة بما رواه في الحسن عن مسمع ورواه ثقة الاسلام
في الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (في اليربوع
والقنفذ والضب إذا أصابه المحرم فعليه جدي، الجدي خير منه، وإنما
جعل عليه هذا لكي ينكل عن فعل غيره من الصيد) ومثله بطريق
آخر (2) وفيه: (وإنما جعل عليه هذا كي ينكل عن صيد غيره).
قيل: وربما يتكلف في توجيه التعميم بأنه يجب في الصيد المثل،
ولما ثبت بهذه الرواية أن مثل هذه الثلاثة الجدي بل هو خير منه
ثبت ذلك في ما أشبهه. ولا يخفى ما فيه من الوهن الذي لا يخفى
على النبيه.
وقال في المدارك بعد ايراد حسنة مسمع ووصفها بالصحة دليلا
للثلاثة المذكورة: ولم نقف لهذين القولين على مستند.
وفي كتاب الفقه الرضوي (3): وفي اليربوع والقنفذ والضب جدي

(1) التهذيب ج 5 ص 344، والفروع ج 4 ص 364 و 387، والوسائل
الباب 6 من كفارات الصيد
(2) هذا اللفظ وارد في الكافي في كلا الموضعين ج 4 ص 364 و 387
(3) ص 29.
242

والجدي خير منه.
القسم الرابع العصفور والقبرة، وفي كل واحد منهما مد من
طعام على المشهور.
واستدل عليه في التهذيب (1) بما رواه عن صفوان بن يحيى عن
بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام): (في القنبرة والعصفور
والصعوة يقتلها المحرم؟ قال: عليه مد من طعام لكل واحد).
والحق بها في التذكرة والمنتهى والدروس ما أشبهها، ونسبه في
الأولين إلى أكثر علمائنا.
ونقل عن الشيخ علي بن بابويه: أن في الطائر بجميع أقسامه دم
شاة ما عدا النعامة فإن فيها جزورا.
ونقل عن ابن الجنيد: أن في القمري والعصفور وما جرى مجراهما
قيمة، وفي الحرم قيمتان.
قيل: ويدل على قول ابن بابويه ما رواه الشيخ في الصحيح عن
عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) أنه قال (في
محرم ذبح طيرا: إن عليه دم شاة يهريقه، فإن كان فرخا فجدي أو حمل
صغير من الضأن).
وأجاب في المختلف عن هذه الرواية بعد نسبة الاحتجاج بها
للشيخ علي بن بابويه بأن هذه الرواية عامة، ورواية صفوان خاصة،
فتكون مقدمة. وصاحب المدارك ومن يحذو حذوه قد ردوا ذلك بأن

(1) ج 5 ص 466، والفروع ج 4 ص 390، والوسائل الباب 7 من
كفارات الصيد
(2) التهذيب ج 5 ص 346، والوسائل الباب 9 من كفارات الصيد.
243

هذا الحمل جيد لو تكافأ السندان.
أقول: الحق أن الشيخ علي بن بابويه إنما استند في القول المذكور
إلى كتاب الفقه الرضوي، الذي قد عرفت في ما تقدم أنه يفتي بعباراته
ولكنها في بعض المواضع لغرابة الحكم المذكور فيها، وعدم الاطلاع
على ما يساعدها من الأخبار يردها المتأخرون بعدم وجود المستند.
وعبارة الشيخ المشار إليه في رسالته على ما نقله في المختلف هكذا:
وقال علي بن بابويه: وإن كان الصيد يعقوبا أو حجلة أو بلبلة أو
عصفورا أو شيئا من الطير، فعليك دم شاة. واليعقوب: الذكر من
القبج، والحجلة: الأنثى. انتهى. وهو مضمون عبارة الكتاب المذكور
بتغيير لا يضر بالمعنى. وعبارة الكتاب الذي عندي في هذا المكان لا تخلو
من نوع غلط وسقط بين، فإن النسخة كثيرة الغلط جدا، إلا أن العبارة
مأخوذة منه بلا ريب، كما عرفت في غير موضع من ما تقدم.
وبالجملة فما ذكره العلامة من تقديم العمل برواية صفوان وتخصيص
صحيحة ابن سنان بها جيد.
إلا أنه قد روى الشيخ والكليني عن سليمان بن خالد (1) قال:
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ما في القمري والدبسي والسماني
والعصفور والبلبل. قال: قيمته، فإن أصابه وهو محرم فقيمتان،
ليس عليه فيه دم) ورواها في التهذيب (2) بطريق آخر وفيها

(1) التهذيب ج 5 ص 466، والفروع ج 4 ص 390، والوسائل
الباب 44 من كفارات الصيد.
(2) ج 5 ص 371
244

(الزنجي) مكان (الدبسي) وظاهر هذه الرواية الدلالة على ما ذهب
إليه ابن الجنيد.
القسم الخامس الجرادة والقملة والزنبور، والكلام هنا يقع في
مواضع ثلاثة:
الأول الجرادة، وفي قتلها كف من طعام، وقيل تمرة، وهو
قول الشيخ في المبسوط. وقيل بالتخيير بين الأمرين. وفي الكثير دم شاة.
ويدل على الأول ما رواه الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم
عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: (سألته عن محرم قتل جرادة
قال: كف من طعام، وإن كان كثيرا فعليه دم شاة).
وعلى الثاني ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2): (في محرم قتل جرادة؟ قال: يطعم تمرة، وتمرة
خير من جرادة).
وما رواه في الصحيح عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (3) قال: (قلت: ما تقول في رجل قتل جرادة وهو محرم؟
قال: تمرة خير من جرادة).
وما رواه في الكافي عن حريز عن من أخبره عن أبي عبد الله (عليه

(1) الفروع ج 4 ص 393، والوسائل الباب 37 من كفارات الصيد
(2) التهذيب ج 5 ص 363 و 364، والوسائل الباب 37 من كفارات
الصيد.
(3) التهذيب ج 5 ص 363، والوسائل الباب 37 من كفارات الصيد
والراوي معاوية بن عمار كما في الوافي باب (صيد البحر للمحرم وصيد
الجراد وكفارته).
245

السلام) (1) (في محرم قتل جرادة؟ قال: يطعم تمرة، والتمرة خير
من جرادة).
وجمع جملة من الأصحاب (رضي الله تعالى عنهم) بين الأخبار
المذكورة بالتخيير، وهو الوجه في القول الثالث.
وأما ما يدل على الشاة في الكثير فصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة.
وما رواه الشيخ في الصحيح أيضا عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: (سألته عن محرم قتل جرادا كثيرا.
قال: كف من طعام، وإن كان أكثر فعليه شاة) والظاهر أن
قوله: (جرادا كثيرا) في الخبر وقع سهوا من قلم الشيخ، وإنما
السؤال عن جرادة واحدة، وكم له (رضوان الله تعالى عليه) مثل
ذلك في الأسانيد والمتون، وإلا فمعنى الخبر المذكور لا يخلو من تناف
وأما ما رواه الشيخ عن عروة الحناط عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (3): (في رجل أصاب جرادة فأكلها؟ قال: عليه دم)
فرده المتأخرون بضعف الاسناد وعدم القيام بمعارضة ما تقدم من
الأخبار. والشيخ حمله على الجراد الكثير بإرادة الجنس وإن أطلق عليه
لفظ التوحيد. والأظهر كما استظهره في الوافي تخصيص هذا
الحكم بالأكل، كما هو مورد الخبر، والأخبار الأولة بالقتل، والدم
هنا كفارة القتل والأكل. وقد تقدم له نظائر في غير الجراد أشرنا
إليها في ما تقدم، من أن الأكل موجب لزيادة الكفارة.

(1) الفروع ج 4 ص 393، والوسائل الباب 37 من كفارات الصيد.
(2) التهذيب ج 5 ص 364، والوسائل الباب 37 من كفارات الصيد
(3) التهذيب ج 5 ص 364، والوسائل الباب 37 من كفارات الصيد
246

قال العلامة في المختلف: ونقل ابن إدريس عن علي بن بابويه:
وإن أكلت جرادة فعليك دم شاة. والذي وصل إلينا من كلام ابن
بابويه في رسالته: وإن قتلت جرادة تصدقت بتمرة، والتمرة خير
من جرادة، فإن كان الجراد كثيرا ذبحت شاة، وإن أكلت منه فعليك
دم شاة. وهذا اللفظ ليس صريحا في الواحدة. انتهى.
أقول: إن عبارة الرسالة المذكورة لا تحضرني الآن، والذي في
كتاب الفقه الرضوي الذي قد ظهر لك من ما قدمنا ذكره في غير
موضع أن الرسالة المذكورة إنما أخذت منه إنما يساعد ما ذكره
ابن إدريس، حيث قال (عليه السلام) (1): (فإن قتلت جرادة تصدقت
بتمرة، والتمرة خير من جرادة، وإن كان الجراد كثيرا ذبحت شاة،
ثم قال: وإن أكلت جرادة واحدة فعليك دم شاة) وظاهره (عليه
السلام) الفرق بين القتل والقتل والأكل، وأن دم الشاة كفارة القتل
والأكل، كما تقدم في رواية الحناط.
ثم إنه ينبغي أن يعلم أنه لو لم يمكن التحرز من قتل الجراد فلا
كفارة في قتله. وقد تقدم ما يدل عليه في صدر المقصد.
الثاني في القملة أيضا كف من طعام، ويدل على ذلك ما رواه
الشيخ في الحسن عن الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) قال: (المحرم لا ينزع القملة من جسده ولا من ثوبه
متعمدا، وإن قتل شيئا من ذلك خطأ فليطعم مكانها طعاما،
قبضة بيده).

(1) ص 29
(2) التهذيب ج 5 ص 336، والوسائل الباب 15 من بقية كفارات الاحرام
247

وما رواه الكليني عن الحسين بن أبي العلاء (1) قال: (قال
أبو عبد الله (عليه السلام): لا يرمي المحرم القملة من ثوبه ولا من
جسده متعمدا، فإن فعل شيئا من ذلك فليطعم مكانها طعاما. قلت:
كم؟ قال: كفا واحدا).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عيسى (2) قال: (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يبين القملة عن جسده فيلقيها.
قال: يطعم مكانها طعاما).
وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: (سألته عن المحرم ينزع القملة عن جسده فيلقيها. قال:
يطعم مكانها طعاما).
وعن ابن مسكان عن الحلبي (4) قال: (حككت رأسي وأنا محرم
فوقعت منه قملات، فأردت ردهن فنهاني، وقال: تصدق بكف
من طعام).
وقد ورد بإزاء هذه الأخبار ما ظاهره المنافاة، ومنه ما رواه الشيخ
في الصحيح عن معاوية بن عمار (5) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام): ما تقول في محرم قتل قملة؟ قال: لا شئ في القملة،
ولا ينبغي أن يتعمد قتلها).

(1) الفروع ج 4 ص 362، والوسائل الباب 78 من تروك الاحرام
(2) التهذيب ج 5 ص 336، والوسائل الباب 15 من بقية كفارات الاحرام.
(3) التهذيب ج 5 ص 336، والوسائل الباب 15 من بقية كفارات الاحرام.
(4) التهذيب ج 5 ص 337، والوسائل الباب 15 من بقية كفارات الاحرام
(5) التهذيب ج 5 ص 337، والوسائل الباب 15 من بقية كفارات الاحرام
248

وما رواه الشيخ والصدوق عنه أيضا (1) قال: (قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): المحرم يحك رأسه فتسقط عنه القملة والثنتان؟
فقال: لا شئ عليه، ولا يعيدها. قلت: كيف يحك المحرم؟
قال: بأظافيره ما لم يدم، ولا يقطع الشعر) وفي نسخة: (ولا
يعود) أي إلى مثل هذا الفعل. وعلى ما نقلناه فالمراد أنه لا يعيدها
إلى موضعها بعد سقوطها.
وما رواه في الكافي عن أبي الجارود (2) قال: (قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): حككت رأسي وأنا محرم فوقعت قملة؟ قال: لا بأس
قلت: أي شئ تجعل علي فيها؟ قال: وما أجعل عليك في قملة؟
ليس عليك فيها شئ).
وما رواه في التهذيب عن مرة مولى خالد (3) قال: (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يلقي القملة. فقال: (عليه
السلام): ألقوها أبعدها الله غير محمودة ولا مفقودة).
وما رواه في الكافي عن أبي الجارود (4) قال: (سأل رجل أبا جعفر
(عليه السلام) عن رجل قتل قملة وهو محرم. قال: بئس ما صنع.
قال: فما فداؤها؟ قال: لا فداء لها).
وأجاب الشيخ عن هذه الأخبار بالحمل على الرخصة أولا، ثم على

(1) التهذيب ج 5 ص 337، والفقيه ج 2 ص 229، والوسائل الباب
15 من بقية كفارات الاحرام
(2) الفروع ج 4 ص 365، والوسائل الباب 15 من بقية كفارات
الاحرام.
(3) التهذيب ج 5 ص 337، والوسائل الباب 78 من تروك الاحرام
(4) الفروع ج 4 ص 362، والوسائل الباب 78 من تروك الاحرام
والباب 15 من بقية كفارات الاحرام
249

من يتأذى بها فيقتل ويكفر. قال: وقوله: (لا شئ عليه) يعني:
من العقاب أو لا شئ معين. واقتصر في الإستبصار على الأخير.
وجملة من متأخري المتأخرين قد جمعوا بين الأخبار هنا بالاستحباب.
والذي يقرب عندي هو حمل الروايات الأخيرة على التقية، فإنه
مذهب جملة من العامة، ونقل ذلك في المنتهى والتذكرة عن مالك
في إحدى الروايتين (1) وسعيد بن جبير وطاووس وأبي ثور وابن المنذر.
وعن أصحاب الرأي وعن مالك في إحدى الروايتين: أنه يتصدق بمهما أمكن
من قليل أو كثير. ولم ينقل القول بكف من طعام كما هو المروي
في الروايات الأول إلا عن عطاء خاصة (2).
والسيد السند في المدارك بعد أن نقل عبارة المصنف المشتملة
على كف من طعام قال: واستدل عليه في التهذيب بما رواه عن حماد
ابن عيسى.. ثم ساق الرواية المتقدمة، ثم قال: وعن محمد بن
مسلم.. ثم ساق الرواية كما قدمناه، ثم طعن فيهما بأن في
طريقهما عبد الرحمان وهو مشترك بين جماعة: منهم: عبد الرحمان
ابن سيابة، وهو مجهول، ثم ذكر صحيحة معاوية بن عمار الدالة
على أنه لا شئ في القملة، ثم نقل جمع الشيخ الذي نقلناه
ورده بأنه حمل بعيد، مع أنه لا ضرورة تلجئ إليه، لامكان حمل

(1) الروايتان عن أحمد، واللفظ: أنه يتصدق بمهما كان من قليل أو
كثير. وأما مالك فالمنقول عنه أنه يتصدق بحفنة من طعام. ارجع إلى
المنتهى ج 2 ص 796 و 817، والتذكرة البحث الثالث عشر من محرمات
الاحرام، والمغني ج 3 ص 269 و 453 طبع مطبعة العاصمة
(2) المغني ج 3 ص 269 و 453 طبع مطبعة العاصمة.
250

ما تضمن الكفارة على الاستحباب.
وأقول: فيه (أولا): إن ما ذكره من الطعن في الخبرين الأولين
ليس في محله، فإنه لا يخفى على الممارس أن عبد الرحمان هنا هو ابن أبي نجران، كما قطع به المحقق الشيخ حسن في المنتقى، فإن رواية
موسى بن القاسم عنه وروايته هو عن حماد بن عيسى أكثر من أن
تحصى في الأسانيد، بل قد اعترف به هو نفسه (قدس سره) في مسألة
من زاد في طوافه على السبعة سهوا، فقال بعد نقل صحيحة زرارة
الواردة في المسألة (1): ولا يقدح في صحة هذه الرواية اشتمال سندها على
عبد الرحمان وهو مشترك، لوقوع التصريح في هذا السند بعينه في عدة
روايات بأنه ابن أبي نجران. انتهى.
وللمحقق المذكور في كتاب المنتقى هنا كلام في المقام لا بأس
بنقله، سيما مع ما تضمنه من الدلالة على ما قلناه، فإنه نظم الخبرين
في الصحيح، ونبه على سهو وقع للشيخ في رواية محمد بن مسلم (2) قال
(قدس سره) بعد ذكر صحيحة حماد عن موسى بن القاسم عن عبد الرحمان
عن حماد بن عيسى.. إلى آخر الخبر، ثم قال: وعنه عن أبي جعفر عن
عبد الرحمان عن العلاء عن محمد بن مسلم.. إلى آخره، ثم قال (قدس
سره): كذا أورد الشيخ هذا الحديث في الكتابين، وظاهر عدم
انتظام طريقه مع الرواية عن موسى بن القاسم، لأن المعهود من اطلاق
(أبي جعفر) أن يراد به أحمد بن محمد بن عيسى، وهو يروي
عن موسى بن القاسم، لا أن موسى يروي عنه، ولو اتفق في ايراد
الشيخ له أن يتقدمه طريق عن سعد بن عبد الله كما اتفق هنا لتعين

(1) الوسائل الباب 34 من الطواف رقم 7.
(2) ص 248
251

رجوع ضمير (عنه) إليه، فإن رواية سعد عنه بهذه الصورة كثيرة
والشيخ ما زال يقع له هذا السهو، فيرتكب في ايراده للطرق ارجاع
الضمير إلى ما هو في غاية البعد عن محله مع ايهامه في ظاهر الحال
خلاف ذلك، وقد نبهنا على جملة منه في ما سلف. وعلى كل حال
فالظاهر في هذا الطريق أنه من روايات سعد بن عبد الله، وما ندري
بأي تقريب وقع في هذا الموضع، فإن بينه وبين الرواية عن سعد
في الكتابين مسافة بعيدة لا يتصور معها توهم الربط بوجه. ويحتمل
على بعد أن يكون الغلط بذكر (أبي جعفر) في الطريق وأنه زيادة
من سهو القلم، والاسناد كالذي قبله عن عبد الرحمان. وحيث إن
الصحة متحققة على كل حال فالأمر سهل. انتهى.
و (ثانيا): ما قدمناه في غير مقام من ما في الجمع بين الأخبار
بالحمل على الاستحباب من الوهن وعدم الدليل عليه من سنة ولا
كتاب.
الثالث في الزنبور، وقد اختلف الأصحاب في كفارة قتل
الزنبور عمدا، فعن الشيخ في النهاية: من قتل زنبورا أو زنابير خطأ
لم يكن عليه شئ، وإن قتله عمدا فليتصدق بشئ. وقال: في المبسوط:
يجوز للمحرم قتل الزنابير. وقال الشيخ المفيد: ومن قتل زنبورا
تصدق بتمرة، ومن قتل زنابير كثيرة تصدق بمد من طعام أو مد
من تمر. وكذا قال السيد المرتضى. وقال ابن الجنيد: وفي الزنبور
كف من تمر أو طعام. وقال ابن البراج: ولو أصاب زنبورا متعمدا
فعليه كف من طعام. وكذا قال ابن إدريس، وقال: ولا شئ في
الخطأ. وهو قول الصدوق في المقنع، وقول الشيخ علي بن بابويه
252

وقال سلار: ومن قتل زنبورا تصدق بتمرة، فإن كثر تصدق بمد
من تمر. وقال أبو الصلاح: وفي قتل الزنبور كف من طعام، وإن
قتل زنابير فصاع، وفي قتل الكثير دم شاة.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بذلك ما رواه الشيخ في
الصحيح عن معاوية (1) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن محرم قتل زنبورا. قال: إن كان خطأ فلا شئ عليه، وإن
كان متعمدا يطعم شيئا من الطعام).
وعن صفوان في الصحيح عن يحيى الأزرق (2) قال: (سألت أبا عبد الله
وأبا الحسن (عليهما السلام) عن محرم قتل زنبورا. فقالا: إن كان
خطأ فليس عليه شئ. قال: قلت: فالعمد؟ قالا: يطعم شيئا
من طعام).
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: (سألته عن محرم قتل زنبورا.
قال: إن كان خطأ فليس عليه شئ. قلت: لا بل متعمدا؟ قال:
يطعم شيئا من طعام. قلت: إنه أرادني؟ قال: إن أرادك
فاقتله).

(1) التهذيب ج 5 ص 365، والوسائل الباب 8 من كفارات الصيد
ولفظ الحديث هو الذي تقدم ص 157 و 158
(2) التهذيب ج 5 ص 345، والوسائل الباب 8 من كفارات الصيد
(3) الفروع ج 4 ص 364، والوسائل الباب 81 من تروك الاحرام،
والباب 8 من كفارات الصيد.
253

وفي كتاب الفقه الرضوي (1): (وإن قتلت زنبورا تصدقت بكف
من طعام).
وهذه الأخبار كلها قد اشتركت في أن الواجب مع العمد شئ من
طعام كما في الأخبار الثلاثة الأولى، أو كف من طعام كما في
الأخير، ومورد الجميع الزنبور الواحد، وأما المتعددة فلا تعرض لها
في شئ من الأخبار المذكورة. وبذلك يظهر لك ما في هذه الأقوال
على كثرتها من الاختلاف.
وينبغي التنبيه هنا على مسائل تتعلق بالمقام وتنتظم في سلك هذا
النظام:
الأولى قد صرح الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) بأن
ما لا تقدير لفديته فإنه يجب مع قتله قيمته، وكذا البيوض. وظاهرهم
الاتفاق عليه. وعلل بتحقق الضمان مع عدم تقدير للمضمون شرعا،
فيرجع إلى القيمة كغيره.
ويدل على ذلك صحيحة سليمان بن خالد (2) قال: قال
أبو عبد الله (عليه السلام): في الظبي شاة، وفي البقرة بقرة، وفي
الحمار بدنة، وفي النعامة بدنة، وفي ما سوى ذلك قيمته).
ونقل عن الشيخ أنه قال: في البط والإوز والكركي شاة. ونسبه
المحقق في الشرائع إلى التحكم، حيث إنه لا مستند له. والإوز
بكسر الهمزة وفتح الواو وتشديد الزاي: البط، واحدته إوزة، والجمع
إوزون بالواو والنون، وفي لغة: وز، الواحدة وزة، مثل تمر وتمرة،

(1) ص 29
(2) التهذيب ج 5 ص 341، والوسائل الباب 1 من كفارات الصيد
254

كذا في كتاب مجمع البحرين. وقال في المصباح المنير: وحكى في
الجمع (إوزون) وهو شاذ. وعلى هذا فيكون العطف في كلام الشيخ
من قبيل عطف المرادف.
وقد تقدم النقل عن الشيخ علي بن بابويه أنه ذهب إلى وجوب الشاة في
الطير بأنواعه ما عدا النعامة، وعليه تدل صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة
وعبارة كتاب الفقه الرضوي (1) التي منها أخذ الشيخ المذكور عبارته
وعلى هذا يتجه القول بوجوب الشاة في الطير مطلقا ما لم يقم الدليل
على خلافه. وبه يندفع عن الشيخ ما أورده عليه المحقق. إلا أن
تخصيصه بهذه الثلاثة لا يظهر له وجه. ولعل التحكم باعتبار ذلك.
ثم إنه على تقدير وجوب الشاة، فلو تعذرت رجع إلى ما يقوم
مقامها من اطعام عشرة مساكين، ثم مع عدم الامكان الصيام ثلاثة
أيام، لما تقدم من الأخبار الدالة على أن من وجبت عليه شاة فلم
يجد فليطعم عشرة مساكين، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام (2).
الثانية إذا قتل صيدا معيبا كالمكسور والأعور مثلا فداه
بصحيح، ولو فداه بمثله جاز أيضا. وكذا لو كان أنثى فداه بالذكر
وبالأنثى، وكذا بالعكس. وربما قيل بوجوب الفداء بالمماثل، رعاية
للمماثلة المفهومة من الآية (3). وفيه أن المماثلة لا تعتبر أن تكون من جميع
الجهات، واطلاق الروايات يقتضي التعميم. ومقتضى كلام العلامة في المنتهى
والتذكرة أن اجزاء الأنثى عن الذكر لا خلاف فيه، لأنها أطيب لحما وأرطب
وإنما الخلاف في العكس. وبالجملة فالأظهر الاجزاء مطلقا، إذ الظاهر من

(1) ص 29
(2) الوسائل الباب 2 من كفارات الصيد رقم 3 و 6 و 10 و 11.
(3) سورة المائدة، الآية 95
255

المماثلة المماثلة في الخلقة لا في جميع الصفات.
قالوا: ولو قتل ماخضا ضمنها بما خض مثلها للآية (1) ولو تعذر
قوم الجزاء ماخضا. ولو فداها بغير ماخض قال في التذكرة: في
الاجزاء نظر، من حيث عدم المماثلة، ومن حيث إن هذه الصفة
لا تزيد في لحمها، بل قد تنقصه غالبا، فلا يشترط وجود مثلها في
الجزاء، كالعيب واللون. نعم لو كان الغرض اخراج القيمة لتعذر
الماخض كما تقدم لم يجز إلا تقويم الماخض، لأنها أعلى في الغالب
وباختلاف القيمة يختلف المخرج.
قالوا: ولو أصاب صيدا حاملا فألقت جنينا، فإن خرج حيا
وماتا معا لزمه فداؤهما معا، فيفدي الأم بمثلها والصغير بصغير،
وإن عاشا ولم يحصل عيب فلا شئ، عملا بالأصل، وإن حصل ضمنه
بأرشه، ولو مات أحدهما دون الآخر ضمن التالف خاصة، وإن
خرج ميتا ضمن الأرش، وهو ما بين قيمتها حاملا ومجهضا.
الثالثة لو تعذر الجزاء في ما يجب فيه الجزاء وجبت قيمته وقت
الاخراج، وما لا تقدير لقيمته وقت الاتلاف. والوجه في ذلك أن
الواجب في الأول هو الجزاء بالمثل، وإنما ينتقل الحكم إلى القيمة
عند تعذر المثل، فيلزم اعتبار القيمة وقت الاخراج وتعذر المثل،
كما في سائر المثليات. وأما الثاني فإن الواجب ابتداء إنما هو القيمة
وهي تثبت في الذمة عند الجناية، وحينئذ فيعتبر قدرها في ذلك الوقت.
الرابعة قال العلامة في التذكرة: البحث الثالث في ما لا نص
فيه (مسألة): ما لا مثل له من الصيد، ولا تقدير شرعي فيه،
يرجع إلى قول عدلين يقومانه، وتجب عليه القيمة التي يقدر أنها فيه

(1) سورة المائدة، الآية 95.
256

ويشترط في الحكمين العدالة اجماعا، للآية (1) ولا بد أن يكونا اثنين
فما زاد، للآية (2) ولو كان القاتل أحدهما جاز، وبه قال الشافعي
وأحمد وإسحاق وابن المنذر (3) لقوله (تعالى): يحكم به ذوا عدل
منكم (4) والقاتل مع غيره ذوا عدل منا، فيكون مقبولا.. إلى أن
قال: ولو قيل: إن كان القتل عمدا عدوانا لم يجز حكمه، لفسقه
وإلا جاز كان وجها، انتهى.
وقال في كتاب المنتهى: المطلب الثالث في ما لا نص فيه، قد
بينا في ما تقدم مقادير كفارات الصيد في ما له تقدير شرعي قدره
النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)، أما ما لا مثل
له ولا تقدير شرعي فيه، فإنه يرجع فيه إلى عدلين يقومانه،
وتجب عليه القيمة التي يقدرانها.. ثم ساق الكلام على نحو كلامه
في التذكرة.
أقول: لا يخفى أنه قد وردت الأخبار عنهم (عليهم السلام) في
تفسير هذه الآية (5) بما يدل على أن المراد بذي العدل في الآية إنما
هو النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام) القائم مقامه
من بعده، وأن الألف في الآية من ما أخطأت به الكتاب:
فروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر

(1) سورة المائدة، الآية 95.
(2) سورة المائدة، الآية 95.
(3) المغني لابن قدامة الحنبلي ج 3 ص 458 طبع مطبعة العاصمة،
والمجموع للنووي الشافعي ج 7 ص 403 و 423
(4) سورة المائدة، الآية 95.
(5) سورة المائدة، الآية 95.
257

(عليه السلام) (1) (في قول الله (عز وجل): يحكم به ذوا عدل منكم (2):
فالعدل رسول الله (صلى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام)
من بعده يحكم به وهو ذو عدل، فإذا علمت ما حكم به رسول الله
(صلى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام) فحسبك ولا تسأل عنه)
وروى في الكافي في الصحيح عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: (سألته عن قول الله (عز وجل):
ذوا عدل منكم (4) قال: العدل رسول الله (صلى الله عليه وآله) والإمام
(عليه السلام) من بعده. ثم قال: هذا من ما أخطأت به الكتاب).
وفي الموثق عن زرارة (5) قال: (سألت أبا جعفر (عليه السلام)
عن قول الله (عز وجل): يحكم به ذوا عدل منكم (6) قال: العدل
رسول الله (صلى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام) من بعده
ثم قال: هذا من ما أخطأت به الكتاب).
وروى في الصحيح أيضا عن حماد بن عثمان (7) قال: (تلوت
عند أبي عبد الله (عليه السلام): ذوا عدل منكم (8) فقال: ذو
عدل منكم. هذا من ما أخطأت فيه الكتاب).

(1) التهذيب ج 6 ص 314، والوسائل الباب 7 من صفات القاضي
وما يقضي به
(2) سورة المائدة، الآية 95.
(3) الفروع ج 4 ص 396 باب النوادر من الصيد من كتاب الحج
(4) سورة المائدة، الآية 95.
(5) الفروع ج 4 ص 397 باب النوادر من الصيد من كتاب الحج
(6) سورة المائدة، الآية 95.
(7) روضة الكافي ص 205 الطبع الحديث
(8) سورة المائدة، الآية 95.
258

وفي تفسير العياشي (1): وفي رواية حريز عن زرارة قال: (سألت
أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل): يحكم به
ذوا عدل منكم (2) قال: العدل رسول الله (صلى الله عليه وآله) والإمام
(عليه السلام) من بعده. ثم قال: وهذا من ما أخطأت به الكتاب).
وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) (في قول
الله (تعالى): يحكم به ذوا عدل منكم (4) يعني: رجلا واحدا، يعني:
الإمام عليه السلام).
وهذه الأخبار كما ترى مع صحتها وتعددها صريحة الدلالة
واضحة المقالة في أن ما ذكر في الآية من التثنية إنما وقع غلطا من الكتاب
وإنما هو مفرد، وأن المراد بذلك العدل إنما هو رسول الله (صلى الله
عليه وآله) والإمام (عليه السلام) من بعده. وهو يرجع إلى ما ورد
من النصوص في تلك المواضع.
وبه يظهر أن ما ذكروه (نور الله تعالى مراقدهم) من الرجوع
في ما لا نص فيه إلى قول عدلين من عدول المسلمين بناء على ظاهر الآية
محل اشكال، فإنه وإن كان ظاهر الآية ذلك، إلا أنه مع ورود هذه
النصوص الصحيحة في تفسير العدل بالنبي (صلى الله عليه وآله) والإمام
(عليه السلام) من بعده خاصة، وأن زيادة الألف الموهمة للتثنية
إنما وقع غلطا، فلا مجال للعدول عنها. ولعل العذر لهم (نور الله
مراقدهم) أنهم لم يقفوا على الأخبار المذكورة ولم يراجعوها، وإلا

(1) ج 1 ص 343 و 344
(2) سورة المائدة، الآية 95
(3) تفسير العياشي ج 1 ص 344
(4) سورة المائدة، الآية 95
259

فالخروج عنها بعد الوقوف عليها سيما مع كثرتها وصحتها وصراحتها
من ما لا يكاد يتجشمه ذو مسكة.
نعم قد روى الطبرسي في كتاب الإحتجاج (1) حديثا مرسلا في
كلام لعلي (عليه السلام) في خطابه مع الخوارج: (وأما قولكم: إني
حكمت في دين الله الرجال، فما حكمت الرجال وإنما حكمت كلام ربي
الذي جعله الله حكما بين أهله، وقد حكم الله تعالى الرجال في طائر
فقال: ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم، يحكم به
ذوا عدل منكم (2) فدماء المسلمين أعظم من دم طائر.. الحديث).
ويمكن الجواب عن الخبر المذكور مع عدم نهوضه بالمعارضة لما
تقدم بأن كلامه (عليه السلام) خرج مخرج المجاراة والالزام للقوم
بما يعتقدونه من ظاهر الآية، فإنه لا ريب في دلالتها بحسب ظاهرها
على ذلك، كما ذكره أصحابنا هنا. وسلوك هذا الباب مع الخصوم
في مقام المجادلة شائع في الكلام.
وبالجملة فإن الواجب بمقتضى ما ذكرناه هو الوقوف على النصوص
الواردة في كل جزئي جزئي من أفراد الصيد إن وجدت، وإلا فالوقوف
على ساحل الاحتياط، كما هو المروي عنهم (عليهم السلام) في
جميع الأحكام.
البحث الثالث في موجبات الضمان
وهي ثلاثة: مباشرة الاتلاف، واليد، والتسبيب، فالكلام في هذا البحث

(1) ج 1 ص 278 الطبع الحديث
(2) سورة المائدة، الآية 95
260

يقع في مقامات ثلاثة:
الأول مباشرة الاتلاف، وفيه مسائل: الأولى اختلف الأصحاب
(رضوان الله تعالى عليهم) في ما لو قتل الصيد وأكله، فقيل: إن
قتله موجب لفديته، وأكله موجب لفداء آخر. وقيل: إنه يفدي
ما قتله ويضمن قيمة ما أكل. والأول قول الشيخ في النهاية والمبسوط
وجمع من الأصحاب: منهم: العلامة في التذكرة والمنتهى والمختلف،
والثاني قول الشيخ في الخلاف، والمحقق في الشرائع، والعلامة في
الإرشاد وجملة من كتبه.
احتج العلامة في المختلف على ما اختاره من القول الأول بما رواه
الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) (1)
قال: (سألته عن قوم اشتروا ظبيا، فأكلوا منه جميعا وهم حرم،
ما عليهم؟ فقال: على كل من أكل منه فداء صيد، على كل انسان
منهم على حدته فداء صيد كامل).
ورواية يوسف الطاطري (2) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام): صيد أكله قوم محرمون؟ قال: عليهم شاة، وليس على الذي
ذبحه إلا شاة).
قال: في المدارك بعد نقل ذلك عن المختلف: وهو احتجاج ضعيف،
إذ ليس في الروايتين دلالة على تعدد الفداء بوجه، بل ولا على ترتب الكفارة
على الأكل على وجه العموم، لاختصاص مورد الأولى بمن اشترى الصيد

(1) التهذيب ج 5 ص 351، والوسائل الباب 18 من كفارات الصيد
(2) الفروع ج 4 ص 391، والتهذيب ج 5 ص 352، والوسائل الباب
18 من كفارات الصيد.
261

وأكله، وظهور الثانية في مغايرة الآكل للذابح. انتهى.
أقول: الأظهر الاستدلال على القول المذكور بما رواه الشيخ في
الصحيح عن أبي أحمد يعني: محمد بن أبي عمير عن من ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (قلت له: المحرم يصيب
الصيد فيفديه، أيطعمه أو يطرحه؟ قال: إذا يكون عليه فداء آخر.
قلت: فما يصنع به؟ قال: يدفنه) فإنها تدل بظاهرها على أنه
بالأكل منه بعد الفدية تجب عليه فدية أخرى، وكذا لو أطعمه
غيره. إلا أنه قد تقدم أن هذه الرواية معارضة بجملة من الأخبار
الصحيحة الصريحة الدالة على أن ما صاده المحرم يجوز أكل المحل
منه، كما هو مذهب جملة من الأصحاب المتقدم ذكرهم ثمة.
وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك اختيار القول الأول،
لصحيحة علي بن جعفر المذكورة، حيث قال بعد عبارة المصنف المشتملة
على القولين المتقدمين: مستند الأول الرواية الصحيحة عن الكاظم
(عليه السلام) ويتحقق الأكل بمسماه، وعليه العمل. والقول
الذي استوجهه المصنف للشيخ (رحمه الله) عملا بأصالة البراءة،
وحملا للخبر على الاستحباب، أو على بلوغ قيمة المأكول شاة. ولا
يخفى ما فيه. انتهى.
أقول: الظاهر أن التقريب في الصحيحة المذكورة الموجب لاستدلال
هؤلاء الأعلام (رضوان الله تعالى عليهم) بها هو أن الواجب من الفداء
في الظبي كما تقدم شاة، والواجب بمقتضى ذلك اشتراكهم

(1) التهذيب ج 5 ص 378، والوسائل الباب 10 من تروك الاحرام،
والباب 55 من كفارات الصيد
262

جميعا في شاة واحدة، وحيث إنه (عليه السلام) أوجب على كل من الآكلين
شاة في هذا الخبر، علم أن هذه الشاة غير الشاة الواجبة في قتله المتقدم
التنبيه عليها، فإنه قد صرح في الخبر بأن على كل من أكل منه فداء
صيد، فهذه الشاة إنما هي من حيث الأكل خاصة، فهي غير شاة
القتل المعلوم وجوبها بالأدلة المتقدمة في المسألة. وبالجملة فإن قتل
الصيد حرام له موجب يلزم به، وأكله كذلك، والأصل عدم التداخل
فيجب الأمران. واشتمال الرواية على شراء الصيد لا ينافي ذلك،
لأنهم إن كانوا قد شروه حيا وذبحوه، فإن الواجب عليهم كفارة
لذبحه وأخرى لأكله، وإن كانوا شروه مذبوحا كان عليهم جزاء
الأكل. وأما الذابح فإنه يبني على ما تقدم من كون الذابح ممن
تجب عليه الكفارة فتجب أم لا فلا. وأما الرواية الثانية فينبغي حمل
الشاة في قوله (عليه السلام): (عليهم شاة) بمعنى على كل واحد
منهم شاة، فإنه لا خلاف في أنهم مع الاشتراك في الأكل يجب الفداء
الكامل على كل منهم، كما ستأتيك الأخبار به في المقام إن شاء الله
(تعالى). وقوله: (ليس على الذابح إلا شاة) يعني: من حيث الذبح
خاصة، فإنه ليس عليه إلا شاة. ومن هذا يظهر الوجه في صحة
الاستدلال بالروايتين المذكورتين.
أما ما ذكره في المدارك من عدم دلالة الرواية الأولى على العموم
لاختصاص مورد الرواية بمن اشترى الصيد وأكله ففيه أن خصوص
السؤال لا يوجب تخصيص الجواب كما قرروه في محله. وبالجملة
فالظاهر أن المناقشة المذكورة هنا لا تخلو من مناقشة.
وأما القول الثاني فلم أقف على من تعرض لنقل دليل عليه حتى ممن صار
إليه، قال في المدارك: والقول بوجوب فداء القتل وضمان قيمة المأكول
263

للشيخ في الخلاف، والمصنف، والعلامة في جملة من كتبه، ولم نقف
لهم في ضمان القيمة على دليل يعتد به. ولولا تخيل الاجماع على
ثبوت أحد الأمرين لأمكن القول بالاكتفاء بفداء القتل، تمسكا
بمقتضى الأصل. وتؤيده صحيحة أبان بن تغلب (1) (أنه سأل أبا عبد الله
(عليه السلام) عن محرمين أصابوا أفراخ نعام، فذبحوها وأكلوها.
فقال: عليهم مكان كل فرخ أصابوه وأكلوه بدنة) حيث أطلق الاكتفاء
بالبدنة، ولو تعدد الفداء أو وجبت القيمة مع فداء القتل لوجب
ذكره في مقام البيان. انتهى.
أقول: صحيحة أبان المذكورة قد رواها في من لا يحضره الفقيه (2)
في الصحيح هكذا: عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في قوم حجاج
محرمين، أصابوا أفراخ نعام، فأكلوا جميعا. قال: عليهم مكان كل
فرخ أكلوه بدنة، يشتركون فيها جميعا فيشترونها على عدد الفراخ وعلى
عدد الرجال) ورواه الشيخ في التهذيب (3) بسند فيه اللؤلؤي عن أبان
مثله، وزاد: (قلت: فإن منهم من لا يقدر على شئ؟ قال: يقوم
بحساب ما يصيبه من البدن، ويصوم لكل بدنة ثمانية عشر يوما)
وهي أظهر في لزوم الفداء لكل منهم بالبدنة، فلو كان ثمة شئ آخر
غيرها من قيمة أو فداء آخر لذكره (عليه السلام).
ثم أقول: ما ذكره (قدس سره) قد تقدمه فيه شيخنا المحقق
الأردبيلي في شرح الإرشاد، حيث قال بعد نقل الخلاف في ما يترتب
على الأكل من الفداء كاملا أو قيمة ما أكله ما لفظه: ويحتمل عدم
شئ أصلا، لعدم ثبوت ضمان مثله. ولأنه قد ضمنه بالقتل فكأنه

(1) الوسائل الباب 2 و 18 من كفارات الصيد.
(2) ج 2 ص 236
(3) ج 5 ص 353
264

صار ملكه مثل مال الغير، فلا يضمن بالأكل منه مرة أخرى. نعم لما
كان أكل الصيد حراما حصل الإثم بذلك. إلا أنه نقل اجماع علمائنا
على وجوب التعدد في المنتهى، قال: إذا ذبح الصيد ثم أكله ضمنه
للقتل ووجب عليه ضمان آخر للأكل، قاله علماؤنا. وهو ظاهر في تعدد
الفداء. وقد عرفت عدم الاجماع على ذلك، لاختياره قيمة ما أكل
هنا، وعدم دلالة الأخبار على وجوب التعدد حين الأكل والذبح معا
وحال الاجتماع أيضا، فلا يبعد التداخل وعدم لزوم غير شئ واحد،
كما هو ظاهر صحيحة علي بن جعفر المذكورة. ويؤيده ما في صحيحة
أبان بن تغلب (في المشتركين في ذبح الفرخ وأكله بدنة مكان أكلهم
وذبحهم) وستجئ في شرح قوله: ويضمن.. إلى آخره. انتهى.
وتحقيق الكلام في هذا المقام على ما يستفاد من أخبارهم (عليهم
السلام) أن يقال: إن الواجب بالأكل من ما حرم للمحرم أكله
كائنا ما كان شاة، ثم إن كان في ذلك المأكول موجب لفداء آخر
وجب أن حصل منه، وإلا فلا.
ومن الأخبار الواردة في المقام ما رواه الشيخ في الصحيح عن
زرارة (1) قال: (سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: من نتف
إبطه.. إلى أن قال: أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله وهو محرم، ففعل
ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شئ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة)
وما رواه عن أبي عبيدة في الصحيح (2) قال: (سألت أبا جعفر

(1) التهذيب ج 5 ص 369 و 270، والوسائل الباب 8 و 10 من بقية
كفارات الاحرام
(2) التهذيب ج 5 ص 355 و 356، والوسائل الباب 24 من كفارات الصيد
265

(عليه السلام) عن رجل محل اشترى لمحرم بيض نعام فأكله المحرم
فما على الذي أكله؟ فقال: على الذي اشتراه فداء لكل بيضة درهم
وعلى المحرم لكل بيضة شاة) وروى نحوه في الصحيح أيضا بتفاوت
لا يضر بالمعنى (1).
وفي رواية محمد بن الفضيل المتقدمة (2): (وإذا أصاب المحرم
بيض نعام ذبح عن كل بيضة شاة بقدر عدد البيض) والمراد بالإصابة
هنا الأكل، لأن في الكسر بكارة من الإبل إن تحرك الفرخ فيها، أو الارسال
إن لم يكن، كما تقدم في المسألة.
وما رواه الشيخ عن الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (3) قال: (سئل عن رجل أكل بيض حمام الحرم وهو
محرم. قال: عليه لكل بيضة دم، وعليه ثمنها سدس أو ربع الدرهم
(الوهم من صالح) (4) ثم قال: إن الدماء لزمته لأكله وهو محرم،
وأن الجزاء لزمه لأخذه بيض حمام الحرم).
وما رواه في الفقيه والتهذيب عن أبي بصير (5) قال: (سألت

(1) التهذيب ج 5 ص 466، والفروع ج 4 ص 388، والوسائل
الباب 24 و 57 من كفارات الصيد، والوافي باب (كفارة ما أصاب المحرم
من الطير والبيض)
(2) ص 203
(3) الفروع ج 4 ص 395، والوسائل الباب 10 و 44 من كفارات الصيد
(4) وهو صالح بن عقبة الذي يروي الحديث عن الحارث بن المغيرة
(5) الفقيه ج 2 ص 236، والتهذيب ج 5 ص 351، والفروع ج 4
ص 392، والوسائل الباب 18 من كفارات الصيد.
266

أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوم محرمين، اشتروا صيدا فاشتركوا
فيه، فقالت رفيقة لهم: اجعلوا لي فيه بدرهم. فجعلوا لها. فقال:
على كل انسان منهم شاة) ومن الظاهر أن الشاة إنما هي من حيث
الأكل، كما هو الظاهر من سياق الخبر، لا بمجرد الشراء كما لا يخفى.
وما رواه في الكافي والتهذيب عن يزيد بن عبد الملك عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1): (في رجل محرم مر وهو في الحرم، فأخذ عنق ظبية
فاحتلبها وشرب من لبنها. قال: عليه دم وجزاؤه في الحرم ثمن اللبن).
وأما بالنسبة إلى المشتركين في أكل الصيد فقد تقدم في صحيحة
علي بن جعفر (2) (أن على كل واحد فداء كاملا) وفي رواية الطاطري
(على كل واحد شاة شاة) كما في رواية الوافي (3) والذي قدمنا نقله
صورة ما في الوسائل، وكيف كان فالمراد تعدد الشاة على كل منهم.
إلا أنه قد روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: (إن اجتمع قوم على صيد
وهم محرومون في صيده، أو أكلوا منه، فعلى كل واحد منهم قيمته)
ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار مثله (5).

(1) الفروع ج 4 ص 388، والتهذيب ج 5 ص 271 و 466، والوسائل
الباب 54 من كفارات الصيد، والوافي باب (كفارة ما أصاب المحرم
من صيد الحرم).
(2) ص 261
(3) باب (اجتماع المحرمين على الصيد)
(4) التهذيب ج 5 ص 351، والوسائل الباب 18 من كفارات الصيد.
(5) الفروع ج 4 ص 391، والوسائل الباب 18 من كفارات الصيد
267

وفي الموثق عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
في حديث قال في آخره: (وأي قوم اجتمعوا على صيد فأكلوا منه،
فإن على كل انسان منهم قيمة قيمة، وإن اجتمعوا عليه في صيد فعليهم
مثل ذلك).
وظاهر هذين الخبرين أنهم بالاجتماع عليه في صيده أو أكله فالواجب
على كل واحد منهم قيمة ذلك الصيد. ويمكن حمل صحيحة علي بن جعفر
على الروايتين الأخيرتين بحمل الفدية فيها على القيمة في هذا الموضع.
الثانية لو رمى صيدا فلم يؤثر فيه فلا فدية عليه، ولو أثر فيه
وجرحه ثم رآه بعد ذلك سويا فأقوال، فإن لم يعلم حاله لزمه الفداء
قيل: وكذلك لو لم يعلم أثر فيه أم لا.
وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع: الأول في ما إذا رماه ولم
يؤثر فيه، بمعنى أنه تحقق وتيقن عدم التأثير فيه، لما سيجئ في
المسألة من القول بالفدية مع الشك، فإنه لا شئ كما ذكر، إلا أنه ينبغي تقييده بما إذا لم يكن له شريك في الرمي وقد أصاب الصيد
فإنه يضمن بسبب المشاركة وإن أخطأ، كما سيأتي إن شاء الله (تعالى)
التنبيه عليه.
الثاني لو أثر فيه ثم رآه بعد ذلك سويا، فإنه قد
اختلف فيه الأصحاب، فنقل في المختلف عن الشيخ في النهاية
والمبسوط، وابن البراج، وابن إدريس: أنه إذا رمى الصيد فأدماه
أو كسر يده أو رجله ثم رآه بعد ذلك صحيحا، كان عليه ربع
الفداء. والظاهر أن مرادهم بالفداء هنا هو القيمة، كما وقع

(1) التهذيب ج 5 ص 370، والوسائل الباب 18 و 31 من كفارات الصيد
268

في جملة من عبائرهم التعبير بربع القيمة، كالشرائع والارشاد وغيرهما
ونقل عن الشيخ علي بن بابويه والشيخ المفيد، وأبي الصلاح:
أنه يتصدق بشئ وذهب المحقق في الشرائع والعلامة في القواعد
إلى أن عليه الأرش، وبه قطع في المنتهى والتذكرة، إلا أنه نقل فيهما
عن الشيخ أنه يضمن الجميع، لأنه مفض إلى تلفه، قال: وهو قول
أبي حنيفة (1) وهو كما ترى خلاف ما نقله عنه في المختلف.
والعجب من صاحب الذخيرة أنه قال هنا نقلا عن العلامة في
المنتهى: إنه قطع بالأرش، ولم ينقل فيه خلافا إلا عن العامة،
مع أن هذه صورة عبارته: لو جرح الصيد فاندمل وصار غير ممتنع
فالوجه الأرش، وقال أبو حنيفة: يضمن الجميع (2). وهو قول الشيخ
رحمه الله (تعالى) لأنه مفض إلى تلفه، فصار كما لو جرحه جرحا
تيقن موته. ثم رده بأنه ليس بجيد، لأنه إنما يضمن ما نقص،
والتقدير أنه لم يتلف جميعه، فلم يضمنه. انتهى.
قال في المدارك: والقول بلزوم ربع القيمة بذلك للشيخ وجماعة
واستدل عليه بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) (3)
قال: (سألته عن رجل رمى صيدا وهو محرم، فكسر يده أو رجله،
فمضى الصيد على وجهه، فلم يدر الرجل ما صنع الصيد. قال: عليه الفداء
كاملا إذا لم يدر ما صنع الصيد (4) فإن رآه بعد أن كسر يده أو رجله وقد
رعى وانصلح فعليه ربع قيمته) وهذه الرواية لا تدل على ما ذكره
الشيخ من التعميم. والمتجه قصر الحكم على مورد الرواية ووجوب

(1) المغني ج 3 ص 459 و 460 طبع مطبعة العاصمة.
(2) المغني ج 3 ص 459 و 460 طبع مطبعة العاصمة.
(3) التهذيب ج 5 ص 359، والوسائل الباب 27 من كفارات الصيد
(4) قوله: (فإن رآه..) من كلام الشيخ ظاهرا
269

الأرش في غيره إن ثبت كون الأجزاء مضمونة كالجملة، لكن ظاهر
المنتهى أنه موضع وفاق. انتهى.
ومرجع مناقشته في الرواية إلى أن موردها كسر يد الصيد ورجله
وما ادعاه الشيخ أعم من ذلك. وبذلك اعترض في المختلف على الشيخ
أيضا، حيث قال بعد نقل القول المتقدم عنه: والروايات الدالة على ربع
الفداء إنما وردت على كسر يده أو رجله، والشيخ (رحمه الله تعالى)
في كتابيه ساوى بين الجرح والكسر، ولم نقف على حجته. انتهى
وهو جيد.
ومن الأخبار الواردة في المسألة أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح
عن أبي بصير (1) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل
رمى ظبيا وهو محرم، فكسر يده أو رجله، فذهب الظبي على وجهه
فلم يدر ما صنع؟ فقال: عليه فداؤه. قلت: فإنه رآه بعد ذلك
مشى؟ قال: عليه ربع ثمنه).
وما رواه أيضا في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى
(عليه السلام) (2) قال: (سألته عن رجل رمى صيدا، فكسر يده
أو رجله وتركه، فرعى الصيد قال: عليه ربع الفداء).
وما رواه في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
(في محرم رمى ظبيا، فأصابه في يده فعرج منها؟ قال: إن كان الظبي

(1) التهذيب ج 5 ص 359، والفقيه ج 2 ص 233 بتفاوت يسير،
والوسائل الباب 27 و 28 من كفارات الصيد
(2) التهذيب ج 5 ص 359، والوسائل الباب 28 من كفارات الصيد
(3) الفروع ج 4 ص 386، والوسائل الباب 27 من كفارات الصيد
270

مشى عليها ورعى فعليه ربع قيمته، وإن كان ذهب على وجهه فلم
يدر ما صنع فعليه الفداء، لأنه لا يدري لعله قد هلك).
وما رواه الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: سألته عن محرم رمى صيدا، فأصاب يده وجرح. فقال: إن
كان الظبي مشى عليها ورعى وهو ينظر إليه فلا شئ عليه، وإن كان
الظبي ذهب على وجهه وهو رافعها فلا يدري ما صنع فعليه فداؤه، لأنه
لا يدري لعله قد هلك) كذا في التهذيب، وفي الإستبصار (2)
(فعرج) مكان (وجرح).
ولعل الشيخ قد استند في عد الجرح مثل الكسر في هذه المسألة
إلى هذه الرواية. إلا أن روايته لها في الإستبصار كما عرفت من ما
يضعف الاعتماد عليها في ذلك.
وعن السكوني عن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) عن علي (عليه
السلام) (3): (في المحرم يصيب الصيد فيدميه، ثم يرسله؟ قال:
عليه جزاؤه).
وفي كتاب الفقه الرضوي (4): (فإن رميت ظبيا، فكسرت يده
أو رجله، فذهب على وجهه لا تدري ما صنع، فعليك فداؤه، فإن

(1) الوسائل الباب 27 من كفارات الصيد، والوافي باب (المحرم يكسر
الصيد أو يدميه)
(2) اللفظ في التهذيب ج 5 ص 358 كما في الإستبصار ج 2 ص 205
(فأصاب يده فعرج) والفرق بينهما يظهر من الوافي باب (المحرم يكسر الصيد
أو يدميه (3) الفروع ج 4 ص 383، والوسائل الباب 27 من
كفارات الصيد (4) ص 29
271

رأيته بعد ذلك يرعى ويمشي فعليك ربع قيمته، وإن كسرت قرنه
أو جرحته تصدقت بشئ من الطعام).
الثالث ما إذا ذهب الصيد ولم يعلم حاله، فإنه يلزمه الفداء،
وعلى ذلك تدل الأخبار المتقدمة. مضافا إلى اتفاق الأصحاب على
الحكم المذكور، كما يفهم من المنتهى، حيث أسنده إلى علمائنا،
مؤذنا بدعوى الاجماع عليه.
بقي الكلام في أن مورد الأخبار الكسر دون الجرح كما ذكره
الشيخ، ومن ثم اعترض في المدارك بعد نقل الاستدلال بصحيحة
علي بن جعفر على الحكم المذكور بعدم العموم فيها على وجه يشمل
الجرح.
أقول: يمكن الاستدلال عليه بما تقدم من رواية السكوني الدالة
على أنه (يصيب الصيد فيدميه، ثم يرسله. قال: عليه جزاؤه)
وهي وإن كانت ضعيفة السيد باصطلاحهم، إلا أن هذا الاصطلاح غير
معمول عليه عند الشيخ ونحوه، فالاستدلال بها له في محله.
وأما القول بوجوب الأرش في المسألة فاحتج عليه العلامة ومن
وافقه بأنها جناية مضمونة، فكان عليه أرشها.
وفيه (أولا): إنه موقوف على ثبوت كون الأجزاء مضمونة كالجملة
ودليله غير واضح، وإن كان ظاهره في المنتهى دعوى الاجماع عليه.
و (ثانيا): إنه اجتهاد في مقابلة النصوص المتقدمة فلا يسمع
نعم لا يبعد القول به في ما خرج عن مورد النصوص إن ثبت
الاجماع المذكور.
وأما القول بالتصدق بشئ فلم نقف له على مستند، بل الأخبار
272

المتقدمة صريحة في دفعه.
الرابع ما لو لم يعلم أثر فيه أم لا، وقد صرح الشيخ وجمع
من الأصحاب بأنه كسابقه. ولم نقف له على مستند. وروايات المسألة
خالية منه. وظاهر المحقق في النافع التوقف فيه، حيث نقله بلفظ
(قيل).
قال في المدارك: ولو قيل بعدم لزوم الفدية هنا كما في حال
الشك في الإصابة كان حسنا. انتهى.
وقال المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد: وأما دليل وجوب الفداء
وجميع القيمة مع الجهل بالتأثير فغير واضح، والأصل عدم التأثير، وعدم
الوجوب. بل لو لم يكن النص لكان القول بعدمه على تقدير العلم بالتأثير
وجهل حاله جيدا أيضا لذلك، بل كان اللازم هو الأرش، وهو ما تقتضيه
الجناية المتحققة، إلا مع العلم أو الظن الغالب بكون الجراحة مهلكة،
كما قاله بعض العامة (1). انتهى. وهو جيد.
الثالثة قال الشيخ (رحمه الله تعالى): في كسر قرني الغزال
نصف قيمته، وفي كل واحد ربع القيمة، وفي عينيه كمال القيمة،
وفي كسر إحدى يديه نصف قيمته، وكذا في كسر إحدى رجليه،
ولو كسر يديه معا وجب عليه كمال قيمته، وكذا لو كسر رجليه
معا، ولو قتله كان عليه فداء واحد. وتبعه على ذلك جملة من
الأصحاب، ونسبه في الشرائع إلى الرواية، ثم طعن فيها بأن
فيها ضعفا.
والرواية المذكورة التي استند إليها الشيخ في الحكم المذكور ما رواه

(1) المغني ج 3 ص 459 و 460 طبع مطبعة العاصمة
273

(قدس سره) عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
(قلت: ما تقول في محرم كسر إحدى قرني غزال في الحل؟ قال:
عليه ربع قيمة الغزال. قلت: فإن كسر قرنيه؟ قال: عليه نصف
قيمته، يتصدق به. قلت: فإن هو فقأ عينيه؟ قال: عليه قيمته.
قلت: فإن هو كسر إحدى يديه؟ قال: عليه نصف قيمته. قلت: فإن
هو كسر إحدى رجليه؟ قال: عليه نصف قيمته. قلت: فإن هو
قتله؟ قال: عليه قيمته. قال: قلت: فإن هو فعل به وهو محرم
في الحرم؟ قال: عليه دم يهريقه، وعليه هذه القيمة إذا كان محرما
في الحرم).
وردها جملة من المتأخرين بضعف السند، وأن في طريقها عدة من
الضعفاء: منهم: أبو جميلة المفضل بن صالح، وقيل: إنه كان كذابا
يضع الحديث. واستظهروا وجوب الأرش. والظاهر أنه قول الأكثر،
كما ذكره في المدارك، بناء على ما ظاهرهم الاتفاق عليه من كون
الأجزاء مضمونة كالجملة.
وفي المسألة قول ثالث، وهو التصدق بشئ. وهو منقول عن
الشيخ علي بن بابويه والشيخ المفيد وسلار، وعليه تدل عبارة
كتاب الفقه الرضوي (2) وهي المستند للشيخ علي بن بابويه (قدس
سره) على ما عرفت مرارا.

(1) التهذيب ج 5 ص 387، والوسائل الباب 28 من كفارات الصيد
والوافي باب (كفارة ما أصاب المحرم من الوحش).
(2) ص 29
274

وقد روى الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: (سألته عن محرم كسر قرن ظبي. قال: يجب عليه الفداء.
قال: قلت: فإن كسر يده؟ قال: إن كسر يده ولم يرع فعليه
دم شاة).
وظاهر هذه الرواية وجوب الفداء في كسر قرن الظبي. وهو مناف
لما دلت عليه الرواية الأولى من وجوب ربع القيمة. واحتمال حمل
الفداء في الرواية المذكورة على ربع القيمة بعيد. وظاهرها أيضا وجوب
شاة في ما إذا كسر يده ولم يرع، والرواية المتقدمة قد دلت على أن عليه نصف قيمته. وقد تقدم في عبارة كتاب الفقه في ما إذا
كسر قرنه أنه يتصدق بشئ، وهذه الرواية تضمنت أن في كسر القرن
ربع القيمة. والمسألة عندي محل اشكال.
وقد روى ثقة الاسلام في الكافي والشيخ في التهذيب في الصحيح
عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (إذا كنت حلالا
فقتلت الصيد في الحل ما بين البريد إلى الحرم، فإن عليك جزاءه،
فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه أو جرحته تصدقت بصدقة).
وروى الشيخ أيضا عن عبد الغفار الجازى (3) قال: (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم إذا اضطر إلى ميتة.. إلى أن

(1) الفروع ج 4 ص 388، والوسائل الباب 27 و 28 من كفارات
الصيد، والوافي باب (المحرم يكسر الصيد أو يدميه)
(2) الفروع ج 4 ص 232، والتهذيب ج 5 ص 361. والوسائل
الباب 32 من كفارات الصيد
(3) التهذيب ج 5 ص 467، والوسائل الباب 43 و 32 من كفارات الصيد
275

قال: وذكر: أنك إذا كنت حلالا وقتلت الصيد ما بين البريد والحرم
فإن عليك جزاءه، فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه أو جرحته تصدقت
بصدقة) وهو مؤيد لما ذكرنا من الاشكال.
الرابعة إذا اشترك جماعة في قتل صيد وجب على كل منهم فداء
كامل، قال في المدارك: هذا قول علمائنا وأكثر العامة (1).
أقول: أما إنه قول علمائنا فهو الظاهر، لعدم الوقوف على مخالف
في الحكم، وأما كونه قول أكثر العامة فظاهر المنتهى والتذكرة أن
للعامة في ذلك قولين مشهورين: أحدهما ما ذكره، والآخر أن
عليهم جزاء واحدا يشتركون فيه (2).
ويدل على الحكم المذكور مضافا إلى ما عرفت من الاتفاق روايات:
منها ما رواه الكليني والشيخ (عطر الله تعالى مرقديهما) في
الصحيح عن عبد الرحمان بن الحجاج (2) قال: (سألت أبا الحسن
(عليه السلام) عن رجلين أصابا صيدا وهما محرمان، الجزاء بينهما
أم على كل واحد منها جزاء؟ فقال: لا بل عليهما أن يجزي كل
واحد منهما الصيد. قلت: إن بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر
ما عليه. فقال: إذا أصبتم بمثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط
حتى تسألوا عنه فتعلموا).
أقول: هذا الحديث من جملة الأخبار التي أشرنا إليها في غير
موضع، الدالة على أن الواجب مع تعذر معرفة الحكم الشرعي في

(1) المغني ج 3 ص 468 طبع مطبعة العاصمة.
(2) المغني ج 3 ص 468 طبع مطبعة العاصمة.
(3) الفروع ج 4 ص 391، والتهذيب ج 5 ص 466 و 467، والوسائل
الباب 18 من كفارات الصيد، والباب 12 من صفات القاضي وما يقضي به
276

المسألة الوقوف على ساحل الاحتياط حتى يحصل العلم به.
ومنها ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) عن أبي بصير (1)
قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوم
محرمين اشتروا صيدا فاشتركوا فيه، فقالت رفيقة لهم: اجعلوا لي فيه
بدرهم. فجعلوا لها. فقال: على كل انسان منهم فداء) وفي الفقيه
والتهذيب (شاة) مكان (فداء).
وما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن زرارة وبكير عن
أحدهما (عليهما السلام) (2) (في محرمين أصابا صيدا؟ فقال: على
كل واحد منهما الفداء).
وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن ضريس بن أعين (3) قال:
(سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجلين محرمين رميا صيدا فأصابه
أحدهما. قال: على كل واحد منهما الفداء).
وكما يجب الفداء على كل من المجتمعين على الصيد كذا يجب على كل
من المجتمعين في الأكل، كما دلت عليه الأخبار، ومنها ما تقدم من صحيحة
علي بن جعفر (4) وموردها الاشتراك في الأكل، وصحيحة معاوية بن عمار
وموردها الاجتماع على الأكل أو الصيد، وموثقته وهي كذلك (5). وجملة

(1) الفروع ج 4 ص 392، والفقيه ج 2 ص 236، والتهذيب ج 5
ص 351، والوسائل الباب 18 من كفارات الصيد
(2) الفروع ج 4 ص 392 عن زرارة، والفقيه ج 2 ص 236 عن زرارة
وبكير، والوسائل الباب 18 من كفارات الصيد.
(3) التهذيب ج 5 ص 352، والوسائل الباب 20 من كفارات الصيد.
(4) ص 261
(5) ص 267 و 268
277

من هذه الأخبار قد تضمنت الفدية وجملة قد تضمنت القيمة. ويحتمل
حمل الفداء على القيمة، ويحتمل العكس. ويرجحه تضمن صحيحة
عبد الرحمان الجزاء، وتضمن رواية أبي بصير بطريقي الفقيه والتهذيب،
وكذا رواية الطاطري المتقدمة الشاة. ويحتمل حمل روايات القيمة
على الرخصة وإن كان الواجب الجزاء بالشاة.
هذا. وقد روى الشيخ عن إسماعيل بن أبي زياد عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام) (1) قال: (كان علي (عليه السلام) يقول
في محرم ومحل قتلا صيدا، فقال: على المحرم الفداء كاملا، وعلى المحل
نصف الفداء).
قال الشيخ: وهذا إنما يجب على المحل إذا كان صيده في الحرم،
فأما إذا كان صيده في الحل فليس عليه شئ. انتهى. وهو جيد.
وظاهر الشهيد الثاني في المسالك بل صريحه: أنه لا فرق في وجوب
الفداء على كل من الجماعة المجتمعين على قتل الصيد بين كونهم
محرمين أو محلين في الحرم أو متفرقين، فيلزم كلا منهم حكمه.
واعترضه سبطه السيد السند في المدارك بعد ايراد جملة من
روايات المسألة بأن هذه الروايات إنما تدل على ضمان كل من
المشتركين في قتل الصيد الفداء الكامل إذا كانوا محرمين. فما ذكره
غير واضح.
أقول: لا ريب أن أكثر الروايات وأصحها إنما موردها المحرم،
إلا أن رواية إسماعيل بن أبي زياد المذكورة هنا وصحيحة الحلبي،
ورواية عبد الغفار الجازي، المتقدمات في سابق هذه المسألة قد تضمنت

(1) التهذيب ج 5 ص 352، والوسائل الباب 21 من كفارات الصيد
278

حكم المحل في الحرم، وأن عليه الفداء، فلا يرد ما أورده على
جده (قدس سرهما).
قال العلامة في المنتهى: لو اشترك الحلال والحرام في قتل صيد
حرمي، وجب على المحل القيمة كملا، وعلى المحرم الجزاء والقيمة
معا، وخالف فيه بعض الجمهور فأوجب جزاء واحدا عليهما معا (1)
وقال الشيخ في التهذيب: على المحرم الفداء كملا، وعلى المحل
نصف الفداء، لما رواه إسماعيل بن أبي زياد.. ثم نقل الرواية
المتقدمة.
الخامسة لو ضرب بطير على الأرض فقتله، فقد صرح الشيخ
ومن تبعه من الأصحاب بأن عليه دما وقيمتين: إحداهما لاستصغاره
والثانية للحرم. وفي المنتهى زيادة على ذلك: وكان عليه التعزير. وقيده
في الدروس بأرض الحرم. والظاهر أن هذا مراد الجماعة، للرواية
التي هي مستند هذا الحكم:
وهي: ما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار (2) قال: (سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في محرم اصطاد طيرا في الحرم،
فضرب به الأرض فقتله، قال: عليه ثلاث قيمات: قيمة لاحرامه،
وقيمة للحرم، وقيمة لاستصغاره إياه).
قال في المدارك: وهي ضعيفة السند بجهالة حال زكريا ومحمد بن أبي بكر، فيشكل التعويل عليها في اثبات حكم مخالف للأصل.
أقول: قد عرفت في غير موضع من ما تقدم أن هذا الإيراد

(1) المغني ج 3 ص 469 طبع مطبعة العاصمة
(2) التهذيب ج 5 ص 370، والوسائل الباب 45 من كفارات الصيد
279

لا يقوم حجة على الشيخ وأمثاله. نعم مقتضى الرواية أن الواجب
ثلاث قيم، والشيخ ذكر أن الواجب دم وقيمتان. وبمضمون الرواية
أفتى المحقق في النافع، ونسب ما ذكره في الشرائع من الدم والقيمتين
إلى الشيخ. قيل: وكأن الحامل للشيخ على ذلك ورود الأخبار الكثيرة
بوجوب الدم في الطير، فتكون القيمة الواحدة كناية عنه. ولا
بأس به.
وفي الدروس: إن ضمير (إياه) في خبر معاوية يمكن عوده إلى
الحرم وإلى الطير، قال: وتظهر الفائدة في ما لو ضربه في الحل، إلا أن يراد الاستصغار بالصيد المختص بالحرم.
قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه: ولا ريب في تعين إرادة
ما ذكره، لأن الضمير على الثاني لا يعود إلى الطير مطلقا وإنما يعود
إلى الطير المحدث عنه وهو الحرمي، فاختصاص الحكم به ثابت على
التقديرين. انتهى. وهو كذلك.
واستدل في المنتهى أيضا بما رواه الشيخ والكليني في القوي عن
حمران بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: (قلت له:
محرم قتل طيرا في ما بين الصفا والمروة عمدا؟ قال: عليه الفداء
والجزاء ويعزر. قال: قلت: فإنه قتله في الكعبة عمدا؟ قال: عليه
الفداء والجزاء، ويضرب دون الحد، ويقام للناس كي ينكل غيره)
وهي تصلح للتأييد في الجملة لا الدلالة، لعدم انطباقها على المدعى.

(1) التهذيب ج 5 ص 371، والفروع ج 4 ص 396، والوسائل الباب
44 من كفارات الصيد
280

وظاهر الرواية حصول القتل بالضرب على الأرض، كما ذكرنا
في صدر المسألة. وعبائر الأصحاب في هذا المقام لا تخلو من القصور
حيث إنهم صرحوا بأنه لو ضرب بطير على الأرض فدم وقيمتان.
وهو أعم من أن يكون قتله أم لا، استند قتله إلى الضرب بالأرض
أم إلى سبب آخر. والحكم في الرواية مبني على القتل المستند إلى
الضرب على الأرض، فلو ضرب به الأرض ثم قتله بسبب آخر،
فالظاهر خروجه عن مورد النص.
السادسة من شرب لبن ظبية في الحرم لزمه دم وقيمة اللبن،
ذكره الشيخ وجمع من الأصحاب.
واستدلوا عليه بما رواه الشيخ في التهذيب عن يزيد بن عبد الملك
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1): (في رجل مر وهو محرم في
الحرم، فأخذ عنز ظبية فاحتلبها وشرب لبنها؟ قال: عليه دم وجزاء
في الحرم ثمن اللبن).
ومورد الرواية حلب الظبية ثم شرب لبنها، وعباراتهم في المقام
كما نقلناه خالية من ذكر الحلب مرتبة على مجرد الشرب، وهو
خروج عن موضع النص.
ورد الرواية في المدارك بضعف السند، لجهالة الراوي، وبأن من
جملة رجالها صالح بن عقبة، وقيل: إنه كان كذابا غاليا لا يلتفت
إليه. ثم قال: والمتجه اطراح هذه الرواية لضعفها، والاقتصار
على وجوب القيمة في الجميع، لأنه على هذا التقدير يكون من ما لا نص فيه

(1) التهذيب ج 5 ص 371 و 466، والفروع ج 4 ص 395، والوسائل
الباب 44 و 54 من كفارات الصيد
281

وفيه (أولا): ما عرفت آنفا. و (ثانيا): إن ضعفها بناء على هذا
الاصطلاح المحدث مجبور بعمل الأصحاب بها، فإنه لا راد لها في ما
أعلم. وهذه قاعدة كلية عندهم، وقد وافقهم عليها في غير موضع.
و (ثالثا): إن ما اختاره - من الاقتصار على وجوب القيمة بناء على
طرح الرواية - مبني على كون الأجزاء مضمونة كالجميع، وهو قد
ناقش فيه سابقا. و (رابعا): إن صالح بن عقبة مشترك بين صالح بن
عقبة بن خالد الأسدي، الذي ذكروا أن له كتابا يرويه عن محمد
ابن إسماعيل عن محمد بن أيوب عنه (عليه السلام) وبين صالح بن
عقبة بن قيس بن سمعان، وهذا هو الذي طعنوا عليه بما ذكره،
وهو في الرواية غير متعين للحمل عليه، بل ربما يبعد إرادته، لأنهم
ذكروا أنه روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) وروايته هنا عنه (عليه
السلام) بالواسطة، فهو إلى الحمل على الآخر أقرب.
وفي انسحاب الحكم إلى غير الظبية من بقرة الوحش ونحوها
وجهان، أظهرها العدم.
المقام الثاني في اليد، وفيه أيضا مسائل: الأولى -
لو أحرم ومعه
صيد، زال ملكه عنه، ووجب إرساله. وهو مقطوع به في كلام
الأصحاب، وأسنده في المنتهى إلى علمائنا، مؤذنا بدعوى الاجماع
عليه. ونقل عن ابن الجنيد أنه قال: ولا استحب أن يحرم وفي
يده صيد.
واستدل على المشهور بما رواه الشيخ عن أبي سعيد المكاري عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " لا يحرم أحد ومعه شئ

(1) التهذيب ج 5 ص 362، والوسائل الباب 34 من كفارات الصيد
282

من الصيد حتى يخرجه من ملكه، فإن أدخله الحرم وجب عليه
أن يخليه ".
وعن بكير بن أعين في الحسن (1) قال: " سألت أبا جعفر (عليه
السلام) عن رجل أصاب ظبيا فأدخله الحرم، فمات الظبي في الحرم.
فقال: إن كان حين أدخله خلى سبيله فلا شئ عليه، وإن كان
أمسكه حتى مات فعليه الفداء ".
وأنت خبير بأنه لا دلالة في شئ من هذين الخبرين على المدعى
بوجه، أما الأول فإن غاية ما يدل عليه أنه يجب اخراجه عن
ملكه، والمدعى خروجه عن ملكه بمجرد الاحرام، وأحدهما غير
الآخر. وأما الثاني فغاية ما يدل عليه وجوب الفداء بإمساكه بعد
إدخاله الحرم حتى مات.
وقد تقدم تحقيق الكلام في هذه المسألة بجميع شقوقها مستوفى في
آخر البحث الأول.
ثم إنهم قد صرحوا هنا بأنه لو لم يرسله ومات ضمنه، وظاهرهم
أنه لو مات بعد الاحرام ضمنه، والمستفاد من الأخبار أن الضمان
إنما هو بعد إدخاله الحرم وامساكه لا بعد الاحرام، لحسنة بكير
المذكورة هنا وغيرها من ما تقدم في البحث الأول.
قالوا: وينبغي تقييد وجوب الارسال بما إذا تمكن من إرساله،
أما لو لم يتمكن وتلف قبل إمكانه، فالظاهر أنه لا ضمان.
قالوا: ولو لم يرسله حتى أحل فلا شئ عليه سوى الإثم. وفي

(1) التهذيب ج 5 ص 362، والفروع ج 4 ص 238، والوسائل الباب
36 من كفارات الصيد
283

وجوب الارسال بعد الاحلال قولان.
ولو أدخله الحرم ثم أخرجه، قيل: وجب إعادته إليه، لأنه قد
صار من صيد الحرم.
ونوقش في تعميم هذا الحكم بالنسبة إلى ما عدا الطير، لاختصاص
الروايات المتضمنة لوجوب الإعادة بالطير.
المسألة الثانية لو اجتمع محرم ومحل أو محرمان على صيد، فأمسك
أحدهما وذبح الآخر، فههنا صور: أحدها - أن يكون الذابح
والممسك محرمين في الحل، ولا ريب في وجوب الفداء على الذابح
كما تقدمت الروايات به صريحة. وأما الممسك فلما سيأتي من
وجوب الفداء بالدلالة، فبالامساك الذي هو إعانة بطريق أولى.
وثانيها - أن يكون الذابح محرما في الحل والممسك محلا، والضمان على
المحرم خاصة، والمحل في الحل لا يلزمه شئ، لأنه لم يهتك حرمة
الاحرام ولا حرمة الحرم. وثالثها العكس، والضمان على الممسك
بالتقريب المتقدم. ورابعها - الصورة الأولى بعينها في الحرم، وفيه
تضاعف الفداء الذي هو عبارة عن المثل المنصوص في الآية (1) والأخبار
والقيمة على كل منهما. وخامسها - الصورة الثانية وكون ذلك في
الحرم، وفيه تضاعف الفدية على الذابح خاصة، والمحل ليس عليه إلا القيمة.
وسادسها الصورة الثالثة وكون ذلك في الحرم، والحكم فيها ظاهر
من سابقتها كما لا يخفى.
المسألة الثالثة إذا ذبح المحرم صيدا كان ميتة، ويحرم على
المحل، وقيل: لا يحرم عليه. وقد تقدم الكلام في ذلك في المسألة

(1) سورة المائدة، الآية 95
284

الخامسة من البحث الأول فليراجع.
المقام الثالث في التسبيب، وفيه مسائل: الأولى - من أغلق على
حمام من حمام الحرم وفراخ وبيض، ضمن بالاغلاق فإن زال السبب
وأرسلها سليمة سقط الضمان، ولو هلكت ضمن الحمامة بشاة، والفرخ
بحمل، والبيضة بدرهم، إن كان محرما، وإن كان محلا، ففي الحمامة
درهم، وفي الفرخ نصف درهم، وفي البيضة ربع درهم. وقيل:
يستقر الضمان بنفس الاغلاق.
والأول مذهب جمع من الأصحاب: منهم: الفاضلان والشهيد
في الدروس.
والثاني قول الشيخ (رحمه الله) وعليه يدل ظاهر الخبر الوارد
في المسألة، وهو ما رواه الشيخ عن يونس بن يعقوب (1) بسند لا يبعد
أن يكون موثقا، قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل
أغلق بابه على حمام من حمام الحرم، وفراخ، وبيض. فقال: إن
كان أغلق عليها قبل أن يحرم، فإن عليه لكل طير درهما، ولكل فرخ
نصف درهم، ولكل بيضة ربع درهم، وإن كان أغلق عليها بعد ما
أحرم، فإن عليه لكل طائر شاة، ولكل فرخ حملا، وإن لم يكن
تحرك فدرهم، وللبيض نصف درهم " وظاهر الرواية كما ترى
ظاهر في القول الثاني.
والأولون إنما نزلوها على ما إذا هلكت بالاغلاق، بناء على أنه
قبل التلف مخاطب بالاطلاق لا بالفداء ولا بالقيمة.
وفيه: أنه لا مانع من مخاطبته بالاطلاق مع ايجاب هذه الأشياء

(1) التهذيب ج 5 ص 350، والوسائل الباب 16 من كفارات الصيد
285

عليه لما فعله من حبسها وتعريضها للهلاك إذا اقتضاه النص ودل
عليه. ويؤيده أن حمام الحرم موجب للفداء والقيمة وإن كان
بالاغلاق، كما صرح به العلامة في المنتهى وغيره.
واحتمال حمل الاغلاق في الرواية على ما كان في غير الحرم بعيد
عن ظاهر الرواية، واقتضاء ثبوت القيمة على غير المحرم ثبوت القيمة
والفداء على المحرم، فكيف يوجب هنا الفدية خاصة في الحرم على المحرم؟
إلا أن يقال بوجوب الفداء خاصة على المحرم في الحرم في هذا النوع
من الاتلاف وإن وجب التضاعف في غيره. والظاهر بعده.
قيل: ويمكن تنزيل الرواية على ما إذا جهل حال الحمام وبيضه
وفرخه بعد الاغلاق. ويمنع مساواة فدائه لفداء الاتلاف، لانتفاء
الدليل عليه.
أقول: وفي هذه المسألة روايات أخر لم يتعرض لها الأصحاب:
منها ما رواه الشيخ في الصحيح عن إبراهيم بن عمر اليماني وسليمان
ابن خالد (1) قالا: " قلنا لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل أغلق
بابه على طائر؟ فقال: إن كان أغلق الباب بعد ما أحرم فعليه شاة
وإن كان أغلق الباب قبل أن يحرم فعليه ثمنه ".
والصدوق روى هذه الرواية عن سليمان بن خالد (2) إلا أن فيها
" أغلق بابه على طير فمات " وهي منطبقة على القول الأول ظاهرة فيه
وأما على رواية الشيخ فيصير سبيلها سبيل الرواية المتقدمة في الاشكال
والاحتمال.

(1) التهذيب ج 5 ص 350، والوسائل الباب 16 من كفارات الصيد
(2) الفقيه ج 2 ص 167، والوسائل الباب 16 من كفارات الصيد
286

وكيف كان فإنه يظهر لك ما في كلامه في المدارك، حيث قال
في آخر البحث: " إلا أن ذلك كله موقوف على صحة السند " فإن
فيه ما يشير إلى رد الرواية وما ذكر فيها من البحث من حيث ضعف
السند، وهذه الرواية كما ترى صحيحة السند برواية الشيخين
المذكورين. وهي وإن لم تتضمن إلا الحمام فقط، إلا أن الحكم في
فراخها وبيضها معلوم من حكمها.
ومنها ما رواه ثقة الاسلام والشيخ (رحمهما الله تعالى) عن
زياد أبي الحسن الواسطي عن أبي إبراهيم (عليه السلام) (1) قال:
" سألته عن قوم اقفلوا على طير من حمام الحرم الباب فمات. قال:
عليهم بقيمة كل طير درهم، يعلف به حمام الحرم ".
وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2): (في رجل أغلق باب بيت على طير من حمام الحرم
فمات. قال: يتصدق بدرهم، أو يطعم به حمام الحرم).
والخبران محمولان على من فعل ذلك محلا.
وربما يفهم من هذين الخبرين بانضمامهما إلى رواية الصدوق عن
سليمان بن خالد المتقدمة ما أشرنا إليه سابقا من اختصاص هذا
النوع من الاتلاف بهذا الحكم، ويحمل اطلاق رواية يونس بن يعقوب
وصحيحة سليمان بن خالد برواية الشيخ على ذلك. والاحتياط لا يخفى
الثانية - لو نفر حمام الحرم فشاة، فإن لم يرجع فعليه لكل واحدة

(1) الفروع ج 4 ص 234 و 235، والتهذيب ج 5 ص 350، والوسائل
الباب 16 من كفارات الصيد، والوافي باب (حكم صيد الحرم)
(2) الفقيه ج 2 ص 167، والوسائل الباب 16 من كفارات الصيد
287

شاة، نقله العلامة في المختلف عن الشيخين وعلي بن الحسين بن بابويه
وابن البرج وسلار وابن إدريس وابن حمزة، قال: وقال ابن الجنيد:
ومن نفر طيور الحرم كان عليه لكل طائر ربع قيمته. ثم قال:
والظاهر أن مقصوده بذلك إذا رجعت، إذ مع عدم الرجوع يكون
كالمتلف، فيجب عليه عن كل واحدة شاة. ثم نقل عن الشيخ (رحمه
الله) - حيث حكى كلام المفيد: إن من نفر حمام الحرم فعليه دم
شاة إذا رجعت، فإن لم ترجع فعليه لكل طائر شاة أنه قال: هذا
قد ذكره علي بن الحسين بن بابويه في رسالته، ولم أجد به حديثا مسندا
أقول: لا يخفى أن ما ذكره الشيخ علي بن الحسين بن بابويه هنا
إنما أخذه من كتاب الفقه الرضوي، وهو مستنده في هذا الحكم وغيره
من ما عرفت وستعرف إن شاء الله (تعالى) حيث قال (عليه السلام)
في الكتاب المذكور (1): " وإن نفرت حمام الحرم فرجعت فعليك في
كلها شاة، وإن لم ترها رجعت فعليك لكل طير دم شاة " والعلامة
لو نقل صورة عبارته لرأيت هذه العبارة بعينها، لكنه نقل القول
عنه مجملا.
والظاهر أن الشيخ المفيد ومن تبعه إنما تبعوا الشيخ المذكور في
ذلك، لما ذكره شيخنا الشهيد في الذكرى من أن المتقدمين إذا أعوزتهم
النصوص رجعوا إلى فتاوى علي بن الحسين بن بابويه (رضي الله عنهم جميعا).
والعجب من صاحب المدارك حيث خص ذلك القول بعد نقل
عبارة المحقق بالشيخ المفيد، ثم نقل كلام الشيخ في التهذيب الدال

(1) ص 29
288

على أنه لم يجد به حديثا مسندا، والقول بذلك كما نقله في المختلف
مشهور عن جماعة من المتقدمين كما عرفت.
ثم إن اطلاق التنفير في الخبر المذكور شامل لما لو لم يخرج من
الحرم، وقيده الشهيد في بعض تحقيقاته بما لو تجاوز الحرم. واطلاق
الخبر شامل لما لو كان المنفر محرما أو محلا.
واحتمل بعض الأصحاب وجوب الفداء والقيمة إذا كان محرما
في الحرم.
قال في المدارك: وهو بعيد جدا، أما مع العود فواضح، وأما
مع عدمه فلأن مثل ذلك لا يعد اتلافا.
قيل: ولو كان المنفر حمامة واحدة ففي وجوب الشاة مع العود
وعدمه وجهان، يبتنيان على أن الحمام اسم جنس أو جمع، فعلى الأول
يتعلق الحكم بالواحدة، دون الثاني. واستقرب العلامة في القواعد
وجماعة عدم وجوب الشاة في تنفير الواحدة مع العود، حذرا من
لزوم تساوي حالتي العود وعدمه، مع أن مقتضى أصل الحكم
الفرق بينهما.
قالوا: ولو كان المنفر جماعة ففي تعدد الفداء عليهم أو اشتراكهم
فيه خصوصا مع كون فعل كل واحد لا يوجب النفور - وجهان.
وكذا الوجهان في الحاق غير الحمام به.
قال في المدارك بعد ذكر جملة من هذه الفروع: والكلام في فروع
هذه المسألة قليل الفائدة، لعدم ثبوت مستند الحكم من أصله، كما
اعترف به الشيخ وغيره. والمطابق للقواعد عدم وجوب شئ مع العود،
ولزوم فدية التلف على الوجه المقرر في حكم الاحرام والحرم مع عدمه
289

إن نزلنا التنفير مع عدم العود منزلة الاتلاف، وإلا اتجه السقوط
مطلقا. انتهى.
أقول: فيه: إن المستند معلوم من ما ذكرنا، وإن خفي عليه وعلى
أمثاله من الأصحاب، كما أشرنا إليه في غير باب من الأبواب، إلا أن ما ذكروه من الفروع كما هي عادتهم في جميع المسائل المنصوصة
لا يخلو أكثره من الاشكال.
الثالثة - إذا رمى اثنان فأصاب أحدهما وأخطأ الآخر، وجب
الفداء على كل واحد منهما على المشهور، أما المصيب فلإصابته،
وأما المخطئ فلجرأته.
والأصل في ذلك صحيحة ضريس بن أعين (1) قال: " سألت
أبا جعفر (عليه السلام) عن رجلين محرمين، رميا صيدا فأصابه
أحدهما. قال: على كل واحد منهما الفداء ".
ورواية إدريس بن عبد الله (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن محرمين يرميان صيدا فأصابه أحدهما، الجزاء بينهما
أو على كل واحد منهما؟ قال: عليهما جميعا، يفدي كل واحد
منهما على حدته ".
وقال ابن إدريس: لا يجب على المخطئ شئ، إلا أن يدل،
فيجب للدلالة لا للرمي. والروايتان المذكورتان حجة عليه.
قيل: ولو تعدد الرماة ففي تعدي الحكم إلى الجميع أوجه، أوجهها
لزوم فداء واحد لجميع من أخطأ.

(1) التهذيب ج 5 ص 352، والوسائل الباب 20 من كفارات الصيد
(2) التهذيب ج 5 ص 351، والوسائل الباب 20 من كفارات الصيد
290

والأظهر عدم تعدي هذا الحكم إلى المحلين إذا رميا الصيد في الحرم
بالنسبة إلى القيمة، قصرا لما خالف الأصل على موضع النص والوفاق
الرابعة إذا أوقد جماعة محرمون نارا، فوقع فيها صيد، لزم
كل واحد منهم فداء، إذا قصدوا بذلك الاصطياد، وإلا فداء واحد
والأصل في ذلك ما رواه ثقة الاسلام في الصحيح عن أبي ولاد (1)
قال: " خرجنا ستة نفر من أصحابنا إلى مكة، فأوقدنا نارا عظيمة
في بعض المنازل، أردنا أن نطرح عليها لحما نكببه، وكنا محرمين،
فمر بها طائر صاف مثل حمامة أو شبهها، فاحترقت جناحاه فسقط في النار
فمات، فاغتممنا لذلك، فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) بمكة
فأخبرته وسألته، فقال: عليكم فداء واحد، دم شاة، تشتركون فيه
جميعا، لأن ذلك كان منكم على غير تعمد، ولو كان ذلك منكم تعمدا
ليقع فيها الصيد فوقع، ألزمت كل رجل منكم دم شاة. قال أبو ولاد:
وكان ذلك منا قبل أن ندخل الحرم).
ومورد الرواية الطير، وأن ذلك كان منهم بعد الاحرام وقبل
دخول الحرم. والمحقق في المعتبر عبر بالصيد وظاهره أنه أعم من
الطائر وغيره. ولا بأس به، لقوله (عليه السلام): (ليقع فيها
الصيد) وألحق جمع من الأصحاب بذلك المحل في الحرم بالنسبة إلى
لزوم القيمة، وصرحوا باجتماع الأمرين على المحرم في الحرم. قال
في المدارك: وهو جيد مع القصد بذلك إلى الاصطياد، أما بدونه فمشكل،
لانتفاء النص. وهو جيد.
وقيل: ولو اختلفوا في القصد وعدمه، بأن قصد بعض درن بعض،

(1) الفروع ج 4 ص 392، والتهذيب ج 5 ص 352، والوسائل الباب
19 من كفارات الصيد
291

اختص كل بحكمه، فيجب على كل من القاصدين فداء، وعلى جملة
الغير القاصدين فداء واحد. قيل: ولو كان غير القاصد واحدا فاشكال
ينشأ من مساواته للقاصد، مع أنه أخف منه حكما. واحتمل الشهيد
في الدروس مع اختلافهم في القصد أن يجب على من لم يقصد ما كان
يلزمه مع عدم قصد الجميع، فلو كانا اثنين مختلفين، فعلى القاصد
شاة، وعلى الآخر نصفها، لو كان الواقع كالحمامة. قال في المدارك:
وهو حسن.
وجميع هذه التفريعات لا تخلو من الاشكال.
الخامسة لا خلاف بين الأصحاب في أن من دل على صيد فقتل،
فإنه يضمنه.
وعلى ذلك تدل جملة من الأخبار: منها ما رواه ثقة الاسلام في
الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (لا نستحلن
شيئا من الصيد وأنت حرام، ولا وأنت حلال في الحرم، ولا تدلن
عليه محلا ولا محرما فيصطاده، ولا تشر إليه فيستحل من أجلك،
فإن فيه فداء لمن تعمده).
وروى في الكافي والتهذيب في الصحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (المحرم لا يدل على الصيد،
فإن دل عليه فقتل فعليه الفداء) ورواه الشيخ في موضع من التهذيب (3)
بغير لفظ: (قتل).

(1) الوسائل الباب 1 من تروك الاحرام، والباب 17 من كفارات الصيد
(2) الوسائل الباب 1 من تروك الاحرام، والباب 17 من كفارات الصيد
(3) ج 5 ص 315، وأورده أيضا ص 467
292

وظاهر الخبرين المذكورين أن الضمان إنما يترتب على الدلالة إذا
حصل الاتلاف، وهو الذي صرح به جمهور الأصحاب. وعن ابن
البراج اطلاق الحكم، قال في المختلف: وقال ابن البراج: من دل على
صيد فعليه الفداء. ولم يقيد بالقتل، فإن قصد الاطلاق فهو ممنوع.
لنا: إنه مع عدم القتل لم يحصل على الصيد جناية مباشرة ولا مسببة فلا
ضمان. احتج بما رواه منصور بن حازم عن الصادق (عليه السلام)..
ثم ساق الرواية بهذه الكيفية: (فإن دل فعليه الفداء) والجواب:
الرواية محمولة على ما قيدناه. انتهى.
أقول: لا حاجة إلى التقييد، فإن الرواية كما في الكافي والتهذيب
كما عرفت مشتملة على القتل، وسقوطه من هذه الرواية المذكورة
إنما حصل من قلم الشيخ (رحمه الله) كما لا يخفى على من أحاط خبرا
بما وقع له في التهذيب من السهو في المتون والأسانيد بما يضيق عن نشره
نطاق البيان.
وقد قطع الأصحاب أيضا بضمان المحل في الحرم بالدلالة، وبه
صرحت صحيحة الحلبي المذكورة.
أما المحل في الحل فالظاهر أنه لا يلزمه شئ، سواء كان المدلول
محرما أو محلا في الحرم، وإن أثم بذلك. ونقل عن العلامة في المنتهى
أنه احتمل الضمان على هذا التقدير أيضا.
قال في المدارك: واعلم أن صور المسألة ترتقي إلى اثنتين وثلاثين
صورة، لأن الدال والمدلول إما أن يكونا محلين أو محرمين أو بالتفريق
وعلى كل تقدير فإما أن يكونا في الحل أو في الحرم أو بالتفريق، فهذه
ست عشرة صورة، وعلى كل تقدير فإما أن يكون الصيد في الحل أو في
الحرم، وأحكامها تعلم من ما ذكرناه. انتهى.
293

السادسة قالوا: لو وقع الصيد في الشبكة فأراد تخليصه فهلك
أو عاب ضمنه. ولم أقف لهم في هذا الحكم على مستند. ولعل مستنده
هو الاجماع، كما يفهم من المنتهى على ما نقله عنه المحقق الأردبيلي
في شرح الإرشاد، حيث قال: وأما دليل ضمان المخلص وكفارته
لعله الاجماع المفهوم من المنتهى، حيث ما نقل الخلاف إلا عن
العامة (1) قال المصنف في المنتهى: لو خلص صيدا من سبع أو شبكة
أو أخذه ليخلص من رجله خيطا ونحوه، فتلف بذلك، كان عليه
الضمان.. إلى قوله: لنا: عموم الأدلة الواردة بوجوب الجزاء.
ثم قال: المحقق المذكور: الاجماع غير ظاهر، والعموم لا تظهر دلالته
والأصل دليل قوي، والظاهر أن فعله احسان ومشروع، ولا سبيل
على المحسنين (2) انتهى. وهو جيد، وبنحو ذلك صرح في المسالك.
وعلى منوالهما نسج السيد السند في المدارك فقال بعد نقل عبارة
المصنف الدالة على الضمان: هذا الحكم مشكل على اطلاقه، وينبغي
القطع بعدم الضمان مع انتفاء التعدي والتفريط، لأن تخليصه على
هذا الوجه مباح، بل احسان محض، وما على المحسنين من سبيل (3)
ومثله ما لو خلص الصيد من فم هرة أو سبع أو من شق جدار، أو
أخذه ليداويه ويتعهده، فمات في يده. انتهى.
وظاهر العلامة في التذكرة التوقف في ذلك. واستشكله في
القواعد أيضا.

(1) المغني ج 3 ص 452 طبع مطبعة العاصمة
(2) لقوله تعالى في سورة التوبة الآية 91: ما على المحسنين من سبيل
(3) سورة التوبة، الآية 91
294

وقيل في وجه الاشكال: إن منشأه، من تعارض العموم الدال على أن من أثبت يده على صيد ضمنه، ومن قوله (عز وجل): ما على
المحسنين من سبيل (1) والتخليص احسان محض.
قال المحقق الشيخ علي في الشرح: الضمان أحوط، وإن كان العدم
قويا، لعموم قوله (تعالى): ما على المحسنين من سبيل (2). ولا يعارض
بعموم الضمان باثبات اليد على الصيد، لأن الترجيح للأول بالأصل،
وبإذن الشارع بهذا الفعل. انتهى.
وبالجملة فالظاهر العدم حتى يقوم الدليل الصحيح الصريح.
السابعة قالوا: إذا أغرى كلبه بصيد فقتله ضمن، لأنه سبب
في اتلافه. وألحق العلامة (قدس سره) بالاغراء بالصيد حل المحرم
رباط الكلب عند معاينة الصيد، لأنه يصيد بطبعه عند المعاينة،
فيكون سببا في اتلافه. واستحسنه في المدارك. ولو أغراه عابثا من غير
معاينة صيد، واتفق خروج الصيد، ففي الضمان وعدمه تردد، ينشأ
من عدم قصد الصيد، ومن حصول التلف بسببه، وعدم تأثير الجهالة
في ذلك، لأن الصيد يضمن مع الجهل.
الثامنة قالوا: لو أمسك المحرم صيدا له طفل فمات الطفل ضمن
لأنه سبب في الاتلاف، وهو أقوى من الدلالة المقتضية للضمان
بالنص الصحيح المتقدم. وأما الصيد الممسك. فإن تلف بالامساك أيضا
ضمنه، وإلا فلا. وكذا يضمن الطفل المحل لو كان الامساك في الحل
والطفل في الحرم. أما الأم لو ماتت فلا، لأنه ليس محرما ولا جنايته في
الحرم. ولو انعكس الفرض بأن أمسك الأم محلا في الحرم والطفل في الحل،

(1) سورة التوبة، الآية 91
(2) سورة التوبة، الآية 91
295

ففي ضمان الطفل اشكال، ينشأ من كونه في الحل فلا يكون مضمونا
ومن كون الاتلاف بسبب صدر في الحرم، كما ورد في الرمي في الحرم
الصيد في الحل، من (أن الآفة جاءت من قبل الحرم) (1). وقوى شيخنا
الشهيد الثاني: الثاني.
التاسعة قالوا: إذا رمى المحرم صيدا فاضطرب، فقتل فرخا أو
صيدا آخر، كان عليه فداء الجميع، أما ضمان الصيد المرمي فواضح، وأما
ضمان الآخرين فلمكان السببية كالدلالة. ولا فرق في ذلك بين المحرم
في الحل والمحل في الحرم ومن جمع الوصفين، فيلحق كل واحد
ما يلزمه شرعا.
العاشرة قالوا: السائق يضمن ما تجنيه دابته، وكذا الراكب
إذا وقف بها، وإذا سار ضمن ما تجنيه بيديها. واطلاق ضمان السائق
والراكب في حال الوقوف ما تجنيه الدابة يشمل ما تجنيه بيديها أو
رجليها أو رأسها. ومقتضى تخصيص ضمان الراكب إذا كان سائرا بما
تجنيه بيديها يقتضي عدم ضمان ما تجنيه برأسها أو رجليها. وألحق
العلامة هنا الرأس باليدين، واقتصر على سقوط ضمان جناية الرجلين
خاصة. واستدل عليه بما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) (2)
(الرجل جبار) يعني: هدر. قال في المدارك: ولم أقف في هذا
التفصيل على رواية من طرق الأصحاب، إلا أن حكمها في مطلق
الجناية كذلك. انتهى.
أقول: والذي وقفت عليه من الأخبار من ما يتعلق بهذه المسألة

(1) ص 307
(2) سنن البيهقي ج 8 ص 343
296

ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي الصباح الكناني (1) قال: (قال
أبو عبد الله (عليه السلام): ما وطأته أو وطأه بعيرك أو دابتك وأنت
محرم فعليك فداؤه).
وهي كما ترى مطلقة في ضمان ما تطأه الدابة، من غير فرق
بين اليدين والرجلين، ولا حال الوقوف والسير.
وذكر العلامة في المنتهى: أن الدابة لو انقلبت فأتلفت صيدا لم
يضمنه، لانتفاء اليد والحال هذه. ولقول النبي (صلى الله عليه وآله) (2):
(العجماء جبار).
واحتمل في المدارك قويا عدم الضمان إذا أتلفت شيئا وهي سائبة
للرعي أو الاستراحة، للأصل. وانتفاء اليد. وعدم العموم في الخبرين
المتقدمين. وتردد فيه في الذخيرة، نظرا إلى عموم الروايتين السابقتين
بحسب ظاهر اللفظ. وتبادر الدابة التي ركب عليها. أقول:
لا يخفى ضعف الوجه الأول من وجهي التردد.
ومورد الرواية ضمان المحرم، أما المحل في الحرم فلم أقف على
ما يدل على حكمه، إلا أن الأصحاب قاطعون بأن ما يضمنه المحرم
يضمنه المحل في الحرم، ويتضاعف الجزاء عند الاجتماع.
البحث الرابع في صيد الحرم
وفيه مسائل: الأولى قد صرح الأصحاب (رضوان الله تعالى

(1) التهذيب ج 5 ص 355، والوسائل الباب 23 و 53 من كفارات
الصيد.
(2) الوسائل الباب 32 من موجبات الضمان من كتاب الديات
297

عليهم) بأنه يحرم من الصيد على المحل في الحرم ما يحرم على المحرم
في الحل، والظاهر أنه مجمع عليهم بينهم، كما حكاه في المنتهى.
ويدل عليه جمله من الروايات، ومنها ما رواه الكليني في الصحيح
عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (لا تستحلن شيئا
من الصيد وأنت حرام، ولا وأنت حلال في الحرم).
وقد تقدم في المسألة السادسة من البحث الأول جملة من الأخبار
الدالة على ذلك.
ويجوز للمحل في الحرم قتل القمل والبراغيث والبق والنمل، اجماعا
على ما نقله في المدارك.
ويدل عليه ما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن معاوية بن
عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) أنه قال: (لا بأس بقتل
النمل والبق في الحرم. وقال: لا بأس بقتل القملة في الحرم وغيره)
وفي التهذيب (3) بهذا الاسناد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
لا بأس بقتل القمل والبق في الحرم).
وما رواه في الفقيه (4) عن حنان بن سدير عن أبي جعفر (عليه

(1) الوسائل الباب 1 من تروك الاحرام، والباب 13 و 17 من
كفارات الصيد
(2) التهذيب ج 5 ص 366، والفقيه ج 2 ص 172، والوسائل الباب
84 من تروك الاحرام
(3) ج 1 ص 552 الطبع القديم و ج 5 ص 366 الطبع الحديث،
والوسائل الباب 84 من تروك الاحرام، والوافي باب (حكم صيد الحرم)
(4) ج 2 ص 231 و 232، والوسائل الباب 81 من تروك الاحرام
298

السلام) قال: (أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقتل
الفأرة في الحرم، والأفعى، والعقرب، والغراب الأبقع، يرميه فإن
أصبته فأبعده الله. وكان يسمى الفأرة: الفويسقة. وقال: إنها توهي
السقاء وتضرم البيت على أهله).
وما رواه الكليني عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: (لا بأس بقتل البرغوث والقملة والبقة في الحرم).
وحينئذ فمن قتل صيدا في الحرم كان عليه فداؤه محلا كان القاتل
أو محرما، إلا أن البحث هنا بالنسبة إلى المحل، والمراد بالفداء
بالنسبة إليه هو القيمة. وقد تقدم في جملة من الأخبار أن
الجناية من حيث الاحرام خاصة موجبة للجزاء والفدية، كل بحسبه،
كما تقدم في نوعي ما لكفارته بدل على الخصوص، وما لا بدل له على
الخصوص، من البحث الثاني، والجناية من حيث الحرم موجبة للقيمة
ومتى اجتمع السببان اجتمع الأمران المترتبان على كل منهما.
ومن الأخبار الواردة في المقام حسنة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: (إن أصبت الصيد وأنت حرام في الحرم
فالفداء مضاعف عليك، وإن أصبته وأنت حلال في الحرم فقيمة واحدة
وإن أصبته وأنت حرام في الحل فإنما عليك فداء واحد).
وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) أنه قال: (فإن
قتلها يعني: الحمامة في الحرم وليس بمحرم فعليه ثمنها).

(1) الفروع ج 4 ص 364، والوسائل الباب 79 و 84 من تروك الاحرام
(2) الفروع ج 4 ص 395، والوسائل الباب 44 من كفارات الصيد
(3) الفروع ج 4 ص 395، والوسائل الباب 44 من كفارات الصيد
299

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: (إذا
أصاب المحرم في الحرم حمامة إلى أن يبلغ الظبي، فعليه دم يهريقه،
ويتصدق بمثل ثمنه، فإن أصاب منه وهو حلال، فعليه أن يتصدق
بمثل ثمنه).
والأخبار بذلك كثيرة جدا، وقد تقدمت في تضاعيف الأبحاث
المتقدمة.
وحكى العلامة في المختلف عن الشيخ قولا بأن من ذبح الصيد في
الحرم وهو محل كان عليه دم. وهو شاذ مردود بالأخبار.
ولو اشترك في قتل الصيد في الحرم جماعة من المحلين، قيل: على
كل واحد منهم قيمة الصيد. وتردد فيه المحقق.
وذكر في المسالك: أن منشأ التردد، من أن المقتول واحد فيجب
له فداء واحد على الجميع، وأصالة البراءة من الزائد، خرج منها
قتل الجماعة المحرمين للصيد، فتبقى معمولا بها في ما عداها، ومن
اشتراك المحلين والمحرمين في العلة، وهي الاقدام على قتل الصيد،
خصوصا إذا كان فعل كل واحد ملفا. وهذا هو الأقوى. انتهى.
واعترضه سبطه السيد السند في المدارك بأنه لا يخفى ضعف الوجه
الثاني من وجهي التردد، فإنه لا يخرج عن القياس. وهو جيد. ثم
نقل عن الشيخ (رحمه الله تعالى) أنه قوى لزوم الجميع جزاء واحد،
لأصالة البراءة من الزائد. ثم قال: وهو متجه. انتهى. وهو كذلك
الثانية اختلف الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) في
حكم رمي الصيد في الحل وهو يؤم الحرم، فقيل بالتحريم، ذهب إليه

(1) الفقيه ج 2 ص 167، والوسائل الباب 11 و 44 من كفارات الصيد
300

الشيخ وجمع من الأصحاب، وقيل بالكراهة، واختاره ابن إدريس
وأكثر المتأخرين.
أقول: والذي وقفت عليه من الأخبار هنا ما رواه الشيخ
عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: (كان يكره أن يرمي الصيد وهو يؤم الحرم).
وما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الرحمان بن الحجاج (2)
قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل رمى صيدا في
الحل وهو يؤم الحرم في ما بين البريد والمسجد، فأصابه في الحل، فمضى
برميته حتى دخل الحرم، فمات من رميته، هل عليه جزاء؟ فقال:
ليس عليه جزاء، إنما مثل ذلك مثل من نصب شركا في الحل إلى
جانب الحرم، فوقع فيه صيد، فاضطرب حتى دخل الحرم فمات،
فليس عليه جزاؤه، لأنه نصب حيث نصب وهو له حلال، ورمى حيث
رمى وهو له حلال، فليس عليه في ما كان بعد ذلك شئ. فقلت:
هذا القياس عند الناس. فقال: إنما شبهت لك الشئ بالشئ
لتعرفه) ونحوه روى في التهذيب (3) باختلاف ما في الألفاظ.
ورواه في الكافي عنه أيضا في الصحيح (4) قال: (سألت أبا الحسن
(عليه السلام) عن رجل رمى صيدا في الحل، فمضى برميته حتى
دخل الحرم فمات، أعليه جزاؤه؟ قال: لا ليس عليه جزاؤه، لأنه

(1) التهذيب ج 5 ص 359، والوسائل الباب 29 من كفارات الصيد
(2) الفقيه ج 2 ص 168 و 169، والوسائل الباب 30 من كفارات الصيد
(3) ج 5 ص 360، والوسائل الباب 30 من كفارات الصيد
(4) الفروع ج 4 ص 234، والوسائل الباب 30 من كفارات الصيد
301

رمى حيث رمى وهو له حلال، إنما مثل ذلك مثل رجل نصب شركا
في الحل إلى جانب الحرم، فوقع فيه صيد فاضطرب الصيد حتى دخل
الحرم، فليس عليه جزاؤه، لأنه كان بعد ذلك شئ. فقلت: هذا
القياس عند الناس. فقال: إنما شبهت لك شيئا بشئ).
أقول: وبهذه الروايات أخذ من ذهب إلى الجواز على كراهية.
ومنها ما رواه ثقة الاسلام والشيخ عن عقبة بن خالد عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (سألته عن رجل قضى حجه
ثم أقبل حتى إذا خرج من الحرم، استقبله صيد قريبا من الحرم،
والصيد متوجه نحو الحرم، فرماه فقتله، ما عليه في ذلك؟ قال:
يفديه على نحوه).
وما رواه في الكافي في الحسن عن مسمع عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) قال: (سألته عن رجل رمى صيدا خارجا من الحرم
في الحل، فتحامل الصيد حتى دخل الحرم. فقال: لحمه حرام
مثل الميتة).
والمشهور بين المتأخرين كما عرفت هو الجمع بين هذه الأخبار
بالكراهة، سيما مع تصريح مرسلة ابن أبي عمير بذلك.
وفيه (أولا): ما عرفت في غير موضع من ما تقدم أنه لا مستند
لهذا الجمع، وإن اشتهر العمل عليه بينهم، للوجوه المتقدمة.

(1) الفروع ج 4 ص 397، والتهذيب ج 5 ص 360، والوسائل الباب
30 من كفارات الصيد
(2) الفروع ج 4 ص 235، والتهذيب ج 5 ص 359 و 360، والوسائل
الباب 29 من كفارات الصيد
302

(وثانيا): إن استعمال الكراهة في الأخبار بمعنى التحريم أكثر
كثير. ولهذا استدل الشيخ بهذه الرواية مع رواية علي بن عقبة (1)
على التحريم.
والذي يقرب عندي في الجمع بينها أحد وجهين: أما حمل
صحيحتي عبد الرحمان بن الحجاج على أن الصيد حال رميه لا يؤم الحرم
أما رواية الكافي فهي مطلقة قابلة للحمل على ما ذكرنا، وأما
رواية الصدوق فبأن يجعل قوله: (وهو يؤم الحرم) حالا من (رجل)
وبه يجمع بينها وبين رواية عقبة بن خالد الصريحة في كون الصيد
متوجها نحو الحرم وأما حمل صحيحتي عبد الرحمان على التقية،
فإن العلامة في المنتهى والتذكرة قد نقل عن بعض الجمهور: أنه لو
رمى صيدا في الحل فجرحه، فتحامل الصيد فدخل الحرم فمات به،
فإنه يحل أكله ولا جزاء فيه، لأن الذكاة حصلت في الحل، فأشبه
ما إذا جرح صيدا وهو محل، ثم أحرم فمات الصيد بعد احرامه (2).
ثم رده
والشيخ قد أجاب عن روايتي عبد الرحمان بن الحجاج بالحمل على
نفي الإثم والعقاب. وبعده ظاهر، لأن روايتي الصدوق والكليني
مصرحتان بأنه ليس عليه جزاء.
وبالجملة فالمسألة غير خالية من شوب الاشكال.
ثم إنه من ما يتفرع على القولين المذكورين ضمانه لو مات في
الحرم وعدمه، فإن قلنا بجواز الرمي كما هو مدلول صحيحتي
عبد الرحمان بن الحجاج فلا ضمان كما صرحتا به، وإن قلنا

(1) ص 302 رقم (1)
(2) المغني ج 3 ص 314 طبع مطبعة العاصمة
303

بالتحريم كما هو مدلول رواية عقبة بن خالد وجب الفداء كما
صرحت به أيضا.
والمشهور أنه يحرم لحمه، وبه صرح الشيخ وغيره. وذكر الشهيد
الثاني أنه ميتة على القولين. والظاهر بعده على تقدير القول بالجواز
وظاهر الصحيحتين المذكورتين حل الصيد المذكور، كما هو قضية
التنظير بالشبك المنصوب إلى جانب الحرم. وعلى هذا فتكون حسنة
مسمع من حيث التصريح فيها بكون لحم الصيد المذكور حراما مثل
الميتة مؤيدة للقول بالتحريم.
الثالثة اختلف الأصحاب في حكم الاصطياد بين البريد والحرم،
يعني: الاصطياد بين منتهى البريد وطرف الحرم، والمشهور الإباحة،
للأصل، ولأن المانع من الاصطياد إما الحرم أو الاحرام، وهما مفقودان
فتثبت الإباحة.
وقال الشيخ المفيد في المقنعة: وكل من قتل صيدا وهو محل في ما
بينه وبين الحرم على مقدار بريد لزمه الفداء. وهو ظاهر في القول
بالتحريم.
واستدل له الشيخ في التهذيب بما رواه في الصحيح عن الحلبي
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (إذا كنت محلا في الحل،
فقلت صيدا في ما بينك وبين البريد إلى الحرم، فإن عليك جزاءه،
فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه تصدقت بصدقة).
وأجاب عنها المتأخرون بالحمل على الاستحباب. وفيه: أن تأويلها

(1) التهذيب ج 5 ص 361، والفروع ج 4 ص 232، والوسائل الباب
32 من كفارات الصيد
304

مع عدم المعارض مشكل. ومجرد ما ادعوه من أن المانع من الاصطياد
إما الحرم أو الاحرام لا ينافي زيادة فرد آخر إذا دل عليه الدليل
مع أنه ليس في شئ من تلك الأخبار الدالة ما يدل على الحصر حتى
يكون منافيا لهذا الخبر.
ومثل هذه الرواية أيضا ما رواه الشيخ عن عبد الغفار الجازي
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) في حديث قال: (وذكر: أنك إذا
كنت حلالا وقتلت صيدا ما بين البريد والحرم فإن عليك جزاءه، فإن
فقأت عينه أو كسرت قرنه أو جرحته تصدقت بصدقة).
وأما صحيحتا عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمتان، فهما وإن دلتا
على الجواز كما تقدم، إلا أن الأظهر فيهما هو الحمل على التقية،
كما قدمنا ذكره، لمعارضتهما بالروايتين المتقدمتين مع هاتين الروايتين.
الرابعة لو ربط صيدا في الحل فدخل الحرم حرم اخراجه، لأنه
صار بدخوله من صيد الحرم.
ويدل عليه عموم ما دل على تحريم صيد الحرم من الأخبار المستفيضة
المتقدم كثير منها.
وخصوص ما رواه الشيخ عن عبد الأعلى بن أعين (2) قال: (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أصاب صيدا في الحل فربطه إلى
جانب الحرم، فمشى الصيد برباطه حتى دخل الحرم والرباط في عنقه،
فاجتره الرجل بحبله حتى أخرجه من الحرم، والرجل في الحل. فقال: ثمنه

(1) التهذيب ج 5 ص 467، والوسائل الباب 32 من كفارات الصيد
(2) الفروع ج 4 ص 238، والتهذيب ج 5 ص 361، والوسائل الباب
15 من كفارات الصيد
305

ولحمه حرام مثل الميتة).
الخامسة قالوا: ويضمن لو كان في الحل فرمى صيدا في الحرم
فقتله.
واستدلوا على ذلك بعد الاجماع المدعى في المسألة بصحيحة عبد الله
ابن سنان عن الصادق (عليه السلام) (1) وفيها: (وما دخل في الحرم
من الوحش والطير كان آمنا من أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم)
وأنت خبير بأنها لا دلالة فيها بوجه، إذ غاية ما تدل عليه هو
تحريم رميه، لا وجوب الضمان، وأحدهما غير الآخر، والأخبار
الدالة على التحريم كثيرة، وقد تقدم كثير منها في البحث الأول، والكلام
إنما هو في وجوب الفداء.
قالوا: وفي معنى إرسال السهم إرسال الكلب ونحوه، لكن يشترط
في ضمان مقتول الكلب ونحوه أن يكون مرسلا إليه، فلو أرسل إلى
صيد في الحل فدخل الكلب بنفسه إلى الحرم فقتل صيدا غيره فلا ضمان
كما لو استرسل من نفسه من غير أن يرسله صاحبه.
ولو أرسله على صيد في الحل، فدخل الصيد الحرم، فتبعه الكلب
فقتله في الحرم، فقد استقرب العلامة في المنتهى الضمان، لأنه قتل
صيدا حرميا بارسال كلبه عليه، فكان عليه ضمانه. ويحتمل العدم،
للأصل، وعدم ثبوت كلية الكبرى.
وكذا يضمن لو كان في الحرم فرمى صيدا في الحل فقتله، ويدل

(1) الفروع ج 4 ص 226، والفقيه ج 2 ص 163 و 164، والتهذيب
ج 5 ص 449، والوسائل الباب 88 من تروك الاحرام، والباب 13 من
كفارات الصيد، والباب 13 من مقدمات الطواف.
306

عليه مضافا إلى الاتفاق أيضا على الحكم المذكور ما رواه الشيخ
في الحسن عن مسمع عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1): (في رجل
حل في الحرم رمى صيدا خارجا من الحرم فقتله. فقال: عليه الجزاء
لأن الآفة جاءته من قبل الحرم).
قالوا: ولو كان بعض الصيد في الحل وبعضه في الحرم فأصاب
منه ما هو في الحل أو الحرم فقتله، فإنه يضمنه. وعلله في المنتهى
بتغليب جانب الحرم. قال في المدارك: وربما كان في صحيحة
ابن سنان المتقدمة دلالة عليه. أقول: قد عرفت أن صحيحة ابن سنان
لا دلالة فيها على الضمان بوجه، وإنما دلت على تحريم أن يهاج أو
يؤذى، وتحريم القتل لا يستلزم الضمان، كما لا يخفى.
وكذا يضمن لو قتل الصيد وهو على فرع شجرة في الحل وأصل
الشجرة في الحرم.
لما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم
السلام) (2): (أنه سئل عن شجرة أصلها في الحرم وأغصانها
في الحل، على غصن منها طير رماه رجل فصرعه. قال: عليه جزاؤه
إذا كان أصلها في الحرم).
ويشهد لهذه الرواية وإن لم يدل صريحا على أصل المسألة
ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (3) قال: (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحل

(1) التهذيب ج 5 ص 362، والفروع ج 4 ص 235، والوسائل
الباب 33 من كفارات الصيد
(2) التهذيب ج 5 ص 386، والوسائل الباب 90 من تروك الاحرام
(3) التهذيب ج 5 ص 379، والوسائل الباب 90 من تروك الاحرام
307

فقال: حرم فرعها لمكان أصلها. قال: قلت: فإن أصلها في الحل
وفرعها في الحرم؟ فقال: حرم أصلها لمكان فرعها) ورواه الكليني
والصدوق في الصحيح نحوا منه (1).
ويمكن أن يستنبط من هذه الرواية صحة ما ذكره العلامة في
مسألة الصيد الذي بعضه في الحل وبعضه في الحرم من حكمه بالضمان
تغليبا لجانب الحرم.
السادسة من دخل بصيد إلى الحرم وجب عليه إرساله، فلو
آخره فتلف وجب عليه فداؤه، وكذا لو أخرجه معه فتلف.
وقد تقدم من الأخبار ما يدل على ذلك، ومنها صحيحة بكير
ابن أعين (2) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل
أصاب ظبيا فأدخله الحرم، فمات الظبي في الحرم. فقال: إن كان
حين أدخله خلى سبيله فلا شئ عليه، وإن كان أمسكه حتى مات فعليه
الفداء ".
وما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (3) قال: (سألته عن رجل أهدى له حمام أهلي
جئ به وهو في الحرم. فقال: إن هو أصاب منه شيئا فليتصدق

(1) الفروع ج 4 ص 231، والفقيه ج 2 ص 165، والوسائل الباب
90 من تروك الاحرام
(2) الفروع ج 4 ص 238 عن أحدهما (ع)، والتهذيب ج 5 ص 362
والوسائل الباب 36 من كفارات الصيد عن أبي جعفر (ع).
(3) الفروع ج 4 ص 232، والوسائل الباب 12 من كفارات الصيد.
والوافي باب (حكم صيد الحرم)
308

بثمنه نحوا من ما كان يسوى في القيمة).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1)
: (أنه سئل عن الصيد يصاد في الحل ثم يجاء به إلى
الحرم وهو حي. فقال: إذا أدخله إلى الحرم فقد حرم عليه أكله وامساكه
فلا تشترين في الحرم إلا مذبوحا ذبح في الحل ثم جيئ به إلى الحرم
مذبوحا، فلا بأس به للحلال).
وما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمار قال: (قال الحكم بن
عتيبة: سألت أبا جعفر (عليه السلام) ما تقول في رجل أهدى له حمام
أهلي وهو في الحرم من غير الحرم؟ فقال: أما إن كان مستويا خليت سبيله
وإن كان غير ذلك أحسنت إليه حتى إذا استوى ريشه خليت سبيله).
وما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن حفص بن البختري (3)
(في من أصاب طيرا في الحرم، فقال: إن كان مستوى الجناح فليخل عنه،
وإن كان غير مستو نتفه وأطعمه وأسقاه فإذا استوى جناحاه خلى عنه)
وما رواه في الكافي عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (4)
قال: (سألته عن رجل خرج بطير من مكة إلى الكوفة. قال:
يرده إلى مكة).
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

(1) التهذيب ج 5 ص 376، والفروع ج 4 ص 233، والوسائل الباب
5 من تروك الاحرام، والباب 14 من كفارات الصيد
(2) التهذيب ج 5 ص 348، والوسائل الباب 12 من كفارات الصيد.
(3) الفقيه ج 2 ص 167، والوسائل الباب 12 من كفارات الصيد
(4) الفروع ج 4 ص 234، والوسائل الباب 14 من كفارات الصيد
309

ولو كان الطائر مقصوصا وجب حفظه واطعامه حتى يكمل ثم يرسله.
ويدل على ذلك ما تقدم هنا من صحيحة حفص، وصحيحة معاوية بن
عمار، وما رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه (1) في الصحيح عن
زرارة (أن الحكم سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل أهدى
له حمامة في الحرم مقصوصة. فقال أبو جعفر (عليه السلام): انتفها
وأحسن إليها واعلفها حتى إذا استوى ريشها فخل سبيلها).
وما رواه في الكافي عن مثنى (2) قال: (خرجنا إلى مكة فاصطاد
النساء قمرية من قماري (امج) حيث بلغنا البريد، فنتف النساء جناحيها
ثم دخلوا بها مكة، فدخل أبو بصير على أبي عبد الله (عليه السلام)
فأخبره، فقال: تنظرون امرأة لا بأس بها فتعطونها الطير تعلفه
وتمسكه، حتى استوى جناحاه خلته) أقول: الامج موضع بين مكة
والمدينة.
وما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله تعالى مراقدهم) عن كرب
الصيرفي (3) قال: (كنا جماعة فاشترينا طائرا، فقصصناه ودخلنا به مكة
فعاب ذلك علينا أهل مكة، فأرسل كرب إلى أبي عبد الله (عليه السلام)
فسأله، فقال: استودعوه رجلا من أهل مكة مسلما أو امرأة مسلمة

(1) ج 2 ص 168، والفروع ج 4 ص 233، والوسائل الباب 12 من
كفارات الصيد
(2) الفروع ج 4 ص 237، والوسائل الباب 12 من كفارات الصيد،
والوافي باب (حكم صيد الحرم)
(3) الفروع ج 4 ص 233، والفقيه ج 2 ص 169، والتهذيب ج 5
ص 348، والوسائل الباب 12 من كفارات الصيد
310

فإذا استوى ريشه خلوا سبيله).
ويستفاد من هذه الأخبار وجوب اطعامه وحفظه على من هو في يده
حتى يكمل ريشه فيرسله، إن كان جالسا في مكة، فلو أرسله قبل ذلك ضمنه
مع تلفه، وإلا أودعه ممن يعتمد عليه، كما يشير إليه قوله في رواية مثنى:
(امرأة لا بأس بها) وفي رواية كرب: (رجلا مسلما أو امرأة مسلمة)
السابعة هل يجوز للمحل في الحل صيد حمام الحرم؟ قولان
للشيخ.
والأظهر العدم، لصحيحة علي بن جعفر (1) قال: (سألت أخي
موسى (عليه السلام) عن حمام الحرم يصاد في الحل. فقال: لا يصاد
حمام الحرم حيث كان إذا علم أنه من حمام الحرم).
الثامنة قد صرح الأصحاب من غير خلاف يعرف بأن من أخرج
صيدا من الحرم وجب عليه إعادته، ولو تلف قبل ذلك ضمنه.
واطلاق كلامهم شامل لما لو كان الصيد أصله من الحرم، أو أدخل
إليه من خارجه.
وعلى ذلك تدل جملة من الأخبار: منها ما تقدم من رواية
زرارة في الطير الذي خرج به من مكة إلى الكوفة، أن يرده إلى مكة.
وروى هذا الخبر أيضا الصدوق في من لا يحضره الفقيه (2) في الصحيح
عن زرارة.
وما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر (3) قال: (سألت

(1) التهذيب ج 5 ص 348، والوسائل الباب 13 من كفارات الصيد
(2) ج 2 ص 171، والوسائل الباب 14 من كفارات الصيد
(3) التهذيب ج 5 ص 349، والوسائل الباب 14 من كفارات الصيد
311

أخي موسى (عليه السلام) عن رجل أخرج حمامة من حمام الحرم
إلى الكوفة أو غيرها. قال: عليه أن يردها، فإن ماتت فعليه ثمنها
يتصدق به).
وروى معلقا عن علي بن جعفر عن موسى بن جعفر (عليهما
السلام) (1) قال: (سألته عن رجل خرج بطير من مكة حتى
ورد به الكوفة، كيف يصنع؟ قال: يرده إلى مكة، فإن مات
تصدق بثمنه).
ومورد هذه الأخبار إنما هو الطير في بعض والحمامة في آخر،
إلا أن الأصحاب قاطعون بتساوي أنواع الصيد في هذا الحكم.
التاسعة من نتف ريشة من حمام الحرم تصدق باليد الجانية.
وهو مقطوع به في كلام الأصحاب.
واستدل عليه العلامة في المنتهى بما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله
ابن مسكان عن إبراهيم بن ميمون (2) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام): رجل نتف ريشة حمامة من حمام الحرم. قال يتصدق
بصدقة على مسكين، ويطعم باليد التي نتفها، فإنه قد أوجعها).
ومورد الرواية نتف الريشة الواحدة، فلو نتف أكثر احتمل
الأرش كغيره من الجنايات، وتعدد الفدية بتعدده. واستوجه العلامة
في المنتهى تكرر الفدية إن كان النتف متفرقا، والأرش إن كان دفعة
وقيل: أنه يشكل الأرش، حيث لا يوجب ذلك نقصا أصلا.

(1) التهذيب ج 5 ص 464، والوسائل الباب 14 من كفارات الصيد.
(2) التهذيب ج 5 ص 348، والوسائل الباب 12 من كفارات الصيد
312

إلا أن هذه الرواية قد رواها في الكافي وكذا في الفقيه (1) هكذا:
(نتف حمامة من حمام الحرم) وليس فيها لفظ (ريشة) والظاهر
تقديمهما على الشيخ في ضبط الأخبار، لما أسلفناه في غير موضع
من الإشارة إلى ما وقع من الشيخ (رحمه الله) في أخبار التهذيب
من التحريف والتغيير في المتون والأسانيد. وحينئذ فيهون الاشكال،
لأنه يتناول نتف الريشة فما فوقها.
بقي الكلام في أنه لو نتف غير الحمامة أو غير الريش، وفيه
اشكال. وقيل هنا يجب الأرش. وهو محتمل إذا اقتضى ذلك
نقص القيمة.
قالوا: ولو حدث بنتف الريشة أو أزيد عيب في الحمامة ضمن
أرشه مع الصدقة. ولا يجب تسليم الأرش باليد الجانية. ولا تسقط
الفدية بنبات الريش.
العاشرة لا خلاف بين الأصحاب في أنه لو ذبح المحل صيدا في
الحرم كان ميتة.
وأما لو ذبحه في الحل وأدخله الحرم فلا خلاف
أيضا في حله للمحل وتحريمه على المحرم.
ويدل على الحكم الأول صحيحة شهاب بن عبد ربه (2) قال:
(قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني أتسحر بفراخ أوتى بها من
غير مكة، فتذبح في الحرم فأتسحر بها. فقال: بئس السحور سحورك،
أما علمت أن ما دخلت به الحرم حيا فقد حرم عليك ذبحه وامساكه).

(1) الفروع ج 4 ص 235، 236 والفقيه ج 2 ص 169، والوسائل
الباب 13 من كفارات الصيد.
(2) الفقيه ج 2 ص 170، والوسائل الباب 12 من كفارات الصيد
313

وما رواه في الكافي ومن لا يحضره الفقيه عن مثنى بن عبد السلام
عن محمد بن أبي الحكم (1) قال: (قلت لغلام لنا: هئ لنا غداء،
فأخذ أطيارا من الحرم فذبحها وطبخها، فأخبرت أبا عبد الله (عليه
السلام) فقال ادفنها وافد كل طير منها).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (2) قال: (سئل أبو عبد الله
(عليه السلام) عن صيد رمي في الحل ثم أدخل الحرم وهو حي.
فقال: إذا أدخله الحرم وهو حي فقد حرم لحمه وامساكه. وقال:
لا تشتره في الحرم إلا مذبوحا قد ذبح في الحل ثم أدخل الحرم،
فلا بأس به).
ويدل على الحكم الثاني صحيحة الحلبي المذكورة، وفي صحيحة أخرى
له مثله (3) بزيادة قوله: (فلا بأس للحلال) وفيه إشارة إلى
الحكم الثالث.
وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن أبي يعفور (4) قال: (قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): الصيد يصاد في الحل ويذبح في الحل،
ويدخل الحرم ويؤكل؟ قال: نعم لا بأس به).

(1) الفروع ج 4 ص 233، والفقيه ج 2 ص 171، والوسائل الباب
55 من كفارات الصيد
(2) التهذيب ج 5 ص 376، والوسائل الباب 5 من تروك الاحرام،
والباب 14 من كفارات الصيد
(3) الفروع ج 4 ص 233، والوسائل الباب 5 من تروك الاحرام،
والباب 14 من كفارات الصيد
(4) التهذيب ج 5 ص 377، والوسائل الباب 5 من تروك الاحرام.
314

وأما الحكم الثالث فالدليل فيه ظاهر مكشوف من ما تقدم من
الأخبار في أثناء المباحث المتقدمة.
ومنها ما رواه الشيخ في التهذيب (1) عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (واجتنب في احرامك صيد البر
كله، ولا تأكل من ما صاده غيرك، ولا تشر إليه فيصيده).
ومن ما يدل على الأحكام الثلاثة صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2): (في حمام ذبح في الحل، قال:
لا يأكله محرم، وإذا أدخل مكة أكله المحل بمكة، وإذا أدخل الحرم
حيا ثم ذبح في الحرم فلا يأكله، لأنه ذبح بعد ما بلغ مأمنه).
الحادية عشرة - المشهور بين الأصحاب أنه لا يملك الصيد في الحرم
لمحل ولا محرم. وقيل: يدخل في الملك وإن وجب عليه إرساله إذا
كان معه دون ما إذا كان نائيا عنه. وقد تقدم تحقيق القول في ذلك
في المسألة الثانية عشرة من البحث الأول.
البحث الخامس في اللواحق
وفيه أيضا مسائل: الأولى قد صرح الأصحاب بأن كل ما يلزم
المحرم في الحل من كفارة الصيد والمحل في الحرم، فإنه يجتمع على
المحرم في الحرم حتى ينتهي إلى البدنة فلا يتضاعف، وقد قدمنا تحقيق
البحث في هذه المسألة مستوفى في مسألة كفارة الحمام في البحث الثاني.
الثانية الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله تعالى

(1) ج 5 ص 300، والوسائل الباب 1 من تروك الاحرام
(2) التهذيب ج 5 ص 376، والوسائل الباب 5 من تروك الاحرام
315

عليهم) في تكرر الكفارة بتكرر الصيد سهوا.
ويدل عليه أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن أبي عمير
عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (إذا
أصاب المحرم الصيد خطأ فعليه كفارة، فإن أصابه ثانية خطأ فعليه الكفارة
أبدا إذا كان حطأ، فإن أصابه متعمدا كان عليه الكفارة، فإن أصابه ثانية
متعمدا فهو ممن ينتقم الله منه (2) ولم يكن عليه الكفارة).
وإنما الخلاف في ما لو تكرر عمدا عالما فذهب جمع: منهم:
الشيخ في المبسوط والخلاف، وابن الجنيد، وابن إدريس إلى التكرار
قال ابن إدريس: وهو ظاهر المرتضى. ونقل في المختلف عن أبي الصلاح
أنه قال: تكرر القتل يوجب تكرر الكفارة. وأطلق.
وعن الشيخ علي بن بابويه أنه قال: وكل شئ أتيته في الحرم
بجهالة وأنت محل أو محرم، أو أتيته في الحل وأنت محرم، فليس
عليك شئ إلا الصيد، فإن عليك فداءه، فإن تعمدته كان عليك
فداؤه وإثمه.
وذهب ابن بابويه والشيخ في النهاية، وابن البراج إلى العدم
وهو الأظهر، لظاهر قوله (عز وجل): ومن عاد فينتقم الله
منه (3) والتقريب فيها أنه (عز وجل) جعل جزاء العود الانتقام بعد
إن جعل جزاء الابتداء الفدية، وقضية المقابلة اختصاص كل من
الأمرين بموضعه.

(1) التهذيب ج 5 ص 372 و 373، والوسائل الباب 48 من كفارات
الصيد
(2) سورة المائدة، الآية 95
(3) سورة المائدة، الآية 95
316

ومن الأخبار ما تقدم في مرسلة ابن أبي عمير، وما رواه الشيخ
في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
(المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه، ويتصدق بالصيد على مسكين،
فإن عاد فقتل صيدا آخر لم يكن عليه جزاء، وينتقم الله (تعالى)
منه، والنقمة في الآخرة).
وفي الصحيح أو الحسن عن الحلبي (2): (في محرم أصاب صيدا،
قال: عليه الكفارة. قلت: فإن أصاب آخر؟ قال: إذا أصاب
آخر فليس عليه كفارة، وهو ممن قال الله (عز وجل): ومن عاد
فينتقم الله منه) (3).
قال في الكافي (4): قال ابن أبي عمير عن بعض أصحابه: (إذا
أصاب المحرم..) ثم نقل مضمون الرواية المتقدمة.
وما رواه الشيخ عن حفص الأعور عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5)
قال: (إذا أصاب المحرم الصيد فقولوا له: هل أصبت صيدا قبل هذا
وأنت محرم؟ فإن قال: نعم فقولوا له: إن الله منتقم منك، فاحذر
النقمة. فإن قال: لا. فاحكموا عليه جزاء ذلك الصيد).
احتج الأولون بعموم الآية، فإن قوله (عز وجل): (ومن قتله
منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم) (6) يتناول المبتدئ والعائد.
وما رواه الكليني عن معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه

(1) التهذيب ج 5 ص 372، والوسائل الباب 48 من كفارات الصيد
(2) الفروع ج 4 ص 394، والوسائل الباب 48 من كفارات الصيد
(3) سورة المائدة، الآية 95.
(4) الفروع ج 4 ص 394، والوسائل الباب 48 من كفارات الصيد
(5) التهذيب ج 5 ص 467، والوسائل الباب 48 من كفارات الصيد
(6) سورة المائدة، الآية 95.
317

السلام) (1): (في المحرم يصيد الصيد، قال: عليه الكفارة في
كل ما أصاب).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (2) قال:
(قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): محرم أصاب صيدا؟ قال:
عليه الكفارة. قلت: فإن هو عاد؟ قال: عليه كلما عاد كفارة).
والجواب عن الآية ظاهر من ما سبق، فإن لفظ العود إنما يقال
لفعل الشئ ثانيا بعد فعله أولا، وحينئذ فلا يمكن أن يحمل صدر
الآية على ما يشمل العود. وعن الخبرين بالحمل على غير المتعمد.
والتحقيق أن جملة روايات المسألة ما عدا مرسلة ابن أبي عمير
مطلقة، فمنها ما دل على عدم التكرار مطلقا، متعمدا كان أو ساهيا
كصحيحتي الحلبي المتقدمتين، ومنها ما دل على التكرار مطلقا،
كصحيحتي معاوية بن عمار المذكورتين، إلا أنه لا قائل بالاطلاق
الأول، ومرسلة ابن أبي عمير قد دلت على تقييد كل من الاطلاقين
بالآخر، فتصير وجه جمع بين أخبار المسألة.
وفي حديث الجواد مع المأمون، المنقول في جملة من الأصول
ومنها: تفسير الثقة الجليل علي بن إبراهيم (3) وفيه: (وكل ما أتى به المحرم
بجهالة أو خطأ فلا شئ عليه، إلا الصيد فإن عليه فيه الفداء، بجهالة كان أم
بعلم، بخطأ كان أم بعمد.. إلى أن قال: وإن كان ممن عاد فهو ممن

(1) الفروع ج 4 ص 394، والتهذيب ج 5 ص 372، والوسائل الباب
47 من كفارات الصيد
(2) التهذيب ج 5 ص 372، والوسائل الباب 47 من كفارات الصيد
(3) ج 1 ص 184، والوسائل الباب 3 من كفارات الصيد.
318

ينتقم الله (تعالى) منه ليس عليه كفارة، والنقمة في الآخرة) وهو
صريح في رد القول الآخر.
وأما ما طعن به العلامة في المختلف في صحيحة الحلبي من أنها
متروكة الظاهر، لأن مقتول المحرم حرام فكيف يسوغ له التصدق به
على مسكين؟ فهو مبني على ما هو المشهور عندهم من أن مقتول المحرم
حرام مطلقا، وأما على ما ذهب إليه الصدوق ومن تبعه من أن
مذبوح المحرم في غير الحرم لا يحرم على المحل فلا وجه لهذا الطعن
وقد تقدم تحقيق المسألة مستوفى. وهذا الطعن منه حيث إنه اختار
القول الأول، إلا أن ظاهر آخر كلامه الرجوع عنه.
وأما ما نقله في المختلف عن الشيخ علي بن بابويه فهو عين ما في
كتاب الفقه الرضوي (1)، حيث قال (عليه السلام): وكل شئ
أتيته في الحرم بجهالة وأنت محل أو محرم، أو أتيت في الحل وأنت
محرم، فليس عليك شئ، إلا الصيد فإن عليك فداءه، فإن تعمدته
كان عليك فداؤه وإثمه، وإن علمت أو لم تعلم فعليك فداؤه. انتهى.
الثالثة لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم)
في أن الصيد يضمن بقتله عمدا وسهوا وخطأ، فلو رمى صيدا فمرق
السهم فقتل آخر كان عليه فداءان، ولو رمى غرضا فأصاب صيدا
كان عليه فداؤه.
وعلى ذلك تدل جملة من الأخبار: منها ما رواه ثقة الاسلام
(نور الله تعالى مرقده) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن

(1) ص 29.
319

أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (لا تأكل من الصيد وأنت
حرام وإن كان أصابه محل، وليس عليك فداء ما أتيته بجهالة، إلا
الصيد فإن عليك فيه الفداء، بجهل كان أو بعمد).
وفي الصحيح عن أحمد بن محمد عن ابن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا
(عليه السلام) (2) قال: (سألته عن المحرم يصيب الصيد بجهالة. قال:
عليه كفارة. قلت: فإن أصابه خطأ؟ قال: وأي شئ الخطأ عندك؟
قلت: يرمي هذه النخلة فيصيب نخلة أخرى. قال: نعم هذا
الخطأ، وعليه الكفارة. قلت: فإنه أخذ طائرا متعمدا فذبحه وهو
محرم؟ قال: عليه الكفارة. قلت: جعلت فداك ألست قلت: إن
الخطأ والجهالة والعمد ليسوا بسواء، فبأي شئ يفضل المتعمد الجاهل
والخاطئ؟ قال: إنه أثم ولعب بدينه).
وفي الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (3) في حديث قال: (اعلم أنه ليس عليك فداء شئ أتيته
وأنت محرم جاهلا به، إذا كنت محرما في حجك أو عمرتك، إلا
الصيد فإن عليك الفداء، بجهالة كان أو عمد).

(1) الفروع ج 4 ص 381، والتهذيب ج 5 ص 315، والوسائل الباب
31 من كفارات الصيد
(2) الفروع ج 4 ص 381، والتهذيب ج 5 ص 360، والوسائل الباب
31 من كفارات الصيد
(3) الفروع ج 4 ص 382 و 383، والوسائل الباب 31 من كفارات
الصيد
320

وما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الإسناد (1) عن محمد بن
الحسين بن أبي الخطاب عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: (سألت
أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن المتعمد في الصيد والجاهل والخطأ سواء
فيه؟ قال: لا. فقلت له: الجاهل عليه شئ؟ فقال: نعم. فقلت له:
جعلت فداك فالعمد بأي شئ يفضل صاحب الجهالة؟ قال: بالإثم،
وهو لاعب بدينه).
ونقل في المختلف هنا عن السيد المرتضى في الإنتصار (2) الفرق
بين العمد وغيره، بتعدد الجزاء على العامد دون غيره. قال في الكتاب
المذكور: ومن ما انفردت به الإمامية القول بأن المحرم إذا قتل صيدا
متعمدا كان عليه جزاءان، وإن كان قتله خطأ أو جهلا فعليه جزاء
واحد. ثم نقل عنه الاحتجاج على ذلك بالاجماع والاحتياط. أقول:
وضعفه أظهر من أن يحتاج إلى مزيد بيان. والله العالم.
الرابعة لو اشترى محل لمحرم بيض نعام فأكله، كان على المحرم
عن كل بيضة شاة، وعلى المحل لكل بيضة درهم.
والأصل في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي عبيدة (3)
قال: (سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل محل اشترى لمحرم
بيض نعام فأكله المحرم، فما على الذي أكله؟ فقال: على الذي اشتراه
فداء لكل بيضة درهم، وعلى المحرم لكل بيضة شاة).
وتحقيق الكلام في هذا الخبر يقع في مواضع: الأول ظاهر

(1) ص 168، والوسائل الباب 31 من كفارات الصيد
(2) ما نقله عن المختلف منقول بعضه عن الإنتصار وبعضه عن المسائل
الناصرية، ارجع إلى المختلف ج 2 ص 106.
(3) التهذيب ج 5 ص 355 و 356، والوسائل الباب 24 و 57 من كفارات الصيد
321

اطلاق الخبر المذكور يقتضي عدم الفرق في لزوم الدرهم للمحل بين
أن يكون في الحل أو الحرم، مع أنه من القواعد المقررة عدم ضمان
المحل في غير الحرم ما يحرم على المحرم وإن أعانه، بل وإن شاركه
في الصيد. ومن القواعد المقررة أيضا لزوم القيمة له لو كان في الحرم
وظاهر هذا الخبر لا ينطبق على شئ من هاتين القاعدتين، فيجب
القول بتخصيصه بمورده.
وأما ما ذكره في المدارك من الجواب عن لزوم الدرهم في الحل
بأنه لا استبعاد في ترتب الكفارة بذلك على المحل في الحل، لأن
المساعدة على المعصية لما كانت معصية لم يمتنع أن تترتب عليها الكفارة
بالنص الصحيح، وإن لم تجب عليه الكفارة مع مشاركته المحرم في
قتل الصيد
ففيه: أن مشاركته له في قتل الصيد أيضا مساعدة له على قتله،
فتكون معصية، فينبغي أن تثبت فيه الكفارة لو كان منشأها المساعدة كما
زعمه. على أن ما ذكره من تحريم المساعدة على اطلاقه ممنوع، فإنه
لو دل على الصيد وهو محل في الحل فقد ساعده على المعصية، مع أنه
لا شئ عليه كما صرحوا به.
الثاني اطلاق النص يقتضي عدم الفرق في وجوب الشاة للمحرم
بالأكل بين أن يكون أكله في الحل أو الحرم. وهو أيضا مخالف لما
تقدم من التضاعف على المحرم في الحرم، ووجوب الجزاء والقيمة معا
وقوى شيخنا الشهيد الثاني التضاعف على المحرم في الحرم، وخص
الرواية بالمحرم في الحل. واستحسنه سبطه في المدارك. ولا ريب
أنه الأحوط.
322

الثالث قد تقرر في مسألة بيض النعام كما تقدم أن المشهور
أن في كسره مع عدم تحرك الفرخ الارسال، وعليه دلت جملة من
الأخبار المتقدمة. هذا مع عدم أكله. وهذه الرواية قد تضمنت
الكسر والأكل مع أن الواجب عليه شاة لا غير. ومن ثم قيده
بعضهم بأن لا يكسره المحرم بل يشتريه له المحل مطبوخا ومكسورا،
أو يطبخه ويكسره هو دون المحرم، فعلى هذا لا يبقى عليه إلا كفارة
الأكل وهي الشاة. وعلى هذا لو كسره المحرم وأكله وجب عليه الارسال
للكسر والشاة للأكل.
الرابع لو كان المشتري للمحرم محرما مثله احتمل وجوب الدرهم
خاصة، لأن ايجابه على المحل يقتضي ايجابه على المحرم بطريق أولى
والزائد منفي بالأصل. ويحتمل وجوب الشاة لمشاركته للمحرم، كما
لو باشر أحدهما القتل ودل الآخر. والظاهر رجحان الاحتمال الثاني
فإنه أنسب بالقواعد المتقدمة. ولو اشتراه المحرم لنفسه فكسره وأكله
وجب عليه فداء الكسر والأكل. ولو اشتراه مكسورا فأكله وجب عليه
فداء الأكل. لكن هل يكون هنا فداؤه الدرهم نظرا إلى الشراء،
أو الشاة نظر إلى الأكل، أو الارسال لوجوبه بدون الشراء؟
احتمالات.
الخامس لو ملكه المحل بغير شراء وبذله للمحرم فأكله، ففي
وجوب الدرهم على المحل وجهان، يلتفتان إلى عدم النص في ذلك،
لخروج هذه الصورة عن مورد الخبر، وإلى أن السبب إعانة المحرم،
ولا أثر لخصوصية سبب تملك العين. واستظهر أولهما في المدارك.
وقوى ثانيهما ابن فهد في المهذب.
323

الخامسة لو اضطر المحرم إلى أكل الصيد أكله وفداه بلا خلاف،
وإنما الخلاف في ما إذا كان عنده ميتة، فهل يأكل الصيد، أو الميتة،
أو يفرق بين إمكان الفداء لو أكل من الصيد وعدمه؟ أقوال. وقد
تقدم تحقيق القول في ذلك في المسألة الحادية عشرة من البحث الأول.
السادسة قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله تعالى
عليهم): منهم: المحقق في الشرائع والنافع، والعلامة في بعض كتبه
بأنه إذا كان الصيد مملوكا ففداؤه لصاحبه.
وقد أورد على هذا الكلام بحسب ظاهره عدة اشكالات، منشأها:
أن الفداء متى أطلق فالمتبادر منه هو ما يلزم المحرم بسبب الجناية على
الصيد من مال أو صوم أو إرسال، وهو شامل لما لو زاد عن قيمة
الصيد المملوك أو نقص، ولما لو كانت الجناية غير موجبة لضمان
الأموال، كالدلالة على الصيد، ومقتضى جعل الفداء للمالك أنه
لا يجب شئ سوى ما يصرفه للمالك. وهو باطل البتة.
والاشكالات المتفرعة على ما ذكرنا: منها أن الواجب في المتلفات
من الأموال القيمة، وهو ما يعين بالأثمان التي هي الدراهم والدنانير
فايجاب غيرها كالبدنة في النعامة للمالك خروج عن الواجب.
ومنها أنه لو عجز عن الفداء يجب عليه الصوم على ما سبق،
وايجابه خاصة يقتضي ضياع حق المالك، وايجاب القيمة معه خروج
عن اطلاق كون الفداء للمالك، وعدم ايجاب الصوم أصلا أبعد،
لما فيه من الخروج عن نص الكتاب العزيز (1).
ومنها أن الفداء لو كان أنقص من القيمة فايجابه خاصة يقتضي

(1) سورة المائدة، الآية 95
324

تضييع بعض حق المالك، وايجاب شئ آخر معه يقتضي الخروج عن
اطلاق استحقاق المالك الفداء، وعدم ايجاب شئ واضح البطلان،
لأن فيه تضييعا للمال المحترم بغير سبب ظاهر. ولأنه إذا وجبت القيمة
السوقية في حال عدم الاحرام والخروج عن الحرم، فالمناسب التغليظ
معهما أو مع أحدهما، فلا أقل من المساواة.
ومنها لو كان المتلف بيضا ووجب الارسال، وقلنا إن الفداء للمالك
ولم ينتج شيئا، يلزم ضياع حق المالك، وهو باطل. وإن أوجبنا القيمة
السوقية معه لم يصدق أن الفداء للمالك. وإن نفينا الارسال وأوجبنا
القيمة لزم الخروج عن النصوص الصحيحة المتفق على العمل بمضمونها
بين الأصحاب.
ومنها أنه لو اشترك في قتله جماعة فقد تقدم أنه يلزم في قتله
الفداء على كل واحد منهم، واجتماع الجميع للمالك خروج عن قاعدة
ضمان الأموال.
ومنها أنه قد تقدم أن المباشر إذا اجتمع مع السبب كالذابح
مع الدال ضمن كل واحد منهما فداء، واجتماعهما للمالك خروج
عن القاعدة واعطاء له زيادة عن ما يجب له.
إلى غير ذلك من الاشكالات اللازمة من اطلاق كون الفداء في
المملوك للمالك.
أقول: ومن أظهر ما يرد على هذا الاطلاق ويبطله بالاتفاق تصريح
القرآن العزيز في الفداء من الأنعام أنه (هديا بالغ الكعبة) (1) أعم من أن
يكون مملوكا وغيره، فكيف يكون للمالك والصيام أو الاطعام للمساكين
في بعض المراتب؟ وأي تعلق لهذا بالمالك؟ ونحو ذلك من ما تقدم.

(1) سورة المائدة، الآية 95
325

وبالجملة فإن الظاهر أن مراد من عبر بذلك إنما هو القيمة، لأنه
يطلق عليها الفداء كما تقدم، وإن أجملوا في التعبير ولم يضيفوا إليها
الجزاء الذي لله (سبحانه وتعالى). إلا أن ظاهر كلام جملة ممن شرح
كلامهم ينافي ما ذكرناه من الاعتذار.
وكيف كان فالظاهر ما ذكره جملة من الأصحاب منهم: الشيخ
في المبسوط، والعلامة في جملة من كتبه، ومن تأخر عنه من أن
الفداء في المملوك لله (تعالى) كغيره، ويجب على المتلف بالنسبة إلى
المملوك القيمة لمالكه إذا كان مضمونا مع الفداء، اعمالا للدليلين، الدال
أحدهما على لزوم الفداء للصيد، والثاني على ضمان المتلف بالمثل أو
القيمة كما في سائر الأموال. ولو لم يتعلق بالمتلف الضمان ككون يده
يد أمانة لزمه الفداء لا غير. وكذا لو وجب الفداء بالدلالة خاصة.
وظاهر العلامة في المنتهى أن هذا الحكم موضع وفاق بين الأصحاب
فإنه قال: إذا قتل المحرم صيدا مملوكا لغيره لزمه الجزاء لله (تعالى)
والقيمة لمالكه، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة، وقال مالك والمزني:
لا يجب الجزاء لقتل الصيد المملوك (1) لنا: قوله (تعالى): ومن
قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم (2) وهو يتناول صورة
النزاع كما يتناول صورة الاتفاق. ومنه يظهر ما قدمنا ذكره من أنه
ليس مرادهم من تلك العبارة ظاهرها الذي ترد عليه الاشكالات المتقدمة
فإنه (قدس سره) ممن صرح بذلك في مختصراته كالإرشاد وغيره.

(1) المجموع للنووي ج 7 ص 295 الطبعة الثانية، والبحر الرائق ج 3
ص 27. وارجع إلى الاستدراكات
(2) سورة المائدة، الآية 95
326

السابعة لو لم يكن الصيد مملوكا تصدق بالفداء باتفاق الأصحاب
واطلاق كلامهم يقتضي عدم الفرق في الفداء بين أن يكون حيوانا
كالبدنة والبقرة والشاة، أو غيره كالقيمة أو كف من طعام.
ويدل على وجوب الصدقة بالجميع مضافا إلى أن ذلك هو المتبادر
من ايجاب الجزاء الأخبار الكثيرة، ومنها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر
(عليه السلام) (1) قال: (إذا أصاب المحرم في الحرم حمامة إلى أن
يبلغ الظبي فعليه دم يهريقه، ويتصدق بمثل ثمنه، فإن أصاب منه وهو
حلال فعليه أن يتصدق بمثل ثمنه).
وحسنة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) (2) وفيها: (أن قتل
المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة، وثمن الحمامة درهم أو شبهه
يتصدق به..).
إلى غير ذلك من الأخبار المتقدمة.
وصرح العلامة وغيرة بأن مستحق الصدقة الفقراء والمساكين بالحرم
ومقتضى الآية (3)، والأخبار المتقدمة اختصاص الاطعام بالمساكين. إلا أن ظاهرهم إرادة الفقراء من هذا الاطلاق، بناء على الترادف بين
اللفظين. وقد تقدم تحقيق الكلام في ذلك في كتاب الزكاة.
الثامنة قد صرح المحقق في الشرائع بأن كل ما يلزم المحرم

(1) الفقيه ج 2 ص 167، والوسائل الباب 11 و 44 من كفارات الصيد
(2) الفروع ج 4 ص 395، والتهذيب ج 5 ص 370، والوسائل الباب
11 من كفارات الصيد.
(3) سورة المائدة، الآية 95
327

من فداء، يذبحه أو ينحره بمكة إن كان معتمرا، وبمنى إن
كان حاجا.
قال في المدارك: هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا.
أقول: العجب منه (قدس سره) في دعوى اتفاق الأصحاب على
ذلك مع وجود الخلاف في كتاب المختلف. نعم ما ذكره هو المشهور كما
ذكره في المختلف، حيث نقل عن الشيخ في المبسوط والنهاية، والشيخ
المفيد في المقنعة: أن من وجب عليه جزاء صيد أصابه وهو محرم،
فإن كان حاجا نحر ما وجب عليه بمنى، وإن كان معتمرا نحره بمكة
قبالة الكعبة قال: وكذا قال السيد المرتضى وسلار وأبو جعفر ابن
بابويه. وزاد الشيخ (رحمه الله تعالى): وما يجب على المحرم
بالعمرة في غيره كفارة الصيد جاز أن ينحره بمنى. ثم قال: وقال
علي بن بابويه: وكل ما أتيته من الصيد في عمرة أو متعة فعليك
أن تنحر أو تذبح ما يلزمك من الجزاء بمكة عند الحزورة قبالة
الكعبة، وإن شئت أخرته إلى أيام التشريق تنحره بمنى، فإذا وجب
عليك في متعة، وما أتيته في ما يجب عليك فيه الجزاء في حج، فلا
تنحره إلا بمنى. وقال أبو الصلاح: محل فداء ما أتاه في احرام المتعة
أو العمرة المبتولة قبالة الكعبة، وفي احرام الحج منى، وقال ابن
إدريس: من وجب عليه جزاء صيد وهو محرم، فإن كان حاجا أو
معتمرا عمرة متمتعا بها إلى الحج نحر أو ذبح ما وجب عليه بمنى،
وإن كان معتمرا عمرة مبتولة نحر بمكة أو ذبح قبالة الكعبة. وقال
ابن حمزة: وما يلزم المحرم من جزاء الصيد وقيمته في احرام الحج
والعمرة المتمتع بها من الذبح والنحر والاطعام صنعها بمنى، وإن لزمه
328

في احرام العمرة المبتولة لزمه ذلك بمكة. انتهى ما ذكره في المختلف
ونقل الفاضل الخراساني في الذخيرة عن ابن البراج: أن كل
من كان محرما بحج ووجب عليه جزاء صيد أصابه، وأراد ذبحه أو
نحره، فليذبحه أو ينحره بمنى، وإن كان معتمرا فعل ذلك بمكة
أي موضع شاء، والأفضل أن يكون فعله لذلك بالحزورة مقابل الكعبة
وما يجب على المحرم بعمرة مفردة من كفارة ليست كفارة صيد فإنه يجوز
ذبحها أو نحرها بمنى. ونقل فيه أيضا عبارة الشيخ علي بن بابويه، وزاد
فيها على ما قدمنا نقله عن المختلف: وإن كان عليك دم واجب وقلدته
أو جللته أو أشعرته فلا تنحره إلا يوم النحر بمنى.
هذا ما وقفت عليه من كلام الأصحاب
وأما الأخبار الواردة في هذا الباب فمنها ما رواه ثقة الاسلام.
في الكافي (1) في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال: (قال أبو عبد الله
(عليه السلام): من وجب عليه فداء صيد أصابه وهو محرم، فإن
كان حاجا نحر هديه الذي يجب عليه بمنى، وإن كان معتمرا نحره
بمكة قبالة الكعبة).
وعن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) أنه قال (في
المحرم إذا أصاب صيدا فوجب عليه الفداء، فعليه أن ينحره إن كان
في الحج بمنى حيث ينحر الناس، فإن كان في عمرة نحره بمكة، وإن

(1) الفروع ج 4 ص 384، والتهذيب ج 5 ص 373، والوسائل
الباب 49 من كفارات الصيد
(2) الفروع ج 4 ص 384، والتهذيب ج 5 ص 373، والوسائل
الباب 49 و 51 من كفارات الصيد.
329

شاء تركه إلى أن يقدم فيشتريه فإنه يجزئ عنه).
قال الشيخ في التهذيب (1): قوله (عليه السلام): (فوجب عليه
الفداء) أي شراؤه. وقوله: (وإن شاء تركه) رخصة لتأخير شراء الفداء
إلى أن يقدم مكة أو منى، لأن من وجب عليه كفارة الصيد فإن
الأفضل أن يفديه من حيث أصابه. ثم استدل على ذلك بما رواه في
الصحيح عن معاوية بن عمار (2) قال: (يفدي المحرم فداء الصيد
من حيث صاد).
ونقل في الدروس عن الشيخ أنه جوز فداء الصيد حيث أصابه،
واستحب تأخيره إلى مكة، لصحيحه معاوية. والظاهر أنه بنى على
ظاهر هذه العبارة، مع أن الأمر في العبارة إنما هو خلاف ما ذكره
حيث إنه جعل الأفضل أن يفديه من حيث أصابه وأن التأخير إلى
مكة رخصة.
وكيف كان فإنه من هذه الأخبار يعلم مستند القول المشهور.
وأما ما نقل عن الشيخ علي بن بابويه فهو من كتاب الفقه الرضوي
كما عرفت في غير موضع، ومنه يعلم مستنده.
قال (عليه السلام) في الكتاب المذكور (3): وكل ما أتيته من

(1) ج 5 ص 373، وما ذكره (قدس سره) من تفسير وجوب
الفداء بشرائه ليس في التهذيب وإنما هو في الوافي باب (موضع ذبح
الكفارة ومصرفها).
(2) التهذيب ج 1 ص 554 الطبع القديم، والوسائل الباب 51 من
كفارات الصيد.
(3) ص 28
330

الصيد في عمرة أو متعة فعليك أن تذبح أو تنحر ما لزمك من الجزاء
بمكة عند الحزورة قبالة الكعبة موضع النحر، وإن شئت أخرته إلى
أيام التشريق فتنحره بمنى. وقد روى ذلك أيضا. وإذا وجب عليك
في متعة، وما أتيته من ما يجب عليك فيه الجزاء من حج، فلا تنحره
إلا بمنى. فإن كان عليك دم واجب قلدته أو جللته أو أشعرته فلا
تنحره إلا في يوم النحر بمنى. انتهى.
قوله: (كل ما أتيته من الصيد في عمرة) أي مفردة: (أو متعة)
يعني عمرة تمتع. وظاهره أن التأخير إلى منى في الصورة المذكورة
مروي أيضا. وقوله: (وإذا وجب عليك في متعة) أي حج تمتع
وقوله: (من حج) يعني: مفرد، فإن اطلاق العمرة على المفردة والحج
على حج الافراد كثير في الأخبار، فلا منافاة كما ربما يتوهم.
وتنقيح البحث في المسألة يتوقف على رسم فوائد: الأولى ظاهر
المحقق الأردبيلي (قدس سره) في شرح الإرشاد جواز فداء الصيد
في موضع الإصابة وعدم وجوب التأخير إلى مكة ومنى كما تقدم، وإن
كان الأفضل ذلك، واعتضد في ذلك بما تقدم نقله عن معاوية بن
عمار في الصحيح (1) قال: (يفدي المحرم فداء الصيد من حيث
صاد) قال: والظاهر أنه من الإمام (عليه السلام). ثم قال:
ويدل عليه أيضا صحيحة أبي عبيدة الثقة في كفارة قتل النعامة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (إذا أصاب المحرم الصيد ولم

(1) التهذيب ج 1 ص 554 الطبع القديم، والفروع ج 4 ص 384،
والوسائل الباب 51 من كفارات الصيد
(2) الفروع ج 4 ص 387، والتهذيب ج 5 ص 341، والوسائل الباب
2 من كفارات الصيد
331

يجد ما يكفر في موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوم جزاؤه.. الحديث)
قال: وأيضا يمكن فهمها من ما في رواية محمد المتقدمة عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) ((فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه).. إلى أن قال:
فالذي يظهر أنه يجوز في مكان الإصابة مطلقا، وإذا كان في الحج
يجوز التأخير إلى منى، وفي العمرة إلى مكة أفضل. فيمكن حمل قوله
(تعالى): هديا بالغ الكعبة (2) على الأفضلية، وأن يراد بها ما يعم
مكة ومنى، فيكون للحج بمنى وللعمرة بمكة. وهذا في كفارة الصيد
أما غيرها فلا يبعد الأفضلية في مكان اللزوم.. إلى آخر كلامه (زيد
في اكرامه).
أقول: ما ذكره (قدس سره) لا يخلو من الاشكال:
أما أولا: فلأنه قد روى ثقة الاسلام في الكافي عن أحمد بن
محمد والظاهر أن ابن أبي نصر عن بعض رجاله عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (3) قال: (من وجب عليه هدى في احرامه فله
أن ينحره حيث شاء إلا فداء الصيد، فإن الله (عز وجل) يقول:
هديا بالغ الكعبة) (4).
وهو (قدس سره) قد ذكر الرواية وحملها على الأفضلية بعد رميها
بضعف السند. وفيه: أن ضعف السند مجبور باتفاق الأصحاب على
القول بمضمونها كما عرفت، فإنه لا مخالف فيه سوى ما يظهر من
كلامه هنا.

(1) الوسائل الباب 10 من كفارات الصيد رقم 10
(2) سورة المائدة، الآية 95
(3) الوسائل الباب 49 من كفارات الصيد
(4) سورة المائدة، الآية 95
332

وروى الصدوق في الفقيه (1) في الصحيح عن عبد الله بن مسكان عن
الحلبي قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الأرنب يصيبه
المحرم. فقال: شاة (هديا بالغ الكعبة) (2)).
وفي جملة من روايات الارسال وقد تقدمت (فما ينتج فهو هدي
بالغ الكعبة) أو (هدي لبيت الله الحرام).
وفي حديث الجواد المتقدم ذكره برواية علي بن إبراهيم في تفسيره (3):
(وإن كان في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا، هديا بالغ الكعبة، حقا
واجبا عليه أن ينحره، فإن كان في حج بمنى حيث ينحر الناس،
وإن كان في عمرة ينحره بمكة.. إلى أن قال في آخر الخبر: والمحرم
بالحج ينحر فداءه بمنى حيث ينحر الناس، والمحرم بالعمرة ينحر بمكة)
ومورد الخبر من أوله إلى آخره فداء الصيد.
وأما ثانيا: فإن القاعدة المستفادة من أخبار أهل الذكر
(عليهم السلام) هو ارجاع الأخبار إلى القرآن لا القرآن إلى الأخبار
والأخبار هنا قد اختلفت في هذا الحكم، فإن الظاهر من الأخبار
التي ذكرها هو ما ذكره من جواز الفداء في موضع الإصابة، والمفهوم
من صحيحة عبد الله بن سنان ورواية زرارة، ومرسلة أحمد بن
محمد المذكورة، وما بعدها من الروايات هو التأخير إلى مكة أو منى
والترجيح لهذه الأخبار بموافقة ظاهر القرآن، فلا بد من ارتكاب
التأويل في الأخبار التي ذكرها، أو طرحها عملا بمقتضى القاعدة

(1) ج 2 ص 233، والوسائل الباب 4 من كفارات الصيد
(2) سورة المائدة، الآية 95
(3) ج 1 ص 184، والوسائل الباب 3 من كفارات الصيد
333

المنصوصة في مقام اختلاف الأخبار والعرض على القرآن. على أنه
في مسألة الحبوة قد أطرح ظاهر الأخبار تمسكا بظاهر القرآن،
فحمل الأخبار على الاستحباب بالقيمة، ونحو ذلك في ميراث الأزواج
فكيف اختار هنا العمل بهذه الأخبار وارجاع الآية إليها؟
وأما ثالثا: فإن الظاهر من صحيحة أبي عبيدة المذكورة إنما هو
انتقال الحكم من البدنة إلى التقويم بالدراهم في ذلك الموضع، يعني:
أنه إذا وجد البدنة في موضع الإصابة تعلق الحكم بالبدنة، وكان
الواجب عليه ذبحها بمكة أو بمنى، وإن صدق عليه أنه غير واجد
لها انتقل الحكم إلى التقويم، لا أن الواجب ذبح البدنة في ذلك
الموضع كما فهمه. وأما صحيحة معاوية بن عمار فهي مع كونها
غير مسندة إلى الإمام (عليه السلام) فلا تقوم حجة يمكن
حملها على ما حمل عليه الشيخ رواية زرارة، من أن الأفضل شراء
الصيد من موضع الإصابة. وأما رواية محمد فموردها الصدقة بالثمن
دون الهدي، وهو خارج عن محل البحث.
الثانية قال السيد السند (قدس سره) في المدارك بعد ذكر
صحيحة عبد الله بن سنان، ورواية زرارة، وصحيحة معاوية بن عمار:
وهذه الروايات كلها كما ترى مختصة بفداء الصيد، أما غيره فلم
أقف على نص يقتضي تعين ذبحه في هذين الموضعين، فلو قيل بجواز
ذبحه حيث كان لم يكن بعيدا، للأصل، ولما رواه الشيخ عن أحمد
ابن محمد عن بعض رجاله عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
(من وجب عليه هدي في احرامه فله أن ينحره حيث شاء إلا فداء

(1) الوسائل الباب 49 من كفارات الصيد
334

الصيد.. الحديث المتقدم) ثم قال: ولا ريب أن المصير إلى ما عليه
الأصحاب أولى وأحوط.
أقول: وقد تقدمه في ذلك شيخه المحقق الأردبيلي (قدس سره)
حيث قال في شرح الإرشاد على أثر الكلام المتقدم نقله عنه: هذا
في كفارة الصيد، أما غيرها فلا يبعد الأفضلية في مكان اللزوم،
للمسارعة إلى الخيرات. ولئلا يمنع عنه مانع مثل الموت وغيره.
ولاحتمال الفورية، كما يظهر من كلام البعض أن الكفارة فورية.
وقد علم من ما سبق أنها غير فورية في الجملة. والأصل مؤيد مع عدم
ظهور دليل خلافه. انتهى.
والذي وقفت عليه من الأخبار من ما لم يصرح فيه بالصيد أو
صرح فيه بغيره أخبار عديدة: منها مرسلة أحمد بن محمد المتقدمة
وما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم (1) قال: (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن كفارة العمرة المفردة أين تكون؟
فقال: بمكة، إلا أن يشاء صاحبها أن يؤخرها إلى منى، ويجعلها
بمكة أحب إلي وأفضل).
وما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: (سألته عن كفارة العمرة أين تكون؟
قال: بمكة، إلا أن يؤخرها إلى الحج فتكون بمنى، وتعجيلها أفضل
وأحب إلي).
وهذان الخبران حملهما في التهذيب على كفارة غير الصيد، لصحيحة

(1) التهذيب ج 5 ص 374، والوسائل الباب 49 من كفارات الصيد
(2) الفروع ج 4 ص 539، والوسائل الباب 4 من الذبح رقم 4
335

عبد الله بن سنان المتقدمة. وفي الإستبصار جوز أن تكون مكة أفضل
في الصيد وإن جاز منى أيضا. والظاهر هو حمله الأول. وكيف كان
فهما دالان باطلاقهما على أن محل الكفارة في العمرة كائنة ما كانت
مكة أو منى.
ومنها ما رواه في الكافي عن إسحاق بن عمار في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (قلت له: الرجل يجرح من
حجته شيئا يلزمه منه دم، يجزئه أن يذبحه إذا رجع إلى أهله؟
فقال: نعم، وقال في ما أعلم يتصدق به. قال إسحاق:
وقلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): الرجل يجرح من حجته ما يجب
عليه الدم ولا يهريقه حتى يرجع إلى أهله؟ فقال: يهريقه في أهله،
ويأكل منه الشئ) أقول: ويجرح بالجيم ثم الراء ثم الحاء المهملة،
بمعنى: يكسب. ونحوه روى الشيخ عن إسحاق أيضا عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2).
وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن محمد بن إسماعيل
ابن بزيع عن الرضا (عليه السلام) (3) قال: (سأله رجل عن
الظلال للمحرم من أذى مطر أو شمس وأنا أسمع فأمره أن يفدي

(1) الفروع ج 4 ص 488، والوسائل الباب 5 من الذبح
(2) التهذيب ج 5 ص 481 و 482، والوسائل الباب 50 من كفارات
الصيد
(3) الفروع ج 4 ص 351، والتهذيب ج 5 ص 311، والوسائل الباب
49 من كفارات الصيد، والباب 6 من بقية كفارات الاحرام رقم 3 و 6
336

شاة يذبحها بمنى) ورواه في الفقيه (1) أيضا وزاد: (نحن إذا
أردنا ذلك ظللنا وفدينا).
وروى في التهذيب (2) في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع
قال: (سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الظل للمحرم من أذى
مطر أو شمس. فقال: أرى أن يفديه بشاة يذبحها بمنى).
وفي الصحيح عن موسى بن القاسم عن علي بن جعفر (3) قال:
(سألت أخي (عليه السلام): أظلل وأنا محرم؟ فقال: نعم، وعليك
الكفارة. قال: فرأيت عليا إذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة الظل).
وجملة من الأخبار مطلقة، والظاهر في وجه الجمع بينها هو ما دلت
عليه مرسلة أحمد بن محمد من أنه ينحره حيث شاء، إلا أن الأفضل
أن يكون بمكة أو بمنى على التفصيل الذي ذكره الأصحاب (رضوان
الله عليهم).
الثالثة الظاهر من كلامي ابن إدريس وابن حمزة المتقدمين
إلحاق عمرة التمتع بحجه في الذبح بمنى. ولم نقف لهما على دليل
في ذلك. وظاهر الخبرين الأولين اللذين هما المستند في هذا الحكم
إنما هو التفصيل بين الحج والعمرة، فإن كان ما جناه في الحج فمحله
منى، وإن كان في العمرة فهو مكة. ومن الظاهر أن المراد بالعمرة
ما هو أعم من العمرة المبتولة والمتمتع بها إلى الحج، لأنها لا تدخل

(1) ج 2 ص 226، والوسائل الباب 6 من بقية كفارات الاحرام
(2) ج 5 ص 234، والوسائل الباب 49 من كفارات الصيد
(3) التهذيب ج 5 ص 334، والوسائل الباب 49 من كفارات الصيد،
والباب 6 من بقية كفارات الاحرام
337

في لفظ الحج، وإلا لسقط حكمها من البين. وبالجملة فالظاهر هو
القول المشهور، وما ذكراه بمحل من القصور.
الرابعة ظاهر الأخبار المتقدمة أن مكة كلها منحر، وإن كان
الأفضل تجاه الكعبة في الحزورة، وكذلك منى كلها منحر، وإن كان
الأفضل عند المسجد، وهو المنحر المعهود.
ويدل على ذلك ما رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار (1):
(أن عبادا البصري جاء إلى أبي عبد الله (عليه السلام) وقد دخل
مكة بعمرة مبتولة، وأهدى هديا فأمر به فنحر في منزله بمكة، فقال
له عباد: نحرت الهدي في منزلك وتركت أن تنحره بفناء الكعبة،
وأنت رجل يؤخذ منك؟ فقال له: ألم تعلم أن رسول الله (صلى الله
عليه وآله) نحر هديه بمنى في المنحر، وأمر الناس فنحروا في منازلهم،
وكان ذلك موسعا عليهم، فكذلك هو موسع على من ينحر الهدي بمكة
في منزله إذا كان معتمرا).
الخامسة قال العلامة في المنتهى: إذا اختار المثل أو قلنا بوجوبه
ذبحه وتصدق به على مساكين الحرم، لأنه (تعالى) قال: هديا بالغ
الكعبة (2) ولا يجوز أن يتصدق به حيا على المساكين، لأنه (تعالى)
سماه هديا، والهدي يجب ذبحه. وله ذبحه. أي وقت شاء لا يختص
ذلك بأيام النحر، لأنه كفارة فيجب اخراجها متى شاء كغيرها من
الكفارات. انتهى. ومثله في التذكرة.
ثم ذكر في مسألة الاطعام أنه بمكة أو بمنى على ما قلناه

(1) التهذيب ج 5 ص 374، والوسائل الباب 52 من كفارات الصيد
(2) سورة المائدة، الآية 95
338

من الجزاء، لأنه عوض عن ما يجب دفعه إلى مساكين ذلك المكان،
فيجب دفعه إليهم. وتعتبر قيمة المثل في الحرم، لأنه محل اخراجه.
ولا يجوز اخراج القيمة، لأنه (تعالى) خير بين ثلاثة أشياء، وليست
القيمة واحدا منها. والطعام المخرج: الحنطة والشعير والتمر والزبيب
ولو قيل يجزئ كل ما يسمى طعاما كان حسنا، لأنه (تعالى)
أوجب الطعام. ويتصدق على كل مسكين بنصف صاع. انتهى.
ومثله في التذكرة.
أقول: أكثر هذه الأحكام لا تخلو من الاشكال، لعدم الدليل
الواضح فيها من الأخبار، وإن كان الأحوط الوقوف على ما ذكروه.
الصنف الثاني في النساء، والبحث فيه يقع في فصلين:
الأول يحرم على المحرم النساء، وطأ، وتقبيلا، ونظرا بشهوة،
وعقدا لنفسه أو لغيره، وشهادة تحملا أو إقامة.
وتفصيل هذه الجملة يقع في مسائل: الأولى لا خلاف بين
الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) في تحريم النكاح في حال
الاحرام، وطأ، وعقدا لنفسه أو لغيره، بولاية أو وكالة.
قال في المنتهى: ولا يجوز للمحرم أن يتزوج أو يزوج، ولا يكون
وليا في النكاح ولا وكيلا فيه، سواء كان رجلا أو امرأة، ذهب إليه
علماؤنا أجمع.
والأصل فيه قوله (عز وجل): فلا رفث ولا فسوق ولا جدال
في الحج (1) والرفث هو الجماع بالنص الصحيح عن الصادق (عليه
السلام) والكاظم (عليه السلام):

(1) سورة البقرة، الآية 197
339

روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (1) قال: (قال
أبو عبد الله (عليه السلام): إذا أحرمت فعليك بتقوى الله وذكر
الله وقلة الكلام إلا بخير، فإن تمام الحج والعمرة أن يحفظ المرء
لسانه إلا من خير، كما قال الله (عز وجل) فإن الله يقول: فمن
فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج (2) فالرفث:
الجماع، والفسوق: الكذب والسباب، والجدال: قول الرجل:
لا والله بلى والله).
وعن علي بن جعفر في الصحيح (3) قال: (سألت أخي موسى
(عليه السلام) عن الرفث والفسوق والجدال ما هو؟ وما على من فعله؟
فقال: الرفث: جماع النساء، والفسوق: الكذب والمفاخرة،
والجدال: قول الرجل؟ لا والله وبلى والله. فمن رفث فعليه بدنة
ينحرها، وإن لم يجد فشاة، وكفارة الفسوق يتصدق به إذا فعله
وهو محرم).
قال في الوافي بعد نقل هذا الحديث: هكذا وجد هذا الحديث في ما
رأيناه من النسخ، ولعله سقط من الكلام شئ. انتهى. وهو كذلك.
وأما ما يدل على أصل المسألة من الأخبار فمنه ما رواه الشيخ
في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)

(1) التهذيب ج 5 ص 296، والوسائل الباب 32 من تروك الاحرام
(2) سورة البقرة، الآية 197
(3) التهذيب ج 5 ص 297، والوسائل الباب 32 من تروك الاحرام،
والباب 3 من كفارات الاستمتاع، والباب 2 من بقية كفارات الاحرام
(4) التهذيب ج 5 ص 328، والوسائل الباب 14 من تروك الاحرام.
340

قال: (ليس للمحرم أن يتزوج ولا يزوج، فإن تزوج أو زوج محلا
فتزويجه باطل).
وما رواه الكليني في الحسن عن معاوية بن عمار (1) قال:
(المحرم لا يتزوج ولا يزوج، فإن فعل فنكاحه باطل).
وما رواه الكليني والشيخ عن أبي بصير (2) قال: (سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: للمحرم أن يطلق ولا يتزوج).
وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: (ليس للمحرم أن يتزوج ولا يزوج محلا، فإن تزوج أو زوج
فتزويجه باطل. وأن رجلا من الأنصار تزوج وهو محرم فأبطل رسول
الله (صلى الله عليه وآله) نكاحه).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (4) قال: (سمعته يقول: ليس ينبغي للمحرم أن
يتزوج ولا يزوج محلا) ولفظ: (ليس ينبغي) هنا بمعنى التحريم
كما هو الشائع في الأخبار بقرينة الأخبار المتقدمة.
وفي الصحيح عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) (5)

(1) الفروع ج 1 ص 267 الطبع القديم، والتهذيب ج 5 ص 330
والوسائل الباب 14 من تروك الاحرام
(2) الفروع ج 4 ص 372، والتهذيب ج 5 ص 383، والوسائل الباب
17 من تروك الاحرام
(3) الفقيه ج 2 ص 230، والوسائل الباب 14 من تروك الاحرام
(4) التهذيب ج 5 ص 230، والوسائل الباب 14 من تروك الاحرام
(5) التهذيب ج 5 ص 330، والوسائل الباب 15 من تروك الاحرام
341

قال: (قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل ملك بضع امرأة
وهو محرم قبل أن يحل، فقضى أن يخلي سبيلها، ولم يجعل نكاحه
شيئا حتى يحل، فإذا أحل خطبها إن شاء، فإن شاء أهلها زوجوه،
وإن شاءوا لم يزوجوه).
والمستفاد من هذه الرواية أنها بالعقد لا تحرم مؤبدا. وحملها
الشيخ على الجاهل جمعا بينها وبين ما رواه عن أديم بن الحر الخزاعي
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (إن المحرم إذا تزوج
وهو محرم فرق بينهما، ولا يتعاودان أبدا).
وفي الموثق عن ابن بكير عن إبراهيم بن الحسن عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: (إن المحرم إذا تزوج وهو محرم فرق بينهما
ثم لا يتعاودان أبدا) ورواه الكليني في الموثق عن ابن بكير عن إبراهيم
ابن الحسن مثله (3).
وما ذكره الشيخ (قدس سره) من الجمع جيد، ويدل عليه
ما رواه الكليني والشيخ عن زرارة وداود بن سرحان عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (4) في حديث قال فيه: (والمحرم إذا تزوج وهو
يعلم أنه حرام عليه لم تحل له أبدا).
ويحتمل الجمع أيضا بحمل الروايتين الأخيرتين على الدخول والرواية
الأولى على عدم الدخول.
ومثل هاتين الروايتين ما رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه (5)

(1) التهذيب ج 5 ص 329، والوسائل الباب 15 من تروك الاحرام
(2) التهذيب ج 5 ص 329، والوسائل الباب 15 من تروك الاحرام
(3) الفروع ج 4 ص 372، والوسائل الباب 15 من تروك الاحرام
(4) الوسائل الباب 31 من ما يحرم بالمصاهرة
(5) ج 2 ص 231، والوسائل الباب 15 من تروك الاحرام
342

قال: (وقال يعني: أبا عبد الله (عليه السلام) من تزوج امرأة
في احرامه فرق بينهما ولم تحل له أبدا) قال (1): وفي رواية سماعة:
(لها المهران كان دخل بها).
وبالجملة فالحكم بما ذكره الشيخ من ما لا اشكال فيه.
ونقل في المنتهى اجماع الفرقة على الحكمين المذكورين، يعني:
حكم الجاهل والعامد، وأسنده في التذكرة إلى علمائنا.
وأما ما ذكره في المدارك حيث قال بعد نقل صحيحة محمد بن
قيس: ومقتضى الرواية أنها لا تحرم مؤبدا بالعقد. وحملها الشيخ
على الجاهل، جمعا بينها وبين خبرين ضعيفين وردا بالتحريم المؤبد
بذلك مطلقا. وحملا على العالم. وهو مشكل. لكن ظاهر المنتهى
أن الحكم مجمع عليه بين الأصحاب، فإن تم فهو الحجة، وإلا فللنظر
فيه مجال -
فهو ضعيف لا يلتفت إليه وسخيف لا يعرج عليه. وقد صرح
في غير موضع من شرحه بعد ايراد الأخبار الضعيفة بزعمه، ونقله
اتفاق الأصحاب على القول بها أنه لا معدل عن ما عليه الأصحاب.
بل وافقهم في مواضع لا دليل فيها بالكلية، كما نبهنا عليه في غير
موضع من شرحنا على الكتاب المذكور. على أنك قد عرفت في غير
موضع من ما قدمنا أن هذا الطعن لا يقوم حجة على المتقدمين الذين
لا أثر لهذا الاصطلاح عندهم. مضافا إلى ما ذكرناه من وجود المستند
لهذا الجمع الذي ذكره الشيخ (رحمه الله).

(1) الفقيه ج 2 ص 231، والوسائل الباب 15 من تروك الاحرام
343

الثانية لا خلاف أيضا في تحريم النظر بشهوة، والتقبيل،
والمس كذلك.
ويدل عليه جملة من الأخبار: منها ما رواه ثقة الاسلام (قدس
سره) في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: (سألته عن محرم نظر إلى امرأته فأمنى أو
أمذى وهو محرم. قال: لا شئ عليه، ولكن ليغتسل ويستغفر ربه.
وإن حملها من غير شهوة فأمنى أو أمذى فلا شئ عليه، وإن حملها
أو مسها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم. وقال في المحرم ينظر إلى امرأته
وينزلها بشهوة حتى ينزل. قال: عليه بدنة).
وعن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: (سألته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته. قال:
نعم يصلح عليها خمارها ويصلح عليها ثوبها ومحملها. قلت: أفيمسها وهي
محرمة؟ قال: نعم قلت: المحرم يضع يده بشهوة؟ قال: يهريق
دم شاة. قلت: فإن قبل؟ قال: هدا أشد ينحر بدنة).
ورواية محمد بن مسلم (3) (أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الرجل يحمل امرأته أو يمسها فأمنى أو أمذى. فقال: إن حملها
أو مسها بشهوة فأمنى أو لم يمن، أو أمذى أو لم يمذ، فعليه دم شاة

(1) الفروع ج 4 ص 375، والوسائل الباب 17 من كفارات الاستمتاع
(2) الفروع ج 4 ص 375، والوسائل الباب 17 و 18 من كفارات
الاستمتاع
(3) الفقيه ج 2 ص 214، والتهذيب ج 5 ص 326، والوسائل الباب
17 من كفارات الاستمتاع
344

يهريقه، وإن حملها أو مسها بغير شهوة فليس عليه شئ، أمنى أو لم
يمن، أمذى أو لم يمذ).
وعن أبي بصير في الموثق (1) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن رجل نظر إلى ساق امرأة فأمنى. قال: إن كان موسرا
فعليه بدنة، وإن كان بين ذلك فبقرة، وإن كان فقيرا فشاة. أما
إني لم أجعل ذلك عليه من أجل الماء ولكن من أجل أنه نظر إلى
ما لا يحل له) ورواه الشيخ في الموثق والصدوق مثله (2).
وعن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن (عليه السلام) (3) قال:
(سألته عن رجل قبل امرأته وهو محرم. قال: عليه بدنة وإن لم ينزل
وليس له أن يأكل منها).
وروى الشيخ عن العلاء بن الفضيل (4) قال: (سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن رجل وامرأة تمتعا جميعا فقصرت امرأته ولم يقصر
فقبلها. قال: يهريق دما، وإن كانا لم يقصرا جميعا فعلى كل واحد
منهما أن يهريق دما).
وهذه الأخبار وإن كانت ما بين مطلق ومقيد بالشهوة إلا أنه يجب
حمل مطلقها في ذلك على مقيدها، فمتى كان النظر أو المس أو التقبيل

(1) الفروع ج 4 ص 377، والوسائل الباب 16 من كفارات الاستمتاع
(2) التهذيب ج 5 ص 325، والفقيه ج 2 ص 213، والوسائل الباب
16 من كفارات الاستمتاع
(3) الفروع ج 4 ص 376، والتهذيب ج 5 ص 327، والوسائل الباب
18 من كفارات الاستمتاع
(4) التهذيب ج 5 ص 473، والوسائل الباب 18 من كفارات الاستمتاع
345

بشهوة ترتب عليه الكفارة، وإلا فلا.
وأما ما رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1): (في محرم نظر إلى امرأته بشهوة فأمنى. قال:
ليس عليه شئ) فقد أجاب عنه الشيخ بالحمل على حال السهو دون
حال العمد. ولا بأس به.
وأما ما رواه الكليني والشيخ عن مسمع أبي سيار في الحسن (2)
قال: (قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا أبا سيار إن حال
المحرم ضيقة، فمن قبل امرأته على غير شهوة وهو محرم فعليه دم شاة،
ومن قبل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور، ويستغفر ربه،
ومن مس امرأته بيده وهو محرم على شهوة فعليه دم شاة، ومن نظر إلى
امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور، ومن مس امرأته أو لازمها
من غير شهوة فلا شئ عليه) فقد حمله بعض الأصحاب على
الاستحباب.
ويؤيده ما رواه الكليني عن الحسين بن حماد (4) قال: (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يقبل أمه. قال: لا بأس
هذه قبلة رحمة، إنما تكره قبلة الشهوة) والمراد بالكراهة هنا التحريم
كما تقدم.

(1) التهذيب ج 5 ص 327، والوسائل الباب 17 من كفارات الاستمتاع
(2) الفروع ج 4 ص 376، والتهذيب ج 5 ص 326، والوسائل الباب
12 من تروك الاحرام، والباب 18 من كفارات الاستمتاع
(3) الفروع ج 4 ص 377، والتهذيب ج 5 ص 328، والوسائل الباب
18 من كفارات الاستمتاع
346

وقد خص التحريم بالشهوة، كما هو ظاهر الروايات المتقدمة،
وهذه الرواية صريحة في كون التقبيل على غير شهوة، فوجوب الدم
فيها مشكل، ولا بد من ارتكاب جادة التأويل فيها، وإن كان الاحتياط
يقتضي الكف عن التقبيل مطلقا. إلا أنه سيأتي في المقام الثاني
إن شاء الله (تعالى) فتوى جملة من الأصحاب بمضمون الخبر المذكور.
قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بعد قول المصنف: (ونظرا
بشهوة) ما لفظه: لا فرق في ذلك بين الزوجة والأجنبية، بالنسبة
إلى النظرة الأولى إن جوزناها، والنظر إلى المخطوبة، وإلا فالحكم
مخصوص بالزوجة.
قال في المدارك بعد نقل ذلك: وكأن وجه الاختصاص عموم تحريم
النظر إلى الأجنبية على هذا التقدير وعدم اختصاصه بحال الشهوة.
وهو جيد. إلا أن ذلك لا ينافي اختصاص التحريم الاحرامي بما
كان بالشهوة كما أطلقه المصنف. انتهى.
أقول: الظاهر أن كلامه (قدس سره) هنا لا يخلو من خدش،
فإنه متى قيل بتحريم النظر إلى الأجنبية مطلقا، في أول نظرة
أو غيرها، من محل كان النظر أو محرم، فالتفصيل بالنسبة إلى المحرم
بين ما إذا كان نظره بشهوة فيحرم أو لا بشهوة فيحل لا معنى له،
لأن المدعى عموم التحريم للمحرم وغيره، فكيف يتم ما ادعاه من
اختصاص التحريم الاحرامي بما إذا كان بشهوة؟ وبالجملة فإني لا
أعرف لهذا الكلام وجه استقامة وإن تبعه من تبعه فيه.
الثالثة الشهادة على النكاح وإقامتها، والحكم في الموضعين من ما
ظاهرهم الاتفاق عليه.
347

أما الأول فينبغي أن يعلم أنه لا فرق في تحريم الشهادة بين أن
تكون لمحل أو محرم كما صرحوا به.
والأصل في هذه المسألة ما رواه الكليني والشيخ (عطر الله تعالى
مرقديهما) عن الحسن بن علي في الموثق عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: (المحرم لا ينكح ولا ينكح ولا يخطب
ولا يشهد النكاح، وإن نكح فنكاحه باطل) وليس في التهذيب (2)
(ولا يخطب).
وروى الشيخ عن عثمان بن عيسى عن ابن أبي شجرة عن من
ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3): (في المحرم يشهد على
نكاح محلين؟ قال: لا يشهد. ثم قال: يجوز للمحرم أن يشير
بصيد على محل) قال الشيخ (قدس سره): قوله: (يجوز للمحرم
أن يشير بصيد على محل) انكار وتنبيه على أنه إذا لم يجز ذلك فكذلك
لا تجوز الشهادة على عقد المحلين.
قال في المدارك بعد ايراد الخبرين المذكورين: وفي الروايتين قصور
من حيث السند، إلا أن الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب.
أقول: أنظر إلى تستره (قدس سره) في الخروج عن جادة اصطلاحه
فإن حكمه في هذه المسألة بما ذكره إنما هو من حيث كون ذلك
مقطوعا به في كلام الأصحاب، وحينئذ فإذا كان قطع الأصحاب واتفاقهم

(1) الفروع ج 4 ص 372، والتهذيب ج 5 ص 330، والوسائل الباب
14 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 14 من تروك الاحرام
(3) التهذيب ج 5 ص 315، والوسائل الباب 1 و 14 من تروك الاحرام
348

على الحكم حجة شرعية، فما باله يناقش في ذلك في مثل هذه المسألة
في مواضع من شرحه؟ ومنها ما تقدم قريبا في صدر المسألة من كون
تزويج المحرم عالما عامدا موجبا للتحريم المؤبد. فإن قيل: الفرق
بين المسألتين ظاهر، حيث إنه لا معارض لاتفاق الأصحاب هنا
بخلاف المسألة المتقدمة، فإن ظاهر صحيحة محمد بن قيس عدم
التحريم مطلقا، وهو خلاف ما صرح به الأصحاب من التفصيل
بالعامد والجاهل. قلنا: إن كان اتفاق الأصحاب على الحكم وقطعهم
به حجة شرعية يمكن الاعتماد عليها في اثبات الأحكام، كما هو
ظاهر كلامه في هذا المقام فالواجب عليه الجمع بين الرواية المذكورة
وبين كلامهم، لأنه يصير من قبيل تعارض الدليلين في الحكم، وإلا
فلا معنى لكلامه هنا بالمرة.
ثم إنه (قدس سره) قال: وينبغي قصر الحكم على حضور العقد
لأجل الشهادة، فلو اتفق حضوره لا لأجل الشهادة لم يكن محرما،
ولا يبطل العقد بشهادة المحرم له قطعا، لأن النكاح عندنا لا تعتبر
فيه الشهادة. انتهى. وهو جيد
وأما الثاني وهو الإقامة فالمشهور عموم التحريم لما لو تحملها
محلا أو محرما، خلافا للشيخ حيث قيد تحريم إقامة شهادة النكاح على المحرم
بما إذا تحملها وهو محرم. ونقل بعض الأصحاب عن بعضهم أنه حكم
بخطأ هذه النسبة، وأن المنسوب إلى الشيخ إنما هو عدم اعتبار الشهادة
إذا تحملها محرما. واستوجه العلامة في التذكرة اختصاص التحريم
بعقد وقع بين محرمين أو محل ومحرم. وحكى عنه ولده في شرح القواعد
أنه قال: إن ذلك هو المقصود من كلام الأصحاب. وظاهر كلام
349

الأصحاب عموم الحكم بالنسبة إلى العقد الواقع بين محلين أو محرمين
أو بالتفريق، إلا أن الفاضل المذكور حكى عن والده ما عرفت.
وكيف كان فالحكم وإن كان من ما ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه إلا أني لم أقف له على دليل.
وبذلك اعترف في المدارك أيضا حيث قال بعد ذكر القول المشهور
من عموم المنع: ودليله غير واضح. وقال بعد نقل كلام فخر المحققين
المتقدم: ولا بأس به قصرا لما خالف الأصل على موضع الوفاق إن تم،
وإلا اتجه عدم التحريم مطلقا.
ثم قال: وكيف كان فإنما يحرم على المحرم الإقامة إذا لم يترتب
على تركها محرم، فلو خاف به وقوع الزنا المحرم وجب عليه تنبيه
الحاكم على أن عنده شهادة لتوقف الحكم على احلاله، ولو لم يندفع
إلا بالشهادة وجب إقامتها قطعا. انتهى.
وفي وجوب ما أوجبه في الموضعين اشكال، لعدم الدليل الواضح
عليه، إلا أن يدعى الاستناد في ذلك إلى الأدلة العامة من الأمر
بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتعاون على البر والتقوى، ونحو ذلك
فروع
الأول إذا وكل في حال الاحرام فأوقع، فإن كان قبل احلال
الموكل بطل، وإن كان بعده صح. أما صحة العقد بعد الاحلال
فللأصل السالم من المعارض، وأما البطلان قبل الاحلال فهو ظاهر
الأصحاب من غير خلاف يعرف، بل قال في المنتهى: ولو وكل محل
محلا في التزويج، فعقد له الوكيل بعد احرام الموكل، لم يصح النكاح
سواء حضره الموكل أو لم يحضره، وسواء علم الوكيل أو لم يعلم.
350

واستدل عليه بأن الوكيل نائب عن الموكل، فكان الفعل في الحقيقة
مستندا إليه وهو محرم. انتهى. والمسألة لا تخلو من الاشكال، لعدم
الظفر بنص في المقام.
الثاني الظاهر أنه لا خلاف في جواز الطلاق للمحرم، وجواز
مراجعة المطلقة، وشراء الإماء في حال الاحرام.
أما الأول فيدل عليه مضافا إلى الأصل السالم عن المعارض صحيحة
أبي بصير (1) قال: (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
المحرم يطلق ولا يتزوج) رواها المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى
مراقدهم) في أصولهم (2).
وروى في الكافي عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: (سألته عن المحرم يطلق؟ قال: نعم).
وأما الثاني فللأصل السالم عن المعارض، حيث إن مورد الأخبار
النهي عن النكاح، والمراجعة ليست ابتداء نكاح، فلا يشمله النهي
المذكور، لأن المطلقة رجعية في حكم الزوجة. ولا فرق في ذلك بين
المطلقة تبرعا والمختلعة إذا رجعت في البذل.
وأما الثالث فيدل على جوازه مضافا إلى الأصل السالم عن المعارض
صحيحة سعد بن سعد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) (4) قال:

(1) الوسائل الباب 17 من تروك الاحرام
(2) الفروع ج 4 ص 372، والفقيه ج 2 ص 231، والتهذيب ج 5
ص 383
(3) الفروع ج 4 ص 373، والوسائل الباب 17 من تروك الاحرام
(4) الفروع ج 4 ص 373، والفقيه ج 2 ص 308، والتهذيب ج 5
ص 331، والوسائل الباب 16 من تروك الاحرام
351

(سألته عن المحرم يشتري الجواري ويبيع؟ قال: نعم).
واطلاق النص المذكور وكذا كلام الأصحاب في هذا الباب
يقتضي عدم الفرق في شراء الإماء بين أن يقصد بذلك الخدمة أو
التسري. وهو كذلك، وإن حرمت المباشرة.
وقال شيخنا الشهيد الثاني (طاب ثراه) في المسالك: فلو قصد
المباشرة عند عقد الشراء في حال الاحرام حرم، وهل يبطل الشراء؟ فيه
وجه، منشأه النهي عنه، والأقوى العدم، لأنه عقد لا عبادة.
وقال سبطه السيد السند في المدارك بعد نقل ذلك عنه: قلت:
لا ريب في عدم البطلان، بل الظاهر عدم تحريم الشراء أيضا، لأنه
ليس منهيا عنه بخصوصه، ولا علة في المحرم أعني: المباشرة، فلا يكون
تحريمها مستلزما لتحريمه، كما هو واضح. انتهى. وهو جيد.
الثالث الظاهر أنه لا خلاف ولا اشكال في أنه متى اتفق الزوجان
على وقوع العقد في حال الاحرام بطل، وسقط المهر قبل الدخول،
سواء كانا عالمين أو جاهلين أو بالتفريق. ويدل عليه عموم الأخبار
المتقدمة (1) الدالة على بطلان النكاح في حال الاحرام. وإن دخل
بها وهي جاهلة ثبت لها المهر بما استحل من فرجها، وفرق بينهما
مؤبدا مع العلم، ومع الجهل إلى أن يحصل الاحلال كما تقدم.
وإنما الاشكال في ما إذا اختلفا فادعى أحدهما أنه وقع العقد في
حال الاحرام وأنكر الآخر فادعى وقوعه في حال الاحلال.
وقد حكم الأكثر من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن القول
قول مدعي الصحة بيمينه، بمعنى وقوعه في حال الاحلال.

(1) ص 340 إلى 343
352

واحتجوا على ذلك بوجهين: أحدهما حمل أفعال المسلمين على
الصحة. وثانيهما أنهما اتفقا على حصول أركان العقد واختلفا في
أمر زائد على ذلك، وهو وقوعه في حال الاحرام، والأصل عدمه.
وأورد على الأول (أولا): أنه لم يثبت دليل واضح على أن كل
فعل صدر عن المسلم لا بد من حمله على الصحة، بمعنى استتباع
الآثار الشرعية، نعم هو من المقدمات الشائعة بين الفقهاء والدائرة
على ألسنتهم، فإن كانت هذه المقدمة اجماعية فذلك، وإلا فللنظر
فيها مجال.
أقول: ويمكن الاستدلال على ذلك بالحديث المشهور (1): (إحمل
أخاك المؤمن على سبعين محملا من الخير.. الحديث).
وقولهم (عليهم السلام) (2): (كذب سمعك وبصرك عن أخيك).
وما رواه في الكافي (3) عن الحسين بن المختار عن أبي عبد الله (عليه
السلام) قال: (قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلام له:
ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه، ولا تظنن بكلمة
خرجت من أخيك سوء وأنت تجد لها في الخير محلا).
(1) لم نقف على هذا الحديث بعد الفحص عنه في مظانه، ولعل وصفه
بالشهرة إشارة إلى أنه مشهور على الألسنة وليس له وجود في كتب الحديث.
نعم في البحار ح 15 قسم العشرة ص 170 من الطبع القديم عن مصباح
الشريعة عن أبي بن كعب: (إذا رأيتم أحد إخوانكم في خصلة تستنكرونها
منه فتأولوا لها سبعين تأويلا..) وارجع إلى الاستدراكات

(1) الوسائل الباب 157 من أحكام العشرة رقم 4
(3) الأصول ج 2 ص 362، والوسائل الباب 161 من أحكام العشرة
353

ونحو ذلك من الأخبار الدالة على حسن الظن بالمؤمن.
و (ثانيا): إن هذا التوجيه إنما يتم إذا كان المدعي لوقوع العقد
في حال الاحرام عالما بفساد ذلك، أما مع اعترافهما بالجهل فلا وجه
للحمل على الصحة.
وعلى الثاني أن كلا منهما يدعي وصفا زائدا على أركان العقد ينكره
الآخر، فترجيح أحدهما على الآخر يحتاج إلى مرجح.
ثم إنه لو كان المدعي لوقوع العقد في حال الاحرام هو الزوج
والمنكر المرأة، فإن كان النزاع بعد الدخول وجب المسمى بأجمعه
قولا واحدا، وإن كان قبل الدخول فقيل بتنصيف المهر بذلك،
ونقل عن الشيخ (رحمه الله تعالى) ومن تبعه، لاعترافه بما يمنع
من الوطئ، قال في الشرائع: ولو قيل لها المهر كله كان حسنا.
واستصحه في المدارك، قال: لثبوته بالعقد، وتنصيفه بالمفارقة قبل
الدخول على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على موضع النص والوفاق وهو
الطلاق، ولا يلحق به ما أشبهه لبطلان القياس.
ثم قال: وقد قطع الأصحاب بأن قبول قول مدعي الصحة بيمينه إنما
هو بحسب الظاهر وإلا فيجب على كل واحد منهما في ما بينه وبين الله (تعالى)
فعل ما هو حكمه في نفس الأمر، فإن كان المدعي للصحة هو الزوج ثبت
النكاح ظاهرا، وحرم عليه التزويج بأختها، ووجب عليه نفقتها، والمبيت
عندها، ويجب عليها في ما بينها وبين الله (تعالى) أن تعمل
بما تعلم أنه الحق بحسب الامكان ولو بالهرب واستدعاء الفراق،
وليس لها المطالبة بشئ من حقوق الزوجية، ولا بالمهر قبل الدخول
أما بعده فتطالب بأقل الأمرين من المسمى ومهر المثل مع جهلها.
354

وإن كان المدعي للصحة هو المرأة انعكست الأحكام المذكورة، فلها المطالبة
بالنفقة والمهر وسائر حقوق الزوجية، ولا يحل لها التزويج بغيره، ولا
الأفعال المتوقفة على إذنه بدون إذنه. ونص شيخنا الشهيد الثاني على أنه
يجوز له بحسب الظاهر التزويج بأختها وخامسة ونحو ذلك من لوازم
الفساد، لأنها كالأجنبية بحسب دعواه.
ثم قال (قدس سره): وإنما جمعنا بين هذه الأحكام المتنافية
مع أن اجتماعها في الواقع ممتنع جمعا بين الحقين المبنيين على
المضايقة المحضة، وعملا في كل سبب بمقتضاه حيث يمكن.
أقول: والمسألة وإن كانت عارية من النص إلا أن ما ذكروه من
هذه الأحكام هو المطابق للقواعد والأصول الشرعية. وإليه يشير بعض
الأخبار التي لا يحضرني الآن موضعها. والله العالم.
الفصل الثاني في الكفارة، وفيه مسائل: الأولى من جامع أمته
أو زوجته قبلا أو دبرا محرما بحج أو عمرة، واجب أو ندب،
عامدا عالما بالتحريم، قبل المشعر، فسد حجه، وعليه اتمامه،
ويلزمه بدنة، والحج من قابل، والافتراق إذا بلغا الموضع الذي وقعت
فيه الخطيئة بمصاحبة ثالث إلى أن يفرغا.
وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع: الأول لا خلاف بين
الأصحاب في أن الجماع في الفرج في الصورة المذكورة مع العلم
والعمد موجب لفساد الحج، واتمامه، والبدنة، والحج من قابل.
ويدل عليه مضافا إلى الاتفاق روايات: منها ما رواه الشيخ
في الصحيح عن معاوية بن عمار (1) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه

(1) التهذيب ج 5 ص 318، والوسائل الباب 3 من كفارات الاستمتاع
وستأتي ص 358
355

السلام) عن رجل محرم وقع على أهله. فقال: إن كان جاهلا فليس
عليه شئ، وإن لم يكن جاهلا فإن عليه أن يسوق بدنة، ويفرق
بينهما حتى يقضيا الناسك ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا
وعليهما الحج من قابل).
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن على المشهور عن زرارة (1)
قال: (سألته عن محرم غشى امرأته وهي محرمة. فقال جاهلين أو عالمين؟
قلت: أجبني عن الوجهين جميعا. قال: إن كانا جاهلين استغفرا
ربهما ومضيا على حجهما وليس عليهما شئ، وإن كانا عالمين
فرق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه، وعليهما بدنة، وعليهما الحج
من قابل، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرق بينهما حتى يقضيا
نسكهما ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا. قلت: فأي
الحجتين لهما؟ قال: الأولى التي أحدثا فيها ما أحدثا، والأخرى
عليهما عقوبة).
وفي الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
(في المحرم يقع على أهله؟ قال: إن كان أفضى إليها فعليه بدنة
والحج من قابل، وإن لم يكن أفضى إليها فعليه بدنة وليس عليه الحج
من قابل. قال: وسألته عن رجل وقع على امرأته وهو محرم. قال:
إن كان جاهلا فليس عليه شئ، وإن لم يكن جاهلا فعليه سوق بدنة

(1) الفروع ج 4 ص 373، والتهذيب ج 5 ص 317، والوسائل الباب
3 من كفارات الاستمتاع
(2) الفروع ج 4 ص 373 و 374. والوسائل الباب 7 و 3 من كفارات
الاستمتاع
356

وعليه الحج من قابل، فإذا انتهى إلى المكان الذي وقع بها فرق محملاهما
فلم يجتمعا في خباء واحد إلا أن يكون معهما غيرهما حتى يبلغ
الهدي محله).
وعن زرارة (1) قال: (قلت لأبي جعفر (عليه السلام): رجل
وقع على أهله وهو محرم؟ قال: أجاهل أو عالم؟ قال: قلت: جاهل
قال: يستغفر الله ولا يعود ولا شئ عليه).
وعن علي بن أبي حمزة (2) قال: (سألت أبا الحسن (عليه
السلام) عن محرم واقع أهله. فقال: قد أتى عظيما. قلت: قد
ابتلي. فقال: استكرهها أو لم يستكرهها؟ قلت: أفتني فيهما جميعا.
فقال: إن كان استكرهها فعليه بدنتان، وإن لم يكن استكرهها فعليه
بدنة وعليها بدنة، ويفترقان من المكان الذي كان فيه ما كان حتى
ينتهيا إلى مكة، وعليهما الحج من قابل لا بد منه. قال: قلت: فإذا انتهيا
إلى مكة فهي امرأته كما كانت؟ فقال: نعم هي امرأته كما هي.
فإذا انتهيا إلى المكان الذي كان منهما ما كان افترقا حتى يحلا، فإذا
أحلا فقد انقضى عنهما. إن أبي كأن يقول ذلك).
قال في الكافي (3): وفي رواية أخرى: (فإن لم يقدر على بدنة فإطعام
ستين مسكينا لكل مسكين مد، فإن لم يقدر فصيام ثمانية عشر يوما
وعليها أيضا كمثله إن لم يكن استكرهها).

(1) الفروع ج 4 ص 374، والوسائل الباب 2 من كفارات الاستمتاع
(2) الفروع ج 4 ص 374، والتهذيب ج 5 ص 317، والوسائل الباب
4 من كفارات الاستمتاع
(3) الفروع ج 4 ص 374، والوسائل الباب 4 من كفارات الاستمتاع
357

وفي الصحيح عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: (سألته عن رجل باشر امرأته وهما محرمان، ما عليهما؟ فقال:
إن كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما الهدي جميعا،
ويفرق بينهما حتى يفرغا من المناسك، وحتى يرجعا إلى المكان الذي
أصابا فيه ما أصابا، وإن كانت المرأة لم تعن بشهوة واستكرهها صاحبها
فليس عليها شئ).
وما رواه الصدوق في الفقيه (2) مرسلا قال: (قال الصادق
(عليه السلام): إن وقعت على أهلك بعد ما تعقد الاحرام وقبل أن
تلبي فلا شئ عليك، وإن جامعت وأنت محرم قبل أن تقف بالمشعر
فعليك بدنة والحج من قابل، وإن جامعت بعد وقوفك بالمشعر فعليك
بدنة وليس عليك الحج من قابل، وإن كنت ناسيا أو ساهيا أو جاهلا
فلا شئ عليك).
وما رواه في التهذيب (3) في الصحيح عن معاوية بن عمار قال:
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل محرم وقع على أهله.
فقال: إن كان جاهلا فليس عليه شئ، وإن لم يكن جاهلا فإن عليه
أن يسوق بدنة، ويفرق بينهما حتى يقضيا المناسك ويرجعا إلى المكان
الذي أصابا فيه ما أصابا، وعليهما الحج من قابل).
وعن معاوية بن عمار في الصحيح (4) قال: (سألت أبا عبد الله

(1) الفروع ج 4 ص 375، والوسائل الباب 4 من كفارات الاستمتاع
(2) ج 2 ص 213، والوسائل الباب 1 و 6 و 2 من كفارات الاستمتاع
(3) ج 5 ص 318، والوسائل الباب 3 من كفارات الاستمتاع.
وتقدمت ص 355
(4) التهذيب ج 5 ص 318، والوسائل الباب 7 من كفارات الاستمتاع
358

(عليه السلام) عن رجل محرم وقع على أهله في ما دون الفرج. قال:
عليه بدنة وليس عليه الحج من قابل، وإن كانت المرأة تابعته على
الجماع فعليها مثل ما عليه، وإن كان استكرهها فعليه بدنتان، وعليهما
الحج من قابل.. آخر الخبر).
وبهذا الاسناد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (إذا
وقع الرجل بامرأته دون المزدلفة أو قبل أن يأتي المزدلفة فعليه الحج
من قابل) في الكافي نحوه (2).
وفي الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3):
(في المحرم يقع على أهله؟ قال: يفرق بينهما ولا يجتمعان في خباء
إلا أن يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدي محله).
وقال في كتاب الفقه الرضوي (4): (والرفث: الجماع، فإن
جامعت وأنت محرم في الفرج فعليك بدنة والحج من قابل، ويجب
أن يفرق بينك وبين أهلك حتى تؤدي المناسك ثم تجتمعان، فإذا
حججتما من قابل وبلغتما الموضع الذي واقعتها فرق بينكما حتى تقضيا
المناسك ثم تجتمعان، فإن أخذتما على غير الطريق الذي كنتما أخذتما
فيه العام الأول لم يفرق بينكما. وتلزم المرأة بدنة إذا جامعها الرجل
فإن أكرهها لزمه بدنتان ولم يلزم المرأة شئ، فإن كان الرجل جامعها

(1) التهذيب ج 5 ص 319، والوسائل الباب 3 و 6 من كفارات
الاستمتاع
(2) الفروع ج 4 ص 379، والوسائل الباب 3 من كفارات الاستمتاع
(3) التهذيب ج 5 ص 319، والوسائل الباب 3 من كفارات الاستمتاع
(4) ص 27
359

دون الفرج فعليه بدنة وليس عليه الحج من قابل، فإن كان الرجل
جامعها بعد وقوفه بالمشعر فعليه بدنة وليس عليه الحج من قابل).
وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر (1) نقلا من نوادر أحمد
ابن محمد بن أبي نصر عن عبد الكريم عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر
(عليه السلام) في حديث قال: (قلت له: أرأيت من ابتلي بالرفث
والرفث هو الجماع ما عليه؟ قال: يسوق الهدي، ويفرق بينه
وبين أهله حتى يقضيا المناسك، وحتى يعودا إلى المكان الذي أصابا فيه
ما أصابا. فقلت: أرأيت إن أرادا أن يرجعا في غير ذلك الطريق؟
قال: فليجتمعا إذا قضيا المناسك).
الثاني قد عرفت اتفاق الأصحاب والأخبار المذكورة في أن الجماع
في الفرج عالما عامدا موجب للبدنة وإعادة الحج، وإنما الخلاف في أنه
هل الأولى حجة الاسلام والثانية عقوبة أو بالعكس؟ فذهب الشيخ
إلى الأول؟ ويظهر من المحقق في النافع الميل إليه، وذهب ابن إدريس
إلى أن حجة الاسلام هي الثانية دون الأولى، واختاره العلامة
في المنتهى.
والظاهر هو ما ذهب إليه الشيخ، لحسنة زرارة أو صحيحته
المتقدمة (2) ولا يضر اضمارها كما نبهوا عليه في غير موضع، سيما
إذا كان المضمر مثل زرارة.
قال العلامة في المنتهى: والأقوى عندي قول ابن إدريس، لأن
الأولى فسدت فلا يخرج بها عن عهدة التكليف، ووجوب المضي فيها

(1) ص 466، والوسائل الباب 3 من كفارات الاستمتاع
(2) ص 356
360

لا يوجب أن تكون هي الحجة المأمور بها. وأما رواية زرارة فإنها
وإن كانت حسنة لكن زرارة لم يسندها إلى إمام، فجاز أن يكون
المسؤول غير إمام. وهو وإن كان بعيدا لكن البعد لا يمنع من تطرق
الاحتمال، فيسقط الاحتجاج بها. انتهى.
أقول: فيه (أولا): ما ذكره جملة من الأصحاب من أن
فساد الحج لا دليل عليه، وأخبار المسألة على تعددها لم يشتمل شئ
منها على ذلك، وغاية ما دلت عليه الروايات وجوب الاتمام والحج
من قابل، وهو لا يستلزم الفساد. نعم وقع التصريح بالفساد في بعض
عباراتهم، ولا حجة فيه ما لم يقم الدليل عليه من الأخبار.
أقول: وهذا الوجه جيد بالنظر إلى هذه الأخبار، إلا أنه قد روى
ثقة الاسلام في الكافي عن سليمان بن خالد في الصحيح (1) قال:
(سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: في الجدال شاة، وفي
السباب والفسوق بقرة، والرفث فساد الحج).
وحينئذ فيمكن أن يكون وجه الجمع بين هذه الرواية ورواية
زرارة حمل الفساد في هذه الرواية على المجاز الذي هو عبارة عن
حصول النقص فيها لا البطلان بالكلية. ومثل هذا المجاز شائع في
الاستعمال. وسيأتي في باب الطواف في حديث حمران بن أعين (2):
(في من جامع بعد أن طاف ثلاثة أشواط. قال (عليه السلام):
فقد أفسد حجه وعليه بدنة) مع الاتفاق على صحة الحج في الصورة

(1) الفروع ج 4 ص 339، والتهذيب ج 5 ص 297، والوسائل الباب
1 و 2 من بقية كفارات الاحرام.
(2) الوسائل الباب 11 من كفارات الاستمتاع.
361

المذكورة. ونحوه في الأخبار غير عزيز.
و (ثانيا): إن ما استند إليه في رد حسنة زرارة من مجرد
الاحتمال مع اعترافه ببعده، نظرا إلى قولهم: إذا قام الاحتمال بطل
الاستدلال فهو كلام شعري وخطاب جدلي خارج عن جادة التحقيق
وناشئ من الوقوع في لجج المضيق. وليت شعري إذا كان مجرد
الاحتمال مبطلا للاستدلال فبأي دليل تقوم لهم الحجة على خصمائهم
في الإمامة ومخالفيهم في الأصول وأصحاب الملل والأديان، لما يبدونه من
التأويلات والاحتمالات في أدلتهم وإن بعدت، إذ لا لفظ إلا وهو
قابل للاحتمال، ولا حجة إلا وللمنازع فيها مجال. ولو تم ما ذكروه
لا نسد عليهم باب الاستدلال في جميع هذه المقامات. بل التحقيق
أن الاستدلال مبني على الظاهر من اللفظ والمتسارع إلى الفهم، ولا
يجوز ارتكاب خلاف الظاهر الذي هو الاحتمال إلا في مقام اختلاف
الأدلة وضرورة الجمع مع ترجيح أحد الدليلين، فيرتكب في الآخر
التأويل ليرجع إليه. والأمر هنا ليس كذلك. وبالجملة فإن ما ذكره
(قدس سره) خارج عن جادة التحقيق بعيد سحيق.
وتظهر فائدة القولين المتقدمين في الأجير لتلك السنة، وفي كفارة
خلف النذر وشبهه لو كانت مقيدة بتلك السنة، وفي المفسد المصدود
إذا تحلل ثم قدر على الحج لسنته، كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله
(تعالى) في محله.
الثالث اطلاق النصوص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في
الموطوء بين الزوجة الدائمة والمتمتع بها والأمة، ولا بين الوطئ في
القبل والدبر. وبه صرح جملة من متأخري المتأخرين.
362

أما الأول فلأن الحكم في أكثر الأخبار المتقدمة وقع معلقا على
وطئ أهله، وهو شامل لكل من هذه الأفراد الثلاثة. إلا أنه عندي لا
يخلو من نوع اشكال وتوقف، لأن جملة من الأخبار المتقدمة اشتملت على
لفظ: (امرأته) ومن الظاهر بعد صدق هذا اللفظ على الأمة، وصدق
الأهل أيضا عليها لا يخلو من البعد، سيما مع ما قرر في غير موضع
من أن الأحكام إنما تحمل على ما هو الفرد الشائع الغالب المتكثر
وهو الذي يتبادر إليه الاطلاق، ولا ريب أن الفرد الشائع الغالب
إنما هو الزوجة الدائمة. وكيف كان فالاحتياط يقتضي الوقوف على
ما ذكروه نور الله (تعالى) مراقدهم وأعلى مقاعدهم.
وأما الثاني فلأن الحكم في الأخبار ترتب على المواقعة، والظاهر
شمولها لكل من القبل والدبر، لما روي في الدبر: (أنه أحد
المأتيين) (1).
ونقل عن الشيخ في المبسوط أنه أوجب بالوطئ في الدبر البدنة
دون الإعادة. وعبارته التي نقلها في المختلف لا تساعد على ذلك، فإنه
(قدس سره) قال في النهاية على ما نقله في المختلف: إن كان جماعه
في الفرخ قبل الوقوف كان عليه بدنة والحج من قابل، وإن كان
جماعه في ما دون الفرج كان عليه بدنة دون الحج من قابل. وأطلق
وقال في المبسوط: إن جامع المرأة في الفرج قبلا كان أو دبرا قبل
الوقوف بالمشعر عامدا سواء كان قبل الوقوف بعرفة أو بعده فسد حجه
ووجب عليه المضي فيه، والحج من قابل، وبدنة، وإن كان الجماع
في ما دون الفرج كان عليه بدنة لا غير. وعبارته هذه صريحة في

(1) الوسائل الباب 12 من الجنابة
363

جعل الدبر من الفرج. وقال في الخلاف: إذا وطئ في الفرج فسد
حجه، وإن وطئ في ما دونه لم يفسد حجه وإن أنزل، ثم قال:
ومن أصحابنا من قال: اتيان البهيمة واللواط بالرجال والنساء باتيانها
في دبرها، كل ذلك يتعلق به فساد الحج. وبه قال الشافعي (1)
ومنهم من قال: لا يتعلق الفساد إلا بالوطئ في القبل من المرأة. واستدل
على الأول بالاحتياط، وعلى الثاني بالبراءة.
وقال ابن البراج: إذا جامع في الفرج أو في ما دونه متعمدا قبل
الوقوف بالمزدلفة فسد حجه.
قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه: فإن جعل الفرج عبارة عن
القبل وما دونه عبارة عن الدبر صح كلامه وإلا فلا.
ثم قال: وابن إدريس فصل كالشيخ في المبسوط، وباقي علمائنا
أطلقوا كالشيخ في النهاية.
ثم قال: والأقرب عندي أنه لا فرق بين القبل والدبر سواء كان
بامرأة أو بغلام، لنا: أنه هتك محرم عليه مساو للقبل في الأحكام
فيساويه في الافساد. ولأنه أفحش فالعقوبة به أتم. ولأنه يصدق عليه
أنه واقع وغشى امرأته فيثبت فيه الحكم، ولأن الأحاديث معلقة عليه
ثم قال: احتج الآخرون بما رواه معاوية بن عمار في الصحيح (2)
قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل وقع على أهله
في ما دون الفرج. قال: عليه بدنة وليس عليه الحج من قابل)
ثم أجاب بأنا نقول بموجبه، لأن الدبر يسمى فرجا، لأنه مأخوذ من

(1) المغني ج 3 ص 303 طبع مطبعة العاصمة
(2) التهذيب ج 5 ص 318، والوسائل الباب 7 من كفارات الاستمتاع
364

الانفراج وهو متحقق فيه. انتهى.
أقول: لا ريب أن ظاهر لفظ الوقوع في الروايات المتقدمة صادق
على القبل والدبر. بقي الكلام في هذه الرواية من حيث تضمنها
للوقوع على أهله في ما دون الفرج، فربما يتوهم منها اختصاص الفرج
بالقبل، كما هو أحد القولين في المسألة، فيمكن أن يخصص بها
اطلاق الروايات المتقدمة. ومن ما أيدها بعض الأخبار المتقدمة في
باب غسل الجنابة في مسألة الجماع في الدبر (1). والجواب عن ذلك أن
يقال: إن المفهوم من كلام أهل اللغة أن الفرج يطلق على الموضعين
لا اختصاص له بالقبل، قال ابن الأثير في النهاية: وفي حديث
أبي جعفر الأنصاري: (فملأت ما بين فروجي) جمع فرج وهو ما بين
الرجلين، يقال للفرس: ملأ فرجه وفروجه. إذا عدا وأسرع.
وبه سمي فرج المرأة والرجل، لأنهما بين الرجلين. انتهى. وقال
في القاموس: والفرج: العورة. وقال الفيومي في كتاب المصباح
المنير: والفرج من الانسان يطلق على القبل والدبر، لأن كل واحد
منهما منفرج أي منفتح. وأكثر استعماله في العرف في القبل. وقد
ورد في حديث الاستنجاء (2): اللهم حصن فرجي. وحينئذ فيجب
حمل الصحيحة المذكورة على الوقوع في ما عدا القبل والدبر من البدن
مثل أن يكون بين الأليتين من دون ايقاب، أو التفخيذ للمرأة، كما
يشير إليه قوله (عليه السلام) في صحيحة معاوية بن عمار الأخرى (3):

(1) ج 3 ص 4 إلى 12
(2) خلاصة الأذكار للفيض الكاشاني ص 73
(3) ص 356، واللفظ: (في المحرم يقع على أهله)
365

(وقد سأله عن المحرم يقع على أهله. قال: إن كان أفضى إليها فعليه
بدنة.. الحديث وقد تقدم، يعني: جامع وأولج في قبل أو دبر. وإن
لم يكن أفضى فعليه بدنة) يعني: مع الانزال أو مطلقا، كما سيأتي
بيانه إن شاء الله (تعالى).
نعم بقي الكلام في ما عدا المرأة من الغلام والزنى، وظاهر كلامه
هنا وكذا في المنتهى أنه كذلك، فإنه ألحق بوطئ الزوجة الزنى ووطئ
الغلام، وعلله بما ذكره هنا. وبه صرح غيره أيضا وللنظر فيه
مجال وإن كان الاحتياط في ما ذكروه.
الرابع اطلاق الأخبار المتقدمة شامل لما لو كان الحج واجبا أو
مندوبا، عن نفسه أو غيره، لأن المندوب بالدخول فيه يصير واجبا
وبذلك صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بل صرح
السيد المرتضى (رضي الله عنه) بدعوى الاجماع عليه، حيث قال
في المسائل الرسية على ما نقله في المختلف اعلم أنه لا خلاف
بين الإمامية في أن المجامع قبل الوقوف بعرفة أو بالمشعر الحرام يجب
عليه مع الكفارة قضاء هذه الحجة نفلا كانت أو فرضا. انتهى. وأما
بالنسبة إلى ما إذا كانت الحجة عن الغير فقد تقدم ذكره في حج النيابة.
الخامس المشهور بين الأصحاب أن الجماع مفسد إذا وقع قبل
الوقوف بالمشعر سواء كان قبل الوقوف بعرفة أو بعده، ونسبه في
المختلف إلى الشيخ علي بن بابويه وابنه في المقنع، قال: ورواه في
كتاب من لا يحضره الفقيه (1) وهو قول ابن الجنيد وابن البراج

(1) ج 2 ص 213، والوسائل الباب 1 و 6 و 2 من كفارات الاستمتاع
وتقدم ص 358
366

وابن حمزة وابن إدريس. ثم نقل عن الشيخ المفيد: أنه إن جامع
قبل الوقوف بعرفة فكفارته بدنة، وعليه الحج من قابل، ويستغفر
الله، وإن جامع بعد وقوفه بعرفة فعليه بدنة، وليس عليه الحج من
قابل. وهو قول سلار ولبي الصلاح. وللسيد المرتضى قولان:
أحدهما هذا، ذكره في الجمل، والثاني كالأول، ذكره في الإنتصار
ثم نقل عبارته في الإنتصار بما هذه صورته: من ما انفردت به الإمامية
القول بأن من وطئ عامدا في الفرج قبل الوقوف بالمشعر فعليه بدنة
والحج من قابل، ويجري عندهم مجرى من وطئ قبل الوقوف بعرفة.
وقال في المسائل الرسية: اعلم أنه لا خلاف بين الإمامية في أن المجامع..
العبارة التي تقدمت.
والعمل على القول المشهور، لما تقدم من مرسلة الصدوق في من
لا يحضره الفقيه (1) عن الصادق (عليه السلام) وصحيحة معاوية بن
عمار التي بعدها المروية في التهذيب، وفي الكافي نحوها (2).
ونقل في المختلف عن الشيخ المفيد أنه احتج بما روى عنه (صلى
الله عليه وآله) أنه قال: (الحج عرفة) (3) ثم أجاب عنه بأنه
محمول على أن معظم الحج عرفة ثم قال: وهذا بعد تسليم الحديث.
وبالجملة فإن القول المذكور ضعيف ودليله غير ثابت، ومع ثبوته

(1) ج 2 ص 213، والوسائل الباب 1 و 6 و 2 من كفارات الاستمتاع.
وتقدم ص 358
(2) تقدمت ص 359
(3) مستدرك الوسائل الباب 18 من احرام الحج. وسنن البيهقي ج 5
ص 216. والجامع الصغير ج 1 ص 150
367

فهو غير ظاهر في المدعى، فلا يعارض الخبرين الصحيحين الصريحين
في الحكم المذكور.
السادس ظاهر جملة من الأخبار المتقدمة وصريح بعضها وجوب
التفريق بينهما. ونقل في المدارك أنه مجمع عليه بين الأصحاب في
حج القضاء، ومحل خلاف في الحجة الأولى.
وظاهر المختلف أن التفريق مطلقا محل خلاف، حيث قال: قال
الشيخ في الخلاف: إذا وجب عليهما الحج في المستقبل فإذا بلغا إلى
الموضع الذي واقعها فيه فرق بينهما، واختلف أصحاب الشافعي هل
هي واجبة أو مستحبة (1)؟ ولم ينص الشيخ هنا على أحدهما. وفي
النهاية والمبسوط: وينبغي لهما أن يفترقا. وليس صريحا في أحدهما
إذ قد يستعمله كثيرا فيهما. وقد نص شيخنا علي بن بابويه على وجوبه
فقال: ويجب أن يفرق بينك وبين أهلك. وهكذا قال ابنه في المقنع
ومن لا يحضره الفقيه. وهو الظاهر من كلام ابن الجنيد. والروايات
تدل على الأمر بالتفريق، فإن قلنا الأمر للوجوب كان واجبا وإلا
فلا. انتهى.
أقول: ظاهر كلامه هنا التردد في الحكم بالوجوب والتوقف فيه،
ولا وجه له بعد اعترافه بدلالة الروايات على الأمر، مع تصريحه في
الأصول بأن الأمر حقيقة في الوجوب.
وما نقله عن الشيخ علي بن بابويه وابنه في كتابيه فهو عين عبارة
كتاب الفقه الرضوي المتقدمة (2).

(1) المجموع للنووي ج 7 ص 388 و 399 الطبعة الثانية.
(2) ص 359
368

وبالجملة فإن الروايات المتقدمة مع كثرتها قد اتفقت على التفريق،
ومنها ما هو بلفظ الأمر وإن كان بالجملة الفعلية، وعبارة كتاب
الفقه صريحة في الوجوب، فلا مجال للتوقف فيه، وقد قطع في المنتهى
بالوجوب من غير نقل خلاف إلا من العامة (1).
والظاهر أن المخاطب بالوجوب هو الإمام أو نائبه الذي يحج
بالناس، كما هو المعمول عليه في الصدر الأول. ولم أقف على من
تعرض لبيان ذلك من الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم).
بقي الكلام هنا في التفريق هل هو في مجموع الحجتين أو حجة
القضاء خاصة؟ وبيان غاية التفريق.
فنقل في المختلف عن الشيخ (قدس سره) أنه حكم بالتفريق
في حجة القضاء مدة بقائهما على النسك، فإذا قضيا المناسك
سقط هذا الحكم. ثم قال: وقال شيخنا علي بن بابويه: ويجب أن
يفرق بينك وبين أهلك حتى تقضيا المناسك ثم تجتمعان، فإذا حججتما
من قابل وبلغتما الموضع الذي كان منكما ما كان فرق بينكما حتى
تقضيا المناسك ثم تجتمعان. فأوجب التفريق في الحجتين معا. وقال
ابن الجنيد: يفرق بينهما إن كانت زوجته أو أمته إلى أن يرجعا إلى
المكان الذي وقع عليها فيه من الطريق، وهما في جميع ذلك ممتنعان
من الجماع، وإن كانا قد أحلا فإذا رجعا إليه جاز لهما ذلك،
فإذا حجا قابلا فبلغا ذلك المكان فرق بينهما، ولا يجتمعان حتى
يبلغ الهدي محله. فأثبت التفريق في الحجتين معا، وبعد قضاء الحج

(1) المجموع للنووي ج 7 ص 388 و 399 الطبعة الثانية
369

الفاسد إلى أن يبلغ في الرجوع إلى مكان الخطيئة. انتهى كلامه
زيد مقامه.
أقول: لا ريب أن ظواهر الأخبار المتقدمة دالة على وجوب
التفريق في الحجتين معا، ومنها كلامه (عليه السلام) في كتاب
الفقه الرضوي، وهو عين ما نقله في المختلف عن الشيخ علي بن بابويه
ومنه يعلم أن مستنده في الحكم المذكور إنما هو الكتاب المذكور
لا ما توهمه في المختلف من أن مستنده رواية علي بن أبي حمزة
المتقدمة (1) وإن كانت دالة على ذلك. ونقل هذه العبارة أيضا
الصدوق في الفقيه عن أبيه في رسالته إليه في باب ما يجب على المحرم
اجتنابه من الرفث والفسوق والجدال في الحج (2).
وظاهر كلامه (عليه السلام) في كتاب الفقه أن غاية التفريق في
الحجة الأولى بعد مواقعة الخطيئة إلى أن يقضيا المناسك ويتحللا من
احرامهما، وكذا في الحجة الثانية بعد الوصول إلى محل الخطيئة.
وظاهر رواية علي بن أبي حمزة (3) أنه في الحجة الأولى يفرق بينهما
من ذلك المكان إلى أن ينتهيا إلى مكة، وفي الحجة الثانية من وصول
ذلك المكان إلى أن يحلا من جميع محرمات الحج والفراغ من جميع
المناسك. وكذا الاحلال من الحجة الثانية (4). ويحتمل حمل
الاحلال على بلوغ الهدي محله كما سيأتي.
وظاهر صحيحة زرارة أو حسنته (5) بالنسبة إلى الحجة الأولى وجوب

(1) ص 357 و 356
(2) ص 212 و 213
(3) ص 357 و 356
(4) في النسخة الخطية: (وكذا الاحلال في الحجة الثانية) وكيف
كان فيحتمل في هذه الجملة أن تكون زيادة من قلم النساخ
(5) ص 357 و 356
370

التفريق من المكان الذي أحدثا فيه، إلا أنه لم يذكر غايته. وفي
الحجة الثانية من بلوغ المكان الذي أحدثا فيه إلى أن يقضيا المناسك
ويرجعا إلى ذلك المكان. والواجب حمل هذه الرواية على ما قدمناه
من الروايتين الأولتين، بتقييد اطلاق الغاية في الحجة الأولى بما تقدم
من قضاء المناسك، وحمل الرجوع في الحجة الثانية إلى ذلك المكان
بعد قضاء المناسك على الاستحباب، كما صرح به بعض الأصحاب.
وأما صحيحة معاوية بن عمار الأولى فقد تضمنت أنه إن لم يكن
جاهلا فإن عليه أن يسوق بدنة، ويفرق بينهما حتى يقضيا المناسك
ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا. وظاهرها أن ذلك في
الحجة الأولى، ولم يتعرض للحجة الثانية. ومثلها في ذلك صحيحة
سليمان بن خالد ورواية السرائر.
وظاهر كلام ابن الجنيد المتقدم نقله أنه أوجب التفريق في الحجة
الأولى من مكان الخطيئة إلى أن يرجعا إليه. وهذه الأخبار تصلح لأن
تكون مستندا له، إلا صحيحة معاوية بن عمار الثانية، فإنها إنما
اشتملت على الحجة الثانية، إلا أنه جعل غاية التفريق فيها بلوغ
الهدي محله. ومثله في صحيحته الأخيرة من الروايات المتقدمة. والظاهر
أنه كناية عن الاحلال وإن لم يكن عن جميع محرمات الاحرام وقضاء
جميع المناسك، كما تقدم في الروايات السابقة.
ولعل طريق الجمع بينها حمل تعدد هذه الغايات على مراتب الفضل
والاستحباب، فغايته الأولى بلوغ الهدي محله، وأفضل منه قضاء جميع
المناسك، وأفضل الجميع الرجوع إلى موضع الخطيئة.
ثم إن عندي في المقام اشكالا لم أقف على من تنبه له ولابنه عليه
371

وهو أن جعل الغاية في جملة من هذه الأخبار قضاء المناسك والرجوع
إلى الموضع الذي أحدثا فيه ما أحدثا إنما يتم لو كان الاحرام بالحج
من الميقات خارج مكة، فإنه لا بد له في الرجوع بعد الحج من المرور
على ذلك المكان إن سلك تلك الطريق، أما لو كان الحج من مكة
كما في حج التمتع وبعض أقسام الافراد فإنه يشكل ذلك بأنه
بعد الفراغ من المناسك ليس له رجوع إلى ذلك الموضع ولا مرور
عليه، لأنه بعد فراغه من جميع المناسك يتوجه إلى بلاده، والخطيئة
إنما وقعت في سفره إلى عرفة، فكيف يتم ما أطلق في تلك الأخبار
من أن غاية الافتراق قضاء جميع المناسك والرجوع إلى ذلك الموضع؟
فوائد
الأولى قال الفاضل الخراساني في الذخيرة: واعلم أنه نقل
الصدوق عن والده: فإن أخذتما على طريق غير الذي كنتما أخذتما
فيه العام الأول لم يفرق بينكما. وبمضمونه أفتى جماعة من الأصحاب
كالفاضلين والشهيد وغيرهم. وهو متجه، للأصل السالم من المعارض.
واحتمل الشهيد الثاني وجوب التفريق في المتفق من الطريقين، وهو
ضعيف. انتهى.
أقول: ما نقله الصدوق عن والده مأخوذ كما عرفت من
عبارة كتاب الفقه المتقدمة، وهي مستند هذا الحكم. وهذا الحكم
لم يوجد في شئ من أخبار المسألة إلا في الكتاب المذكور، وكذا في
رواية السرائر لكن باعتبار الغاية لا الابتداء، بمعنى أنهما إن رجعا
في تلك الطريق فغاية التفريق هو ذلك المكان، وإن رجعا في غيره
372

كان غاية التفريق قضاء المناسك خاصة.
الثانية معنى التفريق المأمور به في هذه الأخبار هو أن لا يجتمعا
في مكان واحد إلا ومعهما ثالث.
كما رواه في الكافي في الصحيح أن الحسن إلى أبان رفعه إلى أحدهما
(عليهما السلام) (1) قال: (معنى (يفرق بينهما) أي لا يخلوان
وأن يكون معهما ثالث) وجملة: (وأن يكون) بيان للجملة الأولى.
وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن أبان رفعه إلى أبي جعفر
وأبي عبد الله (عليهما السلام) (2) قالا: (المحرم إذا وقع على أهله
يفرق بينهما. يعني بذلك: لا يخلوان وأن يكون معهما ثالث).
واعتبر الأصحاب في الثالث أن يكون مميزا، لأن وجود غير
المميز كعدمه. وهو جيد، لأنه المتبادر من العبارة المذكورة بقرينة
المقام.
الثالثة لو وطئ ناسيا أو جاهلا فقد صرحت الأخبار المتقدمة
بأنه لا شئ عليه. والظاهر أنه لا خلاف فيه عندنا. ونقل الخلاف
فيه في المنتهى عن مالك وأبي حنيفة وأحمد والشافعي في القديم (3)
فإنهم أفسدوا به الحج وأوجبوا البدنة. وأخبارنا ترده.
والظاهر أن مثلهما ما لو أكره على الجماع، كما ذكره العلامة

(1) الفروع ج 4 ص 373، والوسائل الباب 3 من كفارات الاستمتاع
(2) التهذيب ج 5 ص 319 و 320، والوسائل الباب 3 من كفارات
الاستمتاع.
(3) المغني ج 3 ص 307 و 434 و 435 طبع مطبعة العاصمة.
373

في المنتهى. وظاهر عبارته فيه أنه اجماعي. ولحديث (رفع عن أمتي) (1)
ولأن الاكراه يرفع الفساد في حق المرأة لو أكرهها زوجها، فكذا هو
لو أكره أيضا.
السابع حكم المرأة في ما ذكر حكم الرجل، من المضي في الحج
وقضائه، ووجوب البدنة، متى طاوعته.
وتدل على ذلك صحيحة سليمان بن خالد وصحيحة معاوية
المتقدمتان (2) ورواية علي بن أبي حمزة (3).
وما رواه الشيخ في التهذيب (4) عن خالد الأصم قال: (حججت
وجماعة من أصحابنا وكانت معنا امرأة، فلما قدمنا مكة جاءنا رجل
من أصحابنا فقال: يا هؤلاء إني قد بليت. قلنا: بماذا؟ قال:
شكرت بهذه المرأة، فاسألوا أبا عبد الله (عليه السلام). فسألناه فقال:
عليه بدنة. فقالت المرأة: فاسألوا لي أبا عبد الله (عليه السلام) فإني
قد اشتهيت، فسألناه فقال (عليه السلام): عليها بدنة).
ويتحمل عنها البدنة في صورة الاكراه كما دلت عليه رواية علي
ابن أبي حمزة (5) وعبارة كتاب الفقه الرضوي. وأما طعنه في المدارك
في رواية علي بن أبي حمزة بأنها ضعيفة، وقول صاحب الذخيرة
أنها ضعيفة السند، فيشكل التعويل عليها في الحكم المخالف للأصل،
فإنه مردود بما صرح به كل منهما في غير موضع من أن ضعف السند

(1) الوسائل الباب 30 من الخلل الواقع في الصلاة، والباب 56 من
جهاد النفس
(2) ص 358 رقم 1 و 4
(3) ص 357
(4) ج 5 ص 331، والوسائل الباب 3 من كفارات الاستمتاع
(5) ص 357
374

مجبور بعمل الأصحاب متى اتفقوا على الحكم المذكور فيها، وهو هنا
كذلك، فإنه لا مخالف في الحكم المذكور في ما أعلم. وفي المنتهى لم
ينقل الخلاف فيه إلا عن العامة (1).
الثامن لو جامع بعد الوقوف بالمشعر وقبل طواف النساء كان
حجه صحيحا، وعليه بدنة. وهو مجمع عليه كما حكاه في المنتهى.
ويدل على سقوط القضاء هنا الأصل المؤيد بمفهوم قول الصادق
(عليه السلام) في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة (2): إذا وقع
الرجل بامرأته دون المزدلفة، أو قبل أن يأتي المزدلفة، فعليه الحج
من قابل).
ويدل على سقوط القضاء مع وجوب البدنة مرسلة الصدوق
المتقدمة (3) وقوله (عليه السلام) في كتاب الفقه (4): (فإن كان
الرجل جامعها بعد وقوفه بالمشعر فعليه بدنة، وليس عليه الحج
من قابل).
ويدل على وجوب البدنة أيضا مع صحة الحج ما رواه في الكافي
في الصحيح إلى سلمة بن محرز (5) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه

(1) المغني ج 3 ص 302 طبع مطبعة العاصمة
(2) التهذيب ج 5 ص 319، والوسائل الباب 3 و 6 من كفارات
الاستمتاع
(3) ص 358
(4) ص 359 و 360
(5) الوسائل الباب 10 من كفارات الاستمتاع
375

السلام) عن رجل وقع على أهله قبل أن يطوف طواف النساء. قال:
ليس عليه شئ. فخرجت إلى أصحابنا فأخبرتهم، فقالوا: اتقاك، هذا
ميسر قد سأله عن مثل ما سألت فقال له: عليك بدنة. قال:
فدخلت عليه، فقلت: جعلت فداك أني أخبرت أصحابنا بما أجبتني،
فقالوا: اتقاك، هذا ميسر قد سأله عن ما سألت فقال له: عليك بدنة
فقال: إن ذلك كان بلغه، فهل بلغك؟ قلت: لا. قال: ليس
عليك شئ).
وروى الشيخ في الصحيح أيضا إلى سلمة بن محرز (1) (أنه كان
تمتع، حتى إذا كان يوم النحر طاف بالبيت وبالصفا والمروة، ثم
رجع إلى منى ولم يطف طواف النساء، فوقع على أهله، فدكره لأصحابه
فقالوا: فلان قد فعل مثل ذلك، فسأل أبا عبد الله (عليه السلام) فأمره
أن ينحر بدنة. قال سلمة: فذهبت إلى أبي عبد الله (عليه السلام)
فسألته فقال: ليس عليك شئ. فرجعت إلى أصحابي فأخبرتهم بما
قال، فقالوا: اتقاك وأعطاك من عين كدرة. فرجعت إلى أبي عبد الله
عليه السلام) فقلت: إني لقيت أصحابي فقالوا: اتقاك، وقد
فعل فلان مثل ما فعلت فأمره أن ينحر بدنة. فقال: صدقوا
ما اتقيتك ولكن فلان فعله متعمدا وهو يعلم، وأنت فعلته وأنت
لا تعلم، فهل كان بلغك ذلك؟ قال: قلت: لا والله ما كان بلغني.
فقال: ليس عليك شئ).
وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار (2)

(1) التهذيب ج 5 ص 486، والوسائل الباب 10 من كفارات الاستمتاع
(2) الفروع ج 4 ص 378، والوسائل الباب 9 و 18 من كفارات
الاستمتاع
376

قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن متمتع وقع على أهله
ولم يزر. قال: ينحر جزورا. وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجه
إن كان عالما، وإن كان جاهلا فلا شئ عليه. وسألته عن رجل
وقع على امرأته قبل أن يطوف طواف النساء. قال: عليه جزور
سمينة، وإن كان جاهلا فليس عليه شئ. قال: وسألته عن رجل
قبل امرأته، وقد طاف طواف النساء ولم تطف هي. قال: عليه دم
يهريقه من عنده).
وروى في الكافي في الصحيح عن عيص بن القاسم (1) قال: (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل واقع أهله حين ضحى قبل أن
يزور البيت. قال: يهريق دما).
التاسع لو جامع في ما دون الفرجين قبل الوقوف بالمشعر أو
بعده، كالتفخيذ ونحوه، صح حجه، ووجبت عليه البدنة. والظاهر أنه لا خلاف فيه.
ويدل عليه ما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار (2) وهي الأخيرة
من صحاحه.
وقد تضمنت أيضا أن حكم المرأة كالرجل في ذلك لو طاوعته. ومع
اكراهه لها فعليه بدنتان. إلا أنها تضمنت أن عليهما الحج من قابل
في الصورة المذكورة ولا قائل به. والأخبار تدفعه، إذ وجوب
الحج إنما هو في صورة الجماع الحقيقي لا في هذه الصورة. وأيضا
فإنه في صورة الجماع الحقيقي لا يجب على المرأة الحج مع الاستكراه
ولا البدنة، وهذا الخبر مع تضمنه تحمل الزوج البدنة عنها تضمن

(1) الوسائل الباب 9 من كفارات الاستمتاع
(2) ص 358 رقم 4
377

وجوب الحج عليهما. ولعله قد تطرق إلى الخبر المذكور نوع من التحريف
الذي أوجب ذلك.
وتدل على ذلك صحيحته الأخرى (1) وهي الثانية من صحاحه المتقدمة
حيث اشتملت على أنه إن كان أفضى إليها فعليه بدنة والحج من قابل،
وإن لم يكن أفضى إليها فعليه بدنة وليس عليه الحج من قابل.
وقد تقدم في كلامه (عليه السلام) في كتاب الفقه الرضوي (2):
(فإذا كان الرجل جامعها دون الفرج فعليه بدنة وليس عليه الحج
من قابل).
واطلاق هذه النصوص وكذا عبارات جملة من الأصحاب يقتضي
وجوب البدنة في الصورة المذكورة أنزل أم لم ينزل، وكذا المرأة
إلا أن العلامة في المنتهى تردد في الحكم المذكور، فقال: لا ريب في
وجوبها مع الانزال، وهل تجب بدونه؟ فيه تردد. ورده في المدارك
بأنه لا وجه له بعد اطلاق النص بالوجوب، وتصريح الأصحاب
بوجوب الجزور بالتقبيل، والشاة بالمس بشهوة، كما سيجئ بيانه
إن شاء الله (تعالى). انتهى.
العاشر قد تقدم في سابق هذا الموضع أنه لو جامع بعد الوقوف
بالمشعر وقبل طواف النساء، كان حجه صحيحا، وعليه بدنة. وقد تقدمت
النصوص الدالة على وجوب البدنة في الصورة المذكورة.
بقي أن الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) قد صرحوا بأنه
مع العجز عن البدنة فبقرة أو شاة، وبعض رتب الشاة على البقرة
فأوجب البقرة أولا ثم الشاة مع تعذرها.

(1) ص 356
(2) 359 و 360
378

قال في المدارك بعد نقل ذلك: إنه قد اعترف جملة من الأصحاب
بعدم الوقوف على مستنده. والظاهر أنه أشار بذلك إلى ما ذكره
جده (قدس سرهما) في المسالك والروضة، حيث قال في الأول
بعد نقل عبارة المصنف الدالة على التخيير بين الشاة والبقرة بعد
العجز عن البدنة ما لفظه: لا اشكال في وجوب البدنة للجماع
وبعد المقفين وقبل طواف الزيارة، بل بعده أيضا قبل طواف النساء
وإنما الكلام في هذين البدلين، فإن النصوص خالية عن البقرة وعن
الشاة من جهة كونهما بدلا، وإنما الموجود في رواية معاوية بن
عمار وجوب جزور مطلقا، وفي رواية العيص بن القاسم دم. لكن الذي
عليه الأصحاب هو التفصيل، فالعمل به متعين، ولعل فيه جمعا بين
الروايتين. لكن الموجود في كلامهم أن الشاة مرتبة على العجز عن
البقرة، كما أن البقرة مرتبة على البدنة. والمصنف هنا خير بين
الشاة والبقرة. وما ذكروه أولى. انتهى.
أقول: لا ريب أن مستند الأصحاب في الحكم المذكور هو ما
رواه الصدوق في الفقيه عن خالد بياع القلانس (1) قال: (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أتى أهله وعليه طواف النساء
قال: عليه بدنة. ثم جاءه آخر فسأله عنها، فقال: عليه بقرة.
ثم جاءه آخر فسأله عنها، فقال: عليه شاة. فقلت بعد ما قاموا:
أصلحك الله (تعالى) كيف قلت: عليه بدنة؟ فقال: أنت موسر وعليك
بدنة، وعلى الوسط بقرة، وعلى الفقير شاة).
وحيث إن الفاضلين المذكورين ومثلهما صاحب الذخيرة حيث

(1) الفقيه ج 2 ص 231، والوسائل الباب 10 من كفارات الاستمتاع
379

اقتفى أثر صاحب المدارك كما هي عادته غالبا لم يقفوا على الرواية
المذكورة، وقعوا في ما ذكروا.
إلا أنه قد تقدم نقلا عن صاحب الكافي أنه قال بعد نقل رواية
علي بن أبي حمزة المتقدمة في الموضع الأول (1) المتضمنة لوجوب
البدنة على المجامع ما صورته (2): وفي رواية أخرى: (فإن لم يقدر
على بدنة فإطعام ستين مسكينا، لكل مسكين مد، فإن لم يقدر
فصيام ثمانية عشر يوما. وعليها أيضا كمثله إن لم يكن استكرهها).
والظاهر اختصاص هذا الحكم ببدنة المجامع قبل الموقفين، ووجوب
البقرة والشاة على النحو المذكور آنفا مختص ببدنة المجامع بعد
الموقفين.
بقي الاشكال أيضا في أنه قد تقدم في صدر الفصل الأول من
هذا الصنف (3) نقل صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى
(عليه السلام) في تفسير الآية: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال
في الحج) (4) قال (عليه السلام): الرفث: الجماع.. إلى أن
قال: فمن رفث فعليه بدنة ينحرها وإن لم يجد فشاة.. الحديث.
وبذلك يعظم الاشكال في المقام. ولم أقف في كلام أحد من الأصحاب
(رضوان الله عليهم) على التعرض لذكر بدل البدنة الواجبة بالجماع قبل
المشعر مع تعذرها. والذي وقفت عليه في الأخبار مرسلة الكليني الدالة
على الاطعام كما عرفت، وصحيحة علي بن جعفر المذكورة الدالة على

(1) ص 357
(2) الفروع ج 4 ص 374، والوسائل الباب 4 من كفارات الاستمتاع
(3) ص 340
(4) سورة البقرة، الآية 197
380

الشاة. والجمع بالتخيير بينهما ممكن.
وروى في الكافي عن أبي خالد القماط (1) قال: (سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن رجل وقع على امرأته يوم النحر قبل أن يزور
قال: إن كان وقع عليها بشهوة فعليه بدنة، وإن كان غير ذلك
فبقرة. قلت: أو شاة، قال: أو شاة) ولم أقف على قائل بمضمون
هذا التفصيل.
والعلامة في المنتهى بعد أن ذكر هذا الحكم لم يورد له دليلا إلا
حسنة معاوية بن عمار، وصحيحة العيص المشار إليها في كلام المسالك
ورواية القماط المذكورة، ولم يتعرض لنقل رواية خالد بياع القلانس
وهذا من ما يؤيد ما صار إليه المتأخرون من إنكار النص في المسألة،
حيث إن هذا كلام من تقدمهم من مثل العلامة ونحوه.
والعجب أنه نقل أيضا في جملة ذلك ما رواه ابن بابويه عن أبي بصير (2) قال:
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل واقع
امرأته وهو محرم. قال: عليه جزور كوماء. فقال: لا يقدر؟ قال:
ينبغي لأصحابه أن يجمعوا له ولا يفسدوا عليه حجه) وهذه الرواية كما
ترى إنما تدل على خلاف موضوع المسألة من الانتقال إلى البقرة
ثم الشاة، حيث إن ظاهر الخبر تعين البدنة، وإن عجز فيسعى في
حصولها ولو بالاستعانة بالناس.
الحادي عشر قال الشيخ: ولو عجز عن البدنة الواجبة بالافساد
فعليه بقرة، فإن عجز فسبع شياه، فإن عجز فقيمة البدنة دراهم،

(1) الفروع ج 4 ص 387، والوسائل الباب 9 من كفارات الاستمتاع
(2) الفقيه ج 2 ص 213، والوسائل الباب 3 من كفارات الاستمتاع
381

تصرف في الطعام ويتصدق به، فإن عجز صام عن كل مد يوما.
كذا نقله عنه في المنتهى والدروس. ونقل عنه في المنتهى أنه قال بعد
ذلك: وفي أصحابنا من قال هو مخير. ونقلا أيضا عن ابن بابويه أنه قال:
من وجب عليه بدنة في كفارة فلم يجدها فعليه سبع شياه، فإن
لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في منزله.
وفي الدروس: أنه قال في التهذيب: روى اطعام ستين مسكينا لكل
مسكين مد، فإن عجز صام ثمانية عشر يوما. ذكره في الرجل والمرأة.
أقول: الظاهر أن هذه الرواية هي التي تقدم عن الكافي نقلها بعد
نقل رواية علي بن أبي حمزة، المتقدم جميع ذلك في الموضع الأول،
وقد تقدمت في سابق هذا الموضع أيضا.
ونقل في المنتهى عن الشيخ (قدس سره) أنه استدل على ما قدمنا
نقله عنه باجماع الفرقة وأخبارهم وطريقة الاحتياط.
وظاهره في المنتهى القول بما ذكره الشيخ من الترتيب في البدنة
وما بعدها من البقرة ثم الشياه السبع ثم الصدقة ثم الصوم. وفي الدروس
اقتصر على نقل القولين المذكورين.
أقول: والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة هو
ما رواه المشايخ الثلاثة عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1): (في الرجل تكون عليه بدنة واجبة في فداء. قال:
إذا لم يجد بدنة فسبع شياه، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما)
وزاد في الفقيه والتهذيب: (بمكة أو في منزله).

(1) الفروع ج 4 ص 385، والفقيه ج 2 ص 232، والتهذيب ج 5 ص
481، والوسائل الباب 2 من كفارات الصيد. والراوي هو داود الرقي
382

والظاهر أن هذه الرواية هي مستند الصدوق في ما نقل عنه. إلا أنها ظاهرة في كون تلك البدنة فداء، وهو أخص من الكفارة: فلا
تنهض حجة في ما ادعاه هنا. نعم هي ظاهرة في البدنة التي في كفارة
النعامة ونحوها. ولكنها معارضة بالأخبار الكثيرة الصحيحة الصريحة
في بيان بدل بدنة الصيد، كما تقدم في محله. فالقول بها ساقط في
كلا الموضعين.
وما رواه الحميري في كتاب قرب الإسناد (1) عن عبد الله بن الحسن
عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام)
قال: (سألته عن الرفث والفسوق والجدال، ما هو؟ وما على من
فعله؟ قال: الرفث: جماع النساء، والفسوق: الكذب والمفاخرة،
والجدال: قول الرجل: لا والله وبلى والله. فمن رفث فعليه بدنة ينحرها
فإن لم يجد فشاة. وكفارة الجدال والفسوق شئ يتصدق به إذا فعله
وهو محرم) ورواه علي بن جعفر في كتابه مثله (2) ولا أعرف به
قائلا من الأصحاب.
وأما ما ذكره الشيخ (قدس سره) فلم أقف له على دليل.
الثاني عشر قد تقدم أن الجماع قبل طواف النساء موجب للبدنة
أما لو طاف منه أشواطا، فإن أكمل منه خمسة فلا كفارة، وإن
كانت ثلاثة فما دون وجبت الكفارة، وفي الأربعة قولان.
وتفصيل هذه الجملة أن وجوب الكفارة في الثلاثة فما دون من ما
لا اشكال فيه بل قال شيخنا الشهيد الثاني: إنه لا خلاف في وجوب
البدنة لو كان الوقاع قبل أربعة أشواط من طواف النساء وعدم الوجوب

(1) الوسائل الباب 3 من كفارات الاستمتاع
(2) الوسائل الباب 3 من كفارات الاستمتاع
383

لو أكمل خمسة وإنما الخلاف والاشكال في ما بينهما، فعن الشيخ
أنه قال: إذا طاف من طواف النساء شيئا بعد قضاء مناسكه ثم
جامع، فإن كان قد طاف منه أكثر من النصف بنى عليه بعد الغسل
ولم تلزمه الكفارة، وإن كان أقل من النصف كان عليه الكفارة وإعادة
الطواف. وقال ابن إدريس: أما اعتبار النصف في صحة الطواف
والبناء عليه فصحيح، وأما سقوط الكفارة ففيه نظر، لأن الاجماع
حاصل على أن من جامع قبل طواف النساء وجبت عليه الكفارة،
وهذا جامع قبل طواف النساء، فالاحتياط يقتضي ايجاب الكفارة.
وظاهر كلام ابن إدريس هنا وجوب الكفارة وإن كان قد طاف
خمسة. وهو خلاف الاجماع المدعى في المسألة، كما تقدمت الإشارة
إليه. وبذلك أيضا صرح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك.
وقال في المدارك: وما ذكره ابن إدريس من ثبوت الكفارة قبل
اكمال السبع لا يخلو من قوة، وإن كان اعتبار الخمسة لا يخلو من
رجحان، عملا بالروايتين المتضمنتين لانتفاء الكفارة بذلك، المطابقتين
لمقتضى الأصل والاجماع المنقول.
والذي وقفت عليه من الأخبار ما رواه ثقة الاسلام في الكافي
والصدوق في من لا يحضره الفقيه في الصحيح إلى حمران بن أعين
وهو ممدوح، وحديثه عند أصحاب هذا الاصطلاح معدود في الحسن
عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: (سألته عن رجل كان عليه
طواف النساء وحده فطاف منه خمسة أشواط، ثم غمزه بطنه فخاف أن

(1) الفروع ج 4 ص 379، والفقيه ج 2 ص 245 و 246، والوسائل
الباب 11 من كفارات الاستمتاع
384

يبدره فخرج إلى منزله فنفض، ثم غشى جاريته. قال: يغتسل ثم
يرجع فيطوف بالبيت طوافين، تمام ما كان قد بقي عليه من طوافه،
ويستغفر الله، ولا يعود).
وزاد في الكافي: (وإن كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة
أشواط، ثم خرج فغشى، فقد أفسد حجه، وعليه بدنة، ويغتسل
ثم يعود فيطوف أسبوعا).
والظاهر أن المراد بافساد الحج الكناية عن حصول ثلم فيه، أو
افساد الطواف، والمراد بالحج الطواف مجازا، ولا استبعاد في التجوز
والتعبير عن الجزء باسم الكل.
وقال في المختلف: وعلى هذه الرواية قول الشيخ (رضوان الله
تعالى عليه) ثم قال: وقول الشيخ عندي هو المعتمد. وعلله أيضا
زيادة على الرواية بأن الأصل براءة الذمة. ولأنه مع تجاوزه
النصف يكون قد أتى بالأكثر، فحكمه حكم من أتى بالجميع.
وأورد عليه أن الرواية غير دالة على ما ذكره الشيخ من أن الاعتبار
في عدم وجوب الكفارة بمجاوزة النصف، وإنما رتب فيها على طواف
الخمسة. ولهذا أن ظاهر المحقق وهو في المنتهى اعتبار الخمسة، وكذا
الشهيد في الدروس.
والظاهر أن مستند الشيخ هنا إنما هو ما رواه في من لا يحضره
الفقيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1): (في رجل
نسي طواف النساء. قال: إذا زاد على النصف وخرج ناسيا، أمر
من يطوف عنه، وله أن يقرب النساء إذا زاد على النصف).

(1) الفقيه ج 2 ص 246، والوسائل الباب 58 من الطواف
385

قال العلامة في المنتهى بعد ايراد حسنة حمران ووصفها بالصحة
ما صورته: وهي إنما تدل على سقوطها عن من جامع وقد طاف
خمسة أشواط. فإن احتج بمفهوم قوله: (فطاف منه ثلاثة أشواط)
كان للمنازع أن يحتج بمفهوم الخمسة. وبالجملة فالذي نختاره نحن
أنه لا كفارة عليه إذا طاف خمسة أشواط، أما لو طاف أربعة أشواط
فإنه وإن تجاوز النصف لكن الكفارة تجب عليه، عملا بالأخبار الدالة
على وجوب الكفارة على من جامع قبل طواف النساء، إذ هو ثابت
في حق من طاف بعضه، السالم عن معارضة طواف خمسة أشواط. أما ابن
إدريس فإنه اعتبر مجاوزة النصف في صحة الطواف والبقاء عليه لا في سقوط
الكفارة، وقال: الاجماع حاصل على أن من جامع قبل طواف النساء
فإن الكفارة تجب عليه. وهو متحقق في ما إذا طاف دون الأشواط
مع أن الاحتياط يقتضي وجوب الكفارة. ولا تعويل على هذا الكلام
مع ورود الحديث الصحيح وموافقة عمل الأصحاب عليه انتهى.
أقول: يمكن أن يناقش فيه أولا: بأن ما ادعاه من معارضة
مفهوم الخمسة لمفهوم الشرط في قوله: (فإن طاف منه ثلاثة أشواط)
لا معنى له، إذ لا مفهوم في جانب الخمسة بالكلية، وذلك أن الخمسة
إنما هو في كلام السائل لا في كلام الإمام (عليه السلام) وحيث
وقع السؤال عن حكمها أجاب (عليه السلام) فيها بما حاصله أنه
لا شئ عليه من كفارة ولا افساد. وبيان الحكم في المسؤول عنه
لا يقتضي نفيه عن ما عداه.
وثانيا: إن ما احتج به من اطلاق الأخبار الدالة على وجوب
الكفارة على من جامع قبل طواف النساء ففيه أن المتبادر المنساق
386

إلى الذهن من تلك الأخبار إنما هو من لم يدخل في الطواف بالكلية
ولم يأت بشئ منه. قال بعض الفضلاء: والتعويل على ظاهر العمومات
اللفظية بعد أن يكون المنساق إلى الذهن بعض الأنواع. لا يخلو
من اشكال، كما أشرنا إليه مرارا. انتهى، وهو جيد.
وثالثا: إن وصفه رواية حمران بالصحة هنا وفي المختلف أيضا
لا يوافق مقتضى اصطلاحه، فإن الرجل لم ينقل توثيقه في شئ من
كتب الرجال وإن كان المفهوم من الأخبار مدحه. وما أبعد ما بين
وصف هذه الرواية بالصحة وردها بالضعف كما ذكره في المدارك
حيث قال: إن حمران لم ينص الأصحاب عليه بتوثيق ولا مدح يعتد
به. ولهذا قوى مذهب ابن إدريس في المسألة، كما تقدم نقله عنه.
أقول: المفهوم من الأخبار جلالة الرجل المذكور وعظم منزلته
عند الأئمة (عليهم السلام) فلا يلتفت إلى ما ذكره (قدس سره).
وقال في الذخيرة: ولو قيل بعدم لزوم الكفارة بعد مجاوزة الثلاثة
لم يكن بعيدا، نظرا إلى مفهوم رواية حمران، مع اعتضاده بالأصل،
وعدم شمول ما دل على الكفارة قبل طواف النساء لمحل البحث كما
بيناه، والمسألة عندي لا تخلو من اشكال. انتهى. وهو جيد. إلا
أن فيه أن هذا المفهوم معارض بمفهوم رواية أبي بصير المتقدمة التي
قد عرفت أنها مستند الشيخ.
وبالجملة فالمسألة كما ذكره (قدس سره) محل اشكال.
الثالث عشر قد صرح جملة من الأصحاب بأن من جامع في
احرام العمرة قبل السعي فسدت عمرته، وعليه البدنة والقضاء. وظاهر
العلامة في المنتهى أنه موضع وفاق. ونقل في المختلف عن الشيخ في
387

النهاية والمبسوط أنه قال: من جامع امرأته وهو محرم بعمرة مبتولة
قبل أن يفرغ من مناسكها، فقد بطلت عمرته، وكان عليه بدنة،
والمقام بمكة إلى الشهر الداخل إلى أن يقضي عمرته، ثم ينصرف
إن شاء. وعن ابن أبي عقيل أنه قال: وإذا جامع الرجل في عمرته
بعد أن طاف بها وسعى قبل أن يقصر، فعليه بدنة، وعمرته تامة،
فأما إذا جامع في عمرته قبل أن يطوف لها ويسعى، فلم أحفظ عن
الأئمة (عليهم السلام) شيئا أعرفكم به، فوقفت عند ذلك، ورددت
إليهم (عليهم السلام). وعن أبي الصلاح: في الوطئ في احرام المتعة
قبل طوافها وسعيها فساد المتعة وكفارة بدنة.
قال في المختلف بعد نقل هذه الأقوال: والوجه أنه إن جامع
قبل السعي في العمرة فسدت عمرته، سواء كانت عمرة التمتع أو العمرة
المفردة، وعليه بدنة، والاتيان بها، أما كون القضاء في الشهر الداخل
فسيأتي بحثه. انتهى.
أقول: والذي وقفت عليه من أخبار المسألة ما رواه الشيخ في
الصحيح عن بريد بن معاوية العجلي (1) قال: (سألت أبا جعفر
(عليه السلام) عن رجل اعتمر عمرة مفردة، فغشى أهله قبل أن
يفرغ من طوافه وسعيه. قال: عليه بدنة لفساد عمرته، وعليه أن
يقيم إلى الشهر الآخر، فيخرج إلى بعض المواقيت فيحرم بعمرة).
وما رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه (2) في الحسن عن
علي بن رئاب عن مسمع عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في الرجل

(1) التهذيب ج 5 ص 324، والوسائل الباب 12 من كفارات الاستمتاع
(2) ج 2 ص 275، والوسائل الباب 12 من كفارات الاستمتاع
388

يعتمر عمرة مفردة، ثم يطوف بالبيت طواف الفريضة، ثم يغشى
أهله قبل أن يسعى بين الصفا والمروة؟ قال: قد أفسد عمرته،
وعليه بدنة، وعليه أن يقيم بمكة حتى يخرج الشهر الذي اعتمر فيه
ثم يخرج إلى الوقت الذي وقته رسول الله (صلى الله عليه وآله)
لأهله فيحرم منه ويعتمر) ورواه الكليني في الكافي (1).
وطعن في الذخيرة في هذه الرواية بضعف السند. وهو ظاهر
المدارك أيضا. والظاهر أن منشأه أخذ الرواية المذكورة من الكافي،
حيث إنه رواها فيه بطريق فيه سهل، وإلا فهي في كتاب من لا يحضره
الفقيه صحيحة، كما لا يخفى على من راجع فهرسته (2).
وما رواه في الكافي في الصحيح إلى أحمد بن أبي علي عن أبي جعفر
(عليه السلام) (3) (في رجل اعتمر عمرة مفردة، ووطئ أهله وهو
محرم قبل أن يفرغ من طوافه وسعيه؟ قال: عليه بدنة لفساد عمرته
وعليه أن يقيم بمكة حتى يدخل شهر آخر، فيخرج إلى بعض المواقيت
فيحرم منه ثم يعتمر).
وهذه الروايات كما ترى ظاهرة الدلالة في ما ذكره الشيخ
من اختصاص الحكم المذكور بالعمرة المفردة. وظاهر كلام الأصحاب
العموم لما لو كانت عمرة تمتع أو مفردة، بل صرح بذلك العلامة
في المختلف كما عرفت وغيره. ولم أقف له على دليل.

(1) الفروع ج 4 ص 538 و 539، والوسائل الباب 12 من كفارات
الاستمتاع
(2) ذكر في جامع الرواة ج 2 ص 537: أن طريق الصدوق إلى علي بن
رئاب الراوي عن مسمع صحيح
(3) الفروع ج 4 ص 538، والوسائل الباب 12 من كفارات الاستمتاع
389

قال في المدارك: وربما أشعرت به صحيحة معاوية بن عمار (1) قال:
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن متمتع وقع على امرأته ولم
يقصر. قال: ينحر جزورا وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجه
إن كان عالما، وإن كان جاهلا فلا شئ عليه) فإن الخوف من تطرق
الفساد إلى الحج بالوقاع بعد السعي وقبل التقصير ربما اقتضى تحقق
الفساد بوقوع ذلك قبل السعي. انتهى وفيه تأمل.
فوائد
الأولى إعلم أن الشيخ وأكثر الأصحاب (رضوان الله عليهم) لم
يتعرضوا للحكم بوجوب اتمام العمرة الفاسدة، كما صرحوا به في
الحج، وقطع العلامة في القواعد والشهيدان بالوجوب. ومستنده غير
ظاهر، فإن أخبار المسألة المذكورة خالية منه، بل ظاهرها العدم،
لتصريحها بفساد العمرة. لا يقال: إن الحج أيضا مع كونه فاسدا
كما صرحوا به يجب اتمامه، فالحكم بالفساد لا ينافي وجوب
الاتمام. قلنا: إن وصف الحج بالفساد إنما وقع في كلامهم لا في
الأخبار، كما قدمنا الإشارة إليه. بل ظاهر الأخبار إنما هو صحته
ووجوب اتمامه. وما أوقعه فيه من الجماع منجبر بالبدنة والإعادة
من قابل.
الثانية أنه على تقدير القول بوجوب الاكمال، فهل يجب اكمال
الحج لو كانت العمرة الفاسدة عمرة تمتع، حتى لو كان الوقت
واسعا واستأنف العمرة وأتى بالحج لم يكف؟ وجهان، واستوجه

(1) الفروع ج 4 ص 440، والوسائل الباب 13 من كفارات الاستمتاع
390

شيخنا الشهيد الثاني وجوب اكمالهما ثم قضائهما، لما بينهما من
الارتباط. ورده سبطه في المدارك بأنه ضعيف، قال: لأن الارتباط
إنما ثبت بين الصحيح منهما لا الفاسد. وهو جيد.
الثالثة لو كان الجماع في العمرة بعد السعي وقبل التقصير لم
تفسد العمرة وإن وجبت البدنة. وظاهر جملة من الأصحاب شمول
هذا الحكم لعمرة التمتع والمفردة.
والمروي في الأخبار الأول، ومنها صحيحة معاوية بن عمار
المتقدمة، ومنها صحيحة الحلبي أو حسنته (1) قال: (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل طاف بالبيت ثم بالصفا والمروة
وقد تمتع، ثم عجل فقبل امرأته قبل أن يقصر من رأسه. فقال:
عليه دم يهريقه. وإن جامع فعليه جزور أو بقرة).
إلى غير ذلك من الأخبار الآتية إن شاء الله (تعالى) في بحث التقصير.
ولم نقف في شئ من الأخبار على مثل ذلك في العمرة المفردة،
فما ذكروه (رضوان الله عليهم) من العموم لا أعرف له دليلا.
الرابعة اعلم أن العلامة في القواعد قال: ولو جامع في احرام
العمرة المفردة أو المتمتع بها على اشكال قبل السعي عامدا عالما
بالتحريم، بطلت عمرته ووجب اكمالها، وقضاؤها، وبدنة.
وظاهر هذه العبارة حصول الاشكال في إلحاق عمرة التمتع بالعمرة
المفردة في هذا الحكم. ووجهه ظاهر من ما قدمناه من الأخبار الدالة على أن هذا الحكم إنما هو في العمرة المفردة، كما ذكره الشيخ، لا مطلقا
كما هو المشهور عندهم.

(1) الفروع ج 4 ص 440، والوسائل الباب 13 من كفارات الاستمتاع
391

إلا أنه نقل عن الشيخ فخر الدين في شرحه على الكتاب في بيان
الاشكال: إن الاشكال إنما هو في فساد الحج بعدها لا في فساد العمرة،
قال: ومنشأ الاشكال، من دخول العمرة في الحج، ومن انفراد الحج
بالاحرام. ونسب ذلك إلى تقرير والده.
قال في المدارك: ولا يخفى ضعف الاشكال على هذا التوجيه، لأن
حج التمتع لا يعقل صحته مع فساد العمرة المتقدمة عليه. انتهى.
وهو جيد.
وما ذكره الفاضل المذكور عن والده (قدس سرهما) وإن كان
كما عرفت ضعيفا إلا أنه غير بعيد، حيث إن ظاهر العلامة
(قدس سره) في كتبه اتحاد العمرتين في الحكم المذكور كما تقدم،
وكذا غيره من الأصحاب. ولذا قال المحقق الثاني في شرحه على
الكتاب بعد ذكر العبارة: لا يظهر لهذا الاشكال موضع، لأن وجوب
الأحكام المذكورة مشترك بين عمرة الافراد والتمتع، وإنما الذي هو
محل النظر وجوب اتمامها واتمام الحج ووجوب قضائهما، بناء على
أن عمرة التمتع لا تنفرد عن حجه، والشروع فيها شروع فيه.
والأصح وجوب الأمرين معا. انتهى. وفيه ما عرفت.
الخامسة ظاهر الأخبار المتقدمة تعين ايقاع القضاء في الشهر الداخل
عليه بعد ذلك الشهر بلا فصل. ويجب المصير إليه وإن قلنا بالاكتفاء
بين العمرتين بعشرة أيام في غير هذه الصورة. وظاهر الأصحاب كون
ذلك هنا على جهة الأفضلية لا الوجوب. وإلى ما اخترناه هنا جنح
في المدارك أيضا.
بقي هنا شئ، وهو أن اعتبار الفصل بين العمرتين بالشهر أو
392

العشرة أيام مثلا إنما هو بالنسبة إلى العمرة الصحيحة، والعمرة
هنا صارت فاسدة، فوجوب التأخير إلى الشهر الداخل لا يظهر لي
وجهه. والله العالم.
المسألة الثانية الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله
تعالى عليهم) في وجوب البدنة بالاستمناء وهو استدعاء المني وطلبه
بالعبث بذكره بيده، أو ملاعبة غيره، مع حصوله، وإنما الخلاف
في كونه مفسدا للحج إذا وقع قبل المشعر، ووجوب القضاء به،
فذهب الشيخ في النهاية والمبسوط إلى ذلك، ونقله في المختلف أيضا
عن ابن البراج وابن حمزة. إلا أن المنقول عن الشيخ إنما هو التعبير
بأن من عبث بذكره حتى أمنى كان حكمه حكم من جامع على السواء
في اعتبار ذلك قبل الوقوف بالمشعر في أنه يلزمه الحج من قابل،
وإن كان بعد ذلك لم يكن عليه غير الكفارة شئ. انتهى. ونقل عن
أبي الصلاح: أن في الاستمناء بدنة قال: وكذا قال ابن إدريس
دون الفساد. ونقل ابن إدريس هذا القول الذي ذهب إليه عن الشيخ
في الخلاف والاستبصار.
واختار في المختلف الأول، واستدل عليه بما رواه الشيخ عن
إسحاق بن عمار في الموثق عن أبي الحسن. (عليه السلام) (1) قال:
(قلت: ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى؟ قال: أرى عليه مثل
ما على من أتى أهله وهو محرم: بدنة، والحج من قابل).

(1) الوسائل الباب 15 من كفارات الاستمتاع. والشيخ يرويه
عن الكليني
393

وصحيحة عبد الرحمان بن الحجاج (1) قال: (سألت أبا الحسن
(عليه السلام) عن المحرم يعبث بأهله وهو محرم، حتى يمني من غير
جماع، أو يفعل ذلك في شهر رمضان، ماذا عليهما؟ قال: عليهما
جميعا الكفارة، مثل ما على الذي يجامع).
ثم قال: احتج ابن إدريس بالبراءة الأصلية. والجواب: المعارضة
بالاحتياط. وبما تقدم من الأدلة. انتهى.
أقول: وبموثقة إسحاق استدل أيضا الشيخ في التهذيب. وأجاب
عنها في المدارك بأنها قاصرة، من حيث السند بأن راويها وهو
إسحاق بن عمار فطحي، ومن حيث المتن بأنها لا تدل على ترتب
البدنة والقضاء على مطلق الاستمناء، بل على هذا الفعل المخصوص،
مع أنه قد لا يكون المطلوب به الاستمناء.
أقول: أما الجواب الأول فالكلام فيه مفروغ منه عندنا، مع
ما عرفت في غير مقام أن هذا الطعن لا يقوم حجة على الشيخ وأمثاله
من المتقدمين. وأما الثاني فإنك قد عرفت من عبارة الشيخ المتقدمة
أنه عبر بلفظ هذه الرواية، وإن كان الأصحاب عبروا بعده بلفظ
الاستمناء. وحينئذ فتكون الرواية منطبقة على ما ادعاه الشيخ.
وأجاب في المدارك أيضا عن استدلال العلامة بصحيحة عبد الرحمان
ابن الحجاج بأنه لا دلالة لهذه الرواية على وجوب القضاء بوجه.
أقول: لا ريب أنه وإن كان الأمر كما ذكره إلا أنها أيضا
لا دلالة لها على عدمه. وحينئذ فغاية الأمر أنها بالنسبة إلى وجوب

(1) الفروع ج 4 ص 376، والتهذيب ج 5 ص 324، والوسائل الباب
14 من كفارات الاستمتاع
394

القضاء مطلقة، فيمكن تقييدها بموثقة إسحاق المتقدمة. إلا أن جملة
من الأخبار المتقدمة في مسألة الجماع في غير الفرج قد دلت على وجوب
البدنة ونفى الحج من قابل، وظاهر أن الجماع في غير الفرج داخل
تحت العبث بأهله الذي اشتملت عليه صحيحة عبد الرحمان المذكورة
وحينئذ فالأقوى نفي القضاء في صورة العبث بأهله.
وبالجملة فإن ما ذكره الأصحاب من التعبير بالاستمناء الذي
هو عبارة عن طلب المني بأحد الأشياء المتقدمة لم أقف عليه في
شئ من النصوص، وإنما الموجود فيها ما عرفت. وحينئذ فلا يبعد
قصر كل ما تضمنته هذه النصوص على موضعه، فيجب القول بالبدنة
والقضاء في من عبث بذكره فأمنى، كما دلت عليه موثقة إسحاق
المذكورة، ووجوب البدنة خاصة في من عبث بأهله حتى أمنى.
وظاهر الدروس الميل إلى العمل بالرواية المذكورة حيث قال:
وروى إسحاق بن عمار الحج ثانيا إذا أمنى بعبثه بالذكر. ولم نقف
على معارض لها. انتهى.
ونقل عن الشيخ في الإستبصار أنه قال بعد أن أورد رواية إسحاق
المتقدمة: أنه يمكن أن يكون هذا الخبر محمولا على ضرب من التغليظ
وشدة الاستحباب دون أن يكون ذلك واجبا.
وإلى القول بما ذهب إليه ابن إدريس ذهب المحقق في الشرائع
والنافع، واختاره في المدارك. وهو مبني على طرح موثقة إسحاق
المذكورة، وقد عرفت أنه لا مانع من العمل بها في ما دلت عليه،
كما هو ظاهر عبارة الشيخ المتقدمة. والله العالم.
المسألة الثالثة لو جامع أمته وهو محل وهي محرمة بإذنه، تحمل
395

عنها الكفارة: بدنة أو بقرة أو شاة، وإن كان معسرا فشاة أو صيام
ثلاثة أيام. والحكم بذلك مقطوع به في كلام الأصحاب. ونقل عن
الشيخ أنه يلزمه بدنة، فإن عجز فشاة أو صيام ثلاثة أيام.
قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه: وكان والدي (رحمه الله
تعالى) يوجب على الموسر بدنة أو بقرة أو شاة، وعلى المعسر شاة
أو صيام. وهو الوجه، لما رواه إسحاق بن عمار في الصحيح (1)
قال: (قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام): أخبرني عن
رجل محل وقع على أمة محرمة. قال: موسرا أو معسرا؟ قلت:
أخبرني عنهما. فقال: هو أمرها بالاحرام أو لم يأمرها وأحرمت
من قبل نفسها؟ قلت أجبني فيهما. قال: إن كان موسرا، وكان عالما
أنه لا ينبغي له، وكان هو الذي أمرها بالاحرام، فعليه بدنة، وإن
شاء بقرة، وإن شاء شاة. وإن لم يكن أمرها بالاحرام، فلا شئ
عليه موسرا كان أو معسرا. وإن كان أمرها وهو معسر، فعليه دم شاة
أو صيام).
أقول: وصفه للرواية بالصحة مع كون الراوي إسحاق بن عمار
المشترك بين الثقة الإمامي والثقة الفطحي لا يخلو من سهو.
واطلاق النص وكلام كثير من الأصحاب يقتضي عدم الفرق
بين الأمة المكرهة والمطاوعة. وقد صرح العلامة وكثير ممن تأخر عنه
بفساد حج الأمة مع المطاوعة، ووجوب اتمامه، والقضاء كالحرة،
وأنه يجب على المولى الإذن لها في القضاء، والقيام بمؤنته، لاستناد

(1) الفروع ج 4 ص 374، والتهذيب ج 5 ص 320، والوسائل الباب
8 من كفارات الاستمتاع
396

الفساد إلى فعله. ولا أعرف لهم دليلا على ذلك إلا القياس على الحرة
كما تقدم. ومعلوم بطلانه. وقد قطع الشهيد الثاني بأن تحمل المولى
الكفارة إنما يثبت مع الاكراه، أما مع المطاوعة فتتعلق الكفارة بالأمة،
وتصوم بدل البدنة ثمانية عشر يوما. والكلام فيه كسابقه. واطلاق
النص المذكور يأبى ما ذكروه وتقييده يحتاج إلى دليل، وليس
فليس.
بقي هنا روايتان في المقام: إحداهما ما رواه الشيخ في
الصحيح عن ضريس (1) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
رجل أمر جاريته أن تحرم من الوقت فأحرمت، ولم يكن هو أحرم،
فغشيها بعد ما أحرمت. قال: يأمرها فتغتسل ثم تحرم، ولا شئ
عليه) وحملها الشيخ على أنها لم تكن لبت بعد. ويحتمل حملها على
أنه أمرها بالاحرام في وقت وقد أحرمت قبله.
وروى الصدوق عن وهب بن عبد ربه عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) (في رجل كانت معه أم ولد له فأحرمت قبل سيدها، أله
أن ينقض احرامها ويطأها قبل أن يحرم؟ قال: نعم) وظاهره أنها
أحرمت بغير إذن سيدها فلا اشكال فيه.
المسألة الرابعة قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله
تعالى عليهم) بأنه لو عقد محرم أو محل لمحرم على امرأة، فدخل
المحرم بها، فعلى كل واحد منهما كفارة. واحترزوا بقيد الدخول

(1) التهذيب ج 5 ص 320، والوسائل الباب 8 من كفارات الاستمتاع
(2) الفقيه ج 2 ص 208، والوسائل الباب 8 من كفارات الاستمتاع
397

عن ما لو لم يدخل، فإنه ليس إلا الإثم، للأصل، وعدم النص على
ما سواه.
ولم أقف في هذه المسألة إلا على رواية سماعة، وهي ما رواه الشيخ
عنه في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (لا ينبغي
للرجل الحلال أن يزوج محرما وهو يعلم أنه لا يحل له. قلت: فإن
فعل فدخل بها المحرم؟ قال: إن كانا عالمين، فإن على كل واحد
منهما بدنة، وعلى المرأة إن كانت محرمة بدنة، وإن لم تكن محرمة
فلا شئ عليها، إلا أن تكون قد علمت أن الذي تزوجها محرم، فإن
كانت علمت ثم تزوجته فعليها بدنة).
والرواية المذكورة تضمنت أن العاقد محل، والأصحاب قطعوا
بوجوب الكفارة عليه محلا أو محرما، وإن كان اجراء ذلك في المحرم
عندهم بطريق الأولوية، وإلا فلا دليل في المقام سوى الخبر المذكور.
ومن العجب اقتفاء صاحب الوسائل لهم في ذلك مع ما عرفت، وهو
من المحدثين الذين لا يتجاوزون في فتاويهم الأخبار.
ومقتضى الرواية لزوم البدنة للمرأة المحلة مع العلم بإحرام
الزوج. وبه أفتى الشيخ وجماعة من الأصحاب (رضوان الله عليهم).
وقال في الدروس: لو عقد لمحرم على امرأة فدخل، فعلى كل
واحد كفارة وإن كان العاقد محلا، ولو كانت المرأة محلة فلا شئ
عليها. انتهى. وظاهره عدم الكفارة عليها علمت أو لم تعلم. وفيه
طرح للرواية في أحد الحكمين والعمل بها في الحكم الآخر. والفرض

(1) الوسائل الباب 14 من تروك الاحرام، والباب 21 من كفارات
الاستمتاع. والشيخ يرويه عن الكليني
398

أنه ليس غيرها في المسألة. وهو تحكم.
وظاهر المحقق الشيخ علي (رحمه الله تعالى) ترتب الافساد ووجوب
القضاء مع الاتمام على الجماع هنا أيضا. وهو مبني على ما هو المشهور
في كلامهم من الحاق الزنى في هذا الحكم بالزوجة، كما تقدمت
إليه الإشارة.
وأما ما ذكره في المدارك من أن المطابق للأصول هو اطراح الرواية
المذكورة مطلقا، لنص الشيخ على أن راويها وهو سماعة واقفي، فلا
تعويل على روايته فإن الظاهر أن منشأه من حيث ايجاب البدنة
على العاقد المحل، والمرأة المحلة العالمة، كما تضمنته الرواية، وأن
مقتضى الأصول بزعمه ترتب الإثم خاصة دون الكفارة. والمشهور بين
الأصحاب بالنسبة إلى الأول وبه جزم العلامة في جملة من كتبه
والشهيد في الدروس وغيرهما هو وجوب البدنة ونسبه المحقق في الشرائع
إلى الرواية المذكورة ايذانا بالتوقف فيه، وفي المنتهى: وفي سماعة قول
وعندي في هذه الرواية توقف. وهو ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك
أيضا. وأما بالنسبة إلى الثاني فكذلك. وقد عرفت ما في كلام الدروس
من المخالفة.
قال في المسالك: وذهب جماعة إلى عدم وجوب شئ على المحل
مطلقا سوى الإثم، للأصل، وضعف المستند، أو بحمله على الاستحباب
والتحقيق أن الرواية لا معارض لها من الأخبار في المقام، فاطراحها
بمجرد ذلك مشكل. ومع تسليم ما ذكروه فتخصيص العام وتقييد
المطلق شائع في الأحكام.
المسألة الخامسة في النظر، فإن كان النظر إلى غير أهله فأمنى،
399

فالمشهور أنه إن كان موسرا فبدنة، وإن كان متوسطا فبقرة، وإن كان
معسرا فشاة.
والمستند في ذلك ما رواه الشيخ عن أبي بصير (1) قال: (قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل محرم نظر إلى ساق امرأة فأمنى؟
فقال: إن كان موسرا فعليه بدنة، وإن كان وسطا فعليه بقرة، وإن
كان فقيرا فعليه شاة. ثم قال: أما إني لم أجعل عليه هذا لأنه أمنى
إنما جعلته عليه لأنه نظر إلى ما لا يحل له).
ومقتضى التعليل المذكور وجوب الكفارة وإن لم يمن. ولا أعلم
به قائلا، بل عباراتهم كلها صريحة في التقييد بالامناء.
وعن الصدوق في المقنع أنه يتخير بين الجزور والبقرة. فإن عجز
فشاة. ويدل عليه ما رواه الشيخ عن زرارة في الصحيح (2) قال:
(سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل محرم نظر إلى غير أهله
فأنزل. قال: عليه جزور أو بقرة، فإن لم يجد فشاة).
وعن الشيخ المفيد مثل القول الأول، إلا أنه زاد: وإن لم يجد
شيئا من ما ذكرناه لتعذره في الحال فعليه صيام ثلاثة أيام يصومها.
ولم أقف في الأخبار له على دليل. ولعله نظر إلى أن آخر ما يجب عليه
الشاة، وأن صيام الثلاثة يقوم مقامها مع تعذرها، كما صرح به في
غير هذا الحكم.
بقي في المسألة رواية ثالثة، وهي ما رواه ثقة الاسلام في الصحيح
أو الحسن عن معاوية بن عمار (3): (في محرم نظر إلى غير أهله

(1) الوسائل الباب 16 من كفارات الاستمتاع
(2) الوسائل الباب 16 من كفارات الاستمتاع
(3) الوسائل الباب 16 من كفارات الاستمتاع
400

فأنزل؟ قال: عليه دم، لأنه نظر إلى غير ما يحل له. وإن
لم يكن أنزل فليتق الله ولا يعد، وليس عليه شئ).
ويمكن حملها على المعسر جمعا بينها وبين رواية أبي بصير المتقدمة
وإنما يبقى الاشكال في الجمع بين رواية أبي بصير وصحيحة زرارة.
وحملها على رواية أبي بصير بأن يقال: جزور إن كان موسرا، أو
بقرة إن كان متوسطا، وإن لم يجد بأن كان معسرا فشاة الظاهر بعده.
ولكن ارتكاب مثله في مقام الجمع شائع في كلامهم.
وصاحب المدارك بناء على اصطلاحه في الأخبار أطرح رواية
أبي بصير، واستجود قول الصدوق للصحيحة المذكورة. واحتمل قويا
الاكتفاء بالشاة، لحسنة معاوية بن عمار المذكورة. وهو جيد على أصوله.
ولو كان النظر إلى أهله فأمنى فلا شئ عليه، إلا أن يقترن بالشهوة
فبدنة. والحكمان اجماعيان كما يظهر من المنتهى.
ويدل على الحكمين المذكورين صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: (سألته عن محرم نظر إلى امرأته فأمنى أو
أمذى وهو محرم. قال: لا شئ عليه.. وإن حملها أو مسها بشهوة
فأمنى أو أمذى فعليه دم. وقال في المحرم ينظر إلى امرأته وينزلها بشهوة
حتى ينزل، قال: عليه بدنة).
ويدل على الحكم الثاني ما رواه في الكافي في الحسن عن مسمع
أبي سيار (2) قال: (قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا أبا سيار

(1) الوسائل الباب 17 من كفارات الاستمتاع. وتقدمت ص 344
(2) الوسائل الباب 12 من تروك الاحرام، والباب 18 من كفارات
الاستمتاع. وتقدمت ص 346
401

إن حال المحرم ضيقة.. إلى أن قال: ومن مس امرأته بيده وهو
محرم على شهوة فعليه دم شاة. ومن نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى
فعليه جزور. ومن مس امرأته أو لازمها من غير شهوة فلا شئ عليه).
وصاحب المدارك هنا إنما استدل على الحكم الثاني بحسنة مسمع
المذكورة، وطعن فيها بقصور سندها بعدم توثيق الراوي، ومعارضتها
بموثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1): (في
محرم نظر إلى امرأته بشهوة فأمنى؟ قال: ليس عليه شئ) قال: وأجاب
الشيخ عنها بالحمل على حال السهو دون العمد. وهو بعيد. انتهى.
وفيه (أولا): أن الدليل غير منحصر في رواية مسمع، بل هو
كما عرفت في صحيحة معاوية بن عمار المذكورة. والعجب أنه
نقل صدرها دليلا على الحكم الأول، وغفل عن عجزها الدال على
الحكم الثاني.
و (ثانيا): أنه قد عد حديث مسمع المذكور في الصحيح فضلا
عن الحسن في مواضع عديدة من كتاب الحج، وعده في الحسن كما
هو المشهور بين أصحاب هذا الاصطلاح في موضع آخر، وطعن فيه
في هذا الموضع وغيره أيضا، وهذا من جملة المواضع التي اضطرب فيها كلامه
كما أشرنا إليه في غير مقام من شرحنا على الكتاب. ومن المواضع
التي عده في الصحيح في شرح قول المصنف: (ويضمن الصيد بقتله
عمدا وسهوا) قال: وفي الصحيح عن مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: (إذا رمى المحرم صيدا وأصاب اثنين..
الحديث).

(1) التهذيب ج 5 ص 327، والوسائل الباب 17 من كفارات الاستمتاع
(2) الوسائل الباب 31 من كفارات الصيد
402

و (ثالثا): إن ظاهر كلامه يشعر بأنه لا يعمل إلا بالصحيح
خاصة، حيث رد الرواية بعدم توثيق الراوي، مع أن المعهود من عادته
في الكتاب العمل بالحسن أيضا وإنما يرد الموثق والضعيف، وإن
عمل به في موضع الحاجة وتستر ببعض الأعذار الواهية.
وبالجملة فالرجل ممدوح وحديثه في الحسن، كما هو المعروف من
كلام الأصحاب.
وبذلك يظهر أن ما أجاب به الشيخ عن موثقة إسحاق بن عمار
وإن كان لا يخلو من بعد إلا أنه في مقام الجمع أولى من اطراح الرواية
لما عرفت من دلالة صحيحة معاوية وحسنة مسمع على خلافها،
والترجيح لهاتين الروايتين المعتضدتين بعمل الأصحاب (رضوان الله
عليهم).
قال في المدارك: وذكر الشارح: أن من كان معتادا للامناء عند
النظر بغير شهوة تجب عليه الكفارة كما لو نظر بشهوة. وهو جيد
مع القصد، لأنه في معنى الاستمناء. انتهى.
وفيه ما تقدمت الإشارة إليه من أنا لم نقف على حديث يتضمن
الاستمناء الذي هو طلب المني، وإنما الموجود في الأخبار ما تقدم
من عبث الرجل بذكره كما في موثقة إسحاق بن عمار والمحرم
يعبث بأهله، كما في صحيحة عبد الرحمان، وكل منهما أعم
من الاستمناء.
المسألة السادسة في التقبيل، قال الشيخ (رحمه الله تعالى):
من قبل امرأته وهو محرم من غير شهوة كان عليه دم شاة، وإن قبلها
بشهوة كان عليه جزور. وقال الشيخ المفيد (عطر الله تعالى
403

مرقده): من قبل امرأته وهو محرم فعليه بدنة، أنزل أو لم ينزل
وكذا قال السيد المرتضى. وزاد الشيخ المفيد: وإن هويت المرأة
ذلك كان عليها مثل ما عليه. وقال ابن الجنيد: إن قبلها بغير شهوة
فعليه دم شاة، وإن قبلها بشهوة فأمنى فعليه جزور. وقال أبو الصلاح:
وفي القبلة دم شاة، وإن أمنى فعليه بدنة. وقال الصدوق في المقنع:
فإن قبلها فعليه بدنة. وروي: أن عليه دم شاة. وفي كتاب من لا يحضره
الفقيه: فإن قبلها فعليه دم شاة. وقال ابن إدريس: وإن قبلها بغير
شهوة فدم، وإن قبلها بشهوة فشاة إذا لم يمن، فإن أمنى كان عليه
جزور.
أقول: والذي وقفت عليه من الروايات المتعلقة بهذه المسألة
روايات ثلاثة:
الأولى صحيحة الحلبي أو حسنته عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: (سألته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته. قال:
نعم يصلح عليها خمارها ويصلح عليها ثوبها ومحملها.. قلت: المحرم
يضع يده بشهوة، قال: يهريق دم شاة. قلت: فإن قبل؟ قال:
هذا أشد ينحر بدنة):
الثانية حسنة مسمع أبي سيار المتقدمة عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) قال: (يا أبا سيار إن حال المحرم ضيقة، فمن قبل
امرأته على غير شهوة وهو محرم فعليه دم شاة، ومن قبل امرأته على

(1) الوسائل الباب 17 و 18 من كفارات الاستمتاع. وتقدمت ص 344
(2) الوسائل الباب 12 من تروك الاحرام، والباب 18 من كفارات
الاستمتاع. وتقدمت ص 346
404

شهوة فأمنى فعليه جزور، ويستغفر ربه.. الحديث)
الثالثة رواية علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن (عليه السلام) (1)
قال: (سألته عن رجل قبل امرأته وهو محرم. قال: عليه بدنة
وإن لم ينزل، وليس له أن يأكل منها).
والظاهر أن منشأ الخلاف المتقدم من اختلاف هذه الأخبار،
فمنهم من تعلق باطلاق بعضها، ومنهم من ضم مطلقها إلى مقيدها،
ومنهم من ضم إلى ذلك بعض القيود من خارج. وكيف كان فالجمع
بينها لا يخلو من اشكال، والمسألة لذلك لا تخلو من توقف.
ومن الأخبار الواردة في القبلة أيضا رواية الحسين بن حماد (2)
قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يقبل أمه.
قال: لا بأس، هذه قبلة رحمة، إنما تكره قبلة الشهوة).
وربما ظهر من هذه الرواية تخصيص التحريم ووجوب الكفارة
بقبلة الشهوة، فلو لم تكن عن شهوة فلا شئ فيها. ومن ثم حمل
بعض المتأخرين الدم في حسنة مسمع على الاستحباب. ولا يخلو من
قرب. وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك.
ومنها صحيحة معاوية بن عمار أو حسنته عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) في حديث قال: (سألته عن رجل قبل امرأته، وقد

(1) الوسائل الباب 18 من كفارات الاستمتاع. وتقدمت ص 345
(2) الوسائل الباب 18 من كفارات الاستمتاع. وتقدمت ص 346
(3) الفروع ج 4 ص 378، والوسائل الباب 9 و 18 من كفارات
الاستمتاع
405

طاف طواف النساء، ولم تطف هي. قال عليه دم يهريقه من عنده)
ونحوها رواية زرارة (1).
والحكم في هذين الخبرين لا يخلو من اشكال، لكونه قد أحل.
وغاية ما يلزمه الإثم.
ومنها رواية العلاء بن فضيل (2) قال: (سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن رجل وامرأة تمتعا جميعا، فقصرت امرأته
ولم يقصر، فقبلها. قال: يهريق دما، وإن كانا لم يقصرا جميعا فعلى
كل واحد منهما أن يهريق دما) والحكم في هذا الخبر ظاهر.
تنبيهات
الأول قال في المنتهى: ولا فرق في الوطئ بين أن يطأ في احرام
حج واجب أو مندوب، لأنه بعد التلبس بالاحرام يصير المندوب
واجبا، ويجب عليه اتمامه كما يجب عليه اتمام الحج الواجب. ولأن
الحج الفاسد يجب اتمامه فالمندوب أولى، لقوله (تعالى): وأتموا الحج
والعمرة لله (3). إذا ثبت هذا، فكل صورة قلنا إنه يفسد الحج الواجب
فيها كما لو وطئ قبل الوقوف بالموقفين فإنه يفسد الحج المندوب
فيها أيضا، فلو وطئ قبل الوقوف بالموقفين في الحج المندوب، فسد
ووجب عليه اتمامه، وبدنة، والحج من قابل، ولو كان بعد الوقوف
بالموقفين، وجب عليه بدنة لا غير، عملا بالعمومات المتناولة للواجب

(1) الوسائل الباب 10 و 18 من كفارات الاستمتاع
(2) التهذيب ج 5 ص 473، والوسائل الباب 18 من كفارات الاستمتاع
(3) سورة البقرة، الآية 196
406

والمندوب. انتهى. وهو كذلك.
الثاني قال في الكتاب المذكور أيضا: ويجب عليه القضاء في
السنة المقبلة وجوبا على الفور، ذهب إليه علماؤنا. ثم نقل الخلاف
في ذلك عن العامة (1). وما ذكره (قدس سره) هو مدلول الأخبار،
ففي صحيحة زرارة أو حسنته (2): (وعليهما الحج من قابل) وفي
صحيحة معاوية بن عمار (3): (فعليه بدنة والحج من قابل) في
موضعين منها، وفي رواية علي بن أبي حمزة (4): (وعليهما الحج
من قابل لا بد منه) إلى غير ذلك من الأخبار.
الثالث. إذا مس المحرم امرأته، فإن كان بغير شهوة فلا شئ
عليه، وإن كان شهوة فعليه دم شاة.
ويدل على ذلك ما تقدم قريبا في صحيحة الحلبي أو حسنته، وما
رواه الشيخ عن محمد بن مسلم (5) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن رجل حمل امرأته وهو محرم، فأمنى أو أمذى. فقال:
إن كان حملها أو مسها بشئ من الشهوة فأمنى أو لم يمن، أمذى
أو لم يمذ فعليه دم يهريقه، فإن حملها أو مسها بغير شهوة فأمنى
أو أمذى فليس عليه شئ).
الرابع لو استمع إلى من يجامع، أو تشاهى لاستماع كلام
امرأة من غير نظر، لم يكن عليه شئ وإن أمنى.

(1) المجموع للنووي ج 7 ص 383 الطبعة الثانية
(2) ص 356
(3) ص 356
(4) ص 357
(5) التهذيب ج 5 ص 326، والوسائل الباب 17 من كفارات الاستمتاع
407

وتدل على ذلك موثقة أبي بصير (1) قال: (سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن رجل يسمع كلام امرأة من خلف حائط وهو
محرم، فتشاهى حتى أنزل. قال: ليس عليه شئ).
ورواية سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2):
(في محرم استمع على رجل يجامع أهله فأمنى؟ قال: ليس عليه
شئ).
قال في المنتهى: أما لو كان برؤية فإنه تجب عليه الكفارة على
ما بيناه. وهو إشارة إلى ما قدمه من الكفارة في النظر إلى غير أهله
ويؤيده ما تقدم في المسألة الخامسة (3) من قوله (عليه السلام): (أما
أني لم أجعل عليه هذا لأنه أمنى، إنما جعلته عليه لأنه نظر إلى
ما لا يحل له).
قال في المدارك: ولو أمنى بذلك وكان من عادته ذلك أو قصده
فقد قطع الشارح بوجوب الكفارة عليه كالاستمناء. وهو حسن.
وفيه ما قد تقدمت الإشارة إليه من عدم وجود دليل على الاستمناء.
وما روي من خصوصيات بعض الجزئيات لا يشمل ما ذكر، مع
اطلاق الخبرين المذكورين ودخول ما ذكره تحت اطلاقهما.
الخامس لو أمنى عن ملاعبة فجزور وعلى المرأة إن
طاوعت مثله.

(1) الفروع ج 4 ص 377 والتهذيب ج 5 ص 327 و 328، والوسائل
الباب 20 من كفارات الاستمتاع
(2) التهذيب ج 5 ص 328، والوسائل الباب 20 من كفارات الاستمتاع
(3) ص 400 رقم (1)
408

وعلى ذلك تدل صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: (سألته عن الرجل يعبث بامرأته حتى
يمني وهو محرم من غير جماع، أو يفعل ذلك في شهر رمضان.
فقال: عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع) ومقتضاها
وجوب البدنة، لأنها هي الواجبة على من يجامع.
الصنف الثالث الطيب، ويحرم على الرجل والمرأة معا، أكلا
وشما، واطلاء. وادعى عليه في التذكرة اجماع علماء الأمصار.
وتحقيق الكلام في هذا المقام يقع في مسائل: الأولى عرف شيخنا
الشهيد الثاني (قدس سره) الطيب بأنه: الجسم ذو الريح الطيبة المتخذ
للشم غالبا غير الرياحين، كالمسك والعنبر والزعفران وماء الورد والكافور.
قال: وخرج بقيد الاتخاذ للشم ما يطلب منه الأكل والتداوي غالبا،
كالقرنفل والسنبل والدارچيني والجوزة والمصطكي وسائر الأبازير
الطبية، فلا يحرم شمه. وكذا ما لا ينبت للطيب، كالشيح والقيصوم
والخزامى والإذخر والفوتنج والحناء والعصفر، وإن أطلق عليه اسم
الرياحين. وأما ما يقصد شمه ويتخذ منه الطيب كالياسمين والورد
والنيلوفر فإن كان رطبا فهو ريحان سيأتي حكمه، وإن كان يابسا
ففي تحريمه إن لم نقل بتحريم أخضره وجهان، واختار العلامة في
التذكرة تحريمه ووجوب الفدية به. انتهى.
وقال العلامة في التذكرة: الطيب ما تطيب رائحته ويتخذ للشم،
كالمسك والعنبر والكافور والزعفران وماء الورد، والأدهان الطيبة كدهن

(1) الفروع ج 4 ص 376، والتهذيب ج 5 ص 327، والوسائل الباب
14 من كفارات الاستمتاع
409

البنفسج والورس. والمعتبر أن يكون معظم الغرض منه التطيب، أو يظهر
فيه هذا الغرض.
ثم قسم النبات الطيب تبعا للشيخ (رحمه الله تعالى) إلى ثلاثة
أقسام:
الأول ما لا ينبت للطيب ولا يتخذ منه، كنبات الصحراء من
الشيخ والقيصوم والخزامى والإذخر والدارچيني والمصطكي والزنجبيل
والسعد وحبق الماء.. والفواكه، كالتفاح والسفرجل والنارنج والأترج.
قال: وهذا كله ليس بمحرم، ولا تتعلق به كفارة اجماعا. وكذا
ما ينبته الآدميون لغير قصد الطيب كالحناء والعصفر.
الثاني ما ينبته الآدميون للطيب، ولا يتخذ منه طيب، كالريحان
الفارسي والمرزنجوش والنرجس والبرم. قال الشيخ: فهذا لا تتعلق
به كفارة ويكره استعماله.
الثالث ما يقصد شمه، ويتخذ منه الطيب، كالياسمين والورد
والنيلوفر. والظاهر أن هذا يحرم شمه، وتجب فيه الفدية.
والذي وقفت عليه من الأخبار الجارية في هذا المضمار ما رواه
الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن معاوية بن عمار (1) قال: (قال
أبو عبد الله (عليه السلام): لا بأس أن تشم الإذخر والقيصوم
والخزامى والشيح وأشباهه، وأنت محرم) ورواه الكليني في الصحيح
أو الحسن عن معاوية بن عمار مثله (2).
وعن ابن أبي عمير في الصحيح عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله

(1) الوسائل الباب 25 من تروك الاحرام
(2) الفروع ج 4 ص 355، والوسائل الباب 25 من تروك الاحرام
410

(عليه السلام) (1) قال: (سألته عن التفاح والأترج والنبق وما
طابت ريحه. فقال: يمسك على شمه ويأكله).
وروى الكليني في الصحيح عن علي بن مهزيار (2) قال: (سألت
ابن أبي عمير عن التفاح والأترج والنبق وما طاب ريحه. قال:
تمسك عن شمه وتأكله) ورواه في الفقيه (3) مثله، وزاد: (ولم
يرو فيه شيئا).
وفي الكافي عن عمار بن موسى في الموثق عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (4) قال: (سألته عن المحرم يأكل الأترج. قال: نعم.
قلت: له رائحة طيبة؟ قال: الأترج طعام ليس هو من الطيب). وما رواه الكليني (قدس سره) في الصحيح عن عبد الله بن سنان
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال: (سألته عن الحناء. فقال:
إن المحرم ليمسه، ويداوي به بعيره، وما هو بطيب، وما به بأس
ورواه الصدوق بإسناده عن عبد الله بن سنان مثله (6).
وما رواه الكليني في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (7) قال: (لا تمس ريحانا وأنت محرم، ولا شيئا

(1) التهذيب ج 5 ص 305، والوسائل الباب 26 من تروك الاحرام
(2) الفروع ج 4 ص 356، والوسائل الباب 26 من تروك الاحرام
(3) ج 2 ص 225، والوسائل الباب 26 من تروك الاحرام
(4) الوسائل الباب 26 من تروك الاحرام.
(5) الفروع ج 4 ص 356. والوسائل الباب 23 من تروك الاحرام
(6) الفقيه ج 2 ص 224، والوسائل الباب 23 من تروك الاحرام.
(7) الوسائل الباب 18 من تروك الاحرام رقم 3 و 10 عن الكافي والتهذيب
411

فيه زعفران، ولا تطعم طعاما فيه زعفران).
أقول: ظاهر صحيحة معاوية بن عمار جواز شم نبات الصحراء
من الأشياء المذكورة ونحوها وإن سميت طيبا. وهو مؤيد لما ذكره
الشيخ والعلامة في ما تقدم نقله عنهما من أنه ليس بمحرم ولا تتعلق
به كفارة. وظاهر صحيحة ابن أبي عمير وصحيحة علي بن مهزيار
وموثقة عمار جواز أكل الفواكه، كما صرح به الشيخان المتقدمان،
وظاهرهما دعوى الاجماع على أنه ليس من الطيب.
وربما أشعر كلام الشهيد في الدروس بالخلاف في الفواكه، حيث
قال: واختلف في الفواكه، ففي رواية ابن أبي عمير: يحرم شمها.
وكرهه الشيخ في المبسوط، ويجوز أكلها لو قبض على أنفه. وظاهره
التردد فيه.
وظاهر المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر في الوسائل (1) تقييد
جواز أكل الفواكه بالحاجة إليه، وأنه يمسك على أنفه. والظاهر أن منشأه ما يظهر من الشيخ في التهذيب (2) من تحريم شم التفاح،
وأنه إذا أكله عند الحاجة أمسك على أنفه، مستدلا عليه برواية ابن
أبي عمير. وأجاب عن رواية عمار بأنه (عليه السلام) أباح أكله،
ولم يقل أنه يجوز له شمه. والخبر الأول مفصل، فالعمل به أولى.
وفيه: أن الروايات قد صرحت بجواز أكل هذه الأشياء وما أشبهها
مطلقا، فالتقييد بالحاجة كما ادعياه يحتاج إلى دليل. وموثقة
عمار صرحت مع جواز أكله بأنه طعام ليس بطيب. ومقتضاه عدم

(1) الوسائل ج 9 ص 15 رقم 26 الطبع الحديث
(2) ج 5 ص 305 و 306
412

وجوب الامساك عن شمه. ويعضده تجويز أكله. فإن الظاهر من
روايات الطيب ترتب التحريم أكلا وشما على ما يدخل تحت الطيب
المحرم، وأنهما متلازمان، فكل ما حرم شمه حرم أكله وبالعكس
كما لا يخفى. وبالجملة فالمختار هو الجواز، كما ذكره الشيخ
والعلامة وغيرهما.
والمفهوم من صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة تحريم الريحان.
ومثلها صحيحة حريز الآتية في ثاني هذه المسألة. وسيأتي تحقيق الكلام
في المقام إن شاء الله (تعالى).
المسألة الثانية اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما يحرم
على المحرم من الطيب، فنقل عن الشيخ المفيد، والصدوق في المقنع
والسيد المرتضى، وأبي الصلاح، وسلار، وابن إدريس: القول
بالتعميم لكل طيب، وهو المنقول عن الشيخ في المبسوط والاقتصاد،
حيث قال: ويحرم عليه الطيب على اختلاف أجناسه، وأغلظها خمسة
أجناس: المسك والعنبر والزعفران والعود والورس. وقال في النهاية:
ويحرم من الطيب خاصة المسك والعنبر والزعفران والورس والكافور
والعود، فأما ما عدا هذا من الطيب والرياحين فمكروه. وبه
قال ابن حمزة. وقال في الخلاف: ما عدا المسك والعنبر والكافور
والزعفران والورس والعود عندنا لا تتعلق به كفارة إذا استعمله المحرم
وقال في التهذيب (1): وأما الطيب الذي يجب اجتنابه فأربعة أشياء:
المسك والعنبر والزعفران والورس، قال: وقد روي: والعود. وعن ابن
البراج: أنه حرم المسك والكافور والعنبر والعود والزعفران. وإلى القول

(1) ج 5 ص 299
413

بالعموم ذهب المحقق والعلامة وأكثر المتأخرين وهو المشهور بين
الأصحاب.
والذي وصل إلي من الأخبار المتعلقة بذلك ومنها نشأ هذا
الاختلاف روايات:
منها ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (لا تمس شيئا من الطيب ولا من الدهن
في احرامك، واتق الطيب في طعامك، وامسك على أنفك من الرائحة
الطيبة، ولا تمسك عليه من الرائحة المنتنة، فإنه لا ينبغي للمحرم
أن يتلذذ بريح طيبة).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) قال: (لا يمس المحرم شيئا من الطيب ولا الريحان،
ولا يتلذذ به، فمن ابتلي بشئ من ذلك فليتصدق بقدر ما صنع بقدر
شبعه. يعني من الطعام).
ورواه الكليني في الحسن عن حريز عن من أخبره عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (3) وفيه: بقدر ما صنع قدر سعته).
وما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه
السلام) (4) قال: (من أكل زعفرانا متعمدا أو طعاما فيه طيب
فعليه دم، فإن كان ناسيا فلا شئ عليه، ويستغفر الله ويتوب إليه).
وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه

(1) الفروع ج 4 ص 353،، والوسائل الباب 18 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 18 من تروك الاحرام رقم 11 و 6
(3) الوسائل الباب 18 من تروك الاحرام رقم 11 و 6
(4) الوسائل الباب 4 من بقية كفارات الاحرام
414

السلام) (1) قال: (المحرم يمسك على أنفه من الريح الطيبة، ولا
يمسك على أنفه من الريح الخبيثة) ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن
عن الحلبي مثله (2) ورواه أيضا عن هشام بن الحكم في الصحيح
أو الحسن مثله (3) وزاد: وقال: (لا بأس بالريح الطيبة في ما بين
الصفا والمروة من ريح العطارين، ولا يمسك على أنفه).
وروي في الكافي في الصحيح عن محمد بن إسماعيل (4) والظاهر
أنه ابن بزيع قال: (رأيت أبا الحسن (عليه السلام) كشف بين
يديه طيب لينظر إليه وهو محرم، فأمسك على أنفه بثوبه من ريحه).
وعن الحسن بن زياد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال:
(قلت له: الأشنان فيه الطيب أغسل به يدي وأنا محرم؟ قال:
إذا أردتم الاحرام فانظروا مزاودكم فاعزلوا الذي لا تحتاجون إليه.
وقال: تصدق بشئ كفارة للأشنان الذي غسلت به يدك).
وعن حنان بن سدير عن أبيه (6) قال: (قلت لأبي جعفر (عليه
السلام): ما تقول في الملح فيه زعفران للمحرم؟ قال: لا ينبغي
للمحرم أن يأكل شيئا فيه زعفران، ولا يطعم شيئا من الطيب).
وروى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما

(1) الوسائل الباب 24 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 24 من تروك الاحرام
(3) الفروع ج 4 ص 354، والوسائل الباب 20 من تروك الاحرام
(4) الفروع ج 4 ص 354، والوسائل الباب 18 من تروك الاحرام
(5) الفروع ج 4 ص 354، والوسائل الباب 27 من تروك الاحرام،
والباب 4 من بقية كفارات الاحرام.
(6) الوسائل الباب 18 من تروك الاحرام
415

السلام) (1) (في قول الله (عز وجل): ثم ليقضوا تفثهم (2):
حفوف الرجل من الطيب).
وقال الصدوق (رحمه الله تعالى) (3): (وكان علي بن الحسين
(عليهما السلام) إذا تجهز إلى مكة قال لأهله: إياكم أن تجعلوا في زادنا
شيئا من الطيب ولا الزعفران نأكله أو نطعه).
وروى عن الحسين بن زياد (4) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
وضأني الغلام ولم أعلم بدستشان فيه طيب، فغسلت يدي وأنا محرم؟
فقال: تصدق بشئ لذلك).
أقول: وهذه الأخبار ظاهرة في القول المشهور. والظاهر أن
اعتمادهم عليها واستنادهم إليها.
وأما ما ذكره في الذخيرة حيث قال بعد نقلها: ولا يخفى أن دلالة
هذه الأخبار على التحريم غير واضحة، والأصل يقتضي حملها على
الكراهة، ويناسب ذلك قوله (عليه السلام): (لا ينبغي) في الخبر
الأول والأخير. انتهى
فهو من جملة تشكيكاته الضعيفة التي لا ينبغي أن يعرج عليها،
وتوهماته السخيفة التي لا ينبغي أن يلتفت إليها. وقد سلف كلامنا
عليه في أمثال هذا المقام، وما يلزمه من أمثال كلامه هذا، من أنه
لا واجب في الشريعة ولا حرام، وفيه من الشناعة ما يوجب الخروج

(1) التهذيب ج 5 ص 298، والوسائل الباب 18 من تروك الاحرام
(2) سورة الحج، الآية 27
(3) الفقيه ج 2 ص 223، والوسائل الباب 18 من تروك الاحرام
(4) الفقيه ج 2 ص 223، والوسائل الباب 4 من بقية كفارات الاحرام
416

عن جادة الاسلام من حيث لا يشعر به قائله، كما هو واضح
لذي الأفهام.
وما ادعاه من مناسبة لفظ: (لا ينبغي) لما ذكره ففيه أن
استعمال هذا اللفظ في التحريم أكثر من أن يحصر وأشهر من أن
ينكر، كما تقدم بيانه.
ومنها ما رواه الشيخ بطريقين: أحدهما صحيح والآخر ضعيف
عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (إنما
يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء: المسك والعنبر والورس والزعفران
غير أنه يكره للمحرم الأدهان الطيبة الريح).
وفي الصحيح عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: (الطيب: المسك والعنبر والزعفران والعود).
وعن سيف (3) والظاهر أنه ابن عميرة قال: حدثني عبد الغفار
قال: (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: الطيب: المسك والعنبر
والزعفران والورس).
وروى الصدوق في الفقيه (4) مرسلا قال: (قال الصادق (عليه
السلام): يكره من الطيب أربعة أشياء للمحرم: المسك والعنبر
والزعفران والورس. وكان يكره من الأدهان الطيبة الريح).

(1) الوسائل الباب 18 من تروك الاحرام رقم 8 و 14
(2) الوسائل الباب 18 من تروك الاحرام
(3) التهذيب ج 5 ص 299، والوسائل الباب 18 من تروك الاحرام
(4) ج 2 ص 223، والوسائل الباب 18 من تروك الاحرام
417

وروى في التهذيب (1) عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه
السلام) قال: (الطيب: المسك والعنبر والزعفران والعود).
وبهذه الأخبار أخذ الشيخ في التهذيب كما تقدم نقله عنه.
وظاهر صحيحة معاوية بن عمار بل صريحها حصر الطيب المحرم على
المحرم في الأربعة المذكورة، وهو ظاهر روايتي ابن أبي يعفور وعبد الغفار.
وحينئذ فالظاهر هو تقييد الاطلاق في الأخبار المتقدمة بهذه الأخبار.
ويؤيده أن صحيحة معاوية بن عمار التي هي في صدر الروايات الدالة
على العموم رواها الشيخ في التهذيب (2) كما تقدم من رواية الكليني
وزاد بعد قوله: (لا ينبغي للمحرم أن يتلذذ بريح طيبة): (فمن
ابتلي بشئ من ذلك فليعد غسله، وليتصدق بقدر ما صنع. وإنما
يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء: المسك والعنبر والورس والزعفران
غير أنه يكره للمحرم الأدهان الطيبة الريح) ومن الظاهر أنه لو لم
يقيد أولها بما ذكر في آخرها للزم التنافي بين طرفيها.
وبذلك يظهر أن ما ذكره في الإستبصار بعد ذكر خبري ابن
أبي يعفور وعبد الغفار حيث تأولهما بأن ذكر هذه الأشياء إنما وقع
تعظيما لها وتفخيما، ولم يكن القصد بيان تحليلها أو تحريمها
من أن هذين الخبرين ليس فيهما أكثر من الأخبار بأن الطيب أربعة
أشياء، وليس فيهما ذكر ما يجب اجتنابه على المحرم، وأنه إنما
تأولهما لذكر الأصحاب لهما في أبواب ما يجب على المحرم اجتنابه
وإلا فلا حاجة إلى تأويلهما من ما لا يخفى وهنه، فإنه مع تسليم

(1) الوافي باب (الطيب والأدهان للمحرم) ولم نجده في التهذيب والوسائل
(2) ج 5 ص 297 و 299 و 304 و 305، والوسائل الباب 18 من تروك
الاحرام
418

ما ذكره، متى دل الخبران على أن الطيب شرعا عبارة عن هذه الأربعة،
فيجب حمل الأحكام المترتبة على الطيب بقول مطلق على هذه الأربعة
لأنها هي الطيب شرعا، والاطلاقات يجب حملها على ما هو المعروف
في عرفهم (عليهم السلام) فيعود ما فر منه.
والسيد السند في المدارك نقل رواية عبد الغفار بزيادة: (وخلوق
الكعبة لا بأس به) ثم استدل بهذه الزيادة على الحصر في الأربعة
المذكورة. وهو غفلة منه (قدس سره) فإن هذه الزيادة إنما هي
من كلام الشيخ لا من الرواية، فإن الحديث كما نقله في الإستبصار (1)
عار من هذه الزيادة، وكذا نقله المحدث الكاشاني في الوافي (2) والشيخ
الحر في الوسائل.
نعم يبقى الكلام هنا في موضعين: أحدهما أنك قد عرفت أن
ظاهر صحيحتي عبد الله بن سنان وحريز هو تحريم الريحان، وإن
كان الشيخ وجمع من الأصحاب قد عدوه في مكروهات الاحرام،
واستدلوا على القول بالكراهة بصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في المسألة
الأولى، المتضمنة لأنه لا بأس أن يشم الإذخر والقيصوم.. الحديث. وفيه
أنه قد يمكن القول بالتحريم مع استثناء هذه الأشياء المذكورة، فلا
منافاة فيه. ولا ينافي ذلك قوله في الخبر: (وأشباهه) باعتبار حمله على غيره
من الريحان، لأنا نقول: المراد أشباهه من نبات الصحراء الطيب الرائحة.
وحينئذ فيختص الحكم بما أنبته الآدميون من الريحان، وهو القسم الثاني
في كلام الشيخ، وإن حكم فيه بالكراهة، فإن ظاهر الصحيحتين
المذكورتين التحريم. وحينئذ فيضاف إلى الأفراد المذكورة في هذه
الروايات الأخيرة التي بها خصصنا أخبار الطيب المطلقة.

(1) ج 2 ص 180
(2) باب (الطيب والأدهان للمحرم)
419

الثاني أن صحيح معاوية بن عمار ورواية عبد الغفار ومرسلة
الفقيه تضمنت أن الرابع الورس، وصحيح ابن أبي يعفور جعل
عوضه العود، وصاحب الكافي قد نقل حديث عبد الغفار في باب أنواع
الطيب من كتاب المروة (1) بلفظ (العود) عوض (الورس) وقد
صرح في سنده بأن سيفا هو ابن عميرة. والشيخ نسب العود في عبارته
المتقدمة من التهذيب إلى الرواية. وفي الخلاف جعل المحرم هذه الخمسة
بإضافة العود إلى الأربعة المذكورة. وهو الأحوط. والاحتياط التام
في اجتناب الطيب بجميع أنواعه، إلا ما تقدم في روايات المسألة
الأولى، فإنه لا معارض لها. وبعض رجح رواية الورس على العود،
وطعن في صحة رواية ابن أبي يعفور بما ذكره المحقق الشيخ حسن
في المنتقى من العلة في السند الموجبة لضعفه، وإن عد في الصحيح
غفلة. وهو جيد بناء على الاصطلاح المذكور.
المسألة الثالثة يستثنى من تحريم الطيب على المحرم خلوق الكعبة
اجماعا، كما نقله بعضهم.
ولما رواه الصدوق في الصحيح عن حماد بن عثمان (2) قال:
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن خلوق الكعبة وخلوق القبر
يكون في ثوب الاحرام. فقال: لا بأس بهما، هما طهوران) والظاهر أن المراد بالقبر قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

(1) الفروع ج 2 ص 223 الطبع القديم، والوسائل الباب 97 من
آداب الحمام.
(2) الفقيه ج 2 ص 217، والوسائل الباب 21 من تروك الاحرام
420

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (1) قال: (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن خلوق الكعبة يصيب ثوب المحرم.
قال: لا بأس به، ولا يغسله، فإنه طهور).
وعن يعقوب بن شعيب في الصحيح (2) قال: (قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): المحرم يصيب ثيابه الزعفران من الكعبة. قال:
لا يضره، ولا يغسله).
وما رواه الكليني عن ابن أبي عمير في الصحيح عن بعض أصحابنا
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (سئل عن خلوق الكعبة
للمحرم أيغسل منه الثوب؟ قال: لا هو طهور. ثم قال: إن بثوبي
منه لطخا).
وما رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه (4) في الموثق عن سماعة
(أنه سأله يعني: الصادق (عليه السلام عن الرجل يصيب ثوبه
زعفران الكعبة وهو محرم. فقال: لا بأس به، وهو طهور، فلا تتقه
أن يصيبك).
قال في الذخيرة: ويمكن المناقشة بأن الظاهر من التعليل أن
غرض السائل توهم احتمال النجاسة بسبب كثرة ملاقاة العامة والخاصة
ومن لا يتوقى النجاسة، فلا يدل على جواز الشم. لكن فهم الأصحاب
واتفاقهم يكفي مؤنة هذه المناقشة.
أقول: لا ريب في أن هذه المناقشة من الاحتمالات الواهية التي

(1) التهذيب ج 5 ص 69، والوسائل الباب 21 من تروك الاحرام
(2) التهذيب ج 5 ص 69، والوسائل الباب 21 من تروك الاحرام
(3) الفروع ج 4 ص 342، والوسائل الباب 21 من تروك الاحرام
(4) الفقيه ج 2 ص 217، والوسائل الباب 21 من تروك الاحرام.
421

هي لبيت العنكبوت وأنه لا ضعف البيوت مضاهية، فإن هؤلاء
الأجلاء السائلين في هذه الروايات لا يخفى عليهم الحكم بأصالة الطهارة
في كل شئ حتى يسألوا عن ذلك في هذه المادة المخصوصة، سيما مع
قول الإمام (عليه السلام) في صحيحة ابن أبي عمير: (إن بثوبي
منه لطخا) فإنه يبعد عدم شمه مع كونه بثوبه دائما.
ويعضد ما ذكرناه ما تقدم في صحيحة هشام بن الحكم (1) من قوله
(عليه السلام): (لا بأس بالريح الطيبة في ما بين الصفا والمروة
من ريح العطارين، ولا يمسك على أنفه) فإنه إذا جاز الشم للرائحة
الطيبة بين الصفا والمروة من ريح العطارين، فريح خلوق الكعبة
أولى بالجواز.
والخلوق كصبور: ضرب من الطيب، كما ذكره في الصحاح
والقاموس، وفي النهاية الأثيرية: الخلوق: طيب معروف مركب يتخذ
من الزعفران وغيره من أنواع الطيب، وتغلب عليه الحمرة والصفرة.
بقي الكلام في ما لو طيبت الكعبة بغير الخلوق المذكور، وبالجواز
صرح جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم): منهم: الشيخ
والعلامة. وقال في الدروس: قال الشيخ: لو دخل الكعبة وهي تجمر
أو تطيب لم يكره له الشم. وبمثل ذلك صرح العلامة في التذكرة.
وظاهر المدارك الميل إليه. واستدل عليه بفحوى صحيحة هشام بن
الحكم بالتقريب الذي قدمناه. وهو غير بعيد، وإن نسبه في الذخيرة
إلى أنه ضعيف. والاحتياط في العدم.
المسألة الرابعة لو اضطر المحرم إلى مس الطيب، أو أكل ما فيه

(1) ص 415
422

طيب، قبض على أنفه وجوبا، لأن الاضطرار إلى أحدهما لا يبيح
الآخر مع حرمة الجميع، فيقتصر على محل الضرورة، إلا أن يعسر
ويشق القبض على الأنف، فإنه يجوز له الشم أيضا.
أما جواز الأكل فدليل إباحته أن الضرورات تبيح المحظورات (1)،
كما هو مسلم بينهم في جميع الأحكام.
وأما وجوب الامساك مع الامكان فتدل عليه روايات: منها صحيحة
الحلبي ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال:
(المحرم يمسك على أنفه من الريح الطيبة، ولا يمسك على أنفه من
الريح الخبيثة) ونحوها جملة من الأخبار المتقدمة في المسألة الثانية.
وأما عدم الوجوب مع المشقة والحرج بذلك، فيدل عليه ما رواه
الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن جابر (3) وكانت عرضت له ريح
في وجهه من علة أصابته وهو محرم، قال: (فقلت لأبي عبد الله (عليه
السلام): إن الطبيب الذي يعالجني وصف لي سعوطا فيه مسك؟
فقال: استعط به).
وعن إسماعيل في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)
قال: (سألته عن السعوط للمحرم وفيه طيب. فقال: لا بأس)
وهو محمول على الضرورة كما تقدم في سابقه. وعلى ذلك حمله الشيخ
(رحمه الله).

(1) تقدم دليل ذلك ص 164
(2) الفقيه ج 2 ص 224، والوسائل الباب 24 من تروك الاحرام
(3) التهذيب ج 5 ص 298، والوسائل الباب 19 من تروك الاحرام
(4) التهذيب ج 5 ص 298، والوسائل الباب 19 من تروك الاحرام
423

وقال الصدوق (1): وإن اضطر المحرم إلى سعوط فيه مسك من ريح
يعرض له في وجهه وعلة تصيبه، فلا بأس بأن يستعط به، فقد
سأل إسماعيل بن جابر أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذلك فقال:
استعط به.
ولو استهلك الطيب في المأكول أو الممسوس بحيث زالت أوصافه
من ريحه وطعمه ولونه، فالظاهر أنه لا يحرم مباشرته وأكله. وبذلك
صرح العلامة في التذكرة.
ويعضده ما رواه عمران الحلبي في الصحيح (2) قال: (سئل أبو عبد الله
(عليه السلام) عن المحرم يكون به الجرح فيتداوى بدواء فيه زعفران
قال: إن كان الغالب على الدواء فلا، وأنت كان الأدوية الغالبة
عليه فلا بأس).
والظاهر أن الاعتبار بالرائحة خاصة دون سائر الأوصاف، للنهي
عن التلذذ بالرائحة الطيبة.
بقي الكلام في أن ظاهر هذه الرواية ينافي ما تقدم من روايات
إسماعيل بن جابر، ويمكن الجمع إما بتخصيص اطلاق تلك الروايات
بما دلت عليه هذه الرواية من التفصيل والظاهر بعده أو حمل
هذه الرواية على عدم الضرورة التامة. ولعله الأقرب.
وأما ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (2): (في

(1) الفقيه ج 2 ص 224، والوسائل الباب 19 من تروك الاحرام
(2) الفروع ج 4 ص 359، والفقيه ج 2 ص 222، والوسائل الباب
69 من تروك الاحرام
(3) التهذيب ج 5 ص 304، والوسائل الباب 4 من بقية كفارات الاحرام
424

محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج؟ قال: إن كان فعله بجهالة
فعليه طعام مسكين، وإن كان تعمد فعليه دم شاة يهريقه)
ففيه مع كونه مقطوعا أنه معارض بالأخبار الدالة على العفو عن
الجاهل، وأنه لا كفارة عليه في شئ من محرمات الاحرام إلا الصيد،
والأخبار المتقدمة الدالة في خصوص هذه المسألة على الجواز مع الضرورة
من غير ذكر كفارة فيه.
وأما ما رواه في الكافي عن أبان عن من أخبره عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) قال: (إذا اشتكى المحرم فليتداو بما يحل له أن يأكله
وهو محرم).
وما رواه فيه عن الكناني عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: (إذا اشتكى المحرم فليتداو بما يأكل وهو محرم)
فيجب حمله على ما يحصل البرء به. وأما لو لم يحصل إلا بما لا يجوز
له أكله اختيارا حال الاحرام، فله أكله والتداوي به للضرورة، كما
عليه اتفاق الأصحاب في هذا الموضع وغيره.
المسألة الخامسة قال في التذكرة: لو لصق الطيب ببدنه أو ثوبه
على وجه لا يوجب الفدية بأن كان ناسيا أو ألقته الريح، وجب عليه
المبادرة إلى غسله أو تنحيته أو معالجته بما يقطع رائحته. ويأمر غيره
بإزالة ذلك عنه، ولو باشره بنفسه فالأقرب أنه لا يضره لأنه قصد الإزالة.
انتهى. وظاهره التردد في الإزالة بنفسه وإن كان الأقرب ذلك عنده.
ونقل عن الشيخ أنه قطع بجواز الإزالة باليد.

(1) الفروع ج 4 ص 359، والوسائل الباب 69 من تروك الاحرام
(2) الفروع ج 4 ص 358، والوسائل الباب 69 من تروك الاحرام
425

أقول: وهو الذي دلت عليه الأخبار، ومنها ما رواه الشيخ
في الصحيح عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما
السلام) (1): (في محرم أصابه طيب؟ فقال: لا بأس أن يمسحه
بيده أو يغسله).
وما رواه الكليني عنه في الصحيح أو الحسن عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2): (في المحرم يصيب ثوبه الطيب؟
قال: لا بأس بأن يغسله بيد نفسه).
وما رواه الصدوق عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (3) في حديث قال: (لا بأس أن يغسل الرجل الخلوق عن
ثوبه وهو محرم).
وما رواه في الكافي عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (4) قال: (سألته عن المحرم يمس الطيب وهو نائم لا يعلم
به. قال: يغسله، وليس عليه شئ. وعن المحرم يدهنه الحلال بالدهن
الطيب والمحرم لا يعلم ما عليه. قال: يغسله أيضا وليحذر).
واطلاق هذه الأخبار دال على جواز غسله له بنفسه وإن استلزم
شم الرائحة في تلك الحال. وكأنه من حيث وجوب التكليف بالإزالة
يغتفر له الشم في تلك الحال.

(1) التهذيب ج 5 ص 299، والوسائل الباب 22 من تروك الاحرام
(2) الفروع ج 4 ص 354، والوسائل الباب 22 من تروك الاحرام
(3) الفقيه ج 2 ص 224، والوسائل الباب 22 من تروك الاحرام
(4) الوسائل الباب 22 من تروك الاحرام، والباب 4 من بقية
كفارات الاحرام
426

فوائد
الأولى لو انقطعت رائحة الطيب من الثوب، لطول الزمان،
أو صبغ بغيره بحيث لا تظهر رائحته لا مع الرطوبة ولا مع اليبوسة،
فالظاهر جواز استعماله.
الثانية قال في التذكرة: لو أصاب ثوبه طيب وجب عليه غسله أو
نزعه، فلو كان معه من الماء ما لا يكفيه لغسل الطيب وطهارته، غسل
به الطيب، لأن للوضوء بدلا.
قال في المدارك بعد ذكر نحو ذلك: ويحتمل وجوب الطهارة به،
لأن وجوب الطهارة قطعي ووجوب الإزالة والحال هذه مشكوك فيه،
لاحتمال استثنائه للضرورة، كما استثنى شمه في الكعبة والسعي.
والاحتياط يقتضي تقديم الغسل على التيمم، ليتحقق فقد الماء
حالته. انتهى.
أقول: ومن المحتمل قريبا التفصيل في ذلك بين الوقت وخارجه
فإن كان في الوقت فالأظهر تقديم الوضوء، لأنه مخاطب به في تلك
الحال، والتيمم غير مشروع، لأنه واجد للماء، ويسقط وجوب الإزالة
للضرورة. وما ذكره في المدارك من أن الاحتياط يقتضي تقديم
الغسل لا يتم في هذه الصورة، لأنه بالتصرف بالماء في تلك الحال
يصير من قبيل من دخل عليه الوقت واجدا للماء فتعمد إراقته
واتلافه، ولا أقل من التأثيم والعقوبة عليه إن لم نقل ببطلان تيممه.
وإن كان قبل الوقت فلا يبعد وجوب الإزالة، لأنه في هذه الحال غير
مخاطب بالطهارة، والخطاب بوجوب الإزالة متوجه إليه ليس له
معارض.
427

وكيف كان فالمسألة لعدم النص الذي هو المعتمد عندنا في جميع
الأحكام لا تخلو من الاشكال.
الثالثة قال في التذكرة: لو فرش فوق الثوب المطيب ثوبا يمنع
الرائحة والمباشرة، فلا فدية بالجلوس عليه والنوم. ولو كان الحائل
ثياب نومه، فالوجه المنع، لأنه كما منع من استعمال الطيب في
بدنه منع من استعماله في ثوبه. انتهى. وبذلك صرح في المنتهى.
وهو جيد.
وأما قوله في الذخيرة: ولو كان الحائل ثياب بدنه فوجهان.
ثم نقل عن المنتهى المنع، استنادا إلى ما ذكره في التذكرة من التعليل
ثم قال: وللتأمل فيه مجال فلا أعرف له وجها. إلا أن يقول
بجواز الطيب في ثوب المحرم، وهو من ما وقع الاجماع نصا وفتوى
على تحريمه. فأي مجال هنا للتأمل في ما ذكره والمفروض في المسألة
تعدي الطيب إلى ثيابه بالنوم على ذلك الثوب المطيب.
الرابعة لو غسل الثوب حتى زال عنه الطيب جاز استعماله،
اجماعا نصا وفتوى.
ومن ذلك ما رواه الصدوق عن الحسين بن أبي العلاء عن الصادق
(عليه السلام) (1) (أنه سأله عن الثوب للمحرم يصيبه الزعفران ثم
يغسل. فقال: لا بأس به إذا ذهب ريحه. ولو كان مصبوغا كله
إذا ضرب إلى البياض وغسل فلا بأس به).
وعن إسماعيل بن الفضل (2): (أنه سأله عن المحرم يلبس الثوب

(1) الفقيه ج 2 ص 216، والوسائل الباب 43 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 43 من تروك الاحرام
428

قد أصابه الطيب. فقال: إذا ذهب ريح الطيب فليلبسه).
وروى الكليني عن حماد بن عثمان في الصحيح (1) قال: (قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): إني جعلت ثوبي احرامي مع أثواب قد
جمرت فأجد من ريحها؟ قال: فانشرها في الريح حتى تذهب ريحها).
الخامسة روى ثقة الاسلام في الكافي عن المعلي بن خنيس عن أبي
عبد الله (2) قال: (كره أن ينام المحرم على فراش أصفر، أو
على مرفقة صفراء).
وروى الشيخ في الصحيح عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه
السلام) (3) قال: (يكره للمحرم أن ينام على الفراش الأصفر، والمرفقة
الصفراء) ورواه الصدوق عن أبي بصير مثله (4).
أقول: إن حملت الصفرة في هذين الخبرين على صفرة الطيب، فلفظ
الكراهة فيهما بمعنى التحريم، كما هو شائع في الأخبار، وإن حملت
على ما دون ذلك، كانت الكراهة بالمعنى الأصولي المصطلح. ويرجح
الأول قول أبي عبد الله (عليه السلام) في صحيحة منصور بن حازم (5)
(إذا كنت متمتعا فلا تقربن شيئا فيه صفرة حتى تطوف بالبيت)
وحديثه الآخر (6) حيث: (سئل (عليه السلام) أيأكل شيئا فيه

(1) الفروع ج 4 ص 356، والوسائل الباب 18 من تروك الاحرام
(2) الفروع ج 4 ص 355، والوسائل الباب 28 من تروك الاحرام
(3) التهذيب ج 5 ص 68 والوسائل 28 من تروك الاحرام
(4) الفقيه ج 2 ص 218، والوسائل الباب 28 من تروك الاحرام
(5) الوسائل الباب 18 من تروك الاحرام
(6) الوسائل الباب 13 من الحلق والتقصير
429

صفرة؟ قال: لا حتى يطوف بالبيت) ويؤيده أن صاحب الكافي أنما
أورد الحديث المنقول هنا في باب الطيب للمحرم. وحينئذ فالمراد
بالصفرة لون الزعفران ونحوه من الألوان الطيبة الصفر.
السادسة لو مات المحرم لم يجز مسه بالكافور اجماعا نصا
وفتوى.
ومن الأخبار في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم
عن أبي جعفر (عليه السلام) (1): (عن المحرم إذا مات كيف
يصنع به؟ قال: يغطي وجهه ويصنع به كما يصنع بالحلال، غير أنه
لا يقربه طيبا).
وفي الكافي عن ابن أبي حمزة عن أبي الحسن (عليه السلام) (2)
(في المحرم يموت؟ قال: يغسل ويكفن ويغطي وجهه، ولا يحنط،
ولا يمس شيئا من الطيب).
وروى في التهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان (3) قال:
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يموت، كيف يصنع به؟
فحدثني أن عبد الرحمان بن الحسن بن علي مات بالأبواء مع الحسين بن علي
(عليهما السلام) وهو محرم، ومع الحسين عبد الله بن العباس وعبد الله بن جعفر،
فصنع به كما صنع بالميت، وغطى وجهه، ولم يمسه طيبا. قال:
وذلك في كتاب علي عليه السلام) وبهذا المضمون حديث أبي مريم
المروي في الكافي (4) وحديثه الآخر المروي في التهذيب (5) وحديث
عبد الرحمان بن أبي عبد الله البصري (6).

(1) الوسائل الباب 13 من غسل الميت، والباب 83 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 13 من غسل الميت
(3) الوسائل الباب 13 من غسل الميت
(4) الوسائل الباب 13 من غسل الميت
(5) الوسائل الباب 13 من غسل الميت
(6) الوسائل الباب 13 من غسل الميت
430

المسألة السادسة أجمع الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم)
على وجوب الشاة في الطيب، أكلا، واطلاء، وشما، وبخورا،
وصبغا، ابتداء واستدامة، متى أستعمله عامدا عالما، نقل اجماعهم
على ذلك العلامة في المنتهى والتذكرة.
واستدل عليه بصحيحة زرارة، وهي ما رواه الصدوق في الصحيح
عنه عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: (من أكل زعفرانا
متعمدا، أو طعاما فيه طيب، فعليه دم، وإن كان ناسيا فلا شئ
عليه، ويستغفر الله ويتوب إليه) ولا يخفى قصورها عن ما ذكروه
من التعميم في الحكم المذكور.
ويدل على وجوب الشاة أيضا في الجملة قول أبي جعفر (عليه السلام)
في صحيحة زرارة (2): (من نتف إبطه، أو قلم ظفره، أو حلق
رأسه، أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه، أو أكل طعاما لا ينبغي له
أكله، وهو محرم، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا، فليس عليه شئ،
ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة).
ويؤيده ما تقدم قريبا (3) في المسألة الرابعة من مقطوعة معاوية
ابن عمار: (وإن كان تعمد فعليه دم شاة يهريقه).
إلا أنه قد تقدم في المسألة الثانية من الأخبار ما هو ظاهر في
المنافاة، مثل قوله (عليه السلام) في صحيحة حريز (4): (فمن
ابتلى بشئ من ذلك فليتصدق بقدر ما صنع بقدر شبعه. يعني: من

(1) الفقيه ج 2 ص 223، والوسائل الباب 4 من بقية كفارات الاحرام
(2) الوسائل الباب 8 من بقية كفارات الاحرام
(3) ص 424 رقم 3
(4) ص 414
431

الطعام) كما في رواية التهذيب و (قدر سعته) كما في الكافي.
وقوله (عليه السلام) في رواية الحسن بن زياد (1): وقد
سأله عن الأشنان فيه الطيب، يغسل به يده وهو محرم. فقال: تصدق
بشئ كفارة للأشنان الذي غسلت به يدك) ونحوها رواية الحسين
ابن زياد (2).
وفي صحيحة معاوية بن عمار (3): (فمن ابتلى بشئ من ذلك
فليعد غسله، وليتصدق بصدقة بقدر ما صنع).
وأجاب العلامة بعد ذكره بعض هذه الروايات بالحمل على
حال الضرورة، والحاجة إلى استعمال الطيب. ولا يخفى ما فيه من
البعد، إذ لا إشارة في تلك الأخبار فضلا عن الدلالة تؤنس به
واختار في المدارك حملها على حالة الجهل والنسيان، مع حمل
الأمر بالصدقة على الاستحباب، للأخبار الكثيرة الدالة على سقوط
الكفارة عن الناسي والجاهل إلا في الصيد. ولا يخفى أيضا ما فيه
من البعد عن ظاهر الأخبار المذكورة.
ويخطر بالبال العليل والفكر الكليل وجه آخر، لعله أقرب من ما
ذكروه، وهو حمل الطيب في هذه الأخبار على ما عدا الأفراد الأربعة
أو الخمسة التي اخترناها وفاقا للشيخ في التهذيب، ويختص وجوب

(1) الوسائل الباب 27 من تروك الاحرام، والباب 4 من بقية كفارات
الاحرام
(2) الفقيه ج 2 ص 223 و 224، والوسائل الباب 4 من بقية كفارات
الاحرام
(3) الوسائل الباب 18 من تروك الاحرام رقم 8
432

الشاة بالطيب الذي هو عبارة عن تلك الأفراد المذكورة، والأمر
بالصدقة فيها على الاستحباب.
وبالجملة فالمسألة غير خالية من شوب الاشكال، ولا ربب أن الاحتياط
في ما ذكروه (رضوان الله عليهم).
الصنف الرابع لبس المخيط للرجال، وما يتبعه من أنواع اللبس
قال في التذكرة: يحرم على المحرم الرجل لبس الثياب المخيطة
عند علماء الأمصار. وقال في المنتهى: يحرم على المحرم لبس المخيط
من الثياب إن كان رجلا، ولا نعلم فيه خلافا. ونقل في الدروس
عن ابن الجنيد أنه قيده بالضام للبدن. وظاهر المشهور بين الأصحاب
تحريم لبس المخيط وإن قلت الخياطة.
وأنت خبير بأن الأخبار الواردة في المسألة قاصرة عن إفادة
ما ذكروه من العموم.
وها أنا أسوق لك ما وقفت عليه منها، ليظهر لك الحال:
فمنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: (لا تلبس وأنت تريد الاحرام ثوبا تزره،
ولا تدرعه، ولا تلبس سراويل، إلا أن لا يكون لك إزار، ولا
خفين، إلا أن لا يكون لك نعلان).
وما رواه الصدوق عن معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: (لا تلبس ثوبا له إزرار وأنت محرم، إلا أن
تنكسه، ولا ثوبا تدرعه، ولا سراويل، إلا أن لا يكون لك إزار،

(1) التهذيب ج 5 ص 69 و 70، والوسائل الباب 35 من تروك الاحرام
(2) الفقيه ج 2 ص 218، والوسائل الباب 35 من تروك الاحرام
433

ولا خفين، إلا أن لا يكون لك نعل).
وما رواه الصدوق أيضا عن زرارة في الصحيح عن أحدهما (عليهما
السلام) (1) قال: سألته عن ما يكره للمحرم أن يلبسه. فقال:
يلبس كل ثوب إلا ثوبا يتدرعه).
وما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (إن لبست ثوبا في احرامك
لا يصلح لك لبسه فلب وأعد غسلك، وإن لبست قميصا فشقه واخرجه
من تحت قدميك).
وعن صفوان في الصحيح عن خالد بن محمد الأصم (3) قال:
(دخل رجل المسجد الحرام وهو محرم، فدخل في الطواف وعليه
قميص وكساء، فأقبل الناس عليه يشقون قميصه وكان صلبا، فرآه
أبو عبد الله (عليه السلام) وهو يعالجون قميصه يشقونه فقال له:
كيف صنعت؟ فقال: أحرمت هكذا في قميصي وكسائي. فقال: انزعه
من رأسك، ليس ينزع هذا من رجليه، إنما جهل) ونحوها رواية
عبد الصمد بن بشير (4) وقد تقدمت في مسألة لبس ثوبي الاحرام (5).
وما رواه في الكافي عن يعقوب بن شعيب في الصحيح (6) قال:
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم، يلبس الطيلسان المزرور؟
فقال: نعم. وفي كتاب على (عليه السلام): لا يلبس طيلسان حتى
ينزع أزراره. فحدثني أبي أنه إنما كره ذلك مخافة أن يزره الجاهل عليه)

(1) الفقيه ج 2 ص 218، والوسائل الباب 36 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 45 من تروك الاحرام
(3) الوسائل الباب 45 من تروك الاحرام
(4) الوسائل الباب 45 من تروك الاحرام
(5) ص 77
(6) الفروع ج 4 ص 340، والوسائل الباب 36 من تروك الاحرام
434

وروى في الكافي أيضا والتهذيب في الصحيح عن الحلبي مثله (1)
بدون قوله: (فحدثني أبي) قال: وقال: (إنما كره ذلك مخافة أن
يزره الجاهل فأما الفقيه فلا بأس أن يلبسه).
وأنت خبير بأنه لا دلالة في شئ من هذه الروايات على تحريم
لبس المخيط، ولا تعرض له بالكلية، وإنما دلت على النهي عن أثواب
مخصوصة. وبذلك اعترف شيخنا الشهيد (نور الله مرقده) في الدروس
حيث قال: ولم أقف إلى الآن على رواية بتحريم عين المخيط، إنما نهى عن
القميص والقباء والسراويل، وفي صحيح معاوية (2): (لا تلبس ثوبا تزره
ولا تدرعه، ولا تلبس سراويل) وتظهر الفائدة في الخياطة في الإزار وشبهه.
انتهى. ويعضده ما نقل عن الشيخ المفيد (عطر الله تعالى مرقده)
في المقنعة أنه لم يذكر إلا المنع من أشياء معينة، ولم يتعرض لذكر المخيط.
ومن ما ذكرنا يعلم أن ما اشتهر بين جملة من المتأخرين بناء
على ما قدمناه من الاجماع المدعى، من أنه يكفي في المنع مسمى
الخياطة وإن قلت لا وجه له.
وألحق الأصحاب بالمخيط ما أشبهه، كالدرع المنسوج، والملصق
بعضه ببعض. واحتج عليه في التذكرة بالحمل على المخيط، لمشابهته
إياه في المعنى من الترفه والتنعم. وضعفه ظاهر. والأجود أن يستدل
عليه بما يتضمن تحريم لبس الثياب على المحرم، كصحيحة معاوية
ابن عمار الأولى والثانية، وصحيحة زرارة، ونحوها من ما نقلناه وما
لم ننقله، فإنها شاملة لذلك.

(1) الوسائل الباب 36 من تروك الاحرام، والحديث في الفروع ج 4
ص 340، والفقيه ج 2 ص 217
(2) ص 433 رقم (1)
435

لكن ينبغي أن يستثنى منه الطيلسان، فإن يجوز لبسه، كم تقدم
في صحيحة يعقوب بن شعيب. وهو على ما نقل ثوب منسوج محيط
بالبدن، قال في كتاب مجمع البحرين: الطيلسان مثلث اللام واحد
الطيالسة، وهو ثوب محيط بالبدن ينسج للبس خال عن التفصيل والخياطة،
وهو من لباس العجم، والهاء في الجمع للعجمة، لأنه معرب تالشان. انتهى
وظاهر الروايتين المذكورتين جواز لبسه اختيارا، وبه صرح
العلامة في جملة من كتبه، والشهيد في الدروس. واعتبر في الإرشاد
في جواز لبسه الضرورة، وبه صرح صاحب الوسائل. والظاهر الأول.
ومن ما يدل على وجوب الفدية لو تعمد لبس ما لا يجوز له لبسه
ما رواه الكليني عن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) (1)
قال: (من لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه وهو محرم، ففعل ذلك ناسيا
أو ساهيا أو جاهلا فلا شئ عليه، ومن فعله متعمدا فعليه دم).
وما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن
أحدهما (عليهما السلام) (2) قال: (سألته عن ضروب من الثياب مختلفة
يلبسها المحرم إذا احتاج، ما عليه؟ قال: لكل صنف منها فداء).
أقول: الظاهر أن المراد بتعدد الصنف، كالعمامة والقباء والقميص
والسراويل، فإن كلا منها صنف من أصناف اللباس، فلو تعدد القباء
مثلا فليس إلا فداء واحد.

(1) الفروع ج 4 ص 348، والوسائل الباب 8 من بقية كفارات
الاحرام
(2) الفروع ج 4 ص 348، والفقيه ج 2 ص 219، والتهذيب ج 5 ص
384 عن أبي جعفر عليه السلام، والوسائل الباب 9 من بقية كفارات الاحرام
436

وما رواه ثقة الاسلام (نور الله تعالى مرقده) في الصحيح
عن زرارة (1) قال: (سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: من
نتف إبطه، أو قلم ظفره، أو حلق رأسه، أو لبس ثوبا لا ينبغي
له لبسه، أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله، وهو محرم، ففعل ذلك
ناسيا أو جاهلا فليس عليه شئ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة).
وما رواه الشيخ عن سليمان بن العيص (2) قال: (سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن المحرم يلبس القميص متعمدا. قال: عليه دم).
ومن اضطر إلى لبس ثوب يحرم عليه لبسه مع الاختيار، جاز
له لبسه، وعليه دم شاة. والحكم بذلك مقطوع به في كلامهم، كما
نقله غير واحد.
والأصل فيه صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة. والظاهر منها كما
أشرنا إليه آنفا تعدد الكفارة بتعدد الصنف، في مجلس واحد كان
أو مجالس متعددة، ومع اتحاد الصنف فليس إلا كفارة واحدة كذلك
أي اتحد المجلس أو تعدد، تعددت أفراده أو اتحدت.
وبهذا ينبغي أن يجمع بين كلامي العلامة في المنتهى، فإنه قال في
فروع هذه المسألة:
الثاني لو لبس ثيابا كثيرة دفعة واحدة وجب عليه فداء واحد
ولو كان في مرات متعددة وجب عليه لكل ثوب دم، لأن لبس كل
ثوب يغاير لبس الثوب الآخر، فيقتضي كل واحد منها مقتضاه من

(1) هذا الحديث بهذا اللفظ رواه الشيخ في التهذيب ج 5 ص 369
و 370، والوسائل الباب 8 من بقية كفارات الاحرام
(2) الوسائل الباب 8 من بقية كفارات الاحرام
437

غير تداخل. ثم استدل بصحيحة محمد بن مسلم المذكورة. ثم قال:
الرابع لو لبس قميصا وعمامة وخفين وسراويل وجب عليه لكل
واحد فدية، لأن الأصل عدم التداخل، خلافا لأحمد (1). وظاهر هذا
الكلام مناف لما تقدم، من أن لبس الثياب الكثيرة دفعة واحدة إنما
يوجب فداء واحدا. ووجه الجمع هو ما أشرنا إليه من حمل الثياب
الكثيرة على ما إذا كانت من صنف واحد، وإن كان ظاهر عبارته من
ما يأبى هذا، حيث إنه جعل مناط الاتحاد والتعدد في الفدية إنما
هو تعدد المجلس واتحاده، والمفهوم من الخبر إنما هو باعتبار تعدد
الصنف واتحاده.
ونقل عن الشيخ في التهذيب أنه قال: وإذا لبس ثيابا كثيرة فعليه
لكل واحد منها فداء. وهو على اطلاقه أيضا مشكل. والوجه ما ذكرناه
من التفصيل المستفاد من الصحيحة المذكورة.
ثم إنه لا فرق عند الأصحاب في وجوب الكفارة بين اللبس ابتداء
واستدامة، كما لو لبسه ناسيا أو جاهلا ثم ذكر أو علم، فإنه يجب
عليه نزعه على الفور، ولا فدية عليه، ولو تركه والحال كذلك وجبت
عليه الفدية، طال الزمان أو قصر.
والواجب نزعه من أسفله، بأن يشقه ويخرجه من رجليه. وعلله
في المنتهى بأنه لو نزعه من رأسه لغطاه، وتغطية الرأس حرام. ورواية
عبد الصمد بن بشير المتقدمة في مسألة لبس ثوبي الاحرام (2) دلت.

(1) المغني ج 3 ص 448 طبع مطبعة العاصمة
(2) ص 77 و 78، والتهذيب ج 5 ص 72، والوسائل الباب 45 من
تروك الاحرام
438

على التفصيل في ما إذا كان جاهلا، بين لبسه للقميص قبل الاحرام
فينزعه من رأسه، وبعد الاحرام فينزعه من رجليه.
وقد تقدم في المسألة المشار إليها التنبيه على جملة من المسائل
المتعلقة بثوبي الاحرام.
وبقي من ما يجب التنبيه عليه هنا أمور: الأول قال العلامة في
المنتهى: يجوز للمحرم أن يعقد إزراه عليه، لأنه يحتاج إليه لستر
العورة، فيباح كاللباس للمرأة. قال في المدارك: وهو حسن.
أقول: قد روى في الإحتجاج (1) عن محمد بن عبد الله الحميري
عن صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه): أنه كتب إليه
يسأله عن المحرم، يجوز أن يشد المئزر من خلفه على عقبه بالطول، ويرفع
طرفيه إلى حقويه ويجمعهما في خاصرته ويعقدهما، ويخرج الطرفين
الآخرين من بين رجليه ويرفعهما إلى خاصرته ويشد طرفيه إلى وركيه،
فيكون مثل السراويل يستر ما هناك؟ فإن المئزر الأول كنا نتزر به إذا
ركب الرجل جمله يكشف ما هناك، وهذا أستر. فأجاب (عليه السلام):
جائز أن يتزر الانسان كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر حدثا بمقراض
ولا إبرة يخرجه به عن حد المئزر، وغرزه غرزا، ولم يعقده ولم يشد بعضه
ببعض، وإذا غطى سرته وركبتيه كلاهما، فإن السنة المجمع عليها بغير
خلاف تغطية السرة والركبتين. والأحب إلينا والأفضل لكل أحد شده
على السبيل المألوفة المعروفة للناس جميعا إن شاء الله (تعالى). وعنه
أنه سأله: هل يجوز أن يشد عليه مكان العقد تكة؟ فأجاب: لا يجوز
شد المئزر بشئ سواه من تكة أو غيرها. انتهى. وهو ظاهر كما

(1) ج 2 ص 306، والوسائل الباب 53 من تروك الاحرام
439

ترى في أنه إذا اتزر بالإزار، يغرزه غرزا، ولا يعقده، ولا يشد
بعضه ببعض.
وذكر العلامة أيضا في الكتاب المذكور وغيره في غيره: أنه يحرم
على المحرم عقد الرداء وزره.
واستدلوا عليه بما رواه الصدوق في الموثق عن سعيد الأعرج (1):
(أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم، يعقد إزاره في
عنقه؟ قال: لا).
قال في المدارك بعد نقل ذلك: ويمكن حملها على الكراهة،
لقصورها من حيث السند عن اثبات التحريم. وهو جيد على أصله
الغير الأصيل. والأظهر هو ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم).
إلا أنه روى في الكافي عن القداح عن جعفر (عليه السلام) (2):
(أن عليا (صلوات الله عليه) كان لا يرى بأسا بعقد الثوب إذا
قصر، ثم يصلي فيه وإن كان محرما) والظاهر حملها على الضرورة
كما هو الظاهر منها، فلا منافاة. ومفهومها كاف في الدلالة كما
لا يخفى.
ويزيد ذلك بيانا ما رواه الحميري في كتاب قرب الإسناد عن علي
ابن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) (3) قال:
(المحرم لا يصلح له أن يعقد إزاره على رقبته، ولكن يثنيه على
عنقه ولا يعقده) ورواه علي بن جعفر في كتابه مثله (4).
الثاني قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه يجوز له
عقد الهميان في وسطه.

(1) الوسائل الباب 53 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 53 من تروك الاحرام
(3) الوسائل الباب 53 من تروك الاحرام
(4) الوسائل الباب 53 من تروك الاحرام
440

وعليه تدل جملة من الأخبار: منها ما رواه ثقة الاسلام (عطر
الله تعالى مرقده) في الصحيح عن عاصم بن حميد عن أبي بصير (1)
قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم، يشد على بطنه
العمامة؟ قال: لا. ثم قال: كان أبي يقول: يشد على بطنه المنطقة
التي فيها نفقته يستوثق منها، فإنها من تمام حجه).
وعن يعقوب بن شعيب في الصحيح (2) قال: (سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن المحرم، يصر الدراهم في ثوبه؟ قال: نعم. ويلبس
المنطقة والهميان).
وما رواه الصدوق (نور الله مرقده) في الموثق عن يونس بن
يعقوب (3) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): المحرم يشد
الهميان في وسطه؟ فقال: نعم، وما خيره بعد نفقته).
وعن أبي بصير عنه (عليه السلام) (4) أنه قال: (كان أبي يشد
على بطنه نفقته يستوثق بها، فإنها تمام حجه).
وما تضمنه صحيح أبي بصير من النهي عن شد المحرم العمامة
على بطنه لعله محمول على الكراهة، لما رواه الصدوق في الصحيح
عن عمران الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال: (المحرم
يشد على بطنه العمامة، وإن شاء يعصبها على موضع الإزار، ولا يرفعها
إلى صدره).
ويمكن حمل البطن في صحيحة أبي بصير على الصدر، جمعا بين
الخبرين، فإن ظاهر هذه الصحيحة تحريم الشد على الصدر. وباب

(1) الوسائل الباب 47 من تروك الاحرام. وارجع إلى الاستدراكات
(2) الوسائل الباب 47 من تروك الاحرام. وارجع إلى الاستدراكات
(3) الوسائل الباب 47 من تروك الاحرام. وارجع إلى الاستدراكات
(4) الوسائل الباب 47 من تروك الاحرام. وارجع إلى الاستدراكات
(5) الوسائل الباب 72 من تروك الاحرام
441

التجوز في الكلام واسع، وارتكاب مثل هذا التجوز في طريق
الجمع شائع.
الثالث قد صرح العلامة في المنتهى والتذكرة وغيره بأنه لا يجوز
للمحرم لبس الخفين، ولا ما يستر ظهر القدم، اختيارا، ويجوز اضطرارا
وهو من ما لا خلاف فيه بينهم، كما ذكره العلامة في الكتابين
المذكورين، قال: ولا نعلم فيه خلافا.
أقول: ويدل عليه ما رواه الصدوق عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (1): (في المحرم يلبس الخف إذا لم يكن
له نعل؟ قال: نعم، ولكن يشق ظهر القدم).
وما رواه في الكافي في الموثق عن حمران عن أبي جعفر (عليه السلام) (2)
قال: (المحرم يلبس السراويل إذا لم يكن معه إزار، ويلبس الخفين
إذا لم يكن معه نعل).
وصحيحة الحلبي (3) وفيها: (وأي محرم هلكت نعلاه فلم يكن له
نعلان فله أن يلبس الخفين إذا اضطر إلى ذلك، والجوربين يلبسهما إذا
اضطر إلى لبسهما).
وفي صحيحة زرارة (4): (أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام)
عن المحرم، يلبس الخفين والجوربين؟ قال: إذا اضطر إليهما).

(1) الوسائل الباب 51 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 50 من تروك الاحرام
(3) الوسائل الباب 51 من تروك الاحرام
(4) الفروع ج 4 ص 347، والفقيه ج 2 ص 217، والوسائل الباب
51 من تروك الاحرام رقم 4. والراوي هو رفاعة
442

وفي صحيحة معاوية بن عمار (1): (ولا تلبس سراويل إلا أن
لا يكون لك إزار، ولا خفين إلا أن لا يكون لك نعلان).
وهذه الروايات كلها إنما دلت على الخفين والجوربين، وأما ما يستر
ظهر القدم من غير أن يدخل تحت اللباس فلا دليل عليه. والظاهر
أن مرادهم ليس مجرد ستر القدم، بل المراد لبس ما يوجب ستر القدم
وعلى هذا فيحمل ذكر الخفين والجوربين على التمثيل دون الاختصاص.
والظاهر المتبادر من هذه الروايات هو اختصاص التحريم بما يلزم
منه ستر ظهر القدم كلا دون بعضه، بل احتمل في المدارك اختصاصه
بساتر الجميع إذا كان له ساق كما في الخف والجورب.
بقي الكلام في أنه متى اضطر إلى لبسه فهل يجب شقه أم لا؟
فقال الشيخ وأتباعه بالوجوب، لرواية محمد بن مسلم المتقدمة،
ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2): (في رجل
هلكت نعلاه ولم يقدر على نعلين؟ قال: له أن يلبس الخفين إذا اضطر
إلى ذلك، وليشقه من ظهر القدم.. الحديث).
وقال ابن إدريس وجمع من الأصحاب منهم المحقق: لا يجب
شق الخفين، للأصل، واطلاق الأمر بلبس الخفين مع عدم النعلين في
الأخبار المتقدمة، ولو كان الشق واجبا لذكر في مقام البيان. وفيه
أن غاية هذه الأخبار أن تكون مطلقة في ذلك، وهي لا تنافي الأخبار
المقيدة، لأن المقيد يحكم على المطلق، كما هو القاعدة المسلمة بينهم.
ثم إنه قد اختلف كلامهم أيضا في كيفية ذلك، فقال الشيخ في

(1) التهذيب ج 5 ص 69 و 70، والوسائل الباب 35 من تروك الاحرام
(2) الفروع ج 4 ص 346،، والوسائل الباب 51 من تروك الاحرام
443

المبسوط: يشق ظهر قدميهما. وقال في الخلاف: إنه يقطعهما حتى يكونا
أسفل من الكعبين. وقال ابن الجنيد: ولا يلبس المحرم الخفين إذا لم يجد
نعلين حتى يقطعهما إلى أسفل الكعبين. وقال ابن حمزة: إنه يشق
ظاهر القدمين، وإن قطع الساقين كان أفضل. والذي دل عليه الخبران
المتقدمان شق ظهر القدم خاصة. نعم ورد القطع إلى الكعبين في
روايات العامة حيث رووا عنه (صلى الله عليه وآله) (1) أنه قال:
(فإن لم يجد نعلين فليلبس خفين، وليقطعهما حتى يكونا إلى الكعبين)
ولا يبعد أن يكون من ذكر القطع من أصحابنا إنما تبع فيه العامة،
حيث إنه لا مستند له في أخبارنا، أو لعله وصل إليهم ولم يصل إلينا.
والظاهر اختصاص الحكم المذكور بالرجل، لأنه مورد الروايات
دون المرأة. واستظهره شيخنا الشهيد في الدروس.
الرابع قد صرحوا (رضوان الله عليهم) بأنه لا يجوز للمرأة
المحرمة لبس القفازين، ولا الحلي الذي لم يجر عادتها بلبسه قبل
الاحرام.
ويدل على الأول ما رواه في الكافي في الصحيح عن عيص بن
القاسم (2) قال: (قال أبو عبد الله (عليه السلام): المرأة المحرمة
تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفازين. وكره النقاب
.. الحديث).

(1) سنن البيهقي ج 5 ص 51. وارجع إلى الاستدراكات
(2) الفروع ج 4 ص 344، والوسائل الباب 33 من الاحرام، والباب
48 من تروك الاحرام
444

وعن النضر بن سويد عن أبي الحسن (عليه السلام) (1) قال:
(سألته عن المرأة المحرمة أي شئ تلبس من الثياب؟ قال: تلبس
الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران والورس، ولا تلبس القفازين
ولا حليا تتزين به لزوجها، ولا تكتحل إلا من علة، ولا تمس طيبا،
ولا تلبس حليا ولا فرندا. ولا بأس بالعلم في الثوب).
والقفاز كرمان: شئ يعمل لليدين يحشى بقطن، تلبسهما المرأة
للبرد، ويكون لهما إزرار تزر على الساعدين.
وعن أبي عيينة (2) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام): ما يحل
للمرأة أن تلبس من الثياب وهي محرمة؟ قال: الثياب كلها ما خلا
القفازين والبرقع والحرير).
وما رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه في الصحيح عن يحيى
ابن أبي العلاء عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام) (3): (أنه
كره للمحرمة البرقع والقفازين).
أقول: والمراد بالكراهة هنا التحريم كما هو شائع في الأخبار.
وأما الثاني فتحريمه هو المشهور بين الأصحاب، بل لا نعلم فيه
مخالفا إلا ما يظهر من المحقق في الشرائع حيث جعله الأولى. هذا
في ما لم يقصد به الزينة، وأما مع ذلك فلا خلاف في تحريمه.
وتدل عليه رواية النضر بن سويد المتقدمة، وصحيحة محمد بن
مسلم المروية في التهذيب وفي من لا يحضره الفقيه عن أبي عبد الله

(1) الوسائل الباب 33 من الاحرام، والباب 49 من تروك الاحرام
(2) الفروع ج 4 ص 345، والوسائل الباب 33 من الاحرام
(3) الفقيه ج 2 ص 219، والوسائل الباب 33 من الاحرام
445

(عليه السلام) (1) قال: (المحرمة تلبس الحلي كله إلا حليا مشهورا
للزينة) والمراد بالمشهور، يعني: الظاهر الذي تحصل به الزينة.
وأما تحريم ما لم تعتد لبسه قبل الاحرام. كما هو المشهور فلم
أقف في الأخبار على ما يدل عليه صريحا ولا ظاهرا، وغاية ما استدل به
في المدارك عن ذلك مفهوم قوله (عليه السلام) في صحيحة حريز (2):
(إذا كان للمرأة حلي لم تحدثه للاحرام لم ينزع عنها) فإن مفهومه
يدل على النزع لو أحدثته للاحرام.
والذي وقفت عليه من روايات المسألة زيادة على ما ذكرنا ما رواه
في الكافي في الصحيح عن عبد الرحمان بن الحجاج (3) قال: (سألت
أبا الحسن (عليه السلام) عن المرأة يكون عليها الحلي، والخلخال،
والمسكة، والقرطان من الذهب والورق، تحرم فيه وهو عليها، وقد
كانت تلبسه في بيتها قبل حجها، أتنزعه إذا أحرمت أو تتركه على
حاله؟ قال: تحرم فيه وتلبسه، من غير أن تظهره للرجال في مركبها
ومسيرها).
وما رواه في من لا يحضره الفقيه (4) عن عبد الله بن يحيى الكاهلي
في الحسن عنه (عليه السلام) أنه قال: (تلبس المرأة المحرمة الحلي
كله إلا القرط المشهور والقلادة المشهورة).

(1) الوسائل الباب 49 من تروك الاحرام
(2) الفقيه ج 2 ص 220، والوافي باب (لباس المحرمة وحليها)
والوسائل الباب 49 من تروك الاحرام
(3) الوسائل الباب 49 من تروك الاحرام
(4) ج 2 ص 220، والوسائل الباب 49 من تروك الاحرام.
446

وقال في من لا يحضره الفقيه (1): (وسأله يعقوب بن شعيب عن
المرأة تلبس الحلي. فقال: تلبس المسك والخلخالين).
وقال: وفي رواية حريز (2) قال: (إذا كان للمرأة حلي لم تحدثه
للاحرام لم تنزعه عنها).
وما رواه في التهذيب (3) في الصحيح عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: (وتلبس الخلخالين والمسك)
وعن عمار الساباطي في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)
قال: (تلبس المحرمة الخاتم من الذهب).
أقول: والمستفاد من مجموع روايات المسألة وضم بعضها إلى بعض هو
أنه يحرم عليها قصد الزينة، سواء كان بما تعتاده قبل الاحرام أم لا،
وعليه تدل رواية النضر وصحيحة محمد بن مسلم المذكورتان. وإليه
يشير قوله في صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج: (تحرم فيه وتلبسه،
من غير أن تظهره للرجال) من زوجها وغيره من أقاربها. فلا وجه
لتخصيص الزوج، كما وقع في عبارات جملة من الأصحاب. وأما
ما لم تقصد به الزينة فلا بأس بما اعتادته قبل الاحرام بشرط أن
لا تظهره، وفي غير المعتاد تردد، والأحوط تحريمه.
والظاهر أنه لا فدية في لبس القفازين ولا الحلي المحرم سوى

(1) ج 2 ص 220، والوسائل الباب 49 من تروك الاحرام.
(2) الفقيه ج 2 ص 220، والوافي باب (لباس المحرمة وحليها)
والوسائل الباب 49 من تروك الاحرام
(3) ج 5 ص 74 و 75، والوسائل الباب 33 من الاحرام.
(4) التهذيب ج 5 ص 76، والوسائل الباب 46 و 49 من تروك الاحرام
447

الاستغفار للأصل، وعدم الدليل في الباب.
الخامس قد صرح الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) بأنه
يحرم على الرجل لبس الخاتم إن قصد به الزينة، وإن قصد به السنة
فلا بأس.
ويدل عليه ما رواه في الكافي في الصحيح عن أحمد بن أبي نصر عن
نجيح عن أبي الحسن (عليه السلام) (1) قال: (لا بأس بلبس الخاتم
للمحرم) قال في الكافي (2)، وفي رواية أخرى: (لا يلبسه للزينة).
وما رواه في التهذيب (3) في الصحيح عن محمد بن إسماعيل قال:
(رأيت العبد الصالح (عليه السلام) وهو محرم، وعليه خاتم،
وهو يطوف طواف الفريضة).
وما رواه في من لا يحضره الفقيه (4) عن مسمع عن أبي عبد الله
(عليه السلام)
قال: (سألته: أيلبس المحرم الخاتم؟ قال:
لا يلبسه للزينة).
ويؤيده ما في رواية حريز (5) قال: (لا تنظر في المرآة وأنت محرم
لأنه من الزينة. ولا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد، إن السواد زينة).
السادس اختلف الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) في
لبس السلاح للمحرم لغير ضرورة، فقيل بالتحريم، وهو المشهور،
والقول بالجواز نادر.

(1) الفروع ج 4 ص 343، والوسائل الباب 46 من تروك الاحرام
(2) الفروع ج 4 ص 343، والوسائل الباب 46 من تروك الاحرام
(3) ج 5 ص 73، والوسائل الباب 46 من تروك الاحرام
(4) التهذيب ج 5 ص 73، والوسائل الباب 46 من تروك الاحرام
(5) الفروع ج 4 ص 356، والوسائل الباب 34 و 33 من تروك الاحرام
448

ويدل على القول المشهور الأخبار: منها ما رواه الشيخ في الصحيح
عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1): (أن المحرم إذا خاف
العدو فلبس السلاح فلا كفارة عليه).
وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان (2) قال: (سألت أبا عبد الله
(عليه السلام): أيحمل السلاح المحرم؟ فقال: إذا خاف المحرم عدوا
أو سرقا فليلبس السلاح).
وفي من لا يحضره الفقيه (3) عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال: (المحرم إذا خاف لبس السلاح).
وفي الكافي عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (4) قال:
(لا بأس بأن يحرم الرجل وعليه سلاحه إذا خاف العدو).
ودلالة هذه الأخبار على التحريم وإن كان بالمفهوم إلا أنه مفهوم
شرط، وهو حجة عند محققي الأصوليين وعندي، للأخبار المتقدمة في
مقدمات الكتاب. إلا أنه ربما يقال: إن المفهوم إنما يعتبر إذا لم
يظهر للتعليق وجه سوى نفي الحكم عن ما عدا محل الشرط، وهنا ليس
كذلك. ولا يبعد أن يكون التعليق باعتبار عدم الاحتياج إلى لبس
السلاح عند انتفاء الخوف لا تحريمه. ويؤيده أن مقتضى الرواية
الأولى لزوم الكفارة بلبس السلاح مع انتفاء الخوف. ولا قائل به.
ويمكن حملها على ما لا يجوز للمحرم لبسه كالدرع، ومعه يسقط
الاحتجاج بها رأسا. ومن أجل هذه الوجوه مال في المدارك إلى القول
بالكراهة وفاقا للمصنف. وفيه نظر، فإن الظاهر أن ما ذكره من

(1) التهذيب ج 5 ص 387، والوسائل الباب 54 من تروك الاحرام
(2) التهذيب ج 5 ص 387، والوسائل الباب 54 من تروك الاحرام
(3) الوسائل الباب 54 من تروك الاحرام
(4) الوسائل الباب 54 من تروك الاحرام
449

الفائدة في التعليق بعيد جدا، فإن عدم الاحتياج إلى لبس السلاح
عند انتفاء الخوف أمر ظاهر لا يحتاج إلى تنبيه عليه ليكون هو الغرض
من التعليق. وعدم القول بمضمون الرواية الدالة على الكفارة مع
صحتها وصراحتها لا يوجب طرحها ولا تأويلها، بل الواجب العمل بها
مع عدم وجود المعارض لها. وبالجملة فالظاهر هو المشهور. والله العالم.
الصنف الخامس والسادس الاكتحال بالسواد، وما فيه طيب.
وكذا النظر في المرآة.
فأما الأول فالمشهور فيه القول بالتحريم، وهو قول الشيخ في النهاية
والمبسوط، والشيخ المفيد، وسلار، وابن إدريس، وغيرهم. وقال
في الخلاف: أنه مكروه. وقال أبو جعفر بن بابويه في المقنع: ولا
بأس أن يكتحل بالكحل كله إلا كحلا أسود للزينة. وقال ابن الجنيد:
ولا تكتحل المرأة بالأثمد.
والذي وقفت عليه من الروايات المتعلقة بالمسألة ما رواه الشيخ
في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: (لا يكتحل الرجل والمرأة المحرمان بالكحل الأسود إلا من علة)
وعن حريز في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2):
قال: (لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد، أن السواد زينة).
وما رواه ثقة الاسلام في الكافي عن حريز في الصحيح أو الحسن
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: (لا تنظر في المرآة وأنت

(1) الوسائل الباب 33 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 33 من تروك الاحرام
(3) الفروع ج 4 ص 356، والوسائل الباب 34 و 33 من تروك الاحرام
450

محرم، لأنه من الزينة. ولا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد، أن
السواد زينة).
وعن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: (سألته عن الكحل للمحرم. قال: أما بالسواد فلا ولكن
بالصبر والحضض).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عنه يعني: أبا عبد الله) عليه
السلام) (2) قال: (تكتحل المرأة بالكحل كله إلا الكحل الأسود
للزينة).
وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: (لا بأس أن تكتحل وأنت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد
ريحه، فأما للزينة فلا).
وعن عبد الله بن سنان في الصحيح (4) قال: (سمعت أبا عبد الله
(عليه السلام) يقول: يكتحل المحرم إن هو رمد بكحل ليس فيه زعفران).
وما رواه ثقة الاسلام عن معاوية في الصحيح أو الحسن عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال: (المحرم لا يكتحل إلا من
وجع. وقال: لا بأس بأن تكتحل وأنت محرم بما لم يكن فيه طيب
يوجد ريحه، فأما للزينة فلا).
وعن أبان عن من أخبره عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6) قال:
(إذا اشتكى المحرم عينيه فليكتحل بكحل ليس فيه مسك ولا طيب)
وما رواه في التهذيب عن هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد الله

(1) الوسائل الباب 33 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 33 من تروك الاحرام
(3) التهذيب ج 5 ص 302، والوسائل الباب 33 من تروك الاحرام
(4) الوسائل الباب 33 من تروك الاحرام
(5) الوسائل الباب 33 من تروك الاحرام
(6) الوسائل الباب 33 من تروك الاحرام
451

(عليه السلام) (1) قال: (لا يكحل المحرم عينيه بكحل فيه زعفران
وليكتحل بكحل فارسي) قال في القاموس: كحل فارس: الانزروت
وكحل خولان: الحضض.
أقول: وهذه الأخبار ما بين ما هو ظاهر في المنع من حيث قصد
الزينة به كما ذكره الصدوق في المقنع وما بين ما هو ظاهر في
المنع مطلقا، معللا في بعضها بلزوم حصول الزينة منه وإن لم يقصدها
كما هو القول المشهور. ويشير إلى ما قلناه ما في صحيحتي حريز من
قوله (عليه السلام): (إن السواد زينة) فعلل التحريم بما يحصل
منه الزينة وإن لم يقصده المكتحل، وأما إذا قصدها فلا اشكال
في التحريم. ولا تنافي بين هذه الأخبار. وحينئذ فتخصيص الصدوق
التحريم بقصد الزينة ليس في محله، لأن فيه طرحا لهذه الأخبار
الباقية. وبذلك يظهر قوة القول المشهور.
وأما ما ذكره في الخلاف فيحتمل أن يكون مستنده قوله (عليه
السلام) في صحيحة معاوية بن عمار الثانية: (لا بأس أن تكتحل
وأنت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه) وقوله (عليه السلام)
في صحيحته أو حسنته التي بعدها (لا بأس بأن تكتحل وأنت محرم بما لم
يكن فيه طيب يوجد ريحه) والجواب: حمل الكحل هنا على سائر
الأكحال غير السواد، جمعا. ويشير إليه قوله بعد هذه العبارة:
(فأما للزينة فلا) يعني: الكحل الأسود الذي تحصل منه الزينة
ويكتحل به للزينة.
وأما ما ذكره في الذخيرة بعد نقل جملة من هذه الأخبار:

(1) التهذيب ج 5 ص 301، والوسائل الباب 33 من تروك الاحرام
452

والجمع بين الأخبار يقتضي حمل ما دل على النهي عن الاكتحال
بالسواد على ما كان للزينة. ثم إن قلنا بأن النهي في أخبارنا يدل
على التحريم تعين المصير إليه، وإلا كان المتجه قول الشيخ. ويؤيده اجماع
الفرقة عليه. انتهى
ففيه ما عرفت من أنه لا منافاة بين الأخبار المذكورة بالتقريب
الذي ذكرناه، إذ ما دل على التحريم مطلقا قد علل بلزوم الزينة
منه وإن لم تقصد، كما عرفت من صحيحتي حريز، فلا يصلح للتقييد
بما ذكره. وعلى هذا فيصير قصد الزينة به مرتبة أخرى فوق هذه
المرتبة وأبلغ في التحريم. وأما قوله: (ثم إن قلنا.. إلى آخره)
فهو من تشكيكاته الواهية التي للوساوس مضاهية، كما أوضحناه في
غير موضع من ما تقدم.
هذا كله في الرجل والمرأة مع الاختيار، أما لو دعت الضرورة
إليه فالظاهر أنه لا خلاف ولا اشكال في الجواز.
ويدل عليه ما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار الأولى: (لا يكتحل
الرجل والمرأة المحرمان بالكحل الأسود إلا من علة) وصحيحة عبد الله بن
سنان الدالة على أنه إذا رمد يكتحل بكحل ليس فيه زعفران. وصحيحة
معاوية أو حسنته الدالة على أن المحرم لا يكتحل إلا من وجع.
ويدل عليه أيضا ما رواه الكليني عن عبد الله بن يحيى الكاهلي في
الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (سأله رجل ضرير البصر
وأنا حاضر، فقال: اكتحل إذا أحرمت؟ قال: لا، ولم تكتحل؟ قال:
إني ضرير البصر فإذا أنا اكتحلت نفعني وإذا لم اكتحل ضرني. قال:

(1) الفروع ج 4 ص 358، والوسائل الباب 33 و 70 من تروك الاحرام
453

فاكتحل. قال: فإني أجعل مع الكحل غيره؟ قال: ما هو؟ قال:
آخذ خرقتين فأربعهما فأجعل على كل عين خرقة وأعصبهما بعصابة إلى
قفاي، فإذا فعلت ذلك نفعني وإذا تركته ضرني. قال: فاصنعه).
وروى الصدوق عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: (لا بأس للمحرم أن يكتحل بكحل ليس فيه مسك ولا كافور
إذا اشتكى عينيه).
وأما الثاني فإن المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) تحريمه
حتى أن العلامة في التذكرة قال: أجمع علماؤنا على أنه لا يجوز للمحرم
أن يكتحل بكحل فيه طيب، سواء كان رجلا أو امرأة. ونقل عن
ابن البراج أنه جعل ذلك مكروها. والظاهر ضعفه، لما دل على تحريم
استعمال الطيب مطلقا. وخصوص ما تقدم من الروايات، مثل
صحيحة معاوية بن عمار الثانية، وصحيحة عبد الله بن سنان، وصحيحة
معاوية أو حسنته، ومرسلة أبان، ورواية الغنوي. وظاهر الأخبار
المذكورة تقييد الطيب بأنه توجد رائحته، فلو كان مسلوب الرائحة
فالظاهر جوازه.
وأما الثالث فالقول بالتحريم فيه هو المشهور أيضا، وخالف الشيخ
في الخلاف فذهب إلى أنه مكروه. والأصح التحريم.
ويدل عليه ما تقدم في صحيحة حريز المتقدمة المروية في الكافي،
وما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) قال: (لا تنظر في المرآة وأنت محرم، فإنها من الزينة).

(1) الفقيه ج 2 ص 221، والوسائل الباب 33 من تروك الاحرام
(2) التهذيب ج 5 ص 302، والوسائل الباب 34 من تروك الاحرام
454

وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: (لا تنظر المرأة المحرمة في المرآة للزينة).
وهذان الخبران جاريان على ما قدمناه في الأخبار السابقة، فإن
الأول منهما دل على النهي عن النظر مطلقا، معللا بترتب الزينة على
النظر وإن لم يقصدها الناظر، والثاني دل على النظر لأجل الزينة.
ولا منافاة بينهما، بل أحدهما مؤكد للآخر. وبه يظهر أن الأخبار
المتقدمة لا منافاة بينها لتحتاج إلى الجمع بما ذكره ذلك الفاضل
(رحمه الله تعالى).
الصنف السابع والثامن الفسوق والجدال، والبحث هنا يقع
في موضعين:
الأول في الفسوق، وقد أجمع العلماء كافة على تحريمه في الحج
وغيره. والأصل فيه بالنسبة إلى الحج قوله (عز وجل): فلا رفث
ولا فسوق ولا جدال في الحج (2) والحج يتحقق بالتلبس باحرامه، بل
بإحرام عمرة التمتع، لدخولها في الحج.
وقد اختلف الأصحاب في تفسير الفسوق، فقال الشيخ: الفسوق
هو الكذب. وكذا قال الشيخ علي بن بابويه، وابنه في المقنع.
وقال ابن الجنيد: إنه الكذب والسباب. وكذا قال السيد المرتضى
(رضي الله عنه). وقال ابن أبي عقيل: إنه الكذب واللفظ القبيح
وقال ابن البراج: إنه الكذب على الله (تعالى) وعلى رسوله (صلى
الله عليه وآله) وعلى الأئمة (عليهم السلام).

(12) التهذيب ج 5 ص 302، والوسائل الباب 34 من تروك الاحرام
(2) سورة البقرة، الآية 197
455

والمشهور الأول، وهو المعتمد. ويدل عليه ما رواه في الكافي والتهذيب
في الصحيح عن معاوية بن عمار (1) قال: (قال أبو عبد الله (عليه السلام):
إذا أحرمت فعليك بتقوى الله (تعالى) وذكر الله كثيرا، وقلة الكلام
إلا بخير، فإن من تمام الحج والعمرة أن يحفظ المرء لسانه إلا من
خير، كما قال الله (عز وجل)، فإن الله (تعالى) يقول: فمن
فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج (2) والرفث:
الجماع، والفسوق: الكذب والسباب، والجدال: قول الرجل: لا
والله وبلى والله) وزاد في الكافي: (واعلم أن الرجل إذا حلف بثلاثة
ايمان ولاء في مقام واحد وهو محرم فقد جادل، فعليه دم يهريقه
ويتصدق به، وإذا حلف يمينا واحدة كاذبة فقد جادل، وعليه دم
يهريقه ويتصدق به. وقال: اتق المفاخرة، وعليك بورع يحجزك عن
معاصي الله (تعالى)، فإن الله (عز وجل) يقول: ثم ليقضوا تفثهم
وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق (3) قال أبو عبد الله (عليه
السلام): من التفث أن تتكلم في احرامك بكلام قبيح، فإذا دخلت
مكة وطفت بالبيت وتكلمت بكلام طيب، فكان ذلك كفارة لذلك.
قال: وسألته عن الرجل يقول: لا لعمري وبلى لعمري. قال: ليس
هذا من الجدال، إنما الجدال: لا والله وبلى والله) ورواه الصدوق (4)

(1) الفروع ج 4 ص 237 و 238، والتهذيب ج 5 ص 296، والوسائل
الباب 32 من تروك الاحرام، والباب 1 من بقية كفارات الاحرام
(2) سورة البقرة، الآية 197
(3) سورة الحج، الآية 27
(4) الفقيه ج 2 ص 214، والوسائل الباب 32 من تروك الاحرام
456

من قوله (عليه السلام): (اتق المفاخرة) إلى قوله: (وكان ذلك
كفارة لذلك).
وما رواه الشيخ في التهذيب (1) في الصحيح عن علي بن جعفر قال:
(سألت أخي موسى (عليه السلام) عن الرفث والفسوق والجدال
ما هو؟ وما على من فعله؟ فقال: الرفث: جماع النساء، والفسوق:
الكذب والمفاخرة، والجدال: قول الرجل: لا والله وبلى والله..
الحديث).
وما رواه الصدوق (قدس سره) في كتاب معاني الأخبار (2) عن
زيد الشحام قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرفث
والفسوق والجدال قال: أما الرفث فالجماع، وأما الفسوق فهو
الكذب، ألا تسمع لقوله (تعالى): يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم
فاسق بنبأ فتبينوا، أن تصيبوا قوما بجهالة (3) والجدال هو قول
الرجل: لا والله وبلى والله، وسباب الرجل الرجل).
وما رواه العياشي في تفسيره (4) عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (في قول الله (عز وجل): الحج أشهر معلومات،
فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج (5)

(1) ج 5 ص 297، والوسائل الباب 32 من تروك الاحرام
(2) ص 294، والوسائل الباب 32 من تروك الاحرام
(3) سورة الحجرات، الآية 6
(4) ج 1 ص 95، والوسائل الباب 32 من تروك الاحرام
(5) سورة البقرة، الآية 197
457

فالرفث: الجماع، والفسوق: الكذب، والجدال: قول الرجل: لا
والله وبلى والله).
وفي كتاب الفقه الرضوي (1): (والفسوق: الكذب، فاستغفر
الله منه، وتصدق بكف طعيم) والظاهر أن هذه عبارة الشيخ علي بن
بابويه (رحمه الله).
أقول: قد تضمنت صحيحة معاوية بن عمار إضافة السباب إلى
الكذب في تفسير الفسوق، وصحيحة علي بن جعفر إضافة المفاخرة
وأما باقي الروايات فإنما تضمنت تفسيره بالكذب خاصة. وفي المختلف
حمل صحيحة علي بن جعفر على صحيحة معاوية بن عمار بارجاع
المفاخرة إلى السباب، قال: وفي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه
موسى (عليه السلام) (2) (والفسوق: الكذب والمفاخرة) وهي
لا تنفك عن السباب، إذ المفاخرة إنما تتم بذكر فضائل للمفتخر
وسلبها عن خصمه، أو بسلب رذائل عنه واثباتها لخصمه. وهذا هو
معنى السباب. انتهى. وحينئذ فيرجع الأمر إلى السباب خاصة.
ويمكن أن تحمل الروايات المشتملة على هذه الزيادة على التقية،
فإن المنقول في التذكرة عن العامة تفسير الفسوق بالسباب، قال:
وروى العامة قول النبي (صلى الله عليه وآله): سباب المسلم فسوق (3)
فجعلوا الفسوق هو السباب، لهذا الخبر، وهو غير دال. انتهى.
على أن رواية معاني الأخبار قد تضمنت إدخال السباب في الجدال أيضا

(1) ص 27
(2) تقدمت ص 457
(3) مجمع الزوائد ج 8 ص 73، والفتح الكبير ج 2 ص 151
458

وبالجملة فإن الأخبار الباقية صريحة في تفسيره بالكذب خاصة،
والخبران المذكوران قد تعارضا في ما عدا الكذب وتساقطا ودفع كل
واحد منهما الآخر، فيؤخذ بالمتفق عليه منهما ويطرح المختلف فيه
من كل من الجانبين.
بقي الكلام بالنسبة إلى الكفارة، وظاهر الأصحاب أنه لا كفارة
في الفسوق سوى الاستغفار. قال في المنتهي: والفسوق هو الكذب
على ما قلناه، ولا شئ فيه، عملا بالأصل السالم عن معارضة نص
يخالفه، أو غيره من الأدلة.
ويدل عليه ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن محمد بن مسلم
والحلبي جميعا (1) قالا له: (أرأيت من ابتلي بالفسوق ما عليه؟
قال: لم يجعل الله (عز وجل) له حدا، يستغفر الله، ويلبي).
أقول: ونحو هذه الرواية ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن
عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) في حديث: (قلت:
أرأيت من ابتلي بالفسوق ما عليه؟ قال: لم يجعل الله له حدا،
يستغفر الله (تعالى) ويلبي).
وقد تضمنت عبارة كتاب الفقه الرضوي بعد الاستغفار التصدق بكف
من طعيم. والظاهر أنه تصغير (طعام) إشارة إلى قلته.
إلا أنه قد روى ثقة الاسلام في الكافي عن سليمان بن خالد في
الصحيح (2) قال: (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: في

(1) الفقيه ج 2 ص 212، والوسائل الباب 2 من بقية كفارات الاحرام
(2) الوسائل الباب 2 من بقية كفارات الاحرام
(3) الفروع ج 4 ص 339، والوسائل الباب 1 و 2 من بقية كفارات الاحرام
459

الجدال شاة، وفي السباب والفسوق بقرة، والرفث فساد الحج)
وظاهر الخبر وجوب البقرة في الفسوق.
ويؤيده عجز صحيحة علي بن جعفر التي تقدم صدرها، حيث قال
(عليه السلام) (1) بعد ما قدمناه منها: (فمن رفث فعليه بدنة ينحرها،
وإن لم يجد فشاة، وكفارة الفسوق يتصدق به إذا فعله وهو محرم).
وظاهر المحدث الكاشاني الجمع بين الخبرين، بحمل ما دل على مجرد
الاستغفار على ما إذا لم يتضمن الكذب يمينا، وما دل على البقرة على
تكرر ذلك منه مرتين مع اليمين.
وفيه (أولا): أنه لا اشعار في شئ من الروايات بهذا الحمل.
و (ثانيا): أن اليمين غير معتبرة في معنى الفسوق، بل إنما هو
عبارة عن الكذب مطلقا كما عرفت.
والأقرب حمل الرواية المتضمنة للبقرة على ما إذا انضاف إلى
الفسوق الذي هو عبارة عن الكذب خاصة السباب كما هو موردها،
وتخصيص الاستغفار بالفسوق الذي هو الكذب.
وجمع في الوسائل بين الخبرين بحمل خبر الاستغفار على غير المتعمد
قال: لما مر من عدم وجوب الكفارة على غير العامد إلا في الصيد
وخبر الكفارة على العامد. والظاهر بعده من خبري الاستغفار، إذ الظاهر
من لفظ الابتلاء إنما ينصرف إلى العامد، والاستغفار إنما يناسب
العامد، إذ الجاهل والناسي لا يؤاخذان اتفاقا.
وصاحب الذخيرة حمل الكفارة هنا على الاستحباب، كما هي الطريقة
المعهودة في جميع الأبواب.
بقي الكلام في أن عجز صحيحة علي بن جعفر المذكورة لا يخلو

(1) التهذيب ج 5 ص 297، والوسائل الباب 3 من كفارات الاستمتاع
460

من خلل، ولصاحب المنتقى (قدس سره) هنا كلام حسن يحسن
ذكره، قال (عطر الله تعالى مرقده) بعد ذكر الصحيحة المذكورة:
قلت: كذا في النسخ التي تحضرني للتهذيب، وما رأيت للحديث
ذكرا في الكتب الفقهية، سوى أن العلامة في المنتهى وبعض المتأخرين
عنه ذكروا منه تفسير الفسوق، وربما أشعر ذلك بتقدم وقوع الخلل
فيه، وإلا لذكروا منه حكم الفسوق في الكفارة أيضا. ولكنهم
اقتصروا في هذا الحكم على ما في حديث الحلبي وابن مسلم محتجين به
وحده، ولو رأوا لهذا الحديث إفادة للحكم مخالفة لذلك أو موافقة
لتعرضوا له كما هي عادتهم، لا سيما العلامة في المنتهي، فإنه يستقصي
كثيرا في ذكر الأخبار. وكان يختلج بخاطري أن كلمتي: (يتصدق
به) تصحيف (يستغفر ربه) فيوافق ما في حديث الحلبي وابن مسلم
وفي الأخبار من نحو هذا التصحيف كثير فلا يستبعد. ولكني راجعت
كتاب قرب الإسناد لمحمد بن عبد الله الحميري، فإنه متضمن لرواية
كتاب علي بن جعفر، إلا أن الموجود من نسخته سقيم جدا باعتراف
كاتبها الشيخ محمد بن إدريس العجلي (رحمه الله تعالى) فالتعويل
على ما فيه مشكل. وعلى كل حال فالذي رأيته فيه يوافق ما في التهذيب
من الأمر بالتصدق، وينافي ما في الخبر الآخر وينفي قضية التصحيف،
وفيه زيادة يستقيم بها المعنى ويتم بها الكلام. إلا أن المخالفة معها
لما في ذلك الخبر وغيره من ما يأتي أكثر وأشكل. وهذه صورة ما فيه (1)
(وكفارة الجدال والفسوق شئ يتصدق به) والعجب من عدم تعرض
الشيخ لهذا الاختلاف في الإستبصار. ولعل ما في قرب الإسناد من

(1) الوسائل الباب 3 من كفارات الاستمتاع رقم 16
461

تصرف النساخ بعد وقوع نوع من الاختلال في أصل كتاب علي بن
جعفر. مع أن في طريق الحميري لرواية الكتاب جهالة. وربما يحمل
اطلاق التصدق فيه بالنسبة إلى كفارة الجدال على التقييد الوارد في غيره
وإن بعد. انتهى.
أقول: والعجب منه (قدس سره) إنه تكلم في هذا الخبر بما
عرفت، من حيث ظهوره في مخالفة رواية الحلبي ومحمد بن مسلم،
وتأويله بوقوع التصحيف فيه على وجه يرجع إليها، مع أن صحيحة
سليمان بن خالد المصرحة بوجوب البقرة صريحة المخالفة، وهو قد
ذكرها في كتابه، ولم يتعرض للجمع بينها وبين رواية الحلبي ومحمد بن مسلم
بل نقلها ومضى في نقله. والاشكال فيها أعظم.
الثاني في الجدال، وهو قول: (لا والله وبلى والله) كما تقدم في
جملة من الأخبار المتقدمة. وظاهر المشهور بين الأصحاب (رضوان
الله عليهم) حصره في هذا القول. وقيل: يتعدى إلى كل ما يسمى
يمينا. واختاره الشهيد في الدروس. والظاهر أن مستنده ما تقدم في
صحيحة معاوية بن عمار من قوله (عليه السلام): (واعلم أن الرجل
إذا حلف بثلاثة أيمان ولاء في مقام واحد وهو محرم فقد جادل، فعليه
دم يهريقه، ويتصدق به، وإذا حلف يمينا واحدة كاذبة فقد جادل
وعليه دم يهريقه، ويتصدق به) ونحوها رواية أبي بصير الآتية إن شاء
الله (تعالى). وفيه أنه لا منافاة بين الحصر في اللفظ المذكور وبين هذا
الاطلاق، لامكان حمل الاطلاق عليه والجمع بينهما بحمل المطلق على
المقيد، كما هي القاعدة المتفق عليها عندهم.
وهل الجدال مجموع هذين اللفظين أعني: (لا والله وبلى والله)؟
462

قولان، قال في المدارك: أظهرهما الثاني، وهو خيرة المنتهى. ولعل
وجه الأظهرية أن مجموع هذين اللفظين يتضمن نفيا واثباتا، وهو من ما
لا يكاد يقع في مقام واحد، بل المتبادر الشائع إنما هو استعمال
(بلى والله) في مقام الاثبات و (لا والله) في مقام النفي، فيكون أيهما
أتى به في مقامه جدالا. وبه يظهر أن ما علقه بعض مشايخنا على
هذا الموضع من الكتاب من أن في هذه الأظهرية تأملا، وقد بسطنا
الكلام في بعض رسائلنا لا أعرف له وجها. وكان الواجب أن يبين
لنا في هذا المقام ما بسطه في بعض رسائله ولو بالإشارة إلى ذلك.
والذي وصل إلي من روايات المسألة زيادة على ما تقدم أخبار:
أحدها ما ورآه الصدوق في الصحيح عن محمد بن مسلم والحلبي
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1): (في قول الله (عز وجل):
الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا
جدال في الحج (2).. إلى أن قال: فقالا له: أرأيت من ابتلي بالفسوق
ما عليه؟ قال: لم يجعل الله (عز وجل) له حدا، يستغفر الله، ويلبي.
فقالا له: فمن ابتلي بالجدال فما عليه؟ فقال: إذا جادل فوق مرتين فعلى
المصيب دم يهريقه: شاة، وعلى المخطئ بقرة) وروى الكليني في الصحيح
أو الحسن عن الحلبي نحوه (3).
وثانيها ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر

(1) الفقيه ج 2 ص 212، والوسائل الباب 32 من تروك الاحرام،
والباب 2 و 1 من بقية كفارات الاحرام
(2) سورة البقرة، الآية 197
(3) الوسائل الباب 2 و 1 من تروك الاحرام
463

(عليه السلام) (1) قال: (سألته عن الجدال في الحج. فقال: من
زاد على مرتين فقد وقع عليه الدم. فقيل له: الذي يجادل وهو
صادق؟ قال: عليه شاة، والكاذب عليه بقرة).
وثالثها ما رواه في الكافي عن أبي بصير عن أحدهما (عليهما
السلام) (2) قال: (إذا حلف ثلاث أيمان متتابعات صادقا فقد
جادل، وعليه دم. وإذا حلف بيمين واحدة كاذبا فقد جادل
وعليه دم).
ورابعها ما رواه في الكافي ومن لا يحضره الفقيه في الصحيح عن
عبد الله بن مسكان عن أبي بصير (3) قال: (سألته عن المحرم يريد
أن يعمل العمل، فيقول له صاحبه: والله لا تعمله. فيقول: والله
لأعملنه، فيخالفه مرارا، أيلزمه ما يلزم صاحب الجدال؟ قال: لا، إنما
أراد بهذا اكرام أخيه، إنما ذلك ما كان لله فيه معصية).
وخامسها ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (4)
قال: (قال: أبو عبد الله (عليه السلام): إن الرجل إذا حلف ثلاثة
أيمان في مقام ولاء وهو محرم، فقد جادل، وعليه حد الجدال: دم
يهريقه، ويتصدق به).

(1) الوسائل الباب 1 من بقية كفارات الاحرام
(2) الفروع ج 4 ص 338، والوسائل الباب 1 من بقية كفارات
الاحرام
(3) الفروع ج 4 ص 338، والفقيه ج 2 ص 214، والوسائل الباب
32 من تروك الاحرام
(4) التهذيب ج 5 ص 335، والوسائل الباب 1 من بقية كفارات الاحرام
464

وسادسها ما رواه عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: (إذا حلف الرجل ثلاثة أيمان وهو صادق، وهو محرم، فعليه
دم يهريقه، وإذا حلف يمينا واحدة كاذبا فقد جادل، فعليه
دم يهريقه).
وسابعها ما رواه عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: (إذا جادل الرجل وهو محرم فكذب متعمدا، فعليه جزور).
وثامنها عن يونس بن يعقوب في الموثق (3) قال: (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يقول: لا والله وبلى والله، وهو
صادق، عليه شئ؟ قال: لا).
وتاسعها عن معاوية بن عمار في الصحيح (4) قال: (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يقول: لا لعمري، وهو محرم
قال: ليس بالجدال، إنما الجدال قول الرجل: لا والله وبلى والله.
وأما قوله: لاها، فإنما طلب الاسم. وقوله: يا هناه، فلا بأس به
وأما قوله: لا بل شانئك، فإنه من قول الجاهلية).
إذا عرفت ذلك فاعلم أن المشهور بين الأصحاب أن الجدال كاذبا
في المرة منه شاة، والمرتين بقرة، والثلاث بدنة، وصادقا في الثلاث
منه شاة، ولا شئ في ما دونها. وانطباق الروايات المذكورة على
ما ذكره من هذا التفصيل مشكل.
واستدل العلامة في المنتهى على ذلك بالنسبة إلى الجدال كذبا بالرواية

(1) التهذيب ج 5 ص 335، والوسائل الباب 1 من بقية كفارات الاحرام
(2) التهذيب ج 5 ص 335، والوسائل الباب 1 من بقية كفارات الاحرام
(3) التهذيب ج 5 ص 335، والوسائل الباب 1 من بقية كفارات الاحرام
(4) التهذيب ج 5 ص 336، والوسائل الباب 32 من تروك الاحرام
465

السادسة والثانية والسابعة، قال: (عطر الله مرقده) بعد ذكر التفصيل
الذي نقلناه عنهم، واختلاف المراتب في الكفارة بإزاء اختلافها في
الذنب: ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا حلف ثلاثة أيمان وهو صادق
.. ثم ساق الرواية السادسة، ثم الرواية الثانية، ثم السابعة.
وجعل هذه الروايات الثلاث مستندا للأحكام الثلاثة في الجدال كذبا،
واستدل على وجوب الشاة في المرة الواحدة بالرواية السادسة، واستدل
على وجوب البقرة في المرتين كذبا بالرواية الثانية، وعلى وجوب البدنة
في الثلاث بالرواية السابعة.
وأنت خبير بأن ما ذكره في المرة الواحدة مسلم، لدلالة الرواية
المذكورة عليه، وإن غفل في وصفه لها بالصحة. ولهذا اعترضه في
المدارك بضعف الرواية وقصورها بسبب ذلك عن الدلالة. وفيه: أنه
وإن كان كذلك بناء على اصطلاحه، إلا أن هذا الحكم قد دلت عليه
أيضا صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في صدر البحث، فلا مجال
للمنازعة فيه.
نعم يبقى الكلام في الحكمين الأخيرين، فإن الروايتين المذكورتين
لا دلالة فيهما على المدعى بوجه، أما الرواية الثانية وهي صحيحة
محمد بن مسلم فإن ظاهرها انحصار الجدال الموجب للكفارة في ما
زاد على المرتين، وأنه لا يتحقق الجدال إلا به، وأنه مع الزيادة
على المرتين فعلى الصادق شاة وعلى الكاذب بقرة. ونحوها في الدلالة
على هذا المعنى صحيحة الحلبي ومحمد بن مسلم، وهي الأولى. ولهذا
مال في المدارك إلى العمل بهما، فقال: وينبغي العمل بمضمون هاتين
466

الروايتين، لصحة سندهما، ووضوح دلالتهما. وأما الرواية التي استدل
بها على الحكم الثاني وهي الرواية السابعة فظاهرها وجوب الجزور
في تعمد الكذب في الجدال مطلقا مرة كان أو أزيد.
وأما بالنسبة إلى الجدال صادقا فاستدلوا على وجوب الشاة في الثلاث
بصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في صدر البحث. ومثلها أيضا الرواية
الثالثة والخامسة والسادسة. وينبغي حمل مطلقها على مقيدها ليتم
الاستدلال بها. إلا أن مقتضى ذلك وجوب التقييد بالتتابع والتوالي
بمعنى كونها في مقام واحد، وكلام الأصحاب أعم من ذلك. نعم
نقل التقييد عن ابن أبي عقيل، فإنه قال. ومن حلف ثلاث أيمان
بلا فصل في مقام واحد فقد جادل، وعليه دم.
أقول: والظاهر عندي أن المستند في هذا التفصيل الذي اشتهر
بين الأصحاب إنما هو كتاب الفقه الرضوي، فإنه صريح الدلالة واضح
المقالة في الاستدلال، لا تعتريه شبهة الشك ولا الاحتمال في هذا المجال
حيث قال (عليه السلام) (1): واتق في احرامك الكذب، واليمين
الكاذبة والصادقة، وهو الجدال الذي نهى الله (تعالى) عنه. والجدال قول
الرجل: لا والله وبلى والله. فإن جادلت مرة أو مرتين وأنت صادق
فلا شئ عليك، وإن جادلت ثلاثا وأنت صادق فعليك دم شاة، وإن
جادلت مرة وأنت كاذب فعليك دم شاة، وإن جادلت مرتين كاذبا فعليك
دم بقرة، وإن جادلت ثلاثا وأنت كاذب فعليك بدنة. انتهى.
والظاهر أن هذه العبارة هي مستند المتقدمين في الحكم المذكور
دون هذه الأخبار المختلفة المضطربة، ولكن لما لم يصل ذلك إلى

(1) ص 27
467

المتأخرين تكلفوا الاستدلال عليه بهذه الروايات. وقد عرفت ما في ذلك
والصدوق في الفقيه (1) قد نقل هذه العبارة بعينها عن أبيه في رسالته
إليه، فقال: وقال أبي (رضي الله عنه) في رسالته إلي: اتق في
احرامك الكذب، واليمين الكاذبة والصادقة، وهو الجدال. والجدال
قول الرجل: لا والله.. إلى آخر ما قدمناه كلمة كلمة وحرفا حرفا.
وهو ظاهر في تأييد ما قدمناه من اعتماد الشيخ المذكور على الكتاب
زيادة على الأخبار الواصلة إليه، وشدة وثوقه به زيادة عليها، وما
ذلك إلا لمزيد علمه وقطعه بثبوت الكتاب عنه (عليه السلام) بحيث
لا تعتريه فيه الشكوك والأوهام.
وقال الجعفي: الجدال فاحشة إذا كان كاذبا أو في معصية، فإذا
قاله مرتين فعليه شاة. وقال الحسن بن أبي عقيل: من حلف ثلاث
أيمان بلا فصل في مقام واحد فقد جادل، وعليه دم، قال: وروي
إن المحرمين إذا تجادلا، فعلى المصيب منهما دم شاة، وعلى المخطئ
بدنة. وظاهر كلام الجعفي تخصيص الجدال المحرم على المحرم بهذين
الفردين، وأنه إذا جادل مرتين بأحد هذين النوعين فعليه دم شاة.
ومستنده غير ظاهر، بل ظاهر جملة من الروايات المتقدمة رده.
وأما مذهب الحسن فهو لا يخلو من الاجمال بكون هذه الثلاث
الموجبة الدم في الجدال صادقا أو كاذبا أو أعم منهما، وهل المراد
انحصار الجدال في هذا الفرد فلا كفارة في غيره أم هذه بعض أفراده؟
وبالجملة فالاجمال فيه ظاهر. وقد عرفت دلالة جملة من الأخبار

(1) ج 2 ص 212
468

على وجوب الشاة في الثلاث ولاء، ولكنها مخصوصة بالجدال صادقا
كما عرفت.
ثم إنه بناء على التفصيل المشهور إنما تجب البقرة في المرتين إذا
لم يكفر عن الأولى بالشاة، وكذا الثلاث بالبدنة إذا لم يكفر عن
الثنتين بالبقرة. والضابط اعتبار ترتب الكفارة على العدد المذكور، فعلى
المرة الواحدة شاة، وعلى الثنتين بقرة، وعلى الثلاث بدنة. وفي
الجدال صادقا لو زاد على الثلاث ولم يكفر فالظاهر شاة واحدة عن
الجميع، ومع تخلله فلكل ثلاث شاة.
ولو اضطر المحرم إلى اليمين لاثبات حق أو نفي باطل فالظاهر أنه
لا كفارة، كما ذكره جملة من الأصحاب، عملا بالأخبار الدالة على
جوازها والأمر بها.
هذا. وظاهر الحديث الرابع (1) أن الجدال المحرم إنما هو ما كان على
معصية الله (تعالى) قال في المنتهى بعد ذكر الخبر المذكور: وهذا
الحديث يدل على أن مطلق الجدال لا يوجب عقوبة بل ما يتضمن الحلف
على معصية الله (تعالى).
والظاهر حصول المعصية بذلك وإن كان صادقا ما لم يكن الغرض
المترتب عليه أمرا دينيا، مثل اكرام أخيه في الخبر المذكور (2) فلا ينافي
ما دل على وجوب الكفارة في الجدال صادقا ثلاثا.
وقد روى في الكافي (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال
لسدير: (يا سدير من حلف بالله كاذبا كفر، ومن حلف بالله صادقا

(1) ص 464
(2) ص 464
(3) الفروع ج 7 ص 434 و 435، والوسائل الباب 1 من كتاب
الأيمان
469

أثم، إن الله تعالى يقول: ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم) (1).
الصنف التاسع والعاشر تظليل الرجل سائرا، وتغطية الرأس.
والكلام هنا يقع في مقامين: الأول التظليل، المشهور بل ادعى
عليه في التذكرة والمنتهى اجماع علمائنا أنه يحرم على المحرم حالة
السير الاستظلال، فلا يجوز له الركوب في ما يوجب ذلك، كالمحل
والهودج والكنيسة والعمارية وأشباه ذلك. ونقل عن ابن الجنيد أنه قال: يستحب للمحرم أن لا يظلل على نفسه، لأن السنة بذلك جرت
فإن لحقه عنت أو خاف من ذلك فقد روي عن أهل البيت (عليهم
السلام) جوازه (2) وروي أيضا: أنه يفدي عن كل يوم بمد (3)
وروى: في ذلك أجمع دم (4) وروى: لاحرام المتعة دم ولاحرام الحج
دم آخر (5).
والمعتمد الأول، للأخبار المستفيضة، ومنها ما رواه الصدوق في
الصحيح عن عبد الله بن المغيرة (6) قال: (قلت لأبي الحسن الأول (عليه
السلام): أظلل وأنا محرم؟ قال: لا. قلت: أفأظلل وأكفر؟ قال:
لا. قلت: فإن مرضت؟ قال: ظلل وكفر. ثم قال: أما علمت أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ما من حاج يضحي ملبيا حتى
تغيب الشمس إلا غابت ذنوبه معها).

(1) سورة البقرة، الآية 223
(2) الوسائل الباب 64 و 67 من تروك الاحرام
(3) الوسائل الباب 6 من بقية كفارات الاحرام
(4) الوسائل الباب 6 من بقية كفارات الاحرام
(5) الوسائل الباب 7 من بقية كفارات الاحرام
(6) الوسائل الباب 64 من تروك الاحرام
470

وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (1) قال: (سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن المحرم، يركب في القبة؟ فقال: ما يعجبني ذلك
إلا أن يكون مريضا).
وفي الصحيح عن إسماعيل بن عبد الخالق (2) قال: (سألت أبا عبد الله
(عليه السلام): هل يستتر المحرم من الشمس؟ فقال: لا، إلا أن
يكون شيخا كبيرا. أو قال: ذا علة).
وفي الصحيح عن سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا
(عليه السلام) (3) قال: (سألته عن المحرم، يظلل على نفسه؟
فقال: أمن علة؟ فقلت: يؤذيه حر الشمس وهو محرم. فقال: هي
علة يظلل ويفدي).
وما رواه في الكافي والتهذيب عن محمد بن منصور عن أبي الحسن
(عليه السلام) (4) قال: (سألته عن الظلال للمحرم. فقال:
لا يظلل إلا من علة أو مرض).
وما رواه في الكافي (5) عن عثمان قال: (قلت لأبي الحسن الأول (عليه
السلام): إن علي بن شهاب يشكو رأسه، والبرد شديد، ويريد
أن يحرم؟ فقال: إن كان كما زعم فليظلل. وأما أنت فاضح لمن
أحرمت له).
وما رواه الصدوق في الصحيح عن سعيد الأعرج (6): (أنه سأل
أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم، يستتر من الشمس بعود أو بيده؟

(1) الوسائل الباب 64 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 64 من تروك الاحرام
(3) الوسائل الباب 6 من بقية كفارات الاحرام
(4) الوسائل الباب 64 من تروك الاحرام
(5) الفروع ج 4 ص 351، والوسائل الباب 64 من تروك الاحرام
(6) الفقيه ج 2 ص 227، والوسائل الباب 67 من تروك الاحرام
471

فقال: لا، إلا من علة).
وما رواه في الكافي (1) في الصحيح أو الحسن عن عبد الله بن المغيرة
قال: (سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الظلال للمحرم. فقال
اضح لمن أحرمت له. قلت: إني محرور، وإن الحر يشتد علي؟ فقال:
أما علمت أن الشمس تغرب بذنوب المحرمين).
وما رواه في الكافي (2) عن قاسم الصيقل قال: (ما رأيت أحدا
كان أشد تشديدا في الظلال من أبي جعفر (عليه السلام) كان يأمر
بقلع القبة والحاجبين إذا أحرم).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما
(عليهما السلام) (3) قال: (سألته عن المحرم، يركب القبة؟ فقال:
لا. قلت: فالمرأة المحرمة؟ قال: نعم).
وما رواه في كتاب من لا يحضره الفقيه (4) في الصحيح عن علي بن
مهزيار عن بكر بن صالح قال: (كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه
السلام): إن عمتي معي وهي زميلتي، ويشتد عليها الحر إذا أحرمت،
فترى أن أظلل عليها وعلي؟ فكتب: ظلل عليها وحدها).
وما رواه في التهذيب (5) في الموثق عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: (سألته عن المحرم، يظلل عليه

(1) الفروع ج 4 ص 350، والوسائل الباب 64 من تروك الاحرام
(2) الفروع ج 4 ص 350، والوسائل الباب 64 من تروك الاحرام
(3) التهذيب ج 5 ص 312، والوسائل الباب 64 من تروك الاحرام
(4) ج 2 ص 226، والوسائل الباب 68 من تروك الاحرام
(5) ج 5 ص 309،، والوسائل الباب 64 من تروك الاحرام
472

وهو محرم؟ قال: لا، إلا مريض أو من به علة، والذي لا يطيق
الشمس).
وعن هشام بن سالم في الصحيح (1) قال: (سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن المحرم، يركب في الكنيسة؟ فقال: لا. وهو
للنساء جائز).
وما رواه في الكافي عن جعفر الخطيب والتهذيب عن جعفر المذكور
عن محمد بن الفضيل وبشر بن إسماعيل (2) قال: (قال لي محمد:
إلا أسرك يا ابن مثنى؟ فقلت: بلى. وقمت إليه. قال: دخل هذا
الفاسق (3) آنفا فجلس قبالة أبي الحسن (عليه السلام) ثم أقبل عليه
فقال له: يا أبا الحسن ما تقول في المحرم، أيستظل على المحمل؟
فقال له: لا. قال: فيستظل في الخباء؟ فقال له: نعم. فأعاد
عليه القول شبه المستهزئ يضحك، فقال: يا أبا الحسن فما فرق بين
هذا وهذا، فقال: يا أبا يوسف إن الدين ليس بقياس كقياسكم، أنتم
تلعبون بالدين، إنا صنعنا كما صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وقلنا كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كان رسول الله (صلى
الله عليه وآله) يركب راحلته فلا يستظل عليها، وتؤذيه الشمس
فيستر جسده بعضه ببعض، وربما ستر وجهه بيده، وإذا نزل استظل
بالخباء وبالبيت وبالجدار).

(1) التهذيب ج 5 ص 312، والوسائل الباب 64 من تروك الاحرام
(2) الفروع ج 4 ص 350، والتهذيب ج 5 ص 309، والوسائل
الباب 66 من تروك الاحرام
(3) وهو أبو يوسف القاضي تلميذ أبي حنيفة
473

وما ورآه في الكافي عن محمد بن الفضيل (1) قال: (كنا في دهليز
يحيى بن خالد بمكة، وكان هناك أبو الحسن موسى (عليه السلام)
وأبو يوسف، فقام إليه أبو يوسف وتربع بين يديه، فقال: يا
أبا الحسن جعلت فداك المحرم يظلل؟ قال: لا. قال: فيستظل
بالجدار والمحمل ويدخل البيت والخباء؟ قال: نعم. فضحك أبو يوسف
شبه المستهزئ، فقال له أبو الحسن: يا أبا يوسف إن الدين ليس
بالقياس كقياسك وقياس أصحابك، إن الله أمر في كتابه بالطلاق
وأكد فيه: بشهادة شاهدين، ولم يرض بهما إلا عدلين (2)، وأمر في كتابه
بالتزويج وأهمله بلا شهود، فأتيتم بشاهدين في ما أبطل الله (3)،
وأبطلتم الشاهدين في ما أكد الله (تعالى) (4)، وأجزتم طلاق المجنون
والسكران (5)، حج رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأحرم ولم

(1) الفروع ج 4 ص 352، والوسائل الباب 66 من تروك الاحرام
(2) في قوله تعالى في سورة الطلاق الآية 2: (واشهدوا ذوي عدل منكم)
(3) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 353، والميزان للشعراني ج 2 ص
96، وفيه: أن الشافعي وأبا حنيفة وأحمد لا يصححون النكاح إلا بشهادة
ومالك لا يعتبرها ولكن يعتبر الإشاعة وترك التراضي بالكتمان.
(4) يظهر من الأشباه والنظائر للسيوطي حيث عد موارد الشهادة ولم
يذكر الطلاق أن من مسلم عندهم عدم اعتبار الشهادة فيه.
(5) ذكر ابن قدامة في المغني ج 7 ص 114: أن في وقوع طلاق السكران
روايتين، وذكر الخلاف في ذلك، فمنهم من أجازه، لاطلاق قوله صلى الله عليه وآله:
(كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه) ومنهم من أبطله. وعلله أحمد بأنه
زائل العقل فأشبه المجنون والنائم. ولم يذكر في الفقه على المذاهب الأربعة
خلاف في عدم صحة طلاق المجنون. وارجع إلى الاستدراكات
474

يظلل، ودخل البيت والخباء واستظل بالمحمل والجدار، ففعلنا كما فعل
رسول الله (صلى الله عليه وآله). فسكت).
وما رواه الصدوق في الفقيه (1) عن الحسين بن مسلم عن أبي جعفر
الثاني (عليه السلام) (أنه سئل: ما فرق بين الفسطاط وبين ظل
المحمل؟ فقال: لا ينبغي أن يستظل في المحمل، والفرق بينهما أن
المرأة تطمث في شهر رمضان فتقضي الصيام ولا تقضي الصلاة. قال:
صدقت جعلت فداك) قال في الفقيه: معنى هذا الحديث: أن السنة
لا تقاس.
وما رواه الصدوق في كتاب عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (2)
في الموثق عن عثمان بن عيسى عن بعض أصحابه قال: (قال أبو يوسف
للمهدي وعنده موسى بن جعفر (عليه السلام): أتأذن لي أن
أسأله عن مسائل ليس عنده فيها شئ؟ فقال له: نعم. فقال لموسى بن
جعفر (عليه السلام): أسألك؟ قال: نعم. قال: ما تقول في
التظليل للمحرم؟ قال: لا يصلح. قال: فيضرب الخباء في الأرض ويدخل
البيت؟ قال: نعم. قال: فما الفرق بين هذين؟ قال أبو الحسن (عليه
السلام): ما تقول في الطامث، أتقضي الصلاة؟ قال: لا. قال:
فتقضي الصوم؟ قال: نعم. قال: ولم؟ قال: هكذا جاء. فقال
أبو الحسن (عليه السلام): وهكذا جاء هذا. فقال المهدي لأبي يوسف:
ما أراك صنعت شيئا. قال: رماني بحجر دامغ) ورواه الطبرسي

(1) ج 2 ص 225، والوسائل الباب 66 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 66 من تروك الاحرام
475

في الإحتجاج (1) نحوه.
وما رواه الحميري في قرب الإسناد (2) في الصحيح عن البزنطي عن
الرضا (عليه السلام) قال: (قال أبو حنيفة: أيش فرق ما بين
ظلال المحرم والخباء، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إن السنة
لا تقاس).
وما رواه الطبرسي في الإحتجاج (3) قال: (سأل محمد بن الحسن (4)
أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) بمحضر من الرشيد وهم بمكة،
فقال له: أيجوز للمحرم أن يظلل عليه محمله؟ فقال له موسى (عليه
السلام): لا يجوز له ذلك مع الاختيار. فقال له محمد بن الحسن:
أفيجوز أن يمشي تحت الظلال مختارا؟ فقال له: نعم. فتضاحك
محمد بن الحسن من ذلك، فقال له أبو الحسن (عليه السلام):
أتعجب من سنة النبي (صلى الله عليه وآله) وتستهزي بها؟ إن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) كشف ظلاله في احرامه ومشى تحت
الظلال وهو محرم، إن أحكام الله (تعالى) يا محمد لا تقاس، فمن
قاس بعضها على بعض فقد ضل سواء السبيل. فسكت محمد بن الحسن
لا يرجع جوابا) ورواه الشيخ المفيد في الإرشاد (5) وذكر مثله.
واستدل في الذخيرة لابن الجنيد على الاستحباب بصحيحة الحلبي
المتقدمة، وهي الثانية من الروايات التي قدمناها، لقوله فيها:
(ما يعجبني) حيث قال بعد ذكر جملة وافرة من الأخبار الدالة على

(1) الوسائل الباب 66 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 66 من تروك الاحرام
(3) الوسائل الباب 66 من تروك الاحرام
(4) هو محمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة
(5) الوسائل الباب 66 من تروك الاحرام
476

القول المشهور: وظاهر هذا الخبر الأفضلية. واستدل به بعضهم على
التحريم. وهو بعيد. وأشار بذلك البعض إلى صاحب المدارك. ثم
قال: ومنها ما رواه الشيخ عن علي بن جعفر في الصحيح (1) قال:
(سألت أخي (عليه السلام): أظلل وأنا محرم؟ فقال: نعم،
وعليك الكفارة. قال: فرأيت عليا إذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة
الظل) وعن جميل بن دراج في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) قال: (لا بأس بالظلال للنساء، وقد رخص فيه للرجال)
ثم قال: ويمكن الجمع بين الأخبار بوجهين: أحدهما حمل أخبار
المنع على الأفضلية، ويؤيده أن النهي وما في معناه غير واضح الدلالة
على التحريم في أخبار أهل البيت (عليهم السلام) كما ذكرناه كثيرا،
فهو حمل قريب، بل ليس فيه عدول عن الظاهر. ويخدشه مخالفته
المشهور، وظاهر صحيحة هشام بن سالم، فإن قوله (عليه السلام):
(وهو للنساء جائز) بعد منعه عن المحرم يدل على تحريمه على الرجال
والوجه فيه حمل الجواز على الإباحة، فإن هذا الحمل غير بعيد في
الأخبار كما لا يخفى على المتصفح. وثانيهما حمل الأخبار المذكورة
على التحريم ويحمل قوله: (ما يعجبني) على المعنى الشامل للتحريم
وتحمل صحيحة علي بن جعفر على أنه كان به علة يتضرر من الشمس.
وفيه: إن الظاهر أنه لو كان كذلك لذكر ذلك في مقام نقل الحكم
المذكور، أو ذكر الراوي عنه حيث ينقل عمله في هذا الباب. وتحمل

(1) الوسائل الباب 49 من كفارات الصيد، والباب 6 من بقية
كفارات الاحرام
(2) الوسائل الباب 64 من تروك الاحرام
477

صحيحة جميل على أن الترخيص مختص بحال الضرورة، إذ ليس في الخبر
ما يدل على عموم الترخيص. والمسألة عندي محل اشكال. انتهى
أقول لا يخفى أن هذا الفاضل قد ارتكب بما تفرد به من هذا
القول شططا، وازداد في جميع الأحكام غلطا، وقد بينا في ما سبق
أن في ارتكاب هذا القول خروجا عن الدين من حيث لا يشعر قائله،
فإنه متى كانت الأوامر الواردة في الأخبار وما في معناها لا تدل على الوجوب
والنواهي وما في معناها لا تدل على التحريم، فاللازم من ذلك إباحة
المحرمات وسقوط الواجبات في جميع أبواب الفقه من عبادات
ومعاملات، إذ لا محرم ولا واجب بالكلية، وبذلك يلزم العبث في بعثة
الأنبياء والرسل وسقوط التكليف، وهو كفر محض. نعوذ بالله من زلل
الأقدام وزيغ الأفهام.
والعجب من قوله هنا: (والمسألة عندي محل اشكال) بل مسائل
الفقه كلها عنده محل اشكال، بناء على هذه القاعدة الخارجة عن جادة
الاعتدال. وأعجب من ذلك أنه كثيرا ما يتستر في الحكم بالأخبار بناء
على هذه القاعدة باتفاق الأصحاب أو اشتهار الحكم بينهم، فكيف خرج
عنه؟ مع أن هذه الروايات التي استند إليه لا تبلغ قوة في معارضة ما
قدمناه سندا ولا عددا ولا دلالة، والجمع إنما هو فرع وقوع التعارض
بناء على قواعدهم.
ثم إنه مع الاغماض عن جميع ما ذكرناه لو فرضنا وجود روايات
صريحة في الدلالة على الجواز لكان الواجب حملها على التقية، كما
هي القاعدة المنصوصة عن أصحاب العصمة (صلوات الله عليهم). إلا أن الظاهر من العمل بقاعدته المذكورة هو اطراح تلك النصوص
الواردة بطرق الترجيح كملا، من العرض على الكتاب، أو على مذهب
478

العامة، ونحوهما من القواعد المذكورة في مقبولة عمر بن حنظلة
وغيرها (1)، لأنه متى قيل بعدم الوجوب في شئ من الأحكام وعدم
التحريم وأن الأحكام كلها على الإباحة، فلا اختلاف إلا بالاستحباب
والكراهة، وهذا في التحقيق ليس باختلاف، لاتفاق الأخبار من
الطرفين على الجواز.
وبالجملة فإن كلامه في أمثال هذه المقامات باطل لا ينبغي أن
يلتفت إليه، وعاطل لا يعرج عليه، ووجود الفساد أظهر من أن يخفى
على أحد من ذوي السداد والرشاد.
وينبغي التنبيه هنا على فوائد:
الأولى لا خلاف ولا اشكال في أنه لو اضطر المحرم إلى الظلال
جاز له التظليل، وقد تقدم ذلك في جملة من الأخبار السابقة.
ولا ينافي ذلك ما تقدم من صحيحة عبد الله بن المغيرة أو حسنته (2)
قال: (سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الظلال للمحرم. فقال:
اضح لمن أحرمت له. قلت: إني محرور وإن الحر يشتد علي؟ فقال:
أما علمت أن الشمس تغرب بذنوب المحرمين) فالظاهر حمله على ما لم
يبلغ المشقة والضرر بحيث يمكن تحمله.
نعم الخلاف هنا في موضعين: أحدهما وجوب الفدية وعدمه،
والمشهور الوجوب، وخالف فيه ابن الجنيد وذهب إلى الاستحباب،
لما تقدم نقله عنه من عدم تحريم التظليل. وهو ضعيف.
وثانيهما ما يجب من الفداء، والمشهور أنه شاة، وعن ابن أبي عقيل

(1) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يقضي به
(2) الوسائل الباب 64 من تروك الاحرام
479

أن فديته صيام أو صدقة أو نسك، كالحلق لأذى. وقال الصدوق:
لا بأس بالتظليل، ويتصدق عن كل يوم بمد. وقال أبو الصلاح
الحلبي: على المختار لكل يوم شاة، وعلى المضطر لجملة المدة شاة.
ويدل على المشهور صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع (1) قال:
(سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر أو شمس، وأنا أسمع،
فأمره أن يفدي شاة ويذبحها بمنى، وقال: نحن إذا أردنا ذلك
ظللنا وفدينا).
وصحيحة إبراهيم بن أبي محمود (2) قال: (قلت للرضا (عليه
السلام): المحرم يظلل على محمله ويفدي إذا كانت الشمس والمطر
يضر به؟ قال: نعم. قلت كم الفداء؟ قال: شاة).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن الحسن الصفار عن علي
ابن محمد (3) قال: (كتبت إليه: المحرم هل يظلل على نفسه إذا آذته
الشمس أو المطر، أو كان مريضا، أم لا؟ فإن ظلل هل يجب عليه
الفداء أم لا؟ فكتب: يظلل على نفسه، ويهريق دما إن شاء الله تعالى)
وفي الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (4) قال: (سألت
أبا الحسن (عليه السلام) عن الظل للمحرم من أذى مطر أو شمس.
فقال: أرى أن يفديه بشاة يذبحها بمنى).

(1) الفروع ج 4 ص 351، والفقيه ج 2 ص 226، والتهذيب ج 5
ص 311، والوسائل الباب 6 من بقية كفارات الاحرام
(2) التهذيب ج 5 ص 311، والوسائل الباب 6 من بقية كفارات
الاحرام
(3) الوسائل الباب 6 من بقية كفارات الاحرام
(4) الوسائل الباب 6 من بقية كفارات الاحرام
480

وأما ما رواه الشيخ في الصحيح عن موسى بن القاسم عن علي بن
جعفر (1) قال: (سألت أخي (عليه السلام): أظلل وأنا محرم؟
فقال: نعم، وعليك الكفارة. قال: فرأيت عليا إذا قدم مكة
ينحر بدنة لكفارة الظل) فيجب تقييده بالأخبار المستفيضة المتقدمة،
وحمله على الضرورة. وحمل جملة من الأصحاب البدنة هنا على
الاستحباب، لما تقدم من أن الواجب شاة. ونحرها بمكة محمول
على كون التظليل في احرام العمرة، ومنى على ما كان في احرام الحج،
كما تقدم ويأتي إن شاء الله (تعالى).
ومن الغريب ما وقع لصاحب الوافي في هذا الخبر، حيث أنه قال
بعد ذكره (2): بيان: يعني: (علي) أبا الحسن الرضا (عليه السلام).
والظاهر أن السبب فيه أن النسخة التي نقل منها الخبر كان فيها لفظ
(عليه السلام) في الخبر بعد ذكر (علي) فحمل (عليا) في الخبر
على الرضا (عليه السلام). وهو غفلة ظاهرة، فإن المراد: ب‍ (علي)
إنما هو علي بن جعفر السائل عن هذه المسألة، والقائل هو موسى
ابن القاسم الراوي عن علي. ولفظ (عليه السلام) ليس في شئ من
كتب الأخبار.
والظاهر أن مستند ابن أبي عقيل ما رواه الشيخ عن عمر بن يزيد
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (قال الله تعالى في

(1) الوسائل الباب 6 من بقية كفارات الاحرام،
(2) باب (تغطية الرأس والوجه والظلال والاحتباء والارتماس للمحرم)
(3) التهذيب ج 5 ص 333 و 334، والوسائل الباب 14 من بقية كفارات
الاحرام
481

كتابه: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام
أو صدقة أو نسك (1) فمن عرض له أذى أو وجع، فتعاطى ما لا ينبغي
للمحرم إذا كان صحيحا، فالصيام ثلاثة أيام، والصدقة على عشرة مساكين
يشبعهم من الطعام، والنسك: شاة يذبحها فيأكل ويطعم. وإنما عليه
واحد من ذلك).
والجواب عنها: أن ما قدمناه من الأخبار وارد في خصوص التظليل
ودلالة هذا الخبر عليه إنما هي بطريق الاطلاق، فيحمل على ما عداه
جمعا.
وأما ما نقل عن الصدوق فالظاهر أن مستنده ما رواه في الكافي
عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير (2) قال: (سألته عن المرأة
يضرب عليها الظلال وهي محرمة؟ قال: نعم. قلت: فالرجل يضرب
عليه الظلال وهو محرم؟ قال: نعم إذا كانت به شقيقة، ويتصدق
بمد لكل يوم) ورواه الصدوق أيضا بسنده عن علي بن أبي حمزة
مثله (3). وحمل المد هنا على حال الضرورة والعجز عن الشاة.
وكيف كان فهذه الرواية قاصرة عن معارضة ما قدمناه من الأخبار
فالعمل على المشهور. والله العالم.
الثانية ظاهر الروايات المتقدمة عدم تكرر الفدية بتكرار التظليل
في النسك الواحد. وقوى شيخنا الشهيد الثاني إلحاق المختار به.
والأصل يعضده، وعدم الدليل على التكرر يسعده.
نعم الظاهر تكرره بتكرر النسك، لما رواه الشيخ عن أبي علي بن

(1) سورة البقرة، الآية 196
(2) الوسائل الباب 6 من بقية كفارات الاحرام
(3) الوسائل الباب 6 من بقية كفارات الاحرام
482

راشد (1) قال: (قلت له (عليه السلام): جعلت فداك أنه يشتد
علي كشف الظلال في الاحرام، لأني محرور يشتد علي حر الشمس؟
فقال: ظلل، وأرق دما. فقلت له: دما أو دمين؟ قال: للعمرة؟ قلت:
إنا نحرم بالعمرة وندخل مكة فنحل ونحرم بالحج. قال: فارق دمين)
وما رواه في الكافي (2) عن أبي علي بن راشد قال: (سألته عن محرم
ظلل في عمرته. قال: يجب عليه دم. قال: وإن خرج إلى مكة
وظلل وجب عليه أيضا دم لعمرته ودم لحجته).
الثالثة لو زامل الرجل الصحيح عليلا أو امرأة، اختص التظليل
بالعليل أو المرأة دونه، من غير خلاف يعرف.
وتدل عليه الأخبار المستفيضة المتقدمة من تحريم التظليل للرجل
الصحيح. وخصوص ما تقدم في الأخبار التي قدمناها من صحيحة علي
ابن مهزيار عن بكر (3) قال: (كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه
السلام).. الحديث).
وأما ما رواه الشيخ عن العباس بن معروف عن بعض أصحابنا
عن الرضا (عليه السلام) (4) قال: (سألته عن المحرم له زميل
فاعتل فظلل على رأسه، أله أن يستظل؟ قال: نعم)
فأجاب عنه الشيخ باحتمال عود الضمير في: (أله أن يستظل) إلى
المريض الذي قد ظلل. وهو جيد. على أن هذه الرواية لا تبلغ حجة
في معارضة ما قدمناه من الأخبار وغيرها أيضا.
الرابعة قد صرح شيخنا الشهيد الثاني (نور الله تعالى مرقده

(1) الوسائل الباب 7 من بقية كفارات الاحرام
(2) الوسائل الباب 7 من بقية كفارات الاحرام
(3) ص 72
(4) التهذيب ج 5 ص 311، والوسائل الباب 68 من تروك الاحرام
483

ومضجعه) وغيره بأن التظليل إنما يحرم حالة الركوب، فلو مشى
تحت الظلال كما لو مشى تحت الجمل والمحمل جاز.
ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن
بزيع (1) قال: (كتبت إلى الرضا (عليه السلام): هل يجوز
للمحرم أن يمشي تحت ظل المحمل؟ فكتب: نعم) وبها يخصص اطلاق
جملة من الأخبار المتقدمة الدالة على تحريم التظليل مطلقا.
وقال العلامة في المنتهى: إنه يجوز للمحرم أن يمشي تحت الظلال
وأن يستظل بثوب ينصبه إذا كان سائرا أو نازلا، لكن لا يجعله فوق
رأسه سائرا خاصة، لضرورة وغير ضرورة، عند جميع أهل العلم.
وظاهر هذا الكلام تحريم الاستظلال في حال المشي بجعل الثوب
على رأسه سائرا. والظاهر أن صحيحة ابن بزيع المذكورة لا تنافي
ذلك، فإن المتبادر من المشي في ظل المحمل كون المحمل في أحد
الجانبين لا على رأسه.
ويؤيده أيضا ما تقدم في صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (سألته: هل يستتر المحرم من
الشمس؟ فقال: لا).
ودعوى أن المتبادر منها الاستتار حال الركوب كما ذكر في
المدارك بعيد. وأكثر الأخبار المتقدمة شاملة باطلاقها للراكب
الماشي، والحكم فيها وقع معلقا على المحرم مطلقا، والحج كما يكون
راكبا يكون ماشيا.

(1) الفروع ج 4 ص 351، والوسائل الباب 67 من تروك الاحرام
(2) التهذيب ج 5 ص 310، والوسائل الباب 64 من تروك الاحرام
484

وبالجملة فالظاهر الاقتصار على مورد الصحيحة المذكورة، وتخصيص
الأخبار بخصوص ما اشتملت عليه، ولا سيما مع تأيده بالاحتياط.
والظاهر أن ما ذكرناه هو مراد شيخنا الشهيد الثاني في ما قدمنا
نقله عنه، لا العموم لما فوق الرأس، كما يشير إليه تمثيله، ويشير
إليه أيضا ظاهر كلامه في الروضة أيضا، حيث قال: فلا يحرم يعني:
التظليل نازلا اجماعا، ولا ماشيا إذا مر تحت المحمل ونحوه.
فما ذكره في المدارك من أن المسألة محل تردد فالظاهر أنه لا وجه له.
الخامسة قال شيخنا الشهيد (عطر الله مرقده) في الدروس: فرع،
هل التحريم في الظل لفوات الضحى أو لمكان الستر؟ فيه نظر، لقوله
(عليه السلام) (1): (اضح لمن أحرمت له). والفائدة في من جلس في
المحمل بارزا للشمس، وفي من تظلل به وليس فيه. وفي الخلاف:
لا خلاف أن للمحرم الاستظلال بثوب ينصبه ما لم يمسه فوق رأسه.
وقضيته اعتبار المعنى الثاني. انتهى.
أقول: ظاهره (قدس سره) التردد في هذا المقام، ولا أعرف له
وجها إلا دعوى الشيخ في الخلاف الاجماع على ما نقله عنه.
وأنت خبير بأن الظاهر من الأخبار المتقدمة هو المعنى الأول، وقد
تكرر فيها الأمر بقوله: (اضح لمن أحرمت له) كما في رواية عثمان،
وصحيحة عبد الله بن المغيرة أو حسنته (2) ومثله في روايات العامة (3).
قال في النهاية الأثيرية: (وضحا ظله) أي مات، يقال:

(1) الوسائل الباب 61 و 64 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 64 من تروك الاحرام
(3) سنن البيهقي ج 5 ص 70. وارجع إلى الاستدراكات
485

(ضحا الظل) إذا صار شمسا، فإذا صار ظل الانسان شمسا فقد بطل صاحبه
ومنه حديث الاستسقاء: (اللهم ضاحت بلادنا وأغبرت أرضنا) أي برزت
للشمس وظهرت، لعدم النبات فيها، وهي (فاعلت) من (ضحى)
مثل (رامت) من (رمى) وأصلها (ضاحيت) ومنه حديث ابن
عمر (1) (رأى محرما قد استظل، فقال: اضح لمن أحرمت له) أي أظهر
واعتزل الكن والظل، يقال: ضحيت للشمس وضحيت أضحى فيهما)
إذا برزت لها وظهرت. قال الجوهري: يرويه المحدثون (اضح) بفتح
الألف وكسر الحاء وإنما هو بالعكس. انتهى. ونقل في الوافي عن
الأصمعي إنما هو بكسر الألف وفتح الحاء من (ضحيت أضحى) لأنه
إنما أمره بالبروز للشمس. ومنه قوله تعالى: وأنك لا تظمأ فيها ولا
تضحى (2). انتهى. وبذلك يظهر لك قوة ما ذكرناه.
ويؤيده أيضا ما علل به في جملة من الأخبار (3) من أن الشمس
تغيب بذنوب المحرمين، يعني: بسبب بروزهم لها وصبرهم على حرارتها
فلو جاز أن يستظل بالثوب على رأسه ما لم يمسه كما نقله عن
الخلاف لم يكن لهذا التعليل وجه.
ويؤيده أيضا النهي عن الاستتار عن الشمس في صحيحة إسماعيل
ابن عبد الخالق وصحيحة سعيد الأعرج (4). ومجرد النهي في بعض
الأخبار عن الكنيسة أو المحمل المظلل أو نحوهما لا يقتضي كون العلة

(1) سنن البيهقي ج 5 ص 70
(2) سورة طه، الآية 119
(3) الوسائل الباب 64 من تروك الاحرام
(4) ص 471 و 484
486

في التحريم هو الاستتار، حتى أنه لو لم يستتر بهذه الأشياء فلا يضره
الاستظلال بغيرها من ما لا يوجب الاستتار. وأما المشي في ظلال
المحمل ونحوه فإنما قلنا به من حيث النص، وإلا فعموم الأخبار المشار
إليها يشمله.
ويوضح ما قلناه زيادة على ما تقدم ما رواه في الكافي (1) في الصحيح
إلى المعلي بن خنيس عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لا يستتر
المحرم من الشمس بثوب، ولا بأس أن يستر بعضه ببعض).
وبذلك يظهر لك أن ما ذكره الشيخ (رحمه الله تعالى) وتردد
فيه شيخنا المشار إليه لا أعرف له وجها، بل ظاهر الأخبار يأباه.
السادسة قد تقدم في صحيحة سعيد الأعرج النهي عن أن يستتر
المحرم بيده أو بعود. ولعله محمول على الفضل والاستحباب، لما ورد
في الأخبار الكثيرة من جواز ذلك:
ومنها حديث محمد بن الفضيل وبشر بن إسماعيل المتقدم (2) الدال
على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) تؤذيه الشمس فيستر جسده
بعضه ببعض، وربما ستر وجهه بيده.
ومثله ما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (3) قال: (لا بأس أن يضع المحرم ذراعه على وجهه
من حر الشمس، ولا بأس أن يستر بعض جسده ببعض) ورواية المعلى
بن خنيس المتقدمة في سابق هذه الفائدة.
وأما ما رواه الصدوق عن عبد الله بن سنان (4) قال: (سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لأبي، وشكى إليه حر الشمس

(1) الوسائل الباب 67 من تروك الاحرام
(2) ص 473.
(3) الوسائل الباب 67 من تروك الاحرام
(4) الوسائل الباب 67 من تروك الاحرام
487

وهو محرم وهو يتأذى به، فقال: ترى أن أستتر بطرف ثوبي؟ قال:
لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك)
فهو محمول على الضرورة كما هو ظاهر السياق. وقوله: (رأسك)
الظاهر أنه بدل من الكاف في قوله: (يصبك) وفي بعض النسخ:
(يصب رأسك).
السابعة الظاهر أنه لا يضر الخشب الباقية في المحمل والعمارية
ونحوها بعد رفع الظلال،
لما رواه الفاضل الطبرسي في الإحتجاج (1) في التوقيعات الخارجة
إلى محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري: (أنه كتب إلى صاحب الزمان
(عليه السلام): يسأله عن المحرم يرفع الظلال، هل يرفع خشب
العمارية أو الكنيسة، ويرفع الجناحين أم لا؟ فكتب (عليه السلام)
إليه في الجواب: لا شئ عليه في تركه رفع الخشب) ورواه الشيخ في
كتاب الغيبة مثله (2).
وأما ما تقدم (3) من رواية القاسم الصيقل الدالة على أن
أبا جعفر (عليه السلام) كان يأمر بقلع القبة والحاجبين فالظاهر
حمله على الفضل والاستحباب، كما يعطيه سياق الخبر.
والظاهر أن (الحاجبين) في هذا الخبر وقع تصحيف (الجناحين)
كما في الخبر الأول.
الثامنة الظاهر أنه لا خلاف ولا اشكال في جواز تظليل النساء
والصبيان كما تقدم في جملة من الأخبار السابقة.

(1) الوسائل الباب 67 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 67 من تروك الاحرام
(3) ص 472
488

ويزيده تأكيدا ما رواه في الكافي (1) في الحسن عن عبد الله بن
يحيى الكاهلي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لا بأس بالقبة
على النساء والصبيان هم محرمون).
المقام الثاني في تغطية الرأس للرجل، والحكم من ما لا خلاف
فيه، قال العلامة في المنتهى: ويحرم على الرجل حال الاحرام تغطية
رأسه. وهو قول علماء الأمصار، ولا نعلم فيه خلافا.
والأصل فيه الأخبار الكثيرة: ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح
عن زرارة (2) قال: (قلت لأبي جعفر (عليه السلام) الرجل
المحرم يريد أن ينام، يغطي وجهه من الذباب؟ قال: نعم، ولا
يخمر رأسه).
وفي الصحيح عن حريز (3) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن محرم غطى رأسه ناسيا. قال: يلقي القناع عن رأسه، ويلبي، ولا
شئ عليه).
وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي (4) (أنه سأل أبا عبد الله
(عليه السلام) عن المحرم يغطي رأسه ناسيا أو نائما. قال: يلبي
إذا ذكر).
وما رواه في الكافي في الصحيح عن عبد الرحمان (5) والظاهر أنه
ابن الحجاج قال: (سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المحرم يجد

(1) الفروع ج 4 ص 351 و 352، والوسائل الباب 65 من تروك
الاحرام
(2) الوسائل الباب 55 و 59 من تروك الاحرام
(3) الوسائل الباب 55 من تروك الاحرام
(4) الوسائل الباب 55 من تروك الاحرام
(5) الوسائل الباب 55 من تروك الاحرام
489

البرد في أذنيه، يغطيهما؟ قال: لا).
وعن زرارة (1) قال: (سألته عن المحرم، أيتغطى؟ قال: أما من
الحر والبرد فلا).
وفي الحسن عن عبد الله بن ميمون عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (2)
قال: (المحرمة لا تتنقب، لأن احرام المرأة في وجهها، واحرام الرجل
في رأسه).
وما رواه الحميري في كتاب قرب الإسناد (3) عن السندي بن محمد
عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) قال:
(المحرم يغطي وجهه عند النوم والغبار إلى طرار شعره).
أقول: طرار شعره أي منتهى شعره، وهو القصاص الذي هو
منتهى حد الوجه من الأعلى. وفي اللغة: إن طرة الوادي والنهر:
شفيره، وطرة كل شئ: طرفه.
وتنقيح الكلام في المقام يتوقف على بيان أمور:
الأول قال السيد السند في المدارك: لو ستر رأسه بيده أو ببعض
أعضائه فالأظهر جوازه، كما اختاره العلامة في المنتهى، واستشكله
في التحرير، وجعل في الدروس تركه أولى. ويدل على الجواز مضافا
إلى الأصل، وعدم صدق الستر، ووجوب مسح الرأس في الوضوء
المقتضي لستره باليد في الجملة ما رواه الشيخ في الصحيح عن
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: (لا بأس

(1) الوسائل الباب 64 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 55 من تروك الاحرام.
(3) الوسائل الباب 55 من تروك الاحرام.
(4) التهذيب ج 5 ص 308، والوسائل الباب 67 من تروك الاحرام
490

أن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس. وقال: لا بأس
أن يستر بعض جسده ببعض). انتهى.
وكتب عليه بعض مشايخنا المعاصرين في حواشي الكتاب: أقول:
لا دلالة لصحيحة معاوية بن عمار على جواز ستر الرأس من المحرم
بيده، كما زعم الشارح وفاقا للعلامة، إذ أقصى ما تدل عليه جواز
وضع المحرم ذراعه على وجهه، ومعلوم أن هذا القدر لا يستلزم ستر
الرأس قطعا، بل ولا أبعاضه. مع أن الصحيح من المذهب جواز
تغطية الرأس كما ستعلمه. والحاصل أن الخبر لا دلالة له على المدعى
بوجه، وقد اعترف بذلك في الدروس. والعجب من السيد (قدس
سره) حيث وافق العلامة على هذا الإحتجاج. ومن هنا يظهر أن
استشكال العلامة الحكم في التحرير في محله.
ثم كتب (قدس سره) في حاشية أخرى: أقول: روى ابن
بابويه في الفقيه (1) في القوي عن سعيد الأعرج: (أنه سأل أبا عبد الله
(عليه السلام) عن المحرم، يستتر من الشمس بعود أو بيده؟ فقال:
لا، إلا من علة) وهو صريح في عدم الجواز إلا مع الضرورة. ولعله
منشأ استشكال العلامة في التحرير للحكم، وحكم الشهيد في الدروس
بأولوية تركه. ويؤيده ما رواه أيضا في الفقيه (2) عن سماعة: (أنه
سأله عن المحرمة، تلبس الحرير؟ فقال: لا يصلح أن تلبس حريرا
محضا لا خلط فيه، فأما الخز والعلم في الثوب فلا بأس أن تلبسه
وهي محرمة. وإن مر بها رجل استترت منه بثوبها، ولا تستتر بيدها

(1) ج 2 ص 227، والوسائل الباب 67 من تروك الاحرام.
(2) ج 2 ص 220، والوسائل الباب 33 من الاحرام
491

من الشمس) وحينئذ يظهر أن ما ذكره (قدس سره) من الجواز
تعويلا على صحيحة معاوية بن عمار لا يخلو من نظر، إذ ليست صريحة
في المطلوب. انتهى كلامه (قدس سره).
وهو محل نظر من وجوه: الأول أن قوله: (إذ أقصى ما تدل
عليه جواز وضع المحرم ذراعه على وجهه. إلى آخره) ليس في
محله، فإن الظاهر أن موضع الاستدلال منها إنما هو قوله: (لا بأس
أن يستر بعض جسده ببعض) فإنه دال باطلاقه على المدعى كما لا يخفى
ونحوه في ذلك ما قدمناه من رواية محمد بن الفضيل وبشر بن إسماعيل
ورواية المعلي بن خنيس.
الثاني قوله: (إن الصحيح من المذهب جواز تغطية الرأس)
فإنه غفلة ظاهرة، إذ لا خلاف في الحكم كما عرفت، والأخبار به
كما سمعت متظافرة.
الثالث أن ما استند إليه من رواية سعيد الأعرج مردود بما
عرفت من معارضتها بما هو أكثر عددا وأصرح دلالة، فلا بد من
تأويلها، كما قدمنا ذكره من الحمل على الفضل والاستحباب. وعلى ذلك
تحمل أيضا رواية سماعة المذكورة، جمعا بين الأخبار.
الثاني ظاهر الأصحاب القطع بوجوب شاة متى غطى رأسه بثوب
أو طينه بطين، أو ارتمس في الماء، أو حمل ما يستره. وظاهر العلامة
في المنتهى والتذكرة أنه اجماع. ولعله الحجة، فإنا لم نقف في الأخبار
على ما يدل على ذلك. وبذلك أيضا اعترف في المدارك. والأصحاب
حتى العلامة في المنتهى ذكروا الحكم ولم ينقلوا عليه دليلا، وكأن
مستندهم إنما هو الاجماع.
492

إلا أنه قد روى الشيخ في الصحيح عن الحلبي (1) قال: (المحرم
إذا غطى رأسه فليطعم مسكينا في يده).
وظاهر هذه الرواية أن الواجب في تغطية الرأس عمدا اعطاء
مسكين، لأنه مع النسيان لا شئ فيه، كما تقدم في صحيحة حريز.
وبهذا الخبر أفتى في الوسائل (2) فقال: (إن المحرم إذا غطى رأسه
عمدا لزمه طرح الغطاء واطعام مسكين، وإن كان ناسيا لزمه طرح
الغطاء خاصة، واستحب له تجديد التلبية) ثم أورد صحيحة الحلبي
المذكورة وصحيحة حريز المتقدمة المشار إليها. إلا أن صاحب الوافي
إنما نقل صحيحة الحلبي المذكورة بلفظ (وجهه) عوض قوله (رأسه) (3)
ولعل نسخ التهذيب كانت مختلفة في ذلك. وسيأتي ما يؤيد أن المذكور
فيها هو لفظ الوجه.
ثم إنه على تقدير كون الفدية شاة أو اطعام مسكين، فهل تتكرر
بتكرر الفعل؟ قولان، واستقرب الشهيد التعدد مع الاختيار دون
الاضطرار، وحكم الشهيد الثاني بعدم التعدد مع الاضطرار، وكذا
مع الاختيار إذ اتحدا المجلس، واستوجه التعدد مع اختلافه. ولا
أعرف لشئ من هذه الأقوال مستندا، سيما مع كون أصل المسألة
خاليا من الدليل على ما يدعونه، وقضية الأصل تقتضي العدم مطلقا.
الثالث قد صرح العلامة ومن تأخر عنه بأنه لا فرق في التحريم

(1) التهذيب ج 5 ص 308، والوسائل الباب 55 من تروك الاحرام،
والباب 5 من بقية كفارات الاحرام. وسيأتي ص 497
(2) ج 9 ص 29 رقم 5 الطبع الحديث
(3) وكذلك التهذيب والوسائل الباب 55 من تروك الاحرام
493

بين أن يغطي رأسه بالمعتاد كالعمامة والقلنسوة، أو بغيره حتى الطين
والحناء وحمل متاع يستره.
واعترضهم في المدارك بأنه غير واضح، قال: لأن المنهي عنه في
الروايات المعتبرة تخمير الرأس، ووضع القناع عليه، والستر بالثوب
لا مطلق الستر. مع أن النهي لو تعلق به لوجب حمله على ما هو
المتعارف منه، وهو الستر بالمعتاد. إلا أن المصير إلى ما ذكروه أحوط.
انتهى. وهو جيد.
إلا أن ما يأتي من الأخبار الدالة على النهي عن الارتماس تحت
الماء ربما يؤيد ما ذكروه. ولكنه إنما يتم لو كان المنع من ذلك
من حيث هذه الحيثية، وهو غير ظاهر من الأخبار المذكورة، فلعله
من جملة محرمات الاحرام كغيره.
ثم نقل عن التذكرة أنه لو توسد بوسادة فلا بأس. وكذلك لو توسد
بعمامة مكورة، لأن المتوسد يطلق عليه عرفا أنه مكشوف الرأس. ثم
قال: وهو حسن.
أقول: لو استلزم التوسد التغطية للزم منه تحريم النوم عليه
مضطجعا، إذ لا بد من وقوع جزء من رأسه على الأرض أو غيرها من ما
يجعله تحت رأسه. وهو باطل قطعا.
الرابع قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله تعالى
عليهم) بأن الرأس هنا عبارة عن منابت الشعر خاصة حقيقة أو
حكما. وظاهرهم خروج الأذنين منه.
قال في المسالك: الظاهر أن الرأس هنا اسم لمنابت الشعر حقيقة
أو حكما، فالأذنان ليستا منه، خلافا للتحرير. انتهى.
494

وظاهر العلامة في المنتهى التوقف، حيث نقل في المسألة قولين للعامة
الجواز والمنع (1)، ولم يتعرض لغير ذلك. ونقل عن العامة حديثا
عن النبي (صلى الله عليه وآله) (2) قال: (الأذنان من الرأس).
ويمكن الاستدلال لما ذهب إليه في التحرير برواية عبد الرحمان
المتقدمة (3) الدالة على السؤال عن المحرم يجد البرد في أذنيه، يغطيهما؟
قال: لا.
الخامس. ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) عدم الفرق في
التحريم بين تغطية الرأس كلا أو بعضا.
واستدل عليه في المنتهى بأن النهي عن إدخال الشئ في الوجود
يستلزم النهي عن إدخال أبعاضه. ولهذا لما حرم الله (تعالى) حلق
الرأس تناول التحريم حلق بعضه.
وفيه تأمل، لعدم دليل على ما ادعاه من اللزوم. وما استند إليه
من الحلق فإنما هو من حيث الاطلاق الشامل للكل والبعض.
والأجود الاستدلال على ذلك بصحيحة عبد الله بن سنان (4) قال:
(سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لأبي، وشكى إليه حر
الشمس وهو محرم وهو يتأذى به، وقال: ترى أن أستتر بطرف ثوبي؟
قال: لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك) والتقريب فيه أن اطلاق النهي
عن إصابة الثوب الرأس الصادق ولو ببعضه يقتضي ذلك.

(1) المغني ج 3 ص 292 طبع مطبعة العاصمة
(2) سنن ابن ماجة ج 1 ص 168.
(3) ص 489 رقم 5
(4) الفقيه ج 2 ص 227، والوسائل الباب 67 من بقية كفارات الاحرام
495

واستثنى من ذلك عصام القربة. وعليه تدل صحيحة محمد بن
مسلم (1) (أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم، يضع
عصام القربة على رأسه إذا استسقى؟ فقال: نعم).
والعصابة عند الحاجة إليها. وعليه تدل صحيحة معاوية بن وهب
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (لا بأس بأن يعصب المحرم
رأسه من الصداع).
السادس المشهور بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم)
جواز تغطية الرجل وجهه، بل قال في التذكرة: إنه قول علمائنا أجمع.
ونقل في الدروس عن ابن أبي عقيل إنه منع من ذلك وجعل كفارته
اطعام مسكين في يده. وقال الشيخ في التهذيب: فأما تغطية الوجه
فيجوز مع الاختيار غير أنه تلزمه الكفارة، ومتى لم ينو الكفارة
لم يجز ذلك.
أقول: ويدل على القول المشهور ما تقدم من صحيحة زرارة، وما
رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة (3) قال: (قلت لأبي جعفر
(عليه السلام): المحرم يقع الذباب على وجهه حين يريد النوم
فيمنعه من النوم، أيغطي وجهه إذا أراد أن ينام؟ قال: نعم).
ورواية الحميري المتقدمة (4) وما رواه الحميري أيضا في كتاب
قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه

(1) الفقيه ج 2 ص 221، والوسائل الباب 57 من تروك الاحرام،
(2) الوسائل الباب 56 و 70 من تروك الاحرام
(3) الوسائل الباب 55 من تروك الاحرام رقم 5 و 7 عن التهذيب والفقيه
(4) الوسائل الباب 59 من تروك الاحرام
496

السلام) قال: (سألته عن المحرم هل يصلح له أن يطرح الثوب
على وجهه من الذباب وينام؟ قال: لا بأس).
وما رواه في الكافي عن عبد الملك القمي (1) قال: (قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): المحرم يتوضأ ثم يجلل وجهه وبالمنديل يخمره كله؟
قال: لا بأس).
وتؤيده حسنة عبد الله بن ميمون المتقدمة.
احتج الشيخ في التهذيب على ما ذهب إليه من لزوم الكفارة بذلك
بما رواه في الصحيح عن الحلبي (2) قال: (المحرم إذا غطى وجهه
فليطعم مسكينا في يده. قال: ولا بأس أن ينام المحرم على وجهه على راحلته)
وأجيب عن الرواية بالحمل على الاستحباب، قال في المدارك: وهو
غير بعيد، لاطلاق الإذن بالتغطية في الأخبار الكثيرة، ولو كانت
الكفارة واجبة لذكرت في مقام البيان. ولا ريب أن التكفير أولى
وأحوط. انتهى.
أقول: فيه ما عرفت في غير مقام من ما تقدم من أن الحمل على
الاستحباب مجاز لا يصار إليه إلا مع القرينة، واختلاف الأخبار
ليس من قرائن المجاز. مع أن القاعدة المشهورة تقتضي حمل اطلاق
الأخبار المذكورة على هذه الرواية، وغاية ما يلزم بناء على ما ذكره
هو تأخير البيان عن وقت الخطاب، وهو جائز عندهم. مع أن دعوى
أن المقام مقام بيان الكفارة ممنوعة، بل المقام مقام بيان مطلق الجواز

(1) الفروع ج 4 ص 349، والوسائل الباب 59 من تروك الاحرام.
(2) التهذيب ج 5 ص 308، والوسائل الباب 55 و 60 من تروك الاحرام
والباب 5 من بقية كفارات الاحرام. وتقدم ص 493
497

فلا ينافيه التقييد بخبر الكفارة المذكور.
السابع نقل الشهيد في الدروس عن الشيخ في المبسوط إن فدية
تغطية المرأة وجهها شاة. وقال الحلبي: لكل يوم شاة، ولو
اضطرت فشاة لجميع المدة. وكذا قال في تغطية الرأس. ولم أقف
لشئ من هذين القولين على دليل، كما عرفت في مسألة تغطية الرجل
رأسه. وظاهر الشهيد حيث اقتصر على مجرد نقل القولين المذكورين
التوقف في المسألة.
الثامن ظاهر الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) الاتفاق
على عدم جواز الارتماس في الماء على وجه يعلو الماء رأسه، قالوا: لأنه
في حكم تغطية الرأس.
أقول: ويدل على المنع من الارتماس جملة من الأخبار:
منها ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (سمعته يقول: لا تمس
الريحان وأنت محرم.. إلى أن قال: ولا ترتمس في ماء تدخل
فيه رأسك).
وعن حريز في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) في
حديث قال: (ولا يرتمس المحرم في الماء، ولا الصائم).
وما رواه في الكافي في الصحيح عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله

(1) الوسائل الباب 58 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 3 من ما يمسك عنه الصائم، والباب 58 من
تروك الاحرام
498

(عليه السلام) (1) قال: (لا يرتمس المحرم في الماء ولا الصائم).
وروى عن حريز عن من أخبره عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: (لا يرتمس المحرم في الماء).
وما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الإسناد عن
إسماعيل بن عبد الخالق (3) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام):
هل يدخل الصائم رأسه في الماء؟ قال: لا، ولا المحرم. وقال: مررت
ببركة بني فلان وفيها قوم محرمون يترامسون، فوقفت عليهم فقلت لهم:
أنكم تصنعون ما لا يحل لكم).
أقول والارتماس الممنوع منه أعم من أن يكون بدخوله ببدنه
كملا تحت الماء أو بادخال رأسه خاصة، كما تقدم في ارتماس
الصائم. وإلى الثاني تشير صحيحة عبد الله بن سنان.
والظاهر أن رأس المحرم هنا كرأس الصائم، وقد تقدم في كتاب
الصوم أنه ما فوق الرقبة.
والمنع في الأخبار إنما تعلق بالارتماس، فلا بأس بالصب على
الرأس، وأن يفيض عليه الماء في غسل وغيره. والظاهر أنه لا خلاف فيه.
وتدل عليه جملة من الأخبار، كصحيحة حريز عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (4) قال: (إذا اغتسل المحرم من الجنابة صب على
رأسه الماء، يميز الشعر بأنامله بعضه عن بعض).

(1) الوسائل الباب 3 من ما يمسك عنه الصائم، والباب 58 من
تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 58 من تروك الاحرام
(3) الوسائل الباب 58 من تروك الاحرام
(4) الوسائل الباب 75 من تروك الاحرام
499

وما رواه الشيخ عن يعقوب بن شعيب في الصحيح (1) قال: (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم، يغتسل؟ فقال: نعم يفيض الماء
على رأسه، ولا يدلكه).
إلى غير ذلك من الأخبار.
الصنف الحادي عشر والثاني عشر الأدهان، وقتل هوام الجسد،
فالكلام هنا يقع في مقامين:
الأول في الأدهان، وينبغي أن يعلم الأدهان على قسمين: مطيبة
وغير مطيبة.
فأما القسم الأول فالظاهر أنه لا خلاف في تحريمه على المحرم،
إلا ما ينقل عن الشيخ في الجمل من القول بالكراهة. وهو ضعيف.
وقال العلامة في المنتهى: إنه قول عامة أهل العلم، وتجب فيه الفدية
اجماعا.
وهل يحرم استعماله قبل الاحرام إذا علم بقاء رائحته إلى وقت
الاحرام أم لا؟ قولان، والمشهور التحريم، ونقل عن ابن حمزة
القول بالكراهة.
والظاهر الأول، للنهي عنه في عدة روايات: منها ما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: (لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك ولا عنبر، من
أجل أن رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم. وأدهن بما شئت من

(1) الوسائل الباب 75 من تروك الاحرام
(2) الفروع ج 4 ص 329، والوسائل الباب 29 من تروك الاحرام
500

الدهن حين تريد أن تحرم، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن
حتى تحل).
وما رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه وثقة الاسلام في الكافي
عن علي بن أبي حمزة (1) قال: (سألته عن الرجل يدهن بدهن فيه
طيب وهو يريد أن يحرم. فقال: لا تدهن حين تريد أن تحرم
بدهن فيه مسك ولا عنبر تبقى رائحته في رأسك بعد ما تحرم،
وأدهن بما شئت من الدهن حين تريد أن تحرم قبل الغسل وبعده،
فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل).
وما رواه في الكافي في الحسن عن الحسين بن أبي العلاء (2) قال:
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل المحرم يدهن بعد
الغسل. قال: نعم. فأدهنا عنده بسليخة بان. وذكر أن أباه كان
يدهن بعد ما يغتسل للاحرام، وأنه يدهن بالدهن ما لم يكن غالية
أو دهنا فيه مسك أو عنبر).
وما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (3) قال: (الرجل يدهن بأي دهن شاء إذا
لم يكن فيه مسك ولا عنبر ولا زعفران ولا ورس قبل أن يغتسل
للاحرام. قال: ولا تجمر ثوبا لاحرامك).
أقول: وهذه الأخبار كما تدل على تحريم الاستعمال قبل الاحرام
إذا كانت تبقى رائحته إلى وقت الاحرام تدل على التحريم في الاحرام

(1) الفروع ج 4 ص 329، والفقيه ج 2 ص 202، والوسائل الباب
29 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 30 من تروك الاحرام
(3) الوسائل الباب 30 من تروك الاحرام
501

بطريق أولى، فإن التحريم أولا على الوجه المذكور إنما ينشأ من
التحريم ثانيا كما هو ظاهر.
ويدل على ذلك أيضا ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قي حديث قال: (وسألته عن المحرم
يدهنه الحلال بالدهن الطيب والمحرم لا يعلم، ما عليه؟ قال: يغسله
أيضا وليحذر).
وبه يظهر ضعف القولين المتقدمين.
وأما القسم الثاني فلا خلاف في جواز أكله والأدهان به عند
الضرورة.
وإنما الخلاف في الأدهان به اختيارا، فالمشهور التحريم، ونقل
الجواز في الدروس عن الشيخ المفيد، ونقله الفاضل الخراساني في
الذخيرة أيضا عن الشيخ المفيد وابن أبي عقيل وسلار وأبي الصلاح.
والأظهر الأول، ويدل عليه ما تقدم في صحيحة الحلبي، ورواية
علي بن أبي حمزة، لقوله (عليه السلام): فيهما بعد أن رخص له
في الأدهان إذا أراد الاحرام: (فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن
حتى تحل).
وفي الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: (لا تمس شيئا من الطيب وأنت محرم، ولا من الدهن.. الحديث).

(1) الفروع ج 4 ص 355 و 356، والوسائل الباب 22 من تروك
الاحرام، والباب 4 من بقية كفارات الاحرام
(2) الوسائل الباب 18 و 29 من تروك الاحرام.
502

وقال في آخره: (يكره للمحرم الأدهان الطيبة، إلا المضطر إلى
الزيت أو شبهه يتداوى به).
وعنه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (ولا تمس شيئا
من الطيب ولا من الدهن في احرامك).
أقول: المراد بمسها يعني: الأدهان بها، لأن جواز مسها بالأكل
من ما لا خلاف ولا اشكال فيه. ولفظ الكراهة في الخبر الأول بمعنى
التحريم، كما هو شائع في الأخبار بتقريب الأخبار المتقدمة.
احتج من ذهب إلى الجواز بالأصل والأخبار:
ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم، وكذا
الصدوق في الصحيح عنه عن أحدهما (عليهما السلام) (2) قال
(سألته عن محرم تشققت يداه. قال: فقال: يدهنهما بزيت أو بسمن
أو أهالة).
وما رواه الكليني في الصحيح عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (3) قال: (إن خرج بالرجل منكم الخراج أو الدمل
فليربطه وليتداو بزيت أو سمن).
وأجيب عن الأصل بما تقدم من الروايات. وأما الخبران المذكوران
وما في معناهما فإن موردهما جواز الأدهان عند الضرورة، وهو ليس
من محل النزاع في شئ، بل هو من ما لا خلاف فيه. وبذلك يظهر

(1) الوسائل الباب 18 من تروك الاحرام رقم 9
(2) الوسائل الباب 31 و 69 من تروك الاحرام
(3) الفروع ج 4 ص 359، والتهذيب ج 5 ص 304، والوسائل
الباب 31 و 70 من تروك الاحرام
503

أن المعتمد هو القول الأول.
ثم إن ظاهر جملة من الأصحاب أن وجوب الكفارة إنما هو في
الأدهان بالدهن المطيب، قال ابن إدريس: تجب به الكفارة سواء
كان مختارا أو مضطرا. وقال في غير المطيب: لا تجب به كفارة بل
الإثم، فليستغفر الله. وقوى في المختلف وجوب الكفارة في المطيب
دون غيره، قال: وأما أكل غير المطيب فإنه سائغ مطلقا.
أقول: لم أقف بعد التتبع على ما يدل على الكفارة في الأدهان إلا
على ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (1): (في محرم
كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج. قال: إن كان فعله بجهالة فعليه
طعام مسكين، وإن كان تعمد فعليه دم شاة يهريقه).
وبهذا استدل الشيخ في التهذيب على ما نقله عنه في المدارك، وعليها
جمد في المدارك، إذ ليس غيرها في البين.
ولا يخفى ما في الاستدلال بها: أما (أولا): فلأن الظاهر أن
ضمير (قال) إنما يرجع إلى معاوية بن عمار، فتكون مقطوعة
لا مضمرة كما ذكره في المدارك.
وأما (ثانيا): فلاشتمالها على وجوب الكفارة على الجاهل، مع
اتفاق الأخبار والأصحاب على أن الجاهل لا كفارة عليه إلا في الصيد
خاصة كما تقدم.
وأما (ثالثا): فلقصورها عن الدلالة على تمام المدعى، فإن
موردها حال الضرورة. إلا أن يستعان بعدم القائل بالفصل، كما

(1) الوسائل الباب 4 من بقية كفارات الاحرام
504

هو أحد أصولهم. وفيه ما لا يخفى. أو يقال بالأولوية في غير الضرورة.
وفيه منع.
وبالجملة فالاحتياط يقتضي المصير إلى ما ذكروه. ولعل اتفاقهم
أولا وآخرا باعتضاده بهذه الرواية كاف في الحكم المذكور.
المقام الثاني في قتل هوام الجسد، جمع هامة: الدابة. والقول
بتحريم قتل هوام الجسد من القمل والبراغيث وغيرهما، سواء كان على
الثوب أو الجسد هو المشهور بين الأصحاب. ونقل عن الشيخ وابن
حمزة: أنهما جوزا قتل ذلك على البدن، قال الشيخ: فإن ألقى القمل
عن جسمه فدى، والأولى أن لا يعرض له ما لم يؤذه. ومنع في النهاية
من قتل المحرم البق والبرغوث وشبههما في الحرم، فإن كان محلا في
الحرم فلا بأس. وأوجب المرتضى في قتل القملة أو الرمي بها كفا
من طعام.
والذي وقفت عليه من الأخبار في المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح
عن حماد بن عيسى (1) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
المحرم يبين القملة عن جسده فيلقيها. قال: يطعم مكانها طعاما).
وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: (سألته عن المحرم ينزع القملة عن جسده فيلقيها. قال: يطعم
مكانها طعاما).
وعن الحسين بن أبي العلاء في الحسن عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (3) قال: (المحرم لا ينزع القملة من جسده ولا من ثوبه
متعمدا، وإن فعل شيئا من ذلك خطأ فليطعم مكانها طعاما: قبضة بيده)

(1) الوسائل الباب 15 من بقية كفارات الاحرام
(2) الوسائل الباب 15 من بقية كفارات الاحرام
(3) الوسائل الباب 15 من بقية كفارات الاحرام
505

وما رواه الصدوق عن زرارة في الصحيح (1) قال: (سألته عن
المحرم هل يحك رأسه، أو يغسل بالماء؟ فقال: يحك رأسه ما لم يتعمد
قتل دابة.. الحديث).
وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: (المحرم يلقي عنه الدواب كلها إلا القملة، فإنها من جسده،
فإذا أراد أن يحول قملة من مكان إلى مكان فلا يضره).
وما رواه في الكافي عن الحسين بن أبي العلاء (3) قال: (قال
أبو عبد الله (عليه السلام): لا يرمي المحرم القملة من ثوبه ولا من جسده
متعمدا، فإن فعل شيئا من ذلك فليطعم مكانها طعاما. قلت: كم؟ قال:
كفا واحدا).
وعن أبان في الصحيح عن أبي الجارود (4) قال: (سأل رجل
أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قتل قملة وهو محرم. قال: بئس
ما صنع. قال: فما فداؤها؟ قال: لا فداء لها).
وما رواه الشيخ عن معاوية في الصحيح والكليني عنه في الحسن (5)
قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما تقول في محرم قتل
قملة؟ قال: لا شئ عليه في القملة، ولا ينبغي أن يتعمد قتلها).
وعن صفوان في الصحيح عن مرة مولى خالد (6) قال: (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يلقي القملة. فقال: ألقوها،

(1) الفقيه ج 2 ص 230، والوسائل الباب 73 و 78 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 78 من تروك الاحرام
(3) الوسائل الباب 78 من تروك الاحرام
(4) الوسائل الباب 78 من تروك الاحرام
(5) الوسائل الباب 78 من تروك الاحرام، والباب 15 من بقية كفارات الاحرام
(6) الوسائل الباب 78 من تروك الاحرام
506

أبعدها الله، غير محمودة ولا مفقودة).
وروى زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) (1) قال: (سألته عن
المحرم، يقتل البقة والبرغوث إذا رآه؟ قال: نعم).
وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من نوادر أحمد
ابن محمد بن أبي نصر عن جميل (2) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن المحرم، يقتل البقة والبراغيث إذا آذاه؟ قال: نعم).
وما رواه في الكافي عن أبي الجارود (3) قال: (قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): حككت رأسي وأنا محرم، فوقعت قملة؟ قال: لا
بأس. قلت: أي شئ تجعل علي فيها؟ قال: وما أجعل عليك في قملة؟
ليس عليك فيها شئ).
وما رواه الشيخ عن الحلبي (4) قال: (حككت رأسي وأنا محرم
فوقع منه قملات، فأردت ردهن فنهاني، وقال: تصدق بكف من طعام)
وما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار (5)
قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): المحرم يحك رأسه فتسقط منه
القملة والثنتان؟ قال: لا شئ عليه، ولا يعود. قلت: كيف
يحك رأسه؟ قال: بأظافيره ما لم يدم، ولا يقطع الشعر).
أقول: وهذه الأخبار كلها مع اختلافها إنما وردت في القملة خاصة،
فالقول بالتعميم لا يخلو من اشكال، سيما مع دلالة رواية زرارة
المذكورة هنا على جواز قتل البرغوث. وقد تقدم ذكر الخلاف في جواز

(1) الوسائل الباب 79 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 78 من تروك الاحرام
(3) الوسائل الباب 15 من بقية كفارات الاحرام
(4) الوسائل الباب 15 من بقية كفارات الاحرام
(5) الوسائل الباب 15 من بقية كفارات الاحرام
507

قتل البرغوث في المسألة التاسعة من مسائل الفصل الأول في صيد
البر (1).
والشيخ بناء على ما هو المشهور أجاب عن الروايات الأخيرة
(أولا): بالحمل على الرخصة. و (ثانيا): بالحمل على من يتأذى
بها فيقتل ويكفر. قال: وقوله: (لا شئ عليه) يعني: من العقاب
أو لا شئ معين.
وأنت خبير بما فيه، إلا أن الاحتياط يقتضيه. والمسألة لا تخلو
من نوع اشكال، فإن الروايات الأخيرة وإن كانت على خلاف ما هو
المشهور بين الأصحاب، إلا أنها مخالفة لمذهب العامة، والروايات
الأولى موافقة لهم (2) إلا أن الحكم بها بين أصحابنا مشهور، والقائل
بخلافها نادر. والله العالم.
تنبيه
المشهور بين الأصحاب أنه يجوز القاء القراد والحلم عن نفسه وبعيره
والحلم بفتح الحاء واللام جمع حلمة بالفتح أيضا، وهي القراد العظيم
كما نقل عن الصحاح. وقيل: إنها الصغيرة من القردان أو الضخمة
ضدان.
واستدلوا على ذلك بالأصل، وبما رواه الكليني في الصحيح عن
عبد الله بن سنان (3) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أرأيت
إن وجدت علي قرادا أو حلمة أطرحهما؟ قال: نعم. وصغار لهما،

(1) ص 159
(2) ارجع إلى الصفحة 247 إلى 250
(3) الوسائل الباب 79 من تروك الاحرام
508

أنهما رقيا في غير مرقاهما) وهذا الخبر كما ترى مختص بالإنسان
ولا تعرض فيه للبعير.
وقال الشيخ في التهذيب: ولا بأس أن يلقي المحرم القراد عن بعيره
ولا يلقي الحلمة. واستدل عليه بما رواه عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (إن ألقى المحرم القراد عن
بعيره فلا بأس، ولا يلقي الحلمة).
أقول: ويدل على ما ذكره (قدس سره) زيادة على الرواية المذكورة
ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن حريز عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: (إن القراد ليس من البعير، والحلمة من
البعير بمنزلة القملة من جسدك، فلا تلقها، والق القراد).
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: (سألته
عن المحرم، يقرد البعير؟ قال: نعم، ولا ينزع الحلمة).
وما رواه في التهذيب عن عمر بن يزيد (4) قال: (لا بأس أن
تنزع القراد عن بعيرك، ولا ترم الحلمة).
وما رواه في التهذيب ومن لا يحضره الفقيه في الصحيح عن معاوية
ابن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال: (إن ألقى المحرم
القراد عن بعيره فلا بأس، ولا يلقي الحلمة).
وما رواه الصدوق عن أبي بصير (6) قال: (سألته عن المحرم

(1) الوسائل الباب 80 من تروك الاحرام
(2) الفروع ج 4 ص 364، والوسائل الباب 80 من تروك الاحرام
(3) الوسائل الباب 80 من تروك الاحرام
(4) الوسائل الباب 80 من تروك الاحرام
(5) الوسائل الباب 80 من تروك الاحرام. وقد تقدم نقله عن
التهذيب برقم (1)
(6) الوسائل الباب 80 من تروك الاحرام
509

ينزع الحلمة عن البعير؟ فقال: لا، هي بمنزلة القملة من جسدك).
وعن حريز في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
(إن القراد ليس من البعير، والحلمة من البعير).
وبذلك يظهر أن ما ذكره الشيخ من التفصيل هو الأظهر. وعليه
يحمل اطلاق ما رواه في الكافي عن عبد الله بن سعيد (2) قال: (سأل
أبو عبد الرحمان أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يعالج دبر
الجمل. قال: فقال: يلقي عنه الدواب، ولا يدميه).
والظاهر من هذه الروايات أن الحلم غير القراد، حيث إنه (عليه
السلام) جعل الحلمة منه بمنزلة القملة من الانسان، بمعنى أنها تخلق
من وسخه فكأنها من جسمه، وأن القراد ليس منه بل هو من الدواب
الخارجة التي تأتي إليه. ومقتضى ما ذكره أهل اللغة أن الحلمة نوع
من القراد أما الصغيرة منه أو الضخمة، وهو لا يلائم ما دلت عليه
هذه الأخبار. ولم أر من تنبه لذلك من المحدثين.
ثم إن الظاهر من هذه الأخبار أنه لا كفارة في القاء الحلم عن
البعير، حيث لم يتعرض في شئ منها لوجوب الكفارة لو فعل، وإنما
غاية ما تدل عليه الإثم بذلك.
إلا أنه قد روى عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الإسناد
عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه (عليها
السلام) (3): (أن عليا (عليه السلام) كأن يقول في المحرم ينزع
عن بعيره القردان والحلم: أن عليه الفدية).
والرواية مع ضعف سندها وكون رواتها من العامة قد تضمنت

(1) الوسائل الباب 80 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 80 من تروك الاحرام
(3) الوسائل الباب 80 من تروك الاحرام
510

وجوب الفدية في نزع القردان مع أن الروايات المتقدمة قد اشتركت
في الدلالة على جواز النزع. وحينئذ فالعمل على هذه الرواية والأمر
كما عرفت مشكل.
الصنف الثالث عشر والرابع عشر إزالة الشعر، واخراج الدم.
والبحث في ذلك يقع في فصلين: الأول في إزالة الشعر.
وتحقيق الكلام فيه يتوقف على بسطه في مسائل:
الأولى الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله تعالى
عليهم) في أنه يحرم على المحرم إزالة الشعر من رأسه ولحيته وسائر
بدنه، بحلق أو نتف أو غيرهما، مع الاختيار. ونقل عليه في التذكرة
والمنتهى اجماع العلماء.
ويدل عليه بالنسبة إلى الحلق قوله (عز وجل): ولا تحلقوا رؤوسكم
حتى يبلغ الهدي محله (1).
ويدل عليه وعلى غيره الأخبار الكثيرة، ومنها صحيحة زرارة (2)
قال: (سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: من حلق رأسه، أو نتف
إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شئ عليه، ومن فعله متعمدا فعليه دم).
وروى الشيخ في الصحيح عن زرارة بن أعين (3) قال: (سمعت
أبا جعفر (عليه السلام) يقول: من نتف إبطه، أو قلم ظفره،
أو حلق رأسه، أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه، أو أكل طعاما

(1) سورة البقرة، الآية 196
(2) التهذيب ج 5 ص 339، والوسائل الباب 10 من بقية كفارات
الاحرام
(3) الوسائل الباب 8 من بقية كفارات الاحرام
511

لا ينبغي له أكله وهو محرم، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا، فليس عليه
شئ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة).
وروى الصدوق في الصحيح عن حريز عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) قال: (لا بأس أن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع
الشعر. واحتجم الحسن بن علي عليهما السلام..) وهو محرم) قوله:
(واحتجم الحسن بن علي عليهما السلام..) يحتمل أن يكون من الخبر
ومن كلام الصدوق. ونحوه ما رواه الشيخ عن حريز في الصحيح مثله (2).
وقد تقدم في صحيحة معاوية بن عمار (3) وهي آخر الروايات
المتقدمة في مسألة قتل هوام الجسد أنه يحك رأسه بأظافيره ما لم
يدم أو يقطع الشعر.
وعن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال:
(لا بأس بحك الرأس واللحية ما لم يلق الشعر، وبحك الجسد
ما لم يدمه).
إلى غير ذلك من الأخبار الآتية في المقام إن شاء الله (تعالى).
الثانية الظاهر أنه لا خلاف في جوازه مع الضرورة وإن
وجبت الفدية.
ويدل على الجواز الأصل، ونفي الحرج (5) وقوله (عز وجل)

(1) الفقيه ج 2 ص 222، والوسائل الباب 62 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 62 من تروك الاحرام
(3) ص 507 رقم (5)
(4) الوسائل الباب 73 من تروك الاحرام
(5) ارجع إلى الجزء الأول ص 151
512

فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة
أو نسك (1).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: (مر رسول الله (صلى الله عليه وآله) على كعب بن عجرة الأنصاري
والقمل يتناثر من رأسه، فقال: أتؤذيك هوامك؟ قال: نعم. قال:
فأنزلت هذه الآية: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من
صيام أو صدقة أو نسك (3) فأمره رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحلق
رأسه، وجعل عليه الصيام ثلاثة أيام، والصدقة على ستة مساكين لكل مسكين
مدان، والنسك: شاة. قال: وقال أبو عبد الله (عليه السلام)
وكل شئ في القرآن (أو) فصاحبه بالخيار يختار ما شاء، وكل شئ
في القرآن (فمن لم يجد فعليه كذا) فالأول بالخيار).
قوله (عليه السلام): (فالأول بالخيار) يعني: فالأول هو المختار
وما بعده إنما هو عوض عنه مع عدم إمكانه.
وقال الصدوق في الفقيه (4): (مر النبي (صلى الله عليه وآله) على
كعب بن عجرة الأنصاري وهو محرم، وقد أكل القمل رأسه وحاجبيه
وعينيه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما كنت أرى أن
الأمر يبلغ ما أرى، فأمره فنسك عنه نسكا، وحلق رأسه، لقول الله
(تعالى): فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من
صيام أو صدقة أو نسك (5). فالصيام: ثلاثة أيام، والصدقة: على ستة
مساكين، لكل مسكين صاع من تمر. وروى: مد من تمر. والنسك:
شاة لا يطعم منها أحدا إلا المساكين).

(1) سورة البقرة، الآية 196
(2) التهذيب ج 5 ص 333، والوسائل الباب 14 من بقية كفارات الاحرام
(3) سورة البقرة، الآية 196
(4) ج 2 ص 228، والوسائل الباب 14 من بقية كفارات الاحرام
(5) سورة البقرة، الآية 196
513

وما رواه الشيخ عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: (قال: الله (تعالى) في كتابه: فمن كان منكم مريضا أو به أذى
من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك (2) فمن عرض له أذى
أو وجع، فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا، فالصيام
ثلاثة أيام، والصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام،
والنسك: شاة يذبحها فيأكل ويطعم. وإنما عليه واحد من ذلك).
الثالثة لا خلاف في أن الفدية في إزالة الشعر بأي الوجوه
المتقدمة، عمدا كان أو لضرورة واجبة، وإن اختلفت مقاديرها، قال
في المنتهى: لا فرق بين شعر الرأس وبين شعر سائر البدن في وجوب
الفدية، وإن اختلف مقاديرها على ما يأتي، ذهب إليه علماؤنا.
ثم إن ظاهر عبارات جملة من الأصحاب أن التخيير بين الأفراد
الثلاثة مترتب على حلق الشعر مطلقا من الرأس أو البدن. وتأمل
فيه بعض الأفاضل.
أقول: ظاهر رواية عمر بن يزيد العموم، إلا أن موردها حالة
الضرورة دون الاختيار.
بقي الكلام في الصدقة التي هي أحد أفراد الكفارة المخيرة، وقد
صرح جمع من الأصحاب بأنها على عشرة مساكين لكل مد. وقال
الشيخ: من حلق رأسه لأذى فعليه دم شاة، أو صيام ثلاثة أيام،
أو يتصدق على ستة مساكين، لكل مسكين مد من طعام. وقد روى
عشرة مساكين، وهو الأحوط. ونحوه قال الشيخ المفيد، إلا أنه
لم يذكر رواية العشرة، بل جعل الاطعام لستة مساكين لكل مسكين

(1) التهذيب ج 5 ص 333 والوسائل الباب 14 من بقية كفارات الاحرام
(2) سورة البقرة، الآية 196
514

مد. وبه قال ابن إدريس. وقال ابن الجنيد: أو اطعام ستة مساكين
لكل مسكين نصف صاع. وهو الذي رواه الصدوق في المقنع. وبه
قال ابن أبي عقيل. واختاره في المختلف.
والذي وقفت عليه من الأخبار في ذلك صحيحة حريز المتقدمة،
وكذا رواية عمر بن يزيد، وصحيحة زرارة المتقدمة في صدر روايات
المسألة الأولى.
وروى الشيخ عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
(إذا أحصر الرجل فبعث بهديه، فأذاه رأسه قبل أن ينحر هديه،
فإنه يذبح شاة في المكان الذي أحصر فيه، أو يصوم، أو يتصدق
على ستة مساكين. والصوم: ثلاثة أيام، والصدقة: نصف صاع
لكل مسكين) ورواه الكليني في الكافي عن زرارة مثله (2).
ومورد صحيحة حريز ورواية عمر بن يزيد ورواية زرارة المشتمل
كل منها على التخيير بين الأفراد الثلاثة إنما هو الحلق للأذى، وليس
فيها ما يدل على حكم المتعمد من غير ضرورة. إلا أن يقال: إنه إذا
كان الحكم في الضرورة ذلك فالمتعمد بطريق أولى. وظاهر صحيحة زرارة
المتقدمة في صدر المسألة الأولى وإن كان يدل على المتعمد، إلا أنه
أوجب فيها الشاة خاصة، والحكم عندهم التخيير. قال في المدارك:
ولو قيل به إذا كان الحلق لغير ضرورة لم يكن بعيدا. لكن قال في
المنتهى: إن التخيير في هذه الكفارة لعذر أو غيره قول علمائنا أجمع.
ويدل على تعدي الحكم إلى غير الحلق رواية عمر بن يزيد.
والظاهر أن مستند المشهور من التصدق على عشرة مساكين هو
رواية عمر بن يزيد. لكنها قد اشتملت على أنه يشبعهم من الطعام،

(1) الوسائل الباب 14 من بقية كفارات الاحرام
(2) الوسائل الباب 14 من بقية كفارات الاحرام
515

وهم إنما قالوا بالمد خاصة. وأيضا فإنها قد اشتملت على ما لا يقول
به أحد من الأصحاب في ما أعلم من أنه يجوز له أن يأكل من فدائه
وقد ورد كما قدمنا نقله أيضا أن الهدي الذي يكون جبرانا لما
وقع في الحج أو العمرة من النقصان لا يؤكل منه. وقد تقدم في
مرسلة الصدوق المذكورة في المقام (1): (والنسك شاة لا يطعم منها
أحدا إلا المساكين). قال في المنتهى: ولا يجوز أن يأكل منها شيئا، لأنها
كفارة فيجب دفعها إلى المساكين كغيرها من الكفارات. انتهى.
وما دلت عليه صحيحة حريز من اطعام الستة هو مستند الشيخين
ومن تبعهما، إلا أن أكثرهم ذكر أن الصدقة مد، ولم يذكر المدين
إلا ابن الجنيد، فتكون الرواية أشد انطباقا على مذهبه. ويعضدها
أيضا رواية زرارة المتقدمة الواردة في حلق رأس المحصر، فإنه جعل
الصدقة على ستة مساكين، وأن يكون لكل مسكين نصف صاع. وأما
ما دلت عليه مرسلة الصدوق من الصاع فالظاهر أنه متروك. ولعل
لفظ: (نصف) سقط من قلم المصنف (قدس سره) أو من قبله.
وجمع الشيخ بين صحيحة حريز وما دلت عليه من الستة والمدين
ورواية عمر بن يزيد وما دلت عليه من العشرة والشبع لكل واحد
بالتخيير بين الأمرين. وهو جيد.
قال العلامة في المنتهى: والكفارة عندنا تتعلق بحلق جميع الرأس
أو بعضه، قليلا كان أو كثيرا، لكن تختلف، ففي حلق الرأس دم، وكذا
في ما يسمى حلق الرأس، وفي حلق ثلاث شعرات صدقة بمهما كان.
قال في المدارك: وهو جيد. لكن ينبغي تعين الصدقة في ذلك بكف من
طعام أو بكف من سويق، كما سيجئ بيانه.

(1) الوسائل الباب 14 من بقية كفارات الاحرام رقم 5
516

الرابعة قال في المنتهى: إذا نبت الشعر في عينه أو نزل شعر حاجبه
فغطى عينه جاز له قطع النابت في عينه وقص المسترسل. والوجه
أنه لا فدية عليه، لأنه لو تركه لأضر بعينه ومنعه من الابصار،
كما لو صال الصيد عليه فقتله، فإنه لا فدية عليه.
ثم قال (قدس سره): لو كان له عذر من مرض أو وقع في رأسه
قمل أو غير ذلك من أنواع الأذى جاز له الحلق اجماعا، للآية (1)
والأحاديث السابقة. ثم ينظر، فإن كان الضرر اللاحق به من نفس
الشعر فلا فدية عليه، كما لو نبت في عينه أو نزل شعر حاجبه
بحيث يمنعه من الابصار، لأن الشعر أضر به فكان له إزالة ضرره،
كالصيد إذا صال عليه، وإن كان الأذى من غير الشعر لكن لا يتمكن
من إزالة الأذى إلا بحلق الشعر كالقمل، والقروح برأسه،
والصداع من الحر بكثرة الشعر وجبت الفدية، لأنه قطع الشعر لإزالة
الضرر عنه، فصار كما لو أكل الصيد للمخمصة. (لا يقال):
القمل من ضرر الشعر، والحر سببه كثرة الشعر، فكان الضرر منه
أيضا. (لأنا نقول): ليس القمل من الشعر وإنما لا يمكنه المقام
إلا بالرأس ذي الشعر، فهو محل لا سبب. وكذلك الحر من الزمان،
لأن الشعر يوجد في البرد ولا يتأذى به. فقد ظهر أن الأذى في
هذين النوعين ليسا من الشعر. انتهى.
واعترضه في المدارك بعد نقل الكلام الأخير بأنه غير واضح،
قال: والمتجه لزوم الفدية إذا كانت الإزالة بسبب المرض، أو الأذى
الحاصل في الرأس مطلقا، لاطلاق الآية الشريفة (2) دون ما عدا
ذلك، لأن الضرورة مسوغة لإزالته، والفدية منتفية بالأصل.

(1) سورة البقرة، الآية 196
(2) سورة البقرة، الآية 196
517

أقول: لا ريب أن مورد الأخبار الموجبة لجواز الحلق مع الضرورة
إنما هو التضرر بالقمل أو بالصداع كما في روايات المحصر. وعليه
يحمل اطلاق الآية (1) ويبقى ما عداه خارجا عن محل البحث. وبالجملة
فالفدية إنما هو في موضع رفع الأذى بأحد هذه الأشياء. وأما ما يستلزم
تركه الضرر الموجب للعمى مثلا أو عدم الابصار، أو نحو
ذلك من الأمراض، فالظاهر أنه لا فدية فيه، لعدم الدليل.
وبنحو ما ذكره العلامة هنا صرح في الدروس أيضا. وهو جيد.
ومناقشة السيد (قدس سره) ضعيفة.
الخامسة قال في الدروس: الأقرب أنه لا شئ على الناسي
والجاهل. وأوجب الفاضل الكفارة على الناسي في الحلق والقلم، لأن
الاتلاف يتساوى فيه العمد والخطأ كالمال. وهو بعيد، لصحيح زرارة
عن الباقر (عليه السلام) (2): (من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسيا
أو ساهيا أو جاهلا فلا شئ عليه) ونقل الشيخ الاجماع على عدم
وجوب الفدية على الناسي. والقياس عندنا باطل، وخصوصا مع معارضة
النص. انتهى. وهو جيد.
السادسة لو مس لحيته أو رأسه فسقط منه شئ فالواجب كف
من طعام. والحكم من ما لا خلاف فيه بين الأصحاب، كما هو ظاهر
المنتهى والتذكرة. ونقل عن ابن حمزة: التصدق بكفين. وقال الصدوق
في المقنع: بكف أو كفين من طعام. وقال سلار: وإن أسقط بفعله
شيئا من شعره فعليه كف من طعام. ومن أسقط كثيرا من شعره
فعليه دم شاة. وأطلق. ولم يذكر التفصيل بين الوضوء وغيره.

(1) سورة البقرة، الآية 196
(2) الوسائل الباب 10 من بقية كفارات الاحرام
518

وكذا قال السيد المرتضى. وقال ابن البراج: إذا مس رأسه أو لحيته
لغير طهارة، فسقط شئ من شعرهما بذلك، فعليه كف من طعام،
وإن كان مسهما للطهارة لم يكن عليه شئ. وقد ذكر أنه إن سقط في حال
وضوئه كان عليه كف من طعام، وإن كان كثيرا فدم شاة.
وأما الروايات الواردة في المقام: فمنها ما رواه الشيخ والصدوق
عن معاوية بن عمار في الصحيح (1) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام): المحرم يعبث بلحيته فيسقط منها الشعرة والثنتان؟ قال:
يطعم شيئا) قال الصدوق (2): وفي خبر آخر: (مدا من طعام
أو كفين).
وعن هشام بن سالم في الصحيح (3) قال: (قال أبو عبد الله (عليه
السلام): إذا وضع أحدكم يده على رأسه أو لحيته وهو محرم،
فسقط شئ من الشعر، فليتصدق بكف من طعام أو كف من سويق)
ورواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن هشام مثله (4) إلا أنه قال:
(بكف من كعك أو سويق).
وما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله
عليه السلام) (5) قال: (إن نتف المحرم من شعر لحيته وغيرها
شيئا فعليه أن يطعم مسكينا في يده).
وما رواه الشيخ عن منصور عن الصادق (عليه السلام) (6): (في

(1) الوسائل الباب 16 من بقية كفارات الاحرام
(2) الوسائل الباب 16 من بقية كفارات الاحرام
(3) الوسائل الباب 16 من بقية كفارات الاحرام
(4) الوافي باب (الحجامة وإزالة الشعر والظفر للمحرم). ولكن في
الوسائل الباب 16 من بقية كفارات الاحرام ينقله عن الصدوق والكليني
فقط. ولم نجده في التهذيب
(5) الوسائل الباب 16 من بقية كفارات الاحرام
(6) الوسائل الباب 16 من بقية كفارات الاحرام
519

المحرم إذا مس لحيته فوقع منها شعرة؟ قال: يطعم كفا من طعام
أو كفين).
وعن الحسن بن هارون (1) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
إني أولع بلحيتي وأنا محرم فتسقط الشعرات؟ قال: إذا فرغت من
احرامك فاشتر بدرهم تمرا وتصدق به، فإن تمرة خير من شعرة).
أقول: وقضية ضم هذه الأخبار مطلقها إلى مقيدها الاكتفاء بالكف
من الطعام أو السويق أو التمر، والمد أفضل. وأما ما ذكر من هذه
الأقوال فلم أقف لها على دليل.
وأما ما رواه الشيخ عن ليث المرادي (2) قال: (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يتناول لحيته وهو محرم يعبث بها،
فينتف منها الطاقات يبقين في يده خطأ أو عمدا. فقال: لا يضره)
فقد حمله الشيخ على نفي العقاب، قال: لأن من تصدق بكف
من طعام لم يستضر بذلك. واحتمل بعض الحمل على الانكار.
أقول: غاية الخبر أن يكون مطلقا بالنسبة إلى الكفارة، فيجب
تقييده. ولا ينافيه قوله: (ولا يضره) لامكان الحمل على عدم
افساد الحج.
وأما ما رواه الشيخ عن المفضل بن عمر (3) قال: (دخل
النباجي على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: ما تقول في محرم مس
لحيته فسقط منها شعرتان؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): لو
مسست لحيتي فسقط منها عشر شعرات ما كان علي شئ)
فحمله الشيخ على صورة السهو وعدم التعمد. أقول:

(1) الوسائل الباب 16 من بقية كفارات الاحرام
(2) الوسائل الباب 16 من بقية كفارات الاحرام
(3) الوسائل الباب 16 من بقية كفارات الاحرام
520

ويمكن الحمل على حال الوضوء، لما سيأتي إن شاء الله تعالى في المقام.
وهذه الرواية رواها في الوافي (1) بهذا الوجه الذي نقلناه، والموجود
في كتب الحديث (2): (عن جعفر بن بشير والمفضل بن عمر) فيكون
الحديث صحيحا، لعطف المفضل على جعفر بن بشير. ولكنه لا يخلو
من اشكال كما نبه عليه جملة من المحدثين لأن جعفر بن بشير
من أصحاب الرضا (عليه السلام) فتبعد روايته عن الصادق (عليه
السلام). واحتمل بعض سقوط الواسطة، وبعض التحريف في الاتيان
بالواو عوض (عن). والظاهر أن ما ذكره في الوافي اجتهاد منه، كما
هي عادته في تصحيح الأخبار متنا وسندا بما أدى إليه فكره.
هذا كله في ما لو كان المس في غير الوضوء، أما لو كان فيه فالمشهور
أنه لا شئ عليه.
ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن الهيثم بن عروة التميمي (3)
قال: (سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يريد إسباغ
الوضوء، فتسقط من لحيته الشعرة أو الشعرتان. فقال: ليس بشئ
ما جعل عليكم من الدين من حرج) (4).
وألحق الشهيد في الدروس بالوضوء الغسل أيضا. قال في المدارك:
وهو حسن. بل مقتضى التعليل إلحاق إزالة النجاسة والحك الضروري
به أيضا. انتهى.
ونقل في الدروس عن الشيخ المفيد: أنه أوجب الكف في السقوط

(1) باب (الحجامة وإزالة الشعر والظفر للمحرم).
(2) التهذيب ج 5 ص 339، والوسائل الباب 16 من بقية كفارات الاحرام
(3) التهذيب ج 5 ص 339، والوسائل الباب 16 من بقية كفارات الاحرام
(4) سورة الحج، الآية 78
521

بالوضوء، قال: ولو كثر الساقط من شعره فشاة. ولم نقف على دليله
ونقل عن سلار: أن في القليل كفا وفي الكثير شاة. وأطلق. ونقل عن
الحلبي: في قص الشارب وحلق العامة والإبطين شاة.
السابعة قد صرح الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) بأن
في نتف الإبط اطعام ثلاثة مساكين، وفي نتفهما معا شاة.
واستدلوا على الحكم الأول بما رواه الشيخ عن عبد الله بن جبلة
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1): (في محرم نتف إبطه؟ قال:
يطعم ثلاثة مساكين).
وعلى الثاني بما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: (إذا نتف الرجل إبطيه بعد الاحرام
فعليه دم).
وناقش في المدارك في الحكم الأول من حيث ضعف الرواية بأن
في طريقها عبد الله بن هلال، وهو مجهول، وراويها وهو عبد الله بن
جبلة واقفي، فإن مقتضى صحيحة زرارة (3) قال: (سمعت أبا جعفر
(عليه السلام) يقول: من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسيا أو
ساهيا أو جاهلا فلا شئ عليه، ومن فعله متعمدا فعليه دم) (4).
أقول: أما المناقشة الأولى فهي جيدة على أصوله ولا ثمرة لها

(1) الوسائل الباب 11 من بقية كفارات الاحرام
(2) الوسائل الباب 11 من بقية كفارات الاحرام
(3) التهذيب ج 5 ص 339، والوسائل الباب 10 من بقية كفارات الاحرام
(4) هكذا وردت العبارة في النسخ، ومن الواضح أنها غير تامة. واللفظ
الوارد في المدارك بعد تضعيف رواية عبد الله بن جبلة هو هكذا: (فلو قيل
بوجوب الدم في نتف الإبط الواحد لصحيحة زرارة المتقدمة لم يكن بعيدا).
522

عندنا. ويمكن الجمع بحمل الصحيحة المذكورة على الإبطين بإرادة
الجنس من المفرد المذكور فيها، فتكون منطبقة مع صحيحة حريز على
معنى واحد. إلا أن المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر في الوسائل (1)
نقل أن الصدوق روى أيضا صحيحة حريز بلفظ: (إبطه) بدون
تثنية. ويشكل ذلك بخلو القول المشهور من الدليل، إذ المستند في
وجوب الشاة في الإبطين إنما هو صحيحة حريز المذكورة كما عرفت
وعلى هذه الرواية فيشكل الحكم في المقام.
وكيف كان فالاحتياط في الدم بنتف الإبط، لما عرفت.
الثامنة اختلف كلام الشيخ (قدس سره) في المحرم هل له أن
يحلق رأس المحل؟ فجوزه في الخلاف، ولا ضمان. وقال في التهذيب:
لا يجوز له ذلك.
واحتج في الخلاف بأن الأصل براءة الذمة، ولم يوجد دليل
على الشغل.
واحتج في التهذيب بما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (لا يأخذ الحرام من شعر
الحلال).
الفصل الثاني في اخراج الدم، وقد اختلف الأصحاب (رضوان
الله تعالى عليهم) في ذلك. ويجب أن يعلم أولا أن أصل
الخلاف في المسألة بين المتقدمين إنما هو في الحجامة، كما نقل العلامة
في المختلف، حيث قال: للشيخ في الحجامة قولان: أحدهما التحريم

(1) الباب 11 من بقية كفارات الاحرام
(2) الوسائل الباب 63 من تروك الاحرام. واللفظ كما في الوسائل
523

إلا مع الحاجة. وبه قال شيخنا المفيد والسيد المرتضى وسلار وابن
البراج وأبو الصلاح وابن إدريس، وهو الظاهر من كلام ابن
بابويه وابن الجنيد. والثاني أنه مكروه. ذكره في الخلاف،
وبه قال ابن حمزة. ثم قال: والأقرب الأول. وجملة من المتأخرين
قد أجروا الخلاف أيضا في اخراج الدم ولو بحك جلده أو بالسواك
أو نحو ذلك. وبذلك يظهر لك أن ما ذكره في المدارك بعد ذكر المصنف
اخراج الدم بهذه الوجوه بقوله: (القول بالتحريم في الجميع للشيخ
في النهاية، والمفيد في المقنعة، والمرتضى، وابن إدريس. ثم نقل القول
بالكراهة عن الشيخ في الخلاف، وجمع من الأصحاب ليس من ما
ينبغي. ثم إن ممن اختار القول بالكراهة أيضا المحقق في الشرائع
والسيد السند في المدارك.
ويدل على القول الأول ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن
عن الحلبي (1) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم
يحتجم؟ قال: لا، إلا أن لا يجد بدا فليحتجم، ولا يحلق مكان
المحاجم).
وعن زرارة في القوي عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال:
(لا يحتجم المحرم إلا أن يخاف على نفسه أن لا يستطيع الصلاة).
وما رواه الشيخ عن الحسن الصيقل عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
(عن المحرم يحتجم؟ قال: لا، إلا أن يخاف التلف ولا
يستطيع الصلاة. وقال: إذا آذاه الدم فلا بأس به ويحتجم،
ولا يحلق الشعر).

(1) الوسائل الباب 62 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 62 من تروك الاحرام
(3) الوسائل الباب 62 من تروك الاحرام
524

وما رواه في الفقيه (1) قال: (سأل ذريح أبا عبد الله (عليه
السلام) عن المحرم يحتجم؟ فقال: نعم إذا خشي الدم).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (2) قال: (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم كيف يحك رأسه؟ قال:
بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر).
وعن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام).. الرواية المتقدمة
في الفصل الأول (3) حيث قال فيها: (ويحك الجسد ما لم يدمه).
وفي الصحيح عن الحلبي (4) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن المحرم يستاك؟ قال: نعم، ولا يدمى).
وما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى (عليه السلام) (5)
قال: (سألته عن المحرم هل يصلح له أن يستاك؟ قال: لا بأس،
ولا ينبغي أن يدمي فمه) ولفظ: (لا ينبغي) في الأخبار بمعنى التحريم
شائع، كما نبهنا عليه في غير موضع من ما تقدم.
وأما ما يدل على القول الثاني فصحيحة حريز عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (6) قال: (لا بأس أن يحتجم المحرم ما لم يحلق
أو يقطع الشعر).
قال في الفقيه (7): واحتجم الحسن بن علي (عليهما السلام) وهو محرم.
وصحيحة معاوية بن عمار (8) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام): المحرم يستاك؟ قال: نعم. قلت: فإن آدمي يستاك؟

(1) الوسائل الباب 62 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 73 من تروك الاحرام
(3) ص 512
(4) الوسائل الباب 73 من تروك الاحرام
(5) الوسائل الباب 73 من تروك الاحرام
(6) الوسائل الباب 62 من تروك الاحرام
(7) الوسائل الباب 62 من تروك الاحرام
(8) الفروع ج 4 ص 366، والفقيه ج 2 ص 222، والوسائل الباب 92
من تروك الاحرام
525

قال: نعم، هو من السنة).
وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
(سألته عن المحرم يعصر الدمل، ويربط عليه الخرقة؟ فقال: لا بأس).
وما رواه في الكافي في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: (سألته عن المحرم يكون به الجرب فيؤذيه.
قال: يحكه، فإن سال منه الدم فلا بأس).
وبهذه الأخبار أخذ صاحب المدارك، ومثله صاحب الذخيرة،
وجمع بينها وبين الأخبار المتقدمة بحمل النهي في الأخبار المتقدمة
على الكراهة.
وأنت خبير بما فيه، كما أشرنا إليه في غير موضع من ما تقدم. على أنه إنما يتم القول بالكراهة لو لم يمكن هنا وجه آخر للجمع بين
الأخبار المذكورة مع أنه ليس كذلك، فإن الظاهر في الجمع أنما هو
حمل هذه الأخبار على الضرورة، فإن هذه الأخبار مطلقة والأخبار
الأول مفصلة بين الاختيار فيحرم والاضطرار فيجوز. والقاعدة تقتضي
حمل المجمل على المفصل. فالقول بالكراهة كما صارا إليه ضعيف.
وأما ما اعتضد به في المدارك من رواية يونس بن يعقوب (3) قال:
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يحتجم؟ قال: لا أحبه)
قال: فإن لفظ: (لا أحبه ظاهر في الكراهة

(1) الفروع ج 4 ص 359، والفقيه ج 2 ص 222، والوسائل الباب
70 من تروك الاحرام رقم 5 و 1
(2) الفروع ج 4 ص 367، والوسائل الباب 71 من تروك الاحرام
(3) الوسائل الباب 62 من تروك الاحرام
526

ففيه: أن لفظ: (لا أحبه) وإن كان في العرف كما ذكره إلا أنه
في الأخبار قد استعمل بمعنى التحريم كثيرا، وقد حققنا سابقا أن
هذا من جملة الألفاظ المتشابهة في الأخبار التي لا يجوز حملها على
أحد المعنيين إلا بالقرينة.
ثم إن الظاهر من كلام الأصحاب أنه على تقدير التحريم فليس
فيه إلا مجرد الإثم، ولا كفارة. وحكى الشهيد في الدروس عن بعض
أصحاب المناسك: أنه جعل فدية اخراج الدم شاة. وعن الحلبي: أنه
جعل في حك الجسم حتى يدمى اطعام مسكين.
واعلم أن الخلاف في المسألة بالتحريم والكراهة إنما هو عند عدم
الضرورة، وإلا فمعها لا خلاف في الجواز، كما ذكره في التذكرة،
وبه صرحت الأخبار المتقدمة، وعليه تجتمع الأخبار كملا كما ذكرناه.
ويؤيده ما رواه الصدوق عن الحسن الصيقل (1) (أنه سأل
أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يؤذيه ضرسه، أيقلعه؟ فقال:
نعم لا بأس به).
ونقل في المدارك عن ابن الجنيد والصدوق: أنه لا بأس بقلع
الضرس مع الحاجة، ولم يوجبا به شيئا. ونقل عن الشيخ: أن في
قلع الضرس شاة، استنادا إلى ما رواه في التهذيب (2) عن محمد بن
عيسى عن عدة من أصحابنا عن رجل من أهل خراسان: (أن مسألة
وقعت في الموسم لم يكن عند مواليه فيها شئ: محرم قلع ضرسه.
فكتب: يهريق دما). وفيه: مع إرساله أن المكتوب إليه غير معلوم

(1) الوسائل الباب 95 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 19 من بقية كفارات الاحرام
527

والاستناد إلى ما هذا شأنه واثبات حكم شرعي به مشكل.
الصنف الخامس عشر والسادس عشر قلع الشجر وقلم الأظفار.
والكلام هنا يقع في مقامين: الأول في قلع الشجر، الظاهر أنه لا
خلاف بين أصحابنا (رضوان الله تعالى عليهم) في أنه يحرم
على المحرم قطع شجر الحرم، والحشيش النابت فيه، عدا ما يأتي
استثناؤه في المقام إن شاء الله (تعالى).
وعليه تدل جملة من الأخبار: منها ما رواه الصدوق في الصحيح
عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) أنه قال: (كل شئ
ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلا ما أنبته أنت أو غرسته) وما رواه الكليني في الحسن عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: (كل شئ ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (3) قال: (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحل.
فقال: حرم فرعها لمكان أصلها. قال: قلت: فإن أصلها في الحل وفرعها في
الحرم؟ فقال: حرم أصلها لمكان فرعها) ورواه ابن بابويه والكليني في
الصحيح نحوا منه (4).
وما رواه الصدوق عن سليمان بن خالد في الصحيح أو الحسن (5)
(أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يقطع من الأراك

(1) الفقيه ج 2 ص 166، والوسائل الباب 86 من تروك الاحرام.
(2) الوسائل الباب 86 من تروك الاحرام
(3) الوسائل الباب 90 من تروك الاحرام.
(4) الوسائل الباب 90 من تروك الاحرام.
(5) الفقيه ج 2 ص 166، والوسائل الباب 18 من بقية كفارات الاحرام
528

الذي بمكة. قال: عليه ثمنه يتصدق به. ولا ينزع من شجر مكة
شيئا إلا النخل وشجر الفواكه) ورواه الشيخ عن سليمان بن خالد
في الموثق بأدنى تفاوت في المتن (1).
وما رواه الكليني في الحسن أو الصحيح عن حريز عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: (لما قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله)
مكة يوم افتتحها فتح باب الكعبة.. فساق الحديث إلى أن قال نقلا عنه
(صلى الله عليه وآله): ألا إن الله قد حرم مكة يوم خلق السماوات
والأرض، فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة، لا ينفر صيدها،
ولا يعضد شجرها، ولا يختلى خلاها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد.
فقال العباس: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا الإذخر، فإنه
للقبر والبيوت. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إلا الإذخر).
قال الجوهري: الخلي مقصورا: الحشيش اليابس (3) الواحدة خلاة
تقول: (خليت الخلي واختليته) أي جززته وقطعته. وقال في
القاموس: الخلي مقصورا: الرطب من النبات، واحده خلاة، أو
كل بقلة قلعتها. وفي النهاية: الخلي مقصورا: النبات الرقيق ما دام
رطبا، واختلاؤه قطعه.
وما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة (4) قال: (سمعت أبا جعفر
(عليه السلام) يقول: حرم الله حرمه بريدا في بريد: أن يختلى

(1) التهذيب ج 5 ص 379 و 380، والوسائل الباب 18 من بقية كفارات
الاحرام
(2) الفروع ج 4 ص 225، والوسائل الباب 88 من تروك الاحرام
(3) ارجع إلى الاستدراكات
(4) التهذيب ج 5 ص 381، والوسائل الباب 87 من تروك الاحرام
529

خلاه، أو يعضد شجره، إلا الإذخر، أو يصاد طيره. وحرم رسول الله
(صلى الله عليه وآله) المدينة ما بين لابتيها: صيدها، وحرم ما حولها
بريدا في بريد: أن يختلى خلاها، أو يعضد شجرها، إلا عودي الناضح)
وما رواه الكليني عن زرارة في الموثق (1) قال: (سمعت أبا جعفر
(عليه السلام) يقول: حرم الله (تعالى) حرمه: أن يختلى خلاه،
أو يعضد شجره، إلا الإذخر، أو يصاد طيره).
وما رواه الشيخ عن جميل بن دراج في الصحيح عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: (رآني علي بن الحسين (عليه السلام)
وأنا أقلع الحشيش من حول الفساطيط بمنى، فقال: يا بني إن هذا
لا يقلع).
وما رواه الصدوق عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما
(عليهما السلام) (3) قال: (قلت: المحرم ينزع الحشيش من غير
الحرم؟ قال: نعم. قلت: فمن الحرم؟ قال: لا).
وما رواه الكليني عن عبد الكريم عن من ذكره عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (4) قال: (لا ينزع من شجر مكة إلا النخل
وشجر الفاكهة)
وما رواه الصدوق عن منصور بن حازم (5) (أنه سأل أبا عبد الله

(1) الفروع ج 4 ص 225، والوسائل الباب 87 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 86 من تروك الاحرام
(3) الوسائل الباب 85 من تروك الاحرام
(4) الفروع ج 4 ص 230، والوسائل الباب 87 من تروك الاحرام.
(5) الوسائل الباب 18 من بقية كفارات الاحرام
530

(عليه السلام) عن الأراك يكون في الحرم فاقطعه. قال: عليك
فداؤه).
وأما ما رواه الشيخ عن محمد بن حمران في الصحيح (1) قال:
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن النبت الذي في أرض الحرم،
أينزع؟ فقال: أما شئ تأكله الإبل فليس به بأس أن تنزعه)
فقد أجاب عنه الشيخ (رحمه الله) بأنه لا بأس أن تنزعه الإبل
لأنه يخلى عنها ترعى كيف شاءت. واستشهد بما رواه عن حريز في
الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (يخلى عن البعير
في الحرم يأكل ما شاء).
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد اختلف الأصحاب في كفارة قلع
الشجر، فقال الشيخ في الخلاف والمبسوط: في الشجرة الكبيرة بقرة،
وفي الصغيرة شاة، وفي الأغصان قيمته. وقال ابن الجنيد: وإن قلع
المحرم أو المحل من شجر الحرم شيئا فعليه قيمة ثمنه. وقال أبو
الصلاح: في قطع بعض شجر الحرم من أصله دم شاة، ولقطع بعضها
أو اختلاء خلاها ما تيسر من الصدقة. وقال ابن البراج: في ما يجب
فيه بقرة، أو يقلع شيئا من شجر الحرم الذي لم يغرسه هو في ملكه
ولا نبت في داره بعد بنائه لها. ولم يفصل بين الكبيرة والصغيرة.
وقال ابن حمزة: والبقرة تلزم بصيد بقرة الوحش وقلع شجر الحرم
ثم قال: تجب شاة بقلع شجر صغير من الحرم. وقال ابن إدريس:
الأخبار واردة عن الأئمة (عليهم السلام) بالمنع من قلع شجر الحرم
وقطعه، ولم يتعرض فيها للكفارة لا في الصغيرة ولا في الكبيرة. قال

(1) الوسائل الباب 89 من تروك الاحرام.
(2) الوسائل الباب 89 من تروك الاحرام.
531

في المختلف: وهذا قول يشعر بسقوط الكفارة. وظاهر المشهور بين
المتأخرين القول الأول. وتردد المحقق في الشرائع فيه.
قال في المدارك بعد نقل عبارة المصنف الموافقة لمذهب الشيخ،
وتردده في ذلك: هذا الحكم ذكره الشيخ وجمع من الأصحاب،
واحتج عليه في الخلاف باجماع الفرقة والاحتياط. واستدل عليه في
المنتهى بما رواه الشيخ عن موسى بن القاسم (1) قال: روى أصحابنا عن
أحدهما (عليهما السلام) أنه قال: (إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر
الحرم لم تنزع، فإن أراد نزعها نزعها وكفر بذبح بقرة يتصدق بلحمها
على المساكين) وهذه الرواية مع ضعفها بالارسال، وكونها متروكة
الظاهر لا تدل على وجوب الشاة في الشجرة الصغيرة، ولا على حكم
الأبعاض. وقال ابن الجنيد.. ثم ساق عبارته المتقدمة. ونقل أنه
قواه في المختلف، واستدل عليه برواية سليمان بن خالد عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: (سألته عن رجل قلع من الأراك الذي
بمكة. قال: عليه ثمنه) ثم قال: وهذه الرواية ضعيفة السند أيضا
فإن من جملة رجالها الطاطري، وقال النجاشي: إنه كان من وجوه الواقفية
وشيوخهم. ومن هنا يظهر أن المتجه سقوط الكفارة بذلك مطلقا كما
اختاره ابن إدريس، وإن كان اتباع المنقول أحوط. انتهى.
أقول: فيه (أولا): ما عرفت سابقا في غير موضع من أن الطعن

(1) التهذيب ج 5 ص 381، والوسائل الباب 18 من بقية كفارات
الاحرام
(2) التهذيب ج 5 ص 379 و 380، والوسائل الباب 18 من بقية
كفارات الاحرام
532

في الأخبار بضعف السند لا يقوم حجة على المتقدمين.
و (ثانيا): إن طعنه في رواية سليمان بن خالد بما ذكره متجه
بناء على نقله الرواية من التهذيب، فإنها فيه مروية في الموثق الذي
يعده في الضعيف، ولكنها في الفقيه كما قدمنا ذكره صحيحة
أو حسنة بإبراهيم بن هاشم، الذي قد اعتمد حديثه في غير موضع
من شرحه، وإن ناقض نفسه فيه أيضا في بعض المواضع، إلا أن
الاتفاق بين أصحاب هذا الاصطلاح على قبول روايته، وإن عدوها في
الحسن، بل عدها في الصحيح جملة من المحققين.
و (ثالثا): أنه قد روى الصدوق أيضا عن منصور بن حازم
وطريقه إليه في المشيخة صحيح على ما صرح به العلامة في الخلاصة
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) (أنه سأله عن الأراك يكون في
الحرم فاقطعه. قال: عليك فداؤه) وهي مطابقة لصحيحة سليمان
المذكورة أو حسنته. والمراد بالفداء في رواية منصور هو الثمن المذكور
في رواية سليمان بن خالد. وبذلك يظهر ضعف ما اختاره من سقوط
الكفارة مطلقا.
وبالجملة فإن الذي وقفت عليه من روايات المسألة هو ما ذكرت،
ومقتضاها وجوب البقرة في نزع الشجرة صغيرة كانت أو كبيرة، والفدية
في غيره من الأراك ونحوه.
أقول: وفي هذا المقام فوائد: الأولى يستفاد من صحيحة سليمان
ابن خالد وموثقته ومرسلة عبد الكريم استثناء النخل وشجر الفواكه من
هذا الحكم. والظاهر أنه لا خلاف فيه، وهو من جملة ما استثناه

(1) الفقيه ج 2 ص 166، والوسائل الباب 18 من بقية كفارات الاحرام
533

الأصحاب، سواء أنبته الله (تعالى) أو الآدمي، لاطلاق النص المذكور.
وظاهر المنتهى أنه اتفاقي. لكن المذكور في كلامهم شجر الفواكه، حيث عدوه من الأربعة المستثناة في كلامهم. والظاهر أن مرادهم ما يعم
النخل. وكيف كان فحيث دل النص عليه يجب استثناؤه.
والثانية الإذخر، وظاهر المنتهى والتذكرة الاجماع على جواز قطعه
وهو من جملة الأربعة المستثناة عندهم. ويدل عليه استثناء الرسول
(صلى الله عليه وآله) بالتماس العباس في صحيحة حريز أو حسنته
المتقدمة، ومثلها موثقة زرارة المتقدمة أيضا، ورواية زرارة الآتية (1).
والثالثة قد دلت صحيحة حريز وهي الأولى من الأخبار المتقدمة
على استثناء ما أنبته الانسان أو غرسه من البقول والزروع والرياحين
والشجر، ولم يذكره الأصحاب من جملة الأربعة التي صرحوا باستثنائها.
والرواية المذكورة صحيحة صريحة في استثنائه، فلا بأس باستثنائه.
الرابعة قد دلت موثقة زرارة على استثناء عودي الناضح، وهما
عودا المحالة المذكورة في جملة الأربعة التي استثناها الأصحاب. والمحالة
بفتح الميم: البكرة العظيمة التي يستقى بها، قاله الجوهري. والمراد
العودان اللذان تجعل عليهما المحالة ليستقي بها.
ويدل على ذلك أيضا ما رواه الشيخ بسند فيه إرسال عن زرارة
عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال: (رخص رسول الله (صلى
الله عليه وآله) في قطع عودي المحالة وهي البكرة التي يستقى بها
من شجر الحرم، والإذخر).

(1) التهذيب ج 5 ص 381، والوسائل الباب 87 من تروك الاحرام
(2) التهذيب ج 5 ص 381، والوسائل الباب 87 من تروك الاحرام
534

الخامسة قد استثنى الأصحاب أيضا في جملة الأربعة التي ذكروها
ما ينبت في ملك الانسان.
واستدلوا على ذلك بما رواه حماد بن عثمان في القوي عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) (في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم؟
فقال: إن بنى المنزل والشجرة فيه فليس له أن يقلعها، وإن كانت
نبتت في منزله وهو له فليقلعها).
وروى الشيخ عن حماد بن عثمان (2) قال: (سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الرجل يقلع الشجرة من مضربه أو داره في الحرم.
فقال: إن كانت الشجرة لم تزل قبل أن يبني الدار أو يتخذ المضرب
فليس له أن يقلعها، وإن كانت طرية عليها فله قلعها).
وعليه يحمل ما رواه في الكافي عن إسحاق بن يزيد (3) قال: (قلت
لأبي جعفر (عليه السلام): الرجل يدخل مكة فيقطع من شجرها؟ قال:
اقطع ما كان داخلا عليك، ولا تقطع ما لم يدخل منزلك عليك).
والمستفاد من هذه الروايات أنه إن سبق الملك للأرض على نبت
الشجرة جاز قلعها وإلا فلا.
والظاهر أن ذكر المنزل في الأخبار خرج مخرج التمثيل.
السادسة قال في المدارك: ولا بأس بقطع اليابس من الشجر
والحشيش، للأصل. ولأنه ميت فلم تبق له حرمة. ولأن الخلي المحرم
جزه الرطب من النبات لا مطلق النبات.
أقول: فيه: أن ظاهر الأخبار المتقدمة شمول الحكم لليابس والرطب

(1) التهذيب ج 5 ص 380، والوسائل الباب 87 من تروك الاحرام
(2) التهذيب ج 5 ص 380، والوسائل الباب 87 من تروك الاحرام
(3) الفروع ج 4 ص 231، والوسائل الباب 87 من تروك الاحرام
535

من الشجر والحشيش، وبه يجب الخروج عن حكم الأصل. وأما
ما ذكره من أن الخلي هو الرطب من النبات فهو مسلم بناء على
ما نقله من عبارة القاموس، حيث إنه فسره بذلك، وأما عبارة
الصحاح التي قدمنا ذكرها فقد فسره فيها باليابس (1) وقال في كتاب
مجمع البحرين في ما أوله الخاء المعجمة: لا يختلي خلاها بضم الخاء
وفتح اللام، أي لا يجز نبتها الرقيق ولا يقطع ما دام رطبا، وإذا
يبس فهو حشيش. وظاهر هذا الكلام أن اطلاق الخلي عليه إنما هو
ما دام رطبا وإذا يبس يسمى حشيشا. وحينئذ فالحشيش هو اليابس،
مع أنه قد دلت صحيحة جميل بن دراج وصحيحة محمد بن مسلم
المتقدمتان على تحريم نزع الحشيش. ومع الاغماض عن ما ذكرناه فلا
أقل من أن يكون الحشيش شاملا للرطب واليابس، فاطلاق التحريم في
الصحيحتين المذكورتين شامل للفردين. وبذلك قال الشيخ على ما ذكره
في المختلف حيث نقل عنه أنه قال: حشيش الحرم ممنوع من قلعه، فإن
قلعه أو شيئا منه لزمته قيمته. ولا بأس أن تخلى الإبل ترعى. وقال ابن
الجنيد: فأما الرعي فيه فمن ما لا أختاره، لأن البعير ربما جدب النبت
من أصله. فأما ما حصده الانسان منه وبقي أصله في الأرض فلا
بأس به. أقول: اطلاق صحيحة حريز المتقدمة الدالة على أنه يخلى
عن البعير في الحرم يأكل ما شاء، ومثلها صحيحة محمد بن حمران
يدفع ما ذكره من منع الرعي. ومع تسليم أن الخلي عبارة عن الرطب
خاصة فتخصيص الخلي بالذكر لا يدل على عدم شمول الحكم لغيره.
ومع تسليمه فإنه مخصوص بالحشيش ولا دليل على ذلك في الشجر.

(1) ارجع إلى الاستدراكات
536

وأما التعليل بأنه ميت فهو تعليل عليل ميت.
السابعة مقتضى موثقة زرارة المتقدمة تحريم صيد حرم المدينة
وشجره. وهو قول الشيخ (قدس سره). وقيل بالكراهة، للأصل.
وظاهر الخبر المذكور يوجب الخروج عن هذا الأصل.
الثامنة قال في المدارك: واعلم أن قطع شجر الحرم كما يحرم
على المحرم يحرم على المحل أيضا، كما صرح به الأصحاب (رضوان
الله تعالى عليهم) ودلت عليه النصوص. وحينئذ فكان المناسب
أن لا يجعل ذلك من تروك الاحرام بل يجعل مسألة برأسها كما فعل
في الدروس. انتهى. وهو جيد.
أقول: والظاهر أن حكم الحشيش أيضا كذلك. وأنه يحل للمحرم
قطع الشجر وقلع الحشيش في غير الحرم، بلا خلاف ولا اشكال
في ذلك.
التاسعة قطع العلامة في التذكرة بجواز قطع ما انكسر ولم يبن،
معللا بأنه قد تلف فهو بمنزلة الميت والظفر المنكسر. أقول: وهو
لا يخلو من شوب الاشكال.
وجواز أخذ الكمأة، معللا بأنه لا أصل له فهو كالثمرة الموضوعة
على الأرض. أقول: وهو جيد، فإن ظاهر الأخبار المتقدمة التخصيص
بالشجر والحشيش ونحوهما من ما لا يتناول ذلك.
ونقل الاجماع على جواز الانتفاع بالغصن المنكسر والورق الساقط
إذا كان ذلك بغير فعل الآدمي، لتناول النهي ما يقطع وهذا لم يقطع.
أقول: وهو جيد.
واستقرب الجواز إذا كان بفعل الآدمي، لأنه بعد القطع يكون
537

كاليابس. وتحريم الفعل لا ينافي جواز استعماله. ونسب المنع إلى
بعض العامة، قياسا على الصيد يذبحه المحرم (1). ورده، بأن الصيد
يعتبر في ذبحه الأهلية. أقول: وهو كذلك.
المقام الثاني في قلم الأظفار، وفي المنتهى والتذكرة أن على تحريمه
اجماع فقهاء الأمصار.
ومستنده أخبار عديدة: منها: ما تقدم في صدر الروايات المنقولة
في مسألة إزالة الشعر (2) من صحيحة زرارة المتضمنة لأن من قلم أظفاره
متعمدا فعليه دم.
وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه
السلام) (3) قال: (من قلم أظافيره ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا
شئ عليه، ومن فعله متعمدا فعليه دم).
وما رواه في الكافي في الموثق عن إسحاق بن عمار (4) قال: (سألت
أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل نسي أن يقلم أظفاره عند احرامه.
قال: يدعها. قلت: فإن رجلا من أصحابنا أفتاه بأن يقلم أظفاره
ويعيد احرامه، ففعل؟ قال: عليه دم يهريقه) وروى الصدوق عن
إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم (عليه السلام) (5) نحوا منه.
وما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه
السلام) (6) قال: (سألته عن رجل أحرم فنسي أن يقلم أظفاره.

(1) المغني ج 3 ص 316 طبع مطبعة العاصمة
(2) ص 511
(3) الوسائل الباب 10 من بقية كفارات الاحرام
(4) الوسائل الباب 13 من بقية كفارات الاحرام
(5) الوسائل الباب 13 من بقية كفارات الاحرام
(6) التهذيب ج 5 ص 314، والوسائل الباب 77 من تروك الاحرام.
538

قال: فقال: يدعها. قال: قلت: إنها طوال؟ قال: وإن كانت.
قلت: فإن رجلا أفتاه أن يقلمها وأن يغتسل ويعيد احرامه، ففعل؟
قال: عليه دم).
إلى غير ذلك من الأخبار الآتية ونحوها.
والمستفاد من هذه الأخبار ترتب الحكم على القلم الذي هو عبارة عن
مطلق الإزالة والقطع، وجملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم)
إنما عبروا في المقام بالقص، وهو أخص حيث إنه عبارة عن القطع
بالمقص.
ولو انكسر ظفره وتأذى به فله إزالته بلا خلاف كما نقله
في التذكرة وعليه الفدية.
ويدل على الحكمين المذكورين ما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار
في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (سألته عن
الرجل المحرم تطول أظفاره. قال: لا يقص شيئا منها إن استطاع، فإن
كانت تؤذيه فليقصها، وليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام).
ورواه في الفقيه (2) في الصحيح عن معاوية بن عمار، والكليني عنه
في الصحيح أو الحسن (3) وفيهما. (سألته عن المحرم تطول أظفاره
أو ينكسر بعضها، فيؤذيه ذلك. قال.. الحديث).
واستشكل العلامة الفداء في الصورة المذكورة. والنص يدفعه.

(1) التهذيب ج 5 ص 314، والوسائل الباب 77 من تروك الاحرام
(2) ج 2 ص 228، والوسائل الباب 12 من بقية كفارات الاحرام
(3) الفروع ج 4 ص 360، والوسائل الباب 12 من بقية كفارات
الاحرام
539

وأما ما يلزم من الفدية في ذلك فالمشهور بين الأصحاب (رضوان
الله تعالى عليهم) أن في تقليم كل ظفر مدا من طعام، فإن قلم
أظفار يديه جميعا كان عليه دم شاة، وكذا في أظفار رجليه، فإن
قلم أظفار يديه ورجليه فدمان إن تعدد المجلس وإن اتحد فدم واحد.
ونقله في المختلف عن الشيخين والسيد المرتضى والصدوق وابن البراج
وسلار وابن إدريس. وعن ابن أبي عقيل: إن من انكسر ظفره
وهو محرم فلا يقصه، فإن فعل فعليه أن يطعم مسكينا في يده. وقال
ابن الجنيد: من قص ظفرا كان عليه مد أو قيمته، وفي الظفرين مدان
أو قيمتهما، فإن قص خمسة أظافير من يد واحدة أو زاد على ذلك
كان عليه دم إن كان في مجلس واحد، فإن فرق بين يديه ورجليه
كان عليه ليديه دم ورجليه دم. وعن أبي الصلاح: في قص ظفر كف
من طعام، وفي أظفار إحدى يديه صاع، وفي أظفار كلتيهما دم شاة،
وكذلك حكم أظفار رجليه، وإن قص أظفار يديه ورجليه في مجلس
واحد فعليه دم واحد.
أقول: والذي وقفت عليه من أخبار المسألة ما رواه الصدوق في
الصحيح عن الحسن بن محبوب عن ابن مهزيار عن أبي بصير (1) قال:
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل قلم ظفرا من أظافيره
وهو محرم. قال: عليه مد من طعام حتى يبلغ عشرة، فإن قلم أصابع
يديه كلها فعليه دم شاة. قلت: فإن قلم أظافير يديه ورجليه جميعا؟
فقال: إن كان فعل ذلك في مجلس واحد فعليه دم، وإن كان فعله
متفرقا في مجلسين فعليه دمان).

(1) الفقيه ج 2 ص 227، والوسائل الباب 12 من بقية كفارات الاحرام
540

وروى الشيخ هذه الرواية في التهذيب (1) وفيها: (قال: عليه
في كل ظفر قيمة مد من طعام حتى يبلغ.. الحديث).
وما رواه الشيخ عن الحلبي (2): (أنه سأله عن محرم قلم أظافيره.
قال: عليه مد في كل إصبع، فإن هو قلم أظافيره عشرتها فإن
عليه دم شاة).
قال في المدارك: وبمضمون هاتين الروايتين أفتى الأصحاب إلا من
شذ. ويؤيدهما صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)..
ثم نقل الصحيحة المذكورة في صدر الروايات، ثم نقل قول ابن الجنيد
وقول أبي الصلاح المتقدمين، ثم قال: ولم نقف لهذين القولين
على مستند.
أقول: ظاهر كلامه هنا يؤذن باختيار القول المذكور مع أن
الروايتين المنقولتين في كلامه من قسم الضعيف باصطلاحه، لأن الأولى
عن أبي بصير وهو مشترك، كما طعن به في غير موضع من شرحه، وفي
طريق الثانية. محمد بن سنان كما صرح به في الشرح، وقد تقدم له
في غير موضع الطعن في مثل ذلك، وإن أجمع الأصحاب على المذكور
فضلا عن شهرته، فكيف غض النظر هنا عن ذلك؟ ومقتضى قاعدته
رد الروايتين المذكورتين والرجوع إلى حكم الأصل كما اعتمده في غير
موضع، ولكن ضيق الخناق في هذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد
أقرب من الصلاح أوجب لهم انحلال الزمام واختلال النظام وعدم
الوقوف على قاعدة في مقام.

(1) التهذيب ج 5 ص 332، والوسائل الباب 12 من بقية كفارات الاحرام
(2) التهذيب ج 5 ص 332، والوسائل الباب 12 من بقية كفارات الاحرام
541

ومنها: ما رواه في الكافي في الموثق عن أبي بصير عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: (إذا قلم المحرم أظفار يديه ورجليه في
مكان واحد فعليه دم واحد، وإن كانتا متفرقتين فعليه دمان).
وهذا الخبر أيضا من ما يدل على القول المشهور بالنسبة إلى اتحاد
الشاة وتعددها.
ومنها: صحيحة زرارة المتقدمة في صدر الروايات، بحمل الدم فيها
على مجموع الأظافير كما هو ظاهرها. وهو أيضا ظاهر موثقة ابن عمار
المتقدمة المتضمنة لمن نسي أن يقلم أظفاره حتى أفتاه رجل، فإن
ظاهرها مجموع الأظفار أو أظفار يديه العشرة.
ومنها: ما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2): (في المحرم ينسى فيقلم ظفرا من أظافيره، فقال:
يتصدق بكف من الطعام. قلت: فاثنين؟ قال: كفين. قلت: فثلاثة؟
قال: ثلاثة أكف، كل ظفر كف، حتى تصير خمسة، فإذا قلم خمسة
فعليه دم واحد، خمسة كان أو عشرة أو ما كان).
وهذه الرواية حملها جملة من الأصحاب على الاستحباب، لما دل
على عدم الكفارة في صورة النسيان من صحيحة زرارة المتقدمة في صدر
الروايات وغيرها.
ومنها: روايتا إسحاق بن عمار المتقدمتان بنقل صاحب الكافي وصاحب
التهذيب، فإن ظاهرهما قلم أظفار يديه ورجليه أو أظفار يديه، ووجوب

(1) الفروع ج 4 ص 360، والوسائل الباب 12 من بقية كفارات
الاحرام.
(2) التهذيب ج 5 ص 332 والوسائل الباب 12 من بقية كفارات الاحرام
542

الشاة في ذلك ظاهر، فتكون هاتان الروايتان من جملة روايات
القول المشهور.
ومنها: ما رواه في الكافي عن حريز في الصحيح أو الحسن عن من
أخبره عن أبي جعفر (عليه السلام) (1): (في محرم قلم ظفرا؟
قال: يتصدق بكف من طعام. قلت: ظفرين؟ قال: كفين. قلت:
ثلاثة؟ قال: ثلاثة أكف. قلت: أربعة؟ قال: أربعة أكف. قلت:
خمسة؟ قال: عليه دم يهريقه. فإن قص عشرة أو أكثر من ذلك
فليس عليه إلا دم يهريقه).
قال في الوافي بعد نقل هذا الخبر: ينبغي حمل الدم في الخمسة
على الاستحباب، لما يأتي من أنه لا يلزمه الدم حتى يبلغ عشرة.
أقول: وعلى ذلك حمله الشيخ وجملة من الأصحاب.
والظاهر عندي حمل الخبر المذكور على التقية، لأن وجوب الشاة
في الخمسة مذهب أبي حنيفة وأتباعه (2) قال في التذكرة: قال أبو
حنيفة: إن قلم خمس أصابع من يد واحدة لزمه الدم، ولو قلم
من كل يد أربعة أظفار لم يجب عليه دم بل الصدقة، وكذا لو قلم
يدا واحدة إلا بعض الظفر لم يجب الدم. وبالجملة فالدم عنده إنما يجب
بتقليم أظفار يد واحدة كاملة. انتهى. هذا. مع ما عرفت في الجمع
بين الأخبار بالاستحباب وإن اشتهر بين الأصحاب من عدم الدليل
عليه من سنة أو كتاب. مع ما فيه من الاشكالات التي تقدم ايضاحها
في غير باب.

(1) الفروع ج 4 ص 360، والوسائل الباب 12 من بقية كفارات
الاحرام
(2) المغني ج 3 ص 446 طبع مطبعة العاصمة
543

ولعل هذا الخبر هو مستند ابن الجنيد في ما ذكره من وجوب دم
الشاة في خمسة أظافير، وإن لم يدل على تمام ما ذكره من التفصيل.
وكيف كان فهو بالاعراض عنه حقيق، لما عرفت. وأما بقية الأقوال
المذكورة فلا أعرف لها مستندا.
ومن ذلك يظهر قوة القول المشهور وأنه هو المؤيد بالأخبار
والنصوص المنصور.
بقي في المقام فوائد يجب التنبيه عليها:
الأولى قد ذكر الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) أنه
لو أفتاه مفت بتقليم ظفره فأدماه لزم المفتي شاة.
واستدلوا عليه برواية إسحاق الصيرفي (1) قال: (قلت لأبي إبراهيم
(عليه السلام): إن رجلا أحرم، فقلم أظفاره، وكانت له إصبع
عليلة فترك ظفرها لم يقصه، فأفتاه رجل بعد ما أحرم فقصه فأدماه؟
قال: على الذي أفتى شاة).
واستدل عليه في المنتهى زيادة على هذه الرواية بموثقة إسحاق
ابن عمار المتقدم نقلها عن صاحب الكافي (2): (في الرجل الذي
ينسى أن يقلم أظفاره عند احرامه، فأفتاه رجل بأن يقلمها ويعيد
احرامه، ففعل ذلك؟ قال: عليه دم يهريقه).
ورده في المدارك والذخيرة بأن الرواية الأولى ضعيفة فلا تصلح
لاثبات حكم مخالف للأصل.

(1) التهذيب ج 5 ص 333، والوسائل الباب 13 من بقية كفارات
الاحرام
(2) ص 538 رقم (4)
544

أقول: فيه (أولا): ما عرفت في غير مقام من أن هذا الطعن لا يرد
على المتقدمين الذين لا أثر لهذا الاصطلاح عندهم.
و (ثانيا): إنه كيف صار ضعف السند هنا موجبا لرمي الرواية
والتمسك بالأصل؟ وهو في أصل المسألة إنما تمسك بخبرين ضعيفين
وخرج بهما عن حكم الأصل كما نبهنا عليه ثمة ووافق الأصحاب
في ما أفتوا به من التفصيل المتقدم، مع أنه ليس في الأخبار الصحيحة ما يدل
عليه، وإن كان في بعضها الإشارة في الجملة إليه، وهو إنما اعتمد
على خبرين ضعيفين، فإن كان المعتمد على كلام الأصحاب وشهرة
الحكم بينهم فهو مشترك بين المسألتين، وإن كان على الخبر وإن ضعف
فكذلك. وبالجملة فالمناقضة في كلامه ظاهرة.
ثم إن ما استدل به العلامة في المنتهى من الحديث الثاني
الظاهر أنه لا دلالة فيه، إذ الظاهر أن رجوع الضمير في قوله:
(عليه دم يهريقه) إنما هو للذي قلم أظفاره كما أشرنا إليه
آنفا، فيكون كفارة لما فعله من تقليم أظافيره لا إلى المفتي. على أن وجوب الكفارة على المفتي في كلامهم وكذا في الخبر الذي هو
مستند المسألة إنما هو مع ترتب الادماء على تلك الفتوى، وهذه
الرواية خالية من ذلك. والمعتمد في الاستدلال إنما هو الرواية الأولى.
والطعن بضعف السند عندنا لا تعويل عليه، وعند الأصحاب مدفوع
بالجبر بالشهرة، فإنه لا مخالف في الحكم ولا راد لروايته غير هؤلاء
المتصلفين الذين لو تم لهم هذا الضابط لبطلت أحكام الدين.
الثانية صرح الشهيد في الدروس بأنه لا يشترط احرام المفتي
ولا كونه من أهل الاجتهاد.
واعتبر الشهيد الثاني صلاحيته للافتاء
545

بزعم المتسفتي ليتحقق كونه مفتيا. قال في المدارك: وهو حسن.
أقول: الظاهر هو الأول، عملا باطلاق النص، فإن ما ذكره
شيخنا الشهيد الثاني وإن استحسنه سبطه تقييد للنص من غير
دليل. وكثيرا ما يقع في الأخبار الأخبار عن افتاء من لم يكن من
أهل الفتوى، وقد وقع الانكار على بعضهم بقولهم (عليهم السلام) (1):
(فأين باب الرد إلينا) وقوله (عليه السلام) (2): (أما إنه شر
عليكم أن تقولوا بشئ ما لم تسمعوه منا) ونحو ذلك.
قال في المدارك: ولو تعدد المفتي ففي تعدد الكفارة أو الاكتفاء
بكفارة موزعة على الجميع، أوجه، ثالثها الفرق بين أن يقع الافتاء دفعة
وعلى التعاقب، ولزوم الكفارة للأول خاصة في الثاني والتعدد في
الأول، واختاره في الدروس. والكلام في هذه الفروع قليل الفائدة،
لضعف الأصل المبني عليه. انتهى.
أقول: هذا الضعف الذي حكم به في المستند ليس إلا عنده،
وأما مثل الشهيد وغيره فإنهم حاكمون بصحة هذه الأخبار، كما هو
صريح كلامه في مقدمات كتاب الذكرى من ما قدمنا نقله عنه في
المقدمة الثانية من مقدمات الكتاب، لأن اتفاق الأصحاب (رضوان
الله عليهم) على العمل بها موجب لصحتها وجبر ضعف سندها.
الثالثة قال في المدارك: وإنما يجب الدم والدمان بتقليم
أصابع اليدين والرجلين إذا لم يتخلل التكفير عن السابق قبل البلوغ

(1) محاسن البرقي ص 213. واللفظ هكذا: فأين باب الرد إذا؟
(2) أصول الكافي ج 2 ص 401 و 402، والوسائل الباب 7 من صفات
القاضي وما يجوز أن يقضي به
546

إلى حد يوجب الشاة، وإلا تعدد المد خاصة بحسب تعدد الأصابع.
قال في الذخيرة بعد نقل هذا الكلام: وللتأمل فيه مجال.
أقول: لعل وجه التأمل عنده هو أن وجوب الشاة ترتب على تقليم
العشرة، وهو أعم من أن يكون قد أعطى عن كل ظفر مدا من ما
تقدم على هذه المرتبة أم لا.
وفيه: أنه وإن احتمل إلا أن الظاهر أن التكفير عن الفعل يجعله في
حكم العدم. من قبيل الاستغفار، فإن المستغفر عن الذنب كمن لا ذنب له (1)
وحينئذ فتسقط هذه المراتب المتقدمة على العاشر بسبب التكفير بالمد عنها
كلا أو بعضا وتكون في حكم العدم، فلا بد في حصول العشرة التي تترتب
عليها الشاة من خلوها كملا عن التكفير لتكون الشاة كفارة للجميع
وإلا لزم وجوب كفارتين إحداهما المد لكل واحد، والشاة للجميع،
والأمر ليس كذلك. وبالجملة فالظاهر أن تأمله لا يخلو من تأمل.
الرابعة قال في المدارك: ولو كفر بشاة لليدين أو الرجلين ثم
أكمل الباقي في المجلس وجب شاة أخرى. انتهى. ووجهه ظاهر،
لأنه بعد أن كفر عن العشرة الأولى بالشاة لو لم يكفر عن العشرة
الثانية للزم بقاؤها بلا كفارة، إذ الأولى قد تقدمت على تقليمها فلا
تصلح لأن تكون كفارة عنها.
ثم قال على أثر الكلام المتقدم: والظاهر أن بعض الظفر كالكل،
ولو قصه في دفعات مع اتحاد المجلس لم تتعدد الفدية، وفي التعدد مع
الاختلاف وجهان. انتهى. وما ذكره من أن بعض الظفر كالكل قد
صرح به العلامة في المنتهى.

(1) الوسائل الباب 86 من جهاد النفس وما يناسبه
547

أقول: لا يخفى أن جملة من الأصحاب قد أنهوا محرمات الاحرام
إلى ثلاث وعشرين، كشيخنا الشهيد في الدروس، وهي في كتابنا لا تنقص
عن ذلك، لأن منها ما أدرجناه في طي المباحث لقصر الكلام عليه،
مثل لبس المرأة الحلي، ولبس القفازين، ولبس الرجل الخاتم للزينة
ولبس السلاح، فإن هذا جميعه قد ألحقاه بالصنف الرابع في لبس
الرجل المخيط. ونحو ذلك أيضا.
ختام به الاتمام وفيه مسائل:
الأولى قد صرح الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) بأنه
إذا اجتمعت أسباب مختلفة كاللبس وتقليم الأظفار والطيب تعددت
الكفارة، سواء كان ذلك في وقت واحد أو وقتين، في مجلس واحد
أو مجلسين، تخلل التكفير أم لا.
واستدل عليه في المنتهى بأن كل واحد منها سبب مستقل في وجوب
الكفارة، والحقيقة باقية عند الاجتماع، فيجب وجود الأثر. وهو
جيد. ويؤيده فحوى ما يدل على تكرر الكفارة بتكرر الصيد، ولبس
الأنواع المتعددة من الثياب.
ومع سبق التكفير فلا اشكال في التعدد، وإنما يحصل التردد مع
عدمه، لاحتمال التداخل. ولا ريب أن التعدد مطلقا أحوط.
الثانية اختلف الأصحاب في ما لو تكرر منه الوطئ فهل تتكرر
الكفارة أم لا؟ فالمشهور الأول، حتى أن السيد المرتضى (قدس
سره) ادعى فيه في الإنتصار الاجماع، فقال: من ما انفردت به الإمامية
القول بأن الجماع إذا تكرر من المحرم تكررت الكفارة، سواء كان
548

ذلك في مجلس واحد أو في أماكن كثيرة، وسواء كفر عن الأول أولا،
للاجماع، وحصول يقين البراءة. ثم اعترض على نفسه بأن الجماع
الأول أفسد الحج بخلاف الثاني. ثم أجاب بأن الحج وإن كان قد
فسد لكن حرمته باقية، ولهذا وجب المضي فيه، فجاز أن تتعلق
به الكفارة. انتهى.
قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه: هذا كلامه (قدس سره)
وما ذكره من جواز تعلق الكفارة به جيد، لكن دليل التعلق غير
واضح، لمنع الاجماع على ذلك، وعدم استفادته من النص، إذ
أقصى ما تدل عليه الروايات أن من جامع قبل الوقوف بالمشعر يلزمه
بدنة واتمام الحج والحج من قابل (1) ومن المعلوم أن مجموع هذه الأحكام الثلاثة إنما تترتب على الجماع الأول خاصة، فاثبات بعضها
في غيره يحتاج إلى دليل. انتهى.
أقول: ما ذكره (قدس سره) من عدم الدليل على تعلق الكفارة
بالجماع ثانيا جيد، لكن قوله: (وما ذكره من جواز تعلق الكفارة
به جيد) غير جيد، فإنه إذا كان خاليا من الدليل كما قرره
فبأي وجه يكون جيدا.
ونقل عن الشيخ في الخلاف أنه قال: إن قلنا بما قاله الشافعي
من أنه إذا كفر عن الأول لزمه الكفارة، وإن كان قبل أن يكفر
فعليه كفارة واحدة (2) كان قويا.
ونقل في المختلف عن ابن حمزة قال: ونعم ما قال أنه قال:

(1) الوسائل الباب 3 من كفارات الاستمتاع
(2) المغني ج 3 ص 303 طبع مطبعة العاصمة
549

الجماع إما مفسد للحج أو لا، فالأول لا تتكرر فيه الكفارة، والثاني
أن تكرر فعله في حالة واحدة لا تتكرر فيه الكفارة بتكرر الفعل،
وإن تكرر في دفعات تكررت الكفارة.
قال في المدارك: وهو غير بعيد. بل لو قيل بعدم التكرر بذلك
مطلقا كما هو ظاهر اختيار الشيخ في الخلاف لم يكن بعيدا. انتهى
أقول: ظاهر كلام الشيخ في الخلاف المتقدم إنما هو التفصيل بين
التكفير عن ما فعله أولا فتتكرر أو لا فلا، لا مطلقا كما ذكره.
وبالجملة فالمسألة عندي لعدم الدليل الواضح محل توقف
واشكال، وإن كان القول بما ذكره في الخلاف لا يخلو من قرب.
الثالثة الظاهر أنه لا خلاف ولا اشكال في أنه لو تكرر الحلق
في وقت واحد بمعنى أنه حلق بعض رأسه ثم حلق بعضا آخر في
وقت واحد فلا تتكرر الكفارة، لصدق الامتثال بالكفارة الواحدة
وأصالة البراءة من الزائد، إذ غاية ما يستفاد من الأخبار أن من
حلق رأسه فعليه شاة. والأصحاب جعلوا حكم البعض في حكم الجميع
لصدق حلق الرأس في الجملة.
أما لو كرر الحلق في وقتين فظاهرهم تكرر الكفارة، لأن ما حلقه
أولا سبب مستقل في تحقيق الكفارة وايجابها، وحلقه في الوقت الثاني
صالح للسببية أيضا، فيترتب على كل منهما مسببه. ويشكل بأن ما تقدم
من الدليل على الواحدة في الصورة الأولى جاز بعينه في الثانية، من أن الامتثال يحصل بالواحدة، والأصل براءة الذمة من الزائد، وأن
غاية ما يستفاد من الأدلة ترتب الكفارة على حلق الرأس كله للأذى
وما عداه يستفاد حكمه بالفحوى أو الاجماع على تعلق الكفارة به في
550

بعض الموارد، وذلك لا يقتضي ثبوت الحكم المذكور كليا. وبالجملة
فالمسألة محل اشكال، لعدم وضوح الدليل القاطع لمادة القال والقيل.
الرابعة اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تكرر الطيب
أو اللبس في مجلس واحد أو مجالس متعددة، فذهب الفاضلان إلى أن
مناط التعدد اختلاف المجلس، فإن تكرر في مجلس واحد فالكفارة
واحدة، وإن تعدد المجلس تعددت الكفارة. والمنقول عن الشيخ
وجمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنهم اعتبروا في التكرر
اختلاف الوقت، يعني: تراخي الزمان عادة. وذهب بعضهم إلى التكرر
مع اختلاف صنف الملبوس كالقميص والسراويل وإن اتحد الوقت،
وبه جرم في المنتهى، فقال: لو لبس قميصا وعمامة وخفين وسراويل
وجب عليه لكل واحد فدية، لأن الأصل عدم التداخل، خلافا
لأحمد (1). وربما ظهر من كلامه في موضع آخر من المنتهى تكرر
الكفارة بتكرر اللبس مطلقا، فإنه قال: لو لبس ثيابا كثيرة دفعة
واحدة وجب عليه فداء واحد، ولو كان في مرات متعددة وجب عليه
لكل ثوب دم، لأن لبس كل ثوب يغاير لبس الثوب الآخر فيقتضي
كل واحد منها مقتضاه.
والأظهر التكرر مع اختلاف صنف الملبوس، كما ورد في صحيحة
محمد بن مسلم وقد تقدمت (2)، وتقدم ما يمكن الجمع به بين كلامي
العلامة المذكورين هنا في الصنف الرابع في لبس المخيط من أصناف
محرمات الاحرام. وأما الفرق بين اتحاد المجلس أو الوقت واختلافهما

(1) المغني ج 3 ص 448 طبع مطبعة العاصمة
(2) ص 436
551

كما تقدم عن الفاضلين والشيخ. فلم أقف له على مستند. وبذلك
اعترف أيضا في المدارك. والكلام في الطيب كالكلام في اللبس.
وبالجملة فالظاهر التعدد في صورة تعدد الأصناف، وفي صورة اتحاد
الصنف مع تخلل التكفير، وفي ما عدا ذلك اشكال.
الخامسة لا اشكال في سقوط الكفارة عن الجاهل والناسي والمجنون
إلا في الصيد، فإن الكفارة تجب عليه مع العلم والجهل، والنسيان
والعمد، وكذا الخطأ.
أما الحكم الأول فلا خلاف فيه، وقد تقدمت جملة من الأخبار
الدالة عليه (1).
وأما الحكم الثاني فهو المشهور بين الأصحاب، وحكى العلامة في
المختلف عن ابن أبي عقيل إنه نقل عن بعض الأصحاب قولا بسقوط
الكفارة عن الناسي في الصيد. والمعتمد المشهور، لما سبق من الأخبار
في المسألة (2).
قالوا: ولو صال على المحرم صيد ولم يقدر على دفعه إلا بقتله جاز له
قتله اجماعا. وهل تجب الكفارة بقتله؟ قولان، قال في المدارك:
والأصح أنه لا يجب عليه الجزاء، كما اختاره العلامة في المنتهى،
والشهيد في الدروس، للأصل وإباحة الفعل، بل وجوبه عليه شرعا.
ولا يعارض بأكل الصيد في حال الضرورة، حيث وجبت به الكفارة
مع تعينه شرعا، لاختصاصه بالنص، فيبقى ما عداه على مقتضى الأصل
إلى أن يثبت المخرج عنه. والله العالم.

(1) ص 135 و 136 و 355 إلى 358 و 431 و 436 و 437
(2) ص 319، والوسائل الباب 31 من كفارات الصيد
552

السادسة قد صرح جملة من الأصحاب بأن المحرم إذا أكل ما لا
يحل للمحرم أكله، أو لبس ما لا يجوز لبسه، من ما لم يقدر فيه فدية
مخصوصة، فعليه شاة.
واستندوا في ذلك إلى صحيحة زرارة بن أعين (1) قال: (سمعت
أبا جعفر (عليه السلام) يقول: من نتف إبطه، أو قلم ظفره،
أو حلق رأسه، أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه، أو أكل طعاما لا
ينبغي له أكله، وهو محرم، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا، فليس عليه
شئ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة).
وروى الشيخ عن الحسن بن هارون عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: (قلت له: أكلت خبيصا فيه زعفران حتى شبعت؟ قال: إذا فرغت
من مناسكك وأردت الخروج من مكة فاشتر بدرهم تمرا ثم تصدق به،
يكون كفارة لما أكلت ولما دخل عليك في احرامك من ما لا تعلم).
الفصل الثاني
في تروك الاحرام المكروهة
ومنها: الاحرام في الثياب السود على المشهور، قال الشيخ في النهاية:
لا يجوز الاحرام في الثياب السود. وقال ابن إدريس بعد ما نقل
ذلك عنه: معناه أنه مكروه شديد الكراهة لا أنه محظور. وقال (رحمه
الله) في المبسوط: فإن كانت غير بيض كان جائزا، إلا إذا كانت
سودا، فإنه لا يجوز الاحرام فيها، أو تكون مصبوغة بصبغ فيه طيب
مثل الزعفران والمسك وغيرهما. ولا يخفى ظهور هذه العبارة في التحريم

(1) الوسائل الباب 8 من بقية كفارات الاحرام
(2) الوسائل الباب 3 من بقية كفارات الاحرام
553

ونقل القول بالتحريم في المختلف عن ابن حمزة أيضا، ثم استقرب
الكراهة كما هو المشهور.
والذي وقفت عليه من أخبار المسألة ما رواه الصدوق والكليني
عن الحسين بن المختار (1) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
يحرم الرجل في الثوب الأسود؟ قال: لا يحرم في الثوب الأسود،
ولا يكفن به الميت).
ومن ما يدل على الجواز عموما ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن
والصدوق في الصحيح عن حماد عن حريز عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) قال: (كل ثوب تصلي فيه فلا بأس أن تحرم فيه).
وخصوصا ما رواه في الكافي عن أبي بصير (3) قال: (سئل
أبو عبد الله (عليه السلام) عن الخميصة سداها إبريسم ولحمتها من
غزل. قال: لا بأس بأن يحرم فيها، إنما يكره الخالص منه) ورواه
في الفقيه (4)
والخميصة على ما ذكره في الصحاح بالمعجمة ثم المهملة: كساء
أسود مربع له علمان، فإن لم يكن معلما فليس بخميصة. وفي النهاية:
ثوب خز أو صوف معلم. وقيل: لا تسمى خميصة إلا أن تكون سوداء
معلمة. وكانت من لباس الناس قديما.
ويمكن أن يكون الجواز هنا بلا كراهة من حيث كون الخميصة
كساء، وأنه مستثنى في الصلاة، لما ورد (5) من أنه يكره السواد إلا في

(1) الوسائل الباب 21 من الكفن، والباب 26 من الاحرام
(2) الوسائل الباب 27 من الاحرام
(3) الوسائل الباب 29 من الاحرام رقم 1 و 3
(4) الوسائل الباب 29 من الاحرام رقم 1 و 3
(5) الوسائل الباب 19 من لباس المصلي
554

ثلاثة: الخف والعمامة والكساء.
ومنها: الثوب المعصفر. واستدل عليه بما رواه الشيخ عن أبان
ابن تغلب (1) قال: (سأل أبا عبد الله (عليه السلام) أخي وأنا حاضر
عن الثوب يكون مصبوغا بالعصفر ثم يغسل، ألبسه وأنا محرم؟ فقال: نعم
ليس العصفر من الطيب، ولكن أكره أن تلبس ما يشهرك به الناس).
وروى الكليني في الصحيح إلى عبد الله بن هلال (2) قال: (سئل
أبو عبد الله (عليه السلام) عن الثوب.. الحديث نحوا منه) والصدوق
عن الكاهلي (3) نحوا منه.
وظاهره كراهة ما تحصل به الشهرة من أي الألوان كان.
ويؤيده ما رواه الشيخ عن عامر بن جذاعة (4): (أنه سأل
أبا عبد الله (عليه السلام) عن مصبغات الثياب تلبسها المرأة المحرمة
فقال: لا بأس إلا المفدم المشهور) والمفدم باسكان الفاء: المصبوغ
بالحمرة صبغا مشبعا.
ومن ما يدل على الجواز بالمعصفر ما رواه الشيخ في الصحيح عن
علي بن جعفر (5) قال: (سألت أخي موسى (عليه السلام): يلبس
المحرم الثوب المشبع بالعصفر؟ فقال: إذا لم يكن فيه طيب فلا
بأس به).
ومن الأخبار الواردة في لباس المحرم ما رواه الشيخ عن أبي بصير

(1) التهذيب ج 5 ص 69. والوسائل الباب 40 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 40 من تروك الاحرام
(3) الوسائل الباب 40 من تروك الاحرام
(4) الفروع ج 4 ص 346، والفقيه ج 2 ص 220، والوسائل الباب
40 من تروك الاحرام. ولم نجده في التهذيب
(5) الوسائل الباب 40 من تروك الاحرام
555

في القوي (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (سمعته وهو
يقول: كان علي (عليه السلام) محرما ومعه بعض صبيانه وعليه ثوبان
مصبوغان، فمر به عمر بن الخطاب فقال: يا أبا الحسن ما هذان
الثوبان المصبوغان؟ فقال له علي (عليه السلام): ما نريد أحدا
يعلمنا بالسنة، إنما هما ثوبان صبغا بالمشق، يعني: الطين).
وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: (لا بأس بأن يحرم الرجل في ثوب
مصبوغ بمشق).
وروى الشيخ عن عمار بن موسى (3) قال: (سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الرجل يلبس لحافا ظهارته حمراء وبطانته
صفراء، قد أتى له سنة أو سنتان. قال: ما لم يكن له ريح فلا
بأس. وكل ثوب يصبغ ويغسل يجوز الاحرام فيه، فإن لم يغسل
فلا) أقول: يعني: إذا كان مصبوغا بما فيه طيب.
وعن سعيد بن يسار (4) قال: (سألت أبا الحسن (عليه السلام)
عن الثوب المصبوغ بالزعفران، اغسله واحرم فيه؟ قال: لا بأس به).
وعن الحسين بن أبي العلاء في الحسن (5) قال: (سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الثوب يصيبه الزعفران ثم يغسل فلا يذهب،

(1) التهذيب ج 5 ص 67، والوسائل الباب 42 من تروك الاحرام
(2) الفروع ج 4 ص 343، والوسائل الباب 42 من تروك الاحرام
(3) الفروع ج 4 ص 343، والوسائل الباب 43 من تروك الاحرام
(4) التهذيب ج 5 ص 67، والوسائل الباب 43 من تروك الاحرام
(5) الفروع ج 4 ص 342، والوسائل الباب 43 من تروك الاحرام
556

أيحرم فيه؟ فقال: لا بأس به إذا ذهب ريحه، ولو كان مصبوغا كله
إذا ضرب إلى البياض وغسل فلا بأس به).
وروى الكليني والصدوق عن خالد بن أبي العلاء الخفاف (1) قال:
(رأيت أبا جعفر (عليه السلام) وعليه برد أخضر وهو محرم).
ومنها: الثياب الوسخة، لما رواه الشيخ في الصحيح عن العلاء
ابن رزين (2) قال: (سئل أحدهما (عليهما السلام) عن الثوب
الوسخ، أيحرم فيه المحرم؟ فقال: لا، ولا أقول أنه حرام ولكن
يطهره أحب إلي، وطهره غسله).
وما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما
(عليهما السلام) (3) قال: (سألته عن الرجل يحرم في ثوب وسخ؟
قال: لا، ولا أقول إنه حرام ولكن تطهيره أحب إلي، وطهوره غسله.
ولا يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم فيه حتى يحل وإن توسخ، إلا أن
تصيبه جنابة أو شئ فيغسله) ورواه الصدوق في الصحيح عن محمد
ابن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) مثله (4).
ويستفاد منه أيضا زيادة على محل الاستدلال كراهة غسل ثوب
الاحرام وإن توسخ، إلا أن تصيبه نجاسة. ولم أقف على من عده
من مكروهات الاحرام.
ومنها: الثياب المعلمة. والعلم بالتحريك: علم الثوب من طراز

(1) الوسائل الباب 28 من الاحرام
(2) التهذيب ج 5 ص 68، والوسائل الباب 38 من تروك الاحرام
(3) الفروع ج 4 ص 341، والوسائل الباب 38 من تروك الاحرام.
(4) الوسائل الباب 38 من تروك الاحرام
557

وغيره، وهو العلامة، وجمعه أعلام، مثل سبب وأسباب. كذا في
مجمع البحرين. وفي المصباح المنير. وأعلمت الثوب: جعلت له علما
من طراز وغيره، وهي العلامة. وقد صرح جملة من الأصحاب
بكراهة الاحرام فيه.
والأصل في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (1)
قال: (قال أبو عبد الله (عليه السلام): لا بأس أن يحرم الرجل
في الثوب المعلم، وتركه أحب إلي إذا قدر على غيره).
قال في المدارك: وفي الدلالة نظر. والظاهر أن وجه النظر إن
(أحب إلي) أفعل تفضيل، وهو يقتضي كون الاحرام في الثوب المعلم
محبوبا له (عليه السلام) فلا يكون مكروها.
ومن ما يدل على الجواز ما رواه في الكافي ومن لا يحضره الفقيه
عن ليث المرادي (2) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
الثوب المعلم، هل يحرم فيه الرجل؟ قال: نعم، إنما يكره الملحم)
قال في الوافي: الملحم من الثياب ما سداه إبريسم ولحمته غير إبريسم
وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي (3) قال: (سألته
يعني: أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يحرم في ثوب له علم.
فقال: لا بأس به).
وظاهر خبر ليث المرادي المذكور كراهة الاحرام في الثوب الملحم.
ومن ما يدل على جواز الاحرام فيه ما رواه الوزير السعيد علي

(1) التهذيب ج 5 ص 71، والوسائل الباب 39 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 39 من تروك الاحرام
(3) الفقيه ج 2 ص 216، والوسائل الباب 39 من تروك الاحرام
558

ابن عيسى الأربلي (قدس سره) في كتاب كشف الغمة نقلا من كتاب
الدلائل لعبد الله بن جعفر الحميري عن جعفر بن محمد بن يونس (1)
قال: (كتب رجل إلى الرضا (عليه السلام) يسأله عن مسائل
وأراد أن يسأله عن الثوب الملحم يلبسه المحرم، ونسي ذلك
فجاء جواب المسائل، وفيه: لا بأس بالاحرام في الثوب الملحم).
وروى سعيد بن هبة الله الراوندي في الخرائج والجرائح عن محمد
ابن عيسى عن الحسن بن علي بن يحيى (2) قال: (كتبت كتابا إلى أبي الحسن (عليه السلام) ونسيت أن أكتب إليه أسأله عن
المحرم هل يلبس الثوب الملحم أم لا؟ فجاء الجواب بكل ما سألته عنه،
وفي أسفل الكتاب: لا بأس بالملحم أن يلبسه المحرم).
ومنها: النوم على الثياب الصفر. ويدل عليه ما رواه في الكافي
عن المعلي بن خنيس عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال:
(كره أن ينام المحرم على فراش أصفر أو على مرفقة صفراء).
وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن أبي بصير عن أبي جعفر
(عليه السلام) (4) قال: (يكره للمحرم أن ينام على الفراش الأصفر
والمرفقة الصفراء) ورواه الصدوق بسنده عن أبي بصير مثله (5).
قال في المدارك: وكراهة الأصفر يقتضي كراهة الأسود بطريق
أولى، لكن في الطريق ضعف. انتهى. وفي عبارات الأصحاب هنا
الثياب المصبوغة بالعصفر أو السواد أو غيرهما من الألوان. ولذلك
استدل في المدارك بهذين الخبرين من حيث مفهوم طريق الأولوية.

(1) الوسائل الباب 41 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 41 من تروك الاحرام
(3) الوسائل الباب 28 من تروك الاحرام
(4) الوسائل الباب 28 من تروك الاحرام
(5) الوسائل الباب 28 من تروك الاحرام
559

ومنها: استعمال الحنا، للزينة على المشهور. واستوجه العلامة في
المختلف التحريم، واختاره الشهيد الثاني وسبطه في المدارك. وحكم
الشيخ في التهذيب بجوازه، وبأن اجتنابه أفضل. ولم يقيده بالزينة
ولا عدمها.
واستدل على الكراهة بما رواه الشيخ عن أبي الصباح الكناني
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (سألته عن امرأة خافت
الشقاق فأرادت أن تحرم، هل تخضب يدها بالحناء قبل ذلك؟ قال:
ما يعجبني أن تفعل ذلك).
وهذه الرواية قد استدل بها في المختلف لما اختاره من القول
بالتحريم.
والحق أنها من أدلة القول المشهور، إذ الظاهر من قوله: (ما يعجبني)
إنما هو الكراهة. إلا أن موردها قبل الاحرام، وهو غير موضع
البحث.
نعم ربما يدل على ذلك ما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (سألته عن الحناء. فقال:
إن المحرم ليمسه ويداوي به بعيره، وما هو بطيب، وما به بأس).
وأجاب العلامة في المختلف عن هذه الرواية بأنا نقول بموجبه،
لأنا نجوز استعماله وإنما نمنع استعماله للزينة.
وهو جيد، فإن الظاهر أن الخبر إنما خرج في مقام الرد على من زعم
أو توهم أنه من جملة أفراد الطيب الذي يحرم على المحرم مسه. ولذا

(1) التهذيب ج 5 ص 300، والوسائل الباب 23 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 23 من تروك الاحرام
560

قال فيه: (وما هو بطيب). وأما الاستعمال للزينة فهو مسألة أخرى
كما لا يخفى. ومسه على هذه الكيفية المذكورة في الخبر لا يستلزم
حصول الزينة كما لا يخفى. ومن ثم استند في المدارك تبعا
للعلامة في المختلف إلى عموم التعليل الذي في رواية حريز، وهو قوله
(عليه السلام) (1): (لا تنظر في المرآة وأنت محرم، لأنه من الزينة
ولا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد، أن السواد زينة) قال: فإن
مقتضاه تحريم كل ما تتحقق به الزينة. أقول: ويؤيده ما تقدم في
الصنف الخامس والسادس من قوله (عليه السلام) في صحيحة معاوية
ابن عمار (2): (تكتحل المرأة بالكحل كله إلا الكحل الأسود للزينة)
وقوله (عليه السلام) في صحيحته الأخرى (3): لا بأس أن تكتحل
وأنت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه. فأما للزينة فلا)
وقوله (عليه السلام) في صحيحة حماد بن عثمان (4): (لا تنظر
في المرأة وأنت محرم، فإنها من الزينة).
وبالجملة فالأقرب هو القول بالتحريم، وهو الموافق للاحتياط.
ونقل في المدارك عن جده (قدس سره) أنه لو اتخذه للسنة فلا
تحريم ولا كراهة. والفارق القصد.
ثم قال: ويمكن المناقشة فيه بأن قصد السنة به لا يخرجه عن

(1) الفروع ج 4 ص 356، والوسائل الباب 34 و 33 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 33 من تروك الاحرام، والراوي زرارة
(3) الوسائل الباب 33 من تروك الاحرام. وتقدمت ص 451 رقم (3)
(4) الوسائل الباب 34 من تروك الاحرام. وتقدمت ص 454
561

كونه زينة، كما تقدم في الاكتحال. ولا ريب أن اجتنابه مطلقا
أحوط. انتهى.
أقول: كلام شيخنا الشهيد الثاني ناظر إلى أن التحريم إنما ترتب
على قصد الزينة به، وكلام سبطه ناظر إلى ترتب التحريم على حصول
الزينة منه وإن لم يقصدها. وهو الأرجح كما حققناه في مسألة
الاكتحال للمحرم بالسواد من الموضع المتقدم ذكره.
ثم إنهم قد اختلفوا أيضا في حكم الحناء قبل الاحرام إذا قاربه
فظاهر الأكثر الكراهة، وحكم شيخنا الشهيد الثاني في الروضة بالتحريم
إذا بقي أثره عليه. وفي المسالك: أنه لا فرق بين الواقع بعد نية
الاحرام وبين السابق عليه إذا كان يبقى بعده.
وأنت خبير بأنه ليس في المسألة إلا رواية أبي الصباح الكناني
المتقدمة، وهي قاصرة عن إفادة التحريم كما عرفت. والمستفاد منها
أيضا أن محل الكراهة استعمال الحناء عند إرادة الاحرام، فاستعماله
قبل ذلك غير داخل تحتها، وليس غيرها في المسألة. وحينئذ فالقول
بذلك عار عن الدليل. وأيضا فإن المستفاد من كلام الأصحاب وفاقا
للرواية المذكورة أن محل الكراهة إنما هو استعماله عند إرادة الاحرام،
وظاهرهم أنه لا قائل بالكراهة قبل ذلك.
ومنها: دخول الحمام وتدليك الجسد فيه.
ويدل على الأول ما رواه الشيخ عن عقبة بن خالد عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: (سألته عن المحرم يدخل الحمام؟
قال: لا يدخل).

(1) الوسائل الباب 76 من تروك الاحرام
562

قالوا: وإنما حملنا النهي على الكراهة لما دل على الجوار، مثل
صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
(لا بأس أن يدخل المحرم الحمام، ولكن لا يتدلك).
وموثقة ابن فضال عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) قال: (لا بأس بأن يدخل المحرم الحمام، ولكن
لا يتدلك).
وأما ما يدل على الثاني فالصحيحة المذكورة والموثقة التي بعدها.
والوجه عندي في الجمع بين هذه الأخبار حمل اطلاق الخبر الأول
على التدلك المذكور في الخبرين الأخيرين. وعليه فيكون الحكم بكراهة
دخول الحمام لغير التدلك لا وجه له وإن اشتهر الحكم به بينهم.
ويؤيده ما يدل على كراهة التدلك ولو في غير الحمام، مثل صحيحة
يعقوب بن شعيب (3) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
المحرم يغتسل؟ فقال: نعم، يفيض الماء على رأسه ولا يدلكه).
وعد في الدروس الدلك في غير الحمام ولو في الطهارة، وغسل
الرأس بالسدر والخطمي، والمبالغة في السواك وفي دلك الوجه والرأس
في الطهارة، والهذر من الكلام، والاغتسال للتبرد. ونقل عن الحلبي
تحريمه.
ومنها: تلبية من يناديه بأن يقول: (لبيك).
ويدل عليه ما رواه في الكافي في الصحيح عن حماد بن عيسى عن

(1) الوسائل الباب 76 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 76 من تروك الاحرام
(3) الوسائل الباب 75 من تروك الاحرام
563

أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (ليس للمحرم أن يلبي من
دعاه حتى يقضي احرامه. قلت: كيف يقول؟ قال: يقول: يا سعد)
وروى الصدوق مرسلا (2) قال: (قال الصادق (عليه السلام):
يكره للرجل أن يجيب بالتلبية إذا نودي وهو محرم) قال (3): وفي
خبر آخر: (إذا نودي المحرم فلا يقل: لبيك، ولكن يقول:
يا سعد).
وعلل أيضا بأنه في مقام التلبية لله فلا يشرك غيره فيها. والأولى
أن يجعل ذلك وجها للنص المذكور.
قال الشيخ: ولا يجوز للمحرم أن يلبي من دعاه ما دام محرما بل
يجيب بكلام غير ذلك. وربما أشعر هذا الكلام بالتحريم.
قال الفاضل الخراساني في الذخيرة. ويدل على عدم التحريم الأصل
مضافا إلى ما رواه الصدوق عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) (4)
قال: (لا بأس أن يلبي المجيب).
وفيه: أن الخبر الذي اعتضد به ليس كما نقله، وإنما هو: (لا بأس
أن يلبي الجنب) والمراد بالتلبية فيه إنما هي التلبية الموظفة بعد
الاحرام لا تلبية المنادي. والمراد التنبيه على أن الجنابة لا تمنع من
الاتيان بالتلبية. ولهذا أن صاحبي الوافي والوسائل إنما نظما هذا
الخبر في أخبار تلبية الحج. والموجود أيضا في كتب الأخبار (5) إنما
هو (الجنب) لا (المجيب) بالميم من الإجابة كما ذكره.

(1) الوسائل الباب 91 من تروك الاحرام
(2) الوسائل الباب 91 من تروك الاحرام
(3) الوسائل الباب 91 من تروك الاحرام
(4) الوسائل الباب 42 من الاحرام. واللفظ كما يذكره المصنف
(5) الفقيه ج 2 ص 211، والوافي باب (وقت التلبية وكيفيتها)
564

ومنها: الريحان عند بعض الأصحاب، ومنهم: الشيخ، وابن إدريس
والمحقق في الشرائع، والعلامة في جملة من كتبه، فإنهم ذهبوا إلى
الكراهة. وقد تقدم نقل القولين فيها في مسألة الطيب وتحريمه على
المحرم، وتحقيق الكلام في ذلك.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن شيخنا الشهيد في الدروس قد عد في
المكروهات أيضا أفرادا أخر زائدة على ما ذكره جمهور الأصحاب:
منها: ما قدمنا نقله عنه، ومنها: الاحتباء للمحرم، وفي المسجد
الحرام، والمصارعة، خوفا من جرح أو سقوط شعر.
ويدل على الاحتباء ما رواه في الكافي عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (يكره الاحتباء للمحرم.
ويكره في المسجد الحرام) والاحتباء على ما في النهاية الأثيرية أن
يضم الانسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ويشده عليها.
وقد يكون الاحتباء باليدين.
ويدل على الثاني ما رواه عن علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه أبي الحسن
(عليه السلام) (2) قال: (سألته عن المحرم يصارع، هل يصلح
له؟ قال: لا يصلح له، مخافة أن يصيبه جراح أو يقع بعض شعره)
أقول: ومن المكروهات رواية الشعر. ولم أقف على من عده من
مكروهات الاحرام.
ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان (3)

(1) الوسائل الباب 93 من تروك الاحرام
(2) الفروع ج 4 ص 367، والوسائل الباب 94 من تروك الاحرام
(3) الوسائل الباب 51 من صلاة الجمعة، والباب 13 من آداب الصائم،
والباب 96 من تروك الاحرام
565

قال: (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: يكره رواية الشعر
للصائم، والمحرم، وفي الحرم، وفي يوم الجمعة، وأن يروي بالليل.
قال: قلت: وإن كان شعر حق؟ قال: وإن كان شعر حق).
وقد تقدم في كتاب الصيام (1) تحقيق يتعلق بهذا الخبر وأمثاله
في هذا المقام.
هذا آخر الجزء الخامس عشر من كتاب الحدائق الناضرة، ويليه
الجزء السادس عشر إن شاء الله والحمد لله أولا وآخرا.

(1) ج 13 ص 162
566

الاستدراكات
(1) ورد ص 74 حديث أحمد بن محمد قال: (سمعت أبي يقول...)
وقد أورده الشيخ في التهذيب ج 5 ص 317، وفي الإستبصار ج 2
ص 190 بهذه الصورة، وكذا الكاشاني في الوافي باب (ما يجوز فعله
بعد التهيؤ - وقبل التلبية وما لا يجوز) وأورده صاحب الوسائل كما
خرجناه، والعلامة في المنتهى ج 2 ص 838، وصاحب الجواهر ج 18
ص 218 من الطبع الحديث. ولم يظهر من الصورة الواردة لسند
الحديث أنه مروي عن الإمام (ع)، ولم يتعرض هؤلاء الأعلام لهذه الناحية
بل اقتصر نظرهم على توجيه الحكم الوارد فيه. ويمكن توجيه سنده
بنحو يكون مرويا عن الإمام (ع) - كما أفاده سيدنا الأستاذ آية
الله الخوئي دامه ظله - بالبيان الآتي: المراد من أحمد بن محمد هو
أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي بقرينة رواية محمد بن عيسى
- وهو العبيدي - عنه. والقرينة على كونه العبيدي هي رواية محمد بن
أحمد بن يحيى عنه. والبزنطي يروي مباشرة - بمقتضى عصره - عن الإمام الرضا (ع). وتصحيحا لذلك لا بد من الالتزام بأنه قد سقط من
السند شئ بأن تكون صورة السند هكذا: (عن أحمد بن محمد عن أبي الحسن
الرضا (ع) قال: سمعت أبي يقول...).
(2) أورد المصنف (قدس سره) ص 278 حديث إسماعيل بن أبي زياد وأنهاه بقوله (ع): (وعلى المحل نصف الفداء) وجعل
ما بعد ذلك من كلام الشيخ (قدس سره). ولكن في التهذيب ج 5
ص 352 والوافي باب (حكم صيد الحرم وما يقتل فيه وما يخرج
منه) والوسائل جعل جزء من الحديث.
567

(3) وردت العبارة ص 286 س 2 في النسخ المخطوطة والمطبوعة
هكذا: (ويؤيده أن حمام الحرم موجب للفداء والقيمة) ومن المرجح
سقوط شئ من العبارة، والمناسب ظاهرا أن تكون العبارة هكذا:
ويؤيده أن اتلاف المحرم حمام الحرم موجب للفداء والقيمة.
(4) وردت العبارة ص 304 في أول المسألة الثالثة في النسخة
المطبوعة ناقصة عنها في النسخة المخطوطة، وفاتنا التنبيه على ذلك في
موضعه. والعبارة في النسخة المخطوطة بالنحو التالي: اختلف الأصحاب
في حكم الاصطياد بين البريد والحرم. وهذا البريد خارج عن الحرم
محيط به من جميع جوانبه ويسمى حرم الحرم، والحرم داخله بريد في
بريد ستة عشر فرسخا. قيل: ومعنى الاصطياد بين البريد والحرم يعني:
الاصطياد...
(5) وعدنا في الصفحة 326 التعليقة (1) بالرجوع إلى الاستدراكات،
وذلك للتنبيه على أن ما نسب إلى مالك - من أن المحرم إذا قتل صيدا مملوكا
لغيره لم يجب الجزاء بقتله - لم نقف عليه في ما تيسر لنا مراجعته من كتب
العامة، بل في المدونة لمالك ج 1 ص 340 خلاف ذلك. وأما المزني
فقد نسب القول المذكور إليه في المجموع للنووي ج 7 ص 295 الطبعة
الثانية كما تقدم في التعليقة. ولكن في مختصر المزني على هامش الأم
للشافعي ج 2 ص 111 خلاف ذلك أيضا.
(6) وعدنا في الصفحة 353 التعليقة (1) بالرجوع إلى الاستدراكات،
وذلك للتنبيه على ما وقفنا عليه في لئالي الأخبار ج 2 ص 184 من الطبع
الحديث، قال: وفي خبر آخر قال: (إحمل ما سمعت من أخيك على
سبعين محملا من محامل الخبر...).
568

(7) جاء ص 388 حديث بريد بن معاوية العجلي، وهو في النسخ
المخطوطة والمطبوعة منسوب إلى أبي عبد الله عليه السلام، وأوردناه في هذه
الطبعة منسوبا إلى أبي جعفر عليه السلام كما في كتب الحديث.
(8) ورد ص 437 و 438 نقل كلام العلامة في المنتهى، وفي النسخ
المخطوطة والمطبوعة من الحدائق نقل الفرع الثالث والخامس من فروع
المنتهى، وحيث إن الفرعين في النسخة المطبوعة من المنتهى ج 2 ص
812 هما الفرع الثاني والرابع أوردناهما في هذه الطبعة طبقا لطبعة
المنتهى.
(9) جاء حديث عاصم بن حميد عن أبي بصير ص 441 باللفظ
الوارد في الفروع ج 4 ص 343 و 344، وفيه شئ من المخالفة
للفظ الوسائل.
(10) ورد ص 444 حديث العامة في شق الخفين إذا لبسهما المحرم
عند الضرورة، وأرجعنا في تعيين موضعه إلى سنن البيهقي، وفاتنا التنبيه
على لفظه الوارد هناك، فنقول: اللفظ الوارد في سنن البيهقي، ج 5 ص
51 هكذا: عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: المحرم إذا
لم يجد النعلين لبس خفين ويقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين.
(11) ورد ص 456 حديث معاوية بن عمار، وفيه س 15: (فكان
ذلك كفارة لذلك) وكلمة (لذلك) ليست في الفروع ج 4 ص 338
وإنما أضفناها بالنظر إلى رواية الوافي باب (حفظ اللسان للمحرم)
حيث ورد اللفظ فيه كذلك.
(12) وردت ص 465 رواية أبي بصير رقم (1) مسندة إلى أبي عبد الله
(عليه السلام) في النسخ المطبوعة والمخطوطة تبعا للوسائل، ولكنها
569

في التهذيب ج 5 ص 335 والوافي باب (حفظ اللسان للمحرم) مقطوعة.
(13) ذكر (قدس سره) ص 466 نقلا عن العلامة في المنتهى أنه
وصف رواية أبي بصير - وهي السادسة الواردة ص 465 - بالصحة،
وأن صاحب المدارك اعترض عليه في السادس من باقي المحظورات في
المطلب الثالث بضعف الرواية. هذا. وليس في المنتهى المطبوع ج 2
ص 844 في المسألة (2) من البحث الحادي عشر وصف الرواية بالصحة.
(14) جاء ص 474 في حديث محمد بن الفضيل قول أبي الحسن
(عليه السلام) لأبي يوسف القاضي: (وأجزتم طلاق المجنون
والسكران) وجاء في التعليقة (5): أن طلاق المجنون مسلم البطلان عندهم
في ما تيسر لنا مراجعته من كتبهم. وحينئذ فيمكن أن يكون قوله
(عليه السلام): (وأجزتم طلاق المجنون) من باب الأخذ يلازم
الفتوى في السكران بالصحة، وأنه إذا أجزتم طلاق السكران فقد أجزتم
طلاق المجنون، لأن السكران لا عقل له.
(15) ورد ص 485 أنه قد تكرر في الأخبار الأمر بقوله: (اضح
لمن أحرمت له) كما في رواية عثمان وصحيحة عبد الله بن المغيرة أو
حسنته، ثم قال: ومثله في روايات العامة. أقول: إن هذه الجملة لم ترد
في رواياتهم مروية عن النبي صلى الله عليه وآله وإنما رووها عن ابن عمر كما في
سنن البيهقي ج 5 ص 70، وعبارة النهاية الأثيرية التي وردت ص 486
حيث قال: (ومنه حديث ابن عمر...). فهي من كلام ابن عمر،
والوارد في رواياتهم عن النبي صلى الله عليه وآله ما رووه عن جابر بن عبد الله
(أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ما من يحرم يضحي للشمس حتى تغرب
إلا غربت بذنوبه حتى يعود كما ولدته أمه) سنن البيهقي ج 5 ص 70
570

(16) جاء ص 512 حديث عمر بن يزيد، وفيه نفي البأس عن
حك الرأس واللحية وعن حك الجسد. وقد ضبطنا حك الجسد بالباء
الموحدة هكذا: (وبحك الجسد) كما هو المناسب لكلمة (لا بأس)
والوارد في التهذيب ج 5 ص 313. ولكنه (قدس سره) أورد ما يتعلق
بحك الجسد منها مستقلا ص 525 بلفظ الفعل المضارع هكذا: (ويحك
الجسد ما لم يدمه) وقد علقنا هناك: أن الحديث تقدم ص 512 لننبه
المطالع على حقيقة الأمر.
(17) جاء ص 529 النقل عن الجوهري في الصحاح تفسير (الخلي)
بأنه الحشيش اليابس، وقد جاء ذلك في ذخيرة السبزواري في حرمة
قطع الشجر والحشيش في المطلب الثالث في تروك الاحرام، وورد أيضا
في الجواهر ج 18 ص 415 من الطبع الحديث. أقول: إن عبارة
الصحاح في تفسير (الخلي) هكذا: والخلى مقصورا: الرطب من
الحشيش، الواحدة خلاة. وقد فاتنا التنبيه على ذلك هناك فارجعنا
المطالع إلى الاستدراكات.
(18) جاء ص 536 تفسير (الخلي) بالحشيش اليابس عن الجوهري
أيضا، وقد قدمنا عبارة الصحاح في الاستدراك رقم (17).
(19) أورد (قدس سره) ص 537 و 538 بعض الفروع التي أوردها
العلامة (قدس سره) في التذكرة في البحث الرابع عشر من أبحاث
تروك الاحرام في قطع شجر الحرم، ومنها: الانتفاع بالغصن المنكسر
والورق الساقط بفعل الآدمي، فإنه جوزه ونسب المنع إلى بعض العامة
قياسا على الصيد يذبحه المحرم. ثم رده بأن الصيد يعتبر في ذبحه
الأهلية. هذا ما نقله المصنف (قدس سره) عن التذكرة. وتمام الرد
571

هكذا: والفرق أن الصيد يعتبر في ذبحه الأهلية وهي منتفية عن المحرم
بخلاف قطع الشجرة، فإن الدابة لو قطعته جاز الانتفاع به. ونحوه
في المنتهى ج 2 ص 798 الفرع الثالث.
(20) أورد (قدس سره) ص 540 رواية الصدوق عن الحسن بن
محبوب عن ابن مهزيار عن أبي بصير كما في الوافي باب (الحجامة
وإزالة الشعر والظفر للمحرم) والوسائل الباب 12 من بقية كفارات
الاحرام. وأشير هناك إلى أن في بعض النسخ (علي بن رئاب) بدل
(علي بن مهزيار) كما في الفقيه ج 2 ص 227.
(21) ذكر (قدس سره) ص 538: أن من الأخبار الواردة في
حرمة قلم الأظفار على المحرم صحيحة زرارة المتضمنة لأن من قلم
أظفاره متعمدا فعليه دم، وهي المرقمة برقم (2) وقد تقدمت ص 511
برقم (3)، واللفظ فيها (أو قلم ظفره). وعند ما عد الروايات
الواردة في فدية تقليم المحرم أظفاره تعرض ص 542 لصحيحة زرارة
الواردة في من قلم أظافيره المتقدمة ص 538 برقم (3) ووجه الحكم
بالدم فيها بحمله على مجموع الأظافير كما هو ظاهرها، ولم يتعرض
لصحيحة زرارة المتقدمة ص 511 برقم (3) التي حكم فيها بالدم في
تقليم الظفر.
(22) غيرنا العبارة ص 542 س 19 إلى ما يطابق النسخ الخطية
لتطابق العبارة في نفس الصفحة السطر 8 و 9 حيث قال: (فإن
ظاهرها - يعني: موثقة ابن عمار - مجموع الأظفار أو أظفار يديه العشرة)
فإن المراد بموثقة ابن عمار هنا هما روايتا إسحاق بن عمار اللتان
ذكرهما في السطر 18 و 19.
572

ملحوظة (1) النسخة المطبوعة من الحدائق قد تختلف في التعبير
عن النسخ الخطية بما لا يغير المعنى فنورد العبارة كذلك في هذه الطبعة
إلا إذا استحسنا التغيير، وقد يكون الاختلاف مغيرا فنورد العبارة
على طبق الخطية، كما في الصفحة 220 السطر 20 و 21، والصفحة 381
السطر 11 و 16، والصفحة 402 السطر 15 و 16، والصفحة 427 السطر
7، والصفحة 436 السطر 7 و 8، والصفحة 452 السطر 9 و 20،
والصفحة 466 السطر 18 و 19، والصفحة 469 السطر 5، والصفحة 502
السطر 7، والصفحة 538 السطر 1، والصفحة 562 السطر 19، والصفحة
563 السطر 15. وإذا كان النص المنقول فيه تغيير طبقناه على أصله
من كتاب فقهي أو لغوي، كما في الصفحة 392 السطر 2 و 3 والصفحة
537 السطر 14 و 16 و 17 و 20 و 22، والصفحة 538 السطر 5 والصفحة
554 السطر 16 و 17، والصفحة 558 السطر 3، والصفحة 565 السطر
7 و 8.
ملحوظة (2): الحديث المنقول إذا كان فيه تغيير في اللفظ عن أصله
طبقناه على أصله، وإذا كانت كتب الحديث مختلفة في لفظ الحديث
ذكرنا المصادر في التعليق ليقف المطالع على الاختلاف. والمصنف
(قدس سره) كثيرا ما ينقل الحديث على طبق الوافي، وصاحب الوافي
عندما تكون مصادر الحديث متعددة ومختلفة في اللفظ يأتي بلفظ
واحد مطابق لواحد منها، فينشأ من ذلك الاختلاف في اللفظ بين
ما ينقله المصنف (قدس سره) عن مصدر وبين نفس المصدر.
ملحوظة (3): أرجعنا في التعاليق - لتعيين المصدر لفتاوى العامة
الواردة في الكتاب - إلى المغني لابن قدامة الحنبلي، وطبعاته مختلفة،
573

فمن أول الكتاب إلى الصفحة 169 الموضع الأول من التعليقة (2)
وهو ج 3 ص 314 و 315 الارجاع إلى طبعة دار المنار، وهو يوافق
ج 3 ص 284 من طبعة مطبعة العاصمة، ومن الموضع الثاني من
التعليقة (2) وهو ج 9 ص 418 إلى آخر الكتاب الارجاع إلى طبعة
مطبعة العاصمة.
574