الكتاب: الحدائق الناضرة
المؤلف: المحقق البحراني
الجزء: ٦
الوفاة: ١١٨٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق وإشراف: محمد تقي الإيرواني
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك:
ملاحظات:

الحدائق الناضرة
في
أحكام العترة الطاهرة
تأليف
العالم البارع الفقيه المحدث الشيخ يوسف البحراني قدس سره
المتوفى سنة 1186 هجرية
حققه وعلق عليه وأشرف على طبعه
محمد تقي الإيرواني
الجزء السادس
مؤسسة النشر الاسلامي (التابعة)
لجماعة المدرسين بقم المشرفة (إيران)
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين.
كتاب الصلاة
وفيه أبواب (الباب الأول) في المقدمات
المقدمة الأولى
في فضل الصلوات اليومية وأنها أفضل الأعمال الدينية وأن قبول سائر الأعمال
موقوف على قبولها وأنه لا يقبل منها إلا ما أقبل عليه بقلبه وأنه يجب المحافظة عليها في
أوائل أوقاتها والاتيان بحدودها وأن من استخف بها كان في حكم التارك لها، وينتظم
ذلك في فصول:
(فصل) روى ثقة الاسلام والصدوق في الصحيح عن معاوية بن وهب (1)
قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى ربهم
وأحب ذلك إلى الله تعالى ما هو؟ فقال ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة
ألا ترى أن العبد الصالح عيس بن مريم قال: (وأوصاني بالصلاة) (2) وزاد في
الكافي " والزكاة ما دمت حيا ".

(1) رواه في الوسائل في الباب 10 من أعداد الفرائض.
(2) سورة مريم، الآية 32.
2

وروى المشايخ الثلاثة في الصحيح عن معاوية بن وهب (1) " أنه سأل أبا عبد الله
(عليه السلام) عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى ربهم؟ فقال ما أعلم شيئا بعد المعرفة
أفضل من الصلاة ".
بيان: في هذا الخبر الشريف فوائد يحسن التنبيه عليها والتعرض إليها لأن
كتابنا هذا كما يبحث عن الأحكام الفقهية يبحث أيضا عن تحقيق معاني الأخبار المعصومية:
(الفائدة الأولى) - يحتمل أن يكون المراد بالمعرفة في الخبر معرفة الله عز
وجل ويحتمل الحمل على معرفة الإمام (عليه السلام) فإن هذا المعنى مما شاع في الأخبار
كما تكاثر في أخبارهم من اطلاق العارف على ما قابل المخالف، ويحتمل الأعم منهما بل
ومن سائر المعارف الدينية والأصول اليقينية والأول يستلزم الأخيرين غالبا، وفي كتاب
الفقه الرضوي (2) " واعلم أن أفضل الفرائض بعد معرفة الله عز وجل الصلوات
الخمس " وهو ظاهر في تأييد المعنى الأول، والمراد بالصلوات هي اليومية والإشارة بهذه
إنما هو إليها لأنها الفرد المتعارف المتكرر المنساق إلى الذهن عند الاطلاق، وفي العدول
إلى الإشارة عن التسمية تنبيه على مزيد التعظيم وتمييز بذلك لهذا الفرد أكمل تمييز كما
قرر في محله من علم المعاني.
(الثانية) - ظاهر الخبر يقتضي نفي أفضلية غير الصلاة عليها والمطلوب ثبوت
أفضليتها على غيرها وأحدهما غير الآخر فإن نفى وجود الأفضل منها لا يمنع المساواة
ومعها لا يتم المطلوب، قال شيخنا البهائي زاده الله بهاء وشرفا في كتاب الحبل المتين:
ما قصده (عليه السلام) من أفضلية الصلاة على غيرها من الأعمال وإن لم يدل عليه
منطوق الكلام إلا أن المفهوم منه بحسب العرف ذلك كما يفهم من قولنا ليس بين أهل
البلد أفضل من زيد أفضليته عليهم وإن كان منطوقه نفى أفضليتهم عليه وهو لا يمنع
المساواة. انتهى. أقول: ويؤيده أن السؤال في الخبر عن أفضلية ما يتقرب به العبد

(1) رواه في الوسائل في الباب 10 من أعداد الفرائض
(2) ص 6.
3

وأحبه إلى الله عز وجل فلو لم يحمل على المعنى الذي ذكره شيخنا المشار إليه للزم عدم
مطابقة الجواب للسؤال.
(الثالثة) - ظاهر الخبر أن الصلاة أفضل مطلقا سواء كانت في أول وقتها
أو في وقت الاجزاء إلا أنه روي عنه (صلى الله عليه وآله) (1) " أفضل الأعمال
الصلاة في أول وقتها " فيجب أن يقيد به اطلاق هذا الخبر عملا بقاعدة وجوب حمل
المطلق على المقيد وعلى هذا لا يتم المدعى. وأجيب بأن الخبر الأول دل على أنها أفضل
مطلقا وقعت في أول الوقت أو آخره والخبر الآخر دل على كونها في أول الوقت أفضل
الأعمال ولا منافاة بينهما ليحتاج إلى الحمل المذكور فإن الصلاة مطلقا إذا كانت أفضل
من غيرها من العبادات كان الفرد الكامل منها أفضل الأعمال قطعا بالنسبة إلى باقي
أفرادها وإلى غيره.
(الرابعة) - قال بعض مشايخنا (قدس سره) في جعله (عليه السلام) قول
عيسى على نبينا وآله وعليه السلام " وأوصاني بالصلاة.. الآية " (2) مؤيدا لأفضلية
الصلاة بعد المعرفة على غيرها نوع خفاء، ولعل وجهه ما يستفاد من تقديمه (عليه السلام) ما
هو من قبيل الاعتقادات في مفتتح كلامه ثم اردافه ذلك بالأعمال البدنية والمالية وتصديره
لها بالصلاة مقدما لها على الزكاة، ولا يبعد أن يكون التأييد لمجرد تفضيل الصلاة على غيرها
من الأعمال من غير ملاحظة تفضيل المعرفة عليها ويؤيده عدم ايراده (عليه السلام) صدر
الآية في صدر التأييد، والآية هكذا " قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني
مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا " (3) انتهى كلامه زيد مقامه.
وروى في الكافي عن زيد الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال:

(1) رواه السيوطي في الجامع الصغير ج 1 ص 48.
(2) سورة مريم، الآية 32.
(3) سورة مريم، الآية 32.
(4) رواه في الوسائل في الباب 10 من أعداد الفرائض.
4

" سمعته يقول أحب الأعمال إلى الله تعالى الصلاة وهي آخر وصايا الأنبياء فما أحسن
من الرجل أن يغتسل أو يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يتنحى حيث لا يراه أنيس فيشرف عليه
وهو راكع أو ساجد، أن العبد إذا سجد فأطال السجود نادى إبليس يا ويله أطاع
وعصيت وسجد وأبيت " ورواه في الفقيه مرسلا (1) قال في الوافي في بعض نسخ الكافي
" إبليس " مكان " أنيس " وهو تصحيف وفي بعض نسخ الفقيه " أنسي " وفي بعض
نسخه " فيشرف الله عليه " باثبات لفظ الجلالة ولكل وجه وإن كان اثبات الجلالة
والانسي أوجه والمستتر في " يشرف " بدون الجلالة يعود إلى الأنسي أو الأنيس، والغرض
على التقادير البعد عن شائبة الرياء.
وروى في الكافي عن الوشاء (2) قال: " سمعت الرضا (عليه السلام) يقول:
" أقرب ما يكون العبد من الله عز وجل وهو ساجد وذلك قوله: واسجد واقترب " (3)
وعن يزيد بن خليفة (4) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول إذا
قام المصلي إلى الصلاة نزل عليه الرحمة من أعنان السماء إلى أعنان الأرض وحفت به
الملائكة وناداه ملك لو يعلم هذا المصلي ما في الصلاة ما انفتل ".
وعن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) (5) قال: " قال رسول الله (صلى الله
عليه وآله) إذا قام العبد المؤمن في صلاته نظر الله إليه أو قال أقبل الله عليه حتى ينصرف
وأظلته الرحمة من فوق رأسه إلى أفق السماء والملائكة تحفه من حوله إلى أفق السماء
ووكل الله به ملكا قائما على رأسه يقول له أيها المصلي لو تعلم من ينظر إليك ومن تناجي
ما التفت ولا زلت من موضعك أبدا ".

(1) رواه عنه في الوسائل في الباب 10 من أعداد الفرائض.
(2) رواه في الوسائل في الباب 23 من أبواب السجود.
(3) سورة العلق، الآية 19.
(4) رواه في الوسائل في الباب 8 من أعداد الفرائض.
(5) رواه في الوسائل في الباب 8 من أعداد الفرائض.
5

وروى المشايخ الثلاثة بأسانيدهم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" صلاة فريضة خير من عشرين حجة وحجة خير من بيت مملوء ذهبا يتصدق منه حتى
يفنى " وفي بعضها خال من قوله " مملوء " وفي بعض " حتى لا يبقى منه شئ " عوض
" يفنى " بيان: الحجة المرة من الحج بالكسر على غير قياس والجمع حجج كسدرة
وسدر، قال ثعلب قياسه الفتح ولم يسمع من العرب.
أقول: وهذا الخبر بحسب ظاهره لا يخلو من اشكالات: منها - أن الحجة مشتملة
على صلاة فريضة وهي ركعتا الطواف وإن كانت الحجة ندبة فإن الصلاة فيها واجبة فيلزم
تفضيل الشئ على نفسه بمراتب. ومنها - أنه قد ورد " أن الحج أفضل من الصلاة " (2).
ومنها - أنه قد ورد " أفضل الأعمال أحمزها " (3).
وقد أجيب عن ذلك بوجوه أظهرها ثلاثة (أحدها) أن تحمل الفريضة على اليومية
لأنها الفرد المتبادر كما تقدم في الحديث الأول ويحمل حديث أفضلية الحج على الصلاة
على غير اليومية وحديث " أفضل الأعمال أحمزها " على ما عدا الصلاة اليومية أو على أن
المراد أفضل كل نوع من الأعمال أحمزه أي أحمز ذلك النوع، مثلا - الوضوء في الحر
والبرد والحج ماشيا وراكبا والصوم والصلاة في الصيف والشتاء ونحو ذلك.
و (ثانيها) - أن يراد بالفريضة اليومية كما تقدم وأن يراد بالحج المتطوع به
دون حجة الاسلام إذ لا تعدد فيها حتى يوزن متعددها بشئ والصلاة التي في الحج
المتطوع به ليست بفريضة حيث لم يفرضها الله تعالى عليه ابتداء وإنما جعلها المكلف على
نفسه باحرامه للحج فصارت شرطا لصحة حجه، وعلى هذا فيكون الغرض من الحديث
الحث على المحافظة على الصلوات المفروضة في طريق الحج بالاتيان بها بشروطها وحدودها

(1) رواه في الوسائل في الباب 10 من أعداد الفرائض.
(2) رواه في الوسائل في الباب 41 من أبواب وجوب الحج.
(3) وهو حديث ابن عباس كما في نهاية ابن الأثير ومجمع البحرين مادة (حمز).
6

وحفظ مواقيتها، فإن كثيرا من الحاج يضيعون فرائضهم اليومية في طريقهم إلى الحج
إما بتفويت أوقاتها أو بأدائها على المركب أو في المحمل أو بالتيمم أو مع عدم الطهارة في
الثوب أو البدن أو نحو ذلك تهاونا بها واستخفافا بشأنها، والثواب إنما يترتب للحاج
على حجته المندوبة مع عدم الاخلال بشئ من صلواته اليومية وإلا فالصلاة المفروضة
التامة في الجماعة بل في البيت أفضل من حجة يتطوع بها.
و (ثالثها) - أنه يحتمل أن يكون ذلك مختلفا باختلاف الأحوال ومقتضيات
الحال في الأشخاص كما روى أنه (صلى الله عليه وآله) (1) " سئل أي الأعمال أفضل؟
فقال الصلاة لأول وقتها " وسئل أيضا مرة أخرى " أي الأعمال أفضل؟ فقال
بر الوالدين " وسئل أيضا " أي الأعمال أفضل؟ فقال حج مبرور " فخص كل
سائل بما يليق بحاله من الأعمال، فيقال إن السائل الأول كان عاجزا عن الحج ولم يكن
له والدان فكان الأفضل بحسب حاله الصلاة والثاني كان له والدان محتاجان فجعل الأفضل
له برهما وهكذا الثالث.
وروى الشيخ في التهذيب بسنده عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) (2)
قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لو كان على باب دار أحدكم نهر فاغتسل منه
في كل يوم خمس مرات كان يبقى في جسده شئ من الدرن؟ قلنا لا. قال فإن مثل
الصلاة كمثل النهر الجاري كلما صلى صلاة كفرت ما بينهما من الذنوب ".
وروى الصدوق (3) قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام) ما من عبد من شيعتنا
يقوم إلى الصلاة إلا اكتنفته بعدد من خالفه ملائكة يصلون خلفه ويدعون الله تعالى له
حتى يفرغ من صلاته ".

(1) رواه في الوسائل في الباب 1 من مواقيت الصلاة ولكن الثالث (الجهاد في سبيل الله).
(2) رواه في الوسائل في الباب 2 من أعداد الفرائض.
(3) الفقيه ج 1 ص 134.
7

(فصل) روى الشيخان في الكافي والتهذيب مسندا عن عبيد بن زرارة عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
والصدوق مرسلا قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) مثل الصلاة مثل عمود
الفسطاط إذا ثبت العمود نفعت الأطناب والأوتاد والغشاء وإذا انكسر العمود لم ينفع
طنب ولا وتد ولا غشاء ".
وروى الشيخ في التهذيب بسنده عن علي (عليه السلام) (2) قال: " قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن عمود الدين الصلاة وهي أول ما ينظر فيه من عمل
ابن آدم فإن صحت نظر في عمله وإن لم تصح لم ينظر في بقية عمله ".
وروى في الكافي ومثله في التهذيب عن أبي بصير (3) قال: " سمعت أبا جعفر
(عليه السلام) يقول كل سهو في الصلاة يطرح منها غير أن الله تعالى يتم بالنوافل، أن
أول ما يحاسب به العبد الصلاة فإن قبلت قبل ما سواها، أن الصلاة إذا ارتفعت في
وقتها رجعت إلى صاحبها وهي بيضاء مشرقة تقول حفظتني حفظك الله وإذا ارتفعت
في غير وقتها بغير حدودها رجعت إلى صاحبها وهي سوداء مظلمة تقول ضيعتني ضيعك
الله " بيان: قوله: كل سهو إلى قوله بالنوافل في الكافي خاصة والمعنى أن ما ذهل
عنه في صلاته ولم يقبل عليه بقلبه فهو لا يرفع له ولا يحسب منها غير أن الله سبحانه
يتمه بالنوافل.
وروى الشيخان ثقة الاسلام وشيخ الطائفة عن زرارة عن أبي جعفر (عليه
السلام) (4) قال: " بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس في المسجد إذ
دخل رجل فقام يصلي فلم يتم ركوعه ولا سجوده فقال (صلى الله عليه وآله) نقر كنقر
الغراب لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتن على غير ديني ".

(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من أعداد الفرائض.
(2) رواه في الوسائل في الباب 8 من أعداد الفرائض.
(3) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب المواقيت.
(4) رواه في الوسائل في الباب 8 من أعداد الفرائض.
8

وروى في الكافي عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " لا تتهاون
بصلاتك فإن النبي (صلى الله عليه وآله) قال عند موته ليس مني من استخف بصلاته
ليس مني من شرب مسكرا لا يرد علي الحوض لا والله ".
وروى في الفقيه والكافي عنه (صلى الله عليه وآله) (2) قال: " لا ينال شفاعتي
من استخف بصلاته لا يرد علي الحوض لا والله ".
وروى في الكافي (3) قال: " قال أبو الحسن الأول (عليه السلام) لما حضر
أبي الوفاة قال لي يا بني لا ينال شفاعتنا من استخف بالصلاة ".
وروى في الكافي والتهذيب في الصحيح عن العيص عن الصادق (عليه السلام) (4)
قال: " والله إنه ليأتي على الرجل خمسون سنة ما قبل الله منه صلاة واحدة فأي شئ أشد
من هذا والله إنكم لتعرفون من جيرانكم وأصحابكم من لو كان يصلي لبعضكم ما قبلها منه
لاستخفافه بها إن الله عز وجل لا يقبل إلا الحسن فكيف يقبل ما يستخف به؟ ".
وروى في الكافي في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (5)
قال: " إذا أدى الرجل صلاة واحدة تامة قبلت جميع صلواته وإن كن غير تامات وإن
أفسدها كلها لم يقبل منه شئ منها ولم تحسب له نافلة ولا فريضة وإنما تقبل النافلة بعد
قبول الفريضة وإذا لم يؤد الرجل الفريضة لم تقبل منه النافلة وإنما جعلت النافلة ليتم بها
ما أفسد من الفريضة ".
وروى في الكافي (6) في الصحيح عن أبان بن تغلب قال: " صليت خلف
أبي عبد الله (عليه السلام) المغرب بالمزدلفة، إلى أن قال ثم التفت إلي فقال يا أبان هذه

(1) رواه في الوسائل في الباب 6 من أعداد الفرائض.
(2) رواه في الوافي في باب المحافظة على الصلاة.
(3) رواه في الوسائل في الباب 6 من أعداد الفرائض.
(4) رواه في الوسائل في الباب 6 من أعداد الفرائض.
(5) رواه في الوسائل في الباب 8 من أعداد الفرائض.
(6) ج 1 ص 74 وفي الوسائل في الباب 1 من أبواب المواقيت.
9

الصلوات الخمس المفروضات من أقامهن وحافظ على مواقيتهن لقي الله يوم القيامة وله
عنده عهد يدخله به الجنة ومن لم يصلهن لمواقيتهن ولم يحافظ عليهن فذلك إليه إن شاء
غفر له وإن شاء عذبه ".
وفي الحسن عن هارون بن خارجة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" الصلاة وكل بها ملك ليس له عمل غيرها فإذا فرغ منها قبضها ثم صعد بها فإن كانت
مما تقبل قبلت وإن كانت مما لا تقبل قيل له ردها على عبدي فينزل بها حتى يضرب
بها وجهه ثم يقول له أف لك ما يزال لك عمل يعييني ").
وروى في الفقيه بسنده عن مسعدة بن صدقة (2) أنه قال: " سئل أبو عبد الله
(عليه السلام) ما بال الزاني لا تسميه كافرا وتارك الصلاة تسميه كافرا وما الحجة في
ذلك؟ فقال لأن الزاني وما أشبهه إنما يفعل ذلك لمكان الشهوة لأنها تغلبه وتارك الصلاة
لا يتركها إلا استخفافا بها، وذلك لأنك لا تجد الزاني يأتي المرأة إلا وهو مستلذ باتيانه
إياها قاصدا إليها وكل من ترك الصلاة قاصدا لتركها فليس يكون قصده لتركها اللذة
فإذا نفيت اللذة وقع الاستخفاف وإذا وقع الاستخفاف وقع الكفر ".
بيان: في هذه الأخبار الشريفة جملة من النكات الطريفة والفوائد المنيفة يحسن
التعرض لذكرها والتوجه لنشرها وذلك يقع في مقامات:
(الأول) - ما دل عليه حديث أبي بصير المتقدم من قوله (عليه السلام):
برواية صاحب الكافي " كل سهو في الصلاة يطرح منها غير أن الله تعالى يتم بالنوافل "
قد ورد نحوه في جملة من الأخبار: منها - رواية علي بن أبي حمزة عن أبي بصير (3) قال " قال
رجل لأبي عبد الله (عليه السلام) وأنا أسمع جعلت فداك أني كثير السهو في الصلاة؟

(1) رواه في الوسائل في الباب 6 من أعداد الفرائض.
(2) رواه في الوسائل في الباب 11 من أعداد الفرائض.
(3) الفروع ج 1 ص 101 وفي الوسائل في الباب 17 من أعداد الفرائض.
10

فقال وهل يسلم منه أحد؟ فقلت ما أظن أحدا أكثر سهوا مني فقال له أبو عبد الله (عليه
السلام) يا أبا محمد إن العبد يرفع له ثلث صلاته ونصفها وثلاثة أرباعها وأقل وأكثر على
قدر سهوه فيها لكنه يتم له من النوافل. فقال له أبو بصير ما أرى النوافل ينبغي إن
تترك على حال فقال أبو عبد الله (عليه السلام) أجل لا " وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر
(عليه السلام) (1) قال: " إن العبد ليرفع له من صلاته نصفها أو ثلثها أو ربعها أو خمسها
فما يرفع له إلا ما أقبل عليه منها بقلبه وإنما أمروا بالنافلة ليتم لهم بها ما نقصوا من
الفريضة " وفي معناها أخبار أخر.
قال شيخنا الشهيد الثاني - في شرح الرسالة النفلية عند ذكر المصنف بعض الأخبار
المشار - إليها ما صورته: واعلم أن ظاهر الخبر يقتضي أن النوافل تكمل ما فات من الفريضة
بسبب ترك الاقبال بها وإن لم يقبل بالنوافل بل متى كانت صحيحة إذ لولا ذلك
لاحتاجت النوافل حينئذ إلى مكمل آخر ويتسلسل ويبقى حينئذ حكم النافلة التي لم يقبل
بها عدم قبولها في نفسها وعدم ترتب الثواب أو كثيره عليها وإن حصل بصحيحها جبر
الفريضة مع الثواب الجزيل عليها ولو أقبل بها تضاعف الثواب وتم القرب والزلفى. انتهى
كلامه زيد مقامه.
وعندي أنه محل نظر نشأ من الغفلة وعدم التأمل في الأخبار الواردة في المقام
وذلك فإن الظاهر منها أن ذلك أنما هو على جهة التوسعة للمكلف لو أخل بالاقبال في
صلاته فإنه يمكن تدارك ذلك بالنوافل، والمستفاد من الأخبار باعتبار ضم بعضها إلى
بعض أن لهذا التدارك مراتب أولها أن يتدارك ما سهى به في الركعة الأولى وأخل به
من الاقبال فيها كلا أو بعضا في الركعة الثانية وإن فاته ذلك فإنه يتدارك في الركعتين
الأخيرتين وإن فاته ذلك فإنه يتدارك ذلك بالاقبال على النوافل، يدلك على ما ذكرنا
ما رواه الصدوق في كتابي العلل والعيون في حديث علل الفضل بن شاذان المروية عن

(1) رواه في الوسائل في الباب 17 من أعداد الفرائض.
11

الرضا (عليه السلام) (1) حيث قال: " إنما جعل أصل الصلاة ركعتين وزيد على بعضها
ركعة وعلى بعضها ركعتان ولم يزد على بعضها شئ لأن أصل الصلاة إنما هي ركعة واحدة
لأن أصل العدد واحد فإذا نقصت من واحد فليست هي صلاة فعلم الله عز وجل أن
العباد لا يؤدون تلك الركعة الواحدة التي لا صلاة أقل منها بكمالها وتمامها والاقبال عليها
فقرن إليها ركعة أخرى ليتم بالثانية ما نقص من الأولى ففرض الله عز وجل أصل الصلاة
ركعتين فعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن العباد لا يؤدون هاتين الركعتين بتمام
ما أمروا به وكماله فضم إلى الظهر والعصر والعشاء الآخرة ركعتين ركعتين ليكون بهما
تمام الركعتين الأوليين.. الحديث " ثم ذكر (عليه السلام) ضم ركعة للمغرب وعدم
ضم شئ لصلاة الصبح. والأخبار بضم الركعات الزائدة على الثنتين الأوليين لذلك
غير هذا الخبر كثيرة، وأنت إذا ضممت هذه الأخبار إلى أخبار هذا المقام وجدت
الحاصل منها ما ذكرناه من إرادة التوسعة على العباد في تدارك ما يحصل منهم من السهو
والغفلة، وحينئذ فإذا أهملوا التدارك في جميع هذه المراتب فقد قصروا في حق أنفسهم
وصاروا حقيقين بالرد وعدم القبول إذ لا أعظم من هذه التوسعة، لا أن المراد ما توهمه
(قدس سره) من ترتب التكميل على كل نقص في العبادات فكل ناقص منها يحتاج
إلى مكمل فيلزم التسلسل لو لم يلتزم ما ذكره. ثم إنه لا يخفى أن الغرض من التكميل إنما
هو متى كانت الفريضة كلا أو بعضا لم يقبل عليها فإنه لا يثاب عليها على الأول ويثاب
على ما أقبل عليه منها على الثاني، والتكميل إنما يحصل بشئ فيه ثواب يسد هذا النقص
في جميع الفريضة أو بعضها، والنصوص قد دلت على أن ما لا يقبل عليه من العبادة
فريضة أو نافلة فلا ثواب عليه وبذلك قد اعترف أيضا (قدس سره) في كلامه المذكور
فكيف يعقل من النافلة التي لم يقبل فيها ولا قبول لها أن تكون مكملة للفريضة؟ فإنه
لا ثواب عليها على هذا التقدير ليكمل به ناقص الفريضة ولا يعقل للتكميل معنى غير ما ذكرناه

(1) رواه في الوسائل في الباب 13 من أعداد الفرائض.
12

ويدلك على ما ذكرنا صحيحة زرارة الثانية (1) وقوله فيها " وإن أفسدها كلها - يعني
الفريضة والنافلة بعدم الاقبال فيهما - لم يقبل منه شئ منها ولم تحسب له نافلة ولا
فريضة.. الحديث " وبالجملة فكلام شيخنا المذكور (نور الله ضريحه) لا يخلو من الغفلة
عن ملاحظة الأدلة في المقام.
(الثاني) - أن ما دلت عليه هذه الأخبار من عدم قبول صلاة من لا يقبل
بقلبه عليها وأنه لا يقبل منها إلا ما أقبل عليه بقلبه هل المراد به القبول الكامل أو عدم
القبول بالمرة بحيث يعود العمل إلى مصدره؟ ونحوه أيضا ما ورد من عدم قبول صلاة
شارب الخمر إلى أربعين يوما وعدم قبول صلاة الآبق حتى يرجع إلى مولاه والناشز
حتى ترجع إلى زوجها ونحو ذلك مما وردت به الأخبار، المفهوم من كلام الأصحاب
(رضوان الله عليهم) الأول وهو الظاهر وقيل بالثاني، ولا خلاف بين الجميع في صحة
صلاتهم وأنها مجزئة ومبرءة للذمة ما لم يعرض لها مبطل من خارج اتفاقا نصا وفتوى،
وإنما الكلام كما عرفت في القبول المنفي هل المراد منه القبول الكامل فيصير النفي متوجها
إلى القيد خاصة وإن كانت موجبة للقبول وترتب الثواب في الجملة بناء على استلزام
الاجزاء للثواب كما هو القول المشهور والمؤيد المنصور أو أن المراد به القبول بالكلية بأن
لا يترتب عليها ثواب بالكلية وإن كانت مجزئة بناء على أن قبول العبادة أمر مغاير
للاجزاء وأنه لا تلازم بينهما فقد تكون صحيحة مجزئة وإن لم تكن مقبولة كما هو مرتضى
المرتضى (رضي الله عنه) وإليه يميل كلام شيخنا البهائي في كتاب الأربعين.
والأظهر عندي هو الأول ولنا عليه وجوه: (الأول) - أن الصحة المعبر عنها
بالاجزاء أما أن تفسر بما هو المشهور من أنها عبارة عن موافقة الأمر وامتثاله وحينئذ
فلا ريب في أن ذلك موجب للثواب وعلى هذا فالصحة مستلزمة للقبول، وأما أن تفسر
بما أسقط القضاء كما هو المرتضى عند المرتضى وعليه بنى ما ذهب إليه في المسألة. وفيه

(1) ص 9.
13

أنه يلزم للقول بترتب القضاء على الأداء وهو خلاف ما يستفاد من الأخبار وخلاف
ما صرح به غير واحد من محققي علمائنا الأبرار من أن القضاء يتوقف على أمر جديد
ولا ترتب له على الأداء.
(الثاني) - الظاهر أنه لا خلاف بين كافة العقلاء في أن السيد إذا أمره عبده
أمر ايجابيا بعمل من الأعمال ووعده الأجر على ذلك العمل فامتثل العبد ما أمره به
مولاه وأتى به فإنه يجب على السيد قبوله منه والوفاء بما وعده فلو رده عليه ومنعه الأجر
الذي وعده مع أنه لم يخالف في شئ مما أمره به فإنهم لا يختلفون في لوم السيد ونسبته
إلى خلاف العدل سيما إذا كان السيد ممن يتمدح بالعدل والاكرام والفضل والانعام،
وما نحن فيه من هذا القبيل فإن الأوامر الإيجابية قد أتى بها كما هو المفروض والاخلال
بالاقبال الذي هو روح العبادة كما ورد أو الاخلال بأمر خارج عن العبادة كما في الأمثلة الأخر
لا يوجب الرد، أما الأول فلأن الأمر به إنما هو أمر استحبابي وقضيته ثبوت الكمال
في العمل والكلام مبني على الأمر الإيجابي فلا منافاة، وأما الثاني فلأنه خارج كما هو
المفروض ولو ترتب قبول العبادة على عدم الاخلال بواجب أو عدم فعل معصية لم تقبل
إلا صلاة المعصومين.
(الثالث) - أنه لا خلاف بين أصحاب القولين المذكورين في أن هذه العبادة
المتصفة بالصحة والأجزاء مسقطة للعقاب المترتب على ترك العبادة ومع فرض عدم
القبول بالكلية بحيث يعود العمل إلى مصدره كما كان قبل الفعل فكأنه لم يفعل شيئا
بالمرة ولا يعقل اسقاطها العقاب، إذ ارجاع العمل عليه على الوجه المذكور مما يوجب
بقاءه تحت عهدة التكليف فكيف يتصور سقوط العقاب حينئذ؟ واللازم من ذلك أن سقوط
العقاب إنما يترتب على القبول كما هو ظاهر لذوي العقول وحينئذ فيستلزم الثواب البتة.
ومن أراد تحقيق المسألة زيادة على ما ذكرنا فليرجع إلى كتابنا الدرر النجفية من الملتقطات
اليوسفية فإنه قد أحاط بأطراف الكلام زيادة على ما ذكرناه في هذا المقام.
14

(المقام الثالث) - ما دل عليه خبر مسعدة بن صدقة من كفر تارك الصلاة
تهاونا واستخفافا قد ورد في جملة من الأخبار أيضا: منها - ما رواه في الكافي عن عبيد
ابن زرارة (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الكبائر فقال هن في
كتاب علي (عليه السلام) سبع: الكفر بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وأكل الربا
بعد البينة وأكل مال اليتيم ظلما، إلى أن قال قلت فأكل درهم من مال اليتيم ظلما أكبر
أم ترك الصلاة؟ قال ترك الصلاة. قلت فما عددت ترك الصلاة في الكبائر؟ فقال أي
شئ أول ما قلت لك؟ قال قلت الكفر بالله. قال فإن تارك الصلاة كافر يعني من غير
علة " ومنها - ما رواه الصدوق في كتاب ثواب الأعمال والبرقي في المحاسن بسندهما عن
أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما بين
المسلم وبين أن يكفر إلا أن يترك الصلاة الفريضة متعمدا أو يتهاون بها فلا يصليها "
وروى أيضا في كتاب ثواب الأعمال عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) عن جابر قال
" قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما بين الكفر والايمان إلا ترك الصلاة ".
والمفهوم من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) حمل الكفر هنا على غير
المعنى المشهور المتبادر منه وذلك فإن للكفر في الأخبار اطلاقات عديدة:
(الأول) - كفر الجحود وهذا مما لا خلاف في ايجابه للقتل وثبوت الارتداد
به عن الدين.
(الثاني) - كفر النعمة وعدم الشكر عليها ومنه قوله عز وجل حكاية عن سليمان
على نبينا وآله وعليه السلام (ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن
كفر فإن ربي غني كريم " (4) وقوله تعالى: " لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن

(1) رواه في الوسائل في الباب 46 من جهاد النفس.
(2) رواه في الوسائل في الباب 11 من أعداد الفرائض.
(3) رواه في الوسائل في الباب 11 من أعداد الفرائض.
(4) سورة النمل، الآية 40.
15

عذابي لشديد " (1) وغيرهما من الآيات.
(الثالث) - كفر البراءة كقوله سبحانه حكاية عن إبراهيم (عليه السلام)
" كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء " (2) يعني تبرأنا منكم، وقوله تعالى
حكاية عن إبليس وتبرؤه من أوليائه في الآخرة " إني كفرت بما أشركتمون
من قبل " (3).
(الرابع) - الكفر بترك ما أمر الله تعالى من كبار الفرائض وارتكاب ما نهى
عنه من كبار المعاصي كترك الزكاة والحج والزنا، وقد استفاضت الروايات بهذا الفرد.
والكفر بهذا المعنى يقابله الايمان الذي هو الاقرار باللسان والاعتقاد بالجنان
والعمل بالأركان، والكافر بهذا المعنى وإن أطلق عليه الكفر إلا أنه مسلم تجري عليه
أحكام الاسلام في الدنيا وأما في الآخرة فهو من المرجئين لأمر الله أما يعذبهم وأما
يتوب عليهم، هذا على ما اخترناه وفاقا لجملة من متقدمي أصحابنا كالصدوق والشيخ
المفيد وأما على المشهور بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) من عدم أخذ الأعمال في
الايمان فإنه عندهم مؤمن وإن كان يعذب في الآخرة ثم يدخل الجنة وتناله الشفاعة.
ومن الأخبار الصريحة فيما ذهبنا إليه ما رواه في الكافي (4) عن عبد الرحيم القصير
قال: " كتبت مع عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد الله (عليه السلام) أسأله عن الايمان ما هو؟
فكتب إلي مع عبد الملك سألت رحمك الله عن الايمان والايمان هو الاقرار باللسان وعقد في
القلب وعمل بالأركان والايمان بعضه من بعض، وهو دار وكذلك الاسلام دار والكفر
دار فقد يكون العبد مسلما قبل أن يكون مؤمنا ولا يكون مؤمنا حتى يكون مسلما، فالاسلام
قبل الايمان وهو يشارك الايمان فإذا أتى العبد كبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرة من صغائر

(1) سورة إبراهيم، الآية 7.
(2) سورة الممتحنة، الآية 4.
(3) سورة إبراهيم، الآية 27.
(4) الأصول ج 2 ص 27 وفي الوسائل بعضه في الباب 2 من مقدمات العبادات.
16

المعاصي التي نهى الله عنها كان خارجا من الايمان ساقطا عنه اسم الايمان وثابتا عليه اسم
الاسلام فإن تاب واستغفر عاد إلى دار الايمان، ولا يخرجه إلى الكفر إلا الجحود
والاستحلال، أن يقول للحلال هذا حرام وللحرام هذا حلال ودان بذلك فعندها
يكون خارجا من الايمان والإسلام داخلا في الكفر وكان بمنزلة من دخل الحرم
ثم دخل الكعبة وأحدث في الكعبة حدثا فأخرج من الكعبة والحرم وضربت عنقه
وصار إلى النار ".
وأصرح من ذلك دلالة على أن مرتكب الكبائر إنما يخرج من الايمان إلى
الاسلام دون أن يكون كافرا بالمعنى المتبادر صحيحة ابن سنان (1) قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يرتكب الكبيرة من الكبائر فيموت هل يخرجه
ذلك من الاسلام وإن عذب كان عذابه كعذاب المشركين أم له مدة وانقطاع؟ فقال من
ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنها حلال أخرجه ذلك من الاسلام وعذب أشد العذاب
وإن كان معترفا أنه ذنب ومات عليه أخرجه من الايمان ولم يخرجه من الاسلام وكان
عذابه أهون من عذاب الأول ".
قال شيخنا العلامة (قدس سره) في كتاب المنتهى: إن تارك الصلاة مستحلا
كافر اجماعا وأن من تركها معتقدا لوجوبها لم يكفر وإن استحق القتل بعد ثلاث صلوات
والتعزير فيهن، وقال أحمد في رواية يقتل لا حدا بل لكفره (2) ثم قال في المنتهى ولا
يقتل عندنا في أول مرة ولا إذا ترك الصلاة ولم يعزر وإنما يجب القتل إذا تركها مرة
فعزر ثم تركها ثانية فعزر ثم تركها ثالثة فعزر فإذا تركها رابعة فإنه يقتل وإن تاب،
وقال بعض الجمهور يقتل أول مرة (3).
وقال شيخنا المجلسي في كتاب البحار بعد نقل ذلك عن العلامة ونقل خبر

(1) المروية في الوسائل في الباب 2 من مقدمات العبادات.
(2) كما في المغني ج 2 ص 442.
(3) كما في المغني ج 2 ص 442.
17

مسعدة وغيره: وحمل تلك الأخبار على الاستحلال بعيد إذ لا فرق حينئذ بين ترك
الصلاة وفعل الزنا بل الظاهر أنه محمول على أحد معاني الكفر التي مضت في كتاب
الايمان والكفر وهو مقابل للايمان الذي لا يصدر معه من المؤمن ترك الفرائض وفعل
الكبائر بدون داع قوي، وهذا الكفر لا يترتب عليه وجوب القتل ولا النجاسة ولا
استحقاق خلود النار بل استحقاق الحد والتعزير في الدنيا والعقوبة الشديدة في الآخرة،
وقد يطلق على فعل مطلق الكبائر وترك مطلق الفرائض وعلى هذا المعنى لا فرق بين
ترك الصلاة وفعل الزنا. انتهى.
أقول: لقائل أن يقول إنه وإن أطلق الكفر على أصحاب الكبائر بهذا المعنى
المذكور وترك الصلاة من جملتها إلا أنه من المحتمل قريبا تخصيص الصلاة بهذا الحكم
وهو كون تركها موجبا للكفر الحقيقي فإنه ظاهر الأخبار الواردة في المقام حيث إنه في
خبر مسعدة (1) سئل عن الحجة في تخصيص تارك الصلاة باسم الكفر دون الزاني،
ونحوه أيضا خبر آخر له نقله في الكافي ونقله شيخنا المجلسي في البحار عن كتاب قرب الإسناد عن مسعدة بن صدقة (2) قال: " قيل لأبي عبد الله (عليه السلام) ما فرق بين
من نظر إلى امرأة فزنى بها أو خمر فشربها وبين من ترك الصلاة حتى لا يكون الزاني
وشارب الخمر مستخفا كما استخف تارك الصلاة وما الحجة في ذلك وما العلة التي تفرق
بينهما؟ قال الحجة أن كل ما أدخلت أنت نفسك فيه لم يدعك إليه داع ولم يغلبك عليه غالب
شهوة مثل الزنا وشرب الخمر، وأنت دعوت نفسك إلى ترك الصلاة وليس ثم شهوة فهو
الاستخفاف بعينه وهذا فرق ما بينهما " ويشير إلى ذلك حديث عبيد بن زرارة المتقدم
حيث إنه (عليه السلام) عد الكفر أولا في الكبائر والمتبادر منه هو المعنى المشهور ثم
لما اعترضه السائل بأنه لم يذكر ترك الصلاة في الكبائر أحاله على الكفر الذي ذكره في
صدر الخبر وأن تارك الصلاة داخل فيه مع عده في الخبر جملة من الكبائر الموجبة لصحة

(1) رواه في الوسائل في الباب 11 من أعداد الفرائض.
(2) رواه في الوسائل في الباب 11 من أعداد الفرائض.
18

اطلاق الكفر بالمعنى الذي ذكروه على فاعلها وقد أخرج (عليه السلام) ترك الصلاة
عنها وإضافة إلى الكفر الحقيقي كما هو ظاهر، ويؤيده أيضا ما تقدم في الأخبار من أن
الصلاة عمود الدين وأنه لا يقبل شئ من الأعمال وإن كانت سالمة من المبطلات إلا بقبول
الصلاة ونحو ذلك مما دل على أن الشفاعة لا تنال تاركها ولا يرد عليه الحوض، وفي
حديث القداح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " جاء رجل إلى النبي (صلى
الله عليه وآله) فقال يا رسول الله أوصي فقال لا تدع الصلاة متعمدا فإن من تركها
متعمدا فقد برئت منه ملة الاسلام " ونحو ذلك مما يشير إلى زوال الايمان من أصله
بتركها وكون تاركها كافرا كفرا حقيقيا فتكون مختصة من بين سائر الكبائر بذلك لما
عرفت، ومقابلة ذلك بمجرد الاستبعاد مع ظهور الأخبار فيه خروج عن نهج السداد،
ولعله لما ذكرناه مال المحدث الحر العاملي إلى حمل الكفر هنا على الكفر الحقيقي حيث
قال في كتاب الوسائل: " باب ثبوت الكفر والارتداد بترك الصلاة الواجبة جحودا
لها واستخفافا " (2) إلا أنه أيضا من المحتمل قريبا أن المراد بذلك هو المبالغة في حق
الصلاة والتنويه بشأنها وأن مرتبتها فوق مرتبة سائر الفرائض، ويشير إلى ذلك ما رواه
في الكافي عن عبيد بن زرارة (3) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله
تعالى: " ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله " (4) قال ترك العمل الذي أقربه من ذلك أن يترك الصلاة من غير سقم ولا شغل " وعن عبيد بن زرارة أيضا في الموثق (5) قال:
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تعالى " ومن يكفر بالايمان فقد حبط
عمله " (6) قال من ترك العمل الذي أقر به. قلت فما موضع ترك العمل حتى يدعه
أجمع؟ قال منه الذي يدع الصلاة متعمدا لا من سكر ولا من علة " والتقريب فيهما أنه

(1) رواه في الوسائل في الباب 11 من أعداد الفرائض.
(2) الباب 11 من أعداد الفرائض.
(3) رواه في الوسائل في الباب 2 من مقدمات العبادات.
(4) سورة المائدة، الآية 7.
(5) رواه في الوسائل في الباب 2 من مقدمات العبادات.
(6) سورة المائدة، الآية 7.
19

فسر الكفر هنا بكفر الترك وعد منه ترك الصلاة متعمدا لا من علة، والعمل في
الخبرين وإن كان أعم من المدعى إلا أنه يجب تقييده بالأخبار الدالة على أن موجب
الكفر إنما هو ترك كبائر العبادات وارتكاب كبائر المعاصي، وكيف كان فالظاهر
قوة ما ذكرناه أولا من اختصاص ترك الصلاة بهذا الحكم دون سائر كبائر الطاعات إلا أن الخطب يعظم في المسامع ويتسع الخرق على الراقع لاستلزام كفر جمهور الناس إذ لا
فرق بين تارك الصلاة بالكلية وبين من صلى صلاة باطلة ولا يخفى أن الصلاة الصحيحة
في عامة الناس أعز من الكبريت الأحمر، نسأل الله سبحانه العفو عن الزلات وإقالة
الخطيئات. والله العالم.
(المقام الرابع) - ما دل عليه صحيح أبان بن تغلب وحديث أبي بصير (1) -
من الحث على المحافظة على الصلوات في أوقاتها وأنها إذا صلاها لغير وقتها رجعت إليه
تدعو عليه - مما يدل على مذهب الشيخين في أن الوقت الثاني إنما هو لأصحاب الأعذار
وأما من ليس كذلك فوقته إنما هو الأول، والمراد بالمواقيت المأمور بالمحافظة فيهن هي
أوائل الأوقات التي هي على المشهور وقت فضيلة والوقت الثاني وقت اجزاء وعلى مذهب
الشيخين الأول وقت الاختيار والثاني وقت الاضطرار وأصحاب الأعذار، وسيأتي
مزيد بسط إن شاء الله تعالى في بيان صحة ما قلناه وحيث إنه له محلا أليق أخرنا
الكلام فيه إليه.
(فصل) - روى الصدوق في الفقيه في الصحيح عن زرارة بن أعين (2)
قال: " قلت لأبي جعفر (عليه السلام) أخبرني عما فرض الله تعالى من الصلوات قال
خمس صلوات في الليل والنهار. قلت هل سماهن الله وبينهن في كتابه؟ قال نعم قال الله
عز وجل لنبيه " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل " (3) ودلوكها زوالها

(1) ص 8 و 9.
(2) رواه في الوسائل في الباب 2 من أعداد الفرائض.
(3) سورة بني إسرائيل، الآية 80.
20

ففي ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات سماهن لله وبينهن ووقتهن وغسق الليل
انتصافه، ثم قال: " وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا " (1) فهذه الخامسة،
وقال في ذلك " أقم الصلاة طرفي النهار " (2) طرفاه المغرب والغداة " وزلفا من
الليل " (3) وهي صلاة العشاء الآخرة، وقال: " حافظوا على الصلوات والصلاة
الوسطى " (4) وهي صلاة الظهر وهي أول صلاة صلاها رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وهي وسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة وصلاة العصر، وقال في بعض القراءة
" حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وقوموا لله قانتين في الصلاة
الوسطى " قال وأنزلت هذه الآية يوم الجمعة ورسول الله (صلى الله عليه وآله) في
سفر فقنت فيها وتركها على حالها في السفر والحضر وأضاف للمقيم ركعتين وإنما وضعت
الركعتان اللتان أضافهما النبي (صلى الله عليه وآله) يوم الجمعة للمقيم لمكان الخطبتين
مع الإمام فمن صلى يوم الجمعة في غير جماعة فليصلها أربع ركعات كصلاة الظهر في
سائر الأيام ".
بيان: قد وقع الخلاف في المراد بالوسطى من الخمس المذكورة وللعامة فيها أقوال
متعدد قال بكل من الفرائض الخمس قائل وعلله بعلة تناسبه (5) إلا أن المذكور في

(1) سورة بني إسرائيل، الآية 80.
(2) سورة هود. الآية 116.
(3) سورة هود. الآية 116.
(4) سورة البقرة، الآية 239.
(5) أنهى الشوكاني في نيل الأوطار ج 1 ص 271 المحتملات في الصلاة الوسطى إلى
سبعة عشر: " 1 " العصر " 2 " الظهر " 3 " الصبح " 4 " المغرب " 5 " العشاء " 6 " الجمعة في يوم
الجمعة والظهر في سائر الأيام " 7 " إحدى الخمس مبهمة " 8 " جميع الصلوات الخمس " 9 " العشاء
والصبح " 10 " الصبح والعصر " 11 " صلاة الجمعة " 12 " صلاة الخوف " 13 " صلاة الوتر
" 14 " صلاة عيد الأضحى " 15 " صلاة عيد الفطر " 16 " الجمعة فقط " 17 " صلاة الضحى
وذكر الزرقاني احتمالا " 18 " أنها الصلاة على محمد (صلى الله عليه وآله) و " 19 " أنها الخشوع والاقبال
بالقلب لأن الوسطى بمعنى الفضلى أي الأفضل والمراد منه التوجه إلى المولى سبحانه بقلبه
وفي المغني لابن قدامة الحنبلي ج 1 ص 378 أنها صلاة العصر في قول أكثر أهل العلم من
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله). وفي الدر المختار للحصكفي الحنفي ج 1 ص 75 في وقت العصر أنها
هي الوسطى على المذهب. وفي المهذب للشيرازي الشافعي ج 1 ص 53 أنها الصبح. وفي
شرح الزرقاني المالكي على مختصر أبي الضياء أنها صلاة الصبح على المشهور وهو قول مالك
وعلماء المدينة وابن عباس وابن عمر.
21

كلام أصحابنا والمروي في أخبارنا منحصر في قولين (أحدهما) أنها الظهر وهذا هو
المشهور والمؤيد المنصور. و (ثانيهما) ما نقل عن المرتضى (رضي الله عنه) وجماعة أنها العصر
ويدل على ما هو المشهور الصحيحة المذكورة وما رواه الصدوق (طاب ثراه)
في كتاب معاني الأخبار في الصحيح عن أبي بصير يعني ليث المرادي (1) قال: " سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول الصلاة الوسطى صلاة الظهر وهي أول صلاة أنزل الله على
نبيه " وروى الطبرسي في مجمع البيان عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) في
الصلاة الوسطى " أنها صلاة الظهر " (2) وعن علي (عليه السلام) (3) " أنها الجمعة
يوم الجمعة والظهر في سائر الأيام " وروى الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره (4)
في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) " أنه قرأ حافظوا
على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين.. الحديث "
وروى العياشي في تفسيره عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (5) قال:
" قلت له الصلاة الوسطى؟ فقال حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر
وقوموا لله قانتين، والوسطى هي الظهر وكذلك كان يقرأها رسول الله (صلى الله عليه
وآله) " ووجه التسمية على هذا القول ظاهر مما ذكره (عليه السلام) في الخبر وقيل
لأنها وسط النهار وغير ذلك، والمعتمد ما دل عليه الخبر المذكور.

(1) رواه في الوسائل في الباب 5 من أعداد الفرائض.
(2) رواه في الوسائل في الباب 5 من أعداد الفرائض.
(3) رواه في الوسائل في الباب 5 من أعداد الفرائض.
(4) ص 69.
(5) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 5 من أعداد الفرائض.
22

ومما يدل على ما ذهب إليه المرتضى ما ذكره في الفقه الرضوي حيث قال (عليه
السلام) (1) " قال العالم الصلاة الوسطى العصر " ويشير إليه ما في الفقيه في باب علة
وجوب خمس صلوات في خمسة مواقيت في حديث نفر من اليهود سألوا النبي (صلى الله
عليه وآله) عن مسائل كان من جملتها السؤال عن فرض الصلوات الخمس في هذه
المواقيت الخمسة (2) حيث قال (صلى الله عليه وآله): " وأما صلاة العصر فهي الساعة
التي أكل فيها آدم من الشجرة فأخرجه الله تعالى من الجنة فأمر الله عز وجل ذريته بهذه
الصلاة إلى يوم القيامة واختارها لأمتي فهي من أحب الصلوات إلى الله عز وجل وأوصاني أن
أحفظها من بين الصلوات.. الحديث ".
هذا ما وقفت عليه مما يصلح أن يكون حجة له، ولا يخفى ما فيه في مقابلة تلك
الأخبار، والأظهر حمل خبر كتاب الفقه على التقية، وأما الخبر الآخر فهو غير ظاهر
في المنافاة لأن الأمر بالمحافظة عليها لا يستلزم أن تكون هي الوسطى المأمور بها في تلك
الآية بل يجوز أن تكون منضمة إليها في المحافظة كما دلت عليه القراءة المذكورة في صحيح
عبد الله بن سنان ورواية محمد بن مسلم المرويتين في تفسيري علي بن إبراهيم والعياشي،
قوله في الخبر المذكور (3) " وقال في بعض القراءة " يحتمل أن يكون من كلام الإمام
(عليه السلام) وهو الأقرب ويحتمل أن يكون من كلام الراوي.
ثم إن نسخ الأخبار المروي فيها هذا الخبر (4) قد اختلفت في ذكر الواو وعدمه
في هذه القراءة المنقولة قبل لفظ صلاة العصر، ففي الفقيه كما عرفت وكذا في العلل
والكافي بدون الواو ويلزم على ذلك تفسير الوسطى بصلاة العصر كما ذهب إليه المرتضى
(رضي الله عنه) والذي في التهذيب هو عطف صلاة العصر على الصلاة الوسطى، وبما ذكرنا
صرح المحقق الحسن في كتاب المنتقى أيضا فقال: إن نسخ الكتاب اختلفت في اثبات

(1) البحار ج 18 ص 27.
(2) رواه في الوسائل في الباب 2 من أعداد الفرائض.
(3) وهو صحيح زرارة المتقدم ص 20.
(4) وهو صحيح زرارة المتقدم ص 20.
23

الواو مع صلاة العصر في حكاية القراءة ففي بعضها بالواو وفي بعضها بدونها. انتهى.
أقول: والأظهر عندي حمل حذف الواو واسقاطها من تلك الكتب إما على
السهو من قلم المصنفين أو النساخ من أول الأمر ثم جرى عليه النقل، والدليل على ذلك
استفاضة الأخبار من طرق الخاصة والعامة الدالة على نقل هذه القراءة بنقل الواو فيها
غير هذا الخبر، فمن ذلك ما قدمناه من صحيحة عبد الله بن سنان ورواية محمد بن مسلم
المنقولتين عن تفسيري علي بن إبراهيم والعياشي، ومن ذلك ما نقله السيد الزاهد
العابد رضي الدين بن طاووس في كتاب فلاح السائل (1) قال (قدس سره): رويت
عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " كتبت امرأة الحسن بن علي
(عليهما السلام) مصحفا فقال الحسن للكاتب لما بلغ هذه الآية: حافظوا على الصلوات
والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين " ورويت من كتاب إبراهيم الخزاز
عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " حافظوا على الصلوات والصلاة
الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين " قال ورواه الحاكم النيسابوري في الجزء
الثاني من تاريخ نيسابور من طريقهم في ترجمة أحمد بن يوسف السلمي باسناده إلى ابن عمر
قال: " أمرت حفصة بنت عمران يكتب لها مصحف فقالت للكاتب إذا أتيت على آية
الصلاة فآذني حتى آمرك أن تكتبه كما سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما
آذنها أمرته أن يكتب " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر " وروى
أبو جعفر بن بابويه في كتاب معاني الأخبار (2) في باب معنى الصلاة الوسطى مثل هذا
الحديث عن عائشة. انتهى كلامه زيد مقامه.
أقول: وقد نقل الصدوق في كتاب معاني الأخبار أخبارا عديدة من طرق
القوم بهذه الكيفية، ومن جميع هذه الأخبار يظهر أيضا أن المراد بالصلاة الوسطى صلاة
الظهر، والمفهوم منها أيضا أن هذه القراءة قد أسقطها أصحاب الصدر الأول حين جمعوا

(1) حكاه عنه في البحار ج 18 ص 27.
(2) ص 94.
24

القرآن ولهذا أن هؤلاء المذكورين يتلافون نقلها في مصاحفهم لعلمهم بثبوتها عنه (صلى
الله عليه وآله) وقد عرفت من روايتي علي بن إبراهيم والعياشي أن تلك القراءة أيضا
ثابتة عن أهل البيت (عليهم السلام) لدلالة الأولى على أن الصادق (عليه السلام)
كان هكذا يقرأها ودلالة الثانية على أن الرسول (صلى الله عليه وآله) كان هكذا يقرأها
قوله (عليه السلام) (1) " أنزلت هذه الآية يوم الجمعة.. إلى آخره " الظاهر أن
الغرض من هذا بيان أن القنوت إنما أمر به في ذلك الوقت في الصلاة الوسطى في الركعتين
الأوليين اللتين صلاهما يوم الجمعة وهو في السفر كما يدل عليه قوله (عليه السلام)
" وقوموا لله قانتين في صلاة الوسطى " وأما قوله " وتركها على حالها في السفر
والحضر " أي ترك هاتين الركعتين في ذلك الوقت من هذا اليوم على حالهما في السفر
من غير زيادة لوجوب القصر في السفر وفي الحضر لأنها تصلى جمعة وأضاف للمقيم
الغير المصلي للجمعة أو المقيم يعني في غير الجمعة ركعتين، والأول أظهر كما يشعر به تتمة
الخبر، ثم علل وضع الركعتين عن المقيم المصلي جمعة بالنسبة إلى المقيم الغير المصلي جمعة
بأن الخطبتين قائمة مقامهما، وحينئذ فما توهمه بعض الأفاضل من الاشكال في هذا المجال
ناشئ من عدم التأمل في أطراف المقال.
ثم إن ظاهر الخبر مما يدل على وجوب القنوت في الصلاة الوسطى خاصة فالاستدلال
بالآية على وجوب القنوت مطلقا كما نقل عن الصدوق ومن تبعه ليس في محله، وتقريب
الاستدلال بعدم القائل بالفصل فيطرد في غير الوسطى مردود عندنا بعدم الاعتماد على
الاجماع بسيطا كان أو مركبا، وسيأتي تحقيق المسألة في محلها إن شاء الله تعالى.
وعن محمد بن الفضيل (2) قال: " سألت عبدا صالحا (عليه السلام) عن قول
الله عز وجل " الذين هم عن صلاتهم ساهون " (3) قال هو التضييع ".

(1) في صحيح زرارة ص 20.
(2) رواه في الوسائل في الباب 7 من أعداد الفرائض.
(3) سورة الماعون، الآية 5.
25

وعن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " قال رسول الله (صلى الله
عليه وآله) لا يزال الشيطان ذعرا من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس فإذا ضيعهن
تجرأ عليه فأدخله في العظائم ".
وعن الفضيل في الصحيح أو الحسن (2) قال: " سألت أبا جعفر (عليه السلام)
عن قول الله عز وجل " الذين هم على صلاتهم يحافظون " (3) قال هي الفريضة. قلت
" الذين هم على صلاتهم دائمون " (4) قال هي النافلة ".
وعن داود بن فرقد (5) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) " إن الصلاة كانت
على المؤمنين كتابا موقوتا " (6) قال كتابا ثابتا وليس إن عجلت قليلا أو أخرت قليلا
بالذي يضرك ما لم تضيع تلك الإضاعة فإن الله عز وجل يقول لقوم: أضاعوا الصلاة
واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا " (7).
وروى الصدوق في كتاب عيون الأخبار بسنده عن الرضا عن أبيه (عليهما
السلام) (8) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا كان يوم القيامة يدعى
بالعبد فأول شئ يسأل عنه الصلاة فإن جاء بها تامة وإلا زخ في النار " قال: " وقال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا تضيعوا صلاتكم فإن من ضيع صلاته حشر مع
قارون وهامان وكان حقا على الله أن يدخله النار مع المنافقين فالويل لمن لم يحافظ على
صلاته وأداء سنة نبيه ".
بيان: قد تقدم أن من جملة التضييع التأخير إلى الوقت الثاني من غير علة ولا
عذر كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى في محله من الأوقات.

(1) رواه في الوسائل في الباب 7 من أعداد الفرائض.
(2) رواه في الوسائل في الباب 7 من أعداد الفرائض.
(3) سورة المعارج، الآية 34.
(4) سورة المعارج، الآية 23.
(5) رواه في الوسائل في الباب 7 من أعداد الفرائض.
(6) سورة النساء، الآية 104.
(7) سورة مريم، الآية 60.
(8) رواه في الوسائل في الباب 7 من أعداد الفرائض.
26

المقدمة الثانية
في اعداد الصلوات اليومية ونوافلها وما يتبع ذلك من الأحكام، وروى ثقة
الاسلام في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) قال: " الفريضة والنافلة إحدى وخمسون ركعة: منها ركعتان بعد العتمة
جالسا تعدان بركعة وهو قائم، الفريضة منها سبع عشرة ركعة والنافلة أربع وثلاثون ركعة "
وبهذا الاسناد عن الفضيل والبقباق وبكير (2) قالوا: " سمعنا أبا عبد الله (عليه
السلام) يقول كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي من التطوع مثلي الفريضة
ويصوم من التطوع مثلي الفريضة ".
وروى في الكافي والتهذيب عن ابن أبي عمير (3) قال: " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) أفضل ما جرت به السنة من الصلاة قال تمام الخمسين ".
وروى في الكافي والتهذيب عن حنان (4) قال: " سأل عمرو بن حريث
أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا جالس فقال له جعلت فداك أخبرني عن صلاة رسول الله
(صلى الله عليه وآله) قال كان النبي يصلي ثماني ركعات الزوال وأربعا الأولى وثماني
بعدها وأربعا العصر وثلاثا المغرب وأربعا بعد المغرب والعشاء الآخرة أربعا وثماني
صلاة الليل وثلاثا الوتر وركعتي الفجر وصلاة الغداة ركعتين. قلت جعلت فداك فإن
كنت أقوى على أكثر من هذا يعذبني الله على كثرة الصلاة؟ فقال لا ولكن يعذب
على ترك السنة ".
وروى في الفقيه عن الصيقل عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال: " إني لامقت
الرجل يأتيني فيسألني عن عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيقول أزيد كأنه
يري أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قصر في شئ، وإني لأمقت الرجل قد قرأ

(1) رواه في الوسائل في الباب 13 من أعداد الفرائض.
(2) رواه في الوسائل في الباب 13 من أعداد الفرائض.
(3) رواه في الوسائل في الباب 13 من أعداد الفرائض.
(4) رواه في الوسائل في الباب 13 من أعداد الفرائض.
(5) ج 1 ص 303.
27

القرآن ثم يستيقظ من الليل فلا يقوم حتى إذا كان عند الصبح قام يبادر بصلاته ".
بيان: الظاهر أن مقت الأول لما يفهم من كلامه من أنه بزيادته في الصلاة على
ما كان يأتي به (صلى الله عليه وآله) كأنه يريد أن يفوقه ويعلو عليه بالزيادة وهو إن
لم يكن كفرا فهو جهل محض لأن العبرة ليس بكثرة الصلاة بل بالاقبال عليها الذي هو
روح العبادة والاتيان بها على أكمل وجوهها، ومن ذا الذي يروم بلوغه في المقام الأول؟
وكذا في المقام الثاني حتى أنه روى (1) " أنه كان يقوم في الصلاة على أطارف أصابعه حتى
تورمت قدماه اجهادا لنفسه في العبادة حتى عاتبه الله تعالى على ذلك رأفة به فقال: طه ما
أنزلنا عليك القرآن لتشقى " (2) " وكان يقسم الليل انصافا فيقوم في صلاة الليل بطوال
السور وكان إذا ركع يقال لا يدري متى يرفع وإذا سجد يقال لا يدري متى يرفع " (3)
ونحو ذلك. والظاهر أن مقت الثاني لمزيد الكسل عن صلاة الليل إذا كان ممن يقرأ
القرآن ويحفظ سورة وتلاوتها ينتبه في وقت صلاة الليل فلا يقوم إليها حتى إذا فجأه الصبح
قام مبادرا بها يصليها بعجل وقلة توجه واقبال أو يزاحم بها الفريضة في وقتها.
وروى في الكافي والتهذيب في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (4) قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) هل قبل العشاء الآخرة وبعدها شئ؟ قال لا غير أني أصلي
بعدها ركعتين ولست أحسبهما من صلاة الليل " بيان: الظاهر أن الاستفهام عن توظيف
شئ من النوافل قبل أو بعد مثل سائر النوافل الموظفة فأجاب ب‍ " لا " وذلك لأن العلة
كما سيأتي بيانه في المقام إن شاء الله تعالى إن هاتين الركعتين إنما زيدتا على الموظف في
اليوم والليلة لإحدى جهتين يأتي ذكرهما إن شاء الله، وفي قوله: " ولست أحسبهما من
صلاة الليل " رد على ما ذهب إليه العامة من جواز تقديم الوتر الموظف آخر الليل في أوله

(1) تفسير البرهان ج 2 ص 670.
(2) سورة طه، الآية 1 و 2.
(3) الوسائل في الباب 53 من أبواب المواقيت.
(4) رواه في الوسائل في الباب 27 من أعداد الفرائض.
28

فإن استيقظوا آخر الليل أعادوه وصلوا وترين في ليلة (1).
وروى الشيخ في التهذيب في الحسن عن عبد الله بن سنان (2) قال: " سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لا تصل أقل من أربع وأربعين ركعة. قال ورأيته يصلي
بعد العتمة أربع ركعات " بيان: قال في الوافي أما الأربع ركعات فلعلها كانت غير
الرواتب أو قضاء لها. انتهى.
وروى الشيخان المذكوران في الكتابين عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (3)
قال: " قلت لأبي الحسن (عليه السلام) أن أصحابنا يختلفون في صلاة التطوع: بعضهم
يصلي أربعا وأربعين وبعضهم يصلي خمسين فأخبرني بالذي تعمل به أنت كيف هو حتى
أعمل بمثله؟ فقال أصلي واحدة وخمسين ركعة ثم قال امسك - وعقد بيده - الزوال ثمانية
وأربعا بعد الظهر وأربعا قبل العصر وركعتين بعد المغرب وركعتين قبل العشاء الآخرة
وركعتين بعد العشاء من قعود تعدان بركعة من قيام وثمان صلاة الليل والوتر ثلاثا
وركعتي الفجر والفرائض سبع عشرة فذلك إحدى وخمسون ركعة ".
وروى في الكافي في الصحيح عن حماد بن عثمان (4) قال: " سألته عن التطوع
بالنهار فذكر أنه يصلي ثماني ركعات قبل الظهر وثماني بعدها ".
وعن الحارث بن المغيرة في الصحيح (5) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام)

(1) في المغني ج 2 ص 163 " من أوتر من الليل ثم قام للتهجد فالمستحب أن يصلي
مثنى مثنى ولا ينقض وتره " وفي ص 164 قال، " سئل أحمد عن من أوتر يصلي بعدها
مثنى مثنى قال نعم ولكن يكون الوتر بعد ضجعة " وفي الفقه على المذاهب الأربعة ج 1
ص 292 " عند المالكية إذا قدم الوتر عقب صلاة العشاء ثم استيقظ آخر الليل وتنفل
كره له أن يعيد الوتر ".
(2) رواه في الوسائل في الباب 14 من أعداد الفرائض.
(3) رواه في الوسائل في الباب 13 من أعداد الفرائض.
(4) رواه في الوسائل في الباب 13 من أعداد الفرائض.
(5) رواه في الوسائل في الباب 24 من أعداد الفرائض.
29

أربع ركعات بعد المغرب لا تدعهن في حضر ولا سفر " ونحوه في خبر آخر عنه (عليه
السلام) أيضا (1) وزاد فيه " وأن طلبتك الخيل ".
وروى الشيخ في التهذيب عن زرارة (2) قال: " سمعت أبا جعفر (عليه
السلام) يقول كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يصلي من النهار شيئا حتى تزول
الشمس فإذا زالت قدر نصف إصبع صلى ثماني ركعات فإذا فاء الفئ ذراعا صلى الظهر ثم
صلى بعد الظهر ركعتين ويصلي قبل وقت العصر ركعتين فإذا فاء الفئ ذراعين صلى العصر
وصلى المغرب حين تغيب الشمس فإذا غاب الشفق دخل وقت العشاء وآخر وقت المغرب
اياب الشفق فإذا آب السفق دخل وقت العشاء وآخر وقت العشاء ثلث الليل،
وكان لا يصلي بعد العشاء حتى ينتصف الليل ثم يصلي ثلاث عشرة ركعة منها الوتر ومنها
ركعتا الفجر قبل الغداة فإذا طلع الفجر وأضاء صلى الغداة ".
وروى في الفقيه مرسلا (3) قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام) كان
رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يصلي من النهار شيئا حتى تزول الشمس فإذا زالت
صلى ثماني ركعات وهي صلاة الأوابين تفتح في تلك الساعة أبواب السماء ويستجاب
الدعاء وتهب الريح وينظر الله إلى خلقه فإذا فاء الفئ ذراعا صلى الظهر أربعا وصلى بعد
الظهر ركعتين ثم صلى ركعتين أخراوين ثم صلى العصر أربعا إذا فاء الفئ ذراعا
ثم لا يصلي بعد العصر شيئا حتى تؤوب الشمس فإذا آبت وهو أن تغيب صلى المغرب ثلاثا
وبعد المغرب أربعا ثم لا يصلي شيئا حتى يسقط الشفق فإذا سقط الشفق صلى العشاء ثم
آوى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى فراشه ولم يصل شيئا حتى يزول نصف الليل
فإذا زال نصف الليل صلى ثماني ركعات وأوتر في الربع الأخير من الليل بثلاث ركعات

(1) رواه في الوسائل في الباب 24 من أعداد الفرائض.
(2) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب المواقيت.
(3) رواه في الوسائل في الباب 14 من أعداد الفرائض.
30

فقرأ فيهن فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد ويفصل بين الثلاث بتسليمة ويتكلم ويأمر
بالحاجة ولا يخرج من مصلاه حتى يصلي الثالثة التي يوتر فيها ويقنت فيها قبل الركوع ثم يسلم
ويصلي ركعتي الفجر قبل الفجر وعنده وبعيده ثم يصلي ركعتي الصبح وهو الفجر إذا اعترض
الفجر وأضاء حسنا، فهذه صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي قبضه الله
عز وجل عليها ".
وروى في التهذيب عن يحيى بن حبيب (1) قال: " سألت الرضا (عليه السلام)
عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى الله تعالى من الصلاة؟ قال ست وأربعون ركعة فرائضه
ونوافله قلت. هذه رواية زرارة؟ قال أو ترى أحدا كان أصدع بالحق منه؟ ".
وعن أبي بصير (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التطوع بالليل
والنهار فقال الذي يستحب أن لا يقصر عنه ثمان ركعات عند زوال الشمس وبعد الظهر
ركعتان وقبل العصر ركعتان وبعد المغرب ركعتان وقبل العتمة ركعتان ومن السحر ثمان
ركعات ثم يوتر والوتر ثلاث ركعات مفصولة ثم ركعتان قبل صلاة الفجر، وأحب صلاة
الليل إليهم آخر الليل " بيان: من المحتمل قريبا أن يكون قوله في آخر الخبر " وأحب
صلاة الليل إليهم " من كلام أبي بصير والمراد بضمير " إليهم " الأئمة (عليهم السلام) ويحتمل
أن يكون من قول الإمام (عليه السلام) ويكون الضمير راجعا إلى الآمرين بها وهم
الرسول والأئمة (صلوات الله عليهم).
وروى الشيخ في الموثق عن زرارة (3) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
ما جرت به السنة في الصلاة؟ قال ثمان ركعات الزوال وركعتان بعد الظهر وركعتان
قبل العصر وركعتان بعد المغرب وثلاث عشرة ركعة من آخر الليل منها الوتر وركعتا
الفجر. قلت فهذا جميع ما جرت به السنة؟ قال نعم. فقال أبو الخطاب أفرأيت أن قوي
فزاد؟ قال فجلس وكان متكئا قال إن قويت فصلها كما كانت تصلي وكما ليست في ساعة

(1) رواه في الوسائل في الباب 14 من أعداد الفرائض.
(2) رواه في الوسائل في الباب 14 من أعداد الفرائض.
(3) رواه في الوسائل في الباب 14 من أعداد الفرائض.
31

من النهار فليست في ساعة من الليل إن الله عز وجل يقول: ومن آناء الليل فسبح " (1)
بيان: هذا الخبر مؤيد لما قدمناه في بيان مقت الصادق (عليه السلام) لمن سأل عن
عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيقول أزيد، وحاصل كلامه (عليه السلام) إن
هذا العدد وإن قل في النظر إلا أنه صعب من حيث أخذ الاقبال والخشوع فيه وتفريقه
في الساعات المذكورة والمداومة عليه ونحو ذلك مما تقدم.
وروى الشيخ في الصحيح عن زرارة (2) قال: " قلت لأبي جعفر (عليه السلام)
إني رجل تاجر اختلف واتجر فكيف لي بالزوال والمحافظة على صلاة الزوال وكم أصلي؟
قال تصلي ثماني ركعات إذا زالت الشمس وركعتين بعد الظهر وركعتين قبل العصر فهذه
اثنتا عشرة ركعة، وتصلي بعد المغرب ركعتين وبعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة
منها الوتر ومنها ركعتا الفجر وذلك سبع وعشرون ركعة سوى الفريضة، وإنما هذا كله
تطوع وليس بمفروض، أن تارك الفريضة كافر وأن تارك هذه ليس بكافر ولكنها
معصية لأنه يستحب إذا عمل الرجل عملا من الخير أن يدوم عليه ".
وروى في الكافي عن الفضل بن أبي قرة رفعه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: " سئل عن الخمسين والواحدة ركعة فقال إن ساعات النهار اثنتا عشرة ساعة
وساعات الليل اثنتا عشرة ساعة ومن طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة غير ساعات
الليل والنهار ومن غروب الشمس إلى غروب الشفق غسق فلكل ساعات ركعتان وللغسق ركعة "
وروى الشيخ في التهذيب عن الحجال عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) " أنه
كان يصلي ركعتين بعد العشاء يقرأ فيهما بمائة آية ولا يحتسب بهما وركعتين وهو جالس

(1) سورة طه، الآية 130.
(2) رواه في الوسائل في الباب 14 من أعداد الفرائض.
(3) رواه في الوسائل في الباب 13 من أعداد الفرائض.
(4) رواه في الوسائل في الباب 44 من أبواب المواقيت.
32

يقرأ فيهما بقل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون فإن استيقظ من الليل صلى صلاة
الليل وأوتر وإن لم يستيقظ حتى يطلع الفجر صلى ركعة فصارت شفعا واحتسب بالركعتين
اللتين صلاهما بعد العشاء وترا " وفي بعض نسخ الحديث " صلى ركعتين فصارت شفعا "
وفي بعضها " فصارت سبعا " والظاهر أن الأخير تصحيف.
وقال (عليه السلام) في كتاب الفقه الرضوي (1) " اعلم يرحمك الله أن الفريضة
والنافلة في اليوم والليلة إحدى وخمسون ركعة، الفرض منها سبع عشرة ركعة فريضة
وأربعة وثلاثون ركعة سنة: الظهر أربع ركعات والعصر أربع ركعات والمغرب ثلاث
ركعات والعشاء الآخرة أربع ركعات والغداة ركعتان فهذه فريضة الحضر، وصلاة
السفر الفريضة إحدى عشرة ركعة: الظهر ركعتان والعصر ركعتان والمغرب ثلاث ركعات
والعشاء الآخرة ركعتان والغداة ركعتان، والنوافل في الحضر مثلا الفريضة لأن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال فرض علي ربي سبع عشرة ركعة ففرضت على
نفسي وأهل بيتي وشيعتي بإزاء كل ركعة ركعتين ليتم بذلك الفرائض ما يلحقه من
التقصير والثلم: منها - ثمان ركعات قبل زوال الشمس وهي صلاة الأوابين وثمان بعد الظهر
وهي صلاة الخاشعين وأربع ركعات بين المغرب والعشاء الآخرة وهي الصلاة الذاكرين
وركعتان عند صلاة العشاء الآخرة من جلوس تحسب بركعة من قيام وهي صلاة الشاكرين
وثمان ركعات صلاة الليل وهي صلاة الخائفين وثلاث ركعات الوتر وهي صلاة الراغبين
وركعتان بعد الفجر وهي صلاة الحامدين، والنوافل في السفر أربع ركعات بعد المغرب
وركعتان بعد العشاء الآخر من جلوس وثلاث عشرة ركعة صلاة الليل مع ركعتي
الفجر، وإن لم يقدر بالليل قضاها بالنهار أو من قابله في وقت صلاة الليل أو من أول الليل "
أقول: في هذه الأخبار الجليلة عدة طرائف نبيلة وجملة لطائف جميلة:
(الأولى) - اختلفت هذه الأخبار في عدد النافلة الموظفة في اليوم والليلة،

(1) ص 6.
33

فمنها ما دل على أنها أربع وثلاثون وهذا هو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
بل نقل الشيخ فيه الاجماع، ومنها ما دل على أنها ثلاث وثلاثون باسقاط الوتيرة بعد العشاء،
ومنها ما دل على أنها تسع وعشرون باسقاط أربع قبل العصر مضافة إلى الوتيرة، ومنها
ما دل على أنها سبع وعشرون باسقاط ركعتين من نافلة المغرب زيادة على ما ذكر، والوجه في
الجمع بينها في ذلك - كما ذكره جملة من أصحابنا - أن يحمل الفرد الأقل على ما كان أوكد استحبابا
إذ الأمر بالأقل لا يوجب نفي استحباب الأكثر، نعم ربما أوهم صحيح زرارة المتقدم -
لقوله فيه " أخبرني عما جرت به السنة في الصلاة " فأجابه بأن جميع ما جرت به السنة
ما عده وهو سبع وعشرون - خلاف ذلك فإن الظاهر نفي السنة والتوظيف عما عدا
السبع والعشرين، والشيخ (قدس سره) قد حمل الرواية المذكورة على أنه سوغ ذلك
لزرارة لعذر كان فيه. ولا يخلو من بعد بل الأظهر الحمل على السنة المؤكدة التي لا مرتبة
بعدها في النقصان، ويشير إلى ذلك رواية ابن أبي عمير (1) قال: " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن أفضل ما جرت به السنة من الصلاة؟ فقال تمام الخمسين " والتقريب فيها
أن النوافل منها بعد اخراج الفرائض ثلاث وثلاثون باسقاط الوتيرة لأنها ليست من
الرواتب وإنما زيدت عليها ليتم بها عدد النوافل بأن يكون بإزاء كل ركعة من الفريضة
ركعتان من النافلة، فهذه هي المرتبة العليا في الفضل وإن جاز النقصان فيها من حيث
التوظيف منتهيا إلى السبع والعشرين التي هي السنة المؤكدة لا مرتبة دونها.
بقي الاشكال هنا في موضعين: (الأول) أن أكثر الأخبار دل على أنه (صلى الله
عليه وآله) لم يكن يصلي الوتيرة التي بعد العشاء وأنه كان بعد صلاة العشاء يأوي إلى
فراشه إلى نصف الليل. وأظهر منها ما رواه الصدوق في كتاب العلل عن أبي بصير عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (2) في حديث في الوتيرة " قال فقلت هل صلى رسول الله

(1) المروية في الوسائل في الباب 13 من أعداد الفرائض.
(2) رواه في الوسائل في الباب 21 من أعداد الفرائض.
34

(صلى الله عليه وآله) هاتين الركعتين؟ قال لا. قلت ولم؟ قال لأن رسول الله (صلى
الله عليه وآله) كان يأتيه الوحي وكان يعلم أنه هل يموت في هذه الليلة أم لا وغيره
لا يعلم فمن أجل ذلك لم يصلهما وأمر بهما " مع أن رواية الفضيل والبقباق وبكير وهي
الثانية من الروايات المتقدمة دلت على أنه (صلى الله عليه وآله) يصلي من التطوع مثلي
الفريضة وهذا لا يكون إلا بضم الوتيرة حتى تتم المماثلة وأن يكون بإزاء كل ركعة من
الفريضة ركعتان من النافلة. وأما ما أجاب به في الوافي - من حمل أخبار أنه كان بعد
صلاة العشاء يأوي إلى فراشه على أن المراد بالعشاء نافلتها - ففيه أنه وإن تم له في هذه الأخبار
مع بعده إلا أنه لا يتم في خبر العلل الذي ذكرناه. وما أجاب به في الوسائل أيضا - من
الجمع بينها بأنه كان يصليها تارة ويترك تارة - في غاية البعد ولا سيما من خبر العلل
كما لا يخفى.
(الثاني) ما تضمنه خبر زرارة في وصف صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)
من الاقتصار على تسع وعشرين بترك الوتيرة وأربع ركعات من الثمان التي بعد الظهر
وكذلك مرسلة الفقيه التي بعدها ودلالة المرسلة المذكورة على أن هذه صلاته التي قبض
عليها، مع أن جملة الأخبار الواردة في وصف صلاته إنما اختلفت في الوتيرة خاصة
فأكثرها دال على عدمها وأما ما عداها فلا ومنها الرواية الثانية من الروايات التي قدمناها
والرابعة وهي رواية حنان ورواية كتاب الفقه الرضوي. فإنها قد اشتركت في الدلالة
على صلاة ثمان بعد الظهر كما استفاضت به الأخبار. وحمل الخبرين الدالين على السقوط
على كون ذلك في آخر عمره كما احتمله البعض لا يخلو من الاشكال لأنه إن كان عن
نسخ فكيف استفاضت الأخبار عنهم (عليهم السلام) بفعلها وإن كان عن ضعف وعلة
بالنسبة إليه (صلى الله عليه وآله) فبعده أظهر من أن ينكر.
(الطريفة الثانية) - ما دل عليه قوله (عليه السلام) في آخر خبر حنان " ولكن
يعذب على ترك السنة " ربما أشكل بحسب ظاهره حيث إن المستحب مما يجوز تركه شرعا
35

فكيف يترتب على تركه العذاب؟ ولهذا قال المحدث الكاشاني ذيل هذا الخبر: يعني
أن السنة في الصلاة ذلك فمن زاد عليه وجعل الزائد سنة فقد أبدع وترك سنة النبي (صلى
الله عليه وآله) وبدلها بسنته التي أبدعها فيعذبه الله على ذلك لا على كثرة الصلاة من غير أن يجعلها بدعة مرسومة ويعتقدها سنة قائمة لما ورد من أن الصلاة خير موضوع فمن شاء
استكثر ومن شاء استقل (1). انتهى.
أقول: لا يخفى أنه قد ورد في الأخبار ما هو ظاهر التأييد لما دل عليه ظاهر
هذا الخبر مثل قوله (عليه السلام) " معصية " في صحيحة زرارة المذكورة في المقام
من الدلالة على كون ذلك معصية وإن كان مستحبا ومتى ثبت كونه معصية حسن ترتب
العذاب عليه، ويؤيد ذلك استفاضة الأخبار بأن تارك صلاة الجماعة من غير علة مستحق
لأن يحرق عليه بيته (2) مع أن صلاة الجماعة ليست بواجبة، وكذلك ما ورد من أنه لو
أصر أهل مصر على ترك الأذان لقاتلهم الإمام (3).
نعم يبقى الاشكال في أنه قد ورد أيضا في جملة من الأخبار أن العبد إذا لقي الله
عز وجل بصلاة الفريضة لم يسأله عما سواها، ومن تلك الأخبار حديث عائذ الأحمسي
المروي بعدة أسانيد ومتون مختلفة: منها - ما رواه في الكافي (4) في الصحيح أو الحسن
عن جميل بن دراج عن عائذ الأحمسي قال: " دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام)
وأنا أريد أن أسأله عن صلاة الليل فقلت السلام عليك يا ابن رسول الله (صلى الله
عليه وآله) فقال وعليك السلام إي والله إنا لولده وما نحن بذوي قرابته، ثلاث مرات

(1) رواه في الوسائل في الباب 42 من أحكام المساجد وفي المستدرك في الباب
10 و 12 من أعداد الفرائض.
(2) رواه في الوسائل في الباب 2 من صلاة الجماعة.
(3) لم نعثر عليه
في مظانه نعم ورد ذلك بنحو الفتوى في كلام بعض كما في البحر الرائق ج 1 ص 255.
(4) الفروع ج 1 ص 137 وفي الوسائل في الباب 17 من أعداد الفرائض.
36

قالها ثم قال من غير أن أسأله إذا لقيت الله بالخمس المفروضات لم يسألك عما سوى ذلك "
وروى في الفقيه مرسلا عن معمر بن يحيى (1) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول إذا جئت بالخمس الصلوات لم تسأل عن صلاة وإذا جئت بصوم شهر رمضان لم
تسأل عن صوم " وبهذا المضمون أخبار عديدة قد تضمن بعضها أيضا عدم السؤال عن
الصدقة إذا أدى الزكاة الواجبة.
أقول: ووجه الجمع بين هذه الأخبار والأخبار المتقدمة محتمل بأحد وجهين:
(الأول) حمل عدم السؤال في هذه الأخبار على الاتيان بالفرائض كاملة صحيحة
مقبولة لا تحتاج إلى تكميل حيث إن النوافل إنما وضعت لتكميل الفرائض كما عرفت فيما
تقدم وحينئذ فإذا أتى بها على الوجه المذكور لم يحتج إلى النوافل ولم يسأل عنها.
(الثاني) - أن يحمل الترك الموجب للعذاب والمؤاخذة في الأخبار الأولة
على ترك يكون على جهة الاستخفاف بالدين والتهاون بكلام سيد المرسلين (صلى الله
عليه وآله) وعدم المبالاة بكمالات الشرع المبين وبذلك لا يبعد ترتب العقاب على
ذلك كما يشير إلى ذلك قوله (عليه السلام) في بعض تلك الأخبار في تارك النافلة (2)
" لقي الله مستخفا متهاونا مضيعا لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ".
(الثالثة) - قال الصدوق (قدس سره): أفضل هذه الرواتب ركعتا الفجر ثم
ركعة الوتر ثم ركعتا الزوال ثم نافلة المغرب ثم تمام صلاة الليل ثم تمام نوافل النهار. قال في المدارك
بعد نقل ذلك عنه: ولم نقف له على دليل يعتد به. أقول: ستعرف دليله إن شاء الله تعالى
في المقام. ونقل عن ابن أبي عقيل لما عد النوافل وثماني عشرة ركعة بالليل منها نافلة
المغرب والعشاء ثم قال بعضها أوكد من بعض وأوكدها الصلوات التي تكون بالليل
لا رخصة في تركها في سفر ولا حضر. وقال في المعتبر ركعتا الفجر أفضل من الوتر ثم

(1) رواه في الوسائل في الباب 2 من أعداد الفرائض.
(2) رواه في الوسائل في الباب 18 من أعداد الفرائض.
37

نافلة المغرب ثم صلاة الليل، وذكر روايات تدل على فضل هذه الصلوات. وقال في الذكرى
بعد نقلها - ونعم ما قال - هذه المتمسكات غايتها الفضيلة أما الأفضلية فلا دلالة فيها
عليها. انتهى. ومنه يظهر أيضا ما في كلام صاحب المدارك هنا حيث أنه قال أفضل الرواتب
صلاة الليل لكثرة ما ورد فيها من الثواب ولقول النبي (صلى الله عليه وآله) في وصيته
لعلي (عليه السلام) (1) " وعليك بصلاة الليل، ثلاثا " رواه معاوية بن عمار في الصحيح
عن الصادق (عليه السلام) ثم صلاة الزوال لقوله (صلى الله عليه وآله) في الوصية (2)
بعد ذلك " وعليك بصلاة الزوال، ثلاثا " ثم نافلة المغرب لقوله (عليه السلام) في رواية
الحارث بن المغيرة (3) " أربع ركعات لا تدعهن في حضر ولا في سفر " ثم ركعتا الفجر.
أقول: لم أقف لهذه الأقوال على مستند من الأخبار زيادة على ما عرفت سوى
ما ذكره في الفقيه فإنه مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي على ما عرفت سابقا وستعرف
قال (عليه السلام) في الكتاب المذكور (4) " واعلم أن أفضل النوافل ركعتا الفجر
وبعدها ركعة الوتر وبعدها ركعتا الزوال وبعدها نوافل المغرب وبعدها صلاة الليل
وبعدها نوافل النهار " أنهى. وبه يظهر لك مستند الصدوق (قدس سره) فيما ذكره
إلا أن الكتاب لم يصل إلى نظر المتأخرين فكثيرا ما يعترضون عليه وعلى أبيه في مثل
ذلك مما مستنده مثل هذا الكتاب كما تقدم في غير موضع ويأتي أمثاله إن شاء الله تعالى
(الرابعة) - قد صرح جملة من الأصحاب: منهم - المحقق في المعتبر وتبعهم المحدث
الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني والمحقق الفاضل الشيخ أحمد بن إسماعيل الجزائري
المجاور في النجف الأشرف حيا وميتا بأن في الوتر التي هي عبارة عن الركعات الثلاث
المشهورة في كلام الأصحاب بركعتي الشفع ومفردة الوتر قنوتات ثلاثة أحدها في ركعتي

(1) رواه في الوسائل في الباب 25 من أعداد الفرائض.
(2) رواه في الوسائل في الباب 28 من أعداد الفرائض.
(3) المروية في الوسائل في الباب 24 من أعداد الفرائض.
(4) ص 13.
38

الشفع والثاني في مفردة الوتر قبل الركوع والثالث فيها أيضا بعد الركوع. والمستفاد من
الأخبار المستفيضة الصحيحة الصريحة أنه ليس فيها إلا قنوت واحد في الركعة التي سموها
مفردة الوتر قبل الركوع. واستدلوا على استحباب القنوت في ركعتي الشفع باطلاق
الأخبار الدالة على أن القنوت في كل ركعتين من الفريضة والنافلة في الركعة الثانية (1)
وفي بعضها أيضا بزيادة قبل الركوع وستأتي إن شاء الله في باب القنوت. أقول: ويدل
على ذلك خصوص ما رواه في كتاب عيون الأخبار عن رجاء بن أبي الضحاك الذي حمل
الرضا (عليه السلام) إلى خراسان في حديث وصف صلاته (عليه السلام) (2) قال:
" فيصلي ركعتي الشفع يقرأ في كل ركعة منهما الحمد وقل هو الله أحد ثلاث مرات
ويقنت في الثانية... الحديث ".
وصرح شيخنا البهائي (قدس سره) في حواشي كتاب مفتاح الفلاح بأن القنوت
في الوتر التي هي عبارة عن الثلاث إنما هو في الثالثة وأن الأوليين المسماتين بركعتي
الشفع لا قنوت فيهما، واستدل على ذلك بصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (3) قال: " القنوت في المغرب في الركعة الثانية وفي العشاء والغداة
مثل ذلك وفي الوتر في الركعة الثالثة " ثم قال (قدس سره) وهذه الفائدة لم يتنبه
عليها وعلماؤنا. انتهى. وظاهر كلامه شهرة القول باستحباب القنوت في ركعتي الشفع
حتى أنه لم يحصل فيه مخالف قبله، وهو كذلك إلا أنه قد سبقه إلى ما ذكره السيد السند
(قدس سره) في المدارك والظاهر أنه لم يقف عليه حيث قال في أول كتاب الصلاة
في الفوائد التي قدمها: الثامنة - يستحب القنوت في الوتر في الركعة الثالثة. انتهى.
وقد ذكر في الفائدة السابعة الركعتين الأوليين من الوتر وذكر القراءة فيهما ولم يتعرض
للقنوت ثم ذكره في الثامنة التي بعدها كما نقلناه وهو ظاهر في تخصيصه القنوت
بالثالثة من الثلاث، وجرى على منواله الفاضل الخراساني في الذخيرة، وهو الأظهر

(1) الوسائل الباب 3 من القنوت.
(2) الوسائل الباب 13 من أعداد الفرائض.
(3) الوسائل الباب 3 من القنوت.
39

عندي وعليه أعمل.
ولشيخنا المعاصر الفاضل الشيخ أحمد الجزائري المتقدم ذكره (طاب ثراه) هنا كلام
قد انتصر فيه للقول المشهور وطعن فيما خالفه بالقصور لا بأس بنقله وبيان ما فيه مما يكشف
عن ضعف باطنه وخافيه، قال في جواب من سأله عن صلاة الشفع هل فيها قنوت أم لا؟
فأجاب باستحباب القنوت فيها واستدل بنحو ما قدمناه دليلا للقول المشهور، إلى أن قال:
وأما صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: القنوت ثم ساق
الرواية كما قدمنا، ثم قال وقد ترائى لبعض الفضلاء عدم الاستحباب ولعله من جهة
ما ورد من صحة اطلاق الوتر على الثلاث وتعريف المبتدأ باللام يشعر باختصاص القنوت
في المواضع الأربعة وقد ذكر أنه في الركعة الثالثة فيدل على أن الثانية ليس فيها قنوت.
وهذا باطل ورأي فاسد بالاجماع ودلالة الأخبار على استحباب القنوت فيما عدا الأربعة
المذكورة من الفرائض والنوافل كما هو واضح بلا شك ولا شبهة فتعين المصير إلى حملها
على تأكد الاستحباب في الأربعة المذكورة لا نفيه عما سواها، مع أنه يمكن أن يكون
التنصيص على الثالثة لأنه فرد خفي لأنها مفردة مفصولة وقد اشتهر أن القنوت إنما يكون
في كل ركعتين لا أنه لا يستحب في ثانية الشفع، أو لجواز حملها على ما إذا صلى الوتر
موصولة ولو على ضرب من التقية كما ورد في بعض الأخبار فلا تنافي استحبابه في الشفع
عند صلاتها مفصولة. انتهى كلامه زيد مقامه.
وهو محل نظر من وجوه: (الأول) قوله: " ولعله من جهة ما ورد من صحة
اطلاق الوتر على الثلاث " فإنه يؤذن بندور هذا الاطلاق وأنه مجاز لا حقيقة وأن الوتر
حقيقة إنما يطلق على هذه المفردة وأن الاطلاق الشائع في الأخبار وأعصار الأئمة الأبرار
(صلوات الله عليهم) إنما هو التعبير بركعتي الشفع ومفردة الوتر كما عبر به كثير من
الأصحاب، وهو غلط محض بل الأمر بالعكس كما لا يخفى على الممارس للأخبار والمتلجلج
في تيار تلك البحار فإن الذي استفاضت به الأخبار هو اطلاق الوتر على الثلاث ولم
40

يوجد فيها ما يخالف ذلك سوى رواية رجاء بن أبي الضحاك المتقدمة (1) وبه صرح السيد
السند في المدارك أيضا فقال: إن المستفاد من الروايات الصحيحة المستفيضة أن الوتر اسم
للركعات الثلاث لا الركعة الواحدة الواقعة بعد الشفع كما يوجد في عبارات المتأخرين. انتهى
وهو كذلك فإن جملة من الأخبار الواردة في أحكام صلاة الوتر وأنها مفصولة أو موصولة
وما يقرأ فيها ونحو ذلك قد اشتملت على اطلاقها على الثلاث وقد حضرني منها ما يقرب
من ثلاثة عشر حديثا: منها - الأحاديث المتقدمة في المقام ولولا أنها تأتي إن شاء الله
تعالى في محالها لسردناها في هذا المقام، ولم أقف على خلاف ذلك إلا في الرواية المذكورة
وهي لشذوذها وضعفها لا تبلغ قوة في معارضة خبر واحد من هذه الأخبار.
و (ثانيها) - قوله: وتعريف المبتدأ إلى آخر ما يتعلق به، فإن فيه أن الاستدلال
بالخبر المذكور على كون القنوت في ثالثة الوتر لا الثانية لا توقف له على هذا الكلام
حتى أنه يسجل عليه بأنه كلام باطل ورأي فاسد بالاجماع ودلالة الأخبار ونحو ذلك مما
أطال به. فإن أحدا لم يدع من الرواية المذكورة اختصاص القنوت بهذه المواضع الأربعة
فلا وجه للتطويل به بالكلية، بل وجه الاستدلال إنما هو ما سلمه ووافق عليه من دلالة
هذه الأخبار على استحباب القنوت وتأكده في هذه الفرائض الثلاث والنافلة، فإن
مقتضاه أنه هو الموظف شرعا في هذه المواضع المذكورة في الخبر ومتى ثبت توظيفه في هذه
المواضع من الفرائض المذكورة والنافلة فغيره يحتاج إلى دليل، فكما أنه لا دليل على غير
الثانية من الفرائض كذلك لا دليل على غير الثالثة من الوتر إلا ما يترائى من اطلاق
الأخبار المشار إليها آنفا ورواية عيون الأخبار، فأما اطلاق الأخبار فيقيد بهذه الرواية لأنها

(1) لا يخفى ما في هذا الكلام من الدلالة على عدم الاطلاع على القواعد الأصولية
فإن غاية ما يستفاد من الأخبار وإن كانت شائعة هو اطلاقه عليها وهو لا يستلزم كونه
حقيقة فيها فإن الاطلاق أعم من الحقيقة سيما مع وجود أمارات الحقيقة من التبادر وغيره
في خلافها. السيد علي (قدس سره).
41

ظاهرة في تخصيص القنوت في الوتر بالثالثة. ومما يؤكد ذلك بأوضح تأكيد ويؤيده
بأظهر تأييد بناء على ما عرفت من أن الوتر في الأخبار الدالة على أن ذلك في
عرفهم (عليهم السلام) عبارة عن الثلاث جملة وافرة من الأخبار الدالة على أنه يدعو
في قنوت الوتر بكذا ويستغفر كذا وكذا مرة ويستحب فيه كذا ويدعو بعد رفع رأسه
منه بكذا وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يدعو في قنوت الوتر بكذا وكان علي بن
الحسين (عليه السلام) يدعو في قنوت الوتر بكذا وأمثال ذلك، فإنه متى كان الوتر
اسما للثلاث كما ذكرنا أنه المستفاد من الأخبار فلو كان فيها قنوتان كما يدعيه الخصم لم
يحسن هذا الاطلاق في جملة هده الأخبار ولكان ينبغي أن يقيد ولو في بعضها بالقنوت
الثاني. وما رواية كتاب العيون فهي ضعيفة قاصرة عن معارضة هذه الصحيحة المؤيدة
بهذه الأخبار المشار إليها. على أن التحقيق أن يقال - وهو الأقرب من الخبر المذكور
وإليه يشير كلام المعترض إلا أنه لم يأته من وجهه - أن المراد إنما هو الأخبار عن أن
القنوت موضعه الركعة الثانية من هذه الفرائض والثالثة من الوتر فيصير قوله: " في
الركعة الثانية " هو الخبر عن المبتدأ وكذا قوله " في الركعة الثالثة " بالنسبة إلى الوتر
وقوله " في المغرب " ظرف لغو وكذا في ما عطف عليه، فيصير الخبر دالا على حصر القنوت
في ثانية الفرائض المذكورة وثالثة الوتر وهو حصر إضافي بالنسبة إلى غير هذه الركعات
بمعنى أن القنوت في الثانية لا الأولى ولا الثالثة وكذا في الوتر في الثالثة لا في الأولى
ولا في الثانية لأن الحصر حقيقي على الوجه الذي ذكره ليتم ما سجل به وأكثر من التشنيع
فإنه مبني على جعل خبر المبتدأ قوله " في المغرب " وهكذا في باقي الأفراد المذكورة وأن يكون حصرا حقيقيا فإنه باطل كما أشرنا إليه آنفا وبينا صحة الاستدلال على ذلك التقدير
وما ذكرناه من هذا الوجه أظهر في الاستدلال بالخبر المذكور لأنه من حيث الحصر
يتضمن النفي لغير هذه المواضع المذكورة.
و (ثالثها) - قوله: مع أنه يمكن أن يكون التنصيص على الثالثة... الخ، فإن
42

فيه أنه مع الاغماض عما فيه من التكلف والبعد يتم لو انحصر الدليل في هذه الرواية
وقد عرفت مما قدمنا أنه ظاهر جملة من الأخبار بل هو مشتهر فيها غاية الاشتهار،
وما عداه فهو فيها على العكس من الاستتار وإن اشتهر في كلام علمائنا الأبرار إلا أنه
من قبيل رب مشهور لا أصل له ورب متأصل غير مشهور. وأبعد من ذلك حمله أيضا
الخبر على ما إذا صلى الوتر موصولة ولو على ضرب من التقية فإنه بمحل من التكلف البعيد
والتمحل الشديد، وما أدرى ما الحامل على هذه التكلفات المتعسفة والتمحلات المتصلفة
مع ظهور الخبر في المراد؟ وغفلة الأصحاب عن الحكم المذكور وعدم تنبههم له وحكمهم
بخلافه لا يوجب ذلك، فكم لهم من غفلة عن الأحكام المودعة في الأخبار كما لا يخفى
على من جاس خلال الديار.
والظاهر أن منشأ الشبهة في المقام هو دلالة الأخبار على فصل الركعتين الأوليين
من الوتر وجواز وقوع المبطلات قبل الثالثة فجعلوهما بهذا التقريب صلاة منفصلة يحكم عليهما
بما يحكم على سائر النوافل، ولهذا استدلوا على استحباب القنوت فيهما بما دل على القنوت
في كل ركعتين من النوافل، والمفهوم من الأخبار أن الثلاث صلاة واحدة مسماة بالوتر
كما سميت الفرائض كل باسم مثل الظهر والعصر ونحوهما، غاية الأمر أن الشارع جوز
الفصل فيها والانسان مخير بين الفصل والوصل كما هو مقتضى الجمع بين أخبار المسألة
ومتى ثبت كونها صلاة واحدة فليس فيها إلا قنوت واحد كسائر الصلوات وإن جعل
محله في الثالثة منها. هذا.
وأما ما ذكروه من القنوت الثالث الذي بعد الرفع من الركوع فالذي دل عليه
الخبر الوارد بذلك أنما هو استحباب الدعاء بعد رفع الرأس من الركوع الثالث بهذا
الدعاء الموظف كما رواه في الكافي (1) بسنده قال: " كان أبو الحسن (عليه السلام)
إذا رفع رأسه في آخر ركعة من الوتر قال: هذا مقام من حسناته نعمة منك وسيئاته بعمله

(1) الفروع ج 1 ص 325 الطبع الحديث.
43

... الدعاء إلى آخره " فإن أرادوا أنه يطلق على الدعاء كذلك أنه قنوت فلا مشاحة في
الاصطلاح وإن أرادوا أنه قنوت شرعي يستحب فيه ما يستحب في القنوت من رفع
اليدين قبال الوجه فالخبر المذكور لا دلالة له عليه وليس غيره في الباب، مع أن المستفاد
من الأخبار المتكاثرة أن قنوت الوتر إنما هو قبل الركوع عموما في كثير منها وخصوصا
في صحيحة معاوية بن عمار (1) " أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن القنوت في
الوتر؟ قال قبل الركوع. قال فإن نسيت أقنت إذا رفعت رأسي؟ قال لا " وفي هذا
الخبر أيضا إشارة إلى ما قدمنا البحث فيه من عدم القنوت في الركعتين الأوليين بتقريب
ما قدمناه من أن الوتر اسم للركعات الثلاث حيث إنه إنما أمر فيها بقنوت واحد قبل
الركوع، ولا جائز أن يحمل على القنوت في الركعتين الأوليين لكونه خلاف الاجماع
نصا وفتوى فإن القائل به يجعله ثانيا لا أنه يخصه به. وبالجملة فإني لا أعرف لهذا القنوت
الثالث وجها إلا الحمل على التجوز في تسمية الدعاء قنوتا وفيه ما لا يخفى. والله العالم.
(الخامسة) - قد اشتهر في كلام الأصحاب استحباب الدعاء لأربعين من
إخوانه في قنوت الوتر، قال في المدارك بعد الكلام في استحباب الاستغفار في
قنوت الوتر سبعين مرة، ويستحب الدعاء فيه لإخوانه المؤمنين بأسمائهم وأقلهم أربعون،
فروى الكليني في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: " دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب يدر الرزق ويدفع المكروه " وفي الحسن عن
هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " من قدم أربعين من المؤمنين
ثم دعا استجيب له " أقول: لا ريب في استحباب الدعاء للإخوان وكذا الأربعين
من الإخوان كما ورد في عدة أخبار زيادة على ما ذكره إلا أنها لا تقييد فيها بوقت

(1) المروية في الوسائل في الباب 18 من أبواب القنوت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 41 من أبواب الدعاء.
(3) رواه في الوسائل في الباب 45 من أبواب الدعاء.
44

مخصوص من صلاة أو غيرها، وأما الروايات الواردة في قنوت الوتر على تعددها
وكثرتها فلم ينهض شئ منها على استحباب الدعاء للأربعين بل ولا الإخوان بقول مطلق
ولعل من ذكر ذلك من أصحابنا نظر إلى كون هذا الوقت من أفضل الأوقات وأنه مظنة
للإجابة فذكر هذا الحكم فيه وإلا فلا أعرف لذكره في خصوص الموضع وجها مع خلو
الأخبار عنه، وكيف كان فالعمل بذلك بقصد ما ذكرناه لا بأس به. وأما ما نقل
عن بعض مشايخنا المعاصرين من المبالغة في الدعاء للأربعين في هذا القنوت حتى أنه
يأتي به بعد الفراغ من الركعة لو أخل به فالظاهر أنه وهم من الناقل لما عرفت.
(السادسة) - لا خلاف بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) في سقوط نافلة
الظهرين في السفر وعليه تدل الأخبار: منها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله
بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " الصلاة في السفر ركعتان ليس
قبلهما ولا بعدهما شئ إلا المغرب " وعن حذيفة بن منصور في الصحيح عن أبي جعفر
وأبي عبد الله (عليهما السلام) (2) أنهما قالا " الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا
بعدهما شئ " وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " الصلاة في
السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شئ إلا المغرب فإن بعدها أربع ركعات لا تدعهن
في حضر ولا سفر " وعن أبي يحيى الحناط (4) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن صلاة النافلة بالنهار في السفر؟ فقال يا بني لو صلحت النافلة في السفر تمت الفريضة ".
وإنما الخلاف في ركعتي الوتيرة فالمشهور بين الأصحاب سقوطها أيضا ونقل ابن
إدريس فيه الاجماع ونقل عن الشيخ في النهاية أنه قال يجوز فعلها، قال في المدارك بعد
نقل ذلك عنه: وربما كان مستنده ما رواه ابن بابويه عن الفضل بن شاذان عن الرضا
(عليه السلام) (5) أنه قال: " إنما صارت العشاء مقصورة وليس تترك ركعتاها لأنها

(1) رواه في الوسائل في الباب 21 من أعداد الفرائض.
(2) رواه في الوسائل في الباب 21 من أعداد الفرائض.
(3) رواه في الوسائل في الباب 21 من أعداد الفرائض.
(4) رواه في الوسائل في الباب 21 من أعداد الفرائض.
(5) رواه في الوسائل في الباب 29 من أعداد الفرائض.
45

زيادة في الخمسين تطوعا ليتم بها بدل كل ركعة من الفريضة ركعتين من التطوع " وقواه في
الذكرى قال: لأنه خاص ومعلل وما تقدم خال منهما إلا أن ينعقد الاجماع على خلافه.
وهو جيد لو صح السند لكن في الطريق عبد الواحد بن عبدوس وعلي بن محمد القتيبي
ولم يثبت توثيقهما فالتمسك بعمومات الأخبار المستفيضة الدالة على السقوط أولى.
انتهى كلامه زيد مقامه.
أقول: الأظهر عندي هو القول بما صرح به في النهاية من بقاء استحبابها في
السفر كما في الحضر لعدة من الأخبار زيادة على الخبر المذكور: منها - ما رواه الصدوق في
كتاب العلل والأحكام بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتن إلا بوتر. قال قلت تعني الركعتين بعد العشاء
الآخرة؟ قال نعم فإنهما تعدان بركعة فمن صلاهما ثم حدث به حدث الموت مات على
وتر وإن لم يحدث به حدث الموت صلى الوتر في آخر الليل " وروى في الكتاب المذكور
عن زرارة بن أعين في الصحيح (2) قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام) من كان
يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتن إلا بوتر " وروى هذه الرواية أيضا الشيخ في التهذيب
في الصحيح عن زرارة عنه (عليه السلام) (3) وروي في كتاب العلل أيضا بسند ليس
في رجاله من ربما يتوقف فيه إلا محمد بن عيسى المشترك بين العبيدي والأشعري عن
حمران عن أبي جعفر (عليه السلام) (4) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
لا يبيتن الرجل وعليه وتر " وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم
في باب التفويض إلى رسول الله والأئمة (صلوات الله عليهم) عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (5) في حديث طويل قال فيه " الفريضة والنافلة إحدى وخمسون ركعة منها
ركعتان بعد العتمة تعدان بركعة مكان الوتر ".

(1) رواه في الوسائل في الباب 29 من أعداد الفرائض.
(2) رواه في الوسائل في الباب 29 من أعداد الفرائض.
(3) رواه في الوسائل في الباب 29 من أعداد الفرائض.
(4) رواه في الوسائل في الباب 29 من أعداد الفرائض.
(5) رواه في الوسائل في الباب 13 من أعداد الفرائض.
46

والتقريب في هذه الأخبار أنها قد دلت بأظهر تأكيد وأصح تشديد على الحث
على الاتيان بهاتين الركعتين حتى نسب التارك لهما إلى عدم الايمان بالله واليوم الآخر،
ولفظ الوتر في أكثر هذه الأخبار لا يخلو من اجمال إلا أن رواية أبي بصير وهي الأولى
قد أوضحت وصرحت بكون المراد بهما الوتيرة التي بعد صلاة العشاء الآخرة، واطلاقها
المؤيد بما ذكرنا من هذا التأكيد الذي ليس عليه مزيد ظاهر في شمول الحضر والسفر
فإنها قد تضمنت أنه لا يبيتن إلا على وتر أعم من أن يكون في سفر أو حضر، ويؤكده
أيضا حديث أبي بصير والحديث الأخير الدالان على أن العلة فيها أنها تقوم مكان الوتر
التي تستحب في آخر الليل لو مات في ليلته ولا يخفى أن استحباب الوتر ثابت سفرا
وحضرا، وأظهر من جميع ما ذكر عبارة الفقه الرضوي المتقدمة وقوله فيها " والنوافل في
السفر أربع ركعات، إلى أن قال وركعتان بعد العشاء الآخرة من جلوس.. الحديث "
وبالجملة فالأخبار المذكورة ظاهرة في الاستحباب مطلقا أتم الطهور لا يعتريها نقص ولا قصور.
وبذلك يظهر ما في كلام السيد السند، وفيه زيادة على ما عرفت بالنسبة إلى
طعنه في الرواية التي نقلها في المقام أنه قال - في كتاب الصوم في مسألة الافطار على
محرم وبيان الخلاف في وجوب كفارة واحدة أو ثلاث بعد أن نقل الرواية التي استدل بها
الصدوق على الثلاث عن عبد الواحد بن عبدوس النيسابوري عن علي بن محمد بن قتيبة ونقل
عن العلامة في المختلف أن عبد الواحد بن عبدوس لا يحضرني الآن حاله فإن كان ثقة فالرواية
صحيحة يتعين العمل بها - ما صورته: أقول عبد الواحد بن عبدوس وإن لم يوثق صريحا
لكنه من مشايخ الصدوق (قدس سره) المعتبرين الذين أخذ عنهم الحديث فلا يبعد
الاعتماد على روايته لكن في طريق هذه الرواية علي بن محمد بن قتيبة وهو غير موثق
بل ولا ممدوح مدحا يعتد به. انتهى.
أقول: ما ذكره في عبد الواحد بن عبدوس من الاعتماد على حديثه حيث إنه
من مشايخ الإجازة هو المشهور بين أصحاب هذا الاصطلاح، فإنهم صرحوا بأن مشايخ
47

الإجازة يعد حديثهم في الصحيح وإن لم ينقل توثيقهم في كتب الرجال لأن اعتماد
المشايخ المتقدمين على النقل عنهم وأخذ الأخبار منهم والتلمذ عليهم يزيد على قولهم في
كتب الرجال " فلان ثقة " وقد ناقض كلامه هنا بالطعن في عبد الواحد المذكور فقال إنه لم يثبت توثيقه. وأما ما ذكره في علي بن محمد بن قتيبة فإن الكلام فيه ليس كذلك
فإن المفهوم من الكشي في كتاب الرجال أنه من مشايخه الذين أكثر النقل عنهم،
ولهذا كتب بعض مشايخنا المعاصرين على كلام السيد في هذا المقام ما صورته: صحح
العلامة في الخلاصة في ترجمة يونس بن عبد الرحمان طريقين فيهما علي بن محمد بن قتيبة وأكثر
الكشي الرواية عنه في كتابه المشهور في الرجال. فلا يبعد الاعتماد على حديثه لأنه من
مشايخه المعتبرين الذين أخذ الحديث عنهم، والفرق بينه وبين عبد الواحد بن عبدوس
تحكم لا يخفى، وسؤال الفرق متجه بل هذا أولى بالاعتماد لا يراد العلامة له في القسم الأول
من الخلاصة وتصحيحه حديثه في ترجمة يونس فتأمل وأنصف. انتهى. أقول: ويؤيد
ما ذكره شيخنا المذكور أن العلامة في المختلف بعد ذكره حديث الافطار على محرم لم يذكر
التوقف في صحة الحديث إلا من حيث عبد الواحد بن عبدوس وقال إنه كان ثقة
والحديث صحيح. وهو يدل على توثيقه لعلي بن محمد بن قتيبة حيث إنه مذكور معه في
السند كما لا يخفى.
تنبيه
قد وقع لجملة من الأعلام في هذا المقام أوهام ناشئة عن عدم الوقوف على
ما نقلناه من أخبارهم (عليهم السلام): منهم - المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى
وابنه الفاضل الشيخ محمد في شرحه على الفقيه، ولا بأس بذكر كلامهما وبيان ما فيه
لتطلع على ما في الزوايا من الخبايا:
فأما المحقق المذكور فإنه قال في كتاب المنتقى - بعد نقل صحيحة زرارة المتقدمة
برواية الشيخ لها في التهذيب - ما صورته: قلت هذا الخبر محمول على المبالغة في كراهة
48

ترك الوتر في كل ليلة، وفهم منه بعض الأصحاب إرادة التقديم في أول الليل كما قد ورد
، في جملة من الأخبار - وستأتي في بابها - فحمله على الضرورة، وفيه تكلف ظاهر مع عدم
الحاجة إليه فإن المبيت بغير وتر صالح لإرادة اخلاء الليل من الوتر ولو مجازا فإن بابه
واسع، والقرينة على إرادة هذا المعنى من الكلام واضحة وإن استبعد ذلك بالنظر إلى
ظاهر اللفظ، فالوجه حينئذ حمله على التقية كما احتمله بعض الأصحاب. انتهى.
أقول: ظاهر كلامهم يعطي أنهم حملوا الوتر في الخبر المذكور على الوتر المضاف
إلى صلاة الليل، ولما كان وقته آخر الليل وهذا الخبر يدل بظاهره على تقديمه أول الليل
اضطروا إلى تأويله واضطربوا في التفصي عن ذلك، فبين من حمل تقديمه في أول الليل
على الضرورة بالنظر إلى ما ورد من جواز تقديم صلاة الليل لذوي الأعذار، وبين من
حمله على التقية، وبين من حمله - كما اختاره المحقق المذكور - على أن المراد الاتيان به في
جزء من الليل وإن كان في آخره وإن معنى المبيت عليه أن لا ينقضي الليل إلا وفيه
وتر. والكل كما عرفت تكلف ناشئ عن عدم الوقوف على رواية أبي بصير الكاشفة
عن هذا الاجمال.
وأما الفاضل الشيخ محمد ابن المحقق المذكور فإنه قال في شرح قول الصدوق في
الفقيه (1) " وأما الركعتان بعد العشاء الآخرة من جلوس فإنهما تعدان بركعة فإن أصاب
الرجل حدث قبل أن يدرك آخر الليل ويصلي الوتر يكون قد مات على الوتر وإذا أدرك
آخر الليل صلى الوتر بعد صلاة الليل، وقال النبي (صلى الله عليه وآله): من كان
يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتن إلا بوتر " فكتب الفاضل المذكور على صدر العبارة:
كأن المصنف أراد بيان معنى الحديث الوارد بعد هذا الكلام وهو قول النبي (صلى الله
عليه وآله) " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتن إلا بوتر " وحاصل كلامه ظاهر
غير أنه بعيد المناسبة لسياق الحديث كما لا يخفى على المتأمل، ويخطر بالبال أن يكون المراد

(1) ج 1 ص 128.
49

بقوله " فلا يبيتن إلا بوتر " صلاة العشاء لأنها الخامسة وهي وتر بالنسبة إلى العدد وقد
ورد في روايات كثيرة تسمية العشاء بالوتر. انتهى.
أقول: لا يخفى عليك ما فيه من النظر الظاهر والقصور بعد مما عرفت مما ذكرناه
وأظهرناه غاية الظهور، وكأن منشأ الاستبعاد عنده في حمل الوتر في الحديث النبوي -
على قائله وآله أفضل الصلاة والسلام - على الركعتين بعد العشاء المذكورتين في كلام المصنف
هو دلالة الخبر بحسب ظهره على كفر تاركه فاستبعد انطباق الخبر على الركعتين المذكورتين
وتمحل لحمله على صلاة العشاء ولم يتفطن (قدس سره) إلى أن هذه العبارة وأمثالها كثيرا
ما يذكرونها (عليهم السلام) في المستحبات لمزيد التأكيد عليها كما ورد (1) من أنه
" لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تدع عانتها زيادة على عشرين يوما "
وورد لعن من بات على سطح غير محجر (2) من سافر وحده (3) ومن بات في بيت
وحده (4) ونحو ذلك، وأعجب من ذلك دعواه كثرة الروايات بتسمية العشاء وترا فإنا لم
نقف بعد التتبع على إشارة إلى ذلك في رواية واحدة فضلا عن وجود الروايات الكثيرة
ولم ينقله ناقل غيره. والله العالم.
(السابعة) - المفهوم من كلام جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم)
ترك النافلة لعذر ومنه الهم والغم، واستدلوا على ذلك برواية علي بن أسباط عن عدة
من أصحابنا (5) " أن أبا الحسن موسى (عليه السلام) كان إذا اهتم ترك النافلة " وعن معمر
بن خلاد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) (6) " أن أبا الحسن (عليه السلام) كان إذا

(1) رواه في الوسائل في الباب 86 من آداب الحمام.
(2) البحار ج 16 باب (أنواع النوم) ولكن لم نعثر على اللعن فيه وإنما هو بلفظ
النهي والكراهة وأنه برئت منه الذمة.
(3) رواه في الوسائل في الباب 30 من آداب السفر.
(4) رواه في الوسائل في الباب 30 من آداب السفر.
(5) رواه في الوسائل في الباب 16 من أعداد الفرائض.
(6) رواه في الوسائل في الباب 16 من أعداد الفرائض.
50

اغتم ترك الخمسين " قال في التهذيب: يريد به تمام الخمسين لأن الفرائض لا يجوز
تركها على حال.
واعترضهم في المدارك بأن في الروايتين قصورا من حيث السند، قال والأولى أن
لا تترك النافلة بحال للحث الأكيد عليها في النصوص المعتمدة وقل أبي جعفر الصادق (عليه
السلام) (1) " وأن تارك هذا ليس بكافر - يعني النافلة - ولكنها معصية لأنه يستحب
إذا عمل الرجل عملا من الخير أن يدوم عليه " وقول الصادق (عليه السلام) في صحيحة
ابن سنان الواردة في من فاته شئ من النوافل (2) " إن كان شغله في طلب معيشة لا بد
منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شئ عليه وإن كان شغله لدنيا يتشاغل بها عن الصلاة فعليه
القضاء وإلا لقي الله عز وجل مستخفا متهاونا مضيعا لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ".
أقول: فيه (أولا) إن ما طعن به في الخبرين المذكورين فهو لا يقوم حجة على
المتقدمين كما سلف بيانه في غير موضع.
و (ثانيا) - إنه مما يؤيد هذين الخبرين أيضا ما رواه ثقة الاسلام في الكافي
بسنده عن أحدهما (عليهما السلام) (3) قال: " قال النبي (صلى الله عليه وآله) إن للقلوب
اقبالا وادبارا فإذا أقبلت فتنفلوا وإذا أدبرت فعليكم بالفريضة " ومثله عن أمير المؤمنين
(عليه السلام) في كتاب نهج البلاغة (4) قال: " إن للقلوب اقبالا وادبارا فإذا أقبلت
فاحملوها على النوافل وإن أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض " ولا ريب أن الهم والغم
موجبان لادبارها.
و (ثالثا) - أن ما ذكره من الخبرين معارض بما تكاثر في الأخبار من أن
" من لقي الله عز وجل بالفرائض الخمس لم يسأله عما سواهن " وقد تقدم الكلام في

(1) رواه في الوسائل في الباب 14 من أعداد الفرائض.
(2) التهذيب ج 1 ص 136 وفي الوسائل في الباب 18 من أعداد الفرائض.
(3) رواه في الوسائل في الباب 16 من أعداد الفرائض.
(4) رواه في الوسائل في الباب 16 من أعداد الفرائض.
51

ذلك قريبا وذكرنا وجه الجمع بين الأخبار بأحد وجهين، ونزيد هنا وجها ثالثا ولعله
الأقرب وهو حمل أخبار جواز ترك النافلة على ظاهرها وحمل أخبار الذم وجعلها معصية
يستحق عليها العذاب على مجرد التأكيد، فإنه لا يخفى على من أحاط خبرا بأخبارهم
(عليهم السلام) أنهم كثيرا ما يؤكدون في المستحبات على وجه يكاد يلحقها بالواجبات
وفي النهي عن المكروهات بما يكاد يدخلها في حيز المحرمات، ويؤيد هذا التوجيه سوق
الصلاة في قرن الصوم الواجب والزكاة الواجبة في تلك الأخبار الدالة على الجواز مع أن
تارك الصوم المستحب والزكاة المستحبة بأي نحو كان لا يكون مؤاخذا فإنه لم يرد فيهما
ما يدل على أن تركهما معصية أو يكون موجبا لاستحقاق العقاب وحينئذ فذكر ذلك في
الصلاة دونهما محمول على مجرد التأكيد والحث على النوافل. والله العالم.
(الثامنة) - ما تضمنته مرفوعة الفضل ابن أبي قرة من تقسيم الإحدى وخمسين
ركعة على الساعات المذكورة في الخبر قد روى الصدوق في كتاب العلل عن أبي هاشم
الخادم (1) قال: " قلت لا بي الحسن الماضي (عليه السلام) لم جعلت صلاة الفريضة
والنافلة خمسين ركعة لا يزاد فيها ولا ينقص منها؟ قال لأن ساعات الليل اثنتا عشرة
ساعة وما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة وساعات النهار اثنتا عشرة ساعة فجعل
لكل ساعة ركعتين وما بين سقوط الشمس إلى سقوط الشفق غسق فجعل للغسق ركعة "
وهذا الخبر وإن تضمن السؤال عن الخمسين إلا أن الجواب - كما ترى - يشتمل على إحدى
وخمسين فيشبه أن يكون قد وقع فيه سهو باسقاط " إحدى " من السؤال من المصنف
أو أحد الرواة، ويحتمل أن السؤال إنما كان كذلك فأجاب بما ذكر وفيه تنبيه للسائل
على أنه كان الأولى أن يسأل عن إحدى وخمسين، إلا أن الصدوق في الخصال قد روى
هذا الخبر بغير قوله " فجعل للغسق ركعة " وحينئذ فيكون الجواب موافقا للسؤال، إلا أنه يبقى الاختلاف بين هذا الخبر على هذه الرواية وبين مرفوعة الفضل المتقدمة،

(1) رواه في الوسائل في الباب 13 من أعداد الفرائض.
52

والصدوق في الفقيه عبر بمضمون هذه الرواية التي ذكرها في الخصال فقال " وإنما صارت
خمسين ركعة لأن ساعات الليل اثنتا عشرة ساعة وساعات النهار اثنتا عشرة ساعة وما بين
طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة " قال شيخنا المجلسي (طاب ثراه) - في كتاب
بحار الأنوار بعد نقل خبر أبي هاشم الخادم من كتابي العلل والخصال - ما صورته:
بيان - هذا اصطلاح شرعي للساعات وهي مختلفة باختلاف الاصطلاحات فمنها مستوية
ومنها معوجة والركعة التي جعلت للغسق لعلها ركعتا الوتيرة فإنهما تعدان بركعة. انتهى.
أقول: وفي هذين الخبرين اشكال لم أر من تنبه له في هذا المجال وهو أنهما
يشعران بأن ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ليس من ساعات الليل ولا من ساعات
النهار والاجماع نصا وفتوى إلا ما يظهر من هذين الخبرين على أن هذه الساعة من
ساعات النهار ولهذا أن صلاة الفجر من صلاة النهار فتوى ورواية.
وقد ورد نظير هذين الخبرين فيما رواه جملة من أصحابنا: منهم - السيد الزاهد
العابد المجاهد رضي الدين بن طاووس في كتاب الأمان من أخطار الأسفار والأزمان (1)
في حديث الإمام الباقر (عليه السلام) مع قسيس النصارى حيث قال له القسيس
" أخبرني عن ساعة ليست من ساعات الليل ولا من ساعات النهار فقال (عليه السلام)
هي ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس يهدأ فيها المبتلى ويرقد فيها الساهر ويفيق فيها المغمى
عليه جعلها الله في الدنيا رغبة للراغبين وفي الآخرة للعاملين لها دليلا واضحا وحجابا
مانعا على الجاحدين المتكبرين التاركين لها... الحديث ".
وشيخنا البهائي (قدس سره) قد أجاب عن هذا الخبر في صدر كتاب
مفتاح الفلاح بعد ذكر نحو ما ذكرناه من اتفاق الأصحاب (رضي الله عليهم) على عد
هذه الساعة من النهار بأنه يمكن التفصي عن الاشكال فيها بأنه لعل الإمام (عليه السلام)
أجاب السائل على ما يوافق عرفه واعتقاده حيث إنه سأله عن مسائل لم تكن معروفة

(1) ص 56.
53

إلا بين أكابر علمائهم وهذه المسألة من جملتها. وأنت خبير بأن جوابه هذا إنما ينطبق
على هذا الخبر خاصة، وكأنه غفل عن الخبرين المتقدمين أو لم يطلع عليهما في البين
فالاشكال فيهما باق على حاله.
وقال المحقق الفيلسوف العماد مير محمد باقر الداماد (طيب الله تعالى مرقده)
في هذا المقام: وأما اخراج ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس من الليل والنهار واعتبار
زمانه على حياله ساعة فقد ورد به بعض الأخبار عنهم (عليه السلام) ومن ذلك ما رواه
جماعة من مشيخة علمائنا عن مولانا الصادق (عليه السلام) " أن مطران النصراني
سأل أباه الباقر (عليه السلام) عن مسائل عديدة عويصة: منها - الساعة التي ليست من
ساعات الليل ولا من ساعات النهار أية ساعة هي؟ فقال هي الساعة التي بين طلوع الفجر إلى
طلوع الشمس " فاستشكل ذلك من باعه في تتبع العلوم وتعرف المذاهب قاصر زاعما
أن هذا أمر لم ينعقد عليه اصطلاح ولم يذهب إليه ذاهب أصلا، إلى أن قال أليس
هذا الاصطلاح منقولا في كتب أعاظم علماء الهيئة من حكماء الهند وأليس الأستاذ أبو ريحان
البيروني في القانون المسعودي ذكر أن براهمة الهند ذهبوا إلى أن ما بين طلوع الفجر
وطلوع الشمس وكذلك ما بين غروب الشمس وغروب الشفق غير داخل في شئ من
الليل والنهار وأن ذلك بمنزلة الفصل المشترك بينهما، وأورد ذلك الفاضل البير جندي في
شرح الزيج الجديد وفي شرح التذكرة. ثم إن ما في أكثر رواياتنا عن أئمتنا المعصومين
(عليهم السلام) وما عليه العمل عند أصحابنا (رضوان الله عليهم) اجماعا هو أن زمان
ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس من النهار ومعدود من ساعاته، وكذلك زمان
غروب الشمس إلى ذهاب الحمرة من جانب المشرق فإن ذلك أمارة غروبها في أفق
المغرب، والنهار الشرعي في باب الصلاة والصوم وفي سائر الأبواب من طلوع الفجر
المستطير إلى ذهاب الحمرة المشرقية، وهذا هو المعتبر والمعول عليه عند أساطين الإلهيين
والرياضيين من حكماء اليونان، إلى أن قال وأما أصحاب الأحكام من المنجمين فالنهار
54

عندهم محدود في طرفي المبدأ والمنتهى بطلوع مركز الشمس من أفق المشرق وغروبه
في أفق المغرب، وزمان ظهور جرم الشمس إلى طلوع مركزها محسوب عندهم من الليل
وزمان غروب المركز إلى اختفاء الجرم أيضا كذلك فليعرف. انتهى.
أقول: أنت خبير بأن غاية ما أفاده كلامه هو ثبوت الاصطلاح بذلك ردا
على من أنكر القول به وأنه لم يذهب إليه ذاهب. وأما الجواب عن الخبرين المذكورين
وكذا خبر النصراني فلم يتعرض له. ويقرب عندي - والله سبحانه وأولياؤه أعلم - إن
هذه الساعة وإن كانت من النهار كما عرفت إلا أنها لما كانت أشرف ساعاته كما يستفاد
من كلام الباقر (عليه السلام) في جواب النصراني ويدل عليه الأمر بالتعقيب والاشتغال
بالدعاء فيها وكراهة النوم فيها كراهة مؤكدة ونحو ذلك جعلت مفصولة مستقلة وأفردت
بالذكر على حدة تنويها بشأنها وعلو رتبتها على غيرها من الساعات. والله العالم.
(التاسعة) - المشهور بين الأصحاب أن نافلة الظهر ثمان ركعات قبلها ونافلة العصر
ثمان ركعات قبلها، وقال ابن الجنيد تصلي قبل الظهر ثمان ركعات وثمان ركعات بعدها منها
ركعتان نافلة العصر. ومقتضاه أن الزائد على الركعتين ليس للعصر، قيل وربما كان مستنده
رواية سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " صلاة النافلة ثمان ركعات
حين تزول الشمس قبل الظهر وست ركعات بعد الظهر وركعتان قبل العصر " وهي لا تعطي
كون الست للظهر مع أنه قد تقدم في رواية البزنطي (2) أنه يصلي أربعا بعد الظهر وأربعا قبل
العصر، وبالجملة فالمفهوم من كلامه إضافة هذه النوافل التي قبل الظهر إليها وكذا التي
قبل العصر إلى العصر والتي بعد المغرب إلى المغرب والأخبار لا تنهض بذلك إلا أن
كان بنوع إشارة وإلا فلا ظهور لها فيه وإن قرنت بالقبلية لها والبعدية، ويؤيده أن
الشارع قد حد لها وقتا معينا من القدم والقدمين والذراع والذراعين ونحوهما كما سيأتي
إن شاء الله تعالى. وحينئذ فالأولى في نيتها الاقتصار على ملاحظة الامتثال بها خاصة

(1) المروية في الوسائل في الباب 13 من أعداد الفرائض.
(2) ص 29.
55

من دون إضافتها إلى الفرائض.
قيل: وتظهر فائدة الخلاف في اعتبار ايقاع الست قبل القدمين أو المثل إن جعلناها
للظهر، وفي ما إذا نذر نافلة العصر فإن الواجب الثمان على المشهور وركعتان على قول
ابن الجنيد. قال في المدارك ويمكن المناقشة في الموضعين (أما الأول) فبأن مقتضى
النصوص اعتبار ايقاع الثمان التي قبل الظهر قبل القدمين أو المثل والثمان التي بعدها قبل
الأربعة أو المثلين سواء جعلنا الست منها للظهر أم للعصر. و (أما الثاني) فلأن النذر
يتبع قصد الناذر فإن قصد الثماني أو الركعتين وجب وإن قصد ما وظفه الشارع للعصر
أمكن التوقف في صحة هذا النذر لعدم ثبوت الاختصاص كما بيناه. انتهى. وهو جيد
إلا أنه ينقدح عليه مناقشة أخرى وهي أن ظاهر قوله " مقتضى النصوص اعتبار ايقاع
الثمان التي قبل الظهر قبل القدمين أو المثل... الخ " يدل على وجود روايات تدل على
كون المثل وقتا لنافلة الظهر والمثلين وقتا لنافلة العصر، وليس كذلك وإن قيل به بل
ربما كان هو المشهور فإنا لم نقف في الأخبار على ما يدل عليه، وبذلك اعترف هو أيضا
في رده لكلام المحقق فيما ذكره في شرح قوله في الشرائع " وقت النوافل اليومية
للظهر.. الخ " حيث ذكر الرواية التي استدلوا بها على اعتبار المثل وطعن فيها بعدم
الدلالة على ذلك وأن المراد من القامة فيها قامة الانسان. وليس غيرها في الباب كما سيأتي
تحقيقها إن شاء الله تعالى في موضعه فكيف يسند المثل هنا إلى النصوص وهي عارية
عن ذلك على العموم والخصوص؟ والله العالم.
(العاشرة) - قد صرح جملة من الأصحاب بكراهة الكلام بين المغرب
ونافلتها لرواية أبي العلاء الخفاف عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (1) قال: " من
صلى المغرب ثم عقب ولم يتكلم حتى يصلي ركعتين كتبتا له في عليين فإن صلى أربع
ركعات كتبت له حجة مبرورة " واستدل على ذلك في المدارك أيضا بما رواه الشيخ

(1) المروية في الوسائل في الباب 30 من أبواب التعقيب.
56

عن أبي الفوارس (1) قال: " نهاني أبو عبد الله (عليه السلام) أن أتكلم بين الأربع
ركعات التي بعد المغرب " قال: وكراهة الكلام بين الأربع يقتضي كراهة الكلام
بينها وبين المغرب بطريق أولى. أقول: وأنت خبير بأنه لا وجه لهذه الأولوية في المقام
إذ من الجائز اختصاص الكراهة بالكلام بين الأربع وإن جاز الكلام بينها وبين
المغرب بأن تجعل الأربع مرتبطة بعضها ببعض كأنها صلاة واحدة، وهذا الحكم لم يذكره
الأصحاب مع أن الرواية المذكورة صريحة فيه وإن كان في الأولى أيضا نوع إشارة إليه
فإن قوله (عليه السلام) " فإن صلى أربعا " داخل تحت حيز " ثم عقب ولم يتكلم " يعني
إن صلى ركعتين مع عدم الفصل بالكلام كان له كذا وإن صلى أربعا كان له كذا.
وظاهر رواية الخفاف استحباب تقديم التعقيب على صلاة النافلة، ونقل عن الشيخ
المفيد في المقنعة أن الأولى القيام إلى نافلة المغرب عند الفراغ منها قبل التعقيب وتأخيره
إلى أن يفرغ من النافلة، واحتج له في التهذيب بهذه الرواية وهي كما عرفت بالدلالة على
خلافه أشبه. وقال السيد السند في المدارك - بعد أن نقل عن الشيخ المفيد في المقنعة
والشيخ في التهذيب ما قدمناه - ما صورته: وقال الشهيد في الذكرى الأفضل المبادرة بها
- يعني نافلة المغرب - قبل كل شئ سوى التسبيح ونقل عن المفيد مثله. واستدل عليه بأن
النبي (صلى الله عليه وآله) فعلها كذلك فإنه لما بشر بالحسن (عليه السلام) صلى
ركعتين بعد المغرب شكرا فلما بشر بالحسين (عليه السلام) صلى ركعتين ولم يعقب
حتى فرغ منها (2) ومقتضى هذه الرواية أولوية فعلها قبل التسبيح أيضا إلا أنها مجهولة
السند ومعارضة بالأخبار الصحيحة المتضمنة للأمر بتسبيح الزهراء (عليها السلام) قبل أن يثني المصلي رجليه من صلاة الفريضة (3) انتهى أقول: ظاهر قوله " واستدل عليه "

(1) رواه في الوسائل في الباب 30 من أبواب التعقيب.
(2) رواه في الوسائل في الباب 24 من أعداد الفرائض.
(3) رواها في الوسائل في الباب 7 من أبواب التعقيب.
57

إن المستدل هو الشهيد وليس كذلك بل ظاهر الذكرى أن المستدل إنما هو الشيخ المفيد
(قدس سره) واختيار الذكرى الذي نقله عنه مؤخر عن هذا النقل والاستدلال،
وذلك فإنه في الذكرى صرح أولا بأن وقت نافلة المغرب بعدها حتى يذهب الشفق
المغربي قاله الشيخ (قدس سره) في النهاية ثم نقل احتجاج المعتبر على ذلك، إلى أن
قال وقال المفيد تفعل بعد التسبيح وقبل التعقيب كما فعلها النبي (صلى الله عليه وآله)
لما بشر بالحسن (عليه السلام) فإنه صلى ركعتين شكرا فلما بشر بالحسين (عليه السلام)
صلى ركعتين ولم يعقب حتى فرغ منهما، وابن الجنيد لا يستحب الكلام ولا عمل شئ
بينها وبين المغرب، وبالجملة التوقيت بما ذكره الشيخ (قدس سره) لم نقف عليه، إلى أن قال ولو قيل بامتداد وقتها بوقت المغرب أمكن لأنها تابعة لها وإن كان الأفضل المبادرة
بها قبل كل شئ سوى التسبيح. انتهى. وبذلك يظهر ما في نقل السيد (قدس سره)
من الاجمال الموجب للوقوع في الاشكال.
ثم إنه لا يخفى أن الرواية الواردة في تعليل النوافل بولادة الحسنين (عليهما السلام)
لا اشعار فيها بهذه الزيادة التي ذكرها وهي قوله: " ولم يعقب حتى فرغ منها " وبدونها
لا يتم ما ذكره، وهذه صورة الخبر على ما نقل في كتب الأخبار برواية الصدوق والشيخ
عنه (1) ونقله في الذكرى أيضا متقدما على هذا الموضع " وسئل الصادق (عليه السلام)
لم صارت المغرب ثلاث ركعات وأربعا بعدها ليس فيها تقصير في حضر ولا سفر؟
فقال إن الله تبارك وتعالى أنزل عليه نبيه كل صلاة ركعتين فأضاف إليها رسول الله
(صلى الله عليه وآله) لكل صلاة ركعتين في الحضر وقصر فيها في السفر إلا المغرب
والغداة فلما صلى المغرب بلغه مولد فاطمة (عليها السلام) فأضاف إليها ركعة شكرا لله
عز وجل فلما أن ولد الحسن (عليه السلام) أضاف إليها ركعتين شكرا لله عز وجل فلما
أن ولد الحسين (عليه السلام) أضاف إليها ركعتين شكرا لله عز وجل فقال " للذكر مثل

(1) رواه في الوسائل في الباب 24 من أعداد الفرائض.
58

حظ الأنثيين " (1) فتركها على حالها في الحضر والسفر " هذا صورة ما روى من الخبر
وليس فيه اشعار فضلا عن الدلالة على كون النافلة متقدمة على التعقيب أو متأخرة عنه
إذ غايته الدلالة على صلاة هذه الركعات بعد المغرب.
وأما ما أجاب به في المدارك بناء على ثبوت هذه الزيادة فهو محل نظر أيضا
(أما أولا) فلأن الطعن فيها بضعف السند لا يقوم حجة على المتقدمين كما عرفت، مع أنه إنما استند في حكمه بكراهة الكلام بين المغرب ونافلتها إلى خبر ضعيف أيضا ولم
يطعن فيه بالضعف ولكنهم لا قاعدة لهم يقفون عليها كما عرفت في غير موضع مما تقدم
و (أما ثانيا) فإنا لم نقف في شئ من الأخبار على أن الرسول (صلى الله عليه وآله)
كان يسبح بعد الصلاة هذا التسبيح الذي علمه فاطمة (عليها السلام) واشتهر بتسبيحها
وترادفت النصوص بفضله واستحبابه بعد الصلاة، وبالجملة فغاية ما يفهم من الأخبار أنه
بعد أمره لفاطمة (عليها السلام) بذلك شاع استحبابه وأما أنه (صلى الله عليه وآله) فعله
فغير معلوم من الأخبار، نعم ما ذكره جيد بالنسبة إلى غيره لاستفاضة الأخبار بما ذكره من
استحبابه قبل أن يثني المصلي رجليه من جلوسه للتشهد.
(الحادية عشرة) - قال في المنتهى: سجود الشكر في المغرب ينبغي أن يكون
بعد نافلتها لما رواه الشيخ عن حفص الجوهري (2) قال: " صلى بنا أبو الحسن (عليه
السلام) صلاة المغرب فسجد سجدة الشكر بعد السابعة فقلت له كان آباؤك يسجدون
بعد الثالثة فقال ما كان أحد من آبائي يسجد إلا بعد السابعة ".
قال في المدارك بعد نقل ذلك: وفي السند ضعف مع أنه روى جهم بن أبي جهم (3)
قال: " رأيت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) وقد سجد بعد الثلاث الركعات
من المغرب فقلت له جعلت فداك رأيتك سجدت بعد الثلاث فقال ورأيتني؟ فقلت نعم. قال

(1) سورة النساء، الآية 12.
(2) رواه في الوسائل في الباب 31 من أبواب التعقيب.
(3) رواه في الوسائل في الباب 31 من أبواب التعقيب.
59

فلا تدعها فإن الدعاء فيها مستجاب " والظاهر أن المراد به سجدة الشكر والكل حسن
إن شاء الله تعالى. انتهى.
وظاهر كلامه أخيرا هو التخيير بين الأمرين، وبذلك صرح في الذكرى أيضا
فقال: في موضع سجدتي الشكر بعد المغرب روايتان يجوز العمل بهما إحداهما رواية
حفص الجوهري والثانية رواية جهم.
أقول: لا يخفى أن القول بالتخيير هنا لا يخلو من الاشكال حيث إن ظاهر كل
من الخبرين يدفع الآخر فإن ظاهر الأول استحباب السجود بعد السابعة وأنه هو الموظف
خاصة لفعله (عليه السلام) ذلك ولانكاره على الراوي بأنه لم يسجد أحد من آبائي إلا
بعد السابعة، والمراد بأبي الحسن هنا هو الهادي (عليه السلام) كما صرح به في التهذيب
وظاهر الخبر الثاني - حيث رآه سجد بعد الثالثة وقوله (عليه السلام): فلا تدعها فإن
الدعاء فيها مستجاب - هو كون ذلك هو السنة الموظفة فكيف يتم القول بالتخيير
فيهما كما ذكروه؟
والأظهر عندي وفاقا للمحدث الكاشاني في الوافي هو حمل الرواية الأولى على
التقية كما يشعر به قول الكاظم (عليه السلام) " ورأيتني " وكأنه يستخفي بذلك،
ويؤيده ما ورد في توقيعات صاحب الأمر (عجل الله نصره وظهوره) من أنها بعد
الفريضة أفضل، روى الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن
صاحب الزمان (عليه السلام) (1) " أنه كتب إليه يسأله عن سجدة الشكر بعد الفريضة
فإن بعض أصحابنا ذكر أنها بدعة فهل يجوز أن يسجدها الرجل بعد الفريضة فإن جاز
ففي صلاة المغرب هي بعد الفريضة أو بعد الأربع ركعات النافلة؟ فأجاب (عليه
السلام) سجدة الشكر من ألزم السنن وأوجبها ولم يقل إن هذه السجدة بدعة إلا من أراد
أن يحدث في دين الله بدعة. وأما الخبر المروي فيها بعد صلاة المغرب والاختلاف في

(1) رواه في الوسائل في الباب 31 من أبواب التعقيب.
60

أنها بعد الثلاث أو بعد الأربع فإن فضل الدعاء والتسبيح بعد الفرائض على الدعاء
بعد النوافل كفضل الفرائض على النوافل والسجدة دعاء وتسبيح فالأفضل أن يكون
بعد الفرض وإن جعلت بعد النوافل أيضا جاز " انتهى.
وجمع بعض الأصحاب بين الخبرين يحمل الأول الدال على أنها يعد السبع على
الجواز والثاني على الأفضل ويدل عليه خبر التوقيع المذكور، والظاهر أنه لم يطلع عليه
وليته كان حيا فأهديه إليه، إلا أنك قد عرفت أن الخبر الأول لا يخلو من منافرة لذلك
حيث إنه (عليه السلام) مع فعله ذلك أنكر أن أحدا من آبائه لم يسجد إلا بعد السبع
ولا يبعد ملاحظة التقية في التجويز بعد السبع في التوقيع المذكور. والله هو العالم.
(الثانية عشرة) - ذكر جمع من الأصحاب أن الجلوس في الركعتين اللتين
بعد العشاء أفضل من القيام لورود جملة من النصوص بالجلوس فيهما، ومنها صحيحة
الفضيل بن يسار أو حسنته وهي الرواية الأولى من الروايات المتقدمة صدر المقدمة (1)
ورواية أحمد بن محمد بن أبي نصر ورواية كتاب الفقه الرضوي، وروى الصدوق في
كتاب العلل بسنده عن أبي عبد الله القزويني (2) قال: " قلت لأبي جعفر (عليه السلام)
لأي علة تصلى الركعتان بعد العشاء الآخرة من قعود؟ فقال لأن الله فرض سبع عشرة
ركعة فأضاف إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) مثليها فصارت إحدى وخمسين ركعة
فتعد هاتان الركعتان من جلوس بركعة " وعن المفضل عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: " قلت أصلي العشاء الآخرة فإذا صليت صليت ركعتين وأنا جالس فقال أما أنهما
واحدة ولو مت مت على وتر " وروى الكشي في كتاب الرجال عن هشام المشرقي
عن الرضا (عليه السلام) (4) قال: " إن أهل البصرة سألوني فقالوا يونس يقول من
السنة أن يصلي الانسان ركعتين وهو جالس فقلت صدق يونس ".
إلا أنه قد روى الشيخ في الموثق عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه

(1) ص 27.
(2) رواه في الوسائل في الباب 29 من أعداد الفرائض.
(3) رواه في الوسائل في الباب 29 من أعداد الفرائض.
(4) رواه في الوسائل في الباب 29 من أعداد الفرائض.
61

السلام) في حديث (1) قال: " وركعتان بعد العشاء الآخرة يقرأ فيهما مائة آية قائما
أو قاعدا والقيام أفضل ولا تعدهما من الخمسين " وهو صريح في أفضلية القيام، ويقرب منه
ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحارث بن المغيرة النصري (2) قال: " سمعت أبا عبد الله
(عليه السلام) يقول صلاة النهار، إلى أن قال وركعتان بعد العشاء الآخرة كان أبي
يصليهما وهو قاعد وأنا أصليهما وأنا قائم... الحديث " والتقريب فيه مواظبته (عليه السلام)
على القيام فيهما وحمل صلاة أبيه (عليه السلام) وهو قاعد على كونه ثقيل البدن يشق عليه القيام
كما ورد عنه (عليه السلام) في خبر حنان بن سدير عن أبيه (3) قال: " قلت لأبي جعفر (عليه
السلام) أتصلي النوافل وأنت قاعد؟ قال ما أصليها إلا وأنا قاعد منذ حملت هذا اللحم وبلغت
هذا السن " وبذلك يظهر ما في الحكم بأفضلية الجلوس كما قدمنا نقله عن جملة من الأصحاب
والجمع بين أخبار المسألة لا يخلو من اشكال، وأما ما ذكره في الذكرى - في الجمع
بين الأخبار بجوازها من قعود ومن قيام - ففيه أن محل البحث وتصادم الأخبار في
الأفضل لا في أصل الجواز. ورجح في المدارك العمل بالخبرين الأولين وطعن في سند
الخبرين الأخيرين. وهو متجه بناء على نقله صحيح ابن المغيرة عن الكافي فإن سنده فيه
ضعيف وأما في التهذيب فهو صحيح لأنه رواه فيه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن حديد
عن علي بن النعمان عن الحارث النصري. ويمكن ترجيح الأخبار الأولة بأوفقية البدلية لأن
الركعتين من جلوس تعدان بركعة قائما بخلاف صلاتهما قادما فإنه ربما حصلت الزيادة على
العدد، ويؤيد ذلك ما رواه في العلل عن أبي عبد الله القزويني إلا أنه يتوقف على وجوده
محمل للخبرين المذكورين ولا يحضرني الآن محمل يحملان عليه. والله العالم.
(الثالثة عشرة) - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز الجلوس
في النافلة اختيارا بل قال في المعتبر وهو اطباق العلماء. وقال في المنتهى إنه لا يعرف

(1) رواه في الوسائل في الباب 13 من أعداد الفرائض.
(2) رواه في الوسائل في الباب 13 من أعداد الفرائض.
(3) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب القيام.
62

فيه خلافا. ونقل الشهيد (قدس سره) في الذكرى عن ابن إدريس أنه منع من جواز
النافلة جالسا مع الاختيار إلا الوتيرة ونسب الجواز إلى الشيخ (قدس سره) في النهاية
وإلى رواية شاذة، قال واعترض على نفسه بجواز النافلة على الراحلة مختارا سفرا وحضرا
وأجاب بأن ذلك خرج بالاجماع، ثم قال في الذكرى قلت دعوى الشذوذ هنا مع
الاشتهار عجيبة والمجوزون للنافلة على الراحلة هم المجوزون لفعلها جالسا وذكر النهاية هنا
والشيخ يشعر بالخصوصية مع أنه قال في المبسوط يجوز أن يصلي النوافل جالسا مع القدرة
على القيام وقد روى أنه يصلي بدل كل ركعة ركعتين وروى أنه ركعة بركعة، وهما جميعا
جائزان. وقد ذكره أيضا المفيد (قدس سره) فإنه قال وكذلك من أتعبه القيام في
النوافل كلها وأحب أن يصليها جالسا للترفه فليفعل ذلك وليجعل كل ركعتين ركعة. انتهى
ما ذكره في الذكرى. وهو جيد.
ومن الأخبار ما رواه في الكافي والفقيه عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه
السلام) (1) قال: " قلت له إنا نتحدث نقول من صلى وهو جالس من غير علة كانت
صلاته ركعتين بركعة وسجدتين بسجدة؟ فقال ليس هو هكذا هي تامة لكم "
وروى الشيخ في التهذيب والصدوق في الفقيه عن معاوية بن ميسرة (2) " أنه سمع
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول أو سئل أو يصلي الرجل وهو جالس متربعا أو مبسوط الرجلين
فقال لا بأس " وروى في الكافي عن معاوية بن ميسرة (3) " أن سنانا سأل أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الرجل يمد إحدى رجليه بين يديه وهو جالس قال لا بأس ولا أراه
إلا قال في المعتل والمريض " قال في الكافي (4) وفي حديث آخر " يصلي متربعا ومادا
رجليه كل ذلك واسع " وفي التهذيب عن محمد بن سهل عن أبيه وفي الفقيه عن أبيه (5)

(1) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب القيام.
(2) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب القيام.
(3) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب القيام.
(4) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب القيام.
(5) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب القيام.
63

" أنه سأل أبا الحسن الأول (عليه السلام) عن الرجل يصلي النافلة قاعدا وليست به
علة في سفر أو حضر قال لا بأس به " وروى في الكافي في الصحيح عن زرارة عن
أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " قلت الرجل يصلي وهو قاعد فيقرأ السورة
فإذا أراد أن يختمها قام فركع بآخرها، قال صلاته صلاة القائم " وفي الصحيح عن حماد
عن أبي الحسن (عليه السلام) (2) قال: " سألته عن الرجل يصلي وهو جالس فقال
إذا أردت أن تصلي وأنت جالس وتكتب لك صلاة القائم فاقرأ وأنت جالس فإذا كنت
في آخر السورة فقم فأتمها واركع فتلك تحسب لك بصلاة القائم " وروى في الفقيه عن حماد
بن عثمان (3) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) قد يشتد علي القيام في الصلاة؟
فقال إذا أردت أن تدرك صلاة القائم فاقرأ وأنت جالس فإذا بقي من السورة آيتان
فقم وأتم ما بقي واركع واسجد فذلك صلاة القائم " وروى في التهذيب عن محمد بن مسلم (4)
قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يكسل أو يضعف فيصلي التطوع
جالسا؟ قال يضعف ركعتين بركعة " وعن الصيقل (5) قال: " قال لي أبو عبد الله (عليه
السلام) إذا صلى الرجل جالسا وهو يستطيع القيام فليضعف ".
أقول: قد اتفقت هذه الأخبار في رد ما ذكره ابن إدريس من منع جواز النافلة
جالسا مع الاختيار ونسبة الرواية الدالة على ذلك إلى الشذوذ.
بقي الكلام في أن الروايتين الأخيرتين قد دلتا على استحباب التضعيف متى
صلى جالسا وعلى ذلك حملهما الشيخ ومن تبعه من الأصحاب وبه صرح الشيخ المفيد
فيما قدمناه من عبارته المنقولة عنه في الذكرى. وأنت خبير بأن رواية أبي بصير قد تضمنت
بعد الأخبار عما دلت عليه هاتان الروايتان من نقصان الصلاة من جلوس الموجب في
تحصيل اتمامها إلى التضعيف إن الصلاة من جلوس تامة لكم يعني ثوابها تام لا يحتاج

(1) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب القيام.
(2) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب القيام.
(3) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب القيام.
(4) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب القيام.
(5) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب القيام.
64

إلى التضعيف، وهو بظاهره مدافع لما دل عليه الخبران المذكوران، ولم أقف على من
تعرض لوجه الجواب عن ذلك مع ظهور التدافع كما عرفت، ولا يحضرني الآن وجه
للجواب عن ذلك إلا بأن يحمل تمامها على القيام فيها في آخر السورة ثم الركوع عن قيام
كما دل عليه صحاح حماد وزرارة لما دلت عليه من أنه من صلاها على هذا الوجه حسب له
ثواب صلاة القائم وأما لو صلاها لا كذلك فإن الأفضل التضعيف.
وقال في المدارك: وفي جواز الاضطجاع والاستلقاء مع القدرة على القيام قولان
أظهرهما العدم لتوقف العبادة على النقل وعدم ثبوت التعبد به. وقيل بالجواز لأن الكيفية تابعة
للأصل فلا تجب كالأصل. وضعفه ظاهر لأن الوجوب هنا بمعنى الشرط كالطهارة في
النافلة وترتيب الأفعال فيها. انتهى. وهو جيد. والله العالم.
(الرابعة عشرة) - قد صرح جملة من الأصحاب بأن الأفضل في الصلاة جالسا أن يكون متربعا، قال في المنتهى وأما استحباب التربيع في حال الجلوس فهو قول علمائنا والشافعي
ومالك والثوري وأحمد وإسحاق وروى عن ابن عمر وابن سيرين ومجاهد وسعيد بن
جبير خلافا لأبي حنيفة (1) ثم قال: لنا ما رواه الجمهور عن أنس (2) " أنه صلى متربعا
فلما ركع ثنى رجليه " ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن حمران بن أعين عن أحدهما
(عليهما السلام) (3) قال: " كان أبي إذا صلى جالسا تربع فإذا ركع ثنى رجليه " انتهى
ولم يفسر التربيع الذي ذكره ولم يبين كيفيته ولم أقف على من بين كيفيته إلا
على كلام لشيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) في الروضة في الفصل الرابع في بيان
مستحبات الصلاة حيث قال بعد قول المصنف: " وتربع المصلي قاعدا " ما لفظه: لعجز
أو لكونها نافلة بأن يجلس على ألييه وينصب ساقيه ووركيه كما تجلس المرأة للتشهد. انتهى
ولم أقف في شئ من الأخبار على ما يدل على هذه الكيفية في صلاة القاعد نعم فيها كما

(1) المغني ج 2 ص 142.
(2) المغني ج 2 ص 142.
(3) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب القيام.
65

عرفت من رواية حمران استحباب التربع ولكن لم تبين كيفيته.
وفي المقام اشكال لم أر من تنبه له ولا نبه عليه وهو أن معنى رواية حمران المذكورة
استحباب التربع في الصلاة من جلوس وقد عرفت دعوى العلامة اتفاق علمائنا وأكثر
العامة على ذلك، مع أن هنا جملة من الأخبار قد وردت بكراهة ذلك واطلاقها شامل للصلاة
وغيرها، ومنها ما رواه في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" قال أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا جلس أحدكم على الطعام فليجلس جلسة العبد ولا
يضع إحدى رجليه على الأخرى ولا يتربع فإنها جلسة يبغضها الله تعالى ويبغض صاحبها "
وفي بعض الأخبار (2) " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجلس ثلاثا: القرفصاء
وعلى ركبتيه وكان يثني رجلا واحدة ويبسط عليها الأخرى، ولم ير متربعا قط " وظاهر
هذين الخبرين - كما ترى - عموم الكراهة في جميع الحالات من صلاة وغيرها، إلا أنه قد
ورد بإزاء هذين الخبرين أيضا ما يدل على الجواز كما رواه في الكافي في الصحيح
أو الحسن عن الحلبي ابن أبي شعبة (3) " أنه رأى أبا عبد الله (عليه السلام)
متربعا.. الحديث " وروى الصدوق عن حماد بن عثمان عن عمر بن أذينة عن
أبي سعيد (4) " أنه رأى أبا عبد الله (عليه السلام) يأكل متربعا ".
قال الشيخ الفاضل الزاهد العابد الشيخ فخر الدين بن طريح النجفي (قدس سره)
في كتاب مجمع البحرين بعد نقل الحديث النبوي " ولم ير متربعا قط ": التربع
عبارة عن أن يقعد على وركيه ويمد ركبته اليمنى إلى جانب يمينه وقدمه إلى جانب شماله
واليسرى بالعكس، ثم قال قاله في المجمع، ثم حمل خبر أكل الصادق (عليه السلام)
متربعا على الضرورة أو بيان الجواز، وحينئذ فإن كان التربع عبارة عن هيئة واحدة - كما
هو ظاهر الشيخ فخر الدين حيث حمل حديث الصادق (عليه السلام) على الضرورة

(1) رواه في الوسائل في الباب 9 من آداب المائدة.
(2) الوسائل الباب 74 من أحكام العشرة.
(3) الوسائل في الباب 6 من آداب المائدة.
(4) رواه في الوسائل في الباب 9 من آداب المائدة.
66

أو الجواز، ومثله الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في كتاب الوسائل حيث إن ظاهر
كلامه بعد حكمه بكراهة التربع حمل الحديث المذكور على بيان الجواز - أشكل الحكم
في الجمع بين هذه الأخبار فإن الاستحباب والكراهة حكمان متقابلان لا يتصف بهما
أمر واحد، واحتمال الاستحباب والكراهة بالنظر إلى حالتي الصلاة والأكل فيستحب
في حال الصلاة ويكره في الجلوس للأكل يدفعه عموم أخبار الكراهة من قوله: " لم ير
متربعا قط " وقوله " إنها جلسة يبغضها الله تعالى ويبغض صاحبها " وإن كان له كيفيات
متعددة - كما يظهر من عبارة القاموس حيث قال: " وتربع في جلوسه خلاف جثى
وأقعى " وظاهره صدق التربع على جميع هيئات الجلوس إلا الجلوس جاثيا ومقعيا -
زال الاشكال، إلا أني لم أقف على دليل واضح من الأخبار لبيان هيئة من هيئاته. نعم
روى الكشي (1) في ترجمة جعفر بن عيسى في حديث عن أبي الحسن (عليه السلام)
قال فيه " وكان جالسا إلى جنب رجل وهو متربع رجلا على رجل " ويمكن أن يحمل
خبر أبي بصير المتقدم وقوله فيه: " ولا يضع إحدى رجليه على الأخرى ولا يتربع "
على أن التربع هو وضع إحدى الرجلين على الأخرى كما دل عليه خبر الكشي فيكون
قوله " ولا يتربع " عطفا تفسيريا وهو الأوفق بقوله " فإنها جلسة يبغضها الله تعالى "
بأن يكون وضع إحدى الرجلين على الأخرى هو التربع الذي يبغضه الله تعالى،
والكلام في جلوسه (عليه السلام) متربعا يحمل على ما حملت عليه الأخبار المتقدمة من
الضرورة أو بيان الجواز أو تعدد الهيئات. وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال
إلا أن المقام مقام استحباب أو كراهة.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد ذكر جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) في
كيفية ركوع القاعد حالتين (إحداهما) أن ينحني بحيث يصير بالنسبة إلى القاعد المنتصب
كالراكع القائم بالنسبة إلى القائم بالنسبة إلى القائم. و (ثانيتهما) أن ينحني بحيث تحاذي جبهته موضع سجوده

(1) ص 310.
67

وأدناه أن ينحني بحيث تصل جهته إلى قدام ركبتيه، وأكمل ركوع القائم أن يستوي ظهره
وعنقه وهو يستلزم محاذاة الجبهة موضع السجود. والظاهر أن كلا منهما محصل ليقين
البراءة لكن المنقول عن الشهيد (قدس سره) في بعض كتبه أنه أوجب رفع الفخذين
من الأرض استنادا إلى أنه واجب حال القيام والأصل بقاؤه. واعترض عليه بأن ذلك
غير مقصود حال القيام بل إنما جعل تبعا للهيئة الواجبة في تلك الحالة وهي منتفية ههنا
وأنه ينتقض بالصاق البطن فإنه يحصل في حال القعود أكثر مما يحصل في حال القيام ولم يحكم
باعتبار التجافي. والله العالم.
(الخامسة عشرة) - قد تكاثرت الأخبار باستحباب صلاة ركعتين بين
المغرب والعشاء وتسمى ركعتي الغفيلة وركعتي الغفلة وركعتي ساعة الغفلة، ومن ذلك ما رواه
الشيخ في كتاب المصباح عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" من صلى بين العشاءين ركعتين يقرأ في الأولى الحمد وقوله تعالى " وذو النون إذ ذهب
مغاضبا.. إلى وكذلك ننجي المؤمنين " (2) وفي الثانية الحمد وقوله تعالى " وعنده مفاتح
الغيب.. إلى آخر الآية " (3) فإذا فرغ من القراءة رفع يديه وقال: اللهم إني أسألك بمفاتح
الغيب التي لا يعلمها إلا أنت أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا، ويقول
اللهم أنت ولي نعمتي والقادر على طلبتي تعلم حاجتي فأسألك بمحمد وآله (عليهم السلام)
لما قضيتها لي، وسأل الله حاجته أعطاه الله تعالى ما سأل " ورواه السيد الزاهد
العابد رضي الدين بن طاووس في كتاب فلاح السائل بإسناده عن هشام بن سالم مثله (4)
وزاد " فإن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لا تتركوا ركعتي الغفلة وهما ما بين
العشاءين " ومنها ما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا (5) قال: قال رسول الله (صلى الله

(1) رواه في الوسائل في الباب 20 من الصلوات المندوبة.
(2) سورة الأنبياء، الآية 87.
(3) سورة الأنعام، الآية 59.
(4) البحار ج 18 ص 544.
(5) رواه في الوسائل في الباب 20 من الصلوات المندوبة.
68

عليه وآله) وفي كتاب العلل مسندا في الموثق عن سماعة عن جعفر بن محمد عن أبيه
(عليهما السلام) (1) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) تنفلوا في ساعة
الغفلة ولو بركعتين خفيفتين فإنهما تورثان دار الكرامة " قال: وفي خبر آخر " دار
السلام وهي الجنة "
وساعة الغفلة ما بين المغرب والعشاء الآخرة. وروى الشيخ في
التهذيب بسنده عن وهب أو السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (2)
قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) تنفلوا.. الحديث إلى قوله دار الكرامة "
ثم زاد " قيل يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما ساعة الغفلة؟ قال ما بين المغرب
والعشاء " وروى هذه الرواية أيضا ابن طاووس في كتاب فلاح السائل (3)
وزاد " قيل يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما معنى خفيفتين؟ قال تقرأ فيهما
الحمد وحدها. قيل يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فمتى أصليها؟ قال ما بين المغرب
والعشاء " وروى الصدوق في الفقيه عن الباقر (عليه السلام) (4) " أن إبليس إنما
يبث جنوده جنود الليل من حين تغيب الشمس. إلى مغيب الشفق ويبث جنود
النهار من حين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وذكر أن النبي (صلى الله عليه وآله)
كأن يقول: أكثروا ذكر الله تعالى في هاتين الساعتين وتعوذوا بالله عز وجل من
شر إبليس وجنوده وعوذوا صغاركم في هاتين الساعتين فإنهما ساعتا غفلة ".
أقول: وفي المقام فوائد (الأولى) - ظاهر الأخبار المذكورة أن محل الصلاة
المذكورة بين صلاتي المغرب والعشاء متى صليتا في وقت فضيلتهما، وظاهر شيخنا البهائي
في كتاب مفتاح الفلاح أن وقتهما من غروب الشمس إلى غروب الشفق المغربي، قال
في الكتاب المذكور - بعد ذكر حديث السكوني أو وهب المنقول برواية الشيخ في

(1) رواه في الوسائل في الباب 20 من الصلوات المندوبة.
(2) رواه في الوسائل في الباب 20 من الصلوات المندوبة.
(3) البحار ج 18 ص 545.
(4) رواه في الوسائل في الباب 36 من أبواب التعقيب.
69

التهذيب وقوله فيه " ما بين المغرب والعشاء " ما لفظه: ولا يخفى أن المراد ما بين وقت
المغرب ووقت العشاء أعني ما بين غروب الشمس إلى غيبوبة الشفق كما يرشدك إليه
الحديث السابق لا ما بين الصلاتين، وقد ورد الأحاديث الصحيحة أن أول وقت
العشاء غيبوبة الشفق (1) ومن هذا يستفاد أن وقت أداء ركعتي الغفيلة ما بين الغروب
وذهاب الشفق فإن خرج صارت قضاء. انتهى. أقول: أشار بالحديث السابق إلى
ما نقلناه أخيرا من حديث بث إبليس جنوده من حين تغيب الشمس إلى مغيب الشفق.
وأنت خبير بأن غاية ما يدل عليه الخبر المذكور أن ابتداء البث من ذلك الوقت ولا دلالة
فيه على كون الصلاة من ذلك الوقت، ومجرد كون هذه الصلاة تصلى في ساعة الغفلة
لا يستلزم جواز تقديمها على الفريضة سيما مع استفاضة النصوص بالمنع من النافلة بعد دخول
وقت الفريضة كما سيأتي إن شاء الله تعالى في محلها، على أنها بين الفرضين واقعة في الساعة المذكورة
متى صلى الفرضين في وقت فضيلتهما، ورواية هشام بن سالم صريحة في كونها بين
الفرضين وكذا المرسلة المنقولة في كتاب فلاح السائل عن النبي (صلى الله عليه وآله)
ونحوهما المرسلة الثانية. وبالجملة فالظاهر من الأخبار أن وقتها إنما هو بين الصلاتين
وإن كانت ساعة الغفلة ممتدة من غروب الشمس، ولعل السر في تخصيصها بما ذكرناه
من حيث الأخبار المانعة من التطوع بعد دخول وقت الفريضة.
(الثانية) - المفهوم من الأخبار اختصاص القضاء بالرواتب اليومية بعد فوات
أوقاتها، وصريح شيخنا المتقدم أن هاتين الركعتين تقضيان بعد فوات وقتهما، ولم أقف
له على دليل بل ولا قائل سواه (قدس سره) ولعل منشأ ما ذهب إليه من حيث التوقيت
إلا أن مجرد ذلك لا يوجب القضاء فإنه كما يتوقف الاتيان بها في ذلك الوقت على دليل
كذلك يتوقف القضاء على الدليل على الأشهر الأظهر، ومجرد فوات الأداء لا يستلزم
القضاء كما عليه المحققون من أصحابنا (رضوان الله عليهم).

(1) رواه في الوسائل في الباب 23 من المواقيت.
70

(الثالثة) - ذهب بعض مشايخنا المعاصرين - على ما نقل عنه - إلى أنه يكفي
في أداء هذه الوظيفة الاتيان بنافلتي المغرب. ولعله نظر إلى الأمر بالتنفل في ساعة
الغفلة بقول مطلق، وهو وإن أمكن احتماله إلا أن ورود الخبر بتعيين صلاة معينة بقراءة
خاصة وكيفية تفارق بها كيفية نافلتي المغرب الموظفة يعطي تقييد ذلك الاطلاق بهذه
الصلاة الخاصة الزائدة على نافلتي المغرب، ولا ريب أن الاحتياط في تحصيل هذه الوظيفة
إنما يتم بما ذكرنا، وهو ظاهر الأصحاب أيضا حيث إنهم ذكروا في هذا المقام هذه
الصلاة المخصوصة زيادة على نافلتي المغرب.
(الرابعة) - ما ورد في الرواية المنقولة من كتاب فلاح السائل من تفسير
الخفيفتين بالاقتصار على الحمد وحدها مع ما عرفت من رواية هشام بن سالم من استحباب
قراءة الآيتين المذكورتين لعله محمول على ضيق الوقت أو الاستعجال لحاجة ونحو ذلك،
وظاهر شيخنا الشهيد في الذكرى أن هاتين الركعتين في هذه الرواية غير ركعتي الغفيلة
المذكورة في رواية هشام بن سالم حيث قال: يستحب ركعتان ساعة الغفلة وقد رواهما
الشيخ، ثم نقل الرواية المشتملة على الركعتين الخفيفتين ثم قال ويستحب أيضا بين
المغرب والعشاء ركعتان يقرأ في الأولى بعد الحمد: وذا النون إذ ذهب مغاضبا.. الخ،
إلى أن قال فإن الله تعالى يعطيه ما يشاء. والظاهر عندي أن الركعتين المذكورتين في
الروايتين إنما هما صلاة واحدة وإن اختلفت العبارتان كما ذكرنا.
(الخامسة) - نقل الشيخ الطبرسي في كتاب مجمع البيان عن ابن عباس في
تفسير قوله سبحانه حكاية عن موسى على نبينا وآله وعليه السلام " ودخل المدينة على
حين غفلة من أهلها " (1) أن دخوله كان فيما بين المغرب والعشاء. انتهى. وفيه إشارة
إلى ما دلت عليه هذه الأخبار إن ثبت النقل المذكور.
(السادسة) - قوله في الدعاء المذكور في القنوت " لما قضيتها لي " يجوز

(1) سورة القصص، الآية 15.
71

قراءته بالتشديد والتخفيف فعلى تقدير التشديد يكون " لما " بمعنى " إلا " يعني
" إلا قضيتها لي " وعلى تقدير التخفيف تجعل " ما " زائدة للتأكيد واللام فيها جواب
القسم والتقدير " لتقضيها لي " كذا في كتاب مجمع البيان.
(تذنيب) من المستحب في هذه الساعة أيضا صلاة ركعتين يقرأ في الأولى بعد
الحمد سورة الزلزلة ثلاث عشرة مرة وفي الثانية بعد الحمد التوحيد خمس عشرة مرة. روى
الشيخ (طاب ثراه) في كتاب المصباح عن الصادق عن آبائه عن رسول الله (صلوات
الله عليهم) (1) قال: " أوصيكم بركعتين بين العشاءين يقرأ في الأولى الحمد وإذا زلزلت
ثلاث عشرة مرة وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة فإنه من فعل ذلك كل
شهر كان من الموقنين، فإن فعل ذلك في كل سنة كان من المحسنين، فإن فعل ذلك في
كل جمعة كان من المخلصين، فإن فعل ذلك كل ليلة زاحمني في الجنة ولم يحص ثوابه
إلا الله تعالى ".
(السادسة عشرة) - ما تضمنه خبر الحجال - من صلاة الصادق (عليه السلام)
الركعتين بعد العشاء يقرأ فيهما بمائة آية ثم ركعتين من جلوس وأنه متى لم يدرك صلاة
الليل والوتر في آخره أضاف إليها ركعة كما في بعض الأخبار أو ركعتين كما في الرواية
الأخرى واحتسب بها مع ما قدمه وترا (2) - لا يخلو من الاشكال.
قال شيخنا الشهيد في الذكرى - بعد نقل الخبر المذكور بالرواية المشتملة على
لفظ الركعة - ما صورته: وفيه إيماء إلى جواز تقديم الشفع في أول الليل وهو خلاف
المشهور، نعم في خبر زرارة عنه (عليه السلام) (3) " من كان يؤمن بالله واليوم
الآخر فلا يبيتن حتى يوتر " وهذا يمكن حمله على الضرورة، وفي المصباح يستحب أن
يصلي بعد ركعتي الوتيرة ركعتين من قيام، وأنكرهما ابن إدريس استسلافا لأن الوتيرة

(1) رواه في الوسائل في الباب 17 من الصلوات المندوبة.
(2) ص 32.
(3) رواه في الوسائل في الباب 29 من أعداد الفرائض.
72

خاتمة النوافل كما صرح به الشيخان في المقنعة والنهاية حتى في نافلة شهر رمضان وهو
مشهور بين الأصحاب، والذي في رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1)
" وليكن آخر صلاتك وتر ليلتك " ولكنه في سياق الوتر لا الوتيرة. ونسب ابن
إدريس الرواية بالركعتين إلى الشذوذ، وفي المختلف لا مشاحة في التقديم والتأخير
لصلاحية الوقت للنافلة.
أقول: ما ذكره من أن في الخبر إيماء الجواز تقديم الشفع وأنه خلاف المشهور صحيح
ولكنه بهذا التقريب يجب حمله على التقية، لأن المنقول عن العامة أنهم يستحبون تقديم الوتر
في أول الليل فإن انتبهوا في آخر الليل صلوا صلاة الليل وأوتروا فصلوا وترين في ليلة
وإلا احتسبوا بما قدموه (2) والأخبار قد نفت عليهم فعل وترين في ليلة واحدة إلا أن
يكون أحدهما قضاء (3) ومما يشير إلى ذلك ما في صحيحة الحلبي (4) قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) هل قبل العشاء الآخرة وبعدها شئ؟ قال لا غير أني أصلي بعدها
ركعتين ولست أحسبهما من صلاة الليل " قال في الوافي: فيه رد على العامة فإنهم أبدعوا
وترا بعد صلاة العشاء يحسبونه من صلاة الليل إذا لم يستيقظوا آخر الليل فإن استيقظوا أعادوها
فيصلون وترين في ليلة. انتهى. وأما ما ذكره - من دلالة خبر زرارة على ذلك أيضا حتى أنه تأوله بحمله على الضرورة - فقد تقدم الكلام فيه منقحا وبينا أن المراد بالوتر هنا إنما هي
الوتيرة التي تستحب بعد العشاء فلا اشكال في الخبر المذكور. وأما ما نقله عن ابن
إدريس - من انكاره لما ذكره الشيخ ونسبة الرواية إلى الشذوذ - ففيه أن ما دل
على الصلاة بعد الوتيرة ليس منحصرا في رواية الشيخ المذكورة بل هو مدلول الخبر الذي
هو محل البحث وصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة في صدر المقدمة (5) إلا أن ظاهر

(1) رواها في الوسائل في الباب 42 من الصلوات المندوبة.
(2) راجع التعليقة 1 ص 29.
(3) رواها في الوسائل في الباب 42 من الصلوات المندوبة.
(4) المروية في الوسائل في الباب 27 من أعداد الفرائض.
(5) ص 29.
73

قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة أو حسنته المشار إليها في كلامه " وليكن آخر
صلاتك وتر ليلتك " هو أن خاتم صلاة تلك الليلة الوتيرة، واستبعاد اطلاق الوتر على
الوتيرة كما يفهم من كلامه مدفوع بما تقدم في الفائدة السادسة من الأخبار الدالة على
صحة هذا الاطلاق وإن كان سياق الخبر إنما هو في الوتر الذي في آخر الليل والكلام
في قضائه إلا أنه لا منافاة في ذلك، وبالجملة فالكلام في المسألة غير خال من شوب
الاشكال لما عرفت.
وقال المحدث الكاشاني في الوافي ذيل الخبر المشار إليه: لعل المراد أنه صلى
ركعة فصارت مع اللتين صلاهما جالسا شفعا فتصيران نافلة الفجر فقوله " واحتسب
بالركعتين " بيان لعدهما واحدة لتصيرا مع هذه شفعا، وفي بعض النسخ " صلى ركعتين "
فيكون المراد فصارت صلاته هذه شفعا وهي مع اللتين صلاهما جالسا تحتسب بصلاة الوتر
لأنهما تعدان بواحدة وربما يوجد " سبعا " مكان " شفعا " وكأنه تصحيف انتهى.
ولا يخلو من اضطراب وتناقض.
والذي يقرب عندي في معنى الخبر المذكور أن الركعتين اللتين صلاهما (عليه
السلام) بعد العشاء بلا فصل وقرأ فيهما مائة آية هما ركعتا الوتيرة بقرينة قراءة مائة
آية التي قد ورد في غير هذا الخبر استحبابها فيها وقرينة قوله " ولا يحتسب بهما " يعني من
صلاة الليل كما تقدم ذكره، وأما الركعتان من جلوس اللتان بعدهما فإن الغرض منهما أنه
متى لم يستيقظ حتى يطلع الفجر فإنه يضيف إليهما ركعة من قيام كما في إحدى الروايتين
أو ركعتين يعني من جلوس كما في الرواية الأخرى ويحتسب بذلك عن صلاة الفجر،
وأما قوله " واحتسب بالركعتين " فهو راجع إلى الوتيرة بقرينة قوله " اللتين صلاهما
بعد العشاء " فإنهما اللتان يحتسب بهما عن الوتر لما عرفت من أن من جملة التعليلات في
الوتيرة هو قيامها مقام الوتر في آخر الليل لو مات ولم يوتر، ومورد ذلك الخبر وإن
كان الموت إلا أن ظاهر هذا الخبر فوات الوقت أيضا، وكيف كان فالحكمان المذكوران
74

لا يخلوان من غرابة ولعل ذلك من جملة الرخص الواردة في الشريعة.
ومما يؤيد هذا الخبر باعتبار دلالته على الزيادة على الوتيرة بعد العشاء الآخرة
ما تقدم في حسنة عبد الله بن سنان (1) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) إلى أن
قال ورأيته يصلي بعد العتمة أربع ركعات " وقد تقدم النقل عن صاحب الوافي أنه
حملها على غير الرواتب أو أنها قضاء لها والظاهر حملها على ما دل عليه هذا الخبر، وكذلك
الخبر الذي نقله في الذكرى عن الشيخ في المصباح إلا أن خبر المصباح تضمن الركعتين
من قيام والخبر الذي نحن فيه من جلوس وخبر ابن سنان مجمل.
(السابعة عشرة) - روى الصدوق (قدس سره) في من لا يحضره الفقيه
في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) أنه قال: " من قال
في آخر سجدة من النافلة بعد المغرب ليلة الجمعة - وإن قال كل ليلة فهو أفضل -: اللهم إني
أسألك بوجهك الكريم واسمك العظيم أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تغفر لي ذنبي
العظيم - سبع مرات انصرف وقد غفر له " وظاهر الشهيد في الذكرى أن محل هذا الدعاء
السجدة الواقعة بعد السبع حيث قال بعد ذكر الخلاف في موضع سجدتي الشكر بعد المغرب
وذكر روايتي حفص الجوهري وجهم المتقدمتين في الفائدة الحادية عشرة: ويستحب أن
يقال في السجدة بعد السبع ليلة الجمعة: اللهم إني أسألك، وساق الدعاء إلى آخره،
وهو وهم منه (قدس سره) لما عرفت من الرواية المذكورة التي هي المستند في هذا الحكم.
(الثامنة عشرة) - المعروف من مذهب الأصحاب - وبه صرح جملة منهم -
أن كل النوافل يسلم فيها على الركعتين إلا مفردة الوتر وصلاة الأعرابي بل نقل عن
الشيخ في الخلاف وابن إدريس دعوى الاجماع عليه.
قال في الذكرى: ومنع في المبسوط من الزيادة على ركعتين اقتصارا على ما نقل

(1) المروية في الوسائل في الباب 14 من أعداد الفرائض.
(2) رواه في الوسائل في الباب 46 من صلاة الجمعة.
75

عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته، وقال في الخلاف إن فعل خالف السنة
واحتج باجماعنا وبما رواه ابن عمر (1) " أن رجلا سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله)
عن صلاة الليل فقال صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر
له ما قد صلى " ثم نقل عن ابن عمر عنه (صلى الله عليه وآله) (2) قال: " صلاة الليل
والنهار مثنى مثنى " ثم قال فدل على أن ما زاد على مثنى لا يجوز. وظاهر كلامه في
الكتابين عدم شرعيته وانعقاده. وهل يجوز الركعة الواحدة في غير الوتر؟ منع منه في
الخلاف والمعتبر اقتصارا على المتفق عليه من فعل النبي (صلى الله عليه وآله) ولرواية
ابن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وآله) (3) " أنه نهى عن البتراء يعني الركعة الواحدة "
وقد ذكر الشيخ في المصباح (4) عن زيد بن ثابت صلاة الأعرابي عند ارتفاع نهار
الجمعة عشر ركعات يقرأ في الركعتين الأوليين الحمد مرة والفلق سبعا وفي الثانية بعد
الحمد الناس سبعا ويسلم ويقرأ آية الكرسي سبعا ثم يصلي ثمان ركعات بتسليمتين يقرأ
في كل ركعة الحمد مرة والنصر مرة والاخلاص خمسا وعشرين مرة ثم يدعو بالمرسوم،
ولم يذكر سندها ولا وقفت لها على سند من طريق الأصحاب قال ابن إدريس قد روى
رواية في صلاة الأعرابي فإن صحت لا تعدى لأن الاجماع على ركعتين بتسليمة.
انتهى ما ذكره في الذكرى.
أقول: الأظهر في الاستدلال على الحكم المذكور هو ما أشاروا إليه مما ملخصه
أن العبادات توقيفية متلقاة من صاحب الشرع والذي ثبت وصح عنه أن كل ركعتين
بتسليمة خرج منها ركعة الوتر بالنصوص المستفيضة، ويزيده تأكيدا ما رواه عبد الله بن

(1) كما في صحيح مسلم ج 1 ص 280 وسنن البيهقي ج 2 ص 486.
(2) كما في سنن البيهقي ج 2 ص 487.
(3) نقل الشوكاني في نيل الأوطار ج 3 ص 28 عن الحنفية الايتار بثلاث واستدلوا
عليه بما رواه محمد بن كعب القرظي " أن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى عن البتيراء ".
(4) ص 222.
76

جعفر الحميري في كتاب قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر
عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) (1) قال: " سألته عن الرجل يصلي النافلة أيصلح
له أن يصلي أربع ركعات لا يسلم بينهن؟ قال لا إلا أن يسلم بين كل ركعتين " وما رواه ابن
إدريس في مستطرفات السرائر نقلا عن كتاب حريز بن عبد الله عن أبي بصير (2)
قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام) في حديث: وافصل بين كل ركعتين من نوافلك
بالتسليم " وأما صلاة الأعرابي فلم يثبت طريقها من روايات الأصحاب كما اعترف به
شيخنا المذكور وغيره والخبر الوارد بها عامي لا يمكن تخصيص الأخبار به. والله العالم.
(التاسعة عشرة) - اتفق أصحابنا (رضوان الله عليهم) على أن صلاة الضحى
بدعة، قال الشيخ في الخلاف صلاة الضحى بدعة لا يجوز فعلها وخالف جميع الفقهاء
في ذلك فقالوا إنها سنة (3) ثم قال دليلنا اجماع الفرقة ثم نقل بعض الروايات الدالة
على ذلك من طرقهم. وقال العلامة في المنتهى صلاة الضحى بدعة عند علمائنا خلافا
للجمهور فإنهم أطبقوا على استحبابها.

(1) رواه في الوسائل في الباب 15 من أعداد الفرائض.
(2) رواه في الوسائل في الباب 15 من أعداد الفرائض.
(3) في نيل الأوطار للشوكاني ج 3 ص 53 أن ابن القيم جمع الأقوال في صلاة الضحى
فبلغت إلى ستة " الأول " أنها سنة " الثاني " لا تشرع إلا بسبب فإن النبي (صلى الله عليه وآله) صلاها يوم
الفتح بسبب الفتح والأمراء يسمونها صلاة الفتح " الثالث " أنها لا تستحب " الرابع "
يستحب فعلها تارة وتركها أخرى " الخامس " يستحب المحافظة عليها في البيوت
" السادس " أنها بدعة. وفي زاد المعاد لابن القيم على هامش شرح الزرقاني على المواهب
ج 1 ص 343 عن أبي هريرة أنه لم ير النبي (صلى الله عليه وآله) صلى صلاة الضحى إلا يوما واحدا.
وعن عبد الرحمان بن أبي بكرة أن أبا بكرة رأى ناسا يصلون الضحى فقال إنكم تصلون
صلاة ما صلاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا عامة أصحابه. وعن مجاهد أنه وعروة بن الزبير
دخل المسجد وابن عمر فيه والناس يصلون الضحى فسألناه عنها فقال بدعة ونعمت البدعة.
وفي الموطأ لمالك ج 1 ص 167 عن عائشة قالت: ما رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي سبحة
الضحى قط. وفي شرح السيوطي عليه ما يؤيده وكذا في صحيح البخاري أبواب التطوع.
77

واستدل في المنتهى على ذلك بما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم
والفضيل (1) قالوا: " سألناهما (عليهما السلام) عن الصلاة في رمضان نافلة بالليل جماعة فقالا إن
النبي (صلى الله عليه وآله) قام على منبره فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إن الصلاة
بالليل في شهر رمضان النافلة في جماعة بدعة وصلاة الضحى بدعة ألا فلا تجمعوا ليلا في شهر
رمضان لصلاة الليل ولا تصلوا صلاة الضحى فإن ذلك معصية ألا وأن كل بدعة ضلالة وكل
ضلالة سبيلها إلى النار، ثم نزل وهو يقول قليل في سنة خير من كثير في بدعة ".
أقول: ويدل على ذلك أيضا ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن
أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال: " ما صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) الضحى
قط. قال فقلت له ألم تخبرني أنه كان يصلي في صدر النهار أربع ركعات؟ فقال بلى
إنه كان يجعلها من الثمان التي بعد الظهر " أقول سيأتي الكلام إن شاء الله تعالى في تقديم
نافلة الزوال في صدر النهار، والمراد بقوله " بعد الظهر " يعني بعد وقت الظهر وهو
الزوال لا الصلاة.
وعن بكير بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) قال: " ما صلى رسول الله
(صلى الله عليه وآله) الضحى قط " وعن عبد الواحد بن المختار الأنصاري عن أبي جعفر
(عليه السلام) (4) قال: " سألته عن صلاة الضحى قال أول من صلاها قومك أنهم
كانوا من الغافلين فيصلونها ولم يصلها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال إن عليا
(عليه السلام) مر على رجل وهو يصليها فقال ما هذه الصلاة؟ قال ادعها يا أمير المؤمنين؟
فقال علي (عليه السلام) أكون أنهى عبدا إذا صلى " وروى الصدوق في كتاب
عيون الأخبار في حديث رجاء بن أبي الضحاك الذي صحب الرضا (عليه السلام) من المدينة
إلى خراسان (5) قال: " ما رأيته صلى الضحى في سفر ولا حضر " وروى في الكافي

(1) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب نافلة شهر رمضان.
(2) رواه في الوسائل في الباب 31 من أعداد الفرائض.
(3) رواه في الوسائل في الباب 31 من أعداد الفرائض.
(4) رواه في الوسائل في الباب 31 من أعداد الفرائض.
(5) رواه في الوسائل في الباب 31 من أعداد الفرائض.
78

في الصحيح عن سيف بن عميرة رفعه (1) قال: " مر أمير المؤمنين (عليه السلام)
برجل يصلي الضحى في مسجد الكوفة فغمز جنبه بالدرة وقال نحرت صلاة الأوابين
نحرك الله. قال فاتركها؟ قال فقال: " أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى " (2) فقال
أبو عبد الله (عليه السلام) وكفى بإنكار علي (عليه السلام) نهيا ".
وأما ما رواه في الكافي عن معاوية بن وهب - (3) قال: " لما كان يوم فتح
مكة ضربت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) خيمة سوداء من شعر بالأبطح ثم أفاض
عليه الماء من جفنة يرى فيها أثر العجين ثم تحرى القبلة ضحى فركع ثماني ركعات لم يركعها
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل ذلك ولا بعد " - فحمله في الوافي على ما دل
عليه صحيح زرارة المتقدم من كون ذلك من نافلة الظهر التي يجوز تقديمها صدر النهار.
وفيه أنه (صلى الله عليه وآله) كان مسافرا فرضه التقصير فكيف يصلي نوافل الظهر؟
والأظهر عندي حمل هذه الصلاة على الشكر لله سبحانه في التوفيق للفتح كما يشير إليه
قوله " لم يركعها قبل ذلك ولا بعد ".
وأما ما رواه في كتاب البحار (4) عن كتاب الاختصاص في الموثق عن يونس
ابن يعقوب - قال: " دخل عيسى بن عبد الله القمي على أبي عبد الله (عليه السلام) فلما
انصرف قال لخادمه أدعه فانصرف إليه فأوصاه بأشياء ثم قال يا عيسى بن عبد الله إن
الله تعالى يقول " وأمر أهلك بالصلاة " (5) وإنك منا أهل البيت فإذا كانت الشمس من
ههنا بمقدارها من ههنا من العصر فصل ست ركعات، قال ثم ودعه وقبل ما بين عيني
عيسى وانصرف، قال يونس بن يعقوب فما تركت الست ركعات منذ سمعت أبا عبد الله

(1) رواه في الوسائل في الباب 31 من أعداد الفرائض.
(2) سورة العلق، الآية 10.
(3) رواه في الوسائل في الباب 37 من أبواب المواقيت.
(4) ج 18 الصلاة ص 83.
(5) سورة طه، الآية 132.
79

(عليه السلام) يقول ذلك لعيسى بن عبد الله " - فالظاهر حمله على التقية أو الاتقاء
على الرجل المذكور لئلا يتضرر بترك ذلك. وعلى ذلك يحمل قول أمير المؤمنين (عليه
السلام) " أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى " (1) فإنه (عليه السلام) غير متمكن
حسب الواقع من زجرهم عن بدع الثلاثة المتقدمين وربما احتجوا عليه بالآية المذكورة،
ويشير إلى ما ذكرنا قول أبي عبد الله (عليه السلام) في مرفوعة سيف بن عميرة " وكفى
بإنكار علي (عليه السلام) نهيا " فإنه ظاهر في أن انشاده (عليه السلام) الآية ليس
للتجويز وإنما هو لما ذكرناه، وبالجملة فإن غمزه (عليه السلام) للرجل بالدرة ودعاءه بأن
ينحره الله تعالى يعني يذبحه ظاهر في التحريم ولكنه لما كان الرجل جاهلا غبيا أو
معاندا شقيا راجع في السؤال مرة ثانية فلم ير (عليه السلام) المصلحة في إظهار ذلك له
زيادة على ما قدمه. والمراد بصلاة الأوابين هي نافلة الزوال كما تقدم نقله عن عبارة الفقه
الرضوي، ونحرها عبارة عن اختزال هذه الصلاة منها وقطعها فكأنهم نحروها، وصلاة
الضحى عند العامة أقلها ركعتان وأكثرها ثمان ركعات وفعلها وقت اشتداد الحر كذا
ذكره في المنتهى.
(فإن قيل) إنه لا ريب في استحباب الصلاة وأنها خير موضوع من شاء استقل
ومن شاء استكثر (2) ويؤيده قوله سبحانه " أرأيت الذي ينهى... الآية " فكيف
صارت هذه الصلاة بدعة؟
(قلنا) - لا ريب في أن الصلاة خير موضوع إلا أنه متى اعتقد المكلف في ذلك
أمرا زائدا على ما دلت عليه هذه الأدلة من عدد مخصوص وزمان مخصوص أو كيفية خاصة
ونحو ذلك مما لم يقم عليه دليل في الشريعة فإنه يكون محرما وتكون عبادته بدعة، والبدعية
ليست من حيث الصلاة وإنما هي من حيث هذا التوظيف الذي اعتقده في هذا الوقت
والعدد والكيفية من غير أن يرد عليه دليل فمن أجل ذلك ترادفت الأخبار بالانكار عليهم في

(1) سورة العلق. الآية 10.
(2) راجع التعليقة 1 ص 36.
80

ذلك والتصريح بكونها بدعة وضلالة.
(العشرون) - قد ورد في جملة من الأخبار تعيين ما يستحب قراءته في
النوافل اليومية:
روى ثقة الاسلام في الصحيح أو الحسن عن معاذ بن مسلم عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: " لا تدع أن تقرأ بقل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون
في سبع مواطن: في الركعتين قبل الفجر وركعتي الزوال وركعتين بعد المغرب وركعتين
من أول صلاة الليل وركعتي الاحرام والفجر إذا أصبحت بها وركعتي الطواف " ورواه
في الفقيه مرسلا مقطوعا (2) قال في الكافي ونحوه في التهذيب (3): وفي رواية أخرى
" إنه يبدأ في هذا كله بقل هو الله أحد وفي الركعة الثانية بقل يا أيها الكافرون إلا
في الركعتين قبل الفجر فإنه يبدأ بقل يا أيها الكافرون ثم يقرأ في الركعة الثانية
بقل هو الله أحد ".
وعن صفوان الجمال (4) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول صلاة
الأوابين الخمسون كلها بقل هو الله أحد " بيان: قد تقدم في كلامه (عليه السلام)
في كتاب الفقه الرضوي أن صلاة الأوابين هي نافلة الزوال وبه صرح في الفقيه وبذلك
صرحت أيضا مرفوعة سيف بن عميرة المتقدمة قريبا وقوله فيها " نحرت صلاة الأوابين
نحرك الله " ومثله في رواية محمد بن مسلم (5) " وإنما أخرت الظهر ذراعا من عند الزوال من
أجل صلاة الأوابين " وظاهر هذا الخبر يدل على أن صلاة الأوابين مجموع الخمسين نوافلها
وفرائضها وهو غريب لم يسمع به في غيره من الأخبار ولا في كلام الأصحاب، قيل

(1) رواه في الوسائل في الباب 15 من أبواب القراءة في الصلاة.
(2) ج 1 ص 314.
(3) رواه في الوسائل في الباب 15 من أبواب القراءة في الصلاة.
(4) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب القراءة في الصلاة.
(5) رواه في الوسائل في الباب 36 من أبواب المواقيت.
81

ولعل المراد بالأوابين الذين يصلون الخمسين فإن من يصلي الزوال يبعد أن لا يصلي
البواقي. والمراد بالحديث أما استحباب قراءة هذه السورة في كل ركعة من الخمسين
أو في كل صلاة منها ولو في إحدى الركعتين، ولعل الثاني أقرب لئلا ينافي توظيف جملة
من السور في الفرائض والنوافل.
وروى في الكافي عن أبي هارون المكفوف (1) قال: " سأل رجل أبا عبد الله
(عليه السلام) وأنا حاضر كم أقرأ في الزوال؟ فقال ثمانين آية فخرج الرجل فقال
يا أبا هارون هل رأيت شيخا أعجب من هذا سألني عن شئ فأخبرته ولم يسألني عن
تفسيره؟ هذا الذي يزعم أهل العراق أنه عاقلهم، يا أبا هارون إن الحمد سبع آيات وقل
هو الله أحد ثلاث آيات فهذه عشر آيات والزوال ثماني ركعات فهذه ثمانون آية "
بيان: في هذا الخبر دلالة على أنه يجب الرجوع إليهم (عليهم السلام) في مجملات
الأخبار ومتشابهاتها ولا يجوز الاعتماد في فهم معانيها على ما يتسارع إلى الفهم بل يجب
مع عدم إمكان السؤال والفحص الوقوف على جادة الاحتياط.
وروى الشيخ في التهذيب عن محسن الميثمي عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: " يقرأ في صلاة الزوال في الركعة الأولى الحمد وقل هو الله أحد وفي الركعة الثانية
الحمد وقل يا أيها الكافرون وفي الركعة الثالثة الحمد وقل هو الله أحد وآية الكرسي وفي
الركعة الرابعة الحمد وقل هو الله أحد وآخر البقرة " آمن الرسول... إلى آخرها " وفي الركعة
الخامسة الحمد وقل هو الله أحد والخمس آيات من آل عمران " إن في خلق السماوات
والأرض إلى قوله إنك لا تخلف الميعاد " (3) وفي الركعة السادسة الحمد وقل هو الله
أحد وثلاث آيات السخرة " إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض إلى قوله إن

(1) رواه في الوسائل في الباب 13 من أبواب القراءة في الصلاة.
(2) رواه في الوسائل في الباب 13 من أبواب القراءة في الصلاة.
(3) الآية 187 إلى 192.
82

رحمة الله قريب من المحسنين " (1) وفي الركعة السابعة الحمد وقل هو الله أحد والآيات
من سورة الأنعام " وجعلوا لله شركاء الجن إلى قوله وهو اللطيف الخبير " (2) وفي
الركعة الثامنة الحمد وقل هو الله أحد وآخر سورة الحشر من قوله " لو أنزلنا هذا
القرآن على جبل لرأيته إلى آخرها " فإذا فرغت قلت: اللهم مقلب القلوب والأبصار
ثبت قلبي على دينك ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت
الوهاب، سبع مرات ثم تقرأ استجير بالله من النار سبع مرات ".
وعن عبد الخالق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) " أنه كان يقرأ في الركعتين
بعد العتمة بالواقعة وقل هو الله أحد " ورواه بطريق آخر في الصحيح عن ابن أبي عمير (4)
قال: " كان أبو عبد الله (عليه السلام) يقرأ.. الحديث ".
وروى الصدوق في كتاب المجالس عن أبيه عن الحسن بن أحمد المالكي عن
منصور بن العباس عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن سالم عن زيد الشحام عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (5) قال: " من قرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الليل ستين مرة
قل هو الله أحد في كل ركعة ثلاثين مرة انفتل وليس بينه وبين الله عز وجل ذنب "
وروى في التهذيب مرسلا (6) قال: " روي أن من قرأ في الركعتين الأوليين من صلاة
الليل في كل ركعة منهما الحمد مرة وقل هو الله أحد ثلاثين مرة انفتل وليس بينه وبين الله
ذنب إلا غفر له " وكذا نقله في الفقيه (7) بلفظ " وروى ".
وروى الشيخ في المصباح مرسلا (8) قال: " روي أنه يقرأ في الركعة الأولى

(1) الأعراف، الآية 52 إلى 54.
(2) الآية 100 إلى 103.
(3) رواه في الوسائل في الباب 45 من أبواب القراءة في الصلاة.
(4) رواه في الوسائل في الباب 45 من أبواب القراءة في الصلاة.
(5) رواه في الوسائل في الباب 54 من أبواب القراءة في الصلاة.
(6) رواه في الوسائل في الباب 54 من أبواب القراءة في الصلاة.
(7) رواه في الوسائل في الباب 54 من أبواب القراءة في الصلاة.
(8) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب القراءة في الصلاة.
83

من نافلة المغرب سورة الجحد وفي الثانية سورة الاخلاص وفي ما عداه ما اختار "
قال: " وروي أن أبا الحسن العسكري (عليه السلام) كان يقرأ في الركعة الثالثة الحمد
وأول الحديد إلى قوله وهو عليم بذات الصدور وفي الرابعة الحمد وآخر الحشر ".
وروى في الكافي عن ابن سنان (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الوتر ما يقرأ فيهن جميعا؟ قال بقل هو الله أحد. قلت في ثلاثتهن؟ قال نعم " وقال
في الفقيه (2): " وروى أن من قرأ في الوتر بالمعوذتين وقل هو الله أحد قيل له أبشر
يا عبد الله فقد قبل الله وترك " وروى في التهذيب في الصحيح عن يعقوب بن
يقطين (3) قال: " سألت العبد الصالح (عليه السلام) عن القراءة في الوتر وقلت إن بعضا روى
قل هو الله أحد في الثلاث وبعضا روى المعوذتين وفي الثالثة قل هو الله أحد؟ فقال اعمل
بالمعوذتين وقل هو الله أحد " وعن الحارث بن المغيرة في الصحيح عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (4) قال: " كان أبي يقول قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن وكان
يحب أن يجمعها في الوتر ليكون القرآن كله ".
وروى الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5)
قال: " اقرأ في ركعتي الفجر أي سورتين أحببت، وقال أما أنا فأحب أن أقرأ فيهما بقل
هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون " وعن يعقوب بن سالم البزاز (6) قال: " قال
أبو عبد الله (عليه السلام) صلهما بعد الفجر واقرأ فيهما في الأولى قل يا أيها الكافرون
وفي الثانية قل هو الله أحد ".
بيان: توضيح الكلام في ما يستفاد من هذه الأخبار يقع في مواضع:
(الأول) - في حكم صلاة الزوال وقد دلت رواية معاذ بن مسلم مع المرسلة
التي بعدها على حكم الركعتين الأوليين منها وأن السنة فيها أن يقرأ في الركعة الأولى

(1) رواه في الوسائل في الباب 56 من أبواب القراءة في الصلاة.
(2) رواه في الوسائل في الباب 56 من أبواب القراءة في الصلاة.
(3) رواه في الوسائل في الباب 56 من أبواب القراءة في الصلاة.
(4) رواه في الوسائل في الباب 56 من أبواب القراءة في الصلاة.
(5) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب القراءة في الصلاة.
(6) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب القراءة في الصلاة.
84

بالتوحيد والثانية بالجحد، ودلت رواية أبي هارون المكفوف على التوحيد في الجميع
ودلت رواية الميثمي بالنسبة إلى الأوليين على ما دلت عليه رواية معاذ بن مسلم مع
المرسلة المذكورة بعدها وبالنسبة إلى الباقي منها على زيادة الآيات المذكورة على التوحيد،
ولا منافاة فإن رواية أبي هارون محمولة على الجواز والروايتين الأخريين على الفضل
والاستحباب، ويؤيده أيضا قوله (عليه السلام) في كتاب الفقه الرضوي (1) بعد
ذكر صلاة الليل: " واقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد وفي الثانية
بقل يا أيها الكافرون وكذلك في ركعتي الزوال وفي الباقي ما أحببت ".
(الثاني) - في حكم نافلة المغرب وقد دلت رواية معاذ بن مسلم مع المرسلة
المذكورة التي على أثرها على التوحيد في الركعة الأولى والجحد في الثانية والمرسلة التي
ذكرها الشيخ في المصباح على العكس والمرسلة التي نقلها عن العسكري (عليه السلام)
على الآيتين بعد الحمد في الركعتين، الأخيرتين، والأقرب في الركعتين الأوليين هو
الأول والظاهر ترجيحه بعمل الأصحاب على الرواية المذكورة في جميع ما تضمنته مضافا
إلى أنها مسندة صحيحة أو حسنة نقلها الأكثر منهم وضعف ما عارضها بالارسال وقلة
الناقل لها. وذكر شيخنا البهائي في كتاب مفتاح الفلاح أنه يقرأ في الأوليين بعد الحمد
التوحيد ثلاثا في الأولى والقدر في الثانية، قال: وإن شئت قرأت في الأولى
الجحد وفي الثانية التوحيد. والأول لم أقف له على مستند والثاني مستنده المرسلة المشار إليها
(الثالث) - في حكم الوتيرة وقد عرفت دلالة الروايتين المتقدمتين على
قراءة الواقعة فيهما مع التوحيد، وفي بعض الأخبار المتقدمة يقرأ فيها مائة آية ويمكن حمله
على الروايتين المذكورتين.
(الرابع) - حكم الركعتين الأوليين من صلاة الليل وقد اختلف في ذلك
كلام أصحابنا، فنقل شيخنا في الذكرى عن الرسالة والنهاية أنه يقرأ في أوليي صلاة

(1) ص 13.
85

الليل في الأولى التوحيد وفي الثانية الجحد، قال وفي موضع آخر منهما قدم الجحد
وروى العكس وكذا في المبسوط، ونقل في الكتاب المذكور عن الشيخ المفيد وابن
البراج في أولاهما ثلاثون مرة التوحيد وفي الثانية ثلاثون مرة الجحد، وابن إدريس
في كل ركعة منهما بعد الحمد ثلاثون مرة التوحيد، قال وقد روي أن في الثانية الجحد
والأول أظهر، قال في الذكرى بعد نقل ما ذكرناه: قلت الكل حسن والبحث في
الأفضلية وينبغي للمتهجد أن يعمل بجميع الأقوال في مختلف الأحوال. انتهى.
أقول: قد عرفت أن الذي وردت به الأخبار في المقام هو سورة التوحيد
والجحد مرة مرة بتقديم التوحيد كما في المرسلة المتقدم نقلها عن الكافي والتهذيب ذيل
رواية معاذ بن مسلم وعبارة كتاب الفقه الرضوي، أو سورة التوحيد ثلاثين مرة في
كل من الركعتين كما تقدم في رواية كتاب المجالس ومرسلة الشيخ والصدوق، وأما
القول بالثلاثين في الجحد في الركعة الثانية - كما نقله عن الشيخ المفيد أو مرة مع التوحيد
ثلاثين مرة في الأولى كما ذكره شيخنا البهائي في كتاب مفتاح الفلاح - فلم نقف له
على دليل، قال الصدوق في الفقيه في باب صلاة الليل: ثم صل ركعتين تقرأ في الأولى
الحمد وقل هو الله أحد وفي الثانية الحمد وقل يا أيها الكافرون وتقرأ في الست ركعات
ما أحببت إن شئت طولت وإن شئت قصرت، وروي أن من قرأ في الركعتين
الأوليين ثم، ساق المرسلة المتقدم نقلها عن الشيخ وعنه، وحينئذ فالتعارض واقع بين
هاتين الروايتين في المقام، وظاهر كلامه في الذكرى حمل رواية الثلاثين على سعة
الوقت ورواية التوحيد والجحد على ضيقه كما يشير إليه قوله مختلف الأحوال. وهو جيد.
(الخامس) - في حكم الوتر وفيها روايات: الأولى التوحيد في الثلاث.
والثانية المعوذتين في الأوليين والتوحيد في الثالثة وقد تقدم في الأخبار. والثالثة ما رواه في
التهذيب عن أبي الجارود عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " سمعته يقول كان علي (عليه

(1) رواه في الوافي في باب (ما يقرأ في النوافل).
86

السلام) يوتر بتسع سور " قيل لعل المراد أنه (عليه السلام) كان يقرأ في كل من الثلاث
بكل من الثلاث والرابعة ما ذكره الشيخ في المصباح (1) قال: " روي أن النبي (صلى
الله عليه وآله) كان يصلي الثلاث ركعات بتسع سور في الأولى ألهاكم التكاثر وإنا
أنزلناه وإذا زلزلت وفي الثانية الحمد والعصر وإذا جاء نصر الله وإنا أعطيناك الكوثر
وفي المفردة من الوتر قل يا أيها الكافرون وتبت وقل هو الله أحد " أقول: يمكن حمل
رواية أبي الجارود على هذه الرواية إن ثبت كونها من طرقنا وحينئذ فترجع الروايتان
إلى رواية واحدة. والخامسة ما ذكره (عليه السلام) في كتاب الفقه الرضوي (2)
قال: " وتقرأ في ركعتي الشفع سبح اسم ربك وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي
الوتر قل هو الله أحد " وأكثر الأخبار على الرواية الأولى ثم الرواية الثانية وباقي
الروايات لا تخلو من الشذوذ، وتحقيق المقام كما ينبغي يأتي إن شاء الله تعالى.
المقدمة الثالثة في المواقيت
والكلام فيها يقع في مقاصد أربعة: (الأول) في مواقيت الفرائض الخمس،
وتفصيل البحث فيه يقع في مسائل:
(الأولى) - أجمع المسلمون على أن كل صلاة من الصلوات الخمس موقتة بوقت
لا يجوز التقدم عليه ولا التأخر عنه، والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
بل كاد أن يكون اجماعا أن لكل صلاة وقتين أولا وآخرا سواء في ذلك المغرب وغيرها.
وقد وقع الخلاف هنا في موضعين: (الأول) ما نقله في المختلف عن ابن البراج
أنه قال وفي أصحابنا من ذهب إلى أنه لا وقت للمغرب إلا واحد وهو غروب القرص
في أفق المغرب. أقول: ولعل المستند لهذا القول هو ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح
عن زيد الشحام (3) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن وقت المغرب فقال

(1) رواه في الوسائل في الباب 56 من أبواب القراءة في الصلاة.
(2) ص 13.
(3) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب المواقيت.
87

إن جبرئيل أتى النبي (صلى الله عليه وآله) لكل صلاة بوقتين غير صلاة المغرب فإن وقتها
واحد ووقتها وجوبها " أقول: يعني سقوطها كقوله سبحانه: " فإذا وجبت جنوبها " (1)
والضمير راجع إلى الشمس بقرينة المقام.
وعن أديم بن الحر في الصحيح (2) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول إن جبرئيل أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالصلوات كلها فجعل لكل صلاة
وقتين غير المغرب فإنه جعل لها وقتا واحدا ".
وروى في الكافي في الصحيح عن زرارة والفضيل (3) قالا: " قال أبو جعفر
(عليه السلام) أن لكل صلاة وقتين غير المغرب فإن وقتها واحد ووقتها وجوبها ووقت
فوتها سقوط الشفق ".
قال في الكافي (4): " وروى أيضا أن لها وقتين آخر وقتها سقوط الشفق " ثم قال:
وليس هذا مما يخالف الحديث الأول أن لها وقتا واحدا لأن الشفق هو الحمرة وليس
بين غيبوبة الشمس وبين غيبوبة الحمرة إلا شئ يسير، وذلك أن علامة غيبوبة الشمس
بلوغ الحمرة القبلة وليس بين بلوغ الحمرة القبلة وبين غيبوبتها إلا قدر ما يصلي الانسان
صلاة المغرب ونوافلها إذا صلاها على توئدة وسكون وقد تفقدت ذلك غير مرة ولذلك
صار وقت المغرب ضيقا. انتهى. ومثله الشيخ في التهذيب وقال إنما نفى بالخبرين سعة الوقت
أقول: ومما يدل على الامتداد إلى غروب الشفق رواية إسماعيل بن مهران (5) قال:
" كتبت إلى الرضا (عليه السلام) إلى أن قال فكتب كذلك الوقت غير أن وقت
المغرب ضيق وآخر وقتها ذهاب الحمرة ومصيرها إلى البياض في أفق المغرب " وروى
الشيخ عن ابن سنان - يعني عبد الله - عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6) في حديث قال:
" وقت المغرب حين تجب الشمس إلى أن تشتبك النجوم " وفي رواية ذريح عن أبي عبد الله

(1) سورة الحج، الآية 37.
(2) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب المواقيت.
(3) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب المواقيت.
(4) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب المواقيت.
(5) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب المواقيت.
(6) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب المواقيت.
88

(عليه السلام) (1) " أن جبرئيل أتى النبي (صلى الله عليه وآله) في الوقت الثاني في
المغرب قبل سقوط الشفق " وعن إسماعيل بن جابر في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) قال: " سألته عن وقت المغرب قال ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق ".
وحمل أصحابنا (رضوان الله عليهم) الأخبار الأولة على أفضلية الاسراع بها
في أول الوقت. وقال في كتاب الوافي بعد نقل كلام صاحب الكافي: أقول: والذي
يظهر لي من مجموع الأخبار والتوفيق بينها أن مجموع هذا الوقت هو الوقت الأول للمغرب
وأما الوقت الثاني لها فهو من سقوط الشفق إلى أن يبقى مقدار أربع ركعات إلى انتصاف الليل
وإنما ورد نفي وقتها الثاني في بعض الأخبار لشدة التأكيد والترغيب في فعلها في الوقت
الأول زيادة على الصلوات الآخر حتى كأن وقتها الثاني ليس وقتا لها إلا في الأسفار
وللمضطرين وذوي الأعذار. انتهى. وهو جيد ويرجع بالآخرة إلى ما ذكره الأصحاب.
(الثاني) - أن المشهور بين المتأخرين من المحقق والعلامة ومن تأخر عنهما
وهو المنقول عن المرتضى وابن إدريس في الوقتين اللذين لكل فريضة أن الأول للفضيلة
والثاني للاجزاء، وذهب الشيخان وابن أبي عقيل وأبو الصلاح وابن البراج ومن متأخري
المتأخرين المحدث الكاشاني أن الوقت الأول للمختار والثاني للمضطرين وذوي الأعذار
قال في المبسوط والعذر أربعة: السفر والمطر والمرض وشغل يضر تركه بدينه أو دنياه،
والضرورة خمسة: الكافر يسلم والصبي يبلغ والحائض تطهر والمجنون يفيق والمغمى عليه
يفيق. قال في المدارك: واختلف الأصحاب في الوقتين فذهب الأكثر ومنهم المرتضى
وابن الجنيد وابن إدريس وسائر المتأخرين إلى أن الأول للفضيلة والآخر للاجزاء،
وقال الشيخان الأول للمختار والآخر للمعذور والمضطر، والأصح الأول لقوله (عليه
السلام) في صحيحة ابن سنان (3) " وأول الوقتين أفضلهما " والمفاضلة تقتضي الرجحان

(1) المروية في الوسائل في الباب 18 من أبواب المواقيت.
(2) المروية في الوسائل في الباب 18 من أبواب المواقيت.
(3) المروية في الوسائل في الباب 3 من أبواب المواقيت.
89

مع التساوي في الجواز.
أقول: لا يخفى على من أعطى التأمل حقه في الأخبار والتدبر قسطه من النظر
فيها بعين التفكر والاعتبار وأحاط علما بما جرى في هذا المضمار أن الأصح من القولين
المذكورين هو الثاني، وحيث إن المسألة المذكورة لم يعطها أحد من الأصحاب حقها من
التحقيق ولم يلج أحد منهم في لجج هذا المضيق فحري بنا أن نرخي عنان القلم في ساحة
هذا المضمار ونذكر جميع ما وقفنا عليه من الأخبار ونميز القشر فيها من اللباب ونحقق ما هو
الحق فيها والصواب بتوفيق الملك الوهاب:
فنقول: من الأخبار الدالة على القول المختار ما رواه في الكافي عن عبد الله بن
سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " سمعته يقول لكل صلاة وقتان
وأول الوقت أفضله وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلا في عذر من غير علة "
قال في الوافي قوله: " من غير علة " بدل من قوله " إلا في عذر ".
ومنها - ما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا (2) قال: " قال الصادق (عليه
السلام) أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله والعفو لا يكون إلا عن ذنب ".
ومنها - ما رواه الشيخ في التهذيب عن ربعي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: " إنا لنقدم ونؤخر وليس كما يقال من أخطأ وقت الصلاة فقد هلك وإنما الرخصة
للناسي والمريض والمدنف والمسافر والنائم في تأخيرها " أقول: ذكر هذه المعدودات
خرج مخرج التمثيل لا الحصر فلا ينافي ما تقدم في كلام الشيخ.
ومنها - ما رواه الشيخ في التهذيب أيضا في التصحيح عن عبد الله بن سنان عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: " لكل صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما

(1) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب المواقيت.
(3) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب المواقيت.
(4) رواه في الوسائل في الباب 26 من أبواب المواقيت.
90

ووقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء ولا ينبغي تأخير ذلك
عمدا لكنه وقت لمن شغل أو نسي أو سها أو نام، ووقت المغرب حين تجب الشمس
إلى أن تشتبك النجوم وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلا من عذر أو علة ".
وما رواه أيضا عن إبراهيم الكرخي (1) قال: " سألت أبا الحسن موسى
(عليه السلام) متى يدخل وقت الظهر؟ وساق الخبر كما سيأتي إن شاء الله تعالى بتمامه
في موضعه إلى أن قال: متى يخرج وقت العصر؟ فقال وقت العصر إلى أن تغرب الشمس
وذلك من علة وهو تضييع. فقلت له لو أن رجلا صلى الظهر بعد ما يمضي من زوال
الشمس أربعة أقدام أكان عندك غير مؤد لها؟ فقال إن كان تعمد ذلك ليخالف السنة
والوقت لم تقبل منه كما لو أن رجلا أخر العصر إلى قرب أن تغرب الشمس متعمدا من
غير علة لم تقبل منه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقت للصلوات المفروضات
أوقاتا وحد لها حدودا في سنته للناس فمن رغب عن سنة من سننه الموجبات كان كمن رغب
عن فرائض الله تعالى ".
ومنها - ما رواه في الكافي عن داود بن فرقد (2) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام) قوله تعالى: " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا " (3) قال كتابا
ثابتا، وليس إن عجلت قليلا أو أخرت قليلا بالذي يضرك ما لم تضيع تلك الإضاعة فإن
الله عز وجل يقوم لقوم: أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا " (4)
قال بعض المحدثين أريد التعجيل والتأخير اللذان يكونان في طول أوقات الفضيلة
والاختيار لا اللذان يكونان خارج الوقت وأريد بالإضاعة التأخير عن وقت الفضيلة
بلا عذر. انتهى. وهو جيد.

(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 7 من أعداد الفرائض.
(3) سورة النساء، الآية 104.
(4) سورة مريم، الآية 60.
91

ومنها - ما رواه في التهذيب عن أبي بصير في الموثق (1) قال: " قال
أبو عبد الله (عليه السلام) أن الموتور أهله وماله من ضيع صلاة العصر. قلت وما الموتور؟
قال لا يكون له أهل ومال في الجنة. قلت وما تضييعها؟ قال يدعها حيت تصفر أو تغيب "
ومثله روى في الفقيه عن أبي بصير (2).
ومنها - ما في كتاب الفقه الرضوي (3) قال: " اعلم أن لكل صلاة وقتين
أول وآخر فأول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله، ويروى أن لكل صلاة ثلاثة
أوقات أول ووسط وآخر فأول الوقت رضوان الله ووسطه عفو الله وآخره غفران الله
وأول الوقت أفضله، وليس لأحد أن يتخذ آخر الوقت وقتا إنما جعل آخر الوقت للمريض
والمعتل والمسافر " وقال فيه أيضا بعد ذلك بعد أن ذكر صلاة الظهر في استقبال القدم
الثالث والعصر في استقبال القدم الخامس " فإذا صلى بعد ذلك فقد ضيع الصلاة وهو
قاض بعد الوقت " وقال أيضا في الباب المذكور بعد ذلك " إن لكل صلاة وقتين
أولا وآخرا كما ذكرنا في أول الباب وأول الوقت أفضلهما وإنما جعل آخر الوقت للمعلول
فصار آخر الوقت رخصة للضعيف لحال علته ونفسه وماله.. إلى آخره " وقال في موضع
آخر أيضا بعد ما ذكر التحديد بالقدمين والأربعة: " وقد رخص للعليل والمسافر منها
إلى أن يبلغ ستة أقدام وللمضطر إلى مغيب الشمس ".
فهذه جملة من الأخبار العلية المنار واضحة الظهور على القول المذكور ولم نقف
في الأخبار على ما يعارضها صريحا، وغاية ما ربما يتوهم منه المنافاة اطلاق بعض الأخبار
القابل للتقييد بهذه الأخبار كأخبار امتداد وقتي الظهرين إلى الغروب كما سيأتي إن شاء
الله تعالى ايضاحه. وأما ما ذكره في المدارك وقبله غيره من الاحتجاج على ما ذهبوا
إليه بالأخبار الدالة على أفضلية أول الوقتين فلا منافاة فيها كما أوضحه المحدث الكاشاني في
كتاب الوافي حيث قال بعد نقل صحيحة عبد الله بن سنان - ونعم ما قال -: والمستفاد

(1) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب المواقيت.
(3) ص 2.
92

من هذا الخبر وما في معناه أن الوقت الأول للمختار والثاني للمضطر كما فهمه صاحب
التهذيب وشيخه المفيد. ويؤيده أخبار أخر يأتي ذكرها، ولا ينافي ذلك كون الأول
أفضل وكون الثاني وقتا لأن ما يفعله المختار أفضل مما يفعله المضطر أبدا وكما أن العبد
بقدر التقصير متعرض للمقت من مولاه كذلك بقدر حرمانه عن الفضائل مستوجب
للبعد عنه، نعم إذا كان الله هو الذي عرضه للحرمان فلا يعاتبه عليه لأن ما غلب الله عليه
فالله أولى بالعذر، فالوقت الثاني أداء للمضطر ووقت له وفي حقه بل المضطر إن كان ناسيا
أو نائما فالوقت في حقه حين يتفطن أو يذكر وذلك لأنه غير مخاطب بتلك الصلاة في حال
النوم والنسيان فإن الله لا يكلف نفسا إلا ما آتاها.. إلى آخره.
أقول: ومما يؤيد ما ذكرناه ويؤكد ما سطرناه ما ورد بطريقين - أحدهما ما رواه
في الكافي في الصحيح والآخر بسند فيه العبيدي عن يونس - عن أبان بن تغلب عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " يا أبان هذه الصلوات الخمس المفروضات من أقام
حدودهن وحافظ على مواقيتهن لقي الله يوم القيامة وله عنده عهد يدخله به الجنة ومن لم
يصلهن لمواقيتهن ولم يحافظ عليهن فذاك إليه إن شاء غفر له وإن شاء عذبه ".
وما رواه في الفقيه مرسلا (2) قال: " دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله)
المسجد وفيه ناس من أصحابه فقال أتدرون ما قال ربكم؟ قالوا الله ورسوله أعلم. فقال إن ربكم جل جلاله يقول إن هذه الصلوات الخمس المفروضات من صلاهن لوقتهن وحافظ
عليهن لقيني يوم القيامة وله عندي عهد أدخله به الجنة ومن لم يصلهن لوقتهن ولم يحافظ عليهن
فذاك إلي إن شئت عذبته وإن شئت غفرت له ".
وما رواه في الكافي والتهذيب عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) (3)
" أن الصلاة إذا ارتفعت في وقتها رجعت إلى صاحبها وهي بيضاء مشرقة تقول

(1) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب المواقيت.
(3) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب المواقيت.
93

حفظتني حفظك الله وإذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت إلى صاحبها وهي
سوداء مظلمة تقول ضيعتني ضيعك الله ".
والتقريب في هذه الأخبار أن المراد بهذه المواقيت المأمور بالمحافظة عليها هي
الأوقات الأوائل وهي أوقات الفضائل بلا ريب ولا اشكال وفي التي تتصف فيها الصلاة
بمزيد الشرف والكمال والقبول من حضرة ذي الجلال، وأن الأوقات الأخيرة متى لم
يكن التأخير إليها ناشئا عن عذر من تلك الأعذار المذكورة جملة منها في الأخبار فصاحبها
مستوجب لمزيد البعد منه سبحانه كما دلت عليه هذه الأخبار وأنه داخل تحت المشيئة
بمعنى أنه ليس ممن يستحق بعمله ذلك الجزاء بالثواب وما أعده الله تعالى على تلك
العبادة من الأجر الذي لا تحيط به الألباب بل هو من المرجئين لأمر الله إن شاء عذبه
بتقصيره وتأخيره الصلاة عن ذلك الوقت الأول وإن شاء عفى عن تقصيره بكرمه ورحمته،
وهذا ما تضمنه حديث الفقيه المتقدم من أن " آخر الوقت عفو الله والعفو لا يكون إلا
عن ذنب " ولا جائز أن يحمل هذا الوقت الأخير الذي جعل صاحبه تحت المشيئة على
خارج الوقت الذي هو المشهور عندهم وهو ما بعد غروب الشمس بالنسبة إلى الظهرين مثلا.
كما ربما يتوهمه بعض معكوسي الأذهان ومن ليس من فرسان هذا الميدان، فإنه لو كان
كذلك لم يحكم على صاحبه بأنه تحت المشيئة بل يجب الحكم عليه بالفسق بل الكفر كما
دلت عليه الأخبار المتقدمة (1) من أن " تارك الصلاة عمدا كافر " فهو مستحق لمزيد
النكال والعذاب كما لا يخفى على ذوي الألباب.
ومما يزيد ذلك تأييدا ويعليه تشييدا الأخبار الواردة في وضع الأوقات وإشارة
جبرئيل بها على النبي (صلى الله عليه وآله) فإنها إنما تضمنت أوائل الأوقات خاصة دون
أواخرها، ففي موثقة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) " أنه أتاه
حين زالت الشمس فأمره فصلى الظهر ثم أتاه حين زاد الظل قامة فأمره فصلى العصر ثم

(1) ص 15.
(2) المروية في الوسائل في الباب 10 من أبواب المواقيت.
94

أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب ثم أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلى العشاء
ثم أتاه حين طلوع الفجر فأمره فصلى الصبح ثم أتاه من الغد حين زاد في الظل قامة فأمره فصلى
الظهر ثم أتاه حين زاد من الظل قامتان فأمره فصلى العصر ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره
فصلى المغرب ثم أتاه حين ذهب ثلث الليل فأمره فصلى العشاء ثم أتاه حين نور الصبح
فأمره فصلى الصبح ثم قال ما بينهما وقت " ونحو هذه الرواية غيرها أيضا، والظاهر أن
وضع هذه الأوقات في أول الأمر للمكلفين ثم حصلت الرخصة لذوي الأعذار والاضطرار
بالوقت الثاني بعد ذلك كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، وبذلك يجمع بين هذه الأخبار
وبين الأخبار الدالة على الوقتين بحمل ما دل على الثاني على ذوي الأعذار والاضطرار
وتخرج الأخبار المتقدمة شاهدا على ذلك.
قال المحدث الكاشاني في الوافي بعد نقل الأخبار المتقدمة: بيان - إنما اقتصر في هذه الأخبار على بيان أوائل الأوقات ولم يتعرض لبيان أواخرها لأن أواخر الأوقات الأوائل
تعرف من أوائل الأوقات الأواخر وأواخر الأواخر كانت معلومة من غيرها، أو نقول
لم يؤت للأوقات الأواخر بتحديد تام لأنها ليست بأوقات حقيقة وإنما هي رخص لذوي
الأعذار كخارج الأوقات لبعضهم وإنما أتى بأوائلها ليتبين بها أواخر الأوائل التي كان
بيانها من المهمات وأهمل أواخرها لأنها تضييع للصلاة، وعلى الثاني لا خفاء في قوله:
" ما بينهما وقت " في الحديث الأول وقوله " ما بين هذين الوقتين وقت " في الحديث
الأخير، وأما على الأول فلا بد لهما من تأويل بأن يقال يعني بذلك أن ما بينهما وبين
نهايتيهما وقت، وبالجملة لا تستقيم هذه الأخبار إلا بتأويل.
وأنت خبير بما فيه فإن ما ذكره من الاحتمال بأن أواخر الأواخر كانت معلومة
من غيرها ممنوع لأن هذه الأخبار دالة على أن ذلك بعد وضع الأوقات للصلوات
ومقتضاه أنه قبل ذلك الوقت لم يتعين شئ من الأوقات لها فمن أين تكون أواخر
الأواخر معلومة يومئذ؟ بل الوجه في معنى الأخبار المذكورة والجمع بينها بين تلك
95

الأخبار الدالة على الامتداد إلى آخر الوقت الثاني إنما هو ما ذكرناه ثانيا وهو وجه وجيه
لا يداخله الشك ولا يعتريه، وحينئذ فلا يحتاج إلى ما تكلفه أخيرا من التطبيق والتشديد
بناء على ما ذكره من الاحتمال الأول فإنه كما عرفت بعيد وغير سديد.
ومن الأخبار الدالة على ما اخترناه أيضا جملة من الأخبار الصحاح الدالة على أن
وقت الظهر من زوال الشمس إلى أن يذهب الظل قامة ووقت العصر إلى أن يذهب
قامتين (1) والأصحاب وإن حملوها على أوقات الفضيلة جمعا بينها وبين ما دل على أن
لكل صلاة وقتين (2) والأخبار الدالة على امتداد الوقتين إلى الغروب (3) فليس
بأولى من حملنا لها على المختار وحمل ما عارضها على ذوي الأعذار والاضطرار، بل
ما ذكرناه هو الأولى لتأيده بما عرفت من الأخبار ولا سيما روايات وضع الأوقات
وروايات دخول أصحاب الوقت الثاني تحت المشيئة (4).
وأما ما أجاب به جملة من أصحابنا: منهم - شيخنا الشهيد في الذكرى عما رواه الصدوق
من قوله (عليه السلام) " أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله " - من جواز توجيه العفو
بترك الأولى مثل " عفى الله عنك " (5) وزاد الفاضل الخراساني أنه يمكن الجواب أيضا بأنه يجوز
أن يكون المراد الصلاة في آخر الوقت توجب غفران الذنوب والعفو عنها - ففيه (أولا) أن
تتمة الخبر تنادي بأن العفو لا يكون إلا عن ذنب وهو صريح في كون التأخير موجبا للتأثيم
فكيف يحمل العفو على ترك الأولى؟ وقياس الخبر على الآية قياس مع الفارق لظهور قرينة
المجاز في الآية من حيث عصمته (صلى الله عليه وآله) وصراحة الخبر فيما ذكرناه باعتبار
تتمته، وأبعد من ذلك الاحتمال الثاني فإنه مما لا ينبغي أن يصغى إليه ولا يعرج في مقام
التحقيق عليه. و (ثانيا) - الأخبار التي قدمناها الدالة على أن من لم يحافظ على ذلك

(1) رواها في الوسائل في الباب 8 و 10 من أبواب المواقيت.
(2) الوسائل الباب 3 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 4 من المواقيت.
(4) ص 93 و 94.
(5) سورة التوبة، الآية 43.
96

الوقت كان لله فيه المشيئة إن شاء غفر له وإن شاء عذبه بتقصيره في التأخير إلى الوقت
الأخير فإنه صريح في استحقاق العقوبة بالتأخير لغير عذر إلى الأوقات الأخيرة.
ومن الأخبار الدالة على الحث على الوقت الأول أيضا زيادة على ما قدمناه وأن
التأخير عنه إلى الثاني لغير عذر موجب للتضييع ما رواه الصدوق في كتاب المجالس في
الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " من صلى الصلوات
المفروضات في أول وقتها فأقام حدودها رفعها الملك إلى السماء بيضاء نقية وهي تهتف به
حفظك الله كما حفظتني فاستودعك الله كما استودعتني ملكا كريما، ومن صلاها بعد
وقتها من غير علة فلم يقم حدودها رفعها الملك سوداء مظلمة وهي تهتف به ضيعتني ضيعك
الله كما ضيعتني ولا رعاك الله كما لم ترعني.. الحديث ".
وروى الشيخ أبو علي في المجالس وغيره في غيره ونحوه في كتاب نهج البلاغة
أيضا فيما كتب أمير المؤمنين (عليه السلام) لحمد بن أبي بكر (رضي الله عنه) (2)
" ارتقب وقت الصلاة فصلها لوقتها ولا تعجل بها قبله لفراغ ولا تؤخرها عنه لشغل فإن
رجلا سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أوقات الصلاة فقال أتاني جبرئيل فأراني
وقت الظهر حين زالت الشمس فكانت على حاجبه الأيمن ثم أتاني وقت العصر فكان
ظل كل شئ مثله ثم صلى المغرب حين غربت الشمس ثم صلى العشاء الآخرة حين غاب
الشفق ثم صلى الصبح فأغلس بها والنجوم مشتبكة، فصل لهذه الأوقات والزم السنة
المعروفة والطريق الواضح، إلى أن قال واعلم أن كل شئ من عملك تبع لصلاتك فمن ضيع
الصلاة كان لغيرها أضيع ".
وروى في كتاب ثواب الأعمال (3) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام)
لفضل الوقت الأول على الأخير خير للمؤمن من ولده وماله " وقال في حديث آخر

(1) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب المواقيت.
(3) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب المواقيت.
97

قال الصادق (عليه السلام) (1) " فضل الوقت الأول على الأخير كفضل الآخرة
على الدنيا ".
وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " إذا صليت في
السفر شيئا من الصلوات في غير وقتها فلا يضرك " أقول: المراد بغير وقتها يعني غير
وقت الفضيلة وهو الوقت الأول لأن السفر أحد الأعذار كما تقدم، ويظهر من جملة من
الأخبار ما ذكر في المقام وما لم يذكر ولا سيما الخبر الأخير أن أكثر اطلاق لفظ الوقت
إنما هو على هذا المعنى أعني الوقت الأول خاصة إلا مع القرينة الصارفة عنه.
وقد استفيد من الأخبار المذكورة في المقام بضم بعضها إلى بعض أن المراد بالوقت
المرغب فيه وهو الذي يكون للعبد فيه عهد عند الله سبحانه بايقاع الصلاة فيه إنما هو الوقت
الأول وإن ترتب الفضل فيه أيضا أولا فأولا وهو الوقت الذي أول ما فرض وإن كان
الثاني وقتا في الجملة، وأن التأخير إلى الثاني إن كان لضرورة أو عذر فلا اشكال ولا
ريب في كونه وقتا له وأنه غير مؤاخذ بالتأخير وإن كان فضله أقل وثوابه أنقص، وإن
كان لا كذلك فهو تضييع للصلاة وإن وقعت فيه أداء وأسقطت القضاء إلا أن صاحبها
تحت المشيئة بسبب تقصيره في التأخير فإن شاء الله عفى عنه وقبل منه وإن شاء عذبه،
وملخصه أن وقتية هذا الوقت الثاني أولا وبالذات إنما هي لأصحاب الأعذار والاضطرار
ورخصة لهم من حيث ذلك وإن أجزأت لغيرهم مع استحقاقهم البعد والمؤاخذة من الله
سبحانه إلا أن يعفو بفضله وكرمه، وإلى ما ذكرنا يشير كلام الرضا (عليه السلام)
في كتاب الفقه (3) حيث قال: " وإنما جعل آخر الوقت للمعلول فصار آخر الوقت رخصة
للضعيف لحال علته ونفسه وماله وهي رحمة للقوي الفارغ لعلة الضعيف والمعلول " ثم
أطال بذكر بعض النظائر ومرجعه إلى ما ذكرناه، وبذلك يظهر لك قوة ما اخترناه

(1) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب المواقيت.
(2) المروية في الوسائل في الباب 13 من أبواب المواقيت.
(3) ص 2.
98

وإن كان خلاف المشهور لظهوره من الأخبار كالنور على الطور.
ومما حققناه في المقام يعلم الوجه فيما نقل عن شيخنا مفيد الطائفة المحقة ورئيس
الفرقة الحقة (قدس سره وأعلى في جوار أئمته مقعده) في كتاب المقنعة حيث حكم أنه
لو مات قبل أدائها في الوقت كان مضيعا لها وإن بقي حتى يؤديها في آخر الوقت أو ما بين
الأول والآخر عفى عن ذنبه. والأصحاب بهذه العبارة نسبوا إليه وجوب المبادرة في أول
الوقت وجعلوه مخالفا لما هو المشهور عندهم من الاستحباب حيث إن الصلاة من الواجبات
الموسعة. أقول: وصورة عبارته لا تحضرني الآن إلا أن الظاهر أن بناء كلامه إنما هو
على ما نحن فيه من أن الوقت الشرعي للمختار إنما هو الوقت الأول والثاني إنما هو من
قبيل الرخص لأصحاب الأعذار وهو تضييع بالنسبة إلى غيرهم ومن أجل ذلك أوجب الصلاة
في ذلك الوقت الذي هو الوقت الشرعي له غاية الأمر أنه إن بقي إلى الوقت الثاني وأداها فيه
عفى عن ذنبه، وكلامه هذا وإن كان خلاف ما هو المشهور بينهم إلا أنه هو الموافق لمذهبه
في المسألة والمطابق لما ذكرناه وحققناه من الأخبار كما عرفت وأما ما ذكره الشيخ في
التهذيب في شرح هذا الموضع - مما يشعر بأن الخلاف بينه وبين الأصحاب لفظي حيث
استدل له بالأخبار الدالة على فضل الوقت الأول وحمل الوجوب في كلامه على ما يستحق به
اللوم والعتاب دون ما يستحق به العقاب - فهو من غفلاته الناشئة عن استعجاله في
التأليف فإن الأدلة - كما عرفت - ظاهرة منطبقة على كلامه (قدس سره) كالمرسلة المروية
من الفقيه وصحيحة أبان بن تغلب والروايات التي بعدها لا ما أورده من الروايات
الدالة على مجرد أفضلية الوقت الأول، وسيأتي إن شاء الله تعالى في مسألة آخر وقت
الظهر ما فيه مزيد تأكيد بما ذكرناه وتشييد لما أسسناه.
تتمة
وجدت في بعض الكتب المشتملة على جملة من رسائل شيخنا الشهيد الثاني وجملة
99

من الأسئلة وأجوبتها والظاهر أيضا أنها له (قدس سره) على صورة سؤال وجواب
بهذه الكيفية: مسألة - قيل إن تأخير الصلاة إلى آخر الوقت لا يجوز إلا لذوي الأعذار
فهل يأثم غيرهم على هذا القول فيجتمع الأداء والإثم أم لا؟ فإن كان الأول فقد اجتمعا وإن
كان الثاني فقد ورد " أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله " فعلى ما يحمل الخبر؟
الجواب: المشهور بين المتأخرين اشتراك وقت الفرضين على الوجه الذي فصلوه جمعا بين
الأخبار وإن دل بعضها على ذلك وبعضها على اختصاص كل واحدة بوقت مع الاختيار بحمل
هذه على الفضيلة وخالف جماعة فحكموا باختصاص جواز التأخير بذوي الأعذار، وعليه
فمن أخر لا لعذر أثم ويبقى أداء ما دام وقت الاضطرار باقيا، والخبر الذي ذكرتموه ظاهر
في هذا القول لأن العفو يقتضي حصول الذنب وأصحاب القول الأول حملوه على المبالغة
في الكراهة ونقصان الثواب. انتهى.
(المسألة الثانية) - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) اختصاص
الظهر من أول الوقت بمقدار أدائها ثم اشتراك الوقت بين الفرضين إلى أن يبقى مقدار
أداء العصر قبل الغروب فيختص به العصر، وهكذا في المغرب والعشاء يختص المغرب
من أوله بثلاث ركعات ثم يشترك الوقتان إلى أن يبقى من الانتصاف قدر صلاة العشاء فتختص
به. ونقل عن الصدوق في الفقيه القول باشتراك الوقتين من أول الوقت إلى آخره لنقله الأخبار
الدالة على الاشتراك من أول الوقت إلى آخره وعدم نقل ما يخالفها وإلا فإنه لم يصرح بذلك
في الكتاب ولو بالإشارة، وغاية ما يمكن التعلق به في هذه النسبة هو ما ذكرناه وهو
لا يخلو من اشكال، حيث إنهم نقلوا عنه الاشتراك من أول الوقت إلى آخره كما هو ظاهر
الأخبار المذكورة مع أن كلامه في الفقيه كما سيأتي نقله إن شاء تعالى صريح في اختصاص
آخر الوقت بالفريضة الأخيرة كما هو القول المشهور ونقله المرتضى (رضي الله عنه) في المسائل
الناصرية عن الأصحاب، حيث قال: يختص أصحابنا بأنهم يقولون إذا زالت الشمس فقد
دخل وقت الظهر والعصر معا إلا أن الظهر قبل العصر، قال وتحقيق هذا الموضع إنه إذا
100

زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر بمقدار ما يؤدي أربع ركعات فإذا خرج هذا المقدار
اشترك الوقتان ومعنى ذلك أنه يصح أن يؤدي في هذا الوقت المشترك الظهر والعصر
بطوله والظهر مقدمة ثم إذا بقي للغروب مقدار أربع ركعات خرج وقت الظهر وخلص
للعصر. قال العلامة في المختلف وعلى هذا التفسير الذي ذكره السيد يزول الخلاف
وكيف كان فالواجب هو بسط الأخبار الواردة في المسألة ونقل ما ذكروه وبيان
ما فيه من صحة أو فساد وتحقيق ما هو الحق المطابق للسداد:
فنقول من الأخبار الدالة على ما نسبوه إلى الصدوق ما رواه في الفقيه في الصحيح
عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " إذا زالت الشمس دخل الوقتان
الظهر والعصر فإذا غابت الشمس فقد دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة ".
وعن عبيد بن زرارة في الصحيح (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن وقت الظهر والعصر فقال إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين الظهر والعصر
جميعا إلا أن هذه قبل هذه ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس ".
وروى الشيخ في التهذيب عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
" في قوله تعالى: " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل " (4) قال إن الله تعالى
افترض أربع صلوات أول وقتها زوال الشمس إلى انتصاف الليل: منها - صلاتان أول وقتهما
من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس إلا أن هذه قبل هذه، ومنها - صلاتان أول
وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلا أن هذه قبل هذه " وروى العياشي في
تفسيره عن عبيد بن زرارة مثله (5).
وروى الشيخان في الكافي والتهذيب عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه

(1) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب المواقيت.
(3) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب المواقيت.
(4) سورة بني إسرائيل، الآية 80.
(5) المستدرك الباب 4 من المواقيت.
101

السلام) (1) قال: " إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلا أن هذه قبل هذه "
وروى في التهذب عن الصباح بن سيابة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: " إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين ".
وعن مالك الجهني (3) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن وقت الظهر
فقال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين ".
وروى في الفقيه (4) قال: " سأل مالك الجهني أبا عبد الله (عليه السلام) عن
وقت الظهر فقال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين فإذا فرغت من سبحتك
فصل الظهر متى ما بدا لك ".
وروى في الكافي عن إسماعيل بن مهران (5) قال: " كتبت إلى الرضا (عليه
السلام) ذكر أصحابنا أنه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر وإذا غربت
دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة إلا أن هذه قبل هذه في السفر والحضر وأن
وقت المغرب إلى ربع الليل؟ فكتب كذلك الوقت غير أن وقت المغرب
ضيق.. الحديث ".
وروى في التهذيب عن سفيان بن السمط عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6)
قال: " إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين ".
وعن منصور بن يونس عن العبد الصالح (عليه السلام) (7) قال: " سمعته يقول
إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين ".
هذا ما حضرني من الأخبار الدالة على القول المذكور وهي ظاهرة الدلالة
متعاضدة المقالة في الاشتراك من أول الوقت إلى آخره.
وأما ما يدل على القول المشهور مما اشتمل عليه كلامهم في المقام من البحث في

(1) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب المواقيت.
(3) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب المواقيت.
(4) روى في الوسائل في الباب 5 من أبواب المواقيت.
(5) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب المواقيت.
(6) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب المواقيت.
(7) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب المواقيت.
102

المسألة بابرام النقض ونقض الابرام فوجوه:
(الأول) - رواية داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) قال: " إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار
ما يصلي المصلي أربع ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتى
يبقى من الشمس مقدار ما يصلي أربع ركعات فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت
الظهر وبقي وقت العصر حتى تغيب الشمس، وإذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب
حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي ثلاث ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب
والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات فإذا
بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل "
(الثاني) - ما ذكره السيد السند في المدارك من أنه لا معنى لوقت الفريضة
إلا ما جاز ايقاعها فيه ولو على بعض الوجوه ولا ريب أن ايقاع العصر عند الزوال على
سبيل العمد ممتنع وكذا مع النسيان على الأظهر لعدم الاتيان بالمأمور به على وجهه وانتفاء
ما يدل على الصحة مع المخالفة وإذا امتنع وقوع العصر عند الزوال مطلقا انتفى كون ذلك
وقتا لها، ثم قال ويؤيده رواية داود بن فرقد عن بعض أصحابنا ثم ساق من الرواية
ما يتعلق بالظهرين.
(الثالث) ما ذكره في المختلف وملخصه أن القول باشتراك الوقت حين الزوال
بين الصلاتين مستلزم لأحد الباطلين أما تكليف ما لا يطاق أو خرق الاجماع فيكون
باطلا، بيان الاستلزام أن التكليف حين الزوال إما أن يقع بالعبادتين معا أو بإحداهما
لا بعينها أو بواحدة معينة والثالث خلاف فرض الاشتراك فتعين أحد الأولين، على أن
المعينة إن كانت هي الظهر ثبت المطلوب وإن كانت هي العصر لزم خرق الاجماع، وعلى
الاحتمال الأول يلزم تكليف ما لا يطاق وعلى الثاني يلزم خرق الاجماع إذ لا خلاف

(1) المروية في الوسائل في الباب 4 و 17 من أبواب المواقيت.
103

في أن الظهر مرادة بعينها حين الزوال لا لأنها أحد الفعلين.
(الرابع) - رواية الحلبي (1) " في من نسي الظهر والعصر ثم ذكر عند غروب
الشمس؟ قال (عليه السلام) إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصل الظهر ثم
ليصل العصر وإن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر ولا يؤخرها فتفوته فيكون قد فاتتاه
جميعا " وفي معناها أخبار أخر تأتي إن شاء الله تعالى في موضعها.
(الخامس) - ما ذكره المحقق في المعتبر حيث إنه نقل عن ابن إدريس أنه
نقل عن بعض الأصحاب وبعض الكتب أنه إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر
والعصر إلا أن هذه قبل هذه ثم أنكره وجعله ضد الصواب، فاعترضه المحقق وبالغ
في إنكار كلامه والتشنيع عليه استنادا إلى ما قدمناه من الأخبار، قال لأن ذلك مروي
عن الأئمة (عليهم السلام) في أخبار متعددة، على أن فضلاء الأصحاب رووا ذلك
وأفتوا به فيجب الاعتناء بالتأويل لا الاقدام بالطعن، ثم قال ويمكن أن يتأول ذلك من
وجوه: (أحدها) أن الحديث تضمن " إلا أن هذه قبل هذه " وذلك يدل على أن
المراد بالاشتراك ما بعد وقت الاختصاص (الثاني) أنه لما لم يكن للظهر وقت مقدر بل
أي وقت فرض وقوعها فيه أمكن فرض وقوعها في ما هو أقل منه حتى لو كانت الظهر
تسبيحة كصلاة شدة الخوف كانت العصر بعدها، ولأنه لو ظن الزوال وصلى ثم دخل
الوقت قبل اكمالها بلحظة أمكن وقوع العصر في أول الوقت إلا ذلك القدر فلقلة الوقت
وعدم ضبطه كان التعبير عنه بما ذكر في الرواية من الخص العبارات وأحسنها (الثالث) إن
هذا الاطلاق مقيد برواية داود بن فرقد، وأخبار الأئمة (عليهم السلام) وإن تعددت
في حكم الخبر الواحد. انتهى.
وقال شيخنا الشهيد في الذكرى بعد نقل بعض الأخبار المتقدمة ما لفظه: وفهم
بعض من هذه الأخبار اشتراك الوقتين وبمضمونها عبر ابنا بابويه ونقله المرتضى في الناصرية

(1) المروية في الوسائل في الباب 4 من أبواب المواقيت.
104

عن الأصحاب حيث قال: يختص أصحابنا بأنهم يقولون إذا زالت الشمس فقد دخل وقت
الظهر والعصر معا إلا أن الظهر قبل العصر، قال وتحقيقه، ثم نقل كلام المرتضى كما قدمناه
ونقل قول العلامة بعده إنه على هذا يزول الخلاف ثم نقل تأويل المحقق الذي ذكرناه
وقال بعده: قلت ولأنه يطابق مدلول الآية في قوله تعالى: " أقم الصلاة لدلوك الشمس
إلى غسق الليل " (1) وضرورة الترتيب تقتضي الاختصاص مع دلالة رواية داود بن فرقد
المرسلة ثم ساق الرواية كما قدمناه.
أقول: هذا ما وقفت عليه من كلامهم (رضوان الله عليهم) المتضمن لاستدلالهم
على القول المشهور بينهم، وأنت خبير، بما في هذا الكلام كما قدمنا نقله عنهم من الدلالة
على شهرة القول بالاشتراك في الصدر الأول استنادا إلى هذه الأخبار سيما عبارة المرتضى
في الناصرية حيث أسنده إلى أصحابنا وإن تأوله بما ذكره.
ولا يخفى عليك أن جميع ما ذكروه في تشييد القول المشهور لا يخلو في نظري
القاصر من الضعف والقصور:
أما الرواية فإنه لا يخفى على من أحاط خبرا بقواعدهم واصطلاحاتهم التي بنوا عليها
الكلام في جميع الأحكام أن الاستناد إلى هذه الرواية غير جيد في المقام لأن من قواعدهم
تنويع الروايات إلى الأنواع الأربعة المشهورة وطرحهم قسم الضعيف من البين بل الموثق
عند جملة منهم أيضا كما لا يخفى وقضية ذلك طرح هذه الرواية لضعفها، ومن قواعدهم
أنه متى تعارضت الأخبار عملوا على الصحيح منها ورموا الضعيف أو تأولوه تفاديا من
الرمي بالكلية فالتأويل إنما يكون في جانب المرجوح فكيف خرجوا عن هاتين القاعدتين
في المقام من غير صارف ولا موجب كما لا يخفى على ذوي الأفهام؟
ويمكن الجواب عن الرواية المذكورة بما ذكره بعض المحققين من متأخري المتأخرين
من أن المراد بوقت الظهر في قوله: " فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار أربع

(1) سورة بني إسرائيل، الآية 80.
105

ركعات " الوقت المختص بالظهر عند التذكر لا مطلقا وكذا بالنسبة إلى العصر، قال
والإضافة لا تقتضي أكثر من ذلك. وهذا الجواب لا يخلو من بعد إلا أنه في مقام الجمع
لا بأس به وهو أقرب إلى هذا الخبر مما تأولوا به الأخبار المتقدمة الدالة على القول الآخر
وأما ما ذكره في المدارك فإنه مدخول بأن قضية الاشتراك من أول الوقت على القول
به جار على مقتضى الاشتراك المتفق عليه وهو بعد مضي قدر الأربع فبعين ما يقال ثمة يقال
في ما نحن فيه، ولا ريب أن الوقت المتفق على اشتراكه لا يجوز تقديم العصر فيه عمدا
فلو قدمها بطلت البتة أما لو قدمها نسيانا أو بناء على أنه صلى الظهر فإنها تقع صحيحة
اتفاقا فكذا في ما نحن فيه. فقوله " إنه يمتنع وقوع العصر ولو نسيانا " لا يخلو من مصادرة
ولهذا أن جملة من الأصحاب قد فرعوا على الخلاف المذكور فروعا: منها - ما لو صلى
العصر ناسيا في أول الوقت. ومنها - لو كان الوقت مشتبها لغيم ونحوه فصلى الظهر والعصر
ثم انكشف له أن صلاة العصر كانت في أول الوقت فإنها تصح في الصورتين المذكورتين
على قول الصدوق ومن معه وتبطل على المشهور بينهم.
وأما ما ذكره في المختلف فإنه مدخول أيضا بأن غاية ما يلزم منه وجوب الاتيان
بالظهر دون العصر بالنسبة على الذاكر وهو غير مستلزم للاختصاص، فإن القائل
بالاشتراك لا يخالف في ذلك في صورة التذكر وإنما مطرح الخلاف ومظهر الفائدة
في صورة النسيان والاشتباه كما قدمنا ذكره فإنها تقع صحيحة على هذا القول، وهذا
هو المراد بالاشتراك في الوقت بعين ما قرروه واتفقوا عليه في ما بعد مضي قدر الظهر
إلى ما قبل قدر العصر من الغروب. ولو صح ما ذكره للزم أن لا يكون شئ من الوقت
مشتركا أصلا لأنه في كل جزء من الوقت إن لم يأت بالظهر سابقا يلزم اختصاصه بالظهر
لعين الدليل المذكور وإن أتى بها سابقا فالوقت مختص بالعصر، وهو (قدس سره) قد
استشعر هذا الجواب عما ذكره حيث إنه اعترض على نفسه به ثم أجاب عن ذلك بما ملخصه
أن الاشتراك على ما فسرتموه فرع وقوع التكليف بالفعل ونحن قد بينا عدم تعلق التكليف.
106

وفيه نظر لأنه إن أراد عدم التكليف مع التذكر فمسلم ولا ضرر فيه، وإن أراد ولو في
الصور التي قدمناها فهو ممنوع لأنا لا نسلم عدم تعلق التكليف في ذلك الوقت ولم يلزم
ذلك من دليله الذي ذكره فإنه غير آت عليه كما عرفت. وبالجملة فالأمر هنا جار على
قياس الوقت المشترك فيه اتفاقا كما ذكرنا.
وأما ما ذكره في المعتبر من التأويل لتلك الأخبار فمع الاغماض عما فيه لا ريب
أنه خروج عن الظاهر وهو إنما يكون عند وجود معارض أقوى يجب ترجيحه وتقديمه
في العمل ليتجه ارجاع ما سواه إليه، وما ذكروه من الأدلة في المقام قد عرفت ما فيه
مما كشف عن ضعف باطنه وخافيه، والاستناد في الاختصاص إلى قوله " إلا أن هذه
قبل هذه " مردود (أولا) بأن غاية ما تدل عليه هذه العبارة وجوب الترتيب وهو
مما لا خلاف فيه إلا أنه إنما ينصرف إلى الذاكر بعين ما قالوا في الوقت الذي اتفقوا
على اشتراكه. و (ثانيا) بأنه لو كان ذلك منافيا للاشتراك المطلق للزم اختصاص الوقت
بالظهر ما لم يؤدها ولا اختصاص له بمقدار أدائها.
وأما ما ذكره في الذكرى من الاستدلال بالآية ففيه أن الآية بالدلالة على خلاف ما رامه
أشبه، ولهذا أن العلامة في المختلف جعلها من أدلة الصدوق على القول بالاشتراك من أول الوقت
وذلك لأن غاية ما تدل عليه الآية المذكورة التكليف بالصلاتين أو الصلوات الأربع في ذلك
الوقت المحدود ولا يلزم من ذلك وجوب الترتيب بل الترتيب إنما قام بدليل من الخارج
وهو إنما ينصرف إلى الذاكر كما عرفت فعند عدم التذكر يبقى اطلاق الآية على حاله.
وأما ما استدلوا به من رواية الحلبي ونحوها ففيه أنه وإن اشتهر في كلامهم نسبة
القول بالاشتراك من أول الوقت إلى آخره إلى الصدوق وفرعوا على ذلك جملة من
الفروع كما مضى وسيأتي إلا أن معلومية ذلك من كلام الصدوق غير ظاهر حيث إنه لم
يصرح بهذا القول وإنما نسبوه إليه باعتبار نقله جملة من الروايات المتقدمة، وصريح
كلامه بالنسبة إلى آخر الوقت يوافق كلام الأصحاب فإنه قال في باب أحكام السهو في
107

الصلاة ما صورته: وإن نسيت الظهر والعصر ثم ذكرتهما عند غروب الشمس فصل الظهر
ثم صل العصر إن كنت لا تخاف فوت إحداهما وإن خفت أن تفوتك إحداهما فابدأ
بالعصر ولا تؤخرها فيكون قد فاتتاك جميعا ثم صل الأولى بعد ذلك على أثرها. انتهى
وحينئذ فالخلاف لو سلم إنما هو في أول الوقت خاصة. بقي الكلام بالنسبة إلى من نقل
عنه القول بذلك غيره فهل هو على حسب ما ذكرناه عن الصدوق أو مطلقا؟ كل محتمل.
نعم يبقى الاشكال في الأخبار حيث إن ظاهر الأخبار التي قدمناها امتداد
الاشتراك إلى آخر الوقت وبموجبه أنه لو لم يبق من الوقت إلا بقدر أربع ركعات فإنه
يختص بالظهر ورواية الحلبي المذكورة ونحوها تدفعه، وربما صارت هذه الأخبار قرينة
على ارتكاب التأويل في أول الوقت في تلك الأخبار الدالة على الاشتراك مطلقا فإنها
وإن كانت لا معارض لها بالنسبة إلى أول الوقت إلا أن المعارض بالنسبة إلى آخره
موجود كما عرفت.
وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال فإن الخروج عما عليه جل الأصحاب
مع تأيده بما عرفت مشكل والقول بتخصيص الاشتراك بأول الوقت دون آخره كما هو
المفهوم من الأخبار بالتقريب الذي ذكرناه مع عدم ذهاب أحد إليه فيما أعلم أشكل
والاحتياط بحمد الله سبحانه واضح.
(تنبيه) اعلم أن جماعة من الأصحاب قد فرعوا على الخلاف المتقدم في المسألة
فروعا: (منها) - ما قدمناه من صلاة العصر في الوقت المختص بالظهر ساهيا وما لو صلى
الظهرين بناء على ظن دخول الوقت ثم ظهر وقوع العصر في الوقت المختص بالظهر،
فعلى القول بالاشتراك تصح العصر ويصلي الظهر بعدها لأن غايته الاخلال بواجب وهو
الترتيب سهوا أو بناء على ما جوزه الشارع من العمل بالظن ولا ضير فيه، وعلى القول
بالاختصاص تبطل العصر ويجب أداؤها بعد الظهر.
و (منها) - أن من ظن ضيق الوقت إلا عن أداء العصر فإنه يتعين عليه
108

الاتيان بالعصر فلو صلى ثم تبين الخطأ ولم يبق من الوقت إلا مقدار ركعة مثلا فحينئذ
يجب عليه الاتيان بالظهر أداء على القول بالاشتراك حسب، كذا ذكره بعض الأصحاب
ولا يخلو من شوب الارتياب فإن من ظن ضيق الوقت إلا عن أداء أربع ركعات أو
تيقن ذلك فإنه على القول بالاشتراك فالواجب عليه الاتيان بالظهر لقولهم (عليهم السلام)
" إلا أن هذه قبل هذه " وأما على القول بالاختصاص فالواجب الاتيان بالعصر كما
دلت عليه رواية الحلبي المتقدمة، وكذا لو لم يبق من الوقت إلا بقدر أداء ركعة فإنها
تختص بالظهر أداء على القول بالاشتراك وبالعصر على القول بالاختصاص.
و (منها) - أن من أدرك أربع ركعات من آخر وقت العشاءين فإنه يجب عليه
الاتيان بالمغرب أولا ثم العشاء وإن لم يدرك منها إلا ركعة على القول بالاشتراك وتتعين
العشاء على القول بالاختصاص.
و (منها) - أن من صلى الظهر ظانا سعة الوقت ثم تبين الخطأ ووقوعها في
الوقت المختص بالعصر على القول المشهور فإنه يجب قضاء العصر خاصة على القول
بالاشتراك وقضاؤهما معا بناء على الاختصاص. والله العالم.
(المسألة الثالثة) - لا خلاف بين الأصحاب في أن أول وقت الظهر زوال
الشمس الذي هو عبارة عن ميلها وانحرافها عن دائرة نصف النهار وقد نقل الاجماع على
ذلك في المعتبر والمنتهى، والأصل فيه الآية والأخبار قال الله عز وجل " أقم الصلاة
لدلوك الشمس إلى غسق الليل " (1) والدلوك هو الزوال كما نص عليه أهل اللغة ودل
عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) " قال الله عز وجل لنبيه (صلى الله
عليه وآله): أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل (3) ودلوكها زوالها... الحديث "
وقد تقدم بتمامه مع البحث في ذيله عن معناه منقحا في فصول المقدمة الأولى (4) وروى

(1) سورة بني إسرائيل، الآية 80.
(2) رواه في الوسائل في الباب 2 من أعداد الفرائض.
(3) سورة بني إسرائيل، الآية 80.
(4) ص 20.
109

الصدوق في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) أنه قال: " إذا زالت
الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء
الآخرة " إلى غير ذلك من الأخبار المستفيضة التي تقدم كثير منها في سابق هذه المسألة
وربما يتوهم دلالة بعض الأخبار على ما ينافي ذلك كصحيحة إسماعيل بن
عبد الخالق (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن وقت الظهر قال بعد الزوال بقدم
أو نحو ذلك إلا في يوم الجمعة أو في السفر فإن وقتها حين تزول " وعن سعيد الأعرج عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " سألته عن وقت الظهر أهو إذا زالت الشمس؟
فقال بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلا في السفر أو يوم الجمعة فإن وقتها إذا زالت "
ونحوهما غيرهما، فإنها محمولة على وقت المتنفل والوقت الأول لغيره كما سيأتي توضيحه
إن شاء الله تعالى في محله مفصلا، وبالجملة فالتحديد بالزوال لأولية وقت الظهر مما وقع
الاتفاق عليه نصا وفتوى.
وإنما الخلاف بينهم في آخر وقتها وقد اختلفت فيه أقوالهم، قال العلامة في
المختلف: اختلف علماؤنا في آخر وقت الظهر فقال السيد المرتضى (رضي الله عنه) إذا زالت
الشمس دخل وقت الظهر فإذا مضى مقدار صلاة أربع ركعات اشتركت الصلاتان الظهر
والعصر في الوقت إلى أن يبقى إلى مغيب الشمس مقدار أربع ركعات فيخرج وقت
الظهر ويبقى وقت العصر وبالغروب ينقضي وقت العصر وهو اختيار ابن الجنيد وسلار وابن
إدريس وابن زهرة، وقال الشيخ في المبسوط إذا زالت الشمس دخل وقت الفريضة
ويختص به مقدار ما يصلي فيه أربع ركعات ثم يشترك الوقت بعده بينه وبين العصر
إلى أن يصير ظل كل شئ مثله، وروى حتى يصير الظل أربعة أقدام وهو أربعة أسباع
الشاخص المنتصب ثم يختص بعد ذلك بوقت العصر إلى أن يصير ظل كل شئ مثليه

(1) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب المواقيت.
(2) المروية في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
(3) المروية في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
110

فإذا صار كذلك فقد فات وقت العصر، هذا وقت الاختيار وأما وقت الضرورة فهما
مشتركان فيه إلى أن يبقى من النهار مقدار ما يصلي فيه أربع ركعات فإذا صار كذلك
اختص بوقت العصر إلى أن تغرب الشمس، وفي أصحابنا من قال إن هذا أيضا وقت
الاختيار إلا أن الأول أفضل، وأفتى في الخلاف بمثل ذلك وكذلك في الجمل، وقال في النهاية
آخر وقت الظهر لمن لا عذر له إذا صارت الشمس على أربعة أقدام، وقال في الاقتصاد آخره
إذا زاد الفئ أربعة أسباع الشاخص أو يصير ظل كل شئ مثله وهو اختياره في المصباح
وقال في عمل يوم وليلة إذا زاد الفئ أربعة أسباع الشاخص، وقد جعل في المبسوط
أربعة أسباع الشاخص رواية ولم يتعرض لهذه الرواية في الخلاف والجمل وأفتى في النهاية
وعمل يوم وليلة بهذه الرواية ولم يتعرض للظل المماثل وأفتى في الاقتصاد بأحدهما لا بعينه
وقال المفيد وقت الظهر بعد زوال الشمس إلى أن يرجع الفئ سبعي الشاخص. وقال
ابن أبي عقيل أول وقت الظهر زوال الشمس إلى أن ينتهي الظل ذراعا واحدا أو قدمين
من ظل قامته بعد الزوال فإذا جاوز ذلك فقد دخل الوقت الآخر، مع أنه حكم أن
الوقت الآخر لذوي الأعذار فإن آخر المختار الصلاة من غير عذر إلى آخر الوقت فقد
ضيع صلاته وبطل عمله وكان عند آل محمد (عليهم السلام) إذا صلاها في آخر وقتها
قاضيا لا مؤديا للفرض في وقته. وقال ابن البراج آخر الوقت أن يصير ظل كل شئ
مثله، وقال أبو الصلاح آخر وقت المختار الأفضل أن يبلغ الظل سبعي القائم وآخر وقت
الاجزاء أن يبلغ الظل أربعة أسباعه وآخر وقت المضطر أن يصير الظل مثله. وللشيخ
في التهذيب قول آخر وهو أن وقت الظهر أربعة أقدام وهي أربعة أسباع الشاخص وبه
قال السيد المرتضى في المصباح. ثم قال في المختلف، والذي نذهب إليه نحن ما اختاره
السيد المرتضى أولا.
أقول: وما ذهب إليه (قدس سره) هو المشهور بين المتأخرين ومتأخريهم
واستدلوا عليه - كما ذكره العلامة في المختلف والسيد في المدارك وغيرهما - بقوله عز وجل
111

" أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل " (1) والمعنى - والله أعلم - أقم الصلاة
من وقت دلوك الشمس ممتدا ذلك إلى غسق الليل فتكون أوقاتها موسعة، وما رواه
الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال: " ففي ما بين الزوال
إلى غسق الليل أربع صلوات سماهن وبينهن ووقتهن ".
وقال في المدارك ومقتضى ذلك امتداد وقت الظهرين أو العصر خاصة إلى
الغروب ليتحقق كون الوقت المذكور ظرفا للصلوات الأربع بمعنى أن كل جزء من
أجزائه ظرف لشئ منها. وقال في المنتهى وكل من قال بأن وقت العصر يمتد إلى غروب
الشمس فهو قائل بامتداد الظهر إلى ما قبل ذلك. ثم روى في المدارك عن أحمد بن محمد
ابن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الضحاك بن زيد عن عبيد بن زرارة عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (3) " في قوله تعالى: أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق
الليل (4) قال إن الله تعالى افترض أربع صلوات أول وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف
الليل: منها - صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس إلا أن هذه
قبل هذه، ومنها - صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلا أن هذه
قبل هذه " قال: وليس في طريق هذه الرواية من قد يتوقف في شأنه إلا الضحاك بن زيد
فإنه غير مذكور في كتب الرجال بهذا العنوان لكن الظاهر أنه أبو مالك الثقة كما يستفاد
من النجاشي فيكون السند صحيحا ومتنها صريح في المطلوب، ثم قال في المدارك ويشهد
لهذا القول أيضا روايتا داود بن فرقد والحلبي المتقدمتان ورواية زرارة (5) قال:
" قال أبو جعفر (عليه السلام) أحب الوقت إلى الله عز وجل حين يدخل وقت

(1) سورة بني إسرائيل، الآية 80.
(2) رواه في الوسائل في الباب 2 من أعداد الفرائض.
(3) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب المواقيت.
(4) سورة بني إسرائيل، الآية 80.
(5) المروية في الوسائل في الباب 3 من أبواب المواقيت.
112

الصلاة فصل الفريضة فإن لم تفعل فإنك في وقت منها حتى تغيب الشمس " ثم نقل موثقة
عبد الله بن سنان (1) الدالة على أن الحائض إذا طهرت قبل غروب الشمس فلتصل الظهر
والعصر وإن طهرت في آخر الليل فلتصل المغرب والعشاء ثم صحيحة زرارة (2) الدالة
على أن من الأمور أمورا مضيقة وأمورا موسعة وأن الوقت وقتان والصلاة مما فيه السعة
فربما عجل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وربما أخر.. الحديث، إلى أن قال:
وأما انتهاء وقت الفضيلة بصيرورة ظل كل شئ مثله فيدل عليه صحيحة أحمد بن عمر
عن أبي الحسن (عليه السلام) (3) قال: " سألته عن وقت الظهر والعصر فقال وقت
الظهر إذا زالت الشمس إلى أن يذهب الظل قامة ووقت العصر قامة ونصف إلى قامتين "
وصحيحة أحمد بن محمد (4) قال: " سألته عن وقت صلاة الظهر والعصر فكتب قامة
للظهر وقامة للعصر " قال وإنما حملناهما على وقت الفضيلة لأن اجراءهما على ظاهرهما أعني
كون ذلك آخر الوقت مطلقا ممتنع اجماعا فلا بد من حملهما إما على وقت الفضيلة أو
الاختيار ولا ريب في رجحان الأول لمطابقته لظاهر القرآن ولصراحة الأخبار المتقدمة في
امتداد وقت الاجزاء إلى الغروب ولقوله (عليه السلام) في صحيحة ابن سنان (5)
" لكل صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما " انتهى.
أقول - وبه سبحانه الثقة لادراك المأمول -: إنا قدمنا البحث في المقام بما أزال عنه
غشاوة اللبس والابهام ونقول هنا أيضا في الكلام على كلامه (قدس سره) في هذا
المقام إن فيه نظرا من وجوه:
(أحدها) أنه لا مدفع لدلالة الآية والأخبار المذكورة على الامتداد في الجملة وكون

(1) المروية في الوسائل في الباب 49 من أبواب الحيض.
(2) المروية في الوسائل في الباب 8 من صلاة الجمعة.
(3) المروية في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
(4) المروية في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
(5) المروية في الوسائل في الباب 3 من أبواب المواقيت.
113

ذلك وقتا في الجملة إنما البحث في تخصيص ذوي الأعذار به أو عمومه لهم ولذوي الاختيار
وهذه الأدلة كلها لا تصريح ولا ظاهرية فيها بكون الامتداد إلى الغروب وإلى الانتصاف
وقتا للمختار كما هو المطلوب بالاستدلال وإنما تدل على كونه وقتا في الجملة ويكفي في صدقه
كونه وقتا لذوي الأعذار والاضطرار، ومما يؤيد ما ذكرنا ما صرح به شيخنا البهائي
في كتاب الحبل المتين حيث نقل عن العلامة الاحتجاج للقول المشهور بالآية وأنها تدل
على التخيير في ايقاع الصلاة بين هذين الوقتين، ثم قال (قدس سره) وأما الآية فلا
تدل على أن ما بين الدلوك والغسق وقت للمختار وإنما تدل على أن ما بينهما وقت في الجملة وهذا
لا ينافي كون البعض وقتا للمختار والبعض الآخر وقتا للمعذور. انتهى. وقد وفق
الله سبحانه للاطلاع عليه بعد خطور ما ذكرناه بالبال أولا فهو من قبيل توارد الخاطر.
و (ثانيها) - أن ما ذكره (قدس سره) في الرواية المشتملة على الضحاك بن
زيد - من أن الظاهر أنه أبو مالك الثقة كما يستفاد من النجاشي فيكون السند صحيحا -
لا أعرف له وجه استقامة ولا لهذه الظاهرية وجه ظهور، فإن مجرد ذكر النجاشي
للضحاك وأنه أبو مالك الحضرمي وأنه ثقة لا يقتضي حمله على الرجل المذكور في الرواية
المعبر عنه بالضحاك بن زيد، ومجرد الاشتراك في الاسم أو الطبقة لا يقتضي حمل أحدهما
على الآخر، والذي يستفاد من النجاشي توثيق الرجل الذي ذكره وأما كونه هو هذا
المذكور في الخبر فلا يستفاد من كلامه بوجه من الوجوه، وبالجملة فإن ما ذكره (قدس
سره) لا يخلو من عجب من مثله كما ترى، وأعجب من ذلك قوله أيضا " ومتنها صريح
في المطلوب " وأي صراحة في الدلالة على الامتداد بالنسبة إلى المختار كما هو المدعى
ومحل البحث؟ وإنما غايتها - كما عرفت - الدلالة على ما دلت على الآية والأخبار الباقية
من كونه وقتا في الجملة.
و (ثالثها) - قوله بعد ذكر صحيحتي الأحمدين الدالتين على التحديد بالقامة
والقامتين من أن الأظهر حملهما على الفضيلة دون الاختيار لظاهر القرآن وصراحة
114

الأخبار المتقدمة في امتداد وقت الاجزاء إلى الغروب، فإن فيه أنه لا ريب أن هاتين
الصحيحتين من جملة الصحاح التي أشرنا سابقا إلى دلالتها على ما اخترناه من أن الوقت
الأول هو الوقت الأصلي لجملة الفرائض وأن الثاني إنما وقع رخصة لذوي الأعذار
والاضطرار وأن من أخر إليه مختارا فهو مستحق للمؤاخذة إلا أن يعفو الله عز وجل.
ومنها - زيادة على الخبرين المذكورين ما رواه في الكافي عن يزيد بن خليفة (1)
قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إن عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت؟ فقال
أبو عبد الله (عليه السلام) إذا لا يكذب علينا. قلت ذكر أنك قلت إن أول صلاة
افترضها الله عز وجل على نبيه الظهر وهو قول الله تعالى: " أقم الصلاة لدلوك الشمس " (2)
فإذا زالت الشمس لم يمنعك إلا سبحتك ثم لا تزال في وقت الظهر إلى أن يصير الظل قامة
وهو آخر الوقت فإذا صار الظل قامة دخل وقت العصر فلم تزل في وقت العصر حتى
يصير الظل قامتين وذلك المساء؟ قال صدق " وما رواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن
حكيم (3) قال: " سمعت العبد الصالح (عليه السلام) وهو يقول إن أول وقت الظهر
زوال الشمس وآخر وقتها قامة من الزوال وأول وقت العصر قامة وآخر وقتها قامتان.
قلت في الشتاء والصيف سواء؟ قال نعم " ومنها - موثقة معاوية بن وهب المتقدمة (4) في
المسألة الأولى الدالة على نزول جبرئيل بالأوقات على النبي (صلى الله عليه وآله). إلا أنه يبقى الاشكال في هذه الأخبار من حيث الدلالة على امتداد الفضيلة أو الاختيار إلى
صيرورة ظل كل شئ مثله فإنه مبني على حمل القامة على قامة الانسان. وفيه ما سيأتي
تحقيقه في المسألة الآتية إن شاء الله تعالى.
وأما ما ذكره هنا من حمل هذا الوقت على وقت الفضيلة فقد عرفت أنه مجرد دعوى
لا دليل عليها واستنادهم إلى الآية والأخبار قد عرفت ما فيه إذ محل البحث في المسألة

(1) رواه في الوسائل في الباب 10 من المواقيت.
(2) سورة بني إسرائيل، الآية 80.
(3) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
(4) ص 94.
115

وقت المختار ولا دلالة في الآية عليه ولا في شئ من تلك الأخبار، وبالجملة فأنا لا نمنع
دلالة الآية وهذه الأخبار على أنه وقت في الجملة وأما كونه وقتا للمختار كما هو المدعى
فلا فإن قضية الجمع بينها وبين ما قدمناه من الأخبار الدالة على كون الوقت الثاني إنما
هو لذوي الأعذار وأنه بالنسبة إلى غيرهم تضييع وأنه موجب لوقوف عمله عن القبول
وبقائه تحت المشيئة هو حمل هذه الأخبار على ما ذكرناه، وأما على ما ذهبوا إليه فإنه
لا مناص لهم عن طرح تلك الأخبار مع ما هي عليه من الاستفاضة والكثرة والصحة
في كثير منها والصراحة.
ومما يزيدها تأكيدا زيادة على ما قدمناه ما رواه الصدوق في كتاب العيون
عن الرضا (عليه السلام) وفي كتاب المجالس وثواب الأعمال عن الصادق عن آبائه عن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1) قال: " لا يزال الشيطان ذعرا من المؤمن - وفي
بعضها هائبا لابن آدم ذعرا منه - ما حافظ على الصلوات الخمس فإذا ضيعهن اجترأ عليه
وأوقعه في العظائم " وروى في كتاب العيون عن الرضا (عليه السلام) (2) قال: " لا تضيعوا
صلاتكم فإن من ضيع صلاته حشر مع قارون وهامان وكان حقا على الله تعالى أن يدخله
النار مع المنافقين فالويل لمن لم يحافظ على صلاته وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) "
وروى الصدوق في كتاب المجالس بسند صحيح عن خالد بن جرير عن أبي الربيع عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا ينال
شفاعتي غدا من أخر الصلاة المفروضة بعد وقتها " وروى في الخصال عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (4) قال: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام) ليس عمل أحب إلى الله
عز وجل من الصلاة فلا يشغلنكم عن أوقاتها شئ من أمور الدنيا فإن الله عز وجل ذم
أقواما فقال: الذين هم عن صلاتهم ساهون (5) يعني أنهم غافلون استهانوا بأوقاتها " وروى

(1) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 7 من أعداد الفرائض.
(3) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب المواقيت.
(4) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب المواقيت.
(5) سورة الماعون، الآية 4 و 5.
116

الطبرسي في مجمع البيان عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) أنه قال: " هذه
الفريضة من صلاها لوقتها عارفا بحقها لا يؤثر عليها غيرها كتب الله له بها براءة لا يعذبه
ومن صلاها لغير وقتها مؤثرا عليها غيرها فإن ذلك إليه إن شاء غفر له وإن شاء عذبه "
وروى الثقة الجليل علي بن إبراهيم (2) في تفسير قوله تعالى: " الذين هم عن صلاتهم
ساهون " (3) قال: عنى به تاركون لأن كل أحد يسهو في الصلاة وعن أبي عبد الله
(عليه السلام) " تأخير الصلاة عن أول وقتها لغير عذر " وفي كتاب المجمع هم الذين
يؤخرون الصلاة عن أوقاتها عن ابن عباس وروى ذلك مرفوعا. وفي تفسير العياشي
في تفسير الآية المذكورة عن يونس بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال:
" سألته عن قوله تعالى، " الذين هم عن صلاتهم ساهون " أهي وسوسة الشيطان؟ قال لا كل
أحد يصيبه هذا ولكن أن يغفلها ويدع أن يصلي في أول وقتها " وعن أبي أسامة زيد
الشحام (5) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله تعالى " الذين هم عن
صلاتهم ساهون " قال هو الترك لها والتواني عنها " وعن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن
(عليه السلام) (6) " هو التضييع لها ".
أقول: أنظر أيدك الله تعالى بعين الاعتبار في هذه الأخبار وأمثالها مما قدمناه مما
هو صريح الدلالة واضح المقالة في أن التأخير عن الوقت الأول تضييع وأن المراد بالوقت
في جميع هذه الأخبار السابقة واللاحقة هو الوقت الأول فربما أطلق في بعضها وربما قيد
بأول الوقت من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف أي الوقت الأول وأن التأخير عنه
تضييع للصلاة غير مستحق للقبول بل مستحق للعقاب والحشر مع قارون وهامان
وأنه لا تناله الشفاعة إلا أن يعفو الله بكرمه، وكيف يلائم هذا كله القول بأنه وقت
شرعي للمختار يجوز له التأخير إليه في حال الاختيار؟

(1) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب المواقيت.
(2) ص 740.
(3) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب المواقيت.
(4) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب المواقيت.
(5) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب المواقيت.
(6) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب المواقيت.
117

و (رابعها) - أن ما ادعاه - من صراحة الأخبار المتقدمة وامتداد وقت
الاجزاء - ففيه أن تلك الأخبار لم يصرح في شئ منها بكونه وقت اجزاء ولا غيره وهذه
التسمية إنما وقعت في كلامهم باعتبار حملهم الوقت الأول على وقت الفضيلة فسموا الوقت
الثاني وقت اجزاء، وغاية ما دلت عليه الأخبار المتقدمة أن الوقت يمتد إلى غروب
الشمس لقوله (عليه السلام) في بعضها (1) " أنت في وقت حتى تغيب الشمس "
ولكن مقتضى الجمع بينها وبين الأخبار الدالة على التحديد بالقامة والقامتين يدل على أن ما بعد القامة في الظهر والقامتين في العصر وقت مرجوح مفضول ليس كالوقت
الأول إلا أنهم سموه باعتبار حملهم أخبار القامة والقامتين على الفضيلة وقت اجزاء
والآخرون خصوه بأصحاب الضرورات والأعذار وإن أسقط القضاء عن غيرهم أيضا
إلا أنه على الحال التي عرفت من الأخبار المتقدمة. وهذا هو الأرجح والأظهر للأخبار
المذكورة كما عرفت.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن جملة من الأصحاب قد نقلوا عن الشيخ في الخلاف
الاحتجاج على ما ذهب إليه من انتهاء وقت الاختيار بصيرورة ظل كل شئ مثله بأن
الاجماع منعقد على أن ذلك وقت للظهر وليس على ما زاد عليه دليل، وبما رواه
عن زرارة (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم
يجبني فلما أن كان بعد ذلك قال لعمرو بن سعيد بن هلال أن زرارة سألني عن وقت
صلاة الظهر في القيظ فلم أخبره فحرجت من ذلك فاقرأه مني السلام وقل له إذا كان
ظلك مثلك فصل الظهر وإذا كان ظلك مثليك فصل العصر " وبصحيحتي أحمد بن عمر
وأحمد بن محمد المتقدمتين.
وأجاب عن ذلك في المدارك قال: والجواب عن الأول إنا قد بينا الدلالة

(1) كما في الحديث رقم " 5 " ورقم " 22 " من الباب 4 من مواقيت الوسائل.
(2) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
118

على كون الزائد وقتا للظهر وعن الرواية الأولى بمنع الدلالة على المدعى بل هي بالدلالة
على نقيضه أشبه لأن أمره (عليه السلام) بالصلاة بعد المثل يدل على عدم خروجه به.
وعن الروايتين الأخيرتين بالحمل على وقت الفضيلة كما بيناه. انتهى.
وفيه ما عرفت ونزيده هنا أن الشيخ (قدس سره) إنما احتج هنا على انتهاء
وقت الاختيار لا انتهاء الوقت مطلقا والذي أشار إليه من الأدلة ليس فيها ما يدل على
كون الزائد وقتا للمختار وإنما غايتها - كما عرفت - الدلالة على كونه وقتا في الجملة فكلام
الشيخ في محله لا يندفع بما ذكره. وأما استدلال الشيخ برواية زرارة فهو ليس في محله
والظاهر حملها على الإيراد المأمور به كما سيأتي إن شاء الله تعالى في موضعه. وأما
الصحيحان الآخران فهما من أوضح الأدلة على ما ادعاه والحمل على وقت الفضيلة قد
عرفت ما فيه.
وأما ما أفتى به الشيخ في بعض كتبه ونسبه إلى الرواية في بعض آخر - من انتهاء الوقت بأربعة أقدام وهو أربعة أسباع الشاخص لمن لا عذر له وأما من له عذر
فهو في فسحة إلى آخر النهار - فاستدل عليه في التهذيب بما رواه عن إبراهيم الكرخي (1)
قال: " سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) متى يدخل وقت الظهر؟ قال إذا زالت
الشمس فقلت متى يخرج وقتها؟ فقال من بعد ما يمضي من زوالها أربعة أقدام إن وقت
الظهر ضيق ليس كغيره. قلت فمتى يدخل وقت العصر؟ قال إن آخر وقت الظهر هو
أول وقت العصر. قلت فمتى يخرج وقت العصر؟ فقال وقت العصر إلى أن تغرب
الشمس وذلك من علة وهو تضييع. فقلت له لو أن رجلا صلى الظهر من بعد ما يمضي
من زوال الشمس أربعة أقدام أكان عندك غير مؤد لها؟ فقال إن كان تعمد ذلك ليخالف
السنة والوقت لم تقبل منه كما لو أن رجلا أخر العصر إلى قرب أن تغرب الشمس متعمدا

(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
119

من غير علة لم تقبل منه " وعن الفضل بن يونس (1) قال: " سألت أبا الحسن الأول
(عليه السلام) قلت المرأة ترى الطهر قبل غروب الشمس كيف تصنع بالصلاة؟ قال إذا
رأت الطهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلا تصل إلا العصر لأن وقت الظهر
دخل عليها وهي في الدم وخرج عنها الوقت وهي في الدم.. ".
قال في المدارك بعد نقل ذلك: والجواب عن الروايتين بالطعن في السند
(أما الأولى) فبجهالة إبراهيم الكرخي مع أن فيها ما أجمع الأصحاب على خلافه وهو قوله
" إن آخر وقت الظهر هو أول وقت العصر " ومن المعلوم أن أوله عند الفراغ منها لا بعد
مضي أربعة أقدام. و (أما الثانية) فبالفضل بن يونس فإنه واقفي مع أنها معارضة بموثقة
عبد الله بن سنان المتقدمة عن الصادق (عليه السلام) وهي أوضح سندا من هذه الرواية
إذ ليس في طريقها من يتوقف فيه إلا علي بن الحسن بن فضال وقال النجاشي في تعريفه
إنه كان فقيه أصحابنا بالكوفة ووجههم وثقتهم وعارفهم بالحديث والمسموع قوله فيه فإنه
سمع منه شيئا كثيرا ولم يعثر له على زلة فيه. انتهى.
أقول: أما الطعن في السند فقد عرفت في غير موضع مما تقدم أنه لا يقوم حجة
على المتقدمين ولا على من لا يرى هذا الاصطلاح. وأما ما طعن به في متنها من دلالتها
على أن أول وقت العصر هو آخر وقت الظهر والحال أن أول وقتها إنما هو الفراغ من
الظهر فيمكن الجواب عنه بأن المراد بالوقت هنا هو أول وقت الفضيلة كما ذهب إليه جملة
من الأصحاب من استحباب تأخير العصر إلى بعد مضى المثل أو الأقدام كما سيأتي نقله
عن الشيخ المفيد وابن الجنيد في المسألة الآتية لا أن المراد الوقت الحقيقي، ومثل ذلك
أيضا يأتي إن شاء الله تعالى في أول وقت العشاء فإن الشيخين ذهبا إلى أنه إنما يدخل
بذهاب الحمرة المغربية وعليه يدل بعض النصوص والأصحاب حملوها على أول وقت
الفضيلة، فليكن ما اشتمل عليه هذا الخبر من ذلك القبيل وبه يندفع الطعن المذكور.

(1) رواه في الوسائل في الباب 49 من أبواب الحيض.
120

وأما طعنه في الرواية الثانية بالفضل بن يونس وأنه واقفي ففيه أنه وإن كان
واقفيا كما ذكره الشيخ إلا أنه ثقة كما ذكره النجاشي ولم يذكر كونه واقفيا، ويأتي على
ما يختاره البعض من تقديم قول النجاشي لأنه أضبط وأثبت الحكم بصحة الرواية، ومع
التنزل والعمل بقول الشيخ فيكون من قسم الموثق فلا معنى لترجيح موثقة عبد الله بن سنان
عليها. وأما ما سجل به من ترجيح موثقة عبد الله بن سنان بعد أوصاف علي بن الحسن
ابن فضال ففيه أنه قد رد روايته في غير موضع من شرحه كما سيظهر لك إن شاء
الله تعالى فيما يأتي.
نعم يبقى الكلام في الرواية المذكورة من حيث دلالتها على خروج وقت الظهر
في الحيض بعد الأربعة أقدام والعلامة (قدس سره) قد ادعى الاجماع على أن آخر
وقت الظهر للمعذور إلى قبل الغروب بمقدار العصر وبه طعن في هذه الرواية، وتنظر
فيه بعضهم بأن الشيخ (قدس سره) صرح في التهذيب والاستبصار بأن الحائض إذا طهرت
بعد ما يمضي من الوقت أربعة أقدام لم يجب عليها صلاة الظهر فادعاء الاجماع على خلافه
مع مخالفة الشيخ محل تأمل.
أقول: ومما يدل على ما دلت عليه الرواية المذكورة من الحكم المذكور حسنة
معمر بن يحيى (1) قال: " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الحائض تطهر بعد
العصر تصلي الأولى؟ قال لا إنما تصلي الصلاة التي تطهر عندها " وموثقة محمد بن مسلم
عن أحدهما (عليهما السلام) (2) قال: " قلت المرأة ترى الطهر عند الظهر فتشتغل في
شأنها حتى يدخل وقت العصر؟ قال تصلي العصر وحدها فإن ضيعت فعليها صلاتان "
إلا أنه يمكن حمل هاتين الروايتين على الوقت المختص بالعصر فلا يكون سبيلها
سبيل تلك الرواية.
وبالجملة فإن رواية الكرخي لا اشكال فيها لما عرفت وإنما الاشكال في رواية

(1) المروية في الوسائل في الباب 49 من أبواب الحيض.
(2) المروية في الوسائل في الباب 49 من أبواب الحيض.
121

الفضل بن يونس بما دلت عليه من أن وقت الظهر إنما هو إلى مضي الأربعة أقدام وبعده يخرج
حتى بالنسبة إلى ذوي الأعذار كالحيض، ولا يحضرني في ذلك محمل غير التقية وبه صرح الفاضل
الخراساني في الذخيرة وزاد مع ذلك احتمال حمل رواية ابن سنان على الاستحباب، والأظهر هو
العمل برواية ابن سنان لاعتضادها بالأخبار المستفيضة الدالة على وجوب الصلاة وامتداد
الوقت سيما لذوي الأعذار إلى الغروب وحمل تلك الرواية على التقية وإن لم يعلم بها الآن قائل
منهم لما قدمناه في المقدمة الأولى من مقدمات الكتاب من أنه لا يشترط في الحمل عليها وجود
قائل منهم، ولما علم من الأخبار من أنه لا منشأ للاختلاف في أخبارنا إلا التقية، ولما
تطابقت فتوى علمائنا وتظافرت أخبارنا بما دلت عليه رواية ابن سنان وجب حمل
ما يخالفها على ذلك. وأما ما ذهب إليه الشيخ مما قدمنا نقله عنه من العمل بالرواية
المذكورة فهو مما لا يلتفت إليه في معارضة الأخبار المشار إليها المعتضدة بعمل الطائفة المحقة
قديما وحديثا ومنهم الشيخ في غير الكتابين المذكورين. نعم ما دلت عليه رواية ابن
سنان من امتداد وقت العشاءين إلى آخر الليل محمول عندي على التقية لما تقدم تحقيقه
في باب التيمم ويأتي مزيد كلام فيه إن شاء الله تعالى في باب قضاء الصلاة.
وأما ما نقل عن الشيخ المفيد (قدس سره) - من أن وقت الظهر بعد زوال
الشمس إلى أن يرجع الفئ سبعي الشاخص - فاستدل له العلامة في المختلف بما رواه ابن
بابويه والشيخ في الصحيح عن الفضيل بن يسار وزرارة بن أعين وبكير بن أعين ومحمد
ابن مسلم وبريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) (1) أنهما
قالا: " وقت الظهر بعد الزوال قدمان ووقت العصر بعد ذلك قدمان وهذا أول الوقت
إلى أن يمضي أربعة أقدام للعصر " وما رواه الشيخ عن زرارة عن أبي جعفر (عليه
السلام) (2) قال: " سألته عن وقت الظهر فقال ذراع من زوال الشمس ووقت العصر
ذراع من وقت الظهر فذلك أربعة أقدام من زوال الشمس " قال في المدارك - ونعم ما قال

(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
122

هنا -: والجواب منع دلالة الروايتين على خروج وقت الظهر بذلك بل مقتضى صحيحة
زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) استحباب تأخير الظهر إلى أن يصير الفئ على قدمين
من الزوال فإنه (عليه السلام) قال (1) " إن حائط مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)
كان قامة وكان إذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر وإذا مضى من فيئه ذراعان صلى العصر،
ثم قال أتدري لم جعل الذراع والذراعان قلت لم جعل ذلك؟ قال لمكان النافلة لك أن
تتنفل من زوال الشمس إلى أن يمضي الفئ ذراعا فإذا بلغ فيئك ذراعا من الزوال بدأت بالفريضة
وتركت النافلة " والظاهر أن ذلك هو مراد المفيد (قدس سره) وإن كانت عبارته مجملة
وهو الذي فهمه منه الشيخ في التهذيب، فإنه قال بعد نقل كلامه: وقت الظهر على ثلاثة
أضرب: من لم يصل شيئا من النوافل فوقته حين تزول الشمس بلا تأخير، ومن صلى
النافلة فوقتها حين صارت على قدمين أو سبعين أو ما أشبه ذلك، ووقت المضطر ممتد إلى
اصفرار الشمس، ثم استدل على الضرب الثاني برواية زرارة وما في معناها. وبالجملة
فالقول بخروج وقت الظهر بصيرورة الفئ على قدمين مقطوع بفساده. انتهى. وهو جيد
وأما ما نقل عن ابن أبي عقيل فاحتج له في المختلف برواية زرارة المتقدمة في ما
استدل به للشيخ المفيد ورواية محمد بن حكيم (2) قال: " سمعت العبد الصالح (عليه السلام)
يقول إن أول وقت الظهر زوال الشمس وآخر وقتها قامة من الزوال " قال وقد روى
علي بن أبي حمزة (3) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول القامة هي الذراع "
وقال له أبو بصير (4): " كم القامة؟ فقال ذراع إن قامة رحل رسول الله (صلى الله
عليه وآله) كانت ذراعا " وأجاب عنه بما يرجع إلى ما قدمنا نقله عن صاحب المدارك
في الجواب عن كلام الشيخ المفيد (قدس سره). وبالجملة فالمعتمد من هذه الأقوال
ما قدمنا لك تحقيقه وأوسعنا مضيقه في هذا المجال. والله العالم.
(المسألة الرابعة) - المشهور في كلام الأصحاب أن الوقت الأول للظهر وهو

(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
(3) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
(4) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
123

وقت الفضيلة أو الاختيار على الخلاف المتقدم من الزوال إلى مضي مثل الشاخص وللعصر
إلى مضي مثليه، قال في المعتبر آخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شئ مثله ثم يمتد وقت
الاجزاء حتى يبقى للغروب مقدار أربع ركعات فيختص الوقت بالعصر، وإليه ذهب
علم الهدى وابن الجنيد. وقد نقل في المدارك أيضا عن السيد المرتضى أنه يمتد وقت
الفضيلة في الظهر إلى أن يصير ظل كل شئ مثله ووقت الاجزاء إلى أن يبقى
للغروب قدر أربع ركعات فيختص بالعصر. وقد تقدم في صدر المسألة الثالثة كلام
الشيخ بنحو ذلك.
والمشهور في كلام المتأخرين أفضلية تأخير العصر إلى أول المثل الثاني، قال في
الذكرى يمتد وقت الفضيلة للظهر أو الاختيار إلى أن يصير الظل الحادث بعد الزوال مماثلا
للشاخص في المشهور، ثم نقل خلاف المشهور التقدير بالأقدام الأربعة لرواية إبراهيم
الكرخي، ثم قال في موضع آخر بعد البحث في المقام: نعم الأقرب استحباب تأخير
العصر إلى أن يخرج وقت فضيلة الظهر أما القدر بالنافلتين والظهر وأما المقدر بما سلف
من المثل والأقدام وغيرهما.
وقد تقدم في سابق هذه المسألة تصريح صاحب المدارك بما ذكرنا أولا من
امتداد وقت فضيلة الظهر إلى تمام مثل الشاخص واستدلاله على ذلك بصحيحتي أحمد بن
عمر وأحمد بن محمد المشتملتين على التحديد بالقامة وأن وقت الظهر قامة ووقت العصر
قامة وفي معناهما روايات أخر قدمنا ذكرها أيضا. وفي الاستدلال بها عندي اشكال
حيث إن مبنى الاستدلال بها على حمل القامة على قامة الشاخص والمفهوم من الأخبار أن
لفظ القامة الوارد فيها إنما هو بمعنى الذراع والقامتين بمعنى الذراعين، فمن ذلك ما رواه
الشيخ في التهذيب عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) أنه قال له: " كم
القامة؟ فقال ذراع إن قامة رحل رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت ذراعا "

(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
124

وعن علي بن أبي حمزة (1) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول القامة هي
الذراع " وعن علي بن حنظلة (2) قال: " قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) القامة
والقامتين الذراع والذراعين في كتاب علي (عليه السلام) " قال في الوافي: نصبهما
بالحكاية. وعن علي بن حنظلة (3) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) في كتاب
علي (عليه السلام) القامة ذراع والقامتان ذراعان " قال في الوافي: تفسير القامة بالذراع إنما
يصح إذا كان قامة الشاخص ذراعا فيعبر عن أحدهما بالآخر كما دل عليه حديث
أبي بصير لا مطلقا كما زعمه صاحب التهذيب أو أريد به في زمان يكون فيه الظل الباقي
بعد نقصانه ذراعا ويراد بالقامة قامة الظل الباقي لا قامة الشاخص كما دل عليه حديث
أول الباب. انتهى. أقول: من المحتمل قريبا بل الظاهر أن المراد باللام في القامة والقامتين
في هذه الأخبار العهد وتكون إشارة إلى ما قدمنا من الأخبار الدالة على تحديد وقت الظهر
بالقامة ووقت العصر بالقامتين بمعنى أن القامة الواردة في تلك الأخبار المراد منها الذراع
لا قامة الشاخص، وبه يظهر أن حمل القامة في تلك الأخبار على قامة الشاخص ليكون
دليلا على امتداد وقت الفضيلة بامتداد المثل والمثلين لا وجه له.
وأما ما ذكره من استحباب تأخير العصر إلى أول المثل الثاني فاستدلوا عليه
برواية زرارة المتقدمة المتضمنة لسؤاله أبا عبد الله (عليه السلام) عن وقت الظهر في القيظ وقد
تقدمت في سابق هذه المسألة (4) وهي مع كونها أخص من المدعى ومع اشتمالها على
خلاف المدعى أيضا حيث دلت على الصلاة بعد نقص المثل محمولة على الابراد كما يأتي
تحقيقه إن شاء الله تعالى في محله. نعم يدل على ذلك ما قدمنا من رواية الشيخ في كتاب
المجالس مما كتبه الأمير (عليه السلام) لمحمد بن أبي بكر حين ولاه مصر (5) حيث
قال في الحديث " فإن رجلا سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أوقات الصلاة

(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
(3) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
(4) ص 118.
(5) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب المواقيت.
125

فقال أتاني جبرئيل فأراني وقت الظهر حين زالت الشمس فكانت على حاجبه الأيمن
ثم أراني وقت العصر فكان ظل كل شئ مثله... الحديث " وهو مع ضعفه معارض
بالأخبار المستفيضة كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى، ومنها أخبار نزول جبرئيل
بالأوقات (1) ويمكن حمله على التقية حيث إنه هو المعمول عليه عند العامة قديما وحديثا (2)
ويؤيد ما ذكرنا ما صرح به شيخنا المجلسي (قدس سره) في كتاب البحار
حيث قال - ونعم ما قال - ثم إنه لما كان المشهور بين المخالفين تأخير الظهرين عن أول
الوقت بالمثل والمثلين فلذا اختلفت الأخبار في ذلك ففي بعضها " إذا صار ظلك مثلك
فصل الظهر وإذا صار ظلك مثليك فصل العصر " (3) وفي بعضها " أن آخر وقت الظهر
المثل وآخر وقت العصر المثلان " كما ذهب إليه أكثر المتأخرين من أصحابنا، وفي بعضها
" أن وقت نافلة الزوال قدمان ووقت الظهر ونافلة العصر بعدهما قدمان " ووقت فضيلة
العصر أربعة أقدام في بعض الأخبار وفي بعضها قدمان ونصف وفي كثير منها " لا يمنعك
من الفريضة إلا سبحنك إن شئت طولت وإن شئت قصرت " (4) والذي ظهر لي من
جميعها أن المثل والمثلين إنما وردا تقية لاشتهارهما بين المخالفين، وقد أولهما في بعض
الأخبار بالذراع والذراعين تحرجا من الكذب، أو المثل والمثلان وقت الفضيلة بعد الذراع
والذراعين والأربع أي إذا أخروا الظهر عن أربعة أقدام فينبغي أن لا يؤخروها

(1) ص 127.
(2) في عمدة القارئ ج 2 ص 540 " آخر وقت الظهر عند أبي حنيفة إذا صار ظل
كل شئ مثليه فيخرج وقت الظهر ويدخل وقت العصر، وعند أبي يوسف ومحمد إذا صار
ظل كل شئ مثله يخرج وقت الظهر ويدخل وقت العصر وهي رواية الحسن بن زياد وبه
قال مالك والشافعي وأحمد والثوري وإسحاق لكن عند الشافعي آخر وقت العصر إذا
صار ظل كل شئ مثليه لمن ليس له عذر وأما أصحاب العذر فآخر وقتها لهم غروب
الشمس. وقال القرطبي خالف الناس كلهم أبا حنيفة فيما قاله حتى أصحابه ".
(3) ص 118.
(4) ص 136.
126

عن السبعة وهي المثل وإذا أخروا العصر عن الثمانية فينبغي أن لا يؤخروها عن الأربعة
عشر أعني المثلين، فالأفضل في الأوقات الاقدام لكن لا بمعنى أن الظهر لا يقدم على
القدمين بل بمعنى أن النافلة لا توقع بعد القدمين وكذا نافلة العصر لا يؤتى بها بعد الأربعة
أقدام فأما العصر فيجوز تقديمها قبل مضي الأربعة إن فرغ من النافلة قبلها بل التقديم فيهما أفضل،
وأما آخر وقت فضيلة العصر فله مراتب الأولى ستة أقدام والثانية ستة أقدام ونصف
والثالثة ثمانية أقدام والرابعة المثلان على احتمال، فإذا رجعت إلى الأخبار الواردة في هذا
الباب لا يبقى لك ريب في تعين هذا الوجه في الجمع بينها. انتهى كلامه زيد مقامه.
أقول: لم أقف فيما حضرني من الأخبار على ما يدل على المثل والمثلين سوى
الخبرين اللذين ذكرتهما (1) وقد عرفت الوجه فيهما، وظني أن ما تكلفه زيادة على ذلك
لا وجه له إذ التقية في ذلك أظهر ظاهر في المقام فلا ضرورة في ارتكاب ما ذكره
(طيب الله مرقده).
والواجب هو بسط الأخبار المتعلقة بالمسألة كما هي عادتنا في الكتاب ليظهر
بذلك تحقيق الحق بغير شك ولا ارتياب فأقول: إن جملة من الأخبار قد وردت في
نزول جبرئيل بالأوقات:
ومنها - ما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن معاوية بن وهب عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " أتى جبرئيل رسول الله (صلى الله عليه وآله)
بمواقيت الصلاة فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلى الظهر ثم أتاه حين زاد من الظل
قامة فأمره فصلى العصر ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب ثم أتاه حين
سقط الشفق فأمره فصلى العشاء ثم أتاه حين طلوع الفجر فأمره فصلى الصبح ثم أتاه من
الغد حين زاد في الظل قامة فأمره فصلى الظهر ثم أتاه حين زاد من الظل قامتان فأمره فصلى
العصر ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب ثم أتاه حين ذهب ثلث الليل

(1) ص 125 رقم 4 و 5.
(2) رواه في الوسائل في الباب 10 من المواقيت.
127

فأمره فصلى العشاء ثم أتاه حين نور الصبح فأمره فصلى الصبح وقال ما بينهما وقت "
وعن معاوية بن ميسرة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: أتى جبرئيل وساق
الخبر مثل السابق إلا أنه قال بدل القامة والقامتين ذراع وذراعين. وعن المفضل بن
عمر (2) قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) نزل جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه
وآله) وساق الخبر كالأول إلا أنه ذكر بدل القامة والقامتين قدمين وأربعة أقدام.
أقول: وهذه الأخبار بانضمام بعضها إلى بعض ظاهرة الدلالة في أن الوقت الأول
للظهرين هو الذراع والذراعان والقدمان والأربعة أقدام لأن القامة في الخبر الأول كما
عرفت بمعنى الذراع إلا أنها ظاهرة الاختصاص بغير المتنفل وكأن النوافل وتحديدها
بالذراع والذراعين إنما وقع بعد ذلك، وحينئذ فيكون هذا الوقت وقت فضيلة بالنسبة
إلى غير المتنفل وعلى ذلك تحمل الأخبار المتقدمة أيضا كصحيحتي الأحمدين ورواية محمد
ابن حكيم، وأما رواية يزيد بن خليفة فالظاهر حمل القامة فيها على قامة الشاخص حيث
قال في آخرها: " ووقت العصر حتى يصير الظل قامتين وذلك المساء " فإن المساء إنما
يترتب على قامة الشاخص دون الذراعين كما لا يخفى إلا أن يحمل على المبالغة وهو بعيد
بل الظاهر هو حملها على التقية، ويؤيده دلالتها على عدم دخول وقت العصر حتى يصير
الظل قامة الشاخص يعني وقت فضيلتها وهو مذهب العامة حيث إنهم يؤخرون العصر
إلى ذلك الوقت (3) ولعل من هذا الخبر ونحوه حكم المتأخرون باستحباب تأخير العصر
إلى أول المثل الثاني كما قدمنا نقله عن الذكرى والحق فيه ما عرفت، ويمكن أن يجعل
هذا الخبر دليلا لما قدمناه عن المشهور بين الأصحاب من امتداد فضيلة الظهر إلى المثل
والعصر إلى المثلين حيث قال فيه: " ثم لا تزال في وقت الظهر إلى أن يصير الظل قامة "
وقد عرفت أن المراد بالقامة هنا قامة الانسان، قوله " وهو آخر الوقت " أي وقت

(1) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب المواقيت.
(3) راجع التعليقة 2 ص 126.
128

الفضيلة وقوله: " فإذا صار الظل قامة دخل وقت العصر " أي الوقت المختص فضله
بالعصر بحيث لا يشاركه الظهر فيه لأن ما قبل ذلك وقت فضيلة لهما معا كما دلت عليه
الأخبار من أن كل ما قرب من أول الوقت فهو أفضل وأنه لا يمنعه إلا السبحة أو الذراع
والذراعان، وحينئذ فإذا بلغ الظل المثل الثاني اختصت الفضيلة بالعصر إلى تمام المثل
الثاني، وهذا المعنى وإن كان محتملا إلا أنه لا يخلو من تكلف ولعل حمل الخبر على
الخروج مخرج التقية أظهر كما ذكرنا.
وجملة من الأخبار قد دلت على التحديد بالذراع والذراعين والقدم والقدمين
والأربعة ونحو ذلك، ومنها - ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر
(عليه السلام) (1) قال: " سألته عن وقت الظهر فقال ذراع من زوال الشمس
ووقت العصر ذراع من وقت الظهر فذلك أربعة أقدام من زوال الشمس، وقال زرارة
قال لي أبو جعفر (عليه السلام) حين سألته عن ذلك: أن حائط مسجد رسول الله
(صلى الله عليه وآله) كان قامة فكان إذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر وإذا مضى
من فيئه ذراعان صلى العصر، ثم قال أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قلت لم جعل
ذلك؟ قال لمكان النافلة لك أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن يمضي الفئ ذراعا فإذا
بلغ فيؤك ذراعا من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة وإذا بلغ فيؤك ذراعين
بدأت بالفريضة وتركت النافلة " قال في التهذيبين: قال ابن مسكان حدثني بالذراع
والذراعين سليمان بن خالد وأبو بصير المرادي وحسين صاحب الفلانس وابن أبي يعفور
ومن لا أحصيه منهم. أقول القامة في هذا الخبر مراد بها قامة الانسان وكذا
في الذي بعده.
وعن زرارة في الموثق (2) قال: " سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول كان
حائط مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) قامة فإذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر

(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
129

وإذا مضى من فيئه ذراعان صلى العصر، ثم قال أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟
قلت لا. قال من أجل الفريضة إذا دخل وقت الذراع والذراعين بدأت بالفريضة
وتركت النافلة ".
أقول: حيث إنه قد دلت الأخبار على أنه لا تطوع في وقت فريضة بل أكثر
الأخبار الدالة على هذا المعنى إنما أريد بها هذا المقام حيث إن الشارع قد عين للنافلة من
أول الوقت هذا المقدار من الذراع والذراعين والقدمين والأربعة فمتى خرج هذا الوقت
ولم يأت بالنافلة وجبت البدأة بالفريضة وأما لو فرغ من النافلة قبل هذا المقدار فإنه يجوز بل
يستحب مزاحمة الفريضة لها في هذا المقدار كما سيأتيك إن شاء الله تعالى ذكره في الأخبار
وعن إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " كان رسول الله
(صلى الله عليه وآله) إذا كان فئ الجدار ذراعا صلى الظهر وإذا كان ذراعين صلى
العصر. قال قلت إن الجدران تختلف بعضها قصير وبعضها طويل، فقال كان جدار
مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) يومئذ قامة " وعن إسحاق بن عمار مثله سندا
ومتنا (2) وزاد " وإنما جعل الذراع والذراعان لئلا يكون تطوع في وقت الفريضة ".
وعن إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) قال: " أتدري لم جعل
الذراع والذراعان؟ قال: قلت لم؟ قال لمكان الفريضة لئلا يؤخذ من وقت هذه ويدخل
في وقت هذه ".
وعن زرارة في الموثق عن أبي جعفر (عليه السلام) (4) قال: " أتدري لم جعل
الذراع والذراعان؟ قال قلت لم؟ قال لمكان الفريضة لك أن تتنفل من زوال الشمس

(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت. وهذا الحديث يرويه
إسحاق بن عمار عن إسماعيل الجعفي أيضا إلا أن الراوي عن إسحاق هو صفوان بن يحيى في
الأول والحسن بن عديس في الثاني.
(3) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
(4) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
130

إلى أن يبلغ ذراعا فإذا بلغ ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة ".
وعن زرارة في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " وقت الظهر
على ذراع " وعن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " سألته
عن صلاة الظهر فقال إذا كان الفئ ذراعا. قلت ذراعا من أي شئ؟ قال ذراعا من
فيئك. قلت فالعصر؟ قال الشطر من ذلك.. الحديث ".
وعن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " كان رسول الله (صلى
الله عليه وآله) يصلي الظهر على ذراع والعصر على نحو ذلك ".
وعن عبيد بن زرارة في الموثق (4) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن أفضل وقت الظهر قال ذراع بعد الزوال. قال: قلت في الشتاء والصيف سواء؟
قال نعم ".
وروى في الفقيه والتهذيب في الصحيح عن الفضيل وزرارة وبكير ومحمد بن
مسلم وبريد (5) قالوا: " قال أبو جعفر وأبو عبد الله (عليهما السلام) وقت الظهر
بعد الزوال قدمان ووقت العصر بعد ذلك قدمان وهذا أول الوقت إلى أن يمضي
أربعة أقدام للعصر ".
أقول: ربما سبق إلى بعض الأوهام كما وقع فيه بعض الأعلام أن المراد من
هذا الخبر إنما هو تحديد وقت فضيلة الظهر أو الاختيار بمعنى أن الأفضل ايقاعها في هذا
المقدار وكذلك العصر فيكون منافيا لما دل على التحديد بالقامة والقامتين والمثل والمثلين
ومن أجل ذلك حكم بطرح أخبار المثل والمثلين لصحة هذا الخبر. وأنت خبير بأن
ظاهر الصحيحة المذكورة وإن أوهم ذلك في بادئ النظر إلا أن الظاهر أن المراد إنما هو
التحديد بما بعد القدمين والأربعة، فمعنى قوله (عليه السلام): " وقت الظهر بعد
الزوال قدمان " يعني مضي قدمين وهكذا وقت العصر، كما وقع نظيره في موثقة زرارة

(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
(3) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
(4) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
(5) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
131

المتقدمة حيث قال: " إذا دخل وقت الذراع والذراعين بدأت بالفريضة " فإن ظاهر
وقت الذراع يعني أول الذراع مع أن المراد إنما هو مضي الذراع كما هو صريح صدر
الرواية، وقد وقع مثل ذلك في صدر صحيحة زرارة التي في صدر هذه الجملة حيث قال
فيها " سألته عن وقت الظهر فقال ذراع من زوال الشمس ووقت العصر ذراع من
وقت الظهر " فإن المراد بعد ذراع كما تنادي به تتمة الرواية وقوله فيها " إن حائط
مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان قامة فكان إذا مضي من فيئه ذراع صلى
الظهر وإذا مضى من فيئه ذراعان صلى العصر.. الخبر ".
وروى في التهذيب عن عبد الله بن محمد (1) قال: " كتبت إليه جعلت فداك
روى أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) أنهما قالا إذا زالت الشمس
فقد دخل وقت الصلاتين إلا أن بين يديها سبحة إن شئت طولت وإن شئت قصرت.
وروى بعض مواليك عنهما أن الظهر على قدمين من الزوال ووقت العصر على أربعة
أقدام من الزوال فإن صليت قبل ذلك لم يجزئك، وبعضهم يقول يجزئ ولكن الفضل
في انتظار القدمين والأربعة أقدام، وقد أحببت جعلت فداك أن أعرف موضع الفضل
في الوقت؟ فكتب (عليه السلام) القدمان والأربعة أقدام صواب جميعا ".
أقول: ظاهر هذه الرواية كما ترى أن جملة من معاصري الأئمة (عليهم السلام)
قد فهموا الاختلاف بين روايات التقدير بالنافلة كما يأتي في المقام إن شاء الله تعالى وبين
روايات التحديد بالأقدام والأذرع، ورجح بعضهم العمل بروايات الأقدام على روايات
التحديد بالنافلة حتى بالغ بعضهم وأوجب تأخير الفريضة إلى مضي المقدار المذكور وحكم بعدم
اجزائها قبله ولا ريب أن التأخير ظاهر منها كما سيتضح لك إن شاء الله تعالى. ثم إنه لا يخفى
ما في الجواب من الاجمال وعدم الانطباق على السؤال وصاحبه أعرف بتحقيق الحال ولعله
قد سقط شئ من البين وربما كان فيه اشعار وايماء إلى ترجيح العمل بروايات الأقدام.

(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
132

ومنها - موثقة سعيد الأعرج عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" سألته عن وقت الظهر أهو إذا زالت الشمس؟ فقال بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلا
في السفر أو يوم الجمعة فإن وقتها إذا زالت " وروى الصدوق في الفقيه في باب صلاة
رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرسلا عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال: " كان
رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يصلي من النهار شيئا حتى يزول النهار فإذا زال
صلى ثماني ركعات وهي صلاة الأوابين تفتح في تلك الساعة أبواب السماء ويستجاب
الدعاء وتهب الرياح وينظر الله إلى خلقه، فإذا فاء الفئ ذراعا صلى الظهر أربعا وصلى بعد
الظهر ركعتين وصلى ركعتين أخراوين ثم صلى العصر أربعا إذا فاء الفئ ذراعين ".
وفي خبر آخر رواه الكليني بطريقين أحدهما صحيح أو حسن بإبراهيم بن هاشم
في باب بناء مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " وكان جداره قبل أن
يظلل قامة فكان إذا كان الفئ ذراعا وهو قدر مربض عنز صلى الظهر وإذا كان ضعف
ذلك صلى العصر ".
وروى محمد بن الفرج (4) قال: " كتبت أسأله عن أوقات الصلاة فأجاب إذا
زالت الشمس فصل سبحتك وأحب أن يكون فراغك من الفريضة والشمس على قدمين
ثم صل سبحتك وأحب أن يكون فراغك من العصر والشمس على أربعة أقدام.. الحديث "
وقد تقدمت رواية إبراهيم الكرخي (5) الدالة على خروج وقت الظهر بعد ما يمضي
من الزوال أربعة أقدام وأن أول وقت العصر هو آخر وقت الظهر وأن آخر وقت العصر
حتى تغرب الشمس. وهو محمول على خروج وقت الفضيلة بمضي الأربعة أقدام للظهر.
ورواية سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6) قال: " العصر على

(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 14 من أعداد الفرائض.
(3) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
(4) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
(5) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
(6) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب المواقيت.
133

ذراعين فمن تركها حتى تصير على ستة أقدام فذلك التضييع ".
وعن أبي بصير (1) قال: " قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) صل العصر يوم الجمعة
على ستة أقدام " وعن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " صل
العصر على أربعة أقدام " وعن سليمان بن جعفر (3) قال: " قال الفقيه (عليه السلام)
آخر وقت العصر ستة أقدام ونصف " وعن صفوان الجمال عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (4) قال: " قلت العصر متى أصليها إذا كنت في غير سفر؟ قال على قدر ثلثي
قد بعد الظهر ".
وفي كتاب الفقه الرضوي (5) قال: " وقت الظهر زوال الشمس وآخره أن
يبلغ الظل ذراعا أو قدمين من زوال الشمس في كل زمان، ووقت العصر بعد القدمين
الأولين إلى قدمين آخرين وذراعين لمن كان مريضا أو معتلا أو مقصرا فصار قدمان
للظهر وقدمان للعصر، فإن لم يكن معتلا من مرض أو من غيره ولا مقصرا ولا يريد
أن يطيل التنفل فإذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين وليس يمنعه منهما إلا السبحة
بينهما والثمان ركعات قبل الفريضة والثمان بعدها فإن شاء طول إلى قدمين وإن شاء قصر،
إلى أن قال فإذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاة وله مهلة في التنفل والقضاء والنوم
والشغل إلى أن يبلغ ظل قامته قدمين بعد الزوال فإذا بلغ ظل قامته قدمين بعد الزوال
فقد وجب عليه أن يصلي الظهر في استقبال القدم الثالث، وكذلك يصلي العصر إذا
صلى في آخر الوقت في استقبال القدم الخامس وإذا صلى بعد ذلك فقد ضيع الصلاة وهو
قاض للصلاة بعد الوقت ".
أقول: قوله " وله مهلة في التنفل والقضاء والنوم والشغل إلى أن يبلغ ظل قامته
قدمين " الظاهر أن معناه بيان اتساع الوقت إلى الحد المذكور بمعنى أن وقت الظهر من
الزوال إلى أول القدم الثالث فهو في هذه المدة مرخص في اشتغاله بنافلة أو نوم أو شغل

(1) الوسائل في الباب 9 من أبواب المواقيت.
(2) الوسائل في الباب 9 من أبواب المواقيت.
(3) الوسائل في الباب 9 من أبواب المواقيت.
(4) الوسائل في الباب 9 من أبواب المواقيت.
(5) ص 2.
134

أو نحو ذلك لاتساع الوقت في هذه المدة فإذا كان أول القدم الثالث تعين ايقاع الظهر
فيه وليس له سعة في الاشتغال بنافلة ولا غيرها، وهكذا بالنسبة إلى العصر إلى أول
القدم الخامس فهو في سعة منها إلى الحد المذكور فلو أخرها عن الحد المذكور مختارا كان
مضيعا وهو قاض أي آت وفاعل للصلاة بعد الوقت المعين لها اختيارا لا أن المراد بالقضاء
فعل الشئ خارج وقته، وهو مفسر ومبين لجملة من الأخبار المتقدمة وموضح لها ودال
بأظهر دلالة على أن الوقت الأول للظهر من الزوال إلى مضي القدمين أو الذراع وللعصر إلى
مضي الأربعة أقدام أو الذراعين وأنه مع الاشتغال بالنافلة يزاحم بفريضة الظهر القدم
الثالث وبفريضة العصر القدم الخامس وأنه بعد ذلك يخرج الوقت الأول لكل منهما
ويدخل الوقت الثاني الذي نسبه إلى التضييع.
ثم قال (عليه السلام): " وقد جاءت أحاديث مختلفة في الأوقات ولكل
حديث معنى وتفسير. أن أول وقت الظهر زوال الشمس وآخر وقتها قامة رجل، قدم
وقدمان، وجاء على النصف من ذلك وهو أحب إلي، وجاء آخر وقتها إذا تم قامتين،
وجاء أول وقت العصر إذا تم الظل قدمين وآخر وقتها إذا تم أربعة أقدام، وجاء أول
وقت العصر إذا تم الظل ذراعا وآخر وقتها إذا تم ذراعين، وجاء لهما جميعا وقت واحد
مرسل قوله: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين. وجاء أن رسول الله (صلى
الله عليه وآله) جمع بين الظهر والعصر ثم العشاء والعتمة من غير سفر ولا مرض.
وجاء أن لكل صلاة وقتين أول وآخر كما ذكرنا في أول الباب وأول الوقت أفضلهما
وإنما جعل آخر الوقت للمعلول.. إلى آخره " وهذه الأخبار التي نقلها (عليه السلام)
كلها تدور على التحديد بالأقدام زيادة ونقيصة وليس في شئ ما يدل على المثل والمثلين
كما هو المشهور بين أصحابنا (رضوان الله عليهم).
فهذه جملة وافرة من الأخبار التي تضمنت تحديد الوقت بالأقدام والأذرع وهي ظاهرة
في أن الفضل في هذا المقدار ولا سيما كلامه (عليه السلام) في كتاب الفقه الرضوي وأن ما خرج
135

عن هذا المقدار فهو المراد بالوقت الثاني وهو المفضول المعين لأصحاب الأعذار والضرورات
وجملة من الأخبار قد تضمنت التحديد بالنافلة، ومنها رواية يزيد بن خليفة وقد
تقدم الكلام فيها (1).
وما رواه في الكافي عن ذريح في الحسن (2) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام) متى أصلي الظهر؟ قال صل الزوال ثمانية ثم صل الظهر ثم صل سبحتك طالت
أو قصرت ثم صل العصر ".
وعن عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " إذا زالت
الشمس فقد دخل وقت الظهر إلا أن بين يديها سبحة وذلك إليك إن شئت طولت
وإن شئت قصرت ".
وعن ابن أبي عمير (4) قال: " إذا صليت الظهر فقد دخل وقت العصر إلا أن بين يديها سبحة وذلك إليك إن شئت طولت وإن شئت قصرت ".
وفي الصحيح عن الحارث بن المغيرة وعمر بن حنظلة ومنصور بن حازم (5)
قالوا: " كنا نقيس الشمس بالمدينة بالذراع فقال أبو عبد الله (عليه السلام) ألا أنبئكم
بأبين من هذا؟ إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر إلا أن بين يديها سبحة وذلك
إليك إن شئت طولت وإن شئت قصرت " ورواه في التهذيب عن الحارث وعمر
ومنصور مثله (6) وفيه " إليك فإن أنت خففت سبحتك فحين تفرغ من سبحتك وإن أنت
طولت فحين تفرغ من سبحتك ".
وروى الشيخ في التهذيب عن الحسن عن عيسى بن أبي منصور (7) قال:
" قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا زالت الشمس فصليت سبحتك فقد دخل وقت الظهر "
وعن سماعة في الموثق (8) قال: " قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) إذا زالت

(1) ص 115 و 128.
(2) الوسائل الباب 5 من المواقيت
(3) الوسائل الباب 5 من المواقيت
(4) الوسائل الباب 5 من المواقيت، والراوي في كتب الحديث مسمع بن عبد الملك.
(5) الوسائل الباب 5 من المواقيت
(6) الوسائل الباب 5 من المواقيت
(7) الوسائل الباب 5 من المواقيت
(8) الوسائل الباب 5 من المواقيت
136

الشمس فصل ثماني ركعات ثم صل الفريضة أربعا فإذا فرغت من سبحتك قصرت أو
طولت فصل العصر ".
وروى في الفقيه (1) قال: " سأل مالك الجهني أبا عبد الله (عليه السلام) عن
وقت الظهر فقال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين فإذا فرغت من سبحتك
فصل الظهر متى ما بدا لك ".
وروى في التهذيب عن محمد بن أحمد بن يحيى (2) قال: " كتب بعض أصحابنا
إلى أبي الحسن (عليه السلام) روى عن آبائك القدم والقدمين والأربع والقامة والقامتين
وظل مثلك والذراع والذراعين؟ فكتب (عليه السلام) لا القدم ولا القدمين إذا زالت
الشمس فقد دخل وقت الصلاتين وبين يديها سبحة وهي ثمان ركعات فإن شئت طولت
وإن شئت قصرت ثم صل الظهر فإذا فرغت كان بين الظهر والعصر سبحة وهي ثمان
ركعات إن شئت طولت وإن شئت قصرت ثم صل العصر ".
فهذه جملة من الأخبار المتعلقة بالمسألة وكلها ظاهرة الدلالة متطابقة المقالة في أن فضيلة الظهر والوقت الأول لها من أول الزوال إلى انتهاء الأقدام أو الأذرع
المذكورة في الأخبار وأن الأفضل من ذلك هو تقديم الفريضتين قبل بلوغ ذلك الحد
بالاسراع في النافلة لو كان ممن يتنفل كما يدل عليه قوله: (عليه السلام) في رواية
أبي بصير (3) قال: " ذكر أبو عبد الله (عليه السلام) أول الوقت وفضله فقلت
كيف أصنع بالثمان ركعات؟ قال خفف ما استطعت ".
وجملة من أصحابنا - كما تقدم في كلام صاحب المدارك ومثله المحدث الكاشاني -
قد استدلوا على القول المشهور وهو امتداد وقت فضيلة الظهرين بالمثل والمثلين بصحيحتي
الأحمدين المتقدمتين بحمل القامة فيهما على قامة الانسان ومثلهما رواية يزيد بن خليفة

(1) رواه في الوسائل في الباب 5 من المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 5 من المواقيت.
(3) المروية في الوسائل في الباب 3 و 15 من أبواب المواقيت.
137

ومحمد بن حكيم المتقدم جميع ذلك، وهو وإن احتمل إلا أن احتمال حمل القامة فيها
على الذراع قائم إلا في رواية يزيد بن خليفة كما تقدم. وبالجملة فإني لم أقف للقول بالمثل
والمثلين كما هو المشهور على دليل تطمئن به النفس سيما مع ما عرفت من احتمال التقية
واشتهار القول بذلك بين العامة فالخروج عن مقتضى هذه الأخبار المستفيضة التي سردناها
بمجرد ذلك مشكل.
بقي هنا شيئان يجب التنبيه عليهما في المقام: (أحدهما) أن ظاهر الأخبار المتقدمة
مما دل على التحديد بالأقدام والأذرع والأخبار الدالة على التحديد بالنافلة لا يخلو من
تدافع، وذلك فإن مقتضى الأخبار الدالة على التحديد بالنافلة هو أن الأفضل ايقاع
الفريضة بعد الفراغ من النافلة وإن كان قبل بلوغ القدمين والأربعة والذراع والذراعين
ومقتضى أخبار الأقدام والأذرع هو تأخير الفريضة إلى تمام القدمين والأربعة والذراع
والذراعين وإن كان قد فرغ من النافلة قبل ذلك، والجمع بينهما لا يخلو من الاشكال
والقصور إذ كل من أخبار الطرفين ظاهر فيما ذكرنا تمام الظهور.
وظاهر المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى الميل إلى العمل بأخبار التحديد بالأقدام
والأذرع وأن الأفضل عنده تأخير الفريضة وإن أتم النافلة إلى القدم الثالث والخامس
والذراع الثاني والثالث، قال (عطر الله مرقده) في الكتاب المذكور بعد ذكر
الأخبار المشار إليها: إذا تبين أن المراد من التقدير بالذراع والذراعين ما قد علم وكذا
من القدمين والأربعة في الخبر الأول فيرد عليهما مع سائر ما في معناهما أن الأخبار
الكثيرة المتضمنة لدخول الوقت بزوال الشمس تعارضها وخصوصا حديث محمد بن أحمد
ابن يحيى السابق حيث نفى فيه اعتبار القدم والقدمين وكذلك الأخبار الدالة على ترجيح
أول الوقت مطلقا، ويجاب بأن المراد من الوقت الداخل بزوال الشمس وقت الاجزاء
ومما بعد القدمين والأربعة وقت الفضيلة في الجملة وقد وقع التصريح بهذا في بعض
الأخبار السابقة، وإذا ثبت ذلك حملنا الأخبار الواردة برجحان أول الوقت على إرادة الأول
138

مما بعد وقت الفضيلة لا من ابتداء الوقت، ويبقى الكلام في الخبر النافي لاعتبار القدم
والقدمين وقد ذكر الشيخ (قدس سره) أنه إنما نفى ذلك فيه لئلا يظن أنه وقت لا يجوز
غيره. وهو متجه، ويحتمل أيضا أن يكون واردا على جهة التقية لما هو معروف من حال
أكثر أهل الخلاف في إنكار ذلك والعمل بخلافه. انتهى كلامه زيد مقامه.
وبعض أفاضل متأخري المتأخرين قد رجح العمل بالأخبار الأخر الدالة على
التحديد بالنافلة وتأول الأخبار الأخر الدالة على التحديد بالأقدام والأذرع فحمل جملة
أخبار رسول الله (صلى الله عليه وآله) الدالة ظاهرا على تأخيره الصلاة إلى مضي القدر
المذكور في تلك الأخبار على استيعاب الوقت بالنافلة والإطالة فيها لغرض حصول الجماعة
أو أنه يفرغ قبل ذلك ولكنه ينتظر اجتماع الناس بهذا المقدار أو ينتظر فراغ الجماعة
من النوافل بهذا المقدار.
أقول: وعندي في ما ذكره كل من هذين الفاضلين (قدس سرهما) نظر،
أما ما ذكره الشيخ حسن فوجه النظر المتطرق إليه أن ما ادعاه - من أن الوقت الداخل
بالزوال إنما هو وقت الاجزاء لا الفضيلة وإنما وقت الفضيلة بعد مضي الذراع والذراعين
وجملة الأخبار الدالة على رجحان أول الوقت وأفضليته على إرادة الأول مما بعد دخول
وقت الفضيلة عنده لا من ابتداء الوقت والزوال - مما يجب القطع بفساده:
(أما أولا) فلبعده غاية البعد عن سياق الأخبار الدالة على أن لكل صلاة
وقتين وأول الوقتين أفضلهما، فإنه إنما عنى بالوقت الأول للظهرين ما بعد الزوال
لا ما بعد الذراع.
و (أما ثانيا) فللأخبار الكثيرة الدالة على استحباب مزاحمة الفريضة للنافلة في
الذراع والذراعين، ومنها ما رواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن الفرج (1) قال:
" كتبت أسأله عن أوقات الصلاة فأجاب إذا زالت الشمس فصل سبحتك وأحب أن

(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
139

يكون فراغك من الفريضة والشمس على قدمين ثم صل سبحتك وأحب أن يكون فراغك
من العصر والشمس على أربعة أقدام " وما رواه في الموثق عن ذريح عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: " سأله أناس وأنا حاضر فقال إذا زالت الشمس فهو وقت
لا يحبسك منه إلا سبحتك تطيلها أو تقصرها. فقال بعض القوم إنا نصلي الأولى إذا
كانت على قدمين والعصر على أربعة أقدام؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام) النصف
من ذلك أحب إلي " ورواية صفوان الجمال المروية في التهذيب أيضا عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: " قلت العصر متى أصليها إذا كنت في غير سفر؟ فقال على قدر
ثلثي قدم بعد الظهر " إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على المزاحمة وأفضلية ما قرب
من الزوال، وفي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " ذكر
أبو عبد الله (عليه السلام) أول الوقت وفضله فقلت كيف أصنع بالثمان ركعات؟ قال
خفف ما استطعت ".
و (أما ثالثا) فلما رواه الشيخ في الصحيح إلى سعيد بن الحسن (4) قال:
" قال أبو جعفر (عليه السلام) أول الوقت زوال الشمس وهو وقت الله الأول وهو
أفضلهما " ورواه الصدوق في الفقيه مرسلا (5) وفي الصحيح عن محمد بن مسلم (6) قال:
" سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول إذا دخل وقت الصلاة فتحت أبواب السماء
لصعود الأعمال فما أحب أن يصعد عمل أول من عملي ولا يكتب في الصحيفة أحد أول
مني " وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (7) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء وأبواب الجنان واستجيب الدعاء فطوبى لمن رفع

(1) رواه في الوسائل في الباب 5 و 8 من أبواب المواقيت.
(2) المروية في الوسائل في الباب 9 من المواقيت.
(3) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب المواقيت.
(4) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب المواقيت.
(5) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب المواقيت.
(6) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب المواقيت.
(7) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
140

له عند ذلك عمل صالح " ومن ذلك رواية الصدوق المتقدم نقلها (1) في باب صلاة
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقوله: " فإذا زال صلى ثماني ركعات وهي صلاة
الأوابين تفتح في تلك الساعة أبواب السماء ويستجاب الدعاء وتهب الرياح وينظر الله
إلى خلقه " إلى غير ذلك من الأخبار الصريحة في أن أول الزوال هو المخصوص بالفضل
لا أنه وقت الأجزاء والفضل إنما هو بعده كما توهمه (قدس سره).
و (أما رابعا) فإن ما نقله عن الشيخ في معنى رواية محمد بن أحمد بن يحيى
واستوجهه فهو بعيد غاية البعد وإنما المعنى فيها والمراد هو أنه لما كان سؤال السائل يعطي
أنه فهم من هذه الأخبار كما فهمه هذا المحقق وغيره ممن تقدم أيضا كما أشارت إليه رواية
عبد الله بن محمد المتقدمة من أن أول وقت فضيلة الظهر إنما هو بعد مضي المدة المذكورة كما
ينادي به ظاهر تلك الأخبار نفاه (عليه السلام) في هذا الخبر وجعل الفضيلة بعد
الفراغ من النافلة طالت أو قصرت، وفيه إشارة إلى أنه ليس الغرض من التحديد
بالذراع والذراعين ما توهمه السائل مما ذكرناه وإنما الغرض من ذلك ما ذكروه (عليهم
السلام) في جملة من الأخبار من بيان الوقت الذي تختص به النافلة بحيث لا يجوز الاتيان
بها بعده، هذا هو ظاهر معنى الرواية المذكورة.
و (أما خامسا) فإن ما احتمله من الحمل على التقية باعتبار أن العامة لا يقولون
بالأقدام ففيه أيضا أن العامة لا يقولون بما أفتى به (عليه السلام) في الرواية من
تعجيل الصلاتين في أقل من مقدار الأقدام المذكورة فإنهم يعتبرون التفريق بين الفرضين
في المثل والمثلين كما هو الآن معمول عليه بينهم (2).
وأما ما ذكره الفاضل الآخر (ففيه أولا) أنه على تقدير تمامه إنما يتمشى في
الظهر خاصة أما العصر الواقعة بعد اجتماع الناس فلا يجري فيها ما ذكره مع أن الأخبار
قد دلت على التأخير فيها أيضا بذلك المقدار، اللهم إلا أن يقال إنه يفرق بين الوقتين

(1) ص 133.
(2) راجع. التعليقة 2 ص 126 والمغني ج 2 ص 271 و 274
و 278 وبداية المجتهد ج 1 ص 159.
141

بالمثل والمثلين فلا يصليهما في وقت واحد. إلا أن فيه مع الاغماض عن المناقشة فيه كما
سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى أن الحكم لا يتم حينئذ كليا لأنه ربما فرق وربما جمع.
و (ثانيا) أنه يستفاد من بعض الأخبار أن المسارعة بالفريضة في أول وقتها
أفضل من انتظار الاجتماع، وهو ما رواه القطب الراوندي في كتاب الخرائج والجرائح
بسنده عن إبراهيم بن موسى القزاز (1) قال " خرج الرضا (عليه السلام) يستقبل بعض
الطالبيين وجاء وقت الصلاة فمال إلى قصر هناك فنزل تحت صخرة فقال أذن فقلت
ننتظر يلحق بنا أصحابنا فقال غفر الله لك لا تؤخرن صلاة عن أول وقتها إلى آخر
وقتها من غير علة عليك ابدأ بأول الوقت فأذنت فصلينا " قال شيخنا المجلسي (طاب
ثراه) في كتاب البحار ذيل هذا الخبر: يدل على أنه لا ينبغي التأخير عن أول الوقت
لانتظار الرفقة للجماعة أيضا. انتهى.
و (ثالثا) أن التطويل في النافلة على وجه يستوعب ذلك المقدار ترده الأخبار
المتقدمة الدالة على أفضلية التخفيف في النافلة ومزاحمة الفريضة لها في ذلك المقدار،
ونحوها الأخبار الدالة على أفضلية ما قرب من الزوال. وبالجملة فإن فضل أول الوقت
مما لا اشكال فيه لاستفاضة الأخبار به واستحباب التأخير لانتظار الجماعة مما لم يقم عليه
دليل بل الدليل على خلافه واضح السبيل.
ثم إنه (قدس سره) تأول باقي الأخبار بتأويلات عديدة إلا أنها تكلفات
سخيفة بعيدة.
والأظهر عندي أن منشأ هذا الاختلاف في الأخبار إنما هو التقية التي هي أصل
كل محنة في الدين وبلية كما يدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح على الظاهر عن سالم
أبي خديجة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " سأله انسان وأنا حاضر فقال ربما دخلت
المسجد وبعض أصحابنا يصلي العصر وبعضهم يصلي الظهر؟ فقال إنا أمرتهم بهذا لو

(1) البحار ج 18 الصلاة 51.
(2) الوسائل الباب 7 من المواقيت.
142

صلوا في وقت واحد لعرفوا فأخذ برقابهم " وما رواه الطبرسي في كتاب الاحتجاج
بسنده فيه عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " قلت إنه ليس شئ
أشد علي من اختلاف أصحابنا قال ذلك من قبلي " وما رواه الشيخ في كتاب العدة (2)
عن الصادق (عليه السلام) مرسلا " أنه سئل عن اختلاف أصحابنا في المواقيت
فقال إنا خالفت بينهم " وما رواه الصدوق في كتاب معاني الأخبار عن الخزاز عن من
حدثه عن أبي الحسن (عليه السلام) (3) قال: " اختلاف أصحابي لكم رحمة وقال إني إذا كان ذلك جمعتكم على أمر واحد. وسئل عن اختلاف أصحابنا فقال إنا فعلت
بكم ذلك ولو اتفقتم على أمر واحد لأخذ برقابكم " إلى غير ذلك من الأخبار الدالة
بعمومها أو خصوصها على المراد، والمستفاد من هذه الأخبار ونحوها إن ايقاعهم
الاختلاف في الأحكام لا يتوقف على القول بالحكم المخالف من العامة ولا على حضور
أحد منهم في مجلس الفتوى كما تقدم تحقيقه في المقدمة الأولى من مقدمات الكتاب،
والمسألة هنا من مسائل الأوقات التي دلت على ايقاع الاختلاف فيها تقية جل هذه
الروايات بل لو ادعى أن هذه الأخبار إنما خرجت في هذه المسألة لم يكن بعيدا لأنا لم
نقف في مسائل الأوقات على مسألة انتشرت فيها الأخبار من الطرفين وتصادمت من
الجانبين ما بلغ في هذه المسألة كما عرفت مما شرحناه ونقلناه، وتشير إلى ذلك رواية
عبد الله بن محمد المتقدمة (4) الدالة على وقوع هذا الاختلاف في عصر الأئمة (عليهم
السلام) واختلاف أصحابهم يومئذ في ذلك حتى أن منهم من يوجب تأخير الظهرين
عن ذينك المقدارين ومنهم من يحمل ذلك على وجه الأفضلية.
بقي الكلام في أن التقية في أي الطرفين في هذه الأخبار ولعل الأقرب كونها
في أخبار التحديد بالأقدام والأذرع، وذلك (أولا) من حيث اعتضاد أخبار التحديد
بالنافلة بعمل الأصحاب قديما وحديثا ولم نقف على قائل بظاهر ترجيح أخبار الأقدام

(1) راجع التعليقة 2 و 3 ص 7 ج 1.
(2) ص 53.
(3) راجع التعليقة 2 و 3 ص 7 ج 1.
(4) ص 132.
143

سوى المحقق المذكور. و (ثانيا) من حيث اعتضادها بأخبار استحباب تحفيف النافلة
وأخبار أفضلية ما قرب من أول الوقت. و (ثالثا) أنه الأقرب إلى جادة الاحتياط
وقد عرفت أن الحمل على التقية لا يتوقف على وجود القائل بذلك من العامة وإن اشتهر
بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) تخصيص الحمل على التقية بذلك إلا أن ظاهر أخبارهم
يرده فإن المستفاد من الأخبار المذكورة في المقام وكذا نحوها مما تقدم ذكره في المقدمة الأولى
أن منشأ التقية إنما هو من حيث إن اتفاقهم على أمر واحد واجتماع كلمتهم على ذلك يوجب
الأخذ برقابهم ودخول الضرر عليهم وإذا كانت كلمتهم متفرقة وتقولهم عن الإمام (عليه
السلام) مختلفة هانوا في نظر العدو ونسبوهم إلى عدم الدين والمذهب فلم يعبأوا بهم ولا
بمذهبهم. هذا ما أدى إليه الفكر القاصر في المقام والله سبحانه وأولياؤه أعلم بالأحكام.
و (ثانيهما) قد عرفت في ما تقدم أن المشهور بين الأصحاب (رضوان الله
عليهم) امتداد وقت فضيلة الظهر من الزوال إلى تمام مثل الشاخص وكذا وقت فضيلة
العصر إلى مثليه، والمماثلة المعتبرة إنما هي بين ظل الشاخص الحادث من الزوال وبين قامة
الشاخص، قال في المعتبر وهو الأظهر لأنه المستفاد من الروايات الدالة على المماثلة كرواية زرارة
عن الصادق (عليه السلام) (1) المتضمنة لأمره عمرو بن سعيد بن هلال أن يقول لزرارة
" إذا صار ظلك مثلك فصل الظهر وإذا صار ظلك مثليك فصل العصر " وروايات القامة
كما تقدم في صحيحتي الأحمدين بناء على حمل القامة فيها على قامة الشاخص كما ذكروه، ورواية
يزيد بن خليفة الظاهرة في ذلك كما تقدم. أقول: ومثلها رواية كتاب المجالس المتقدمة أيضا
وذهب الشيخ في التهذيب ومثله المحقق في الشرائع إلى أن المماثلة إنما هي بين
الفئ الزائد بعد الزوال والظل الأول وهو الباقي منه عند الزوال لا الشاخص.
واستدل على ذلك بما رواه عن صالح بن سعيد عن يونس عن بعض
رجاله عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " سألته عما جاء في الحديث

(1) ص 118.
(2) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
144

أن صل الظهر إذا كانت الشمس قامة وقامتين وذراعا وذراعين وقدما وقدمين من هذا
ومن هذا، فمتى هذا وكيف هذا وقد يكون الظل في بعض الأوقات نصف قدم؟ قال إنما قال ظل القامة ولم يقل قامة الظل وذلك أن ظل القامة يختلف مرة يكثر ومرة يقل
والقامة قامة أبدا لا تختلف، ثم قال ذراع وذراعان وقدم وقدمان فصار ذراع وذراعان
تفسير القامة والقامتين في الزمان الذي يكون فيه ظل القامة ذراعا وظل القامتين ذراعين
فيكون ظل القامة والقامتين والذراع والذراعين متفقين في كل زمان معروفين مفسرا
أحدهما بالآخر مسددا به فإذا كان الزمان يكون فيه ظل القامة ذراعا كان الوقت ذراعا من
ظل القامة وكانت القامة ذراعا من الظل وإذا كان ظل القامة أقل أو أكثر كان الوقت
محصورا بالذراع والذراعين، فهذا تفسير القامة والقامتين والذراع والذراعين ".
وقد رد هذا الخبر جملة من المتأخرين ومتأخريهم بضعف الاسناد والدلالة كما
ذكره في الذكرى مع المعارضة بالأخبار المتقدمة ولزوم اختلاف الوقت بالطول والقصر
بحسب الأزمنة والأمكنة بخلاف الشاخص.
قال في المدارك بعد ذكر الخبر المذكور: وهذه الرواية ضعيفة بالارسال وجهالة
صالح بن سعيد ومتنها متهافت مضطرب لا يدل على المطلوب، وأيضا فإن قدر الظل الأول
غير منضبط وقد ينعدم في بعض الأوقات فلو نيط الوقت به لزم التكليف بعبادة موقتة
في غير وقت أو في وقت يقصر عنها وهو معلوم البطلان.
وجملة من متأخري المتأخرين قد تصدوا لتصحيح معناه وتكلفوا لتشييد مبناه
كالمحدث الكاشاني في الوافي، ولا بأس بنقل كلامه في المقام فإنه جيد ينجلي به غشاوة
الإبهام عن بعض مواضع الخبر وأن بقي الباقي في الأكمام.
قال (قدس الله سره ونور ضريحه) بعد ذكر الخبر المذكور: لا بد في هذا المقام من
تمهيد مقدمة ينكشف بها نقاب الارتياب من هذا الحديث ومن سائر الأحاديث التي نتلوها
عليك في هذا الباب وما بعده من الأبواب إن شاء الله تعالى فنقول وبالله التوفيق إن
145

الشمس إذا طلعت كان ظلها طويلا ثم لا يزال ينقص حتى تزول فإذا زالت زاد، ثم قد
تقرر أن قامة كل انسان سبعة أقدام بأقدامه وثلاث أذرع ونصف بذراعه والذراع قدمان
فلذلك يعبر عن السبع بالقدم وعن طول الشاخص الذي يقاس به الوقت بالقامة وإن كان
في غير الانسان، وقد جرت العادة بأن يكون قامة الشاخص الذي يجعل مقياسا لمعرفة
الوقت ذراعا كما تأتي الإشارة إليه في حديث تعريف الزوال، وكان رحل رسول الله
(صلى الله عليه وآله) الذي كان يقيس به الوقت أيضا ذراعا، فلأجل ذلك كثيرا ما يعبر
عن القامة بالذراع وعن الذراع بالقامة، وربما يعبر عن الظل الباقي عند الزوال من
الشاخص بالقامة أيضا وكأنه كان اصطلاحا معهودا وبناء هذا الحديث على إرادة هذا
المعنى كما ستطلع عليه. ثم إن كلا من هذه الألفاظ قد يستعمل لتعريف أول وقتي فضيلة
الفريضتين كما في هذا الحديث وقد يستعمل لتعريف آخر وقتي فضيلتهما كما يأتي في
الأخبار الأخر، فكل ما يستعمل لتعريف الأول فالمراد به مقدار سبعي الشاخص وكل ما
يستعمل لتعريف الآخر فالمراد به مقدار تمام الشاخص ففي الأول يراد بالقامة الذراع
وفي الثاني بالعكس، وربما يستعمل لتعريف الآخر لفظه " ظل مثلك وظل مثليك " ويراد
بالمثل القامة، والظل قد يطلق على ما يبقى عند الزوال خاصة وقد يطلق على ما يزيد بعد
ذلك فحسب الذي يقال له الفئ من " فاء يفئ إذا رجع " لأنه كان أولا موجودا ثم عدم ثم
رجع وقد يطلق على مجموع الأمرين. ثم إن اشتراك هذه الألفاظ بين هذه المعاني صار
سببا لاشتباه الأمر في هذا المقام حتى أن كثيرا من أصحابنا عدوا هذا الحديث مشكلا
لا ينحل وطائفة منهم عدوه متهافتا ذا خلل وأنت بعد اطلاعك على ما أسلفناه لا أحسبك
تستريب في معناه، إلا أنه لما صار على الفحول خافيا فلا بأس أن نشرحه شرحا شافيا
نقابل به ألفاظه وعباراته ونكشف به عن رموزه وإشاراته، فنقول والهداية من الله
تفسير الحديث على وجهه والله أعلم أن يقال إن مراد السائل أنه ما معنى ما جاء
في الحديث من تحديد أول وقت فريضة الظهر وأول وقت فريضة العصر تارة بصيرورة
146

الظل قامة وقامتين وأخرى بصيرورته ذراعا وذراعين وأخرى قدما وقدمين وجاء من هذا القبيل
من التحديد مرة ومن هذا أخرى فمتى هذا الوقت الذي يعبر عنه بألفاظ متباينة المعاني وكيف
يصح التعبير عن شئ واحد بمعاني متعددة مع أن الظل الباقي عند الزوال قد لا يزيد على نصف
القدم؟ فلا بد من مضي مدة مديدة حتى يصير مثل قامة الشخص فكيف يصح تحديد أول الوقت
بمضي مثل هذه المدة الطويلة من الزوال؟ فأجاب (عليه السلام) بأن المراد بالقامة التي
يحد بها أول الوقت التي هي بإزاء الذراع ليس قمة الشاخص الذي هو شئ ثابت غير
مختلف بل المراد به مقدار ظلها الذي يبقى على الأرض عند الزوال الذي يعبر عنه بظل
القامة وهو يختلف بحسب الأزمنة والبلاد مرة يكثر ومرة يقل وإنما يطلق عليه القامة
في زمان يكون مقداره ذراعا فإذا زاد الفئ أعني الذي يزيد من الظل بعد الزوال
بمقدار ذراع حتى صار مساويا للظل فهو أول الوقت للظهر وإذا زاد ذراعين فهو أول
الوقت للعصر. وأما قوله (عليه السلام): " فإذا كان ظل القامة أقل أو أكثر كان
الوقت محصورا بالذراع والذراعين " فمعناه أن الوقت إنما ينضبط حينئذ بالذراع والذراعين
خاصة دون القامة والقامتين. وأما التحديد بالقدم فأكثر ما جاء في الحديث فإنما جاء
بالقدمين والأربعة أقدام وهو مساو للتحديد بالذراع والذراعين وما جاء نادرا بالقدم
والقدمين فإنما أريد بذلك تخفيف النافلة وتعجيل الفريضة طلبا لفضل أول الوقت فالأول
ولعل الإمام (عليه السلام) إنما لم يتعرض للقدم عند تفصيل الجواب وتبيينه لما استشعر
من السائل عدم اهتمامه بذلك وأنه إنما كان أكثر اهتمامه بتفسير القامة وطلب العلة في
تأخير أول الوقت إلى ذلك المقدار، وفي التهذيب فسر القامة في هذا الخبر بما يبقى عند
الزوال من الظل سواء كان ذراعا أو أقل أو أكثر وجعل التحديد بصيرورة الفئ الزائد
مثل الظل الثاني كائنا ما كان واعترض عليه بعض مشايخنا (طاب ثراهم) بأنه يقتضي
اختلافا فاحشا في الوقت بل يقتضي التكليف بعبادة يقصر عنها الوقت كما إذا كان الباقي
شيئا يسيرا جدا بل يستلزم الخلو من التوقيت في اليوم الذي تسامت فيه الشمس رأس
147

الشاخص لانعدام الظل الأول حينئذ، ونعني بالعبادة النافلة لأن هذا التأخير عن الزوال
إنما هو للاتيان بها كما ستقف عليه. أقول: أما الاختلاف الفاحش فغير لازم وذلك لأن
كل بلد أو زمان يكون الظل الباقي فيه شيئا يسيرا فإنما يزيد الفئ فيه في زمان طويل
لبطئه حينئذ في التزايد، وكل بلد أو زمان يكون الظل الباقي فيه كثيرا فإنما يزيد الفئ فيه
في زمان يسير لسرعته في التزايد حينئذ فلا يتفاوت الأمر في ذلك، وأما انعدام الظل فهو
أمر نادر لا يكون إلا في قليل من البلاد وفي يوم تكون الشمس فيه مسامتة لرؤوس أهله
لا غير ولا عبرة بالنادر. نعم يرد على تفسير صاحب التهذيب أمران (أحدهما) أنه غير
موافق لقوله (عليه السلام): " فإذا كان ظل القامة أقل أو أكثر كان الوقت محصورا
بالذراع والذراعين " لأنه على تفسيره يكون دائما محصورا بمقدار ظل القامة كائنا ما كان
و (الثاني) أنه غير موافق للتحديد الوارد في سائر الأخبار المعتبرة المستفيضة كما يأتي
ذكرها بل يخالفه مخالفة شديدة كما يظهر عند الاطلاع عليها والتأمل فيها، وعلى المعنى
الذي فهمناه من الحديث لا يرد عليه شئ من هذه المؤاخذات إلا أنه يصير جزئيا
مختصا بزمان خاص ومخاطب مخصوص ولا بأس بذلك. (إن قيل) اختلاف وقتي النافلة في
الطول والقصر بحسب الأزمنة والبلاد وتفاوت حد أول وقتي الفريضتين التابع لذلك
لازم على أي التقادير ولما ذكرت من سرعة تزايد الفئ تارة وبطئه أخرى فكيف
ذلك؟ (قلنا) نعم ذلك كذلك ولا بأس بذلك لأنه لطول اليوم وقصره كسائر
الأوقات في الأيام والليالي. انتهى كلامه زيد اكرامه.
أقول: ويقرب مما دل عليه هذا الخبر ما ذكره (عليه السلام) في كتاب الفقه
الرضوي (1) حيث قال بعد ذكر ما قدمنا نقله عنه آنفا في هذه المسألة ما صورته: " وإنما
سمي ظل القامة قامة لأن حائط مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان قامة انسان فسمي
ظل الحائط ظل قامة وظل قامتين وظل قدم وظل قدمين وظل أربعة أقدام وذراع، وذلك

(1) ص 3.
148

أنه إذا مسح بالقدمين كان قدمين وإذا مسح بالذراع كان ذراعا وإذا مسح بالذراعين
كان ذراعين وإذا مسح بالقامة كان قامة أي هو ظل القامة وليس هو بطول القامة سواء مثله
لأن ظل القامة ربما كان قدما وربما كان قدمين ظل مختلف على قدر الأزمنة واختلافها
لأن الظل قد يطول وينقص لاختلاف الأزمنة والحائط المنسوب إلى قامة الانسان قائم معه
غير مختلف ولا زائد ولا ناقص، فلثبوت الحائط المقيم المنسوب إلى القامة كان الظل منسوبا
إليه ممسوحا به طال الظل أم قصر " انتهى.
ويتلخص من الخبرين أن المعتبر في ذلك أنما هو الذراع والذراعان كما في سائر
الأخبار وأن وقت الظهر بعد الأول والعصر بعد الثاني وهو لا يختلف باختلاف الأزمان
والأحوال، وأن التقدير بالقامة إنما هو لما كان جدار مسجد رسول الله (صلى الله
عليه وآله) قامة انسان، قال في وقت كان ظل ذلك الجدار المتخلف عند الزوال ذراعا
إذا كان الفئ مثل ظل القامة فصلوا الظهر وإذا كان مثليه فصلوا العصر، وقال مثل القامة
وغرضه ظل القامة لقيام القرينة بذلك فلم يفهم المخالفون ذلك وتوهموا أن المراد بالقامة
قامة الجدار فجعلوا للظهر قامة وللعصر قامتين وهما المعبر عنهما بالمثل والمثلين وإنما مراده
مثل الظل في ذلك الوقت وهو الذراع ومرجعه إلى زيادة الظل ذراعا من الزوال من قامة
الانسان، وبهذا يتم قوله (عليه السلام) " فيكون ظل القامة والقامتين والذراع
والذراعين متفقين في كل زمان " يعني به أنا لما فسرنا القامة أو ظل القامة بالظل الحاصل
في الزمان المخصوص الذي صدر فيه الحكم عن النبي (صلى الله عليه وآله) وكان في ذلك
الوقت ذراعا فلا يختلف الحكم باختلاف البلاد والفصول وكان اللفظان مفادهما واحدا
مفسرا أحدهما أي ظل القامة بالآخر أي الذراع. وأما التحديد بالأقدام فأكثر ما جاء
في الأخبار بالقدمين والأربعة ومرجعه إلى الذراع والذراعين. وأما ما نقص عن ذلك
فقد عرفت وجهه من كلام المحدث الكاشاني. والله العالم.
(المسألة الخامسة) الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في أن أول وقت العصر
149

الفراغ من الظهر ولو تقديرا وقد تقدم القول في تحقيق الاشتراك من أول الوقت وعدمه
وادعى في المعتبر والمنتهى الاجماع على أن وقتها بعد الفراغ من الظهر، والأخبار بذلك
مستفيضة: منها - الأخبار الدالة على أنه إذا زالت الشمس فقد دخل الوقتان إلا أن هذه
قبل هذه (1) والأخبار المتكاثرة الدالة في كل من الظهرين أنه لا يمنعك إلا سبحتك
طولت أو قصرت (2) ويزيده تأكيدا ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة قال:
" قلت لأبي جعفر (عليه السلام) بين الظهر والعصر حد معروف؟ فقال لا ".
بقي الكلام في الفضل والاستحباب فهل الأفضل تعجيل العصر بعد الظهر لغير
المتنفل وبعد النافلة أو مضي الذراعين لغيره على الخلاف المتقدم أو أن الأفضل تأخيرها
إلى مضي المثل الأول؟ الأشهر الأول ونقل في المدارك عن جمع من الأصحاب
أنهم ذهبوا إلى استحباب تأخير العصر إلى أن يخرج وقت فضيلة الظهر وهو المثل
أو الأقدام، قال وممن صرح بذلك المفيد في المقنعة فإنه قال في باب عمل الجمعة:
والتفريق بين الصلاتين في سائر الأيام مع الاختيار وعدم العوارض أفضل وقد ثبتت
السنة به إلا في يوم الجمعة فإن الجمع بينهما أفضل. انتهى. وقريب من ذلك عبارة ابن الجنيد
فإنه قال: لا نختار أن يأتي الحاضر بالعصر عقيب الظهر التي صلاها مع الزوال إلا مسافرا
أو عليلا أو خائفا ما يقطعه عنها بل الاستحباب للحاضر أن يقدم بعد الزوال وقبل
فريضة الظهر شيئا من التطوع إلى أن تزول الشمس قدمين أو ذراعا من وقت زوالها
ثم يأتي بالظهر ويعقبها بالتطوع من التسبيح والصلاة ليصير الفئ أربعة أقدام أو ذراعين
ثم يصلي العصر. هذا كلامه وهو مضمون رواية زرارة إلا أن أكثر الروايات تقتضي
استحباب المبادرة بالعصر عقيب نافلتها من غير اعتبار للأقدام والأذرع. انتهى
ما ذكره في المدارك.
أقول: الظاهر من عبارتي الشيخ المفيد وابن الجنيد إنما هو استحباب التفريق

(1) ص 101.
(2) ص 136.
(3) الوسائل الباب 4 من المواقيت.
150

بين الفرضين بالنافلة كما هو المتفق عليه نصا وفتوى لا التفريق بتأخير العصر إلى أول
المثل الثاني، وأما تأخير العصر إلى مضي الأقدام الأربعة أو النافلة طالت أم قصرت
فهي مسألة أخرى قد تقدم الكلام فيها، نعم من يخص وقت فضيلة الظهر بالقدمين
من الزوال والذراع وقدر الفريضة وفضيلة العصر بالأربعة والذراعين والفريضة كما هو
القول الأظهر من الأخبار فإنه يتجه فيه ما ذكره، إنما الاشكال في من يقول بامتداد
وقت فضيلة الظهر إلى أول الثاني وفضيلة العصر بأول المثل الثاني إلى تمام المثل فهل
يستحب له تأخير العصر إلى مضي وقت فضيلة الظهر؟ قد تقدم في صدر المسألة الرابعة
تصريح شيخنا الشهيد في الذكرى بأن الأقرب استحباب تأخير العصر إلى أن يخرج
وقت فضيلة الظهر أما المقدر بالنافلتين والظهر وأما المقدر بالمثل والأقدام، وقد عرفت
أن التأخير في المواضع المذكورة في كلامه مما لا اشكال في شئ منها لوروده في الأخبار
المتفق عليها إلا في التأخير إلى مضي المثل فإنه لم يدل عليه إلا رواية زرارة المتضمنة
لسؤاله عن وقت الظهر في القيظ ورواية كتاب المجالس (1) وقد تقدم الكلام فيهما
وبينا الوجه في ما تضمناه.
وبالجملة فإن المستفاد من الأخبار التي عليها الاعتماد والمدار في الإيراد والاصدار
هو أن الأفضل المبادرة بالعصر بعد الظهر لمن لا يتنفل أو كان في سفر أو يوم جمعة وبعد
النافلة لمن يتنفل أو بعد مضي الذراع على الخلاف المتقدم، والتفريق الموجب للأذان
للثانية يحصل بالفصل بالنافلة ولا يتوقف على بلوغ المثل الثاني.
قال في الذكرى: لا خلاف عندنا في جواز الجمع بين الظهر والعصر حضرا
وسفرا للمختار وغيره وقد رواه العامة عن علي (عليه السلام) (2) إلى أن قال
وبالجملة كما علم من مذهب الإمامية جواز الجمع بين الصلاتين مطلقا علم منه استحباب
التفريق بينهما بشهادة النصوص والمصنفات بذلك. وأورد على المحقق نجم الدين تلميذه

(1) ص 118 و 97.
(2) كما في المبسوط ج 1 ص 150.
151

جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي المشغري وكان أيضا تلميذ السيد ابن طاووس أن
النبي (صلى الله عليه وآله) إن كان يجمع بين الصلاتين فلا حاجة إلى الأذان الثاني إذ هو
للاعلام وللخبر المتضمن أنه عند الجمع بين الصلاتين يسقط الأذان، وإن كان يفرق فلم
ندبتم إلى الجمع وجعلتموه أفضل؟ فأجابه المحقق أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان
يجمع تارة ويفرق أخرى، ثم ذكر الروايات كما ذكرنا وقال إنما استحببنا الجمع في الوقت
الواحد إذا أتى بالنوافل والفرضين فيه لأنه مبادرة إلى تفريغ الذمة من الفرض حيث
ثبت دخول وقت الصلاتين، ثم ذكر خبر عمرو بن حريث المتقدم عن الصادق (عليه
السلام) المتضمن أنه سأله عن صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " كان
النبي (صلى الله عليه وآله) يصلي ثمان ركعات الزوال ثم يصلي أربعا الأولى وثماني بعدها
وأربعا للعصر وثلاثا للمغرب وأربعا بعدها.. الحديث إلى آخره " وقد تقدم (1).
أقول: لا يخفى أن كلا من السؤال والجواب لا يخلو من الاجماع بل الاشكال
في هذا الباب.
أما السؤال فإن ظاهره أن الجمع الموجب لسقوط الأذان هو جمع الصلاتين في
وقت واحد وهو لمثل الأول بناء على القول المشهور من أن المثل الأول للظهر وأن فصل
بالنافلة حيث علله بأن الأذان للثانية للاعلام ومع اجتماع الناس للأولى فلا يحتاج إلى
الاعلام، وللخبر أن الجمع بين الصلاتين موجب لسقوط الأذان يعني الجمع بينهما في
وقت واحد والتفريق إنما هو عبارة عن جعل العصر في أول المثل الثاني كما هو المشهور
من أنه وقت فضيلة العصر، وعلى الثاني فكيف ندبتم إلى الجمع وقلتم أنه أفضل؟ هذا
حاصل كلامه، ووجه الاشكال فيه أن الجمع والتفريق وإن حصل بما ذكره إلا أن
المستفاد من الروايات أن الجمع والتفريق المترتب عليه سقوط الأذان وعدمه إنما هو
باعتبار الاتيان بالنافلة وعدمه ولو في وقت واحد فالأول يسمى تفريقا والثاني جمعا كما

(1) ص 27.
152

سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى في بحث الأذان، وتعليله سقوط الأذان في صورة الجمع
في وقت واحد وإن فصل بالنافلة كما يظهر من كلامه - بأن الأذان للاعلام وهو غير محتاج
إليه في الصورة المذكورة فإنه مع اجتماع الناس للأولى لا معنى للاعلام حينئذ - مردود
بأن المستفاد من الأخبار على وجه لا يقبل الانكار أن الأذان كما يستحب في أوائل
الأوقات بأن يأتي به المؤذن على المنارة للاعلام إذا دخل وقت الظهر أو دخل وقت
العصر وهو أول المثل الثاني كما يدعونه وكذا في غروب الشمس لصلاة المغرب وزوال
الحمرة المغربية للعشاء وهذا الأذان ليس من محل البحث في شئ، كذلك يستفاد منها
ما وقع عليه الاتفاق نصا وفتوى من أنه يستحب لكل مصل منفردا كان أو جامعا
ذكرا كان أو أنثى أن يأتي في أول صلاته بأذان وإقامة في أول الوقت كان أو في آخره
وهذا الأذان هو الذي يسقط بالجمع بين الصلاتين وعدم الفصل بالنافلة كما في ما نحن فيه
وفي عصر عرفة وعشاء المزدلفة وعصري الجمعة والسفر ونحو ذلك وأما مع الاتيان بالنافلة
فإنه يحصل التفريق ولا يسقط هذا الأذان وإن كان في وقت واحد ومقام واحد، على أن ما ادعاه من أنه (صلى الله عليه وآله) إن كان يفرق باعتبار تأخير العصر إلى المثل
الثاني مثلا ووافقه عليه المحقق في جوابه لم يرد به دليل يعتمد عليه وإن اشتهر ذلك في
كلامهم، ولو ورد ثمة دليل كان سبيله الحمل على التقية لما عرفت من الأخبار المتقدمة
سابق هذه المسألة واستفاضة الأخبار عنه (صلى الله عليه وآله) في ما كان يفعله وعن
أهل بيته في ما فعلوه وأمروا به إنما هو التفريق بالنافلة وأن العصر بعد صلاة النافلة أو
الأقدام الأربعة ونحوها خاصة دون المثل وأن العمل بما ذكر إنما هو مذهب العامة كما
هو الآن معلوم. هذا ما في السؤال المذكور.
وأما الجواب فظاهره موافقة السائل فيما ذكره من معنى الجمع والتفريق وأنه
باعتبار الأوقات وظاهره أنه مع الفصل بالنافلة في الوقت الواحد فلا أذان، وهو غلط
محض لمخالفته الروايات المتكاثرة الدالة على ما قدمناه من أن الجمع والتفريق إنما هو باعتبار
153

الفصل بالنافلة وعدمه، وملخص كلامه هو أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يجمع
بين الصلاتين في وقت واحد تارة ويفرق في وقتين تارة، ونحن إنما استحببنا الجمع في
وقت وندبنا إليه بالاتيان بالفرضين والنوافل كملا دون التفريق وهو التأخير إلى المثل
الثاني لما ثبت من دخول الوقتين بالزوال فصارت الذمة مشغولة بهما، والمبادرة إلى تفريغ
الذمة من الواجب أمر مندوب إليه ومحثوث عليه. وهو مشعر بموافقته السائل في سقوط
الأذان في الصورة المذكورة حيث جعله جمعا لا تفريقا ومن شأن الجمع سقوط الأذان فيه
كما ذكره السائل، وفيه ما عرفت. والعجب أن شيخنا الشهيد في الذكرى جرى على
ذلك من غير تنبيه على ما ذكرنا وأهمل السبب فيه من حيث قوله بتحديد الوقت بالمثل
والمثلين لفضيلتي الظهر والعصر كما تقدم نقله عنه إلا أن الكلام في سقوط الأذان مع الاتيان
بالنوافل كما يشعر به كلامهما متى جمع الفرضين في وقت واحد فإن الأخبار دالة على
ثبوت الأذان في الصورة المذكورة، وقد تنبه لذلك السيد السند في المدارك حيث قال
بعد أن نقل عن الذكرى ملخص ما ذكرناه ما صورته: قلت ما ذكره (قدس سره)
جيد والأذان إنما يسقط مع الجمع بين الفرضين إذا لم يأت المكلف بالنافلة بينهما أما مع
الاتيان بها فيستحب الأذان للثانية كما سيجئ بيانه إن شاء الله تعالى. انتهى.
(المسألة السادسة) - اختلف الأصحاب في آخر وقت العصر فذهب السيد
المرتضى في الجمل وفي جواب المسائل الناصرية إلى أنه غروب الشمس وهو اختيار ابن
الجنيد وابن إدريس وابن زهرة. وقال المفيد يمتد وقتها إلى أن يتغير لون الشمس
باصفرارها للغروب وللمضطر والناسي إلى مغيبها. وقال الشيخ في الخلاف آخره إذا صار
ظل كل شئ مثليه. وقال في المبسوط آخره إذا صار ظل كل شئ مثليه فإذا صار
كذلك فقد فات وقت العصر. هذا وقت الاختيار فأما وقت الضرورة فهما مشتركان
فيه إلى أن يبقى من النهار بمقدار ما يصلي فيه أربع ركعات فإذا صار كذلك اختص
بوقت العصر إلى أن تغرب الشمس، واختاره ابن البراج وابن حمزة وأبو الصلاح وهو
154

الظاهر من كلام سلار. وقال ابن أبي عقيل إلى أن ينتهي الظل ذراعين بعد زوال
الشمس فإذا جاوز ذلك فقد دخل في الوقت الآخر، كذا نقل العلامة في المختلف ثم
قال: والحق عندي قول السيد المرتضى. ونقله في المدارك عن عامة المتأخرين ونقل
فيه عن المرتضى في بعض كتبه أنه يمتد حتى يصير الظل بعد الزيادة ستة أسباعه للمختار
ثم اختار ما ذهب إليه المرتضى أولا.
أقول: ومن الأخبار المتعلقة بالمقام رواية سليمان بن جعفر (1) قال: " قال
الفقيه (عليه السلام) آخر وقت العصر ستة أقدام ونصف " وهذه الرواية نقلها في المختلف
حجة للشيخ المفيد، قال واحتج المفيد بما رواه سليمان بن جعفر في الصحيح ثم ساق
الرواية ثم قال وهو إشارة إلى الاصفرار لأن الظل إلى آخر النهار يقسم سبعة أقدام.
أقول: الظاهر أن المراد بالستة أقدام ونصف هنا يعني بعد المثل الأول ليتحقق ما ذكره
من الاصفرار ثم حمله في المختلف على أن ذلك وقت الفضيلة، وهو متجه بناء على
ما ذكروه من أن وقت فضيلة العصر في المثل الثاني إلى آخره، وقد تقدم في كلام
الشيخ أن وقت الاختيار إلى مضي المثلين.
ورواية سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " العصر على
ذراعين فمن تركها حتى تصير على ستة أقدام فذلك المضيع " وهو محمول على أن وقت
الفضيلة أو الاختيار بعد الذراعين وتركها إلى أن يمضي ستة أقدام وقت الاجزاء على
المشهور والاضطرار على القول الآخر.
وبالجملة فإنه لا ريب أن المفهوم من أخبار هو الامتداد إلى الغروب ولكن هل ذلك
مخصوص بأصحاب الأعذار والاضطرار كما هو أحد القولين المتقدمين أو محمول على الاجزاء
كما هو المشهور؟ وأما ما قبله من وقت الاختيار أو الفضيلة فقد تقدم الكلام فيه من أنه
المثل كما هو المشهور أو الأربعة أقدام مع الفريضة أو الستة ونصف، والكل مروي إلا

(1) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب المواقيت.
(2) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب المواقيت.
155

أنك قد عرفت ما في روايات المثل والمثلين. والله العالم.
(المسألة السابعة) - قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) لمعرفة الزوال
طرقا: منها زيادة الظل بعد انتهاء نقصانه أو حدوثه بعد عدمه، قالوا والمراد بالظل هو
المبسوط المأخوذ من المقاييس القائمة على سطح الأفق لا الظل المنكوس وهو المأخوذ
من المقاييس الموازية للأفق، وتوضيح ذلك أن الشمس إذا طلعت وقع لكل شاخص
قائم على سطح الأرض بحيث يكون عمودا على سطح الأفق ظل طويل في جانب المغرب
ثم لا يزال ينقص كلما ارتفعت الشمس حتى تبلغ كبد السماء وتصل إلى دائرة نصف
النهار، وهي دائرة عظيمة موهومة تفصل بين المشرق والمغرب تقاطع دائرة الأفق على
نقطتين هما نقطتا الجنوب والشمال، وقطباها منتصف النصف الشرقي ومنتصف النصف
الغربي من الأفق وهما نقطتا الشرق والغرب، وحينئذ فيكون ظل الشاخص المذكور
واقعا على خط نصف النهار وهو الخط الواصل بين نقطتي الجنوب الشمال، وهناك
ينتهي نقصان الظل المذكور وقد لا يبقى للشاخص ظل أصلا في بعض البلاد، وإذا بقي
الظل فمقداره مختلف باختلاف البلاد والفصول فكلما كان بعد الشمس عن مسامتة
رؤوس أهل البلاد أكثر كان الظل فيها أطول، فإذا مالت الشمس عن وسط السماء
وانحرفت عن دائرة نصف النهار إلى المغرب فإن لم يكن بقي الظل حدث حينئذ في جانب
المشرق وكان ذلك علامة الزوال وإن كان قد بقي أخذ في الزيادة حينئذ فيكون ذلك
علامة الزوال أيضا. والذي ورد في الأخبار وكذا في جملة من عبارات الأصحاب هو
الثاني خاصة وهو مبني على الغالب بالنسبة إلى البلاد والزمان، وطريق استعلام ذلك أن
ينصب مقياسا ويقدر ظله عند قرب الشمس من الاستواء ثم يصبر قليلا ويقدر فإن كان
دون الأول أو بقدره فإلى الآن لم تزل وإن زاد فقد زالت.
وقد ورد هذا الاعتبار في جملة من الأخبار: منها - رواية سماعة (1) قال:

(1) المروية في الوسائل في الباب 11 من أبواب المواقيت.
156

" قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) جعلت فداك متى وقت الصلاة؟ فأقبل يلتفت يمينا وشمالا
كأنه يطلب شيئا فلما رأيت ذلك تناولت عودا فقلت هذا تطلب؟ قال نعم فأخذ العود
فنصبه بحيال الشمس ثم قال إن الشمس إذا طلعت كان الفئ طويلا ثم لا يزال ينقص حتى تزول
الشمس فإذا زالت زاد فإذا استبنت الزيادة فصل الظهر ثم تمهل قدر ذراع وصل العصر "
وعن علي بن أبي حمزة (1) قال: " ذكر عند أبي عبد الله (عليه السلام) زوال
الشمس فقال أبو عبد الله (عليه السلام) تأخذون عودا طوله ثلاثة أشبار وإن زاد فهو
أبين فيقام فما دام ترى الظل ينقص فلم تزل فإذا زاد الظل بعد النقصان فقد زالت ".
وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (2) قال: " قال الصادق (عليه السلام) تبيان
زوال الشمس أن تأخذ عودا طوله ذراع وأربع أصابع فتجعل أربع أصابع في
الأرض فإذا نقص الظل حتى يبلغ غايته ثم زاد فقد زالت الشمس وتفتح أبواب السماء
وتهب الرياح وتقضى الحوائج العظام ".
وهذا الطريق عام النفع للعالم والعامي إلا أنه إنما يعلم به زوال الشمس بعد زمان
طويل كما لا يخفى وبه صرح في الروض أيضا.
والمفهوم من هذه الأخبار - وبه صرح جملة من علمائنا الأبرار - أن الاعتبار في
العلم بالزوال بظهور الزيادة بعد النقص كما يدل عليه قوله (عليه السلام) في رواية سماعة
" فإذا استبنت الزيادة فصل الظهر " وكذا قوله (عليه السلام) في رواية علي بن أبي حمزة
" فإذا زاد الظل بعد النقصان فقد زالت " ونحوه في مرسلة الفقيه وربما ظهر من كلام العلامة
في المنتهى الاكتفاء بعدم النقص، قال والدي (قدس سره) في حاشيته على شرح اللمعة:
وجعل العلامة (طاب ثراه) في المنتهى عدم نقص الظل علامة للزوال، وهو كما ترى فإن
الظل عند قرب الزوال جدا ربما لا يحس بنقصانه ويرى مكانه واقفا لا يزيد ولا ينقص
فلا يعلم حينئذ عدم نقصه ليعلم به الزوال، وعدم ظهور النقص غير كاف في الحكم به

(1) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب المواقيت.
157

لأنه يجامع حصول النقص كما عرفت. انتهى كلامه زيد مقامه. أقول: ومن أظهر
الأدلة في بطلان ذلك ما رواه الصدوق في الفقيه (1) قال: روى حريز بن عبد الله أنه قال: " كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فسأله رجل فقال جعلت فداك إن الشمس
تنقض ثم تركد ساعة من قبل أن تزول؟ فقال إنها تؤامر أتزول أو لا تزول " وروى
في الكتاب المذكور (2) قال: " سئل الصادق (عليه السلام) عن الشمس كيف
تركد كل يوم ولا يكون لها يوم الجمعة ركود؟ قال لأن الله عز وجل جعل يوم الجمعة
أضيق الأيام. فقيل له ولم جعله أضيق الأيام؟ قال لأنه لا يعذب المشركين في ذلك اليوم
لحرمته عنده " وروى في الكافي عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا (عليه السلام) (3)
قال: " قلت له بلغني أن يوم الجمعة أقصر الأيام؟ قال كذلك هو. قلت جعلت فداك
كيف ذاك؟ قال إن الله تعالى يجمع أرواح المشركين تحت عين الشمس فإذا ركدت
عذب الله أرواح المشركين بركود الشمس ساعة فإذا كان يوم الجمعة لا يكون للشمس
ركود يرفع الله عنهم العذاب لفضل يوم الجمعة فلا يكون للشمس ركود " وقد دلت هذه الأخبار على أن الشمس بوصولها إلى دائرة نصف النهار يحصل لها ركود ووقوف عن
الجريان وهو غاية نقصان الظل وأن الزوال إنما يحصل بعد ذلك وهو ميلها عن الدائرة
إلى جهة المغرب، فكيف يصح ما ذكره من الاكتفاء في ثبوت الزوال بعدم النقص؟
وفي هذه الأخبار أبحاث شريفة وشحناها بها في شرحنا على كتاب من لا يحضره الفقيه
ومنها استعلام ذلك بالأقدام روى ذلك الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب
في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) أنه قال: " تزول
الشمس في النصف من حزيران على نصف قدم وفي النصف من تموز على قدم ونصف وفي النصف

(1) ج 1 ص 146.
(2) ج 1 ص 145.
(3) الفروع ج 1 ص 116 وفي الوسائل في الباب 40 من صلاة الجمعة.
(4) رواه في الوسائل في الباب 11 من المواقيت.
158

من آب على قدمين ونصف وفي النصف من أيلول على ثلاثة أقدام ونصف وفي النصف
من تشرين الأول على خمسة أقدام ونصف وفي النصف من تشرين الآخر على سبعة
أقدام ونصف وفي النصف من كانون الأول على تسعة أقدام ونصف وفي النصف من
كانون الآخر على سبعة ونصف وفي النصف من شباط على خمسة ونصف وفي النصف من
آذار على ثلاثة ونصف وفي النصف من نيسان على قدمين ونصف وفي النصف من آيار على
قدم ونصف وفي النصف من حزيران على نصف قدم ".
أقول: قد اشتمل هذا الخبر على بيان اختلاف الظل الباقي عند الزوال بحسب
اختلاف الأزمنة إلا أن جملة من أصحابنا (رضوان الله عليهم): منهم العلامة في
المنتهى وشيخنا البهائي ذكروا أن هذه الرواية مختصة بالعراق وما قاربها لأن عرض البلاد
العراقية يناسب ذلك، ولأن الرواي لهذا الحديث وهو عبد الله بن سنان عراقي فالظاهر أنه (عليه السلام) بين له علامة الزوال بما يناسب بلاده. وما ذكروه مما لا محيص
من الحمل عليه إذ لا ريب أن ما كان عرضه مساويا للميل الكلي ينعدم فيه الظل يوما
واحدا حقيقة وبحسب الحس أياما وما كان عرضه أقل ينعدم فيه الظل يومين حقيقة
وأياما حسا فهذا إنما يتم في ما يكون عرضه أكثر من الميل الكلي، والمناسب له من
البلدان الكثيرة العروض ولاية العراق، والقدم على ما ذكره أصحابنا وعليه تدل
ظواهر الأخبار سبع الشاخص بناء على أن قامة الانسان المستوي الخلقة سبعة أقدام
بقدمه، والنصف من حزيران على ما ذكره بعض محققي أصحابنا من أوائل السرطان
والنصف من تموز في أوائل الأسد والنصف من آب في أوائل السنبلة والنصف من أيلول
في أوائل الميزان والنصف من تشرين الأول في أوائل العقرب والنصف من تشرين
الآخر أول القوس تقريبا والنصف من كانون الأول أول الجدي تقريبا والنصف من
كانون الآخر أول الدلو تقريبا والنصف من شباط أول الحوت تقريبا والنصف من آذار
في أوائل الحمل والنصف من نيسان في أوائل الثور والنصف من آيار في أوائل الجوزاء
159

بقي الكلام أن في الحديث اشكالا ظاهرا يمنع من الاعتماد عليه في المقام وإن
كان قد غفل عنه جملة من علمائنا الأعلام، وذلك أنه من المعلوم المشاهد بالوجدان
والمستغني بالعيان عن البيان أن ظل الزوال يتزايد من أول السرطان الذي هو أول
الرجوع عن انتهاء الميل الكلي إلى آخر القوس وينقص من أول الجدي إلى آخر
الجوزاء يوما فيوما وشهرا فشهرا على سبيل التزايد في كل من النقيصة والزيادة، بمعنى
أن زيادته وانتقاصه في اليوم الثاني والشهر الثاني أزيد منه في اليوم الأول والشهر الأول
وهكذا في الثالث بالنسبة إلى الثاني وفي الرابع بالنسبة إلى الثالث حتى ينتهي إلى غاية
الزيادة والنقصان، ومن هذا القبيل حال ازدياد الساعات وانتقاصها في أيام السنة ولياليها
وهذا ظاهر للناقد البصير ولا ينبئك مثل خبير، فكيف يكون ازدياد الظل في ثلاثة
أشهر قدما قدما وفي الثلاثة الأخرى قدمين قدمين كما في الرواية المذكورة؟ فإنه خلاف
ما يحكم به المشاهدة والوجدان. والله سبحانه وقائله أعلم.
ومنها - ميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن يستقبل قبلة العراق كما ذكروه،
والظاهر أنها إنما تتم بالنسبة إلى أطراف العراق الغربية كالموصل وما والاها ممن تكون
قبلتهم نقطة الجنوب إذ تكون دائرة نصف النهار حينئذ بين العينين فإذا زالت الشمس
عن دائرة نصف النهار نحو المغرب مالت بالضرورة إلى الحاجب الأيمن، وأما أطراف
العراق الشرقية وما والاها من أواسطها ممن تميل قبلتهم عن الجنوب نحو المغرب على
تفاوت في ذلك زيادة ونقيصة فعند ميل الشمس إلى الحاجب الأيمن يكون قد مضى
من الزوال مقدار غير قليل لانحراف قبلتهم نحو المغرب وإن كان ذلك في أواسط
العراق أقل لقلة انحرافهم نحو المغرب بالنسبة إلى الأطراف الشرقية، قال والدي (قدس
سره) بعد ذكر نحو ما قلناه: وأما ما ذكره شيخنا البهائي (قدس سره) - من أن ذلك
يمكن جعله علامة للزوال في أواسط العراق أيضا كالكوفة وما والاها لأنه عند ميل
الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن يستقبل قبلتهم لا يكون مضى من الزوال قدر معتد به -
160

فبعيد جدا لأن انحراف أوساط العراق نحو المغرب - كما ذكره شيخنا الشهيد الثاني -
أزيد من انحراف الشامي نحو المشرق، ومن المقرر أن انحراف الشامي نحو المشرق قدر
ثلث قوس ما بين نقطتي الجنوب والمشرق كما ذكره في شرح الألفية، ومن المعلوم أن
من انحرف قدر ثلث القوس المذكور فضلا عما زاد عنها نحو المغرب يكون عند ميل
الشمس إلى حاجبه الأيمن قد مضى من الزوال قدر معتد به فتدبر. انتهى كلامه رفع
في الخلد مقامه.
أقول: ومما يدل على هذه العلامة من الأخبار ما تقدم في حديث كتاب مجالس
الشيخ المذكور في المسألة الرابعة من قوله (صلى الله عليه وآله): " أتاني جبرئيل فأراني
وقت الظهر حين زالت الشمس فكانت على حاجبه الأيمن ".
وكيف كان فالظاهر أيضا أن الكلام في معلومية الزوال بهذه العلامة كما تقدم
في العلامة الأولى من حصول الزوال قبل ذلك بمدة، قال شيخنا الشهيد الثاني (طاب
ثراه) في كتاب روض الجنان بعد ذكر المصنف العلامة المذكورة ما لفظه: وهذه
العلامة لا يعلم بها الزوال إلا بعد مضي زمان كثير لاتساع جهة القبلة بالنسبة إلى البعيد
ومن ثم قيدها المصنف في النهاية والمنتهى بمن كان بمكة إذا استقبل الركن العراقي ليضيق
المجال ويتحقق الحال والأمر باق بحاله فإن الشمس لا تصير على الحاجب الأيمن لمستقبل
الركن العراقي إلا بعد زمان كثير بل ربما أمكن استخراجه للبعيد في زمان أقل منه
لمستقبل الركن، والتحقيق أنه لا حاجة إلى التقييد بالركن لما ذكرناه ولأن البعيد إذا
استخرج نقطة الجنوب باخراج نصف النهار صار المشرق والمغرب على يمينه ويساره كما
هو أحد علامات العراقي وإن كان في هذه العلامة بحث تقف عليه في محله إن شاء الله تعالى
فإذا وقف الانسان على سمت هذا الخط ظهر له ميل الشمس إذا مالت في زمان قصير
يقرب من زيادة الظل بعد نقصه، وأما إذا اعتبر البعيد قبلة العراقي بغير هذه العلامة
خصوصا بالنظر الدقيق الذي يخرج به سمت القبلة فإن الزوال لا يظهر حينئذ إلا بعد
161

مضي ساعات من وقت الظهر كما لا يخفى على من امتحن ذلك، وقريب من ذلك اعتباره
باستقبال الركن العراقي فإنه ليس موضوعا على حد الشمال حتى يكون استقباله موجبا
لاستقبال نقطة الجنوب والوقوف على خط نصف النهار وإنما هو بين المشرق والشمال
فوصول الشمس إليه يوجب زيادة ميل عن خط نصف النهار كما لا يخفى. انتهى
كلامه زيد مقامه.
ومنها - الدائرة الهندية وقد ذكرها الشيخ المفيد والعلامة وغيرهما، ودلالتها
على ذلك بميل الظل عن خط نصف النهار إلى جانب المشرق فإن الظل يقابل الشمس
دائما فإذا كانت الشمس في جهة المشرق كان ظل الشاخص في جهة المغرب وبالعكس
وإذا كانت في وسط السماء على دائرة نصف النهار كان ظل الشاخص على خط نصف
النهار من الشمال أو الجنوب إن كان له ظل فإذا زالت الشمس بأن مالت عن دائرة نصف
النهار إلى جهة المغرب مال ظل الشاخص إلى جانب المشرق إن كان له ظل أو حدث
من ذلك الجانب إن لم يكن، وطريق استخراج خط نصف النهار بالدائرة الهندية ليعلم
منها ما ذكرناه - على ما ذكره جملة من الأصحاب - أن تسوي موضعا من الأرض تسوية
صحيحة بحيث تخلو من الانخفاض والارتفاع ثم يدار عليها بدائرة بأي بعد كان وكلما كانت
الدائرة أوسع كانت المعرفة أسهل، وتنصب على مركزها مقياسا مخروطا محدد الرأس
يكون طوله قدر ربع قطر الدائرة تقريبا نصبا مستقيما بحيث تحدث من جوانبه زوايا قوائم
وتعلم ذلك بأن تقدر ما بين رأس المقياس ومحيط الدائرة بمقدار واحد من ثلاثة مواضع
أو أكثر فإن تساوت الأبعاد فهو عمود، ثم ترصد ظل المقياس قبيل الزوال حين يكون
خارجا من محيط الدائرة نحو المغرب فإذا انتهى رأس الظل إلى محيط الدائرة يريد
الدخول فيه فعلم عليه علامة ثم ترصده بعد الزوال قبل خروج الظل من الدائرة فإذا
أراد الخروج عنه فعلم عليه علامة وتصل ما بين العلامتين بخط مستقيم وتنصف ذلك الخط
وتصل ما بين مركز الدائرة ومنتصف الخط بخط وهو خط نصف النهار، فإذا ألقى
162

المقياس ظله على هذا الخط الذي هو خط نصف النهار كانت الشمس في وسط السماء لم
تزل وإذا ابتدأ رأس الظل يخرج عنه فقد زالت الشمس، وبذلك تعرف القبلة أيضا،
ولو نصفت القوسين الحادثين من قطع خط نصف النهار للدائرة ووصلت بينهما بخط
يقاطع خط نصف النهار على أربع زوايا قوائم كل منها ربع المحيط كان ذلك الخط خط
المشرق والمغرب فيتصل أحد طرفيه بنقطة مشرق الاعتدال والآخر بنقطة مغربه،
وهذه صورة الدائرة المذكورة:
(المسألة الثامنة) - لا خلاف بين الأصحاب في أن أول وقت صلاة المغرب
هو غروب الشمس قال في المعتبر وهو اجماع العلماء، وإنما الخلاف في ما به يتحقق
الغروب فالمشهور - وهو الذي عليه الأكثر من المتقدمين والمتأخرين - أنه إنما يعلم بزوال
الحمرة المشرقية عن قمة الرأس إلى ناحية المغرب، وقيل إنه عبارة عن غيبوبة القرص
عن العين في الأفق مع عدم الحائل، ونقل عن الشيخ في المبسوط والمرتضى وابن الجنيد
وبه صرح الصدوق في كتاب العلل وهو ظاهره في كتاب من لا يحضره الفقيه حيث
163

اقتصر فيه على الأخبار الموافقة لهذا القول ولم يتعرض لشئ من أخبار القول الآخر.
ومنشأ ذلك هو اختلاف الأخبار الواردة في المسألة والذي ظهر لي من الأخبار
هو القول المشهور، فالواجب هو بسط أخبار المسألة والكلام فيها وبيان رجحان ما ذهب
إليه المشهور منها وضعف القول الآخر:
فأقول - وبالله سبحانه الثقة لبلوغ المأمول - من الأخبار الدالة على القول المختار
ما رواه ثقة الاسلام في الكافي عن ابن أبي عمير عن من ذكره عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) قال: " وقت سقوط القرص ووجوب الافطار أن تقوم بحذاء القبلة
وتتفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق فإذا جازت قمة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب
الافطار وسقط القرص ".
وما رواه بطريقين عن القاسم بن عروة والشيخ في التهذيب بطريقين آخرين
عنه أيضا عن بريد بن معاوية عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال: " إذا غابت الحمرة
من هذا الجانب - يعني من المشرق - فقد غابت الشمس من شرق الأرض وغربها "
وما رواه في الكافي عن أحمد بن أشيم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (3) قال: " سمعته يقول وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق، وتدري
كيف ذاك؟ قلت لا. قال لأن المشرق مطل على المغرب هكذا - ورفع يمينه فوق يساره -
فإذا غابت ههنا ذهبت الحمرة من ههنا ".
وما رواه الشيخ عن محمد بن علي (4) قال: " صحبت الرضا (عليه السلام) في
السفر فرأيته يصلي المغرب إذا أقبلت الفحمة من المشرق يعني السواد ".
وعن عمار في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5): " إنما أمرت أبا الخطاب
أن يصلي المغرب حين زالت الحمرة فجعل هو الحمرة من قبل المغرب ".
ومنها - الأخبار الواردة في الإفاضة من عرفات المحدودة بغروب الشمس أيضا ففي

(1) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب المواقيت.
(3) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب المواقيت.
(4) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب المواقيت.
(5) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب المواقيت.
164

موثقة يونس بن يعقوب المروية في الكافي (1) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
متى الإفاضة من عرفات؟ قال إذا ذهبت الحمرة يعني من الجانب الشرقي ".
وروى في التهذيب عن يونس المذكور في الموثق أيضا (2) قال: " قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام) متى تفيض من عرفات؟ فقال إذا ذهبت الحمرة من ههنا، وأشر
بيده إلى المشرق وإلى مطلع الشمس ".
وما ذكره الرضا (عليه السلام) في كتاب الفقه (3) حيث قال: " وأول وقت
المغرب سقوط القرص وعلامة سقوطه أن يسود أفق المشرق وآخر وقتها غروب الشفق "
وقال في موضع آخر: " وقت المغرب سقوط القرص إلى مغيب الشفق، إلى أن قال
والدليل على غروب الشمس ذهاب الحمرة من جانب المشرق وفي الغيم سواد المحاجر
وقد كثرت الروايات في وقت المغرب وسقوط القرص والعمل من ذلك على سواد المشرق
إلى حد الرأس " انتهى. والظاهر أن المراد بسواد المحاجر في عبارته (عليه السلام) سواد
الأفق من جميع جهاته.
هذه جملة ما وقفت عليه من الأخبار الدالة على القول المشهور ووضوحها في الدلالة
غاية في الظهور لا يعتريها قصور ولا فتور.
وأما ما استدل به للقول الآخر فمنها ما رواه الشيخان في الكافي والتهذيب في
الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: " سمعته يقول
وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها ".
وعن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) (5) قال: " إذا غابت
الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة ".

(1) المروية في الوسائل في الباب 22 من الوقوف بعرفات.
(2) المروية في الوسائل في الباب 22 من الوقوف بعرفات.
(3) ص 2 و 7.
(4) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب المواقيت.
(5) رواه في الوسائل في الباب 4 و 17 من أبواب المواقيت.
165

وهاتان الروايتان مما استدل به في المدارك للقول المذكور وهي غير واضحة
الظهور، وذلك لأن غاية ما دلتا عليه هو كون وقت المغرب عبارة عن غيبوبة الشمس
وغروبها وقد عرفت أن هذا مما لا خلاف فيه وإنما الخلاف - كما قدمنا وبه اعترف في
المدارك في صدر البحث - في ما به يتحقق الغروب من مجرد استتار القرص عن النظر
مع عدم الحائل أو يتوقف على زوال الحمرة المشرقية وميلها إلى المغرب، وبذلك يظهر
لك أنه لا دلالة للخبرين المذكورين على ما ادعاه وإن صح سندهما بل هما مجملان، وبذلك
يظهر الجواب عن ما استدلوا به من رواية يزيد بن خليفة (1) قال: " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام) أن عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت؟ قال فقال أبو عبد الله (عليه السلام)
إذا لا يكذب علينا. قلت قال وقت المغرب إذا غاب القرص إلا أن رسول الله (صلى
الله عليه وآله) كان إذا جد به السير آخر المغرب ويجمع بينها وبين العشاء؟ فقال
صدق.. الحديث " وما رواه في الفقيه مرسلا (2) قال: " قال أبو جعفر (عليه
السلام) وقت المغرب إذا غاب القرص " وبالجملة فإن غيبوبة القرص وغروب الشمس
ونحو ذلك من هذه العبارات مجملة قابلة للحمل على كل من القولين إذ لفظ القرص ولفظ
الشمس بمعنى واحد ولفظ الغيبوبة ولفظ الغروب بمعنى واحد كما لا يخفى، وقد عرفت
من كلامه (عليه السلام) في كتاب الفقه بعد أن عبر بسقوط القرص أنه جعل علامته
أن يسود أفق المشرق، ونحوه في مرسلة ابن أبي عمير المتقدمة.
واستدل في المدارك لهذا القول بصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (3)
قال: " وقت المغرب إذا غاب القرص فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة
ومضى صومك وتكف عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئا " وموثقة أبي أسامة زيد
الشحام (4) قال: " قال رجل لأبي عبد الله (عليه السلام) أؤخر المغرب حتى تستبين

(1) الفروع ج 1 ص 78 وفي الوسائل في الباب 10 من المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 16 من المواقيت.
(3) رواه في الوسائل في الباب 16 من المواقيت.
(4) المروية في الوسائل في الباب 18 من المواقيت.
166

النجوم؟ فقال خطابية إن جبرئيل نزل بها على محمد (صلى الله عليه وآله) حين سقط
القرص " وفيه أن ظاهر سياق صحيحة زرارة المذكورة أنها إنما وردت في مقام الاشتباه
لغيم ونحوه والبناء في دخول الوقت على الظن فكأنه قال: " وقت المغرب إذا حصل
لك ظن بغيبوبة القرص فإن رأيته بعد ذلك.. إلى آخر الخبر " وحينئذ فليست من
محل البحث في شئ، ولو كان المراد بغيبوبة القرص فيها غيبوبته عن النظر مع عدم
الحائل فكيف تتصور الرؤية بعد ذلك؟ ولو استند في الاستدلال بها إلى مجرد التعبير بغيبوبة
القرص قياسا على الخبرين المذكورين في كلامه لكان الجواب عنها بما عرفت، وبه
يعلم الجواب أيضا عن موثقة زيد الشحام المذكورة فإن غاية ما تدل عليه النهي عن التأخير
إلى أن تستبين النجوم والعمل على سقوط القرص وقد عرفت من روايتي ابن أبي عمير
وكتاب الفقه أن سقوط القرص إنما يتحقق بزوال الحمرة إلى ناحية المغرب، هذا غاية
ما استدل به في المدارك على القول المذكور وقد ظهر لك صحة ما ادعيناه من عدم دلالتها
على المراد وتطرق البحث إليها والايراد.
ومثل هذه الأخبار جملة أخرى بهذا المضمون أعرضنا عن التطويل بنقلها لما عرفت.
ومنها - رواية الصدوق في الموثق عن سماعة (1) قال: " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام) في المغرب إنا ربما صلينا ونحن نخاف أن تكون الشمس خلف
الجبل أو قد سترنا منها الجبل؟ فقال ليس عليك صعود الجبل " وما رواه فيه أيضا عن
زيد الشحام (2) قال: " صعدت مرة جبل أبي قبيس والناس يصلون المغرب فرأيت
الشمس لم تغب وإنما توارت خلف الجبل عن الناس فلقيت أبا عبد الله (عليه السلام)
فأخبرته بذلك فقال لي ولم فعلت ذلك؟ بئس ما صنعت إنما تصليها إذا لم ترها خلف
جبل غابت أو غارت ما لم يتجللها سحاب أو ظلمة تظلها فإنما عليك مشرقك ومغربك
وليس على الناس أن يبحثوا ".

(1) رواه في الوسائل في الباب 20 من أبواب المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 20 من أبواب المواقيت.
167

أقول: لا يخفى أن هذين الخبرين لا ينطبقان على شئ من القولين،
أما القول المشهور فظاهر وأما القول الآخر فلأنه لا خلاف بين أصحاب هذا القول
- كما صرح به غير واحد من أصحابنا (رضوان الله عليهم) - في أنه لا بد في سقوط
القرص الذي يجعل وقتا للغروب على هذا القول من انتفاء الحائل بين الناظر وبين
موضع غروب الشمس من أفق تلك البلاد ولا ريب في أن جبل أبي قبيس حائل، وبالجملة
فإن الاستدلال من صاحب الفقيه بهذين الخبرين - كما ذكره في الفقيه ومثله في كتاب
المجالس وغيرهما على هذا القول حيث اختاره - من أعجب العجائب لما عرفت من
الاشكال الذي ليس عنه ثمة جواب.
قال شيخنا المجلسي (قدس سره) في كتاب البحار بعد ذكر هذين الخبرين: ظاهر
هذا الخبر والخبر المتقدم الاكتفاء بغيبوبة الشمس خلف الجبل وإن لم تغرب عن الأفق
ولعله لم يقل به أحد وإن كان ظاهر الصدوق القول به لكنه لم ينسب إليه هذا القول
ويمكن حمله على ما إذا غابت عن الأفق الحسي لكن يبقى ضوؤها على رؤوس الجبال كما
نقلنا عن الشيخ في المبسوط ولعل الشيخ حملهما على هذا الوجه وليس ببعيد جدا والأولى
الحمل على التقية. قال الوالد (قدس سره) في الخبر الأول الظاهر أن ذمه على صعود الجبل لأنه
كان غرضه منه إثارة الفتنة بأن يقول إنهم يفطرون ويصلون والشمس لم تغب بعد وكان
مظنة أن يصل الضرر إليه وإلى غيره فنهاه (عليه السلام) لذلك. ويمكن أن يكون المراد
بقوله: " فإنما عليك مشرقك ومغربك " أنك لا تحتاج إلى صعود الجبل فإنه يمكن استعلام
الطلوع والغروب بظهور الحمرة وذهابها في المشرق للغروب وعكسه للطلوع. وهذا الوجه جار
في الخبر الأخير أيضا. انتهى كلامه. وما ذكره من حمل خبر سماعة على التقية هو الوجه
الوجيه، وما نقله عن والده في معنى خبر الشحام جيد لا ريب فيه.
ومنها - وهو أصرحها في الدلالة على القول المذكور لظهوره في ذلك تمام الظهور
وكان ينبغي لمن قال بذلك القول أن يستند إليه ويعول في ذلك عليه ما رواه الشيخ
168

في التهذيب عن علي بن الحكم عن من حدثه عن أحدهما (عليهما السلام) (1) " أنه سئل عن
وقت المغرب فقال إذا غاب كرسيها. قلت وما كرسيها؟ قال قرصها. فقلت متى يغيب قرصها؟
قال إذا نظرت إليه فلم تره " وما رواه الصدوق في كتاب المجالس عن أبان بن تغلب والربيع
ابن سليمان وأبان بن أرقم وغيرهم (2) قالوا: " أقبلنا من مكة حتى إذا كنا بوادي الأجفر
إذا نحن برجل يصلي ونحن ننظر إلى شعاع الشمس فوجدنا في أنفسنا فجعل يصلي ونحن ندعو عليه
حتى صلى ركعة ونحن ندعو عليه ونقول هذا من شباب أهل المدينة فلما أتيناه فإذا هو أبو عبد الله
جعفر بن محمد (عليهما السلام) فنزلنا فصلينا معه وقد فاتتنا ركعة فلما قضينا الصلاة قمنا إليه
فقلنا له جعلنا فداك هذه الساعة تصلي؟ فقال إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت ".
وما رواه في الكتاب المذكور عن محمد بن يحيى الخثعمي (3) قال: " سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي المغرب
ويصلي معه حي من الأنصار يقال لهم بنو سلمة منازلهم على نصف ميل فيصلون معه ثم
ينصرفون إلى منازلهم وهم يرون مواضع نبلهم ".
هذا ما يدل على هذا القول صريحا، والجواب عنه بالحمل على التقية كما هو أحد
القواعد المنصوصة عن أهل البيت (عليهم السلام) في مقام اختلاف الأخبار من العرض
على مذهب العامة والأخذ بخلافهم، واتفاق المخالفين قديما وحديثا على هذا القول مما
لا سبيل إلى انكاره (4) بل ورد في جملة من الأخبار الأمر بعرض الأخبار على مذهبهم
والأخذ بخلافه وإن لم يكن في مقام الاختلاف (5) بل ورد ما هو أعظم من ذلك وهو أنه
إذا لم يكن في البلد من تستفتيه في الحكم فاستفت قاضي العامة واعمل على خلافه (6)

(1) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب المواقيت.
(3) رواه في الوسائل في الباب 18 من المواقيت.
(4) كما في الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 157 والمغني ج 1 ص 389.
(5) رواه في الوسائل في الباب 9 من صفات القاضي وما يقضي به.
(6) رواه في الوسائل في الباب 9 من صفات القاضي وما يقضي به.
169

وحينئذ فإذا كانت النصوص عنهم (عليهم السلام) بلغت هذا المبلغ في الأمر بمخالفتهم
فالواجب هو طرح هذه الأخبار من البين لظهور موافقتها لهم برأي العين، وبالجملة
فأخبار هذا القول وإن كثرت فمنها ما هو غير صريح بل ولا ظاهر في المدعى كما عرفت
ومنها ما هو صريح ويتعين حمله على التقية.
وأما ما صار إليه بعض من حمل أخبار القول المشهور على الاستحباب فليس بالوجه
الوجيه لما ذكرنا من التنبيه والتوجيه، ويزيد ذلك بيانا في رد هذا الحمل المذكور وبيان
ما فيه من القصور استفاضة الأخبار الدالة على أفضلية أول الوقت (1) والأخبار الدالة
على النهي عن تأخير المغرب طلبا لفضلها (2) ولو كان مجرد تواري القرص عن النظر
هو الوقت الشرعي لها كان الأفضل هو المسارعة بها في ذلك الوقت عملا بالأخبار الأولى
وكان تأخيرها طلبا لفضلها موجبا للدخول تحت النهي في الأخبار الثانية.
والعجب منهم (رضوان الله عليهم) حيث ألغوا العمل بالقواعد المنصوصة
عن الأئمة (عليهم السلام) في مقام اختلاف الأخبار واستنبطوا لأنفسهم قواعد بنوا
عليها بمجرد الاعتبار، وخبر محمد بن يحيى الخثعمي المذكور قد ورد نحوه من طريق
المخالفين كما نقله شيخنا صاحب البحار (قدس سره) (3) حيث رووا عن جابر وغيره
قال: " كنا نصلي المغرب مع النبي (صلى الله عليه وآله) ثم نخرج نتناضل حتى
ندخل بيوت بني سلمة فننظر إلى مواضع النبل من الأسفار " وفيه تأييد لما ذكرنا من
الحمل على التقية.
وبما حققناه في المقام وكشفنا عنه نقاب الإبهام يظهر لك ما في كلام جملة من
متأخري المتأخرين الأعلام:
منهم - السيد السند في المدارك حيث إن ظاهره الميل إلى القول بما قدمنا نقله عن الصدوق
والمرتضى وغيرهما، فإنه قال بعد نقل أدلة المسألة ومنها الصحاح التي ذكرها كما قدمنا نقله فيه

(1) ص 90.
(2) الوسائل الباب 18 من المواقيت.
(3) ج 18 الصلاة ص 60.
170

وطعنه في روايات القول المشهور بضعف الأسانيد: أنه لا يخلو من قوة، وجعل ما قابله أحوط.
وهو يشعر بالتوقف مع الميل إلى القول المذكور. وفيه ما عرفت من أن الصحاح التي استند
إليها غير ظاهرة في المدعى كما أوضحناه، والطعن بضعف السند غير مرضي عندنا بل ولا عند
كافة الأصحاب سيما المتقدمين ولا معتمد، أما المتقدمون فلعدم عملهم على هذا الاصطلاح
الذي هو إلى الفساد أقرب منه إلى الصلاح، وأما المتأخرون فلأن هذه الأخبار عندهم
مجبورة بالشهرة.
ومنهم - المحدث الكاشاني في الوافي وهو أعجب حيث قال بعد نقل أخبار القول
المشهور المذكورة في الكافي والتهذيب وآخرها حديث ابن أشيم ما صورته: الاطلال بالمهملة
الاشراف، إلى أن قال بقي الكلام في الحمرة المشرقية السماوية والأخبار في اعتبار
ذهابها مختلفة، فمنها ما يدل على اعتباره وجعله علامة لغروب الشمس كهذه الأخبار
ومنها ما يدل على أن ذهاب القرص عن النظر كاف في تحقق الغروب كالأخبار التي
مضت، والمستفاد من مجموعها والجمع بينها أن اعتباره في وقتي صلاة المغرب والافطار أحوط
وأفضل وإن كفى استتار القرص في تحقق الوقت كما يظهر لمن تأمل فيها ووفق للتوفيق
بينها وبين الأخبار التي نتلوها عليك في الباب الآتي إن شاء الله تعالى. انتهى.
أقول: العجب منه (قدس سره) وهو من أكابر المحدثين كيف ألغى القاعدة
المنصوصة في الباب تبعا لغيره من المجتهدين الذين قد أكثر من التشنيع عليهم في الخروج
عن جادة العمل بالأخبار في جملة من كتبه، وأشار بالأخبار التي مضت إلى ما قدمه في
سابق هذا الباب من الأخبار التي قدمنا نقلها، وقد عرفت أن أكثرها غير ظاهر الدلالة
ولا واضح المقالة في ما ادعاه منها تبعا لصاحب المدارك، وعمدة الشبهة عنده من الأخبار
التي ذكرها في تالي هذا الباب كما أشار إليه بقوله جمعا بينها وبين الأخبار التي نتلوها
عليك في الباب الآتي، وها نحن بتوفيق الله تعالى نبين لك ما يكشف عن اشكالها نقاب
الإبهام ونبين ما هو الحق فيها لذوي الأفهام وضعف ما سبق إلى خلافه من الأوهام:
171

فنقول - وبالله سبحانه التوفيق لبلوغ المأمول ونيل المسؤول - اعلم أن ههنا جملة
من الأخبار قد اضطربت فيها الأفكار من جملة من أصحابنا الأبرار (رفع الله تعالى
أقدارهم في دار القرار) وقد عنون لها في الوافي بابا سماه باب " تأخير المغرب عن
استتار القرص للاحتياط ":
منها - ما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: " قال لي مسوا بالمغرب قليلا فإن الشمس تغيب من عندكم
قبل أن تغيب من عندنا ".
وعن عبد الله بن وضاح (2) قال: " كتبت إلى العبد الصالح (عليه السلام)
يتوارى القرص ويقبل الليل ثم يزيد الليل ارتفاعا وتستتر عنا الشمس وترتفع فوق الجبل
حمرة ويؤذن عندنا المؤذن أفأصلي وأفطر إن كنت صائما أو أنتظر حتى تذهب الحمرة
التي فوق الجبل؟ فكتب إلي أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك "
وروى في الكافي عن جارود (3) قال: " قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) يا جارود
ينصحون فلا يقبلون وإذا سمعوا بشئ نادوا به أو حدثوا بشئ أذاعوه، قلت لهم مسوا
بالمغرب قليلا فتركوها حتى اشتبكت النجوم فأنا الآن أصليها إذا سقط القرص ".
وروى في التهذيب بسندين أحدهما في الحسن والآخر في الموثق عن ذريح (4)
قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إن أناسا من أصحاب أبي الخطاب يمسون
بالمغرب حتى تشتبك النجوم، فقال أبرأ إلى الله ممن فعل ذلك متعمدا ".
وعن شهاب بن عبد ربه في الحسن (5) قال: " قال لي أبو عبد الله (عليه السلام)
يا شهاب إني أحب إذا صليت المغرب أن أرى في السماء كوكبا ".
وعن بكر بن محمد الأزدي في الصحيح ورواه في الفقيه عن الأزدي أيضا عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (6) قال: " سأله سائل عن وقت المغرب قال إن الله يقول

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب المواقيت.
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب المواقيت.
(3) الوسائل الباب 16 من أبواب المواقيت.
(4) رواه في الوسائل الباب 18 من أبواب المواقيت.
(5) الوسائل الباب 16 من أبواب المواقيت.
(6) الوسائل الباب 16 من أبواب المواقيت.
172

في كتابه لإبراهيم: " فلما جن عليه الليل رأى كوكبا " (1) فهذا أول الوقت وآخر
ذلك غيبوبة الشفق وأول وقت العشاء ذهاب الحمرة وآخر وقتها إلى غسق الليل يعني
نصف الليل ".
وروى في التهذيب في الصحيح عن زرارة (2) قال: " سألت أبا جعفر (عليه
السلام) عن وقت افطار الصائم قال حين يبدو ثلاثة أنجم ".
وروى في الفقيه عن أبان عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) قال:
" يحل لك الافطار إذا بدت لك ثلاثة أنجم وهي تطلع مع غروب الشمس ".
هذا جملة ما وقفت عليه من الأخبار وقد عرفت ما حملها عليه صاحب الوافي ومن
حذا حذوه، وقال في المدارك: وقد ورد في بعض الأخبار اعتبار رؤية النجوم كصحيحة
بكر بن محمد ثم ساق الخبر إلى أن قال: وحملها الشيخ (قدس سره) على حال الضرورة
أو على مدها حتى تظهر النجوم فيكون فراغه منها عند ذلك. وهو بعيد جدا ويمكن
حملها على وقت الاشتباه كما تشعر به رواية علي بن الريان (4) قال: " كتبت إليه: الرجل
يكون في الدار تمنعه حيطانها النظر إلى حمرة المغرب ومعرفة مغيب الشفق ووقت صلاة
العشاء الآخرة متى يصليها وكيف يصنع؟ فوقع (عليه السلام) يصليها إذا كان على هذه
الصفة عند قصر النجوم والعشاء عند اشتباكها وبياض مغيب الشفق " وذكر الشيخ في
التهذيب أن معنى قصر النجوم بيانها. ويمكن حملها أيضا على أن المراد بها بيان وقت الفضيلة
كما تشعر به صحيحة إسماعيل بن همام (5) قال: " رأيت الرضا (عليه السلام) وكنا
عنده لم يصل المغرب حتى ظهرت النجوم فقام فصلى بنا على باب دار ابن أبي محمود "

(1) سورة الأنعام، الآية 76.
(2) رواه في الوسائل في الباب 52 من ما يمسك عنه الصائم ووقت الامساك.
(3) رواه في الوسائل في الباب 52 من ما يمسك عنه الصائم ووقت الامساك.
(4) المروية في الوسائل في الباب 24 من أبواب المواقيت.
(5) المروية في الوسائل في الباب 19 من أبواب المواقيت.
173

ورواية شهاب بن عبد ربه، ثم ساق الرواية ثم قال: ولا ريب أن الاحتياط للدين
يقتضي اعتبار ذهاب الحمرة أو ظهور النجوم وإن كان الاكتفاء بغروب الشمس لا يخلو
من قوة. انتهى.
أقول: لا ريب في بعد هذه المحامل كلها، والذي ظهر لي من معنى هذه الأخبار
ورزقني الله سبحانه فهمه منها ببركة الأئمة الأبرار (عليهم السلام) هو أنه لما كان
وقت المغرب عند العامة جميعا في جميع الأمصار وجملة الأعصار والأدوار عبارة عن مجرد
غيبوبة القرص عن النظر مع عدم الحائل وكان الوقت عندهم (عليهم السلام) إنما هو
عبارة عن زوال الحمرة المشرقية كما عليه جل شيعتهم قديما وحديثا، فربما أفتوا بما
يوافق العامة صريحا كالأخبار التي قدمناها صريحة في ذلك وربما أفتوا بما يوافق
مذهبهم (عليهم السلام) صريحا كالأخبار التي قدمنا صريحة في القول المشهور، وربما
عبروا بعبارات مجملة تحتمل الأمرين كالأخبار الصحاح التي قدمنا نقلها عن المدارك
ونحوها مع ما ورد في بعض أخبارهم (عليهم السلام) من تفسير الغيبوبة الكاشف عن
هذا الاجمال كما عرفت، وربما عبروا عن مذهبهم بعبارات تشير إليه وإن كانت غير
ظاهرة الدلالة عليه كما تضمنته هذه الأخبار الأخيرة مثل الأمر بالأخذ بالاحتياط في رواية
عبد الله بن وضاح ومثل التعليل في رواية يعقوب بن شعيب بعد الأمر بالتسمية بأن الشمس
تغيب من عندكم قبل أن تغيب من عندنا وإنما العلة الحقيقية هي انتظار زوال الحمرة المشرقية،
وربما عللوه بانتظار ظهور كوكب أو ثلاث كواكب كما في روايتي شهاب بن عبد ربه وبكر
ابن محمد وروايتي زرارة. فهذه العلل كلها إنما خرجت مخرج التقية للتحاشي عن التصريح
بمخالفة القوم باعتبار ما تضمنته المقامات والأوقات حيث إنها لا تقتضي إظهار
مذهبهم (عليهم السلام) الواقعي فيجعلونه في هذه القوالب التي لا يستنكرها المخالف
لو سمعها، ويزيدك بيانا لما ذكرناه خبر جارود وشكايته (عليه السلام) من أولئك
القوم أنه أسر إليهم ونصحهم في الباطن أن يمسوا بالمغرب يعني انتظار زوال الحمرة دون
العمل على مجرد غيبوبة القرص فأذاعوا سره وحدثوا به حتى أفرطوا في التمسية وأخروها
174

إلى اشتباك النجوم فلما عرف (عليه السلام) ظهور ذلك منهم لا علاج أنه أظهر مخالفة
ما أمرهم به أولا سرا فصار يصلي على خلاف ما أمرهم ليعلم الناس كذبهم عليه، ومنه
يظهر الوجه في حديث الجماعة الذين رأوه في طريق مكة يصلي وهم ينظرون إلى شعاع
الشمس كما تقدم (1) فإنه لهذا السبب فعل ذلك وأمر به، هذا هو الوجه الوجيه في هذه الأخبار كما لا يخفى على من نظره بعين الفكر والاعتبار.
وأما ما ذكره في المدارك فقد عرفت ما فيه آنفا ونزيده هنا أيضا بأن ما ذكره
من حمل رواية بكر بن محمد الدالة على رؤية النجوم مستندا إلى صحيحة إسماعيل بن همام
المتقدمة وقوله بعد ذلك " والاحتياط للدين يقتضي ذهاب الحمرة أو ظهور النجوم " ففيه أن
ما اشتملت عليه صحيحة إسماعيل بن همام المذكورة مما ترده جملة الأخبار الدالة على
أفضلية أول الوقت ولا سيما في المغرب الدالة على أنه ليس لها إلا وقت واحد وهو وقت
وجوب الشمس وما دل على ذم تأخيرها إلى ظهور النجوم طلب فضلها كقول الصادق
(عليه السلام) في مرفوعة محمد بن أبي حمزة (2) " ملعون ملعون من آخر المغرب طلب
فضلها. وقيل له إن أهل العراق يؤخرون المغرب حتى تشتبك النجوم؟ قال هذا من عمل
عدو الله أبي الخطاب " ونحوها من الأخبار، والرواية المذكورة غير معمول بها على
ظاهرها فلا بد من تأويلها بالعذر. وأما ما اشتملت عليه صحيحة بكر بن محمد ورواية
شهاب من ظهور نجم وروايتا زرارة من ظهور ثلاثة أنجم فقد عرفت الوجه فيه وفي
الغالب أنه بزوال الحمرة يرى بعض النجوم لبعض الناظرين. والله العالم.
(المسألة التاسعة) - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في آخر وقت
المغرب، فالمشهور أنه إلى أن يبقى لانتصاف الليل مقدار أداء العشاء، وهو اختيار السيد
المرتضى في الجمل وابن الجنيد وابن زهرة وابن إدريس والمحقق وابن عمه نجيب الدين
وسائر المتأخرين، وقال الشيخ في أكثر كتبه آخره غيبوبة الشفق المغربي للمختار وربع

(1) ص 169.
(2) المروية في الوسائل في الباب 18 من أبواب المواقيت.
175

الليل مع الاضطرار وبه قال ابن حمزة وأبو الصلاح، وقال في الخلاف آخره غيبوبة الشفق
وأطلق وبه قال ابن البراج، وقال الشيخ المفيد آخر وقتها غيبوبة الشفق وهو الحمرة في
المغرب والمسافر إذا جد به السير عند المغرب فهو في سعة من تأخيره إلى ربع الليل، وهو
كقول الشيخ المتقدم. وقال السيد المرتضى في المسائل الناصرية آخر وقتها مغيب الشفق
الذي هو الحمرة وروى ربع الليل وحكم بعض أصحابنا أن وقتها يمتد إلى نصف الليل.
وقال ابن أبي عقيل أول وقت المغرب سقوط القرص وعلامته أن يسود أفق السماء من
المشرق وذلك اقبال الليل وتقوية الظلمة في الجو واشتباك النجوم وإن جاوز ذلك بأقل
قليل حتى يغيب الشفق فقد دخل في الوقت الآخر. وقال ابن بابويه وقت المغرب إن
كان في طلب المنزل في سفر إلى ربع الليل وكذا المفيض من عرفات إلى جمع. وقال
سلار يمتد وقت العشاء الأول إلى أن يبقى لغياب الشفق الأحمر مقدار أداء ثلاث
ركعات. ونقل عن المبسوط أنه حكى عن بعض علمائنا قولا بامتداد وقت المغرب والعشاء
إلى طلوع الفجر. وقال في المدارك: والمعتمد امتداد وقت الفضيلة إلى ذهاب الشفق
والاجزاء للمختار إلى أن يبقى للانتصاف قدر العشاء وللمضطر إلى أن يبقى قدر ذلك
من الليل وهو اختيار المصنف في المعتبر. أقول: الظاهر أن أول من ذهب صريحا إلى
امتداد العشاءين إلى طلوع الفجر للمضطر هو المحقق في المعتبر وتبعه صاحب المدارك
وشيده، وقد تبعه في هذا القول جملة ممن تأخر عنه كما هي عادتهم غالبا.
أقول: والسبب في اختلاف هذه الأقوال اختلاف الأخبار الواردة في المقام
واختلاف ما أدت إليه الأفكار فيها والأفهام، ونحن نبسط الأخبار أولا كما هي قاعدتنا
في الكتاب ثم نردفها بما يزيل عنها إن شاء الله تعالى نقاب الارتياب:
ومنها - ما رواه الشيخ في التهذيب عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: " إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلى نصف

(1) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب المواقيت.
176

الليل إلا أن هذه قبل هذه ".
وعن داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: " إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي ثلاث
ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف
الليل مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي
وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل ".
وعن إسماعيل بن مهران (2) قال: " كتبت إلى الرضا (عليه السلام) ذكر
أصحابنا أنه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر وإذا غربت دخل وقت
المغرب والعشاء الآخرة إلا أن هذه قبل هذه في السفر والحضر وأن وقت المغرب إلى
ربع الليل؟ فكتب كذلك الوقت غير أن وقت المغرب ضيق وآخر وقتها ذهاب الحمرة
ومصيرها إلى البياض في أفق المغرب " المراد - والله سبحانه وقائله أعلم - أن وقت
المختار ضيق وأما المضطر والمسافر فموسع كما يظهر من غيره.
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " وقت المغرب حين
تغيب الشمس " وعن إسماعيل بن جابر في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)
قال: " سألته عن وقت المغرب قال ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق ".
وقد تقدم قريبا (5) في صحيحة بكر بن محمد الأزدي تحديد أول الوقت برؤية
الكوكب ثم قال (عليه السلام): " هذا أول الوقت وآخر ذلك غيبوبة الشفق.. الحديث "
وفي صحيحة زرارة والفضيل عن أبي جعفر (عليه السلام) (6) " ووقت فوتها
سقوط الشفق " وفي رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (7) " وآخر وقت

(1) الوسائل الباب 17 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 17 و 18 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 16 من المواقيت.
(4) الوسائل الباب 16 من المواقيت.
(5) ص 172.
(6) الوسائل الباب 18 من المواقيت.
(7) الوسائل الباب 10 من المواقيت.
177

المغرب اياب الشفق فإذا آب الشفق دخل وقت العشاء ".
وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " وقت المغرب
من حين تغيب الشمس إلى أن تشتبك النجوم ".
وعن عمر بن يزيد في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " وقت
المغرب في السفر إلى ربع الليل " ونحوه مروي في الكافي أيضا بسند غير نقي.
وما رواه في الكافي في الصحيح عن عمر بن يزيد (3) قال: " قال أبو عبد الله
(عليه السلام) وقت المغرب في السفر إلى ثلث الليل " قال في الكافي: وروى
أيضا " إلى نصف الليل ".
وما رواه في التهذيب في الموثق عن أبي بصير ورواه في الفقيه عن أبي بصير (4)
قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) أنت في وقت من المغرب في السفر إلى خمسة
أميال من بعد غروب الشمس ".
وعن محمد بن علي الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال:
" لا بأس أن تؤخر المغرب في السفر حتى يغيب الشفق، ولا بأس أن تعجل العتمة في
السفر قبل أن يغيب الشفق ".
وعن إسماعيل بن جابر (6) قال: " كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام)
حتى إذا بلغنا بين العشاءين قال يا إسماعيل امض مع الثقل والعيال حتى ألحقك
وكان ذلك عند سقوط الشمس فكرهت أن أنزل وأصلي وأدع العيال وقد أمرني أن
أكون معهم فسرت ثم لحقني أبو عبد الله (عليه السلام) فقال يا إسماعيل هل
صليت المغرب بعد؟ فقلت لا. فنزل عن دابته فأذن وأقام وصلى المغرب وصليت معه

(1) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب المواقيت.
(2) الوسائل الباب 19 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 19 من المواقيت.
(4) الوسائل الباب 19 من المواقيت.
(5) الوسائل الباب 22 من المواقيت. والراوي عنه (ع) هو عبيد الله ومحمد عنه.
(6) الوسائل الباب 19 من المواقيت.
178

وكان من الموضع الذي فارقته فيه إلى الموضع الذي لحقني ستة أميال ".
وعن القاسم بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " ذكر أبو الخطاب
فلعنه ثم قال إنه لم يكن يحفظ شيئا، حدثته أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) غابت
له الشمس في مكان كذا وكذا وصلى المغرب بالشجرة وبينهما ستة أميال فأخبرته بذلك في
السفر فوضعه في الحضر ".
وعن علي بن يقطين في الصحيح (2) قال: " سألته عن الرجل تدركه صلاة
المغرب في الطريق أيؤخرها إلى أن يغيب الشفق؟ قال لا بأس بذلك في السفر فأما في
الحضر فدون ذلك شيئا " أقول: يعني قبل غيبوبة الشفق بقليل.
وعن جميل بن دراج في الموثق (3) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
ما تقول في الرجل يصلي المغرب بعد ما يسقط الشفق؟ فقال لعلة لا بأس قلت فالعشاء
الآخرة قبل أن يسقط الشفق؟ فقال لعلة لا بأس ".
وعن عمر بن يزيد (4) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أكون مع
هؤلاء وانصرف من عندهم عند المغرب فأمر بالمساجد فأقيمت الصلاة فإن أنا نزلت
أصلي معهم لم استمكن من الأذان والإقامة وافتتاح الصلاة؟ فقال إئت منزلك وانزع
ثيابك وإن أردت أن تتوضأ فتوضأ وصل فإنك في وقت إلى ربع الليل ".
وعن عمر بن يزيد في الصحيح (5) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام) أكون في جانب المصر فتحضر المغرب وأنا أريد المنزل فإن أخرت الصلاة
حتى أصلي في المنزل كان أمكن لي وأدركني المساء فأصلي في بعض المساجد؟
فقال صل في منزلك ".
وعن عمر بن يزيد (6) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن وقت

(1) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب المواقيت.
(2) الوسائل الباب 19 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 19 من المواقيت.
(4) الوسائل الباب 19 من المواقيت.
(5) الوسائل الباب 19 من المواقيت.
(6) الوسائل الباب 19 من المواقيت.
179

المغرب؟ فقال إذا كان أرفق بك وأمكن لك في صلاتك وكنت في حوائجك فلك أن
تؤخرها إلى ربع الليل. فقال قال لي وهو شاهد في بلده ".
وعن داود الصرمي (1) قال: " كنت عند أبي الحسن الثالث (عليه السلام)
فجلس يحدث حتى غابت الشمس ثم دعا بشمع وهو جالس يتحدث فلما خرجت من
البيت نظرت وقد غاب الشفق قبل أن يصلي المغرب ثم دعا بالماء فتوضأ وصلى "
أقول: قد تقدم قريبا نحوه في حديث إسماعيل بن همام أنه رأى الرضا (عليه السلام)
كذلك، وقد حملها الشيخ في التهذيب على حال الضرورة واستند إلى أخبار عمر بن يزيد
المذكورة، وهو جيد في مقام الجمع وإن كان فيه نوع بعد.
وعن عمار بن موسى في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال:
" سألته عن صلاة المغرب إذا حضرت هل يجوز أن تؤخر ساعة؟ قال لا بأس إن كان
صائما أفطر وإن كانت له حاجة قضاها ثم صلى ".
فهذه جملة من الأخبار الواردة في هذا المضمار والمفهوم منها أن الوقت بالنسبة إلى
المغرب ثلاثة أقسام: الأول إلى مغيب الشفق والثاني إلى ربع الليل أو ثلثه والثالث إلى
ما قبل الانتصاف بقدر العشاء، والجمع بينها يقتضي حمل الوقت الأول على الفضيلة
أو الاختيار على الخلاف المتقدم، وقد عرفت أن الثاني هو الظاهر من الأخبار وإليه
أيضا تشير أخبار هذه المسألة كما لا يخفى على المتأمل في مضامينها، والوقت الثاني على
الاجزاء كما هو المشهور أو الاضطرار كما هو المختار، والثالث كسابقه إلا أنه للأشد ضرورة
كنوم ونسيان وحيض ونحوها على المختار أو الاجزاء وإن كان تضييعا على القول الآخر
إذا عرفت ذلك فاعلم أن السيد السند (قدس سره) في المدارك بعد أن
ذكر القول الذي قدمنا نقله عنه واختاره من امتداد وقت الفضيلة إلى ذهاب الشفق
والاجزاء للمختار إلى أن يبقى للانتصاف قدر العشاء وللمضطر إلى أن يبقى قدر ذلك من

(1) رواه في الوسائل في الباب 19 من المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 19 من المواقيت.
180

الليل - استدل عليه فقال: لنا على الحكم الأول صحيحة إسماعيل بن جابر ثم ذكر موثقة
إسماعيل التي قدمناها - ووصفه لها بالصحة الظاهر أنه سهو منه (قدس سره) فإن في
طريقها الحسن بن محمد بن سماعة كما لا يخفى على من راجع التهذيب - ثم صحيحة علي بن
يقطين المتقدمة، ثم قال: وهما محمولان أما على وقت الفضيلة أو الاختيار إذ لا قائل بأن ذلك
آخر الوقت مطلقا، والدليل على إرادة الفضيلة قوله (عليه السلام) (1) في صحيحة
ابن سنان " لكل صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما " وظهور تناول الروايات المتضمنة
لامتداد الوقت إلى الانصاف للمختار وغيره، وامتداد وقت المضطر إلى آخر الليل على
ما سنبينه فلا يمكن حمل روايات الانتصاف عليه. ولنا على الحكم الثاني أعني امتداد وقت
الاجزاء للمختار إلى أن يبقى للانتصاف قدر العشاء قول أبي جعفر (عليه السلام) في
صحيحة زرارة (2) " ففي ما بين زوال الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات سماهن
الله تعالى وبينهن ووقتهن وغسق الليل انتصافه " ثم نقل صحيحة عبيد بن زرارة ومرسلة
داود بن فرقد، إلى أن قال: ولنا على الحكم الثالث أعني امتداد وقتها للمضطر إلى أن
يبقى من الليل قدر العشاء ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (3) قال: " إن نام رجل أو نسي أن يصلي المغرب والعشاء الآخرة
فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما فإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ
بالعشاء وإن استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح ثم المغرب ثم العشاء قبل طلوع الشمس "
وأجاب العلامة (قدس سره) في المنتهى عن هذه الرواية بحمل القبلية على ما قبل
الانتصاف، وهو بعيد جدا ولكن لو قيل باختصاص هذا الوقت بالنائم والناسي كما
هو مورد الخبر كان وجها قويا. انتهى.
أقول: فيه (أولا) إن ما ذكره دليلا على إرادة الفضيلة دون الاختيار من

(1) الوسائل الباب 3 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 2 من أعداد الفرائض.
(3) رواه في الوسائل في الباب 62 من أبواب المواقيت.
181

الصحيحتين المذكورتين مردود بما قدمنا تحقيقه من عدم ظهورهما في الدلالة، ولا يخفى
على المتأمل في ما قدمناه من الأخبار ظهور دلالتها على أن التأخير عن غيبوبة الشفق إنما
هو في مقام العذر كالسفر والحوائج ونحوهما، ومنها صحيحة علي بن يقطين التي ذكرها فإنها
دلت على نفي البأس في السفر المؤذن بثبوته في الحضر كما أشار إليه ذيل الخبر المذكور
وقوله في موثقة جميل بعد قول السائل: يصلي المغرب بعد سقوط الشفق؟ " لعلة لا بأس "
ونحوهما غيرهما مما تقدم.
و (ثانيا) - أن ما استدل به على الحكم الثاني من قول أبي جعفر (عليه السلام)
في صحيحة زرارة " ففي ما بين زوال الشمس.. إلى آخره " فقد اعترضه الفاضل
الخراساني في الذخيرة - مع أنه من التابعين له في هذه المسألة وغيرها غالبا - بما صورته:
وفيه نظر لأنه لا يمكن حمل الخبر على أن مجموع الوقت وقت لمجموع الصلوات الأربع
إلا بارتكاب التخصيص وليس الحمل على أن المجموع وقت للمجموع ولو على سبيل
التوزيع أبعد منه. انتهى.
و (ثالثا) - أن ما استدل به على الحكم الثالث من صحيحة عبد الله بن سنان
فإنه محل نظر كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى.
وينبغي أن يعلم أولا أن الأخبار الدالة على هذا القول ليست منحصرة في
الصحيحة التي ذكرها كما ربما يتوهم بل هنا أخبار عديدة إلا أنها مشتركة في ضعف السند
باصطلاحه، ولعله لهذه العلة اقتصر على هذه الرواية لصحة سندها أو أنه لم يطلع على
تلك الأخبار وقت التأليف وإلا لعدها من المؤيدات كما هي قاعدته في غير موضع
ولعله الأقرب.
ومن الأخبار المشار إليها رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: " لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة لا تفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس

(1) المروية في الوسائل في الباب 10 من المواقيت.
182

ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر ولا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس ".
ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " إن نام الرجل ولم
يصل صلاة المغرب والعشاء أو نسي فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما
فليصلهما وإن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة.. الحديث ".
ورواية عبد الله بن سنان عنه (عليه السلام) (2) قال: " إذا طهرت المرأة قبل
غروب الشمس فلتصل الظهر والعصر وإن طهرت من آخر الليل فلتصل المغرب والعشاء "
ورواية داود الزجاجي عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) قال: " إذا كانت
المرأة حائضا فطهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر والعصر وإن طهرت من آخر
الليل صلت المغرب والعشاء والآخرة ".
ورواية عمر بن حنظلة عن الشيخ (عليه السلام) (4) قال: " إذا طهرت المرأة قبل طلوع
الفجر صلت المغرب والعشاء وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلت الظهر والعصر ".
ورواية أبي الصباح الكناني عن الصادق (عليه السلام) (5) قال: " إذا طهرت
المرأة قبل طلوع الفجر صلت المغرب والعشاء وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلت
الظهر والعصر ".
هذا ما وقفت عليه من الأخبار التي تصلح لأن تكون مستندا لهذا القول، والظاهر
عندي أن هذه الأخبار إنما خرجت مخرج التقية فلا تصلح للاعتماد عليها في تأسيس حكم
شرعي، ولي على ذلك وجوه:
(الأول) قوله عز شأنه: " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن
الفجر " (6) وجه الدلالة ما ورد عن أصحاب البيت الذي نزل ذلك القرآن فيه فهم

(1) المروية في الوسائل في الباب 62 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 49 من الحيض.
(3) الوسائل الباب 49 من الحيض.
(4) الوسائل الباب 49 من الحيض.
(5) الوسائل الباب 49 من الحيض.
(6) سورة بني إسرائيل، الآية 80.
183

أعرف الناس بظاهره وخافيه من أن هذه الآية قد جمعت الأوقات كلها فروى المشايخ
الثلاثة والعياشي في تفسيره بأسانيدهم الصحيحة عن الباقر (عليه السلام) (1) " أنه
سئل عما فرض الله من الصلوات فقال خمس صلوات بالليل والنهار. فقيل هل سماهن
الله تعالى وبينهن في كتابه؟ قال نعم قال الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله) " أقم
الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل " ودلوكها زوالها ففي ما بين دلوك الشمس إلى غسق
الليل أربع صلوات سماهن الله تعالى وبينهن ووقتهن وغسق الليل انتصافه، ثم قال وقرآن الفجر
إن قرآن الفجر كان مشهودا. فهذه الخامسة " وفي رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) " في قوله تعالى: أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل. قال إن الله تعالى افترض أربع صلوات أول وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل،
إلى أن قال ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلا أن هذه
قبل هذه " وروى العياشي عنهما (عليهما السلام) (3) " أن هذه الآية جمعت الصلوات
كلها ودلوك الشمس زوالها وغسق الليل انتصافه، وقال إنه ينادي مناد من السماء كل ليلة
إذا انتصف الليل: من رقد عن صلاة العشاء في هذه الساعة فلا نامت عيناه.. الحديث "
ومن ذلك يعلم أن الوقت الزائد على هذا المقدار المذكور في الآية للعشاءين خارج عن
الأوقات المحدودة في القرآن وكل ما خالف القرآن يضرب به عرض الحائط كما
استفاضت به أخبارهم (عليهم السلام) من عرض الأخبار على القرآن فيؤخذ بما وافقه
وما خالفه يضرب به عرض الحائط (4).
(الثاني) أن الأخبار الواردة في الأوقات على تعددها وانتشارها لم يتضمن
شئ منها الإشارة إلى هذا الوقت فضلا عن التصريح به وقد عرفت وستعرف اشتمالها

(1) الوسائل الباب 2 من أعداد الفرائض.
(2) الوسائل الباب 10 من المواقيت.
(3) المستدرك الباب 14 من المواقيت.
(4) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يقضي به.
184

على جملة الأوقات اختياريها وضروريها، وغاية ما دلت عليه بالنسبة إلى العشاءين
امتدادهما إلى الانتصاف وهو غاية الاضطرار أو الاجزاء، فلو كان هنا وقت آخر لأشير
إليه في شئ منها.
(الثالث) أنه من القواعد المقررة والضوابط المأثورة المعتبرة عن أهل البيت
(عليهم السلام) عرض الأخبار عند الاختلاف بل مطلقا على مذهب العامة والأخذ
بخلافه (1) والأخبار التي قدمناها مع مخالفتها لظاهر القرآن كما عرفت موافقة لمذهب
العامة لأن ذلك مذهب أئمتهم الأربعة على اختلاف بينهم في ذلك، فبعض منهم جعل هذا
الوقت وقتا للمضطر كما ذهب إليه المحقق والسيد السند ومن تبعهما، وحكى هذا القول في
المعتبر عن الشافعي وأحمد (2) وبعضهم جعله وقتا للمختار، ونقله في المعتبر عن أبي حنيفة
ومالك (3) ونظير هذه الروايات التي أسلفناها في الحائض قد ورد أيضا من طريقهم
من امتداد وقتها إلى قبل الغروب بيسير جدا بالنسبة إلى الظهرين وإلى قبل الفجر بيسير
بالنسبة إلى العشاءين، قال في المعتبر: قال الشافعي ومالك وأحمد إذا طهرت قبل الغروب
لزمها الفريضتان، ولو طهرت قبل الفجر لزمها المغرب والعشاء، لما رواه الأثرم وابن
المنذر باسنادهما عن عبد الرحمان بن عوف وعبد الله بن عباس أنهما قالا في الحائض تطهر
قبل طلوع الفجر بركعة تصلي المغرب والعشاء وإذا طهرت قبل غروب الشمس
صلت الظهر والعصر جميعا. وعن أحمد أن القدر الذي يتعلق به الوجوب أدراك تكبيرة

(1) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يقضي به.
(2) كما في الوجيز للغزالي الشافعي ج 1 ص 20 والمغني لابن قدامة الحنبلي ج 1 ص 384.
(3) في البدائع فقه الحنفية ج 1 ص 124 " آخر العشاء حين يطلع الفجر عندنا
وأوله حين يغيب الشفق وهو البياض " وفي الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 157
" عند المالكية أول العشاء الاختياري حين يغيب الشفق الأحمر إلى ثلث الليل والضروري
بعد ذلك إلى أن يبقى من طلوع الشمس ما لا يسع إلا ركعتي الصبح ".
185

الاحرام، وعن الشافعي قدر ركعة لأنه القدر الذي روى عن عبد الرحمان وابن عباس (1)
ثم استدل في المعتبر على بطلان ما ذهبوا إليه وأطال، إلى أن قال: وما ذكره الجمهور من
قصة عبد الرحمان وابن عباس لا حجة فيه لجواز أن يكون ما قالاه اجتهادا، على أنا نحمل
ذلك على الاستحباب وقد روي في أخبار أهل البيت (عليهم السلام) ما يماثله، ثم نقل
رواية أبي الصباح ورواية عبيد بن زرارة (2) ورواية عمر بن حنظلة. وظاهره كما ترى
حمل هذه الروايات على الاستحباب تفصيا من الاشكال الوارد في المقام وهو التكليف بعبادة
في وقت لا يسعها كما ذهب إليه العامة، هذا كلامه في مبحث الحيض، وفي مبحث
الأوقات استند إليها في الدلالة على امتداد وقت المضطر إلى قبل الفجر واتخذه مذهبا مع مخالفة
رواياته - كما عرفت - لجملة روايات الأوقات الواردة في الباب ومضادتها لآيات الكتاب
وموافقتها للعامة كما كشفنا عنه نقاب الإبهام والارتياب. وبالجملة فإن كلامه في مبحث
الحيض مخالف لكلامه في مبحث الأوقات، وظهور التقية في الأخبار المذكورة ومخالفة
ظاهر الكتاب مما لا مجال لإنكاره فلا وجه للاعتماد عليها. والعجب كل العجب منهم
(قدس الله أرواحهم ونور أشباحهم) أنه مع استفاضة الأخبار بهاتين القاعدتين كيف
ألغوهما في جميع أبواب الفقه وعكفوا في مقابلتهما على قواعد لم يرد بها سنة ولا كتاب؟
ولا سيما ما تكرر في كلامهم من الجمع بين الأخبار بالحمل على الكراهة والاستحباب،
ولم أر من تنبه إلى بعض ما ذكرناه في هذا المقام سوى شيخنا الشهيد الثاني في كتاب
روض الجنان حيث قال بعد نقل الخلاف في المسألة: وللأصحاب أن يحملوا الروايات
الدالة على الامتداد إلى الفجر على التقية لاطباق الفقهاء الأربعة عليه وإن اختلفوا في
كونه آخر وقت الاختيار أو الاضطرار (3) وهو محمل حسن في الخبرين المتعارضين إذا أمكن
حمل أحدهما عليها كما ورد به النص عنهم (عليهم السلام) (4).

(1) كما في المغني ج 1 ص 396.
(2) الصحيح (عبد الله بن سنان).
(3) التعلية 2 و 3 ص 185.
(4) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يقضي به.
186

(الرابع) - الأخبار الدالة على ذم النائم عن صلاة العتمة إلى الانتصاف وأمره
بالقضاء بعد الانتصاف وأمره بصيام ذلك اليوم عقوبة وأمره بالاستغفار، فمن ذلك
الخبر المتقدم نقله عن العياشي في الوجه الأول، ومنها ما رواه الصدوق مرسلا عن
أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " ملك موكل يقول من بات عن العشاء الآخرة إلى نصف
الليل فلا أنام الله عينه " ورواه في كتاب العلل مسندا في الصحيح عندي عن صفوان
ابن يحيى عن موسى بن بكر عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) إلا أن فيه
" من نام عن العشاء " وهو أظهر. وروى الشيخ بسنده إلى أبي بصير عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (3) في حديث قال: " وأنت في رخصة إلى نصف الليل وهو غسق الليل
فإذا مضى الغسق نادى ملكان: من رقد عن صلاة المكتوبة بعد نصف الليل فلا رقدت
عيناه " ونحوه في كتاب المجالس وكتاب المحاسن. وفي الموثق عن الحلبي عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (4) قال: " العتمة إلى ثلث الليل أو إلى نصف الليل وذلك التضييع "
وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (5) قال: " وروى في من نام عن العشاء الآخرة إلى
نصف الليل أنه يقضي ويصبح صائما عقوبة وإنما وجب ذلك لنومه عنها إلى نصف الليل "
قال المحدث الكاشاني في أبواب الأوقات من الوافي: ستأتي هذه الرواية مسندة في كتاب
الصيام (6) وفي الصحيح عن عبد الله بن مسكان رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) (7)
قال: " من نام قبل أن يصلي العتمة فلم يستيقظ حتى يمضي نصف الليل فليقض صلاته
ويستغفر الله " وفي الصحيح عن عبد الله بن المغيرة عن من حدثه عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (8) " في رجل نام عن العتمة فلم يقم إلا بعد انتصاف الليل؟ قال يصليها ويصبح
صائما " وقد ذهب إلى وجوب الصوم هنا المرتضى (رضي الله عنه) مدعيا الاجماع عليه

(1) الوسائل الباب 29 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 29 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 21 و 17 من المواقيت.
(4) الوسائل الباب 17 من المواقيت.
(5) الوسائل الباب 29 من المواقيت.
(6) رواه في الوسائل في الباب 29 من أبواب المواقيت.
(7) الوسائل الباب 29 من المواقيت.
(8) الوسائل الباب 29 من المواقيت.
187

وتبعه العلامة، وهو الظاهر من الصدوق في الفقيه حيث رواه وذكر وجوب ذلك، وهو
إما من كلامه فيكون صريحا في كونه مذهبا له أو يكون من الرواية فيكون ظاهره ذلك
ولم أقف على من نسب ذلك إليه مع أن الكلام على كلا الوجهين ظاهر الدلالة عليه، ومن
ذلك يظهر لك أنه لو كان الوقت ممتدا شرعا بالنسبة إلى المضطر إلى طلوع الفجر وأن الصحيحة
التي اعتمدها في المدارك وأمثالها من الأخبار التي ذكرناها كذلك أنما خرجت هذا المخرج
لم يترتب على النائم عنها إلى الانتصاف ما تضمنته هذه الأخبار من الذم والدعاء عليه
والقضاء الذي هو شرعا عبارة عن فعل الشئ خارج وقته والصوم عقوبة والاستغفار
سيما أن النائم غير مخاطب حال النوم، فكيف يترتب عليه ما ذكر ووقته ممتد إلى الفجر
لمكان العذر؟ وبما ذكرناه من هذه الوجوه الظاهرة البيان الساطعة البرهان يظهر لك
ما في كلام أولئك الأعيان من النظر الناشئ عن عدم التأمل حقه في الأخبار والخروج
عن القواعد المقررة عن الأئمة الأطهار الأبرار (صلوات الله عليهم آناء الليل وأطراف
النهار) والله العالم.
(الخامس) - أن مقتضى ما ذكروه - كما قدمنا نقله عن المدارك أن للمغرب
أوقاتا ثلاثة: وقت الفضيلة وهو إلى ذهاب الشفق ووقت الاجزاء إلى انتصاف الليل
ووقت المضطر إلى الفجر، والروايات قد استفاضت بأن لكل صلاة وقتين وأول الوقتين
أفضلهما كما تقدم شطر منها، وهذان الوقتان - بناء على المشهور كما تقدم تحقيقه - الأول
منهما للفضيلة والثاني للاجزاء وعلى القول الآخر الأول للمختار والثاني لأصحاب الأعذار
والاضطرار، وهذا - بحمد الله سبحانه - ظاهر من الأخبار وكلام علمائنا الأبرار لا يقبل
الانكار فالقول بالوقت الثالث خارج عن ذلك، وجعل الثاني للاجزاء والثالث
للاضطرار خارج عما تقرر في الأخبار في سائر الأوقات، إذ وصف الثاني بكونه وقت اجزاء
كما هو المشهور أو وقت اضطرار كما هو القول الآخر يرجع إلى أمر واحد والتغاير إنما هو
بالاعتبار لا أنهما وقتان متعددان. وبالجملة فما ذكروه مجرد تخريج لما توهموه من العمل بظواهر
188

هذه الأخبار وسموه بهذه التسمية. والله العالم.
(المسألة العاشرة) - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن أول
وقت العشاء إذا مضى من غروب الشمس قدر ثلاث ركعات وإليه ذهب السيد المرتضى
والشيخ في الإستبصار والجمل وابن بابويه وابن الجنيد وأبو الصلاح وابن البراج وابن
زهرة وابن إدريس ومن تأخر عنه، ونسبه العلامة في المنتهى إلى ابن أبي عقيل أيضا مع أنه في المختلف نسب إليه القول الآتي، وقال الشيخان أول وقتها غيبوبة الشفق ونسبه في
المختلف إلى ابن أبي عقيل وسلار، وهو أحد قولي المرتضى على ما نقله بعض الأصحاب أيضا
احتج جملة من الأصحاب على القول المشهور بجملة من الأخبار: منها - ما رواه
الصدوق في الفقيه عن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " إذا
غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء والآخرة ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
في حديث قال: " ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل
إلا أن هذه قبل هذه ".
وعن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " إذا غربت الشمس
فقد دخل وقت الصلاتين إلا أن هذه قبل هذه ".
وعن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: " إذا غربت
الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل إلا أن هذه قبل هذه ".
وما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا (5) قال: " قال الصادق (عليه السلام) إذا
غابت الشمس حل الافطار ووجبت الصلاة وإذا صليت المغرب فقد دخل وقت العشاء
الآخرة إلى انتصاف الليل ".

(1) الوسائل الباب 4 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 10 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 17 من المواقيت.
(4) الوسائل الباب 16 من المواقيت.
(5) الوسائل الباب 16 من المواقيت.
189

وما رواه في الكافي والتهذيب عن إسماعيل بن مهران قال: كتبت إلى الرضا
(عليه السلام) وقد تقدمت في صدر المسألة، ورواية داود بن فرقد عن بعض
أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقد تقدمت ثمة أيضا.
وما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة (1) قال: " سألت أبا جعفر وأبا عبد الله
(عليهما السلام) عن الرجل يصلي العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق؟ فقال لا بأس به ".
واستدل في المدارك أيضا على ذلك بما رواه الشيخ في الموثق عن عبيد الله وعمران
ابني علي الحلبي (2) قالا " كنا نختصم في الطريق في الصلاة صلاة العشاء الآخرة قبل
سقوط الشفق وكان منا من يضيق بذلك صدره فدخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام)
فسألناه عن صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق فقال لا بأس بذلك ".
وفي الصحيح عن أبي عبيدة (3) قال: " سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول
كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا كانت ليلة مظلمة وريح ومطر صلى المغرب ثم
مكث قدر ما يتنفل الناس ثم أقام مؤذنه ثم صلى العشاء ثم انصرفوا ".
وعن عبيد الله الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: " لا بأس أن تؤخر
المغرب في السفر حتى يغيب الشفق، ولا بأس بأن تعجل العتمة في السفر قبل أن يغيب الشفق "
أقول: ومن هذا القبيل ما تقدم في موثقة جميل بن دراج (5) من قوله: " قلت
فالعشاء الآخرة قبل أن يسقط الشفق؟ فقال لعلة لا بأس ".
ثم قال في المدارك: وجه الدلالة أنه لولا دخول وقت العشاء قبل ذهاب الشفق
لما جاز تقديمها عليه مطلقا كما لا يجوز تقديم المغرب على الغروب.
احتج الشيخان - على ما نقله في المدارك والمختلف - بصحيحة الحلبي (6) قال:
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) متى تجب العتمة؟ قال إذا غاب الشفق والشفق الحمرة "

(1) الوسائل الباب 22 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 22 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 22 من المواقيت.
(4) الوسائل الباب 22 من المواقيت.
(5) ص 179.
(6) الوسائل الباب 23 من المواقيت.
190

وصحيحة بكر بن محمد بن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قد تقدم (1) قال فيه
" وأول وقت العشاء ذهاب الحمرة وآخر وقتها إلى غسق الليل يعني نصف الليل " وزاد
في المختلف نقلا عنهما، ولأن الاجماع واقع على أن ما بعد الشفق وقت العشاء ولا اجماع على
ما قبله فوجب الاحتياط لئلا يصلي قبل دخول الوقت، ولأنها عبادة موقتة فلا بد لها من
ابتداء مضبوط وإلا لزم تكليف ما لا يطاق وأداء المغرب غير منضبط فلا يناط به
وقت العبادة. انتهى.
أقول: ظاهر كلاميهما ولا سيما مع ما ذكره هنا من الاحتجاج في المختلف أن
مراد الشيخين (طاب ثراهما) بما نقل عنهما أن غيبوبة الشفق هو الوقت الحقيقي للعشاء
وأن صلاتها قبله كصلاة المغرب قبل الغروب والظهر قبل الزوال.
وهو عندي محل نظر من وجوه: (أما أولا) فمن البعيد بل المقطوع ببطلانه عدم
اطلاع الشيخين على الأخبار المتقدمة المستفيضة الدالة على دخول الوقتين بغروب
الشمس إلا أن هذه قبل هذه ونحوها مما دل على جواز صلاة العشاء قبل غيبوبة الشفق،
وأبعد منه وأشد بطلانا اطراحها والغاؤها بالكلية بعد الوقوف عليها ولا محمل لها على
تقدير هذا القول بالمرة.
(وأما ثانيا) فلأن الشيخ في النهاية قد جوز تقديم العشاء قبل غيبوبة الشفق في
السفر وعند الأعذار، حيث قال بعد أن ذكر أن وقت العشاء الآخرة سقوط الشفق
وآخره ثلث الليل: ويجوز تقديم العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق في السفر وعند
الأعذار ولا يجوز ذلك مع الاختيار. وقال الشيخ المفيد في المقنعة: ولا بأس بأن يصلي
العشاء الآخرة قبل مغيب الشفق عند الضرورات. وجوز في التهذيب تقديمها إذا علم
أو ظن أنه إن لم يصل في هذا الوقت لم يتمكن منها بعده. وكلامه هذا يدل على كون
هذا الوقت الذي نقل عنه في هذه المسألة إنما أريد به الوقت الموظف لذوي الاختيار دون

(1) ص 172.
191

ذوي الأعذار وهذا هو الذي تنطبق عليه الأخبار الجارية في هذا المضمار، فمرجع كلاميهما إلى أن هذا الوقت الموظف لهم ليس لهم التقديم عليه إلا لعذر، وحينئذ فلا يرد عليه الاستدلال
بما نقلناه عن المدارك من الأخبار فإنها صريحة في أصحاب الأعذار.
وأما ما ذكره العلامة في المختلف من الأدلة الاعتبارية فالظاهر أنها من كلامه
(قدس سره) كما هي قاعدته في الكتاب المذكور بناء على فهمه من كلام الشيخين
المعنى الذي أشرنا إلى بطلانه وقد عرفت أنه مما يجب القطع ببطلانه لما ذكرنا، غاية الأمر أن
للعشاء دون غيرها وقتين اضطراريين أحدهما باعتبار المبدأ والآخر باعتبار المنتهى كما يأتي
في المسألة الآتية إن شاء الله تعالى.
ثم إنه على تقدير ما ذكرناه من حمل كلام الشيخين على أن المراد بكون غيبوبة
الشفق أول وقت العشاء الآخرة يعني وقت فضيلتها وأنه لا تقدم على ذلك إلا لعذر
كالسفر ونحوه فيجب حمل الأخبار التي استند إليها مما قدمنا ذكره على ذلك أيضا، إلا أنه
قد ورد في الأخبار ما يدل على الجواز من غير عذر ولا علة مثل موثقة زرارة المتقدمة
هنا، وما رواه الشيخ في الموثق الذي هو كالصحيح عن عبد الله بن بكير عن زرارة عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالناس
الظهر والعصر حين زالت الشمس في جماعة، من غير علة وصلى بهم المغرب والعشاء الآخرة
قبل سقوط الشفق من غير علة في جماعة وإنما فعل ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ليتسع الوقت على أمته " وعن إسحاق بن عمار (2) قال: " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) يجمع بين المغرب والعشاء في الحضر قبل أن يغيب الشفق من غير علة؟
قال لا بأس " وما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن الصادق
(عليه السلام) (3) " أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهر والعصر بأذان
وإقامتين وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من غير علة بأذان وإقامتين " ويؤيده

(1) رواه في الوسائل في الباب 32 من المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 32 من المواقيت.
(3) رواه في الوسائل في الباب 32 من المواقيت.
192

اطلاق ما رواه في التهذيب في الصحيح عن رهط: منهم - الفضيل وزرارة عن أبي جعفر
(عليه السلام) (1) " أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهر والعصر
وكذلك المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين " والظاهر حمل هذه الروايات على
الرخصة كما يشير إليه قوله (عليه السلام) " وإنما فعل ذلك رسول الله (صلى الله عليه
وآله).. إلى آخره " وإن كان الأفضل الانتظار إلى غيبوبة الشفق وأنه لا يقدم قبل ذلك
إلا مع العذر كما تقدم في جملة من الأخبار، وتطرق احتمال الحمل على التقية إلى روايات
الشيخين قائم فإن التأخير إلى هذا الوقت وعدم الصلاة قبله مذهب العامة قديما وحديثا كما
لا يخفى (2) والله العالم.
(المسألة الحادية عشرة) - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن وقت
العشاء الآخرة يمتد إلى نصف الليل وهو اختيار السيد المرتضى وابن الجنيد وسلار وابن
زهرة وابن إدريس وجمهور المتأخرين، وقال الشيخ المفيد آخره ثلث الليل وهو قول الشيخ
في النهاية والجمل والخلاف والاقتصاد، وقال في المبسوط آخره ثلث الليل للمختار
وللمضطر نصف الليل، وجعل في الخلاف والاقتصاد نصف الليل رواية، وفي النهاية
آخره ثلث الليل ولا يجوز تأخيره إلى آخر الوقت إلا لعذر وقد رويت رواية أن آخر
وقت العشاء الآخرة ممتد إلى نصف الليل والأحوط ما قدمناه. قال في المختلف بعد نقل
ذلك: وهذا يدل على أن وقت المضطر عنده ثلث الليل. وقال ابن حمزة كقوله في المبسوط
وقال ابن أبي عقيل أول وقت العشاء الآخرة مغيب الشفق والشفق الحمرة لا البياض فإن
جاوز ذلك حتى دخل ربع الليل فقد دخل في الوقت الأخير وقد روى إلى نصف الليل
وقال ابن البراج كقول المفيد، ونقل الشيخ في المبسوط عن بعض علمائنا أن آخره
للمضطر طلوع الفجر، ونقل عنه أنه قال في موضع من كتاب الخلاف لا خلاف بين أهل

(1) رواه في الوسائل في الباب 32 من أبواب المواقيت.
(2) كما في البدائع ج 1 ص 124 والفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 157.
193

العلم في أن أصحاب الأعذار إذا أدرك أحدهم قبل طلوع الفجر الثاني مقدار ركعة أنه يلزمه
العشاء الآخرة، وقد تقدم في المسألة التاسعة اختيار المحقق وصاحب المدارك لهذا القول
وتبعهما جملة من متأخري المتأخرين. والأظهر عندي هو امتداد وقت المضطر والمعذور
إلى نصف الليل وغيرهما إلى ثلث الليل أو ربعه.
ومن أخبار المسألة صحيحة زرارة ورواية عبيد بن زرارة المتضمنتان لتفسير الآية
وقد تقدمتا في الوجه الأول من الوجوه المتقدمة في المسألة التاسعة، ومنها - رواية عبيد بن
زرارة ومرسلة داود بن فرقد المتقدمتان أيضا في صدر المسألة المذكورة. ومنها - صحيحة
بكر بن محمد وقد تقدمت في المسألة الثامنة وفيها: " وأول وقت العشاء ذهاب الحمرة وآخر
وقتها إلى غسق الليل يعني نصف الليل " وما رواه في الفقيه مرسلا قال: قال الصادق (عليه
السلام) وقد تقدمت في روايات المسألة العاشرة وفيها " وإذا صليت المغرب فقد دخل وقت
العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل " وروى في التهذيب عن المعلي بن خنيس عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: " آخر وقت العتمة نصف الليل " وفي كتاب الفقه
الرضوي (2) " وآخر وقت العتمة نصف الليل وهو زوال الليل " وهذه الأخبار كلها
دالة على الامتداد إلى نصف الليل مطلقا.
ومنها - الروايات الواردة في نزول جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله)
بتحديد الأوقات وهي موثقة معاوية بن وهب ورواية معاوية بن ميسرة ورواية المفضل
ابن عمر ورواية ذريح (3) وقد اشترك الجميع في الدلالة على أنه أتاه في اليوم الأول في
وقت العشاء حين سقط الشفق وفي اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل ثم قال له: " ما بين
هذين الوقتين وقت " وفي رواية ذريح (4) " وأفضل الوقت أوله، ثم قال قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله) لولا أني أكره أن أشق على أمتي لأخرتها إلى نصف الليل ".

(1) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب المواقيت.
(2) ص 2.
(3) ص 127.
(4) التهذيب ج 1 ص 208 وفي الوسائل الباب 10 من المواقيت.
194

وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان (1) قال: " سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول أخر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلة من الليالي
العشاء الآخرة ما شاء الله فجاء عمر فدق الباب فقال يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)
نام النساء نام الصبيان فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال ليس لكم أن تؤذوني
ولا تأمروني إنما عليكم أن تسمعوا وتطيعوا ".
وعن أبي بصير في الموثق عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال: " قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) لولا أني أخاف أن أشق على أمتي لأخرت العتمة إلى
ثلث الليل، وأنت في رخصة إلى نصف الليل وهو غسق الليل فإذا مضى الغسق نادى
ملكان من رقد عن صلاة المكتوبة بعد نصف الليل فلا رقدت عيناه " ورواه في الكافي
عن أبي بصير (3) إلى قوله " ثلث الليل " ثم قال الكليني " وروى إلى ربع الليل ".
وروى الصدوق باسناده في الصحيح عن معاوية بن عمار (4) في رواية " أن
وقت العشاء الآخرة إلى ثلث الليل " قال الصدوق: وكأن الثلث هو الأوسط والنصف
هو آخر الوقت.
وروى في كتاب العلل عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) (5) قال:
" قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى
نصف الليل ".
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6) قال: " قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله) لولا نوم الصبي وعلة الضعيف لأخرت العتمة إلى ثلث الليل ".
وروى الشيخ في التهذيب في الموثق عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (7)
قال: " العتمة إلى ثلث الليل أو إلى نصف الليل وذلك التضييع ".

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب المواقيت.
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب المواقيت.
(3) الوسائل الباب 21 من أبواب المواقيت.
(4) الوسائل الباب 21 من أبواب المواقيت.
(5) الوسائل الباب 21 من أبواب المواقيت.
(6) الوسائل الباب 21 من أبواب المواقيت.
(7) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب المواقيت.
195

وعن زرارة (1) قال: " سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول كان رسول الله
(صلى الله عليه وآله) لا يصلي من النهار شيئا حتى تزول الشمس، إلى أن قال ويصلي
المغرب حين تغيب الشمس فإذا غاب الشفق دخل وقت العشاء وآخر وقت المغرب اياب
الشفق فإذا آب الشفق دخل وقت العشاء وآخر وقت العشاء ثلث الليل.. الحديث "
وفي كتاب نهج البلاغة (2) في كتاب كتبه أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى
أمراء البلاد، إلى أن قال: " وصلوا بهم العشاء الآخرة حين يتوارى الشفق إلى ثلث الليل "
وروى الصدوق في كتاب الهداية مرسلا (3) قال: " قال الصادق
(عليه السلام) إذا غابت الشمس فقد حل الافطار ووجبت الصلاة ووقت المغرب
أضيق الأوقات وهو إلى حين غيبوبة الشفق ووقت العشاء من غيبوبة الشفق إلى
ثلث الليل ".
وفي موضع آخر من كتاب الفقه الرضوي (4) غير الموضع الذي قدمناه " ووقت
العشاء الآخرة الفراغ من المغرب ثم إلى ربع الليل وقد رخص للعليل والمسافر فيهما إلى انتصاف الليل وللمضطر إلى قبل طلوع الفجر ".
هذا ما حضرني من الأخبار المتعلقة بالمسألة وهي - كما ترى - دائرة بين وقتين
أحدهما ذهاب ثلث الليل وثانيهما إلى نصف الليل، وطريق الجمع ما تقدم في غيرهما من
الأوقات من جعل الأول للفضيلة كما هو المشهور أو الاختيار كما هو القول الآخر والثاني
للاجزاء أو لأصحاب الأعذار والاضطرار كما هو ظاهر من سياق هذه الأخبار.
تنبيهان: (الأول) - قال شيخنا صاحب بحار الأنوار في الكتاب المذكور
بعد نقل جملة من أقوال المسألة كما قدمناه: ولعل الأقوى امتداد وقت الفضيلة إلى ثلث
الليل ووقت الاجزاء للمختار إلى نصف الليل ووقت المضطر إلى طلوع الفجر فإن أخر

(1) الوسائل الباب 10 من المواقيت.
(2) شرح ابن الحديد ج 4 ص 116.
(3) البحار ج 18 الصلاة ص 60.
(4) ص 7.
196

المختار عن نصف الليل أثم ولكنه يجب عليه الاتيان بالعشاءين قبل طلوع الفجر أداء،
إلى أن قال (فإن قيل) ظاهر الآية انتهاء وقت العشاءين بانتصاف الليل وإذا اختلفت
الأخبار يجب العمل بما يوافق القرآن (قلنا) إذا أمكننا الجمع بين ظاهر القرآن
والأخبار المتنافية ظاهرا فهو أولى من طرح بعض الأخبار، وحمل الآية على المختارين
الذين هم جل المخاطبين وعمدتهم يوجب الجمع بينها وعدم طرح شئ منها. وأما حمل
أخبار التوسعة على التقية كما فعله الشهيد الثاني (قدس سره)، ثم نقل كلامه الذي قدمناه
ثم قال فهو غير بعيد لكن أقوالهم لم تكن منحصرة في أقوال الفقهاء الأربعة وعندهم
في ذلك أقوال منتشرة، والحمل على التقية إنما يكون في ما إذا لم يكن محمل آخر ظاهر به يجمع
بين الأخبار وما ذكرناه جامع بينها. وبالجملة فالمسألة لا تخلو من اشكال والأحوط عدم التأخير
عن تتمة الليل بعد التجاوز عن النصف وعدم التعرض للأداء والقضاء. انتهى ملخصا.
أقول: فيه (أولا) إن ما ذكره - من الحمل وجمع به بين ظاهر الآية والأخبار
المنافية - إن سلم له في الآية بالنظر إلى ظاهرها لكنه لا يتم بالنظر إلى الأخبار الواردة
بتفسيرها كما تلوناها عليك آنفا فإن ظاهرها انحصار أوقات هذه الصلوات الأربع لجميع
المكلفين من مختارين ومضطرين في ما بين الدلوك إلى الغسق سيما ما اشتمل عليه ذيل
رواية العياشي من قوله: " وقال إنه ينادي مناد من السماء.. إلى آخره " فإنه ظاهر
في خروج الوقت بالانتصاف حتى بالنسبة إلى النائم وأصحاب الاضطرار عنده كالنائم وشبهه
وهذه صورة الحال فيهم كما ترى ولو كان لهذا الوقت أثر لأشير إليه في شئ منها،
وأيضا لا ريب في أن الامتداد إلى الغسق بالنسبة إلى العشاءين إنما جرى على الامتداد
إلى الغروب في الظهرين وإن وقع مطويا في الآية إلا أن أخبار تفسيرها نبهت عليه
والامتداد الأول إنما هو للاجزاء والاضطرار والأعذار على القولين المتقدمين وهكذا
الثاني فتخصيصه بالاجزاء كما ادعاه دون الاضطرار نظرا إلى تلك الأخبار غير جيد،
نعم يدل على ما ذكره ما تقدم من كلامه (عليه السلام) في كتاب الفقه الرضوي إلا
197

أن الواجب حمل قوله: " وللمضطر إلى قبل طلوع الفجر " على ما حملت عليه
تلك الأخبار المتقدمة لما عرفت، على أن حكمه (عليه السلام) بالترخيص للعليل والمسافر في
التأخير إلى انتصاف الليل لا يوافق ما ذكروه فإنهم جعلوا التحديد إلى نصف الليل
للمختار وحملوه على الاجزاء كما عرفت وجعلوا وقت الامتداد إلى الفجر وقتا لأصحاب
الأعذار والاضطرار فكلامه (عليه السلام) لا ينطبق على شئ من القولين كما ترى.
و (ثانيا) ما عرفت في ما تقدم من استفاضة الأخبار أن لكل صلاة وقتين
ومقتضى ما ذكروه أن لكل من صلاتي العشاءين ثلاثة أوقات والأخبار بما ذكرناه مستفيضة
و (ثالثا) أن ما اشتملت عليه الأخبار التي ذكرناها في الوجه الرابع كما
أوضحناه ثمة لا يجامع القول بهذا الوقت الذي توهموه.
و (رابعا) أن أخبار العرض على مذهب العامة في مقام اختلاف الأخبار مطلقة
وتخصيصها بما ذكره هنا وكذا ما اشتهر من تقديم الجمع بين الأخبار بالحمل على الاستحباب
أو الكراهة يحتاج إلى دليل وليس فليس، وما ادعاه من انتشار مذهب العامة إن صح
فالأكثر والجمهور إنما هو على القول بالامتداد إلى الفجر كما عرفت من كلام المحقق في
المعتبر ومثله العلامة في المنتهى وإن اختلفوا في التخصيص بذوي الأعذار أو شمول ذلك
لذوي الاختيار، وقد ورد عنهم (عليهم السلام) أنه مع اختلافهم تعرض الأخبار على
ما عليه جمهورهم ويؤخذ بخلافه. وبالجملة فإن كلامه (قدس سره) تبعا لأولئك القائلين
وتزيينه بما ذكره لا يخفى ما فيه كما لا يخفى على المتأمل النبيه.
(الثاني) - قال في المدارك وربما ظهر من بعض الروايات عدم استحباب
المبادرة بالعشاء بعد ذهاب الشفق كرواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال:
" قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لولا أني أخاف أن أشق على أمتي.. الخبر " وقد
تقدم، ثم نقل صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة المتضمنة لمجئ عمر ودق الباب. وفيه عندي

(1) المروية في الوسائل في الباب 21 من أبواب المواقيت.
198

نظر وإن كان قد تقدمه في ذلك الشهيد في الذكرى، والوجه في ذلك أن غاية ما تدل
عليه الرواية الأولى أنه (صلى الله عليه وآله) أخبر أنه لولا خوف المشقة على أمته لجعل
فضيلة العشاء في التأخير إلى مضي ثلث الليل لكن لما كان فيه مشقة عليهم لم يفعله ولم
يأمر به، لأن " لولا " تدل على انتفاء الشئ الذي هو الجزاء لثبوت غيره الذي هو
الشرط، وهذا لا يدل على استحباب التأخير إلى ذلك المقدار حتى يكون منافيا لما دل
على أفضلية أول الوقت، بل هو بالدلالة على خلافه أشبه لأنه (صلى الله عليه وآله) لم يشرعه
ولم يأمر به وإنما هو مجرد خبر أراد به إظهار الشفقة عليهم وبيان سعة الشريعة وأنها مبنية
على السهولة والسماحة، ولو استلزم هذا الكلام ما ذكره للزم على رواية نصف الليل كما
تقدم في رواية العلل استحباب تأخير العشاء إلى بعد الانتصاف الذي قد استفاضت
الأخبار بخروج الوقت به، وبالجملة فإن الغرض من الخبر إنما هو ما ذكرنا فلا دلالة
فيه على استحباب التأخير إن لم يكن فيه دلالة على العدم، نعم آخر الثلث هو آخر
وقت الفضيلة أو الاختيار على القولين المتقدمين وما بعده إلى الانتصاف هو وقت الاجزاء
على المشهور أو ذوي الأعذار على المختار، وأما الرواية الثانية فالظاهر أن تأخيره
(صلى الله عليه وآله) تلك الليلة بخصوصها دون سائر الليالي إنما كان لعذر ويشير إلى
ذلك قوله (عليه السلام) " ليلة من الليالي " لا أن ذلك كان مستمرا منه (صلى الله عليه
وآله) حتى يتوهم منه ما ذكره، وربما كان التفاتهم فيما فهموه من الخبر الأول إلى أنه لولا
خوف المشقة لأوجب التأخير وجعل ذلك فرضا واجبا عليهم ولكنه لأجل الرأفة بهم لم
يوجبه وهو يومئ إلى استحباب ذلك. وفيه أن حمل الخبر على الوجوب بعيد غاية البعد عن
مفاد الأخبار المستفيضة المتكاثرة المتقدمة الصريحة الدلالة في خروج وقتها بعد مضي قدر
الثلث ولا سيما أخبار نزول جبرئيل بالأوقات الدالة على أن أول وقتها غيبوبة الشفق وآخره
حين يذهب ثلث الليل (1) إلا أن يقال إنه كان يريد نسخ ذلك في هذه الفريضة بخصوصها

(1) ص 127.
199

والأقرب أنه إنما أراد جعل ذلك وقت فضيلة لها لا وقت وجوب ولكنه للعلة المذكورة
لم يجعله. والله العالم.
(المسألة الثانية عشرة) - لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) بل
كافة العلماء في أن أول وقت صلاة الصبح هو طلوع الفجر الثاني وهو المستطير في الأفق
أي المنتشر فيه الذي لا يزال في زيادة، ويقابله الفجر الأول وهو الذي يبدو كذنب
السرحان مستدقا مستطيلا إلى فوق، ويسمى هذا الكاذب لعدم دلالته على الصبح
واقعا وذاك يسمى الصادق لصدقه عن الصبح.
والمستند في ما ذكرناه الأخبار المستفيضة، ومنها - ما رواه ثقة الاسلام في الكافي
عن علي بن مهزيار (1) قال: " كتب أبو الحسن بن الحصين إلى أبي جعفر الثاني (عليه
السلام) معي: جعلت فداك قد اختلف موالوك في صلاة الفجر، فمنهم من يصلي إذا طلع
الفجر الأول المستطيل في السماء، ومنهم من يصلي إذا اعترض في أسفل الأفق واستبان ولست
أعرف أفضل الوقتين فأصلي فيه فإن رأيت أن تعلمني أفضل الوقتين وتحده لي وكيف
أصنع مع القمر والفجر لا يتبين معه حتى يحمر ويصبح وكيف أصنع مع الغيم وما حد
ذلك في السفر والحضر فعلت إن شاء الله تعالى؟ فكتب بخطه وقرأته: الفجر يرحمك
الله هو الخيط الأبيض المعترض ليس هو الأبيض صعدا فلا تصل في سفر ولا حضر
حتى تتبينه فإن الله تعالى لم يجعل خلقه في شبهة من هذا فقال: وكلوا واشربوا
حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.. " (2) فالخيط
الأبيض هو المعترض الذي يحرم به الأكل والشرب في الصوم وكذلك هو الذي
توجب به الصلاة ".
وما رواه الشيخ في التهذيب عن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) (3)

(1) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب المواقيت.
(2) سورة البقرة، الآية 183.
(3) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب المواقيت.
200

قال: " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي ركعتي الصبح وهي الفجر إذا
اعترض الفجر وأضاء حسنا ".
وعن علي بن عطية في الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " الصبح
هو الذي إذا رأيته معترضا كأنه بياض سورى ".
وعن هشام بن الهذيل عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) (2) قال: " سألته عن
وقت صلاة الفجر فقال حين يعترض الفجر فتراه مثل نهر سورى ".
وعن يزيد بن خليفة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " وقت
الفجر حين يبدو حتى يضئ " إلى غير ذلك من الأخبار الآتي جملة منها إن شاء
الله تعالى في المقام.
وبالجملة فإنه لا خلاف في الحكم المذكور نصا وفتوى وإنما الخلاف في آخره فالمشهور أن
آخره طلوع الشمس وبه قال السيد المرتضى وابن الجنيد والشيخ المفيد وسلار وابن البراج
وأبو الصلاح وابن زهرة وابن إدريس وعليه جمهور المتأخرين، وقال ابن أبي عقيل
آخره للمختار طلوع الحمرة المشرقية وللمضطر طلوع الشمس وهو اختيار ابن حمزة،
وللشيخ قولان: أحدهما كالقول الأول ذهب إليه في الجمل والاقتصاد، والثاني كمذهب
ابن أبي عقيل اختاره في المبسوط والخلاف.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه الشيخ عن زرارة
عن أبي جعفر (عليه السلام) (4) قال: " وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر
إلى طلوع الشمس ".
وعن عمار الساباطي في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) " في الرجل
إذا غلبته عيناه أو عاقه أمر أن يصلي المكتوبة من الفجر ما بين أن يطلع الفجر إلى

(1) الوسائل الباب 27 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 27 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 26 من المواقيت.
(4) الوسائل الباب 26 من المواقيت.
(5) رواه في الوسائل في الباب 26 و 30 من المواقيت.
201

أن تطلع الشمس وذلك في المكتوبة خاصة فإن صلى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس
فليتم وقد جازت صلاته ".
وعن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " لا تفوت
الصلاة من أراد الصلاة، إلى أن قال ولا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس ".
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) قال: " وقت الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء ولا
ينبغي تأخير ذلك عمدا لكنه وقت لمن شغل أو نسي أو نام ".
وما رواه في التهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (3) قال: " لكل صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما ووقت صلاة الفجر حين
ينشق الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا لكنه وقت لمن
شغل أو نسي أو سها أو نام.. الحديث ".
وما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح أو الحسن عن عاصم بن حميد عن أبي بصير
ليث المرادي (4) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) فقلت متى يحرم الطعام والشراب
على الصائم وتحل الصلاة صلاة الفجر؟ فقال إذا اعترض الفجر فكان كالقبطية البيضاء
فثم يحرم الطعام على الصائم وتحل الصلاة صلاة الفجر. قلت أفلسنا في وقت إلى أن يطلع
شعاع الشمس؟ قال هيهات أين يذهب بك؟ تلك صلاة الصبيان ".
وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عاصم بن حميد عن أبي بصير
المكفوف (5) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصائم متى يحرم عليه
الطعام؟ فقال إذا كان الفجر كالقبطية البيضاء. قلت فمتى تحل الصلاة؟ فقال إذا كان
كذلك. فقلت ألست في وقت من تلك الساعة إلى أن تطلع الشمس؟ فقال لا إنما نعدها

(1) الوسائل الباب 10 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 26 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 26 من المواقيت.
(4) الوسائل الباب 27 من المواقيت.
(5) الوسائل الباب 28 من المواقيت.
202

صلاة الصبيان، ثم قال إنه لم يكن يحمد الرجل أن يصلي في المسجد ثم يرجع فينبه أهله وصبيانه "
وفي كتاب الفقه الرضوي (1) قال (عليه السلام): " أول وقت الفجر اعتراض
الفجر في أفق المشرق وهو بياض كبياض النهار وآخر وقت الفجر أن تبدو الحمرة في أفق
المغرب وقد رخص للعليل والمسافر والمضطر إلى قبل طلوع الشمس ".
وفي كتاب دعائم الاسلام (2) وعنه - يعني عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) -
قال: " أول وقت صلاة الفجر اعتراض الفجر في أفق المشرق وآخر وقتها أن يحمر أفق
المغرب وذلك قبل أن يبدو قرن الشمس من أفق المشرق بشئ ولا ينبغي تأخيرها إلى
هذا الوقت لغير عذر وأول الوقت أفضل ".
هذا ما حضرني من الأخبار الواردة في المسألة، وأنت خبير بأن مقتضى الجمع بينها
بضم مطلقها إلى مقيدها هو أن الحكم في هذه الصلاة كغيرها من الصلوات المتقدمة في أن لها وقتين فعلى المشهور الوقت الأول للفضيلة والثاني للاجزاء وعلى القول الآخر الوقت
الأول للمختار والثاني لأصحاب الأعذار والاضطرار، وهذا هو الذي تنادي به عبارات
هذه الأخبار كما لا يخفى على من جاس خلال الديار والتقط من لذيذ هذه الثمار.
وأما ما ذكره في المدارك بناء على اختياره القول المشهور وتبعه من تبعه عليه حيث
قال بعد نقل القولين: والمعتمد الأول، لنا أصالة عدم تضيق الواجب قبل طلوع الشمس
وما رواه الشيخ في الموثق عن عبيد بن زرارة، ثم أورد موثقته المتقدمة الدالة على الامتداد
إلى طلوع الشمس ثم رواية زرارة المتقدمة الدالة على ذلك أيضا ثم قال وعن الأصبغ بن
نباتة (3) قال: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام) من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع
الشمس فقد أدرك الغداة تامة " ويمكن أيضا أن يستدل بصحيحة علي بن يقطين (4)
قال: " سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل لا يصلي الغداة حتى يسفر وتظهر

(1) ص 2.
(2) المستدرك الباب 20 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 30 من المواقيت.
(4) الوسائل الباب 51 من المواقيت.
203

الحمرة ولم يركع ركعتي الفجر أيركعهما أو يؤخرهما؟ قال يؤخرهما " وجه الدلالة أن ظاهر
هذا الخبر امتداد الوقت إلى ما بعد الاسفار وظهور الحمرة وكل من قال بذلك قال
بامتداده إلى طلوع الشمس، ثم قال احتج الشيخ (قدس سره) على انتهائه للمختار
بالاسفار بما رواه في الحسن عن الحلبي، ثم ساق الرواية كما قدمناه ثم أردفها بصحيحة
عبد الله بن سنان المتقدمة، ثم قال والجواب منع دلالة الروايتين على خروج وقت
الاختيار بذلك فإن لفظ " لا ينبغي " ظاهر في الكراهة، وجعل ما بعد الاسفار لمن شغل
يقتضي عدم فوات وقت الاختيار بذلك فإن الشغل أعم من الضروري، وبالجملة فأقصى
ما تدلان عليه خروج وقت الفضيلة بذلك لا وقت الاختيار. انتهى -
ففيه نظر من وجوه: (الأول) أن مرجع الأصل الذي تمسك به على عدم تضيق
الواجب قبل طلوع الشمس إلى عموم الدليل الدال على أن وقت الصبح من الفجر الثاني
إلى طلوع الشمس وهي الروايات التي استند إليها. وفيه أن من منع من الامتداد إلى
طلوع الشمس وجعل نهاية وقته الاسفار وظهور الحمرة كما دلت عليه أخباره التي استند
إليها لا يرد عليه هذا الكلام، لأن الأوقات الشرعية لما كانت محدودة بحدود مقررة
فكل من ثبت عنده حد معين لا يجوز تجاوزه ووجب عليه القول به والانتهاء إليه
والثابت عند أصحاب هذا القول هو التحديد بالاسفار وانتشار الصبح، وحينئذ فلا
وجه لهذه الأصالة وهل هي إلا نوع مصادرة؟ على أن غاية ما تدل عليه الأخبار المذكورة
هو كون ذلك وقتا في الجملة كما تقدم بيانه ويكفي في صدق ذلك كونه وقتا لذوي
الأعذار كما صرحت به الأخبار، وبالجملة فالأخبار في المسألة ما بين مطلق ومقيد وطريق
الجمع الواضحة حمل مطلقها على مقيدها.
(الثاني) أن ما استند إليه من الأخبار التي ذكرها واعتمد في الاستدلال عليها
كلها ضعيفة السند باصطلاحه وهو يردها لو كانت من طريق الخصم كما هو المعلوم من
عادته بل يرد الأخبار الحسنة فضلا عن الموثقة فكيف يسوغ منه الاستدلال بها
204

والاعتماد عليها؟ مع أن ما قابلها أصح سندا كما اعترف به وأوضح دلالة وما طعن به في
دلالتها فسيظهر لك ما فيه، على أن وصفه رواية عبيد بن زرارة بأنها موثقة - وإن تبعه في
ذلك شيخنا البهائي في كتاب الحبل المتين - غفلة منه (قدس سره) وممن تبعه حيث إن
في طريقها علي بن يعقوب الهاشمي وهو غير موثق.
(الثالث) - أن ما أورده من رواية الأصبغ بن نباتة وصحيحة علي بن يقطين
في المقام مدخول بأن الأولى ظاهرة في ذوي الأعذار إذ التأخير إلى أن يفوت الوقت
حتى لم يبق إلا قدر ركعة لا يكون إلا لذلك فالرواية ليست من محل البحث في شئ،
وأما الثانية فمع الاغماض عن حملها على ذوي الأعذار فإن الاستدلال بها مبني على حجية
هذا الاجماع المتناقل في كلامهم والمتداول على رؤوس أقلامهم مركبا أو بسيطا، وهو
من جملة من طعن فيه في غير موضع من تحقيقاته بل ذكر في صدر كتابه أنه صنف
في ذلك رسالة فكيف يحتج به ههنا؟ ولكنه جار على احتجاجه بالروايات الضعيفة كما
ذكرناه وكل ذلك مجازفة ظاهرة. ومع الاغماض عن جميع ذلك فالظاهر - كما تقدم
تحقيقه سابقا - أن هؤلاء القائلين بكون الوقت الأول وقتا للمختار دون غيره لا يريدون
به أنه لو خرج وجب الاتيان بالصلاة قضاء كما لو طلعت الشمس اتفاقا وإنما يريدون به
استحقاق المؤاخذة من الله تعالى وكونه تحت المشيئة إن شاء الله سبحانه قبل صلاته بفضله
ورحمته وإن شاء ردها عليه وهذا لا ينافي كون الوقت الباقي وقتا له أيضا على النحو
المذكور، نعم هو وقت حقيقي لذوي الأعذار لا يستحقون المؤاخذة على التأخير إليه
بسبب العذر. وبذلك يظهر لك أيضا ما في كلام شيخنا البهائي (قدس سره) في
كتاب الحبل المتين من ترجيحه القول المشهور وقوله: والحديث السابع نص فيه، وأشار
به إلى رواية عبيد بن زرارة التي عدها موثقة تبعا لصاحب المدارك وأيدها برواية زرارة
ورواية الأصبغ بالتقريب الذي ذكره في المدارك. وفيه ما عرفت.
(الرابع) - أن ما طعن به على صحيحتي الحلبي وعبد الله بن سنان - وإن
205

وصف الأولى بكونها حسنة فإن ذلك أنما هو بإبراهيم بن هاشم الذي قد عرفت أن عد
حديثه في الصحيح كما عليه جملة من محققي متأخري المتأخرين هو الصحيح - باعتبار
لفظ " لا ينبغي " بأنه ظاهر في الكراهة فمردود بما تقدم تحقيقه في غير مقام من أن
هذا الظهور إنما هو باعتبار عرف الناس وأما باعتبار عرف الأئمة (عليهم السلام)
وما وردت به أخبارهم فاستعمال هذا اللفظ في التحريم كما أن استعمال " ينبغي " في الوجوب
أكثر من أن يحصى كما أنه ربما استعمل أيضا في المعنى المشهور. والتحقيق أن الحمل على
أحد المعنيين يحتاج إلى قرينة في البين لأن اللفظ من الألفاظ المشتركة في كلامهم (عليهم
السلام) والقرينة في الحمل على المعنى الذي ندعيه ظاهرة من الأخبار الأخر كصحيحة أبي بصير
برواية الفقيه وموثقته برواية التهذيب وموثقة عمار المتقدم ذلك كله، فإن الجميع ظاهر
في أن الامتداد إلى طلوع الشمس إنما هو لأصحاب الأعذار دون أصحاب الاختيار وعليها
تحمل الصحيحتان المذكورتان. وأما ما ذكره من حمل الشغل على ما هو أعم من
الضروري ففيه أن المفهوم من الأخبار - وبه صرح المحدث الكاشاني في الوافي أيضا -
أن الشغل الذي هو من جملة الأعذار لا يختص بالضروري حتى أنه بالحمل على غير
الضروري يجامع الاختيار، فإن المستفاد منها أنه يكفي الشغل الذي يكون عذرا في
التأخير إلى الوقت الثاني عدم حصول التوجه والاقبال على الصلاة لو صلى في الوقت
الأول كما في روايات عمر بن يزيد الثلاث المتقدمة في وقت المغرب (1).
(الخامس) - قوله: " وبالجملة فأقصى ما تدلان عليه خروج وقت الفضيلة "
فإنه مما يقضى منه العجب حيث إنه (عليه السلام) قد صرح في هذين الخبرين
بأن هذا الوقت الأخير إنما هو لهؤلاء المعدودين وهم أصحاب الأعذار ومثلهما
روايات أبي بصير وعمار، والجميع ظاهر في أنه ليس وقتا لغيرهم من أصحاب الاختيار،
فكيف يتم ما ادعاه من أن أقصى ما تدلان عليه خروج وقت الفضيلة؟ وأي مجال هنا

(1) ص 179.
206

لذكر الفضيلة والاجزاء الذي ذهبوا إليه، وأي إشارة فضلا عن الظهور في الدلالة عليه؟
وبذلك يظهر لك ما في كلامه (قدس سره) من المجازفة في المقام والخروج عن جادة
التحقيق الظاهر لذوي الأفهام.
وينبغي التنبيه على أمور: (الأول) اعلم أنه قد تضمن جملة من الأخبار استحباب
تأخير صلاة الصبح إلى الاسفار والإضاءة من الفجر لا بمعنى الاسفار الذي تقدم كونه
وقتا لذوي الأعذار وهو أن يتجلل الصبح السماء بل بمعنى الإضاءة في الجملة المقابل
للتغليس كقوله (عليه السلام) في صحيحة أبي بصير " إذا اعترض فكان كالقبطية
البيضاء " ونحوه في موثقته وقوله في صحيحة زرارة المتقدمة " إذا اعترض الفجر وأضاء
حسنا " وفي حسنة علي بن عطية " معترضا كأنه بياض سورى " وروى في كتاب
الهداية مرسلا (1) قال: " قال الصادق (عليه السلام) حين سئل عن وقت الصبح
فقال حين يعترض الفجر ويضئ حسنا " وروى في البحار (2) عن كتاب العروس
بإسناده عن الرضا (عليه السلام) قال: " صل صلاة الغداة إذا طلع الفجر وأضاء حسنا "
وجملة أخرى تتضمن استحباب التغليس بها مثل رواية إسحاق بن عمار (3) قال:
" قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أخبرني عن أفضل المواقيت في صلاة الفجر فقال مع
طلوع الفجر إن الله يقول: " وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا " (4) يعني صلاة
الفجر يشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار فإذا صلى العبد صلاة الصبح مع طلوع الفجر
أثبتت له مرتين أثبتها ملائكة الليل وملائكة النهار " وما رواه الشيخ في كتاب المجالس
بسنده فيه عن زريق الخلقاني عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) " أنه كان يصلي
الغداة بغلس عند طلوع الفجر الصادق أول ما يبدو قبل أن يستعرض وكأن يقول: وقرآن
الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا، إن ملائكة الليل تصعد وملائكة النهار تنزل عند طلوع

(1) البحار ج 18 الصلاة ص 64.
(2) البحار ج 18 الصلاة ص 64.
(3) الوسائل الباب 28 من المواقيت.
(4) سورة بني إسرائيل، الآية 80.
(5) الوسائل الباب 28 من المواقيت.
207

الفجر فأنا أحب أن تشهد ملائكة الليل وملائكة النهار صلاتي " وروى في الفقيه مرسلا (1)
قال: " سأل يحيى بن أكثم القاضي أبا الحسن الأول (عليه السلام) عن صلاة الفجر لم يجهر
فيها بالقراءة وهي من صلوات النهار وإنما يجهر في صلاة الليل؟ فقال لأن النبي (صلى الله
عليه وآله) كان يغلس بها فقربها من الليل " ونقل في الذكرى أنه روي " أن النبي
(صلى الله عليه وآله) كان يصلي الصبح فينصرف النساء وهن متلفعات بمروطهن
لا يعرفن من الغلس " (2) أقول: لعل هذه الرواية من طريق العامة فإني لم أقف عليها
في أخبارنا بعد الفحص من البحار وغيره.
ولعل وجه الجمع بين هذه الأخبار هو أن الأفضل ما دلت عليه هذه الأخبار
الأخيرة من التغليس للعلة المذكورة في بعضها ولما دل على فضل أول الوقت، ويحتمل
حمل الأخبار الأول على استحباب التأخير لمن لا يدرك الفرق بين الفجرين إلا بذلك
ويشتبه عليه الحال في مبدأ الأمر، لكن ظاهر صحيحة زرارة المتقدمة الدالة على أنه
(صلى الله عليه وآله) كان يصلي ركعتي الصبح إذا اعترض الفجر فأضاء حسنا ربما نافر
ذلك إلا أن يخص ببعض الأوقات التي يحصل فيها الاشتباه لا دائما.
وجمع في المنتقى بين الأخبار المذكورة بحمل مطلق الأخبار على مقيدها، قال
والذي تقتضيه القواعد هنا حمل الأخبار المطلقة على المقيدة. أقول: فيه أن ما ذكره
جيد بالنسبة إلى ما عدا حديث المجالس حيث تضمن أول ما يبدو قبل أن يستعرض
ولكن العذر له (قدس سره) واضح حيث لم يطلع عليه، ثم قال ولولا التصريح في
بعض أخبار التقييد بأن أفضل الوقت مع طلوع الفجر لاتجه حمل أخبار الطلوع والانشقاق
على إرادة وقت الاجزاء وأخبار الإضاءة على الفضيلة بنحو ما ذكر في سائر الفرائض
ونفى البأس في صحيحة محمد بن مسلم يشعر بهذا المعنى أيضا، ولو اقتصرنا في العمل
على الصحيح الواضح وقطعنا النظر عما سواه كان الجمع بهذا الوجه متعينا. انتهى.

(1) الوسائل الباب 25 من القراءة.
(2) صحيح مسلم ج 1 ص 239 و 240.
208

أقول: ما ذكره (قدس سره) من هذا الحمل لولا تصريح الخبر المشار إليه بما
ذكره مردود بما أوضحنا سابقا في المسألة الرابعة بكلامنا على كلامه ونقض ابرامه وهو
الذي أشار إليه هنا بقوله: " بنحو ما ذكر في سائر الفرائض " وأشار بالصحيح الواضح
إلى صحيحة زرارة المتقدمة المشتملة على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يصلي
ركعتي الصبح إذا اعترض الفجر وأضاء حسنا. وكيف كان فما دلت عليه هذه الصحيحة
من صلاته (صلى الله عليه وآله) في هذا الوقت المذكور فيها لا يخلو من مدافعة لما دلت
عليه مرسلة الفقيه المتقدمة إلا أن يحمل ذلك على بعض الأوقات دون بعض.
(الثاني) - لا يخفى أن خبر أبي بصير المتقدم قد قيده في الفقيه بكونه ليث
المرادي والشيخ قيده بكونه المكفوف والكليني في الكافي قد رواه في الصحيح عن
عاصم بن حميد عن أبي بصير وأطلق وساق الحديث بنحو ما ذكره الصدوق إلا أنه قال:
" متى يحرم الطعام والشراب " وقال في آخره: " أين تذهب تلك صلاة الصبيان "
وصاحب المنتقى قد جعل اختلاف المشايخ الثلاثة في أبي بصير - بالاطلاق من بعض
والتقييد بالثقة من آخر وبالضعيف عندهم من ثالث - موجبا للعلة في الخبر المذكور فقال إنه لا وثوق مع هذا الاختلاف بصحة ما في كتاب من لا يحضره الفقيه من التفسير
ليتم حسنه. انتهى. أقول: قد اشتهر في كلام جماعة من المحدثين تعيين أبي بصير مع
الاطلاق وتفسيره بليث المرادي متى كان الراوي عنه عاصم بن حميد أو عبد الله بن
مسكان، وبمقتضى ذلك يجب أن يحمل ما ذكره الكليني من الاطلاق على المرادي الثقة
ويترجح به كلام صاحب الفقيه، مضافا إلى ما علم من الشيخ من السهو الزائد في متون
الأخبار وأسانيدها وحينئذ فيقوى الاعتماد على الخبر المذكور وتزول العلة والمحذور.
(الثالث) - قال شيخنا البهائي (قدس سره) في كتاب الحبل المتين في شرح
قوله (عليه السلام) في حسنة علي بن عطية " كأنه بياض سورى ": وسورى على
وزن بشرى موضع بالعراق من أرض بابل والمراد ببياضها نهرها كما في رواية هشام
209

ابن الهذيل عن الكاظم (عليه السلام) ثم ساق الرواية كما قدمناه. وقال في حاشية الكتاب:
النباض بالنون والباء الموحدة وآخره ضاد معجمة أصله من " نبض الماء إذا سال " وربما
قرى بالباء الموحدة والياء المثناة من تحت. انتهى. أقول: وقد نسب جملة من علماء الإجازة
إلى هذه القرية كما ذكر في الإجازات ويشير إليها حديث جويرية بن مسهر في رد الشمس
على أمير المؤمنين (عليه السلام) لما رجع من قتال الخوارج (1) وظاهر كلام شيخنا
المذكور أن الرواية المشهورة بين المحدثين بالنون والباء. وقال (قدس سره) في الكتاب المذكور:
والقبطية بكسر القاف واسكان الباء الموحدة وتشديد الياء منسوبة إلى القبط ثياب تتخذ
بمصر. انتهى: وقال في كتاب المصباح المنير: القبط بالكسر نصارى مصر الواحد
قبطي على غير القياس، والقبطي بالضم ثوب من كتان رقيق يعمل بمصر نسبة إلى القبط
على غير القياس فرقا بين الانسان والثوب وثياب قبطية بالضم أيضا وجبة قبطية والجمع
قباطي. انتهى. وقال في كتاب مجمع البحرين: في الحديث " الفجر الصادق هو المعترض
كالقباطي " بفتح القاف وتخفيف الموحدة قبل الألف وتشديد الياء بعد الطاء المهملة:
ثياب بيض رقيقة تجلب من مصر واحدها قبطي بضم القاف نسبة إلى القبط بكسر
القاف وهم أهل مصر، والتغيير في النسبة هنا للاختصاص كما في الدهري بالضم نسبة
إلى الدهر بالفتح، وهذا التغيير إنما اعتبر في الثياب فرقا بين الانسان وغيره فأما في الناس
فيبنى على اعتبار الأصل فيقال رجل قبطي وجماعة قبطية بالكسر لا غير. انتهى.
(الرابع) - قال شيخنا العلامة (قدس سره) في كتاب المنتهى: اعلم أن
ضوء النهار من ضيا الشمس وإنما يستضئ بها ما كان كمدا في نفسه كثيفا في جوهره
كالأرض والقمر وأجزاء الأرض المتصلة والمنفصلة، وكل ما يستضئ من جهة الشمس
فإنه يقع له ظل من ورائه، وقد قدر الله تعالى بلطيف حكمته دوران الشمس حول الأرض
فإذا كانت تحتها وقع ظلها فوق الأرض على شكل مخروط ويكون الهواء المستضئ بضياء

(1) ج 9 ص 550.
210

الشمس محيطا بجوانب ذلك المخروط فيستضئ نهايات الظل بذلك الهواء المضئ، لكن
ضوء الهواء ضعيف إذ هو مستعار فلا ينفذ كثيرا في أجزاء المخروط بل كلما ازداد
بعدا ازداد ضعفا فإذن متى يكون في وسط المخروط يكون في أشد الظلام، فإذا قربت
الشمس من الأفق الشرقي مال مخروط الظل عن سمت الرأس وقربت الأجزاء المستضيئة
من حواشي الظل بضياء الهواء من البصر وفيه أدنى قوة فيدركه البصر عند قرب الصباح،
وعلى هذا كلما ازدادت الشمس قربا من الأفق ازداد ضوء نهايات الظل قربا من البصر إلى
أن تطلع الشمس، وأول ما يظهر الضوء عند الصباح يظهر مستدقا مستطيلا كالعمود
ويسمى الصبح الكاذب والأول ويشبه بذنب السرحان لدقته واستطالته، ويسمى
الأول لسبقه على الثاني والكاذب لكون الأفق مظلما أي لو كان يصدق أنه نور
الشمس لكان المنير مما يلي الشمس دون ما يبعد منه ويكون ضعيفا دقيقا ويبقى وجه
الأرض على ظلامه بظل الأرض، ثم يزداد هذا الضوء إلى أن يأخذ طولا وعرضا
فينبسط في عرض الأفق كنصف دائرة وهو الفجر الثاني الصادق لأنه صدقك عن الصبح
وبينه لك والصبح ما جمع بياضا وحمرة، ثم يزداد الضوء إلى أن يحمر الأفق ثم تطلع
الشمس. انتهى كلامه زيد اكرامه. وجميع ما ذكره (قدس سره) مبني على قواعد
علماء الهيئة والفلك، وقد أوضح بعض ما فيه شيخنا البهائي (طاب ثراه) في كتاب
الحبل المتين. إلا أن أخبار أهل البيت (عليهم السلام) ترده كما لا يخفى على من أحاط
بها خبرا من مظانها ولا سيما بالنسبة إلى ما يدعونه من أن السماء محيطة بهذه الأرض التي نحن
عليها وأنها كالكرة في بطنها والشمس تجري في السماء من تحتنا وأن نور القمر مستفاد
من نور الشمس ونحو ذلك، ولتحقيق المقام محل أليق. وهذا البحث وإن لم يكن من
شأن الفقيه ولا تعلق له بالفقه إلا أنا جرينا في نقل هذا الكلام على ما ذكره شيخنا المشار
إليه ومن تبعه من الأعلام.
(المقصد الثاني) - في مواقيت الرواتب وفيه مسائل: (الأولى) - اختلف
211

الأصحاب (رضوان الله عليهم) في آخر وقت نافلة الظهرين، فقيل إن آخره أن يبلغ
زيادة الظل من الزوال قدمين الذي هو عبارة عن سبعي الشاخص للظهر وللعصر إلى أربعة
أقدام. وهو مذهب الشيخ في النهاية وجمع من الأصحاب، وهو الأصح كما سيظهر لك
إن شاء الله تعالى. وقيل يمتد بامتداد المثل وهو مذهب الشيخ في الجمل والمبسوط وابن
إدريس والمحقق في المعتبر والعلامة في التذكرة، قال الشيخ في الجمل وكذا في المبسوط
والخلاف وقت نافلة الظهر من الزوال إلى أن يبقى لصيرورة الفئ مثل الشاخص بمقدار
ما يصلي فيه فريضة الظهر، والعصر بعد الفراغ من الظهر إلى أن يبقى لصيرورة الفئ
مثليه مقدار ما يصلي العصر. وقال ابن إدريس إذا صار ظل كل شئ مثله خرج وقت النافلة
وقيل إنه يمتد وقتها بامتداد وقت الفريضة، حكاه في الشرائع بلفظ " قيل " وهو مجهول
القائل، قال في المدارك ولم ينقله في المعتبر ولا نقله غيره في ما أعلم وهو مجهول القائل.
ولعله أراد بعدم نقل غيره له يعني من المتقدمين وإلا فقد نقله جده في الروض وقبله المحقق
الشيخ علي في شرح القواعد.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن القول الأول هو المستفاد من الأخبار المتكاثرة، ومنها
صحيحة زرارة بنقل الصدوق عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " إن حائط
مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان قامة وكان إذا مضى من فيئه ذراع صلى
الظهر وإذا مضى من فيئه ذراعان صلى العصر، ثم قال أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟
قلت لم جعل ذلك؟ قال لمكان النافلة لك أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع فإذا
بلغ فيؤك ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة وإذا بلغ فيؤك ذراعين بدأت بالفريضة
وتركت النافلة " إلى غير ذلك من الأخبار المتقدمة في المسألة الرابعة من المقصد المتقدم فإنها
متطابقة الدلالة متعاضدة المقالة على جعل مقدار الذراع والذراعين والقدمين والأربعة أقدام
وقتا للنافلة فإذا مضى هذا المقدار اختص الوقت بالفريضة ولا يجوز مزاحمة النافلة لها فيه.

(1) المروية في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
212

واستدل في المعتبر على ما ذهب إليه من الامتداد بامتداد المثل بصحيحة زرارة
المذكورة حيث قال بعد ذكرها: وهذا يدل على بلوغ المثل والمثلين لأن التقدير أن
الحائط ذراع، فحينئذ ما روى من القامة والقامتين جار هذا المجرى ويدل عليه ما روى
علي بن حنظلة، ثم أورد الرواية كما قدمناه وهي مقتضية لتفسير القامة بالذراع ونحوها
غيرها كما تقدم ذكره، قال وبهذا الاعتبار يعود اختلاف كلام الشيخ لفظيا. انتهى.
وفيه أنه وإن دلت الأخبار المذكورة على تفسير القامة بالذراع إلا أنه لا يصح حمل
القامة في الصحيحة المذكورة على ذلك لقوله (عليه السلام) فيها تفصيلا لاجمال الكلام
المتقدم " فإذا بلغ فيؤك ذراعا وإذا بلغ فيؤك ذراعين " فإنه صريح في أن الذراع
المعتبر إنما هو من قامة الانسان وهو زيادة فيئه بعد الزوال إلى الذراع والذراعين،
فالقامة المذكورة في الخبر إنما أريد بها قامة الانسان لا الذراع ليتم له ما توهمه من عود
اختلاف كلام الشيخ لفظيا. ويزيدك ايضاحا لما ذكرناه من أن المراد بالقامة في جدار
مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) قامة الانسان ما قدمناه في آخر المسألة الرابعة من
المقصد المتقدم من عبارة كتاب الفقه الرضوي حيث قال فيها " وإنما سمي ظل القامة قامة لأن
حائط مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان قامة انسان.. إلى آخر ما تقدم
مشروحا موضحا " وبذلك يظهر ضعف القول المذكور.
واستدل على القول الثالث بظواهر جملة من الأخبار المتضمنة لاستحباب هذه
النوافل قبل الفريضة بقول مطلق كقولهم (عليهم السلام) فيما قدمناه من الأخبار (1)
" فإذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلا أن بين يديها سبحة وهي ثمان ركعات
إن شئت طولت وإن شئت قصرت " وفيه أن الأخبار الدالة على التحديد بالذراع
والذراعين والقدمين والأربعة أقدام توجب تقييد اطلاق هذه الأخبار كما تقدم ذكره.
وأما ما جنح إليه صاحب الذخيرة - من حمل روايات التحديد على الأفضلية

(1) ص 136.
213

وروايات التوسعة على الجواز - فبعيد وكيف لا وقد صرحت جملة من أخبار التحديد
بأن الغرض منه هو أن لا تزاحم النافلة وقت الفريضة مثل قوله (عليه السلام) في صحيحة
زرارة المتقدمة " فإذا بلغ فيؤك ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة.. إلى آخرها "
وفي موثقته أيضا " أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قلت لا. قال من أجل الفريضة إذا
دخل وقت الذراع والقدمين بدأت بالفريضة وتركت النافلة " وسيأتي إن شاء الله تعالى
تحقيق الكلام في أن الأخبار الواردة بتحريم النافلة والمنع منها في وقت الفريضة (1)
إنما أريد بها هذا الموضع، وبذلك اعترف هو أيضا في تلك المسألة حيث قال - بعد ذكر
الأخبار الدالة على أنه إذا دخل وقت الفريضة فلا صلاة نافلة - ما صورته: ومن تتبع
الأحاديث ونظر في الأخبار يعلم أن مرادهم (عليهم السلام) بقولهم: " دخل وقت
الفريضة أو أدركت الصلاة أو حضر وقتها " في أكثر الأوقات حضور الوقت المقرر لها
على جهة الفضيلة فحمل هذه الأخبار على هذا غير بعيد.. إلى آخر كلامه زيد في مقامه
وبالجملة فإن ظاهر الأخبار المذكورة تعين ايقاع الفريضة بعد ذهاب الذراع والذراعين،
وحمل ذلك على ما ذكره من الأفضلية ترده الأخبار الدالة على أنه لا تطوع في
وقت فريضة.
وربما استدل لهذا القول أيضا بالأخبار الدالة على أن صلاة التطوع بمنزلة الهدية
متى أتى بها قبلت (2) وسيأتي البحث فيها وبيان عدم الدلالة على ما ذكروه إن شاء الله تعالى
وتنقيح البحث في المسألة يتوقف على بيان أمور:
(الأول) - ظاهر عبارة الشيخ
المتقدم نقلها عن الجمل والمبسوط والخلاف استثناء قدر ايقاع الفريضة من المثل والمثلين.
واعترضه في الذكرى وكذا في المدارك بأن الأخبار لا تساعده فإن ظاهرها استئثار النافلة
بجميع المثل والمثلين. أقول: قد عرفت أنه ليس في الأخبار ما يدل على توقيت النافلة
بالمثل والمثلين وإنما الموجود فيها التوقيت بالذراع والذراعين والقدمين والأربعة أقدام

(1) الوسائل الباب 35 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 37 من المواقيت.
214

فقولهما إن ظاهر الأخبار استئثار النافلة بجميع المثل والمثلين فرع وجود الأخبار المذكورة
نعم هو ظاهر أخبار الذراع والذراعين فإن ظاهرها أنه لو لم يصل النافلة حتى بقي من
الوقت المذكور قدر الفريضة فإنه يصلي فيه النافلة دون الفريضة وأن وقت الفريضة إنما
هو بعد مضي هذا المقدار.
(الثاني) - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) بل الظاهر أنه
لا خلاف فيه - أنه لو خرج الوقت الموظف للنافلة ولم يأت بها قدم الفريضة ثم قضى النافلة
وإن تلبس بالنافلة ولو بركعة منها ثم خرج الوقت أتمها مخففة وزاحم بها الفريضة.
ويدل على الحكمين المذكورين ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: " للرجل أن يصلي الزوال ما بين زوال الشمس إلى أن يمضي
قدمان، فإن كان قد بقي من الزوال ركعة واحدة أو قبل أن يمضي قدمان أتم الصلاة حتى
يصلي تمام الركعات، وإن مضى قدمان قبل أن يصلي ركعة بدأ بالأولى ولم يصل الزوال
إلا بعد ذلك. وللرجل أن يصلي من نوافل العصر ما بين الأولى إلى أن يمضي أربعة أقدام
فإن مضت الأربعة أقدام ولم يصل من النوافل شيئا فلا يصل النوافل، وإن كان قد صلى
ركعة فليتم النوافل حتى يفرغ منها ثم يصلي العصر " وهو صريح في المراد. ولا ينافي
ذلك ما تقدم في صحيحة زرارة من الدلالة على وجوب تقديم الفريضة بعد الذراع والذراعين
فإنه محمول بسبب هذه الرواية على عدم التلبس بالنافلة بالكلية.
قال المحقق في المعتبر بعد ذكر الرواية المذكورة: وهذه الرواية سندها جماعة
من الفطحية لكن يعضدها أنه محافظة على سنة لم يتضيق وقت فريضتها. قال في المدارك
بعد نقل ذلك عنه: وهو جيد ويعضدها أيضا أن مضمونها موافق للاطلاقات المعلومة
وليس لها معارض يعتد به فلا بأس بالعمل بها إن شاء الله تعالى.
أقول: لا يخفى ما في هذا التستر بهذا العذر الواهي الذي هو لبيت العنكبوت

(1) رواه في الوسائل في الباب 40 من أبواب المواقيت.
215

- وأنه لا ضعف البيوت - مشابه ومضاهي من مخالفة اصطلاحهم المعمول عليه بينهم، وذلك
فإنه متى كان الحديث الضعيف بزعمهم وإن كان موثقا ليس بدليل شرعي كما هو مقتضى
ردهم له في غير مقام من الأحكام فوجوده كعدمه، وما ذكروه من هذه التأييدات لا تفيد
فائدة ولا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية سيما مع استفاضة الأخبار بتحريم النافلة في وقت
الفريضة وصدق ذلك على ما نحن فيه، ولكن ضيق الخناق في هذا الاصطلاح أوجب
انحلال زمامهم واختلال نظامهم، ولو أنهم التجأوا إلى جبر ضعفه بالشهرة لكان أولى
لهم وإن ورد عليه ما ورد. وقوله في المعتبر: " إنه محافظة على سنة لم يتضيق وقت
فريضتها " مردود بأنه إذا كان المعلوم من الشارع تحديد وقت النافلة والفريضة بحدين
وقد منع من إدخال أحدهما في الآخر فكيف تحصل المحافظة على السنة وقد خرج وقتها
وصارت محرمة بالأخبار الدالة على تحريم النافلة في وقت الفريضة؟ وقوله في المدارك:
" إنه لا معارض لهذا الخبر " مردود بما أشرنا إليه من الروايات الدالة على تحريم النافلة
في وقت الفريضة وكذا الروايات الدالة على أنه بعد الذراع والذراعين يجب تقديم
الفريضة، فإنها باطلاقها دالة على التحريم تلبس بشئ من النافلة أم لا، لكننا إنما خصصناها
بالخبر المذكور لكونه دليلا شرعيا عندنا وأما من لم يجعله دليلا شرعيا بل وجوده كعدمه
فلا معارض للأخبار المذكورة. وبذلك يظهر ضعف البناء على هذا الاصطلاح الذي هو
إلى الفساد - كما عرفت - أقرب منه إلى الصلاح.
ثم إن جملة من الأصحاب صرحوا بأنه مع دخول الوقت عليه بعد التلبس بركعة
يتمها مخففة، وذكروا أن المراد بتخفيفها الاقتصار على أقل ما يجزئ فيها كالقراءة بالحمد
وحدها والاقتصار على تسبيحة واحدة في الركوع والسجود حتى قال بعض المتأخرين
إنه لو تأدى التخفيف بالصلاة جالسا آثره على القيام لاطلاق الأمر بالتخفيف. وأنت
خبير بأن النص المذكور خال من قيد التخفيف إلا أن الظاهر أنه لا بأس بما ذكروه
محافظة على المسارعة إلى فضيلة وقت الفريضة فإنه كلما قرب من أول الوقت كان أفضل.
216

(الثالث) - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لا يجوز تقديم
شئ من هذه النوافل على الزوال إلا في يوم الجمعة كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في باب
صلاة الجمعة، واستدل على ذلك بأن الصلاة وظيفة شرعية يتوقف شرعيتها على ثبوت ذلك
عن الشارع والذي ثبت عنه هو كونها بعد الزوال في غير اليوم المشار إليه.
أقول: ومن الأخبار الدالة على ذلك ما تقدم من الأخبار المستفيضة الدالة على أن
للنافلة المذكورة وقتا محدودا معينا وإن اختلف في تقديره من الذراع والذراعين فما دونهما.
وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن أذينة عن عدة (1) " أنهم سمعوا أبا جعفر
(عليه السلام) يقول كان أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يصلي من النهار حتى تزول
الشمس ولا من الليل بعد ما يصلي العشاء حتى ينتصف الليل ".
وعن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال: " كان علي (عليه
السلام) لا يصلي من الليل شيئا إذا صلى العتمة حتى ينتصف الليل ولا يصلي من النهار
شيئا حتى تزول الشمس ".
وعن زرارة (3) قال: " سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول كان رسول الله
(صلى الله عليه وآله) لا يصلي من النهار شيئا حتى تزول الشمس فإذا زال النهار قدر نصف
إصبع صلى ثماني ركعات.. الحديث " وروى في الفقيه مرسلا قال: " قال أبو جعفر
(عليه السلام) كان رسول الله (صلى الله عليه وآله).. الحديث كما تقدم ".
إذا عرفت هذا فاعلم أنه قد ورد في مقابلة ما ذكرنا من هذه الأخبار جملة منها
أيضا دالة على خلاف ما دلت عليه الأخبار المذكورة:
ومنها - ما رواه ثقة الاسلام والشيخ عن محمد بن مسلم (4) قال: " سألت
أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يشتغل عن الزوال أيعجل من أول النهار؟ فقال
نعم إذا علم أنه يشتغل فيعجلها في صدر النهار كلها ".

(1) الوسائل الباب 36 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 36 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 36 من المواقيت.
(4) الوسائل الباب 37 من المواقيت.
217

وروى في الكافي عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" اعلم أن النافلة بمنزلة الهدية متى ما أتى بها قبلت ".
وروى الشيخ في التهذيب في الحسن عن محمد بن عذافر (2) قال: " قال أبو عبد الله (عليه
السلام) صلاة التطوع بمنزلة الهدية متى ما أتى بها قبلت فقدم منها ما شئت وآخر ما شئت "
وعن علي بن الحكم عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: " قال لي صلاة النهار ست عشرة ركعة صلها أي النهار شئت إن شئت في أوله
وإن شئت في وسطه وإن شئت في آخره ".
وعن سيف بن عبد الأعلى (4) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن نافلة
النهار؟ قال ست عشرة ركعة متى ما نشطت، إن علي بن الحسين (عليهما السلام) كانت له
ساعات من النهار يصلي فيها فإذا شغله ضيعة أو سلطان قضاها، إنما النافلة مثل الهدية متى
ما أتى بها قبلت ".
وعن القاسم بن الوليد الغساني (5) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
جعلت فداك صلاة النهار صلاة النوافل في كم هي؟ قال ست عشرة في أي ساعات النهار
شئت أن تصليها صليتها إلا أنك إذا صليتها في مواقيتها أفضل ".
وعن إسماعيل بن جابر في الصحيح (6) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
إني أشتغل؟ قال فاصنع كما نصنع: صل ست ركعات إذا كانت الشمس في مثل موضعها
صلاة العصر يعني ارتفاع الضحى الأكبر واعتد بها من الزوال ".
وعن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) (7) أنه قال: " ما صلى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) الضحى قط. قال قلت له ألم تخبرني أنه كان يصلي
في صدر النهار أربع ركعات؟ قال بلى إنه كان يجعلها من الثمان التي بعد الظهر ".
هذا ما وقفت عليه من هذه الأخبار والشيخ (قدس سره) قد حملها على الرخصة

(1) الوسائل الباب 37 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 37 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 37 من المواقيت.
(4) الوسائل الباب 37 من المواقيت.
(5) الوسائل الباب 37 من المواقيت.
(6) الوسائل الباب 37 من المواقيت.
(7) الوسائل الباب 37 من المواقيت.
218

لمن علم من حاله أنه إذا لم يقدمها اشتغل عنها ولم يتمكن من قضائها، قال فأما مع عدم العذر
فلا يجوز تقديمها، واستدل على ذلك بصحيحة إسماعيل بن جابر المذكورة ورواية محمد
ابن مسلم المتقدمة في صدر هذه الأخبار.
قال في الذكرى بعد ذكر روايات التحديد بالأقدام والأذرع: ثم هنا روايات
غير مشهورة في العمل كرواية القاسم بن الوليد، ثم ساق جملة من هذه الأخبار ثم ذكر
حمل الشيخ المذكور لها وذكر أن الشيخ اعتمد في المنع من التقديم على أخبار التوقيت
وعلى ما رواه ابن أذينة ثم ذكر صحيحة ابن أذينة المتقدمة ورواية زرارة، ثم قال قلت
قد اعترف الشيخ (قدس سره) بجواز تقديمها عند الضرورة، ولو قيل بجوازه مطلقا
كما دلت عليه هذه الأخبار غاية ما في الباب أنه مرجوح كان وجها. انتهى. وإلى
ما ذكره مال جمع من متأخري المتأخرين: منهم - المحدث الكاشاني في الوافي والفاضل
الخراساني في الذخيرة وهو ظاهر المدارك أيضا.
والأظهر عندي ما ذكره الشيخ لأخبار التحديد بالأذرع والأقدام فإنها صحيحة
مستفيضة صريحة في أن للنافلة وقتا معينا محدودا لا تقدم عليه ولا تؤخر عنه إلا أن يكون
على جهة القضاء، والترجيح - لو ثبت التعارض - لهذه الأخبار لما ذكرنا من صحتها
واستفاضتها وصراحتها واعتضادها بعمل الطائفة قديما وحديثا حيث إنه لم يقل بظاهر
هذه الأخبار المخالفة قائل ولم يذهب إليه ذاهب، واعتضادها أيضا بصحيحة ابن أذينة
وروايتي زرارة المتقدمات، وحينئذ فيجب ارتكاب التأويل في ما عارضها بأن يحمل
التقديم على الرخصة في مقام العذر كما ذكره الشيخ. وأما قولهم (عليهم السلام) " أنها
بمنزلة الهدية متى ما أتى بها قبلت " فلا يلزم منه أنها تكون أداء مطلقا بل الظاهر أن المراد
إنما هو بيان أن قبولها لا يختص بالاتيان بها في أوقاتها المحدودة حتى أنها لو وقعت في غيرها
لم تقبل بل يجوز تقديمها رخصة مع العذر وقضاؤها بعد فوات وقتها وهي مقبولة في جميع
هذه الأوقات، وربما يستأنس لذلك برواية سيف بن عبد الأعلى المتقدمة وتعليله القضاء
219

فيها بكونه مثل الهدية. وأما حسنة محمد بن عذافر ونحوها فيجب تقييد اطلاقها بما
ذكرناه من الأخبار المشتملة على التحديد، وبذلك أجاب عنها في المدارك في مسألة وقت
نافلة الظهرين حيث نقل الاستدلال بها على امتداد وقت النافلة بامتداد وقت الفريضة
ثم أجاب عنها بأن هذه الروايات مطلقة ورواياتنا مفصلة والمطلق يحمل على المفصل.
والعجب منه (قدس سره) أنه بعد أن ذكر ذلك في المسألة المذكورة ناقض نفسه في
المسألة التي نحن فيها فقال بعد ذكر رواية القاسم بن الوليد الغساني ورواية سيف بن
عبد الأعلى ما صورته: ويستفاد من هاتين الروايتين جواز التقديم مطلقا وإن كان
مرجوحا بالنسبة إلى ايقاعها بعد الزوال ويدل عليه أيضا حسنة محمد بن عذافر المتقدمة وصحيحة
زرارة، ثم ساق الرواية وهي المذكورة آخر الروايات. انتهى. ووجه التناقض ظاهر
فإن الحسنة المذكورة متى قيدت بما ذكره في تلك المسألة فلا دلالة لها على ما ادعاه هنا
بوجه والمعصوم من عصمه الله تعالى، ومن هذا الكلام يفهم ميله إلى ما قدمنا نقله عنه.
وأما صحيحة زرارة التي اعتضد بها هنا فهي معارضة برواية زرارة المتقدمة الدالة على أنه كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يصلي من النهار شيئا حتى تزول الشمس
وقضية الجمع بينهما حمل هذه الأربع ركعات في الصحيحة المذكورة على موضع عذر في
بعض الأوقات. والله العالم.
(المسألة الثانية) - المشهور بين الأصحاب - بل قال في المعتبر أنه مذهب علمائنا
وقال في المدارك إن هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا - أن وقت نافلة المغرب
بعدها إلى ذهاب الحمرة المغربية.
قال في المعتبر: ويدل عليه أنه وقت يستحب فيه تأخير العشاء فكان الاقبال
على النافلة حسنا وعند ذهاب الحمرة يقع الاشتغال بالفرض فلا يصلح للنافلة، ويؤيد
ذلك ما رواه عمرو بن حريث عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " كان النبي

(1) ص 27 وفي الوسائل الباب 13 من أعداد الفرائض.
220

(صلى الله عليه وآله) يصلي ثلاثا المغرب وأربعا بعدها " ويدل على أن آخر وقتها ذهاب
الحمرة ما روي من منع النافلة وقت الفريضة، روى ذلك جماعة: منهم محمد بن مسلم
عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " إذا دخل وقت الفريضة فلا تطوع ". انتهى
واعترضه في المدارك فقال بعد نقل ذلك: وفيه نظر لأن من المعلوم أن النهي
عن التطوع وقت الفريضة إنما يتوجه إلى غير الراتبة للقطع باستحبابها في أوقات الفرائض
وإلا لم تشرع نافلة المغرب عند من قال بدخول وقت العشاء بعد مضي مقدار ثلاث
ركعات من أول وقت المغرب ولا نافلة الظهرين عند الجميع، وقوله: " إنه عند ذهاب الحمرة
يقع الاشتغال بالفرض فلا يصلح للنافلة " دعوى خالية من الدليل مع أن الاشتغال بالفرض
قد وقع قبل ذلك عند المصنف ومن قال بمقالته، ومجرد استحباب تأخير العشاء عن أول
وقتها إلى ذهاب الحمرة المغربية لا يصلح الفرق. انتهى.
أقول ما ذكره (قدس سره) جيد إلا أن قوله: " لأن من المعلوم أن النهي
عن التطوع وقت الفريضة إنما يتوجه إلى غير الراتبة " على اطلاقه محل نظر لما عرفت
وستعرف إن شاء الله تعالى أن النهي في أكثر تلك الأخبار إنما توجه إلى الراتبة. قوله
" للقطع باستحبابها في أوقات الفرائض " على اطلاقه ممنوع لأن الأخبار كما قد
استفاضت (2) بأنه " إذا زالت الشمس دخل الوقتان إلا أن هذه قبل هذه " كذلك
قد استفاضت بأن وقت الظهر إنما هو بعد ذراع أو قدمين ووقت العصر إنما هو بعد
ذراعين أو أربعة أقدام وقد تقدمت (3) وقد جمع الشيخ (قدس سره) ومن تأخر عنه
بين هذه الأخبار بسبب ما يترائى من الاختلاف بينها بحمل الأخبار الأولة على من
لا يأتي بالنافلة فإن وقته من أول الزوال والثانية على من يعتادها ويأتي بها فإن وقته بعد
مضي هذا المقدار من الزوال، ومن ذلك يعلم أن لكل من الظهر والعصر وقتين باعتبار

(1) رواه في الوسائل في الباب 35 من أبواب المواقيت.
(2) ص 101.
(3) ص 129.
221

المتنفل وغيره، وقد شاع في الأخبار اطلاق الوقت على كل من المعنيين، وجل الأخبار
المانعة من ايقاع النافلة في وقت الفريضة إنما أريد بها الراتبة بالنسبة إلى الوقت الذي بعد
الأقدام أو الأذرع فلا يزاحم بها الفريضة في هذا الوقت الموظف لها، وبالجملة فإن
الأخبار وإن دلت على أن وقت الظهر والعصر من أول الزوال مرتبا إلا أنها دلت على
اقتطاع قطعة من أوله للمتنفل محدودة بالأذرع أو الأقدام وقد جعل وقت الفريضة بعد
ذلك، وقد مر في رواية إسحاق بن عمار (1) أنه لا يجوز التطوع بالنافلة بعد مضي
الذراع والذراعين حيث قال (عليه السلام) " وإنما جعل الذراع والذراعان لئلا يكون
تطوع في وقت الفريضة " وعلله في رواية إسماعيل الجعفي " لئلا يؤخذ من وقت هذه ويدخل
في وقت هذه " وهو ظاهر فيما قلناه، نعم هذا إنما يجري ويتمشى بالنسبة إلى الظهرين حيث إن الأخبار قد عينت للنافلة وقتا محدودا وللفريضة وقتا محدودا أما مثل المغرب والعشاء
فلا، ومجرد استحباب الاتيان بالعشاء في وقت مغيب الشفق لا يقتضي منع النافلة،
ومنه يعلم أن كلام السيد السند (قدس سره) في المقام على اطلاقه غير جيد فلو قصر
الكلام على نافلة المغرب التي هي محل البحث لتم ما ذكره بغير اشكال.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن أكثر المتأخرين إنما اعتمدوا في منع النافلة بعد مغيب
الشفق المغربي على الاجماع المدعى في المنتهى والمعتبر، ولا يخفى ما فيه. وظاهر الشهيد
في الذكرى الميل إلى امتداد وقتها بوقت الفريضة حيث قال بعد البحث في المسألة: ولو
قيل بامتداد وقتها بوقت المغرب أمكن لأنها تابعة لها. وإلى ذلك مال جملة من متأخري
المتأخرين جازمين به أولهم فيما أعلم السيد السند في المدارك، قال ويشهد له صحيحة أبان
ابن تغلب (2) قال: " صليت خلف أبي عبد الله (عليه السلام) المغرب بالمزدلفة فقام
فصلى المغرب ثم صلى العشاء الآخرة ولم يركع بينهما ثم صليت خلفه بعد ذلك بسنة فلما
صلى المغرب قام فتنفل بأربع ركعات ثم قام فصلى العشاء الآخرة ".

(1) ص 130.
(2) المروية في الوسائل في الباب 33 من أبواب المواقيت.
222

أقول: والأظهر في الاستدلال على ما اختاروه ما ورد في الأخبار من الحث
والتأكيد على نافلة المغرب وأنها تصلي سفرا وحضرا مع ما ورد في الأخبار من امتداد
وقت المغرب في السفر إلى ثلث الليل ونحوه كما تقدم جميع ذلك، فإنه يظهر من ضم هذه الأخبار بعضها إلى بعض أن النافلة تمتد بامتداد الفريضة، على أنه يكفينا في الدلالة على
الامتداد اطلاق الأخبار الدالة على استحباب هذه النافلة بعد المغرب وعدم دليل على
التوقيت والتحديد بغروب الشفق سوى الاجماع الذي ادعوه، مع إمكان المناقشة في
دلالة الاجماع المذكور أيضا فإن غايته الدلالة على أن ما قبل ذهاب الحمرة وقت للنافلة
ولا دلالة فيه على أن ما بعد ذهاب الحمرة ليس بوقت، وبالجملة فالأظهر عندي هو القول
بالامتداد لما عرفت، والاعتماد على مثل هذه الاجماعات لا يخلو من مجازفة في الأحكام الشرعية. والله العالم.
ويتفرع على القول المشهور أنه لو زالت الحمرة المغربية ولم يأت بشئ من النافلة
اشتغل بالفريضة وحرم عليه الاتيان بالنافلة إلا أن يكون في أثناء ركعتين منها فيتم
الركعتين سواء كانتا الأوليين أو الأخيرتين، قالوا للنهي عن ابطال العمل (1) ولأن
الصلاة على ما افتتحت عليه (2) وحكى الشهيد في الذكرى عن ابن إدريس أنه إن كان
قد شرع في الأربع أتمها وإن ذهب الشفق. هذا بالنسبة إلى نافلة المغرب.
وأما الوتيرة فظاهرهم الاجماع على امتداد وقتها بامتداد وقت العشاء، قال في المعتبر:
وركعتا الوتيرة يمتد بامتداد وقت العشاء وعليه علماؤنا لأنها نافلة للعشاء فتكون مقدرة
بوقتها. ونحوه في المنتهى وغيره.
أقول: ما ذكره من أن الوتيرة نافلة للعشاء لم أقف له على دليل والمفهوم من
الأخبار كما تقدم أن أصل مشروعيتها إنما هو لاتمام عدد النوافل بأن تكون في مقابلة

(1) قوله تعالى " ولا تبطلوا أعمالكم " سورة محمد الآية 35.
(2) رواه في الوسائل في الباب 2 من نية الصلاة.
223

كل ركعة من الفرائض ركعتان من النافلة. وفي بعض الأخبار المتقدمة أيضا التعليل
بقيامها مقام وتر آخر الليل لو مات قبل أن يدركه وأنه يموت على وتر (1) غاية الأمر
أن الشارع جعل محلها بعد صلاة العشاء التي هي ختام الصلاة في ذلك اليوم، ويشير إلى
ما ذكرنا حسنة الحلبي (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) هل قبل العشاء
الآخرة أو بعدها شئ؟ قال لا غير أني أصلي بعدها ركعتين ولست أحسبهما من صلاة
الليل " والتقريب فيها هو أن الظاهر أن مراد السائل المذكور السؤال عن أنه هل صلاة
العشاء من قبيل الصلوات السابقة عليها في أن لها نوافل مرتبة تصلي قبلها أو بعدها؟
فقال (عليه السلام) لا غير أني أصلي بعدها هاتين الركعتين لا من حيث التوظيف بل
من حيث إن الشارع جعل محلها في هذا الموضع لتكون ختاما لصلاة ذلك اليوم ولينام
على وتر كما يستفاد من الأخبار الأخر، ولهذا أن الشيخ في النهاية ونحوه الشيخ المفيد في
المقنعة صرحا باستحباب أن تجعل خاتمة النوافل التي يريد أن يصليها تلك الليلة، ويؤيده
ما تقدم في الفائدة السادسة عشرة من المقدمة الثانية من مقدمات هذا الكتاب (3) من
قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة أو حسنته " وليكن آخر صلاتك وتر ليلتك "
والمراد بالوتر هنا الوتيرة كما تقدم بيانه في الفائدة المشار إليها وهو ظاهر فيما ذكره الشيخان
ومن تبعهما من الأصحاب من استحباب جعلها خاتمة نوافل تلك الليلة، وقوله في المدارك
أنه لا يدل على المدعى الظاهر أن منشأه حمل لفظ الوتر في الرواية على غير الوتيرة
وهو توهم قد وقع فيه غيره أيضا كما تقدم بيانه في الموضع المشار إليه. والله العالم.
(المسألة الثالثة) - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن وقت صلاة
الليل بعد انتصافه وأنه كلما قرب من الفجر فهو أفضل، قال في المعتبر وعليه علماؤنا أجمع
وفي المنتهى ذهب إليه علماؤنا أجمع.
أقول: أما ما يدل على الحكم الأول فالأخبار المستفيضة، ومنها صحيحة فضيل

(1) ص 46.
(2) الوسائل الباب 27 من أعداد الفرائض.
(3) ص 72.
224

عن أحدهما (عليهما السلام) (1) " أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يصلي
بعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة ".
وروى الصدوق في الفقيه عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا صلى العشاء آوى إلى فراشه فلم يصل
شيئا حتى ينتصف الليل " قال وقال أبو جعفر (عليه السلام): " وقت صلاة الليل
ما بين نصف الليل إلى آخره ".
وعن محمد بن مسلم في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " سمعته
يقول كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا صلى العشاء الآخرة آوى إلى فراشه فلا
يصلي شيئا إلا بعد انتصاف الليل لا في شهر رمضان ولا في غيره ".
وعن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في صلاة رسول الله (صلى الله عليه
وآله) (3) " وكان لا يصلي بعد العشاء حتى ينتصف الليل ثم يصلي ثلاث عشرة ركعة
منها الوتر ومنها ركعتا الفجر قبل الغداة فإذا طلع الفجر وأضاء صلى الغداة ".
وروى الصدوق مرسلا عن أبي جعفر (عليه السلام) في صفة صلاة رسول الله
(صلى الله عليه وآله) (5) " ثم آوى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى فراشه
ولم يصل شيئا حتى يزول نصف الليل فإذا زال نصف الليل صلى ثماني ركعات وأوتر في
الربع الأخير من الليل بثلاث ركعات فقرأ فيهن بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد
ويفصل بين الثلاث بتسليمة ويتكلم ويأمر بالحاجة ولا يخرج من مصلاه حتى يصلي الثالثة
التي يوتر فيها ويقنت فيها قبل الركوع ثم يسلم " وقد تقدم ما يدل على ذلك أيضا في
صحيحة ابن أذينة ورواية زرارة المذكورتين في آخر المسألة الأولى (6) إلى غير ذلك
من الأخبار الكثيرة.

(1) الوسائل الباب 43 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 43 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 43 من المواقيت.
(4) الوسائل الباب 10 من المواقيت.
(5) الوسائل الباب 14 من أعداد الفرائض.
(6) ص 217.
225

وأما الحكم الثاني فاستدل عليه بالاجماع المتقدم نقله عن المعتبر والمنتهى أولا
واستدل في المعتبر أيضا بقوله تعالى: " وبالأسحار هم يستغفرون " (1) وقوله:
" والمستغفرين بالأسحار " (2) والسحر ما قبل الفجر على ما نص عليه أهل اللغة.
واستدل أيضا برواية إسماعيل بن سعد الأشعري (3) قال: " سألت أبا الحسن الرضا
(عليه السلام) عن ساعات الوتر قال أحبها إلي الفجر الأول. وسألته عن أفضل ساعات
الليل قال الثلث الباقي. وسألته عن الوتر بعد الصبح قال نعم قد كان أبي ربما أوتر بعد ما
انفجر الصبح ".
وعن مرازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: " قلت متى أصلي صلاة
الليل؟ قال صلها آخر الليل. قال فقلت فإني لا استنبه؟ فقال تستنبه مرة فتصليها وتنام فتقضيها
فإذا اهتممت بقضائها في النهار استنبهت ".
أقول: ومن الأخبار الدالة على ذلك أيضا ما رواه الشيخ في التهذيب عن شعيب
عن أبي بصير في الموثق أو الضعيف (5) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
التطوع بالليل والنهار؟ فقال الذي يستحب أن لا يقصر عنه ثمان ركعات عند زوال الشمس
إلى أن قال ومن السحر ثمان ركعات ثم يوتر، إلى أن قال في آخر الخبر: وأحب صلاة
الليل إليهم آخر الليل ".
وفي الموثق بابن بكير عن زرارة (6) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
ما جرت به السنة في الصلاة؟ فقال ثمان ركعات الزوال، إلى أن قال وثلاث عشرة
ركعة آخر الليل ".

(1) سورة الذاريات، الآية 18.
(2) سورة آل عمران، الآية 15.
(3) الوسائل الباب 48 و 54 من المواقيت.
(4) الوسائل الباب 45 من المواقيت.
(5) رواه في الوسائل في الباب 14 من أعداد الفرائض.
(6) رواه في الوسائل في الباب 14 من أعداد الفرائض.
226

وعن سليمان بن خالد في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" صلاة النافلة ثمان ركعات حين تزول الشمس قبل الظهر، إلى أن قال وثمان ركعات
من آخر الليل.. الحديث ".
وروى في كتاب عيون الأخبار بسنده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه
السلام) في كتابه إلى المأمون (2) قال: " وصلاة الظهر أربع ركعات، إلى أن قال
وثمان ركعات في السحر والشفع والوتر ثلاث ركعات.. الحديث ".
وروى في كتاب الخصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمد (عليهما السلام)
في حديث شرائع الدين (3) قال فيه " وثمان ركعات في السحر وهي صلاة الليل والشفع
ركعتان والوتر ركعة.. الحديث " إلى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبع.
وعلى هذه الأخبار اعتمد الأصحاب فيما ذكروه من أفضلية ما قرب من الفجر،
ولا تنافيها الأخبار الأولة لأن غاية ما تدل عليه دخول الوقت بالانتصاف، إلا أنه ربما
جعلت المنافاة باعتبار ما دل منها على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعليا (عليه السلام)
كانا يصليان بعد الانتصاف ويبعد أن يكون خلاف الأفضل، ويؤيده أيضا ما رواه
عمر بن يزيد في الصحيح (4) " أنه سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول إن في الليلة
لساعة لا يوافقها عبد مسلم يصلي ويدعو الله فيها إلا استجاب له في كل ليلة. قلت
أصلحك الله وأي ساعة من الليل؟ قال إذا مضى نصف الليل إلى الثلث الباقي ".
ونقل عن ابن الجنيد أنه قال: يستحب الاتيان بصلاة الليل في ثلاثة أوقات
لقوله تعالى: " ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار " (5).
ويعضده ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب (6) قال: " سمعت

(1) الوسائل الباب 13 من أعداد الفرائض.
(2) الوسائل الباب 13 من أعداد الفرائض.
(3) الوسائل الباب 13 من أعداد الفرائض.
(4) الوسائل الباب 26 من الدعاء.
(5) سورة طه، الآية 130.
(6) رواه في الوسائل في الباب 53 من المواقيت.
227

أبا عبد الله (عليه السلام) يقول، وذكر صلاة النبي (صلى الله عليه وآله) قال كان
يؤتى بطهور فيخمر عند رأسه ويوضع سواكه تحت فراشه ثم ينام ما شاء الله تعالى فإذا
استيقظ جلس ثم قلب بصره في السماء ثم تلا الآيات من آل عمران: " أن في خلق
السماوات والأرض.. " ثم يستن ويتطهر ثم يقوم إلى المسجد فيركع أربع ركعات على قدر
قراءته ركوعه وسجوده على قدر ركوعه يركع حتى يقال متى يرفع رأسه ويسجد حتى
يقال متى يرفع رأسه؟ ثم يعود إلى فراشه فينام ما شاء الله ثم يستيقظ فيجلس فيتلو الآيات
من آل عمران ويقلب بصره في السماء ثم يستن ويتطهر ويقوم إلى المسجد فيصلي أربع
ركعات كما ركع قبل ذلك ثم يعود إلى فراشه فينام ما شاء الله ثم يستيقظ فيجلس فيتلو
الآيات من آل عمران ويقلب بصره في السماء ثم يستن ويتطهر ويقوم إلى المسجد فيوتر
ويصلي الركعتين ثم يخرج إلى الصلاة ".
وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) قال: " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا صلى العشاء
الآخرة أمر بوضوئه وسواكه يوضع عند رأسه مخمرا فيرقد ما شاء الله تعالى ثم يقوم
فيستاك ويتوضأ ويصلي أربع ركعات ثم يرقد فيقوم فيستاك ويتوضأ ويصلي أربع ركعات
ثم يرقد حتى إذا كان في وجه الصبح قام فأوتر ثم صلى الركعتين، ثم قال: " لقد كان لكم
في رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسوة حسنة " (2) قلت متى يقوم؟ قال بعد ثلث
الليل " وقال في حديث آخر " بعد نصف الليل ".
وقال في الكافي (3) وفي رواية أخرى " يكون قيامه وركوعه وسجوده سواء
ويستاك في كل مرة قام من نومه ويقرأ الآيات من آل عمران " أن في خلق السماوات
والأرض إلى قوله إنك لا تخلف الميعاد ".
ويمكن الجمع بين هذه الأخبار باستحباب التأخير إلى آخر الليل لمن أراد أن

(1) الوسائل الباب 53 من المواقيت.
(2) سورة الأحزاب، الآية 21.
(3) الوسائل الباب 53 من المواقيت.
228

يصليها في مقام واحد واستحباب الابتداء من نصف الليل لمن أراد التفريق كما كان
يفعله (صلى الله عليه وآله) وعلى هذين الخبرين يحمل اجمال ما دل على أنه (صلى الله
عليه وآله) وعليا (عليه السلام) كانا يصليان بعد الانتصاف، وعلى ذلك تجتمع الأخبار.
بقي الكلام هنا في مواضع: (الأول) المشهور بين الأصحاب جواز تقديم صلاة
الليل في أوله للشاب الذي تمنعه رطوبة دماغه من الانتباه والمسافر الذي يمنعه جد السير
ونقل عن زرارة بن أعين المنع من تقديمها على انتصاف الليل مطلقا وأنه قال: كيف تقضى
صلاة قبل وقتها إن وقتها بعد انتصاف الليل. وسيأتي ذلك في رواية محمد بن مسلم،
واختاره ابن إدريس على ما نقله في المختلف وإليه مال في المختلف أيضا ونقل فيه عن
ابن أبي عقيل إنه وافق الشيخ في المسافر خاصة.
والظاهر هو القول المشهور للأخبار الكثيرة الدالة عليه، ومنها ما رواه الشيخ
والصدوق في الصحيح عن ليث المرادي (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الصلاة في الصيف في الليالي القصار صلاة الليل في أول الليل؟ فقال نعم نعم ما رأيت
ونعم ما صنعت " وزاد في الفقيه (2) " يعني في السفر " قال: " وسألته عن الرجل يخاف
الجنابة في السفر أو في البرد فيجعل صلاة الليل والوتر في أول الليل؟ فقال نعم ".
وروى في الفقيه عن أبي جرير القمي عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) (3)
قال: " صل صلاة الليل في السفر من أول الليل في المحمل والوتر وركعتي الفجر ".
وروى في الكافي والتهذيب عن الحلبي (4) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن صلاة الليل والوتر في أول الليل في السفر إذا تخوفت البرد أو كانت علة؟
قال لا بأس أنا أفعل ذلك ".
وروى في الكافي عن يعقوب بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال

(1) رواه في الوسائل في الباب 44 من المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 44 من المواقيت.
(3) رواه في الوسائل في الباب 44 من المواقيت.
(4) رواه في الوسائل في الباب 44 من المواقيت.
(5) رواه في الوسائل في الباب 44 من المواقيت.
229

" سألته عن الرجل يخاف الجنابة في السفر أو البرد أيعجل صلاة الليل والوتر في أول
الليل قال نعم ".
وعن محمد بن حمران عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " سألته عن
صلاة الليل أصليها أول الليل؟ قال نعم إني لأفعل ذلك فإذا أعجلني الجمال صليتها في المحمل "
وعن أبي بصير في الموثق أو الضعيف عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال:
" إذا خشيت أن لا تقوم آخر الليل أو كانت بك علة أو أصابك برد فصل صلاتك
وأوتر من أول الليل ".
ورواه في التهذيب في موضع آخر في الصحيح وكذا الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (3) مثله إلا أنه قال: " وكانت بك علة " وزاد في آخره " في السفر ".
وعن سماعة في الموثق (4) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن وقت
صلاة الليل في السفر؟ فقال من حين تصلى العتمة إلى أن ينفجر الصبح ".
وفي الصحيح عن ليث (5) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة
في الصيف في الليالي القصار أصلي في أول الليل؟ قال نعم ".
وعن يعقوب الأحمر في الصحيح (6) قال: " سألته عن صلاة الليل في الصيف
في الليالي القصار في أول الليل؟ فقال نعم ما رأيت ونعم ما صنعت، ثم قال إن الشاب
يكثر النوم فأنا آمرك به ".
وعن علي بن سعيد (7) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صلاة
الليل والوتر في السفر من أول الليل إذا لم يستطع أن يصلي في آخره؟ قال نعم ".
ورواه في الفقيه عن علي بن سعيد مثله (8) إلا أنه أسقط " إذا لم يستطع أن
يصلي آخر الليل ".

(1) رواه في الوسائل في الباب 44 من المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 44 من المواقيت.
(3) رواه في الوسائل في الباب 44 من المواقيت.
(4) رواه في الوسائل في الباب 44 من المواقيت.
(5) رواه في الوسائل في الباب 44 من المواقيت.
(6) رواه في الوسائل في الباب 44 من المواقيت.
(7) رواه في الوسائل في الباب 44 من المواقيت.
(8) رواه في الوسائل في الباب 44 من المواقيت.
230

وعن الحسين بن علي بن بلال (1) قال: " كتبت إليه في وقت صلاة الليل
فكتب عند زوال الليل - وهو نصفه - أفضل وإن فات فأوله وآخره جائز ".
وروى الشهيد في الذكرى (2) قال: " وروى محمد بن أبي قرة باسناده إلى إبراهيم بن
سيابة قال كتب بعض أهل بيتي إلى أبي محمد (عليه السلام) في صلاة المسافر أول الليل صلاة
الليل فكتب فضل صلاة المسافر من أول الليل كفضل صلاة المقيم في الحضر من آخر الليل "
وروى في الكافي والتهذيب عن أبان بن تغلب في الصحيح (3) قال:
" خرجت مع أبي عبد الله (عليه السلام) فيما بين مكة والمدينة وكأن يقول أما أنتم
فشباب تؤخرون وأما أنا فشيخ أعجل، وكان يصلي صلاة الليل أول الليل ".
وعن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: " لا بأس بصلاة الليل
من أول الليل إلى آخره إلا أن أفضل ذلك إذا انتصف الليل " وظاهر هذه الرواية
جواز التقديم مطلقا، ونحوها ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن عيسى (5) قال:
" كتبت إليه أسأله يا سيدي روى عن جدك أنه قال لا بأس بأن يصلي الرجل صلاة
الليل في أول الليل؟ فكتب في أي وقت صلى فهو جائز إن شاء الله تعالى " والظاهر
تقييد اطلاقها بالروايات المذكورة الدالة على العذر.
وقد صرح الأصحاب بأنه إذا دار الأمر بين التقديم والقضاء فالقضاء أفضل،
ويدل عليه ما رواه معاوية بن وهب في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6)
قال: " قلت له إن رجلا من مواليك من صلحائهم شكى إلي ما يلقى من النوم وقال إني
أريد القيام إلى الصلاة بالليل فيغلبني النوم حتى أصبح فربما قضيت صلاتي الشهر المتتابع
والشهرين أصبر على ثقله؟ فقال قرة عين له والله، ولم يرخص له في الصلاة في أول الليل
وقال القضاء بالنهار أفضل. قلت فإن من نسائنا أبكارا الجارية تحب الخير وأهله وتحرص

(1) الوسائل الباب 44 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 44 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 44 من المواقيت.
(4) الوسائل الباب 44 من المواقيت.
(5) الوسائل الباب 44 من المواقيت.
(6) رواه في الوسائل في الباب 45 من أبواب المواقيت.
231

على الصلاة فيغلبها النوم حتى ربما قضت وربما ضعفت عن قضائه وهي تقوى عليه في
أول الليل؟ فرخص لهن في الصلاة أول الليل إذا ضعفن وضيعن القضاء ".
وعن محمد - وهو ابن مسلم - في الصحيح عن أحدهما (عليهما السلام) (1) قال:
" قلت له الرجل من أمره القيام بالليل تمضي عليه الليلة والليلتان والثلاث لا يقوم فيقضي
أحب إليك أم يعجل الوتر أول الليل؟ قال لا بل يقضي وإن كان ثلاثين ليلة ".
وعن محمد بن مسلم (2) قال: " سألته عن الرجل لا يستيقظ من آخر الليل حتى
يمضي لذلك العشرة والخمس عشرة فيصلي أول الليل أحب إليك أم يقضي؟ قال لا بل
يقضي أحب إلي إني أكره أن يتخذ ذلك خلقا، وكان زرارة يقول كيف تصلي صلاة لم
يدخل وقتها إنما وقتها بعد نصف الليل ".
احتج العلامة في المختلف على ما ذهب إليه مما قدمنا نقله عنه بأنها عبادة موقتة
فلا تفعل قبل وقتها لعذر وغيره كغيرها، وبصدر صحيحة معاوية بن وهب المذكورة
ثم نقل عن الشيخ الاحتجاج بأنه معذور فجاز تقديمها من أول الليل محافظة على السنن، وبعجز
صحيحة معاوية المذكورة حيث رخص (عليه السلام) للجارية التقديم والترخيص للمرأة
مستلزم لغيرها من المسافر والشاب للاشتراك في العذر والمحافظة على فعل السنن. ثم أجاب
بأن المحافظة على السنن تحصل مع القضاء والرواية لا تدل على المطلوب لاختصاصها بمن
لا يتمكن من الانتباه والقضاء.
أقول: ما ذكره (قدس سره) بالنسبة إلى هذه الرواية من الاحتجاج بصدرها
والجواب عن عجزها جيد، إلا أن دليل الشيخ غير منحصر في هذه الرواية لما عرفت من
الأخبار التي تلوناها عليك فإنه لا مجال إلى إنكار دلالتها على الجواز. نعم ظاهر الصدوق
اختصاص الرخصة بالمسافر حيث قال: كل ما روى من الاطلاق في صلاة الليل من أول الليل
فإنما هو في السفر لأن المفسر من الأخبار يحكم على المجمل. ونحوه قال الشيخ في التهذيبين

(1) رواه في الوسائل في الباب 45 من المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 45 من المواقيت.
232

وزاد: وفي وقت يغلب على الظن أنه إن لم يصلها في أول الليل فاتته إذا شق عليه القيام
آخر الليل ولا يتمكن من القضاء فحينئذ يجوز له تقديمها. أقول: ما ذكره الشيخ (قدس
سره) هنا جيد، أما بالنسبة إلى المسافر فلما عرفت من الأخبار الكثيرة المتقدمة
بالتقريب الذي ذكره الصدوق (طاب ثراه) وأما بالنسبة إلى من لا يتمكن من الأداء
والقضاء فعجز صحيحة معاوية بن وهب وعليه تحمل صحيحة محمد بن مسلم، وأما صدر
صحيحة معاوية فهو محمول على غير الفردين المذكورين، وعلى ذلك تجتمع الأخبار المذكورة
(الثاني) - المشهور بين الأصحاب أن آخر وقت صلاة الليل طلوع الفجر الثاني
فلو طلع الفجر الثاني ولم يكن تلبس بأربع منها بدأ بالفريضة أو ركعتي الفجر على
الخلاف الآتي إن شاء الله تعالى، ونقل عن المرتضى (قدس سره) أن آخر وقتها
الفجر الأول، قال في الذكرى بعد نقل ذلك عنه: ولعله نظر إلى جواز ركعتي الفجر
حينئذ والغالب أن دخول وقت صلاة يكون بعد خروج وقت أخرى. ويندفع بوجوه:
منها - الشهرة بالفجر الثاني بين الأصحاب. ومنها - أن إسماعيل بن سعد الأشعري (1)
" سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن أفضل ساعات الليل فقال الثلث الباقي " ومنها - ما مر
من الأخبار. انتهى. أقول: ضعف ما ذكره السيد (رضي الله عنه) أظهر من أن
يحتاج إلى البيان لما سيجئ من الأخبار النيرة البرهان.
(الثالث) - لو طلع الفجر فإن كان قد تلبس بأربع منها أتمها مخففة وإلا أخرها
ويدل على الحكم الأول ما رواه الشيخ في التهذيب عن مؤمن الطاق (2) قال:
" قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا كنت صليت أربع ركعات من صلاة الليل قبل
طلوع الفجر فأتم الصلاة طلع أو لم يطلع ".
وفي كتاب الفقه الرضوي " إن كنت صليت من صلاة الليل أربع ركعات قبل
طلوع الفجر فأتم الصلاة طلع الفجر أو لم يطلع ".

(1) الوسائل الباب 54 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 47 من المواقيت.
233

إلا أنه قد روى الشيخ أيضا عن يعقوب البزاز (1) قال: " قلت له أقوم قبل الفجر
بقليل فأصلي أربع ركعات ثم أتخوف أن ينفجر الفجر أبدأ بالوتر أو أتم الركعات؟ قال
لا بل أوتر وأخر الركعات حتى تقضيها في صدر النهار ".
وقد جمع الشيخ ومن تأخر عنه بين الخبرين بحمل هذه الرواية على الأفضلية.
أقول: من المحتمل قريبا اختصاص الخبر الأول بما إذا طلع الفجر بعد تمام التلبس بالأربع
كما هو مورد الخبر ومحل المسألة، وأما الثاني فظاهره أنه بعد صلاة الأربع إنما تخوف
أن ينفجر الفجر لقربه لا أنه انفجر بالفعل فصار الأمر متعارضا عنده بين اتمام الثمان
ركعات وبين الوتر بمعنى أن الوقت لا يسع إلا أحدهما فأمره (عليه السلام) بتقديم
الوتر وتأخير الركعات حتى يقضيها، وهذا ليس من محل المسألة في شئ حتى يحتاج
إلى الجمع بما ذكروه، فإنه قد دلت الأخبار - وبه صرح الأصحاب أيضا - على أنه لو لم يبق
من الوقت ما يسع صلاة الليل كاملة قدم الوتر فإنه يكتب له بها ثواب صلاة الليل وقضى
الصلاة بعد الصبح، ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال:
" سألته عن الرجل يقوم من آخر الليل وهو يخشى أن يفجأه الصبح أيبدأ بالوتر أو يصلي
الصلاة على وجهها حتى يكون الوتر آخر ذلك؟ قال بل يبدأ بالوتر، وقال إنا كنت فاعلا
ذلك " وصحيحة معاوية بن وهب (3) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح ويوتر ويصلي ركعتي الفجر ويكتب له بصلاة
الليل؟ " وهذا الخبر من هذا القبيل ولا فرق بين ما دل عليه هذان الخبران والخبر
المذكور إلا باعتبار دلالة ذلك الخبر على تلبسه بأربع ركعات، وهو لا يصلح للفرق لأن
ظاهر هذين الخبرين أن الأفضل المحافظة على الوتر وتقديمها في هذا الوقت وترجيحها
على صلاة الليل فيه. وبالجملة فإن ظاهر هذه الأخبار أنه متى كان الوقت الثاني لا يسع إلا
الثمان مخففة أو الوتر كاملة فإن الأفضل تقديم الوتر سواء صلى شيئا من الثمان أم لا.

(1) الوسائل الباب 47 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 46 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 46 من المواقيت.
234

وأما الحكم الثاني وهو ما لو طلع الفجر ولم يتلبس بأربع ركعات فلا يخلو إما
أن يكون قد تلبس بما دون الأربع أو لم يتلبس بشئ بالكلية:
وظاهرهم في الأول الاتفاق على البدأة بالفريضة، قال في المعتبر: ولو طلع الفجر
ولما يكمل أربعا بدأ بالفريضة وهو مذهب علمائنا.
وأما الثاني فتدل عليه صحيحة إسماعيل بن جابر (1) قال: " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام) أوتر بعد ما يطلع الفجر؟ قال لا " والتقريب أنه إذا امتنع الوتر بعد
الفجر امتنع ما قبله بطريق أولى.
إلا أنه قد ورد بإزاء هذا الخبر أخبار كثيرة دالة على جواز صلاة الليل بعد الفجر
وإن لم يتلبس منها بشئ:
ومنها - صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " سألته
عن صلاة الليل والوتر بعد طلوع الفجر فقال صلها بعد الفجر حتى تكون في وقت تصلي
الغداة في آخر وقتها ولا تعمد ذلك في كل ليلة، وقال أوتر أيضا بعد فراغك منها ".
وصحيحة عمر بن يزيد أيضا (3) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
أقوم وقد طلع الفجر فإن أنا بدأت بالفجر صليتها في أول وقتها وإن بدأت في صلاة الليل
والوتر صليت الفجر في وقت هؤلاء؟ فقال ابدأ بصلاة الليل والوتر ولا تجعل ذلك عادة ".
وصحيحة سليمان بن خالد (4) قال: " قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) ربما
قمت وقد طلع الفجر فأصلي صلاة الليل والوتر والركعتين قبل الفجر ثم أصلي الفجر. قال
قلت أفعل أنا ذا؟ قال نعم ولا يكون منك عادة ".
ورواية إسحاق بن عمار (5) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أقوم
وقد طلع الفجر ولم أصل صلاة الليل؟ فقال صل صلاة الليل وأوتر وصل ركعتي الفجر "
وأجاب الشيخ عن هذه الأخبار بحملها على الرخصة، قال هذه رخصة لمن أخر

(1) الوسائل الباب 46 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 48 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 48 من المواقيت.
(4) الوسائل الباب 48 من المواقيت.
(5) الوسائل الباب 48 من المواقيت.
235

لاشتغاله بشئ من العبادات. وقال المحقق في المعتبر - بعد أن ذكر أن فيه روايتين إحداهما
يتم النافلة مزاحما بها الفريضة والأخرى يبدأ بالفجر - إن اختلاف الفتوى دليل التخيير،
يعني بين فعلها بعد الفجر قبل الفرض وبعده. واستحسنه جملة ممن تأخر عنه: منهم -
السيد السند في المدارك والفاضل الخراساني في الذخيرة.
والأظهر عندي حمل النهي في صحيحة إسماعيل بن جابر على اتخاذ ذلك عادة
وجعله جائزا في جملة الأوقات فإنه ليس كذلك لما سيأتي إن شاء الله تعالى من الأخبار
الدالة على تحريم النافلة في وقت الفريضة، ولما سيأتي أيضا إن شاء الله تعالى من النهي
عن صلاة ركعتي الفجر بعد طلوع الفجر ووجوب تقديم الفريضة. وأما الأخبار الأخيرة
فهي محمولة على الرخصة لو اتفق له ذلك في بعض الأوقات ولهذا قد صرحت بأنه لا يجعل
ذلك عادة ولا يتعمد ذلك في كل ليلة، والرخص في مقام التحريم كثيرة وهذا منها.
والعجب أن صاحب المعتبر بعد أن استدل على تقديم النافلة على الفريضة في
المسألة بصحيحة عمر بن يزيد الثانية استدل على تقديم الفريضة على النافلة بصحيحته الأولى
وكأنه حمل قوله " صلها بعد الفجر " يعني بعد صلاة الفجر. وهو سهو ظاهر، بل
الظاهر أن الرواية إنما هي من قبيل روايته الثانية والمراد بالفجر فيها إنما هو أول الصبح
وأنه يصلي النافلة أولا وإن أخر الغداة إلى آخر وقتها كما ينادي به الخبر، ويعضده قوله
" ولا تعمد ذلك في كل ليلة " كما وقع مثله في روايته الثانية وصحيحة سليمان بن خالد.
وأعجب من ذلك أنه حكم في هذه المسألة أعني لو طلع الفجر ولم يتلبس بشئ من النافلة
بالتخيير بين تقديم الفريضة والاتيان بالنافلة وفيما لو تلبس بما دون الأربع بوجوب البدأة
بالفريضة كما تقدم نقله عنه.
(الرابع) - المفهوم من الأخبار - وبه صرح جملة من الأصحاب - أن أفضل
أوقات الوتر ما بين الفجر الأول إلى الثاني:
روى الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن سعد الأشعري (1) قال: " سألت

(1) رواه في الوسائل في الباب 54 من أبواب المواقيت.
236

أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن ساعات الوتر فقال أحبها إلي الفجر الأول ".
وعن معاوية بن وهب في الصحيح (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن أفضل ساعات الوتر فقال الفجر أول ذلك ".
وروى الشهيد في الذكرى (2) قال: " روى ابن أبي قرة عن زرارة أن رجلا
سأل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الوتر أول الليل فلم يجبه فلما كان بين الصبحين
خرج أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى المسجد فنادى أين السائل عن الوتر؟ (ثلاث
مرات) نعم ساعة الوتر هذه ثم قام وأوتر ".
وروى ثقة الاسلام في الكافي عن أبان بن تغلب (3) قال: " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام) أية ساعة كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوتر؟ فقال مثل مغيب
الشمس إلى صلاة المغرب ".
قال في الذكرى: وقد سلفت رواية الحجال عن الصادق (عليه السلام) (4) في
تقديم ركعتين من أول الليل فإن استيقظ صلى صلاة الليل وأوتر وإلا صلى ركعة
واحتسب بالركعتين شفعا، وعليه تحمل رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (5)
" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتن إلا بوتر " ويجوز حملها على التقية لأن عندهم
وقت الوتر ما بين العشاء إلى الفجر (6) ويروون عن النبي (صلى الله عليه وآله)
أنه قال: " الوتر جعله الله لكم ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر " (7). ثم أجاب عما
ذهب إليه العامة.
أقول: أما ما ذكره من رواية الحجال فقد تقدم الكلام فيها مستوفى في الفائدة
السادسة عشرة من فوائد المقدمة الثانية وبينا المعنى المراد منها. وأما رواية زرارة فقد

(1) الوسائل الباب 54 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 54 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 54 من المواقيت.
(4) الوسائل الباب 44 من المواقيت.
(5) المروية في الوسائل في الباب 29 من أعداد الفرائض.
(6) المغني ج 2 ص 161.
(7) سنن البيهقي ج 2 ص 478.
237

تقدم الكلام فيها موضحا منقحا في الفائدة السادسة من الفوائد المشار إليها وبينا أن
المراد بالوتر فيها إنما هو الوتيرة فلا ضرورة إلى ما ذكره هو وغيره من التأويلات البعيدة
والاحتمالات الغير السديدة.
(الخامس) - قد تقدمت الأخبار الدالة على أنه متى ضاق الوقت إلا عن الوتر
وركعتي الفجر خاصة فإن الأفضل له أن يقدم ذلك على صلاة الليل، أما لو فعل ذلك
ثم انكشف بقاء الليل فقال في الدروس ونحوه في الذكرى أنه يضيف إلى ما صلى ستا
ويعيد ركعة الوتر وركعتي الفجر، ثم نسبه إلى الشيخ المفيد ثم نقل في الكتابين عن
الشيخ علي بن بابويه أنه يعيد ركعتي الفجر لا غير. أقول: ظاهر كلام الشيخين
المذكورين أن الحكم في هذه المسألة هو إضافة ست ركعات إلى ما صلاه بنقل ركعتي
الفجر إلى صلاة الليل وزيادة ست ركعات عليها لتكمل ثمان ركعات ثم إعادتها بعد ذلك
وإنما اختلف كلامهما في إعادة مفردة الوتر فظاهر الشيخ علي بن بابويه عدم إعادتها
وظاهر الشيخ المفيد إعادتها. وقال في الذكرى بعد ذكر ذلك - ثم نقل عن الشيخ في
المبسوط أنه لو نسي ركعتين من صلاة الليل ثم ذكر بعد أن أوتر قضاهما وأعاد الوتر -
ما لفظه: وكأن الشيخين نظر إلى أن الوتر خاتمة النوافل ليوترها.
والذي وقفت عليه من الأخبار مما يتعلق بهذه المسألة ما رواه الشيخ عن علي بن
عبد العزيز (1) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أقوم وأنا أتخوف الفجر؟ قال
فأوتر. قلت فأنظر فإذا علي ليل؟ قال فصل صلاة الليل ".
وعن إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض أصحابنا - وأظنه إسحاق بن غالب - عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " إذا قام الرجل من الليل فظن أن الصبح قد
أضاء فأوتر ثم نظر فرأى أن عليه ليلا؟ قال يضيف إلى الوتر ركعة ثم يستقبل صلاة
الليل ثم يوتر بعده ".

(1) رواه في الوسائل في الباب 46 من أبواب المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 46 من أبواب المواقيت.
238

وقال (عليه السلام) في كتاب الفقه الرضوي (1) " وإن كنت صليت الوتر
وركعتي الفجر ولم يكن طلع الفجر فأضف إليها ست ركعات وأعد ركعتي الفجر وقد
مضى الوتر بما فيه ".
وأنت خبير بأن الظاهر من الوتر في هذه الأخبار هو مجموع الركعات الثلاث
كما استفاض اطلاقه عليها في الأخبار وقد تقدم بيانه في المقدمة الثانية، وحينئذ فقوله في
الخبر الأول " فصل صلاة الليل " يحتمل حمله على الركعات الثمان خاصة كما وقع اطلاقه
عليها في الأخبار وإن أطلق في بعض على ما يدخل فيه الوتر، ويحتمل حمله على الأعم ويحتمل
- على بعد - البناء على ما صلى كما ذكره الشيخ المفيد من إضافة الست، وحينئذ فمعنى قوله
" فصل صلاة الليل " أي أتم صلاة الليل، وكيف كان فالخبر المذكور لا يخلو من الاجمال.
وأما الرواية الثانية فظاهرها أنه يعتد بما فعله من ركعات الوتر من صلاة الليل ويضيف إلى
المفردة أخرى ليتم بها عدد أربع ركعات ثم يتم الثمان صلاة الليل ويوتر. ولم أقف على قائل
به. وأما عبارة كتاب الفقه فالظاهر أنه معتمد الشيخين المتقدمين فيما قدمنا ايضاحه من
كلاميهما وإن كان الشيخ المفيد صرح بإعادة مفردة الوتر بعد ذلك أيضا بالتقريب الذي
ذكره في الذكرى. وكيف كان فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال لما عرفت من تصادم
هذه الأخبار، والاحتياط لا يخفى.
(السادس) - روى الشيخ في التهذيب عن علي بن عبد الله بن عمران عن
الرضا (عليه السلام) (2) قال: " إذا كنت في صلاة الفجر فخرجت ورأيت الصبح
فزد ركعة إلى الركعتين اللتين صليتهما قبل واجعله وترا ".
قال شيخنا الشهيد (قدس سره) في الذكرى بعد ذكر هذا الخبر: وفيه تصريح بجواز
العدول من النفل إلى النفل لكن ظاهره أنه بعد الفراغ كما ذكره مثله في الفريضة، ويمكن حمل
الخروج على رؤية الفجر في أثناء الصلاة كما حمل الشيخ الفراغ في الفريضة على مقارنة الفراغ.

(1) ص 13.
(2) الوسائل الباب 46 من المواقيت.
239

أقول: أما ما ذكره من تصريح الخبر بجواز العدول حسبما ذكره فقد تقدم في
سابق هذا الموضع ما يؤيده أيضا ويؤكده. وأما ما ذكره في تأويل الخروج حيث إن
ظاهر الخبر الخروج في أثناء الصلاة فالظاهر بعده، والأقرب حمل الكلام على التجوز
وأن المراد بالكون في صلاة الفجر الاتيان بركعتي الفجر، ويحمل الخبر على ما إذا كان
الوقت ضيقا فصلى صلاة الفجر لعدم اتساعه لأزيد منها فأمره (عليه السلام) بأن الأفضل
تقديم الوتر وأن ينقل ما صلاه إلى ركعتي الوتر ويضيف إليهما ثالثة، وباب التجوز في
أمثال ذلك غير عزيز.
والمحدث الكاشاني لما نقل الخبر المذكور في الوافي قال: هكذا في النسخ التي رأيناها
والصواب " الليل " مكان " الفجر " يعني إذا كنت قد صليت من صلاة الليل ركعتين
فرأيت الصبح فاجعله وترا. وهو في حد ذاته معنى جيد لكن حمل الأخبار على ذلك
لا يخلو من اشكال. والله العالم.
(المسألة الرابعة) - المشهور بين الأصحاب أن أول وقت ركعتي الفجر الفراغ
من صلاة الليل والوتر وإن كان ذلك قبل الفجر الأول، لكن قال في المعتبر أن
تأخيرهما حتى يطلع الفجر الأول أفضل. وقيل إن أول وقتهما بعد طلوع الفجر الأول،
ونقل عن السيد المرتضى والشيخ في المبسوط وبه صرح العلامة في الإرشاد.
وأما آخر وقتهما فالمشهور أنه يمتد إلى طلوع الحمرة فإن طلعت ولم يصلهما بدأ
بالفريضة. وقيل بامتداد وقتهما إلى الفجر الثاني وهو المنقول عن ابن الجنيد واختاره
الشيخ في كتابي الأخبار، قال ابن الجنيد على ما نقل عنه: وقت صلاة الليل والوتر
والركعتين من حين انتصاف الليل إلى طلوع الفجر على الترتيب.
والأظهر عندي أن وقتهما بعد صلاة الليل وإن كان الأفضل تأخيرهما إلى بعد
الفجر الأول وأن وقتهما ينتهي بطلوع الفجر الثاني فلو طلع ولم يصلهما بدأ بالفريضة.
لنا على الحكم الأول - الأخبار الدالة على جعلهما مع صلاة الليل كائنة ما كانت:
240

ومنها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (1) قال:
" سألت الرضا (عليه السلام) عن ركعتي الفجر فقال احشوا بهما صلاة الليل ".
وفي الصحيح عن ابن أبي نصر أيضا (2) قال: " قلت لأبي الحسن (عليه
السلام) ركعتي الفجر أصليهما قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال قال أبو جعفر (عليه السلام)
احش بهما صلاة الليل وصلهما قبل الفجر ".
وفي الصحيح عن محمد بن مسلم (3) قال: " سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول
صل ركعتي الفجر قبل الفجر وبعده وعنده ".
وفي الصحيح عن ابن أبي يعفور (4) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن ركعتي الفجر متى أصليهما؟ فقال قبل الفجر ومعه وبعده ".
والمراد بالفجر في هذه الأخبار هو الفجر الأول كما سيظهر لك في المقام إن شاء الله.
وفي الموثق بابن بكير عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (5) قال:
" إنما على أحدكم إذا انتصف الليل أن يقوم فيصلي صلاته جملة واحدة ثلاثة عشرة ركعة
ثم إن شاء جلس فدعا وإن شاء نام وإن شاء ذهب حيث شاء ".
وفي الموثق بابن بكير أيضا عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6) في
حديث " وثلاث عشرة ركعة من آخر الليل منها الوتر وركعتا الفجر ".
وفي صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (7) " وبعد ما ينتصف الليل
ثلاث عشرة ركعة منها الوتر ومنها ركعتا الفجر ".
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي يقف عليها المتتبع، ومنها صحيحة زرارة
الآتية وقوله فيها؟ " إنهما من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل ".

(1) رواه في الوسائل في الباب 50 من المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 50 من المواقيت.
(3) رواه في الوسائل في الباب 52 من المواقيت.
(4) رواه في الوسائل في الباب 52 من المواقيت.
(5) الوسائل الباب 35 من التعقيب.
(6) الوسائل الباب 14 من أعداد الفرائض.
(7) الوسائل الباب 14 من أعداد الفرائض.
241

وأما على الحكم الثاني فما قدمناه من الأخبار الدالة على أن أفضل أوقات الوتر
بعد طلوع الفجر الأول ومن المعلوم أن ركعتي الفجر مرتبة على الوتر لا تصلى إلا بعده.
وأما ما استدل به في المدارك على ذلك حيث إنه اختار ما ذكرناه من أن
التأخير إلى أن يطلع الفجر الأول أفضل حيث قال: ويدل على أن الأفضل تأخيرهما
حتى يطلع الفجر الأول صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج (1) قال: " قال أبو عبد الله
(عليه السلام) صلهما بعد ما يطلع الفجر " وإنما حملنا لفظ الفجر على الأول ليناسب
الأخبار السالفة، ولعل هذه الرواية مستند الشيخ والمرتضى في جعلهما ذلك أول الوقت
والجواب المعارضة بالأخبار المستفيضة المتضمنة للأمر بفعلهما مع صلاة الليل من غير تقييد
بطلوع الفجر الأول، مع إمكان القدح في هذه الرواية بعدم وضوح مرجع
الضمير.
انتهى - فهو غير واضح في كون المراد الفجر الأول كما اعترف به وما ذكرناه
من الدليل أظهر في المراد.
أقول: ومثل هذه الرواية التي ذكرها صحيحة يعقوب بن سالم البزاز (2) قال:
" قال أبو عبد الله (عليه السلام) صلهما بعد الفجر واقرأ فيهما في الأولى قل يا أيها
الكافرون وفي الثانية قل هو الله أحد " وأما ما ذكره من الإيراد عليهما بالأخبار
المتقدمة فلهما أن يجيبا بحمل ذلك على الرخصة في التقديم والدس في صلاة الليل وإن
كان الوقت الموظف هو ما بعد الفجر الأول للروايات المتقدمة المعتضدة بظاهر
هاتين الروايتين.
ولنا على الحكم الثالث ما دل من الأخبار على عدم جواز النافلة بعد دخول وقت
الفريضة (3) كما سيأتي إن شاء الله تعالى، خرج ما خرج بدليل وبقي ما بقي.
وخصوص ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (4)

(1) المروية في الوسائل في الباب 51 من أبواب المواقيت.
(2) المروية في الوسائل في الباب 51 من أبواب المواقيت.
(3) الوسائل الباب 35 من المواقيت.
(4) الوسائل الباب 50 من المواقيت.
242

قال: " سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال قبل الفجر أنهما من صلاة
الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل أتريد أن تقايس لو كان عليك من شهر رمضان
أكنت تتطوع؟ إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة ".
وحسنة زرارة (1) قال: " قلت لأبي جعفر (عليه السلام) الركعتان اللتان قبل
الغداة أين موضعهما؟ قال قبل طلوع الفجر فإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة ".
وعن زرارة أيضا عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) في وصف صلاة رسول الله
(صلى الله عليه وآله) وفيها " ثم يصلي ثلاث عشرة ركعة: منها الوتر ومنها ركعتا الفجر
قبل الغداة فإذا طلع الفجر وأضاء صلى الغداة ".
ويؤيد هذه الأخبار تأييدا ظاهرا الأخبار المتقدمة في إدخالها في صلاة الليل بل
دلالة جملة منها على أنها من صلاة الليل التي لا خلاف في أن وقتها قبل الفجر الثاني:
وفي موثقة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " قلت ركعتا
الفجر من صلاة الليل هي؟ قال نعم ".
ورواية محمد بن مسلم (4) قال: " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن أول وقت
ركعتي الفجر فقال سدس الليل الباقي " وقوله في صحيحة زرارة المذكورة " أنهما من صلاة
الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل ".
وروى الشيخ في التهذيب عن المفضل بن عمر (5) قال: " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام) أقوم وأنا أشك في الفجر؟ فقال صل على شكك فإذا طلع الفجر فأوتر
وصل الركعتين فإذا أنت قمت وقد طلع الفجر فابدأ بالفريضة ولا تصل غيرها فإذا فرغت
فاقض مكانك.. الخبر " وهو ظاهر الدلالة واضح المقالة لظاهر الأمر بالبدأة بالفريضة
الدال على الوجوب والنهي عن صلاة غيرها الدال على التحريم. وأما صدر الخبر فمحمول

(1) المروية في الوسائل في الباب 50 من أبواب المواقيت.
(2) الوسائل الباب 10 من المواقيت.
(3) المروية في الوسائل في الباب 50 من أبواب المواقيت.
(4) المروية في الوسائل في الباب 50 من أبواب المواقيت.
(5) الوسائل الباب 48 من المواقيت.
243

على من صلى بشكه في الوقت ثم تبين الوقت بعد تمام صلاة الليل فإنه يتمها بالوتر وركعتي
الفجر كما تقدم في الأخبار فلا منافاة.
واستدل السيد السند (قدس سره) للقول المشهور بقول الصادق (عليه
السلام) (1) " صلهما قبل الفجر ومعه وبعده " قال: والبعدية تستمر إلى ما بعد الاسفار
وطلوع الحمرة، قال ويدل على انتهاء الوقت بذلك صحيحة علي بن يقطين (2) قال: " سألت
أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل لا يصلي الغداة حتى يسفر وتظهر الحمرة ولم يركع ركعتي
الفجر أيركعهما أو يؤخرهما؟ قال يؤخرهما " ثم نقل استدلال الشيخ (قدس سره) على
ما نقل عنه من الانتهاء بطلوع الفجر الثاني بصحيحة زرارة المتقدمة، ثم قال ويمكن التوفيق
بين الروايات إما بحمل لفظ الفجر في الروايات السابقة على الأول ويراد بما بعد الفجر ما
بعد الأول وقبل الثاني أو بحمل الأمر في هذه الرواية على الاستحباب، ولعل الثاني
أرجح. انتهى.
أقول: لا يخفى أن دلالة صحيحة علي بن يقطين على ما ذكره إنما هو بالمفهوم
الضعيف وأخبار " صلهما قبل الفجر ومعه وبعده " مجملة قابلة للاحتمال على الفجر الأول ومثل
هذا لا يقابل به ما ذكرناه من الأخبار ولا سيما صحيحة زرارة الأولى لما هي عليه من
الصراحة على أبلغ وجه وقريب منها حسنته أيضا.
وههنا أخبار دالة على القول المشهور أوضح مما نقله ولكنها ضعيفة السند والظاهر أنه لأجل ذلك أعرض عن نقلها واعتمد على ما نقله لصحة سنده وأغمض النظر عن
ضعف دلالته كما هي عادته من دورانه مدار الأسانيد وإن اشتملت المتون على عدة من العلل
فمما يدل على القول المشهور بدلالة واضحة الظهور رواية إسحاق بن عمار عن من أخبره
عنه (عليه السلام) (3) قال: " صل الركعتين ما بينك وبين أن يكون الضوء حذاء
رأسك فإن كان بعد ذلك فابدأ بالفجر ".

(1) الوسائل الباب 52 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 51 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 51 من المواقيت.
244

ورواية الحسين بن أبي العلاء (1) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
الرجل يقوم وقد نور بالغداة؟ قال فليصل السجدتين اللتين قبل الغداة ثم ليصل الغداة ".
ورواية أبي بكر الحضرمي (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) فقلت
متى أصلي ركعتي الفجر؟ قال حين يعترض الفجر وهو الذي تسميه العرب الصديع ".
وهذه الأخبار كما ترى صريحة في مخالفة الأخبار التي قدمناها فالواجب الرجوع
إلى المرجحات، ومن القواعد المنصوص عليها في مقام اختلاف الأخبار وإن أعرض عن
العمل بها جملة من علمائنا الأبرار (رفع الله تعالى منازلهم في دار القرار) هو عرضها على
مذهب العامة والأخذ بخلافه.
وقد نقل جملة من مشايخنا (رضوان الله عليهم) أن جمهور العامة - كما ذكره
شيخنا المجلسي في البحار - على أن هاتين الركعتين لا تصليان إلا بعد طلوع الفجر
الثاني، ومن أخبارهم المنقولة في ذلك ما نقله في المنتهى مما رواه الجمهور عن حفصة (3)
" أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر يصلي الركعتين "
وحينئذ فالواجب حمل هذه الأخبار على التقية، ويوضح ذلك بأي ايضاح رواية
أبي بصير (4) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) متى أصلي ركعتي الفجر؟ قال
فقال لي بعد طلوع الفجر. قلت له إن أبا جعفر (عليه السلام) أمرني أن أصليهما قبل طلوع
الفجر؟ فقال لي يا أبا محمد إن الشيعة أتوا أبي مسترشدين فأفتاهم بمر الحق وأتوني
شكاكا فأفتيتهم بالتقية ".
وممن وافقنا في هذا المقام شيخنا البهائي (عطر الله مرقده) في كتاب الحبل
المتين فقال: والمراد بالفجر فيما تضمنه الحديث السابع والتاسع من صلاة ركعتي الفجر

(1) المروية في الوسائل في الباب 51 من المواقيت.
(2) المروية في الوسائل في الباب 51 من المواقيت.
(3) المهذب للشيرازي ج 1 ص 82 وسنن البيهقي ج 2 ص 471.
(4) المروية في الوسائل في الباب 50 من المواقيت.
245

قبله وبعده وعنده الفجر الأول كما يدل عليه قوله (عليه السلام) في الحديث الثامن (1)
" احشوا بهما صلاة الليل " إذ المراد صلاتهما في وقتها والحديث الحادي عشر والتاسع
عشر صريحان في أن وقتهما قبل الفجر. انتهى. وأشار بالحادي عشر إلى صحيحة زرارة
المتقدمة (2) وبالتاسع عشر إلى حسنته المذكورة بعدها.
وأما ما ذكره المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى بعد نقله لصحيحة زرارة المشار
إليها حيث قال: قلت ينبغي أن يعلم أن الغرض في هذا الحديث من ذكر التطوع
بالصوم لمن عليه شئ من قضاء شهر رمضان معارضة ما علمه (عليه السلام) من
زرارة وهو محاولة قياس ركعتي الفجر على غيرهما من النوافل المتعلقة بالفرائض حيث إن الوقت فيها متحد مع وقت الفريضة فيكون وقت ركعتي الفجر بعد طلوع الفجر ودخول
وقت الفريضة، وحاصل المعارضة أن اشتغال الذمة بالصوم الواجب مانع من التطوع به
فيقاس عليه حكم ركعتي الفجر ويقال إن دخول وقت الفريضة بطلوع الفجر يمنع من
الاشتغال بالتطوع فلا مساغ لفعلهما بعد الفجر، والمطلوب بهذه المعارضة بيان فساد
القياس لا التنبيه على الوجه الصحيح فيه فإن الأخبار الكثيرة الدالة على جواز فعلهما
بعد الفجر تنافيه وسنوردها، واحتمالها التقية كما ذكره الشيخ (قدس سره) في جملة
وجوه تأويلها غير كاف في المصير إلى تعين التقديم مع عدم صراحة أخباره فيه، إذ هي
محتملة لإرادة أرجحيته على التأخير ولذلك شواهد أيضا تأتي، فيكون الجمع بين الأخبار
بالحمل على التخيير مع رجحان التقديم أولى، وحينئذ يتعين حمل المعارضة الواقعة في هذا
الخبر على المعنى الذي ذكرناه. انتهى كلامه زيد مقامه -
ففيه نظر من وجوه (الأول) أن ما زعمه من حمل سؤال زرارة في هذا الخبر
على المعنى الذي ذكره في المقام إنما هو من قبيل المعمى والألغاز الواقعين في شذوذ
الكلام إذ لا قرينة ولا شاهد يؤذن به كما لا يخفى على ذوي الأفهام، وليس السؤال في

(1) صحيح أحمد بن محمد بن أبي نصر ص 241.
(2) ص 243.
246

هذا الخبر إلا مثل أسئلته في جميع الأحكام، على أن ما ذكره من أن زرارة ظن قياس
ركعتي الفجر على غيرهما من النوافل المتعلقة بالفرائض حيث إن الوقت فيها متحد ممنوع
بأن اتحاد الوقت في فريضتي الظهرين مع نوافلهما وفريضة المغرب مع نافلتها ظاهر لدلالة
الأخبار على دخول وقت الظهرين بالزوال إلى الغروب مع دلالتها على وقوع نافلتهما في
جزء من هذا الوقت وكذا المغرب، أما هذه النافلة فلا لأن الأخبار دلت على أن وقت
الفريضة من طلوع الفجر الثاني ودلت على أن النافلة إنما تصلى قبل ذلك داخلة في صلاة
الليل وأنها من جملة صلاة الليل مع قطع النظر عن الروايات المانعة من ايقاعها بعد الفجر
الثاني، فكيف يتوهم زرارة ما ذكره وتوهمه من اتحاد الوقت في هذه النافلة مع فريضة
الصبح كاتحاد نافلة الظهرين مع فريضتهما؟ ما هذا إلا عجيب من مثل هذا المحقق المذكور
ولا أعرف له مستندا في هذا الوهم - إن كان - إلا قوله (عليه السلام)
" أتريد أن تقايس.. إلى آخره " وفيه أن الأظهر في معناه هو ما ذكره شيخنا البهائي
في كتاب الحبل المتين، حيث قال: قوله (عليه السلام) في الحديث الحادي عشر
" أتريد أن تقايس؟ " بالبناء للمفعول أي أتريد أن يستدل لك بالقياس؟. ولعله
(عليه السلام) لما علم أن زرارة كثيرا ما يبحث مع المخالفين ويبحثون معه في أمثال هذه
المسائل أراد أن يعلمه طريق إلزامهم حيث إنهم قائلون بالقياس، أو أن غرضه (عليه
السلام) تنبيه زرارة على اتحاد حكم المسألتين وتمثيل مسألة لم يكن يعرفها بمسألة هو عالم بها
ومثل ذلك قد يسمى قياسا وليس مقصوده (عليه السلام) القياس المصطلح. انتهى.
أقول: ومما يعضد ما ذكره شيخنا المذكور (توجه الله تعالى بتاج من النور)
ما سيأتي قريبا من صحيحة زرارة المروية في المدارك (1) قال: " قلت لأبي جعفر (عليه
السلام) أصلي نافلة وعلي فريضة أو في وقت فريضة؟ قال لا إنه لا تصلى نافلة في وقت

(1) سيأتي منه " قدس سره " في المسألة الثانية من المقصد الثالث عدم وجود هذه
الصحيحة في الوافي والوسائل.
247

فريضة أرأيت لو كان عليك صوم من شهر رمضان أكان لك أن تتطوع حتى تقضيه؟
قلت لا. قال فكذلك الصلاة. قال فقايسني وما كان يقايسني " وهذه الرواية نظير تلك
الرواية في أنه ليس الغرض إلا السؤال عن الحكم المذكور ولا مجال فيها لما توهمه (قدس
سره) ثمة من الوهم الذي هو في غاية القصور، وهي دالة باطلاقها على ما ادعيناه في هذه
المسألة خرج منها ما خرج وبقي الباقي تحت الاطلاق.
ومثل ذلك ما رواه ثقة الاسلام في الكافي في الصحيح عن عبد الرحمان بن
الحجاج (1) قال: " سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل رمى صيدا في الحل فمضى
برميته حتى دخل الحرم فمات أعليه جزاؤه؟ قال لا ليس عليه جزاؤه لأنه رمى حيث رمى
وهو له حلال إنما مثل ذلك مثل رجل نصب شركا في الحل إلى جانب الحرم فوقع فيه
صيد فاضطرب الصيد حتى دخل الحرم فليس عليه جزاؤه لأنه كان بعد ذلك شئ. فقلت له
هذا القياس عند الناس؟ فقال إنما شبهت لك شيئا بشئ " ونحوه صحيحته الأخرى عن
أبي عبد الله (عليه السلام) في الصيد أيضا (2) حسبما دل عليه هذا الخبر.
وهذان الخبران ظاهران في المعنى الثاني الذي ذكره شيخنا المذكور من أن غرضه
(عليه السلام) في ذلك الخبر التنظير والتمثيل.
وبذلك يظهر لك أن ما ذكره المحقق المذكور وتكلفه في الخبر المشار إليه تكلف
بعيد وتمحل غير سديد، ولو تطرق مثل هذا التأويل البعيد للأخبار لم يبق دليل يمكن
به الاستدلال إلا وللقائل فيه مقال وبذلك ينسد باب الاستدلال بالكلية. والحق أن
الخبر المذكور صريح الدلالة واضح المقالة فيما قلناه لا يعتريه القصور ولا يداخله الفتور.
(الثاني) - قوله: " فإن الأخبار الكثيرة الدالة على جواز فعلهما بعد الفجر
تنافيه " فإنه أشار بالأخبار المذكورة إلى الأخبار المشتملة على قوله (عليه السلام):
" صل ركعتي الفجر قبله وبعده وعنده " لأن هذه الأخبار هي الأخبار الصحيحة كما عرفت،

(1) رواه في الوسائل في الباب 30 من كفارات الصيد.
(2) رواه في الوسائل في الباب 30 من كفارات الصيد.
248

وأصحاب هذا الاصطلاح ولا سيما هذا المحقق الذي قد زاد على الاصطلاح في كتابه
المذكور اصطلاحا آخر مبالغة في الصحيحة إنما يدورون مدار صحة الأسانيد وإلا فالأخبار
التي قدمناها صريحة في هذا القول كلها لكنها لضعف أسانيدها لم يعملوا بها ولم يذكروها
وأنت قد عرفت قيام الاحتمال في متون هذه الأخبار بحمل الفجر فيها على الفجر الأول
بل هو الراجح الذي عليه المعول لأنه به يحصل جمعها مع الأخبار المتقدمة الدالة على أنها
من صلاة الليل وأن وقتها بعد صلاة الليل كما عرفت من الأخبار المتكاثرة، وإلى ذلك
أشار شيخنا البهائي (قدس سره) فيما قدمنا من كلامه، وحينئذ فكيف تحصل المعارضة
بها لما هو صريح الدلالة واضح المقالة؟ سيما بعد ما عرفت من بطلان توهمه الذي تكلفه
وزعمه الذي تصلفه، وقد اشتهر في كلامهم وتداول على رؤوس أقلامهم أنه إذا قام
الاحتمال بطل الاستدلال.
(الثالث) - ما طعن به في الحمل على التقية - من أنه غير كاف في المصير إلى تعين
التقديم مع عدم صراحة أخباره فيه - فإن فيه أن الأخبار التي قدمناها ما بين صريح في
ذلك وما بين ظاهر تمام الظهور، أما صحيحة زرارة التي كشفنا عنها نقاب الالتباس بما
لا يخفى على عوام الناس فصراحتها أظهر من أن ينكر، ونحوها حسنته المذكورة
بعدها الدالة على السؤال عن وقت الركعتين بقوله " أين موضعهما؟ فقال قبل الفجر
فإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة " والأخبار المستفيضة بالأمر بجعلهما في صلاة
الليل والأخبار الدالة على أنهما من جملة صلاة الليل التي قد علم أن وقتها من الانتصاف
إلى طلوع الفجر الثاني، ويعضدها الأخبار الدالة على فعل النبي والأئمة (صلوات الله
عليهم) لها قبل الفجر، ويؤكدها الأخبار الدالة على المنع من النافلة في وقت الفريضة.
وبالجملة فإن هذه الأخبار كملا قد اشتملت على أن الوقت الموظف لهاتين الركعتين قبل
الفجر فيجب الوقوف على ما وظفته وعدم الخروج عنه لأن العبادات الشرعية توقيفية
يجب الوقوف فيها على ما رسمه صاحب الشريعة، ولم يعارضها بزعمهم إلا تلك الأخبار
249

المجملة القابلة للحمل على هذه الأخبار بحمل الفجر فيها على الفجر الأول ومتى حملناها
على هذا المحمل لم يحتج فيها للحمل على التقية، نعم ذلك أنما هو في الأخبار الصريحة في
هذا القول وهي الأخبار الضعيفة باصطلاحهم كما تقدمت، وبذلك يظهر لك أن دعواه
صارت مقلوبة عليه كما عرفته من هذا التحقيق الذي لا يأتيه الباطل من خلفه ولا من بين
يديه فإن عدم الصراحة إنما هي في أخباره لا في أخبارنا.
(الرابع) - ما ذكره - من الجمع بين الأخبار بالتخيير مع أفضلية التقديم كما
تقدمه فيه السيد السند في المدارك فيما قدمنا من كلامه - فإن فيه أنه يا لله والعجب
العجاب من هؤلاء الأجلاء الأطياب أنه إذا كان الحال عندهم في جميع الأحكام متى
تعارضت فيها الأخبار إنما يجمع بينها بحمل النهي على الكراهة والأمر على الاستحباب
كما عرفته من طريقتهم في جميع الأبواب فليت شعري أي وجه وأي غرض وعلة في وضع
الأئمة هذه القواعد التي استفاضت بها أخبارهم؟ ولمن خرجت ومن خوطب بها؟ وأين
الأخبار المختلفة التي تجري فيها هذه القواعد إذا كان عملهم في جميع أبواب الفقه وأحكامه
إنما هو على هذه القاعدة التي ابتدعوها والطريقة التي اخترعوها؟ وهل هذا إلا اعراض
عما أسسه لهم أئمتهم الأطياب ومقابلة بالاجتهاد الصرف الذي لم يرد به سنة ولا كتاب؟
هذا مع ما عرفت في غير موضع من بطلان هذه القاعدة في حد ذاتها وفسادها في نفسها.
والله الهادي لمن يشاء.
ومنشأ معظم الشبهة في جواز صلاتهما بعد الفجر الثاني بعد الأخبار الدالة على الجواز
هو الأخبار الدالة على اتمام صلاة الليل بعد التلبس منها بأربع ركعات والأخبار الدالة
على جواز صلاة الليل كملا ولما يتلبس بشئ منها. وأنت خبير بأنك إذا رجعت إلى ما
ذكرناه من الأخبار واستدللنا به في المقام بالتقريب الذي ذكرناه في الوجه الثالث من وجوه النظر
في كلام المحقق المذكور يظهر لك أن الظاهر هو العمل على ما ذكرناه وأن التأويل يجب أن يكون في هذه الأخبار الباقية بحمل ما ظهر منها في جواز التقديم على التقية وحمل أخبار التقديم
250

مطلقا على ما قدمناه من الرخصة في بعض الأوقات وكذلك أخبار التلبس بأربع ركعات
لأن الرخص في مقام المنع والتحريم كثيرة في الشريعة.
بقي في المقام فوائد يجب التنبيه عليها: (الأولى) قال شيخنا المجلسي (قدس
سره) في كتاب البحار - بعد ذكر خبر أبي بصير الذي قدمناه مستندا للحمل على التقية
بعد أن ذكر أن جمهور العامة ذهبوا إلى أنهما تصليان بعد الفجر الثاني وأنه أيد بما رواه
أبو بصير ثم ساق الرواية - ما لفظه: ويمكن حمل هذا الخبر أيضا على أفضلية التقديم والتقية
كانت فيما يوهمه ظاهر كلامه (عليه السلام) من تعين التأخير. انتهى. والظاهر أنه
اعتمد في ذلك على ما ذكره شيخنا الشهيد في الذكرى حيث إنه - بعد أن نقل عن الشيخ
(قدس سره) حمل تلك الأخبار على التقية والاستدلال عليه برواية أبي بصير
المذكورة - قال بعد ذكر الرواية: وهذا الخبر يدل على أن تقديمهما أفضل لا على أن ذلك
هو الوقت المخصوص. انتهى. وكأنه نظر إلى أن الرواية إنما اشتملت على السؤال عن
ايقاعهما قبل الفجر أو بعده لا على السؤال عن الوقت المعين لهما وأنه قبل الفجر أو بعده، وحينئذ
فغاية ما تدل عليه أفضلية التقديم وأن أمر الباقر (عليه السلام) بذلك أنما هو على جهة
الفضل والاستحباب فلا ينافيه جواز الايقاع بعد الفجر، وعلى هذا فأمر الصادق (عليه
السلام) بالتأخير بعد طلوع الفجر بمعنى تعين التأخير وعدم جواز التقديم محمول على التقية
كما ذكره (عليه السلام) حيث إن العامة يوجبون التأخير ولا يجوزون التقديم، وهذا
لا يمنع من جواز التأخير ولا يستلزم أن يكون جواز التأخير محمولا على التقية، فلا دلالة
في الخبر حينئذ على ما ذكروه من التأييد للحمل على التقية. ولا يخفى ما فيه من التكلف
الشديد والبعد عن ظاهر السياق بما لا نهاية عليه ولا مزيد فإن الظاهر المتبادر من ظاهر
سياق الخبر إنما هو السؤال عن وقت الركعتين المذكورتين الذي تصليان فيه فأجاب الباقر
(عليه السلام) بأنه قبل طلوع الفجر وأجاب الصادق (عليه السلام) بأنه بعده فالسائل استغرب
ذلك واستبعده لأن هذا جعل وقتا معينا والآخر جعل لها وقتا آخر غيره ففحص وسأل
251

عن ذلك فأخبره الصادق (عليه السلام) أن الوقت الشرعي إنما هو ما أفتى به أبوه
(عليه السلام) وأما الوقت الذي أفتى هو به فإنما هو على جهة التقية. هذا مقتضى
سياق الخبر ولو كان الأمر كما زعموه من المعنى الذي ذكرناه لم يكن لمراجعة أبي بصير
وسؤاله مرة أخرى معنى يعول عليه. والحق أن الخبر المذكور ظاهر في الاستشهاد كما
ذكره الشيخ وارتكاب ما ذكروه تكلف بعيد عن سياق الخبر. والله العالم.
(الثانية) - نقل بعض الأصحاب عن الشهيد (قدس سره) في الذكرى الميل
إلى القول بامتداد وقت الفجر بامتداد الفريضة لرواية سليمان بن خالد عن الصادق (عليه
السلام) (1) قال: " سألته عن الركعتين قبل الفجر قال تركعهما حين تركع الغداة
أنهما قبل الغداة " وحمل صحيحة علي بن يقطين المتقدمة الدالة على التأخير إلى الاسفار
وظهور الحمرة على الفضيلة، ونفى عنه البعد المحدث الكاشاني في كتابه المعتصم بعد أن
اختار مذهب الأكثر. وأنت خبير بأن قوله (عليه السلام) في رواية سليمان بن خالد
المذكورة " تركعهما حين تركع الغداة " لو حمل على الخبر كما ادعوه وجعلوه محل
الاستدلال للزم منه المنافاة لقوله " إنهما قبل الغداة " بل الظاهر أنه في مقام الاستفهام
الانكاري ليلائم قوله " إنهما قبل الغداة " مؤكدا ب‍ " أن " وإلا فأي ملازمة بين الأمر
بفعلهما حين الغداة وبين ما بعده من الكلام المؤكد الدال على أنهما قبل الغداة،
ويؤيد ما قلناه إن الشيخ في الإستبصار نظم هذه الرواية في سلك ما اختاره من الروايات
الدالة على انتهاء الوقت بطلوع الفجر الثاني، وحينئذ فالرواية المذكورة من جملة أدلة
القول الذي اخترناه.
(الثالثة) - قد نقل عن الشيخ وجماعة من الأصحاب استحباب إعادة الركعتين
المذكورتين بعد الفجر الأول لو صلاهما قبله استنادا إلى صحيحة حماد بن عثمان (2)
قال: " قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) ربما صليتهما وعلي ليل فإن نمت ولم يطلع

(1) المروية في الوسائل في الباب 51 من المواقيت.
(2) المروية في الوسائل في الباب 51 من المواقيت.
252

الفجر أعدتهما " وفي بعض النسخ " فإن قمت " بالقاف مكان النون. وعن زرارة في
الموثق بابن بكير (1) قال: " سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول إني لأصلي صلاة
الليل فأفرغ من صلاتي وأصلي الركعتين فأنام ما شاء الله قبل أن يطلع الفجر فإن استيقظت
عند الفجر أعدتهما " وظاهر الخبرين كما ترى تخصيص الإعادة بالنوم بعدهما لا مطلقا
كما هو المدعى.
وظاهر هذين الخبرين عدم كراهة النوم بعد صلاة الليل وقبل الصبح، وفيه
رد لما ذكره الشيخ وجملة من الأصحاب من الحكم بالكراهة استنادا إلى ما رواه الشيخ
عن سليمان بن حفص المروزي (2) قال: " قال أبو الحسن الأخير (عليه السلام)
إياك والنوم بين صلاة الليل والفجر ولكن ضجعة بلا نوم فإن صاحبه لا يحمد على
ما قدم من صلاته ".
ومما يؤيد الخبرين الأولين ما رواه ثقة الاسلام في الكافي في الموثق عن
ابن بكير (3) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) ما كان يجهد الرجل أن يقوم
من آخر الليل فيصلي صلاته ضربة واحدة ثم ينام أو يذهب " أي أن ذلك لا يشق عليه بل
هو سهل يسير، وفي بعض النسخ " يحمد " مكان " يجهد " وبه تنتفي دلالته على ذلك.
وعن زرارة في الموثق عن ابن بكير عن أبي جعفر (عليه السلام) (4) قال:
" إنما على أحدكم إذا انتصف الليل أن يقوم فيصلي صلاته جملة واحدة ثلاث عشرة ركعة
ثم إن شاء جلس فدعا وإن شاء نام وإن شاء ذهب حيث شاء ".
والذي يقرب عندي أن ما نقل عن الشيخ والجماعة من الحكم المذكور إنما استندوا
فيه إلى الخروج عن خلاف المرتضى والشيخ في المبسوط القائلين بأن وقت هاتين الركعتين
إنما هو بعد الفجر الأول وأخبارهم استدلوا بها على ذلك، وما ذكروه من استنادهم إلى
صحيحة حماد بن عثمان وموثقة زرارة المذكورتين إنما هو تكلف ممن نقل ذلك عنهم

(1) الوسائل الباب 51 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 35 من التعقيب.
(3) رواه في الوسائل في الباب 53 من المواقيت.
(4) الوسائل الباب 35 من التعقيب.
253

حيث لم يروا لهم دليلا ظاهرا غير هاتين الروايتين فذكروهما مستندا لهم وأوردوا
عليهما ما ذكرناه.
نعم بقي الكلام في اختلاف هذه الأخبار في كراهة النوم بعد الركعتين وعدمها
ولعل الترجيح لأخبار الجواز لفعل الإمامين الهمامين (عليهما السلام) ذلك مؤيدا بالخبرين
الأخيرين. ويمكن الجمع بحمل بخبر المروزي على اتخاذ ذلك عادة والأخبار الأخر على وقوعه
أحيانا. ويمكن أيضا أن يقال إنه لا منافاة بين الجواز والكراهة فيحمل ما دل على
الجواز على كون ذلك جائزا وإن كره وفعل الإمام (عليه السلام) يحمل على بيان
الجواز كما في جملة من الأحكام المكروهة التي نقل عنهم (عليهم السلام) فعلها فإن
الأصحاب حملوها على بيان الجواز، ونحوها كثير من المستحبات التي ورد عنهم (عليهم
السلام) تركها لبيان الجواز أيضا. وبالجملة فإنهم إنما فعلوا ذلك في المقام لئلا يتوهم
الناس التحريم في ذلك المكروه من حيث ورود النواهي والوجوب من حيث ورود
الأوامر تعليما وتفهيما وتوقيفا على بيان الحكمين المشار إليهما. والله العالم.
(المقصد الثالث) - في الأحكام وفيه أيضا مسائل (الأولى) المشهور بين
الأصحاب وجوب الصلاة في الأوقات المحدودة في الأخبار المتقدمة وجوبا موسعا من أول
الوقت إلى آخره لا يتضيق إلا بظن الوفاة، ونقل في المنتهى عن الشيخ المفيد (قدس
سره) أنه قال: إن أخرها ثم اخترم في الوقت قبل أن يؤديها كان مضيعا لها وإن بقي
حتى يؤديها في آخر الوقت أو فيما بين الأول والآخر عفى عن ذنبه. قال في المنتهى
وفيه تعريض بالتضيق ثم نقل عنه أنه قال في موضع آخر: إن أخرها لغير عذر كان عاصيا
ويسقط عقابه لو فعلها في بقية الوقت. ونقل في المختلف عن الشيخ أنه قال الصلاة تجب
في أول الوقت وجوبا موسعا والأفضل تقديمها في أول الوقت، قال ومن أصحابنا من
قال تجب بأول الوقت وجوبا مضيقا إلا أنه متى لم يفعله لم يؤاخذ به عفوا من الله تعالى
والأول أبين في المذهب. ثم نقل في المختلف أيضا عن الشيخ المفيد ما نقله عنه أولا
254

في المنتهى ثم قال وهو يشعر بالتضيق، ثم نقل عن ابن أبي عقيل أنه قال إن أخر
الصحيح السليم الذي لا علة به من مرض ولا غيره ولا هو مصل سنة صلاته عامدا من
غير عذر إلى آخر الوقت فقد ضيع صلاته وبطل عمله وكان عندهم إذا صلاها في آخر
وقتها قاضيا لا مؤديا للفرض في وقته. ثم نقل في المختلف عن الشيخ المفيد أنه احتج بما
رواه عبد الله بن سنان في الصحيح (1) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول
لكل صلاة وقتان وأول الوقت أفضله وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلا من
عذر " ثم قال: والجواب أن الحديث يدل على أن التقديم من باب الأولى لا أنه واجب
وجوبا مضيقا. انتهى.
أقول: لا يخفى أنه قد تقدم منا ما هو التحقيق في المقام وبيان ما فيه من ابرام
النقض ونقض الابرام، وقد ذكرنا أن ما نسبوه للشيخ المفيد من القول بالتضيق ليس
في محله وإنما كلامه (قدس سره) وقع على نهج الأخبار المستفيضة في المسألة من أن
لكل صلاة وقتين وأن الوقت الثاني إنما هو لذوي الأعذار والاضطرار وأن من أخر
الصلاة إليه ولم يكن كذلك كان تحت المشيئة لا يجب على الله تعالى قبول عمله إن شاء
عذبه وإن شاء عفى عنه. وهو ظاهر في حصول العصيان بالتأخير وإن وقعت الصلاة
أداء. ونحوه كلام ابن أبي عقيل إلا أنه بالغ في ذلك بنسبته إلى ابطال العمل وكونه
قاضيا للفرض لا مؤديا. وبالجملة فإن ما ذكره شيخنا المفيد هو الذي تكاثرت به الأخبار
المتقدمة كما أوضحناه بما لا مزيد عليه، ومراده بأول الوقت يعني الوقت الأول من
الوقتين اللذين دلت الأخبار عليهما بالنسبة إلى كل صلاة.
(المسألة الثانية) - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أنه هل يجوز
صلاة النافلة مبتدأة أو قضاء عن راتبة بعد دخول وقت الفريضة أم لا؟ جزم الشيخان
بالمنع وبه صرح المحقق في المعتبر وأسنده إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الاجماع عليه،

(1) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب المواقيت.
255

واختاره العلامة في جملة من كتبه، وصرح شيخنا الشهيد الثاني في الروض بأنه المشهور
بين المتأخرين. واختار شيخنا الشهيد في الذكرى الجواز وهو ظاهر الشهيد الثاني في
الروض وتبعهما عليه جملة من متأخري المتأخرين: منهم - السيد السند في المدارك
والمحدث الكاشاني في المفاتيح والفاضل الخراساني في الذخيرة وغيرهم. والمعتمد
هو القول الأول.
ويدل عليه جملة من الأخبار: منها - صحيحة زرارة المتقدمة قريبا (1) وقوله (عليه
السلام) فيها " أتريد أن تقايس؟ لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوع؟ إذا دخل
عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة ".
وصحيحته الثانية عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) " أنه سئل عن رجل صلى
بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلها أو نام عنها؟ فقال يقضيها إذا ذكرها، إلى أن قال
(عليه السلام) ولا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة كلها ".
وصحيحة ثالثة له أيضا رواها في الذكرى وسيأتي نقلها كملا إن شاء الله في المسألة
الآتية (3) وفيها " إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة ".
وصحيحة رابعة له نقلها شيخنا الشهيد الثاني في الروض (4) والسيد السند في المدارك
وشيخنا البهائي في كتاب الحبل المتين ولم أقف عليها بعد التتبع في كتاب الوافي الذي
جمع فيه الكتب الأربعة ولا كتاب الوسائل الذي زاد فيه على ما في الكتب الأربعة
ولكن كفى بالناقلين المذكورين حجة، والظاهر أن من تأخر عن شيخنا الشهيد الثاني
إنما أخذها عنه، وهي ما رواه زرارة في الصحيح قال: " قلت لأبي جعفر (عليه السلام)
أصلي نافلة وعلى فريضة أو في وقت فريضة؟ قال لا أنه لا تصلى نافلة في وقت فريضة
أرأيت لو كان عليك من شهر رمضان أكان لك أن تتطوع حتى تقضيه؟ قال قلت لا.

(1) ص 243.
(2) الوسائل الباب 61 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 61 من المواقيت.
(4) ص 184 وفي الوافي في باب (كراهة التطوع في وقت الفريضة) عن الحبل المتين.
256

قال فكذلك الصلاة. قال فقايسني وما كان يقايسني ".
ورواية زياد بن أبي عتاب عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " سمعته
يقول إذا حضرت المكتوبة فابدأ بها فلا يضرك أن تترك ما قبلها من النافلة ".
وحسنة نجية (2) قال: " قلت لأبي جعفر (عليه السلام) تدركني الصلاة
أو يدخل وقتها علي فابدأ بالنافلة؟ قال: فقال أبو جعفر (عليه السلام) لا ولكن ابدأ
بالمكتوبة واقض النافلة ".
وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر عن كتاب حريز بن عبد الله عن
زرارة - والرواية كما ترى صحيحة - عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) قال: " لا تصل
من النافلة شيئا في وقت الفريضة فإنه لا تقضى نافلة في وقت فريضة فإذا دخل وقت
الفريضة فابدأ بالفريضة ".
وما رواه الصدوق في كتاب الخصال بإسناده عن علي (عليه السلام) في حديث
الأربعمائة (4) قال: " لا يصلي الرجل نافلة في وقت الفريضة إلا من عذر ولكن
يقضي بعد ذلك إذا أمكنه القضاء قال الله تعالى " الذين هم على صلاتهم دائمون " (5)
إلى أن قال لا يقضى النافلة في وقت الفريضة ابدأ بالفريضة ثم صل ما بدا لك ".
ورواية أبي بكر الحضرمي عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (6) قال: " إذا
دخل وقت صلاة فريضة فلا تطوع ".
ورواية أديم بن الحر (7) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لا يتنفل
الرجل إذا دخل وقت الفريضة. قال وقال إذا دخل وقت فريضة فابدأ بها ".
وموثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (8) قال: " قال لي رجل
من أهل المدينة يا أبا جعفر ما لي لا أراك تتطوع بين الأذان والإقامة كما يصنع

(1) الوسائل الباب 35 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 35 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 35 من المواقيت.
(4) الوسائل الباب 35 من المواقيت.
(5) سورة المعارج، الآية 23.
(6) الوسائل الباب 35 من المواقيت.
(7) الوسائل الباب 35 من المواقيت.
(8) الوسائل الباب 35 من المواقيت.
257

الناس؟ فقلت إنا إذا أردنا أن نتطوع كان تطوعنا في غير وقت فريضة فإذا دخلت
الفريضة فلا تطوع ".
هذا ما حضرني من الأخبار التي تصلح لأن تكون مستندا لهذا القول المذكور
وهي ظاهرة الدلالة عليه تمام الظهور وجملة منها صحيح باصطلاحهم المشهور.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن السيد السند (قدس سره) في المدارك بعد أن نقل هذا
القول قال: واستدلوا عليه برواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال لي
رجل من أهل المدينة.. إلى آخر الخبر كما قدمناه ثم ذكر بعدها روايتي أبي بكر الحضرمي
وأديم بن الحر المذكورتين، ثم قال وفي الجميع قصور من حيث السند باشتمال سند الرواية
الأولى والأخيرة على الطاطري وعبد الله بن جبلة وهما واقفيان وعدم ثبوت توثيق أبي بكر
الحضرمي، نعم روى زرارة في الصحيح، ثم ساق صحيحته الرابعة التي نقلناها عن الروض
وقال بعدها: ويمكن حمل هذه الروايات على الأفضلية كما تدل عليه حسنة محمد بن
مسلم (1) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إذا دخل وقت الفريضة أتنفل
أو أبدأ بالفريضة؟ فقال إن الفضل أن تبدأ بالفريضة وإنما أخرت الظهر ذراعا من عند
الزوال من أجل صلاة الأوابين " وموثقة سماعة (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن الرجل يأتي المسجد وقد صلى أهله أيبتدئ بالمكتوبة أو يتطوع؟ فقال إن
كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوع قبل الفريضة وإن خاف فوت الوقت من أجل
ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة وهو حق الله تعالى ثم ليتطوع بما شاء " ثم قال
ويمكن الجمع بينها أيضا بتخصيص النهي الواقع عن التنفل بعد دخول وقت الفريضة بما
إذا كان المقيم قد شرع في الإقامة كما تدل عليه صحيحة عمر بن يزيد (3) " أنه سأل
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرواية التي يروون أنه لا ينبغي أن يتطوع في وقت

(1) الوسائل الباب 36 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 35 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 35 من المواقيت.
258

فريضة ما حد هذا الوقت؟ قال إذا أخذ المقيم في الإقامة. فقال له الناس يختلفون في الإقامة؟
قال المقيم الذي تصلي معه " انتهى.
واستدل في الذكرى لما اختاره من القول الثاني بموثقة سماعة المذكورة، وما رواه
في الكافي عن إسحاق بن عمار (1) قال: " قلت أصلي في وقت فريضة نافلة؟ قال نعم
في أول الوقت إذا كنت مع إمام تقتدي به فإذا كنت وحدك فابدأ بالمكتوبة " وعن
محمد بن مسلم، ثم ساق روايته المتقدمة الدالة على أن الفضل أن تبدأ بالفريضة، ثم نقل عن
المانعين أنهم احتجوا برواية أبي بكر الحضرمي ورواية زرارة عن أبي جعفر (عليه
السلام) (2) " لا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة كلها " وما روى عنهم (عليهم
السلام) (3) " لا صلاة لمن عليه صلاة " ثم قال: والجواب لما تعارضت الروايات
وجب الجمع بالحمل على الكراهة في هذا النهي وبنفي الصلاة الكاملة في الخبر الثاني، وقد
ذكر فيما تقدم التصريح بأن قاضي الفريضة يصلي أمامها نافلة ركعتين وأن النبي (صلى الله
عليه وآله) فعل ذلك، قال الكليني والصدوق (قدس سرهما): الله أنام النبي (صلى الله
عليه وآله) عن صلاة الصبح رحمة للأمة. انتهى.
وفي الروض استدل للقول المشهور بقول النبي (صلى الله عليه وآله) " لا صلاة
لمن عليه صلاة " وبخبر زرارة الذي ذكره في الذكرى، ثم استدل لما اختاره من الجواز
برواية سماعة ورواية إسحاق بن عمار المتقدم ذكرهما عن الذكرى ورواية أبي بصير عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: " سألته عن رجل نام عن الغداة حتى طلعت
الشمس فقال يصلي ركعتين ثم يصلي الغداة " وعن عبد الله بن سنان عنه (عليه
السلام) (5) " أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) رقد فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتى
آذاه حر الشمس فركع ركعتين ثم صلى الصبح " ثم ذكر صحيحة زرارة التي قدمنا نقلها

(1) الوسائل الباب 35 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 61 من المواقيت.
(3) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 46 من المواقيت عن النبي (صلى الله عليه وآله).
(4) الوسائل الباب 61 من المواقيت.
(5) الوسائل الباب 61 من المواقيت.
259

عنه آنفا، ثم حمل أخبار النهي على الكراهة جمعا.
أقول - وبالله الثقة - لا يخفى عليك بعدما تلوناه من أخبار القول المشهور ما في كلامهم
في المقام من القصور وذلك من وجوه:
(الأول) - أنه من القواعد المتكررة في كلامهم والمتداولة على رؤوس أقلامهم
أنهم لا يجمعون بين الأخبار إلا مع التكافؤ في الأسانيد وإلا فتراهم يطرحون الضعيف
ويعملون على الصحيح، ومن قواعدهم أيضا أنه مع حصول الترجيح في أحد الجانبين
فإنهم يعملون بالراجح ويجعلون التأويل في جانب المرجوح، ومقتضى هاتين القاعدتين
هو العمل بما ذكرناه من الأخبار الدالة على القول المشهور لصحة كثير منها كما عرفت
وكثرتها وصراحتها وضعف ما قابلها سندا وعددا ودلالة كما سيظهر لك إن شاء الله
تعالى ولكنهم (رضوان الله عليهم) لجمودهم على ما حضرهم من الأخبار وعدم التتبع
لروايات المسألة كما هو حقه عكسوا القضية في الموضعين، والعجب من صاحب المدارك أنه
يطعن على روايتي محمد بن مسلم وأديم بن الحر باشتمالهما على الطاطري وعبد الله بن جبلة مع أنهما
ثقتان فحديثهما معدود في الموثق وإن كان الموثق عنده من قسم الضعيف ثم يستدل
بموثقة سماعة ويصفها بكونها موثقة مع ذكره تلك الروايتين بعنوان رواية فلان ايذانا
بضعفهما وسؤال الفرق متجه، مع أن رواية سماعة قد اشتمل طريقها على عثمان بن عيسى
الذي قد علم من طريقته عد حديثه في الضعيف زيادة على سماعة، فإن كان الخبر الموثق يصلح
دليلا شرعيا فلا معنى لرده الخبرين المذكورين وإلا فلا معنى لتعلقه بخبر سماعة، ولكن
أصحاب هذا الاصطلاح لضيق الخناق ولا سيما السيد المذكور لا يقفون على قاعدة ولا ضابطة
(الوجه الثاني) - ما عرفت في غير مقام مما تقدم من أن ما اصطلحوا عليه
في الجمع بين الأخبار بحمل النهي على الكراهة والأمر على الاستحباب قاعدة لم يرد بها
نص ولا كتاب وإن اتخذوها قاعدة كلية في جميع الأبواب، وكيف لا وقد صرحوا
في الأصول بأن النهي حقيقة في التحريم والأمر حقيقة في الوجوب، فحمل كل منهما
260

على خلاف ذلك مجاز لا يصار إليه إلا مع القرينة واختلاف الأخبار ليس من قرائن
المجاز، وأيضا فإن الاستحباب حكم شرعي يتوقف على الدليل النص أو الظاهر في ذلك
كغيره من الوجوب والتحريم وإلا لكان قولا على الله تعالى بغير دليل، ومجرد وجود
المعارض ليس بدليل على ذلك إذ يمكن أن يكون له معنى آخر لا ينافي التحريم
والوجوب من تقية ونحوها أو معنى غير ما فهموه كما سيظهر لك في أخبار هذا المقام.
(الثالث) - أن الأخبار التي استندوا إليها في الدلالة لا ظهور لها فيما ذكروه
ولا وضوح فيها لما اعتبروه.
وتحقيق الكلام في المقام بتوفيق الملك العلام وبركة أهل الذكر (عليهم الصلاة
والسلام) وبه يرتفع التنافي بين الأخبار على وجه واضح المنار أن نقول يجب أن يعلم:
(أولا) - أنه لا يخفى أن المستفاد من الأخبار التي قدمناها هو المنع من النافلة
مطلقا وإن كانت راتبة متى خرج وقتها الموظف لها شرعا ودخل وقت فريضتها، وجل
الروايات الواردة بهذا المعنى عند التأمل في مضامينها إنما وردت بالنسبة إلى الراتبة
وجواز مزاحمة الفريضة بها وعدمه وإن استفيد من ظاهرها العموم، وذلك فإن الراتبة
في الظهرين لها جزء معلوم من وقت الفريضة بخروجه يمتنع أداؤها ويتحتم تقديم الفريضة
وهو الذراع والذراعان أو القدمان والأربعة أقدام كما تقدم بيانه موضحا مشروحا،
وأن الإشارة في بعض الروايات بوقت الفريضة الممنوع من التطوع فيه إنما هو إلى
ما بعد ذلك الجزء الذي تختص به النافلة، ومن ذلك يعلم أن المراد بالتطوع الممنوع
منه في أمثال ذلك أنما هو النافلة الراتبة وامتناع غيرها يكون بطريق أولى، وجملة منها
عامة دالة بعمومها على المنع من النافلة بعد دخول وقت الفريضة راتبة أو غيرها.
و (ثانيا) - أنه لا يخفى أن اطلاق وقت الظهر على هذا الوقت المختزل منه
قدر النافلة قد صار شائعا في الأخبار كما في موثقة سعيد الأعرج عن أبي عبد الله (عليه
261

السلام) (1) قال: " سألته عن وقت الظهر أهو إذا زالت الشمس؟ فقال بعد الزوال
بقدم.. " ونحوها موثقة إسماعيل بن عبد الخالق وغيرها من الروايات الكثيرة المتقدمة
في القصد الأول وقد دلت الأخبار أيضا على أن هذا الوقت المختزل إنما هو للنافلة
كقول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيحة زرارة (2) " أتدري لم جعل الذراع
والذراعان؟ قلت لم؟ قال لمكان الفريضة لك أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن يبلغ
الفئ ذراعا فإذا بلغ ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة " وفي معناها أخبار عديدة
قد تقدمت. هذا بالنسبة إلى المتنفل وأما من لا يتنفل فإن الأفضل له المبادرة بالفريضة
في أول الزوال ولا يستحب له التأخير إلى ذلك الوقت وعليه تدل الأخبار أيضا، وحينئذ
فالوقت بالنسبة إلى المتنفل غيره بالنسبة إلى من لا يتنفل.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن استدلال صاحب المدارك على حمل روايات المنع على
الأفضلية بصحيحة محمد بن مسلم مبني على أنه فهم من قوله (عليه السلام) " الفضل أن
تبدأ بالفريضة " جواز البدأة بالنافلة وإن كان خلاف الأفضل بناء على أن قول السائل
" إذا دخل وقت الفريضة.. الخ " هو أول الوقت الحقيقي. وليس الأمر كما فهمه
(قدس سره) بل المراد بالوقت المسؤول عنه هنا والمفروض دخوله إنما هو الوقت المعين
للفريضة بعد مضي وقت النافلة كما أشرنا إليه، وهذا الاطلاق كان شائعا كما يستفاد
من الأخبار التي أشرنا إليها، وحينئذ فمعنى الرواية - والله سبحانه وأولياؤه أعلم - أن
السائل إنما سأل أنه إذا دخل هذا الوقت المذكور فهل يجوز لي أن أتنفل أم لا؟ فقال
(عليه السلام) الفضل أن تبدأ بالفريضة لأنه أول وقت فضيلتها والنافلة هنا لا فضل
فيها لخروج وقتها ومتى كانت لا فضل فيها فلا يشرع الاتيان بها لأنها عبادة، فإذا
انتفى الفضل فيها دل على عدم صحتها نظير ما تقدم تحقيقه في مسألة الغسلة الثانية في

(1) الوسائل الباب 8 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 8 من المواقيت.
262

الوضوء من قولهم (عليهم السلام) (1) " ومن توضأ مرتين لا يؤجر " وقد نسبوا إلى
الصدوق القول بتحريم الثانية للخبر المذكور، قالوا لأن العبادات لا مباح فيها وهي إما
واجبة أو مندوبة وكلاهما محصل للأجر، صرح بذلك شيخنا الشهيد الثاني في كتاب
روض الجنان، نعم ربما يحتمل ما ذكره لو قال (عليه السلام) " الأفضل " بصيغة افعل
التفصيل الدال على حصول فضل في الابتداء بالنافلة لكن العبارة ليست كذلك،
ويوضح ما قلناه قوله (عليه السلام): " وإنما أخرت الظهر ذراعا.. الخ " أي إنما
أخرت الظهر إلى هذا الوقت المسؤول عنه من أجل صلاة الأوابين فمتى خرج وقتها
الموظف لها فلا تضايق بها الفريضة بل الفضل في البدأة بالفريضة. هذا معنى الخبر المذكور
بما لا يتطرق إليه الوهن ولا القصور. والعجب منه (قدس سره) أنه يتوهم أن النافلة
المسؤول عنها في الخبر النافلة الغير الراتبة كما يعطيه سياق استدلاله وهو مطرح كلامه
وخياله مع أنه لا يلائم قوله (عليه السلام) في الرواية " وإنما أخرت الظهر ذراعا.. الخ "
كما لا يخفى وإنما يتلائم الكلام أولا وآخرا على ما ذكرناه.
وأما موثقة سماعة على الوجه الذي نقله في المدارك فهي المروية في الفقيه وهي
مروية في الكافي والتهذيب أيضا (2) وفيها زيادة على ما نقله " الأمر موسع أن يصلي
الانسان في أول دخول وقت الفريضة النوافل إلا أن يخاف فوت الفريضة، والفضل إذا
صلى الانسان وحده أن يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها ليكون فضل أول الوقت للفريضة
وليس بمحظور عليه أن يصلي النوافل من أول الوقت إلى قريب من آخر الوقت " وحاصل معنى
الرواية المذكورة بناء على ما ذكرناه - والله سبحانه وقائلها أعلم - أن الراوي سأله عن من
يأتي المسجد وقد صلى أهله المكتوبة في أول وقتها وكأنه ليس بين مجيئه وصلاة أهل
المسجد إلا يسير فكأن بعض وقت النافلة كان باقيا فسأله عن التطوع بالراتبة أيتطوع
بها في ذلك الوقت أم يبتدئ بالمكتوبة؟ إذ لا جائز أن يحمل التطوع هنا على غير

(1) الوسائل الباب 31 من الوضوء.
(2) الوسائل الباب 35 من المواقيت.
263

الراتبة لأنه إذا كانت الراتبة بزوال وقتها الموظف لها في تلك الأخبار لا يجوز مزاحمة
الفريضة بها فلان يمتنع مزاحمة غيرها بطريق أولى، وامعان النظر في معنى الرواية وسياقها
صريح في إرادة الراتبة خاصة، فأجاب (عليه السلام) بأنه إن كان اتيانه في وقت حسن
يعني يسع الراتبة ولو مخففة فلا بأس بالتطوع بها قبل الفريضة وإن كان يخاف فوت الوقت
أي وقت فضيلة الفريضة لو اشتغل بالنافلة لما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة في أول
وقت فضيلتها ثم يتطوع بعدها بما شاء، ويوضح ما قلناه الزيادة التي ذكرناها على ما نقله
في المدارك برواية الشيخين من أن الأمر موسع له في النوافل من أول دخول الوقت
المحدود لها في تلك الأخبار إلا أن يخاف فوت وقت الفريضة يعني فوت وقتها الذي لها
بعد النافلة وهو أول وقت فضيلتها، وملخصة أنه إن أتى في وقت يمكن الاتيان بالنافلة
ولو مخففة وإلا بدأ بالفريضة في وقت فضلها المحدود لها.
وقد وفق الله تعالى بعد أن خطر هذا المعنى بالبال للوقوف عليه في كلام
شيخنا البهائي (قدس سره) في كتاب الحبل المتين حيث قال: وقوله (عليه السلام)
في الحديث الرابع عشر " إن كان في وقت حسن " أي متسع يعطي باطلاقه جواز
مطلق النافلة في وقت الفريضة إلا أن يحمل التطوع على الرواتب ويكون في قول السائل
" وقد صلى أهله الفريضة " نوع إيماء خفي إلى ذلك فإن " قد " تقرب الماضي من الحال كما
قيل. انتهى. ثم كتب في الحاشية ما صورته: فيفهم منه أنه لم يمض من وقت صلاتهم إلى
وقت مجئ ذلك الرجل إلا زمان يسير فالظاهر عدم خروج وقت الراتبة بمضي ذلك
الزمان اليسير. انتهى. وهو من عجيب توارد الخواطر. وظاهر كلام شيخنا المذكور
يعطي نوع تردد في حمل الرواية على المعنى الذي ذكرناه، والحق أنه لا معدل عنه ولا معنى
للرواية غيره سيما بالنظر إلى الزيادة التي ذكرها الشيخان المذكوران.
وأما قوله (عليه السلام) في جملة الزيادة المشار إليها " والفضل إذا صلى الانسان
وحده.. الخ " فالظاهر - والله سبحانه وأولياؤه أعلم - أن المراد من هذا الكلام أن الانسان
264

إذا صلى وحده ودخل عليه وقت الفريضة أي الوقت المعين لها بعد مضي وقت النافلة - لما
أشرنا إليه سابقا من شيوع هذا الاطلاق في الأخبار - فليبدأ بالفريضة لخروج وقت النافلة
وليكون قد صلى الفريضة في أول وقت فضيلتها ولا يحظر عليه صلاة النوافل في أول
الوقت يعني وقتها المقرر لها. وفيه إشارة إلى أنه إذا صلى مع إمام فإنه يجوز له مزاحمة
وقت الفريضة بها لانتظار الجماعة فيكون هذا مستثنى كغيره مما يأتي التنبيه عليه. وعلى
ذلك تحمل موثقة إسحاق بن عمار التي استدل بها الشهيدان في الذكرى والروض كما
تقدم ذكره من قوله: " قلت أصلي في وقت فريضة نافلة؟ قال نعم في أول الوقت إذا
كنت مع إمام تقتدي به وإذا كنت وحدك فابدأ بالمكتوبة " فإنه لا يصح حمل الوقت
هنا على ما زعماه من الوقت الحقيقي الذي هو أول الزوال لما استفاض من استحباب النافلة
فيه للمنفرد وغيره فكيف يؤمر المنفرد هنا بترك النافلة فيه؟ بل المراد إنما هو الوقت الذي
بعد مضي وقت النافلة وأنه يجوز مزاحمة النافلة للفريضة فيه لانتظار الجماعة. ويؤيده
أيضا صحيحة عمر بن يزيد " أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرواية التي يروون
أنه لا يتطوع في وقت فريضة ما حد هذا الوقت؟.. الحديث كما تقدم " فإن هذا
الحديث أيضا محمول على من ينتظر الجماعة فرخص له في الاتيان بالراتبة بعد مضي وقتها
ومزاحمة وقت الفريضة بها لأجل انتظار فضيلة الجماعة وإلا فالحد الحقيقي للنافلة إنما هو
الذراع والذراعان وأنه بعد مضيهما فلا يتطوع ولكنه لما ساعت المزاحمة هنا جعل الحد
الإقامة وإن زاد على الحد المقرر.
وبما ذكرنا في معاني حسنة محمد بن مسلم وموثقة سماعة وموثقة إسحاق بن عمار يظهر
لك أنه لا منافاة فيها للأخبار السابقة التي استدللنا بها بل هي منطبقة عليها على أحسن وجوه
الانطباق ومتفقة معها بأوضح معاني الاتفاق، وأن خلاف من خالف بناء على ما فهمه من هذه
الروايات إنما نشأ من عدم اعطاء النظر حقه في التأمل في معاني الأخبار.
وأما ما استدل به في الروض ونحوه في الذكرى وإن لم ننقله سابقا من روايات
265

صلاة الركعتين قبل الغداة لمن نام عن الغداة وحديث نوم النبي (صلى الله عليه وآله)
فسيأتي الكلام عليها في المسألة الآتية إن شاء الله تعالى.
وبالجملة فإن ما تعلقوا به من الروايات التي ذكروها واعتمدوها دليلا على الجواز
فقد عرفت أنه لا دلالة فيها ولا منافاة لما ذكرناه.
نعم هنا روايات أخر لم يتعرضوا لنقلها ولم يلموا بها وكان الأولى لهم الاستدلال
بها في المقام:
ومنها - صحيحة محمد بن مسلم (1) قال: " سألته عن الرجل تفوته صلاة النهار؟
قال يقضيها إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء ".
وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) " أنه سئل عن رجل فاتته
صلاة النهار متى يقضيها؟ قال متى شاء إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء ".
ورواية أبي بصير (3) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) إن فاتك شئ
من تطوع النهار والليل فاقضه عند زوال الشمس وبعد الظهر عند العصر وبعد المغرب
وبعد العتمة ومن آخر السحر ".
ويؤيدها اطلاق جملة من الأخبار كرواية أبي بصير (4) قال: " إن قويت فاقض
صلاة النهار بالليل " ورواية محمد بن يحيى بن حبيب (5) قال: " كتبت إلى أبي الحسن
الرضا (عليه السلام) تكون علي صلاة النافلة متى أقضيها؟ فكتب في أي ساعة شئت
من ليل أو نهار " ورواية الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6)
قال: " اقض صلاة النهار أي ساعة شئت من ليل أو نهار كل ذلك سواء " وصحيحة
ابن أبي يعفور (7) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول صلاة النهار يجوز
قضاؤها أي ساعة شئت من ليل أو نهار " وصحيحة حسان بن مهران (8) قال: " سألت

(1) الوسائل الباب 39 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 39 من المواقيت.
(3) المروية في الوسائل في الباب 57 من أبواب المواقيت.
(4) المروية في الوسائل في الباب 57 من أبواب المواقيت.
(5) الوسائل الباب 39 من المواقيت.
(6) الوسائل الباب 39 من المواقيت.
(7) الوسائل الباب 39 من المواقيت.
(8) الوسائل الباب 39 من المواقيت.
266

أبا عبد الله (عليه السلام) عن قضاء النوافل قال ما بين طلوع الشمس إلى غروبها "
ونحوها روايات عديدة بالنسبة إلى قضاء صلاة الليل وقضاء الوتر.
ويمكن أن يقال في الجمع بين هذه الأخبار وما قدمناه أن أكثر تلك الأخبار
إنما دل على المنع من مزاحمة الراتبة للفريضة بعد دخول وقت فضيلتها وإن استفيد منه
بطريق الأولوية المنع من المبتدأة، وبعضها وإن كان ظاهرا في العموم كصحاح زرارة
الثلاث إلا أنه يمكن أن يقال باستثناء النوافل المقضية من ذلك بهذه الأخبار، وتوضيح
ذلك أن يقال إنه لا نافلة بعد دخول وقت الفضيلة للفريضة مطلقا راتبة أو مبتدأة أو
مقضية، ونعني بوقت الفضيلة هو ما بعد الذراع والذراعين بالنسبة إلى الظهرين وأول
الغروب بالنسبة إلى المغرب وبعد غياب الشفق بالنسبة إلى العشاء وأول الفجر الثاني
بالنسبة إلى صلاة الفجر بناء على ما اخترناه فلا يصلي في هذه الأوقات نافلة مطلقا، وأما
ما قبل هذه الأوقات مما اشتمل على وقت الفريضة فإنه يجوز القضاء فيه بهذه الأخبار
دون النافلة المبتدأة عملا بعموم صحاح زرارة في منع النافلة المبتدأة، وحينئذ فمعنى قضاء
نوافل النهار بعد المغرب يعني قبل دخول وقت فضيلة العشاء، ويؤيده أن المتبادر من البعدية
هو البعدية القريبة، وقوله في رواية أبي بصير " فاقضه عند زوال الشمس " يعني قبل
زوال الشمس أو بعد الزوال قبل دخول وقت الفضيلة " وبعد الظهر عند العصر " يعني
قبل دخول فضيلة العصر وعلى هذا يحمل اطلاق الأخبار المتقدمة. ويحتمل أيضا خروج
الصريح من هذه الأخبار مخرج التقية لاشعار صحيحتي زرارة السابقتين المشتملتين على
المقايسة بذلك إلا أنه لا يحضرني الآن مذهب العامة في المسألة.
هذا، وربما استند بعض المجوزين إلى الاستدلال على ذلك بمواضع: منها - ما ورد
من أنه متى تلبس المصلي بركعة من نوافل الزوال فإنه يتمها وإن خرج وقتها، ومنها - من
تلبس بأربع ركعات من صلاة الليل ثم طلع الفجر فإنه يزاحم بها الفريضة، ومنها - ما ورد
أيضا من جواز ايقاع صلاة الليل كملا بعد الفجر ابتداء بالنسبة إلى من يعتادها ثم تغلبه
267

عيناه عنها في بعض الأوقات حتى يطلع الفجر فإنه يصليها مخففة كما تقدم جميع ذلك،
فإن هذه المواضع كلها تدل على جواز ايقاع النافلة في وقت الفريضة.
والجواب عن ذلك (أولا) أن هذه المواضع خارجة عن محل النزاع فإن
مطرح البحث النوافل المبتدأة أو قضاء الراتبة والخصم لا يقول بأن النوافل في هذه
الأوقات تصلى قضاء فلا دليل له في ذلك. و (ثانيا) إنا نقول إن جواز النافلة في هذه
الصورة إنما خرج مخرج الرخصة وليست بأعظم رتبة من الفريضة، والشارع قد جوز فيها
ذلك وبه صرح الأصحاب فقالوا بأن من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله
ورووا ذلك بهذا العنوان ووردت به الرواية في خصوص صلاة الصبح كما سيأتي إن شاء
الله تعالى في محله، وقد اتفقوا على أنه لا قضاء عليه بعد ذلك مع الاتفاق نصا وفتوى
على بطلان الصلاة في غير وقتها فليكن ما نحن فيه من قبيل ذلك.
ومن الرخص في النوافل أيضا ما تقدم من جواز تقديم صلاة الليل على الانتصاف
للمسافر والشاب الذي تمنعه رطوبة دماغه عن الانتباه، وتقديم نافلة الزوال لمن يشتغل
عن أدائها وقضائها، ومنها - تقديم غسل الجمعة لخائف عوز الماء. واعطاء زكاة الفطرة
قبل وقتها، ونحو ذلك، وهذه المواضع المعدودة من قبيل ذلك فلا منافاة فيها للأخبار
الدالة على المنع من النافلة بعد دخول وقت الفريضة كما لا يخفى. والله العالم.
(المسألة الثالثة) - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز النافلة
لمن عليه قضاء فريضة، فالأكثر منهم على المنع من ذلك وهو اختيار العلامة في المختلف
وأكثر المتأخرين، وقيل بالجواز ونقل عن الصدوق وابن الجنيد وإليه ذهب الشهيدان
والأظهر عندي هو القول المشهور.
لنا - ما سيأتي إن شاء الله تعالى في المقصد الآتي من قوله تعالى: " وأقم الصلاة
لذكري " (1) المفسر في الأخبار بذكر الصلاة الفائتة، وما يأتي أيضا من الروايات الدالة

(1) سورة طه، الآية 14.
268

على وجوب ترتب الحاضرة على الفائتة وأنه يجب تأخير الحاضرة إلى أن يتضيق وقتها وإذا
وجب ذلك في الفريضة التي هي صاحبة الوقت ففي نافلتها بطريق أولى وأولى منه
في غير نافلتها.
ويدل على ذلك أيضا صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) المتقدمة في صدر
المسألة السابقة (1) حيث قال فيها " ولا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة كلها ".
وصحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " سألته
عن الرجل ينام عن الغداة حتى تبزغ الشمس أيصلي حين يستيقظ أو ينتظر حتى تنبسط
الشمس؟ فقال يصلي حين يستيقظ. قلت يوتر أو يصلي الركعتين؟ قال بل يبدأ بالفريضة ".
وصحيحة زرارة المتقدم نقلها في صدر المسألة السابقة (3) عن المشايخ المتقدم ذكرهم
وقوله (عليه السلام) فيها " أصلي نافلة وعلي فريضة أو في وقت فريضة؟ قال لا إنه
لا تصلى نافلة في وقت فريضة.. الحديث " ويؤكده قضية التنظير بقضاء شهر رمضان
فإنه صريح في المنع.
وأما ما تكلفه بعضهم في الجواب عن هذه الصحيحة - بالحمل على الأداء خاصة
مستندا إلى أن المتبادر من قوله " في وقت فريضة " ودخول وقت الفريضة وقت الأداء
وأن المراد بقوله (عليه السلام) " لو كان عليك من شهر رمضان " الأداء لا القضاء -
ففيه من البعد عن حاق اللفظ وسياق الكلام ما لا يخفى على ذوي الألباب والأفهام
ومن له أدنى معرفة بأساليب الكلام، لأن قول السائل " علي فريضة أو في وقت فريضة "
مرددا ب‍ " أو " صريح في مغايرة الأول للثاني وأن الأول مراد به القضاء أو الأعم منه
والثاني مراد به الأداء خاصة. وأما جوابه (عليه السلام) بقوله " لا تصلى نافلة
في وقت فريضة " وإن كان ظاهرا في الأداء إلا أن قضية تطبيق الجواب
على السؤال بناء على ما ذكرنا إرادة العموم في الجواب، ويكون معنى الجواب حينئذ

(1) المروية في الوسائل في الباب 61 من أبواب المواقيت.
(2) المروية في الوسائل في الباب 61 من أبواب المواقيت.
(3) ص 256.
269

أنه لا تصلى نافلة في وقت وجوب فريضة، والفائتة - كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى في
المقصد الآتي - وقتها ساعة ذكرها. وأما التنظير بشهر رمضان وأن المراد عدم جواز
التطوع بالصوم لمن عليه قضاء شهر رمضان فهو الذي عليه اتفاق الأصحاب ومستندهم
إنما هو هذه الرواية كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى في كتاب الصوم. وبالجملة فإن
ارتكاب هذه الاحتمالات الغثة البعيدة والتمحلات الغير السديدة لو تم لا نغلق باب
الاستدلال إذ لا لفظ إلا وهو قابل للاحتمال ولا قول إلا وللقائل فيه مجال، والنظر
في الاستدلال إنما يبنى على ما يتبادر إلى الفهم من حاق الكلام ودل عليه السياق
الذي به النظام.
استدل القائلون بالجواز بما رواه الشيخ عن أبي بصير في الموثق عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: " سألته عن رجل نام عن الغداة حتى طلعت الشمس؟ قال
يصلي ركعتين ثم يصلي الغداة ".
وما روى بطرق عديدة منها الصحيح وغيره من نومه (صلى الله عليه وآله)
عن صلاة الصبح حتى آذاه حر الشمس ثم استيقظ وركع ركعتي الفجر ثم صلى الصبح
بعدهما، ومن تلك الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: " سمعته يقول إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) رقد
فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتى آذاه حر الشمس ثم استيقظ فعاد ناديه ساعة فركع ركعتين ثم
صلى الصبح. الحديث ".
وأجاب الشيخ عن الخبرين المذكورين في كتاب الإستبصار فقال بعد ذكرهما:
فالوجه في هذين الخبرين أن نحملهما على من يريد أن يصلي بقوم وينتظر اجتماعهم جاز له
أن يبدأ بركعتي النافلة كما فعل النبي (صلى الله عليه وآله) وأما إذا كان وحده فلا يجوز
له ذلك على حال. انتهى. وحاصل كلامه يرجع إلى أن جواز ذلك رخصة لانتظار

(1) رواه في الوسائل في الباب 61 من المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 61 من المواقيت.
270

الجماعة. وقال المحدث الكاشاني في الوافي بعد أن نقل كلام الشيخ واستبعده: والأولى
حمله على الرخصة. وليس بذلك البعيد.
وكيف كان فما استدلوا به أخص من المدعى فلا يقوم حجة إذ مدلول الخبرين
ركعتا الفجر وصلاة الصبح والمدعى أعم من ذلك. وأما ما يقال في أمثال هذه المقامات
- من أن هذه الأخبار قد دلت على الجواز في هذا الموضع ويضم إليه أنه لا قائل بالفرق
فيتم في الجميع - فكلام ظاهري لا يعول عليه وتخريج شعري لا يلتفت إليه.
ومن روايات هذه المسألة ما رواه شيخنا الشهيد في الذكرى في الصحيح عن
زرارة بنحو أبسط من الخبر المتقدم عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) أنه قال: " قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى
يبدأ بالمكتوبة. قال فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عتيبة وأصحاب فقلبوا ذلك
مني فلما كان في القابل لقيت أبا جعفر (عليه السلام) فحدثني أن رسول الله (صلى الله
عليه وآله) عرس في بعض أسفاره وقال من يكلؤنا؟ فقال بلال أنا. فنام بلال وناموا حتى
طلعت الشمس، فقال يا بلال ما أرقدك فقال يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخذ
بنفسي ما أخذ بأنفاسكم. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوموا فتحولوا عن مكانكم
الذي أخذتكم فيه الغفلة، وقال يا بلال أذن فأذن فصلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ركعتي الفجر وأمر أصحابه فصلوا ركعتي الفجر ثم قام فصلى بهم الصبح، ثم قال من نسي
شيئا من الصلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله عز وجل يقول: " وأقم الصلاة لذكري " (2)
قال زرارة فحملت الحديث إلى الحكم وأصحابه فقالوا نقضت حديثك الأول فقدمت
على أبي جعفر (عليه السلام) فأخبرته بما قال القوم فقال يا زرارة ألا أخبرتهم أنه قد فات
الوقتان جميعا وأن ذلك كان قضاء من رسول الله (صلى الله عليه وآله) " وهذه الرواية
لم نقف عليها إلا في كتاب الذكرى وكفى به ناقلا.

(1) الوسائل الباب 61 من المواقيت.
(2) سورة طه، الآية 14.
271

قال شيخنا الشهيد (قدس سره) في الذكرى بعد ذكر الخبر المذكور: أن فيه
فوائد: منها - استحباب أن يكون للقوم حافظ إذا ناموا صيانة لهم عن هجوم ما يخاف منه.
ومنها - ما تقدم من أن الله أنام نبيه (صلى الله عليه وآله) لتعليم أمته ولئلا يعير بعض الأمة
بذلك. ولم أقف على راد لهذا الخبر من حيث توهم القدح في العصمة به. ومنها - أن العبد
ينبغي أن يتفأل بالمكان والزمان بحسب ما يصيبه فيهما من خبر وغيره ولهذا تحول النبي (صلى الله
عليه وآله) من مكان إلى آخر. ومنها - استحباب الأذان للفائتة كما يستحب للحاضرة
وقد روى العامة عن أبي قتادة وجماعة من الصحابة في هذه الصورة " أن النبي (صلى الله
عليه وآله) أمر بلالا فأذن فصلى ركعتي الفجر ثم أمره فأقام فصلى صلاة الفجر " (1)
ومنها - استحباب قضاء السنن. ومنها - جواز فعلها لمن عليه قضاء وإن كان قد منع منه
أكثر المتأخرين. ومنها - شرعية الجماعة في القضاء كالأداء. ومنها - وجوب قضاء
الفائتة لفعله (صلى الله عليه وآله) ووجوب التأسي به وقوله " فليصلها ". ومنها - أن
وقت قضائها ذكرها. ومنها - أن المراد بالآية الكريمة ذلك. انتهى.
أقول: قد أهمل شيخنا (قدس سره) هنا شيئا هو أظهر الأشياء من الرواية
إما غفلة أو لمنافاته لما اختاره في المسألة وهو المنع من صلاة النافلة إذا دخل وقت المكتوبة
كما صرح به (عليه السلام) في صدر الخبر وأكده بالفرق بينه وبين القضاء.
وأما قوله (قدس سره): ومنها جواز فعلها - يعني السنن - لمن عليه قضاء " فهو
ممنوع إذ أقصى ما دل عليه الخبر خصوص جواز ركعتي الفجر في هذه المادة وقضية الجمع
بينه وبين ما قدمناه من الأخبار قصر هذا الخبر على مورده واستثناء هذا الموضع من المنع
رخصة أما مطلقا كما ذكره المحدث الكاشاني أو لانتظار اجتماع الجماعة كما ذكره الشيخ
(قدس سره) فلا دلالة فيه على الجواز مطلقا كما زعمه (قدس سره).
وأما قوله: " وإن كان قد منع منه أكثر المتأخرين " - مشيرا إلى أن الخلاف

(1) سنن البيهقي ج 1 ص 404.
272

في ذلك أنما هو من المتأخرين - ففيه ما سيأتيك من كلام الشيخ المفيد (قدس سره)
من الدلالة على أن المنع هو الذي عليه عصابة الحق.
ثم العجب كل العجب من أصحابنا (رضوان الله عليهم) مع اجماعهم واتفاقهم
على عدم جواز السهو على النبي (صلى الله عليه وآله) حتى أنهم لم ينقلوا الخلاف في ذلك
إلا عن ابن بابويه وشيخه ابن الوليد، وقد طعنوا عليهما في ذلك وشنعوا عليهما أتم
التشنيع حتى صنفوا في ذلك الرسائل وأكثروا من الدلائل، ومنها رسالة الشيخ المفيد
وربما نسبت إلى السيد المرتضى وهي عندي وفيها ما يقضى منه العجب من القدح في ابن
بابويه، فكيف تلقوا هذه الأخبار بالقبول واعتمدوا على ما فيها من المنقول في مثل هذا
الحكم المخالف لاعتقاداتهم؟ فمن كلامه في تلك الرسالة المشار إليها ما صورته: والخبر
المروي أيضا في نوم النبي (صلى الله عليه وآله) عن صلاة الصبح من جملة الخبر عن
سهوه في الصلاة فإنه من أخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا، ومن عمل عليه
فعلى الظن معتمد في ذلك بدون اليقين، وقد سلف قولنا في نظير ذلك ما يغني عن
إعادته في هذا الباب، مع أنه يتضمن خلاف ما عليه عصابة الحق لأنهم لا يختلفون في
أن من فاتته صلاة فريضة فعليه أن يقضيها في أي وقت ذكرها من ليل أو نهار ما لم يكن
الوقت مضيقا لصلاة فريضة حاضرة، فإذا حرم أن يؤدي فيه فريضة قد دخل وقتها
ليقضي فرضا قد فاته كان حظر النوافل عليه قبل قضاء ما فاته من الفرض أولى، هذا مع أن الأخبار عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " لا صلاة لمن عليه صلاة " (1)
يريد لا نافلة لمن عليه صلاة فريضة. انتهى. وهو جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه.
وقال شيخنا البهائي (قدس سره) في كتاب الحبل المتين بعد نقله فيه صحيحتي
ابن سنان وزرارة المذكورتين ما صورته: وربما يظن تطرق الضعف إليهما لتضمنهما
ما يوهم القدح في العصمة لكن قال شيخنا في الذكرى أنه لم يطلع على راد لهما من هذه

(1) مستدرك الوسائل الباب 46 من المواقيت.
273

الجهة. وهو يعطي تجويز الأصحاب صدور ذلك وأمثاله من المعصوم. وللنظر فيه
مجال واسع. انتهى.
أقول: قد عرفت صراحة كلام شيخنا المفيد (قدس سره) في رد الأخبار
المذكورة فكيف يدعى أنه لا راد لهما؟ وعدم اطلاعه عليه لا يدل على العدم.
وبالجملة فمقتضى عدم تجويز السهو عليه (صلى الله عليه وآله) كما هو ظاهر اتفاقهم
رد هذه الأخبار ونحوها أو حملها على التقية، كما يشير إليه ما نقله من رواية العامة الخبر
المذكور عن أبي قتادة وجماعة من الصحابة، إذ لا يخفى ما بين الحكمين من التدافع
والتناقض، لكنهم من حيث قولهم بهذا الحكم واختيارهم له يغمضون النظر عما في أدلته
من تطرق القدح ويتسترون بالأعذار الواهية كما لا يخفى على من مارس كلامهم في
الأحكام كما نبهنا عليه في غير مقام.
وبالجملة فالأظهر عندي هو القول المشهور لما في أدلته من الوضوح والظهور وما
في مقابلها من الوهن في الدلالة والقصور، لأنه مع تسليم صحة مضمونه وقبوله لا دلالة
له على المدعى بتمامه فيجب قصره على مورده ولا منافاة. ويؤيد ما نذهب إليه أيضا أنه
الأوفق بالاحتياط الذي هو أحد المرجحات الشرعية أيضا.
وظاهر صاحب المدارك التوقف في هذه المسألة حيث اقتصر على نقل الأدلة من
الطرفين ولم يرجح شيئا في البين. والظاهر أن السبب فيه صحة الأدلة من الجانبين
وتعارض التأويل من كل من القائلين. والله العالم
(المسألة الرابعة) - الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
في أنه يستقر وجوب الصلاة بادراك الوقت على صفة الكمال ومضي مقدار أدائها مخففة
مع الشرائط ويجب القضاء لو أهمل والحال هذه أما لو لم يكن كذلك فلا قضاء على الأشهر
الأظهر، وأنه متى أدرك الطهارة وركعة من آخر الوقت وجب الاتيان بها، ولو أدرك
الطهارة وخمس ركعات لزمه الفرضان.
274

وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع: (الأول) - لا خلاف ولا اشكال في أنه لو
حصل أحد الأعذار المانعة من الصلاة كالجنون والحيض والاغماء ونحوها بعد مضي مقدار
أداء الفريضة بشرائطها فإنه يجب عليه القضاء، ويدل عليه عموم ما دل على وجوب القضاء،
وأما لو لم يمض ذلك المقدار فإنه لا قضاء على الأشهر الأظهر، قال الشيخ في الخلاف:
إذا أدرك من الظهر دون أربع ثم جن أو أغمي عليه أو حاضت لم تلزمه الظهر لاجماع
الفرقة فإنهم لا يختلفون في أن من لم يدرك من أول الوقت مقدار ما يؤدي الفرض فيه لم
يلزمه إعادته. وظاهر الصدوق والمرتضى وابن الجنيد اعتبار ادراك الأكثر. وقد تقدم
الكلام في هذه المسألة بكلا طرفيها منقحا في بحث الحيض من كتاب الطهارة.
(الثاني) - لو زال المانع وقد بقي من الوقت ما يسع الطهارة ونحوها من
الشروط والصلاتين أو إحداهما فإنه يجب الأداء ومع التفريط القضاء. وقد مر الكلام
أيضا منقحا في ذلك في الموضع المشار إليه.
وكذلك لو لم يدرك إلا ركعة مع الشروط فإنه يجب عليه الاتيان بها وإن
خرج الوقت.
وقد نقل في المدارك أن هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ونقل عن المنتهى
أنه لا خلاف فيه بين أهل العلم، قال والأصل فيه ما روى عن النبي (صلى الله عليه
وآله) (1) أنه قال: " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " وعنه (صلى الله
عليه وآله) (2) " من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر "
ومن طريق الأصحاب ما رواه الشيخ عن الأصبغ بن نباتة (3) قال: " قال أمير المؤمنين
(عليه السلام) من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة "
وفي الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) أنه قال: " فإن صلى
ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتم الصلاة وقد جازت صلاته " ثم قال وهذه الروايات

(1) رواه في الوسائل في الباب 30 من المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 30 من المواقيت.
(3) رواه في الوسائل في الباب 30 من المواقيت.
(4) رواه في الوسائل في الباب 30 من المواقيت.
275

وإن ضعف سندها إلا أن عمل الطائفة عليها ولا معارض لها فينبغي العمل عليها. انتهى.
أقول: لا يخفى أن ما ذكره من روايتي الأصبغ وعمار اللتين هما من طريق
الأصحاب وإن عمل الطائفة عليهما إنما موردهما صلاة الصبح خاصة والمدعى أعم من ذلك،
نعم الخبر الأول صريح في العموم لكن ظاهر كلامه أنه من طرق العامة كما هو ظاهر
الذكرى أيضا، وحينئذ فيشكل الحكم بالعموم إلا أن يقال إن العمدة في الاستدلال
إنما هو الاجماع كما هو ظاهر كلامه ونقله عن المنتهى. وفيه ما لا يخفى. وبالجملة فالمسألة
غير خالية من شوب الاشكال لما عرفت.
ثم لا يخفى عليك ما في تستره عن العمل بهذين الخبرين باتفاق الأصحاب على
العمل بهما، فإن فيه (أولا) ما عرفت من عدم الدلالة على المدعى بل هما أخص من
ذلك. و (ثانيا) - أنه منع من العمل بالخبر الضعيف في غير موضع وإن كان ظاهر
الأصحاب الاتفاق على العمل بمضمونه وربما حمله تفاديا من طرحه على الكراهة
أو الاستحباب. و (ثالثا) - أن الخبر الضعيف بمقتضى هذا الاصطلاح ليس بدليل شرعي
فوجوده كعدمه فالاعتماد عنده إنما هو على الاجماع، مع طعنه فيه في غير موضع بل ذكر في
صدر كتابه أنه صنف رسالة في ابطاله وإن استسلقه في أمثال هذه المقامات. وبالجملة فإن
هذه المناقضات إنما نشأت من ضيق الخناق في هذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد
أقرب منه إلى الصلاح.
(الثالث) - المشهور بينهم أن الركعة عبارة عن الركوع والسجود، وهل يتحقق
برفع الرأس من السجدة الثانية أو باتمام ذكر السجدة الثانية؟ قولان، ونقل في المدارك
عن الشهيد في الذكرى أنه احتمل الاجزاء بالركوع للتسمية لغة وعرفا ولأنه المعظم،
ثم رده بأنه بعيد. أقول: ما احتمله الشهيد (قدس سره) هنا هو ظاهر اختيار المحقق
في المسائل البغدادية في مسألة الشك بين الأربع والخمس فيما إذا عرض الشك بعد
الركوع وقبل السجود حيث إن الأشهر بين الأصحاب الحكم بالصحة في هذه الصورة
276

وأنه يتم ويسجد سجدتي السهو لدخولها تحت نص المسألة، وهذا الحكم منهم هنا يخالف
ما ذكروه من أن الركعة عبارة عن الركوع والسجود، فإن مقتضى هذا الكلام الابطال
لا الصحة حيث إنه لم يأت بالركعة فلا يكون داخلا تحت النص المذكور فكيف يحكمون
بالصحة في الصورة المذكورة؟ والمحقق المشار إليه في أجوبة المسائل المشار إليها تخلص
من ذلك بحمل الركعة على مجرد الركوع، ثم قال بعد حكمه بالصحة في المسألة المذكورة
ما لفظه: لأن الركعة واحدة الركوع وعند ايقاع الركوع تسمى ركعة وليس تسميتها
ركعة مشروطا بالاتيان بالسجدة لأن الركعة واحدة الركوع جنس كالسجدة والسجود
والركبة والركوب. انتهى. وبذلك يظهر قوة ما احتمله الشهيد فإنه ليس لقولهم بالصحة
في صورة الشك المتقدمة وجه إلا على هذا القول كما سيأتي تحقيقه في المسألة المذكورة وإلا
فالصحة غير متجهة، والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال كما سيأتي التنبيه عليه إن شاء
الله في الموضع المذكور، وعلى هذا فلو خرج الوقت بعد الركوع وقبل السجود وجب
الاتمام من غير قضاء على قول المحقق المذكور وسقط الفرض أداء وقضاء على القول المشهور
(الرابع) - اختلف الأصحاب في من أدرك ركعة من آخر الوقت هل يكون
مؤديا للجميع أو قاضيا للجميع أو بالتوزيع؟ أقوال ثلاثة، ونقل في الذكرى عن الشيخ أنه
نقل هذا الخلاف عن الأصحاب، وظاهر المشهور بينهم هو الأول وهو اختيار الشيخ
في الخلاف ومن تأخر عنه، وادعى عليه في الخلاف الاجماع حيث نقل عن الأصحاب
أنهم لا يختلفون في أن من أدرك ركعة من الصبح قبل طلوع الشمس يكون مؤديا في
الوقت، قال وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) (1) " من أدرك من الصبح
قبل طلوع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب
الشمس فقد أدرك العصر " قال وكذلك روي عن أئمتنا (عليه السلام) ونقل
في المدارك القول بقضاء الجميع عن السيد المرتضى (رضي الله عنه) معللا له بأن
آخر الوقت يختص بالركعة الأخيرة فإذا وقعت فيه الأولى وقعت في غير وقتها ولا معنى

(1) المغني ج 1 ص 377 و 386.
277

لقضاء العبادة إلا ذلك. وأما القول بالتوزيع فوجهه ظاهر بمعنى أن ما صادف الوقت
ووقع فيه يكون أداء لوجود معنى الأداء فيه وما وقع بعد خروجه يكون قضاء لأنه ليس
القضاء إلا ما وقع بعد خروج وقته.
قالوا وثمرة الخلاف تظهر في النية. وقال في الذكرى أنها تظهر أيضا في الترتب
على الفائتة السابقة فعلى القضاء يترتب دون الأداء. واعترضه في المدارك بأنه ضعيف
جدا، قال إذ الاجماع منعقد على وجوب تقديم الصلاة التي أدرك من وقتها مقدار ركعة
مع الشرائط على غيرها من الفوائت.
أقول: والتحقيق عندي أنه لا ثمرة لهذا الخلاف ولا أثر يترتب على هذا
الاختلاف، إذ المستفاد من الأخبار هو صحة الصلاة على الوجه المذكور وعدم وجوب
القضاء بعد ذلك وأما كونها أداء أو قضاء أو موزعة فلا يظهر له أثر من تلك الأخبار،
وهذه الفائدة التي اتفقوا عليها إنما يتم التفريع بها لو قام الدليل على وجوب نية الأداء
في ما كان أداء والقضاء في ما كان قضاء، والحال أنه لا دليل على ذلك سوى مجرد
اعتبارات ذكروها وخيالات سطروها لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية كما تقدم
تحقيقه في بحث نية الوضوء من كتاب الطهارة، وبذلك اعترف السيد السند وغيره من
أفاضل متأخري المتأخرين. وأضعف من ذلك ما ذكره في الذكرى لما ذكره السيد المذكور.
(الخامس) - قالوا: لو أدرك قبل الغروب أو قبل انتصاف الليل إحدى
الفريضتين لزمته واحدة خاصة لاستحالة التكليف بهما في وقت لا يسعهما. بقي الكلام
في أنه إن قلنا بالاشتراك في الوقت من أوله إلى آخره كما تقدم نقله عن الصدوق فاللازمة
منهما هي الأولى لتقدمها ووجوب الترتيب وإن قلنا بالمشهور من الاختصاص
فالواجب هي الثانية.
وأما لو أدرك خمس ركعات في الموضعين فإنهم صرحوا من غير خلاف يعلم أنه
يلزمه الفرضان بناء على ما تقدم من أن من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله
278

وحيث إن الركعة الأولى من الخمس المذكورة للفريضة الأولى وبها يصدق ادراك الوقت
فإنها تزاحم الفريضة الثانية بثلاث، وهكذا في الفريضة الثانية فإنه يبقى لها ركعة
من الخمس وبها يحصل ادراك الوقت فيجب الاتيان بالفرض المذكور وإن زاحم وقت
الفريضة التي بعدها كما في العصر التي بعدها صلاة المغرب أو وقع خارج الوقت كما
في فريضة العشاء.
والمسألة عندي لا تخلو من شوب الاشكال لعدم وجود نص في المقام وليس
إلا البناء على ما تقدم من قولهم: إن من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت كله.
وقد عرفت أنه لا دليل عليه سوى رواية عامية والروايات الواردة من طرقنا مختصة
بصلاة الصبح وليس إلا الاجماع المدعى في المقام كما تقدم. ويمكن القول باختصاص
هذا الحكم بالصبح كما هو مورد النص، ويؤكده أنها ليس بعدها فريضة يحصل بها
المشاركة في الوقت بخلاف غيرها من الفرائض سيما على المشهور من اختصاص الفريضة
الأخيرة بمقدار أدائها من الوقت، فادراك ركعة من الفريضة الأولى في صورة ما إذا أدرك
من الوقت خمسا مع كون ما بعد تلك الركعة وقتا مخصوصا بالثانية لا يجدي نفعا في وجوب
الاتيان بها، لأن ما بعد تلك الركعة مختص بالثانية ومزاحمتها فيها تحتاج إلى دليل وليس
إلا الاجماع المذكور واختصاص الخبرين بصلاة الصبح. وبالجملة فالمسألة عندي لا تخلو من
شوب الاشكال والاحتياط فيها لازم على كل حال.
ولو أدرك أربعا من آخر وقت العشاءين فظاهر الأكثر أن المغرب لا تزاحم
العشاء فيه وإن بقي منه ركعة للعشاء لدلالة النصوص على اختصاص هذا المقدار
بالعشاء، ونقل في الذكرى عن بعض الأصحاب تبعا لبعض العامة وجها بوجوب
المغرب والعشاء بادراك الأربع، وذكر أنه مخرج على ادراك الخمس من الظهرين ورده
بما هو مذكور ثمة. والأظهر في رده ما ذكرنا من دلالة النصوص على اختصاص العشاء
بهذا المقدار بخلاف ما لو أدرك خمسا فإنه قد أدرك ركعة من وقت المغرب فيجري فيها
279

ما تقدم من حديث " من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله " ويزاحم بها
العشاء مع ما عرفت من الاشكال في المقام.
(السادس) - قد عرفت أن النصوص المتقدمة إنما رتبت الحكم المذكور على
ادراك ركعة ولكن ظاهر الأصحاب الاتفاق على تقييد ذلك بادراك جميع الشرائط
من الطهارة وغيرها ولا عبرة بتمكنه منها قبل الوقت لأنه غير مخاطب بها حينئذ، ولو
اتفق حصول الشرائط قبل الوقت كفى في ادراك الصلاة، وكذا لو حصل البعض كفى
ادراك الباقي مع الصلاة.
(السابع) - قد أشرنا سابقا إلى أن المعتبر أخف صلاة يقتصر فيها على
الواجب وحينئذ فلو طول في صلاته ثم جن أو عرض الحيض أو نحو ذلك من الموانع
وجب القضاء إن حصل من ذلك أخف صلاة يؤتى بها. ولو كان في أحد الأماكن
الأربعة التي يتخير فيها بين القصر والاتمام فهل يكتفي بالقصر لأنه لو قصر لأداها
أو يتعلق الحكم بما قصده ونواه؟ وجهان جزم في الذكرى بالأول ولو قيل بالثاني
لكان غير بعيد.
(الثامن) - قد عرفت مما تقدم أنه لا بد في وجوب الفريضة أداء أو قضاء
بالنسبة إلى أول الوقت من ادراك الصلاة كملا بشروطها وأما بالنسبة إلى الآخر فإنه
يكفي ادراك ركعة خاصة ولا يكفي ذلك في الأول، ووجه الفرق ظاهر لتمكن المكلف
في آخر الوقت بعد ادراك الركعة من اتمام الصلاة من غير مانع بخلاف أول الوقت
إذ لا سبيل إلى ذلك، كذا ذكروه ولا يخلو من خدش، نعم ذلك يصلح وجها للنص
الدال على الحكمين.
(التاسع) - قال في الذكرى: لا فرق بين الكافر وغيره من المعذورين
لأن الكافر لا يؤاخذ بما تركه في حال الكفر، وتوهم بعض كون الكافر غير معذور
هنا لمخاطبته بالاسلام المقدور فيجب القضاء متى أدرك الوقت. وهو ضعيف لقوله تعالى
280

" قل الذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف " (1) ولقول النبي (صلى الله عليه
وآله): " الاسلام يهدم ما قبله " (2) انتهى.
أقول: لا يخفى أن الأوفق بما ذهبوا إليه بل اتفقوا عليه من أن الكفار مكلفون
بالاسلام ومخاطبون به وأن الاسلام شرط في الصحة والقبول لا شرط في التكليف هو
ما نقله عن البعض المذكور، وكيف يكون الكفر عذرا شرعيا لهم كالجنون والحيض
والحال أنهم مخاطبون ومكلفون في حال الكفر؟ ألا ترى أن الحيض والجنون ونحوهما
إنما صارت أعذارا شرعية من حيث ارتفاع التكليف معها؟
وأما الاستدلال بالآية والخبر المذكور فيمكن الجواب عنه بأن المراد مغفرة
ما كانوا عليه من الكفر وكذلك قوله (صلى الله عليه وآله): " الاسلام يهدم ما قبله "
يعني الأحكام المترتبة على الكفر بمعنى أن يكونوا طاهرين بعد أن كانوا نجسين ومحقوني
الدم والمال بعد أن لم يكونوا كذلك ونحو ذلك من أحكام الاسلام. وأما العبادات فالذي
ثبت بالأخبار والأدلة التي قدمناها في بحث غسل الجنابة من كتاب الطهارة أنهم غير
مكلفين بها وأن الاسلام شرط في التكليف بها فلا يتوجه العقاب عليها والمؤاخذة
بتركها لعدم التكليف بها بالكلية، وبالجملة فإن مقتضى قاعدتهم المذكورة هو وجوب
القضاء كما لا يخفى.
(العاشر) - قال في الذكرى: حكم أثناء الوقت حكم أوله في ذلك فلو أفاق
المجنون في أثناء الوقت ثم جن أو أغمي عليه في الوقت اعتبر في قدر الإفاقة ادراك جميع
الشرائط والأركان، وكذا لو كانت مجنونة فأفاقت ثم حاضت. انتهى. وبذلك
صرح في المنتهى أيضا. وهو كذلك.
(الحادي عشر) - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه إذا بلغ
الصبي المتطوع بالصلاة في أثنائها بما لا يبطل الطهارة كالسن والانبات وكان الوقت باقيا

(1) سورة الأنفال، الآية 39.
(2) أحكام القرآن لابن العربي ج 1 ص 35.
281

بحيث يسع ركعة فإنه يجب عليه الاستئناف، ذهب إليه الشيخ في الخلاف وجملة ممن تأخر
عنه قالوا لأنه بعد البلوغ مخاطب بالصلاة والوقت باق فيجب عليه الاتيان بها وما فعله
أولا لم يكن واجبا فلا يحصل به الامتثال. وذهب الشيخ في المبسوط إلى أنه يتم وظاهره
عدم وجوب الإعادة، واستدل له في المختلف بأنها صلاة شرعية فلا يجوز ابطالها لقوله
تعالى: " ولا تبطلوا أعمالكم " (1) وإذا وجب اتمامها سقط بها الفرض لأن امتثال
الأمر يقتضي الاجزاء. وأجاب عنه في المدارك قال: والجواب بعد تسليم دلالة الآية
على تحريم ابطال العمل إن الابطال هنا لم يصدر من المكلف بل من حكم الشارع، سلمنا
وجوب الاتمام لكن لا نسلم سقوط الفرض بها والامتثال إنما يقتضي الاجزاء بالنسبة
إلى الأمر الوارد بالاتمام لا بالنسبة إلى الأوامر الواردة بوجوب الصلاة. انتهى.
أقول: ما ذكره في الجواب من أن الابطال هنا من حكم الشارع لا أعرف له وجها فإنه
لا نص في المسألة كما لا يخفى، وايجاب الشارع عليه الصلاة بعد البلوغ لا يستلزم ابطال
هذه إذ يجوز أن يكتفي فيه باتمامها كما ذهب إليه في المبسوط. وبالجملة فالمسألة لكونها عارية
عن النص لا تخلو من الاشكال.
قال المحدث الأمين الاسترآبادي في تعليقاته على شرح المدارك: أقول: في المسألة
احتمالات أخر: أحدها - صحة صلاته إذا دخل عليه وقت الوجوب في أثنائها.
وثانيها - صحة صلاته إذا أدرك ركعة في وقت الوجوب. وثالثها - صحتها إذا أدرك
الركعتين الأوليين أو إحداهما في وقت الوجوب. ولا يمكن أن يفتى بأحد الاحتمالات
قبل ظهور نص يدل عليه، نعم يتجه أن يقال قطعنا بشمول العمومات له وجهلنا كفاية
ما يعمل وعدم كفايته فيجب العمل بالاحتياط حتى نعلم حكم الله بعينه. وهذه القاعدة
من قسم القطعي من القواعد الأصولية ونطقت بها روايات كثيرة لا من القسم الظني
من قواعدها المردودة عندي كما حققناه في الفوائد المدنية. انتهى. وهو جيد.

(1) سورة محمد، الآية 35.
282

ولو بلغ في الوقت بعد فراغه من الصلاة وأمكنه الطهارة وأداء ركعة فالظاهر أن حكمه كما لو بلغ في أثنائها وبه صرح في المدارك أيضا، وقد صرح العلامة في المنتهى
هنا بأنه يجب عليه الطهارة والصلاة ولا يجزئه ما فعله أولا. واستحسنه في المدارك ولا
ريب أنه الأحوط. والله العالم.
(المسألة الخامسة) - أجمع أهل العلم كافة على أنه لا يجوز الصلاة قبل دخول
وقتها، قال في المعتبر وهو اجماع أهل العلم. وقال في المنتهى لا يجوز الصلاة قبل دخول
وقتها وهو قول أهل العلم كافة إلا ما روى عن ابن عباس في مسافر صلى الظهر قبل الزوال
يجزئه، وبمثله قال الحسن والشعبي (1) لنا - الاجماع على ذلك وخلاف هؤلاء لا اعتداد
به وقد انقرض أيضا فلا تعويل عليه. انتهى.
أقول: ويدل على ذلك أيضا ما رواه الشيخ في الموثق عن أبي بصير عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: " من صلى في غير وقت فلا صلاة له "
وعن محمد بن الحسن العطار عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال " لأن
أصلي الظهر في وقت العصر أحب إلي من أن أصلي قبل أن تزول الشمس فإني إذا صليت
قبل أن تزول الشمس لم تحسب لي وإذا صليت في وقت العصر حسبت لي " وعن عبد الله
ابن سليمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله (4).
وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (5) قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام) لأن
أصلي بعد ما مضى الوقت أحب إلي من أن أصلي وأنا في شك من الوقت وقبل الوقت ".
وروى الشيخ في التهذيب عن سماعة في الموثق (6) قال: " قال لي أبو عبد الله
(عليه السلام) إياك أن تصلي قبل أن تزول فإنك تصلي في وقت العصر خير لك من أن
تصلي قبل أن تزول ".

(1) المغني ج 1 ص 396.
(2) رواه في الوسائل في الباب 13 من المواقيت.
(3) رواه في الوسائل في الباب 13 من المواقيت.
(4) رواه في الوسائل في الباب 13 من المواقيت.
(5) رواه في الوسائل في الباب 13 من المواقيت.
(6) رواه في الوسائل في الباب 13 من المواقيت.
283

وعن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) " في رجل صلى الغداة
بليل غره من ذلك القمر ونام حتى طلعت الشمس فأخبر أنه صلى بليل؟ قال يعيد صلاته ".
وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) في حديث قال: " ليس لأحد أن يصلي صلاة إلا لوقتها وكذلك
الزكاة، إلى أن قال: وكل فريضة إنما تؤدى إذا حلت ".
وعن زرارة في الصحيح أو الحسن (3) قال: " قلت لأبي جعفر (عليه السلام)
أيزكي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟ قال لا أيصلي الأولى قبل الزوال؟ ".
وعن زرارة (4) قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام) وقت المغرب إذا غاب
القرص فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة " وبالجملة فالحكم اتفاقي نصا وفتوى
وأما ما رواه الشيخ - في الصحيح عن عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (5) قال: " إذا صليت في السفر شيئا من الصلوات في غير وقتها فلا يضرك ".
وروى الصدوق بإسناده عن الحلبي مثله (6) - فقد حمله الشيخ على خروج الوقت
فيكون قضاء، والأظهر الحمل على وقت الاختيار والتأخير عنه إلى وقت الاضطرار
وذوي الأعذار لما حققناه سابقا من أن السفر من جملة الأعذار المسوغة للتأخير إلى الوقت
الثاني، وقد تقدم شيوع اطلاق الوقت على الوقت الأول وتبادره من الأخبار بما لا يعتريه
شبهة الانكار، فلا منافاة في هذا الخبر لما قدمناه من الأخبار.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لو صلى قبل الوقت فلا يخلو إما أن يكون عامدا أو جاهلا
أو ناسيا أو ظانا، فههنا مقامات أربعة:
(الأول) - أن يكون عامدا والأشهر الأظهر بطلان صلاته للنهي المتقدم في
الأخبار السابقة المقتضي لذلك، وقال الشيخ في النهاية: ومن صلى الفرض قبل دخول
الوقت عامدا أو ناسيا ثم علم بعد ذلك وجب عليه إعادة الصلاة، فإن كان في الصلاة لم يفرغ

(1) رواه في الوسائل في الباب 13 من المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 13 من المواقيت.
(3) رواه في الوسائل في الباب 13 من المواقيت.
(4) رواه في الوسائل في الباب 13 من المواقيت.
(5) رواه في الوسائل في الباب 13 من المواقيت.
(6) رواه في الوسائل في الباب 13 من المواقيت.
284

منها بعد ثم دخل وقتها فقد أجزأت عنه، ولا يجوز لأحد أن يدخل في الصلاة إلا بعد
حصول العلم بدخول وقتها أو يغلب على ظنه ذلك. انتهى. ولا يخفى ما فيه من
التدافع بين طرفي كلامه، لأن قضية قوله " ولا يجوز لأحد أن يدخل في الصلاة إلا بعد
حصول العلم بدخول وقتها.. الخ " بطلان صلاة العامد وإن دخل عليه الوقت في أثنائها
وهذا هو المطابق لعموم النهي المتقدم فإن النهي في تلك الأخبار أعم من أن يدخل
عليه الوقت في أثنائها أم لا فكيف تجزئ عنه كما يدل عليه صدر كلامه؟ ولذا حمله في
الذكرى على أن مراده بالمتعمد الظان لأنه يسمى متعمدا للصلاة، قال في المدارك: ولا
بأس به جمعا بين الكلامين، وحمله العلامة في المختلف على رجوع تفصيله إلى الناسي دون
المتعمد. ولا بأس به أيضا صونا لكلامه (قدس سره) من التناقض.
(المقام الثاني) - أن يكون ناسيا والمراد به ناسي مراعاة الوقت، وفي
الذكرى جعله أعم منه وممن جرت منه الصلاة حال عدم خطور الوقت بالبال، والظاهر أنه لا خلاف في البطلان لو وقعت الصلاة كملا في خارج الوقت، أما لو وقع بعضها في
الوقت فقد اختلف الأصحاب فيه، وظاهر عبارة النهاية المتقدمة الصحة ونقل في المختلف
أنه منصوص أبي الصلاح وظاهر كلام ابن البراج. وقال السيد المرتضى لا تصح صلاته،
وفي المختلف أنه منصوص ابن أبي عقيل وظاهر كلام ابن الجنيد، وإليه ذهب العلامة،
وهو المشهور بين المتأخرين.
احتج العلامة في المختلف على ما ذهب إليه من البطلان برواية أبي بصير المتقدمة
الدالة على أن من صلى في غير وقت فلا صلاة له، ولأنه فعل العبادة قبل حضور وقتها
فلا تكون مجزئة عنه كما لو وقعت بأجمعها في غير الوقت، ولأن النسيان غير عذر في
الفوات فلا يكون عذرا في التقديم، ولأنه ليس بعذر في الجميع فلا يكون عذرا في
البعض. ثم نقل عن الشيخ أنه احتج بأن الناسي معذور ومخاطب كالظان، قال والجواب
المنع من المقدمتين.
285

أقول: والظاهر عندي هو القول المشهور لظاهر رواية أبي بصير المذكورة
وحملها على خصوص من أتى بالصلاة كملا في غير الوقت وإن احتمل إلا أن ظاهر
الرواية العموم. والأظهر عندي في الاستدلال على ذلك أنما هو معلومية التكليف
بالضرورة من الدين، وسقطوه بالصلاة على هذا الوجه يحتاج إلي دليل.
وأما لو اتفق وقوعها كملا في الوقت فظاهر شيخنا الشهيد في الذكرى البطلان
قال في الكتاب المذكور: لو صادف الوقت صلاة الناسي أو الجاهل بدخول الوقت
أو بالحكم ففي الاجزاء نظر، من حيث عدم الدخول الشرعي، ومن مطابقة العبادة
ما في نفس الأمر. والأول أقوى. وفي البيان اختار الصحة لمطابقة العبادة ما في نفس
الأمر. والظاهر هو الصحة لما يأتي في المقام الآتي إن شاء الله تعالى من التحقيق الرشيق
وبذلك صرح السيد السند في المدارك كما سيأتي نقل عبارته في المقام المشار إليه.
قال الفاضل الخراساني في الذخيرة: ولو وقعت صلاة الناسي بتمامها في الوقت
ففيه وجهان أقربهما الصحة، لأنه أتى بالمأمور به فتكون مجزئة (لا يقال): كان الواجب
عليه مراعاة الوقت ولم تحصل فلم يأت بالمأمور به على وجهه (لأنا نقول) وجب عليه
المراعاة من باب المقدمة حال ملاحظة وجوب الاتيان بها في الوقت ليتأتى منه الاتيان
بها في الوقت على وجه الامتثال والإطاعة وأما عند الذهول عن هذه المقدمة فله الاتيان
بها في وقتها متقربا ممتثلا من دون ملاحظة الوقت ومراعاته فلا تكون المراعاة مقدمة
للفعل مطلقا. انتهى.
أقول: والتحقيق مضافا إلى ما سيأتي إن شاء الله تعالى أن التكليف بمراعاة
الوقت إنما هو لأجل أن تقع الصلاة في الوقت فالغرض الذاتي والمقصود الكلي هو
وقوعها في الوقت فإذا حصل ذلك بأي وجه اتفق فقد حصل مراد الشارع وإن لزم
الاخلال بالمراعاة إذا المراعاة ليست واجبا ذاتيا يترتب على تركه الإثم أو البطلان.
وما ذكره في الذكرى من أن دخوله غير شرعي على اطلاقه ممنوع إذ الدخول على
286

ما ذكرنا شرعي لتبين كونه في الوقت الذي هو مراد الشارع. وإلى ما ذكرنا يرجع
كلام الفاضل المذكور.
(المقام الثالث) - أن يكون جاهلا وقد تقدم في عبارة الذكرى أن المراد به
جاهل دخول الوقت أو جاهل الحكم أي وجوب المراعاة، والظاهر أنه لا خلاف
بينهم في بطلان صلاته لو وقعت كملا في خارج الوقت، وإنما الخلاف فيما إذا وقعت في
الوقت كملا أو بعضا، فالمشهور البطلان في الموضعين، ونقل في المختلف عن أبي الصلاح
صحة صلاته لو دخل عليه الوقت وهو فيها.
والظاهر هنا هو القول المشهور لما ذكرنا في المقام المتقدم بالنسبة إلى ما وقع بعضها
في الوقت، وأما مع مصادفتها الوقت كملا فقد تقدم في كلام الذكرى التصريح بالبطلان.
وقال السيد السند في المدارك: ولو صادف الوقت صلاة الناسي أو الجاهل بدخول
الوقت ففي الاجزاء نظر، من حيث عدم الدخول الشرعي، ومن مطابقة العبادة ما في
نفس الأمر وصدق الامتثال. والأصح الثاني وبه قطع شيخنا المحقق سلمه الله تعالى،
قال وكذا البحث في كل من أتى بما هو الواجب في نفس الأمر وإن لم يكن عالما بحكمه
ومثله القول في الاعتقادات الكلامية إذا طابقت نفس الأمر فإنها كافية وإن لم تحصل
بالأدلة المقررة كما صرح به سلطان المحققين نصير الملة والدين. انتهى كلامه أطال الله
بقاءه وهو في غاية الجودة. انتهى كلام السيد السند (قدس سره) ومراده من قوله
" شيخنا " هو المحقق الأردبيلي (قدس سره) في شرح الإرشاد.
وقال الفاضل الخراساني في الذخيرة بعد اختياره البطلان كما هو المشهور: ولو
اتفقت صلاة الجاهل في الوقت فإن قصدنا بالجاهل من علم وجوب رعاية الوقت وعرف
المواقيت لكنه جاهل بالوقت لعدم مراعاته الوقت فالظاهر بطلان صلاته على القول
باشتراط التقرب وقصد الامتثال في الطاعة لأنه لم يأت بها على وجه الامتثال والإطاعة. نعم
إن قيل بعدم اشتراط ذلك في الصحة وسقوط التعبد لم يبعد القول بالصحة هنا. وإن قصدنا
287

بالجاهل من علم وجوب رعاية الوقت لكنه غير عارف بالوقت أيضا فالظاهر البطلان
أيضا على القول المذكور بالتقريب السابق. وإن قصدنا به الجاهل بوجوب رعاية الوقت
ففيه اشكال.
ورجح بعض أفاضل المتأخرين الصحة لصدق الامتثال. وقال أيضا
وبالجملة كل من فعل ما هو في نفس الأمر وإن لم يعرف كونه كذلك ما لم يكن عالما
بنهيه وقت الفعل حتى لو أخذ المسائل من غير أهله بل لو لم يأخذ من أحد وظنها كذلك
فإنه يصح ما فعله، وكذا في الاعتقادات وإن لم يأخذها عن أدلتها فإنه يكفي ما اعتقده
دليلا وأوصله إلى المطلوب ولو كان تقليدا، قال كذا يفهم من كلام منسوب إلى المحقق
نصير الملة والدين. قال وفي كلام الشارع إشارة إليه، وذكر أشياء يطول الكلام بنقلها.
وعندي أن ما ذكره منظور فيه مخالف للقواعد المقررة العدلية وليس المقام مقام تفصيله
لكن أقول اجمالا أن أحد الجاهلين إذا صلى في الوقت والآخر في غير الوقت فلا
يخلو إما أن يستحقا العقاب أو لا يستحقا أصلا أو يستحق أحدهما دون الآخر، وعلى
الأول ثبت المطلوب لأن استحقاق العقاب إنما يكون لعدم الاتيان بالمأمور به على وجهه،
وعلى الثاني يلزم خروج الواجب عن كونه واجبا، ولو أنفتح هذا الباب لجرى الكلام
في كل واحد واحد من أفعال الصلاة ويفضي الأمر إلى ارتفاع جل التكاليف، وهذا
مفسدة واضحة لا يسوغ لأحد الاجتراء عليه ومعلوم فساده بالضرورة، وعلى الثالث
يلزم خلاف العدل لاستوائهما في الحركات الاختيارية الموجبة للمدح والذم وإنما حصل
مصادفة الوقت وعدمه بضرب من الاتفاق من غير أن يكون لأحد منهما فيه ضرب من
التعمد أو السعي، وتجويز مدخلية الاتفاق الخارج عن القدرة في استحقاق المدح
والذم مما هدم بنيانه البرهان وعليه اطباق العدلية في كل زمان. وأما الإشارات التي
ذكرها فكل منها قابل للتأويل فيشكل الاعتماد عليها والتعويل وليس المقام مقام التفصيل
هذا ظاهر التحقيق وإن كان الاشكال فيه وفي نظائره ثابتا. انتهى كلام الفاضل المشار إليه
أقول - وبالله سبحانه التوفيق لبلوغ كل مأكول - لا يخفى أن ما تكلفه هذا
288

الفاضل في المقام من النقض والابرام وزعم به ابطال ما ذكره المحقق الإمام غير خال
من الوهن الظاهر لمن أعطى التأمل حقه من ذوي الأفهام:
(أما أولا) - فإن من جملة الأخبار الدالة على ما ذكره شيخنا المحقق المتقدم
- من الاكتفاء بمطابقة الحكم واقعا وإن لم يكن عن علم ومعرفة - رواية عبد الصمد بن بشير
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " جاء رجل يلبى حتى دخل المسجد الحرام
وهو يلبي وعليه قميصه فوثب إليه الناس من أصحاب أبي حنيفة فقالوا شق قميصك
وأخرجه من رجليك فإن عليك بدنة وعليك الحج من قابل وحجك فاسد. فطلع
أبو عبد الله (عليه السلام) فقام على باب المسجد فكبر واستقبل الكعبة فدنا الرجل من
أبي عبد الله (عليه السلام) وهو ينتف شعره ويضرب وجهه فقال أبو عبد الله (عليه
السلام) اسكن يا عبد الله فلما كلمه وكان الرجل أعجميا فقال أبو عبد الله (عليه السلام)
ما تقول؟ قال كنت رجلا أعمل بيدي فاجتمعت لي نفقة فجئت أحج ولم أسأل أحدا
عن شئ فأفتوني هؤلاء أن أشق قميصي وأنزعه من قبل رجلي وأن حجي فاسد وأن
علي بدنة. فقال له متى لبست قميصك أبعد ما لبيت أم قبل؟ قال قبل أن ألبي. قال
فأخرجه من رأسك فإنه ليس عليك بدنة وليس عليك الحج من قابل، أي رجل ركب
أمرا بجهالة فلا شئ عليه، طف بالبيت أسبوعا وصل ركعتين عند مقام إبراهيم واسع
بين الصفا والمروة وقصر من شعرك فإذا كان يوم التروية فاغتسل وأهل بالحج واصنع
كما يصنع الناس " والتقريب فيه أنه مع تصريحه بمعذورية الجاهل بوجه كلي وقاعدة مطردة
تضمن صحة ما فعله قبل لقاء الإمام (عليه السلام) من الاغتسال والاحرام والتلبية ونحوها
من أخباره بأنه لم يسأل أحدا عن شئ من الأحكام التي أتى بها ولهذا وقع فيما وقع فيه،
وأمره (عليه السلام) أن يصنع كما يصنع الناس من واجب أو مستحب مع عدم المعرفة
بشئ من ذلك، ويعضد ذلك أخبار معذورية الجاهل وصحة عباداته على التفصيل الذي

(1) المروية في الوسائل في الباب 45 من أبواب تروك الاحرام.
289

تقدم في مقدمات الكتاب من الجلد الأول.
و (أما ثانيا) - فإن ما أطال به - من تقسيم الجاهل إلى ما ذكره من الأقسام
وتخصيص كلام المحقق الأردبيلي بالجاهل بوجوب رعاية الوقت - تطويل بغير طائل
وترديد لا يرجع إلى حاصل، فإنه على القول بالبطلان فلا فرق في شئ من هذه الأقسام
وكذا على القول بالصحة الذي صرح به المحقق المذكور كما لا يخفى على من راجع كلامه
فإنه بعد أن فصل أجمل بقوله: " وبالجملة كل من فعل ما هو في نفس الأمر.. إلى آخره "
وهو ظاهر بل صريح في العموم وإن أمكن ارجاع ما ذكره من الأقسام عدا الأخير
إلى الخروج عن محل البحث.
و (أما ثالثا) - فإنا نقول بعد اختيار الشق الثالث من ترديده الذي هو محل
النزاع في المسألة: (أولا) أنه متى قام الدليل من خارج على معذورية الجاهل وصحة
عباداته إذا طابقت الواقع فهذا الاستبعاد العقلي غير مسموع وإن اشتهر بينهم ترجيح
الدليل العقلي على النقلي إلا أن ما نحن فيه ليس منه. و (ثانيا) أن المدح والذم على
هذه الحركات الاختيارية إن كان من الله سبحانه فاستواؤهما فيه ممنوع إذ ايجاب
الحركات للذم والمدح ليس لذاتها وإنما هو لموافقة الأمر وعدمها تعمدا أو اتفاقا،
وحينئذ فمقتضى ما قلناه من قيام الدليل على صحة عبادة الجاهل إذا صادفت الوقت فإنه
تصح عبادة من صادفت صلاته الوقت فتكون حركاته موجبة للمدح بخلاف من لم
تصادف فإنها تكون موجبة للذم لعدم المصادفة الموجبة للصحة. و (ثالثا) أن الغرض
من التكليف بالمراعاة كما تقدم آنفا واعترف هو به (قدس سره) الاتيان بما كلف به
حسب الأمر، ومن صادفت صلاته الوقت يصدق عليه أنه أتى بالمأمور به وامتثال
الأمر يقتضي الاجزاء، وعين ما ذكره في الناسي مما تقدم نقله في المقام الثاني من قوله
في جواب السؤال الذي أورده " لأنا نقول. إلى آخره " جار فيما نحن فيه كما لا يخفى.
و (أما رابعا) فإن ما ذكره منقوض بما وقع الاتفاق عليه نصا وفتوى من صحة
290

صلاة الجاهل بوجوب التقصير تماما مع كونها غير مطابقة للواقع، فإذا كان الجهل عذرا
مع عدم المطابقة فبالأولى أن يكون عذرا مع المطابقة، ومثله ما لو قصر بعد نية الاتمام
الموجبة لتمام جاهلا فإنه وإن كان المشهور الإعادة إلا أن صحيحة منصور بن حازم (1)
تدل على أنه لو تركه جاهلا فليس عليه الإعادة وبها قال بعض الأصحاب، وعلى هذه
الرواية يتجه أيضا ما قلناه من صحة عبادة الجاهل وإن خالفت الواقع.
و (أما خامسا) - فإنه معارض أيضا بما صرح به الأصحاب كما نقله عنهم
شيخنا الشهيد الثاني في شرح الرسالة - من أن من صلى بالنجاسة جاهلا بها وإن صحت
صلاته ظاهرا إلا أنها غير صحيحة ولا مقبولة واقعا لفقد شرطها واقعا، فإنه يلزم بمقتضى
ما ذكره أيضا خلاف العدل لاستواء حركات هذا المصلي مع حركات من اتفق كون
صلاته في طاهر واقعا في المدح والذم فكيف تقبل إحداهما دون الأخرى؟ إذ كل منهما
قد بنى على ظاهر الطهارة في نظره وإنما حصلت الطهارة الواقعية في إحداهما بضرب من
الاتفاق، والفرض أن الاتفاق الخارج لا مدخل له. ومثل ذلك في من توضأ بماء نجس
واقعا مع كونه طاهرا في الظاهر فإن بطلان طهارته وعبادته دون من توضأ بماء طاهر
ظاهرا وواقعا مع اشتراكهما فيما ذكر من الحركات والسكنات وكون الطهارة والنجاسة
واقعا بنوع من الاتفاق خلاف العدل والأصحاب لا يقولون به.
و (أما سادسا) - فإنه لو كان الاتفاق الخارج لا مدخل له في الصحة في
الأحكام الشرعية على الاطلاق كما زعمه لما أجزأ صوم آخر يوم من شعبان من أول يوم
من شهر رمضان متى ظهر كونه منه بعد ذلك، ولسقط القضاء عن من أفطر يوما من
شهر رمضان لعدم الرؤية ثم ظهرت الرؤية في البلاد المتقاربة أو مطلقا على الخلاف في
ذلك، ولوجب الحد على من زنى بامرأة ثم ظهر كونها زوجته، ولصح شراء من اشترى
شيئا من يد أحد المسلمين ثم ظهر كونه غصبا، ولوجب القضاء والكفارة على من أفطر

(1) المروية في الوسائل في الباب 17 من صلاة المسافر.
291

يوم الثلاثين من شهر رمضان ثم ظهر كونه من شوال، ولوجب القود أو الدية على من
قتل شخصا عدوانا ثم ظهر كونه ممن له قتله قودا، ولوجب العوض على من غصب مالا
وتصرف فيه ثم ظهر كونه له، إلى غير ذلك من المواضع التي يقف عليها المتتبع،
واللوازم كلها باطلة اتفاقا (فإن قيل) إن هذه الأحكام المعترض بها إنما صير إليها لقيام
الدليل عليها (قلنا) قيام الدليل عليها دليل على أن الاتفاق واقعا مما له دخل في المدح
والذم والصحة والفساد كما هو المدعى، ولا يخفى أن الأحكام الشرعية لا تنطبق على
الأدلة العقلية بل قد توافقها تارة وتخالفها أخرى.
وبالجملة فإن ما تكلفه هذا الفاضل في المقام مما لا أعرف له وجه صحة كما كشفنا
عنه نقاب الإبهام. والله العالم.
(المقام الرابع) - أن يكون ظانا والظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب
(رضوان الله عليهم) في أنه لو دخل في الصلاة ظانا دخول الوقت ثم تبين فساد ظنه
بوقوع الصلاة كملا قبل الوقت فإنه يجب عليه الإعادة، ويدل عليه صحيحة زرارة
المتقدمة (1) " في من صلى الغداة بليل غره من ذلك القمر ونام حتى طلعت الشمس فأخبر أنه
صلى بليل؟ قال يعيد صلاته " ورواية أبي بصير المتقدمة (2) الدالة أيضا على أن من
صلى في غير وقت فلا صلاة له. وصحيحة زرارة (3) قال: " قال أبو جعفر (عليه
السلام) وقت المغرب إذا غاب القرص فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت أعدت
الصلاة ومضى صومك ".
إنما الخلاف في من دخل عليه الوقت في أثنائها ولو قبل التسليم، فالمشهور الصحة
لأنه متعبد بظنه خرج منه ما إذا لم يدرك من الوقت شيئا بالنص والاجماع المتقدمين
وبقي الباقي، ويدل عليه أيضا رواية إسماعيل بن رياح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)

(1) ص 284.
(2) ص 283.
(3) الوسائل الباب 16 من المواقيت.
(4) المروية في الوسائل في الباب 25 من المواقيت.
292

قال: " إذا صليت وأنت ترى أنك في وقت ولم يدخل الوقت فدخل الوقت وأنت في
الصلاة فقد أجزأت عنك " ونقل عن السيد المرتضى وابن أبي عقيل وابن الجنيد البطلان كما
لو وقعت بأسرها قبل الوقت، واختاره العلامة في المختلف والسيد السند في المدارك، وظاهر
المحقق في المعتبر التوقف في المسألة حيث قال: إن ما اختاره الشيخ أوجه بتقدير تسلم
صحة الرواية وما ذكره المرتضى أوجه بتقدير اطراحها. قال في المدارك بعد نقله عنه:
هذا كلامه لكن الاطراح متعين لضعف السند. انتهى.
واحتج في المختلف على ما ذهب إليه من البطلان برواية أبي بصير المتقدمة،
وبأنه مأمور بايقاع الصلاة في وقتها ولم يحصل الامتثال. قال في المدارك بعد نقل ذلك
عنه: وهو جيد ولا ينافيه توجه الأمر بالصلاة بحسب الظاهر لاختلاف الأمرين
كما لا يخفى. انتهى.
ثم نقل في المختلف عن الشيخ أنه احتج بما رواه إسماعيل بن رياح ثم ساق الرواية
وبأنه مأمور بالدخول في الصلاة عند الظن إذ مع الاشتباه لا يصح التكليف بالعلم
لاستحالة التكليف بما لا يطاق فيتحقق الاجزاء. ثم أجاب عن ذلك أما عن الرواية
فبالمنع من صحة السند وأما عن الثاني فبأن الاجزاء إنما يتحقق مع استمرار سببه وهو
الظن فإذا ظهر كذبه انتفى ويبقى في عهدة الأمر كما لو فرغ من العبادة قبل الدخول.
ثم قال واعلم أن الرواية التي ذكرها الشيخ (قدس سره) في طريقها إسماعيل بن رياح
ولا يحضرني الآن حاله فإن كان ثقة فهي صحيحة وتعين العمل بمضمونها وإلا فلا. انتهى
أقول: أنت خبير بأن كلامهم في هذه المسألة صحة وبطلانا دائر مدار خبر
إسماعيل المذكور قبولا وردا فمن قبله وعمل به إما لكونه ممن لا يرى العمل بهذا الاصطلاح
أو يراه ولكن يجبر ضعف الخبر بالشهرة فإنه يحكم بالصحة ومن رده فإنه يحكم بالبطلان
وحيث كان الخبر عندنا مقبولا لا وجه لرده لعدم عملنا على هذا الاصطلاح المحدث
فالقول بالصحة ظاهر. وأما ما احتج به في المختلف كما نقله عنه في المدارك - من قوله
293

ولأنه مأمور بايقاع الصلاة في وقتها ولم يحصل الامتثال - ففيه وإن استجوده السيد المذكور
أنه إن أريد بهذا الوقت الذي هو مأمور بايقاع الصلاة فيه بمعنى الوقت الواقعي النفس
الأمري كما هو ظاهر كلاميهما فهو ممنوع لأن الشارع لم يجعل الواقع ونفس الأمر مناطا
للأحكام الشرعية لا في هذا الموضع ولا في غيره، وإن أريد به ما هو وقت في نظر
المكلف كما هو المناط في جميع التكاليف فهو صادق على ما نحن فيه كما هو المفروض غاية
الأمر أنه وقت ظني، وسيأتي إن شاء الله تعالى في المسألة الآتية بيان قوة القول بالبناء
على الظن مع الاشتباه، وحينئذ فالتحقيق أن يقال إنه مكلف بايقاع الصلاة في وقتها
المعلوم أو المظنون فمتى صلاها في أحدهما فقد امتثل وامتثال الأمر يقتضي الاجزاء، غاية ما
في الباب أنه قام الدليل على البطلان أو وقعت كملا قبل الوقت وبقي الباقي على الصحة
بمقتضى الأمر ودلالة الرواية المذكورة، ويؤيده رواية الأصبغ بن نباتة وموثقة عمار
المتقدمتان في من أدرك ركعة من الصبح قبل طلوع الشمس. وأما ما ذكره في المدارك
- بعد حكمه بكونه جيدا بقوله: " ولا ينافيه توجه الأمر بالصلاة بحسب الظاهر لاختلاف
الأمرين " - فلا وجه له بعد ما عرفت لأن الاختلاف بين الأمرين كما ادعاه إنما يتم لو
كان الوقت الذي ادعى أنه مأمور بايقاع الصلاة فيه هو الوقت الواقعي النفس الأمري
وقد عرفت فساده، ومتى أريد به الوقت الذي في نظر المكلف فهو يرجع إلى ما ذكره
ثانيا من الأمر بالصلاة بحسب الظاهر فلا اختلاف بين الأمرين كما لا يخفى. والله العالم.
(المسألة السادسة) - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن من كان له
طريق إلى العلم بالوقت فلا يجوز له الصلاة إلا بعد العلم بذلك فإن لم يكن له طريق إلى
ذلك فهل يجوز له الاجتهاد في الوقت بمعنى التعويل على الأمارات المفيدة للظن أو يجب
عليه الصبر حتى يتيقن الوقت؟ قولان المشهور الأول.
فالكلام هنا يقع في موضعين: (الأول) فيما إذا كان له طريق إلى العلم وقد
عرفت أن مذهب الأصحاب أنه لا يجوز له الصلاة إلا بعد العلم ولا يجوز له التعويل
294

على الظن، قال في المدارك بعد ذكر الحكم المذكور: وهو مذهب الأصحاب لا نعلم
فيه مخالفا. واستدل عليه في المنتهى بأن العلم يؤمن معه الخطأ والظن لا يؤمن معه ذلك
وترك ما يؤمن معه الخطأ قبيح عقلا. واعترضه في المدارك بأنه ضعيف جدا قال والعقل
لا يقضي بقبح التعويل على الظن هنا بل لا يأباه لو قام عليه الدليل. والأجود الاستدلال
عليه بانتفاء ما يدل على ثبوت التكليف مع الظن للتمكن من العلم، ويؤيده عموم النهي
عن اتباع الظن. انتهى.
أقول: لا يخفى أن الأحكام الشرعية كما قدمناه في غير موضع توقيفية لا مسرح
للعقل فيها بوجه وإنما هي منوطة بالنصوص والأدلة الواردة عن صاحب الشريعة وجودا
وعدما وصحة وبطلانا، ولكنهم (رضوان الله عليهم) حيث اشتهر بينهم ترجيح
الأدلة العقلية على السمعية فتراهم في كل حكم يقدمون دليلا عقليا بزعمهم ثم يردفونه
بالأدلة السمعية وإن كانت أدلتهم فيها ما هو أوهن من بيت العنكبوت وإنه لأوهن
البيوت. والتحقيق هو الرجوع إلى الأخبار الواردة عن الأئمة (عليهم السلام) في
هذا المقام وغيره.
ثم إن ما يظهر من كلام صاحب المدارك من عدم العلم بالمخالف المؤذن بدعوى
الاجماع على المسألة المذكورة محل نظر فإن ظاهر الشيخين في المقنعة والنهاية يشعر بالخلاف،
قال في المقنعة: من ظن أن الوقت قد دخل فصلى ثم علم بعد ذلك أنه صلى قبله أعاد
الصلاة إلا أن يكون الوقت دخل وهو في الصلاة لم يفرغ منها فيجزئه ذلك. وقال في
النهاية ولا يجوز لأحد أن يدخل في الصلاة إلا بعد حصول العلم بدخول الوقت أو يغلب
على ظنه ذلك. وهو ظاهر المبسوط أيضا، والحمل على أن المراد بالظن في مقام عدم إمكان
العلم وإن أمكن إلا أنه خلاف الظاهر من العبارتين المذكورتين. وبما ذكرنا من ظهور
العبارتين المذكورتين في المخالفة للقول المشهور صرح الفاضل الخراساني أيضا في الذخيرة
ويمكن الاستدلال على قول الشيخين بظاهر رواية إسماعيل بن رياح عن
295

أبي عبد الله (عليه السلام) (1) أنه قال: " إذا صليت وأنت ترى أنك في وقت ولم
يدخل الوقت فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك " وظاهر الأصحاب
حمل هذه الرواية على صورة تعذر العلم حيث أوردوها في تلك المسألة وهي كما ترى مطلقة
لا تقييد فيها بذلك لأن قوله: " وأنت ترى - أي تظن - أنك في وقت " أعم من أن يكون
العلم ممكنا أو غير ممكن، على أن ما ذكروه من عدم جواز التعويل على الظن مع إمكان العلم
لا يخلو من المناقشة، فإن المستفاد من الأخبار المستفيضة الاعتماد على أذان المؤذنين وإن
كانوا من المخالفين، ومن الظاهر أن غاية ما يفيد هو الظن وإن تفاوت شدة وضعفا
باعتبار المؤذنين وما هم عليه من زيادة الوثاقة والضبط في معرفة الأوقات وعدمه.
وها أنا أسوق من الأخبار الجارية في هذا المضمار، فمنها - صحيحة ذريح
المحاربي (2) قال: " قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) صل الجمعة بأذان هؤلاء فإنهم أشد
شئ مواظبة على الوقت ".
ورواية محمد بن خالد القسري (3) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
أخاف أن أصلي يوم الجمعة قبل أن تزول الشمس؟ قال إنما ذاك على المؤذنين ".
وروى العياشي في تفسيره عن سعيد الأعرج (4) قال: " دخلت على أبي عبد الله
(عليه السلام) وهو مغضب وعنده أناس من أصحابنا وهو يقول تصلون قبل أن تزول
الشمس؟ قال وهم سكوت، قال قلت ما نصلي حتى يؤذن مؤذن مكة قال فلا بأس أما
أنه إذا أذن فقد زالت الشمس.. الخبر " والخبر صحيح كما ترى بالاصطلاح القديم لكون
الكتاب من الأصول المعتمدة.
وروى الحميري في كتاب قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي
ابن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) (5) قال: " سألته عن رجل صلى الفجر في

(1) المروية في الوسائل في الباب 25 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 3 من الأذان.
(3) الوسائل الباب 3 من الأذان.
(4) الوسائل الباب 3 من الأذان.
(5) الوسائل الباب 3 من الأذان.
296

يوم غيم أو في بيت وأذن المؤذن وقعد فأطال الجلوس حتى شك فلم يدر هل طلع الفجر
أم لا فظن أن المؤذن لا يؤذن حتى يطلع الفجر؟ قال أجزأه أذانهم ".
وروى الشيخ في التهذيب عن عيسى بن عبد الله الهاشمي عن أبيه عن جده عن
علي (عليه السلام) (1) قال: " المؤذن مؤتمن والإمام ضامن ".
وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (2) قال: " قال الصادق (عليه السلام)
في المؤذنين أنهم الأمناء ".
وروى فيه أيضا مرسلا (3) قال: " كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله)
مؤذنان أحدهما بلال والآخر ابن أم مكتوم وكان ابن أم مكتوم أعمى وكان يؤذن قبل
الصبح وكان بلال يؤذن بعد الصبح فقال النبي (صلى الله عليه وآله) إن ابن أم مكتوم
يؤذن بليل فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان بلال ".
وروى في الفقيه أيضا مرسلا (4) قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام) في حديث
المؤذن له من كل من يصلي بصوته حسنة ".
وبإسناده عن عبد الله بن علي عن بلال في حديث (5) قال: " سمعت رسول الله
(صلى الله عليه وآله) يقول المؤذن أمناء المؤمنين على صلاتهم وصومهم ولحومهم
ودمائهم.. الحديث ".
وروى الشيخ المفيد في المقنعة (6) قال: " روى عن عن الصادقين (عليهم السلام)
أنهم قالوا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يغفر للمؤذن مد صوته وبصره ويصدقه،
إلى أن قال وله من كل من يصلي بأذانه حسنة ".
وروى الصدوق في كتاب عيون أخبار الرضا (عليه السلام) بسنده عن الفضل بن
الربيع في حكاية حبس الكاظم (عليه السلام) عنده (7) " أنه كان يعقب بعد الفجر إلى

(1) الوسائل الباب 3 من الأذان.
(2) الوسائل الباب 3 من الأذان.
(3) الوسائل الباب 8 من الأذان.
(4) الوسائل الباب 3 من الأذان.
(5) الوسائل الباب 3 من الأذان.
(6) الوسائل الباب 3 من الأذان.
(7) الوسائل الباب 59 من المواقيت.
297

أن تطلع الشمس ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجدا حتى تزول الشمس وقد وكل من
يترصد الزوال فلست أدري متى يقول له الغلام قد زالت الشمس إذ وثب فيبتدئ
الصلاة من غير أن يحدث وضوء، ثم ساق الكلام إلى أن قال فلا يزال يصلي في جوف
الليل حتى يطلع الفجر فلست أدري متى يقول الغلام إن الفجر قد طلع إذ وثب هو
لصلاة الفجر.. الحديث ".
وهذه الأخبار كلها - كما ترى - ظاهرة الدلالة متعاضدة المقالة في جواز الاعتماد
على المؤذنين وغيرهم كما يدل عليه الحديث الأخير، ولا يخفى أن غاية ما يفيد هو الظن،
ويعضد هذه الأخبار رواية إسماعيل بن رياح المتقدمة.
إلا أنه روى الشيخ عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) (1)
" في الرجل يسمع الأذان فيصلي الفجر ولا يدري أطلع الفجر أم لا غير أنه يظن
لمكان الأذان أنه طلع؟ قال لا يجزئه حتى يعلم أنه طلع " وهي ظاهرة في عدم جواز
التعويل على الأذان، وبها استدل في المدارك على القول المشهور.
وأنت خبير بأن ما قابلها من الأخبار المتقدمة أكثر عددا وأوضح سندا، وحينئذ
يتعين ارتكاب التأويل في هذه الرواية بأن تحمل على عدم الوثوق بالمؤذن أو على الفضل
والاستحباب كما هي القاعدة المطردة عندهم في جميع الأبواب.
وظاهر المحقق في المعتبر الميل إلى الاعتماد على أذان الثقة الذي يعرف منه الاستظهار
لقول النبي (صلى الله عليه وآله) (2) " المؤذنون أمناء " ولأن الأذان مشروع للأعلام
بالوقت فلو لم يعول عليه لم تحصل الغاية من شرعيته.
واعترضه الشهيد وغيره بأنه يكفي في صدق الأمانة تحققها بالنسبة إلى ذوي الأعذار
وشرعية الأذان للأعلام لتقليدهم خاصة ولتنبيه المتمكن على الاعتبار.

(1) الوسائل الباب 58 من المواقيت عن الذكرى وكتاب علي بن جعفر.
(2) رواه في الوسائل في الباب 3 من الأذان.
298

وفيه نظر: (أما أولا) فإنه تقييد لاطلاق الأخبار المتقدمة بغير دليل سوى مجرد
دعواهم الاتفاق على اشتراط العلم.
و (أما ثانيا) فإن الدليل غير منحصر فيما ذكره المحقق من التعليلين المذكورين
ليتم ما قالوه بالجواب عنهما بل ظاهر صحيحة ذريح ورواية محمد بن خالد ونحوهما من
الروايات المتقدمة هو العموم لذوي الأعذار وغيرهم وهو أظهر من أن يحتاج إلى مزيد بيان
وبذلك يظهر ما في جمود صاحب المدارك على كلام الشهيد هنا واعتضاده به
وتردد الفاضل الخراساني في الذخيرة بعد نقله فإنه لا وجه له بعد ما عرفت من الأخبار
التي قدمناها وظهورها في العموم، ولكنهم لعدم اعطاء التتبع والتأمل حقهما في الأخبار
جرى لهم ما جرى في أمثال هذا المضمار.
وأما ما نقله ابن إدريس في مستطرفات السرائر - من كتاب نوادر البزنطي عن
عبد الله بن عجلان (1) قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام) إذا كنت شاكا في الزوال
فصل ركعتين فإذا استيقنت أنها قد زالت بدأت بالفريضة " - فلا منافاة فيه لما ذكرناه
إذ غاية ما يدل عليه هو عدم جواز الصلاة مع الشك في الوقت وجوازها مع اليقين ولا،
دلالة فيه على التخصيص به وعدم جواز الاعتماد على الظن الحاصل بالأذان ونحوه بل هو
مطلق بالنسبة إلى ذلك فيجب تقييده بما ذكرنا من الأخبار.
وأما ما رواه المرتضى (رضي الله عنه) في رسالة المحكم والمتشابه - عن تفسير النعماني
بإسناده عن إسماعيل بن جابر عن الصادق عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام)
في حديث طويل (2) قال: " إن الله إذا حجب عن عباده عين الشمس التي جعلها
دليلا على أوقات الصلوات فموسع عليهم تأخير الصلاة ليتبين لهم الوقت بظهورها ويستيقنوا
أنها قد زالت " - فمورده صورة الاشتباه وسيأتي الكلام فيها ثمة.
وأما ما في حديث علي بن مهزيار (3) - وقول أبي جعفر (عليه السلام) فيه

(1) رواه في الوسائل في الباب 58 من المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 58 من المواقيت.
(3) رواه في الوسائل في الباب 58 من المواقيت.
299

" الفجر هو الخيط الأبيض المعترض فلا تصل في سفر ولا حضر حتى تتبينه فإن الله
سبحانه لم يجعل خلقه في شبهة من هذا فقال: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط
الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " (1) - فإن ظاهر سياق الخبر أنه مع الاشتباه
وعدم تبين الفجر الصادق من الكاذب لا يجوز له الصلاة حتى يتبين ذلك، إلا أن تبينه
كما يكون برؤيته بنفسه كذلك يكون بسماع الأذان كما ينادي به قوله (صلى الله عليه
وآله) في مرسلة الفقيه " فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان بلال " (2) وهو ظاهر اطلاق
باقي الأخبار، وحاصل المعنى هو الرخصة في الأكل والشرب حتى يتبين الفجر بأحد
الأمرين المذكورين.
وقال في المدارك - بعد اعتراضه على كلام المعتبر المتقدم بما قدمنا نقله عن الشهيد
- ما صورته: نعم لو فرض إفادته العلم بدخول الوقت كما قد يتفق كثيرا في أذان الثقة
الضابط الذي يعلم منه الاستظهار في الوقت إذا لم يكن هناك مانع من العلم جاز التعويل
عليه قطعا ويدل عليه صحيحة ذريح، ثم أورد الصحيحة المذكورة وعقبها برواية محمد
ابن خالد القسري.
أقول: لا يخفى ما فيه على الفطن النبيه (أما أولا) فإن ما ذكره من إفادة أذان
الثقة الضابط للعلم ينافي ما ذكروه في الأصول بالنسبة إلى الأخبار المروية عن الأئمة
الأطهار (عليهم السلام) بنقل الثقات العدول المجمع على فضلهم وورعهم وعدالتهم من أن غاية ما تفيده رواياتهم هو الظن دون العلم، وهذه إحدى المعارك العظام بين
الأصوليين والأخباريين كما حقق في محله.
و (أما ثانيا) فإن ما زعمه من دلالة الخبرين المذكورين على إفادة العلم لا أعرف
له وجها، نعم يستفاد من الأول حصول الظن الراجح بأذانهم.
وبالجملة فالظاهر عندي من الأخبار الواردة في المقام هو ما ذهب إليه الشيخان

(1) سورة البقرة، الآية 183.
(2) ص 297.
300

المتقدمان في المسألة من العمل على الظن. والله العالم.
(الموضع الثاني) - فيما لو لم يكن له طريق إلى العلم لغيم ونحوه فهل يجب الصبر
عليه حتى يتيقن الوقت أو يجوز له الاجتهاد والبناء على الظن؟ المشهور الثاني، ونقل عن
ابن الجنيد أنه قال ليس للشاك يوم الغيم ولا غيره أن يصلي إلا عند تيقنه الوقت وصلاته
في آخر الوقت مع اليقين خير من صلاته مع الشك.
وإلى هذا القول مال في المدارك، قال (قدس سره) بعد ذكر القول المشهور ثم
مذهب ابن الجنيد: احتج الأولون برواية سماعة (1) قال: " سألته عن الصلاة بالليل
والنهار إذا لم ير الشمس ولا القمر ولا النجوم؟ قال اجتهد رأيك وتعمد القبلة جهدك "
قيل وهذا يشمل الاجتهاد في الوقت والقبلة. ويمكن أن يستدل له أيضا بما رواه أبو الصباح
الكناني (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل صام ثم ظن أن
الشمس قد غابت وفي السماء علة فأفطر ثم إن السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب؟ فقال
قد تم صومه ولا يقضيه " وإذا جاز التعويل على الظن في الافطار جاز في الصلاة إذ
لا قائل بالفرق. وصحيحة زرارة (3) قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام) وقت
المغرب إذا غاب القرص فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة ومضى صومك
وتكف عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئا " وتقريب الاستدلال ما تقدم. ويمكن
المناقشة في الروايتين الأوليين بضعف السند وفي الثالثة بقصور الدلالة لاحتمال أن يراد
بمضي الصوم فساده. وبالجملة فالمسألة محل تردد وقول ابن الجنيد لا يخلو من قوة. انتهى.
أقول؟ لا يخفى أن ما ذكره من الاستدلال برواية سماعة مبني على حمل الاجتهاد
على الوقت والظاهر بعده بل المراد إنما هو الاجتهاد في القبلة فيكون العطف تفسيريا
فلا تكون الرواية المذكورة من المسألة في شئ. وأما رواية الكناني وصحيحة زرارة

(1) المروية في الوسائل في الباب 6 من أبواب القبلة.
(2) الوسائل الباب 51 من ما يمسك عنه الصائم ووقت الامساك.
(3) الوسائل الباب 51 من ما يمسك عنه الصائم ووقت الامساك.
301

فهما ظاهرتا الدلالة على القول المشهور، وما ردهما به من الطعن في غاية القصور لما صرح
به هو نفسه (قدس سره) في كتاب الصوم في مسألة الافطار للظلمة الموهمة حيث نقل
ثمة أنه لا خلاف بين علمائنا ظاهرا في جواز الافطار عند ظن الغروب إذا لم يكن للظان
طريق إلى العلم وإنما اختلفوا في وجوب القضاء وعدمه إذا انكشف فساد الظن، ثم نقل
القول بعدم الوجوب عن جمع من الأصحاب ونقل القول بالوجوب عن آخرين واختار
الأول، واستدل بصحيحة زرارة ورواية أبي الصباح الكناني المذكورتين وصحيحة
أخرى لزرارة أيضا عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) " أنه قال لرجل ظن أن الشمس قد
غابت فأفطر ثم أبصر الشمس بعد ذلك فقال ليس عليه قضاء " ونقل أيضا رواية الشحام
الدالة على ذلك. وأنت خبير بظهور دلالة هذه الروايات كملا على القول المشهور إذ
الحكم في الصلاة والصوم واحد لابتنائهما على وقت واحد وأما ما ذكره هنا - من
التأويل في صحيحة زرارة بحمل قوله: " قد مضى صومك " على معنى فساده - فهو من
التأويلات الغثة التي يقضى منها العجب من مثل فإن هذه العبارة إنما يرمى بها في مقام
الكناية عن الصحة أي مضى صومك على الصحة.
ومما يؤيد القول المشهور زيادة على ما ذكرنا موثقة عبد الله بن بكير عن أبيه
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " قلت له إني صليت الظهر في يوم غيم
فانجلت فوجدتني صليت حين زال النهار؟ قال فقال لا تعد ولا تعد " ورواية إسماعيل
ابن رياح المتقدمة.
والروايات الدالة على الاعتماد على صياح الديك، ومنها ما رواه المشايخ الثلاثة في
الصحيح أو الحسن في كتابي الكليني والشيخ إلى أبي عبد الله الفراء عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (3) " أنه قال له رجل من أصحابنا إنه ربما اشتبه علينا الوقت في يوم غيم؟ فقال تعرف هذه

(1) رواها في الوسائل في الباب 51 من ما يمسك عنه الصائم ووقت الامساك.
(2) الوسائل الباب 4 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 14 من المواقيت.
302

الطيور التي تكون عندكم بالعراق يقال لها الديوك؟ فقال نعم. قال إذا ارتفعت أصواتها
وتجاوبت فقد زالت الشمس أو قال فصله " كذا في الكتابين المتقدمين وفي الفقيه (1)
" فعند ذلك فصل ".
وما رواه في الكافي والتهذيب عن الحسين بن المختار عن رجل عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: " قلت له إني رجل مؤذن فإذا كان يوم الغيم لم أعرف الوقت؟
فقال إذا صاح الديك ثلاثة أصوات ولاء فقد زالت الشمس ودخل وقت الصلاة "
ورواه المشايخ الثلاثة عن الحسين بن المختار عن الصادق (عليه السلام) مثله.
وقد ظهر لك بما ذكرناه قوة القول المشهور وأنه لا يعتريه نقص ولا قصور
وبذلك يظهر لك ضعف ما ذكره في المدارك ومثله الفاضل الخراساني في الذخيرة حيث إنه تردد في المسألة.
ويمكن أن يستدل لابن الجنيد بما تقدم من رواية إسماعيل بن جابر المنقولة عن
تفسير النعماني المذكورة في الموضع الأول إلا أن ظاهرها لا يخلو من اشكال لدلالتها على
التأخير حتى تطلع الشمس مع أنها ربما لا تطلع في ذلك اليوم بالكلية، ويمكن حملها على
استحباب التأخير لتحقق الوقت، وكيف كان فهي لا تبلغ حجة في مقابلة ما قدمناه
من الأخبار سندا ولا عددا ولا دلالة فيتحتم تأويلها بما ذكرناه أو غيره.
هذا مع استمرار الاشتباه وأما إذا انكشف فساد الظن المذكور فقد تقدم
الكلام فيه مستوفى في المقام الرابع من المسألة المتقدمة. والله العالم.
(المسألة السابعة) - اتفق الأصحاب (رضوان الله عليهم) على كراهة
النوافل في الأوقات الخمسة المشهور في الجملة، وهي عند طلوع الشمس حتى تذهب الحمرة
وينتشر شعاعها، وعند غروبها أي حال دنوها من الغروب واصفرارها حتى يكمل
الغروب بذهاب الحمرة المشرقية، وعند قيامها أي كونها في وسط النهار على دائرة

(1) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب المواقيت.
303

نصف النهار حتى يتحقق الزوال بأحد أسبابه المتقدمة إلا يوم الجمعة فإن ظاهرهم الاتفاق
على استثنائه كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وبعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد
صلاة العصر حتى تغرب الشمس.
وإنما اختلفت كلمتهم في تخصيص النوافل المذكورة بالمبتدأة أو عمومها للقضاء
وذوات الأسباب أو أحدهما دون الآخر على أقوال، والمشهور تخصيص الكراهة
بالنوافل المبتدأة وهو المنقول عن الشيخ في المبسوط والاقتصاد وإليه ذهب المتأخرون
وحكم في النهاية بكراهة النوافل أداء وقضاء عند الطلوع والغروب ولم يفرق بين ذي
السبب وغيره. وفصل في الخلاف فقال في ما نهى عنه لأجل الوقت وهي المتعلقة بالشمس
لا فرق فيه بين الصلوات والبلاد والأيام إلا يوم الجمعة فإنه يصلى عند قيامها النوافل، ثم قال
وما نهى عنه لأجل الفعل وهي المتعلقة بالصلوات إنما يكره ابتداء الصلاة فيه نافلة فأما كل
صلاة لها سبب فإنه لا بأس به. وجزم المفيد (قدس سره) بكراهة النوافل المبتدأة وذات
السبب عند الطلوع والغروب على ما نقله في المختلف، وظاهره في المقنعة التحريم، وقال إن
من زار أحد المشاهد عند طلوع الشمس أو غروبها أخر الصلاة حتى تذهب حمرة الشمس عند
طلوعها وصفرتها عند غروبها وإلى ما ذكره يرجع كلام الشيخ في النهاية. وعن ابن أبي عقيل
لا نافلة بعد طلوع الشمس إلى الزوال ولا بعد العصر حتى يغيب القرص إلا يوم الجمعة وقضاء
فوائت السنن فإن القضاء مطلق بعد طلوع الشمس إلى الزوال وبعد العصر إلى أن تغيب الشمس
وقال ابن الجنيد ورد النهي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الابتداء بالصلاة
عند طلوع الشمس وعند قيامها نصف النهار وعند غروبها وأباح الصلاة نصف النهار يوم
الجمعة فقط. وقال السيد المرتضى ومما انفردت به الإمامية كراهة صلاة الضحى وأن التنفل
بالصلاة بعد طلوع الشمس إلى وقت زوالها محرم إلا في يوم الجمعة خاصة. وقال في أجوبة
المسائل الناصرية حيث قال الناصر لا بأس بقضاء الفرائض عند طلوع الشمس وعند استوائها
وعند غروبها. قال وهذا عندنا صحيح وعندنا أنه يجوز أن يصلى في الأوقات المنهى عن
304

الصلاة فيها كل صلاة لها سبب متقدم وإنما لا يجوز أن يبتدأ فيها بالنوافل. وصريح
كلامي المرتضى (رضي الله عنه) هو التحريم في المبتدأة وهو ظاهر كلام ابن
أبي عقيل وابن الجنيد.
والأصل في هذا الاختلاف هو اختلاف الأخبار الواردة في المقام وها أنا أملي
عليك ما وقفت عليه من تلك الأخبار وأردفه بما وفقني الله تعالى لفهمه منها على وجه
لا يعتريه إن شاء الله العثار ولا يحصل الصد عنه والنفار:
فمنها - ما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه
السلام) (1) قال: " يصلى على الجنازة في كل ساعة إنها ليست بصلاة ركوع ولا سجود
وإنما تكره الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها التي فيها الخشوع والركوع والسجود
لأنها تغرب بين قرني شيطان وتطلع بين قرني شيطان ".
وما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) قال: " لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس فإن رسول الله (صلى الله
عليه وآله) قال إن الشمس تطلع بين قرني الشيطان وتغرب بين قرني الشيطان. وقال
لا صلاة بعد العصر حتى تصلى المغرب ".
وعن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " لا صلاة بعد
العصر حتى تصلى المغرب ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ".
وعن أبي الحسن علي بن بلال (4) قال: " كتبت إليه في قضاء النافلة من طلوع
الفجر إلى طلوع الشمس ومن بعد العصر إلى أن تغيب الشمس؟ فكتب إلي لا يجوز
ذلك إلا للمقتضي فأما لغيره فلا " يعني لا يجوز الصلاة في هذين الوقتين إلا لمن يقضي
نافلة أو فريضة.

(1) رواه في الوسائل في الباب 20 من صلاة الجنازة.
(2) رواه في الوسائل في الباب 38 من المواقيت.
(3) رواه في الوسائل في الباب 38 من المواقيت.
(4) رواه في الوسائل في الباب 38 من المواقيت.
305

وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" لا صلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة ".
وعن محمد بن فرج (2) قال: " كتبت إلى العبد الصالح (عليه السلام) أسأله عن مسائل
فكتب إلي: وصل بعد العصر من النوافل ما شئت وصل بعد الغداة من النوافل ما شئت "
وروى الصدوق في الفقيه عن الحسين بن زيد في حديث المناهي عن جعفر بن
محمد عن آبائه (عليهم السلام) (3) قال: " ونهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن
الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها وعند استوائها ". ورواه في المجالس أيضا (4)
وقال: " وقد روي نهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها لأن الشمس
تطلع بين قرني الشيطان وتغرب بين قرني الشيطان ".
وروى الصدوق في كتاب العلل بسند قوي عن سليمان بن جعفر الجعفري (5)
قال: " سمعت الرضا (عليه السلام) يقول لا ينبغي لأحد أن يصلي إذا طلعت الشمس
لأنها تطلع بقرني شيطان، فإذا ارتفعت وصفت فارقها فيستحب الصلاة ذلك الوقت
والقضاء وغير ذلك، فإذا انتصف النهار قارنها فلا ينبغي لأحد أن يصلي في ذلك الوقت
لأن أبواب السماء قد غلقت، فإذا زالت الشمس وهبت الريح فارقها ".
وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر عن جامع البزنطي عن علي بن سليمان
عن محمد بن عبد الله بن زرارة عن محمد بن الفضيل البصري (6) قال: " قلت لأبي الحسن
(عليه السلام) أن يونس كان يفتي الناس عن آبائك (عليهم السلام) أنه لا بأس
بالصلاة بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وبعد العصر إلى أن تغيب الشمس؟ فقال
كذب لعنه الله على أبي أو قال على آبائي ".
ونقل شيخنا في البحار (7) عن كتاب زيد النرسي عن علي بن مزيد قال:

(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من صلاة الجمعة.
(2) الوسائل الباب 38 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 38 من المواقيت.
(4) الوسائل الباب 38 من المواقيت.
(5) الوسائل الباب 38 من المواقيت.
(6) الوسائل الباب 38 من المواقيت.
(7) ج 18 الصلاة ص 82.
306

" سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول إن الشمس تطلع كل يوم بين قرني شيطان
إلا صبيحة ليلة القدر ".
وروى الطبرسي في كتاب الاحتجاج مرسلا عن محمد بن جعفر الأسدي
والصدوق في كتاب اكمال الدين مسندا عن محمد بن أحمد السناني وعلي بن أحمد بن محمد
الدقاق والحسين بن إبراهيم المؤدب وعلي بن عبد الله الوراق (1) قالوا: " حدثنا
أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي قال كان فيما ورد على الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان
العمري في جواب مسائلي إلى صاحب الدار - وفي الاحتجاج إلى صاحب - الزمان:
أما ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فلئن كان كما يقول الناس
إن الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان فما أرغم أنف الشيطان
بشئ مثل الصلاة فصلها وارغم أنف الشيطان ".
إذا عرفت ذلك فالكلام في هذه الأخبار يقع في مواضع: (الأول) لا يخفى أن
بعض هذه الأخبار وإن دل باطلاقه على المنع من صلاة الفريضة في هذه الأوقات مثل
صحيحة محمد بن مسلم وموثقة الحلبي ونحوهما من الأخبار الدالة على أنه لا صلاة في هذه
الأوقات إلا أنه يجب تقييدها بما ورد من الأخبار الدالة على قضاء الفريضة وجوازه
في هذه الأوقات:
كصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال: " أربع صلوات
يصليهن الرجل في كل ساعة: صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أديتها وصلاة ركعتي الطواف الفريضة
وصلاة الكسوف والصلاة على الميت، هؤلاء تصليهن في الساعات كلها ".
ورواية نعمان الرازي (3) قال؟ " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل
فاته شئ من الصلوات فذكر عند طلوع الشمس وعند غروبها قال فليصل حين ذكره ".
ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: " خمس صلوات

(1) الوسائل الباب 38 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 39 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 39 من المواقيت.
(4) الوسائل الباب 39 من المواقيت.
307

تصليهن في كل وقت: صلاة الكسوف والصلاة على الميت وصلاة الاحرام والصلاة التي
تفوت وصلاة الطواف من الفجر إلى طلوع الشمس وبعد العصر إلى الليل ".
وصحيحة معاوية بن عمار (1) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول
خمس صلوات لا تترك على كل حال: إذا طفت بالبيت وإذا أردت أن تحرم وصلاة
الكسوف وإذا نسيت فصل إذا ذكرت وصلاة الجنازة ".
وما سيأتي إن شاء الله تعالى في المقصد الآتي من الأخبار الدالة على الفورية
بالقضاء وأن وقتها ساعة ذكرها.
(فإن قيل): إن النسبة بين هذه الأخبار وبين الأخبار الدالة على المنع العموم
من وجه لأن هذه الأخبار دلت على الجواز أعم من أن يكون على جهة الكراهة أو بدونها
وتلك الأخبار دلت على المنع من الصلاة فريضة كانت أو غيرها من هذه المعدودات،
فما المرجح لما ذكرتموه من الجمع بتقييد تلك الأخبار بهذه واستثناء هذه الصلاة من الكراهة
ولم لا يجوز العكس بابقاء تلك الأخبار على ظاهرها من المنع وحمل الجواز في هذه الأخبار على الجواز المطلق الغير المنافي للكراهة؟
(قلنا): وجه الترجيح لما ذكرنا من الجمع وجوه عديدة: منها كثرة هذه الأخبار
وظهورها في الجواز من غير كراهة وتأيدها بالشهرة وعمل الأصحاب بذلك وتصريح
رواية أبي بصير بالنسبة إلى ما بعد الفجر وما بعد العصر.
إلا أنه لا يخفى أيضا أنه قد ورد في بعض الأخبار ما يدل على الكراهة في قضاء
الفرائض في بعض هذه الأوقات، مثل رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال:
" إن نام الرجل ولم يصل صلاة المغرب والعشاء الآخرة أو نسي فإن استيقظ قبل الفجر قدر
ما يصليهما كلتيهما فليصلهما وإن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة، وإن
استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصل الفجر ثم المغرب ثم العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس

(1) الوسائل الباب 39 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 62 من المواقيت.
308

فإن خاف أن تطلع الشمس فتفوته إحدى الصلاتين فليصل المغرب ويدع العشاء الآخرة حتى
تطلع الشمس ويذهب شعاعها ثم ليصلها " ونحوها رواية الحسن بن زياد عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) الدالة على " أن الذاكر ظهرا منسية في أثناء العصر يعدل ولو ذكر مغربا
في أثناء العشاء صلى المغرب بعدها ولا يعدل لأن العصر ليس بعدها صلاة " وفي صحيحة
ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) " فليصل الصبح ثم المغرب ثم العشاء
قبل طلوع الشمس ".
وهذه الأخبار قد حملها الشيخ على التقية وهو جيد لما قدمنا تحقيقه من أن رواية أبي بصير وصحيحة ابن سنان الدالتين على امتداد وقت العشاءين إلى قبل
الفجر إنما خرجتا مخرج التقية في ذلك فكذا في هذا الحكم. وبالجملة فإن المستفاد من
الأخبار المذكورة هو استثناء هذه الصلوات المذكورة كملا من عموم تلك الأخبار فلا
كراهة فيها بالكلية.
(الثاني) - المستفاد من هذه الأخبار بعد ضم مطلقها إلى مقيدها هو جواز
قضاء النوافل في هذه الأوقات من غير كراهية، لأن بعضها وإن دل باطلاقه على المنع
إلا أن رواية علي بن بلال قد صرحت باستثناء القضاء، وعليها يحمل أيضا اطلاق
صحيحة عبد الله بن سنان الدالة على أنه يصلي بعد العصر من النوافل ما شاء وبعد الغداة
يعني قضاء وكذا رواية محمد بن فرج لما عرفت من دلالة الأخبار المذكورة على المنع من
المبتدأة خصوصا وعموما.
ومما يدل على جواز القضاء في هذه الأوقات الأخبار المستفيضة كرواية محمد بن
يحيى بن حبيب (3) قال: " كتبت إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) تكن علي
الصلاة النافلة متى أقضيها؟ فكتب في أي ساعة شئت من ليل أو نهار ".

(1) الوسائل الباب 63 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 62 من المواقيت.
(3) المروية في الوسائل في الباب 39 من أبواب المواقيت.
309

ورواية حسان بن مهران (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قضاء
النوافل قال ما بين طلوع الشمس إلى غروبها ".
وعن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) " في قضاء صلاة الليل
والوتر تفوت الرجل أيقضيها بعد صلاة الفجر وبعد صلاة العصر؟ قال لا بأس بذلك ".
وعن جميل بن دراج (3) قال: " سألت أبا الحسن الأول (عليه السلام) عن
قضاء صلاة الليل بعد الفجر إلى طلوع الشمس؟ قال نعم وبعد العصر إلى الليل فهو من
سر آل محمد المخزون ".
وفي الصحيح عن أحمد بن النضر وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي
في بعض اسناديهما (4) قال: " سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن القضاء قبل طلوع
الشمس وبعد العصر فقال نعم فاقضه فإنه من سر آل محمد عليهم السلام ".
وروى في الفقيه مرسلا (5) قال: " قال الصادق (عليه السلام) قضاء صلاة
الليل بعد الغداة وبعد العصر من سر آله محمد المخزون ".
وروى الشيخ عن سليمان بن هارون (6) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن قضاء الصلاة بعد العصر قال نعم إنما هي النوافل فاقضها متى شئت ".
وعن الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) (7) قال: " اقض
صلاة النهار أي ساعة شئت من ليل أو نهار كل ذلك سواء ".
وعن ابن أبي يعفور في الصحيح (8) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول صلاة النهار يجوز قضاؤها أي ساعة شئت من ليل أو نهار ".
وبذلك يظهر ما في كلام الشيخين في المقنعة والنهاية من الحكم بكراهة قضاء
النافلة في الأوقات الثلاثة وهي عند الطلوع والغروب والقيام، فإنه ناشئ عن الغفلة

(1) الوسائل الباب 39 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 39 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 39 من المواقيت.
(4) الوسائل الباب 39 من المواقيت.
(5) رواه في الوسائل في الباب 45 و 56 من المواقيت.
(6) الوسائل الباب 39 من المواقيت.
(7) الوسائل الباب 39 من المواقيت.
(8) الوسائل الباب 39 من المواقيت.
310

عن ملاحظة هذه الأخبار. وظاهر الأخبار الدالة على أن القضاء بعد الفجر وبعد العصر
من سر آل محمد المخزون ربما أشعر بكون ما دل على المنع من القضاء في هذين الوقتين
إنما خرج مخرج التقية.
وكيف كان فإنه يبقى الاشكال فيما عدا القضاء من ذوات الأسباب فإن ظاهر
القول المشهور الجواز من غير كراهية وروايات المسألة كما ترى لا تعرض فيها لشئ
من ذلك إلا ما دلت عليه الأخبار المتقدمة في الموضع الأول من ركعتي الطواف وصلاة
الاحرام ويبقى ما عدا ذلك على الاشكال المذكور.
وأما ما رواه في كتاب قرب الإسناد عن الحسن بن طريف وعلي بن إسماعيل
ومحمد بن عيسى جميعا عن حماد بن عيسى (1) قال: " رأيت أبا الحسن موسى (عليه
السلام) صلى الغداة فلما سلم الإمام قام فدخل الطواف فطاف أسبوعين بعد الفجر قبل
طلوع الشمس ثم خرج من باب بني شيبة ومضى ولم يصل " فيجب حمله على التقية كما أن قران الطوافين محمول عليها أيضا.
وظاهر شيخنا الشهيد في الذكرى الجمع بين الأخبار بتخصيص عموم هذه الروايات
بروايات ذوات الأسباب، قال والأقرب على القول بالكراهة استثناء ما له سبب لأن
شرعيته عامة وإذا تعارض العمومان وجب الجمع والحمل على غير ذوات الأسباب وجه
جمع فإن مثل قول النبي (صلى الله عليه وآله) (2) " إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى
يصلي ركعتين " يشمل جميع الأوقات وكذا كل ذي سبب فإن النص عليه شامل. انتهى
وأنت خبير بأنه لقائل أن يقول كما يجوز أن يخصص عموم تلك الأخبار بهذه
فلم لا يجوز العكس بابقاء أخبار المنع على عمومها وتخصيص هذه الأخبار بها بأن يقال إنه

(1) رواه في الوسائل في الباب 36 من الطواف.
(2) صحيح مسلم ج 1 ص 267 " إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين
قبل أن يجلس ".
311

يؤتى بذوات الأسباب متى وجد السبب إلا في ما إذا كان في أحد هذه الأوقات؟ فلا بد
لترجيح أحد الحملين على الآخر من مرجح.
ويمكن أن يرجح ما ذكره بتطرق التخصيص إلى تلك الأخبار بما قدمناه من أخبار
قضاء الفرائض وقضاء النوافل وما اشتملت عليه الأخبار المتقدمة في الموضع الأول من تلك
الصلوات الخمس التي تصلى في كل وقت، سيما مع ما ستعرف إن شاء الله تعالى من احتمال
تطرق التقية إلى هذه الأخبار كلا أو بعضا، واعتضاد تلك الأخبار أيضا بعموم ما دل على
مشروعية الصلاة ورجحانها في كل وقت.
(الثالث) - ظاهر الصدوق (قدس سره) في الفقيه التوقف في هذه المسألة
حيث قال: وقد روي نهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها لأن الشمس
تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان. إلا أنه روى لي جماعة من مشايخنا عن
أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي، ثم أورد الرواية كما قدمناه. وقال الشيخ في التهذيب
بعد أن أورد الأخبار المتضمنة للكراهة: وقد روى رخصة في الصلاة عند طلوع الشمس
وعند غروبها، ونقل الرواية بعينها.
وقال السيد السند في المدارك بعد نقل كلام الفقيه بتمامه: ولولا قطع الرواية ظاهرا
لتعين المصير إلى ما تضمنته وحمل أخبار النهي على التقية لموافقتها لمذهب العامة وأخبارهم
وقد أكثر الفقيه الجليل محمد بن محمد بن النعمان في كتابه المسمى ب‍ " افعل لا تفعل " من
التشنيع على العامة في روايتهم ذلك عن النبي (صلى الله عليه وآله) وقال إنهم كثيرا
ما يخبرون عن النبي (صلى الله عليه وآله) بتحريم شئ وبعلة تحريمه وتلك العلة خطأ لا يجوز
أن يتكلم بها النبي (صلى الله عليه وآله) ولا يحرم الله من قبلها شيئا، فمن ذلك ما أجمعوا
عليه من النهي عن الصلاة في وقتين عند طلوع الشمس حتى يلتئم طلوعها وعند غروبها،
فلولا أن علة النهي أنها تطلع وتغرب بين قرني الشيطان لكان ذلك جائزا، فإذا كان آخر
الحديث موصولا بأوله وآخره فاسد فسد الجميع. وهذا جهل من قائله والأنبياء لا تجهل
312

فلما بطلت هذه الرواية بفساد آخر الحديث ثبت أن التطوع جائز فيهما. انتهى.
أقول: ما ذكره من أن الرواية مقطوعة غفلة عن مراجعتها من كتاب اكمال الدين
واتمام النعمة إلا أنه ربما لو اطلع على ذلك لطعن في ذلك بعدم توثيق المشايخ المذكورين
في كتب الرجال. ولكن التحقيق كما ذكره شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) هو صحة
الرواية، حيث قال: والظاهر صحة الرواية لأن قول الصدوق " روى لي جماعة من
مشايخنا " يدل على استفاضتها عنده، والمشايخ الأربعة الذين ذكرهم في اكمال الدين وإن لم
يوثقوا في كتب الرجال لكنهم من مشايخ الصدوق ويروي عنهم كثيرا ويقول غالبا
بعد ذكر كلامهم " رضي الله عنهم " واتفاق هذا العدد من المشايخ على النقل لا يقصر
عن نقل واحد قال فيه بعض أصحاب الرجال " ثقة "، فلا يبعد حمل أخبار النهي مطلقا
على التقية أو الاتقاء لاشتهار الحكم بين المخالفين واتفاقهم على اضرار من صلى في هذه
الأوقات. ثم نقل كلام الشيخ المفيد المتقدم في كلام السيد (قدس سرهما).
أقول: والقول بما صرحوا به (نور الله مراقدهم) من الحمل على التقية قريب في
الباب لصحة هذا الخبر وصراحته إلا أنه ربما أشكل ذلك لورود هذا اللفظ في جملة
من الأخبار الخارجة عن أخبار المسألة مثل خبر النفر من اليهود الذين جاءوا إلى رسول الله
(صلى الله عليه وآله) فسأله أعلمهم عن مسائل (1) وفيه في تعليل صلاة الفجر في الوقت
المخصوص بها ما صورته " وأما صلاة الفجر فإن الشمس إذا طلعت تطلع على قرني الشيطان
فأمرني ربي عز وجل أن أصلي قبل طلوع الشمس صلاة الغداة وقبل أن يسجد لها الكافر
لتسجد أمتي لله عز وجل.. الحديث " ونحوه ما رواه الصدوق في العلل (2) في ما أجاب
به أمير المؤمنين (عليه السلام) عن مسائل اليهود قال: " إن الشمس تطلع بين قرني
الشيطان " ونحوهما مما لا يخفى على المتتبع، والظاهر أنه لذلك قال شيخنا البهائي في كتاب

(1) رواه في الوسائل في الباب 2 من أعداد الفرائض.
(2) البحار ج 18 الصلاة ص 82 عن الخصال.
313

الحبل المتين بعد نقل كلام الصدوق ودلالته على التوقف: والأولى عدم الخروج عما
نطقت به الروايات المتكثرة وقال به جماهير الأصحاب. انتهى. وبالجملة فالمسألة لا تخلو
من شوب الاشكال وإن كان ما ذكرناه من الحمل على التقية أقرب قريب.
(الرابع) - ما دلت عليه الأخبار المتقدمة من تعليل الكراهة حال الطلوع
والغروب بأن الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان قد ورد مثله
في أخبار العامة (1) وقد ذكروا في معناه وجوها:
قال في النهاية الأثيرية: فيه " الشمس تطلع بين قرني الشيطان " أي ناحيتي رأسه
وجانبيه. وقيل القرن القوة أي حين تطلع يتحرك الشيطان ويتسلط فيكون كالمعين لها
وقيل بين قرنيه أي أمتيه الأولين والآخرين. وكل هذا تمثيل لمن يسجد للشمس عند
طلوعها فكأن الشيطان سول له ذلك فإذا سجد لها فكأن الشيطان مقترن بها.
وقال في القاموس: قرن الشيطان وقرناه أمته والمتبعون لرأيه أو قوته
وانتشاره وتسلطه.
وقال الطيبي في شرح المشكاة: فيه وجوه: (أحدها) - أنه ينتصب قائما في وجه
الشمس عند طلوعها ليكون طلوعها بين قرنيه أي فوديه فيكون مستقبلا لمن يسجد للشمس
فتصير عبادتهم له، فنهوا عن الصلاة في ذلك الوقت مخالفة لعبدة الشيطان. و (ثانيها) - أن
يراد بقرنيه حزباه اللذان يبعثهما لاغواء الناس. و (ثالثها) - أنه من باب التمثيل شبه
الشيطان في ما يسول لعبدة الشمس ويدعوهم إلى معاندة الحق بذوات القرون التي تعالج
الأشياء وتدافعها بقرونها. و (رابعها) - أن يراد بالقرن القوة من قولهم إنا نقرن له
أي نطيق، ومعنى التثنية تضعيف القوة كما يقال " ما لي بهذا الأمر يد ولا يدان " أي
لا قدرة ولا طاقة. انتهى.
وقال شيخنا في الذكرى: قيل قرن الشيطان حزبه وهم عبدة الشمس يسجدون

(1) صحيح مسلم ج 1 ص 307.
314

لها في هذه الأوقات. وقال بعض العامة إن الشيطان يدني رأسه من الشمس في هذه
الأوقات ليكون الساجد للشمس ساجدا له. انتهى.
أقول: والذي وقفت عليه في أخبارنا مما يتعلق بذلك ما رواه في الكافي عن
علي بن إبراهيم عن أبيه رفعه (1) قال: " قال رجل لأبي عبد الله (عليه السلام) الحديث
الذي روي عن أبي جعفر (عليه السلام) أن الشمس تطلع بين قرني الشيطان؟ قال نعم
إن إبليس اتخذ عرشا بين السماء والأرض فإذا طلعت الشمس وسجد في ذلك الوقت
الناس قال إبليس لشياطينه إن بني آدم يصلون لي " ونحوه ما تقدم من حديث النفر
من اليهود مما يرجع إلى التعليل بسجود الكافر لها فيه. وحاصل معنى الخبرين المذكورين
يرجع إلى التمثيل الذي ذكره في النهاية بأن المصلي في ذلك الوقت كأنه ساجد ويصلي
للشيطان من حيث سجوده للشمس بتسويل الشيطان واغوائه فطلوعها كذلك يقترن
بالشيطان باعتبار تسويله واضلاله.
(الخامس) - ظاهر قوله (عليه السلام) في رواية علي بن بلال (2) " لا يجوز
ذلك إلا للمقتضى " مما يدل على ما صرح به المرتضى من التحريم، وهو أيضا ظاهر قولهم
" لا صلاة " وكذا نهى النبي (صلى الله عليه وآله) فإن ظواهر هذه الألفاظ هو التحريم
وإن تفاوتت في الدلالة على ذلك شدة وضعفا، إلا أن كلام الأكثر كما عرفت هو الكراهة
والشهيد في الذكرى حمل التحريم في كلام المرتضى على الرجوع إلى صلاة الضحى لتقدمها
في صدر الكلام، وهو إنما يتم له في العبارة الأولى من عبارتيه السالفتين وأما عبارته في
أجوبة المسائل الناصرية فلا لعدم ذكر صلاة الضحى فيها ولتصريحه فيها بالنوافل المبتدأة
وأنه لا يجوز أن يبتدأ بالنوافل في هذه الأوقات. وظاهر عبارة الشيخ المفيد أيضا هو
التحريم حيث قال في المقنعة: " ولا يجوز ابتداء النوافل ولا قضاء شئ منها عند طلوع
الشمس ولا عند غروبها " بعد أن صرح أولا بأنه لا بأس أن يقضي الانسان نوافله بعد

(1) الفروع ج 1 ص 80 والوسائل الباب 38 من المواقيت.
(2) ص 305.
315

صلاة الغداة إلى أن تطلع الشمس وبعد صلاة العصر إلى أن يتغير لونها. وفي المختلف نقل
عنه عبارة أخرى ولعلها من غير المقنعة وعبر فيها بالكراهة، والذي وجدته في المقنعة
هو ما ذكرته. إلا أن الشيخ المفيد جعل التحريم في وقتي الطلوع والغروب لكل من
النافلة المبتدأة والمقضية، والسيد في كلامه الأول جعل التحريم في ما بعد طلوع الشمس
إلى وقت زوالها وأطلق في التنقل وفي الثاني صرح بالمبتدأة وأن التحريم مخصوص بها
وعمم في الأوقات كلها.
وكيف كان فظواهر الأخبار الدلالة على التحريم كما ذكرنا إلا أنك قد عرفت
تخصيص تلك الأخبار بما عدا القضاء بل ذي السبب مطلقا فيرجع التحريم إلى المبتدأة
خاصة، ولا أعرف لهم دليلا على الخروج عن ظواهرها من التحريم بدليل يوجب الخروج
عن ظاهر ما دلت عليه مع قول جمع منهم به كما عرفت بذلك قال في الذكرى. ولعل
استناد الأصحاب في الحكم بالكراهة وحمل الأخبار المشار إليها على ذلك هو قوله (عليه
السلام) في صحيحة محمد بن مسلم " وإنما تكره الصلاة عند طلوع الشمس.. إلى آخره "
وقوله (عليه السلام) في رواية سليمان بن جعفر الجعفري المنقولة من العلل " لا ينبغي
لأحد أن يصلي إذا طلعت الشمس.. إلى آخره " والظاهر أنه إلى ما ذكرنا أشار العلامة
في المنتهى حيث قال: النهي الوارد ههنا للكراهة لأن أخبارنا ناطقة بذلك خلافا لبعض
الجمهور. وفيه ما عرفته في غير مقام مما تقدم من كثرة ورود هذين اللفظين في التحريم
في أخبارهم (عليهم السلام) وقد حققنا فيما تقدم أنهما من الألفاظ المتشابهة التي لا تحمل على
أحد المعنيين إلا بالقرينة. وبالجملة فالحكم عندي غير خال من شوب الاشكال لما عرفت.
وقال في الذكرى: لو أوقع النافلة المكروهة في هذه الأوقات فالظاهر انعقادها
إن لم نقل بالتحريم إذ الكراهة لا تنافي الصحة كالصلاة في الأمكنة المكروهة، وتوقف
فيه الفاضل من حيث النهي. قلنا ليس بنهي تحريم عندكم. وعليه يبنى نذر الصلاة في هذه
الأوقات فعلى قولنا ينعقد وعلى المنع جزم الفاضل بعدم انعقاده لأنه مرجوح. ولقائل
316

أن يقول بالصحة أيضا لأنه لا يقصر عن نافلة لها سبب وهو عنده جائز، ولأنه جوز
ايقاع الصلاة المنذورة مطلقا في هذه الأوقات. انتهى.
أقول: يمكن أن يكون توقف الفاضل نظرا إلى ظاهر النهي وأنه حقيقة في التحريم
وإن كان خلاف المشهور بينهم وخلاف ما نسبه إليه بقوله: " ليس بنهي تحريم عندكم "
فإن أقواله (قدس سره) في أكثر المسائل متعددة، وعليه يحمل أيضا جزمه بعدم انعقاد
النذر المذكور كما نقله عنه. وبالجملة فإن جميع ما ذكره من البطلان وعدم انعقاد النذر إنما
يتم مع الأخذ بظاهر النهي فلعل العلامة في هذا الموضع اختار خلاف ما صرح به هو
وغيره مما عليه القول المشهور من الجواز على كراهية.
(السادس) - ظاهر الأصحاب الاتفاق على استثناء يوم الجمعة من المنع من
النوافل عند قيام الشمس، ونسبه في المنتهى إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الاجماع عليه ونقله
أيضا عن جماعة من العامة (1) وقد تقدم (2) صحيح عبد الله بن سنان الدال على ذلك،
ومثله صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) (3) قال: " سألته عن ركعتي
الزوال يوم الجمعة قبل الأذان أو بعده؟ قال قبل الأذان ".
(السابع) - أكثر الأخبار المتقدمة دلت على أن مقارنة الشيطان للشمس إنما هو
وقت الطلوع ووقت الغروب، وظاهر رواية الجعفري المتقدم نقلها من كتاب العلل مقارنته
لها أيضا في حال الانتصاف وأن النهي عن الصلاة وقت قيامها في الأخبار إنما هو لذلك.
ومن الأخبار الدالة على ذلك أيضا ما رواه في الذكرى قال: " روي عن النبي
(صلى الله عليه وآله) أن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها ثم إذا
استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها، ونهى عن
الصلاة في هذه الأوقات " والظاهر أن الخبر المذكور من طريق العامة (4) حيث إنه

(1) المغني ج 2 ص 123.
(2) ص 306.
(3) الوسائل الباب 11 من صلاة الجمعة.
(4) المغني ج 2 ص 123.
317

غير موجود في كتب أخبارنا.
وروى في الكافي عن الحسين بن مسلم (1) قال؟ " قلت لأبي الحسن الثاني
(عليه السلام) أكون في السوق فأعرف الوقت ويضيق علي أن أدخل فأصلي؟ قال إن
الشيطان يقارن الشمس في ثلاثة أحوال: إذا ذرت وإذا كبدت وإذا غربت، فصل بعد
الزوال فإن الشيطان يريد أن يوقعك على حد يقطع بك دونه ".
قال في الوافي: ذرت الشمس طلعت، وكبدت وصلت إلى كبد السماء أي وسطها
ولعل مراد الراوي أن اشتغالي بأمر السوق يمنعني أن أدخل موضع صلاتي فأصلي في أول
وقتها، فأجابه (عليه السلام) بأن وقت الغروب من الأوقات المكروهة للصلاة كوقتي
الطلوع والقيام فاجتهد أن لا تؤخر صلاتك إليه. ويحتمل أن يكون مراده أني أعرف أن الوقت
قد دخل إلا أني لا استيقن به يقينا تسكن نفسي إليه حتى أدخل موضع صلاتي فأصلي، أأصلي
على هذه الحال أم أصبر حتى يتحقق لي لزوال؟ فأجابه (عليه السلام) بأن وقت وصول
الشمس إلى وسط السماء هو وقت مقارنة الشيطان لها كوقتي طلوعها وغروبها فلا ينبغي
لك أن تصلي حتى يتحقق لك الزوال فإن الشيطان يريد أن يوقعك على حد يقطع بك سبيل
الحق دونه أي يحملك على الصلاة قبل دخول وقتها لكيلا تحسب لك تلك الصلاة. انتهى
أقول: الظاهر بعد ما ذكره أخيرا عن حاق سياق الخبر المذكور وأن الأظهر
هو الأول لكن بهذا التقريب وهو أن السائل سأل أنه يدخل عليه الوقت في السوق
ويعرفه ويحققه لكن تأخير الصلاة إلى أن يفرغ ويمضي إلى منزله يوجب ضيق الوقت
فهل الأفضل أن يصلي في السوق في أول الوقت أو يؤخر إلى أن يأتي المنزل وإن ضاق
الوقت؟ فأمره (عليه السلام) بالاتيان بها في أول الوقت. والغرض من سوق هذا
الكلام الدال على مقارنة الشيطان للشمس في هذه الأوقات الثلاثة بيان اضلال الشيطان
للناس في هذه الأوقات الثلاثة بزيادة على ما هو عليه في جميع الأوقات، أما في وقت الطلوع

(1) الوسائل الباب 39 من المواقيت. وفي الكافي والوسائل (ابن أسلم) وفي الوافي كما هنا.
318

فلما تقدم، وأما وقت القيام ووقت الغروب فإنه حيث كان وقت الصلاة بعد هذين الوقتين
بلا فصل فإنه يحضر هو وجنوده لإغوائهم واضلالهم عنها بما أمكنه فربما سول لك التأخير
إلى أن تدخل منزلك وموضع مصلاك ليقطع بك دون الزوال وفضيلته. والله العالم.
(الثامن) - ينبغي أن يعلم أن ما دل عليه موثق الحلبي المتقدم (1) - من النهي عن
الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب - المراد به نفس فريضة
الفجر وفريضة العصر لأوقتاهما، وبه صرح الشيخ (قدس سره) في ما تقدم من عبارة
الخلاف في تفصيله وفرقه بين ما كان الكراهة لأجل الوقت كالثلاثة التي ذكرها
أو لأجل الفعل يعني فعل الصلاة في هذين الوقتين لا من حيث الزمان كالصلاة بعد صلاة
الفجر وصلاة العصر، وعلى هذا فلو صلى في هذا الوقت قبل الفريضة لم تتعلق به الكراهة
وإنما يرجع إلى جواز النافلة في وقت الفريضة وإن كان على كراهة كما هو أحد القولين
وعدمه كما هو المختار، فالكراهة حينئذ على تقدير القول بالجواز إنما هي من جهة أخرى
غير ما نحن فيه. والظاهر تعليق الحكم على صلاة المصلي نفسه لا على الصلاة في الجملة
وإن كان من غيره. ونقل في الذكرى عن بعض العامة أنه جعل النهي معلقا على طلوع
الفجر لما روي (2) " أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال ليبلغ شاهدكم غائبكم لا تصلوا بعد
الفجر إلا سجدتين " وبعموم قوله (عليه السلام) " لا صلاة بعد الفجر " (3) ثم أجاب
عن ذلك بأن الحديث الأول لم نستثبته وأما الثاني فنقول بموجبه ويراد به صلاة الفجر
توفيقا بينه وبين الأخبار. انتهى.
(التاسع) - لو صلى الصبح والعصر منفردا ثم أراد الإعادة جماعة لتحصيل
فضيلتها فهل تتصف صلاته هذه بالكراهة بناء على المشهور أم لا؟ صرح في الذكرى

(1) ص 305.
(2) سنن أبي داود ج 2 ص 25 والمغني ج 2 ص 116.
(3) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب المواقيت.
319

بالثاني وعلله بأن لها سببا، وبما روي (1) " أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلى
الصبح فلما انصرف رأى رجلين في زاوية المسجد فقال لم لم تصليا معنا؟ فقالا كنا قد
صلينا في رحالنا. فقال إذا جئتما فصليا معنا وإن كنتما قد صليتما في رحالكما لكنها
لكما سبحة " انتهى.
أقول: أما ما علل به اختياره لعدم الكراهة من أن هذه النافلة ذات سبب فلا
أعرف له وجها إذ الصلاة فرادى ليست علة لاستحباب الإعادة جماعة ولا تعلق لها بها
ولا ربط بينهما بالكلية وإنما العلة هو أمر الشارع بذلك في هذا المقام. ألا ترى أن صلاة
الزيارة لما كانت العلة فيها الزيارة بمعنى أن الشارع جعلها لأجلها وناطها بها وكذلك صلاة
تحية المسجد ونحو ذلك صارت من ذلك ذات سبب. وأما الخبر الذي أورده فالظاهر أنه عامي حيث لم أقف عليه في كتب أخبارنا. وبالجملة فالظاهر بناء على القول بكراهة
النافلة المبتدأة بعد هاتين الصلاتين هو كراهة هذه الصلاة، وتخصيص أخبارها الدالة على
مشروعيتها واستحبابها مطلقا بهذه الأخبار ممنوع.
(العاشر) - قال في الذكرى: لو عرض السبب في هذه الأوقات كأن أراد
الاحرام أو دخل المسجد أو زار مشهدا لم تكره الصلاة لصيرورتها ذات سبب ولأن
شرعية هذه الأمور عامة. ولو تطهر في هذه الأوقات جاز أن يصلي ركعتين ولا يكون
ابتداء للحث على الصلاة عقيب الطهارة، ولأن النبي (صلى الله عليه وآله) روي أنه قال لبلال (2): " حدثني بأرجى عمل عملته في الاسلام فإني سمعت دف نعليك بين
يدي في الجنة قال ما عملت عملا أرجى عندي من أنني لم أتطهر طهورا في ساعة من ليل
أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي " وأقره النبي (صلى الله عليه
وآله) على ذلك. انتهى.

(1) سنن الترمذي على هامش شرحه لابن العربي ج 2 ص 18.
(2) كنز العمال ج 1 ص 167.
320

أقول: أما ما ذكره بالنسبة إلى ذوات الأسباب فقد تقدم الكلام فيه. وأما ما
ذكره - من أن من تطهر في هذه الأوقات وصلى فإنه لا يصدق على صلاته هذه أنها
نافلة مبتدأة - فلا يخفى ما فيه. وأما ما استند إليه من الحث على الصلاة عقيب الطهارة
ففيه أنه كما ورد استحباب الصلاة بعد الطهارة (1) كذا ورد الحث على الصلاة أيضا بقول
مطلق وأنها خير موضوع من شاء استقل ومن شاء استكثر (2) ورود أن الرجل ليصلي
الركعتين تطوعا يريد بهما وجه الله عز وجل فيدخله الله بهما الجنة (3) ونحو ذلك. وبالجملة
فالحث على الصلاة والأمر بها لا ينافي الكراهة باعتبار عروض بعض أسبابها، ألا ترى
أن صلاة الفريضة مع ما هي عليه من الوجوب حتى صرحت الأخبار بكفر تاركها تعرض
لها الكراهة باعتبار بعض الأمكنة والأزمنة والأحوال مثلا. وأما ما ذكره من الخبر
فهو خبر عامي خبيث وكذب بحت صريح لتضمنه دخول بلال الجنة قبل النبي (صلى الله
عليه وآله) وقد بينا ما فيه من المفاسد في مقدمات كتابنا سلاسل الحديد في تقييد ابن
أبي الحديد، فالاستدلال به من مثل شيخنا المشار إليه عجيب.
(الحادي عشر) - قال في الذكرى أيضا: ليس سجود التلاوة صلاة فلا يكره
في هذه الأوقات ولا يكره التعرض لسبب وجوبه أو استحبابه، وكذا سجود الشكر.
أما سجود السهو ففي رواية عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) " لا يسجد سجدتي
السهو حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها " وفيه اشعار بكراهة مطلق السجدات.
(الثاني عشر) - قال في الذكرى: لو ائتم المسافر بالحاضر في صلاة الظهر
تخير في جمع الظهر والعصر أو الاتيان بالظهر في الركعتين الأوليين فيجعل الأخيرتين
نافلة. ولو ائتم في العصر فالظاهر التخيير أيضا، ويأتي على قول من عمم كراهة النافلة

(1) الوسائل الباب 11 من الوضوء.
(2) الوسائل الباب 42 من أحكام المساجد.
(3) رواه في الوسائل في الباب 12 من أعداد الفرائض.
(4) المروية في الوسائل في الباب 32 من الخلل في الصلاة.
321

أن يقدم في الأوليين النافلة ويجعل العصر في الأخيرتين، وقد روى ذلك محمد بن النعمان عن
الصادق (عليه السلام) (1) قال الشيخ: إنما فعل ذلك لأنه يكره الصلاة بعد العصر. انتهى
أقول: ما ذكره من أن الظاهر التخيير وأن الكراهة إنما تتجه على القول الذي
ذكره ظاهر في أن النافلة عنده ليست من النوافل المبتدأة وإنما هي من ذوات الأسباب كما
تقدم منه في الموضعين المتقدمين. وفيه ما عرفت فإنه لا وجه لدخول هذه النافلة في ذوات
الأسباب بل الكراهة فيها متجهة كما ذكره الشيخ (قدس سره) بناء على كونها مبتدأة.
بقي الكلام في ما دلت عليه أخبار هذه المسألة من التخيير متى ائتم المسافر
بالحاضر بين أن يجعل الأوليين هي الفريضة والأخيرتين نافلة أو بالعكس وكذا صرح
به الأصحاب مع تصريحهم بتحريم الجماعة في النافلة إلا ما استثنى ولم يذكروا هذا الموضع
فيما استثنوه. ولا يحضرني الآن وجه الجواب عن هذا الاشكال. والله العالم.
(المسألة الثامنة) - لا ريب في استحباب قضاء الرواتب من النوافل في أي
وقت كان، وإنما الخلاف في أنه هل الأفضل تعجيل ما فات نهارا في الليل وكذا ما فات
ليلا في النهار أو تأخيره إلى الليل فتقضى صلاة الليل في الليل والنهار في النهار؟ قولان:
ظاهر الأكثر الأول لعموم قوله عز وجل " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم " (2)
وقوله تعالى: " وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا " (3)
وقد ورد عنهم (عليهم السلام) في تفسير هذه الآية ما رواه في التهذيب عن
عنبسة العابد (4) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل " وهو
الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا " (5) قال قضاء
صلاة الليل بالنهار وصلاة النهار بالليل ".
وروى في الفقيه مرسلا (6) قال: " قال الصادق (عليه السلام) كل ما فاتك بالليل

(1) الوسائل الباب 18 من صلاة الجماعة.
(2) سورة آل عمران، الآية 127.
(3) سورة الفرقان، الآية 63.
(4) الوسائل الباب 57 من المواقيت.
(5) سورة الفرقان، الآية 63.
(6) الوسائل الباب 57 من المواقيت.
322

فاقضه بالنهار، قال الله تعالى: وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر
أو أراد شكورا ".
وروى الشهيد في الذكرى (1) قال: " روى ابن أبي قرة بإسناده عن إسحاق
ابن عمار قال لقيت أبا عبد الله (عليه السلام) بالقادسية عند قدومه على أبي العباس
فأقبل حتى انتهينا إلى طيزناباذ (2) فإذا نحن برجل على ساقية يصلي وذلك ارتفاع النهار فوقف
عليه أبو عبد الله (عليه السلام) وقال يا عبد الله أي شئ تصلي؟ فقال صلاة الليل فأتتني
أقضيها بالنهار. فقال يا معتب حط رحلك حتى نتغدى مع الذي يقضي صلاة الليل. فقلت
جعلت فداك أتروي فيه شيئا؟ فقال حدثني أبي عن آبائه قال: قال رسول الله (صلى الله
عليه وآله) إن الله يباهي بالعبد يقضي صلاة الليل بالنهار يقول يا ملائكتي انظروا إلى
عبدي يقضي ما لم افترضه عليه أشهدكم أني قد غفرت له ".
وروى الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي في تفسيره عن أبيه عن صالح بن عقبة
عن جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " قال رجل ربما فاتتني صلاة الليل
الشهر والشهرين والثلاثة فأقضيها بالنهار؟ قال قرة عين لك والله (ثلاثا) إن الله يقول:
" وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة.. الآية " (4) فهو قضاء صلاة النهار بالليل وقضاء
صلاة الليل بالنهار وهو من سر آل محمد المكنون ".
وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (5) قال: " إن علي بن الحسين (عليهما السلام) كان إذا فاته شئ من الليل
قضاه بالنهار وإن فاته شئ من اليوم قضاه من الغد أو في الجمعة أو في الشهر، وكان إذا
اجتمعت عليه الأشياء قضاها في شعبان حتى يكمل له عمل السنة كلها كاملة ".

(1) رواه في الوسائل في الباب 57 من أبواب المواقيت.
(2) كذا في معجم البلدان ج 6 ص 79 وفي الوسائل وما وقفنا عليه من نسخ
الذكرى المطبوعة والخطية " طرناباد ".
(3) رواه في الوسائل في الباب 57 من أبواب المواقيت.
(4) سورة الفرقان، الآية 63.
(5) رواه في الوسائل في الباب 57 من أبواب المواقيت.
323

ونقل عن الشيخ المفيد (قدس سره) في الأركان وابن الجنيد أن الأفضل قضاء
صلاة النهار بالنهار وصلاة الليل بالليل، واحتج لهما في المختلف بصحيحة معاوية بن عمار (1)
قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) اقض ما فاتك من صلاة النهار بالنهار وما فاتك
من صلاة الليل بالليل " ثم أجاب عنها بجواز إرادة الإباحة من الأمر لخروجه عن حقيقته
وهي الوجوب اجماعا، قال وليس استعمالها مجازا في الندب أولى من استعمالها مجازا في
الإباحة. واعترضه في المدارك بأن الواجب عند تعذر الحقيقة المصير إلى أقرب المجازات
والندب أقرب إلى الحقيقة من الإباحة قطعا. انتهى. وهو جيد.
أقول: ويدل على ذلك أيضا صحيحة بريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر
(عليه السلام) (2) قال: " أفضل قضاء صلاة الليل في الساعة التي فاتتك آخر الليل
ولا بأس أن تقضيها بالنهار وقبل أن تزول الشمس ".
ورواية إسماعيل الجعفي (3) قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام) أفضل قضاء
النوافل قضاء صلاة الليل بالليل وقضاء صلاة النهار بالنهار ".
وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار (4) قال: " قال
أبو عبد الله (عليه السلام) اقض ما فاتك من صلاة النهار بالنهار وما فاتك من صلاة
الليل بالليل. قلت أقضي وترين في ليلة؟ قال نعم اقض وترا أبدا " وإلى هذا القول مال
السيد السند في المدارك.
أقول: لا يخفى ظهور تعارض الأخبار المذكورة إلا أن الأخبار السابقة متأيدة
بظاهر القرآن العزيز كما عرفت، وبعض متأخري المتأخرين من المحدثين حمل هذه
الروايات المتأخرة على التقية ولا يحضرني الآن مذهب العامة فإن ثبت كون مذهبهم
ما دلت عليه الأخبار المذكورة تعين العمل بالأخبار الأولى وحمل الأخبار الأخيرة على
التقية وإلا فالمسألة محل اشكال.

(1) الوسائل الباب 57 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 57 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 57 من المواقيت.
(4) الوسائل الباب 57 من المواقيت.
324

وأما ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) - (1) قال:
" سألته عن الرجل ينام عن الفجر حتى تطلع الشمس وهو في سفر كيف يصنع أيجوز له
أن يقضي بالنهار؟ قال لا يقضي صلاة نافلة ولا فريضة بالنهار ولا يجوز له ولا يثبت له
ولكن يؤخرها فيقضيها بالليل " - فقد أجاب عنه الشيخ (قدس سره) بأن هذا خبر
شاذ لا تعارض به الأخبار المطابقة لظاهر القرآن. وظاهر المحدث الشيخ محمد بن الحسن
الحر العاملي في الوسائل العمل به وتخصيصه بالسفر، قال ويمكن حمله على مرجوحية
القضاء نهارا لكثرة الشواغل للبال وقلة التوجه والاقبال أو على الصلاة على الراحلة.
ولا يخفى ما فيه. والحق أنه لو كان الراوي غير عمار لحصل منه الاستغراب ولكنه من
عمار المتكرر منه نقل الغرائب غير غريب. والله العالم.
(المسألة التاسعة) - لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في استحباب
المبادرة بالصلاة في أول وقتها لما استفاض من الأخبار الدالة على أفضلية أول الوقت:
ومنها - ما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار أو ابن وهب (2)
قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) لكل صلاة وقتان وأول الوقت أفضلهما ".
وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم (3) قال: " سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول إذا دخل وقت الصلاة فتحت أبواب السماء لصعود
الأعمال فما أحب أن يصعد عمل أول من عملي ولا يكتب في الصحيفة أحد أول مني ".
وروى في الفقيه مرسلا (4) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء وأبواب الجنان واستجيب الدعاء فطوبى لمن رفع
له عند ذلك عمل صالح ".
وروى في الكافي في الصحيح عن زرارة (5) قال: " قال أبو جعفر (عليه

(1) الوسائل الباب 57 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 3 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 3 من المواقيت.
(4) رواه في الوسائل في الباب 12 من المواقيت.
(5) الوسائل الباب 3 من المواقيت.
325

السلام) اعلم أن أول الوقت أبدا أفضل فعجل الخير ما استطعت، وأحب الأعمال إلى الله
تعالى ما دوام العبد عليه وإن قال ".
وعن زرارة في الصحيح (1) قال: " قلت لأبي جعفر (عليه السلام) أصلحك
الله وقت كل صلاة أول الوقت أفضل أو وسطه أو آخره؟ فقال أوله أن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) قال إن الله تعالى يحب من الخير ما يعجل " إلى غير ذلك من
الأخبار الكثيرة وبالجملة فإن الحكم مما وقع الاتفاق عليه نصا وفتوى.
إلا أنه قد استثنى منه مواضع: (الأول) تأخير المغرب والعشاء للمفيض من
عرفات إلى أن يأتي المزدلفة وإن مضى ربع الليل، ويدل على ذلك جملة من الأخبار
قد تقدم بعضها ويأتي بعضها في كتاب الحج إن شاء الله تعالى، ومنها صحيحة محمد بن
مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (2) قال: " لا تصل المغرب حتى تأتي جمعا وإن
ذهب ثلث الليل ".
(الثاني) - صلاة العشاء فإنه يستحب تأخيرها إلى أن يذهب الشفق المغربي
وقد تقدم ما يدل عليه.
(الثالث) - المتنفل يؤخر الظهرين إلى بعد النافلة أو الذراع والذراعين على
الخلاف المتقدم، وقد تقدم من الأخبار ما يدل عليه. وقيل في العصر تأخيرها إلى
مضي المثل أيضا بناء على ما تقدم من أن فضيلتها بعد المثل الأول. وقد تقدم ما فيه.
(الرابع) - المستحاضة تؤخر الظهر والمغرب إلى آخر وقت فضيلتهما لتجمع
بينهما وبين العصر والعشاء، وقد مر ما يدل عليه في فصل الاستحاضة.
(الخامس) تأخير صلاة المغرب إلى ذهاب الحمرة المشرقية بناء على القول بدخول
وقتها باستتار القرص عن عين الناظر جمعا بين أخبار المسألة. وقد عرفت ما فيه في ما
قدمناه من تحقيق المسألة المذكورة.

(1) الوسائل الباب 3 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 5 من الوقوف بالمشعر.
326

(السادس) - المشتغل بقضاء الفرائض الفائتة يستحب له تأخير الأداء إلى
آخر الوقت على المشهور بين المتأخرين. وسيأتي تحقيق المسألة إن شاء الله تعالى في
المقصد الآتي وبيان أن ذلك على جهة الوجوب كما هو المشهور بين المتقدمين لا الاستحباب
(السابع) - تأخير صلاة الصبح إذا طلع الفجر عليه وقد صلى أربعا من صلاة
الليل حتى يكمل صلاة الليل، وعندي في عد هذا الموضع في هذا المقام نظر لأن الظاهر
من الأخبار كما قدمنا بيانه أن ذلك أنما هو على جهة الرخصة لا أنه الأفضل كما هو المراد
في المقام وإلا لعد أيضا من صلى ركعة من نوافل الزوال قبل دخول وقت الفريضة المحدود
بالقدمين ثم دخل عليه الوقت فإنه يزاحم بها الفريضة رخصة كما تقدم مع أنهم لم يعدوه
في هذا المقام.
(الثامن) - تأخير الصائم المغرب إذا نازعته نفسه للافطار أو كان ثمة من
ينتظره للافطار. وسيأتي الكلام فيه في كتاب الصوم إن شاء تعالى وذكر الأخبار
الواردة في المسألة.
(التاسع) - الظان دخول الوقت حيث لا طريق له إلى العلم فإن الأفضل
له التأخير حتى يتحقق الوقت ويحصل العلم به، ويدل عليه ما تقدم من موثقة عبد الله بن
بكير عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " قلت له إني صليت الظهر في يوم
غيم فانجلت فوجدتني صليت حين زال النهار؟ قال فقال لا تعد ولا تعد " فإن نهيه عن
العود مع نهيه عن الإعادة إنما هو لما قلناه وإن كانت صلاته صحيحة. وأما الاستدلال
لذلك بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) (2) " وقد سأله عن من
صلى الصبح مع ظن طلوع الفجر قال لا يجزئه حتى يعلم أنه طلع " فهو بمعزل عما نحن فيه.
(العاشر) - المدافع للخبثين فإن الأفضل التأخير حتى يخرجهما لصحيحة

(1) الوسائل الباب 4 من المواقيت.
(2) ص 298.
327

هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " لا صلاة لحاقن ولا لحاقب
وهو بمنزلة من هو في ثيابه " والحاقن بالنون حابس البول والحاقب بالباء حابس الغائط
ورواية الحضرمي عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " إن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) قال لا تصل وأنت تجد شيئا من الأخبثين ".
(الحادي عشر) - تأخير صلاة الليل إلى الثلث الأخير من الليل. وقد تقدم
من الأخبار ما يدل على ذلك في المسألة المذكورة.
(الثاني عشر) - تأخير ركعتي الفجر إلى طلوع الفجر الأول. وقد تقدم أيضا
ما يدل عليه وكذلك الوتر.
(الثالث عشر) - تأخير مريد الاحرام الفريضة الحاضرة حتى يصلي نافلة
الاحرام، هكذا ذكروه وهو مبني عندهم على الجمع في وقت الفريضة بين الفريضة وسنة
الاحرام، والمستفاد من الأخبار كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى في كتاب الحج أن الاحرام
أما دبر الفريضة إن اتفق ذلك في وقت الفريضة وإلا بعد سنة الاحرام إن لم يتفق ذلك
وأما الجمع بين الفريضة وسنة الاحرام كما ذكروه فلا وجود له في النصوص، وحينئذ فلا
وجه لعد هذا الموضع في جملة هذه الأفراد.
(الرابع عشر) - تأخير من فرضه التيمم الصلاة إلى آخر الوقت. أقول:
وهو على اطلاقه غير متجه وإنما يتجه على القول بجواز التيمم مع السعة كما دلت عليه
جملة من الأخبار ويجعل التأخير أفضل جمعا بينها وبين ما دل على وجوب التأخير من
الأخبار أيضا، فيكون المستند فيه هو الجمع بين أخبار المسألة بناء على القول بذلك.
(الخامس عشر) - تأخير السلس والمبطون الظهر والمغرب للجمع أيضا كما تقدم في
المستحاضة. وقد تقدم ما يدل عليه في المسائل الملحقة بالوضوء من كتاب الطهارة.
(السادس عشر) - تأخير أصحاب الأعذار كفاقد الساتر مثلا أو الطاهر

(1) المروية في الوسائل في الباب 8 من قواطع الصلاة.
(2) المروية في الوسائل في الباب 8 من قواطع الصلاة.
328

منه أو فاقد الطهورين أو فاقد القبلة أو نحو ذلك فإنه يستحب لهم التأخير عند جمهور
الأصحاب. ونقل في المختلف عن السيد المرتضى وسلار وجوب تأخير الصلاة إلى آخر
الوقت، قال وهو اختيار ابن الجنيد، ثم نقل عن الشيخ القول بالجواز في أول الوقت إلا
للمتيمم. قال وهو الأقوى عندي، ثم استدل على ذلك بأنه مخاطب بالصلاة عند أول
الوقت فكان مجزئا لأنه امتثل، ثم نقل عن القائلين بالوجوب أنهم احتجوا بامكان
زوال الأعذار. قال والجواب أنه معارض باستحباب المبادرة والمحافظة على أداء العبادة
لامكان فواتها بالموت وغيره. انتهى. أقول: وحيث كانت المسألة غير منصوصة
لا خصوصا ولا عموما فالحكم هنا باستحباب التأخير محل اشكال لأنه ليس إلا لما ذكروه
من رجاء زوال العذر وهو معارض بما ذكره العلامة (قدس سره) من المحافظة على أداء
العبادة، لامكان تطرق الفوات إليها بموت ونحوه.
(السابع عشر) - قضاء صلاة الليل في صورة جواز التقديم كما ذكره بعض
الأصحاب، والظاهر أنه لا وجه لعد هذا الفرد في جملة هذه الأفراد لأن مبنى الكلام
على استحباب تأخير الصلاة عن أول وقتها الموظف لها شرعا وقضاء صلاة الليل هنا إنما
كان أفضل بالنسبة إلى تقديمها على الانتصاف لا بالنسبة إلى وقتها المعين لها فلا يكون مما
نحن فيه في شئ وهو ظاهر. وأما ما يفهم من كلام شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره)
في شرح النفلية حيث إن المصنف عد هذا الفرد في هذا المقام - من التعليل بأن أول وقت
صلاة الليل مع هذه الأعذار هو أول الليل والقاضي يؤخرها عنه في الجملة وإن كان يفعلها
في خارج الوقت - فلا يخلو من تكلف وتمحل فإن غاية ما تدل عليه تلك الأخبار - كما
تقدم تحقيقه - هو الرخصة في التقديم لمن يحصل له العذر عن الاتيان بها في وقتها الموظف
ودلت على أن قضاءها أفضل من تقديمها بمعنى أن كلا الأمرين جائز وإن كان القضاء
أفضل، وهذا لا يدل على كون أول الليل وقتا لها في هذه الصورة كما لا يخفى.
(الثامن عشر) - تأخير الوتيرة ليكون الختم بها إلا في نافلة شهر رمضان على
329

قول، كذا عده جملة من الأصحاب في الباب. أقول: لعل الوجه في عد هذا الموضع في
جملة هذه الأفراد هو أن ظاهر الأخبار أن وقت الوتيرة بعد صلاة العشاء كما تقدم في الأخبار
المتقدمة في المقدمة الثانية، مع أنه قد ورد ما يدل على استحباب تأخيرها والختم بها كما
تقدم أيضا في صحيحة زرارة أو حسنته (1) من قوله (عليه السلام) " وليكن آخر
صلاتك وتر ليلتك " وقد قدمنا أن المراد بالوتر هنا الوتيرة وإن كان ظاهر كلام
أصحابنا قد اضطرب فيه باعتبار حمله على الوتر الذي بعد صلاة الليل وهو غلط كما تقدم
التنبيه عليه، ولو حمل على ذلك للزم خلو هذا الحكم هنا من الدليل إذ لا رواية تدل على
التأخير والختم بالوتيرة سوى الرواية المذكورة. ثم إن ما ذكر من استثناء نافلة شهر
رمضان وهي الاثنتا عشرة والاثنتان والعشرون بمعنى أن الوتيرة لا تؤخر عنها قد نقله
في شرح النفلية عن سلار في رسالته، قال وبذلك وردت رواية محمد بن سليمان عن
الرضا (عليه السلام) (2) وذكر في شرح النفلية أن هذا الزيادة كانت في نسخة الأصل بخط
المصنف ثم كشطها وبقي رسمها، قال وهي موجودة في كثير من النسخ ثم قال وإنما حذفها
لأن المشهور بين الأصحاب كما نقله المصنف في الذكرى أن الوتيرة مؤخرة عن تلك
الوظيفة أيضا لتكون خاتمة النوافل. وفي الذكرى الظاهر جواز الأمرين. انتهى.
(التاسع عشر) - تأخير المربية ذات الثوب الواحد الظهرين إلى آخر الوقت
لتغسل ثوبها وتصلي أربع صلوات في ثوب طاهر أو نجاسة خفيفة. وأنت خبير بأن
الرواية الواردة في المسألة مطلقة في غسل الثوب وهذا التقييد إنما وقع في كلامهم كما تقدم
تحقيقه، واثبات الحكم بذلك لا يخلو من الاشكال.
(العشرون) - تأخير المسافر الذي دخل عليه الوقت في السفر الصلاة إلى أن
يدخل فيتم، ويدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (3) " في

(1) الوسائل الباب 42 من الصلوات المندوبة.
(2) الوسائل الباب 7 من نافلة
شهر رمضان.
(3) المروية في الوسائل في الباب 21 من صلاة المسافر.
330

الرجل يقدم من الغيبة فيدخل عليه وقت الصلاة؟ فقال إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت
قبل أن يدخل فليدخل وليتم وإن كان يخاف أن يخرج الوقت قبل أن يدخل فليصل
وليقصر وفي المسألة بحث يأتي إن شاء الله تعالى في موضعه.
(الحادي والعشرون) - انتظار الإمام أو المأموم أو كثرة الجماعة. أقول: أما
انتظار الإمام فقد تقدم في بعض الأخبار ما يشير إليه، وأما انتظار المأموم أو كثرة
الجماعة فلم أقف في الأخبار على ما يدل عليه بل ربما دل بعضها على عدمه بالنسبة إلى كثرة
الجماعة كما تقدم (1) في حديث الرضا (عليه السلام) وتلقيه لبعض الطالبيين وإن كان
الشيخ (قدس سره) قد صرح بجواز ذلك في جوابه عن حديث نوم النبي (صلى الله
عليه وآله) عن صلاة الصبح وتقديمه ركعتي نافلة الفجر على الفريضة (2) أنه لانتظار
الجماعة، إلا أنه بمجرده لا يصلح مستندا.
(الثاني والعشرون) - ما إذا كان التأخير مشتملا الاتيان بالصلاة على
وجهها من التوجه والاقبال وفراغ البال، وقد تقدم (3) في روايات عمر بن يزيد الثلاث
ما يدل عليه، ففي بعضها عن أبي عبد الله (عليه السلام) في المغرب " إذا كان أرفق
بك وأمكن لك في صلاتك وكنت في حوائجك فلك أن تؤخرها إلى ربع الليل " وقد
بينا سابقا أن هذا من جملة الأعذار المجوزة للتأخير إلى الوقت الثاني.
(الثالث والعشرون) - التأخير لقضاء حاجة مؤمن، وإليه يشير بعض الأخبار
الواردة في قطع طواف الفريضة (4) إلا أنه لا يخلو من اشكال لكون الطواف غير
محدود بوقت.
(الرابع والعشرون) - تأخير صلاة الظهر في الحر لمن يصلي في المسجد وهو
المعبر عنه بالابراد، لما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله

(1) ص 142.
(2) ص 270.
(3) ص 179.
(4) رواه في الوسائل في الباب 42 من الطواف.
331

(عليه السلام) (1) قال: " كان المؤذن يأتي النبي (صلى الله عليه وآله) في الحر في صلاة الظهر
فيقول له رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبرد أبرد " وأقل مراتب الأمر الاستحباب
وروى الثقة الجليل محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي في كتاب الرجال
والشيخ في الاختيار عن ابن بكير (2) قال: " دخل زرارة على أبي عبد الله (عليه السلام)
فقال إنكم قلتم لنا في الظهر والعصر على ذراع وذراعين ثم قلتم أبردوا بها في الصيف
فكيف الابراد بها؟ وفتح الواحة ليكتب ما يقول فلم يجبه أبو عبد الله (عليه السلام)
بشئ فأطبق الواحة وقال إنما علينا أن نسألكم وأنتم أعلم بما عليكم وخرج ودخل
أبو بصير على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال إن زرارة سألني عن شئ فلم أجبه وقد
ضقت من ذلك فاذهب أنت رسولي إليه فقل صل الظهر في الصيف إذا كان ظلك مثلك
والعصر إذا كان مثليك. وكان زرارة هكذا يصلي في الصيف ولم أسمع أحدا من
أصحابنا يفعل ذلك غيره وغير ابن بكير ".
وروى الشيخ في التهذيب في الموثق عن عبد الله بن بكير عن زرارة (3) قال:
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم يجبني فلما
أن كان بعد ذلك قال لعمرو بن سعيد بن هلال أن زرارة سألني عن وقت الظهر في
القيظ فلم أخبره فحرجت من ذلك فاقرأه مني السلام وقل له إذا كان ظلك مثلك فصل
الظهر وإذا كان ظلك مثليك فصل العصر ".
وهذان الخبران قد اشتملا على الابراد في صلاتي الظهر والعصر والأصحاب
خصوا الحكم بالظهر كما هو مورد الصحيحة المتقدمة، وقيدوا ذلك أيضا بقيود:
منها - كون الصلاة في جماعة وكونها في المسجد وفي البلاد الحارة وفي شدة الحر،
والأصل في هذه القيود ما قاله الشيخ (قدس سره) في المبسوط حيث قال: إذا كان
الحر شديدا في بلاد حارة وأرادوا أن يصلوا جماعة في مسجد جاز أن يبردوا بصلاة الظهر

(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 8 من المواقيت.
(3) رواه في الوسائل في الباب 8 من المواقيت.
332

قليلا ولا يؤخروا إلى آخر الوقت. انتهى. والنصوص كما ترى خالية من هذه القيود
إلا أن قرائن الحال في الخبر الأول تشير إلى بعض ما ذكروه. وأما الخبران الأخيران
فهما بالدلالة على العدم أشبه كما لا يخفى.
وقال العلامة في المنتهى لا نعلم خلافا بين أهل العلم في استحباب تعجيل الظهر
في غير الحر، قالت عائشة " ما رأيت أحدا أشد تعجيلا للظهر من رسول الله صلى
الله عليه وآله " (1) وأما في الحر فيستحب الابراد بها إن كانت البلاد حارة وصليت في
المسجد جماعة وبه قال الشافعي، ثم نقل روايتي الخاصة والعامة ثم قال: ولأنه موضع
ضرورة فاستحب التأخير لزوالها، أما لو لم يكن الحر شديدا أو كانت البلاد باردة
أو صلى في بيته فالمستحب فيه التعجيل وهو مذهب الشافعي خلافا لأصحاب الرأي
وأحمد (2). انتهى.
وقال في الروض بعد نقل اعتبار المسجد وكون البلاد حارة عن الشيخ: والظاهر
عدم اعتبارهما أخذا بالعموم.
وروى الصدوق في كتاب العلل (3) بسنده عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة
قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن
الحر من فيح جهنم واشتكت النار إلى ربها فأذن لها في نفسين نفس في الشتاء ونفس
في الصيف، وشدة ما تجدون من الحر من فيحها وما تجدون من البرد من زمهريرها ".
قال الصدوق في الكتاب المذكور بعد نقل هذا الخبر: قوله " فأبردوا بالصلاة "
أي عجلوا بها وهو مأخوذ من البريد، وتصديق ذلك ما روي (4) " أنه ما من صلاة
يحضر وقتها إلا نادى ملك قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها على ظهوركم فاطفؤوها

(1) المغني ج 1 ص 389.
(2) المغني ج 1 ص 389.
(3) ص 93 وفي الوسائل في الباب 8 من المواقيت.
(4) رواه في الوسائل في الباب 3 من المواقيت.
333

بصلاتكم " وقال في الفقيه بعد ذكر صحيحة معاوية بن وهب: قال مصنف هذا الكتاب
يعني عجل عجل وأخذ ذلك من البريد. وفي بعض نسخ الكتاب من التبريد.
أقول: في القاموس " أبرد: دخل في آخر النهار، وابرده: جاء به باردا،
والأبردان: الغداة والعشي " وقال في النهاية الأثيرية: في الحديث " أبردوا بالظهر "
فالابراد انكسار الوهج والحر وهو من الابراد: الدخول في البرد، وقيل معناه صلوها في
أول وقتها من برد النهار وهو أوله. وفي المغرب الباء للتعدية والمعنى ادخلوا صلاة الظهر في
البرد أي صلوها إذا سكنت شدة الحر. انتهى.
وأنت خبير بأن ما ذكره الصدوق (قدس سره) لا ينطبق على شئ من هذه
المعاني، وقد قيل في توجيه كلامه إن مراده أنه (صلى الله عليه وآله) أمر بتعجيل
الأذان والاسراع فيه كفعل البريد في مشيه أما ليتخلص الناس من شدة الحر سريعا
ويفرغوا من صلاتهم حثيثا وأما لتعجيل راحة القلب وقرة العين كما كان النبي (صلى الله
عليه وآله) يقول " أرحنا يا بلال " (1) وكأن يقول: " قرة عيني في الصلاة " (2)
ولا يخفى ما فيه من التكلف. وظني أن ما فهمه أكثر الأصحاب من الحمل على التأخير
لشدة الحر توسعة في التكليف ودفعا للحرج أقرب مما ذكره ويصير هذا من قبيل الرخص
الواردة في الشريعة في غير موضع كما اتفقوا عليه في استثناء جملة من المواضع التي قدمناها
ولعل الحامل للصدوق (قدس سره) في ارتكاب هذا التأويل البعيد وكذا من مال
إلى كلامه ووجهه بما قدمناه هو شهرة هذا الحكم عند العامة، ولهذا أن بعض الأصحاب
نقل عن الصدوق حمل صحيحة معاوية على التقية. وفيه أن كلام العامة أيضا مختلف في ذلك،
قال محيي السنة في شرح السنة (3) بعد نقل خبر أبي هريرة المتقدم نقل الصدوق له في
العلل: اختلف أهل العلم في تأخير صلاة الظهر في شدة الحر فذهب ابن المبارك وأحمد وإسحاق

(1) نهاية ابن الأثير في مادة (روح) وتيسير الوصول ج 2 ص 297.
(2) كنز العمال ج 4 ص 63.
(3) البحار ج 18 الصلاة ص 57.
334

إلى تأخيرها والابراد بها في الصيف وهو الأشبه بالاتباع، وقال الشافعي تعجيلها أولى
إلا أن يكون إمام مسجد ينتابه الناس من بعد فإنه يبرد بها في الصيف فأما من صلى
وجده أو جماعة في مسجد بفناء بيته لا يحضره إلا من بحضرته فإنه يعجلها لأنه لا مشقة
عليهم في تعجيلها. انتهى. ويمكن أن يكون نظرهم إلى استفاضة الأخبار بأفضلية الصلاة
في أول الوقت ولعله الأظهر. وفيه أنهم قد استثنوا من ذلك جملة هذه المواضع التي
قدمناها ولم يختلفوا في ذلك فما بالهم اختلفوا في هذا المواضع بخصوصه؟ على أن أخباره
صريحة ظاهرة في ذلك ولا معارض لها في البين سوى ما عرفت مما ارتكبوا تخصيصه
بجملة المواضع المتقدمة، مع أن جملة من تلك المواضع كما عرفت خال من الدليل كما نبهنا عليه
بقي الكلام في أن الأصحاب إنما صرحوا باستحباب الابراد بصلاة الظهر خاصة
بالشروط التي ذكروها، والظاهر كما قدمنا من خبري زرارة هو الابراد في الظهر والعصر
وهو مشكل إذ الخروج عن مقتضى الأخبار المستفيضة بمثل هذين الخبرين سيما مع عدم
ذهاب أحد إليه لا يخلو من بعد، بل ربما يكاد يشم من خبري زرارة رائحة التقية
لأنهم (عليهم السلام) كثيرا ما يخصونه بأحكام ينفرد بها عن الشيعة اتقاء عليه مثل
خبر الاهلال بالحج (1) وخبر النوافل (2) وإلا فاختصاص زرارة بالملازمة على ذلك وابن
بكير دون جملة الشيعة الموجودين يومئذ كما صرح به حديث الكشي لا وجه له ظاهرا
إلا ما قلناه. ولعل في سكوته (عليه السلام) عن جوابه والارسال إليه باطنا بذلك
ما يشير إلى ما قلناه. واحتمل بعض الفضلاء في خبري زرارة حملهما على أن يكون ظل
الزوال فيه حال الصيف خمسة أقدام مثلا فإذا صار مع الزيادة الحاصلة بعد الزوال مساويا
للشاخص يكون قد زاد قدمين فيوافق الأخبار الأخر. وهو مع بعده لا يستقيم في العصر
وكيف كان فالاحتياط في المحافظة على أول الوقت على أي نحو كان إلا مع مشقة
تلزم من ذلك. والله العالم.

(1) الوسائل الباب 5 من أقسام الحج.
(2) الوسائل الباب 14 من أعداد الفرائض.
335

(المقصد الرابع) - في وقت القضاء، الظاهر أنه لا خلاف ولا اشكال في أن
وقت القضاء للصلاة الفائتة هو وقت ذكرها ما لم تتضيق الحاضرة، قال في الذكرى وقت
القضاء للفائتة الواجبة ذكرها ما لم تتضيق الحاضرة لقوله تعالى: " وأقم الصلاة لذكرى " (1)
أي لذكر صلاتي، قال كثير من المفسرين إنها في الفائتة لقوله (صلى الله عليه وآله) (2)
" من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها أن الله يقول وأقم الصلاة لذكري "
وروى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) " إذا فاتتك صلاة.. " ثم نقل الرواية
كما ستأتي وقال: وفيه دلالات ثلاث: التوقيت بالذكر ووجوب القضاء
وتقديمه على الحاضرة مع السعة، ثم نقل رواية عن النبي (صلى الله عليه وآله) (3) قال:
" من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها " ثم قال: وفيه دلالتان
إحداهما توقيت قضاء الفائتة بالذكر والثاني وجوب القضاء مع الفوات، ووجوبه في حق
المعذور يستلزم أولويته في حق غيره، ثم نقل رواية زرارة الآتية المشتملة على أنه
يصليها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها، ثم قال وتقريره كالسالف. وبالجملة فإن ظهور
كون الذكر هو وقت القضاء من الآية والأخبار مما لا يتجشمه الانكار وإنما الخلاف
في وجوب الفورية وعدمه.
وتحقيق القول في المسألة كما هو حقه يقع في مواضع: (الأول) في ذكر الأقوال
في المسألة فنقول قد اختلف كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك فالمتقدمون
منهم على قولين: القول بالفورية وهو مذهب الأكثر إلا أنهم بين مصرح ببطلان
الحاضرة لو قدمها مع سعة الوقت وبين مطلق، والقول بالمواسعة وهو مذهب الصدوقين
وظاهر النقل عنهما استحباب تقديم الحاضرة في السعة، والمتأخرون منهم على أقوال
ثلاثة: فالمشهور بينهم هو ما ذهب إليه الصدوقان من المواسعة إلا أنهم يستحبون تقديم

(1) سورة طه، الآية 14.
(2) سنن البيهقي ج 2 ص 218 وفي الوسائل الباب 61 من المواقيت.
(3) سنن البيهقي ج 2 ص 218 وفي الوسائل الباب 61 من المواقيت.
336

الفائتة، وقيل بالفرق بين الفائتة الواحدة والمتعددة فيجب التقديم مع الاتحاد دون التعدد
وهو مذهب المحقق ومال إليه في المدارك، وقيل بالفرق بين يوم الفوات وغيره فيجب
تقديم الفائتة إذا ذكرها في يوم الفوات ما لم يتضيق وقت الحاضرة متحدة كانت أو
متعددة ويجب تقديم سابقها على لاحقها وإن لم يذكرها حتى يمضي ذلك اليوم جاز له
فعل الحاضرة في أول وقتها ثم يشتغل بالقضاء سواء اتحدت الفائتة أو تعددت ويجب
الابتداء بسابقها على لاحقها والأولى تقديم الفائتة إلى أن تتضيق الحاضرة، ذهب إليه
العلامة في المختلف.
ولا بأس بذكر جملة من عبائر الأصحاب في المقام وإن طال به زمام الكلام،
قال في المبسوط: اعلم أن من عليه قضاء وأدى فريضة الوقت في أوله فإنه لا يجزئه. وقال
الشيخ المفيد (قدس سره) من فاتته صلاة لخروج وقتها صلاها كما فاتته ولم يؤخر ذلك
إلا أن يمنعه تضيق وقت فرض حاضر. وقال السيد المرتضى (رضي الله عنه) في الجمل
كل صلاة فاتت وجب قضاؤها في حال الذكر لها من سائر الأوقات إلا أن يكون في
آخر وقت فريضة حاضرة ويخاف فيه من التشاغل بالفائتة فوت الحاضرة فيجب حينئذ
الابتداء بالحاضرة والتعقيب بالماضية. وأوجب في المسائل الرسية الإعادة لو صلى الحاضرة
في أول وقتها أو قبل تضيق وقتها ومنع فيها من الاشتغال بغير القضاء في الوقت المتسع
ومنع من التكسب بالمباح وكل ما يزيد على ما يمسك به الرمق ومن النوم إلا بقدر
الضرورة التي لا يمكن الصبر عنها، وتبعه ابن إدريس في ذلك فصرح في السرائر
بنحوه. وقال ابن أبي عقيل من نسي صلاة فرض صلاها أي وقت ذكرها إلا أن يكون
في وقت صلاة حاضرة يخاف إن بدأ بالفائتة فأتته الحاضرة فإنه يبدأ بالحاضرة لئلا يكونا جميعا
قضاء. وقال ابن الجنيد وقت الذكر لما فات من الفروض وقت القضاء ما لم يكن آخر فريضة
يخشى إن ابتداء بالقضاء فاتته الصلاة التي هو في وقتها فإن لم يكن يخشى ذلك بدأ بالفائتة
وعقب بالحاضرة وقتها. وقال ابن البراج لو صلى الحاضرة والوقت متسع وهو عالم
337

بذلك لم تنعقد وعليه أن يقضي الفائتة ثم يأتي بالحاضرة. وقال أبو الصلاح وقت الفائتة
حين الذكر إلا أن يكون آخر وقت فريضة حاضرة يخاف بفعل الفائتة فوتها فليزم
المكلف الابتداء بالحاضرة ويقضي الفائت، وما عدا ذلك من سائر الأوقات فهو وقت
للفائت ولا يجوز التعبد فيه بغير القضاء من فرض حاضر ولا نفل. وقال سلار كل صلاة
فاتت بعمد أو تفريط يجب فيها القضاء على الفور وإن فات سهوا وجب القضاء وقت
الذكر. وقال أبو جعفر بن بابويه إذا فاتتك صلاة فصلها إذا ذكرت فإن ذكرتها وأنت في
وقت فريضة أخرى فصل التي أنت في وقتها ثم صل الصلاة الفائتة، قال وإن نمت عن
الغداة حتى طلعت الشمس فصل الركعتين ثم صل الغداة، قاله في المقنع والفقيه. وقال
أبوه إن فاتتك فريضة فصلها إذا ذكرت فإن ذكرتها وأنت في وقت فريضة أخرى فصل
التي أنت في وقتها ثم صل الصلاة الفائتة. هذه جملة من أقوال المتقدمين وأما المتأخرون
فقد عرفت أن المشهور عندهم هو القول بالمواسعة مع استحباب تقديم الفائتة إلى أن
تتضيق الحاضرة، قال في المختلف وهو مذهب والدي وأكثر من عاصرناه من المشايخ.
(الثاني) - في ذكر أخبار المسألة من الطرفين وما استدلوا به سواها في البين،
فنقول قد اختلفت الأخبار الواردة في المقام وبه اختلف كلام علمائنا الأعلام، والأظهر
عندي هو القول المشهور بين المتقدمين، وها أنا أذكر الأخبار الدالة عليه موضحا لوجه
دلالتها ثم أردفها بالأخبار التي استند إليها القائلون بالمواسعة وغيرها من الأدلة التي ذكروها
وأبين ما فيها مما يمنع من صحة الاعتماد عليها والاستناد إليها:
فأقول - وبالله سبحانه الثقة لادراك المأمول ونيل المسؤول - مما يدل على ما اخترناه
قوله عز وجل " وأقم الصلاة لذكري " (1) المفسر - في الأخبار عن أهل البيت (عليهم
السلام) الذي نزل ذلك القرآن فيه فهم أعرف الناس بباطنه وخافيه - بقضاء الفائتة ساعة
ذكرها كما ستقف عليه.

(1) سورة طه، الآية 14.
338

ومما يدل على ذلك الأخبار المستفيضة، ومنها - ما رواه في الكافي في الصحيح
أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال:
" إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولاهن
فأذن لها وأقم ثم صلها ثم صل ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة " قال وقال أبو جعفر
(عليه السلام) " إن كنت قد صليت الظهر وقد فاتتك الغداة فذكرتها فصل الغداة
أي ساعة ذكرتها ولو بعد العصر، ومتى ما ذكرت صلاة فاتتك صليتها، وقال إن
نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الأولى
ثم صل العصر فإنما هي أربع مكان أربع، فإن ذكرت أنك لم تصل الأولى وأنت في
صلاة العصر وقد صليت منها ركعتين فانوها الأولى فصل الركعتين الباقيتين وقم فصل
العصر، وإن كنت ذكرت أنك لم تصل العصر حتى دخل وقت المغرب ولم تخف فوتها
فصل العصر ثم صل المغرب وإن كنت قد صليت المغرب فقم فصل العصر، وإن كنت قد
صليت من المغرب ركعتين ثم ذكرت العصر فانوها العصر ثم قم فأتمها بركعتين ثم سلم ثم
صل المغرب، وإن كنت قد صليت العشاء الآخرة ونسيت المغرب فقم فصل المغرب،
وإن كنت ذكرتها وقد صليت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها
المغرب ثم سلم ثم قم فصل العشاء الآخرة، وإن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صليت
الفجر فصل العشاء الآخرة، وإن كنت ذكرتها وأنت في الركعة الأولى أو في الثانية من الغداة
فانوها العشاء ثم قم فصل الغداة وإذن وأقم، وإن كانت المغرب والعشاء قد فاتتاك جميعا
فابدأ بهما قبل أن تصلي الغداة ابدأ بالمغرب ثم العشاء فإن خشيت أن تفوتك الغداة إن
بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثم بالغداة ثم صل العشاء، وإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت
بالمغرب فصل الغداة ثم صل المغرب والعشاء ابدأ بأولاهما لأنهما جميعا قضاء أيهما ذكرت فلا
تصلهما إلا بعد شعاع الشمس. قال: قلت لم ذاك؟ قال لأنك لست تخاف فوتهما ".

(1) رواه في الوسائل في الباب 63 من المواقيت.
339

أقول: لو لم يكن في الباب إلا هذا الخبر لكفى به دليلا لما فيه من التكرار
الموجب للتأكيد في الحكم المذكور الموجب لظهوره غاية الظهور، ولهذا قال الشيخ في
الخلاف بعد نقله: جاء هذا الخبر مفسرا للمذهب كله.
ومنها - صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) المتقدمة في المسألة الثالثة
من سابق هذا المقصد (1) حيث قال فيها: " من نسي شيئا من الصلوات فليصلها إذا
ذكرها فإن الله عز وجل يقول: وأقم الصلاة لذكري " (2).
وما رواه الشيخان في الكافي والتهذيب عن زرارة عن أبي جعفر (عليه
السلام) (3) قال: (إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت أخرى فإن كنت تعلم أنك
إذا صليت التي فاتتك كنت من الأخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك فإن الله يقول
" وأقم الصلاة لذكري " وإن كنت تعلم أنك إذا صليت التي فاتتك فاتتك التي بعدها
فابدأ بالتي أنت في وقتها فصلها ثم أقم الأخرى ".
وهاتان الروايتان قد دلتا على تفسير الآية بالصلاة الفائتة كما ترى فلا معدل
عنهما إلى ما ذكره المفسرون المتخرصون الذين قال الله سبحانه فيهم وفي أمثالهم
" قتل الخراصون " (4).
ومنها - ما رواه الشيخان المذكوران في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه
السلام) (5) " أنه سئل عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلاة لم يصلها أو نام عنها؟
فقال يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها من ليل أو نهار فإذا دخل وقت صلاة ولم يتم ما
فاته فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي حضرت وهذه أحق بوقتها
فليصلها فإذا قضاها فليصل ما فاته مما قد مضى ولا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة كلها "

(1) ص 271.
(2) سورة طه، الآية 14.
(3) الوسائل الباب 62 من المواقيت.
(4) سورة الذاريات، الآية 10.
(5) الوسائل الباب 2 من قضاء الصلوات.
340

ومنها - ما روياه عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله البصري (1) قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي صلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى؟
فقال إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلى حين يذكرها، وإن ذكرها وهو في صلاة بدأ بالتي
نسي، وإن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمها بركعة ثم صلى المغرب ثم صلى العتمة
بعدها، وإن كان صلى العتمة وحده فصلى منها ركعتين ثم ذكر أنه نسي المغرب أتمها
بركعة فتكون صلاة المغرب ثلاث ركعات ثم يصلي العتمة بعد ذلك "
ومنها - ما روياه أيضا في الصحيح عن صفوان عن أبي الحسن (عليه السلام) (2)
قال: " سألته عن رجل نسي الظهر حتى غربت الشمس وقد كان صلى العصر؟ فقال
كان أبو جعفر (عليه السلام) أو كان أبي (عليه السلام) يقول إن أمكنه أن يصليها
قبل أن تفوته المغرب بدأ بها وإلا صلى المغرب ثم صلاها ".
ومنها - ما روياه عن أبي بصير (3) قال: " سألته عن رجل نسي الظهر حتى
دخل وقت العصر؟ قال يبدأ بالظهر وكذلك الصلوات تبدأ بالتي نسيت إلا أن تخاف
أن يخرج وقت الصلاة فتبدأ بالتي أنت في وقتها ثم تقضي التي نسيت ".
وما رواه في الكافي في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)
قال: " سألته عن رجل أم قوما في العصر فذكر وهو يصلي بهم أنه لم يكن صلى الأولى؟
قال فليجعلها الأولى التي فاتته ويستأنف بعد صلاة العصر وقد قضى القوم صلاتهم ".
وما رواه الشيخ عن معمر بن يحيي (5) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن رجل صلى على غير القبلة ثم تبينت له القبلة وقد دخل وقت صلاة أخرى؟ قال يعيدها
قبل أن يصلي هذه التي قد دخل وقتها " ورواها في موضع آخر وزاد " إلا أن يخاف
فوت التي دخل وقتها ".

(1) الوسائل الباب 63 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 62 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 62 من المواقيت.
(4) الوسائل الباب 63 من المواقيت.
(5) رواه في الوسائل في الباب 9 من القبلة.
(6) ص 146.
341

وما رواه في كتاب قرب الإسناد بسنده إلى علي بن جعفر عن أخيه موسى
(عليه السلام) (1) قال: " سألته عن رجل نسي العشاء ثم ذكر بعد طلوع الفجر كيف
يصنع؟ قال يصلي العشاء ثم الفجر. قال وسألته عن رجل نسي الفجر حتى حضرت
الظهر؟ قال يبدأ بالفجر ثم يصلي الظهر كذلك كل صلاة بعدها صلاة ".
والتقريب في هذه الأخبار أنها دلت على الأمر بالقضاء ساعة الذكر متحدة
كانت الفائتة أو متعددة، وتضمنت الأمر بالعدول عن صاحبة الوقت متى ذكر الفائتة
في أثنائها، والأمر حقيقة في الوجوب كما هو المتفق عليه بين محققي الأصوليين وقد
قدمنا الدليل عليه من الآيات القرآنية والسنة المعصومية، وتضمنت وجوب تأخير
صاحبة الوقت إلى آخر وقتها ما لم يتم القضاء، وجميع ذلك أصرح صريح في المضايقة،
ويؤكد ذلك الأخبار الدالة على الأمر بالمبادرة ساعة الذكر أي وقت كان،
ومنها - صحيحة معاوية بن عمار (2) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول
خمس صلوات لا تترك على كل حال: إذا طفت بالبيت وإذا أردت أن تحرم وصلاة
الكسوف وإذا نسيت فصل إذا ذكرت وصلاة الجنازة ".
وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) قال: " أربع صلوات يصليهن
الرجل في كل ساعة: صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أديتها... الحديث ".
ورواية نعمان الرازي (4) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل
فاته شئ من الصلوات فذكر عند طلوع الشمس وعند غروبها؟ قال فليصل حين ذكره "
وموثقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (5) " أنه سئل عن رجل صلى
بغير طهور أو نسي صلاة لم يصلها أو نام عنها؟ قال يصليها إذا ذكرها في أي ساعة

(1) رواه في الوسائل في الباب 1 من قضاء الصلوات.
(2) الوسائل الباب 39 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 39 من المواقيت.
(4) الوسائل الباب 39 من المواقيت.
(5) المروية في الوسائل في الباب 2 من قضاء الصلوات.
342

ذكرها ليلا أو نهارا ".
وصحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " سألته
عن الرجل ينام عن الغداة حتى تبزغ الشمس أيصلي حين يستيقظ أو ينتظر حتى تنبسط
الشمس؟ قال يصلي حين يستيقظ. قلت أيوتر أو يصلي الركعتين؟ قال بل يبدأ بالفريضة "
وصحيحة زرارة والفضيل عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال: فيها " إن
شككت فيها بعدما خرج وقت الفوت فقد دخل حائل فلا إعادة عليك من شك حتى
تستيقن فإن استيقنت فعليك أن تصليها في أي حال كنت ".
وأما ما أجاب به في الذكرى عن خبري " خمس صلوات " - من أنه لا يدل
على الوجوب المضيق حيث إنهما اشتملا على صلاة الكسوف والجنازة والاحرام ولم
يقل أحد بوجوب تقديمها على الحاضرة - ففيه أن محل الاستدلال إنما هو تقييد الصلاة
الفائتة وتوقيتها بساعة الذكر كما في تلك الأخبار الكثيرة لا أن أحدا يدعي المضايقة
في هذه الصلوات المذكورة حتى يورد عليه بما ذكره، والغرض من الأخبار المذكورة إنما
هو بيان أن هذه الصلوات لا تترك متى حصل أسبابها لكراهة بعض الأوقات والمنع من
الصلاة فيها بل تصلى في كل وقت، وعد منها الصلاة الفائتة وجعل وقتها ساعة الذكر
ومثل ساعة الذكر وإن كان في تلك الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، هذا حاصل معنى
تلك الأخبار ولو صح ما توهمه لكان الجواب عنه ما صرح به جملة من المحققين من أنه
إذا قام الدليل على اخراج بعض أفراد العام من عموم ذلك الحكم فإنه لا ينافي اثبات
الحكم لما عداه مما لم يقم على خروجه دليل فكذلك ما نحن فيه.
وأما ما استدل به المتأخرون كالشهيد في الذكرى والفاضل الخراساني في الذخيرة
وغيرهما على ما ذهبوا إليه من القول بالمواسعة فروايات:

(1) الوسائل الباب 61 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 60 من المواقيت.
343

منها - صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" إذا نام الرجل أو نسي أن يصلي المغرب والعشاء الآخرة فإن استيقظ بعد الفجر
فليصل الصبح ثم المغرب ثم العشاء قبل طلوع الشمس ".
ورواية أبي بصير - والظاهر أنه يحيى بن القاسم بقرينة شعيب عنه - عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " إن نام الرجل ولم يصل صلاة المغرب والعشاء
أو نسي فإن استيقظ قبل الفجر بقدر ما يصليهما كلتيهما وإن خشي أن تفوته
أحدهما فليبدأ بالعشاء الآخرة وإن استيقظ بعد الفجر فليصل الفجر ثم المغرب ثم العشاء
الآخرة قبل طلوع الشمس قال خاف أن تطلع الشمس فتفوته إحدى الصلاتين فليصل
المغرب ويدع العشاء الآخرة حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها ".
وصحيحة محمد بن مسلم (3) قال: " سألته عن الرجل تفوته صلاة النهار؟ قال
يصليها إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء ".
ورواية الحسن بن زياد الصيقل (4) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن رجل نسي الأولى حتى صلى ركعتين من العصر قال فليجعلها الأولى وليستأنف
العصر. قلت فإنه نسي المغرب حتى صلى ركعتين من العشاء ثم ذكر؟ قال فليتم صلاته
ثم ليقض بعد المغرب. قال قلت له جعلت فداك قلت حين نسي الظهر ثم ذكر وهو في
العصر يجعلها الأولى ثم يستأنف وقلت لهذا يتم صلاته ثم ليقض بعد المغرب فقال ليس هذا
مثل هذا إن العصر ليس بعدها صلاة والعشاء بعدها صلاة ". ورواية جميل بن دراج
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال: " قلت له تفوت الرجل الأولى والعصر
والمغرب وذكرها عند العشاء الآخرة؟ قال يبدأ بالوقت الذي هو فيه فإنه لا يأمن الموت
فيكون قد ترك صلاة فريضة في وقت قد دخل ثم يقضي ما فاته الأول فالأول ".

(1) الوسائل الباب 62 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 62 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 39 من المواقيت.
(4) الوسائل الباب 63 من المواقيت.
(5) الوسائل الباب 2 من قضاء الصلوات.
344

وصحيحة علي بن جعفر المروية في كتاب قرب الإسناد عن أخيه موسى (عليه
السلام) (1) قال: " سألته عن رجل نسي المغرب حتى دخل وقت العشاء الآخرة؟ قال
يصلي العشاء ثم المغرب ".
وموثقة عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " سألته عن رجل تفوته
المغرب حتى تحضر العتمة فقال إن حضرت العتمة وذكر أن عليه صلاة المغرب فأحب أن
يبدأ بالمغرب بدأ وإن أحب بدأ بالعتمة ثم صلى المغرب بعدها ".
واستدلوا أيضا - زيادة على ذلك كما ذكره في الذكرى - بوجوه: (الأول) قضية
الأصل، قال فإنه دليل قطعي حتى يثبت الخروج عنه. و (الثاني) لزوم الحرج والعسر
المنفيين بالكتاب والسنة (3) و (الثالث) عموم آي الصلاة مثل " أقم الصلاة لدلوك
الشمس إلى غسق الليل " (4) " أقيموا الصلاة " (5) قال فإنه يشمل من عليه فائتة
وغيره.
(والرابع) تسويغ الأصحاب الأذان والإقامة للقاضي مع استحبابهما وقد رووه
بطرق كثيرة (6) ثم ذكر بعض الأخبار الدالة على الأذان في أول ورده والإقامة في كل
منها، وزاد في المدارك الاستدلال بالروايات الدالة على جواز النافلة لمن عليه فريضة.
أقول والجواب أما عن الأخبار المذكورة (أولا) فإنه من القواعد المتكررة
في كلامهم والدائرة على رؤوس أقلامهم أنهم لا يجمعون بين الخبرين المتعارضين إلا مع
التكافؤ في الصحة والصراحة وإلا فتراهم يطرحون المرجوح ويجعلون التأويل في جانبه
لمرجوحيته وابقاء ما ترجح عليه على ظاهره، ولا يخفى على المتأمل المنصف أن هذه الأخبار
التي استندوا إليها تقصر عن معارضة ما قدمناه سندا وعددا ودلالة كما ظهر وسيظهر
لك إن شاء الله، فكيف عكسوا القضية هنا وعملوا بهذه الأخبار مع ما هي عليه وجعلوا

(1) الوسائل الباب 1 من قضاء الصلوات.
(2) الوسائل الباب 62 من المواقيت.
(3) ج 1 ص 151.
(4) سورة بني إسرائيل، الآية 80.
(5) سورة البقرة، الآية 40.
(6) رواه في الوسائل في الباب 37 من الأذان و 8 من قضاء الصلوات.
345

التأويل في تلك الأخبار مع ما هي عليه من الصحة والصراحة والاستفاضة؟
و (ثانيا) - أنه من القواعد المقررة في كلام أهل العصمة (عليهم السلام) -
وإن كان أصحابنا (رضوان الله عليهم) قد أعرضوا عنها وأطرحوها كما أوضحناه في
غير موضع مما تقدم، واتخذوا لهم قواعد في هذه الأبواب لم يرد بها سنة ولا كتاب
من حمل النهي على الكراهة والأمر على الاستحباب - هوانه مع اختلاف الأخبار
تعرض على كتاب الله عز وجل ويؤخذ بما وافقه ويضرب ما خالفه عرض الحائط (1)
وقد عرفت تأيد الأخبار الأولة بتلك الآية الشريفة، وحينئذ فمقتضى القاعدة المذكورة
وإن كانت بينهم مهجورة هو العمل بتلك الأخبار كما لا يخفى على من جاس خلال الديار
و (ثالثا) - ما في هذه الروايات من تطرق الطعن إليها عند النظر بعين التحقيق
والتأمل بالفكر الصائب الدقيق:
فأما صحيحة عبد الله بن سنان ورواية أبي بصير فباشتمالهما على ما لا يقول به
الأصحاب وهو أيضا خلاف ما استفاضت به الأخبار من المنع من قضاء الفريضة في ذلك
الوقت، وقد تقدم الكلام في ذلك قريبا في المسألة السابعة من مسائل المقصد المتقدم،
وبينا أن الشيخ (قدس سره) قد حمل هذه الأخبار على التقية لذلك ولاشتمالها أيضا
على امتداد وقت العشاءين إلى طلوع الفجر وهو قول العامة وإن تبعهم من أصحابنا من
تبعهم، وقد تقدم تحقيق ذلك في مسألة بيان آخر وقت المغرب منقحا موضحا،
ومن ذلك يظهر لك عدم جواز الاستناد إليهما والاعتماد عليهما. على أن صحيحة زرارة
الطويلة المتقدمة قد دلت في هذه الصورة على الأمر بتقديم المغرب والعشاء على الغداة
وأنه إن خشي أن تفوته الغداة مع تقديمهما معا قدم المغرب وأنه إنما يصلي الغداة متقدمة
عليهما إذا خشي فواتها، فهل يعارض هذا التفصيل الواضح في هذه الصحيحة المؤيدة بما
عرفت الواقع كله بلفظ الأمر الدال على الوجوب عندهم بمثل هاتين الروايتين المتهافتتين

(1) رواه في الوسائل في الباب 9 من صفات القاضي.
346

المخالف منهما لأصول المذهب؟ ما هذا إلا عجيب وأي عجيب.
وأما صحيحة محمد بن مسلم فالمراد بصلاة النهار فيها إنما هو النوافل النهارية وقد
تقدم الكلام فيها وفي أمثالها منقحا في مسألة جواز التطوع في وقت الفريضة، وكيف
كان فلا أقل من قيام الاحتمالين وبه يسقط الاستدلال من البين.
وأما باقي الروايات فإنها قد اشتركت كلها في الدلالة على أن من فاتته المغرب ثم
ذكرها وقت العشاء تلبس بشئ من العشاء أم لا فإنه يأتي بالعشاء أولا، وهذا لا يخلو
إما أن يكون المراد بوقت العشاء فيها هو الوقت المختص وحينئذ فلا دليل فيها لما ادعوه
منها للاتفاق على اختصاص الوقت الأخير بالعشاء، أو يكون المراد به الوقت
المشترك وحينئذ فيشكل التعويل عليها والاستناد إليها في ما ذكروه لأنه لا خلاف نصا
وفتوى في وجوب الترتيب بين الفرائض الحاضرة في الوقت المشترك، فالقول بتقديم
العشاء في الوقت المشترك في هذا الأخبار باطل البتة ويشبه أن يكون مخرج الروايات
بهذا المعنى مخرج التقية، ومما يؤنس بذلك ذكره (عليه السلام) في رواية الحسن
الصيقل وجه الفرق بين من ذكر فوات الظهر وهو في العصر وأنه يعدل إلى الظهر وبين
من ذكر فوات المغرب وهو في العشاء وأنه يتم العشاء ثم يستأنف المغرب، معللا ذلك
بأن العصر لا يجوز أن يصلي بعدها فوجب العدول منها إلى الظهر ثم الاتيان بها والعشاء
لا تحرم الصلاة بعدها فوجب اتمامها ثم الاتيان بالمغرب بعدها، وهذا الفرق وجوبا
أو استحبابا لا يتمشى على أصولنا وإنما يجري على قواعد العامة المانعين من الصلاة بعد
العصر مطلقا كما تقدم. والعلامة في المختلف بعد نقله موثقة عمار حمل المغرب فيها على
مغرب سابقة فرارا من الاشكال المذكور. وأنت خبير بأنه بالتأمل في تلك الروايات
وامعان النظر فيها يظهر أن المغرب المذكورة إنما هي مغرب ذلك اليوم وهو الذي فهمه
منها عامة الأصحاب ولهذا أن الشيخ في التهذيبين نسبه إلى الشذوذ.
والمحدث الشيخ الحر في الوسائل بعد نقله موثقة عمار احتمل فيها الحمل على التقية
347

وبعد أن نقل رواية الصيقل قال: هذا محمول على تضيق العشاء دون العصر لما تقدم
لأن ذلك أوضح دلالة وأوثق وأكثر وهو الموافق لعمل الأصحاب. انتهى وفيه أن
التعليل المذكور في الرواية ظاهر في خلاف ما ذكره بل الوجه إنما هو التقية بقرينة
التعليل المذكور.
وأجاب في الذكرى عن رواية الصيقل بالحمل على مغرب أمسه، قال وهو أولى
لرواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) الدالة على العدول. وفيه ما في سابقة من
المنافاة لظاهر التعليل بل الوجه إنما هو ما ذكرناه وهو الذي صرح به المحدث الكاشاني
في الوافي، فانظر إلى هذه الأخبار التي استندوا إليها بعين الاعتبار وترجيحهم لها على تلك
الأخبار الرفيعة المنار الساطعة الأنوار مع ما اشتملت عليه مما أوضحنا لك بيانه من هذه
الأكدار، فتأولوا لأجلها تلك الأخبار بالحمل على الاستحباب وأنه لمن العجب العجاب
عند من أعطى الانصاف حقه في هذا الباب فاعتبروا يا أولي الألباب.
وأما باقي الأدلة التي أوردوها فهي في الضعف أوهن من بيت العنكبوت وأنه
لأوهن البيوت، أما الأصل فمع تسليمه فإنه يجب الخروج عنه بالدليل وقد أوضحناه،
وهم قد يخرجون عنه بما هو أقل من هذه الأخبار كما لا يخفى على من جاس خلال الديار
وأما لزوم العسر والحرج - والظاهر أنه أشار إلى ما ذكره المرتضى (رضي
الله عنه) من المنع من أكل ما يزيد على سد الرمق ونحوه - فسيأتي بيان الجواب عنه
إن شاء الله تعالى.
وأما عموم آي الصلاة فالجواب عنه بما أجيب به عن الأصل إذ لا خلاف بينهم
ولا اشكال في تخصيص عمومات القرآن وتقييد مطلقاته بالأخبار وإن كان خبرا واحدا
فضلا عن هذه الأخبار المتعددة، وما عارضوها به من أخبارهم المتقدمة فقد عرفت
ضعفه عن المعارضة وتبين قوة القول بها والتعويل عليها.
وأما الاستناد إلى الإقامة والأذان - كما ذكره وتبعه عليه جملة من الأعيان
348

كصاحب المدارك وغيره فهو مما يقضى منه العجب عند ذوي الأفهام والأذهان لاستفاضة
الأخبار بل ربما يدعى الضرورة من الدين بأنهما من جملة الصلاة وإن كانا من
مستحباتها فكيف يعترض بهما على وجوب تقديم الفائتة أو يعترض بهما على منافاة
الفورية. وبالجملة فإن الواجب هو قضاء الصلاة التي هي عبارة عن الأذان والإقامة وما
بعدهما لا أن القضاء إنما يختص بتكبيرة الاحرام وما بعدها، غاية الأمر أن الشارع رخص
لمن عليه صلوات متعددة أن يأتي بأذان واحد في أول ورده ويكتفي في الباقي بإقامة إقامة
وأما بالنسبة إلى الروايات المتضمنة لجواز النافلة لمن عليه فريضة كما ذكره في
المدارك ففيه (أولا) أن ظاهر ما قدمه في بحث الأوقات هو التوقف في هذه المسألة كما
قدمنا ذكره في المسألة المذكورة. و (ثانيا) أن هذه الروايات معارضة بجملة من الروايات
الصحاح الصراح الدالة على العدم كما تقدم تحقيقه في المسألة المذكورة.
أقول: أنظر رحمك الله تعالى إلى ما لفقوه في هذه المسألة من هذه الأدلة العليلة
والحجج الواهية الضئيلة وخرجوا بها عن تلك الأخبار الصحاح الصراح التي هي في الدلالة
على المراد كضوء المصباح بل أسفار الصباح وتأولوها بالحمل على الاستحباب الذي
لا مستند له من سنة ولا كتاب وإن عكفوا عليه في جميع الأبواب.
(الموضع الثالث) - في نقل أجوبتهم عن الأدلة التي قدمناها واعتمدنا عليها
في المقام والجواب عنها بوجوه شافية وافية ظاهرة لذوي الأذهان والأفهام، ولنكتف
هنا بما ذكره السيد السند في المدارك لأنه نقل ما ذكره من تقدمه وزاد على ذلك:
فنقول: قال (قدس سره) في الكتاب المذكور: احتج القائلون بالتضييق
بالاجماع والاحتياط وأنه مأمور بالقضاء على الاطلاق والأوامر المطلقة للفور وقوله تعالى:
" وأقم الصلاة لذكري " (1) والمراد بها الفائتة لقوله (عليه السلام) في رواية
زرارة (2) " ابدأ بالتي فاتتك فإن الله تعالى يقول وأقم الصلاة لذكري " وما رواه الشيخ

(1) سورة طه، الآية 14.
(2) ص 340.
349

في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ثم ساق الرواية وهي صحيحة زرارة
الطويلة التي صدرنا بها الأخبار الدالة على القول المختار، واقتصر عليها ولم يورد غيرها
من الأخبار التي قدمناها، ثم قال: والجواب أما عن الاجماع فبالمنع منه في موضع
النزاع خصوصا مع مخالفة ابني بابويه اللذين هما من أجلاء هذه الطائفة واحتمال وجود
المشارك لهم في الفتوى. وأما عن الاحتياط فبأنه إنما يفيد الأولوية لا الوجوب مع أنه
معارض بأصالة البراءة. وأما قولهم الأوامر المطلقة للفور فممنوع بل الحق أنها تدل على
طلب الماهية من غير اشعار بفور ولا تراخ، قال في المعتبر ولو قالوا ادعى المرتضى أن
أوامر الشرع على الضيق، قلنا يلزمه ما علمه وأما نحن فلا نعلم ما ادعاه، على أن
القول بالتضيق يلزم منه منع من عليه صلوات كثيرة أن يأكل شبعا أو ينام زائدا على
الضرورة أو يتعيش إلا لاكتساب قوت يومه له ولعياله وأنه لو كان معه درهم ليومه حرم
عليه الاكتساب حتى تخلو يده والتزام ذلك مكابرة صرفة والتزام سوفسطائي (ولو قيل)
قد أشار أبو الصلاح إلى ذلك (قلنا) فنحن نعلم من المسلمين كافة خلاف ما ذكره فإن أكثر
الناس يكون عليهم صلوات كثيرة فإذا صلى الانسان منهم شهرين في يومه استكثره
الناس. وأما الآية فلو سلم اختصاصها بالفائتة لم تدل على أزيد من الوجوب ونحن نقول
به ولا يلزم منه التضيق، مع أن الظاهر تناولها للحاضرة والفائتة، وذكر المفسرون
أن معنى قوله " لذكري " إن الصلاة تذكر بالمعبود وتشغل اللسان والقلب بذكره،
وقيل إن المراد لذكري خاصة لا ترائي بها ولا تشيبها بذكر غيري، وقيل إن المراد
لأني ذكرتها في الكتب وأمرت بها. وهذه الوجوه كلها آتية في مطلق الصلاة الحاضرة
والفائتة. وأما عن الرواية فبالحمل على الاستحباب جمعا بينها وبين صحيحة ابن سنان
المتضمنة للأمر بتقديم الحاضرة على الفوائت المتعددة، واعمال الدليلين أولى من اطراح
أحدهما خصوصا مع اشتهار استعمال الأوامر في الندب. انتهى كلامه زيد مقامه.
وفيه نظر من وجوه: (الأول) ما ذكره في الجواب عن الاجماع وإن كنا
350

لا نرى العمل بهذه الاجماعات المتناقلة إلا أنا نجيب عن ذلك إلزاما بمقتضى قواعدهم المقررة
بينهم وهو أنهم قد صرحوا في الأصول بأن مخالفة معلوم النسب غير قادح في الاجماع فإذا
ادعى الاجماع من المتقدمين على هذا الحكم فمخالفة ابني بابويه بناء على ما قرروه غير مانعة
من حجيته، وأما المتأخرون فهم محجوجون به بمقتضى قواعدهم فإنه متى كان الاجماع
المنقول بخير الواحد حجة كما هو المذكور في أصولهم ومخالفة معلوم النسب غير قادح
في دعوى الاجماع فكيف ساغ لهم الخروج عنه والقول بخلافه وهو أحد الأدلة الشرعية
عندهم؟ وأما الاطراء على ابني بابويه في هذا الموضع بأنهم من أجلاء الطائفة حيث وافقوا
ما اختاره ففيه أن مقتضى هذه الاطراء اتباعهما في كل ما ذهبا إليه ولا أراه يقول به،
وأما احتمال وجود المشارك فهو أضعف فإنه إذا كان وجود المخالف المعلوم النسب غير قادح
فكيف بالاحتمال؟ وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا خفاء فيه كما لا يخفى على الفطن النبيه.
و (الثاني) - ما ذكره - من منع دلالة الأمر على الفور - فإن فيه أنه ربما كان
يذهب ذلك القائل إلى القول بذلك والمسألة قد حققت في الأصول، والحق فيها وإن
كان هو ما ذكره (قدس سره) من أن الأمر إنما يدل على مجرد الطلب من غير اشعار
بتراخ ولا فورية ولكن الذي نقوله نحن هنا أن الأوامر لم تقع هنا مطلقا كما توهمه بل
وقعت مقيدة بساعة الذكر كما دلت عليه الآية والأخبار التي قدمناها والقول بالمضايقة
إنما نشأ من ذلك، ولهذا دلت الروايات الصحيحة على وجوب العدول من الحاضرة
لو ذكر الفائتة في أثنائها كما تكرر في صحيحة زرارة الطويلة المتقدمة وغيرها وما ذاك
إلا لأن الوقت لا يصلح لغيرها بل هو مختص بها، وهكذا ما دام الوقت متسعا مع
تعدد الفوائت إلى أن تتضيق الحاضرة، وهذا كله إنما نشأ من التضييق كما لا يخفى على
من شرب بكأس التحقيق فالأوامر هنا ليست مطلقة كما ظنه.
ولهذا أن الفاضل الخراساني في الذخيرة استشعر ما ذكرناه وأجاب بجواب آخر
فإنه - بعد أن منع الفورية بكلام المحقق في المعتبر الذي تقدم نقله - قال ما صورته:
351

والأولى للمستدل أن يقول وقع الأمر بالفائتة عند الذكر ومقتضى ذلك عدم جواز
التأخير، ثم أجاب بأن النصوص محمولة على بيان مبدأ الوجوب أو على الاستحباب
جمعا.. إلى آخره.
وأنت خبير بما في ذلك من التعسف والتكلف الذي لا ضرورة تلجئ إليه
بعد وضوح الدلالة على ما ادعيناه وانطباقها عليه، وأي ثمرة تترتب على هذا القيد
والحال أن مبدأ الوجوب معلوم من تحقق الخطاب بالاتيان بالمأمور به، فإن السيد إذا
قال لعبده افعل غيره مقيد بزمان ولا شرط علم أن مبدأ الوجوب من ذلك الوقت،
وكذلك إذا قال الشارع " من فاتته صلاة فليقضها " فإنه لا ريب أن مبدأ الوجوب من علم
المكلف بالفوائت مع علمه بالحكم غاية الأمر أنه يكون وجوبا موسعا. فأي ثمرة تترتب
على هذا القيد والتقييد بساعة الذكر لو لم يكن التضييق مرادا؟ ومن أظهر الروايات زيادة
على ما قدمناه فيها ذكرناه رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " إذا
نسي الرجل صلاة أو صلاها بغير طهور وهو مقيم أو مسافر فذكرها فليقض الذي وجب
عليه لا يزيد على ذلك ولا ينقص، ومن نسي أربعا فليقض أربعا حين يذكرها مسافرا
كان أو مقيما، وإن نسي ركعتين صلى ركعتين إذا ذكر مسافرا كان أو مقيما " فانظر
إلى ظهوره في كون الأمر بالقضاء مقيدا بحين الذكر فكأنه قال: " فليقض في هذا
الوقت " تحقيقا للظرفية، ونحوها غيرها من الروايات المتقدمة وأما ما ذكره من الحمل
على الاستحباب فسيأتي ما فيه قريبا إن شاء الله تعالى في المقام.
و (الثالث) - ما ذكره في المعتبر - من أن القول بالتضييق يلزم منه منع من
عليه صلوات كثيرة.. الخ - فإنه ممنوع وإنما اللازم منه وجوب المبادرة إلى ايقاعها
في أي وقت ذكرها مقدمة على غيرها كسائر الواجبات الفورية كما دلت عليه الأخبار
المعتمدة. نعم يأتي ما ذكره على قول من يذهب إلى أن الأمر بالشئ يستلزم النهي

(1) المروية في الوسائل في الباب 6 من قضاء الصلوات.
352

عن ضده الخاص فإنه منه المنع من جميع ما ذكره، وهذا ليس مختصا بما نحن فيه بل هو
فرع القول بتلك المسألة في كل مأمور به فورا، ولعل بعض من قال بالمضايقة يذهب
في تلك المسألة الأصولية إلى القول بأن الأمر بالشئ يستلزم النهي عن ضده الخاص
فصرح هنا بما نقله، وحينئذ فما أطال به - من تعديد تلك الالزامات وقوله بعد ذلك
" أن التزام ذلك مكابرة صرفة.. الخ - غير وارد على القول بالمضايقة وإنما هو ناشئ
عن تلك المسألة الأصولية. وتصريح المرتضى (رضي الله عنه) بما شنعوا به عليه لعله
إنما نشأ عن هذا القول في تلك المسألة فإنها مما طال فيها بينهم النزاع والجدال وأكثروا فيها من
القيل والقال وصنفت فيها الرسائل وأكثروا فيها من الدلائل. وبالجملة فإن الذي دلت
عليه الآية والروايات المتقدمة بأصرح دلالة هو القول بوجوب القضاء حين الذكر فيصير
من قبيل الأوامر الواجبة الفورية كالأمر بالحج والأمر بقضاء الدين بعد الحلول عند
المطالبة والتمكن من الأداء ونحو ذلك من الأوامر الموجبة لتأثيم المكلف بالاخلال بها
مع التمكن، وأما أنه لا يجوز له الأكل والشرب ونحو ذلك من الأضداد الخاصة كما أطالوا به
التشنيع على هذا القول فإنه تطويل بغير طائل وتشنيع لا يرجع إلى حاصل، لأن ذلك
فرع ذلك القول في المسألة الأصولية فإن كل من قام عنده الدليل فيها على ذلك القول
فله أن يفرع ما ذكر وأمثاله وإلا فلا ولا خصوصية له بهذا المسألة. وبذلك يظهر ما في
كلام جملة من المتأخرين التابعين للمحقق في هذا التشنيع كما تقدم الإشارة إليه في كلام
الذكرى وكذا غيره.
و (الرابع) - ما ذكر المحقق المذكور - من أن أكثر الناس عليهم صلوات
كثيرة وأنه إذا صلى الانسان شهرين في يوم استكثره الناس - فإنه كلام لا طائل تحته
ولا ثمرة تترتب عليه، وذلك فإنه إذا قام الدليل في تلك المسألة الأصولية على ما ذهبوا
إليه من استلزام الأمر بالشئ النهي عن ضده الخاص كما ذهب إليه طائفة من أصحابنا:
منهم - العلامة والمحقق الأردبيلي وغيرهما ونفى عنه البعد السيد السند في المدارك لزم وجوب
353

الاتيان بالفوائت والمنع مما عداها ولو بأن يقضي سنة كاملة في يوم، واستكثار الناس
ذلك لا مدخل له في الأحكام الشرعية إذا قامت الأدلة عليها. ثم أي ناس يريد بأولئك
الناس فإن أراد العامة الذين هم من النسناس فلا حجة فيه ولا عبرة به وإن أراد من هم
المرجع في الأحكام الشرعية فهم يفرعون ذلك على تلك المسألة الأصولية على أن لقائل
أن يمنع صحة تلك الدعوى إذ من البعيد تعمد ترك الفرائض والصلوات أو نسيانها على
وجه يصل إلى حد الكثرة من واحد فضلا عن كثير من الناس لا عن الأكثر، هذا
كله على تقدير ثبوت ما ادعى في تلك المسألة الأصولية وإلا فمع عدم الثبوت كما هو
المشهور والمؤيد المنصور وأن الأمر بالشئ إنما يستلزم النهي عن الضد العام لا يستلزم
شيئا مما ذكروه، على أنهم قد صرحوا في وجوب إزالة النجاسة عن المسجد وقضاء الدين
ونحوهما من الواجبات الفورية بنحو ذلك، وقد منعوا من الصلاة إلا في آخر الوقت ومن
كل ضد خاص ينافي الاشتغال بذلك المأمور به بناء على ما اختاروه في تلك المسألة
الأصولية، وما نحن فيه كذلك.
و (الخامس) - ما ذكره السيد المذكور من أنه مع تسليم اختصاص الآية
بالفائتة فلا دلالة لها على أمر أزيد من الوجوب... إلى آخره فإن فيه أنه إن أراد
بالنظر إلى لفظ الأمر فيها فهو مسلم ولكن بالنظر إلى الروايتين الواردتين بتفسير الآية
المذكورة يظهر تقييد الوجوب بحين الذكر، وحينئذ فالآية بناء على تفسيرهم (عليهم
السلام) لها بما ذكروه ظاهرة في المدعى. وأما ما أطال به من الاحتمالات التي نقلها عن
المفسرين فسيأتي ما فيه مما يكشف عن ضعف باطنه وخافيه، ونحن إنما استدللنا بالآية
بناء على تفسيرهم (عليهم السلام) لها بما ذكرناه (فإن قيل) إن الاعتماد حينئذ على
الأخبار لا على الآية إذ الآية في حد ذاتها خالية عن ذلك كما اعترفتم به (قلنا) هذه
مغلطة لا تروج إلا على ضعيفي الأذهان من البله والنساء والصبيان فإنه لو تم ذلك للزم
أن العامل بكلام المفسرين للقرآن إنما عمل بأقوال العلماء لا بالقرآن والمتلقي لحل حديث
354

من أخبارهم (عليهم السلام) عن شيخه لم يكن معولا إلا على كلام شيخه لا على كلام الإمام
(عليه السلام) ولا يخفى أن المفسر لكلامه (عز وجل) إنما هو مخبر عنه (عز وجل)
بأن مراده بهذا الكلام هذا المعنى ولهذا منعنا عن العمل بتفسير غيرهم (عليهم السلام)
كما ظهر وسيظهر لك انشاء الله تعالى بيانه ويثبت بنيانه.
و (السادس) - ما ذكره أيضا (قدس سره) من أن الظاهر تناول الآية
للحاضرة والفائتة واعتضاده في ذلك بكلام المفسرين وإن كان قد سبقه إليه جده في
الروض والشهيد في الذكرى وغيرهما فإن فيه ما يقضى منه العجب العجاب عند من
مارس أخبار الأئمة الأطياب وما ورد عنهم في الباب، فإنه قد استفاضت الأخبار عنهم
(عليهم السلام) بالمنع من تفسير القرآن ولا سيما مجملاته ومتشابهاته إلا بالأخذ عنهم
(عليهم السلام) وقد قدمنا ذكر ذلك في مقدمات الكتاب.
ونزيده هنا بيانا بما رواه العياشي في تفسيره عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: " من فسر القرآن برأيه إن أصاب لم يؤجر وإن أخطأ خر أبعد من السماء ".
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) (2) قال: " ما ضرب القرآن رجل
بعضه ببعض إلا كفر "
وروى غير واحد من أصحابنا عن النبي (صلى الله عليه وآله) (3) قال: " من
فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار ".
وحمل الرأي على الميل الطبيعي المترتب على الأغراض الفاسدة كما احتمله بعضهم
بعيد غاية البعد كما أوضحناه في كتابنا الدرر النجفية.
وما رواه البرقي في كتاب المحاسن في باب (أنزل الله في القرآن تبيان كل
شئ) عن أبيه عن الحسن بن علي بن فضال عن ثعلبة بن ميمون عن من حدثه عن المعلى
ابن خنيس (4) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) في رسالة: وأما ما سألت عن

(1) الوسائل الباب 13 من صفات القاضي وما يقضي به.
(2) الوسائل الباب 13 من صفات القاضي وما يقضي به.
(3) الوسائل الباب 13 من صفات القاضي وما يقضي به.
(4) الوسائل الباب 13 من صفات القاضي وما يقضي به.
355

القرآن فذلك أيضا من خطراتك المتفاوتة المختلفة لأن القرآن ليس على ما ذكرت وكل ما
سمعت فمعناه غير ما ذهبت إليه وإنما القرآن أمثال لقوم يعلمون دون غيرهم ولقوم يتلونه
حق تلاوته وهم الذين يؤمنون به ويعرفونه فأما غيرهم فما أشد اشكاله عليهم وأبعده
من مذاهب قلوبهم، ولذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه ليس شئ با بعد
من قلوب الرجال من تفسير القرآن وفي ذلك تحير الخلائق أجمعون إلا من شاء الله
وإنما أراد الله بتعميته في ذلك أن ينتهوا إلى بابه وصراطه وأن يعبدوه وينتهوا في قوله
إلى طاعة القوام بكتابه والناطقين عن أمره وأن يستنبطوا ما احتاجوا إليه من ذلك
عنهم (عليهم السلام) لا عن أنفسهم، ثم قال: " ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم " فأما غيرهم فليس يعلم ذلك أبدا ولا يوجد
وقد علمت أنه لا يستقيم أن يكون الخلق كلهم ولاة الأمر إذ لا يجدون من يأتمرون
عليه ولا من يبلغونه أمر الله ونهيه فجعل الله تعالى الولاة خواصا ليقتدي بهم من لم
يخصصهم بذلك فافهم ذلك أن شاء الله تعالى، وإياك وتلاوة القرآن برأيك فإن الناس
غير مشتركين في علمه كاشتراكهم فيما سواه من الأمور ولا قادرين عليه ولا على تأويله
إلا من حده وبابه الذي جعله الله له فافهم إن شاء الله تعالى واطلب الأمر من مكانه
تجده إن شاء الله تعالى ".
أقول: لو لم يرد إلا هذا الحديث الشريف لكفى به حجة في ما قلناه كيف
والأخبار بذلك مستفيضة كما بسطنا الكلام عليه في كتاب الدرر النجفية وأشرنا إلى
ذلك في مقدمات الكتاب، وحينئذ فكيف يجوز لمن وقف على هذه الأخبار وتأملها
بعين الاعتبار أن يستند في تفسير مثل هذه الآية التي هي من متشابهات القرآن إلى
تفسير هؤلاء المفسرين الضالين المضلين؟ وما نقله عن المفسرين فهو مأخوذ من تفسير
البيضاوي فإنه ذكر هذه الاحتمالات (2) ثم قال في آخرها: أو لذكر صلاتي لما روي عنه

(1) سورة النساء، الآية 85.
(2) ص 262.
356

(عليه الصلاة والسلام) قال: " من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها أن الله
تعالى يقول: وأقم الصلاة لذكري ". على أن المفهوم من كلام أمين الاسلام الطبرسي في
مجمع البيان أن ما ذكرناه هو الذي عليه أكثر المفسرين فإنه روى في الكتاب المذكور
عن الباقر (عليه السلام) قال: إن معنى الآية أقم الصلاة متى ذكرت أن عليك صلاة
كنت في وقتها أم لم تكن. ونسبه إلى أكثر المفسرين ثم قال ويعضده ما رواه أنس أن
النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها
غير ذلك وقرأ أقم الصلاة لذكري " رواه مسلم في الصحيح (1) انتهى. ومن ذلك
يعلم اتفاق روايات الخاصة والعامة على تفسير الآية بما ذكرناه، وحينئذ فلا مجال للحمل
على هذه الاحتمالات وضرب الصفح عن الروايات وهل هو إلا من المغالطات والمجازفات؟
ثم العجب منه في ذكر هذه الاحتمالات عن البيضاوي وعدم ذكره وعدم ذكره الاحتمال الأخير
المؤيد بالرواية لكونه ظاهرا في الرد عليه.
(والسابع) - ما ذكره - من حمل صحيحة زرارة الطويلة التي ذكرها على
الاستحباب جمعا بينها وبين صحيحة ابن سنان... إلى آخر ما ذكر في المقام - فإن فيه:
(أولا) أنك قد عرفت أن المخالفة ليست مخصوصة بصحيحة زرارة بل
بجملة الروايات التي قدمناها وقد عرفت أنها مستفيضة متكاثرة لا تبلغ هذه الرواية قوة
في معارضة الصحاح منها فضلا عن الجميع الذي يقرب من عشرين رواية، والجمع بمقتضى
قاعدته في غير موضع فرع التكافؤ في الصحة والدلالة وقد عرفت ما في دلالة روايته
من المطاعن، فالواجب هو العمل بتلك الأخبار وجعل التأويل في جانب هذه الرواية
لا العكس كما زعمه سيما مع ما عليه الرواية المذكورة من تكرار هذا الحكم فيها الموجب
لتأكده وتقويته، ما هذه إلا مجازفة ظاهرة.
و (ثانيا) - ما قدمناه في غير مكان من أن هذه القاعدة وإن اشتهرت بينهم

(1) ج 1 ص 257.
357

في الجمع بين الأخبار بحمل النهي على الكراهة والأمر على الاستحباب إلا أنه لا مستند
لها من سنة ولا كتاب ومقتضى القواعد المروية عن أهل العصمة (عليهم السلام) هو
عرض الأخبار على القرآن والأخذ بما وافقه، وقضية الترجيح بهذه القاعدة العمل
بالأخبار التي ذكرناها وطرح هذا الخبر في مقابلتها، والتشبث بما ذكره من أن أعمال
الدليلين أولى من طرح أحدهما من البين من الاجتهادات الصرفة لما تقدم بيانه في المقدمة
السادسة من مقدمات الكتاب، ونزيده بيانا هنا فنقول لا ريب أنه قد استفاضت
الأخبار بطرح ما خالف القرآن في مقام الترجيح بالعرض على الكتاب وطرح ما وافق العامة
في مقام عرض الأخبار على مذهب العامة وطرح ما خالف الأشهر في الرواية في مقام الترجيح
بذلك أيضا (1) فإذا أمر الأئمة (عليهم السلام) بطرح الأخبار في هذه المقامات ونحوها
ورخصوا في ذلك فهل يليق ممن يعمل بأخبارهم ويتمسك بآثارهم أن يضرب عن ذلك
صفحا ويعتمد على هذه القاعدة التي ابتدعوها والمغالطة التي اخترعوها؟ ما هذا إلا
اجتهاد في مقابلة النصوص وجرأة على أهل الخصوص
و (ثالثا) - أنه لو سلم له ذلك في الأخبار فلا يتم في الآية لاتفاقهم على كون
الأوامر القرآنية للوجوب إلا ما خرج بدليل، وقد عرفت مما قدمناه تأكد دلالتها على
الوجوب بمعونة الأخبار سيما الأخبار الواردة في تفسيرها فكيف يمكن حملها على الاستحباب؟
و (رابعا) - أنهم قد حققوا في الأصول أن الأمر حقيقة في الوجوب وبه
استدل هذا القائل في غير موضع من كتابه بل ذهب في جملة من المواضع إلى دلالة
الجملة الخبرية على ذلك أيضا وهو المؤيد بالآيات القرآنية والأخبار المعصومية كما تقدم
في مقدمات الكتاب، ولا ريب أن الحمل على الاستحباب مجاز لا يصار إليه إلا مع
القرينة، ومجرد اختلاف الأخبار ليس من قرائن المجاز. وأيضا فالاستحباب حكم شرعي
يتوقف على الدليل الواضح كالوجوب والتحريم واختلاف الأخبار ليس دليلا شرعيا

(1) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يقضي به.
358

على ذلك، والاستناد إلى اشتهار استعمال الأمر في الندب كما ذكره مردود بأنه إن كان
ثمة قرينة توجب الخروج عن الحقيقة فلا دلالة فيه وإلا فهو ممنوع بل هو أول المسألة.
تذييل جميل وتكميل نبيل
اعلم أن ممن ذهب إلى القول بالمواسعة السيد الجليل ذو المقامات والكرامات
رضي الدين بن علي بن طاووس في رسالة صنفها في المسألة وذكر فيها الاستدلال ببعض
الأخبار المتقدمة في أدلة القائلين بالمواسعة وزاد عليها أخبارا غريبة اطلع عليها من
الأصول التي عنده، والفاضل الخراساني في الذخيرة لما اختاره هذا القول في الكتاب
المذكور أطال في الاستدلال عليه بأدلة جمع فيها بين الغث والسمين والعاطل والثمين
ونقل فيها تلك الأخبار الغريبة التي ذكرها السيد المشار إليه في رسالته، فرأينا نقل كلامه
في المقام والكلام على ما فيه من نقض وإبرام وتحقيق ما هو الحق الظاهر لذوي
الأفهام لئلا يغتر بكلامه من لا يعض على المسألة بضرس قاطع ويظن ما ذكره شرابا
وهو سراب لامع:
قال (قدس سره) والأقرب عندي القول بالمواسعة، لنا اطلاقات الآيات الدالة
على وجوب إقامة الصلاة المتحققة لكل وقت إلا ما خرج بالدليل، وقوله تعالى: " أقم
الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل " (1) والأخبار الدالة على ذلك كقوله (عليه
السلام) (2) " إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر " وأوضح منها دلالة
صحيحة سعد بن سعد (3) قال: " قال الرضا (عليه السلام) إذا دخل الوقت عليك
فصلها فإنك لا تدري ما يكون " ثم نقل صحيحة عبد الله بن سنان ورواية أبي بصير
السابقتين ثم نقل صحيحة سعيد الأعرج (4) الدالة على أنه (صلى الله عليه وآله) نام

(1) سورة بني إسرائيل، الآية 80.
(2) الوسائل الباب 4 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 3 من المواقيت.
(4) المروية في الوسائل في الباب 2 من قضاء الصلوات.
359

عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس ثم قام فبدأ فصلى الركعتين قبل الفجر ثم صلى الفجر
ثم نقل موثقة عمار الساباطي المتقدمة (1) الدالة على أنه من ذكر المغرب في وقت العتمة
تخير في تقديم أيهما شاء، وحمل المغرب فيها على مغرب أمسه، ثم نقل رواية أخرى
عن عمار أيضا وهي ما رواه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " سألته عن
الرجل ينام عن الفجر حتى تطلع الشمس وهو في سفر كيف يصنع أيجوز له أن يقضي
بالنهار؟ قال لا يقضي صلاة نافلة ولا فريضة بالنهار ولا يجوز له ولا يثبت له ولكن يؤخرها
فيقضيها بالليل " ثم نقل عن عمار في خبر آخر (3) قال: " فإذا أردت أن تقضي شيئا
من الصلاة مكتوبة أو غيرها فلا تصل شيئا حتى تبدأ فتصلي قبل الفريضة التي حضرت ركعتين
نافلة لها ثم اقض ما شئت " ثم نقل صحيحة محمد بن مسلم (4) وحسنة الحلبي (5) المتضمنتين
للسؤال عن من فاتته صلاة النهار قال يقضيها إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء، ثم
نقل رواية أبي بصير الدالة على ذلك (6) ثم قال: وجه الدلالة في هذه الأخبار الثلاثة أن صلاة
النهار أعم من الفريضة والنافلة، ثم نقل رواية جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) (7)
قال: " قلت له يفوت الرجل الأولى والعصر.. الخبر " ثم رواية الحسن الصيقل ثم
رواية علي بن جعفر، وقد تقدم جميع ذلك في أدلة القائلين بالمواسعة، ثم نقل رواية من كتاب
الحسين بن سعيد (8) وهي إحدى الروايات الغريبة من روايات السيد المتقدم بما هذا
لفظه: صفوان عن عيص بن القاسم قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل
نسي أو نام عن الصلاة حتى دخل عليه وقت صلاة أخرى؟ فقال إن كانت صلاة الأولى فليبدأ
بها وإن كانت صلاة العصر فليصل العشاء ثم يصلي العصر " ثم نقل عن أصل عبيد الله الحلبي
وهذا أيضا من أخبار السيد المذكور (9) ما هذا لفظه " ومن نام أو نسي أن يصلي المغرب

(1) ص 345.
(2) رواه في الوسائل في الباب 2 من قضاء الصلوات.
(3) رواه في الوسائل في الباب 2 من قضاء الصلوات.
(4) الوسائل الباب 39 من المواقيت.
(5) الوسائل الباب 39 من المواقيت.
(6) ص 344.
(7) رواه في الوسائل في الباب 2 من قضاء الصلوات.
(8) البحار ج 18 الصلاة ص 683.
(9) البحار ج 18 الصلاة ص 683.
360

والعشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر بمقدار دما يصليهما جميعا فليصلهما وإن استيقظ
بعد الفجر فليصل الفجر ثم يصل المغرب ثم العشاء " ثم قال: ومما يؤيد المطلوب الأخبار
الدالة على كراهة الصلاة مطلقا في الأوقات المكروهة وقد سلفت في محلها وفي بعضها
تصريح بالقضاء كقوله (عليه السلام) في موثقة عمار الساباطي (1) " وقد سأله عن
الرجل إذا غلبته عيناه أو عاقه أمر عن صلاة الفجر: فإن طلعت الشمس قبل أن يصلي
ركعة فليقطع الصلاة ولا يصلي حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها " والأخبار الدالة على
استحباب الأذان والإقامة لقاضي الصلاة (2) إلى أن قال: ومما يؤيد المطلوب أن القول
بالمضايقة على الوجه الذي ذكر يتضمن حرجا عظيما وعسرا بالغا ومشقة شديدة لأنه
يحتاج إلى ضبط الأوقات ومعرفة الساعات والرصد لآخر كل صلاة وضبط انتصاف الليل
ومعرفة طلوع الشمس وغروبها وضبطها بحيث يتحقق اتمام الحاضرة عنده، ولا شك
في كون هذه الأشياء من أعظم الحرج. وكذا ما ذكره جماعة منهم من الاقتصار على
أقل ما يحصل به التعيش بتضمن حرجا عظيما وتعطيلا في الأمور وتفويتا للأغراض، وقد
يدعى الاجماع من فقهاء الأعصار والأمصار على بطلان ذلك. انتهى كلامه زيد اكرامه.
أقول: لا يخفى ما فيه من التطويل الذي ليس عليه مزيد تعويل، فأما ما ذكره
- من الاستدلال بالعمومات الدالة على الأمر بالصلاة بدخول الوقت والمسارعة لها
والعمومات الدالة على جواز قضاء النوافل في كل وقت ونحوها - ففيه أنه قد وقع الاتفاق
منهم على عدم العمل بها على عمومها بل خصصوها بأدلة من خارج في مواضع كما أشار إليه
بقوله: " إلا ما خرج بالدليل " فليكن ما نحن فيه من ذلك القبيل لقيام تلك الأدلة التي قدمناها
آية ورواية على المنع من الصلاة والحال كذلك، والأمر بتقديم الفائتة وتأخير الحاضرة
إلى آخر وقتها والعدول عنها لو ذكر في الأثناء، فيكون عموم الأخبار والآيات التي ذكرها

(1) المروية في الوسائل في الباب 26 و 30 من أبواب المواقيت.
(2) راجع التعليقة 6 ص 345.
361

مخصصا بما ذكرناه، على أنهم قد صرحوا في الأصول بأنه لا يجوز العمل بالعام قبل
استقصاء البحث في طلب المخصص بل قال جماعة منهم أنه ممتنع اجماعا، فعلى هذا إنما
يستدل بالعام بعد الطلب لكل ما يصلح للتخصيص، وحينئذ فلا حجة في الاستدلال
بالعام على الخصم لصراحة المخصص في التخصيص وقبول العام له. وأما حمل ذلك المخصص
على ما هو بعيد عن سياق عبارته ومفاد ألفاظه - بدعوى مقابلته بما هو أرجح منه
فيخرج عن التخصيص للعام - فهو مسلم بعد ثبوت تلك الدعوى وحيث لم تثبت فالتخصيص
ثابت. والاستدلال بالعام هنا على المسألة التنازع فيها مع كون الاستدلال متوقفا على
عدم صلوح المخصص المشار إليه للتخصيص دور كما لا يخفى.
وأما الجواب عن صحيحة عبد الله بن سنان ورواية أبي بصير فقد تقدم في الجواب
عن كلام صاحب المدارك وتحقيقه ما تقدم في بحث الأوقات. وأما صحيحة سعيد
الأعرج فقد تقدم أيضا الجواب عنها في الأوقات. وأما موثقة عمار الأولى فقد تقدم
الجواب عنها أيضا وأما روايته الثانية فهي مخالفة للكتاب والسنة والاجماع وما هذا
سبيله فلا تقوم به الحجة إلا على الرعاع العادمي الأبصار والأسماع، إذ جواز القضاء بالنهار
ثابت بالثلاثة المذكورة، وبالجملة فإنه ليس في الاستدلال بمثل هذا الخبر إلا تكثير السواد
وإضاعة القرطاس والمداد، وهذا من جملة أخبار السيد المتقدم ذكره في رسالته أيضا.
وأما الخبر الثالث عن عمار أيضا فظاهره كما ترى النهي عن القضاء في المكتوبة وغيرها
حتى يصلي نافلة قبل الفريضة التي حضر وقتها ثم يقضي، وليس فيه تصريح بتقديم
الفريضة التي هي صاحبة الوقت على القضاء وإنما تضمن صلاة ركعتين نافلة ثم القضاء،
ومفاده تحريم القضاء أو كراهته على غير هذه الكيفية، ولا أعرف به قائلا ولا عاملا
إلا أن يكون هذا المستدل الذي أورده واعتمده دليلا إذ هو مقتضى استدلاله ولعله
يقول به وأمثاله من أخباره المتقدمة وكفى به شناعة.
فانظر أيدك الله تعالى إلى هذه الأدلة المخالفة لأصول المذهب وقواعده كما عرفت
362

ولا سيما روايات عمار.
ولله در المحدث الكاشاني في الوافي حيث قال - في موضع منه بعد نقل بعض
أخباره المخالفة وبعد أن تكلف في تأويله - ما صورته: هذا مع ما في روايته من الطعن
المشهور وما في رواياتهم من الخلل والقصور. وقال في موضع آخر بعد نقل بعض
رواياته التي من هذا القبيل: ولو كان الراوي غير عمار لحكمنا بذلك إلا أن عمارا ممن
لا يوثق بأخباره. وقال في ثالث - بعد أن نقل عنه حديثا دالا على المنع من الصلاة
متى أكل اللبن حتى يغسل يديه ويتمضمض - ما صورته: هذا مع ما في أخبار عمار
من الغرائب. انتهى.
وبالجملة فالواجب أولا في مقام الاستدلال ملاحظة الدليل فإن كان ما تضمنه
سالما من الطعن فلا بأس من ايراده والاستدلال به وإلا فلا، ومن الظاهر أن هذا
المستدل لا يقول بهذه الأخبار المتهافتة ولا سيما روايات عمار فكيف يحسن منه
الاستدلال بها ويروم إلزام الخصم بها؟ وأما الروايات الثلاث الدالة على قضاء صلاة
النهار إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء فقد عرفت أن المراد من صلاة النهار إنما
هو نافلة النهار كما هو المفهوم من كلام الأصحاب في هذا المقام وبه صرح هو وغيره من
الأعلام حيث أوردوها دليلا على جواز قضاء النوافل في الأوقات المذكورة كما قدمنا
تحقيقه في تلك المسألة، وعلى تقدير احتمال شمولها للفرائض فهي محمولة على تلك الروايات
الدالة على وجوب القضاء وفوريته ومخصصة بها إلا أن الأول هو المعتمد.
وأما روايتا الصيقل وعلي بن جعفر فقد تقدم الجواب عنهما وأما رواية عيص
ابن القاسم المنقولة من كتاب الحسين بن سعيد وما اشتملت عليه من التفصيل - وهذه
أيضا من روايات السيد المتقدم ذكره - فالجواب عنها ما تقدم في الجواب عن خبر الصيقل
فإن هذا الفرق بين الأولى والعصر إنما يتمشى على مذهب العامة وأصولهم ولا أظن
هذين الفاضلين المستدلين به يقولان بمضمونه فكيف يرومان الاستدلال به؟ وأما ما نقله
363

عن كتاب عبيد الله بن علي الحلبي - وهو أيضا من روايات السيد المتقدم - فهو مضمون
ما دلت عليه صحيحة عبد الله بن سنان ورواية أبي بصير فالجواب عنه عين الجواب عنهما
وقد تقدم والطعن عليه وارد كالطعن عليهما.
وأما ما ذكره من الأخبار الدالة على كراهة الصلاة مطلقا في الأوقات المكروهة
فهي غير معمول عليها عندنا ولا قائل بها منا، فإذا لم يقل هو ولا غيره بمضمونها فكيف
يسوغ له الاستدلال بها؟ بل هي محمولة على التقية البتة لمعارضتها بالأخبار الصحيحة
الصريحة المستفيضة الدالة على قضاء الفريضة في كل وقت سيما بعد العصر فإنه من سر
آل محمد المخزون (1) وكذا سائر تلك المواضع فريضة كانت أو نافلة، مضافا إلى اتفاق
الأصحاب على ذلك وإنما الكلام في المبتدأة كما تقدم.
وأما رواية عمار الدالة على المنع من قضاء صلاة الصبح والأمر بقطعها لو طلعت
عليه الشمس ولم يصل منها ركعة فهي مردودة بالأخبار المستفيضة الدالة على خلاف ذلك
عموما وخصوصا في الفريضة بل النافلة كما في صحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: " سألته عن الرجل ينام عن الغداة حتى تبزغ الشمس أيصلي
حين يستيقظ أو ينتظر حتى تنبسط الشمس؟ قال يصلي حين يستيقظ. قلت يوتر أو يصلي
الركعتين؟ قال بل يبدأ بالفريضة " وقد ورد في الأخبار (3) أن القضاء بعد الغداة وبعد
العصر من سر آل محمد المخزون. وبالجملة فالرواية لا قائل بها من الأصحاب ولا عاضد
لها من سنة ولا كتاب بل الأخبار في ردها ظاهرة لذوي الألباب فليس في ايرادها
وأمثالها مما تقدم إلا التطويل والاطناب سيما والراوي عمار الذي عرفت ما في رواياته
من العجب العجاب، والرواية المذكورة محمولة على التقية كما في نظائرها.
والعجب من هذا المستدل أن جميع ما أورده إلا النزر القليل لا يقول بمضمونه
كما لا يخفى على من راجع كتابه لمخالفته لأصول المذهب وقواعده فكيف يتوهم إلزام

(1) الوسائل الباب 39 و 45 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 61 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 39 و 45 من المواقيت.
364

الخصم به في المقام؟ ما هذا إلا عجيب كما لا يخفى على ذوي الألباب والأفهام.
وأما ما ادعاه من الحرج العظيم في ضبط الأوقات ومعرفة الساعات وضبط
انتصاف الليل وطلوع الشمس وغروبها فهل هو إلا رد على الشارع من حيث لا يشعر
قائله حيث إنه جعل هذه الأوقات حدودا للفرائض والصلوات وجعلها مناطا للأداء
والقضاء واختصاص الفريضة الثانية من آخره بمقدارها والأولى من أوله بمقدارها ونحو
ذلك والأمر في المقامين واحد، والحرج ليس دائرا مدار ما تنفر منه النفوس البشرية
وتستثقله الطبائع الانسانية وإن اقتضته الأدلة الشرعية وإلا لسقطت جملة من التكاليف
الشاقة كالجهاد والحج والصوم في الأيام الصائفة ونحو ذلك لنفور النفوس منها. وأما
ما ذكره من لزوم الحرج بالاقتصار على أقل ما يتعيش به فقد عرفت أنه ليس من لوازم
هذه المسألة بخصوصها.
وبما ذكرنا يظهر لك أن جميع ما ذكره إنما هو كغيم علا فاستعلى ثم فرقته الريح
فتفرق وانجلى. والله العالم.
(الموضع الرابع) - في بيان ضعف القولين الآخرين وهما ما ذهب إليه صاحب
المدارك تبعا للمحقق من وجوب تقديم الفائتة المتحدة دون المتعددة، وما ذهب إليه في
المختلف من وجوب تقديم الفائتة إن ذكرها في يوم الفوات سواء اتحدت أو تعددت،
وإن لم يذكرها حتى يمضي ذلك اليوم جاز له فعل الحاضرة في أول وقتها.
فأما القول الأول فيرده (أولا) أنه إنما استدل على جواز تقديم الحاضرة على
الفوائت المتعددة بصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة التي قد عرفت تطرق الطعن إليها
بما قدمناه، ولكن عذره في الاستدلال بها ظاهر حيث إنه في باب الأوقات استدل بها
على امتداد وقت العشاءين إلى قبل الفجر للمضطر، ونحن قد قدمنا في تلك المسألة
بطلان هذا الاستدلال وأن هذه الرواية الدالة على ذلك ونحوها إنما خرجت مخرج التقية
وحينئذ فلا دلالة فيها في الموضعين على ما ادعاه.
365

و (ثانيا) - أنها معارضة بصحيحة زرارة الطويلة (1) لدلالتها على وجوب
تقديم الفوائت المتعددة على صاحبة الوقت حيث تضمنت تقديم قضاء المغرب والعشاء
على صلاة الصبح بقوله (عليه السلام): " وإن كانت المغرب والعشاء قد فاتتاك جميعا
فابدأ بهما قبل أن تصلي الغداة ابدأ بالمغرب ثم العشاء.. الحديث " والسيد المذكور قد
حمله على الاستحباب جمعا بينه وبين صحيحة ابن سنان. وفيه ما عرفت من ضعف
الصحيحة المذكورة بما ذكرنا من الطعن فيما تضمنته، مع ما عرفت في الحمل على الاستحباب
آنفا، على أن ما تضمنته صحيحة زرارة من الحكم المذكور معتضد بجملة من الأخبار
الظاهرة في الوجوب مثل صحيحته الأخرى (2) حيث " سئل (عليه السلام) عن من
نسي صلوات لم يصلها أو نام عنها فقال يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها من ليل
أو نهار، فإذا دخل وقت الصلاة ولم يتم ما قد فاته فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت
هذه الحاضرة.. الحديث " فإنه صريح في وجوب تقديم الفوائت المتعددة كما ترى،
ومثلها الروايات الدالة على الأمر بالقضاء ما لم يتضيق وقت الحاضرة (3) فإنها شاملة
باطلاقها للمتحدة والمتعددة بل ظاهرة في المتعددة، وحينئذ فارتكاب التأويل في هذه
الروايات بتلك الرواية المعلولة - مع ما عرفت في هذا الحمل من الوجوه التي قدمناها دالة
على عدم صحته في نفسه - مجازفة محضة في أحكامه سبحانه، وبذلك يظهر لك ضعف
القول المذكور.
وأما القول الثاني من القولين المذكورين فلا أعرف له وجها وجيها من الأخبار
وإن أطال في المختلف في ذلك من غير طائل بل ظواهر الأخبار تدفعه، قال في المدارك
واعلم أن العلامة في المختلف استدل برواية زرارة المتقدمة على وجوب تقديم فائتة اليوم
ثم قال (لا يقال) هذا الحديث يدل على وجوب الابتداء بالقضاء في اليوم الثاني لأنه

(1) ص 339.
(2) الوسائل الباب 2 من قضاء الصلوات.
(3) رواها في الوسائل في الباب 62 من المواقيت و 2 من قضاء الصلاة.
366

(عليه السلام) قال: " وإن كان المغرب والعشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل أن
تصلي الغداة " إن كان الأمر للوجوب وإلا سقط الاستدلال به (لأنا نقول) جاز أن يكون للوجوب في الأول دون الثاني لدليل فإنه لا يجب من كونه للوجوب مطلقا كونه
للوجوب في كل شئ. وهو جيد. انتهى. أقول: أشار برواية زرارة المتقدمة إلى
روايته الطويلة فإنها هي المشتملة على هذا الكلام كما قدمناه.
ثم أقول ما استجوده من كلام المختلف هنا لا أعرف له وجها يعتمد عليه فإنه متى
كان الأمر حقيقة في الوجوب كما هو مقتضى استدلاله بالرواية وبه اعترفوا في الأصول
فتخصيص ذلك بموضع دون موضع يحتاج إلى القرينة الصارفة. وإلى ذلك يشير أيضا كلامه
هنا بقوله " لدليل " وكان الواجب عليه بيان هذا الدليل الصارف عن الوجوب في هذا
المقام مع أنه لم يبين ذلك ولا هذا القائل الذي استجود كلامه لكونه موافقا لغرضه كما تقدم
وإنما اعتمدوا على مجرد الدعوى التي لا تسمن ولا تغني من جوع كما لا يخفى على من له
إلى الانصاف أدنى رجوع. وبالجملة فإن قوله: " إنه لا يجب من كونه للوجوب مطلقا
كونه للوجوب في كل شئ " لا معنى له إلا أن يقوم الصارف عن الوجوب في بعض
المواضع فيخرج عن حقيقته إلى المجاز وإلا فهو في كل موضع أطلق إنما يتبادر منه الوجوب
ومن أظهر الأدلة الدالة على رد هذا القول الآية والأخبار المستفيضة بوجوب
القضاء حين الذكر كما قدمناه، ووجوب تأخير صاحبة الوقت إلى آخره مع عدم استيفاء
القضاء قبل ذلك، ووجوب العدول عن الحاضرة مع الذكر في أثنائها، فإنها شاملة باطلاقها
وعموماتها لفائتة اليوم وغيره، وصحيحة زرارة المذكورة صريحة في رده. وما أجاب
به عن ذلك غير موجه وإن وافقه السيد المذكور عليه لكونه موافقا لاختياره.
وغاية ما استدل به في المختلف لجواز تقديم الحاضرة هو عموم الآيات التي تقدمت في
صدر كلام الفاضل الخراساني والأخبار الدالة على المواسعة، وقد عرفت ما في جميع ذلك، ومع
الاغماض عن ذلك فغاية ما تدل عليه الأدلة المذكورة من آية ورواية هو المواسعة مطلقا وتخصيصها
367

بغير يوم الفوات كما ادعاه يحتاج إلى دليل.
وبالجملة فالأدلة قد تعارضت آية ورواية في المواسعة مطلقا والمضايقة مطلقا وكل
منهما مطلق في فائتة اليوم وغيره متحدة أو متعددة، واللازم من ذلك إما القول
بالمضايقة مطلقا أو المواسعة مطلقا، وأما تفصيل أصحاب هذين القولين فلا دليل عليه
في البين ولا أثر له في الأخبار ولا عين بل هي في رده ظاهرة من الطرفين.
والله العالم بحقائق أحكامه ونوابه القائمون بمعالم حلاله وحرامه.
المقدمة الرابعة في القبلة
وفيها بحوث: (الأول) في الماهية وما يتبعها، قيل: القبلة لغة الحالة التي عليها
الانسان حال استقباله الشئ ثم نقلت في العرف إلى ما يجب استقبال عينه أو جهته
في الصلاة.
والمراد هنا بالقبلة الكعبة المعظمة بالضرورة من الدين وإن وقع الخلاف - كما
سيأتي - بالنسبة إلى البعيد عنها في الجهة والمسجد والحرم إلا أن ذلك راجع إليها بطريق الآخرة
ويدل على ذلك الأخبار المستفيضة، فروى في الكافي في الصحيح أو الحسن
عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " سألته هل كان رسول الله
(صلى الله عليه وآله) يصلي إلى بيت المقدس؟ قال نعم. فقلت أكان يجعل الكعبة
خلف ظهره؟ فقال أما إذا كان بمكة فلا وأما إذا هاجر إلى المدينة فنعم حتى حول
إلى الكعبة ".
وروى الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي باسناده إلى الصادق (عليه السلام) (2)
" أن النبي (صلى الله عليه وآله) صلى بمكة إلى بيت المقدس ثلاث عشرة سنة وبعد
هجرته (صلى الله عليه وآله) صلى بالمدينة سبعة أشهر ثم وجهه الله تعالى إلى الكعبة،
وذلك أن اليهود كانوا يعيرون رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويقولون له أنت

(1) الوسائل الباب 2 من القبلة.
(2) مستدرك الوسائل الباب 2 من القبلة.
368

تابع لنا تصلي إلى قبلتنا فاغتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) من ذلك غما شديدا وخرج
في جوف الليل ينظر إلى أفاق السماء ينتظر من الله تعالى في ذلك أمرا فلما أصبح وحضر
وقت صلاة الظهر كان في مسجد بني سالم قد صلى من الظهر ركعتين فنزل عليه جبرئيل فأخذ
بعضديه وحوله إلى الكعبة وأنزل عليه " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة
ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره " (1) فصلى
ركعتين إلى بيت المقدس وركعتين إلى الكعبة ".
وقال الصدوق في الفقيه (2): صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى بيت
المقدس بعد النبوة ثلاث عشرة سنة بمكة وتسعة عشر شهرا بالمدينة ثم عيرته اليهود
فقالوا له إنك تابع قبلتنا فاغتم لذلك غما شديدا فلما كان في بعض الليل خرج (صلى الله
عليه وآله) يقلب وجهه في آفاق السماء فلما أصبح صلى الغداة فلما صلى من الظهر ركعتين
جاءه جبرئيل فقال له: " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول
وجهك شطر المسجد الحرام... الآية " (3) ثم أخذ بيد النبي (صلى الله عليه وآله)
فحول وجهه إلى الكعبة وحول من خلفه وجوههم حتى قام الرجال مقام النساء والنساء
مقام الرجال فكان أول صلاته إلى بيت المقدس وآخرها إلى الكعبة وبلغ الخبر مسجدا
بالمدينة وقد صلى أهله من العصر ركعتين فحولوا نحو القبلة فكانت أول صلاتهم إلى بيت
المقدس وآخرها إلى الكعبة فسمى ذلك المسجد مسجد القبلتين، فقال المسلمون صلاتنا
إلى بيت المقدس تضييع يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأنزل الله عز وجل
" وما كان الله ليضيع ايمانكم " (4) يعني صلاتكم إلى بيت المقدس. قال في الفقيه قد
أخرجت الخبر في ذلك على وجهه في كتاب النبوة.
أقول: وربما يتسارع إلى الناظر المنافاة بين هذه الأخبار بالنسبة إلى صلاة النبي

(1) سورة البقرة، الآية 139.
(2) الوسائل الباب 2 من القبلة.
(3) سورة البقرة، الآية 139.
(4) سورة البقرة، الآية 138.
369

(صلى الله عليه وآله) في مكة فإن الخبر الأول دل أنه يستقبل الكعبة والخبران
الأخيران على أنه يستقبل بيت المقدس (1) ووجه الجمع بينهما ممكن بجعل الكعبة بينه
وبين بيت المقدس فيصلي إليهما معا فلا منافاة.
وروى الشيخ في التهذيب عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال " سألته عن قول الله تعالى: " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع
الرسول (صلى الله عليه وآله) ممن ينقلب على عقبيه " (3) أمره به؟ قال نعم إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقلب وجهه في السماء فعلم الله عز وجل ما في نفسه فقال: قد
نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها " (4).
وروى الشيخ في التهذيب عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5)
قال: " قلت له متى صرف رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الكعبة؟ قال بعد
رجوعه من بدر ".
وعن أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام) (6) في حديث قال: " قلت له
الله أمره أن يصلي إلى بيت المقدس؟ قال نعم ألا ترى أن الله تعالى يقول: " وما جعلنا
القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول.. الآية " (7) ثم قال إن بني عبد الأشهل
أتوهم وهم في الصلاة قد صلوا ركعتين إلى بيت المقدس فقيل لهم إن نبيكم (صلى الله
عليه وآله) قد صرف إلى الكعبة فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء

(1) فيه أنه غفلة واضحة إذ ليس في الخبر الأول أنه (صلى الله عليه وآله) كان
يستقبل الكعبة بل هو صريح في أنه ما كان يستقبلها بل إنما يدل على أنه ما كان يجعل الكعبة
خلفه في مكة وهو غير الصلاة إليها كما لا يخفى فلا تعارض بين الأخبار أصلا. مير سيد
على (قدس سره).
(2) الوسائل الباب 1 من القبلة.
(3) سورة البقرة، الآية 138.
(4) سورة البقرة، الآية 139.
(5) الوسائل الباب 2 من القبلة.
(6) الوسائل الباب 2 من القبلة.
(7) سورة البقرة، الآية 138.
370

وجعلوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة فصلوا صلاة واحدة إلى قبلتين فلذلك سمي مسجدهم
مسجد القبلتين " إلى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عنها المقام.
وأما ما يدل على وجوب التوجه نحوها زيادة على اتفاق المسلمين بل الضرورة
من الدين، فمنها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة (1) قال: " سألت أبا جعفر
(عليه السلام) عن الفرض في الصلاة؟ فقال الوقت والطهور والقبلة والتوجه والركوع
والسجود والدعاء. قلت ما سوى ذلك؟ فقال سنة في فريضة ".
وروى في الفقيه مرسلا (2) قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام) لزرارة:
لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود ".
وروى الشيخ في التهذيب عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: " سألته عن قول الله تعالى " فأقم وجهك للدين حنيفا " (4) قال أمره أن يقيم
وجهه للقبلة ليس فيه شئ من عبادة الأوثان خالصا مخلصا ".
وروى المشايخ الثلاثة في الصحيح في الكافي والتهذيب عن زرارة عن أبي جعفر
ومرسلا في الفقيه عن أبي جعفر (عليه السلام) (5) قال: " إذا استقبلت القبلة بوجهك
فلا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك فإن الله تعالى قال لنبيه (صلى الله عليه وآله)
في الفريضة " فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره " (6)
واخشع ببصرك ولا ترفعه إلى السماء وليكن حذاء وجهك في موضع سجودك ".
وروى الصدوق في الفقيه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (7)
قال: " لا صلاة إلا إلى القبلة. قال قلت أين حد القبلة؟ قال ما بين المشرق والمغرب
قبلة كله. قال قلت فمن صلى لغير القبلة أو في يوم غيم في غير الوقت؟ قال يعيد ".
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما يجب

(1) الوسائل الباب 1 من القبلة.
(2) الوسائل الباب 9 من القبلة.
(3) الوسائل الباب 9 من القبلة.
(4) سورة الروم، الآية 29.
(5) الوسائل الباب 9 من القبلة.
(6) سورة البقرة، الآية 139.
(7) الوسائل الباب 9 من القبلة.
371

استقباله فذهب المرتضى وابن الجنيد وأبو الصلاح وابن إدريس والمحقق في المعتبر والنافع
والعلامة وأكثر المتأخرين إلى أنه عين الكعبة لمن تمكن من العلم بها من غير مشقة شديدة
عادة كالمصلي في بيوت مكة وجهتها لغيره من البعيد ونحوه، واختاره في المدارك.
وذهب الشيخان وجمع من الأصحاب: منهم - سلار وابن البراج وابن حمزة والمحقق
في الشرائع إلى أن الكعبة قبلة لمن كان في المسجد والمسجد قبلة لمن كان في الحرم
والحرم قبلة لأهل الدنيا ممن بعد، ورواه الصدوق في الفقيه (1) ونسبه في الذكرى إلى
أكثر الأصحاب، ونسبه في المختلف إلى ابن زهرة أيضا ولعله في غير كتابه الغنية فإن
بعض الأصحاب نقل عنه في الكتاب المذكور أنه قال: القبلة هي الكعبة فمن كان
مشاهدا لها وجب عليه التوجه إليها ومن شاهد المسجد الحرام ولم يشاهد الكعبة وجب
عليه التوجه إليه ومن لم يشاهده توجه نحوه بلا خلاف. انتهى. وهذه العبارة كما ترى
عارية عن ذكر الحرم وأنه قبلة لمن نأى عنه كما صرح به أصحاب القول الثاني.
قيل: والظاهر أنه لا خلاف بين الفريقين في وجوب التوجه إلى الكعبة للمشاهد
ومن هو بحكمه وإن كان خارج المسجد فقد صرح به من أصحاب القول الثاني الشيخ
في المبسوط وابن حمزة في الوسيلة وابن زهرة في الغنية ونقل المحقق الاجماع عليه لكن
ظاهر كلام الشيخ في النهاية والخلاف يخالف ذلك.
أقول: غاية ما يمكن القطع به هنا في اجتماع القولين بالنسبة إلى المشاهد خاصة
وإلا فمن بحكمه كالمصلي في بيوت مكة وفي الحرم مع عدم المشاهدة فإن ظاهر أصحاب
القول الأول أن القبلة في حقه هي الكعبة وظاهر أصحاب القول الثاني إنما هو المسجد.
واستدل في المعتبر على وجوب استقبال العين للقريب باجماع العلماء كافة على
ذلك. وقال في المدارك بعد نقل ذلك: فإن تم فهو الحجة وإلا أمكن المناقشة في ذلك
إذ الآية الشريفة إنما تدل على استقبال شطر المسجد الحرام والروايات خالية من هذا

(1) رواه في الوسائل في الباب 3 من القبلة.
372

التفصيل. انتهى. وهو جيد إذ لم نقف في شئ من الأخبار المستدل بها على القول
الأول كما سيأتيك إن شاء الله تعالى على التفصيل بين القريب والبعيد بالعين والجهة كما
ذكروا، بل ظاهر الآية هو استقبال شطر المسجد الحرام يعني جهته مطلقا. وهذا أحد
الوجوه التي يمكن تطرق الضعف بها إلى القول الأول.
واستدل في المدارك للقول الأول بالنسبة إلى البعيد بما رواه زرارة في الصحيح
عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) أنه قال: " لا صلاة إلا إلى القبلة. قلت له أين حد
القبلة؟ قال ما بين المشرق والمغرب قبلة كله ".
أقول: ويقرب من هذه الرواية ما رواه معاوية بن عمار في الصحيح عن الصادق
(عليه السلام) (2) " في الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى أنه قد
انحرف عن القبلة يمينا أو شمالا؟ قال قد مضت صلاته وما بين المشرق والمغرب قبلة "
أقول: لا يخفى ما في الاستدلال بهاتين الروايتين من الاشكال فإن القول باتساع
الجهة بهذا المقدار مما لم يذهب إليه أحد في ما أعلم. نعم صرحوا بذلك بالنسبة إلى من
أخطأ ظنه في القبلة أو جهل القبلة فظهرت صلاته بعد الفراغ في ما بين المشرق والمغرب فإنه
لا إعادة عليه.
واستدل في الذخيرة لذلك أيضا بالأخبار المتقدمة في صدر المبحث كخبر علي
ابن إبراهيم وما ذكره في الفقيه وصحيحة الحلبي أو حسنته ونحوها مما دل على أنه (صلى
الله عليه وآله) صلى إلى الكعبة وليس المراد العين البتة فيحمل على جهتها كما هو المدعى
وفيه أن الآية التي أو ردوها دليلا على الحكم المذكور في أكثر هذه الأخبار
إنما تضمنت الأمر بالصلاة شطر المسجد الحرام أي جهته وناحيته ووجه الجمع يقتضي
حمل الكعبة على جهة المسجد الحرام تجوزا لأن الآية إنما دلت على جهة المسجد لا جهة
الكعبة وأحدهما غير الآخر، وحينئذ فلا دلالة في الأخبار المذكورة على ما ادعوه.

(1) الوسائل الباب 9 من القبلة.
(2) الوسائل الباب 10 من القبلة.
373

اللهم إلا أن يقال إن هذه الاطلاقات إنما خرجت بناء على اتساع جهة القبلة كما سيظهر
إن شاء الله تعالى. واحتمل بعض الأصحاب حمل المسجد على الكعبة التي هي أشرف
أجزائه واحتمل بعض آخر خروج هذه الأخبار مخرج المسامحة في التأدية من حيث
كون الكعبة قبلة عند جمهور العامة (1) قال فلعله (عليه السلام) سامح في التأدية لئلا
يخالف ظاهر الكلام مذهب جمهور العامة فإنه أقرب إلى الاحتياط والتقية. والظاهر
- كما ذكره بعض محققي متأخري المتأخرين - أن الآية لا دلالة لها على شئ من
القولين المذكورين.
والذي يدل على ما ذهب إليه الشيخان وأتباعهما جملة من الأخبار:
منها - ما رواه الشيخ عن عبد الله بن محمد الحجال عن بعض رجاله عن
أبي عبد الله (عليه السلام) والصدوق في الفقيه مرسلا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
" إن الله تعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد وجعل المسجد قبلة لأهل الحرم
وجعل الحرم قبلة لأهل الدنيا " ورواه الصدوق في كتاب العلل عن أبيه عن محمد بن
يحيى عن محمد بن أحمد بن يحيى عن الحسن بن الحسين عن الحجال.. إلى آخره (3).
وعن بشر بن جعفر الجعفي أبي الوليد (4) قال: " سمعت جعفر بن محمد (عليهما
السلام) يقول البيت قبلة لأهل المسجد والمسجد قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة للناس
جميعا " ورواه الصدوق أيضا في كتاب العلل بالسند المتقدم.
وما رواه الصدوق في كتاب العلل عن محمد بن الحسين عن الصفار عن العباس
ابن معروف عن علي بن مهزيار عن الحسين بن سعيد عن إبراهيم بن أبي البلاد عن
أبي غرة (5) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) البيت قبلة المسجد والمسجد قبلة
مكة ومكة قبلة الحرم والحرم قبلة الدنيا ".

(1) المغني ج 1 ص 439.
(2) الوسائل الباب 3 من القبلة.
(3) الوسائل الباب 3 من القبلة.
(4) الوسائل الباب 3 من القبلة.
(5) الوسائل الباب 3 من القبلة.
374

ومما يؤيد هذه الأخبار بأوضح تأييد الأخبار الدالة على الأمر بالتياسر فإن ذلك
مبني على التوجه إلى الحرم وستأتي إن شاء الله تعالى في موضعها.
وأما ما أوردوه على هذا القول - من أن التكليف بإصابة الحرم يستلزم بطلان
صلاة أهل البلاد المتسعة بعلامة واحدة للقطع بخروج بعضهم عن الحرم واللازم باطل
فالملزوم مثله والملازمة ظاهرة، مع أن المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى صرحا بأن
قبلة أهل العراق وخراسان واحدة ومعلوم زيادة التفاوت - فالجواب عنه ما أفاده شيخنا
الشهيد في هذا المقام وتلقاه بالقبول جملة من الأعلام من أن ذكر المسجد والحرم إشارة
إلى الجهة، قال وذكره على سبيل التقريب إلى أفهام المكلفين واظهارا لسعة الجهة وإن
لم يكن ملتزما. انتهى. وهو جيد وجيه، كما أن ذكر الكعبة في تلك الأخبار التي
قدمنا نقلها عنهم في وجوب الاستقبال إلى الكعبة لا بد من حملها على الجهة كما قدمنا
ذكره وإلا لبطلت صلاة الصف الطويل الذي يخرج عن سمت الكعبة.
وأما ما طعن به في المعتبر والمدارك من ضعف الأخبار فقد رده شيخنا الشهيد
في الذكرى بناء على اصطلاحهم المعمول عندهم بأنه إذا اشتهرت بين الأصحاب لا سبيل
إلى ردها. هذا على تقدير صحة اصطلاحهم وإلا فالأمر مفروغ منه عندنا كما عرفت
في غير موضع.
وكيف كان فإنه ينبغي أن يعلم أن النزاع بالنسبة إلى البعيد - بأن يكون قبلته جهة
الكعبة كما هو أحد القولين أو الحرم أو جهته بناء على التأويل المذكور - قليل الجدوى
لاتفاقهم جميعا على رجوع البعيد إلى الأمارات الآتي ذكرها ووجوب عمله عليها، وحينئذ
فلا ثمرة في هذا الاختلاف كما لا يخفى.
ثم إنهم اختلفوا في تعريف الجهة على أقوال عديدة قد أطال فيها الكلام بابرام
النقض ونقض الابرام شيخنا الشهيد الثاني في روض الجنان وجعل أقر بها ما ذكره
شيخنا الشهيد في الذكرى حيث عرفها بأنها السمت التي يظن كون الكعبة فيه لا مطلق
375

الجهة كما قال بعض العامة إن الجنوب قبلة لأهل الشمال وبالعكس والمغرب قبلة لأهل
المشرق وبالعكس لأنا نتيقن الخروج هنا عن القبلة وهو ممتنع. أقول وهذا الاختلاف
أيضا هنا قليل الجدوى لما عرفت من أنهم قد أوجبوا على البعيد الرجوع إلى العلامات
التي ذكرها علماء أهل الهيئة والتوجه إلى السمت الذي تدل عليه فكان الأولى
تعريف الجهة بها.
وينبغي التنبيه هنا على أمور بها يتم البحث عن تحقيق المسألة كما هو حقها:
(الأول) قد صرح غير واحد من الأصحاب بل ظاهر كلام المعتبر المتقدم الاجماع
على ذلك بأنه يجب على المكي لتمكنه من مشاهدة عين الكعبة الصلاة إليها ولو بالصعود على
سطح لقدرته على العلم فلا يجوز له البناء على الظن، ولو نصب محرابا بعد المعاينة جازت
صلاته إليه دائما لتيقنه الصواب، وكذا الذي نشأ بمكة وتيقن الإصابة، ولا يكفي
الاجتهاد بالعلامات هنا لأنه رجوع إلى الظن مع إمكان العلم وهو غير جائز. نعم لو
كان محبوسا لا قدرة له على استعلام العين جاز له التعويل على الاجتهاد وكذا من هو
في نواحي الحرم، وهل يكلف الصعود إلى الجبل لاستعلام العين؟ قولان نقل عن
الشيخ والعلامة في بعض كتبهما ذلك. قال في المدارك بعد اختيار القول الآخر: وهو بعيد.
أقول: لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما تقدم أنه لا دليل في أصل هذه المسألة
إلا ما يدعونه من الاجماع وإلا فالآية إنما دلت على شطر المسجد مطلقا كما تقدم،
والأخبار لا تعرض فيها لذلك بوجه وإن كان الاحتياط في ما ذكروه (رضوان الله
عليهم) إلا أن في سقوط صعود الجبل كما هو أحد القولين في المسألة كما عرفت نظرا
واستبعاد صاحب المدارك لا يخلو من بعد لما اتفقوا عليه من عدم جواز البناء على الظن
إلا مع تعذر العلم والعلم بذلك ممكن بصعود الجبل، فكيف يجوز له أن يصير إلى الظن
والحال ما ذكرنا؟ إلا أن يدعى استلزام المشقة بذلك لكن اطلاق كلامهم يقتضي
العموم، وهو غير جيد.
376

(الثاني) - ينبغي أن يعلم أن القبلة ليس نفس البنية الشريفة بل محلها من تخوم
الأرض إلى عنان السماء، فلو زالت البنية - والعياذ بالله - صلى إلى جهتها التي تشتمل على
العين كما يصلي من هو أعلى من الكعبة إلى الجهة المسامتة للبنية وكذا من هو أخفض
من موضعها بأن يكون في سرداب، والظاهر أنه لا خلاف فيه، ويدل عليه مضافا إلى الاتفاق
ما رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: " سأله رجل قال صليت فوق جبل أبي قبيس العصر فهل يجزئ ذلك والكعبة
تحتي؟ قال نعم إنها قبلة من موضعها إلى السماء " وعن خالد بن أبي إسماعيل أو ابن
إسماعيل (2) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل يصلي على أبي قبيس
مستقبل القبلة؟ قال لا بأس ".
(الثالث) - لو صلى على سطح الكعبة فهل يصلي قائما ويبرز بين يديه منها
شيئا يصلي إليه أو يستلقي على قفاه ويصلي؟ قولان المشهور الأول وبه قال الشيخ في المبسوط
وقال في الخلاف والنهاية وابن بابويه وابن البراج بالثاني لكن قيده ابن البراج بعدم
التمكن من النزول. واستند الأولون في وجوب الصلاة قياما إلى الأدلة الدالة على وجوب
القيام والقعود والركوع والسجود في الصلاة كما يصلي داخلها. واحتج الشيخ في الخلاف
على ما ذهب إليه بالاجماع وبما رواه عن علي بن محمد عن إسحاق بن محمد عن عبد السلام
عن الرضا (عليه السلام) (3) قال: في الذي تدركه الصلاة وهو فوق الكعبة؟ قال إن
قام لم يكن له قبلة ولكن يستلقي على قفاه ويفتح عينيه إلى السماء ويعقد بقلبه القبلة التي في
السماء البيت المعمور ويقرأ فإذا أراد أن يركع غمض عينيه وإذا أراد أن يرفع رأسه من
الركوع فتح عينيه والسجود على نحو ذلك ".
أقول: لا ريب أن من يعمل على هذا الاصطلاح المحدث فإنه يتحتم عنده القول
بالأول لضعف الخبر المذكور وأما من لا يعمل عليه فيبقى عنده التعارض بين تلك الأخبار

(1) الوسائل الباب 18 من القبلة.
(2) الوسائل الباب 18 من القبلة.
(3) الوسائل الباب 19 من القبلة.
377

المشار إليها في الاتيان بواجبات الصلاة كما هي وبين هذا الخبر والترجيح لتلك الأخبار
لكثرتها وشهرتها، والظاهر أنه لما ذكرنا ذهب الأكثر حتى من المتقدمين إلى القول
الأول. إلا أنه يمكن أن يقال إن تلك مطلقة عامة وهذا الخبر خاص ومن القاعدة تقديم
العمل به وتخصيص عموم تلك الأخبار به. وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال
إلا أن الأمر في ذلك هين لعدم اتفاق هذا الحكم وحصوله.
(الرابع) - لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز صلاة
النافلة في جوف الكعبة وكذا الفريضة حال الاضطرار وادعى عليه في المعتبر والمنتهى
اتفاق أهل العلم
وإنما الخلاف في الفريضة مع الاختيار فذهب الأكثر ومنهم الشيخ في النهاية
والاستبصار إلى الجواز على كراهة، وذهب في الخلاف إلى التحريم وتبعه ابن البراج.
احتج المجوزون بأن القبلة ليس مجموع البنية بل نفس العرصة وكل جزء من أجزائها
إذ لا يمكن محاذاة المصلي بإزائها منه إلا قدر بدنه والباقي خارج عن مقابلته، وهذا
المعنى يتحقق مع الصلاة فيها كما يتحقق مع الصلاة في خارجها.
وما رواه يونس بن يعقوب في الموثق (1) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام) إذا حضرت الصلاة المكتوبة وأنا في الكعبة أفأصلي فيها؟ قال صل ".
ويعضده قوله سبحانه " وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين
والعاكفين والركع السجود " (2) فإن الظاهر منها تعميم الإذن والترخيص في أجزاء
البيت بأسرها.
أقول: ويمكن أن يجاب عن ذلك (أما عن الأول) فبما ذكره في الذخيرة
من أنه يجوز أن يكون المعتبر التوجه إلى جهة القبلة بأن تكون الكعبة في جهة مقابلة للمصلي
وإن لم تحصل المحاذاة لكل جزء منها لا بد لنفي ذلك من دليل. و (أما عن الموثقة المذكورة)

(1) الوسائل الباب 17 من القبلة.
(2) سورة البقرة، الآية 116.
378

فبالمعارضة بما هو أصح منها كما سيأتي. و (أما عن الآية) فبتخصيصها بالخبرين الصحيحين
الصريحين في المنع.
احتج الشيخ (قدس سره) على ما ذهب إليه من التحريم باجماع الفرقة، وبأن
القبلة هي الكعبة لمن شاهدها فتكون القبلة جملتها والمصلي في وسطها غير مستقبل للجملة،
وبما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" لا تصل المكتوبة في جوف الكعبة فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يدخلها
في حج ولا عمرة ولكن دخلها في فتح مكة فصلى فيها ركعتين بين العمودين ومعه أسامة "
وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (2) قال: " لا تصل المكتوبة
في الكعبة " ورواه في الكافي في الصحيح أيضا (3) ثم قال: وقد روى في حديث آخر
" يصلي إلى أربع جوانبها إذا اضطر إلى ذلك " وروى الشيخ هذه الصحيحة في موضع
آخر في الموثق عن محمد عن أحدهما (عليهما السلام) (4) قال: " لا تصلح صلاة المكتوبة
جوف الكعبة " وفي موضع ثالث في الصحيح أيضا مثله (5) وزاد " وأما إذا خاف
فوت الصلاة فلا بأس أن يصليها في جوف الكعبة ".
قال في المدارك بعد نقل هذه الأدلة: وأجيب عن الأول بمنع الاجماع على التحريم
كيف وهو في أكثر كتبه قائل بالكراهة. وعن الثاني بعدم تسليم كون القبلة هي الجملة
لاستحالة استقبالها بأجمعها بل المعتبر التوجه إلى جزء من أجزاء الكعبة بحيث يكون
مستقبلا ببدنه ذلك الجزء. وعن الروايتين بالحمل على الكراهة. ثم قال ويمكن المناقشة
في هذا الحمل بقصور الرواية الأولى عن مقاومة هذين الخبرين من حيث السند، ويشكل
الخروج بها عن ظاهرهما وإن كان الأقرب ذلك لاعتبار سند الرواية وشيوع استعمال
النهي في الكراهة بل ظهور لفظ " لا يصلح " فيه كما لا يخفى. انتهى.

(1) رواه في الوسائل في الباب 17 من القبلة.
(2) رواه في الوسائل في الباب 17 من القبلة.
(3) رواه في الوسائل في الباب 17 من القبلة.
(4) رواه في الوسائل في الباب 17 من القبلة.
(5) التهذيب ج 1 ص 516 باب دخول الكعبة.
379

أقول: فيه (أولا) إن ما أجاب به عن الوجه الثاني - من أن المعتبر التوجه إلى
جزء من أجزاء الكعبة.. إلى آخره - مما لا دليل عليه وإنما المعتبر ما دلت عليه
ظواهر الأدلة من التوجه إلى جهة الكعبة، نعم اللازم من ذلك محاذاة البدن لجزء من
أجزاء تلك الجملة وأحدهما غير الآخر. وبالجملة فهو يرجع إلى ما تقدم ذكره في كلام
صاحب الذخيرة.
و (ثانيا) - أنه من العجب العجاب عدوله هنا عن طريقته التي جرى عليها
في هذا الكتاب كما لا يخفى على من له أنس بكلامه في جميع الأبواب، فإن من قاعدته
دورانه مدار الأسانيد الصحيحة كما صرحنا به في غير موضع عنه وإن كانت متون تلك
الأخبار مشتملة على علل عديدة، ومن قاعدته رد الأخبار الموثقة وعدها في سلك
الأخبار الضعيفة، فكيف خرج عن ذلك هنا متعللا بهذه التعليلات الضعيفة والحجج السخيفة؟
وأما قوله في الرجوع عما ذكره من المناقشة " إن سند الرواية المذكورة معتبر "
إن أريد بخصوص هذه الرواية فلا وجه له فإن في سندها الحسن بن علي بن فضال ويونس
ابن يعقوب وهما من ثقات الفطحية ولا خصوصية للعمل برواية هذين دون غيرهما من
ثقات الفطحية، فإن عمل بالأخبار الموثقة فليكن في كل مقام وإلا فلا وجه لهذا
الكلام المنحل الزمام.
وأما تعلله بشيوع النهي في الكراهة فهو وارد عليه في جميع المقامات التي استدل
فيها على الوجوب بلفظ الأمر فلا معنى للطعن به في هذا المقام خاصة، ومقتضى التحقيق
الذي صرح به هو وغيره في الأصول والفروع أن الأمر حقيقة في الوجوب ولا يخرج
عنه إلا بقرينة، على أن شيوع النهي في الكراهة إن كان مع القرائن الحالية أو المقالية
الدالة على ذلك فهو لا ينفعه وإلا فهو محل المنع أيضا.
وأما ما اعتضد به من ظهور لفظ " لا يصلح " في الكراهة فهو مبني على نقله
الرواية بذلك في كتابه كما هو في أحد طرق الخبر المذكور، ونحن قدمنا لك الخبر بجميع
380

طرقه، والطريق الأول بنقل الشيخين المتقدمين مع الخبر قد اشتمل على النهي الذي
هو حقيقة في التحريم مثل الخبر الأول فلا وجه لما ذكره.
بقي هنا شئ ينبغي التنبيه عليه وهو أن ظاهر كلمة الأصحاب هنا الاتفاق على أن الصلاة في جوف الكعبة إنما هو باستقبال أي جدرانها شاء مع أنه قد روى الشيخ
في التهذيب بسنده عن محمد بن عبد الله بن مروان (1) قال: " رأيت يونس بمنى يسأل
أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل إذا حضرته صلاة الفريضة وهو في الكعبة فلم
يمكنه الخروج من الكعبة استلقى على قفاه وصلى إيماء وذكر قول الله تعالى فأينما تولوا
فثم وجه الله " (2) وأنت خبير بأن موثقة يونس الدالة على الجواز مطلقة وتقييدها بهذه
الرواية ممكن إلا أني لم أقف على قائل بذلك هنا وإن قيل به في الصلاة على ظهر الكعبة
كما تقدم. والصدوق (قدس سره) في الفقيه مع تصريحه بالصلاة مستلقيا على ظهر
الكعبة صرح في الصلاة في جوفها بما ذكره الأصحاب من استقبال أي جدرانها
شاء واستحباب استقبال الركن الذي فيه الحجر. ولعله لنص وصل إليه ولم يصل
إلينا. والله العالم.
(الخامس) - قد صرح جملة من الأصحاب: منهم - شيخنا في الذكرى بأنه
لو استطال صف المأمومين مع المشاهدة حتى خرج عن الكعبة بطلت صلاة الخارج لعدم
اجزاء الجهة هنا، ولو استداروا صح للاجماع عليه عملا في كل الأعصار السالفة، نعم
يشترط أن لا يكون المأموم أقرب إلى الكعبة من الإمام. انتهى. ولا بأس به.
(السادس) - قال في الذكرى: ظاهر كلام الأصحاب أن الحجر من الكعبة
بأسره وقد دل عليه النقل أنه كان منها في زمن إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) إلى أن بنت قريش الكعبة فأعوزتهم الآلات فاختصروها بحذفه وكان كذلك في عهد النبي
(صلى الله عليه وآله) ونقل عنه الاهتمام بادخاله في بناء الكعبة وبذلك احتج ابن

(1) رواه في الوسائل في الباب 17 من القبلة.
(2) سورة البقرة، الآية 109.
381

الزبير حيث أدخله فيها ثم أخرجه الحجاج بعده ورده إلى ما كان، ولأن الطواف يجب
خارجه. وللعامة خلاف في كونه من الكعبة بأجمعه أو بعضه أوليس منها وفي الطواف
خارجه (1) وبعض الأصحاب له فيه كلام أيضا مع اجماعنا على وجوب إدخاله في الطواف
وإنما تظهر الفائدة في جواز استقباله في الصلاة بمجرده فعلى القطع بأنه من الكعبة يصح
وإلا امتنع لأنه عدول من اليقين إلى الظن. انتهى. وقال في الدروس: إن المشهور
كونه من البيت ولا يخلو من غرابة.
ونقل في المدارك عن العلامة في النهاية أنه جزم بجواز استقباله. وهو أغرب لما
ورد في النصوص من أنه ليس من البيت حتى أن في بعضها " ولا قلامة ظفر " فمنها ما رواه
في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الحجر أمن البيت هو أو فيه شئ من البيت؟ فقال لا ولا قلامة ظفر ولكن إسماعيل دفن
فيه أمه فكره أن يوطأ فحجر عليه حجرا وفيه قبور أنبياء " وعن زرارة في الموثق عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " سألته عن الحجر هل فيه شئ من البيت؟ قال
لا ولا قلامة ظفر " وروى في كتاب من لا يحضره الفقيه مرسلا عن النبي (صلى الله عليه
وآله) والأئمة (عليهم السلام) (4) قال: " صار الناس يطوفون حول الحجر ولا يطوفون
به لأن أم إسماعيل دفنت في الحجر ففيه قبرها فطيف كذلك لئلا يوطأ قبرها " قال:
وروي أن فيه قبور الأنبياء (عليهم السلام) وما في الحجر شئ من البيت ولا قلامة ظفر.
وأما ما ذكره في الذكرى من النقل الذي دل على أن الحجر كان من البيت
في زمن إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام).. إلى آخره فلم نقف عليه في أخبارنا
وبه اعترف جملة من علمائنا، إلا أن العلامة في التذكرة نقل أن البيت كان

(1) الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 634 إلى 639 وبدائع الصنائع ج 2 ص 132.
(2) رواه في الوسائل في الباب 30 من الطواف.
(3) رواه في الوسائل في الباب 54 من أحكام المساجد.
(4) رواه في الوسائل في الباب 30 من الطواف.
382

لاصقا بالأرض وله بابان شرقي وغربي فهدمه السيل قبل مبعث النبي (صلى الله عليه وآله)
بعشر سنين وأعادت قريش عمارته على الهيئة التي هو عليها اليوم وقصرت الأموال
الطيبة والهدايا والنذور عن عمارته فتركوا من جانب الحجر بعض البيت وقطعوا
الركنين الشاميين من قواعد إبراهيم (عليه السلام) وضيقوا عرض الجدار من الركن
الأسود إلى الشامي الذي يليه فبقي من الأساس شبه الدكان مرتفعا وهو الذي يسمى
الشاذروان. انتهى. وهو مع مخالفته للنصوص المتقدمة إنما يدل على جزء من الحجر
لا مجموعه كما يستفاد من كلامه. والظاهر أن هذه الرواية إنما هي من طرق المخالفين
فإنهم رووا عن عائشة أنها قالت: " نذرت أن أصلي ركعتين في البيت فقال النبي
(صلى الله عليه وآله) صلي في الحجر فإن فيه ستة أذرع من البيت " (1) وسيأتي إن
شاء الله تعالى في كتاب الحج ما فيه زيادة تحقيق المقام بنقل الأخبار الواردة في بناء
البيت والطواف. والله العالم.
(السابع) - المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) استحباب
تياسر العراقي إلى يسار القبلة قليلا وربما ظهر من عبارات الشيخ في النهاية والمبسوط
والخلاف الوجوب.
والأصل في ذلك الأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) بذلك: منها - ما رواه
في الكافي عن علي بن محمد رفعه (2) قال: " قيل لأبي عبد الله (عليه السلام) لم صار
الرجل ينحرف في الصلاة إلى اليسار؟ فقال لأن للكعبة ستة حدود أربعة منها على يسارك
واثنان منها على يمينك فمن أجل ذلك وقع التحريف إلى اليسار ".
وروى الصدوق بإسناده عن المفضل بن عمر (3) " أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام)

(1) تذكرة العلامة ج 1 المسألة 6 من كيفية الطواف وفي المغني ج 3 ص 382 " قالت
عائشة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) إني نذرت أن أصلي في البيت فقال صلي في الحجر فإن الحجر من البيت ".
(2) الوسائل الباب 4 من القبلة.
(3) الوسائل الباب 4 من القبلة.
383

عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة وعن السبب فيه؟ فقال إن الحجر الأسود
لما أنزل به من الجنة ووضع في موضعه جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه النور نور
الحجر فهي عن يمين الكعبة أربعة أميال وعن يسارها ثمانية أميال كله اثنا عشر ميلا
فإذا انحرف الانسان ذات اليمين خرج عن حد القبلة أنصاب الحرم وإذا انحرف ذات
اليسار لم يكن خارجا من حد القبلة " ورواه الشيخ بإسناده عن المفضل والصدوق في
العلل بإسناده عن المفضل (1).
وقال في كتاب الفقه الرضوي (2) " إذا أردت توجه القبلة فتياسر مثل ما تيامن
فإن الحرم عن يمين الكعبة أربعة أميال وعن يسارها ثمانية أميال ".
وقال الشيخ في النهاية من توجه إلى القبلة من أهل العراق والمشرق قاطبة فعليه
أن يتياسر قليلا ليكون متوجها إلى الحرم، بذلك جاء الأثر عنهم (عليهم السلام) انتهى
وظاهر هذه العبارة الوجوب كما قدمنا ذكره وأنه المستفاد عنده من الأخبار
وهذه الروايات إنما خرجت بناء على كون القبلة في حق البعيد هو الحرم فهي مؤيدة
للأخبار المتقدمة الدالة على قول الشيخين وأتباعهما في تلك المسألة، واحتمل في المختلف
اطراد الحكم على القولين. ورده في المدارك بأن العلامات المنصوبة للجهة لا تقتضي
وقوع الصلاة على نفس الحرم. وهو كذلك.
وقال في المدارك بعد نقل المرفوعة المتقدمة وخبر المفضل: والروايتان ضعيفتا
السند جدا والعمل بهما لا يؤمن معه الانحراف الفاحش عن حد القبلة، وإن كان
في ابتدائه يسيرا. انتهى.
أقول: لا ريب أنه وإن كانت الروايتان كما ذكره إلا أنهما مجبورتان بعمل
الأصحاب إذ لا مخالف في الحكم المذكور بل قيل في المسألة بالوجوب كما عرفت من عبارة
الشيخ (قدس سره) وهو أيضا ظاهر كلام الشيخ الجليل شاذان بن جبرئيل القمي

(1) الوسائل الباب 4 من القبلة.
(2) ص 6.
384

في رسالته التي في القبلة حيث قال: وعلى أهل العراق ومن يصلي إلى قبلتهم من أهل
المشرق التياسر قليلا، ثم نقل عن الصادق (عليه السلام) مضمون حديث المفضل.
وقد صرح في غير موضع بقبول الخبر الضعيف المجبور بعمل الأصحاب ومنه ما تقدم
قريبا في مسألة من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس حيث قال: وهذه الروايات
وإن ضعف سندها إلا أن عمل الطائفة عليها ولا معارض لها فينبغي العمل عليها. انتهى.
والحال في المقامين واحد، ولكنه (قدس سره) كما صرحنا به في غير مقام لضيق
الخناق في هذا الاصطلاح ليس له قاعدة يعتمد عليها ولا ضابطة يرجع إليها. وأما ما ذكره
- من أنه لا يؤمن من العمل بهما الانحراف الفاحش - فهو اجتهاد في مقابلة النصوص وقد
ردته الأخبار بالعموم والخصوص.
نعم قد احتمل شيخنا العلامة المجلسي (قدس سره) هنا وجها وجيها في الجواب
عن هذه الأخبار وما يلزم فيها من الاشكال الذي عرضه المحقق الخواجة نصير الملة
والدين على المحقق جعفر بن سعيد وقت الدرس فأجاب بجواب اقناعي ثم كتب في المسألة
رسالة في تحقيق الجواب واستحسنه المحقق المذكور، والرسالة المذكورة ذكرها ابن فهد في
كتابه المهذب فمن أحب الوقوف على ذلك فليرجع إلى الكتاب المذكور.
وأما ما ذكره شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في المقام فحاصله أنه لا يبعد أن يكون الأمر بالتياسر لأهل العراق لكون المحاريب المشهورة المبنية فيها في زمان خلفاء
الجور ولا سيما المسجد الأعظم كانت مبنية على التيامن عن القبلة ولم يمكنهم (عليهم السلام)
إظهار خطأ هؤلاء الفساق فأمروا شيعتهم بالتياسر عن تلك المحاريب وعللوا ذلك بما
عللوه لئلا يشتهر بينهم الحكم بخطأ من مضى من خلفاء الجور، قال ويؤيده ما ورد في
وصف مسجد غثى وإن قبلته لقاسطة فهو يومئ إلى سائر المساجد في قبلتها شئ، ومسجد
غثى اليوم موجود. ويؤيده أيضا ما رواه محمد بن إبراهيم النعماني في كتاب الغيبة
عن ابن عقدة عن علي بن الحسن عن الحسن ومحمد بني يوسف عن سعدان بن مسلم عن
385

صباح المزني عن الحارث بن حصيرة عن حبة العرني (1) قال: " قال أمير المؤمنين
(عليه السلام) كأني أنظر إلى شيعتنا بمسجد الكوفة وقد ضربوا الفساطيط يعلمون
الناس القرآن كما أنزل أما إن قائمنا إذا قام كسره وسوى قبلته " على أنه لا يعلم بقاء
البناء الذي كان على عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) بل يدل بعض الأخبار على هدمه
وتغييره كما رواه الشيخ (قدس سره) في كتاب الغيبة عن الفضل بن شاذان عن علي
ابن الحكم عن الربيع بن محمد المسلى عن ابن طريف عن ابن نباتة (2) قال: " قال
أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث له حتى انتهى إلى مسجد الكوفة وكان مبنيا
بخزف ودنان وطين فقال ويل لمن هدمك وويل لمن سهل هدمك وويل لبانيك
بالمطبوخ المغير قبلة نوح طوبى لمن شهد هدمك مع قائم أهل بيتي أولئك خيار الأمة مع
أبرار العترة " هذا كلامه (قدس سره) في مجلد المزار من كتاب بحار الأنوار.
وقال في مجلد الصلاة من الكتاب المذكور - بعد ذكر الاشكال المتقدم ونقل
حاصل كلام المحقق في رسالته والإشارة إلى أنه غير حاسم لمادة الاشكال - ما صورته والذي
يخطر في ذلك بالبال أنه يمكن أن يكون الأمر بالانحراف لأن محاريب الكوفة وسائر بلاد
العراق أكثرها كانت منحرفة عن خط نصف النهار كثيرا مع أن الانحراف في أكثرها
يسير بحسب القواعد الرياضية كمسجد الكوفة فإن انحراف قبلته إلى اليمين أزيد مما تقتضيه
القواعد بعشرين درجة تقريبا وكذا مسجد السهلة ومسجد يونس، ولما كان أكثر تلك
المساجد مبنية في زمان عمر وسائر خلفاء الجور لم يمكنهم القدح فيها تقية فأمروا بالتياسر
وعللوه بتلك الوجوه الخطابية لاسكاتهم وعدم التصريح بخطأ خلفاء الجور وأمرائهم.
وما ذكره أصحابنا من أن محراب المعصوم (عليه السلام) لا يجوز الانحراف عنه إنما
يثبت إذا علم أن الإمام (عليه السلام) بناه - ومعلوم أنه لم يبنه - أو صلى فيه من غير انحراف، وهو أيضا غير ثابت بل ظهر من بعض ما سنح لنا من الآثار القديمة عند

(1) البحار ج 13 ص 194.
(2) البحار ج 13 ص 186.
386

تعمير المسجد في زماننا ما يدل على خلافه كما سيأتي ذكره مع أن الظاهر من بعض
الأخبار أن هذا البناء الذي كان في زمن أمير المؤمنين (عليه السلام) انتهى.
(الثامن) - قد صرح غير واحد من فضلاء متأخري المتأخرين بسهولة الأمر
في القبلة واتساع الدائرة فيها وأنه لا ضرورة إلى ما ذكره المنجمون. وهو كذلك،
وتوضيحه أنه لا يخفى أن الصلاة عمود الدين الذي لا ثبوت له ولا قيام إلا بها ولذا ورد
أن قبول الأعمال يتوقف على قبولها وورد أن تاركها كافر كما تقدم ذكر ذلك في المقدمة
الأولى، ولا ريب أن صحتها منوطة بالاستقبال بالضرورة من الدين ومع هذا فلم يرد
عنهم (عليهم السلام) في معرفتها مع البعد إلا خبران مجملان بالنسبة إلى أهل العراق خاصة
من قوله (عليه السلام) (1) في أحدهما بعد سؤاله عن القبلة " ضع الجدي في قفاك
وصل " وقوله (عليه السلام) (2) في الآخر بعد قول السائل: إني أكون في السفر ولا
اهتدي إلى القبلة بالليل فقال: " أتعرف الكوكب الذي يقال له الجدي؟ قال: نعم
قال اجعله على يمينك وإذا كنت في طريق الحج فاجعله بين كتفيك " ومع غفلة أصحابهم
عن السؤال عن ذلك وتحقيقه كيف رضوا لهم بذلك ولم يحققوا لهم تلك المسالك مع
ضروريته وتوقف صحة الصلاة عليه لو كان ذلك على ما يقوله أهل الهيئة من التدقيقات
والتحقيقات والعلامات لكل قطر وناحية؟ مع أن الذي ورد عنهم (عليهم السلام) إنما
هو عكس ذلك وهو قولهم في الحديثين المتقدمين (3) " ما بين المشرق والمغرب قبلة "
ويؤيد ذلك بأوضح تأييد ما عليه قبور الأئمة (عليهم السلام) في العراق من الاختلاف
مع قرب المسافة بينها على وجه يقطع بعدم انحراف القبلة فيه مع استمرار الأعصار
والأدوار من العلماء الأبرار على الصلاة عندها ودفن الأموات ونحو ذلك، وهو أظهر
ظاهر في التوسعة كما لا يخفى. وكيف كان فما ذكره علماء الهيئة مما سيأتي الإشارة إلى
بعضه أولى وأحوط إلا أن في وجوبه كما يفهم من كلام أكثر أصحابنا اشكالا لما عرفت

(1) الوسائل الباب 5 من القبلة.
(2) الوسائل الباب 5 من القبلة.
(3) ص 373.
387

قال السيد السند في المدارك: ثم إن المستفاد من الأدلة الشرعية سهولة الخطب في
أمر القبلة والاكتفاء في التوجه إلى ما يصدق عليه عرفا أنه جهة المسجد وناحيته كما يدل
عليه قوله تعالى: " فولوا وجوهكم شطره " (1) وقولهم (عليهم السلام): " ما بين
المشرق والمغرب قبلة " (2) و " ضع الجدي في قفاك وصل " (3) وخلو الأخبار مما زاد
على ذلك مع شدة الحاجة إلى معرفة هذه العلامات لو كانت واجبة. وإحالتها على علم الهيئة
مستبعد جدا لأنه علم دقيق كثير المقدمات، والتكليف به لعامة الناس بعيد من قوانين
الشرع، وتقليد أهله غير جائز لأنه لا يعلم اسلامهم فضلا عن عدالتهم، وبالجملة التكليف
بذلك مما علم انتفاؤه ضرورة. والله العالم بحقائق أحكامه.
(التاسع) - إعلم أن الأصحاب (رضوان الله عليهم) ذكروا لأكثر البلدان
علامات تعرف بها قبلتها، والظاهر أن ذلك كله أو أكثره مأخوذ من كلام علماء الهيئة
الآخذين ذلك من الارصاد ومعرفة البلاد طولا وعرضا، وقد عرفت ما في ذلك من الاشكال
وأنه لم يرد عنهم (عليهم السلام) في معرفة القبلة إلا ما قدمنا ذكره.
ثم إنهم (رضوان الله عليهم) قد ذكروا لأهل العراق علامات ثلاثا:
(الأولى) - جعل المشرق على المنكب الأيسر والمغرب على اليمين وقيد ذلك
أكثر الأصحاب بالاعتداليين لعدم انضباط ما عداهما، والظاهر - كما صرح به بعض
مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين - أنه لا حاجة إلى هذا التقييد حيث قال اطلاق
القوم المشرق والمغرب لا قصور فيه وتقييد بعض مشايخنا غير محتاج إليه بل هو مقلل
للفائدة، وما ظنوه من أن الاطلاق مقتض للاختلاف الفاحش في الجهة ليس كذلك
لأن مراد القدماء أن العراقي يجعل أي يوم شاء على يمينه ومشرق ذلك اليوم
بعينه على يساره، وهذا لا يقتضي الاختلاف الذي زعموه وهو عام في كل الأوقات
لكل المكلفين، بخلاف القيد الذي ذكروه فإنه يقتضي أن لا تكون العلامة موضوعة

(1) سورة البقرة، الآية 139.
(2) ص 373.
(3) ص 387.
388

إلا لآحاد الناس القادرين على استخراج خط الاعتدال ومع ذلك فليس بأضبط مما
ذكرناه كما لا يخفى، فأي داع إلى تقييد عبارات المتقدمين بما تقل معه الفائدة ويعسر
ضبطه على أكثر المكلفين؟ انتهى. وهو جيد متين.
(الثانية) - جعل الجدي بحذاء المنكب الأيمن، والجدي مكبر وربما يصغر
ليتميز عن البرج وهو نجم مضئ يدور مع الفرقدين حول قطب العالم الشمالي، والقطب
نقطة مخصوصة يقابلها مثلها من الجنوب، قال شيخنا الشهيد الثاني: وأقرب الكواكب
إليها نجم خفي لا يكاد يدركه إلا حديد البصر يدور حولها كل يوم وليلة دورة لطيفة
لا تكاد تدرك، ويطلق على هذا النجم القطب لحال المجاورة للقطب الحقيقي وهو علامة
لقبلة العراقي إذا جعله المصلي خلف منكبه الأيمن ويخلفه الجدي في العلامة إذا كان في
غاية الارتفاع والانخفاض، وإنما اشترط ذلك لكونه في تلك الحال على دائرة نصف
النهار وهي مارة بالقطبين وبنقطة الجنوب والشمال، فإذا كان القطب مسامتا لعضو من المصلي
كان الجدي مسامتا له لكونهما على دائرة واحدة بخلاف ما لو كان منحرفا نحو المشرق
أو المغرب. قال في المدارك بعد نقل ذلك عن جده (قدس سره) قلت ما ذكره
مشهور بين الأصحاب وممن صرح به المصنف في المعتبر والعلامة في المنتهى والشهيد في
الذكرى ونقل شيخنا المحقق المدقق مولانا أحمد المجاور بالمشهد المقدس الغروي على
ساكنه السلام عن بعض محققي أهل ذلك الفن أن هذا الشرط غير جيد لأن الجدي في جميع
أحواله أقرب إلى القطب الحقيقي من ذلك النجم الخفي ولهذا كان أقل حركة منه كما
يظهر بالامتحان، وهذه الحركة الظاهرة إنما هي للفرقدين لا للجدي فإن حركته يسيرة
جدا وقد اعتبرنا ذلك فوجدناه كما أفاد. انتهى.
(الثالثة) - جعل الشمس على الحاجب الأيمن مما يلي الأنف عند الزوال لأن
الشمس قبل الزوال تكون على دائرة نصف النهار المتصلة بنقطتي الجنوب والشمال فيكون
حينئذ مستقبلا نقطة الجنوب بين العينين فإذا زالت مالت إلى طرف الحاجب الأيمن
389

وأنت خبير بما بين هذه العلامات من الاختلاف فإن العلامة الأولى والثالثة تقتضيان
كون قبلة العراقي في نقطة الجنوب والعلامة الثانية تقتضي انحرافا بينا عنها نحو المغرب،
ولا يخفى ما فيه من التدافع.
إلا أن بعض متأخري أصحابنا المحققين قسم العراق إلى ثلاثة أقسام فجعل العلامة
الأولى والثالثة لأطراف العراق الغربية كالموصل وسنجار وما والاها، وحمل العلامة
الثانية على أوساط العراق كالكوفة وبغداد والحلة والمشاهد المقدسة، وأما أطرافها
الشرقية كالبصرة وما والاها فتحتاج إلى زيادة انحراف نحو المغرب ولذا حكموا بأن
علامتها جعل الجدي على الخد الأيمن.
وقال بعض فضلاء متأخري المتأخرين وهذا التقسيم هو الموافق لقواعد الهيئة فإن
طول بغداد على ما ذكره المحقق نصير الملة والدين يزيد على طول مكة بثلاث درجات فقبلتها
منحرفة يسيرا عن نقطة الجنوب إلى المغرب والموصل يساوي طولها طول مكة فقبلتها نقطة
الجنوب لاتحاد نصف نهاريهما، وأما البصرة فيزيد طولها على طول مكة بسبع درجات ففي قبلتها
زيادة انحراف إلى المغرب عن قبلة بغداد فجعلوا علامتها وضع الجدي على الخد الأيمن. انتهى.
أقول: قد صرح أرباب هذا الفن بأن الأقاليم السبعة المسكونة وما فيها من البلدان
كلها في النصف الشمالي من الأرض بعد خط الاستواء القاسم للأفق نصفين شمالي
وجنوبي، والنصف الجنوبي غير مسكون لاستيلاء الحرارة والماء عليه، والنصف الشمالي
المعمور فيه أيضا إنما هو نصفه المتصل بخط الاستواء وهو الذي فيه الأقاليم السبعة
والنصف الآخر خراب لشدة البرد. وقد أثبتوا لهذه الأقاليم طولا وعرضا، فالطول
عبارة عن طرف العمارة من جانب المغرب وهو ساحل البحر إلى منتهاها من الجانب
الشرقي وهي كنك وجملة ذلك من الجزائر مائة وثمانون جزء نصف دائرة عظمي
من دوائر الفلك لأن كل دائرة منها مقسومة ثلاثمائة وستين جزء وتسمى هذه
الأجزاء درجات، والعرض من خط الاستواء في جهة الجنوب إلى منتهى الربع المعمور
390

في جهة الشمال وذلك تسعون جزء ربع دائرة عظمي، وحينئذ فطول البلد عبارة عن
بعدها عن منتهى العمارة من الجانب الغربي وعرض البلد عبارة عن بعدها عن خط
الاستواء، فإذا ساوى طول البلد طول مكة وعرض تلك البلد أكثر فسمت قبلة تلك
البلد نقطة الجنوب وإن كان أقل فقبلتها نقطة الشمال وإن تساوى العرضان وطول
البلد أكثر فسمت القبلة نقطة المغرب وإن كان أقل فهو نقطة المشرق. ومعرفة السمت
في هذه الأربعة سهل يتوقف على اخراج الجهات الأربع على وجه الأرض، وإن زادت
مكة على البلد طولا وعرضا فسمت القبلة بين نقطتي المشرق والشمال وإن نقصت فيهما
فهو بين نقطتي الجنوب والمغرب وإن زادت عن البلد طولا ونقصت عرضا فسمت قبلة
البلدين نقطتي الجنوب والمشرق وإن انعكس فبين نقطتي المغرب والشمال، وأكثر
البلدان على الانحراف.
ولنذكر جملة ما ذكروه من البلدان المنحرفة وبيان قدر انحرافها، فأما البلدان المنحرفة
عن نقطة الجنوب إلى المغرب فبلادنا (البحرين) بسبع وخمسين درجة وثلاث وعشرين
دقيقة، و (الحساء) بتسع درجات وثلاثين دقيقة و (البصرة) بثمان وثلاثين درجة،
و (واسط) بعشرين درجة وأربع وخمسين دقيقة، و (الأهواز) بأربعين درجة وثلاثين
دقيقة، و (الحلة) باثنتي عشرة درجة، و (المدائن) بثمان درجات وثلاثين دقيقة،
و (بغداد) باثنتي عشرة درجة وخمس وأربعين دقيقة، و (الكوفة) باثنتي عشرة درجة
وإحدى وثلاثين دقيقة، و (سر من رأى) بسبع درجات وست وخمسين دقيقة
و (كاشان) بأربع وثلاثين درجة وإحدى وثلاثين دقيقة، و (قم) بإحدى وثلاثين
درجة وأربع وخمسين دقيقة، و (ساوة) بتسع وعشرين درجة وست عشرة دقيقة،
و (إصبهان) بأربعين درجة وتسع وعشرين دقيقة، و (قزوين) بتسع وعشرين درجة
وأربع وثلاثين دقيقة، و (تبريز) بخمس عشرة درجة وأربعين دقيقة، و (مراغة) بست
عشرة درجة وسبع عشرة دقيقة، و (استراباد) بثمان وثمانين درجة وثمان وأربعين دقيقة.
391

و (طوس والمشهد الرضوي) بخمس وأربعين درجة وست دقائق، و (نيسابور) بست
وأربعين درجة وخمس وعشرين دقيقة، و (سبزوار) بأربع وأربعين درجة واثنتين
وخمسين دقيقة، و (شيراز) بثلاث وخمسين درجة وثمان وعشرين دقيقة، و (همدان)
باثنتين وعشرين درجة وست وعشرين دقيقة، و (تون) بخمسين درجة وعشرين دقيقة
و (طبس) باثنتين وخمسين درجة وخمس وخمسين دقيقة. و (أردبيل) بسبع عشرة درجة
وثلاث عشرة دقيقة. و (هرات) بأربع وخمسين درجة وثمان دقائق. و (قاين) بأربع
وخمسين درجة، و (سمنان) بست وثلاثين درجة وسبع عشرة دقيقة، و (دامغان) بثمان
وثلاثين درجة، و (بسطام) بتسع وثلاثين درجة وثلاث عشرة دقيقة، و (لاهجان)
بثلاث وعشرين درجة، و (آمل) بثلاثين درجة وست ثلاثين دقيقة، و (قندهار) بخمس
وسبعين درجة، و (الري) بسبع وثلاثين درجة وست وعشرين دقيقة، و (كرمان) باثنتين
وستين درجة وإحدى وخمسين دقيقة، و (تفليس) بأربع عشرة درجة وإحدى وأربعين
دقيقة، و (شيروان) بعشرين درجة وتسع دقائق، وكذا الشماخي، و (سجستان) بثلاث
وستين درجة وثماني عشرة دقيقة، و (طالقان) بتسع وعشرين درجة وثلاث وثلاثين
دقيقة، و (بلخ) بستين درجة وست وثلاثين دقيقة، و (بخارى) بتسع وأربعين درجة
وثمان وثلاثين دقيقة، و (بدخشان) بأربع وستين درجة وتسع دقائق، و (سمرقند)
باثنتين وخمسين درجة وأربع وخمسين دقيقة، و (كاشغر) بثمان وخمسين درجة وست
وثلاثين دقيقة، و (تبت) بست وثلاثين درجة وعشرين دقيقة، و (هرموز) بأربع
وسبعين درجة، و (أبهر) بأربع وعشرين درجة، و (كازران) بإحدى وخمسين درجة
وست وخمسين دقيقة، و (جرباذقان) بثمان وثلاثين درجة، و (خوارزم) بأربعين درجة
وأما الانحراف من الجنوب إلى المشرق (فالمدينة المشرفة) منحرفة قبلتها عن
نقطة الجنوب إلى المشرق بسبع وثلاثين درجة وعشرين دقيقة، و (مصر) بثمان وخمسين
درجة وتسع وعشرين دقيقة، و (قسطنطنية) بثمان وثلاثين درجة وسبع عشرة دقيقة.
392

و (الموصل) بأربع درجات واثنتين وخمسين دقيقة، و (بيت المقدس) بخمس وأربعين
درجة وست وخمسين دقيقة.
وأما الانحراف من الشمال إلى المغرب (فأكره) بتسع وثمانين درجة، و (سرنديب)
بسبعين درجة واثنتي عشرة دقيقة، و (چين) بخمس وسبعين درجة، و (سومنات)
بخمس وسبعين درجة وأربع وثلاثين دقيقة.
وأما ما كان من الشمال إلى المشرق (فصنعاء) بدرجة وخمس عشرة دقيقة،
و (عدن) بخمس درجات وخمس وخمسين دقيقة، و (جرمي) دار ملك الحبشة بسبع
وأربعين درجة وخمس وعشرين دقيقة. وسائر البلاد القريبة من تلك البلاد والمتوسطة
بينها يعرف انحرافها بالمقايسة.
أقول: لا يخفى على من عرف ما عليه هذه البلدان من القبلة في جميع الأزمان فإنه
لا يوافق شيئا مما ذكر في هذا المكان مع استمرار السلف والخلف عليها من العلماء
والأعيان، ومن ذلك قبلة البحرين والقطيف والأحساء فإنها نقطة المغرب وهكذا جميع
ما ذكر من البلدان. ولقد اتفق في هذه السنين التي مضت لنا مجيئ رجل من الفضلاء
يسمى الشيخ حسين ممن يصلي الجمعة والجماعة إلى بلدة بهبهان فانحرف عن قبلة مساجدها بناء على الضابطة التي ذكرها علماء الهيئة وصلى إلى تلك الجهة التي هي موافقة لكلام
علماء الهيئة وحمل الناس على الصلاة إليها فتناولته الألسن من كل مكان وكثر الطعن عليه
في جميع البلدان حتى كأنه ممن أبدع في الدين وافترى على الملك الديان.
(البحث الثاني) - في المستقبل، الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان
الله عليهم) في وجوب العلم بالقبلة مع إمكانه فلا يجوز التعويل على الظن، قالوا ويتحقق
العلم بالمعاينة والشياع والخبر المحفوف بالقرائن ومحراب المعصوم (عليه السلام).
أقول: إن أريد بالعلم هنا العلم بالعين مع إمكان المشاهدة فهذا مخصوص بالقريب
كما تقدم ولا ريب أن هذا لا يسوغ له الاجتهاد ولكن المدعى أعم من ذلك، وإن
393

أريد العلم بالعين بالنسبة إلى البعيد فظاهر أن هذا مما يتعذر، وإن أريد العلم بالجهة بالنسبة
إلى البعيد - والظاهر أنه هو المراد من كلامهم - فمن الظاهر أنه إنما يحصل بالاجتهاد
الذي غايته الظن فلا معنى لتقديمه وجعل الظن في المرتبة الثانية بعد تعذره. وأما ما مثلوا
به لصور تحصيل العلم من المعاينة فقد عرفت أنه مخصوص بالقريب المتمكن من المشاهدة
لا على وجه يستلزم المشقة والعسر. وأما الخبر المحفوف بالقرائن والشياع فهو وإن
مثلوا بهما لإفادة العلم لكن ذلك بالنسبة إلى الخبر وهو قبول قول الغير الذي غاية
ما يفيده هو الظن فإنه قد يفيد العلم إذا انضمت إليه أمارات من خارج أو كان شائعا
بحيث يفيد العلم، وهذا لا معنى له بالنسبة إلى القبلة والعلم بجهتها للبعيد، فإنه إما أن يرجع
إلى الأمارات المتقدمة التي ذكرها أهل الهيئة للبلدان وغاية ما تفيده الظن بالجهة، أو قبلة
البلد أو المحاريب والقبور ونحو ذلك وغاية الجميع الظن، إلا أن يقال بحصول العلم بالجهة
بالأمارات التي ذكرها علماء الهيئة وليس ببعيد فيخص العلم به ويجعل الظن في ما عداه
مما ذكرناه ونحوه، نعم ربما يتم ما ذكر في محراب المعصوم (عليه السلام) إن ثبت
صلاته فيه على الهيئة التي هو عليها الآن ودون ثبوته شوك القتاد وإن ادعى بعض
الأصحاب ذلك.
قال شيخنا الشهيد في الذكرى: لا اجتهاد في محراب رسول الله (صلى الله عليه
وآله) في جهة القبلة ولا في التيامن والتياسر فإنه منزل منزلة الكعبة، وروي أنه لما
أراد نصبه زويت له الأرض فجعله بإزاء الميزاب (1) ولأن النبي (صلى الله عليه وآله)
معصوم لا يتصور منه الخطأ وعند من جوزه من العامة لا يقر عليه فهو صواب قطعا
فيستقبله معاينة وتنصب المحاريب هناك عليه وفي معنى المدينة كل موضع تواتر أن النبي
(صلى الله عليه وآله) صلى فيه إلى جهة معينة مضبوطة الآن، وكذا لا اجتهاد في المسجد
الأعظم بالكوفة في التيامن ولا التياسر مثل ما قلناه في مسجد النبي (صلى الله عليه

(1) تاريخ المدينة للسمهودي ج 1 ص 261 والدرة الثمينة ص 357.
394

وآله) لوجوب عصمة الإمام كالنبي وقد نصبه أمير المؤمنين وصلى إليه هو والحسن
والحسين (عليهم السلام) وأما محراب مسجد البصرة فنصبه عقبة بن غزوان فهو كسائر
محاريب الاسلام، وربما قيل بمساواته مسجد الكوفة لأن أمير المؤمنين (عليه السلام) صلى
فيه وجمع من الصحابة فكما لا اجتهاد في مسجد الكوفة فكذا في مسجد البصرة.
وأما مسجد المدائن فصلى فيه الحسن (عليه السلام) فإن كان المحراب مضبوطا فكذلك
وبمشهد سر من رأى (صلوات الله على مشرفيه) مسجد منسوب إلى الهادي (عليه
السلام) فلا اجتهاد في قبلته أيضا إن كانت مضبوطة. ولو تخيل الماهر في أدلة القبلة
تيامنا وتياسرا في محراب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومحراب أمير المؤمنين
(عليه السلام) فخياله باطل لا يجوز له ولا لغيره العمل به. انتهى كلامه زيد مقامه.
وفيه ما أفاده شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب البحار حيث قال
في تتمة الكلام الذي قدمنا نقله عنه آنفا: وما ذكره أصحابنا من أن محراب مسجد
الكوفة محراب المعصوم لا يجوز الانحراف عنه إنما يثبت إذا علم أن الإمام بناه - ومعلوم
أنه لم يبنه - أو صلى فيه من غير انحراف عنه وهو أيضا غير ثابت، بل ظهر من بعض
ما سنح لنا من الآثار القديمة عند تعمير المسجد في زماننا ما يدل على خلافه كما سيأتي
ذكره إن شاء الله تعالى، مع أن الظاهر من بعض الأخبار أن هذا البناء غير البناء الذي
كان في زمن أمير المؤمنين (عليه السلام) بل ظهر لي من بعض الأدلة والقرائن أن
محراب مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) بالمدينة أيضا قد غير عما كان في زمانه لأنه
على ما شاهدنا في هذا الزمان موافق لخط نصف النهار وهو مخالف للقواعد الرياضية
من انحراف قبلة المدينة إلى اليسار قريبا من ثلاثين درجة ومخالف لما رواه الخاصة والعامة
من أنه (صلى الله عليه وآله) زويت له الأرض ورأي الكعبة فجعله بإزاء الميزاب (1)
فإن من وقف بحذاء الميزاب يصير القطب الشمالي محاذيا لمنكبه الأيسر، ومخالف لبناء

(1) تاريخ المدينة للسمهودي ج 1 ص 261 والدرة الثمينة ص 357.
395

بيت الرسول (صلى الله عليه وآله) الذي دفن فيه. مع أن الظاهر أن بناء البيت كان
موافقا لبناء المسجد وبناء البيت أوفق بالقواعد من المحراب، وأيضا مخالف لمسجد قبا
ومسجد الشجرة وغيرهما من المساجد التي بناها النبي (صلى الله عليه وآله) أو صلى فيها
ولذا حمل بعض الأفاضل ممن كان في عصرنا حديث المفضل وأمثاله على مسجد المدينة
وقال لما كانت الجهة وسيعة وكان الأفضل بناء المحراب على وسط الجهات إلا أن تعارضه
مصلحة كمسجد المدينة حيث بنى محرابه على خط نصف النهار لسهولة استعلام الأوقات
مع أن وسط الجهات فيه منحرف نحو اليسار فلذا حكموا باستحباب التياسر فيه ليحاذي
المصلي وسط الجهة المتسعة، وسيأتي مزيد توضيح لتلك المقاصد مع الأخبار والقرائن
الدالة عليه في كتاب المزار. والله أعلم وحججه (عليهم السلام) بحقائق الأخبار والآثار.
انتهى كلامه علت في الخلد أقدامه.
وما أشار إليه في كتاب المزار قد قدمنا ذكر جملة منه آنفا في مسألة استحباب
التياسر، وإذا ثبت ما ذكرنا في مسجد المدينة والكوفة ففي ما ذكره من المساجد بطريق
أولى إذ ليس لها من الشهرة وقوة الاعتماد ما لهما.
ثم إن جملة من المتأخرين ذكروا أنه مع فقد العلم يعول على الأمارات المفيدة للظن
وادعى عليه في المعتبر والمنتهى اتفاق أهل العلم.
ويدل عليه من الأخبار صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال:
" يجزئ التحري أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة ".
وموثقة سماعة (2) قال: " سألته عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم ير الشمس ولا
القمر ولا النجوم؟ قال اجتهد رأيك وتعمد القبلة جهدك ".
وروى المرتضى في رسالة المحكم والمتشابه عن تفسير النعماني بإسناده عن الصادق
عن آبائه (عليهم السلام) (3) " في قول الله عز وجل: فول وجهك شطر المسجد

(1) الوسائل الباب 6 من القبلة.
(2) الوسائل الباب 6 من القبلة.
(3) الوسائل الباب 6 من القبلة.
396

الحرام (1) قال معنى " شطره " نحوه إن كان مرئيا وبالدلائل والأعلام إن كان محجوبا، فلو علمت
القبلة لوجب استقبالها والتولي والتوجه إليها ولو لم يكن الدليل عليها موجودا حتى تستوي
الجهات كلها فله حينئذ أن يصلي باجتهاده حيث أحب واختار حتى يكون على يقين من
الدلالات المنصوبة والعلامات المثبوتة، فإن مال عن هذا التوجه مع ما ذكرناه حتى يجعل
الشرق غربا والغرب شرقا زال معنى اجتهاده وفسد حال اعتقاده " قال: وقد جاء عن النبي
(صلى الله عليه وآله) خبر منصوص مجمع عليه أن الأدلة المنصوبة على بيت الله الحرام
لا يذهب بكليتها حادثة من الحوادث منا من الله تعالى على عباده في إقامة ما افترض عليهم
أقول: الظاهر - والله سبحانه وقائله أعلم - من قوله: " فإن مال عن هذا
التوجه " أي أنه بعد توجهه بالاجتهاد إلى جهة أدى إليها اجتهاده فإن ظهر له بعد ذلك
الميل عن القبلة على وجه يكون مستدبر القبلة بأن جعل الشرق في موضع الغرب والغرب
في موضع الشرق أو محض اليمين واليسار فإنه يصدق أيضا ذلك في الجملة فقد ظهر فساد
اجتهاده وفساد اعتقاده فتجب الإعادة عليه وسيجئ تحقيق الكلام في ذلك. وأما
ما نقله (عليه السلام) من الخبر عن النبي (صلى الله عليه وآله) فلعل المراد بتلك الأدلة
هي النجوم، وقد روى العياشي في تفسيره عن إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر بن محمد
عن آبائه عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) (2) قال: " قال رسول الله (صلى الله
عليه وآله) " وبالنجم هم يهتدون " هو الجدي لأنه نجم لا يزول وعليه بناء القبلة
وبه يهتدي أهل البر والبحر " ويمكن أن يستفاد من هذا الخبر حصول العلم بالجهة بالدلائل
التي ذكرها علماء الهيئة كما هو الظاهر من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) وليس
بذلك البعيد كما قدمنا الإشارة إليه وإن قلنا بعدم وجوب التكليف به، لما عرفت مما
قدمنا نقله عن جملة من أفاضل متأخري المتأخرين وإن كان أفاضل المتأخرين على خلافه

(1) سورة البقرة، الآية 139.
(2) الوسائل الباب 5 من القبلة.
(3) سورة الروم، الآية 49.
397

تنبيهات
(الأول) - المفهوم من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) الذي قدمنا
ذكره هو أن الاجتهاد الذي هو عبارة عن بذل الوسع في تحصيل الأمارات المفيدة للظن
بالجهة بعد تعذر العلم بالجهة بالأمارات المذكورة في كلام علماء الهيئة، فيجتهد مع فقدها في
تحصيل أمارة توجب ظنه بالجهة ويبني عليها.
وقد تقدم من الأخبار ما يدل على جواز البناء على هذا الظن الناشئ عن التحري
ويزيده بيانا ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) " في الأعمى يؤم القوم وهو على غير القبلة؟ قال يعيد ولا يعيدون
فإنهم قد تحروا "
ويؤيده أيضا صحيحة سليما بن خالد (2) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
" الرجل يكون في قفر من الأرض في يوم غيم فيصلي لغير القبلة ثم يضحي فيعلم أنه صلى لغير
القبلة كيف يصنع؟ قال إن كان في وقت فليعد صلاته وإن كان مضى الوقت فحسبه
اجتهاده " ونحوها صحيحة يعقوب بن يقطين (3).
وربما ظهر من كلام الشيخين في المقنعة والمبسوط هنا عدم العمل على الظن
والصلاة إلى أربع جهات، قال في المقنعة: إذا أطبقت السماء بالغيم فلم يجد الانسان دليلا
عليها بالشمس والنجوم فليصل إلى أربع جهات فإن لم يقدر على ذلك بسبب من الأسباب
المانعة من الصلاة أربع مرات فليصل إلى أي جهة شاء وذلك مجزئ مع الاضطرار.
وقال في المبسوط بعد أن ذكر أربع علامات نجومية لقبلة العراق: فإن فقد هذه الأمارات
يصلي إلى أربع جهات الصلاة الواحدة مع الاختيار.
واستدل الشيخ لذلك برواية خراش عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه

(1) الوسائل الباب 11 من القبلة.
(2) الوسائل الباب 11 من القبلة.
(3) الوسائل الباب 11 من القبلة.
398

السلام) (1) قال: " قلت له جعلت فداك إن هؤلاء المخالفين علينا يقولون إذا أطبقت
علينا أو اظلمت فلم نعرف السماء كنا وأنتم سواء في الاجتهاد؟ فقال ليس كما يقولون إذا
كان ذلك فليصل إلى أربع وجوه ".
ولا يخفى أن هذا الخبر لضعف سنده لا يبلغ قوة في معارضة الأخبار المتقدمة
وبذلك رده الأصحاب مع أنهم قائلون بمضمونه في وجوب الأربع مع فقد الظن كما
سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى. والحق في الجواب عنه ما سنذكره ثمة إن شاء الله تعالى.
والشيخ (قدس سره) جمع بين هذا الخبر والأخبار السابقة بحمل الأخبار المتقدمة
على صورة الاضطرار وعدم التمكن من الصلاة إلى أربع جهات وهذا الخبر على صورة
التمكن والاختيار. وبعض الأصحاب احتمل الجمع بحمل الأخبار الأولة على التقية كما
يشعر به هذا الخبر لكنه استشكل ذلك بأن المصير إلى الحمل فرع حصول المعارضة
وهذا الخبر قاصر عن معارضة تلك الأخبار. والحق في الخبر المذكور ما سيأتي
تحقيقه إن شاء الله تعالى.
(الثاني) - لو اجتهد وأداه اجتهاده إلى جهة مخصوصة ثم أخبره من يوثق به
بغيرها فهل يجب عليه العمل على اجتهاده أو يرجع إلى قول الثقة؟ قولان، فالشيخ
وأتباعه على الأول والظاهر أنه المشهور. وقيل بالثاني إذا أفاده ظنا زائدا على ما أدى
إليه اجتهاده. ذهب إليه المحقق والشهيد واختاره جملة من أفاضل متأخري المتأخرين،
وهو الأظهر لأن المسألة ظنية فيتبع فيها أقوى الظنين، ولا ينافيه أخبار الأمر بالتحري
فإن الاستخبار ممن يفيد قوله الظن الراجح نوع من التحري. ولو تعذر الظن لفقد
ما يدل عليه وأخبره من يوثق بقوله فهل يصلي إلى أربع جهات أم يعمل بقول المخبر؟
قولان ولعل أظهرهما الثاني بالتقريب المتقدم. وهل يشترط عدالة المخبر فلو كان فاسقا
أو كافرا لم يقبل قوله؟ اشكال ولعل الأقرب القبول إن أفاد الظن كما ذكرنا.

(1) المروية في الوسائل في الباب 8 من القبلة.
399

(الثالث) - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه مع تعذر الظن
بالقبلة يصلي كل فريضة إلى أربع جهات. وقال ابن أبي عقيل لو خفيت عليه القبلة لغيم
أو ريح أو ظلمة فلم يقدر على القبلة صلى حيث شاء مستقبل القبلة وغير مستقبلها ولا إعادة
عليه إذا علم بعد ذهاب وقتها أنه صلى لغير القبلة. وهو الظاهر من ابن بابويه ونفى عنه
البعد في المختلف ومال إليه في الذكرى واختاره جملة من محققي متأخري المتأخرين،
وهو المختار لما ستعرف من الأخبار.
احتج الشيخ ومن تبعه من أصحاب القول المشهور برواية خراش المتقدمة، وردها
القائلون بالقول الآخر بضعف السند وبأنها متروكة الظاهر من حيث تضمنها سقوط
الاجتهاد بالكلية مع دلالة الأخبار المتقدمة عليه.
والحق في الجواب عن الرواية المذكورة ما أفاده المحدث الأمين الاسترآبادي في
كتاب الفوائد المدنية من أن قصده (عليه السلام) إنما هو مجرد الرد على المخالفين
في ما يدعونه من الالتجاء إلى الاجتهاد الذي يبنون عليه الأحكام الشرعية وقد منعت منه
النصوص المعصومية بأن لنا مندوحة عن ذلك وهو المصير إلى العمل بالاحتياط الذي يحصل
بالصلاة إلى أربع جهات لا أن مراده (عليه السلام) نفي الاجتهاد في القبلة بالكلية
مع دلالة أخبارهم (عليهم السلام) عليه كما عرفت مما قدمناه وهو معنى صحيح
لا غبار عليه.
وبه تبقى أدلة القول الثاني سالمة من المعارض، ومنها ما رواه الصدوق في
الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) أنه قال: " يجزئ
المتحير أبدا أينما توجه إذا لم يعلم أين وجه القبلة ".
وروى في الكافي في الصحيح عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن زرارة (2)
قال: " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قبلة المتحير فقال يصلي حيث شاء ".

(1) الوسائل الباب 8 من القبلة.
(2) الوسائل الباب 8 من القبلة.
400

وروى الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار (1) قال: " قلت الرجل يقوم
في الصلاة ثم ينظر بعدما فرغ فيرى أنه قد انحرف عن القبلة يمينا أو شمالا؟ فقال قد
مضت صلاته فما بين المشرق والمغرب قبلة، ونزلت هذه الآية في قبلة المتحير: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله " (2) كذا استدل بها في المدارك، واحتمل جملة
من المحققين كون قوله في هذه الرواية " ونزلت هذه الآية " من كلام الصدوق لا من
الرواية وعليه تنتفي دلالة الرواية.
والمستفاد من بعض الأخبار أن هذه الآية إنما نزلت في النافلة وجواز صلاتها
إلى غير القبلة، فروى الطبرسي في كتاب مجمع البيان عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما
السلام) (3) في قوله تعالى: " فأينما تولوا فثم وجه الله " أنها ليست منسوخة وأنها
مخصوصة بالنوافل في حال السفر.
وروى الشيخ في النهاية عن الصادق (عليه السلام) (4) في قوله تعالى:
" فأينما تولوا فثم وجه الله " قال: " هذا في النوافل في حال السفر خاصة فأما الفرائض
فلا بد فيها من استقباله القبلة ".
وقال الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره (5) " ولله المشرق والمغرب فأينما
تولوا فثم وجه الله " (6) قال العالم (عليه السلام): " فإنها نزلت في صلاة النافلة فصلها
حيث توجهت إذا كنت في سفر فأما الفرائض فقوله: " وحيثما كنتم فولوا وجوهكم
شطره " (7) يعني الفرائض لا تصلها إلا إلى القبلة ".
وفي تفسير العياشي عن حريز عن أبي جعفر (عليه السلام) (8) " أنزل الله
هذه الآية في التطوع خاصة " فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم " (9) وصلى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) إيماء على راحلته أينما توجهت به حيث خرج إلى خيبر

(1) الفقيه ج 1 ص 179 والوسائل الباب 10 من القبلة.
(2) سورة البقرة، الآية 109.
(3) الوسائل الباب 15 من القبلة.
(4) الوسائل الباب 15 من القبلة.
(5) ص 50.
(6) سورة البقرة، الآية 109.
(7) سورة البقرة الآية 139 و 145.
(8) الوسائل الباب 15 من القبلة.
(9) سورة البقرة، الآية 109.
401

وحين خرج من مكة وجعل الكعبة خلف ظهره " قال زرارة (1) " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام) الصلاة في السفينة والمحمل سواء؟ قال النافلة كلها سواء، ثم ساق الخبر
في الكتاب المذكور إلى أن قال كل ذلك قبلة للمتنفل أنه قال: فأينما تولوا فثم وجه الله
إن الله واسع عليم ".
وروى فيه عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " سألته
عن رجل يقرأ السجدة وهو على ظهر دابته؟ قال يسجد حيث توجهت فإن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) كان يصلي على ناقته النافلة وهو مستقبل المدينة يقول: فأينما تولوا
فثم وجه الله إن الله واسع عليم ".
ولا يخفى ما في دلالة هذه الأخبار على المنافاة لما تقدم من نزول الآية المذكورة
في قبلة المتحير سواء جعلت من الخبر أو من كلام الصدوق والحمل على الثاني أوفق بانتظام
الأخبار وسلامتها من الاختلاف في هذا المضمار وإن كان الظاهر أن الصدوق أيضا
لا يقوله إلا عن رواية وصلت إليه. وربما جمع بعضهم بين الأخبار المتقدمة بحمل روايات
الصلاة إلى أي جهة شاء على عدم التمكن من الصلاة إلى أربع جهات وتبقى رواية خراش
على ظاهرها. ولا يخفى بعده عن ظاهر سياق الأخبار المذكورة.
وبالجملة فالرواية المذكورة مع ضعف سندها معارضة بالأخبار المتقدمة وبهذه الأخبار
والأظهر في معناها هو ما ذكرناه وبه تنتفي المناقضة بين الأخبار ويظهر اجتماعها على وجه
واضح المنار.
وذهب السيد رضي الدين بن طاووس في هذه المسألة إلى الرجوع إلى القرعة
قال في المدارك: ولا بأس به. أقول: بل البأس فيه أظهر ظاهر إذ الظاهر من الأخبار
أن مشروعية القرعة إنما هو من حيث الاشكال وأنها لكل أمر مشكل والظاهر أنه
لا اشكال هنا مع وجود الأدلة الصحيحة الصريحة في الحكم. أما على ما ذكرنا في معنى

(1) الوسائل الباب 13 من القبلة.
(2) البحار ج 18 الصلاة ص 370.
402

رواية خراش فظاهر، وأما على ما ذكره من طرحها لضعفها سندا ودلالة فقال إنه
لا تعويل عليها فأظهر، وعلى كل من الوجهين تبقى الأخبار سالمة من المعارض فأي وجه
هنا للقرعة وأي اشكال في الحكم يوجب الرجوع إليها؟
ثم إنه على القول المشهور من الصلاة إلى أربع جهات يعتبر في الجهات الأربع
كونها على خطين مستقيمين وقع أحدهما على الآخر على وجه يحدث عنهما زوايا قوائم لأنه
المتبادر من النص. أقول: ويمكن حصول ذلك بالخطوط الثلاثة المتقاطعة على زوايا قوائم
بناء على ما دلت عليه صحيحة معاوية بن عمار (1) " في من صلى ثم نظر بعد ما فرغ فرأى أنه قد انحرف عن القبلة يمينا أو شمالا؟ فقال قد مضت صلاته وما بين المشرق والمغرب قبلة "
ثم إنهم بناء على القول المذكور صرحوا بأنه لو ضاق الوقت عن الأربع أتى بما
أمكن ولو واحدة إلى أي جهة شاء، وبالجملة بما يتسع له الوقت. قال في المعتبر وكذا
لو منعت ضرورة من عدو أو سبع أو مرض.
(الرابع) - الظاهر من كلام جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن
من لا يتمكن من الاجتهاد كالأعمى والعامي مع ضيق الوقت عن التعلم والعالم بالعلامات
مع خفائها لعارض من غيم ونحوه فإنه يجوز له التقليد. وظاهر كلام الشيخ (قدس سره)
في الخلاف المنع من التقليد للأعمى وغيره ووجوب الصلاة إلى أربع جهات مع السعة
والتخيير مع الضيق.
احتج الأولون بأن قول العدل أحد الأمارات المفيدة للظن فكان العمل به لازما
مع انتفاء العلم وعدم إمكان تحصيل ظن أقوى منه لقوله (عليه السلام) (2) " يجزي
التحري أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة "
واحتج في الخلاف على ما ذكره بأن الأعمى ومن لا يعرف أمارات القبلة إذا
صليا إلى أربع جهات برئت ذمتهما بالاجماع وليس على براءة ذمتهما إذا صليا إلى الواحدة

(1) الوسائل الباب 10 من القبلة.
(2) الوسائل الباب 6 من القبلة.
403

دليل. ثم استدل على التخيير مع الضيق والضرورة بأن وجوب القبول من الغير لم يقم
عليه دليل والصلاة إلى الجهات الأربع منفي لكون الحال حال الضرورة فيثبت التخيير
وجوابه معلوم من حجة القول المشهور المتقدمة. إلا أن المسألة لعدم النص لا تخلو من شوب
الاشكال وإن كان القول المشهور لا يخلو من قوة لما علم من الاعتماد على الظن في مسألة
القبلة مع ما عرفت من سعة الأمر فيها.
وربما يستدل هنا على وجوب التقليد للأعمى وعدم وجوب الصلاة إلى أربع
جهات بالأخبار الدالة على جواز إمامته في الصلاة كصحيحة عبيد الله الحلبي عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: " لا بأس أن يؤم الأعمى القوم وإن كانوا هم الذين يوجهونه "
وصحيحة زرارة أو حسنته عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) في حديث قال: " قلت
له أصلي خلف الأعمى؟ قال نعم إذا كان له من يسدده وكان أفضلهم " ونحوهما
رواية السكوني (3).
والظاهر أنه ليس كذلك فإن هنا مقامين: (الأول) أن تكون القبلة معلومة في
حد ذاتها لا تحتاج إلى اجتهاد لكنها بالنسبة إلى الأعمى غير معلومة على السمت الذي
تجب الصلاة له فيحتاج إلى من يسدده ويرشده وهذا هو مورد الأخبار المذكورة،
والظاهر أن الشيخ لا يخالف في هذه الصور ويوجب عليه الصلاة إلى أربع جهات
ويطرح هذه الأخبار من غير معارض (الثاني) أن تكون القبلة مجهولة تحتاج إلى اجتهاد
وهذا هو موضوع المسألة، فهل يجوز للأعمى الرجوع إلى من حصل القبلة باجتهاده
أو يجب عليه الصلاة إلى أربع جهات؟ والأخبار المذكورة لا دلالة لها على هذه الصورة بل
موردها الصورة الأولى. وبذلك يظهر ما في كلام جملة من الأصحاب هنا: منهم السيد
السند في المدارك والفاضل الخراساني في الذخيرة من أن المراد بالتقليد هنا قبول قول
الغير سواء كان مستندا إلى الاجتهاد أو اليقين، فإنه بظاهره شامل لما ذكرنا من المقام

(1) الوسائل الباب 7 من القبلة.
(2) الوسائل الباب 7 من القبلة.
(3) الوسائل الباب 7 من القبلة.
404

الأول مع أنه ليس كذلك.
وبالجملة فإن الظاهر أن موضوع المسألة إنما هو صورة جهل القبلة وحصول من
يتمكن من الاجتهاد في معرفتها ومن لا يتمكن، فهل يرجع من لا يتمكن من الاجتهاد
للأعذار المتقدمة إلى المتمكن أم لا؟ وأما في مقام العلم بالقبلة فليس من محل البحث في
شئ فإن ما يحصل به اليقين عند المقلد بفتح اللام من رؤية أو مشاهدة أو تعيين الجهة من
العلامات المذكورة بين علماء الهيئة يحصل به اليقين عند المقلد بكسرها إلا أن يكون
أعمى مكفوف البصر، وقد عرفت حكمه من الأخبار المتقدمة وأن الشيخ لا يخالف في
هذه الصورة. وينبغي أن يعلم أنه لو تفاوتت الظنون بالنسبة إلى المخبرين من حيث
العدالة والتعدد ونحو ذلك وعدمها عمل على أقواها ووجب دوران الحكم معه كما يجب
تقديم العلم على الظن. والكلام بالنسبة إلى الكافر ونحوه كما تقدم من حصول
الظن بقوله وعدمه.
(الخامس) - قد صرحوا (رضوان الله عليهم) بأنه يجوز التعويل على قبلة
البلد إذا لم يعلم أنها بنيت على الغلط، والمراد بقبلتها محاريبها المنصوبة وقبورها ونحوها،
ونقل في التذكرة الاجماع عليه. والظاهر من كلامهم التعليل ببعد اجتماع الخلق الكثير
في المدد المتطاولة على الخطأ. واطلاق كلامهم يقتضي أنه لا فرق في ذلك بين ما يفيد
العلم بالجهة أو الظن ولا بين أن يكون المصلي متمكنا من معرفة القبلة بالعلامات المفيدة
للعلم أو الاجتهاد المفيد للظن أو ينتفي الأمران فإنه يعول على قبلة البلد على جميع هذه التقادير
أقول: وفي بعض هذه الشقوق اشكال وهو أنه لو كان قبلة البلد إنما تفيد الظن
بالجهة مع تمكنه من العلم فإن الظاهر وجوب الرجوع إلى العلامات المفيدة للعلم، ولعل
في تصريح بعضهم في هذا المقام بأنه إن جهلها عول على الأمارات المفيدة للظن ما يشير
إلى ما قلناه. وبالجملة فإنه لا يجوز الرجوع إلى الظن إلا مع تعذر العلم كائنا ما كان.
واطلاق كلامهم أعم من أن تكون البلدة من الأمصار العظيمة أو قرية من القرى
405

قال في الذكرى: لو كانت قرية صغيرة نشأ فيها قرون من المسلمين لم يجتهد في قبلتها.
وصرح جماعة منهم بعدم جواز التعويل على المحاريب المنصوبة في الطرق النادر
مرور المسلمين عليها ونحو القبر والقبرين من المسلمين في الموضع المنقطع.
وصرح جملة منهم بعدم جواز الاجتهاد في الجهة التي عليها قبلة البلد، والظاهر أن مرادهم الاجتهاد إلى إحدى الجهات الأربع كجهة المغرب مثلا بأن يجتهد فيها إلى جهة
الشمال ونحوها أما في التيامن والتياسر في تلك الجهة فإنه يجوز الاجتهاد فيه لعموم الأمر
بالتحري. وربما قيل بالمنع لأن احتمال إصابة الخلق الكثير أقرب من إصابة الواحد.
واعترض عليه بأنه يجوز أنهم تركوا الاجتهاد لعدم وجوبه عليهم فهذا التعليل إنما يتم لو
ثبت وجوب الاجتهاد عليهم ووقوعه منهم.
أقول: قد أشرنا سابقا إلى أنه لا يخفى على من تأمل جميع البلدان ولا شاهد
أبلغ من العيان فإنه ليس شئ منها موافقا للعلامات الرياضية التي حكموا بإفادتها العلم
فضلا عن الظن، فإني من جملة من تتبع ذلك لأني لما سافرت إلى حج بيت الله الحرام
على طريق البحر رجعت على طريق البر فاتفق أن جماعة الحجاج اتفقوا مع الأمير أن
يمضي بهم إلى المدينة فخرجنا من مكة المعظمة سائرين إلى جهة الشمال خمسة أيام حتى
وصلنا إلى منزل يقال له مران فوقع بين الأمير والحاج اختلاف في ما وعدهم وطلب منهم
مبلغا زائدا واتفق الأمر على عدم مغدى المدينة المشرفة والرجوع إلى الأحساء، فمشينا
على الطريق المتوجهة إلى الأحساء وكان مسيرنا إلى طرف المشرق وكنت إذا جن الليل
أرى المسير على مطلع الثريا وهو مائل عن نقطة المشرق إلى الشمال كما لا يخفى حتى
وصلنا إلى منزل يسمى سديرة فسافرنا منه قاصدين إلى جهة الشمال ثلاثة أيام ثم دخلنا
الأحساء، والأحساء كالبحرين والقطيف قبلتها الآن على نقطة المغرب، وما ذكرناه
من هذا الانحراف الذي شاهدناه موافق لما ذكره علماء الهيئة مما قدمنا نقله ومؤيد له
مع أن قبلة هذه البلدان منذ وجدت ودخلت في الاسلام في زمن النبي (صلى الله عليه
406

وآله) وعين فيها ولاة من جهته (صلى الله عليه وآله) إنما كان على هذه الجهة التي هي
نقطة المغرب واستمر عليها السلف والخلف، وقد قدمنا لك ما وقع في مصرنا لبعض
الفضلاء الأعيان في اجتهاده في مساجد بهبهان، ومثل ذلك ما ذكره شيخنا الشهيد في
الذكرى قال: وقد وقع في زماننا اجتهاد بعض علماء الهيئة في قبلة مسجد دمشق وأن
فيه تياسرا عن القبلة مع تواطؤ الأعصار الماضية على عدم ذلك، انتهى. وقد وقع مثله
لشيخنا الشيخ حسين بن عبد الصمد والد شيخنا البهائي في قبلة خراسان كما ذكره بعض
الأعيان. ونقل في الذخيرة عن عبد الله بن المبارك أنه أمر أهل مرو بالتياسر بعد
رجوعه من الحج، وقد تقدم في كلام شيخنا المجلسي أن محراب مسجد الرسول
(صلى الله عليه وآله) مخالف للقواعد الرياضية وكذا مسجد الكوفة ومسجد السهلة
ومسجد يونس وتقدم بيان ذلك، إلى غير ذلك من البلدان التي يقع التأمل فيها والمطابقة
بين قبلتها والقبلة التي ذكرها علماء الهيئة بالنسبة إليها، واللازم من ذلك أحد أمرين أما
بطلان صلوات أهل تلك البلدان في جميع الأزمان أو عدم اعتبار هذه العلامات وإن
أفادت اليقين كما ذكروه دون الظن والتخمين. والأول أظهر في البطلان من أن يحتاج
إلى البيان سيما وجملة منها مما صلى فيه الأئمة (عليهم السلام) كالمدينة وخراسان ومسجد
الكوفة ودعوى التغيير في هذه البلدان عما كانت عليه في سابق الأزمان دعوى بغير
دليل بل مخالفة لما جرت عليه كافة العلماء جيلا بعد جيل فيتعين الثاني، ويتأيد بما قدمناه
من الأخبار والمؤيدات الدالة على سعة أمر القبلة، وبذلك يسقط هذا البحث من أصله
وما ذكر فيه من التفريعات. والله العالم.
(السادس) - لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في عدم جواز
الفريضة على الراحلة اختيارا بل قال في المعتبر أنه مذهب العلماء كافة سواء في ذلك
الحاضر والمسافر.
والأصل في ذلك الأخبار، ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن
407

ابن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " لا يصلي على الدابة الفريضة إلا مريض
يستقبل به القبلة وتجزئه فاتحة الكتاب ويضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شئ
ويومئ في النافلة إيماء ".
وعن عبد الله بن سنان (2) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أيصلي
الرجل شيئا من المفروض راكبا؟ قال لا إلا من ضرورة ".
وعن عبد الله بن سنان في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال:
" لا تصل شيئا من المفروض راكبا، قال النضر في حديثه: إلا أن تكون مريضا ".
وصاحب المدارك قد نقل الرواية الأولى من روايتي عبد الله بن سنان المذكورتين
وجعلها من الموثق مع أن في سندها أحمد بن هلال وهو ضعيف غال وروايته الموثقة إنما
هي الثانية بغير المتن الذي نقله.
وأما ما يدل على الجواز مع الضرورة مضافا إلى ما عرفت من هذه الروايات
فمنه ما رواه الشيخ عن محمد بن عذافر (4) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
الرجل يكون في وقت الفريضة لا يمكنه الأرض من القيام عليها ولا السجود عليها من
كثرة الثلج والماء والمطر والوحل أيجوز له أن يصلي الفريضة في المحمل؟ قال نعم هو
بمنزلة السفينة إن أمكنه قائما وإلا قاعدا، وكل ما كان من ذلك فالله أولى بالعذر يقول
الله عز وجل: بل الانسان على نفسه بصيرة " (5)
وعن جميل بن دراج في الصحيح (6) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) الفريضة في المحمل في يوم وحل ومطر "
وعن مندل بن علي (7) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول صلى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) على راحلته الفريضة في يوم مطير " وقال في الفقيه (8)

(1) رواه في الوسائل في الباب 14 من القبلة.
(2) رواه في الوسائل في الباب 14 من القبلة.
(3) رواه في الوسائل في الباب 14 من القبلة.
(4) رواه في الوسائل في الباب 14 من القبلة.
(5) سورة القيامة، الآية 14.
(6) رواه في الوسائل في الباب 14 من القبلة.
(7) رواه في الوسائل في الباب 14 من القبلة.
(8) رواه في الوسائل في الباب 14 من القبلة.
408

" كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي على راحلته الفريضة في يوم مطير ".
وعن الحميري وهو عبد الله بن جعفر (1) قال: " كتب إلى أبي الحسن (عليه
السلام) روى جعلني الله فداك مواليك عن آبائك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
صلى الفريضة على راحلته في يوم مطير ويصيبنا المطر في محاملنا والأرض مبتلة والمطر
يؤذي فهل يجوز لنا يا سيدي أن نصلي في هذه الحال في محاملنا أو على دوابنا الفريضة
إن شاء الله تعالى؟ فوقع (عليه السلام) يجوز ذلك مع الضرورة الشديدة).
وروى أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن محمد
ابن عبد الله بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان (صلوات الله عليه) (2) " أنه كتب إليه
يسأله عن رجل يكون في محمله والثلج كثير بقامة رجل فيتخوف إن نزل الغوص فيه وربما
يسقط الثلج وهو على تلك الحال فلا يستوي له أن يلبد شيئا منه لكثرته وتهافته هل
يجوز أن يصلي في المحمل الفريضة فقد فعلنا ذلك أياما فهل علينا في ذلك إعادة أم لا؟
فأجاب لا بأس به عند الضرورة والشدة ".
وقال في كتاب الفقه الرضوي (3) " إن صليت فريضة على ظهر دابتك استقبل
القبلة بتكبيرة الاحرام ثم امض حيث توجهت بك دابتك تقرأ فإذا أردت الركوع
والسجود استقبل القبلة واركع واسجد على شئ يكون معك مما يجوز عليه السجود
ولا تصلها إلا في حال الاضطرار جدا، وتفعل فيها مثله إذا صليت ماشيا إلا أنك إذا
أردت السجود سجدت على الأرض ".
وأما ما رواه الشيخ عن منصور بن حازم - (4) قال: " سأله أحمد بن النعمان فقال
أصلي في محملي وأنا مريض؟ قال فقال أما النافلة فنعم وأما الفريضة فلا. قال وذكر أحمد
شدة وجعه فقال إنا كنت مريضا شديد المرض فكنت آمرهم إذا حضرت الصلاة ينيخوا
بي فاحتمل بفراشي فأوضع وأصلي ثم أحتمل بفراشي فأوضع في محملي " - فحمله الشيخ على

(1) الوسائل الباب 14 من القبلة.
(2) الوسائل الباب 14 من القبلة.
(3) ص 16.
(4) الوسائل الباب 14 من القبلة.
409

الاستحباب. والأقرب حمله على مرض يحتمل فيه الوضع على الأرض كما حكاه الإمام
(عليه السلام) عن نفسه، وقد عرفت من روايتي الحميري وابنه إناطة الصلاة في المحمل
بالضرورة الشديدة.
وتحقيق البحث كما هو حقه في المقام يتوقف على رسم فوائد:
(الأولى) (1) - اطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي أنه لا فرق في الصلاة
المفروضة بين اليومية وغيرها ولا بين ما وجب بالأصل أو لعارض، وبه صرح الشهيد
(قدس سره) في الذكرى فقال: لا تصح الفريضة على الراحلة اختيارا اجماعا لاختلال
الاستقبال وكانت منذورة سواء نذرها راكبا أو مستقرا على الأرض لأنها بالنذر أعطيت
حكم الواجب. قال في المدارك بعد نقل ملخص ذلك: ويمكن القول بالفرق واختصاص
الحكم بما وجب بالأصل خصوصا مع وقوع النذر على تلك الكيفية عملا بمقتضى الأصل
وعموم ما دل على وجوب الوفاء بالنذر. ويؤيده رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى
(عليه السلام) (2) قال: " سألته عن رجل جعل الله عليه أن يصلي كذا وكذا هل يجزئه
أن يصلي ذلك على دابته وهو مسافر؟ قال نعم " ثم قال وفي الطريق محمد بن أحمد العلوي
ولم يثبت توثيقه. وسيأتي تمام البحث في ذلك أن شاء الله تعالى. انتهى وما ذكره جيد
للخبر المذكور مؤيدا بما ذكره قبله وإن عكس الأمر بناء على ضعفه باصطلاحه كما نبه عليه.
أقول: يمكن أن يقال باختصاص اطلاق الأخبار هنا باليومية لأنها المتبادرة عند
الاطلاق والفرد والمتكثر المتكرر الشائع فينصرف إليه الاطلاق كما قرروه في أمثال هذا
الموضع، وبه يتأيد ما ذكر في حكم الصلاة المنذورة لعدم دخولها تحت الاطلاق المذكور
بناء على ما ذكرناه.

(1) هذه الفائدة هي الثانية في النسخة المطبوعة القديمة مع أنها الأولى في النسخ الخطية
ولذا قدمناها ويساعده ترتيب الفوائد أيضا كما يظهر بالتأمل، وأما الأولى في النسخة المطبوعة
فهي الثالثة في هذه الطبعة كما في النسخ الخطية.
(2) الوسائل الباب 14 من القبلة.
410

(الثانية) - المفهوم من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه يجب
الاستقبال بما أمكن من صلاته لقوله تعالى " فولوا وجوهكم شطره " (1) وعلى هذا
فيجب عليه أن يحرف الدابة لو انحرفت عن القبلة مع المكنة إذا كان المشي إلى صوب
القبلة. ولو حرفها عنها عمدا لغير ضرورة بطلت صلاته.
والذي وقفت عليه من الأخبار مما يتعلق بهذا الحكم صحيحة زرارة (2) قال:
" قال أبو جعفر (عليه السلام) الذي يخاف اللصوص والسبع يصلي صلاة المواقفة إيماء
على دابته. ثم قال ويجعل السجود أخفض من الركوع ولا يدور إلى القبلة ولكن أينما
دارت دابته غير أنه يستقبل القبلة بأول تكبيرة حين يتوجه ".
وقال (عليه السلام) في كتاب الفقه الرضوي (3) " إذا كنت راكبا وحضرت
الصلاة وتخاف أن تنزل من سبع أو لص أو غير ذلك فلتكن صلاتك على ظهر دابتك
وتستقبل القبلة وتومئ إيماء إن أمكنك الوقوف وإلا استقبل القبلة بالافتتاح ثم امض في
طريقك التي تريد حيث توجهت بك راحلتك مشرقا ومغربا، وتنحني للركوع
والسجود ويكون السجود أخفض من الركوع، وليس لك أن تفعل ذلك إلا آخر الوقت "
وظاهر الجميع بل صريحه الاستقبال بتكبيرة الافتتاح، وقد دلت العبارة المتقدمة
على الاستقبال أيضا بالركوع والسجود وعليه العمل وإن كان المحافظة على ما ذكروه أحوط
ثم إنه بناء على ما قدمنا ذكره عنهم قيل يجب عليه تحري الأقرب إلى جهة القبلة
فالأقرب، قال في المدارك: وكأن وجهه أن للقرب أثرا عند الشارع ولهذا افترقت الجهات
في الاستدارك لو ظهر خطأ الاجتهاد. وقيل بالعدم للخروج عن القبلة فتتساوى الجهات.
قال في المدارك: ولو قيل يجب تحري ما بين المشرق والمغرب دون باقي الجهات لتساويها
في الاستدراك لو ظهر خطأ الاجتهاد لقولهم (عليهم السلام) (4) " ما بين المشرق

(1) سورة البقرة، الآية 139 و 145.
(2) الوسائل الباب 3 من صلاة الخوف.
(3) ص 14.
(4) الوسائل الباب 9 و 10 من القبلة.
411

والمغرب قبلة " كان قويا. انتهى. أقول: قد عرفت أنه بالنظر إلى الخبرين المذكورين
وما دلا عليه فلا أثر لهذه التخريجات.
(الثالثة) - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) أيضا بالنسبة إلى الماشي
المضطر إلى الصلاة مع ضيق الوقت أنه يستقبل القبلة بما أمكنه من صلاته ويسقط مع العجز
واستدل عليه في المدارك بقوله عز وجل: " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " (1)
وصحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
الرجل يخاف من سبع أو لص كيف يصلي؟ قال يكبر ويومئ برأسه ".
وأنت خبير بما في الدليل المذكور من القصور عن الاستدلال فإنه لا دلالة فيه على
المشي بوجه وغاية ما تدل عليه الرواية الصلاة في حال الخوف من السبع بالايماء وإن
كان واقفا في محله.
وأظهر منها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن (عليه السلام) (3) قال:
" سألته عن الرجل يلقى السبع وقد حضرت الصلاة ولا يستطيع المشي مخافة السبع فإن
قام يصلي خاف في ركوعه وسجوده السبع والسبع أمامه على غير القبلة فإن توجه إلى القبلة
خاف أن يثب عليه الأسد كيف يصنع؟ قال يستقبل الأسد ويصلي ويومئ برأسه إيماء
وهو قائم وإن كان الأسد على غير القبلة ".
والآية والخبر أيضا على تقدير دلالتهما لا دلالة لهما على اعتبار ضيق الوقت كما
ذكروه إلا أن يدعى ذلك في جميع أصحاب الأعذار كما تقدم.
والأظهر الاستدلال على ذلك بما رواه في الكافي في الصحيح عن يعقوب بن
شعيب (4) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصلي على راحلته؟ قال
يومئ إيماء وليجعل السجود أخفض من الركوع. قلت يصلي وهو يمشي. قال نعم يومئ

(1) سورة البقرة، الآية 240.
(2) الوسائل الباب 3 من صلاة الخوف.
(3) الوسائل الباب 3 من صلاة الخوف.
(4) رواه في الوسائل في الباب 15 و 16 من القبلة.
412

إيماء وليجعل السجود أخفض من الركوع ".
وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن يعقوب بن شعيب (1) قال:
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في السفر وأنا أمشي؟ قال أومئ إيماء
واجعل السجود أخفض من الركوع ".
وما رواه الثلاثة في الصحيح عن حريز عن من ذكره عن أبي جعفر (عليه السلام) (2)
" أنه لم يكن يرى بأسا أن يصلي الماشي وهو يمشي ولكن لا يسوق الإبل ".
واطلاق هذه الأخبار وإن تبادر منه النافلة لكنه شامل للفريضة أيضا وإن
قيدت بحال الضرورة كما لا يخفى.
ويدل على ذلك صريحا قوله (عليه السلام) في كتاب الفقه الرضوي (3) بعد
ذكر صلاة الراكب على ظهر الدابة وأنه يستقبل القبلة بتكبيرة الافتتاح ثم يمضي حيث
توجهت دابته وأنه وقت الركوع والسجود يستقبل القبلة ويركع ويسجد على شئ يكون
معه مما يجوز عليه السجود، إلى أن قال: وتفعل فيها مثله إذا صليت ماشيا إلا أنك إذا
أردت السجود سجدت على الأرض. انتهى.
وروى في المقنعة (4) قال: " سئل (عليه السلام) عن الرجل يجد به السير أيصلي
على راحلته؟ قال لا بأس بذلك يومئ إيماء وكذلك الماشي إذا اضطر إلى الصلاة " والتقييد
بجد السير في الراكب والاضطرار في الماشي قرينة الحمل على الفريضة إذ لا يشترط شئ
من ذلك في النافلة كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ثم إنهم ذكروا أنه لو أمكن الركوب والمشي في الفريضة مع عدم إمكان الاستقرار
احتمل التخيير لظاهر قوله تعالى: " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " (5) وترجيح المشي
لحصول ركن القيام وترجيح الركوب لأن الراكب مستقر بالذات وإن تحرك بالعرض

(1) رواه في الوسائل في الباب 16 من القبلة.
(2) رواه في الوسائل في الباب 16 من القبلة.
(3) ارجع إلى ص 409.
(4) رواه في الوسائل في الباب 16 من القبلة.
(5) سورة البقرة، الآية 240.
413

بخلاف الماشي. والأجود تقديم أكثرهما استيفاء للأفعال ومع التساوي فالتخيير.
(الرابعة) - لو كان الراكب يتمكن من الركوع والسجود وفرائض الصلاة
كالراكب في الكنيسة أو على بعير معقول أو نحو ذلك فهل يجوز الصلاة أم لا؟ المشهور
الثاني لظواهر الأخبار المتقدمة لاطلاقها في المنع من الصلاة راكبا، قال شيخنا الشهيد
الثاني وهي عامة ووجه عمومها الاستثناء المذكور فيها. وأورد عليه سبطه في المدارك أن
هذا العموم إنما هو في الفاعل خاصة أما الدابة فمطلقة، ولا يبعد حملها على ما هو الغالب
أعني من لا يتمكن من استيفاء الأفعال. انتهى. وهو جيد. ونقل عن فخر المحققين
الاستدلال على ذلك بما لا يخلو من ضعف كما نبه عليه في المدارك.
ثم قال في المدارك: والأقرب الجواز كما اختاره العلامة في النهاية إذ المفروض
التمكن من استيفاء الأفعال والأمن من زواله عادة في ثاني الحال. انتهى. وهو جيد
إن تم ما ذكره من التمكن
إلا أن ظاهر كلام الشهيد في الذكرى تعليل المنع في الكنيسة بعدم الاستقرار
وعليه فلا يكون متمكنا من استيفاء الأفعال حيث إنه علل المنع في الراكب في
الكنيسة بعدم الاستقرار، قال ولهذا لا يصح صلاة الماشي مستقبلا مستوفيا للأفعال لأن
المشي أفعال كثيرة خارجة عن الصلاة فيبطلها وإنما خرجت النافلة بدليل آخر مع
المسامحة فيها. انتهى.
وعندي في حمل الصلاة في الكنيسة على صلاة الماشي وأنها مثلها في عدم الاستقرار
اشكال، لأن الراكب في الكنيسة مستقر في مكانه وإنما يتحرك به البعير والدابة بخلاف
الماشي المتحرك بنفسه، وبالجملة فإني لا أعرف له وجه استقامة. ومثله الكلام في الدابة
المعقولة بحيث لا يأمن من الحركة والاضطراب فإن استيفاء الأفعال على ظهرها غير ممكن
مع أن اطلاق الأمر بالصلاة ينصرف إلى الفرد المعهود وهو ما كان على الأرض وما في
معناها فالأظهر العدم إلا مع الضرورة.
414

وأشكل من ذلك ما ذكروه في الأرجوحة المعلقة بالحبال فقال في المدارك على
أثر عبارته المتقدمة - وهي قوله:
والأقرب الجواز كما اختاره العلامة في النهاية - وقريب
من ذلك الكلام في الأرجوحة المعلقة بالحبال ونحوها. فإنه ظاهر في جواز الصلاة عليها،
وظاهره باعتبار اتصاله بالكلام المتقدم أنه يمكن استيفاء الأفعال عليها، ونقل القول بالجواز
عليها عن العلامة في التذكرة أيضا. ومنع من الصلاة عليها في الذكرى ونقله في الذخيرة عن
المنتهى أيضا ونقل عن القواعد التوقف.
والأرجوحة على ما ذكره في القاموس حبل يعلق ويركبه الصبيان، وهو معمول
في زماننا أيضا بأن يعلق حبل بين جذعين رفيعين ويجلس عليه الصبي فيحرك به في
الهواء صعودا ونزولا
ولا يخفى ما في عده في هذا المقام والحكم بصحة الصلاة عليه من الاشكال
لاضطرابه وعدم استقراره وعدم إمكان القيام عليه والركوع والسجود والجلوس كما هو
بوجه من الوجوه، ولعلهم أرادوا بما ذكروه معنى آخر غير ما أدى إليه فهمي القاصر
إلا أن عبارة القاموس ظاهرة فيما قلناه.
وقد روى علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى (عليه السلام) (1) قال:
" سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي على الرف المعلق بين نخلتين؟ قال إن كان مستويا
يقدر على الصلاة عليه فلا بأس "
قال شيخنا المجلسي في كتاب البحار بعد نقل الخبر من كتاب قرب الإسناد
يدل على جواز الصلاة على الرف المعلق بين النخلتين وهو يحتمل وجهين (الأول) أن يكون المراد شد الرف بالنخلتين فالسؤال باعتبار احتمال حركتهما والجواب مبني على أنه
يكفي الاستقرار في الحال فلا يضر الاحتمال أو على عدم ضرر مثل تلك الحركة.
و (الثاني) أن يكون المراد تعليق الرف بحبلين مشدودين بنخلتين، وفيه اشكال لعدم

(1) الوسائل الباب 35 من مكان المصلي.
415

تحقق الاستقرار في الحال. والحمل على الأول أولى وأظهر ويؤيده ما ذكره الفيروزآبادي
في تفسير الرف بالفتح أنه شبه الطاق. انتهى.
أقول: الظاهر من تشبيه بالطاق يعني في الانحناء وحينئذ فتكون حد بيته في
جانب السفل ليحصل القيام على باطنها، وينبغي أن يكون فيه عرض يحصل فيه السجود
والركوع والجلوس مع طمأنينة واستقرار، وإليه يشير قوله: " إذا كان مستويا يقدر
على الصلاة عليه " والظاهر أن منشأ السؤال إنما هو من حيث كونه في الهواء ليس على
الأرض وإن أمكن الاستقرار فيه والاتيان بالصلاة فيه على وجهها.
وبالجملة فإن ذكر الأرجوحة في هذا المقام مع ما عرفت غريب لا أعرف له وجه
استقامة على الظاهر. والله العالم.
(السابع) - قال شيخنا الشهيد في الذكرى: لو اختلف المجتهدون صلوا فرادى
لا جماعة لأن المأموم إن كان محقا في الجهة فسدت صلاة إمامه وإلا فصلاته فيقطع بفساد
صلاة المأموم على التقديرين. ثم قال بعد ذلك بقليل: لو اختلف الإمام والمأموم في التيامن
والتياسر فالأقرب جواز الافتداء لأن صلاة كل منهما صحيحة مغنية عن القضاء والاختلاف
هنا يسير، ولأن الواجب مع البعد الجهة وهي حاصلة هنا والتكليف بالعين مع البعد
ضعيف. انتهى.
أقول: الظاهر أن كلامه الأول مبني على ما هو المشهور بينهم من أن مناط الصحة
مطابقة ما فعله المكلف للواقع وإن كان بحسب ظاهر الشرع متعبدا بظنه، وحينئذ
فغاية ما تفيده عبادته مع المخالفة هو سقوط القضاء والمؤاخذة لا قبول العبادة وصحتها
وترتب الثواب عليها من حيث كونها عبادة. وقد عرفت ما فيه في ما تقدم من كتاب
الطهارة من النجاسات، وإلا فكيف يحكم هنا ببطلان صلاة أحدهما والحال أن كلا منهما
مكلف بما أدى إليه اجتهاده وامتثال الأمر يقتضي الاجزاء، فتكون صلاة كل منهما
صحيحة مغنية عن القضاء كما قال في المسألة الثانية، وحينئذ فلا فرق بين المسألة الأولى
416

والثانية في صحة الاقتداء وصحة صلاة كل منهما.
ولهذه المسألة نظائر عديدة: منها - ما لو توضأ بماء قليل نجس بالملاقاة كما هو المشهور
من نجاسة القليل بالملاقاة لأنه عنده غير نجس كما هو القول الآخر في المسألة، فإنه أن
قلنا إن الصحة عبارة عن مطابقة الطهارة للواقع امتنع الائتمام به لمن يعتقد النجاسة لعدم
معلومية المطابقة، وإن قلنا أن صحتها لا تعلق لها بالواقع بل الظاهر في نظر المكلف
فهي عند المأموم وإن كان لا يعتقد ذلك صحيحة فيجوز له الاقتداء فيها وإن خالف
اعتقاده لأن صحتها دائرة مدار ظن فاعلها، وهكذا غير ذلك من الفروع فاحتفظ به
فإنه فرع غريب.
ثم إن الظاهر أن المراد بالتياسر والتيامن في كلامه ما كان قليلا بحيث لا يخرج
به عن الجهة التي يجب التوجه إليها وأن مكروها كما سيأتي إن شاء الله تعالى، والوجه
فيه أن العلامات التي بنيت عليها الجهة للبلدان المتسعة تقتضي نوع اتساع في تلك الجهة
فلا يضر التيامن والتياسر اليسير فيها.
(الثامن) - اختلف كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الصلاة في السفينة
فذهب ابن بابويه وابن حمزة على ما نقل عنهما إلى جواز الصلاة فيها فرضا ونفلا مختارا،
وهو ظاهر اختيار العلامة في أكثر كتبه وإليه مال السيد السند في المدارك، ونقل عن
أبي الصلاح وابن إدريس أنهما منعا من الصلاة فيها إلا لضرورة، واستقربه الشهيد في
الذكرى، وحكى عن كثير من الأصحاب أنهم نصوا على الجواز إلا أنهم لم يصرحوا
بكونه على وجه الاختيار.
والواجب ذكر أخبار المسألة والنظر في ما تدل عليه، ومنها - صحيحة جميل بن
دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) أنه قال: " أكون في سفينة قريبة من الجد
فأخرج وأصلي؟ قال صل فيها أما ترضى بصلاة نوح (عليه السلام)؟ ".

(1) الوسائل الباب 13 من القبلة. وفي كتب الحديث، تكون السفينة قريبة.. "
417

وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " سألته
عن صلاة الفريضة في السفينة وهو يجد الأرض يخرج إليها غير أنه يخاف السبع أو اللصوص
ويكون معه قوم لا يجتمع رأيهم على الخروج ولا يطيعونه؟ وهل يضع وجهه إذا صلى أو
يومئ إيماء أو قاعدا أو قائما؟ فقال إن استطاع أن يصلي قائما فهو أفضل وإن لم يستطع صلى
جالسا، وقال لا عليه أن لا يخرج فإن أبي سأله عن مثل هذه المسألة رجل فقال أترغب
عن صلاة نوح؟ ".
وصحيحة معاوية بن عمار (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
الصلاة في السفينة؟ فقال تستقبل القبلة بوجهك ثم تصلي كيف دارت تصلي قائما فإن لم
تستطع فجالسا تجمع الصلاة فيها إن أرادوا ويصلي على القير والقفر ويسجد عليه ".
وحسنة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) " أنه سئل عن الصلاة
في السفينة قال يستقبل القبلة فإذا دارت واستطاع أن يتوجه إلى القبلة فليفعل وإلا
فليصل حيث توجهت به، قال فإن أمكنه القيام فليصل قائما وإلا فليقعد ثم يصلي ".
وبهذه الأخبار استدل في المدارك على ما اختاره من القول بالجواز مطلقا ثم نقل
عن المانعين أنهم احتجوا بأن القرار ركن في القيام وحركة السفينة تمنع من ذلك، وبأن
الصلاة فيها مستلزمة للحركات الكثيرة الخارجة عن الصلاة فلا يصار إليها إلا مع
الضرورة، وبما رواه الشيخ عن حماد بن عيسى (4) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه
السلام)، يسأل عن الصلاة في السفينة فيقول إن استطعتم أن تخرجوا إلى الجدد فاخرجوا
فإن لم تقدروا فصلوا قياما فإن لم تستطيعوا فصلوا قعودا وتحروا القبلة " وعن علي بن
إبراهيم (5) قال: " سألته عن الصلاة في السفينة قال يصلي وهو جالس إذا لم يمكنه القيام
في السفينة ولا يصلي في السفينة وهو يقدر على الشط، وقال يصلي في السفينة يحول وجهه

(1) المروية في الوسائل في الباب 14 من القبلة.
(2) المروية في الوسائل في الباب 14 من القبلة.
(3) الوسائل الباب 13 من القبلة.
(4) الوسائل الباب 13 من القبلة.
(5) الوسائل الباب 13 من القبلة.
418

إلى القبلة ثم يصلي كيف ما دارت " ثم قال: وأجيب عن الأول بأن الحركة بالنسبة إلى
المصلي عرضية لأنه ساكن. ويمكن الجواب عنه أيضا بأن ذلك مغتفر بالنص وهو الجواب
عن الثاني. وعن الروايتين بعد سلامة السند بحمل الأمر في الأولى على الاستحباب
والنهي في الثانية على الكراهة جمعا بين الأدلة. انتهى.
أقول: والتحقيق عندي في هذا المقام أن يقال لا ريب أنه قد علم من الأدلة
القطعية وجوب القيام في الصلاة والاستقبال والركوع والسجود والاستقرار والطمأنينة
في تلك الأفعال وأنه لا يجوز الاخلال بذلك اختيارا، ويؤيده مراعاة ذلك في الصلاة
في السفينة كما دلت عليه الروايات المذكورة في الباب وأنه لا يخل بشئ من ذلك إلا مع
عدم التمكن منه، ويعضده أيضا ما تقدم من الأخبار الدالة على عدم جواز الصلاة على
الراحلة اختيارا، وبما ذكرنا اعترف السيد المذكور في مسألة الصلاة على ظهر الكعبة
حيث قال بعد نقل القول بأنه يصلي مستلقيا ما صورته: والأصح ما اختاره المصنف من
وجوب الصلاة على سطحها كما يصلي داخلها عملا بمقتضى الأدلة القطعية الدالة على وجوب
القيام والاستقبال والركوع والسجود. انتهى. وحينئذ فالواجب في هذا المقام تطبيق
الأخبار الواردة في الصلاة في السفينة على هذه القواعد القطعية المتفق على العمل بها،
والأخبار المذكورة عند التأمل الصادق في معانيها منطبقة عليها بأوضح وجه من غير تكلف
ولا خروج عن ظواهرها كما سنوضحه إن شاء الله تعالى في المقام، وبموجب ذلك لا يتم
ما ذهبوا إليه من القول بالجواز مطلقا على أي نحو كانت السفينة من استقرار واضطراب
وتفصيل ما أجملناه من الكلام المتقدم هو أن يقال إنه إن لم يتمكن من الأرض
والصلاة عليها على الوجه المتقدم من الاتيان بجميع الشرائط فلا ريب أنه يصلي في السفينة
على أي نحو كانت لمكان الضرورة ويتحرى الاتيان بتلك الواجبات حسب الامكان،
وعلى هذا تحمل الأخبار الدالة على جواز الصلاة في السفينة وإن دارت وتحركت
واضطربت كصحيحة عبد الله بن سنان وصحيحة معاوية بن عمار وحسنة حماد بن عثمان
419

ونحوها، وإن تمكن من الخروج من السفينة والصلاة على الأرض فلا يخلو إما أن يتمكن
من الصلاة في السفينة والاتيان بها على وجهها أيضا أم لا، فعلى الأول يتخير بين الصلاة
في السفينة وخارجها وعلى هذا تحمل صحيحة جميل بن دراج ومثلها ما رواه في كتاب
قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) (1) قال:
" سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في السفينة الفريضة وهو على الجد؟ قال
نعم لا بأس " وعلى الثاني يجب الخروج والصلاة على الأرض تحصيلا للاتيان بالواجبات
المتقدمة على وجهها لامكان الاتيان بها كما هو المفروض ولا يجوز الصلاة في السفينة هنا
وهذه الصورة هي مظهر الخلاف في البين، وعلى ما ذكرنا تدل صحيحة حماد بن عيسى
أو حسنته بإبراهيم بن هاشم التي نقلها عارية عن الوصف بشئ من الأمرين ايذانا
بضعفها كما أشار إليه أخيرا، ورواية علي بن إبراهيم، ومثلهما ما رواه في كتاب قرب
الإسناد عن محمد بن عيسى والحسن بن ظريف وعلي بن إسماعيل كلهم عن حماد بن
عيسى (2) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول كان أهل العراق يسألون
أبي (رضي الله عنه) عن صلاة السفينة فيقول إن استطعتم أن تخرجوا إلى الجد فافعلوا
فإن لم تقدروا فصلوا قياما فإن لم تقدروا فصلوا قعودا وتحروا القبلة " ومحمد بن عيسى وإن
كان مشتركا وعلي بن إسماعيل مهملا إلا أن الحسن بن ظريف ثقة فالحديث صحيح
صريح في المراد.
وعلى ما ذكرناه قد اجتمعت الأخبار على وجه لا يعتريه الغبار إلا أنه قد روى
الصدوق في كتاب الهداية مرسلا (3) قال: " سئل الصادق (عليه السلام) عن الرجل
يكون في السفينة وتحضر الصلاة أيخرج إلى الشط؟ فقال لا أيرغب عن صلاة نوح؟ فقال
صل في السفينة قائما فإن لم يتهيأ لك من قيام فصلها قاعدا فإن دارت السفينة فدر معها وتحر

(1) الوسائل الباب 14 من القيام.
(2) الوسائل الباب 14 من القيام.
(3) مستدرك الوسائل الباب 9 من القبلة.
420

القبلة جهدك فإن عصفت الريح ولم يتهيأ لك أن تدور إلى القبلة فصل إلى صدر السفينة. ولا
تجامع مستقبل القبلة ولا مستدبرها ".
وقال (عليه السلام) في كتاب الفقه الرضوي (1) " إذا كنت في السفينة
وحضرت الصلاة فاستقبل القبلة وصل إن أمكنك قائما وإلا فاقعد إذا لم يتهيأ لك فصل
قاعدا وإن دارت السفينة فدر معها وتحر القبلة، وإن عصفت الريح فلم يتهيأ لك أن تدور
إلى القبلة فصل إلى صدر السفينة ولا تخرج منها إلى الشط من أجل الصلاة، وروي أنه
تخرج إذا أمكنك الخروج ولست تخاف عليها إنها تذهب إن قدرت أن توجه نحو القبلة
وإن لم تقدر تثبت مكانك، هذا في الفرض ويجزئك في النافلة أن تفتتح الصلاة تجاه القبلة
ثم لا يضرك دارت السفينة لقول الله تعالى " فأينما تولوا فثم وجه الله " (2) والعمل
على أن تتوجه إلى القبلة وتصلي على أشد ما يمكنك في القيام والقعود ثم أن يكون الانسان
ثابتا في مكانه أشد لتمكنه في الصلاة من أن يدور لطلب القبلة " انتهى.
وهذان الخبران ظاهران في جواز الصلاة في السفينة حال الاضطراب وإن
أمكنه الخروج إلى الأرض، والجواب عنهما أنهما لا يبلغان قوة في معارضة ما أشرنا إليه
من الأخبار الدالة على تلك الأحكام عموما وخصوصا ولا يبعد حملهما على التقية وإن لم
يحضرني الآن مذهب العامة في ذلك، ولعل في قوله (عليه السلام) في كتاب الفقه بعد
افتائه بذلك " وروى.. إلى آخره " إشارة إلى ذلك فإن مخالفته لما روى عن آبائه
(عليهم السلام) إنما يكون لذلك.
وبذلك يظهر لك ما في كلام السيد السند في المدارك من المجازفة في المقام
(أما أولا) فلطعنه في رواية إبراهيم بن هاشم بعدم سلامة السند مع أنه في الأغلب
بعد حديثه في الحسن وربما عده في الصحيح في المقام الذي يحتاج إلى العمل به كما
أشرنا إليه في غير موضع.

(1) ص 14.
(2) سورة البقرة، الآية 109.
421

و (ثانيا) - تعليله المنع بأن القرار ركن في القيام وجوابه عن ذلك بما ذكره
أخيرا، ولا يخفى عليك ما فيه فإن جواز الصلاة في السفينة ربما استلزم القيام بالكلية
وترك الركوع والسجود على ما يصح السجود عليه ونحو ذلك، وكل هذه واجبات
قطعية كما اعترف به آنفا لا يجوز الاخلال بها اختيارا ولهذا روعيت في الصلاة في السفينة
مع الاضطرار، فكيف تكون مغتفرة بالنص كما ادعاه والحال أنه يمكن الاتيان بها على
وجهها بالخروج عن السفينة؟ ما هذه إلا مجازفة ظاهرة، نعم لو لم يمكن ذلك فلا شك
في الجواز ولا خلاف لمكان الضرورة.
و (ثالثا) - أن ما جمع به بين الأخبار من حمل النهي في رواية علي بن إبراهيم
على الكراهة والأمر في حسنة حماد على الاستحباب كما هي الطريق المتسع لهم في جميع
الأبواب إنما يتم على تقدير تسليم ذلك لو انحصر الجمع بين الأخبار بذلك، وليس
كذلك بل الأظهر في الجمع - وهو الطريق الواضح - هو أن يقال إن الروايات التي
استدل بها ما عدا صحيحة جميل مطلقة وروايتنا مفصلة وطريق الجمع حمل المجمل على
المفصل، وأما صحيحة جميل فقد عرفت الوجه فيها.
ثم إن ما تكرر من الأخبار - من قولهم (عليهم السلام): " أترغب عن صلاة
نوح " ونحو ذلك مما يدل على هذا المعنى - فالظاهر أن وجهه أنهم كانوا يظنون عدم
جواز الصلاة في السفينة أو نقصانها ولو مع الضرورة فأجيبوا بذلك كما يشعر به صحيح
أبي أيوب الخزاز (1) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إنا ابتلينا وكنا
في سفينة وأمسينا ولم نقدر على مكان نخرج إليه فقال أصحاب السفينة ليس نصلي يومنا
ما دمنا نطمع في الخروج؟ فقال إن أبي كأن يقول تلك صلاة نوح أو ما ترضى أن تصلي
صلاة نوح؟ فقلت بلى.. الحديث ". والله العالم.
(البحث الثالث) - في ما يستقبل له وفي أحكام الخلل، فالكلام يقع في مقامين

(1) الوسائل الباب 14 من القيام.
422

(الأول) - ما يستقبل له، ويجب الاستقبال في فرائض الصلاة مع الامكان
كما تقدم، وبالميت عند احتضاره والصلاة عليه ودفنه، وقد تقدم الكلام في ذلك في
فصل غسل الأموات، وعند الذبح كما يأتي إن شاء الله تعالى في محله، كل ذلك مع
الامكان فيسقط في كل موضع لا يتمكن منه كصلاة المطاردة وعند ذبح الدابة الصائلة
أو المتردية بحيث لا يمكن صرفها إلى القبلة اجماعا نصا وفتوى كما سيأتي في مواضعها إن شاء
الله تعالى وذكر بعض الأصحاب أن الاستقبال يتصف بالأحكام الأربعة فيجب في هذه
المواضع ويحرم في حال التخلي على المشهور كما تقدم بيانه في محله، ويكره في حال الجماع
مستقبلا ومستدبرا كما رواه الصدوق في كتاب الهداية عن الصادق (عليه السلام) (1)
قال: " لا تجامع مستقبل القبلة ومستدبرها " وقال في كتاب الفقيه (2) " ونهى عن الجماع
مستقبل القبلة ومستدبرها " ويستحب للجلوس للقضاء والدعاء مؤكدا بل الجلوس مطلقا لقوله
(صلى الله عليه وآله) (3) " أفضل المجالس ما استقبل به القبلة " ولا يكاد الإباحة بالمعنى
الأخص يتحقق هنا.
ويستحب الاستقبال بالنافلة لا بمعنى أنه يجوز فعلها إلى غير القبلة وإن كان المصلي
مستقرا على الأرض بل على حد استحباب الوضوء لها والقراءة فيها ونحو ذلك من حيث إنها شروط في صحتها لكل لا يتصف بالوجوب مع أن أصل النافلة مستحبة. وربما ظهر
من بعض العبارات جواز النافلة إلى غير القبلة وإن كان مستقرا على الأرض، وهو

(1) مستدرك الوسائل الباب 52 من مقدمات النكاح.
(2) الوسائل الباب 12 من القبلة.
(3) في الوسائل الباب 76 من أحكام العشرة: روى الشيخ بهاء الدين في مفتاح الفلاح
قال وروي عن أئمتنا (ع) " خير المجالس ما استقبل به القبلة " ورواه المحقق في الشرائع
مرسلا وفي المستدرك الباب 64 من أحكام العشرة عن كتاب الغايات عن ابن عباس قال
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) " إن لكل شئ شرفا وإن أشرف المجالس ما استقبل به القبلة ".
423

بعيد لأن العبادات موقوفة على التشريع من صاحب الشرع ولم ينقل عنه ذلك فيكون
ايقاعها كذلك تشريعا محرما. ويجوز صلاتها إلى غير القبلة سفرا بلا خلاف وقال في
المعتبر أنه اتفاق علمائنا طويلا كان السفر أو قصيرا. وأما في الحضر فقولان المشهور
الجواز ونقل عن ابن أبي عقيل القول بالمنع.
والأقرب جواز النافلة إلى غير القبلة راكبا وماشيا سفرا وحضرا ضرورة
واختيارا. ويدل على ذلك الأخبار المتكاثرة، ومنها - صحيحة الحلبي برواية الشيخين في
الكافي والتهذيب (1) " أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن صلاة النافلة على البعير
والدابة فقال نعم حيث كان متوجها. قال فقلت استقبل القبلة إذا أردت التكبير؟ قال
لا ولكن تكبر حيثما تكون متوجها وكذلك فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وقوله: " قال فقلت إلى قوله متوجها " في رواية الكافي دون التهذيب، وأكثر الأصحاب
في كتب الاستدلال ومنهم صاحب المدارك إنما نقلوا الرواية من طريق الشيخ عارية
من هذه الزيادة.
وما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن عبد الرحمان بن الحجاج عن أبي الحسن
(عليه السلام) (2) " في الرجل يصلي النوافل في الأمصار وهو على دابته حيث توجهت
به؟ فقال نعم لا بأس " ورواه الصدوق في الفقيه عن عبد الرحمان عن أبي عبد الله
(عليه السلام) مثله (3).
وما رواه في التهذيب في الصحيح عن حماد بن عثمان عن أبي الحسن الأول
(عليه السلام) (4) " في الرجل يصلي النافلة على دابته في الأمصار؟ قال لا بأس ".
وعن صفوان الجمال (5) قال: " كان أبو عبد الله (عليه السلام) يصلي صلاة الليل
بالنهار على راحلته أينما توجهت به ".

(1) الوسائل الباب 15 من القبلة.
(2) الوسائل الباب 15 من القبلة.
(3) الوسائل الباب 15 من القبلة.
(4) الوسائل الباب 15 من القبلة.
(5) الوسائل الباب 26 من أعداد الفرائض.
424

وعن محمد بن مسلم في الصحيح (1) قال " قال لي أبو جعفر (عليه السلام) صل
صلاة الليل والوتر والركعتين في المحمل ".
وعن علي بن مهزيار في الصحيح (2) قال: " قرأت في كتاب لعبد الله بن محمد
إلى أبي الحسن (عليه السلام) اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد الله (عليه السلام)
في ركعتي الفجر في السفر فروى بعضهم أن صلهما في المحمل وروى بعضهم أن لا تصلهما
إلا على الأرض فأعلمني كيف تصنع أنت لأقتدي بك في ذلك، فوقع (عليه السلام)
موسع عليك بأية عملت "
وروى في التهذيب والفقيه عن إبراهيم الكرخي عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (3) قال: " قلت له إني أقدر على أن أتوجه إلى القبلة في المحمل؟ قال ما هذا
الضيق أما لك برسول الله (صلى الله عليه وآله) أسوة؟ "
وروى في التهذيب عن إبراهيم بن ميمون عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)
قال: " إن صليت وأنت تمشي كبرت ثم مشيت فقرأت وإذا أردت أن تركع أومأت
بالركوع ثم أومأت بالسجود، وليس في السفر تطوع ".
وروى الشيخ في الصحيح عن سيف التمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5)
في حديث قال: ".. إنما فرض الله على المسافر ركعتين لا قبلهما ولا بعدهما شئ إلا
صلاة الليل على بعيرك حيث توجه بك ".
وقال (عليه السلام) في كتاب الفقه الرضوي: إذا أردت أن تصلي نافلة وأنت
راكب فاستقبل رأس دابتك حيث توجه بك مستقبل القبلة أو مستدبرها يمينا أو شمالا
فإن صليت فريضة على ظهر دابتك.. إلى آخر عبارة كتاب الفقه الأولى من عبارتيه
المتقدمتين في الموضع السادس (6) وهذه العبارة نقلها الصدوق بتمامها في النافلة والفريضة

(1) الوسائل الباب 15 من القبلة.
(2) الوسائل الباب 15 من القبلة.
(3) الوسائل الباب 15 من القبلة.
(4) الوسائل الباب 16 من القبلة.
(5) الوسائل الباب 22 من أعداد الفرائض.
(6) ص 409.
425

عن أبيه في رسالته إليه حذو عبارة كتاب الفقه كلمة كلمة وحرفا حرفا إلى آخرها، وهو
دليل ما أشرنا إليه في غير موضع من الاعتماد على الكتاب المذكور.
وروى الصدوق في الفقيه (1) بسنده عن سعيد بن يسار " أنه سأل أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الرجل يصلي صلاة الليل وهو على دابته أله أن يغطي وجهه وهو
يصلي؟ قال أما إذا قرأ فنعم وأما إذا أومأ بوجهه للسجود فليكشفه حيث أومأت به
الدابة " قال في الوافي: وذلك لأن الايماء بالوجه بدل من السجود الذي يشترط فيه
كشف الجبهة بخلاف القراءة. وهو حسن.
وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبد الرحمان بن أبي نجران (2) قال:
" سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الصلاة بالليل في السفر في المحمل؟ قال إذا كنت
على غير القبلة فاستقبل القبلة ثم كبر وصل حيث ذهب بك بعيرك. قلت جعلت فداك
في أو الليل؟ فقال إذا خفت الفوت في آخره ".
أقول: في هذا الخبر دلالة على أن الرخصة بتقديم صلاة الليل في أول الليل
مخصوصة بمن يخاف فواتها في آخر الليل ويجب تخصيصه أيضا بمن يخاف عدم التمكن من
القضاء وإلا فالقضاء أفضل وقد تقدم الكلام في المسألة.
وفي الصحيح عن عبد الله بن المغيرة وصفوان بن يحيى ومحمد بن أبي عمير عن أصحابهم
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) " في الصلاة في المحمل؟ فقال صل متربعا وممدود الرجلين
وكيف أمكنك ".
وروى في الكافي عن سماعة في الموثق (4) قال: " سألته عن الصلاة في السفر
إلى أن قال وليتطوع بالليل ما شاء إن كان نازلا وإن كان راكبا فليصل على دابته وهو
راكب ولتكن صلاته إيماء وليكن رأسه حيث يريد السجود أخفض من ركوعه ".
وعن يعقوب بن شعيب في الصحيح (5) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه

(1) الوسائل الباب 15 من القبلة.
(2) الوسائل الباب 15 من القبلة.
(3) الوسائل الباب 15 من القبلة.
(4) الوسائل الباب 15 من القبلة.
(5) الوسائل الباب 15 من القبلة.
426

السلام) عن الرجل يصلي على راحلته؟ قال يومئ إيماء (1) وليكن رأسه حيث يريد
السجود أخفض من ركوعه ".
وروى في قرب الإسناد في الصحيح عن حماد بن عيسى (2) قال: " سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى تبوك
فكان يصلي صلاة الليل على راحلته حيث توجهت به ويومئ إيماء ".
وروى أمين الاسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان عن أبي جعفر وأبي عبد الله
(عليهما السلام) (3) " في قوله تعالى: فأينما تولوا فثم وجه الله (4) قال هذا في النوافل
في حال السفر خاصة وأما الفرائض فلا بد فيها من استقبال القبلة " وقد تقدم جملة من
الأخبار الدالة على تفسير الآية بذلك في التنبيه الثالث من التنبيهات المتقدمة في البحث الثاني
وروى الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمان بن الحجاج (5) قال: " سألته عن
صلاة النافلة في الحضر على ظهر الدابة إذا خرجت قريبا من أبيات الكوفة أو كنت
مستعجلا بالكوفة؟ فقال إن كنت مستعجلا لا تقدر على النزول وتخوفت فوت ذلك أن
تركته وأنت راكب فنعم وإلا فإن صلاتك على الأرض أحب إلي ".
وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6) قال:
" لا بأس أن يصلي الرجل صلاة الليل في السفر وهو يمشي، ولا بأس إن فاتته صلاة الليل
أن يقضيها بالنهار وهو يمشي يتوجه إلى القبلة ثم يمشي ويقرأ فإذا أراد أن يركع حول
وجهه إلى القبلة وركع وسجد ثم مشى ".
وقد تقدمت صحيحتا يعقوب بن شعيب وصحيحة حريز في صلاة الماشي وأنه

(1) في كتب الحديث " وليجعل السجود أخفض من الركوع ".
(2) رواه في الوسائل في الباب 15 من القبلة.
(3) الوسائل الباب 15 من القبلة. وما ذكره إنما هو رواية الشيخ في النهاية راجع ص 401.
(4) سورة البقرة، الآية 109.
(5) رواه في الوسائل في الباب 15 من القبلة.
(6) الوسائل الباب 16 من القبلة.
427

يومئ بالركوع والسجود في الفائدة الثالثة من التنبيه السادس من البحث المتقدم.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه يستفاد من هذه الأخبار جملة من الأحكام:
منها - جواز النافلة إلى غير القبلة ماشيا أو راكبا في الحضر خلافا لابن أبي عقيل
كما دلت عليه صحيحتا عبد الرحمان بن الحجاج وحماد بن عثمان مؤيدا باطلاق جملة من روايات
المسألة، ولم نقف لابن أبي عقيل على دليل وهذه روايات المسألة كما رأيت خالية من ذلك.
ومنها - أن الأفضل أن يستقبل بتكبيرة الاحرام على الدابة ثم يتم صلاته حيث
ذهبت راحلته كما تضمنته صحيحة عبد الرحمان بن أبي نجران واطلاق جملة من الأخبار
وصريح صحيحة الحلبي جوازها أيضا إلى غير القبلة بناء على رواية السكافي ولذا حملنا
الصحيحة المذكورة على الفضل والاستحباب وقطع ابن إدريس بوجوب الاستقبال بالتكبير
ونقله عن جماعة الأصحاب إلا من شذ. وهو محجوج بالصحيحة المذكورة. والسيد السند
قد استدل في المدارك على الاستحباب بصحيحة عبد الرحمان المذكورة، ثم نقل عن ابن
إدريس القول بوجوب الاستقبال بالتكبيرة ورده باطلاق الأخبار التي قدمها. وأنت خبير
بما فيه فإن لابن إدريس الجواب عن ذلك بتقييد الاطلاق بالصحيحة المذكورة كما هو
القاعدة. والحق في دفع ما ذهب إليه إنما هو الاحتجاج بصحيحة الحلبي المروية في
الكافي إلا أن صاحب المدارك كما أشرنا إليه آنفا إنما نقل الصحيحة المذكورة من التهذيب
وهي عارية فيه عن موضع الاستدلال فلهذا حصل في جوابه الاشكال. والعجب من
صاحب الذخيرة أنه جمد على جواب صاحب المدارك في هذا المقام مع أنه روى الصحيحة
بالزيادة التي هي محل الاستدلال من الكافي وغفل عن الاستدلال بها مع صراحتها في
الجواب ولزوم الاشكال في الجواب بدونها كما عرفت. وأما في الفريضة فإنه يجب أن
يستقبل بتكبيرة الاحرام فيها إلى القبلة كما تقدم.
ومنها أنه يومئ في حال الصلاة راكبا للركوع والسجود ويجعل الايماء للسجود
أخفض من الركوع، وهذا بخلاف الفريضة فإنه يجب أن يضع جبهته على ما يصح السجود
428

عليه كما تقدم في صحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله من قوله " ويضع بوجهه في الفريضة
على ما أمكنه من شئ ويومئ في النافلة إيماء " ومثله في عبارة كتاب الفقه الرضوي المتقدمة
في التنبيه السادس.
ومنها - أن الأفضل للماشي أن يحول وجهه إلى القبلة ويركع ويسجد على الوجه
الحقيقي فيهما جمعا بين ما دلت عليه صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة من الأمر بذلك
وبين صحيحتي يعقوب بن شعيب المتقدمتين في الموضع المشار إليه آنفا الدالتين على
الايماء بالركوع والسجود، ونحوهما رواية إبراهيم بن ميمون المتقدمة هنا.
ومنها - أن الأفضل في صلاة النافلة في الحضر أن تكون على الأرض كما يدل
عليه صحيح عبد الرحمان بن الحجاج المتقدم، وأما في السفر فظاهر صحيح علي بن مهزيار
المتقدم التخيير. وأما ما رواه الشيخ عن عمار الساباطي في الموثق في حديث طويل
أورده الشيخ (قدس سره) في الزيادات من باب المواقيت (1) " عن الرجل تكون عليه
صلاة في الحضر هل يقضيها وهو مسافر؟ قال نعم يقضيها بالليل على الأرض فأما على
الظهر فلا " فيمكن حمله على الفريضة وتخصيص الليل بالقضاء لأنه وقت النزول
والاستراحة غالبا، ولو حمل على النافلة لأشكل الحكم فيه بمخالفة هذه الأخبار المستفيضة
بجواز صلاة النافلة على الدابة مطلقا. وتخصيص القضاء بالمنع غير معقول إلا أن يحمل على
متفردات عمار في أخباره بالأحكام المستغربة. والله العالم.
(المقام الثاني) - في أحكام الخلل، قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم)
بأنه لو صلى إلى جهة ظانا أنها القبلة أو تضيق الوقت عن الجهات الأربع أو لاختيار
المكلف بناء على القول بتخيير المتحير ثم ظهر الانحراف، فلا يخلو إما أن يكون في أثناء
الصلاة أو بعد الفراغ منها، وعلى كل منهما فإما أن يكون الانحراف في ما بين اليمين
واليسار أو إلى محضهما أو إلى دبر القبلة، فههنا صور:

(1) رواه في الوسائل في الباب 6 من قضاء الصلوات.
429

(الأولى) - أن يكون ظهور الانحراف في أثناء الصلاة ويكون إلى ما بين
اليمين واليسار، فالظاهر أنه لا خلاف في أنه يستدير إلى القبلة ويبني على ما مضى
لقولهم (عليهم السلام) (1) " ما بين المشرق والمغرب قبلة " ولما رواه عمار في الموثق
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) " في رجل صلى على غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة
قبل أن يفرغ من صلاته؟ قال إن كان متوجها في ما بين المشرق والمغرب فليحول وجهه إلى
القبلة حين يعلم وإن كان متوجها إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح
الصلاة " ورواية القاسم بن الوليد (3) قال: " سألته عن رجل تبين له وهو في الصلاة
أنه على غير القبلة؟ قال يستقبلها إذا أثبت ذلك وإن كان قد فرغ منها فلا يعيدها "
والمراد أنه يستقبل القبلة إذا تبين الانحراف بارجاع الضمير إلى القبلة لا إلى الصلاة كما
ربما يتوهم، وهي محمولة على ما إذا كان الانحراف بين اليمين واليسار كما تضمنته رواية
عمار. وظاهر المحقق في المعتبر نقل الاجماع على الحكم المذكور.
(الثانية) - هي الأولى بعينها إلا أن الانحراف خارج عما بين اليمين واليسار
أعم من أن يكون إلى محضهما أو إلى دبر القبلة، وقد ذكر الأصحاب (رضوان الله
عليهم) أن الحكم فيهما الاستئناف في الوقت.
أقول: ويدل عليه بالنسبة إلى المستدبر موثقة عمار المذكورة، وأما بالنسبة إلى
محض اليمين واليسار فقد استدلوا عليه باخلاله بشرط الواجب مع بقاء وقته والاتيان به
ممكن فيجب، ولأنه موجب للاستئناف بعد الفراغ كما سيأتي إن شاء الله تعالى فكذا
في الأثناء لأن ما يفسد الكل يفسد الجزء. قال في المدارك ويؤيده رواية القاسم بن
الوليد ثم ساق الرواية المتقدمة. واستدلاله بها هنا بناء على ارجاع الضمير في " يستقبلها "
إلى الصلاة وحمل " غير القبلة " على ما خرج عما بين اليمين واليسار. وإلى ما ذكرنا من
حملها على ما دلت عليه موثقة عمار في الصورة الأولى يشير كلام العلامة في المنتهى حيث

(1) الوسائل الباب 10 من القبلة.
(2) الوسائل الباب 10 من القبلة.
(3) الوسائل الباب 10 من القبلة.
430

إنه ذكرها مع موثقة عمار دليلا للصورة الأولى وكذلك الفاضل الخراساني في الذخيرة.
وأنت خبير بأن آخر الرواية المذكورة قد تضمن أنه متى فرغ والحال هذه فإنه لا يعيدها
وهذا المعنى لا ينطبق على جعلها من قبيل الصورة الثانية لوجوب الإعادة في الوقت فيها
كما عرفت مع تصريح الرواية بالعدم وإنما ينطبق على الصورة الأولى التي لا إعادة فيها
بعد الفراغ كصحيح معاوية بن عمار كما سيأتي في الصورة الثالثة.
ويظهر من كلام الشيخ في المبسوط الخلاف في ما لو ظهر الانحراف إلى محض
اليمين واليسار فإنه ألحقه بما بين اليمين واليسار دون دبر القبلة كما هو المعروف من كلام
الأصحاب (رضوان الله عليهم) حيث (قدس سره): وإن كان في خلال الصلاة
ثم ظن أن القبلة عن يمينه أو شماله بنى عليه واستقبل القبلة وأتمها وإن كان مستدبرا القبلة
أعاد من أولها بلا خلاف وقال فيه أيضا: وإن دخل يعني الأعمى فيها ثم غلب على ظنه
أن الجهة في غيرها مال إليها وبنى على صلاته ما لم يستدبر القبلة. انتهى. وهو ظاهر
كما ترى في تخصيص الاستئناف بصورة الاستدبار، ومن المعلوم أن محض اليمين واليسار
لا يدخل في الاستدبار ولا يصدق عليه لفظه فيكون الواجب فيها الاستدارة والاتمام كما
في ما بين اليمين واليسار. والظاهر ضعفه لما عرفت
. (تنبيه) - قال السيد السند (قدس سره) في المدارك بعد ذكر هذه الصورة:
فرع - لو تبين أثناء الصلاة الاستدبار وقد خرج الوقت فالأقرب أنه ينحرف ولا
إعادة وهو اختيار الشهيدين، لا لما ذكراه من استلزام القطع القضاء المنفي لانتفاء الدلالة
على بطلان اللازم بل لأنه دخل دخولا مشروعا والامتثال يقتضي الاجزاء، والإعادة
إنما تثبت إذا تبين الخطأ في الوقت كما هو منطوق روايتي عبد الرحمان وسليمان بن
خالد (1) انتهى. وعلى هذه المقالة تبعه من تأخر عنه كالفاضل الخراساني في الذخيرة وغيره.
وفي ما ذكره عندي نظر من وجهين (أحدهما) أن ما نقله عن الشهيدين لا يخلو
من خلل في النقل:

(1) الوسائل الباب 11 من القبلة.
431

أما الشهيد الأول فإنه لم يصرح بهذه المسألة إلا في كتاب الذكرى وهذه صورة
عبارته فيه: لو تبين في أثناء الصلاة الاستدبار أو أحد الجانبين وقد خرج الوقت أمكن
القول بالاستقامة ولا إعادة لدلالة فحوى الأخبار عليه، ويمكن الإعادة لأنه لم يأت بالصلاة
في الوقت. انتهى وظاهره كما ترى التردد والتوقف في المسألة حيث ذكر الاحتمالين
ولم يرجح شيئا في البين، والاحتمال الأول وهو الذي نسبه مذهبا إليه إنما استدل عليه
بفحوى الأخبار والظاهر أن مراده فحوى روايتي عبد الرحمان وسليمان بن خالد الآتيتين
إن شاء الله تعالى، وهو قوله (عليه السلام) (1): " وإن فاتك الوقت فلا تعد "
فإنه يصدق في الصورة المذكورة أنه فاته الوقت وهو راجع إلى ما ذكره هو من الاستدلال
بالروايتين المذكورتين أيضا، وأين هذا من الذي نقله عنهما؟
وأما جده الشهيد الثاني فإنه لم يذكر هذه المسألة أيضا لا في المسالك ولا في الروضة
وإنما ذكرها في الروض بهذه العبارة: نعم لو فرض تبين التيامن أو التياسر بعد الوقت
في من أدرك منه ركعة أو المستدبر على القول بالمساواة. أمكن القول بالاستقامة ولا إعادة
لاطلاق الأخبار، وعدمه لأنه لم يأت بالصلاة في الوقت ولأن ما بعد الوقت هنا بحكم
الواقع فيه فيكون بحكم الذاكر فيه. ويضعف بأن الأول مصادرة ومساواة ما بعد الوقت
لما قبله مطلقا ممنوعة بل في محل النص والوفاق لا في جميع الأحكام على الاطلاق. انتهى
وكلامه وإن كان مؤذنا باختياره ما نقله عنه إلا أنه إنما علله بما قدمنا نقله عن الذكرى
لا ما ذكره من استلزام القطع القضاء المنفي حتى أنه يعترض عليه بانتفاء الدلالة على بطلان
اللازم. واحتمال كونهما ذكرا ذلك في غير هذه الكتب المشهورة بعيد غاية البعد.
و (ثانيهما) - أنه لا يخفى أن هذا الفرع المذكور لا يدخل تحت شئ من
أخبار المسألة، وما ذكروه من الوجوه الموجبة لصحة الصلاة مع الاستدارة إلى جهة القبلة
لا يخلو من اشكال، وذلك فإن مورد أخبار المسألة كون الصلاة التي وقع الانحراف فيها

(1) الوسائل الباب 11 من القبلة.
432

كانت في الوقت وأن الوقت متسع بعدها وقد اشتملت على التفصيل في تلك الصلاة بين
كون الانحراف فيها إلى ما بين اليمين واليسار مع العلم به في الأثناء والحكم فيه الاستدارة
والاتمام أو خارجا عن ذلك والحكم فيه الابطال والإعادة أو إنما يحصل العلم بعد الفراغ
في الوقت والحكم الإعادة في الوقت خاصة على المشهور في أحد فرديه. وأما لو وقع
جزء من الصلاة خارج الوقت وعلم الانحراف إلى دبر القبلة والحال هذه فكما يحتمل
ما ذكره الشهيدان من الاستدارة والصحة بناء على اطلاق قوله (عليه السلام) في الروايتين
المشار إليهما " وإن فاتك الوقت فلا تعد " وأن هذا قد فاته الوقت في الصورة المذكورة
كذا يمكن إدخال هذه الصورة تحت موثقة عمار المتقدمة وقوله فيها " وإن كان متوجها
إلى دبر القبلة فليقطع ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة " فإن اطلاق هذا الخبر
شامل لما لو كانت الصلاة أداء في الوقت أو قضاء في خارجه أو وقع بعضها في الوقت كما
في الصورة المفروضة، ولا ريب أن دخول هذه الصورة في اطلاق الخبر المذكور أظهر مما
ادعوه في ذينك الخبرين، لأن الظاهر أن المراد من ذينك الخبرين " وإن فاتك الوقت
فلا تعد " إنما هو بعد أن صليت الفريضة في وقتها ومضت على الصحة فلا تعدها في
خارجه من أجل ذلك الانحراف لا أن المراد فوت الوقت مع وقوع الصلاة كلا أو بعضا
خارجه، وإلا للزم أن من صلى قضاء وظهر الاستدبار في أثنائها أنه يتمها بعد الاستدارة
لأنه يصدق عليها أنها داخلة تحت قوله: " وإن فاتك الوقت " ولا أظن هذا القائل
يلتزمه بل الواجب هو الإعادة من رأس البتة.
وأما ما علل به الصحة في الصورة المذكورة من أنه دخل دخولا مشروعا
والامتثال يقتضي الاجزاء فهو ممنوع لأنه وإن دخل دخولا مشروعا إلا أنه بعد
تبين الاستدبار في الأثناء لا نسلم المشروعية. ومنه يظهر بطلان قوله: " والامتثال يقتضي
الاجزاء " ويؤيد ذلك ما في كلامه في الفروع التي في المسألة المذكورة بعد هذه المسألة
من حكمه بالابطال بظهور الاستدبار في الأثناء في الفرع الأول والفرع الثالث مع جريان
433

تعليله المذكور هنا في تلك المقامات وليس إلا من حيث إن ظهور الاستدبار موجب
للبطلان كما ذكرنا.
وبالجملة فإنه لا ريب أن الاستدبار من قواطع الصلاة الموجبة لبطلانها ووجوب
إعادتها لو وقع فيها خرج منه ما لو لم يعلم إلا بعد أن صلاها في الوقت ثم خرج الوقت
بناء على المشهور وظواهر الأخبار الآتية، فيجب الاقتصار على موردها من الصلاة التي
صليت في الوقت ووقع التفصيل فيها بما تقدم وبقي الباقي ومنه موضع البحث، مع ظهور دخول
هذه الصورة تحت اطلاق موثقة عمار المتقدمة كما عرفت. وكيف كان فحيث كانت المسألة
غير خالية من شوب الاشكال لما ذكر من تعدد الاحتمال وإن كان ما ذكرنا هو الأقرب
في هذا المجال فالاحتياط فيها مطلوب على كل حال. والله العالم.
(الثالثة) - أن يتبين الانحراف بعد الفراغ من الصلاة وكان الانحراف في ما
بين اليمين واليسار، ولا خلاف في صحة الصلاة في الصورة المذكورة ونقل الفاضلان اجماع
أهل العلم على ذلك.
ويدل عليه صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" قلت الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى أنه انحرف عن القبلة يمينا
وشمالا؟ فقال قد مضت صلاته وما بين المشرق والمغرب قبلة ".
وروى في كتاب قرب الإسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان
عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) (2) " أن عليا (عليه السلام) كأن يقول من صلى
على غير القبلة وهو يرى أنه على القبلة ثم عرف بعد ذلك فلا إعادة عليه إذا كان في ما
بين المشرق والمغرب ".
ويعضده أيضا ما تقدم من صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) قال:
" لا صلاة إلا إلى القبلة: قال قلت أين حد القبلة؟ قال ما بين المشرق والمغرب قبلة كله ".

(1) رواه في الوسائل في الباب 10 من القبلة.
(2) رواه في الوسائل في الباب 10 من القبلة.
(3) رواه في الوسائل في الباب 10 من القبلة.
434

وذكر المشرق والمغرب في هذه الأخبار بناء على قبلة العراقي فذكرهما إنما جرى
مجرى التمثيل.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن كثيرا من عبارات المتقدمين هنا مطلقة في وجوب
الإعادة في الوقت إذا صلى لغير القبلة من غير تفصيل بين ظهور القبلة إلى ما بين اليمين
واليسار أو ما زاد على ذلك، قال الشيخ المفيد (قدس سره) في المقنعة: ومن أخطأ
القبلة أو سها عنها ثم عرف ذلك والوقت باق أعاد فإن عرفه بعد خروج الوقت لم يكن
عليه إعادة في ما مضى اللهم إلا أن يكون قد صلى مستدبر القبلة. وقال الشيخ (قدس
سره) في المبسوط: وإذا صلى البصير إلى بعض الجهات ثم تبين أنه صلى إلى غير القبلة
والوقت باق أعاد الصلاة. وقال في النهاية: فإن صلاها ناسيا أو شبهة ثم تبين أنه صلى إلى
غير القبلة وكان الوقت باقيا وجب عليه إعادة الصلاة. وقريب منها كلامه في الخلاف
وكذا كلام ابن زهرة وابن إدريس. ولعل مرادهم من الصلاة إلى غير القبلة ما لم يكن
في ما بين المشرق والمغرب كما ذكره بعض الأصحاب لما اشتهر في الأخبار وكلام
الأصحاب من أن ما بين المشرق والمغرب قبلة وأيد بايراد الشيخ الرواية المتضمنة
لذلك في شرح كلام الشيخ المفيد المتقدم من غير تعرض للكلام عليه. وبالجملة فإن
حمل كلامهم على ظاهره مع ما عرفت من هذه الأخبار بعيد غاية البعد فلا بد من ارتكاب
التأويل فيه بما ذكرنا.
(الرابعة) - الصورة بحالها مع تبين الانحراف إلى اليمين والشمال، والمشهور
في كلام الأصحاب بل ادعى عليه الفاضلان في المعتبر والمنتهى الاجماع الإعادة في
الوقت لا في خارجه.
واستدلوا على الأول بأنه قد أخل بشرط الواجب وهو الاستقبال والوقت باق
فيبقى تحت عهدة الخطاب كما لو أخل بطهارة الثوب ونحوها.
وأما على الثاني فبان القضاء فرض جديد يتوقف على الدليل وحيث لا دليل فلا قضاء
435

وبصحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" إذا صليت وأنت على غير القبلة واستبان لك أنك صليت على غير القبلة وأنت في
وقت فأعد وإن فاتك الوقت فلا تعد ".
وصحيحة سليمان بن خالد (2) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل
يكون في قفر من الأرض في يوم غيم فيصلي لغير القبلة ثم يضحي فيعلم أنه صلى لغير القبلة
كيف يصنع؟ قال إن كان في وقت فليعد صلاته وإن كان قد مضى الوقت فحسبه اجتهاده "
وصحيحة يعقوب بن يقطين (3) قال: " سألت عبدا صالحا (عليه السلام) عن
رجل صلى في يوم سحاب على غير القبلة ثم طلعت الشمس وهو في وقت أيعيد الصلاة إذا
كان قد صلى على غير القبلة؟ وإن كان قد تحرى القبلة بجهده أتجزئه صلاته؟ فقال يعيد
ما كان في وقت فإذا ذهب الوقت فلا إعادة عليه ".
وصحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله (4) " أنه سأل الصادق (عليه السلام) عن
رجل أعمى صلى على غير القبلة فقال إن كان في وقت فليعد وإن كان قد مضى الوقت
فلا يعد. قال وسألته عن رجل صلى وهي متغيمة ثم تجلت فعلم أنه صلى على غير القبلة
فقال إن كان في وقت فليعد وإن كان الوقت قد مضى فلا يعد ".
ورواية محمد بن الحصين (5) قال: " كتبت إلى عبد صالح (عليه السلام) الرجل
يصلي في يوم غيم في فلاة من الأرض ولا يعرف القبلة فيصلي حتى إذا فرغ من صلاته
بدت له الشمس فإذا هو قد صلى لغير القبلة أيعتد بصلاته أم يعيدها؟ فكتب يعيدها
ما لم يفته الوقت أو لم يعلم أن الله تعالى يقول وقوله الحق: فأينما تولوا فثم وجه الله؟ " (6).
وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (7) قال: " إذا صليت على غير
القبلة فاستبان لك قبل أن تصبح أنك صليت على غير القبلة فأعد صلاتك ".

(1) الوسائل الباب 11 من القبلة.
(2) الوسائل الباب 11 من القبلة.
(3) الوسائل الباب 11 من القبلة.
(4) الوسائل الباب 11 من القبلة.
(5) الوسائل الباب 11 من القبلة.
(6) سورة البقرة، الآية 109.
(7) الوسائل الباب 11 من القبلة.
436

وتقريب الاستدلال بها أن المراد أنه صلى الصبح على غير القبلة واستبان له ذلك
قبل الاسفار أو طلوع الشمس فقوله: " قبل أن تصبح " إشارة إلى ذلك. وأما حملها
على أن الفائت العشاءان وأن الأمر بالإعادة قبل الصبح يعني الفجر الثاني لامتداد
وقت العشاءين إلى ذلك الوقت في المضطر كما تقدم القول به فبعيد، وقد تقدم تحقيق
المسألة في غير مقام.
ثم إنه لا يخفى أن هذه الأخبار كما ترى قد دلت على وجوب الإعادة في الوقت
متى ظهر أنه صلى على غير القبلة واطلاقها شامل لما لو كانت صلاته في ما بين المشرق
والمغرب لصدق أنه إلى غير القبلة مع أن الحكم ثمة كما تقدم عدم وجوب الإعادة،
والأصحاب قد قيدوا اطلاق هذه الأخبار ولا سيما صحيحة معاوية بن عمار التي هي الأصل
في الاستدلال فاخرجوا من هذا الاطلاق ما بين المشرق والمغرب بتلك الأخبار.
ولقائل أن يقول إن بين أخبار الطرفين عموما وخصوصا من وجه. فكما أن
هذه الأخبار عامة بالنسبة إلى الصلاة إلى غير القبلة إلا أنها مفصلة بالنسبة إلى الوقت
وخارجه وتلك الأخبار مطلقة بالنسبة إلى الوقت وخارجه وخاصة بالنسبة إلى القبلة التي
حصل فيها الانحراف وهي ما بين المشرق والمغرب، فكما يمكن ارتكاب التخصيص
المذكور الذي بنى عليه الاستدلال بالأخبار في الموضعين كذلك يمكن تخصيص تلك
الأخبار بالصلاة في خارج الوقت كما فصلته هذه الأخبار وابقاؤها على اطلاقها بالنسبة
إلى القبلة فيقال بوجوب الإعادة في الوقت متى صلى إلى غير القبلة بأي نحو كان وإن كان
في ما بين المشرق والمغرب، ولا يتم الاستدلال بتلك الروايات على ما ذكروه فلا بد
لترجيح الأول من دليل، ولعل ما تقدم نقله عن كثير من عبارات المتقدمين من اطلاقهم
وجوب الإعادة في الوقت مبني على ما ذكرناه هنا.
واستدل العلامة في المنتهى على ترجيح الأول بوجهين (أحدهما) - موافقة
الأصل وهو براءة الذمة إذ لو حملنا حديث معاوية على ما ذكرتم لزمت الإعادة لمن صلى
437

بين المشرق والمغرب في الوقت والأصل عدمه. (الثاني) - إنا نمنع تخصيص ما ذكرتم
من الأحاديث أصلا لأن قوله (عليه السلام) " ما بين المشرق والمغرب قبلة " ليس
مخصصا للحديث الدال على وجوب الإعادة في الوقت دون خارجه لمن صلى إلى غير القبلة
إذا قصى ما يدل عليه أن ما بين المشرق والمغرب قبلة، بل لقائل أن يقول إن قوله:
" إذا صليت وأنت على غير القبلة " يتناول لفظ القبلة فيه ما بين المشرق والمغرب
أيضا. انتهى.
أقول: لا يخفى ما فيه، أما الاستناد إلى الأصل كما ذكره فمعارض بأن الأصل
شغل الذمة بالعبادة وهذا أصل متيقن لا مناص عنه فلا يحكم ببراءة الذمة إلا بيقين مثله
والأخبار هنا متعارضة كما عرفت والوقت باق والخطاب متوجه فلا يتيقن براءة الذمة
إلا بالإعادة في الوقت. وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا سترة عليه ولا يتطرق إليه
الإيراد من خلفه ولا من بين يديه. وأما منع التخصيص فلا يخفى ما فيه فإني لا أعرف لكلامه
هنا وجه استقامة ولعل النسخة التي عندي لا تخلو من غلط، ووجه الاشكال كما ذكرنا
زيادة على ما قدمنا أن صحيحة معاوية المشار إليها قد دلت على أن من صلى بظن القبلة
ثم تبين انحرافه إلى ما بين اليمين والشمال فقد صحت صلاته لأن ما بين المشرق والمغرب
قبلة، وتبين الانحراف عن القبلة أعم من أن يكون في الوقت أو خارجه فيمكن تقييد
هذا العموم بما فصلته تلك الأخبار من أن من صلى إلى غير القبلة ثم تبين ذلك فإن كان
في الوقت أعاد وإن كان خارج الوقت فلا إعادة عليه بأن يحمل تبين الانحراف بعد
خروج الوقت، وحينئذ فتجب الإعادة في الوقت وإن كان فيما بين اليمين واليسار.
وهذا أيضا بحمد الله سبحانه ظاهر لا مرية فيه.
وبالجملة فإني لا أعرف لهم دليلا على ما ذكروه زيادة على الاجماع المدعى في تلك
المسألة. نعم قوله في صحيحة معاوية " ثم ينظر بعد ما فرغ " ربما أشعر بكون ظهور
الانحراف في الوقت بالحمل على البعدية القريبة كما هو المتبادر. هذا أقصى ما يمكن أن
438

يقال في المقام والله سبحانه وأولياؤه العالمون بحقائق الأحكام.
(الخامسة) - الصورة المتقدمة مع تبين الانحراف إلى دبر القبلة، والمشهور
بين المتأخرين وبه قال السيد المرتضى والمحقق وأكثر من تأخر عنه - أن حكم هذه
الصورة كسابقتها من الإعادة في الوقت خاصة دون خارجه، وقال الشيخان بالإعادة
في الوقت والقضاء في خارجه وتبعهما جمع من الأصحاب كابن البراج وأبي الصلاح
وسلار وابن زهرة.
واستدل الأولون باطلاق صحاح الأخبار المتقدمة في سابق هذه الصورة فإنها
كما دلت باطلاقها على حكم اليمين واليسار دلت على حكم الاستدبار لصدق الصلاة إلى غير
القبلة في الموضعين فيجب العمل بها على اطلاقها إلى أن يقوم المخصص وليس فليس.
ونقل عن الشيخ أنه احتج بموثقة عمار المتقدمة في الصورة الأولى، ولا يخفى
ما فيه فإن مورد الرواية من علم في أثناء الصلاة بأنه صلى إلى غير القبلة فإنه يقطع ثم يحول
وجهه إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة وهو صريح في كون ذلك في الوقت.
نعم ربما يمكن الاستدلال على ما ذهبوا إليه برواية معمر بن يحيى (1) قال:
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل صلى على غير القبلة ثم تبينت القبلة وقد
دخل في وقت صلاة أخرى؟ قال يعيدها قبل أن يصلي هذه التي قد دخل وقتها ".
وأجيب عنها بضعف السند وعدم المعارضة لما تقدم من الأخبار الصحاح المتكاثرة
المتعاضدة الدالة على عدم الإعادة بعد خروج الوقت فيجب حملها أما على من صلى بغير
اجتهاد مع التمكن منه وأما يحمل قوله: " وقد دخل في وقت صلاة أخرى " على وقت
الفضيلة فيحمل على وقت صلاتين مشتركتين كالظهرين والعشاءين بأن يدخل وقت
فضيلة الثانية، على أنه غير معمول به على اطلاقه لدلالته على الإعادة أيضا بالنسبة إلى
ما كان إلى اليمين والشمال وقد عرفت أن لا قائل به.

(1) المروية في الوسائل في الباب 9 من القبلة.
439

وأما ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1)
أنه قال: " لا صلاة إلا إلى القبلة. قال قلت أين حد القبلة؟ قال ما بين المشرق والمغرب
قبلة كله. قال قلت فمن صلى لغير القبلة في يوم غيم أو في غير الوقت؟ قال يعيد " فيجب
حمله على الإعادة في الوقت جمعا بينه وبين الأخبار المتكاثرة المتقدمة المفصلة حمل المطلق
على المقيد. والله العالم.
تنبيهات
(الأول) - هل المصلي إلى جهة ناسيا كالظان في الأحكام المتقدمة؟ قيل نعم
وبه قطع الشيخ في بعض كتبه لعموم " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان " (2) وقيل لا
لأن خطأه مستند إلى تقصيره بخلاف الظان.
قال في المدارك: وكذا الكلام في جاهل الحكم، ثم قال والأقرب الإعادة في
الوقت خاصة لا خلاله بشرط الواجب دون القضاء لأنه فرض مستأنف. انتهى.
وقال في الذكرى: هل المصلي إلى جهة ناسيا كالظان في الأحكام؟ قطع به الشيخان
لعموم " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان " وضعفه الفاضلان لأنه مستند إلى تقصيره بخلاف
الظان. والأقرب المساواة لشمول خبر عبد الرحمان للناسي. أما جاهل الحكم فالأقرب أنه
يعيد مطلقا إلا ما كان بين المشرق والمغرب لأنه ضم جهلا إلى تقصيره ووجه المساواة
الناس في سعة ما لم يعلموا (3). انتهى.
أقول: لا يخفى أن اطلاق الأخبار المتقدمة في الصورة الرابعة من صحيحة
عبد الرحمان بن أبي عبد الله وصحيحة سليمان بن خالد شامل للظان والناسي وبه يظهر
قرب مساواة الناسي للظان كما اختاره في الذكرى إلا أنه سيأتي إن شاء الله تعالى في

(1) الوسائل الباب 9 من القبلة.
(2) الوسائل الباب 30 من الخلل في الصلاة و 56 من جهاد النفس.
(3) راجع ج ص 43.
440

بحث قواطع الصلاة وأن الالتفات من جملتها في أخبار تلك المسألة ما يظهر منه المنافاة وبه
تصير المسألة في قالب الاشكال كما سنكشف لك إن شاء الله تعالى عن حقيقة الحال في
البحث المشار إليه.
(الثاني) - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لا يتعدد الاجتهاد
بتعدد الصلاة إلا إذا حصل شك في الاجتهاد الأول، ونقل في المدارك عن الشيخ في
المبسوط أنه أوجب التجديد دائما لكل صلاة ما لم تحضره الأمارات، للسعي في إصابة
الحق، ولأن الاجتهاد الثاني إن خالف الأول وجب المصير إليه لأن تغير الاجتهاد لا يكون
إلا لأمارة أقوى من الأولى وأقوى الظنين أقرب إلى اليقين وإن وافقه تأكد الظن.
ثم قال في المدارك بعد نقل ذلك: وهو جيد إن احتمل تغير الأمارات.
أقول: لا يخفى أن ظاهر هذا النقل أن جميع ما اشتمل عليه من الدعوى والدليلين
المذكورين عين كلام الشيخ في المبسوط مع أنه ليس كذلك كما لا يخفى على من راجع الكتاب
المذكور، وهذه صورة عبارة الكتاب: يجب على الانسان أن يتتبع أمارات القبلة كلما
أراد الصلاة عند كل صلاة، اللهم إلا أن يكون قد علم أن القبلة في جهة بعينها أو ظن ذلك
بأمارات صحيحة ثم علم أنها لم تتغير جاز حينئذ التوجه إليها من غير أن يجدد اجتهاده في
طلب الأمارات. انتهى. وأنت خبير بما بين الكلامين من المباينة لفظا ومعنى، أما
لفظا فظاهر، وأما معنى فلأن مرجع هذا الكلام إلى أن التجديد مخصوص بصورة
احتمال تغير الأمارات لا مطلقا كما هو ظاهر النقل المذكور، فلو علم أنها لم تتغير سقط
الاجتهاد كما استجوده في المدارك وقيد به كلام الشيخ (قدس سره) وبذلك صرح
في المنتهى نقلا عن الشيخ، وظاهره الجمود عليه حيث قال: لو صلى عن اجتهاد إلى
جهة ثم أراد أن يصلي أخرى قال الشيخ في المبسوط يعيد اجتهاده إلا إذا علم أن الأمارات
لم تتغير وهو قول الشافعي وأحمد (1) وظاهره كما ترى - الموافقة لما نقله عن الشيخ وهو

(1) المهذب ج 1 ص 67، والمغني ج 1 ص 445.
441

خلاف النقل المتقدم، فليتأمل في مثل هذه النقول وليراجع في تحقيق ذلك المنقول.
(الثالث) - قال في المدارك: لو تغير اجتهاد المجتهد في أثناء الصلاة انحرف
وبنى إن كان لا يبلغ موضع الإعادة وإلا أعاد. ولو تغير اجتهاده بعد الصلاة لم يعد
ما صلاه إلا مع تيقن الخطأ، قال في المنتهى ولا نعلم فيه خلافا. انتهى.
أقول: الأنسب بقواعدهم في التفريع هو تفريع هذه المسألة على مسألة من صلى
ظانا ثم تبين الخطأ في ظنه بالعلم بالقبلة بعد ذلك من التفصيل الذي تقدم بين ما إذا كان
ظهور الخطأ في الأثناء فإنه ينحرف لو ظهرت صلاته بين اليمين واليسار ويعيد لو خرجت
عن ذلك وإن كان بعد الفراغ لكن في الوقت لا في خارجه تنزيلا لهذا الظن المتجدد
منزلة العلم في تلك المسألة، وإلا فالقول بوجوب الإعادة إذا ظهر الخطأ في الأثناء دون
ما بعد الفراغ مما لا يظهر له وجه، فإن الموجب للإعادة في البعض موجب للإعادة في
الكل، وما مضى من الصلاة إن كان صحيحا بناء على الاجتهاد الأول لأنه دخل فيها
دخولا مشروعا - كما ذكره سابقا في الفرع الذي ذكرناه في التنبيه المتقدم - فالواجب
الاستدارة نحو القبلة دون الابطال في الموضعين، وإن كان ما صلاه أولا صار باطلا
بظهور الاستدبار أو محض اليمين والشمال فيجب الإعادة من رأس فهو آت أيضا في ما
بعد الفراغ للعلة المذكورة والوقت باق فخطاب التكليف متوجه لأنه مأخوذ عليه أن
يأتي في الوقت بصلاة صحيحة وهذه قد ظهر بطلانها بالاستدارة، بل البطلان في صورة
الفراغ أظهر منه في ما لو كان في الأثناء لامكان التدارك في الباقي على الثاني بخلاف
الأول فإن الجميع ظهر على غير القبلة. نعم لو خرج الوقت قبل تغير الاجتهاد اتجه عدم
الإعادة لتوقفها على أمر جديد. (فإن قيل) إنهم قد صرحوا بأنه لو تغير اجتهاده لصلاة
العصر مثلا بعد أن صلى الظهر بالاجتهاد الأول لم يجب عليه إعادة الظهر مع أن الوقت
باق (قلنا) نعم قد صرحوا بذلك ولكن لم نقف له على دليل إلا ما ربما يدعى من
الاجماع والبحث في الدليل الشرعي من النصوص.
442

ثم إن ظاهر قوله في المدارك في آخر العبارة: " قال العلامة في المنتهى: ولا نعلم فيه
خلافا " راجع إلى ما ذكره من التفصيل في المسألة، وعبارة المنتهى لا تساعد على ذلك فإن
حكم تغير الاجتهاد بعد الفراغ غير مذكور فيها حيث قال: فلو تغير اجتهاده في الصلاة
فإن كان منحرفا يسيرا استدار إلى القبلة وأتم ولا إعادة وإن كان مشرقا أو مغربا
أو مستدبرا أعاد، ثم نقل عن بعض الجمهور الإعادة مطلقا (1) وقال إنه ليس بجيد ثم
نقل عن آخرين أنه لا يرجع ويمضي على الاجتهاد الأول، قال وهؤلاء عن التحقيق
بمعزل، ثم قال وكذا لو تجدد يقين بالجهة المخالفة في أثناء الصلاة استدار إليها كأهل قبا
لما استداروا إلى القبلة ولا نعرف فيه خلافا. انتهى.
أقول: وفي عد استدارة أهل قبا في هذه المسألة نظر لا يخفى، فإن الاستدارة
يومئذ إنما هو لنسخ القبلة الأولى إلى قبلة ثانية فيكون ما مضى من الصلاة وقع على قبلة
صحيحة أصلية وما بعد النسخ كذلك بخلاف ما نحن فيه فإن تغاير القبلتين إنما هو من حيث
الاعتبار باجتهاد المصلي وظنه وتغير اجتهاده وحصول ظن آخرا وعلم بعد ظن وإنما هي
قبلة واحدة يخطئها المخطئ ويصيبها المصيب والروايات قد فصلت الأحكام المتعلقة بهذا
الخطأ وهذه الإصابة في الصور المتقدمة وليس الأمر في ما ذكره كذلك كما لا يخفى.
(الرابع) - قال في المدارك: لو خالف المجتهد اجتهاده وصلى فصادف القبلة لم
تصح صلاته لعدم اتيانه بالمأمور به. وقال الشيخ في المبسوط بالاجزاء لأن المأمور به
هو التوجه إلى القبلة وقد أتى به. وهو ممنوع إذ المعتبر البناء على اجتهاده ولم يفعل
فيبقى في عهدة التكليف. انتهى.
أقول: قد تتبعت كتاب المبسوط في باب القبلة فلم أقف على هذا الفرع فيه،

(1) في المهذب ج 1 ص 67 الاجزاء إذا بان أن القبلة في اليمين أو الشمال. وفي البدائع
ج 1 ص 119 نفى الخلاف في ذلك، ثم قال وإن ظهر أنه مستدبر الكعبة يجزئه عندنا وعند
الشافعي لا يجزئه.
443

وكونه في غير الباب المذكور أو النقل عن المبسوط وقع سهوا وإنما هو في غيره ممكن
إلا أن الشهيد في الذكرى نقل ذلك عن المبسوط أيضا ولعله في غير الباب المذكور.
ثم إن ما ذكره السيد السند (قدس سره) من المناقشة فيما نقله عن الشيخ (قدس
سره) جيد على أصول جمهور الأصحاب (رضوان الله عليهم) وقواعدهم إلا أنه خلاف
ما اختاره في ما تقدم في مسألة من صلى قبل الوقت جاهلا أو ساهيا حيث قال - بعد
أن صرح بأن الوجه الموجب للبطلان في الجميع عدم صدق الامتثال الموجب لبقاء المكلف
تحت العهدة - ما لفظه: ولو صادف الوقت صلاة الناسي أو الجاهل بدخول الوقت ففي
الاجزاء نظر، من حيث عدم الدخول الشرعي، ومن مطابقة العبادة لما في نفس الأمر
وصدق الامتثال. والأصح الثاني وبه قطع شيخنا المحقق سلمه الله تعالى، قال وكذا البحث
في كل من أتى بما هو الواجب في نفس الأمر وإن لم يكن عالما بحكمه.. إلى آخره
فإنه لا يخفى أن المسألتين من باب واحد لاشتراكهما في أن الدخول في كل منهما بحسب
الظاهر ليس بشرعي ولكن قد اتفق مصادفة الصلاة في الواقع لما أمر به الشارع فإن
كانت المطابقة الواقعية مجزئة كما ذكره في تلك المسألة فههنا كذلك فلا معنى لرده على
الشيخ وإلا فلا في الموضعين فلا وجه لما صار إليه في تلك المسألة.
(الخامس) - قال في الذكرى: لو اختلف المجتهدون صلوا فرادى لا جماعة
لأن المأموم أن كان محقا في الجهة فسدت صلاة إمامه وإلا فصلاته فيقطع بفساد صلاة
المأموم على التقديرين. واحتمل الفاضل صحة الاقتداء كالمصلين حال شدة الخوف
ولأنهم كالقائمين حول الكعبة يستقبل كل واحد منهم جهة غير جهة الآخر مع صحة
الصلاة جماعة. ويمكن الجواب بمنع الاقتداء حالة الشدة مع اختلاف الجهة، ولو سلم
فالاستقبال هنا ساقط بالكلية بخلاف المجتهدين، والفرق بين المصلين إلى نواحي الكعبة
وبين المجتهدين ظاهر للقطع بأن كل جهة قبلة هناك والقطع بخطأ واحد هنا، وكذا نقول
في صلاة الشدة إن كل جهة قبلة. انتهى.
444

وأجاب في المدارك عن الفرق المذكور بأنه يمكن دفعه بأن الخطأ إنما هو في
مصادفة الصلاة لجهة الكعبة لا للجهة التي يجب استقبالها للقطع بأن فرض كل منهم استقبال
ما أدى إليه الاجتهاد وإن كانت خلاف جهة الكعبة. انتهى.
أقول: الكلام في هذا المقام يقع في موضعين: (أحدهما) - أن الظاهر من
كلامهم أن المراد بهذه الجهة التي متى اختلف المجتهدون فيها لم يأتم بعضهم ببعض هي ما
بين اليمين واليسار كملا، وهو ضعيف (1) لأن الذي يظهر من عباراتهم ويلوح من إشاراتهم
أن التيامن والتياسر اليسير لا يخرج عن القبلة وفسروه بما بين المغرب والمشرق، ولهذا
حكموا بصحة صلاة من ظهرت صلاته إلى تلك الجهة بعد الفراغ والاستدارة في الأثناء
وما ذاك إلا من حيث كونها قبلة، ويدل عليه بأوضح دلالة الأخبار الدالة على أن ما بين
المشرق والمغرب قبلة كما تقدم، قال شيخنا المشار إليه في الذكرى بعيد هذا الكلام المتقدم
نقلة: لو اختلف الإمام والمأموم في التيامن والتياسر فالأقرب جواز الاقتداء، لأن صلاة
كل منهما صحيحة مغنية عن القضاء والاختلاف هنا يسير، ولأن الواجب مع البعد الجهة
هنا. وقال في موضع آخر: لو صلى باجتهاد إلى جهة أو لضيق الوقت ثم تبين الانحراف
يسيرا استقام بناء على أن القبلة هي الجهة، ولقول الصادق (عليه السلام) (2) " ما بين
المشرق والمغرب قبلة " ولو تبين الانحراف الكثير استأنف، وظاهر الأصحاب أن
الكثير ما كان على سمت اليمين أو اليسار لرواية عمار، ثم نقل موثقة عمار المتقدمة في
الصورة الأولى. وهذه الكلمات إذا ضمت بعضها إلى بعض ظهر لك منها ما قلنا وهو
بظاهره مدافع لما ذكره (قدس سره) في تعريف الجهة حيث قال إنها هي السمت الذي
يظن كون الكعبة فيه لا مطلق الجهة كما قال بعض العامة إن الجنوب قبلة لأهل الشمال
وبالعكس والمشرق قبلة لأهل المغرب وبالعكس، لأنا نتيقن الخروج هنا عن القبلة وهو
* (هامش) (1) جملة " وهو ضعيف " ليست موجودة في ما وقفنا عليه من النسخ الخطية. (2) الوسائل الباب 9 و 10 من القبلة. (*)
445

ممتنع. وهذه عبارته ثمة ولا ريب في ظهور المدافعة بين الكلامين في المقامين.
وبالجملة فإن كلامهم في تحقيق الجهة لما كان مبنيا على الأمارات الرياضية وهي
بظاهرها مخالفة لظواهر الأخبار المعصومية وقع هذا الاضطراب في كلامهم وجرى
الاختلاف على رؤوس أقلامهم، والمستفاد من النصوص كما عرفت هو الاتساع في أمر القبلة
سيما أخبار " ما بين المشرق والمغرب قبلة " وبعضها وإن كان ورد في قبلة الظان إلا أن
الآخر في تفسير القبلة مطلقا كما تقدم ولهذا مال بعض الأصحاب إلى القول بظاهره،
والمستفاد من البناء على العلامات الرياضية التي أوجبوا الرجوع إليها والبناء عليها هو
الضيق فيها، والانحراف يمينا وشمالا على الوجه الذي اعترفوا بكونه يسيرا وأنه غير
مضر بالصلاة ولا القدوة إنما يتم على تقدير العمل بالأخبار لا العمل بالأمارات الرياضية،
فإنه متى كان الواجب مثلا في بعض المواضع جعل الجدي بين الكتفين الموجب لكون
القبلة نقطة الجنوب فلو انحرف عنها يمينا أو شمالا كانت صلاته إلى غير القبلة ووجبت
الإعادة وقتا وخارجا مطلقا كما يقتضيه ثبوت أن القبلة مخصوصة بهذه الجهة المعينة مع أنهم لا يقولون به على الاطلاق والأخبار لا تساعده بل ترده بالاتفاق، فكيف يتم جعله
قبلة مطلقا كما هو مقتضى تلك العلامات؟ وحكمه (قدس سره) بصحة الاقتداء مع
اختلاف الإمام والمأمومين في التيامن والتياسر لا يتم بناء على تعين الجهة بهذه العلامة
المذكورة ونحوها نعم إنما يتم بناء على ظواهر الأخبار المشار إليها. وبالجملة فإن كلامهم
في هذا المقام لا يخلو من تدافع ظاهر لذوي الأفهام.
و (ثانيهما) - أن ما علل به في الذكرى بطلان الاقتداء في الصورة المذكورة
الظاهر أنه مبني على ما هو المشهور في كلامهم من أن الصحة والبطلان منوطان بمطابقة
الواقع وعدمه وإن كان بحسب الشرع متعبدا بظنه، وحينئذ فغاية ما تفيده عبادته مع
عدم ظهور فسادها هو سقوط القضاء وعدم المؤاخذة، لأن حاصل دليله هنا أن
المأموم إن كان محقا أي أن صلاته مطابقة للقبلة الواقعية فصلاة الإمام فاسدة واقعا
446

لاختلاف الجهتين وإن كانت صحيحة مسقطة للقضاء في اعتقاده وإلا فصلاته هي الباطلة
لعدم المطابقة، وبالجملة فإنه يقطع هنا بفساد واحدة لا بعينها لعدم المطابقة للقبلة الواقعية.
وبذلك يظهر لك ما في جواب صاحب المدارك عن الفرق الذي ذكره شيخنا
المذكور، وتوضيحه أنه لا ريب أن قبلة البعيد عندهم إنما هي جهة الكعبة والاجتهاد إنما
يقع في تحصيلها فكل من كل اجتهاده مؤديا لها فهو مصيب ومن لم يكن كذلك فهو
مخطئ ومجرد كون فرض كل منهم العمل باجتهاده لا يستلزم صحة ما يأتي به مطلقا بل
يجب تقييده بمطابقة الواقع بمقتضى تصريحاتهم في أمثال هذا المقام، فإنه متى اجتهد
واتفق مطابقة اجتهاده للقبلة الواقعية فالصلاة صحيحة مقبولة من هذه الجهة يثاب عليها
كالصلاة المعلوم توجهها إلى القبلة وإلا كانت بحسب الظاهر صحيحة مسقطة للقضاء ما لم
ينكشف الخطأ وإن كانت عند غيره ممن يحكم بخطأه باطلة لتقصيره في الاجتهاد، غاية
الأمر أن كلا منهم يدعي الإصابة في اجتهاده وتخطئة من سواه لأن المصيب حينئذ
حقيقة واحد لا غير وإن كان مجهولا والثاني يكون مخطئا، وصحة الصلاة المترتبة على
مطابقة الواقع إنما تثبت للمصيب واقعا والثانية باطلة. ونظير هذه المسألة ما ذكروه في
الاجتهاد في الأحكام الشرعية بالأدلة المقررة من أن حكم الله تعالى في المسألة واحد
فمتى اختلف المجتهدون في الحكم في تلك المسألة لا يجوز أن يقال إن كلا منهم مصيب وأن
حكم الله في المسألة هو الذي أدى إليه اجتهاد المجتهد إلا على قول ضعيف مرغوب عنه
بل يجب أن يقال حكم الله واحد يصيبه المصيب ويخطئه المخطئ. بقي الكلام في المؤاخذة
على هذا الخطأ وعدمها وفيه تفصيل حققناه في كتاب الدرر النجفية في الدرة التي في
شرح مقبولة عمر بن حنظلة.
ثم إنه يأتي على تقدير ما أجاب به السيد المذكور أنه لو كان الإمام يعتقد
استحباب السورة والقنوت مثلا والمأموم يعتقد وجوبهما فإنه يجوز له الاقتداء به وإن
ترك السورة والقنوت لاستحبابهما عنده بتقريب ما ذكره من أنه مكلف بظنه واجتهاده
447

فصلاته صحيحة عند نفسه، مع أن الظاهر أن الأمر ليس كذلك لأن المأموم يعتقد
بطلان الصلاة بتركهما لوجوبهما عنده وينسب الإمام إلى الغلط في اجتهاده ويحكم بخطأه
وبذلك يظهر قوة القول المشهور. إلا أنه يمكن تطرق الاشكال إلى أصل ما بنى عليه هذا
الكلام من القاعدة المشهورة بينهم وهو أن الحكم بالصحة والبطلان دائر مدار مطابقة
الواقع وعدمها بما قدمنا تحقيقه في كتاب الطهارة من أن الحكم بالطهارة والنجاسة والحل
والحرمة والصحة والبطلان ليست منوطة بالواقع ونفس الأمر، فإن الشارع لم ينط الأحكام
بالواقع ونفس الأمر لأنه تكليف بما لا يطاق إذ لا يعلمه سواه سبحانه وإنما جعلها
منوطة بنظر المكلف وعلمه، وعلى هذا فالظاهر ما علم المكلف بطهارته التي هي عبارة
عن عدم العلم بالنجاسة لا العلم بالعدم ومثله الحلية ونحوهما. وكذا لو صلى في ثوب نجس
أو صلى إلى غير القبلة واقعا أو نحو ذلك من شرائط الصلاة مع كون الصلاة في اعتقاده
مستكملة لشرائط الصحة فإنها صحيحة يثاب عليها كما يثاب على الصلاة المستكملة الشروط
ولا يقال إنها صحيحة بحسب الظاهر باطلة بحسب الواقع كما يدعونه لأنه لا واقع لها
هنا إلا باعتبار علم المكلف وعدمه لا باعتبار ما كان في علم الله تعالى فإنا غير مكلفين به
وهو غير متيسر لنا فكيف يجعل الله سبحانه صحة عباداتنا وبطلانها مرتبا عليه؟
وعلى هذا فينبغي أن يقال إن بطلان صلاة الجماعة في هذه الصورة ليس من حيث
ما ذكره من أن المأموم إن كان محقا في الجهة.. إلى آخر ما ذكره مما أوضحنا بيانه وبينا
أنه مبني على تلك القاعدة المشهورة في كلامهم فإنها غير مسلمة لما عرفت، بل من حيث إن كلا منهما مكلف شرعا بما أدى إليه اجتهاده فاقتداء المأموم في هذه الصورة عمل بغير
ما كلف به شرعا لا من حيث بطلان صلاة أحدهما واقعا.
والتحقيق في هذا المقام أن يفرق بين الأحكام الشرعية وموضوعاتها فيقال بأن
حكم الله تعالى في الأحكام الشرعية من وجوب وتحريم ونحوهما حكم واحد لا يتغير ولا
يتبدل يصيبه من يصيبه ويخطئه من يخطئه وأن الصحة والبطلان والثواب والعقاب منوطة
448

بمطابقته وعدم مطابقته وأن المكلف غير معذور في خطأه وعدم إصابته إلا في صورة
مخصوصة تقدمت الإشارة إلى ذكرها في الكتاب المشار إليه آنفا. فعلى هذا لا يجوز
لمن أداه اجتهاده واستنباطه من الأدلة الشرعية إلى وجوب السورة مثلا أو وجوب
القنوت أن يقتدي بمن يتركهما لاعتقاده استحبابهما، ولا لمن يعتقد نجاسة الماء القليل
بالملاقاة أن يقتدي بمن تطهر بماء نجس بالملاقاة لاعتقاده عدم انفعاله بذلك، ونحو ذلك
لاعتقاده بطلان صلاته في جميع هذه المواضع وخطأه في اجتهاده وعدم مطابقة اجتهاده
لما هو حكم الله تعالى في الواقع في اعتقاده وإن كان الآخر أيضا يحكم بصحة اجتهاده في
نفسه ومطابقته للواقع. وأما حكم الله تعالى في موضوعات الأحكام كما في محل البحث
ونظائره فإنه ليس له واقع سوى علم المكلف وعدمه فهو متعدد بتعدد العلم وعدمه
فيقال إن هذا الشئ طاهر بالنسبة إلى من لا يعلم نجاسته ونجس بالنسبة إلى من يعلم
وحلال بالنسبة إلى من لا يعلم بالحرمة وحرام بالنسبة إلى العالم وهذه الصلاة صحيحة بالنسبة
إلى من استكمل شرائطها ظاهرا وإن كانت واقعا ليست كذلك وباطلة بالنسبة إلى من
لم يستكمل ظاهرا وإن استكمل واقعا، فالأقوى كما تقدم الصحة وإن كان المشهور البطلان
وحينئذ فلا يحكم ببطلان عبادة من اختل بعض شروط عبادته واقعا مع ظهور عدم
الاختلال في اعتقاده لأنه لا واقع هنا وراء ظنه واعتقاده، إلا أن عدم جواز الاقتداء
إنما نشأ من شئ آخر كما عرفت وهو وجوب العمل على المجتهد بما أدى إليه اجتهاده
لا من حيث البطلان. والله العالم.
(السادس) - قال في المنتهى: لو صلى الأعمى من غير تقليد بل برأيه ولم
يستند إلى أمارة يعلمها فإن أخطأ أعاد وإن أصاب قال الشيخ لا يعيد وقال الشافعي
يعيد (1) احتج الشيخ (قدس سره) بأنه امتثل ما أمر به من التوجه نحو المسجد الحرام

(1) المهذب ج 1 ص 67.
449

فيكون مجزئا، ولأن بطلان الصلاة حكم شرعي فيقف على الدلالة وهي مفقودة. احتج
الشافعي بأنه لم يفعل ما أمر به وهو الرجوع إلى قول الغير فجرى مجرى عدم الإصابة.
وكلاهما قويان. انتهى.
أقول: ظاهر كلامه هنا هو التوقف في هذه المسألة لتعارض الدليلين المذكورين
عنده حيث حكم بقوتهما جميعا، وهو ظاهر المعتبر أيضا حيث قال بعد نقل قول الشيخ:
وعندي في الإصابة تردد. وظاهر كلام الأصحاب هنا هو ما نقله عن الشافعي من أن
دخوله في الصلاة غير مشروع لكونه مأمورا بالتقليد فلا فرق بين إصابته وعدم إصابته
وقد تقدم في التنبيه الرابع تصريح صاحب المدارك بذلك وهو ظاهر المحقق في الشرائع
. وبذلك صرح أيضا في الذكرى. وبالجملة فهو المشهور في كلامهم وبذلك صرح في المدارك
في هذه المسألة أيضا وذكر أن الإعادة في ما إذا عول على رأيه من دون أمارة ثابتة
على كل حال وإن ظهرت المطابقة لدخوله في الصلاة دخولا منهيا عنه. انتهى. وفيه
ما عرفت في التنبيه الرابع.
وظاهرهم أنه لا فرق في الصحة والبطلان بين سعة الوقت وضيقه إلا أن يكون
من يقلده مفقودا ولم يصل إلى حد الاستدبار فإنه تصح صلاته في حال الضيق وإن كان
مخطئا. ولو أصاب في صورة الضيق فالقولان المتقدمان إلا في صورة عدم وجود من
يقلده فإنهم قالوا بالصحة هنا قطعا.
ولو صلى مقلدا ثم أبصر في أثناء الصلاة فإن كان عاميا استمر على تقليده لأن
حكم العامي والأعمى واحد في الرجوع إلى التقليد، وإن كان مجتهدا اجتهد فإن وافق
ما استقبله فلا اشكال وإن انحرف وظهر انحرافه بين المشرق والمغرب استدار وإن كان
إلى محض اليمين واليسار أعاد وأولى منه صورة الاستدبار، ولو افتقر في الاجتهاد إلى
زمان طويل يخرج به عن الصلاة فهل يقطع الصلاة أو يبني على ما فعل ويسقط الاجتهاد
في هذه الحال؟ اشكال وبالثاني صرح في الذكرى، قال لأنه في معنى العامي لتحريم قطع
450

الصلاة والظاهر إصابة المخبر ويقوى مع كونه مخبرا عن علم بل يمكن هنا عدم الاجتهاد.
وبالأول صرح في المعتبر احتياطا وكذلك الشيخ في المبسوط إلا أنه قال بعد أن صرح
بالاستئناف: لأن ذلك عمل كثير في الصلاة ولو قلنا إنه يمضي فيها لأنه لا دليل على انتقاله
كان قويا غير أن الأحوط للعبادة الأول.
ولو دخل بصيرا في الصلاة ثم عمى أتم صلاته فإن انحرف عمدا عن السمت الذي
صلى إليه بطلت صلاته وإن اتفق ذلك وأمكنه الاستقامة استقام ما لم يكن قد
خرج إلى حد الابطال المتقدم، وإن لم يمكنه فإن اتفق من يسدده عول عليه وينتظره إن
لم يخرج عن كونه مصليا وإلا فالأقرب البطلان. والله العالم.
451