الكتاب: كفاية الأحكام
المؤلف: المحقق السبزواري
الجزء: ٢
الوفاة: ١٠٩٠
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: الشيخ مرتضى الواعظي الأراكي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢٣
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك: ٩٦٤-٤٧٠-٥٠٤-١
ملاحظات: كفاية الفقه المشتهر بكفاية الأحكام

1072
كفاية الفقه
المشتهر ب‍ (كفاية الأحكام)
تأليف
العلامة المحقق والفقيه المدقق
المولى محمد باقر السبزواري
المتوفى سنة 1090 ه‍
الجزء الثاني
المؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
1

محقق سبزواري، محمد باقر بن محمد مؤمن، 1017 _ 1090
كفاية الفقه / تأليف المحقق محمد باقر سبزواري؛ تحقيق مرتضى الواعظي الأراكي.
قم: جامعه مدرسين حوزه علميه قم، دفتر انتشارات اسلامى، 1381
ج 2. _ (جامعه مدرسين حوزه علميه قم، دفتر انتشارات اسلامى؛ 1072)
فهرست نويسى بر أساس اطلاعات فيپا. 3300 تومان شابك 1 _ 504 _ 470 _ 964
ISBN 964 - 470 - 504 - 1
كتاب نامه به صورت زيرنويس.
1. فقه جعفري قرن 11 ق. الف: واعظى اراكى، مرتضى، مصحح _ ب: عنوان ج: عنوان
ديگر. كفاية الأحكام. د: عنوان ديگر كفاية المقتصد.
7 ك 3 م 7 / 182 BP
343 / 297
كفاية الفقه
(ج 2)
تأليف: العلامة المحقق المولى محمد باقر سبزواري
تحقيق: مرتضى الواعظي الأراكي.
الموضوع: الفقه
طبع ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي
عدد الصفحات: 900
الطبعة: الأولى
المطبوع: 500 نسخة
التاريخ: 1423 ه‍.
المؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
2

كتاب
الوقوف والصدقات
3

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة على خير خلقه
محمد وآله الطاهرين
كتاب الوقوف والصدقات
والنظر في أطراف:
الأول: العقد
وهو كل لفظ يدل عليه صريحا، ومن الصريح فيه «وقفت» وفي لغة شاذة
«أوقفت» والحق به ما لو قال: جعلته وقفا أو صدقة مؤبدة. أما «حرمت»
و «تصدقت» و «أبدت» فلا ينعقد بها إلا مع النية ولا يحكم بها ظاهرا إلا بدعوى
النية أو انضمام القرينة.
وفرق في التذكرة بين إضافة لفظة «الصدقة» إلى جهة عامة أو خاصة، فألحقه
بالصريح على الأول خاصة (1).
وفي «حبست وسبلت» قولان، والأشبه افتقارهما إلى دعوى النية أو القرينة.

(1) التذكرة 2: 427 س 28.
4

وهل يشترط القبول؟ فيه أقوال، ثالثها: اشتراط ذلك إن كان الوقف على جهة
خاصة كشخص معين أو أشخاص معينين، وعدم اشتراطه إن كان على جهة عامة
كالفقراء. وظاهر الأكثر عدم اشتراطه مطلقا، وحيث يعتبر القبول فيه مطلقا أو على
بعض الوجوه يعتبر فيه ما يعتبر في غيره من العقود اللازمة، ويتولاه في المصالح
العامة على القول باعتباره الناظر عليها كالناظر الشرعي والحاكم، وعلى القولين
لا يعتبر قبول البطن الثاني، ويقبل الولي إن كان الموقوف عليه طفلا.
الطرف الثاني في الشرائط
ويشترط فيه امور:
الأول: أهلية الواقف
فلا ينعقد من الصبي غير المميز ولا المجنون المطبق ولا الدائر جنونه إلا حال
الإفاقة، وفي من بلغ عشرا تردد، والمروي جواز صدقته.
روى الصدوق والكليني في الصحيح إلى صفوان عن موسى بن بكر - وهو
واقفي غير موثق - عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا أتى على الغلام عشر
سنين فإنه يجوز له في ماله ما أعتق أو تصدق أو أوصى على حد معروف وحق
فهو جائز (1). ورواه الشيخ بإسناد آخر عن موسى بن بكر (2).
وصحيحة جميل بن دراج عن أحدهما (عليهما السلام) قال: يجوز طلاق الغلام إذا كان
قد عقل وصدقته ووصيته وإن لم يحتلم (3). والمسألة محل إشكال.
ولا ينعقد من السفيه والمفلس - بعد الحجر - والمكره. ولو وقف في مرض
الموت ولم تجز الورثة قيل: يعتبر من الثلث كالهبة والمحاباة (4) وقيل: من

(1) الفقيه 4: 197، ح 5451، الكافي 7: 28، ح 1.
(2) التهذيب 9: 181، ح 729.
(3) الوسائل 13: 321، الباب 15 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 2.
(4) الشرائع 2: 212.
5

الأصل (1). وسيجئ تحقيقه في باب الوصايا.
الثاني: النية
فلا ينعقد من الغافل والساهي والنائم والسكران، ولو أخبر بعد الوقف
والإقباض بعدم النية لم يسمع منه. وهل يشترط نية القربة؟ قيل: نعم (2). ويدل عليه
ما رواه الكليني والشيخ عن حماد بن عثمان في الحسن بإبراهيم عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: لا صدقة ولا عتق إلا ما اريد به وجه الله عز وجل (3).
وعن هشام وحماد وابن اذينة وابن بكير وغيرهم - في الحسن بإبراهيم - كلهم
قالوا: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لا صدقة ولا عتق إلا ما اريد به وجه الله عز وجل (4).
ورواه الشيخ بإسناد آخر في الموثق مثله (5). ووجه الدلالة أن الظاهر شمول
الصدقة للوقف، وظاهر قوله (عليه السلام): «لا صدقة» نفي الصحة.
الثالث: الموقوف
ويشترط أن يكون عينا مملوكة ينتفع بها مع بقائها ويصح إقباضها، ولا يصح
وقف الدين والمبهم كما لو قال: «وقفت فرسا أو ناضحا أو أحد هذين» وكذا لا
يصح وقف المنافع. ويصح وقف العقار والثياب والأثاث والآلات المباحة
والحيوان والكتب، وفي وقف الآبق إشكال، ولعل الأقرب الصحة.
وفي صحة وقف الدراهم والدنانير قولان، أوجههما الصحة، لإمكان الانتفاع
بها بالتحلي. ولو وقف ما لا يملك فأجاز المالك قيل: يصح، لأنه كالوقف
المستأنف (6). وقيل: لا (7). والمسألة محل تردد، ولا يبعد ترجيح الأول، ويصح
وقف المشاع، وقبضه كقبضه في البيع.

(1) السرائر 3: 200.
(2) القواعد 2: 402.
(3) الكافي 7: 30، ح 2، التهذيب 9: 151، ح 620.
(4) الوسائل 13: 320، الباب 13 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 3.
(5) التهذيب 9: 139، ح 584.
(6) الشرائع 2: 213.
(7) جامع المقاصد 9: 57.
6

الرابع: الموقوف عليه
ويشترط أن يكون موجودا معينا ممن يصح أن يملك، فلو وقف على من
سيولد أو على حمل لم ينفصل لم يصح.
ويصح الوقف على معدوم تبعا لموجود إذا أمكن وجوده وكان قابلا للوقف.
ولو بدأ بالمعدوم ثم بعده بالموجود أو بدأ بمن لا يملك ثم بعده على من يملك
فالأكثر على فساده، والقول بالصحة للشيخ في الخلاف (1) وموضع من المبسوط (2)
ولعل الأول أشبه. وعلى القول بالصحة ففي مصرفه خلاف.
ولا يصح على المملوك بناء على أنه لا يملك شيئا أو يملك ما لا يدخل فيه
الوقف كفاضل الضريبة. وإن قلنا بملكه مطلقا صح الوقف عليه وإن كان محجورا
عليه إذا قبل مولاه.
ويصح الوقف على القناطر، لأنه في الحقيقة وقف على المسلمين، لكنه صرف
على بعض مصالحهم.
والمعروف بين الأصحاب جواز الوقف على المساجد، وروى الصدوق ما
يدل على المنع (3). والأحوط أن يصرح بالمصالح. ولو وقف في معونة الزناة أو
قطاع الطريق مثلا لم يصح.
الخامس: القبض
وهو شرط في صحة الوقف، بمعنى أن الانتقال مشروط بالقبض، فقبله يكون
العقد صحيحا في نفسه، لكنه ليس بناقل، فيجوز للواقف الفسخ، ويبطل بموته.
والنماء المتخلل بين العقد والقبض للواقف. وبعضهم عبر بأنه شرط اللزوم (4). ولعل
مراده ما ذكر. وروى محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال في
الرجل يتصدق على ولده وقد أدركوا: إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث، فإن

(1) الخلاف 3: 544، المسألة 10.
(2) انظر المبسوط 3: 293 - 294.
(3) الفقيه 1: 238، ح 719.
(4) الخلاف 3: 539، المسألة 2.
7

تصدق على من لم يدرك من ولده فهو جائز، لأن والده هو الذي يلي أمره (1).
وروى جميل في الحسن بإبراهيم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل
يتصدق على بعض ولده وهم صغار، أ له أن يرجع فيها؟ قال: لا، الصدقة لله تعالى (2).
وروى المشايخ الثلاثة عن صفوان بن يحيى عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته
عن الرجل يقف الضيعة ثم يبدو له أن يحدث في ذلك شيئا؟ قال: إن كان وقفها
لولده ولغيرهم ثم جعل لها قيما لم يكن له أن يرجع فيها، وإن كانوا صغارا وقد
شرط ولايتها لهم حتى يبلغوا فيحوزها لهم لم يكن له أن يرجع فيها، وإن كانوا
كبارا ولم يسلمها إليهم ولم يخاصموا حتى يحوزوها عنه فله أن يرجع فيها، لأنهم
لا يحوزونها عنه وقد بلغوا (3).
ويدل عليه أيضا رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4).
وفيما ورد على أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي: وأما ما سألت عنه من
الوقف على ناحيتنا وما يجعل لنا ثم يحتاج إليه صاحبه، فكل ما لم يسلم فصاحبه
فيه بالخيار، وكل ما سلم فلا خيار فيه لصاحبه احتاج أو لم يحتج، افتقر إليه أو
استغنى عنه إلى أن قال: وأما ما سألت عنه من أمر الرجل الذي يجعل لناحيتنا
ضيعة ويسلمها من قيم يقوم فيها ويعمرها ويؤدي من دخلها خراجها ومؤونتها
ويجعل ما بقي من الدخل لناحيتنا، فإن ذلك جائز لمن جعله صاحب الضيعة قيما
عليها، إنما لا يجوز ذلك لغيره (5). إلى غير ذلك من الأخبار.
والظاهر أن موت الموقوف عليه قبل القبض كموت الواقف، واحتمل بعضهم

(1) الوسائل 13: 297، الباب 4 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 1.
(2) الوسائل 13: 298، الباب 4 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 2.
(3) الكافي 7: 37، ح 36، الفقيه 4: 239، ح 5573، التهذيب 9: 134، ح 566.
(4) الوسائل 13: 299، الباب 4 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 5.
(5) الوسائل 13: 300، الباب 4 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 8.
8

قيام البطن الثاني مقامه في القبض (1). وتوقف فيه بعضهم (2).
والأقوى عدم اشتراط الفورية للعقد، واحتمل بعضهم اعتبار ذلك (3) وصرح
غير واحد منهم بأنه يعتبر فيه أن يكون بإذن الواقف (4) وحجته غير واضحة.
وقبض الولي كقبض المولى عليه. وفي حكمه الوصي على الأقرب، ويدل
عليه التعليل المذكور في صحيحة محمد بن مسلم (5). فلو كان الواقف وليا كفى كونه
في يده عن قبض جديد. والأقرب أنه لا يفتقر إلى نية القبض عن المولى عليه،
واحتمل بعضهم اعتبار ذلك (6).
وفي معناه ما لو كان الموقوف تحت يد الموقوف عليه بوديعة أو عارية أو
نحوهما. ولو كان القبض واقعا بغير إذن الواقف كالمقبوض بالغصب والشراء
الفاسد ففي الاكتفاء به نظر.
والمعتبر قبض الموقوف عليه أولا، فيسقط اعتباره في بقية الطبقات. ولو
وقف على الفقراء مثلا فلابد من قبض الحاكم أو قيم من قبله.
ولو نصب الواقف قيما للقبض فالظاهر الإجزاء، ويدل عليه بعض الأخبار
السابقة. ولو كان الوقف على مصلحة كان القبض إلى الناظر الشرعي المنصوب
من قبل الواقف وإلى الحاكم مع عدمه.
ويتحقق قبض المسجد بالصلاة فيه والمقبرة بالدفن فيها بإذن الواقف فيهما،
واعتبر جماعة نية القبض في الصلاة والدفن (7) والأقوى أنه يكفي قبض الحاكم
الشرعي أو منصوبه.
السادس: التنجيز
ولا أعلم فيه خلافا بين الأصحاب ولا أعلم فيه دليلا واضحا، فلو علقه بما

(1) المسالك 5: 359.
(2) التحرير 1: 285 س 7.
(3) المسالك 5: 360.
(4) التنقيح 2: 302، الروضة 3: 166.
(5) الوسائل 13: 297، الباب 4 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 1.
(6) لم نعثر عليه.
(7) القواعد 2: 389، جامع المقاصد 9: 24.
9

لابد من وقوعه كمجيء رأس الشهر وهو المعبر عنه بالصفة أو بما يحتمل الوقوع
وهو المعبر عنه بالشرط لم ينعقد، ويستثنى ما لو كان الشرط واقعا والواقف عالم
بوقوعه كقوله: وقفت إن كان اليوم الجمعة.
السابع: الدوام
عند جماعة من الأصحاب، فلو قرن الوقف بمدة كسنة مثلا فقيل: إنه يبطل (1).
وقيل: إنه يصح ويصير حبسا (2). وهو الأقوى لصحيحة علي بن مهزيار (3)
وصحيحة محمد بن الحسن الصفار (4). وهذا يسمى منقطع الآخر. ولو انقطع أوله أو
وسطه أو طرفاه ففيه قولان، ولا يبعد القول بالصحة.
ولو وقف على من ينقرض غالبا ولم يذكر المصرف بعده كما لو وقف على
أولاده واقتصر، أو على بطون تنقرض غالبا ففي صحته وقفا أو حبسا أو بطلانه
أقوال، والصحة أقرب، لصحيحة علي بن مهزيار وصحيحة محمد بن الحسن
الصفار، فإذا انقرضوا قيل: يرجع إلى ورثة الواقف (5). وقيل: إلى ورثة الموقوف
عليهم (6). وقيل: يصرف في وجوه البر (7) ولعل الترجيح للأول وهو قول الأكثر،
وهل المعتبر وارثه حين انقراض الموقوف عليه كالولاء، أو وارثه عند موته
مسترسلا إلى أن يصادف الانقراض؟ فيه وجهان.
الثامن: الإخراج عن نفسه
فلو وقف على نفسه لم يصح، يدل عليه ما رواه الشيخ عن إسماعيل بن الفضل
في الصحيح - على الظاهر - قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتصدق ببعض

(1) الشرائع 2: 216.
(2) حكاه في المسالك 5: 353.
(3) الوسائل 13: 307، الباب 7 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 1.
(4) الوسائل 13: 307، الباب 7 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 2.
(5) الشرائع 2: 216.
(6) السرائر 3: 165.
(7) الغنية: 299.
10

ماله في حياته في كل وجه من وجوه الخير وقال: إن احتجت إلى شيء من مالي
أو من غلته فأنا أحق به، أ له ذلك وقد جعله لله؟ وكيف يكون حاله إذا هلك الرجل
أيرجع ميراثا أو يمضي صدقة؟ قال: يرجع ميراثا (1).
وما رواه عن إسماعيل بن الفضل في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
من أوقف أرضا ثم قال: إن احتجت إليها فأنا أحق بها ثم مات الرجل فإنها
ترجع إلى الميراث (2).
ورواية علي بن سليمان بن رشيد، قال: كتبت إليه - يعني أبا الحسن (عليه السلام) -:
جعلت فداك ليس لي ولد، ولي ضياع ورثتها من أبي وبعضها استفدتها ولا آمن
الحدثان فإن لم يكن لي ولد وحدث لي حدث فما ترى جعلت فداك؟ لي أن أقف
بعضها على فقراء إخواني والمستضعفين؟ أو أبيعها وأتصدق بثمنها عليهم في
حياتي؟ فإني أتخوف أن لا ينفذ الوقف بعد موتي، فإن وقفتها في حياتي أفلي أن
آكل منها أيام حياتي أم لا؟ فكتب (عليه السلام): فهمت كتابك في أمر ضياعك، فليس لك
أن تأكل منها من الصدقات فإن أنت أكلت منها لم ينفذ إن كان لك ورثة، فبع
وتصدق ببعض ثمنها في حياتك، وإن تصدقت أمسكت لنفسك ما يقوتك مثل ما
صنع أمير المؤمنين (عليه السلام) (3).
وما رواه الشيخ في الموثق إلى عبد الله بن المغيرة عن طلحة بن زيد عن أبي
عبد الله (عليه السلام) عن أبيه عن رجل تصدق بدار له وهو ساكن فيها فقال:
الحين اخرج منها (4).
ولو وقف على نفسه ثم على غيره كان منقطع الأول. ولو وقف على غيره ممن
ينقرض ثم على نفسه كان منقطع الآخر. ولو أعقب بعد نفسه بآخر كان منقطع
الوسط. وقد مر أحكامها.

(1) التهذيب 9: 146، ح 607.
(2) التهذيب 9: 150، ح 612.
(3) الوسائل 13: 296، الباب 3 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 1.
(4) التهذيب 9: 138، ح 582.
11

ولو وقف على نفسه وغيره جمعا، ففي صحة الوقف على الغير في نصفه أو في
كله، أو في بطلانه أوجه.
ولو وقف على نفسه والفقراء، ففي صحة النصف أو الثلاثة أرباع أو الكل أو
البطلان رأسا أوجه، وعلى القاعدة المذكورة لو وقف على غيره وشرط قضاء
ديونه أو إدرار مؤنته لم يصح.
ولو وقف على الفقراء أو الفقهاء ثم صار فقيرا أو فقيها أو كان كذلك ابتداء
صح له المشاركة على قول، ومنعه ابن إدريس (1) والعلامة في المختلف (2) وفي
بعض فتاوى الشهيد أنه يشارك ما لم يقصد منع نفسه أو إدخالها (3) واستحسنه في
المسالك بناء على أنه إن قصد إدخال نفسه فقد وقف على نفسه ولم يقصد الجهة،
وإذا قصد منع نفسه فقد خصص العام بالنية وهو جائز فيجب اتباع شرطه للخبر (4).
وعدم المشاركة في صورة نية الإدخال أو المنع متجه بناء على ما ذكره، لكن
المشاركة عند عدمها محل إشكال. واحتجاجهم بأن ذلك ليس وقفا على نفسه ولا
على جماعة هو منهم بل على الجهة المخصوصة، فهو صحيح غير نافع، إنما ينفع لو
كان النص المانع ورد بلفظ الوقف على نفسه أو ثبت إجماع على المشاركة في
محل البحث، وليس كذلك، إذ الأخبار المذكورة ليس على هذا الوجه كما لا
يخفى، ولا إجماع على المشاركة هاهنا.
ولو شرط أكل أهله منه صح الوقف كما فعله النبي (صلى الله عليه وآله) في صدقته،
وشرطته فاطمة (عليها السلام) (5).
ولو شرط أن يأكل الناظر منه أو يطعم غيره كان للواقف ذلك إن كان ناظرا
على المشهور، وفي أكل الناظر منه إن كان واقفا تأمل.
ولو شرط أكل زوجته منه فالظاهر الصحة، وتنظر فيه بعض الأصحاب (6). ولو

(1) السرائر 3: 155.
(2) انظر المختلف 6: 305.
(3) حكاه في المسالك 5: 364.
(4) المسالك 5: 364.
(5) التهذيب 9: 144، ح 603.
(6) الشهيد في الدروس 2: 268.
12

شرط عوده إليه عند حاجته صح الشرط، فيرجع إلى الحبس ويرجع إليه عند
الحاجة على قول، وقيل: إنه يبطل (1) ولعله الأقرب، لأن حكم المجموع الذي
قصده لا يجري عليه الصحة، لصحيحتي إسماعيل السابقتين وغيرهما، والحبس
في مدة خاصة غير مقصود أصالة في العقد، فيكون باطلا. فلو لم يحتج حتى مات
فالأقوى أنه يرجع إلى الورثة، وقيل: يستمر وقفا، وعلى القول بالصحة لو بين
الحاجة اتبع، وإلا رجع إلى العرف. ومستحق الزكاة محتاج شرعا وعرفا، واحتمل
في الدروس تفسيرها بقصور ماله عن قوت يوم وليلة وبسؤاله لغيره (2) وهو بعيد.
الطرف الثالث في الأحكام واللواحق
روى الصدوق والشيخ عن محمد بن الحسن الصفار أنه كتب إلى أبي محمد
الحسن بن علي (عليهما السلام) في الوقف وما روي فيه عن آبائه (عليهم السلام) فوقع (عليه السلام): الوقوف
يكون على حسب ما يوقفها أهلها إن شاء الله تعالى (3).
وروى الكليني عن محمد بن يحيى في الصحيح قال: كتب بعض أصحابنا إلى
أبي محمد (عليه السلام) في الوقف وما روي فيها؟ فوقع: الوقوف على حسب ما يقفها أهلها
إن شاء الله (4). وهذا أصل كلي في هذا الباب.
ويجوز للواقف أن يجعل النظر لنفسه ولغيره، فلو شرط في عقد الوقف النظر
لنفسه أو لغيره أو لهما صح ولزم، وإن أطلق بني الحكم على انتقال الملك، فإن
جعلناه للواقف أو للموقوف عليه مطلقا فالنظر له، وإن جعلناه للموقوف عليه إن
كان معينا ولله تعالى إن كان على جهة عامة فالنظر في الأول إلى الموقوف عليه
وفي الثاني إلى الحاكم الشرعي، وإن تعدد الناظر اشتركوا فيه.
وإذا شرط النظر لنفسه ففي اعتبار العدالة قولان. وإذا شرط لغيره فالمعروف
من مذهب الأصحاب اعتبار العدالة خلافا لبعضهم (5).

(1) الشرائع 2: 217.
(2) الدروس 2: 267.
(3) الفقيه 4: 237، ح 5567، التهذيب 9: 129، ح 555.
(4) الكافي 7: 37، ح 34.
(5) جامع المقاصد 9: 34.
13

وفي التحرير: لو جعل النظر للأرشد عمل بذلك، ولو كان الأرشد فاسقا
فالأقرب عدم ضم عدل إليه. ولو جعل النظر لأمين عدل ثم فسق ضم إليه الحاكم
أمينا، ويحتمل انعزاله بعد فسقه خلافا لبعضهم (1) والمسألة محل تردد، والوقوف
على النص المذكور يقتضي المصير إلى عدم اعتبارها.
والناظر المشروط في العقد لازم من جهة الواقف لا يجوز له عزله ولا يجب
عليه القبول ولا الاستمرار بعده، وإذا رد صار كما لا ناظر له ابتداء فيتولاه الحاكم
أو الموقوف عليه، ويحتمل الحاكم مطلقا. وإن عين للناظر شيئا جاز وكان اجرة
عمله من غير زيادة وإن كان أقل من الاجرة، وإن أطلق فله اجرة مثل عمله
على المشهور.
ولو شرط إخراج من يريد بطل الوقف عند الأصحاب، وقيل: إنه موضع
وفاق (2). وفيه إشكال، نظرا إلى الدليل. ولو شرط إدخال من يريد مع الموقوف
عليهم جاز، لقول العسكري (عليه السلام) السابق، وعموم: المؤمنون عند شروطهم، وأنه
يجوز الوقف على أولاده سنة ثم على المساكين، وادعى في التذكرة الإجماع
على صحته (3). ولو شرط نقله عن الموقوف عليهم إلى من سيوجد فالمشهور أنه لم
يجز وبطل الوقف حتى نقل الشيخ الإجماع عليه (4). وقيل: إنه يصح (5)
ولعله الأقرب.
وإذا وقف على أولاده الأصاغر لم يجز أن يشرك معهم غيرهم إلا مع الشرط
في عقد الوقف على المشهور، وقيل: يجوز، وهو قول الشيخ والقاضي (6) لكن
شرط عدم قصره ابتداءا على الموجودين.

(1) التحرير 1: 289 س 29.
(2) المسالك 5: 368.
(3) التذكرة 2: 434 س 35.
(4) المبسوط 3: 300.
(5) الدروس 2: 271.
(6) النهاية 3: 120، المهذب 2: 89.
14

ومستند الثاني رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق (عليه السلام) في الرجل
يجعل لولده شيئا وهم صغار ثم يبدو له أن يجعل معهم غيرهم من ولده؟ قال: لا
بأس (1). وجعلها في المسالك من الصحاح (2). وفيه نظر، لأن طريقه محمد بن
إسماعيل عن الفضل. وأيضا رواية محمد بن سهل عن أبيه عن الرضا (عليه السلام) عن
الرجل يتصدق على بعض ولده بطرف من ماله ثم يبدو له بعد ذلك أن يدخل معه
غيره من ولده؟ قال: لا بأس (3). والروايتان مشتركتان في عدم نقاء السند،
وقوله (عليه السلام) في الخبر الأول: «يجعل لولده» غير صريح في وقف متحقق أو صدقة
متحققة بحيث يكون مختصا بهم، بل فيه احتمالات اخر، منها: إرادة أن يفعل، وكذا
في قوله (عليه السلام) في الخبر الثاني «يتصدق» بصيغة الاستقبال. لكن روى الحميري
بإسناده عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: سألته عن رجل تصدق على
ولده بصدقة ثم بدا له أن يدخل غيره فيه مع ولده أيصلح ذلك؟ قال: نعم يصنع
الوالد بمال ولده ما أحب، والهبة من الولد بمنزلة الصدقة من غيره. ورواه علي بن
جعفر في كتابه (4).
ومستند الأول عمومات الأدلة وحسنة جميل (5) وصحيحة صفوان (6) ورواية
الحكم (7) وغيرها من الروايات - الدالة على عدم جواز الرجوع، إذ الظاهر أن
الرجوع أعم من أن يكون في الكل أو في البعض أو في بعض الشروط - وصحيحة
علي بن يقطين (8).

(1) الوسائل 13: 301، الباب 5 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 3.
(2) المسالك 5: 370.
(3) الوسائل 13: 301، الباب 5 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 2.
(4) قرب الإسناد: 285، ح 1126، مسائل علي بن جعفر: 133، ح 129.
(5) الوسائل 13: 298، الباب 4 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 2.
(6) الوسائل 13: 298، الباب 4 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 4.
(7) الوسائل 13: 298، الباب 4 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 3.
(8) الوسائل 13: 300، الباب 5 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 1.
15

ويمكن الجمع بين الأخبار بحمل أخبار الجواز على غير المقبوض، ويؤيده
صحيحة علي بن يقطين، فإنه لما سأل مطلقا أجاب (عليه السلام) بالجواز، ولما قال: يبينه
لهم. قال: ليس له ذلك. لكن لا يجري هذا التأويل في رواية عبد الرحمن، ويؤيد
هذا القول أيضا ما يدل على عدم جواز الرجوع بعد القبض في الولد، ولعل هذا
الجمع أقرب مما ذكر في المسالك (1). ولا يبعد ترجيح القول الأول.
وإذا وقف المسلم على الفقراء انصرف إلى فقراء المسلمين، ولم يبعد انصرافه
إلى فقراء نحلته من فرق الإسلام، وكذلك الكافر. ولو وقف على المسلمين انصرف
إلى من صلى إلى القبلة، والظاهر أنه يخرج عنه الخوارج والغلاة والنواصب
وغيرهم ممن يحكم بكفرهم، وقيل: إن كان الواقف محقا انصرف الوقف إلى
قبيلته (2) والصواب الرجوع إلى القرائن. ويلحق الأطفال والمجانين تبعا كما يدخل
الإناث في صيغة الذكور. ولو وقف على المؤمنين انصرف إلى الاثني عشرية إن
كان الواقف منهم، ولا يعتبر الاجتناب عن الكبائر على الأقرب.
ولو وقف على الشيعة انصرف إلى من قدم عليا (عليه السلام)، وقيل: إن كان الواقف من
بعض فرق الشيعة خصص به (3). وهو غير بعيد، والوجه الرجوع إلى القرينة.
ولو وقف على الهاشميين فهو لمن انتسب إلى هاشم، ويشترك الذكور
والإناث المنسوبون إليه من جهة الأب على المشهور، وذهب جماعة إلى أنه
يدخل فيه أولاد البنات (4) والمسألة مشكلة، والصحيح الرجوع إلى عرف القائل
في زمانه ومكانه.
ولو وقف على جيرانه فالأقرب الرجوع إلى العرف، وقيل: لمن يلي داره إلى
أربعين دارا من كل جانب (5). وقيل: إلى أربعين ذراعا (6). والثاني مروي في

(1) المسالك 5: 370 - 371.
(2) في نسخة «خ 1»: قبيله.
(3) السرائر 3: 162.
(4) منهم المرتضى في رسائله (المجموعة الرابعة): 328، المسألة 5.
(5) حكاه في المسالك 5: 343 (وقال: لم أعلم قائله. وجماعة - أسندوا دليله إلى رواية العامة).
(6) السرائر 3: 163.
16

روايات متعددة. ولو وقف على بني تميم مثلا صح، والمروي أنه يصرف فيمن
حضر البلد الذي فيه الوقف (1). وقيل: لا يصح (2). وهو بعيد.
ولا أعرف خلافا في أنه لو وقف على أولاده أو إخوته أو ذوي قرابته اشترك
الذكور والإناث وتساووا في القسمة، إلا أن يشترط ترتيبا أو تخصيصا أو تفضيلا
[على المشهور] (3) خلافا لابن الجنيد، حيث زعم أن للذكر مثل حظ الانثيين (4).
ولو قال: أعمامي وأخوالي، فالمشهور المساواة، وقيل: للأعمام الثلثان وللأخوال
الثلث (5). والأول أقرب [وكذلك لو قال: عماتي وخالاتي على المشهور] (6) ولو
قال: من انتسب إلي، ففي دخول أولاد البنات قولان، والأظهر الرجوع إلى عرف
القائل ولو قال: أولاد أولادي، اشترك أولاد البنين والبنات.
ولو وقف على أولاده انصرف إلى أولاده لصلبه ولم يدخل فيه أولاد الأولاد
عند الأكثر، خلافا لجماعة من الأصحاب (7). والمسألة محل إشكال، والأولى
الرجوع إلى عرف القائل والقرائن.
ولو وقف على أقرب الناس إليه فالمشهور أنهم الأبوان والولد وإن سفلوا، ثم
الأجداد والإخوة وإن نزلوا، ثم الأخوال والأعمام على ترتيب الإرث،
ويتساوون في الاستحقاق إلا مع الشرط. وقيل: الأخ من الأبوين أولى من
المتقرب بأحدهما (8). وقيل: المتقرب بالأبوين أولى مطلقا (9). وهو غير بعيد، ويلزم
على القول بتنزيله على الإرث عدم دخول المتقرب بالأب مع دخول المتقرب
بالام في بعض الصور، وهو بعيد.

(1) الوسائل 13: 308، الباب 8 من أبواب الوقوف والصدقات.
(2) الوسيلة: 370.
(3) لم يرد في نسخة «خ 1».
(4) حكاه في المختلف 6: 324.
(5) النهاية 3: 156 و 157.
(6) لم يرد في نسخة «خ 1».
(7) المقنعة: 653، المهذب 2: 89، السرائر 3: 157.
(8) المبسوط 3: 297.
(9) التحرير 1: 288 س 27.
17

ويجب اتباع الشروط المذكورة في عقد الوقف من الترتيب والتشريك
والتفضيل، فلو وقف على أولاده وأولاد أولاده اقتضى ذلك تشريك البطون
الأخيرة مع الاولى. ولو قال: على أولادي ثم أولاد أولادي، أو قال: الأعلى
فالأعلى، أو ما شاكل ذلك ترتبوا بحسب الشرط ولا يستحق البطن الثاني شيئا ما
بقي من الأول واحد، ولو مات واحد من البطن الأول استحق نصيبه الباقون. ولو
قال: بطنا بعد بطن، فالأشهر أنه يفيد الترتيب، وفي التذكرة أنه لا يفيد (1).
ولو قال: وقفت على أولادي ثم على أولاد أولادي على أن من مات منهم
عن ولد فنصيبه لولده، اتبع الشرط، فلو مات بعضهم عن ولد كان نصيبه لولده، ثم
إن مات بعضهم عن غير ولد كان نصيبه للباقين من طبقته، ولا يستحق الولد الذي
أخذ سهم أبيه منه شيئا.
فلو قال: على أن من مات منهم فنصيبه لولده، ومن مات من غير ولد فنصيبه
لأهل الوقف، ومات أحد البنين الثلاثة عن ابنين كان نصيبه لهما، فإن مات
الثاني عن غير ولد كان نصيبه لأخيه وابني أخيه بالسوية، لأنهم أهل الوقف. ولو
مات أحد ابني الأخ كان نصيبه لأخيه وعمه. ولو مات أحد الثلاثة وخلف أخويه
وابني أخ له كان نصيبه لأخويه ولا شيء لابني الأخ ما دام أبوهما حيا، فإن مات
أبوهما صار نصيبه لهما، وهل يأخذان من عمهما سدس الثلث؟ فيه احتمال قوي.
فلو مات الثالث من غير ولد كان نصيبه لابني أخيه، ولو مات عن ولد كان نصيبه
لولده وهو النصف على احتمال، ولكل واحد من ابني الأخ الربع، وعلى الاحتمال
القوي المذكور يكون لولده الثلث وثلثا السدس ولكل واحد من ابني الأخ
السدس وثلثا السدس.
ولو وقف على مصلحة فبطل رسمها فالمشهور أنه يصرف في وجوه البر،
وتوقف فيه بعض الأصحاب (2). ولبعض المتأخرين فيه تفصيل (3). والأمر غير

(1) التذكرة 2: 436 س 16.
(2) انظر المختصر النافع: 158.
(3) المسالك 5: 347.
18

متضح عندي، فالإشكال في المسألة ثابت.
وكذا فيما لو علم كونه وقفا ولم يعلم مصرفه، ولم أطلع في هذا الباب إلا على
رواية واحدة هي رواية أبي علي بن راشد قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) قلت: جعلت
فداك اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي بألفي درهم فلما وفرت المال خبرت أن
الأرض وقف؟ فقال: لا يجوز شراء الوقوف ولا تدخل الغلة في ملكك ادفعها إلى
من أوقفت عليه. قلت: لا أعرف لها ربا. قال: تصدق بغلتها (1).
ولو وقف على وجوه البر وأطلق صرف في الفقراء والمساكين وكل مصلحة
يتقرب بها إلى الله تعالى كنفع طلبة العلم وعمارة المساجد والمدارس والقناطر
والمشاهد وإعانة الحاج والزائرين وأكفان الموتى ونحو ذلك، وفي جواز صرفه
في مطلق نفع المسلمين وإن كانوا أغنياء وجه، ولا يجب تحري الأكمل.
وإذا وقف في سبيل الله انصرف إلى ما يكون وصلة إلى الثواب، وقيل: يختص
بالغزاة المطوعة وبالحج والعمرة فيقسم أثلاثا (2). وقيل: سبيل الله المجاهدون (3).
والأول أقرب.
ولو قال: في سبيل الله وسبيل الثواب وسبيل الخير، كان واحدا على الأقرب،
وخالف فيه بعض الأصحاب (4) والمشهور أنه ينتقل الموقوف عن ملك الواقف،
وعن ظاهر أبي الصلاح أنه لا ينتقل (5). وعلى الأول فالمشهور أنه ينتقل إلى
الموقوف عليه، ومنهم من فصل فجعل الملك لله تعالى في الجهات العامة
كالمسجد، وعلى المشهور لو وقف حصته من عبد لم يصح عتقه لا من الواقف،
للانتقال عنه، ولا من الموقوف عليه، لتعلق حق البطون به.
ولو وقف مسجدا فخرب بحيث لا يبقى أثر أو خربت القرية أو المحلة لم يعد
إلى ملك الواقف ولا يخرج العرصة عن الوقف في غير الأرض الخراجية، وكذا لو
انهدمت الدار لم تخرج العرصة عن الوقف.

(1) الوسائل 13: 303، الباب 6 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 1.
(2) المبسوط 2: 294.
(3) الوسيلة: 371.
(4) الخلاف 3: 545، المسألة 12.
(5) انظر الكافي في الفقه: 325.
19

ولو وقع بين الموقوف عليهم خلف شديد جاز بيعه، لصحيحة علي بن مهزيار
قال: كتبت إليه: أن الرجل ذكر أن بين من وقف عليهم هذه الضيعة اختلافا شديدا
وأنه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده، فإن كان ترى أن يبيع هذا الوقف ويدفع
إلى كل إنسان منهم ما وقف له من ذلك أمرته؟ فكتب (عليه السلام) إليه بخطه: وأعلمه أن
رأيي له إن كان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف أن يبيع الوقف أمثل
فليبع، فإنه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال والنفوس (1).
واعلم أن كلام الأصحاب مختلف، فمنهم من شرط في جواز بيعه حصول
الاختلاف بين الأرباب وخوف الخراب (2). ومنهم من اكتفى بأحدهما (3) والمذكور
في كلام الإمام مجرد الاختلاف، فلعل الوجه العمل به.
وذكر الصدوق بعد الرواية المذكورة: هذا وقف كان عليهم دون من بعدهم،
ولو كان عليهم وعلى أولادهم ومن بعد على فقراء المسلمين لم يجز بيعه أبدا (4).
ولا يظهر التخصيص في الرواية.
ولعل نظر الصدوق على أن في صورة التعميم لا ينحصر الحق في الموجودين
فكيف يسوغ بيعهم.
ولو لم يقع خلف وكان البيع أنفع لهم قيل: يجوز بيعه (5)، وقيل: لا. والذي وصل
إلي في هذا الباب صحيحة علي بن مهزيار قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) أن
فلانا ابتاع ضيعة فأوقفها وجعل لك في الوقف الخمس ويسأل رأيك في بيع
حصتك من الأرض أو تقويمها على نفسه بما اشتراها أو يدعها موقفة؟ فكتب إلي:
أعلم فلانا أني آمره أن يبيع حقي من الضيعة وإيصال ثمن ذلك إلي وأن ذلك رأيي
إن شاء الله، أو يقومها على نفسه إن كان ذلك أوفق له (6).

(1) الوسائل 13: 305، الباب 6 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 6.
(2) الشرائع 2: 220.
(3) المسالك 5: 399.
(4) الفقيه 4: 241.
(5) جامع المقاصد 9: 70.
(6) الوسائل 13: 304، الباب 6 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 5.
20

وما رواه المشايخ الثلاثة عن الحسن بن محبوب في الصحيح والحسن وغيره
- وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه - عن علي بن رئاب الثقة،
عن جعفر بن حنان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل وقف غلة له على قرابته
من أبيه وقرابته من امه، وساق الكلام إلى أن قال: قلت فللورثة من قرابة الميت أن
يبيعوا الأرض إن احتاجوا ولم يكفهم ما يخرج من الغلة؟ قال: نعم إذا رضوا كلهم
وكان البيع خيرا لهم باعوا (1).
وما رواه الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن
صاحب الزمان (عليه السلام) أنه كتب إليه: روي عن الصادق (عليه السلام) خبر مأثور: إذا كان الوقف
على قوم بأعيانهم وأعقابهم فاجتمع أهل الوقف على بيعه وكان ذلك أصلح لهم أن
يبيعوه، فهل يجوز أن يشترى من بعضهم إن لم يجتمعوا كلهم على البيع أم لا يجوز
إلا أن يجتمعوا كلهم على ذلك؟ وعن الوقف الذي لا يجوز بيعه؟ فأجاب (عليه السلام): إذا
كان الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه، وإذا كان على قوم من المسلمين
فليبع كل قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين ومتفرقين إن شاء الله (2).
وذكر بعض الأصحاب أنه حيث يجوز البيع يشترى بثمنه ما يكون وقفا على
ذلك الوجه إن أمكن، ويجب تحصيل الأقرب فالأقرب (3) ولا أعلم على ذلك
حجة واضحة والنص غير دال عليه.
ولو انقلعت نخلة من الوقف قيل: يجوز بيعها، لتعذر الانتفاع إلا بالبيع (4) وقيل:
لا يجوز، لإمكان الانتفاع بالإجارة للتسقيف وشبهه (5) واستجود بعضهم التفصيل (6)
وهو غير جيد. ومثله ما لو انكسر جذع من الشجرة أو زمنت الدابة.
ومتى جاز البيع فهل يجب أن يشترى بثمنه ما يكون وقفا مراعيا للأقرب
فالأقرب؟ فيه وجهان، ولعل الأقرب العدم.

(1) الكافي 7: 35، ح 29، الفقيه 4: 242، ح 5577، التهذيب 9: 133، ح 565.
(2) الاحتجاج: 490.
(3) المسالك 5: 400.
(4) المبسوط 2: 300.
(5) السرائر 3: 167.
(6) المسالك 5: 400.
21

وإذا آجر البطن الأول الوقف مدة ثم مات الموجر فإن قلنا: إن الإجارة تبطل
بموت الموجر فلا كلام، وإلا فالظاهر أن للبطن الثاني الخيار في الإمضاء والفسخ،
ويرجع المستأجر إلى تركة الأولين بما قابل المتخلف بأن ينسب اجرة مثله إلى
اجرة مثل مجموع المدة ويرجع من المسمى على تلك النسبة، هذا إذا لم يكن
الموجر ناظرا وآجر لمصلحة الوقف، وإلا فالظاهر الصحة إن لم نقل بأن موت
الموجر مبطل للإجارة.
ولو وقف على الفقراء انصرف إلى فقراء البلد، وكذا لو قال: على الهاشميين،
ولا يجب تتبع من غاب، وهل يجب استيعاب جميع من في البلد أم يجوز
الاقتصار على واحد أو اثنين أو ثلاثة؟ فيه أقوال، وعلى اعتبار الجمع لو لم يوجد
في البلد ثلاثة وجب الإكمال من خارجه، ولا فرق بين كون الوقف على من لم
ينحصر في ابتداء الوقف أو استدامته، ولا يجب التسوية بين المقسوم عليهم.
الطرف الرابع في التصدق
ويحتاج إلى إيجاب وقبول وقبض برضا المالك عند الأصحاب، ويشترط فيه
نية القربة، ولا يجوز الرجوع فيها بعد القبض على الأصح.
والصدقة المفروضة محرمة على بني هاشم إلا صدقة الهاشمي أو صدقة غيره
عند الاضطرار، وهل يختص المفروضة المحرمة عليهم بالزكاة المفروضة أم يعم
غيرها، فيشمل الكفارة والمنذورة وغيرهما؟ ظاهر إطلاق الأكثر الثاني، وقيل
بالأول (1) ولعله أقرب، ولا بأس بالصدقة المندوبة عليهم.
والمشهور جواز الصدقة على الذمي، ومن الأصحاب من منع من الصدقة
على غير المؤمن مطلقا (2) وفي الروايات اختلاف (3).

(1) المسالك 5: 411.
(2) حكاه عن الحسن في الدروس 1: 255.
(3) الوسائل 6: 288، الباب 21 من أبواب الصدقة.
22

وصدقة السر أفضل من العلانية، إلا أن يتهم فيظهر دفعا للتهمة، وكذا لو قصد
بالإظهار متابعة الناس له، هذا في المندوبة، وأما المفروضة فجزم في الدروس أن
إظهارها أولى (1). وقيل: إن الإخفاء أفضل مطلقا.
الطرف الخامس في السكنى وتوابعها
ويتحقق أسماؤها بما اضيف إليها، فإذا نسب إلى الإسكان قيل: سكنى، وإذا
قيد بعمر أحدهما قيل: عمرى، وإذا قيد بمدة قيل: رقبى سواء كان في المسكن أو
غيره على المشهور، وقيل: يعتبر في كل من العمرى والرقبى أن لا يشتمل عقدها
على السكنى (2). وقد قيل فيها أيضا غير هذا.
ويفتقر إلى الإيجاب والقبول على ما عرفت عند الاقتران بمدة أو عمر، وهل
يفتقر إليهما مع الإطلاق؟ فيه وجهان، وهل يشترط القربة؟ فيه قولان،
أصحهما العدم.
وعبارة العقد أن يقول: «أسكنتك أو أعمرتك أو أرقبتك هذه الدار أو هذه
الأرض أو هذا المسكن عمرك أو عمري أو مدة معينة» أو ما جرى مجرى ذلك
كقوله: هذه الدار لك عمرك أو هي لك مدة حياتك.
ولا يلزم قبل القبض عند الأصحاب، والمشهور أنه يلزم بالقبض، وقيل: لا
يلزم (3) وقيل: يلزم إن قصد به القربة (4). والأول أقرب، لعموم ما يدل على عموم
مراعاة العقود والشروط، ورواية أبي البختري المنقولة في قرب الإسناد (5) على
خلافه ضعيفة لا تصلح للتعويل.

(1) الدروس 1: 256.
(2) حكاه عن العلامة في المسالك 5: 419، انظر التحرير 1: 290 س 30.
(3) حكاه في المسالك 5: 421، وقال لم نقف على قائله.
(4) نقله في جامع المقاصد 9: 120 عن بعض حواشي الشهيد.
(5) قرب الإسناد: 147، ح 533.
23

والظاهر أنه لو قال: لك سكنى هذه الدار ما بقيت، أو ما حييت، جاز، ويرجع
إلى المسكن بعد الساكن، ويفهم من كلام بعضهم أن فيه خلافا، والظاهر أن الخلاف
من العامة. أما لو قال: إذا مت رجعت إلي، فإنها ترجع بلا خلاف، ولو قال:
أعمرتك هذه الدار لك ولعقبك، جاز ولم ينتقل إلى المعمر، بل يرجع إلى المالك بعد
العقب، كما لو لم يذكر العقب على الأشهر الأقوى، لحسنة الحلبي (1) ورواية أبي
الصباح (2) ورواية حمران (3) وكلام الشيخ في المبسوط يشعر بالخلاف (4). وكذا لو
جعلها لبعض من العقب أو جعلها له مدة عمره ولعقبه مدة مخصوصة ويكون العقد
مركبا من العمرى والرقبى.
وإذا عين السكنى مدة لزمت بالقبض لا يجوز الرجوع فيها إلا بعد انقضائها،
وإن كان عمر أحدهما لزم كذلك، فلو قرنت بموت المالك فمات المعمر انتقل إلى
وارثه مدة حياة المالك، لا أعرف في ذلك خلافا بينهم، ولو قرنت بموت المعمر
فمات المالك قبله فالمشهور أنه كذلك، وليس لورثة المالك إزعاجه، لعموم
الشروط، ويؤيده الأظهر في معنى حسنة الحلبي ورواية الحسين بن نعيم
ورواية حمران (5).
وفصل ابن الجنيد فقال: إن كان قيمة الدار يحيط بها ثلث الميت لم يكن لهم
إخراجه، وإن كانت تنقص عنها كان ذلك لهم (6) استنادا إلى رواية خالد بن رافع (7)
عن الصادق (عليه السلام) (8). وهذه الرواية رواها المشايخ الثلاثة عن الحسن بن محبوب

(1) الوسائل 13: 326، الباب 3 من أبواب السكنى والحبيس، ح 2.
(2) الوسائل 13: 326، الباب 3 من أبواب السكنى والحبيس، ح 1.
(3) الوسائل 13: 325، الباب 2 من أبواب السكنى والحبيس، ح 1.
(4) المبسوط 3: 316.
(5) الوسائل 13: 325، الباب 2 من أبواب السكنى والحبيس، ح 3 و 2 و 1.
(6) نقله عنه في المختلف 6: 332.
(7) في نسخة «خ 1»: خالد بن نافع.
(8) الوسائل 13: 331، الباب 8 من أبواب السكنى والحبيس، ح 1.
24

في الصحيح عن خالد بن رافع (1) وليس في شأنه مدح ولا قدح، فالرواية لا تخلو
عن قوة، وما ذكر من أن في متنها خللا واضطرابا محل تأمل، والمسألة محل
إشكال. وهل يجوز أن يقرنها بغير عمر المالك والمعمر؟ فيه وجهان.
ولو أطلق مدة السكنى ولم يعين كان العقد جائزا وللمالك الرجوع متى شاء،
لحسنة الحلبي (2) وموثقة أحمد بن عمر الحلبي (3).
وفي التذكرة أنه مع الإطلاق يلزم الإسكان في مسمى العقد ولو يوما،
والضابط ما يسمى إسكانا، وبعده للمالك الرجوع متى شاء (4).
وكل ما يصح فيه الوقف يصح فيه العمرى والرقبى. ولو كانت جارية يستباح
استخدامها، لقول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيحة محمد بن مسلم (5). قالوا: لا يستباح
وطؤها لأنه منوط بألفاظ مخصوصة والاحتياط في ذلك. وهل يصح بيعه؟ فيه
قولان، أقربهما ذلك، لصحيحة الحسين بن نعيم (6) وحينئذ لا يبطل بالبيع، بل يجب
الوفاء بما شرط والمشتري يصبر حتى تنقضي المدة أو العمر ثم تنتقل إليه
المنفعة، للصحيحة المذكورة، وله قبل ذلك ما لا يتعلق بالمنفعة المستحقة كالبيع
والهبة والعتق وغيرها. وإن كان جاهلا تخير بين الصبر مجانا والفسخ. ولو كان
السكنى مثلا جائزا صح البيع وبطلت السكنى، كما هو شأن العقود الجائزة إذا طرأ
عليها لازم.
وإطلاق السكنى يقتضي جواز أن يسكن بنفسه وأهله وأولاده، والحق بهم
من جرت العادة بإسكانه معه كالعبيد والإماء والخدم ومرضعة الولد والضيف

(1) الكافي 7: 38، ح 39، الفقيه 4: 252، ح 5596، التهذيب 9: 142، ح 594.
(2) الوسائل 13: 327، الباب 4 من أبواب السكنى والحبيس، ح 1.
(3) الوسائل 13: 327، الباب 4 من أبواب السكنى والحبيس، ح 2.
(4) التذكرة 2: 450 س 12.
(5) الوسائل 13: 330، الباب 6 من أبواب السكنى والحبيس، ح 1.
(6) في «خ 1»: الحسين بن نعمان. الوسائل 13: 267، الباب 24 من أبواب الإجارة ح 3.
25

وغيرها (1) ولا يجوز أن يسكن غيرهم إلا مع الشرط على المشهور، وكذا إجارة
المسكن، وخالف فيه ابن إدريس (2) ولعل الأول أقرب.
والمعروف من مذهب الأصحاب لا أعلم فيه خلافا أنه إذا حبس فرسه في
سبيل الله أو غلامه في خدمة المسجد أو البيت لزم ذلك ولم يجز تغييره ما دامت
العين باقية.
وصرح بعضهم بأنه يعتبر فيه القبض (3). وبعضهم باعتبار القربة (4) والظاهر أن
مورده مورد الوقف، ويصح على جميع القرب. ولو حبس على رجل ولم يعين
وقتا ثم مات الحابس كان ميراثا لصحيحة عمر بن اذينة ورواية عبد الرحمن
الجعفي (5). وكذا لو عين مدة ثم انقضت، والظاهر أنه يصح له الرجوع مع الإطلاق.
الطرف السادس في الهبة
وقد يعبر عنها بالنحلة والعطية، ويطلق كل منهما على مطلق الإعطاء المتبرع
به، فيشمل الوقف والصدقة والهبة والهدية، والهبة أعم من الصدقة، لاشتراط
الصدقة بالقربة دون الهبة، ويستفاد ذلك من صحيحة زرارة (6) وصحيحة محمد بن
مسلم (7) والهدية أخص من الهبة، إذ يعتبر في الهدية أن يحمل الموهوب من مكان
الواهب إلى مكان الموهوب منه إكراما له، ولهذا لا يطلق الهدية على العقارات
الممتنع نقلها، وعن الشيخ أن الهبة والصدقة والهدية بمعنى واحد (8) والظاهر أنه
خلاف التحقيق.

(1) منهم العلامة في التذكرة 2: 450 س 28.
(2) السرائر 3: 169.
(3) التذكرة 2: 450 س 24.
(4) التحرير 1: 291 س 8.
(5) الوسائل 13: 328 - 329، الباب 5 من أبواب السكنى والحبيس، ح 1 و 2.
(6) الوسائل 13: 339، الباب 7 من أبواب الهبات، ح 1.
(7) الوسائل 13: 340، الباب 7 من أبواب الهبات، ح 2.
(8) المبسوط 3: 303.
26

ويفتقر الهبة إلى الإيجاب والقبول عند الأصحاب، والإيجاب كل لفظ قصد به
التمليك المذكور، والقبول كل لفظ يدل على قبوله. وهل ما يقع بين الناس على وجه
الهدية من غير لفظ يدل على الإيجاب والقبول يفيد الملك أو مجرد الإباحة حتى
لو كان جارية لم يحل له الاستمتاع؟ ففي المبسوط: من أراد الهدية ولزومها وانتقال
الملك منه إلى المهدى إليه الغائب فليوكل رسوله في عقد الهدية معه، فإذا مضى
وأوجب له وقبل المهدى إليه وأقبضه إياها لزمه العقد وملك المهدى إليه الهدية (1).
واحتمل في الدروس عدم اشتراط الإيجاب والقبول في الهدية (2) ويلوح ذلك
من كلام العلامة في التذكرة (3). واستحسنه بعضهم (4) وهو جيد، لكن لا يبعد أن يكون
كالمعاطاة تفيد الملك المتزلزل ويبيح التصرف والوطء، لكن يجوز الرجوع قبله.
ولا يصح عقد الإيجاب والقبول إلا من بالغ عاقل جائز التصرف، وفيمن بلغ
عشرا تردد.
وإن وهب ما في الذمة لغير من عليه الحق ففي صحته قولان، أشهرهما العدم،
ولم أجد ما يناسب هذا الباب إلا صحيحة صفوان، قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن
رجل له على رجل مال فوهبه لولده، فذكر له الرجل المال الذي له عليه، فقال: إنه
ليس عليك منه شيء في الدنيا والآخرة، يطيب ذلك له وقد كان وهبه لولد له؟ قال:
نعم يكون وهبه له ثم نزعه فجعله لهذا (5). والظاهر أن هذا مبني على عدم القبض،
ولا ينافي جواز الهبة للغير، بل يؤكدها، ويصح لمن عليه الحق ويصرف إلى
الإبراء، لصحيحة معاوية بن عمار (6) واخرى له معتبرة (7) وفي اشتراط القبول في
الإبراء قولان، أشهرهما العدم، ولعله أقرب.

(1) المبسوط 3: 315.
(2) الدروس 2: 291.
(3) التذكرة 2: 415 س 17.
(4) المسالك 6: 11.
(5) الوسائل 13: 333، الباب 2 من أبواب الهبات، ح 1.
(6) الوسائل 13: 333، الباب 1 من أبواب الهبات، ح 1.
(7) الوسائل 13: 333، الباب 1 من أبواب الهبات، ح 2.
27

والقبض معتبر في الهبة، لموثقة داود بن الحصين (1) ومرسلة أبان (2) ورواية
إبراهيم بن عبد الحميد (3) ورواية أبي بصير (4) ورواية محمد بن عيسى بن عبيد (5).
وهل هو شرط للصحة بمعنى ترتب الأثر من حين القبض أو هو للزوم؟ فيه
قولان، أجودهما الثاني، لصحيحة أبي مريم (6) ورواية عبد الرحمن بن سيابة (7)
وصحيحة أبي بصير (8) وصحيحة أبي المغرا (9) ويؤول ما يعارضها كمرسلة أبان (10)
وموثقة داود بن الحصين (11) ورواية أبي بصير (12) جمعا بين الأخبار.
ويظهر الفائدة في النماء المتخلل بين العقد والقبض فيكون للواهب على
الأول دون الثاني، وفيما لو مات الواهب قبل الإقباض فيبطل على الأول ويتخير
الوارث في الإقباض وعدمه على الثاني، وفي فطرة المملوك الموهوب قبل الهلال
ولم يقبضه إلا بعده، وفي نفقة الحيوان مطلقا في المدة المتخللة.
ولو أقر بالهبة والإقباض حكم عليه به وإن كان في يد الواهب، لجواز
الإقباض والرد، ولا يقبل إنكاره بعد ذلك إلا أن يعلم كذبه في إخباره، لقصر الوقت
عن القبض والرد عادة، ولا يتوجه على المقر له اليمين على القبض، ولو ادعى
المواطاة على الإقرار للمتهب وأن مخبره لم يكن واقعا فهل يتوجه له اليمين على

(1) الوسائل 13: 335، الباب 4 من أبواب الهبات، ح 5.
(2) الوسائل 13: 334، الباب 4 من أبواب الهبات، ح 1.
(3) الوسائل 13: 336، الباب 4 من أبواب الهبات، ح 6.
(4) الوسائل 13: 336، الباب 4 من أبواب الهبات، ح 7.
(5) الوسائل 13: 336، الباب 4 من أبواب الهبات، ح 8.
(6) الوسائل 13: 335، الباب 4 من أبواب الهبات، ح 2.
(7) الوسائل 13: 335، الباب 4 من أبواب الهبات، ح 3.
(8) الوسائل 13: 335، الباب 4 من أبواب الهبات، ح 4.
(9) الوسائل 13: 335، الباب 4 من أبواب الهبات، ذيل الحديث 4.
(10) الوسائل 13: 334، الباب 4 من أبواب الهبات ذيل الحديث 1.
(11) الوسائل 13: 335، الباب 4 من أبواب الهبات، ح 5.
(12) الوسائل 13: 336، الباب 4 من أبواب الهبات، ح 7.
28

المتهب؟ المشهور بين المتأخرين نعم، وهل اليمين على حصول القبض أو على
عدم المواطاة أو على الأول خاصة؟ فيه خلاف.
ولو مات المتهب قبل القبض بطلت. ولو مات الواهب قبل القبض فهل يبطل
أو يقوم الوارث مقامه؟ فيه الخلاف المبني على ما سبق، ولا يجوز للمتهب القبض
بغير إذن الوارث.
ويشترط في صحة القبض إذن الواهب عند الأصحاب، فالقبض بغير إذنه لم
يؤثر في الانتقال إليه، والمشهور أنه يكفي القبض والإذن فيه مطلقا ولا يعتبر كونه
بنية الهبة، واعتبر بعض الأصحاب وقوعه للهبة، والإذن فيه كذلك (1) واستحسن
بعضهم اعتبار عدم التصريح بكون القبض لا لها والاكتفاء به عند الإطلاق (2). وهو
غير بعيد.
ولو وهبه ما في يده لم يفتقر إلى قبض جديد ولا إذن ولا مضي زمان يمكن
فيه القبض، خلافا لبعض الأصحاب، والظاهر أنه لا فرق بين أن يكون تحت يده
بإيداع أو عارية أو غيرهما. وهل يعتبر الفرق بين القبض المشروع وغيره
كالغصب؟ فيه نظر.
وإذا وهب الولي للطفل ما في يده لم يفتقر إلى تجديد القبض ولا قصد القبض
عن الطفل على الأشهر الأقوى، وقيل: يحتاج إلى القصد. ولو لم يكن في يده
كالمال الذي ورثه ولم يقبضه أو اشتراه كذلك أو آجره لغيره افتقر إلى القبض عنه.
أما الوديعة فلا يخرج بها عن يد المالك، وفي العارية وجهان، ولعل الأقرب
أنها خارجة عن يده. وهل يعتبر قصد القبض عن الطفل؟ فيه قولان، أقربهما العدم،
نعم لا يبعد اعتبار عدم قصد القبض لغيره.
ولا يكفي قبض الوالد عن غير الصغير على المشهور، وكلام ابن الجنيد يدل
على إلحاق الانثى مطلقا بالصغير ما دامت في حجره بالنسبة إلى هبته (3) لها، وإذا

(1) القواعد 2: 406.
(2) المسالك 6: 22.
(3) نقله في المختلف 6: 279.
29

وهب غير الولي للطفل فلابد من القبض ويتولاه الولي أو الحاكم، وفي الوصي
تردد، ولعل الأقرب إلحاقه بالولي.
ويجوز هبة المشاع وقبضه كما في البيع فيجري فيه القولان. ولو وهب اثنين
شيئا فقبل أحدهما وقبض وامتنع الآخر صحت الهبة للقابض خاصة.
والهبة لا تقتضي الثواب على الأشهر الأقوى، وعن الشيخ أن مطلق الهبة
يقتضي الثواب (1) ومقتضاه لزوم بدله وإن لم يطلبه الواهب، وهو بعيد، وعن أبي
الصلاح أن هبة الأدنى للأعلى تقتضي الثواب فيعوض عنها بمثلها، ولا يجوز
التصرف فيها ما لم يعوض (2) والأظهر خلافه.
ثم لا يخلو إما أن يشترط الواهب على المتهب الثواب أم يشترط عدمه، أم
يطلق، فإن شرط عدمه كان العقد جائزا من جهة الواهب، وإن شرط الثواب اتبع،
فإن عينه لزم، فالمتهب إن بذل المشروط وقبل الواهب لزمت الهبة، والأقوى أن له
عدم القبول والفسخ وإن بذل المتهب وإن أطلق اشتراط الثواب فإن اتفقا على
شيء، وإلا فالظاهر أنه يلزم على المتهب مثل الموهوب أو قيمته إن أراد اللزوم،
وهل المعتبر قيمة الموهوب عند القبض أو دفع الثواب؟ فيه وجهان. وهل يجب
على المتهب الوفاء بالشرط أو له التخيير فيه وفي رد العين؟ فيه قولان.
وإن أطلق الهبة فالهبة جائزة من قبل الواهب، إلا أن يثيبه المتهب بما يتفقان عليه.
ولو لم يرض الواهب باليسير ابتداء أو بعد العقد لم يؤثر بذل المتهب في اللزوم.
ويستحب التسوية بين الأولاد في العطاء من غير فرق بين الذكر والانثى،
والمشهور جواز تفضيل بعض الأولاد على بعض في العطية على كراهية، وحرمه
ابن الجنيد إلا مع المزية (3). والأقوى الأول، لحسنة محمد بن قيس (4) وصحيحة
محمد بن مسلم (5) وغيرهما.

(1) المبسوط 3: 310.
(2) الكافي في الفقه: 328.
(3) نقله في المختلف 6: 277.
(4) الوسائل 13: 343، الباب 11 من أبواب الهبات، ح 1.
(5) الوسائل 13: 344، الباب 11 من أبواب الهبات، ح 2.
30

وروى الحميري بإسناده عن علي بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن الرجل
يحل له أن يفضل بعض ولده على بعض؟ قال: قد فضلت فلانا على أهلي وولدي،
فلا بأس (1). ورواه علي بن جعفر في كتابه (2).
والمشهور بين الأصحاب الكراهية، قال في المسالك: الوجه الكراهة
المؤكدة، لقوله (صلى الله عليه وآله) سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلا أحدا لفضلت
البنات. إلى أن قال: وقد روي أن النعمان بن البشير أتى ولده إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال:
إني نحلت ابني هذا فلانا، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): أكل ولدك نحلت مثل هذا؟ فقال: لا،
فقال: اردده. وفي رواية اخرى أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال له: أ تحب أن يكونوا في البر
سواء؟ فقال: نعم قال: فارجعه. وفي حديث آخر عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال لمن أعطى بعض
أولاده شيئا: أكل ولدك أعطيت مثله؟ قال: لا، قال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم
فرجع تلك العطية. وفي رواية اخرى: لا تشهدني على جور. قال: الأصحاب
حملوها على تقدير سلامة السند على الكراهة جمعا (3).
والمشهور عدم الفرق في الكراهية بين العسر واليسر والصحة والمرض،
وخص في المختلف النهي بحال العسر أو المرض (4). والأقوى عموم الكراهية
بجميع الأحوال وتأكدها مع المرض والإعسار، حملا لبعض الأخبار الدالة على
التفصيل عليه.
واستثنى بعض الأصحاب منه ما لو اشتمل المفضل على مزية كحاجة واشتغال
بعلم، أو المفضل عليه على نقص كفسق وبدعة واستعانة بالمال على معصية.
وإذا قبضت الهبة فإن كانت للوالدين أو للولد فالمعروف من مذهب
الأصحاب أنه لا يجوز الرجوع.
ونقل المحقق الإجماع فيما كانت للوالدين وأثبت الخلاف في غيره (5).

(1) قرب الإسناد: 286، ح 1129.
(2) مسائل علي بن جعفر: 128، مسألة 104.
(3) المسالك 6: 28 - 29.
(4) المختلف 6: 278.
(5) الشرائع 2: 230.
31

والعلامة نقل الإجماع فيما كانت للولد من الوالد (1).
والمرتضى نقل الإجماع في جواز الرجوع مطلقا من غير استفصال (2) والدليل
يساعد هذا القول.
ويدل عليه موثقة داود بن الحصين بابن فضال عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
سألته هل لأحد أن يرجع في صدقة أو هبة؟ فقال: أما ما تصدق به لله فلا، وأما
الهبة والنحلة فإنه يرجع فيها حازها أو لم يحزها وإن كانت لذي قرابة (3).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن أبان عمن أخبره عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله (4).
وعن ابن أبي نصر عن حماد في الصحيح عن المعلى بن خنيس وهو ضعيف
عنه (عليه السلام) مثله مع زيادة (5).
وبإزاء هذه الروايات ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله وعبد الله ابن
سليمان جميعا في الصحيح قالا: سألنا أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يهب الهبة أيرجع
فيها إن شاء أم لا؟ فقال: يجوز الهبة لذوي القرابة والذي يثاب عن هبته ويرجع في
غير ذلك إن شاء (6). وصحيحة محمد بن مسلم (7) وصحيحة عبد الله ابن سنان (8).
ويمكن الجمع بين الأخبار بحمل صحيحة عبد الرحمن وما في معناها على
الكراهة الشديدة، وهو أولى من إطراح الأخبار الثلاثة المعتبرة. ومع قطع النظر
عن الأخبار الثلاثة المذكورة قد وقع التعارض بين خبر عبد الرحمن وما في معناه
وصحيحة زرارة وما في معناها مما يدل على جواز الرجوع مطلقا كموثقة عبيد

(1) المختلف 6: 263.
(2) الانتصار: 221.
(3) الوسائل 13: 339، الباب 6 من أبواب الهبات، ح 3.
(4) التهذيب 9: 155، ح 637.
(5) الوسائل 13: 339، الباب 6 من أبواب الهبات، ح 4.
(6) التهذيب 9: 155، ح 636.
(7) الوسائل 13: 338، الباب 6 من أبواب الهبات، ح 2.
(8) الوسائل 13: 338، الباب 6 من أبواب الهبات، ح 1.
32

ابن زرارة (1) وصحيحة جميل والحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا كانت الهبة
قائمة بعينها فله أن يرجع، وإلا فليس له (2).
ويمكن الجمع بينها بوجهين:
أحدهما: حمل المطلق على المقيد.
وثانيهما: حمل أخبار المنع على الكراهة والترجيح للثاني، ويشهد له الأخبار
الثلاثة المذكورة وإن لم يعمل بها في أنفسها فرضا، ويعضده أيضا رواية جميل.
وفي هبة الزوج للزوجة وعكسها قولان، أقربهما عدم جواز الرجوع،
لصحيحة زرارة (3).
وإن كانت الهبة لذي رحم غير الوالدين والولد ففيه قولان، أقربهما جواز
الرجوع كما ذهب إليه المرتضى (4) والشيخ في عدة من كتبه (5) وابن الجنيد (6) وابن
إدريس (7). وقد مر دليله.
والمراد بالرحم المذكور في هذا الباب وغيره كالرحم الذي يجب صلته
ويحرم قطعه مطلق القريب المعروف بالنسب وإن بعدت النسبة.
ولو كان أجنبيا فله الرجوع مع بقاء العين، وإن تلفت فلا رجوع على الأصح،
لصحيحة جميل والحلبي، وفيه خلاف للمرتضى (رحمه الله) (8).
ولا فرق بين كون التلف من قبل الله تعالى أو غيره حتى من المتهب، وفي
حكم تلف الكل تلف البعض، وكذا إن عوض عنها قولا واحدا وإن كان
العوض يسيرا.

(1) الوسائل 13: 342، الباب 10 من أبواب الهبات، ح 1.
(2) الوسائل 13: 341، الباب 8 من أبواب الهبات، ح 1.
(3) الوسائل 13: 339، الباب 7 من أبواب الهبات، ح 1.
(4) الانتصار: 221.
(5) الخلاف 3: 567، المسألة 12، المبسوط 3: 309، التهذيب 9: 157، ذيل الحديث 645.
(6) حكاه في المختلف 6: 264.
(7) السرائر 3: 175.
(8) الانتصار: 223.
33

وفي لزوم الهبة بالتصرف أقوال، ثالثها: لزومها مع خروجه عن ملكه أو تغير
صورته كقصارة الثوب ونجارة الخشب، أو كون التصرف بالوطء، وعدم اللزوم
بدون ذلك كالركوب والسكنى ونحوهما من الاستعمال، ولعل هذا القول أجود،
نظرا إلى الاستفصال في الخبر بقيام العين بعينها وعدمه، لكن في كون الوطء ملزما
مطلقا تأمل، أما مع الاستيلاد فالظاهر أنه ملزم. وفي جواز الرجوع عند موت
الولد وجهان.
ولو أدخل الخشب في البناء مع بقاء العين وعدم تبدل الصورة وكون الإخراج
مستلزما للهدم والإضرار فهل يكون ذلك ملزما؟ الأقرب ذلك.
ولو أخرجه عن ملكه ثم عاد إليه بشراء أو إقالة أو نحوهما ففي بقاء اللزوم
وجهان، وكذا لو كان العود بخيار أو فسخ بعيب ونحوهما.
ولو كان التصرف بالإجارة انتظر الواهب انقضاء المدة وجاز الفسخ معجلا.
ولو كان بالرهن روعي انفكاكه في صحة الرجوع.
ويجب العطية لذي الرحم إذ أكان محتاجا لا يتحقق صلة الرحم بدونها عينا،
وكفاية إن تحققت الصلة بدونها، ويستحب في غير ما ذكر، ويتأكد في الوالد والولد.
فروع:
الأول: لو وهب وأقبض ثم باع من آخر، فإن كانت الهبة لازمة لا يجوز
الرجوع فيها بني على الخلاف في العقد الفضولي فتقف على الإجازة أو تبطل، وإن
كانت جائزة ففي صحة البيع قولان، ولعل الأقرب الصحة. وإن كانت الهبة فاسدة
وكان عالما به صح البيع وإن كان جاهلا فالمشهور الصحة. وكذا القول فيمن باع
مال مورثه وهو يعتقد حياته. ومثله ما لو باع مال غيره فظهر أن وكيله ابتاعه
له قبل البيع.
الثاني: لو قال: «وهبت ولم اقبض» كان القول قوله، وإن ادعى المقر له
الإقباض كان له إحلافه، وكذا لو قال: «وهبته وملكته» ثم أنكر القبض وقال: إن
34

مرادي بالتمليك العقد الدال عليه أو قال: اعتقدت أن التمليك يتحقق بمجرد
الصيغة. وكذا لو قال: ملكته مجردا.
الثالث: إذا كانت الهبة مطلقة فرجع الواهب وقد عابت - إن قلنا بجواز الرجوع
حينئذ - لم يرجع بالأرش سواء كان العيب بفعله أم لا، فإن كانت الهبة مشروطة
بالثواب فتلفت قبل الرجوع وقبل دفع العوض ففي ضمان المتهب وعدمه قولان،
أقربهما الأول، وهل الواجب مثل الموهوب أو قيمته أو أقل الأمرين من ذلك ومن
العوض أو العوض؟ أوجه، ولو عابت والحال هذه فالأقرب الضمان، وفي تعيين
ما يجب عليه إشكال.
الرابع: إذا رجع الواهب حيث يجوز الرجوع فالزيادة المتصلة له
والمنفصلة للمتهب.
35

كتاب الوصية
37

كتاب الوصية
وفيه أطراف:
الأول
الوصية تمليك عين أو منفعة، أو فك ملك بعد الوفاة، أو تسليط على
تصرف بعدها.
ويفتقر إلى الإيجاب، وهو كل لفظ يدل على القصد، كقوله: أعطوا فلانا بعد
وفاتي، أو له كذا بعد وفاتي، أو أوصيت به. والقبول إن كان الموصى له معينا، وإن
كان غير معين كالفقراء فالحاكم يقبل لهم، والأقوى عدم اشتراط القبول في الثاني.
ولا يشترط مقارنة القبول للإيجاب، وقيل: إنه موضع وفاق (1) والظاهر أنه
يكتفي القبول الفعلي.
وهل القبول جزء من السبب فينتقل إلى الموصى له بعده، أو هو كاشف
فيحصل الانتقال بعد موت الموصي، أو لا يعتبر أصلا، بل ينتقل إليه الملك بعد
الموت على وجه القهر لا بمعنى الاستقرار، بل بمعنى حصوله متزلزلا فيستقر
بالقبول ويبطل استمراره بالرد فينتقل به عنه إلى ورثة الموصي؟ فيه أقوال ثلاثة،
والآية تدافع القول الأول ويبقى التردد بين القولين الأخيرين، ومختار الأكثر كونه
كاشفا، وهو غير بعيد. وتظهر ثمرة الخلاف في مواضع:

(1) المسالك 6: 116.
38

منها: كسب العبد وثمرة الشجرة، ومثل ذلك من النماء المتجدد فيما بين
الموت والقبول، فعلى القول بأنه يملك بالموت يكون للموصى له مطلقا، ويحتمل
ارتدادها على الورثة إذا رد تبعا، وعلى القول بأنه يملك بالقبول لم يكن له، وإن
قلنا بالوقف فهي موقوفة، فإن قبل فهي له، وإلا فلا، وعلى تقدير الارتداد ففي
مستحقها من الموصي أو الورثة وجهان.
ومنها: فطرة العبد الموصى به إذا وقع وقت وجوبها بين الموت والقبول،
وكذلك النفقة والمؤن المحتاج إليها فيما بينهما.
ومنها: ما إذا زوج أمته حرا وأوصى له بها ثم رد الوصية أو قبل.
ومنها: ما لو كان زوجها وارثه ثم أوصى لغيره. والتفاريع المتعلقة بالخلاف
المذكور كثيرة.
ولو تأخر القبول عن الموت لم يضر، ولو تقدم عليه ففيه قولان، أقربهما الصحة.
وهل يعتبر في التملك القبض؟ فيه قولان، أقربهما العدم، فلو رد بعد الموت
والقبول قبل القبض لم تبطل، ولو رد بعد الموت قبل القبول فعند الأصحاب أنه
تبطل. ولو رد قبل الموت لم تبطل فله القبول بعده، ولو قبل البعض خاصة صح فيه.
ولو مات قبل القبول قام وارثه مقامه في قبول الوصية على الأشهر الأقوى،
لحسنة محمد بن قيس (1) وهي لا تقصر عن الصحاح ورواية مثنى (2) ورواية محمد
ابن عمر الساباطي (3).
وذهب جماعة إلى بطلان الوصية بموت الموصى له قبل القبول (4) ومنهم من
فصل، فخص البطلان بما إذا مات الموصى له قبل الموصي (5) ومستندهم صحيحة

(1) الوسائل 13: 409، الباب 30 من أبواب الوصايا، ح 1.
(2) الوسائل 13: 409، الباب 30 من أبواب الوصايا، ح 2.
(3) الوسائل 13: 410، الباب 30 من أبواب الوصايا، ح 3.
(4) كالعلامة في المختلف 6: 389.
(5) كما في نكت النهاية، راجع النهاية 3: 165 - 167.
39

أبي بصير ومحمد (1) وموثقة منصور بن حازم (2) ودلالة الروايتين على مطلوبهم غير
واضحة، فلابد من حملهما على معنى لا يخالف الأخبار المذكورة جمعا.
ويجوز للموصي الرجوع في الوصية ويتحقق بفعل أو قول يدل على الرجوع
صريحا أو بانضمام قرينة دالة على ذلك، فلو باع الموصى به أو وهبه أو رهنه كان
رجوعا، والظاهر أنه يرجع في مثل العرض على البيع أو على غيره من التصرف
الموجب للخروج عن الملك إلى القرينة.
ولو تصرف فيه تصرفا أخرجه عن مسماه - كما لو أوصى له بحنطة معينة
فطحنها، أو بدقيق فعجنه، أو بقطن فغزله، أو بدار فهدمها - فالظاهر أنه رجوع إلا
أن تدل القرينة على خلافه، وكذا لو خلط مثل الزيت بغير جنسه، ولو خلطه بجنسه
فالأقرب أنه كذلك، ويفهم من بعضهم الفرق بين الخلط بالأجود وغيره
واختصاص الحكم بالأول.
وهذه الأحكام مختصة بصورة تعيين الموصى به، فلو أوصى بحنطة مطلقا ثم
طحن ما عنده لم يكن ذلك رجوعا، ومن الأصحاب من أطلق الحكم (3). ومنهم من
عكس (4) وهو بعيد جدا. ولو أوصى بخبز فدقه فتيتا أو جعل القطن محشوا في
فراش أو جفف الرطب أو قدد اللحم ففي كونه رجوعا إشكال.
الثاني في الموصي
ويشترط فيه العقل، فلا يصح من المجنون، وبلوغ عشر على الأشهر الأقوى،
فإن بلغه مميزا جازت وصيته في وجوه المعروف لأقاربه وغيرهم، لصحيحة
عبد الرحمن بن أبي عبد الله (5) وصحيحة أبي بصير (6) وموثقة منصور بن حازم (7).

(1) الوسائل 13: 410، الباب 30 من أبواب الوصايا، ح 4.
(2) الوسائل 13: 410، الباب 30 من أبواب الوصايا، ح 5.
(3) المبسوط 4: 43.
(4) التذكرة 2: 516 س 21.
(5) الوسائل 13: 429، الباب 44 من أبواب الوصايا، ح 3.
(6) الوسائل 13: 428، الباب 44 من أبواب الوصايا، ح 2.
(7) الوسائل 13: 430، الباب 44 من أبواب الوصايا، ح 7.
40

وروى الشيخ عن أبي بصير وأبي أيوب في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) في
الغلام ابن عشر سنين يوصي؟ قال: إذا أصاب موضع الوصية جازت (1). وقريب
منها رواية زرارة (2) ويؤيده موثقة محمد بن مسلم (3).
وألحق بها الشيخ الصدقة والهبة والوقف والعتق (4). وهو غير بعيد.
واكتفى ابن الجنيد ببلوغ الثماني في الذكر وسبع في الانثى (5). وفيه إشكال.
وقال الحلبي: يمضي لدون العشرة في البر (6). وابن إدريس اشترط البلوغ
كغيرها (7) وهو ضعيف.
وفي نفوذ وصية السفيه أقوال، ثالثها: النفوذ في البر والمعروف.
ويشترط فيه الحرية، فلا يصح وصية العبد، ولو عتق ففي نفوذها قولان. ولو
جرح نفسه بما فيه هلاكها ثم أوصى فالمشهور أنه لا يقبل وصيته عملا بالخبر
الصحيح. وخالف ابن إدريس (8) نظرا إلى عموم الآية المعتضدة بعموم الأخبار. ولو
أوصى ثم قتل نفسه قبلت.
الثالث في الموصى به
وهو إما عين أو منفعة يملكه الموصي ويتقدر بقدر الثلث، لما رواه الصدوق
عن أبي بصير في الصحيح (9) وما رواه الكليني والشيخ عن يعقوب بن شعيب في
الصحيح (10) وما رواه الكليني عن مرازم في الصحيح عن بعض أصحابنا
عن الصادق (عليه السلام) (11).

(1) التهذيب 9: 181، ح 727.
(2) الوسائل 13: 429، الباب 44 من أبواب الوصايا، ح 4.
(3) الوسائل 13: 428، الباب 44 من أبواب الوصايا، ح 1.
(4) النهاية 3: 152.
(5) نقله في المختلف 6: 391.
(6) الكافي في الفقه: 364.
(7) السرائر 3: 206.
(8) السرائر 3: 197.
(9) الفقيه 4: 185، ح 5422.
(10) الكافي 7: 11، ح 3، التهذيب 9: 191، ح 770.
(11) الكافي 7: 8، ح 6.
41

فلا يمضى في الزائد بغير إجازة الوارث على الأشهر الأقوى، لما رواه
المشايخ الثلاثة عن أحمد بن محمد في الصحيح (1). وما رواه الشيخ عن محمد بن
مسلم في الموثق (2) ورواية علي بن عقبة (3) ورواية الحسين بن محمد الرازي (4)
ورواية أبي بصير (5) وصحيحة العباس بن معروف (6) وصحيحة اخرى له (7) ومرسلة
العباس (8) ورواية الحسين بن مالك (9) وموثقة عمار (10) وغيرها على الأشهر الأقوى.
وخالف فيه علي بن بابويه (11) ويدل على قوله موثقة عمار (12) وهي لا تقاوم
الأخبار السابقة. ولو أجاز الورثة بعد الموت نفذت، لا أعرف في ذلك خلافا
بينهم، ويدل عليه عموم الآية وغيرها، خرج من العموم ما إذا لم يجز الورثة ويبقى
الباقي. ولو أجاز بعضهم نفذت في حصته خاصة. ولو أجازوا جميعا أو بعضهم
بعض الزائد اتبع.
وهل تعتبر الإجازة قبل الوفاة؟ فيه قولان، والأشهر الأقوى أنها تلزم الوارث،
لرواية محمد بن مسلم في الصحيح والحسن (13) وصحيحة منصور بن حازم (14)

(1) الكافي 7: 10، ح 2، الفقيه 4: 187، ح 5429، التهذيب 9: 192، ح 772.
(2) التهذيب 9: 193، ح 775.
(3) الوسائل 13: 365، الباب 11 من أبواب الوصايا، ح 4.
(4) الوسائل 13: 365، الباب 11 من أبواب الوصايا، ح 5.
(5) الوسائل 13: 365، الباب 11 من أبواب الوصايا، ح 6.
(6) الوسائل 13: 366، الباب 11 من أبواب الوصايا، ح 7.
(7) الوسائل 13: 366، الباب 11 من أبواب الوصايا، ح 8.
(8) الوسائل 13: 366، الباب 11 من أبواب الوصايا، ح 9.
(9) الوسائل 13: 368، الباب 11 من أبواب الوصايا، ح 15.
(10) الوسائل 13: 367، الباب 11 من أبواب الوصايا، ح 12.
(11) نقله في المختلف 6: 393.
(12) الوسائل 13: 382، الباب 17 من أبواب الوصايا، ح 5.
(13) الوسائل 13: 371، الباب 13 من أبواب الوصايا، ح 1 وذيله.
(14) الوسائل 13: 372، الباب 13 من أبواب الوصايا، ح 2.
42

ورواية اخرى لمنصور (1).
والإجازة قبل الوفاة تنفيذ لا ابتداء عطية، ولا أعرف خلافا في أنها كذلك إذا
كانت بعد الوفاة، فلا يفتقر صحتها إلى قبض من الموصى له ولا إلى صيغة الهبة ولا
إلى قبول الموصى له بعد الإجازة إذا تقدم قبولها قبلها، وليس للمجيز الرجوع
قبل القبض.
ولو أوصى بالعتق فأجاز الورثة فالولاء للموصي. ولو كان الوارث المجيز
مريضا فالأقرب أنه لم يتوقف صحة إجازته على الخروج من الثلث،
خلافا للعلامة (2).
ويجب العمل بما رسمه الموصي ما لم يخالف الشرع. ويعتبر الثلث بعد الوفاة
لا وقت الوصاءة، لظاهر صحيحة أحمد بن محمد (3) وغيرها، ولو نقص المال قبل
القبض لم يبعد اعتبار ذلك.
ولو أوصى ثم قتل أو جرح كانت الوصية من ثلث التركة والدية وأرش
الجراحة على المعروف بين الأصحاب بلا خلاف ظاهر، ويدل عليه ما رواه
المشايخ الثلاثة عن محمد بن قيس في الصحيح (4) ورواية السكوني (5) لكن
الروايتين مختصتان بقتل الخطأ، ويشكل الحكم في دية العمد على المشهور من
أن الموجب القصاص وإنما تثبت الدية صلحا.
وروى الشيخ عن محمد بن قيس في الصحيح قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام)
في رجل أوصى لرجل بوصية مقطوعة غير مسماة من ماله ثلثا أو ربعا أو أقل من
ذلك أو أكثر، ثم قتل بعد ذلك الموصي فودي، فقضى في وصيته أنها تنفذ من ماله

(1) الوسائل 13: 371، الباب 12 من أبواب الوصايا، ذيل الحديث 1.
(2) انظر القواعد 2: 534، وحكاه عنه في المسالك 6: 152.
(3) الوسائل 13: 364، الباب 11 من أبواب الوصايا، ح 1.
(4) الكافي 7: 63، ح 21، الفقيه 4: 227، ح 5536، التهذيب 9: 207، ح 822.
(5) الوسائل 13: 372، الباب 14 من أبواب الوصايا، ح 2.
43

ومن ديته كما أوصى (1). وفي قوله: «ثم قتل فودي» وإن كان اللفظ عاما، لكن
يمكن أن يكون الواقعة خاصة، ففي التعميم إشكال.
ولو أوصى إلى إنسان بالمضاربة بتركته أو ببعضها على أن الربح بينه وبين
أولاده الصغار نصفان صح، لما رواه الصدوق عن ابن أبي عمير في الصحيح
والكليني والشيخ في الحسن عن عبد الرحمن بن الحجاج الثقة عن خالد (2) وهو
مجهول، ورواية محمد بن مسلم (3). والظاهر أنه يكفي ذلك مع الشهرة، وفي
المشهور لم يعتبر كون الولد صغارا، وفيه إشكال.
وذهب ابن إدريس إلى أن الصحة مشروطة بكون المال قدر الثلث فما
دون (4). وبعض المتأخرين إلى أن المحاباة في الحصة من الربح بالنسبة إلى اجرة
المثل محسوبة من الثلث أيضا (5). وفيهما نظر.
والوصية بالواجب المالي نافذة من أصل المال عند الأصحاب، وكذا لو لم
يوص وجب إخراجه من أصل المال عندهم سواء كان ماليا محضا كالزكاة
والكفارات ونذر المال، أو ماليا مشوبا بالبدن كالحج، والحكم ثابت في الزكاة
والحج الواجبين، والحجة في غيرهما غير واضحة.
ولو كان الواجب بدنيا محضا كالصلاة والصوم فإنه يخرج من الثلث مع
الوصية به. وهل يجب الوصية به على المريض إن لم يكن له ولي يقضيه عنه؟ فيه
قولان، أقربهما العدم.
وإذا اجتمع حقوق واجبة مالية وبدنية ومتبرع بها أوصى بها وعجز المال عن
الجميع ولم يجز الورثة بدء بالمالية مطلقا من الأصل عندهم، وقطع بعضهم بتقديم
البدنية على المتبرع بها من ثلث الباقي. الأول فالأول (6). وحجته غير واضحة.

(1) التهذيب 9: 207، ح 823.
(2) الفقيه 4: 228، ح 5539.
(3) الكافي 7: 61، ح 16، التهذيب 9: 236، ح 919.
(4) السرائر 3: 192.
(5) التنقيح 2: 403.
(6) المسالك 6: 159.
44

ولو حصر الموصي الجميع في الثلث بدئ بالواجب المالي وإن زاد عن الثلث
مطلقا عند الأصحاب.
ولو كان الجميع غير واجب وأتى بالوصية مرتبة إما بأداة الترتيب كثم والفاء،
أو صرح بتقديم البعض ولو كان مؤخرا في الذكر بدئ بالمقدم حتى يستوفي
الثلث. وكذا لو كانت مرتبة في الذكر فقط بالعطف بالواو أو بدونه بلا فرق بين
العتق وغيره، ولا بين أن يقع المرتب متصلا في وقت واحد عرفي أو في زمانين
متباعدين كغدوة وعشية على المشهور. خلافا للشيخ وابن الجنيد، حيث ذهبا إلى
تقديم العتق وإن تأخر (1) ولابن حمزة، حيث جعل الثاني في الزمان المتباعد
رجوعا عن الأول، إلا أن يسعهما الثلث. وعلل الأول بأن الوصية الصادرة أولا
نافذة، لصدورها من أهلها في محلها بخلاف الصادر بعد استيفاء الثلث (2). وفيه: أن
القدر المسلم ليس إلا أن الوصايا الزائدة على الثلث لا يمضى منها إلا الثلث لا
مضي المرتب إلى الثلث.
ويمكن الاستدلال عليه بما رواه أبو بصير في الصحيح، قال: سألت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يموت، ما له من ماله؟ فقال: له ثلث ماله، والمرأة أيضا (3).
وقريب منه صحيحة علي بن يقطين (4) وفي حسنة محمد بن قيس ومن أوصى
بالثلث فلم يترك وقد بالغ وفي نسخة: بلغ الغاية (5). ونحوه في رواية جماعة من
الأصحاب عن الصادق (عليه السلام) في الحسن (6).
ويؤيده ما رواه المشايخ الثلاثة عن الحسن بن محبوب في الصحيح عن أبي

(1) المبسوط 4: 48، ونقله عن ابن الجنيد في المختلف 6: 429.
(2) الوسيلة: 375 - 376.
(3) الوسائل 13: 362، الباب 10 من أبواب الوصايا، ح 2.
(4) الوسائل 13: 363، الباب 10 من أبواب الوصايا، ح 8.
(5) الوسائل 13: 360، الباب 9 من أبواب الوصايا، ح 1.
(6) الوسائل 13: 360، الباب 9 من أبواب الوصايا، ح 2.
45

جميلة - وهو ضعيف - عن حمران عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل أوصى عند موته
وقال: أعتق فلانا وفلانا وفلانا، حتى ذكر خمسة، فنظر في ثلثه فلم يبلغ ثلاثة
أثمان قيمة المماليك الخمسة الذين أمر بعتقهم؟ قال: ينظر إلى الذين سماهم وبدأ
بعتقهم فيقومون، وينظر إلى ثلثه فيعتق منه أول شيء ذكر، ثم الثاني، ثم الثالث، ثم
الرابع، ثم الخامس، فإن عجز الثلث كان في الذين سمى أخيرا، لأنه أعتق بعد مبلغ
الثلث ما لا يملك، فلا يجوز له ذلك (1).
لكن في رواية الحسين بن مالك - وهو مجهول - قال: كتبت إلى أبي
الحسن (عليه السلام): اعلم يا سيدي أن ابن أخ لي توفي وأوصى لسيدي بضيعة وأوصى أن
يدفع كل ما في داره حتى الأوتاد يباع ويحمل الثمن إلى سيدي، وأوصى بحج،
وأوصى للفقراء من أهل بيته، وأوصى لعمته وأخيه بمال فنظرت فإذا ما أوصى به
أكثر من الثلث ولعله يقارب النصف مما ترك، وخلف ابنا لثلاث سنين وترك دينا،
فرأي سيدي؟ فوقع (عليه السلام): يقتصر من وصيته على الثلث من ماله ويقسم ذلك بين
من أوصى له على قدر سهامهم إن شاء الله (2).
وفي رواية علي بن سالم في الضعيف قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) فقلت
له: إن أبي أوصى بثلاث وصايا، فبأيهن آخذ؟ فقال: خذ بآخرهن. قلت: فإنها أقل،
قال: فقال: وإن قلت (3). ويحمل على كون المقصود عدم الجمع، ولعل في الكلام
إشعار، ولعل الأقرب القول المشهور.
ولو أوصى لشخص بثلث ولآخر بربع ولآخر بسدس اعطي الأول وبطل
الباقي إن لم يجز الورثة على الأشهر الأقوى، وقيل: إن الآخر رجوع عن الأول (4).
ولو أوصى لزيد بثلث المال ولعمرو بثلث آخر، أو لزيد بثلث ولعمرو بثلث

(1) الفقيه 4: 212، ح 5493، الكافي 7: 19، ح 15، التهذيب 9: 221، ح 867.
(2) الوسائل 13: 368، الباب 11 من أبواب الوصايا، ح 14.
(3) الوسائل 13: 387، الباب 18 من أبواب الوصايا، ح 7.
(4) المسالك 6: 161.
46

فالأقرب أنه ليس الآخر رجوعا عن الأول. ولو أوصى لزيد بثلثه ولعمرو بثلثه، أو
لزيد بثلثه الذي يمضي وصيته فيه ولعمرو بثلثه كذلك أو الثلث المتعلق به فالظاهر
أن الثاني رجوع عن الأول، وفي كلام الشيخ في هذا المقام اختلاف شديد.
ولو دلت القرينة في بعض الأحيان أو الأفراد على خلاف ما ذكرنا اتبع، ولو
جمع بأن ذكر أشياء ثم أوصى بمجموعها، أو قال: أعطوا فلانا وفلانا مائة، أو قال:
لا تقدموا بعضها على بعض، أو قال: لكل واحد من إخوتي عشرة، ونقص الثلث
عن الجميع دخل النقص على الجميع بالنسبة فيقسم على جهة العول.
ولو كانت الوصية مترتبة واشتبه الترتيب استخرج بالقرعة، ولو اشتبه الترتيب
وعدمه فظاهرهم إطلاق التقديم بالقرعة، ويشكل باحتمال كون الواقع عدمه،
فينبغي الإخراج على الترتيب وعدمه أولا.
ولو جامع الوصايا منجز يخرج من الثلث على القول به قدم عليها مطلقا
وأكمل الثلث من الوصايا.
ولو أوصى بعتق مماليكه دخل فيه من يملك بعضه، وينعتق منه بقدر الحصة إن
وفى الثلث، وقيل: تقوم عليه حصة شريكه إن احتمله الثلث (1). وفيه تردد.
ولو أوصى بأزيد من الثلث فأجاز الورثة ثم قالوا: ظننا أنه قليل، قضي عليهم
بما اعترفوا به واحلفوا على الزائد على تردد.
ولو أوصى بعبد مثلا فأجازوا ثم ادعوا أنهم ظنوا أن ذلك بقدر الثلث أو أزيد
بيسير مما يتسامح فيه فهل يسمع دعواهم؟ فيه قولان.
وإذا أوصى بجزء من ماله كثلث أو ربع كان الموصى له شريكا مع الورثة في
كل شيء حاضر وغائب، دين وعين، وإن عين الموصى به ملكه الموصى له إذا
كان ضعفه بأيدي الورثة من التركة ولا اعتراض لهم، ولو لم يكن الضعف بأيديهم
بل كان بعضه غائبا أو بيد متسلط مانع، تسلط الموصى له على العين بقدر ثلث

(1) المسالك 6: 168.
47

الحاضر وكان الباقي منها موقوفا، بمعنى وضعه بيد الحاكم أو وكيله أو من تراضيا
عليه الوارث والموصى له إلى أن يبين الحال. وفي تسلط الموصى له على القدر
الذي يخرج من الثلث منجزا، أو منعه من التصرف فيه وإن كان ملكا له وجهان،
أصحهما الأول. ولو أوصى بثلث عبده فظهر أن ثلثيه مستحق انصرفت الوصية إلى
الثلث الباقي.
الرابع في الموصى له
قالوا: يشترط وجوده، فلو كان معدوما كما لو أوصى لميت أو لمن يظن
وجوده فبان ميتا عند الوصية، أو أوصى لمن تحمله المرأة، أو لمن يوجد من أولاد
فلان، أو أوصى بالثمرة لزيد ولمن يوجد من أولاده لم يصح الوصية عندهم،
وتصح الوصية للوارث وغيره.
وفي صحة الوصية للذمي أقوال:
أحدها: الجواز مطلقا.
وثانيها: المنع مطلقا.
وثالثها: الجواز لذوي الأرحام حسب.
والأول أقوى، لقوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين) إلى
قوله: (أن تبروهم) (1) ولصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (2) وصحيحته
عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) وحسنته أيضا (4) وروايته عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) وغيرها.
وحجة الثاني قوله تعالى: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من
حاد الله) (6) الآية، واجيب بأن الظاهر المنع من المودة من حيث المحادة، وفيه تأمل.

(1) الممتحنة: 8.
(2) الوسائل 13: 411، الباب 32 من أبواب الوصايا، ذيل الحديث 1.
(3 و 4) الوسائل 13: 411، الباب 32 من أبواب الوصايا، ح 1.
(5) الوسائل 13: 411، الباب 32 من أبواب الوصايا، ذيل الحديث 1.
(6) المجادلة: 22.
48

والوجه المعارضة بالآية السابقة وآية الوصية والأخبار المذكورة، وعدم
استلزام الوصية للمودة.
وفي الوصية للحربي تردد ولا يبعد ترجيح الصحة، لعموم الأدلة.
ولا يصح الوصية لمملوك الغير، ولا لمدبره، ولا لام ولده، ولا لمكاتبه
المشروط والذي لم يؤد من مكاتبته شيئا وإن أجاز المولى. وقيل: يجوز
للمكاتب (1) والأول أقوى، لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (2).
ولو أوصى لمكاتب غيره المطلق وقد أدى بعض مكاتبته كان له من الموصى
به بقدر ما أداه على الأقرب، لرواية محمد بن قيس الواردة في الصحيح
والحسن (3). وقيل: الجميع (4). ويجوز الوصية لمملوك نفسه ومدبره ومكاتبه وام
ولده، لصحيحة محمد بن الحسن الصفار (5).
وإذا أوصى لعبد نفسه فإن كان الموصى به جزء مشاع من التركة كالثلث
والربع صحت الوصية وينظر، فإن خرج من الثلث وكان بقدر قيمته اعتق ولا شيء
له، وإن كان أكثر من قيمته اعتق وكان الفاضل له، وإن كان أقل من قيمته، وقيمته لم
تبلغ ضعفه عتق منه بقدر الوصية إن خرجت من الثلث، وإلا فبقدر الثلث واستسعى
للورثة في الباقي بلا خلاف ظاهر في ذلك بين الأصحاب، وإن بلغت قيمته ضعف
ما أوصى به ففيه قولان، ولعل الأقرب أنه كالسابق، وحكم الشيخان ببطلان
الوصية (6) استنادا إلى رواية الحسن بن صالح (7) وهي بالدلالة على القول الأول أشبه.
وإن كان الموصى به شيئا معينا كدار أو بستان وإن كان نصفه مشاعا

(1) جامع المقاصد 10: 45.
(2) الوسائل 13: 466، الباب 78 من أبواب الوصايا، ح 2.
(3) الوسائل 13: 468، الباب 80 من أبواب الوصايا، ح 1.
(4) المسالك 6: 229.
(5) الوسائل 13: 454، الباب 63 من أبواب الوصايا، ح 1.
(6) المقنعة: 676، النهاية 3: 149.
(7) الوسائل 13: 467، الباب 79 من أبواب الوصايا، ح 2.
49

فالأكثرون أطلقوا جريان الحكم فيه، وذهب جماعة من الأصحاب إلى الحكم
بالبطلان في المعين واختصاص الحكم المذكور بالمشاع (1). [ولعل الأول أقرب] (2).
قال في المسالك: والحق هنا أن يقال: لابد للحكم بصحة الوصية للعبد مع
الحكم بكونه غير مالك من دليل وهو من النص منتف في غير الرواية المذكورة
- يعني رواية الحسن بن صالح - وهي ضعيفة، فإن اعتبرناها من حيث الشهرة أو
غيرها شملت القسمين، وإلا فما اجمع على حكمه لا مجال لمخالفته، وما اختلف
فيه فلابد لمثبته من دليل صالح، وقد رأينا المصححين مطلقا يردون على من
قيدها بكون القيمة دون ضعف الوصية بضعف مستنده، وليس لهم في تصحيح
الوصية لعبد الموصي سوى تلك الرواية، وفي مقابلتها رواية عبد الرحمن بن
الحجاج عن أحدهما (عليهما السلام) أنه: «لا وصية لمملوك» وهي قريبة منها في السند،
لكن دلالة تلك أقوى كما رأيت (3).
وفيه نظر، لأن الدليل على تصحيح الوصية للعبد سوى ما ذكر عموم ما يدل
على إيجاب مراعاة الوصية.
وما رواه الصدوق بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار أنه كتب إلى أبي
محمد الحسن بن علي (عليه السلام): رجل أوصى بثلث ماله في مواليه ومولياته، الذكر
والانثى فيه سواء، أو للذكر مثل حظ الانثيين من الوصية؟ فوقع (عليه السلام): جائز للميت
ما أوصى به على ما أوصى إن شاء الله (4).
ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن الحسن (5) والكليني عن محمد بن يحيى
عنه (6) فظهر أن القول بالبطلان في الوصية المذكورة بعيد عن الصواب.
ولو أعتق مملوكه في مرضه وعليه دين فإن كانت قيمة المملوك ضعف الدين

(1) كابن الجنيد والعلامة في المختلف 6: 369.
(2) شطب عليه في الأصل.
(3) المسالك 6: 225 - 226.
(4) الفقيه 4: 209، ح 5485.
(5) التهذيب 9: 215، ح 847.
(6) الكافي 7: 45، ح 2.
50

فصاعدا اعتق المملوك وسعى في خمسة أسداس قيمته أو أقل منها، وإن كانت
قيمته أقل لم يصح عتقه، ذهب إليه جماعة من الأصحاب (1) عملا بصحيحة
عبد الرحمن (2) وحسنة زرارة (3) وصحيحة جميل (4) وغيرها، والعمل بها متجه.
والشيخ وجماعة عدوا الحكم إلى الوصية (5) والظاهر أن نظر الشيخ والجماعة
على حمل قوله: «أعتقهم عند الموت» في صدر خبر عبد الرحمن على المعنى الأعم
من الإعتاق المنجز والمعلق، إذ يصدق عليهما الإعتاق بوجه وإن كان المتبادر إلى
الذهن الأول بقرينة إطلاق الوصية على الإعتاق المذكور في أواخر الخبر مرتين،
أو حمل الإعتاق على المنجز واستفادة التعميم من آخر الخبر، وهذا متجه.
ويؤيده صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا ملك
المملوك سدسه استسعى واجبر (6). فقول الشيخ جيد. وخبر الحلبي مطلق يحمل
على المقيد.
وأكثر المتأخرين ردوا الرواية وزعموا أن الدين إن كان يحيط بالتركة بطل
العتق والوصية به، وإن فضل منها عن الدين فضل وإن قل صرف ثلث الفاضل في
الوصايا، فينعتق من العبد بحساب ما يبقى من الثلث ويسعى في باقي قيمته عملا
بالروايات العامة الدالة على القواعد المعروفة وصحيحة الحلبي، والجواب
يظهر مما ذكرنا.
ولو أوصى لام ولده صحت الوصية، وهل تعتق من نصيب ولدها أو من
الوصية؟ قيل: تعتق من الوصية، فإن قصرت اكمل من نصيب ولدها، وإن زادت

(1) الشرائع 2: 254، جامع المقاصد 10: 205، المسالك 6: 227.
(2) الوسائل 13: 423، الباب 39 من أبواب الوصايا، ح 5.
(3) الوسائل 13: 422، الباب 39 من أبواب الوصايا، ح 2.
(4) الوسائل 13: 425، الباب 39 من أبواب الوصايا، ح 6.
(5) النهاية 3: 149، المهذب 2: 108، إصباح الشيعة: 353 و 354.
(6) الوسائل 13: 422، الباب 39 من أبواب الوصايا، ح 1.
51

تعطى الزيادة (1). وقيل: تعتق من نصيب ولدها إن وفى وتعطى الوصية (2) ولعل
الأقرب الأول، لما رواه المشايخ الثلاثة عن الحسن بن محبوب عن جميل بن
صالح عن أبي عبيدة في الصحيح (3) ورواه ابن إدريس من كتاب المشيخة للحسن
ابن محبوب (4). وفي صحيحة ابن أبي نصر المذكورة في كتاب المشايخ الثلاثة (5)
وفي كتاب قرب الإسناد كتب (عليه السلام): تعتق من الثلث ولها الوصية (6). وفي مرسلة
محمد بن يحيى: تعتق في الثلث ولها الوصية (7). ولتقدم الوصية على الميراث
بمقتضى الآية. وفي الكافي والتهذيب في ذيل صحيحة أبي عبيدة قال: وفي كتاب
العباس بن معروف: تعتق من نصيب ابنها وتعطى من ثلثه ما أوصى لها به (8).
ومجرد كون ذلك في كتاب العباس من غير استناده إلى أحد المعصومين لا تصلح
للحجية، فلا تعارض ما قدمناه.
ولو أطلق الوصية لجماعة كان مقتضاها التسوية بينهم ذكورا وإناثا، إلا إذا
أوصى لأعمامه وأخواله ففيه قولان:
أحدهما: التسوية، وهو الأشهر.
وثانيهما: أن للأعمام الثلثين وللأخوال الثلث، ذهب إليه الشيخ وجماعة (9)
وهو غير بعيد، لصحيحة زرارة (10) وحكم المحقق بأنها مهجورة. ولو قال بالتفضيل
أو على كتاب الله اتبع.

(1) النهاية 3: 151.
(2) السرائر 3: 199 و 200.
(3) الكافي 7: 29، ح 4، الفقيه 4: 216، ح 5507، التهذيب 9: 224، ح 880.
(4) السرائر 3: 600.
(5) الكافي 7: 29، ح 1، الفقيه 4: 217، ح 5508، التهذيب 9: 224، ح 877.
(6) قرب الإسناد: 388، ح 1363.
(7) الوسائل 13: 470، الباب 82 من أبواب الوصايا، ح 3.
(8) الكافي 7: 29، ذيل الحديث 4، التهذيب 9: 224، ذيل الحديث 880.
(9) النهاية 3: 156 - 157، ونقله عن ابن الجنيد وابن البراج في المختلف 6: 384.
(10) الوسائل 13: 454، الباب 62 من أبواب الوصايا، ح 1.
52

ولو أوصى لأقاربه أو ذوي قرابته كان للمعروفين بنسبه عند الأكثر رجوعا
إلى العرف، وقيل: كان لمن يتقرب إليه إلى آخر أب وام في الإسلام (1). وقيل: كان
لمن يتقرب إليه من جهة ولده أو والديه ولا يتجاوز ولد الأب الرابع (2). وقيل غير
ذلك. والأول أقرب.
ولو أوصى لقومه فالأكثر على أنه لأهل لغته، ومنهم من خصه بالذكور منهم،
وقيل: إنهم الرجال من قبيلته (3).
ولو أوصى لأهل بيته ففيه خلاف، والأقوى الرجوع إلى عرف بلد الموصي،
وفي تفسير «العشيرة» أيضا خلاف، والأقوى الرجوع إلى العرف المذكور.
ولو أوصى لجيرانه فكما ذكرنا في الوقف. ولو أوصى للأقرب نزل على
مراتب الإرث في الاستحقاق لا في كيفيته، فيتساوى فيه الذكر والانثى. وهل
يعطى الأبعد مع الأقرب إذا كان مقدما في الميراث كابن العم من الأبوين مع العم
من الأب؟ فيه احتمالان، أقربهما العدم. وإذا اجتمع الأخ من الأبوين مع الأخ من
الأب ففي تقديمه عليه وجهان. وإذا أوصى المسلم أو الكافر للفقراء فكما قلنا
في الوقف.
ولو مات الموصى له قبل الموصي فالوصية لورثة الموصى له إن لم يرجع
الموصي ولم تدل قرينة على إرادة تخصيص الموصى له بالوصية دون وارثه.
وقيل: تبطل الوصية.
ولو لم يخلف الموصى له أحدا رجعت إلى ورثة الموصي، سواء قبل الموصى
له أم لا، ويحتمل على بعد الانتقال إلى الإمام ويتولاه النائب العام مع غيبته. ولا
يتعين على الموصى له وجه فيما يدفع إليه إن لم يعين الموصي، وإلا تعين.
ولو أوصى في سبيل الله صرف إلى ما فيه ثواب، وقيل: يختص بالغزاة، ومع

(1) النهاية 3: 158.
(2) نقله عن ابن الجنيد في المختلف 6: 359.
(3) انظر المسالك 6: 233 و 234.
53

تعذره يصرف في أبواب البر (1). والأول أقرب.
وتصح الوصية للحمل الموجود وإن لم تحله الحياة، واستقرارها مشروط
بوضعه حيا، والنماء المتخلل بين الولادة وموت الموصي يتبع العين. وهل يشترط
قبول الولي؟ فيه وجهان، ولعل العدم أقرب. ولو وضعته ميتا بطلت الوصية. ولو
مات بعد وضعها حيا انتقلت إلى وارثه. وهل يعتبر قبول الوارث؟ فيه وجهان.
الخامس في الأحكام واللواحق
وفيه مسائل:
الاولى: إذا أوصى بجزء من ماله، فقيل: إنه العشر (2). وقيل: إنه السبع (3). وفيه
تردد، لاختلاف الروايات (4) وخفاء الترجيح، ولا يبعد ترجيح العشر، لكون
رواياته أكثر.
ولو أوصى بسهم من ماله، فالمشهور أنه الثمن، وعن الشيخ في أحد قوليه أنه
السدس (5). والأول أقرب، لصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر (6) وحسنة
صفوان (7) ورواية ابن أبي نصر وصفوان في الصحيح والحسن (8) ورواية السكوني (9).
ولو أوصى بشيء، كان سدسا، لموثقة أبان (10) ورواية أبي حمزة (11).

(1) المبسوط 4: 35.
(2) الشرائع 2: 248.
(3) المقنعة: 673.
(4) الوسائل 13: 442، الباب 54 من أبواب الوصايا.
(5) المبسوط 4: 8.
(6) الوسائل 13: 448، الباب 55 من أبواب الوصايا، ح 1.
(7) الوسائل 13: 448، الباب 55 من أبواب الوصايا، ح 2.
(8) الوسائل 13: 448، الباب 55 من أبواب الوصايا، ح 2.
(9) الوسائل 13: 449، الباب 55 من أبواب الوصايا، ح 3.
(10) الوسائل 13: 450، الباب 56 من أبواب الوصايا، ح 1.
(11) الوسائل 13: 450، الباب 56 من أبواب الوصايا، ذيل الحديث 1.
54

ولو قال: أعطوه مالا كثيرا، فالمشهور أنه ثمانون، نظرا إلى بعض الروايات
الواردة في النذر (1) وقيل: يختص الرواية بموردها (2). وفيه تردد، ولم يبعد الرجوع
إلى الوارث أو العرف.
الثانية: قالوا لو أوصى بلفظ مجمل لم يفسره الشرع رجع في تفسيره إلى
الوارث، كقوله: أعطوه حظا من مالي، أو قسطا، أو نصيبا، أو قليلا، أو يسيرا، أو
جليلا، أو جزيلا. وفي الأخيرين إشكال.
ولو تعذر الرجوع إلى الوارث لغيبة أو امتناع أو صغر روعي أقل المسمى
عملا بالمتيقن. وإن ادعى الموصى له أن الموصي قصد في بعض هذه الألفاظ شيئا
معينا وأنكر الوارث كان القول قول الوارث، وإن ادعى عليه العلم بذلك فعليه
اليمين بنفي العلم، لا على البت لأنه على نفي فعل الغير.
الثالثة: لو أوصى بوجوه فنسي الوصي وجها أو أكثر منها فالأكثر على أنه
يصرف في وجوه البر، وقال ابن إدريس: إنه يرجع إلى الوارث (3). وهو منقول عن
الشيخ في بعض فتاويه (4). ولعل الأول أقرب، لأنه خرج عن ملكه بالوصية، ولأن
الميراث بعد الوصية لا مطلقا، للآية. ويؤيده مكاتبة محمد بن الريان (5) والرواية
وإن كانت ضعيفة، لكن لا معارض لها.
الرابعة: لو أوصى بسيف معين دخل الجفن والحلية في الوصية على الأشهر
الأقوى بشهادة العرف، ويؤيده رواية البزنطي في الصحيح عن أبي جميلة الضعيف (6).
ولو أوصى بصندوق وفيه ثياب، أو سفينة وفيها متاع، أو جراب وفيه قماش
فإن الوعاء وما فيه داخل في الوصية على المشهور، ويدل على حكم الصندوق

(1) الوسائل 16: 186، الباب 3 من أبواب النذر.
(2) السرائر 3: 188.
(3) السرائر 3: 208 - 209.
(4) نقله في السرائر 3: 208.
(5) الوسائل 13: 453، الباب 61 من أبواب الوصايا، ح 1.
(6) الوسائل 13: 451، الباب 57 من أبواب الوصايا، ح 1.
55

رواية البزنطي في الصحيح عن أبي جميلة الضعيف ورواية عقبة (1) وعلى السفينة
رواية عقبة بن خالد (2) وفي المسائل إشكال، لاختلاف العرف والقرائن في ذلك،
والوجه الرجوع إليها.
الخامسة: لو أوصى بإخراج بعض ولده من تركته فالأكثر على أنها لا تصح.
وقيل: إنها تصح في الثلث (3). ولعل الأقرب أنه إن علم كون الولد ولدا له أو أقر به
ثم قال: هذا ليس بولدي فلا تعطوه من الميراث شيئا. لم يقبل، لصحيحة سعد بن
سعد عن الرضا (عليه السلام) (4). ولو قال: لا تعطوا هذا شيئا من مالي، أو قال: أعطوا تمام
مالي لفلان وفلان، فالظاهر حرمانه من الثلث، وفيه رواية غير نقية السند دالة على
التنفيذ (5) ولو عملنا بها اقتصرنا على موردها فلا يعم الحكم.
السادسة: إذا أوصى بوصية ثم باخرى مضادة للاولى حكم بالأخيرة.
السابعة: لو أشار إلى أمته وأوصى بحملها الموجود أو بحملها مطلقا ودلت
القرائن على إرادة الموجود صحت، فإن جاءت به لأقل من ستة أشهر صحت
الوصية به، وإن جاءت لأكثر من أقصى مدة الحمل من حين الوصية لم تصح، وإن
جاءت بمدة بينهما قالوا: ينظر فإن كان فراشا بحيث يمكن تجدده بعد الوصية لم
يحكم بصحتها، وإلا حكم بصحتها تغليبا للأصل على الظاهر.
وتصح الوصية بما سيتجدد من حمل الأمة والشجرة كما تصح الوصية بسكنى
الدار مدة معينة، ولا فرق في الصحة بين المضبوط بمدة أو عدد أو مطلق أو عام
شامل لجميع ما يتجدد زمان بقائها.
ولو أوصى بما تحمله فهل ينزل على العموم؟ يبنى على أن الموصولة في مثله
يفيد العموم أو لا. ولو قال: إن كان في بطن هذه ذكر فله درهم، وإن كان انثى فله

(1) الوسائل 13: 452، الباب 58 من أبواب الوصايا، ح 2 و 1.
(2) الوسائل 13: 452، الباب 59 من أبواب الوصايا، ح 1.
(3) المسالك 6: 184.
(4) الوسائل 13: 476، الباب 90 من أبواب الوصايا، ح 1.
(5) الوسائل 13: 476، الباب 90 من أبواب الوصايا، ح 2.
56

درهمان، فخرج ذكر وانثى، كان لهما ثلاثة دراهم. ولو قال: إن كان الذي في بطنها
ذكرا فكذا وإن كان انثى فكذا، فخرج ذكر وانثى، لم يكن لهما شيء.
الثامنة: إذا أوصى بخدمة عبد أو سكنى دار أو ثمرة شجرة مدة معينة أو على
التأبيد، صحت وروعي خروج المنفعة من الثلث وعدمه في تنفيذ الكل والبعض،
فإن كانت المنفعة مضبوطة بمدة قومت العين بمنافعها ثم قومت مسلوب المنفعة
في تلك المدة ونظر إلى التفاوت بين القيميتن في نسبته إلى ثلث التركة.
وإن كانت مؤبدة ففي تقويم المنافع أوجه:
أحدها: تقويم العين بمنافعها واعتبار خروج مجموع القيمة من الثلث.
وثانيها: اعتبار تفاوت قيمتها بمنافعها وقيمتها مسلوبة المنافع.
وثالثها: أن يحتسب قيمة المنفعة من الثلث ولا يحتسب قيمة الرقبة على أحد
من الوارث والموصى له، وأوجه الأوجه الأوسط.
وللموصى له التصرف في المنفعة، وللوارث التصرف في العين بالعتق، ولا
يبطل حق الموصى له من المنافع، ويجوز بيعه إذا كانت المنافع مؤقتة، وإن كانت
مؤبدة ففي جوازه مطلقا أو على الموصى له خاصة أو المنع مطلقا أوجه. ولعل
الأقرب الجواز حيث يبقى منفعة كالعتق مثلا.
وإذا أوصى بخدمة عبده مدة معينة فنفقته على الورثة، وكذا الحيوانات
المملوكة.
وفي محل وجوب نفقة المؤبدة أوجه:
أحدها: أنه كالأول.
والثاني: أنه الموصى له.
والثالث: أنه بيت المال. ولعل الأول أقرب.
وإن تنازعا في عمارة الدار أو سقي الأشجار هل يجبر أحدهما أم لا؟ وهل
يفرق في ذلك بين المعينة والمؤبدة؟ فيه إشكال.
ولو أوصى بلفظ شامل لأفراد متعددة فللوارث تعيين ما شاء منها. ولو كان
57

بلفظ مشترك من غير قرينة تدل على التعيين فكذلك على الأشهر. وقيل بالقرعة (1).
ولو قال: أعطوه قوسي، وله قوس واحد فقط انصرفت الوصية إليه.
ولو أوصى برأس من مماليكه تخير الوارث في التعيين، ويجوز أن يعطي
الصغير والكبير والصحيح والمعيب، ولو هلكت مماليكه بعد وفاته إلا واحدا تعين،
فإن ماتوا بطلت الوصية.
التاسعة: تثبت الوصية بمال بشاهدين مسلمين [عدلين] (2) وكذا الولاية، ومع
عدم المسلمين والضرورة تثبت بشهادة عدول أهل الذمة والآية تضمنت اشتراط
قبولها بالسفر وتحليفها بعد الصلاة كما ذكر في الآية الشريفة (3). ويعضده التقييد
بالغربة في حسنة هشام بن الحكم (4) ورواية يحيى بن محمد (5) ورواية محمد بن
الفضيل (6) ورواية حمزة بن حمران (7) وبالسفر في رواية المفضل بن عمر المذكورة
في بصائر الدرجات (8).
وأكثر الأصحاب على عدم اعتبار السفر ولا الحلف [استنادا إلى عموم بعض
الروايات] (9) ويدل عليه صحيحة ضريس الكناسي، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن
شهادة أهل الملل هل يجوز على رجل مسلم من غير أهل ملتهم؟ فقال: لا، إلا أن
لا يوجد في تلك الحال غيرهم، وإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم في الوصية،
لأنه لا يصلح ذهاب حق امرء مسلم ولا تبطل وصيته (10). وفي معناها حسنة

(1) حكاه في المسالك 6: 200.
(2) لم يرد في المطبوع وخ 2.
(3) المائدة: 106.
(4) الوسائل 13: 391، الباب 20 من أبواب الوصايا، ح 4.
(5) الوسائل 13: 391، الباب 20 من أبواب الوصايا، ح 6.
(6) الوسائل 13: 390، الباب 20 من أبواب الوصايا، ح 2.
(7) الوسائل 13: 392، الباب 20 من أبواب الوصايا، ح 7.
(8) بصائر الدرجات: 554.
(9) الظاهر من نسخة الأصل أن ما جعلناه بين المعقوفتين مما كتبه المؤلف (قدس سره) أولا مكتفيا به،
ثم بداله أن يبدله بقوله: «ويدل عليه... الخ» لكن غفل عن الشطب على المبدل منه.
(10) الوسائل 13: 390، الباب 20 من أبواب الوصايا، ح 1.
58

الحلبي ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) وموثقة سماعة عنه (عليه السلام) (2) وما
رواه الكليني عن هشام بن الحكم بإسنادين: أحدهما: حسن بإبراهيم، والآخر
معتبر عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله عز وجل (أو آخران من غيركم) قال: إذا كان
الرجل في بلد ليس فيه مسلم جازت شهادة من ليس بمسلم في الوصية (3).
ورواه الشيخ في الموثق وفي الحسن أيضا، إلا أنه قال: إذا كان الرجل في
أرض غربة لا يوجد فيها مسلم (4).
وأوجب العلامة التحليف بعد العصر (5) نظرا إلى ظاهر الآية، ولو وجد مسلمان
فاسقان فالأشهر أن الذميين العدلين أولى نظرا إلى ظاهر الآية.
والعلامة قدم الفاسقين إذا كان فسقهما لغير الكذب والخيانة (6). ويدل عليه
إطلاق صحيحة ضريس (7) وحسنة الحلبي ومحمد بن مسلم (8) ورواية أبي
الصباح (9) وحسنة هشام بن الحكم وموثقته (10) وموثقة سماعة (11) ورواية يحيي بن
محمد (12) ورواية محمد بن الفضيل (13) ورواية حمزة بن حمران (14).

(1) الوسائل 13: 390، الباب 20 من أبواب الوصايا، ح 3.
(2) الوسائل 13: 391، الباب 20 من أبواب الوصايا، ح 5.
(3) و (4) الكافي 7: 4، ح 3 وص 398، ح 6، والتهذيب 9: 180، ح 725، وفي الروايات تقدم
وتأخر في الكافي والتهذيب فراجع الوسائل 13: 391، الباب 20 من أبواب الوصايا ح 4.
(5) لم نعثر عليه وحكاه عنه في المسالك 6: 204.
(6) التذكرة 2: 522 س 2.
(7) الوسائل 13: 390، الباب 20 من أبواب الوصايا، ح 1.
(8) الوسائل 13: 390، الباب 20 من أبواب الوصايا، ح 3.
(9) الوسائل 13: 390، الباب 20 من أبواب الوصايا، ح 2.
(10) الوسائل 13: 391، الباب 20 من أبواب الوصايا، ح 4 وذيله.
(11) الوسائل 13: 391، الباب 20 من أبواب الوصايا، ح 5.
(12) الوسائل 13: 391، الباب 20 من أبواب الوصايا، ح 6.
(13) الوسائل 13: 392، الباب 20 من أبواب الوصايا، ذيل الحديث 6.
(14) الوسائل 13: 392، الباب 20 من أبواب الوصايا، ح 7.
59

أما المسلمان المجهولان فيبنى على اعتبار ظهور العدالة أو عدم ظهور
الخلاف في الحكم بها، فعلى الثاني يقدم المسلمين، وعلى الأول وجهان.
ويقبل في الشهادة بالمال شهادة واحد مع اليمين وشهادة شاهد وامرأتين،
وتقبل شهادة الواحدة في الربع، ويدل عليه صحيحة ربعي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في
شهادة امرأة حضرت رجلا ليس معها رجل؟ فقال: يجاز ربع ما أوصى بحساب
شهادتها (1).
وفي معناه رواية أبان عنه (عليه السلام) (2) وصحيحة محمد بن قيس قال: قال أبو
جعفر (عليه السلام): قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصية لم يشهدها إلا امرأة أن تجوز شهادة
المرأة في ربع الوصية إذا كانت مسلمة غير مريبة في دينها (3).
وفي صحيحة اخرى له: فأجاز شهادة المرأة في ربع الوصية (4). والمعارض لا
يقاوم الأخبار المذكورة.
وكذا تقبل شهادة اثنتين في النصف وثلاث في ثلاثة أرباع، ولعل الظاهر
اعتبار العدالة، ولا يتوقف على اليمين خلافا للتذكرة (5).
ولو شهد رجل واحد ففي ثبوت النصف أو الربع بشهادته من غير يمين أو
سقوط شهادته أصلا أوجه، أضعفها الأول.
وتثبت الولاية بشاهدين عدلين، ولا تقبل شهادة النساء في ذلك منفردات،
والمشهور أنه لا يقبل في ذلك شهادة شاهد مع اليمين، والمشهور أنه لا يقبل
شهادة الوصي فيما هو وصي فيه واستفيد منها له حظ، خلافا لابن الجنيد (6). ولو لم
تثبت وصايته لعدم البينة فالظاهر قبول شهادته.

(1) الوسائل 13: 395، الباب 22 من أبواب الوصايا، ح 1.
(2) الوسائل 13: 396، الباب 22 من أبواب الوصايا، ح 2.
(3) الوسائل 13: 396، الباب 22 من أبواب الوصايا، ح 3.
(4) الوسائل 13: 396، الباب 22 من أبواب الوصايا، ح 4.
(5) التذكرة 2: 522 س 7.
(6) نقله عنه في المختلف 7: 531.
60

ولو مات رجل وترك جارية ومملوكين فورثهما أخ له مثلا وأعتق العبدين
وولدت الجارية غلاما، فشهدا بعد العتق أن مولاهما كان أشهدهما أنه كان يقع
على الجارية وأن الحبل منه يجوز شهادتهما ويردان عبدين، لصحيحة الحلبي عن
الصادق (عليه السلام) (1). ويكره له استرقاقهما، وقيل: يحرم (2) والأول أقرب، لأن مستند
الحكم موثقة داود بن فرقد (3) ودلالتها على التحريم غير واضحة.
العاشرة: المعروف بينهم أنه إذا أوصى بعتق عبيده وليس له سواهم اعتق
ثلثهم بالقرعة بتعديلهم أثلاثا بالقيمة وإيقاع القرعة بينهم وإعتاق الثلث المخرج
بالقرعة، ومستنده المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) (4) ولو بلغ الثلث جزءا من بعض عتق من
العبد بحسابه ويسعى في باقي القيمة.
ولو أوصى بعتق عدد مخصوص من عبيده قيل: يستخرج ذلك بالقرعة (5).
وقيل: للورثة أن يتخيروا بقدر ذلك (6) وحمل القرعة على الاستحباب، وهو غير بعيد.
ولو أوصى بعتق رقبة مؤمنة اتبع، فإن لم يجد قيل: يعتق من لم يعرف بنصب (7)
والأقوى أنه لا يجزي غير ما اوصي به فيتوقع المكنة. ولو ظنها مؤمنة فأعتقها
فبانت خلاف ذلك لم يبعد الإجزاء.
ولو أوصى بعتق رقبة بثمن معين فلم يوجد إلا بأكثر منه لم يجب وتوقع
المكنة، فإن يئس منه ففي بطلان الوصية، أو صرفه في وجوه البر، أو شراء شقص
به فإن تعذر فأحد الأمرين أوجه.
ولو لم يوجد إلا بأقل فالمشهور أنه اشتراها وأعتقها ودفع إليها ما بقي،
ومستنده موثقة سماعة، وفي الرواية: «تدفع الفضلة إلى النسمة من قبل أن يعتق ثم
يعتق عن الميت».

(1) الوسائل 13: 461، الباب 71 من أبواب الوصايا، ح 2.
(2) حكاه في المسالك 6: 208.
(3) الوسائل 13: 460، الباب 71 من أبواب الوصايا، ح 1.
(4) عوالي اللآلئ 1: 456، ح 196.
(5) الشرائع 2: 252.
(6) حكاه واستحسنه في الشرائع 2: 252.
(7) الشرائع 2: 252.
61

الحادية عشرة: تجب الوصية بالحقوق الواجبة، ويستحب الوصية بالمعروف،
وفي تحريم الزائد على الثلث بدون رضاء الورثة قولان.
والوصية بما دون الثلث أفضل، حتى أنها بالربع أفضل من الثلث، وبالخمس
أفضل من الربع، وعموم النصوص يقتضي عدم الفرق بين كون الوصية بذلك لغني
أو فقير وغير ذلك وكون الورثة أغنياء أو فقراء.
وفصل ابن حمزة فقال: إن كان الورثة أغنياء كانت الوصية بالثلث أولى، وإن
كانوا فقراء فبالخمس، وإن كانوا متوسطين فبالربع (1). وقال العلامة في التذكرة:
لا يبعد عندي التقدير بأنه متى كان المتروك لا يفضل عن غنى الورثة لا يستحب
الوصية (2).
الثانية عشرة: إذا أوصى له بنصيب بعض الورثة وعينه كابنه أو أطلق صحت
الوصية من الثلث مطلقا، ومن الزائد أيضا مع إجازة الورثة.
والمعروف من مذهب علمائنا أن الموصى له يكون بمنزلة وارث آخر،
فيضاف إلى المعين أو المطلق، فإن قال: «بمثل بعض الورثة» يتساوى الموصى له
والوارث إن تساووا، وإن تفاضلوا جعل كأقلهم نصيبا. وقال جماعة من العامة: إنه
يعطى مثل نصيب المعين أو بعض الورثة على تقدير عدم الوصية، فلو أوصى بمثل
نصيب ابنه وله ابن واحد كانت وصيته بالجميع عندهم، والوجه الأول، وضابطه أن
يقام الفريضة ويزاد عليها مثل نصيب الموصى بنصيبه له.
فلو أوصى بنصيب ابنه لزيد وله ابن واحد كانت الوصية بالنصف، فإن أجاز
الابن اقتسم المال بينهما بالسوية، وإن رد كان الثلث لزيد والباقي للابن.
ولو كان له ابنان كانت الوصية بالثلث. ولو كان ثلاثة كانت بالربع. ولو كان له
زوجة وبنت وقال: «مثل نصيب بنتي» فالصحيح أن للموصى له سبعة أسهم وللبنت
مثلها، وللزوجة واحد من خمسة عشر على تقدير إجازة الورثة، ولو لم يجز

(1) الوسيلة: 375.
(2) التذكرة 2: 480 س 43.
62

فالمسألة من اثني عشر للموصى له الثلث أربعة، وللزوجة ثمن الباقي سهم،
وللبنت سبع. ولو أجازت إحداهما خاصة ضربت إحدى الفريضتين في وفق
الاخرى يبلغ ستين، لأن بين الاثني عشر والخمسة عشر توافقا بالثلث، فيضرب
ثلث إحداهما في الاخرى، فمن أجاز ضرب نصيبه من مسألة الإجازة في وفق
مسألة الرد، ومن رد ضرب نصيبه من مسألة الرد في وفق مسألة الإجازة فذلك
نصيبه والباقي للموصى له وهذا ضابط كلي.
ولو فرض كون الفريضتين متباينتين ضربت إحداهما في الاخرى ونصيب
من أجاز من مسألة الإجازة في مسألة الرد، ونصيب من رد من مسألة الرد في
مسألة الإجازة. وذهب الشيخ إلى أن للموصى له سبعة، وللبنت سبعة، وللزوجة
اثنان (1). وهو خطأ.
ولو كان له أربع زوجات وبنت فأوصى بمثل نصيب إحداهن فالوجه أن
الفريضة من ثلاثة وثلثين للموصى له سهم واحد والباقي ينقسم بينهن على
سهامهن، وذهب الشيخ إلى أن الفريضة من اثنين وثلثين (2).
ولو أوصى لأجنبي بنصيب ولده قيل: إنه مثل ما لو أوصى بمثل نصيب
ولده (3). وقيل: إنه تبطل (4). وقيل: إنه وصية بالجميع (5).
الثالثة عشرة: إذا أوصى بثلثه للفقراء وله أموال متفرقة في بلاد جاز صرف ما
في كل بلد إلى فقرائه، ويجوز صرف الجميع في بلد الموصي إن لم يمنع مانع
شرعي من النقل مثل تغرير بالمال أو تأخير بالوصية - إذا وجب التعجيل للشرط،
أو قلنا بأن الإطلاق يقتضيه - أو تفويتها.
ولو أخرج قدر الثلث في بلد الموصي من المال الموجود فيه وترك الباقي
للورثة جاز مع رضاهم، إلا أن يتعلق غرض الموصي بخصوص الأموال. ويدفع

(1 و 2) المبسوط 4: 6.
(3) حكاه في الشرائع 2: 259.
(4) المبسوط 4: 7.
(5) المختلف 6: 347.
63

إلى من بالبلد ولا يجب تتبع الغائب وهل يجب أن يعطى ثلاثة؟ فيه قولان،
والأحوط نعم، لتحصيل أقل الجمع.
وهل يجب استيعاب من بالبلد إن لم تدل القرينة على كون ذلك أو عدمه
مقصودا للموصي؟ فيه نظر، نظرا إلى أن الظاهر هل كونه بيانا للمصرف أو كونهم
مستحقين على جهة الاشتراك.
ولو قال: أعتقوا رقابا، وجب أن يعتقوا ثلاثا فما زاد، ولو قصر الثلث عن
الجميع لم يبعد وجوب الإتيان بالممكن، لأنه في قوة واحدة وواحدة وواحدة،
ولو قصر عن الواحد ففي وجوب إعتاق الشقص نظر، فإن تعذر ففي رده إلى
الورثة أو صرفه في وجوه البر مطلقا، أو الثاني على تقدير إمكان الإعتاق أولا
والأول على تقدير التعذر أولا أوجه.
الرابعة عشرة: لو أوصى لواحد بعبد معين ولآخر بتمام الثلث صحت
الوصيتان ويعمل بمقتضاهما، ولو حدث على العبد عيب قبل التسليم الواقع بعد
الموت فالأشهر أن للموصى له الثاني تكملة الثلث بعد وضع قيمة العبد صحيحا،
لأنه قصد عطية التكملة والعبد صحيح.
واستشكل ذلك بأن مقتضى الوصية الثانية أن يكون بيد الورثة ضعف ما بيد
الموصى له الثاني بعد إسقاط ضعف الموصى به الأول، فيجب أن يكون نقص العبد
محسوبا من التركة بالنسبة إلى الأول، فهو كالباقي، واستوجه أن يكون للثاني على
حساب ما لم ينقص العبد، والواصل إلى الورثة الثلثان وزيادة.
ولو كان نقص العبد باعتبار السوق والعين بحالها اعتبرت قيمة التركة عند
الوفاة ويعطى الثاني تمام الثلث ولا ينقص بسبب نقصان القيمة عليه شيء، بل
يزيد سهمه. ولو مات العبد قبل التسليم بطلت وصيته واعطي الثاني ما زاد على
قيمته يوم وفاة الموصي.
الخامسة عشرة: لو أوصى له بأبيه وهو مريض فقبل الوصية فإن قلنا: إن
64

منجزات المريض من الأصل عتق من الأصل، وإن قلنا: إنها من الثلث فكذلك
على الأشهر الأقوى، وقوى في التذكرة كونه من الثلث (1).
السادسة عشرة: لو أوصى له بدار فانهدمت ففي بطلان الوصية أو تعلقها
بالباقي تردد، وقيل: إن كان الموصى به دارا معينة فانهدمت فالوصية باقية (2). وإن
أوصى له بدار من دوره فانهدمت جميع دوره قبل موته بطلت.
السابعة عشرة: إذا أوصى لزيد والفقراء فالأكثر على أن لزيد النصف من
الوصية. وقيل: الربع (3). ولا يبعد ترجيح الأول.
ولو أوصى لزيد وإخوته مثلا من جماعة محصورين فالظاهر أن زيدا يكون
كأحدهم، واحتمل العلامة أن يكون حكمه حكم المسألة الاولى (4) وهو بعيد.
السادس في الوصاية
ويعتبر في الوصي الإسلام على المشهور، والعقل، وأكثر الأصحاب على
اشتراط العدالة، فلا يصح وصاية الفاسق، لأنه استئمان مال الغير وحقوقه. وقيل:
لا يشترط كالوكيل والمستودع (5). ومنهم من قال: لا ريب في اشتراط عدم ظهور
فسقه، أما اشتراط ظهور عدالته ففيه بحث (6).
ويمكن الاستدلال على عدم الاشتراط بالعمومات الدالة على وجوب
مراعاة الوصية مطلقا من غير شرط، وعموم ما دل على أن الموصي مخير في
الوصية بماله بقدر الثلث (7). وكيف ما كان فالظاهر أنه لا يشترط فيه أمر زائد على
كونه أمينا أهلا للاستئمان فيما يتعلق بالوصية، وفي اشتراط هذا القدر أيضا تأمل،
ولا يبعد عدم اشتراطه.

(1) التذكرة 2: 488 س 23.
(2) حكاه في المسالك 6: 301.
(3) حكاه في الشرائع 2: 260.
(4) التذكرة 2: 474 س 7.
(5) السرائر 3: 189.
(6) المسالك 6: 242.
(7) الوسائل 13: 361، الباب 10 من أبواب الوصايا.
65

ولو كان عدلا ثم طرأ الفسق بعد موت الموصي أو قبله مع عدم علمه به انعزل
على قول معروف حتى ظن أنه اتفاقي، فيستنيب الحاكم مكانه، وربما يفهم من
بعض عباراتهم أن انعزاله يتوقف على عزل الحاكم، وخالف ابن إدريس (1).
ولو عاد إلى العدالة بعد فسقه فالمشهور أنه لا يرجع وصايته، والقول
بالرجوع قريب.
ولا يجوز وصاية المملوك إلا بإذن مولاه. ولا يصح الوصية إلى الصبي إلا
منضما إلى بالغ، ولا يتصرف إلى حين بلوغه، ويتصرف البالغ مستقلا إلى أن يبلغ
الصغير فيشتركان، ويدل عليه صحيحة محمد بن الحسن الصفار (2) ورواية علي
ابن يقطين (3).
ولو مات الصغير أو بلغ فاسد العقل انفرد العاقل ولم يداخله الحاكم على
المشهور، وتردد في التذكرة والدروس (4) وقوى بعضهم الأول (5). واستثني ما لو بلغ
رشيدا ثم مات بعده ولو بلحظة. ولو تصرف البالغ لم يكن للصغير بعد بلوغه نقض
ما أبرمه مما وافق مقتضى الوصية.
والمشهور أنه لا يجوز الوصية إلى الكافر إلا أن يكون الموصي مثله،
ويحتمل جوازه إذا كان عدلا في دينه.
ويجوز الوصية إلى المرأة، وفي بعض الروايات الضعيفة المنع منها (6). وحمل
على الكراهية جمعا بين الأدلة.

(1) السرائر 3: 190.
(2) الوسائل 13: 438، الباب 50 من أبواب الوصايا، ح 1.
(3) الوسائل 13: 439، الباب 50 من أبواب الوصايا، ح 2.
(4) التذكرة 2: 510 س 38، الدروس 2: 325.
(5) المسالك 6: 247.
(6) الوسائل 13: 442، الباب 53 من أبواب الوصايا.
66

وهل الصفات المعتبرة في الوصي تعتبر حين الوصية أو حين الموت؟ فيه
أقوال يرجع بعد التحرير إلى ثلاثة:
الأول: اعتبار الشرائط حال الوفاة مستمرة إلى إتمام التصرفات.
الثاني: اعتبار الشرائط حال الوصية مستمرة.
الثالث: اعتبار الشرائط حال الوصية ووجودها بعد الحياة مستمرة وإن
ارتفعت بعد الوصية حال الحياة. ولا يبعد ترجيح القول الأول.
ولو أوصى إلى اثنين وشرط الاجتماع لم يجز لأحدهما الانفراد في التصرف،
وكذا لو أطلق، خلافا للشيخ في أحد قوليه (1) ولو أرادا قسمة المال بينهما لم يجز،
لمكاتبة محمد بن الحسن الصفار (2). ولو تشاحا لم يمض ما تفرد به أحدهما.
واستثنى جماعة من الأصحاب ما تدعو الحاجة إليه ولا يمكن تأخيره إلى
وقت الاتفاق من نفقة اليتيم والرقيق والدواب، ومثله شراء كفن الميت. وزاد
بعضهم قضاء ديونه وإنفاذ وصية معينة وقبول الهبة عن الصغير مع خوف فوات
النفع، والخصومة عن الميت وله وعن الطفل وله مع الحاجة، ورد الوديعة المعينة
والعين المغصوبة (3).
وقال أبو الصلاح: مع التشاح يرد الناظر في المصالح الأمر إلى من كان أعلم
بالأمر وأقوى عليه ويجعل الباقي تبعا له (4).
وأطلق في المبسوط عدم جواز تصرف أحدهما مع التشاح من غير
استثناء (5). ومال العلامة في القواعد إلى الفرق بين حالة الإطلاق والنهي عن
الانفراد، فاحتمل ضمان المنفرد في الثاني مطلقا وجواز ما لابد منه في حالة

(1) النهاية 3: 140 و 141.
(2) الوسائل 13: 440، الباب 51 من أبواب الوصايا، ح 1.
(3) جامع المقاصد 11: 292.
(4) الكافي في الفقه: 366.
(5) المبسوط 4: 54.
67

الإطلاق (1). وقيل: يضمن المنفرد مطلقا (2). واستجوده بعض المتأخرين (3) وهو أجود.
وأطلق جماعة من الأصحاب أن في صورة التشاح يجبرهما الحاكم على
الاجتماع، فإن لم يتفق جاز له الاستبدال بهما (4). وصرح في التذكرة بأنهما لا
ينعزلان بالاختلاف وأن اللذين أقامهما الحاكم نائبان عنهما.
وفي كلام ابن إدريس ما يدل على أنهما ينعزلان بالفسق، لاشتراط العدالة
في الوصي مع أنه صرح قبل ذلك بعدم اشتراط العدالة فيه (5). والوجه التفصيل على
القول باشتراط العدالة بأن التشاح إن كان باعتبار اختلاف النظر لم يلزم فسقهما،
وإن كان التشاح يوجب الإخلال بالواجب مع إمكان الاجتماع يلزم فسقهما إن
أصرا على ذلك كما هو المشهور، حيث لم يثبت كون ذلك من الكبائر.
ولو مرض أحدهما بحيث يحصل له العجز في الجملة أو حصل له العجز بجهة
اخرى ضم إلى العاجز الحاكم من يقويه، فلابد حينئذ من اجتماع الثلاثة في
التصرف كما هو المشهور، وفي الدروس جعل الضم مع عجز أحدهما إلى الآخر
وجمع بين القولين بالفرق بين العجزين (6).
ولو مات أحدهما أو فسق أو حصل له عجز كلي أو جنون أو غيبة فعند الأكثر
أنه لم يضم إليه الحاكم وأنه يجوز له الانفراد. وقوى بعضهم وجوب الضم (7) وهو جيد.
والظاهر أنه ليس للحاكم أن يفوض إليه وحده وإن كان صالحا للاستقلال
عنده. وليس للحاكم عزله وإقامة بدله متحدا ومتعددا.
ولو سوغ الموصي لهما الانفراد كان تصرف كل منهما على الانفراد ماضيا،
وكذا لو اقتسما المال.

(1) القواعد 2: 566.
(2) حكاه في المسالك 6: 251.
(3) المسالك 6: 251.
(4) النهاية 3: 140، المهذب 2: 116، الوسيلة: 373.
(5) التذكرة 2: 509 س 22.
(6) الدروس 2: 324.
(7) المسالك 6: 254.
68

ولو أوصى إليه فقبلها جاز له ردها في حياته وليس له ردها بعد وفاته، وكذا
لو لم يبلغه الرد.
ولو أوصى إليه ومات قبل الرد أو قبل أن يبلغه الرد فالأكثر على لزوم
الوصاية على الوصي.
وذهب العلامة في التحرير والمختلف إلى جواز الرجوع ما لم يقبل (1). ومال
إليه الشهيد الثاني وحمل الروايات على الاستحباب المؤكد (2) وهو جيد.
وإذا وجب على الوصي فلم يقبل وجب على الحاكم إجباره ما لم يؤد إباؤه
إلى الفسق المقتضي للانعزال على القول به.
ولو عرض للوصي عجز ضم الحاكم إليه مساعدا. والمشهور أنه لا فرق في
ذلك بين العجز الطارئ والحاصل حين الوصية. وتوقف في الدروس في صحة
الوصية إلى العاجز ابتداء (3). ولعل الصحة أقوى.
ولو ظهر منه خيانة يعزله الحاكم. والوصي أمين لا يضمن ما يتلف إلا بتعد أو
تفريط. وإذا كان للوصي دين على الميت لم يتوقف جواز استيفاء حقه مما في يده
على إذن الحاكم مطلقا على الأقوى. وقيل: يعتبر في ذلك عدم البينة (4).
وفي شراء الوصي لنفسه من نفسه قولان، والصحة أقرب. وإذا أذن للوصي في
الإيصاء إلى غيره جاز، وإن منعه لم يجز، وإن أطلق فهل له ذلك؟ فيه قولان، ولعل
الأقرب المنع، فيكون النظر بعده إلى الحاكم.
والولاية للطفل لأبيه، ثم لجده لأبيه، ثم لمن يليه من الأجداد على الترتيب.
ولا ولاية للام مع رشدها، خلافا لابن الجنيد (5) فإن عدم الجميع فالولاية لوصي
الأب ثم لوصي الجد وهكذا.

(1) التحرير 1: 303 س 30، المختلف 6: 428.
(2) المسالك 6: 258.
(3) الدروس 2: 323.
(4) السرائر 3: 192.
(5) نقله عنه في المختلف 6: 412.
69

ولا ولاية لوصي الام على الطفل على خلاف في الثلاث، فإن عدم الجميع
فالولاية للحاكم.
والولاية في الوصايا والحقوق والديون للوصي، فإن عدم فالحاكم على
المشهور وهو السلطان العادل أو نائبه الخاص أو العام وهو العدل الفقيه الجامع
لشرائط الإفتاء.
ويفهم من التذكرة أن الأب أولى بقضاء الديون وإنفاذ الوصايا من الحاكم (1)
فإن لم يكن في ذلك القطر حاكم وإن وجد في غيره وتوقفت مراجعته على مشقة
شديدة فهل يجوز أن يتولى النظر في تركة الميت من المؤمنين من يوثق به؟ فيه
قولان، وأكثر الأصحاب على الجواز. ومنعه ابن إدريس (2). والأول أقرب.
ويستثنى من موضع الخلاف ما يضطر إليه الأطفال والدواب من المؤنة
وصيانة المال المشرف على التلف، فإن ذلك ونحوه واجب على المسلمين كفاية
فضلا عن العدول كإطعام الجائعين المضطرين ونحو ذلك.
ولو كان الحاكم بعيدا وتمكن من المراجعة إليه اقتصر على ما لابد منه وأخر
ما يسع تأخيره.
وولاية الجد مقدمة على الأجنبي، فإن أوصى إليه مع وجود الجد فقيل:
يمضي تصرفه بعد الجد (3). وقيل: يمضي في الثلث مطلقا (4). وقيل: يبطل مطلقا (5).
ولو أوصى إليه على وجه العموم أو الخصوص اتبع. ولو قال: أنت وصيي، ولم
يذكر شيئا ففي كلامهم أنه لغو. ولا يبعد كونه وصيا على الأطفال، لأنه المفهوم في
المتعارف.
ولو قال: أنت وصيي على أولادي، ففيه أوجه:
أحدها: أن له التصرف في مالهم بما فيه الغبطة.

(1) التذكرة 2: 510 س 24.
(2) السرائر 3: 193 - 194.
(3) انظر المسالك 6: 267.
(4) المبسوط 4: 52.
(5) الخلاف 4: 161، المسألة 40.
70

وثانيها: أنه ينصرف إلى حفظ مالهم خاصة.
وثالثها: عدم الصحة ما لم يبين ما فوض إليه. والأول أقرب.
ويستحق المتولي لأموال اليتيم - سواء كان وليا بالأصالة كالأب والجد أم لا
كالوصي - شيئا في ماله، واختلف الأصحاب في قدره، فقيل: اجرة المثل (1). وقيل:
قدر كفايته (2). وقيل: أقل الأمرين (3) وقيل: اجرة المثل بشرط الفقر (4). وقيل: أقل
الأمرين بشرط الفقر (5). ولا ريب في استحقاقه مع الفقر أقل الأمرين، وفي الزيادة
على ذلك تردد.
السابع في تصرفات المريض
وفيه مسائل:
الاولى: إقرار المريض، وفيه أقوال بين الأصحاب:
منها: مضيه من الأصل مطلقا.
ومنها: مضيه من الأصل مع العدالة وانتفاء التهمة مطلقا، ومن الثلث مع عدم
الشرطين مطلقا.
ومنها: الفرق بين المضي من الأصل والثلث بمجرد التهمة وانتفائها.
ومنها: جعل مناط الفرق المذكور العدالة.
ومنها: تعميم الحكم للأجنبي بكونه من الأصل، وتقييد ذلك في الوارث
بعدم التهمة.
ومنها: التفصيل بالتهمة وعدمها للأجنبي في المضي من الثلث والأصل
وللوارث من الثلث مطلقا. وفسرت التهمة بالظن المستند إلى القرائن الحالية أو
المقالية الدالة على أن المقر لم يقصد الإخبار بالحق وإنما قصد تخصيص المقر له

(1) الشرائع 2: 258.
(2) السرائر 2: 211.
(3) حكاه في الشرائع 2: 258.
(4) المبسوط 2: 163.
(5) حكاه في المسالك 6: 277.
71

أو منع الوارث عن حقه أو عن بعضه والتبرع به للغير. ولعل الأقرب القول الثالث
وهو قول الأكثر، لعموم صحيحة أبي ولاد (1) ورواية الحلبي المنقولة في الصحيح
والحسن (2) وصحيحة أبي المغرا وغيرها، ويدل على أن إقرار المتهم من الثلث
مكاتبة محمد بن عبد الجبار (3).
وأما صحيحة منصور بن حازم «قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أوصى
لبعض ورثته أن له عليه دينا؟ فقال: إن كان الميت مرضيا فأعطه الذي أوصى
له» (4) وما في معناها، فلا يدل على اشتراط كونه مرضيا، إذ لا عموم في المفهوم.
الثانية: التصرف المؤجل كالتدبير حكمه حكم الوصية، فيمضي من الثلث،
ولا أعلم فيه خلافا، ونقل فيه الإجماع، ويدل على الحكم في خصوص المدبر
أخبار متعددة (5).
الثالثة: التصرف الذي لا يوجب تفويت مال على الوارث يمضى من الأصل
كالبيع والإجارة بثمن المثل ووفائه بعض الديان شيئا من أعيان ماله وإن كان
قاصرا من الدين، وما يدفعه اجرة عن منافع تصل إليه إذا لم يكن زائدا عن اجرة
المثل، وكذا تزويج نفسها بأقل من مهر المثل وإجارة نفسه بأقل من اجرة المثل فلا
يتوقف على إمضاء الورثة.
وأما التبرعات المحضة كالهبات والصدقات وما في حكمها - كالبيع بأقل من
ثمن المثل والشراء بأزيد منه في القدر الزائد مما أخذه من العوض - فاختلف
الأصحاب في حكمها، فقيل: إنها تمضى من الثلث (6).

(1) الوسائل 13: 367، الباب 11 من أبواب الوصايا، ح 11.
(2) الوسائل 13: 384، الباب 17 من أبواب الوصايا، ح 15.
(3) الوسائل 13: 366، الباب 11 من أبواب الوصايا، ح 9.
(4) الوسائل 13: 376، الباب 11 من أبواب الوصايا، ح 1.
(5) الوسائل 13: 389، الباب 19 من أبواب الوصايا.
(6) جامع المقاصد 11: 94.
72

وقيل: من الأصل (1). وهو أقرب، للأصل، ولقول النبي (صلى الله عليه وآله): الناس مسلطون
على أموالهم (2) ولروايات كثيرة دالة عليه كرواية سماعة ورواية أبي بصير وفيها:
لصاحب المال أن يعمل بماله ما شاء ما دام حيا، إن شاء وهبه، وإن شاء تصدق به،
وإن شاء تركه إلى أن يأتيه الموت، فإن أوصى به فليس له إلا الثلث إلا أن الفضل
في أن لا يضيع من يعوله ولا يضر بورثته (3). ومرسلة إبراهيم بن أبي السماك (4)
ورواية عمار بن موسى (5) ورواية اخرى لعمار (6) ومرسلة مرازم الصحيحة إلى
صفوان - وهو ثقة - عن بعض أصحابنا عن الصادق (عليه السلام) (7) وصحيحة مرازم في
الفقيه لكن لم يسندها إلى الإمام (8) وموثقة عمار الساباطي الصحيحة إلى ابن أبي
عمير (9) ورواية أبي المحامد (10) ورواية أبي شعيب المحاملي (11) وموثقة أبي بصير
المنقولة في الفقيه (12) وغيرها.
ويدل على القول الآخر صحيحة علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) ما
للرجل من ماله عند موته؟ قال: الثلث، والثلث كثير (13). وصحيحة يعقوب بن
شعيب، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يموت ما له من ماله؟ فقال: له ثلث

(1) المقنعة: 671.
(2) عوالي اللآلئ 2: 138، ح 383.
(3) الوسائل 13: 381، الباب 17 من أبواب الوصايا، ح 2.
(4) الوسائل 13: 381، الباب 17 من أبواب الوصايا، ح 3.
(5) الوسائل 13: 381، الباب 17 من أبواب الوصايا، ح 4.
(6) الوسائل 13: 382، الباب 17 من أبواب الوصايا، ح 5.
(7) الوسائل 13: 382، الباب 17 من أبواب الوصايا، ح 6.
(8) الفقيه 4: 202، ح 5467.
(9) الوسائل 13: 382، الباب 17 من أبواب الوصايا، ح 7.
(10) الوسائل 13: 383، الباب 17 من أبواب الوصايا، ح 8.
(11) الوسائل 13: 383، الباب 17 من أبواب الوصايا، ذيل الحديث 8.
(12) الفقيه 4: 202، ح 5466.
(13) الوسائل 13: 363، الباب 10 من أبواب الوصايا، ح 8.
73

ماله وللمرأة أيضا (1). ونحوه صحيحة أبي بصير (2).
وفي رواية عبد الله بن سنان بإسناد فيه محمد بن عيسى عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: للرجل عند موته ثلث ماله، وإن لم يوص فليس على الورثة إمضاؤه (3).
والوجه في الجمع بين الأخبار حمل هذه الأخبار على الوصية وفي الرواية
الأخيرة إشعار به. وفي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن أعتق رجل
خادما ثم أوصى بوصية اخرى الغيت الوصية واعتق الخادم من ثلثه إلا أن يفضل
من الثلث ما يبلغ الوصية (4). وقوله: «أعتق» فيه معناه: أوصى بالعتق، وفي قوله (عليه السلام):
ثم أوصى بوصية اخرى إشعار به.
وقد وقع إطلاق الإعتاق على الوصية به في صحيحة عبد الرحمن الطويلة (5).
ونحوه الكلام في رواية علي بن عقبة (6) ورواية أبي ولاد (7) ورواية الحسن بن
الجهم (8) ورواية سماعة (9) وغيرها.
والقائلون بمضيها من الثلث يقولون: لو برئ المريض من المرض لزم
التصرف. واختلفوا في المرض المقتضي لنفوذه من الثلث، فقيل: إنه المرض
المخوف وهو ما يتوقع به الموت قطعا أو غالبا، دون غيره وإن اتفق به الموت (10).
وقيل: ما يحصل به الموت وإن لم يكن مخوفا (11). وفي القواعد: المرض الذي

(1) الوسائل 13: 362، الباب 10 من أبواب الوصايا، ح 2.
(2) الوسائل 13: 363، الباب 10 من أبواب الوصايا، ح 6.
(3) الوسائل 13: 363، الباب 10 من أبواب الوصايا، ح 7.
(4) الوسائل 13: 365، الباب 11 من أبواب الوصايا، ح 6.
(5) الوسائل 13: 423، الباب 39 من أبواب الوصايا، ح 5.
(6) الوسائل 13: 365، الباب 11 من أبواب الوصايا، ح 4.
(7) الوسائل 13: 367، الباب 11 من أبواب الوصايا، ح 11.
(8) الوسائل 13: 423، الباب 39 من أبواب الوصايا، ح 4.
(9) الوسائل 13: 381، الباب 17 من أبواب الوصايا، ح 1.
(10) حكاه عن الشيخ في المسالك 6: 313.
(11) الشرائع 2: 261.
74

اتفق معه الموت (1). وفي التذكرة: اتصل به الموت (2). وفي أدلة الكل نظر.
والمشهور بينهم أن الامور المخوفة التي لا تسمى مرضا - كوقت المراماة في
الحروب، والطلق للمرأة، وتزاحم الأمواج في البحر - لا ينسحب حكم المرض
فيها. وخالف فيه ابن الجنيد (3).
ولا أعرف خلافا بينهم في أنه إذا وهب وحابى مثلا وقصر الثلث بدئ بالأول
فالأول حتى يستوفي الثلث، والنقص على الأخير. وإذا جمع بين منجزة ومؤجلة
قدمت المنجزة من الثلث وإن تأخرت بالزمان.
ويعتبر في منجزة المريض الشروط المعتبرة في منجزة الصحيح وحكمها
حكمها في الجواز واللزوم، فليس له الرجوع بعد تحقق شرائط اللزوم بخلاف الوصية.
مسألة: إذا باع في مرض الموت ربويا بربوي كما إذا باع كرا من بر قيمته ستة
دنانير وليس له سواه بكر من بر رديء قيمته ثلاثة ولم تجز الورثة فالمحاباة هنا
بنصف تركته. فعلى ما اخترناه لا إشكال، وعلى القول الآخر يمضي في قدر
الثلث، فلو رد السدس على الورثة كان ربا، فتصحيحه بأن يرد المشتري على
الورثة ثلث كر الجيد، ويرد الورثة على المشتري ثلث كره الرديء، فيجمع مع
المشتري خمسة دنانير، ثلاثة بالمعاوضة واثنتان بالمحاباة هي ثلث التركة، فيجب
أن يبقى مع الورثة ضعف ما صحت فيه المحاباة. وطريقه أن يسقط قيمة كر
المشتري من قيمة كر الورثة وينسب ثلث المبيع إلى الباقي فيصح البيع في
تلك النسبة.
وإذا باع في مرض الموت غير الربوي كما إذا باع عبدا بمائة وقيمته مائتان
وليس له سواه ولم يجز الورثة فعلى المختار عندي لا إشكال.
واختلف أصحاب القول الآخر فمذهب جمع من الأصحاب أن حكمه حكم

(1) القواعد 2: 529.
(2) التذكرة 2: 523 س 25.
(3) حكاه في المسالك 6: 316.
75

السابق، وطريقه على ما بيناه في المسألة السابقة، فيسقط الثمن وهو مائة عن قيمة
العبد وينسب الثلث وهو ستة وستون وثلثان إلى الباقي من القيمة وهو مائة يكون
ثلثيه، فيصح البيع في ثلثيه بثلثي الثمن، ويرد ثلث الثمن إلى المشتري (1).
وذهب آخرون إلى صحة البيع في خمس أسداس المبيع بمجموع الثمن،
ويبطل في السدس، فيرجع على الورثة (2). ولا يبعد ترجيح القول الأول على
القول باعتبار الثلث والمشتري بالخيار بين الإجازة والفسخ، لتبعيض الصفقة إذا
لم يكن عالما بكونه مريضا، ومن حكم المريض ما ذكر، ولا يجب على كل منهما
بذل ماله للآخر بالعوض.
* * *

(1) المبسوط 4: 64، إصباح الشيعة: 359، التحرير 1: 305 س 24.
(2) الشرائع 2: 266، الإرشاد 1: 466، المسالك 6: 325 و 326.
76

كتاب النكاح
77

كتاب النكاح
وفيه مطالب:
المطلب الأول
في النكاح الدائم
وفيه فصول:
الفصل الأول
في العقد والآداب والخلوة وما يتعلق بها
وفيه أطراف:
الأول:
يستحب النكاح استحبابا مؤكدا لمن تاقت نفسه إليه بإجماع المسلمين إلا
من شذ منهم، حيث ذهب إلى وجوبه، ومن لم تتق نفسه فهل هو مستحب بالنسبة
إليه أم لا؟ فيه قولان، والأشهر الأقوى نعم، نظرا إلى عموم الآية والأخبار (1).
وخالف فيه الشيخ نظرا إلى وجوه أقواها مدح يحيى (عليه السلام) في الآية بكونه
حصورا (2). وهي دالة على مدح عدم اشتهاء النساء لا عدم التزويج.

(1) النساء: 25، الوسائل 14: 2، الباب 1 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه.
(2) المبسوط 4: 160.
78

وعلى القول بأفضلية التزويج لمن لم تتق نفسه إليه في الجملة فهل هو أفضل
من التخلي للعبادة أم الأمر بالعكس؟ فيه قولان، ولعل الراجح الأول، نظرا إلى
الأخبار (1).
والنكاح يتصف بالاستحباب مع قطع النظر عن الامور اللاحقة له، وإلا فقد
يجب عند خوف الوقوع في الزنا عند الأصحاب. ولو أمكن دفعه بالتسري كان
وجوبه تخييريا.
ويحرم إذا منع واجبا كالحج ومع الزيادة على أربع، ويحرم بالنظر إلى بعض
الزوجات كالمحرمات عينا وجمعا كما سيجيء.
ويكره عند عدم التوقان والطول عند بعضهم والزيادة على الواحدة عند
الشيخ (2) ويكره بالنسبة إلى بعض الزوجات كنكاح القابلة المربية، ومن ولد من
الزنا، والعقيم، وعد من هذا الباب المحلل والخطبة على خطبة المجاب.
والمستحب بالنظر إلى بعض الزوجات كنكاح القريبة على قول، للجمع بين
الصلة وفضيلة النكاح، واختاره الشهيد (رحمه الله) (3) والبعيدة على قول آخر لبعض
الأخبار المنقولة عن النبي (صلى الله عليه وآله) (4).
ويستحب أن يتخير من النساء من يجمع فيها كرم الأصل وكونها بكرا ولودا
عفيفة، ولا يقتصر على المال أو الجمال، وإذا أراد التزويج يصلي ركعتين ويحمد
الله ويقول: اللهم إني اريد أن أتزوج، اللهم فاقدر لي من النساء أعفهن فرجا
وأحفظهن لي في نفسها وفي مالي، وأوسعهن رزقا وأعظمهن بركة، واقدر لي منها
ولدا طيبا تجعله خلفا صالحا في حياتي وبعد موتي. ووقت ذلك قبل تعيين المرأة
أو قبل العقد.

(1) الوسائل 14: 21، الباب 9 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه.
(2) المبسوط 6: 4.
(3) القواعد والفوائد 1: 381.
(4) المجازات النبوية: 92، ح 59، إحياء العلوم للغزالي 2: 41، التلخيص الحبير 3: 146.
79

والمشهور بين الأصحاب أن الإشهاد في نكاح الغبطة سنة مؤكدة وليس
بشرط في صحة العقد، خلافا لابن أبي عقيل (1).
ويستحب الإعلان والخطبة بضم الخاء أمام العقد وهي حمد الله تعالى، ولو
أضاف الشهادتين والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والوصية بتقوى الله والدعاء
للزوجين كان أكمل. قالوا: ويستحب خطبة اخرى أمام الخطبة - بكسر الخاء - من
المرأة أو وليها، ويستحب للولي أيضا خطبة اخرى أمام الجواب، ويجزي في
الجميع الاقتصار على الحمد.
ويستحب إيقاعه ليلا، ويكره إيقاعه والقمر في العقرب وفي محاق الشهر.
ويكره في ساعة حارة، لموثقة زرارة (2) ورواية ضريس بن عبد الملك (3).
ويستحب لمن أراد الدخول أن يصلي ركعتين يدعو بعدهما بالمنقول وتفعل المرأة
كذلك إذا أمرت بالانتقال، وأن يكونا حال الدخول على طهارة.
وروى أبو بصير قال: سمعت رجلا يقول لأبي جعفر عليه الصلاة والسلام:
جعلت فداك إني رجل قد أسننت وقد تزوجت امرأة بكرا صغيرا ولم أدخل بها وأنا
أخاف إذا دخلت على فراشي أن تكرهني لخضابي وكبري؟ قال أبو جعفر (عليه السلام):
إذا دخلت عليك إن شاء الله فمرها قبل أن تصل إليك أن تكون متوضئة ثم لا تصل
إليها أنت حتى تتوضأ وتصلي ركعتين ثم تأمرهم يأمروها أن تصلي أيضا ركعتين،
ثم تحمد الله تعالى وتصلي على محمد وآله، ثم ادع الله ومر من معها أن يؤمنوا
على دعائك، ثم ادع الله وقل: اللهم ارزقني ألفتها وودها ورضاها بي وارضني بها
واجمع بيننا بأحسن اجتماع وآنس ائتلاف فإنك تحب الحلال وتكره الحرام،
واعلم أن الألف من الله والفرك من الشيطان ليكره ما أحل الله عز وجل (4).

(1) حكاه في المختلف 7: 101.
(2) الوسائل 14: 63، الباب 38 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه، ح 2.
(3) الوسائل 14: 63، الباب 38 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه، ح 1.
(4) الوسائل 14: 81، الباب 55 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه، ح 1.
80

وروى أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا دخلت عليه فليضع يده على
ناصيتها ويقول: اللهم على كتابك تزوجتها وفي أمانتك أخذتها وبكلماتك
استحللت فرجها، فإن قضيت في رحمها شيئا فاجعله مسلما سويا ولا تجعله
شرك شيطان. قلت: وكيف يكون شرك شيطان؟ قال: فقال لي: إن الرجل إذا دنا من
المرأة وجلس مجلسه حضر الشيطان فإن هو ذكر اسم الله تنحى الشيطان عنه،
وإن فعل ولم يسم أدخل الشيطان ذكره فكان الفعل منهما جميعا والنطفة واحدة (1).
ويستحب أن يكون الدخول ليلا، ويستحب إضافة الستر المكاني والقولي إلى
الستر الزماني والتسمية عند الدخول مطلقا.
ويستحب مؤكدا الوليمة عند الزفاف يوما أو يومين وأن يدعى المؤمنون،
ويستحب لهم الإجابة ولا تجب، خلافا لجماعة من العامة، ويشترط في استحباب
الإجابة كون الداعي مسلما، وأن لا يكون في الدعوة مناكير وملاهي، إلا أن يعلم
زوالها بحضوره من غير ضرر فتجب لذلك، وأن يشمل الدعوة الفقراء، فإن خص
بها الأغنياء لا يستحب الإجابة بل تكره، وأن يدعى في اليوم الأول والثاني ولو
اولم في الثالث كرهت الإجابة، وإذا حضر فالأكل مستحب وإن كان صائما ندبا،
سواء شق الإمساك على صاحب الدعوة أم لا، خلافا للتذكرة في الثاني (2).
ويجوز نثر المال في الأعراس من مأكول وغيره، ويجوز الأكل منه، ولا
يجوز الأخذ منه بغير الأكل إلا بإذن أربابه صريحا أو بشاهد الحال، وفي التذكرة
جواز أخذه ما لم يعلم الكراهة (3) والأول أجود، وهل يملكه الآخذ بمجرد الأخذ؟
قيل: نعم (4) وهو أشهر، وقيل: لا يملك بذلك وإنما يفيد مجرد الإباحة (5) ولعله
أجود، ويظهر الفائدة في جواز رجوع المالك ما دامت العين باقية في يد الآخذ،
فلو تلفت فلا رجوع، ولو أخرجه الآخذ عن ملكه ببيع ونحوه فالأقوى أنه لا رجوع.

(1) الوسائل 14: 79، الباب 53 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه، ح 1.
(2) التذكرة 2: 580 س 16.
(3) التذكرة 2: 580 س 38.
(4) التذكرة 2: 581 س 1.
(5) حكاه في المسالك 7: 32.
81

ويكره الجماع في الليلة التي يخسف فيها القمر، واليوم الذي تنكسف فيه
الشمس، وفيما بين غروب الشمس إلى أن يغيب الشفق، ومن طلوع الفجر إلى
طلوع الشمس، وفي الريح السوداء والصفراء والزلزلة، وفي المحاق، وفي أول ليلة
من كل شهر إلا شهر رمضان، وفي آخر ليلة من كل شهر، وفي ليلة النصف، وفي
السفر مع عدم الماء للغسل لرواية إسحاق بن عمار في الصحيح أو الموثق (1)
والرواية دالة على الجواز مع استحباب الترك، والجماع عاريا، وعقيب الاحتلام
قبل الغسل أو الوضوء.
ولا بأس بالجماع بعد الجماع من غير تخلل الغسل، ويكره الجماع وينظر إليه
غيره، والنظر إلى فرج المرأة في حال الجماع، وحرمه ابن حمزة (2) والجماع
مستقبل القبلة ومستدبرها، وفي السفينة، والكلام في وقته بغير ذكر الله تعالى، وفي
موثقة عبيد بن زرارة وأبي العباس قال قال أبو عبد الله (عليه السلام): ليس للرجل أن
يدخل بامرأة ليلة الأربعاء (3).
الطرف الثاني في بعض الأحكام واللواحق:
وفيه مسائل:
الاولى: لا أعلم خلافا في أن من أراد نكاح امرأة يجوز له النظر إليها في الجملة،
وذهب جماعة إلى استحباب ذلك (4). ولا أعلم خلافا في جواز النظر إلى وجهها
وكفيها ظاهرها وباطنها من مفصل الزند، واختلفوا فيما عدا ذلك كشعرها ومحاسنها،
وقد ورد بجواز ذلك روايات متعددة يتجه العمل بها (5). فالقول بالجواز أوجه.

(1) الوسائل 14: 76، الباب 50 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه، ح 1.
(2) الوسيلة: 314.
(3) الوسائل 14: 64، الباب 29 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه، ح 1.
(4) لم نعثر عليه، ولكن قال في المسالك: ربما قيل باستحبابه، انظر المسالك 7: 40.
(5) الوسائل 14: 59، الباب 36 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه.
82

ويشترط في جواز النظر إليها العلم بصلاحيتها للتزويج بخلوها من البعل
والعدة والتحريم واحتمال إجابتها، وأن لا يكون لريبة، والمراد بها خوف الوقوع
في محرم، قيل: ولا لتلذذ، وفي بعض الروايات: لا بأس ما لم يكن متلذذا (1) و
شرط بعضهم أيضا أن يستفيد بالنظر فائدة، فلو كان عالما بحالها قبله لم يصح،
والنص مطلق. وكما يجوز النظر للرجل كذلك يجوز للمرأة.
ويجوز النظر إلى أمة يريد شراءها وإلى شعرها ومحاسنها، وهل يجوز
الزيادة على ذلك من باقي جسدها ما عدا العورة؟ قيل: نعم، وقطع به في التذكرة،
لدعاء الحاجة إليها للتطلع إليها لئلا يكون بها عيب (2). وقيده في الدروس بتحليل
المولى (3) وفي بعض الروايات تصريح بجواز اللمس (4) وهو حسن مع توقف
الغرض عليه.
الثانية: المشهور جواز النظر إلى أهل الذمة وشعورهن ما لم يكن لتلذذ أو
ريبة، ومنعه ابن إدريس والعلامة في المختلف (5) والأول أقرب للأصل، ورواية
السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا حرمة لنساء أهل الذمة
أن ينظر إلى شعورهن وأيديهن (6). وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن الحسن بن
محبوب عن عباد بن صهيب قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا بأس بالنظر إلى أهل
تهامة والأعراب وأهل البوادي من أهل الذمة والعلوج، لأنهن لا ينتهين إذا نهين (7).
واستدلال المانع بقوله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) (8) ضعيف،
لعدم الدلالة على العموم. والمراد بالريبة خوف الوقوع في المحرم وهي المعبر عنه

(1) الوسائل 14: 59، الباب 36 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه، ح 5.
(2) التذكرة 2: 573 س 16.
(3) الدروس 3: 225.
(4) الوسائل 13: 47، الباب 20 من أبواب بيع الحيوان، ح 1.
(5) السرائر 2: 610، المختلف 7: 93.
(6) الوسائل 14: 149، الباب 112 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه، ح 1.
(7) الفقيه 3: 469، ح 4636.
(8) النور: 30.
83

بخوف الفتنة. وفي النظر إلى أمة الغير وشعرها بدون التحليل من المولى خلاف،
ونسب الجواز إلى المشهور.
الثالثة: يجوز للرجل أن ينظر إلى مثله ما خلا عورته شيخا كان أو شابا،
حسنا أو قبيحا، بلا فرق بين الأمرد وغيره عندنا ما لم يكن لتلذذ أو ريبة، وكذا
المرأة، ولا فرق بين المسلمة والكافرة على الأشهر خلافا للشيخ حيث ذهب في
أحد قوليه إلى أن الذمية لا تنظر إلى المسلمة حتى الوجه والكفين (1). وعلى قوله
ليس للمسلمة أن تدخل مع الذمية إلى الحمام، ولعل الأول أقرب.
وللرجل أن ينظر إلى جسد امرأته حتى العورة، وكذا المرأة.
والمملوكة في حكم المرأة مع جواز نكاحها، فلو كانت مزوجة فالمعروف أن
حكمها حكم أمة الغير، وكذا المكاتبة والمشتركة، ولو كانت مرهونة أو مؤجرة
مستبرأة أو معتدة عن وطء شبهة جاز على الأقوى.
ويجوز النظر إلى المحارم ما عدا العورة وكذا المرأة.
ولا أعلم خلافا في تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية فيما عدا الوجه والكفين
من غير ضرورة، سواء كان بتلذذ أو ريبة أم لا، ولا في تحريم النظر إلى الوجه
والكفين إذا كان بتلذذ أو ريبة، أما بدون ذلك ففيه أقوال ثلاثة:
الأول: الجواز على كراهية وهو مختار الشيخ (2).
الثاني: التحريم مطلقا وهو مختار التذكرة (3).
الثالث: الجواز مرة واحدة وتحريم المعاودة، وهو مذهب المحقق والعلامة
في أكثر كتبه (4).
والأول أقرب، للأصل، ولقوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) (5)

(1) حكاه في جامع المقاصد 12: 33، ونقله الشيخ في التبيان 7: 430 مع اختلاف.
(2) المبسوط 4: 160.
(3) التذكرة 2: 573 س 9.
(4) الشرائع 2: 269، القواعد 3: 6، التحرير 2: 3 س 18.
(5) النور: 31.
84

وهو مفسر بالوجه والكفين، ولرواية مروك بن عبيد عن بعض أصحابنا عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال له: ما يحل للرجل أن يرى من المرأة إذا لم يكن محرما؟ قال:
الوجه والكفان والقدمان (1).
وفي الصحيح عن علي بن سويد قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): إني مبتلى
بالنظر إلى المرأة الجميلة فيعجبني النظر إليها؟ فقال: يا علي لا بأس إذا عرف الله
من نيتك الصدق وإياك والزنا (2)، الحديث.
وروى عبد الله بن جعفر في قرب الإسناد عن مسعدة بن زياد في الصحيح
قال: سمعت جعفر (عليه السلام) وقد سئل عما تظهر المرأة من زينتها؟ قال: الوجه
والكفين (3).
وبإسناد لا يبعد أن يكون صحيحا عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام)
قال: سألته عن الرجل ما يصلح أن ينظر إليه من المرأة التي لا تحل له؟ قال: الوجه
والكفين وموضع السوار (4).
ويؤيده رواية زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: (إلا ما ظهر
منها) قال: الزينة الظاهرة الكحل والخاتم (5).
حجة المانع قوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن) (6) وبعض الوجوه
الاعتبارية، والآية مخصصة بالآية المذكورة.
ويستثنى من الحكم بالتحريم الصغيرة التي ليست مظنة الشهوة وكذا العجوز
المسنة البالغة حدا ينتفي التلذذ والريبة بالنسبة إليها على الأقوى، وكذا الصغير
الغير المميز بالنسبة إلى المرأة، وفي المميز قولان.

(1) الوسائل 14: 146، الباب 109 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه، ح 2.
(2) الوسائل 14: 231، الباب 1 من أبواب النكاح المحرم، ح 3.
(3) قرب الإسناد: 82، ح 270.
(4) مسائل علي بن جعفر: 219، ح 487.
(5) الوسائل 14: 146، الباب 109 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه، ح 3.
(6) النور: 31.
85

ويستثنى أيضا موضع الضرورة كالفصد والحجامة ونظر الطبيب وإرادة
الشهادة عليها تحملا وأداء، وللمعاملة ليعرفها إذا احتاج إليها.
وفي الخصي المملوك للمرأة قولان، أقربهما الجواز، وهو مذهب العلامة في
المختلف (1) لعموم صحيحة يونس بن عمار ويونس بن يعقوب جميعا عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: لا يحل للمرأة أن ينظر عبدها إلى شيء من جسدها إلا إلى
شعرها غير متعمد لذلك (2).
قال الكليني: وفي رواية اخرى لا بأس بأن ينظر إلى شعرها إذا كان مأمونا (3).
وعن معاوية بن عمار في الحسن وغيره قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): المملوك
يرى شعر مولاته وساقها؟ قال: لا بأس (4). ونحوه صحيحة إسحاق بن عمار أو
موثقته (5). ونحوه صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (6) لكن لم يذكر فيها الساق.
وفي صحيحة معاوية بن عمار أيضا: لا بأس أن يرى المملوك الشعر والساق (7).
ولعموم قوله تعالى: (وما ملكت أيمانهن) الشامل للفحل والخصي، فإن
خرج الفحل لشبهة الإجماع بقي الخصي داخلا، مع أن الظاهر أن مسألة تحريم
نظر المملوك الفحل ليس بإجماعي كما قال في المسالك (8) ويظهر من المبسوط (9).
وقال في المسالك: روى الكليني أخبارا كثيرة بطرق صحيحة عن
الصادق (عليه السلام) أن المراد بقوله تعالى: (وما ملكت أيمانهن) شاملة للمملوك مطلقا،
ولا أرى سوى صحيحة لمعاوية بن عمار. وفيه أيضا: روى الشيخ في المبسوط

(1) المختلف 7: 92.
(2) الوسائل 14: 164، الباب 124 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه، ح 1.
(3) الكافي 5: 531، ذيل الحديث 4.
(4) الوسائل 14: 165، الباب 124 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه، ح 3 و 5.
(5) الوسائل 14: 165، الباب 124 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه، ح 6.
(6) الوسائل 14: 165، الباب 124 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه، ح 4.
(7) الوسائل 14: 165، الباب 124 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه، ح 6.
(8) المسالك 7: 52.
(9) المبسوط 4: 161.
86

وغيره: أن النبي (صلى الله عليه وآله) أتى فاطمة (عليها السلام) بعبد قد وهبه لها وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت
رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها، فلما رأى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما تلقى قال: إنه ليس عليك بأس، إنما هو أبوك وغلامك (1).
ويدل على خصوص الخصي قوله تعالى: (والتابعين غير اولي الإربة من
الرجال) (2) والخصي إذا كان ممسوح الذكر مع الخصيتين لا يبقى له إربة في
النساء، لأن الإربة هي الحاجة إليهن.
وصحيحة محمد بن إسماعيل قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن إقناع
الحرائر من الخصيان؟ فقال: كانوا يدخلون على بنات أبي الحسن (عليه السلام) ولا
يتقنعن. قلت: فكانوا أحرارا؟ قال: لا، فقلت: فالأحرار يتقنع منهم؟ قال: لا (3).
وأما المعارض فلا يصلح للمعارضة، إذ غاية ما يستفاد منها الكراهة، ويظهر
من المبسوط ميله إلى جواز نظر المملوك مطلقا ورجع عنه أخيرا (4).
وفي نظر الخصي إلى غير مالكته قولان، أقربهما الجواز، ويظهر الحجة مما سلف.
ونقل في المسالك عن ابن الجنيد في كتابه الأحمدي وقد روى عن أبي
عبد الله (عليه السلام) وعن أبي الحسن موسى (عليه السلام) كراهة رؤية الخصيان الحرة من النساء
حرا أو كان مملوكا (5).
وفي جواز سماع صوت الأجنبية قولان:
أحدهما: التحريم. وثانيهما: أن التحريم مشروط بالتلذذ أو خوف الفتنة، وبه
قطع في التذكرة (6) واستجوده الشهيد الثاني وهو أجود (7). وقال بعض الأصحاب:
وينبغي لها أن تجيب المخاطب وقارع الباب بصوت غليظ ولا ترخم صوتها.

(1) سنن أبي داود 4: 62، ح 4106، المبسوط 4: 161، مع اختلاف.
(2) النور: 31.
(3) الوسائل 14: 167، الباب 125 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه، ح 3.
(4) المبسوط 4: 161.
(5) المسالك 7: 55.
(6) التذكرة 2: 573 س 10.
(7) التذكرة 2: 573 س 10.
87

الرابعة: اختلف الأصحاب في جواز الوطء في دبر المرأة لاختلاف
الروايات، والأكثر على الجواز على كراهية شديدة، وهو أقرب [جمعا بين
الأخبار العديدة الدالة على الجواز وما يدل على المنع] (1).
الخامسة: لا أعرف خلافا بينهم في جواز العزل عن الأمة والمتمتع بها
والدائمة مع الإذن. واختلفوا في جواز العزل عن الحرة الدائمة مع عدم الإذن،
فذهب الأكثر إلى جوازه على كراهية، وذهب جماعة منهم إلى التحريم (2) والأول
أقرب، لصحيحة محمد بن مسلم (3) وموثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (4) وغيرهما،
ولو قلنا بالتحريم فالأظهر أنه لا يجب على الزوج شيء. وقيل: يجب دية النطفة
عشرة دنانير (5). ولا وجه له.
السادسة: لا أعرف خلافا بين الأصحاب في تحريم الوطء قبل أن تبلغ تسع
سنين، ولو وطئها قبل ذلك فهل تحرم عليه مؤبدا بدون الإفضاء؟ الأكثر على عدم
التحريم، وذهب جماعة إلى التحريم (6) استنادا إلى بعض الروايات الضعيفة. ولعل
الأول أقرب.
السابعة: المعروف أنه لا يجوز للرجل أن يترك وطء امرأته أكثر من أربعة
أشهر من غير عذر، إلا بإذنها، وفي المسالك أنه موضع وفاق (7) روى الشيخ
بإسناده عن صفوان - والظاهر أنه صحيح - عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنه سأله
عن الرجل يكون عنده المرأة الشابة فيمسك عنها الأشهر والسنة لا يقربها ليس

(1) لم يرد في «خ 2».
(2) المقنعة: 516، الخلاف 4: 359، المسألة 143، الوسيلة: 314.
(3) الوسائل 14: 106، الباب 76 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه، ح 1.
(4) الوسائل 14: 106، الباب 75 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه، ح 2.
(5) الخلاف 4: 359، المسألة 143.
(6) ذهب إليه الشيخ في النهاية 2: 292، ولم نقف على غيره.
(7) المسالك 7: 66.
88

يريد الإضرار بها يكون لهم مصيبة، يكون في ذلك آثما؟ قال: إذا تركها أربعة أشهر
كان آثما بعد ذلك (1).
ورواه الصدوق عن صفوان في الحسن (2). ورواه الشيخ بإسناد ضعيف وزاد:
إلا أن يكون بإذنها (3). والرواية مختصة بالشابة، فالتعميم لا يخلو عن إشكال.
وفي بعض الروايات الضعيفة عن أبي عبد الله (عليه السلام): من جمع من النساء ما لا
ينكح فزنا منهن شيء فالإثم عليه (4).
وروى حفص بن البختري في الحسن بإبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا
غاضب الرجل امرأته فلم يقربها من غير يمين أربعة أشهر استعدت عليه فإما أن
يفي وإما أن يطلق (5) الحديث، والرواية مختصة بصورة المغاضبة، وهل يعم الحكم
للمتمتعة؟ فيه وجهان.
الثامنة: يكره أن يدخل المسافر أهله ليلا، ولا فرق بين إعلامهم قبل ذلك
وعدمه، وقيل: يختص الكراهة بعدم الإعلام (6).
الطرف الثالث في العقد وبعض الأحكام المتعلقة به:
وفيه مسائل:
الاولى: النكاح يفتقر إلى إيجاب وقبول دالين على الرضى، والعبارة عن
الإيجاب «أنكحتك وزوجتك» ولا أعرف خلافا في صحة كل منهما، وفي
«متعتك» قولان. والقبول أن يقول: «قبلت النكاح أو قبلت التزويج أو ما شاكلهما»
ولو قال: قبلت، صح.
والمشهور أنه لابد من وقوعهما بلفظ الماضي، ولا أعلم على ذلك حجة

(1) التهذيب 7: 419، ح 1678.
(2) الفقيه 3: 405، ح 4415.
(3) التهذيب 7: 419، ح 1678.
(4) الوسائل 14: 100، الباب 71 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه، ح 2.
(5) الوسائل 15: 535، الباب 1 من أبواب الإيلاء، ح 2.
(6) حكاه في المسالك 7: 68.
89

واضحة، ولو أتى بلفظ الأمر فقال: زوجنيها، فقال: زوجتك، ففي صحته قولان،
ولعل القول بالصحة أقرب، ولو أتى بلفظ المستقبل فقال: «أتزوجك» فتقول:
«زوجتك» ففي صحته قولان، أقربهما الصحة.
ولا يشترط في القبول مطابقته للفظ الإيجاب، فلو قال: زوجتك، فقال: قبلت
النكاح، صح. ولو قال: زوجت بنتك من فلان؟ فقال: نعم، فقال الزوج: قبلت، ففي
صحته قولان، والصحة لا تخلو عن قرب.
وهل يشترط مقارنة الإيجاب للقبول؟ فيه قولان، واعتبر في التذكرة في
الصحة وقوعهما في مجلس واحد وإن تراخى أحدهما عن الآخر (1).
ولا يشترط تقديم الإيجاب، بل لو قال: تزوجت، فقال الولي: زوجتك، صح
كما هو المشهور، واحتمل بعض الأصحاب اعتبار تقديم الإيجاب.
والمشهور أنه لا يجزي الترجمة مع القدرة على العربية، ونقل عن الشيخ
دعوى الإجماع على ذلك (2). وعن ابن حمزة أنه جعل العقد بالعربية مستحبا (3).
وفي المسألة إشكال وإن كان القول بجواز الترجمة قويا.
ومن جوز التعبير بغير العربية جوز اللحن في العربي الذي لا يغير المعنى
بطريق أولى. قيل: ومن اشترط مادة العربية اقتصر عليه (4). وظاهرهم عدم اشتراط
الإعراب، ومنهم من صرح باشتراط الإعراب مع القدرة (5). وهل يجب التوكيل مع
العجز عن العربية؟ فيه وجهان، أقربهما العدم. قيل: عليه اتفاق الأصحاب
ظاهرا (6).
ولو عجز أحد المتعاقدين تكلم كل منهما بما يحسنه. ولو عجزا عن النطق
أصلا أو أحدهما كفت الإشارة والإيماء.
ولا ينعقد بلفظ البيع أو الهبة أو الإجارة أو التمليك وإن ذكر المهر.

(1) التذكرة 2: 583 س 9.
(2) التنقيح 3: 11.
(3) الوسيلة: 291.
(4) المسالك 7: 96.
(5) جامع المقاصد 12: 75.
(6) لم نعثر على القائل.
90

الثانية: يشترط في العاقد - سواء كان زوجا أو زوجة أو وليا لأحدهما أو
وكيلا له - البلوغ والعقل، فلا حكم لعبارة الصبي والمجنون في حال جنونه
والمغمى عليه.
والمشهور أنه لا يصح عقد السكران وإن أجاز بعد الإفاقة. وقال الشيخ في
النهاية: إذا عقدت المرأة على نفسها وهي سكرى كان العقد باطلا، فإن أفاقت
ورضيت بفعلها كان العقد ماضيا (1). وتبعه على ذلك ابن البراج (2). وهو جيد،
للرواية الصحيحة السالمة عن المعارض (3) ورواها ابن بابويه في الصحيح أيضا (4)
وحملها في المختلف على سكر لم يبلغ حد عدم التحصيل (5) وهو غير جيد.
ويشترط في العاقد أيضا الحرية أو إذن المولى.
الثالثة: لا أعرف خلافا في أنه يشترط في كل من الزوجين أن يكون معينا
ليقع التراضي عليه ويحصل التعيين بالاسم أو الوصف أو الإشارة، فلو زوجه
إحدى بنتيه أو هذا الحمل لم يصح، فإذا كان للرجل عدة بنات فزوج واحدة منهن
ولم يسم عند العقد فإن لم يقصد معينة بطل العقد، وكذا إن قصد أحدهما غير ما
قصده الآخر. ولو قصد الزوج قبول نكاح من قصدها الأب وإن لم يعرفها بعينها
ففي التذكرة أنه يصح (6) ولو قصدا واحدة معينة واختلفا في المعقود عليها فعند
الشيخ وجماعة أن القول قول الأب إن كان الزوج رآهن، وإلا فالعقد باطل (7) عملا
بالخبر الصحيح (8) وحمله الفاضلان على أن الظاهر في صورة الرؤية أن الزوج

(1) النهاية 2: 317.
(2) المهذب 2: 196.
(3) الوسائل 14: 221، الباب 14 من عقد النكاح، ح 1.
(4) الفقيه 3: 409، ح 4430.
(5) المختلف 7: 115.
(6) التذكرة 2: 584 س 36.
(7) النهاية 2: 318، المهذب 2: 196، الجامع للشرائع: 436.
(8) الوسائل 14: 222، الباب 15 من أبواب عقد النكاح، ح 1.
91

وكل التعيين إلى الأب (1) ورده ابن إدريس وحكم بالبطلان (2). ولعل الوقوف على
مدلول الخبر الصحيح أولى.
الرابعة: إذا ادعى أحد الزوجين الزوجية وصدقه الآخر حكم به وتوارثا،
وإذا ادعى أحدهما وأنكر الآخر احتاج المدعي إلى البينة، فإن أقام البينة أو حلف
اليمين المردودة ثبت النكاح ظاهرا ووجب عليهما مع ذلك مراعاة الحكم في
الواقع، وإن لم يتفق ذلك وحلف المنكر انتفى عنه حكم النكاح ظاهرا ويجب عليه
مراعاة ما في الواقع من أحكام المصاهرة وغيرها.
ولو كان المدعي الزوج لم يجب عليه النفقة، لعدم التمكين الذي هو شرط وجوبها.
والمشهور أنه لو ادعى زوجية امرأة وادعت اختها أنها الزوجة وأقاما البينة
قدمت بينة الاخت إن دخل بها أو كان تاريخ بينتها أسبق، وإلا قدم بينته، ومستنده
رواية ضعيفة السند (3). لكن العمل بها مشهور بينهم حتى نقل فيه الإجماع (4).
وإذا عقد على امرأة فادعى آخر زوجيتها وعجز عن البينة فقيل: إنه لا يسمع
دعواه أصلا، فلا يترتب عليه توجه اليمين على المرأة، إلى غير ذلك من
أحكام الدعوى (5).
وذهب جماعة من الأصحاب إلى قبول الدعوى وتوجه اليمين والرد وإن لم
يسمع في حق الزوج (6) وفائدته ثبوت مهر المثل على الزوجة للمدعي على تقدير
الإقرار أو ردها اليمين وحلف المدعي أو نكولها عن اليمين والقضاء للمدعي
بالنكول أو مع اليمين، ومبنى القولين على أن منافع البضع هل يضمن بالتفويت أم
لا؟ فيه قولان.
الخامسة: إذا أذن المولى لعبده في ابتياع زوجته للمولى فاشتراها له فالعقد

(1) الشرائع 2: 275، المختلف 7: 119.
(2) السرائر 2: 573.
(3) الوسائل 14: 225، الباب 22 من أبواب عقد النكاح، ح 1.
(4) المسالك 7: 108.
(5) المسالك 7: 110.
(6) التذكرة 2: 598 س 39، جامع المقاصد 12: 91.
92

باق، وإن اشتراها لنفسه بإذنه أو ملكه إياها بعد الابتياع فإن قلنا: إن العبد يملك
مطلقا أو يملك مثل هذا الفرد من التصرفات بطل العقد، وهل يستجيبها العبد بغير
إذن جديد من المولى إما بالملك أو بالإذن الضمني المستفاد من الإذن في شرائها
لنفسه أم لا؟ فيه أوجه، وإلا فالعقد باق.
ولو تحرر بعضه واشتراها بطل النكاح، سواء اشتراها بمال يتفرد به أو مشترك
بينهما، لكن على تقدير الاختصاص يجوز له وطؤها بالملك دون الاشتراك.
الطرف الرابع في أولياء العقد:
يثبت الولاية في النكاح للأب بلا خلاف وللجد للأب على الأشهر الأقوى،
للأخبار المستفيضة (1). وفيه خلاف لابن أبي عقيل (2). والأقوى أنه لا يشترط في
ولاية الجد عدم بقاء الأب خلافا للشيخ وجماعة (3).
ولا خيار للصبية مع البلوغ إذا زوجها الأب قبله إلا في رواية معارضة بأقوى
منها (4). وفي الصبي قولان، أظهرهما أنه كذلك.
ولا ولاية للأب على الثيب مع بلوغها ورشدها على الأقوى، للأخبار الدالة
عليه (5) خلافا لابن أبي عقيل (6) ولا على الصبي البالغ الرشيد. وإن كانت بكرا
كاملة لم تزوج أو تزوجت ولم توطأ قبلا وكان لها أب يصلح للولاية ففي ثبوت
الولاية عليها أو سقوطها عنها أو الشركة أقوال:
الأول: سقوط الولاية عنها وثبوتها لها مطلقا.
الثاني: استمرار الولاية عليها مطلقا.

(1) الوسائل 14: 207، الباب 6 من أبواب عقد النكاح.
(2) نقله في المختلف 7: 100.
(3) النهاية 2: 312، الهداية: 68، المهذب 2: 195، الكافي في الفقه: 292.
(4) الوسائل 14: 208، الباب 6 من أبواب عقد النكاح، ح 8.
(5) الوسائل 14: 201، الباب 3 من أبواب عقد النكاح.
(6) نقله في جامع المقاصد 12: 123.
93

الثالث: التشريك بينها وبين الولي.
الرابع: استمرار الولاية عليها في الدوام دون المتعة.
الخامس: عكسه. والقول الثاني عندي متين، ويدل عليه صحيحة محمد بن
مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: لا يستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها ليس لها مع
الأب أمر، وقال: يستأمرها كل أحد ما عدا الأب (1).
وصحيحة زرارة بن أعين قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: لا ينقض النكاح
إلا الأب (2) ورواه الشيخ في الموثق (3).
وصحيحة عبد الله بن الصلت قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الجارية الصغيرة
يزوجها أبوها، ألها أمر إذا بلغت؟ قال: لا. قال: وسألته عن البكر إذا بلغت مبلغ
النساء ألها مع أبيها أمر؟ قال: لا ما لم تثيب (4).
وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن البكر إذا بلغت مبلغ
النساء ألها مع أبيها أمر؟ فقال: ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثيب.
وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الجارية يزوجها أبوها بغير رضاها؟
قال: ليس لها مع أبيها أمر، إذا أنكحها جاز نكاحه وإن كانت كارهة (5) الحديث.
وموثقة فضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا تستأمر الجارية التي
بين أبويها إذا أراد أبوها أن يزوجها، هو أنظر لها، وأما الثيب فإنها تستأذن وإن
كانت بين أبويها إذا أراد أن يزوجها (6).
وصحيحة أبي مريم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في العذراء التي لها أب: لا تزوج

(1) الوسائل 14: 205، الباب 4 من أبواب عقد النكاح، ح 3.
(2) الوسائل 14: 205، الباب 4 من أبواب عقد النكاح، ح 1.
(3) التهذيب 7: 379، ح 1532.
(4) الوسائل 14: 207، الباب 6 من أبواب عقد النكاح، ح 3.
(5) الوسائل 14: 215، الباب 9 من أبواب عقد النكاح، ح 7.
(6) الوسائل 14: 202، الباب 2 من أبواب عقد النكاح، ح 6.
94

متعة إلا بإذن أبيها (1). والرواية مختصة بالمتعة.
وموثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا ينقض النكاح إلا الأب (2).
وروى علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن
الرجل هل يصلح أن يزوج ابنته بغير إذنها؟ قال: نعم، ليس يكون للولد أمر إلا أن
يكون امرأة قد دخل بها قبل ذلك فتلك لا يجوز نكاحها إلا أن تستأمر (3).
ويؤيد ما ذكرناه صحيحة عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا
تنكح ذوات الآباء من الأبكار إلا بإذن آبائهن (4).
ورواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: لا تستأمر
الجارية إذا كانت بين أبويها، فإذا كانت ثيبا فهي الولي بنفسها (5).
ورواية أبي مريم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الجارية البكر التي لها أب لا تزوج
إلا بإذن أبيها، وقال: إذا كانت مالكة لأمرها تزوجت متى شاءت (6). والظاهر أن
المراد بمالكة أمرها من لم يكن لها ولي شرعي، إلى غير ذلك كرواية إبراهيم
ابن ميمون (7).
حجة القول الأول قوله تعالى: (حتى تنكح زوجا غيره) و (فلا تعضلوهن
أن ينكحن أزواجهن) (8) وقوله تعالى: (فلا جناح عليكم فيما فعلن في
أنفسهن) (9) ولصحيحة الفضلاء المنقولة في الحسن أيضا عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
المرأة التي قد ملكت نفسها غير السفيه ولا المولى عليها تزويجها بغير ولي

(1) الوسائل 14: 459، الباب 11 من أبواب المتعة، ح 12.
(2) الوسائل 14: 205، الباب 4 من أبواب عقد النكاح، ح 5.
(3) مسائل علي بن جعفر: 112، ح 31.
(4) الوسائل 14: 208، الباب 6 من أبواب عقد النكاح، ح 5.
(5) الوسائل 14: 204، الباب 3 من أبواب عقد النكاح، ح 13.
(6) الوسائل 14: 205، الباب 4 من أبواب عقد النكاح، ح 2.
(7) الوسائل 14: 214، الباب 9 من أبواب عقد النكاح، ح 3.
(8) البقرة: 230 و 232.
(9) البقرة: 234.
95

جائز (1). ولصحيحة منصور بن حازم عن الباقر (عليه السلام) قال: تستأمر البكر وغيرها ولا
تنكح إلا بأمرها (2). وغيرهما من الروايات.
والجواب أما عن الآية فبأن النساء المحدث عنهن بإضافة النكاح إليهن غير
محل النزاع، وعن صحيحة الفضلاء أنها غير دالة على المطلوب، إذ يجوز أن
يكون المراد بالمالكة نفسها من لم يكن لها ولي شرعي، ولو سلم كونها أعم لكنه
قيد بغير المولى عليها، فلا يفيد، وغاية ما يستفاد من صحيحة منصور رجحان
استئمار البكر وغيرها ولا يدل على الاشتراط، ويشترك باقي الأخبار في ضعف
الأسناد، وأكثرها غير دال على المطلوب، بل بعضها يدل على خلافه.
ولو ذهبت بكارتها بغير الوطء فحكمها حكم البكر. ولو عضلها الولي سقط
اعتبار رضاه وكانت مستقلة عند الأصحاب، لا أعرف فيه خلافا، والمعروف أنه
لا يشترط مراجعة الحاكم.
واختلف كلام العلامة في التذكرة فتارة جوز لها الاستقلال ونقله عن جميع
علمائنا مصرحا بعدم اشتراط مراجعة الحاكم (3) وتارة اشتراط إذنه (4) وفي معناه
الغيبة المنقطعة التي يحصل معها المشقة الشديدة مع اعتبار استئذان الولي على ما
ذكره الشيخ في الخلاف (5).
ولو منع الولي من غير الكفؤ لم يكن عضلا. ولو فرض إرادتها زوجا وأراد
الولي غيره ففي تقديم مختارها أو مختاره وجهان، ولعل الثاني أقرب.
ويثبت ولايتهما على البالغ المجنون إذا اتصلت جنونه بالصغر عند
الأصحاب، ولو طرأ الجنون بعد البلوغ والرشد ففي ثبوت الولاية لهما أو للحاكم
قولان، وحيث تثبت الولاية على المجنون فلا خيار له بعد الإفاقة، لا أعرف فيه
خلافا بينهم.

(1) الوسائل 14: 201، الباب 3 من أبواب عقد النكاح، ح 1.
(2) الوسائل 14: 203، الباب 3 من أبواب عقد النكاح، ح 10.
(3) التذكرة 2: 593 س 10.
(4) التذكرة 2: 593 س 20.
(5) الخلاف 4: 278، المسألة 37.
96

وللمولى أن يزوج عبده أو أمته بلا فرق بين الصغير والكبير والعاقل
والمجنون، ولا خيار لهما معه، ولا فرق بين تولي المولى الصيغة للمملوك أو إلزامه
على القبول. ولو تحرر بعض العبد أو الأمة لم يكن للمولى إجباره على التزويج.
وليس للحاكم الولاية على البالغ الرشيد بلا فرق بين الذكر والانثى،
والمعروف بينهم أنه ليس له الولاية على الصغير، ويفهم من كلام الشهيد الثاني
تردد فيه (1). وتنظر فيه بعض المتأخرين (2). وفي ثبوت الولاية للأب والجد أو
للحاكم في السفه المتصل بالصغر قولان، أما في الطارئ بعد البلوغ والرشد
فالمشهور أنها للحاكم.
وهل للوصي ولاية في النكاح للصغير أو الصغيرة أو من بلغ فاسد العقل؟ فيه
أقوال:
الأول: ثبوت الولاية مطلقا.
الثاني: نفيها مطلقا.
الثالث: ثبوتها إذا نص الموصي على الإنكاح وعدمه بدونه.
الرابع: ثبوتها في صورة واحدة خاصة، وهي ما إذا بلغ فاسد العقل وبه
ضرورة إلى النكاح.
ولعل القول الثاني أقرب، لصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع (3) وصحيحة
أبي عبيدة الحذاء (4) مع بعض التأييدات كمفهوم صحيحة محمد بن مسلم (5).
وصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: تستأمر البكر وغيرها ولا
تنكح إلا بأمرها (6). وخروج الأب والجد بدليل، وصحيحة زرارة لا ينقض النكاح

(1) المسالك 7: 146.
(2) جامع المقاصد 12: 97.
(3) الوسائل 14: 212، الباب 8 من أبواب عقد النكاح، ح 1.
(4) التهذيب 7: 388، ح 1555.
(5) الوسائل 14: 205، الباب 4 من أبواب عقد النكاح، ح 3.
(6) الوسائل 14: 203، الباب 3 من أبواب عقد النكاح، ح 10.
97

إلا الأب (1). والتأويل في المعارض أقرب من الإطراح.
والمحجور عليه للتبذير لا يجوز له أن يتزوج إلا مع الاضطرار، فلو أوقع كان
العقد فاسدا، فإن كانت المرأة عالمة فلا شيء لها مطلقا، وإن كانت جاهلة لم يكن
لها الزائد عن مهر المثل مع الدخول، وإن اضطر إلى التزويج جاز للولي أن يأذن له
مقيدا لمراعاة المصلحة، سواء عين الزوجة أم لا على قول، وعلى قول آخر لابد
من تعيين الزوجة. وهل يجوز له المبادرة إلى النكاح بدون إذن الولي مع إمكانه؟
فيه وجهان. ولو تعذر إذن الحاكم جاز له التزويج بدونه مقتصرا على ما يليق به
بمهر المثل فما دونه.
مسائل:
الاولى: إذا وكلت المرأة المالكة لأمرها أحدا في تزويجها فإن عينت الزوج
لم يكن للوكيل التعدي عنه، وإن أطلقت كما لو قالت: أنت وكيلي في تزويجي، أو
في تزويجي لرجل، فقيل: لا خلاف في أنه ليس للوكيل أن يزوجها من نفسه (2)
وفي التذكرة احتمل جواز ذلك (3) وإن عممت الإذن كما لو قالت: زوجني ممن
شئت، ففي جواز تزويجها لنفسه قولان.
ولو وكلته في تزويجها منه قيل: لا يصح، لرواية عمار، واتحاد الموجب
والقابل (4). وقيل: يصح (5).
ولو زوجها الجد من ابن ابنه الآخر ولاية عنهما أو الأب من موكله جاز، وإن
منعنا من اتحاد الموجب والقابل وكل الجد أو الأب غيره في الإيجاب أو القبول.
الثانية: إذا عقد عليها الولي من كفو بمهر المثل فإن كان على وجه المصلحة فلا

(1) الوسائل 14: 205، الباب 4 من أبواب عقد النكاح، ح 1.
(2) المسالك 7: 152.
(3) التذكرة 2: 602 س 6.
(4) الوسائل 14: 217، الباب 10 من أبواب عقد النكاح، ح 4، وقاله في الشرائع 2: 277.
(5) المسالك 7: 153.
98

اعتراض لها في شيء مطلقا، وإن كان لا على وجه المصلحة فوجهان، ولا يبعد
القول بأنه كالأول.
وإذا عقد عليها من كفو بدون مهر المثل فقيل: يصح مطلقا (1). وقيل: لا يصح (2).
وقيل: لها الاعتراض في المسمى والرجوع إلى مهر المثل (3). وقيل لها الخيار في
العقد (4). ومنهم من فصل بين مراعاة المصلحة وعدمه في الاعتراض في المسمى
وعدمه، فإذا فسخت المسمى لم يبعد تخيير الزوج في أصل العقد.
ولو زوجها من غير كفو بمهر المثل احتمل بطلان العقد وأن يكون لها الخيار
في العقد، وإن كان بدون مهر المثل ثبت احتمال الخيار في المسمى والرجوع إلى
مهر المثل أيضا.
الثالثة: النكاح الواقع من غير الولي الشرعي يتصف بالصحة ويقف على
الإجازة في الحر والعبد على الأشهر الأقوى، وقال ابن إدريس: لا خلاف في أن
النكاح يقف على الإجازة إلا في العبد والأمة، فإن بعضهم يوقف العقد على إجازة
الموليين وبعضهم يبطله (5).
وفي الخلاف: إن العقد الواقع من الفضولي يقع باطلا (6).
والأقرب الأول، لصحيحة أبي عبيدة الحذاء (7). ويعضده حسنة زرارة (8)
ورواية محمد بن مسلم (9) فلو زوج الصبية غير وليها لم يمض إلا مع إجازتها أو
إجازة وليها إذا كانت صغيرة، ولو كانت مملوكة وقف على إجازة المالك.
ويكفي في إجازة البكر وإذنها سكوتها على الأشهر الأقوى، لصحيحة أحمد

(1) المسالك 7: 156.
(2) الخلاف 4: 392، المسألة 37.
(3) الشرائع 2: 278.
(4) حكاه في المسالك 7: 157.
(5) السرائر 2: 564 - 565.
(6) الخلاف 4: 257، المسألة 11.
(7) الوسائل 17: 527، الباب 11 من أبواب ميراث الأجداد، ح 1.
(8) الوسائل 14: 221، الباب 13 من أبواب عقد النكاح، ح 2.
(9) الوسائل 14: 220، الباب 12 من أبواب عقد النكاح، ح 1.
99

ابن أبي نصر (1) وحسنة الحلبي (2) ورواية داود بن سرحان (3) وغيرها، وخالف فيه
ابن إدريس (4).
وألحق العلامة بالبكر من ذهبت بكارتها بغير الجماع (5). والأقرب جريان
حكم الثيب فيها كما اختاره الشهيدان (6). واختار في التذكرة اعتبار النطق في
الموطوءة في الدبر (7). وهو خروج عن النص.
وألحق غير واحد من الأصحاب بالسكوت الضحك (8). وفيه إشكال وألحق
ابن البراج البكاء (9). وهو بعيد.
ولابد من تقييد الاكتفاء بالسكوت بعدم اشتماله على أمارة الكراهة، ومتى
اشتبه الحال لم يبعد الاكتفاء بالسكوت عملا بالنص.
الرابعة: إذا زوج الأبوان الصغيرين جاز العقد، وإن مات أحدهما ورثه الآخر
على الأشهر، خلافا لجماعة من الأصحاب في الصغير (10). والأول أقرب، لصحيحة
أبي عبيدة الحذاء (11) وصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع (12) وصحيحة عبد الله
ابن الصلت (13) وصحيحة الحسن بن علي بن يقطين (14) والثلاثة الأخيرة في حكم

(1) الوسائل 14: 206، الباب 5 من أبواب عقد النكاح، ح 1.
(2) الوسائل 14: 205، الباب 4 من أبواب عقد النكاح، ح 4.
(3) الوسائل 14: 201، الباب 3 من أبواب عقد النكاح، ح 3.
(4) السرائر 2: 568 - 569.
(5) التذكرة 2: 587 س 40.
(6) المسالك 7: 165، القواعد والفوائد 1: 383.
(7) التذكرة 2: 587 س 42.
(8) المسالك 7: 166، المهذب 2: 194.
(9) المهذب 2: 194.
(10) المهذب 2: 107، الوسيلة: 300، السرائر 2: 568.
(11) الوسائل 17: 537، الباب 11 من أبواب ميراث الأجداد، ح 1.
(12) الوسائل 14: 207، الباب 6 من أبواب عقد النكاح، ح 1.
(13) الوسائل 14: 207، الباب 6 من أبواب عقد النكاح، ح 3.
(14) الوسائل 14: 208، الباب 6 من أبواب عقد النكاح، ح 7.
100

البنت. وصحيحة محمد بن مسلم تدل على ثبوت الخيار لهما بعد البلوغ (1) لكن لا
يقاوم الأخبار المذكورة، ومستند الجماعة رواية بريد الكناسي (2) وهي ضعيفة،
ويدل عليه أيضا رواية الفضل بن عبد الملك (3) وفي سنده اشتراك.
وإذا عقد على الصغيرين غير وليهما فعلى القول ببطلان الفضولي مطلقا، أو
عند عدم وجود المجيز في الحال، أو مع عدمه كان باطلا، وعلى القول بصحته
مطلقا - كما هو المختار - أو عند تحقق الشرط مع فرض تحققه كالولي ولم يجزه
ولم يرده ينظر فإن ماتا أو مات أحدهما قبل الإجازة كان العقد باطلا ولا ميراث،
وإن بلغ أحدهما مع حياة الآخر فأجاز العقد لزم من جهته وبقي من جهة الآخر
موقوفا، فإن بلغ في حياة الآخر وأجاز صح.
وإن مات المجيز أولا قبل بلوغ الآخر أو إجازته فأجاز الآخر حلف أنه لم
يجز طمعا في الميراث وورث، ويدل عليه صحيحة أبي عبيدة الحذاء (4). ولو لم
يحلف لموت أو جنون أو نكول فلا ميراث، ولو كان العذر مما يترقب زواله يعزل
النصيب من الميراث إلى زوال المانع أو حصول اليأس، قيل: أو الضرر على باقي
الورثة مع التأخير (5). وفيه تأمل.
ولو كان المتأخر هو الزوج وأجاز ولم يحلف فهل يلزمه المهر المسمى في
العقد؟ فيه وجهان، أوجههما اللزوم، وفي ثبوت إرثه منه مقدار نصيبه من الميراث
وجهان، أقربهما ذلك.
ولو انتفت التهمة بالطمع في الميراث كما لو كان المهر اللازم عليه أكثر مما
يرثه على تقدير الزوجية فالوجه أنه كما لو لم تنتف.

(1) الوسائل 14: 208، الباب 6 من أبواب عقد النكاح، ح 8.
(2) الوسائل 14: 209، الباب 6 من أبواب عقد النكاح، ح 9.
(3) الوسائل 14: 208، الباب 6 من أبواب عقد النكاح، ح 4.
(4) الوسائل 17: 527، الباب 11 من أبواب ميراث الأجداد، ح 1.
(5) المسالك 7: 180.
101

ولو كانا كاملين فزوجهما الفضولي ففي انسحاب الحكم فيهما وجهان،
أقربهما العدم، لاختصاص النص بالصغيرين فيحكم ببطلان العقد، ولو كان العاقد
على الصغيرين أحدهما الولي والآخر فضولي فمات من عقد له الولي قبل إجازة
الآخر ففي تعدي الحكم إليه نظر.
الخامسة: لا ولاية للكافر على المسلم والمسلمة، فلو كان الأب كافرا كانت
الولاية للجد إذا كان مسلما، وإلا سقطت ولايتهما. وهل يثبت ولاية الكافر على
الكافرة؟ فيه تردد.
ولا ولاية للمجنون والمغمى عليه، وفي معناه السكر المزيل للعقل، ولو لم يؤد
إلى ذلك فالظاهر ثبوت ولايته، إذ الفسق غير مانع من الولاية هاهنا، وقد ادعى
عليه في التذكرة الإجماع (1) وإن وقع الاختلاف في منعه في ولاية المال، ومع ذلك
قال في التذكرة: إن السكران مع بقاء تمييزه ليس له التزويج في الحال (2). وفيه بعد.
ولو زال المانع عادت الولاية.
السادسة: إذا اختار الأب زوجا والجد غيره فالجد أولى، فلا ينبغي للأب أن
يعارض الجد، لقول أحدهما (عليهما السلام) في صحيحة محمد بن مسلم: «الجد أولى
بنكاحها» (3) ويدل عليه أيضا موثقة عبيد بن زرارة (4) وما رواه الحميري في قرب
الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) ورواه علي بن جعفر في كتابه (5).
ولو بادر كل منهما وعقد على شخص غير الآخر صح السابق، فإن قصد الأب
سبقه على الجد وسبق فقد ترك الأولى أو أثم وصح عقده، وإن اتفق العقدان في
وقت واحد بأن اقترن قبولهما قدم عقد الجد. ويدل عليه صحيحة هشام بن سالم
ومحمد بن حكيم المنقولة في الحسن وغيره أيضا (6) وغيرها.

(1) التذكرة 2: 599 س 21.
(2) التذكرة 2: 600 س 35.
(3) الوسائل 14: 217، الباب 11 من أبواب عقد النكاح، ح 1.
(4) الوسائل 14: 218، الباب 11 من أبواب عقد النكاح، ح 2.
(5) قرب الإسناد: 285، ح 1128، مسائل علي بن جعفر: 109، ح 19.
(6) الوسائل 14: 218، الباب 11 من أبواب عقد النكاح، ح 3.
102

السابعة: لا أعرف خلافا في توقف تزويج الأمة على إذن مالكها إذا كان
ذكرا، ويدل عليه النصوص (1) وقوله تعالى: (فانكحوهن بإذن أهلهن) (2) والحكم
كذلك لو كان المالك انثى، لعموم الأدلة، بلا فرق بين الدائم والمنقطع على الأشهر
الأقوى، خلافا للشيخ، حيث جوز تزويجها متعة إذا كانت لامرأة من غير
استئذانها (3). وإذا كانت الأمة لمولى عليه كان نكاحها بيد وليه، فإذا زوجها الولي
لزم، ولا خيار للمولى عليه بعد زوال الولاية.
وإذا كانت ا لأمة للبكر البالغ كان نكاحها بيدها، لأن المنع بالنسبة إلى نفسها
بمقتضى النص، فلا يتعدى إلى الغير.
وإذا أذن المولى لعبده في إيقاع العقد صح، فإن عين المرأة لم يجز له التخطي،
فإن تخطى كان موقوفا على الإجازة بناء على صحة الفضولي، وإن عين المهر
اتبع، فإن تخطاه فالظاهر أنه يصح العقد ويتعلق الزائد بذمته يتبع به إذا تحرر، وإن
أطلق لم يجز له التعدي عن مهر المثل، فإن تعدى كان الزائد في ذمته.
واختلف الأصحاب في أن المهر المعين عند تعيين المولى ومهر المثل عند
الإطلاق ونفقة الزوجة هل يتعلق بذمة المولى أو كسب العبد على قولين، والأول أقرب.
الثامنة: يستحب للمرأة أن تستأذن أباها في العقد وإن كانت ثيبا، وأن توكل أخاها
عند عدم الأب والجد، وأن تعول على الأكبر عند التعدد، وأن تخير خيرة الأكبر إن
اختلف الأصغر والأكبر، والظاهر أن ذلك في صورة تساوي الزوجين، فلو كان
مختار الأصغر راجحا أشكل ترجيح الأكبر، بل لا يبعد ترجيح الأصغر.
وإذا زوجها الأخوان برجلين وكانا وكيلين وسبق أحدهما فالحكم للسابق
وبطل المتأخر. سواء دخل بها الثاني أم لم يدخل على المشهور، وفيه خلاف
للشيخ في النهاية، فإنه حكم بتقديم الأكبر مطلقا إلا مع دخول من زوجه الأصغر

(1) الوسائل 14: 223، الباب 17 من أبواب عقد النكاح.
(2) النساء: 25.
(3) التهذيب 7: 257، ذيل الحديث 1112.
103

في حالة لم يكن الأكبر متقدما بالعقد (1). ولعل مستنده ما رواه الكليني عن صفوان
عن ابن مسكان عن وليد بياع الإسقاط قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) وأنا عنده عن
جارية كان لها أخوان زوجها الأكبر بالكوفة وزوجها الأصغر بأرض اخرى؟ قال:
الأول بها أولى إلا أن يكون الآخر قد دخل بها فهي امرأته ونكاحه جائز (2).
والرواية غير منطبقة على ما ذكره.
وللشيخ قول آخر في الكتابين حمل الرواية عليه (3) والراوي مجهول، لكن
في صحة الخبر إلى صفوان دلالة على قوته.
ثم على المشهور إن دخل بها الثاني، فإن كانا عالمين بالحال فهما زانيان فلا
شيء لها ولا يلحق بهما الولد إن حصل وفرق بينهما وردت إلى الأول، وإن كانا
جاهلين بالحال أو بالتحريم فلها على الواطئ مهر المثل ولحق الولد بهما وعليها
العدة، وترد إلى الأول ولها عليه المسمى، وإن علمت هي خاصة فهي زانية لا مهر
لها ولحق الولد بالواطئ، وإن علم هو خاصة فهو زان، فلا ولد له، وعليه المهر
وعليها العدة متى تحقق الجهل من أحدهما ثم ترد إلى الأول.
وإن اتفق العقدان بالقبول في وقت واحد بطلا ولا مهر على واحد منهما مع
عدم الدخول، وقيل: يقدم الأكبر إما مطلقا، أو بشرط عدم دخول الأصغر استنادا
إلى رواية الوليد المذكورة، وإن جهل الحال بأن احتمل السبق والاقتران أو جهل
السابق إما مع العلم به ابتداء أو لا معه احتمل البطلان والقرعة وأن يفسخ الحاكم
نكاحهما وأن يجبرا على الطلاق.
وإن كانا فضوليين تخيرت في إجازة عقد من شاءت منهما، ويستحب لها
إجازة عقد الأكبر إن لم يكن في مختار الأصغر رجحان، هذا مع عدم الدخول
بأحدهما بعد العلم بالعقد، وإلا كان الدخول إجازة.

(1) النهاية 2: 312 - 314.
(2) الكافي 5: 396، ح 2.
(3) التهذيب 7: 387، ذيل الحديث 1553، الاستبصار 3: 240، ذيل الحديث 858.
104

التاسعة: لا ولاية للام على الولد على المشهور، خلافا لابن الجنيد، فإنه أثبت
الولاية على الصبية لامها وأبيها مع فقد الأب وآبائه (1). والأول أقرب، للأصل
والأخبار، فلو زوجته فرضي لزمه العقد والمهر، وإن رده فقيل: يبطل العقد
والمهر (2). وقيل: يلزمها المهر (3) استنادا إلى رواية ضعيفة (4). وحملها بعض
الأصحاب على ما إذا ادعت الوكالة ولم تثبت، فإنها تضمن المهر، لأنها قد فوتت
البضع على الزوجة وغرتها بدعوى الوكالة فضمنت عوضه (5) وتنظر فيه بعض
الأصحاب بناء على أن ضمان البضع بالتفويت مطلقا ممنوع وإنما المعلوم ضمانه
بالاستيفاء على بعض الوجوه لا مطلقا، ثم قوى عدم وجوب المهر على مدعي
الوكالة مطلقا إلا مع ضمانه (6). ولو لم تدع الوكالة فلا شيء عليها وإن ضمنت،
لبطلان العقد برده.
العاشرة: إذا زوج الأجنبي امرأة وقالت: «أذنت» وأنكر الزوج إذنها فالقول
قولها من غير يمين بناء على صحة الفضولي مع الإجازة، إلا أن يسبق منها ما يدل
على الكراهة، والقول قولها مع يمين على القول الآخر ومع سبق ظهور الكراهة.
الفصل الثاني
في أسباب التحريم
وفيه مباحث:
الأول في النسب:
ويحرم به الام وإن علت، وهي كل انثى ينتهي إليها نسبه بالولادة ولو بواسطة
أو وسائط، ولا فرق في الواسطة بين أن يكون ذكرا أو انثى.

(1) نقله في المختلف 7: 107.
(2) المسالك 7: 195.
(3) المهذب 2: 196.
(4) الوسائل 14: 211، الباب 7 من أبواب عقد النكاح، ح 3.
(5) التذكرة 2: 586 س 39.
(6) المسالك 7: 195.
105

والبنت، وهي كل انثى ينتهي إليه نسبها ولو بواسطة أو وسائط مطلقا.
والاخت لأب أو لام أولهما وبناتهما وإن نزلن، يعني كل انثى ينتهي نسبها إليها.
وبنات الأخ لأب كان أو لام أو لهما وإن نزلن.
والعمة لأب كانت أو لام أو لهما وإن علت من جانب الأب أو الام.
والخالة لأب أو لام أو لهما وإن علت، ولا تحرم أولاد الأعمام والأخوال.
والمراد بعلو العمة والخالة عمة الأب أو الام أو الجد أو الجدة وهكذا، وكذا الكلام
في الخالة، وليس المراد عمة العمة وخالة الخالة، فإن عمة العمة قد تكون محرمة،
كما إذا كانت العمة القريبة عمة لأبيه وامه، أو لأبيه، لأن عمتها حينئذ تكون اخت
أب الأب، فتكون محرمة، وقد لا تكون محرمة كما لو كانت القريبة عمة للام، لأن
عمتها حينئذ تكون اخت زوج ام أبيه، فلا تكون محرمة.
وكذا الكلام في خالة الخالة، فإن الخالة القريبة إن كانت خالة لأب وام أو لام
فخالتها تحرم عليه، بخلاف ما إذا كانت خالة الأب خاصة، فإن خالتها لا تحرم
عليه، لأن خالة خالته على هذا التقدير تكون اخت امرأة الجد، فلا تحرم عليه.
وللفقهاء في ضبط المحرمات بالنسب عبارات، منها: أنه تحرم على الإنسان
اصوله وفصوله وفصول أول اصوله وأول فصل من كل أصل بعده أي بعد أول الاصول.
وأخصر منه قولهم: يحرم على الإنسان كل قريب عدا أولاد العمومة والخؤلة،
ومثلهن من الرجال يحرم على النساء.
والنسب يثبت بالوطء الصحيح إما بنكاح أو تحليل، وفي حكمه وطء
الشبهة، والمراد به الوطء الذي ليس بمستحق مع عدم العلم بالتحريم، فيدخل فيه
وطء الصبي والمجنون والنائم وشبهه.
ولو اختصت الشبهة بأحد الطرفين اختص به الولد، والتحريم العارض
كالوطء في الحيض غير ضار، ووطء المنكوحة التي لم يعلم بكونها منكوحة
يثبت النسب وإن أثم في الوطء، أما الزنا فلا يثبت به النسب إجماعا، وهل يثبت
به التحريم المتعلق بالنسب فتحرم على الزاني البنت المخلوقة من مائه وعلى
106

الزانية الولد المتولد عنها؟ لا أعرف خلافا بين الأصحاب في ثبوت التحريم، ونقل
بعضهم الإجماع على ذلك (1) وللعامة في ذلك خلاف.
ولو طلق زوجته فوطئها غير المطلق بالشبهة فإن أتت بالولد لأقل من ستة
أشهر من وطء الثاني ولأقصى الحمل فما دون من وطء الأول فهو للمطلق، وإن
أتت به لستة أشهر فصاعدا إلى أقصى الحمل من وطء الثاني ولزيادة من أقصى
وطء من الحمل الأول فهو للثاني، وإن أتت به لأقل من ستة أشهر من وطء الثاني
ولأكثر من مدة أقصى الحمل من وطء الأول فهو منتف عنهما.
وإن أتت به فيما بين الحدين للأول والثاني فاختلف الأصحاب في حكمه،
فاختار الشيخ فيه القرعة (2) واختار الأكثر أنه للثاني. وحكم اللبن تابع للنسب.
ولو أنكر الولد ولاعن انتفى الولد عنه ويحرم عليه إن كان بنتا مع دخوله
بامها، ولو لم يكن دخل بامها ففي التحريم وجهان، ولا يبعد ترجيح العدم، ولو
أقر به بعد ذلك فهل يعود نسبه؟ فيه قولان، وهو لا يرث الولد قولا واحدا، واللبن
تابع للولد.
وهل يعود لو اعترف به؟ فيه أوجه، أحدها: عدم العود، ثانيها: العود مطلقا،
ثالثها: أن يعود على حد عود الولد، بمعنى أنه يؤثر في الحكم بالنسبة إلى الملاعن
لا غير، فلو ارتضع من هذا اللبن مرتضع رقيق الرضاع المحرم ثم ملكه الملاعن
عتق عليه المرتضع.
البحث الثاني الرضاع:
ويشترط في انتشار الحرمة بالرضاع امور:
الأول: لا أعرف خلافا بين الأصحاب في أنه يشترط أن يكون اللبن عن وطء
صحيح بنكاح دائم أو متعة أو ملك يمين وما في معناه، ونقل عليه إجماعهم (3).

(1) جامع المقاصد 12: 190.
(2) المبسوط 5: 205.
(3) المسالك 7: 207.
107

والأشهر إلحاق الشبهة بها، لعموم الآية (1) وفيه خلاف لابن إدريس (2)
وحاصل كلامه يرجع إلى نوع تردد فيه، ويدل عليه صحيحة عبد الله بن سنان قال:
سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن لبن الفحل قال: هو ما أرضعت امرأتك من لبنك ولبن
ولدك ولد امرأة اخرى فهو حرام. ونحوه حسنة عبد الله بن سنان (3).
وفي رواية بريد العجلي المنقولة في الصحيح والحسن بإبراهيم عن أبي
جعفر (عليه السلام) في جملة حديث قال: قلت له: أرأيت قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) «يحرم من
الرضاع ما يحرم من النسب» فسر لي ذلك؟ فقال: كل امرأة أرضعت من لبن فحلها
ولد امرأة اخرى من جارية أو غلام فذلك الرضاع الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) (4)
الحديث. وإنما ينشر لبن الشبهة في حق من اتصف بها منهما. واللبن الحادث من
الزنا لا ينشر حرمة.
ولابد أن يحصل من النكاح ولد، فلا يكفي دروره من غير ولد، لما مر،
ولرواية يونس بن يعقوب (5). وهل يكفي الحمل من غير انفصال الولد؟ فيه قولان،
ولا يبعد القول بالاكتفاء.
ولو طلقها الزوج أو مات وهي حامل منه أو مرضع فأرضعت ولدا فاللبن
للمطلق أو الميت، فينسب إليه الولد، كما ينسب إلى المرضعة، ولا فرق بين العدة
وغيرها، ولا بين أن ينقطع اللبن ثم يعود أم لا، ولا بين أن تتزوج بآخر ولم تحمل
أم لم تتزوج. ولو كان ذلك بعد الحمل من الثاني وقبل الولادة واللبن بحاله لم
ينقطع ولم يحدث فيه زيادة فعند الأصحاب وغيرهم أنه للأول، وفي التذكرة: لا
نعلم فيه مخالفا (6). ولو تجدد في اللبن زيادة يمكن استنادها إلى الحمل من الثاني

(1) النساء: 23.
(2) السرائر 2: 552.
(3) الوسائل 14: 294، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 4 وذيله.
(4) الكافي 5: 442، ح 9.
(5) الوسائل 14: 302، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 1.
(6) التذكرة 2: 616 س 37.
108

من غير انقطاع فالمقطوع به في كلام الأصحاب أنه للأول أيضا.
وعن الشافعي في ذلك قولان، أحدهما: مثل ما ذكر، والثاني: أنه للزوجين إن
زاد بعد أربعين يوما من الحمل الثاني (1).
ولو انقطع اللبن عن الأول انقطاعا بينا ثم يعود في وقت يمكن أن يكون
للثاني فالمقطوع به في كلام الأصحاب أنه للثاني، وللشافعي قول بأنه للأول ما لم
تلد من الثاني مطلقا، وقول آخر بأنه يكون لهما مع انتهائه إلى حال ينزل معها
اللبن وأقله أربعون يوما (2).
ولو كان بعد الوضع فلا أعرف خلافا في أنه للثاني، ونقل فيه في التذكرة
الإجماع من الكل (3).
وعلى تقدير الحكم بكون اللبن للثاني في صورة من هذه الصور يعتبر في
نشر الحرمة ما يعتبر في أصل الشرائط، فإذا كان للثاني حمل ولم ينفصل وحكم
بكون اللبن له يبنى على أن لبن الحمل هل يعتبر في نشر الحرمة أم لا.
الثاني الكمية: لابد في نشر الحرمة من مقدار معين وله تقديرات ثلاث:
الأول: ما أنبت اللحم وشد العظم، ومقتضى النصوص أنه لا يكفي أحدهما كما
هو المشهور، خلافا للشهيد في بعض فتاويه حيث اجتزأ بأحدهما (4) ولا دليل عليه.
الثاني: العدد وفيه أقوال، الأول: قول ابن الجنيد، وهو الاكتفاء بالرضعة التامة.
وهي ما ملأت بطن الصبي إما بالمص أو بالوجور (5). الثاني: اعتبار عشر رضعات
وإليه ذهب أكثر المتقدمين. الثالث: اعتبار خمس عشرة رضعات، وهو قول أكثر
المتأخرين.

(1) المغني لابن قدامة 9: 209.
(2) المعني لابن قدامة 9: 209.
(3) التذكرة 2: 616 س 39.
(4) اللمعة: 111.
(5) نقله في المختلف 7: 6.
109

والقول الأول مندفع بالروايات الكثيرة، وكذا القول الثاني، والقول الثالث
يدل عليه موثقة زياد بن سوقة (1) صريحا.
لكن يخالفه موثقة عمر بن يزيد قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: خمس
عشرة رضعة لا تحرم (2). وحملها الشيخ على كون الرضعات متفرقة من نساء
شتى (3). وهو بعيد.
ويخالفه أيضا ما دل على اعتبار الحولين، مثل ما رواه الصدوق عن عبيد بن
زرارة في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الرضاع فقال: لا يحرم من
الرضاع إلا ما ارتضع من ثدي واحد حولين كاملين (4). ورواه الشيخ أيضا وحمل
قوله حولين على أنه ظرف للرضاع (5) وهو بعيد. وروى الصدوق عن الحلبي في
الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يحرم الرضاع إلا ما كان حولين كاملين (6).
ويخالفه أيضا ما يدل على اعتبار سنة كصحيحة العلاء بن رزين عن
الصادق (عليه السلام) رواها الشيخ والصدوق (7) وفي المقنع للصدوق: لا يحرم من الرضاع
إلا رضاع يوم وليلة وخمس عشرة رضعات متواليات لا يفصل بينهن (8).
ويؤيد القول الثالث الشهرة. وما دل على إنبات اللحم وشد العظم من الأخبار
الكثيرة (9). ويمكن حملها على اشتداد العظم الذي يحصل بعد مدة الرضاع، فإن
المرتضع لين العظم.
ويدل على اعتبار الحولين أيضا بعض الأخبار مما لم يبلغ حد الحكم

(1) الوسائل 14: 282، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 1.
(2) الوسائل 14: 284، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 6.
(3) التهذيب 7: 314، ذيل الحديث 1301.
(4) الفقيه 3: 477، ح 4674.
(5) التهذيب 7: 317، ح 1310.
(6) الفقيه 3: 477، ح 4675.
(7) التهذيب 7: 318، ح 1315، الفقيه 3: 477، ح 4673.
(8) المقنع: 111.
(9) الوسائل 14: 289، الباب 3 من أبواب ما يحرم بالرضاع.
110

بالصحة (1) ولاعتبار الحول والحولين مؤيدات من الأخبار وكون ذلك أبعد من
مذاهب العامة، فالمسألة عندي محل الإشكال والتوقف.
الثالث: التقدير برضع يوم وليلة، وهو المعروف بين الأصحاب، وعن
الصدوق في المقنع: لا يحرم من الرضاع إلا رضاع خمسة عشر يوما ولياليهن
ليس بينهن رضاع، وبه كان يفتي شيخنا محمد بن الحسن (رحمه الله) ثم قال: وروي أنه لا
يحرم من الرضاع إلا ما كان حولين كاملين، وروي أنه لا يحرم من الرضاع إلا ما
ارتضع من ثدي واحد سنة (2) وقد روى رواية الحولين والسنة في الفقيه (3). ومستند
القول الأول موثقة زياد بن سوقة (4) والمسألة عندي قوية الإشكال.
وعلى القول الأول يعتبر إرضاعه فيهما كلما طلبه واحتاج إليه عادة، وهل
يكفي الملفق منهما؟ فيه وجهان.
ويعتبر في الرضعات المحرمة قيود ثلاثة:
أحدها: إكمال الرضعة، والمرجع في ذلك إلى العرف، وقيل: حده أن يروى
الولد ويصدر من قبل نفسه، والتفسيران متقاربان، ويرشد إلى الثاني مرسلة ابن
أبي عمير (5) فإذا قطع الولد باختياره وأعرض إعراض ممتلئ تحققت الكمالية،
وإن قطع لا بنية الإعراض بل للتنفس أو للالتفات إلى ملاعب، أو للانتقال من ثدي
إلى آخر أو قطعت عليه المرضعة، أو لفظ الثدي ثم عاد في الحال إلى الالتقام كان
الكل رضعة واحدة، وهل يعتبر صحة مزاج الولد؟ فيه وجهان.
ثانيها: التوالي بأن لا يفصل بين الرضعات رضاع غير المرضعة، ولا عبرة
بتخلل غير الرضاع من المأكول والمشروب وشرب اللبن من غير الثدي ونحوه،

(1) الوسائل 14: 290، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع.
(2) المقنع: 111 (وليس فيه: ثم قال: وروي...).
(3) الفقيه 3: 77، ح 4673، 4674.
(4) الوسائل 14: 282، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 1.
(5) الوسائل 14: 290، الباب 4 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 2.
111

وهل يتحقق الفصل بمسمى الرضاع أم لابد من الرضعة التامة؟ فيه قولان. ويقدح
الفصل بالرضعة في اعتبار اليوم والليلة أيضا، بل يقدح المأكول والمشروب
أيضا هاهنا.
ثالثها: أن يكون الارتضاع من الثدي، وهذا الشرط معتبر في مطلق الرضاع
المحرم، واشتراط ذلك هو المعروف من مذهب الأصحاب، وخالف في ذلك ابن
الجنيد فاكتفى بوجور اللبن في الحلق (1). والأول أصح، لعدم صدق الإرضاع
والارتضاع عرفا في مثل الوجور، ولو ارتضع من ثدي الميتة أو أكملها ميتة
فالمشهور بين الأصحاب أنه لا ينشر حرمة. وتردد فيه بعض الأصحاب (2).
الثالث أن يكون المرتضع في الحولين: فلو أرضعته بعد الحولين لم ينشر
حرمة، وكذا لو وقع بعض الرضعات بعد إتمام الحولين، بخلاف ما لو كمل بعد تمام
الحولين، وهذا هو المشهور بين الأصحاب.
وفي المسالك أنه لا خلاف فيه بين أصحابنا (3). وعن ابن الجنيد أنه حكم
بالتحريم إذا وقع الرضاع بعد الحولين ولم يتوسط بعد الرضاع فطام (4). وقال
الشهيد (رحمه الله): إنه مسبوق بالإجماع وملحوق به (5).
واحتج في المسالك على الأول بقوله تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن
حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) جعل تمام الرضاعة في الحولين، وفيه
نظر. وبقوله تعالى: (وفصاله في عامين) وفيه أيضا نظر. وبما روي عن
النبي (صلى الله عليه وآله) لا رضاع إلا ما كان في الحولين. وقال أيضا: لا رضاع بعد فصال.
والظاهر أن الروايتين عاميتان، وبقول الصادق (عليه السلام): لا رضاع بعد فطام قلت:
جعلت فداك وما الفطام؟ قال: الحولين اللذين قال الله عز وجل (6). وهذه الرواية لم

(1) نقله في المختلف 7: 15.
(2) الشرائع 2: 283.
(3) المسالك 7: 235.
(4) نقله في المختلف 7: 12.
(5) غاية المراد: 3: 145، 146.
(6) المسالك 7: 236.
112

أجدها إلا بطريق فيه سهل بن زياد. ويدل عليه أيضا رواية الفضل بن عبد الملك
بإسناد فيه اشتراك عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الرضاع قبل الحولين قبل أن يفطم (1).
ويدل على قول ابن الجنيد ظاهر قول الصادق (عليه السلام) في صحيحة منصور بن
حازم المنقولة في الحسن أيضا: لا رضاع بعد فطام (2). ونحوه في حسنة الحلبي
عنه (عليه السلام) (3). وموثقة داود بن الحصين عنه (عليه السلام) قال: الرضاع بعد الحولين قبل أن
يفطم محرم (4). وقول ابن الجنيد غير بعيد.
والمشهور أنه لو فطم في الحولين ثم ارتضع فيهما حصل التحريم. وعن ابن
أبي عقيل أن كلامه يشعر بالخلاف (5). ولعل نظره إلى اعتبار الفطام المذكور في
الأخبار، وهل يراعى ذلك في ولد المرضعة؟ فيه قولان، أقربهما العدم.
الرابع: أن يكون اللبن لمرضعة واحدة من لبن فحل واحد، فلو رضع الصبي
بعض العدد المعتبر من لبن امرأة وأكمل من اخرى لم ينشر الحرمة وإن اتحد
الفحل، ونقل في التذكرة الإجماع عليه (6).
وكذا لو أرضعته امرأة واحدة الرضاع المعتبر من لبن فحلين بأن أرضعته من
لبن زوجها بعض الرضعات ثم فارقها الزوج فتزوجت بغيره فأكملت الرضعات
من لبن الزوج الثاني فإن ذلك لا ينشر الحرمة بين الولد والمرضعة، ويتصور فرض
ذلك بأن يستقل الولد بالمأكول في المدة المتخللة من غير حاجة إلى رضاع
أجنبية، فإن ذلك لا يقدح في توالي الرضعات، وادعى في التذكرة الإجماع على
هذا الحكم أيضا (7) ويدل عليهما موثقة زياد بن سوقة (8).

(1) الوسائل 14: 291، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 4.
(2) الوسائل 14: 290، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 1.
(3) الوسائل 14: 291، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 2.
(4) الوسائل 14: 292، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 7.
(5) نقله في المختلف 7: 13.
(6) التذكرة 2: 621 س 25.
(7) التذكرة 2: 620 س 41.
(8) الوسائل 14: 282، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 1.
113

وهل يشترط اتحاد الفحل في التحريم بين رضيعين فصاعدا، بمعنى أنه لابد
في تحريم أحد الرضيعين على الآخر مع تحقق الشروط السابقة من كون الفحل
واحدا، فلو ارتضع أحد الصغيرين من امرأة من لبن فحل القدر المعتبر والآخر
منهما من لبن فحل آخر القدر المعتبر لم يثبت التحريم بينهما، ولو ارتضع مائة من
لبن فحل واحد القدر المعتبر حرم بعضهم على بعض وإن تعددت المرضعات
بشرط أن يحصل من كل امرأة القدر المعتبر في التحريم، وعلى هذا فيكفي الاخوة
في الرضاع من جهة الأب وحده ولا يكفي من جهة الام وحدها، وهذا معنى
قولهم: اللبن للفحل، أم يكفي في التحريم اتحاد الام؟ المشهور بين الأصحاب
الأول، وادعى بعضهم الإجماع عليه (1) وذهب الشيخ أبو علي الطبرسي (رحمه الله) (2)
إلى الثاني.
ويدل على القول الأول ما في رواية بريد العجلي المنقولة في الصحيح
والحسن في جملة حديث قال: قلت له - يعني أبا جعفر (عليه السلام) - أرأيت قول
رسول الله (صلى الله عليه وآله): يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فسر لي ذلك؟ فقال: كل
امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة اخرى من جارية أو غلام فذلك الرضاع
الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكل امرأة أرضعت من لبن فحلين كانا لها واحدا بعد
واحد من جارية أو غلام فإن ذلك رضاع ليس بالرضاع الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وإنما هو من سبب ناحية الصهر رضاع، ولا
يحرم شيئا وليس هو سبب رضاع من ناحية لبن الفحولة فيحرم (3).
وموثقة عمار الساباطي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن غلام رضع من امرأة،
أيحل له أن يتزوج اختها لأبيها من الرضاع؟ قال: فقال: لا، فقد رضعا جميعا من
لبن فحل واحد من امرأة واحدة، قال: فيتزوج اختها لامها من الرضاعة؟ قال:

(1) المسالك 7: 239.
(2) مجمع البيان 3: 28.
(3) الوسائل 14: 293، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 1.
114

فقال: لا بأس بذلك، إن اختها التي لم ترضعه كان فحلها غير فحل التي أرضعت
الغلام فاختلف الفحلان فلا بأس (1).
وصحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يرضع من امرأة وهو
غلام، أيحل له أن يتزوج اختها لامها من الرضاعة فقال: إن كانت المرأتان رضعتا
من امرأة واحدة من لبن فحل واحد فلا يحل، فإن كانت المرأتان رضعتا من امرأة
واحدة من لبن فحلين فلا بأس بذلك (2).
قال في المسالك: استند أصحابنا في الشرطين معا إلى رواياتهم مثل قول
الباقر (عليه السلام)، ونقل رواية زياد بن سوقة ورواية عمار ثم قال: ولا يخفى عليك
ضعف هذين الخبرين، ولكن الحكم بهما مشهور بين الأصحاب إلى حد فيه
الإجماع، مع أنه قد عارضهما ما يدل على عدم اعتبار الفحل وهي رواية محمد
ابن عبيد الهمداني قال: قال الرضا (عليه السلام): ما يقول أصحابك في الرضاع؟ قال: قلت:
كانوا يقولون: اللبن للفحل حتى جاءتهم الرواية عنك أنك تحرم من الرضاع ما
يحرم من النسب فرجعوا إلى قولك. قال: فقال لي: وذلك أن أمير المؤمنين سألني
عنها البارحة فقال لي: اشرح لي اللبن للفحل وأنا أكره الكلام فقال لي: كما أنت
حتى أسألك عنها، ما قلت في رجل كانت له امهات أولاد شتى فأرضعت واحدة
منهن بلبنها غلاما غريبا، أليس كل شيء من ولد ذلك الرجل من الامهات الشتى
محرما على ذلك الغلام؟ قال: قلت: بلى، قال: فقال لي أبو الحسن (عليه السلام): فما بال
الرضاع يحرم من قبل الفحل ولا يحرم من قبل الامهات وإنما حرم الله الرضاع
من قبل الامهات وإن كان لبن الفحل أيضا يحرم (3).
ولا يخفى أن رواية زياد بن سوقة غير دالة على اعتبار الشرط الثاني، ورواية
محمد بن عبيد لا ينافي الاشتراط، لأن المستفاد من الرواية تحريم أولاد المرضعة

(1) الوسائل 14: 294، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 2.
(2) الوسائل 14: 294، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 3.
(3) المسالك 7: 239 - 240.
115

نسبا على المرتضع وهو إجماعي ليس مورد البحث والنزاع.
واستشهد بعضهم على القول المشهور بما رواه الصدوق في الصحيح عن
الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يتزوج
المرأة فتلد منه ثم ترضع من لبنها جارية أيصلح لولده من غيرها أن يتزوج بتلك
الجارية التي أرضعتها؟ قال: لا هي بمنزلة الاخت من الرضاعة، لأن اللبن لفحل
واحد (1). وفيه نظر، لأن مقتضاه أن الاشتراك في كون اللبن لفحل واحد يقتضي
التحريم ولا يقتضي انحصار جهة التحريم فيه.
واستدل في المسالك لقول الطبرسي (رحمه الله) بأنه يكون بينهم اخوة الام وإن تعدد
الفحل، فيدخل في عموم قوله تعالى: (وأخواتكم من الرضاعة) لأن الاخوة من
الام تحرم التناكح بالنسب، والرضاع يحرم منه ما يحرم من النسب، قال: وهذا
القول في غاية الجودة بشرط إطراح الخبرين المتقدمين إما لضعف السند أو
للمعارضة والرجوع إلى عموم الأدلة، وهي ظاهرة معه، وروى الشيخ ونقل
صحيحة الحلبي السابقة (2) ثم قال: وهذه الرواية تؤيد تينك الروايتين مع صحتها
وإن لم يكن عين المتنازع (3). انتهى. وحاصله يرجع إلى أمرين، أحدهما: أن
المرضعة بلبن الام الرضاعي اخته الامي الرضاعي، فتحرم بالآية، وفيه أن الاخت
الرضاعي أمر شرعي، وكون المذكورة مندرجة في معناه محل النزاع، فلابد من
دليل يدل عليه. وثانيهما: أن الاخت الامي النسبي محرمة، فتكون كذلك الاخت
الامي من الرضاعي كما في محل النزاع، لقوله (صلى الله عليه وآله): يحرم من الرضاع ما يحرم
من النسب. (4) وفيه منع كون المذكورة اختا اميا.
وفي تفسير قوله (صلى الله عليه وآله): «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» احتمالات،
منها: أن كل رضاع شرعي يحرم بسببه ما يحرم بسبب النسب في نظيره، فكل من

(1) الفقيه 3: 477، ح 4671.
(2) أي نقلها صاحب المسالك (رحمه الله) ثم قال.
(3) المسالك 7: 241.
(4) الوسائل 14: 280، الباب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 1.
116

يحرم على الإنسان بسبب امومة الام كالاخت لام واخت أبيها امها وأولادها
يحرم بسبب الرضاع في الام الرضاعية، ولا يلزم من هذا سوى تحريم القريبات
النسبية للام الرضاعية مما يحرم في النسبية.
ومنها: أن معناه أن ما يحرم بالنسب يحرم بالرضاع مثله، يعني يوجد في
الرضاعيات مثله، ولا يلزم كون محل البحث منه.
ثم في الفرق بين صحيحة الحلبي ورواية عمار في كون أحدهما عين
المتنازع فيه دون الاخرى محل تأمل، وعلى القولين يحرم أولاد هذه المرضعة
نسبا على المرتضع منها.
مسائل:
الاولى: إذا حصل الرضاع الموجب للتحريم صارت المرضعة اما للمرتضع،
وآباؤها وإن علوا أجدادا للمرتضع وامهاتها كذلك جدات له وإخوتها وأخواتها
أخوالا وخالات له، وأولادها من النسب إخوة وأخوات، وفي أولادها من
الرضاع خلاف قد سبق.
وينعكس النسبة من جانب المرتضع بالنسبة إليهم، فيصير أولاد المرتضع
أولادا للمرضعة، وعلى هذا القياس، وينشر التحريم من الفحل إليه ومنه إليه على
وجه يصير الفحل كالأب له، ويتعدى التحريم إلى آباء الفحل وأولاده وإخوته
وأخواته، وينعكس النسبة من جانب المرتضع بالنسبة إليهم.
وتفصيل الحكم أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وقد حرم الله تعالى
بالنسب سبعا، وهي: الام وإن علت، فكل ام ولدت مرضعتك، أو ولدت من ولدها
أو أرضعتها، أو أرضعت من ولدها ولو بواسطة أو وسائط، أو ولدت أباها أو جدها
من الرضاعة نسبا أو رضاعا فهي بمنزلة امك، وكذا كل امرأة ولدت الفحل أو
ولدت من ولده نسبا أو رضاعا، أو أرضعته، أو أرضعت من ولده نسبا أو رضاعا،
أو أرضعت أباك أو امك أو أرضعت من ولد أحدهما نسبا أو رضاعا ولو بواسطة
117

أو وسائط، أو ولدت أحدهما من الرضاع نسبا أو رضاعا فهي بمنزلة امك.
والبنت وإن سفلت وهي من الرضاعة: كل بنت ارتضعت بلبنك أو بلبن من
ولدته نسبا أو رضاعا، أو أرضعتها امرأة ولدتها نسبا أو رضاعا، وكذلك بناتها من
النسب والرضاع فكلهن بمنزلة بنتك.
والاخت وهي من الرضاعة: كل امرأة أرضعتها امك، أو أرضعت بلبن أبيك،
وكذا كل بنت ولدتها المرضعة أو الفحل، وكل بنت ارتضعت بلبن أبيك من
الرضاعة، أو أرضعتها امك من الرضاعة على قول الطبرسي (رحمه الله). (1)
والعمات والخالات، وهن من الرضاع: أخوات الفحل والمرضعة نسبا، أو
أخواتهما رضاعا من جهة صاحب اللبن ومن جهة المرضعة أيضا على قول،
وأخوات من ولدهما من النسب والرضاع كذلك، وكل امرأة أرضعتها واحدة من
جداتك، أو أرضعت بلبن واحد من أجدادك، والأخوات الرضاعية لأبيك أو لامك
أو لأحد من أجدادك أو جداتك.
وبنات الأخ وبنات الاخت، وهن من الرضاعة: بنات أولاد المرضعة والفحل
نسبا ورضاعا على ما ذكرنا، وكذا كل انثى أرضعتها اختك أو بعض بناتها وبنات
أولادها من الرضاع والنسب، وبناتها وبنات أولادها نسبا ورضاعا، وبنات كل
انثى أو ذكر أرضعته امك أو أرضع بلبن أبيك من النسب والرضاع وإن نزلن، وكل
انثى ارتضعت بلبن أخيك أو ولدها نسبا أو رضاعا من ارتضع بلبن أخيك (2) فهذه
جملة المحرمات بالرضاع الملحقة بالمحرمات بالنسب.
وهل ينكح أب المرتضع في أولاد صاحب اللبن ولادة أو رضاعا، أو في
أولاد زوجته المرضعة ولادة؟ فيه قولان، أقربهما التحريم، نظرا إلى الروايات
كصحيحة علي بن مهزيار قال: سأل عيسى بن جعفر بن عيسى أبا جعفر الثاني (عليه السلام)
عن امرأة أرضعت لي صبيا هل يحل لي أن أتزوج ابنة زوجها؟ فقال لي: ما أجود

(1) مجمع البيان، ذيل الآية 23 من سورة النساء.
(2) كذا في الأصل أيضا، والظاهر أن في العبارة إشكال.
118

ما سألت، من هاهنا يؤتى أن يقول الناس: حرمت عليه امرأته من قبل لبن الفحل،
هذا لبن الفحل لا غيره، فقلت له: الجارية ليست ابنة المرأة التي أرضعت لي، هي
ابنة غيرها؟ فقال: لو كن عشرا متفرقات ما حل لك شيء منهن وكن في
موضع بناتك (1).
وصحيحة أيوب بن نوح قال: كتب علي بن شعيب إلى أبي الحسن (عليه السلام): امرأة
أرضعت بعض ولدي، هل يجوز لي أن أتزوج بعض ولدها؟ فكتب: لا يجوز ذلك،
لأن ولدها صارت بمنزلة ولدك (2).
ورواية عبد الله بن جعفر في الصحيح قال: كتبت إلى أبي محمد: امرأة أرضعت
ولدا لرجل، هل يصلح لذلك الرجل أن يتزوج ابنة هذه المرضعة أم لا؟ فوقع (عليه السلام):
لا تحل له (3).
والروايتان الأخيرتان واردتان في أولاد المرضعة، والاولى تدل على حكم
أولاد الفحل، وفي دلالتها على الأولاد الرضاعية للفحل تأمل.
ويتفرع على الخلاف في هذه المسألة ما لو أرضعت ولد إنسان جدته لامه،
سواء كان بلبن جده أو غيره، أو أرضعته إحدى نساء جده لامه بلبن جده الرضاع
المعتبر، فإن ام الرضيع تحرم على زوجها أب المرتضع على القول بالتحريم كما
اخترنا، لأنها من جملة أولاد المرضعة على التقدير الأول، ومن جملة أولاد
صاحب اللبن على التقدير الثاني.
وهل ينكح أولاده الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن هذه المرضعة نسبا وأولاد
فحلها؟ فيه قولان، والأكثر على الجواز.
وذهب الشيخ في النهاية والخلاف إلى التحريم (4) استنادا إلى أن التعليل

(1) الوسائل 14: 296، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 10.
(2) الوسائل 14: 306، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 1.
(3) الوسائل 14: 307، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 2.
(4) النهاية 2: 306، الخلاف 4: 302، المسألة 73.
119

المنصوص في الخبر يقتضي كون أولاد المرضعة والفحل إخوة لأولاد أب
المرتضع فينشر الحرمة، ولأن اخت الأخ محرمة في النسب، فكذا هنا، وفي الأول
منع، والتعليل يقتضي كون العلة كونه بمنزلة الولد وهو غير موجود في محل النزاع.
وفي الثاني أن اخت الأخ لا تحرم عليه من حيث إنها اخت الأخ، بل من حيث إنها
اخته لا مطلقا.
والوجه الاستدلال على التحريم بأن كونهم بمنزلة الولد يقتضي أن يثبت لهم
جميع الأحكام الثابتة للولد من حيث الولدية، لعدم تخصيص في المنزلة، ومن
جملة أحكام الولد تحريم أولاد الأب عليه، فإذن القول بالتحريم لا يخلو عن
قوة، وتوقف العلامة في المختلف (1) ووافقه بعض المتأخرين (2).
ولو أرضعت امرأة ابنا لقوم وبنتا لآخرين جاز أن ينكح إخوة كل واحد منهما
في إخوة الآخر، لأنه لا نسب بينهم ولا رضاع.
الثانية: استثنى العلامة في التذكرة من قاعدة: يحرم من الرضاع ما يحرم من
النسب. صور أربع:
الاولى: قال: ام الأخ والاخت في النسب حرام، لأنها إما ام أو زوجة أب،
وأما في الرضاع فإن كانت كذلك حرمت أيضا، وإن لم تكن كذلك لم تحرم، كما لو
أرضعت أجنبية أخاك أو اختك لم تحرم، والحق أن هذه لا تحتاج إلى الاستثناء،
فإن القاعدة الكلية مقتضاها أن كل امرأة حرمت باعتبار وصف في النسب حرمت
نظيرتها في الرضاع، ووصف كونها ام الأخ أو الاخت ليس من الأوصاف المؤثرة
في التحريم في النسب فلا يؤثر في المقام.
الثانية: ام ولد الولد حرام، لأنها إما بنته أو زوجة ابنه، وفي الرضاع قد لا
تكون إحداهما، مثل أن ترضع الأجنبية ابن الابن فإنها ام ولد الولد وليست
حراما، وهذه أيضا لا تحتاج إلى الاستثناء، فإن ام ولد الولد ليست من المحرمات
السبع بالنسب من حيث إنها ام ولد الولد.

(1) المختلف 7: 21.
(2) جامع المقاصد 12: 231.
120

الثالثة: جدة الولد في النسب حرام، لأنها إما امك أو ام زوجتك، وفي الرضاع
قد لا تكون كذلك، كما إذا أرضعت أجنبية ولدك، فإن امها جدته وليست بامك ولا
ام زوجتك، والكلام في استثناء هذه أيضا كالسابقة.
الرابعة: اخت ولدك في النسب حرام عليك، لأنها إما بنتك أو ربيبتك، وإذا
أرضعت أجنبية ولدك فبنتها اخت ولدك وليست بنتا ولا ربيبة (1) والكلام في
استثناء هذه كالسابقة، لكن هذا القسم يثبت له التحريم بدليل آخر كما مر.
الثالثة: قد وقع الالتباس في حكم نسوة كثيرة في باب الرضاع، ونقل الفاضل
الشيخ علي عن بعض الطلبة المعاصرين له الحكم بالتحريم في مواضع كثيرة من
الرضاع، وذكر أنه مخالف للإجماع وأن تعويلهم في ذلك على فتوى أسندوها إلى
الشهيد (رحمه الله)، وذكر أنه لم يثبت الفتوى بذلك عن الشهيد (رحمه الله) عنده، وذكر أن المختلف
فيه بين الأصحاب ليس إلا صورا ثلاث:
الاولى: جدات المرتضع بالنسبة إلى صاحب اللبن يحللن له أم لا، وقريب
منه ام المرضعة وجداتها بالنسبة إلى أب المرتضع، وهذه المسألة اختلف فيها
الأصحاب، والأقرب عندي الجواز، للأصل والعمومات، وذهب جماعة إلى
التحريم، استنادا إلى حجة ضعيفة.
وقد يستدل في بعض صور المسألة وهو ما إذا كانت جدة المرتضع جدودتها
له من جهة أبيه، أو كانت من جهة امه وكانت هي بنت صاحب اللبن، أما الاولى
فلأن المرتضع لما صار ولدا للفحل كانت جدته من أبيه اما لأب ابن الفحل، وام
أب الابن محرمة، لكونها اما. والجواب أن تحريم ام أب الابن في النسب لكونها
اما، لا لكونها ام أب الابن، فيثبت الحكم حيث يثبت كونها اما لا مطلقا. وأما
الثانية فلأن ولد بنت الفحل إذا صار ولدا له من الرضاعة صارت جدته المرضعة
إياه ام بنت البنت، وام بنت البنت محرمة لكونها بنتا، والجواب كما مر.

(1) التذكرة: 614 س 32.
121

الثانية: أخوات المرتضع نسبا أو رضاعا بشرط اتحاد الفحل هل يحللن له أم
لا؟ وفيه أيضا خلاف بين الأصحاب، والقائل بالتحريم الشيخ في الخلاف (1) وفي
القواعد حكم بعدم التحريم (2).
الثالثة: أولاد صاحب اللبن ولادة ورضاعا وكذا أولاد المرضعة ولادة
بالنسبة إلى إخوة المرتضع هل يحللن لهم أم لا؟ وقد مر حكم هذه المسألة.
الرابعة: الرضاع الذي يحرم النكاح على تقدير سبقه عليه يبطله على تقدير
لحوقه به، فلو تزوج رضيعة فأرضعتها ام الزوج أو اخته أو جدته أو زوجة الأب
بلبنه أو زوجة الأخ بلبنه فسد النكاح، فإن كان الرضاع بسبب مختص بالصغيرة
مثل أن سعت إليها فامتصت ثديها من غير شعور المرضعة فالمشهور سقوط
مهرها، ويحتمل قويا عدم السقوط، وإن كان الرضاع بفعل الكبيرة فقيل: يجب
للصغيرة على الزوج نصف المهر، اختاره الشيخ في المبسوط وجماعة (3) وقيل:
الجميع (4) ولعله الأقرب، هذا إذا كان قد سمي لها مهرا، ولو كانت مفوضة البضع
قيل: وجبت المتعة (5) ويحتمل السقوط أصلا، ويحتمل وجوب مهر المثل أو نصفه،
فإذا غرم الزوج شيئا في هذه الفروض هل يرجع به على المرضعة؟ فيه قولان
مبنيان على أن البضع هل يضمن بالتفويت أم لا؟ وعلى القول بالرجوع هل يفرق
بين ما إذا قصد بالإرضاع الإفساد وعدمه أم لا؟ فيه قولان.
ولو كان الرضاع بفعل الصغيرة والكبيرة عالمة لكن لم تعنها عليه ففي إلحاقه
بالسابقة أو عدم الضمان وجهان، ولو قيل: لا يرجع الزوج على المرضعة إلا بنصف
ما يغرمه لم يكن بعيدا. وإن تولت الكبيرة الإرضاع في موضع الحاجة والضرورة
ففي ضمانها وجهان، وكذا لو كانت مكرهة على الإرضاع.

(1) الخلاف 4: 302، المسألة 73.
(2) القواعد 3: 23.
(3) المبسوط 5: 298، التحرير 2: 10 س 16، تلخيص الخلاف 3: 112، المسألة 14.
(4) جامع المقاصد 12: 234.
(5) جامع المقاصد 12: 234.
122

الخامسة: عند الأصحاب أن المصاهرة يتعلق بالرضاع كما يتعلق بالنسب،
فكما تحرم ام الزوجة نسبا وبنت الزوجة المدخولة نسبا وزوجة الأب وزوجة
الابن، فكذلك في الرضاع، فمن نكح صغيرة أو كبيرة حرمت عليه مرضعتها، لأنها
ام رضاعية للزوجة، وكذا تحرم عليه بنتها من الرضاع واختها من الرضاع جمعا،
وبنت أخيها وبنت اختها من الرضاع بدون رضا العمة أو الخالة. ولو كانت تحته
كبيرة فطلقها فنكحت صغيرا وأرضعته بلبن المطلق حرمت عليهما مؤبدا.
ولا أعلم حجة على هذه الأحكام سوى قوله (صلى الله عليه وآله): يحرم من الرضاع ما
يحرم من النسب (1). وفي دلالته أيضا إشكال.
نعم إن ثبت الإجماع على الأحكام المذكورة كان هو المتبع، وليس هذا من
قبيل المصاهرة التي لا يتعدى إليها تحريم الرضاع إلا ما استثني، وهى المصاهرة
الناشئة بالرضاع نظير المصاهرة الحادثة بالنكاح، كما إذا جعل ام مرضعة الولد
بمنزلة ام الزوجة، فيحكم بتحريم امها جعلا لها بمنزلة ام الزوجة، والضابط أن
ينزل الولد الرضاعي بمنزلة الولد النسبي وكذا امه وأبوه إلى آخر المحرمات
النسبية ثم يلحقهم أحكام المصاهرة بالنسبة إلى النساء المحرمات بها عينا
وجمعا، ولا يتعدى الحكم إلى ما يلازمها أو يناسبها، بل يراعى نفس الوصف
الموجب للتحريم.
قالوا: لو كان له زوجتان صغيرة وكبيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة الإرضاع
المحرم انفسخ نكاحهما، لامتناع الاجتماع بين الام والبنت في النكاح.
وفيه: أن هذا لا يقتضي إلا تحريم إحداهما، فيحتمل الرجوع إلى القرعة، لكن
يدل على فساد النكاح في الجملة صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
لو أن رجلا تزوج جارية رضيعة فأرضعتها امرأته فسد النكاح (2). ونحوه موثقة

(1) الوسائل 14: 280، الباب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 1.
(2) الوسائل 14: 302، الباب 10 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 1.
123

ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) وحسنة الحلبي عنه (عليه السلام) (1) وظاهرها فساد نكاح
الرضيعة.
وروى الحلبي وعبد الله بن سنان في الحسن عنه (عليه السلام) في رجل تزوج جارية
صغيرة فأرضعتها امرأته وام ولده؟ قال: تحرم عليه (2).
وعلى القاعدة المذكورة إن كان الرضاع بلبن الزوج حرمتا جميعا أبدا وإن لم
يدخل بالكبيرة، ويمكن فرضه بأن وطئها قبل الزوجية لشبهة فحملت منه، ثم لا
نقول: بأن وطء الشبهة ينشر الحرمة مطلقا، فبعد التزويج وعدم الدخول اللبن له.
وإن لم يكن الرضاع بلبن الزوج فإن كان دخل بالكبيرة حرمتا جميعا أبدا، وإلا لم
تحرم الصغيرة أبدا على المشهور.
ولو أرضعت الزوجة الكبيرة زوجتين صغيرتين له الرضاع المحرم فإن كان
بلبنه حرمن أبدا مطلقا، وإن كان بلبن غيره فكذلك إن دخل بالكبيرة على إشكال
في صورة التعاقب، وإطلاق كلامهم يقتضي عدم الفرق، وصرح به بعضهم.
قالوا: وإن لم يدخل بالكبيرة فإن أرضعتهما دفعة بأن أعطت في الرضعة
الأخيرة كل واحدة ثديا وارتوتا دفعة واحدة انفسخ عقد الجميع، لتحقق الجمع
بين الام وبنتها بالعقد، واختص التحريم بالكبيرة، وله تجديد العقد على من شاء
من الاختين. وإن أرضعتهما على التعاقب انفسخ نكاح الكبيرة والاولى خاصة
وبقى حكم نكاح الثانية، لأن الكبيرة إنما صارت اما لها بعد انفساخ نكاحها
ويكون حل الصغيرة الاولى موقوفا على مفارقة الثانية.
ولو كان له زوجتان كبيرتان وزوجة صغيرة فأرضعتها إحدى الكبيرتين ثم
أرضعتها الاخرى حرمت المرضعة الاولى مطلقا، وتحرم الصغيرة إن كان
الإرضاع بلبن الزوج أو كانت إحدى المرضعتين مدخولا بها.

(1) الوسائل 14: 302، الباب 10 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 1 وذيله.
(2) الوسائل 14: 303، الباب 10 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 2.
124

وفي تحريم المرضعة الثانية قولان، فمذهب الشيخ وابن الجنيد عدم
التحريم (1) لخروج الصغيرة عن الزوجية، فلا تكون المرضعة الثانية اما للزوجة
حتى تحرم، ولرواية علي بن مهزيار (2) والرواية ضعيفة السند، واستضعافها
بالإرسال ضعيف. ومذهب ابن إدريس (3) والمحقق في النافع (4) وأكثر المتأخرين
التحريم، لصدق الزوجية عليها، لأن صدق المشتق لا تقتضي بقاء مبدأ الاشتقاق،
وفيه إشكال.
ولو طلق زوجته المدخولة فأرضعت زوجته الرضيعة حرمتا جميعا إن كان
الإرضاع بلبن المطلق، وإلا ففي تحريم الصغيرة إشكال. ولو أرضعت الأمة
الموطوءة للمولى زوجته الرضيعة حرمتا جميعا.
السادسة: إذا ادعى رجل على امرأة أنها امه من الرضاع أو اخته مثلا وأمكن
ذلك في حقهما، فإن كان ذلك قبل العقد عليها حكم عليه بالتحريم ظاهرا، سواء
صدقته أم كذبته، فليس له التزويج بها وإن أكذب نفسه، وإطلاق الأصحاب يقتضي
ذلك مطلقا، واحتمل بعضهم القبول لو أظهر لدعواه تأويلا محتملا كأن قال: عولت
في الإقرار على قول مخبر بذلك ثم تبين لي عدم ثبوت حكم الرضاع بذلك.
وإن كانت الدعوى بعد العقد مع تصديق الزوجة فالعقد باطل ولا شيء لها مع
الدخول واعترافها بالعلم قبله، وإن ادعت تجدد علمها بعد الدخول قبل وكان لها
المسمى عند الشيخ (5) ومهر المثل على قول آخر إن كان زائدا على المسمى،
وعلى تقدير الزيادة يحتمل الاكتفاء بالمسمى، ويحتمل مهر المثل.
وإن كذبته الزوجة لم يقبل دعواه في حقها إلا ببينة، فإن أقامها حكم بالبطلان
وكان الحكم كما لو صدقته، وإن عدم البينة وكان ذلك قبل الدخول حكم بتحريمها

(1) النهاية 2: 299، نقله عن ابن الجنيد في المختلف 7: 22.
(2) الوسائل 14: 305، الباب 14 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 1.
(3) السرائر 2: 556.
(4) المختصر النافع: 176.
(5) المبسوط 5: 314.
125

عليه عملا بمقتضى إقراره ويثبت لها نصف المهر على قول، والجميع على الأقوى،
وله إحلافها إن ادعى عليها العلم.
ولو كان المدعي للرضاع المحرم هو المرأة، فإن كان قبل التزويج حكم عليها
بظاهر الإقرار وإن كان بعده قبل الدخول وصدقها الزوج انفسخ العقد ولا شيء
عليه، وإن كذبها لم يقبل دعواها في حقه إلا ببينة، فمع عدمها له المطالبة بحقوق
الزوجية، وليس لها الامتناع وليس لها الابتداء بالاستمتاع ولا مهر لها، ويجب
عليها الافتداء بما يمكن به التخلص، وإن كان بعد الدخول وصدقها الزوج انفسخ
العقد ولا شيء لها إن اعترفت بسبق العلم، وإن ادعت اللحوق فلها المسمى أو مهر
المثل أو أقل الأمرين، وهو الأقوى.
ولو كذبها فالحكم في المهر كذلك، وفي العقد لا يقبل قولها إلا ببينة، ولها
إحلافه على نفي العلم إن ادعت عليه، فإن حلف بقي النكاح ظاهرا وعليها
التخلص بحسب الإمكان إن كانت صادقة، وإن نكل ردت اليمين عليها فتحلف
على البت ويحكم بالفرقة ويوجب بالدخول ما مر، وإن نكلت يبقى النكاح ظاهرا
وليس لها المطالبة بحقوق الزوجية.
السابعة: لا يقبل الشهادة بالرضاع إلا مفصلة، للاختلاف الكثير في الشرائط
المعتبرة فيه فجاز تعويل الشاهد على عقيدته، فلابد من تعيين جهة الاختلاف إلا
مع العلم بالاتفاق في الشرائط. وهل يشترط أن يضيف إلى ذلك وصول اللبن إلى
جوفه؟ فيه قولان، ولو كانت الشهادة على إقرار المقر به وكذا نفس الإقرار ففي
اعتبار التفصيل قولان.
الثامنة: إذا زوج ابنه الصغير بابنة أخيه الصغيرة فأرضعتهما جدتهما صار
المرتضع ولدا للجدة بعد أن كان ولد ولدها، فينشر التحريم بينه وبين الآخر، لعلوه
بدرجة أوجبت العمومة أو الخؤولة، فينفسخ نكاحهما، لأن الجدة إن كانت لأبيها
كان المرتضع الذكر عما لزوجته والانثى عمة لزوجها، وإن كانت لامها كان
المرتضع الذكر خالا لزوجته والانثى خالة لزوجها.
126

التاسعة: يستحب أن يختار للرضاع العاقلة المسلمة العفيفة الوضيئة، لتأثير
الرضاع في الطباع والصورة. ويكره استرضاع الكافرة والمجوسية أشد كراهة من
اليهودية والنصرانية، ومع الاضطرار يسترضع الذمية ويمنعها من شرب الخمر
وأكل لحم الخنزير، وهل ذلك على سبيل الوجوب أو الاستحباب؟ فيه وجهان،
ويكره أن يسلم إليها الولد لتحمله إلى منزلها، ويكره استرضاع من لبنها من زنا،
وفي عدة من الأخبار أنه إذا أحلها مولاها طاب لبنها (1). والمولود من زنا.
البحث الثالث المصاهرة:
وهي علاقة تحدث بين الزوجين وأقرباء كل منهما بسبب النكاح توجب
الحرمة، ويلحق بالنكاح الوطء والنظر واللمس على وجه مخصوص.
ومن وطئ امرأة بالعقد أو الملك حرم على الواطئ ام الموطوءة وإن علت
وبناتها وإن سفلن ولو لم تكن في حجره بلا خلاف فيه بيننا، ويدل عليه الأخبار (2)
وعلى الموطوءة أب الواطئ وإن علا وأولاده وإن سفلوا تحريما مؤبدا.
ولو كان العقد من غير وطء حرمت الزوجة على آبائه وأولاده، للآية (3) ولم
تحرم بنت الزوجة عينا بل جمعا، فبعد مفارقتها جاز له تزويج بنتها لقوله تعالى:
(وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) (4) وهل تحرم
امها بمجرد العقد؟ الأشهر نعم، وقال ابن أبي عقيل: لا تحرم الامهات إلا بالدخول
بالبنات (5). والأول أقرب، لظاهر الآية المعتضدة بصحيحة أبي بصير (6) ورواية
إسحاق بن عمار (7) ورواية غياث بن إبراهيم (8) وما يدل عليه صحيحة منصور من

(1) الوسائل 15: 185، الباب 75 من أبواب أحكام الأولاد، ح 5.
(2) الوسائل 14: 350، الباب 18 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
(3 و 4) النساء: 22 و 23.
(5) نقله في المختلف 7: 27.
(6) الوسائل 14: 352، الباب 18 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح 5.
(7) الوسائل 14: 351، الباب 18 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 3.
(8) الوسائل 14: 351، الباب 18 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 4.
127

قضاء علي به (1).
وأما ما رواه جميل بن دراج وحماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الام
والبنت سواء إذا لم يدخل بها، يعني إذا تزوج المرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها،
فإنه إن شاء تزوج امها وإن شاء ابنتها (2). فقوله: «يعني» ليس من كلام الإمام (عليه السلام)
وليس حجة شرعية، ولعل الوجه في تفسير أصل الحديث أن الام إذا لم يدخل بها
فالام والبنت سواء في أصل الإباحة، فإن شاء دخل بالام، وإن شاء طلقها وتزوج
بالبنت، وحينئذ فيكون الضمير راجعا إلى الام. أو المراد أنه إذا تزوج بالام أو
البنت ولم يدخل بها فهما سواء في التحريم جمعا لا عينا، وردها الشيخ لمخالفة
القرائن والاضطراب في السند.
وأما صحيحة جميل بن دراج المنقولة في الفقيه (3) ورواية محمد بن إسحاق
ابن عمار (4) فلا يجري فيهما ما ذكرنا من التفسير، لكنهما لا تقاومان ظاهر الآية
المعتضدة بالأخبار المذكورة.
ولا تحرم مملوكة الأب على الابن، وكذا العكس، ولا يجوز لأحدهما وطء
مملوكة الآخر إلا بعقد أو ملك، ويجوز للأب أن يقوم عليه مملوكة ولده الصغير
فيتملكها بعقد شرعي ثم يطأها، لصحيحة أبي الصباح (5) وغيرها، وفي تعدي
الحكم إلى الجد وجهان، ولعل الأقرب ذلك.
ولو وطئ أحدهما مملوكة الآخر من غير شبهة كان زانيا، لكن لا حد على
الأب، ولو كان هناك شبهة تساويا في سقوط الحد، ولو حملت مملوكة الأب من
الابن بوطء الشبهة انعتق الولد ولا قيمة على الابن، لأن ولد الولد ينعتق على الجد.

(1) الوسائل 14: 354، الباب 20 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 1.
(2) الوسائل 14: 355، الباب 20 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 3.
(3) الفقيه 3: 414، ح 4447.
(4) الوسائل 14: 356، الباب 20 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 5.
(5) الوسائل 14: 543، الباب 40 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
128

ولو حملت مملوكة الابن كذلك لم ينعتق، وعلى الأب فكه، إلا أن يكون انثى،
فإنها تنعتق على أخيها.
ويحرم الجمع بين الاختين في الدائم والمنقطع، سواء كانت الاخت لأب وام
أو لأحدهما، ويدل عليه الإجماع وعموم الآية والأخبار.
ولو طلق امرأة وأراد نكاح اختها ليس له تزويج الاخت حتى تخرج الاولى
من العدة أو يكون الطلاق بائنا، وإذا انقضى أجل المتعة فلا يجوز العقد على اخت
المتمتع بها حتى تنقضي العدة، عملا بالنص الصحيح.
والمشهور أنه يحرم تزوج بنت اخت الزوجة وبنت أخيها إلا برضاء الزوجة،
وفيه قول بالجواز مطلقا، وهو منقول عن ابن أبي عقيل وابن الجنيد (1) وقول بالمنع
مطلقا، وهو قول الصدوق في المقنع (2).
حجة المشهور موثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا تزوج ابنة
الأخ ولا ابنة الاخت على العمة ولا على الخالة إلا بإذنهما، وتزوج العمة والخالة
على ابنة الأخ وابنة الاخت بغير إذنهما (3) ورواه الصدوق بإسناده عن محمد بن
مسلم (4) ولا يبعد أن يقال: طريق الصدوق إليه صحيح.
ورواية علي بن جعفر بإسناد - فيه غير موثق - عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام)
قال: سألته عن امرأة تزوج عليها عمتها أو خالتها؟ قال: لا بأس. وقال: تزوج
العمة والخالة على ابنة الأخ وابنة الاخت ولا تزوج بنت الأخ والاخت على العمة
والخالة إلا برضاء منهما، فمن فعل فنكاحه باطل (5) وروى الحميري في قرب
الإسناد عن علي بن جعفر (عليه السلام) - ولا يبعد الحكم بصحته - مثله إلى قوله: «لا
بأس» (6). ورواه علي بن جعفر في كتابه مثله (7).

(1) نقله عنهما في المختلف 7: 59.
(2) المقنع: 110.
(3) الوسائل 14: 375، الباب 30 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 1.
(4) الفقيه 3: 412، ح 4438.
(5) الوسائل 14: 375، الباب 30 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 3.
(6) قرب الإسناد: 248، ح 979.
(7) مسائل علي بن جعفر: 130، ح 112.
129

وموثقة محمد بن مسلم (1) أيضا وضعيفة أبي الصباح الكناني (2).
ويدل على القول الثاني ظاهر الآية ورواية علي بن جعفر بحسب نقل
المختلف عن ابن أبي عقيل حيث قال: وقد روى علي بن جعفر قال: سألت أخي
موسى (عليه السلام) عن الرجل يتزوج المرأة على عمتها وخالتها؟ قال: لا بأس، إن الله عز
وجل قال: (واحل لكم ما وراء ذلكم) (3) وروايته بحسب نقل الحميري (4).
والروايات المذكورة للقول الأول غير واضحة الدلالة على التحريم والبطلان
إلا رواية علي بن جعفر، وهي غير نقي السند لا تصلح لمقاومة الآية المعتضدة
بغيرها، فالقول الثاني غير بعيد.
وحجة القول الثالث بعض الروايات (5). ويمكن حملها على الاستحباب
والتخصيص جمعا، وهذا القول أضعف الأقوال.
وله إدخال العمة أو الخالة على بنت أخيها واختها ولو كره المدخول عليها،
وهل يشترط علم الداخلة بكون المدخول عليها بنت أخ أو بنت اخت؟ إطلاق
الأكثر يقتضي عدم الاشتراط وهو قوي، وجزم العلامة في جملة من كتبه باعتبار
هذا الشرط (6) ومستنده غير واضح، وعلى القول باعتباره فلو ادخلت العمة أو
الخالة على بنت الأخ أو بنت الاخت جاهلة بالحال فهل يقع عقدها باطلا أم
يتوقف عقد الداخلة على رضاها أم عقدها وعقد المدخول عليها؟ فيه أوجه، ولا
يبعد ترجيح الوسط.
وهل يختص الحكم بالجمع بينهما بالزوجية فلا يحرم الجمع بالوطء بملك
اليمين أم يعم؟ فيه وجهان، أقربهما الأول.

(1) الوسائل 14: 376، الباب 30 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 5.
(2) الوسائل 14: 376، الباب 30 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 7.
(3) المختلف 7: 59.
(4) قرب الإسناد: 248، ح 979.
(5) الوسائل 14: 375، الباب 30 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
(6) القواعد 3: 34، الإرشاد 2: 22، التذكرة 2: 638 س 15.
130

وفي اعتبار استئذان العمة أو الخالة إن كانت حرة وادخل عليها بنت الأخ أو
بنت الاخت بالملك وجهان، أقربهما العدم، وهل تفرق في العمة والخالة بين الدنيا
والعليا؟ فيه وجهان.
ولو كان عنده العمة أو الخالة ثم بادر بالعقد على بنت الأخ أو بنت الاخت
ففيه أقوال:
الأول: بطلان العقد الطارئ وبقاء الأول على اللزوم.
الثاني: تزلزل العقد الطارئ خاصة، بحيث يقع موقوفا على رضى العمة
أو الخالة.
الثالث: تزلزل العقدين السابق والطارئ.
الرابع: بطلان العقد الطارئ وتزلزل المدخول عليها، فلها أن تفسخ عقد نفسها.
والزنا اللاحق للعقد لا ينشر حرمة المصاهرة، سواء في ذلك الزنا بالعمة أو
الخالة وغيرهما، لا أعرف في ذلك خلافا بين الأصحاب، ويدل عليه الأخبار (1).
وإطلاق كلام الأصحاب وأكثر الأخبار يقتضي عدم الفرق في الزوجة بين
المدخول بها وغيرها، ومقتضى رواية أبي الصباح الكناني (2) الفرق، ولا أعلم قائلا
بمضمون الرواية، وفي طريقها مشترك بين الثقة وغيرها.
واختلف الأصحاب في الزنا السابق، فالأكثر على أنه ينشر الحرمة، وذهب
جماعة إلى أنه لا ينشر، وهو قول المفيد والمرتضى وابن إدريس والمحقق في
النافع (3) وهو أقرب، لعموم الآية المعتضدة بصحيحة سعيد بن يسار، قال: سألت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن رجل فجر بامرأة فتزوج بابنتها؟ قال: نعم يا سعيد إن الحرام لا
يفسد الحلال (4).

(1) الوسائل 14: 326، الباب 8 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
(2) الوسائل 14: 327، الباب 8 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 8.
(3) المقنعة: 504، الناصريات: 318، السرائر 2: 544، المختصر النافع: 177.
(4) الوسائل 14: 322، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 6.
131

وصحيحة صفوان قال: سأله المرزبان عن رجل يفجر بالمرأة وهي جارية
قوم آخرين ثم اشترى ابنتها أيحل له ذلك؟ قال: لا يحرم الحرام الحلال، ورجل
فجر بامرأة حراما أ يتزوج ابنتها؟ قال: لا يحرم الحرام الحلال (1).
وموثقة حنان بن سدير قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ سأله سعيد عن رجل
تزوج امرأة سفاحا هل تحل له ابنتها؟ قال: نعم إن الحرام لا يحرم الحلال (2). ورواه
الحميري عن حنان في الموثق بحنان (3).
وصحيحة مرازم، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) وسئل عن امرأة أمرت ابنها أن
يقع على جارية لأبيه فوقع؟ فقال: أثمت وأثم ابنها، وقد سألني بعض هؤلاء عن
هذه المسألة فقلت له: أمسكها فإن الحلال لا يفسده الحرام (4).
وفي الصحيح عن ابن أبي عمير عن هشام بن المثنى قال: كنت عند أبي
عبد الله (عليه السلام) فقال له رجل: رجل فجر بامرأة، أ تحل له ابنتها؟ قال: نعم إن الحرام لا
يفسد الحلال (5).
ورواية زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): رجل فجر بامرأة هل يجوز له أن
يتزوج ابنتها؟ قال: ما حرم حرام حلالا قط (6).
ورواية هشام بن المثنى عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل عن الرجل يأتي المرأة
حراما أ يتزوجها؟ قال: نعم وامها وابنتها (7).
وعموم قول الصادق (عليه السلام) في حسنة الحلبي أنه: لا يحرم الحلال بالحرام (8).

(1) الوسائل 14: 325، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 12.
(2) الوسائل 14: 325، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 11.
(3) قرب الإسناد: 97، ح 328.
(4) الوسائل 14: 320، الباب 4 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 4.
(5) الوسائل 14: 324، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 10.
(6) الوسائل 14: 324، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 9.
(7) الوسائل 14: 324، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 7.
(8) الوسائل 14: 326، الباب 8 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 2.
132

وفي رواية زرارة: إن الحرام لا يفسد الحلال ولا يحرمه (1). وفي صحيحة
عبد الله بن سنان. إن الحرام لا يفسد الحلال (2).
وقول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيحة زرارة: ما حرم حرام حلالا قط (3).
وروى حنان بن سدير: الحرام لا يفسد الحلال (4).
وروى هشام بن المثنى نحوه (5). وفي رواية لزرارة: إنما يحرم ذلك منه إذا
أتى الجارية وهي له حلال، فلا تحل تلك الجارية لأبيه ولا لابنه (6). والحصر يدل
على المطلوب.
وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله): لا يفسد الحرام الحلال (7).
وأما الأخبار المناسبة للقول المشهور فبعضها كصحيحة محمد بن مسلم (8)
وصحيحة عيص بن القاسم (9) وصحيحة منصور (10) وصحيحة محمد بن مسلم (11)
الواردة في الرضاع لا تدل على أكثر من النهي، ودلالته في أخبارنا على التحريم
غير واضحة. وبعضها كصحيحة أبي بصير (12) ورواية علي بن جعفر (13) دال على
نفي الحل، لكنهما لا تقاومان الآية المعتضدة بالأخبار السابقة، فتحملان على

(1) الوسائل 14: 327، الباب 8 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 4.
(2) الوسائل 14: 327، الباب 8 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 5.
(3) الوسائل 14: 327، الباب 8 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 6.
(4) الوسائل 14: 329، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 4.
(5) الوسائل 14: 328، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 3.
(6) الوسائل 14: 319، الباب 4 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 1.
(7) سنن البيهقي 7: 160، وفيه: (لا يحرم الحرام الحلال).
(8) الوسائل 14: 322، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح 1.
(9) الوسائل 14: 322، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 2.
(10) الوسائل 14: 324، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 8.
(11) الوسائل 14: 325، الباب 7 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح 1.
(12) الوسائل 14: 328، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 1.
(13) الوسائل 14: 328، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 2.
133

الكراهة جمعا بين الأدلة.
وأورد في المسالك للاحتجاج للقول الذي اخترناه الآية، وقول النبي (صلى الله عليه وآله)
المذكور، ورواية هشام بن المثنى، ورواية اخرى عنه بالسند، ورواية حنان بن
سدير، وأجاب بأن عموم الآية مخصوص بأخبار التحريم، وأخباره أوضح سندا،
فإن الاولى عامية، وهشام مجهول الحال، وسدير واقفي مع إمكان حملها على زنا
وفجور لا يبلغ حد الوطء، والإتيان أعم من الجماع، وحل البنت في الرواية
الأخيرة لا ينافي كونها زوجة قبل الفعل، ونحن نقول بموجبه، فالأدلة الاولى
أصح وأصرح. وأنت خبير بما فيه.
وعن القائلين بعدم التحريم أنهم استثنوا ما لو زنى بالعمة أو الخالة وحكموا
بتحريم بناتهما، ونقل عن المفيد والمرتضى (رحمهما الله) التصريح بذلك (1). وعن المرتضى
دعوى الإجماع عليه، وفي المسالك وجه استثناءهما برواية أبي أيوب (2) ثم
استضعف الرواية (3). ولا يخفى أن في معنى الرواية المذكورة حسنة محمد بن
مسلم بإبراهيم، أورده الكليني (4) والروايتان مختصتان بالخالة، ودلالتهما على
التحريم غير واضحة، وحملهما على الرجحان متجه جمعا بين الأدلة، وتوقف في
ذلك ابن إدريس (5).
وفي نشر الحرمة بوطء الشبهة أقوال: ثالثها نشرها مع السبق خاصة،
والمشهور نشر الحرمة به مطلقا، والمسألة مشكلة.
ويلحق بهذا المقام مسائل:
الاولى: إذا ملك الرجل أمة ولمسها أو نظر منها إلى ما لا يحل لغير المالك
فاختلف الأصحاب فيه، فمنهم من نشر به التحريم إلى أب اللامس والناظر وابنه،

(1) نقلهما عنهما في المسالك 7: 301، وانظر المقنعة: 501، الانتصار: 108.
(2) الانتصار: 108.
(3) المسالك 7: 301.
(4) الكافي 5: 417، ح 10.
(5) السرائر 2: 530.
134

وهو قول الشيخ في النهاية (1) وأتباعه، لكنه خص الحكم بالنظر والتقبيل بشهوة.
ومنهم من خص التحريم بمنظورة الأب (2).
ومنهم من نفى الحرمة مطلقا، واختاره الفاضلان (3).
ويدل على الأول صحيحة ابن سنان (4) وصحيحة محمد بن إسماعيل (5)
وحسنة جميل بن دراج (6) ورواية محمد بن مسلم (7) لكن مقتضى الاولى إناطة
التحريم بالنظر إليها بشهوة والنظر إلى ما يحرم على غيره، ومقتضى الثانية حصول
التحريم بتجريدها والنظر إليها بشهوة والنظر إلى فرجها وجسدها بشهوة،
ومقتضى الثالثة إناطة التحريم بالنظر إلى عورتها، ومقتضى الرابعة إناطته بتجريد
الرجل الجارية ووضع يده عليها، لكنها غير نقي السند، فعلى هذا إن اخترنا
التحريم لو نظر إلى وجهها وكفيها بشهوة أو إلى جسدها بغير شهوة لم ينشر حرمة.
وحجة الثالث عموم الآية. ويمكن الجمع بحمل الأخبار على الكراهة، ويؤيده
حسنة الكاهلي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل يكون له جارية فيضع
أبوه يده عليها من شهوة أو ينظر منها إلى ما يحرم من شهوة، فكره أن يمسها ابنه (8).
وموثقة علي بن يقطين عن الكاظم (عليه السلام) في الرجل يقبل الجارية ويباشرها
من غير جماع داخل أو خارج، أيحل لابنه أو لأبيه؟ قال: لا بأس (9). ولا يتعدى
التحريم إلى ام المنظورة والملموسة وبنتهما على الأقوى، خلافا للشيخ
في الخلاف (10).

(1) النهاية 2: 290.
(2) المقنعة: 543.
(3) الشرائع 2: 289، الإرشاد 2: 21.
(4) الوسائل 14: 318، الباب 3 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 6.
(5) الوسائل 14: 317، الباب 3 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح 1.
(6) الوسائل 14: 317، الباب 3 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 3.
(7) الوسائل 14: 317، الباب 3 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 4.
(8) الوسائل 14: 317، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 2.
(9) الوسائل 14: 585، الباب 77 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 3.
(10) الخلاف 4: 308، المسألة 81.
135

الثانية: نقل بعض المتأخرين أن عند القائلين بأن الزنا ينشر حرمة المصاهرة
اختلافا في أن النظر المحرم إلى الأجنبية واللمس بها هل ينشر الحرمة فيحرم به
الام وإن علت والبنت وإن نزلت؟ وذكر غير واحد منهم أنه لم يقف على القائل
بالتحريم، وعلى القول به لا تحرم المنظورة والملموسة على الفاعل، والخلاف
المنقول في امها وبنتها، وكيف كان فالقول بالتحريم ضعيف، واختلفوا فيما لو وقعا
بشبهة هل يحرمان كالمباحين؟ فعن الشيخ في الخلاف التحريم بها للام والبنت (1)
وهو ضعيف.
الثالثة: حكم الرضاع في جميع ما ذكر من الأحكام من المحرم بالنكاح
الصحيح وما الحق به من الشبهة والزنا والنظر واللمس حكم النسب عند
الأصحاب، لقوله (صلى الله عليه وآله): يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (2). وفيه نظر،
ولقوله (صلى الله عليه وآله): الرضاع لحمة كلحمة النسب (3).
الرابعة: لو تزوج اختين بطل عقد اللاحقة، ولو تزوجهما في عقد واحد قيل:
بطل نكاحهما (4) وقيل: يتخير أيتهما شاء (5) والثاني أقرب، لصحيحة جميل بن
دراج ومرسلته (6).
ولو وطئ أمة بالملك ثم تزوج اختها قيل: يصح وحرمت الموطوءة بالملك ما
دامت الثانية في حباله (7) ولو انعكس الفرض بأن تزوج الأمة ثم ملك اختها
ووطئها قيل: فعل حراما ويصح النكاح ولا يجب إخراج الموطوءة عن ملكه (8).
ويجوز الجمع بين الاختين في الملك، ولا يجوز الجمع بينهما في الوطء بلا

(1) الخلاف 4: 308، المسألة 81.
(2) الوسائل 14: 280، الباب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 1.
(3) لم نعثر عليه في كتب، الحديث ونقله مرسلا في جامع المقاصد 12: 286.
(4) حكاه في الشرائع 2: 290.
(5) المهذب 2: 184.
(6) الوسائل 14: 367 و 368، الباب 25 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 1 و 2.
(7) المبسوط 4: 207.
(8) المسالك 7: 315.
136

خلاف في ذلك بين الأصحاب، فإذا وطئ إحداهما لا يجوز له وطء الاخرى ما
دامتا في ملكه، فإن وطئ الثانية بعد وطء الاولى مع بقائهما في ملكه فقد أثم، وفي
تحريم الاولى أو الثانية أو تحريمهما على بعض الوجوه أقوال متعددة.
وفي الروايات اختلاف، والأقرب في الجمع بين الروايات أنه إن كان الوطء
بجهالة بالتحريم لم تحرم الاولى، سواء خرجت الثانية عن ملكه أم لا، وإن كان مع
العلم حرمت الاولى حتى تخرج الثانية عن ملكه لا بنية العود حملا لصحيحة
محمد بن مسلم وحسنة الحلبي ورواية أبي الصباح ورواية علي بن أبي حمزة
على صورة العلم، وحرمت الثانية حتى تخرج الاولى عن ملكه مطلقا، لظاهر
سلب تحريم الاولى في صحيحة الحلبي المنقولة في الموثق أيضا، وتحرم الثانية
حتى تخرج الاولى عن ملكه مطلقا، لأن تخصيص الحكم بالاولى يقتضي مغايرة
حكم الثانية ويتحقق بما ذكرنا، ويبقى الزائد على أصل الإباحة.
والقول بهذا التفصيل غير مشهور، لكن ينبغي القطع بتحريم الاولى حتى
تخرج الثانية عن ملكه لا بنية العود في صورة العلم، لدلالة الروايات عليه (1)
والاحتياط يقتضي اجتنابهما حتى تخرج إحداهما عن ملكه لا بنية العود.
الخامسة: ذهب أكثر المتقدمين إلى أنه لا يجوز للحر العقد على الأمة إلا
بشرطين: عدم الطول وخوف العنت، ويظهر من كلام ابن أبي عقيل دعوى اتفاق
آل الرسول (عليهم السلام) عليه، قال: لا يجوز للحر المسلم عند آل الرسول (عليهم السلام) أن يتزوج
الأمة متعة ولا نكاح إعلان إلا عند الضرورة، وهو إذا لم يجد مهر حرة وضرت به
العزوبة وخاف على نفسه منها الفجور، فإذا كان كذلك حل له نكاح الأمة، قال:
وقد أجاز قوم من العامة تزويج الإماء في حال الضرورة وغير الضرورة لواجدي
الطول وغير واجدي الطول وكفى بكتاب الله عز وجل ردا عليهم دون ما سواه (2).

(1) الوسائل 14: 371، الباب 29 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
(2) نقله في المختلف 7: 247.
137

وذهب أكثر المتأخرين إلى كراهته، ومنهم من خص التحريم عند عدم
الشرطين بمن عنده حرة (1).
حجة القول الأول قوله تعالى: (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح
المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) إلى قوله
تعالى: (ذلك لمن خشي العنت منكم) (2) وجه الدلالة مفهوم الشرط، حيث شرط
في جوازه عدم استطاعة الطول ومفهوم الحصر في آخر الآية. وفيه احتمال كون
الشرط مبنيا على الغالب فلا يكون المفهوم معتبرا، ويحتمل أن يكون المقدر في
قوله تعالى: (فمما ملكت أيمانكم): تزوجوا مما ملكت أيمانكم، فلا تدل على
اشتراط الجواز بما ذكر، ويحتمل أن يكون ذلك في قوله تعالى: (ذلك لمن خشي
العنت) إشارة إلى الأمر بالنكاح المذكور سابقا، وعلى هذا الاحتمال لابد من
تعليق قوله تعالى: (وإن تصبروا خير لكم) (3) على الجواز المفهوم سابقا، ولابد
من حمل السابق على الجواز، وبالجملة دلالة الآية على المنع ليس لها وضوح بين.
واحتجوا أيضا بالروايات كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (4)
ورواية اخرى له عن أبي جعفر (عليه السلام) (5) ورواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (6) ورواية
أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (7) وفي الكل: «لا بأس إذا اضطر إلى ذلك» وفي
دلالتها على المنع التحريمي بدون الاضطرار تأمل.
وحجة القول الثاني الأصل وعموم قوله تعالى: (إلا على أزواجهم) (8) وقوله
تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) (9) وقوله

(1) نقله في الخلاف 4: 314، المسألة 86.
(2) النساء: 25.
(3) النساء: 25.
(4) الوسائل 15: 87، الباب 8 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، ح 1.
(5) الوسائل 14: 391، الباب 45 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 6.
(6) الوسائل 14: 391، الباب 45 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 1.
(7) الوسائل 14: 391، الباب 45 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 4.
(8) المعارج: 30.
(9) النور: 32.
138

تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) (1) ومرسلة ابن بكير عن بعض أصحابنا عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا ينبغي أن يتزوج المملوكة اليوم إنما كان ذلك حيث قال الله
عز وجل: (ومن لم يستطع منكم طولا) والطول المهر، ومهر الحرة اليوم مثل مهر
الأمة أو أقل (2).
وروى يونس بن عبد الرحمن عنهم (عليهم السلام): لا ينبغي للمؤمن الموسر أن يتزوج
الأمة إلا أن لا يجد حرة (3). وفي معناه رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4).
والمسألة عندي محل تردد.
وظاهر إطلاق عباراتهم يقتضي عدم الفرق في المنع على القول به بين الدائم
والمنقطع، وبه صرح في المسالك ثم قال: وأما التحليل فإن جعلناه عقدا امتنع
أيضا، وإن جعلناه إباحة فلا، كما لا يمتنع وطؤها بملك اليمين (5) وتنظر فيه بعض
المتأخرين (6) واستجود قصر الحكم على العقد الدائم، لأنه المتبادر من اللفظ عند
الإطلاق، ولصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع الدالة على الجواز متعة المملوكة
بإذن أهلها لمن عنده حرة (7). وصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع الدالة على
جواز تحليل الزوجة جاريتها لزوجها (8). وهو حسن.
وعلى القول بتحريم نكاحها ففي بطلان العقد أو صحته مع حصول الإثم
قولان، ونقل الأول عن ظاهر الأكثر، والثاني عن المفيد وجماعة (9).
والطول في اللغة الفضل، والمراد هنا سعة المال بحيث يتمكن معه من نكاح

(1) النساء: 24.
(2) الوسائل 14: 391، الباب 45 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 5.
(3) الوسائل 14: 391، الباب 45 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 2.
(4) الوسائل 14: 391، الباب 45 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 3.
(5) المسالك 7: 327.
(6) نهاية المرام 1: 162.
(7) الوسائل 14: 464، الباب 16 من أبواب المتعة، ح 1.
(8) الوسائل 14: 334، الباب 32 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(9) المقنعة: 506، المهذب 2: 215.
139

الحرة بالقيام بمهرها ونفقتها ولو بالقوة القريبة ككسب المحترف وغلة الملك، ولا
يكفي المال مع عدم الحرة أو عدم التمكن.
والمراد بالعنت الإثم كالزنا، والحق به خوف الضرر الشديد بتركه، وهو غير بعيد.
والأقوى عدم جواز نكاح الأمة على الحرة مطلقا بالعقد الدائم خاصة، لصحيحة
محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) وفي
الثانية تصريح بالبطلان، ويوافقها رواية أبي بصير (3) ورواية محمد بن الفضيل (4)
وقيد بعضهم عدم الجواز بعدم إذنها (5) ولا وجه له.
ولو بادر كان العقد باطلا على الأقوى، لما ذكر، وقيل: كان للحرة الخيار في
إجازته وفسخه (6). وقيل: لها أن تفسخ عقد نفسها (7).
ولو تزوج الحرة على الأمة كان العقد صحيحا، وإن لم تعلم بذلك كان لها
الخيار في فسخ نكاحها. وقيل: لها الخيار بين فسخ عقدها وعقد الأمة (8). والأول
هو الأشهر الأقوى، لصحيحة يحيى الأزرق (9).
ولو جمع بينهما في عقد واحد فقيل: يصح عقد الحرة دون الأمة (10). وقيل: يصح
عقد الحرة ويقف عقد الأمة على رضى الحرة (11). وقيل: للحرة الخيار في فسخ
عقد نفسها وعقد الأمة (12). والأول أقوى، لصحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر (عليه السلام) (13).

(1) الوسائل 15: 87، الباب 8 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، ح 2.
(2) الوسائل 14: 392، الباب 46 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 1.
(3) الوسائل 14: 392، الباب 46 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 2.
(4) الوسائل 14: 393، الباب 46 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 4.
(5) الشرائع 2: 291.
(6) المسالك 7: 331.
(7) السرائر 2: 546.
(8) المسالك 7: 331.
(9) الوسائل 14: 394، الباب 47 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 1.
(10) الشرائع 2: 291.
(11) حكاه في المسالك 7: 333.
(12) المختلف 7: 67.
(13) الوسائل 14: 395، الباب 48 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 1.
140

السادسة: من تزوج امرأة في عدتها عالما بالعدة والتحريم حرمت عليه أبدا،
لرواية زرارة وداود بن سرحان وأديم بياع الهروي بإسناد معتبر عن أبي
عبد الله (عليه السلام) (1) وحسنة الحلبي عنه (عليه السلام) (2) وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (3)
ورواية إسحاق بن عمار الموثقة أو الصحيحة (4) وأخبار كثيرة عامة.
وإن جهل أحدهما ودخل حرمت أيضا، ولو لم يدخل بطل ذلك العقد وكان له
استئنافه، لحسنة الحلبي (5) ورواية محمد بن مسلم (6) وحسنة اخرى للحلبي (7) وغيرها.
واعلم أن ظاهر إطلاق النصوص وعبارات الأصحاب يقتضي أن الدخول مع
الجهل يقتضي التحريم إن كان العقد في العدة وإن لم يكن الدخول فيها، لكن ذكر
في المسالك أن وطء الجاهل بالتحريم بعد العدة لا أثر له في التحريم وإن تجدد له
العلم وإنما المحرم الوطء فيها أو العلم بالتحريم حالة العقد (8). ولا أعلم في الرواية
ولا لغيره تصريحا بما ذكره.
ولا فرق في الأحكام المذكورة بين العدة الرجعية والبائنة وعدة الوفاة وعدة
الشبهة، ولا بين العقد الدائم والمنقطع.
وفي إلحاق مدة الاستبراء بالعدة وجهان، أقربهما العدم. ويجري الوجهان في
العقد الواقع بعد الوفاة المجهولة ظاهرا قبل العدة، والأقوى عدم التحريم، لعدم
وقوعه في العدة، لأن عدة الوفاة إنما تكون بعد بلوغ الخبر.
وفي إلحاق ذات البعل إذا تزوجها أجنبي بالمعتدة وجهان، ويدل على

(1) الوسائل 14: 344، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 1.
(2) الوسائل 14: 344، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 3.
(3) الوسائل 14: 345، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 4.
(4) الوسائل 14: 345، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 5.
(5) الوسائل 14: 345، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 3.
(6) الوسائل 14: 344، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 2.
(7) الوسائل 14: 346، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 6.
(8) المسالك 7: 337.
141

التحريم موثقة زرارة (1) وموثقة أديم بن الحر (2) وموثقة اخرى لزرارة (3) ورواية
اخرى لزرارة (4) ورواية عبد الله بن بكير (5) ورواية علي بن جعفر (6) الملحقة عندي
بالصحيح ومرفوعة أحمد بن محمد (7).
ويدل على خلافها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) (8)
وصحيحة اخرى له عنه (عليه السلام) (9) ورواية لزرارة (10) والمسألة لا يخلو عن إشكال.
والظاهر أنه إذا تزوج في العدة ودخل فحملت فإن كان جاهلا الحق به الولد
إن أمكن كونه منه بأن جاء لأقل الحمل فما زاد إلى أقصاه من حين وطئه، وفرق
بينهما، ويلزم عليه المهر إن كانت جاهلة كما يدل عليه موثقة سليمان بن خالد (11)
وهو المسمى على قول الشيخ والمحقق (12) ولعله ظاهر الرواية، ومهر المثل على
قول آخر. (13)
وتتم العدة للأول وتستأنف للثاني عدة اخرى عند أكثر الأصحاب ويدل عليه
حسنة الحلبي (14) وموثقة محمد بن مسلم (15) وموثقة اخرى له (16) ورواية علي بن

(1) الوسائل 14: 341، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 2.
(2 و 5) الوسائل 14: 341، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 1.
(3) الوسائل 14: 342، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 6.
(4) الوسائل 14: 343، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 7.
(6) الوسائل 14: 343، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 9.
(7) الوسائل 14: 343، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 10.
(8) الوسائل 14: 341، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 3.
(9) الوسائل 14: 341، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 4.
(10) الوسائل 14: 342، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ذيل الحديث 6.
(11) الوسائل 14: 346، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 7.
(12) النهاية 2: 294، الشرائع 2: 291. (13) قاله الشهيد في المسالك 7: 339.
(14) الوسائل 14: 346، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 6.
(15) الوسائل 14: 344، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 2.
(16) الوسائل 14: 346، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 9.
142

جعفر بإسناد لا يبعد عده من الصحاح وهو مذكور في كتاب علي بن جعفر أيضا (1).
وقيل: يجزي عدة واحدة (2). ويدل عليه صحيحة زرارة (3) ورواية أبي
العباس (4) ومرسلة جميل (5) وغيرها، ويمكن الجمع بحمل الأخبار الدالة على
الأول على الاستحباب.
السابعة: المشهور بين الأصحاب عدم تحريم الزانية على الزاني وغيره إذا لم
يكن زنى بها حال تزوجها بغيره ولا معتدة عدة رجعية، بل يكره، وحرمه الشيخان
وأتباعهما ما لم تتب (6) واعتبر الشيخ في توبتها أن يدعوها إلى الزنا فلا تجيبه (7)
ومن الأصحاب من نفى التحريم إلا إذا كانت مشهورة بالزنا (8).
والأقرب عندي عدم التحريم في غير المشهورة بالزنا، للأخبار الدالة عليه
كصحيحة علي بن يقطين (9) ورواية زرارة (10) وصحيحة علي بن رئاب المذكورة
في قرب الإسناد (11). وفي المشهورة بالزنا توقف، لأخبار ظاهرها المنع، والتأمل
في بلوغها حد الدلالة على التحريم، والأحوط الاجتناب.
والأقوى عدم تحريم زوجته وإن أصرت على الزنا، للأصل وبعض
الأخبار (12) خلافا للمفيد وسلار (13).

(1) الوسائل 14: 349، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 20.
(2) حكاه في المسالك 7: 339، وقال: أنه مجهول القائل.
(3) الوسائل 14: 347، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 11.
(4) الوسائل 14: 347، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 12.
(5) الوسائل 14: 347، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 14.
(6) المقنعة: 504، النهاية 2: 300، الكافي في الفقه: 286، المهذب 2: 188.
(7) النهاية 2: 300 و 301.
(8) الشرائع 2: 292.
(9) الوسائل 14: 333، الباب 12 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 3.
(10) الوسائل 14: 333، الباب 12 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 2.
(11) قرب الإسناد: 166، ح 609.
(12) الوسائل 14: 333، الباب 12 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
(13) المقنعة: 504، المراسم: 149.
143

ولو زنى بامرأة لم تحرم عليه، للأصل، ولصحيحة أبي بصير (1) وصحيحة
الحلبي (2) وصحيحة محمد بن مسلم (3) ورواية علي بن جعفر الملحقة عندي
بالصحاح (4) ورواية هاشم بن المثنى (5).
وروى عمار بن موسى في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل
يحل له أن يتزوج امرأة كان يفجر بها؟ قال: إن آنس معها رشدا فنعم، وإلا
فليراودها على الحرام، فإن تابعته فهي عليه حرام، وإن أبت فليتزوجها (6).
وفي رواية إسحاق بن جرير: إنما يجوز له أن يتزوجها بعد أن يقف على توبتها (7).
وروى أبو بصير في الصحيح قال: سألته عن رجل فجر بامرأة أراد أن
يتزوجها؟ فقال: إذا تابت حل له نكاحها. قلت: كيف تعرف توبتها؟ قال: يدعوها
إلى ما كانت عليه من الحرام، فإن امتنعت فاستغفرت ربها عرف توبتها (8). ولعل
هذه الأخبار محمولة على الاستحباب جمعا بين الأدلة.
ولو زنى بذات بعل أو في عدة رجعية فالمشهور بين الأصحاب تحريمها على
الزاني، وتوقف فيه بعضهم (9) وهذا الحكم لم يثبت عندي، مع كون ذلك مخالفا
لعموم الأخبار. وعلى المشهور لا فرق بين علم الزاني بكونها ذات بعل وفي عدة
رجعية وعدمه، ولا بين دخول الزوج بها وعدمه، ولا بين المتمتع بها والدائم.
ولا يلحق به الزنا بذات العدة البائنة وعدة الوفاة. وفي التحرير استوجه عدم

(1) الوسائل 14: 330، الباب 11 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 1.
(2) الوسائل 14: 331، الباب 11 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 3.
(3) الوسائل 14: 331، الباب 11 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 5.
(4) الوسائل 14: 332، الباب 11 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 9.
(5) الوسائل 14: 332، الباب 11 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 6.
(6) الوسائل 14: 331، الباب 11 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 2.
(7) الوسائل 14: 331، الباب 11 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 4.
(8) الوسائل 14: 332، الباب 11 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 7.
(9) حكاه في نهاية المرام 1: 168.
144

التحريم وقال: ليس لأصحابنا فيه نص، ثم مال إلى التحريم (1). وهل يلحق بها
الموطوءة بالملك؟ فيه وجهان، أصحهما عدم التحريم.
الثامنة: من فجر بغلام فأوقبه حرمت عليه امه واخته وبنته إذا سبق الفعل على
النكاح، لأخبار متعددة دالة عليه مع اعتضادها بالشهرة البالغة حد الاتفاق (2) ولا
يحرم إحداهن لو كان عقدها سابقا عندهم، لأن الحرام لا يحرم الحلال.
لكن روى ابن أبي عمير عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل يأتي أخا
امرأته؟ فقال: إذا أوقبه فقد حرمت عليه (3). ولو فارق من سبق عقدها على الفعل
فالظاهر أنه يجوز له تجديد النكاح، والأقرب أنه لا يحرم على المفعول بسببه
شيء، ونقل عن بعض الأصحاب تعليق التحريم به كالفاعل (4).
وفي تعدي الحكم إلى الام وإن علت والبنت وإن سفلت إشكال إن لم يكن
الحكم إجماعيا، ولا يتعدى الحكم إلى بنت الاخت، لعدم صدق الاخت عليها.
وفي المسالك أنه يتحقق التحريم بإدخال بعض الحشفة وإن لم يوجب
الغسل، لأن أصله الإدخال وهو متحقق بذلك (5). والأقوى أنه لا فرق في الفاعل
والمفعول بين الصغير والكبير.
التاسعة: إذا عقد المحرم على امرأة فإن كان عالما بالتحريم حرمت عليه أبدا،
لما رواه الكليني عن أحمد بن محمد بن أبي نصر في الصحيح عن المثنى - وفيه
اشتراك - عن زرارة وداود بن سرحان عن أبي عبد الله (عليه السلام) وعن عبد الله بن بكير
عن أديم بياع الهروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الملاعنة إلى أن قال: والمحرم إذا
تزوج وهو يعلم أنه حرام عليه لم تحل له أبدا (6).

(1) التحرير 2: 14 س 23.
(2) الوسائل 14: 339، الباب 15 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
(3) الوسائل 14: 339، الباب 15 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 2.
(4) حكاه في نهاية المرام 1: 173.
(5) المسالك 7: 343.
(6) الكافي 5: 426، ح 1.
145

وإن كان جاهلا فسد عقده ولم تحرم على الأشهر الأقوى، للأصل السالم عن
المعارض معتضدا بمفهوم الخبر السابق، ومنهم من أطلق التحريم من غير فرق بين
العالم والجاهل (1). وجماعة أطلقوا التحريم مع العلم ومع الدخول في حالة الجهل.
العاشرة: إذا دخل بصبية لم تبلغ تسعا فأفضاها حرمت عليه أبدا عند
الأصحاب، ومستند الحكم رواية ضعيفة السند (2). والمشهور اعتبار الإفضاء في
التحريم، والشيخ في النهاية أطلق التحريم من غير تقييد بالإفضاء (3) والرواية
خالية عن هذا القيد. وهل تخرج من حباله؟ فيه تردد.
البحث الرابع استيفاء العدد:
فإذا استكمل الحر أربعا حرم عليه ما زاد بالعقد الدائم، للآية (4) والأخبار (5)
والاتفاق، ولا يحل له من الإماء بالعقد أكثر من اثنين وهما من الأربع، والظاهر
أنه لا خلاف فيه بين الأصحاب، فيحل له حرتان وأمتان ولا يحل له أربع إماء ولا
ثلاث، سواء كان مع حرة أم لا. ويدل عليه صحيحة أبي بصير (6).
وعلى القول باعتبار الشرطين في نكاح الإماء فيلزم مراعاتهما هاهنا.
وإذا استكمل العبد أربعا من الإماء أو حرتين أو حرة وأمتين حرم عليه ما
زاد، ولا أعرف فيه خلافا بين الأصحاب، ويدل عليه صحيحة محمد بن مسلم (7)
ومعتبرة الحسن بن زياد (8).
ولكل منهما أن ينكح بالعقد المنقطع ما شاءا على الأشهر الأقوى، ونقل فيه

(1) المراسم: 149.
(2) الوسائل 14: 381، الباب 24 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 2.
(3) النهاية 2: 292.
(4) النساء: 3.
(5) الوسائل 14: 399، الباب 2 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد.
(6) الوسائل 14: 399، الباب 2 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، ح 2.
(7) الوسائل 14: 405، الباب 8 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، ح 1.
(8) الوسائل 14: 405، الباب 8 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، ح 2.
146

ابن إدريس الإجماع (1) ونقل عن ابن البراج أنه حرم الزيادة فيه على الأربع (2).
والعبارة المنقولة عنه غير صريحة في ذلك.
حجة المشهور صحيحة زرارة (3) وحسنة عمر بن اذينة (4) وصحيحة بكر بن
محمد (5) وصحيحة الفضل بن يسار (6) ومعتبرة زرارة (7) وغيرها.
حجة ابن البراج الآية وصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر (8) وموثقة معاوية
بن عمار (9)
والآية تحمل على الدوام جمعا، مع أن في دلالتها على التحريم في محل
البحث تأمل. والروايتان محمولتان على الاستحباب، وحديث الاحتياط في
الاولى وفي صحيحته المنقولة في قرب الإسناد (10) يؤيد ذلك. وفي المسالك: جميع ما
في الباب من الأخبار معلول السند عدا الأخير (11). إشارة إلى رواية أحمد، ولا وجه له.
وللحر أن ينكح بملك اليمين ما شاء، وكذا العبد على القول بأنه يملك مثل
ذلك، وفي معنى ملك اليمين التحليل.
وإذا طلق واحدة من الأربع حرم عليه ما زاد غبطة حتى تخرج من العدة
الرجعية، وأما في البائنة فالمشهور بين الأصحاب الجواز، وأطلق المفيد
في المقنعة عدم جواز العقد على الخامسة حتى تنقضي العدة (12). وهو أنسب
بإطلاق الروايات.

(1) السرائر 2: 624.
(2) المهذب 2: 243.
(3) الوسائل 14: 446، الباب 4 من أبواب المتعة، ح 4.
(4) الوسائل 14: 408، الباب 10 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، ح 2.
(5) الوسائل 14: 446، الباب 4 من أبواب المتعة، ح 1.
(6) الوسائل 14: 448، الباب 4 من أبواب المتعة، ح 12.
(7) الوسائل 14: 446، الباب 4 من أبواب المتعة، ح 3.
(8) الوسائل 14: 448، الباب 4 من أبواب المتعة، ح 11.
(9) الوسائل 14: 448، الباب 4 من أبواب المتعة، ح 10، وفيه عمار الساباطي.
(10) قرب الإسناد: 362، ح 1296.
(11) المسالك 7: 349.
(12) المقنعة: 536.
147

وإذا استكمل الحرة ثلاث طلقات حرمت على المطلق حتى تنكح زوجا
غيره، سواء كانت تحت حر أو عبد، وفي الأمة طلقتان، سواء كانت تحت حر أو
عبد، وجعل العامة الاعتبار بحال الزوج.
ويدل على ما قلنا صحيحة عيص بن القاسم (1) وصحيحة الحلبي (2) وصحيحة
زرارة وحسنته (3) وصحيحة حماد بن عيسى وصحيحة اخرى له المذكورتان في
قرب الإسناد (4). ولا فرق في الطلقات المحرمة على هذا الوجه بين كونها للعدة
وغيرها بخلاف المحرمة أبدا.
وإذا طلقت تسعا للعدة ينكحها بينها رجلان حرمت على المطلق أبدا، والمراد
بطلاق العدة أن يطلقها بالشرائط ثم يراجع في العدة ويطأ، ثم يطلق في طهر آخر
ثم يراجع في العدة ويطأ، ثم يطلق الثالثة فينكحها بعد عدتها زوج آخر، ثم
يفارقها بعد أن يطأها فيتزوجها الأول بعد العدة ويفعل كما فعل أولا إلى أن يكمل
لها تسعا كذلك فيتخلل بينها نكاح رجلين.
البحث الخامس اللعان:
وهو سبب لتحريم الملاعنة تحريما مؤبدا، وسيجئ تفصيله في بحث اللعان،
وكذا لو قذف زوجته الصماء الخرساء بما يوجب اللعان لو لم يكن كذلك، بأن
يرميها بالزنا مع دعوى المشاهدة وعدم البينة، والموجود في الرواية الصحيحة في
الكافي اعتبار الخرس والصمم معا (5) كما عبر جماعة، واكتفى الأكثر بأحد
الأمرين، ويدل عليه إضافة لفظة «أو» في الرواية المذكورة في موضع من
التهذيب (6) لكنها محذوف في موضع آخر (7) والوجه الاكتفاء بالخرس وحده إن

(1) الوسائل 15: 391، الباب 24 من أبواب أقسام الطلاق، ح 1.
(2) الوسائل 15: 391، الباب 24 من أبواب أقسام الطلاق، ح 3.
(3) الوسائل 15: 391، الباب 24 من أبواب أقسام الطلاق، ح 2.
(4) قرب الإسناد: 15 - 16، ح 49، 50.
(5) الكافي 6: 166، ح 18.
(6) التهذيب 7: 310، ح 1288.
(7) التهذيب 8: 193، ح 675.
148

انفك عن الصمم، لحسنة الحلبي وابن مسلم (1) ويؤيده رواية محمد بن مروان (2)
وتقييدهم بما يوجب اللعان يقتضي عدم التحريم لو لم يدع المشاهدة أو أقام
عليها البينة، والأخبار مطلقة.
ولا يسقط الحد عنه بالقذف مع التحريم كما في اللعان، ولو أقام البينة سقط
الحد عنه والتحريم. ولا فرق بين كون الزوجة مدخولا بها وعدمه.
ولو قذف السليمة الأصم والأخرس ففي انسحاب الحكم فيه وجهان، وفي
رواية مرسلة التحريم إذا قذفت امرأة زوجها وهو أصم (3).
البحث السادس الكفر:
وفيه مقاصد:
الأول: لا يجوز للمسلم نكاح غير الكتابية بلا خلاف، وفي تحريم الكتابية
أقوال متعددة منها: التحريم مطلقا، وهو مختار المرتضى والشيخ في أحد قوليه
وأحد قولي المفيد (4) وقواه ابن إدريس (5).
ومنها: جواز متعة اليهود والنصارى اختيارا والدوام اضطرارا.
ومنها: عدم جواز العقد بحال وجواز ملك اليمين.
ومنها: جواز المتعة وملك اليمين لليهودية والنصرانية وتحريم الدوام، وهو
اختيار أبي الصلاح وسلار (6) وأكثر المتأخرين.
ومنها: تحريم نكاحهن مطلقا اختيارا وتجويزه مطلقا اضطرارا وتجويز
الوطء بملك اليمين.

(1) الوسائل 15: 602، الباب 8 من أبواب اللعان، ح 1.
(2) الوسائل 15: 603، الباب 8 من أبواب اللعان، ح 4.
(3) الوسائل 15: 603، الباب 8 من أبواب اللعان، ح 3.
(4) الانتصار: 117، التهذيب 7: 296، المقنعة: 500.
(5) السرائر 2: 542.
(6) الكافي في الفقه: 299، المراسم: 155.
149

ومنها: الجواز مطلقا كما هو قول ابن بابويه وابن أبي عقيل (1) ولعل هذا القول
أقرب، لقوله تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) (2) وقوله: (فانكحوا ما طاب لكم
من النساء مثنى) (3) وقوله تعالى: (والمحصنات من الذين اوتوا الكتاب) (4)
وصحيحة معاوية بن وهب وغيره عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) وظاهر حسنة عبد الله بن
سنان عنه (عليه السلام) (6) ومفهوم صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (7) ويدل عليه
أيضا صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (8) وموثقة محمد بن مسلم عنه (عليه السلام) قال:
سألته عن نكاح اليهودية والنصرانية؟ فقال: لا بأس به، أما علمت أنه تحت طلحة
ابن عبد الله يهودية على عهد النبي (صلى الله عليه وآله) (9). وقريب منه موثقة أبي مريم
الأنصاري (10) وصحيحة أبي بصير يعني ليث المرادي عنه (عليه السلام) (11) وغيرها ويؤيد ما
ذكرناه «لا ينبغي» في غير واحد من الأخبار. وبازاء ما ذكرناه بعض الروايات،
لكن الترجيح لما ذكرناه، والاحتياط في الترك.
وفي المجوسية اختلاف في الأقوال والروايات، والأقرب جواز وطئها بملك
اليمين، والأحوط الترك في غير ذلك، واستجود بعض المتأخرين التحريم، نظرا
إلى صحيحة محمد بن مسلم (12) وهي غير دالة على التحريم، ولا فرق في أهل
الكتاب بين الحربي منهم والذمي، وقيل: يتأكد الكراهية في الحربي منهم (13).

(1) نقله عنهما في المختلف 7: 73.
(2) النساء: 24.
(3) النساء: 3.
(4) المائدة: 5.
(5) الوسائل 14: 412، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالكفر، ح 1.
(6) الوسائل 14: 416، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالكفر، ح 1.
(7) الوسائل 14: 416، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالكفر، ح 2.
(8) الوسائل 15: 477، الباب 45 من أبواب العدد، ح 1.
(9) الوسائل 14: 416، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالكفر، ح 4.
(10) الوسائل 14: 416، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالكفر، ح 3.
(11) الوسائل 14: 420، الباب 8 من أبواب ما يحرم بالكفر، ح 1.
(12) المسالك 7: 362.
(13) المسالك 7: 363.
150

ولو ارتد أحد الزوجين عن الإسلام، فإن كان قبل الدخول انفسخ العقد وبانت
منه في الحال عند الأصحاب، ونسب ذلك إلى عامة أهل العلم، فإن كان المرتد هو
الزوجة فلا مهر لها عندهم، وإن كان هو الزوج قيل: وجب عليه نصف المهر
المسمى إن كانت التسمية صحيحة ونصف المهر إن لم تكن التسمية صحيحة (1).
وقيل: يلزمه جميع المهر (2) وهو أقوى.
ولو وقع الارتداد منهما دفعة انفسخ النكاح عندهم، ونقل في التذكرة
الإجماع عليه (3) وفي سقوط المهر وجهان.
وإن كان الارتداد بعد الدخول وكان الارتداد من الزوجة مطلقا أو من الزوج
وكان عن ملة وقف انفساخ النكاح على انقضاء العدة عندهم، فإن رجع المرتد قبل
انقضائها ثبت النكاح، وإلا تبين انفساخه بالارتداد، ولا يسقط من المهر شيء.
ولو كان ارتداده عن فطرة بانت الزوجة منه في الحال فإنه لا يقبل توبته، بل
يقتل وتخرج عنه أمواله وتبين زوجته، ويدل عليه صحيحة محمد بن مسلم (4)
وعندهم أنها تعتد عدة الوفاة ولا يسقط المهر.
وإذا أسلم زوج الكتابية فهو على نكاحه وإن لم يدخل بها، سواء كان الزوج
كتابيا أو وثنيا، لا أعرف فيه خلافا، ويدل عليه صحيحة عبد الله بن سنان (5).
وإن أسلم زوج الوثنية فعند الأصحاب أنه وقف على انقضاء العدة مع
الدخول، ونقل إجماعهم على ذلك (6) ويدل عليه رواية منصور بن حازم عن أبي
عبد الله (عليه السلام) (7) ومرسلة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (8).

(1) المسالك 7: 363.
(2) المسالك 7: 363.
(3) التذكرة 2: 647 س 42.
(4) الوسائل 18: 544، الباب 1 من أبواب حد المرتد ح 2.
(5) الوسائل 14: 416، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه، ح 1.
(6) المسالك 7: 365.
(7) الوسائل 14: 421، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 3.
(8) الوسائل 14: 421، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 5.
151

ولو أسلمت زوجة الكافر دونه فإن كان قبل الدخول انفسخ في الحال مطلقا،
لعدم العدة وامتناع كون الكافر زوجا للمسلمة، ولا مهر، ويدل عليه صحيحة
عبد الرحمن بن الحجاج (1) ورواية منصور بن حازم (2).
وإن كان بعد الدخول وقف الفسخ على انقضاء العدة وهي عدة الطلاق من
حين إسلامها، فإن انقضت وهو على كفره تبين أنها بانت منه حين الإسلام عندهم،
وإن أسلم قبل انقضائها تبين بقاء النكاح على حاله، وهذا في الوثني موضع وفاق،
وفي الكتابي كذلك على المشهور، خلافا للشيخ في عدة من كتبه، فإنه قال: إذا
كان الزوج بشرائط الذمة كان نكاحه باقيا وإن انقضت العدة ولا يمكن من
الدخول عليها ليلا ولا من الخلوة بها نهارا (3) واختلاف الأخبار يوجب التردد.
قالوا: وإذا أسلم الذمي وعنده أكثر من أربع من الكتابيات المنكوحات بالعقد
الدائم استدام أربعا من الحرائر أو أمتين وحرتين، ويبني جواز اختياره للأمتين
بدون الشرطين على أن الممتنع ابتداء نكاحهن لا استدامته، كما ذكره في التذكرة
ونسبه إلى علمائنا (4). ولو كان عبدا استدام حرتين أو حرة وأمتين وفارق سائرهن.
وليس للمسلم إجبار زوجته الكتابية على الغسل من غير فرق بين الجنابة
والحيض، وعلى القول بتوقف الوطء على الغسل في الحيض يجبرها على صورة
الغسل على ما ذكره بعض الأصحاب (5).
وله إجبارها على كل ما ينقص الاستمتاع بدونه كإزالة الوسخ الكثير والنتن
الغالب وطول الأظفار وشعر الإبطة والعانة، وشرب الخمر المؤدي إلى الإسكار
المانع من تمام الاستمتاع، وكذا أكل لحم الخنزير ومباشرة النجاسات الموجبة
للنفرة، وله منعها من الخروج إلى البيع والكنائس وغيرها، لمنافاته الاستمتاع
الواجب عليها كل وقت.

(1) الوسائل 14: 422، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، ح 6.
(2) الوسائل 14: 421، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، ح 3.
(3) النهاية 2: 300.
(4) التذكرة 2: 653 س 33.
(5) الهداية: 69.
152

والاختيار إما بالقول الدال على الإمساك كقوله: «اخترتك» وما أشبهه، وإما
بالفعل مثل الوطء، ولا يبعد إلحاق التقبيل واللمس بشهوة به، واستشكله بعض
الأصحاب (1).
ولو اختار ما زاد على الأربع ثبت عقد الأربع الاول واندفع البواقي، ولو قال
لما زاد على الأربع: «اخترت فراقكن» كان ذلك اختيارا للبواقي. ولو قال
لواحدة: «طلقتك» صح نكاحها وكانت من الأربع ووقع به الطلاق إن حصلت
شرائطه، فلو طلق أربعا اندفع البواقي، وليس في الظهار والإيلاء دلالة على
الاختيار على المشهور خلافا للشيخ (2).
وإذا تزوج امرأة وبنتها ثم أسلم فإن دخل بهما أو دخل بالام حرمتا جميعا،
وإن دخل بالبنت حرمت الام خاصة، وكذا إن لم يدخل بها على الأشهر، بناء على
أن نكاح الكافر صحيح، وقال الشيخ: له التخيير لأيتهما شاء، فإن اختار نكاح
البنت استقر نكاحها وحرمت الام مؤبدا، وإن اختار نكاح الام لم تحرم البنت إلا
مع الدخول (3). ولعل الأول أقرب.
ولو أسلم عن أمة وبنتها حرمتا إن كان دخل بهما، وإن دخل بواحدة منهما
حرمت الاخرى. ولو أسلم عن اختين تخير أيتهما شاء وإن وطئهما. قالوا: ولو كان
عنده امرأة وعمتها أو خالتها ولم تجز العمة أو الخالة الجمع تخير إحداهما وصح
الجمع مع الرضى، ولا فرق مع رضى العمة أو الخالة بين وقوعه في حال الكفر
وحال الإسلام. قالوا: ولو كان عنده حرة وأمة ولم ترض الحرة بعقد الأمة ينفسخ
عقد الأمة ويبقى الحرة وحدها، وإن رضيت بالجمع صح نكاحهما.
وإذا أسلم الوثني وعنده حرة وثلاث إماء وأسلمن معه، أو أسلم الكتابي
وعنده حرة وثلاث إماء أسلمن معه أم لا فإن رضيت الحرة بعقد الإماء تخير منهما
اثنتين، وكذا التخيير لو كان عنده أكثر من أمتين من غير حرة.

(1) الشرائع 2: 296.
(2) المبسوط 4: 237.
(3) المبسوط 4: 221.
153

وإذا أسلم الكافر على أكثر من أربع وكن جمع وثنيات مدخولا بهن وأسلم
بعضهن لم يجبر على اختيارها، بل له التربص إلى انقضاء عدة الجميع، فإن
خرجت وقد أسلم ما لم تزد على الأربع ثبت نكاحهن، وإن كن أكثر تخير منهن
أربعا بلا فرق بين السابقات واللاحقات، ولو اختار من السابقات قبل خروج
العدة أربعا ثبت نكاحهن ولم يكن له اختيار اللاحقة وإن كان في العدة، ولو كان
بعضهن كتابيات كن بمنزلة المسلمات في التخيير بين اختيارهن وبين التربص إلى
انقضاء العدة.
والبينونة المترتبة على إسلام أحد الزوجين فسخ لا طلاق، فلا يجري فيه
أحكام الطلاق، فإن كان من المرأة قبل الدخول فلا مهر لها، وإن كان من الرجل
قبله فقيل: يثبت لها نصف المهر (1). وقيل: الجميع (2). وهو أقوى.
وإن كان بعد الدخول فلا يسقط مطلقا. ولو لم يكن سمى شيئا فإن كان بعد
الدخول فمهر المثل، وإن كان قبله من قبل الرجل قيل: لها المتعة (3) ويحتمل عدم
وجوب شيء، ويحتمل ضعيفا نصف مهر المثل.
ولو أسلم بعد الدخول وكان المهر فاسدا في شرع الإسلام ولم يقبض قيل:
سقط (4). وقيل: يجب مهر المثل (5). وقيل: يلزمه قيمته عند مستحليه (6). وهو غير بعيد.
وإن ارتد المسلم يحرم عليه وطء زوجته مطلقا، فإن كان ارتداده عن فطرة
ووطئها لشبهة عليها فعليه مهر آخر للشبهة، وإن كان عن ملة وكان بعد الدخول
ووطئها لشبهة على المرأة فإن رجع في العدة فلا شيء عليه، لأن إسلامه كاشف
عن كونها زوجته، وإن بقي على كفره إلى انقضاء العدة قال الشيخ عليه مهران
ثانيهما مهر المثل، لوطء الشبهة (7) وقيل: لا يلزم بهذا الوطء مهر ولا حد عليه بهذا

(1) الشرائع 2: 297.
(2) المسالك 7: 386.
(3) الشرائع 2: 297.
(4) حكاه في المسالك 7: 387.
(5) حكاه في المسالك 7: 387.
(6) حكاه في الشرائع 2: 297.
(7) المبسوط 4: 238.
154

الوطء (1). ويجب العدة لهذا الوطء وهما عدتان من شخص واحد.
وإذا أسلم على أربع وثنيات مدخول بهن فالمشهور أنه لم يجز له العقد على
الاخرى ولا على اخت بعضهن حتى ينقضي العدة مع بقائهن على الكفر، ويحتمل
أن يتوقف نكاح الخامسة والاخت.
ولو أسلمت الوثنية المدخول بها فتزوج زوجها باختها قبل أن يسلم فإن لم
يسلم في عدة الاولى بطل نكاحه واستقرت الثانية، وإن أسلم في عدة الاولى
وأسلمت الاخت مقارنة لإسلامه ولم تكن مدخولا بها، أو في عدة الاولى وكانت
مدخولا بها تخير أيتهما شاء، وإن تأخر إسلام الثانية عن إسلامه مع كونها مدخولا
بها حتى انقضت عدة الاولى فقيل: يستقر نكاح الاولى وتبين الثانية (2). وقيل: بل
يضرب للثانية عدة من حين إسلامه، فإن أسلمت في هذه العدة تخير أيتهما شاء
وإن انقضت عدة الاولى (3). والثاني أقرب. ومثل هذا يأتي فيما لو أسلم زوجاته
الأربع المدخول بهن فتزوج خامسة ودخل بها ثم أسلم وأسلمت بعد ذلك في
عدتها بعد انقضاء عدة الأربع.
وإذا أسلم عن وثنية مدخول بها ضربت لها عدة، فإن ارتد وهي كافرة
واستمرت على الكفر إلى انقضاء العدة بانت منه، وإن أسلمت فيها وهو مرتد
ضربت لها عدة من حين الردة، فإن رجع إلى الإسلام فيها فهو أحق بها، وإلا بانت
منه. ولو انعكس الفرض بأن أسلمت هي أولا ثم ارتدت فالحكم كالسابق.
والظاهر أن الموت لا يبطل الاختيار، فلو ماتت إحداهن بعد إسلامهن كان له
أن يختارها ويرث نصيبه منها. ولو متن كلهن بعد الإسلام كان له أن يختار أربعا
ويرثهن، وإذا مات الزوج ثم النسوة الزائدات على العدد بعد إسلامهن في العدة
ففيهن وارثات، فقيل: يستعمل القرعة (4). وقيل: يوقف حتى يصطلح ورثتهن على

(1) انظر المسالك 7: 389.
(2) جامع المقاصد 12: 438.
(3) جامع المقاصد 12: 439.
(4) الشرائع 2: 298.
155

الحصة بالتساوي أو التفاوت (1) فإن طلبت واحدة من الثمان منه شيئا لم تعط وإن
طلبت خمس دفع إليهن ربع النصيب والست نصفه. وقيل: الحصة من الربع أو الثمن
تقسم بينهن بالسوية ويأخذ وارث كل واحدة نصيبها.
وإذا ماتت النسوة ثم الزوج يجري فيه الوجوه الثلاثة، والوجه الثالث فيه أن
يعطى وارث الزوج من مال كل امرأة نظير ما يأخذ وارثها من ماله لو كان موتهن
بعد موته، فلو كن ستة كان له من مال كل واحدة نصف الربع وسدسه أو نصف
النصف وسدسه، فينقص ثلث سهم الزوج كما كان ينقص ثلث سهم الزوجة لو
ماتت الستة بعد موته، ولو كن ثمانية كان له نصف الربع أو النصف.
قالوا: ولو مات الزوج قبلهن كان عليهن الاعتداد منه، لأن فيهن من يلزمه
العدة، فلما لم يتعين الزمن العدة تحصيلا للبراءة، فالحامل اعتدت بأبعد الأجلين:
وضع الحمل وأربعة أشهر وعشرة، والحامل إن كانت من ذوات الأشهر كالآيسة
والصغيرة اعتدت بأربعة أشهر وعشرة، وإن كانت من ذوات الأقراء اعتدت بأبعد
الأجلين من أربعة أشهر وعشرة وثلاثة أقراء.
وإن أسلم قبلها وضرب لها العدة فلا نفقة لها ما لم تسلم، فإن أسلمت في العدة
استحقت النفقة من حين الإسلام إلا أن تكون كتابية فتستحق النفقة زمان العدة،
وإن أسلمت هي دونه فتجب لها عليه زمن العدة، سواء أسلم بعد ذلك أم لم يسلم،
فإذا انقضت العدة ولم يسلم سقطت النفقة، وإن أسلما معا استمر وجوب الإنفاق.
ولو زدن على الأربع أو كان فيهن اختان وجب الإنفاق عليهن جمع
قبل الاختيار.
ولو مات قبل إسلامهن فالوجه أنها ترث من أسلمت قبل القسمة. ولو اختلف
الزوجان في السابق إلى الإسلام مع الاتفاق على تحقق السابق فالقول قول الزوج
عند الأصحاب، استصحابا للبراءة الأصلية، ويحتمل تقديم قولها، لأصالة بقاء

(1) المسالك 7: 393 - 394.
156

النفقة، قال بعض الأصحاب: وهذا الاحتمال قول لبعض العامة والأصحاب
معرضون عنه مع أنه متوجه (1).
والمشهور أن إباق العبد لا يوجب الطلاق، وروى الصدوق في الصحيح عن
الحسن بن محبوب عن حكم الأعمى وهشام بن سالم عن عمار الساباطي عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل أذن لعبده في تزويج امرأة فتزوجها ثم إن
العبد أبق من مواليه، فجاءت امرأة العبد تطلب نفقتها من موالي العبد؟ فقال: ليس
لها على موالي العبد نفقة وقد بانت عصمتها منه، لأن إباق العبد طلاق امرأته، وهو
بمنزلة المرتد عن الإسلام. قلت: فإن هو رجع إلى مولاه ترجع امرأته إليه؟ قال: إن
كان قد انقضت عدتها منه ثم تزوجت زوجا غيره فلا سبيل له عليها، وإن كانت لم
تتزوج ولم تنقض العدة فهي امرأته على النكاح الأول (2). وبمضمون هذه الرواية
أفتى الشيخ في النهاية (3) وتبعه ابن حمزة (4) إلا أنه خص الحكم بكون العبد قد
تزوج بأمة غير سيده. والعمل بمضمون الرواية متجه حيث يعمل بالأخبار الموثقة،
والمشهور بقاء الزوجية ووجوب النفقة على المولى.
الفصل الثالث
في مسائل متعلقة بالعقد
الاولى: الكفاءة شرط في صحة العقد، وهي: التساوي في الإسلام إلا ما
استثني من صحة عقد الكتابية استدامة إجماعا وابتداء على الأقرب.
وهل يشترط الإيمان الخاص وهو الإسلام مع الإقرار بإمامة الأئمة الاثني
عشر (عليهم السلام)؟ ذهب الأكثر إلى اعتبار ذلك في جانب الزوج دون الزوجة، وذهب
جماعة إلى عدم اعتباره مطلقا والاكتفاء بمجرد الإسلام (5) ولعله الأقرب.

(1) المسالك 7: 398.
(2) الفقيه 3: 454، ح 4571.
(3) النهاية 2: 398، 399.
(4) الوسيلة: 307.
(5) المقنعة: 512، الوسيلة: 290 - 291، الشرائع 2: 299.
157

ولا يصح نكاح الناصب المبغض لأهل البيت (عليهم السلام) سواء كان معلنا بذلك أم
لا، لصحيحة الفضيل بن يسار ومعتبرته (1) وصحيحة عبد الله بن سنان (2) وموثقة
الفضيل بن يسار (3) وغيرها. ولا فرق في الناصب المحرم نكاحه بين الذكر
والانثى. والخوارج في حكم النواصب.
ولا يشترط تمكن الزوج من النفقة في صحة النكاح، وحكي قول باشتراط
ذلك (4) وظاهره اشتراطه في صحة النكاح، وذكر العلامة في المختلف أن المرأة لو
نكحت ابتداء بفقير عالمة بذلك صح نكاحها إجماعا، وأثبت لها الخيار مع الجهل (5).
وذكر بعض الأصحاب بعد نقل الاتفاق على جواز تزويج الفقير المؤمن: وإنما
يظهر فائدة اشتراطه في الولي والوكيل المطلق، فإنه ليس لهما أن يزوجها إلا من
كفو. فإن اعتبرنا اليسار لم يصح تزويجها بالفقير، ولو زوجها به فلها الفسخ (6).
واعتبر العلامة في التذكرة اليسار في الكفاءة وجوز للولي تزويجها بالفقير
ولم يجوز ذلك للسلطان (7). والمختار عندي عدم اشتراط ذلك في صحة العقد،
والظاهر اشتراطه في وجوب الإجابة عليها أو على الولي لا في الجواز، وفي
الخيار في صورة الجهل تردد، والمعتبر التمكن من النفقة بالفعل أو بالقوة القريبة،
ولا يشترط اليسار بالمهر عندنا.
ولو تجدد عجز الزوج عن النفقة ففي تسلطها على الفسخ قولان، أشهرهما
العدم، خلافا لابن الجنيد (8) وقوله أقرب، نظرا إلى النص الصحيح.
ويجوز نكاح الحرة العبد، والعربية العجمي، والهاشمية غير الهاشمي

(1) الوسائل 14: 423، الباب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر، ح 1 و 2.
(2) الوسائل 14: 424، الباب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر، ح 3.
(3) الوسائل 14: 424، الباب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر، ح 4.
(4) المبسوط 4: 178.
(5) المختلف 7: 299.
(6) المسالك 7: 406.
(7) التذكرة 2: 603 س 37 و 607 س 26.
(8) نقله في المختلف 7: 328.
158

وبالعكس، وكذا أصحاب الأنساب والصنائع الدنيئة بذوات الدين والأشراف على
الصحيح المشهور، خلافا لابن الجنيد، حيث اعتبر فيمن تحرم عليهم الصدقة أن لا
يتزوج فيهم إلا منهم (1).
والمشهور أنه إذا خطب المؤمن القادر على النفقة وجب إجابته وإن كان
أخفض نسبا، والمستند فيه ما رواه الكليني عن علي بن مهزيار في الصحيح قال:
كتب علي بن أسباط إلى أبي جعفر (عليه السلام) في أمر بناته وأنه لا يجد أحدا مثله؟
فكتب له أبو جعفر (عليه السلام): فهمت ما ذكرت من أمر بناتك وأنك لا تجد أحدا مثلك،
فلا تنظر إلى ذلك رحمك الله، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إذا جاءكم من ترضون
خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير (2). والرواية
أخص من المطلوب.
وقال ابن إدريس: وروي أنه إذا خطب المؤمن إلى غيره بنته وكان عنده
يسار بقدر نفقتها وكان ممن يرضى أفعاله وأمانته [ولا يكون مرتكبا لشيء يدخل
به في جملة الفساق وإن كان حقيرا في نسبه قليل المال فلا يزوجه إياها كان
عاصيا لله تعالى مخالفا لسنة نبيه (صلى الله عليه وآله)، ووجه الحديث في ذلك أنه إنما يكون
عاصيا إذا رده ولم يزوجه لما هو عليه من الفقر والأنفة منه لذلك واعتقاده أن ذلك
ليس بكفو في الشرع، فإنه إن رده ولم يزوجه لا لذلك بل لأمر آخر وغرض غير
ذلك من مصالح دنياه فلا حرج عليه] (3) ولا يكون عاصيا، هذا وجه الحديث (4).
واستحسنه بعض المتأخرين (5). قال بعض الأصحاب: وإنما يكون عاصيا مع
الامتناع إذا لم يكن هناك طالب آخر مكافئ وإن كان أدون منه، وإلا جاز العدول
إليه وكان وجوب الإجابة تخييريا (6).

(1) نقله في المختلف 7: 298.
(2) الكافي 5: 347، ح 2.
(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في المطبوع.
(4) السرائر 2: 558.
(5) لم نعثر عليه.
(6) المسالك 7: 410.
159

ولو لم يتعلق الحكم بالولي بأن كانت المخطوبة ثيبا أو بكرا لا أب لها ففي
وجوب الإجابة عليها إن قلنا بوجوبها على الولي نظر، من حيث اختصاص الأمر
بالولي. وهل يعتبر في وجوب الإجابة بلوغ المرأة أم يجب الإجابة على الولي
وإن كانت صغيرة؟ وجهان، من إطلاق الأمر، وانتفاء الحاجة.
ويكره أن يزوج الفاسق خصوصا شارب الخمر، وأن تزوج المؤمنة
بالمخالف، ولا بأس بالمستضعف.
الثانية: إذا انتسب إلى قبيلة ثم بان أنه من غيرها فقال جماعة منهم الشيخ في
النهاية: إنه ينفسخ النكاح (1). وفي المبسوط قوى عدم الخيار لها (2) واختار ابن
إدريس أن لها الخيار إذا شرط ذلك في نفس العقد (3). وفي المختلف: إذا انتسب
إلى قبيلة فبان من أدنى منها بحيث لا يلائم شرف المرأة كان لها الخيار في
الفسخ (4). والأقرب الأول.
وإذا تزوج امرأة ثم علم بعد ذلك أنها كانت زنت أو ثبت ذلك شرعا
فللأصحاب فيه أقوال:
أحدها: أنه يفرق بينهما ولا صداق لها.
وثانيها: أن له الخيار في المحدودة خاصة.
وثالثها: أنه ليس له الفسخ ولا الرجوع على الولي بالمهر. وهذا أشهر بين
المتأخرين.
ورابعها: جواز الرجوع على الولي من غير فسخ، والقول بجواز الرجوع على
الولي متجه، للنص الصحيح (5) وفي جواز الفسخ تردد.
الثالثة: لا أعرف خلافا بين العلماء في أنه لا يجوز التعريض بالخطبة لذات
العدة الرجعية من غير الزوج، ويجوز التعريض بها للمعتدة بالعدة البائنة من غير

(1) النهاية 2: 372.
(2) المبسوط 4: 188.
(3) السرائر 2: 612.
(4) المختلف 7: 198.
(5) الوسائل 14: 601، الباب 6 من أبواب العيوب والتدليس، ح 4.
160

الزوج ومنه إذا كانت تحل له في الحال من غير توقف على المحلل، ويدل عليه
قوله تعالى: (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء... ولكن لا
تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا) (1) وإن توقف الحل على المحلل ففي
جواز التعريض من الزوج قولان.
وإن حرمت الزوجة مؤبدا حرم التعريض منه.
وأما التصريح بها فقالوا: إنه يحرم للمعتدة إلا من الزوج إذا كانت تحل له بلا
محلل خاصة.
والمراد بالتصريح هنا الخطاب بلفظ لا يحتمل إلا النكاح، والتعريض:
الإشارة بلفظ يحتمل الرغبة في النكاح وغيرها وإن كان في النكاح أغلب مثل:
«رب راغب فيك، أو حريص عليك، أو إنك لجميلة، أو من غرضي أن أتزوج، أو
يسر الله لي امرأة صالحة، أو لا تبقين أرملة» ونحو ذلك.
ولو صرح بالنكاح وأهمل الخاطب أو بالعكس كان تعريضا. ويشمل حكم
التعريض والتصريح في الجواز والتحريم في موضعهما للمرأة أيضا.
ولو صرح بالخطبة في موضع التحريم لم يؤثر ذلك في تحريمها عليه بعد العدة.
وإذا خطب فأجابت ففي تحريم خطبتها على غيره أو كراهتها قولان،
والأقرب ترجيح الأخير، إلا إذا استلزمت الإيذاء وإثارة الشحناء والبغضاء.
ولو أجابت بما يؤذن للرضي من غير تصريح ففي انسحاب الحكم فيه
وجهان، وكذا لو لم يوجد إجابة ولا رد.
ولو صرح بالرد لم يحرم ولم يكره، وقيل: إنه إجماعي (2) والحكم مختص
بخطبة المسلم، ولو أقدم على الخطبة في موضع النهي وعقد صح النكاح.
الرابعة: إذا تزوجت المطلقة ثلاثا وشرطت في العقد أنه إذا حللها فلا نكاح
بينهما قيل: بطل العقد (3). وقيل: يصح ويلغو الشرط (4). وكذا لو شرطت الطلاق،

(1) البقرة: 235.
(2) المسالك 7: 417.
(3) الشرائع 2: 301.
(4) المبسوط 4: 247.
161

وعلى القول الثاني يبطل المهر المسمى في العقد، ومع الدخول تحل للمطلق مع
الفرقة وانقضاء العدة على القول الثاني دون الأول، ولو لم يصرح بالشرط في العقد
وكان ذلك في نيته أو نية المرأة أو الولي صح العقد.
الخامسة: نكاح الشغار باطل بالاتفاق ودلالة الأخبار (1) وهو أن تزوج امرأتان
برجلين على أن يكون مهر كل واحدة نكاح الاخرى، ونكاح الشغار الباطل
يشتمل على ثلاثة أشياء: شرط عقد في عقد، واشتراك في البضع بجعله صداقا،
وتعليق عقد على عقد على جهة الدور.
وقد اختلف العلماء في المبطل لنكاح الشغار، فمنهم من جعل سبب المنع
التعليق، ومنهم من جعل سببه تشريك البضع بين كونه مهرا للزوجة المنكوحة
وملكا للزوج فيدور البطلان مع التشريك.
ولو زوج أحدهما الآخر وشرط أن يزوجه الاخرى بمهر معلوم صح العقدان
وبطل المهر على المشهور، وهو مبني على الثاني، وتردد فيه بعض الأصحاب (2).
وكذا لو زوجه وشرط أن ينكحه الزوج فلانة من غير ذكر مهر، ولو قال: «زوجتك
بنتي على أن تزوجني بنتك على أن يكون نكاح بنتي مهرا لبنتك» بطل نكاح بنت
المخاطب خاصة. ولو قال: «على أن يكون نكاح بنتك مهرا لبنتي» صح نكاح بنت
المخاطب خاصة.
السادسة: يكره العقد على القابلة التي ربته وبنتها، وقال الصدوق في المقنع:
لا تحل القابلة للمولود ولا ابنتها وهي كبعض امهاته (3). والأول أقرب.
ويكره أن يزوج ابنه بنت زوجته من غيره إذا ولدتها بعد مفارقته، ولا بأس
بمن ولدتها قبل نكاح الأب، وأن يتزوج بمن كانت ضرة لامه مع غير أبيه، وأن
يتزوج بالزانية قبل أن تتوب.

(1) الوسائل 14: 229، الباب 27 من أبواب عقد النكاح.
(2) الشرائع 2: 301.
(3) المقنع: 109.
162

المطلب الثاني
في النكاح المنقطع
وهو جائز في شرع الإسلام والبحث عنه يشتمل على أطراف:
الطرف الأول (1) *
لابد فيه من الإيجاب والقبول، والإيجاب اللفظ الدال على الرضى به كقوله:
«زوجتك وأنكحتك ومتعتك» فأيها حصل وقع الإيجاب.
وجوز أبو الصلاح وابن البراج في الإيجاب أن يقع من الرجل بقول: «متعيني
نفسك بكذا» فتقول المرأة: «قبلت أو رضيت» (2).
والمرتضى جعل تحليل الأمة عقد متعة (3) فيكون منعقدا بلفظ «أبحت»
والاحتياط في الاقتصار على ما ذكرناه.
ولو قال الرجل: «تزوجت» فقالت: «زوجتك» صح ولابد من ذكر جميع ما
يعتبر في العقد من المتقدم.
والقبول هو اللفظ الدال على الرضى بذلك الإيجاب.

(*) كذا في الأصل أيضا، لكن لا يوجد فيما يأتي عنوان: الطرف الثاني، الطرف الثالث...
(2) الكافي في الفقه: 298، المهذب 2: 240.
(3) حكاه عنه في التنقيح 3: 118.
163

والمشهور بينهم أنه لابد أن يكون الإيجاب والقبول بلفظ الماضي، وخالف
جماعة منهم فاكتفوا فيها بصيغة المستقبل بأن يقول: «أتزوجك مدة كذا بمهر كذا»
وقصد الإنشاء فتقول: «زوجتك» وكذا لو قالت: نعم، استنادا إلى روايات كثيرة (1)
ولعله الأقرب.
ويشترط أن يكون الزوجة للمسلم مسلمة أو كتابية كاليهود والنصارى على
الأقوى، ويدل على التمتع باليهودية والنصرانية صحيحة إسماعيل بن سعد
الأشعري (2) ومرسلة حسن بن علي بن فضال (3) ورواية محمد بن سنان (4) ورواية
زرارة (5) والعمومات، وفي المجوسية نوع تردد، لاختلاف الأخبار (6) ومراعاة
الاحتياط فيها أولى. ويمنعها من شرب الخمر وارتكاب المحرمات الموجبة
للاستقذار المانعة من الاستمتاع.
والمسلمة لا تستمتع إلا بالمسلم خاصة، وفي اعتبار الإيمان قولان.
ولا يجوز التمتع بالوثنية والناصبية والمملوكة وعنده حرة إلا بإذنها، لصحيحة
محمد بن إسماعيل عن أبي الحسن (عليه السلام) (7) وفيه قول بالمنع من التمتع بالأمة على
الحرة مطلقا، ولعل مستنده صحيحة يعقوب بن يقطين (8) وهي غير واضحة الدلالة
على التحريم، والحمل على الكراهية طريقة الجمع، ولا فرق بين أن يكون الحرة
منكوحة بالعقد الدائم أو المنقطع.
ولا يدخل عليها بنت أخيها ولا بنت اختها إلا بإذنها على ما ذكره الأصحاب،

(1) الوسائل 14: 466، الباب 18 من أبواب المتعة.
(2) الوسائل 14: 461، الباب 13 من أبواب المتعة، ح 1.
(3) الوسائل 14: 462، الباب 13 من أبواب المتعة، ح 2.
(4) الوسائل 14: 462، الباب 13 من أبواب المتعة، ح 4.
(5) الوسائل 14: 462، الباب 13 من أبواب المتعة، ح 3.
(6) الوسائل 14: 461، الباب 13 من أبواب المتعة.
(7) الوسائل 14: 464، الباب 16 من أبواب المتعة، ح 1.
(8) الوسائل 14: 465، الباب 16 من أبواب المتعة، ح 3.
164

ولو بادر إلى ذلك ففي بطلان العقد أو توقفه على إجازتهما قولان.
ويستحب اختيار المؤمنة العفيفة، وأن يسأل عن حالها مع التهمة [لصحيحة
أبي مريم (1)] (2) وليس شرطا في الصحة، بل هي مصدقة على نفسها، لرواية ميسر (3)
وأبان بن تغلب (4) الدالتين على أنها مصدقة في عدم الزوج، وصحيحة يونس بن
عبد الرحمن عن الرضا (عليه السلام) في حديث قال: قلت له: المرأة تتزوج فينقضي شرطها
وتتزوج رجلا آخر قبل أن تنقضي عدتها؟ قال: وما عليك، إنما إثم ذلك عليها (5).
ورواية فضيل مولى علي بن راشد (6) ومرسلة مهران بن محمد (7) ورواية محمد بن
عبد الله الأشعري (8).
ويكره الزانية، لصحيحة محمد بن إسماعيل (9) وحسنة عبد الله بن أبي يعفور (10)
ورواية محمد بن العيص (11) وغيرها، فإن فعل فليمنعها من الفجور، وليس ذلك شرطا.
ومنع الصدوق من التمتع بها مطلقا (12) وابن البراج إذا لم يمنعها من الفجور (13)
والجواز أقرب، لموثقة إسحاق بن عمار (14) المعتضدة برواية علي بن يقطين (15)

(1) الوسائل 14: 451، الباب 6 من أبواب المتعة، ح 1.
(2) من نسخة بدل المطبوع.
(3) الوسائل 14: 456، الباب 10 من أبواب المتعة، ح 1.
(4) الوسائل 14: 456، الباب 10 من أبواب المتعة، ذيل الحديث 1.
(5) الوسائل 14: 456، الباب 10 من أبواب المتعة، ح 2.
(6) الوسائل 14: 457، الباب 10 من أبواب المتعة، ح 3.
(7) الوسائل 14: 457، الباب 10 من أبواب المتعة، ح 4.
(8) الوسائل 14: 457، الباب 10 من أبواب المتعة، ح 5.
(9) الوسائل 14: 453، الباب 8 من أبواب المتعة، ح 1.
(10) الوسائل 14: 453، الباب 8 من أبواب المتعة، ح 2.
(11) الوسائل 14: 452، الباب 7 من أبواب المتعة، ح 1.
(12) المقنع: 113.
(13) المهذب 2: 241.
(14) الوسائل 14: 455، الباب 9 من أبواب المتعة، ح 1، وفيه عمار.
(15) الوسائل 14: 455، الباب 9 من أبواب المتعة، ح 2.
165

ورواية زرارة (1) ورواية الحسن بن ظريف المذكور في كشف الغمة (2). والأجود
اعتبار إذن الأب في التمتع بالبكر.
وإطلاق الرواية يقتضي كراهة التمتع بالبكر مطلقا، وفي كلامهم التقييد بمن
ليس لها أب، فإن فعل فلا يقتضها وليس بمحرم.
وإذا أسلم الكتابي عن مثله لم ينفسخ العقد. ولو أسلمت هي دونه بعد الدخول
اعتبرت العدة، فإن أسلم فيها ولم ينقض المدة فهو أحق بها، وإلا تبين الفسخ من
حين الإسلام.
ولو أسلم أحد الحربيين بعد الدخول اعتبرت العدة والمدة، فإن خرج أحدهما
قبل إسلام الآخر تبين الانفساخ ويثبت مهر المسمى مع الدخول مطلقا، وبدونه إن
كان المسلم الزوج.
والمهر شرط في صحة المتعة خاصة، لصحيحة زرارة (3) وصحيحة إسماعيل
ابن فضل الهاشمي (4) وموثقة أبي بصير (5) وغيرها، ويشترط أن يكون مملوكا
معلوما ولو بالمشاهدة أو الوصف في المكيل والموزون.
ولا تقدير فيه إلا ما تراضيا عليه على المشهور الأقرب، لعموم الأدلة ورواية
أبان بن تغلب (6). وصحيحة محمد بن مسلم (7) وفي حسنة محمد بن النعمان
الأحول: أن أدناه كفين من بر (8). وفي رواية أبي بصير: أن أدناه كف من طعام أو

(1) الوسائل 14: 454، الباب 9 من أبواب المتعة، ح 1.
(2) كشف الغمة 2: 423.
(3) الوسائل 14: 465، الباب 17 من أبواب المتعة، ح 1.
(4) الوسائل 14: 465، الباب 17 من أبواب المتعة، ح 3.
(5) الوسائل 14: 465، الباب 17 من أبواب المتعة، ح 2.
(6) الوسائل 14: 466، الباب 18 من أبواب المتعة، ح 1.
(7) الوسائل 14: 471، الباب 21 من أبواب المتعة، ح 3.
(8) الفقيه 3: 462، ح 4597.
166

دقيق أو سويق أو تمر (1). وفي رواية الأحول: أن أدناه كف من بر (2). وقال ابن
بابويه: لا يجزي أقل من درهم (3). وكأنه نظر إلى صحيحة أبي بصير، إذ فيه: يجزي
فيه الدرهم فما فوقه (4). ونحوه في صحيحة علي بن رئاب المذكورة في قرب
الإسناد (5) ويلزم دفعه بمجرد العقد عند جماعة منهم (6). ودليله غير واضح.
ويصح للمتمتع أن يهب الزوجة جميع المدة أو بعضها قبل الدخول وبعده،
لصحيحة علي بن رئاب (7) ورواية يونس بن عبد الرحمن (8) ورواية إسحاق بن
عمار (9) ورواية أبان بن تغلب (10).
فلو وهبها المدة بعد الدخول صح ولا يسقط من المهر شيء، وإن كان قبل
الدخول فلها النصف ويرجع به لو كان دفع لا أعرف خلافا فيه بينهم، ونقل بعضهم
الإجماع عليه (11) ومستنده موثقة سماعة (12). هذا إذا تعلقت الهبة بجميع المدة
الباقية وقت الهبة، أما لو وهبها بعض المدة خاصة وجوزناها وانقضت المدة ولم
يدخل بها ففي سقوط نصف المهر وجهان.
وإذا دخل استقر المهر بشرط الوفاء بالمدة، ولو أخلت بشيء منها كان له أن
يضع من المهر بنسبتها، لما رواه الكليني في الصحيح إلى عمر بن حنظلة عن أبي

(1) الوسائل 14: 471، الباب 21 من أبواب المتعة، ح 5.
(2) الوسائل 14: 471، الباب 21 من أبواب المتعة، ح 2.
(3) المقنع: 113.
(4) الوسائل 14: 470، الباب 21 من أبواب المتعة، ح 1.
(5) قرب الإسناد: 166، ح 608.
(6) القواعد 3: 52، الشرائع 2: 305.
(7) الوسائل 14: 483، الباب 29 من أبواب المتعة، ح 1.
(8) الوسائل 14: 493، الباب 41 من أبواب المتعة، ذيل الحديث 1.
(9) الوسائل 14: 493، الباب 41 من أبواب المتعة، ح 1.
(10) الوسائل 14: 478، الباب 24 من أبواب المتعة، ح 1.
(11) جامع المقاصد 13: 23.
(12) الوسائل 14: 483، الباب 30 من أبواب المتعة، ح 1.
167

عبد الله (عليه السلام) (1) ورواية اخرى صحيحة إلى عمر بن حنظلة عنه (عليه السلام) (2) وما رواه في
الحسن إلى إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه السلام) (3) ورواية اخرى صحيحة إلى
عمر بن حنظلة (4).
ويستثنى أيام الطمث، لرواية عمر بن حنظلة (5) وإسحاق (6) وفي استثناء غيرها
من أيام الأعذار كالمرض والحبس وجهان، وأما الموت فلا يسقط بسببه شيء.
ولو بان فساد العقد بأن ظهر لها زوج أو مانع من صحة التزويج بها من نسب
أو مصاهرة أو غيرهما، فإن لم يكن دخل بها فلا مهر، ولو قبضه كان له استعادته.
وإن دخل بها فللأصحاب فيه أقوال:
أحدها: أن لها ما أخذت ولا يلزمه أن يعطيها ما بقي.
وثانيها: أنها إن كانت عالمة فلا شيء لها، وإن كانت جاهلة فلها
مجموع المسمى.
وثالثها: أنها لا شيء لها مع العلم ومع الجهل مهر المثل، وهل المراد مهر المثل
لتلك المدة أو مهر المثل للنكاح الدائم، فيه قولان.
ورابعها: أنه لا شيء لها مع العلم، ومع الجهل أقل الأمرين من المسمى ومهر
المثل بأحد الاعتبارين، وحسنة حفص بن البختري (7) ورواية علي بن أحمد بن
أشيم (8) تدلان على القول الأول، لكن العمل بمضمونهما على إطلاقهما سواء كانت
عالمة أو جاهلة لا تخلو عن إشكال.

(1) الكافي 5: 461، ح 31.
(2) الوسائل 14: 481، الباب 27 من أبواب المتعة، ح 1.
(3) الوسائل 14: 481، الباب 27 من أبواب المتعة، ح 3.
(4) الوسائل 14: 482، الباب 27 من أبواب المتعة، ح 4.
(5) الوسائل 14: 482، الباب 27 من أبواب المتعة، ح 4.
(6) الوسائل 14: 481، الباب 27 من أبواب المتعة، ح 3.
(7) الوسائل 14: 482، الباب 28 من أبواب المتعة، ح 1.
(8) الوسائل 14: 482، الباب 28 من أبواب المتعة، ح 2.
168

وأما الأجل فهو شرط في عقد المتعة، لصحيحة زرارة (1) وصحيحة إسماعيل
ابن الفضل (2) وموثقة أبي بصير (3) وغيرها. فلو لم يذكر الأجل وقصد المتعة فقيل:
ينعقد دائما (4). وقيل: يبطل مطلقا (5). وقيل: إن كان الإيجاب بلفظ التزويج والنكاح
انقلب دائما، وإن كان بلفظ التمتع بطل العقد (6). وقيل: إن الإخلال بالأجل إن وقع
على وجه النسيان والجهل بطل، وإن وقع عمدا انقلب دائما (7).
والقول الأول مذهب الأكثر، ويدل عليه موثقة عبد الله بن بكير (8) ورواية أبان
ابن تغلب (9) ورواية هشام بن سالم (10). ويشكل بأن صلاحية العبارة للعقد الدائم لا
تكفي مع مخالفة القصد له، مع أن المعتبر من الروايات المذكورة رواية ابن بكير،
وهي غير صريحة في المطلوب، لاحتمال أن يكون المراد بيان الفرق بين المتعة
والدوام، والمسألة محل إشكال.
ولا يتقدر الأجل بحد في القلة والكثرة، بل ما تراضيا عليه وإن بلغ في جانب
القلة إلى حد لا يمكن الجماع فيه، لعدم انحصار الغاية في الجماع، لعموم الأدلة،
وعن ابن حمزة أنه قدر الأقل بما بين طلوع الشمس ونصف النهار (11).
ولابد أن يكون مضبوطا محروسا عن الزيادة والنقصان كغيره من الآجال،
لصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع (12). ويجوز جعل المدة بعض يوم إذا كان
محدودا بغاية معينة أو مضبوطا بمقدار معين كنصف يوم مثلا.

(1) الوسائل 14: 479، الباب 25 من أبواب المتعة، ح 2.
(2 و 12) الوسائل 14: 478، الباب 25 من أبواب المتعة، ح 1.
(3) الوسائل 14: 465، الباب 17 من أبواب المتعة، ح 2.
(4) الشرائع 2: 305 - 306.
(5) المسالك 7: 456.
(6) السرائر 2: 550.
(7) حكاه في نهاية المرام 1: 245، ولم يذكر قائله.
(8) الوسائل 14: 469، الباب 20 من أبواب المتعة، ح 1.
(9) الوسائل 14: 466، الباب 18 من أبواب المتعة، ح 1.
(10) الوسائل 14: 470، الباب 20 من أبواب المتعة، ح 3.
(11) الوسيلة: 310.
169

وهل يعتبر في المدة الاتصال بزمان العقد، أم يجوز انفصالها عنه؟ فيه
وجهان، فإن قلنا بالصحة فهل يجوز العقد عليها في المدة المتخللة بين العقد ومبدأ
المدة المشروطة إذا وقت بالأجل المعقود عليه ثانيا والعدة؟ فيه وجهان.
ولو أطلق فهل ينصرف إلى المتصل بالعقد فيصح، أم يبطل؟ ذهب ابن إدريس
إلى الثاني (1) والمشهور الأول، وهو أقوى، فلو تركها إلى انقضاء المدة المشروطة
خرجت من عقده واستقر لها الأجر.
ولو ذكرا مرة أو مرتين واقتصرا على ذلك قيل: يبطل (2). وقيل: يصح وينقلب
دائما (3). وقيل: يصح ويتبع (4).
ولو شرطا المرة والمرتين في زمان معين بحيث يكون الزمان أجلا مضبوطا
ويكون ذكر العدد شرطا زائدا على ذلك صح، ولا يجوز له الزيادة عن العدد
المشروط بغير إذنها، ولا يتعين عليه فعل المشروط، إذ الوطء غير واجب، ولا
يخرج عن الزوجية إلا بانقضاء الأجل، فيجوز له الاستمتاع منها بعد استيفاء العدد
المشروط في الوطء. وهل يجوز له الوطء بإذنها؟ قيل: نعم (5). وقيل: لا (6). ولعل
الأول أقرب.
ولو شرطاه في وقت معين من غير أن يجعلا أجلا، بل يكون المقصود أن لا
يقع الفعل في خارج ذلك الزمان ومتى انتهى العدد بانت منه، كما أنها تبين
بانقضائه وإن لم يفعل، ففي صحته قولان، ولعل البطلان أقرب.
مسائل:
الاولى: اتفق علماؤنا على أن كل شرط من الشروط السائغة التي لا تخالف
الكتاب والسنة يجوز اشتراطها في عقد النكاح، فمتى اتفق مصاحبا للإيجاب

(1) السرائر 2: 623.
(2) المختصر النافع: 182.
(3) النهاية 3: 379.
(4) المسالك 7: 454.
(5) المسالك 7: 455.
(6) حكاه في نهاية المرام 1: 242.
170

والقبول وجب الوفاء به، للآية، ولقوله (عليه السلام) في صحيحة ابن سنان وغيرها:
المؤمنون عند شروطهم (1).
قالوا: الشرط إنما يلزم الوفاء به إذا وقع في الإيجاب والقبول، فلو تقدم أو
تأخر لم يقع معتدا به، ويشكل بشمول ما دل على الوفاء بالشرط لذلك، إلا أن
يمنع صدق الشرط على المنفصل عن العقد، وفيه إشكال.
وروى الكليني عن محمد بن مسلم في الموثق قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام)
يقول في الرجل يتزوج المرأة متعة: إنهما يتوارثان إذا لم يشترطا، وإنما الشرط
بعد النكاح (2) ورواه ابن إدريس من كتاب ابن بكير (3).
وعن ابن بكير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا اشترطت على المرأة شروط
المتعة فرضيت به وأوجبت التزويج فاردد عليها شرطك بعد النكاح، فإن أجازته
فقد جاز، وإن لم تجزه فلا يجوز عليها ما كان من شرط قبل النكاح (4).
وبإسناد آخر عن ابن بكير بن أعين قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام):
وذكر الحديث (5).
وعن عبد الله بن بكير في الموثق قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما كان من شرط
قبل النكاح هدمه النكاح، وما كان بعد النكاح فهو جائز (6).
وعن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (ولا
جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) فقال: ما تراضوا به من النكاح فلا
يجوز إلا برضاها وبشيء يعطيها فترضى به (7). ولعل المراد بقوله: «بعد النكاح»

(1) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور، ح 4.
(2) الكافي 6: 456، ح 4.
(3) مستطرفات السرائر: 138، ح 8.
(4) الوسائل 14: 468، الباب 19 من أبواب المتعة، ح 1.
(5) الوسائل 14: 468، الباب 19 من أبواب المتعة، ذيل الحديث 1.
(6) الوسائل 14: 468، الباب 19 من أبواب المتعة، ح 2.
(7) الوسائل 14: 469، الباب 19 من أبواب المتعة، ح 3.
171

بعد تحقق النكاح يعني حال الإيجاب، فهذه الأخبار دالة على عدم لزوم ما كان
قبل النكاح، ولا يشترط إعادة الشرط الواقع في العقد وبعده، ونقل بعضهم قولا
باشتراط الإعادة (1). وهو بعيد.
ولو اتفق المتعاقدان على شيء من الشروط قبل العقد ثم عقدا ولم يذكراه في
العقد لاعتقادهما أن الذكر المتقدم مغن عن الإعادة فاستوجه بعض الأصحاب
بطلان العقد، بناء على عدم لزوم الشرط المتقدم وعدم القصد إلى العقد الخالي
من الشرط (2).
ولو اتفقا على شرط قبل العقد ثم نسيا الشرط وقت العقد فإشكال، واستقرب
بعضهم الصحة، لتعلق القصد في حال العقد إلى إيقاع العقد الخالي من الشرط وإن
كان المطلوب أولا خلاف ذلك (3).
الثانية: يجوز العزل عن المتمتع بها وإن لم تأذن في ذلك بلا خلاف، والولد
يلحق به وإن عزل، والحكم كذلك في كل وطء صحيح، فليس للواطئ نفي الولد
بالعزل والتهمة بل مع العلم بانتفائه عنه، لكن لو نفى الولد هنا انتفى عنه ظاهرا
ويقبل منه من غير لعان على ما قاله الأصحاب، وفي المسالك: إن هذا الحكم
موضع وفاق (4). وأما فيما بينه وبين الله تعالى فالمعتبر علمه بانتفائه عنه.
الثالثة: لا يقع بالمتعة طلاق ولا لعان، أما نفي الولد فقد مر أنه ينتفي بغير لعان،
ونقل بعضهم الإجماع على ذلك (5). وأما مع القذف فهو مذهب الأكثر وخالف فيه
المرتضى (6). والأول أقوى، ولا يقع بها إيلاء على أشهر القولين، وفي وقوع الظهار
بها قولان، والأكثر على الوقوع.
الرابعة: اختلف الأصحاب في ثبوت التوارث بين الزوجين في نكاح المتعة
على أقوال:

(1) النهاية 2: 384.
(2) نهاية المرام 1: 247.
(3) نهاية المرام 1: 247.
(4) المسالك 7: 461.
(5) نهاية المرام 1: 250.
(6) حكاه عنه في الإيضاح 3: 131، وانظر الانتصار: 115، وفيهما لم يكن صريحا في القذف.
172

أحدها: أنها تقتضي التوارث كالدائم مطلقا، حتى لو شرط سقوطه بطل الشرط.
وثانيها: عدم التوارث مطلقا.
وثالثها: أنهما يتوارثان ما لم يشترطا سقوطه.
ورابعها: أن أصل العقد لا يقتضي التوارث مطلقا، بل مع اشتراطه، فإذا اشترط
ثبت تبعا للشرط، وإلى هذا القول ذهب الشيخ وجماعة منهم: المحقق
والشهيدان (1). ولعل هذا أجود الأقوال، لروايتين صحيحتين هما ما رواه الشيخ
عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) كم المهر يعني في المتعة؟ فقال: ما
تراضيا عليه، وإن اشترطا الميراث فهما على شرطهما (2). وما رواه الكليني عن
أحمد بن محمد بن أبي نصر في الحسن بإبراهيم والحميري في قرب الإسناد عنه
في الصحيح عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: تزويج المتعة نكاح بميراث ونكاح
بغير ميراث، إن اشترطت كان، وإن لم تشترط لم يكن (3).
وليس لهذا القول معارض معتد به من جهة الأخبار إلا رواية سعيد بن يسار (4)
وهي لا تصلح للمعارضة، لقصورها سندا وعدم الصراحة متنا، لكن فيه إشكال من
حيث معارضة ظاهر القرآن، فللتأمل في المسألة مجال. ولو اشترطا التوارث
لأحدهما دون الآخر فمقتضى الروايتين اتباع شرطهما.
الخامسة: إذا دخل الزوج بها ثم انقضى أجلها أو وهبها إياها لزمها الاعتداد
إن لم تكن يائسة، واختلف الأصحاب في تقديرها لاختلاف الروايات على أقوال:
أحدها: أنها حيضتان، وإليه ذهب جماعة من الأصحاب منهم الشيخ (5).
وثانيها: أنها حيضة واحدة، وهو قول ابن أبي عقيل (6).

(1) النهاية 2: 381، الشرائع 2: 307، اللمعة: 114، المسالك 7: 470.
(2) التهذيب 7: 264، ح 1140.
(3) الكافي 5: 465، ح 2، قرب الإسناد: 362، ح 1295.
(4) الوسائل 14: 487، الباب 32 من أبواب المتعة، ح 7.
(5) النهاية 2: 382، المراسم: 166، المهذب 2: 243 - 244.
(6) نقله في المختلف 7: 232.
173

وثالثها: أنها حيضة ونصف، وهو مختار الصدوق في المقنع (1).
ورابعها: أنها طهران، وهو مختار المفيد وابن إدريس والمختلف (2).
والمسألة عندي محل إشكال، لاختلاف الروايات (3) والجمع بين الروايات بحمل
ما زاد على الحيضة على الاستحباب غير بعيد، هذا كله إذا كانت المرأة ممن تحيض.
فإن كانت في سن من تحيض وهي لا تحيض فعدتها خمسة وأربعون يوما،
للأخبار (4) ولا فرق فيهما بين الحرة والأمة.
وتعتد من الوفاة إذا كانت حرة سواء دخل بها أم لم يدخل بأربعة أشهر
وعشرة أيام إذا كانت حائلا على الأشهر.
وقيل: إن عدتها شهران وخمسة أيام، وهو قول المفيد والمرتضى (5). ولعل
الأول أقرب. ولو كانت أمة فعدتها من الوفاة حائلا شهران وخمسة أيام على
الأشهر، ويدل عليه النص الصحيح (6).
وذهب جماعة منهم ابن إدريس والعلامة في المختلف أن عدة الأمة من
الوفاة كعدة الحرة (7). وله شواهد أخبارية (8). ولو كانت حاملة فعدتها أبعد الأجلين
من العدة المذكورة ووضع الحمل.
السادسة: قالوا: لا يصح تجديد العقد قبل انقضاء الأجل، ولو أراد ذلك وهبها
ما بقي من الأجل ثم استأنف، ويدل عليه رواية أبان بن تغلب (9).

(1) المقنع: 114.
(2) المقنعة: 536، السرائر 2: 625، المختلف 7: 232.
(3) الوسائل 14: 473، الباب 22 من أبواب المتعة.
(4) الوسائل 14: 473، الباب 22 من أبواب المتعة.
(5) المقنعة: 536، الانتصار: 114.
(6) الوسائل 15: 484، الباب 52 من أبواب العدد.
(7) السرائر 2: 735، المختلف 7: 508.
(8) الوسائل 15: 474، الباب 43 من أبواب العدد، ح 1.
(9) الوسائل 14: 478، الباب 24 من أبواب المتعة، ح 1.
174

السابعة: المتمتع بها لا يجوز لها أن تتزوج بغير الزوج إلا بعد انقضاء عدتها،
ويجوز أن تتزوج به ثانيا في العدة، للأخبار الكثيرة كصحيحة محمد بن مسلم (1)
وحسنة أبي بصير (2) ومرسلة ابن أبي عمير (3) وغيرها.

(1) الوسائل 14: 475، الباب 23 من أبواب المتعة، ح 1.
(2) الوسائل 14: 475، الباب 23 من أبواب المتعة، ح 2.
(3) الوسائل 14: 475، الباب 23 من أبواب المتعة، ح 3.
175

المطلب الثالث
في نكاح الإماء
وهو ضربان: عقد وتحليل، والعقد على قسمين: دائم ومتعة، وفي هذا القسم
مسائل:
الاولى: إذا عقد العبد أو الأمة بغير إذن المولى فالأشهر الأقوى أنه يقف على
الإجازة فيهما، ويدل عليه حسنة زرارة بإبراهيم (1) ورواه الصدوق بإسناده عن
ابن بكير عن زرارة (2) ورواية اخرى لزرارة (3).
وقيل: الإجازة كعقد مستأنف. وقيل بالبطلان فيهما. وقيل بالفرق بين نكاح
الأمة والعبد فيبطل الأول ويقف الثاني على الإجازة.
ويكفي في الإجازة كل لفظ دال على الرضى، وقال ابن الجنيد: لو كان السيد
علم بعقد العبد والأمة على نفسه فلم ينكر ذلك ولا فرق بينهما جرى ذلك مجرى
الرضى به والإمضاء. واستقربه في المختلف وهو حسن، ويدل عليه روايات
كصحيحتي معاوية بن وهب (4) وصحيحة الحسن بن زياد الطائي (5) والمهر
لمولى الأمة.

(1) الوسائل 14: 523، الباب 24 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(2) الفقيه 3: 446، ح 4548.
(3) الوسائل 14: 523، الباب 24 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 2.
(4) الوسائل 14: 525، الباب 26 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1 و 2.
(5) الوسائل 14: 526، الباب 26 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 3.
176

ولو أذن بعض الملاك دون بعض لم يمض إلا برضاء الباقين أو إجازتهم بعد
العقد على الأقرب.
الثانية: إذا كان الأبوان رقا تبعهما الولد فكان ملكا لمالكهما، فإن كانا لاثنين
فالمشهور أن الولد بينهما نصفين ولا يتبع الام كما في باقي الحيوانات إذا أذنا أو لم
يأذنا، ولم أجد لذلك نصا، إلا أن عدم خروجه عن ملكهما وعدم الترجيح يقتضي ذلك.
وعن أبي الصلاح أنه ذهب إلى أنه يتبع الام كما في باقي الحيوانات. ولو اشترطه
أحدهما أو اشترط زيادة عن نصيبه اتبع. قالوا: ولو أذن أحدهما دون الآخر كان
الولد لمن لم يأذن، ولم أجد بذلك نصا.
وإذا كان أحد الأبوين حرا ولم يشترط المولى رقية الولد فالولد حر على
المشهور بين الأصحاب. وخالف فيه ابن الجنيد ويدل على الأول روايات متعددة
كصحيحة جميل بن دراج (1) وحسنة ابن أبي عمير (2) وحسنة جميل وابن بكير (3)
ومرسلة ابن أبي عمير (4) وغيرها.
واستدل لابن الجنيد بروايتين ضعيفتين ورد باستضعافهما، لكن يدل عليه
صحيحة الحلبي (5) وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (6) فالمسألة لا تخلو عن
إشكال، ولا يبعد الترجيح للأول، لكثرة الروايات الدالة عليه.
وإذا اشترطت الحرية فلا إشكال في تحققها، ولو اشترط الرقية فالمشهور
تحققها، وقوى بعضهم العدم. ولعله أوجه.
وعلى تقدير فساد الشرط فالظاهر أنه يتبعه العقد، ويحتمل صحة العقد مع

(1) الوسائل 14: 529، الباب 30 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 6.
(2) الوسائل 14: 529، الباب 30 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 3.
(3) الوسائل 14: 529، الباب 30 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 4.
(4) الوسائل 14: 529، الباب 30 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 5.
(5) الوسائل 14: 531، الباب 30 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 13.
(6) الوسائل 14: 530، الباب 30 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 11.
177

فساد الشرط، ويتفرع على ذلك ما لو وطئها بهذا العقد فأولدها، فإن صححنا العقد
أو قلنا بفساده وكان جاهلا فالولد حر، وإن قلنا بفساده وكان عالما فهو زان والولد
رق تبعا لامه، وإن قلنا بصحة الشرط لزم، وإنما يعود إلى الحرية بسبب جديد.
الثالثة: لو زنى الحر بأمة أو العبد بأمة غير مولاه من غير عقد فالولد لمولى
الأمة، وإذا تزوج الحر أمة من غير إذن مالكها ثم وطئها قبل الإجازة، فإن كانا
عالمين بالتحريم فالوطء زنا يثبت به عليهما الحد ويكون الولد رقا لمولى الأمة،
للأخبار الكثيرة (1). وفي ثبوت المهر للمولى قولان، نظرا إلى الأصل وبعض
الروايات التي لا تفيد المدعى وادعاء ثبوت الضمان في البضع، وربما استدل على
ثبوته بصحيحة الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله (عليه السلام) حيث قال فيها: قلت: أرأيت
إن أحل له ما دون الفرج فغلبته الشهوة فافتضها؟ قال: لا ينبغي له ذلك. قلت: فإن
فعل أيكون زانيا؟ قال: لا، ولكن يكون خائنا ويغرم لصاحبها عشر قيمتها إن
كانت بكرا، وإن لم تكن فنصف عشر قيمتها (2). فإن ثبوت العوض هنا يقتضي
ثبوته في الزنا المحض بطريق أولى، وللتأمل فيه مجال.
وإن كانا جاهلين بالتحريم إما بأن لم يعلما تحريم التزويج بغير إذن مالك
الأمة، أو عرض لهما شبهة اخرى فلا حد على أحدهما، للشبهة، وعليه المهر على
ما قطع به الأصحاب، وفي كونه المسمى أو مهر المثل أو العشر ونصف العشر
أوجه، وإن أتت بولد كان حرا تابعا لأبيه، وعلى الأب قيمته للمولى يوم سقط حيا
عند الأصحاب، ولو سقط ميتا فلا شيء له.
ولو كان الحر جاهلا والأمة عالمة فالحكم في سقوط الحد عنه ولحوق الولد
به ووجوب القيمة كالسابقة، والمشهور وجوب المهر، واحتمل بعضهم العدم.
ولو كانت هي الجاهلة خاصة فالحد عليه وينتفي عنه الولد ويثبت عليه المهر

(1) الوسائل 14: 577، الباب 67 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(2) الوسائل 14: 537، الباب 35 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
178

لمولاها والولد رق، وهذا كله مع عدم إجازة المولى العقد أو مع إجازته إن قلنا: إن
الإجازة مصححة للعقد من حينها، أما لو قلنا: إن الإجازة كاشفة عن صحة العقد
من حينه يلحق به الولد مطلقا ويسقط عنه الحد. وإن كان قد وطئ محرما في
صورة العلم فيلزم التعزير ويلزمه المهر.
وإذا ادعت الحرية فعقد عليها الحر ودخل بها، فإن كان عالما بالتحريم للعلم
بفساد دعواها فحكمه كالصورة الاولى من المسألة السابقة، وإن كان جاهلا
بالحال إما لدعواها الحرية الأصلية - وهو مبني على الظاهر - أو كان عالما بكونها
مملوكة ثم حصل له الظن بصدق دعواها بالقرائن مثلا، أو توهم جواز التعويل
على مجرد دعواها فالحكم عدم لزوم الحد، وأطلق الأصحاب الحكم بلزوم المهر،
بل ادعى عليه بعضهم إجماع المسلمين. ولم يفرقوا بين كونها عالمة أو جاهلة،
لكن للتأمل في ذلك في صورة علمها بالتحريم مجال.
وفي تقدير المهر أقوال:
أحدها: أنه المسمى، وهو قول الأكثر.
وثانيها: أنه مهر المثل.
وثالثها: وجوب عشر قيمتها إن كانت بكرا ونصفه إن كانت ثيبا، وهو مختار
النهاية والقاضي وابن حمزة وهو جيد عملا بالنص الصحيح، ولو دفع إليها مهرا
استعاد ما وجد منه ويتبعها بما تلف بعد عتقها.
ولو أولدها فعند جماعة من الأصحاب أن الولد حر ولزم الأب قيمته للمولى.
وذهب جماعة منهم الشيخ إلى أن الولد رق وعلى الزوج أن يفكهم بالقيمة ويلزم
المولى دفعهم إليه.
ويدل على الأول قول الصادق (عليه السلام) في صحيحة الوليد بن صبيح: أولادها منه
أحرار إذا كان النكاح بغير إذن المولى (1). وحسنة زرارة حيث ذكر فيها: إن أقام

(1) الوسائل 14: 577، الباب 67 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
179

البينة الزوج على أنه تزوجها على أنها حرة اعتق ولدها وذهب القوم بأمتهم، وإن
لم يقم البينة اوجع ظهره واسترق ولده (1).
ويدل على الثاني صحيحة عاصم بن حميد (2) وموثقة سماعة (3) وموثقة محمد
ابن قيس بالحسن بن فضال (4) وموثقة اخرى لسماعة (5). ويمكن الجمع بين
الأخبار بحمل ما ذكر في صحيحة الوليد على الإنكار، فيكون الترجيح للقول الثاني.
ولو كان الأب معسرا هل يجب عليه السعي؟ فيه قولان، والقائل بكونه رقا
أوجب السعي مع الإعسار، وإن أبى السعي فهل يجب على الإمام أن يفديه من
سهم الرقاب أو بيت المال مطلقا؟ فمنهم من أوجب ذلك استنادا إلى رواية غير
صحيحة، وهي: موثقة سماعة، وحملها على الاستحباب متجه.
وإذا تزوج العبد بحرة من دون إذن مولاه فإن كانت عالمة بأنه رق وأن العقد
عليه بدون إذن المولى حرام، فلا مهر لها ولا يلحق بها الولد، بل يكون الولد رقا
لمولى العبد عند الأصحاب، وفي ثبوت الحد عليها وجهان.
وإن جهلت بالتحريم لجهلها بالرقية أو الحكم فالولد حر لا حق بها ولا قيمة
على الام، والوجه في الفرق بينها وبين الأب ورود النص ثمة وانتفاؤه هنا، وقد
علل ذلك بغير ذلك مما فيه تكلف. والمهر مع الجهل يثبت في ذمة العبد فيتبع به إذا
اعتق، والمراد به مهر المثل أو المسمى على الخلاف.
ولو أجاز المولى العقد لزم المسمى، وعلى القول بكون الإجازة كاشفة إذا
حصلت بعد الوطء مع العلم بالتحريم فالظاهر سقوط الحد عنها ولحوق الولد بها،
وعلى القول بكونها جزء السبب فالحكم كما لو لم يجز.

(1) الوسائل 14: 578، الباب 67 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 3.
(2) الوسائل 14: 579، الباب 67 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 6.
(3) الوسائل 14: 578، الباب 67 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 2.
(4) الوسائل 14: 578، الباب 67 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 4.
(5) الوسائل 14: 579، الباب 67 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 5.
180

الرابعة: لو تزوج أمة بين شريكين ثم اشترى حصة أحدهما بطل العقد وحرم
عليه وطؤها بالعقد على المشهور، ونقل قول بأنه لو أمضى الشريك الآخر العقد
يصح له وطؤها بذلك.
ولو حللها فمبني على الخلاف في جواز وطء الأمة المشتركة بينه وبين غيره
بتجويز الشريك، فالأكثر على عدم حلها بذلك، والأقوى الحل به كما ذهب إليه
ابن إدريس. للنص الصحيح.
ولو كان بعضها ملكا له وبعضها حرا لم يجز له وطؤها ما دامت كذلك بالملك
ولا بالعقد ولو هاياها على الزمان فهل يجوز للمولى أن يعقد عليها متعة في
زمانها؟ قيل: لا. وقيل: نعم. وهو أقرب، للنص الصحيح (1).
وهل يصح ذلك لغير المولى؟ الظاهر العدم، ونقل بعضهم الاتفاق على ذلك،
وربما يفهم من إطلاق بعض عباراتهم نوع تردد في ذلك.
الخامسة: إذا زوج عبده أمته قيل: يجب أن يعطيها المولى شيئا من ماله.
وقيل: يستحب. وهو أقرب. ولو مات المولى كان الخيار للورثة في الفسخ
والإمضاء، ولا خيار للأمة.
السادسة: إذا تجدد عتق الأمة بعد تزويجها بعبد كان لها الخيار في الفسخ
والإمضاء، ونقل عليه إجماع المسلمين، والأصل فيه رواية بريرة (2) والأخبار
المستفيضة.
واختلف الأصحاب في ثبوت الخيار لها إذا كانت تحت حر، فذهب الأكثر
إلى ثبوته أيضا، وذهب الشيخ في المبسوط والخلاف والمحقق في الشرائع إلى
عدمه. ولعل الترجيح للقول الأول، لرواية أبي الصباح الكناني (3) ومرسلة عبد الله

(1) الوسائل 14: 545، الباب 41 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ذيل الحديث 1.
(2) الوسائل 14: 559، الباب 52 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 2.
(3) الوسائل 14: 561، الباب 52 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 8.
181

ابن بكير (1) ورواية محمد بن آدم (2) ورواية زيد الشحام (3) ويؤيده حسنة الحلبي (4)
وصحيحته (5) وصحيحة عيص بن القاسم (6) وعند الأصحاب أن هذا الخيار على
الفور، قيل: ويظهر من الجماعة الاتفاق عليه. واحتمل بعضهم كونه على التراخي.
والمسألة موضع إشكال.
ولو أخرت الفسخ لجهلها بالعتق أو الخيار فالظاهر أنه لم يسقط خيارها، كما
قطع به الأصحاب، وفي الجهل بالفورية وجهان، ولعل الأقرب عدم السقوط، وكذا
لو نسيت أحدها، والظاهر أنه تقبل دعواها الجهل أو النسيان مع اليمين.
ولو أعتق بعض الأمة لم يثبت الخيار، لأن الحكم معلق على المجموع. ولو
كانت صغيرة أو مجنونة ثبت لها الخيار عند الكمال، وليس للمولى هنا تولي
الاختيار، وللزوج الوطء قبل الاختيار، لبقاء الزوجية ما لم تفسخ، وكذا القول في
وطئه قبل اختيارها وهي كاملة حيث لا ينافي الفورية، كما لو لم تعلم بالعتق.
واستثنى العلامة من الحكم بتخييرها صورة واحدة، وهي: ما إذا كان لشخص
جارية قيمتها مائة مثلا وهو يملك مائة اخرى فزوجها بمائة، ثم أعتقها في مرض
الموت قبل الدخول، فإنه لا يثبت لها خيار الفسخ، إذ لو ثبت لأدى إلى عدم ثبوته،
وذلك لأنه لو ثبت ففسخت سقط المهر، فإن الفسخ من جانب الزوجة قبل الدخول
مسقط للمهر، فانحصرت التركة في الجارية والمائة فلم ينفذ العتق فيما زاد على
الثلث، وحينئذ يبطل خيارها، لأن الخيار إنما يثبت إذا اعتق جميعها، فيكون ثبوته
مؤديا إلى عدم ثبوته وهو دور، فتعين الحكم بانتفاء الخيار. وهو حسن إن قلنا: إن
منجزات المريض من الثلث أو كان بطريق الوصية.

(1) الوسائل 14: 561، الباب 52 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 11.
(2) الوسائل 14: 561، الباب 52 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 12.
(3) الوسائل 14: 561، الباب 52 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 13.
(4) الوسائل 14: 560، الباب 52 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ذيل الحديث 2.
(5) الوسائل 14: 559، الباب 52 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 2.
(6) الوسائل 14: 560، الباب 52 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 3.
182

ولو كان العتق في حال الصحة أو بعد الدخول فالتخيير بحاله. ولو كان الفسخ
قبل الدخول سقط المهر، وإن كان بعده استقر وإن كان الدخول بعد العتق على
الأقوى، بناء على أن الفسخ إنما يرفع النكاح من حينه وحيث يستقر باختيارها
الزوج أو بالدخول كان للسيد، بناء على القول بوجوبه بالعقد وإن كان له شرط،
وفيه إشكال.
ولو اعتق العبد لم يكن له خيار ولا لمولاه ولا لزوجته، سواء كانت حرة أم
أمة. ولو زوج عبده أمته فأعتقت أو أعتقا دفعة أو كانا لمالكين واعتقا كذلك كان
لها الخيار، بناء على القول بثبوت الخيار لها وإن كانت تحت حر، وقد جمع
الفاضلان في الشرائع والتحرير بين اختصاص التخيير بما إذا كان الزوج عبدا
وثبوت الخيار لها إذا أعتقا دفعة. وهو غير جيد، وقد نبه في القواعد على ترتب
الحكم بتخييرها حينئذ على الخلاف.
لكن يحصل التوقف في صحة نكاح المملوكين إذا كانا لمالك فاعتقا، بناء
على ما رواه الكليني عن عبد الله بن سنان في الصحيح، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول: إذا أعتقت مملوكيك رجلا وامرأته فليس بينهما نكاح، وقال: إن أحببت أن
يكون زوجها كان ذلك بصداق (1). إذ يستفاد منها بطلان نكاح المملوكين بعتقهما،
ولا أعلم قائلا به من الأصحاب.
السابعة: من الاصول المقررة أن تزويج الرجل بأمته باطل، إلا إذا جعل
مهرها عتقها، فإن ذلك يجوز عند علمائنا، والأخبار الواردة في ذلك مستفيضة عن
أئمة الهدى (عليهم السلام) وادعى بعضهم وصولها إلى حد التواتر.
واختلف الأصحاب في اشتراط تقديم التزويج على العتق وعكسه وجواز
كل منهما على أقوال، فذهب الأكثر إلى اشتراط تقديم التزويج، استنادا إلى
صحيحة علي بن جعفر قال: سألته عن رجل قال لأمته أعتقتك وجعلت عتقك

(1) الكافي 5: 486، ح 3.
183

مهرك؟ قال: عتقت وهي بالخيار إن شاءت تزوجته، وإن شاءت فلا، فإن تزوجته
فليعطها شيئا، فإن قال: قد زوجتك وجعلت مهرك عتقك، فإن النكاح واقع
بينهما (1). وفي قرب الإسناد: كان النكاح واجبا (2) ومن الأصحاب من ذكر أن
البطلان لعدم ذكر: «أتزوجك» لا للتقديم.
والظاهر أن الرواية غير دالة على البطلان في صورة تقديم العتق، بل على
عدم اللزوم والخيار للمرأة، وبه يشعر «كان النكاح واجبا» ويدل على اللزوم
رواية محمد بن آدم أيضا (3).
والمفيد والشيخ في الخلاف إلى اشتراط تقديم العتق. والأصح جواز كل
منهما كما اختاره المحقق في الشرائع وجماعة من المتأخرين. ويدل عليه ما رواه
الكليني عن عبيد بن زرارة في الحسن بثعلبة - وجعله بعضهم صحيحا - أنه سمع
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا قال الرجل لأمته: أعتقتك وأتزوجك وأجعل مهرك عتقك
فهو جائز (4). وقريب منه حسنة الحلبي (5) ونحوه موثقة عبيد بن زرارة (6) ورواية
حاتم (7) لكن المستفاد منها ليس أكثر من الجواز في صورة تقديم العتق.
وهل يكفي قوله: «تزوجتك وجعلت مهرك عتقك» عن قوله: «أعتقتك»؟
الأقرب أنه يكفي، والمنقول عن ظاهر المفيد وأبي الصلاح أنهما اعتبرا لفظ
«أعتقتك».
وهل يفتقر هذا النكاح إلى القبول من المرأة أم لا؟ فيه وجهان، أقربهما العدم.
الثامنة: ليس مجرد الاستيلاد سببا في العتق، ولكن تشبث بالحرية، فإن مات

(1) مسائل علي بن جعفر: 135، ح 138.
(2) قرب الإسناد: 251، ح 993.
(3) الوسائل 14: 511، الباب 12 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 2.
(4) الكافي 5: 476، ح 3.
(5) الوسائل 14: 509، الباب 11 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 3.
(6) الوسائل 14: 509، الباب 11 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(7) الوسائل 14: 510، الباب 11 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 7.
184

الولد وأبوه حي عادت إلى محض الرقية، وإن مات الأب والولد حي انعتقت كلها
أو بعضها بموت المولى، لانتقالها كلا أو بعضا إلى ولدها فينعتق عليه ما يرثه منها،
لأن تملك الولد لأحد الأبوين يوجب انعتاقة عليه، فلو بقي شيء منها خارجا عن
ملكه سرى إليه العتق إن كان في حصته من التركة وفاء بذلك، وإلا اعتق منها بقدره
وسعت هي في المتخلف، ولا يسري عليه لو كان له مال من غير التركة، لأن البراءة
مشروطة بالملك الاختياري، ولا يلزمه السعي لو لم يكن له مال على الأشهر الأقوى.
وعن الشيخ في المبسوط أنه أوجب على الولد فكها من ماله. وعن ابن حمزة
أنه أوجب على الولد السعي في فك باقيها. ولم نقف على مستند لهما، والأصل ينفيه.
ولا خلاف في جواز بيعها في ثمن رقبتها إذا مات مولاها ولم يخلف سواها،
واختلفوا في جواز بيعها في ثمن رقبتها في حياة المولى إذا لم يكن له من المال ما
يوفى ثمنها منه، فالأكثر على الجواز، وقيل بالمنع. ولا يخلو عن قوة، وسيجئ
الكلام في محله. وهل يجوز بيعها بعد وفاته في ديونه إن لم يكن ثمنا لها مع
استغراق الدين التركة؟ فيه قولان، والرواية الصحيحة دالة على المنع (1).
ولو اشترى الأمة نسية فأعتقها وتزوجها وجعل عتقها مهرها فحملت ثم مات
ولم يترك ما يقوم بثمنها، فالذي قطع به ابن إدريس وأكثر المتأخرين أن العتق لا
يبطل ولا يرق الولد.
وذهب جماعة منهم الشيخ إلى أن العتق يبطل ويعود رقا لمولاها الأول وأن
ولدها رق تعويلا على صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سئل أبو
عبد الله (عليه السلام) وأنا حاضر عن رجل باع من رجل جارية بكرا إلى سنة فلما قبضها
المشتري أعتقها من الغد وتزوجها وجعل مهرها عتقها، ثم مات بعد ذلك بشهر؟
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إن كان للذي اشتراها إلى سنة مال أو عقدة يحيط بقضاء ما
عليه من الدين في رقبتها فإن عتقه ونكاحه جائز، وإن لم يملك مالا أو عقدة

(1) الوسائل 14: 51، الباب 24 من أبواب بيع الحيوان، ح 1.
185

يحيط بقضاء ما عليه من الدين في رقبتها كان عتقه ونكاحه باطلا; لأنه أعتق ما لا
يملك وأرى أنها رق لمولاها الأول. وقيل له: فإن كانت علقت من الذي أعتقها
وتزوجها ما حال الذي في بطنها؟ قال: الذي مع امه كهيئتها (1).
وفي هذه الرواية منافاة لجملة من الأحكام المشهورة المقطوع بها بينهم،
لكنها صحيحة، ولأجل صحتها لم يمكنهم القول بإطراحها فأولوه بوجوه من
التأويلات، ومن المتأخرين من ناقش في صحتها، لأن هشام بن سالم تارة يرويه
عن أبي عبد الله (عليه السلام) من غير واسطة، وتارة بتوسط أبي بصير، وأبو بصير مشترك (2).
والحق أن هذا لا يوجب ضعف الإسناد وأن أبا بصير في أمثال هذه المواضع هو
الثقة، والمسألة محل إشكال، والعدول عن النص الصحيح المعتبر مشكل، لكن لابد
من الاقتصار على مورده وعدم التعدي عنه إلى نظائره.
التاسعة: إذا بيعت أمة ذات بعل تخير المشتري بين فسخ نكاحها وإمضائه، لا
أعرف خلافا فيه، ويدل عليه صحيحة محمد بن مسلم (3) وصحيحة الحلبي (4)
وصحيحة محمد أيضا (5) - وهو ابن مسلم - وحسنة بكير بن أعين وبريد بن
معاوية (6) وصحيحة علي بن جعفر المذكورة في كتابه (7) وغيرها.
ولا فرق بين كون البيع قبل الدخول أو بعده، ولا بين كون الزوج حرا أو عبدا،
وهذا الخيار على الفور عند الأصحاب، لرواية أبي الصباح الكناني (8) مضافا إلى
الاقتصار في مخالف الأصل على موضع الضرورة والوفاق.

(1) الوسائل 14: 582، الباب 71 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(2) المسالك 8: 50.
(3) الوسائل 14: 553، الباب 47 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(4) الوسائل 14: 574، الباب 64 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 5.
(5) الوسائل 14: 575، الباب 64 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 7.
(6) الوسائل 14: 554، الباب 47 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 4.
(7) مسائل علي بن جعفر: 196، المسألة 417.
(8) الوسائل 14: 555، الباب 48 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
186

فلو أخر لا لعذر سقط خياره، ومن العذر الجهل بأصل الخيار، وفي كون
الجهل بفوريته عذرا وجهان. وكذا الحكم لو بيع العبد وتحته أمة، لصحيحة محمد
ابن مسلم (1).
ولو كانت تحته حرة ففي ثبوت الخيار قولان، أشهرهما ذلك، وقيل: بالعدم،
وهو مختار ابن إدريس. ولا يبعد ترجيح الأول، للتعليل المذكور فيما رواه
الكليني في الصحيح عن صفوان عن ابن مسكان الثقة عن الحسن بن زياد
المشترك قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى جارية يطأها فبلغه أن لها
زوجا؟ قال: يطأها، فإن بيعها طلاقها، وذلك أنهما لا يقدران على شيء من أمرهما
إذا بيعا (2). والتعليل المذكور في رواية سعيد بن يسار، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن امرأة حرة تكون تحت المملوك فتشتريه، هل يبطل نكاحه؟ قال: نعم، لأنه
عبد مملوك لا يقدر على شيء (3).
وهل يثبت الخيار لمولى الآخر؟ فيه قولان، أقربهما العدم واختاره ابن
إدريس.
ولو كانا لمالك فباعهما الآخر كان الخيار له. ولو باعهما لاثنين كان الخيار
لكل واحد من المبتاعين. ولو باع أحدهما كان الخيار للمشتري، والمشهور أنه
يثبت الخيار للبائع أيضا.
ويظهر من جماعة منهم الفرق بين أن يكون مولى الآخر هو البائع أو غيره
وأنه يثبت الخيار في الأول خاصة. والأظهر عدم ثبوت الخيار في الموضعين كما
اختاره بعض المتأخرين.
وعلى القول المشهور لا يثبت عقدهما إلا برضاء المتبايعين، ولو حصل منهما

(1) الوسائل 14: 553، الباب 47 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(2) الكافي 5: 483، ح 1.
(3) الوسائل 14: 557، الباب 49 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 2.
187

أولاد كانوا لموالي الأبوين على الأشهر الأقوى، خلافا لابن البراج حيث قال:
يكون الولد لمولى الأمة.
العاشرة: مهر الأمة للمولى، فإن باعها بعد الدخول استقر المهر له، سواء أجاز
المشتري أم لا. وإن باعها قبل الدخول ولم يجز المشتري سقط المهر، وإن أجازه
فالمشهور بين المتأخرين أن المهر للمولى الثاني، لأن الإجازة بمنزلة عقد
مستأنف، ويحتمل أن يكون للمولى الأول كله أو نصفه. وفي المسألة أقوال مختلفة.
ولو زوج عبده بحرة ثم باعه فقد مر الخلاف في جواز فسخ المشتري وعدمه.
وعندهم أن المهر يلزم المولى، فإن كان البيع بعد الدخول استقر المهر على المولى،
وإن كان قبله فالمشهور أنه يجب على المولى نصف المهر، استنادا إلى رواية علي
ابن أبي حمزة (1) وأنكره ابن إدريس. والرواية ضعيفة مشهورة، والمسألة عندي
محل توقف.
الحادية عشر: إذا باع أمة وادعى أن حملها منه وأنكر المشتري وكان الحمل
موجودا حال البيع قطعا كما لو ولد لأقل من ستة أشهر من حينه، أو ظاهرا كما لو
ولد لأقصى الحمل فما دون ولم يدخل بها المشتري، فإن لم يكن الحمل داخلا في
البيع فإقراره بالولد نافذ بغير إشكال، وإن كان الحمل داخلا في البيع إما بالأصل
على قول وإما بالشرط ففي قبول دعواه إشكال، والأقوى نفوذه على المقر خاصة
وعدم النفوذ على المشتري مطلقا، ويظهر الفائدة فيما لو انتقل إلى ملك البائع
بوجه، فإنه يحكم بعتقه.
ولو مات البائع من غير وارث وخلف تركة فإنه لا يشترى من التركة قهرا
على سيده ليرث، نعم لو رضي ببيعه اختيارا جاز أداء الثمن من تركة المقر وعتقه.
وكيف ما كان فلا يقبل دعواه في إفساد البيع.
الثانية عشر: إذا تزوج العبد بإذن مولاه حرة أو أمة لغيره فالمشهور بين
الأصحاب أن الطلاق بيده ليس للمولى إجباره عليه ولا نهيه عنه.

(1) الوسائل 14: 585، الباب 78 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
188

وعن ابن الجنيد وابن أبي عقيل أن طلاقه إلى سيده، وعن أبي الصلاح: لسيده
أن يجبره على الطلاق. والأول أقرب، لصحيحتي علي بن جعفر المذكورتين في
كتابه (1) ولصحيحة أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) وموثقة عبد الله بن سنان عن أبي
عبد الله (3) وموثقة علي بن يقطين عن العبد الصالح (4) ورواية أبي الصباح الكناني (5)
ورواية ليث المرادي (6) ورواية الحلبي (7).
حجة ابن الجنيد صحيحة زرارة (8) وصحيحة شعيب العقرقوفي (9) وصحيحة
بكير بن أعين وبريد بن معاوية (10) ويمكن الجواب بحملها على وجوب استئذان العبد
المولى في طلاق زوجته، لا أن المولى مستقل في الطلاق، جمعا بين الأخبار.
وإذا زوج عبده أمته كان التفريق للمولى دون العبد، للأخبار المستفيضة
المعتضدة بالآية (11) سواء قلنا: إن تزويج المولى عبده أمته نكاح يفتقر إلى
الإيجاب والقبول من العبد بإذن السيد أو من السيد، كما هو أحد الأقوال في
المسألة، أو يفتقر إلى الإيجاب دون القبول، كما هو قول آخر فيها، ولا يبعد
المصير إليه، أو قلنا: إنه إباحة كما هو مذهب ابن إدريس.
ويظهر من الروايات أنه يكفي في فسخ المولى لهذا النكاح كل لفظ دال عليه
من الأمر بالاعتزال والافتراق وفسخ العقد، ولا يشترط لفظ الطلاق، ولو أتى به

(1) مسائل علي بن جعفر: 196 و 197، المسألة 417 و 419.
(2) الوسائل 15: 341، الباب 43 من أبواب مقدمات الطلاق، ح 3.
(3) الوسائل 15: 341، الباب 43 من أبواب مقدمات الطلاق، ح 5.
(4) الوسائل 15: 341، الباب 43 من أبواب مقدمات الطلاق، ح 4.
(5) الوسائل 15: 341، الباب 43 من أبواب مقدمات الطلاق، ح 1.
(6) الوسائل 15: 341، الباب 43 من أبواب مقدمات الطلاق، ح 2.
(7) الوسائل 14: 574، الباب 64 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(8) الوسائل 15: 343، الباب 45 من أبواب مقدمات الطلاق، ح 1.
(9) الوسائل 14: 576، الباب 66 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 2.
(10) الوسائل 14: 551، الباب 45 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 7.
(11) الوسائل 14: 576، الباب 66 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
189

انفسخ النكاح ولا يعد طلاقا شرعيا يلحقه أحكامه على الأقوى، وقيل: إن الفسخ
الواقع من المولى طلاق مطلقا، فيعتبر فيه ما يعتبر في الطلاق من الشروط ويعد
من الطلقات.
وفصل ثالث فقال: إن وقع بلفظ الطلاق كان طلاقا مشروطا بشرائطه، فإن
أخل ببعضها وقع باطلا، وإن وقع بغير لفظ الطلاق كان فسخا.
ولو أمر المولى العبد بالطلاق فهل يكون ذلك فسخا؟ فيه وجهان. ولو طلقها
الزوج وباعها المالك أتمت العدة، وهل يتداخل عدة الطلاق والاستبراء أم يجب
أن يستبرأها زيادة عن العدة؟ فيه قولان، أقربهما الأول.
الثالثة عشر: لا يحد الوطء بملك اليمين بعدد، فيجوز أن يطأ به أكثر من أربع،
ويجوز أن يجمع بين الام والبنت في الملك وأن يملك ام الموطوءة وبنته
وكذا الاختان.
ولو وطئ البنت حرم وطء امها وبنتها. ولو وطئ إحدى الاختين لم يحل
وطء الاخرى حتى يخرج الاولى عن ملكه. ويجوز لكل من الأب والابن أن
يملك موطوءة الآخر ويحرم عليه وطؤها.
الرابعة عشر: أطلق جماعة من الأصحاب منهم العلامة أن الأمة المزوجة
تحرم على مالكها منها ما يحرم على غيره، فيعم الحكم الوطء واللمس والنظر
بشهوة والنظر إلى جسدها ما عدا الوجه والكفين، ويستفاد مما اطلعت عليه من
الروايات تحريم النظر إلى العورة وما في معناها ولا يبعد تحريم اللمس والنظر
بشهوة أيضا، أما تحريم النظر إلى غير العورة وما في معناها فالحكم به مشكل،
كما استشكله بعض المتأخرين.
وفي رواية معتبرة عن جعفر عن أبيه (عليه السلام) أنه قال: إذا زوج الرجل أمته فلا
ينظرن إلى عورتها (1). والعورة ما بين السرة والركبة. قالوا: وفي معناها المحللة

(1) الوسائل 14: 549، الباب 44 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 7.
190

للغير بالنسبة إلى المالك مع كون التحليل متناولا للوطء، وغاية التحريم خروجها
من النكاح بطلاق أو موت أو فسخ أو انقضاء مدة إن كانت وانقضاء عدتها إن
كانت ذات عدة، سواء كانت بائنة أو رجعية.
الخامسة عشر: المشهور بين الأصحاب أن كل من ملك أمة بوجه من وجوه
التملك - من بيع أو هبة أو إرث أو صلح أو قرض أو استرقاق أو غير ذلك - حرم
عليه وطؤها قبل الاستبراء، والروايات إنما وردت في البيع والشراء والاسترقاق
وعداها الأصحاب إلى غيرها من التملكات، نظرا إلى الاشتراك في المقتضي له،
وقصر ابن إدريس ذلك على مورد النص مطالبا بدليل الانسحاب في غيره مستدلا
على نفيه في محل البحث بالأصل وقوله تعالى: (أو ما ملكت أيمانكم) (1) قال
في المسالك: وقد وافق ابن إدريس الأصحاب في موضع آخر من كتابه فصار
إجماعا إن كان قد تحقق الخلاف. وفيه نظر.
والأمة إن كانت ممن تحيض فاستبراؤها بحيضة على المشهور، وفي رواية
سعد بن سعد عن الرضا (عليه السلام) أن البائع يستبرئها قبل بيعها بحيضتين (2). وحملت
على الاستحباب. وإن كانت في سن من تحيض ولم تحض فاستبراؤها بخمسة
وأربعين يوما، لرواية منصور بن حازم (3) ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله (4)
ورواية ربيع بن القاسم (5). وقال المفيد: إنه تستبرأ بثلاثة أشهر، وهو متروك.
ويعتبر في الحيضة التي تعلق بها الحكم أن تكون معلومة، فلا يكفي أيام
التحيض للمتحيرة بالروايات ونحوها. وهل يعتبر فيها مضي شهر لأنه بدل الحيضة
فيمن ليست بمستقيمة الحيض، أو خمسة وأربعون يوما إلحاقا لها بمن لا حيض

(1) النساء: 3.
(2) الوسائل 14: 508، الباب 10 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(3) الوسائل 14: 499، الباب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 5.
(4) الوسائل 14: 499، الباب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 6.
(5) الوسائل 14: 499، الباب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 7.
191

لها، أو مضي زمان يحصل القطع بحصول الحيض فيه كتربص شهر فيمن اختلت
عادتها في شهرين؟ أوجه، ولعل الأوجه الثالث إن اتفق القطع، وإلا فالثاني.
ويستثنى من الحكم بوجوب الاستبراء مواضع، منها: أن تكون عند انتقالها
إليه حائضا فيكتفي بإتمام الحيضة على المشهور، لصحيحة الحلبي (1) المنقولة في
الحسن أيضا. وخالف ابن إدريس. والأول أقرب.
ومنها: أن تكون لعدل وأخبر باستبرائها، والمذكور في النصوص الثقة
والأمانة، وجماعة من الأصحاب حملوه على العدل، لعدم الوثوق بالفاسق.
وفيه تأمل.
وأوجب ابن إدريس هنا أيضا الاستبراء. وهو ضعيف، ورواية عبد الله بن
سنان (2) محمولة على الكراهة.
ومنها: أن تكون منتقلة عن امرأة، فلا يجب استبراؤها على المشهور الأقرب،
خلافا لابن إدريس. ويدل على الأول صحيحة رفاعة وصحيحة حفص وصحيحة
زرارة (3).
ومنها: أن تكون يائسة عن المحيض أو صغيرة لم تبلغ المحيض، للأصل والأخبار.
ومنها: الحامل، وفيها خلاف بين الأصحاب، فذهب جماعة منهم الشيخ في
الخلاف وكتابي الأخبار إلى جواز وطئه في حال الحمل مطلقا على كراهية،
واختار في النهاية التحريم قبل مضي أربعة أشهر وعشرة أيام. وذهب جماعة إلى
التحريم مطلقا. والروايات الواردة بالنهي غير ناهضة بالدلالة على التحريم.
وإذا ملك أمة بالشراء ونحوه فأعتقها كان له العقد عليها ووطؤها من غير
استبراء، والاستبراء أفضل، لصحيحة محمد بن مسلم (4) ورواية عبيد بن زرارة (5)

(1) الوسائل 14: 498، الباب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(2) الوسائل 13: 39، الباب 11 من أبواب بيع الحيوان، ح 5.
(3) الوسائل 14: 505، الباب 7 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 2.
(4) الوسائل 14: 514، الباب 16 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(5) الوسائل 14: 514، الباب 16 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 2.
192

ورواية أبي العباس البقباق (1) وقيده بعض الأصحاب بأن لا يعلم لها وطء محترم،
وإلا وجب الاستبراء، بخلاف ما لو جهل الحال فإنه لا استبراء عليه.
وألحق بعضهم بالعتق تزويج المولى للأمة المبتاعة فإنه لا يجب على الزوج
استبراؤها ما لم يعلم سبق وطء محترم في ذلك الطهر، إذ الاستبراء واقع للانتقال
الملكي لا مطلقا.
وعلى هذا فيمكن أن يجعل ذلك وسيلة إلى سقوط الاستبراء عن المولى
المشتري أيضا بأن يزوجها من غيره بعد الشراء ثم يطلقها الزوج قبل الدخول
فيسقط الاستبراء للتزويج والعقد، لعدم الدخول، ويمكن الحيلة على إسقاط
الاستبراء ببيعها من امرأة ونحو ذلك.
وإن اشتراها ووطئها وأعتقها لم يكن لغيرها العقد عليها إلا بعد العدة، ويدل
عليه حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يعتق سريته أيصلح
أن يتزوجها بغير عدة؟ قال: نعم، قلت: فغيره؟ قال: لا حتى تعتد ثلاثة أشهر (2).
وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (3) ورواية عبد الله بن الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام)
مثله (4) وموثقة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا أعتق رجل جارية ثم أراد
أن يتزوجها مكانه فلا بأس ولا تعتد من مائه، وإن أرادت أن تتزوج من غيره فلها
مثل عدة الحرة (5).
وأما إذا كان عتقها بدون الوطء فإطلاق عبارة النافع يقتضي اعتبار العدة.
وظاهر الشرائع وصريح الشرح جواز تزويجها لغير المولى من غير اعتداد، ومع
اشتباه الحال فالأظهر وجوب العدة عليها.

(1) الوسائل 14: 514، الباب 16 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 3.
(2) الوسائل 14: 511، الباب 13 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(3) الوسائل 14: 512، الباب 13 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ذيل الحديث 1.
(4) الوسائل 14: 512، الباب 13 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(5) الوسائل 14: 512، الباب 13 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 2.
193

وإذا اشترى أمة ذات زوج فأجاز نكاحه لم يكن له بعد ذلك الفسخ، لا أعلم
في ذلك خلافا، ويدل عليه رواية أبي الصباح الكناني (1). وكذا لو علم ولم يتعرض،
وهذا مبني على كون الخيار فوريا، فلا يجوز له حينئذ وطؤها ما لم تفارق الزوج،
وتعتد منه إن كانت من ذوات العدد.
وإذا فسخ المشتري العقد لا تحل له حتى تنقضي عدتها من الفسخ كالطلاق
بمضي قرءين أو شهر ونصف إن لم تحض ومثلها تحيض على قول، وعلى قول
آخر يكفي الاستبراء بحيضة أو خمسة وأربعين يوما.
السادسة عشر: يجوز شراء النساء ذوات الأزواج من أهل الحرب ولو من
الزوج، وكذا شراء بناتهم وأبنائهم ولو من الآباء، ويترتب على هذا الملك أحكامه
التي من جملتها حل الوطء، وكذا شراء ما يسبيه أهل الحرب وإن كان جميعه أو
بعضه للإمام (عليه السلام)، لأنهم أذنوا لنا في ذلك. ولا يجب فيه الخمس، لأنهم (عليهم السلام)
أحلوا المناكح لشيعتهم.
السابعة عشر: ملك المنفعة في حكم ملك الرقبة في جواز الوطء به، لصحيحة
ابن يسار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن بعض أصحابنا قد روى عنك أنك قلت:
إذا أحل الرجل لأخيه جاريته فهي له حلال؟ فقال: نعم (2). وعن رفاعة في
الصحيح عنه مثله (3). وحسنة زرارة (4) وموثقة ضريس بن عبد الملك (5) وغيرها.
ولابد من الصيغة، وقد اتفق الأصحاب على الاجتزاء بلفظ التحليل، وهو
الوارد في النصوص، فإن قال: «أحللت لك وطء فلانة» صح. ولو قال: «جعلتك
في حل من وطئها» قاصدا به الإنشاء فالأظهر الصحة.

(1) الوسائل 14: 555، الباب 48 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(2) الوسائل 14: 537، الباب 35 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(3) الوسائل 14: 537، الباب 35 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 2.
(4) الوسائل 14: 540، الباب 37 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ذيل الحديث 4.
(5) الوسائل 14: 540، الباب 37 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
194

واختلفوا في لفظ الإباحة، وذكر بعضهم أن الجميع منعوا من لفظ العارية.
ويظهر من كلام ابن إدريس حصول التحليل بلفظ العارية أيضا ويدل عليه بعض
الروايات (1). وفي «وهبتك وملكتك وسوغتك» خلاف، والظاهر حصول الاكتفاء
بكل لفظ يدل على الإذن في الوطء، والأحوط الاقتصار على لفظ التحليل.
وهل يتوقف التحليل على القبول من المحلل له؟ المعروف من مذهب
الأصحاب ذلك، سواء قلنا: إنه عقد أو تحليل، وليس في النصوص ما يقتضيه، بل
الظاهر منها خلافه، والاحتياط في اعتبار ما ذكروه.
والمشهور أنه لا يفتقر التحليل إلى تعيين المدة، وقال الشيخ في المبسوط:
يفتقر. والأقوى الأول، لعموم الأدلة. ولا يعتبر فيه فقدان الطول وخوف العنت.
وهل هو عقد أو تمليك منفعة؟ فيه قولان.
وفي تحليل الأمة للمملوك قولان، أقربهما المنع وهو قول الأكثر، للخبر
الصحيح وهو: صحيحة علي بن يقطين (2) ويظهر من الشرائع وجود رواية دالة على
الجواز. ولعل ما ذكره إشارة إلى ما رواه الشيخ عن ابن أبي عمير في الصحيح عن
فضيل مولى راشد عن الصادق (عليه السلام) (3). والرواية دالة على الحلية، ولها اعتبار. وفي
المسالك: الرواية التي أشار إليها المصنف لم نقف عليها ولا ذكرها غيره.
والقول بالجواز لابن إدريس والمحقق. ويدل عليه الرواية المذكورة
والعمومات، فالقول به متجه حملا لخبر المنع على الكراهة جمعا بين الأخبار.
ويجوز تحليل ام الولد والمدبرة. والمعتق بعضها لم يصح لها تحليل البعض.
وفي تحليل الشريك قولان، أجودهما الصحة. ويجب الاقتصار على ما يتناوله
اللفظ أو شهد الحال ولا يجوز التعدي إلى الأعلى، وإذا أحل له النظر لم يتناول

(1) الوسائل 14: 536، الباب 34 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(2) الوسائل 14: 536، الباب 33 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 2.
(3) الوسائل 14: 536، الباب 33 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
195

غيره من ضروب الاستمتاع. ولو أحل له التقبيل أو اللمس اقتصر عليه. ولو أحل
له الوطء حل له ما دونه من مقدمات الاستمتاع، لأن تحليل الأقوى يستلزم
تحليل الأضعف. ولو أحل له الخدمة لم يحل له الوطء وكذا العكس.
وإذا حصل من تحليل الوطء ولد فإن شرط الأب على المولى الحرية في عقد
التحليل كان حرا ولا قيمة على الأب بلا خلاف، وإن شرط المولى الرقية بني على
الخلاف في صحة هذا الشرط في نكاح الأمة وعدمه.
وإن أطلق ففيه للأصحاب قولان، أحدهما: قول الشيخ في النهاية وهو أنه رق
وعلى أبيه أن يشتريه بماله إن كان له مال، وإن لم يكن له مال استسعى في ثمنه.
وثانيهما: أنه حر، وهو قول المرتضى وابن إدريس وجمع من المتأخرين.
ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات، فبعضها يدل على أن الولد لمولى الجارية
كصحيحة ضريس (1) وما رواه الشيخ في الصحيح عن أبان بن عثمان عن الحسين
العطار (2). وفي بعضها: يضم إليه ولده وترد الجارية إلى مولاها كصحيحة زرارة،
وهي مذكورة في الكافي في الحسن (3) وحسنة حريز (4) وفي رواية إبراهيم بن
عبد الحميد: يقوم الولد عليه بقيمته (5).
وفي موثقة إسحاق بن عمار: ملحق بالحر من أبويه (6). وفي رواية عبد الله بن
محمد: الولد له والام للمولى (7). وجمع ابن بابويه بين صحيحة زرارة الدالة على
أنه يضم إليه ولده وصحيحة ضريس الدالة على أن الولد لمولى الجارية بأنه يضم
إليه ولده يعني بالقيمة (8) وهو جيد.

(1) الوسائل 14: 540، الباب 37 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(2) التهذيب 7: 246، ح 1069.
(3) الكافي 5: 469، ح 6.
(4) الوسائل 14: 540، الباب 37 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 3.
(5) الوسائل 14: 541، الباب 37 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 5.
(6) الوسائل 14: 541، الباب 37 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 7.
(7) الوسائل 14: 541، الباب 37 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 6.
(8) الفقيه 3: 457، ذيل الحديث 4578.
196

الثامنة عشرة: لا بأس أن يطأ حر الأمة وفي البيت غيره يرى ذلك ويسمعه،
لصحيحة عبد الله بن أبي يعفور (1). قالوا: ويكره ذلك في الحرائر.
قالوا: ويكره وطء الزانية بالملك كما يكره بالعقد.
وروى الكليني عن محمد بن مسلم في الصحيح قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن
الخبيثة تزوجها الرجل؟ قال: لا وإن كانت له أمة وطئها ولا يتخذها ام ولد (2).
ويكره وطء من ولدت من الزنا.

(1) الوسائل 14: 584، الباب 75 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(2) الكافي 5: 353، ح 4.
197

المطلب الرابع
في العيوب الموجبة للفسخ
وتكون في الرجال وفي النساء.
أما الرجل:
فمن عيوبه: الجنون: ولا خلاف في كونه موجبا لفسخ المرأة للنكاح في
الجملة، فإن كان متقدما على العقد أو مقارنا له ثبت لها به الفسخ مطلقا على
المشهور، سواء كان دائما أو أدوارا وسواء كان يعقل معه أوقات الصلاة أم لا.
ونقل عن ابن حمزة أنه أطلق أن الجنون الموجب للفسخ في الرجل والمرأة
هو الذي لا يعقل معه أوقات الصلوات (1). وهو شامل للمتقدم على العقد والمتأخر
عنه وإن كان متأخرا عن العقد، سواء كان قبل الوطء أم بعده. فإن كان لا يعقل
أوقات الصلاة فلها الفسخ أيضا، وإن كان يعقل فالأكثر على عدم الفسخ. وذهب
بعضهم إلى أن لها الخيار (2). والأصل في المسألة ضعيفة علي بن أبي حمزة (3)
ورواية رواها ابن بابويه مرسلا (4) والأخير يصلح شاهدا لابن حمزة.

(1) نقله عنه في المسالك 8: 102.
(2) جامع المقاصد 13: 219.
(3) الوسائل 14: 607، الباب 12 من أبواب العيوب والتدليس، ح 1.
(4) الفقيه 3: 522، ح 4818.
198

وقد يستدل على هذا الحكم بصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنما
يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل (1) واستضعف بأن المتبادر من رد
النكاح فسخه من قبل الزوج إذا ظهر في الزوجة إحدى هذه الصور، وينبه عليها
ذكر العفل أيضا من جملتها.
والرواية غير صحيحة في التهذيب (2) ورواها في الفقيه (3) مع زيادة يؤيد ما
ذكرنا. والمسألة عندي موضع إشكال وتردد.
ومنها: الخصاء، وهو سل الانثيين، والحق به الوجاء، وهو رض الخصيتين
بحيث يبطل قوتها، وفي القاموس أنه بمعنى الخصاء. والمشهور بين الأصحاب
كون الخصاء عيبا، للروايات المستفيضة (4).
وقال الشيخ في المبسوط والخلاف: إن الخصاء ليس بعيب مطلقا (5).
والأول أقرب.
والخصاء إنما يكون عيبا إذا كان سابقا على العقد، وقيل: بثبوت الحكم في
اللاحق (6). ولا أعرف دليلا عليه. وأما الوجاء فإن كان من أفراد الخصاء عمته
الروايات التي هي مستند الحكم، وإلا كان للتأمل فيه مجال.
ومنها: العنن، وعرفه بعضهم بأنه مرض يضعف معه القوة عن نشر العضو بحيث
يعجز عن الإيلاج (7). وفي القاموس: العنين كسكين من لا يأتي النساء عجزا ولا
يريدهن (8). ومقتضاه اعتبار عدم إرادة النساء مع العجز عن إتيانهن، ولا خلاف
بينهم في أن العنن عيب يوجب خيار المرأة في فسخ النكاح مع تقدمه على العقد،

(1) الوسائل 14: 593، الباب 11 من أبواب العيوب والتدليس، ح 6.
(2) التهذيب 7: 428، ح 1708.
(3) الفقيه 3: 522، ح 4818 و 4819.
(4) الوسائل 14: 608، الباب 13 من أبواب العيوب والتدليس.
(5) راجع المبسوط 4: 250، الخلاف 4: 358.
(6) المبسوط 4:. 25، الخلاف 4: 357، المسألة 141.
(7) الشرائع 2: 318.
(8) القاموس المحيط 4: 249، مادة (عنن).
199

للأخبار (1) وكذا مع تجدده قبل الوطء على الصحيح المشهور، لتناول النص له.
ولو تجدد بعد الوطء ولو مرة فالمشهور بين الأصحاب أنه لا فسخ، وذهب
جماعة منهم المفيد إلى أن لها الفسخ أيضا (2). والأول أقرب لما رواه الكليني عن
صفوان عن أبان في الصحيح عن عباد بن صهيب (3). ورواية السكوني (4) ورواية
إسحاق بن عمار (5).
ولو عجز عن وطئها دون غيرها فالمشهور أنه ليس بعنين، لموثقة عمار (6).
ويظهر من المفيد خلاف ذلك (7) وصحيحة أبي حمزة (8) وغيرها لا يخلو عن دلالة
عليه. ولو عجز عن وطئها قبلا خاصة فالمشهور أنه ليس بعنين.
والمشهور بين الأصحاب أن الجب من جملة عيوب الرجل التي تقتضي
تسلط المرأة على الفسخ، وتردد فيه المحقق في الشرائع، لعدم ورود نص فيه على
الخصوص ثم قال: الأشبه تسلطها على الفسخ، لتحقق العجز عن الوطء بشرط أن
لا يبقى له ما يمكن معه الوطء ولو قدر الحشفة (9) وهو حسن يمكن الاستدلال
عليه ببعض الروايات المعتضدة ببعض التأييدات.
وإذا حدث الجب بعد العقد سواء كان قبل الوطء أو بعده ففي ثبوت خيار
الفسخ به قولان.
ولو بان خنثى ففي ثبوت الفسخ لها قولان، ولعل الترجيح للعدم، وكذا الحكم

(1) الوسائل 14: 610، الباب 14 من أبواب العيوب والتدليس.
(2) المقنعة: 520، المقنع: 105، الناصريات: 338.
(3) الكافي 5: 410، ح 3 (وفيه عن عباد الظبي).
(4) الوسائل 14: 611، الباب 14 من أبواب العيوب والتدليس، ح 4.
(5) الوسائل 14: 612، الباب 14 من أبواب العيوب والتدليس، ح 8.
(6) الوسائل 14: 611، الباب 14 من أبواب العيوب والتدليس، ح 3.
(7) انظر المقنعة: 520.
(8) الوسائل 14: 613، الباب 15 من أبواب العيوب والتدليس، ح 1.
(9) الشرائع 2: 319.
200

في جانب المرأة، قال بعض الأصحاب: وموضع الخلاف ما إذا كان محكوما له
بالذكورية أو الانوثية أما لو كانت مشكلا تبين فساد النكاح (1) وهو حسن
والمشهور بين الأصحاب أنه لا يرد الزوج بشيء غير العيوب الأربعة المذكورة.
وذهب ابن البراج في المهذب إلى اشتراك الرجل والمرأة في كون كل من
الجنون والجذام والبرص والعمى موجب للخيار في النكاح (2) وكذلك ابن الجنيد
وزاد العرج والزنا (3).
قال في المسالك: ودليلهما في غير الجذام والبرص غير واضح، أما فيهما ففي
غاية الجودة مستدلا عليه بصحيحة الحلبي وادعاء الأولوية بالنسبة إلى رد
المرأة (4) وفي الوجهين تأمل.
وعيوب المرأة
منها: الجنون، لصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (5) وغيرها، وهو فساد
العقل، فمتى تحقق بأي سبب كان دائما أو أدوارا تحقق معه الحكم، والظاهر أنه
يشترط استقراره، فلا عبرة بعروضه وقتا من الأوقات إذا زال من غير عود، إذ لا
يصدق على من به ذلك المجنون عرفا.
ومنها: الجذام والبرص، وهما مرضان معروفان، لصحيحة عبد الرحمن
وغيرها (6) فمتى علم تحقق الحكم، ومتى اشتبه اتبع شهادة عدلين أو إخبار جماعة
يفيد قولهم العلم.
ومنها: القرن، والأصح أنه هو العفل، وربما يظهر من كلام بعض أهل اللغة
أنهما متغايران، والظاهر أن المراد منهما أن يكون في الفرج شيء من عظم أو لحم
يمنع من الوطء بحيث يتعذر أو يتعسر، وإذا لم يتعذر الوطء وأمكن بعسر هل
يجوز معه الفسخ؟ المشهور بين الأصحاب حتى كاد أن يكون إجماعا العدم. ومال

(1) المسالك 8: 109.
(2) المهذب 2: 231.
(3) نقله في المختلف 7: 184 و 185.
(4) المسالك 8: 110.
(5 و 6) الوسائل 14: 593، الباب 1 من أبواب العيوب والتدليس، ح 1.
201

المحقق في الشرائع إلى جواز الفسخ معه (1) وهو جيد، ويدل عليه صحيحة أبي
الصباح (2) وغيرها، وصدق الاسم.
ومنها: الإفضاء، والمراد به ذهاب الحاجز بين مخرج البول والحيض، ولا
خلاف بين الأصحاب في كونه عيبا موجبا لجواز الفسخ، للنص، وهو صحيحة
أبي عبيدة (3).
ومنها: العمى على المشهور بين الأصحاب، وربما ظهر من كلام الشيخ في
المبسوط والخلاف أنه ليس بعيب (4) والأصح الأول، لصحيحة داود بن سرحان (5)
وغيرها.
ومنها: الإقعاد، وقد صرح الأكثر بكونه عيبا ولم يذكره بعضهم، والأصح أنه
عيب، لصحيحة أبي عبيدة (6) وداود بن سرحان (7) المتضمنتين لجواز الفسخ
بالزمانة، والإقعاد زمانة.
ومنها: العرج، واختلف الأصحاب فيه على أقوال:
الأول: أنه عيب مطلقا، وإليه ذهب الأكثر.
الثاني: ثبوته بشرط كونه بينا، وهو قول العلامة في التحرير والمختلف ونقله
عن ابن إدريس (8) ويمكن إرجاعه إلى القول الأول.
الثالث: تقييده ببلوغه إلى حد الإقعاد، وهو قول المحقق والعلامة في القواعد
والإرشاد (9).

(1) الشرائع 2: 320.
(2) الوسائل 14: 593، الباب 1 من أبواب العيوب والتدليس، ح 4.
(3) الوسائل 14: 596، الباب 2 من أبواب العيوب والتدليس، ح 1.
(4) المبسوط 4: 249، الخلاف 4: 346، المسألة 124.
(5) الوسائل 14: 597، الباب 2 من أبواب العيوب والتدليس، ح 6.
(6) الوسائل 14: 596، الباب 2 من أبواب العيوب والتدليس، ح 1.
(7) الوسائل 14: 599، الباب 4 من أبواب العيوب والتدليس، ح 1.
(8) التحرير 2: 29 س 2، المختلف 7: 187.
(9) القواعد 3: 66، الإرشاد 2: 28.
202

الرابع: أنه ليس بعيب مطلقا، وهو الظاهر من كلام الشيخ في المبسوط
والخلاف (1) وابن البراج (2) والصدوق في المقنع (3) ولعل الأقرب الأول، لصحيحة
داود بن سرحان (4) ورواية محمد بن مسلم (5).
ومنها: الرتق، وفي الصحاح: الرتق بالتحريك مصدر قولك: «امرأة رتقاء»
بينة الرتق لا يستطاع جماعها لارتقاق ذلك الموضع منها. وقريب منه في القاموس.
وفي القواعد: إنه عبارة عن كون الفرج ملتحما بحيث لا يكون فيه مدخل
للذكر (6). وفي التحرير: إنه لحم ينبت في الفرج يمنع دخول الذكر (7). وعلى هذا
يكون مرادفا للعفل، وقد مر حكمه.
والمشهور أن الرتق عيب يوجب الرد، ونقل بعضهم الإجماع عليه (8) وتردد
فيه المحقق ثم رجح ذلك (9) ويستفاد ذلك من التعليل المذكور في صحيحة
أبي الصباح (10).
وإذا أمكن إزالة المانع بالمعالجة ورضيت بذلك لم يثبت الخيار على ما صرح
به بعضهم (11) وهو غير بعيد. ولا يثبت الخيار إذا زنت المرأة قبل دخول الزوج بها
على الأشهر خلافا للصدوق (12). ويدل على قوله موثقة الفضل بن يونس (13)
ورواية السكوني (14).

(1) المبسوط 4: 249، الخلاف 4: 346، المسألة 124.
(2) المهذب 2: 231.
(3) المنقع: 104.
(4) الوسائل 14: 597، الباب 2 من أبواب العيوب والتدليس، ح 6.
(5) الوسائل 14: 594، الباب 1 من أبواب العيوب والتدليس، ح 12.
(6) القواعد 3: 67.
(7) التحرير 2: 28 س 29.
(8) جامع المقاصد 13: 244.
(9) المختصر النافع: 186.
(10) الوسائل 14: 598، الباب 3 من أبواب العيوب والتدليس، ح 1.
(11) نهاية المرام 1: 334.
(12) المقنع: 109.
(13) الوسائل 14: 601، الباب 6 من أبواب العيوب والتدليس، ح 2.
(14) الوسائل 14: 601، الباب 6 من أبواب العيوب والتدليس، ذيل الحديث 3.
203

وعن ابن الجنيد أن الزنا قبل العقد وبعده يرد به النكاح في المرأة والرجل (1)
لرواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله (2) والرواية مع عدم صحة سندها غير واضحة
الدلالة على المطلوب، وذهب أكثر قدماء الأصحاب إلى أن المحدودة في الزنا
يجوز للزوج فسخ نكاحها.
وذهب المتأخرون إلى أن ذلك كله ليس بعيب يجوز معه الرد، والأقوى عدم
جواز الفسخ في المحدودة.
مسائل:
الاولى: العيوب الحادثة بالمرأة قبل العقد موجبة للفسخ بلا خلاف، وما كان
بعد العقد والوطء فالمشهور بينهم أنه لا يوجب الفسخ.
وفي المسالك: لا خيار اتفاقا على ما يظهر من المصنف وغيره (3) وربما يظهر
من إطلاق كلام الشيخ جواز الفسخ فيه (4). وما كان بعد العقد قبل الوطء ففيه
قولان، وأكثر المتأخرين على العدم، وقد مر الحكم في العنن.
الثانية: خيار الفسخ على الفور عندهم وكذا التدليس، وصرح بعضهم بأنه إن
توقف ثبوته على المرافعة إلى الحاكم فالفورية في المرافعة إلى الحاكم، فإذا ثبت
صار الفسخ فوريا، وفي التحرير أطلق أن الفوري هو المرافعة إلى الحاكم وإن كانا
متفقين على العيب (5) ويعذر جاهل أصل الخيار عندهم. وفي جاهل الفورية وجهان.
الثالثة: الفسخ بالعيب ليس بطلاق، فلا يعتبر فيه ما يعتبر في الطلاق من
الشرائط، ولا يعد من الثلاث المحرمة ولا يطرد معه تنصيف المهر إذا كان
قبل الدخول.

(1) نقله عنه في المختلف 7: 206.
(2) الوسائل 14: 601، الباب 6 من أبواب العيوب والتدليس، ح 4.
(3) المسالك 8: 123.
(4) المبسوط 4: 252.
(5) التحرير 2: 29 س 23.
204

الرابعة: يجوز للرجل والمرأة الفسخ من دون الحاكم إلا في العنن على
المشهور بين الأصحاب، خلافا لابن الجنيد والشيخ في موضع من المبسوط (1)
ولعل الأول أقرب.
وأما العنن فإن الفسخ به يتوقف على الحاكم لا لأجل الفسخ، بل لأنه يتوقف
على ضرب الأجل بحكم الحاكم، فإذا ضرب الأجل ومضت المدة استقلت المرأة
بالفسخ.
الخامسة: إذا اختلفا في العيب فالقول قول منكره والبينة على المدعي إلى
آخر ما يترتب في القاعدة الشرعية من حكم النكول واليمين المردودة وغيرهما.
والعنة من الامور الخفية التي لا يطلع عليها إلا من له اطلاع يقطع به بحيث
تصح له الشهادة بها فلو أقامها بالعنة على غير هذا الوجه لم يسمع، فيكون الطريق
إلى إثباته إما إقرار الرجل بها أو البينة على إقراره، ومع انتفائهما وادعاء المرأة
القول قوله في عدمها، فإن حلف استقر النكاح، وإن نكل عن اليمين فإن قضينا
بالنكول ثبت العيب، وإن أوقعنا القضاء معه على يمين المدعي ردت اليمين على
المرأة فإن حلفت ثبت العيب وكان اليمين المردودة بمنزلة الإقرار من المنكر
هاهنا، وحلفها يتوقف على علمها بوجود العيب بممارستها له على وجه يحصل لها
بتعاضد القرائن العلم بها.
وذهب ابن بابويه إلى أن الزوج يقام في الماء البارد فإن تقلص حكم بقوله،
وإن بقي مسترخيا حكم لها، ورواه مرسلا عن الصادق (عليه السلام) (2).
ولو ادعى الوطء قبل ثبوت العنة وأنكره الزوجة فالقول قوله مع يمينه، لأنه
منكر العنة، ويدل عليه صحيحة أبي حمزة (3).

(1) نقله في المختلف 7: 196، المبسوط 4: 263.
(2) المقنع: 107، الفقيه 3: 550، ح 4892.
(3) الوسائل 14: 613، الباب 15 من أبواب العيوب والتدليس، ح 1.
205

ولو ادعى الوطء بعد ثبوتها فقد صرح الفاضلان بقبول قوله (1). وأسنده بعضهم
إلى الأكثر وعلل بأن هذا الفعل لا يعلم إلا من قبله، فيكون كدعوى المرأة انقضاء
عدتها بالأقراء (2). وفيه إشكال.
وذهب جماعة منهم الشيخ في الخلاف والصدوق في المقنع إلى أنه إن ادعى
الوطء قبلا وكانت بكرا نظر إليها النساء، وإن كانت ثيبا حشى قبلها خلوقا فإن
ظهر على العضو صدق وإلا فلا (3).
واستدل عليه في الخلاف بالإجماع والأخبار (4) وكأنه أراد بالأخبار رواية
عبد الله بن الفضل الهاشمي (5) ورواية غياث بن إبراهيم (6) وهما ضعيفتان غير
دالتين على الحكم في موضع البحث وهو دعوى الوطء بعد ثبوت العنة.
وصحيحة أبي حمزة (7) يدل على الحكم بتصديقه إذا كانت بكرا مع شهادة من
يوثق بها منهن بذهاب بكارتها، لكن المتبادر منها غير موضع البحث.
ولو شهد أربع على بقاء البكارة وكذبهن الزوج لم يسمع منه، وإن ادعى عود
البكارة بعد الوطء لا يبعد أن يقدم قولها مع يمينها إما بعدم الوطء وإما بأن هذه
بكارتها الأصلية.
ويشكل ذلك بأن العجز عن وطء قبلها لا يكفي في ثبوت العنة على المشهور،
فيمكن تخصيص الحكم بما إذا ادعى الوطء قبلا، لكن الرواية صحيحة مطلقة.
وعلى المشهور لو ادعى أنه وطئ غيرها أو وطئها دبرا فالقول قوله مع يمينه،
ويحكم عليه بمجرد النكول أو يرد اليمين عليها.

(1) الشرائع 2: 321، التحرير 2: 29 س 31.
(2) المسالك 8: 133.
(3) الخلاف 4: 357، المسألة 140، المقنع: 104.
(4) الخلاف 4: 357، المسألة 140.
(5) الوسائل 14: 613، الباب 15 من أبواب العيوب والتدليس، ح 2.
(6) الوسائل 14: 613، الباب 15 من أبواب العيوب والتدليس، ح 3.
(7) الوسائل 14: 613، الباب 15 من أبواب العيوب والتدليس، ح 1.
206

السادسة: إذا ثبت العنة بأحد الطرق فإن صبرت المرأة ولم ترافع مع علمها
بالخيار فلا اعتراض عليها، ومقتضى تصريح جماعة أن المرافعة فورية ولزوم
العقد بالصبر، وإن لم تصبر رفعت أمرها إلى الحاكم، فإذا رفعته إليه أجله سنة من
حين المرافعة، والمشهور أنه إن عجز عنها وعن غيرها في المدة فلها الفسخ وكان
لها نصف المهر، وإن واقعها أو غيرها فلا فسخ.
والمستفاد من صحيحة أبي حمزة ورواية أبي البختري أن المعتبر في الفسخ
العجز عنها خاصة (1). والتأجيل سنة وتنصيف المهر بعد الفسخ هو المشهور بين
الأصحاب، ويدل عليه الخبر الصحيح (2).
وذهب ابن الجنيد إلى أن العنة إن كانت متقدمة على العقد جاز للمرأة الفسخ
في الحال، وإن كانت حادثة بعد العقد اجل سنة من حين الترافع (3) واحتج له
بروايات ضعيفة مطلقة لابد من حملها على المقيد.
وذهب ابن الجنيد أيضا إلى أن المرأة إن اختارت الفسخ بعد تمكينها إياه من
نفسها وجب لها المهر وإن لم يولج (4). وهو ضعيف.
السابعة: الفسخ إذا كان بعد الدخول استقر المهر المسمى على الزوج، سواء
كان حدوثه قبل العقد أو بعده على المشهور بين الأصحاب.
وقال في المبسوط: إن كان الفسخ بالمتجدد بعد الدخول فالواجب المسمى،
وإن كان بعيب موجود قبل العقد أو بعده قبل الدخول وجب مهر المثل (5). وإن كان
الفسخ قبل الدخول سقط المهر إلا في العنة، فإنه يجب عليه لها نصف المهر على
الأشهر الأقوى، لصحيحة أبي حمزة (6).

(1) الوسائل 14: 612، الباب 14 من أبواب العيوب والتدليس، ح 9.
(2) الوسائل 14: 613، الباب 15 من أبواب العيوب والتدليس، ح 1.
(3) نقله عنه في المختلف 7: 196.
(4) نقله عنه في المختلف 7: 197.
(5) المبسوط 4: 252 - 253.
(6) الوسائل 14: 613، الباب 15 من أبواب العيوب والتدليس، ح 1.
207

ولو فسخت بالخصاء ثبت لها المهر مع الخلوة عند الشيخ (1) وأنكره ابن
إدريس (2) ويدل على الأول روايتان معتبرتان (3).
قالوا: ومهما غرم الزوج من المهر وكان هناك مدلس رجع به عليه، سواء كان
وليا أو غيره، حتى لو كان المدلس هو المرأة رجع عليها أيضا بمعنى أنه لا يثبت
عليه مهر لها، ولو انتفى التدليس فلا رجوع.
وظاهرهم الرجوع بجميع المهر حيث يرجع، واستثنى جماعة منهم فيما إذا
كان الرجوع على المرأة أقل ما يصلح أن يكون مهرا وهو ما يتمول عادة (4). وقيل:
أقل مهر مثلها (5). والأشهر الأول.
تتمة في التدليس:
ويرجع معناه إلى إظهار ما يوجب الكمال من غير وجوده أو إخفاء ما يوجب
النقص، وفيها مسائل:
الاولى: إذا تزوج امرأة على أنها حرة فظهرت أمة، فإن كان ذلك بالشرط في
نفس العقد فالمشهور أن للزوج فسخ النكاح إذا كان العقد بإذن المولى وكان
الزوج ممن يجوز له عقد الإماء، وبدونه يقع باطلا في الثاني وموقوفا على
الإجازة في الأول. وقيل: العقد باطل (6).
وإن لم يكن بالشرط في نفس العقد، بل ذكر قبل العقد وجرى العقد عليه ففي
ثبوت الخيار قولان، والأقرب أنه ملحق بالأول. وقيل: العقد باطل (7). ثم على
تقدير صحته موقوفا إن رضي الزوج بالعقد والسيد أيضا حيث لم يأذن فلا بحث.
وإن فسخ الزوج فإن كان قبل الدخول فلا شيء عليه، وإن كان بعده وجب
المهر، وهل هو المسمى أو مهر المثل أو العشر إن كانت بكرا ونصفه إن كانت ثيبا؟

(1) النهاية 2: 367.
(2) السرائر 2: 617.
(3) الوسائل 14: 608، الباب 15 من أبواب العيوب والتدليس، ح 2 و 3.
(4) نهاية المرام 1: 353.
(5) حكاه في المختلف 7: 206.
(6) المبسوط 4: 254.
(7) نهاية المرام 1: 351.
208

فيه أوجه، ولا يبعد ترجيح الأخير، نظرا إلى التعليل المستفاد من قوله (عليه السلام): «بما
استحل من فرجها» في صحيحة الوليد بن صبيح (1).
ولو لم يأذن مولى الأمة في العقد ولا أجازه بعد وقوعه وقع فاسدا من أصله،
ويلزم الزوج مع الدخول العشر ونصف العشر على التقديرين، عملا بصحيحة
الوليد وما في معناها. وقيل: يلزمه مهر المثل (2). وهو ضعيف.
وفي اشتراط عدم علم الأمة بالتحريم قولان، وقد سبق الكلام فيه.
وإذا فسخ الزوج العقد بعد الدخول أو تبين بطلانه بحيث وجب عليه المهر أو
ما في حكمه فإنه يرجع بما اغترمه على المدلس، فإن كانت هي المدلسة يرجع
إليها بعد العتق واليسار، فإن لم يكن دفعه إليها غرمه للمولى ويرجع به عليها، وإن
كان قد دفعه إليها رجع به كلا أو بعضا مع بقاء كله أو بعضه ويتبعها بالتالف.
وإن كان المدلس المولى فإن كان قد تلفظ بما يقتضي العتق ظاهرا حكم عليه
بحريتها، سواء كان ذلك اللفظ إخبارا أو إنشاء، وهو الذي صرح به الشيخ وغيره (3)
من غير نقل خلاف، ويظهر من المحقق نوع تردد فيه (4). وعلى ما قلنا فيصح العقد
ويكون المهر لها لمولاها مع إذنها سابقا أو إجازتها لاحقا.
وإن لم يكن قد تلفظ بذلك فلا شيء لها ولا للمولى، لأن ثبوت الارتجاع على
المدلس ينافي الحكم بالدفع إلى المولى ثم الارتجاع منه. وهل يستثنى للسيد أقل
ما يصح أن يجعل مهرا وهو أقل ما يتمول على قول، أو أقل ما يكون مهرا لأمثالها
على قول آخر؟ فيه قولان.
ولو دفع الزوج إليها وتلف في يدها احتمل رجوعه به على المولى لمكان
الغرور، ويحتمل ضمانها المهر في كسبها أو بعد العتق.

(1) الوسائل 14: 577، الباب 67 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(2) حكاه في نهاية المرام 1: 352.
(3) المبسوط 4: 254.
(4) الشرائع 2: 322.
209

ولو كان المدلس أجنبيا رجع عليه بجميع ما اغترم للمولى. ولو دفع المهر إليها
في هذه الحالة فتلف في يدها غرم للسيد ورجع به على المدلس، ويحتمل الرجوع
على المدلس لكل منهما.
ولو تزوجت برجل بشرط كونه حرا فبان مملوكا وكان العقد بإذن المولى أو
إجازته كان لها الفسخ وإن كان بعد الدخول، ولا مهر لها مع الفسخ قبل الدخول
ولها المهر بعده، فإن كان التزويج برضاء السيد فالمهر عليه، وإلا يتبع به العبد بعد
العتق واليسار. ولو لم يشترط ذلك في العقد وعولت على إخباره قبل العقد بكونه
حرا فالأقرب أن الحكم فيه كالسابق.
الثانية: لو اشترط في العقد كونها بنت مهيرة فبانت بنت أمة فله الفسخ، فإن
كان قبل الدخول فلا شيء لها على الزوج ولا على الأب على الأشهر الأقوى،
وذهب الشيخ إلى أن لها على أبيها المهر (1). وإن كان بعد الدخول كان لها المسمى
عليه على قول، وأقل ما يصلح أن يكون مهرا على قول آخر، ويرجع هو به على
من دلسها حتى لو كانت هي المدلسة، فلا شيء لها إلا أقل ما يصلح أن يكون مهرا
على ما قاله بعض الأصحاب (2).
الثالثة: المشهور أنه لو زوجه بنته من مهيرة وأدخلت عليه بنته من أمة فعليه
ردها ولها مهر المثل إن دخل بها وكانت جاهلة، سواء كان عالما أم لا، ويرجع به
على من ساقها إليه إذا كان جاهلا ويرد عليه التي زوجها، وهذا هو المشهور،
وللشيخ فيه خلاف، فإنه قال بعد فرض المسألة: ودخول بنت الأمة عليه كان له
ردها، وإن كان قد دخل بها وأعطاها المهر كان المهر لها بما استحل من فرجها،
وإن لم يكن دخل بها فليس لها عليه مهر، وعلى الأب أن يسوقه إليه ابنته من
المهيرة، وكان عليه المهر من ماله إذا كان المهر الأول قد وصل إلى ابنتها الاولى،
وإن لم يكن وصل إليها ولا يكون قد دخل بها كان المهر في ذمة الزوج (3). واستند

(1) النهاية 2: 358.
(2) المسالك 8: 145.
(3) النهاية 2: 259.
210

إلى رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن رجل خطب إلى
رجل ابنة له من مهيرة فلما كانت ليلة دخولها على زوجها أدخل عليه ابنة له
اخرى من أمة؟ قال: ترد على أبيها وترد إليه امرأته ويكون مهرها على أبيها (1).
قال في المسالك: في فتوى الشيخ زيادات عن مدلول الرواية لا توافق
الاصول، مع أن في طريق الرواية ضعفا (2).
وفي حسنة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يخطب إلى
الرجل ابنته من مهيرة فأتاه بغيرها؟ قال: تزف التي سميت له بمهر آخر من عند
أبيها، والمهر الأول للتي دخل بها (3). وفيها مخالفة للمشهور ويمكن حملها بوجه
يرتفع المخالفة، وما مر من الحكم جار في كل من أدخل عليه غير زوجته.
الرابعة: إذا تزوج امرأة فظن أنها بكر من غير اشتراط ذلك في العقد ولا
تدليس فظهرت ثيبا فليس له الفسخ، وإن اشترط ذلك في العقد ثم بان خلافه فإن
تجدد الثيبوبة بعد العقد فلا خيار، وإن ثبت سبقها على العقد إما بإقرارها أو بالبينة
أو بالقرائن المفيدة للعلم فالأقوى أن له الفسخ وله اختيار البقاء، فإن فسخ قبل
الدخول فلا شيء، وإن كان بعده استقر المهر، والمشهور أنه المسمى ورجع به على
المدلس، فإن كانت هي المرأة فلا شيء لها إلا أقل ما يصلح أن يكون مهرا،
ويحتمل أقل ما يكون مهرا لأمثالها، وإن لم يعلم أن الثيبوبة كانت قبل العقد أو
تجددت بعده فلا خيار، لأصالة عدم التقدم المقتضي للخيار، وحيث لا يفسخ لعدم
الخيار أو لاختياره البقاء فهل ينقص عن مهرها شيء؟ فيه قولان، والمشهور أنه
ينقص وهو الأقوى، لصحيحة محمد بن خزك (4).
وفي تقدير النقصان أقوال:

(1) الوسائل 14: 603، الباب 8 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(2) المسالك 8: 147.
(3) الوسائل 14: 603، الباب 8 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(4) الوسائل 14: 605، الباب 10 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 2.
211

أحدها: أنه ينقص شيء في الجملة.
وثانيها: أنه ينقص السدس.
وثالثها: أنه ينقص منه مقدار ما بين مهر البكر والثيب عادة أي بنسبة ما بينهما.
ورابعها: إحالة تقدير ذلك إلى نظر الحاكم.
ولو لم يشترط ذلك في العقد ولكن أخبر بكونها بكرا تدليسا فجرى العقد
عليه ففي إلحاق ذلك بالشرط وجهان.
الخامسة: روى ابن بابويه عن جميل بن صالح في الصحيح أن أبا عبد الله (عليه السلام)
قال في اختين اهديتا لأخوين فادخلت امرأة هذا على هذا وامرأة هذا على هذا،
قال: لكل واحدة منهما الصداق بالغشيان وإن كان وليهما تعمد ذلك اغرم الصداق
ولا يقرب واحد منهما امرأته حتى تنقضي العدة، فإذا انقضت العدة صارت كل
امرأة منهما إلى زوجها الأول بالنكاح الأول قيل له: فإن ماتتا قبل انقضاء العدة؟
قال: يرجع الزوجان بنصف الصداق على ورثتهما ويرثانهما الرجلان. قيل: فإن
مات الزوجان وهما في العدة؟ قال: ترثانهما ولهما نصف المهر وعليهما العدة بعد
ما تفرغان من العدة الاولى تعتدان عدة المتوفى عنها زوجها (1). وهذه الرواية
صحيحة السند مطابقة للاصول وما تضمنته من تنصيف المهر بالموت قول جمع
من الأصحاب وسيجئ.

(1) الفقيه 3: 422، ح 4469.
212

المطلب الخامس
القول في المهور
وفيه أبحاث:
الأول
أجمع الأصحاب وغيرهم على أن كل ما يملكه المسلم مما يعد مالا يصح
جعله مهرا للزوجة، سواء كان عينا أو دينا أو منفعة، ومن المنفعة منفعة العقار
والحيوان والعبيد والأجير.
والمشهور أنه يجوز جعل منفعة الزوج مهرا، ومنع الشيخ في النهاية من جعل
المهر عملا من الزوج لها أو لوليها (1). والأول أقرب، لما رواه الكليني في الحسن
عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: الصداق ما تراضيا عليه من قليل
وكثير فهذا الصداق (2). وعن جميل بن دراج في الصحيح والحسن عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: المهر ما تراضيا عليه الناس أو اثنتا عشر أوقية ونش، أو
خمسمائة درهم (3) ونحوه حسنة الحلبي (4) وروايتي زرارة (5) ورواية أبي الصباح

(1) النهاية 2: 320.
(2) الكافي 5: 378، ح 3.
(3) الوسائل 15: 2، الباب 1 من أبواب المهور، ح 5 و 10.
(4) الوسائل 15: 2، الباب 1 من أبواب المهور، ح 4.
(5) الوسائل 15: 2، الباب 1 من أبواب المهور، ح 6 و 9.
213

الكناني (1) وصحيحة محمد بن مسلم عنه (عليه السلام) قال: قلت له: أدنى ما يجزي من
المهر؟ قال: تمثال من سكر (2).
وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: جاءت امرأة إلى
النبي (صلى الله عليه وآله) فقالت: زوجني فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من لهذه؟ فقام رجل فقال: أنا يا
رسول الله (صلى الله عليه وآله) زوجنيها. فقال: ما تعطيها؟ فقال: ما لي شيء، قال: لا، ثم أعادت
فأعاد رسول الله (صلى الله عليه وآله) الكلام فلم يقم أحد غير الرجل، ثم أعادت، فقال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المرة الثالثة: أتحسن من القرآن شيئا؟ قال: نعم. قال: قد
زوجتكها على ما تحسن من القرآن فعلمها إياه (3). ولعل مستند الشيخ حسنة أحمد
ابن محمد (4) وهي غير مصرحة بالتحريم.
ولو عقد الذميان أو غيرهما من أصناف الكفار على ما لا يصح في شرعنا
كالخمر والخنزير صح، فلو أسلما أو أحدهما قبل الدفع لم يجز دفع المعقود عليه
ويجب القيمة عند مستحليه على الأقرب، وقيل: يجب مهر المثل (5).
ولو عقد المسلم على الخمر ففي صحة العقد قولان، وعلى القول بالصحة ففي
تقدير ما يجب أقوال:
أحدها: وجوب مهر المثل مع الدخول.
وثانيها: إطلاق وجوب مهر المثل من غير تقييد بالدخول، ولا يبعد أن يكون
مراد قائله التقييد.
وثالثها: أن الواجب قيمته عند مستحليه، حتى لو كان المهر حرا قدر على
تقدير عبوديته.

(1) الوسائل 15: 1، الباب 1 من أبواب المهور، ح 1.
(2) الوسائل 15: 1، الباب 1 من أبواب المهور، ح 2.
(3) الوسائل 15: 3، الباب 2 من أبواب المهور، ح 1.
(4) التهذيب 7: 366، ح 1483.
(5) نسب هذا القول في المسالك 8: 161، إلى بعض العامة، انظر المدونة الكبرى 2: 297.
214

ورابعها: الفرق بين كون المهر متقوما في الجملة كالخمر والخنزير وغير متقوم
كالحر، فيعتبر قيمة الأول ومهر المثل في الثاني، وفي القول الثالث وجوب القيمة
منوط بالعقد من غير اعتبار الدخول، وفي الرابع الجهة التي توجب القيمة يلحقه
بالثالث والتي توجب مهر المثل يلحقه بالأول.
والمهر ما تراضى عليه الزوجان ولا تقدير له في القلة بلا خلاف، بل أقل ما
يتمول. والأشهر الأقوى أنه لا تقدير له في الكثرة، لعموم الآيات كقوله تعالى:
(وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) (1) والقنطار مال عظيم، وقوله
تعالى: (فآتوهن اجورهن) (2) وقوله تعالى: (فنصف ما فرضتم) (3) والأخبار
السابقة، وحكى الشيخ في المبسوط أن الحسن بن علي (عليه السلام) أصدق امرأة من
نسائه مائة جارية مع كل جارية ألف درهم وأن عمر أصدق بنت أمير المؤمنين
أربعين ألف درهم، وذكر أن جماعة من الصحابة والتابعين أصدقوا نحو ذلك (4).
وذهب المرتضى (رحمه الله) إلى المنع عن الزيادة عن مهر السنة وهو: خمسمائة
درهم. ولو زاد رد إليها عنده (5).
ولابد في المهر من التعيين في الجملة. ولا يعتبر فيه استقصاء الأوصاف
المعتبرة في السلم، ويكفي فيه المشاهدة وإن كان مكيلا أو موزونا كالصبرة من
الطعام والقطعة من الذهب على ما قطع به الأصحاب، بل ربما ظهر من صحيحة ابن
مسلم المتضمنة لقصة تلك المرأة التي طلبت من النبي (صلى الله عليه وآله) التزويج جواز كون
المهر مجهولا، فإنه (عليه السلام) زوجها على ما يحسن من القرآن من غير سؤال عما
يحسنه من ذلك.
ثم إن قبضته ولم يتوقف الأمر على العلم أو علما بعد ذلك فلا كلام، وإن استمر

(1) النساء: 20.
(2) النساء: 24.
(3) البقرة: 237.
(4) المبسوط 4: 272.
(5) الانتصار: 124 - 125.
215

مجهولا ووقعت الحاجة إلى معرفته لتلفه قبل التسليم أو بعده مع الطلاق قبل
الدخول للرجوع بنصفه فالوجه الرجوع إلى الصلح، واحتمل بعضهم الرجوع إلى
مهر المثل في الأول.
ولو تزوج امرأتين وأكثر بمهر واحد صح النكاح عندنا، وهل يصح المهر؟ فيه
وجهان، وعلى القول بالصحة قيل: يقسط المسمى على رؤوسهن بالسوية (1).
وقيل: يقسط على مهور أمثالهن ويعطى كل واحدة ما يقتضيه التقسيط (2).
والمعروف من مذهبهم أنه إذا عقد على مهر مجهول بحيث لا يمكن استعلامه
في نفسه كعبد وشئ ودابة يبطل المسمى ويثبت مهر المثل.
واستثنى الشيخ وجماعة منهم ما لو تزوجها على خادم ولم يعينه فلها وسط (3)
استنادا إلى رواية علي بن حمزة (4). وهي ضعيفة، وكذا لو قال: دار أو بيت
استنادا إلى رواية ابن أبي عمير (5) وهي مرسلة، والمشهور أن مرسلة ابن أبي عمير
مقبولة، وتوقف في الحكم جماعة من الأصحاب (6).
ولو تزوجها على كتاب الله تعالى وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) ولم يسم مهرا فالمشهور بين
الأصحاب أن مهرها خمسمائة درهم، وجماعة من المتقدمين لم يذكروا هذه
المسألة. وتوقف فيه في المسالك (7) وأسند الحكم في الروضة إلى النص
والإجماع (8) ويدل عليه رواية اسامة بن حفص (9) وفي سنده كلام، ولعل ضعفها
منجبر بالشهرة.

(1) المهذب 2: 209.
(2) الإيضاح 3: 195.
(3) المبسوط 4: 319، المهذب 2: 206، إصباح الشيعة: 424.
(4) الوسائل 15: 36، الباب 25 من أبواب المهور، ح 2.
(5) التهذيب 7: 375، ح 1520.
(6) المسالك 8: 174، جامع المقاصد 13: 343، نهاية المرام 1: 367.
(7) المسالك 8: 175.
(8) الروضة 5: 346.
(9) الوسائل 15: 25، الباب 13 من أبواب المهور، ح 1.
216

وإذا تزوج المرأة وسمى لها شيئا وسمى لأبيها شيئا بحيث يكون المجموع في
مقابلة البضع لزم ما سمى لها وسقط ما سمى للأب، لما روي في الصحيح عن
الوشاء (1). وقد يستشكل الحكم فيما لو شرطت لأبيها شيئا وكان الشرط باعثا على
تقليل المهر حيث اعتقدت لزوم الشرط، فإن الشرط حينئذ يكون كالجزء من
المهر، فإذا لم يتم الشرط اشكل تعيين المسمى لها من المهر خاصة، لكن الرواية
مطلقة، ولا يبعد تنزيلها على ما عدا هذا القسم.
ولو كان المشروط لأبيها جزءا من المهر بأن أمهرها مهرا وشرط أن يعطي
أباها منه شيئا معينا صح المهر وبطل الشرط على المشهور، وقيل: يصح الشرط أيضا.
ولابد من تعيين المهر بما يرفع الجهالة، فلابد من تعيين السورة لو أصدقها
تعليمها، ولا يشترط تعيين القراءة على الأقوى، ولا يلزم عليه غير ما شرط.
ولو كان الصداق تعليم صنعة أو سورة لا يحسنها صح، ومع التعذر كان عليه
اجرة المثل، وهل يعتبر في المعلم لها غيره المحرمية؟ فيه وجهان، ولو توقف
تعليمها على تعليمه ففي وجوبه وجهان. ولو شرط تعليمها بنفسه وجب.
وإذا عقدا على هذا الظرف على أنه خل في زعمهما فبان خمرا صح العقد بلا
خلاف وبطل المهر المعين، وفيما يجب أقوال:
أحدها: أن الواجب مثل الخل.
وثانيها: وجوب مهر المثل.
وثالثها: وجوب قيمة الخمر عند مستحليه ولا يبعد الميل إلى القول الأول.
ولو ظن المعقود عليه عبدا فبان حرا احتمل قيمته على تقدير كونه عبدا،
ومهر المثل.
ولو اتفقا على مهر سرا فعقدا عليه ثم اتفقا على مهر آخر علانية كان لها
الأول، سواء كان زائدا أو ناقصا، ويدل عليه رواية زرارة (2).

(1) الوسائل 15: 19، الباب 9 من أبواب المهور، ح 1.
(2) الوسائل 15: 26، الباب 15 من أبواب المهور، ح 1.
217

وإن تواطئا على إرادة الألف بعبارة الألفين فذكر الألفين وكان المقصود
الألف فقيل: يثبت مهر المثل (1). وقيل: يثبت الألف (2). وقيل: الألفان (3).
والمشهور بين الأصحاب أن ضمان المهر ضمان يد لا ضمان معاوضة، فلو
تلف قبل تسليمه كان عليه المثل أو القيمة، وعلى الثاني كان عليه مهر المثل، وقد
أطلق الأصحاب هنا ضمان المهر التالف بالمثل أو القيمة من غير أن ينقلوا وجوب
مهر المثل قولا أو وجها.
وعلى تقدير الضمان بالقيمة فقيل: المعتبر القيمة وقت التلف (4). وقيل: يعتبر
أعلى القيم من حين العقد إلى حين التلف خصوصا مع مطالبتها بالتسليم ومنعها (5).
وقال في المبسوط: إنه مع المطالبة يلزمه الأعلى من حين المطالبة إلى وقت
التلف (6). ولا أعرف في المسألة نصا.
وإذا أصدقها عينا مخصوصة فوجدتها معيبة فإن كان العيب موجودا حين
العقد ولم تكن عالمة به كان لها رده بالعيب والرجوع إلى قيمته، ولها إمساكه
بالأرش كذا قالوا. وإن تجدد العيب بعد العقد قبل التسليم فالمشهور أن لها حينئذ
أرش النقصان من غير رد، وقال في المبسوط: يتخير بين أخذه بالأرش وبين رده
فيأخذ القيمة. وفي موضع آخر من المبسوط وافق الأول. (7)
قال بعض الأصحاب: القائل بضمان المعاوضة أوجب هنا مع الرد مهر المثل،
لأنه قيمة العين (8).
ولها أن تمتنع من تسليم نفسها إلى الزوج قبل الدخول حتى تقبض مهرها إذا
كان المهر حالا والزوج موسرا على المعروف من مذهب الأصحاب، بل قيل: إنه
موضع وفاق (9).

(1) حكاه في المسالك 8: 186.
(2) المسالك 8: 186.
(3) المبسوط 4: 291.
(4) الشرائع 2: 325.
(5) حكاه في جامع المقاصد 13: 351.
(6) انظر المبسوط 4: 285.
(7) حكاه في المسالك 8: 190 - 191.
(8) حكاه في المسالك 8: 190.
(9) حكاه في نهاية المرام 1: 413.
218

وفي المسالك: إنه ليس المراد من ذلك وجوب ابتداء الزوج بتسليم المهر
أولا، بل إما كذلك، أو تقابضهما معا بأن يؤمر الزوج بوضع الصداق على يد من
يتفقان عليه أو يد عدل وتؤمر بالتمكين، فإذا مكنت سلم العدل الصداق إليها، ونقل
في المسألة وجهين آخرين:
أحدهما: أنه يجبر الزوج على تسليم الصداق أولا، فإذا سلم سلمت نفسها،
لأن فائت المال يستدرك وفائت البضع لا يستدرك.
والثاني: أنه لا يجبر واحد منهما، لكن إذا بادر أحدهما بالتسليم اجبر الآخر
على تسليم ما عنده. ثم بعد نقل الوجهين الآخرين صحح الأول (1).
قال بعض المتأخرين: لم نقف في هذه المسألة على نص. والذي يقتضيه النظر
فيها أن تسليم الزوجة لنفسها حق عليها، وتسليم المهر إليها حق عليه، فيجب على
كل منهما إيصال الحق إلى مستحقه. وإذا أخل أحدهما بالواجب عصى ولا يسقط
بعصيانه حق الآخر، فإن تم الإجماع على أن لها الامتناع من تسليم نفسها إلى أن
يقبض المهر - كما ذكره الأكثر - وإلى أن يحصل التقابض من الطرفين فلا كلام،
وإلا وجب المصير إلى ما ذكرناه (2). انتهى، وهو حسن.
والمشهور بين الأصحاب أن الزوج إذا كان معسرا كان حكمه كالموسر،
فللزوجة الامتناع من تسليمها بدون المهر خلافا لابن إدريس حيث ذهب إلى أنه
ليس لها الامتناع مع إعسار الزوج (3). ولعله الأقرب، ومع يسار الزوج ومطالبتها
يأثم الزوج بالمنع وتستحق النفقة وإن لم تسلم نفسها إذا بذلت التمكين بشرط
تسليم المهر، وأما مع إعساره فلا إثم عليه بالتأخير. وفي استحقاقها النفقة
حينئذ وجهان.
وإذا كان المهر مؤجلا فليس لها الامتناع قبل حلوله كما قطع به الأصحاب،

(1) المسالك 8: 194.
(2) نهاية المرام 1: 413.
(3) السرائر 2: 591.
219

ولو كان بعضه حالا وبعضه مؤجلا فلكل واحد منهما حكم نفسه.
ولو امتنعت إلى أن حل الأجل فقد أثمت. وهل يجوز له الامتناع حينئذ أم لا؟
فيه وجهان، ولعل العدم أقرب استصحابا للحكم السابق.
ولو كانت الزوجة صغيرة لا تصلح للجماع وطلب الولي المهر، فهل يجب
التسليم قبل كمالها؟ فيه وجهان، ولعل الأقرب الوجوب.
ولو طلب الزوج تسليمها إليه لغير الوطء من الاستمتاعات ففي وجوب
التسليم تردد.
ولو كانا معا صغيرين فطلب وليهما المهر من وليه فالوجهان في الكبيرة مع
الصغيرة، وكذا الوجهان لو كانت كبيرة والزوج صغيرا.
وهل لها الامتناع بعد الدخول ما لم تقبض المهر؟ ذهب الأكثر إلى العدم.
وذهب جماعة منهم إلى أن لها ذلك (1) وفصل ابن حمزة بين تسليمها نفسها اختيارا
أو إكراها، فحكم بسقوط حقها من الامتناع في الأول دون الثاني (2).
ولو سلم الولي من ليست بكاملة ولم يقبض المهر فهل لها الامتناع بعد الكمال
حتى يقبضه؟ فيه وجهان، ولعل الترجيح للعدم.
ويستحب تقليل المهر، ويكره أن يتجاوز السنة، وظاهر الأخبار تعلق
الكراهة بالمرأة أو وليها لا بالزوج، ويمكن تعلق الكراهة به من حيث الإعانة على
الفعل المكروه إن وجد محيصا عنه، وإلا فلا كراهة من قبله، وقد مر إمهار
الحسن (عليه السلام) مائة جارية.
ويكره أن يدخل بالمرأة حتى يقدم المهر أو بعضه أو شيئا آخر هدية.
البحث الثاني في التفويض:
وهو في اللغة: رد الأمر إلى الغير، وفي مصطلح الشرع رد المهر إلى أحد
الزوجين أو ثالث، أو إهمال ذكره في العقد.

(1) المقنعة: 510، المبسوط 4: 313، جواهر الفقه: 174.
(2) الوسيلة: 299.
220

والتفويض قسمان: تفويض البضع وتفويض المهر، فالأول أن لا يذكر في
العقد مهر أصلا مثل أن تقول المرأة: «زوجتك نفسي» فقبلها الزوج، وهو عقد
صحيح بلا خلاف، والثاني أن يذكر المهر في الجملة ويفوض تقديره إلى أحد
الزوجين أو إليهما، وسيجئ، فهاهنا طرفان:
الأول في تفويض البضع:
وفيه مسائل:
الاولى: لا يشترط في صحة العقد ذكر المهر، فلو أخلاه عن ذكره، سواء سكت
أو شرط عدم المهر في الحال أو أطلق اشتراط العدم صح.
ولو صرح باشتراط عدم المهر في الحال والمآل، أو قبل الدخول وبعده، أو ما
يفيد معناه ففيه أقوال: الأول: البطلان. الثاني: الصحة وإلحاقه بما لو نفاه مطلقا.
الثالث: فساد التفويض دون العقد فيجب مهر المثل.
ومن حكم التفويض عدم وجوب المهر لها بمجرد العقد، بل يجب لها مهر
المثل بالدخول مع عدم الفرض وما يتفقان عليه من المهر قبل الدخول، ويثبت لها
بالطلاق قبل الدخول المتعة إذا لم يتفقا على شيء، وإلا فنصف ما فرض.
ولو مات أحدهما قبل الدخول أو الطلاق، فإن كان الموت قبل الفرض فلا
شيء لها، وإن كان بعد الفرض ففي استحقاقها نصف المفروض أو كله قولان.
والمعتبر في مهر المثل حال المرأة في الشرف والجمال والعقل والأدب
والبكارة وصراحة النسب واليسار وحسن التدبير وكثرة العشائر وعادة نسائها
وأمثال ذلك.
والمعتبر في أقاربها من الطرفين على الأقوى، وقيل: يعتبر جانب الأب
خاصة، ويعتبر في الأقارب أن يكونوا من أهل بلدها أو أهل بلد لا يخالف عادتها
لعادة بلدها على الأقوى، لاختلاف البلدان في العادات.
وقيد أكثر الأصحاب مهر المثل بما إذا لم يتجاوز مهر السنة وهو: خمسمائة
221

درهم، فإن تجاوزها رد إليها. وذهب بعض العلماء إلى أن مهر المثل لا يتقدر
بقدر (1) والشيخ فخر الدين نقل الإجماع على القول الأول (2) مع أن والده صرح
بالخلاف في المختلف وحكى القولين وتوقف ولم يرجح شيئا (3). والأقوى القول
الثاني، لإطلاق الروايات المتضمنة لاستحقاق المفوضة بالدخول مهر نسائها من
غير معارض كصحيحة الحلبي (4) وموثقة منصور بن حازم (5) وموثقة عبد الرحمن
ابن أبي عبد الله (6).
واعلم أن الأصحاب أثبتوا مهر المثل في مواضع كثيرة وكبقية ما ذكرناه هنا.
منها: التسمية الفاسدة، وإذا نكح عدة نساء بمهر واحد. ومنها: الوطء في النكاح
الفاسد والشبهة والإكراه وغير ذلك.
وقد ذكر جماعة من الأصحاب أن المعتبر في المتعة حال الزوج في اليسار
والإعسار (7) ويدل عليه الآية (8). وقيل: إن الاعتبار بهما معا (9) ولا سند له
فالمستفاد من الآية والرواية انقسام حاله إلى أمرين: اليسار والإعسار،
والأصحاب قسموها إلى ثلاثة: اليسار، والإعسار، والتوسط، نظرا إلى الواقع
عرفا وعينوا لكل مرتبة أشياء على مقتضى العرف ومناسبة مدلول الأخبار.
وروى الانقسام إلى الثلاثة ابن بابويه مرسلا فقال: وروي أن الغني تمتع بدار
أو خادم، والوسط بثوب، والفقير بدرهم أو خاتم (10). والأجود اتباع ما ورد به

(1) نهاية المرام 1: 377.
(2) الإيضاح 3: 216، وفيه وهو خيار أكثر الأصحاب.
(3) المختلف 7: 131.
(4) الوسائل 15: 24، الباب 12 من أبواب المهور، ح 1.
(5) الوسائل 15: 24، الباب 12 من أبواب المهور، ح 2.
(6) الوسائل 15: 24، الباب 12 من أبواب المهور، ح 3.
(7) الشرائع 2: 326، المسالك 8: 207، نهاية المرام 1: 377.
(8) البقرة: 236.
(9) المبسوط 4: 295.
(10) الفقيه 3: 506، ح 4776.
222

النقل. وفي موثقة الحلبي: «إن الرجل إذا كان موسعا تمتع امرأته بالعبد والأمة،
والمعسر بالحنطة والزبيب والثوب والدراهم، وإن الحسن بن علي (عليه السلام) متع امرأة
له بأمة، ولم يطلق امرأة إلا متعها» (1). وفي موثقة سماعة ورواية عبد الله بن سنان
نحوه. وفي رواية معاوية بن عمار قريب منه. وفي رواية عبد الله بن بكير: إن علي
ابن الحسين (عليه السلام) تمتع بالراحلة (2). ورواه العياشي، إلا أنه قال: يمتع براحلة، يعني
حملها الذي عليها (3).
وفي صحيحة أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: ما أدنى ذلك المتاع
إذا كان الرجل معسرا؟ قال: الخمار وشبهه (4).
ولا تستحق المتعة على سبيل الوجوب إلا المطلقة التي لم يفرض لها مهر ولم
يدخل بها، فلو حصلت البينونة بينهما بفسخ أو موت أو لعان أو غير ذلك من قبله
أو قبلها أو منهما فلا مهر ولا متعة على الأشهر الأقوى.
وقوى الشيخ في المبسوط ثبوتها بما يقع من قبله من طلاق أو فسخ أو من
قبلهما، دون ما كان من قبلها خاصة (5). وقوى في المختلف وجوبها في الجميع (6)
نعم يستحب المتعة لكل مطلقة وإن لم تكن مفوضة.
وللمفوضة المطالبة بفرض المهر وتعينه قبل الدخول لتعرف ما تستحق
بالوطء أو الموت وما يتشطر بالطلاق قبل الدخول.
ثم إن اتفقا على قدر معين صح ولزم، سواء كان بقدر مهر المثل أو أقل أو
أكثر، وسواء كانا عالمين بمهر المثل أو جاهلين أو بالتفريق، وليس لواحد منهما
الرجوع بعد التعيين.

(1) الوسائل 15: 56، الباب 49 من أبواب المهور، ح 1 وذيله.
(2) الوسائل 15: 58، الباب 49 من أبواب المهور، ح 5.
(3) تفسير العياشي 1: 124، ح 400.
(4) الوسائل 15: 57، الباب 49 من أبواب المهور، ح 2.
(5) المبسوط 4: 319 - 320.
(6) المختلف 7: 179.
223

وإن اختلفا بأن فرض لها الزوج شيئا ولم ترض به، فإن كان مفروضه بقدر
مهر السنة فصاعدا ففي لزومه من جانبها وجهان، فيحتمل اللزوم، ويحتمل أن
يكون لها المطالبة بمهر المثل. وإن كان أقل منه لم يقع بغير رضاها اتفاقا.
وإن ترافعا إلى الحاكم فرض لها مهر المثل من غير زيادة ولا نقصان ما لم
يتجاوز السنة فيرد إليها إن اعتبرنا ذلك في مهر المثل وإلا لم يتقيد بذلك، ولعله
الأقوى. وقيل: لا يصح فرض الحاكم مطلقا (1).
الثانية: يصح التفويض من غير المولى عليها، وأما المولى عليها لصغر أو سفه
أو بكارة على القول به فهل للولي أن يزوجها مفوضة؟ فيه قولان:
أحدهما: جواز ذلك مع مراعاة المصلحة.
وثانيهما: أنه يصح العقد ويثبت لها مهر المثل بنفس العقد لا بالدخول كما في
المفوضة، وإذا طلقها قبل الدخول فعلى القول بوجوب مهر المثل بنفس العقد
وجب لها نصف مهر المثل، وعلى القول بصحة التفويض يجب لها المتعة ولو
زوجها الولي بدون مهر المثل ثم طلقها قبل الدخول بني على ما سبق من الخلاف،
فإن قلنا ببطلان العقد لم يكن لها شيء، وإن جوزناه بالمصلحة فلها نصف المسمى.
وإن وقفناه على إجازتها للمهر بعد الكمال فإن طلقها قبل الكمال احتمل أن
يكون لها نصف المسمى، وإن طلقها بعده روعي رضاها به أو فسخه فيرجع إلى مهر
المثل، وإن جعلنا الواجب حينئذ مهر المثل بالعقد وجب بالطلاق نصف مهر المثل.
الثالثة: يجوز للمولى أن يزوج أمته مفوضة بلا خلاف، لأن المهر له خاصة،
فلو اشتراها الزوج قبل الدخول فسخ النكاح ولا مهر لها ولا متعة، ولو كان الشراء
بعد الدخول فالمهر للمولى.
وإذا زوجها مولاها مفوضة ثم أخرجها عن ملكه إلى آخر كالمشتري بعد
الدخول استقر له مهر المثل، وإن كان الخروج قبل الدخول فإن فسخ المالك فلا

(1) حكاه في المسالك 8: 211.
224

مهر ولا متعة، وإن أجاز كان فرض المهر إليه، وإلى الزوج إن لم يفرض سابقا،
وكان المهر له على المشهور إما لأن الإجازة بمنزلة عقد مستأنف كما قالوا، وإما
لأن المهر لا يثبت بالعقد في المفوضة بل بالدخول أو التقدير. وإن فرضه المولى
السابق ففي كون المهر للمولى السابق أو اللاحق إشكال.
ولو أعتقها بعد الدخول كان له مهر المثل، وقبل الدخول لا مهر ولا متعة مع
الفسخ، ومع الإمضاء يأتي فيه ما يأتي في صورة البيع.
الطرف الثاني في تفويض المهر:
وهو أن يذكر المهر في الجملة من غير تعيين وتقدير ويفوض تقديره إلى
أحد الزوجين.
وفي المسالك: لا إشكال في جواز تفويض تقديره إليهما (1). وفيه إشكال،
لعدم النص والإذن الشرعي.
وألحق بعضهم تفويض التقدير إلى أجنبي (2). واستجود في المسالك المنع بناء على
أن المهر حق يتعلق بالزوجين فلا يتعدى إلى غيرهما بغير إذن شرعي (3). وهو جيد.
فإذا كان الحاكم هو الزوج لم يتعين التقدير في جانب القلة والكثرة إلى حد،
بل جاز له الحكم بما يصح أن يكون مهرا عند الأصحاب، ويدل عليه رواية
زرارة (4). وفي صحيحة أبي بصير: «يلحق بمهور نسائها» (5) ويمكن حمله على
الاستحباب جمعا.
وإذا كان الحاكم الزوجة لم يتقدر في جانب القلة إلى حد، لأنه حقها، ويتقدر
في جانب الكثرة بمهر السنة عندهم، لرواية زرارة (6).

(1) المسالك 8: 215.
(2) جامع المقاصد 13: 436.
(3) المسالك 8: 215.
(4) الوسائل 15: 31، الباب 21 من أبواب المهور، ح 1.
(5) الوسائل 15: 32، الباب 21 من أبواب المهور، ح 2.
(6) الوسائل 15: 31، الباب 21 من أبواب المهور، ح 1.
225

ولو طلقها قبل الدخول وقبل الحكم الزم من إليه الحكم بالحكم وكان لها
نصفه، ويشترط أن لا يزيد على مهر السنة لو كانت هي الحاكمة، لصحيحة محمد
ابن مسلم (1).
ولو مات الحاكم قبل الدخول وقبل الحكم فالمشهور بين الأصحاب أن لها
المتعة، وذهب ابن إدريس إلى أنه ليس للزوجة مهر ولا متعة (2). وهو قول ابن
الجنيد والشيخ في الخلاف (3). وفي المسألة قول آخر بثبوت مهر المثل اختاره
العلامة في القواعد (4). والأول أقرب، لظاهر صحيحة محمد بن مسلم.
ولو مات المحكوم عليه وحده فالذي قطع به الأصحاب أن للحاكم الحكم،
لأن التفويض إليه قد ثبت بالعقد فلا يبطل بموت المحكوم عليه، ويشكل بما رواه
ابن بابويه عن صفوان بن يحيى في الصحيح عن أبي جعفر [يعني الأحول] قال:
قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل تزوج امرأة بحكمها ثم مات قبل أن تحكم؟ قال:
ليس لها صداق وهي ترث (5).
البحث الثالث
المهر لا يسقط بالدخول لو لم تقبضه، بل يكون دينا عليه، سواء طالت المدة
أم قصرت، طالبت به أو لم تطالب عند معظم الأصحاب، ويدل عليه الآية (6)
والرواية (7).

(1) الوسائل 15: 32، الباب 21 من أبواب المهور، ح 2.
(2) السرائر 2: 587.
(3) نقله في المختلف 7: 147، الخلاف 4: 378، المسألة 18.
(4) القواعد 3: 82.
(5) الوسائل 15: 32، الباب 21 من أبواب المهور، ح 3.
(6) النساء: 4.
(7) الوسائل 15: 13، الباب 8 من أبواب المهور.
226

ونقل الشيخ عن بعض الأصحاب القول بأن الدخول بالمرأة يهدم الصداق (1).
ويدل عليه روايات متروكة بين الأصحاب (2) يمكن تأويلها.
مسائل:
الاولى: اتفق الأصحاب على أن الوطء الموجب للغسل يوجب استقرار
جميع المهر للمرأة، واختلفوا في غير الوطء من مقدماته كالخلوة، والأكثر على أن
المقدمات لا يكفي في إيجاب المهر.
وعن جماعة من المتقدمين أن الخلوة توجب المهر ظاهرا، حيث لا يثبت
شرعا عدم الدخول، وأما باطنا فلا يستقر المهر جميعه إلا بالدخول (3). وأطلق
بعضهم وجوبه بمجرد الخلوة (4).
وعن ابن الجنيد أنه أضاف إلى الجماع إنزال الماء بغير إيلاج ولمس العورة
والنظر إليها والقبلة متلذذا بذلك (5). والأخبار مختلفة، فكثير منها ما يدل على
القول الأول (6). وفي مقابلها أخبار اخرى دالة على استقرار المهر بالخلوة (7).
ونقل الكليني والشيخ عن ابن أبي عمير (رضي الله عنه) أنه كان يقول: إن الأحاديث قد
اختلف في ذلك، والوجه في الجمع بينها أن على الحاكم أن يحكم بالظاهر ويلزم
الرجل المهر كله إذا أرخى الستر غير أن المرأة لا يحل لها فيما بينها وبين الله أن
تأخذ إلا نصف المهر (8). واستحسنه الشيخ وجماعة (9).
الثانية: المشهور بين الأصحاب أنه إذا لم يسم لها مهرا وقدم لها شيئا ثم دخل

(1) التهذيب 7: 360.
(2) الوسائل 15: 13، الباب 8 من أبواب المهور.
(3) النهاية 2: 322، المهذب 2: 204، إصباح الشيعة: 424.
(4) المقنع: 109.
(5) نقله في المختلف 7: 140.
(6) الوسائل 15: 66، الباب 54 من أبواب المهور.
(7) الوسائل 15: 67، الباب 55 من أبواب المهور.
(8) الكافي 6: 110، التهذيب 7: 467، ذيل الحديث 1869.
(9) التهذيب 7: 467، نقله عن جماعة في المختلف 7: 140 - 144.
227

كان ذلك مهرها إلا أن يشارطه قبل الدخول على أن المهر غيره، ونقل بعضهم
الإجماع على ذلك واحتج به عليه، واستدل عليه برواية غير دالة عليه (1) مع أن
المستفاد من الأخبار الصحيحة أن المفوضة تستحق بالدخول مهر المثل، فما قدم
إليها قبل الدخول من المهر يحسب منه ويبقى الباقي في ذمته، ولهذا أنكر الحكم
المذكور جماعة من الأصحاب (2).
الثالثة: المعروف من مذهب الأصحاب أن المهر تملكه المرأة بالعقد وإن لم
يستقر الملك قبل الدخول. وقال ابن الجنيد: الذي يوجبه العقد من المهر المسمى
النصف، والذي يوجب النصف الثاني من المهر بعد الذي وجب بالعقد منه الوقاع أو
ما قام مقامه من تسليم المرأة نفسها لذلك (3). ويظهر من بعضهم التوقف.
ويظهر الفائدة في النماء المتخلل بين العقد والطلاق وفي جواز تصرفها في
الجميع وعدمه في ما لو حصلت الفرقة بغير الطلاق حيث لا نص على التنصيف.
ويدل على الأول ما يدل على أن المتوفى عنها زوجها قبل الدخول تستحق
جميع المهر ويعضده قوله تعالى: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) (4) وموثقة عبيد
ابن زرارة - التي لا تقصر عن الصحاح - قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل تزوج
امرأة على مائة شاة، ثم ساق إليها الغنم، ثم طلقها قبل أن يدخل بها وقد ولدت
الغنم؟ قال: إن كانت حملت عنده رجع بنصفها ونصف أولادها، وإن لم يكن الحمل
عنده رجع بنصفها ولم يرجع من الأولاد بشيء (5).
ويعضد القول الثاني قوله تعالى: (فنصف ما فرضتم) (6) وما رواه ابن بابويه
عن أبي بصير في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل تزوج امرأة

(1) جامع المقاصد 13: 447.
(2) المختلف 7: 138، المسالك 8: 230، نهاية المرام 1: 395.
(3) المختلف 7: 140.
(4) النساء: 4.
(5) الوسائل 15: 43، الباب 34 من أبواب المهور، ح 1.
(6) البقرة: 237.
228

على بستان له معروف وله غلة كثيرة، ثم مكث سنين لم يدخل بها، ثم طلقها؟ قال:
ينظر إلى ما صار إليه من غلة البستان من يوم تزوجها فيعطيها نصفه ويعطيها نصف
البستان، إلا أن تعفو فيقبل منه ويصطلحا على شيء ترضى به منه، فإنه أقرب
للتقوى (1).
وفي عدة من الأخبار أن لها نصف ما سمى (2). والمسألة عندي محل إشكال
وإن كان القول الأول لا يخلو عن رجحان ما، إلا أنه لابد للتوقف في النماء،
لتعارض الروايتين المعتبرتين وكذا الآية.
الرابعة: إذا طلق الزوج قبل الدخول وكان قد سمى لها مهرا رجع إليه نصف
المهر واستقر ملكه عليه، ويدل على التنصيف الآية والأخبار الكثيرة (3) وقد مر
الخلاف في أنه هل يخرج من ملكه إلى ملك المرأة ثم يرجع إليه النصف بعد
الطلاق أم لا يخرج عن ملكه بسبب العقد سوى النصف؟
ثم إن لم يسلمه إليها فإن كان دينا في ذمته برئ نصفه وبقي النصف في ذمته،
وإن كان عينا باقية إلى حين الطلاق من غير زيادة ولا نقصان استحقت نصفها، وإن
زادت متصلة فإن كان بفعل الله تعالى فلها النصف على القول المشهور، وإن كان
بفعل الزوج كما لو صبغ الثوب لم يبعد أن يكون كذلك، وإن نقصت كان النقص
مضمونا عليه على المشهور، وإن تلفت رجعت عليه بقيمة النصف أو مثله.
وإن سلمه إليها فإن وجده تالفا رجع بنصف مثله إن كان مثليا وبقيمة نصفه إن
كان قيميا عند الأكثر، ويحتمل الرجوع إلى نصف قيمته، ولعل الأول أقرب. وكذا
الكلام في كل موضع ترجع إلى القيمة عوض النصف.
وإن اختلف قيمته يوم العقد ويوم القبض فالمشهور أنه يرجع إلى أقل
الأمرين، وهو غير بعيد.

(1) الفقيه 3: 431، ح 4491.
(2) الوسائل 15: 61، الباب 51 من أبواب المهور.
(3) الوسائل 15: 61، الباب 51 من أبواب المهور.
229

وعلى المشهور في حكم التلف ما لو انتقل من ملكه انتقالا لازما كالبيع والهبة
اللازمة وإن عادت العين بعد أخذه العوض. وإن كان الانتقال غير لازم لها لم يبعد
القول بتخييرها بين الرجوع فيرجع في العين، وعدمه فينتقل إلى البدل.
ولو تصرفت فيه تصرفا غير ناقل للعين كالرهن والإجارة فالظاهر أنه يتخير
بين الصبر إلى الفك وتعجيل أخذ البدل.
وإن وجد العين ناقصة فإن كان نقصان عين كعور الدابة أو صنعة كنسيان
الصنعة ففي كيفية رجوعه أقوال:
أحدها: أن الزوج يتخير بين الرجوع بنصف القيمة وبين أخذ نصف العين من
غير أرش، وهو قول الشيخ في المبسوط (1).
وثانيها: أنه يرجع بنصفها ونصف الأرش كذا حكي. وكان الأولى أن يقال:
أرش النصف.
وثالثها: التفصيل بأن النقص إن كان من فعلها أو بفعل الله يتخير بين أخذ نصفه
ناقصا وبين تضمينها نصف قيمته، وإن كان بفعل أجنبي لم يكن له سبيل إلا على
المهر وضمنه نصف القيمة يوم قبضه.
وإن كان نقصان جزء كما إذا أصدقها عبدين فتلف أحدهما في يدها فأوجه.
وإن كان النقصان بحسب القيمة مع بقاء العين يرجع بنصف العين خاصة بلا إشكال.
وإن وجد العين زائدة فإن كانت الزيادة بسبب السوق أخذ نصف العين وإن
كانت منفصلة كالولد واللبن والثمرة والكسب فالمشهور أنها للمرأة، ولي فيه
توقف أشرنا إليه.
وإن كانت متصلة سواء كانت الزيادة عينا كالسمن، أو صفة كتعليم الصنعة
وقصارة الثوب، أو عينا من وجه وصفة من وجه آخر كصبغ الثوب فإن قلنا: إن
المرأة لا تملك من الصداق بالعقد إلا النصف كان حكمها حكم الزيادة في
الأموال المشتركة.

(1) المبسوط 4: 277.
230

وإن قلنا: إنها تملك الصداق بالعقد كما هو المشهور ففيه أقوال:
أحدها: أنها تتخير بين دفع نصف العين المشتمل على الزيادة وبين بذل نصف
القيمة مجردة عنها. فإن سمحت ببذل العين فهل يجبر على القبول؟ فيه وجهان.
وثانيها: أن له نصف قيمته من غير زيادة.
وثالثها: أنها تجبر على دفع العين.
وإن وجدها زائدة وناقصة من جهتين قيل: تتخير المرأة بين دفع قيمة النصف
مجردة عن الزيادة والنقيصة وبين دفع نصف العين مع أرش النقص (1).
ولو كان الصداق ثوبا فخاطته قميصا قيل: للزوج إلزامها بنصف القيمة (2).
ولو كان الصداق حيوانا حاملا وشرط دخول الحمل أو قلنا بدخوله تبعا
فالأقرب أنه يرجع بنصف الولد، للآية وموثقة زرارة (3).
ولو كان الصداق تعليم صنعة أو سورة مثلا فعلمها ثم طلقها قبل الدخول رجع
بنصف قيمة التعليم، ولو كان الطلاق قبل التعليم وكان له نصف عرفا وأمكن
استيفاؤها له كنصف سورة مثلا ولم يكن مانع شرعي من ذلك فالأقرب أن عليه
نصف التعليم، وإلا كان عليه قيمة النصف.
ولو أبرأته من الصداق رجع بنصفه على الأشهر الأقوى.
ولو أعطاها بدل المهر عبدا آبقا أو شيئا آخر ثم وقع الطلاق قبل الدخول كان
الرجوع بمثل نصف المسمى أو قيمته.
ولو أمهر مدبرا أو مدبرة ثم طلقها قبل الدخول صارت بينهما نصفين، وهل
يبطل التدبير في كله أم يبقى التدبير في النصف الذي له؟ فيه قولان، والأول أقرب
وأشهر.
ولو طلقها بائنا ثم تزوجها في العدة بمهر جديد ثم طلقها قبل الدخول كان لها
نصف المهر عندنا، خلافا لبعض العامة. ولو وهبت نصفها مشاعا ثم طلقها قبل

(1) المبسوط 4: 278.
(2) انظر المبسوط 4: 276.
(3) البقرة: 237، الوسائل 15: 43، الباب 34 من أبواب المهور، ح 1.
231

الدخول فالأقرب أن له الباقي ولم يرجع عليها بشيء من البدل. وفي المسألة
وجهان آخران:
أحدهما: أن له نصف الباقي وهو الربع مع ربع بدل الجملة.
وثانيهما: تخييره بين أخذ نصف بدل الجملة وترك الباقي وبين أخذ نصف
الباقي وهو الربع مع ربع بدل الجملة. ولو كان المهر دينا فليس فيه إلا الوجه الأول.
ولو وهبته نصفا معينا فإن له نصف الباقي ونصف بدل ما وهبته.
ولو تزوجها بعبدين فتلف أحدهما فالذي ذكره الأصحاب أنه رجع عليها
بنصف الموجود ونصف قيمة الفائت. وللشافعية هنا وجهان آخران.
ولو أصدقها عبدا فأعتقه ثم طلقها قبل الدخول فعليها نصف قيمته، ولو دبرته
فالأقرب أنه يرجع إلى الزوج نصفه ولا يمنع ذلك التدبير. وقيل: إنها بالخيار في
الرجوع والإقامة على تدبيره، فيأخذ الزوج النصف على الأول والقيمة على الثاني (1).
ولو رجعت في التدبير بعد دفع نصف القيمة قيل: كان له العود في العين (2). وتردد
فيه بعضهم (3).
الخامسة: لو ارتد الزوج عن فطرة قبل الدخول فعلى القول بأن الصداق يملك
بالعقد كان لها جميع المهر، لعدم ما يقتضي التشطير.
السادسة: لو مات الزوج ولم يدخل بها فالأكثر على استقرار جميع المهر
بذلك. وعن الصدوق في المقنع أن لها النصف (4) والمسألة مشكلة جدا، لاختلاف
الأخبار وصحتها من الجانبين.
فمما يدل على التنصيف ما رواه الكليني والشيخ عن محمد بن مسلم في
الصحيح عن أحدهما (عليهما السلام) في الرجل يموت وتحته امرأة لم يدخل بها؟ قال: لها
نصف المهر ولها الميراث كاملا وعليها العدة كاملة (5).

(1) حكاه في الشرائع 2: 331.
(2) حكاه في المسالك 8: 280.
(3) الشرائع 2: 332.
(4) المقنع: 108.
(5) الكافي 6: 118، ح 1، التهذيب 8: 144، ح 499.
232

وما رواه الكليني عن صفوان عن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح عن
رجل عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: [في] المتوفى عنها زوجها ولم يكن دخل
بها: إن لها نصف الصداق، ولها الميراث، وعليها العدة (1).
وعن أبي عبيدة الحذاء في الصحيح قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن غلام
وجارية زوجهما وليان لهما يعني غير الأب وهما غير مدركين؟ فقال: النكاح
جائز وأيهما أدرك كان على الخيار، وإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث لهما ولا
مهر. إلى أن قال: فإن كان الذي أدرك قبل الجارية ورضي بالنكاح ثم مات قبل أن
تدرك الجارية أترثه؟ قال: نعم يعزل ميراثها منه حتى تدرك. إلى أن قال: ثم يدفع
إليها الميراث ونصف المهر (2).
وعن عبيد بن زرارة في الموثق بابن بكير وابن فضال قال: سألت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن امرأة هلك زوجها ولم يدخل بها؟ قال: لها الميراث وعليها العدة
كاملة وإن سمى لها مهرا فلها نصفه، وإن لم يكن سمى لها مهرا فلا مهر لها (3).
ورواه الصدوق بإسناده عن عبيد بن زرارة (4) ولا يبعد إلحاقه بالصحاح.
وعن عبيد بن زرارة في الموثق بابن بكير وابن فضال قال: سألت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن رجل تزوج امرأة ولم يدخل بها؟ قال: إن هلكت أو هلك أو طلقها
فلها نصف المهر وعليها العدة كاملا (5).
ورواه الشيخ عن صفوان في الصحيح عن عبد الله بن بكير عن عبيد
ابن زرارة (6).

(1) الكافي 6: 118، ح 3.
(2) الوسائل 15: 71، الباب 58 من أبواب المهور، ح 2.
(3) الوسائل 15: 72، الباب 58 من أبواب المهور، ح 4.
(4) الفقيه 3: 507، ح 4780.
(5) الوسائل 15: 72، الباب 58 من أبواب المهور، ح 3.
(6) التهذيب 8: 144، ح 500.
233

وعن الحلبي في الحسن بإبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن لم يكن دخل
بها وقد فرض لها مهرا فلها نصف ما فرض لهما، ولها الميراث وعليها العدة (1).
وروى الشيخ في الصحيح عن الحلبي عنه (عليه السلام) مثله (2).
وعن زرارة في الحسن بإبراهيم قال: سألته عن المرأة تموت قبل أن يدخل
بها؟ قال: أيهما مات فللمرأة نصف ما فرض لها، وإن لم يكن فرض لها فلا مهر
لها (3). ورواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب مثله (4).
وفي الصحيح عن الحسن الصيقل وأبي العباس عن أبي عبد الله (عليه السلام) في المرأة
يموت عنها زوجها؟ قال: لها نصف المهر ولها الميراث وعليها العدة (5).
وما رواه الصدوق عن جميل بن صالح في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) في
حديث اختين اهديتا إلى أخوين إلى أن قال: قيل: فإن ماتتا؟ قال: يرجع
الزوجان بنصف الصداق على ورثتهما ويرثانهما الزوجان. قيل: فإن مات
الزوجان وهما في العدة؟ قال: ترثانهما ولهما نصف المهر (6).
ويدل عليه أيضا ما رواه الكليني عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه
قال في امرأة توفت قبل أن يدخل بها ما لها من المهر وكيف ميراثها؟ فقال: إن كان
فرض لها صداقا فلها نصف المهر وهو يرثها وإن لم يكن فرض لها صداقا فلا
صداق لها. وفي رجل توفي قبل أن يدخل بامرأته؟ قال: إن كان فرض لها مهرا
فلها نصف المهر وهي ترثه، وإن لم يكن فرض لها مهرا فلا مهر لها وهو يرثها (7).
ورواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب - وظاهره الصحة - عن فضالة

(1) الوسائل 15: 72، الباب 58 من أبواب المهور، ح 6.
(2) التهذيب 8: 144، ح 501.
(3) الوسائل 15: 72، الباب 58 من أبواب المهور، ح 7.
(4) التهذيب 8: 146، ح 509.
(5) الوسائل 15: 74، الباب 58 من أبواب المهور، ح 12.
(6) الفقيه 3: 422، ح 4469.
(7) الكافي 6: 119، ح 6.
234

عن أبان عن أبي يعفور مثله، إلا أنه اقتصر على المسألة الاولى (1).
وما رواه الكليني عن عبيد بن زرارة وفضل بن أبي العباس قالا: قلنا لأبي
عبد الله (عليه السلام): ما تقول في رجل تزوج امرأة ثم مات عنها وقد فرض لها الصداق؟
قال: لها نصف الصداق وترثه من كل شيء، وإن ماتت فهو كذلك (2).
ورواه الشيخ بإسناد آخر عنهما وعن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) مثله (3).
وعن عبيد بن زرارة في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) في المتوفى عنها زوجها
ولم يدخل بها: إن كان قد سمى لها مهرا فلها نصفه وهي ترثه، وإن لم يكن سمى لها
مهرا فلا مهر لها وهي ترثه. قلت: والعدة؟ قال: كف عن هذا (4). إلى غير ذلك من
الأخبار كرواية اخرى لعبيد بن زرارة (5) ورواية لزرارة (6) ومرسلة عبد الله بن بكير (7).
ويؤيده ما في حديث الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): إذا التقى الختانان
وجب المهر (8).
وفي حديث داود بن سرحان عنه (عليه السلام): إذا أولجه فقد وجب الغسل والجلد
والرجم ووجب المهر (9).
وفي حديث يونس بن يعقوب عنه (عليه السلام): لا يوجب المهر إلا الوقاع في الفرج (10).
ومما يدل على أن [لها] المهر كاملا ما رواه الشيخ عن الحلبي في الصحيح
عن أبي عبد الله (عليه السلام) في المتوفى عنها زوجها إذا لم يدخل بها: إن كان فرض لها

(1) التهذيب 8: 147، ح 510.
(2) الكافي 6: 119، ح 7.
(3) التهذيب 8: 147، ح 511.
(4) الوسائل 15: 74، الباب 58 من أبواب المهور، ح 11.
(5) الوسائل 15: 74، الباب 58 من أبواب المهور، ح 14.
(6) الوسائل 15: 74، الباب 58 من أبواب المهور، ح 15.
(7) الوسائل 15: 74، الباب 58 من أبواب المهور، ح 16.
(8) الوسائل 15: 75، الباب 58 من أبواب المهور، ح 17.
(9) الوسائل 15: 75، الباب 58 من أبواب المهور، ح 18.
(10) الوسائل 15: 75، الباب 58 من أبواب المهور، ح 19.
235

مهرا فلها مهرها الذي فرض لها، ولها الميراث، وعدتها أربعة أشهر وعشر كعدة
التي دخل بها (1) الحديث.
وعن زرارة في الضعيف مثله (2) وعن أبي بصير في الضعيف مثله (3).
وعن منصور بن حازم في الصحيح قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل
تزوج المرأة فيموت عنها قبل أن يدخل بها؟ قال: لها صداقها كاملا
وترثه (4) الحديث.
وعن منصور بن حازم في الموثق قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل تزوج
امرأة وسمى لها مهرا ثم مات عنها ولم يدخل بها؟ قال: لها المهر كاملا ولها
الميراث. قلت: فإنهم رووا عنك أن لها نصف المهر؟ قال: لا يحفظون عني، إنما
ذلك للمطلقة (5).
ويعضد هذه الأخبار الآية، لكن أخبار التنصيف أكثر وأشهر بين القدماء،
لاشتمال كل من الكتب الأربعة على بعضها، بخلاف الأخبار المعارضة، فإنه لم
يروها إلا الشيخ (رحمه الله)، فلا يبعد ترجيح أخبار التنصيف وحمل ما دل على لزوم
المهر كله على التقية، فإن ذلك قول أكثر العامة.
ولو ماتت الزوجة قبل الدخول فالأكثر على استقرار تمام المهر بذلك، ويدل
عليه ظاهر الآية. وذهب جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في النهاية والتهذيب
إلى أن لأوليائها نصف المهر (6). وهو أقرب، لاستفاضة الروايات بذلك - كما مرت -
من غير معارض من جهة الأخبار.

(1) الوسائل 15: 76، الباب 58 من أبواب المهور، ح 22.
(2) الوسائل 15: 76، الباب 58 من أبواب المهور، ذيل الحديث 22.
(3) الوسائل 15: 76، الباب 58 من أبواب المهور، ذيل الحديث 22.
(4) الوسائل 15: 76، الباب 58 من أبواب المهور، ح 23.
(5) الوسائل 15: 77، الباب 58 من أبواب المهور، ح 24.
(6) النهاية 2: 323، التهذيب 8: 148.
236

السابعة: للمرأة العفو عما لها من النصف فكان الجميع للزوج، لقوله تعالى:
(إلا أن يعفون) (1) واتفق العلماء على أن الذي بيده عقدة النكاح له أن يعفو عن
المهر في الجملة واختلفوا فيه من هو؟ فذهب أصحابنا وجماعة من العامة إلى أنه
ولي المرأة، وذهب آخرون منهم إلى أنه الزوج.
ثم اختلف أصحابنا في اختصاصه بالأب والجد وتعديته إلى من توليه المرأة
أمرها فذهب إلى كل فريق، ولعل الترجيح للقول الثاني، عملا بالخبر الصحيح
وهي: صحيحة أبي بصير المنقولة عن سماعة في الموثق أيضا (2). وقريب منها
حسنة الحلبي (3) وروى ابن بابويه بإسناده عن الحلبي وأبي بصير وسماعة كلهم
عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله (4). وفي الرواية ذكر الموصى إليه أيضا.
ولا يجوز للمولى أن يعفو عن الكل، لصحيحة رفاعة (5). ولا فرق مع إبقاء
بعضه بين القليل والكثير. ولا فرق في جواز عفوه بين كونه مصلحة للمولى عليه
وعدمه، لإطلاق النص. ويشترط كونه بعد الطلاق الواقع قبل الدخول، وقوفا على
موضع الدلالة. ولا يجوز لولي الزوج العفو عن شيء من حقه بعد الطلاق، لأنه
منصوب لمصلحته. فيقتصر في الحكم المخالف لذلك على مورده.
واعلم أنهم قالوا: ليس العفو الموجب لبراءة كل من الزوجين من حق الآخر
سببا تاما في ذلك مطلقا، بل قد يتوقف الانتقال والبراءة على شيء آخر وقد لا
يتوقف، فلو كان الحق دينا في ذمة الزوج وعفت المرأة أو بالعكس حصلت البراءة
بمجرد عفوها أو عفوه بلفظ العفو والإبراء والإسقاط والترك والهبة والتمليك وما
شاكل ذلك، ولا يشترط القبول على الأقوى. ولو كان عينا في يده أو يدها وكان

(1) البقرة: 237.
(2) الوسائل 15: 62، الباب 52 من أبواب المهور، ح 1.
(3) الوسائل 15: 62، الباب 52 من أبواب المهور، ذيل الحديث 1.
(4) الفقيه 3: 506، ح 4778.
(5) الوسائل 14: 213، الباب 8 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، ح 3.
237

العافي غير من في يده الحق كان هبة لابد من لفظ دال عليها كلفظ التمليك والعفو
على الأقوى لا الإبراء والإسقاط.
ويشترط أيضا قبول المتهب عند الأصحاب، ولا يشترط قبض جديد لأنه
في يده ولا مضي مدة يمكن فيها قبض من هي في يده، خلافا للشيخ (1) ويلحقه
سائر أحكام الهبة. وكذا لو كان عينا في يد أحدهما وكان العافي من في يده لحقه
أحكام الهبة، فيزيد هنا اشتراط الإقباض. ولو كان دينا في ذمته وكان هو العافي
فقطعوا بأنه لا ينتقل بلفظ الإبراء وينتقل بلفظ الهبة بشرط التسليم، وفي لفظ العفو
وجهان. وظاهر بعضهم عدم اشتراط القبول.
وصرح بعضهم باشتراط تمييزه بعينه أولا ثم إيقاع صيغة الهبة والقبول بعدها
والقبض إن وقع بصيغة التمليك أو الهبة، وإن وقع بلفظ العفو احتمل الاجتزاء به،
وإن كان دينا لم يفتقر إلى تعيينه وتسليمه بعد ذلك ثم استوجه اشتراط القبول (2).
ولو كان دينا في ذمتها وتكون هي العافية فحكمه كالسابقة، وفي افتقاره إلى
العقد بعد التعيين قولان فيهما.
واعلم أن الأظهر عندي في تفسير قوله تعالى: (فنصف ما فرضتم) (3) يعني
فالواجب لها أو حقها نصف ما فرضتم، والمراد بالعافي المرأة أو بعض أوليائه وإن
رجح بعض أصحابنا الاحتمال الآخر، فمقتضى الآية على هذه ثبوت النصف لها
إلا مع العفو، فمتى صدق العفو من جانبها أو من وليها انتفى النصف عنها.
والظاهر أنه لا يشترط القبول في تحقق مسمى العفو لغة وعرفا ولا حقيقة
شرعية في ذلك، فإن لم يثبت إجماع على اعتباره كان القول بانتفائه متجها.
الثامنة: لو شرط في العقد أمرا مخالفا للمشروع مثل أن لا يتزوج عليها أو لا
يتسرى، أو شرط تسليم المهر في أجل فإن لم يسلمه كان العقد باطلا، فالمشهور

(1) المبسوط 4: 306.
(2) المسالك 8: 272.
(3) البقرة: 237.
238

بين الأصحاب صحة العقد وفساد الشرط، حتى قال في المسالك: ظاهرهم هنا
الاتفاق على صحة العقد، لأنهم لم ينقلوا فيه خلافا (1).
وقال الشيخ في المبسوط: ولا يفسد المهر عندنا (2). وهو ظاهر في الاتفاق عليه.
وصحة المهر إنما يكون مع صحة العقد، لكن العلامة في المختلف حكى عن
الشيخ في المبسوط أنه قال: إن كان الشرط يعود بفساد العقد مثل أن تشرط
الزوجة عليه أن لا يطأها فإن النكاح باطل، لأنه شرط يمنع المقصود بالعقد. ثم
قال: والوجه عندي ما قاله الشيخ في المبسوط من بطلان العقد والشرط معا (3).
وما ذكره متجه، لبطلان الشرط وعدم الرضى بدونه، إلا أن صحيحة محمد بن
قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قضى علي (عليه السلام) في رجل تزوج امرأة وأصدقها
واشترطت أن بيدها الجماع والطلاق؟ قال: خالفت السنة وولت الحق من ليس
بأهله. قال: فقضى أن على الرجل النفقة وبيده الجماع والطلاق وذلك السنة (4).
وروى محمد بن قيس في الصحيح أيضا عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قضى
أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل تزوج المرأة إلى أجل مسمى فإن جاء بصداقها إلى
أجل مسمى فهي امرأته، وإن لم يجئ بالصداق فليس له عليها سبيل، شرطوا بينهم
حيث أنكحوا، فقضى أن بيد الرجل بضع امرأته وأحبط شرطهم (5). والوجه الوقوف
على مورد الرواية في الحكم بالصحة والقول ببطلان العقد في غيره. وفي المسألة
وجه بصحة العقد دون المهر، لأن الشرط كالجزء من أحد العوضين وبفساده يفوت
بعض العوض أو المعوض، وقيمته مجهولة فيجهل الصداق ويثبت مهر المثل، إلا أن
يزيد المسمى عنه والشرط لها، أو ينقص والشرط عليها، فيجب المسمى. وهو
احتمال ضعيف.

(1) المسالك 8: 245.
(2) المبسوط 4: 303.
(3) المختلف 7: 150.
(4) الوسائل 15: 40، الباب 29 من أبواب المهور، ح 1 وذيله.
(5) الوسائل 15: 20، الباب 10 من أبواب المهور، ح 2.
239

ولو شرط أن لا يفتضها ففيه أقوال:
أحدها: جواز العقد والشرط مطلقا.
وثانيها: اختصاص لزوم الشرط بالنكاح المنقطع وبطلان العقد في الدائم.
وثالثها: بطلان الشرط فيهما وصحة العقد.
ورابعها: بطلان الشرط وصحة العقد في الدائم وصحتهما في المنقطع.
ولعل القول الأول أقرب، لرواية عمار بن مروان في المتعة (1). ورواية سماعة
في الدائم (2). والروايتان معتضدتان بقوله (عليه السلام): المؤمنون عند شروطهم (3).
والروايتان تدلان على جواز اشتراط عدم الوطء مطلقا وإن لم يكن بطريق
الافتضاض، ويدل على خصوص الافتضاض رواية إسحاق بن عمار (4).
ولو أذنت بعد اشتراط العدم ففي جواز ذلك وجهان، أقربهما الجواز، لرواية
إسحاق بن عمار.
ولو شرط أن لا يخرجها من بلدها قيل: يلزم (5). وقيل: يصح العقد ويبطل الشرط (6).
والأول أقرب، للرواية، وهي: صحيحة أبي العباس عن أبي عبد الله (عليه السلام) (7).
ولو شرط لها مهرا إن أخرجها إلى بلاده وأقل منه إن لم يخرج معه فأراد
إخراجها إلى بلد الشرك لم يجب إجابته ولزم الزائد وإن أخرجها إلى بلد الإسلام
كان الشرط لازما، وهذا هو المشهور بين الأصحاب، لحسنة علي بن رئاب (8).
وتردد فيه بعضهم (9).

(1) الوسائل 14: 491، الباب 36 من أبواب المتعة، ح 1.
(2) الوسائل 15: 45، الباب 36 من أبواب المهور، ح 1.
(3) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور، ح 4.
(4) الوسائل 15: 45، الباب 36 من أبواب المهور، ح 2.
(5) المختصر النافع: 190.
(6) السرائر 2: 590.
(7) الوسائل 15: 49، الباب 40 من أبواب المهور، ح 1.
(8) الوسائل 15: 49، الباب 40 من أبواب المهور، ح 2.
(9) الشرائع 2: 330.
240

ولو شرط الخيار في النكاح فالأقوى بطلان النكاح، خلافا لابن إدريس (1)
ولو شرط في المهر فالمشهور صحة العقد والمهر والشرط.
التاسعة: لو أصدقها تعليم سورة كان حده أن تستقل بالقراءة ولا يكفي تتبعها
نطقه، والمعتبر استقلالها بجملة منها يصدق عليها اسم التعلم فلا يكفي نحو الكلمة
والكلمتين، ويظهر من جماعة من الأصحاب الاكتفاء بالآية (2). فلو استقلت بها ثم
اشتغلت بغيرها فنسيت الاولى برئت ذمته من الاولى، واعتبر بعضهم ثلاث
آيات (3). والأجود الرجوع إلى العرف كما رآه بعض الأصحاب (4).
ثم إن كان الشرط التعلم من ظهر القلب اعتبر استقلالها بحيث يصدق الحفظ
عرفا، وإن كان المراد التدرب على قراءته من المصحف اعتبر ذلك، فإن كان
العرف منضبطا في تحديد الشرط حمل عليه، وإلا فالأحوط اعتبار ضبطه على
وجه يرفع الإبهام.
ولو تعلمت السورة المعينة من غيره فعليه اجرة مثل ذلك التعليم، وكذا لو مات
أحدهما قبل التعليم وشرط تعليمه بنفسه أو تعذر تعليمها لمانع أو أمكن بعسر
شديد زائد على المعتاد.
العاشرة: المعروف من مذهب الأصحاب جواز الجمع بين نكاح وبيع في عقد
واحد ويقسط العوض على الثمن ومهر المثل، ويجوز إضافة غيرهما إليهما
كالإجارة وغيرها.
وإذا تزوج امرأة واشترى منها دينارا بدينار فقد جمع بين نكاح وصرف في
عقد واحد. واختلف الأصحاب في ذلك، فمنهم من أبطل عقد الصداق والصرف
وصحح النكاح بغير مهر، فثبت مهر المثل بالدخول زعما منهم أن ذلك عقد يوجب

(1) السرائر 2: 575.
(2) منهم الشيخ في المبسوط 4: 274، التحرير 2: 31 س 27، جامع المقاصد 13: 347.
(3) إيضاح الفوائد 3: 195 - 196.
(4) المسالك 8: 276.
241

الربا (1). ومنهم من أبطل الصرف خاصة دون الصداق (2) نظرا إلى أن الدينار في
مقابلة الدينار والبضع، فيكون لكل منهما منه ما يقتضيه التقسيط، واللازم من ذلك
بطلان الصرف خاصة وصحة النكاح بما يقتضيه تقسيط الدينار على مهر مثلها
وعلى الدينار. ولعل هذا أجود.
ولو اختلف الجنس بأن كان المنضم إليها درهما بالدينار صح الصرف
والنكاح، لكن يعتبر التقابض في المجلس، نظرا إلى الصرف، فلو تفرقا قبل القبض
بطل فيما يقابل الدرهم من الدينار وصح في القسط الذي اقتضاه المهر من
التقسيط.
الحادية عشر: المشهور بين أصحابنا جواز الإبراء من المجهول، لأنه إسقاط
حق لا معاوضة حتى يعتبر فيه ما يعتبر فيها، ومثله هبة المجهول الذي أمكن
تسليمه، وتردد الشيخ في المبسوط ثم قوى الجواز، لكن بشرط كون الحق
مجهولا للمستحق ولمن عليه (3). فلو كان من عليه الحق عالما بقدره والمستحق
غير عالم بحيث لو علم منه ما يعلمه المديون لما أبرأه لم يصح.
ويتفرع على ذلك ما لو تزوجها على مهر غير معلوم مع كونه مشاهدا فتلف
قبل القبض فالطريق إلى التخلص منه الصلح أو الإبراء منه على القول بجواز
الإبراء من المجهول. ولو طلقها قبل الدخول انسحب حكم الجميع في النصف.
ولو تزوجها بمهر فاسد ودخل بها فاستقر لها مهر المثل فأبرأته منه أو من
بعضه صح وإن لم يعلم كميته، لأن الجهالة غير قادح في إسقاط الحق، ولو أبرأته
من مقدار منه معين كعشرة دنانير مع جهلها بمجموعه صح أيضا إذا علمت اشتمال
مهر المثل عليه، ويحتمل عدم اعتبار ذلك، بل إن كان بقدرها وأزيد صح إبراء ما
عين، وإن كان أنقص لغا الإبراء من الزائد، وكذا لو كان المهر معينا في العقد
فنسيت مقداره.

(1) المبسوط 4: 289.
(2) انظر جامع المقاصد 13: 386.
(3) المبسوط 4: 312.
242

ولو أبرأته من مهر المثل قبل الدخول في المفوضة ومن مهرها فاسد
على القول بعدم ثبوت مهر المثل في الثاني قبل الدخول لم يصح، لأنه إبراء
قبل الاستحقاق.
الثانية عشر: إذا زوج الأب ولده الصغير وكان للولد مال فالمهر على الولد،
وإلا فعلى الوالد، ولا نعلم في ذلك خلافا بين الأصحاب، للأخبار الدالة عليه (1).
واستثنى في التذكرة من الحكم بضمان الأب له على تقدير فقر الابن ما لو صرح
الأب بنفي الضمان (2). ويدفعه إطلاق النص والفتوى.
ولو مات الأب على تقدير إعسار الولد اخرج المهر من أصل تركته، سواء بلغ
الولد وأيسر قبل موت الوالد أم لا.
ولو كان الولد مالكا لبعض المهر دون بعض لزم الابن بنسبة ما يملكه والباقي
على الأب.
ولو كان الولد مالكا لما لا يصرف في الدين كدار السكنى ودابة الركوب تعلق
المهر بذمته ولا يحكم بوفاء الدين من هذه الأشياء. وكل موضع لا يضمن الأب لو
أداه تبرعا لم يرجع.
ولو ضمنه صريحا تعلق المهر بذمته، فلو أدى بعد ذلك هل يرجع أم لا؟ ففي
موضع من التذكرة قطع بعدم الرجوع (3). وفي موضع جوز الرجوع إذا قصد
بالضمان الرجوع (4).
ومورد النص الأب، وفي تعدي الحكم إلى الجد وجهان.
وإذا دفع الأب المهر عن الصغير عند إعساره أو مع يساره تبرعا وبلغ الصبي
وطلق قبل الدخول فهل يرجع النصف إلى الأب أو إلى الابن؟ فيه وجهان،

(1) الوسائل 15: 39، الباب 28 من أبواب المهور.
(2) التذكرة 2: 609 س 8.
(3) التذكرة 2: 609 س 17.
(4) التذكرة 2: 609 س 11.
243

والأشهر الثاني. وإذا لم يدفعه فهل برئ ذمة الأب عن النصف في صورة الإعسار؟
به قطع الشيخ في المبسوط (1) والعلامة في القواعد (2) واستشكله بعض
الأصحاب (3).
ولو دفع الأب المهر عن الولد الكبير تبرعا ثم طلقها قبل الدخول ففي عود
النصف إلى الدافع أو إلى الزوج قولان.
الثالثة عشر: إذا اختلف الزوجان في أصل المهر بأن ادعت الزوجة عليه
المهر، فقال: لا مهر لك عندي، من غير أن يتعرضا للقدر أو التسمية وعدمها فقد
أطلق جماعة من الأصحاب أن القول قول الزوج مطلقا (4) حتى توهم بعضهم أنه
اتفاقي (5).
فإذا كان ذلك قبل الدخول فهذا الحكم فيه متجه، وإذا كان بعد الدخول
فاستشكل الحكم فيه بأن العقد إن اشتمل على مهر كان هو اللازم، وإلا لزم مهر
المثل. وقد يوجه البراءة بما لا يقتضي التعميم.
وأوجب عليه بعضهم مهر المثل وهو اختيار العلامة في الإرشاد (6). وفي
التحرير: أنه يستفسر هل سمى أم لا؟ فإن ذكر تسمية كان القول قوله مع اليمين،
وإن ذكر عدمها لزم مهر المثل، وإن لم يجب بشيء حبس حتى يبين (7). وتنظر فيه
بعض الأصحاب من وجوه (8).
وقال في القواعد: التحقيق أنه إن أنكر التسمية صدق باليمين، لكن يثبت عليه
قبل الدخول مع الطلاق المتعة، ومع الدخول مهر المثل، والأقرب أن دعواها إن
قصرت عنهما ثبت ما ادعته، ولو أنكر الاستحقاق عقيب دعواها إياه أو دعواها

(1) المبسوط 4: 292 و 293.
(2) القواعد 3: 87.
(3) انظر المسالك 8: 288.
(4) السرائر 2: 582، الشرائع 2: 333، التنقيح 3: 248.
(5) حكاه في المسالك 8: 298.
(6) الإرشاد 2: 18.
(7) التحرير 2: 39، س 12.
(8) المسالك 8: 293.
244

التسمية فإن اعترف بالنكاح فالأقرب عدم سماعه (1) وفيه إجمال في البيان
وإخلال بذكر بعض الأقسام.
وفي المسالك: إن تحرير القول يتم بفرض المسألة على أربعة أوجه:
أحدها: أن تدعي عليه الزوجة بالمهر مطلقا، فيقول: ليس لك عندي مهر.
الثاني: أن تدعي عليه المهر كذلك، فيقول: نعم لك عندي درهم مثلا.
الثالث: أن تدعي عليه أيضا مهرا، فيقول: ليس لك عندي مهر.
الرابع: أن تدعي عليه كذلك، فيقول: ما لك عندي سوى درهم مثلا. قال: وهذا
الرابع هو مسألة اختلافهما في القدر وسيأتي، والثلاثة الاول ترجع إلى اختلافهما
في أصل المهر.
قال: والذي أعتمده في هذه المسألة أن جوابه عقيب دعواها المهر مطلقا أو
مقدرا إذا وقع بنفيه مطلقا وكان مما يمكن في حقه البراءة بأن كان تزويجه مجهول
الأصل بالنسبة إلى مباشرة الأب له صغيرا ونحوه فالقول قوله مع يمينه، لأصالة
البراءة وإن كان الفرض نادرا.
وإن لم يحتمل تعلق المهر بذمة غيره ابتداءا بأن علم أنه كان عند تزويجه بها
بالغا حرا، فإن كان قبل الدخول حكم عليه بمقتضى التفويض، عملا بالأصل، فإن
طلق قبل الدخول لزمه المتعة إلا أن يزيد عن مدعاها إن حلفت على ذلك. وإن
مات أحدهما فلا شيء.
وإن كان ذلك بعد الدخول حكم عليه بمهر المثل مع يمينها إلا أن ينقص ما
تدعيه فيقتصر في الحلف عليه. ولو عدل قبل إثبات ذلك عليه إلى دعوى لا تنافي
الاولى بأن قال: كنا قد سمينا قدرا ولكن وصل إليها، أو أبرأتني منه، ونحو ذلك
سمعت الدعوى ويترتب عليه حكمها من قبول قوله في القدر وقبول قولها في عدم

(1) القواعد 3: 88.
245

القبض والإبراء. وإن وقع جوابه ابتداءا بالاعتراف بقدر معين قبل قوله فيه،
لأصالة البراءة من الزائد على إشكال في هذا القسم يأتي.
ولو استفسرا واتفقا على التسمية أو عدمها ورتب عليه حكمه كان حسنا، إلا
أنه غير متعين (1). انتهى كلامه.
وفي إرجاعه الثلاثة الاول إلى الاختلاف في أصل المهر تأمل، وكذا في قوله:
إن كان قبل الدخول حكم عليه بمقتضى التفويض، لأن الأصل عدم اشتغال ذمة
الزوج بشيء إلا بالقدر المتيقن ولم يثبت خصوص التفويض، فيجوز أن يكون
الواقع أقل من مهر المثل تسمية، ومع قيام الاحتمال لا يمكن الحكم، والتمسك
بأصل عدم التسمية ضعيف عندي، فإن مثل هذه الاصول لم يثبت عندي حجيته.
والتحقيق عندي أنه إذا اختلفا في قدر المهر بأن ادعته الزوجة وأنكره الزوج
سواء ادعت الزوجة مطلقا أو بالتعيين، فإن كان قبل الدخول فالقول قول الزوج
بيمينه، لأنه منكر، ومجرد العقد لا يقتضي اشتغال ذمة الزوج بشيء، وإن كان بعد
الدخول فعند الأكثر أن القول قول الزوج أيضا، وهو جيد، لما ذكر، لجواز أن يكون
المهر دينا في ذمة المرأة أو عينا في يدها، فالعقد لا يقتضي اشتغال ذمة الزوج
بشيء.
واستجوده بعض المتأخرين بشرط ثبوت عدم التفويض إما بإقرارهما أو
بالبينة أو ما في معناها (2). وهذا الكلام ضعيف عندي.
ولو اختلفا في قدره فالمشهور بين الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا أن القول
قوله مع يمينه وإن قدره بأقل ما يتمول، عملا بالخبر الصحيح المعتضد بالأصل،
وهو ما رواه الشيخ عن أبي عبيدة في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل تزوج
امرأة فلم يدخل بها فادعت بأن صداقها مائة دينار وادعى الزوج أن صداقها
خمسون دينارا وليس لهما بينة على ذلك؟ قال: القول قول الزوج مع يمينه (3).

(1) المسالك 8: 295.
(2) نهاية المرام 1: 409.
(3) التهذيب 7: 364، ح 1476.
246

ورواه الشيخ بإسناد آخر في الصحيح (1). ورواه الكليني في الحسن بإبراهيم
ابن هاشم (2).
وذكر بعض المتأخرين بعد حكمه بأن القول قول الزوج: هذا كله مع انتفاء
التفويض، أما مع احتماله وإطلاق الدعوى بالمهر فيمكن القول بثبوت مهر المثل
بعد الدخول، لأصالة عدم التسمية، فيحكم بكونها مفوضة ويجب لها بالدخول مهر
المثل، لكن هذه الأصالة معارضة بأصالة براءة الذمة من ثبوت مهر المثل إلا مع
تيقن السبب المقتضي له وهو الوطء بعقد غير مشتمل على التسمية، قال: ولا يبعد
ترجيح التمسك بأصالة البراءة، فإنه أقوى من التمسك باستصحاب عدم التسمية،
فيكون القول قول الزوج مع احتمال التفويض أيضا (3) انتهى.
وأنت خبير بأن التمسك بالاستصحاب في الامور الخارجية ضعيف لا وجه
له، فيكون الاحتمال المبني عليه ساقطا. وفي القواعد: وليس بعيدا من الصواب
تقديم من يدعي مهر المثل (4). فإن ادعى النقصان وادعت الزيادة تحالفا ورد إليه.
ولو ادعيا الزيادة المختلفة احتمل تقديم قوله، لأنه أكثر من مهر المثل.
ولو ادعيا النقصان احتمل تقديم قولها ومهر المثل، ولا وجه للخروج عن
النص الصحيح المعتضد بالأصل الصحيح وعمل الأصحاب.
ولو اتفقا على التفويض يترتب عليه حكمه من ثبوت مهر المثل مع الدخول
وعدم الفرض والمتعة مع الطلاق.
قيل: ولو ادعى أحد الزوجين التفويض والآخر التسمية فالأظهر أن القول
قول مدعي التفويض، لأصالة عدم التسمية (5). وفيه نظر.
وإذا اختلفا في صفة المهر كالصحيح والمكسر والجيد والردي فالقول قول

(1) التهذيب 7: 376، ح 1522.
(2) الكافي 5: 386، ح 3.
(3) نهاية المرام 1: 410.
(4) القواعد 3: 88.
(5) نهاية المرام 1: 410.
247

الزوج وإن كان بعد الدخول وأقل من مهر المثل. وهي المقطوع به في كلامهم عملا
بأصالة البراءة مما تدعيه.
وفي المسالك: لو قيل بالتحالف لأن كلا منهما ينكر ما يدعيه الآخر خصوصا
مع تصريح كل منهما بكون ما يدعيه هو الذي وقع عليه العقد كان وجها، فيثبت
مهر المثل إلا أن يزيد عما تدعيه المرأة أو ينقض عما يدعيه الزوج (1) انتهى.
والوجه الأول.
وألحق به بعض الأصحاب ما لو اختلفا في الحلول والتأجيل أو في تقدير
الأجل (2). واستشكل بأن الأصل عدم التأجيل وعدم زيادة الأجل عما تدعيه فهي
المنكرة وهو المدعي، فتقديم قوله فيهما ممنوع. وأنت خبير بما فيه،
فالوجه الإلحاق.
وألحق جماعة من الأصحاب الاختلاف في الجنس بالاختلاف في القدر كما لو
قالت المرأة: مائة دينار، فقال الزوج: بل مائة درهم (3). وهو حسن. وقيل: إن
الإشكال فيه أقوى ووجه التحالف فيه أقوى (4) إلا أن الأصحاب أعرضوا عنه رأسا.
ولو اعترف بالمهر وادعى إيفاءه ولا بينة فالمشهور أن القول قول المرأة مع
يمينها، لأنها هي المنكرة.
وفي رواية الحسين بن زياد الضعيفة الموقوفة: إذا دخل الرجل بامرأته ثم
ادعت المهر وقال الزوج: قد أعطيتك، فعليها البينة وعليه اليمين (5). ويشعر به
صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (6). وعمل بمضمونها ابن الجنيد فقدم قول الرجل

(1) المسالك 8: 300.
(2) الإيضاح 3: 242.
(3) المبسوط 4: 300، السرائر 2: 582، التحرير 2: 39 س 14.
(4) المسالك 8: 300.
(5) الوسائل 15: 15، الباب 8 من أبواب المهور، ح 7. وفيه: الحسن بن زياد عن أبي عبد الله.
(6) الوسائل 15: 15، الباب 8 من أبواب المهور، ح 8.
248

في البراءة من المهر بعد الدخول وقولها في ثبوته قبله (1). ولعل الموافق للاصول
الشرعية هو الأول.
ولو دفع إليها شيئا بقدر المهر أو أقل منه واختلفا فقال: دفعته صداقا أو من
الصداق. وقالت: بل دفعته هبة. فإن ادعت أنه نوى بالدفع الهبة من غير أن يتلفظ
بما يدل عليها فالقول قوله من غير يمين، وإن ادعت تلفظه بما يدل على الهبة
فالقول قوله مع اليمين، وكذا لو وقع لفظ يحتمل الهبة وغيرها وادعت: أنه قصد الهبة.
وإذا خلا بها فادعت المواقعة وأنكرها الزوج فإن أمكن له إقامة البينة كما لو
ادعت المواقعة في القبل وهي بكر فلا كلام، وإلا فالمشهور أن القول قول الزوج
مع يمينه، عملا بالأصل. وقيل: القول قول المرأة ترجيحا لظاهر الحال (2). ويمكن
الاستشهاد على الجانبين من جهة الأخبار.
وإذا اختلف الزوجان المتفقان على وقوع عقدي نكاح بينهما في وقتين أو مع
إقامة البينة على العقدين فادعى الزوج التكرار إما على وجه الاحتياط في
تصحيحه أو لغرض الإعلان أو غير ذلك وادعت المرأة أن كلا منهما عقد شرعي
فالمقطوع به في كلامهم تقديم قولها، عملا بالحقيقة الشرعية، واختلفوا في الذي
يلزمه بالعقدين على أقوال:
أولها: أنه يجب عليه مهران.
وثانيها: أنه يجب عليه مهر ونصف.
وثالثها: لزوم مهر واحد. وقوى بعضهم وجوب المهرين إلا أن يدعي عدم
الإصابة في الأول أو الطلاق فيلزمه مهر ونصف، أو يدعي الطلاق في الثاني أيضا
قبل الدخول فمهر واحد مجتمع منهما، أو يدعي الفسخ بأحد الأسباب الموجبة
لعدم المهر مع إمكانه فيجب المهر الثاني خاصة، أو يدعي الطلاق قبل الدخول في
الثاني فنصفه لا غير. قال: ولكن يشكل قبول دعواه الفسخ بالعيب، لأصالة عدمه،

(1) المختلف 7: 163.
(2) حكاه في نهاية المرام 1: 410.
249

وهذا بخلاف دعوى الطلاق، فإنه بفعله ويرجع فيه إليه، وأما الدخول فالأصل
عدمه، فلو سكت عن الدعوى ثبت المهران، كما أن المستودع مطالب بها ما دام
ساكتا فإن ادعى تلفا صدق بيمينه (1).

(1) المسالك 8: 205 - 206.
250

المطلب السادس
لكل من الزوجين حق على الآخر، فيجب على كل منهما القيام للآخر
بالحقوق التي له عليه من غير أن يحوج صاحبه إلى طلبها أو الاستعانة بغيره، وأن
لا يظهر الكراهة في تأدية الحق، وأن يكف عما يكرهه صاحبه من قول أو فعل
بغير حق.
ومن حقوق الزوج تمكين الزوجة من الاستمتاع وإزالة ما ينفر عنه، ومنه
عدم الخروج عن منزله بغير إذنه ولو إلى بيت أهلها وأقاربها حتى حضور ميتهم
أو تعزيتهم.
ومن حقوق الزوجة عليه القسمة بين الأزواج: حرا كان أو عبدا ولو كان عنينا
أو خصيا. قالوا: وكذا لو كان مجنونا، ويقسم عنه الولي.
وهل يجب القسمة على الزوج ابتداءا وإن لم يبتدئ به أو يجب بالشروع؟
المشهور الأول. وقيل بالثاني. وهو مختار الشيخ والفاضلين في المبسوط
والشرائع والتحرير (1) وهو المعتمد، للأصل السالم عما يصلح للمعارضة للعدم،
ولدلالة الأخبار على خلافه، وحديث التأسي ضعيف، لعدم ثبوت أن النبي (صلى الله عليه وآله)
فعل ذلك ابتداءا على سبيل الوجوب، مع كون المشهور أن القسمة لم يكن

(1) المبسوط 4: 325 - 326، الشرائع 2: 335، التحرير 2: 40 س 11.
251

عليه (صلى الله عليه وآله) وقوله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) (1) لا يقتضي ذلك، إذ يتحقق
بالإيناس والإنفاق وحسن الخلق وكفاية الحوائج وغيرها.
فعلى ما اخترناه لا يجب القسمة للزوجة الواحدة، بل يبيت عندها متى شاء
ويعتزلها متى شاء. وإن كانت له اثنتان جاز له ترك القسمة بينهما ابتداءا واعتزالهما
جميعا، فإن بات عند واحدة منهما ليلة وجب أن يبيت عند الاخرى ليلة وله
الليلتان الاخريان، ثم له بعد ذلك اعتزالهما وعدم المبيت عند واحدة منهما إلى أن
يبيت ليلة عند واحدة منهما فيجب مثل ذلك للاخرى، وهكذا.
وعلى القول المشهور حيث يجب القسمة ابتداءا لو كانت له واحدة وجب أن
يبيت عندها من الأربع ليلة واحدة وله من الدور ثلاث ليال يبيتها حيث شاء، فإذا
انقضت الأربع يبيت عندها ليلة. ومن كان له زوجتان فلكل واحدة منهما ليلة وله
ليلتان، وعلى هذا القياس فكلما فرغ استأنف دورة اخرى.
ولو كان عنده منكوحات لا قسمة لهن كالإماء، فعلى ما اخترناه من عدم
وجوب القسمة ابتداءا يجوز له أن يبيت عند واحدة ممن لا قسمة لها أو أزيد في
الليالي الأربع أو أزيد مساويا أو متفاضلا إلى أن يبيت ليلة عند مستحقة القسمة،
فيجب المبيت عند الباقيات من ذوات القسمة إن كانت عنده أزيد من واحدة، فإذا
ساوى بينهن جاز له العدول إلى من لا يستحق القسمة أو الاعتزال عنهن مطلقا إلى
أن يرجع إلى ذات القسمة.
وعلى القول المشهور لا يجوز أن يبيت عند من لا قسمة لها إلا في الفاضل
من دور القسمة، فلو كان عنده أربع منكوحات بالعقد الدائم لم يكن له أن يبيت
عند الأمة إلا بإذن صاحبة القسمة.
ولا يجوز الإخلال بالمبيت الواحد إلا مع العذر أو السفر أو إذنهن أو إذن
بعضهن فيما يختص الإذن به، وأقل القسمة بينهن ليلة ليلة. وهل يجوز أن يجعلها

(1) النساء: 19.
252

أزيد من ليلة؟ قيل: نعم (1). وقيل: لا (2). ولعل الأقرب الأول، للأصل وحصول
الغرض الذي هو التسوية والتعديل والتأسي فيما لم يثبت وجوبه. والثاني هو
المشهور بين المتأخرين.
وعلى القول بجواز الزيادة هل يتقدر بقدر؟ ليس في الأدلة ما يقتضي
التحديد. إلا أن المدة الطويلة كالسنة مثلا يوجب انتفاء المعاشرة بالمعروف معها
ورجوع الضرر إليها غالبا، فيجب التحرز عن ذلك.
وفي المبسوط قدرها بثلاث ليال واعتبر رضاهن في الزائد (3). ويظهر من ابن
الجنيد جواز جعلها سبعا (4). وفي القواعد أطلق عدم تقديرها كثرة (5).
وإذا أراد الابتداء بالقسمة سواء أوجبناها ابتداءا أو مع اختيارها ففي كيفية
البداءة قولان:
أحدهما: أنه يختار بالقرعة. فإن كانتا اثنتين اكتفى بقرعة واحدة، وإن كن
ثلاثا اقرع بين الباقيتين في الليلة الثانية، وعلى هذا القياس في الأربع.
وثانيهما: أنه لا يجب القرعة، بل يجوز أن يبدأ بمن شاء منهن إلى أن يأتي
عليهن. وهذا أقوى.
قال بعض الأصحاب: ويتخرج في المسألة وجه ثالث وهو أنه لا يجب
القرعة ابتداءا، ولكن تجب بين الباقيات (6). والوجه ما اخترناه.
والواجب في القسمة المضاجعة لا المواقعة، فإنها لا تجب أقل من أربعة أشهر.
والمراد بالمضاجعة الواجبة أن ينام معها في الفراش قريبا منها عادة بحيث لا
يعد هاجرا وإن لم يتلاصق الجسمان أو بعضهما. وزاد بعضهم أن يكون معطيا لها
وجهه دائما أو أكثريا (7). ولا يعتبر المضاجعة في جميع الليل، بل يكفي قدر ما
يتحقق معه المعاشرة بالمعروف.

(1 و 3) المبسوط 4: 328.
(2) التنقيح 3: 251 و 252.
(4) حكاه في المسالك 8: 316.
(5) القواعد 3: 90.
(6) المسالك 8: 317.
(7) المسالك 8: 319.
253

والمشهور اختصاص وجوب القسمة بالليل. وروى المشايخ الثلاثة عن
الحسن بن محبوب في الصحيح عن إبراهيم الكرخي عن الصادق (عليه السلام): إنما عليه
أن يكون عندها في ليلتها ويظل عندها صبيحتها، وليس عليه أن يجامعها إذا لم
يرد ذلك (1). وعن ابن الجنيد أنه أضاف إلى الليل القيلولة (2).
ويظهر من كلام الشيخ في المبسوط وجوب الكون مع صاحبة الليلة نهارا (3).
وفي التحرير: النهار تابع لليلة الماضية، فلصاحبتها نهار تلك الليلة، لكن له أن
يدخل فيه إلى غيرها لحاجة كعيادة ودفع نفقة، أو زيارتها، أو استعلام حالها، أو
لغير حاجة، وليس له الإطالة، والأقرب جواز الجماع، ولو استوعب النهار قضاه
لصاحبة الليلة (4) انتهى كلامه. والحجة عليه غير واضحة، إلا أن الاحتياط في
المصير إليه.
وإذا اجتمع مع الحرة أمة بالعقد فالمشهور بين الأصحاب أن للحرة مثلي ما
يقسم للأمة. وذهب المفيد إلى أن الأمة لا قسمة لها مطلقا (5). والأصح الأول،
لصحيحة محمد بن مسلم (6) وموثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (7) وغيرهما.
واعتبر جماعة من المتأخرين اعتبار الليلة الكاملة في القسمة وأنه لا يصح
من دونها، فجعلوا للحرة ليلتين وللأمة ليلة، وليكن ذلك من ثمان، فيكون له منها
خمس ليال ولهما ثلاث (8). واستشكله بعض الأصحاب (9).
قيل: ويجب تفريق ليلتي الحرة ليقع بها من كل أربعة واحدة إن لم
ترض بغيره (10).

(1) الكافي 5: 564، ح 34، الفقيه 3: 462، ح 4481، التهذيب 7: 422 ح 1689.
(2) حكاه في المختلف 7: 318.
(3) المبسوط 4: 327.
(4) التحرير 2: 40 س 35.
(5) المقنعة: 518.
(6) الوسائل 15: 87، الباب 8 من أبواب المهور، ح 1.
(7) الوسائل 15: 88، الباب 8 من أبواب المهور، ح 3.
(8) القواعد 3: 92، التنقيح 3: 254، نهاية المرام 1: 421.
(9) المسالك 8: 322.
(10) حكاه في نهاية المرام 1: 421.
254

والكتابية كالأمة عند الأصحاب، لرواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله (1).
وتوقف في المسالك في هذا الحكم، لعدم وقوفه على نص في ذلك (2). وكأنه لم
يقف على هذه الرواية وهو خبر معتبر أورده الكليني (3).
ولو كانتا أمة مسلمة وحرة كتابية فالظاهر تساويهما في القسمة.
ولو كانت إحداهما أمة كتابية فالظاهر أنها تستحق من القسمة نصف ما
تستحقه الأمة المسلمة، فيكون لها مع الحرة المسلمة ربع القسم، فيصير القسمة من
ستة عشر ليلة للأمة الكتابية منها ليلة وللحرة المسلمة أربع، والباقي للزوج حيث
لا يكون له غيرهما.
واجتماع المختلفات يتشعب إلى صور كثيرة أمكنك مما عرفت من الاصول
حكم الباقي.
وإذا ثبت للزوجة أكثر من ليلة بسبب انضمام من دونها يصير الدور هو العدد
الخارج منه القسمة كالثمان حيث تكون حرة وأمة مسلمتان، فالليلتان للحرة
منهما بمنزلة الليلة من الأربع. وهل يتخير الزوج بين إيفائهما إياها مجتمعتين أو
متفرقتين، أم يجب في كل أربع ليلة إلا مع رضاها بالجمع؟ فيه وجهان. ولعل
الأول أقرب.
وإذا طرأ العتق على الأمة في أثناء الدور فإن ابتدأ في القسم بالحرة فإن كان
عتقها في نوبة الحرة وكان في القدر المشترك بين الحرة والأمة بأن كان في الليلة
الاولى أتمها للحرة وبات ليلة اخرى عند المعتقة وإن أعتقت في الليلة الثانية أتمها
للحرة ثم يبيت عند المعتقة ليلتين. وإن اعتقت في نوبتها قبل تمام ليلتها أكمل لها
ليلتين. وإن أعتقت بعد تمام ليلتها اقتصر في ذلك الدور على ليلة. هكذا ذكروه من
غير نقل خلاف.

(1) الوسائل 14: 419، الباب 7 من أبواب ما يحرم بالكفر، ح 3.
(2) المسالك 8: 323.
(3) الكافي 5: 359، ح 5.
255

وهل العتق في يومها كليلتها؟ يبني على أن القسم هل يختص بالليل أم يضاف
إليه النهار أم الصبيحة؟
وإن ابتدأ في القسم بالأمة فإن أعتقت قبل إكمال ليلتها صارت كالحرة
وسوي بينهما.
وإن اعتقت بعد إكمال ليلتها ففي إلحاقها في هذه الدورة بالحرة قولان:
أحدهما: اللحوق بها، فإن كان العتق قبل الشروع في الليلة الثانية للحرة
اقتصر على الاولى، وإن كان بعد الشروع في الليلة الثانية قضى للأمة ليلة اخرى،
وهذا قول الشيخ في المبسوط (1).
وثانيهما: أنه يبيت عند الحرة ليلتين ولا شيء للمعتقة في هذا الدور، لأنها
استوفت حقها، وتستحق مثل نصيب الحرة بعد إكمال هذه الدورة في سائر
الدورات. وهذا القول أشهر ولعله الأقوى.
وليس للموطوءة بالملك قسمة مطلقا، لا أعلم في ذلك خلافا. وفي حكمها
الموطوءة بالعقد المنقطع والتحليل.
والزوج مخير بين أن يطوف على الزوجات في مساكنهن وأن يدعوهن إلى
مسكنة في نوبتهن، وقيل: إن الأول أفضل تأسيا بالنبي (صلى الله عليه وآله) (2) وله أن يدعو بعضهن
ويمضي إلى مسكن بعضهن على قول، ومنع بعضهم من هذا القسم (3). ولو كان له
عذر في ذلك جاز قولا واحدا كما إذا اختلف المساكن في القرب والبعد، أو خص
الشابة بالحضور إلى بيتها كراهة خروجها دون العجوز.
وتختص البكر عند الدخول بسبع ليال والثيب بثلاث على المشهور بين
الأصحاب، بل قيل: إنهم لم ينقلوا في ذلك خلافا (4). والروايات مختلفة، فبعضها
يدل على السبع في البكر كصحيحة محمد بن مسلم الدالة على جواز تفضيل البكر

(1) المبسوط 4: 332.
(2) حكاه في المسالك 8: 326.
(3) حكاه في المسالك 8: 326.
(4) المسالك 8: 328.
256

بسبعة أيام والثيب بثلاثة (1) وحسنة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل
يتزوج البكر؟ قال: يقيم عندها سبعة أيام (2). ويؤيده رواية عبد الله بن عباس
المنقولة في علل الشرائع (3) وفي رواية محمد بن مسلم الضعيفة: إن كانت بكرا
فليبت عندها سبعا، وإن كانت ثيبا فثلاثا (4). وبعضها يدل على جواز الثلاث
كصحيحة الحلبي (5) وبعضها يدل على الأمر بالثلاث كرواية الحسن بن زياد (6).
والشيخ جمع بينها بحمل ما دل على السبع على الجواز، وما دل على الثلاث
على الأفضلية بمعنى أن الأفضل أن لا يزيد على الثلاث (7).
ويظهر من كلام ابن الجنيد وجه آخر في الجمع بحمل خبر السبع للبكر على
تقديمها بذلك من غير اختصاص، وأخبار الثلاث على التقديم والاختصاص (8).
ولا إشكال في جواز تفضيل البكر بسبع والثيب بثلاث، وهل هذا الحق لهما على
جهة الاستحقاق المطلق من غير اعتبار قسمة، أو لهما على جهة القسمة، فيأتي فيه
الخلاف السابق في وجوبها ابتداءا أو بعد الشروع، وفيما لو لم يكن عنده غير
الجديدة، فلا يختص بشيء على الأخير؟ فيه قولان.
ومحل التخصيص الليل، ولا يبعد إلحاق النهار. ولا فرق في الثيب بين من
ذهب بكارتها بجماع وغيره، لإطلاق النصوص.
والظاهر مساواة الأمة والحرة، واستقرب العلامة في التحرير تخصيص الأمة
بنصف ما تخص به لو كانت حرة (9). وفي القواعد رجح المساواة (10).

(1) الوسائل 15: 82، الباب 2 من أبواب القسم والنشوز، ح 5.
(2) الوسائل 15: 82، الباب 2 من أبواب القسم والنشوز، ح 3.
(3) علل الشرائع: 65، ح 3.
(4) الوسائل 15: 82، الباب 2 من أبواب القسم والنشوز، ح 5.
(5) الوسائل 15: 82، الباب 2 من أبواب القسم والنشوز، ح 6.
(6) الوسائل 15: 82، الباب 2 من أبواب القسم والنشوز، ح 7.
(7) التهذيب 7: 420، ذيل الحديث 1682.
(8) حكاه في المسالك 8: 328.
(9) التحرير 2: 41 س 34.
(10) القواعد 3: 92.
257

وعلى القول بالتشطير ففي كيفيته وجهان:
أحدهما: إكمال المنكسرة، فيبيت للبكر أربع ليال وللثيب ليلتان.
والثاني: وهو الأصح مراعاة النصف منكسرا. ويعتبر التوالي في السبع
والثلاث، لأن الغرض لا يتم إلا به.
وإذا أراد الزوج السفر مع بعض أزواجه دون بعض جاز، ولا قضاء
للمتخلفات عن زمان صحبة المسافرة معه مطلقا على قول. وشرط بعضهم في عدم
القضاء أن يصحب الخارجة بالقرعة لا بمجرد التخيير والميل، وعلى تقدير عدم
القضاء إما مطلقا أو مقيدا بعدم القرعة (1) هل يعم الحكم كل سفر أو يختص بسفر
الغيبة كالسفر للتجارة أو غيرها، فيقضي في سفر النقلة، وهو الذي يخرج على نية
الانتقال إلى بلد آخر؟ فيه قولان.
وفي حكم سفر النقلة الإقامة في سفر الغيبة بحيث يخرج عن اسم المسافر
بالتمام، وفيه قول آخر بالتفصيل بين إخراجها معه هنا بالقرعة وعدمها، فيقضي
في الثاني دون الأول. وقوى بعضهم عدم قضاء أيام السفر مطلقا وقضاء أيام
الإقامة مطلقا (2).
ويستحب للزوج إذا أراد السفر أن يقرع بينهن إذا أراد استصحاب بعضهن
تأسيا بالنبي (صلى الله عليه وآله) وكيفية القرعة على ما قال بعض الأصحاب أن يكتب أسماء
النسوة في رقاع بعددهن ويدرجها في بنادق متساوية يضعها على وجه لا يتميز
ويخرج منها واحدة على السفر ويستصحب من خرج اسمها. وإن أراد استصحاب
اثنتين معه أخرج رقعة اخرى وهكذا (3).
وإن شاء أثبت الحضر في ثلاث رقاع والسفر في واحدة وأدرجها، ثم يخرج
رقعة على اسم واحدة، فإن خرجت رقعة السفر استصحبها، وإن خرجت رقعة من

(1) كذا في النسختين، والظاهر أن الصحيح: مقيدا بالقرعة، كما في نسخة بدل النسختين.
(2) المسالك 8: 334.
(3) المسالك 8: 334.
258

رقاع الحضر أخرج رقعة اخرى على اسم الاخرى، وهكذا حتى تخرج رقعة
السفر أو تبقى فيتعين المتخلفة، ولو أراد السفر باثنتين أثبت السفر في رقعتين
والحضر في رقعتين.
وإذا أخرجت القرعة واحدة أو أكثر حيث يريده يجوز له أن يخلف الخارجة
مع المخلفات بلا خلاف فيما أعلم. وهل يجوز له أن يستبدل غيرها بها؟ فيه
قولان، والأصل يقتضي الجواز.
ولا يتوقف قسمة الأمة على إذن المولى. وهل يتوقف وجوب القسمة لها على
وجوب نفقتها كالحرة؟ فيه قولان. وعلى القول بالتوقف لم يجب القسمة للأمة مع
عدم تسليم المولى لها نهارا، لسقوط نفقتها حينئذ وإن كان ذلك غير واجب
على المولى.
ويستحب التسوية بين الزوجات في حسن المعاشرة وإطلاق الوجه والإنفاق
والملاعبة والجماع، وأن يكون صبيحة كل ليلة عند صاحبتها، وأن يأذن لها في
زيارة أهلها وعيادة مرضاهم وحضور ميتهم ونحو ذلك، وله منعها من عيادة أبيها
وامها وعن الخروج من منزله إلا لحق واجب وجب عليها الإطاعة.
روى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن رجلا من الأنصار على
عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج في بعض حوائجه فعهد إلى امرأته عهدا لا تخرج من
بيتها حتى يقدم. قال: وإن أباها مرض فبعثت المرأة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) لتستأذنه أن
تعوده، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا، اجلسي في بيتك وأطيعي زوجك قالت: فثقل
فتأمرني أن أعوده؟ فقال اجلسي في بيتك وأطيعي زوجك، قال: فمات أبوها
فبعثت إليه إن أبي قد مات فتأمرني أن اصلي عليه؟ فقال: لا، اجلسي في بيتك
وأطيعي زوجك. قال: فدفن الرجل فبعث إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن الله قد غفر لك
ولأبيك بطاعتك لزوجك (1).

(1) الوسائل 14: 125، الباب 91 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه، ح 1.
259

ويلحق بهذا المقام مسائل:
الاولى: لبعض الزوجات أن تسامح وتترك حقها أو تهبها لغيرها، ولم يجب
على الزوج القبول، سواء جعلنا الحق مختصا بالزوجة أو مشتركا بينهما فله
أن يبيت عندها في نوبتها، وإن رضي الزوج ينظر فإن وهبت لضرة بعينها بات
عند الموهوبة منها ليلتين، ليلة لها والليلة المنتقلة من الواهبة إليها، فإن كانت
النوبتان متصلتين والى بين الليلتين، وإن كانتا منفصلتين فالأصح وجوب مراعاة
النوبة فيهما.
وإن وهبت حقها من الزوج فله وضعه حيث شاء، وحكم وجوب مراعاة
النوبة ما سبق.
وإن وهبت حقها من جميعهن فالظاهر اشتراك الباقيات في النوبة، فيرجع
الدور إلى ثلاث ما دامت الواهبة مستحقة للقسم. فإن نشزت سقط حكم ليلتها
وتصير كالمعدومة. وما يقال: إن الواهبة حقها من الجميع تصير كالمعدومة
غير مستقيم.
قالوا: ولا يشترط في هذه الهبة رضى الموهوبة وقبولها حيث تكون معينة، بل
يكفي قبول الزوج.
ولو فرض هبة الجميع لواحدة انحصر الحق فيها ولزمه مبيت الأربع عندها إما
مطلقا، أو مع الشروع على القول بوجوب القسم عند الشروع، فيكمل الدور عندها
وسقط عنه بعد ذلك إلى أن يبتدئه على هذا القول.
الثانية: إذا وهبت برضاء الزوج صح ولها الرجوع حتى لو رجعت في أثناء
الليل وعلم به خرج من عند الموهوبة إليها، وأما ما مضى فلا يؤثر الرجوع فيه
حتى يجب عليه قضاؤه، وكذا ما فات بعد الرجوع وقبل علم الزوج به، وفي
المسألة وجه أنه يقضي، والصحيح الأول.
الثالثة: هل يصح المعاوضة على هذا الحق من الزوج أو غيره من الضرات؟
260

قيل: نعم (1). وقيل: لا (2). ويدل على الأول رواية علي بن جعفر (3).
الرابعة: لا قسمة للصغيرة ولا للناشزة ولا المجنونة المطبقة على ما أطلقه
جماعة من الأصحاب. وقال بعضهم: الأولى تقييد المطبقة بما إذا خاف أذاها ولم
يكن لها شعور بالانس به، وإلا لم يسقط حقها (4). والتي يعتريها أدوارا كالتي
تصرع أحيانا كالعاقلة.
والمسافرة إن كان سفرها بغير إذنه في غير واجب ولا ضروري فلا قسمة لها،
وإن كان واجبا مضيقا كالحج الواجب بالأصل أو النذر المعين حيث ينعقد أو بإذنه
في غرضه لم يسقط حقها فيما صرحوا به، فيجب القضاء لها بعد الرجوع. ولو كان
بإذنه في غرضها غير الواجب أو الواجب الموسع فقولان، وحيث يحكم بالثبوت
فالمراد وجوب القضاء لفوات محله بالسفر. وهذه الأحكام لم أجد بها نصا على
الخصوص، فللتأمل فيها مجال.
الخامسة: محل استحقاق القسمة الليل، فلا يجوز صرف شيء منه عند غيرها
إلا بما جرت العادة به ودلت القرائن على إذنها فيه كالدخول على بعض الأحباء
من غير إطالة، ومجالسة الضيف، والدخول إلى المساجد لصلاة الجماعة وغيرها
من غير زيادة على العادة. وليس له الدخول على الضرة ولو لحاجة غير ضرورية
إلا لعيادتها على المشهور، وقيده في المبسوط بكون المرض ثقيلا (5) وإن دخل
عليها في غير العيادة ثم خرج من عندها في الحال فالظاهر أنه لم يجب عليه
قضاؤه وإن أثم، وإن استوعب الليلة في غير العيادة وجب القضاء، وفي استيعابها
في العيادة قولان.
ولو دخل على غير صاحبة النوبة فجامعها لم يجب عليه قضاء الجماع لها، ثم
إن طال زمانه وجب قضاؤه من ليلة المجامعة، وإلا فالإثم خاصة. وخالف في

(1) انظر المسالك 8: 342.
(2) المبسوط 4: 325.
(3) مسائل علي بن جعفر: 174، ح 307.
(4) المسالك 8: 342.
(5) المبسوط 4: 327.
261

ذلك بعض العامة فأوجب قضاء الجماع للمظلومة في ليلة المجامعة كما فعل بها، ثم
يذهب إليها ليحصل العدل وإن لم يكن الجماع واجبا في نفسه.
السادسة: لا أعرف خلافا بين الأصحاب في وجوب القضاء لمن أخل بليلتها،
فإن أمكن ذلك بأن يفضل له من الدور شيء يقضي فيه أو يبقى المظلوم بهن
في حباله حتى يقضي في نوبتهن فذاك، وإلا يبقى في ذمته إلى أن يحصل له
زمان كطلاق واحدة من زوجاته أو موتها أو نشوزها وهذا على القول بوجوب
القسمة ابتداءا.
وأما على القول الآخر فزمان القضاء حاصل له مطلقا، فإن كان الظلم بالمبيت
عند معينة قضاها من دورها. وإن كان بإسقاطها والتسوية بين الباقيات قضى لها
من الزمان بقدر ما فاتها متواليا إلى أن يكمل حقها ثم يرجع إلى التسوية
والتعديل. ولو لم يبق المظلوم بهن معه ثم تزوج ثلاثا لم يمكن القضاء. وإن بقين
وتجددت معهن اخرى أمكن القضاء من دور المظلوم بها دون الجديدة.
فلو ظلم باثنتين واحدة وتزوج اخرى جديدة أعطى المظلومة من كل دور
ثلاثا وللجديدة ليلة إلى أن يكمل حقها ثم يرجع إلى التسوية بينهن، فإذا كان عنده
ثلاث نسوة فبات عند اثنتين عشرين ليلة مثلا فتستحق الثالثة عشر ليال وعليه أن
يوفيها ولاءا، لا بأن يبيت عندها ليلتين وعند كل واحدة ليلة إلا برضاها.
فلو تزوج جديدة عقيب العشرين كان إيفاء العشرة ولاءا ظلما على الجديدة،
بل يوفيها أولا حق الزفاف ثم يقسم الدور بينها وبين المظلومة، فيجعل للجديدة
ليلة وللمظلومة ثلاثا، ثلاثة أدوار، فيوفيها تسعا ويبقى لها واحدة، فإن كان قد بدأ
في الدورات بالمظلومة بات ليلة عند الجديدة بحق القسم بعد إكمال التسع
للمظلومة ثم ليلة عند المظلومة لتمام العشرة، فتستحق الجديدة بإزاء هذه الليلة
ثلث ليلة، لأن لها الربع فإذا أكمل لها ثلث ليلة خرج في باقي الليل إلى مسجد أو
بيت صديق أو غير ذلك ثم يستأنف القسم للأربع بالعدل، على ما ذكره جماعة من
الأصحاب، بناء على مراعاتهم الليلة الكاملة في القسمة العادلة.
262

وإن كان قد بدأ بالجديدة بات ثلث ليلة عند الجديدة وخرج باقي الليل، ثم
بات ليلة عند المظلومة، ثم رجع وقسم بين الكل بالعدل.
وفي حكم الجديدة ما لو كانت واحدة من الأربع غائبة ثم حضرت الغائبة بعد
أن ظلم واحدة من الحاضرات بالاخريين.
وما ذكرناه مبني على أنه إذا زاد على القسم بليلة ليلة فاستوعب الدور لم
يكن للزوج شيء. وقيل: إنه ظاهر مذهب الأصحاب في أمثال هذه المسائل (1).
ويحتمل بقاء حقه بنسبة ما يبقى له من الدور، ففي المسألة كان عليه قضاء
خمس ليال للمظلومة.
واستدل على الأول بالعمومات الدالة على التعديل (2) وأن التفضيل على
خلاف الأصل، فيقتصر على مورد النص، وهو على تقدير القسمة بينهن ليلة ليلة،
واستضعف سنده مع ذلك.
وفيه: أن الواردة فيه روايات، منها: صحيحة محمد بن مسلم (3) ومنها: صحيحة
الحلبي (4) ومنها: ما رواه الشيخ عن صفوان في الصحيح عن عبد الله بن مسكان
الثقة، عن الحسن بن زياد المشترك (5) وزعم بعض المتأخرين أنه واحد ثقة (6). ومنها:
رواية علي بن جعفر المذكورة في قرب الإسناد بإسناد لا يبعد جعله صحيحا (7).
ولا يبعد استنباط الثاني من الأخبار المذكورة، فيكون له من المدة بنسبة حقه
من الأربع، وإنما يظهر فائدة الخلاف على القول بوجوب القسمة دائما، وعلى
القول الآخر فالأمر سهل.

(1) المسالك 8: 347.
(2) الوسائل 15: 80، الباب 1 من أبواب القسم والنشوز.
(3) الوسائل 15: 81، الباب 1 من أبواب القسم والنشوز، ح 3.
(4) الوسائل 15: 80، الباب 1 من أبواب القسم والنشوز، ح 1.
(5) التهذيب 7: 419، ح 1679.
(6) لم نعثر عليه.
(7) قرب الإسناد: 248، ح 980.
263

السابعة: إذا كان له أربع زوجات فنشزت واحدة منهن انحصر الحق في
الثلاث الباقيات على الطاعة، فإن قسم عليهن ليلة ليلة بقي له ليلة يصرفها فيما
يشاء. وإن جعل القسم أكثر من ليلة استوعب دور القسمة أو زاد عليه فعلى
المشهور يسقط حقه كما ذكرنا، فإن اختار أن يقسم لكل واحدة خمس عشرة ليلة
فوفى اثنتين العدد المذكور وبقي واحدة ثم أطاعت الرابعة كان لها حق القسمة في
المستقبل دون الماضي، وللثالثة خمس عشرة مثل صاحبتيها، فيبيت عند الثالثة
ثلاث ليال، وعند الرابعة ليلة، وهكذا خمسة أدوار، فيتم للثالثة خمس عشرة
حقها، ويحصل للرابعة ربع الأدوار، وعلى الاحتمال الآخر يتغير الحكم.
الثامنة: إذا كان له زوجتان فصاعدا وقسم لواحدة فدخلت نوبة الاخرى حرم
عليه طلاقها قبل إيفاء حقها على ما ذكره الشيخ وغيره (1) لكن لا يبطل به. والظاهر
أنه لا فرق في التحريم بين كون الطلاق رجعيا وبائنا.
وإن كان رجعيا ورجع في العدة وجب قضاء حقها، وإن تركها إلى انقضاء
العدة أو كان الطلاق بائنا ثم تزوجها فهل يجب عليه القضاء؟ فيه قولان، ولا يبعد
ترجيح الوجوب. ويتفرع عليه وجوب التزويج لو توقفت البراءة عليه.
ولو أمكن التوصل إلى إسقاط حقها بدون التزويج تخير بينه وبين التزويج ولم
يحرم تزويج رابعة. ولو توقف البراءة على التزويج فتزوج برابعة لم يبطل وإن أثم.
التاسعة: لو كان له زوجتان في بلدين فأقام عند واحدة عشرا فالمشهور بين
الأصحاب أن عليه أن يقيم عند الاخرى مثلها، ويظهر من المحقق توقف في
ذلك (2). ولعل وجهه أن للزوج مع الاثنتين نصف الدور، فلا يلزمه للثانية إلا ليلتان
ونصف، ولم ينظر المحقق إلى ذلك في مسألة القضاء للمظلومة مع الاشتراك فيه.
وربما يفرق بين الأمرين من جهة تصريحه في تلك بأن العدد المذكور فيها جعله
لكل واحدة على جهة القسم بخلاف هذه فإن الإقامة المطلقة أعم من جعلها على

(1) المبسوط 4: 332.
(2) الشرائع 2: 338.
264

وجه القسمة أو مع إضافة حقه إليها. وعلى هذا فيظهر وجه ثالث باختلاف الحكم
باختلاف القصد.
والزوجتان في البلدين إنما يحتسب عليهما ما يقيمه عندهما، لا الطريق
إليهما ولا عنهما، ويتخير في قسم الثانية بين الذهاب إليها واستدعائها إليه.
العاشرة: لو تزوج امرأة ولم يدخل بها فأقرع للسفر فخرج اسمها فهل له
توفيتها حصة التخصيص من السبعة أو الثلاثة بعد العود أم يكتفي بما يحصل في
أيام السفر؟ فيه قولان.
265

المطلب السابع
في النشوز والشقاق
أما النشوز ففي اللغة بمعنى الارتفاع، يقال: نشز الرجل، إذا كان قاعدا فنهض
قائما، ومنه قوله تعالى: (وإذا قيل انشزوا فانشزوا) (1) أي انهضوا إلى أمر من
امور الله تعالى. وفسر في بعض كتب اللغة بالمعنى الشرعي أيضا.
وفي الاصطلاح الشرعي خروج أحد الزوجين عن طاعة الآخر فيما يجب له.
ويختص النشوز بما إذا كان الخروج من أحدهما، وما كان الخروج منهما
يختص باسم الشقاق. وقال بعضهم: يصح إطلاق النشوز على ذلك أيضا (2).
وبعضهم أطلق على الثلاثة اسم الشقاق (3). وخص الشيخ في النهاية النشوز
بخروج الزوج عن الحق (4). وهو بعيد.
والأصل في أحكام النشوز قوله تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن
واهجروهن في المضاجع واضربوهن) (5).
والوحشة الحاصلة بين الزوجين قد تكون من جانب الزوجة، وقد تكون من
جانب الزوج، وقد تكون منهما. فإذا كان من جانب الزوجة فلا خلاف في جواز

(1) المجادلة: 11.
(2) حكاه في المسالك 8: 355.
(3) حكاه في المسالك 8: 355.
(4) النهاية 2: 472.
(5) النساء: 34.
266

تأديبها بأحد الامور الثلاثة المذكورة في الآية، لكنهم اختلفوا في تنزيل الامور
الثلاثة على التخيير أو الجمع أو الترتيب بالتدرج من الأخف إلى الأثقل.
وعلى التقديرين هل ذلك مع تحقق النشوز، أو ظهور أماراته قبل وقوعه، أو
معهما؟ فاعتبر المحقق في النافع في الامور الثلاثة ظهور أمارة النشوز ولم يذكر
فعليته، وجعل الثلاثة على الترتيب: الأول، فإن لم ينفع فالثاني وهكذا (1) إجراءا
للخوف في الآية على ظاهره يعني: توقع حصوله، وحملا للجمع المستفاد من
الآية على الجمع في الجملة، نظرا إلى أن هذا من أفراد النهي عن المنكر، فيكون
بحكمه من مراعاة التدريج.
والعلامة في الإرشاد جعل الامور الثلاثة مترتبة على النشوز بالفعل وجعلها
مرتبة مراتب الإنكار (2). ولعله جعل الخوف بمعنى العلم كما في قوله تعالى: (فمن
خاف من موص جنفا أو إثما) (3).
وابن الجنيد جعلها مترتبة على النشوز بالفعل، ويظهر من كلامه جواز الجمع
بين الامور الثلاثة أو اثنين منها ابتداءا من غير تفصيل (4) حملا للواو على ظاهره
من الجمع أو التخيير.
والشيخ والفاضلان في المبسوط والشرائع والقواعد جعلوا الوعظ والهجر
معلقين على ظهور أماراته، والضرب مشروطا بحصوله بالفعل، ولم يشترطوا في
جواز الضرب عند النشوز تقديم الوعظ والهجر، وجعلوا الهجر في الأول مشروطا
بعدم نجع الوعظ، توسيعا في أمر الوعظ والهجر وتضييقا في الضرب الذي هو
عقوبة من غير اليقين بالسبب (5).
وفصل بعض العلماء في الآية تفصيلا آخر ووافقه العلامة في التحرير (6) فجعل

(1) المختصر النافع: 191.
(2) الإرشاد 2: 33.
(3) البقرة: 182.
(4) حكاه في المسالك 8: 357.
(5) المبسوط 4: 337 - 338، الشرائع 2: 338، القواعد 3: 96.
(6) التحرير 2: 42 س 15.
267

الامور الثلاثة مرتبة على مراتب ثلاثة من حالها فمع ظهور أمارات النشوز يقتصر
على الوعظ، ومع تحققه قبل الإصرار ينتقل إلى الهجر، فإن لم ينجع وأصرت انتقل
إلى الضرب وجعلوا المعنى في الآية: واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن، فإن
نشزن فاهجروهن في المضاجع، فإن أصررن فاضربوهن.
وينبغي مراعاة الاحتياط في هذا الباب والتدرج من الأخف إلى الأثقل، إلا
أن يتحقق النشوز بالفعل وعلم أن الأخف لا ينجع.
والمراد بظهور أمارات النشوز تغيير عادتها معه في القول والفعل بأن تجيبه
بكلام خشن أو غير مقبلة عليه بوجهها، أو تظهر عبوسا أو إعراضا وتثاقلا ودمدمة
بعد أن كانت من عادتها خلاف ما ذكر، بخلاف ما لو كان من عادتها ذلك ابتداءا.
والتبرم في حوائجه من أمارات النشوز. والمراد بها ما يجب عليها فعلها من
الاستمتاع ومقدماته كالتنظيف المعتاد وإزالة المنفرات، ولا أثر للامتناع من
حوائجه التي لا تتعلق بالاستمتاع، إذ لا يجب عليها ذلك.
وعن الشيخ فخر الدين (رحمه الله) في بعض فتاويه أن المراد بها نحو سقي الماء
وتمهيد الفراش (1). وهو بعيد.
والمراد بالتبرم في الحوائج المذكورة القيام الذي بتضجر وتثاقل وإن فعلها.
والمراد بالوعظ أن يخوفها الله تعالى ويحذرها عذاب الله ونكاله، ويذكر لها
ما ورد من حقوق الزوج على الزوجة من الأخبار المنقولة عن أصحاب العصمة
سلام الله عليهم، ويبين لها مفاسد النشوز التي من جملتها سقوط النفقة وحق القسم.
وأما الهجران فالمعتبر منه في هذا الباب الهجران في المضجع، وقد اختلف
في معناه، فقيل: أن يحول إليها ظهره في الفراش. وإليه ذهب ابنا بابويه (2). وجعله
المحقق مرويا (3). وقيل: يعتزل فراشها ويبيت على فراش آخر وهو قول الشيخ

(1) لم نعثر عليه، حكاه في المسالك 8: 361.
(2) المقنع: 118 ونقله عن والده في المختلف 7: 404.
(3) الشرائع 2: 338.
268

وابن إدريس (1). وقيل: يبدأ بالأول، فإن لم ينجع فالثاني (2). وقيل: إن المعنى:
«اهجروهن في بيوتهن التي تبيتن فيها» أي: لا تبايتوهن (3). وقيل: إنه كناية عن
ترك الجماع. وقال في الكشاف: وقيل: معناه: أكرهوهن على الجماع واربطوهن
من هجر البعير إذا شده بالهجار (4). وقال بعض الأصحاب: وأما هجرها في الكلام
بأن يمتنع من كلامها في تلك الحالة، فلا بأس به إذا رجا به النفع ما لم يزد عن
ثلاثة أيام، لنهي النبي (صلى الله عليه وآله) فوق الثلاثة (5).
وأما الضرب فهو ضرب تأديب كما يضرب الصبيان على الذنب، ويجب أن لا
يكون مدميا ولا مبرحا أي شديدا.
ونقل الشيخ في المبسوط عن قوم أن الضرب يكون بمنديل ملفوف أو درة،
ولا يكون بسياط ولا خشب (6). وفي بعض الأخبار أنه يضرب بالسواك (7).
قال بعض الأصحاب: يجب اتقاء المواضع المخوفة كالوجه والخاصرة
ومراق البطن ونحوها، وأن لا يوالي الضرب على موضع واحد، بل يفرق على
المواضع الصلبة مراعيا فيه الإصلاح لا التشفي والانتقام، فيحرم بقصده مطلقا، بل
بدون قصد المأذون فيه لأجله (8).
ولو حصل بالضرب تلف قيل: وجب عليه الغرم، لأنه يبين بذلك أنه إتلاف لا
إصلاح، بخلاف الولي إذا أدب الطفل، ووجه الفرق بأن تأديب الزوج لأجل حظ
المؤدب بخلاف تأديب الولد، فإنه ليس لحظ الولي (9). وفيه تأمل.
وعدم غرامة الولي ظاهر، لقوله تعالى: (وما على المحسنين من سبيل) (10)

(1) السرائر 2: 729، المبسوط 4: 338.
(2) حكاه في المسالك 8: 356.
(3) حكاه في نهاية المرام 1: 427.
(4) حكاه في نهاية المرام 1: 427.
(5) المسالك 8: 356.
(6) المبسوط 4: 338.
(7) لم نعثر عليه في الكتب الروائية، نقله الشيخ الطوسي في التبيان 3: 191، عن أبي جعفر (عليه السلام).
(8) المسالك 8: 361.
(9) المسالك 8: 361.
(10) التوبة: 91.
269

ولا يبعد إلحاق الزوج به، خصوصا إذا كان المقصود من الضرب تأديبها على
فعل المحرم.
وإن كان النشوز من الزوج بأن يتعدى الزوج ويمنعها بعض حقوقها الواجبة
من نفقة وقسمة، أو يسيء خلقه معها ويؤذيها ويضربها بغير سبب مبيح فلها
المطالبة بما أخل به من الحقوق بنفسها، فإن أصر على الامتناع رفع أمرها إلى
الحاكم، ولا رخصة هنا في الضرب والهجر.
ولو امتنع من الإنفاق مع القدرة جاز للحاكم الإنفاق عليها من ماله ولو ببيع
شيء من عقاره إذا توقف الأمر عليه.
ولو لم يمنعها شيئا من حقوقها الواجبة ولا يؤذيها بضرب ولا كلام، ولكنه
يكره صحبتها لمرض أو كبر فلا يدعوها إلى فراشه، أو يهم بطلاقها فلا شيء عليه،
ولها أن تستميله بترك بعض حقوقها من النفقة أو القسم أو كلها، للآية.
ولو أخل الزوج ببعض حقوقها الواجبة أو كلها فتركت له بعض الحقوق فهل
يجوز له قبول ذلك؟ فيه وجهان، أقربهما ذلك، لحسنة الحلبي (1) ورواية علي بن
حمزة (2) ورواية أبي بصير (3) ورواية زيد الشحام (4). ولو أكرهها على البذل لم يحل له.
وأما الشقاق وهو فعال من «الشق» لأن الزوجين بكراهية كل واحد منهما
لصاحبه يصيران كأن كل واحد منهما في شق من الآخر.
فإذا كان النشوز منهما وثبت الشقاق بعث الحكمان إليهما، قال الله تعالى:
(وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) (5) ولعل المراد:
إن خفتم استمرار الشقاق، أو «خفتم» بمعنى علمتم، أو المراد إذا حصلت كراهة
كل واحد منهما للآخر وخفتم حصول الشقاق بينهما.

(1) الوسائل 15: 90، الباب 11 من أبواب القسم والنشوز، ح 1.
(2) الوسائل 15: 90، الباب 11 من أبواب القسم والنشوز، ح 2.
(3) الوسائل 15: 91، الباب 11 من أبواب القسم والنشوز، ح 3.
(4) الوسائل 15: 91، الباب 11 من أبواب القسم والنشوز، ح 4.
(5) النساء: 35.
270

واختلف المفسرون والفقهاء في المخاطب بإنفاذ الحكم، فقيل: إنه الحاكم، وبه
قطع المحقق في الشرائع (1). وقيل: إنه الزوجان اختاره ابن بابويه والمحقق في
النافع (2) وقال: إن الزوجين إن امتنعا بعثهما الحاكم. وقيل: إن المخاطب بذلك أهل
الزوجين (3). وعلى القول الأول لو تعذر الحاكم أو إرساله كان المبعوث وكيلا
محضا لا حكما. واختلفوا في وجوب البعث واستحبابه على قولين.
ولو توقف الرجوع إلى الحق على البعث فالظاهر الوجوب من باب المقدمة،
والأشهر جواز كونهما أجنبيين لحصول الغرض بهما. وقيل: يعتبر كونهما من
أهلهما، لظاهر الآية (4). ولعله الأقرب. قيل: ولو تعذر الأهل فلا كلام في جواز
الأجانب (5). وللمنازعة فيه مجال. والأقرب أن المرسل لهما إن كان هو الحاكم
فالبعث تحكيم محض ليس لهما التفريق والطلاق إلا بإذن الزوج، وإن كان
الزوجان كان وكالة ليس لهما تجاوز ما تعلقت به الوكالة، والأقوى أنه ليس
للحكمين أن يفرقا حتى يستأمرا ويشترطا عليهما إن شاءا جمعا، وإن شاءا فرقا،
لصحيحة الحلبي وهي منقولة في الحسن أيضا (6).
وفي موثقة محمد بن مسلم: ليس للحكمين أن يفرقا حتى يستأمرا (7). وروى
الصدوق عن سماعة في الموثق قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل:
(فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) أرأيت إن استأذن الحكمان فقالا
للرجل والمرأة: أليس قد جعلتما أمركما إلينا في الإصلاح والتفريق؟ فقال
الرجل والمرأة: نعم، فأشهدا بذلك شهودا عليهما، أيجوز تفريقهما عليهما؟ قال:

(1) الشرائع 2: 339.
(2) انظر الفقيه 3: 521 و 522، المختصر النافع: 191.
(3) حكاه في مجمع البيان 3: 44.
(4) النساء: 35.
(5) نهاية المرام 1: 431.
(6) الوسائل 15: 89، الباب 10 من أبواب القسم والنشوز، ح 1.
(7) الوسائل 15: 93، الباب 13 من أبواب القسم والنشوز، ح 2.
271

نعم (1). الحديث.
وعلى القولين يشترط فيهما البلوغ والعقل والإسلام والاهتداء إلى ما هو
المقصود من بعثهما.
وأما العدالة فإن جعلناهما حكمين اعتبرت، وإن جعلناهما وكيلين ففي
اعتبارها وجهان، أقربهما العدم.
ويجب على الحكمين الاجتهاد في النظر والبحث عن السبب الباعث على
الوحشة والالفة بينهما بحسب وسعهما حتى يتمكنا من الأمر الذي فوض إليهما.
قيل: وينبغي أن يخلو حكم الرجل بالرجل وحكم المرأة بالمرأة خلوة غير محرمة
ليعرفا ما عندهما وما فيه رغبتهما. ولم يخف أحدهما على الآخر ما علمه من
الأمر عند الاجتماع ليتمكنا من الرأي الصواب وإنفاذه (2).
وينبغي لهما إصلاح النية في السعي وقصد الإصلاح، فمن حسنت نيته
حصلت بغيته، كما ينبه عليه الآية. ومفهوم الشرط في الآية يدل على أن عدم
التوفيق بين الزوجين عند فساد قصد الحكمين، بل في نية أحدهما أو هما فساد.
ولو بعث الحكمان فغاب الزوجان أو أحدهما فإن قلنا: إن بعثهما توكيل نفذ
حكمهما. وإن قلنا: إنه تحكيم فقال الشيخ في المبسوط: لا يجوز الحكم مع غيبة
أحدهما (3). وجوز المتأخرون ذلك. وطرد بعضهم الوجهين فيما لو سكت أحدهما (4).
وإذا شرط الحكمان شرطا فإن كان مما يصلح لزومه شرعا لزم وإن لم يرض
الزوجان، ومثل ذلك بما لو شرطا عليه أن يسكنها في البلد المعين أو المسكن
المخصوص، أو لا يسكن معها أمة في دار أو ضرة في دار واحدة، أو شرطا عليها
أن تؤجله بالمهر الحال إلى أجل، أو ترد عليه ما قبضتها منه. وإن كان غير مشروع

(1) لم نعثر عليه في كتب الصدوق، والرواية في الوسائل 15: 93، الباب 13 من أبواب القسم
والنشور، ح 1، نقلها عن الكافي والتهذيب والسرائر.
(2) المسالك 8: 369.
(3) المبسوط 4: 341.
(4) حكاه في المسالك 8: 370.
272

لم يلزم ذلك، ومثل بما لو شرط عليها ترك بعض حقها من النفقة والقسم أو المهر،
أو عليه أن لا يتسرى، أو لا يتزوج عليها، أو لا يسافر بها. وفي الفرق بين بعض ما
ذكر في القسم الأول وبعض ما ذكر في الثاني تأمل.
وفي المسالك: إنه لا خلاف في عدم لزوم الأشياء المذكورة في القسم
الثاني (1). ولو اختلف الحكمان لم يمض لهما حكم.
ولو أغارها أو منعها شيئا من حقوقها المستحبة فبذلت له بذلا ليخلعها صح
وليس ذلك إكراها. وفي الحق إذا كان واجبا قولان، أشهرهما أنه كالأول.
وفي التحرير نسب القول إلى الشيخ ساكتا عليه (2). وفي القواعد قيد حقوقها
بالمستحبة (3). ولو قصد بترك حقها ذلك ولم يظهره لها فالظاهر أنه كما لو لم يقصد
ذلك والإثم ثابت، أما لو أظهر لها أن تركه لأجل البذل كان ذلك إكراها.

(1) المسالك 8: 371.
(2) التحرير 2: 42 س 19.
(3) القواعد 3: 96.
273

المطلب الثامن
في أحكام الأولاد
وفيه فصول:
الأول
ولد الزوجة الدائمة يلحق به بشروط ثلاثة:
الأول: الدخول، ويتحقق بغيبوبة الحشفة أو قدرها من مقطوعها في القبل وإن
لم ينزل، أو قد كان قد عزل على ما ذكره الأصحاب، لإمكان أن يسبقه شيء من
الماء من غير أن يشعر به. ويشكل مع العلم بعدم نزول الماء.
وعن الشهيد في قواعده أن الوطء في الدبر على هذا الوجه يساوي القبل في
هذا الحكم وغيره إلا في مواضع قليلة استثناها (1).
وفي المسالك: وما وقفت في كلام أحد على ما يخالف ذلك (2). وقال بعض
المتأخرين: وربما ظهر من كلام ابن إدريس في السرائر والعلامة في التحرير أنه
لا عبرة بالوطء في الدبر. واستوجهه (3) وهو حسن.

(1) القواعد والفوائد 1: 177.
(2) المسالك 8: 377.
(3) نهاية المرام 1: 432.
274

ولابد أن يكون الزوج ممن يمكن التولد عنه، فلو كان صغيرا جدا لم يلحق به
الولد. واكتفى العلامة في الإرشاد ببلوغ العشر (1). والوجه الرجوع إلى العادة.
الثاني: مضي أقل مدة الحمل، وهي ستة أشهر من حين الوطء، والظاهر أنه
موضع وفاق بين المسلمين، ويدل عليه الآية والأخبار (2). والظاهر الاكتفاء
بالأشهر الهلالية والعددية، لصدق الشهر على كل منهما.
الثالث: أن لا يتجاوز أقصى الحمل من حين الوطء بلا خلاف، واختلف
الأصحاب في أقصى مدته، فأطبق أصحابنا على ما حكى بعضهم على أنه لا يزيد
على سنة، ثم اختلفوا، فالمشهور بينهم أنه تسعة أشهر استنادا إلى روايات بعضها
ضعيف وبعضها قاصر عن الدلالة على المدعى.
وذهب جماعة من الأصحاب إلى أن أقصاه عشرة (3) وذكر جماعة أن به
رواية (4). ولم أقف عليها. وذكر جماعة من الأصحاب أن الأقصى سنة وهو قول
المرتضى في الانتصار مدعيا عليه الإجماع (5) ووافقه عليه أبو الصلاح (6) ومال إليه
في المختلف (7) واختاره في المسالك (8) وجعله في الشرائع متروكا (9) وهذا القول
أقوى عندي، لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (10) ورواية محمد بن حكيم (11).
ولو دخل وجاءت به لأقل من ستة أشهر حيا كاملا لم يلحق به على المشهور،
وعن الشيخين أنهما خيراه بين نفيه وبين الاعتراف به (12). والأصح وجوب نفيه،
للعلم بانتفائه عنه، فاعترافه بنسبه وإلحاق أحكام النسب به محرم.

(1) الإرشاد 2: 38.
(2) الأحقاف: 15، الوسائل 15: 115، الباب 17 من أبواب أحكام الأولاد.
(3) حكاه عن جماعة في التنقيح 3: 263، المختصر النافع: 192.
(4) الوسيلة: 318، انظر الإيضاح 3: 259.
(5) الانتصار: 154.
(6) الكافي في الفقه: 314.
(7) المختلف 7: 316.
(8) المسالك 8: 377.
(9) الشرائع 3: 340.
(10) الوسائل 15: 441، الباب 25 من أبواب العدد، ح 1.
(11) الوسائل 15: 442، الباب 25 من أبواب العدد، ح 2.
(12) المقنعة: 538، النهاية 2: 412.
275

ولو ولدته في هذه المدة غير حي أو ناقص الخلقة أمكن لحوقه به إذا قضى
أهل الخبرة بإمكان تولده عنه على هذا الوجه. ويظهر الفائدة في وجوب مؤنة
تجهيزه وفي استحقاق ديته لو جنى عليه ونحو ذلك.
وإذا ولدت بعد أقصى مدة الحمل من حين الوطء انتفى عن الزوج في نفس
الأمر ووجب عليه نفيه ظاهرا.
وذكر جماعة من الأصحاب أن عدم الوطء في المدة المذكورة الموجب لنفي
الولد يثبت بأمرين:
أحدهما: ثبوت ذلك بغيبة أحدهما عن الآخر في جميع المدة، ولا إشكال فيه
إذا ثبت ذلك بالبينة أو ما في حكمها.
وثانيهما: اتفاق الزوجين على عدم الوطء في المدة المذكورة، وعلل بأن
الحق منحصر فيهما، والفعل لا يعلم إلا منهما، وإقامة البينة على ذلك متعذر في
الأكثر، وأنه يلزم الضرر والحرج (1).
واستشكله الشهيد بأنهما لو اتفقا على الزنا لم ينتف الولد ولحق بالفراش وهو
قائم مع اتفاقهما هنا (2). وهو ضعيف.
واستشكله في المسالك بمنع انحصار الحق في الزوجين، بل للولد في النسب
حق أيضا، ثم رجح الحكم بما ذكر من الحرج والضرر. قال: وكيف يجتمع الحكم
بعدم جواز إلحاقه ووجوب نفيه مع الحكم بعدم انتفائه عنه بوجه من الوجوه حيث
يتعذر إقامة البينة (3)؟
ولو وطئها واط بالزنا كان الولد لصاحب الفراش إن أمكن إلحاقه به، ولا ينتفي
عنه إلا باللعان، لأن الزاني لا ولد له، لقوله (صلى الله عليه وآله): الولد للفراش وللعاهر الحجر (4).
ولو وطئها واط بالشبهة وأمكن تولده من الزوج ومن الواطئ بالشبهة اقرع

(1) المسالك 8: 378.
(2) حكاه في المسالك 8: 279.
(3) المسالك 8: 379.
(4) الوسائل 14: 565، الباب 56 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
276

بينهما والحق بمن وقع عليه القرعة، لأنها فراش لهما، ولا فرق بين وقوع
الوطءين في طهر واحد وعدمه، ولو أمكن إلحاقه بأحدهما دون الآخر تعين له
من غير قرعة.
ولو اختلفا في الدخول فادعته المرأة وأنكره الزوج، أو اتفقا عليه وأنكر
الزوج ولادتها للولد وادعى أنها أتت به من خارج فالقول قول الزوج مع يمينه،
لأنه منكر.
ولو اختلفا في المدة فادعى الأب ولادته لدون ستة أشهر أو الأزيد من أقصى
الحمل، وادعت المرأة خلاف ذلك فالمشهور أن القول قول المرأة، ومنهم من
خص الحكم بالثاني (1). وفي الحجة من الجانبين نظر.
ومتى قلنا بتقديم قول المرأة فالظاهر أن عليها اليمين كما صرح به جماعة
منهم الشهيد (2). وربما ظهر من كلام الأصحاب فيما نقل تقديم قولها من غير يمين.
وهو ضعيف.
ومع الدخول وانقضاء أقل الحمل وعدم تجاوز أقصاه لا يجوز له نفي الولد عنه،
سواء تحقق فجور امه أم لا، وسواء ظن انتفاؤه أم لا، لقوله (صلى الله عليه وآله): الولد للفراش.
ولو نفاه حيث يحكم بإلحاقه به ظاهرا لم ينتف إلا باللعان، ولا يجوز له اللعان
إلا مع اليقين.
وإذا طلق المدخول بها فأتت بولد بعد الطلاق لستة أشهر فصاعدا من حين
وطئه من غير أن يتجاوز أقصى الحمل ولم توطأ بعقد ولا شبهة كان للمطلق.
وإن وطئت بعقد أو شبهة فإن لم يمكن لحوقه بالثاني وأمكن لحوقه بالأول -
كما لو ولدته لأقل من ستة أشهر من وطء الثاني وستة أشهر فصاعدا من غير أن
يتجاوز أقصى الحمل من وطء الأول - لحق بالأول وتبين بطلان نكاح الثاني،
لوقوعه في العدة وحرمت عليه أبدا، لوطئه في العدة. ولو انعكس الأمر لحق

(1) المسالك 8: 384.
(2) حكاه عنه في نهاية المرام 1: 436.
277

بالثاني. وإن لم يمكن لحوقه بأحدهما انتفى عنهما. وإن أمكن إلحاقه بهما فقيل:
يلحق بالثاني. وقيل: يعتبر القرعة. والقولان للشيخ في المبسوط والنهاية (1)
والعلامة في المختلف (2) وغيره، واختار جماعة من الأصحاب منهم المحقق القول
الثاني (3) وهو أقوى، لصحيحة جميل بن دراج (4) وصحيحة الحلبي (5) ورواية
زرارة (6) ورواية أبي العباس (7) ورواية جميل بن صالح (8).
وكذا الحكم في الأمة لو باعها بعد الوطء، لكن على تقدير ولادة الأمة لدون
ستة أشهر من وطء الثاني ولحوق الولد بالبائع يظهر فساد البيع، لأنها ام ولد، وفي
حكم بيع الأمة عتقها ثم تزويجها، ويدل عليه صحيحة الحلبي (9).
ولو زنى بامرأة فأحبلها لم يجز إلحاق الولد به وإن تزوج بها بعد ذلك. وكذا لو
زنى بأمة فأحبلت ثم ابتاعها الزاني.
الفصل الثاني
لا أعرف خلافا بين الأصحاب في أن ولد الموطوءة بالملك يلحق بالمولى
ويلزمه الإقرار به إذا لم يعلم انتفاؤه عنه ولم يكن هناك أمارات يغلب معها الظن
بخلاف ذلك، كما سيجيء.
ويستفاد من بعض الروايات الصحيحة عدم لحوقه مع التهمة (10). وإذا علم

(1) المبسوط 8: 305، النهاية 2: 412 و 413.
(2) لم نعثر عليه في المختلف وحكاه في المسالك 8: 382.
(3) الشرائع 2: 342.
(4) الوسائل 15: 117، الباب 17 من أبواب أحكام الأولاد، ذيل الحديث 13.
(5) الوسائل 15: 115، الباب 17 من أبواب أحكام الأولاد، ح 13.
(6) الوسائل 15: 117، الباب 17 من أبواب أحكام الأولاد، ح 11.
(7) الوسائل 15: 117، الباب 17 من أبواب أحكام الأولاد، ح 12.
(8) الوسائل 15: 117، الباب 17 من أبواب أحكام الأولاد، ح 13.
(9) الوسائل 15: 115، الباب 17 من أبواب أحكام الأولاد، ح 1.
(10) الوسائل 14: 563، الباب 55 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
278

انتفاؤه جاز له نفيه وينتفي عنه ظاهرا بلا لعان بلا خلاف في ذلك بين الأصحاب،
نقل إجماعهم على ذلك الشيخ فخر الدين والشهيد الثاني في الروضة والمسالك (1).
وإذا اعترف به بعد النفي الحق به، ولا يجوز له نفيه، لعموم: إقرار العقلاء على
أنفسهم جائز. وكذا كل من أقر بولد لا يجوز نفيه ولم يقبل منه ذلك بلا خلاف،
ويدل عليه صحيحتا الحلبي وغيرهما (2).
وفي حكم ولد الأمة ولد المتمتعة في الأحكام المذكورة. ونقل الشهيد الثاني
في الروضة والمسالك الاتفاق على أن ولد المتعة ينتفي بغير لعان (3) وأسنده في
موضع من الروضة إلى المشهور (4) وحكي عن المرتضى (رضي الله عنه) قولا بإلحاقها
بالدائمة في توقف انتفاء ولدها على اللعان (5). والأصح ما ذهب إليه الأكثر،
لصحيحة عبد الله بن أبي يعفور (6) وصحيحة ابن سنان (7).
ولو وطئها المولى وفجر بها أجنبي حكم به للمولى، لقول النبي (صلى الله عليه وآله): الولد
للفراش وللعاهر الحجر. وهو شائع مستفيض وارد في روايات كثيرة صحيحة
وغيرها (8). ولصحيحة سعيد الأعرج (9). لكن قال الشيخ (رحمه الله) في النهاية أنه إذا حصل
في الولد أمارة يغلب معها الظن أنه ليس من المولى لم يجز له إلحاقه به ولا نفيه
عنه، وينبغي له أن يوصي له بشيء ولا يورثه ميراث الأولاد (10). وتبعه على ذلك
جماعة من الأصحاب منهم المحقق في النافع (11) ونسب إلى الأكثر، وتردد فيه

(1) انظر الإيضاح 3: 261، الروضة 5: 438، المسالك 8: 391.
(2) الوسائل 15: 599 و 600، الباب 6 من أبواب اللعان، ح 1 و 2.
(3) الروضة 5: 438، المسالك 7: 461.
(4) الروضة 5: 438.
(5) حكاه في الروضة 5: 439.
(6) الوسائل 15: 605، الباب 10 من أبواب اللعان، ح 1.
(7) الوسائل 15: 605، الباب 10 من أبواب اللعان، ح 2.
(8) الوسائل 14: 564 و 568، الباب 56 و 58 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(9) الوسائل 14: 568، الباب 58 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 4.
(10) النهاية 2: 415.
(11) المختصر النافع: 192.
279

المحقق في الشرائع (1) ويدل عليه روايات متعددة مشتركة في ضعف الإسناد.
وزعم بعض المتأخرين أن صحيحة عبد الله بن سنان دالة عليه (2). وليس كذلك
كما هو يظهر بالنظر فيها. ورد هذا القول في المسالك بمخالفته للقواعد الشرعية
والأخبار المتفق عليها من أن الولد للفراش، وأنه يستلزم جعل الولد قسما ثالثا
بالنسبة إلى الحر والرق، للحكم بعدم التوريث وأنه يملك الوصية ولا يملكه
المولى ولا الوارث (3) وهو حسن.
ولو وطئها البائع والمشتري فالولد للمشتري إذا ولدت لستة أشهر فصاعدا
من وطئه، لأنه صاحب الفراش بالفعل.
ولو قصر الزمان عن ستة أشهر انتفى عن المشتري وحكم بكونه للبائع إلا أن
يتجاوز أقصى الحمل من وطء البائع فينتفي عنه أيضا. والمستند في كون الولد
للمشتري إذا أمكن تولده منه النص الصحيح (4).
قالوا: وإذا تعدد الموالي ووطئ كل واحد منهم فهي فراش للجميع أو في
معنى الفراش، فيلحق بالمالك بالفعل إن أمكن، وإلا فللسابق عليه وهكذا، لأنه
ناسخ لحكم الذي قبله مع إمكان لحوقه.
والأمة المشتركة لا يجوز لواحد من الشركاء وطؤها، لكن لو وطئها بدون إذن
الباقين لم يكن زانيا، بل فعل محرما يستحق التعزير ويلحق به الولد ويقوم عليه
الام والولد يوم سقوطه حيا ويغرم حصص الباقين.
فلو وطئ الجميع لها في طهر واحد اقرع والتحق الولد بمن خرجت له القرعة
وغرم حصص الباقين من الام والولد. وحكمهم عند الاشتباه مع الله تعالى أن لا
يدعيه أحد منهم بخصوصه، بل يرجعوا فيه إلى القرعة.

(1) الشرائع 2: 342.
(2) انظر نهاية المرام 1: 441.
(3) المسالك 8: 391.
(4) الوسائل 14: 568، الباب 58 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
280

ولو فرض ادعاء كل واحد منهم له اقرع والحق الولد بمن خرجت له واغرم
حصص الباقين من قيمة الولد يوم سقوطه حيا وقيمة امه. والأصل فيه صحيحة
معاوية بن عمار (1) وصحيحة سليمان بن خالد (2) وحسنة أبي بصير (3).
ويحرم نفيه على كل واحد منهم بدون أن يعلم انتفاؤه عنه، لكن لو ادعاه
بعضهم ونفاه الباقون التحق به وينتفي من الباقين بغير لعان.
وإن كان المدعي متعددا كاثنين منهم مع نفي الباقين له فالظاهر أنه يقرع
بينهما ويلحقه سائر الأحكام. والظاهر أنه لا يصح لواحد منهم تصديق المدعي
فيه بدون أن يعلم انتفاؤه عنه. ولا يصح لهم الاتفاق على نفيه عنهم إلا مع العلم.
ولا فرق في هذه الأحكام بين وطئهم لها عالمين بالتحريم أو جاهلين أو
بالتفريق، وإنما يفرق العالم والجاهل في الإثم والتعزير.
ولا يجوز نفي الولد لمكان العزل عند الأصحاب، ويشكل عند العلم بعدم
نزول الماء.
والموطوءة بالشبهة يلحق ولده بالواطئ، لصحيحة زرارة (4) وصحيحة جميل (5)
ولو تعلقت الشبهة بأمة غيره فوطئها الحق به الولد ويلزمه قيمته يوم سقط حيا.
ولو تزوج امرأة فظنها خالية أو موت الزوج أو طلاقه بحكم حاكم أو شهادة
شهود أو إخبار مخبر مع اعتقاد جواز التعويل على ذلك ثم بان فساد الظن ردت
إلى الأول بعد الاعتداد من الثاني، واختص الثاني بالأولاد مع الشرائط، ولو علما
عدم جواز التعويل على قول المخبر بذلك كانا زانيين فلا يلحق بهما الولد ولا عدة
عليها منه.

(1) الوسائل 14: 566، الباب 57 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(2) الوسائل 14: 566، الباب 57 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 2.
(3) الوسائل 14: 567، الباب 57 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 4.
(4) الوسائل 14: 368، الباب 26 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 1.
(5) الوسائل 15: 118، الباب 17 من أبواب أحكام الأولاد، ذيل الحديث 13.
281

الفصل الثالث في سنن الولادة:
يجب استبداد النساء بالمرأة إذا استلزم تعاطي الأجانب الوقوع في محرم
كالاطلاع على ما يحرم عليهم، ويجوز الاستبداد بذلك للزوج مطلقا، وفي معناه
المحرم حيث لا يستلزم ذلك الاطلاع على ما يحرم عليه. ولو فرض عدم استلزام
تعاطي الأجنبي لذلك الوقوع في محرم لم يبعد جوازه، ومع الضرورة يجوز
تعاطي الأجنبي لذلك، والوجوب هنا كفائي.
ويستحب غسل المولود وقيل بوجوبه (1) والأذان في اذنه اليمنى والإقامة
في اليسرى.
روي أنه قال الصادق (عليه السلام) لأبي يحيى الرازي: إذا ولد لكم مولود أي شيء
تصنعون؟ قلت: لا أدري ما أصنع به. قال: خذ عدسة جاوشير فتدقه بالماء ثم
قطر في أنفه في المنخر الأيمن قطرتين وفي الأيسر قطرة، وأذن في اذنه اليمنى
وأقم في اليسرى، تفعل به ذلك قبل أن تقطع سرته، فإنه لا يفزع أبدا ولا يصيبه
ام الصبيان (2).
ويستحب تحنيكه بماء الفرات وبتربة الحسين (عليه السلام)، قيل: والمراد بالتحنيك
إدخال ذلك إلى حنكه وهو أعلى داخل الفم (3). وفي بعض الروايات: حنكوا
أولادكم بماء الفرات وتربة قبر الحسين (عليه السلام)، فإن لم يكن فبماء السماء (4).
وكذا يستحب تحنيكه بالتمر، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: حنكوا أولادكم
بالتمر فكذا فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالحسن والحسين (عليهما السلام) (5).

(1) حكاه في نهاية المرام 1: 447.
(2) الوسائل 15: 137، الباب 35 من أبواب أحكام الأولاد، ح 2.
(3) المسالك 8: 395.
(4) الوسائل 15: 138، الباب 36 من أبواب أحكام الأولاد، ح 3.
(5) الوسائل 15: 137، الباب 36 من أبواب أحكام الأولاد، ح 1.
282

ويستحب تسميته الأسماء المستحسنة، وروي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال:
أصدق الأسماء ما سمي بالعبودية وأفضلها أسماء الأنبياء (1).
وعن أبي الحسن (عليه السلام) أنه قال: لا يدخل الفقر بيتا فيه اسم محمد أو أحمد أو
علي أو الحسن أو الحسين أو جعفر أو طالب أو عبد الله أو فاطمة من النساء (2).
والفاضلان جعلا أفضلها ما تضمن العبودية لله ويليها في الفضل أسماء
الأنبياء (عليهم السلام) (3) ولم نقف على مستنده، بل الموجود في الخبر السابق أفضلية أسماء
الأنبياء. وبمضمون الخبر عبر الشهيد في اللمعة (4) وابن إدريس صرح بأن الأفضل
أسماء النبي والأئمة (عليهم السلام) وبعد ذلك العبودية لله تعالى دون خلقه (5). وأن يكنيه
حذرا من لحوق النبز للولد وهو ما يكره من اللقب كما في الرواية.
وأكثر الأخبار تضمنت استحباب التسمية من غير توقيت وفي رواية عن
الكاظم (عليه السلام): إن أحب أن يسميه من يومه فليفعل (6).
وروي استحباب تسمية الحمل محمدا قبل أن يولد (7). وروي استحباب
التسمية يوم السابع (8).
وعن الصادق (عليه السلام) لا يولد لنا مولود إلا سميناه محمدا فإذا مضى سبعة أيام
فإن شئنا غيرنا وإن شئنا تركنا (9).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن أربع كنى: عن أبي عيسى،
وعن أبي الحكم، وعن أبي مالك، وعن أبي القاسم إذا كان الاسم محمدا (10).

(1) الوسائل 15: 124، الباب 23 من أبواب أحكام الأولاد، ح 1.
(2) الوسائل 15: 128، الباب 26 من أبواب أحكام الأولاد، ح 1.
(3) الشرائع 2: 343، القواعد 3: 97.
(4) اللمعة: 119.
(5) السرائر 2: 646.
(6) الوسائل 15: 144، الباب 38 من أبواب أحكام الأولاد، ح 5.
(7) الوسائل 15: 111، الباب 14 من أبواب أحكام الأولاد.
(8) الوسائل 15: 149، الباب 44 من أبواب أحكام الأولاد.
(9) الوسائل 15: 125، الباب 24 من أبواب أحكام الأولاد، ح 1.
(10) الوسائل 15: 131، الباب 29 من أبواب أحكام الأولاد، ح 2.
283

ويكره أن يسمى حكما أو حكيما أو خالدا أو حارثا أو مالكا، والحق بها
ضرار، وقيل: إنه من أسماء إبليس.
وروى الصدوق في كتاب الخصال بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) على منبره: ألا إن خير الأسماء: عبد الله وعبد الرحمن وحارثة
وهمام، وشر الأسماء: ضرار ومرة وحرب وظالم (1) (2).
ويستحب حلق رأسه في اليوم السابع مقدما على العقيقة، ولو مضى السابع
ولم يحلق رأسه سقط استحباب الحلق، روى علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه
موسى (عليه السلام) قال: سألته عن مولود لم يحلق رأسه يوم السابع؟ قال (عليه السلام): إذا مضى
سبعة أيام فليس عليه حلق (3).
ويستحب أن يتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة، لرواية سماعة (4). ويكره
القنازع والقزعة بضم القاف والزاء وفتحهما وكسرهما على ما في بعض كتب اللغة
هي الخصلة من الشعر تتركه على رأس الصبي، وعرفه بعض الأصحاب بأنها ترك
موضع من الرأس بغير حلق وحلق الباقي (5) وهو موافق للمعنى اللغوي. ويدل على
الكراهة والتفسير رواية السكوني (6) ورواية ابن القداح (7).
ويستحب ثقب اذنه، والحكم به متفق عليه بين الأصحاب. ويدل عليه
صحيحة عبد الله بن سنان وغيرها (8). وحرمه بعض العامة. ويستحب أن يكون ذلك
في اليوم السابع.

(1) الخصال 1: 250، ح 118.
(2) في المطبوع زيادة ما يلي: «ولم أقف على حديث يتضمن النهي عنه، لكنه من الأسماء
المنكرة» وشطب عليه في الأصل.
(3) مسائل علي بن جعفر: 111، ح 27.
(4) الوسائل 15: 150، الباب 44 من أبواب أحكام الأولاد، ح 6.
(5) الشرائع 2: 344.
(6) الوسائل 15: 174، الباب 66 من أبواب أحكام الأولاد، ح 2.
(7) الوسائل 15: 174، الباب 66 من أبواب أحكام الأولاد، ح 3.
(8) الوسائل 15: 160، الباب 51 من أبواب أحكام الأولاد، ح 3.
284

ومن السنة أن يكون الختان فيه، لصحيحة عبد الله بن جعفر (1) وصحيحة علي
ابن يقطين (2).
ولا خلاف بين علماء الإسلام في وجوب الاختتان بعد البلوغ، وإنما الخلاف
في أول وقت وجوبه على قولين:
أحدهما: أنه لا يجب إلا بعد البلوغ، وهو اختيار ابن إدريس (3) ونسب إلى الأكثر.
وقال العلامة في التحرير: لا يجوز تأخيره إلى البلوغ، فيكون وقته قبل البلوغ
بحيث إذا بلغ كان مختتنا (4). ولعل الأول أقوى.
وإنما يجب الختان أو يستحب إذا ولد الولد مستور الحشفة كما هو الغالب،
فلو ولد مختونا خلقة لم يجب. وذكر جمع من الأصحاب أن الختان شرط في
صحة الصلاة ونحوها من العبادات المشروطة بالطهارة. وحجته غير واضحة، وما
استدل به عليه بعضهم ضعيف.
ولو أسلم الكافر وهو غير مختون وجب عليه الختان وإن طعن في السن
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): إذا أسلم الرجل اختتن ولو بلغ ثمانين سنة (5).
ويستحب خفض الجواري وليس من السنة. ولو أسلمت امرأة استحب ختانها.
ويستحب العقيقة في اليوم السابع واختلف الأصحاب في استحبابها
ووجوبها، فذهب السيد المرتضى وابن الجنيد إلى وجوبها (6) وادعى عليه السيد
إجماع الإمامية، واستدل له بظواهر الأوامر الواردة بذلك، وفي غير واحد من
الأخبار أنها واجبة (7). وللتأمل فيه مجال.

(1) الوسائل 15: 160، الباب 52 من أبواب أحكام الأولاد، ح 1.
(2) الوسائل 15: 165، الباب 54 من أبواب أحكام الأولاد، ح 1.
(3) السرائر 2: 647.
(4) التحرير 2: 43 س 6.
(5) الوسائل 15: 166، الباب 55 من أبواب أحكام الأولاد، ح 1.
(6) الانتصار: 191، حكاه في المختلف 7: 303.
(7) الوسائل 15: 143، الباب 38 من أبواب أحكام الأولاد.
285

وذهب الشيخ (1) ومن تأخر عنه إلى استحبابها استضعافا لأدلة الوجوب. وفي
بعض الأخبار الصحيحة أنها أوجب من الاضحية، والاضحية مستحبة عند أكثر
علمائنا. والمسألة لا يخلو عن إشكال، وينبغي الاحتياط في مثله ولا يجزي
الصدقة بثمنها، لأن الأمر تعلق بالذبح.
ولو تعذر توقع المكنة، لما ذكر، ولحسنة محمد بن مسلم وغيرها (2).
وذكر غير واحد منهم أنه يستحب فيها شروط الاضحية من كونها سليمة من
العيوب سمينة (3). ولم أطلع على رواية تدل عليه صريحا.
والكليني قال في الكافي: «باب أن العقيقة ليست بمنزلة الأضحية» وأورد
في ذلك روايتين: إحداهما من الصحاح (4). ومع التعذر يجزي فاقد الصفات
قولا واحدا.
وذكر جماعة من الأصحاب أنه يستحب أن يعق عن الذكر ذكر وعن الانثى
انثى وذكر لمستنده رواية مرسلة غير واضحة الدلالة على المدعى (5). لكن
الصدوق ذكر رواية دالة عليه (6). وفي الكافي: «باب أن عقيقة الانثى والذكر سواء»
وأورد في ذلك عدة روايات منها الصحيح (7).
ويستحب أن يخص القابلة منها بالرجل مع الورك، كما في رواية حفص
الكناسي (8) وفي رواية أبي بصير: ويطعم قابلته ربع الشاة (9). وفي رواية عمار
عنه (عليه السلام): يعطى القابلة ربعها وإن لم يكن قابلة فلامه تعطيها من شاءت (10). ويستفاد

(1) النهاية 2: 405.
(2) الوسائل 15: 146، الباب 40 من أبواب أحكام الأولاد، ح 2.
(3) انظر الشرائع 2: 344، المسالك 8: 409.
(4) الكافي 6: 29.
(5) النهاية 2: 405، الشرائع 2: 344، المسالك 8: 406.
(6) الفقيه 3: 485، ح 4715.
(7) الكافي 6: 26.
(8) الوسائل 15: 152، الباب 44 من أبواب أحكام الأولاد، ح 12.
(9) الوسائل 15: 151، الباب 44 من أبواب أحكام الأولاد، ح 10.
(10) الوسائل 15: 150، الباب 44 من أبواب أحكام الأولاد، ح 4.
286

من قوله (عليه السلام): تعطيها من شاءت أن السنة تتأدى بإعطاء ذلك الغني والفقير. وإذا
كانت القابلة ذمية لا تأكل من ذبيحة المسلم تعطى ثمن الربع لرواية عمار
الساباطي (1).
ولو لم يعق الوالد يستحب للولد إذا بلغ، ويستحب أن يعق عن نفسه إذا شك
هل عق عنه أبوه أم لا، لصحيحة عمر بن يزيد (2).
ولو مات المولود يوم السابع قبل الزوال سقطت، بخلاف ما لو مات بعده،
لصحيحة إدريس بن عبد الله القمي (3).
ويكره أن يأكل منها الوالدان وكذا من في عيالهما، لرواية أبي خديجة (4)
ويتأكد الكراهة في الام، لما يستفاد من الرواية المذكورة.
ويكره أن يكسر منها شيئا من عظامها، بل يفصل الأعضاء، لرواية الكاهلي (5)
وفي رواية أبي خديجة: ويجعل أعضاء ثم يطبخها ويقسمها (6). ويستفاد منها أن
يطبخها بالماء ويتأدى السنة بذلك، ولو أضاف إليها شيئا من الحبوب قد زاد خيرا.
ويستحب أن يدعى إليها المؤمنون وأقلهم عشرة. وفي رواية عمار: يطعم
عشرة من المسلمين، فإن زاد فهو أفضل (7).
ويستحب الدعاء بالمأثور عند ذبحها، ففي رواية الكرخي: بسم الله وبالله
اللهم عقيقة عن فلان لحمها بلحمه ودمها بدمه وعظمها بعظمه، اللهم اجعله وقاءا
لآل محمد (8).

(1) الوسائل 15: 152، الباب 44 من أبواب أحكام الأولاد، ح 14، وفيه: «اعطيت ربع قيمة
الكبش».
(2) الوسائل 15: 145، الباب 39 من أبواب أحكام الأولاد، ح 1.
(3) الوسائل 15: 170، الباب 61 من أبواب أحكام الأولاد، ح 1.
(4) الوسائل 15: 156، الباب 47 من أبواب أحكام الأولاد، ح 1.
(5) الوسائل 15: 150، الباب 44 من أبواب أحكام الأولاد، ح 5.
(6) الوسائل 15: 156، الباب 47 من أبواب أحكام الأولاد، ح 1.
(7) الوسائل 15: 150، الباب 44 من أبواب أحكام الأولاد، ح 4.
(8) الوسائل 15: 154، الباب 46 من أبواب أحكام الأولاد، ح 1.
287

وعن الباقر (عليه السلام) قال: إذا ذبحت فقلت: بسم الله وبالله والحمد لله والله أكبر
إيمانا بالله وثناء على رسول الله (صلى الله عليه وآله) والعصمة لأمره والشكر لرزقه والمعرفة
بفضله علينا أهل البيت. فإن كان ذكرا فقل: اللهم إنك وهبت لنا ذكرا وأنت أعلم
بما وهبت، ومنك ما أعطيت، وكل ما صنعنا فتقبله منا على سنتك وسنة نبيك
ورسولك (صلى الله عليه وآله)، واخسأ عنا الشيطان الرجيم، لك سفكت الدماء لا شريك لك
والحمد لله رب العالمين (1).
وعن الصادق مثله. وزاد فيه: اللهم لحمها بلحمه ودمها بدمه وعظمها بعظمه
وشعرها بشعره وجلدها بجلده، اللهم اجعلها وقاء لفلان بن فلان (2).
وعنه (عليه السلام) إذا أردت أن تذبح العقيقة قلت: يا قوم إني بريء مما تشركون. إني
وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين.
إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك امرت وأنا
من المسلمين. اللهم منك ولك بسم الله والله أكبر. وتسمي المولود باسمه ثم تذبح (3).
وعنه (عليه السلام) يقال عند العقيقة: اللهم منك ولك ما وهبت وأنت أعطيت اللهم
فتقبله منا على سنة نبيك (صلى الله عليه وآله)، وتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وتسمي وتذبح
وتقول: لك سفكت الدماء لا شريك لك والحمد لله رب العالمين، اللهم اخسأ
الشيطان الرجيم (4).
الفصل الرابع في الرضاع والحضانة
أما الرضاع: فلا يجب على الام إرضاع الولد، ولا يجوز إجبارها على ذلك
إذا كانت حرة مع وجود الأب وقدرته على دفع الاجرة إلى مرضعة سواها مع

(1) الوسائل 15: 155، الباب 46 من أبواب أحكام الأولاد، ح 4.
(2) الوسائل 15: 155، الباب 46 من أبواب أحكام الأولاد، ح 5.
(3) الوسائل 15: 154، الباب 46 من أبواب أحكام الأولاد، ح 2.
(4) الوسائل 15: 155، الباب 46 من أبواب أحكام الأولاد، ح 3.
288

وجودها أو تبرعها أو وجود مال له يمكن به إرضاعه، أو وجود متبرع، وإلا وجب
على الام كسائر النفقات.
وهل يجب على الام إرضاع اللباء، وهو: أول ما يحلب عند الولادة؟ إطلاق
الأكثر يقتضي عدم الوجوب. وأوجب ذلك جماعة منهم: العلامة في القواعد
والشهيد (رحمه الله) (1) محتجين بأن الولد لا يعيش بدونه. وهو ممنوع بالوجدان.
وعلى تقدير الوجوب هل يستحق الام اجرة عليه على الأب أو على مال
الولد إن كان له مال؟ قيل: نعم (2). وهو خيرة الأكثر. وقيل: لا، لأن الفعل الواجب لا
يجوز أخذ الاجرة عليه (3). وفيه نظر، ولعل الأقرب الأول، لقوله تعالى: (فإن
أرضعن لكم فآتوهن اجورهن) (4).
ولا خلاف بين الأصحاب في جواز استئجار الأب لها على إرضاعه على
تقدير كونها مطلقة بائنا. وهل يصح استئجاره لها وهي في حباله؟ الأشهر بينهم
الجواز، ومنعه الشيخ في المبسوط، وكذلك منع من استئجارها لخدمته ولخدمة
غيره ولرضاع ولد غيره، تعويلا على حجة ضعيفة (5). ويجبر الأمة مولاها على
الإرضاع.
ويجب على الأب بذل اجرة الرضاع إذا لم يكن للولد مال. وإذا استأجرها
للرضاع فإن صرح بإرادة حصول رضاع الولد سواء كان بنفسها أو بغيرها جاز
الأمران، وإن شرط إرضاعه بنفسها تعين، فإن رضعها بغيرها فلا اجرة لها. وإن
أطلق فالمشهور حينئذ جواز إرضاعه بنفسها وبغيرها. وقيل: لا يجوز، لاختلاف
المراضع في الحكم والخواص، ودلالة العرف على مباشرتها (6) والأقوى الرجوع
في ذلك إلى العرف وقرائن الحال، ولعله يوافق القول الأخير.

(1) القواعد 3: 101، اللمعة: 120.
(2) حكاه في نهاية المرام 1: 461.
(3) التنقيح 3: 267.
(4) الطلاق: 6.
(5) المبسوط 6: 36.
(6) حكاه في المسالك 8: 415.
289

ولا خلاف بين الأصحاب في أن مدة الرضاع بالأصالة حولان كاملان،
للآية، وجوز الأصحاب الاقتصار على أحد وعشرين شهرا، وظاهرهم الاتفاق
على ذلك على ما قال في المسالك، لقوله تعالى: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) (1)
حملا على الغالب من كون الحمل تسعة أشهر.
وروي عن ابن عباس أنه من ولد لستة أشهر ففصاله في عامين، ومن ولد
لسبعة فمدة رضاعه ثلاثة وعشرين شهرا، ومن ولد لتسعة فأحد وعشرون (2). وفي
المسالك: إنه قول موجه جامع بين الآيات (3).
ويدل على قول الأصحاب أيضا ظاهر قوله تعالى: (فإن أرادا فصالا عن
تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما) (4). ورواية سماعة (5) ورواية عبد الوهاب
ابن الصباح (6) ولا تخلوان (7) عن اعتبار، ويستفاد من الروايتين عدم جواز النقص
من أحد وعشرين شهرا.
وفي رواية سماعة: «ما نقص فهو جور على الصبي». وهو المعروف بين
الأصحاب. وقال بعضهم: ولو قيل بجوازه إذا اقتضت مصلحة الولد ذلك وتراضى
عليه الأبوان لم يكن بعيدا (8). ويؤيده ظاهر الآية وظاهر صحيحة الحلبي (9)
وحسنة الحلبي أيضا (10) لكن التعويل على الروايتين الخاصتين المعتضدتين بعمل
الأصحاب أحوط. هذا كله مع الاختيار، أما مع الضرورة فيجوز النقصان عن
الحولين مطلقا.

(1) المسالك 8: 416.
(2) السنن الكبرى للبيهقي 7: 462.
(3) المسالك 8: 417.
(4) البقرة: 233.
(5) الوسائل 15: 177، الباب 70 من أبواب أحكام الأولاد، ح 5.
(6) الوسائل 15: 177، الباب 70 من أبواب أحكام الأولاد، ح 2.
(7) في خ 2: لا يخلو.
(8) نهاية المرام 1: 463.
(9) الوسائل 15: 176، الباب 70 من أبواب أحكام الأولاد، ح 1.
(10) الوسائل 15: 177، الباب 70 من أبواب أحكام الأولاد، ح 3.
290

ويجوز الزيادة على الحولين، للأصل وصحيحة سعد بن سعد الأشعري (1).
قيل: وربما لاح ذلك من رواية الحلبي أيضا (2). والأصحاب قيدوه بشهر وشهرين.
وقيل: إنه مروي (3). ولم نقف عليها.
ولا يلزم الوالد للام اجرة ما زاد على الحولين، لصحيحة الحلبي وإطلاق
كلامهم، والرواية يقتضي عدم الفرق بين ما إذا اضطر الولد إلى الرضاعة بعد
الحولين لمرض ونحوه وعدمه. واستقرب بعض المتأخرين وجوب الاجرة في
الصورة الاولى، لأن ذلك بمنزلة النفقة الضرورية (4).
والمشهور بين الأصحاب أن الام أحق بإرضاع الولد إذا تبرعت به أو طلبت
ما يطلب غيرها، وإلا فللأب نزعه واسترضاع غيرها.
واستدل على الأول بقوله تعالى: (فإن أرضعن لكم فآتوهن اجورهن) (5)
وعلى الثاني بقوله تعالى: (فإن تعاسرتم فسترضع له اخرى) (6) وعلى الحكمين
رواية أبي الصباح الكناني (7) ورواية أبي العباس (8) وفيه اختصاص النصوص
بالمطلقات، لكن في رواية داود بن حصين (9) دلالة على الحكم الثاني صريحا ولا
يخلو عن إشعار بالحكم الأول، ويمكن استفادة الحكمين من حسنة الحلبي.
وعن الشيخ أنه على أصله السابق من أنها إذا كانت في عصمة الزوج ليس لها
أخذ الاجرة (10). فلا يكون في تلك الحال أحق إلا إذا تبرعت به، وإن كانت مطلقة
فهي أحق به كما فصلوه.

(1) الوسائل 15: 177، الباب 70 من أبواب أحكام الأولاد، ح 4.
(2) نهاية المرام 1: 464.
(3) السرائر 2: 648.
(4) نهاية المرام 1: 464.
(5) الطلاق: 6.
(6) الطلاق: 6.
(7) الوسائل 15: 191، الباب 81 من أبواب أحكام الأولاد، ح 2.
(8) الوسائل 15: 191، الباب 81 من أبواب أحكام الأولاد، ح 3.
(9) الوسائل 15: 190، الباب 81 من أبواب أحكام الأولاد، ح 1.
(10) المبسوط 6: 36 - 37.
291

ونقل الشيخ في الخلاف عن بعض العلماء أن الام أحق بالولد متى طلبت
اجرة المثل وإن وجد الأب من يأخذ أقل أو تبرع (1). وقواه ابن إدريس (2) عملا
بإطلاق قوله تعالى: (فإن أرضعن لكم فآتوهن اجورهن) (3).
ولو ادعى الأب وجود متبرعة وأنكرت الام فالقول قول الأب على المشهور،
وفيه تردد.
وأما الحضانة: وهي ولاية على الطفل والمجنون لفائدة تربيته وما يتعلق بها
من مصلحته فالمشهور بينهم أن الام أحق بالولد مدة الرضاع.
وفي المسالك: إنه لا خلاف فيه إذا كانت متبرعة أو رضيت بما يأخذ غيرها من
الاجرة (4). ويدل عليه حسنة الحلبي (5) ورواية أبي الصباح (6) ورواية أبي العباس (7).
وذكر ابن فهد في المهذب: أن الإجماع واقع على اشتراك الحضانة بين
الأبوين مدة الحولين (8). ويدل عليه موثقة داود بن الحصين (9) وكيف كان فالظاهر
أن الام أحق بالولد مدة الرضاع إذا أرضعت الولد.
وفي المسالك: ولها الاجرة على الرضاع على ما فصل دون الحضانة، نعم لو
احتاج الطفل إلى نفقة زائدة على الرضاع والحضانة فهي على الأب الموسر أو مال
الولد إن كان له مال كاجرة الرضاع، ومنها: ثمن الصابون لغسل ثيابه وخرقه دون
نفس الفعل، فإنه على الام، لأنه من متعلقات الحضانة، وكذا القول في غيرها ممن
يثبت له الحضانة (10). وهو جيد.

(1) الخلاف 5: 130، المسألة 34.
(2) السرائر 2: 650.
(3) الطلاق: 6.
(4) المسالك 8: 421.
(5) الوسائل 15: 192، الباب 81 من أبواب أحكام الأولاد، ح 5.
(6) الوسائل 15: 191، الباب 81 من أبواب أحكام الأولاد، ح 2.
(7) الوسائل 15: 191، الباب 81 من أبواب أحكام الأولاد، ح 3.
(8) المهذب البارع 3: 426.
(9) الوسائل 15: 190، الباب 81 من أبواب أحكام الأولاد، ح 1.
(10) المسالك 8: 421.
292

وإذا سقط حقها من الرضاعة واسترضع الأب غيرها ففي سقوط حقها من
الحضانة وعدمه قولان، ولعل الأول أقرب، لموثقة داود (1) وروايتي أبي الصباح (2)
وأبي العباس (3).
واختلف الأصحاب فيما بعد الحولين في مستحق الحضانة حينئذ من الأبوين
على أقوال:
منها: أن الام أحق بالبنت إلى سبع، والأب أحق بالابن، وهو قول جماعة من
الأصحاب منهم الشيخ والمحقق (4). نظرا إلى الجمع بين الأخبار المختلفة الدالة
بعضها على أولوية الأب وبعضها على أولوية الام (5) وترجيح الأخبار المحدودة
بالسبع، لكونها أكثر وأشهر. وفيه أن الحكم بالتفصيل يحتاج إلى شاهد من جهة النص.
ومنها: أن الام أحق بالولد ما لم تتزوج. وهو قول الصدوق في المقنع (6).
استنادا إلى رواية سليمان بن داود عن حفص بن غياث أو غيره (7).
ومنها: أن الام أحق بالبنت ما لم تتزوج وبالصبي إلى سبع سنين. اختاره ابن
الجنيد والشيخ في الخلاف (8) محتجا بإجماع الفرقة وأخبارهم. وأنكره ابن
إدريس أشد الإنكار وادعى الإجماع والأخبار على خلافه (9).
ومنها: أن الام أحق بالذكر مدة الحولين وبالانثى إلى تسع سنين. وهو قول
المفيد (رحمه الله) (10) ولم نقف على مأخذه.

(1) الوسائل 15: 190، الباب 81 من أبواب أحكام الأولاد، ح 1.
(2) الوسائل 15: 191، الباب 81 من أبواب أحكام الأولاد، ح 2.
(3) الوسائل 15: 191، الباب 81 من أبواب أحكام الأولاد، ح 3.
(4) الخلاف 5: 131، المسألة 36، الشرائع 2: 346.
(5) الوسائل 15: 190، الباب 81 من أبواب أحكام الأولاد.
(6) لم نعثر عليه في المقنع، حكاه عنه في المختلف 7: 306.
(7) الوسائل 15: 191، الباب 81 من أبواب أحكام الأولاد، ذيل الحديث 4.
(8) حكاه عن ابن الجنيد في المختلف 7: 306، الخلاف 5: 131، المسألة 36.
(9) السرائر 2: 653.
(10) المقنعة: 531.
293

والوجه عندي العمل بصحيحة أيوب بن نوح الدالة على أن المرأة أحق بالولد
إلى أن يبلغ سبع سنين. وهو خبر صحيح أورده الصدوق في الفقيه (1) واختاره بعض
المتأخرين (2). وما ذكر في المسالك: إنه ليس في الباب خبر صحيح (3). ليس بجيد.
وحضانة الام حيث ثبتت مشروطة بامور:
الأول: الإسلام، فالكافرة لا حضانة لها على الولد المسلم بإسلام أبيه، إذ لا
ولاية للكافر على المسلم. ولو كان الولد كافرا فحضانته لامه على ما فصل إذا
ترافعوا إلينا.
الثاني: أن تكون حرة، فلا حضانة للرقيقة، فإن كان الولد حرا فالحضانة لمن
هي له عند عدم الام. وإن كان رقيقا فحضانته على السيد.
الثالث: أن تكون عاقلة، فالمجنونة لا حضانة لها، ولا فرق بين أن يكون
الجنون مطبقا أو أدوارا إلا إذا وقع نادرا لا يطول مدته. وفي إلحاق المرض
المزمن الذي لا يرجى زواله كالسل والفالج بحيث يشغله الألم عن كفالته وتدبير
أمره به وجهان، أقربهما العدم. ولو كان المرض مما يعدي كالجذام والبرص ففي
سقوط الحضانة وعدمه وجهان، ولعل الراجح العدم، لجواز الاستنابة في تربيته.
الرابع: أن تكون أمينة، فلا حضانة للفاسقة عند جماعة من الأصحاب كالشيخ
والعلامة والشهيد في المبسوط والتحرير والقواعد (4). ولم يذكره بعضهم.
واستقرب العلامة في القواعد عدم اشتراط العدالة عملا بعموم الأدلة (5) قيل:
ويمكن الجمع بين عدم اشتراط العدالة مع اشتراط عدم الفسق بناء على ثبوت
الواسطة عند جماعة (6).
الخامس: أن تكون مقيمة، فلو انتقلت إلى محل تقصر فيه الصلاة سقط حقها

(1) الفقيه 3: 435، ح 4504.
(2) نهاية المرام 1: 468.
(3) المسالك 8: 422.
(4) المبسوط 6: 40، انظر التحرير 2: 44 س 15، القواعد والفوائد 1: 396.
(5) القواعد 3: 102.
(6) المسالك 8: 424.
294

من الحضانة عند الشيخ في المبسوط. ثم نقل في المسألة تفصيلا وقال: إنه قوي (1).
وحكى الشهيد في قواعده قولا بأن الأب لو سافر جاز له استصحاب الولد
وسقطت حضانة الام (2). فيكون شرطا آخر، لكن الحجة على الشرطين غير واضحة.
السادس: أن لا تكون مزوجة فلو تزوجت بغير الأب سقطت حضانتها. ونقل
الشهيد الثاني في الروضة الإجماع على هذا الشرط (3). ويدل عليه رواية حفص
ابن غياث أو غيره (4). وهذا الشرط إنما يعتبر مع وجود الأب. فلو مات الأب فالام
أحق به من الوصي وإن كانت متزوجة على ما يستفاد من ظاهر كلام الأصحاب.
وبهذا التعميم صرح العلامة في الإرشاد (5).
ولو طلقت الام مع وجود الأب بائنا ففي رجوع الحضانة إليها وجهان،
أقربهما الرجوع، وكذا بعد انقضاء العدة الرجعية.
ولو كان الأب مملوكا كانت الام الحرة أحق بالولد ما لم يعتق وإن تزوجت،
لرواية داود الرقي (6). وكذا الكافر.
ولو فقد الأبوان فاختلف الأصحاب فيمن له الحضانة اختلافا كثيرا، والأشهر
بينهم تعدي الحكم إلى باقي الأقارب وترتبهم على ترتب الإرث، تمسكا بظاهر
قوله تعالى: (واولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) (7).
واختار هذا القول في المسالك ثم قال: وعلى هذا فمع فقد الأبوين ينظر في
الموجود من الأقارب ويقدر لو كان وارثا ويحكم له بحق الحضانة، ثم إن اتحد
اختص وإن تعدد اقرع بينهم، لما في الاشتراك من الإضرار بالولد (8). وفيه تردد،
للتأمل في عموم الولاية الواقعة في الآية الشريفة.

(1) المبسوط 6: 40.
(2) القواعد والفوائد 1: 396.
(3) الروضة 5: 463.
(4) الوسائل 15: 191، الباب 81 من أبواب أحكام الأولاد، ذيل الحديث 4.
(5) الإرشاد 2: 40.
(6) الوسائل 15: 181، الباب 73 من أبواب أحكام الأولاد، ح 2.
(7) الأنفال: 75.
(8) المسالك 8: 430.
295

وأنكر ابن إدريس هذا القول وقال: إنه من تخريجات المخالفين ومعظمه قول
الشافعي وبناؤهم على أن التولي بالعصبة، وذلك عندنا باطل ولا حضانة عندنا إلا
للام نفسها أو الأب، فأما غيرهما فليس لأحد ولاية سوى الجد من قبل الأب
خاصة (1).
واستوجه هذا القول بعض المتأخرين، نظرا إلى أن الجد من قبل الأب له
ولاية المال والنكاح، فيكون له ولاية التربية بطريق أولى، وأنه لا دليل على ثبوت
الولاية في غيره (2). وهو غير بعيد.
وعلى هذا القول لو فقد الأبوان والجد فإن كان للولد مال استأجر الحاكم عليه
من يربيه من ماله، وإن لم يكن له مال كان حكم تربيته حكم الإنفاق عليه فتجب
على المؤمنين كفاية.
الفصل الخامس في النفقات:
لا تجب النفقة إلا بأحد أسباب ثلاثة: الزوجية، والقرابة، والملك.
أما نفقة الزوجة فيشترط في وجوبها أمران:
الأول: أن يكون العقد عقد دوام، فلا يجب في المتعة.
الثاني: التمكين التام، وهو التخلية بينها وبينه في الاستمتاع بحيث لا يختص
زمانا ولا مكانا، بل يبذلها متى أراد الاستمتاع في أي مكان أو زمان يسوغ فيه ذلك.
وقال العلامة في التحرير: التمكين أن تقول له: سلمت نفسي إليك في أي
مكان شئت (3). ويستفاد منه أنه لابد من حصول التخلية من لفظ دال عليه، وجعله
في المسالك ظاهر كلام المحقق وغيره وصريح بعضهم واستشكله (4). والظاهر عدم
الافتقار إلى اللفظ مع حصول التمكين بالفعل.

(1) السرائر 2: 654.
(2) المسالك 8: 430.
(3) التحرير 2: 45 س 32.
(4) المسالك 8: 440.
296

وهل يجب النفقة بمجرد العقد، والنشوز مسقط، أم تجب بالتمكين؟ فيه
قولان، أشهرهما الثاني. ولعل الأقرب الأول، لعموم الأدلة الدالة على وجوب نفقة
الزوجة، ويسقط النشوز بدليل من خارج. ويظهر فائدة الخلاف في مواضع:
منها: ما لو اختلفا في التمكين فقالت الزوجة: سلمت نفسي إليك من وقت
كذا، وأنكره الزوج، فعلى الأول كان القول قول الزوجة وعلى الزوج البينة لإثبات
النشوز. وعلى القول الثاني كان القول قول الزوج وعلى الزوجة البينة لإثبات
التمكين.
ومنها: ما لو لم يحصل من الزوج مطالبته بالزفاف ولا امتناع منها ولا عرضت
نفسها عليه ومضت على ذلك مدة، فيجب النفقة على القول الأول دون الثاني.
ومنها: ما لو كانت الزوجة صغيرة لا يجامع مثلها عادة، سواء كان الزوج
صغيرا أو كبيرا، فقد قطع الأكثر بأنه لا نفقة لها، ويجيء على القول الأول وجوب
النفقة لها، لعدم تحقق مانع النشوز.
وقال ابن إدريس: إذا كانت الزوجة صغيرة والزوج كبيرا وجب عليه نفقتها،
لعموم وجوب النفقة على الزوجة ودخوله مع العلم بحالها، وهذه ليست ناشزا،
والإجماع منعقد على وجوب النفقة على الزوجات، مع أنه يعتبر في وجوب النفقة
التمكين لا عدم النشوز (1).
ولو كانت الزوجة كبيرة والزوج صغيرا قال الشيخ: لا نفقة لها (2). واستشكله
المحقق بتحقق التمكين من قبلها، ثم قال: الأشبه وجوب الإنفاق (3) وهو جيد، نظرا
إلى عموم الأدلة.
ولو كانت مريضة أو رتقاء أو قرناء فالظاهر عدم سقوط النفقة.
وإذا غاب الزوج عن المرأة بعد حصول التمكين من الزوجة وجبت عليه

(1) السرائر 2: 655.
(2) المبسوط 6: 12 - 13.
(3) الشرائع 2: 348.
297

النفقة واستمرت عليه مدة غيبته، وإن كانت قبل التمكين من غير نشوز فكذلك
على القول المختار، وعلى القول باشتراط التمكين فلا نفقة لها.
قالوا: فإن حضرت عند الحاكم وبذلت له التسليم والطاعة أعلمه بذلك، فإن
وصل إليها وجبت النفقة حينئذ، وإلا فرض لها الحاكم النفقة من ماله بعد مضي
زمان يمكنه الوصول فيه إليها عادة. ولو غاب عنها حين نشوزها ثم عادت إلى
الطاعة فالظاهر أنه لم يجب نفقتها إلى أن يعلم عودها ويمضي زمان يمكنه
الوصول إليها.
ولو سافرت الزوجة بإذن الزوج لم يسقط نفقتها، سواء كان في واجب أو
مندوب أو مباح، وربما بني الحكم على أن النفقة تجب بالعقد بشرط عدم النشوز
أو بالتمكين؟ فعلى الأول تجب، وعلى الثاني تسقط، وهو ضعيف.
وإن كان السفر بغير إذنه، فإن كان في غير واجب سقطت النفقة، لتحقق
النشوز. وإن كان في واجب مضيق كحجة الإسلام لم تسقط، وإن كان موسعا
كالنذر المطلق حيث انعقد بإذنه أو قبل التزويج ولم يتضيق بظن العجز مع التأخير
ففي توقفه على إذنه قولان. ويبنى عليه حكم النفقة ولو بادرت إلى صلاة واجبة لم
يتوقف على إذنه. والأصحاب لم يفرقوا بين كونها مضيقة أو موسعة.
وأما الصوم فإن كان مضيقا فكذلك، وإن كان موسعا ففيه قولان:
أحدهما: أنه كالصلاة.
وثانيهما: أنه يتوقف على إذنه. وهو قول الشيخ والعلامة في القواعد (1) ووجه
الفرق بينه وبين الصلاة بوجوه ضعيفة.
وأما الصوم المندوب ونحوه فلا يسقط بمجرده النفقة، لأنه غير مانع من
التمكين إلا أن يطلب الاستمتاع فمنعت. وقال الشيخ في المبسوط: تسقط النفقة
وتكون ناشزا حيث يطالبها بالفطر فتمتنع (2). وهو ضعيف.

(1) المبسوط 6: 14، القواعد 3: 108.
(2) المبسوط 6: 14.
298

وتثبت النفقة للمطلقة الرجعية، وهو موضع نص ووفاق. واستثنى بعضهم من
النفقة آلة التنظيف (1). ولعل الإطلاق أجود. ويستمر إلى انقضاء العدة، ولا تسقط إلا
بما يسقط به نفقة الزوجة.
ولو ظهر بالمرأة أمارات الحمل بعد الطلاق فعلى الزوج الإنفاق عليها إلى
أن تضع.
ولو بان بعد الإنفاق عليها عدم الحمل قيل: يسترد المدفوع إليها بعد انقضاء
العدة (2). وتردد فيه بعضهم (3).
والمطلقة بائنا لا نفقة لها ولا سكنى، للنص إلا أن تكون حاملا، للآية، وهل
النفقة للحمل أو للحامل لأجله؟ فيه قولان، ولعل الأقرب الثاني، لظاهر الآية.
ويظهر فائدة الخلاف في مواضع:
منها: ما إذا تزوج أمة وشرط مولاها رق الولد وجوزناه، وفي العبد إذا تزوج أمة
أو حرة وشرط مولاه الانفراد برقية الولد، فإن جعلناها للحمل فلا نفقة على الزوج،
أما في الأول فلأنه ملك لغيره، وأما في الثاني فلأن العبد لا يجب عليه نفقة أقاربه،
وإن جعلناها للحامل وجبت، ويكون في الثاني في كسب العبد أو في ذمة مولاه.
ومنها: ما لو لم ينفق عليها حتى مضت مجموع المدة أو بعضها، فمن قال
بوجوبها للحمل لم يوجب عليه قضاءها، لأن نفقة الأقارب لا تقضى، ومن قال:
إنها لها أوجب القضاء، ويحتمل العدم على هذا التقدير.
ومنها: ما لو ارتدت بعد الطلاق، فتسقط النفقة على الثاني دون الأول. إلى غير
ذلك من الامور المرتبة على القولين.
وفي الحامل المتوفى عنها زوجها قولان:
أحدهما: أنه لا نفقة لها، وهو قول ابن إدريس والفاضلين وأكثر المتأخرين (4).

(1) حكاه في نهاية المرام 1: 478.
(2) المسالك 8: 449.
(3) نهاية المرام 1: 478.
(4) السرائر 2: 738، الشرائع 2: 349، القواعد 3: 110.
299

وثانيهما: أنه ينفق عليها من نصيب ولدها، وهو قول الصدوق والشيخ في
النهاية وجمع من الأصحاب (1).
ويدل على الأول روايات كثيرة متضمنة لأن الحامل المتوفى عنها زوجها لا
نفقة لها (2).
ويدل على الثاني رواية أبي الصباح (3) ووصفوها بالصحة، وفيه نظر.
وفي صحيحة محمد بن مسلم أن المتوفى عنها زوجها ينفق عليها من ماله (4).
وحملها الشيخ على أن المراد منها أنه ينفق عليها من مال الولد (5).
وعن المفيد في كتاب التمهيد أنه أنكر الإنفاق على الحامل من مال الحمل
وقال: إن الولد إنما يكون له مال عند خروجه إلى الأرض حيا، فأما ما هو جنين لا
يعرف له موت من حياة فلا ميراث له ولا مال على الإنفاق، فكيف ينفق عليها من
مال من لا مال له لولا السهو في الرواية والإذهال (6). والمسألة عندي محل إشكال.
وتثبت النفقة للزوجة مسلمة كانت أو ذمية أو أمة.
فصل في قدر النفقة
لما كانت الأوامر بالنفقة مطلقة وجب الرجوع فيها إلى العرف، وفي النصوص
إيماء إلى المتعارف أيضا، حيث قال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) (7) وقال
تعالى: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) (8) إلى غير ذلك، فيرجع
إليه فيما يحتاج إليه.
فالواجب القيام بما يحتاج إليه من طعام وإدام وكسوة وإسكان وإخدام وآلة

(1) الفقيه 3: 510، النهاية 2: 490.
(2) الوسائل 15: 234، الباب 9 من أبواب النفقات.
(3) الوسائل 15: 236، الباب 10 من أبواب النفقات، ح 1.
(4) الوسائل 15: 235، الباب 9 من أبواب النفقات، ح 4.
(5) التهذيب 8: 151، ذيل الحديث 525.
(6) حكاه في السرائر 2: 738.
(7) النساء: 19.
(8) البقرة: 233.
300

التنظيف من المشط والصابون والدهن، والمرجع في ذلك كله إلى عادة أمثالها في
بلدها. وهذا هو المشهور بين الأصحاب.
وقال الشيخ في الخلاف: نفقة الزوجات مقدرة وهي مد قدره رطلان وربع،
مستدلا بإجماع الفرقة وأخبارهم (1).
وفي المبسوط: جعل على الموسر مدين كل يوم، وعلى المتوسط مدا ونصفا،
وعلى المعسر مدا (2).
وقال ابن إدريس في السرائر: نفقات الزوجات عندنا غير مقدرة بلا خلاف
إلا من شيخنا أبي جعفر في مسائل خلافه، وتعجب من ادعاء الشيخ الإجماع
والأخبار (3). ولعل قول ابن إدريس أقوى.
وإذا كانت المرأة من اللواتي يخدمن أنفسهن في العرف لم يجب على الزوج
إخدامها إلا أن تحتاج إلى الخدمة لمرض أو زمانة، ولا ينحصر حينئذ في حد، بل
بحسب الحاجة. وإذا كانت ممن لا يخدمن أنفسهن وجب الإخدام وإن قدرن على
الخدمة، لكون ذلك من المعاشرة بالمعروف المأمور بها.
والظاهر أنه يعتبر عادة أمثالها حال كونها في بيت أبيها بحسب وحدة الخادم
وتعدده، وقيل: لا يجب أكثر من خادم واحد (4).
ولا يلزمه تمليك الخادم إياها، بل الواجب إخدامها بحرة أو أمة ولو كانت
مستأجرة، أو ينصب مملوكة له تخدمها، أو بالإنفاق على التي حملت معها. ولو
كانت الزوجة أمة تخدم في العادة ففي وجوب إخدامها وجهان، أقربهما ذلك.
ولو قالت: أنا أخدم ولي نفقة الخادم. لم يجب إجابتها. ولو بادرت بالخدمة
من غير إذن لم يكن لها المطالبة بالاجرة.
والواجب من المأدوم يختلف بحسب الفصول، وقد تجب الفواكه في أوقاتها.

(1) الخلاف 5: 112، المسألة 3.
(2) المبسوط 6: 6 - 7.
(3) السرائر 2: 655.
(4) المسالك 8: 458.
301

واعتبر الشيخ في اللحم كل أسبوع مرة ويكون يوم الجمعة (1). وأوجب ابن
الجنيد اللحم على المتوسط في كل ثلاثة أيام (2).
وكذا الواجب من الملبوس يختلف بحسب البلدان والفصول، فيجب اعتبار
ذلك، ويجب ثياب التجمل زيادة على ثياب البذلة إن كانت أهلا لها.
ولا يشترط في المسكن التمليك، بل يجوز إسكانها المستعار والمستأجر،
ولها المطالبة بالتفرد في المسكن إن كان يليق بحالها ذلك.
ويجب مراعاة ما يفرش على الأرض من الحصر والبسط والمخدة واللحاف
وغير ذلك.
والمشهور أن استحقاق المؤنة على وجه التمليك لا الإمتاع، لأن الانتفاع به لا
يتم إلا مع ذهاب عينه، ولا أعرف فيه خلافا. وكذا حكم كل ما يستهلك من آلة
التنظيف والدهن والطين والصابون.
فإذا دفعه إليها ملكت نفقة يومها وتخيرت بين صرفه كلا أو بعضا واستفضال
بعضه أو الاستبدال بكله بالإنفاق على نفسها من مالها.
قالوا: الواجب دفع نفقة كل يوم في صبيحته وإنما يستقر ملكها عليه إذا بقيت
غير ناشزة إلى آخره، فلو نشزت في أثنائه استحقت بالنسبة. وعند الأصحاب أنه
إذا انقضى اليوم أو الأيام ولم يبذل لها النفقة استقرت في ذمته.
والمعتبر في المسكن والخادم الإمتاع بلا خلاف. وفي الكسوة قولان،
والأقرب أنها إمتاع، فليس لها بيعها ولا التصرف فيها بغير اللبس، ولا لبسها زيادة
على المعتاد، ولا إبدالها بغيرها. ومما يبنى على القولين ما لو دفع إليها كسوة لمدة
جرت العادة ببقائها في تلك المدة ثم تلفت في يدها من غير تقصير، فعلى القول
بالتمليك لم يجب البدل دون الإمتاع. قيل: ولو أتلفتها بنفسها فلا إبدال على
القولين، لأنه على الإمتاع يلزمها ضمانها فكأنها لم تتلف، مع احتماله، لأن

(1) المبسوط 6: 7.
(2) حكاه في المختلف 7: 320.
302

الواجب عليها القيمة وعليه المثل (1).
ومنه: ما لو انقضت المدة والكسوة باقية، فعليه كسوة اخرى على القول
بالتمليك دون الإمتاع، وجوز لها في الإرشاد المطالبة باخرى مع قوله بالإمتاع (2).
ومنه ما لو ماتت في أثناء المدة التي يصلح لها الكسوة، أو مات الزوج، أو
طلقها، فعلى القول بالإمتاع يسترد مطلقا، وعلى القول بالتمليك وجهان.
ومنه ما إذا لم يكسها مدة، فعلى التمليك صارت الكسوة دينا عليه، وعلى
الإمتاع وجهان.
ومنه: أن له أن يأخذ المدفوع إليها ويتصرف فيه على القول بالإمتاع دون
التمليك إلا برضاها.
ومنه: جواز إعطائها الكسوة بالإعارة والإجارة على القول بالإمتاع دون
التمليك.
ولو سلم إليها نفقة مدة ثم طلقها قبل انقضائها استعاد نفقة الزمان المتخلف،
وعندهم أنه لا يسترد نفقة يوم الطلاق، وفي حكم الطلاق ما لو مات أحدهما،
وأولى بالاسترداد لو نشزت. وحكم بعضهم باسترداد نفقة يوم النشوز أيضا
بخلاف الموت والطلاق (3). وفي الفرق نظر، وعلى القول بالاسترداد فهل يسترد
نفقة جميع اليوم أو المتخلف منه بعد فقد الشرط؟ فيه وجهان.
وإذا دخل بها واستمرت تأكل معه وتشرب لم يكن لها مطالبته بمدة مؤاكلته
إذا كانت بالغة رشيدة أو كانت تأكل بإذن الولي.
وإذا ادعت البائن أنها حامل ففي وجوب النفقة عليها بمجرد الدعوى، أو
تعليق الحكم على ظهور الحمل، أو شهادة أربع من القوابل أقوال، ولعل الأخير
أجود. فلو تبين كونها غير حاملة استعيدت. وعلى تقدير وجوب الإنفاق عليها من

(1) المسالك 8: 465.
(2) الإرشاد 2: 35 - 36.
(3) القواعد 3: 106.
303

غير ثبوت شرعي هل يطالب بكفيل أم لا؟ فيه وجهان.
وفي وجوب الإنفاق على بائن حامل غير المطلقة قولان، ولعل الوجوب
أقوى، لحسنة محمد بن قيس (1).
ولو كانت امرأته حاملا وطلقها ووضعت الحمل واختلفا فقال الزوج: لا نفقة
لك الآن لأن طلاقك كان قبل الوضع فانقضت عدتك بالوضع وقالت: لي عليك
النفقة لأن الطلاق كان بعد الوضع. فالذي ذكر جماعة منهم أن لها النفقة، لأصالة
بقاء النكاح إلى الوقت الذي تدعيه وكذلك أصالة بقاء العدة والنفقة، وليس له
الرجعة، لأنه يلزمه ما أقر به في حقه.
ولو انعكس الفرض فقال الزوج: لي الرجعة، لأني طلقتك بعد الوضع وأنت
في العدة. وقالت: بل الطلاق قبل الوضع، انعكس الحكم وكان القول قول الزوج
في بقاء العدة وثبوت الرجعة ولا نفقة لها.
قال بعض الأصحاب: «ولو قيل بتخصيص هذا الحكم بما إذا لم يعينا زمانا،
أما لو اتفقا على زمان أحدهما واختلفا في تقدم الآخر وتأخره فالقول قول مدعي
تأخره مطلقا، لأصالة عدم تقدمه واستقرار حال ما اتفقا عليه كان حسنا».
فلو فرض اتفاقهما على أن الطلاق وقع يوم الجمعة واختلفا في تقدم الطلاق
وتأخره فالقول قول مدعي المتأخر في المسألتين، وربما قيل: بأنه مع الاتفاق
على وقت أحدهما والاختلاف في الآخر يقدم قول الزوج في الطلاق مطلقا، لأنه
من فعله، وقولها في الوضع مطلقا لذلك (2). ولي في هذه الأحكام تأمل.
وإذا كان له على زوجته دين وكانت ممتنعة من أدائه جاز له أن يقاص النفقة
الواجبة عليه يوما فيوما إذا كانت موسرة. ولو لم تكن ممتنعة من وفاء الدين لم
يكن له المقاصة، لأن تعيين الدين من مالها موكول إليها. ولو كانت معسرة بحيث

(1) الوسائل 15: 231، الباب 7 من أبواب النفقات، ح 3.
(2) المسالك 8: 480.
304

لا تملك قوتها من غيرها لم يجز له المقاصة، لأن قضاء الدين إنما يجب فيما
يفضل عن القوت. والمقاصة تابعة لوجوب الأداء. ولو رضيت بالمقاصة مع
إعسارها لم يكن له الامتناع إذا لم يتوجه إليه ضرر بالقبول.
ونفقة نفسه مقدمة على نفقة غيره، وعند الأصحاب أن نفقة الزوجة مقدمة
على نفقة سائر الأقارب، استنادا إلى تعليلات يمكن المنازعة فيها، إلا أنه لا أعلم
خلافا في ذلك بينهم.
والمراد بنفقة الزوجة المقدمة على نفقة القريب نفقة اليوم الحاضر وسكناها
وكسوتها اللائقة بحالها في ذلك الوقت بقدر الحاجة والضرورة، وكذا ما تضطر إليه
من الآلات والأمتعة ونفقة الخادم الضروري، وأما نفقة المملوك والدابة المضطر
إليه فيقدم على نفقة الزوجة أيضا، دون ما لم يضطر إليه.
فصل في نفقة الأقارب
تجب النفقة على الأبوين والأولاد اتفاقا، ويدل عليه أخبار متعددة.
والمشهور الأصح وجوب النفقة على آباء الأبوين، ولم يظهر من صرح بخلافه،
لكن المحقق تردد فيه ثم رجح الوجوب (1). ولعل وجه التردد الشك في صدق
الآباء عليهم حقيقة. ومثله يأتي في أولاد الأولاد. ولعل الترجيح للصدق.
والمشهور أنه لا تجب النفقة على غير العمودين من الأقارب كالإخوة
والأعمام والأخوال وغيرهم، للأصل ومفهوم غير واحد من الأخبار، لكن
تستحب وتتأكد في الوارث منهم. ونقل في القواعد فيه خلافا وأسنده إلى
الشيخ (2). والأول أقوى.
ويشترط في وجوب الإنفاق الفقر. وهل يشترط العجز على الاكتساب؟
الأظهر ذلك. ويعتبر في الكسب كونه لائقا بحاله عادة.

(1) الشرائع 2: 352.
(2) انظر القواعد 3: 113. (ذكرها العلامة في ما عثرنا عليه ولم ينقل فيها خلافا ولم يسندها
إلى الشيخ).
305

ولو أمكن المرأة التزويج ممن يليق بها تزويجه عادة فالظاهر أنها قادرة على
التكسب على ما قطع به بعض الأصحاب (1).
وهل يشترط عدم تمكن القريب من أخذ نفقته من الزكاة ونحوها؟ احتمالان.
ولعل الأقرب العدم تمسكا بالإطلاق.
ولا يشترط نقصان الخلقة، فيجب الإنفاق عليه وإن كان كامل الخلقة، ولا
نقصان الحكم، خلافا للشيخ في المبسوط حيث اشترط مع الإعسار نقصان الخلقة
أو الحكم أو هما معا (2). والمراد بناقص الخلقة الأعمى والمقعد وبناقص الحكم
الصبي والمجنون.
ولو بلغ الصبي حدا يمكن أن يتعلم حرفة أو يحمل على الاكتساب فللمولى
حمله عليه والإنفاق من كسبه (3). ولو هرب عن الاكتساب في بعض الأيام فعلى
الولي الإنفاق عليه بخلاف المكلف.
ويجب الإنفاق على القريب وإن كان فاسقا، لعموم الأدلة. وإن كان كافرا
فالمنقول عن الأصحاب التصريح بوجوب الإنفاق عليه، ويدل عليه عموم الأدلة
وقوله تعالى: (وصاحبهما في الدنيا معروفا) (4) لكن الآية لا تعم الأولاد.
وجعل الشيخ فخر الدين المانع من الإرث كالرق والكفر والقتل مانعا وربما
نقل عنه أن ذلك إجماعي (5) وليس بجيد. وقيد بعضهم الكافر بكونه معصوم الدم.
فلو كان حربيا لم يجب الإنفاق عليه (6). وهو محتمل.
ولو كان القريب رقا لم يجب نفقته، بل يجب نفقته على المولى. ولو فرض
تقصير المولى في النفقة ولم يتفق من يجبره على بيعه أو الإنفاق عليه فالأقوى
وجوب الإنفاق على قريبه، عملا بعموم الأدلة السالم عن المعارض.

(1) المسالك 8: 485.
(2) المبسوط 6: 30 - 34.
(3) في المطبوع: كيسه.
(4) لقمان: 15.
(5) انظر الإيضاح 3: 284.
(6) حكاه في المسالك 8: 487.
306

ويشترط في المنفق القدرة، فلو حصل له قدر كفايته اقتصر على نفسه.
والمعتبر من كفايته قوت يومه وكسوته اللائقة بحاله في الوقت الذي هو فيه شاتيا
أو صائفا والآلات المضطر إليها الطعام والكسوة، والفرش، وكذا الخادم
والمركوب إن اضطر إليه في تحصيل القوت وغيره، فإن فضل عن ذلك شيء
صرف في نفقة الزوجة كما بينا ثم نفقة القريب، فإن قام بكفاية القريب ومؤنة يومه
عمل في اليوم الثاني مثل ذلك.
ولو لم يكن له زوجة وكان يفضل من ماله أو كسبه ما يقوم بكفاية قريبه وكان
التزويج يؤدي إلى عدم الإنفاق عليه فقد صرح بعض الأصحاب بجواز التزويج
له (1) وهو غير بعيد.
ولا تقدير في نفقة القريب، لأن المعتبر فيها المواساة أو دفع حاجته، بل
المعتبر فيها الكفاية وقدر الحاجة بحسب اختلافه في الأحوال والأسنان
والأزمان. ويجب الإدام والملبوس والسكنى والمفروش بحسب الشتاء والصيف
والنوم واليقظة. ولو احتاج إلى الخادم وجب.
والظاهر أن مؤنة القريب إمتاع لا تمليك، فلو تلفت في يده بغير تفريط وجب
إبدالها، وكذا لو أتلفها بنفسه، لكن يجب عليه هنا ضمان ما أتلفه عند اليسار.
والمشهور استحباب إعفاف من يجب النفقة له، وقيل بوجوبه للأب، ويشترط
حاجته إلى النكاح والظاهر أنه يقبل قوله بغير يمين ولا تتأدى الوظيفة وجوبا أو
استحبابا بالعجوز التي لا يليق بحاله. ونفقة الزوجة تابعة للإعفاف في الوجوب
والاستحباب. وكذا القول في نفقة زوجة الأب التي تزوجها بغير توسط الابن،
وأوجب الشيخ في المبسوط نفقة زوجته وإن لم يجب إعفافه، لأنه من جملة
ضرورياته كنفقة الخادم الضرورية (2).

(1) المسالك 8: 488.
(2) المبسوط 6: 49.
307

ولو ماتت الزوجة أو الأمة تجدد الحكم استحبابا أو وجوبا، وكذا لو طلقها
لنشوز أو نحوه، أو باع الأمة لذلك لا للتشهي.
ولو كان الأب وأولاده محتاجين لم يجب عليه إلا إنفاق الأب دون أولاده،
بخلاف ما لو كان المحتاج الولد وأولاده. ولا تقضى نفقة الأقارب ولا تستقر
في الذمة.
قالوا: لو أمره الحاكم بالاستدانة على قريبه الواجب عليه الإنفاق لغيبة أو
امتناع استقرت بذلك في ذمته ووجب عليه قضاؤها.
ولو اجتمع للمحتاج أب وام فالنفقة على الأب. لا أعرف في ذلك خلافا بين
الأصحاب وغيرهم، استنادا إلى قوله تعالى: (فإن أرضعن لكم فآتوهن
اجورهن) (1) لعدم القائل بالفصل بين اجرة الرضاع وغيره، ولقضية هند.
وإن فقد الأب أو كان معسرا قام أحد من آبائه مقامه مقدما على الام،
الأقرب فالأقرب، لا أعرف في ذلك خلافا بينهم، وفي إقامة الحجة عليه عسر.
ولا يعم هذا الحكم لآباء الامهات وإن كن لأب. وإن فقد الجميع أو كانوا معسرين
وجبت على الام بالشرط. قالوا: فإن فقدت أو كانت معسرة فعلى أبيها وامها
بالسوية وإن علوا، ويتقدم الأقرب فالأقرب.
وقد ذكر الشيخ وغيره من الأصحاب أن حكم الآباء والامهات من قبل ام
الأب حكم آباء الام من الطرفين، وكذا ام الأب (2) فيشاركون مع التساوي في
الدرجة، ويختص الأقرب المحتاج من أي جانب كان بوجوب الإنفاق.
ولو وجد من الفروع واحد وجب نفقة الأصل عليه بشرطه، وإن تعدد في
درجة واحدة وجبت عليهم بالسوية. والمشهور أنه لا فرق في ذلك بين الذكر
والانثى. وقيل بوجوبها على الذكر والانثى على حسب الميراث (3). وقيل

(1) الطلاق: 6.
(2) المبسوط 6: 32.
(3) حكاه في المسالك 8: 493.
308

باختصاصها بالذكر (1). والمشهور أنه لا فرق أيضا بين الموسر بالفعل وبالقوة،
ويظهر من كلام بعضهم أن فيه خلافا.
قالوا: ولو اجتمع العمودان كالأب والابن والجد وابن الابن اشتركا في
وجوب الإنفاق وكان الأقرب بدرجة من أي الجانبين مقدما على الأبعد.
قال بعض الأصحاب: حكم الولد لو كان انثى وحكم الام مع الولد مطلقا لا
يخلو عن إشكال من حيث المرتبة، فإن الابن مساو للام في المرتبة كما قلناه في
الأب، وكذلك البنت، وكذلك هي مساوية للأب كالابن، فيحتمل اشتراك الجميع
في الوجوب عدا الام، فإنها مع وجود الأب متأخرة، وتقديم الابن على الام، لأنه
في مرتبة الأب المتقدم على الجد المتقدم عليها، بل تقديم الأولاد مطلقا عليها
لذلك، فإن البنت في مرتبة الابن المتقدم عليها بمراتب، وتقديم الابن على البنت
كما قدم الأب على الام، واشتراك البنت والام خاصة مع تقدم الابن عليهما
لاشتراكهما في الانوثية الموجبة لتأخر الرتبة، وتساويهما في المرتبة بالنسبة إلى
المنفق عليه. قال: وليس في الباب دليل واضح، وقل من تعرض من أصحابنا
للبحث عن ذلك. قال: والوجه استواء الابن والبنت والام مع الولد مطلقا، وبه قطع
في التحرير وتردد في القواعد (2).
وإن تعدد المنفق عليهم بشرط إعسارهم ويساره وعدم الأقرب منه وجب
عليه إنفاق الجميع إن وسع ماله وكسبه لذلك، وإلا تعين إنفاق الأقرب فالأقرب،
سواء كانوا من الاصول أو الفروع أو مختلفين، ولا فرق في كل مرتبة بين الذكر
والانثى.
فلو اجتمع أب الأب مع ام الام كانا سواء، وكذا الأولاد المتعددون. ولو
اجتمع العمودان اعتبرت المراتب في الطرفين، فمع التساوي في الدرجة اشتركوا،
ومع الاختلاف اختص الأقرب، فالأولاد ذكورا وإناثا ومختلفين يشاركون

(1) حكاه في المسالك 8: 493.
(2) المسالك 8: 495 - 496.
309

الأبوين، وأولاد الأولاد الأجداد والجدات للأب أو للام أولهما. ولو لم يكف
منهم كل واحد لصاحبه ولم ينفعه نفعا يعتد به ففي اقتسامهم له كذلك أو القرعة فيه
بينهم وجهان.
ولو اعتد بنفع نصيب بعضهم له لصغر مثلا دون الباقين اقرع فيمن عدا المنتفع،
مع تعدده وإلا اختص كل بنصيبه، ويحتمل اختصاص المنتفع بنصيبه بالكل. وفي
ترجيح الأحوج لصغر أو مرض بدون القرعة وجهان.
ولو كان الأقرب معسرا فتعلق الوجوب بالأبعد فأنفق ثم أيسر الأقرب لم
يرجع الأبعد عليه بما أنفق، وإذا دافع بالنفقة الواجبة أجبره الحاكم، فإن امتنع من
الدفع مع أمره تخير الحاكم بين حبسه وتأديبه لينفق بنفسه، وبين أن يدفع من ماله
مقدار النفقة إن كان له مال ظاهر. ولو كان له عروض أو عقار جاز للحاكم بيعه
حيث توقف الإنفاق من ماله عليه، ولا فرق في ذلك بين نفقة الزوجة والقريب
وفي حكم الحاضر الممتنع المنفق الغائب.
قالوا: وله أن يأذن للمنفق عليه في الاستدامة والإنفاق ثم يرجع عليه، ولو لم
يقدر على الوصول إلى الحاكم مع امتناع المنفق أو غيبته ففي جواز استقلال المنفق
عليه بالاستقراض عليه أو البيع من ماله وجهان، ولا يبعد الجواز، لأن ذلك من
ضروب المقاصة حيث يقع أخذ القريب في الوقت والزوجة مطلقا.
فصل في نفقة المملوك:
يجب على الإنسان نفقة ما يملكه من الحيوان إنسانا كان أو بهيمة بلا فرق بين
الصغير والكبير والصحيح والمريض والناقص كالأعمى والزمن والمرهون
والمستأجر وغير ذلك، ولا بين الكسوب وغيره، لكن يتخير المولى في الكسوب
بين الإنفاق عليه من ماله وأخذ كسبه، وبين جعل نفقته من الكسب، فإن لم يف
بنفقته وجب الباقي على المولى. ولو كان مشتركا بين متعدد وزعت النفقة عليهم
بنسبة الحصص.
310

ولا تقدير لنفقة المملوك شرعا، بل الواجب قدر الكفاية. وهل المعتبر في
الكمية كفاية مثله في الغالب أو كفاية نفسه؟ فيه وجهان، أجودهما الثاني، فيراعى
رغبته وزهادته وكثرة أكله وقلته، فلو كان أكله زائدا عن متعارف أمثاله بحيث
يؤثر النقصان في قوته تأثيرا بينا وجبت الزيادة. وأما الجنس والكيفية فيعتبر
غالب القوت الذي يطعم منه المماليك في البلد لأمثال السيد، وكذا الإدام الغالب
والكسوة الغالبة.
ولمراعاة حال السيد في اليسار والإعسار ونحو ذلك مدخل في ذلك. ولو
كان السيد يتنعم في الإدام والكسوة استحب أن يدفع إلى المملوك مثله، للرواية.
ولو كان السيد يطعم أو يلبس دون المعتاد الغالب بخلا أو رياضة فالظاهر أنه
يجب عليه رعاية الغالب.
ويستحب أن يجلس رقيقه معه على المائدة ويطعمه، خصوصا إذا كان هو
الذي يعالج طعامه، فإن لم يفعل فينبغي أن يعطيه منه ولو لقمة. روي أنه (صلى الله عليه وآله) قال:
إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه وقد كفاه حره وعمله ودخانه فليقعده فليأكل معه
وإلا فليناوله اكلة من طعام (1). وفي رواية اخرى: فليروغ له اللقمة واللقمتين (2).
والاكلة بالضم اللقمة، وروغها إذا رواها دسما. وربما ذهب بعضهم إلى وجوب
أحد الأمرين تخييرا مع كون الإجلاس أفضل، والاستحباب فيما عالج الطعام
آكد، ورعاية ذلك في حق الحاضرين أولى.
قال بعض الأصحاب: وليكن ما يناوله من اللقمة كبيرة تسد مسدا دون
الصغيرة التي تهيج الشهوة ولا تقضي النهمة (3).
ونفقة الحيوان إمتاع لا تمليك، فيسقط بمضي الزمان وإن فعل حراما، وله
إبدال ما أعطاه. وإذا امتنع السيد من الإنفاق مع القدرة أجبره الحاكم على الإنفاق

(1) سنن أبي داود 3: 365، ح 3846.
(2) سنن البيهقي 8: 8.
(3) المسالك 8: 500.
311

أو البيع، ومع تعذر البيع أجبره على الإنفاق خاصة إن لم يوجد متبرع، ولا ينفق
عليه من الزكاة ونحوها.
ولا فرق في ذلك بين القن والمدبر وام الولد، لكن ام الولد يجبر المولى على
الإنفاق عليها خاصة. ولو لم يقدر على الإنفاق عليها ولم يوجد النفقة لها من جهة
اخرى فهل يجبر على بيعها؟ قطع الشهيد بذلك وقواه في المسالك (1). ويحتمل
العدم، لعموم النهي عن بيع ام الولد.
ويجوز له مخارجة المملوك وهي: ضرب خراج معلوم على الرقيق يؤديه كل
يوم أو كل مدة مما يكتسبه. فما فضل يكون له، وقد ورد بجوازه روايات منها:
صحيحة عمر بن يزيد (2). وهي دالة على أن العبد يملك فاضل الضريبة.
وليس للعبد إجبار السيد عليها، وهل للسيد إجبار العبد على ذلك؟ قيل: لا.
وصححه في المسالك، لأنه يملك استخدامه المعتاد لا تحصيل ذلك القدر المعين
المطلوب منه بالكسب (3).
واختار في التحرير جواز إجباره عليها إذا لم يتجاوز بذل المجهود (4). فإن
فضل من الضريبة قدر كفايته وكله إليه، وإلا كان على المولى إتمام النفقة. وإن
ضرب عليه أكثر مما يليق بحاله منعه منه الحاكم.
ولا يجوز للمولى أن يكلف رقيقه إلا ما يطيقه ويعتاد لمثله، ولا يكلفه
الأعمال الشاقة إلا في بعض الأوقات المعتادة لها.
قال بعض الأصحاب: وإذا عمل بالنهار أراحه بالليل وبالعكس، ويريحه في
أيام الصيف في وقت القيلولة ويتبع في جميع ذلك العادة الغالبة (5). ويجب القيام
بما يحتاج إليه البهائم المملوكة من السقي والعلف أو تخليتها لترعى وترد الماء،
ودفع الحر والبرد عنها بحسب المتعارف. ويطرد ذلك في كل حيوان محترم، فإن

(1) المسالك 8: 501.
(2) الوسائل 13: 34، الباب 9 من أبواب بيع الحيوان، ح 1.
(3) المسالك 8: 501.
(4) التحرير 2: 50 س 35.
(5) المسالك 8: 502.
312

امتنع من ذلك أجبره الحاكم على ذلك أو بيعها أو ذبحها إن كانت مما يقصد بالذبح
لأجل اللحم أو الجلد، وإن لم ينتفع بها بالذبح اجبر على الإنفاق أو البيع مع
إمكانهما أو على الممكن منهما إن أمكن البعض خاصة، فإن لم يفعل ناب الحاكم
عنه بما يراه ويقتضيه الحال.
وإن كان لها ولد وفر عليه من لبنها ما يكفيه إلا أن يحصل كفايته بغير اللبن.
ولا يجوز تكليف الدابة فوق طاقتها كتثقيل الحمل وإدامة السير، ولا يجوز
الحلب إذا كان يضر بالبهيمة لقلة العلف وإن لم يضر ولدها. ويكره ترك الحلب إذا
لم يكن فيه مضرة. ويحتمل الوجوب.
قيل: ويستحب أن لا يستقصى في الحلب، وأن يقص الحالب أظفاره ويبقي
للنحل شيء من العسل في الكوارة، ولو احتاجت إليه كوقت الشتاء وجب (1).
قال بعض الأصحاب: ويجوز غصب العلف لإبقاء الدابة إذا لم يوجد غيره ولم
يبذله المالك بالعوض، كما يجوز غصبه كذلك لحفظ نفس الإنسان، ويلزمه المثل
أو القيمة (2).
ويجب على مالك دود القز القيام بكفايته من الورق وإن عز. قال بعض
الأصحاب: لو امتنع المالك عن كفايتها أجبره الحاكم على ذلك، فإن أصر باع من
ماله واشترى به قدر الكفاية، ويجوز تجفيف جوزها في الشمس وإن هلكت
تحصيلا للغرض المطلوب منها.
قال بعض الأصحاب: ما لا روح فيه كالعقار لا يجب القيام بعمارته ولا
زراعة الأرض، لكن يكره تركه إذا أدى إلى الخراب. وفي وجوب سقي الزرع
والشجر وحرثه مع الإمكان قولان، أشهرهما العدم (3).
* * *

(1) المسالك 8: 503.
(2) المسالك 8: 503.
(3) المسالك 8: 504.
313

كتاب الطلاق
315

كتاب الطلاق
والنظر في أطراف:
الأول في المطلق
ويشترط فيه امور:
الأول: اتفق الأصحاب على بطلان طلاق غير المميز من الصبيان ومن لم يبلغ
العشر، واختلفوا في طلاق الصبي المميز الذي بلغ العشر، فقال الشيخ في النهاية:
إنه يصح طلاقه (1) وتبعه ابن البراج وابن حمزة (2) وقال ابن إدريس: لا يصح طلاق
الصبي إلى أن يبلغ (3) وهو اختيار أبي الصلاح وسلار (4) وجمهور المتأخرين.
وعن علي بن بابويه أنه قال في رسالته: والغلام إذا طلق للسنة فطلاقه
جائز (5). ولعل الأول أقرب، لمرسلة ابن أبي عمير (6) المعتضدة بعموم موثقة ابن
بكير (7) ورواية سماعة (8) ويحمل رواية أبي الصباح (9) وأبي بصير (10) على غير

(1) النهاية 2: 447 - 448.
(2) المهذب 2: 288، الوسيلة: 323.
(3) السرائر 2: 664.
(4) الكافي في الفقه: 305، ولم يصرح به في المراسم، انظر المراسم: 161.
(5) حكاه عنه في المختلف 7: 366.
(6) الوسائل 15: 324، الباب 32 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 2.
(7) الوسائل 15: 325، الباب 32 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 5.
(8) الوسائل 15: 325، الباب 32 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 7.
(9) الوسائل 15: 324، الباب 32 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 1.
(10) الوسائل 15: 324، الباب 32 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 4.
316

المميز ومن لم يبلغ عشرا، جمعا بين الأدلة.
ولا يجوز طلاق الولي عن الصغير. ولا يجوز طلاق المجنون المطبق. وذو
الأدوار يصح طلاقه في زمان إفاقته. ولا يصح طلاق الولي عنه.
ولو طلق الولي عن المجنون المطبق لم يصح، إلا أن يبلغ فاسد العقل مع
مراعاة الغبطة على القول الأشهر الأقوى، لصحيحة أبي خالد القماط (1) ورواية
اخرى له (2) ورواية شهاب بن عبد ربه (3).
وذهب الشيخ في الخلاف إلى المنع محتجا بإجماع الفرقة (4). واختاره ابن
إدريس (5) استنادا إلى وجوه ضعيفة. ونقل الشيخ فخر الدين الإجماع على
الأول (6).
والتقييد بأن يبلغ فاسد العقل بناء على القول باختصاص ولاية الأب والجد
على المجنون بذلك، وعلى القول الآخر يصح الحكم مطلقا. ولو لم يكن له ولي
طلق عنه السلطان أو نائبه.
ولا يصح طلاق السكران يعني: من بلغ بتناول المسكر حدا يرتفع قصده.
وقيل في حده: إنه الذي اختلط كلامه المنظوم وانكشف سره المكتوم. ولا من زال
عقله بإغماء أو شرب مرقد، لعدم القصد. ولا يطلق الولي عنهم، لعدم الإذن الشرعي.
الثاني: يشترط في صحة الطلاق الاختيار، فلا يصح طلاق المكره بلا خلاف،
ويدل عليه الأخبار، وكذا الحكم في سائر التصرفات التي اكره عليها، إلا إذا كان
الإكراه بحق، فإنه صحيح كإكراه الحربي على الإسلام والمرتد.
ويتحقق الإكراه بتوعده بما يكون ضارا بالمكره بحسب نفسه أو من يجري

(1) الوسائل 15: 329، الباب 35 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 1.
(2) الوسائل 15: 329، الباب 35 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 3.
(3) الوسائل 15: 329، الباب 35 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 2.
(4) الخلاف 4: 442، المسألة 29.
(5) السرائر 2: 663.
(6) الإيضاح 3: 292.
317

مجراه مع قدرة المتوعد على ما توعد به وحصول العلم أو الظن بأنه يفعل به لو لم
يفعل ما يأمره به، سواء كان المتوعد به قتلا أو قطعا أو جرحا أو ضربا أو شتما أو
أخذ مال.
ويختلف ما عدا القتل أو القطع باختلاف طبقات الناس وأحوالهم، فقد يؤثر
القليل فيمن لا يؤثر في غيره الكثير، وقد يؤثر أخذ مال قليل من بعضهم ولا يؤثر
أخذ أضعاف ذلك المال في غيره. ومنهم من جعل أخذ المال من قبيل القتل، فجعل
القليل والكثير منهم محققا للإكراه (1). والأول أقوى. والضابط في هذا الباب
حصول الضرر عرفا بوقوع المتوعد به.
ولو خير الزوج بين الطلاق وبين دفع مال غير مستحق فهو إكراه، بخلاف ما
لو خيره بين الطلاق وبين فعل يستحقه الآمر من مال أو غيره.
والإكراه يمنع وقوع الطلاق إذا لم يظهر ما يدل على الاختيار، فلو أكرهه على
طلقة واحدة فطلق ثلاثا قيل: يقع الجميع (2) لإشعار ذلك برغبته واتساع صدره،
ويحتمل الحكم على الصيغة الاولى بالإكراه ويقع ما بعدها. ولو أوقع الثلاث
بصيغة واحدة فإن كان يعتقد عدم صحة ما زاد على الواحدة بذلك فهو كما لو أوقع
واحدة خاصة، وإن كان يعتقد وقوع الثلاث بهذا اللفظ دل على الاختيار.
ولو أكرهه على ثلاث فطلق واحدة قيل: يقع، للمغايرة (3). والأقوى عدم
الوقوع، لأنه بعض ما أكرهه عليه، وكذا لو اكره على طلاق زوجتين فطلق واحدة
قيل: يقع (4). والأقوى عدم الوقوع.
ولو أكرهه على طلاق زوجة فطلق زوجتين قيل: يقع الطلاق عليهما (5). وقيل:
يقع إن وقع الطلاق بلفظ واحد، بخلاف ما لو كان مرتبا فيقع غير المكره
عليه خاصة (6).

(1) نهاية المرام 2: 11.
(2) المسالك 9: 20.
(3) حكاه في المسالك 9: 20.
(4) حكاه في المسالك 9: 21.
(5) حكاه في المسالك 9: 20.
(6) حكاه في المسالك 9: 20 - 21.
318

ولو اكره على طلاق إحدى زوجتيه لا على التعيين فطلق واحدة معينة قيل:
يقع (1). والأقوى عدم الوقوع.
ولو اكره على صيغة معينة فأتى بغيرها فالظاهر الوقوع. ولو قصد المكره
إيقاع الطلاق ففي وقوعه وجهان. ولو تلفظ بالطلاق ثم قال: كنت مكرها وأنكرت
المرأة، فإن كان هناك قرينة تدل على صدقه بأن كان في يد متغلب أو كان محبوسا
قبل قوله بيمينه، وإلا فلا.
ولو طلق في المرض ثم ادعى أنه كان مغشيا عليه أو مختلط العقل قيل: لم
يقبل قوله إلا ببينة مطلقا (2). وقيل: إنما ذلك إذا طابق الظاهر، أما لو ظهر من حال
المريض اختلاط - كعدم انتظام الكلام واضطراب الأحوال - ثم ادعى فساد العقل
فالأظهر قبول قوله كما في دعوى الإكراه (3).
الثالث: القصد، ويشترط انضمامه إلى اللفظ الصريح، للنص وهو أخبار
متعددة، ويعتبر قصد اللفظ والمعنى، فلا يقع طلاق الساهي والنائم والغالط
والهازل والمغضب الذي ارتفع قصده والأعجمي الذي لقن الصيغة ولا يفهم معناها.
ولو نسي أن له زوجة فقال: نسائي طوالق، أو زوجتي طالق، ثم ذكر لم يقع،
لعدم القصد.
ولو أوقع وقال: لم أقصد الطلاق، فالذي ذكره جماعة من الأصحاب أنه يقبل
منه ظاهرا ويدين بنيته باطنا وإن تأخر تفسيره ما لم تخرج من العدة، لأنه إخبار
عن نيته ولا يمكن الاطلاع عليها إلا من قبله. وإطلاق كلامهم يشمل ما إذا تجرد
عن قرينة دالة على عدم القصد وعدمه، وما كان في العدة الرجعية أو البائنة، وما لو
صادقته المرأة على ذلك وعدمه.
واستشكله بعض الأصحاب على إطلاقه، بناء على أن الظاهر من حال العاقل
المختار القصد إلى الفعل، فإخباره بخلافه مناف للظاهر (4) ولو نظر إلى ترجيح

(1) حكاه في المسالك 9: 21.
(2) المسالك 9: 23.
(3) نهاية المرام 2: 13.
(4) المسالك 9: 26.
319

الأصل لزم مثله في البيع وغيره من العقود ولم يقولوا به، بل اتفقوا على عدم القبول
هناك، واختصاص الطلاق بذلك مشكل، بل الأمر فيه أشد، لقول النبي (صلى الله عليه وآله): ثلاثة
جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة (1) ولأن حق الغير متعلق به فلا
يقبل في حقه. والاستشكال في موقعه.
وربما خصه بعضهم بوقوعه في العدة الرجعية (2). والحكم فيها صحيح، لكن
قبول قوله حينئذ من حيث إنه رجعة، لا من حيث إنه يرجع إليه في القصد.
وقوى بعض الأصحاب عدم القبول إلا مع قيام القرينة على صدقه أو كونها
في عدة رجعية. فيجعل ذلك بمنزلة الرجعة، نعم لو صادقته الزوجة على ذلك لم
يبعد القبول، لأن الحق منحصر فيهما (3). وهو متجه.
ويجوز الوكالة في الطلاق للغائب بلا خلاف، وللحاضر على الأشهر الأصح،
لصحيحة سعيد الأعرج وغيرها (4). وذهب الشيخ وأتباعه إلى المنع (5) استنادا إلى
رواية زرارة الدالة على عدم جواز الوكالة في الطلاق (6) حملا لها على الحاضر،
جمعا بين الروايات، وهي ضعيفة السند، فلا تعارض الصحيح مع إمكان التأويل
فيها. وعلى قول الشيخ يتحقق الغيبة بمفارقة مجلس الطلاق وإن كان في البلد.
ولو وكلها في طلاق نفسها ففي صحته قولان. والأدلة من الجانبين محل بحث.
الطرف الثاني في المطلقة
ويشترط فيها امور:
الأول: لا خلاف بين الأصحاب في أن المطلقة يشترط فيها الزوجية والدوام،
لأن الطلاق حكم شرعي، فيجب الاقتصار على ما يثبت الحكم فيه من قبل

(1) سنن أبي داود 2: 259، ح 2194.
(2) حكاه في المسالك 9: 27.
(3) المسالك 9: 27 - 28.
(4) الوسائل 15: 333، الباب 39 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 1.
(5) النهاية 2: 431، المهذب 2: 277، الوسيلة: 323.
(6) الوسائل 15: 334، الباب 39 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 5.
320

الشرع، فلو طلق الموطوءة بالملك أو الأجنبية سواء أطلق أو علق على التزويج لم
يكن له حكم، وكذا لو طلق المتمتع بها.
وخالف فيه بعض العامة فجوز وقوع الطلاق على الأجنبية مطلقا، وجوز
بعضهم وقوعه عليها بشرط تزويجها، بمعنى احتساب ذلك من الطلقات الثلاثة
المحرمة، ويدفعه صحيحة محمد بن قيس (1) وصحيحة الحلبي (2) ورواية حمزة بن
حمران (3) ورواية عبد الله بن سليمان (4) ورواية سماعة (5) وغيرها (6).
الثاني: الطهارة من الحيض والنفاس. اتفق العلماء على تحريم طلاق
الحائض والنفساء، وإن وقع فباطل، بلا خلاف فيه بين علمائنا، ويدل عليه أخبار
كثيرة (7). واستثني من هذا مواضع:
منها: إذا كان الزوج غائبا، وجواز الطلاق حينئذ اتفاقي بين الأصحاب في
الجملة، وإنما الخلاف في أن الجواز معلق بالغيبة من غير اعتبار أمر آخر، أم لا؟
فذهب المفيد وابن أبي عقيل وعلي بن بابويه وأبو الصلاح وغيرهم إلى جواز
طلاقها إذا كانت بحيث لا يمكنه استعلام حالها من غير تربص (8).
وادعى ابن أبي عقيل تواتر الأخبار بذلك (9). وقال الصدوق: أقصاه خمسة
أشهر أو ستة أشهر، وأوسطه ثلاثة أشهر وأدناه شهر (10).

(1) الوسائل 15: 287، الباب 12 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 2.
(2) الوسائل 15: 286، الباب 12 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 1.
(3) الوسائل 15: 287، الباب 12 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ذيل الحديث 3.
(4) الوسائل 15: 287، الباب 12 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 3.
(5) الوسائل 15: 287، الباب 12 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 5.
(6) الوسائل 15: 286، الباب 12 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه.
(7) الوسائل 15: 286، الباب 8 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه.
(8) المقنعة: 526، حكاه عن ابن أبي عقيل وعلي بن بابويه في المختلف 7: 356 - 357،
الكافي في الفقه: 306.
(9) حكاه في المختلف 7: 356.
(10) الفقيه 3: 503، ذيل الحديث 4766.
321

وذهب الشيخ في النهاية وجماعة إلى اعتبار الشهر (1). وذهب ابن الجنيد
والعلامة في المختلف إلى اعتبار ثلاثة أشهر (2).
واعتبر في الاستبصار مضي مدة يعلم أو يظن بحسب حالها انتقالها من الطهر
الذي واقعها فيه إلى آخر وأنه لا يتقدر بمدة غير ذلك (3). وإليه ذهب المحقق وأكثر
المتأخرين (4).
والأقوى عندي القول الأول، لصحيحة محمد بن مسلم وزرارة وغيرهما عن
أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام) (5) وصحيحة إسماعيل الجعفي عن أبي
جعفر (عليه السلام) (6) وحسنة جميل وصحيحته وموثقته (7) وصحيحة حماد بن عثمان
المنقولة في الخصال (8) وصحيحة محمد بن مسلم (9) وحسنة الحلبي (10).
وما دل على اعتبار شهر كموثقة إسحاق بن عمار (11) واعتبار ثلاثة أشهر
كصحيحة جميل بن دراج (12) وموثقة إسحاق بن عمار الموافقة لقول الصدوق (13)
محمول على الاستحباب جمعا بين الأدلة. وهذا الجمع أقرب مما قيل هاهنا في
وجه الجمع.

(1) النهاية 2: 434.
(2) حكاه عن ابن الجنيد وقال به في المختلف 7: 357.
(3) الاستبصار 3: 295، ذيل الحديث 1043.
(4) الشرائع 3: 14 - 15، السرائر 2: 690، الإرشاد 2: 42، المقتصر: 269.
(5) الوسائل 15: 277، الباب 8 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 5.
(6) الوسائل 15: 305، الباب 25 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 1.
(7) الوسائل 15: 305، الباب 25 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 2 وذيله.
(8) الخصال: 303، ح 81.
(9) الوسائل 15: 307، الباب 26 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 1.
(10) الوسائل 15: 306، الباب 25 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 3.
(11) الوسائل 15: 307، الباب 26 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 3.
(12) الوسائل 15: 308، الباب 26 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 7.
(13) الوسائل 15: 308، الباب 26 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 8.
322

ولو طلق بعد الغيبة مطلقا على المختار أو بعد المدة المعتبرة على أقوال اخر
ثم اتفق كونها حائضا في وقت الطلاق صح، لعموم الروايات (1) وخصوص رواية
أبي بصير (2) وكذا لو ظهر بعد ذلك كونها في طهر المواقعة، وربما قيل هنا بعدم
الوقوع استنادا إلى تعليل ضعيف.
ولو طلقها قبل مضي المدة المعتبرة على القول باعتبارها ثم ظهر بعد الطلاق
وقوعه في طهر لم يقربها فيه ففي صحته على القول باعتبار المدة وجهان.
ولو طلقها بعد الشرط المعتبر لكن اتفق مخبر يجوز الاعتماد عليه شرعا
فأخبر قبل الطلاق بأنها حائض بسبب تغير عادتها ففي صحة الطلاق وجهان،
وعموم الأخبار يقتضي الصحة.
ولو كان خروج الزوج في طهر آخر غير طهر المواقعة صح طلاقها من غير
تربص ولو اتفق في الحيض. ذكره الشيخ وجماعة من الأصحاب (3) وهو متجه
على ما يختاره، لعموم أدلة جواز الطلاق حال الغيبة.
واستشكل إطلاق الحكم به بعض من اعتبر المدة نظرا إلى أن ما تضمن بطلان
طلاق الحائض متناول لهذه الصورة. واستوجه صحة طلاقه من غير تربص إذا
اتفق وقوع الطلاق في الطهر (4).
والحاضر إذا كان بحيث لا يمكنه الوصول إلى زوجته حتى يعلم حيضها
كالمحبوس فالمعتبر في صحة طلاقها مضي شهر، لصحيحة عبد الرحمن بن
الحجاج (5) وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية وجماعة (6) وأنكره ابن إدريس

(1) الوسائل 15: 307، الباب 26 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه.
(2) الوسائل 15: 308، الباب 26 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 6.
(3) النهاية 2: 444، الشرائع 3: 15، المسالك 9: 45.
(4) نهاية المرام 2: 20.
(5) الوسائل 15: 310، الباب 28 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 1.
(6) النهاية 2: 434، المهذب 2: 286، الوسيلة: 323.
323

مدعيا نفي الخلاف فيما يدعيه (1). والوجه الأول، لصحة الرواية واشتهار العمل بها
بين الأصحاب.
ومن المواضع المستثناة من الحكم ببطلان الطلاق في حال الحيض غير
المدخول بها والحامل على القول بأنها تحيض، لصحيحة إسماعيل بن جابر
الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: خمس يطلقن على كل حال: البين حملها، والتي
لم يدخل بها زوجها، والغائب عنها زوجها، والتي لم تحض، والتي قد جلست عن
المحيض (2). وفي معناه حسنة الحلبي (3) وصحيحة جميل وموثقته وحسنته (4)
وصحيحة حماد بن عثمان المذكورة في الخصال (5).
الثالث: أن يكون الطلاق في طهر لم يجامعها فيه، للإجماع والأخبار
المستفيضة، ويسقط اعتباره في الصغيرة واليائسة والحامل، لصحيحة إسماعيل
الجعفي وغيرها.
وذكر الشيخ في النهاية أن المراد بالصغيرة من يقصر سنها عن تسع سنين،
ومن كان له تسع سنين فصاعدا ولم تكن حاضت بعد واريد طلاقها فليصبر عليها
ثلاثة أشهر ثم يطلقها بعد ذلك (6). وفي هذا التخصيص نظر.
والمذكور في الروايات: «التي لم تحض» ولا يبعد أن يكون المراد من لم
تحض مثلها عادة وإن زاد سنها عن التسع، وأما المسترابة وهي في اصطلاحهم من
كانت في سن من تحيض ولا تحيض سواء كان لعارض من مرض أو رضاع أو
خلقة فيشترط في صحة طلاقها مضي ثلاثة أشهر من حين المواقعة، فلو طلقها قبله
لم يصح، والظاهر أنه موضع وفاق. ويدل عليه مرسلة داود بن أبي يزيد العطار (7).

(1) السرائر 2: 686.
(2) الوسائل 15: 305، الباب 25 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 1.
(3) الوسائل 15: 306، الباب 25 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 3.
(4) الوسائل 15: 305، الباب 25 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 2 وذيله.
(5) الخصال: 303، ح 81.
(6) النهاية 2: 441.
(7) الوسائل 15: 335، الباب 40 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 1.
324

ولا يلحق بالمسترابة من يعتاد الحيض في كل مدة يزيد عن ثلاثة أشهر، بل
هي من أقسام ذوات الحيض، فيجب استبراؤها بحيضة وإن توقفت على أكثر من
ذلك كما صرح به بعض الأصحاب (1).
الرابع: تعيين المطلقة إما لفظا كقوله: فلانة باسمها المميز لها عن غيرها، أو
بالإشارة إليها الرافعة للاشتراك، أو يذكر الزوجة حيث لا يكون له غيرها، أو نية
عند جماعة من الأصحاب (2). وذهب جماعة اخرى منهم إلى عدم الاشتراط (3).
والمسألة عندي محل إشكال.
وحيث ينوي واحدة بعينها يؤمر بالتعيين على الفور ولو أخر أثم، ويحتمل
الفرق بين البائن والرجعي.
ولو أرسل اللفظ ولم ينو واحدة وقلنا بصحته فهل يستخرج المطلقة بالقرعة
أو يرجع إلى تعيينه؟ فيه قولان، وعلى الثاني ففي وقوعه من وقت التلفظ بالطلاق
أو من حين التعيين وجهان، اختار أولهما الشيخ في المبسوط (4) وثانيهما العلامة
في القواعد والتحرير (5). ويعبر عن هذا الخلاف بأن التعيين بيان موقع أو إيقاع، أو
بأن إرسال اللفظ المبهم إيقاع طلاق، أو التزام طلاق في الذمة. ويشكل على القول
الثاني الحكم بتحريمها عليه قبل التعيين مع الاتفاق عليه. ويتفرع على القولين
العدة فعلى الأول يعتبر العدة من حين اللفظ، وعلى الثاني من حين التعيين. وفي
المسألة أبحاث طويلة متفرعة على القول بعدم اشتراط التعيين.
الطرف الثالث في الصيغة
والصيغة المتلقاة عن الشارع لإزالة قيد النكاح «طالق» كما في حسنة محمد

(1) المسالك 9: 48.
(2) الانتصار: 139، النهاية 2: 427، السرائر 2: 665.
(3) المبسوط 5: 78، الشرائع 3: 15، الإرشاد 2: 43.
(4) المبسوط 5: 78.
(5) القواعد 3: 125، تحرير الأحكام 2: 53 س 7.
325

ابن مسلم ونقلها البزنطي في جامعه عن محمد بن سماعة عن محمد بن مسلم
بتفاوت ما في المتن (1) وكما في حسنة الحلبي (2). فلو قال: «أنت الطلاق، أو طلاق،
أو من المطلقات» لم يكن شيئا ولو نوى به الطلاق، للحصر المفهوم من الروايتين.
وكذا «أنت مطلقة» لذلك. وقال الشيخ: الأقوى أنه يقع إذا نوى الطلاق (3).
ولو قال: «طلقت فلانة» قال الشيخ: لا يقع (4). واستشكله المحقق (5).
ولو قال: «نعم» في جواب «هل طلقت فلانة؟» ففيه قولان، أحدهما: وقوع
الطلاق به. وهو اختيار جماعة منهم الشيخ في النهاية (6) استنادا إلى رواية
السكوني (7) والرواية ضعيفة، والحصر المفهوم من الروايتين ينفيه.
والمشهور بين المتأخرين ومنهم ابن إدريس أنه لا يقع بغير العربية مع القدرة
عليها (8) لأن العربي هو الوارد في القرآن المتكرر في لسان الشرع دون غيره،
فيقتصر عليها قصرا لإزالة الحكم المستصحب على مورد اليقين.
وذهب جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في النهاية إلى الاجتزاء بما دل
على قوله: «أنت طالق» من اللغات وإن قدر على العربية، لأن المقصود بالذات هو
المعاني والألفاظ مقصودة بالعرض للدلالة عليها (9). ويؤيده رواية حفص عن أبيه
عن علي (عليه السلام) (10). ولعل هذا القول أجود.
ولا إشكال في الاجتزاء بالترجمة مع العجز عن العربية.
ولا يقع بالإشارة مع القدرة على النطق. ولو عجز عن النطق كفت الإشارة كما

(1) الوسائل 15: 295، الباب 16 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 3 وذيله.
(2) الوسائل 15: 295، الباب 16 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 4.
(3) المبسوط 5: 25.
(4) المبسوط 5: 25.
(5) الشرائع 3: 17.
(6) النهاية 2: 427.
(7) الوسائل 15: 296، الباب 16 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 6.
(8) السرائر 2: 676.
(9) النهاية 2: 429.
(10) الوسائل 15: 297، الباب 17 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 1، وفيه عن وهب
بن وهب.
326

يقع بها غير الطلاق، ويعتبر في صحته أن تكون مفهمة لمن يخالطه ويفهم طريقه إن
لم تكن مفهمة على العموم، ويعتبر فهم الشاهدين لها، لقيامها مقام النطق.
ولو عرف الأخرس الكتابة احتمل قيامها مقام الإشارة، فلا يعتبر ضميمة
الإشارة إليها، ويحتمل تقديم الكتابة كما ذهب إليه ابن إدريس (1) ويدل عليه
صحيحة ابن أبي نصر (2).
واعتبر جماعة من الأصحاب منهم الصدوقان (3) فيه إلقاء القناع على المرأة
يرى أنها قد حرمت عليه، لرواية السكوني (4) ورواية أبي بصير (5) وهو محتمل.
ومنهم من خير بين الإشارة وبين إلقاء القناع (6). ومنهم من جمع بينهما (7).
وفي المسالك: الحق الاكتفاء بالإشارة المفهمة، وإلقاء القناع مع إفهامه ذلك
من جملتها، وضعف سند الرواية يمنع من جعلها أصلا، نعم مع إفادة إلقاء القناع
إرادة الطلاق يدخل في أفراد الإشارة ويكون الرواية شاهدا.
واتفق الأصحاب على عدم وقوع الطلاق بالكتابة للحاضر القادر على التلفظ
واختلفوا في وقوعه من الغائب، فذهب الأكثر منهم الشيخ في المبسوط والخلاف،
إلى العدم مدعيا في الخلاف الإجماع استصحابا لحكم الزوجية إلى أن يثبت
المزيل. ولحسنة زرارة (8).
وذهب الشيخ في النهاية وأتباعه إلى وقوعه من الغائب (9) لصحيحة أبي حمزة

(1) السرائر 2: 678.
(2) الوسائل 15: 299، الباب 19 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 1.
(3) الفقيه 3: 515، ذيل الحديث 4806، المقنع: 119.
(4) الوسائل 15: 300، الباب 19 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 3.
(5) الوسائل 15: 301، الباب 19 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 5.
(6) الوسيلة: 324.
(7) حكاه في المسالك 9: 70.
(8) الوسائل 15: 291، الباب 14 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 2.
(9) النهاية 2: 429، الوسيلة: 323، إصباح الشيعة: 449.
327

الثمالي (1). (2) وهو أقرب، ترجيحا للخبر الصحيح، وحملا للخبر الآخر بحال
الحضور أو عدم النية جمعا.
وعلى القول بوقوعه بها يعتبر القصد بها إلى الطلاق وإشهاد شاهدين. وهل
يشترط رؤيتهما حال الكتابة أم يكفي رؤيتهما لها بعد ذلك، فيقع حين يريانها؟ فيه
وجهان، والأول أحوط.
ولا فرق في الغائب بين البعيد بمسافة القصر وعدمه، ويحتمل شموله للغائب
عن المجلس، لعموم النص، والوجه اعتبار الغيبة عرفا. ولابد من أن يكون
المكتوب كلاما معتبرا في الطلاق.
ولا يقع الطلاق بغير الصريح، فلو قال: خلية، أو برية، أو حبلك على غاربك،
أو الحقي بأهلك، أو بائن، أو حرام، أو بتة، أو بتلة لم يقع، سواء نوى الطلاق أم لا.
وصحيحة الحلبي (3) وحسنة محمد بن مسلم (4) تضمنتا نفي أكثر هذه
المذكورات.
ولو قال: «اعتدي» فالمشهور بين الأصحاب أنه لا يقع بها الطلاق. وقال ابن
الجنيد: إنه يقع (5). وهو أقوى، لحسنة محمد بن مسلم وحسنة الحلبي (6).
وروى الشيخ في التهذيب عن علي بن الطاطري قال: الذي اجمع عليه في الطلاق
أن يقول: أنت طالق أو اعتدي، وذكر أنه قال لمحمد بن أبي حمزة: كيف يشهد على
قوله: اعتدي؟ قال: يقول: اشهدوا، اعتدي. والشيخ أول الأخبار بتأويل بعيد جمعا
بينها وبين ما نقل عن الحسن بن سماعة أنه قال: ليس الطلاق إلا كما روى ابن بكير
بن أعين أن يقول لها وهي طاهر من غير جماع: أنت طالق، وكل ما سوى ذلك ملغى (7).

(1) الوسائل 15: 291، الباب 14 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 3.
(2) المسالك 9: 70 - 71.
(3) الوسائل 15: 295، الباب 16 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 3.
(4) الوسائل 15: 295، الباب 16 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ذيل الحديث 3.
(5) حكاه في المختلف 7: 344.
(6) التهذيب 8: 36 و 37، ح 108 و 109.
(7) التهذيب 8: 37، ح 110.
328

والوجه أن هذا لا يصلح لمعارضة تلك الأخبار المعتبرة. وقد يقال يمكن أن
يقال: إن الحكم بوقوع الطلاق بقوله: «اعتدي» مع النية - وهو كناية قطعا - يدل
على وقوعه بغيره من الكنايات التي أوضح معنى من قوله: «اعتدي» مثل قوله:
أنت مطلقة، أو طلقتك، أو سرحتك، أو فارقتك إلى غير ذلك بل قيل: إن الفراق
والسراح وما اشتق منهما ومن الطلاق صريح لا كناية، لورودها في القرآن مرادا بها
الطلاق فما دل على وقوع الطلاق بقوله: «اعتدي» يدل على وقوعه بهذه الألفاظ
من باب مفهوم الموافقة، ويبقى الكنايات التي هي مساوية لقوله: «اعتدي» أو
أخفى مردودة، لعدم الدليل، ومنها ما حكم في الرواية برده، وحينئذ يكون قد
أعملنا جميع الأخبار المعتبرة مؤيدا بعموم الآيات والأخبار الدالة على الطلاق
من غير تقييد بصيغة، وأجاب عن مفهوم الحصر في الخبر بأن ما ذكرنا داخل في الحكم
التزاما، وبالحمل على التأكيد (1) وفيه إشكال. والوجه الوقوف على المنصوص.
والمعروف من مذهب الأصحاب أنه يشترط تجريد الطلاق عن الشرط، وهو
ما يحتمل وقوعه وعدمه كدخول الدار، وعن الصفة وهو: ما لابد من وقوعه عادة
كطلوع الشمس. وادعى ابن إدريس عليه الإجماع (2).
وفي الشرائع أسنده إلى قول مشهور لم نقف فيه على مخالف (3) ويمكن
الاحتجاج عليه بصحيحة الحلبي (4) وصحيحة عبد الله بن سنان (5) وموثقة أبي اسامة
الشحام (6). ويمكن الاحتجاج عليه أيضا بالحصر المفهوم من حسنة محمد بن
مسلم (7) ومن حسنة الحلبي (8) في الجملة. ولعدم الاشتراط بعض المؤيدات.

(1) المسالك 9: 78 - 79.
(2) السرائر 2: 695 و 696.
(3) الشرائع 3: 18.
(4) الوسائل 15: 297، الباب 18 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 1.
(5) الوسائل 15: 297، الباب 18 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 2.
(6) الوسائل 15: 298، الباب 18 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 3.
(7) الوسائل 15: 295، الباب 18 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 3.
(8) الوسائل 15: 295، الباب 18 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 4.
329

ولو فسر الطلقة باثنتين أو ثلاثا كما لو قال: أنت طالق ثلاثا (1)، فلا يقع
مجموعه اتفاقا.
واختلف الأصحاب في أنه هل يقع باطلا من رأس أو يقع منه واحدة ويلغو
الزائد؟ فذهب الأكثر إلى الثاني، استنادا إلى الروايات المتعددة المتضمنة لأن
الطلاق ثلاثا في مجلس واحد (2) وبأن المقتضي موجود والمانع مفقود. وفيه: أن
المتبادر من الروايات كون الطلاق بألفاظ متعددة ونمنع وجود المقتضي.
وذهب المرتضى في أحد قوليه وابن أبي عقيل وسلار وابن حمزة إلى
الأول (3) ومستنده صحيحة أبي بصير (4) ورواية علي بن إسماعيل (5) وأن المنفردة
غير مرادة والمراد غير واقع.
ويمكن الاستدلال عليه أيضا بما رواه حفص بن البختري بإسناد معتبر عن
الصادق (عليه السلام) قال: إياكم والمطلقات ثلاثا، فإنهن ذوات أزواج (6).
وفي رواية عمر بن حنظلة: إياكم والمطلقات ثلاثا في مجلس واحد، فإنهن
ذوات أزواج (7) وقريب منه مروي عن أمير المؤمنين (8).
وفي قرب الإسناد عن صفوان الجمال في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) إن
رجلا قال له: إني طلقت امرأتي ثلاثا في مجلس؟ قال: ليس بشيء (9) الحديث.

(1) كذا في الأصل أيضا.
(2) المبسوط 5: 6، المهذب 2: 277، الانتصار: 138 - 139، السرائر 2: 678.
(3) رسائل الشريف المرتضى (المجموعة الاولى): 240، حكاه عن ابن أبي عقيل في
المختلف 7: 353، المراسم: 161، الوسيلة: 322.
(4) الوسائل 15: 313، الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 8.
(5) الوسائل 15: 316، الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 19.
(6) الوسائل 15: 316، الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 21.
(7) الوسائل 15: 316، الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 20.
(8) الوسائل 15: 317، الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 24.
(9) قرب الإسناد: 61، ح 195.
330

ويؤيده رواية هارون بن خارجة المذكورة في خرائج الجرائح (1). ويؤيده
مفهوم حسنة محمد بن مسلم (2). والمسألة لا تخلو عن إشكال وإن كان الترجيح
للقول الأول.
ولو كان المطلق يعتقد الثلاث لزمته، وفي معنى الطلاق ثلاثا كل طلاق
محكوم بصحته عند العامة إذا كان باطلا عندنا، كالطلاق الواقع في الحيض، وبغير
الإشهاد، ومعلقا على الشرط، وبالكتابة مع النية، وغير ذلك.
وفي المسالك: ظاهر الأصحاب الاتفاق على الحكم (3) وقد ورد بهذا الحكم
روايات كثيرة كرواية إبراهيم بن محمد الهمداني (4) وموثقة عبد الأعلى (5) وموثقة
محمد بن مسلم (6) ورواية علي بن أبي حمزة (7) وموثقة جميل بن دراج (8) وغيرها.
وقيل: إنها مؤيدة بعمل الناس على ذلك من زمن الأئمة (عليهم السلام) إلى زماننا هذا من
غير نكير (9).
ويمكن الاستدلال عليه بما رواه الصدوق عن العلاء بن رزين في الصحيح
أنه سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن جمهور الناس فقال: هم اليوم أهل هدنة ترد ضالتهم،
وتؤدى أمانتهم، وتحقن دماؤهم، ويجوز مناكحتهم وموارثتهم في هذه الحالة (10).
ولو قال: أنت طالق للسنة، صح إذا كانت طاهرة. ولو قال: للبدعة، أو محرم، أو
فاسد، أو نحو ذلك قيل: يصح الطلاق ويلغو الزائد (11). وقيل: يبطل (12). ولعله الأقرب.

(1) الخرائج والجرائح 2: 642، ح 49.
(2) انظر الكافي 6: 58، ح 7.
(3) المسالك 9: 69.
(4) الوسائل 15: 320، الباب 30 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 1.
(5) الوسائل 15: 321، الباب 30 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 7.
(6) الوسائل 17: 484، الباب 4 أبواب من ميراث الإخوة والأجداد، ح 4.
(7) الوسائل 15: 321، الباب 30 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 5.
(8) الوسائل 17: 484، الباب 4 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، ح 2.
(9) نهاية المرام 2: 35.
(10) الفقيه 3: 472، ح 4666.
(11) الخلاف 4: 455، المسألة 8.
(12) الشرائع 3: 18.
331

ولو قال: «أنت طالق في هذه الساعة إن كان الطلاق يقع بك» قال الشيخ: لا
يصح، لتعليقه على الشرط (1). وقيل: يصح إذا علم وقوعه، لأن المعلق على الشرط
لا يبطل من حيث اشتماله على الشرط، بل من حيث عدم التنجيز (2).
الطرف الرابع في الإشهاد
ويشترط في صحة الطلاق حضور شاهدين يسمعان الصيغة، فلو تجرد عن
الشهادة كان باطلا وإن تحقق باقي شرائط الصحة، والأصل فيه الآية والأخبار (3)
مع اتفاق الأصحاب عليه. ويكفي سماعهما، ولا يعتبر استدعاؤهما إلى السماع،
لحسنة صفوان بن يحيى (4) وحسنة أحمد بن محمد بن أبي نصر (5) ورواية علي بن
أحمد بن أشيم (6) وعموم الأدلة.
وذكر بعض الأصحاب أنه لابد من حضور شاهدين يسمعان الطلاق بحيث
يتحقق معه الشهادة بوقوعه، وإنما يحصل ذلك مع العلم بالمطلقة على وجه يشهد
العدلان بوقوع طلاقها، ولا يكفي مجرد سماع العدلين من غير علم بالمطلق
والمطلقة، فإن ذلك لا يسمى إشهادا. قال: وممن صرح باعتبار علم الشهود
بالمطلق الشيخ في النهاية، ونقل كلامه واستدل برواية محمد بن أحمد بن مطهر (7).
ويدل على خلاف ما ذكره صحيحة أبي بصير - يعني المرادي - عن أبي
جعفر (عليه السلام) (8).

(1) المبسوط 5: 12.
(2) الشرائع 3: 18.
(3) الطلاق: 2، الوسائل 15: 281، الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه.
(4) الوسائل 15: 302، الباب 21 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 2.
(5) الوسائل 15: 302، الباب 21 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 1.
(6) الوسائل 15: 302، الباب 21 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 3.
(7) نهاية المرام 2: 37 - 38.
(8) الوسائل 15: 303، الباب 23 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 1.
332

ولابد من اجتماع الشاهدين حال التلفظ بالطلاق، لحسنة أحمد بن محمد بن
أبي نصر (1).
والمعتبر شهادة رجلين خارجين عن المطلق، ولو كان المطلق وكيل الزوج
ففي الاكتفاء بشهادته قولان.
ويعتبر في الشاهدين العدالة. وذهب جماعة منهم الشيخ في النهاية إلى
الاكتفاء بظاهر الإسلام (2) إما بناء على أن الأصل في المسلم العدالة، وإما لقول أبي
الحسن (عليه السلام) في حسنة البزنطي: من ولد على الفطرة اجيزت شهادته بعد أن تعرف
منه خيرا (3). ويوافقه قول الرضا (عليه السلام) في صحيحة عبد الله بن المغيرة: كل من ولد
على الفطرة وعرف بصلاح في نفسه جازت شهادته (4).
وفي المسالك رجح هذا القول، نظرا إلى الحسنة المذكورة بأن «الخير» نكرة
تفيد الإطلاق فيتحقق بالصلاة والصيام وإن خالف في الاعتقاد الصحيح. قال:
وفي تصدير الخبر باشتراط العدالة ثم الاكتفاء بما ذكر تنبيه على أن العدالة
هي الإسلام (5).
وتنظر فيه بعض الأصحاب، نظرا إلى أن المتبادر من قولنا: عرف من هذا
الرجل خير، أنه عرف منه الخير خاصة. وكذا من قولنا: عرف منه الصلاح. كونه
معروفا بهذا الوصف ممتازا به، فيكون في الروايتين دلالة على تحقق العدالة
المعتبرة في الشهادة، بأن يظهر من حال الشخص الخير والصلاح دون الفسق الذي
من أعظمه الخروج عن الإيمان (6). وللتأمل في هذا المقام مجال.
وكيف ما كان فلا ريب في أنه إذا عرف من الشخص خير أو صلاح ولم يظهر

(1) الوسائل 15: 301، الباب 20 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 1.
(2) النهاية 2: 426.
(3) الوسائل 15: 282، الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 4.
(4) الوسائل 18: 290، الباب 41 من كتاب الشهادات، ح 5.
(5) المسالك 9: 114.
(6) نهاية المرام 2: 40.
333

منه فسق صدق عليه مدلول الروايتين من غير حاجة إلى التفتيش، ولا معارض
للروايتين مع وضوح سندهما، فتعين المصير إلى مدلولهما.
وعلى المشهور من اعتبار العدالة فالمعتبر ثبوتها بحسب الظاهر لا بحسب
الواقع، فلا يقدح فسقهما في الواقع مع ظهور العدالة عند الزوج ومن يرتب على
الطلاق حكما. ولا يشترط حكم الحاكم بها.
وهل يقدح فسقهما في نفس الأمر بالنسبة إليهما حتى لا يصح لأحدهما أن
يتزوج بها أم لا؟ فيه وجهان، أقربهما الثاني.
ولو علم الزوج فسقهما مع ظهور عدالتهما ففي الحكم بوقوع الطلاق بالنسبة
إليه حتى يسقط عنه حقوق الزوجية ويستبيح له اختها والخامسة وجهان، أقربهما
عندي العدم. وفي المسالك: أن الصحة لا يخلو من قوة (1).
ولا يقع بشاهد واحد ولا بشهادة النساء منفردات ولا منضمات إلى الرجال،
للحسنة المذكورة.
ولو طلق ولم يشهد ثم أشهد كان الأول لغوا والثاني صحيحا إن استجمع
شرائط صحة الطلاق. وصحيحة أحمد بن أبي نصر مطلق في أنها تعتد من يوم
الإشهاد (2). ولعلها محمولة على المقيد، رعاية للأدلة.
الطرف الخامس في أقسام الطلاق
وفيه فصلان:
الأول:
من الطلاق طلاق السنة وطلاق البدعة. والأول الطلاق الواقع على الوجه
الشرعي، وجعلوا طلاق البدعة ثلاثا: طلاق الحائض بعد الدخول مع حضور

(1) المسالك 9: 115.
(2) الوسائل 15: 284، الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 10.
334

الزوج معها أو غيبته دون المدة المشترطة على القول باعتبارها مع كونها حائلا،
وكذا النفساء. والطلاق في طهر قاربها فيه. وطلاق الثلاث المرسلة. والكل محرم
باطل عند أصحابنا لا يقع بها طلاق إلا الأخير، فإنه يقع به واحد على قول.
وعد منه الطلاق الثلاث مرتبا من غير رجعة بينها. وقال بعض الأصحاب:
ينبغي أن يكون ذلك من أقسام الطلاق الباطل دون البدعي، إذ لا دليل على
التحريم فيه. (1)
ولم يذكروا من طلاق البدعة الطلاق من غير إشهاد والطلاق بالكناية، فلعل
طلاق البدعة عندهم أخص من الباطل. وطلاق السنة ينقسم إلى بائن ورجعي،
والبائن ما لا يصح للزوج معه الرجعة، وهو ستة: طلاق التي لم يدخل بها،
واليائسة، ومن لم تبلغ المحيض، والمختلعة، والمباراة ما لم ترجعا في البذل،
والمطلقة ثلاثا بينها رجعتان. وفي الصغيرة واليائسة خلاف سيجيء.
والطلاق الرجعي هو الذي للمطلق مراجعتها، سواء راجع أم لا، وهو ينقسم
إلى طلاق عدة وطلاق سنة بالمعنى الأخص وغيرهما.
والطلاق للعدة على ما فسره بعض الأصحاب هو: أن يطلق على الشرائط، ثم
يراجعها قبل خروجها من عدتها ويواقعها، ثم يطلقها في غير طهر المواقعة، ثم
يراجعها ويواقعها، ثم يطلقها في طهر آخر، فإنها تحرم عليه حتى تنكح زوجا
غيره (2). ويدل على هذه الكيفية صحيحة زرارة (3) [وفي رواية أبي بصير في
الحسن بحسب الظاهر وقع قريبا من هذا التعبير، لكن وقع التعبير بطلاق
الرجعة (4)] (5).

(1) انظر المسالك 9: 120 - 121.
(2) الشرائع 3: 24.
(3) الوسائل 15: 344، الباب 1 من أبواب أقسام الطلاق، ح 1.
(4) الوسائل 15: 345، الباب 1 من أبواب أقسام الطلاق، ح 3.
(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في «خ 2».
335

ويستفاد من كلام بعضهم أن المعتبر في طلاق العدة الطلاق ثانيا بعد الرجوع
والمواقعة (1). وبعضهم لم يعتبر الطلاق ثانيا (2). قيل: وربما لاح من كلام الشيخ في
النهاية وجماعة أن الطلاق الواقع بعد المراجعة والمواقعة يوصف بكونه عديا وإن
لم يقع بعده رجوع ووقاع، لكن الطلاق الثالث لا يوصف بكونه عديا إلا إذا وقع
بعد الرجوع والوقاع. وفي بعض الروايات دلالة عليه (3).
والطلاق للسنة على ما فسره بعضهم أن يطلق على الشرائط ثم يتركها حتى
تخرج من العدة ويعقد عليها ثانيا عقدا جديدا بمهر جديد، ثم يطأها، ثم يطلقها
في طهر آخر ويتركها حتى تخرج من العدة، ثم يتزوجها بعقد جديد ومهر جديد،
ثم يطأها ثم يطلقها في طهر آخر، فتحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره.
فالمعتبر فيه الخروج من العدة والتزويج بعده، ولم يعتبر فيه بعضهم سوى عدم
الرجوع في العدة. ويدل عليه صحيحة زرارة (4) وصحيحة محمد بن مسلم (5)
ورواية أبي بصير في الحسن على الظاهر (6) ورواية الحسن بن زياد في الصحيح إليه (7).
وذكر في المسالك أن النسبة بين الطلاق السني بالمعنى الأخص وكل واحد
من البائن والرجعي عموم وخصوص من وجه. قال: وما ذكرناه هو مدلول فتاوى
الأصحاب أجمع. ولكن الظاهر من الأخبار اختصاصه بالطلاق الرجعي (8) ويدل على
ما ذكره صحيحة زرارة (9) لكن ما أسنده إلى فتاوي الأصحاب أجمع محل تأمل.

(1) الشرائع 3: 24.
(2) القواعد 3: 130.
(3) نهاية المرام 2: 47.
(4) الوسائل 15: 344، الباب 1 من أبواب أقسام الطلاق، ح 1.
(5) الوسائل 15: 344، الباب 1 من أبواب أقسام الطلاق، ح 2.
(6) الوسائل 15: 345، الباب 1 من أبواب أقسام الطلاق، ح 3.
(7) الوسائل 15: 346، الباب 1 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 4.
(8) المسالك 9: 123.
(9) الوسائل 15: 344، الباب 1 من أبواب أقسام الطلاق، ح 1.
336

وقد ذكر بعض المتأخرين عنه أن مقتضى النص وكلام الأصحاب أن طلاق
السنة من أقسام الطلاق الرجعي. قال: وبذلك صرح ابن إدريس في سرائره
والعلامة في جملة من كتبه (1).
الفصل الثاني وفيه مسائل:
الاولى: المطلقة تسعا للعدة تحرم عليه مؤبدا، ونقل جمع من الأصحاب
الإجماع عليه (2). ويدل عليه قول الصادق (عليه السلام) في رواية زرارة وداود بن سرحان:
والذي يطلق الطلاق الذي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ثلاث مرات لا تحل
له أبدا (3). وروى الكليني في الصحيح عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام)
وإبراهيم بن عبد الحميد عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام) قال: إذا طلق الرجل
المرأة فتزوجت ثم طلقها زوجها فتزوجها الأول ثم طلقها فتزوجت رجلا ثم
طلقها فتزوجت الأول ثم طلقها هكذا ثلاثا لم تحل له أبدا (4). وإطلاق الروايتين
يقتضي حصول التحريم بالطلاق التسع التي ليست للعدة، ولا أعلم بمضمونها قائلا.
الثانية: كل امرأة استكملت الطلاق ثلاثا فإنها تحرم على المطلق حتى تنكح
زوجا غيره سواء كانت مدخولا بها أم لا، راجعها أم لا، للآية والأخبار، ولا يهدم
استيفاء العدة كل مرة وعدم رجوع الزوج في العدة تحريم الثالثة حتى تنكح
زوجا غيره. وكذا لو استوفت العدة في أحد الطلقات.
وهذا الطلاق يشارك طلاق العدة في تحريمها بعد الثالثة إلى أن تنكح زوجا
غيره على المعروف من مذهب الأصحاب. ونقل عن عبد الله بن بكير أنه خالف
في هذا الحكم وقال: إن هذا الطلاق لا يحتاج إلى المحلل بعد الثلاث، بل استيفاء

(1) نهاية المرام 2: 45.
(2) المسالك 9: 125، ونقله عن جماعة في نهاية المرام 2: 47.
(3) الوسائل 15: 358، الباب 4 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 4.
(4) الكافي 5: 428، ح 7.
337

العدة يهدم التحريم (1). وهو ظاهر كلام الصدوق في الفقيه (2). والصحيح الأول،
لصحيحة الفضلاء (3) وصحيحة عبد الله بن سنان (4) ورواية أبي بصير (5) وبإزائها
روايات لا تصلح لمعارضة ما ذكرنا، لما طعن فيها.
والمعروف أن هذا الطلاق - يعني ما استوفت فيه العدة - لا يحرم مؤبدا مطلقا،
بخلاف طلاق العدة حيث يثبت التحريم به مؤبدا في التاسعة. وذكر في المسالك
أنه اتفاقي (6). وقد سمعت مخالفة ظاهر بعض الروايات لهذا الحكم.
الثالثة: أجمع علماؤنا على جواز طلاق الحامل مرة واحدة، ويدل عليه
الأخبار، واختلفوا في جواز طلاقها ثانيا، فنقل عن الصدوقين أنهما منعا منه إلا
بعد مضي ثلاثة أشهر، سواء في ذلك طلاق العدة وغيره (7). وذهب ابن الجنيد إلى
المنع من طلاق العدة إلا بعد شهر ولم يتعرض لغيره (8). وذهب جماعة منهم الشيخ
في النهاية إلى جواز طلاقها متعددا بعد الرجوع والمواقعة (9). وذهب أكثر
المتأخرين إلى جواز طلاقها مطلقا كغيرها.
والأخبار في هذا الباب مختلفة، وفي أكثرها أن طلاق الحامل واحدة
كصحيحة الحلبي (10) وصحيحة إسماعيل الجعفي (11) وحسنة الحلبي (12) وموثقة أبي

(1) الوسائل 15: 352، الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ذيل الحديث 11.
(2) الفقيه 3: 500.
(3) الوسائل 15: 351، الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 7.
(4) الوسائل 15: 352، الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 8.
(5) الوسائل 15: 353، الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 10.
(6) المسالك 9: 127.
(7) المنقع: 116، نقله العلامة عن الصدوق وعن والده في المختلف 7: 362.
(8) نقله العلامة في المختلف 7: 362.
(9) النهاية 2: 442.
(10) الوسائل 15: 380، الباب 20 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 2.
(11) الوسائل 15: 380، الباب 20 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 1.
(12) الوسائل 15: 419، الباب 9 من أبواب العدد، ح 8.
338

بصير (1) وسماعة (2) ورواية الكناني (3) لكن نقل المحقق الإجماع على جواز طلاقها
ثانيا للعدة في الجملة (4).
وفي غير واحد من الأخبار دلالة على جواز طلاق الحامل أكثر من مرة ولا
تخصيص فيها بالعدة (5). ورد تلك الأخبار جميعا مشكل - وإن لم يكن شيء منها
صحيحا - مع اعتضادها بما دل القرآن عليه من جواز طلاقها مطلقا، فلعل الأقرب
القول الأخير، ويحمل أخبار المنع على الكراهة جمعا بين الأدلة.
الرابعة: إذا طلق الحائل ثم راجعها فإن واقعها ثم طلقها في طهر آخر
من غير مواقعة فيه صح بلا خلاف، وإن لم يواقعها ثم طلقها في طهر آخر ففي
صحته خلاف بين الأصحاب، ومذهب الأكثر الصحة. ونقل عن ابن أبي عقيل
المنع من الصحة (6).
والأقرب الأول، للعمومات وصحيحة عبد الحميد بن عواض ومحمد بن
مسلم (7) وصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر (8) وحسنة أبي علي بن راشد (9).
وما احتج به لابن أبي عقيل كرواية أبي بصير (10) فمع ضعفها مؤول، وكذا
صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (11) وصحيحة زرارة (12) وموثقة إسحاق بن

(1) الوسائل 15: 381، الباب 20 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 4.
(2) الوسائل 15: 381، الباب 20 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 5.
(3) الوسائل 15: 380، الباب 20 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 3.
(4) الشرائع 3: 24.
(5) الوسائل 15: 380، الباب 20 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه.
(6) نقله عنه العلامة في المختلف 7: 380.
(7) الوسائل 15: 378، الباب 19 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 1.
(8) الوسائل 15: 378، الباب 19 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 2.
(9) الوسائل 15: 379، الباب 19 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 4.
(10) الوسائل 15: 376، الباب 17 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 1.
(11) الوسائل 15: 376، الباب 17 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 2.
(12) الوسائل 15: 344، الباب 1 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 1.
339

عمار (1) وغيرها، جمعا بين الأدلة.
وإن لم يواقعها بعد المراجعة ثم طلقها ثانيا في ذلك الطهر الذي طلقها فيه أولا
فذهب الأكثر إلى صحته، للعمومات وموثقة إسحاق بن عمار، خلافا لابن أبي
عقيل، ويوافق قوله صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج التي أشرنا إلى أنها محمولة
على الكراهة.
الخامسة: إذا طلق الغائب وأراد العقد على رابعة صبر تسعة أشهر، لاحتمال
كونها حاملا، لحسنة حماد بن عثمان (2). وقيل: سنة، وهو قول العلامة في القواعد (3)
وهو ضعيف.
وهل يتعدى الحكم إلى تزويج اخت المطلقة؟ فيه قولان، ولعل الأقرب
العدم، كما هو مختار ابن إدريس (4) فيقتصر على مدلول الحسنة المذكورة الواردة
في العقد على الرابعة، ويعمل في الباقي على عموم صحيحة محمد بن مسلم (5)
الدالة على اعتبار ثلاثة أشهر، ولعل ذلك مبني على الغالب من انقضاء العدة بثلاثة
أشهر، ولا يعمل على الظن في العقد على الرابعة، بل لابد من العلم بانتفاء الحمل.
وموضع الاشتباه ما إذا كان الطلاق رجعيا، فلو كان بائنا جاز تزويجها مطلقا.
السادسة: يكره للمريض أن يطلق مطلقا، لورود النهي عن ذلك في عدة
روايات (6) مضافا إلى أصل الجواز، وصحيحة الحلبي الدالة على جواز الطلاق،
وأنه إن مات ورثته وإن ماتت لم يرثها (7). وربما ظهر من عبارة المفيد في المقنعة
التحريم (8) وهو ضعيف.

(1) الوسائل 15: 377، الباب 17 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 3.
(2) الوسائل 15: 479، الباب 47 من أبواب العدد، ح 1.
(3) القواعد 3: 133.
(4) السرائر 2: 692.
(5) الوسائل 15: 448، الباب 28 من أبواب العدد، ح 11.
(6) الوسائل 15: 383، الباب 21 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه.
(7) الوسائل 15: 385، الباب 22 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 2.
(8) المقنعة: 672.
340

ولو طلق صح، للصحيحة المذكورة، ويرث زوجته في العدة الرجعية عند
الأصحاب، ونقل غير واحد منهم الإجماع عليه، لكن إطلاق الصحيحة المذكورة
ينافيه، ولا يرثها في العدة البائنة على المشهور بين الأصحاب، وبه قطع الشيخ في
الخلاف محتجا بإجماع الفرقة وأخبارهم (1) وخالف في النهاية (2) وتبعه ابن
البراج (3) والأول أقرب، للصحيحة المذكورة وانتفاء الزوجية، وترث هي إلى سنة
ولو كان الطلاق بائنا إلا أن تتزوج أو يبرأ من مرضه.
ومستند هذه الأحكام ما رواه الصدوق في الصحيح والكليني في الحسن عن
الفضل بن عبد الملك عن أبي العباس عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) وما رواه الشيخ في
الصحيح عن أبي العباس (5) وما رواه في الموثق عن أبي العباس (6) وما رواه
الكليني في الصحيح عن ابن أبي عمير عن أبان عنه (عليه السلام) (7) مضافا إلى ما رواه في
الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عمن حدثه عنه (عليه السلام) (8).
ولو برئ من مرضه لم ترثه، لتقييد الإرث بالموت في المرض في غير واحد
من الأخبار (9) واستثناء الصحة في بعضها (10) واستثني من ذلك العدة الرجعية. ولم
أطلع على نص يدل عليه.
واختلف الأصحاب في أن ثبوت الإرث للمطلقة في المرض هل هو مرتب
على مجرد الطلاق فيه، أو معلل بتهمته في إرادة حرمانها من الإرث؟ فالأكثر على
الأول، لإطلاق النصوص المعتبرة واستضعافا لما دل على الثاني. وذهب الشيخ

(1) الخلاف 4: 484، المسألة 54.
(2) النهاية 2: 424 - 425.
(3) المهذب 2: 289.
(4) الفقيه 3: 544، ح 4875، الكافي 6: 122، ح 6.
(5) التهذيب 8: 78، ح 265.
(6) التهذيب 8: 79، ح 271.
(7) الكافي 6: 123، ح 10.
(8) الكافي 6: 122، ح 3.
(9) الوسائل 15: 384، الباب 22 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه.
(10) الوسائل 15: 384، الباب 22 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه.
341

في الاستبصار إلى الثاني (1) لمقطوعة سماعة (2) ورواية محمد بن القاسم الهاشمي (3).
ويتفرع على القولين ما لو سألته الطلاق لانتفاء التهمة بسؤالها، وما لو خالعها
إن قلنا: إن الخلع طلاق. ولا يتعدى الحكم إلى غير الطلاق من أسباب البينونة
كاللعان المسبب من القذف في حال المرض. وأولى بعدم الإرث لو كان الفسخ
لعيب في المرض، وقوفا فيما خالف الأصل على موضع اليقين، وتردد فيه العلامة
في القواعد (4).
وهل يلحق بالمرض ما أشبهه من الأحوال المخوفة؟ الأصح العدم، لما ذكرنا.
وألحق ابن الجنيد الأسير غير الآمن على نفسه غالبا والمأخوذ للقود أو لحد
يخاف مثله عليه بالمرض (5).
ولو ادعت المطلقة أن الميت طلقها في المرض وأنكر الوارث وزعم أن
الطلاق في الصحة فالقول قوله مع يمينه، لأنه منكر.
الطرف السادس في المحلل
والمشهور بين الأصحاب أنه يعتبر فيه البلوغ، نظرا إلى قوله تعالى: (حتى
تنكح زوجا غيره) (6) فإن المتبادر الذي ينصرف إليه الإطلاق البالغ، ولرواية علي
ابن الفضل الواسطي (7).
وقوى الشيخ في المبسوط والخلاف أن المراهق للبلوغ حيث يمكن بلوغه بغير
السن وهو ابن عشر سنين فصاعدا يحصل بوطئه التحليل، نظرا إلى إطلاق الآية (8).

(1) الاستبصار 3: 306، ذيل الحديث 1089.
(2) الوسائل 15: 385، الباب 22 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 4.
(3) الوسائل 17: 535، الباب 15 من أبواب ميراث الأزواج، ح 1.
(4) القواعد 3: 133.
(5) حكاه عنه في المسالك 9: 158.
(6) البقرة: 230.
(7) الوسائل 15: 367، الباب 8 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 1.
(8) المبسوط 5: 109، الخلاف 4: 504، المسألة 8.
342

ولا فرق في المحلل بين الحر والعبد. ولو خيف عدم طلاق المحلل فالحيلة أن
تزوج بعبد ثم ينقل إلى ملكها لينفسخ النكاح ويحصل به التحليل.
ويشترط في التحليل وطؤها قبلا، لا أعرف فيه خلافا بين الأصحاب، ويدل
عليه قوله (عليه السلام): «حتى تذوق عسيلته» (1) وهو مروي من الجانبين على ما قاله
بعض الأصحاب (2) بناء على أن المتبادر منه الوطء قبلا.
والمعتبر منه ما يوجب الغسل، وحده غيبوبة الحشفة. وهل يعتبر انتشار
العضو فيه أم لا حتى لو أدخله بالاستعانة كفى؟ فيه وجهان.
ويشترط أن يكون الوطء بالعقد لا بالملك والتحليل لقوله تعالى: (حتى
تنكح زوجا غيره) (3) وأن يكون بالعقد الدائم لقوله تعالى: (فإن طلقها فلا جناح
عليهما أن يتراجعا) (4) ولحسنة محمد بن مسلم (5) وموثقة هشام بن سالم (6) وغيرهما.
وهل يهدم ما دون الثلاث بمعنى أن الزوج إذا طلق الزوجة طلقة أو طلقتين
مثلا ثم خرجت من عدته وتزوجت بغيره تزويجا يفيد التحليل على تقدير
الحاجة إليه ثم طلقها أو مات عنها فتزوجها الأول تثبت معه على ثلاث طلقات
كأنه لم يطلقها ولم يحسب الطلقة أو الطلقات أم لا يهدم، بمعنى أنها تبقى معه على
الطلقة السابقة أو الطلقتين السابقتين، فإذا أكمل الثلاث بإضافة السابقة حرمت
عليه حتى تنكح زوجا غيره؟ المشهور بين الأصحاب الأول. ونقل عن بعض
فقهائنا قول بعدم الهدم (7) ولم يذكروا القائل به على التعيين.
ويدل على الأول موثقة رفاعة (8) ورواية اخرى لرفاعة (9) ورواية عبد الله بن

(1) سنن ابن ماجة 1: 621، ح 1932.
(2) المسالك 9: 167.
(3) البقرة: 230.
(4) البقرة: 230.
(5) الوسائل 15: 368، الباب 9 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 2.
(6) الوسائل 15: 368، الباب 9 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 3.
(7) الوسيلة: 321.
(8) الوسائل 15: 363، الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 4.
(9) الوسائل 15: 363، الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 2.
343

عقيل بن أبي طالب (1) ويدل على الثاني أخبار متعددة متضمنة لعدم الهدم بذلك
كصحيحة الحلبي (2) وصحيحة منصور (3) وصحيحة علي بن مهزيار (4) وصحيحة
محمد الحلبي (5) ويؤيده إطلاق الآية واولت تلك الروايات بوجوه بعيدة. والمسألة
محل تردد، لرجحان الروايتين الدالتين على الأول بحسب الشهرة، والروايات
الدالة على الثاني بحسب الصحة والكثرة. ويظهر من المحقق التردد في الحكم (6)
كالعلامة في التحرير (7).
والأمة إذا طلقت مرتين حرمت حتى تنكح زوجا غيره وإن كانت تحت حر،
لصحيحة محمد بن مسلم (8) وصحيحة الحلبي (9) وصحيحة أبي بصير (10) وصحيحة
عيص بن القاسم (11) وحسنة زرارة (12) وحسنة الحلبي (13) وغيرها. ولا يحل للأول
بوطء المولى، استصحابا للحرمة إلى أن يحصل المحلل، ولحسنة عبد الملك بن
أعين (14) ورواية الفضيل (15). ولا تحل لو ملكها المطلق، لرواية بريد في

(1) الوسائل 15: 363، الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 3.
(2) الوسائل 15: 364، الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 6.
(3) الوسائل 15: 365، الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 9.
(4) الوسائل 15: 364، الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ذيل الحديث 7.
(5) الوسائل 15: 365، الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ذيل الحديث 9.
(6) المختصر النافع: 199.
(7) التحرير 2: 57 س 11.
(8) الوسائل 15: 363، الباب 25 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 3.
(9) الوسائل 15: 363، الباب 25 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 4.
(10) الوسائل 15: 363، الباب 25 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 5.
(11) الوسائل 15: 389، الباب 28 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 5.
(12) الوسائل 15: 391، الباب 24 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 2.
(13) الوسائل 15: 391، الباب 24 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 3.
(14) الوسائل 15: 396، الباب 27 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 1.
(15) الوسائل 15: 397، الباب 27 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 2.
344

الصحيح (1) وحسنة الحلبي (2) وغيرهما.
ولو طلقها مرة ثم اعتقت ثم تزوجها أو راجعها بقيت معه على واحدة على
المشهور، فتحرم عليه بعد طلقة اخرى، لصحيحة محمد بن مسلم (3) وصحيحة
الحلبي (4) وحسنة هشام بن سالم (5). وخالف فيه ابن الجنيد فحكم بأنها لا تحرم
عليه إلا بالثالثة (6).
والمشهور أن الخصي يحلل، وفي رواية محمد بن مصادف (7) عن
الرضا (عليه السلام): أنه لا يحلل (8).
ولو ادعت أنها تزوجت وفارقها وانقضت العدة وكان ذلك محتملا فالمشهور
بين الأصحاب أنه يقبل ذلك، ويظهر من المحقق تردد في ذلك (9). وعلل حكم
القبول بعلل لا تخلو عن إشكال.
وفي صحيحة: «إذا كانت المرأة ثقة صدقت في قولها» (10) ومفهوم الرواية عدم
القبول مع عدم كونها ثقة. قال بعض الأصحاب: ويمكن حمل الرواية على
الاستحباب وقبول قولها مطلقا، لإطلاق روايتي ميسر (11) وأبان بن تغلب (12)
وللتأمل في عموم الروايتين بحيث يشمل محل البحث مجال.

(1) الوسائل 15: 395، الباب 26 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 3.
(2) الوسائل 15: 395، الباب 26 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 5.
(3) الوسائل 15: 398، الباب 28 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 2.
(4) الوسائل 15: 398، الباب 28 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 3.
(5) الوسائل 15: 398، الباب 28 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 4.
(6) حكاه عنه في المختلف 7: 376.
(7) في المصدر: مضارب.
(8) الوسائل 15: 369، الباب 10 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 1.
(9) الشرائع 3: 29.
(10) الوسائل 15: 370، الباب 11 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 1.
(11) الوسائل 14: 456، الباب 10 من أبواب المتعة، ح 1.
(12) الوسائل 14: 456، الباب 10 من أبواب المتعة، ذيل الحديث 1.
345

وفي المسالك: وكما يقبل قولها في حق المطلق يقبل في حق غيره، وكذا
الحكم في كل امرأة كانت مزوجة واخبرت بموته أو فراقه وانقضاء العدة في وقت
محتمل، ولا فرق بين أن يعين الزوج وعدمه، ولا بين مكان استعلامه وعدمه (1).
وفي عموم الحكم إشكال.
ولو وطئها محرما كما لو وطئ في حال الإحرام والصوم الواجب فالأقرب
حصول التحليل، لإطلاق الأدلة، والنهي لا يدل على الفساد في غير العبادة.
الطرف السابع في الرجعة
وتحصل باللفظ كقوله: «رجعتك وراجعتك وارتجعتك» وفي معناها:
«رددتك وأمسكتك» وفي الروضة: لا يفتقر إلى نية الرجعة، لصراحة الألفاظ (2).
وقيل: يفتقر إليها في الأخيرين (3). والصحيح أنه لابد من القصد إلى مدلول اللفظ
الصريح وقصد المعنى المدلول في غيره. والفرق أن الأول يثبت من غير حاجة إلى
إخباره، والثاني يحتاج إلى الإخبار أو قرينة دالة على المراد.
وتحصل الرجعة بالفعل كالوطء والقبلة واللمس بشهوة على ما قطع
به الأصحاب، لا أعرف فيه خلافا بينهم، ويدل على حكم الوطء رواية محمد
ابن القاسم (4).
وإنما يحصل الرجوع مع القصد، فلا يقع سهوا أو بقصد عدم الرجعة أو لا مع
قصدها، ويأثم في الأخيرين وعليه التعزير لا الحد وإن كان عالما بالتحريم، لعدم
خروجها عن حكم الزوجية رأسا.

(1) المسالك 9: 181.
(2) الروضة 6: 49.
(3) حكاه في نهاية المرام 2: 71.
(4) الوسائل 18: 400، الباب 29 من أبواب حد الزنا، ح 1.
346

ولو أنكر الطلاق كان رجعة، لا أعرف فيه خلافا بين الأصحاب، ويدل عليه
صحيحة أبي ولاد الحناط (1).
ويستحب الإشهاد في الرجعة ولم يجب، للروايات (2).
والمشهور أن رجعة الأخرس بالإشارة المفهمة الدالة عليها. وعن علي بن
بابويه أن رجعته كشف القناع عنها يرى أنها قد حلت له (3). ولم أجد نصا يدل عليه.
ولو ادعت انقضاء العدة بالحيض في زمان يمكن فيه كان قولها مقبولا فيها
وجاز لها التزويج والعقد عليها إن لم يكن لها منازع من غير يمين. وإن أنكر الزوج
ذلك توجه عليها اليمين، والحكم بذلك مقطوع به في كلام الأصحاب مستدلين
عليه بالآية. ويدل عليه قول أبي جعفر (عليه السلام) في حسنة زرارة: «الحيض والعدة إلى
النساء إذا ادعت صدقت» (4) وإطلاق النص وكلام الأكثر يقتضي عدم الفرق بين
دعوى المعتاد وغيره.
واستقرب في اللمعة عدم قبول دعوى غير المعتاد إلا بشهادة أربع من النساء
المطلقات على باطن أمرها، وأسنده إلى ظاهر الروايات (5) ولم أقف إلا على ما
رواه ابن بابويه مرسلا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال في امرأة ادعت أنها حاضت
في شهر واحد ثلاث حيض: أنه يسأل نسوة من بطانتها هل كان حيضها فيما مضى
على ما ادعت، فإن شهدن صدقت وإلا فهي كاذبة (6). والاحتياط في العمل
بمضمون الرواية.
ولو ادعت المرأة انقضاء العدة بالأشهر فالمشهور أنه لا يقبل قولها، لأن
مرجعه إلى الاختلاف في وقت الطلاق ويقدم قوله فيه، ولأنه يدعي تأخر الطلاق

(1) الوسائل 15: 376، الباب 14 من أبواب أقسام الطلاق، ح 1.
(2) الوسائل 15: 376، الباب 13 من أبواب أقسام الطلاق.
(3) الفقيه 3: 515، ذيل الحديث 4806.
(4) الوسائل 15: 441، الباب 24 من أبواب العدد، ح 1.
(5) اللمعة: 124.
(6) الفقيه 1: 100، ح 207.
347

والأصل معه، وفيه إشكال. وعند عدم المعارض لا يبعد قبول قول المرأة عملا
بإطلاق حسنة زرارة السابقة.
وإن كانت من ذوات الحمل فادعت الوضع فالمشهور أنه تصدق بيمينها مع
الإمكان، للآية والرواية (1). فإن ادعت ولادة ولد تام فأقل مدة الإمكان ستة أشهر
ولحظتان من يوم النكاح، لحظة للوطء، ولحظة للولادة. وإن ادعت سقطا مصورا
أو مضغة أو علقة اعتبر إمكانه عادة. وربما قيل: إنه مائة وعشرون يوما ولحظتان
في الأول، وثمانون يوما ولحظتان في الثاني، وأربعون يوما ولحظتان في الثالث (2)
لرواية منقولة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه يجمع أحدكم في بطن امه أربعون يوما نطفة،
وأربعون يوما علقة، وأربعون يوما مضغة، ثم ينفخ فيه الروح.
ولو انعكس الفرض فادعت بقاء العدة لتطالب بالنفقة وادعى الانقضاء
فالمشهور أنه يقدم قولها في الجميع، لأصالة عدم تقدم الطلاق وبقاء الزوجية. ولو
ادعت الحمل والوضع وأنكرهما الزوج فالقول قوله.
الطرف الثامن في العدد
وعرفت العدة في المسالك بأنها اسم لمدة معدودة تتربص فيها المرأة لمعرفة
براءة رحمها أو للتعبد أو التفجع على الزوج (3). وفي هذا الباب مسائل:
الاولى: لا عدة على الزوجة إذا لم يدخل بها الزوج في غير الوفاة، للآية
والأخبار، والدخول عندهم أعم من وطء القبل والدبر. وذكر جمع من الأصحاب
أنه لا فرق بين وطء الصغير والكبير وإن قصر سنه عن زمان إمكان التولد منه
عادة، لإطلاق النص. والمشهور عدم وجوب العدة بالخلوة خلافا لابن الجنيد (4).

(1) البقرة: 228، الوسائل 15: 441، الباب 24 من أبواب العدد، ح 2.
(2) حكاه في المسالك 9: 195.
(3) المسالك 9: 213.
(4) حكاه في المختلف 7: 522.
348

ويدل على قوله حسنة الحلبي (1).
الثانية: مستقيمة الحيض إذا كانت حرة مدخولا بها تعتد بثلاثة أقراء، للآية
والإجماع.
واختلف العلماء في أن المراد بالأقراء في الآية هل هو الأطهار أو الحيض؟
والمعروف من مذهب الأصحاب الأول، للروايات الكثيرة الدالة عليه كصحيحة
زرارة (2) وحسنة محمد بن مسلم (3) وحسنة زرارة (4) وحسنة اخرى له (5) وغيرها
وبإزائها روايات دالة على أن القرء هو الحيض كصحيحة الحلبي (6) وصحيحة
محمد بن مسلم (7) وصحيحة ابن مسكان عن الحسن بن زياد (8) وصحيحة أبي
بصير (9) وغيرها.
وروى عبد الله بن جعفر في قرب الإسناد عن علي بن جعفر بإسناد لا يبعد أن
يكون صحيحا عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن المطلقة كم عدتها؟
فقال: ثلاث حيض، تعتد أول تطليقة (10). ورواه علي بن جعفر في كتابه (11).
ونقل الشيخ صحيحة الحلبي وصحيحة أبي بصير وحملهما على التقية (12)
ويشعر به صحيحة زرارة، ولا يقدح فيه اختلاف العامة. وذكر أيضا أن قوله: ثلاث

(1) الوسائل 15: 67، الباب 55 من أبواب المهور، ح 2.
(2) الوسائل 15: 424، الباب 14 من أبواب العدد، ح 4.
(3) الوسائل 15: 424، الباب 14 من أبواب العدد، ح 2.
(4) الوسائل 15: 424، الباب 14 من أبواب العدد، ح 1.
(5) الوسائل 15: 424، الباب 14 من أبواب العدد، ح 3.
(6) الوسائل 15: 425، الباب 14 من أبواب العدد، ح 7.
(7) الوسائل 15: 430، الباب 15 من أبواب العدد، ح 15.
(8) الوسائل 15: 430، الباب 15 من أبواب العدد، ح 16.
(9) الوسائل 15: 425، الباب 14 من أبواب العدد، ذيل الحديث 7.
(10) قرب الإسناد: 253، ح 1000.
(11) مسائل علي بن جعفر: 194، المسألة 409.
(12) التهذيب 8: 126، ح 434 و 435.
349

حيض يحتمل أن يكون إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة إلى أن قال: وليس في
الخبر أنها تستوفي الحيضة الثالثة.
ويدل على أن بالدخول في الحيضة الثالثة تخرج من العدة حسنة زرارة عن
أبي جعفر (عليه السلام) (1) وموثقة إسماعيل الجعفي عنه (عليه السلام) (2) ورواية اخرى لزرارة عنه (3)
وصحيحة زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) (4) ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي
عبد الله (عليه السلام) (5) ورواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (6) ورواية العياشي في
تفسيره (7) وحسنة زرارة عنه (عليه السلام) (8) وموثقة زرارة عنه (عليه السلام) (9) وحسنة اخرى له
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (10) وموثقة اخرى له عن أبي جعفر (عليه السلام) (11) وموثقة اخرى له
عنه (عليه السلام) (12) وموثقة اخرى لإسماعيل الجعفي عنه (عليه السلام) (13) ورواية زرارة المذكورة
في مجمع البيان (14).
ولا يخفى أن التأويل الثاني الذي ذكره الشيخ لا يجري في صحيحة محمد بن
مسلم ورواية الحسن بن زياد وما في معناهما، فالوجه فيهما الحمل على التقية

(1) الوسائل 15: 426، الباب 15 من أبواب العدد، ح 1.
(2) الوسائل 15: 427، الباب 15 من أبواب العدد، ح 2.
(3) الوسائل 15: 427، الباب 15 من أبواب العدد، ح 4.
(4) الوسائل 15: 427، الباب 15 من أبواب العدد، ح 3.
(5) الوسائل 15: 427، الباب 15 من أبواب العدد، ح 5.
(6) الوسائل 15: 430، الباب 15 من أبواب العدد، ح 15.
(7) تفسير العياشي 1: 115، ح 355.
(8) الوسائل 15: 428، الباب 15 من أبواب العدد، ح 9.
(9) الوسائل 15: 429، الباب 15 من أبواب العدد، ح 10.
(10) الوسائل 15: 428، الباب 15 من أبواب العدد، ح 8.
(11) الوسائل 15: 427، الباب 15 من أبواب العدد، ح 4.
(12) الوسائل 15: 428، الباب 15 من أبواب العدد، ح 7.
(13) الوسائل 15: 429، الباب 15 من أبواب العدد، ح 11.
(14) مجمع البيان، ذيل الآية 228 من سورة البقرة.
350

كما قاله الشيخ (رحمه الله). والمفيد (رحمه الله) جمع بين الروايات بأنه إذا طلقها في آخر طهرها
اعتدت بالحيض، وإن طلقت في أوله اعتدت بالأقراء (1). وقال الشيخ: هذا وجه
قريب (2). ولا أعلم شاهدا على هذا التفصيل.
والمراد بمستقيمة الحيض على ما قيل: من كان الحيض يأتيها على مقتضى
عادة النساء في كل شهر مرة، وفي معناها من كانت تحيض فيما دون الثلاثة أشهر،
فإنها تعتد بالأقراء. وقيل: المراد معتادته وقتا وعددا أو وقتا فقط (3). قيل: هو غير
واضح، لأن من اعتادت الحيض فيما زاد على الثلاثة أشهر لا تعتد بالأقراء وإن
كان لها عادة وقتا وعددا (4).
وتحتسب بالطهر الذي طلقها فيه ولو حاضت بعده بلحظة وتبين برؤية الدم
الثالث. لا أعرف فيه خلافا بين الأصحاب. ويدل عليه الأخبار المذكورة المشار إليها.
ولو وقع الطلاق في آخر الطهر ثم حاضت مع انتهاء اللفظ صح الطلاق ولم
يحتسب ذلك الطهر من العدة، وإطلاق النص يقتضي انقضاء العدة برؤية الدم
الثالث مطلقا. وقيده في الشرائع بما إذا كانت عادتها مستقرة بالزمان. قال: وإن
اختلف صبر إلى انقضاء أقل الحيض أخذا بالاحتياط (5). والظاهر أن الحكم
يبنى على أن المبتدئة والمضطربة هل تحيضان برؤية الدم أو تصبران إلى انقضاء
ثلاثة أيام؟
وأقل ما ينقضي به عدتها ستة وعشرون يوما ولحظتان، بل قد يتفق أقل منه
نادرا، كما إذا طلقها بعد الوضع وقبل رؤية الدم بلحظة، فيمكن حينئذ أن ينقضي
عدتها بثلاثة وعشرين يوما وثلاث لحظات.
واختلفوا في أن الساعة الأخيرة هل هي من العدة أو كاشفة عن تمامها قبلها؟

(1) حكاه عنه الشيخ في التهذيب 8: 127، ذيل الحديث 438.
(2) التهذيب 8: 127، ذيل الحديث 438.
(3) حكاه في نهاية المرام 2: 78.
(4) نهاية المرام 2: 78.
(5) الشرائع 3: 34.
351

فقال الشيخ: إنها من العدة (1). والأكثر على خلافه. وهو أقرب. والعدة بالأقراء ثابتة
للمطلقة، والحق بها المفسوخ نكاحها بسبب من قبلها أو من قبله والموطوءة
بشبهة.
الثالثة: في المسترابة، وهي: من لا تحيض وهي في سن من تحيض، وعدتها
إذا كانت حرة في الطلاق والفسخ وما يشبه ذلك من الفراق ثلاثة أشهر بلا خلاف
في ذلك بين الأصحاب.
ولا فرق بين أن يكون انقطاع حيضها خلقيا أو لعارض من رضاع أو مرض،
والأصل في هذا الحكم الآية والروايات.
وهذه تراعي الشهور والحيض فتعتد بأسبقهما على ما قطع به الأصحاب،
والأصل فيه ما رواه الصدوق في الصحيح والكليني في الحسن والشيخ في
الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) ويعضده رواية محمد بن حكيم (3).
والمستفاد من رواية زرارة: إن مرت بها ثلاثة أشهر بيض قبل الثلاث حيض
تعتد بها، ومتى مرت بها ثلاث حيض لم يتخلل بينها ثلاثة أشهر بيض اعتدت
بها (4). فلو فرض أن حيضها إنما يكون فيما زاد على ثلاثة أشهر ولو ساعة وطلقت
في أول الطهر فمضت الثلاثة من غير أن ترى الدم فيها اعتدت بالأشهر، ولو فرض
كونها معتادة للحيض في آخر كل ثلاثة أشهر بحيث لم تسلم لها ثلاثة أشهر بيض
لم تعتد بالأشهر.
قال في المسالك: ويشكل على هذا ما لو كانت عادتها أن تحيض في كل
أربعة أشهر مثلا مرة، فإنه على تقدير كون طلاقها في أول الطهر أو ما قاربه بحيث
تبقى لها منه ثلاثة أشهر بعد الطلاق تنقضي عدتها بالأشهر كما تقرر، لكن لو فرض

(1) المبسوط 5: 235 - 236.
(2) الفقيه 3: 514، ح 4802، الكافي 6: 98، ح 1، التهذيب 8: 118، ح 409.
(3) الوسائل 15: 412، الباب 4 من أبواب العدد، ح 8.
(4) الوسائل 15: 411، الباب 4 من أبواب العدد، ح 5.
352

طلاقها في وقت لا يبقى من الطهر ثلاثة أشهر تامة كان اللازم من ذلك اعتدادها
بالأقراء، وربما صارت عدتها سنة وأكثر على تقدير وقوع الطلاق في وقت لا يتم
بعده ثلاثة أشهر بيض والاجتزاء بالثلاثة على تقدير سلامتها، فيختلف العدة
باختلاف وقت الطلاق الواقع بمجرد الاختيار مع كون المرأة من ذوات العادة
المستقرة في الحيض، ويقوى الإشكال لو كانت لا ترى الدم إلا في كل سنة أو
أزيد مرة، فإن عدتها بالأشهر على المعروف في النص والفتوى. وعلى هذا فيلزم
مما ذكروه هنا من القاعدة أنه لو طلقها في وقت لا تسلم لها بعد الطلاق ثلاثة أشهر
طهرا أن تعتد بالأقراء وإن طال زمانها، وهذا بعيد مناف لما قالوه من أن أطول
عدة تفرض عدة المسترابة وهي سنة أو تزيد ثلاثة أشهر كما سيأتي. ولو قيل
بالاكتفاء بثلاثة أشهر إما مطلقا أو بيضا هنا كما لو خلت من الحيض ابتداءا كان
حسنا. (1) انتهى كلامه.
والمستفاد من صحيحة زرارة الاكتفاء بثلاثة أشهر بيض وإن تخلل بين
الحيضتين، فالقول به متجه ولابد من حمل صحيحة محمد بن مسلم المتضمنة لأن
«كل من كانت تحيض في كل ثلاثة أشهر مرة تعتد بالأشهر» (2) على أن المراد بمن
تحيض في كل ثلاثة أشهر من كانت تحيض بعد كل ثلاثة أشهر، وكذا صحيحة أبي
مريم (3) وصحيحة أبي بصير (4).
وإذا ابتدأت العدة بالأشهر فرأت في الشهر الثالث حيضا بطلت العدة بالأشهر،
فتحسب الماضي قرءا وتتم الأقراء إن أمكن، فإن كملت لها ثلاثة أقراء ولو في
أزيد من ثلاثة أشهر اعتدت بها. وإن ارتفع الدم عنها في الحيضة الثانية أو الثالثة
فقد استرابت بالحمل، وللأصحاب فيه قولان:

(1) المسالك 9: 238 - 239.
(2) الوسائل 15: 410، الباب 4 من أبواب العدد، ح 1.
(3) الوسائل 15: 423، الباب 12 من أبواب العدد، ح 3.
(4) الوسائل 15: 410، الباب 4 من أبواب العدد، ح 2.
353

أحدهما وهو الأشهر: أنها تصبر مدة تعلم براءة رحمها من الحمل وهو تسعة
أشهر من حين الطلاق، ثم إن ظهر فيها حمل اعتدت بوضعه، وإن لم يظهر حمل
علم براءة الرحم ظاهرا واعتدت بثلاثة أشهر بعدها. ومستندهم فيه رواية سورة
ابن كليب (1) والرواية ضعيفة مخالفة لغير واحد من الاصول المشهورة، فإن اعتبار
تسعة أشهر من حين الطلاق لا يوافق شيئا من الأقوال في أقصى الحمل، وكذا
اعتدادها بثلاثة أشهر بعد العلم ببراءتها من الحمل، لأنه مع طرو الحيض قبل تمام
الثلاث إن اعتبرت العدة بالأقراء وإن طالت لم يتم الاكتفاء بالثلاثة، وإن اعتبر
خلو ثلاثة أشهر بيض بعد النقاء فالمعتبر بعد العلم بخلوها من الحمل حصول
الثلاثة كذلك ولو قبل العلم، لأن عدة الطلاق لا يعتبر القصد إليها، وليس في الرواية
دلالة على تربص التسعة لأجل الحمل.
القول الثاني: أنها تصبر سنة، ثم إن ظهر حمل اعتدت بوضعه، وإلا اعتدت
بعدها بثلاثة أشهر، ومستنده رواية عمار الساباطي (2). والرواية غير نقي السند غير
منطبقة على ما قالوا. وقد قيل في الجمع بين الروايتين ما لا يسلم من التكلف.
وقال بعض الأصحاب: المستفاد من الأخبار الصحيحة الاكتفاء بمضي ثلاثة
أشهر خلية من الحيض، فلو قيل بالاكتفاء بها مطلقا كان متجها (3). وهو حسن.
واختلف الأصحاب في وجوب العدة على اليائسة والصغيرة التي لم تبلغ،
فذهب الأكثر إلى العدم. ويدل عليه صحيحة ومرسلتا جميل (4) وروايتا محمد بن
مسلم (5) وموثقة عبد الرحمن بن الحجاج (6) ورواية اخرى له (7) وصحيحة حماد بن

(1) الوسائل 15: 423، الباب 13 من أبواب العدد، ح 2.
(2) الوسائل 15: 422، الباب 13 من أبواب العدد، ح 1.
(3) نهاية المرام 2: 88.
(4) الوسائل 15: 405 و 406، الباب 2 من أبواب العدد، ح 2 و 3 وذيله.
(5) الوسائل 15: 408، الباب 3 من أبواب العدد، ح 1 و 2.
(6) الوسائل 15: 406، الباب 2 من أبواب العدد، ح 4.
(7) الوسائل 15: 409، الباب 3 من أبواب العدد، ح 5.
354

عثمان (1) وغيرها.
وذهب المرتضى إلى وجوب العدة (2). وتبعه ابن زهرة (3) استنادا إلى الآية،
والآية غير واضحة الدلالة على مطلوبه، والأخبار المستفيضة دالة على القول
الأول فالمصير إليه أقرب.
قال بعض العلماء: اعلم أن جمعا من الأصحاب صرحوا بأن المراد بالصغيرة
من نقص سنها عن التسع، ومورد الروايات المعتبرة: التي لا تحيض مثلها. وهي
متناولة لمن زاد سنها عن التسع إذا لم تحض مثلها. وقد وقع التصريح في صحيحة
جميل بعدم وجوب العدة على من لم تحمل مثلها وإن كان قد دخل بها الزوج، مع
أن الدخول بمن دون التسع محرم، وحمله على الدخول المحرم خلاف الظاهر،
ولو قيل بسقوط العدة عن الصبية التي لم تحمل مثلها وإن كانت قد تجاوزت التسع
لم يكن بعيدا من الصواب (4). انتهى.
قلت: روى الشيخ عن عبد الرحمن بن الحجاج في الموثق أو الحسن، قال:
سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ثلاث يتزوجن على كل حال: التي قد يئست من
المحيض ومثلها لا تحيض. قلت: ومتى تكون كذلك؟ قال: إذا بلغت ستين سنة فقد
يئست من المحيض ومثلها لا تحيض. والتي لم تحض ومثلها لا تحيض. قلت:
ومتى تكون كذلك؟ قال: ما لم تبلغ تسع سنين، فإنها لا تحيض ومثلها لا تحيض.
والتي لم يدخل بها (5). وهذه الرواية توافق قول الجماعة ولا يخالفه باقي الأخبار
صريحا.
واختلف الأصحاب في حد اليأس وقد ذكرناه في بحث الحيض.
ولو رأت الحيض مرة ثم بلغت اليأس أكملت العدة بشهرين على ما قطع به

(1) الوسائل 15: 405، الباب 2 من أبواب العدد، ح 1.
(2) الانتصار: 146.
(3) الغنية: 382 - 383.
(4) نهاية المرام 2: 91 - 92.
(5) الوسائل 15: 409، الباب 3 من أبواب العدد، ح 5.
355

الأصحاب، استنادا إلى رواية هارون بن حمزة (1).
ولو فرض بلوغها حد اليأس بعد أن حاضت مرتين احتمل إكمال العدة بشهر
وسقوط العدة. ولو استمر الدم مشتبها ففي كلام الأصحاب اضطراب واختلاف في
حكمه. والمستفاد من روايات متعددة أنها تعمل بالأشهر، كصحيحة الحلبي
وحسنته (2) وصحيحة محمد بن مسلم (3) ورواية أبي بصير (4) ورواية زرارة (5).
ولو طلقت في أول الهلال اعتدت بثلاثة أشهر هلالية.
ولو طلقت في أثناء الشهر اعتدت بهلالين وأكمل من الثالث ثلاثين على
الأقرب. وقيل: أخذت من الثالث بقدر الفائت من الشهر الأول (6). وقيل: ينكسر
الجميع فيسقط اعتبار الأهلة فيها (7).
ولو ارتابت بالحمل بأن وجدت علامة تفيد الظن به بعد انقضاء العدة لم تبطل
وصح لها التزويج. ولو كان ذلك قبل انقضاء العدة قال الشيخ: لا يجوز لها أن تنكح
بعد انقضاء العدة إلى أن يتبين الحال، لأن النكاح مبني على الاحتياط (8). ورجح
الفاضلان الجواز (9) لوجود المقتضي وهو خروج العدة وانتفاء المانع، إذ الريبة لا
توجب بذاتها الحكم بالحمل، والأصل عدمه. ولعله الأقرب.
وعلى كل حال لو ظهر حمل بعد النكاح الثاني حكم ببطلانه لتحقق وقوعه في
العدة، لأنها في الحامل وضع الحمل.
الرابعة: في عدة الحامل، وهي تعتد في الطلاق بوضعه ولو بعد الطلاق بلحظة
على المعروف من مذهب الأصحاب، سواء كان تاما أو غير تام ولو كان علقة بعد

(1) الوسائل 15: 416، الباب 6 من أبواب العدد، ح 1.
(2) الوسائل 15: 412، الباب 4 من أبواب العدد، ح 7.
(3) الوسائل 15: 410، الباب 4 من أبواب العدد، ح 1.
(4) الوسائل 15: 413، الباب 4 من أبواب العدد، ح 9.
(5) الوسائل 15: 411، الباب 4 من أبواب العدد، ح 4.
(6) الشرائع 3: 36.
(7) حكاه في المسالك 9: 252.
(8) المبسوط 5: 240.
(9) الشرائع 3: 36، القواعد 3: 140.
356

أن تحقق أنه مبدأ نشو آدمي، للآية والأخبار، كصحيحة زرارة (1) وصحيحة أبي
بصير (2) وصحيحة عبد الله بن سنان (3) وصحيحة الحلبي (4) وصحيحة عبد الرحمن (5)
وغيرها.
وقال ابن بابويه في الفقيه: الحبلى المطلقة تعتد بأقرب الأجلين، إن مضت لها
ثلاثة أشهر قبل أن تضع فقد انقضت عدتها منه، ولكن لا تتزوج حتى تضع، وإذا
وضعت ما في بطنها قبل انقضاء ثلاثة أشهر فقد انقضى أجلها (6). وربما كان مستنده
رواية أبي الصباح الكناني الدالة على أن عدة الحامل أقرب الأجلين (7). لكن سنده
غير نقي لا يصلح لمعارضة الآية والأخبار المستفيضة.
ولو طلقها فادعت الحمل يتربص بها تسعة أشهر على قول، وسنة على قول
آخر. يدل على الأول رواية محمد بن حكيم (8) وهي ضعيفة السند، وعلى الثاني
صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (9) والأحوط التعويل عليها، والجمع بين الأخبار
بحمل الثانية على الاحتياط والأولوية ممكن.
ولو كان حملها اثنين قيل: بانت بوضع الأول ولا تنكح إلا بوضع الأخير،
استنادا إلى رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله (10) وقيل: لا تبين إلا بوضع
الجميع (11) استنادا إلى ظاهر الآية. ولعله الأقرب.

(1) الطلاق: 4، الوسائل 15: 419، الباب 9 من أبواب العدد، ح 7.
(2) الوسائل 15: 418، الباب 9 من أبواب العدد، ح 2.
(3) الوسائل 15: 481، الباب 49 من أبواب العدد، ح 1.
(4) الوسائل 15: 419، الباب 9 من أبواب العدد، ح 8.
(5) الوسائل 15: 421، الباب 11 من أبواب العدد، ح 1.
(6) الفقيه 3: 509.
(7) الوسائل 15: 418، الباب 9 من أبواب العدد، ح 3.
(8) الوسائل 15: 442، الباب 25 من أبواب العدد، ح 2.
(9) الوسائل 15: 441، الباب 25 من أبواب العدد، ح 1.
(10) الوسائل 15: 420، الباب 10 من أبواب العدد، ح 1.
(11) الشرائع 3: 37.
357

ولو طلقها رجعيا ثم مات استأنفت عدة الوفاة، لحسنة جميل بن دراج عن
بعض أصحابنا (1) ورواية هشام بن سالم (2) مؤيدة بكون الرجعية في حكم الزوجة.
ولو كانت بائنا اقتصرت على إتمام عدة الطلاق عند الأصحاب، للأصل، لكن
روى الكليني عن علي بن إبراهيم عن بعض أصحابنا في المطلقة البائنة إذا توفي
عنها وهي في عدتها؟ قال: تعتد بأبعد الأجلين (3). لكن الرواية ضعيفة لا تصلح
لتأسيس حكم مخالف لعمل الأصحاب.
ولا إشكال في الحكم المذكور في الرجعي إذا زادت عدة الوفاة عن عدة
الطلاق كما هو الغالب، أما لو انعكس كعدة المسترابة ففي الاجتزاء بها بعدة الوفاة،
أو اعتبار أبعد الأجلين من أربعة أشهر وعشرة ومن مدة يعلم انتفاء الحمل، أو
وجوب إكمال عدة المطلقة بثلاثة أشهر بعد التسعة أو السنة، أو وجوب أربعة أشهر
وعشرا بعدها أوجه. ولعل الأول أقرب، قصرا لما خالف الأصل على مورد اليقين.
الخامسة: في عدة الوفاة. تعتد الحرة المنكوحة بالعقد الصحيح أربعة أشهر
وعشرا إذا كانت حائلا، صغيرة كانت أو كبيرة، بالغا كان زوجها أو لم يكن، دخل
بها أو لم يدخل، للآية (4) والأخبار (5) والإجماع.
ولا فرق بين الدائمة والمتمتع بها، لصحيحة زرارة (6) ورواية عبد الرحمن بن
الحجاج (7) وصحيحة زرارة دالة على شمول الحكم للموطوءة بالملك أيضا.
وإن كان الزوج غائبا فمبدأ العدة بلوغ الخبر، لصحيحة محمد بن مسلم (8)

(1) الوسائل 15: 464، الباب 36 من أبواب العدد، ح 5.
(2) الوسائل 15: 463، الباب 36 من أبواب العدد، ح 1.
(3) الكافي 6: 120، ح 2.
(4) البقرة: 234.
(5) الوسائل 15: 451، الباب 20 من أبواب العدد.
(6) الوسائل 15: 484، الباب 52 من أبواب العدد، ح 2.
(7) الوسائل 15: 484، الباب 52 من أبواب العدد، ح 1.
(8) الوسائل 15: 443، الباب 26 من أبواب العدد، ح 1.
358

وصحيحة زرارة (1) وبريد بن معاوية (2) وصحيحة اخرى لمحمد بن مسلم (3)
وغيرها.
وروى منصور بن حازم في الصحيح قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في
المرأة يموت زوجها أو يطلقها وهو غائب، قال: إن كان مسيرة أيام فمن يوم
يموت زوجها تعتد، وإن كان من بعد فمن يوم يأتيها الخبر (4).
والعشر المعتبر في العدة هي عشر ليال مع أيامها وإن كانت الأيام غير داخلة
في العشر المجردة عن «التاء» على المشهور في اللغة.
ويعتبر مدة العدة بالهلال ما أمكن. فإن مات الزوج في خلال شهر هلالي
وكان الباقي أكثر من عشرة أيام أكمله ثلاثين يوما ويضيف إليه ثلاثة أشهر
بالأهلة وعشرة أيام، فإذا انتهت إلى الوقت الذي مات فيه الزوج يوم مات فقد
انتهت العدة. وإن كان الباقي عشرة أيام أو أقل منها ضم إليها أربعة أشهر هلالية
وتمام العشرة إن كان الباقي أقل. وفي عد المنكسر ثلاثين أو الاكتفاء بإتمام
ما فات خلاف.
وتعتد بأبعد الأجلين إن كانت حاملا عندنا، للأخبار الكثيرة كحسنة الحلبي (5)
وحسنة محمد بن قيس (6) وموثقة سماعة (7) وموثقة محمد بن مسلم (8) ورواية
عبد الله بن سنان (9) وغيرها.

(1) الوسائل 15: 444، الباب 26 من أبواب العدد، ح 4.
(2) الوسائل 15: 444، الباب 26 من أبواب العدد، ح 3.
(3) الوسائل 15: 446، الباب 28 من أبواب العدد، ح 1.
(4) الوسائل 15: 449، الباب 28 من أبواب العدد، ح 12.
(5) الوسائل 15: 455، الباب 31 من أبواب العدد، ح 1.
(6) الوسائل 15: 456، الباب 31 من أبواب العدد، ح 3.
(7) الوسائل 15: 455، الباب 31 من أبواب العدد، ح 2.
(8) الوسائل 15: 456، الباب 31 من أبواب العدد، ح 6.
(9) الوسائل 15: 456، الباب 31 من أبواب العدد، ح 5.
359

ويلزم المتوفى عنها الحداد، للرواية المعتضدة بالاتفاق (1). وهو: ترك الزينة،
فيجب على المعتدة ترك كل ما يعد زينة عرفا من الثياب والأدهان والكحل
والحناء والطيب وغير ذلك، ويختلف ذلك باختلاف العادات.
ولا يحرم عليها التنظيف، ودخول الحمام، وتسريح الشعر، والسواك، وقلم
الأظفار، والسكنى في المساكن العالية، واستعمال الفرش الفاخرة.
ولا فرق في الحكم المذكور بين الصغيرة والكبيرة والمسلمة والذمية، وفي
الأمة قولان، أقربهما عدم الوجوب، لصحيحة زرارة (2).
ولو تركت المرأة الحداد أثمت، وهل تنقضي عدتها أم يجب عليها الاستئناف
بالحداد؟ قولان، أشهرهما الأول، وهو أقرب.
والمطلقة لا حداد عليها، سواء كانت رجعية أم بائنة، للأصل ورواية زرارة (3).
ورواية مسمع (4) ضعيفة لا تصلح لإثبات إيجاب الحداد عليها، وحملها الشيخ على
البائنة وأنه يستحب لها الحداد (5).
ولا يتعدى الحكم إلى غير الزوجة من أقارب الميت كبناته وامهات أولاده،
للأصل.
ولا يجب الحداد على غير الزوج من الأقارب، للأصل، ولا يحرم سواء زاد
على ثلاثة أيام أم لا، وحرم بعض العامة الحداد على غير الزوج زيادة على ثلاثة
أيام، لقوله (صلى الله عليه وآله): «لا تحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق
ثلاث ليال، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا» (6). ولا يبعد الاستدلال بها على

(1) الوسائل 15: 449، الباب 29 من أبواب العدد.
(2) الوسائل 15: 472، الباب 42 من أبواب العدد، ح 2.
(3) الوسائل 15: 437، الباب 21 من أبواب العدد، ح 2.
(4) الوسائل 15: 438، الباب 21 من أبواب العدد، ح 5.
(5) التهذيب 8: 160، ذيل الحديث 555.
(6) سنن ابن ماجة 1: 647، ح 2085 و 2086 و 2087.
360

الكراهة على ما قاله بعض الأصحاب (1) للتسامح في أدلة الكراهة والتطوعات.
مسألة: قال الأصحاب: إذا طلق زوجته بائنا ومات في العدة أكملت عدة
الطلاق. وإن كان رجعيا استأنفت عدة الوفاة وانقطعت عدة الطلاق.
والأخبار الواردة في هذا الباب بعضها يدل على أنه إذا طلقها ثم توفي عنها
وهي في عدتها تعتد عدة المتوفى عنها زوجها من غير تقييد بالعدة الرجعية،
كرواية هشام بن سالم (2) ورواية عبد الله بن سنان (3) وموثقة سماعة (4). وفي بعضها:
«توفي عنها قبل عدتها ولم تحرم عليه» كصحيحة محمد بن قيس الموردة في
الكافي في الحسن (5) ولعل المراد بقوله: «لم تحرم عليه» العدة الرجعية، وهو
محتمل، لكونها في عدة التطليقتين الأولتين. وفي صحيحة جميل بن دراج عن
بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما السلام) في رجل طلق امرأته طلاقا يملك فيه الرجعة ثم
مات عنها؟ قال (عليه السلام): تعتد بأبعد الأجلين أربعة أشهر وعشرا (6). وبعض الروايات
الصحيحة تدل على انسحاب الحكم في البائنة (7).
والحكم باستئناف عدة الوفاة في الطلاق الرجعي لا إشكال فيه في صورة
زيادة عدة الوفاة عن عدة الطلاق، كما هو الغالب في صورة النقصان، كعدة
المسترابة، ففي الاجتزاء بعدة الوفاة أو اعتبار أبعد الأجلين من أربعة أشهر وعشر،
أو من مدة يعلم فيها انتفاء الحمل، أو وجوب إكمال عدة المطلقة وهي التسعة أشهر
أو السنة، أو وجوب أربعة أشهر وعشر بعدها أوجه، ولعل الأوجه الأول.

(1) المسالك 9: 280.
(2) الوسائل 15: 463، الباب 36 من أبواب العدد، ح 1.
(3) الوسائل 15: 464، الباب 36 من أبواب العدد، ح 2.
(4) الوسائل 15: 465، الباب 36 من أبواب العدد، ح 9.
(5) الكافي 6: 121، ح 6.
(6) الوسائل 15: 464، الباب 36 من أبواب العدد، ح 5.
(7) الوسائل 15: 464، الباب 36 من أبواب العدد، ح 6.
361

السادسة: في عدة مفقود الزوج الغائب عن زوجته إن علم حياته فنكاحه
على زوجته مستمر وينفق الحاكم عليها من ماله إن كان له مال يصل إليه، وإلا
طالبه بالنفقة بالإرسال إليه أو إلى حاكم بلده ليطالبه بها، فإن تعذر ذلك أنفق عليها
من بيت المال إن لم يكن من ينفق عليها. وإن تحققت وفاته اعتدت زوجته وحلت
للأزواج. ولو علمت الزوجة خاصة بوفاته حلت لها التزويج وإن لم يحكم بها
الحاكم، ولا يجوز تزويجها إلا لمن ثبت عنده موته أو لمن لم يعلم بالحال فعول
على دعواها الخلو من الزوج.
وإن انقطع خبره بحيث لم يثبت حياته إلا بمقتضى الاستصحاب ولا موته كان
مقتضى الأصل المعروف بينهم وجوب الصبر إلى أن يثبت الوفاة، لكن هذا الأصل
مرتفع بمقتضى الأدلة. فروى ابن بابويه عن بريد بن معاوية في الصحيح والكليني
عنه في الحسن قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المفقود كيف تصنع امرأته؟ قال: ما
سكتت عنه وصبرت تخلي عنها، وإن هي رفعت أمرها إلى الوالي أجلها أربع سنين
ويكتب إلى الصقع الذي فقد فيه فيسأل عنه، فإن خبر عنه بحياة صبرت، وإن لم
يخبر عنه بحياة حتى تمضي الأربع سنين دعا ولي الزوج المفقود، فقيل له: «هل
للمفقود مال؟» فإن كان له مال أنفق عليها حتى تعلم حياته من موته، وإن لم يكن
له مال قيل للولي: «أنفق عليها» فإن فعل فلا سبيل لها إلى أن تتزوج ما أنفق عليها،
وإن أبى أن ينفق عليها أجبره الوالي على أن يطلق تطليقة في استقبال العدة وهي
طاهر، فيصير طلاق الولي طلاق الزوج، فإن جاء زوجها قبل أن تنقضي عدتها من
يوم طلقها الولي فبدا له أن يراجعها فهي امرأته، وهي عنده على تطليقتين، وإن
انقضت العدة قبل أن يجيء ويراجعها فقد حلت للأزواج ولا سبيل للأول عليها (1).
والمستفاد من الرواية المذكورة وحسنة الحلبي (2) أن الحاكم يأمر وليه بالطلاق.

(1) الفقيه 3: 547، ح 4883، الكافي 6: 147، ح 2.
(2) الوسائل 15: 390، الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق، ح 4.
362

ويستفاد من رواية أبي الصباح الكناني أن الحاكم يطلقها إن لم يكن له ولي (1).
وهذا أحد القولين في المسألة ذهب إليه جماعة من المتقدمين والمتأخرين، فإنهم
ذهبوا إلى أن الحاكم يأمر الولي بالطلاق، وإن لم يكن له ولي طلقها الحاكم.
وذهب الشيخان وجماعة من الأصحاب إلى أن الحاكم يأمرها بالاعتداد من
غير طلاق (2) استنادا إلى رواية سماعة (3). والوجه العمل بمدلول الخبر الصحيح.
ومقتضى صحيحة بريد أن العدة عدة طلاق، ومقتضى رواية سماعة أن العدة
عدة وفاة. وفي المسالك: أن القائلين بالطلاق صرحوا بأن العدة عدة وفاة (4). ولا
يخلو عن إشكال.
ولو فقد في بلد مخصوص أو ناحية مخصوصة بحيث دلت القرائن على عدم
انتقاله منها إلى غيرها كفى البحث عنه في تلك البلدة أو الناحية، وكذا لو كان فقده
في جهتين أو ثلاثا أو بلدانا كذلك.
ولو تعذر البحث عنه من الحاكم إما لعدمه أو لقصور يده تعين عليها الصبر إلى أن
يحكم بموته شرعا، أو يظهر حاله بوجه من الوجوه على المشهور بين المتأخرين.
والحكم مختص بالزوجة، فلا يتعدى إلى ميراثه، ولا إلى عتق ام ولده، وقوفا
فيما خالف الأصل على مورد النص فليوقف ميراثه وسائر ما يترتب على موته
إلى أن تمضي مدة لا يعيش مثله إليها عادة عندهم، وسيجئ التحقيق والترجيح
في كتاب المواريث إن شاء الله تعالى.
ولو أنفق عليها الحاكم أو الولي من ماله ثم تبين تقدم موته على الإنفاق فقال
في المسالك: لا ضمان عليها ولا على المنفق، للأمر به شرعا، ولأنها محبوسة
لأجله، وقد كانت زوجته ظاهرا، والحكم مبني على الظاهر (5). واستشكله بعض
الأصحاب، نظرا إلى أنه ظهر أن هذا التصرف وقع في مال الغير بغير إذنه، فينبغي

(1) الوسائل 15: 390، الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق، ح 5.
(2) المقنعة: 537، النهاية 2: 492 - 493، المراسم: 165، المهذب 2: 338، السرائر 2: 736.
(3) الوسائل 14: 390، الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 2.
(4) المسالك 9: 286.
(5) المسالك 9: 289.
363

أن يترتب على التصرف الضمان وإن لم يأثم بذلك، كما لو تصرف الوكيل بعد موت
الموكل (1). ولعل الأول أقرب.
وإن جاء الزوج في العدة فهو أملك بها. وإن خرجت وتزوجت فلا سبيل له
عليها. وإن خرجت ولم تتزوج فللأصحاب فيه قولان، أظهرهما أنه لا سبيل له
عليها، وإليه ذهب الأكثر، لدلالة صحيحة بريد المذكورة (2) ورواية سماعة (3) عليه.
وقال الشيخ في النهاية: إنها إن خرجت ولم تتزوج فهو أولى بها كما لو جاء
في العدة (4). وادعى الشيخ والمحقق أن به رواية (5)، وذكر الشهيد الثاني وجماعة
ممن سبقوا عليه أنهم لم يقفوا عليها (6).
واختار العلامة في المختلف قولا ثالثا مفصلا بأن العدة إن كانت بعد طلاق
الولي فلا سبيل للزوج عليها، وإن كانت بأمر الحاكم بالاعتداد من غير طلاق كان
أملك بها (7).
واستشكل بأن رواية سماعة التي استند إليها القائلون ببينونتها من غير طلاق
مصرحة بأنه إذا قدم بعد انقضاء عدتها فليس له عليها رجعة، ومقتضى رواية بريد
وسماعة أن الزوج إذا جاء في العدة كان له الرجوع لا عود الزوجة إليه قهرا. وفي
عباراتهم إجمال، وظاهرها عودها إليه قهرا. وفي وجوب النفقة في زمان العدة لو
حضر الزوج تردد.
السابعة: في عدة الإماء والاستبراء. عدة الأمة في الطلاق قرءان، للأخبار،
وهما طهران على الأشهر. وقيل: هما حيضتان. وقد مر اختلاف الأخبار في القرء،
لكن دلت أخبار معتبرة الأسناد على أنه الحيض هنا.

(1) نهاية المرام 2: 106.
(2) الوسائل 15: 389، الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق، ح 1.
(3) الوسائل 14: 390، الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 2.
(4) لم نعثر عليه في كتب الشيخ ولكن حكاه عنه في كشف الرموز 2: 228، الشرائع 3: 39.
(5) انظر الخلاف 5: 78، المسألة 34، والشرائع 3: 39.
(6) المسالك 9: 290، كشف الرموز 2: 228.
(7) المختلف 7: 385.
364

منها: صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: طلاق
العبد للأمة تطليقتان، وأجلها حيضتان إن كانت تحيض، وإن كانت لا تحيض
فأجلها شهر ونصف (1).
ومنها: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: عدة الأمة حيضتان.
وقال: إذا لم تكن تحيض فنصف عدة الحرة (2). ولا معارض لهما صريحا، فيتجه
العمل بهما.
ولا فرق في الأمة بين كونها تحت حر أو عبد، وكذلك لا فرق فيها بين القن
والمدبرة والمكاتبة وام الولد إذا زوجها مولاها فطلقها الزوج.
قالوا: ولو وطئت أمة بنكاح فاسد أو شبهة اعتدت بقرءين كما في الطلاق عن
النكاح الصحيح، ويدل عليه عموم الأدلة.
وعلى القول بكون القرء هو الطهر فأقل زمان ينقضي به العدة ثلاثة عشر يوما
ولحظتان، والكلام في اللحظة كما في الحرة. ويمكن فرض انقضاء عدتها بأقل
من ذلك.
وإن كانت لا تحيض وهي في سن من تحيض اعتدت بشهر ونصف، للنص.
والكلام في الشهر كما سبق في الحرة.
ولو كانت حاملا اعتدت من الطلاق بوضعه، ونقل على هذا الحكم الإجماع،
ويدل عليه الآية.
ولو ادعت الحمل فحكمها كالحرة، وقد سبق. ولو اعتقت ثم طلقت فعدتها
عدة الحرة، لصدق الحرة عليها حين الطلاق.
ولو طلقها ثم اعتقت في أثناء العدة فالمعروف بينهم أنها تكمل عدة الحرة إذا
كانت العدة رجعية، بخلاف ما إذا كانت بائنة. واستدلوا على ذلك بالجمع بين ما

(1) الوسائل 15: 469، الباب 40 من أبواب العدد، ح 2.
(2) الوسائل 15: 470، الباب 40 من أبواب العدد، ح 3.
365

يدل على أنها تعتد عدة الحرة كصحيحة جميل وهشام بن سالم (1) وصحيحة جميل
أيضا (2) وبين ما يدل على أنها تعتد عدة الأمة كصحيحة محمد بن مسلم (3) مع دلالة
رواية مهزم عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في أمة تحت حر طلقها على طهر بغير جماع
تطليقة، ثم اعتقت بعد ما طلقها بثلاثين يوما ولم تنقض عدتها؟ فقال: إذا اعتقت
قبل أن تنقضي عدتها اعتدت عدة الحرة من اليوم الذي طلقها فيه، وله عليها
الرجعة قبل انقضاء العدة، فإن طلقها تطليقتين واحدة بعد واحدة ثم اعتقت قبل
انقضاء عدتها فلا رجعة له عليها، وعدتها عدة الأمة» (4). على التفصيل، لكن لا
دلالة في الرواية على عموم الحكم في البائنة مطلقا.
والمشهور أن عدة الذمية كالحرة في الطلاق والوفاة، بل قيل: إنه موضع وفاق،
لعموم الأدلة المتناولة للمسلمة وغيرها، ولا إشكال في الحكم في الوفاة، لصحيحة
يعقوب السراج (5) وحسنة زرارة (6) الدالتين على الحكم صريحا. والإشكال حاصل
في عدة الطلاق، لأن في الحسنة المذكورة: «فقلت: فما عدتها إن أراد المسلم أن
يتزوجها - يعني النصرانية - إذا طلقها النصراني؟ قال: عدتها عدة الأمة حيضتان أو
خمسة وأربعون يوما قبل أن تسلم. قال: قلت له: فإن أسلمت بعدما طلقها؟ فقال:
إذا أسلمت بعدما طلقها فإن عدتها عدة المسلمة». وهذا مخالف لما دل
عليه عموم الكتاب والسنة من أن عدة المطلقة ثلاثة قروء مع شمولها للمسلمة
وغيرها. والإشكال في أن الرواية الحسنة هل تصلح لتخصيص الكتاب والسنة أم لا؟
واختلف الأصحاب في عدة الأمة من الوفاة، فذهب جماعة إلى أنها تعتد
شهرين وخمسة أيام، استنادا إلى أخبار كثيرة دالة على ذلك من الصحاح وغيرها.

(1) الوسائل 15: 482، الباب 50 من أبواب العدد، ح 1.
(2) الوسائل 15: 483، الباب 50 من أبواب العدد، ح 3.
(3) الوسائل 15: 483، الباب 50 من أبواب العدد، ح 4.
(4) الوسائل 15: 482، الباب 50 من أبواب العدد، ح 2.
(5 و 6) الوسائل 15: 477، الباب 45 من أبواب العدد، ح 1 و 2.
366

وذهب الصدوق في المقنع إلى أن عدتها أربعة أشهر وعشرة أيام، واختاره
ابن إدريس، ويدل عليه صحيحة زرارة (1) وغيرها.
وقال الشيخ في النهاية: إن كانت ام ولد لمولاها فعدتها مثل عدة الحرة أربعة
أشهر وعشرا، وإن كانت مملوكة ليست ام ولد فعدتها شهران وخمسة أيام.
واختاره جماعة من المتأخرين، للجمع بين الأخبار التي أشرنا إليها حملا
لصحيحة زرارة الدالة على التسوية بين الحرة والأمة على أمة كانت ام ولد
لمولاها فيزوجها مولاها ومات زوجها.
واستشهد لهذا الجمع بصحيحة سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الأمة إذا طلقت ما عدتها؟ قال: حيضتان أو شهران. قلت: فإن توفي عنها
زوجها؟ فقال: إن عليا (عليه السلام) قال في امهات الأولاد: لا يتزوجن حتى يعتددن أربعة
أشهر وعشرا (2).
وصحيحة وهب بن عبد ربه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل كانت له
ام ولد فزوجها من رجل فأولدها غلاما، ثم إن الرجل مات فرجعت إلى سيدها، أله
أن يطأها؟ قال: تعتد من الزوج أربعة أشهر وعشرا ثم يطأها بالملك بغير نكاح (3).
والرواية الاولى غير دالة على أن المراد من «امهات الأولاد» امهات الأولاد
من المولى، والثانية واردة في أمة كانت ام ولد من المولى ومن الزوج جميعا، فلا
يوافق المطلوب، مع أن طريق الجمع غير منحصر فيما ذكر.
وعلى قول الشيخ وأتباعه لو طلق الزوج ام الولد رجعيا فمات وهي في العدة
استأنفت عدة الحرة، بخلاف ما إذا كان الطلاق بائنا.
ولو كانت الأمة حاملا قالوا: تعتد بأبعد الأجلين من المدة المعتبرة ووضع
الحمل، ونقل الإجماع عليه.

(1) الوسائل 15: 477، الباب 45 من أبواب العدد، ح 1.
(2) الوسائل 15: 472، الباب 42 من أبواب العدد، ح 1.
(3) الوسائل 15: 472، الباب 42 من أبواب العدد، ح 3.
367

وإذا مات المولى عن أمة له فإن كانت مزوجة فلا عدة عليها عندهم، ونقل
الإجماع عليه. وإن كانت غير مزوجة فاختلف الأصحاب في وجوب العدة عليها،
فقيل: لا عدة عليها، بل يكفي استبراؤها لمن انتقلت إليه إذا أراد وطءها، استنادا
إلى الأصل. وقيل: يجب عليها الاعتداد من موت المولى عدة المتوفى عنها
زوجها، استنادا إلى موثقة إسحاق بن عمار (1). لكن في دلالتها على الوجوب تأمل.
واختلفوا في الأمة الموطوءة إذا مات عنها المولى، فظاهر الأكثر أنه لا عدة
عليها، بل تستبرأ بحيضة كغيرها من الإماء المنتقلة من مالك إلى آخر.
وذهب الشيخ في كتابي الأخبار إلى أنها تعتد من موت المولى كالحرة، سواء
كانت ام ولد أم لا، استنادا إلى موثقة إسحاق بن عمار، وحسنة الحلبي (2) ورواية
زرارة (3) مع سلامتها عن المعارض. ومنهم من خص الحكم بام الولد. وفيه تأمل.
ولو مات زوج الأمة ثم اعتقت قبل أن تنقضي عدتها أتمت عدة الحرة،
لصحيحة جميل وهشام بن سالم (4). وقد ذكره الشيخ وجماعة من الأصحاب.
ولو أعتق الموطوءة اعتدت بثلاثة أقراء، لرواية زرارة (5) ورواية أبي بصير (6)
وفي حسنتي الحلبي: أنها تعتد بثلاثة أشهر (7).
وروى الكليني عن ابن أبي عمير في الحسن عن حماد عن الحلبي عن أبي
عبد الله (عليه السلام) أنه قال في رجل كانت له أمة فوطئها ثم أعتقها وقد حاضت عنده
حيضة بعدما وطئها، قال: تعتد بحيضتين. قال ابن أبي عمير: وفي حديث آخر:

(1) الوسائل 15: 472، الباب 42 من أبواب العدد، ح 4.
(2) الوسائل 15: 475، الباب 43 من أبواب العدد، ح 4.
(3) الوسائل 15: 475، الباب 43 من أبواب العدد، ح 5.
(4) الوسائل 15: 482، الباب 50 من أبواب العدد، ح 1.
(5) الوسائل 15: 475، الباب 43 من أبواب العدد، ح 5.
(6) الوسائل 15: 475، الباب 43 من أبواب العدد، ح 6.
(7) الوسائل 15: 474 - 475، الباب 43 من أبواب العدد، ح 1 و 4.
368

تعتد بثلاث حيض (1) فإذا مقتضى هذه الرواية احتساب الحيضة الواقعة بعد الوطء
قبل العتق من العدة. ولا أعلم بمضمونها قائلا.
وقالوا: لو لم تكن الأمة من ذوات الأقراء اعتدت بثلاثة أشهر، لحسنتي
الحلبي. والروايتان مطلقتان.
ولو دبر الموطوءة اعتدت بعد وفاته عدة الحرة المتوفى عنها زوجها على
المشهور، خلافا لابن إدريس، ومستند الأول رواية داود بن زربي (2). وفي داود
اختلاف، لكن لا يبعد العمل بهذه الرواية، للشهرة وعدم المعارض.
والمعروف من مذهب الأصحاب أن كل من ملك أمة بوجه من وجوه التملك
وجب عليه الاستبراء إذا علم وطء المالك أو جهل، فإن تأخرت الحيضة وكانت
في سن من تحيض استبرأها بخمسة وأربعين يوما، للأخبار الواردة بذلك، لكنها
مفروضة في الشراء والاسترقاق وعدوا الحكم إلى سائر الأسباب المملكة، زعما
منهم الاشتراك في المقتضي. ووافقهم ابن إدريس في موضع من كتابه. وفي موضع
آخر قصر الحكم على مورد النص مطالبا بدليل التعدي. وهو جيد.
والمعتبر من الاستبراء ترك الوطء في القبل والدبر دون باقي الاستمتاعات،
لصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع (3) خلافا للشيخ في المبسوط حيث حرم
الجميع.
ويسقط الاستبراء في مواضع:
منها: إذا أخبر المالك الثقة بأنه لم يطأها، لصحيحة عبد الله بن سنان (4)
وحسنة حفص بن البختري (5) والأصحاب عبروا بما إذا أخبر الثقة باستبراء

(1) الكافي 6: 171، ح 4.
(2) الوسائل 15: 475، الباب 43 من أبواب العدد، ح 7.
(3) الوسائل 14: 500، الباب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 11.
(4) الوسائل 13: 39، الباب 11 من أبواب بيع الحيوان، ح 3.
(5) الوسائل 13: 38، الباب 11 من أبواب بيع الحيوان، ح 2.
369

الأمة، وخالف ابن إدريس فأوجب الاستبراء هنا تمسكا بالعموم، وتبعه الشيخ
فخر الدين. وهو ضعيف.
وفي المسالك: الظاهر أن المراد بالثقة العدل، لأنه الثقة شرعا، وبه صرح في
النافع مع احتمال الاكتفاء بمن تسكن النفس إليه ويثق بخبره (1) والمذكور في
الرواية «الثقة والأمين» والظاهر عندي أن المراد من يحصل سكون النفس
والطمأنينة بقوله وإن لم يكن عدلا.
ومنها: أن تكون منتقلة من امرأة، للأخبار الكثيرة الدالة عليه، كصحيحة
رفاعة (2) وصحيحة حفص بن البختري (3) وخالف ابن إدريس والشيخ فخر الدين
هنا أيضا فأوجبا الاستبراء، وهو ضعيف. والوجه أنه لا يلحق بها أمة العنين
والمجبوب والصغير الذي لا يمكن في حقه الوطء، قصرا للحكم على موضع النص.
ومنها: أن تكون صغيرة لا يتخوف عليها الحمل، لروايات كثيرة كصحيحة
الحلبي (4) وحسنة ابن أبي يعفور (5) ومقتضى الروايتين وما في معناهما أنه لا يجب
استبراء الصغيرة التي لا تحمل مثلها وإن تجاوز سنها التسع، للتصريح في الرواية
بجواز وطئها من غير استبراء، مع الاتفاق على عدم جواز وطء من لم تبلغ التسع،
وبه صرح بعض الأصحاب.
ومنها: أن تكون آيسة من المحيض، لصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (6).
ومنها: أن تنتقل إليه وهي حائض، فيكتفي بإكمال حيضها، لصحيحة الحلبي (7)

(1) المسالك 3: 387.
(2) الوسائل 14: 504، الباب 7 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(3) الوسائل 14: 504، الباب 7 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ذيل الحديث 1.
(4) الوسائل 14: 498، الباب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(5) الوسائل 14: 498، الباب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 3.
(6) الوسائل 14: 499، الباب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 4.
(7) الوسائل 14: 498، الباب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
370

وعن ابن إدريس: لابد من استبرائها بعد هذا الحيض بقرءين. وهو ضعيف.
ومنها: أن يشتري الأمة ويعتقها ثم يتزوجها، فإنه يجوز وطؤها من غير
استبراء، ذكره الشيخ وغيره، لصحيحة محمد بن مسلم (1) والمستفاد من الرواية
رجحان الاستبراء هنا، وقيد بعض الأصحاب الحكم بأن لا يعلم بها وطء محترم وإلا
وجب الاستبراء بحيضة، وعلل بوجود المقتضي له حينئذ، بخلاف ما لو جهل الحال.
الطرف التاسع في اللواحق
وفيه مسائل:
الاولى: لا يجوز لمن طلق رجعيا أن يخرج الزوجة من بيته إلا أن تأتي
بفاحشة لقوله تعالى: (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة
مبينة) (2) فيستثنى من الحكم المذكور ما دلت الآية عليه وهو الإتيان بالفاحشة.
واختلف في تفسير الفاحشة، فقيل: هو أن تفعل ما تستحق به الحد كالزنا (3)
وهو الظاهر من إطلاق الفاحشة.
وقيل: هي أعم من ذلك، حتى لو آذت أهل زوجها واستطالت عليهم بلسانها
فهي فاحشة يجوز إخراجها لأجله (4) ومستنده ما لم يبلغ حد الصحة من الروايات
المرفوعة.
وهل تحريم الخروج مطلق أو مشروط بعدم إذن الزوج فيه؟ ذهب الأكثر إلى
الأول، لإطلاق الآية. وقيل بالثاني، واختاره العلامة في التحرير (5) ويدل عليه
حسنة الحلبي (6) والقول به متجه وإن كان الأول أحوط.

(1) الوسائل 14: 514، الباب 16 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(2) الطلاق: 1.
(3) حكاه عن ابن مسعود في الخلاف 5: 70، المسألة 23.
(4) الخلاف 5: 70، المسألة 23.
(5) التحرير 2: 75 س 29.
(6) الوسائل 15: 434، الباب 18 من أبواب العدد، ح 1.
371

والمشهور أنها لو اضطرت إلى الخروج خرجت بعد نصف الليل وعادت قبل
الفجر لموقوفة سماعة ففيها: «إن أرادت زيارة خرجت بعد نصف الليل» (1) وليس
فيها تخصيص بالضرورة، وفي رواية الصدوق: «خرجت بعد نصف الليل ورجعت
قبل الفجر» (2) وإنما يعتبر ذلك حيث تتأدى به الضرورة، وإلا جاز الخروج بمقدار
ما تتأدى به الضرورة من غير تقييد بهذا.
وعند الأصحاب أنه يجوز لها الخروج إلى حجة الإسلام دون المندوب، وفي
حكمه الحج الواجب الموسع كالنذر المطلق.
ولا يحرم الخروج على البائنة ولا على المتوفى عنها زوجها، للأصل
والأخبار (3). وفي بعض الروايات الضعيفة (4) مخالفة له. ولزم حملها على الكراهة.
الثانية: نفقة الرجعية لازمة في زمان العدة ومسكنها وكسوتها، مسلمة كانت
أو ذمية، بلا خلاف في ذلك ويدل عليه صحيحة سعد بن أبي خلف (5).
قالوا: ويشترط في وجوب النفقة لها اجتماع الشرائط المعتبرة فيها حال
الزوجية. فلو نشزت في العدة ولو بالخروج من المسكن بغير إذنه يسقط نفقتها.
ولو عادت إلى الطاعة عاد وجوب النفقة. والصحيحة المذكورة مطلقة.
ولا نفقة للبائن ولا سكنى إلا أن تكون حاملا فلها النفقة والسكنى حتى تضع،
للآية والخبر.
والمتوفى عنها زوجها لا سكنى لها وتبيت حيث شاءت، وقد ورد في بعض
الروايات أن المتوفى عنها زوجها لا تبيت في غير بيتها (6). ويجب حملها على

(1) الوسائل 15: 435، الباب 19 من أبواب العدد، ح 1.
(2) الفقيه 3: 499، ح 4758، وفيه: خرجت قبل نصف الليل، ورجعت بعد نصف الليل.
(3) الوسائل 15: 436، الباب 20 من أبواب العدد.
(4) الوسائل 15: 457، الباب 32 من أبواب العدد، ح 2.
(5) الوسائل 15: 231، الباب 8 من أبواب النفقات، ح 1.
(6) الوسائل 15: 457، الباب 32 من أبواب العدد، ح 2.
372

الكراهة جمعا بين الأدلة. ولا نفقة لها إن كانت حائلا بلا خلاف. وإن كانت حاملا
فلا نفقة لها في مال المتوفى بلا خلاف أيضا. وهل تجب النفقة لها من نصيب الولد؟
اختلف الأصحاب فيه، نظرا إلى اختلاف الروايات (1) فذهب جماعة من المتقدمين
إلى الوجوب (2) والمتأخرون إلى العدم. ولعله الأقرب، لصحيحة محمد بن مسلم (3)
وحسنة الحلبي (4) ورواية أبي الصباح الكناني (5) وغيرها، ولهذه الروايات ترجيح
بالنسبة إلى ما يعارضها.
الثالثة: المشهور بين الأصحاب أن المطلقة تعتد من حين الطلاق حاضرا كان
أو غائبا إذا عرفت الوقت، وفي الوفاة من حين يبلغها الخبر، ومستنده الأخبار
المستفيضة (6).
وذهب ابن الجنيد إلى التسوية بينهما في الاعتداد من حين الموت والطلاق
إذا علمت الوقت، وإلا حين يبلغها (7) ومستنده صحيحة الحلبي (8).
وقيل: إن المتوفى عنها تعتد من يوم وفاة الزوج إن كانت المسافة قريبة كيوم
أو يومين أو ثلاثة، وإلا فمن يوم يبلغها الخبر. اختاره الشيخ في التهذيب (9)
استنادا إلى صحيحة منصور (10).
وقال بعض الأصحاب بالعمل بكل من هذه الروايات وحمل الزائد عما

(1) الوسائل 15: 234 و 236، الباب 9 و 10 من أبواب النفقات.
(2) النهاية 2: 490، الكافي: 313، المهذب 2: 319.
(3) الوسائل 15: 235، الباب 9 من أبواب النفقات، ح 4.
(4) الوسائل 15: 234، الباب 9 من أبواب النفقات، ح 1.
(5) الوسائل 15: 234، الباب 9 من أبواب النفقات، ح 2.
(6) الوسائل 15: 443 و 446، الباب 26 و 28 من أبواب العدد.
(7) حكاه في المختلف 7: 498.
(8) الوسائل 15: 448، الباب 28 من أبواب العدد، ح 10.
(9) التهذيب 8: 165، ذيل الحديث 571.
(10) الوسائل 15: 449، الباب 28 من أبواب العدد، ح 12.
373

يتحقق به الإجزاء على الاستحباب (1). وهو غير بعيد وإن كان العمل بالأكثر
الأشهر أرجح.
وفي المسألة قول بالتسوية بينهما من حين بلوغ الخبر، وهو ضعيف.
وإطلاق النصوص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في اعتداد المتوفى
عنها زوجها من حين بلوغ الخبر بين كون المخبر ممن يثبت الوفاة بخبره أم لا،
والتصريح به منقول عن جماعة من الأصحاب (2).
وفي المسالك: لا فرق في جواز الاعتداد بعدة الوفاة مع بلوغها خبر موته بين
كون المخبر ممن يفيد قوله ظن الموت وعدمه، ولا بين الصغير والكبير، ولا بين
الذكر والانثى، لصدق كونه مخبرا ومبلغا للخبر ونحو ذلك مما ذكر في الأخبار.
وعلى هذا فإذا اعتدت مع بلوغها الخبر ممن لا يثبت الموت بإخباره توقف جواز
تزويجها على ثبوت موته بالبينة أو الشياع وإن تأخر عن العدة زمانا طويلا. وأما
الطلاق فالمعتبر في خبره ما يثبت به في أي وقت اتفق (3).
ولو بلغ الخبر ممن لا يثبت الأمر بإخباره فاعتدت ثم بادرت فنكحت من
غير ثبوت الوفاة وقع العقد باطلا ظاهرا. ثم إن تبين بعد ذلك موته وانقضاء عدتها
قبل العقد لم يبعد الحكم بصحته إذا كانا جاهلين بالتحريم، ويحتمل تعميم الحكم
بالنسبة إلى العالمين بالتحريم أيضا.
ولو دخل الزوج قبل العلم بالحال ثم انكشف وقوعه بعد الموت أو الطلاق
وتمام العدة لم تحرم عليه بذلك وإن كان قد سبق الحكم به ظاهرا، لتبين انتفاء
السبب المقتضي للتحريم.
ولو علمت زمان الطلاق فلتعتد من ذلك الزمان. ولو جهلت فلتعتد من حين العلم.
ولو علمت تقدم الطلاق بمدة فالظاهر أنها تحتسب تلك المدة من العدة، ولعل

(1) المسالك 9: 353.
(2) نهاية المرام 2: 124.
(3) المسالك 9: 353.
374

إطلاق الحكم في حسنة الحلبي (1) بالاعتداد من يوم يبلغها عند الجهل مقيد، جمعا
بين الأدلة.
الرابعة: لا أعرف خلافا بين الأصحاب في ثبوت العدة مع الوطء بالشبهة.
وهل يثبت النفقة لو كانت حاملا؟ فيه قولان مبنيان على أن النفقة للحمل أو
للحامل لأجله، وقد رجحنا سابقا الثاني. وإذا طلقها بائنا ثم وطئها للشبهة فقيل:
يتداخل العدتان (2). ومعنى التداخل أن يدخل الأقل منهما تحت الأكثر، فلو كانتا
بالأقراء أو الأشهر استأنفت العدة من حين الوطء ودخل باقي العدة الاولى في
الثانية، فعلى تقدير كون الاولى رجعية يجوز له الرجعة في تلك البقية لا بعدها.
وقيل: لا يتداخل العدتان عليها (3).
الخامسة: لو تزوجت في العدة لم يصح ولم ينقطع عدة الاولى في المشهور.
ويستشكل ذلك بكونها فراشا للثاني ظاهرا في صورة الجهل. ثم إن وطئ العاقد
وكان عالما فلا عدة له، لأنه زان فتكتفي بإكمال العدة الاولى مطلقا، ولو كان
جاهلا كان له حكم وطء الشبهة في إيجاب العدة، فيجتمع عليها عدتان.
والأشهر أنه لا يتداخل العدتان، ويدل عليه موثقة محمد بن مسلم (4) وموثقة
اخرى له (5) وحسنة الحلبي (6) ورواية علي بن جعفر المذكور في قرب الإسناد
بإسناد لا يبعد أن يكون صحيحا (7). وهو مذكور في كتاب علي بن جعفر (8).
وقيل بالتداخل والاكتفاء بعدة واحدة (9). ويدل عليه صحيحة زرارة (10)

(1) الوسائل 15: 444، الباب 26 من أبواب العدد، ح 2.
(2) المسالك 9: 358.
(3) السرائر 2: 748.
(4) الوسائل 14: 344، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 2.
(5) الوسائل 14: 346، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 9.
(6) الوسائل 14: 345، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 3.
(7) قرب الإسناد: 249، ح 986.
(8) مسائل علي بن جعفر: 109، ح 17.
(9) المقنع: 120.
(10) الوسائل 14: 347، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 11.
375

ومرسلة جميل (1) ورواية أبي العباس (2) ورواية اخرى لزرارة (3) وجعل في
المسالك مقتضى هذه الروايات الاكتفاء بعدة واحدة تامة بعد وطء الأول (4).
والروايات غير صريحة في كون الواحدة بعد وطء الأول.
وعلى القول بعدم التداخل لو حملت قدمت عدة الحمل، فإن كان الحمل من
الأول ثم وطئت بالشبهة انقضت العدة الاولى بالوضع مطلقا إلا في عدة الوفاة.
وتعتد للثاني بعد انقضاء العدة الاولى بالأقراء إن انقضت، وإلا فبالأشهر.
وإن كان الحمل للثاني ويعلم بوضعه لما زاد عن أكثر الحمل من وطء الأول
ولما بينه وبين الأقل من وطء الثاني اعتدت بوضعه للثاني وأكملت عدة الأول
بعده، فإن كانت رجعية كان له الرجوع في زمن الإكمال دون زمان الحمل على
الأشهر. وربما قيل بجواز الرجوع في زمن الحمل أيضا، لأنها لم تخرج بعد عن
عدته الرجعية، لكن لا يجوز الوطء إلى أن تخرج عن عدة الشبهة.
ولو فرض انتفاء الحمل منهما بأن ولدته لأكثر من مدة الحمل من وطء الأول
ولأقل منها من وطء الثاني لم يعتبر زمان الحمل من العدتين وأكملت الاولى
بالأقراء أو الأشهر على حسبها بعد الوضع، واعتدت كذلك بعدها للأخير.
ولو احتمل أن يكون منهما كما لو ولدته فيما بين أقل الحمل وأكثره بالنسبة
إليهما انقضت إحدى العدتين بوضعه واعتدت بعد ذلك للآخر، فإن الحق بالثاني
أكملت عدة الأول، وإن الحق بالأول استأنفت عدة كاملة للثاني بعد الوضع.
ولو احتمل كونه من كل منهما اختلف الأصحاب في أنه ممن يلحق منهما،
فقيل: يقرع. وهو قول الشيخ (5) وذهب الأكثر إلى أنه يلحق بالثاني، لأنها فراش له
بالفعل وفراش الأول قد انقضى، والولد للفراش. وهو غير بعيد.

(1) الوسائل 14: 347، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 14.
(2) الوسائل 14: 347، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 12.
(3) الوسائل 14: 341، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 2.
(4) المسالك 9: 342.
(5) المبسوط 5: 246 - 247.
376

كتاب
الخلع والمباراة
377

كتاب الخلع والمباراة
والخلع بضم الخاء مأخوذ من الخلع بفتحها وهو: النزع، وكل من الزوجين
لباس للآخر، فكأنه بمفارقة الآخر نزع لباسه.
والمبارأة بالهمزة وقد تقلب ألفا، وأصلها المفارقة.
والخلع والمباراة الشرعيين يفترقان في امور ويشتركان في كونهما فرقة
حاصلة بعوض، والفرقة الحاصلة بعوض قد يكون بلفظ الخلع والمباراة فيلحقها
أحكامهما، وقد يكون بلفظ الطلاق فيلحقها أحكامه.
وفي هذا الكتاب أطراف:
الأول الصيغة
وهي أن يقول: «خلعتك على كذا، أو خالعتك على كذا» وقد ذكر الأصحاب
أنه يقع بلفظ: «أنت مختلعة أو فلانة مختلعة على كذا» مع أن بعضهم ذكر في الطلاق
أنه لا يقع بقوله: «أنت مطلقة» لأنه بعيد عن شبه الإنشاء. واقتصروا في أكثر العقود
على اللفظ الماضي معللين بأن الماضي صريح في الإنشاء، وحكموا بانعقاد بعضها
بالجملة الاسمية، وليس لهم في هذه الأحكام قاعدة مضبوطة يعول عليها ولا
مستند يستند إليه كما ذكره بعض الأصحاب (1).

(1) نهاية المرام 2: 127.
378

وذكر الشهيد الثاني في المسالك: لو جوزوا في جميع الأبواب الألفاظ المفيدة
للمطلوب صريحا من غير حصر كان أولى (1). وهو متجه.
والظاهر أنه يقع الخلع بقوله: «أنت طالق على كذا» كما صرح به جماعة
من الأصحاب (2).
وصرح جماعة من الأصحاب منهم العلامة (رحمه الله) بأنه يعتبر في الخلع القبول من
المرأة إن لم يسبق سؤالها ذلك (3). ويعتبر وقوعهما متعاقبين بحيث لا يتخلل بينهما
زمان طويل يوجب مثله عدم ارتباط السؤال بالجواب. وظاهر بعضهم أنه لا
مدخل للفظها في حقيقته وإن كان مشروطا به.
والظاهر أن ما يعتبر من جانبها لا ينحصر في لفظ، بل ما دل على طلب الإبانة
بعوض معلوم.
والمشهور أنه يقع بلفظ الخلع مجردا عن الطلاق وإليه ذهب أكثر المحققين
من الأصحاب، وذهب الشيخ إلى أنه لابد من اتباعه بلفظ الطلاق كقوله بعد ذلك:
«فأنت طالق أو فهي طالق» وأمثال ذلك. وحكاه عن غير واحد من المتقدمين (4).
والأول أقرب، لصحيحة الحلبي (5) وصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع (6) وحسنة
محمد بن مسلم (7) وحسنة الحلبي (8) وغيرها من الأخبار. واحتج الشيخ برواية
ضعيفة غير منطبقة على مذهبه (9) ويوافقها رواية اخرى ضعيفة (10). وحمل تلك

(1) المسالك 9: 367.
(2) المبسوط 4: 344، القواعد 3: 160، نهاية المرام 2: 127.
(3) القواعد 3: 160.
(4) التهذيب 8: 97، ذيل الحديث 328.
(5) الوسائل 15: 491، الباب 3 من أبواب الخلع والمباراة، ح 4.
(6) الوسائل 15: 492، الباب 3 من أبواب الخلع والمباراة، ح 9.
(7) الوسائل 15: 491، الباب 3 من أبواب الخلع والمباراة، ح 3.
(8) الوسائل 15: 491، الباب 3 من أبواب الخلع والمباراة، ح 2.
(9) التهذيب 8: 98، ح 329.
(10) الوسائل 15: 490، الباب 3 من أبواب الخلع والمباراة، ح 1.
379

الأخبار على التقية محتجا بما يضعف عن الدلالة على مقصوده (1).
ولو تجرد عن اتباع الطلاق فالأكثر على أنه طلاق، وهو قول المرتضى (2)
وقال الشيخ: الأولى أن يقال: فسخ (3) والأول أقرب، للروايات المستفيضة.
ويتفرع على هذا الخلاف عده في الطلقات الثلاثة المحرمة، فعلى القول بأنه
فسخ لا يعد فيها ويجوز تجديد النكاح والخلع من غير حصر ولا حاجة إلى محلل
في الثالث، بخلاف ما لو قلنا: إنه طلاق.
وإذا وقع الطلاق مع الفدية سواء كان بمجرد لفظ الخلع أو اتبع بالطلاق أم كان
بلفظ الطلاق فإنه يقع بائنا، للنصوص.
قال الشهيد الثاني: واعلم أنه مع اشتراك الخلع والطلاق بعوض في هذا الحكم
يفترقان بأن الخلع يختص بحالة كراهية الزوجة له خاصة، كما انفردت المباراة
بكون الكراهة منهما واشتراط كون العوض بقدر ما وصل إليها منه، بخلاف الطلاق
بالعوض، فإنه لا يشترط فيه شيء من ذلك، فكان التعبير به مع إفادته المقصود من
الخلع أولى خصوصا مع اشتباه حالهما في الكراهة أو اختلافهما فيها (4). وهو متجه.
الطرف الثاني في الفدية
كل ما صح أن يكون مهرا صح فداؤه في الخلع، ولا تقدير فيه، بل يجوز أن
يكون زائدا على ما أخذته. ويجوز أن يكون عينا أو دينا أو منفعة قليلا أو كثيرا،
لحسنة زرارة (5) ورواية سماعة (6) وموثقة سماعة (7) ورواية زرارة (8) بخلاف عوض

(1) التهذيب 8: 98، ذيل الحديث 330.
(2) الناصريات: 351.
(3) الخلاف 4: 424، المسألة 3.
(4) المسالك 9: 375.
(5) الوسائل 15: 493، الباب 4 من أبواب الخلع والمباراة، ح 1.
(6) الوسائل 15: 488، الباب 1 من أبواب الخلع والمباراة، ح 5.
(7) الوسائل 15: 487، الباب 1 من أبواب الخلع والمباراة، ح 2.
(8) الوسائل 15: 455، الباب 4 من أبواب الخلع والمباراة، ح 5.
380

المباراة، فإنه لا يجوز زيادته عما وصل إليها منه، لحسنة زرارة (1) وصحيحة أبي
بصير (2) ورواية سماعة (3) وغيرها.
ولابد من تعيين الفدية، فإن كان حاضرا اعتبر ضبطه إما بالوصف أو
المشاهدة، وإن كان غائبا فلابد من ذكر جنسه، ككونه ذهبا أو فضة أو ثوب قطن
أو كتان، ووصفه إن اختلف قيمته باختلافه.
وصرح بعضهم بأنه لابد من تعيين القدر (4) وظاهر إطلاق بعضهم عدم اعتبار
ذلك (5). وعلى هذا فلو بذلت له مالها في ذمته من المهر جاز وإن لم يعلما قدره،
لأن ذلك معين في نفسه وإن لم يعلما قدره. واستجوده بعض المتأخرين (6).
ولو خالعها على ألف وأطلق ولم يذكر المراد جنسا ووصفا ولا قصداه لم
يصح، والمشهور أنه لو قصدا ألفا معينة صح ولزمهما ما قصداه، وبه قطع في
المسالك، لكنه قال: إن ذلك غير جائز في غير الخلع كالبيع (7) واستجود بعض
المتأخرين عنه الصحة في الموضعين (8). وهو غير بعيد.
ولا خلاف في صحة بذل الفدية من المرأة ومن وكيلها الباذل له من مالها،
وفي صحته من المتبرع بالبذل من ماله قولان، الأشهر المنع، إذ الأصل بقاء النكاح
ولم يثبت كون ذلك مزيلا له شرعا. وهو غير بعيد.
الطرف الثالث في الشرائط
يشترط في الخالع البلوغ، وكمال العقل، والاختيار، والقصد. ولو خالع ولي

(1) الوسائل 15: 492، الباب 4 من أبواب الخلع والمباراة، ح 1.
(2) الوسائل 15: 494، الباب 4 من أبواب الخلع والمباراة، ح 2.
(3) الوسائل 15: 494، الباب 4 من أبواب الخلع والمباراة، ح 4.
(4) المسالك 9: 387.
(5) نهاية المرام 2: 132.
(6) نهاية المرام 2: 132.
(7) المسالك 9: 388.
(8) نهاية المرام 2: 133.
381

الطفل بعوض ففي صحته وجهان مبنيان على كونه طلاقا أم لا، وعلى الثاني يصح
دون الأول.
والظاهر أنه يعتبر في الخالع والمختلعة جميع ما يعتبر في الطلاق، فيعتبر في
المختلعة مع الدخول الطهر الذي لم يجامعها فيه إذا كان زوجها حاضرا وكان مثلها
تحيض. ويدل على اعتبار الطهر صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (1) ويدل على
اعتبار طهر لم يجامعها فيه صحيحتا محمد بن مسلم (2) ورواية سماعة (3) ورواية
حمران (4) ورواية محمد بن مسلم وأبي بصير (5).
ويعتبر إشهاد شاهدين، لصحيحة محمد بن مسلم (6) وصحيحة محمد بن
إسماعيل (7) مضافا إلى ما دل على كون الخلع طلاقا (8).
ولا يصح الخلع بدون كراهية المرأة خاصة للزوج، ولا أعلم فيه خلافا بين
الأصحاب، للأخبار المستفيضة كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
المختلعة لا يحل خلعها حتى تقول لزوجها: والله لا أبر لك قسما، ولا اطيع لك
أمرا، ولا أغتسل لك من جنابة، ولاوطئن فراشك ولآذنن عليك بغير إذنك، وقد
كان الناس يرخصون فيما دون هذا، فإذا قالت المرأة ذلك لزوجها حل له ما أخذ
منها، وكانت عنده على تطليقتين باقيتين، وكان الخلع تطليقة، وقال: يكون الكلام
من عندها (9). يعني: من غير أن يعلم. وفي معناها حسنة محمد بن مسلم (10) وغيرها.

(1) الوسائل 15: 496، الباب 6 من أبواب الخلع والمباراة، ح 1.
(2) الوسائل 15: 497، الباب 6 من أبواب الخلع والمباراة، ح 2 و 3.
(3) الوسائل 15: 497، الباب 6 من أبواب الخلع والمباراة، ح 2.
(4) الوسائل 15: 497، الباب 6 من أبواب الخلع والمباراة، ح 4.
(5) الوسائل 15: 497، الباب 6 من أبواب الخلع والمباراة، ح 5.
(6) الوسائل 15: 498، الباب 6 من أبواب الخلع والمباراة، ح 7.
(7) الوسائل 15: 492، الباب 3 من أبواب الخلع والمباراة، ح 9.
(8) الوسائل 15: 490، الباب 3 من أبواب الخلع والمباراة.
(9) الوسائل 15: 487، الباب 1 من أبواب الخلع والمباراة، ح 3.
(10) الوسائل 15: 488، الباب 1 من أبواب الخلع والمباراة، ح 4.
382

ويستفاد من هذه الروايات وما في معناها أنه لا يكفي مجرد الكراهة من
جهتها، بل لابد من الانتهاء إلى الحد المذكور فيها، وبمضمونه أفتى الشيخ وغيره (1)
حتى نقل ابن إدريس الإجماع على قريب منه (2). وعلى هذا يشكل وقوع الخلع
في كثير من الموارد إذا لم يبلغ كراهية الزوجة إلى هذا الحد.
وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): إذا قالت المرأة لزوجها
جملة: «لا اطيع لك أمرا» مفسرا أو غير مفسر، حل له ما أخذ منها وليس له
عليها رجعة (3).
ومذهب الشيخ وجماعة من الأصحاب وجوب الخلع إذا قالت المرأة
لزوجها: «إني لا اطيع لك أمرا، ولا اقيم لك حدا، ولا أغتسل لك من جنابة،
ولاوطئن فراشك من تكرهه إن لم تطلقني» فمتى سمع هذا القول أو علم من حالها
عصيانه في شيء من ذلك وإن لم تنطق به وجب عليه خلعها (4). وذهب بعضهم إلى
الاستحباب (5). وبعضهم إلى استحباب الفراق وإن لم يكن بطريق الخلع (6).
واستجود بعضهم الحكم بالإباحة، إذ ليس في الأخبار دلالة على أزيد من
الإباحة (7). وبالجملة الحكم بالوجوب غير واضح.
والمشهور أنه يصح خلع الحامل مع الدم لو قيل: إنها تحيض. ونقل عن بعض
علمائنا قول بعدم جواز خلع الحامل إن قلنا: إنها تحيض إلا في طهر آخر غير طهر
المواقعة (8). والأول أقرب، للأخبار في الطلاق وكون الخلع طلاقا.
وقد قطع الأصحاب بأنه يشترط تجريده عن الشرط الذي لا يقتضيه نفس
العقد، وظاهرهم أنه موضع وفاق.

(1) النهاية 2: 469 - 470.
(2) السرائر 2: 724.
(3) الوسائل 15: 495، الباب 5 من أبواب الخلع والمباراة، ح 1.
(4) النهاية 2: 470، الكافي في الفقه: 307، فقه القرآن 2: 194، إصباح الشيعة: 458.
(5) الشرائع 3: 53.
(6) المسالك 9: 411.
(7) نهاية المرام 2: 137.
(8) المسالك 9: 412.
383

ولو شرط ما يقتضيه العقد كما لو شرط المختلع الرجوع في الخلع إذا رجعت
المختلعة في البذل فلا مانع منه.
الطرف الرابع في الأحكام
وفيه مسائل:
الاولى: لو خالعها والأخلاق ملتئمة لم يصح ولم يملك الفدية. لا أعرف فيه
خلافا. ولو طلقها حينئذ بعوض فالمشهور أنه لم يملك العوض، ويدل عليه عموم
الآية والأخبار.
وفي الروضة والمسالك: أن الطلاق بالعوض لا يعتبر فيه كراهية الزوجة،
بخلاف الخلع (1). وهو غير جيد. وذكر بعض العلماء أنه لم يعرف له موافقا (2).
وهل يقع الطلاق رجعيا على هذا التقدير؟ قال الفاضلان: نعم (3). وفيه إشكال،
لأن الطلاق الرجعي غير مقصود ولا مدلول عليه باللفظ، واستجود بعض
المتأخرين وقوع الطلاق باطلا من أصله (4). وهو غير بعيد.
الثانية: إذا أتت بالفاحشة جاز للزوج عضلها لتفدي نفسها، والأصل في هذه
المسألة قوله تعالى: (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين
بفاحشة مبينة) (5) وأصل العضل التضييق والمنع، والمراد هنا مضارة المرأة وسوء
العشرة معها ليضطرها إلى الافتداء منه بمالها، وفي المسألة اختلافات. وقيل: إن
الآية منسوخة (6). ولم يثبت، والأكثر على خلافه، والقائل بالنسخ من الأصحاب
غير معلوم.
الثالثة: الخلع فرقة بائنة فلا رجعة للخالع إذا لم ترجع المرأة في البذل، لا

(1) الروضة 6: 90، المسالك 9: 420.
(2) نهاية المرام 2: 139.
(3) الشرائع 3: 55، الإرشاد 2: 52.
(4) نهاية المرام 2: 139.
(5) النساء: 19.
(6) حكاه الشيخ في المبسوط 4: 343.
384

أعلم فيه خلافا، والروايات دالة عليه، والمشهور أن المرأة لها الرجوع في البذل
مطلقا وأن له الرجوع حينئذ إن شاء.
وعن ابن حمزة أنه قال: يجوز أن يطلقا الخلع وأن تقيد المرأة بالرجوع فيما
افتدت به والرجل بالرجوع في بضعها، فإن أطلقا لم يكن لأحدهما الرجوع بحال،
إلا أن يرضى الآخر، وإن قيدا لم يخل إما لزمتها العدة، أو لم تلزم، فإن لزمتها جاز
الرجوع ما لم تخرج من العدة، فإن خرجت منها أو لم تلزم العدة لم يكن لها
الرجوع بحال إلا بعقد جديد ومهر مستأنف (1). ونفى عنه البأس في المختلف (2).
واستدل على المشهور بقول أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في صحيحة محمد بن
إسماعيل في المختلعة: تبين منه، وإن شاءت أن يرد إليها ما أخذ منها، وتكون
امرأته فعلت (3). فإن المراد بقوله: «وتكون امرأته» أن طلاقها حينئذ يصير رجعيا
والرجعية بمنزلة الزوجة، للإجماع على أنها تصير امرأته بمجرد رجوعها،
والظاهر أن المستفاد من الرواية ليس سوى أن الرجوع صحيح عند التراضي
لا مطلقا.
نعم يمكن الاستدلال بموثقة أبي العباس عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المختلعة
إن رجعت في شيء من الصلح يقول: لأرجعن في بضعك (4). وفي حسنة عبد الله بن
سنان بإبراهيم بن هاشم المذكورة في تفسير علي بن إبراهيم: لا رجعة للزوج على
المختلعة، ولا على المبارئة، إلا أن يبدو للمرأة، فيرد عليها ما أخذ منها (5). ويؤيده
في الجملة ما رواه الكليني في الحسن بإبراهيم عن ابن أبي عمير عن بعض
أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) في المختلعة: أنها لا تحل له حتى تتوب من قولها
الذي قالت له عند الخلع (6). فالمشهور أقرب.

(1) الوسيلة: 332.
(2) المختلف 7: 399.
(3) الوسائل 15: 492، الباب 3 من أبواب الخلع والمباراة، ح 9.
(4) الوسائل 15: 499، الباب 7 من أبواب الخلع والمباراة، ح 3.
(5) تفسير القمي 1: 75 - 76.
(6) الكافي 6: 141، ح 10.
385

والظاهر أن إمكان رجوع المرأة إنما يكون عند صحة رجوع الزوج، وأنه لم
يقل أحد بأن الزوج يصح له الرجوع وإن كانت عدتها بائنة كما لو كانت المطلقة
ثالثة. ولعل دعوى الشهيد الاتفاق على أن البذل غير لازم من جهتها في زمان
العدة (1) إن تم فهو مقيد بصورة إمكان رجوع الزوج في البضع، ولو رجعت ولم
يعلم حتى انقضت العدة فالأقرب عدم صحة الرجوع، قصرا للحكم المخالف
للأصل على مورد النص.
وحيث ترجع المرأة في العوض تصير العدة رجعية، سواء رجع أم لا. وهل
يترتب عليها أحكام الرجعية مطلقا كوجوب النفقة والإسكان وتجديد عدة الوفاة
لو مات فيها ونحو ذلك؟ فيه وجهان، وأما قبل رجوعها فلا شك في انتفاء أحكام
الرجعية عنها.
وفي جواز تزويجه اختها أو رابعة قبل رجوعها وجهان، ولعل الأقرب
الجواز، نظرا إلى التعليل المذكور في صحيحة أبي بصير (2) وحيث جوزنا ذلك فهل
لها الرجوع في البذل؟ فيه وجهان، ولعل الأقرب القول بالجواز. وهل لها الرجوع
قبل أن يطلقها بائنا؟ فيه وجهان، ولا يبعد الجواز. وهل يصح لها الرجوع في
البعض ويترتب عليه جواز رجوعه؟ فيه أوجه، ولا يبعد القول بذلك، عملا بموثقة
أبي العباس (3) وصحيحة محمد بن إسماعيل (4) غير صريحة في خلافه.
الرابعة: المختلعة لا يلحقها طلاق بعد الخلع، لأن الثاني مشروط بالرجعة،
لكن لو رجعت في البذل فرجع في الخلع أو الطلاق جاز استئناف الطلاق، لأنها
صارت زوجة.
الخامسة: إذا أراد الرجل إعادة المرأة إلى الزوجية ولم ترجع في البذل افتقر
إلى عقد جديد، سواء وقع ذلك في العدة أو بعدها.

(1) غاية المراد 3، 260.
(2) الوسائل 15: 504، الباب 12 من أبواب الخلع والمباراة، ح 1.
(3) الوسائل 15: 499، الباب 7 من أبواب الخلع والمباراة، ح 3.
(4) الوسائل 15: 499، الباب 7 من أبواب الخلع والمباراة، ح 2.
386

السادسة: لا توارث بين المختلعين، لاقتضاء الخلع البينونة المقتضية للخروج
عن الزوجية، ولو حصل الرجوع في العدة بعد رجوعها في البذل عادت الزوجية
وثبتت التوارث.
الطرف الخامس في المباراة
والمباراة: طلاق بعوض مترتب على كراهية كل من الزوجين صاحبه.
وأصلها المفارقة، والكلام في صيغتها كما في الخلع من افتقارها إلى اللفظ الدال
عليه من قبل الزوج والاستدعاء أو القبول من قبل الزوجة.
ولو اقتصر على قوله: «أنت طالق بكذا» صح وكان مباراة، كما صرح به
جماعة من الأصحاب (1) إذ هي عبارة عن الطلاق بعوض مع منافاة بين الزوجين،
إذ الطلاق بالعوض ليس إيقاعا خارجا عن الخلع والمباراة، بل هو إما خلع أو
مباراة، فإن قصد به الخلع مع اجتماع شروطه وقع خلعا، وكذا لو قصد المباراة مع
اجتماع شروطها. وإن أطلق وقع به البينونة ويجوز انصرافه إلى كل منهما عند
اجتماع شرائطهما. ولو جمع شرط أحدهما انصرف إليه. ولو انتفت شروط كل
منهما فإن قصد به أحدهما فالظاهر أنه يقع باطلا، وإن لم يقصد به أحدهما
فاستوجه في المسالك صحته (2) لعموم الأدلة على جواز الطلاق مطلقا، وعدم
وجود ما ينافي ذلك في خصوص البائن.
واستشكله بعض المتأخرين بأن المستفاد من الأدلة الشرعية انحصار الإبانة
بالعوض في الخلع والمباراة، وإنما جوزنا الطلاق بالعوض لصدق أحدهما عليه،
ولولا ذلك لامتنع الحكم بصحته، لانتفاء الدليل عليه رأسا (3).
والمشهور أنه يشترط اتباعها بالطلاق حتى قال المحقق في الشرائع: إنه
اتفاقي (4) وحكي عن جماعة من الأصحاب دعوى الاتفاق أيضا (5) والشيخ أسنده

(1) المبسوط 4: 373، السرائر 2: 723، القواعد 3: 167 - 168.
(2) المسالك 9: 455.
(3) نهاية المرام 2: 142.
(4) الشرائع 3: 58.
(5) حكاه في المسالك 9: 458.
387

إلى المحصلين من أصحابنا المتقدمين منهم والمتأخرين (1) وأسنده المحقق في
النافع إلى الأكثر (2) وهو يدل على وجود الخلاف.
ولا أعلم نصا يدل على اعتبار هذا الشرط صريحا، بل الأخبار الكثيرة دالة
على عدمه، كصحيحة الحلبي (3) وصحيحة محمد بن إسماعيل (4) وصحيحة أبي
بصير (5) ورواية حمران (6) ورواية جميل بن دراج (7) وغيرها. والشيخ أولها بتأويل
بعيد ثم ارتكب الحمل على التقية (8). ورده صاحب المسالك بأن المباراة لا
يستعملها العامة ولا يعتبرون فيها ما يعتبره أصحابنا، بل يجعلونها من جملة
كنايات الخلع أو الطلاق، فلا وجه لحمل ما ورد من أحكامها على التقية، مع أنه لا
معارض لها يعتد به من الأخبار، وإنما العمدة على ما ادعوه من الإجماع (9). وهو
جيد لكن الأحوط اعتبار ما اعتبره الأصحاب من الاتباع بالطلاق.
والمقطوع به في كلام الأصحاب أنه يعتبر في المباراة كراهية الزوجين كل
منهما لصاحبه، استنادا إلى رواية سماعة (10).
ويستفاد من قوله تعالى: (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن
يخافا أن لا يقيما حدود الله) (11) أنه لا يحل الأخذ على وجه الخلع أو المباراة إلا
إذا خافا عدم إقامة الحدود الشرعية.
ويستفاد من حسنة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه لا يعتبر في المباراة بلوغ
الكراهية من المرأة الحد الذي يسمع منها ما لا يحل ذكره كما في الخلع.

(1) المبسوط 4: 373.
(2) المختصر النافع: 204.
(3) الوسائل 15: 500، الباب 8 من أبواب الخلع والمباراة، ح 1.
(4) الوسائل 15: 492، الباب 3 من أبواب الخلع والمباراة، ح 9.
(5) الوسائل 15: 500، الباب 8 من أبواب الخلع والمباراة، ح 4.
(6) الوسائل 15: 501، الباب 9 من أبواب الخلع والمباراة، ح 3.
(7) الوسائل 15: 501، الباب 9 من أبواب الخلع والمباراة، ح 4.
(8) التهذيب 8: 102، ذيل الحديث 346.
(9) المسالك 9: 454.
(10) الوسائل 15: 500، الباب 8 من أبواب الخلع والمباراة، ح 3.
(11) البقرة: 229.
388

والشرائط المعتبرة في الخالع والمختلعة معتبرة هاهنا، فيعتبر في المبارئ
والمبارئة ما يعتبر في المطلق والمطلقة كما في الخلع، لأن المباراة طلاق بائن على
ما يدل عليه النصوص، وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا
طلاق ولا خلع ولا مباراة ولا خيار إلا على طهر من غير جماع (1).
وفي صحيحة محمد بن مسلم ورواية عنبسة بن مصعب عن أبي عبد الله (عليه السلام):
لا طلاق ولا تخيير ولا مباراة إلا على طهر من غير جماع بشهود (2).
وفي صحيحة محمد بن إسماعيل عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ما يدل على أنه
يعتبر في المباراة حضور شاهدين (3). إلى غير ذلك من الأخبار.
والمشهور جواز رجوع المبارئة في البذل وإن لم يشترط ذلك في العقد،
والأحوط اعتبار اشتراط الرجوع منها في العقد، لصحيحة الحلبي (4) وفقد ما يدل
على العموم، ومع الاشتراط في العقد فالظاهر جواز رجوعها من غير توقف على
رضى الزوج، ويشترط في ذلك جواز رجوع الزوج.
ولا يجوز أن يفاديها بأكثر مما وصل إليها منه. وفي جواز المفاداة بقدر ما
وصل إليها منه قولان، والمشهور الجواز، والمنقول عن ظاهر الصدوقين وابن أبي
عقيل المنع (5) ويدل على الأول صحيحة أبي بصير (6) وعلى الثاني حسنة زرارة (7)
ورواية سماعة (8) ولعل الترجيح للأول.
* * *

(1) الوسائل 15: 497، الباب 6 من أبواب الخلع والمباراة، ح 3.
(2) الوسائل 15: 497، الباب 6 من أبواب الخلع والمباراة، ح 2.
(3) الوسائل 15: 492، الباب 3 من أبواب الخلع والمباراة، ح 9.
(4) الوسائل 15: 500، الباب 8 من أبواب الخلع والمباراة، ح 1.
(5) حكاه عنهما في المختلف 7: 400، والصدوق في المقنع: 117.
(6) الوسائل 15: 500، الباب 8 من أبواب الخلع والمباراة، ح 4.
(7) الوسائل 15: 493، الباب 4 من أبواب الخلع والمباراة، ح 1.
(8) الوسائل 15: 494، الباب 4 من أبواب الخلع والمباراة، ح 4.
389

كتاب الظهار
391

كتاب الظهار
الظهار مأخوذ من الظهر، لأن صورته الأصلية أن يقول الرجل لزوجته: «أنت
علي كظهر امي» وخص الظهر، لأنه موضع الركوب والمرأة مركوب الزوج.
وعرف بأنه تشبيه الزوج زوجته ولو مطلقة رجعية في العدة إما بالام حسب على
قول، وإما بغيرها من المحرمات على الاختلافات التي في هذا الباب، والكلام هنا
في أطراف:
الطرف الأول في الصيغة
وتنعقد بقوله: «أنت علي كظهر امي» بلا خلاف في ذلك. قالوا: وفي معنى
«علي» غيرها من ألفاظ الصلات كمني وعندي ولدي ومعي. ويقوم مقام «أنت»
غيرها من الألفاظ الدالة على تمييزها من غيرها، كهذه أو فلانة، ونحوه: «ذاتك
وبدنك وجسدك وكلك».
ولو ترك الصلة فقال: أنت كظهر امي. انعقد الظهار به عند أكثر الأصحاب،
لظهور دلالته على المراد. واستشكله العلامة في التحرير (1).
ولو شبهها بظهر رحم غير الام نسبا أو رضاعا ففي الانعقاد أقوال:

(1) التحرير 2: 61 س 9.
392

أحدها: عدم الانعقاد في غير الام النسبي.
وثانيها: الانعقاد في الام الرضاعي أيضا، وعدم التعدي إلى غير الام من
المحارم النسبية.
وثالثها: أنه يقع بتشبيهها بكل امرأة محرمة عليه على التأبيد بالنسب خاصة.
وهو اختيار ابن البراج (1).
ورابعها: إضافة المحرمات بالرضاع إلى المحرمات بالنسب في ذلك. وهو
مذهب الأكثر.
وخامسها: إضافة المحرمات بالمصاهرة إلى ذلك، اختاره العلامة في
المختلف (2). والقول بعدم التعدي عن الام مختار ابن إدريس محتجا بعدم الدليل في
غير الام (3). واستدل له أيضا بصحيحة سيف التمار (4) وهي غير دالة على مقصوده.
وحجة القول الثالث صحيحة زرارة (5) الدالة عليه صريحا، ويؤكده حسنة
جميل (6).
وحجة القول الرابع عموم صحيحة زرارة المذكورة. والاستدلال عليه
بقوله (عليه السلام): «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (7) ضعيف، لأن التحريم
بالظهار سببه التشبيه بالنسب لا نفس النسب.
ويدل على القول الأخير عموم صحيحة زرارة المذكورة (8) فالقول به غير
بعيد. والقول بتعدي الحكم إلى سائر المحرمات النسبية قوي. ولا ينسحب الحكم

(1) المهذب 2: 297.
(2) المختلف 7: 415.
(3) السرائر 2: 708 - 709.
(4) الوسائل 15: 511، الباب 4 من أبواب الظهار، ح 3.
(5) الوسائل 15: 511، الباب 4 من أبواب الظهار، ح 1.
(6) الوسائل 15: 511، الباب 4 من أبواب الظهار، ح 2.
(7) الوسائل 14: 280، الباب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع.
(8) الوسائل 15: 511، الباب 4 من أبواب الظهار، ح 1.
393

فيمن لا يحرم مؤبدا كاخت الزوجة والظاهر أنه لا خلاف فيه.
ولو قال: كرأس امي أو يدها أو رجلها أو شعرها، ففيه خلاف بين الأصحاب،
فقيل: إنه لا يقع، وهو مختار السيد المرتضى وادعى عليه الإجماع (1) وتبعه ابن
زهرة (2) وابن إدريس (3) وجمهور المتأخرين.
وقيل: إنه يقع الظهار بذلك، وهو قول الشيخ (4) وجماعة من الأصحاب
كالصدوق في المقنع (5) والقاضي (6) وابن حمزة (7). ونقل الشيخ في الخلاف إجماع
الفرقة عليه (8).
والأقرب الأول، قصرا لما خالف الأصل على موضع النص والوفاق. ومستند
القول الآخر مضافا إلى دعوى الإجماع رواية سدير (9) وهو ضعيف السند جدا.
ولو قال: «أنت علي كامي، أو بدنك أو جسمك علي كبدن امي، أو جسم امي»
ففيه قولان، والأشهر الأقرب عدم الوقوع، لما مر.
ولو شبهها بغير امه بغير لفظ «الظهر» فالأشهر الأقرب عدم الوقوع.
ولو قال: «كظهر أبي أو أخي أو عمي» لم يكن شيئا، وكذا لو قالت هي: «أنت
علي كظهر أبي».
ويشترط أن يسمع نطقه شاهدا عدل، لا أعرف خلافا في ذلك. وادعى ابن
إدريس الإجماع عليه (10). ويدل عليه رواية حمران (11) ومرسلة ابن فضال (12)

(1) الانتصار: 142.
(2) الغنية: 366.
(3) السرائر 2: 709.
(4) المبسوط 5: 149.
(5) لم نعثر عليه في المقنع، حكاه عنه في المختلف 7: 410.
(6) المهذب 2: 298.
(7) الوسيلة: 334.
(8) الخلاف 4: 530، المسألة 9.
(9) الوسائل 15: 517، الباب 9 من أبواب الظهار، ح 2.
(10) السرائر 2: 710.
(11) الوسائل 15: 509، الباب 2 من أبواب الظهار، ح 1.
(12) الوسائل 15: 509، الباب 2 من أبواب الظهار، ح 3.
394

ورواية حمزة بن حمران (1) وما رواه ابن بابويه مرسلا (2). واستدل عليه بعض
المتأخرين بصحيحة الفضيل بن يسار (3) وكأنه زعم ما رواه ابن بابويه مرسلا تتمة
لحديث الفضيل، وهو خلاف الظاهر. والمستفاد من رواية حمران ورواية حمزة
ابن حمران اعتبار شهادة شاهدين مسلمين، لكن كلام الأصحاب يعطي اعتبار
عدالة الشاهد.
ولو جعله يمينا لم يقع. والمراد بجعله يمينا جعله جزاء على فعل أو ترك
قصدا للزجر أو البعث، ويدل عليه صحيحة زرارة (4) ورواية حمران (5) وغيرهما.
ولا يقع الظهار في الإضرار على المشهور الأقرب. ويدل عليه رواية
حمران (6) ونقل الشيخ فخر الدين قولا بوقوعه فيه، لعموم الآية (7).
ولا يقع في غضب، سواء بلغ حدا يرفع القصد أم لا، لصحيحة ابن أبي نصر (8)
ورواية حمران ولا في سكر، والظاهر أنه لا خلاف فيه.
وفي صحته مع الشرط قولان: فذهب الصدوق في المقنع (9) والشيخ وجماعة
إلى أن الظهار يقع عند وجود الشرط (10) وذهب السيد المرتضى إلى أنه لا يقع، وتبعه
جماعة من الأصحاب (11). ولعل الأول أقرب، لصحيحة حريز (12) وصحيحة
عبد الرحمن بن الحجاج (13).

(1) الوسائل 15: 510، الباب 2 من أبواب الظهار، ح 4.
(2) الفقيه 3: 534، ح 4845.
(3) نهاية المرام 2: 154.
(4) الوسائل 15: 511، الباب 4 من أبواب الظهار، ح 1.
(5) الوسائل 15: 509، الباب 2 من أبواب الظهار، ح 1.
(6) تقدمت في هامش (2).
(7) الإيضاح 3: 411.
(8) الوسائل 15: 511، الباب 7 من أبواب الظهار، ح 1.
(9) المقنع: 118 - 119.
(10) النهاية 2: 462، الوسيلة: 334، المختصر النافع: 205، المختلف 7: 416.
(11) الانتصار: 141، المهذب 2: 298، المراسم: 160، الكافي في الفقه: 303.
(12) الوسائل 15: 530، الباب 16 من أبواب الظهار، ح 7.
(13) الوسائل 15: 529، الباب 16 من أبواب الظهار، ح 1.
395

ويدل على القول الآخر رواية القاسم بن محمد الزيات (1) ومرسلة ابن بكير (2)
ومرسلة ابن فضال (3). والجواب ضعف الروايات وعدم الدلالة في البعض.
وفي صحة تعليقه بالصفة وهي ما يتحقق وقوعه عادة من غير تقديم ولا
تأخير كطلوع الشمس قولان.
ولو قيد بمدة كأن يظاهر منها شهرا أو سنة فقيل: يقع، لعموم الآية. وقيل: لا
يقع، لصحيحة سعيد الأعرج عن الكاظم (عليه السلام) في رجل ظاهر من امرأته يوما؟
قال: ليس عليه شيء، هكذا نقل الحديث في المسالك (4) والذي وجدته في
التهذيب «فوفى» بدل «يوما» (5) وقيل: إن قصرت المدة عن زمان التربص لم يقع،
وإلا وقع.
الطرف الثاني في الشرائط
يعتبر في المظاهر البلوغ وكمال العقل والاختيار والقصد. ويعتبر
في المظاهرة طهر لم يجامعها فيه إذا كان زوجها حاضرا ومثله تحيض، وفي
المسالك أنه موضع وفاق (6) ويدل عليه صحيحة زرارة (7) ورواية حمران (8)
و مرسلة ابن فضال (9) ورواية حمزه بن حمران (10) وفي اشتراط الدخول
قولان، أصحهما الاشتراط، لصحيحة محمد بن مسلم (11) وصحيحة الفضيل

(1) الوسائل 15: 530، الباب 16 من أبواب الظهار، ح 4.
(2) الوسائل 15: 529، الباب 16 من أبواب الظهار، ح 3.
(3) الوسائل 15: 532، الباب 16 من أبواب الظهار، ح 13.
(4) المسالك 9: 481.
(5) التهذيب 8: 14، ح 45.
(6) المسالك 9: 491.
(7) الوسائل 15: 509، الباب 2 من أبواب كتاب الظهار، ح 2.
(8) الوسائل 15: 509، الباب 2 من أبواب كتاب الظهار، ح 1.
(9) الوسائل 15: 509، الباب 2 من أبواب كتاب الظهار، ح 3.
(10) الوسائل 15: 510، الباب 2 من أبواب كتاب الظهار، ح 4.
(11) الوسائل 15: 516، الباب 8 من أبواب كتاب الظهار، ح 2.
396

بن يسار (1) المنقولة في الحسن أيضا وهو قول الشيخ (2) والصدوق (3) وأكثر
المتأخرين. وذهب المفيد (4) والمرتضى (5) وابن إدريس (6) إلى العدم استنادا إلى
عموم الآية. (7) وفي وقوعه بالمتمتع بها خلاف، فذهب المرتضى (8) وجمع من
الأصحاب إلى الوقوع تمسكا بعموم الآية، وذهب جماعة منهم ابن بابويه (9) إلى
عدم الوقوع. واختلف الأصحاب في وقوعه بالموطوءه بالملك والأصح الوقوع،
للروايات الكثيرة كصحيحة محمد بن مسلم (10) وموثقة إسحاق بن عمار (11) و
حسنة حفص بن البختري (12) وحسنة ابن أبي يعفور (13) وموثقة محمد بن مسلم (14)
و صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر المنقولة في قرب الإسناد. (15) وذهب
جماعة من الأصحاب منهم المفيد (16) وجماعة من المتقدمين إلى العدم، قيل: و
مستنده قوله عليه السلام في صحيحة الفضيل بن يسار: لا يكون الظهار إلا على
موضع الطلاق. وقد عرفت ما في ذلك، ورواية حمزة بن حمران وهي لا تقاوم
الأخبار السابقة لضعف سندها. (17)

(1) الوسائل 15: 516، الباب 8 من أبواب كتاب الظهار، ح 1.
(2) النهاية 2: 454.
(3) الهداية: 274.
(4) المقنعة: 523 - 524.
(5) لم نجده فيما لدينا من كتبه، ونسبه إليه ابن إدريس في السرائر 2: 710.
(6) السرائر 2: 710.
(7) المجادلة: 3.
(8) حكاه عن السيد المرتضى ابن إدريس في السرائر 2: 710، والمختلف 7: 418.
(9) الهداية، 274، وحكاه عنه في المختلف 7: 418.
(10) الوسائل 15: 520، الباب 11 من أبواب الظهار، ح 2.
(11) الوسائل 15: 520، الباب 11 من أبواب الظهار، ح 1.
(12) الوسائل 15: 521، الباب 11 من أبواب الظهار، ح 3.
(13) الوسائل 15: 521، الباب 11 من أبواب الظهار، ح 4.
(14) الوسائل 15: 521، الباب 11 من أبواب الظهار، ح 5.
(15) قرب الإسناد: 363، ح 1299.
(16) المقنعة: 524.
(17) قاله في المسالك 9: 497.
397

الطرف الثالث في الأحكام
وفيه مسائل:
الاولى: لا أعرف خلافا بين العلماء في تحريم الظهار، والأصل فيه قوله
تعالى: (الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن امهاتهم إن امهاتهم إلا اللآئي
ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا) (1).
ونقل المحقق في الشرائع قولا بأن الظهار محرم، لكن يعفى عن فاعله ولا
يعاقب عليه في الآخرة (2) لقوله تعالى بعد ذلك: (وإن الله لعفو غفور) (3) وهو
استدلال ضعيف.
الثانية: المنقول من الأصحاب وغيرهم الإجماع على أن المظاهر لا يجب
عليه الكفارة بمجرد الظهار، وإنما تجب بالعود. قال الله تعالى: (الذين يظاهرون
من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا) (4) الآية.
والكفارة مترتبة على العود، والأقرب في تفسير العود وجهان:
أحدهما: ثم يتداركون ما قالوا، لأن المتدارك للأمر عائد إليه، والمعنى: أن
تدارك هذا القول وتلافيه (5) بأن يكفر حتى يرجع حالهم كما كانت قبل الظهار.
وثانيهما: أن يراد بما قالوا ما حرموه على أنفسهم بلفظ الظهار، ويكون
المعنى: ثم يريدون العود للتماس، ومرجعه إلى إرادة استباحة الوطء الذي حرمه
الظهار، والتصريح بهذا المعنى منقول عن جماعة من الأصحاب (6) ومذهب أكثر
الأصحاب أن العود لما قالوا إرادة الوطء، ويدل عليه رواية أبي بصير (7) وصحيحة
جميل بن دراج (8).

(1 و 3) المجادلة: 2.
(2) الشرائع 3: 64.
(4) المجادلة: 3.
(5) العبارة في المطبوع كذلك: والمعنى أنه أن يتدارك هذا القول ويتلافاه بأن يكفر...
(6) نهاية المرام 2: 161.
(7) الوسائل 15: 526، الباب 15 من أبواب الظهار، ح 6.
(8) الوسائل 15: 518، الباب 10 من أبواب الظهار، ح 4.
398

وذهب ابن الجنيد إلى أن المراد به إمساكها في النكاح بقدر ما يمكنه مفارقتها
فيه، محتجا بأن العود للقول عبارة عن مخالفته (1). والأول أصح، للروايتين
المذكورتين وصحيحة الحلبي (2).
وجواب احتجاج القول الثاني أن حقيقة الظهار تحريم المرأة عليه، وذلك لا
ينافي بقاءها في عصمته.
وهل يستقر وجوب الكفارة بإرادة العود حتى لو طلقها بعد إرادة العود قبل
الوطء تبقى الكفارة لازمة له، أم لا استقرار لوجوبها، بل معنى وجوب الكفارة
كونها شرطا في جواز الوطء؟ فيه قولان، أقربهما الثاني، لصحيحتي الحلبي
وجميل بن دراج وغيرها من العمومات.
وعلى هذا فالإثم مترتب على الجماع بدون تقديم الكفارة، وإطلاق الوجوب
على الكفارة من قبيل إطلاق الوجوب على الطهارة للصلاة المندوبة، ولا يستفاد
من الآية الشريفة أكثر من الشرطية للجواز.
الثالثة: المشهور بين الأصحاب المتقدمين منهم والمتأخرين أن المظاهر لو
وطئ قبل الكفارة لزمته كفارتان.
وعن ابن الجنيد: أنه يتعدد الكفارة إذا كان فرضه العتق أو الصيام دون ما إذا
انتقل فرضه إلى الإطعام (3).
ويدل على الأول صحيحة الحلبي (4) ورواية الحسن الصيقل (5) ورواية أبي
بصير (6) لكن في دلالة الروايات على الوجوب تأمل. وبإزائها روايات كصحيحة

(1) حكاه في المختلف 7: 426.
(2) الوسائل 15: 527، الباب 15 من أبواب الظهار، ح 4.
(3) حكاه في المختلف 7: 437.
(4) الوسائل 15: 527، الباب 15 من أبواب الظهار، ح 4.
(5) الوسائل 15: 527، الباب 15 من أبواب الظهار، ح 5.
(6) الوسائل 15: 527، الباب 15 من أبواب الظهار، ح 6.
399

زرارة (1) وظاهر حسنة الحلبي (2) ورواية زرارة الصحيحة إلى صفوان بن يحيى عن
موسى عن زرارة (3). والجمع بين الروايات بالحمل على الاستحباب غير بعيد.
والمشهور أنه تتعدد الكفارة بتعدد الوطء.
وعن ابن حمزة: إن تكرر منه الوطء قبل التكفير الأول لم يلزمه غير واحد،
وإن كفر عن الأول لزمته على الثاني وهكذا (4).
ومستند الأول حسنة أبي بصير (5) وهي غير واضحة الدلالة على الوجوب، مع
معارضتها بما دل بظاهره على عدم التكرر، وتكرر الكفارة إنما يكون مع العمد،
فلو وطئها جاهلا أو ناسيا فلا تكرر، للأصل وصحيحة محمد بن مسلم (6).
الرابعة: إذا طلقها وراجعها في العدة لم تحل له حتى يكفر. لا أعرف في ذلك
خلافا بين الأصحاب. ويدل عليه إطلاق الآية. واختلفوا فيما إذا طلقها الزوج
بائنا أو رجعيا وخرجت من العدة ثم تزوجها بعقد جديد وأراد العود إليها،
فالمشهور أنه لا كفارة عليه.
وقال أبو الصلاح: إذا طلق المظاهر قبل التكفير فتزوجت المرأة ثم طلقها
الثاني أو مات عنها وتزوج بها الأول لم يحل له وطؤها حتى يكفر (7).
ومستند الأول صحيحة بريد بن معاوية (8). وفي التهذيب والكافي تتصل
الرواية إلى يزيد الكناسي (9).

(1) الوسائل 15: 526، الباب 15 من أبواب الظهار، ح 1.
(2) الوسائل 15: 526، الباب 15 من أبواب الظهار، ح 2.
(3) الوسائل 15: 528، الباب 15 من أبواب الظهار، ح 9.
(4) الوسيلة: 335.
(5) الوسائل 15: 526، الباب 15 من أبواب الظهار، ح 1.
(6) الوسائل 15: 528، الباب 15 من أبواب الظهار، ح 8.
(7) الكافي في الفقه: 303 - 304.
(8) الوسائل 15: 518، الباب 10 من أبواب الظهار، ذيل الحديث 2.
(9) التهذيب 8: 16، ح 51، الكافي 6: 161، ح 34.
400

ومستند الثاني رواية علي بن جعفر (1) ويمكن حملها على الاستحباب، جمعا
بين الأدلة، فالقول المشهور أقوى.
الخامسة: لو ظاهر من أربع بلفظ واحد فالمشهور أنه يلزمه أربع كفارات
بشرط إرادة العود إلى كلهن، لصحيحة صفوان (2) وحسنة حفص بن البختري (3)
وفي دلالتها (4) على الوجوب تأمل، وعند ابن الجنيد أنه ليس عليه إلا كفارة
واحدة (5). ويدل عليه رواية غياث (6) وهي ضعيفة. وحمل ما دل على التعدد على
الاستحباب محتمل.
ولو كرر ظهار الواحدة ففي تكرر الكفارة أقوال، منها: التكرر مطلقا، سواء
اتحد المجلس أو تعدد، وسواء تعدد المشبه بها أو اتحدت، وإليه ذهب الشيخ
وأتباعه (7) وذهب ابن الجنيد إلى تعدد الكفارة مع اختلاف المشبه بها واتحادها مع
الاتحاد إلا أن يتخلل التكفير (8).
وذهب الشيخ في المبسوط إلى التعدد مع التراخي مطلقا، وكذا مع التوالي إن
لم يقصد بالثاني تأكيد الأول، وقال: إذا أراد بالتكرار التأكيد لم يلزمه غير واحدة
بلا خلاف (9).
ويدل على الأول صحيحة محمد بن مسلم (10) ومرسلة عبد الله بن المغيرة (11)
وغيرها. ويدل على الاتحاد إذا كان في مجلس واحد رواية عبد الرحمن بن

(1) مسائل علي بن جعفر: 281، ح 705.
(2) الوسائل 15: 525، الباب 14 من أبواب الظهار، ح 2.
(3) الوسائل 15: 525، الباب 14 من أبواب الظهار، ح 1.
(4) كذا في النسخ، والظاهر «دلالتهما».
(5) حكاه في المختلف 7: 436.
(6) الوسائل 15: 525، الباب 14 من أبواب الظهار، ح 3.
(7) النهاية 2: 464 - 465، المهذب 2: 299، السرائر 2: 713.
(8) حكاه في المختلف 7: 431.
(9) المبسوط 5: 152.
(10) الوسائل 15: 523، الباب 13 من أبواب الظهار، ح 1.
(11) الوسائل 15: 523، الباب 13 من أبواب الظهار، ح 3.
401

الحجاج الصحيحة بحسب الظاهر (1) وفي سندها كلام.
السادسة: إذا أطلق الظهار حرمت عليه قبل التكفير. ولو علقه بشرط لم تحرم
حتى يحصل الشرط. وقال بعضهم: أو يواقع (2). وهو بعيد، نعم يقرب إذا كان الوطء
هو الشرط.
السابعة: يحرم الوطء على المظاهر ما لم يكفر إن قدر على العتق أو الصيام
بلا خلاف في ذلك، ولو عجز عنهما فالمشهور أنه يحرم الوطء عليه قبل الإطعام،
نظرا إلى عموم الأدلة، وخالف فيه ابن الجنيد، نظرا إلى أن الله تعالى شرط في
العتق والصيام أن يكون قبل التماس بخلاف الإطعام (3). والأول أقرب.
الثامنة: لو وطئها خلال الشهر فالمشهور أنه يجب عليه استئناف الصوم، سواء
وقع ليلا أو نهارا، وسواء صام شهرا ومن الثاني يوما أم لا، نظرا إلى أن المأمور به
صيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا، ولم يحصل.
وقال ابن إدريس: لا يبطل التتابع بالوطء ليلا مطلقا، لأنه غير مخل بتتابع
الصيام، ولا يستأنف الكفارة، لأنه لم يبطل من الصوم شيء وعليه إتمامه، وكفارة
اخرى للوطء (4). ووافقه العلامة والشهيد وقواه الشهيد الثاني في القواعد
والدروس والمسالك (5) وهو أقرب، لأن وجوب الكفارة قبل التماس يقتضي الإثم
في الصورة المذكورة لا بطلان الكفارة، فوجوب الاستئناف منتف بالأصل.
التاسعة: اختلف العلماء في القدر المحرم منها المعبر عنه بالمسيس هل هو
الوطء أم جميع الاستمتاعات المحرمة على غير الزوج كالقبلة واللمس بشهوة
وغيرها؟ والوجه استصحاب الحل فيما عدا موضع الوفاق.
العاشرة: إن قدر المظاهر على إحدى الخصال الثلاث لم يحل له الوطء حتى

(1) الوسائل 15: 524، الباب 13 من أبواب الظهار، ح 6.
(2) النهاية 2: 462.
(3) حكاه في المختلف 7: 437.
(4) السرائر 2: 714.
(5) القواعد 3: 173، الدروس 2: 185، المسالك 9: 529.
402

يكفر إجماعا، وإن عجز عن الثلاث فهل لها بدل يتوقف عليه حل الوطء؟ قيل:
نعم (1) واختلفوا، فقال الشيخ: إنه صيام ثمانية عشر يوما (2) وقال ابنا بابويه: يتصدق
بما يطيق (3). وقال ابن إدريس: بدلها الاستغفار، ويكفي في حل الوطء، ولا يجب
عليه قضاء الكفارة عند القدرة (4). وقيل: غير ذلك.
وذهب جماعة منهم المفيد وابن الجنيد والشيخ في قول آخر إلى أن الخصال
الثلاث لا بدل لها، بل يحرم عليه وطؤها إلى أن يؤدى الواجب (5) واختاره غير واحد
من المتأخرين (6). ولعله الأقرب، لعموم الآية المعتضدة بصحيحة أبي بصير (7).
وموثقة إسحاق بن عمار تدل على الاجتزاء بالاستغفار عند العجز عن
الخصال الثلاث، لكن يشكل العمل بها مع معارضتها للآية المعتضدة بالخبر
الصحيح (8). وكذا رواية أبي بصير الدالة على صيام ثمانية عشر يوما لضعف
إسنادها.
الحادية عشرة: كفارة الظهار مرتبة وهي: عتق رقبة، فإن عجز فصيام شهرين
متتابعين، فإن عجز فإطعام ستين مسكينا، للآية. وصحيحة معاوية بن وهب (9)
محمولة على بيان ماهية الخصال الثلاث.
الثانية عشرة: قطع الأصحاب بأنه إذا صبرت المظاهرة على الزوج ولم
ترافعه إلى الحاكم فلا اعتراض لأحد في ذلك، لأن الحق لها، وإن رافعته إلى

(1) حكاه في المسالك 9: 531.
(2) النهاية 2: 467.
(3) المقنع: 108، وحكاه عن والده في المختلف 7: 434.
(4) السرائر 2: 713.
(5) المقنعة: 524، حكاه عن ابن الجنيد في المختلف 7: 434، النهاية 2: 462.
(6) منهم الشهيد في المسالك 9: 532، والسيد العاملي في نهاية المرام 2: 172.
(7) الوسائل 15: 554، الباب 6 من أبواب الكفارات، ح 1.
(8) الوسائل 15: 555، الباب 6 من أبواب الكفارات، ح 4.
(9) الوسائل 15: 549، الباب 1 من أبواب الكفارات، ح 3.
403

الحاكم خيره بين العود والتكفير، وبين الطلاق، فإن أبى عنهما أنظره ثلاثة أشهر
من حين المرافعة لينظر في أمره، فإذا انقضت المدة ولم يختر أحدهما حبسه
وضيق عليه في المطعم والمشرب، بأن يمنعه مما زاد على ما يسد به الرمق، بحيث
يشق عليه إلى أن يختار أحد الأمرين، ولا يجبره على أحدهما عينا، بل يخيره
بينهما، ولا أعلم مخالفا لهم في هذه الأحكام.
ولم نقف على مستند لهذا الحكم سوى ما رواه الشيخ عن أبي بصير في
الموثق قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل ظاهر من امرأته؟ قال: إن أتاها فعليه
عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا، وإلا ترك ثلاثة أشهر
فإن فاء، وإلا أوقف حتى يسأل ألك حاجة في امرأتك أو تطلقها؟ فإن فاء فليس
عليه شيء وهي امرأته، وإن طلق واحدة فهو أملك برجعتها (1). والرواية قاصرة
عن إفادة هذه الأحكام.

(1) التهذيب 8: 24، ح 80.
404

كتاب الإيلاء
405

كتاب الإيلاء
الإيلاء لغة مطلق الحلف. وفي عرف الشرع حلف مخصوص، وهو: الحلف
على ترك وطء الزوجة الدائمة المدخول بها أربعة أشهر فصاعدا للإضرار بها.
والأصل فيه قوله تعالى: (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا
فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم) (1).
وقيل: إن الإيلاء كان طلاقا في الجاهلية فنسخ ذلك الحكم واثبت له حكم
آخر (2).
والفرق بين اليمين والإيلاء مع اشتراكهما في كونهما حلفا وفي لزوم الكفارة
مع الحنث جواز مخالفة اليمين في الإيلاء، بل وجوبها على بعض الوجوه مع
الكفارة، بخلاف الحلف في غيره، وعدم اشتراط أولوية المحلوف عليه دينا أو
دنيا، أو تساوي الطرفين في الإيلاء بخلاف اليمين. وفي هذا الكتاب مسائل:
الاولى: لا ينعقد الإيلاء إلا باسم الله سبحانه، لأنه ضرب من اليمين، فلا ينعقد
إلا بالله أو بأسمائه الخاصة، ويدل عليه صحيحة الحلبي (3).
ولا يكفي النية بل يعتبر التلفظ به بأي لغة كان. ثم اللفظ إن كان صريحا في

(1) البقرة: 226 و 227.
(2) المسالك 10: 125.
(3) الوسائل 15: 539، الباب 8 من أبواب الإيلاء، ح 1.
406

المراد لغة وعرفا فلا شبهة في وقوعه، وإن كان بغير الصريح فيه لغة كالجماع
والوطء الموضوعين لغيره لغة فكذلك مع القصد، ولا يقع مع قصد غيره، ولو أطلق
ففي الوقوع قولان.
ولو قال: «لا جمع رأسي ورأسك مخدة ولا ساقفتك» ففي وقوع الإيلاء بهما
مع القصد قولان.
ولا ينعقد إلا في إضرار، فلو حلف لصلاح حال لم ينعقد، كما لو حلف
لاستضرارها بالوطء، أو لصلاح اللبن. ولا نعلم فيه مخالفا من الأصحاب. ويدل
عليه صحيحة الحلبي (1) ورواية أبي الصباح الكناني (2) وغيرهما.
ولو حلف لغير الإضرار بالزوجة وقع يمينا يعتبر فيه ما يعتبر في مطلق اليمين.
ولو قال: «لا جامعتك في دبرك» لم يكن موليا.
واختلف الأصحاب في اشتراط تجريده عن الشرط والصفة، فذهب الشيخ
وجماعة إلى ذلك، استنادا إلى الأصل وادعى الشيخ في الخلاف إجماع الفرقة
عليه (3).
وذهب الشيخ في أحد قوليه إلى الوقوع (4) واختاره العلامة في المختلف (5)
استنادا إلى عموم القرآن السالم عن المعارض، وهو غير بعيد.
ولو قال: «إن وطئتك فعبدي حر أو مالي صدقة، أو حلائلي محرمات» لم
يكن إيلاء عند الأصحاب، ويدل عليه صحيحة الحلبي (6).
ولا ينعقد الإيلاء حتى يكون التحريم مطلقا أو مقيدا بالدوام أو مقرونا بمدة تزيد
عن أربعة أشهر، لا أعلم فيه خلافا بين الأصحاب، ويدل عليه رواية زرارة (7).

(1) المصدر السابق.
(2) الوسائل 15: 542، الباب 9 من أبواب الإيلاء، ح 3.
(3) الخلاف 4: 517، المسألة 12، الوسيلة: 335، الغنية: 363، السرائر 2: 722.
(4) المبسوط 5: 117.
(5) المختلف 7: 451.
(6) الوسائل 16: 138، الباب 14 من أبواب الأيمان، ح 1.
(7) الوسائل 15: 538، الباب 5 من أبواب الإيلاء، ح 2.
407

الثانية: يشترط في المولي البلوغ والعقل والاختيار، ويصح من المملوك حرة
كانت زوجته أو أمة.
ويشترط في المولى منها أن تكون منكوحة بالعقد لا بالملك، لظاهر الآية،
وصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر المذكورة في قرب الإسناد (1) ورواية أبي
الصباح الكناني (2) ورواية أبي بصير. وأن تكون مدخولا بها، لصحيحة محمد بن
مسلم (3) وروايتي أبي الصباح (4) ورواية أبي بصير (5).
والمشهور بين الأصحاب اشتراط الدوام في المولى منها، وذهب علم الهدى
إلى وقوعه بالمتمتع بها (6). والأول أقرب، لظاهر الآية وصحيحة عبد الله بن أبي
يعفور (7) ويقع بالحرة والأمة، والمرافعة إلى المرأة لضرب المدة، ولها بعد انقضائها
المطالبة بأحد الأمرين ولو كانت أمة، ولا اعتراض للمولى.
الثالثة: إذا وقع الإيلاء فإن صبرت الزوجة فلا بحث، وإن رفعت أمرها إلى
الحاكم أنظره أربعة أشهر لينظر في أمره، سواء كانت الزوجة حرة أو أمة، وسواء
كان الزوج حرا أو مملوكا، فإذا انقضت المدة ورافعته إلى الحاكم وخيره الحاكم
بين الفئة والطلاق، فإن طلقها خرج من حقها، وإن فاء لزمته الكفارة، فإن امتنع
منها حبسه الحاكم وضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يفعل أحدهما. وقد ورد
بذلك مضافا إلى الآية الشريفة روايات كصحيحة الحلبي وحسنة بريد بن
معاوية (8).

(1) قرب الإسناد: 363، ح 1299.
(2) الوسائل 15: 538، الباب 6 من أبواب الإيلاء، ح 3.
(3) الوسائل 15: 516، الباب 8 من أبواب الإيلاء، ح 2.
(4) الوسائل 15: 538، الباب 6 من أبواب الإيلاء، ح 2 و 3.
(5) الوسائل 15: 539، الباب 6 من أبواب الإيلاء، ح 4.
(6) نسبه إليه في الإيضاح 3: 131، وراجع الانتصار: 115 - 116 فقد نفاه هناك.
(7) التهذيب 8: 8، ح 22.
(8) الوسائل 15: 539، الباب 8 من أبواب الإيلاء، ح 1، وص 543، الباب 10 من أبواب
الإيلاء، ح 1.
408

الرابعة: إذا وطئ المولي في مدة التربص فقد حنث في يمينه ووجب عليه
الكفارة، ونقل الإجماع عليه جماعة منهم: المحقق (1). ولو وطئها بعد مدة التربص
ففي وجوب الكفارة عليه قولان، والأكثر على الوجوب. وقال الشيخ في
المبسوط: إذا وطئها بعد المدة لا كفارة عليه (2). ويدل على الأول صحيحة
منصور (3) ويمكن المنازعة في دلالتها على أكثر من الرجحان المطلق.
الخامسة: صرح العلامة وغيره بأنه إذا وطئ في أثناء المدة حنث ولزمته
الكفارة وانحل الإيلاء (4). وربما استدل عليه بأن المخالفة قد حصلت وهي لا
تتكرر، واستشكله بعضهم بأن مقتضى اليمين عدم الإتيان بالمحلوف عليه في كل
وقت من الأوقات التي يتعلق بها الحلف، فكما يتحقق المخالفة بالإتيان بما حلف
أن لا يفعله أولا، كذا يتحقق بالإتيان به ثانيا، والمخالفة محققة للحنث المقتضي
للزوم الكفارة عليه (5).
وإذا وطئ المولي ساهيا أو مجنونا أو اشتبهت بغيرها من حلائله فلا كفارة
عليه. والشيخ حكم بانحلال اليمين وبطلان الإيلاء (6) وتبعه عليه جماعة منهم
العلامة جازما من غير نقل خلاف (7) وأسنده المحقق إلى الشيخ مشعرا بضعفه أو
توقفه فيه (8). وهو في محله، لأن الحلف على النفي يقتضي الاستمرار والنسيان وما
في معناه لم يدخل تحت مقتضاه، فيكون وجوده كعدمه.
ثم إن حكمنا بانحلال اليمين حصلت الفئة وارتفع الإيلاء، وإن لم نحكم به
فوجهان، ولعل الراجح أنه لا تحصل الفئة وتبقى المطالبة.
السادسة: يستفاد من صحيحة الحلبي أن المولي لو أراد طلاق الزوجة لم

(1) الشرائع 3: 87.
(2) المبسوط 5: 135.
(3) الوسائل 15: 547، الباب 12 من أبواب الإيلاء، ح 3.
(4) التحرير 2: 63 س 5.
(5) نهاية المرام 2: 181.
(6) المبسوط 5: 140.
(7) التحرير 2: 63 س 11.
(8) الشرائع 3: 86.
409

يكن له ذلك إلا بعد المرافعة وإن كان ذلك بعد الأربعة أشهر (1) وقد وقع التصريح
بذلك في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) ورواية اخرى لأبي بصير
أيضا (3) ويؤيده موثقة عثمان بن عيسى (4).
السابعة: إذا طلق ولم يكن للبينونة سبب آخر وقع رجعيا وعليه العدة من يوم
طلقها عند معظم الأصحاب، وفي المسألة قول نادر بوقوع الطلاق بائنا. والأول
أقرب، لحسنة بريد بن معاوية عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) وحسنة بكير بن أعين وبريد
ابن معاوية عن أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام) (6) وغيرهما من الأخبار، وأما
صحيحة منصور بن حازم (7) وغيرها فمؤولة، جمعا بين الأدلة.
الثامنة: اختلف الأصحاب في أن مدة التربص تحسب من حين المرافعة أو
من حين الإيلاء، فذهب الأكثر إلى أنها من حين المرافعة، وقال ابن الجنيد وابن
أبي عقيل: إنها من حين الإيلاء (8). واختاره جماعة منهم العلامة في المختلف
وولده في الشرح (9) ويظهر من المحقق الميل إليه (10) وهو الأقرب، لظاهر الآية
وصحيحة الحلبي (11) وحسنة بريد (12) وصحيحة ابن سنان (13).
التاسعة: الكفارة إنما تجب مع الحنث في اليمين، فلو آلى مدة معينة وانقضت

(1) الوسائل 15: 539، الباب 8 من أبواب الإيلاء، ح 1.
(2) الوسائل 15: 541، الباب 8 من أبواب الإيلاء، ح 6.
(3) الوسائل 15: 541، الباب 9 من أبواب الإيلاء، ح 1.
(4) الوسائل 15: 540، الباب 8 من أبواب الإيلاء، ح 4.
(5 و 12) الوسائل 15: 543، الباب 10 من أبواب الإيلاء، ح 1.
(6) الوسائل 15: 536، الباب 2 من أبواب الإيلاء، ح 1.
(7) الوسائل 15: 544، الباب 10 من أبواب الإيلاء، ح 5.
(8) حكاه عنهما في المختلف 7: 452.
(9) المختلف 7: 452، الإيضاح 3: 432.
(10) الشرائع 3: 88.
(11) الوسائل 15: 539، الباب 8 من أبواب الإيلاء، ح 1.
(13) الوسائل 15: 546، الباب 12 من أبواب الإيلاء، ح 2.
410

سقط حكم اليمين، سواء رافعته إلى الحاكم وألزمه الحاكم بأحد الأمرين ودافع أم
لا، للاشتراك في المقتضي وإن أثم بالمدافعة على تقدير المرافعة.
العاشرة: فئة القادر على ما ذكره الأصحاب غيبوبة الحشفة في القبل، وفئة
العاجز عندهم إظهار العزم على الوطء عند القدرة، ولا تحصل الفئة للقادر بما
دون الفرج كالدبر وغيره.
ويمهل القادر فيها بما جرت العادة إمهاله فيها، فيمهل الصائم إلى أن يفطر،
والشبعان إلى أن يخف عنه ثقل الطعام، والجائع إلى أن يأكل، والمتعب إلى أن
يستريح. وبالجملة ما يحصل له به التهيؤ والاستعداد.
الحادية عشر: لو تكرر اليمين فلا إشكال في عدم تكرر الكفارة إن قصد
بالثاني التأكيد، ولو قصد به التأسيس فظاهر الأصحاب أنه كذلك، وهو متجه، إذ
الامتثال يحصل بالواحدة. وربما استشكل ذلك بأن كل واحدة سبب مستقل في
إيجاب الكفارة، والأصل عدم التداخل. وهو ممنوع.
هذا إن اتحد زمان المحلوف عليه إما مطلقا أو مقيدا. أما إذا اختلف زمان
اليمينين كما لو قال: «والله لا وطئتك خمسة أشهر فإذا انقضت والله لا وطئتك
سنة» فقد أتى بيمينين كل واحدة منهما تشتمل على مدة الإيلاء، لكن الاولى
منجزة والثانية معلقة على صفة، فإن قلنا ببطلان المعلق اختص البحث بالأول، وإن
قلنا بصحته روعي في كل واحدة منهما ما يتعلق بها من الحكم.
الثانية عشر: إذا قال: «لا اجامعك سنة إلا مرة» لم يكن مؤليا في الحال عندنا،
لأن له الوطء من غير تكفير، فإذا وطئها نظر، فإن بقي من السنة أكثر من أربعة
أشهر فهو مول من يومئذ ولها المرافعة، وإن بقي أربعة أشهر فما دونها فهو حالف
وليس بمول.
411

ولنذكر في هذا المقام الكفارات
وفيها مطلبان:
الأول
تنقسم الكفارة إلى مرتبة، ومخيرة، وما يجتمع فيه الأمران، وكفارة الجمع.
فالمرتبة في مواضع، منها: كفارة الظهار، وقد سبق بيانها.
ومنها: كفارة قتل الخطأ، والمشهور بين الأصحاب أنها مثل كفارة الظهار،
ونقل عن المفيد وسلار أنهما جعلها مخيرة (1) ولعل الأول أقرب، لصحيحة عبد الله
ابن سنان (2) وتدل الآية أيضا على الترتيب بين العتق والصيام فيها (3).
ومنها: كفارة من أفطر يوما من قضاء شهر رمضان بعد الزوال عمدا على
المشهور بين الأصحاب، فإن المشهور وجوب الكفارة في الصورة المذكورة،
وأنها إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد، ومع العجز فصيام ثلاثة أيام.
والأقرب عندي عدم وجوب الكفارة في الصورة المذكورة، كما هو قول ابن أبي
عقيل (4). وبيان ذلك في كتاب الصيام.
والمخيرة في مواضع، منها: كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان على
المشهور بين الأصحاب، وهو الأقوى عندي في غير الإفطار بالمحرم، وفيه تردد.
وبيانه في كتاب الصوم.
ومنها: كفارة خلف النذر على المشهور، فإنها كفارة كبرى مخيرة عند
الشيخين وأتباعهما (5) والمحقق في الشرائع (6) والعلامة في المختلف (7) وأكثر

(1) نقله عنهما في المسالك 10: 10.
(2) الوسائل 15: 559، الباب 10 من أبواب الكفارات، ح 1.
(3) النساء: 92.
(4) المختلف 8: 219.
(5) المقنعة: 562، النهاية 3: 66.
(6) الشرائع 3: 67.
(7) المختلف 8: 213.
412

المتأخرين، وقيل: إنها كفارة يمين، ذهب إليه جماعة من الأصحاب منهم
الصدوق (1).
ونقل ابن إدريس عن السيد المرتضى في المسائل الموصلية أن النذر إن كان
لصوم يوم فأفطر وجب عليه كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان، وإن كان لغير
صوم فكفارة يمين (2). واختاره ابن إدريس (3) والعلامة في غير المختلف (4).
وبيان خلف النذر في الصوم في كتاب الصوم، وأما خلف النذر فيما عدا
الصوم فالأقرب عندي أنها كفارة يمين، لصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في
رواية الصدوق (5) وحسنته في رواية الشيخ (6) ورواية جميل بن صالح المنقولة في
الحسن والصحيح (7) ويؤيده صحيحة صفوان الجمال (8) وغيرها.
وحجة المشهور رواية عبد الملك بن عمرو (9) وراويه غير موثق ولا ممدوح.
ومستند التفصيل غير معلوم.
ومنها: كفارة خلف العهد عند الأكثر، فإنهم ذهبوا إلى أنها كبرى مخيرة. وقيل:
إنها كفارة يمين، واختاره المحقق في الشرائع (10) والعلامة في جملة من كتبه (11).
والذي وقفت عليه في هذا الباب من الأخبار ما رواه الشيخ عن أبي بصير عن
أحدهما (عليهما السلام) قال: «من جعل عليه عهد الله وميثاقه في أمر فيه طاعة فحنث فعليه
عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا» (12) وهذه الرواية

(1) حكاه عنه وعن والده في المختلف 8: 212 - 213، انظر المقنع: 137.
(2) السرائر 3: 74 - 75.
(3) السرائر 3: 75.
(4) التحرير 2: 109 س 11.
(5) الفقيه 3: 364، ح 4290.
(6) التهذيب 8: 306، ح 1136.
(7) الوسائل 15: 575، الباب 23 من أبواب الكفارات، ح 5.
(8) الوسائل 15: 574، الباب 23 من أبواب الكفارات، ح 3.
(9) الوسائل 15: 575، الباب 23 من أبواب الكفارات، ح 7.
(10) الشرائع 3: 193.
(11) القواعد 3: 307، الإرشاد 2: 97.
(12) التهذيب 8: 315، ح 1170.
413

ضعيفة، لاشتمال سندها على غير واحد من المجاهيل.
وما رواه الشيخ عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: سألته
عن رجل عاهد الله في غير معصية، ما عليه إن لم يف بعهده؟ قال: يعتق رقبة، أو
يتصدق بصدقة، أو يصوم شهرين متتابعين (1). والرواية ضعيفة، لاشتمال سندها
على بعض المجاهيل، لكن لا معارض للروايتين، فيمكن حمل الصدقة في الرواية
الأخيرة على الإطعام المذكور في الرواية الاولى، فيحصل الجمع بين الروايتين،
ويمكن الحمل على الاستحباب، ولعل الأقرب عدم وجوب الكبرى.
وأما ما اجتمع فيه الأمران فكفارة اليمين، وهي: عتق رقبة أو إطعام عشرة
مساكين أو كسوتهم، فإن عجز صام ثلاثة أيام، والأصل فيه الآية والأخبار.
وكفارة الجمع هي كفارة قتل المؤمن عمدا ظلما، وهي عتق رقبة وصوم
شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا.
مسائل:
الاولى: لا خلاف في تحريم الحلف بالبراءة من الله ورسوله والأئمة (عليهم السلام)،
وقيل: إن ذلك ثابت بإجماع أهل العلم (2) وقد روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) سمع رجلا
يقول: أنا بريء من دين محمد، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): ويلك إذا برئت من دين
محمد فعلى دين من تكون؟ قال: فما كلمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى مات (3).
واختلف الأصحاب في وجوب الكفارة بذلك، فقال الشيخ في موضع من
النهاية: يجب به كفارة ظهار، فإن عجز فكفارة يمين (4). وقال ابن حمزة: يلزمه
كفارة النذر (5). وقال ابن بابويه: يصوم ثلاثة أيام ويتصدق على عشرة مساكين (6).

(1) التهذيب 8: 309، ح 1148.
(2) الإيضاح 4: 81.
(3) الوسائل 16: 125، الباب 7 من أبواب تحريم الحلف، ح 1.
(4) النهاية 3: 65 - 66.
(5) الوسيلة: 349.
(6) المقنع: 136 - 137.
414

ولم أطلع على مستند لهذه الأقوال. وقيل: يأثم ولا كفارة، واختاره المحقق (1).
وروى ابن بابويه عن محمد بن الحسن الصفار في الصحيح أنه كتب إلى أبي
محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام): رجل حلف بالبراءة من الله تعالى ومن
رسوله (صلى الله عليه وآله) فحنث، ما توبته وكفارته؟ فوقع (عليه السلام): يطعم عشرة مساكين، لكل
مسكين مد، ويستغفر الله تعالى (2). وبمضمونها أفتى العلامة في المختلف (3).
وقال المحقق في النكت: الحق عندي أنه لا كفارة في شيء من ذلك، لأن ما
ذكره الشيخان لم يثبت، وما تضمنته الرواية نادر، ولا ينتهض المكاتبة بالحجة، لما
يتطرق إليها من الاحتمال (4).
ولا بأس بالعمل بمضمون الرواية المذكورة، لصحتها وسلامتها عن المعارض،
ومقتضاها ترتب الكفارة على الحنث، وبه صرح المفيد (5). وظاهر الأكثر يقتضي
ترتبها على مجرد الحلف.
الثانية: في جز المرأة شعرها في المصاب كفارة إفطار شهر رمضان عند ابن
البراج (6) والمرتبة عند سلار وابن إدريس (7) وقيل: تأثم ولا كفارة (8) وهو الأقوى،
للأصل، وضعف رواية خالد بن سدير (9) التي هي مستند القول الأول.
وفي نتف المرأة شعرها في المصاب وخدش وجهها وشق الرجل ثوبه في
موت ولده أو زوجته كفارة يمين على قول، ومستنده رواية خالد بن سدير
الضعيفة. والأقوى عدم الوجوب.
الثالثة: من وطئ في الحيض عامدا قيل: تجب عليه الكفارة (10). وقيل:
تستحب (11). وهو الأقوى، وبيانه في كتاب الطهارة.

(1) الشرائع 3: 68.
(2) الفقيه 3: 378، ح 4330.
(3) المختلف 8: 141.
(4) نكت النهاية 3: 65.
(5) المقنعة: 558 - 559.
(6) المهذب 2: 424.
(7) المراسم: 187، السرائر 3: 78.
(8) المهذب البارع 3: 564.
(9) الوسائل 15: 583، الباب 31 من أبواب الكفارات، ح 1.
(10) المقنعة: 55.
(11) كشف الرموز 2: 261.
415

الرابعة: من تزوج امرأة في عدتها فارقها، ويجب عليه أن يكفر بخمسة
أصوع من دقيق عند الشيخ وأتباعه (1) استنادا إلى رواية أبي بصير (2) وهي ضعيفة،
وموردها من تزوج امرأة ولها زوج فلا تفيد إثبات المطلوب. فالأقوى عدم
الوجوب، كما ذهب إليه ابن إدريس والمحقق (3) وأكثر المتأخرين.
الخامسة: ذهب المرتضى والشيخ إلى أن من نام عن العشاء الآخرة حتى
ينتصف الليل يجب عليه صيام ذلك اليوم (4). وادعى المرتضى الإجماع عليه،
ومستنده رواية عبد الله بن المغيرة (5) ودلالتها على المطلوب غير واضحة، وفي
سندها إرسال، والقول بالاستحباب أجود، والحق بالنائم متعمد الترك إلى ذلك
الوقت والناسي من غير نوم، وهو مشكل. ولو أفطر ذلك اليوم أثم على القول
بالوجوب ولا كفارة.
السادسة: ذهب جمع من الأصحاب منهم الشيخ إلى أن من نذر صوم يوم
فعجز عنه أطعم مسكينا مدين، فإن عجز تصدق بما استطاع، فإن عجز استغفر
الله (6). وأنكره قوم من الأصحاب (7). ومستند الأول رواية ضعيفة من حيث السند
والدلالة (8). وفي بعض الروايات الضعيفة: «مد» (9) والأقوى القول الثاني، للأصل.
المطلب الثاني في خصال الكفارات
الواجبة المذكورة في هذا الباب، وهي: العتق، والإطعام، والكسوة، والصيام.
ففيه فصول:

(1) النهاية 3: 68، الوسيلة: 354.
(2) الوسائل 18: 397، الباب 27 من أبواب حد الزنا، ح 5.
(3) السرائر 3: 77، الشرائع 3: 68.
(4) الانتصار: 165، النهاية 3: 68.
(5) الوسائل 3: 157، الباب 29 من أبواب المواقيت، ح 8.
(6) النهاية 3: 66 - 67.
(7) المسالك 10: 34، نهاية المرام 2: 198.
(8) الوسائل 16: 195، الباب 12 من أبواب النذر والعهد، ح 1.
(9) الوسائل 7: 268، الباب 15 من أبواب بقية الصوم الواجب، ح 2.
416

الأول في العتق
وفيه مسائل:
الاولى: يتعين العتق على الواجد في الكفارات المترتبة، ويتحقق الوجدان
بملك الرقبة وملك الثمن مع إمكان الابتياع.
الثانية: لا ريب في اشتراط الإيمان في الرقبة في كفارة قتل الخطأ، لقوله
تعالى: (فتحرير رقبة مؤمنة) (1) والحق بها كفارة العمد، ونقل عليه الإجماع (2).
واختلف الأصحاب في اعتباره في باقي الكفارات، فذهب الأكثر إلى اعتباره فيه،
استنادا إلى الآية ورواية سيف بن عميرة (3) وقوله تعالى: (ولا تيمموا الخبيث منه
تنفقون) (4) وفي دلالة الآيتين نظر، والرواية قاصرة من حيث السند والدلالة.
وقيل بعدم اعتبار الإيمان في غير كفارة القتل، وإليه ذهب ابن الجنيد (5)
والشيخ في المبسوط والخلاف (6) للأصل واستضعاف دليل الاشتراط، وهو أقرب.
وذكر جماعة من الأصحاب أن المراد بالإيمان هنا الإسلام، وهو: الإقرار
بالشهادتين، لا معناه الخاص وهو التصديق القلبي بهما، لأن ذلك لا يمكن
الاطلاع عليه (7) ولحسنة معمر بن يحيى (8) وقد قطع أكثر الأصحاب بأنه لا يعتبر
المعنى الأخص وهو اعتقاد الإمامية، تمسكا بالإطلاق، ويؤيده صحيحة الحلبي،
قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرقبة يعتق من المستضعفين؟ قال: نعم (9). وربما قيل
بالاشتراط، استنادا إلى حجة ضعيفة.

(1) النساء: 92.
(2) المسالك 10: 36.
(3) الوسائل 16: 20، الباب 17 من أبواب العتق، ح 5.
(4) البقرة: 267.
(5) حكاه في المختلف 8: 229.
(6) المبسوط 6: 212، الخلاف 4: 542، المسألة 27.
(7) نهاية المرام 2: 200، المسالك 10: 38.
(8) الوسائل 15: 557، الباب 7 من أبواب الكفارات، ذيل الحديث 6.
(9) الوسائل 16: 19، الباب 17 من أبواب العتق، ح 1.
417

والمشهور أنه لا فرق بين الصغير والكبير والذكر والانثى، عملا بالعموم.
والأجود عدم إجزاء الصغير في كفارة القتل، أما في غيره فيجزي، ويدل عليه
حسنة معمر بن يحيى (1) ورواية الحسين بن سعيد (2) وبمضمونها أفتى ابن الجنيد (3).
ويدل عليه أيضا صحيحة محمد الحلبي (4).
ويتحقق الإسلام في الصغير بتبعيته لأبويه أو لأحدهما، فلا فرق بين كونهما
مسلمين حين يولد وبعده، ولا بين موته قبل أن يبلغ ويعزب عن الإسلام وبعده
عندنا، وفي تبعية الصغير للسابي وإن انفرد عن أبويه قولان، أشهرهما العدم في
غير الطهارة، وأما الطهارة فالأقرب الأشهر التبعية فيها.
الثالثة: يشترط السلامة من العيوب الموجبة للعتق، فلا يجزي الأعمى ولا
الأجذم ولا المقعد ولا المنكل به، ويجزي مع غير ذلك من العيوب كالأصم
والأخرس ومن قطعت إحدى يديه أو إحدى رجليه، وبه قطع الأكثر، لإطلاق
الأمر بتحرير الرقبة المتناول للصحيحة والمعيبة. وقال ابن الجنيد: لا يجزي
الخصي والأصم والأخرس (5). وهو ضعيف. ويجزي ولد الزنا على الأشهر
الأقرب. ومنعه قوم (6) وهو ضعيف.
وفي إجزاء المدبر قولان، وأكثر المتأخرين على الإجزاء، وهو غير بعيد.
وصحيحة الحلبي (7) وموثقة عبد الرحمن (8) قابلتان للتأويل القريب. ولعل الأقرب
إجزاء عتق المكاتب المشروط والمطلق الذي لم يؤد من مكاتبته شيئا. والمشهور

(1) الوسائل 15: 557، الباب 7 من أبواب الكفارات، ذيل الحديث 6.
(2) الوسائل 15: 556، الباب 7 من أبواب الكفارات، ح 6.
(3) حكاه في المختلف 8: 229.
(4) الوسائل 15: 556، الباب 7 من أبواب الكفارات، ح 4.
(5) حكاه في المختلف 7: 244.
(6) الانتصار: 166، حكاه عن ابن الجنيد في المختلف 8: 242.
(7) الوسائل 15: 558، الباب 9 من أبواب الكفارات، ح 2.
(8) الوسائل 16: 82، الباب 12 من أبواب التدبير، ح 1.
418

في ام الولد الإجزاء عن الكفارة لبقائها على الرق وإن امتنع بيعها على بعض
الوجوه، وقيل بالمنع وهو نادر.
ويجزي الآبق ما لم يعلم موته، كما ذهب إليه الشيخ في النهاية (1) وابن
إدريس وأكثر الأصحاب حتى قال ابن إدريس: أخبار أصحابنا المتواترة عن
الأئمة الطاهرة وإجماعهم منعقد على أن العقد الغائب يجوز عتقه في الكفارة إذا لم
يعلم منه موت (2). ويدل عليه حسنة أبي هشام الجعفري (3) وذهب الشيخ في
الخلاف إلى أن الآبق إن لم يعلم خبره لم يجز عتقه عن الكفارة (4) استنادا إلى حجة
ضعيفة. وذهب العلامة في المختلف إلى الإجزاء عند الظن بالحياة دون الظن
بالموت والشك (5).
الرابعة: يشترط في الإعتاق النية، ولابد من نية القربة، وإذا اجتمعت أسباب
مختلفة ففي اعتبار نية التعيين خلاف، فقيل: لا يجب مطلقا (6). وقيل: يجب إذا
اختلف الأسباب والمسببات لا مطلقا (7). ومنهم من فصل فأوجب التعيين مع
اختلاف الكفارات حكما لا مع اتفاقها (8).
وإن تعددت الكفارة واتحد جنس سببها فالمشهور بين الأصحاب عدم
وجوب التعيين، بل قال الشهيد: إنه لا يعرف لأحد من العلماء قولا باشتراط
التعيين (9). والمحقق جعل فيه إشكالا (10). والأحوط مراعاة التعيين في الجميع.
الفصل الثاني في الصوم
والكفارة المرتبة يتعين فرض الصيام فيها عند العجز عن العتق، ويتحقق

(1) النهاية 3: 64.
(2) السرائر 2: 718.
(3) الوسائل 16: 53، الباب 48 من أبواب جواز عتق الآبق، ح 1.
(4) الخلاف 4: 546، المسألة 34.
(5) المختلف 7: 446.
(6) المبسوط 6: 209.
(7) الخلاف 4: 549، المسألة 39.
(8) المختلف 8: 228.
(9) غاية المراد: 139 س 21 (مخطوط).
(10) الشرائع 3: 73.
419

العجز بفقد الرقبة وفقد ثمنها. ولو احتاج إلى خدمته لمرضه أو كبره أو زمانته أو
ضخامته المانعة له عن خدمة نفسه عادة فهو كالمعدوم، كما أن الماء المحتاج إليه
للعطش كالمعدوم في جواز التيمم.
قالوا: وكذا لو كان من أهل المروات ومنصبه يأبى أن يخدم نفسه ويباشر
الأعمال التي يستخدم فيها المماليك، وهو غير بعيد. والمعتبر في ذلك العادة الغالبة.
ولو ملك ثمن الرقبة وقدر على شرائها وجب إلا أن يحتاج إليه لنفقته، أو
كسوته اللائقة بحاله عادة، أو ركوبه المحتاج إليه، أو نفقة عياله الواجبي النفقة،
ومنه كسوتهم وما لابد فيه من الأثاث، وكذا المسكن والدين وإن لم يطالب به.
ولم يقدر الأكثر هنا للنفقة والكسوة حدا، فيحتمل الكفاية على الدوام بأن
يملك ما يحصل من نمائه ما يقوم بكفايته كل سنة. ويحتمل كفاية السنة. ويحتمل
مؤنة اليوم والليلة فاضلا عما يحتاج إليه في الوقت الحاضر من الكسوة والأمتعة.
ورجح الأخير جماعة من الأصحاب (1).
وهل يجب بيع ضيعته وتجارته وإن التحق بالمساكين كالدين؟ فيه قولان،
ولعل الراجح الوجوب. وجزم العلامة في القواعد بعدم الوجوب (2).
ولا فرق مع وجدان الثمن بين أن يبذل الرقبة مالكها بثمن المثل أو أزيد منه
مع القدرة على الشراء إلا مع الإجحاف المؤدي إلى الضرر، ولو لم يملك الرقبة
ولا ثمنها وبذل له أحدهما ففي وجوب القبول قولان.
ولا يباع ثياب البدن ولا المسكن ولا الخادم في الكفارة إذا كان قدر الكفاية.
ولو كان المسكن أو الخادم مرتفع القيمة بحيث يمكن الاستبدال منه ببعض ثمنه
فهل يجب ذلك مع صرف الزائد في الكفارة؟ فيه قولان.
وإذا انتقل الفرض في قتل الخطأ والظهار إلى الصوم فالواجب صوم شهرين

(1) الدروس 2: 180، نهاية المرام 2: 205، المسالك 10: 82.
(2) القواعد 3: 302.
420

متتابعين إن كان حرا إجماعا، وفي المملوك شهر عند معظم الأصحاب، للروايات
كصحيحة محمد بن حمران (1) وحسنة جميل بن دراج (2).
وذهب جماعة منهم أبو الصلاح وابن زهرة وابن إدريس إلى أن العبد في
الظهار كالحر (3). استنادا إلى عموم الآية. والأول أقرب، لما ذكرنا من الروايات،
والآية مخصصة بها، مع أن الظاهر تعلق الخطاب فيها بالأحرار.
ومن وجب عليه صوم شهرين متتابعين في كفارة إذا صام شهرا ومن الثاني
شيئا ولو يوما ثم أفطر لغير عذر بنى على صومه من غير استئناف بلا خلاف في
ذلك بين الأصحاب، ويدل عليه صحيحة الحلبي (4) وصحيحة منصور بن حازم (5)
وغيرهما، وهل يأثم بالتفريق بعد ما صام شهرا ومن الثاني يوما بالتتابع؟ المشهور
العدم، وهو الأصح.
ولو أفطر قبل أن يصوم من الثاني شيئا لغير عذر استأنف بلا خلاف فيه، لعدم
الإتيان بالمأمور به. ولو أفطر والحال هذه لعذر كالحيض والنفاس والإغماء
والجنون والمرض والسفر الضروري بنى عند زواله، والظاهر أنه لا خلاف فيه،
ويدل عليه روايات كصحيحة رفاعة (6) وصحيحة محمد بن مسلم (7) وغيرهما.
ولو أفطرت الحامل أو المرضع خوفا على أنفسهما لم ينقطع التتابع. ولو
أفطرتا خوفا على الولد فالأقرب أنه كذلك، وللشيخ فيه قولان (8).
ولو اكره على الإفطار فالأقرب أنه لم ينقطع التتابع مطلقا، سواء كان إجبارا

(1) الوسائل 15: 522، الباب 12 من أبواب الظهار، ح 1.
(2) الوسائل 15: 522، الباب 12 من أبواب الظهار، ح 2.
(3) الكافي في الفقه: 304، الغنية: 369، السرائر 2: 713.
(4) الوسائل 7: 273، الباب 3 من أبواب بقية الصوم الواجب، ح 9.
(5) الوسائل 7: 275، الباب 4 من أبواب بقية الصوم الواجب، ح 1.
(6) الوسائل 7: 274، الباب 3 من أبواب بقية الصوم الواجب، ح 10.
(7) الوسائل 7: 274، الباب 3 من أبواب بقية الصوم الواجب، ح 11.
(8) المبسوط 5: 172.
421

كمن وجر الماء في حلقه، أو لم يكن كمن ضرب حتى أكل، وللشيخ قول بالفرق (1).
ولو نسي النية في بعض أيام الشهر الأول ولم يذكر إلا بعد الزوال فإن الصوم يفسد.
وهل ينقطع التتابع؟ فيه وجهان، ولعل الأقرب العدم.
ولو عرض في أثناء الشهر الأول زمان لا يصح صومه عن الكفارة كشهر
رمضان والأضحى بطل التتابع، وبيان بعض الأحكام المتعلقة بهذا المقام في كتاب
الصيام.
الفصل الثالث في الإطعام
ويتعين في المرتبة مع العجز عن الصيام، ويتحقق العجز عن الصوم بحصول
المشقة الشديدة منه لمرض أو كبر أو غير ذلك. واختلف الأصحاب في مقدار
الطعام، فالمشهور جواز إعطاء مد لكل مسكين، ويدل عليه صحيحة عبد الله بن
سنان الواردة في كفارة قتل الخطأ (2) وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله الواردة
في كفارة شهر رمضان (3).
وفي رواية أبي حمزة الثمالي في الصحيح قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عمن
قال: «والله» ثم لم يف؟ فقال: كفارته إطعام عشرة مساكين مدا مدا دقيق أو حنطة (4).
وعن أبي خالد القماط بإسناد راجح الصحة أنه سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من
كان له ما يطعم فليس له أن يصوم، يطعم عشرة مساكين مدا مدا، فمن لم يجد
فصيام ثلاثة أيام (5).
وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في كفارة اليمين: يطعم عشرة
مساكين، لكل مسكين مد من حنطة أو مد من دقيق وحفنة (6).

(1) المبسوط 5: 172.
(2) الوسائل 15: 559، الباب 10 من أبواب الكفارات، ح 1.
(3) الوسائل 7: 31، الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، ح 10.
(4) الوسائل 15: 561، الباب 12 من أبواب الكفارات، ح 4.
(5) الوسائل 15: 561، الباب 12 من أبواب الكفارات، ح 5.
(6) الوسائل 15: 560، الباب 12 من أبواب الكفارات، ح 1.
422

وصحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في كفارة اليمين مد من حنطة
وحفنة لتكون الحفنة في طحنه وحطبه (1).
وفي رواية أبي جميلة الحسنة إلى ابن أبي نصر الواردة في كفارة اليمين:
الصدقة مد من حنطة (2). ويؤيد ذلك حسنة محمد بن قيس (3) تأييدا قويا. وحسنة
الحلبي (4).
وفي رواية محمد بن مسلم المذكورة في تفسير العياشي الواردة في اليمين:
يجزي لكل إنسان مد (5).
وفي رواية زرارة المذكورة فيه في كفارة اليمين: والصدقة مد لكل مسكين (6).
وفي رواية الحلبي المذكورة فيه: لكل مسكين مد من حنطة ومد من دقيق
وحفنة (7).
وذهب جماعة إلى وجوب إعطاء مدين لكل مسكين (8). ويدل عليه صحيحة
أبي بصير الواردة في كفارة الظهار (9).
ويمكن الجمع بين الأخبار بحملها على الاستحباب، أو القول بوجوب
المدين في كفارة الظهار خاصة، قصرا للحكم على مورد النص.
ولو أطعم المسكين إلى أن يشبع أجزء، كما نص عليه الشيخ وغيره (10) لصدق

(1) الوسائل 15: 565، الباب 14 من أبواب الكفارات، ح 4.
(2) الوسائل 15: 565، الباب 14 من أبواب الكفارات، ح 2.
(3) الوسائل 15: 564، الباب 14 من أبواب الكفارات، ح 1.
(4) الوسائل 15: 565، الباب 14 من أبواب الكفارات، ح 3.
(5) تفسير العياشي 1: 336، ح 167.
(6) الوسائل 15: 567، الباب 14 من أبواب الكفارات، ح 9.
(7) الوسائل 15: 567، الباب 14 من أبواب الكفارات، ح 10.
(8) النهاية 3: 64، وحكاه عن الشيخ وجماعة في نهاية المرام 2: 210.
(9) الوسائل 15: 566، الباب 14 من أبواب الكفارات، ح 6.
(10) لم نعثر عليه ولكن حكاه عن الشيخ وجماعة في نهاية المرام 2: 211.
423

الامتثال بذلك، واعتبر المفيد إشباع المسكين في يومه (1).
وقال ابن الجنيد: هو مخير بين أن يطعم المساكين ولا يملكهم، وبين أن
يملكهم ما يأكلون، فإذا أراد أن يطعمهم دون التمليك غداهم وعشاهم في ذلك
اليوم، وإذا أراد تمليك المسكين الطعام أعطى كل إنسان منهم مدا وزيادة عليه
بقدر ما يكون لطحنه وخبزه وإدامه (2). وفي تعين ما ذكره ابن الجنيد والمفيد نظر،
لكن الأحوط المصير إليه.
ويطعم ما يغلب على قوته عند الشيخ في المبسوط وجماعة (3). وقال في
الخلاف: كل ما يسمى طعاما يجوز إخراجه في الكفارة (4). وقال ابن إدريس:
ويجوز أن يخرج حبا ودقيقا وخبزا وكل ما يسمى طعاما إلا كفارة اليمين، فإنه
يجب عليه أن يخرج من الطعام الذي يطعم أهله، لقوله تعالى: (من أوسط ما
تطعمون أهليكم) (5) فقيد تعالى ذلك وأطلق باقي الكفارات (6). واستقرب في
المختلف إيجاب الحنطة والدقيق والخبز (7). وجزم الشهيد بإجزاء التمر والزبيب
أيضا (8). والأولى الاقتصار على إطعام المد من الحنطة والدقيق، كما تضمنته
صحيحة الحلبي (9).
ويستحب أن يضم إليه إداما، وأعلاه اللحم، وأوسطه الخل، وأدناه الملح.
ويدل عليه حسنة الحلبي (10). ونقل عن ظاهر المفيد وسلار وجوب الإدام (11)
ويدفعه الرواية.

(1) المقنعة: 568.
(2) حكاه في المختلف 8: 224.
(3) المبسوط 5: 177، الوسيلة: 353.
(4) الخلاف 4: 563، المسألة 66.
(5) المائدة: 89.
(6) السرائر 3: 70.
(7) المختلف 8: 239.
(8) الدروس 2: 186.
(9) الوسائل 15: 560، الباب 12 من أبواب الكفارات، ح 1.
(10) الوسائل 15: 567، الباب 14 من أبواب الكفارات، ح 3.
(11) نقله عنهما في المسالك 10: 94.
424

والإطعام يتحقق بتسليم المد إلى المستحق، والظاهر أنه لا فرق بين الكبير
والصغير في التسليم، نعم يجب في الصغير التسليم إلى وليه، وأما في الإشباع فقطع
جماعة من الأصحاب منهم الشيخ بإجزاء إطعام الصغار منضمين إلى الكبار ومع
الانفراد، فيحسب اثنان بواحد (1). ولا أعرف حجة لهم على هذا التفصيل، وفي
رواية غياث عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يجزي إطعام الصغير في كفارة اليمين،
ولكن صغيرين بكبير (2). ومقتضى الرواية احتساب صغيرين بكبير في كفارة
اليمين مطلقا، لكن الرواية ضعيفة.
وفي رواية السكوني: من أطعم في كفارة صغارا أو كبارا فليزود الصغير بقدر
ما يأكل الكبير (3).
وروى الشيخ بإسناده عن يونس بن عبد الرحمن في الصحيح عن أبي الحسن
قال: سألته عن رجل عليه كفارة إطعام عشرة مساكين أيعطي الصغار والكبار
سواء والرجال والنساء، أو يفضل الكبار على الصغار والرجال على النساء؟ قال:
كلهم سواء (4). ولعل الوجه العمل بهذا الحديث.
وفيما اعتبر إطعام الستين لا يجوز ما دون العدد مع التمكن من العدد اتفاقا،
لعدم حصول الامتثال بدونه.
والمشهور أنه إن تعذر الوصول إلى العدد جاز حينئذ الاقتصار على الممكن
وفرق العدد عليهم بحسب الأيام، حتى لو لم يوجد سوى واحد فرق عليه العدد
في ستين يوما، ومستنده رواية السكوني (5) وهي ضعيفة، وظاهر الآية عدم إجزاء
ما دون العدد مطلقا، فيبقى في الذمة إلى أن يوجد.

(1) الخلاف 4: 564، المسألة 68، الشرائع 3: 76، الوسيلة: 353.
(2) الوسائل 15: 570، الباب 17 من أبواب الكفارات، ح 1.
(3) الوسائل 15: 570، الباب 17 من أبواب الكفارات، ح 2.
(4) التهذيب 8: 297، ح 1101.
(5) الوسائل 15: 569، الباب 16 من أبواب الكفارات، ح 1.
425

وفي موثقة إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن إطعام عشرة
مساكين أو إطعام ستين مسكينا أيجمع ذلك لإنسان يعطاه؟ فقال: لا، ولكن يعطي
إنسانا إنسانا كما قال الله تعالى (1). والشيخ وجماعة حملوا ذلك على حالة
الاختيار ووجود العدد (2).
ويجوز أن يعطى العدد متفرقين ومجتمعين إطعاما وتسليما. والمعتبر إخراج
عين الطعام، فلا يجزي القيمة.
واختلف الأصحاب في اعتبار الإيمان في مستحق الكفارة، فقيل: لا يشترط
ذلك، بل يكفي الإسلام ولا يجوز الكافر ومن الحق به من أهل القبلة. واختاره
المحقق (3). وهو الأقوى، لعموم الآية وصحيحة يونس بن عبد الرحمن (4) وموثقة
إسحاق بن عمار (5). وقيل: يشترط مع الإمكان، فإن لم يجد تمام العدد كذلك جاز
إعطاء المستضعف من المخالفين، وهو قول الشيخ في النهاية (6) وقواه في
المختلف (7). وقيل: يشترط كونه مؤمنا أو مستضعفا، وهو قول المبسوط
والإرشاد (8). وقيل: يشترط الإيمان مطلقا، حتى لو لم يجد أخرها إلى وقت
الإمكان، وإليه ذهب جماعة من الأصحاب (9)
والأشهر الأقوى عدم اعتبار العدالة، لعموم الأدلة، خلافا لابن إدريس (10).

(1) الوسائل 15: 569، الباب 16 من أبواب الكفارات، ح 2.
(2) التهذيب 8: 298، ذيل الحديث 1103، وانظر كشف الرموز 2: 265.
(3) الشرائع 3: 77.
(4) الوسائل 15: 570، الباب 17 من أبواب الكفارات، ح 3.
(5) الوسائل 15: 571، الباب 18 من أبواب الكفارات، ح 2.
(6) النهاية 3: 64.
(7) المختلف 8: 234.
(8) المبسوط 6: 208، الإرشاد 2: 100.
(9) منهم: ابن البراج في المهذب 2: 415 والعلامة في القواعد 3: 304 وحكاه عن ابن الجنيد
في المسالك 10: 100.
(10) لم نعثر عليه في السرائر وحكاه في المسالك 10: 101.
426

ويعتبر المسكنة، للنص، ولا يتعدى إلى غير المسكين من أصناف مستحقي
الزكاة حتى الغارم وإن استغرق دينه ماله إذا ملك مؤنة السنة، وكذا ابن السبيل إذا
أمكنه أخذ الزكاة والاستدانة، وإلا ففي الجواز قولان.
واختلف في الفقير، فقيل: يجوز دفعها إليه إما لكونه أسوء حالا من المسكين،
أو لأن كل واحد من الفقير والمسكين يدخل في الآخر حيث ينفرد بالذكر.
والوجه أن لا يعطى لمن لا يصدق عليه المسكين، وقوفا على النص. وفي صحيحة
محمد بن مسلم: إن المسكين هو الفقير الذي يسأل (1).
مسائل
الاولى: اختلف الأصحاب في تقدير الثوب المخير بينه وبين الإطعام والعتق
في كفارة اليمين، فابن الجنيد اعتبر للمرأة درعا وخمارا (2) واكتفى للرجل بثوب
يجزيه الصلاة في مثله (3). ومنهم من أطلق الثوبين كالمفيد وسلار (4). ومنهم من
أطلق الثوب كالشيخ في المبسوط وابن إدريس والفاضلين (5). ومنهم من فصل
فاكتفى بالثوب مع العجز عن الثوبين، وهو قول الشيخ في النهاية وابن البراج وأبي
الصلاح والعلامة في القواعد (6).
ومنشأ الاختلاف اختلاف الروايات، والجمع بين الأخبار بحمل ما دل على
الثوبين على الأفضلية وحمل ما دل على الثوب الواحد على أقل المجزئ متجه.
ويعتبر في الثوب تحقق الكسوة به عرفا كالجبة والقميص، واجتزء الشهيدان
بالإزار والرداء والسراويل (7). وفيه إشكال. وحكى الشيخ قولا بأن السراويل لا

(1) الوسائل 6: 144، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، ح 2.
(2) في الأصل: درع وخمار.
(3) حكاه في المختلف 8: 226.
(4) المقنعة: 568، المراسم: 186.
(5) السرائر 3: 70، المبسوط 6: 211، المختلف 8: 226، الشرايع 3: 181.
(6) النهاية 3: 64، المهذب 2: 415، الكافي في الفقه: 227، القواعد 3: 305.
(7) الدروس 2: 188، المسالك 10: 104.
427

يجزي، لأنه لا يصدق عليه اسم الكسوة (1). وهو متجه. وفي الدروس: أنه يكفي
كسوة الصغير وإن كانوا منفردين (2). وهو متجه، نظرا إلى إطلاق الآية. ولو أخذ
الكبير ما يواري الصغير ولا يواريه فالأقرب عدم الإجزاء.
ويستحب أن يكون جديدا، ويجزي غيره، ولا يجزي المنخرق.
والمعتبر في جنسه ما يعد كسوة عرفا كالقطن والكتان والصوف والحرير
للنساء، والفرو والجلد المعتادين والقنب والشعر إن اعتيد لبسهما.
الثانية: من عجز عن العتق فدخل في الصيام ثم تمكن من العتق لم يلزمه
ذلك، لصحيحة محمد بن مسلم (3) والأفضل العود إلى العتق، لرواية محمد بن
مسلم (4) وروى عبد الله بن جعفر الحميري - بإسناد يمكن إلحاقه بالصحاح - عن
علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سألته عن رجل صام من
الظهار ثم أيسر وعليه يومان أو ثلاثة من صومه؟ فقال: إذا صام شهرا ثم دخل في
الثاني أجزأه الصوم، فليتم صومه، ولا عتق عليه (5). وفي كتاب علي بن جعفر مثله (6).
الثالثة: المعتبر في المرتبة بحال الأداء لا حال الوجوب، فلو كان قادرا على
العتق فعجز وجب عليه الصوم، ولا يستقر العتق في ذمته.
الرابعة: من ضرب مملوكه فوق الحد الشرعي قيل: يجب له التكفير بعتقه.
وإليه ذهب الشيخ وأتباعه (7) وظاهرهم الوجوب، وذهب الفاضلان إلى
الاستحباب (8). وأنكره ابن إدريس رأسا (9). والقول الثاني أقرب، والمستند

(1) المبسوط 6: 212.
(2) الدروس 2: 188.
(3) الوسائل 15: 552، الباب 4 من أبواب الكفارات، ح 1.
(4) الوسائل 15: 553، الباب 5 من أبواب الكفارات، ح 2.
(5) قرب الإسناد: 256، ح 1013.
(6) مسائل علي بن جعفر: 105، ح 6.
(7) النهاية 3: 71، المهذب 2: 424.
(8) الشرائع 3: 77، القواعد 3: 297.
(9) السرائر 3: 79.
428

صحيحة أبي بصير (1) ورواية أبي بصير (2) ورواية أبان بن طلحة المذكورتان في
كتاب الزهد للحسين بن سعيد (3).
الخامسة: كفارة الإيلاء مثل كفارة اليمين، لأن الإيلاء يمين مخصوصة،
فيترتب عليها حكم كفارة اليمين، عملا بالإطلاق.
السادسة: ذهب الشيخ وجماعة (4) من الأصحاب إلى أن كل من وجب عليه
صوم شهرين متتابعين فعجز صام ثمانية عشر يوما، فإن لم يقدر تصدق عن كل
يوم بمد من طعام، فإن لم يستطع استغفر الله تعالى، واستدل على أن من عجز عن
صوم الشهرين يصوم ثمانية عشر يوما برواية أبي بصير وسماعة بن مهران (5).
والرواية مع ضعف سندها مختصة بالكفارة المخيرة.
ولا يبعد القول بالانتقال إلى الصدقة بالممكن عند العجز عن الخصال الثلاث
في الكفارة المخيرة، كما اختاره ابن الجنيد (6) والصدوق في المقنع (7) لصحيحة
عبد الله بن سنان (8). وجمع الشهيد (رحمه الله) بين هذا الخبر وبين ما دل على ثمانية عشر
بالتخيير (9). وخرج العلامة وجوب الإتيان بالممكن من الصوم والصدقة وإن
تجاوز الثمانية عشر (10).
وقولهم: «من عجز عن صوم الثمانية عشر يتصدق عن كل يوم بمد من طعام»
لا أعرف له مستندا.

(1) الوسائل 18: 337، الباب 27 من أبواب مقدمات الحدود، ح 1.
(2) الوسائل 15: 582، الباب 30 من أبواب الكفارات، ح 1.
(3) كتاب الزهد: 43 و 44، ح 116 و 119، وفيه عن أبان عن عبد الله بن طلحة.
(4) التهذيب 4: 205. الشرائع 3: 79، وحكاه عن ابن الجنيد في نهاية المرام 2: 218،
المقنع: 108.
(5) الوسائل 15: 548، الباب 1 من أبواب الكفارات، ح 2.
(6) حكاه عنه في نهاية المرام 2: 218.
(7) المقنع: 108.
(8) الوسائل 7: 28، الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، ح 1.
(9) الدروس 1: 277.
(10) التحرير 1: 80 س 20.
429

وهل المراد بالأيام الثمانية عشر أو الستون؟ فيه وجهان. وعلى القول
بوجوب الصوم الثمانية عشر ففي وجوب التتابع قولان.
ولا أعرف خلافا بينهم في أن الاستغفار كفارة عن العجز عن الخصال في غير
الظهار، والمستند صحيحة أبي بصير (1) ورواية زرارة (2) ورواية داود بن فرقد (3).
وأما في الظهار فقد مر الخلاف فيه. ولو تجددت القدرة على الكفارة بعد الاستغفار
ففي وجوبها وجهان.
السابعة: إذا أراد إعطاء الطفل من الكفارة فإن كانت العطية بتسليم المد
فالمشهور أنه يعتبر تسليمه لوليه، لأن الطفل محجور في أمواله وقبضها إلا بإذن
الولي. وقال الشيخ في الخلاف: يجوز، محتجا بالإجماع وعموم الآية (4).
والأحوط الأول. وإن كانت الكفارة بالإطعام فالأقوى الجواز بدون إذن الولي،
وفي الكسوة تردد.
الثامنة: الظاهر أنه لا تصرف الكفارة إلى من تجب نفقته على الدافع كالأب
والام والأولاد والزوجة والمملوك، لأنهم أغنياء بالدفع، ويجوز الدفع إلى من
سواهم من الأقارب.
التاسعة: إذا وجب عليه كفارة مخيرة كفر بجنس واحد، ولا يجوز التبعيض
والإتمام من الجنس الآخر.
العاشرة: لا أعلم خلافا بين الأصحاب في أنه لا يجزي دفع القيمة في
الكفارة، لاشتغال الذمة بالخصال لا بقيمتها.

(1) عوالي اللآلي 4: 58، ح 206.
(2) الوسائل 15: 554، الباب 6 من أبواب الكفارات، ح 1.
(3) الوسائل 15: 562، الباب 12 من أبواب الكفارات، ح 6.
(4) الخلاف 4: 564، المسألة 68.
430

كتاب اللعان
431

كتاب اللعان
وهو المباهلة بين الزوجين في إزالة حد أو نفي ولد بلفظ مخصوص عند
الحاكم وفيه فصول:
الأول في السبب
وهو أمران:
الأول: قذف الزوجة بالزنا مع ادعاء المشاهدة وعدم البينة على المعروف من
مذهب الأصحاب، ويدل عليه الآية (1) والأخبار المستفيضة (2).
وعن الصدوق في المقنع: أنه لا يكون اللعان إلا لنفي الولد (3). وهو ضعيف.
ويدل على اشتراط عدم البينة الآية، واشترط الفاضلان وغيرهما في ثبوت اللعان
بالقذف دعوى المشاهدة (4). وهو متجه، ويدل عليه حسنة الحلبي (5) وحسنة محمد
ابن مسلم (6). ويظهر من المسالك الميل إلى وقوع اللعان مع دعوى العلم وإن كان
بغير المشاهدة (7). وهو مدفوع بالروايتين.

(1) النور: 6.
(2) الوسائل 15: 593، الباب 4 من أبواب اللعان.
(3) انظر المقنع: 120.
(4) الشرائع 3: 93، المختلف 7: 471.
(5) الوسائل 15: 594، الباب 4 من أبواب اللعان، ح 4.
(6) الوسائل 15: 593، الباب 4 من أبواب اللعان، ح 2.
(7) المسالك 10: 178 - 179.
432

الثاني: إنكار من ولد على فراشه لستة أشهر فصاعدا من زوجة موطوءة
بالعقد الدائم ما لم يتجاوز أقصى الحمل، وكذا لو أنكره بعد فراقها ولم تتزوج، أو
بعد أن تزوجت وولدت لأقل من ستة أشهر منذ دخل الثاني
الفصل الثاني في الشرائط
يعتبر في الملاعن البلوغ والعقل، وفي لعان الكافر قولان، أشبههما الجواز كما
هو قول الأكثر، خلافا لابن الجنيد (1). والأصح جواز لعان المملوك كما هو
المعروف بين الأصحاب، لعموم الأدلة وخصوص صحيحة محمد بن مسلم (2).
ويعتبر في الملاعنة البلوغ والعقل والسلامة من الصمم والخرس في القذف لا
في نفي الولد على الأقرب، لعموم الآية. ولا أعرف خلافا في أنه يعتبر في
الملاعنة أن يكون عقدها دائما في نفي الولد، والمشهور عندهم اشتراط ذلك في
لعان القذف، لروايات منها: صحيحة ابن أبي يعفور (3).
وعن السيد المرتضى الخلاف فيه نظرا إلى عموم الآية (4).
وفي اعتبار الدخول بها في القذف خلاف، والمشهور اشتراط ذلك،
للروايات (5) وذهب ابن إدريس إلى عدم اشتراطه، نظرا إلى عموم الآية (6). وهو
غير بعيد. أما في نفي الولد فلا أعرف خلافا في اشتراط الدخول.
ويثبت بين الحر والمملوكة، لعموم الأدلة وخصوص صحيحة محمد بن مسلم (7)

(1) حكاه عنه في المختلف 7: 455.
(2) الوسائل 15: 596، الباب 5 من أبواب اللعان، ح 3.
(3) الوسائل 15: 605، الباب 10 من أبواب اللعان، ح 1.
(4) الانتصار: 115.
(5) الوسائل 15: 604 و 590، الباب 9 و 2 من أبواب اللعان، ح 2 و 2.
(6) النور: 6.
(7) الوسائل 15: 596، الباب 5 من أبواب اللعان، ح 5.
433

وحسنة جميل بن دراج (1) ومنعه المفيد وسلار (2) ويدل عليه صحيحة عبد الله بن
سنان (3) ويمكن تأويله بما يوافق المشهور، ولابن إدريس (4) قول بالتفصيل.
ويصح لعان الحامل على المشهور، لعموم الآية وخصوص صحيحة الحلبي (5)
ومنعه جماعة (6) منهم: المفيد استنادا إلى رواية ضعيفة (7). والأول أقرب.
الفصل الثالث في الكيفية
والأصل فيها الآية وما رواه الشيخ وابن بابويه عن عبد الرحمن بن الحجاج
في الصحيح قال: «إن عباد البصري سأل أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا حاضر: كيف يلاعن
الرجل المرأة؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إن رجلا من المسلمين أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فقال: يا رسول الله أرأيت لو أن رجلا دخل منزله فوجد مع امرأته رجلا يجامعها
ما كان يصنع؟ قال: فأعرض عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فانصرف الرجل، وكان ذلك
الرجل هو الذي ابتلي بذلك من امرأته، قال: فنزل الوحي من عند الله تعالى
بالحكم فيها، فأرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى ذلك الرجل فدعاه فقال: أنت الذي رأيت
مع امرأتك رجلا؟ فقال: نعم. فقال له: انطلق فأتني بامرأتك، فإن الله عز وجل قد
أنزل الحكم فيك وفيها، فأحضرها زوجها، فأوقفهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال للزوج:
اشهد أربع شهادات بالله إنك لمن الصادقين فيما رميتها به. قال: فشهد. قال: ثم قال
له: اتق الله فإن لعنة الله شديدة. ثم قال: اشهد الخامسة أن لعنة الله عليك إن كنت

(1) الوسائل 15: 596، الباب 5 من أبواب اللعان، ح 2.
(2) المقنعة: 542، المراسم: 164.
(3) الوسائل 15: 605، الباب 10 من أبواب اللعان، ح 2.
(4) الوسائل 15: 607، الباب 13 من أبواب اللعان، ح 1.
(5) السرائر 2: 697 و 698.
(6) المقنعة: 542، المراسم: 164، الكافي في الفقه: 310.
(7) الوسائل 15: 607، الباب 13 من أبواب اللعان، ح 3.
434

من الكاذبين. قال: فشهد به فأمر فنحي. ثم قال للمرأة: اشهدي أربع شهادات بالله
أن زوجك لمن الكاذبين فيما رماك به، قال: فشهدت، ثم قال: لها: امسكي،
فوعظها، ثم قال لها: اتقي الله فإن غضب الله شديد، ثم قال لها: اشهدي الخامسة أن
غضب الله عليك إن كان زوجك لمن الصادقين فيما رماك به. قال: فشهدت، قال:
ففرق بينهما وقال لهما: لا تجتمعا بنكاح أبدا بعدما تلاعنتما (1).
الفصل الرابع في الأحكام
إذا قذف الرجل امرأته تعلق به وجوب الحد كالأجنبي، لكن له طريق إلى
إسقاط الحد عنه باللعان، فإذا لاعن سقط عنه الحد ووجب حينئذ على المرأة
الرجم، لأن لعانه بمنزلة البينة، سواء اعترفت أو أنكرت. وإذا لاعنت المرأة سقط
عنها الرجم وينتفي الولد عن الرجل وتحرم المرأة عليه مؤبدا. وهذه الأحكام لا
خلاف فيها بين الأصحاب، ويدل عليها الآية والأخبار (2).
ولو اعترف بالولد في أثناء اللعان لحق به وتوارثا وعليه الحد. وإذا تلاعن
الزوجان ثم أكذب الملاعن نفسه بعد اللعان لحق به الولد وورثه، ولا يرثه الأب
وترثه الام. وسيجئ الكلام في ذلك في كتاب الميراث إن شاء الله تعالى. وفي
سقوط الحد هنا قولان.
ولو اعترفت المرأة بعد اللعان لم يثبت الحد بمجرد الإقرار، ولو كان الإقرار
أربعا ففي ثبوت الحد قولان. وإذا طلق فادعت الحمل منه فأنكر فإن كان بعد
الدخول لحق به الولد ولم ينتف عنه إلا باللعان، وإن ادعت المرأة الدخول وأنكر
الزوج فقيل: عليه اليمين على عدم الدخول، فإذا حلف ثبت عليه نصف المهر
وانتفى عنه الولد.

(1) التهذيب 8: 184، ح 644، الفقيه 3: 540، ح 4858.
(2) النور: 6، الوسائل 15: 586، الباب 1 من أبواب اللعان.
435

وقال الشيخ: إن أقامت البينة على أنه أرخى سترا وخلا بها لاعنها ثم بانت
عنه وعليه المهر كملا، وإن لم تقم بذلك بينة كان عليه نصف المهر ووجب عليها
مائة سوط بعد أن يحلف بالله ما دخل (1) ويدل على ثبوت اللعان بمجرد الخلوة
وإيجاب المهر كملا صحيحة علي بن جعفر (2). وما ذكره الشيخ من وجوب الحد
على المرأة في الصورة التي ذكره فغير واضح، لترتب الحد على الزنا ولم يثبت
وقوعه منها، والحد يدرء بالشبهة.

(1) النهاية 2: 456.
(2) مسائل علي بن جعفر: 134، ح 132.
436

كتاب العتق
437

كتاب العتق
وفيه مباحث:
الأول
في فضله
اتفق علماء الإسلام على فضيلة العتق، والروايات الدالة عليها من طريق
العامة والخاصة مستفيضة، بل متواترة. فروى الشيخ عن معاوية بن عمار وحفص
ابن البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال في الرجل يعتق المملوك، قال: يعتق الله
بكل عضو منه عضوا من النار (1).
وعن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) قال: قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أعتق مسلما أعتق الله العزيز الجبار بكل عضو منه عضوا
من النار (2).
وعن إبراهيم بن أبي البلاد عن أبيه رفعه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أعتق
مؤمنا أعتق الله العزيز الجبار بكل عضو منه عضوا من النار، فإن كانت انثى أعتق
الله العزيز الجبار بكل عضوين منها عضوا من النار، لأن المرأة نصف الرجل (3).

(1) التهذيب 8: 216، ح 768.
(2) الوسائل 16: 2، الباب 1 من أبواب العتق، ح 2.
(3) الوسائل 16: 5، الباب 3 من أبواب العتق، ح 1، وفيه اختلاف.
438

وإذا أتى على المؤمن سبع سنين استحب عتقه استحبابا مؤكدا، للرواية (1).
ويستحب عتق المؤمن مطلقا، ويكره عتق المسلم المخالف، للرواية (2) ولا
بأس بعتق المستضعف. ومن أعتق من يعجز عن الاكتساب استحب إعانته.
[المبحث] الثاني
الرق يختص بأهل الحرب دون أهل الذمة القائمين بشرائط الذمة. ولو أخلوا
بشرائطها صاروا أهل حرب وجاز تملكهم أيضا. ولا فرق في جواز استرقاق أهل
الحرب بين أن ينصبوا الحرب للمسلمين أو يكونوا تحت قهر الإسلام كالقاطنين
تحت حكم المسلمين من عبدة الأوثان والنيران والكواكب وغيرهم.
ويتحقق دخولهم في الرق بمجرد الاستيلاء عليهم، سواء كان بالقتال أو على
وجه السرقة والاختلاس، وسواء كان المتولي لذلك مسلما أو كافرا.
ويجوز شراؤهم من الغنيمة وإن كان للإمام فيها حق، للترخيص المنقول عنهم
للشيعة. ويستفاد من تخصيص الرخصة بالشيعة انتفاؤها للمخالف لكن لو اشتراها
من الإمامي بعد تملكه فالظاهر أنه يملكها.
ومن أقر على نفسه بالرقية مختارا في صحة من رأيه حكم برقيته. والمراد
بصحة رأيه كونه بالغا عاقلا. وهل يعتبر كونه رشيدا؟ الأقرب لا، لعموم صحيحة
عبد الله بن سنان (3). وقيل: نعم، استنادا إلى حجة ضعيفة. وحيث يقبل إقراره لا
يقبل رجوعه بعد ذلك.
ولو أقام بينة لم تسمع إلا أن يظهر لإقراره تأويلا يدفع التناقض، فيقوى
حينئذ القبول.

(1) الوسائل 16: 36، الباب 33 من أبواب العتق.
(2) انظر الوسائل 16: 19، الباب 17 من أبواب العتق.
(3) الوسائل 16: 33، الباب 29 من أبواب العتق، ح 1.
439

لو اشترى من حربي ولده أو زوجته أو أحدا من ذوي أرحامه جاز وليس
بيعا حقيقيا، بل إنما هو وسيلة إلى توصل المسلم إلى حقه. وإذا بيع في الأسواق ثم
ادعى الحرية لم يقبل إلا ببينة. ويدل عليه معتبرة حمزة بن حمران (1) المعتضدة
بالشهرة.
وقد صرح العلامة وغيره بأنه يكفي في الحكم بالرقية إثبات اليد عليه. ولا
يعتبر البيع والشراء، لأن ظاهر اليد والسلطنة يقتضي الملك إلى أن يثبت ما ينافيه،
وفي الحكم به مطلقا إشكال، وقد مر حكمه في بيع الحيوان.
[المبحث] الثالث
في أسباب إزالة الرق
وهي تكون بأسباب أربعة: المباشرة، والسراية، والملك، والعوارض.
أما المباشرة فالعتق والكتابة والتدبير.
أما العتق فلابد لوقوعه من صيغة تدل عليه، ولا ريب في وقوعه بلفظ التحرير،
كأن يقول: حررتك أو أنت حر. والظاهر أنه لا خلاف فيه بين الأصحاب.
ونقل اتفاقهم أيضا على أنه لا يقع بالكنايات المحتملة له ولغيره وإن
قصده بها، كقوله: فككت رقبتك، أو أنت سائبة، أو لا سبيل لي عليك، ونحو ذلك.
واختلفوا في لفظ الإعتاق كأعتقتك أو أنت معتق، ونشأ الخلاف من الشك في
كونه صريحا فيه، والأقرب وقوعه به، لدلالته عليه بحسب اللغة والعرف والشرع،
ويدل عليه الأخبار الكثيرة المتضمنة لصحة العقد إذا قال السيد لأمته: أعتقتك
وتزوجتك وجعلت عتقك مهرك (2). وصحيحة محمد بن مسلم (3) وصحيحة

(1) الوسائل 13: 31، الباب 5 من أبواب بيع الحيوان، ح 2.
(2) الوسائل 14: 509، الباب 11 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(3) الوسائل 14: 510، الباب 11 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 5.
440

عبد الرحمن بن أبي عبد الله (1). ولو قال لأمته: يا حرة، وقصد العتق ففي تحريرها تردد.
وقطعوا بأنه لا تكفي الإشارة والكتابة مع القدرة على النطق، وتدل عليه
حسنة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) لكن صحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبي
جعفر (عليه السلام) تدل بظاهرها على الاكتفاء في الطلاق والعتق بالكتابة مع الغيبة (3). ومع
العجز يكفي الإشارة المفهمة، لصحيحة الحلبي (4). والكتابة من جملة الإشارة،
بل أقواها.
قالوا: يعتبر النطق بالعربية مع الإمكان، ولا ريب في وقوعه بأي لغة اتفق
عند العجز.
والمعروف من مذهب الأصحاب أن العتق لا يقع معلقا على شرط أو صفة،
وادعى عليه العلامة في المختلف الإجماع. وعن ابن الجنيد وابن البراج تجويز
ذلك وأنه يجوز الرجوع فيه قبل حصولهما كالتدبير.
وفي حكم الشرط والصفة اليمين، إذ لا فرق بين تعليقه على الشرط وجعله
يمينا من حيث الصيغة، وإنما يفترقان بالنية، فإن كان الغرض من التعليق البعث
على الفعل إن كان طاعة أو الزجر عنه إن كان معصية فهو يمين، وإن كان الغرض
مجرد التعليق فهو شرط أو صفة. ولم نقف في مسألة التعليق على نص يقتضي
الصحة أو الفساد سوى صحيحة (5) الحسين بن علوان المذكورة في قرب
الإسناد (6). وما في معناها، وهي أيضا غير دالة على المقصود. وفي اشتراط تعيين
المعتق قولان، والأكثر على العدم، وحيث قلنا بذلك فالمرجع إليه في التعيين،
وقيل: يرجع إلى القرعة.

(1) الوسائل 14: 509، الباب 11 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 4.
(2) الوسائل 15: 291، الباب 14 من أبواب مقدمات الطلاق، ح 2.
(3) الوسائل 15: 291، الباب 14 من أبواب مقدمات الطلاق، ح 3.
(4) الوسائل 16: 50، الباب 44 من أبواب العتق، ح 1.
(5) في المطبوع وخ 2: رواية.
(6) قرب الإسناد: 104، ح 353.
441

المبحث الرابع
يشترط في المعتق جواز التصرف والاختيار والقصد، والمراد بجواز التصرف
أن لا يكون محجورا عليه لصغر أو جنون أو سفه أو فلس، ولا خلاف في ذلك،
ويدل على بطلان عتق المكره حسنة زرارة (1) وفي موثقة الحلبي وغيرها: لا يجوز
عتق السكران (2) وفي حسنة الفضلاء عن أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام): إن
المدله ليس عتقه عتقا (3). والمدله كمعظم الساهي القلب الذاهب العقل من عشق
ونحوه ومن لا يحصل (4) ما فعل وما فعل به. كذا في القاموس.
وفي عتق الصبي إذا بلغ عشرا رواية بالجواز (5) والرواية ضعيفة، وبمضمونها
أفتى جماعة منهم الشيخ.
ويشترط في وقوع العتق القربة، للأخبار. والمراد بالقربة أن يقصد بالعتق
التقرب به إلى الله تعالى أي الطاعة أو طلب الثواب على حد ما يعتبر في سائر العبادات.
وفي وقوع العتق من الكافر أقوال، ثالثها: التفصيل بصحة العتق من الكافر إن كان
كفره بغير جحد الخالق، وبطلانه ممن كان كفره بجحد الخالق، وهو مذهب جماعة
من الأصحاب منهم: العلامة في المختلف، وهو أقرب، لإمكان نية القربة في الأول
دون الثاني.
ويشترط في المعتق الملك وهو المعروف بين الأصحاب لقوله (صلى الله عليه وآله): لا عتق
إلا في ملك (6). ولحسنة منصور بن حازم (7) ولرواية ابن مسكان (8) فلو أعتق غير

(1) الوسائل 15: 331، الباب 37 من أبواب مقدمات الطلاق، ح 1.
(2) الوسائل 15: 330، الباب 36 من أبواب مقدمات الطلاق، ح 4.
(3) الوسائل 15: 327، الباب 34 من أبواب مقدمات الطلاق، ح 2.
(4) كذا في الأصل أيضا، وفي القاموس: لا يحفظ.
(5) الوسائل 16: 57، الباب 56 من أبواب مقدمات الطلاق، ح 1.
(6) الوسائل 16: 7، الباب 5 من أبواب العتق، ح 2.
(7) الوسائل 16: 7، الباب 5 من أبواب العتق، ح 1.
(8) الوسائل 16: 7، الباب 5 من أبواب العتق، ح 4.
442

المالك لم يجز عتقه وإن أجاز المالك.
والمشهور عند الأصحاب اشتراط الإسلام في المعتق، استنادا إلى رواية غير
دالة على دعواهم، وإلى عدم إمكان نية القربة، وهو ممنوع، وإلى رواية سيف بن
عميرة (1) وهي مع ضعفها مختصة بالمشرك، فلا تدل على العموم. والقول بالجواز
للشيخ في كتابي الفروع، وقواه الشهيدان، وهو جيد إذا اريد بعتقه وجه الله كما إذا
قصد بعتقه استجلابه إلى الإسلام ونحو ذلك.
وفي بعض الروايات أن عليا (عليه السلام) أعتق عبدا نصرانيا (2). ومنهم من خص
الجواز بصورة النذر، ولا يخلو عن ضعف. ويصح عتق ولد الزنا، للمقتضي وعدم
المانع، وقيل: لا يصح، بناء على كفره، ولم يثبت.
ولو قال: إن ملكتك فأنت حر، لم ينعتق، لوقوعه من غير المالك. ولو قال: لله
علي إعتاقه إن ملكته، وجب الوفاء، ولا ينعتق بمجرد الملك. ولو قال: لله علي أنه
حر إن ملكته، ففيه وجهان. ولو أعتق مملوك ولده الصغير بعد التقويم والبيع على
المصلحة صح. ولو كان الولد كبيرا رشيدا لم يصح على الأشهر الأقرب، لعموم
الأدلة، خلافا للشيخ في النهاية، استنادا إلى رواية ضعيفة.
المبحث الخامس
في بعض الأحكام المتعلقة بهذا المقام
وفيه مسائل:
الاولى: لو شرط على المعتق شرطا سائغا في نفس العتق لزمه الوفاء به، سواء
كان الشرط خدمة معينة أو مالا، لا أعرف في ذلك خلافا بينهم، والإجماع على
ذلك منقول، ويدل عليه عموم قوله (صلى الله عليه وآله): المؤمنون عند شروطهم (3). وصحيحة

(1) الوسائل 16: 20، الباب 17 من أبواب العتق، ح 5.
(2) الوسائل 16: 20، الباب 17 من أبواب العتق، ح 6.
(3) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور، ح 4.
443

محمد بن مسلم (1) وصحيحة أبي العباس (2) وغيرهما.
وهل يشترط في لزومه قبول المملوك؟ قيل: لا. وقيل: يشترط مطلقا.
وفصل العلامة في القواعد فاشترط قبوله في اشتراط المال دون الخدمة،
واختاره الشيخ فخر الدين، واستدل برواية حريز في الصحيح (3) والراوي للرواية
على ما وجدته أبو جرير، وهو غير موثق. وعدم الاشتراط في الخدمة متجه،
لصحيحة أبي العباس (4). وفي المال تردد.
ولو شرط إعادته في الرق إن خالف ففي صحة العتق والشرط، أو بطلانهما، أو
صحة العتق خاصة أقوال، اختار أولها الشيخ في النهاية، وثانيها الفاضلان في
النكت والمختلف، وثالثها ابن إدريس والشيخ فخر الدين. والقول الأول لا يخلو
عن رجحان، لعموم: المؤمنون عند شروطهم. وخصوص موثقة إسحاق بن عمار
وغيره عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5).
ولو شرط الخدمة زمانا معينا صح. ولو أخل المعتق بالخدمة المشترطة عليه
لم يعد إلى الرق وليس للمشروط له مطالبته بالخدمة في مثل تلك المدة، للأصل
وعدم كون الخدمة مثليا. ويدل على أن الورثة ليس لهم استخدام الجارية المعتقة
المشروطة عليها الخدمة إذا بقت ومات المولى فوجدها الورثة صحيحة يعقوب
ابن شعيب.
وهل للمشروط له الخدمة مطالبته باجرة مثلها؟ قيل: نعم. وقيل: لا. والأول لا
يخلو عن رجحان.
الثانية: لو نذر عتق أول مملوك يملكه صح النذر، ثم إن ملك واحدا وجب

(1) الوسائل 15: 31، الباب 20 من أبواب المهور، ح 6.
(2) الوسائل 16: 14، الباب 10 من أبواب العتق، ح 2.
(3) الوسائل 16: 29، الباب 24 من أبواب العتق، ح 5.
(4) تقدمت في هامش (3).
(5) الوسائل 16: 15، الباب 12 من أبواب العتق، ح 2.
444

عتقه، سواء ملك بعده آخر أو لا على أقرب الوجهين، إذ الأولية عرفا يتحقق بعدم
سبق الغير ولا يتوقف على تحقق شيء بعده.
ولو ملك جماعة ففي صحة النذر وبطلانه قولان: أجودهما الصحة،
للروايات، وهي قول الأكثر. ثم اختلف القائلون بالصحة فذهب جماعة إلى أنه
يعتق أحدهم بالقرعة، استنادا إلى صحيحة الحلبي (1). ويدل عليه أيضا ما رواه
الشيخ عن فضالة عن أبان عن عبد الله بن سليمان (2). وهو مشترك بين جماعة غير
موثقين.
وقال ابن الجنيد: يتخير الناذر مع بقائه وقدرته، وإلا فالقرعة. وهو اختيار
الشيخ في أحد قوليه، والمحقق في النكت، استنادا إلى رواية الحسن الصيقل (3).
وحملوا الرواية الاولى على الأولوية، وهو جمع حسن، لكن صحة الاولى
واعتضادها بغيرها وضعف رواية الحسن يقتضي المصير إلى القول الأول. ولو
تعلق النذر بأول ما يملكه من المماليك فالظاهر وجوب عتق الجميع بغير إشكال.
الثالثة: لو نذر عتق أول ما تلده فولدت توأمين عتقا. ويؤيده بعض الروايات
الضعيفة (4). والفرق بينه وبين السابقة أن «ما» موصولة، فتعم، بخلاف لفظ «مملوك»
في المسألة السابقة، فإنه نكرة في سياق الإثبات. ولو كان المنذور في الأول أول
ما يملكه، وفي الثاني أول مولود يلد انعكس الحكم، وهذا عند إرادة الموصولة لا
ما لا يفيد العموم. وهل يشترط في عتق التوأمين ولادتهما دفعة؟ الأكثر لم
يشترطوا ذلك، وشرطه ابن إدريس فخص الحكم بما إذا ولدتهما دفعة وإن كان
نادرا. وهو غير بعيد.
الرابعة: من أعتق وله مال فالمشهور بناء الحكم على أن العبد هل يصح أن

(1) الوسائل 18: 190، الباب 13 من أبواب كيفية الحكم، ح 15.
(2) التهذيب 8: 225، ح 810.
(3) الوسائل 16: 59، الباب 57 من أبواب العتق، ح 3.
(4) الوسائل 16: 35، الباب 31 من أبواب العتق، ح 1.
445

يملك شيئا حال كونه مملوكا أم لا؟ والأكثر على أنه لا يملك شيئا، عملا بظاهر
الآية. وقيل: يصح أن يملك، عملا بروايات كثيرة دالة عليه (1) وحملها بعضهم على
إباحة تصرفه فيما يأذن له فيه من فاضل الضريبة وغيره، والأقوى أنه يملك
فاضل الضريبة، لصحيحة عمر بن يزيد (2) والمنقول عن القائلين بأنه لا يملك شيئا
أن مال المعتق للمولى مطلقا. وعلى القول بأنه يملك شيئا إما مطلقا أو على بعض
الوجوه فالأكثر على أنه إن علم به المولى ولم يستثنه فهو للعبد، وإلا فهو للمولى.
وتوقف العلامة مع حكمه بعدم ملك العبد. والوجه عندي القول بالتفصيل المذكور،
كما في صحيحة زرارة (3) وموثقة لزرارة لا تقصر عن الصحاح (4) وصحيحة
عبد الرحمن بن أبي عبد الله (5) ورواية لزرارة في طريقها محمد بن حمران المشترك
بين الثقة وغيره (6).
والظاهر أن المولى متى استثنى المال حكم له به، سواء قدم العتق على
الاستثناء أو أخره مع الاتصال، لأن الكلام جملة واحدة لا يتم إلا بآخره، واعتبر
الشيخ تقديم الاستثناء على التحرير، لرواية أبي جرير (7) وأسندها جماعة من
الأصحاب منهم العلامة والشهيد إلى حريز ووصفوها بالصحة والموجود في
التهذيب أبو جرير وهو غير موثق، وقد نبه على ذلك غير واحد من المتأخرين.
ودلالة الرواية على مطلوب الشيخ غير واضحة.
الخامسة: إذا أعتق ثلث عبيده استخرج الثلث بالقرعة. والظاهر أنه موضع

(1) الوسائل 16: 28، الباب 24 من أبواب العتق.
(2) الوسائل 13: 34، الباب 9 من أبواب بيع الحيوان، ح 1.
(3) الوسائل 16: 28، الباب 24 من أبواب العتق، ح 2.
(4) الوسائل 16: 28، الباب 24 من أبواب العتق، ح 1.
(5) الوسائل 16: 29، الباب 24 من أبواب العتق، ح 6.
(6) الوسائل 16: 29، الباب 24 من أبواب العتق، ح 4.
(7) الوسائل 16: 29، الباب 24 من أبواب العتق، ح 5.
446

وفاق بين الأصحاب. ويدل عليه رواية محمد بن مروان (1) ولا يختص الحكم
بالثلث، بل يجري في كل جزء مشاع. وفي حكمه ما لو أوصى بعتق ثلث عبيده أو
أوصى بعتق الجميع ولم يكن له سواهم مال، أو أعتق الجميع في مرض الموت ولم
يكن له سواهم مال وقلنا بأنه يمضي من الثلث كما هو أحد القولين.
وذكر الشهيد (رحمه الله) في الدروس: أن المروي في القرعة عن النبي (صلى الله عليه وآله)
وعلي (عليه السلام) والصادق (عليه السلام) تجزئتهم ثلاثة أجزاء، فحينئذ يقرع بكتابة أسماء العبيد،
فإن اخرج على الحرية كفت الواحدة، وإلا اخرج رقعتين، ويجوز كتابة الحرية في
رقعة والرقية في رقعتين ويخرج على أسمائهم. ولا يخفى أن هذا حكم الثلث،
وفي الربع مثلا نظيره، بأن يجزء العبيد أربعة أجزاء ويخرج نحو ما ذكر، أو يكتب
الحرية في رقعة والرقية في ثلاثة ويخرج على أسمائهم. وفي المسألة وجه ثالث، وهو
أن يكتب ست رقاع في الفرض المذكور بأسماء الستة ويخرج واحدة واحدة على
الرقية أو الحرية إلى أن يستوفي المطلوب، أو يكتب في اثنين حرية وفي أربع
رقية ثم يخرج على واحد واحد إلى أن يستوفيه وهذا الطريق أعدل، لأن جمع
اثنين على حكم واحد يمنع من افتراقهما في الرقية والحرية ومن الممكن خروج
أحدهما رقا والآخر حرا، لكن المشهور بين الفقهاء ما سبق، لوروده في الرواية.
ويمكن الجمع بين الأعدلية المذكورة ومتابعة الرواية بأن يقرع أولا في
استخراج صورة الجمع من الصور المختلفة الممكنة، ثم يقرع على الوجه المذكور
في الرواية، ولعل هذا أحوط.
ثم إن تساوى الأثلاث مثلا عددا وقيمة مع إمكان التعديل أثلاثا فلا خفاء في
المسألة، سواء تساوت قيمة الجميع أو اختلفت كستة قيمة ثلاثة منهم ستمائة، كل
واحد مائتان، وثلاثة ثلاثمائة، كل واحد مائة فيضم الأعلى إلى الأدنى
ويجعلان ثلثا.

(1) الوسائل 13: 464، الباب 75 من أبواب الوصايا، ح 1.
447

ولو اختلف التعديل قيمة وعددا مع إمكان الأمرين ففي ترجيح اعتبار القيمة
أو العدد وجهان، ورجح بعضهم اعتبار القيمة، نظرا إلى أن المقصود الذاتي من
العبيد المالية، ووجه اعتبار العدد موافقته للمروي من فعل النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام)
لاستبعاد تساوي الستة قيمة، ولا يبعد اعتبار العدد فيما لو أعتق الثلث، واعتبار
القيمة فيما لو أوصى بعتق الجميع ولم يكن له مال سواهم.
السادسة: إذا أوصى بعتق عبد فخرج من الثلث لزم الوارث إعتاقه، فإن امتنع
أعتقه الحاكم ويحكم بحريته من حين الإعتاق. وهل له ما اكتسبه من حين الموت
إلى الإعتاق أو للورثة؟ فيه قولان.
المبحث السادس
في السراية
وفيه مسائل:
الاولى: المشهور بين الأصحاب أن من أعتق شقصا من عبده سرى العتق فيه
كله إذا كان صحيحا جائز التصرف، استنادا إلى رواية غياث بن إبراهيم (1) ورواية
طلحة بن زيد (2) وإلى ثبوت السراية على الشريك بالنص الصحيح (3) فيثبت
السراية على ملكه بطريق أولى. والروايتان ضعيفتان، والأولوية ممنوعة، لجواز
أن تكون السراية هناك للإفساد على الشريك كما يعلم من بعض الروايات
الصحيحة (4).
وعن السيد جمال الدين بن طاووس قصر العتق على محله استضعافا لسند
رواية السراية، والتمسك بالأصل، والبعد عن العامة، ويدل على هذا القول ما رواه

(1) الوسائل 16: 63، الباب 64 من أبواب العتق، ح 1.
(2) الوسائل 16: 63، الباب 64 من أبواب العتق، ح 2.
(3) انظر الوسائل 16: 64، الباب 64 من أبواب العتق، ح 7.
(4) الوسائل 16: 64، الباب 64 من أبواب العتق.
448

الشيخ في الصحيح عن هشام بن سالم عن حمزة بن حمران عن أحدهما (عليهما السلام) (1)
وصحيحة عبد الله بن سنان (2) ورواية أبي بصير (3) وهذا القول لا يخلو عن ترجيح.
الثانية: لو كان له شريك ففي المسألة أقوال:
أحدها: إن المعتق يقوم عليه نصيب الشريك إن كان موسرا ويسعى العبد في
فك باقيه إن كان معسرا، وهذا قول المفيد والمرتضى وابن بابويه.
وثانيها: أنه إن قصد الإضرار بالشريك فكه إن كان موسرا وبطل العتق إن كان
معسرا، وإن قصد القربة لم يلزمه فكه ويسعى العبد في حصة الشريك، فإن امتنع
استقر ملك الشريك على حصته. اختاره الشيخ في النهاية والمبسوط.
وثالثها: استسعاء العبد مطلقا من غير تقويم على الشريك وهو قول الحلبي.
ورابعها: أنه إن أعتق وكان غير مضار تخير الشريك بين إلزامه قيمة نصيبه إن
كان موسرا، وبين استسعاء العبد، وهو قول ابن الجنيد، ومنشأ الاختلاف في
المسألة اختلاف الأخبار. والذي وصل إلي منها في الباب أخبار:
الأول: ما رواه الشيخ عن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) في جارية
كانت بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه؟ قال: إن كان موسرا كلف أن يضمن، وإن
كان معسرا خدمت بالحصص (4).
الثاني: ما رواه عن محمد بن قيس في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من
كان شريكا في عبد أو أمة قليل أو كثير فأعتق حصته وله سعة فليشتره من صاحبه
فيعتقه كله، وإن لم يكن له سعة من مال نظر قيمته يوم اعتق منه ما أعتق ثم
يستسعى العبد في حساب ما بقي حتى يعتق. ورواه الكليني في الحسن بأدنى
تفاوت في المتن (5).

(1) الوسائل 16: 64، الباب 64 من أبواب العتق.
(2) الوسائل 16: 64، الباب 64 من أبواب العتق، ح 7.
(3) الوسائل 16: 95، الباب 12 من أبواب المكاتبة، ح 1.
(4) التهذيب 8: 219، ح 785.
(5) الوسائل 16: 21، الباب 18 من أبواب العتق، ح 3.
449

الثالث: ما رواه عن سليمان بن خالد في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
سألته عن المملوك يكون بين شركاء فيعتق أحدهم نصيبه؟ قال: إن ذلك فساد على
أصحابه فلا يستطيعون بيعه ولا مؤاجرته، قال: يقوم قيمة فيجعل على الذي أعتقه
عقوبة، وإنما جعل ذلك لما أفسده (1).
الرابع: ما رواه الكليني في الحسن وابن بابويه في الصحيح عن الحلبي عن
أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل عن رجلين كان بينهما عبد فأعتق أحدهما نصيبه؟ قال:
إن كان مضارا كلف أن يعتق كله، وإلا استسعى العبد في النصف الآخر (2).
الخامس: ما رواه الشيخ وابن بابويه عن محمد بن مسلم في الصحيح قال:
قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل ورث غلاما وله فيه شركاء فأعتق لوجه الله نصيبه؟
فقال: إذا أعتق نصيبه مضارة وهو موسر ضمن للورثة، وإذا أعتق لوجه الله كان
الغلام قد اعتق من حصة من أعتق ويستعملونه على قدر ما اعتق منه له ولهم، فإن
كان نصفه عمل لهم يوما وله يوما، فإن أعتق الشريك مضارا وهو معسر فلا عتق
له، لأنه أراد أن يفسد على القوم ويرجع القوم على حصصهم (3).
السادس: ما رواه الكليني عن الحلبي في الحسن بإبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: سألته عن المملوك بين شركاء فيعتق أحدهم نصيبه؟ قال: إن ذلك فساد على
أصحابه، فلا يستطيعون بيعه ولا مؤاجرته. قال: يقوم قيمة فيجعل على الذي أعتقه
عقوبة، وإنما جعل ذلك عليه لما أفسده (4).
السابع: ما رواه عن محمد بن قيس في الحسن بإبراهيم عن أبي جعفر (عليه السلام)
قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في عبد كان بين رجلين فحرر أحدهما نصيبه وهو
صغير وأمسك الآخر نصفه حتى كبر الذي حرر نصفه؟ قال: يقوم قيمة يوم حرر
الأول وأمر المحرر أن يسعى في نصفه الذي لم يحرر حتى يقضيه. ورواه ابن

(1) الوسائل 16: 23، الباب 18 من أبواب العتق، ح 9.
(2) الكافي 6: 182، ح 2، الفقيه 3: 115، ح 3439.
(3) التهذيب 8: 221، ح 794، الفقيه 3: 115، ح 3440.
(4) الكافي 6: 182، ح 1.
450

بابويه في الحسن أيضا (1).
الثامن: ما رواه عن سماعة - بإسناد لا يبعد أن يعد موثقا - قال: سألته عن
المملوك بين الشركاء فيعتق أحدهم نصيبه؟ فقال: هذا فساد على أصحابه يقوم
قيمة ويضمن الثمن الذي أعتقه، لأنه أفسده على أصحابه (2) ورواه الشيخ عنه
بأدنى تفاوت (3).
التاسع: ما رواه الشيخ عن حريز في الصحيح عمن أخبره عن أبي عبد الله (عليه السلام)
أنه سئل عن رجل أعتق غلاما بينه وبين صاحبه؟ قال: قد أفسد على صاحبه، فإن
كان له مال أعطى نصف المال، وإن لم يكن له مال عومل الغلام، يوم للغلام ويوم
للمولى، ويستخدمه، وكذلك إن كانوا شركاء (4).
العاشر: ما رواه عن علي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن مملوك بين اناس
فأعتق بعضهم نصيبه؟ قال: يقوم بقيمته ثم يستسعى فيما بقي، ليس للباقي أن
يستخدمه ولا يأخذ منه الضريبة. (5)
الحادي عشر: ما رواه عن ابن بكير في الموثق عن الحسن بن زياد قال: قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل أعتق شركا له في غلام مملوك عليه شيء؟ قال: لا (6).
الثاني عشر: ما رواه عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله.
الثالث عشر: ما رواه عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سألت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن قوم ورثوا عبدا جميعا فأعتق بعضهم نصيبه منه هل يؤخذ بما
بقي؟ قال: يؤخذ بما بقي (7).

(1) الفقيه 3: 114، ح 3437.
(2) الوسائل 16: 22، الباب 18 من أبواب العتق، ح 5.
(3) التهذيب 8: 220، ح 789.
(4) التهذيب 8: 221، ح 793.
(5) الوسائل 16: 23، الباب 18 من أبواب العتق، ح 10.
(6) الوسائل 16: 21، الباب 18 من أبواب العتق، ح 8.
(7) الوسائل 16: 22، الباب 18 من أبواب العتق، ذيل الحديث 8.
451

الرابع عشر: ما رواه الكليني عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سألت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن قوم ورثوا عبدا جميعا فأعتق بعضهم نصيبه منه كيف يصنع بالذي
اعتق نصفه، هل يؤخذ بما بقي؟ قال: يؤخذ بما بقي منه بقيمته يوم اعتق (1).
الخامس عشر: ما رواه ابن بابويه عن أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن الرجلين يكون بينهما الأمة فيعتق أحدهما نصفه، فتقول الأمة
للذي لم يعتق نصفه: لا اريد أن تقومني، ذرني كما أنا أخدمك وإنه أراد أن
يستنكح النصف الآخر؟ قال: لا ينبغي له أن يفعل، لأنه لا يكون للمرأة فرجان،
ولا ينبغي له أن يستخدمها، ولكن يقومها ويستسعيها (2). وفي رواية أبي بصير مثله،
إلا أنه قال: وإن كان الذي أعتقها محتاجا فليستسعها (3). ويدل على القول الأول
الخبر الثاني، ولا يدل على الثاني بتمامه شيء من الروايات، ولا على القول الرابع،
ويدل على القول الثالث الخبر السابع والعاشر والخامس عشر.
ويتحصل من الجمع بين هذه الروايات أن المعتق إذا كان موسرا وكان مضارا
بحسب النية أو فعله موجب للضرر وإن لم يكن قاصدا للضرر يقوم عليه نصيب
الشريك، وفي باقي صور المسألة إشكال بحسب تعارض الأخبار وصعوبة الجمع.
وهاهنا إشكال وهو أن نية المضارة تنافي نية القربة المعتبرة في صحة العتق،
فلابد من حمل نية المضارة على وجه لا تنافي نية القربة المعتبرة، وهو ممكن.
واختلف الأصحاب في وقت انعتاق نصيب الشريك مع اجتماع شرائط
السراية، فقال جماعة منهم الشيخان: إنه عند أداء القيمة، استنادا إلى وجهين
اعتباريين لا يخلوان عن ضعف، ولقوله (عليه السلام) في صحيحة محمد بن قيس:
«فليشتره من صاحبه» لعدم اعتبار الشراء الحقيقي إجماعا كما قال في المسالك،
وفيه تأمل.

(1) الكافي 6: 183، ح 6.
(2) الفقيه 3: 114، ح 3438.
(3) الوسائل 16: 24، الباب 18 من أبواب العتق، ح 14.
452

وللشيخ قول آخر في المبسوط هو مراعى بالأداء، فإن أدى تبين العتق من
حينه، وإلا تبين الرق. قيل: وفيه جمع بين الأدلة. وفيه تأمل.
وقال ابن إدريس: ينعتق بالإعتاق أي باللفظ المقتضي لعتق نصيبه استنادا
إلى روايات عامية، وإلى قوله (عليه السلام): إنه أفسد على صاحبه. والإفساد إنما حصل
بالعتق. وفيه تأمل.
وتوقف جماعة من الأصحاب منهم العلامة والشهيد في الشرح. والمسألة
عندي محل تردد، لعدم ظهور الروايات في شيء من الأقوال، لكن القدر المتيقن
حصول الانعتاق بالأداء.
وفرع على الخلاف امور:
منها: ما إذا أعتق اثنان من الشركاء الثلاثة مترتبين، فإن قلنا: ينعتق بالإعتاق
لزم المعتق أولا، وإن قلنا بالأداء ولم يكن الأول أدى قوم عليهما، وإن قلنا
بالمراعاة احتمل تقويمه عليهما أيضا، لأن عتق الثاني صادف ملكا فوقع صحيحا،
فاستويا في الحصة الاخرى وتقويم الأول، لأنه بالأداء تبين انعتاق نصيب
الشريك قبل أن يعتق فوقع عتقه لغوا، هكذا قيل. وفي تفريع التقويم عليهما على
القول بالأداء تأمل، لأنه يقوم على الأول ويضمن بمقتضى الأخبار المتعددة كما
سلف. والأقرب اعتبار القيمة وقت العتق كما ذهب إليه المحقق، لترتب وجوب
الأداء على تعيين القيمة سابقا. وفي غير واحد من الروايات التصريح باستسعاء
العبد في قيمة يوم العتق، والظاهر عدم الفرق.
وظاهر قوله (عليه السلام) في صحيحة الحلبي: كلف أن يضمن (1). وقوله: يقوم قيمة في
صحيحة سليمان بن خالد (2). وقوله (عليه السلام) في صحيحة محمد بن مسلم: ضمن
للورثة (3). وقوله (عليه السلام) في حسنة الحلبي: يقوم قيمة فيجعل على الذي أعتقه عقوبة

(1) الوسائل 16: 22، الباب 18 من أبواب العتق، ح 7.
(2) الوسائل 16: 23، الباب 18 من أبواب العتق، ح 9.
(3) الوسائل 16: 23، الباب 18 من أبواب العتق، ح 12.
453

وإنما جعل ذلك عليه لما أفسده (1). وقريب منه في رواية سماعة. وما يقرب منها
ظاهر فيما ذكرنا.
وقوى في المسالك ترتب القيمة على وقت العتق بالفعل. وفي الدروس أطلق
اعتبار القيمة وقت الأداء بعد اختياره انعتاقه بالأداء.
ويعتبر في اليسار أن يكون مالكا لقدر قيمة نصيب الشريك فاضلا عن قوت
يومه وليلته، وهل يستثنى المسكن والخادم؟ ظاهر عبارة المحقق العدم، وقوى
الشهيدان الاستثناء كما في الدين، وهو غير بعيد، لظاهر اليسار والسعة،
وقوله (عليه السلام): «له مال».
ولو كان على المعتق دين مثل ما يملكه وأكثر فالمشهور أنه لا يمنع السراية،
لأنه مالك لما في يده نافذ التصرف وإن كان عليه دين. وقيل: يمنع، لعدم صدق
اليسار والسعة عرفا. والمسألة محل تردد، وترجيح الأخير غير بعيد.
ولو ورث شقصا ممن ينعتق عليه انعتق ذلك الشقص قطعا، وهل يسري العتق
إلى حصة الشريك؟ قال في الخلاف: نعم، استنادا إلى إجماع الأصحاب
وأخبارهم، ولم يثبت ذلك عندي، وقال في المبسوط: لا. وإليه ذهب الأكثر وهو
أظهر، للأصل وقصر الحكم بالسراية على مورد النص.
المبحث السابع
في الانعتاق الحاصل بالملك
لا يملك أحد أحد اصوله وإن علوا وأحد فروعه وإن نزلوا ذكرا أو انثى، وإذا
ملكه انعتق عليه، ويزيد الرجل أنه ينعتق عليه ذوات الرحم من النساء المحرمات
كالخالة والعمة والاخت وبنتها وبنت الأخ، ولا ينعتق على المرأة سوى العمودين،
وهذه الأحكام متفق عليها منصوصة في روايات كثيرة (2).

(1) الوسائل 16: 21، الباب 18 من أبواب العتق، ح 1.
(2) الوسائل 16: 13 و 15، الباب 9 و 13 من أبواب العتق.
454

ويكره لها تملك الأقارب، وتتأكد الكراهية في الوارث، لورود النهي والحمل
على الكراهية جمعا. وهل ينعتق عليه بالرضاع من ينعتق بالنسب؟ الأقوى ذلك،
للروايات الكثيرة الدالة عليه (1). وما يدل على خلافه لا يصلح للمعارضة.
وإذا ملك أحد الزوجين صاحبه بطل النكاح بلا خلاف فيه، ويدل على
البطلان بملك الزوج روايات (2). وعلى البطلان بملك الزوجة قوله تعالى: (إلا
على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) (3) والتفصيل قاطع للشركة. وفي سريان عتق
الحامل إلى الحمل قولان، أحدهما: العدم، لانفصاله عنها، وإنما ينعتق الحمل مع
تناول الصيغة له إذا صدرت مع القصد إليه. وذهب الشيخ وجماعة من الأصحاب
إلى السريان، استنادا إلى روايات ضعيفة (4).
المبحث الثامن
في الانعتاق الحاصل بالعوارض
فمنها: العمى، ولا أعرف خلافا في أن العمى يوجب انعتاق المملوك، ويدل
عليه حسنة حماد بن عثمان (5) ورواية الجعفي (6) وصحيحة حماد بن عثمان
المنقولة في المحاسن (7) وغيرها.
ومنها: الجذام على المعروف بينهم، استنادا إلى رواية السكوني (8). والرواية
ضعيفة، ولا يبعد القول به، لكون الخبر معمولا به وإن كان ضعيفا، وألحق ابن حمزة
البرص بالجذام. وفي المسالك: نحن في عويل من إثبات حكم الجذام لضعف
المستند إن لم يكن إجماع، فكيف تلحق به البرص، وأما الانعتاق بالإقعاد فلم

(1) الوسائل 16: 11، الباب 8 من أبواب العتق.
(2) الوسائل 16: 13، الباب 9 من أبواب العتق.
(3) المؤمنون: 6.
(4) الوسائل 16: 67، الباب 69 من أبواب العتق.
(5) الوسائل 16: 27، الباب 23 من أبواب العتق، ح 1.
(6) الوسائل 16: 27، الباب 23 من أبواب العتق، ح 6.
(7) المحاسن: 625، ح 84.
(8) الوسائل 16: 27، الباب 23 من أبواب العتق، ح 2.
455

أقف على مستند له، وأسنده المحقق إلى الأصحاب مؤذنا بتوقفه فيه. وهو في محله.
ومنها: التنكيل، والمعروف من مذهب الأصحاب أنه يوجب الانعتاق، خلافا
لابن إدريس، والأقرب الأول، لصحيحة أبي بصير المنقولة في الفقيه (1) ومرسلة
جعفر بن محبوب (2) وغيرهما، والظاهر أنه يتحقق التنكيل بقطع اللسان والأنف
والاذنين أو جب المملوك أو غير ذلك من الامور الفظيعة، ويعلم من ذلك أن
المماليك الخصيان ينعتقون على مواليهم إذا فعلوا ذلك بهم. ولو لم يعلم كون
الفاعل مولى العبد حكم ببقائه على الملك، لعدم ثبوت السبب المقتضي للعتق.
والأصحاب لم يفصلوا المراد، بل اقتصروا على تعليق الحكم على مجرد الاسم.
وفي المسالك: قد يحصل الاشتباه في بعض العقوبات كقلع العين الواحدة
والاذن الواحدة ونحو ذلك، والواجب الرجوع في موضع الاشتباه إلى حكم
الأصل وهو استصحاب حكم الرق. والظاهر أن قلع العين الواحدة تنكيل، وفي
استصحاب حكم الرق في موضع الاشتباه تأمل.
ومن العوارض الموجبة للانعتاق إسلام العبد في دار الحرب سابقا على مولاه
عند بعض الأصحاب، وعند بعضهم يشترط في الانعتاق خروجه قبل المولى إلى
دار الإسلام.
ومنها: أن الميت إذا لم يكن له وارث سوى المملوك يجب على الحاكم
الشرعي ومع فقده فعلى غيره كفاية شراؤه من التركة ولو قهرا على مولاه وعتقه،
ويرث باقي التركة أبا كان الرق للميت أو ولده أو غيرهما، وهذا مذهب
الأصحاب. وقد ورد به روايات كثيرة كصحيحة عبد الله بن سنان (3) وحسنة جميل
ابن دراج (4). وسيجئ تتمة الكلام في ذلك في كتاب الميراث إن شاء الله تعالى.

(1) الفقيه 3: 142، ح 3518.
(2) الوسائل 16: 26، الباب 22 من أبواب العتق، ح 1.
(3) الوسائل 17: 404، الباب 20 من أبواب الإرث، ح 2.
(4) الوسائل 17: 405، الباب 20 من أبواب الإرث، ح 4.
456

كتاب
التدبير والمكاتبة
والاستيلاد
457

كتاب
التدبير والمكاتبة والاستيلاد
وفيه مباحث:
الأول
في التدبير
وفيه مطالب:
الأول:
التدبير: عتق المملوك بعد وفاة المولى. ولا أعرف خلافا بين علماء الإسلام
في صحة تعليق عتق المملوك على وفاة مولاه.
وألحق به الشيخ في النهاية تعليقه بوفاة من جعل له خدمته، وتبعه على ذلك
جماعة.
وألحق العلامة تعليقه بوفاة زوج المملوكة، وربما ظهر من بعض عباراتهم
جواز تعليقه بوفاة غير المولى مطلقا.
وبالغ ابن إدريس في إنكار هذا الحكم أصلا، ويدل على قول الشيخ في
458

النهاية صحيحة بن شعيب (1) وعلى الإلحاق الذي ذكره العلامة صحيحة محمد بن
مسلم (2). والعمل بالصحيحتين متجه، والتعدي إلى غير المنصوص ضعيف.
الثاني:
لا ريب في تحقق التدبير بأي لفظ يكون صريحا في معناه كقوله: «أنت حر
بعد وفاتي، أو إذا مت فأنت حر أو عتيق أو معتق» وكذا لو قال: «أعتقتك أو
حررتك بعد موتي» ولا عبرة باختلاف أدوات الشرط وكذا اختلاف الألفاظ التي
يعبر بها عن المدبر.
وفي المسالك: إن المعتبر في هذا الإيقاع التلفظ به بلفظ صريح في معناه
كغيره، فلا يقع بالكناية عندنا وإن قصده، وفيه إشعار بالاتفاق.
والمشهور أنه كما يصح تعليق العتق بالموت مطلقا من غير تقييد يصح مقيدا
بشرط أو شروط مثل أن يقول: «إن قتلت أو مت حتف أنفي، أو مت في سفري هذا
أو مرضي هذا أو في هذا الشهر أو السنة أو البلد فأنت حر» فإن مات على الصفة
المذكورة عتق، وإلا فلا.
وألحق الشيخ في المبسوط التدبير المقيد بالمعلق على الشرط، فحكم
ببطلانهما، نظرا إلى اشتراكهما في التعليق.
واختلف الأصحاب في قوله: أنت مدبر أو دبرتك. مقتصرا عليه هل هو
صريح يقع به التدبير ويحكم به بمجرد سماع الصيغة وإن لم يخبر بالقصد أو كناية
ويحكم به عند الإخبار بالقصد، أو لا يقع به مطلقا؟ فيه أقوال. ولعل الأول أقرب،
كما ذهب إليه الشيخ في المبسوط، والعلامة، لأن التدبير ظاهر في معناه مشهور
عند كل أحد كالبيع وأمثاله، حتى أن التدبير كان معروفا في الجاهلية وقرره
الشرع. والثاني اختيار ابن الجنيد وابن البراج. والثالث قول الشيخ في الخلاف

(1) الوسائل 16: 81، الباب 11 من أبواب التدبير، ح 1.
(2) الوسائل 16: 81، الباب 11 من أبواب التدبير، ح 2 (وفيه: محمد بن حكيم).
459

والمحقق. ولابد من النية والقصد، لأن غير القاصد لا حكم لعبارته.
والمعروف بين الأصحاب اشتراط تجريد التدبير عن الشرط والصفة، فلو
قال: «إن قدم المسافر، أو إذا أهل شهر رمضان - مثلا - فأنت حر بعد وفاتي» لم
ينعقد. وكذا لو قال: بعد وفاتي بسنة أو شهر. وكذا لو قال: إن أديت إلي أو إلى
ولدي كذا فأنت حر بعد وفاتي. لم يكن تدبيرا. وقد صرح بجوازه معلقا على
الشرط والصفة ابن الجنيد، سواء تقدم على الموت أو تأخر.
وفي المختلف أنكر ذلك وادعى الإجماع على بطلان العتق المعلق بالشرط.
ولمنع ثبوت الإجماع طريق، والدليل على ما ذكره غير واضح.
ويعتبر في المدبر البلوغ والعقل والاختيار وجواز التصرف، فلا يقع التدبير
من الصبي وإن كان مميزا، وجوزه بعضهم إذا كان الصبي مميزا له عشر سنين.
ولا يصح من المجنون ولا من السكران ولا من المخرج وهو الملجأ إلى التدبير،
ولا من السفيه. وفي اشتراط القربة تردد: ينشأ من أن التدبير وصية بالعتق، أو
عتق بشرط.
الثالث في بعض الأحكام
وفيه مسائل:
الاولى: لا أعرف خلافا في أن المدبر باق على ملك المولى، فله التصرف فيه
بالاستخدام والبيع وغيرهما، لصحيحة محمد بن مسلم (1) ورواية يونس (2) ويدل
على جواز بيعه إذا احتاج إلى ثمنه موثقة إسحاق بن عمار (3) وصحيحة جميل (4)
وغيرهما. والمعارض الدال على المنع محمول على الاستحباب. وإن كان أمة

(1) الوسائل 16: 71، الباب 1 من أبواب التدبير، ح 1.
(2) الوسائل 16: 71، الباب 1 من أبواب التدبير، ح 2.
(3) الوسائل 16: 72، الباب 1 من أبواب التدبير، ح 4.
(4) الوسائل 16: 72، الباب 1 من أبواب التدبير، ح 5.
460

فللمولى وطؤها، ويدل عليه صحيحة أبي مريم (1).
ثم إن حملت المدبرة اجتمع لها سببان للعتق بعد موت المولى: التدبير،
والاستيلاد. فإذا مات والولد حي عتقت من الثلث بالتدبير، ومع عدم الوفاء روعي
في الباقي حكم الاستيلاد.
الثانية: إذا حملت المدبرة بعد التدبير بولد يدخل في ملك المولى وأتبعها في
التدبير، للأخبار الكثيرة الدالة على ذلك (2). وفي كتاب قرب الإسناد وكتاب علي
ابن جعفر ما يعارضه (3).
ولا فرق بين أن يكون من عقد أو شبهة أو زنا عندهم، وفي الأخير إشكال
عند العلم. وكذا الكلام في ولد المدبر بعد التدبير إذا كانوا مملوكين لمولاه، ويدل
عليه صحيحة بريد بن معاوية (4) وللمولى أن يرجع في تدبير الأب أو الام، للأخبار
الكثيرة الدالة على ذلك (5) وهل له حينئذ الرجوع في تدبير الأولاد، أو له الرجوع
في تدبيرهم منفردين؟ اختلف الأصحاب في ذلك، والأكثر على عدم جواز
الرجوع. وادعى الشيخ في الخلاف الإجماع عليه. وذهب ابن إدريس والعلامة
والشهيد وأكثر المتأخرين إلى جواز الرجوع.
حجة الأول صحيحة أبان بن تغلب، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل دبر
مملوكته ثم زوجها من رجل فولدت منه أولادا ثم مات زوجها وترك أولاده
منها؟ قال: أولاده منها كهيئتها فإذا مات الذي دبر امهم فهم أحرار. فقلت له:
أيجوز للذي دبر امهم أن يرد في تدبيره إذا احتاج؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن
ماتت امهم بعد ما مات الزوج وبقى أولادها من الزوج الحر، أيجوز لسيدها أن

(1) الوسائل 16: 74، الباب 3 من أبواب التدبير، ح 1.
(2) الوسائل 16: 75، الباب 5 من أبواب التدبير.
(3) قرب الإسناد: 134، ح 470، ولم نعثر عليه في كتاب علي بن جعفر.
(4) الوسائل 16: 77، الباب 6 من أبواب التدبير، ح 1.
(5) الوسائل 16: 78، الباب 7 من أبواب التدبير.
461

يبيع أولادها وأن يرجع عليهم في التدبير؟ قال: لا. إنما كان له أن يرجع في تدبير
امهم إذا احتاج، ورضيت هي بذلك (1).
وليس العموم في قوله (عليه السلام): «أولاده منها كهيئتها.» مقصودا، إذ قيد كون
الأولاد أحرارا إذا كان الزوج حرا، وقد يكون الولد حرا إذا أعتقه مولاه، إلى غير
ذلك. فالمقصود أن الأولاد كهيئتها إذا لم يكن لحريتهم سبب آخر، وحيث سأل
السائل في آخر الكلام سؤالا فرض فيه كون الولد من الزوج الحر وقد ثبت أن ولد
الحر حر، فالجواب بمنع جواز بيعهم لا يقتضي عدم جواز الرجوع في تدبير الولد
مطلقا، إذ يجوز أن يكون عدم صحة بيعهم بسبب كونهم أحرارا بسبب أبيهم،
فليس في الخبر دلالة ظاهرة على مقصودهم.
وحينئذ لا يبعد ترجيح القول الثاني، استنادا إلى قوله (عليه السلام) في هذا الخبر
وغيره: «إن أولادها كهيئتها».
ولو دبر الحبلى لم يسر إلى ولدها عند الأكثر، لعدم تعلق التدبير به، فيبقى على
الرق ويؤيده رواية عثمان بن عيسى (2). ولا يبعد أن يعد موثقا.
وذهب جماعة من الأصحاب منهم الشيخ إلى أن الولد تابع إذا علم به المولى،
وإلا فلا، استنادا إلى حسنة الحسن بن علي الوشاء (3). والمسألة محل تردد،
للتعارض بين الروايتين. ولا يبعد ترجيح حسنة الحسن وأن يقال: إنها لا تقصر
عن الصحاح. ويؤيده رواية أبي جميلة المذكورة في قرب الإسناد (4). وفي المسألة
قول آخر بسراية التدبير إلى الولد مطلقا، وهو ضعيف.
الثالثة: اختلف الأصحاب في أن التدبير هل هو وصية أو عتق معلق على
شرط، أو إيقاع مستقل لكنه بمنزلة الوصية في الأحكام من نفوذه من الثلث وجواز

(1) الوسائل 16: 78، الباب 7 من أبواب التدبير، ح 1.
(2) الوسائل 16: 75، الباب 5 من أبواب التدبير، ح 2.
(3) الوسائل 16: 76، الباب 5 من أبواب التدبير، ح 3.
(4) لم نعثر عليه.
462

الرجوع فيه؟ ففيه أقوال ثلاثة، ولا يبعد ترجيح الأخير كما ذهب إليه الشيخ
والفاضلان في النهاية والشرائع والقواعد.
ثم لا خلاف في أن للمولى الرجوع في تدبير مملوكه متى شاء. ويدل عليه
روايات كثيرة كصحيحة محمد بن مسلم (1) وحسنة معاوية بن عمار (2) وموثقة
زرارة (3) وغيرها.
والرجوع قد يكون بالقول، كقوله: «رجعت في هذا التدبير أو أبطلته أو
نقضته» وما أشبه ذلك. وقد يكون بالفعل كأن يهب المدبر أو يعتقه أو يبيعه، لدلالة
ذلك كله على الرجوع على القول الأصح. ويدل على جواز بيعه مطلقا حسنة
الوشاء (4) وصحيحة محمد بن مسلم (5) وموثقة إسحاق بن عمار (6) وغيرها. وذهب
الصدوق إلى أنه لا يجوز بيع المدبر إلا أن يشترط على الذي يبيعه إياه أن يعتقه
عند موته، استنادا إلى رواية محمد عن أحدهما (عليهما السلام) (7) والحمل على الكراهة
طريق الجمع.
وذهب المفيد (رحمه الله) إلى أنه يجوز بيعه بعد التدبير، لكن متى مات البائع صار
حرا لا سبيل للذي ابتاعه عليه. وهو ضعيف.
وذهب الشيخ في النهاية إلى أنه لا يجوز بيعه قبل نقض تدبيره، إلا أن يعلم
المشتري أن البيع للخدمة، وأنه متى مات المولى كان المدبر حرا لا سبيل
للمشتري عليه. ويفهم من بعضهم أن في المسألة قولا بأن التدبير لا يبطل بالبيع

(1) الوسائل 16: 73، الباب 2 من أبواب التدبير، ح 4.
(2) الوسائل 16: 73، الباب 2 من أبواب التدبير، ح 1.
(3) الوسائل 16: 73، الباب 2 من أبواب التدبير، ح 2.
(4) الوسائل 16: 71، الباب 1 من أبواب التدبير، ح 3.
(5) الوسائل 16: 71، الباب 1 من أبواب التدبير، ح 1.
(6) الوسائل 16: 72، الباب 2 من أبواب التدبير، ح 4.
(7) الوسائل 16: 72، الباب 2 من أبواب التدبير، ح 6.
463

ويمضي البيع في خدمته، ومقتضى ذلك انصراف البيع الواقع على الرقبة إلى
الخدمة، وهو بعيد.
الرابعة: المدبر ينعتق بموت مولاه من ثلث مال المولى، فإن خرج منه، وإلا
تحرر من المدبر بقدر الثلث، ولو لم يكن سواه عتق ثلثه، لأخبار كثيرة دالة على
أنه يعتق من الثلث (1) مضافا إلى ما يدل على أن التدبير بمنزلة الوصية (2) وعلى هذا
لو دبر جماعة عتقوا إن خرجوا من الثلث، وإلا بدئ بالأول فالأول إلى أن
يستوفى الثلث. ولو جهل الترتيب استخرجوا بالقرعة.
والدين مقدم على التدبير، سواء كان متقدما على التدبير أو متأخرا على
الأشهر الأقرب، لكونه بمنزلة الوصية، وإنما يتحقق نفوذها من الثلث بعد أداء
الدين مطلقا. وما يصرف في الدين غير محسوب على الوارث، فلو كان على
الميت دين يستوعب التركة بطل التدبير وبيع المدبرون فيه، وإلا بقدر الدين
ويحرر ثلث الباقي.
وعن الشيخ في النهاية القول بتقدم التدبير على الدين مع تقدمه عليه، استنادا
إلى صحيحة علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن بيع المدبر؟ فقال: إذا
أذن في ذلك فلا بأس، وإن كان على مولى العبد دين فدبره فرارا من الدين
فلا تدبير له، وإن كان دبره في صحة وسلامة فلا سبيل للديان عليه، ويمضي
تدبيره (3) وفي معناه موثقة أبي بصير (4) ويمكن حملهما على حال حياة المولى
جمعا بين الأدلة.
الخامسة: لو دبر بعض عبده لم يسر على الباقي على الأشهر الأقرب، للأصل
وعدم شمول دليل السريان له، وللمرتضى (رحمه الله) قول بالسراية. ولو دبر بعض

(1) الوسائل 13: 389، الباب 19 من أبواب الوصايا.
(2) الوسائل 13: 389، الباب 19 من أبواب الوصايا، ح 3 و 4.
(3) الوسائل 16: 79، الباب 9 من أبواب التدبير، ح 1.
(4) الوسائل 16: 79، الباب 9 من أبواب التدبير، ح 2.
464

المملوك المشترك لم يسر على الشريك ولم يقوم عليه نصيبه، لما ذكرنا.
السادسة: لا أعلم خلافا في أن التدبير يبطل بإباق المدبر. ولو ولد له في حال
إباقه كان أولاده رقا. وادعى الشيخ في الخلاف الإجماع على ذلك. ويدل عليه
رواية محمد بن مسلم (1) - وفي إسنادها في رواية الكافي قصور، لكن رواها
الصدوق بإسناده عن محمد بن مسلم (2) والظاهر إلحاقها بالصحاح - ورواية العلاء
ابن رزين (3) وسلامة الروايتين عن المعارض واعتضادهما بعمل الأصحاب
ودعوى الإجماع يقتضي العمل بهما. وأولاده قبل الإباق على التدبير. ولو جعل
خدمته لغيره حياة المخدوم ثم قال: هو حر بعد وفاة ذلك الغير. لم يبطل تدبيره
بإباقه، لصحيحة يعقوب بن شعيب (4).
السابعة: ما يكتسبه المدبر المعلق عتقه على موت المولى لمولاه، لأنه رق.
ولو اختلف المدبر والوارث في ما في يده بعد موت المولى فقال المدبر: اكتسبته
بعد الوفاة. فالقول قوله مع يمينه، والبينة بينة الوارث، وإذا استفاد مالا بعد موت
مولاه، فإن خرج المدبر من الثلث كان الكل له، وإلا كان له من الكسب بقدر ما
يتحرر منه، والباقي للورثة.
المبحث الثاني
في المكاتبة
وفيه فصول:
الأول:
أجمع العلماء كافة على أن الكتابة مشروعة. ويدل عليه قوله تعالى: (والذين

(1) الوسائل 16: 80، الباب 10 من أبواب التدبير، ح 1.
(2) الفقيه 3: 146، ح 3537.
(3) الوسائل 16: 81، الباب 10 من أبواب التدبير، ح 2.
(4) الوسائل 16: 81، الباب 11 من أبواب التدبير، ح 1.
465

يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) (1) قال في
الكشاف: الكتاب والمكاتبة كالعتاب والمعاتبة هو أن يقول الرجل لمملوكه:
كاتبتك على ألف درهم، فإن أداها عتق، ومعناه: كتبت لك على نفسي أن تعتق إذا
وفيت المال وكتبت لي على نفسك أو كتبت عليك الوفاء بالمال وكتبت علي العتق.
والمنقول عن علمائنا الإجماع على أن الأمر في الآية الشريفة للاستحباب،
وهو قول أكثر العامة. وقال جماعة من العامة بالوجوب إذا طلبه العبد وعلم فيه
الخير. وفسر الخير في صحيحة الحلبي بالدين والمال (2) وفي صحيحة اخرى
للحلبي بالمال (3) وفي صحيحة محمد بن مسلم: الخير أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن
محمدا رسول الله أو يكون بيده مال يكتسبه أو يكون له حرفة (4) ويستفاد منها أن
الخير الإسلام ووجود المال وإمكان الاكتساب. والمشهور تأكد الاستحباب
بسؤال المملوك مع الأمرين.
وفي النافع: ويتأكد بسؤال المملوك ولو كان عاجزا. وهو مدفوع بالروايات،
لكن لا يبعد الاكتفاء بالمال مع السؤال، لصحيحة الحلبي (5) ويمكن قصر
الاستحباب على الصورة المذكورة والحكم بالإباحة فيما عداها.
الثاني:
المشهور أن المكاتبة معاملة مستقلة ثابتة بالكتاب والسنة. وعن بعض
الأصحاب أنه جعلها بيعا للعبد من نفسه. وعن بعض آخر أنه جعلها عتقا بعوض.
وهما ضعيفان.

(1) النور: 33.
(2) الوسائل 16: 83، الباب 1 من أبواب المكاتبة، ح 1.
(3) الوسائل 16: 83، الباب 1 من أبواب المكاتبة، ح 3.
(4) الوسائل 16: 84، الباب 1 من أبواب المكاتبة، ح 5.
(5) الوسائل 16: 83، الباب 1 من أبواب المكاتبة، ح 3.
466

والأقرب أنه يكفي في عقد المكاتبة أن يقول: كاتبتك، مع تعيين الأجل
والعوض، لأن الكتابة من الألفاظ الموضوعة لهذا المعنى شرعا وعرفا، فينصرف
اللفظ إليه عند الإطلاق فتصح لكن بشرط علم المتعاقدين بمدلوله. وقال الشيخ
في الخلاف وابن إدريس: إنه يضيف إلى ذلك قوله: فإذا أديت فأنت حر.
ويعتبر في المالك جواز التصرف والاختيار. والأشهر الأقرب عدم اعتبار
الإسلام. وفي اعتبار التكليف في المملوك قولان، والمشهور ذلك. ونقل
الشهيد (رحمه الله) الإجماع عليه. وفي اعتبار الإسلام فيه قولان.
والمشهور أنه يعتبر في العوض أن يكون دينا، فلو كاتبه على عين بطل.
واستوجه بعضهم على القول بأن المملوك يملك مطلقا أو على بعض الوجوه عدم
اعتبار هذا الشرط. والأكثر على اشتراط كونه مؤجلا، وجوز الشيخ في الخلاف
وابن إدريس أن يكون حالا. ويشترط أن يكون معلوم القدر والوصف فلا تصح
مع جهالة العوض. والمعتبر من الوصف ما يرتفع به الجهالة. وأن يكون مما يملكه
المولى، فلو كاتب المسلم عبده على خمر أو خنزير بطل، ويندرج فيما يملكه
المولى الأعيان والمنافع حتى منفعة المكاتب مدة معينة. ولو كانت منفصلة عن
العقد صح عند الأكثر خلافا للشيخ.
الثالث:
مذهب الأصحاب أن الكتابة قسمان: مطلقة ومشروطة، والمطلقة هي التي
يقتصر فيها على العقد المشتمل على ذكر الأجل والعوض. والمشروطة هي العقد
المشتمل على ذلك مع زيادة اشتراط العود في الرق مع العجز. والمستند في ذلك
الروايات الواردة عنهم (عليهم السلام) كصحيحتي محمد بن مسلم (1) وصحيحة معاوية بن
وهب (2) وصحيحات الحلبي (3) وغيرها.

(1) الوسائل 16: 85، الباب 4 من أبواب المكاتبة، ح 2.
(2) الوسائل 16: 85، الباب 4 من أبواب المكاتبة، ح 1.
(3) الوسائل 16: 85 و 86، الباب 4 من أبواب المكاتبة، ح 3 و 5 و 6.
467

ويشترك القسمان في أكثر الأحكام ويفترقان في أن المكاتب في المطلقة
ينعتق منه بقدر ما يؤدي من مال الكتابة، وفي المشروطة لا ينعتق منه شيء حتى
يؤدي الجميع.
فلو عجز عن مال الكتابة أو بعضه جاز للمولى الفسخ، سواء كانت الكتابة
مطلقة أو مشروطة، لكن في المشروطة يرجع رقا بالعجز عن شيء من مال
الكتابة، وفي المطلقة ينعتق منه بقدر ما أدى ويعود الباقي رقا بعد فسخ الكتابة.
واختلف الأصحاب في حد العجز، فذهب جماعة من الأصحاب منهم أكثر
المتأخرين إلى أن حده تأخير النجم، سواء بلغ التأخير نجما آخر أم لا، وسواء
عجز عن الأداء أو مطل به مع قدرته عليه.
وقال الشيخ في النهاية: حد العجز في المكاتب المشروط أن يؤخر نجما إلى
نجم، أو يعلم من حاله أنه لا يقدر على فك رقبته. وتبعه جماعة منهم: ابن البراج.
والأول أقرب، لصحيحتي معاوية بن وهب (1) وما يمكن أن يستند إليه للقول
الثاني لا يصلح للاستناد.
والكتابة لا تنفسخ بمجرد العجز عن الأداء مطلقا، بل يتسلط المولى بذلك
على الفسخ، فإن فسخ رجع في المشروطة رقا، وفي المطلقة بقدر الباقي، وإن لم
يفسخ المولى تثبت الكتابة بحالها ويثبت له الاختيار بين الفسخ والصبر إلى
التمكن، والثاني أفضل، للأمر بذلك في أخبار متعددة.
الرابع في بعض الأحكام المتعلقة بهذا المقام:
وفيه مسائل:
الاولى: كل ما يشترط المولى على المكاتب لازم ما لم يخالف المشروع،
لعموم قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (2) وخبر: المؤمنون عند شروطهم. ومخالفة
الشرع مثل أن يشترط المولى وطء الأمة المكاتبة أو أمة المكاتب.

(1) الوسائل 16: 88 و 89، الباب 5 من أبواب المكاتبة، ح 1 و 2.
(2) المائدة: 1.
468

الثانية: الأشهر بين الأصحاب أن المكاتبة عقد لازم من الطرفين، ولعله
الأقرب، للآية والخبر.
وقال الشيخ في الخلاف: إنها لازمة من طرف السيد جائزة من طرف
العبد مطلقا، مدعيا عليه إجماع الفرقة، وادعى العلامة في التحرير الإجماع على
لزوم المطلقة.
وذهب الشيخ في المبسوط وابن إدريس إلى لزوم المطلقة من الطرفين،
والمشروطة من طرف المولى. وذهب ابن حمزة إلى جواز المشروطة من الطرفين
والمطلقة من طرف المكاتب خاصة.
ولو اتفقا على التقايل صح. ويجوز للمولى أن يبرئه من مال الكتابة، والظاهر
أنه ينعتق بالإبراء كما قطعوا به. والظاهر أنه لا تبطل بموت المولى وللوارث
المطالبة بالمال، وينعتق بالأداء إلى الوارث.
الثالثة: لو دفع المكاتب ما عليه قبل الأجل لم يجب على المولى القبول على
الأشهر الأقرب، للأصل ورواية إسحاق بن عمار (1) وابن الجنيد أوجب على
المولى القبول في موضع خاص. وفيه ضعف. وصحيحة الحلبي (2) منبئة عن الجواز
أو الاستحباب.
ويجوز الدفع إلى المكاتب من سهم الرقاب بلا فرق بين المطلق والمشروط،
قالوا: ولو عجز المطلق كان على الإمام أن يفكه من سهم الرقاب، ولعل مستنده
مرسلة أبي إسحاق (3) وفيه ضعف سندا ودلالة.
الرابعة: إذا مات المكاتب قبل أداء جميع ما عليه بطلت الكتابة، لأن
موضوعها الرقبة وغايتها العتق، وقد تعذر اعتبارهما. ثم إن كان مشروطا بطلت من
رأس. وإن بقي عليه شيء يسير فيملك المولى ما قبض ويسترق أولاده التابعين له

(1) الوسائل 16: 98، الباب 17 من أبواب المكاتبة، ح 2.
(2) الوسائل 16: 98، الباب 17 من أبواب المكاتبة، ذيل الحديث 1.
(3) الوسائل 16: 102، الباب 21 من أبواب المكاتبة، ح 1.
469

فيها. ويدل عليه أخبار كثيرة مستفيضة. وإن كان مطلقا ولم يؤد شيئا فالمشهور أنه
كذلك، واحتمل في الدروس أن يرث قريبه ما فضل من مال الكتابة. والوجه
الأول. وإن أدى المطلق البعض تحرر منه بحسابه وبقي الباقي رقا.
والمشهور بين الأصحاب أن ميراثه لوارثه ومولاه بالنسبة، ثم إن كان الوارث
حرا في الأصل استقر ملكه على ما ورثه منه ولا شيء عليه، وإن كان الوارث ولدا
تابعا له في الكتابة بأن يكون ولده من أمته تحرر منه بنسبة أبيه وورث بنسبة ذلك
والزم ما بقي من مال الكتابة، فإذا أداه تحرر. وإن لم يكن له مال سعى في أداء ما
تخلف ويعتق بإزائه.
وذهب ابن الجنيد إلى أن الولد يؤدي مال الكتابة مما ترك أبوه من غير أن
يقسم بين المولى والوارث ويتحرر الولد، وما فضل منه فله. ويدل على أن المال
يقسم بين الولد والمولى بالنسبة وأنه يتحرر بالنسبة صحيحة بريد (1) وعلى أن
الولد يتحرر بالنسبة صحيحة محمد بن قيس (2) أيضا، وعلى سعي الولد ما رواه
الشيخ في الصحيح عن ابن أبي عمير عن جميل وهو ثقة عن مهزم وهو مجهول (3).
ويدل على قول ابن الجنيد صحيحة جميل بن دراج (4) وصحيحة اخرى
لجميل أيضا (5) وصحيحة أبي الصباح (6) وصحيحة الحلبي (7) وصحيحة ابن سنان (8).
ويدل على القول الأول صحيحة محمد بن قيس (9) أيضا، لكنها عامة بالنسبة

(1) الوسائل 16: 91، الباب 7 من أبواب المكاتبة، ح 1.
(2) الوسائل 16: 91، الباب 7 من أبواب المكاتبة، ح 2.
(3) التهذيب 8: 272، ح 993.
(4) الوسائل 16: 92، الباب 7 من أبواب المكاتبة، ح 3.
(5) الوسائل 16: 92، الباب 7 من أبواب المكاتبة، ذيل الحديث 4.
(6) الوسائل 16: 99، الباب 19 من أبواب المكاتبة، ح 2.
(7) الوسائل 16: 100، الباب 19 من أبواب المكاتبة، ذيل الحديث 2.
(8) الوسائل 16: 100، الباب 19 من أبواب المكاتبة، ح 3.
(9) الوسائل 16: 99، الباب 19 من أبواب المكاتبة، ح 1.
470

إلى هذه الروايات، فيلزم تخصيصها بها، ويبقى التعارض بين صحيحة بريد وبين
هذه الروايات. وجمع الشيخ بينها بوجه بعيد. ولا يبعد ترجيح قول ابن الجنيد،
عملا بالروايات الكثيرة. والمسألة لا تخلو عن إشكال وتردد.
الخامسة: ليس للمكاتب التصرف في ماله بما ينافي الاكتساب وما فيه خطر
كالبيع بالنسية مع عدم الرهن والضمين الموسر، وقيل: لا يجوز مطلقا. وفي معنى
التصرفات الممنوعة النفقة المبسوطة، ولا يكلف التقتير المفرط. ولو أذن المولى
جاز ذلك كله. وفي صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يصلح له
أن يحدث في ماله إلا الأكلة من الطعام، ونكاحه فاسد مردود (1).
وليس للمولى التصرف في ماله بغير الاستيفاء، لخروجه بالكتابة عن محض
الرقية. ولا يحل له وطء المكاتبة بالملك، لخروجها عن الحرية (2) المحضة، ولا
بالعقد، لعدم حريتها ولا تتزوج إلا بإذنه.
السادسة: إذا كانت المكاتبة حاملا حال الكتابة لم يدخل الحمل في كتابة امه
وإن قصده، لأن الصغير لا يكاتب، خلافا لبعض العامة حيث ذهب إلى أنه يدخل
في الكتابة على وجه الاستتباع. وإن حملت بعد الكتابة فإن كان الولد حرا فالأمر
ظاهر، وإلا كان حكم ولدها حكمها، بمعنى أنه يسترق برقها، وينعتق بعتقها
بالكتابة لا مطلقا، وليس المراد سراية الكتابة إلى أولادها.
السابعة: إذا ملك المملوك نصف نفسه كان كسبه بين نفسه وبين مولاه، ولو
طلب أحدهما المهاياة فهل يجبر الممتنع؟ فيه قولان.
الثامنة: اختلف الأصحاب في وجوب إعانة المكاتب واستحبابها، والأصل
فيه قوله تعالى: (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) (3) والمعروف أن المراد
بالإيتاء أن يحط عنه شيئا من النجوم، أو يبذل شيئا ويأخذه في النجوم. أما الثاني

(1) الوسائل 16: 90، الباب 6 من أبواب المكاتبة، ح 1.
(2) كذا في الأصل، وفى خ 2: الرقية.
(3) النور: 33.
471

فظاهر، وأما الأول فقيل: إنه مروي عن السلف قولا وفعلا ورواه العلاء بن فضيل
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1).
وقد اختلفوا في أن الأمر في الآية للوجوب أو الندب، وفي أن المراد بمال الله
هو الزكاة الواجبة أم مطلق المال الذي بيده، فإنه من عند الله تعالى، وفي أن
الخطاب متعلق بالموالي أو بمطلق المكلفين. فقيل: إن الإعانة واجبة مطلقا من
الزكاة أو من غيرها، وهو قول الشيخ في المبسوط: وقيل: يجب إعانته من الزكاة
إن وجبت عليه وإن لم تجب عليه استحب تبرعا، وهو قول الشيخ في الخلاف
وجماعة منهم: المحقق. وقيل: يجب على سيده إعانته من سهم الرقاب، وهو قول
ابن البراج. وقيل: يجب على السيد إعانة المكاتب المطلق بشيء من الزكاة إن
وجبت عليه دون المشروط، وهو قول ابن إدريس. وقيل: يستحب الإعانة مطلقا
للمطلق والمشروط من الزكاة وغيرها، وهو اختيار العلامة في المختلف.
ولا يبعد القول بالوجوب، نظرا إلى ظاهر الأمر وإن كان الأمر السابق عليه
للاستحباب. ولا يبعد القول بأن الخطاب مختص بالموالي كما في قوله تعالى:
(وكاتبوهم) ولعل الأقرب عدم الاختصاص بالزكاة.
التاسعة: لو كاتب عبده فمات فأبرأه بعض الورثة من نصيبه من مال الكتابة أو
أعتق نصيبه صح، ولا يقوم عليه الباقي.
المبحث الثالث
في الاستيلاد
وفيه مسائل:
الاولى: يتحقق الاستيلاد بعلوق أمته منه في ملكه، وإذا كان العلوق قبل
دخوله في ملكه كما إذا وطئ أمة الغير بعقد أو شبهة ثم ملكها فالأشهر أنها لا تصير

(1) الوسائل 16: 93، الباب 9 من أبواب المكاتبة، ح 2.
472

ام ولد بذلك، خلافا للشيخ. ولعل الأول أقرب، للأصل مؤيدا برواية ابن مارد (1).
والمشهور اعتبار كون الولد حرا حال العلوق، فلو كان مملوكا إما لكون
الواطئ عبدا حال الوطء والحمل، أو باشتراط الرقية في حال كونه حرا وجوزنا
الشرط لم تصر ام ولد، خلافا للشيخ وابن حمزة.
الثانية: لا خلاف في كون ام الولد مملوكة ما دام المولى حيا، فيلحقها أحكام
المماليك، فللمولى استخدامها وإجارتها وتزويجها وتحليلها، لكن لا يجوز له
بيعها ما دام الولد حيا، إلا في ثمن رقبتها إذا كان ذلك دينا على المولى، ولا وجه
لقضائه غيرها. ويدل عليه صحيحة عمر بن يزيد (2)
وإطلاق كثير من عبارات الأصحاب يقتضي عدم الفرق في ذلك بين أن
يكون المولى حيا أو ميتا، ونقل عن ابن حمزة أنه شرط في بيعها في ثمن رقبتها
موت مولاها. ورده بعض الأصحاب بإطلاق الرواية. وفيه: أن ظاهر الرواية
الاختصاص بزمان موت المولى، فلا يتم الاستدلال بها على الجواز مطلقا،
ومقتضى الرواية وظاهر كلام الأصحاب عدم جواز بيع ام الولد إلا في الصورة
المذكورة.
وذكر الشهيد في القواعد أنه يجوز بيعها في ثمانية مواضع:
أحدها: في ثمن رقبتها مع إعسار مولاها، سواء كان حيا أو ميتا. ثانيها إذا
جنت على غير مولاها، فيدفع رقبتها في الجناية إن رضي المجني عليه أو ثمنها.
ثالثها: إذا عجز مولاها عن نفقتها. رابعها: إذا مات قريبها ولا وارث له سواها،
فتباع لتعتق وترثه، لأن فيه تعجيلا للعتق. خامسها: أن يكون علوقها بعد الارتهان،
لسبق حق المرتهن. سادسها: إذا كان علوقها بعد الإفلاس. سابعها: إذا مات
مولاها ولم يخلف سواها وعليه دين مستغرق وإن لم يكن ثمنا لها، لأنها إنما

(1) الوسائل 16: 105، الباب 4 من أبواب الاستيلاد، ح 1.
(2) الوسائل 16: 104، الباب 2 من أبواب الاستيلاد، ح 1.
473

تنعتق بموت مولاها من نصيب ولدها، ولا نصيب له مع استغراق الدين، فلا تنعتق
وتصرف في الدين. ثامنها: بيعها على من تنعتق عليه، فإنه في قوة العتق، فيكون
تعجيل خير.
ثم ذكر صورة تاسعة وهي: بيعها بشرط العتق، واستقرب جواز البيع.
وقال بعض الأصحاب: وزاد بعضهم مواضع اخرى منها: في كفن سيدها إذا لم
يخلف سواها ولم يمكن بيع بعضها فيه، وإلا اقتصر عليه. ومنها: إذا أسلمت قبل
مولاها الكافر. ومنها: إذا كان ولدها غير وارث. لكونه قاتلا أو كافرا، فإنها لا
تنعتق بموت مولاها حينئذ، إذ لا نصيب لولدها. ومنها: إذا جنت على مولاها
جناية تستغرق قيمتها. ومنها: إذا قتلت خطأ. ومنها: إذا حملت في زمن خيار
البائع أو المشترك ثم فسخ البائع بخياره. ومنها: إذا خرج مولاها عن الذمة
وملكت أمواله التي هي منها. ومنها: إذا لحقت بدار الحرب ثم استرقت. ومنها: إذا
كانت لمكاتب مشروط ثم فسخت كتابته. ومنها: إذا شرط أداء الضمان منها قبل
الاستيلاد كالرهن السابق. ومنها: إذا أسلم أبوها أو جدها وهي مجنونة أو صغيرة
ثم استولدها الكافر بعد البلوغ قبل أن تخرج عن ملكه، وهذه في حكم إسلامها
عنده. قال: وفي كثير من هذه المواضع نظر. والنظر في موقعه، لانتفاء النصوص في
أكثر هذه الصور.
الثالثة: لا أعرف خلافا بين الأصحاب في أنه لو مات الولد جاز بيعها، وهو
مروي في عدة روايات، وعليه تحمل حسنة زرارة الدالة على جواز بيعها (1). ولو
مات الولد وكان ولد ولدها حيا قيل: حكمه حكم الولد، لأنه ولد. وقيل: لا، لعموم
ما دل على أن ام الولد إذا مات ولدها ترجع إلى محض الرق، فإنه يتناول موضع
النزاع. وقيل: إن كان ولد ولدها وارثا كان حكمه حكم الولد وإلا فلا. ولا يبعد
ترجيح الوسط.

(1) الوسائل 13: 52، الباب 24 من أبواب بيع الحيوان، ح 3.
474

الرابعة: لا أعرف خلافا في أن ام الولد لا تنعتق من أصل تركة مولاها، ولا
شبهة في انعتاق نصيب ولدها منها، لأن من ملك شقصا ممن ينعتق عليه انعتق ذلك
الشقص. ولا أعرف خلافا في أن ام الولد تجعل بأجمعها في نصيب ولدها وتنعتق
عليه إذا ترك مولاها ما يفي سهم الولد بذلك. ويدل عليه حسنة محمد بن قيس (1)
ورواية أبي بصير (2). والمشهور أنه لو عجز النصيب عن عتقها سعت فيما بقي ولا
يسري العتق على الولد في غير نصيبه من التركة وإن كان موسرا، خلافا للشيخ في
المبسوط، حيث عمل بما رواه عن أبي بصير في الموثق قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن رجل اشترى جارية فولدت ولدا فمات؟ قال: إن شاء أن يبيعها باعها، وإن
مات مولاها وعليه دين قومت على ابنها، فإن كان ابنها صغيرا انتظر به حتى يكبر
ثم يجبر على قيمتها (3). والرواية موثقة لا يبعد العمل بها.
الخامسة: إذا أوصى لام ولد قيل: تنعتق من نصيب ولدها وتعطى الوصية.
وقيل: تعتق من الوصية، فإن فضل منها شيء عتق من نصيب ولدها.

(1) الوسائل 16: 107، الباب 6 من أبواب الاستيلاد، ح 1.
(2) الوسائل 13: 52، الباب 24 من أبواب بيع الحيوان، ح 4.
(3) الوسائل 16: 109، الباب 6 من أبواب الاستيلاد، ح 4.
475

كتاب
الأيمان والنذور
477

كتاب الأيمان والنذور
وفيه مباحث:
الأول في اليمين
وفيه أطراف:
الأول:
اليمين والحلف والإيلاء بمعنى واحد. قال الجوهري: اليمين القسم، والجمع
أيمن وأيمان، ويقال: سمي بذلك لأنهم كانوا إذا تحالفوا ضرب كل منهم يمينه على
يمين صاحبه.
والأصل في الأيمان الكتاب والسنة. قال الله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو
في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) (1) وقال تعالى: (ولا تجعلوا الله
عرضة لأيمانكم) (2) وفي تفسير الآية وجهان:
الأول: أن يكون المراد من العرضة ما تعرضه دون الشيء من عرض العود
على الإناء، فيعترض دونه ويصير مانعا وحاجزا. وعلى هذا الوجه يصير مآل
معنى الآية: لا تجعلوا الله مانعا بسبب أيمانكم به من أن تبروا وتتقوا وتصلحوا،
بأن تحلفوا به على ترك هذه الأشياء ثم تمتنعوا منها لذلك.

(1) المائدة: 89.
(2) البقرة: 224.
478

الثاني: أن يكون العرضة بمعنى المعرض للأمر قال الشاعر:
فلا تجعلوني عرضة للوائم
فيكون المعنى: لا تجعلوا الله معرضا لأيمانكم فتبتذلوه بكثرة الحلف، ولذلك
ذم الحلاف بقوله تعالى: (ولا تطع كل حلاف مهين) (1) بأشنع المذام، وصدرت
بقوله: «حلاف» أي كثير الحلف.
قال في الكشاف: كثير الحلف في الحق والباطل، وكفى به مزجرة لمن اعتاد
الحلف قوله عز وجل: (أن تبروا وتتقوا وتصلحوا) علة للنهي، أي إرادة أن تبروا
وتتقوا وتصلحوا، لأن الحلاف مجترئ على الله غير معظم له، فلا يكون برا تقيا،
ولا يثق به الناس ولا يدخلونه في وسطائهم وإصلاح ذات بينهم (2).
واليمين على الامور الدنيوية مكروهة، والإكثار منها أشد كراهية، بل الظاهر
كراهية الإكثار من اليمين مطلقا، ويدل عليه الآية على أحد التفسيرين. وما رواه
الكليني في الحسن بإبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: اجتمع الحواريون إلى
عيسى (عليه السلام) فقالوا له: يا معلم الخير أرشدنا. فقال لهم: إن موسى نبي الله أمركم أن
لا تحلفوا بالله كاذبين وأنا آمركم أن لا تحلفوا بالله كاذبين ولا صادقين (3).
وعن أبي أيوب الخزاز قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا تحلفوا بالله
كاذبين ولا صادقين، فإنه عز وجل يقول: (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم) (4).
وعن أبي بصير قال: حدثني أبو جعفر (عليه السلام) أن أباه كانت عنده امرأة من
الخوارج أظنه قال: من بني حنيفة، فقال له مولى له: يا بن رسول الله: إن عندك امرأة
تبرأ من جدك، فقضى لأبي أنه طلقها، فادعت عليه صداقها، فجاءت به إلى أمير
المدينة تستعديه، فقال له أمير المدينة: يا علي إما أن تحلف، وإما أن تعطيها، فقال
لي: يا بني! قم فأعطها أربعمائة دينار، فقلت له: يا أبه! جعلت فداك، ألست محقا؟

(1) القلم: 10.
(2) الكشاف 4: 586 و 1: 268.
(3) الكافي 7: 434، ح 3.
(4) الوسائل 16: 116، الباب 1 من أبواب الأيمان، ح 5.
479

قال: بلى يا بني، ولكني أجللت الله أن أحلف به يمين صبر (1).
يمين الصبر ما يمسكك الحاكم عليها حتى تحلف، أو التي يلزم ويجبر عليها
حالفها.
الطرف الثاني في ما ينعقد به اليمين:
المعروف من مذهب الأصحاب أن اليمين لا تنعقد إلا بالله تعالى. ونقل بعضهم
الإجماع على ذلك (2). والأصل في ذلك الأخبار المستفيضة كقول أبي جعفر (عليه السلام)
في حسنة محمد بن مسلم: «لله عز وجل أن يقسم من خلقه بما شاء، وليس لخلقه
أن يقسموا إلا به» (3). وقول الصادق (عليه السلام) في صحيحة الحلبي: «لا تحلفوهم إلا
بالله» (4) إلى غير ذلك.
والظاهر كما صرح به المحقق وغيره أن اليمين تنعقد بالاسم المخصوص وهو
«الله» وبالأسماء الخاصة كالرحمن، وبالأوصاف التي لا تطلق على غيره كمقلب
القلوب، والذي نفسي بيده، وبالتي ينصرف إطلاقها إليه كالرحيم والخالق (5).
وما يطلق في حقه تعالى وفي حق غيره ولا يغلب استعماله في أحد الطرفين
كالموجود والحي لا يكون يمينا ولو نوى بها الحلف.
ولو قال: اقسم بالله، أو حلفت بالله فالظاهر أنه يمين. ونقل بعضهم الإجماع
على ذلك (6). وكذا لو قال: أقسمت بالله أو حلفت بالله. ولو قال: أردت الإخبار عن
يمين ماضية قبل. ولو قال: لعمر الله، فالظاهر أنه يمين، ولا أعرف فيه خلافا. ويدل
عليه صحيحة الحلبي (7). وفي مثل قدرة الله وعلم الله وجلال الله وعظمة الله تردد.

(1) الوسائل 16: 117، الباب 2 من أبواب الأيمان، ح 1.
(2) نهاية المرام 2: 326.
(3) الوسائل 16: 160، الباب 30 من أبواب الأيمان، ح 3.
(4) الوسائل 16: 164، الباب 32 من أبواب الأيمان، ح 3.
(5) المختصر النافع: 235.
(6) نهاية المرام 2: 328.
(7) الوسائل 16: 160، الباب 30 من أبواب الأيمان، ح 4.
480

ولو قال: وحق الله، فالأقرب أنه لا ينعقد به يمين، خلافا للشيخ (1) وقوى
الشهيد في الدروس انعقاد اليمين به إذا قصد به الله الحق أو المستحق للإلهية. ولو
قصد به ما يجب على عباده لم تنعقد (2).
والمشهور بين الأصحاب أن اليمين لا تنعقد بغير الله تعالى من المخلوقات
المعظمة والأماكن المشرفة، كالمصحف، والقرآن، والنبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)،
والحرم، والكعبة. ولا تنعقد بالطلاق والعتاق والتحريم والظهار.
وقال ابن الجنيد بانعقاده بما عظم الله من الحقوق كقوله: وحق رسول الله، وحق
القرآن، وبالطلاق والعتاق والصدقة ونحوها (3). والأول أقرب، لعموم الروايات
وصحيحة منصور (4) وصحيحة الحلبي وحسنته (5) وصحيحة زرارة (6) وغيرها.
ولا تنعقد اليمين إلا بالقصد، ولو حلف من غير قصد لم ينعقد، سواء كان
بصريح أو كناية. قال الله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن
يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) (7) ولعل المراد باللغو: الساقط الذي لا يعتد به في
الأيمان، وهو الذي لا عقد معه، كما في قوله تعالى: (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم
الأيمان) (8) أي: عزمتموها أو وثقتموها وأحكمتموها بالعزم والقصد. وقوله
تعالى: (بما كسبت قلوبكم) أي بما نوت قلوبكم وقصدت من الأيمان ولم يكن
كسب بحسب اللسان وحده. وكسب القلب النية والقصد.
ويدخل في لغو اليمين كل يمين لفظا لم تقرن بها نيتها كسبق اللسان بعادة أو
من غير عادة، أو جاهلا بالمعنى، أو للغضب المسقط للقصد، أو بمجرد النفي
والإثبات كذلك.

(1) المبسوط 6: 197.
(2) الدروس 2: 162.
(3) حكاه في المختلف 8: 142.
(4) الوسائل 16: 139، الباب 14 من أبواب الأيمان، ح 4.
(5) الوسائل 16: 138، الباب 14 من أبواب الأيمان، ح 5 و 1.
(6) الوسائل 16: 139، الباب 14 من أبواب الأيمان، ح 6.
(7) البقرة: 225.
(8) المائدة: 89.
481

وعن مسعدة بن صدقة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في قول الله عز
وجل: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) قال: اللغو هو قول الرجل: لا والله
وبلى والله، ولا يعقد على شيء (1).
ولو قصد الحلف على شيء فسبق لسانه إلى غيره فهو في معنى لغو اليمين أيضا.
ولا أعلم خلافا في أنه يجوز للحالف الاستثناء في يمينه بمشية الله. وصرح
الشيخ والمحقق وغيرهما بأن الاستثناء بالمشية يقتضي عدم انعقاد اليمين (2).
وهو مروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) (3) وعن الصادق (عليه السلام) بإسناد فيه ضعف، وهو رواية
السكوني (4).
وفي كتاب علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يحلف
على اليمين ويستثني؟ قال: هو على ما استثنى (5).
وفصل العلامة في القواعد، فحكم بانعقاد اليمين مع الاستثناء إن كان
المحلوف عليه واجبا أو مندوبا، وإلا فلا، نظرا إلى العلم بحصول الشرط في الأول
دون الثاني (6). وفيه تأمل.
وذكر في الروضة أنه لا فرق بين قصد التبرك والتعليق، لإطلاق النص (7).
وتوقف فيه بعض من تأخر عنه، استضعافا لسند النص (8).
وصرح المحقق بأنه يشترط في الاستثناء النطق، فلا يكفي النية (9). واستوجه
العلامة في المختلف الاكتفاء بالنية، لأن المعتبر في الأيمان إنما هو النية والقصد،
فإذا استثنى كذلك لم ينو شمول اليمين للمستثنى، فلا يلزم العموم بالنسبة إليه (10).
ولعل ذلك لا يخلو عن رجحان.

(1) الوسائل 16: 144، الباب 17 من أبواب الأيمان، ح 1.
(2) النهاية 3: 43، الشرائع 3: 170.
(3) سنن الترمذي 4: 108، ح 1532.
(4) الوسائل 16: 157، الباب 28 من أبواب الأيمان، ح 1.
(5) مسائل علي بن جعفر: 130، ح 113.
(6) القواعد 3: 267.
(7) الروضة 3: 53.
(8) نهاية المرام 2: 331.
(9) الشرائع 3: 170.
(10) المختلف 8: 172.
482

ويشترط أن يكون قاصدا إلى التلفظ به كاليمين، فلو سبق إليه لسانه من غير
قصد لم يعتد بها.
والمعروف بين الأصحاب أنه يعتبر الاتصال العادي، ولا يضر الانفصال
بتنفس وعي وتذكر وسعال ونحو ذلك مما لا يخل بالمتابعة عادة. وفي معتبرة
حمزة بن حمران قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (واذكر ربك
إذا نسيت) قال: ذلك في اليمين إذا قلت: لا والله لا أفعل كذا وكذا، فإذا ذكرت
أنك لم تستثن فقل: إن شاء الله (1).
وفي رواية الفضلاء بإسناد ضعيف: إذا حلف الرجل فنسي أن يستثني
فليستثن إذا ذكر (2).
وعن الحسين بن زرارة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل:
(واذكر ربك إذا نسيت)؟ فقال: إذا حلفت على يمين ونسيت أن تستثني فاستثن
إذا ذكرت (3).
وفي الصحيح عن حماد عن حسين القلانسي أو بعض أصحابه عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: للعبد أن يستثني في اليمين فيما بينه وبين أربعين يوما إذا نسي (4).
وعن عبد الله بن ميمون في الصحيح قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: للعبد
أن يستثني فيما بينه وبين أربعين يوما إذا نسي (5).
وفي الضعيف عن ابن القداح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال
أمير المؤمنين (عليه السلام): الاستثناء في اليمين متى ما ذكر وإن كان بعد أربعين
صباحا، ثم تلا هذه الآية (واذكر ربك إذا نسيت) (6) قيل: وهو مروي عن ابن

(1) الوسائل 16: 157، الباب 29 من أبواب الأيمان، ح 1.
(2) الوسائل 16: 157، الباب 29 من أبواب الأيمان، ح 2.
(3) الوسائل 16: 158، الباب 29 من أبواب الأيمان، ح 5.
(4) الوسائل 16: 158، الباب 29 من أبواب الأيمان، ح 3.
(5) الوسائل 16: 158، الباب 29 من أبواب الأيمان، ح 6.
(6) الوسائل 16: 158، الباب 29 من أبواب الأيمان، ح 4.
483

عباس (1). وردها المحقق بأنها متروكة، كذلك لا نعلم به قائلا، وحمل على
الاستثناء بالنية والإظهار قبل الأربعين (2). وفيه أن الاستثناء بالنية عند من جوزه
لا يتقيد بذلك.
الطرف الثالث في الحالف:
ويعتبر فيه البلوغ والعقل والاختيار والقصد. والأصح وقوع اليمين من الكافر
إذا كان مقرا بالله كما هو قول العلامة (3) تمسكا بالإطلاق وخصوص صحيحة
الحلبي (4). ومنهم من أطلق الانعقاد (5). ومنهم من أطلق المنع (6).
ولو حنث في يمينه ووجبت عليه الكفارة فقيل: ظاهر مذهب الأصحاب عدم
صحتها منه حال كفره مطلقا (7). وتردد فيه المحقق (8).
ولا تنعقد يمين الولد مع الوالد إلا بإذنه، وكذا الزوجة مع زوجها، والمملوك
مع مولاه. والأصل في هذه المسألة صحيحة منصور بن حازم (9) ورواية ابن
القداح (10) ورواية اخرى ضعيفة (11) وغيرها. ومقتضى الروايات عدم انعقاد يمين
الولد والزوجة والمملوك بدون إذن الأب والزوج والمولى، لأن المتبادر من نفي
الماهية نفي الصحة.
وذهب المحقق ومن تأخر عنه إلى أنه تنعقد يمين كل من الثلاثة إذا بادر إليها
بغير الإذن وأن للوالد والزوج والمولى حلها (12). ووجهه غير واضح.

(1) المسالك 11: 194.
(2) المختصر النافع: 235.
(3) راجع القواعد 3: 268.
(4) الوسائل 16: 164، الباب 32 من أبواب الأيمان، ح 3.
(5) الشرائع 3: 171.
(6) السرائر 3: 48.
(7) المسالك 11: 205.
(8) الشرائع 3: 171.
(9) الوسائل 16: 128، الباب 10 من أبواب الأيمان، ح 2.
(10) الوسائل 16: 128، الباب 10 من أبواب الأيمان، ح 1.
(11) الوسائل 16: 129، الباب 10 من أبواب الأيمان، ح 3.
(12) الشرائع 3: 172.
484

واستثنوا اليمين على فعل الواجب وترك المحرم، ووجهه أيضا غير واضح،
لإطلاق النص، وفقد ما يدل على التخصيص، وتعين الفعل عليه وجودا وعدما لا
يقتضي ترتب آثار انعقاد الحلف عليه حتى تترتب الكفارة على الحنث. ولو ظهر
الحنث قبل الإذن فالظاهر أنه لا كفارة عند الجميع.
الطرف الرابع في متعلق اليمين:
لا تنعقد اليمين على الماضي، ولا تجب بالحنث فيها الكفارة ولو تعمد
الكذب.
ولا ريب في أن متعلق اليمين إذا كان راجحا بحسب الدين والدنيا انعقدت
اليمين، وإذا كان مرجوحا في الدين والدنيا لم تنعقد. والأصل فيه روايات متعددة
كصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (1) وحسنة زرارة التي لا يقصر عن
الصحيحة (2) - وعدت صحيحة - وصحيحة سعيد الأعرج (3) وغيرها.
والظاهر أن متعلق اليمين إذا كان مرجوحا بحسب الدين لم تنعقد وجاز
تركه، وقد قطع به الأصحاب. ويستفاد ذلك من أخبار كثيرة (4)
ويبقى الإشكال في الأمر الذي يترجح بحسب الدين ولم يبلغ حد الوجوب
ويترجح تركه بحسب الدنيا، لتعارض عموم الأخبار فيه (5). وظاهر الأصحاب
الانعقاد هاهنا، ويشكل، نظرا إلى قول أبي عبد الله (عليه السلام) في صحيحة زرارة: «كل ما
كان لك فيه منفعة في دين أو دنيا فلا حنث عليك» (6) وموثقة زرارة عن أبي
جعفر (عليه السلام) قال: «كل يمين حلفت عليها لك فيها منفعة في أمر دين أو دنيا فلا شيء

(1) الوسائل 16: 146، الباب 18 من أبواب الأيمان، ح 2.
(2) الوسائل 16: 151، الباب 23 من أبواب الأيمان، ح 3.
(3) الوسائل 16: 145، الباب 18 من أبواب الأيمان، ح 1.
(4) الوسائل 16: 152، الباب 24 من أبواب الأيمان.
(5) الوسائل 16: 151، الباب 23 من أبواب الأيمان.
(6) انظر الوسائل 16: 151، الباب 23 من أبواب الأيمان، ح 2.
485

عليك فيها، وإنما تقع عليك الكفارة فيما حلفت عليه فيما لله فيه معصية أن لا تفعله
ثم تفعله» (1).
والظاهر عدم انعقاد اليمين إذا كان متعلقها المباح الذي يرجح تركه بحسب
الدنيا، نظرا إلى قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) في صحيحتي سعيد الأعرج: «إذا رأيت خيرا
من يمينك فدعها» (2) ويؤيده صحيحة محمد بن مسلم (3) وصحيحة عبد الرحمن ابن
أبي عبد الله (4) ومرسلة محمد بن سنان (5) ورواية لعبد الرحمن (6) ومرسلة ابن
فضال (7) وروايتا ابن بابويه عن الصادق (عليه السلام) (8) مرسلا وما رواه عن سعد بن
الحسن عنه (عليه السلام) (9).
والإشكال ثابت في المباح الذي يتساوى طرفاه بحسب الدنيا. وقد قطع
الأصحاب بالانعقاد هاهنا، ونقل إجماعهم على ذلك (10) ويشكل نظرا إلى رواية
زرارة (11) ورواية حمران (12) ورواية عبد الله بن سنان (13) ورواية أبي الربيع
الشامي (14) وما رواه الشيخ عن الحلبي في الصحيح: «قال كل يمين لا يراد بها

(1) الوسائل 16: 151، الباب 23 من أبواب الأيمان، ح 3.
(2) الوسائل 16: 145، الباب 18 من أبواب الأيمان، ح 1.
(3) الوسائل 16: 151، الباب 23 من أبواب الأيمان، ح 1.
(4) الوسائل 16: 154، الباب 24 من أبواب الأيمان، ح 5.
(5) الوسائل 16: 146، الباب 18 من أبواب الأيمان، ح 3.
(6) الوسائل 16: 147، الباب 18 من أبواب الأيمان، ح 11.
(7) الوسائل 16: 146، الباب 18 من أبواب الأيمان، ح 4.
(8) الفقيه 3: 360 و 366، ح 4275 و 4297.
(9) الفقيه 3: 372، ح 4304.
(10) انظر المسالك 11: 210، الروضة 3: 54 و 55.
(11) الوسائل 16: 153، الباب 24 من أبواب الأيمان، ح 3.
(12) الوسائل 16: 153، الباب 24 من أبواب الأيمان، ح 2.
(13) الوسائل 16: 130، الباب 11 من أبواب الأيمان، ح 7.
(14) الوسائل 16: 130، الباب 11 من أبواب الأيمان، ح 6.
486

وجه الله فليس بشيء في طلاق ولا غيره» (1).
ولو كان البر أولى في الابتداء ثم صارت المخالفة أولى لم يكن في المخالفة
كفارة ولا إثم، ولا أعرف فيه خلافا. ونقل بعضهم الإجماع عليه (2) ويدل عليه
ظواهر الأخبار.
ولو حلف لزوجته أن لا يتزوج أو لا يتسرى لم تنعقد يمينه، لا أعرف فيه
خلافا. ويدل عليه صحيحة سعد بن أبي خلف (3). وكذا لو حلفت هي أن لا تتزوج
بعده، لصحيحة منصور (4). وكذا لو حلفت أن لا تخرج إليه أو معه ثم احتاجت إلى
الخروج، ويدل عليه بعض الأخبار (5).
وصرح الشيخ في الخلاف بأن ترك التسري لو كان أرجح ولو في الدنيا
لبعض العوارض انعقدت اليمين وحنث بالفعل (6). ويشكل لو كان التسري أرجح
بحسب الدين.
ولو قال لغيره: أسألك بالله لتفعلن أو اقسم عليك بالله، ونحو ذلك ويسمى
يمين المناشدة فإنها لا تنعقد في حق المقسم عليه ولا المقسم، للأصل وبعض
الروايات (7) لكن يستحب للمقسم عليه إبراره في قسمه، لما روي من أن ذلك من
حقوق المؤمن (8). وإذا لم يفعل فلا كفارة على أحدهما، لعدم انعقاد اليمين ورواية
عبد الرحمن بن أبي عبد الله (9) وغيرها، وفي بعض الروايات أن على المقسم كفارة
يمين (10). ويحمل على الاستحباب جمعا بين الأدلة.

(1) التهذيب 8: 288، ح 1062.
(2) نقله في نهاية المرام 2: 338.
(3) لم نعثر عليها في الوسائل ونقلها الشيخ في التهذيب 8: 286، ح 1054.
(4) الوسائل 16: 176، الباب 45 من أبواب الأيمان، ح 1.
(5) الوسائل 16: 176، الباب 45 من أبواب الأيمان.
(6) انظر الخلاف 6: 187، المسألة 106.
(7) الوسائل 3: 301، الباب 30 من أبواب لباس المصلي، ح 8.
(8) لم نعثر عليها، ذكره السيد العاملي أيضا بلفظ «روي» راجع نهاية المرام 2: 339.
(9) الوسائل 16: 154، الباب 24 من أبواب الأيمان، ح 5.
(10) الوسائل 16: 174، الباب 42 من أبواب الأيمان، ح 4.
487

الطرف الخامس في بعض الأحكام المتعلقة بهذا الباب:
وفيه مسائل:
الاولى: لو حلف لغريمه على الإقامة في البلد وخشي مع الإقامة الضرر على
نفسه أو عياله جاز له تركها ولا كفارة، لما مر. ويدل عليه رواية إسحاق بن
عمار (1). وكذا لو حلف ليضربن عبده فالعفو أفضل ولا إثم، ويدل عليه رواية محمد
العطار (2).
الثانية: لو حلف على ممكن في وقت معين فحصل العجز في ذلك الوقت
انحلت اليمين. ولو كان الحلف مطلقا فتجدد العجز انحلت مع العجز عند اليأس من
التمكن منه.
الثالثة: إنما تجب الكفارة بالحنث إذا وقع عمدا اختيارا، فلو وقع نسيانا أو
جبرا أو مكرها فلا كفارة عليه، وهو مصرح به في رواية عبد الله بن سنان (3).
الرابعة: يجوز الحلف لدفع الضرر عن المؤمن، سواء كان عن نفسه أو عن ماله
وإن كان الحالف كاذبا في يمينه، لحسن الكذب النافع. وقد يجب ارتكابه إذا
انحصر طريق التخلص فيه، وكذلك الحلف عليه. ويدل على جواز الحلف روايات
كصحيحة أبي الصباح (4) وصحيحة سعد بن سعد (5). وذكر جماعة من الأصحاب أن
من هذا شأنه إذا أحسن التورية بما يخرجه عن الكذب ورى (6) وظاهرهم
الوجوب. ولا ريب في حسن التورية، لكن في تعيينه وجوبا نظر. والمراد بالتورية
إرادة شيء واستعمال لفظ ظاهر في خلافه.

(1) الوسائل 16: 172، الباب 40 من أبواب الأيمان، ح 1.
(2) التهذيب 8: 290، ح 1073.
(3) الوسائل 16: 174، الباب 42 من أبواب الأيمان، ح 4.
(4) الوسائل 16: 134، الباب 12 من أبواب الأيمان، ح 2.
(5) الوسائل 16: 134، الباب 12 من أبواب الأيمان، ح 1 وفيه عن إسماعيل بن سعد.
(6) نقله عن المحقق وغيره في نهاية المرام 2: 341، انظر المختصر النافع: 236.
488

الخامسة: لو وهب له مال وكتب له ابتياع وقبض ثمن لمصلحة فنازعه
الوارث على تسليم الثمن فاستحلفه على ذلك جاز له الحلف ولا إثم عليه،
لصحيحة محمد بن أبي الصباح (1) وكذا لو حلف أن مماليكه أحرار وقصد التخلص
من ظالم، لم يأثم ولم يتحرروا. ويدل عليه رواية الوليد بن هشام المرادي (2)
وصحيحة سعد بن سعد الأشعري (3).
السادسة: يكره الحلف على القليل وإن كان صادقا. وفسر القليل من المال
بثلاثين درهما، ففي مرسلة علي بن الحكم: إذا ادعى عليك مال ولم يكن له عليك
فأراد أن يحلفك فإن بلغ ثلاثين درهما فأعطه ولا تحلف، وإن كان أكثر من ذلك
فاحلف ولا تعطه (4). والأظهر كراهية اليمين مطلقا، لإطلاق النهي عنه، وقد مر ما
يدل عليه.
السابعة: لو حلف على ترك شرب لبن العنز وأكل لحمها اعتبر في انعقاده
رجحان جانب اليمين. وقد مر الكلام في صورة التساوي بحسب الدين والدنيا.
ولو كان محتاجا إلى الأكل لم ينعقد، ولو تجددت الحاجة انحلت اليمين، ومثله لو
كان الأكل راجحا كالهدي والاضحية. وحيث تنعقد لا يتعدى التحريم إلى أولاد
العنز، لعدم تناول اللفظ لها. وفي بعض الروايات الضعيفة النهي عن شرب لبن
الأولاد وأكل لحمها (5) وبه عمل جماعة من الأصحاب منهم الشيخ (6)
وابن الجنيد (7).
الثامنة: روى الشيخ بإسناد ضعيف عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
سألته عن رجل أعجبته جارية عمته، فخاف الإثم، وخاف أن يصلها حراما،

(1) الوسائل 16: 175، الباب 43 من أبواب الأيمان، ح 1.
(2) الوسائل 16: 60، الباب 60 من أبواب الأيمان، ح 1.
(3) الوسائل 16: 134، الباب 12 من أبواب الأيمان، ح 1، (وفيه عن إسماعيل بن سعد).
(4) الوسائل 16: 118، الباب 3 من أبواب الأيمان، ح 1.
(5) الوسائل 16: 171، الباب 37 من أبواب الأيمان، ح 1.
(6) النهاية 3: 49 - 50.
(7) حكاه في المختلف 8: 148.
489

وأعتق كل مملوك له وحلف بالأيمان أن لا يمسها أبدا، فماتت عمته فورث
الجارية، أعليه جناح أن يطأها؟ فقال: إنما حلف على الحرام، ولعل الله أن يكون
رحمه فورثه إياها لما علم من عفته (1). والرواية ضعيفة، لكن يستقيم المصير إلى ما
تضمنته، إذ الظاهر أن الحلف إنما وقع على الوطء المحرم لا مطلقا. ولو قصد
التعميم روعي حال الرجحان وعدمه وبنى على ما مر من الاصول.
المبحث الثاني في النذر:
وفيه مسائل:
الاولى: لا أعرف خلافا في وجوب الوفاء بالنذر، والأصل فيه الكتاب
والأخبار المتواترة.
الثانية: يعتبر في الناذر التكليف والقصد، والمشهور اعتبار الإسلام فيه.
واستدل عليه بأن نية القربة معتبرة في النذر، وهي متعذرة في حق غير المسلم.
وفيه منع واضح، فإن إرادة التقرب ممكنة من الكافر المقر بالله.
الثالثة: المشهور بين المتأخرين اشتراط إذن الزوج والمولى في انعقاد نذر
الزوجة والمملوك. وألحق به العلامة في بعض كتبه والشهيد في الدروس الولد (2)
فأوقف (3) نذره على إذن الأب كاليمين. وذكر غير واحد منهم أنه لا نص على ذلك
كله في النذر، وإنما يختص النص باليمين (4).
والاستدلال على انسحاب الحكم في النذر لمشاركته لليمين في بعض
الأحكام ضعيف، وكذا الاستدلال بإطلاق اليمين على النذر في بعض الروايات
الضعيفة في كلام الراوي وتقرير الإمام (عليه السلام)، إذ نقول بعد تسليم الصحة: الإطلاق
أعم من الحقيقة.

(1) التهذيب 8: 301، ح 1118.
(2) الإرشاد 2: 90، الدروس 2: 149.
(3) كذا في النسختين، والمناسب: فأوقفا.
(4) منهم الشهيد في المسالك 11: 310، نهاية المرام 2: 347.
490

والذي وجدت في هذا الباب من الروايات ما رواه الصدوق، عن عبد الله بن
سنان - في الصحيح - عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ليس للمرأة مع زوجها أمر في
عتق، ولا صدقة، ولا تدبير، ولا هبة، ولا نذر في مالها إلا بإذن زوجها، قال: إلا في
حج، أو زكاة، أو بر والديها، أو صلة رحمها (1).
وبإسناده عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان مثله، إلا أنه قال: أو
صلة قرابتها (2).
وروى صاحب قرب الإسناد عن الحسن بن ظريف - وهو ثقة - عن الحسين
ابن علوان - وهو عامي - عن جعفر، عن أبيه: أن عليا كان يقول: ليس على
المملوك نذر إلا أن يأذن له سيده (3). والمتجه عدم اعتبار الإذن في الزوجة في غير
المال، والولد مطلقا، وفي المملوك تردد.
الرابعة: لا أعرف خلافا في انعقاد النذر مع الشرط، سواء كان شكرا كقوله: إن
رزقت ولدا فلله علي كذا. وإن صليت كذا فلله علي أن أصوم كذا. أو استدفاعا
كقوله: إن برء المريض أو تخلص المحبوس فلله علي كذا. أو زجرا كقوله: إن
فعلت كذا من المحرمات، أو إن لم أفعل كذا من الطاعات فلله علي كذا.
وفي انعقاد المتبرع به وهو الخالي من الشرط قولان، أشهرهما الانعقاد.
وادعى الشيخ في الخلاف الإجماع عليه (4).
وقال السيد المرتضى: إنه لا ينعقد، محتجا بإجماع الفرقة (5) وبما نقل عن
ثعلب: أن النذر عند العرب وعد بشرط، والشرع ورد بلسانهم (6). والوجهان
معارضان بمثلهما.
واستدل على المشهور بقوله تعالى: (إني نذرت لك ما في بطني محررا) (7)
فأطلقت نذرها ولم تذكر عليه شرطا. وفيه تأمل.

(1) الفقيه 3: 177، ح 4670، وفيه اختلاف يسير.
(2) الفقيه 3: 438، ح 4514.
(3) قرب الإسناد: 109، ح 376.
(4) الخلاف 6: 191 - 192، المسألة 1.
(5) الانتصار: 163 - 164.
(6) الحاوي الكبير 15: 467.
(7) آل عمران: 35.
491

وبقوله (صلى الله عليه وآله): من نذر أن يطيع الله فليطعه (1). وكانت الرواية عامية. وبقول
الصادق (عليه السلام) في صحيحة الحلبي: فإن قلت: لله علي فكفارة يمين (2). والدلالة على
الوجوب غير واضحة.
وبقول الصادق (عليه السلام) في صحيحة منصور بن حازم: إذا قال الرجل: علي
المشي إلى بيت الله وهو محرم بحجة أو علي هدي كذا وكذا، فليس عليه شيء
حتى يقول: لله علي المشي إلى بيته، أو يقول: لله علي أن احرم بحجة، أو يقول: لله
علي هدي كذا وكذا إن لم أفعل كذا وكذا (3). بناء على أن الظاهر تعلق الشرط
بالجملة الأخيرة. وفيه تأمل، ثم الدلالة على الوجوب غير واضحة.
وبقول الصادق (عليه السلام) في صحيحة أبي الصباح الكناني قال: ليس من شيء هو
لله طاعة يجعله الرجل عليه إلا ينبغي له أن يفي (4). وفي الدلالة على الوجوب
تأمل، وقد وقع في أخبار متعددة الأمر بالوفاء في مثله، لكن الحكم بالوجوب
مشكل.
وفي موثقة سماعة: إنما اليمين الواجبة التي ينبغي لصاحبها أن يفي بها ما
جعل لله عليه في الشكر إن هو عافاه من مرضه، أو عافاه من أمر يخافه، أو رد
عليه ماله، أو رده من سفره، أو رزقه رزقا، فقال: لله علي كذا وكذا شكرا، فهذا
الواجب على صاحبه الذي ينبغي لصاحبه أن يفي به (5). والمسألة محل تردد وإن
كان القول الأول لا يخلو عن رجحان ما.
الخامسة: يعتبر التلفظ بلفظ الجلالة، فلو قال: علي كذا، لم يلزم، لا أعرف فيه
خلافا. ويدل عليه قوله (عليه السلام) في صحيحة منصور بن حازم: فليس بشيء حتى

(1) عوالي اللآلي 3: 448، ح 1.
(2) الوسائل 16: 185، الباب 2 من أبواب النذر والعهد، ح 5.
(3) الوسائل 16: 182، الباب 1 من أبواب النذر والعهد، ح 1.
(4) الوسائل 16: 200، الباب 17 من أبواب النذر والعهد، ح 6.
(5) الوسائل 16: 199، الباب 17 من أبواب النذر والعهد، ح 4.
492

يقول: لله علي المشي إلى بيته (1). وصحيحة أبي الصباح الكناني: حتى يسمي
الله شيئا (2).
ومقتضى كلام الأكثر اعتبار خصوص لفظ الجلالة، واكتفى الشهيد في
الدروس بأحد الأسماء الخاصة (3). وفيه إشكال. ولو أبدل لفظ الجلالة بمرادفه من
الألفاظ الغير العربية ففي الانعقاد إشكال.
السادسة: لا أعرف خلافا بين الأصحاب في اشتراط نية القربة مع الصيغة،
فلو قصد منع نفسه لا لله لم ينعقد، للأخبار الدالة على اشتراط أن يقول: لله علي كذا.
كصحيحة منصور (4) وصحيحة أبي الصباح (5) وموثقة إسحاق بن عمار (6) إذ الظاهر
اشتراط القول به مع قصد معناه، حتى لا يكفي القول به من غير أن يقصد المعنى.
والمستفاد من الأخبار أنه يكفي ذلك من غير اشتراط جعل القربة غاية بعد
الصيغة بأن يقول بعد الصيغة ثانيا: لله أو قربة إلى الله، ونحو ذلك. وقرب ذلك
الشهيدان (7) وغيرهما، خلافا لبعض الأصحاب (8).
وعلى ما اخترناه فالمراد بنية القربة أن يقصد بقوله: «لله» معناه. ولو اعتقد أنه
إن كان كذا فلله علي كذا من غير أن يتلفظ بالجلالة ففي الانعقاد قولان، أشهرهما
العدم، وهو الأقرب، للأخبار الدالة على اعتبار النطق (9).
السابعة: لا ينعقد نذر الغضب واللجاج، وهو النذر بالطلاق والعتاق، كقوله:
زوجتي طالق، أو عبدي حر إن فعلت كذا.

(1) الوسائل 16: 182، الباب 1 من أبواب النذر والعهد، ح 1.
(2) الوسائل 16: 182، الباب 1 من أبواب النذر والعهد، ح 2.
(3) الدروس 2: 149.
(4) الوسائل 16: 182، الباب 1 من أبواب النذر والعهد، ح 1.
(5) الوسائل 16: 182، الباب 1 من أبواب النذر والعهد، ح 2.
(6) الوسائل 16: 189، الباب 6 من أبواب النذر والعهد، ح 1.
(7) الدروس 2: 150، المسالك 11: 316.
(8) السرائر 3: 58 و 64.
(9) الوسائل 16: 182، الباب 1 من أبواب النذر والعهد.
493

الثامنة: يعتبر في متعلق النذر أن يكون مقدورا، أعني: أمكن فعله عادة وإن
لم يكن مقدورا حال النذر، لامتناع التكليف بالممتنع.
ويعتبر كونه طاعة بأن يكون واجبا أو مندوبا على الأشهر الأقرب، لاشتراط
القربة في النذر.
وقيل: يجوز كونه مباحا متساوي الطرفين دينا ودنيا (1).
واستقربه الشهيد في الدروس (2) استنادا إلى ما رواه الشيخ عن الحسن بن
علي، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: قلت له: إن لي جارية ليس لها مني مكان ولا
ناحية، وهي تحتمل الثمن، إلا أني كنت حلفت فيها بيمين، فقلت: لله علي أن لا
أبيعها أبدا، ولي إلى ثمنها حاجة مع تخفيف المؤنة، فقال: ف لله بقولك (3). نظرا إلى
أن البيع مباح إذا لم يقترن بعوارض مرجحة، وإطلاقه أعم من وجودها.
والجواب: ضعف الرواية. وقوله: «لله» شاهد على اقتران عارض مرجح، مع
أن دلالة الأمر بالوفاء على الوجوب غير واضحة.
وروى زرارة في الموثق الذي لا يقصر عن الصحاح قال: قلت لأبي
عبد الله (عليه السلام): أي شيء لا نذر في معصية؟ فقال: كل ما لك فيه منفعة في دين أو دنيا
فلا حنث لك فيه (4). والسبب إذا كان طاعة وكان النذر شكرا لزم. ولو كان زجرا لم
يلزم، وبالعكس لو كان السبب معصية.
فروع متفرقة:
الأول: لو قال: «لله علي نذر» واقتصر لم ينعقد، لقوله (عليه السلام): ليس النذر بشيء
حتى تسمي لله شيئا، صياما، أو صدقة، أو هديا، أو حجا (5). ولو قال: لله علي أن

(1) حكاه في المسالك 11: 318.
(2) الدروس 2: 150.
(3) التهذيب 8: 310، ح 1149.
(4) الوسائل 16: 199، الباب 17 من أبواب النذر والعهد، ح 1.
(5) الوسائل 16: 182، الباب 1 من أبواب النذر والعهد، ح 2.
494

أفعل قربة. انعقد، ويبر بفعل كل قربة من صدقة، أو صيام، أو صلاة ركعتين، أو غير
ذلك من الطاعات. وقيل: يبر بفعل مفردة الوتر (1). وفيه إشكال، لأن المستفاد من
النصوص أن الوتر اسم للركعات الثلاث لا لخصوص المفردة، ومشروعية فعلها
على الانفراد غير ثابتة.
ومن نذر في سبيل الله صرفه في وجوه البر من الصدقة، ومعونة الحاج
والزائرين، وطلبة العلم، وعمارة المساجد والقناطر ونحو ذلك.
الثاني: المشهور بين الأصحاب أن من نذر أن يتصدق بجميع ما يملكه لزم
نذره مطلقا، فإن لم يخف ضررا من الصدقة لزمه أن يتصدق به، وإن خاف الضرر
قوم ماله وجاز له التصرف فيه والانتفاع به، ويضمن قيمته في ذمته، ثم يتصدق به
على التدريج إلى أن يتم. ومستند هذا الحكم رواية محمد بن يحيى الخثعمي (2)
وهي صحيحة أو موثقة معمولة بين الأصحاب، فيجب العمل به.
وفي المسالك: أن اللازم من عدم انعقاد المرجوح أنه يلزم فيما لا يضر بحاله،
وما أضر بحاله أو كان ترك الصدقة به أولى لم ينعقد نذره (3). واستشكل ذلك بأن
الواقع نذر واحد، والمنذور مرجوح، فلا وجه لانعقاده في البعض وصحته في
البعض (4) (5). ولو تعلق نذر الصدقة بعين بعض ماله، وكان الأولى خلافه، والضرر
يندفع بتقويمه ففي انسحاب الحكم فيه وجهان.
الثالث: لو نذر يوما معينا فاتفق له السفر أو المرض أو حاضت المرأة وجب
الإفطار، وقد قطع الأصحاب بأنه يجب القضاء. ومستنده صحيحة علي بن
مهزيار (6) ودلالتها على الوجوب غير واضحة.

(1) حكاه في نهاية المرام 2: 353.
(2) الوسائل 16: 197، الباب 14 من أبواب النذر والعهد، ح 1.
(3) المسالك 11: 365.
(4) كذا في الأصل أيضا، ولعل الصحيح: وعدم صحته في البعض.
(5) نهاية المرام 2: 356.
(6) الوسائل 16: 194، الباب 10 من أبواب النذر والعهد، ح 1.
495

ولو اتفق ذلك اليوم في رمضان صامه عن رمضان ولم يجب عليه القضاء. ولو
اتفق ذلك يوم عيده أفطره إجماعا، وهل يجب عليه القضاء؟ فيه قولان، أشهرهما
العدم. وذهب جماعة منهم: الشيخ إلى الوجوب (1) استنادا إلى صحيحة علي بن
مهزيار. ولعل الأول أقرب.
ولو شرط صومه سفرا وحضرا صام وإن اتفق في السفر على الأشهر الأقرب،
لصحيحة علي بن مهزيار (2) واستضعفها المحقق (3) وهو غير متجه.
ولو عجز عن الصوم المنذور أصلا سقط. وهل يجب عليه أن يتصدق لكل يوم
بمد؟ نفاه الأكثر، للأصل. وأثبته الشيخ (4). لورود الأمر به في عدة روايات (5).
ودلالتها على الوجوب غير واضحة.
الرابع: ما لم يعين بوقت يلزم الذمة مطلقا. وما قيد بوقت يجب إيقاعه فيه
والكفارة مع الإخلال. وما علقه بشرط ولم يقرنه بزمان قولان، والأشهر الأقرب
عدم التضيق. وعن ابن حمزة: يتضيق فعله عند الشرط (6).
ولو نذر الصوم في مكان معين قال الشيخ: صام أين شاء (7). وقيل: يجب
المعين (8) وهو أقرب. وقيل: يتعين ذو المزية دون غيره (9).
ولو نذر الصلاة في وقت مخصوص انعقد النذر وتعين الوقت، فلا يجزي في
غيره. ونقل بعضهم إجماع العلماء على ذلك (10). واختلفوا في نذر الصلاة في مكان
مخصوص هل يتعين مطلقا، أم لا يتعين إلا مع المزية كالمسجد؟ والأول أقرب،

(1) النهاية 3: 56.
(2) الوسائل 7: 139، الباب 10 من أبواب من يصح منه الصوم، ح 1.
(3) المعتبر 2: 684.
(4) النهاية 3: 67.
(5) الوسائل 7: 285، الباب 15 من أبواب الصوم الواجب.
(6) الوسيلة: 350.
(7) حكاه عنه في نهاية المرام 2: 361.
(8) نهاية المرام 2: 361.
(9) التنقيح 3: 526.
(10) المسالك 11: 354.
496

لأن النذر تعلق بها على هذا الوجه، وهي بهذا القيد عبادة فيجب. وإن قلنا بتعين
ذي المزية خاصة لم يصح له العدول إلى ما دونه ولا إلى ما يساويه. وهل ينعقد
بالنسبة إلى ما فوقه؟ فيه وجهان.
الخامس: من نذر أن لا يبيع مملوكا له لزم النذر إن كان له رجحان. وإن اضطر
إلى بيعه لم يجز عند الشيخ في النهاية (1) والقاضي (2) استنادا إلى رواية الوشاء (3).
والأقرب الجواز، وعليه سائر المتأخرين، لعموم الأدلة. ورواية الوشاء محمولة
على ما لم يبلغ حد الاضطرار.
السادس: لو نذر إن برأ مريضه أو قدم مسافره كذا، فبان البرء والقدوم قبل
النذر لم يلزم، لأن الظاهر الالتزام بالمنذور إن حصل هذا الشرط بعد النذر، فلا
يجب بدونه، ويدل عليه صحيحة محمد بن مسلم (4) وغيرها.
المبحث الثالث في العهد
وصورته أن يقول: «عاهدت الله، أو علي عهد الله» ونحو ذلك. واختلف كلام
الأصحاب في العهد، فالفاضلان جعلا حكمه حكم اليمين، فينعقد فيما تنعقد فيه
ويبطل فيما تبطل (5) والشيخ والشهيد في النهاية والدروس (6) جعلا حكمه حكم النذر.
ويظهر فائدة الخلاف في انعقاد العهد على المتساوي الطرفين دينا أو دنيا،
وفي ما إذا لم يعلق بشرط، ومن لم يفرق في الأمرين بين اليمين والنذر لم يكن
عنده في هذا الخلاف فائدة.
واستدل على إلحاقه باليمين برواية علي بن جعفر، عن أخيه (عليه السلام). قال: سألته
عن رجل عاهد الله في غير معصية، ما عليه إن لم يف بعهده؟ قال: يعتق رقبة، أو

(1) النهاية 3: 60.
(2) المهذب 2: 412.
(3) الوسائل 16: 201، الباب 17 من أبواب النذر والعهد، ح 11.
(4) الوسائل 16: 188، الباب 5 من أبواب النذر والعهد، ح 2.
(5) الشرائع 3: 193، القواعد 3: 295.
(6) النهاية 3: 62 - 63، الدروس 2: 157.
497

يتصدق بصدقة، أو يصوم شهرين متتابعين (1). فعلق الكفارة على العهد في غير
معصية الشامل للمباح.
قال في المسالك: هو شامل للمكروه وما هو خلاف الأولى من المباح، إلا أن
ذلك خارج بالإجماع (2) والرواية ضعيفة.
ولو تعلق بما الأولى مخالفته في الدين والدنيا فقد صرح جماعة من
الأصحاب منهم: الشيخ والمحقق بأن له المخالفة إن شاء ولا كفارة (3) وهو حسن.
ويدل على عدم اعتبار التعليق رواية أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام) قال: من
جعل عليه عهد الله وميثاقه في أمر طاعة فحنث فعليه عتق رقبة، أو صيام شهرين
متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا (4). وهذه الرواية أيضا ضعيفة، وتدل بحسب
مفهومها على اعتبار كونه طاعة. والمسألة محل تردد.
ويشترط فيه القصد كالنذر، إذ لا حكم للقول المعرى عن قصد بلا خلاف.
وهل ينعقد العهد بالضمير والاعتقاد؟ قيل: نعم، وهو قول الشيخين والقاضي وابن
حمزة (5) استنادا إلى وجوه مدخولة. وقيل: لا، وهو قول ابن الجنيد وابن إدريس
والفاضلان (6) وباقي المتأخرين. ولعله أقرب، لعدم ما يدل على انعقاده بمجرد
الضمير، فيكون الأصل فيه سالما عن المعارض.

(1) مسائل علي بن جعفر: 306، ح 772.
(2) المسالك 11: 395.
(3) النهاية 3: 63، الشرائع 3: 193.
(4) الوسائل 16: 206، الباب 25 من أبواب النذر والعهد، ح 2.
(5) لم نعثر عليه في كتب الشيخ المفيد، حكاه عنه في المسالك 11: 397، النهاية 3: 54،
المهذب 2: 409، حكاه في المسالك 11: 397، انظر الوسيلة: 350 - 351.
(6) السرائر 3: 64 و 66، الشرائع 3: 193، القواعد 3: 295.
498

كتاب الإقرار
499

كتاب الإقرار
والنظر فيه في الأركان واللواحق، ففيه أبحاث:
الأول
الإقرار لغة على ما فسره الجوهري: الاعتراف، وفسره في القاموس
بالإذعان للحق. وعرفه بعض الأصحاب بأنه إخبار الإنسان بحق لازم له (1) ولا
خلاف بين العلماء في أن إقرار البالغ العاقل الحر الجائز التصرف على نفسه جائز.
والأخبار الواردة بذلك تكاد تبلغ حد التواتر (2).
ولا يختص الإقرار بلفظ، بل يكتفى بكل لفظ يفيد الإخبار بأي لغة كان،
لاشتراك الجميع في التعبير عما في الضمير. وادعى العلامة في التذكرة الإجماع
على ذلك (3).
والمعتبر في ذلك الدلالة العرفية دون اللغوية، لأن الظاهر من حال المتكلم أنه
يتكلم بحسب عرفه، ويتفرع على هذا الأصل أحكام كثيرة.
ولو قال: إن شهد لك فلان فهو صادق. فالأقرب أنه ليس إقرارا، كما ذهب إليه
أكثر المتأخرين، لأن المفهوم من هذه العبارة عرفا أن هذه الشهادة ممتنع الوقوع

(1) المختصر النافع: 233.
(2) الوسائل 16: 110، الباب 3 من أبواب الإقرار.
(3) التذكرة 2: 144 س 22.
500

من الشخص المذكور، لامتناع الكذب عليه بحسب اعتقاد المتكلم، فالغرض أن
ذلك لا يصدر عنه. ومثل هذا في محاورات الناس خصوصا العوام كثير. فيقال: إن
شهد فلان أني لست من أبي فهو صادق. وإن قال فلان: أني واجب القتل فهو
صادق. وقال الشيخ: بأنه يلزم الإقرار (1) وتبعه عليه جماعة منهم: المحقق (2).
استنادا إلى حجة ضعيفة. والمعتبر النظر إلى القرائن والخصوصيات الواقعة في
كل مقام.
وقد ذكر العلامة في التذكرة أن اللفظ قد يكون صريحا في التصديق، فينضم
إليه قرائن تصرفه إلى الاستهزاء والتكذيب كطريقة أداء اللفظ وحركة الرأس الدالة
على الإنكار وشدة التعجب، كما إذا ادعى عليه أحد أنه أقرضه مالا فقال له:
صدقت. على سبيل الاستهزاء. أو قال: لي عليك ألف. فقال في الجواب: لك علي
الوف (3) والأمر كما ذكره.
ولو قال: له علي كذا إن شهد به فلان. لا يكون إقرارا، اتفاقا.
ولو قال: لك علي كذا إن شئت، أو إن شئت، لم يكن إقرارا. وكذا لو قال: إن
قدم زيد، أو إن رضي فلان.
ويكفي في الإقرار الإشارة المفهمة والألفاظ الدالة على الإقرار صريحا،
منها: ما يفيد الإقرار بالدين صريحا كقوله: في ذمتي كذا، ومنها: ما يفيده ظاهرا
كقوله: علي كذا. ومنها: ما يفيد الإقرار بالعين صريحا كقوله: له في يدي كذا، ومنها:
ما يفيده ظاهرا كقوله: عندي. وقد يكون اللفظ صالحا للأمرين، كقوله: لدي.
ولو قال: عليك كذا؟ فقال: نعم، أو أجل. فهو إقرار. ولو قال: بلى. فكذلك، لأن
أهل العرف لا يفرقون بينها وبين «نعم» في جواز وقوعها في جواب الخبر المثبت.

(1) المبسوط 3: 22.
(2) الشرائع 3: 143، جواهر الفقه: 91، الجامع للشرائع: 340، الإرشاد 1: 408.
(3) التذكرة 2: 144 س 36.
501

ونحوها: صدقت، وبررت، وقلت حقا وصدقا. وكذا لو قال أليس عليك كذا؟
فقال: بلى. ولو قال: نعم. ففيه قولان. ولو قال: أنا مقر. لم يلزمه، إلا أن يقول «به، أو
بدعواك» إلا أن تدل القرائن على المقصود.
ولو قال: أجلتني بها أو أقبضتكها، فقد أقر وانقلب مدعيا على ما قطع به
الأصحاب. وظاهر التذكرة أنه موضع وفاق بين العلماء (1). لدلالته التزاما على
ثبوتها في ذمته، وادعاؤه التأجيل أو القبض يحتاج إلى بينة، وإن لم يثبت الإجماع
على الحكم المذكور كان للتأمل فيه مجال. وكذا لو قال: بعته أو وهبته. كان إقرارا
على ما ذكروا.
وحيث يكون إقرارا هل يكون إقرارا للمخاطب بالملكية السابقة؟ فيه
وجهان، أقربهما العدم، لاحتمال أن يكون وكيلا في ذلك. نعم هو إقرار للمخاطب
باليد، فإذا ادعى الملكية ولم يوجد له منازع حكم له به.
ولو قال: اشتر مني أو اتهب فقال: نعم. كان إقرارا، ويجري فيه الخلاف في
كونه إقرارا بالملك أم مطلق اليد.
ولو قال: لي كذا. فقال: اتزن، أو انتقد. لم يكن شيئا، وكذا لو قال: اتزنها أو
انتقدها، لأن هذه الصيغة كثيرا ما يستعمل في الاستهزاء والمبالغة في الجحود.
ومثله: اشدد ميزانك وهيئ هميانك، وأمثال ذلك.
وإطلاق الإقرار بالوزن ينصرف إلى ميزان البلد، وكذا الكيل، وكذا الدراهم
والدنانير تنصرف إلى نقد البلد، وأما غير الدراهم والدنانير كما لو قال: له علي
وزن درهم فضة، أو مثقال ذهب، فلا يجب حمله على النقد الغالب. ومع التعدد
ينصرف إلى الغالب الشائع المتبادر إلى الأذهان، ومع التساوي يرجع في التعيين
إلى المقر، ولو تعذر الرجوع إليه بموت ونحوه اعتبر الأقل، أخذا بالمتيقن.

(1) انظر التذكرة 2: 166 س 20.
502

البحث الثاني في شروط المقر والمقر له
ويشترط في المقر البلوغ، فلا ينعقد إقرار الصبي وإن كان مميزا. ولو جوزنا
وصية الصبي في المعروف جوزنا إقراره بها، لأن من ملك تصرفا جاز له الإقرار به.
ويشترط العقل، فلا ينعقد إقرار المجنون. ولو كان يعتوره الجنون أدوارا انعقد
إقراره وقت إفاقته.
ولا ينعقد إقرار السكران، سواء شرب مختارا أم لا، خلافا لابن الجنيد، حيث
ألزمه بإقراره إن كان شرب باختياره (1) وهو ضعيف.
ولا المكره. ولا فرق بين من ضرب حتى الجئ إلى الإقرار، وبين من هدد عليه
بإيقاع مكروه لا يليق بمثله تحمله عادة من ضرب وشتم وأخذ مال ونحو ذلك.
ولو ظهر أمارات الاختيار كأن يكره على أمر فأقر بغيره أو بأزيد منه قبل.
والمحجور عليه للسفه لا يقبل إقراره بمال، ويقبل في غيره كالطلاق
والخلع وغيرهما.
ولو أقر بسرق قبل في الحد لا في المال.
والمفلس لا ينفذ إقراره في حق الغرماء، ولو أقر بدين فالأقرب أنه إن فضل
عن الغرماء شيء من ماله اخذ منه، وإلا انتظر يساره.
ولو أقر بعين فإن فضلت دفعت إلى المقر له، وإلا لزمه مثلها أو قيمتها على
الأقرب.
وأما المملوك فلا أعرف خلافا بين الأصحاب في عدم نفوذ إقراره، لا بالمال
ولا بغيره، ودعوى الإجماع على ذلك مذكورة في كلامهم.
ولا إشكال في نفوذ إقراره مع تصديق مولاه. فلو أقر بمال وصدقه المولى
وكان عين المال موجودا كالسرقة الموجودة دفعت إلى المقر له، وإن كانت تالفة،

(1) حكاه في المختلف 6: 47.
503

أو لم يصدقه المولى، أو كانت مستندة إلى جناية أو إتلاف مال فالظاهر أنه تعلق
بذمته يتبع به بعد العتق.
ولو كان مأذونا في التجارة فأقر بما يتعلق بها فالمشهور أنه ينفذ فيما في يده.
واستشكله العلامة في التذكرة (1). والأقرب النفوذ فيما هو من لوازم التجارة عرفا،
إذ دل الإذن في التجارة على الإذن فيما يتعلق به تضمنا أو التزاما.
قال بعض الأصحاب: لو قلنا: إنه يملك مطلقا أو على بعض الوجوه نفذ إقراره
بما حكم له به. وهو حسن.
ولا يعتبر عدالة المقر على الأشهر الأقرب، لعموم الأدلة، وفيه خلاف للشيخ
على ما نقل (2).
ولو كان الصبي في سن يحتمل البلوغ فهل يقبل إقراره بالبلوغ؟ قيل: نعم إذا
فسره بالاحتلام لا الإنبات، لإمكان العلم به بالمشاهدة (3). وإن فسره بالسن فقيل:
يقبل (4). وقيده في التذكرة بما إذا كان غريبا أو خامل الذكر، لعسر إقامة البينة عليه
كالمني (5). ورجح بعضهم أنه لا يقبل بدون البينة مطلقا، لإمكان إقامتها عليه في
جنس المدعى، ولا ينظر إلى حال المدعي وعجزه مع كون الجنس في ذاته
مقدورا (6). والمسألة محل تردد.
ويشترط في المقر له أهلية التملك، فلو أقر لبهيمة لم يقبل. ولو أقر لعبد صح
وكان للمولى.
البحث الثالث في المقر به
وهو إما مال، أو نسب، أو حق كالقصاص وخيار الشفعة. وينعقد الإقرار بكل
واحد من هذه الثلاثة، لعموم: إقرار العقلاء على أنفسهم جائز.

(1) التذكرة 2: 147 س 27.
(2) المسالك 11: 88.
(3) المسالك 11: 99.
(4) المسالك 11: 99.
(5) التذكرة 2: 146 س 6.
(6) المسالك 11: 99.
504

ولا يعتبر في المال المقر به أن يكون معلوما، إذ ربما كان على ذمة المقر
ما لم يعلم قدره، فدعت الحاجة إلى الإقرار به ليتوصل إلى براءة الذمة عنه بالصلح
أو الإبراء.
ويعتبر في المقر به أن يكون تحت يد المقر وسلطنته، بحيث يحكم له به
ظاهرا، وإلا لم يكن الإخبار عنه إقرارا، بل شهادة.
ولو قال: له علي مال قبل تفسيره بما يملك وإن قل، وهو مجمع عليه بين
العلماء على ما في التذكرة (1) لصدقه على القليل، وأصالة البراءة من الزائد. وهل
يندرج فيه غير المتمول؟ قيل: لا (2). وقيل: نعم (3). ويشكل بعدم ثبوته في الذمة،
وعدم صدق المال عليه عرفا. ولو قال: شيء. جاز أن يفسر بما يثبت في الذمة
قليلا كان أو كثيرا، عينا كان أو منفعة، أو غيرهما.
وصرح العلامة في التذكرة بأنه لا يعتبر في المقر به أن يكون متمولا إذا كان
من جنس ما يتمول كحبة الحنطة، لأنه شيء يحرم غصبه ويجب رده إلى مالكه (4).
واستشكل بأن ما لا يتمول لا يثبت في الذمة وإن حرم غصبه، والكلام يقتضي
ثبوته في الذمة.
ولو قال: له عندي شيء اتجه تفسيره بما ذكر، ولو فسره برد السلام وتسميت
العاطس ففي القبول وجهان.
ولو قال: له علي ألف درهم. رجع في تفسير الألف إليه، لوقوعها مبهمة، فكان
له تفسيرها بما شاء، حتى لو فسرها بحبات الحنطة قبل، كما في التذكرة (5) ولو قال:
له علي مائة وعشرون درهما. فالكل دراهم، لدلالة العرف على ذلك، وكذا الكلام
في أمثاله، وهو قول الأكثر.
وذهب العلامة في المختلف إلى أنه لو قال: له علي ألف وثلاثة دراهم، أو مائة

(1) التذكرة 2: 152 س 36.
(2) الإرشاد 2: 409.
(3) حكاه عن التذكرة في مجمع البرهان 9: 428.
(4) التذكرة 2: 151 س 24.
(5) التذكرة 2: 154 س 23.
505

وخمسون درهما. رجع إليه في تفسير الألف والمائة، لاحتمال أن يكون الدراهم
والدرهم تفسيرا للأخير (1). وعن بعضهم: أنه يعود إلى الذي يليه خاصة (2).
ولو أقر بشيء مؤجلا فإن فصل وصف التأجيل عن الكلام المتقدم الدال
بظاهره على التعجيل بسكوت طويل ونحوه لم يقبل دعوى التأجيل.
وإن ذكره موصولا من غير فصل بسكوت أو كلام أجنبي، فأنكر الغريم الأجل
ففيه قولان:
أحدهما: أنه لا يقبل منه التأجيل، لأن الأجل دعوى زائدة على أصل الإقرار،
فلا تسمع. وإليه ذهب الشيخ في أحد قوليه (3). وهو قول المحقق (4) والعلامة في
جملة من كتبه (5).
وللشيخ قول آخر بأنه يقبل قوله في الأجل، كما يقبل قوله في أصل
الإقرار (6). وإليه ذهب العلامة في التذكرة والمختلف (7) لأنه أقر بالحق المؤجل فلا
يلزم غيره، لأن الكلام لا يتم إلا بآخره، ولا يحكم على المتكلم إلا بعد إكماله.
وروى الشيخ عن هشام بن سالم في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان
أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يأخذ بأول الكلام دون آخره (8). وهذا القول عندي هو
الأصح.
ولو قال: ابتعت بخيار، وأنكر البائع الخيار، فقيل: يقبل قوله في البيع دون
الخيار. وهو الأشهر، وقيل: يقبل قوله في الجميع. وهو الأصح، لأن الكلام جملة
واحدة لا يتم إلا بآخره، وإنما يحكم بإلغاء الضميمة إذا كانت مناقضة لما تنضم
إليه، وهاهنا ليس كذلك.

(1) المختلف 6: 41.
(2) انظر مجمع الفائدة 9: 445.
(3) الخلاف 3: 377، المسألة 28.
(4) انظر الشرائع 3: 144.
(5) المختلف 6: 46.
(6) المبسوط 3: 35.
(7) المختلف 6: 46، التذكرة 2: 145 س 18.
(8) التهذيب 6: 310، ح 853.
506

ولو قال: له علي ألف، وقطع كلامه، ثم قال: إن الألف ثمن لمبيع لم أقبضه،
لزمه الألف والباقي محض دعوى، ولو وصل بإقراره بالألف قوله: من ثمن مبيع،
ثم قطع، ثم قال: لم أقبضه، ففيه قولان:
أحدهما: عدم قبول قوله الأخير «لم أقبضه» لانفصاله عن الأول. وهو اختيار
المحقق (1).
وثانيهما: قبوله، لأن كونه من ثمن مبيع مقبول، لاتصاله، وهو أعم من غير
المقبوض، ففسره أخيرا ببعض محتملاته الموافق للأصل، فعلى البائع إثبات
القبض. وهو اختيار الشيخ في الخلاف والمبسوط (2).
ولو أتى بمجموع الكلام متصلا ففيه قولان، والأقرب أنه يقبل، لأن الإقرار
وقع على هذا الوجه.
البحث الرابع في اللواحق
وفيه مسائل:
الاولى: لا خلاف في أن الاستثناء جار في الإقرار وغيره، وهو منقسم إلى
متصل ومنفصل، ويسمى منقطعا، ومن شرط صحة الاستثناء اتصال المستثنى
بالمستثنى منه عادة، فلا يضر قطعه بنفس وسعال ونحوهما مما لا يعد انفصالا
عرفا. والظاهر صحة الاستثناء المنقطع، ويظهر من بعض عبارات الأصحاب وقوع
الخلاف في ذلك.
الثانية: إذا أشهد بالبيع وقبض الثمن، ثم أنكر القبض في ما بعد وادعى أنه
أشهد تبعا للعادة من غير قبض، ففي قبول دعواه قولان، أشهرهما ذلك، ومعنى
ذلك أنه تسمع دعواه المواطاة ويتوجه اليمين على المشتري بالإقباض، وهذا

(1) الشرائع 3: 155.
(2) الخلاف 3: 375، المسألة 24، المبسوط 3: 34.
507

القول أقرب، لأنه لا ينكر إقراره الأول، بل يدعي أمرا آخرا يوافق العادة، فيسمع
دعواه ويتوجه اليمين على المشتري، لأنه في مقابل الدعوى حينئذ. وقيل: لا
تسمع (1) لأنه مكذب لإقراره. وجوابه يظهر مما قلنا. هذا كله إذا كانت الشهادة على
إقراره، أما لو شهد الشاهدان على القبض لم يقبل إنكاره، ولا يمين على المشتري.
الثالثة: لا خلاف بين العلماء في ثبوت النسب بالإقرار. والصفات المعتبرة
في المقر مطلقا معتبرة هاهنا مع زيادة شروط.
والمقر بنسبة إما ولد وإما غيره، فإن كان ولدا اعتبر فيه امور:
الأول: إمكان البنوة، فلو أقر ببنوة من هو أسن منه أو مساويه أو أصغر منه
بقدر لا يمكن تولده منه عادة لم ينفذ، وكذا لو كان بين المقر وبين ام الولد مسافة لا
يمكن الوصول في مثل عمر الولد إليها، أو علم عدم وصول المقر إليها.
الثاني: أن لا يكذبه الشرع بأن يكون الولد ثابت اللحاق بغيره، لأن النسب
الثابت من شخص لا ينتقل إلى غيره، ولا فرق بين تصديق المستلحق وتكذيبه.
الثالث: أن لا ينازعه في الدعوى من يمكن اللحاق به، فإن الولد حينئذ لا
يلحق بأحدهما إلا بالبينة أو القرعة.
واعلم أن الحكم في الأب إذا كان مقرا كذلك، وهل يلحق الام به؟ فيه قولان،
نظرا إلى عموم الأدلة الدالة على نفوذ الإقرار بالولد. وأن ذلك إثبات نسب غير
معلوم، فيقتصر فيه على موضع اليقين، وهو إقرار الرجل، مع وجود الفارق بينهما،
وهو أن للام سبيلا إلى الإثبات غالبا بإثبات الولادة دون الأب.
ولا يشترط تصديق الصغير عند الأصحاب، لا أعرف فيه خلافا. ولا يتوقف
نفوذ الإقرار به على بلوغه وتصديقه بلا خلاف أعرفه. ولا أعرف خلافا بينهم في
أنه إذا بلغ وأنكر لم يقبل إنكاره. والأكثر على أنه لابد في الكبير من التصديق.
وظاهر كلام الشيخ في النهاية عدم اعتبار التصديق في الولد وإن كان كبيرا (2). وفي

(1) حكاه في الشرائع 3: 156.
(2) النهاية 3: 272.
508

التذكرة: إذا أقر بالولد وحصلت الشرائط ثبت النسب بينه وبين الولد، وكذا بين
الولد وبين كل من بينه وبين الأب نسب مشهور (1).
الرابعة: لا يثبت النسب في غير الولد الصلب بمجرد الإقرار بدون تصديق
المقر به عند الأصحاب، إلا أن يقيم البينة على ذلك، والظاهر أنه لا خلاف فيه بين
الأصحاب، وهو في الحقيقة إلحاق لغير المقر، فإنه إذا قال: هذا أخي، كان معناه
أنه ابن أبي أو ابن امي، وكذا باقي الأنساب.
وهل يشترط موت الملحق به؟ فيه قولان. وقطع العلامة بهذا الاشتراط حتى
قال: إن الملحق به ما دام حيا لم يكن لغيره الإلحاق به وإن كان مجنونا (2) وفي
اشتراط أن الملحق به لم ينف المقر به في حياته قولان.
وإذا تصادقا توارثا، لا أعرف فيه خلافا بين الأصحاب. ويدل عليه روايات،
منها: صحيحة سعيد الأعرج (3). ولا يتعدى التوارث إلى غير المتصادقين. لا أعرف
فيه خلافا بين الأصحاب في غير الولد الكبير الذي يعتبر تصديقه، ووجهه أن
النسب لم يثبت بالبينة، بل بالإقرار، فلا يتعدى حكمه إلى غير المقر.
وأما الولد الكبير فاختلف ظواهر كلامهم في حكمه، وقال بعض المتأخرين
بعد نقل اختلاف الظواهر: وليس في المسألة نص يرجع إليه في هذا الحكم،
لكن الذي يقتضيه الأصل عدم التعدي إلى غير المتصادقين، فيقتصر فيه على
موضع الوفاق (4).
ولو كان للمقر ورثة مشهورون لم ينفذ إقراره في النسب، لأن ذلك إقرار في
حق الغير، لأن الإرث ثابت شرعا للورثة المعروفين، فإقراره بوارث آخر يقتضي
منعهم من جميع المال أو بعضه، والأكثر أطلق الحكم كذلك، معللين بما ذكر،

(1) التذكرة 2: 170 س 42.
(2) التذكرة 2: 172 س 31.
(3) الوسائل 17: 570، الباب 9 من أبواب ميراث ولد الملاعنة، ح 2.
(4) انظر المسالك 11: 134.
509

ومقتضى ذلك عدم الفرق فيه بين الولد وغيره، وربما يفهم من عبارة الشيخ في
النهاية اختصاص الحكم بغير الولد (1).
الخامسة: إذا أقر الوارث بحسب الظاهر بوارث أعلى منه مرتبة، كما إذا أقر
الأخ بولد للميت وجب عليه دفع المال إليه. وإن أقر بمشارك دفع إليه ماله بحسب
هذا الإقرار. فلو خلف الميت ابنا فأقر بآخر شاركه بالنصف، ولم يثبت نسبه
بمجرد ذلك، فإن أقرا بثالث شاركهما، ويثبت نسبه إن كان المقران عدلين.
ولو أقر بالثالث أحدهما وأنكر الآخر أخذ المنكر نصف التركة، والمشهور أن
المقر يأخذ ثلث التركة، والآخر السدس، لأنه الفاضل من نصيب المقر باعترافه.
وقيل: إن النصف يقسم بين المقر والثالث بالسوية، لاعتراف المقر بأنه كلما حصل
له شيء كان للثالث مثله، لمساواته له باعترافه، وأن المنكر غصبهما بعض حقهما،
فيكون الموجود لهما، والذاهب عنهما عليهما (2). وهذا القول أقوى.
ولو أقر باثنين دفعة فتناكرا لم يلتفت إلى تناكرهما، لأن استحقاقهما للإرث
يثبت في حالة واحدة بسبب واحد، فلا يكون أحدهما أولى من الآخر.
السادسة: إذا أقر للميتة بزوج دفع إليه مما في يده بنسبة نصيبه، وهو النصف
إن لم يكن للميتة ولد، والربع إن كان لها ولد، وهذا على ما اخترناه من أن الموجود
ينقسم بين المقر والمقر له بمقتضى الشركة، وأما على القول المشهور من أن
الواجب على المقر أن يدفع الفاضل مما في يده عن نصيبه خاصة فلا يستقيم هذا
الحكم على إطلاقه، وجماعة من القائلين بالقول المشهور أطلقوا الحكم هاهنا
كذلك، وهو غير جيد على قولهم.

(1) النهاية 3: 274.
(2) حكاه في المسالك 11: 131.
510

كتاب الجعالة
511

كتاب الجعالة
وفيه مسائل:
الاولى: الجعالة لغة: مال يجعل على عمل. وشرعا: التزام عوض معلوم على
عمل، والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى: (ولمن جاء به حمل بعير) (1).
واختلف كلام الأصحاب في كونها من قسم العقود أو الإيقاعات، فمنهم من
جعلها إيقاعا (2) وكأنه نظر إلى عدم اشتراط تعيين العامل. وإذا لم يكن معينا لا
يتصور للعقد قبول، وعلى تقدير قبول بعض لا ينحصر فيه إجماعا.
ومنهم من جعلها من العقود، وجعل القبول الفعلي كافيا فيها كالوكالة (3)
والمنفي هو القبول اللفظي.
قال في المسالك: وتظهر الفائدة فيما لو عمل العامل بغير قصد العوض ولا
قصد التبرع بعد الإيجاب، فعلى الأول يستحق العوض، لوجود المقتضي له وهو
الصيغة مع العمل، وعلى الثاني لا وإن كان قد عمل، لأن المعتبر من القبول الفعلي
ليس هو مجرد الفعل، بل لابد معه من انضمام الرضى والرغبة فيه لأجله، كما نبه
عليه في الوكالة (4). وصيغة الإيجاب أن يقول: من رد عبدي أو ضالتي أو فعل كذا
فله كذا.

(1) يوسف: 72.
(2) الشرائع 3: 163.
(3) الدروس 3: 98.
(4) المسالك 11: 150.
512

الثانية: تصح على كل عمل مقصود للعقلاء محلل غير واجب، كالخياطة، ورد
الآبق والضالة ونحوها.
والظاهر أنه يجوز أن يكون العمل مجهولا. أما العوض فالمشهور بين
الأصحاب أنه لابد فيه أن يكون معلوما مطلقا.
وذهب بعض الأصحاب إلى جواز الجهالة في العوض إذا كان معينا في
الواقع، بحيث لا يفضي إلى التنازع والتجاذب، كنصف العبد الآبق إذا رده، ومنه
سلب المقتول من غير تعيين، بخلاف جعل العوض ثوبا ودابة ونحو ذلك مما
يختلف كثيرا ويتفاوت أفراده قيمة تفاوتا يفضي إلى التنازع والاختلاف (1). وهذا
القول غير بعيد.
والظاهر أن المعتبر من العلم بالعوض على القول به ما يعتبر في عوض
الإجارة، فتكفي المشاهدة عن اعتباره بالكيل أو الوزن أو العدد. وأطلق بعضهم
اعتبار أحد الثلاثة (2). وحيث كان العوض مجهولا ولم نقل بصحته يثبت بالعمل
اجرة المثل.
ويعتبر في الجاهل أهلية الاستئجار، والظاهر أنه لا يعتبر ذلك في العامل، فلو
رد الصبي المميز الآبق مثلا ولو بدون إذن وليه والمحجور عليه استحق الجعل.
وفي غير المميز والمجنون وجهان.
وإذا عين العمل لواحد فرده غيره كان عمله ضائعا إذا شرط على العامل
العمل بنفسه، أو قصد الراد العمل لنفسه لا نيابة. ولو تبرع أجنبي بالجعل وجب
عليه الجعل مع العمل، ولا يلزم المالك شيء للعامل ولا للباذل، ويستحق الجعل
بالتسليم، فلو جاء به إلى البلد ففر لم يستحق الجعل.
الثالثة: لا أعرف خلافا في أن الجعالة من الامور الجائزة من الطرفين، فلكل
من الجاعل والعامل التسلط على فسخها قبل التلبس بالعمل وبعده.

(1) حكاه عنهم في المسالك 11: 153.
(2) المسالك 11: 154.
513

فإن كان الفسخ قبل التلبس فلا شيء للعامل، إذ لا عمل حتى يقابله عوض،
ولا فرق بين كون الفسخ من قبل العامل أو المالك.
وإن كان بعد التلبس وكان الفسخ من العامل فالمشهور أنه لا شيء له، لأن
المالك لم يجعل له العوض إلا في مقابلة مجموع العمل، ولم يحصل غرضه، ولم
يأت العامل بما شرط عليه العوض، بخلاف الإجارة، فإنها لازمة تستقر الاجرة
بالعمل شيئا فشيئا.
وفي الدروس: لو جعل على خياطة ثوب فخاط بعضه احتمل وجوب حصته،
ويقوى الاحتمال لو مات أو شغله ظالم (1). وما قواه محتمل.
وأما في نحو رد العبد فالظاهر أنه لا يستحق العامل شيئا، لأنه أمر واحد لا
يتقسط العوض على أجزائه.
وإن تلف الثوب في الأثناء فإن كان في يد الخياط فالظاهر أنه لا يستحق
شيئا، لاشتراط الاستحقاق بالتسليم. وإن كان الفسخ من المالك فعليه للعامل
عوض ما عمل، وهل العوض الواجب له حينئذ اجرة المثل أم بنسبة ما فعل إلى
المجموع؟ فيه وجهان، ولا يبعد ترجيح الأخير، خصوصا إذا زاد اجرة المثل
عليه. ولو لم يعلم بالعزل فأتم العمل استحق تمام العوض كالوكيل.
الرابعة: لو سعى في تحصيل الضالة تبرعا لم يستحق اجرة. ولو حصلت
الضالة في يد إنسان قبل الجعل له فلا يستحق اجرة، لما مضى، ولا للتسليم،
لوجوبه عليه إما بالرد أو إعلام المالك بحالها والتخلية بينه وبينها على ما قاله
بعضهم (2). وفصل في التذكرة فقال: نظر فإن كان في رده من يده كلفة ومؤنة كالعبد
الآبق استحق الجعل، وإلا كالدراهم والدنانير فلا، فإن ما لا كلفة فيه لا يقابل
بالعوض (3).

(1) الدروس 3: 100.
(2) المسالك 11: 163.
(3) التذكرة 2: 287 س 14.
514

الخامسة: لو أطلق المالك العوض من غير تعرض لذكره كقوله: من رد عبدي
فله اجرة أو عوض، ونحو ذلك، فللراد اجرة المثل إلا في رد الآبق، فإن فيه
خلافا. والمشهور أنه يثبت برده من مصره دينار، ومن غيره أربعة، ومستنده رواية
مسمع بن عبد الملك (1). والرواية ضعيفة جدا، وبعض الأصحاب عمل بها وإن
نقصت قيمة العبد عن ذلك. وبعضهم ذهب إلى وجوب أقل الأمرين من قيمة العبد
والمقدر المذكور. والشيخ في المبسوط نزل الرواية على الأفضل. والشيخان في
النهاية والمقنعة أثبتا ذلك وإن لم يستدع المالك الرد، نظرا إلى إطلاق الرواية.
وبعض الأصحاب صحح الإعراض عن هذا الحكم أصلا، استضعافا للسند،
واختلاف الأصحاب على وجه لا يجبر ضعف الرواية. وهو متجه.
والمفيد (رحمه الله) ألحق البعير بالآبق وقال: إن ذلك يثبت بالسنة (2). وهو يشعر بورود
نص فيه، ولم يظهر ذلك، فإلحاقه بغيره مما يوجب اجرة المثل متجه. ولو استدعى
الرد من غير أن يتعرض للاجرة أصلا فقيل: لم يكن للراد شيء (3). وفيه خلاف
للشيخين في العبد الآبق (4). وقوى بعضهم أنه إن صرح بالتطوع أو يقصده الراد لم
يكن له شيء، وإلا كان له اجرة المثل (5). وهو غير بعيد.
السادسة: إذا قال: من رد عبدي فله دينار. فرده جماعة كان الدينار لهم
بالسوية إذ لم يصدر الفعل إلا من المجموع، بخلاف ما لو كان الفعل يقبل التعدد
كدخول الدار. وإذا جعل لكل واحد من ثلاثة جعالة منفردة على عمل وخالف
بينهم بالزيادة والنقصان، فإن كان فعلهم لا يقبل الاختلاف كرد الآبق فلكل واحد
ثلث ما جعل له، ولو كانوا أربعة فالربع لكل واحد. وإن كان الفعل يقبل الاختلاف
كخياطة الثوب فخاطه ثلاثة فلكل واحد منهم بنسبة ما عمل إلى مجموع العمل مما
عين له، ولمن لم يعين له من اجرة المثل بنسبة ما عمل إلى المجموع.

(1) التهذيب 6: 398، ح 1203.
(2) المقنعة: 648 - 649.
(3) الشرائع 3: 164.
(4) المقنعة: 648 - 649، النهاية 3: 49.
(5) المسالك 11: 166.
515

السابعة: لو قال: شارطتني، فقال المالك: لا، فالقول قوله مع يمينه، لأنه منكر،
وكذا لو جاء بأحد الآبقين فقال المالك: لم أقصد هذا.
ولو اختلفا في قدر الجعل كما إذا قال المالك: إنه خمسون، والعامل: إنه مائة،
فقد اختلف فيه الأصحاب، فقيل: إن القول قول المالك مع يمينه، فإذا حلف ثبت
اجرة المثل. وهو قول جماعة منهم: الشيخ (1).
أما تقديم قوله، فلأن الاختلاف في فعله، فيقدم فيه كما يقدم في أصل الجعل،
مع أنه منكر بالنسبة إلى دعوى الزائد والأصل براءة ذمته وثبوت اجرة المثل، بناء
على أن اليمين ينفي الزائد ولا يثبت ما يدعيه، ويثبت اجرة المثل، للاتفاق على
أن العمل بعوض ولم يثبت فيه مقدر.
وقيل: القول قول المالك مع يمينه، لما ذكر، لكن يثبت أقل الأمرين من اجرة
المثل وما يدعيه العامل، لاعتراف العامل بعدم استحقاق الزيادة لو كان ما يدعيه
أقل من اجرة المثل، وهذا مختار المحقق (2) والعلامة في التذكرة والتحرير (3)
ووجهه ظاهر بأدنى تأمل.
وقيل: يقدم قول المالك مع يمينه، لكن يثبت حينئذ أقل الأمرين من اجرة
المثل وما يدعيه العامل وأكثر الأمرين منها ومدعى المالك (4). ووجهه ظاهر
بأدنى تأمل.
وفائدة اليمين حينئذ نفي ما يدعيه العامل، فلا إشكال في فائدة اليمين على
تقدير مساواة ما يعترف به المالك لاجرة المثل، أو زيادته عليها.
وقيل: يقدم قول المالك، لكن الثابت بيمينه هو ما يدعيه لا غيره، وهو قول
الشيخ نجيب الدين بن نما (5) وقواه الشهيدان (6) ووجهه أنه ثبت ذلك بالانحصار

(1) المبسوط 3: 333.
(2) الشرائع 3: 166.
(3) التذكرة 2: 289 س 9، التحرير 2: 122 س 28.
(4) حكاه في المسالك 11: 173.
(5) حكاه في الدروس 3: 100.
(6) الدروس 3: 100، المسالك 11: 174.
516

المتفق عليه، وكون المالك منكرا للزائد، وقد حلف على نفيه، مع أن الأصل براءته.
وقيل: إنهما يتحالفان، لأن كل واحد منهما مدع ومدعى عليه، فلا ترجيح
لأحدهما، فيحلف كل منهما على نفي ما يدعيه الآخر. وهو مختار العلامة في
القواعد (1) واعترض عليه بأن العقد متفق عليه، وإنما الاختلاف في زيادة العوض
ونقصانه، فكان كالاختلاف في قدر الثمن في البيع وقدر الاجرة في الإجارة،
والقدر الذي يدعيه المالك متفق على ثبوته منهما، وإنما الخلاف في الزائد، فيقدم
قول منكره.
وقاعدة التحالف أن لا يجتمعا على شيء، بل يكون كل منهما منكرا لجميع ما
يدعيه الآخر.
ثم على تقدير التحالف ففي ما ثبتت بعد التحالف الأوجه المتقدمة من اجرة
المثل والأقل. واختار في القواعد ثبوت أقل الأمرين ما لم يزد ما ادعاه المالك
على اجرة المثل، فيثبت الزيادة (2). والقول الرابع لا يخلو عن قوة.
ولو اختلفا في الجنس كما إذا قال المالك: جعلت درهما. فقال العامل: جعلت
دينارا. ففيه قولان للأصحاب، أحدهما: تقديم قول المالك أيضا، لأن القول قوله
في أصله، فكذا في جنسه، ولأنه اختلاف في فعله، فيرجع إليه فيه. وهو قول
الشيخ (3) وجماعة من الأصحاب منهم: المحقق (4).
وثانيهما: التحالف والرجوع إلى اجرة المثل، إذ ليس هاهنا قدر يتفقان عليه
ويختلفان فيما زاد عليه، بل مجموع ما يدعيه كل منهما ينكره الآخر، وهي قاعدة
التحالف، وصححها الشهيد الثاني (5).
وعلى الأول فإذا حلف المالك تثبت اجرة المثل عند الشيخ (6) وأقل الأمرين

(1) القواعد 2: 218.
(2) القواعد 2: 218.
(3) حكاه في المسالك 11: 176.
(4) الشرائع 3: 166.
(5) المسالك 11: 176.
(6) المبسوط 3: 333.
517

عند المحقق (1) وأقلهما ما لم يزد ما ادعاه المالك عند العلامة (2). ويجيء على قول
ابن نما تعين ما عينه المالك.
قال بعض الأصحاب: الأقوى تفريعا على ثبوت اجرة المثل ثبوتها مطلقا مع
مغايرتها جنسا لما اختلفا في تعيينه، ومع موافقتها لدعوى العامل جنسا فأقل
الأمرين أوجه، ومع موافقتها لدعوى المالك خاصة بأن كان النقد الغالب الذي
يثبت به اجرة المثل هو الذي يدعيه المالك، فثبوت الزائد على اجرة المثل إذا كان
مدعاه الأزيد أجود، وأما أخذ كل واحد من الدعويين باعتبار القيمة ونسبتها إلى
اجرة المثل وإثبات الأقل أو الأكثر فبعيد (3). وما ذكره غير بعيد.
وأما على القول بالتحالف مطلقا إشكال، وهو فيما إذا تساوت الاجرة وما
يدعيه المالك، أو زاد ما يدعيه عنها، فإنه حينئذ لا وجه لتحليف العامل بعد حلف
المالك على نفي الزائد الذي يدعيه العامل، لثبوت ما يدعيه المالك حينئذ
باعترافه، فلا فائدة في تحليف العامل.

(1) الشرائع 3: 166.
(2) القواعد 2: 218.
(3) المسالك 11: 177.
518

كتاب اللقطة
519

كتاب اللقطة
وهي بفتح القاف وسكونها اسم للمال الملقوط، على ما نقل عن جماعة من
أهل اللغة، كالأصمعي وابن الأعرابي والفراء وأبو عبيدة.
وقال الخليل: هي بالتسكين لا غير. وأما بفتح القاف فهي اسم للملتقط، لأن
ما جاء على فعلة فهو اسم للفاعل كهمزة ولمزة، وعلى أي تقدير فهي مختصة لغة
بالمال، والفقهاء تجوزوا في إطلاقها على ما يشمل الآدمي فنضبط مباحث هذا
الكتاب في ثلاثة أقسام:
الأول في الآدمي
ويسمى لقيطا وملقوطا ومنبوذا، وهو الإنسان الضائع غير المستقل بنفسه
الذي لا كافل له. وفي هذا البحث أطراف:
الأول في اللقيط
لا يتعلق حكم اللقيط بالبالغ العاقل، ويتعلق بالطفل غير المميز. وفي الطفل
المميز تردد.
520

ولو كان له أب، أو جد، أو ام، أو غيرهم ممن تجب عليه الحضانة كانوا
مختصين به، ولا يجري فيه حكم اللقيط، فيجبر الموجود منهم على أخذه، ويجب
على من وجده أخذه وتسليمه إلى من يجب عليه حضانته كفاية من باب الحسبة.
ولا أعرف خلافا في أنه لو سبق إليه ملتقط ثم نبذه فأخذه آخر الزم الأول
أخذه، لتعلق الوجوب به فيستصحب. ولو التقط مملوكا صغيرا ذكرا كان أو انثى
لزمه حفظه وإيصاله إلى صاحبه، ولا يجوز تملكه على أحد القولين في المسألة،
لأصالة البقاء على ملك مالكه.
وقطع في القواعد بجواز تملك الصغير بعد التعريف حولا (1). وهو قول
الشيخ (رحمه الله) (2): ولو أبق منه أو ضاع من غير تفريط لم يضمن، ولو كان بتفريط ضمن،
لأن يده يد أمانة شرعية، للإذن له من قبل الشارع فلا يستعقب الضمان إلا بتفريط.
ولو اختلفا في التفريط ولا بينة فالقول قول الملتقط مع يمينه. وهل الحكم في
الكبير كالصغير؟ فيه قولان.
واستحسن بعضهم جواز الالتقاط عند خوف التلف (3).
ويعلم كون الملتقط مملوكا مع الجهل بمالكه برؤيته قبل أن يضيع يباع مرة
بعد اخرى ولا يعلم مالكه، ولا يكفي اللون والقرائن. وإذا التقط المملوك ولم
يوجد له من ينفق عليه تبرعا رفع أمره إلى الحاكم لينفق عليه، أو يبيع شيئا منه
فيها، أو يأمره بذلك، فإن تعذر فالظاهر أنه يجوز أن ينفق عليه الملتقط بنية
الرجوع إلى أن يستغرق قيمته، ثم يبيعه فيها. قالوا: ولو أمكن أن يبيعه تدريجا
وجب مقدما على بيعه جملة، وحينئذ لا يمكن إنفاق الجزء الأخير في النفقة،
لصيرورته حينئذ ملكا لغيره، بل يحفظ ثمنه للمالك الأول.

(1) القواعد 2: 207.
(2) انظر المبسوط 3: 328، وحكاه في المسالك 12: 463.
(3) الشرائع 3: 291.
521

الثاني في الملتقط:
ويشترط فيه البلوغ والعقل، فلا يصح من الصبي والمجنون. وفي اشتراط
الرشد قولان. والظاهر اعتبار الحرية كما قطع به الأصحاب.
ولو أذن المولى له فيه ابتداءا أو أقره عليه جاز، وكان المولى في الحقيقة هو
الملتقط، فيلحقه أحكامها دون العبد.
وهل يعتبر الإسلام؟ فيه قولان، وموضع الخلاف ما إذا كان اللقيط محكوما
بإسلامه، بأن التقط في دار الإسلام أو في دار الكفر وفيها مسلم يمكن تولده عنه،
بخلاف ما لو كان محكوما بالكفر، فإنه لا إشكال حينئذ في جواز التقاط الكافر له،
للأصل السالم عن المعارض. وهل يشترط العدالة؟ فيه قولان، أقربهما العدم.
الثالث في الأحكام:
وفيه مسائل:
الاولى: أكثر الأصحاب على أن أخذ اللقيط واجب على الكفاية، لأنه تعاون
على البر المأمور به في قوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) (1) ولأنه دفع
لضرورة المضطر وإحياء للنفس وصيانتها عن الهلاك في كثير من أفراده.
وذهب المحقق إلى استحبابه، عملا بالأصل (2). وذهب الشهيد في اللمعة إلى
اختصاص الوجوب بصورة الخوف عليه من الضرر (3). واستوجهه الشهيد
الثاني (رحمه الله) (4) وهو متجه.
الثانية: لما كان الأصل في اللقيط الحرية ما لم يثبت خلافها فهو قابل للملك،
لأن له يدا واختصاصا كالبالغ، فيحكم له بملكية ما تحت يده واختصاصه كثيابه

(1) المائدة: 2.
(2) الشرائع 3: 285.
(3) اللمعة: 143.
(4) المسالك 12: 472.
522

الملبوسة والملفوفة عليه والمفروشة تحته، واللحاف المغطى عليه، وما شد عليه أو
على ثوبه أو جعل في جيبه، والدابة التي هو عليها أو عنانها بيده، والمهد الذي هو
فيه، والدنانير الموضوعة تحت فراشه وأمثال ذلك، وفيما يوجد بين يديه وعلى
جانبيه تردد. وكذا لو كان على دكة وعليها متاع، ففي المبسوط حكم له به
مطلقا (1). وقيل: لا يحكم له به (2). وقيل: يحكم مع انضمام قرينة كرقعة معه أو في
ثيابه دالة على ذلك (3). وقيل: لا يحكم له بذلك إلا مع القرينة القوية الموجبة للظن
الغالب بأن كانت الرقعة مسكونا إليه، ونحو ذلك (4). وهو غير بعيد.
الثالثة: مذهب الأصحاب أنه لا يجب الإشهاد عند أخذ اللقيط، للأصل. ونقل
بعضهم اتفاقهم على ذلك (5). وفيه خلاف لبعض العامة.
الرابعة: لا ولاية للملتقط على اللقيط إلا في حضانته وتربيته، فلا ولاية له
على ماله، للأصل. ولا أعرف فيه خلافا. فإذا كان له مال رفع أمره إلى الحاكم، فلو
بادر الملتقط إلى الإنفاق عليه منه من غير استئذان الحاكم مع إمكانه كان ضامنا
على المعروف من مذهبهم. فإن تعذر الحاكم فالظاهر أنه يجوز حينئذ للملتقط
الإنفاق عليه من باب الحسبة، كما يجوز الإنفاق على اليتيم للآحاد عند تعذر
الولي المنفق، لأن ترك الإنفاق يؤدي إلى ضرر الطفل، ووجوبها عليه من ماله مع
وجود مال للطفل إضرار به، وهما منفيان.
ولو لم يوجد للقيط مال ولم يوجد متبرع رفع أمره إلى الحاكم لينفق عليه من
بيت المال أو الزكاة، فإن تعذر ذلك ووجد من ينفق عليه من الزكاة جاز أيضا، وإلا
استعان بالمسلمين، فإن اتفق منهم متبرع فذاك، وإلا كان على المسلمين إنفاقه
كفاية، وهو منهم. وهل للمنفق الرجوع إذا نوى ذلك؟ فيه إشكال. ولو وجد متبرع
فأنفق الملتقط من ماله لم يكن له الرجوع.

(1) المبسوط 3: 337.
(2) الشرائع 3: 285.
(3) التذكرة 2: 272 س 33.
(4) المسالك 12: 473.
(5) المسالك 12: 473.
523

الخامسة: ذكر الأصحاب أنه يحكم بإسلام الملتقط إن التقط في دار الإسلام
مطلقا، أو في دار الحرب وفيها مسلم واحد يمكن تولده منه وإن كان تاجرا أو
أسيرا أو محبوسا. وذكر بعضهم أنه لا يكفي المارة (1)
القسم الثاني في الملتقط من الحيوان
ويسمى ضالة، وفيه مسائل:
الاولى: المعروف بينهم أن أخذها في مواضع الجواز مكروه، لما روي عن
النبي (صلى الله عليه وآله): لا يؤوي الضالة إلا ضال (2) ولما روي عن الباقر (عليه السلام): الضوال لا يأكلها
إلا الضالون (3) وعن الصادق (عليه السلام) قال: الضوال لا يأكلها إلا الضالون إذا لم
يعرفوها (4) ففيه تقييد بعدم التعريف. واستثني من ذلك ما إذا تحقق تلفها، فإنه تزول
الكراهة ويبقى طلقا.
والإشهاد عليها مستحب، لما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) (5) وأوجبه بعض العامة،
عملا بظاهر الأمر، والمستند غير ناهض بالدلالة على الوجوب.
الثانية: البعير إذا وجد في كلاء وماء أو كان صحيحا لا يجوز أخذه عند
الأصحاب، استنادا إلى ما رواه الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: جاء
رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إني وجدت شاة؟ فقال: هي لك
أو لأخيك أو للذئب. فقال: إني وجدت بعيرا، فقال (صلى الله عليه وآله): خفه حذاؤه، وكرشه
سقاؤه، فلا تهجه (6).

(1) المسالك 12: 476.
(2) الوسائل 17: 349، الباب 1 من أبواب اللقطة، ح 10.
(3) الوسائل 17: 348 و 349، الباب 1 من أبواب اللقطة، ح 5 و 7 مع اختلاف.
(4) الوسائل 17: 350، الباب 2 من أبواب اللقطة، ح 4.
(5) سنن أبي داود 2: 136، ح 1709.
(6) الوسائل 17: 363، الباب 13 من أبواب اللقطة، ذيل الحديث 1.
524

ويدل عليه أيضا حسنة هشام بن سالم (1) وصحيحة معاوية بن عمار (2). والحق
به الدابة، واستندوا إلى الاشتراك في الامتناع من صغار السباع.
ورواية السكوني في الضعيف عن أبي عبد الله (عليه السلام): أن أمير المؤمنين (عليه السلام)
قضى في رجل ترك دابته من جهد قال: إن تركها في كلاء وماء وأمن فهي
له يأخذها حيث أصابها، وإن كان تركها في خوف وعلى غير ماء ولا كلاء فهي
لمن أصابها (3).
ورواية مسمع عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول في الدابة:
إذا سرحها أهلها أو عجزوا عن علفها أو نفقتها فهي للذي أحياها. قال: وقضى
أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل ترك دابته، فقال: إن كان تركها في كلاء وماء وأمن
فهي له يأخذها متى شاء، وإن تركها في غير كلاء وماء فهي للذي أحياها (4).
والروايتان ضعيفتان مع معارضتهما لصحيحة عبد الله بن سنان الآتية، لكن الحكم
بمضمونهما هو المعروف من مذهب الأصحاب.
وفي المسالك: وفي معناها البغل، لاشتراكهما في الامتناع من صغار السباع
غالبا (5). وفيه نظر. وتردد المحقق في البقرة والحمار، ثم رجح المساواة (6). وهو
خيرة الشيخ في الخلاف (7). وفي المسالك استجود إلحاق البقرة دون الحمار (8).
والأقرب عدم الإلحاق فيهما، وقوفا على موضع النص.
ولو وجد البعير من جهد أو مرض في غير كلاء ولا ماء فهو لواجده، لا أعرف
فيه خلافا بينهم. ويدل عليه صحيحة عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

(1) الوسائل 17: 363، الباب 13 من أبواب اللقطة، ح 1.
(2) الوسائل 17: 364، الباب 13 من أبواب اللقطة، ح 5.
(3) الوسائل 17: 364، الباب 13 من أبواب اللقطة، ح 4.
(4) الوسائل 17: 364، الباب 13 من أبواب اللقطة، ح 3.
(5) المسالك 12: 494.
(6) الشرائع 3: 289.
(7) الخلاف 3: 579، المسألة 2.
(8) المسالك 12: 495.
525

من أصاب مالا أو بعيرا في فلاة من الأرض قد كلت وقامت وسيبها صاحبها لما
لم يتبعه فأخذها غيره، فأقام عليها، وأنفق نفقة حتى أحياها من الكلال ومن
الموت، فهي له، ولا سبيل له عليها، وإنما هي مثل الشيء المباح (1).
وكذا حكم الدابة والبقرة والحمار إذا تركت من جهد في غير كلاء وماء.
وحيث يأخذه في صورة المنع يكون مضمونا عليه، لأنه كالغاصب، ولا يبرأ
لو تركه في مكانه أو رده إليه، بل إنما يبرأ برده إلى صاحبه مع القدرة، ومع التعذر
سلمه إلى الحاكم، ومع التعذر يبقى في يد قابضه مضمونا إلى أن يجد المالك أو
الحاكم، ويجب الإنفاق. وفي رجوعه مع النية وجهان.
والشاة إذا وجدت في الفلاة فلا خلاف في جواز أخذها، لقوله (عليه السلام) في
صحيحة الحلبي وصحيحة معاوية بن عمار وحسنة هشام بن سالم: هي لك أو
لأخيك أو للذئب (2). ثم يتخير آخذها بين أن يحفظها لمالكها، أو يدفعها إلى
الحاكم، ولا ضمان عليه على التقديرين، وبين أن يتملكها، وفي ضمانه حينئذ قولان:
الأول: - وهو أشهرهما - الضمان إما مطلقا، أو مع ظهور المالك، استصحابا
للملكية السابقة. ولقوله (عليه السلام): على اليد ما أخذت حتى تؤدي (3). وعموم: إذا جاء
طالبه رده إليه (4).
الثاني: عدم الضمان، ولعله أقرب، استنادا إلى الروايات الصحيحة المذكورة،
فإن ظاهر «اللام» الاختصاص بطريق الملك. ويؤيده صحيحة عبد الله بن
سنان السابقة.
وما لا يمتنع من صغير السباع وإن كان أصله الامتناع كأطفال الإبل والبقر
والخيل والحمير والدجاج، فالمشهور بين الأصحاب أن حكمه حكم الشاة في

(1) الوسائل 17: 364، الباب 13 من أبواب اللقطة، ح 2.
(2) الوسائل 17: 363 و 364، الباب 13 من أبواب اللقطة، ح 1 و 5.
(3) عوالي اللآلي 3: 251، ح 3.
(4) الوسائل 17: 354، الباب 4 من أبواب اللقطة، ح 2.
526

جواز تملكها في الفلاة، لمشاركته لها في العلة المجوزة - وهي: كونه في حكم
التالف - ولمفهوم صحيحة الحلبي وغيرها، وفيه نظر. والأقرب أن إلحاقه بالشاة
قياس. وفي الاستناد إلى اصالة بقاء الملك على مالكه أيضا إشكال، لضعف
الاستصحاب مثل موضع البحث، لكن الظاهر اندراجه تحت العمومات الدالة على
حكم لقطة الأموال، فيلحقه حكمها.
وفي جواز أخذ الغزلان واليحامير إذا ملكا ثم ضلا إشكال، فمنهم من منع من
ذلك مطلقا، نظرا إلى عصمة مال المسلم، وادعاء المشاركة مع البعير (1) وفي
التعليلين نظر. ومنهم من استثنى من ذلك ما لو خاف الواجد لها ضياعها من
مالكها، أو عجز مالكها عن استرجاعها، فجوز التقاطها حينئذ (2). ومنهم من جوز
أخذ الضالة مطلقا بنية الحفظ للمالك (3). ولا يبعد إدخالها في العمومات الدالة على
حكم لقطة الأموال. والمسألة محل إشكال.
وإذا وجد الضوال في العمران، فإن كانت الضالة إبلا لم يحل أخذها، لعموم
النص. قالوا: وإن كان غير ممتنع كالشاة وصغير الحيوان لم يصح أخذه. واستدل
عليه بأنها محفوظة عن مالكها، وبأن المفهوم من قوله (عليه السلام): «هي لك أو لأخيك أو
للذئب» أنها في غير العمران وقوله (صلى الله عليه وآله): «الضوال لا يأخذها إلا الضالون»
وقوله (عليه السلام): «لا يمسها، ولا يعرض لها» وفي هذه الأدلة نظر. وعموم صحيحة
الحلبي وحسنته يدل على جواز أخذ الشاة.
قالوا: وحيث يأخذها في موضع المنع يجب إيصالها إلى المالك إن أمكن،
وإلا فإلى الحاكم، ويجب عليه الإنفاق عليها. وبعضهم قال: لا يرجع إلى المالك (4).
وبعضهم توقف فيه (5). فإن لم يجد المالك ولا الحاكم فقد حكم المحقق بأنه ينفق

(1) الشرائع 3: 289.
(2) التذكرة 2: 268 س 20، الدروس 3: 83 - 84.
(3) لم نعثر عليه حكاه عن العلامة في الدروس 3: 84.
(4) المسالك 12: 499.
(5) حكاه عن الدروس في المسالك 12: 499.
527

عليه ويرجع إلى المالك (1). ويظهر من الدروس التوقف فيه (2).
والمشهور عندهم أنه لا يجوز أخذ الشاة، ولو أخذها احتسبها عنده ثلاثة
أيام من حين الوجدان ويسأل عن مالكها، فإن وجده دفعها إليه، وإلا باعها
وتصدق بثمنها. ومستنده رواية ابن أبي يعفور في الضعيف عن الصادق (عليه السلام) أنه
قال: جاءني رجل من أهل المدينة فسألني عن رجل أصاب شاة، قال: فأمرته أن
يحبسها عنده ثلاثة أيام ويسأل عن صاحبها، فإن جاء صاحبها، وإلا باعها
وتصدق بثمنها (3). والرواية ضعيفة، لكنها مشهورة بين الأصحاب.
ولو ظهر المالك ولم يرض بالصدقة ففي الضمان تردد. والظاهر أنه يجوز له
إبقاؤها بغير بيع، أو إبقاء ثمنها إلى أن يظهر المالك أو ييأس منه.
قال بعض الأصحاب: وغير الشاة يجب مع أخذه كذلك تعريفه سنة كغيره من
الأموال، عملا بالعموم، أو يحفظه كذلك، أو يدفعه إلى الحاكم من غير تعريف (4).
والظاهر جواز التقاط كلب الصيد، لأنه مال وحكمه حكم سائر الأموال
الملتقطة، واحتمل بعضهم عدم جواز التقاطه وإن كان مالا، لأنه ممتنع بنفسه، إلا
أن يخاف ضياعه على مالكه (5). وفي حكمه باقي الكلاب الأربعة على الأقرب.
الثالثة: يصح أخذ الضالة لكل بالغ عاقل حر، أما الصبي والمجنون ففيهما
وجهان، ومذهب الشيخ الجواز (6) لأنه اكتساب ولهما أهلية ذلك، كالاحتشاش
والاحتطاب، وينتزع ذلك الولي ويتولى التعريف عنهما سنة، فإن لم يأت مالكه
فإن كان الغبطة في التملك ملكهما وضمنهما، وإلا أبقاها أمانة، وفيه وجه بعدم
الجواز، لاعتبار الأمانة والولاية في هذا الباب وعدم أهليتهما لذلك.
ولعل الأقرب الأول، لعموم الدليل، وهو مذهب الأكثر بل لم ينقل فيه خلاف.

(1) الشرائع 3: 290.
(2) الدروس 3: 82 - 83.
(3) الوسائل 17: 365، الباب 13 من أبواب اللقطة، ح 6.
(4) المسالك 12: 500.
(5) المسالك 12: 500.
(6) المبسوط 3: 324.
528

وفي العبد خلاف، والأشهر الجواز، سواء أذن له المولى أم لا، خلافا لابن
الجنيد، استنادا إلى رواية أبي خديجة.
والأشهر الأقرب عدم اعتبار الإسلام، بل لم ينقل الأصحاب فيه خلافا،
وأولى بعدم الاشتراط العدالة.
الرابعة: إذا احتاجت الضالة إلى النفقة فإن وجد الحاكم رفع أمره إليه، وإن
تعذر فإن وجد متبرعا تعين، وإلا وجب عليه الإنفاق عليها حفظا للنفس
المحترمة. وفي جواز رجوعه إلى المالك مع نية الرجوع قولان، أشهرهما ذلك،
دفعا للضرر والإضرار.
وذهب ابن إدريس إلى عدم الرجوع، استنادا إلى عدم جواز أخذ العوض
على الواجب (1). وفيه منع ظاهر، وإلى أنه إنفاق على مال الغير بغير إذنه، وفيه أن
إذن الشارع في الإنفاق بمنزلة إذن المالك. ولعل الأول أقرب.
الخامسة: إذا كان للقطة نفع كالظهر واللبن والخدمة جاز له الانتفاع بها، وكان
بإزاء النفقة عند الشيخ في النهاية (2). وقيل: ينظر في النفقة وقيمة المنفعة ويتقاصان
وهو أشبه (3).
القسم الثالث في غير ما ذكر من الأموال
مرادنا به هاهنا كل مال ضايع غير الإنسان والحيوان وجد ولا يد عليه، وفي
هذا القسم مسائل:
الاولى: اختلف الأصحاب في لقطة الحرم على أقوال منتشرة:
فذهب المحقق في موضع من الشرائع إلى جواز لقطة ما دون الدرهم منها
وتملكه كغيره، وكره ما زاد منها إذا أخذه بنية التعريف (4). وفي موضع منه حرم

(1) السرائر 2: 110.
(2) النهاية 2: 50.
(3) الشرائع 3: 290.
(4) الشرائع 3: 292.
529

لقطة الحرم قليلها وكثيرها، وأوجب تعريفها سنة ثم يتخير بين الصدقة بها وإبقائها
أمانة (1). ونحو هذا الاختلاف موجود في كلام العلامة (2).
والشيخ في النهاية حرمها مطلقا، ولم يجوز تملك القليل (3). وفي الخلاف
كرهها مطلقا (4).
والشهيد في موضع من الدروس حرمها مطلقا، وأوجب تعريفها سنة، ثم
أوجب الصدقة بها مع الضمان (5). وفي موضع آخر جوز تملك ما دون الدرهم
وكره ما زاد (6).
وفي اللمعة أطلق تحريم أخذها بنية التملك مطلقا، وجوزه بنية الإنشاد
مطلقا (7).
ونقل عن أبي الصلاح بجواز تملكها بعد التعريف كغيرها (8).
والمحرم استند إلى قوله تعالى: (أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا) (9) وهو
يقتضي الأمن في الأموال. وإلى مرسلة إبراهيم بن أبي البلاد (10). ورواية علي بن
أبي حمزة (11) ورواية الفضيل بن يسار (12).
والآية غير دالة على مقصودهم، والأخبار مع قطع النظر عن أسانيدها لا
تقتضي أكثر من الكراهة، وقول أبي الصلاح لا يخلو عن قوة.
ولا يبعد القول بعدم وجوب التعريف فيما دون الدرهم، لما رواه الشيخ عن
ابن أبي عمير في الحسن بإبراهيم، عن محمد بن أبي حمزة الثقة، عن بعض

(1) الشرائع 1: 277.
(2) القواعد 2: 209، الإرشاد 1: 339.
(3) انظر النهاية 2: 45 - 46.
(4) الخلاف 3: 579، المسألة 3.
(5) الدروس 1: 472.
(6) الدروس 3: 86.
(7) اللمعة: 144.
(8) نقله في المسالك 12: 515.
(9) العنكبوت: 67.
(10) الوسائل 17: 348، الباب 1 من أبواب اللقطة، ح 3.
(11) الوسائل 17: 368، الباب 17 من أبواب اللقطة، ح 2.
(12) الوسائل 9: 361، الباب 28 من أبواب مقدمات اللقطة، ح 2.
530

أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن اللقطة؟ قال: تعرف سنة قليلا كان أو
كثيرا. قال: وما كان دون الدرهم فلا يعرف (1).
وأباح سلار وابن حمزة قدر الدرهم من اللقطة (2).
ويدل على قول أبي الصلاح إطلاق قول الصادق (عليه السلام) في صحيحة الحلبي:
يعرفها سنة، فإن جاء لها طالب، وإلا فهي كسبيل ماله (3).
وما رواه ابن بابويه، عن حنان بن سدير بأسانيد معتبرة فيها: الحسن
بإبراهيم، قال: سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) عن اللقطة وأنا أسمع؟ قال: تعرفها سنة،
فإن وجدت صاحبها، وإلا فأنت أحق بها، يعني لقطة غير الحرم (4). والظاهر أن
قوله: «يعني لقطة غير الحرم» من كلام المصنف، لأن الرواية مذكورة في التهذيب
بدون هذا (5).
ويؤيد ما ذكرناه قول الصادق (عليه السلام) في رواية داود بن سرحان: يعرفها سنة، ثم
هي كسائر ماله (6).
ثم ظاهر هذه الروايات التملك بدون الضمان، فإن لم يثبت إجماع على
خلافه أمكن القول به.
وما دل على خلاف ذلك مثل قول الصادق (عليه السلام) في صحيحة محمد بن مسلم:
تعرفها سنة، فإن جاء طالبها، وإلا فاجعلها في عرض مالك، يجري عليها ما يجري
على مالك إلى أن يجيء لها طالب (7). وقول أبي جعفر (عليه السلام) في رواية أبي بصير
الضعيفة: من وجد شيئا فهو له فليتمتع به حتى يأتيه طالبه، فإذا جاء طالبه رده
إليه (8). وما دل على أنه تخير المالك بين الأجر والغرم كرواية حفص بن غياث

(1) التهذيب 6: 389، ح 1162.
(2) المراسم: 206، الوسيلة: 278.
(3) الوسائل 17: 349، الباب 2 من أبواب اللقطة، ح 1.
(4) الفقيه 3: 295، ح 4058.
(5) التهذيب 6: 396، ح 1194.
(6) الوسائل 17: 352، الباب 2 من أبواب اللقطة، ح 11.
(7) الوسائل 17: 351، الباب 2 من أبواب اللقطة، ح 10.
(8) الوسائل 17: 354، الباب 4 من أبواب اللقطة، ح 2.
531

الضعيفة (1) ورواية حنان الضعيفة. يمكن حملها على الاستحباب، جمعا بين الأدلة.
ونحوها رواية الحسين بن كثير الضعيفة (2).
وأما صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن
الرجل يصيب درهما أو ثوبا أو دابة كيف يصنع؟ قال: يعرفها سنة، فإن لم يعرف
جعلها في عرض ماله حتى يجيء طالبها فيعطيها إياه، وإن مات أوصى بها وهو لها
ضامن (3). ففيها احتمال أن يكون قوله (عليه السلام): «فإن لم يعرف» بالتشديد لا
بالتخفيف، مع احتمال الحمل على الاستحباب.
ويمكن الجمع بين الأخبار بوجه آخر وهو جواز الانتفاع إلى ظهور الطالب.
وقرب التأويل يؤيد الأول، وعمل الأصحاب الثاني. ولا ريب في كونه أحوط.
وكيف ما كان فلا ريب في جواز الانتفاع بها إلى ظهور الطالب.
وعن الصدوقين: لو وجد في الحرم دينارا مطلسا فهو له بلا تعريف (4) لرواية
ابن غزوان، وفي الرواية: دينار قد انسحق كتابته (5).
وعن بعضهم: إذا احتاج إليها تصدق بثلثها وكان الثلثان في ذمته، لرواية ابن
رجاء (6). وليس في الرواية كون الثلثين في ذمته.
وفي الدروس: الروايتان مهجورتان (7).
ثم الظاهر أنه لا خلاف في أنه لا يجوز تملك الزائد عن القليل من لقطة الحرم
بدون التعريف إلا ما أشرنا إلى الخلاف فيه، سواء قيل بتحريم لقطته أو كراهتها،
فإذا عرفها سنة فالمشهور أنه يتخير بين إبقائها في يده أمانة، وبين التصدق بها عن

(1) الوسائل 17: 368، الباب 18 من أبواب اللقطة، ح 1.
(2) الوسائل 17: 349، الباب 2 من أبواب اللقطة، ح 2.
(3) الوسائل 17: 370، الباب 20 من أبواب اللقطة، ح 2.
(4) حكاه عن علي بن بابويه في المختلف 6: 82، الفقيه 3: 297.
(5) الوسائل 17: 368، الباب 17 من أبواب اللقطة، ح 1.
(6) الوسائل 17: 367، الباب 16 من أبواب اللقطة، ح 2.
(7) الدروس 3: 87.
532

مالكها. وفي ضمانه قولان، أشهرهما ذلك. وذهب جماعة منهم المحقق إلى
العدم (1) ولعله أقرب، وقد عرفت مذهب أبي الصلاح وأن له قوة كما بينا.
الثانية: إن وجدها في غير الحرم ولم تكن أقل من الدرهم عرفها حولا إن
كان مما يبقى، كالثياب والأمتعة والأثمان، وبعد ذلك فالمشهور أنه مخير بين
ثلاثة أشياء: تملكها والضمان للمالك، والصدقة عن مالكها ويضمن للمالك قيمتها،
وإبقائها في يده أمانة وحفظها لمالكها.
وفي المسالك: أنه لا خلاف في الضمان مع الصدقة وإن اختلف في لقطة
الحرم، وأن الفارق النصوص، وأنها صريحة في الضمان (2). وفيه تأمل.
وإن لم يثبت إجماع على عدم جواز التملك بغير الضمان لم يكن القول به
بعيدا جدا، لما عرفت من طريق الجمع بين الأخبار، لكن لا يبعد ترجيح المشهور.
وإذا التقط ما يفسد تركه على حاله قبل الحول فهو على ضربين:
أحدهما: ما لا يمكن بقاؤه، كالطعام والبقول. فالمذكور في كلامهم أنه يتخير
بين التملك بالقيمة، أو بيعه وأخذ ثمنه ثم التعريف، وبين الدفع إلى الحاكم ليعمل
فيه ما هو ألحظ للمالك. وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: من التقط طعاما فليأكله (3).
وإن لم يظهر المالك بعد التعريف حولا عمل بالقيمة ما يعمل بالعين، ويحتمل
أن يكون الدفع إلى الحاكم مع إمكانه متعينا.
والثاني: ما يمكن بقاؤه بالمعالجة كتجفيف الرطب مثلا، فإن تبرع أحد
بإصلاحه تعين، وإلا بيع بعضه وانفق في إصلاح الباقي، وهل يتوقف ذلك على إذن
الحاكم أم يجوز له توليته بنفسه؟ فذهب جماعة من الأصحاب منهم المحقق إلى
تعين الرجوع فيه إلى الحاكم (4). وقيل: يتخير الملتقط بين الرجوع إلى الحاكم
وتولي ذلك بنفسه. واستحسنه الشهيد الثاني (5). ولو تعذر الحاكم تعين تولي

(1) الشرائع 3، 292.
(2) المسالك 12: 517.
(3) تلخيص الحبير 3: 75، ح 1336، وفيه: «من وجد».
(4) الشرائع 3: 292.
(5) المسالك 12: 519.
533

الملتقط بنفسه ولو كان ألحظ لصاحبه في بيعه أجمع بيع أيضا.
ولو احتاج اللقيط إلى مراعاة في أثناء الحول كالثوب المحتاج إلى مراعاته
بالهواء ونحوه تعين ذلك، فإن لم يكن لذلك اجرة في العادة تعين على سبيل
التبرع، وإلا لم يبعد استحقاق الاجرة إذا نوى ذلك.
الثالثة: اختلفوا في جواز التقاط النعلين والإداوة والسوط، فحرمه أبو
الصلاح (1). وهو المنقول عن ظاهر الصدوقين (2) والمستند قوله (عليه السلام) في صحيحة
داود بن أبي يزيد ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله: «لا يمسه» (3) والمشهور
الكراهة. قال بعض الأصحاب: والنهي محمول عليها (4) جمعا ولم أطلع على
المعارض، لكن لا يستفاد من النهي في أخبارنا أكثر من رجحان الترك.
وفي كلام الأصحاب كراهة التقاط العصا، والشظاظ، والوتد، والحبل، والعقال
وأشباهه من الآلات التي تعظم منفعتها ويصغر قيمتها. ولم أطلع على منع فيها
بخصوصها. وحسنة حريز (5) تدل على نفي البأس.
وفي المسالك: ووجه الكراهة في هذه [وأشباهها] النهي عنه المحمول على
الكراهة جمعا. (6) نعم يكره أخذ اللقطة مطلقا، لما رواه ابن بابويه في الصحيح عن
الصادق عن أبيه (عليهما السلام) أن عليا (عليه السلام) قال: إياكم واللقطة، فإنها ضالة المؤمن وهي
حريق من حريق جهنم (7).
ويستحب الإشهاد عليها، وأوجبه بعض العامة.
الرابعة: ما يوجد في المفاوز أو في أرض خربة قد هلك أهلها فهو لواجده من
غير حاجة إلى تعريف، وكذا ما يجده مدفونا في أرض لا مالك لها.

(1) الكافي في الفقه: 350.
(2) نقله عنهما في المسالك 12: 520.
(3) الوسائل 17: 363، الباب 12 من أبواب اللقطة، ح 2 و 3.
(4) المسالك 12: 520.
(5) الوسائل 17: 362، الباب 12 من أبواب اللقطة، ح 1.
(6) المسالك 12: 521.
(7) الفقيه 3: 292، ح 4048.
534

والمشهور بين الأصحاب عدم الفرق بين أن يكون عليها أثر الإسلام أو لم
يكن، ومستند الحكم صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن
الورق يوجد في دار؟ فقال: إن كانت الدار معمورة فهي لأهلها، وإن كانت خربة
فأنت أحق بما وجدت (1).
وصحيحة محمد بن مسلم أيضا، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن الدار
يوجد فيها الورق؟ فقال: إن كانت معمورة فيها أهلها فهو لهم، وإن كانت خربة قد
جلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحق به (2). والرواية مختصة بالدار، لكن لا يبعد
استفادة التعليل منها، فيلزم العموم، وفيه أيضا تخصيص بالورق. ولم أجد أحدا
من الأصحاب قال بأحد التقييدين.
وقيد الحكم جماعة من المتأخرين (3) بما إذا لم يكن عليه أثر الإسلام،
وجعلوا ذلك طريق الجمع بين الروايتين المذكورتين، وبين موثقة محمد بن قيس
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قضى علي (عليه السلام) في رجل وجد ورقا في خربة أن يعرفها،
فإن وجد من يعرفها، وإلا تمتع بها (4). وما ذكروه ليس طريق الجمع، إذ ليس بين
الجانبين عموم وخصوص، فالجمع بحمل هذه الرواية على الاستحباب متجه.
والقدح في الرواية باشتراك محمد بن قيس لا وجه له، فإذن الأقرب القول الأول.
هذا كله إذا كان في دار الإسلام، وأما إذا كان في دار الكفر فله أخذه مطلقا.
الخامسة: ما يوجد مدفونا في أرض كان لها مالك أو بائع فالمشهور بين
الأصحاب أنه عرف البائع أو المالك، فإن عرفه فهو له، وإلا فهو لواجده. والمراد
بالبائع الجنس ليشمل القريب والبعيد. قالوا: وحيث يعترف به المالك أو البائع
يدفع إليه من غير بينة ولا وصف.

(1) الوسائل 17: 354، الباب 5 من أبواب اللقطة، ح 2.
(2) الوسائل 17: 354، الباب 5 من أبواب اللقطة، ح 1.
(3) الإيضاح 2: 159، اللمعة: 145، التنقيح 4: 120.
(4) الوسائل 17: 355، الباب 5 من أبواب اللقطة، ح 5.
535

ولو تعدد البائع في طبقة واحدة دفع إليهم جميعا إن اعترفوا بملكيته، وإن
اعترف به بعضهم دفع إليه. وإن ذكر ما يقتضي التشريك دفع إليه حصته خاصة،
وفي معنى البائع من انتقل عنه بغير البيع من أسباب التمليك.
والأكثر على عدم الفرق بين ما عليه أثر الإسلام وغيره. قال في المسالك: إنه
تبع لإطلاق النص كما سبق. قال: ومن قيد تلك بانتفاء أثر الإسلام قيد هنا أيضا،
لاشتراكهما في المقتضي، فمعه تكون لقطة (1). ومراده من النص صحيحة محمد بن
مسلم السابقة. ولا دلالة لها على الحكم المذكور هاهنا، ولا أعلم في الحكم دليلا
آخر، لكنه مشهور ذكره الفاضلان (2) وغيرهما. والحجة عليه غير واضحة.
السادسة: ما يوجد في جوف الدابة يجب تعريفه لبائعه، فإن عرفه فهو له، وإلا
فلواجده. ومستنده صحيحة عبد الله بن جعفر الحميري قال: سألته (عليه السلام) في كتاب
عن رجل اشترى جزورا أو بقرة أو شاة للأضاحي أو غيرها، فلما ذبحها وجد في
جوفها صرة فيها دراهم أو دنانير أو جواهر أو غير ذلك من المنافع، لمن يكون
ذلك، وكيف يعمل به؟ فوقع (عليه السلام) عرفها البائع، فإن لم يعرفها فالشيء لك رزقك الله
إياه. والعمل بمدلول الرواية (3) متجه.
وذكروا أنه لو وجدها في جوف سمكة فهو لواجده، ولعل مرادهم الفرق بين
مملوك الأصل ومباح الأصل.
وذكر في المسالك: أن هذا إذا كانت السمكة مباحة الأصل، فلو كانت مملوكة
كالموجودة في ماء محصور مملوك فحكمها حكم الدابة، كما أن الدابة لو كانت
مباحة بالأصل كالغزال فحكمها حكم السمكة، وإطلاق الحكم فيهما مبني على
الغالب. وبقرينة مستند الحكم، قال: وإطلاق الحكم الشامل لما عليه أثر الإسلام
وعدمه تبع لإطلاق النص كالسابق، ومن اعتبره ثم اعتبره هنا أيضا، لاشتراكهما

(1) المسالك 2: 525.
(2) الشرائع 3: 293، القواعد 2: 212.
(3) الوسائل 17: 358، الباب 9 من أبواب اللقطة، ح 1.
536

في المقتضي (1). وفيه نظر. والحق بالبائع مطلق المالك، والحجة على هذه التفاصيل
الموجودة في كلامهم غير واضحة.
السابعة: من وجد في داره أو صندوقه مالا ولا يعرفه، فإن كان يدخل الدار
غيره أو يتصرف في الصندوق غيره فهو لقطة، وإلا فهو له. ومستند الحكم صحيحة
جميل بن صالح قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل وجد في بيته دينارا؟ قال:
يدخل منزله غيره؟ قلت: نعم كثيرا. قال: هذه لقطة. قلت: فرجل قد وجد في
صندوقه دينارا؟ قال: يدخل أحد يده في صندوقه أو يضع غيره فيه شيئا؟ قلت:
لا. قال: فهو له (2).
ولو علم انتفاءه عنه فالظاهر أنه لقطة، والرواية منزلة على غير هذه الصورة،
وحكمه (عليه السلام) بكونها لقطة إنما ورد في المشارك الكثير، وظاهره عدم الانحصار،
فلو كان المشارك منحصرا لم يبعد القول بجواز الاقتصار عليه ووجوب تعريفه
للمشارك، فإن عرفه دفعه إليه، وإلا كان له، أو كان حكمه حكم اللقطة.
الثامنة: إذا أودعه لص مالا وهو يعلم أنه ليس المال له لم يجز له الرد إليه،
فإن عرف مالكه بخصوصه أو من كان له عليه يد شرعية دفعه إليه، وإلا فالمشهور
أن حكمه حكم اللقطة في وجوب التعريف سنة ثم التصدق به عن مالكه، ومستنده
رواية حفص بن غياث، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل من المسلمين أودعه
رجل من اللصوص دراهم أو متاعا واللص مسلم، هل يرده عليه؟ فقال: لا يرده،
فإن أمكنه أن يرده على أصحابه فعل، وإلا كان في يده بمنزلة اللقطة بعينها،
فيعرفها حولا، فإن أصاب صاحبها ردها عليه، وإلا تصدق بها، فإن جاء صاحبها
بعد ذلك خيره بين الأجر والغرم، فإن اختار الأجر فله الأجر، وإن اختار الغرم
غرم له، وكان الأجر له (3).

(1) المسالك 12: 526.
(2) الوسائل 17: 353، الباب 3 من أبواب اللقطة، ح 1.
(3) الوسائل 17: 368، الباب 18 من أبواب اللقطة، ح 1.
537

والرواية ضعيفة السند، فيشكل التعويل عليه والقاعدة تقتضي أن يكون مالا
مجهول المالك، فلا يجب التعريف، ويجري فيه حكم مال مجهول المالك.
وفي المسألة قولان آخران:
أحدهما: قول المفيد وسلار، وهو: أنه يتصدق بخمسها على مستحق الخمس
والباقي على فقراء المسلمين (1).
وثانيهما: قول ابن إدريس، وهو: أنه يدفعها إلى إمام المسلمين (2).
التاسعة: اختلف الأصحاب في ملك اللقطة بعد الحول، فقيل: يحصل الملك
قهريا بمجرد مضيه (3). وقيل: لا يملكه إلا أن يختار ذلك (4). وهذا القول أشهر،
والأول أقرب، نظرا إلى الأخبار السابقة.
والفريق الثاني اختلفوا في السبب الموجب للملك بعد الحول، فقيل: يحصل
بقصد التملك ولا حاجة إلى اللفظ ولا التصرف (5). وقيل: يتوقف على اللفظ
بأن يقول: «اخترت تملكها» ونحوه (6). وقيل: إنه لا يملك إلا بالتصرف، بمعنى
كونه تمام السبب المملك وجزؤه الأول التعريف، والثاني نية الملك، أو اللفظ
الدال عليه (7).
واختلفوا أيضا في نحو ثبوت الضمان على الملتقط، فالأكثر ومنهم المحقق (8)
على أنه يحصل بنية التملك، وإن لم يظهر المالك فيكون دينا على ذمته.
وذهب الشيخ وجماعة منهم: العلامة في التحرير إلى أنه يحصل بمطالبة المالك
لا قبله (9) وهذا القول أقرب بعد الحكم بثبوت الضمان، كما هو مذهب الأصحاب.

(1) المقنعة: 626 - 627، المراسم: 193 - 194.
(2) السرائر 2: 435 - 436.
(3) حكاه في المسالك 12: 530.
(4) الخلاف 3: 584، المسألة 10.
(5) المبسوط 3: 323.
(6) الخلاف 3: 584، المسألة 10.
(7) حكاه في المسالك 12: 532.
(8) المختصر النافع: 254.
(9) المبسوط 6: 330 - 331، جامع المقاصد 6: 168، التحرير 2: 127 س 21.
538

وفي المسالك: الظاهر من الأخبار أن الضمان يحصل بظهور المالك وإن لم
يطالب، لكن الشيخ اعتبر المطالبة (1). وفي جعل ما ذكره ظاهرا من الأخبار تأمل.
ويلحق بهذا المقام مسائل:
الاولى: اختلف الأصحاب في التقاط الصبي والمجنون. وعلى القول بالجواز
يتولى التعريف الولي. ولا يشترط في الملتقط العدالة على الأقرب. والأقرب
جواز الالتقاط للعبد، لعموم الأدلة. ومنعه بعض الأصحاب (2). استنادا إلى رواية
أبي خديجة (3) وهي ضعيفة قابلة للحمل على الرجحان.
الثانية: في وجوب التعريف إذا لم ينو التملك بل الحفظ وجهان، والأشهر
الأحوط الوجوب.
الثالثة: لم يقدر الشارع التعريف بحد، فيرجع فيه إلى العرف، ولا يعتبر فيه
التوالي كما قاله الأصحاب. وللتوالي تفسيران:
أحدهما: وهو الظاهر استيعاب وقت الحول بالتعريف، وهو غير معتبر
بالاتفاق، بل ولا كل يوم، لإطلاق الأمر بالتعريف، وقد اعتبر الأصحاب فيه أن
يقع على وجه لا ينسى أن التالي تكرار لما مضى. قالوا: ويتحقق ذلك بالتعريف في
الابتداء كل يوم مرة أو مرتين، ثم كل أسبوع، ثم كل شهر كذلك. وهذا التحديد
أيضا لا دليل عليه.
وثانيهما: ما ذكره بعض العلماء وهو: أن المراد به توالي التعريف في الحول
الواحد بحيث يقع التعريف المعتبر في اثني عشر شهرا متوالية. قال: إن ذلك أيضا
غير لازم، بل يجوز تعريفه بأن يعرف شهرين ويترك شهرين وهكذا، بحيث يجتمع
من الأشهر المعرف فيها تمام الحول، وبهذا المعنى صرح في التذكرة (4).

(1) المسالك 12: 535.
(2) مجمع الفائدة 10: 398.
(3) الوسائل 17: 370، الباب 20 من أبواب اللقطة، ح 1.
(4) المسالك 12: 540 - 541.
539

والظاهر وجوب وقوع التعريف في المحاضر والمجامع والمراسم، كالأسواق
والمساجد والمشاعر في أوقات الاجتماع، بأن يقول: من ضاع له ذهب أو فضة،
أو ما شاكل ذلك، ولو زاد في إبهامه كان أحوط.
وبالجملة الغرض من التعريف الرجاء بالظفر، فينبغي أن يسعى في ذلك في
كل مكان وزمان يكون أبلغ في هذا الباب، ولا تحديد له بحسب النصوص.
ويجوز أن يعرف بنفسه وبمن يستنيبه أو يستأجره أو يستعين به، لحصول
الغرض بالجميع.
ولو احتاج التعريف إلى مؤنة فإن بذلها فذاك، وإلا ففي لزوم الاجرة في مال
الملتقط أو مال المالك، أو التفصيل بين التقاطها بنية التملك أو بنية الحفظ أوجه،
أقربها الأول.
الرابعة: لا يجوز تملكها إلا بعد التعريف، والظاهر أنه لا يقدح في ذلك تأخير
التعريف على الفور، لحصول الامتثال بالتعريف سنة، وهو أعم من المتصل بزمان
الالتقاط عنه، وهذا أصح القولين في المسألة. وقيل: لا يصح تملكها إلا مع
المبادرة إلى التعريف (1). وفيه ضعف.
الخامسة: اللقطة أمانة في يد الملتقط مدة الحول، فلا يضمن إلا بالتعدي
والتفريط، والظاهر أن نية التملك في أثناء الحول من التعدي الموجب للضمان.
وللملتقط أحوال:
أحدها: أن يأخذها بنية الحفظ دائما، وهي حينئذ أمانة في يده. والظاهر أنه
يضمن بترك التعريف. قيل: ويستمر الضمان حينئذ وإن ابتدأ بالتعريف فتلفت في
سنته، لتحقق العدوان، فلا يزول إلا بقبض المالك أو ما يقوم مقامه (2).
و ثانيها: أن يأخذ بقصد الخيانة والتملك، وقد قلنا حكمه. وفي براءته بالدفع

(1) حكاه في المسالك 12: 545.
(2) المسالك 12: 546.
540

إلى الحاكم وجهان، أقربهما ذلك. قيل: ولو عاد إلى قصد التعريف لم يزل الضمان
وإن جاز له التملك بعد الحول (1).
و ثالثها: أن يأخذها ليعرفها سنة ويتملكها بعد السنة، فهي أمانة في السنة إذا
عرفها فيه، ويجوز له التملك بعد الحول. والمعروف من مذهبهم الضمان حينئذ،
وفي كونها مضمونة حينئذ، أو مع تجدد نية التملك وجهان.
و رابعها: أن يأخذها بنية الأمانة والتعريف، ثم يقصد الخيانة، فالظاهر أنه
يضمن حين تجدد هذا القصد. وبما ذكرنا ظهر أن العين لا تخرج عن ملك مالكه
قبل الحول، فالنماء المتجدد في أثنائه للمالك، سواء كان متصلا كالسمن، أو
منفصلا كالولد. وأقرب الوجهين أنه يتبع العين مطلقا، ولا يشترط لتملكه حول
بانفراده بعد إكمال حول الأصل.
السادسة: إذا ظهر المالك بعد تملك اللقطة وهي قائمة بعينها، وقلنا بوجوب
الدفع فهل يجب ردها بعينها على الملتقط، أو هو مخير بين ردها ودفع عوضها؟
فيه قولان، أشهرهما الثاني، والأقرب نظرا إلى ظاهر الأخبار الأول.
السابعة: إذا ظهر طالب فادعى الملك فإن علم الملتقط أنها له أو أقام البينة
عليه دفعها إليه، وإلا فإن وصفها بما لا يوجب غلبة الظن لم يجب الدفع إليه، وإن
وصفها بما يوجب الظن الغالب بأنها له فالمشهور جواز دفعها إليه وإن لم يجب.
وقال ابن إدريس: لا يجوز الدفع بالوصف (2). ولعل الأول أقرب. قال بعض
الأصحاب: والظاهر أن شهادة العدل كالوصف إن لم يكن أقوى.

(1) المسالك 12: 547.
(2) السرائر 2: 111.
541

كتاب إحياء الموات
543

كتاب إحياء الموات
وفيه أبحاث:
الأول في الأرضين
وفيه مسائل:
الاولى: العامرة من الأرضين متعلقة بمالكها المسلم أو المسالم لا يجوز
لأحد التصرف فيها إلا بإذنه، لا أعلم خلافا في ذلك، وكذا ما به صلاح العامر
كالطريق والشرب والقناة والحريم.
الثانية: الموات منها: ما لا ينتفع به لعطلته على وجه يتعذر الانتفاع به إلا بعمل
بحيث يعد مواتا عرفا. والأرض الموات للإمام (عليه السلام)، لا أعرف فيه خلافا، ويدل
عليه رواية أبي خالد الكابلي الصحيحة عند العلامة والشهيد الثاني (1). فعند حضور
الإمام (عليه السلام) لا يجوز التصرف فيها إلا بإذنه.
وأما عند غيبة الإمام فالظاهر أنه يملكها من أحياها مطلقا، لصحيحة محمد
ابن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عمروها
فهم أحق بها (2).

(1) التذكرة 2: 400 س 15، المسالك 12: 391.
(2) الوسائل 17: 326، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، ح 3.
544

وفي صحيحة اخرى لمحمد بن مسلم: وأيما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو
عملوه فهم أحق بها وهي لهم (1).
و عن محمد بن مسلم في الصحيح قال: سألته عن الشراء من أرض اليهود
والنصارى؟ فقال: ليس به بأس إلى ان قال: وأيما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو
عملوه فهم أحق بها وهي لهم (2). ورواه الصدوق أيضا (3).
وعن محمد بن مسلم في الصحيح، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أيما قوم أحيوا
شيئا من الأرض أو عمروها فهم أحق بها وهي لهم (4).
وعن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير والفضيل وبكير وحمران
وعبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام) قالا: قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أحيا أرضا مواتا فهي له (5).
وعن زرارة في الحسن بإبراهيم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
من أحيا مواتا فهي له (6).
وعن معاوية بن وهب في الصحيح، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أيما
رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها وكرى أنهارها وعمرها، فإن عليه فيها الصدقة،
فإن كانت الأرض لرجل قبله فغاب عنها فتركها فأخربها ثم جاء بعد يطلبها، فإن
الأرض لله ولمن عمرها (7).
ونحوه في موثقة لمحمد بن مسلم (8) وفي صحيحة عمر بن يزيد قال: سمعت

(1) الوسائل 17: 326، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، ح 4.
(2) الوسائل 17: 326، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، ح 1.
(3) الفقيه 30: 239، ح 3876.
(4) الوسائل 17: 326، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، ح 4.
(5) الوسائل 17: 327، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، ح 5.
(6) الوسائل 17: 327، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، ح 6.
(7) الوسائل 17: 328، الباب 3 من أبواب إحياء الموات، ح 1.
(8) انظر الوسائل 17: 326، الباب 1 من أبواب إحياء الموات.
545

رجلا من أهل الجبل يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أخذ أرضا مواتا تركها أهلها
فعمرها، وأكرى أنهارها، وبنى فيها سوقا، وغرس فيها نخلا وشجرا؟ قال: فقال أبو
عبد الله (عليه السلام): كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: من أحيا أرضا من المؤمنين فهي له،
وعليه طسقها يؤديه إلى الإمام في حال الهدنة، فإذا ظهر القائم فليوطن نفسه على
أن يؤخذ منه (1). إلى غير ذلك من الأخبار. وهذا هو الأشهر بين الأصحاب.
وقيل: يختص جواز الإحياء بالمسلم (2) لصحيحة أبي خالد الكابلي، عن أبي
جعفر (عليه السلام)، قال: وجدنا في كتاب علي (عليه السلام) أن الأرض لله يورثها من يشاء من
عباده والعاقبة للمتقين، أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الأرض، ونحن المتقون،
والأرض كلها لنا، فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها إلى
الإمام من أهل بيتي، وله ما أكل منها، وإن تركها أو أخربها فأخذها رجل من
المسلمين من بعده فعمرها وأحياها فهو أحق بها من الذي تركها، فليؤد خراجها
إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل حتى يظهر القائم من أهل بيتي بالسيف
فيحويها ويمنعها ويخرجهم منها، كما حواها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومنعها، إلا ما كان في
أيدي شيعتنا فيقاطعهم على ما في أيديهم، ويترك الأرض في أيديهم (3). ودلالتها
بالمفهوم لا يصلح لمعارضة المنطوق.
الثالثة: إذا جرى على الأرض ملك أو ما في حكمه لمسلم معروف ومن
بحكمه فما دامت عامرة فهي له، ولورثته بعده وإن ترك الانتفاع بها. بلا خلاف في
ذلك، وإن خربت فإن كانت من الأراضي المفتوحة عنوة لم يزل ملك المسلمين
عنها، وإن ملكها بالشراء أو العطية ونحوها لم يزل ملكه عنها على المعروف. ونقله
في التذكرة عن جميع أهل العلم (4).

(1) الوسائل 6: 382، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، ح 13.
(2) حكاه في المسالك 12: 392.
(3) الوسائل 17: 329، الباب 3 من أبواب إحياء الموات، ح 2.
(4) لم نعثر عليه في التذكرة، حكاه عنه في المسالك 12: 396.
546

وإن ملكها بالإحياء ثم تركها حتى رجعت مواتا ففيه للأصحاب قولان:
أحدهما: ما ذهب إليه جماعة منهم الشيخ، وهو: بقاؤها على ملك مالكها (1).
وثانيهما: ما ذهب إليه العلامة في بعض فتاويه، ومال إليه في التذكرة (2) وهو
صحة إحيائها وكون الثاني أحق بها من الأول. وهذا القول أقرب.
ثم الفريق الأول اختلفوا، فمنهم من قال: لا يجوز إحياؤها ولا التصرف فيها
مطلقا إلا بإذن الأول (3).
وذهب جماعة إلى جواز إحيائها وصيرورة الثاني أحق بها، لكن لا يملكها
بذلك، بل عليه أن يؤدي طسقها إلى الأول أو وارثه (4) ولم يفرقوا في ذلك بين ما
يدخل في ملكه بالإحياء أو غيره من الأسباب المملكة إذا صار مواتا.
وذهب الشهيد (رحمه الله) في الدروس إلى وجوب استئذان المحيي المالك أولا، فإن
امتنع فالحاكم، وله الإذن فيه، فإن تعذر الأمران جاز الإحياء، وعلى المحيي
طسقها للمالك (5).
ويدل على ما اخترناه عموم صحيحتي محمد بن مسلم (6) وحسنة زرارة
ومحمد بن مسلم وأبي بصير وجماعة من الفضلاء عن الباقر والصادق (عليهما السلام) قالا:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أحيا مواتا فهو له (7). وخصوص صحيحة الكابلي السابقة،
وصحيحة معاوية بن وهب.
احتجوا بالاستصحاب، وبعموم صحيحتي محمد بن مسلم، وبصحيحة سليمان
ابن خالد (8). والأول ضعيف، ودلالة الصحيحتين على مطلوبنا أقوى، لأن الأخير

(1) المبسوط 3: 269، المهذب 2: 28، الجامع للشرائع: 374.
(2) التذكرة 2: 401 س 12.
(3) حكاه في المسالك 12: 401.
(4) النهاية 2: 220 - 221، الشرائع 1: 323.
(5) الدروس 3: 56 - 57.
(6) الوسائل 17: 326، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، ح 1 و 4.
(7) الوسائل 17: 327، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، ح 5.
(8) الوسائل 17: 326، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، ح 2.
547

عارض يزيل حكم الأول، وصحيحة سليمان غير دالة على الوجوب، ونحوها
صحيحة الحلبي، ويمكن تخصيصهما بصورة الانتقال بالبيع ونحوه.
واعلم أن إطلاق كلام من حكم بأن الملك بالشراء ونحوه يقتضي عدم الزوال
يشمل ما إذا علم استناد ملك البائع مثلا بالإحياء، والحكم به مشكل، لكونه
مصادما بالأخبار الصحيحة، ولا يبعد أن يكون غرضهم اختصاص الحكم بغير
هذه الصورة، كما يدل عليه بعض التعليلات المذكورة في كلامهم، بل في الحكم
المذكور إشكال مطلقا، لعدم ثبوت الإجماع المذكور.
الرابعة: إذا لم يكن للأرض مالك معروف، فإن كانت الأرض حية فهي مال
مجهول المالك يجري فيها حكمه، وإن كانت مواتا وكانت في الأصل لمالك معين
ثم جهل مالكها، فهي للإمام، فإن كان حاضرا لم يصح إحياؤها إلا بإذنه، وإن كان
غائبا لم يتوقف الإحياء على الإذن وكان المحيي أحق بها من غيره ما دام قائما
بعمارتها. ولو تركها فبادت آثارها فأحياها غيره ملكها، ومع ظهور الإمام يكون
له رفع يده عنها. ومستنده عموم الأخبار السابقة، وخصوص صحيحة أبي خالد
الكابلي (1). وليس للرواية ظهور في حال ظهور الإمام كما توهم، لقوله (عليه السلام) فيها:
حتى يقوم قائمنا.
الخامسة: لا فرق في إحياء الأموات بين القريب من العامر والبعيد عنه،
فيصح إحياء القريب من العامر إذا لم يكن مرفقا للعامر ولا حريما له.
السادسة: الأرض المفتوحة عنوة عامرها وقت الفتح للمسلمين قاطبة لا
يملك أحد بالخصوص رقبتها، ولا خلاف في ذلك. ويدل عليه أخبار:
منها: صحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام): السواد ما منزلته؟ فقال: هو
لجميع المسلمين لمن هو اليوم، ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم، ولمن لم يخلق
بعد، فقلنا: الشراء من الدهاقين؟ قال: لا يصلح إلا أن يشترى منهم على أن

(1) الوسائل 17: 329، الباب 3 من أبواب إحياء الموات، ح 2.
548

يصيرها للمسلمين، فإن شاء ولي الأمر (عليه السلام) أن يأخذها أخذها. قلنا: فإن أخذها
منه؟ قال: يرد إليه رأس ماله، وله ما أكل من غلتها بما عمل (1).
والمراد بكونها للمسلمين أن الإمام يأخذ ارتفاعها ويصرفه في مصالحهم
على حسب ما يراه، لا أن من شاء من المسلمين له التسلط عليها أو على بعضها،
بلا خلاف في ذلك.
وفي صحيحة أحمد بن أبي نصر وغيرها عن الرضا (عليه السلام) قال: وما اخذ
بالسيف فذلك للإمام يقبله بالذي يرى، كما صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بخيبر (2). هذا مع
حضوره وقد مر حكم الغيبة في بحث الخراج والمقاسمة.
وما كان مواتا وقت الفتح فهو للإمام (عليه السلام) بلا خلاف، ويدل عليه أخبار (3). وقد
مر حكم المحيي لها في زمان الحضور والغيبة.
السابعة: الأشهر عند الأصحاب أنه لا يجوز بيع رقبة الأراضي الخراجية ولا
غيره من التصرفات الناقلة، لعدم كونها ملكا للمتصرف، ولصحيحة الحلبي (4)
وغيرها مما يقرب منها، نعم له بيع ما له فيها من الحقوق والآثار.
روى الشيخ في الصحيح عن صفوان بن يحيى عن أبي بردة بن رجا قال:
قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كيف ترى في شراء أرض الخراج؟ قال: ومن يبيع ذلك
وهي أرض المسلمين؟ قال: يبيعها الذي هي في يده. قال: ويصنع بخراج
المسلمين ماذا؟ ثم قال: لا بأس اشترى حقه منها ويحول حق المسلمين عليه،
ولعله يكون أقوى عليها وأملأ بخراجهم منه (5).
وجوز جماعة من المتأخرين بيع رقبة أرضها تبعا لآثارها لا منفردة (6). ويدل

(1) التهذيب 7: 147، ح 652، وفيه سئل أبو عبد الله عن السواد.
(2) الوسائل 11: 120، الباب 72 من أبواب جهاد العدو، ح 2.
(3) الوسائل 6: 364، الباب 1 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام.
(4) الوسائل 17: 346، الباب 18 من أبواب إحياء الموات، ح 1.
(5) التهذيب 4: 146، ح 406.
(6) القواعد 2: 23، حاشية الكركي على الشرائع (مخطوط): 155 س 7.
549

عليه موثقة محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الشراء من أرض
اليهود والنصارى؟ فقال: ليس به بأس، قد ظهر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أهل خيبر
فخارجهم على أن يترك الأرض بأيديهم يعملونها ويعمرونها، فلا أرى به بأسا لو
أنك اشتريت منها شيئا (1).
ورواه محمد بن مسلم في الصحيح أيضا (2).
ورواية حريز بطريق فيه جهالة عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: رفع
إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) رجل مسلم اشترى أرضا من أراضي الخراج، فقال
أمير المؤمنين (عليه السلام): له ما لنا وعليه ما علينا مسلما كان أو كافرا له ما لأهل الله
وعليه ما عليهم (3). ويؤيده موثقة إسماعيل بن الفضل الهاشمي (4).
ولعل هذا القول أقرب، ولعل أخبار المنع محمولة على الكراهة، أو على
صورة لا يريد تحمل الخراج.
ويلحق بهذا المقام مباحث:
الأول في شرائط التملك بالإحياء
وهي امور:
الأول: أن لا يكون عليها يد مسلم أو مسالم، ولا يشترط في الحكم باليد
العلم بالسبب الموجب لها، بل يكفي عدم العلم بكونها ليست عن سبب مملك. ولو
علم إثبات اليد بغير سبب موجب للتملك فلا عبرة به، كما لو علم استنادها إلى
تغلب أو إلى اصطلاح أهل القرية على قسمة بعض المباحات الأصلية.
الشرط الثاني: أن لا يكون حريما لعامر كالطريق والشرب وحريم البئر

(1) التهذيب 7: 148، ح 655.
(2) الوسائل 11: 118، الباب 71 من أبواب جهاد العدو، ح 2.
(3) الوسائل 11: 119، الباب 71 من أبواب جهاد العدو، ح 6.
(4) الوسائل 11: 121، الباب 72 من أبواب جهاد العدو، ح 4.
550

والعين، فإن حريم المعمور يلحق به من حيث إنه استحق باستحقاقه مرافقه، فلا
يجوز لأحد أخذ طريق يسلك فيه المالك إلى عمارته، وكذا الشرب، وحريم
العين، وما شابه ذلك من مطرح قمامته، وملقى ترابه وكل ما يتعلق بمصالحه عادة،
والظاهر أنه لا خلاف في ذلك بين الأصحاب.
إنما الخلاف في أن مالك العامر هل يملك الحريم المذكور تبعا للعامر، أو
يكون أولى وأحق به من غيره وليس يملك حقيقة؟ والأشهر الأول.
ويظهر فائدة الخلاف في بيع الحريم منفردا، ولعل الأول لا يخلو عن قرب.
وحد الطريق خمس أذرع عند بعض الأصحاب (1) وعند الشيخ وأتباعه سبع
أذرع (2). واختاره العلامة والشهيد في المختلف والدروس (3) ومستند الأول رواية
أبي العباس (4). ومستند الثاني رواية مسمع بن عبد الملك (5) ورواية السكوني (6).
ويمكن الجمع بين الروايات باختلاف الحاجة إلى الطرق، فقد يحتاج إلى
طريق واسع، وقد يحتاج إلى أوسع منه، بل قد يقع الحاجة إلى أكثر من السبع
كالطرق التي تمر عليها القوافل الكبار، فلا يبعد وجوب مراعاة قدر الحاجة
بالنسبة إلى الزائد كما قاله في المسالك (7).
وكل مقدار يحكم به يلزم المحيي ثانيا به، والإلزام وظيفة الحاكم، فإن فقد
فالمكلفون كفاية من باب الحسبة، ولو تساوى المحيون من الجانبين الزموا به.
وفي المسالك: لو زادوها على السبع واستطرقت صار الجميع طريقا، فلا
يجوز إحداث ما يمنع المارة في الزائد (8).

(1) حكاه في المسالك 12: 408.
(2) النهاية 2: 218.
(3) المختلف 6: 211، الدروس 3: 60.
(4) الوسائل 13: 173، الباب 15 من أبواب أحكام الصلح، ح 1.
(5) الوسائل 17: 339، الباب 11 من أبواب إحياء الموات، ح 6.
(6) الوسائل 17: 339، الباب 11 من أبواب إحياء الموات، ح 5.
(7) المسالك 12: 409.
(8) المسالك 12: 410.
551

وفي الدروس: لو زادوها على السبع واستطرقت فهل يجوز للغير أن يحدث
في الزائد حدثا من بناء وغرس؟ الظاهر ذلك، لأن حريم الطريق باق، ثم قال: ولا
فرق بين الطريقين العام، أو ما يختص به أهل القرى أو قرية في ذلك. نعم لو
انحصر أهل الطريق فاتفقوا على اختصاره أو تغييره أمكن الجواز. والوجه المنع
ووجه المنع حيث قال بعد ذلك: لأنه لا ينفك من مرور غيرهم عليه ولو نادرا (1).
ولا يزول حريم الطريق بانقطاع المرور عليها، لأنه مما يتوقع عوده، نعم لو
استطرق الناس غيرها وأدى ذلك إلى الإعراض عن الأول بالكلية لكون الثانية
أقل مسافة وأسهل وأنفع وأرفق، فالظاهر لحوق حكم الموات بالاولى إذا شهدت
القرائن على بقائها على الهجران مستمرا.
وحريم مجرى الماء من القناة والنهر وغيرهما مقدار ما يطرح فيه ترابه إذا
احتيج إلى التنقية، وإخراج التراب عنه، ومشي مالكه على حافتيه للانتفاع به،
وإصلاحه إما فوق التراب المدفوع، أو بدونه، على حسب ما جرى عليه العادة.
ولو كان النهر في ملك الغير فادعى الحريم ففي القضاء له تردد، فيحتمل
تقديم صاحب النهر، فيحلف على إثباته، وصاحب الملك بيمينه، وتساويهما في
الدعوى، فيتحالفان ويشتركان في مقداره. ورجح في المسالك تقديم قول
صاحب الأرض.
والمشهور أن حريم بئر المعطن أربعون ذراعا، وبئر الناضح ستون، ومستنده
رواية مسمع بن عبد الملك (2) ورواية السكوني (3) ولم تبلغا حد الصحة، لكن العمل
بهما مشهور بين الأصحاب، فلا يبعد العمل بهما.
وعن حماد بن عثمان - بإسناد فيه من هو غير موثق ولا ممدوح - قال:

(1) الدروس 3: 60 - 61.
(2) الوسائل 17: 339، الباب 11 من أبواب إحياء الموات، ح 6.
(3) الوسائل 17: 339، الباب 11 من أبواب إحياء الموات، ح 5.
552

سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: حريم البئر العادية أربعون ذراعا حولها (1). وفي
رواية: خمسون ذراعا، إلا أن تكون إلى عطن، أو إلى طريق، فتكون أقل من ذلك
خمسة وعشرون ذراعا (2).
ولأجل اختلاف الروايات وعدم صحتها جعل بعضهم حريم البئر ما يحتاج
إليه عادة من السقي منها، وموضع وقوف الناضح والدولاب، ومتردد البهائم،
ومصب الماء، والموضع الذي يطرح فيه ما يخرج من البئر (3).
وقال ابن الجنيد: حريم الناضح قدر عمقها ممرا للناضح، وحمل الرواية
بالستين على أن عمق البئر ذلك (4).
واختلف الأصحاب في حريم العين، فالمشهور أنه ألف ذراع في الأرض
الرخوة، وفي الصلبة خمسمائة ذراع. وذهب ابن الجنيد إلى أن حده ما ينتفى معه
الضرر (5). ومال إليه العلامة في المختلف (6) ورجحه الشهيد الثاني (7).
ومستند الأول الجمع بين قول الرسول (صلى الله عليه وآله) في رواية مسمع بن عبد الملك
الضعيفة: ما بين العين إلى العين خمسمائة ذراع (8) وفي رواية السكوني: ما بين
العين إلى العين يعني القناة خمسمائة ذراع (9). وما في بعض الروايات أنه ألف
ذراع (10) وبين رواية عقبة بن خالد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يكون بين البئرين إذا
كانت أرضا صلبة خمسمائة ذراع، وإن كانت أرضا رخوة فألف ذراع، قال:
وقضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في رجل احتفر قناة وأتى لذلك سنة، ثم إن رجلا حفر إلى

(1) الوسائل 17: 338، الباب 11 من أبواب إحياء الموات، ح 1.
(2) الوسائل 17: 338، الباب 11 من أبواب إحياء الموات، ح 2.
(3) حكاه في المسالك 12: 412.
(4) حكاه في المختلف 6: 207.
(5) حكاه في المختلف 6: 207.
(6) المختلف 6: 208.
(7) المسالك 12: 414.
(8) الوسائل 17: 339، الباب 11 من أبواب إحياء الموات، ح 6.
(9) الوسائل 17: 339، الباب 11 من أبواب إحياء الموات، ح 5.
(10) الوسائل 17: 338، الباب 11 من أبواب إحياء الموات، ح 3.
553

جانبها قناة، فقضى أن يقاس الماء بجوانب البئر، ليلة هذه، وليلة هذه، فإن
كانت الأخيرة أخذت ماء الاولى عورت الأخيرة، وإن كانت الاولى أخذت
ماء الأخيرة لم يكن لصاحب الأخيرة على الاولى شيء (1) والجمع بحمل المطلق
على المقيد.
ومستند القول الثاني - بعد استضعاف سند الأول - الجمع بين ما دل على نفي
الإضرار، وعلى جواز الإحياء من غير تحديد.
وهذا القول عندي أقرب، لقوله (صلى الله عليه وآله): لا ضرر ولا ضرار، ولما رواه الشيخ عن
محمد بن علي بن محبوب في الصحيح، قال: كتب رجل إلى الفقيه: في رجل كانت
له رحاء على نهر قرية، والقرية لرجل أو لرجلين، فأراد صاحب القرية أن يسوق
الماء إلى قريته في غير هذا النهر الذي عليه هذه الرحاء ويعطل هذه الرحاء، أله
ذلك أم لا؟ فوقع (عليه السلام): يتقي الله عز وجل، ويعمل في ذلك بالمعروف ولا يضار
أخاه المؤمن. وفي رجل كانت له قناة في قرية، فأراد رجل أن يحفر قناة اخرى
فوقه، كم يكون بينهما في البعد حتى لا يضر بالاخرى في أرض إذا كانت صلبة أو
رخوة؟ فوقع (عليه السلام): على حسب أن لا يضر أحدهما بالآخر إن شاء الله تعالى (2).
وروى الكليني بأدنى تفاوت، عن محمد بن الحسين في الصحيح، قال: كتبت
إلى أبي محمد (عليه السلام) الحديث (3).
ويعضده قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قضية سمرة بن جندب، المنقولة عن زرارة
في الموثق بابن بكير، عن أبي جعفر (عليه السلام): اذهب فاقلعها وارم بها إليه، فإنه لا ضرر
ولا إضرار (4). وقوله (عليه السلام) في القضية المذكورة المنقولة عن زرارة بإسناد آخر: إنك
رجل مضار، ولا ضرر ولا إضرار على مؤمن، ثم الأمر بالقلع (5).

(1) التهذيب 7: 145، ح 644.
(2) التهذيب 7: 146، ح 647.
(3) الكافي 5: 293، ح 5.
(4) الوسائل 17: 341، الباب 12 من أبواب إحياء الموات، ح 3.
(5) الوسائل 17: 341، الباب 12 من أبواب إحياء الموات، ح 4.
554

ويؤيده رواية عقبة بن هلال المذكورة (1) وقوله (عليه السلام): ليس له ذلك، هذا الضرار
في رواية هارون بن حمزة الغنوي (2) وقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) في رواية عقبة بن
خالد: ولا ضرر ولا إضرار (3).
وفائدة اعتبار الحريم هاهنا المنع عن إحداث عين اخرى فيه، بخلاف حريم
البئر المتقدم، فإن فائدته منع الغير من إحياء ذلك المقدار مطلقا، حتى
الزرع والشجر.
أما في حريم العين فلا يمنع من سائر الانتفاعات، ويستثنى لها قدر ما يحتاج
إليه للانتفاع بها عرفا.
وفي الدروس: أن حريم القرية مطرح القمامة والتراب والوحل، ومناخ
الإبل، ومرتكض الخيل، والنادي، وملعب الصبيان، ومسيل المياه، ومرعى
الماشية، ومحتطب أهلها مما جرت العادة بوصولهم إليه، وليس لهم المنع مما بعد
من المرعى والمحتطب بحيث لا يطرقونه إلا نادرا، ولا المنع مما لا يضر بهم مما
يطرقونه، ولا يتقدر حريم القرية بالصيحة من كل جانب. ولا فرق بين قرى
المسلمين وأهل الذمة في ذلك (4).
قالوا: وحريم الحائط مطرح آلاته من حجر وتراب وغيرهما، نظرا إلى
إمساس الحاجة.
والمشهور بين الأصحاب أن حريم الدار مقدار مطرح ترابها ومصب مياهها،
ومسلك الدخول والخروج، بل كثير منهم لم يذكروا فيه خلافا، نظرا إلى أن ذلك
مما يحتاج إليه عادة، ولا نص عليه بخصوصه، ولهذا منع بعضهم من إثبات حريم
الدار، لفقد الدليل، بل لو أراد محيي أن يبني بجنب بنائها لم يلزمه أن يبعد عن
بنائها. نعم له منع ما يضر بالحيطان كحفر بئر بقربها. وفي حكم مطرح التراب
مطرح القمامة والرماد والثلج ونحو ذلك.

(1) لم نعثر عليه.
(2) الكافي 5: 293، ح 4.
(3) الكافي 5: 294، ح 6.
(4) الدروس 3: 59.
555

وإذا أحيا أرضا وغرس في جانبها غرسا تبعه من الموات المجاور له كل ما
برز إليه أغصانه، أو تسرى إليه عروقه، والمرجع فيه إلى العادة على تقدير بقاء
الغرس، فيقدر كذلك ويمنع غيره من إحياء ذلك المقدار. ومثله ما لو باع البستان
واستثنى شجرة، فإنه يتبعها مدى أغصانها وعروقها في الهواء والأرض.
وفي رواية السكوني عن الصادق (عليه السلام)، قال: قضى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في رجل باع
نخلا واستثنى عليه نخلة، فقضى له رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمدخل إليها والمخرج
ومدى جرائدها (1).
وفي رواية اخرى: فقضى فيها أن لكل نخلة من اولئك من الأرض مبلغ
جريدة من جرائدها يعني بعدها (2).
تذنيب:
المعروف من مذهب الأصحاب أن ما ذكر في الحريم للبئر والعين والحائط
والدار مخصوص بما إذا كان الإحياء في الموات، فيختص الحريم بالموات. وأما
الأملاك فلا يعتبر الحريم فيها، لأن الأملاك متعارضة وكل واحد من الملاك مسلط
على ماله، له التصرف فيه كيف شاء.
قالوا: فله أن يحفر بئرا في ملكه وإن كان لجاره بئر قريب منها وإن نقص ماء
الاولى، وأن ذلك مكروه. قالوا: حتى لو حفر في ملكه بالوعة وفسد به بئر الجار لم
يمنع منه، ولا ضمان عليه. ومثله ما لو أعد داره المحفوف بالمساكن حماما، أو
خانا أو طاحونة، أو حانوت حداد أو قصار، لأن له التصرف في ملكه كيف شاء.
ويشكل هذا الحكم في صورة تضرر الجار تضررا فاحشا، نظرا إلى ما تضمن
الأخبار المذكورة عن قريب من نفي الضرر والإضرار، وهو الحديث المعمول بين
الخاصة والعامة المستفيض بينهم، خصوصا ما تضمن الأخبار المذكورة من نفي
الإضرار الواقع في ملك المضار.

(1) الوسائل 12: 406، الباب 30 من أبواب أحكام العقود، ح 2.
(2) الوسائل 17: 337، الباب 10 من أبواب إحياء الموات، ح 1.
556

وفي المسالك: نعم له منع ما يضر بحائطه من البئر والشجر ولو ببروز أصلها
إليه والضرب المؤدي إلى ضرر الحائط، ونحو ذلك (1).
الشرط الثالث: أن لا يسميه الشرع مشعرا للعبادة، كعرفة، ومنى، والمشعر،
فإن تسويغ إحيائها مناف لما دل عليه الشرع من اختصاصها بكونها موطنا
للعبادة، والمشهور عدم الفرق بين القليل والكثير وبين ما يحتاج إليه الناسك
وغيره، لاشتراك الجميع في استحقاق الوقوف بها، فتكون كالمساجد المتسعة.
وقال المحقق (رحمه الله): لو عمر منها ما لا يضر ولا يؤدي إلى ضيقها عما يحتاج إليه
المتعبدون كاليسير لم أمنع منه (2). وهو غير بعيد، لعدم فوات المصلحة المطلوبة،
وعدم كونه ملكا لأحد أو موقوفا.
الرابع: أن لا يكون مما أقطعه إمام الأصل ولو كان مواتا خاليا من التحجير،
كما أقطع النبي (صلى الله عليه وآله) الدور (3) وهي: اسم موضع بالمدينة، وأقطع راشد بن حجر
أرضا بحضرموت (4) وأقطع الزبير حضر فرسه، أي: مقدار عدوه (5).
البحث الثاني (6) * في كيفية الإحياء
الإحياء ورد في الشرع مطلقا من غير تفسير، فلابد فيه من الرجوع إلى
العرف، فالتعويل على ما يسمى في العرف إحياء.
والمشهور بين الأصحاب أنه لا يحصل الإحياء بمجرد التحجير، خلافا لابن
نما (7). والأول أقرب، نظرا إلى العرف، إلا أن يوافق التحجير في بعض الموارد.
والإحياء يختلف بحسب الأغراض، فإذا أراد المسكن اعتبر في إحيائه
التحويط إما باللبن أو الخشب أو القصب ونحوها بحسب العادة.

(1) المسالك 12: 416.
(2) الشرائع 3: 274.
(3) تلخيص الحبير 3: 63، ح 1299.
(4 و 5) تلخيص الحبير 3: 64، ح 1300 و 1301 (وفيه وائل بن حجر).
(*) كذا في الأصل أيضا، والمناسب لقوله في ص 550: «ويلحق بهذا المقام مباحث»: المبحث
الثاني.
(7) حكاه في الدروس 3: 56.
557

والمشهور اعتبار التسقيف، ولم يعتبره بعضهم، لما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) من أحاط
حائطا على أرض فهي له (1). ولأن الحائط حاجز منيع، فكان إحياء، كما لو جعلها
حظيرة للغنم، فإن القصد لا اعتبار به. وفي التذكرة نفى عن هذا القول البأس (2).
ولا يعتبر نصب الباب عندنا، خلافا لبعض العامة وإذا أراد زريبة للدواب أو
حظيرة تجفف فيها الثمار، أو يجمع فيه الحطب والحشيش اعتبر التحويط، ولا
يكفي نصب سعف وأحجار من غير بناء، ولا يشترط التسقيف هنا بلا خلاف.
ولو اتخذ الموات مزرعة كفى التحجير بمرز أو مسناة وترتيب مجرى الماء
لها إن احتاج إلى سوق الماء إليها. والظاهر أنه لا يعتبر سوق الماء بالفعل. وبعض
عباراتهم يدل على اعتباره.
وإذا كانت مستأجمة بنحو الشجر اعتبر عضدها، ولا يعتبر حراثتها ولا
زراعتها بالفعل، بل تهيؤها لذلك.
ولو اتخذها للغرس ففي عباراتهم اختلاف في القدر المعتبر في إحيائها،
فبعضهم اعتبر فيها أحد امور: إما غرسها بالفعل مع نبات الغرس وسوق الماء إليها،
وإما عضد شجرها وإصلاحها بإزالة الاصول وتسوية الأرض إن كانت مستأجمة،
أو بقطع المياه الغالبة عليها وتهيئتها للعمارة (3).
وقوى بعضهم عدم اعتبار الغرس بالفعل مطلقا، وعدم الاكتفاء بكل واحدة
من الثلاثة على تقدير الحاجة إليها أجمع، بأن كانت الأرض مستأجمة والمياه غالبة
عليها محتاجة إلى السقي، بل لابد حينئذ من الجمع بين تهيئة السقي وقطع الشجر
ودفع الماء، وإن احتيج إلى أحدها خاصة كفى ذلك. وإن خلت عن الشجر والماء
احتاجت إلى الماء، فلابد من تهيئة السقي، ولو لم يحتج إلى شيء منها اعتبر في
إحيائها التحجير عليها بحائط ونحوه (4). وهو غير بعيد. ولا يبعد الاكتفاء بالغرس
مع نبات الغرس في الصورة الأخيرة.

(1) تلخيص الحبير 3: 62، ح 1292.
(2) التذكرة 2: 412 س 31.
(3) الشرائع 3: 276.
(4) المسالك 12: 426.
558

البحث الثالث (1) * في البقاع المحبوسة على الحقوق العامة
كالطرق، والمساجد، والمدارس، والمساكن الموقوفة، والمقابر، والرباطات.
ففي هذا البحث أطراف:
الأول في الشوارع:
وهي: موضوعة للاستطراق، فهو منفعتها الأصلية، ويجوز الوقوف فيها
والجلوس لغرض الاستراحة والمعاملة ونحوها بشرط عدم منافاته لحصول
الغرض الأصلي إذا لم يكن ذلك موجبا للتضييق على المارة، للأصل واتفاق
الناس على ذلك في جميع الأعصار من غير نكير. وله أن يظلل عليه في موضع
جلوسه بما لا يضر بالمارة من ثوب وبارية ونحوهما، ولو بنى دكة وكان الطريق
واسعا بحيث لا يضر بالمارة أصلا لم يبعد الجواز.
ولو سبق اثنان إلى موضع اقرع بينهما. ولو جلس في موضع لغرض
الاستراحة وشبهها، ثم قام عنه بطل حقه. ولو جلس لغرض، ثم قام قبل استيفاء
الغرض بنية العود ففي بقاء حقه قولان. ولو بقي رحله فوجهان، من عدم النص
عليه بخصوصه، ومن قول أمير المؤمنين (عليه السلام) فيما روى عنه الصدوق (رحمه الله): سوق
المسلمين كمسجدهم، فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل (2). وقد ثبت حكم
الرحل في المسجد، فيكون هنا كذلك. والقطع به منقول عن جماعة منهم:
الشهيد (3). ولو طال زمان المفارقة فالظاهر زوال حقه حينئذ.
واختلفوا في جواز الجلوس فيها لعمل الصنايع والبيع والشراء ونحوه، فمنعه
بعضهم مطلقا (4) استنادا إلى أن هذا انتفاع بالأرض بغير ما هي له، فكان كالانتفاع
بالموقوفات الخاصة بغير ما عين له.

(*) كذا، والمناسب: المبحث الثالث، كما نبهنا عليه في ص 557.
(2) الفقيه 3: 199، ح 3752.
(3) الدروس 3: 70.
(4) حكاه في المسالك 12: 430.
559

والمشهور التفصيل بالمنع منه في الطريق المسلوك الذي لا يؤمن من تأذي
المارة به غالبا، وجوازه في الرحاب المتسعة، بحيث يؤمن من تأذي المارة به،
استنادا إلى اطراد العادة بذلك في الأمصار والأعصار. وهو غير بعيد، للأصل
وعدم نص على المنع. ولا فرق في ذلك بين المسلمين وغيرهم، لأن لأهل الذمة
ما للمسلمين في الجملة.
وإذا فارق المكان الذي جلس فيه للبيع ونحوه، قيل: يبطل حقه مطلقا. وهو
ظاهر اختيار الشهيد في اللمعة (1). وحكم جماعة من الأصحاب منهم: الشهيد في
الدروس ببقاء حقه مع بقاء رحله (2) للرواية السابقة، وهو حسن، لأن الأصل عدم
جواز التصرف فيه بإزالة رحله إلا مع تضرر المارة، ولا فرق مع سقوط حقه على
التقديرين بين تضرره بتفرق معامليه وعدمه.
واحتمل في الدروس بقاء الحق مع الضرر إلا مع طول زمان المفارقة،
لاستناد الضرر حينئذ إلى نفسه (3). وعن التذكرة تقييد بقاء حقه ببقاء النهار (4)
استنادا إلى الخبر السابق.
ولا فرق في الأحكام المذكورة بين الزائد عن مقدار الطريق شرعا وما دونه،
إلا أن يجوز إحياء الزائد، فيجوز الجلوس فيه مطلقا من غير حاجة إلى التقييد بما
مر، وإذا اختص بموضع الجلوس على وجه، يختص بما حوله بقدر الحاجة لوضع
متاعه ووقوف المعاملين ومكان الكيل والوزن والمنع والإعطاء، وليس لغيره أن
يزاحمه في ذلك إلا مع التضرر بالمارة ومخالفة غرض الاستطراق، ويلحق
بالطريق فيما ذكر الأسواق المباحة.
والمشهور بين الأصحاب أن هذه المرافق في الطرق والأسواق والمساجد لا
يجوز للإمام إقطاعها لأحد بخصوصه، لأن ذلك معد لمرافق المسلمين على

(1) اللمعة: 147.
(2) الدروس 3: 70.
(3) الدروس 3: 70.
(4) التذكرة 2: 405 س 23.
560

العموم، فلا معنى لإقطاعه، وجوزه بعض العامة، نظرا إلى أن للإمام يدا وتصرفا
عاما، فله ذلك إذا رآه مصلحة.
الثاني في المساجد:
السابق إلى مكان من المسجد أحق به، سواء كان جلوسه للصلاة أم لتدريس
علم أو إفتاء أو قراءة قرآن ونحو ذلك. وإذا فارق ذلك المكان لا بنية العود ورحله
غير باق بطل حقه بلا ريب، وإن كان رحله باقيا ففيه وجهان. وإن فارقه بنية العود
فإن كان رحله - وهو شيء من أمتعته وإن قل - باقيا فهو أحق به، للنص. وقيده في
الذكرى بأن لا يطول زمان المفارقة (1). وفي المسالك: لا بأس به خصوصا مع
حضور الجماعة واستلزام تجنب موضعه وجود فرجة في الصف للنهي عن ذلك.
بل استثنى بعضهم ذلك مطلقا وحكم بسقوط حقه حينئذ، ثم نفى عنه البأس (2).
وعند بطلان حقه إذا كان الرحل لا يشغل مكانا يحتاج إليه المصلون أو نحو
ذلك ففي جواز رفعه حينئذ وجهان، أقربهما العدم، لعدم جواز التصرف في ملك
الغير بغير إذنه، وإن شغل جاز رفعه، وفي الضمان وجهان.
وإن لم يكن رحله باقيا فإن كان قيامه لضرورة كتجديد طهارة، أو إزالة
نجاسة، أو ضرورة إلى التخلي ونحو ذلك ففي بطلان حقه وجهان:
أحدهما: عدم بطلان اختصاصه، وبه قطع المحقق (3) واحتج له بعضهم بقول
النبي (صلى الله عليه وآله) فيما روي عنه: إذا قام أحدكم من مجلسه في المسجد فهو أحق به إذا
عاد إليه (4) وقول أمير المؤمنين (عليه السلام): سوق المسلمين كمسجدهم، فمن سبق إلى
مكان فهو أحق به إلى الليل (5). واستشكل بكونه أعم من المدعى وأنتم لا تقولون
به (6) مع استضعاف السند.

(1) لم نعثر عليه، حكاه عنه في المسالك 12: 433.
(2) المسالك 12: 433 - 434.
(3) الشرائع 3: 277.
(4) التذكرة 2: 405 س 43.
(5) الوسائل 12: 300، الباب 17 من أبواب آداب التجارة، ح 1.
(6) المسالك 12: 435.
561

وثانيهما: بطلان الاختصاص. ومنهم من فصل، ففرق بين المفارق في أثناء
الصلاة اضطرارا وعدمه، فحكم ببقاء أولوية الأول، إلا أن يجد مكانا مساويا
للأول أو أولى منه، وهو قول الدروس محتجا بأنه صلاة واحدة، فلا يمنع من
إتمامها (1). وليس بشيء.
وإن لم يكن قيامه لضرورة فالمشهور سقوط حقه مطلقا، وظاهرهم عدم
الفرق هنا بين من يألف بقعة ليقرأ عليه القرآن ويتعلم منه الفقه ونحو ذلك وعدمه،
لعموم قوله تعالى: (سواء العاكف فيه والباد) (2) وفرق بعضهم فأوجب أولوية
المذكورين كما في مقاعد الأسواق (3).
واشترط الشهيد في الذكرى في صورة بقاء حقه مع بقاء الرحل عدم
طول المكث (4).
وحيث يبقى الحق لا يجوز لأحد إزعاجه عنه، وهل يصير أولى منه بعد ذلك؟
يحتمل ذلك، لسقوط حق الأول بالمفارقة، وعدمه للنهي، فلا يترتب عليه حق،
ولعل الثاني أقرب. والوجهان آتيان في رفع كل أولوية. ويتفرع على الوجهين
صحة صلاة الثاني وعدمها. ولو استبق اثنان إلى مكان معين لا يمكن الجمع بينهما
فيه لعدم اتساعه اقرع بينهما.
الثالث في المدارس والمساكن الموقوفة والرباطات:
فمن سكن بيتا منها أو أقام بمكان مخصوص منها وكان متصفا بالوصف
المعتبر في حصول الاستحقاق، بأن يكون مشتغلا بالعلم في المدرسة، ويكون
جامعا للشرائط التي اعتبرها الواقف فهو أحق به وإن تطاولت المدة، إلا مع اعتبار
الواقف زمانا محدودا.

(1) الدروس 3: 69.
(2) الحج: 25.
(3) حكاه عن البعض في المسالك 12: 434.
(4) الذكرى 4: 155.
562

وإذا كان البيت الذي سكنه معدا لواحد فله منع غيره. وإن كان معدا لما فوق
الواحد لم يكن له منع الغير من المشاركة. وإن لم يكن شيء من ذلك معلوما رجع
فيه إلى العادة.
ومن سبق إلى بيت منها فالظاهر أنه لا يبطل حقه بالخروج لحاجة كشراء مأكول
أو ملبوس، وقضاء حاجة، وزيارة مؤمن ونحو ذلك. والظاهر أنه لا يلزمه تخليف
أحد مكانه، ولا إبقاء رحل. وظاهر بعض الوجوه المذكورة في هذا المقام خلافه.
والظاهر أنه لا فرق بين طول المدة وقصرها، إلا أن يخرج عن المعتاد ما لم
يشترط الواقف حدا موقوتا من الزمان.
ولو فارق مكانا من المدرسة لغير عذر فالأشهر أنه يبطل حقه مطلقا، وإن
كانت المفارقة لعذر ففي سقوط حقه أوجه.
واستقرب المحقق منها سقوط أولويته مطلقا، لزوال ما يقتضي
الاختصاص (1). وفيه وجه بالبقاء مطلقا. ووجه آخر بالفرق بين الطويلة والقصيرة
وهو مختار التذكرة (2). واستحسنه في المسالك مع بقاء رحله، أو عدم خروجه من
الإقامة عرفا (3).
وفي الدروس: لو فارق ساكن المدرسة والرباط ففيه أوجه: زوال حقه
كالمسجد، وبقاؤه مطلقا لأنه باستيلائه جرى مجرى المالك، وبقاؤه إن قصرت
المدة دون ما إذا طالت لئلا يضر بالمستحقين، وبقاؤه إن خرج لضرورة كطلب
مأربة مهمة وإن طالت المدة، وبقاؤه إن بقي رحله أو خادمه. ثم قال: والأقرب
تفويض ذلك إلى ما يراه الناظر صلاحا (4).
واستشكله الشهيد الثاني عند إطلاق النظر، إذ ليس له إخراج المستحق
اقتراحا، فرأيه حينئذ فرع الاستحقاق وعدمه، نعم لو فوض إليه الأمر مطلقا
فلا إشكال. (5)

(1) الشرائع 3: 277.
(2) التذكرة 2: 406 س 11.
(3 و 5) المسالك 12: 437.
(4) الدروس 3: 70.
563

البحث الرابع (1) * في المعادن
والمشهور بين الأصحاب أن المعادن مشتركة بين الناس لا تختص
بالإمام (عليه السلام).
وعد الشيخان المعادن من الأنفال المختصة بالإمام (عليه السلام) (2) وهو قول الشيخ
أبي جعفر الكليني، وشيخه علي بن إبراهيم بن هاشم (3) وسلار (4).
قال المحقق بعد نقل ذلك عن الشيخين: فإن كانا يريدان ما يكون في الأرض
المختصة به أمكن. أما ما يكون في أرض لا يختص بالإمام (عليه السلام) فالوجه أنه لا
يختص به، لأنه أموال مباحة تستحق بالسبق إليها والإخراج لها، والشيخان
يطالبان بدليل ما أطلقاه (5).
قلت: ولعل مستند الشيخين ما رواه علي بن إبراهيم بن هاشم في تفسيره، عن
إسحاق بن عمار في الموثق، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الأنفال؟ فقال: هي
القرى التي قد خربت... إلى أن قال: والمعادن منها (6) والعمل بهذا الخبر غير بعيد،
لكونه معتبرا قد عمل به جماعة من قدماء الطائفة، مع سلامته عن المعارض. لكن
في تحقيق ما يصدق عليه المعادن إشكال ذكرناه في شرح الإرشاد. (7)
والأخبار الدالة على وجوب الخمس في المعادن لا تدل على خلاف
الشيخين كما قد يتوهم.
وقيل: يختص الإمام (عليه السلام) بما كان في أرضه (عليه السلام) كالموات (8).
وعلى ما رجحناه فالظاهر أن ما كان من المعادن ظاهرا لا يتوقف على
الإحياء يجوز في زمن الغيبة أخذه، وما يتوقف على الإحياء يتوقف ملكه على

(*) كذا في الأصل أيضا، والمناسب: البحث الثاني، تقدم أول الأبحاث في ص 544.
(2) المقنعة: 278، انظر النهاية 1: 450، ونقله عنهما في المعتبر 2: 634.
(3) المراسم: 140.
(4) الكافي 1: 538، تفسير القمي 1: 254.
(5) المعتبر 2: 634 - 635.
(6) تفسير القمي 1: 254.
(7) الذخيرة: 477 و 478.
(8) حكاه في المسالك 12: 441.
564

إذنه مع حضوره، ومع الغيبة جاز الأخذ منه كغيره من الأنفال، ويحتمل الملك أيضا
بالإحياء كإحياء الأرض وإن كان الإمام (عليه السلام) يرفع يده بعد حضوره، لأنه من
توابع الأرض.
ثم المعادن قسمان: ظاهرة وباطنة، فالظاهرة هي التي تبدو جوهرها من غير
عمل كالنفط، وأحجار الرحى، والسرمة، والكبريت، والقار، وأشباهها. والمشهور
أن هذه لا تملك بالإحياء ولا يختص بها بالتحجير، لأن التحجير مقدمة الإحياء
وهو لا يجري هاهنا.
وعلى المشهور هل للإمام إقطاعها؟ فيه قولان، ووجه العدم استواء الناس
فيه، ووجه الجواز عموم ولايته وتصرفه وإناطة المصلحة برأيه.
ومن انفرد فيها فله أخذ ما شاء منها وإن زاد عن قدر حاجته.
وإن تسابق اثنان فصاعدا فالسابق إليها أولى، وهل يأخذ ما شاء، أو ما
يقتضيه العادة لأمثاله؟ فيه قولان.
ولو توافقا وأمكن الجمع يأخذ كل منهما مطلوبه، وإلا اقرع بينهما، لأنها لكل
مشكل. وقيل: ينصب الحاكم من يقسم بينهما (1). وهو جيد مع قبول القسمة.
ولو كان المعدن وافيا بحاجتهما، لكن ضاق مكان الأخذ عنهما معا فالقرعة
أيضا. ومثله ما لو ازدحم اثنان فصاعدا على نهر ونحوه ولم يمكن الجمع.
والمشهور أنه لو تغلب أحدهما على الآخر أثم وملك. وفيه إشكال.
ولو كان بجانب المملحة أرض موات إذا حفر بها بئر وسيق إليها الماء صار
ملحا صح تملكها بالإحياء، ولو حجرها اختص بها.
والمعادن الباطنة وهي التي لا يظهر جوهرها إلا بالعمل والمعالجة، كالذهب،
والفضة، والفيروزج، والرصاص، والنحاس، والحديد، فالمشهور أنها ليست ملكا
للإمام (عليه السلام) وقد سبق الخلاف في ذلك لجماعة من القدماء وأن الترجيح لقولهم.

(1) حكاه في التذكرة 2: 403 س 34.
565

والمشهور أن المعادن الباطنة تملك ببلوغ نيلها، وهو إحياؤها، وبدون ذلك
تحجير يفيد أولوية ويجري فيه أحكام التحجير، كما لو حفر بئرا في الموات على
قصد التملك، فإنه إذا وصل إلى الماء ملكه، لا مطلقا. ولو كانت على وجه الأرض أو
مستورة بتراب يسير لا يصدق معه الإحياء عرفا لم يملك بغير الحيازة كالظاهرة.
ولا يقتصر الملك على محل المعدن بخصوصه، بل يجري في حريمه، وهو
منتهى عروقه عادة، ومطرح ترابه، وطريقه، وما يتوقف عليه عمله إن عمل عنده.
والمشهور أنه لو أحيا أرضا فظهر فيها معدن ملكه، وكان ذلك مختصا به في
زمان الغيبة وعلى القول بكون المعدن ملكا للإمام مطلقا.
البحث الخامس (1) * في المياه
وفيه مسائل:
الاولى: الماء أصله الإباحة، لكن يعرض له الملك بعارض، فمن ذلك أن يأخذ من
المباح في آنية أو مصنع ونحوهما، وهذا مما لا خلاف في اختصاصه بالمحرز، ويجوز
له أنواع التصرفات فيه كبيع وهبة ونحوهما ولا يجوز لأحد الأخذ منه إلا بإذنه.
ومن ذلك ما يستنبطه ويستخرجه من الأرض المباح من بئر وعين بنية
التملك. ومذهب الأصحاب أنه يملكه، لكن نقل عن الشيخ (رحمه الله) أنه أوجب في
المبسوط والخلاف في ماء البئر على مالكها بذل الفاضل عن حاجته لشربه
وشرب ماشيته وزرعه، إلى غيره من غير عوض إذا احتاج إليه لشربه أو شرب
ماشيته لا للزرع والشجر (2) مستندا إلى روايات عامية (3) أعم من المدعى، ولا يبعد
أن يكون المراد بها الماء المباح كمياه الأنهار والغيوث في الأرض المباحة والآبار

(*) كذا، والمناسب: البحث الثالث، كما نبهنا عليه في 564.
(2) المبسوط 3: 281، الخلاف 3: 531، المسألة 13.
(3) سنن ابن ماجة 2: 828، ح 2477، تلخيص الحبير 3: 66، ح 1308.
566

المباحة والسابقة على إحياء الأرض، ويحمل على هذا رواية محمد بن سنان، عن
أبي الحسن (عليه السلام)، قال: سألته عن ماء الوادي؟ فقال: إن المسلمين شركاء في الماء
والنار والكلأ (1).
ويدل على القول المشهور صحيحة سعيد الأعرج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
سألته عن الرجل يكون له الشرب مع قوم في قناة فيها شركاء، فيستغني بعضهم
عن شربه، أيبيع شربه؟ قال: نعم، إن شاء باعه بورق، وإن شاء بكيل حنطة (2).
ونحوه رواية سعيد بن يسار (3) وفي حسنة الكاهلي: يبيعه بما شاء، هذا مما
ليس فيه شيء (4).
وفي موثقة إسماعيل بن الفضل: إذا كان الماء له فليزرع به ما شاء ويبيعه
بما أحب (5).
وفي موثقة أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن بيع
النطاف والأربعاء إلى أن قال: والنطاف أن يكون له الشرب، فيستغني عنه، فيقول:
لا تبعه أعره أخاك أو جارك (6).
وفي موثقة عبد الرحمن البصري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: نهى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن المحاقلة، إلى أن قال: والنطاف شرب الماء، ليس لك إذا
استغنيت عنه أن تبيعه جارك، تدعه له (7). وهاتان الروايتان تحملان على
الاستحباب جمعا بين الأدلة.

(1) الوسائل 17: 331، الباب 5 من أبواب إحياء الموات، ح 1.
(2) الوسائل 17: 332، الباب 6 من أبواب إحياء الموات، ح 1.
(3) الوسائل 12: 278، الباب 24 من أبواب عقد البيع، ذيل الحديث 1.
(4) الوسائل 17: 332، الباب 6 من أبواب عقد البيع، ح 2.
(5) الوسائل 17: 336، الباب 9 من أبواب إحياء الموات، ح 2.
(6) الوسائل 17: 333، الباب 7 من أبواب إحياء الموات، ح 1.
(7) ذكر صدر الحديث في الوسائل 13: 23، الباب 13 من أبواب بيع الثمار، ح 1. وذيله في
الوسائل 12: 278، الباب 24 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 4.
567

الثانية: لو حفر بئرا أو استنبط عينا في بعض الأراضي المباحة لا بنية التملك
بل لينتفع به أو لعموم الانتفاع به فالظاهر أنه لا يملكه كما قطعوا به، لكن في الأول
يصير الحافر أولى بها من غيره مدة بقائه عليها، فإذا تركها حل لغيره الانتفاع
بمائها، فلو عاد الأول بعد الإعراض ففيه وجهان. والأشهر أنه يساوي
غيره. والظاهر أنه لا حاجة إلى نية التملك في المستنبط في الأرض المملوكة، بل
يملكها تبعا.
الثالثة: ما حكم بملكه من الماء يجوز بيعه كيلا ووزنا للانضباط، وكذا يجوز
مشاهدة إذا كان محصورا. وأما بيع ماء العين والبئر أجمع فالأشهر منعه، لكونه
مجهولا وكونه يزيد شيئا فشيئا، فيختلط المبيع بغيره.
وفي الدروس جوز بيعه على الدوام، سواء كان منفردا أو تابعا للأرض (1).
وعلى هذا القول يجري فيه الصلح أيضا، لاتساع دائرة الصلح بالنسبة إلى البيع.
وهذا القول غير بعيد، نظرا إلى الأخبار المذكورة.
الرابعة: إذا حفر نهرا وأوصله بالنهر المباح فدخل فيه الماء فلا أعرف خلافا
في أولوية الحافر بالماء المذكور. فليس لأحد أن يزاحمه فيه، ولا في ملكية
الأرض المحفورة، فيجوز له بيعها وهبتها فيترتب عليه أولوية الماء الداخل فيها.
إنما الخلاف في ملكية الماء الداخل فيها، فالمشهور بين الأصحاب خصوصا
المتأخرين أنه يملكه كما يملك الماء الخارج بحفر البئر والعين.
وعن الشيخ في المبسوط أنه لا يملك بذلك، لأنه مباح دخل في ملكه، فيبقى
على أصل الإباحة (2) وبالأخبار (3) العامية التي اشير إليها سابقا، وإنما يكون الحافر
أولى به. وفرع عليه ما إذا كان الحافر للنهر جماعة ولم يسع سقيهم دفعة ولا
تراضوا على المهاياة فيه، فإنه يقسم بينهم على قدر أرضهم لا على قدر عملهم ولا

(1) الدروس 3: 67.
(2) المبسوط 3: 284 - 285.
(3) كذا في الأصل، وفي خ 2: للأخبار.
568

نفقاتهم على النهر، استنادا إلى أن الأولوية تابعة للملك، فيكون الحق
تابعا لمقداره (1).
وعلى القول المشهور فالأظهر أن الماء يملك على نسبة العمل لا النفقة.
والمشهور أنه لا يشترط في ملك النهر ومائه المنتزع من المباح وجود ما يصلح
لفتحه وسده، خلافا لابن الجنيد (2).
وذكر في الدروس: أنه يجوز الوضوء والغسل وتطهير الثوب بالماء المذكور
عملا بشاهد الحال إلا مع النهي (3).
الخامسة: إذا اجتمعت ملاك متعددة على ماء واحد، فإن كان الماء ملكا لهم
يقسم بينهم على قدر سهامهم إما بقسمة نفس الماء، أو بالمهاياة عليه. وإن كان
الماء مباحا ولم يف بالجميع في وقت واحد ولم يتوافقوا على أمر، بل تنازعوا في
التقدم والتأخر بدء بالأول من الملاك، وهو الذي يلي فوهة النهر، فيسقي أرضه
أولا، ثم يرسل الماء لمن يليه، وهكذا، سواء استضر الثاني بحبس الأول أم لا، فلو
لم يفضل من الأول أو الثاني أو من يليه شيء فلا شيء للباقين، إذ ليس لهم إلا ما
فضل عن السابقين.
ونقل بعضهم الإجماع على هذا الحكم (4) والأصل فيه ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله)
أنه قضى في شرب نهر في سيل أن للأعلى أن يسقي قبل الأسفل (5) ثم يرسله
إلى الأسفل.
ومن طريق الخاصة رواية غياث بن إبراهيم بإسناد لا يخلو عن اعتبار، عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في سيل وادي مهزور
الزرع إلى الشراك، والنخل إلى الكعب، ثم يرسل الماء إلى أسفل من ذلك قال ابن
أبي عمير: والمهزور موضع الوادي (6).

(1) راجع المسالك 12: 448.
(2) حكاه في المسالك 12: 449.
(3) الدروس 3: 65.
(4) المسالك 12: 450.
(5) تلخيص الحبير 3: 65، ح 1305.
(6) الوسائل 17: 334، الباب 8 من أبواب إحياء الموات، ح 1، وفيه: ومهزور موضع واد.
569

وعن غياث بن إبراهيم في الموثق، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قضى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) في سيل وادي مهزور أن يحبس الأعلى على الأسفل للنخل إلى
الكعبين، وللزرع إلى الشراكين (1).
والمشهور في الرواية أنه بتقديم الزاء المعجمة على الواو ثم الراء المهملة
أخيرا. ونقل ابن بابويه عن شيخه ابن الوليد بالعكس، وذكر أنها كلمة فارسية من
هرز الماء، إذا زاد عن المقدار الذي يحتاج إليه (2).
ورواية عقبة بن خالد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في
شرب النخل بالسيل أن الأعلى يشرب قبل الأسفل وينزل من الماء إلى الكعبين،
ثم يسرح الماء إلى الأسفل الذي يليه كذلك حتى ينقضي الحوائط ويفنى الماء (3).
والمشهور في مقدار السقي حبس الماء إلى أن يبلغ الماء الشراك للزرع،
وإلى القدم لسقي الشجر، وإلى أن يبلغ الساق لسقي النخل، وليس في الرواية
التعرض للشجر.
وذكر الشهيدان وغيرهما أن تقدم الذي على فوهة النهر إنما يكون على تقدير
أن يكون سابقا في الإحياء أو اشتبه المتقدم، أما لو علم المتقدم في الإحياء بدئ
به أولا وإن كان متأخرا، ثم الذي يليه في الإحياء، وهكذا، لأن حق السابق
بالإحياء مقدم (4) وهو متجه.
والروايات الدالة على تقديم الذي يلي فوهة النهر لا عموم لها بحيث يشمل
هذا القسم.
وذكر في المسالك: أن إطلاق النص والفتوى لسقي الزرع والشجر بذلك
المقدار محمول على الغالب في أرض الحجاز من استوائها وإمكان سقي جميعها
كذلك، فلو كانت مختلفة في الارتفاع والانخفاض، بحيث لو سقيت أجمع كذلك

(1) الوسائل 17: 335، الباب 8 من أبواب إحياء الموات، ح 3.
(2) الفقيه 3: 99، ذيل الحديث 3411.
(3) الوسائل 17: 335، الباب 8 من أبواب إحياء الموات، ح 5.
(4) الدروس 3: 66، المسالك 12: 452.
570

زاد الماء في المنخفضة عن الحد المشروع، أفرد كل واحد بالسقي بما هو طريقه،
توصلا إلى متابعة النص بحسب الإمكان. ولو كانت كلها منحدرة لا يقف الماء
فيها كذلك سقيت بما تقتضيه العادة، وسقط اعتبار التقدير الشرعي، لتعذره (1).
وهو حسن.
السادسة: لو أراد إنسان إحياء موات وسقيه من هذا الوادي بعد اجتماع
الأملاك عليه، فإن كان فيه التوسع لذلك فلا منع، وإلا كان للسابقين المنع، لأنهم
بإحياء أراضيهم استحقوا مرافقها، وهذا الماء من أعظمها، فلا يستحق اللاحق إلا
بعد استغنائهم. فلو لم يفضل عن كفايتهم شيء بأن احتاج الأول إلى السقي عند
فراغ المتأخر رجع الحق إليه، وهكذا، ولا شيء للمحيي أخيرا وإن كانت الأرض
التي أحياها أقرب من فوهة الوادي، لما عرفت من أن الاعتبار بالسقي في
الإحياء. وتردد في هذا الحكم المحقق (2).
وفي التذكرة نقل الخلاف فيما لو احتاج الأعلى بعد استيفاء حقه إلى السقي
مرة اخرى هل يمكن أم لا؟ ثم قوى عدم التمكن وأنه يجب عليه الإرسال لمن
بعده (3) محتجا بقول النبي (صلى الله عليه وآله) في خبر عبادة بن صامت: يرسل الماء إلى الأسفل
حتى ينتهي إلى الأراضي (4). وقوله (صلى الله عليه وآله) في رواية الصادق (عليه السلام): ثم يرسل الماء
إلى الأسفل (5). وغيرهما من الأحاديث.
السابعة: مياه العيون المباحة، والآبار المباحة، والغيوث، والأنهار الكبار -
كالفرات ودجلة والنيل - والصغار التي لم يجرها مجر بنية التملك، فإن الناس فيها
شرع سواء، ومن سبق إلى اغتراف شيء منها فهو أولى به من غيره، وإن نوى
التملك يملكه، وهل يعتبر في تملكه نية التملك؟ المشهور ذلك.

(1) المسالك 12: 453.
(2) الشرائع 3: 280.
(3) التذكرة 2: 407 س 14.
(4) تلخيص الحبير 3: 65، ح 1305.
(5) الوسائل 17: 334، الباب 8 من أبواب إحياء الموات، ح 1.
571

كتاب
الصيد والذباحة
573

كتاب الصيد والذباحة
وفيه أبحاث:
الأول
الحيوان المأكول إنما يصير مذكى بطريقين:
أحدهما: الذبح أو النحر، وذلك في الحيوان المقدور عليه.
والثاني: العقر المزهق في أي موضع كان، وذلك في غير المقدور عليه،
والأغلب من هذا القسم عقر الحيوان الوحشي بآلة الاصطياد.
والأصل في إباحة الصيد الآية (1) والأخبار (2) والإجماع.
والاصطياد يطلق على معنيين:
أحدهما: إثبات اليد على الحيوان الوحشي بالأصالة، المحلل، المزيل
لامتناعه بآلة الاصطياد وغيرها.
والثاني: العقر المزهق لروحه بآلة الصيد على وجه يحل أكله.
والصيد بالمعنى الأول لا خلاف في أنه يجوز بكل آلة يتوصل إليه بها من
كلب، وسبع، وجارح وغيرها.

(1) المائدة: 2 و 4.
(2) الوسائل 16: 207 و 208، الباب 1 و 2 من أبواب الصيد.
574

وأما الاصطياد بالمعنى الثاني فلا خلاف أيضا في تحققه بالكلب المعلم
بالشروط الآتية، بمعنى أن ما أخذه وجرحه وأدركه صاحبه ميتا أو في حركة
المذبوح يحل أكله.
ويقوم إرسال الصائد وجرح الكلب في أي موضع كان مقام الذبح في المقدور
عليه. والظاهر أنه لا يتحقق بكلب غير معلم، لظاهر الآية، وللحديث، ولعله اتفاقي.
والمشهور بين الأصحاب عدم تحققه بغير الكلب من جوارح الصيد والسباع،
فيتوقف الحل في الاصطياد بالفهد والنمر وغيرهما على إدراك التذكية، وكذا لو
اصطاد بالبازي والعقاب والباشق وغير ذلك من جوارح الطير، معلما كان أو غيره.
وعن المرتضى نقل الإجماع عليه (1) وسندهم التقييد بقوله تعالى:
(مكلبين) (2) في الآية، وللأخبار الكثيرة (3).
وذهب ابن أبي عقيل إلى حل صيد ما أشبه الكلب من الفهد والنمر
وغيرهما (4). ومستنده عموم «الجوارح» في الآية وأخبار متعددة (5). ويمكن الجمع بين
الأخبار بحمل أخبار الترخيص على التقية، أو حمل أخبار المنع على الأولوية.
ويدل على الأول صحيحة الحلبي (6). ورواية أبان (7). فلا يبعد ترجيحه،
ولا ريب في كونه أحوط.
ولا فرق في الكلب بين الأسود وغيره على الأصح الأشهر.
وعن ابن الجنيد: أنه لا يجوز الاصطياد بالكلب الأسود (8). وهو مذهب
بعض العامة.

(1) الانتصار: 182 - 183.
(2) المائدة: 4.
(3) الوسائل 16: 207، الباب 1 من أبواب الصيد.
(4) حكاه في المختلف 8: 349.
(5) المائدة: 4، الوسائل 16: 208، 213، 216، الباب 2 و 4 و 6 من أبواب الصيد.
(6) الوسائل 16: 220، الباب 9 من أبواب الصيد، ح 3.
(7) الوسائل 16: 222، الباب 9 من أبواب الصيد، ح 12.
(8) المختلف 8: 271.
575

ويجوز الاصطياد بالسيف، والرمح، والسهم، وكل ما فيه نصل كالسكين
ونحوه، والظاهر أنه لا خلاف فيه بينهم، ويدل عليه الأخبار (1) وأصالة الحل فيما
عدا أشياء معينة منصوصة. ولو أصاب معترضا فقتل حل عند الأصحاب، للأخبار.
ولو كان خاليا عن النصل لكنه محدد يصلح للخرق كالمعراض يحل مقتوله إن
خرقه ولو يسيرا فمات به، دون ما إذا لم يخرق على المعروف بينهم، عملا
بصحيحة أبي عبيدة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا رميت بالمعراض فخرق فكل،
وإن لم يخرق واعترض فلا تأكل (2).
وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن لم يكن له نبل غيره وسمى
حين رمى فليأكل منه، وإن كان له نبل غيره فلا (3). وهذا التفصيل غير معروف.
وكذا ما روى الصدوق عن زرارة في الصحيح أنه سمع أبا جعفر يقول فيما
قتل المعراض: لا بأس به إذا كان إنما يصنع لذلك (4). والوجه الحل عند الخرق.
ولو كان مثقلا لا يقتل بخرقه بل بثقله كالأحجار والبنادق لم يحل مقتوله
مطلقا، سواء قطعت البندقة رأسه أو عضوا آخر أم لا، عملا بالأخبار الكثيرة.
وفي مثل الآلة الموسومة بالتفنك المستحدثة في قرب هذه الأعصار تردد،
ولو قيل بالحل لم يكن بعيدا، لعموم أدلة الحل، ودخوله تحت عموم قول أبي
جعفر (عليه السلام): «من قتل صيدا بسلاح» (5) الحديث. وأخبار البندقة مصروفة إلى
المعروف في ذلك الزمان. ويؤيده ما ورد في الحديث: «أنها لا تصيد صيدا ولا
تنكأ عدوا، ولكنها تكسر السن وتفقأ العين» (6) والأحوط التجنب.

(1) الوسائل 16: 228 و 233، الباب 16 و 22 من أبواب الصيد.
(2) الوسائل 16: 233، الباب 22 من أبواب الصيد، ح 1.
(3) الوسائل 16: 234، الباب 22 من أبواب الصيد، ح 4.
(4) الفقيه 3: 317، ح 4132.
(5) الوسائل 16: 228، الباب 16 من أبواب الصيد، ح 1، وفيه: (من جرح).
(6) سنن البيهقي 9: 248.
576

ولا يشترط في حل الصيد موته بآلة واحدة، فلو تعددت وكانت مما يحل
بكل واحد منها فمات بالجميع حل.
البحث الثاني
يشترط في الكلب لإباحة ما يقتله أن يكون معلما، للآية (1) والخبر (2).
واعتبروا في صيرورة الكلب معلما ثلاثة امور:
الأول: أن يسترسل بإرسال صاحبه، بمعنى أنه إذا اغري بالصيد هاج.
الثاني: أن ينزجر بزجره، وهذا الإطلاق منسوب إلى الأكثر، وقيده في
الدروس بما إذا لم يكن بعد إرساله على الصيد (3) واستحسنه في المسالك (4)
وقريب منه في التحرير (5).
الثالث: أن يمسك الصيد ولا يأكله على المشهور، وعن جماعة من الأصحاب
منهم: الصدوقان والحسن عدم اشتراط عدم الأكل (6). وهو أقرب، للأخبار الكثيرة،
وما دل على المنع يحمل على الكراهة أو التقية كما يشهد له بعض الأخبار (7).
وفرق ابن الجنيد بين أكله منه قبل موت الصيد وبعده، فجعل الأول قادحا في
التعليم دون الثاني (8). وعلى القول باعتبار عدم الأكل لا يضر شرب الدم.
والامور المعتبرة في التعليم لابد أن يتكرر مرة بعد اخرى ليغلب على الظن
تأدب الكلب. ولم يقدر أكثر الأصحاب عدد المرات. واكتفى بعضهم بالتكرر
مرتين (9). واعتبر آخرون ثلاث مرات (10) والأقوى الرجوع في أمثاله إلى العرف،
لفقد النص الدال على التحديد. وحيث تحقق التعليم لم يقدح المخالفة مرة.

(1) المائدة: 4.
(2) سنن البيهقي 9: 235.
(3) الدروس 2: 393.
(4) المسالك 12: 415.
(5) التحرير 2: 154 س 26.
(6) الهداية: 79، وحكاه في المسالك 12: 415.
(7) سنن البيهقي 9: 237 - 238.
(8) حكاه في المختلف 8: 271.
(9) حكاه في المسالك 12: 417.
(10) حكاه في المسالك 12: 417.
577

البحث الثالث
يشترط في إرسال الكلب والسهم شروط التذكية، لأنه نوع منها. وسيأتي
البحث فيها. والمشهور أن من شرطها الإسلام، فكما لا يصح تذكية الكافر بالذبح
والنحر، فكذا إرساله الكلب، ولا خلاف في ذلك في غير أهل الكتاب.
وفي اليهودي والنصراني خلاف، والمشهور المنع. والظاهر أن الخلاف هاهنا
كما في التذكية. وفي المجوسي هناك قول بالحل، وسيجئ الكلام فيه.
والصبي المميز في حكم المسلم.
والمعروف بينهم أنه يعتبر أن يرسله للاصطياد، فلو استرسل من نفسه لم يحل
مقتوله، استنادا إلى بعض الأخبار (1). وفيه ضعف من حيث السند والدلالة، مع أنه
معارض برواية القاسم بن سليمان. ولو زجره عقيب الاسترسال فوقف ثم أغراه
صح، لحصول الشرط.
ولا خلاف عندنا في وجوب التسمية واشتراطها في حل ما يقتله الكلب،
والمستند الآية والأخبار (2). وكذا الحكم في إرسال السهم ونحوه، للخبر (3).
ولا خلاف أيضا في الإجزاء إذا وقعت التسمية عند الإرسال. وفي إجزائها
إذا وقعت فيما بين الإرسال وعضة الكلب أو إصابة السهم قولان، والأقرب
الإجزاء، لعموم النص، وعدم ما يدل على حصر الزمان في وقت الإرسال.
ولو نسي التسمية حال الإرسال وفعل في الأثناء فالظاهر الإجزاء، قولا
واحدا. ولو نسي التسمية أصلا حل المقتول، للخبر (4). وفي الجاهل وجهان.

(1) سنن البيهقي 9: 235.
(2) الأنعام: 121، المائدة: 4، الوسائل 16: 211، الباب 2 من أبواب الصيد، ح 11 و 14 و 15.
(3) الوسائل 16: 228، الباب 16 من أبواب الصيد، ح 3.
(4) الوسائل 16: 225، الباب 12 من أبواب الصيد.
578

ولو أرسل واحد كلبه ولم يسم وسمى آخر لم يحل الصيد المقتول، لصحيحة
محمد بن مسلم (1). والمعتبر في التسمية هنا والذبح والنحر ذكر الله المقترن
بالتعظيم، كإحدى التسبيحات الأربع.
وفي مثل: «اللهم اغفر لي وارحمني» و: «اللهم صل على محمد وآل محمد»
قولان، أقربهما الإجزاء، لعموم الأدلة. والأقرب إجزاء ذكر الله مجردا، كما قطع به
الفاضل (2) لصدق الذكر المذكور في الآية.
والأقرب إجزاء غير العربي، لأن المراد من الله تعالى في الآية الذات لا
خصوص لفظ.
ويشترط في حل الصيد بالكلب أو السهم أن يحصل موته بسبب الجرح، فلو
مات بصدمة أو بافتراس سبع، أو أعان ذلك الجرح غيره لم يحل. فلو غاب الصيد
وحياته مستقرة ثم وجده ميتا لم يحل، لاحتمال أن يكون موته بسبب آخر.
ولو فرض علمه بأنه مات من جراحته حل. والمستند الروايات (3) والمعتبر
من العلم هاهنا الظن الغالب، لرواية زرارة (4). والأقرب كراهة رمي الصيد بما هو
أكبر منه. والقول بالتحريم ضعيف، لضعف المستند.
البحث الرابع في بعض الأحكام المتعلقة بالاصطياد
وفيه مسائل:
الاولى: المعروف بينهم أنه لو رمى سهما فأوصله الريح فقتله حل وإن كان
لولا الريح لم يصل، وكذا لو أصاب السهم الأرض ثم وثب فقتل، ولا يبعد العمل

(1) الوسائل 16: 226، الباب 13 من أبواب الصيد، ح 1.
(2) الإرشاد 2: 108.
(3) الوسائل 16: 230، الباب 18 من أبواب الصيد.
(4) الوسائل 16: 231، الباب 18 من أبواب الصيد، ح 5.
579

بذلك، عملا بعموم أدلة الحل.
ولو سمى ورمى صيدا فأخطأ وأصاب صيدا آخر حل، لعموم الآية
وخصوص رواية عباد بن صهيب (1). قالوا: ولو أرسل كلبه على صيود كبار فتفرقت
عن صغار، فقتلها حلت إذا كانت ممتنعة، وهو حسن.
الثانية: الصيد الذي يحل بقتل الكلب له أو الآلة في غير موضع الذكاة هو كل
ما كان ممتنعا، وحشيا كان، أو إنسيا توحش، وكذلك ما يصول من البهائم أو
تردى في بئر وشبهها ويتعذر ذبحه أو نحره، فإنه يكفي العقر في استباحتها، ولا
يختص العقر حينئذ بموضع من جسدها، ولا أعرف خلافا في ذلك بيننا، ويدل
عليه الأخبار (2) لكن ليس فيها التعميم في الحيوان والآلة.
ولو كان الحيوان مقدورا عليه لا يحل إلا بالذبح أو النحر، فلو رمى فرخا لم
ينهض فقتله لم يحل. ولو رمى طائرا وفرخا لم ينهض فقتلهما اختص التحريم
بالفرخ. لا أعرف في ذلك خلافا بين الأصحاب.
الثالثة: لو رمى صيدا فوقع في الماء فمات لا يأكل منه، لحسنة الحلبي (3)
ورواية سماعة (4). ولو علم استناد موته إلى الجرح حل.
الرابعة: لا يجوز الاصطياد بالآلة المغصوبة، ولا يحرم الصيد. ومذهب
الأصحاب أنه للصائد دون مالك الآلة، سواء كانت كلبا أو سلاحا، وعلى هذا فعلى
الصائد اجرة المثل.
الخامسة: إذا عض الكلب صيدا كان موضع العضة نجسا يجب غسله على
الأصح الأشهر، عملا بعموم دليل النجاسة.
السادسة: إذا أرسل سلاحه من سهم وسيف وغيرهما، أو كلبه المعلم إلى

(1) الوسائل 16: 239، الباب 27 من أبواب الصيد، ح 1.
(2) الوسائل 16: 260، الباب 10 من أبواب الذباح.
(3) الوسائل 16: 238، الباب 26 من أبواب الصيد، ح 1.
(4) الوسائل 16: 238، الباب 26 من أبواب الصيد، ذيل الحديث 2.
580

صيد، فأصابه وجرحه فعليه أن يسرع إليه بالمعتاد، وظاهرهم وجوب ذلك، وفي
إثباته إشكال. ثم إن لم يدركه حيا حل بلا خلاف.
وإن أدركه حيا ولم يكن فيه حياة مستقرة فتركه حتى مات حل، والأولى أن
يذكيه إذا أدركه والعين تطرف والرجل تركض والذنب يتحرك، إذ في رواية ليث،
عن الصادق (عليه السلام): إن ذلك آخر الذكاة (1).
وإن بقيت فيه حياة مستقرة فظاهرهم وجوب المبادرة بالمعتاد إلى تذكيته.
وفي إثباته إشكال، فإن أدرك ذكاته حل.
وإن تعذر بتقصير الصائد بأن لم يستصحب الآلة مثلا، ثم مات بجرحه
فالمشهور أنه لا يحل. وفيه إشكال، نظرا إلى العمومات.
وذهب جماعة إلى أنه يترك الكلب حتى يقتله ثم يأكل (2). وهو متجه، نظرا
إلى عموم الآية، وخصوص صحيحة جميل (3) وغيرها من العمومات.
وإن تعذر من غير تقصير الصائد، كما إذا اشتغل بأخذ الآلة وسل السكين مثلا
فمات، حل. ومنه ما إذا لم يسع الزمان للتذكية على الأشهر الأقرب، لعموم الأدلة.
وذهب جماعة إلى تحريمه، استنادا إلى أنه مستقر الحياة، فتعلقت إباحته
بتذكيته (4). وهو ممنوع.
السابعة: الظاهر أن ما يثبت في آلة الصائد كالحبالة والشبكة يملكه ناصبها.
وكذا كل ما يعتاد الاصطياد به ولا يخرج عن ملكه بانفلاته بعد إثباته، بخلاف ما لو
لم تكن الآلة معتادة لذلك، فلا يملكه بتوحله، ولا بتعشيشه في داره، ولا بوثوب
السمكة في سفينته. وإن قصد به التملك بأن اتخذ الموحلة لذلك، أو قصد ببناء الدار
أو بالسفينة إثبات الصيد، ففي ملكه له إذا ثبت فيها وجهان.

(1) الوسائل 16: 220، الباب 9 من أبواب الصيد، ح 4.
(2) النهاية 3: 86 - 87، المقنع: 138، المختلف 8: 266.
(3) الوسائل 16: 218، الباب 8 من أبواب الصيد، ح 1.
(4) منهم الحلي في السرائر 3: 93.
581

ولو أطلق الصيد من يده لم يخرج عن ملكه إذا لم ينو قطع ملكه عنه، وإن نوى
ذلك ففي خروجه عن ملكه قولان، أشهرهما الأول، ولعله الأقرب.
قالوا: ما صيره الرامي غير ممتنع ملكه وإن لم يقبضه، فلو أخذه غيره لم يملكه
الثاني ووجب دفعه إلى الأول.
البحث الخامس في الذباحة
وفيه فصلان:
الفصل الأول في الأركان
وهي أربعة: الذابح، والآلة، وكيفية الذبح، وما يقع عليه الذكاة.
أما الذابح: فلا أعرف خلافا بين المسلمين في تحريم ذبيحة غير أهل الكتاب
من أصناف الكفار، سواء في ذلك الوثني، وعابد النار، والمرتد وغيرهم.
واختلف الأصحاب في ذبيحة الكتابيين، فذهب الأكثر إلى التحريم. وذهب
جماعة منهم: ابن أبي عقيل، وابن الجنيد (1) والصدوق (2) إلى الحل لكن شرط
الصدوق سماع تسميتهم عليها وساوى بين المجوس وغيره من أهل الكتاب (3).
وابن أبي عقيل خص حكم الحل باليهود والنصارى (4). ومنشأ الاختلاف الأخبار
الكثيرة من الجانبين، وللجمع بينهما طريقان:
أحدهما: حمل أخبار الحل على التقية.
وثانيهما: حمل أخبار المنع على الرجحان والأولوية.
ويعضد الأول الشهرة. والثاني الأصل، وقرب التأويل، والإشعار
بالاستحباب في بعض الأخبار (5) وما يدل على حصر المحرمات (6) وقول أبي

(1) حكاه عنهما في المختلف 8: 296.
(2) المقنع: 140.
(3) المقنع: 140.
(4) حكاه في المختلف 8: 296.
(5) انظر الوسائل 16: 282، الباب 27 من أبواب الذبائح.
(6) انظر الوسائل 16: 282، الباب 27 من أبواب الذبائح.
582

بصير في صحيحة شعيب: «كلها في عنقي ما فيها، فقد سمعته وسمعت أباه جميعا
يأمران بأكلها» (1).
والأكثر على عدم اشتراط الإيمان والاكتفاء في الحل بإظهار الشهادتين على
وجه يتحقق معه الإسلام بشرط أن لا يعتقد ما يخرجه عنه كالناصب، وبالغ
القاضي: فمنع من ذبيحة غير أهل الحق (2).
وقصر ابن إدريس الحل على المؤمن والمستضعف الذي لا منا ولا من
مخالفينا (3). ومنع أبو الصلاح من ذبيحة جاحد النص (4).
وأجاز العلامة ذباحة المخالف غير الناصبي مطلقا، بشرط اعتقاده وجوب
التسمية (5).
والأصح الأول، عملا بعموم الأدلة. والمعارض محمول على الكراهة جمعا.
وفي الناصب إشكال، لاختلاف الروايات، وحمل أخبار الجواز على التقية طريق
الجمع، كما يشعر به صحيحة الحلبي وغيرها (6). فلا يبعد الترجيح للمنع.
ويصح ذبح المسلمة، والخصي، والجنب، والحائض، وولد المسلم وإن كان
طفلا إذا أحسن، للروايات (7).
وأما آلة التذكية: فالمعتبر عندنا فيها أن تكون حديدا بشرط القدرة عليه، فلا
يجزي غيره اختيارا وإن كان من المعادن المنطبعة كالنحاس، والرصاص،
والذهب، للأخبار، ويجوز مع تعذرها والاضطرار إلى التذكية ما فرى الأعضاء من
المحددات ولو كان ليطة، أو خشبة، أو زجاجة، أو مروة، للأخبار (8) وفي السن
والظفر قولان، أقربهما الجواز، لعموم الدليل.

(1) الوسائل 16: 287، الباب 27 من أبواب الذبائح، ح 25.
(2) المهذب 2: 439.
(3) السرائر 3: 106.
(4) الكافي في الفقه: 277.
(5) المختلف 8: 300.
(6) الوسائل 16: 293، الباب 28 من أبواب الذبائح، ح 7.
(7) الوسائل 16: 276، الباب 23 من أبواب الذبائح.
(8) الوسائل 16: 252، الباب 1 من أبواب الذبائح.
583

ومنع الشيخ في المبسوط والخلاف مدعيا فيه إجماعنا مستدلا برواية عامية (1).
وأما الكيفية: فيعتبر فيها امور:
الأول: لا أعرف خلافا في اعتبار قطع الحلقوم في حل الذبيحة، وعليه اقتصر
ابن الجنيد (2). ويدل عليه صحيحة زيد الشحام (3).
والمشهور بين الأصحاب أن الواجب قطع الأعضاء الأربعة: المريء، وهو
مجرى الطعام والشراب. والحلقوم، وهو مجرى النفس. والودجان، وهما عرقان
محيطان بالحلقوم، على ما ذكره جماعة (4) أو بالمريء على ما ذكره بعضهم (5).
ولعل حجة المشهور قول أبي إبراهيم (عليه السلام) في صحيحة عبد الرحمن بن
الحجاج وحسنته: «إذا فرى الأوداج فلا بأس بذلك» (6) بناء على أن الأوداج
العرقان المذكوران مع الحلقوم والمريء، لكن مفهومهما لا يقاوم منطوق صحيحة
زيد (7) ولا تدلان على اعتبار القطع، فإن الفري أعم منه.
وعندنا يكفي في المنحور طعنه في ثغرة النحر، وهي وهدة اللبة، بمعنى أنه
يكفي إدخاله السكين ونحوه في الوهدة من غير أن يقطع الحلقوم والمريء.
الثاني: لا أعلم خلافا بين الأصحاب في اشتراط استقبال القبلة في الذبح
والنحر، وأنه لو أخل به عامدا حرمت، ولو كان ناسيا لم تحرم، ويدل عليه
الأخبار (8). والجاهل هنا كالناسي، لحسنة محمد بن مسلم (9).
والظاهر أن من لا يعتقد وجوب الاستقبال في معنى الجاهل، فلا يحرم ذبيحته.

(1) المبسوط 6: 263، الخلاف 6: 22، المسألة 22.
(2) حكاه في المختلف 8: 353.
(3) الوسائل 16: 254، الباب 2 من أبواب الذبائح، ح 3.
(4) السرائر 3: 106، القواعد 3: 321، الدروس 2: 412.
(5) حكاه في المسالك 11: 473.
(6) الوسائل 16: 253، الباب 2 من أبواب الذبائح، ح 1 وذيله.
(7) الوسائل 16: 254، الباب 2 من أبواب الذبائح، ح 3.
(8) الوسائل 16: 266، الباب 14 من أبواب الذبائح.
(9) الوسائل 16: 266، الباب 14 من أبواب الذبائح، ح 4.
584

والمعتبر الاستقبال بمذبح الذبيحة ومقاديم بدنها، لظاهر حسنة محمد بن
مسلم. وربما قيل بأن الواجب الاستقبال بالمذبح والمنحر خاصة. وهو غير بعيد،
لعموم أدل الحل، وعدم ثبوت وجوب أمر زائد على ذلك. والأحوط استقبال
الذابح أيضا. ولو جهل جهة القبلة سقط اعتبار الاستقبال، لتعذره.
الثالث: لا خلاف عندنا في وجوب التسمية واشتراطها، ويدل عليه الآيات (1)
والأخبار (2). فلو تركها عمدا حرم، ويغتفر ذلك مع النسيان، لصحيحة محمد
ابن مسلم (3).
وفي رواية اخرى حسنة عنه، عن الصادق (عليه السلام) قال: إن كان ناسيا فليسم
حين يذكر ويقول: بسم الله على أوله وعلى آخره (4).
وفي الجاهل وجهان. وظاهر الأصحاب التحريم، وهو أقرب، لعموم الآية.
والأقوى الاكتفاء بها وإن لم يعتقد وجوبها، عملا بالعموم، وما دل على
حل ذبيحة المخالف (5) وحل ما يوجد في أسواق المسلمين (6). وخالف فيه بعض
الأصحاب (7).
والمراد من التسمية أن يذكر الله تعالى عند الذبح أو النحر، كما يقتضيه الآية
كقوله: «بسم الله» أو يحمد الله، أو يكبره، أو يهلله، أو يستغفره، لصدق الذكر،
ودلالة صحيحة محمد بن مسلم عليه.
ولو قال: «اللهم اغفر لي وارحمني» فالأقرب الإجزاء، ولو اقتصر على لفظة
«الله» ففي الإجزاء قولان.

(1) الأنعام: 121.
(2) الوسائل 16: 267، الباب 15 من أبواب الذبائح.
(3) الوسائل 16: 267، الباب 15 من أبواب الذبائح، ح 2.
(4) الوسائل 16: 267، الباب 15 من أبواب الذبائح، ح 4.
(5) انظر الوسائل 16: 292، الباب 28 من أبواب الذبائح.
(6) الوسائل 16: 294، الباب 29 من أبواب الذبائح.
(7) المهذب 2: 439، الكافي في الفقه: 277.
585

ولو قال: «اللهم صل على محمد وآل محمد» فالأقوى الإجزاء.
وهل يشترط التسمية بالعربية؟ فيه وجهان، أقربهما العدم، لصدق الامتثال.
الرابع: لا أعرف خلافا بين الأصحاب في اشتراط اختصاص الإبل بالنحر،
وما عداها بالذبح تحت اللحيين. فإن نحر ما يذبح أو ذبح ما ينحر فمات لم يحل.
ولم أطلع على رواية تدل على المطلوب بتمامه.
ولو أدرك ما يعتبر من الذبح أو النحر بعد فعل الآخر به حل عند الشيخ
وجماعة من الأصحاب (1). وتردد فيه بعضهم (2) نظرا إلى أن شرط الحل وقوع
التذكية حال استقرار الحياة، وهو مفقود هنا، لأن الفعل السابق رفع استقرار الحياة
فلا يؤثر في الحل وقوع النحر أو الذبح لاحقا.
والتحقيق أن الأمر مبني على تحقيق ما يعتبر في الحل هل هو استقرار الحياة،
أو الحركة بعد الذبح أو النحر وخروج الدم، أو أحد الأمرين؟ فيبنى الحل والحرمة
عليه. وسيجئ بيان ما هو الحق.
وفي إبانة الرأس عمدا قولان، أظهرهما الكراهية، وإليه ذهب الأكثر.
وقيل بالتحريم (3) استنادا إلى رواية غير ناهضة بالدلالة على التحريم (4). وعلى
القول بالتحريم لا يحرم الذبيحة على الأقرب. وقيل بالتحريم (5) استنادا إلى حجة
ضعيفة.
ولو أبان الرأس بغير تعمد فلا إشكال في عدم التحريم، ويدل عليه
الرواية (6) أيضا.
وفي سلخ الذبيحة قبل بردها أو قطع شيء منها قولان:

(1) النهاية 3: 90.
(2) الشرائع 3: 205.
(3) النهاية 3: 91.
(4) الوسائل 16: 267، الباب 15 من أبواب الذبائح، ح 2.
(5) الغنية: 397.
(6) الوسائل 16: 259، الباب 9 من أبواب الذبائح.
586

أحدهما: تحريم الفعل والأكل أيضا، استنادا إلى مرفوعة محمد بن يحيى (1).
وثانيهما: الكراهة، وهو قول الأكثر استضعافا لحجة التحريم، والقول بالكراهة
للمسامحة في أدلة السنن. وهو متجه.
وذهب الشهيد (رحمه الله) إلى تحريم الفعل دون الذبيحة (2).
ويكره النخع وكسر الرقبة أيضا قبل الموت، للرواية (3) وقيل (4): يحرم النخع
حملا للنهي على التحريم. وعلى تقديره لا يحرم الذبيحة على الأصح. ولا إشكال
في عدم التحريم إذا لم يكن ذلك عمدا.
ويكره أن يقلب السكين، والمراد به أن يدخل السكين تحت الحلقوم ويقطعه
مع باقي الأعضاء إلى خارج. وقيل: يحرم (5) استنادا إلى رواية حمران (6) وهي غير
ناهضة بالدلالة على التحريم.
ويكره أن يذبح الحيوان صبرا، وهو أن يذبحه وحيوان آخر ينظر إليه، لرواية
غياث بن إبراهيم (7) وحرمه الشيخ في النهاية (8) وهو ضعيف.
وتكره الذباحة ليلا إلى طلوع الفجر، لرواية أبان بن تغلب (9). ويوم الجمعة
قبل الزوال، لرواية الحلبي (10).
وفي رواية حمران بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الذبح؟ فقال:
إذا ذبحت فأرسل ولا تكتف، ولا تقلب السكين لتدخلها تحت الحلقوم وتقطعه

(1) الوسائل 16: 258، الباب 8 من أبواب الذبائح، ح 1.
(2) الدروس 2: 415.
(3) الوسائل 16: 267، الباب 15 من أبواب الذبائح، ح 2.
(4) الدروس 2: 415.
(5) المهذب 2: 440.
(6) الوسائل 16: 255، الباب 3 من أبواب الذبائح، ح 2.
(7) الوسائل 16: 258، الباب 7 من أبواب الذبائح، ح 1.
(8) النهاية 3: 93.
(9) الوسائل 16: 274 - 275، الباب 21 من أبواب الذبائح، ح 1 و 2.
(10) الوسائل 16: 274، الباب 20 من أبواب الذبائح، ح 1.
587

إلى فوق، والإرسال للطير خاصة، فإن تردى في جب أو وهدة من الأرض فلا
تأكله ولا تطعم، فإنك لا تدري التردي قتله أو الذبح، وإن كان من الغنم فأمسك
صوفه أو شعره، ولا تمسكن يدا ولا رجلا. وأما البقرة فاعقلها، وأطلق الذنب.
وأما البعير فشد أخفافه إلى أباطه، وأطلق رجليه، وإن أفلتك شيء من الطير وأنت
تريد ذبحه أو ند عليك فارمه بسهمك، فإذا سقط فذكه بمنزلة الصيد (1).
وفي المسالك: المراد بشد أخفافه إلى أباطه أن يجمع يديه ويربطهما فيما بين
الخف والركبة، وبهذا صرح في رواية أبي الصباح. وفي رواية أبي خديجة: إنه
يعقل يدها اليسرى خاصة وليس المراد في الأول أنه يعقل خفي يديه معا إلى
أباطه، لأنه لا يستطيع القيام حينئذ. والمستحب في الإبل أن تكون قائمة. قال:
والمراد بالغنم بقوله (عليه السلام): فلا تمسك يدا ولا رجلا، أنه يربط يديه وإحدى رجليه
من غير أن يمسكها بيده (2). وفي استفادة هذه الإرادة تأمل.
وأما ما يقع عليه الذكاة: فلا خلاف في أن التذكية لا تقع على الإنسان، ولا
على نجس العين كالكلب والخنزير. ولا خلاف أيضا في وقوعها على ما يؤكل
لحمه، بمعنى أن التذكية توجب طهارته، وحل لحمه، وجواز استعمالاته إلا ما
خرج بدليل. والأقرب الأشهر وقوعها على السباع كالأسد والنمر والفهد والثعلب،
بمعنى طهارتها، وجواز استعمالها بها، لبعض العمومات، مضافا إلى موثقتي
سماعة (3). واستعمال المسلمين قاطبة جلودها من غير نكير.
قال الشهيد (رحمه الله): والقول الآخر في السباع لم أعرفه للقدماء (4)، والأقرب عدم
توقف الطهارة على الدباغ خلافا لجماعة من الأصحاب (5).

(1) الوسائل 16: 255، الباب 3 من أبواب الذبائح، ح 2.
(2) المسالك 11: 487.
(3) الوسائل 16: 321 و 368، الباب 3 و 34 من أبواب الأطعمة والمحرمة، ح 4 و 4.
(4) غاية المراد 3: 507.
(5) راجع المبسوط 1: 15، المهذب 2: 442، السرائر 3: 114.
588

وفي المسوخ كالفيل والدب والقرد قولان. والأشهر عدم وقوعها على
الحشرات كالفأرة والضب.
الفصل الثاني في اللواحق
وفيه مسائل:
الاولى: إذا انفلت الطير صار من الحيوان الممتنع، فيعتبر في تذكيته ما يعتبر
فيه، فجاز حينئذ أن يرميه بنشاب أو رمح أو سيف، فإن سقط وأدرك ذكاته ذبحه،
وإلا حل. ويؤيده أيضا رواية حمران (1).
الثانية: اختلف الأصحاب فيما به يدرك ذكاة الحيوان من الحركة وخروج
الدم بعد الذبح، أو النحر، فاعتبر بعضهم الأمرين جميعا (2). ومنهم من اعتبر الحركة
وحدها (3). والأكثر على اعتبار أحد الأمرين.
قال الشهيد في الدروس: المشرف على الموت كالنطيحة، والمتردية، وأكيل
السبع، وما ذبح من قفاه اعتبر في حله استقرار الحياة، فلو علم موته قطعا في
الحال حرم عند جماعة، ولو علم بقاء الحياة فهو حلال. ولو اشتبه اعتبر بالحركة
وخروج الدم. قال: وظاهر الأخبار والقدماء أن خروج الدم والحركة أو أحدهما
كاف ولو لم يكن فيه حياة مستقرة، وفي الآية إيماء إليه من قوله تعالى: (حرمت
عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير... إلى قوله: إلا ما ذكيتم) ثم قال: ونقل عن
الشيخ يحيى أن استقرار الحياة ليس من المذهب، ونعم ما قال (4). انتهى. وفي هذه
المسألة إجمال.
والتفصيل أن اعتبار استقرار الحياة مذهب الشيخ وتبعه الفاضلان (5) وفسر بأن

(1) الوسائل 16: 255، الباب 3 من أبواب الذبائح، ح 2.
(2) المقنعة: 580.
(3) السرائر 3: 110.
(4) الدروس 2: 414.
(5) المبسوط 1: 390، الشرائع 3، 207، القواعد 3: 321.
589

مثله يعيش اليوم والأيام، وهو غير مرتبط بالدليل ولا معروف بين القدماء،
ومدفوع بالأخبار الكثيرة، فلا وجه له. فالحيوان الذي يجري فيه الذبح إذا علم أنه
ميت بالفعل وأن حركته حركة المذبوح كحركة الشاة بعد إخراج حشوها وذبحها
والطير كذلك فهو ميتة لا تنفع التذكية بعده، وإذا حصل الظن بذلك ففيه إشكال.
وإن علم عدمه فهو حي يقبل التذكية وإن علم أنه سيموت عن قريب، لعموم
الأدلة. وإن اشتبه الحال ولم يعلم أنه حي أو ميت بالفعل رجع إلى اعتبار الحركة
أو خروج الدم المذكورين في الأخبار، والحركة مذكورة في أخبار كثيرة (1).
فالاكتفاء بها متجه. ولا يبعد الاكتفاء بخروج الدم أيضا، لوجوده في الأخبار (2).
ثم في كلامهم أن المعتبر الحركة بعد التذكية. وفي أكثر الأخبار إجمال،
وصريح بعضها وظاهر البعض أن الاعتبار بها قبل التذكية (3). ولو ذبح ذبيحة فقطع
بعض أعضاء الذبح وتمم الباقي في زمان متراخ عن الأول فالأقرب الحل.
الثالثة: ما يباع في أسواق المسلمين من الذبائح واللحوم والجلود حلال
طاهر لا يجب الفحص عن حاله. لا أعرف فيه خلافا بين الأصحاب، ويدل عليه
الأخبار (4). ولا فرق في ذلك بين ما يوجد بيد معلوم الإسلام أو مجهوله، ولا في
المسلم بين من يستحل ذبيحة الكتابي أم لا، عملا بعموم الأدلة.
واعتبر العلامة في التحرير كون المسلم ممن لا يستحل ذبائح أهل الكتاب (5).
وهو ضعيف. والرجوع في معرفة سوق المسلمين إلى العرف.
وفي موثقة إسحاق بن عمار عن الكاظم (عليه السلام): إذا كان الغالب عليها المسلمون
فلا بأس (6).

(1) الوسائل 16: 264، الباب 12 من أبواب الذبائح.
(2) الوسائل 16: 264، الباب 12 من أبواب الذبائح.
(3) انظر الوسائل 16: 262، الباب 11 من أبواب الذبائح.
(4) الوسائل 16: 294، الباب 29 من أبواب الذبائح.
(5) التحرير 2: 159 س 15.
(6) الوسائل 2: 1072، الباب 50 من أبواب النجاسات، ح 5.
590

الرابعة: لا أعلم خلافا بين الأصحاب في عدم حل ما مات من السمك
في الماء في غير الشبكة والحظيرة، ويدل عليه صدق الميتة عليه، مضافا إلى بعض
الأخبار (1).
والمشهور بين الأصحاب أن ذكاة السمك أخذه حيا، سواء أخذه من الماء، أو
أثبت اليد عليه خارج الماء حيا، ولا فرق بين أن يكون المخرج من الماء مسلما،
أو كافرا على المشهور، نعم لا يحل ما يوجد في يد الكافر حتى يعلم أنه مات بعد
إخراجه من الماء.
وذهب بعض الأصحاب إلى تحريم ما أخذه الكافر (2). والأقرب الأول،
للأخبار (3). ولا يكفي شهادة الكافر بأنه أخذه حيا.
ولا يشترط في حل السمك التسمية وغيرها مما يعتبر في الذبح، للأخبار (4).
ولو وثب فأخذه قبل موته حل، ولو لم يأخذه حتى مات خارج الماء ففيه
خلاف، لتعارض الأخبار. ولو اخذ واعيد في الماء فمات فيه لم يحل.
ولو مات في الشبكة أو الحظيرة التي تصاد بها واشتبه الحي بالميت حل
الجميع عند جماعة من الأصحاب (5). وذهب أكثر المتأخرين إلى تحريم الجميع (6).
والأقرب الأول، لصحيحة محمد بن مسلم (7) وصحيحة الحلبي (8) وغيرهما.
ويعارضه رواية عبد المؤمن (9) وهو مؤول، للجمع.

(1) الوسائل 16: 300، الباب 33 من أبواب الذبائح.
(2) المقنعة: 577.
(3) الوسائل 16: 298، الباب 32 من أبواب الذبائح.
(4) الوسائل 16: 296، الباب 31 من أبواب الذبائح.
(5) النهاية 3: 84، المهذب 2: 438.
(6) السرائر 3: 90، الإيضاح 4: 141، اللمعة: 149، التنقيح 4: 35.
(7) الوسائل 16: 303، الباب 35 من أبواب الذبائح، ح 2.
(8) الوسائل 16: 303، الباب 35 من أبواب الذبائح، ح 3.
(9) الوسائل 16: 303، الباب 35 من أبواب الذبائح، ح 1.
591

وذهب بعض الأصحاب إلى حل الجميع وإن تميز الميت (1) وهو غير بعيد،
نظرا إلى عموم الأدلة.
وفي جواز أكله حيا قولان، والأقرب الأشهر الجواز، للعمومات الدالة
على الحل.
الخامسة: لا أعرف خلافا بين الأصحاب في أن ذكاة الجراد أخذه،
ويدل على حله بعض العمومات، والخلاف في اشتراط إسلام الآخذ كما مر في
السمك، والأشهر عدم الاشتراط، بل يعتبر العلم بأخذه حيا كما مر في السمك،
ولعله الأقوى.
ولو مات قبل أخذه لم يحل لعموم الميتة، وصحيحة علي بن جعفر (2).
وإن وقع في أجمة نار فأحرقتها وفيها جراد لم يحل وإن قصد المحرق، لا
أعرف فيه خلافا بينهم. ويدل عليه رواية عمار بن موسى (3).
ولا يحل الدبا عند الأصحاب، وهو ما لا يستقل بالطيران من الجراد، لا
أعرف فيه خلافا. ويدل عليه صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) (4).
السادسة: لا أعرف خلافا بين الأصحاب في أن الجنين إذا خرج غير تام
الخلقة لم يحل أكله وإن ذكي امه، وفي عدة من الأخبار أنه لا يؤكل (5).
ولا خلاف أيضا في تحريم الجنين إذا خرج من بطن الميتة ميتة، لصدق الميتة
المحرمة بالنص. ولا أعرف أيضا خلافا في حله إذا خرج تاما مع عدم ولوج
الروح وذكاة امه، للحديث النبوي والإمامي: «ذكاة الجنين ذكاة امه» (6) ويدل عليه

(1) حكاه في المختلف 8: 264.
(2) الوسائل 16: 305، الباب 37 من أبواب الذبائح، ح 1.
(3) الوسائل 16: 306، الباب 37 من أبواب الذبائح، ح 5.
(4) تقدمت في هامش (1).
(5) الوسائل 16: 269، الباب 18 من أبواب الذبائح.
(6) سنن أبي داود 3: 103، ح 2827، الوسائل 16: 270 - 271، الباب 18 من أبواب الذبائح،
ح 3، 11 و 12.
592

صحيحة ابن مسلم (1) وصحيحة الحلبي (2) وصحيحة يعقوب بن شعيب (3) وغيرها.
وفي الدروس: ومن تمام الخلقة الشعر والوبر (4) والحكم في الأخبار مختلف،
ففي بعضها منوط بتمام الخلقة (5) وفي بعضها بالشعر والوبر (6) وفي بعضها بالشعر (7)
وفي بعضها بتمام الخلقة والشعر (8) ولا يبعد أن يكون بينها تلازم، فيحصل الجمع
بين الجميع.
ولو خرج تاما مع ولوج الروح ففي حصول الحل بتذكية امه خلاف، والأقرب
ذلك كما اختاره المتأخرون، لعموم أدلة الحل.
وذهب الشيخ وجماعة إلى عدم الحل (9) استنادا إلى اشتراط تذكية الحي
مطلقا وهو ممنوع.
والقائلون بالحل قالوا: لو خرج وكانت حياته مستقرة ذكي بناء على اشتراط
ذلك في كل حي. والظاهر أنه لا خلاف فيه. وقال بعضهم: ينبغي في غير المستقر
ذلك، لما تقدم من عدم اعتبارها في حل المذبوح، وهذا إذا اتسع الزمان للتذكية،
ولو لم يتسع ففيه وجهان. ولا يبعد القول بالحل، لعموم أدلته، والأقرب أنه لا يجب
المبادرة إلى شق الجوف زائدا على المعتاد.

(1) الوسائل 16: 270، الباب 18 من أبواب الذبائح، ح 3.
(2) الوسائل 16: 270، الباب 18 من أبواب الذبائح، ح 4.
(3) الوسائل 16: 269، الباب 18 من أبواب الذبائح، ح 1.
(4) الدروس 2: 407.
(5) الوسائل 16: 270، الباب 18 من أبواب الذبائح، ح 4 و 6.
(6) الوسائل 16: 270 - 271، الباب 18 من أبواب الذبائح، ح 2 و 3 و 11 و 12 و 13.
(7) الوسائل 16: 270، الباب 18 من أبواب الذبائح، ح 2.
(8) الوسائل 16: 269، الباب 18 من أبواب الذبائح، ح 1.
(9) النهاية 3: 95، المهذب 2: 441، المراسم: 210، الوسيلة: 361.
593

كتاب
الأطعمة والأشربة
595

كتاب الأطعمة والأشربة
وفيه فصول:
الأول في حيوان البحر
لا أعرف خلافا بين المسلمين في حل السمك الذي له فلس، ويدل عليه
عموم الآيات والأخبار (1). والمعروف من مذهب الأصحاب تحريم ما ليس على
صورة السمك من أنواع الحيوان البحري.
وادعى صاحب المسالك نفي الخلاف بين أصحابنا في تحريمه (2) ولم يظهر
لي دليل عليه، بل الآيات والأخبار بعمومها على خلافه.
واختلف الأصحاب في السمك الذي لا فلس له، فمن ذلك الزمار،
والمارماهي، والزهو. والمشهور بين الأصحاب التحريم.
وذهب جماعة منهم الشيخ إلى الكراهة (3) وهو أقرب، جمعا بين الأخبار
الدالة على التحريم (4). والنافية له (5) مع دلالة عموم الآية على الحل.
والروايات في الجري مختلفة، قال المحقق: أشهرهما التحريم (6). والمسألة
مشكلة، ومقتضى قواعد الاستدلال الحل.

(1) الوسائل 16: 329، الباب 8 من أبواب الأطعمة والأشربة.
(2) المسالك 12: 10.
(3) النهاية 3: 78، المهذب 2: 438 - 439.
(4) و (5) الوسائل 16: 329 و 331 و 337، الباب 8 و 9 و 11 من أبواب الأطعمة والأشربة.
(6) الشرائع 3: 217.
596

ولو وجد في جوف سمكة سمكة اخرى حلت إن كانت من جنس ما يحل
على الأقرب، لرواية السكوني (1) ومرسلة أبان (2) المعتضدتين بعموم الأدلة.
والمشهور أن بيض السمك المحلل حلال، والمحرم حرام، ومع الاشتباه يؤكل
كل ما كان خشنا لا ما كان أملس.
وكثير من الأصحاب لم يقيدوا التفصيل بحال الاشتباه بل أطلقوا.
وعن ابن إدريس إنكار ذلك، وقال: لا خلاف في أن جميع ما في بطن السمك
طاهر (3). ووافقه العلامة في المختلف (4) وهو متجه، نظرا إلى عموم الأدلة.
الفصل الثاني
لا ريب في إباحة الأنعام الثلاثة، والأدلة عليها كثيرة. والمعروف بين
الأصحاب - حتى كاد أن يكون اتفاقيا - حل لحوم الخيل، والبغال، والحمير
الأهلية على كراهية.
وذهب أبو الصلاح إلى تحريم البغال (5). والأول أقرب، لعموم الآيات
وخصوص الأخبار (6).
واختلف في أشدها كراهة، فقيل: البغال (7) وقيل: الحمير (8).
ويكره أن يذبح بيده ما رباه من النعم والتربية للتضحية، للرواية (9).
ويؤكل من الوحشية البقر والكباش الجبلية، والحمر، والغزلان، واليحامير.

(1) الوسائل 16: 304، الباب 36 من أبواب الذبائح، ذيل الحديث 1.
(2) الوسائل 16: 304، الباب 36 من أبواب الذبائح، ح 1.
(3) السرائر 3: 113.
(4) المختلف 8: 287.
(5) الكافي في الفقه: 276 - 277.
(6) الوسائل 16: 325، الباب 5 من أبواب الأطعمة المحرمة.
(7) المسالك 12: 24.
(8) حكاه الشهيد في الدروس 3: 5، عن ابن البراج، والموجود في المهذب 2: 429، الحكم
بكراهة الخيل والبغال والحمير من دون تعرض لما هو أشد كراهة.
(9) الوسائل 16: 308، الباب 40 من أبواب الذبائح، ح 1.
597

وعن الفاضل كراهة الحمار الوحشي (1) وفي بعض الروايات في لحم حمير
الوحش: تركه أفضل (2).
ويحرم الخنزير والكلب، للنص والاتفاق. ولا أعرف خلافا بين الأصحاب
في تحريم كل سبع، سواء كان له ناب أو ظفر كالأسد، والنمر، والفهد، والذئب،
والسنور، والثعلب، والضبع، وابن آوى. ويدل عليه الأخبار كصحيحة داود بن
فرقد (3) وحسنة الحلبي (4) وغيرها.
ولا أعرف أيضا خلافا بين الأصحاب في تحريم المسوخات، ويدل عليه
الأخبار (5). لكن بعض الأخبار تدل على حل السباع، مثل ما رواه الشيخ عن
محمد بن مسلم في الصحيح، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه سئل عن سباع الطير
والوحش، حتى ذكر له القنافذ والوطواط والحمير والبغال والخيل؟ فقال: ليس
الحرام إلا ما حرم الله في كتابه، وقد نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم خيبر عن أكل لحوم
الحمير، وإنما نهاهم من أجل ظهورهم أن يفنوه وليست الحمر بحرام، ثم قال: اقرأ
هذه الآية: (قل لا أجد فيما اوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة
أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا اهل لغير الله به) (6).
قال الشيخ في معنى قوله: ليس الحرام إلا ما حرم الله في كتابه: يعني الحرام
المخصوص المغلظ الشديد الحظر (7). وهذا التأويل لا يخلو عن بعد.
وروى الشيخ عن زرارة في الصحيح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما حرم الله
في القرآن من دابة إلا الخنزير، ولكنه التكره (8).

(1) التحرير 2: 159 س 32.
(2) الوسائل 17: 33، الباب 19 من أبواب الأطعمة المباحة.
(3) الوسائل 16: 320، الباب 3 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 1.
(4) الوسائل 16: 320، الباب 3 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 2.
(5) الوسائل 16: 312، الباب 2 من أبواب الأطعمة المحرمة.
(6) التهذيب 9: 42، ح 176.
(7) التهذيب 9: 42، ذيل الحديث 176.
(8) التهذيب 9: 43، ح 179.
598

وفي صحيحة زرارة لما سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن الجريث قال: (قل لا أجد
فيما اوحي إلي) الآية، ثم قال: لم يحرم الله شيئا من الحيوان في القرآن إلا
الخنزير بعينه، ويكره كل شيء من البحر ليس له قشر مثل الورق، وليس بحرام،
إنما هو مكروه (1).
وفي صحيحة محمد بن مسلم أيضا بعد الأمر بقراءة الآية قال: إنما الحرام ما
حرم الله ورسوله في كتابه، ولكنهم قد كانوا يعافون أشياء، فنحن نعافها (2).
وفي حسنة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) لما سألاه عن لحم
الحمير الأهلية: إنما الحرام ما حرم الله عز وجل في القرآن (3).
والطريق إلى معرفة وجه التأويل في هذه الأحاديث مشكل.
والمعروف المذكور في الكتب تحريم الأرنب، والضب، والحشار كلها
كالحية، والعقرب، والفأرة، والجرذان، والخنافس، والصراصر، وبنات وردان،
والبراغيث، والقمل، واليربوع، والقنفذ، والوبر، والخز، والفنك، والسمور،
والسنجاب، والغطاء. وإقامة الدليل على الكل لا يخلو عن إشكال.
وعن زرارة في الصحيح، عن أحدهما (عليهما السلام) أنه قال: إن أكل الغراب ليس
بحرام، إنما الحرام ما حرمه الله في كتابه، ولكن الأنفس تتنزه عن كثير من
ذلك تقززا (4).
وروى الشيخ عن حماد بن عثمان في الصحيح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان
رسول الله (صلى الله عليه وآله) عزوف النفس، وكان يكره الشيء، ولا يحرمه، فاتي بالأرنب
فكرهها، ولم يحرمها (5).

(1) الوسائل 16: 334، الباب 9 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 19.
(2) الوسائل 16: 335، الباب 9 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 20.
(3) الوسائل 16: 322، الباب 4 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 1.
(4) الوسائل 16: 328، الباب 7 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 1.
(5) الوسائل 16: 319، الباب 2 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 21.
599

وروى ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أكل لحم الخز؟ قال:
كلب الماء، إن كان له ناب فلا تقربه، وإلا فأقربه (1).
وروى زكريا بن آدم قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) فقلت: إن أصحابنا
يصطادون الخز، فآكل من لحمه؟ قال: فقال: إن كان له ناب فلا تأكله. قال: ثم
مكث ساعة فلما هممت بالقيام قال: أما أنت فإني أكره لك أكله، فلا تأكله (2).
وروى أبو حمزة قال: سأل أبو خالد الكابلي علي بن الحسين (عليه السلام) عن أكل
لحم السنجاب والفنك والصلاة فيهما؟ فقال أبو خالد: السنجاب يأوي الأشجار،
قال: فقال: إن كان له سبلة كسبلة السنور والفأر فلا يؤكل لحمه، ولا تجوز الصلاة
فيه، ثم قال: أما أنا فلا آكله، ولا احرمه (3).
الفصل الثالث
لا أعرف خلافا بين الأصحاب في تحريم ما كان ذي مخلب قوي [يعدو] به
على الطائر، كالبازي والصقر والعقاب والشاهين والباشق، أو ضعيف كالنسر
والرخمة والبغاث، وحجتهم ما دل على تحريم ذي الناب والمخلب (4).
واختلف الأصحاب في الغراب، فذهب جماعة إلى التحريم مطلقا (5).
وجماعة إلى الكراهة مطلقا (6) وفصل آخرون فحرموا الأسود الكبير الذي يسكن
الجبال والأبقع، وأحلوا الزاغ والغداف، وهو الأغبر الرمادي (7). والأقرب الكراهة،

(1) الوسائل 16: 372، الباب 39 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 3.
(2) الوسائل 16: 372، الباب 39 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 1.
(3) الوسائل 16: 373، الباب 41 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 1.
(4) الوسائل 16: 320، الباب 3 من أبواب الأطعمة المحرمة.
(5) الخلاف 6: 85، المسألة 15، المختلف 8: 288، الإيضاح 4: 146 - 147.
(6) النهاية 3: 82، المهذب 2: 429، المختصر النافع: 244.
(7) المبسوط 6: 281، السرائر 3: 103، التحرير 2: 160 س 14.
600

لصحيحة زرارة (1) المعتضدة بالآيات والأخبار.
ونفي الحل في صحيحة علي بن جعفر (2) محمول على الكراهة، جمعا بين
الأدلة.
والمعروف المعدود في الكتب تحريم الخفاش، ويقال له: الخشاف والوطواط
أيضا، والطاووس والزنابير والذباب والبق. ودليلهم على تحريم الخفاش كونه من
الخبائث، مع بعض الروايات الدالة على كونه مسوخا (3). وعلى تحريم الطاووس
رواية سليمان بن جعفر الدالة على كونه مسوخا (4) وروايته أيضا الدالة على عدم
حل أكله ولا بيضه (5). وعلى تحريم الزنابير كونها مسوخات في بعض الروايات (6).
وادعى في المسالك كون الزنابير والذباب والبق خبائث (7) وأنكر ظهور ذلك
بعض الأصحاب (8).
والمعروف من مذهب الأصحاب أنه يحرم من الطير ما كان صفيفه أكثر من
دفيفه، ولو تساويا أو كان الدفيف أكثر لم يحرم. والمستند الروايات (9) والتساوي
غير مذكور في الرواية، لكن يدل على الحل عموم الآيات والأخبار.
والمعروف من مذهبهم أن ما ليس له قانصة ولا حوصلة ولا صيصية فهو
حرام، وما له إحداها فهو حلال. ولا فرق فيه وفي الضابطة السابقة بين طير البر
والماء. والمستند الأخبار (10).

(1) الوسائل 16: 328، الباب 7 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 1.
(2) الوسائل 16: 329، الباب 7 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 3.
(3) الوسائل 16: 316، الباب 2 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 12.
(4) الوسائل 16: 314، الباب 2 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 6.
(5) الوسائل 16: 313، الباب 2 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 5.
(6) الوسائل 16: 314، الباب 2 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 7.
(7) المسالك 12: 51.
(8) انظر مجمع الفائدة والبرهان 11: 167.
(9) الوسائل 16: 346، الباب 19 من أبواب الأطعمة المحرمة.
(10) الوسائل 16: 345، الباب 18 من أبواب الأطعمة المحرمة.
601

وفي تحريم الخطاف قولان، أقربهما الكراهية، لعدم دليل صالح للدلالة على
التحريم، مضافا إلى العمومات وما دل على التنزه (1).
والمعروف بين الأصحاب كراهة الهدهد، والذي يظهر من الأخبار كراهة
قتله وأذاه (2).
والمعروف أيضا كراهة الفاختة، لما روي أنه طائر مشؤوم (3). وفي الدلالة
تأمل، ويكره القبرة للرواية (4).
والمعروف كراهة الحباري، وفي التحرير: أن بها رواية شاذة (5) لكن بعض
الأخبار تدل على عدم الكراهة (6).
والمعروف أيضا كراهة الصرد، والصوام والشقراق، والمستند لا يدل على
كراهة الأكل.
ولا بأس بالحمام كله، كالقماري والدباسي والورشان. وكذا لا بأس بالحجل،
والدراج، والقبج، والقطا، والطيهوج، والدجاج، والكروان، والكركي، والصعوة.
ومذهب الأصحاب أن بيض الحيوان تابع في الحل والحرمة، ومع الاشتباه يؤكل
ما اختلف طرفاه، لا ما اتفق. ويدل عليه أخبار متعددة، لكنها ليست بلفظ التحريم (7).
الفصل الرابع في التحريم العارض للحيوانات
وفيه مسائل:
الاولى: المشهور بين الأصحاب أن الجلل يوجب تحريم اللحم. وذهب

(1) انظر الوسائل 16: 247، الباب 39 من أبواب الصيد والذبائح.
(2) الوسائل 16: 248، الباب 40 من أبواب الذبائح.
(3) الوسائل 8: 386، الباب 41 من أبواب أحكام الدواب، ح 2.
(4) الوسائل 16: 249، الباب 41 من أبواب الصيد والذبائح.
(5) التحرير 2: 160 س 16.
(6) الوسائل 16: 350، الباب 21 من أبواب الأطعمة المحرمة.
(7) الوسائل 16: 347، الباب 20 من أبواب الأطعمة المحرمة.
602

الشيخ وابن الجنيد إلى الكراهة وكلام الشيخ في المبسوط مشعر باتفاقنا عليه (1).
وقيل بالتحريم إن كان الغذاء بالعذرة محضا، والكراهة إن كان غالبا (2). والمستند
أخبار لا يستفاد منها أكثر من الرجحان (3) مع ما عرفت من العمومات الدالة على
الحل، فالقول بالكراهة مطلقا أقرب.
واختلف الأصحاب فيما يحصل به الجلل، فالمشهور أنه يحصل بأن يغتذي
الحيوان عذرة الإنسان لا غير.
وألحق أبو الصلاح بالعذرة غيرها من النجاسات (4). وهو ضعيف.
والنصوص والفتاوى المعتبرة خالية عن تقدير المدة التي يحصل فيها ذلك،
لكن يستفاد من بعض الروايات أن المعتبر في ذلك أن تكون العذرة غذاءها (5)
وعن بعضها أن الخلط لا يوجب الجلل (6). وقدره بعضهم بأن ينمو ذلك في بدنه
ويصير جزءا منه (7). وبعضهم بيوم وليلة (8) وآخرون بأن يظهر النتن في لحمه
وجلده يعني رائحة النجاسة (9).
وقال الشيخ في المبسوط والخلاف: إن الجلالة هي التي تكون أكثر علفها
العذرة (10). فلم يعتبر تمحض العذرة، والظاهر في مثله الرجوع إلى صدق الجلل
عرفا، وفي معرفته إشكال.
والأقرب الأشهر طهارة الجلال، لعموم الأدلة، بل القائل بالنجاسة غير معلوم.
والأقرب وقوع التذكية عليه، لعموم الأدلة.

(1) المبسوط 6: 282، حكاه في المختلف 8: 279.
(2) حكاه في المسالك 12: 27.
(3) الوسائل 16: 356، الباب 28 من أبواب الأطعمة المحرمة.
(4) الكافي في الفقه: 278.
(5) الوسائل 16: 355، الباب 27 من أبواب الأطعمة المحرمة.
(6) الوسائل 16: 355، الباب 27 من أبواب الأطعمة المحرمة.
(7) حكاه في المسالك 12: 25.
(8) حكاه في المسالك 12: 25.
(9) حكاه في المسالك 12: 25.
(10) المبسوط 6: 282، الخلاف 6: 85، المسألة 16.
603

الثانية: تحريم الجلال على القول به أو الكراهة ليس بالذات، بل بسبب
الاغتذاء بالعذرة، فليس مستقرا، بل إلى أن ينقطع ذلك الاغتذاء ويغتذي بغيره،
بحيث يزول عنه اسم الجلل، والنصوص الواردة في هذا الباب غير نقي الأسانيد.
وفتاوى الأصحاب في بعضها متفقة، وفي بعضها مختلفة، فالمتفق عليه
استبراء الناقة بأربعين يوما، ويدل عليه الروايات (1).
ومن المختلف فيه البقرة، فقيل: يستبرأ بأربعين كالناقة (2). ويدل عليه رواية
مسمع (3) وقيل: بعشرين يوما (4). وهو أشهر، ويدل عليه رواية السكوني (5) وقيل:
بثلاثين يوما (6). ويدل عليه مرفوعة يعقوب (7) ورواية يونس (8).
ومنه الشاة، فالمشهور أن استبراءه بعشرة. ويدل عليه رواية السكوني (9)
ومرفوعة يعقوب (10) ورواية مسمع. وقيل: بسبعة (11). وقيل: بخمسة (12).
وفي رواية يونس أربعة عشر.
وفي رواية مسمع: البطة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى يربط خمسة أيام،
والدجاجة ثلاثة أيام. وفي رواية السكوني: الدجاجة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى
يغتذي ثلاثة أيام، والبطة خمسة أيام (13).

(1) الوسائل 16: 356، الباب 28 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 2.
(2) المبسوط 6: 282.
(3) الوسائل 16: 356، الباب 28 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 2.
(4) الشرائع 3: 218.
(5) الوسائل 16: 356، الباب 28 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 1.
(6) المقنع: 421.
(7) الوسائل 16: 357، الباب 28 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 4.
(8) الوسائل 16: 357، الباب 28 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 5.
(9) الوسائل 16: 356، الباب 28 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 1.
(10) الوسائل 16: 357، الباب 28 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 4.
(11) الكافي في الفقه: 277.
(12) حكاه في المسالك 12: 29.
(13) الوسائل 16: 356، الباب 28 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 1.
604

واكتفى الصدوق في المقنع للبط بثلاثة أيام، ورواه عن القاسم بن محمد
الجوهري (1).
ومن الأصحاب من اعتبر في الدجاجة خمسة أيام (2). وقيل: أكثر (3). ومستند
الكل ضعيف، ومراعاة العرف متجه. والأحوط مراعاة أكثر الأمرين من زوال
الجلل العرفي وأكثر المقدرات.
والموجود في كلام الأصحاب الربط والعلف بالطاهر في المدة المقدرة،
وربما اعتبر الطاهر بالأصالة، والمذكور في بعض الروايات الحبس حسب (4).
والظاهر أن الغرض زوال الجلل، فلا يتوقف على الربط ولا على الطهارة، بل
الظاهر حصوله بالاغتذاء بغير العذرة، والأحوط مراعاة المشهور.
ولا يؤكل الجلال من السمك حتى يستبرأ، ويعتبر في استبرائه يوم وليلة عند
الأكثر، استنادا إلى رواية يونس عن الرضا (عليه السلام) (5) واكتفى الصدوق بيوم إلى الليل
لرواية القاسم بن محمد الجوهري.
الثالثة: المعروف بين الأصحاب أن الحيوان إذا شرب لبن خنزيرة، فإن لم
يشتد - بأن ينبت عليه لحمه ويشتد عظمه ويزيد قوته - كره، ويستحب استبراؤه
بسبعة أيام بأن يعلف بغيره في المدة المذكورة، ولو كان في محل الرضاع ارضع
من حيوان محلل كذلك. وإن اشتد حرم لحمه ولحم نسله، ومستنده أخبار متعددة
لا يخلو عن ضعف في الأسناد (6) إلا أنها معمولة بين الأصحاب، ولا يتعدى الحكم
إلى غير الخنزير، للأصل.
الرابعة: المشهور بين الأصحاب أنه لو شرب الحيوان المحلل خمرا لم يؤكل

(1) المقنع: 421، ورواه في الفقيه 3: 338، ح 4200.
(2) الكافي في الفقه: 277.
(3) المبسوط 6: 282.
(4) الوسائل 16: 356، الباب 28 من أبواب الأطعمة المحرمة.
(5) الوسائل 16: 357، الباب 28 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 5.
(6) الوسائل 16: 352، الباب 25 من أبواب الأطعمة المحرمة.
605

ما في جوفه من الأمعاء والقلب والكبد، ويجب غسل اللحم، والمستند رواية زيد
الشحام عن الصادق (عليه السلام) أنه قال في شاة شرب خمرا حتى سكرت ثم ذبحت على
تلك الحال: لا يؤكل ما في بطنها (1). والرواية مع ضعفها أخص من المدعى من
وجوه. وأنكر الحكم المذكور ابن إدريس وقال بالكراهة (2). وهو أقرب.
والمشهور أنه إذا شرب بولا غسل ما في بطنه واكل، والمستند رواية ضعيفة
من وجوه (3) إلا أنه لا أعرف رادا للحكم. وقيل: إن هذا إنما يكون إذا ذبح في
الحال بعد الشرب، بخلاف ما إذا تأخر بحيث صار جزءا من بدنه (4).
الخامسة: المشهور أنه يحرم الحيوان ذوات الأربع وغيرها إذا وطئه الإنسان
ونسله المتجدد بعد الوطء، وأنه يجب ذبحه وإحراقه بالنار إن لم يكن المقصود
منه ظهره. وأنه لو اشتبه بمحصور قسم نصفين واقرع بينهما حتى يبقى واحدة،
فيعمل بها ما يعمل بالمعمولة ابتداءا.
وخص العلامة الحكم بالبهيمة اقتصارا في ما خالف الأصل على مورد
النص (5).
ومستند الحكم رواية محمد بن عيسى - وفيه كلام - عن الرجل (عليه السلام) أنه سئل
عن رجل نظر إلى راع نزا على شاة؟ قال: إن عرفها ذبحها، وأحرقها، وإن لم
يعرفها قسمها نصفين أبدا، حتى يقع السهم بها، فتذبح وتحرق، وقد نجت
سائرها (6). ورواية مسمع عن الصادق (عليه السلام): أن أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن البهيمة
التي تنكح؟ قال: حرام لحمها وكذلك لبنها (7). والروايتان مع عدم بلوغهما حد
الصحة قاصرتان عن إفادة المطلوب بتمامه.

(1) الوسائل 16: 352، الباب 24 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 1.
(2) السرائر 3: 97.
(3) الوسائل 16: 352، الباب 24 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 2.
(4) المسالك 12: 33.
(5) القواعد 3: 328.
(6) الوسائل 16: 358، الباب 30 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 1.
(7) الوسائل 16: 359، الباب 30 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 3.
606

الفصل الخامس
وفيه مسائل:
الاولى: يحرم المجثمة، وهي التي تجعل غرضا وترمى بالنشاب حتى تموت،
لعدم التذكية الشرعية. والمصبورة، وهي التي تجرح وتصبر حتى تموت، لعدم
التذكية.
وروى عبد العظيم بن عبد الله الحسني عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) أنه
قال: سألته عما اهل لغير الله؟ قال: ما ذبح لصنم أو وثن أو شجر حرم الله ذلك، كما
حرم الميتة والدم ولحم الخنزير، فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه أن يأكل
الميتة. قال: فقلت: يا بن رسول الله متى يحل للمضطر الميتة؟ فقال: حدثني أبي،
عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام): أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) سئل فقيل له: يا رسول الله إنا نكون
بأرض فتصيبنا المخمصة، فمتى تحل لنا الميتة؟ فقال: ما لم تصطحبوا، أو تغتبقوا
أو تحتفوا بقلا فشأنكم بهذا. قال عبد العظيم: فقلت له: يا بن رسول الله فما معنى قوله
عز وجل: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه)؟ قال: العادي: السارق.
والباغي: الذي يبغي الصيد بطرا ولهوا، لا ليعود به على عياله، ليس لهما أن يأكلا
الميتة إذا اضطرا، هي حرام عليهما في حال الاضطرار، كما هي حرام عليهما في
حال الاختيار، وليس لهما أن يقصرا في صوم ولا صلاة في سفر. قال: فقلت له:
فقوله تعالى: (والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما
ذكيتم)؟ قال: المنخنقة: التي انخنقت بأخناقها حتى تموت، والموقوذة: التي
مرضت ووقذها المرض حتى لم يكن بها حركة، والمتردية: التي تتردى من مكان
مرتفع إلى أسفل، أو تتردى من جبل، أو في بئر فتموت، والنطيحة: التي تنطحها
بهيمة اخرى فتموت، وما أكل السبع منه فمات، وما ذبح على النصب على حجر أو
صنم، إلا ما أدركت ذكاته فذكي. قلت: وأن تستقسموا بالأزلام؟ قال: كانوا في
الجاهلية يشترون بعيرا فيما بين عشرة أنفس، ويستقسمون بالقداح وكانت عشرة:
607

سبعة لهم أنصباء، وثلاثة لا أنصباء لها، أما التي لها أنصباء: فالفذ، والتوام،
والنافس، والحلس، والمسبل، والمعلى، والرقيب، وأما التي لا أنصباء لها:
فالسفيح، والمنيح، والوغد، وكانوا يجيلون السهام بين عشرة، فمن خرج باسمه
سهم من التي لا أنصباء لها الزم ثلث ثمن البعير، ولا يزالون كذلك حتى تقع السهام
التي لا أنصباء لها إلى ثلاثة، فيلزمونهم ثمن البعير، ثم ينحرونه ويأكله السبعة
الذين لم ينقدوا في ثمنه شيئا، ولم يطعموا منه الثلاثة الذين وفروا ثمنه شيئا، فلما
جاء الإسلام حرم الله تعالى ذكره ذلك فيما حرم، وقال عز وجل: (وأن
تستقسموا بالأزلام ذلك فسق) (1) يعني حراما.
الثانية: الميتات محرمة إجماعا ويدل عليه الآية وغيرها، ويحل منها ما لا
تحله الحياة، وهي: الصوف والشعر والوبر والريش مع الجز أو غسل موضع
الاتصال، وقيل: لا يحل منها ما يقلع (2) والأول أقرب، لعموم الأدلة.
والقرن والظلف والسن، والبيض إذا اكتسى القشر الأعلى على المشهور،
ومنهم من لم يقيد (3) وأكثر الروايات مطلق، وفي بعض الروايات تقيد باكتساء
الجلد الغليظ (4) والإنفحة.
وفي اللبن قولان، فأكثر المتقدمين على الحل، وأكثر المتأخرين على الحرمة،
والأول أقرب، للرواية الصحيحة (5) وغيرها، مع اعتضادها بالعمومات.
والمعروف من مذهبهم أن كل ما ابين من حي فهو ميتة يحرم أكله واستعماله،
وكذا ما يقطع من أليات الغنم، وعلى الأخير تدل أخبار ضعيفة (6). وفي كلامهم أنه
لا يجوز الاستصباح به، بخلاف الدهن النجس بوقوع النجاسة.

(1) التهذيب 9: 83، ح 354.
(2) حكاه في الشرائع 3: 222.
(3) لم نعثر عليه.
(4) الوسائل 16: 365، الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 6.
(5) الوسائل 16: 367، الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 11.
(6) الوسائل 16: 295، الباب 30 من أبواب الصيد والذبائح.
608

والمشهور بين المتأخرين أنه إذا اختلط ولم يعلم وجب الامتناع من الجميع
حتى يعلم الذكي بعينه، ومستند ذلك عندهم قاعدة معروفة لديهم هي: أن الحرام
يغلب الحلال في المشتبه، وبعض الروايات العامية، وبعض الاعتبارات العقلية.
وفي الكل نظر.
وقول الصادق (عليه السلام) في صحيحة عبد الله بن سنان: كل شيء فيه حلال وحرام
فهو حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه (1) يدل على الحل، وكذلك غيرها
من الأخبار.
ويجوز بيعها ممن يستحل الميتة، لصحيحة الحلبي (2) وحسنة الحلبي (3) وابن
إدريس منع من بيعه والانتفاع به مطلقا مدعيا مخالفة الرواية لاصول المذهب من
جواز بيع الميتة وفيه منع (4). والشهيد في الدروس مال إلى عرضه على النار
واختباره بالانبساط والانقباض (5). وفيه ضعف.
الثالثة: وقع الخلاف بين علمائنا فيما يحرم من الذبيحة فقيل: لا خلاف بينهم
في تحريم أربعة: الدم، والطحال، والقضيب، والانثيان (6).
وعن المفيد وسلار: لا يؤكل الطحال والقضيب والانثيان، ولم يذكرا غيرها (7)
والظاهر أن ترك الدم للظهور، وأنه لا خلاف في تحريم الدم المسفوح.
وعن الصدوق: عشرة لا تؤكل: الفرث، والدم، والنخاع، والطحال، والغدد،
والقضيب، والانثيان، والرحم، والحياء، والأوداج (8). قال: وروي العروق، وفي
حديث آخر مكان الحياء «الجلد» (9) وكلامه ليس نصا على التحريم.

(1) الوسائل 12: 58، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، ح 1.
(2) الوسائل 16: 370، الباب 36 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 1.
(3) الوسائل 16: 370، الباب 36 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 2.
(4) السرائر 2: 113.
(5) الدروس 3: 14.
(6) مجمع الفائدة والبرهان 11: 238.
(7) المقنعة: 582، المراسم: 210.
(8) إلى هنا موجود في المقنع: 425.
(9) المختلف 8: 313 - 314.
609

وذكر الشيخ وجماعة أربعة عشر: الدم، والفرث، والطحال، والمرارة،
والمشيمة، والفرج ظاهره وباطنه، والقضيب، والانثيان، والنخاع، والعلباء، والغدد،
وذات الأشاجع، والحدق، والخرزة (1). وزاد ابن إدريس المثانة (2) فالمحرمات
عنده خمسة عشر.
وذكر المرتضى خمسة منها (3). وبعضهم سبعة منها (4). وعن ابن الجنيد أنه قال:
يكره من الشاة أكل الطحال، والمثانة، والغدد، والنخاع، والرحم، والقضيب،
والانثيين (5). وقد يطلق الكراهة على التحريم.
وعن أبي الصلاح كراهة النخاع، والعروق، والمرارة، وحبة الحدقة،
والخرزة (6).
والذي اطلعت عليه من الروايات الواردة في هذا الباب - مع عدم اتفاقها
وعدم اشتمالها على عدة من المعدودات، واشتمال بعضها على ما لم يقل أحد
بتحريمه - ضعيف الأسناد، غير واضح الدلالة على التحريم، قابل للحمل على
الكراهة، مع أن عمومات القرآن خصوصا قوله تعالى: (فكلوا مما ذكر اسم الله
عليه) (7) وقوله تعالى: (وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه) (8) وقوله تعالى:
(احلت لكم بهيمة الأنعام) (9) وكذا عمومات الأخبار يقتضي الحل إلا فيما قام
دليل تام على حرمته.
ولا ريب في تحريم الدم بالنص (10) والإجماع. وأما غيره فما ثبت الإجماع
على تحريمه أو ثبت كونه مستخبثا نحكم بتحريمه، والباقي يبقى على حكم عموم

(1) النهاية 3: 95، المهذب 2: 441، الجامع للشرائع: 389، الدروس 3: 14.
(2) السرائر 3: 111.
(3) الانتصار: 197.
(4) الغنية: 398.
(5) حكاه في المختلف 8: 314.
(6) الكافي في الفقه: 279.
(7) الأنعام: 118.
(8) الأنعام: 119.
(9) المائدة: 1.
(10) الوسائل 16: 309، الباب 1 من أبواب الأطعمة المحرمة.
610

الحل مع الكراهة، ولم أعثر على دعوى الإجماع إلا في أربعة مر ذكرها، ودعوى
الاستخباث في المختلف فيه منها لا يخلو عن إشكال.
ولا ريب في رجحان ترك ما ذكر في النصوص. والمعروف بينهم كراهة
الكلي واذني القلب، للخبر (1).
ولو شوى الطحال مع اللحم ولم يكن الطحال مثقوبا، أو كان اللحم فوقه لم
يحرم اللحم، والمعروف بين الأصحاب أنه لو كان الطحال مثقوبا وكان فوق اللحم
حرم اللحم، ومستنده أخبار غير صريحة في التحريم.
الرابعة: لا خلاف في تحريم الأعيان النجسة كالعذرات النجسة، والمائع
الذي وقعت النجاسة فيه وحكم بانفعاله بالنجاسة، بخلاف الجامد، فإنه لا ينجس
غير المخلوط بالنجاسة منه. ولا خلاف في نجاسة ما باشره الكافر برطوبة، غير
أهل الكتاب، وفي نجاستهم خلاف بين الأصحاب، لاختلاف الروايات (2).
الخامسة: لا خلاف بين الأصحاب في تحريم الطين عدا ما استثني، ويدل
عليه أخبار عديدة، والطين بحسب اللغة والعرف: التراب الممتزج بالماء، ولا يبعد
أن يكون المدر أيضا في حكمه، كما يفهم من بعض الأخبار (3).
وفي المسالك: المراد به ما يشتمل التراب والمدر (4). وقال بعض الأصحاب:
المشهور بين المتفقهة أنه يحرم التراب والأرض كلها، حتى الرمل والأحجار (5)
والمذكور في الأخبار الطين، ففي تعميم الحكم إشكال.
ويستثنى من الطين المحرم التربة الحسينية (عليه السلام) للاستشفاء، وهي ما جاور
قبره الشريف عرفا. وفي بعض الروايات: طين القبر (6). وفي بعضها: طين الحائر (7).

(1) الوسائل 16: 360 و 361، الباب 31 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 5 و 10.
(2) الوسائل 16: 382 و 383 و 384، الباب 52 و 53 و 54 من أبواب الأطعمة المحرمة.
(3) الوسائل 16: 391، الباب 58 من أبواب الأطعمة المحرمة.
(4) المسالك 12: 68.
(5) مجمع الفائدة 11: 235.
(6) الوسائل 16: 395، الباب 59 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 1.
(7) الوسائل 16: 396، الباب 59 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 2.
611

وفي بعضها: يؤخذ طين قبر الحسين (عليه السلام) من عند القبر على سبعين ذراعا (1). وفي
بعضها: التربة من قبر الحسين بن علي (عليهما السلام) على عشرة أميال (2). والأخبار في
جواز أكلها للاستشفاء كثيرة (3). وعليه اتفاق الأصحاب.
والظاهر أنه لا يشترط أخذها بالدعاء وقراءة «إنا أنزلناه» بل ذلك لزيادة
الفضل، بل لها شرائط اخرى يوجب الفضل كما هو مذكور في محله.
ويشترط أن لا يزيد على قدر الحمصة، ولابد أن يكون بقصد الاستشفاء،
والأشهر أنه يحرم لو لم يكن بقصد الاستشفاء.
وفي جواز أكلها يوم عاشوراء بعد العصر أو الإفطار بها يوم العيد قولان.
وفي جواز الاستشفاء بالطين الأرمني والمختوم وأمثالهما قولان مبنيان على
جواز الاستشفاء بالحرام على تقدير حرمتهما، وسيجئ الكلام فيه.
السادسة: الأشياء الضارة بالبدن حرام، سواء كان الضار قاتلا كالسموم، أو
مغيرا مفسدا لمزاج البدن، فما كان قليله وكثيره ضارا حرم مطلقا، وما لم يكن
كذلك قدر تحريمه بتقدير الإضرار بحسب غلبة الظن من أي وجه كان.
السابعة: تحريم الخمر موضع وفاق بين المسلمين، وهو من ضروريات
الدين. وفي حكمه من التحريم كل مسكر كالنبيذ، والبتع، والفضيخ، والنقيع
والمزر. والمعتبر في التحريم إسكار كثيره، فما أسكر كثيره حرم قليله، والروايات
بذلك متظافرة (4).
ويحرم الفقاع بلا خلاف في ذلك، ويدل عليه الأخبار (5) ولا فرق في ذلك بين
قليله وكثيره.

(1) الوسائل 10: 400، الباب 67 من أبواب المزار، ح 3.
(2) الوسائل 10: 401، الباب 67 من أبواب المزار، ح 7.
(3) الوسائل 16: 395، الباب 59 من أبواب الأطعمة المحرمة.
(4) الوسائل 17: 267، الباب 17 من أبواب الأشربة المحرمة.
(5) الوسائل 17: 287، الباب 17 من أبواب الأشربة المحرمة.
612

ويحرم العصير إذا غلى، سواء غلى بنفسه أو بالنار، والمراد الماء المعتصر من
العنب، ولا خلاف في تحريمه بين الأصحاب. ويدل عليه الأخبار الكثيرة (1).
والمراد بالغليان أن يصير أسفله أعلاه. ويستفاد ذلك من بعض الأخبار (2). واشترط
بعضهم في التحريم الشدة (3) وهي الثخونة والغلظ والقوام، وهي أمر زائد على مجرد
الغليان، ولا دليل على اعتباره في التحريم، فإن الوارد في النصوص مجرد الغليان.
والحق بالعصير ماء العنب إذا غلى في حبه، وفيه إشكال، لعدم صدق العصير
عليه، والأدلة العامة تقتضي حله، والقول بنجاسة العصير ضعيف.
ولا يحل العصير حتى يذهب ثلثاه، أو يصدق عليه الخل.
والأشهر الأقرب أنه لا يحرم عصير الزبيب، إذ لا يصدق عليه العنب، فتشمله
الأدلة العامة المقتضية للحل. وفي عصير التمر قولان، والأشهر الأقرب عدم التحريم.
والمعروف في كلامهم أن ما مزج بهذه الأشياء أو بأحدها وما وقعت فيه من
المائعات حرام، ولا ريب فيه إذا نجس ما وقع فيه، لتحريم النجس. وأما إذا لم
يكن كذلك وكان الامتزاج على وجه لا يكون تناول بعضه موجبا للعلم بتناول
الحرام، لقلة الانتشار - كقطرة في حب ماء - ففي الحكم بالحرمة مطلقا إشكال،
للعمومات الدالة على الحل. وصحيحة عبد الله بن سنان (4) وغيرها.
نعم الحكم بذلك غير بعيد فيما وقع فيه المسكر على القول بطهارته أيضا،
لإمكان استفادة ذلك من بعض الأخبار (5). لكن ذلك فيما إذا لم يحصل الاستحالة
والانقلاب.
ولا يحرم شيء من الربوبات والأشربة وإن شم منه رائحة المسكر، كرب الرمان

(1) الوسائل 17: 223، الباب 2 من أبواب الأشربة المحرمة.
(2) الوسائل 17: 223، الباب 2 من أبواب الأشربة المحرمة.
(3) الإرشاد 2: 111.
(4) الوسائل 12: 59، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، ح 1.
(5) الوسائل 17: 286، الباب 26 من أبواب الأشربة المحرمة، ح 1.
613

والتفاح إن لم يسكر كثيره، للأصل والأدلة العامة، وخصوص بعض الروايات (1).
الثامنة: الدم على أقسام: منها الدم المسفوح، وتحريمه منصوص عليه في
الكتاب (2) والسنة (3). ولا ريب في نجاسته أيضا.
ومنها: الدم المتخلف في الذبيحة بعد الذبح في حيوان مأكول اللحم، ولا
أعرف خلافا بين الأصحاب في كونه حلالا. ونقل العلامة الإجماع عليه (4). ويدل
عليه ما دل على حصر المحرمات من الآيات. وما يجذبه النفس إلى باطن الذبيحة
ليس في حكم المتخلف من الحل والطهارة. وفي تحريم المتخلف في الكبد
والقلب وجهان. ولا يبعد ترجيح عدم التحريم، لظاهر الآية، إلا أن يثبت كونه
خبيثا.
ومنها: الدم المتخلف في حيوان غير مأكول اللحم، وهو في الحرمة تابع
لذلك الحيوان، وظاهر الأصحاب الحكم بنجاسته. ونقل عن بعض المتأخرين
التوقف فيها (5).
ومنها: ما عدا المذكورات من الدماء التي لا تخرج بقوة من عرق ولا لها كثرة
وانصباب، لكنه مما له نفس [سائلة]. وظاهر الأصحاب الاتفاق على نجاسته.
وظاهر المعتبر والتذكرة نقل الإجماع عليه (6). ويستفاد ذلك أيضا من بعض
الأخبار (7) فيلزم التحريم أيضا.
ومنها: دم السمك، ولا أعرف خلافا بين الأصحاب في طهارته. ونقل
الإجماع على ذلك الشيخ والفاضلان والشهيد (8) وغيرهم، وكلام العلامة في

(1) الوسائل 17: 293، الباب 29 من أبواب الأشربة المحرمة، ح 1.
(2) الأنعام: 145.
(3) الوسائل 16: 309، الباب 1 من أبواب الأطعمة المحرمة.
(4) المختلف 1: 474.
(5) انظر المختلف 1: 474.
(6) المعتبر 1: 420، التذكرة 1: 56 (ط الحجرية).
(7) الوسائل 16: 309 و 359، الباب 1 و 31 من أبواب الأطعمة المحرمة.
(8) الخلاف 6: 34، المسألة 36، المعتبر 1: 421، التذكرة 1: 56.
614

المختلف والمنتهى والنهاية يدل على حل دم السمك (1) وكذا كلام ابن زهرة وابن
إدريس وظاهر المعتبر أيضا ذلك (2).
وظاهر كثير من عباراتهم تخصيص التحليل بالدم المتخلف في الذبيحة،
وتعميم التحريم في غيره من الدماء. وعن بعضهم التصريح به والتنصيص على دم
السمك (3) والظاهر أنه لا حجة له سوى دعوى الاستخباث، وهو موضع نظر، وإذا
لم يثبت ذلك كانت الآية حجة قوية على الحل.
ومنها: دم غير السمك مما لا نفس له، وقد نقل جماعة من الأصحاب الإجماع
على طهارته (4). والكلام في حله وحرمته مبني على ثبوت الاستخباث وعدمه.
واختلف الأصحاب فيما لو وقع قليل من الدم كالأوقية فما دون في القدر
وهي تغلي على النار، فذهب الدم بالغليان، فذهب الشيخان إلى حل المرق (5)
استنادا إلى صحيحة سعيد الأعرج (6) ورواية زكريا بن آدم (7).
وذهب ابن إدريس والمتأخرون إلى بقاء المرق على نجاسته، لأنه ماء قليل
لاقى نجاسة، والغليان غير مطهر (8). وفيه منع بعد ثبوت الرواية، والاستضعاف لا
يجري في الاولى.
التاسعة: كل ما حصل فيه شيء من النجاسات فإن كان مائعا نجس فيحرم،
وإن كان له حالة جمود فوقعت النجاسة فيه جامدا كالدبس الجامد والسمن القيت
النجاسة وكشط ما يكنفها، وحل الباقي، ويدل عليه الأخبار (9).

(1) المختلف 1: 474، المنتهى 3: 191، نهاية الإحكام 2: 268.
(2) الغنية: 41، السرائر 1: 174، المعتبر 1: 421.
(3) انظر مجمع الفائدة 11: 210 - 211.
(4) الناصريات: 94، المعتبر 1: 420، المختلف 1: 474.
(5) المقنعة: 582، النهاية 3: 104.
(6) الوسائل 16: 376، الباب 44 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 2.
(7) الوسائل 17: 286، الباب 26 من أبواب الأشربة المحرمة، ح 1.
(8) السرائر 3: 120.
(9) الوسائل 16: 374، الباب 43 من أبواب الأطعمة المحرمة.
615

ولو كان المائع دهنا جاز الاستصباح به تحت السماء، لا أعرف خلافا فيه،
ويدل عليه الأخبار (1). وهل يجوز تحت الظلال؟ الأقرب نعم، لإطلاق الأدلة
وعدم ما يدل على المنع. وعلى تقدير تحريمه تحت الظلال الأظهر أنه ليس ذلك
لنجاسة الدخان، لتحقق الاستحالة المقتضية للطهارة. وقيل: إن الدهن نجس، وهو
اختيار الشيخ في المبسوط (2).
ويجوز بيع الأدهان النجسة بالعرض وتحل ثمنها. والمشهور أنه يجب إعلام
المشتري بنجاستها، وأما الأدهان النجسة بالذات كأليات الميتة فنقل في المسالك
الإجماع على أنه لا يجوز بيعها ولا الانتفاع بها مطلقا (3).
والعجين النجس لا يطهر بالخبز. على الأشهر الأقرب، وذهب الشيخ في
النهاية (4) إلى الطهارة، استنادا إلى رواية ضعيف السند والدلالة (5).
العاشرة: أبوال ما لا يؤكل لحمه من الحيوان نجس، فتحرم، سواء كان
الحيوان نجسا كالكلب والخنزير، أو طاهرا كالأسد والنمر. وهل يحرم مما يؤكل
لحمه؟ فيه قولان، أقربهما العدم، للعمومات من الآيات والأخبار (6) وهو قول
جماعة منهم: المرتضى وابن الجنيد والمحقق في النافع (7) وغيرهم.
وذهب جماعة من الأصحاب إلى التحريم، للاستخباث (8) فيتناوله الآية،
والظاهر أن الأولين يمنعون صدق الخبث إذا لم يثبت له حقيقة شرعية، وصدق
العرفي واللغوي ظاهر، وتنفر بعض الطبائع غير كاف، فيبقى أدلة الحل سالمة. ومنه
يعلم طريق البحث في بصاق الإنسان ونخامته وعرقه وبعض فضلات باقي

(1) الوسائل 16: 374، الباب 43 من أبواب الأطعمة المحرمة.
(2) المبسوط 6: 283.
(3) المسالك 12: 84.
(4) النهاية 1: 211.
(5) الوسائل 1: 129، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، ح 17.
(6) الأنعام: 145، الوسائل 17: 87، الباب 59 من أبواب الأطعمة المباحة.
(7) الانتصار: 201، نقله في المختلف 8: 337، المختصر النافع: 246.
(8) الوسيلة: 364، المقتصر: 338 - 339، الدروس 3: 17.
616

الحيوانات، مع ورود نصوص في بصاق المرأة والبنت (1) وفيه منع.
واستثني بول الإبل للاستشفاء، لما ثبت من أن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر قوما اعتلوا
بالمدينة أن يشربوا أبوال الإبل فشفوا (2).
وعلى القول الأخير يجب الاقتصار على موضع الحاجة على قول، وقيل:
يحل مطلقا (3). وعلى الأول يحل مطلقا.
والمشهور أن اللبن تابع للحيوان في الحرمة والكراهة وعدمهما، ولا أعرف
حجة عليه. وفي بعض الأخبار الحسنة الأمر بشرب ألبان الاتن (4) وبعضها نفى
البأس عنه (5) وفي بعض الأخبار الصحيحة في شيراز الاتن: إن أحببت أن تأكل
منه فكل (6).
الفصل السادس في بعض اللواحق
وفيه مسائل:
الاولى: المشهور بين الأصحاب نجاسة شعر الخنزير. وذهب المرتضى إلى
الطهارة (7). وعلى قول السيد يجوز استعمال شعر الخنزير من غير ضرورة. وعلى
القول الآخر فيه خلاف.
والمشهور عدم جواز استعماله من غير ضرورة، حتى ادعى ابن إدريس
تواتر الأخبار بتحريم استعماله (8). وذكر غير واحد منهم أنه لم يطلع على رواية
دالة على ما ذكره (9).

(1) الوسائل 7: 71، الباب 34 من أبواب ما يمسك عنه الضائم.
(2) الوسائل 18: 535، الباب 1 من أبواب حد المحارب، ح 7.
(3) حكاه في المسالك 12: 92.
(4) الوسائل 17: 89، الباب 60 من أبواب الأطعمة المباحة، ح 3.
(5) الوسائل 17: 89، الباب 60 من أبواب الأطعمة المباحة، ح 4.
(6) الوسائل 17: 89، الباب 60 من أبواب الأطعمة المباحة، ح 1 و 2.
(7) الناصريات: 100.
(8) السرائر 3: 114.
(9) مجمع الفائدة 11: 302، المسالك 12: 93.
617

وذهب جماعة من الأصحاب منهم: العلامة في المختلف إلى جواز استعماله
مطلقا (1). ولعله الأقرب، للأصل السالم من المعارض، مضافا إلى أخبار دالة
على الجواز (2).
وفي جواز الاستقاء بجلود الميتة لما لا يشترط فيه الطهارة قولان: أحدهما:
الجواز، للأصل، وعدم شمول أدلة التحريم له. وذهب جماعة من الأصحاب إلى
المنع (3) والمسألة محل تردد، ولعل الأقرب القول بالجواز.
الثانية: المشهور أنه إذا وجد لحم ولا يدرى أهو ذكي أم ميت يطرح على
النار، فإن انقبض فهو ذكي، وإن انبسط فهو ميتة. ونقل بعضهم الإجماع عليه (4).
وقال الشهيد في النكت: لا أعلم أحدا خالف فيها، إلا أن المحقق في الشرائع
والإمام المصنف أورداها بلفظ: «قيل» مشعرا بالضعف (5).
ومستند الحكم ما رواه شعيب عن أبي عبد الله (عليه السلام): في رجل دخل قرية
فأصاب فيه لحما لم يدر أ ذكي هو أو ميت؟ قال: فاطرحه على النار، فكل ما
انقبض فهو ذكي، وكل ما انبسط فهو ميت (6). وظاهر الرواية أنه لا يحكم بحل
اللحم وعدمه باختبار بعضه، بل لابد من اختبار كل قطعة منه على حدة، ويلزم كل
واحدة حكمها، وكأن من توقف في الحكم نظر إلى ضعف سند الرواية، وأن الأصل
عدم التذكية حتى تثبت، كما اشتهر بين جماعة من المتأخرين (7) والاستناد إلى
الأصل المذكور ضعيف، مع أنه قد ورد في عدة من الأخبار الإذن في الصلاة فيما
لا يعلم كونه ميتة (8). وفي بعض الأخبار الصحيحة دلالة على جواز الصلاة فيما لم

(1) المختلف 8: 323.
(2) الوسائل 16: 404، الباب 65 من أبواب الأطعمة المحرمة.
(3) الوسيلة: 362، المهذب 2: 443، المختلف 8: 325.
(4) حكاه في المسالك 12: 96.
(5) غاية المراد 3: 544.
(6) الوسائل 16: 370، الباب 37 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 1.
(7) انظر المسالك 12: 97.
(8) الوسائل 2: 1071، الباب 50 من أبواب النجاسات.
618

يكن من أرض المصلين (1).
وروى عبد الله بن سنان في الصحيح، عن الصادق (عليه السلام) قال: كل شيء يكون
فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبدا، حتى تعرف الحرام منه بعينه، فتدعه (2).
وقريب منه موثقة سماعة (3).
وفي رواية مسعدة بن صدقة: كل شيء هو لك حلال، حتى تعرف الحرام
بعينه فتدعه (4).
وروى الشيخ، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام): أن أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل
عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة، كثر لحمها، وخبزها، وجبنها، وبيضها،
وفيها سكين؟ قال أمير المؤمنين (عليه السلام): يقوم ما فيها ثم يؤكل، لأنه يفسد وليس له
بقاء، فإن جاء طالبها غرموا له الثمن. قيل يا أمير المؤمنين: لا يدرى سفرة مسلم أو
سفرة مجوسي؟ قال: هم في سعة حتى يعلموا (5).
وفي هذه الأخبار دلالة على الحل في موضع الاشتباه، وكيف ما كان فالظاهر
أن القرائن الدالة على وقوع التذكية كافية في الحكم بالحل.
وروى ابن بابويه في الصحيح عن حفص بن البختري، قال: قلت لأبي
عبد الله (عليه السلام): رجل ساق الهدي فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدق به عليه، ولا
يعلم أنه هدي؟ قال: ينحره ويكتب كتابا يضعه عليه ليعلم من مر به أنه صدقة (6).
الثالثة: لا خلاف في عدم جواز الأكل من مال الغير ولا التصرف فيه إلا بإذنه،
ولا ريب فيه. ولا فرق في ذلك بين فرق المسلمين، لعموم الأدلة.
واستثني من ذلك موضعان:

(1) الوسائل 2: 1071، الباب 50 من أبواب النجاسات.
(2) الوسائل 12: 59، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، ح 1.
(3) الوسائل 12: 59، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، ح 2.
(4) الوسائل 12: 60، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، ح 4.
(5) التهذيب 9: 99، ح 432.
(6) الفقيه 2: 500، ح 3072.
619

الأول: الأكل من بيوت من تضمنته الآية، حيث قال تعالى: (ولا على
أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت امهاتكم أو بيوت إخوانكم
أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت
خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو
أشتاتا) (1) يعني مجتمعين أو متفرقين.
والمعروف أنه يشترط عدم العلم بعدم رضاهم، وفي الظن القوي وجهان. ولا
يبعد القول بعدم اعتبار الظن، لعموم الآية.
واشترط ابن إدريس دخول البيت بإذنهم (2) وهو تقييد لإطلاق الآية من غير
حجة، وكذا ما قيل من اشتراط أن ما يؤكل مما يخشى فساده.
والمراد من «بيوتكم» ما ينسب إلى الآكل حقيقة على ما هو الظاهر، وقيل:
بيت الأزواج والعيال (3) وقيل: بيت الأولاد (4). وكيف ما كان فالظاهر شمول هذا
الحكم للأولاد، بل أبلغ منه، كما يستفاد من الروايات. وفي رواية زرارة: وكذلك
تطعم المرأة بغير إذن زوجها (5).
وفي رواية جميل: للمرأة أن تأكل وتتصدق، وللصديق أن يأكل من منزل
أخيه ويتصدق (6). والرواية ضعيفة.
وفي شمول «الآباء» للأجداد و «الامهات» للجدات وجهان، ولا فرق في
الإخوة والأخوات بين كونهم للأبوين أو لأحدهما، للعموم. وكذلك الأعمام
والأخوال وغيرهم.
وقد فسر «ما ملكتم مفاتحه» في مرسلة ابن أبي عمير، قال: الرجل يكون له

(1) النور: 61.
(2) السرائر 3: 124.
(3) مجمع البيان ذيل الآية 61 من سورة النور.
(4) حكاه في مجمع البيان ذيل الآية 61 من سورة النور.
(5) الوسائل 16: 434، الباب 24 من أبواب آداب المائدة، ح 2.
(6) الوسائل 16: 435، الباب 24 من أبواب آداب المائدة، ح 3.
620

وكيل يقوم في ماله ويأكله بغير إذنه (1). وقد فسر بالمملوك وبصاحب المنزل.
والظاهر أن المراد من «الصداقة» العرفية. وقد روي أن الصديق هو الذي
يقدر أن يأخذ من جيبه دراهم ويخرج من غير إذنه (2).
ويمكن القول بجواز التصرف في مال من تضمنته الآية إذا كان أنقص من
الأكل، مثل الجلوس في بيتهم والصلاة في فروشهم ولباسهم، والتوضؤ بمائهم،
نظرا إلى مفهوم الموافقة، ولا يتعدى الحكم إلى غير ما مر من أموالهم، قصرا
للحكم على مورد النص. وألحق جماعة من الأصحاب الشرب من القناة المملوكة
والدالية والدولاب، والوضوء والغسل، عملا بشاهد الحال (3) وهو غير بعيد.
الثاني: المشهور بين الأصحاب جواز الأكل مما يمر به الإنسان من ثمر
النخل، أو غيره من الشجر، أو المباطخ، أو الزرع، حتى ادعى الشيخ في الخلاف
الإجماع عليه (4) ومستنده مرسلة ابن أبي عمير (5) ورواية محمد بن مروان (6) وهما
معتضدتان بالشهرة.
ومن الأصحاب من منع ذلك، مستندا إلى صحيحة علي بن يقطين، قال:
سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يمر بالثمرة من النخل والزرع والكرم والشجر
والمباطخ وغير ذلك من الثمر، أيحل له أن يتناول منه ويأكل بغير إذن صاحبه،
فكيف حاله إن نهاه صاحب الثمرة أو أمره القيم وليس له، وكم الحد الذي يسعه أن
يتناول منه؟ قال: لا يحل له أن يأخذ منه شيئا (7).
ولعل المراد بالتناول والأكل في السؤال الأخذ ثم أكل المأخوذ، لا الأكل

(1) الوسائل 16: 435، الباب 24 من أبواب آداب المائدة، ح 5.
(2) لم نعثر على الرواية في كتب الحديث، نقلها صاحب مجمع الفائدة والبرهان 11: 307.
(3) انظر مجمع الفائدة 11: 306.
(4) الخلاف 6: 98، المسألة 28.
(5) الوسائل 13: 14، الباب 8 من أبواب بيع الثمار، ح 3.
(6) الوسائل 13: 14، الباب 8 من أبواب بيع الثمار، ح 4.
(7) الوسائل 13: 15، الباب 8 من أبواب بيع الثمار، ح 7.
621

هناك، وبه يحصل الجمع بين الأخبار. والقول الأول لا يخلو عن رجحان. ومن قال
بالجواز قيده بأن لا يقصد، ولا يفسد، ولا يحمل معه شيئا ولا يعلم أو يظن الكراهة.
الرابعة: من تناول شيئا نجسا فبصاقه طاهر ما لم يتغير بالنجاسة، وكذا لو
اكتحل بدواء نجس فدمعه طاهر ما لم يتغير بالنجاسة، لأن البواطن لا تنجس بدون
التغير، ومع الجهل يحكم بطهره، لأن كل شيء طاهر حتى يعلم كونه نجسا. ويؤيده
رواية أبي الديلم الواقعة (1) في الخمر (2) على القول بنجاسته، كما هو المشهور.
الخامسة: تحل الخمر إذا انقلبت خلا بنفسه، لعدم صدق الاسم، وللأخبار (3).
وكذا لو انقلبت بعلاج، لكن المشهور حينئذ الكراهة، استنادا إلى موثقة أبي بصير (4)
ورواية محمد بن مسلم وأبي بصير (5).
والمشهور أنه لا فرق بين أن يكون ما عولج به عينا قائمة أم لا، نظرا إلى
عموم الأخبار، وخصوص رواية عبد العزيز بن المهتدي، قال: كتبت إلى
الرضا (عليه السلام): جعلت فداك! العصير تصير خمرا، فيصب عليه الخل وشئ يغيره،
حتى يصير خلا؟ قال: لا بأس به (6).
وموثقة أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الخمر يصنع فيها الشيء
حتى تحمض؟ قال: إذا كان الذي صنع فيها هو الغالب على ما صنع فلا بأس (7).
وربما قيل باشتراط ذهاب عين المعالج به قبل أن تصير خلا، لأنه ينجس
بوضعه فيها ولا يطهر، لعدم الانقلاب فيه. وهذا الكلام لا يجري على القول بطهارة

(1) أي الواردة.
(2) الوسائل 17: 302، الباب 35 من أبواب الأشربة المحرمة، ح 1.
(3) الوسائل 17: 296، الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة.
(4) الوسائل 17: 296، الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة، ح 2.
(5) الوسائل 17: 297، الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة، ح 7.
(6) الوسائل 17: 297، الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة، ح 8.
(7) الوسائل 17: 296، الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة، ح 2.
622

الخمر، وعلى القول بالنجاسة يمكن اغتفار ذلك كالآنية، نظرا إلى الدليل.
فالمشهور أقوى.
ولو القي في الخمر خل كثير حتى استهلكه فالمشهور بين المتأخرين أنه لم
يحل ولم يطهر ولو انقلب الخمر خلا. وكذا لو القي في الخل القليل خمر كثير حتى
استهلكته، نظرا إلى أن الخمر تطهر وتحل بالانقلاب، لا ما تنجس بالخمر.
وعن الشيخ في المسألتين القول بالطهارة إذا انقلبت الخمر التي اخذ منه (1).
وفي المختلف: أن قول الشيخ ليس بعيدا، نظرا إلى أن انقلاب الأصل المأخوذ منه
خلا دليل على انقلاب المأخوذ، ونجاسة الخل تابعة للنجاسة الخمرية، فتزول
بزوالها (2). وفيه تأمل.
والوجه أنه لا إشكال في الطهارة والحل في المسألتين على القول بطهارة
الخمر، وأما على القول بالنجاسة فالحكم كذلك فيما صدق أنه على سبيل العلاج،
كما هو المتبادر من الأخبار، لا مطلقا. ويمكن القول بالحل والطهارة مطلقا في
المسألة الاولى، نظرا إلى عموم موثقة أبي بصير (3).
السادسة: ذكر في الكتب أنه يكره أكل ما باشره الجنب والحائض إذا كانا غير
مأمونين، وكذا أكل ما يعالجه من لا يتوقى النجاسة. ولا أعلم عليه دليلا إلا رواية
مختصة بالحائض (4). ولا فرق بين غلبة الظن بالنجاسة وعدمها على الأصح.
السابعة: يجوز سقي الدواب المسكر، بل سائر المحرمات والمنجسات،
للأصل وعدم التكليف على الأصح الأشهر، وحكم القاضي بتحريمه (5). ويكره
ذلك، لرواية أبي بصير (6) ورواية غياث (7). والمعروف في كلامهم أنه يحرم سقي

(1) النهاية 3: 112 - 113.
(2) المختلف 8: 348.
(3) الوسائل 17: 297، الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة، ح 7.
(4) الوسائل 1: 170، الباب 8 من أبواب الأسئار، ح 7.
(5) المهذب 2: 433.
(6) الوسائل 17: 246، الباب 10 من أبواب الأشربة المحرمة، ح 5.
(7) الوسائل 17: 246، الباب 10 من أبواب الأشربة المحرمة، ح 4.
623

الأطفال المسكر، لروايتي عجلان (1).
الثامنة: ذهب جماعة من الأصحاب إلى أنه يكره استيمان من يستحل شرب
العصير قبل أن يذهب ثلثاه إذا كان مسلما (2). وذهب جماعة منهم إلى التحريم (3)
ولعل الأقرب نظرا إلى الحاصل من الروايات الأول.
التاسعة: يكره الاستشفاء بالمياه الحارة التي تكون في الجبال، لرواية مسعدة ابن
صدقة (4). ولا يبعد كراهة مطلق الجلوس فيها، نظرا إلى العلة المذكورة في الرواية.
الفصل السابع في أحكام المضطر
وفيه مسائل:
الاولى: كل ما قلنا بالمنع من تناوله فالحكم مختص بحال الاختيار، ومع
الضرورة يسوغ التناول، لقوله تعالى: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم
عليه) (5) وقوله تعالى: (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم) (6) وقوله
تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) (7) وقد فسر الباغي
في الآية بوجوه:
منها: الخارج على إمام زمانه.
ومنها: الآخذ عن مضطر مثله، بأن يكون لمضطر آخر شيء لسد رمقه،
فيأخذه منه، وذلك غير جائز، بل ترك نفسه حتى يموت ولا يميت الغير.
ومنها: الطالب للميتة، كما ذهب إليه جمع من الأصحاب.

(1) الوسائل 17: 246، الباب 10 من أبواب الأشربة المحرمة، ح 2 و 3.
(2) منهم المحقق في الشرائع 3: 228.
(3) النهاية 3: 109 - 110، القواعد 3: 332، الإيضاح 4: 158 - 159.
(4) الوسائل 1: 160، الباب 12 من أبواب الماء المضاف، ح 3.
(5) البقرة: 173.
(6) المائدة: 3.
(7) الأنعام: 119.
624

وقيل: العادي: الذي يقطع الطريق (1). وقيل: الذي يتجاوز مقدار الضرورة (2).
وقيل: الذي يتجاوز مقدار الشبع (3).
وفي بعض الروايات عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: الباغي: الذي يخرج على
الإمام، والعادي: الذي يقطع الطريق لا تحل له الميتة (4). وفي سند الرواية ضعف.
وفي رواية حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل (فمن
اضطر غير باغ ولا عاد) قال: الباغي: باغي الصيد، والعادي: السارق، ليس لهما
أن يأكلا الميتة إذا اضطرا، هي حرام عليهما ليس هي عليهما كما هي على
المسلمين، وليس لهما أن يقصرا في الصلاة (5).
وفي رواية عبد العظيم الحسني عن أبي جعفر (عليه السلام) في معنى قوله: (فمن
اضطر غير باغ ولا عاد) قال: العادي: السارق، والباغي: باغي الصيد بطرا ولهوا،
لا ليعود به على عياله، ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا، هي حرام عليهما (6).
الحديث، وفي الطريق ضعف.
وقوله تعالى: (في مخمصة) أي: مجاعة. وقوله تعالى: (غير متجانف
لإثم) أي: غير مائل إلى إثم، بأن يأكل زيادة على قدر الحاجة أو التلذذ، أو غير
متعمد لذلك، ولا مستحل، أو غير عاص، بأن يكون باغيا على الإمام، أو عاديا
متجاوزا عن قدر الضرورة، أو عما شرع الله له، بأن يقصد اللذة لا سد الرمق.
الثانية: الاضطرار يحصل بخوف التلف. وهل يشترط فيه الظن، أو يكفي
مجرد الخوف؟ فيه إشكال.
والأقرب أنه يلحق بخوف التلف خوف المرض الذي ليس بيسير، وكذا

(1) الجامع للشرائع: 390.
(2) حكاه في المسالك 12: 115.
(3) حكاه في المسالك 12: 115.
(4) الوسائل 16: 389، الباب 56 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 5.
(5) الوسائل 16: 388، الباب 56 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 2.
(6) الوسائل 16: 388، الباب 56 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 1.
625

زيادته أو طوله، وكذا خوف العجز بترك التناول عن المشي الضروري، أو
مصاحبة الرفقة الضرورية، حيث يخاف بالتخلف عنهم على نفسه أو عرضه، وكذا
الخوف على من معه. ولا يبعد إلحاق المال به على بعض الوجوه، لحصول معنى
الاضطرار في هذه الصور.
قال الشيخ في النهاية: لا يجوز أكل الميتة إلا إذا خاف تلف النفس، فإن خاف
ذلك أكل ما يمسك به الرمق، ولا يتملا منه (1) ووافقه جماعة من الأصحاب (2).
ولا يجب الامتناع إلى أن يشرف على الموت، فإن التناول حينئذ لا ينفع، ولا
يختص جواز تناول المحرم في حال الاضطرار بنوع منه، لكن بعض المحرمات
يقدم على بعض، كما سيجيء.
الثالثة: لا ريب ولا خلاف في أن المضطر يجوز له أن يتناول قدر سد الرمق،
يعني ما يحفظ عن الهلاك، ولا يجوز له أن يزيد على الشبع اتفاقا، وهل يجوز له
أن يزيد عن سد الرمق إلى الشبع؟ ظاهر الأكثر العدم، وهو حسن إن اندفعت به
الحاجة، أما لو دعت الضرورة إلى الشبع، كما لو كان في بادية وخاف أن لا يقوى
على قطعها لو لم يشبع، أو احتاج إلى المشي أو العدو، وتوقف على الشبع، جاز
تناول ما دعت الضرورة إليه. ويجوز التزود منه إذا خاف عدم الوصول إلى الحلال.
الرابعة: هل التناول في موضع الضرورة على وجه الوجوب، أو هو على سبيل
الرخصة، فله التنزه عنه؟ الأقرب الأول، لأن تركه يوجب إعانته على نفسه، وقد
نهي عنه في الكتاب والسنة.
الخامسة: إذا تمكن المضطر من أخذ مال الغير، فإن كان الغير محتاجا إليه
مثله فلا يجوز الأخذ عنه ظلما، وهو أحد معاني الباغي كما سبق، ويحتمل عدم
جواز الأخذ عنه مطلقا، لأنه يوجب هلاكه، فهو كإهلاك الغير لإبقاء نفسه،

(1) النهاية 3: 98.
(2) المهذب 2: 442، السرائر 3: 113، المختلف 8: 321.
626

والأقرب أنه لا يجوز إيثار الغير إذا كان ذلك موجبا لهلاك نفسه، لقوله تعالى:
(ولا تلقوا بأيديكم) (1) الآية وقيل: يجوز، لقوله تعالى: (ويؤثرون على
أنفسهم) (2) وهو ضعيف، لحكم الخاص على العام.
ولو لم يكن المالك مضطرا إليه وكان هناك مضطر وجب على المالك بذله له
إن كان المضطر مسلما، وكذا إن كان ذميا أو مستأمنا، على المعروف في كلامهم.
ولو ظن الاحتياج إليه في ثاني الحال ففي وجوب البذل للمضطر في الحال نظر.
ولو منع المالك جاز للمضطر الأخذ عنه قهرا، بل يجب عليه ذلك، بل
المقاتلة عليه.
ولو كان للمضطر ثمن لم يجب على المالك البذل مجانا، ولو طلب المالك
الثمن حينئذ وجب على المضطر بذله. وإن طلب زيادة عن ثمن المثل قال الشيخ:
لا تجب الزيادة (3). ولعل الأقرب الوجوب، لارتفاع الضرورة بالتمكن.
ولو لم يكن للمضطر ثمن ففي وجوب البذل عليه عند القدرة قولان.
ولو وجد ميتة وطعام الغير، فإن بذل له الغير طعامه بغير عوض، أو عوض هو
قادر عليه لم يحل الميتة وإن كان العوض أكثر من ثمن المثل على الأقرب، وإن لم
يبذل المالك وقدر على الأخذ منه قهرا، أو كان المالك غائبا ففي تقديم أكل الميتة
أو طعام الغير، أو التخيير أوجه.
السادسة: لو لم يوجد إلا الخمر قال الشيخ في المبسوط: لا يجوز رفع
الضرورة بها (4). والأشبه الجواز، كما هو مذهب جماعة منهم: الشيخ في النهاية
ترجيحا لحفظ النفس (5). ويؤيده مرسلة محمد بن عبد الله (6).
واختلف الأصحاب في التداوي بالخمرة، فالأشهر المنع منه مطلقا، وأطلق

(1) البقرة: 195.
(2) المسالك 12: 117.
(3) المبسوط 6: 286.
(4) المبسوط 6: 288.
(5) النهاية 3: 111.
(6) الوسائل 16: 309، الباب 1 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 1.
627

الشهيد في الدروس جواز التناول للعلاج، كالترياق (1).
وجوز ابن إدريس في أحد قوليه التداوي به (2). وأطلق ابن البراج جواز
التداوي به إذا لم يكن عنه مندوحة (3) وقوى الشهيد الثاني الجواز مع خوف التلف
بدونه (4). وهو اختيار العلامة في المختلف (5).
والأقوى عندي الجواز عند الاضطرار وعدم المندوحة عنه، لقوله تعالى:
(ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) (6) ونفي الضرر والإضرار، والحرج المنفي،
ووجوب حفظ النفس عن الهلاك والمضار عقلا ونقلا. والأخبار الدالة على المنع
محمولة على حال عدم الضرورة، جمعا بين الأدلة. والمعتمد منها من حيث السند
حسنة عمر بن اذينة، قال: كتبت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) أسأله عن الرجل ينعت له
الدواء من ريح البواسير، فيشربه بقدر سكرجة من نبيذ صلب، ليس يريد به اللذة،
إنما يريد به الدواء؟ فقال: لا، ولا جرعة، وقال: إن الله عز وجل لم يجعل في شيء
مما حرم دواء ولا شفاء (7).
وصحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن دواء عجن بالخمر؟ فقال:
لا والله، ما احب أن أنظر إليه، فكيف أتداوى به؟ إنه بمنزلة شحم الخنزير ترون
اناسا يتداوون به (8). وفي هذا الخبر دلالة على جواز التناول حال الاضطرار،
حيث قال فيه: إنه بمنزلة شحم الخنزير. وباقي الأخبار الدالة على المنع متساوية
في ضعف الأسناد، ووجه التأويل في الكل واحد.
واختلف الأصحاب في الاكتحال بالخمر، والأكثر على الجواز عند الضرورة،
وهو الأصح، لما مر، ولحسنة هارون بن حمزة، عن أبي عبد الله (عليه السلام): في رجل

(1) الدروس 3: 25.
(2) لم نعثر عليه وحكاه في الدروس 3: 26.
(3) المهذب 2: 433.
(4) المسالك 12: 129.
(5) المختلف 8: 341.
(6) البقرة: 195.
(7) الوسائل 17: 274، الباب 20 من أبواب الأشربة المحرمة، ح 1.
(8) الوسائل 17: 275، الباب 20 من أبواب الأشربة المحرمة، ح 4.
628

اشتكى عينيه، فبعث له كحل يعجن بالخمر؟ فقال: هو خبيث بمنزلة الميتة، فإن كان
مضطرا فليكتحل (1).
وعن ابن إدريس المنع منه مطلقا (2). ويوافق المنع روايتان مخصوصتان بحال
الاختيار (3) جمعا بين الأدلة.
السابعة: المعروف تحريم الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر، ومستنده
قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): ملعون من جلس على مائدة يشرب عليها الخمر (4). وفي
رواية اخرى نحوه (5).
وفي رواية جراح المدائني عن الصادق (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من
كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأكل على مائدة يشرب عليها الخمر (6).
والروايات مختصة بالخمر، وفي المشهور: المسكر، والحق به الفقاع في
المشهور. والمشهور تحريم الأكل، كما في الرواية الأخيرة، وأما الأوليان فتدلان
على تحريم الجلوس مطلقا.
وهل حكم سائر المحرمات حتى الغيبة وسباب المؤمن ونحو ذلك حكم
الخمر؟ الظاهر العدم. نعم يجب النهي عن المنكر على شرائطه. وعن العلامة أنه
عدى التحريم إلى الاجتماع للهو والفساد (7).
وعن ابن إدريس: أنه لا يجوز الأكل من طعام يعصى الله به أو عليه (8).
ومأخذه غير ظاهر.

(1) الوسائل 17: 279، الباب 21 من أبواب الأشربة المحرمة، ح 5.
(2) السرائر 3: 126.
(3) الوسائل 17: 278، الباب 21 من أبواب الأشربة المحرمة.
(4) الوسائل 16: 401، الباب 62 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 1.
(5) الوسائل 16: 401، الباب 62 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 2.
(6) الوسائل 16: 401، الباب 62 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 3.
(7) القواعد 3: 337.
(8) السرائر 3: 136.
629

الفصل الثامن في بعض اللواحق
من الآداب وغيرها يكره الأكل على الشبع، وفي الرواية: أنه يورث
البرص (1) ويكره كثرة الأكل والتملي، للرواية (2) ويكره الأكل متكئا، للرواية (3).
ويكره الأكل باليسار وكذا الشرب والتناول مع الاختيار، للرواية (4).
ويستحب غسل اليدين قبل الأكل، للرواية (5). وإطلاق النص والفتوى يقتضي
عدم الفرق بين كون الطعام مائعا أو جامدا، ولا بين كونه يباشر باليد أو بآلة
كالملعقة.
ويستحب غسل اليدين بعد الطعام، للرواية (6). والتسمية عند الشروع، والحمد
عند الفراغ، للرواية (7) ورخص في تسمية واحدة من المجتمعين على المائدة،
لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (8).
ويستحب تكرار الحمد في الأثناء، وأن يسمي الله تعالى على كل لون عند
الشروع في الأكل منه. وأن يكون أول من يضع يده وآخر من يرفعها، وأن يبدأ
صاحب الطعام بغسل يده، ثم يبدأ بعده بمن على يمينه، ثم يدور عليهم في الغسل
الأول، وأما في الثاني فيبدأ بمن على يساره، ويكون هو آخر من يغسل يده،
وغسل الأيدي إلى إناء واحد. ويستحب أن لا يمسح اليد بالمنديل في الغسل الأول،
والاستلقاء بعده، وجعل رجله اليمنى على اليسرى. ومستند الكل الروايات (9).

(1) الوسائل 16: 408، الباب 2 من أبواب آداب المائدة، ح 3.
(2) الوسائل 16: 411، الباب 4 من أبواب آداب المائدة، ح 2.
(3) الوسائل 16: 412، الباب 6 من أبواب آداب المائدة.
(4) الوسائل 16: 419، الباب 10 من أبواب آداب المائدة.
(5 و 6) الوسائل 16: 470، الباب 49 من أبواب آداب المائدة.
(7) الوسائل 16: 482، الباب 57 من أبواب آداب المائدة.
(8) الوسائل 16: 486، الباب 58 من أبواب آداب المائدة، ح 2.
(9) راجع الوسائل 16: 473، الباب 50 و 51 و 52 و 53 و 74 من أبواب آداب المائدة.
630

كتاب الغصب
631

كتاب الغصب
وفيه مباحث:
الأول في ما به يتحقق الغصب
وفيه مسائل:
الاولى: الغصب هو الاستيلاء على حق الغير بغير حق على ما قيل. وقيل: إنه
الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدوانا (1).
والمشهور أنه إذا تعدى على الغير من غير أن يستقل بيده على ماله لا يعد
غاصبا وإن كان آثما.
فلو منع غيره من سكنى داره، أو إمساك دابته المرسلة فاتفق تلفها، أو منعه من
القعود على بساطه أو غيره من أمتعته فاتفق تلفه فالمشهور عدم الضمان. وهذا
عند عدم كون المنع سببا للتلف بل قارنه اتفاقا متجه، للأصل.
وأما لو كان المنع سببا والتلف متوقع معه، كما إذا كان السكنى معتبرا في حفظ
الدار وإمساك الدابة معتبرا في حفظ الدابة ففيه إشكال، ومختار جماعة من
المتأخرين فيه الضمان (2). ومثله ما لو منعه بيع متاعه فتلف بحيث لولا المنع لما تلف.

(1) الشرائع 3: 235.
(2) حكاه في المسالك 12: 150.
632

ولو نقصت حينئذ قيمته السوقية مع بقاء عينه وصفته على حالها ففي الضمان
خلاف. واختار الشهيد الثاني عدم الضمان، نظرا إلى أن الفائت ليس مالا، بل
اكتسابه (1) وبه قطع في الدروس (2). وفي بعض فتاواه قوى الضمان في الجميع (3).
والمشهور أنه يتحقق الغصب مع الجلوس على البساط أو ركوب الدابة، سواء
قصده أم لا، وسواء كان المالك حاضرا فأزعجه أم لا، لتحقق الاستيلاء عليه على
وجه العدوان.
وربما قيل باشتراط نقل المنقول في ضمانه، فلا يكفي مجرد ركوب الدابة من
غير أن ينتقل به، والجلوس على البساط كذلك، نظرا إلى أن ذلك هو القبض في
المبيع وغيره لأمثاله من المنقولات.
واجيب بمنع اعتبار النقل في القبض الذي يستعقب الضمان وإن اعتبر في غيره.
الثانية: يصح غصب العقار، ويضمنه الغاصب عندنا وعند أكثر العلماء، خلافا
لبعض العامة. ويتحقق بإثبات اليد عليه مستقلا من غير إذن المالك. ولا فرق بين
أن يزعج المالك فيخرجه من الدار أو يدخلها ويسكنها، وبين أن يستولي عليها
ويتسلم مفاتيحها وإن لم يدخلها أصلا. ومثله ما لو أسكنها غيره جاهلا.
ولو سكن الدار مع مالكها قهرا فالأكثر على أنه يضمن نصف الدار. وذهب
بعضهم إلى أنه لا يضمن شيئا من الدار، لعدم استقلال إثبات اليد. وربما قيل بأنه
على هذا التقدير مستقل بالغصب على سبيل الإشاعة (4).
وعلى القول بالضمان لابد من التقييد بكونه متصرفا في النصف، بحيث يمنع
المالك من أنواع التصرفات كالبيع والهبة وأمثالهما، لا مجرد السكنى.
ولو كان الداخل ضعيفا والمالك قويا لا يعد مثله مستوليا عليه قاهرا له، لم
يكن غاصبا لشيء من الدار، ولكن يضمن اجرة ما سكن ولو بالإشاعة. ولو سكن
بيتا معينا ومنع المالك عنه فلا ريب في تحقق الغصب.

(1) المسالك 12: 150.
(2) الدروس: 106.
(3) حكاه في المسالك 12: 150.
(4) المسالك 12: 152.
633

الثالثة: لو مد بمقود دابة وقادها ولم يكن المالك راكبا عليها ضمنها، لتحقق
الاستقلال باليد عليها، وكذا لو ساقها. ولو كان المالك راكبا عليها وهو قوي قادر
على دفع القائد أو السائق، لم يكن ضمان، وإلا تحقق الضمان.
الرابعة: غصب الأمة الحامل غصب لولدها، قالوا: فإن أسقطت الحمل وبقيت
الام لزمه تفاوت ما بين قيمتها حاملا وحائلا. وإن تلفت بعد الوضع الزم بالأكثر
من قيمة الولد وقيمتها حاملا إن اعتبرنا الأكثر، وإلا فقيمته يوم التلف، وفي ضمانه
حمل الأمة المقبوضة بالعقد الفاسد قولان.
الخامسة: المغصوب إذا لم يكن مالا كالحر فالمشهور بين الأصحاب أنه لا
يضمنه الغاصب إلا بالجناية على نفسه أو طرفه مباشرة أو تسبيبا، وسيجئ حكمه
في محله من كتاب الجنايات، ولا يضمنه على أي نحو فات فلا يضمن نفسه
بالهلاك إذا لم يكن من قبل الغاصب، سواء كان من قبل الله تعالى أم بسبب
خارجي كالحرق والغرق.
وعن الشيخ في أحد قوليه إثبات الضمان في الصغير إذا مات بسبب كلدغ
الحية ووقوع الحائط (1). وقواه في المختلف (2). واختاره في الدروس، لأنه سبب
الإتلاف، ولأن الصغير لا يستطيع دفع المهلكات عن نفسه، وعروضها أكثري،
فمن ثم رجح السبب (3). والظاهر أن في معنى الصغير من عجز عن دفع ذلك عن
نفسه، حيث يمكن الكبير دفعها عادة فلا يعتبر هاهنا عدم التميز، ويجري الحكم
في المجنون. والأصل يدل على القول الأول.
والمقطوع به في كلام الأصحاب أنه لو حبس صانعا حرا مدة لها اجرة لم
يضمن اجرته ما لم يستعمله، لأن منافعه في قبضته، بخلاف المملوك، فإن منافعه
في قبضة سيده.
ولو استأجر الحر لعمل في مدة غير معينة فاعتقله مدة يمكنه فيها فعله ولم

(1) المبسوط 7: 18.
(2) المختلف 6: 135.
(3) الدروس 3: 106.
634

يستعمله فهل يستقر الاجرة عليه أم لا؟ تردد فيه المحقق واستقرب عدم
الاستقرار (1) وتبعه غير واحد من الأصحاب (2) نظرا إلى أن منافع الحر لا يدخل
تحت اليد تبعا له. وقال بعضهم: لو استأجره مدة معينة فمضت زمان اعتقاله وهو
باذل نفسه للعمل استقرت الاجرة (3). وهو غير بعيد.
وأما منافع الدابة فإنها يضمنها غاصبها، لأنها مال يدخل تحت اليد ويضمن
منافعها بالتفويت.
فلو استأجرها لعمل معين فحبسها مدة يمكن استيفاؤه سقط حقه من المنفعة
واستقرت عليه الاجرة، والظاهر أنه لا خلاف في ذلك.
وها هنا امور يوجب الضمان ولا يسمى غصبا:
فمنها: مباشرة الإتلاف، سواء كان المتلف عينا كقتل الحيوان المملوك
وإحراق الثوب، أو منفعة كسكنى الدار وركوب الدابة.
ومنها: التسبيب، وهو إيجاد شيء له مدخل في تلف الشيء بحيث لا يضاف
إليه التلف في العادة إضافة حقيقية، لكن من شأنه أن يقصد به ما يضاف إليه. مثاله:
حفر البئر في غير الملك وطرح المعاثر في المسالك. وإذا اجتمع السبب والمباشر
فالضمان على المباشر، كمن حفر بئرا في ملك غيره عدوانا فدفع غيره فيها إنسانا،
فالضمان على الدافع، وكما إذا سعى إنسان إلى ظالم بآخر فأخذ ماله، فالضمان
إنما هو على الظالم وعلى الساعي الوزر، وكذا لو أمر بالقتل فباشره آخر، لكن هنا
يحبس الآمر به حتى يموت. واستثني من الحكم باختصاص الضمان بالمباشر ما
إذا ضعف المباشر، وله صور يأتي جملة منها في محله إن شاء الله تعالى.
والمعروف من مذهبهم أنه لا يضمن المكره المال وإن باشر الإتلاف
والضمان على المكره، وحد الإكراه الرافع للضمان هاهنا ما يتحقق به الإكراه

(1) الشرائع 3: 236.
(2) انظر المسالك 12: 160، مجمع الفائدة 10: 514.
(3) انظر مجمع الفائدة 10: 514.
635

المفسد للعقد، كما مر في كتاب الطلاق. وقد يقال هنا باشتراط زيادة خوف ضرر
لا يمكنه تحمله. والأول أشهر، ولعله أقرب.
وإذا أرسل في ملكه ماءا أو أجج نارا لمصلحة نفسه ولم يتجاوز قدر حاجته
ولا علم ولا ظن التعدي إلى غيره والإضرار به فاتفق التعدي والإضرار بالجار فلا
ضمان على المباشر، للأصل، وعموم: الناس مسلطون على أموالهم، والاتفاق
على ذلك منقول في كلامهم. وإن تجاوز قدر الحاجة وعلم أو ظن التعدي واتفق
الإفساد فالمقطوع في كلامهم أنه يوجب الضمان، لتحقق التفريط المقتضي له مع
وجود السببية الموجبة للضمان، وهو متجه، ولا أعرف خلافا فيه.
واعتبر جماعة منهم: المحقق والعلامة في القواعد والإرشاد اجتماع الأمرين
في الضمان، فلا يتحقق بدونهما، استنادا إلى الأصل، وأن ذلك لا يعد تفريطا حيث
لم يظن التعدي في صورة، ولا يتجاوز حاجته في اخرى (1) وفي التحرير اعتبر في
الضمان أحد الأمرين (2).
وظاهر عبارة الشهيد في اللمعة أن عدم الضمان مشروط بأمرين: عدم الزيادة
عن الحاجة، وعدم ظهور ما هو مظنة التعدي كالريح في صورة الإحراق (3).
وفي الدروس اعتبر في الضمان التجاوز عن قدر الحاجة أو علم التعدي إلى
مال الغير (4). وفي بعض فتاواه اعتبر في الضمان أحد الامور الثلاثة: مجاوزة الحد
أو عصف الهواء، أو غلبة الظن بالتعدي.
وفي المسالك: ويترجح هذا القول - يعني مختار الدروس - في بعض أفراده،
وهو ما لو علم التعدي فتركه اختيارا وإن كان فعله بقدر حاجته (5).
والأقرب عندي الضمان عند العلم أو الظن القوي بالإفساد، وعند مجاوزة
العادة مع عدم العلم أو الظن به تردد.

(1) الشرائع 3: 237، القواعد 2: 223، الإرشاد 1: 445.
(2) التحرير 2: 138 س 18.
(3) اللمعة: 141.
(4) الدروس 3: 106 - 107.
(5) المسالك 12: 167.
636

وفي المسالك: وفي معنى ظنه ما إذا قضت العادة بسريانه بأن كان الهواء
شديدا تحملها إلى ملك الغير، أو الماء كثيرا وإن اتفق عدم شعوره بذلك، لبلادة
أو غيرها (1).
فروع:
الأول: لو ألقى صبيا في مسبعة أو حيوانا يضعف عن التحرز فالظاهر أنه
يضمن لو قتله السبع، والظاهر أنه لا خلاف فيه.
الثاني: لو غصب شاة فمات ولدها جوعا، أو حبس مالك الماشية عن
حراستها فاتفق تلفها، أو غصب دابة فتبعها ولدها فتلف، ففي الضمان في هذه
الصور تردد. والأقرب حصول الضمان إذا استند التلف إلى فعل الغاصب، بمعنى
أنه لولاه لما تلف.
الثالث: المعروف من مذهب الأصحاب أنه لو فك القيد عن الدابة فشردت، أو
عن العبد المجنون فأبق، أو فتح قفسا على طائر فطار بلا مكث أو بعده ضمن، لأنه
سبب للإتلاف.
والمشهور بينهم أنه لو فتح بابا على مال فسرق، أو أزال قيدا عن عبد عاقل
فأبق، أو دل السراق إلى مال فسرقوه فلا ضمان، نظرا إلى الحكم بتقديم المباشر
على السبب، لكونه أقوى منه.
وخالف العلامة في الإرشاد في المسألة الثالثة فحكم فيها بالضمان (2).
وفي التحرير استشكل الحكم (3). وفي باقي كتبه وافق الجماعة. وذكر بعضهم
في المسألة الثانية: هذا إذا لم يكن آبقا، وإلا ففي ضمانه وجهان (4) والأصل يدل
على القول المشهور.
الرابع: إذا أزال وكاء ظرف مطروح على الأرض فاندفع ما فيه بذلك ضمن،
وكذا إذا لم يكن مجرد إزالة الوكاء سببا للاندفاع، لكنه سقط بفعله فاندفع ما فيه

(1) المسالك 12: 167.
(2) الإرشاد 1: 444.
(3) التحرير 2: 138 س 14.
(4) المسالك 12: 171.
637

ولو كان السقوط بما يستند إلى فعله، كما لو فتح رأسه فأخذ ما فيه في التقاطر
فألان الأرض فسقط، وإن سقط بعارض كزلزلة أو هبوب ريح أو وقوع طائر ففي
الضمان وجهان، ولعل الأقرب العدم، كما اختاره المحقق (1) للأصل وعدم دليل
ناهض بالمعارضة.
ولو أسقطه إنسان آخر فالضمان عليه لا على الفاتح. ولو كان ما في الإناء
جامدا فأشرقت الشمس عليه فأذابته فضاع، أو ذاب بمرور الزمان وتأثير الهواء
فيه ففي الضمان وجهان. ورجح في المسالك الضمان (2).
الخامس: المعروف من مذهب الأصحاب أن من أسباب الضمان القبض
بالعقد الفاسد، لعموم: على اليد ما أخذت حتى تؤدي.
وذكر في المسالك أنه موضع وفاق وأن المراد بالعقد هنا عقد البيع ونحوه من
العقود اللازمة الموجبة لانتقال الضمان إلى القابض، لا مطلق العقد، فإن منه ما لا
يضمن بصحيحه كالقراض والوكالة والوديعة، فلا يضمن بفاسده (3).
وأما المقبوض بالسوم يعني المقبوض للاشتراء فالمشهور أنه كذلك، لعموم
الخبر المذكور. وقيل: لا يضمن، للأصل، وكونه مقبوضا بإذن المالك، فيكون أمانة
كالوديعة، وهو خيرة ابن إدريس (4) والعلامة في المختلف (5) واستوجهه الشهيد
الثاني (6). وهو متجه، والخبر لا يقتضي إلزام العوض.
المبحث الثاني في الأحكام
وفيه مسائل:
الاولى: يجب رد عين المغصوب ما دام باقيا وإن تعسر ذلك، فلو غصب
خشبة وأدرجها في بنائه أو بنى عليها كان على الغاصب إخراجها وردها إلى

(1) الشرائع 3: 238.
(2) المسالك 12: 173.
(3) المسالك 12: 174.
(4) لم نعثر عليه وحكاه في المسالك 12: 175.
(5) انظر المختلف 5: 230، وحكاه في المسالك 12: 175.
(6) المسالك 12: 175.
638

المالك إن طلبه عندنا، لقول النبي (صلى الله عليه وآله): «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» (1)
ولاستصحاب بقاء الملك. وفيه خلاف لأبي حنيفة، حيث حكم بملكه وبغرم
قيمتها.
ثم إذا أخرجها ودخلها نقص ردها مع أرش النقص ولو بلغ الفساد على تقدير
الإخراج إلى جله بحيث لا يبقى لها قيمة فالواجب تمام قيمتها، وهل يجبر على
إخراجها حينئذ؟ فيه إشكال.
ولو مزجه مزجا يشق معه تمييزه جاز للمالك أن يكلفه التمييز والإعادة.
ولو خاط ثوبا بخيوط مغصوبة وأمكن نزعها الزم ذلك وضمن ما يحدث من
نقص، ولو كان الانتزاع موجبا لتلفها ضمن القيمة، وإن عاب المغصوب ضمن
أرشه، ولو كان العيب من غير الغاصب.
ولو كان للعيب سراية لا يزال يزداد إلى الهلاك كما لو بل الحنطة وتمكن العفن
الساري فعند الشيخ أنه يجعل كالهالك، ويضمن عوضه من المثل أو القيمة (2).
والأشهر الأقوى أنه يرد إلى المالك مع أرش النقص، وهل يدفع مجرد الأرش
الحاصل إلى وقت الدفع، أو يدفع إلى المالك كل ما نقص بعد ذلك؟ في المسألة
وجهان، والظاهر الأول إذا تمكن من بيع المعيب وقت الدفع وأخذ القيمة أو
الانتفاع به بنحو آخر.
ولو تمكن من إصلاح المعيب بحيث يندفع السراية ففي ضمان النقص
الحاصل بعد زمان الدفع وجهان، أقربهما العدم، كما استقربه الشهيد في البيان (3).
ولو كان المغصوب بحاله لكن نقصت قيمته السوقية رده ولا يضمن تفاوت القيمة.
الثانية: إذا تلف المغصوب ضمنه الغاصب، فإن كان مثليا فالذي قطع به
الأصحاب أنه يضمنه بمثله، وقد اختلف عباراتهم في ضبط المثلي، فالمشهور
بينهم أن المثلي ما يتساوى قيمة أجزائه. وضبطه بعضهم بالمقدر بالكيل أو

(1) عوالي اللئالي 2: 345، ح 10.
(2) المبسوط 3: 82.
(3) لم نعثر عليه.
639

الوزن (1). وبعضهم بأنه ما يتساوى أجزاؤه في الحقيقة النوعية (2). وزاد آخرون
عليه اشتراط جواز السلم فيه (3). وعرفه في الدروس بأنه المتساوي الأجزاء
والمنفعة، المتقاربة الصفات (4). وهو أقرب التعريفات من السلامة.
وإذا كان المثل موجودا فلم يسلمه حتى فقد لزمت القيمة عليه، والمراد من
الفقدان أن لا يوجد في ذلك البلد وما حوله مما ينقل إليه عادة. وفي القيمة المعتبرة
حينئذ أوجه:
أولها: وهو أشهرها عندهم: اعتبار قيمته حين تسليم البدل.
وثانيها: اعتبارها وقت الإعواز.
وثالثها: اعتبار أقصى القيم من حين الغصب إلى حين دفع العوض، وهو
المعبر عنه بيوم الإقباض.
ورابعها: اعتبار الأقصى من حينه إلى حين الإعواز.
وخامسها: اعتبار الأقصى من حين الإعواز إلى حين دفع القيمة.
وإن لم يكن المغصوب مثليا بل متقوما لزمه قيمته. وفي اعتبار زمانها بين
الأصحاب أقوال:
اولها: اعتبار قيمته يوم الغصب، ذهب إليه الشيخ في موضع من المبسوط (5)
ونسبه المحقق إلى الأكثر (6).
وثانيها: الضمان بالقيمة يوم التلف، وهو مذهب ابن البراج (7) والعلامة في
المختلف (8) ونسبه في الدروس إلى الأكثر (9).
وثالثها: ضمان أعلى القيم من حين الغصب إلى التلف، وهو منقول عن الشيخ

(1) حكاه في المسالك 12: 183.
(2) غاية المراد 2: 398.
(3) حكاه في المسالك 12: 183.
(4) الدروس 3: 113.
(5) لم نجده فيه، نسبه إليه فخر المحققين في الإيضاح 2: 173.
(6) الشرائع 3: 240.
(7) المهذب 1: 436 - 437.
(8) المختلف 6: 116 - 117.
(9) الدروس 3: 113.
640

في النهاية والخلاف وموضع من المبسوط (1) واختاره ابن إدريس (2) واستحسنه
المحقق في الشرائع (3).
ورابعها: أعلى القيم من حين الغصب إلى وقت رد القيمة، وهو منقول عن
المحقق في أحد قوليه (4).
ووجه القول الأول بأن وقت حدوث الغصب أول وقت دخول العين في ضمان
الغاصب، والضمان إنما هو لقيمته، فيقضى به حالة ابتدائه. وهو توجيه ضعيف.
ووجه الثاني بأن العين ما دامت موجودة لا حق لمالكها في القيمة زادت أم
نقصت، ولهذا لم يحكم عليه بزيادة القيمة السوقية عند نقصانها حين الرد،
والانتقال إلى القيمة إنما هو عند التلف، فيعتبر القيمة في تلك الحال. وفيه أيضا
ضعف سيظهر.
ووجه الثالث بأنه مضمون في جميع حالاته التي من جملتها حالة أعلى
القيم، ولو تلف فيها لزم ضمانه، فكذا بعده.
ولعل القول الرابع مبني على أن الواجب في القيمي رد المثل والانتقال إلى
القيمة عند تعذره، فجميع الزمان إلى حين الرد ضمان لقيمة ما في ذمته، وعلى
القول باعتبار القيمة مطلقا لا توجيه لهذا القول.
والاعتبار العقلي العدلي يقتضي المصير إلى القول الثالث، لأن الغاصب في
أول زمان الغصب مكلف بإيصال المغصوب إلى المالك في ذلك الوقت، فإذا لم
يفعل كان عليه أن يجبر النقصان الذي حصل للمالك بسببه، وجبر ذلك النقصان إما
برد العين في زمان آخر، أو قيمته في الزمان الأول عند تعذر ذلك. وكذلك
الغاصب مكلف في الزمان الثاني بإيصال العين إلى المالك، وحيث لم يفعل كان
عليه جبر النقصان كما ذكرنا، وكذلك في الزمان الثالث والرابع. فإذا فرض زيادة

(1) نقله في المسالك 12: 186.
(2) السرائر 2: 481.
(3) الشرائع 3: 240.
(4) انظر ترددات الشرائع 2: 110.
641

القيمة في بعض هذه الأزمنة كان عليه ردها إلى المالك عند تعذر العين،
لكن مقتضى هذا الاعتبار لزوم رد تفاوت القيمة مضافا إلى العين عند بقاء
العين ونقصان قيمته حين الرد عن بعض القيم السابقة، والحكم بخلافه معروف
بين الأصحاب.
ولو لم يثبت إجماع على خلاف لزوم هذا التفاوت لم يكن القول به بعيدا.
وليس في هذا الباب نص سوى صحيحة أبي ولاد، قال: اكتريت بغلا إلى قصر
بني هبيرة ذاهبا وجائيا بكذا وكذا، وخرجت في طلب غريم لي، فلما صرت قرب
قنطرة الكوفة خبرت أن صاحبي توجه إلى النيل، فتوجهت نحو النيل، فلما أتيت
النيل خبرت أنه توجه إلى بغداد، فأتبعته فظفرت به، وفرغت مما بيني وبينه
ورجعت إلى الكوفة، وكان ذهابي ومجيئي خمسة عشر يوما، فأخبرت صاحب
البغل بعذري وأردت أن أتحلل منه مما صنعت وأرضيه، فبذلت له خمسة عشر
درهما فأبى أن يقبل، فتراضينا بأبي حنيفة وأخبرته بالقصة وأخبره الرجل، فقال
لي: ما صنعت بالبغل؟ فقلت: قد رجعته سليما. قال: نعم بعد خمسة عشر يوما. قال: فما
تريد من الرجل؟ قال: اريد كراء بغلي فقد حبسه علي خمسة عشر يوما. فقال: إني
ما أرى لك حقا، لأنه اكتراه إلى قصر بني هبيرة، فخالف وركبه إلى النيل إلى بغداد،
فضمن قيمة البغل وسقط الكراء، فلما رد البغل سليما وقبضته لم يلزمه الكراء.
قال: فخرجنا من عنده وجعل صاحب البغل يسترجع فرحمته مما أفتى به أبو
حنيفة، وأعطيته شيئا وتحللت منه، وحججت تلك السنة فأخبرت أبا عبد الله (عليه السلام)
بما أفتى به أبو حنيفة. فقال: في مثل هذا القضاء وشبهه تحبس السماء ماءها وتمنع
الأرض بركاتها.
فقلت لأبي عبد الله (عليه السلام): فما ترى أنت؟ قال: أرى له عليك مثل كراء البغل
ذاهبا من الكوفة إلى النيل، ومثل كراء البغل من النيل إلى بغداد، ومثل كراء بغل من
بغداد إلى الكوفة توفيه إياه، قال: قلت: جعلت فداك قد علفته بدراهم فلي عليه
علفه؟ قال: لا، لأنك غاصب، فقلت: أرأيت لو عطب البغل أو نفق أليس كان
642

يلزمني؟ قال: نعم قيمة بغل يوم خالفته، قلت: فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو
عقر؟ قال: عليك قيمة ما بين الصحة والعيب يوم ترده عليه، قلت: فمن يعرف
ذلك؟ قال: أنت وهو، إما أن يحلف على القيمة فيلزمك، فإن رد اليمين عليك
فحلفت على القيمة لزمه ذلك، أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمة
البغل حين اكترى كذا وكذا فيلزمك، قلت: إني أعطيته دراهم ورضي بها وحللني،
قال: إنما رضي فأحلك حين قضى عليه أبو حنيفة بالظلم والجور، لكن ارجع إليه
وأخبره بما أفتيتك به فإن جعلك في حل بعد معرفته فلا شيء عليك بعد ذلك. قال
أبو ولاد: فلما انصرفت من وجهي ذلك لقيت المكاري فأخبرته بما أفتاني به أبو
عبد الله (عليه السلام) وقلت له: قل ما شئت حتى أعطيك هو، فقال: قد حببت إلي جعفر بن
محمد (عليه السلام) ووقع في قلبي له التفضيل، وأنت في حل، وإن أردت أن أرد عليك
الذي أخذت منك فعلت (1).
وقوله (عليه السلام): «نعم قيمة بغل يوم خالفته» فيه احتمالان: أحدهما: أن يكون
المراد القيمة الثابتة يوم المخالفة، وعلى هذا يكون الخبر شاهدا للقول الأول.
وثانيهما: أن يكون المراد «يلزمك قيمة البغل يوم المخالفة» فيكون قوله:
«يوم المخالفة» متعلقا ب‍ «يلزم»، يعني لزوم القيمة في ذلك اليوم، وحد القيمة غير
مبين مرجوع إلى ما يقتضيه الدليل.
وحينئذ لا يكون الخبر منافيا للاعتبار الذي ذكرنا بحسب العدل والتعديل.
وعلى كل تقدير فالخبر حجة على أصحاب القول الثاني، والخبر صحيح معتبر،
فالقول الثاني ضعيف. وكذلك الخبر حجة على أصحاب القول الرابع، لدلالة الخبر
على أن المعتبر إنما هو القيمة.
فيبقى الكلام في ترجيح أحد القولين الآخرين، ولعل الترجيح للقول الأخير،
ولا يخفى أن في إلزام الغاصب كرى زمان ما بعد زمان أعلى القيم إشكال. ولو

(1) الوسائل 13: 255، الباب 17 من أبواب الإجارة، ح 1.
643

قيل: إن المالك مخير بين أن يلزم الغاصب أعلى القيم مع الكراء إلى زمانه أو قيمة
وقت التلف مع كرى البغل إلى ذلك الوقت لم يكن بعيدا.
وذكر في المسالك: أن الاعتبار يدل على القول الثاني، والرواية تدل على
القول الثالث (1). وفيه نظر. ومحل الخلاف ما إذا كان نقصان القيمة مستندا إلى
السوق، أما إذا استند إلى حدوث نقص في العين ثم تلفت فإن الأعلى مضمون،
ونقل الاتفاق على ذلك في المسالك (2).
الثالثة: المشهور بين الأصحاب أن الذهب والفضة مثليان، وقال الشيخ: إنهما
قيميان (3). وعلى المشهور فإن غصبهما غاصب ضمنهما مثلا بمثل وزنا أو عددا إن
لم تكن فيهما صنعة، فإن تعذر المثل أو قلنا بما قال الشيخ اعتبرت قيمتهما بغالب
نقد البلد، فإن كان نقد البلد مخالفا له في الجنس رد القيمة بنقد البلد بلا إشكال،
وكذا إن كان موافقا له في الجنس واتفق الوزن والقيمة.
وإن اختلفا فكان وزن أحدهما أكثر من الآخر مع المساواة في القيمة فقال
الشيخ في المبسوط: له قيمتها، ولكنه لا يمكنه أخذ ذلك من غالب نقد البلد، لأنه
ربا، فيقوم بغير جنسه ويأخذ قيمته ليسلم من الربا (4).
ومنع ابن إدريس من ثبوت الربا في غير البيع (5). والمحقق اختار مذهب
الشيخ من عدم اختصاص الربا بالبيع (6) والعلامة في المختلف اختار مذهب ابن
إدريس من الاختصاص (7). والأحوط الأول.
الرابعة: إذا كان المغصوب مثليا كالنقدين - على القول بكونهما مثليين - لكن
اشتمل على صنعة لها قيمة كالحلي، فعند جماعة من الأصحاب أنه لا يخرج بذلك
عن المثلية وتكون الصنعة مالا زائدا على الأصل، فيضمن الأصل بمثله والصنعة

(1) المسالك 12: 187.
(2) المسالك 12: 187.
(3) المبسوط 3: 61.
(4) المبسوط 3: 61.
(5) السرائر 2: 486 - 487.
(6) الشرائع 3: 240.
(7) المختلف 6: 122.
644

بقيمتها، وحينئذ فعلى القول باختصاص الربا بالبيع لا إشكال في الحكم المذكور،
وعلى القول الآخر قيل: إن الحكم أيضا كذلك (1) لتغاير المضمون، لكون الصنعة
مالا مغايرا للأصل.
واستشكل بأن الصنعة إنما هي وصف زائد لا مال على حدة، مع تصريحهم
في باب الربا بأنه لا فرق بين المصنوع وغيره في المنع عن المعاوضة عليه بزيادة.
ولهذا الإشكال قوى الشهيد الثاني ضمانها بالقيمة، مع أنه منع كون ذلك مثليا بعد
الصنعة. وفي المسألة وجه آخر بضمان المصنوع بمثله مصنوعا إن أمكنت
المماثلة (2).
وإذا كانت الصنعة محرمة كالأواني على القول بمنع اتخاذها مطلقا، وكآلات
الملاهي والصنم، فالظاهر أنه يضمن بمثله ولا يضمن قيمة الصنعة، كما قطع
به الأصحاب.
الخامسة: لو كان المغصوب دابة فجنى عليها الغاصب أو غيره، أو عابت من
قبل الله تعالى، ردها مع النقصان، ويتساوى في ذلك بهيمة الشريف والوضيع،
خلافا لبعض العامة، حيث أوجب في قطع ذنب بهيمة القاضي تمام القيمة.
والمشهور أنه لا تقدير في قيمة شيء من أعضاء الدابة، بل يرجع فيها إلى
الأرش السوقي، وفي الخلاف: كل ما في البدن منه اثنان فيهما القيمة، وفي
أحدهما نصفها. محتجا بالإجماع والرواية (3) وهي: كل ما في البدن منه اثنان ففي
الاثنين جميع القيمة، وفي الواحدة نصف (4).
ورده ابن إدريس بأن الرواية ليست إلا في الإنسان، وحمل الدابة عليه
قياس (5). وروى الكليني، عن عاصم، عن الباقر (عليه السلام) وعن مسمع، عن

(1) حكاه في المسالك 12: 190.
(2) المسالك 12: 191.
(3) الخلاف 3: 397، المسألة 4.
(4) انظر الوسائل 19: 213، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء.
(5) السرائر 2: 498.
645

الصادق (عليه السلام) أن عليا (عليه السلام) قضى في عين الدابة بربع ثمنها (1).
وروى أبو العباس عن الصادق (عليه السلام): من فقأ عين دابة فعليه ربع ثمنها (2)
والروايات غير منطبقة على أحد المذهبين.
السادسة: لا أعرف خلافا بين الأصحاب في أن قاتل العبد غير الغاصب
يضمن قيمته ما لم يتجاوز قيمته دية الحر فيرد إليها. وبالجملة أنه يضمن أقل
الأمرين من قيمته ودية الحر، وفي المسالك: أنه موضع نص ووفاق.
وأما الغاصب فإن مات العبد عنده ضمن قيمته مطلقا، ولا أعرف فيه خلافا
بينهم، لاشتراكه في المالية مع سائر الأموال.
وإن قتله الغاصب وتجاوزت قيمته دية الحر ففي ضمانه للزائد قولان:
أحدهما: العدم، وهو منقول عن الشيخ في المبسوط والخلاف، تسوية بين
الغاصب وغيره، لأصالة العدم.
وذهب ابن إدريس والفاضلان وأكثر المتأخرين إلى أنه يضمن جميع القيمة
مطلقا، تسوية بينه وبين سائر الأموال، والاقتصار في غير الغاصب على الدية،
عملا بالاتفاق، فيبقى ما عداه داخلا في أصل الحكم، وهذا القول لا يخلو عن قوة.
وعلى هذا لو قتله غيره وزادت قيمته عن دية الحر لزم القاتل دية الحر،
والغاصب، لأن ماليته مضمونة عليه.
ولو جنى الغاصب على المملوك بالتنكيل فعند الشيخ أنه ينعتق، وعليه قيمته
للمولى، والأقرب عدم الانعتاق، للأصل، وضعف المستند، وهو: مرسلة جعفر بن
محبوب (3) ودلالتها أيضا غير صريحة، فتدبر.
ولو جنى على المملوك المغصوب، فالأقوى مراعاة جانب المالية بالنسبة إلى

(1) الكافي 7: 367، ح 1.
(2) الوسائل 19: 270، الباب 47 من أبواب ديات الأعضاء، ح 1.
(3) الوسائل 16: 26، الباب 22 من أبواب العتق، ح 1.
646

الغاصب، فيضمن أكثر الأمرين من المقدر شرعا في الجناية والقيمة، فإن كان هو
الجاني لزمه ذلك، وإن كان الجاني غيره بأن قطع يد المغصوب مثلا ضمن أقل
الأمرين من نصف القيمة ونصف دية الحر، ثم إن زاد نصف القيمة عن نصف دية الحر
تخير المالك بين الرجوع على الغاصب بنصف القيمة فيرجع الغاصب إلى الجاني
بأقل الأمرين، وبين أن يرجع إلى الجاني بأقل الأمرين وإلى الغاصب بالزيادة.
ولو استغرقت دية الجناية قيمته فعند الشيخ أن المالك مخير بين تسليمه وأخذ
القيمة، وبين إمساكه من غير أخذ شيء آخر، تسوية بين الغاصب وغيره في الحكم،
للاشتراك في المقتضي وهو التحرز عن الجمع بين العوض والمعوض للمالك،
وإطلاق رواية أبي مريم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في أنف
العبد أو ذكره أو شيء يحيط بقيمته: أنه يؤدي إلى مولاه قيمة العبد ويأخذ العبد (1).
وذهب جماعة من المتأخرين منهم ابن إدريس إلى الجمع بين الأمرين، بناء
على أن المدفوع عوض الفائت، وحمل الغاصب على الجاني قياس، والرواية
ضعيفة، وهذا القول لا يخلو عن ترجيح.
ولو زادت قيمة المملوك بالجناية كالخصاء أو قطع الإصبع الزائدة رده مع دية
الجناية على المشهور، لأن القيمة عوض الفائت لا عوض الجميع حتى يلزم
الجميع. وقيل: لا يجمع بينهما، والشيخ وافق على جمع المالك بين الأمرين هنا،
وقيل في قطع الإصبع الزائدة: إنه لا شيء فيها، لعدم نقص القيمة. والأقرب الأول.
وحكم المدبر، وام الولد، والمكاتب المشروط والمطلق الذي لم يؤد شيئا حكم
القن، لاشتراك الجميع في الرقية.
السابعة: إذا تعذر رد العين المغصوبة إلى المالك عند طلبه من الغاصب وجب
عليه دفع العوض إلى المالك مثلا أو قيمة، فإن وقع التراضي على وجه المعاوضة
تحقق الملك مستقرا، فلا يزول بالقدرة على العين.

(1) الوسائل 19: 298، الباب 18 من أبواب ديات الشجاج والجراح، ح 3.
647

وإن أخذه المالك على وجه البدلية لتعذر العين قال الأصحاب: ملكه المالك
ملكا محضا يكون نماؤه المنفصل له، لكن متى عادت العين كان لكل منهما
الرجوع في ماله على الأشهر عندهم.
وأما العين المغصوبة فهي باقية على ملك مالكها والنماء له مطلقا، وفي
المسألة إشكال من حيث لزوم اجتماع العوض والمعوض على ملك المالك. ولهذا
قال في المسالك: لو قيل بحصول الملك لكل منهما متزلزلا أو توقف ملك المالك
للبدل على اليأس من العين كان وجها في المسألة (1). وهو حسن.
وعلى الغاصب الاجرة إن كان للمغصوب اجرة في العادة من حين الغصب
إلى حين دفع البدل، لأن يد الغاصب يد عدوان محض، وأما بعده إلى حين إعادة
المغصوب ففيه قولان:
أحدهما: وجوب الاجرة، استنادا إلى أن المغصوب باق على ملك المغصوب
منه، ودفع البدل لتعذر العين لا على وجه المعاوضة، ولهذا يملك النماء المنفصل،
فحكم الغصب يستمر إلى حين رجوع العين إلى المالك.
وثانيهما: سقوط الاجرة بعد دفع البدل، لأن الغاصب قد برئ من العين بدفع
البدل، فيبرأ من توابعها إلى أن يتمكن منها، واورد عليه أن هذا لا يتم مع الحكم
ببقائها على ملك المالك وعدم وجود مسقط لضمان الغاصب لها، فإنه لا يكون إلا
بالرد أو المعاوضة المستقرة أو نحوهما، ولم يحصل.
الثامنة: إذا غصب شيئين تنقص قيمة كل واحد منهما عند الإفراد عن صاحبه
كالخفين، فتلف أحدهما رد الباقي مع قيمة التالف مجتمعا، فإذا فرض أن قيمة
المجموع عشرة، وكل واحد منضما خمسة، ومنفردا ثلاثة كان على الغاصب رد
الباقي مع الخمسة، ولو شق ثوبا نصفين فنقصت قيمة المجموع المنفصلين عنه حال
الاتصال كان عليه رد التفاوت.

(1) المسالك 12: 201.
648

ولو غصب خفا قيمته ثلاثة منفردا وبقي الآخر عند المالك، وكان قيمة
المجموع عشرة، وقيمة كل واحد خمسة مجتمعا، فتلفت الواحدة المغصوبة، كان
عليه رد الثلاثة بلا خلاف. وفي ضمان تمام الخمسة وجهان: أقربهما الضمان، وفي
تمام السبعة وجهان: أقربهما الضمان، لأنه كان سببا لنقص قيمة الباقي.
التاسعة: إذا غير الغاصب العين بحيث يخرج عن الاسم والمنفعة لم يخرج
بذلك عن ملك المالك، للأصل، ولا أعرف فيه خلافا بين الأصحاب، وفيه خلاف
لأبي حنيفة، وكذا لو لم يكن التغير بفعل الغاصب، وكما لا يملك الغاصب العين
حينئذ لم يملك شيئا من الاجرة، لتعديه. ثم إن أمكن رده إلى الحالة الاولى فرده
ضمن الأرش إن حصل نقص في القيمة.
ولو رضي المالك باستمراره على الحالة اللاحقة لم يكن للغاصب الرد، وإن
طلب الرد لزمه وعليه الأرش إن حصل نقص، وإن كان مما لا يمكن رده كطحن
الحنطة فهو للمالك مجانا، وعلى الغاصب أرش النقص إن فرض وجوده.
العاشرة: الأيدي المتعاقبة على المغصوب أيدي ضمان، سواء علموا جميعا
بالغصب أو جهلوا جميعا أو بالتفريق، للاشتراك في التصرف في مال الغير من غير
إذن مالكه، فيدخل في عموم: على اليد ما أخذت حتى تؤدي (1) لكن الجاهل
بالغصب ينتفي عنه الإثم، والمالك يتخير في تضمين من شاء منهم العين والمنفعة،
أو تضمين الجميع بالتقسيط وإن لم يكن على سبيل التساوي، وله التقسيط على
أكثر من واحد وترك الباقي.
ولو كان الثاني عالما بالغصب وتلف المغصوب في يده ورجع إليه المالك لم
يرجع هو إلى الأول، وإن رجع المالك إلى الأول رجع هو إلى الثاني، هذا إذا لم
يختلف قيمته في يدهما أو كان في يد الثاني أكثر.
أما إذا كانت القيمة في يد الأول أكثر لحصول التفاوت بسبب النقص أو بسبب

(1) عوالي اللآلئ 2: 345، ح 10.
649

الاختلاف السوقي وقلنا بضمان الغاصب أعلى القيم، فلا يطالب بالزيادة إلا الأول.
وإن كان الثاني جاهلا بالغصب وكانت يده ضمان كالعارية المضمونة استقر
الضمان على الثاني، فلا يرجع إلى الأول إن غرمهم المالك قيمة التالف، وإن كانت يده
يد أمانة كالوديعة والرهن والوكالة استقر على الأول، إلا أن يكون الثاني متلفا.
نعم إذا كان الثاني المتلف مغرورا كما إذا قدمه إليه ضيافة فأكله فإن ضمانه
يستقر على الأول على الأشهر، لغرور الآكل وقدومه، على أن الأكل مجانا لا
يتعقب الضمان، فإذا فرض رجوع المالك عليه رجع على الأول، وقيل: يختص الضمان
بالأول من غير أن يشاركه الأكل في أصل الغرم، لضعف المباشرة بالغرور (1).
واحتمل بعضهم استقراره على الآكل، لأنه المتلف وإليه عادت المنفعة (2).
ولو قدم الغاصب الطعام إلى المالك فأكله جاهلا بالحال رجع به على الأول،
بناء على القول الأول والثاني، للغرور، وعلى الاحتمال يبرأ الأول.
الحادية عشرة: لا أعرف خلافا في أن الولد في الحيوان غير الإنسان تابع
للانثى خاصة سواء كانت الانثى لغاصب الفحل أو لغيره، ولا في ضمان الغاصب
أرش الفحل، فلو غصب فحلا فأنزاه على الانثى كان الولد لصاحب الانثى ولو كان
هو الغاصب، وضمن الغاصب النقص إن حصل.
واختلف الأصحاب في ثبوت اجرة الضراب، فالأكثر على ثبوتها، لأنها
منفعة محللة استوفاها الغاصب، فعليه عوضها. ومنعه الشيخ في المبسوط استنادا
إلى نهي النبي (صلى الله عليه وآله) عن كسب الفحل (3). والأولون حملوا ذلك على الكراهة.
الثانية عشرة: لو غصب ماله اجرة ونقص في يده كالثوب يخلق والدابة تهزل،
لزمته الاجرة والأرش، ولم يتداخلا، لأن كل واحد من الأرش والاجرة حق
ثابت على الانفراد، فلا يتداخلان عند الاجتماع اعتبارا لإيفاء الحقين، وفي
المسألة خلاف لبعض العامة.

(1) حكاه في المسالك 12: 206.
(2) المسالك 12: 157.
(3) المبسوط 3: 96.
650

الثالثة عشرة: إذا زادت قيمة المغصوب بفعل الغاصب كتعليم الصنعة، وخياطة
الثوب، ونسج الغزل، وطحن الطعام وغيرها، فتلك الزيادة التي صارت سببا
لزيادة القيمة إما أن يكون أثرا محضا أو عينا، أما القسم الثاني فسيجيء حكمه في
المسائل الآتية، وأما الأول فحكمه أن الغاصب لا يستحق بتلك الزيادة شيئا، لتعديه.
ثم لا يخلو إما أن يمكن رده إلى الحالة الاولى أم لا، وعلى الأول إن رضي
المالك به لم يكن للغاصب رده إلى الحالة الاولى، لأنه تصرف في ملك الغير بغير
إذنه، وإن طلب رده إليها فالظاهر وجوبه على الغاصب وعليه الأرش إن حصل نقص،
وعلى الثاني كان عليه رده إلى المالك من غير طلب لعوض زيادة القيمة، للأصل.
الرابعة عشرة: لو صبغ ثوبا بصبغ من مال صاحب الثوب فإن لم يحصل بفعله
نقصان لم يكن على الغاصب أرش، نعم إن أمكن إزالته فالظاهر أن للمالك طلب
ذلك، وعلى الغاصب الأرش إن حصل نقص في الثوب، وعليه قيمة الصبغ إن لم
يبق العين.
ولو صبغه بصبغ للغاصب، فإن كان بحيث لا يحصل بالنزع عين فالظاهر أنه
ليس للغاصب النزع بغير رضى المالك. وهل له إجباره عليه؟ فيه وجهان، ولعل
الأقرب ذلك. وإن حصل بالانصباغ عين مال فإما أن يمكن فصله أم لا، فإن أمكن
فصله عن الثوب فقيل: للغاصب إزالته مطلقا مع ضمان أرش الثوب إن نقص،
وقيل: إن أدى فصله إلى استهلاكه لم يجب الغاصب إليه، لاستلزامه التصرف في
مال الغير بغير فائدة، مع كونه متعديا في أصل الفعل، والأشهر الأقرب إجابته، ولو
طلب أحدهما ما لصاحبه بالقيمة لم يجب القبول على الأشهر الأقرب، لأن الأصل
عدم التسلط على مال الغير.
وقال ابن الجنيد: إذا لم يرض المالك بالقلع ودفع قيمة الصبغ وجب على
الغاصب القبول (1). ورجحه العلامة في المختلف (2).

(1) حكاه عن ابن الجنيد في المختلف 6: 118.
(2) المختلف 6: 118.
651

ولو طلب أحدهما البيع قيل: يجبر الغاصب على الإجابة إن كان الطالب هو
مالك الثوب، دون العكس، ويحتمل أن لا يجبر أحدهما على موافقة الآخر،
لمكان الشركة، وأن يجبر المالك للغاصب أيضا تسوية بين الشريكين، وإن لم
يمكن فصل العين الحاصلة بالانصباغ كان الغاصب شريكا للمالك. وإن نقصت
قيمة الثوب بالصبغ لزم الغاصب الأرش، ولا يلزم المالك ما ينقص من قيمة الصبغ،
ولو بيع مصبوغا بنقصان لم يستحق الغاصب شيئا إلا بعد توفية المالك قيمة ثوبه.
ولو بيع بنقصان من قيمة الثوب لزم الغاصب إتمام قيمته.
الخامسة عشرة: إذا خلط المغصوب بغيره على وجه يتعذر التميز بينهما،
فإن كان الخلط بجنسه وهو المساوي له في الجودة والرداءة فعند الأكثر أنه يكون
المالك شريكا للغاصب بنسبة المخلوط. وقال ابن إدريس: إنه ينتقل إلى المثل
بالمزج (1).
وإن كان الخلط بجنسه وهو أجود من المغصوب ففيه قولان:
أحدهما: الشركة بالنسبة.
وثانيهما: تخيير الغاصب في دفع القدر من العين أو غيره، وهو قول الشيخ في
المبسوط (2) وابن إدريس (3).
وإن كان الخلط بجنسه وهو أردى ففيه وجهان:
أحدهما: أن على الغاصب المثل.
وثانيهما: تخيير المالك بين أن يأخذ حقه من العين، وبين أن يطلب المثل. ولو
اختار الأخذ من العين هل يأخذه مجانا أو مع أرش النقص؟ فيه وجهان.
وإن خلط المغصوب بغير جنسه، كما إذا خلط الزيت بالشيرج، أو خلط دقيق
حنطة بدقيق شعير فالأشهر تعين المثل، وفيه وجه بثبوت الشركة. وقواه العلامة
في التذكرة (4).

(1) السرائر 2: 482.
(2) المبسوط 3: 79 - 80.
(3) السرائر 2: 482.
(4) التذكرة 2: 395 س 35.
652

السادسة عشرة: فوائد المغصوب لمالكه، لأنها نماء ملكه وفوائده، فتكون
مضمونة عند الغاصب كالأصل، سواء تجددت عند الغاصب أم لا، وسواء كانت
أعيانا كاللبن والشعر والصوف والولد والثمرة، أو منافع كسكنى الدار وركوب
الدابة، وكذا منفعة كل ما له اجرة في العادة. ولا فرق بين أن يستعمل العين وعدمه.
ولو استعملها وكان له منافع مختلفة القيم كعبد يكون كاتبا وخياطا، فإن
استعملها في الأعلى ضمنها، وإن استعملها في الدنيا أو الوسطى أو لم يستعملها
ففي ضمان اجرة متوسطه أو العليا وجهان.
ويعتبر اجرته في الوقت المعتاد لعمله كالنهار في أكثر الأشياء إلا أن يكون له
صنعة بالنهار وصنعة بالليل، فيعتبر اجرتهما.
ولو سمنت الدابة في يد الغاصب أو تعلم المملوك صنعة أو علما فزادت قيمته
ضمن الغاصب قيمة الزيادة وإن كانت بسببه، فلو هزلت الدابة أو نسي الصنعة أو
العلم فنقصت القيمة بذلك ضمن الغاصب الأرش إن رد العين. ولو تلفت ضمن قيمة
الأصل والزيادة.
ولا فرق بين أن يكون الهزال والنسيان بتفريط من الغاصب أم لا، لأن زيادة
الأثر في المغصوب يتبع العين ولا يستحق الغاصب عليه شيئا، فإذا صارت ملكا
للمغصوب منه فهو مع الأصل في ضمان الغاصب، ولا يضمن الزيادة المتصلة مالم يزد
به القيمة، فإذا زال السمن المفرط وكانت القيمة على حالها لم يكن عليه ضمان.
ولو زادت القيمة لزيادة صفة، ثم زالت الصفة، ثم عادت الصفة والقيمة كما
لو علمه صنعة فنسيها ثم تذكرها لم يكن عليه ضمان بسبب الزيادة التالفة،
لانجبارها بالعود.
وقد قطع الأصحاب بأن العائد لو كان من نوع آخر لم يحصل الانجبار به. ولو
كان العائد من الوجه الذي حصل فيه الأول كما لو هزلت الجارية بعد السمن ثم
سمنت وعادت القيمة ففيه قولان.
السابعة عشرة: لا يملك المشتري ما يقبضه بالبيع الفاسد، لانتفاء الأسباب
المقتضية للملك. والمقطوع به في كلام الأصحاب أنه مضمون عليه، لعموم: على
653

اليد ما أخذت حتى تؤدي (1) وللقاعدة المشهورة أن ما كان مضمونا بصحيحه يضمن
بفاسده. والبيع لو صح انتقل ضمانه إلى المشتري بمعنى كون تلفه من ماله، فيكون في
فاسده كذلك. وفي التعليلين تأمل، وإن لم يثبت إجماع فيه كان للتأمل فيه مجال.
وهل يضمن أعلى القيم من حين القبض إلى يوم التلف إن لم يكن مثليا، أو
قيمة يوم التلف؟ فيه قولان.
ولو اشترى من غاصب عالما بالغصب، فقبضه فهو غاصب محض يطالب
بما يطالب به الغاصب البائع، ويتخير المالك بين مطالبته بالعين إن كانت باقية،
والعوض إن كانت تالفة ومطالبة ما جرت عليه يده من المنافع، وبين مطالبة
البائع الغاصب.
فإن طالب البائع رجع على المشتري بالعين أو البدل وما استوفاه من المنافع،
ولو استوفي قبل البيع شيئا من المنافع أو مضى زمان يمكن فيه استيفاء شيء منها،
أو حصل في يده نقصان مضمون عليه، كان الضمان عليه من غير رجوع على
المشتري، وإن رجع على المشتري فيما عليه ضمانه لم يكن للمشتري الرجوع
إلى البائع، لاستقرار الضمان عليه بسبب التلف أو ما في حكمه في يده. ولا يرجع
على البائع بالثمن إن كان تالفا، للأصل، وأنه قد سلطه عليه وأذن له في إتلافه،
ولأنه مع علمه بأنه لا يسلم له العوض في حكم المسلط عليه مجانا. واستند فيه
إلى الإجماع أيضا.
وإن كان الثمن باقيا ففي الرجوع به عليه قولان: أشهرهما عدم الرجوع، لأنه
بإعطائه إياه عالما بعدم عوض حقيقي في مقابلته في معنى هبته إياه.
وادعى في التذكرة الإجماع عليه (2) وللمحقق قول بجواز الرجوع (3) وقواه
الشهيد الثاني (4).

(1) عوالي اللآلي 2: 345، ح 10.
(2) التذكرة 1: 463 س 15.
(3) حكاه الشهيد الثاني في المسالك 12: 224 عن بعض رسائل المحقق، راجع الرسائل
التسع للمحقق: 306، المسألة الرابعة.
(4) المسالك 12: 224.
654

وإن كان المشتري جاهلا بالغصب، فإن كانت العين باقية في يده فللمالك أن
يأخذها منه، وإن تلفت يأخذ بدلها ولا يرجع إلى البائع، وله أخذ الثمن من البائع
إن كان باقيا وبدله إن كان تالفا، فإن كان عوض العين أزيد من الثمن ففي رجوعه
بالزيادة إلى البائع وجهان.
ولو رجع المالك إلى البائع يرجع هو إلى المشتري، وفي رجوعه إليه في القدر
الزائد من الثمن وجهان.
وذكر الأصحاب أن ما يغرمه المشتري مما لم يحصل له في مقابلته نفع -
كالنفقة والعمارة - فله الرجوع به على البائع، وكذا القول في أرش النقصان. وإن
حصل له في مقابلته نفع كالسكنى والثمرة واللبن والركوب إذا غرمه المالك ففي
رجوعه به على الغاصب قولان، أحدهما: العدم، وهو قول الشيخ في المبسوط
والخلاف (1) وابن إدريس (2) وثانيهما: الرجوع. وهو قول المحقق في النافع (3).
الثامنة عشرة: إذا غصب حبا فزرعه أو بيضا فاستفرخه فهل الزرع والفرخ
للغاصب أو المغصوب منه؟ فيه قولان للأصحاب.
ولو غصب عصيرا فصار خمرا ثم صار خلا، كان للمالك، ولو نقصت قيمة
الخل كان الأرش على الغاصب.
ولو غصب أرضا فزرع فيها أو غرس فالزرع والنماء للزارع عند أكثر الأصحاب،
وعليه اجرة الأرض وإزالة غرسه وطم الحفر وأرش نقصان الأرض إن حصل.
وعن ابن الجنيد: أنه يتخير المغصوب [منه] بين أن يدفع إلى الغاصب نفقته
على العين التي يجدها ويأخذها، وبين أن يتركها له (4). واستند في ذلك إلى رواية
رواها عن النبي (صلى الله عليه وآله): من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فله نفقته وليس له من

(1) المبسوط 3: 71، لم نعثر عليه في الخلاف، حكاه في المسالك 12: 227.
(2) السرائر 2: 493.
(3) المختصر النافع: 248 - 249.
(4) حكاه في المختلف 6: 131.
655

الزرع شيء (1) والرواية لم تثبت. وعلى المشهور لا يجب على الغاصب بذل
الغرس والزرع لو بذل المالك القيمة.
التاسعة عشرة: إذا نقل المغصوب إلى غير موضع الغصب لزم على الغاصب
إعادته إلى موضع الغصب إن أراد المالك، وإن أمكن إيصاله إلى مالكه بنحو آخر
تخير المالك، وللمالك أن يأمره برده إلى بعض المسافة التي نقله فيها، وليس
للغاصب مجاوزة مطلوب المالك.
ولو رضي المالك ببقائه دون المكان الأول ولم يرض بالمجاوزة لم يكن
للغاصب المجاوزة، فلو تجاوز كان للمالك إلزامه بالإعادة، ولو طلب المالك
الاجرة للنقل لم يجب على الغاصب الإجابة.
العشرون: إذا تلف المغصوب واختلفا في القيمة فقيل: القول قول المالك مع
يمينه، وهو أحد قولي الشيخ (2) ونسبه في الشرائع إلى الأكثر (3) وقيل: القول قول
الغاصب، وهو اختيار الشيخ في المبسوط والخلاف (4) وابن إدريس (5) والمحقق (6)
وأكثر المتأخرين، استنادا إلى أنه منكر وغارم، والأصل عدم الزيادة. ويدل على
الأول صحيحة أبي ولاد السابقة، فلا يبعد ترجيحه.
وقول الجماعة بتقديم قول الغاصب إنما هو على تقدير أن يدعي أمرا ممكنا
بحسب العادة ولو كان نادرا، أما إذا ادعى ما يعلم كذبه عادة فقيل: لا يقبل
ويطالب بجواب آخر محتمل فيقبل منه، وهلم جرا، وبه صرح في التحرير (7) وقواه
الشهيد الثاني (8). ويحتمل إلغاء قوله حين يدعي القيمة الكاذبة والرجوع إلى
المالك حينئذ.

(1) سنن أبي داود 3: 261، ح 3403.
(2) النهاية 2: 180.
(3) الشرائع 3: 249.
(4) المبسوط 3: 75، ولم نعثر عليه في الخلاف ونقله في المختلف 6: 128.
(5) السرائر 2: 490.
(6) الشرائع 3: 249.
(7) التحرير 2: 144 ص 8.
(8) المسالك 2: 294.
656

قالوا: إذا تلف وادعى المالك صفة يزيد بها الثمن كمعرفة الصنعة، فالقول قول
الغاصب مع يمينه، استشهادا بالأصل. وهو غير بعيد، لكن في عموم صحيحة أبي
ولاد نوع مخالفة له.
قالوا: ولو ادعى الغاصب عيبا كالعور وشبهه وأنكر المالك فالقول قوله مع
يمينه، لأن الأصل الصحة، وعندي الاستناد إلى هذه الاصول ضعيف، وربما يفرق
بين العيب الطارئ والخلقي.
وإذا باع الغاصب شيئا ثم انتقل إليه بسبب صحيح كالبيع والهبة والميراث
فقال للمشتري: بعتك ما لا أملك. وأقام بينة قيل: لا يسمع بينته، لأنه مكذب لها
بمباشرة البيع. وفيه: أن البيع لا يدل على الملكية، لجواز الفضولي، ولهذا قيل: إذا
اقتصر على لفظ البيع ولم يضم إليه من الألفاظ ما يتضمن ادعاء المالكية قبلت
وإلا ردت.
وإذا اختلفا في تلف المغصوب فالقول قول الغاصب مع يمينه.
657

كتاب القضاء
659

كتاب القضاء
والقضاء ولاية عامة بالنيابة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام) خصوصا أو عموما،
وله شروط وخواص وأحكام.
والنظر فيها في أطراف:
الطرف الأول
في القاضي
يشترط فيه البلوغ والعقل والإيمان، لا ريب فيه ولا خلاف، وكذا اشتراط
العدالة، والظاهر أنه لا خلاف في اشتراط طهارة المولد والذكورة.
واتفاق الأصحاب على اعتبار الشرائط المذكورة منقول في كلامهم.
ويعتبر فيه العلم بلا خلاف. وعن أبي عبد الله (عليه السلام): القضاة أربعة: ثلاثة في
النار، وواحد في الجنة: رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار، ورجل قضى
بجور وهو لا يعلم أنه قضى بالجور فهو في النار، ورجل قضى بالحق وهو لا يعلم
فهو في النار، ورجل قضى بالحق وهو يعلم فهو في الجنة (1).
ولا خلاف لمن يعتد بقوله بين الأصحاب في اعتبار كونه فقيها جامعا لشرائط
الإفتاء، والاتفاق عليه منقول في كلامهم.

(1) الوسائل 18: 11، الباب 4 من أبواب صفات القاضي، ح 6.
660

ويدل عليه مقبولة عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين من
أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث، فيتحاكمان إلى السلطان وإلى
القضاة، أيحل ذلك؟ فقال (عليه السلام): من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى
الطاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتا وإن كان حقه ثابتا، لأنه أخذه بحكم
الطاغوت، وقد أمر الله تعالى أن يكفر به. قال الله تعالى: (يريدون أن يتحاكموا
إلى الطاغوت وقد امروا أن يكفروا به) (1) قلت: فكيف يصنعان؟ قال: ينظران إلى
من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا
به حكما، فإني قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما
بحكم الله استخف وعلينا رد، والراد علينا الراد على الله، فهو على حد الشرك بالله.
قلت: فإن كان كل واحد منهما اختار رجلا وكلاهما اختلفا في حديثنا؟ قال: الحكم
ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما، ولا يلتفت إلى ما
يحكم به الآخر. قال: فقلت: فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا ليس يتفاضل
واحد منهما على صاحبه؟ قال: فقال: ينظر ما كان من روايتهما في ذلك الذي حكما
به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس
بمشهور عند أصحابك، فإن المجمع عليه لا ريب فيه، وإنما الامور ثلاثة: أمر بين
رشده فيتبع، وأمر بين غيه فيجتنب، وأمر مشكل يرد حكمه إلى الله عز وجل وإلى
الرسول (صلى الله عليه وآله) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حلال بين، وحرام بين، وشبهات بين ذلك، فمن
ترك الشبهات نجا من المحرمات، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات
وهلك من حيث لا يعلمه. قلت: فإن كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات
عنكم؟ قال: ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به،
ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة. قلت: جعلت فداك!
أرأيت إن المفتيين غبي عنهما معرفة حكمه من كتاب وسنة ووجدنا أحد الخبرين
موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم، بأي الخبرين نأخذ قال: بما خالف العامة فإن

(1) النساء: 60.
661

فيه الرشاد. قلت: جعلت فداك! فإن وافقهما الخبران جميعا؟ قال: ينظر
إلى ما هم إليه أميل حكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ الآخر. قلت: فإن وافق
حكامهم الخبرين جميعا؟ قال: إذا كان ذلك فأرجه حتى تلقى إمامك، فإن
الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات (1).
والمشهور اعتبار كونه مجتهدا مطلقا. وفي المسالك: لا يكفي اجتهاده في
بعض الأحكام دون بعض على القول بتجزي الاجتهاد، ولم ينقل فيه خلافا (2).
وهذا الكلام ظاهره الاتفاق.
ولا يبعد القول بالاكتفاء بالتجزي عند فقد المجتهد المطلق. ورواية أبي
خديجة «قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل
الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم، فإني
جعلته قاضيا» (3) مؤيدة لجواز الاكتفاء بالتجزي، لكن الرواية ضعيفة.
وكيف ما كان فمع تيسر المجتهد المطلق لا يكفي المتجزي، لما دل على
تقديم قول الأعلم، ومن ذلك: مقبولة عمر بن حنظلة المذكورة، ورواية داود بن
الحصين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجلين اتفقا على عدلين جعلاهما بينهما في
حكم وقع بينهما خلاف فرضيا بالعدلين، واختلف العدلان بينهما، عن قول أيهما
يمضي الحكم؟ فقال: ينظر إلى أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا وأورعهما، فينفذ
حكمه ولا يلتفت إلى الآخر (4). وقريب منه رواية موسى بن أكيل النميري (5).
وظن بعض المتأخرين أنه يستفاد من رواية عمر بن حنظلة المذكورة أن من
روى حديث أهل البيت (عليهم السلام) ونظر في حلالهم وحرامهم وعرفهما فهو حاكم وإن
لم يكن مجتهدا في الكل (6).

(1) التهذيب 6: 301، ح 845.
(2) المسالك 13: 328.
(3) الوسائل 18: 4، الباب 1 من أبواب صفات القاضي، ح 5.
(4) الوسائل 18: 80، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، ح 20.
(5) الوسائل 18: 88، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، ح 45.
(6) مجمع الفائدة والبرهان 12: 11.
662

وفيه نظر، لأن ظاهر قوله (عليه السلام): «وعرف أحكامنا» العموم، فلا يكفي معرفة
بعض الأحكام، ومعرفة الأحكام من الأحاديث يتوقف في بعض الأحيان على
العرض على القرآن، فلابد من معرفته، ويتوقف على معرفة مذاهب العامة
والخاصة والعلوم المعتبرة في الاجتهاد، فيقتضي الاجتهاد المطلق، وأما رواية أبي
خديجة «قال: بعثني أبو عبد الله (عليه السلام) إلى أصحابنا فقال: قل لهم: إياكم إذا وقعت
بينكم خصومة أو تدارى بينكم في شيء من الأخذ والعطاء أن تتحاكموا إلى أحد
من هؤلاء الفساق، اجعلوا بينكم رجلا ممن قد عرف حلالنا وحرامنا، فإني قد
جعلته قاضيا، وإياكم أن يتحاكم بعضكم بعضا إلى السلطان الجائر» (1) الحديث،
ففيه إجمال، وظاهره اعتبار معرفة القدر المعتد به من الأحكام.
وعلى ما ذكرنا لا يكفي في أهلية القضاء العلم بفتاوى العلماء، لا أعرف فيه
خلافا بينهم.
ويستفاد من خبر عمر بن حنظلة وأبي خديجة وغيرهما عدم جواز الترافع
إلى قضاة الجور، سواء كانوا مؤمنين أم لا. ويستفاد من الخبرين عدم جواز أخذ
شيء بحكمهم وإن كان له حقا، وهو في الدين ظاهر، وفي العين لا يخلو عن
إشكال، لكن مقتضى الخبرين التعميم.
وصاحب المسالك وغيره استثنى من الحكم بتخطئة المتحاكم إلى أهل الجور
ما لو توقف حصول حقه عليه، فيجوز. كما يجوز الاستعانة على تحصيل الحق بغير
القاضي قال: والنهي في هذه الأخبار وغيرها محمول على الترافع إليهم اختيارا
مع إمكان تحصيل الغرض بأهل الحق (2) قال: وقد صرح به في خبر أبي بصير، عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أيما رجل كان بينه وبين أخ له مماراة في حق فدعاه إلى
رجل من إخوانه ليحكم بينه وبينه فأبى إلا أن يرافعه إلى هؤلاء كان بمنزلة الذين

(1) الوسائل 18: 100، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، ح 6.
(2) المسالك 13: 335.
663

قال الله تعالى: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما انزل إليك وما انزل من
قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت) (1) الآية.
وفيه إشكال: لأن حكم الجائر بينهما فعل محرم، والترافع إليه يقتضي ذلك،
فيكون إعانة على الإثم، وهي منهي عنها.
ويعتبر في القاضي أن يكون ضابطا، فلو غلب عليه النسيان لم يجز نصبه.
وفي انعقاد قضاء الأعمى تردد، والأكثر على عدم الانعقاد، والأقرب
الانعقاد، لعموم الأدلة.
وفي اشتراط الحرية قولان، أشهرهما ذلك، ولعل الأقرب عدمه، لعموم
الأدلة. وهل يشترط علم القاضي بالكتابة؟ فيه تردد.
وهاهنا مسائل:
الاولى: يشترط في ثبوت الولاية إذن الإمام (عليه السلام) خصوصا أو عموما عند
حضوره بلا خلاف في ذلك عندنا، فلو استقضى أهل البلد قاضيا لم يثبت ولايته.
ومع عدم حضور الإمام ينفذ قضاء الفقيه الجامع لشرائط الفتوى، وله الإذن من
الإمام كما مر.
والمشهور بين الأصحاب جواز التحكيم، وهو: أن يحكم الخصمان واحدا
من الناس جامعا لشرائط الحكم سوى نص من له التولية، بل لم يذكروا فيه خلافا
فيما أعلم، استنادا إلى ما روي من طريق العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله): من حكم بين
اثنين تراضيا به فلم يعدل فعليه لعنة الله (2). وقد وقع في زمن الصحابة ولم ينكر
أحد منهم ذلك.
وظاهر الأصحاب ثبوت هذا الحكم في جميع ما يقع فيه التداعي من المال

(1) المسالك 13: 335 - 336.
(2) تلخيص الحبير 4: 185، ذيل الحديث 2084.
664

والنكاح والقصاص والحد وغيرها، لعموم الخبر. واستشكل العلامة ثبوته في
الحبس واستيفاء العقوبة (1).
قالوا: محل اعتبار رضى الخصمين بحكمه قبل تمام الحكم، فمتى رجع قبله
رد، حتى لو أقام المدعي شاهدين فقال المدعى عليه: «عزلتك» لم يكن له أن
يحكم. ولو تم الحكم قبل الرجوع لزمهما حكمه على المشهور.
وذكر الشهيد الثاني وغيره: أن قاضي التحكيم لا يتصور في حال الغيبة
مطلقا، لأنه إن كان مجتهدا نفذ حكمه بغير تحكيم، وإلا لم ينفذ حكمه مطلقا. ونقل
الإجماع على الحكمين، قال: والاجتهاد شرط في القاضي في جميع الأزمان
والأحوال وهو موضع وفاق (2).
الثانية: تولي القضاء مستحب لمن يثق من نفسه بالقيام بالشرائط المعتبرة فيه،
وهو من الواجبات الكفائية، وقد يتعين وجوبه عند الأمر من الإمام (عليه السلام) أو
الانحصار فيه.
الثالثة: مصرف بيت المال مصالح المسلمين، ومن جملتها: القاضي، لقيامه
بالامور النافعة في نظام النوع كأخذ حق المظلوم والأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، فيجوز له أخذ الرزق عليه إذا لم يكن متعينا عليه، سواء كان له كفاية من
ماله أم لا، لكن قال غير واحد من الأصحاب: إنه يكره له الأخذ مع الكفاية (3). وإن
تعين عليه ففي جواز أخذه منه قولان، أشهرهما المنع.
ولا أعرف خلافا بين الأصحاب في أنه لا يجوز له أخذها من المتخاصمين
مع وجود الكفاية من بيت المال، ومع وجود الحاجة إليه ففي جواز أخذه منهما أو
من أحدهما قولان، أشهرهما المنع.
وذكر الأصحاب: أنه يجوز الأخذ من بيت المال للمؤذن، والقاسم، وكاتب

(1) القواعد 3: 421.
(2) انظر المسالك 13: 332 - 335.
(3) المسالك 13: 348.
665

القاضي، والمترجم، وصاحب الديوان، ووالي بيت المال، ومن يكيل للناس
ويزن. وهو حسن، ولا ينحصر فيه، بل ذكروا أيضا: معلم القرآن، والآداب
الحكمية، والفنون الشرعية، والعلوم الأدبية من النحو واللغة وشبههما، وأئمة
الصلوات، والعدول المرضية للشهادات وغير ذلك. ولا يجوز أخذ الاجرة على
إقامة الشهادة.
الرابعة: يثبت ولاية القاضي بشهادة العدلين، والظاهر أنه لا خلاف فيه، وكذا
يثبت بالاستفاضة إن اعتبرنا فيها حصول العلم العادي كما هو أحد الأقوال، وإن
اكتفينا بالظن الغالب المتقارب للعلم كما هو أحد الأقوال في المسألة، أو مطلق
الظن كما هو قول فيها، ففي الاكتفاء بها إشكال.
وذكر بعضهم: أنه يثبت بالاستفاضة النسب، والملك المطلق، والموت،
والنكاح، والوقف، والعتق (1). ومنهم من زاد ومنهم من نقص، وعلى اعتبار العلم
في الاستفاضة يثبت بها كل حق إلا ما استثني، ولا ينحصر فيها. وإن لم يعتبر إفادة
العلم فيها ففي الحكم إشكال، لفقد النص وضعف الاعتبارات العقلية التي ذكرت
مستندة للحكم.
الطرف الثاني
في آداب القاضي
ذكر في كتبهم آداب كثيرة للقاضي لم أطلع على نصوص لها بخصوصها.
فمنها: أن يسأل قبل دخوله إلى البلد أو حين وصوله إليه عن حال من فيه من
العلماء والعدول، ليكون عارفا بمن يعتمد عليه ويسكن إلى قوله، ومن يستحق
التعظيم والإقبال إليه.

(1) الشرائع 4: 70.
666

قيل: ويستحب أن يكون الدخول يوم الاثنين تأسيا بالنبي (صلى الله عليه وآله) إذ دخل
المدينة فيه (1).
ومنها: أن ينزل في وسط البلد، ليعتدل نسبة أهل البلد إليه بقدر الإمكان.
ومنها: إعلام أهل البلد بقدومه إن احتاج إليه على وجه يقتضيه المصلحة
والعرف. وإن احتاج إلى النداء فعل.
ومنها: أن يجلس للقضاء في موضع بارز للناس مثل رحبة أو فضاء ليسهل
الوصول إليه عن من أراده، ولا يجلس في بيت يهابه الناس.
ومنها: أن يتسلم ديوان الحكم، وهو: ما كان عند الحاكم قبله من المحاضر،
والسجلات، وحجج الأيتام والغيب والأوقاف، وحجج الناس المودعة في
الديوان ليتوصل بذلك إلى تفاصيل أحوال الناس ومعرفة حقوقهم وحوائجهم.
ومنها: أنه إن اتفق حكمه في المسجد على وجه لا يكون مكروها فليبدأ عند
دخوله بصلاة تحية المسجد.
ومنها: أن يجلس مستدبر القبلة ليكون وجوه الخصوم إذا وقفوا بين يديه
إليها، خصوصا في وقت استحلافهم، فيكون مراعاة الاستقبال من جانبهم أهم،
وهذا اختيار الأكثر. وقيل: يكون متوجها إلى القبلة، وهو مذهب الشيخ في أحد
قوليه وابن البراج (2) لما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): خير المجالس ما استقبل به القبلة (3).
قالوا: إذا تفرغ القاضي من مهماته وأراد القضاء استحب أن يبتدأ أولا بالنظر
في حال المحبوسين وأنهم هل يستحقون الإطلاق أو البقاء على الحبس، ويأمر
قبل أن يجلس للنظر في امورهم مناديا ينادي على حسب الحاجة: ألا إن القاضي
ينظر في امور المحبوسين يوم كذا، فمن له محبوس فليحضر. ويبعث إلى المحبس
من يثق به واحدا أو اثنين على حسب ما يراه ليكتب اسم كل محبوس وما حبس

(1) حكاه في المسالك 13: 366.
(2) المبسوط 8: 90، المهذب 2: 595.
(3) تلخيص الحبير 2: 261، ح 1059.
667

به ومن حبس له في رقعة منفردة، وأحضر تلك الرقاع عنده في اليوم الذي جلس
لهذا الأمر وأخذ واحدة واحدة ونظر في الاسم المثبت فيها وأحضره مع خصمه
وينظر في أمرهما ويحاكم بينهما، ويحكم بالإطلاق أو الحبس، وهكذا في كل
رقعة رقعة.
ولو أحضر محبوسا فقال: لا خصم لي، فإنه ينادي في البلد، فإن لم يحضر له
خصم أطلقه. وقيل: يحلفه مع ذلك (1).
ثم ينظر في حال الأوصياء، فإذا حضر من يزعم أنه وصي نظر أولا في صحة
وصايته، فإن ثبت قرره إلى أن يطرأ ما يزيلها من فسق وغيره فينتزع المال منه،
وإن كان المال كثيرا لا يمكنه القيام بحفظه والتصرف فيه ضم إليه مشاركا يعينه، ثم
ينظر في تصرفه في المال هل كان على وجه الصواب أم لا ويحكم بمقتضاه.
ثم ينظر في حال امناء الحاكم المنصوبين لحفظ أموال اليتامى والغيب ولتفرقة
الوصايا حيث لا وصي لها، ومن وضع عنده وديعة أو مال محجور عليه، فمن تغير
حاله بطريان فسق استبدل به، وبضعف استبدل به أو ضم إليه مشاركا يعينه.
ثم ينظر في الضوال واللقطة، فيبيع ما يخشى تلفه وما يستوعب نفقته ثمنه،
وما عرفه الملتقط حولا يسلمه إن كان شيء من ذلك في يد امناء الحاكم،
ويستبقي ما عدا ذلك محفوظا على أربابها ليدفع إليهم عند الحضور.
ويحضر من أهل العلم والاجتهاد من يشهد حكمه ليفاوضه ويشاوره وينبهه
على خطئه إن كان، ويخاوضه ويناظره فيما استبهم من المسائل النظرية.
وإذا أخطأ القاضي في الحكم في شيء من المسائل الاجتهادية فتلف مال أو
نفس بسبب حكمه بعد بذل الجهد في استكشاف الحق، فإن أمكن الأخذ من
المتلف لم يبعد أن يقال: لزم ذلك، وإلا كان على بيت مال المسلمين، لأنه لمصالح
المسلمين، وهو مروي عن الأصبغ بن نباته أنه قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) أن ما

(1) المبسوط 8: 94 - 95.
668

أخطأت القضاة في دم أو قطع فهو في بيت مال المسلمين (1).
وإذا تعدى أحد الغريمين سنن الشرع علمه خطأه واقتصر عليه أولا، فإن لم
ينته فعل الزجر والتأديب مدرجا بحسب ما يقتضيه المصلحة الشرعية.
ومن المكروهات: أن يتخذ حاجبا، لما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): من ولى شيئا من
امور الناس واحتجب دون حاجتهم وفاقتهم احتجب الله دون حاجته وفاقته (2).
ونقل الشيخ فخر الدين عن بعض الفقهاء القول بالتحريم، عملا بظاهر
الحديث، وقربه مع اتخاذه على الدوام بحيث يمنع أرباب الحوائج ويضر بهم (3).
واستحسنه بعض الأصحاب (4) وهو حسن. وإنما الكراهة عند عدم العلم بكون ذلك
يوجب استمرار الظلم وتفويت بعض الحقوق وتأخير رد الحق إلى مستحقه. ونفى
الشهيد الثاني الكراهة لغير القاضي (5). وبعض عباراتهم يدل على اختصاص
الكراهة بحال القضاء.
واختلف الأصحاب في القضاء في المسجد، فذهب الأكثر منهم: المحقق في
موضع من الشرائع إلى الكراهة مطلقا (6).
وذهب جماعة منهم: الشيخان في النهاية والمقنعة وأتباعهما وابن إدريس
إلى الاستحباب مطلقا (7).
وفي المبسوط: الأولى جوازه (8). وفي المختلف: لا يكره (9). وذهب المحقق
في موضع من الشرائع والعلامة في أحد قوليه والشهيد في أحد قوليه إلى كراهة

(1) الوسائل 18: 165، الباب 10 من أبواب آداب القاضي، ح 1.
(2) سنن أبي داود 3: 135، ح 2948.
(3) الإيضاح 4: 310.
(4 و 5) المسالك 13: 377.
(6) الشرائع 1: 128.
(7) النهاية 2: 69، المقنعة: 722، الكافي في الفقه: 444، المراسم: 230، السرائر 1: 279.
(8) المبسوط 8: 87.
(9) لم نعثر عليه في المختلف ولكن نقل هذا القول عن الشيخ في الخلاف الشهيد الثاني في
المسالك 13: 378.
669

الدائم منه دون المتفرق (1).
وقال بعضهم: لا يكره مطلقا، بل إنما يكره إنفاذ الأحكام مثل الحدود
والتعزيرات وغيرهما (2).
حجة الأول الأخبار الكثيرة الدالة على أن المسجد إنما بني لذكر الله تعالى (3).
وما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): جنبوا المساجد صبيانكم، ومجانينكم، وخصوماتكم،
ورفع أصواتكم (4). مضافا إلى بعض الاعتبارات.
وحجة الثاني: أن المسجد أشرف البقاع، والقضاء من أفضل الأعمال، ولا
ينافيه وضع المسجد لذكر الله، لأن القضاء من جملته، لأن الذكر أعم من القولي.
وللتأمل فيه مجال.
وحجة القول الرابع الجمع بين ما ذكر وما روي أن عليا (عليه السلام) كان يقضي
بمسجد الكوفة (5) ودكة قضائه معروفة إلى الآن، وهذه حجة من نفى الكراهة
مطلقا. وهي غير دالة عليه، لعدم استفادة الدوام منها.
فالقول الرابع غير بعيد.
ويكره أن يقضي وهو غضبان، للرواية (6) وخص بعضهم الغضب بما إذا لم يكن لله (7).
وفي بعض الروايات عن النبي (صلى الله عليه وآله): لا يقضي إلا وهو شبعان ريان (8). وفي حديث
آخر: لا يقضي وهو غضبان مهموم ولا مصاب محزون (9). وفي وصية علي (عليه السلام)
لشريح: ولا تقعدن في مجلس القضاء حتى تطعم (10).

(1) الشرائع 4: 74، القواعد 3: 428، الدروس 2: 73.
(2) حكاه عن المحقق الثاني صاحب مجمع الفائدة والبرهان 12: 48.
(3) مسند أحمد 5: 361، صحيح مسلم 1: 397، سنن ابن ماجة 1: 252، وفيها نحوه.
(4) سنن البيهقي 10: 103.
(5) المناقب لابن شهرآشوب 2: 359.
(6) الوسائل 18: 156، الباب 2 من أبواب آداب القاضي، ح 1.
(7) حكاه في المسالك 13: 380.
(8) تلخيص الحبير 4: 189، ح 2090.
(9) لم نعثر على هذه الرواية، نقلها الشهيد الثاني في المسالك 13: 380.
(10) الوسائل 18: 155، الباب 1 من أبواب آداب القاضي، ح 1.
670

ومن هذه الأخبار وما يماثلها فهموا كون المقصود تمكنه من استيفاء الفكر
واعتدال الطبع على وجه لا يحصل للنفس اضطراب وتشويش، فحكموا بتعدي
الحكم إلى كل أمر يوجب تغير الخلق وتشويش الفكر من الجوع، والشبع،
والعطش، والمرض، والهم، والغم، والخوف المزعج، والحزن والفرح الشديدين،
وغلبة النعاس، والملال، ومدافعة الأخبثين ونحو ذلك.
ولو قضى والحال هذه نفذ حكمه إذا كان حقا.
وقد عد من المكروهات أن يتولى البيع والشراء لنفسه، لما روي عن
النبي (صلى الله عليه وآله): ما عدل وال اتجر في رعيته أبدا (1). وفي معناهما الإجارة والاستئجار
وسائر المعاملات.
وعد منها: تولية الحكومة لنفسه، وهو أن يقف مع خصمه - لو حصل له منازع
في الحكومة - عند قاض آخر غيره، بل يوكل من يخاصم عنه، لبعض الروايات (2)
والتأسي بأمير المؤمنين (عليه السلام) حيث وكل عقيلا في خصومة (3) مضافا إلى أن ذلك لا
يناسب ذا المروات.
وعد منها: استعمال الانقباض المانع من اللحن بالحجة واللين الذي لا يؤمن
معه جرأة الخصوم. وتعيين قوم للشهادة، وقيل بالتحريم (4).
ومنها: ضيافة أحد الخصمين دون الآخر، لرواية السكوني (5).
وعد منها: الشفاعة في إسقاط أو إبطال وتوجه الخطاب إلى أحدهما دون الآخر.
مسائل:
الاولى: المعروف من مذهب الأصحاب أن الإمام يحكم بعلمه مطلقا، لعصمته
المانعة من تطرق التهمة، وعلمه الكامل. وفي الإيضاح صرح بدعوى اتفاق

(1) المطالب العالية لابن حجر 2: 234، ح 2107.
(2) انظر الوسائل 18: 194، الباب 14 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى، ح 6.
(3) المغني لابن قدامة 5: 205.
(4) حكاه في المسالك 13: 383.
(5) الوسائل 18: 157، الباب 3 من أبواب آداب القاضي، ح 2.
671

الإمامية على أن الإمام يحكم بعلمه (1).
واختلفوا في غيره من الحكام، فالأشهر أنه يحكم بعلمه أيضا مطلقا. وقال
ابن إدريس: يجوز حكمه في حقوق الناس دون حقوق الله (2). ونقل في المسالك
عن ابن الجنيد في كتابه الأحمدي عكس ذلك، حيث نقل عنه: ويحكم الحاكم في
ما كان من حدود الله عز وجل بعلمه ولا يحكم فيما كان من حقوق الناس إلا
بالإقرار أو البينة فيكون بما علمه من حقوق الناس شاهدا عند من فوقه كشهادة
الرجل الواحد، سواء كان ما علمه من ذلك كله في حال ولايته أو قبلها. ويظهر من
كلام المرتضى أن ابن الجنيد لا يرى قضاء الحاكم بعلمه مطلقا، سواء في ذلك
الإمام وغيره.
ونقل الأصحاب عنه أن الحاكم لا يحكم بعلمه في شيء من الحقوق
والحدود (3).
حجة الأول عموم الأدلة الدالة على الحكم مع وجود الوصف المعلق عليه،
كقوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) (4) (الزانية والزاني فاجلدوا
كل واحد منهما مائة جلدة) (5) والخطاب للحكام، وهذا لا يجري في الحقوق.
واستند في التعميم إلى دعوى الأولوية، وفيه منع.
ويمكن التمسك فيه بأنه إذا وجب على أحد المتخاصمين إيفاء حق صاحبه
وعلم الحاكم ذلك لزمه الإجبار على ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، لكن يشكل الحكم فيما لو جهل المدعى عليه بالحق، والاستناد إلى أن
العلم أقوى من الشاهدين اللذين لا يفيد قولهما عند الحاكم إلا مجرد الظن إن كان،
فيكون القضاء بالعلم ثابتا بطريق أولى، وفيه نظر.

(1) الإيضاح 4: 312.
(2) لم نعثر عليه صريحا في السرائر، حكاه في المسالك 13: 283، انظر السرائر 2: 179.
(3) المسالك 13: 374.
(4) المائدة: 38.
(5) النور: 2.
672

حجة المانع مطلقا رواية عامية مع بعض الاعتبارات العقلية، ويشكل
التعويل عليها.
وحجة المانع في حقوقه تعالى أنها مبنية على الرخصة والمسامحة، فلا
يناسبها الحكم بالعلم. وفيه نظر.
ولم ينقل عن ابن الجنيد حجة على ما ادعاه. فظهر أن القول الأول أرجح
الأقوال، وعليه إشكال في صورة واحدة كما ذكرنا.
والمانع من القضاء بالعلم استثنى صورا، منها: تزكية الشهود وجرحهم.
ومنها: الإقرار في مجلس القضاء وإن لم يسمعه غيره، وقيل: يستثنى إقرار
الخصم مطلقا (1).
ومنها: العلم بخطأ الشهود يقينا أو كذبهم.
ومنها: تعزير من ساء أدبه في مجلسه وإن لم يعلم غيره.
ومنها: أن يشهد معه آخر، فإنه لا يقصر عن شاهد.
الثانية: إذا أقام المدعي بينة ولم يعرف الحاكم عدالتهما فالتمس المدعي
حبس المنكر ليعدلهما فالأشهر عدم جواز حبسه، لأنه لم يثبت الحق المجوز
لعقوبة الغريم بالحبس، ففي حبسه تعجيل عقوبة لم يثبت موجبها، بناء على أن
شرط قبول البينة العدالة ولم يثبت.
وذهب الشيخ في المبسوط إلى جواز حبسه، بناء على أن المدعي قد أقام
البينة، والذي بقي ما على الحاكم من معرفة العدالة، والأصل العدالة إلى أن يظهر
غيرها (2) وهذا الخلاف مبني على الخلاف في أن العدالة هل هي شرط، أو الفسق
مانع؟ فالمشهور الأول، والشيخ وجماعة من الأصحاب على الثاني (3).
الثالثة: إذا احتاج القاضي إلى مترجم فالمعروف من مذهب الأصحاب أن

(1) حكاه في المسالك 13: 386.
(2) المبسوط 8: 93 - 94.
(3) انظر الخلاف 6: 217، المسألة 10.
673

المترجم اعتبر فيه العدالة، وهل يكفي الواحد أم لابد من اثنين؟ فيه وجهان،
أحوطهما الثاني.
الرابعة: إذا شهد عند الحاكم شهود فإن عرف فسقهم رد شهادتهم، لا أعرف
خلافا فيه، وإن عرف عدالتهم قبل شهادتهم بلا خلاف في ذلك أيضا، وإن لم
يعرف حالهم من العدالة أو الفسق فإن لم يعرف إسلامهم أيضا فلابد من البحث حتى
يظهر ذلك، ولا أعرف فيه أيضا خلافا، وإن عرف ذلك فللأصحاب فيه خلاف.
والمشهور بين المتأخرين من الأصحاب أنه لابد في الحكم بالعدالة من
البحث والتفتيش عن حال الشاهد حتى يحصل الظن بعدالته، أو يكون له مزك.
وجوز بعض الأصحاب التعويل في العدالة على حسن الظاهر. وقال ابن
الجنيد: كل المسلمين على العدالة إلى أن يظهر خلافها (1).
وذهب الشيخ في الخلاف والمفيد في كتاب الإشراف إلى أنه يكفي في قبول
الشهادة ظاهر الإسلام مع عدم ظهور ما يقدح في العدالة (2). ومال إليه الشيخ في
المبسوط (3) وهو ظاهر الاستبصار (4). بل ادعى في الخلاف الإجماع والأخبار،
وقال: البحث عن عدالة الشهود ما كان في أيام النبي (صلى الله عليه وآله) ولا أيام الصحابة ولا
أيام التابعين، وإنما هو شيء أحدثه شريك بن عبد الله القاضي، ولو كان شرطا لما
أجمع أهل الأمصار على تركه (5).
قال الشهيد الثاني - بعد نقل القولين ونسبة القول الثاني إلى الجماعة المذكورة -:
وباقي المتقدمين لم يصرحوا في عباراتهم بأحد الأمرين، بل كلامهم محتمل
لهما (6). والأقرب عندي القول الأخير، والحجة عليه مع حجة من خالف. وتمام
تحقيق الكلام فيما يتعلق بالعدالة ذكرناها في كتاب شرح إرشاد الأذهان من أراد
فليراجع إليه.

(1) لم نعثر عليه صريحا، انظر المختلف 8: 483.
(2) الخلاف 6: 217، المسألة 10، لم نعثر عليه في كتاب الإشراف، وجدناه في المقنعة: 730.
(3) المبسوط 8: 104 - 105.
(4) الاستبصار 3: 13 - 14، ذيل الحديث 35.
(5) الخلاف 6: 218، ذيل المسألة 10.
(6) المسالك 13: 400.
674

ولو حكم بالظاهر ثم تبين كونهما فاسقين حال الحكم نقض حكمه.
وهل يعتبر في قبول شهادة المزكي والجارح بيان السبب، أم يكفي الإطلاق؟
فالمشهور بين الأصحاب أن التعديل يكفي فيه الإطلاق من غير حاجة إلى بيان
السبب، والجرح لابد فيه من بيان سببه. وقيل: لابد من بيان السبب فيهما وهو
اختيار ابن الجنيد (1).
وقيل: يكفي الإطلاق فيهما (2). وللعلامة قول بوجوب ذكر سبب التعديل دون
الجرح عكس المشهور (3). وقول آخر وهو: أن المزكي والجارح إن كانا عالمين
بأسبابهما كفى الإطلاق فيهما، وإلا وجب ذكر السبب فيهما (4).
وعلى المشهور من الاكتفاء بالإطلاق في التعديل ففي القدر المعتبر من عبارة
التعديل وجوه:
منها: أن يقول: هو عدل. وهو اختيار الشيخ في المبسوط (5).
ومنها: أن يضيف إلى ذلك: «علي ولي» وهو قول ابن الجنيد (6).
ومنها: اعتبار ضميمة أحد الأمرين إلى قوله: عدل، وهو إما لي وعلي، أو
مقبول الشهادة، وهو منقول عن المتأخرين (7). ولعل الأقرب الأول.
ولو شهد شاهدان بتعديل شخص معين وآخران بجرحه فالأقرب أنه إن لم
يتكاذبا وأمكن الجمع بينهما، بأن يشهد المزكيان بعدالته مطلقا، أو مفصلا من غير
ضبط وقت معين، وشهد الجارحان بأنه فعل كبيرة في وقت معين، عمل بمقتضى
الجرح، لحصول الجمع بين الشهادتين من غير تعارض بينهما بحسب الحقيقة. وإن
لم يمكن الجمع بينهما، بأن شهد المعدل بأنه كان في ذلك الوقت الذي شهد الجارح

(1) حكاه في المختلف 8: 420.
(2) حكاه في المسالك 13: 407.
(3) المختلف 8: 423.
(4) نهاية الاصول: الورقة 149، الصفحة الثانية س 18 (مخطوط).
(5) المبسوط 8: 110.
(6) حكاه في المختلف 8: 425.
(7) التحرير 2: 184 س 16، الدروس 2: 80.
675

بفعل المعصية فيه في غير ذلك المكان الذي عينه للمعصية، أو كان مشتغلا بفعل
يضاد ما اسند إليه الجارح، فالوجه التوقف.
ويمكن الجمع بين الشهادتين مع ترجيح التزكية، كأن قال المعدل: صح
السبب الذي ذكره الجارح، لكن صح عندي توبته ورجوعه عنه. وقال الشيخ في
الخلاف بوقف الحكم، للتعارض مع عدم المرجح (1). وهو لا يتم على الإطلاق،
وإنما يتم في صورة عدم إمكان الجمع كما عرفت.
الخامسة: إذا ارتاب القاضي بالشهود أو احتمل غلطهم لاضطراب وجده في
عقولهم، فينبغي أن يفرقهم ويسأل عن كل واحد واحد منهم عن خصوصيات
القضية بحسب الزمان عاما وشهرا ويوما وغدوة وعشية، وبحسب المكان، وعن
الوحدة والاجتماع وسائر الخصوصيات ليستدل بتفرق كلمتهم واجتماعها على
صدقهم وكذبهم، ويقال: إن أول من فرق الشهود دانيال (عليه السلام) شهد عنده شهود بالزنا
على امرأة ففرقهم وسألهم، فعرف كذبهم من اختلافهم (2). وكذلك فعل داود (3)
ونحوه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (4).
السادسة: لا يجوز الشهادة بالجرح بحسب الظن، ونقل بعضهم الإجماع على
ذلك، بل لابد من العلم بالسبب إما بالمشاهدة أو إخبار جماعة حصل له العلم
بذلك. وإن لم يبلغ حد العلم لكنه استفاض وانتشر حتى قارب العلم ففي جواز
الجرح به وجهان: من أنه ظن منهي عنه، ومن أن ذلك ربما كان أقوى من البينة
المدعية للمعاينة. وظاهر الأكثر اشتراط بلوغ العلم، وهو أوجه.
وأما الجرح بأخبار الآحاد التي لم تبلغ تلك الدرجة فالظاهر أنه لا خلاف
في عدم جوازه، ودعوى الإجماع عليه مذكور في كلامهم (5).
السابعة: إذا ثبت عدالة إنسان فالمشهور العمل بمقتضاها إلى أن يثبت خلافها

(1) الخلاف 6: 219، المسألة 12.
(2) الوسائل 18: 203، الباب 19 من أبواب كيفية الحكم، ذيل الحديث 1.
(3) الوسائل 18: 204، الباب 20 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(4) رواه في المغني لابن قدامة 11: 453.
(5) المسالك 13: 414.
676

من غير بحث جديد، وقيل: يجب البحث إذا مضت مدة يمكن تغير الحال فيها (1).
ونقل الشيخ عن بعضهم تحديد المدة بستة أشهر، وجعل الرجوع إلى ما يراه
الحاكم أحوط (2).
الثامنة: يكره للحاكم أن يعنت الشهود يعني يدخل عليهم المشقة ويكلفهم ما
يثقل عليهم، من التفريق والمبالغة في مشخصات القضية إذا كانوا من ذوي البصائر
والأديان القوية.
ولا يجوز للحاكم أن يتعتع الشاهد، وهو أن يداخله في التلفظ بالشهادة، بأن
يدخل في أثناء نطقه بها كلاما يجعله ذريعة إلى أن ينطق بما أدخله الحاكم، ويعدل
عما كان يريده الشاهد هداية له إلى شيء ينفع فيصح شهادته، أو يضر فيرد
شهادته، أو يتعقبه عند فراغه بكلام ليجعله تتمة لشهادته، بحيث يصير به الشهادة
مسموعة أو مردودة، بل الواجب أن يصبر عليه حتى ينهي ما عنده، ثم ينظر فيه
ويحكم بمقتضاه من قبول أو رد.
وإذا تردد الشاهد في شهادته لم يجز له ترغيبه في إقامته، لجواز عروض أمر
يوجب التردد. ولا يجوز له تزهيده في الإقامة، ولا أن يردده فيها. ولا يجوز له
إيقاف غرم الغريم عن الإقرار، لأنه ظلم لغريمه، ويجوز ذلك في حقوق الله تعالى
كما ينبه عليه قضية ماعز (3).
التاسعة: لا أعرف خلافا بين المسلمين في تحريم الرشوة على القاضي
والعامل، لما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: لعن الله الراشي والمرتشي (4).
وعن الصادق (عليه السلام): الرشا في الحكم هو الكفر بالله العظيم (5).
وأما الهدية فقد ذكر الشيخ في المبسوط تفصيلا ملخصه: أنه إن كان للمهدي

(1) حكاه في الشرائع 4: 77.
(2) المبسوط 8: 112.
(3) سنن أبي داود 4: 146، ح 4422.
(4) عوالي اللئالي 1: 266، ح 60.
(5) الوسائل 18: 162، الباب 8 من أبواب آداب القاضي، ح 3.
677

خصومة في الحال حرم قبول هديته، لأنه يدعو إلى الميل، وينكسر به قلب
خصمه، وإن لم يكن له خصومة، فإن لم يعهد منه الهدية قبل تولي القضاء حرم
قبول هديته في محل ولايته، لأن هذه هدية سببها العمل ظاهرا. وقد روي
أنه (صلى الله عليه وآله) قال: «هدايا العمال غلول» وفي رواية: «هدية العامل سحت». وروى أبو
حميد الساعدي، قال: استعمل النبي (صلى الله عليه وآله) رجلا من الأسد يقال له: اللتيبة على
الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا اهدي لي، فقام النبي (صلى الله عليه وآله) على المنبر فقال:
ما بال العامل نبعثه على أعمالنا يقول: هذا لكم وهذا اهدي لي، فهلا جلس في
قعب بيته أو في بيت امه ينظر أيهدى له أم لا، والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد
منها شيئا إلا جاء يوم القيامة يحمل على رقبته الحديث. ولا ينافي ذلك قول
النبي (صلى الله عليه وآله): «لو اهدي إلي كراع لقبلته» لأنه معصوم عن تغيير حكم بهدية، بخلاف
غيره. ولو كانت الهدية في غير حال حكومة ممن جرت عادته بذلك قبل تولي
القضاء، كالقريب والصديق الملاطف، فإن أحس أنه يقدمها لحكومة بين يديه
فكذلك وإلا حلت على كراهية. هذا خلاصة ما نقل من المبسوط (1).
واستحسنه الشهيد الثاني (2). والحجة على هذه التفاصيل غير واضحة عندي،
والاستناد إلى الأخبار التي نقلها لا يخلو عن إشكال، لأن الظاهر كونها أخبارا
عامية، والقدر الثابت أن الرشوة حرام والهدية جائزة.
فلابد من تحقيق الفرق بينهما، فذكر بعضهم أن الرشوة هي التي يشترط بأدائها
الحكم بغير الحق والامتناع من الحكم بالحق (3). ويناسب هذا ما ذكره المحقق من
اختصاص تحريمها لطلب التوصل إلى الحكم بالباطل دون الحق (4).
ونقل عن جماعة تحريمها على التقديرين، خصوصا في جانب المرتشي (5)

(1) المبسوط 8: 151، وفيه زيادة: وفي بعضها: أبو الأبنية. وفي الحاوي الكبير 16: 28، ابن اللتيبة
(2) المسالك 13: 419 - 420.
(3) حكاه في المسالك 13: 421.
(4) الشرائع 4: 78.
(5) نقله في المسالك 13: 421.
678

والأقرب أنها محرمة على المرتشي مطلقا، وعلى الراشي أيضا كذلك إلا في
صورة واحدة، وهي: أن يكون محقا ولا يمكن وصوله إلى حقه بدونها، ففي هذه
الصورة ذهب جماعة من الأصحاب إلى عدم التحريم بالنسبة إلى الراشي (1).
ونقل في المختلف عن أبي الصلاح المنع من التوصل بحكم مخالف الحق إلى
الحق إذا كان الغريمان من أهل الحق، فإن كان أحدهما مخالفا جاز (2).
ومنع العلامة ذلك مستندا إلى أن للإنسان أن يأخذ حقه كيف أمكن (3). وفيه
إشكال، لعموم النصوص الدالة على المنع من الترافع إلى المخالفين، ولأن ذلك
يوجب الإعانة على الحرام كما مر.
والظاهر أن الحاكم إذا لم يكن مخالفا ولم يكن أهلا للحكم كان حكمه
كذلك، فالحكم بالجواز بالنسبة إلى الراشي إذا كان التوصل إلى الحق متعذرا
بدونه مشكل.
والأظهر في الفرق بين الرشوة والهدية أن دفع المال إلى القاضي ونحوه من
العمال إن كان الغرض منه التودد أو التوسل بحاجة من العلم ونحوه فهو هدية، وإن
كان الغرض منه التوسل إلى القضاء والعمل فهو رشوة.
والفرق بينها وبين أخذ الجعل من المتحاكمين أو أحدهما - على القول بجواز
ذلك - أن الغرض من الرشوة الحكم لباذلها على التعيين دون الجعل عند من
يجوزه على بعض الوجوه.
والمصرح به في كلام الأصحاب وجوب الإعادة على المرتشي، وأنه لابد
من دفعه فوريا مع وجود العين، ومع التلف عوضها مثلا أو قيمة، سواء كان بتفريطه
أم لا (4) وفيه خلاف لبعض العامة، حيث ذهب إلى أنه يملكها وإن فعل حراما،

(1) منهم الشهيد في المسالك 13: 421، وذكره عن جماعة.
(2) المختلف 8: 402.
(3) المختلف 8: 402.
(4) راجع الشرائع 4: 78، المسالك 13: 423.
679

لوجود التمليك والقبول. وآخرون منهم ذهبوا إلى أنه يضعها في بيت المال.
العاشرة: من أتى القاضي مستعديا على خصمه ليحضره، فخصمه إن كان في
البلد وكان ظاهرا يمكن إحضاره فالمعروف من مذهب الأصحاب أنه وجب
إحضاره مطلقا، وأسنده في المسالك إلى علمائنا وأكثر العامة (1) والأحوط أن لا
يحكم بإحضاره قبل تحرير الدعوى، لأن في الإحضار في مجلس الحكم نوع
إيذاء. وإن احتاج الإحضار إلى بعض الأشخاص المرتبين على باب القاضي
فالظاهر أن مؤنته على الطالب إن لم يرزقوا من بيت المال.
وإذا ثبت عند القاضي امتناعه من غير عذر أو سوء أدب فللقاضي أن يستعين
على إحضاره بأعوان السلطان، فإذا احضر عزره بما يراه، وفي كون مؤنة المحضر
والحال هذه على المدعي أو على الخصم وجهان. ومتى كان للمطلوب عذر مانع
من الحضور كالمرض وحبس الظالم والخوف منه وشبهها فليس للقاضي أن يكلفه
الحضور، بل يكلفه بعث وكيل ليخاصم عنه، أو يبعث القاضي من يحكم بين
المتخاصمين. وإن دعت الحاجة إلى تحليفه يرسل إليه من يحلفه.
وإن كان المطلوب خارج البلد، فإن كان في محل ولاية القاضي وله هناك
نائب لم يحضره لم يسمع البينة ويكتب إليه إن كان له بينة في موضع القاضي، وإلا
أنفذه إلى النائب ليحكم بينهما، وإن لم يكن له هناك نائب وكان هناك من يصلح
للاستحلاف أذن له في القضاء بينهما، وإلا طولب المدعي بتحرير الدعوى حتى
يظهر كونها مسموعة أم لا، فإذا حرر الدعوى وكانت مسموعة أنفذ بإحضاره على
ما قطع به الأصحاب، سواء كانت المسافة قريبة أو بعيدة.
ولو كانت الدعوى على امرأة برزة كان حكمها حكم الرجل، فتحضر حيث
يحضر الرجل ولو من غير البلد، لكن يشترط هاهنا زيادة على الرجل أمن الطريق
من هتك العرض ووجود محرم ونحوه، والأولى البعث إليها أو التوكيل، إلا بالنسبة

(1) المسالك 13: 423.
680

إلى من لا تبالي بالإحضار أصلا، وإن كانت مخدرة لم تكلف الحضور، بل يبعث
إليها من يحكم أو يأمرها بالتوكيل.
ولا يعتبر في المخدرة أن لا تخرج أصلا إلا لضرورة، بل الظاهر أن التي
قد تخرج إلى عزاء ذوي الأرحام وزياراتهم أو إلى الحج وزيارات المشاهد
أحيانا مخدرة، بل مع كثرة ذلك وخروجها إلى السوق للبيع والشراء ونحوهما
كثيرا، كالخروج لشراء الخبز والقطن وبيع الغزل ونحوها، بحيث لا تبالي بالخروج
فهي برزة، والمرجع فيها إلى العرف والعادة.
وعن الشيخ في المبسوط: أن البرزة هي التي تبرز لقضاء حوائجها بنفسها،
والمخدرة هي التي لا تخرج لذلك (1). وهو قريب.
الطرف الثالث في كيفية الحكم
وفيه أبحاث:
الأول في وظائف الحاكم
وهي أشياء:
الأول: من وظيفة الحاكم أن يسوي بين الخصمين في السلام عليهما
والجواب لهما، وإجلاسهما، والقيام لهما، والنظر والاستماع والكلام وطلاقة الوجه
وسائر أنواع الإكرام. هذا إذا كانا مسلمين أو كافرين.
ولو كان أحدهما مسلما والآخر كافرا جاز رفع المسلم في المجلس، لما
روي أن عليا (عليه السلام) جلس بجنب شريح في حكومة له مع اليهودي في درع وقال: لو
كان خصمي مسلما لجلست معه بين يديك، ولكني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لا
تساووهم في المجلس (2).

(1) المبسوط 8: 156.
(2) تلخيص الحبير 4: 193، ح 2105.
681

والتسوية بين المتخاصمين في العدل في الحكم واجبة بلا خلاف في ذلك،
وأما في الامور الباقية ففي وجوبها أو استحبابها خلاف بين الأصحاب، والمنقول
عن الأكثر الوجوب، استنادا إلى الأمر في رواية عامية ورواية ضعيفة (1). وقيل: إن
ذلك مستحب واختاره العلامة في المختلف (2) للأصل واستضعاف سند الوجوب،
وصلاحيته للاستحباب.
وذكر الأصحاب أن عليه التسوية بينهما في الأعمال الظاهرة، وأما التسوية
بينهما بقلبه بحيث لا يميل إلى أحدهما فغير مؤاخذ به ولا يحاسب عليه.
وعلل بأن الحكم على القلب غير مستطاع، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما قسم
بين نسائه يقول: «هذا قسمي فيما أملك، وأنت أعلم بما لا أملك» يعني الميل
القلبي (3) وفيه تأمل. وبعض الأخبار يدل على خلاف ما ذكروا.
الثاني: قالوا ولا يجوز أن يلقن أحد الخصمين ما فيه ضرر على خصمه، ولا
أن يهديه لوجوه الحجاج، لأن ذلك يفتح باب المنازعة، وقد نصب لسدها. وفي
التعليل تأمل، ولا أعرف على أصل الحكم حجة، فللتأمل فيه مجال. ويجوز له
الاستفسار وإن أدى إلى صحة الدعوى.
الثالث: قالوا: إذا سكت الخصمان استحب أن يقول لهما: تكلما، أو: ليتكلم
المدعي، والمشهور أنه يكره تخصيص أحدهما بالخطاب، وظاهر بعضهم
التحريم.
الرابع: إذا ترافع الخصمان وكان الحكم واضحا لزم القضاء. قالوا: ويستحب
ترغيبهما في الصلح، وهو غير بعيد، فإن أبيا إلا المناجزة حكم بينهما، وإن أشكل
أخر الحكم حتى يتضح.
الخامس: قالوا إذا ورد الخصوم مترتبين بدأ بالأول فالأول، والاعتبار بسبق
المدعي، وإن جاؤوا معا أو جهل الترتيب اقرع بينهم، فإن عسر الإقراع بسبب

(1) الوسائل 18: 157، الباب 3 من أبواب آداب القاضي، ح 1.
(2) المختلف 8: 403.
(3) المسالك 13: 429.
682

الكثرة قيل: يقرع بينهم (1) يعني القرعة على الوجه المخصوص. وقيل: يكتب
أسماء المدعين في رقاع وصينت بين يدي القاضي مستورة ليأخذ واحدة واحدة
ويسمع دعوى من خرج اسمه في كل مرة (2). وهذا أيضا نوع من القرعة، وهل
يحتاج إلى كتبة اسم الخصم؟ قيل: نعم (3).
فلو كان له خصمان احتيج إلى رقعتين. والمشهور الاقتصار على اسم
المدعي. قالوا: لو كان له أكثر من خصم واحد تخير في تقديم من شاء منهم، ويقدم
في دعوى واحدة، ثم ينصرف إلى أن يحضر في مجلس آخر وينتظر فراغ القاضي
من سماع دعوى سائر الحاضرين، فحينئذ يسمع دعواه. ولا يسمع دعوى المدعى
عليه إلى أن يتم السابق.
وإذا بدر أحد الخصمين بالدعوى فهو أولى. ولو ابتدرا فالمشهور بين
الأصحاب أنه يسمع الدعوى من الذي عن يمين صاحبه، استنادا إلى رواية محمد
ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قضى أن يقدم صاحب اليمين في
المجلس بالكلام (4).
وقال ابن الجنيد: يحتمل أن يكون أراد بذلك المدعي، لأن صاحب اليمين
هو، واليمين المردودة إليه (5).
والشيخ (رحمه الله) بعد نقل إجماع الطائفة على ذلك مال إلى القرعة (6).
ولو اتفق مسافر وحاضر فلا ترجيح لأحدهما على الآخر، إلا أن يستضر
أحدهما بالتأخير فيقدم.
السادس: قالوا: يكره للحاكم أن يشفع في إسقاط حق بعد ثبوته أو إبطال
دعوى قبله.

(1 - 3) حكاه في الشرائع 4: 81.
(4) الوسائل 18: 160، الباب 5 من أبواب آداب القاضي، ح 2.
(5) حكاه عنه السيد المرتضى في الانتصار: 244.
(6) الخلاف 6: 234، المسألة 32.
683

البحث الثاني في بعض ما يتعلق بهذا المقام
وفيه مسائل:
الاولى: لا أعرف خلافا في صحة الوصية بالمجهول والإقرار بالمجهول،
فيقبل دعوى الوصية به ودعوى الإقرار به، وفي غير هاتين الصورتين خلاف.
فقال الشيخ في المبسوط: لا تسمع الدعوى بالمجهول كفرس وثوب مطلقين (1).
وحجته على ذلك غير تامة. والأقرب سماعها، لأن المدعي ربما يعلم حقه بوجه
ما، لا بخصوصه، فعدم سماع دعواه يفضي إلى إبطال حقه، وحينئذ يلزم الخصم
ببيان الحق ويقبل خبره بمسمى المدعى ويحلف على نفي الزائد إن ادعى عليه.
الثانية: المشهور بين الأصحاب أنه لابد من اعتبار الجزم في الدعوى، فلو
قال: «أظن أو أتوهم» لم يسمع. وحجتهم امور:
منها: أن المتبادر من الدعوى على شخص في شيء كونه جازما بذلك. وفيه منع.
ومنها: أن من لوازمه جواز اليمين إن ردت على المدعي. وهذا يحتاج إلى
إثبات عموم هذه الدعوى.
وكذا الكلام في دعوى عموم لزوم الحكم عند النكول على المدعى عليه،
فيلزم أخذ الشيء منه قهرا بمجرد الظن، إذ لمانع أن يمنع عموم الحكمين
وتخصيصهما بغير صورة دعوى الظن.
ويدل على خلاف المشهور قوله تعالى: (أن احكم بينهم بما أنزل الله) (فلا
و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) (2) وأيده بعضهم بأنه إذا أقر
شخص لشخص ولم يعرف خلافه فالظاهر أنه يجوز له أخذه والدعوى، قال: وكذا
إذا شهد الشاهدان ولا يحصل من ذلك شيء سوى الظن، فيجوز الدعوى بطريق
الظن وإثباتها بالإقرار أو البينة (3).

(1) المبسوط 8: 156.
(2) المائدة: 49، النساء: 65.
(3) انظر مجمع الفائدة والبرهان 12: 125 - 126.
684

وذكر في المسالك: أن المعتبر من الجزم ما كان في اللفظ بأن يأتي بصيغة
جازمة، دون أن يقول: أظن أو أتوهم، سواء انضم إلى جزمه بالصيغة جزمه بالقلب
واعتقاده لاستحقاق الحق أم لا، فإن المدعي لا يشترط جزمه في نفس الأمر، لأنه
إذا كان للمدعي بينة تشهد له بحق وهو لا يعلم به فله أن يدعي عند الحاكم ليشهد
له البينة، وكذا لو أقر به مقر بحق وهو لا يعلم به، فله أن يدعيه به عليه وإن لم يعلم
سببه في نفس الأمر ما هو (1).
وفيه: أن ما علل به الجزم من اعتبار يمين المدعي عند الرد، ولزوم القضاء
عند النكول - وهما غير ممكنين مع عدم العلم بأصل الحق - يقتضي الجزم في
نفس الأمر في جواز الدعوى، والجزم بحسب الصيغة إنما ينفع بالنسبة إلى حكم
القاضي، على أن الجزم بحسب الصيغة مع عدم العلم في الواقع من غير تورية
يقتضي الكذب والتدليس.
ونقل المحقق عن بعض من عاصره - وهو الشيخ نجيب الدين محمد بن نما -
سماع الدعوى في التهمة وإن لم تكن جازمة، ويحلف المنكر من غير أن يترتب
عليها رد اليمين على المدعي، لعدم إمكانه (2).
قال في المسالك: وعلى القول بسماعها فيما يخفى كالتهمة إن حلف المنكر
فلا كلام، وإلا فإن قضينا بالنكول قضينا هنا أيضا، إجراء له مجرى الإقرار أو
البينة، فيستبيح المدعي الأخذ، وإن قلنا لا يقضي إلا برد اليمين لم يرد هنا، لعدم
إمكانه. ولو عاود بعد دعوى الظن فادعى العلم فالأقوى السماع، لإمكان تجدد
العلم بعد الظن (3).
الثالثة: إذا تمت الدعوى هل يطالب المدعى عليه بجواب، أم يتوقف ذلك
على التماس المدعي؟ للشيخ فيه قولان (4). ولي في المسألة تردد.

(1) المسالك 13: 437.
(2) الشرائع 4: 82.
(3) المسالك 13: 438.
(4) المبسوط 8: 157.
685

البحث الثالث في جواب المدعى عليه
وهو إما إقرار أو إنكار أو سكوت، ففي البحث صور ثلاث:
الاولى: الإقرار، فمتى تحقق وكان المقر جامعا للشرائط المقررة في بابه لزم
ما أقر به، سواء حكم الحاكم به أم لا، وهل للحاكم أن يحكم على المقر بمجرد
إقراره من دون مسألة المدعي؟ فيه قولان.
وصورة الحكم أن يقول: «ألزمتك، أو قضيت عليك، أو ادفع إليه ماله» أو نحو
ذلك، فإن لم يرض المحكوم له بالاقتصار على تلفظ الحاكم به والتمس أن يكتب
له حجة فعل، ويكتب حلية المقر على وجه يتميز أو يكتب اسمه ونسبه إن عرفهما،
أو عرفهما شاهدان ثقتان، أو عرف ذلك بالشياع الموجب للعلم على الأقوى.
وإذا ثبت عليه الحق كلف أداؤه إن كان موسرا، فإن ادعى الإعسار فلا يخلو
إما أن يكون له مال سابقا وكانت الدعوى مالا كلف البينة على تلفه وإعساره،
قالوا: فإن لم يقمها حبس إلى أن يتبين الإعسار، وإن لم يكن له مال سابقا ولا
كانت الدعوى مالا، بل جناية أو صداقا أو نفقة قبل قوله فيه بيمينه.
وإذا ثبت إعساره إما بعلم الحاكم أو إقرار الخصم أو البينة فالمشهور بين
الأصحاب أنه يخلي سبيله إلى أن يحصل له مال. ويستفاد من الشرائع أن به رواية
مشهورة (1) وذكر بعض الأصحاب أنه ليس لها وجود أصلا (2).
والذي اطلعت عليه مما يمكن أن يستند إليه لهذا القول روايات ثلاث:
الاولى: صحيحة زرارة، عن الباقر (عليه السلام): لا يحبس في السجن إلا ثلاثة:
الغاصب، ومن أكل مال اليتيم ظلما، ومن ائتمن على أمانة فذهب بها، وإن وجد له
شيئا باعه غائبا كان أو شاهدا (3).

(1) الشرائع 4: 84.
(2) التنقيح 4: 250.
(3) الوسائل 18: 181، الباب 11 من أبواب كيفية الحكم، ح 2.
686

وفي المسالك: لا دلالة في هذه الرواية على المدعى فضلا عن كونها أشهر (1).
الثانية: رواية غياث بن إبراهيم، عن جعفر (عليه السلام)، عن أبيه: أن عليا (عليه السلام) كان
يحبس في الدين، فإذا تبين له إفلاس وحاجة خلى سبيله حتى يستفيد مالا (2).
الثالثة: رواية السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن علي (عليه السلام): أن امرأة استعدت
على زوجها أنه لا ينفق عليها، وكان معسرا، فأبى أن يحبسه وقال: إن مع العسر
يسرا (3). والروايتان ضعيفتان.
وفي المسألة قولان آخران:
أحدهما: ما نقل عن الشيخ في النهاية، وهو: تسليم المدين الغريم ليستعمله أو
يؤاجره (4) لرواية السكوني، عن الصادق (عليه السلام): أن عليا (عليه السلام) كان يحبس في الدين،
ثم ينظر إن كان له مال أعطى الغرماء، وإن لم يكن له مال دفعه إلى الغرماء فيقول
لهم: اصنعوا به ما شئتم، إن شئتم آجروه، وإن شئتم استعملوه (5). والرواية ضعيفة.
وثانيهما: قول ابن حمزة وهو: أنه إذا ثبت إعساره خلى سبيله إن لم يكن ذا
حرفة يكتسب بها، وإلا دفعه إليه ليستعمله فيها، وما فضل عن قوته وقوت عياله
أخذه بحقه (6). استنادا إلى رواية السكوني، وهي مع ضعفها غير منطبقة على دعواه.
وفي المختلف: أن هذا القول ليس بعيدا من الصواب، لأنه يتمكن من أداء ما
وجب عليه وإيفاء الحق صاحبه فيجب عليه كالسعي في المؤنة، وحيث يتمكن من
الكسب لا يكون معسرا، لتحقق اليسار بالقدرة على تحصيل المال، ولهذا الحق
القادر على الكسب بالغني في باب الزكاة (7). وغاية ما يستفاد من هذا وجوب
التكسب عليه في قضاء الدين، لا تسلط الغريم على منافعه بالاستيفاء والإجارة.

(1) المسالك 13: 445.
(2) الوسائل 13: 148، الباب 7 من أبواب كتاب الحجر، ح 1.
(3) الوسائل 13: 148، الباب 7 من أبواب كتاب الحجر، ح 2.
(4) نقله في المسالك 13: 445.
(5) الوسائل 13: 148، الباب 7 من أبواب كتاب الحجر، ح 3.
(6) الوسيلة: 212.
(7) المختلف 8: 453.
687

وذهب جماعة من الأصحاب منهم: المحقق إلى عدم وجوب التكسب في
قضاء الدين (1). والأصل يدل عليه، والمسألة لا يخلو عن إشكال.
الصورة الثانية: الإنكار، فإذا أنكر المدعى عليه وقال: لا حق له علي فإما أن
يعلم المدعي أنه موضع المطالبة بالبينة أم لا.
وعلى الأول فالحاكم بالخيار، فإن شاء سكت، وإن شاء سأل المدعي عن
البينة.
وعلى الثاني لزم الحاكم السؤال عن البينة، فإن لم يكن له بينة فله اليمين عليه
بلا خلاف في ذلك، ويدل عليه الأخبار (2). وعلى الحاكم أن يعرفه أن له اليمين.
ولا يحلف المدعى عليه إلا بعد سؤال المدعي، لأن تحليف المنكر يسقط
الدعوى، وقد يتعلق غرض المدعي ببقائها، فيكون التحليف منوطا بسؤاله. ولو
تبرع المدعى عليه أو تبرع الحاكم بإحلافه لم يعتد بتلك اليمين.
وللمدعي طلب التحليف ثانيا، وللمنكر أن يرد اليمين على المدعي إلا في
مواضع سنشير إليه بلا خلاف في ذلك. ويدل عليه الأخبار (3). فالمنكر إما أن
يحلف، أو يرد اليمين، أو ينكل. فإن حلف سقطت الدعوى ولا يحصل براءة الذمة
في نفس الأمر، بل يجب على الحالف أن يتخلص من حق المدعي، لكن ليس
للمدعي أن يدعي عليه ثانيا، ولا أن يأخذه مقاصة.
ولو أقام بعد إحلافه بينة بالحق ففي سماعه أقوال، أشهرها العدم، حتى أن
الشيخ في الخلاف نقل الإجماع عليه (4). ويدل عليه ما رواه ابن بابويه، عن عبد الله
ابن أبي يعفور في الصحيح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا رضي صاحب الحق

(1) الرسائل التسع للمحقق الحلي: 315 - 316، المبسوط 2: 274، جامع المقاصد 5: 297 -
298.
(2) الوسائل 18: 167، الباب 1 من أبواب كيفية الحكم.
(3) الوسائل 18: 176، الباب 7 من أبواب كيفية الحكم.
(4) الخلاف 6: 293، المسألة 40.
688

بيمين المنكر بحقه فاستحلفه فحلف أن لا حق له قبله ذهبت اليمين بحق المدعي
ولا دعوى له. قلت: وإن كانت له بينة عادلة؟ قال: نعم وإن أقام بعد ما استحلفه بالله
خمسين قسامة ما كان له حق، وكانت اليمين قد أبطلت كل ما ادعاه قبله مما قد
استحلفه عليه (1).
ولرواية خضر النخعي ومرسلة إبراهيم بن عبد الحميد (2) ورواية عبد الله بن
وضاح (3) وغيرها.
وللشيخ في المبسوط قول آخر بسماعها مطلقا (4) وله في موضع آخر منه قول
بسماعها مع عدم علمه بها أو نسيانه (5) وإليه ذهب ابن إدريس (6).
وقال المفيد: يسمع إلا مع اشتراط سقوطها (7). والأقوى الأول.
ولو أقام بعد الإحلاف شاهدا وبذل معه اليمين فهو أولى بعدم السماع. قالوا:
ولو أكذب الحالف نفسه جاز مطالبته، وحل مقاصته مما يجده له مع امتناعه من
التسليم، لتصادقهما حينئذ على بقاء الحق في ذمة الخصم، لكن ظاهر الروايات
المذكورة على خلافه.
وإن رد المنكر اليمين على المدعي فله ذلك.
واستثني من ذلك مواضع ذكروه، منها: دعوى التهمة كما مر.
قالوا: ومنها: لو ادعى الوصي على الوارث أن الميت أوصى للفقراء بخمس،
أو زكاة، أو حج ونحو ذلك مما لا مستحق له بخصوصه، فأنكر الوارث ذلك، فإنه
يلزم بالمال أو اليمين، ولو كان يتيما اخر حتى يبلغ.

(1) الفقيه 3: 61، ح 3340.
(2) الوسائل 18: 179، الباب 10 من أبواب كيفية الحكم، ح 1 وذيله.
(3) الوسائل 18: 180، الباب 10 من أبواب كيفية الحكم، ح 2.
(4) المبسوط 8: 158.
(5) المبسوط 8: 210.
(6) لم نعثر عليه، وحكاه عنه في الدروس 2: 88.
(7) المقنعة: 733.
689

ومنها: دعوى وصي اليتيم مالا على آخر فأنكر، سواء نكل عن اليمين أو أراد
ردها، فإنه لا يمكن منه، لأن الوصي لا يتوجه عليه يمين، وحيث يتوجه للمنكر
ردها على المدعي، فلا يخلو إما أن يحلف أو يمتنع، فإن حلف استحق المدعي،
للنص (1) ولا خلاف في ذلك. وهل يمينه بمنزلة البينة أو بمنزلة الإقرار؟ فيه قولان،
وحجة الطرفين غير وافية بالدلالة على المطلوب.
وفرعوا على القولين مسائل كثيرة مذكورة في مواضعها:
منها: أن المدعى عليه لو أقام بينة على الأداء أو الإبراء بعد ما حلف المدعي
سمعت بينته على الأول دون الثاني، لأنه مكذب لبينته بالإقرار.
ومنها: وجوب الحق بفراغ المدعي من الحلف من غير حاجة إلى حكم
الحاكم على الثاني لا الأول.
والحق اعتبار الأدلة في هذه الفروع وبناء الأحكام عليها. والأقرب في
المسألة الاولى عدم سماع البينة، وفي الثانية عدم التوقف على حكم الحاكم.
وإن امتنع المدعي عن الحلف سأله القاضي عن سبب امتناعه، فإن لم يذكر
سببا، أو قال: «لا اريد أن أحلف لكون الحلف مكروها غير مرغوب إليه» يسقط
حقه، وليس له مطالبة الخصم بعد ذلك ولا استئناف الدعوى في مجلس آخر، كما
لو حلف المدعى عليه على الأشهر الأقرب، لصحيحة محمد بن مسلم عن
أحدهما (عليهما السلام): في الرجل يدعي ولا بينة له؟ قال: يستحلف، فإن رد اليمين على
صاحب الحق فلم يحلف فلا حق له (2). ولرواية عبيد بن زرارة (3) ورواية أبان عن
جميل في الصحيح (4) ورواية أبي العباس (5) ومرسلة يونس (6).

(1) الوسائل 18: 176، الباب 7 من أبواب كيفية الحكم.
(2) الوسائل 18: 176، الباب 7 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(3) الوسائل 18: 176، الباب 7 من أبواب كيفية الحكم، ح 2.
(4) الوسائل 18: 177، الباب 7 من أبواب كيفية الحكم، ح 6.
(5) الوسائل 18: 178، الباب 7 من أبواب كيفية الحكم، ح 2.
(6) الوسائل 18: 176، الباب 7 من أبواب كيفية الحكم، ح 4.
690

وقيل: إنما يسقط حقه في ذلك المجلس وله تجديد الدعوى في مجلس
آخر (1). وهو مدفوع، لعموم الروايات المذكورة.
وفي المسالك: الأصح الأول إلا أن يأتي ببينة (2). وفي هذا الاستثناء إشكال،
نظرا إلى عموم الأدلة.
وإن ذكر المدعي لامتناعه سببا فقال: «اريد أن آتي بالبينة أو أسأل الفقهاء أو
أنظر في الحساب» ونحو ذلك قال في المسالك: ترك ولم يبطل حقه من اليمين (3).
وفيه أيضا إشكال، نظرا إلى عموم الأدلة. وهل يقدر إمهاله؟ فيه وجهان. واستجود
في المسالك عدم التقدير (4).
وإذا نكل المدعى عليه عن اليمين يعني امتنع منها ومن الرد قال له الحاكم: إن
حلفت وإلا جعلتك ناكلا. ويكرر ذلك ثلاثا استظهارا لا وجوبا، كذا ذكره الأصحاب.
فإن أصر على النكول ففي حكمه خلاف بين الأصحاب، فذهب الصدوقان
والشيخان والأتباع - ومنهم: القاضي في الكامل والمحقق - إلى أنه يقضى عليه
بمجرد نكوله (5). وهو الأقرب عندي، لقول النبي (صلى الله عليه وآله): البينة على من ادعى
واليمين على من ادعي عليه (6). والتفصيل قاطع للشركة، ولصحيحة محمد بن
مسلم أنه سأل الصادق (عليه السلام) عن الأخرس كيف يحلف؟ قال: إن أمير المؤمنين (عليه السلام)
كتب له اليمين وغسلها وأمره بشربها فامتنع، فألزمه الدين (7).
قال في المسالك: والفرق بين الأخرس وغيره ملغى بالإجماع (8). ولرواية
عبد الرحمن بن أبي عبد الله الآتية (9).

(1) القواعد 3: 452 - 453.
(2) المسالك 13: 452.
(3) المسالك 13: 453.
(4) المسالك 13: 453.
(5) المقنع: 132، وحكاه عنهما في المختلف 8: 380، المقنعة: 724، النهاية 2: 71، حكاه عن
القاضي في المختلف 8: 380، الشرائع 4: 85.
(6) الوسائل 18: 170، الباب 3 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(7) الوسائل 18: 222، الباب 33 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(8) المسالك 13: 454.
(9) الوسائل 18: 172، الباب 4 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
691

وذهب الشيخ في المبسوط والخلاف، والقاضي في المهذب، وابن الجنيد
وابن إدريس وأكثر المتأخرين إلى أنه يرد اليمين على المدعي، فإن حلف ثبت
حقه، وإن امتنع سقط (1) لما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه يرد اليمين على طالب الحق (2).
ولرواية عبيد بن زرارة عن الصادق (عليه السلام): في الرجل يدعى عليه الحق ولا
بينة للمدعي؟ قال: يستحلف أو يرد اليمين على صاحب الحق، فإن لم يفعل فلا
حق له (3).
وحسنة هشام بن سالم عن الصادق (عليه السلام) قال: يرد اليمين على المدعي (4).
ولدعوى الشيخ الإجماع عليه في الخلاف (5).
ولقوله تعالى: (ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد
أيمان بعد أيمانهم) (6).
ولقوله (عليه السلام): المطلوب أولى باليمين من الطالب (7) وأفعل التفضيل تقتضي
الاشتراك في الحقيقة.
وفي كل من هذه الوجوه نظر يظهر للمتدبر.
وعلى القول الذي اخترناه لو بذل المنكر يمينه بعد النكول لم يلتفت إليه.
وإن كان للمدعي بينة ففي المبسوط: أنه لا يقول الحاكم له: أحضر بينتك، بل
يقول: إن شئت أقمتها، ولا يقول: أقمها، لأنه أمر (8). والحق له فلا يؤمر باستيفائه.
وتبعه القاضي وابن إدريس (9).

(1) المبسوط 8: 159، الخلاف 6: 290، المسألة 38، المهذب 2: 585، حكاه عنه في
المختلف 8: 380، السرائر 2: 165.
(2) كنز العمال 5: 850، ح 14545.
(3) الوسائل 18: 176، الباب 7 من أبواب كيفية الحكم، ح 2.
(4) الوسائل 18: 176، الباب 7 من أبواب كيفية الحكم، ح 3.
(5) الخلاف 6: 292، ذيل المسألة 38.
(6) المائدة: 108.
(7) تلخيص الحبير 4: 210، ح 2143.
(8) المبسوط 8: 115.
(9) المهذب 2: 585، السرائر 2: 158.
692

وقال في النهاية: يجوز أن يقول: أحضرها (1). واختاره الأكثر، لأن الأمر هنا
ليس للوجوب والإلزام، بل مجرد إذن وإعلام. وبعد حضور البينة هل للحاكم
السؤال قبل طلب المدعي؟ فيه وجهان.
ثم إن وافقت البينة وعلم الحاكم عدالة الشهود كان له الحكم. وهل يحتاج
ذلك إلى سؤال المدعي؟ فيه وجهان.
وهل يجب التزكية لو أقر الخصم بعدالة الشاهدين؟ فيه قولان.
ولا يقتصر المزكيان على العدالة، بل يضمان إليها قبول الشهادة، لاحتمال
الغفلة. قالوا: ولو ادعى المنكر الجرح انظر ثلاثة أيام، فإن تعذر حكم.
والأصل في المدعي أن لا يتوجه إليه اليمين، للحديث المشهور عن
النبي (صلى الله عليه وآله) (2) والإجماع والأخبار (3) اخرج عن العموم صورة رد اليمين على
المدعي، وصورة نكول المنكر على قول.
وأما في صورة إقامة البينة على الدعوى فإن كان المدعى عليه حاضرا مكلفا
فلا خلاف في أنه لا يمين عليه. ويدل عليه الخبر كصحيحة محمد بن مسلم (4)
وصحيحة أبي العباس (5) لكن ينافي ذلك ما ورد في وصية أمير المؤمنين (عليه السلام)
لشريح (6): «ورد اليمين على المدعي مع بينته، فإن ذلك أجلى للعمى وأثبت
للقضاء» والرواية ضعيفة من حيث السند، فلا تصلح معارضا لما تقدم.
وإن كانت الدعوى على ميت فالمعروف من مذهب الأصحاب أن المدعي
يستحلف مع البينة على بقاء الحق في ذمة الميت، ولا يظهر في ذلك مخالف من

(1) النهاية 2: 70.
(2) الوسائل 18: 170، الباب 3 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(3) الوسائل 18: 170، الباب 3 من أبواب كيفية الحكم،.
(4) الوسائل 18: 177، الباب 8 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(5) الوسائل 18: 178، الباب 8 من أبواب كيفية الحكم، ح 2.
(6) الوسائل 18: 178، الباب 8 من أبواب كيفية الحكم، ح 4.
693

الأصحاب، ومستنده رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله بإسناد لا يخلو عن اعتماد،
قال: قلت للشيخ: خبرني عن الرجل يدعي قبل الرجل الحق فلا يكون له البينة
بماله؟ قال: فيمين المدعى عليه، فإن حلف فلا حق له، وإن لم يحلف فعليه. فإن
كان المطلوب بالحق قد مات فاقيمت عليه البينة، فعلى المدعي اليمين بالله الذي
لا إله إلا هو لقد مات فلان وأن حقه لعليه، فإن حلف وإلا فلا حق له، لأنا لا ندري
لعله قد وفاه ببينة لا نعلم موضعها، أو بغير بينة قبل الموت، فمن ثم صارت عليه
اليمين مع البينة. فإن ادعى ولا بينة فلا حق له، لأن المدعى عليه ليس بحي، ولو
كان حيا لالزم اليمين أو الحق أو يرد اليمين عليه، فمن ثم لم يثبت له عليه حق (1).
وفي طريق الرواية العبيدي، وفيه كلام، لكن الراجح الاعتماد على روايته،
وياسين، وليس فيه مدح ولا قدح، لكن له كتاب يرويه الأصحاب.
ومدلول الرواية مشتهر بين الأصحاب معمول [عليه] بينهم معتضد بما رواه
محمد بن الحسن الصفار في الصحيح، قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام): هل يقبل
شهادة الوصي للميت بدين له على رجل آخر مع شاهد آخر عدل؟ فوقع (عليه السلام): إذا
شهد معه آخر عدل فعلى المدعي اليمين. وكتبت: أيجوز للوصي أن يشهد لوارث
الميت صغيرا وكبيرا بحق له على الميت أو على غيره وهو القابض للوارث الصغير
وليس للكبير بقابض؟ فوقع (عليه السلام): نعم، ينبغي للوصي أن يشهد بالحق ولا يكتم
الشهادة. وكتبت: أو تقبل شهادة الوصي على الميت مع شاهد آخر عدل؟
فوقع (عليه السلام): نعم من بعد يمين (2).
وفي تعدي حكم المسألة إلى ما شاركها في المعنى كالدعوى على الطفل
والغائب والمجنون قولان.
ومذهب الأكثر ذلك، نظرا إلى مشاركتهم للميت في العلة المومئ إليها في
الخبر، فيكون من باب منصوص العلة، ومن باب اتحاد طريق المسألتين.

(1) الوسائل 18: 172، الباب 4 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(2) الوسائل 18: 273، الباب 28 من أبواب الشهادات، ح 1.
694

وفيه: أن العلة المذكورة في الخبر احتمال توفية الميت قبل الموت، وهي غير
حاصلة في محل البحث وإن حصل مثلها، ومورد النص أقوى من الملحق به،
لليأس في الميت مطلقا.
وذهب جماعة من الأصحاب منهم: المحقق إلى العدم (1) قصرا للحكم على
مورد النص (2). وهو غير بعيد وإن كان الحكم به لا يصفو عن الإشكال.
وفي المسالك: واعلم أنه مع العمل بمضمون الخبر يجب الاقتصار على ما دل
عليه من كون الحلف على المدعي مع دعواه الدين على الميت، كما يدل عليه
قوله: «لعليه» وقوله: «وفاه». فلو كانت الدعوى عينا في يده بعارية أو غصب
دفعت إليه مع البينة من غير يمين (3). وهو متجه، لكن ينافيه إطلاق صحيحة محمد
بن الحسن، لكنها مختصة بمورد خاص. والظاهر عدم القائل بالفرق، وفيه تأمل،
والمسألة محل إشكال.
قال: ولو لم يوجد في التركة وحكم بضمانها للمالك، ففي إلحاقها حينئذ
بالدين نظرا إلى انتقالها إلى الذمة، أو العين نظرا إلى أصلها وجهان، أجودهما
الثاني (4). وفيه إشكال.
ولو أقر له قبل الموت بمدة لا يمكن فيها الاستيفاء عادة ففي وجوب ضم
اليمين إلى البينة وجهان، والأقرب العدم، كما قواه الشهيد الثاني (5) لعدم جريان
التعليل المذكور في الخبر هاهنا.
واعلم أن اليمين المتوجهة إلى المدعي يمين واحدة، سواء كان الوارث
واحدا أو متعددا، فلا يكلف الحلف لكل وارث يمينا على حدة، قصرا للحكم على
القدر المتيقن.

(1) الشرائع 4: 85.
(2) الوسائل 18: 155، الباب 1 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(3) المسالك 13: 463.
(4) المسالك 13: 463.
(5) المسالك 13: 463.
695

ولو ذكر المدعي أن له بينة غائبة خيره الحاكم بين الصبر إلى حضور البينة،
وبين إحلاف الغريم، وليس له ملازمته ولا مطالبته بكفيل على المشهور بين
الأصحاب. وللشيخ قول بجواز إلزامه بتكفيله، حفظا لحق المدعي (1).
الصورة الثالثة: السكوت، فإن كان سكوته لدهش أزاله الحاكم بالرفق
والإمهال، وإن كان لغباوة أو سوء فهم توصل إلى إزالته بالتعريف والبيان، وإن كان
لآفة بدنية من صمم أو خرس توصل إلى معرفة جوابه بالإشارة المفهمة للمطلوب.
ولو احتاج إلى مترجم يوصل إليه قالوا: يفتقر حينئذ إلى عدلين.
وإن كان سكوته عنادا ففيه أقوال:
الأول: أنه يلزم بالجواب، فإن أصر على السكوت حبس حتى يبين، لأن
الجواب حق عليه، فيجوز استيفاؤه منه. وإليه ذهب الشيخان وسلار
والمتأخرون (2). والتعليل لا يفيد خصوص الحبس.
الثاني: أنه يجبر حتى يجيب من غير حبس، بل يضرب ويبالغ في الإهانة إلى
أن يجيب.
الثالث: يقول له الحاكم ثلاثا: إن أجبت وإلا جعلتك ناكلا ورددت اليمين
على خصمك. واختاره ابن إدريس (3) وهو مبني على كون السكوت نكولا، وعلى
عدم القضاء بالنكول.
وذكر المحقق: أن القول الأول مروي (4) ولم أجد به رواية على الخصوص.
وإذا قال المدعى عليه: هذا لفلان، صرفت الدعوى عنه، وإن ادعى المدعي
علم المدعى عليه بأن هذا له صحت الدعوى، فإن أقر به بعد الإنكار قال بعضهم:
إنه تسليم من غير حاجة إلى الإثبات، لأنه مؤاخذ بإقراره، والمال في يده، وهو

(1) حكاه في المسالك 13: 465 عن الشيخ في النهاية ولم نعثر عليه صريحا انظر النهاية 2:
70 - 71.
(2) المقنعة: 725، الخلاف 6: 238، المسألة 37، المراسم: 231، الإيضاح 4: 332 - 333،
اللمعة: 51.
(3) السرائر 2: 163.
(4) الشرائع 4: 86.
696

قادر على دفعه إلى أهله، ويلزمه الغرامة للمقر له أولا (1).
وفيه: أنه مؤاخذ بالإقرار الأول، فلا يصح إقراره الثاني المخالف للأول،
فالظاهر أنه يلزمه الغرامة للمدعي، وإن أصر على الإنكار يلزمه الحلف على عدم
علمه بذلك، فإن حلف أو نكل يترتب على كل واحد حكمه، ويجوز له الرد، لجواز
علم المدعي بعلم المنكر، فينسحب فيه حكم الحلف والرد والنكول على ما مر.
البحث الرابع في الحكم على الغائب
وفيه مسائل:
الاولى: مذهب أصحابنا وأكثر العامة جواز الحكم على الغائب في الجملة،
والحجة عليه غير واحد من الأخبار من طريق العامة (2).
ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ، عن جميل بن دراج، عن جماعة من
أصحابنا عنهما (عليهما السلام) قالا: الغائب يقضى عليه إذا قامت عليه البينة، ويباع ماله،
ويقضى عنه دينه وهو غائب، ويكون الغائب على حجته إذا قدم، قال: ولا يدفع
المال إلى الذي أقام البينة إلا بكفلاء (3). وفي الحسن عن جميل مثله (4).
ثم إن كان غائبا عن البلد قضي عليه، سواء كان قريبا أو بعيدا، لا أعلم فيه
خلافا بينهم. ونقل بعضهم الاتفاق عليه (5). ويدل عليه الخبر المذكور. وكذا لو كان
حاضرا في البلد وتعذر عليه الحضور في مجلس الحكم.
ولو لم يتعذر حضوره فالمشهور الجواز أيضا، لعموم الأدلة. وقال الشيخ في
المبسوط: لا يحكم عليه حينئذ، لأن القضاء على الغائب موضع ضرورة، فيقتصر
فيه على محلها (6) ولعل الأقرب الأول.

(1) مجمع الفائدة والبرهان 12: 173.
(2) الحاوي الكبير 16: 296، سنن ابن ماجة 2: 769، ح 2293.
(3) التهذيب 6: 296، ح 827.
(4) الوسائل 18: 216، الباب 26 من أبواب كيفية الحكم، ذيل الحديث 1.
(5) المسالك 13: 468.
(6) المبسوط 8: 162.
697

ويدفع الحاكم من مال الغائب قدر الحق بعد ثبوته.
والمشهور اعتبار اليمين على المدعي مع البينة من غير تكفيل إلا مع تعذر
اليمين، كما لو كان المدعي على الغائب وكيل المستحق، فإنه لا يجوز إحلافه،
واعتبر حينئذ التكفيل، ومن لم يوجب عليه اليمين مع البينة اعتبر تكفيل القابض،
ويدل روايتا جميل المذكورتان على اعتبار التكفيل مطلقا. والوجه العمل بهما.
الثانية: الحاكم بجواز القضاء على الغائب خصه بحقوق الآدميين، سواء كانت
مالا أو غيره، كالنكاح والعتق والجنايات والقصاص، دون حق الله تعالى كالزنا
واللواط. ولو اشتمل على الحقين قضى في حق الآدمي. والمشهور أنه لا يقضي
بالقطع، وتردد فيه المحقق، نظرا إلى أن الأمرين معلولا علة واحدة، فلا يثبت
أحدهما بدون الآخر (1).
وفيه منع كون السرقة مطلقا علة للأمرين، بل بشرط خاص، ولهذا قد يتخلف
أحدهما عن الآخر، كما لو أقر بالسرقة مرة، فإنه يثبت عليه المال دون القطع. ولو
كان المقر محجورا عليه في المال ثبت الحكم في القطع دون المال.
الثالثة: إذا كان صاحب الحق غائبا فادعى وكيله وأقام البينة فقال المدعي:
«أبرأني صاحب الحق، أو وفيته حقه» وأراد التأخير إلى حضور الموكل
واستحلافه ففي تمكينه منه وجهان، وحجة الطرفين امور اعتبارية. ولم أطلع على
نص يدل على الحكم المذكور.
البحث الخامس في كيفية الاستحلاف
والنظر في امور ثلاثة:
الأول في اليمين:
لا تصح اليمين ولا اعتداد بها إذا كانت بغير الله، للأخبار الكثيرة الدالة على

(1) الشرائع 4: 86.
698

ذلك، كصحيحة علي بن مهزيار (1). وحسنة محمد بن مسلم (2) وحسنة الحلبي (3)
وغيرها من الروايات الكثيرة. ولا فرق بين كون الحالف مسلما أو كافرا، لصحيحة
سليمان بن خالد (4) وصحيحة الحلبي (5) ورواية الجراح المدائني (6) ورواية
سماعة (7) وغيرها.
وذهب الشيخ في المبسوط إلى أنه لا يقتصر في إحلاف المجوسي على لفظ
الجلالة، نظرا إلى اعتقاده أن النور إله، فيحتمل إرادته من «الإله» المعرف، فلا
يكون حالفا بالله تعالى (8). ومال إليه الشيخ فخر الدين، محتجا بأنه لا يحصل الجزم
بأنه حلف (9).
وفي الوجهين نظر، والصحيح الأول، وقوفا على النصوص الكثيرة المعتبرة.
وعلى قول الشيخ يضيف إليه قوله: «خالق النور والظلمة» إماطة لتأويله.
ولا يصح الإحلاف بغير أسماء الله سبحانه، كالكتب المنزلة، والرسل المكرمة،
والأماكن المشرفة. وهل يجوز ذلك بمعنى عدم الإثم؟ فيه وجهان، ولعل
الأقرب الكراهة.
وإذا رأى الحاكم إحلاف الذمي بما يقتضيه دينه أردع من إحلافه بالله جاز
إحلافه بذلك عند جماعة من الأصحاب منهم: الشيخ في النهاية (10) والفاضلان،
وفي بعض عباراتهم بدل الذمي الكافر (11) استنادا إلى رواية السكوني، عن أبي
عبد الله (عليه السلام): أن أمير المؤمنين (عليه السلام) استحلف يهوديا بالتوراة التي انزلت على

(1) الوسائل 16: 159، الباب 30 من أبواب الأيمان، ح 1.
(2) الوسائل 16: 160، الباب 30 من أبواب الأيمان، ح 3.
(3) الوسائل 16: 160، الباب 30 من أبواب الأيمان، ح 4.
(4) الوسائل 16: 164، الباب 32 من أبواب الأيمان، ح 1.
(5) الوسائل 16: 164، الباب 32 من أبواب الأيمان، ح 3.
(6) الوسائل 16: 164، الباب 32 من أبواب الأيمان، ح 2.
(7) الوسائل 16: 165، الباب 32 من أبواب الأيمان، ح 5.
(8) المبسوط 8: 205.
(9) الإيضاح 4: 335.
(10) النهاية 2: 78.
(11) الشرائع 4: 87، القواعد 3: 443.
699

موسى (1) وخص الشيخ في التهذيب الحكم المذكور بالإمام (عليه السلام) (2).
والرواية ضعيفة معارضة بأقوى منها من الأخبار الكثيرة المعتبرة (3) ويجوز
اختصاصها بالإمام (عليه السلام) أو بواقعة خاصة، فالاستدلال بها على عموم الدعوى
مشكل، فلا وجه للخروج عن الروايات المعتمدة.
ويستحب للحاكم تقديم العظة على اليمين، والتخويف عن عاقبتها، وإيراد
النصوص الدالة على سوء عاقبة من حلف بالله كاذبا، والتحذير منه والتشديد عليه
كقوله تعالى: (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) (4) الآية. وقوله
تعالى: (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم) (5).
وقوله (صلى الله عليه وآله): وإن من الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، واليمين
الغموس، وما حلف حالف بالله يمين صبر، فأدخل فيها مثل جناح بعوضة إلا
جعله الله نكتة في قلبه إلى يوم القيامة (6).
وقوله: من اقتطع حق امرء مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه
الجنة. فقال رجل: وإن كان شيئا يسيرا؟ قال: وإن كان قضيبا من أراك (7).
وقوله (صلى الله عليه وآله): إياكم واليمين الفاجرة، فإنها تدع الديار من أهلها بلاقع (8).
وقوله (صلى الله عليه وآله): من أجل الله أن يحلف به أعطاه الله خيرا مما ذهب منه (9).
وقول الصادق (عليه السلام): من حلف بالله كاذبا كفر، ومن حلف بالله صادقا أثم، إن
الله عز وجل يقول: (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم) (10) وقوله (عليه السلام): من حلف

(1) الوسائل 16: 165، الباب 32 من أبواب الأيمان، ح 4.
(2) التهذيب 8: 279، ذيل الحديث 1019.
(3) الوسائل 16: 164، الباب 32 من أبواب الأيمان.
(4) آل عمران: 77.
(5) البقرة: 224.
(6) سنن الترمذي 5: 236، ح 3020.
(7) سنن النسائي 8: 246.
(8) الوسائل 16: 120، الباب 4 من أبواب الأيمان، ح 6.
(9) الوسائل 16: 116، الباب 1 من أبواب الأيمان، ح 3.
(10) الوسائل 16: 116، الباب 1 من أبواب الأيمان، ح 6.
700

على يمين وهو يعلم أنه كاذب فقد بارز الله (1).
وقوله (عليه السلام): اليمين الصبر الكاذبة يورث العقب الفقر (2).
وقول الباقر (عليه السلام): إن في كتاب علي (عليه السلام): أن اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم
تذران الديار بلاقع من أهلها، وتنغل الرحم، يعني انقطاع النسل (3).
ورواية طلحة بن زيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: اليمين الكاذبة تنغل الرحم،
قلت: ما معنى تنغل الرحم؟ قال: تعقر (4). إلى غير ذلك من الأخبار.
ويكفي في الحلف أن يقول: «والله ما له قبلي حق».
ويستحب للحاكم التغليظ بالقول والزمان والمكان، لأن ذلك مظنة رجوع
الحالف إلى الحق خوفا من عقوبة العظيم. أما الحالف فالتخفيف في جانبه أولى.
واشتهر بين الأصحاب أنه يستحب التغليظ في الحقوق كلها وإن قلت عدا
المال، فإنه لا يغلظ فيه بما دون نصاب القطع، وذكروا أنه مروي (5).
قال في المسالك: ولم أقف على مستنده (6). ولعل مستنده ما رواه محمد بن
مسلم وزرارة عنهما (عليهما السلام) جميعا، قالا: لا يحلف أحد عند قبر النبي (صلى الله عليه وآله) على أقل
مما يجب فيه القطع (7). لكنه أخص من المدعى.
ويغلظ على الكافر بالأماكن والأزمان على حسب ما يرى حرمتها، ولو امتنع
عن الإجابة إلى التغليظ لم يجبر، ولا يكون بذلك ناكلا.
والمشهور أن الأخرس يحلف بالإشارة المفهمة الدالة عليه. وقيل: يضاف إلى
الإشارة أن يكتب اسم الله سبحانه ويوضع يده عليه، وهو قول الشيخ في النهاية (8).

(1) الوسائل 16: 119، الباب 4 من أبواب الأيمان، ح 4.
(2) الوسائل 16: 120، الباب 4 من أبواب الأيمان، ح 7.
(3) الوسائل 16: 119، الباب 4 من أبواب الأيمان، ح 1.
(4) الوسائل 16: 119، الباب 4 من أبواب الأيمان، ح 3.
(5) المبسوط 8: 203.
(6) المسالك 13: 478.
(7) الوسائل 18: 219، الباب 29 من أبواب الأيمان، ح 1.
(8) النهاية 2: 79.
701

وذهب ابن حمزة إلى أنه يكتب اليمين في لوح ويؤمر بشربه بعد إعلامه فإن
شرب كان حالفا، وإن امتنع الزم الحالف الحق (1) وهذا مروي في صحيحة محمد
ابن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الأخرس كيف يحلف إذا ادعي عليه
دين ولم يكن للمدعي بينة؟ فقال: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) اتي بأخرس وادعي عليه
دين فأنكر، ولم يكن للمدعي بينة، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): الحمد لله الذي لم
يخرجني من الدنيا حتى بينت للامة جميع ما تحتاج إليه، ثم قال: ائتوني بمصحف،
فاتي به، فقال للأخرس: ما هذا؟ فرفع رأسه إلى السماء وأشار أنه كتاب الله عز
وجل، ثم قال: ائتوني بوليه فاتي بأخ له، فأقعده على جنبه، ثم قال: يا قنبر علي
بدواة وصحيفة، فأتاه بهما، ثم قال لأخ الأخرس: قل لأخيك: هذا بينك وبينه،
فتقدم إليه بذلك، فكتب أمير المؤمنين (عليه السلام): والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب
والشهادة، الرحمن الرحيم، الطالب الغالب، الضار النافع، المهلك المدرك، الذي
يعلم السر والعلانية إن فلان بن فلان المدعي ليس له قبل فلان بن فلان - أعني
الأخرس - حق ولا مطالبة بوجه من الوجوه ولا بسبب من الأسباب، ثم غسله
وأمر الأخرس أن يشربه فامتنع، فألزمه الدين (2).
قالوا: ولا يستحلف الحاكم أحدا إلا في مجلسه إلا مع العذر، فليستخلف
الحاكم من يحلفه، وكذا المرأة التي لا عادة لها بالبروز إلى مجمع الرجال.
النظر الثاني في يمين المنكر والمدعي:
وفيه مسائل:
الاولى: الحلف يتوجه إلى المنكر، لا إلى المدعي، للحديث المشهور (3) إلا في
مواضع: الرد كما مر، ومع الشاهد الواحد كما سيجيء، ومع اللوث في دعوى الدم

(1) الوسيلة: 228.
(2) الوسائل 18: 222، الباب 33 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(3) الوسائل 18: 215، الباب 25 من أبواب كيفية الحكم، ح 3.
702

كما سيجيء، ومع النكول على أحد القولين كما مر، ومع البينة إذا كان الدعوى
على الميت، أو على الطفل، أو المجنون، أو الغائب على قول. وسيأتي مواضع اخر.
الثانية: المعروف في كلام الأصحاب أن الحالف يحلف على البت، إلا إذا كان
الحلف على نفي فعل الغير، فيحلف على نفي العلم بذلك، فلو ادعي عليه بمال
وأنكر حلف على البت إما على نفي استحقاق المدعي لما يدعيه، أو على نفي ما
يدعيه إن أراد. وإن ادعي على مورثه بمال حلف على نفي علمه بذلك، لعدم علمه
بالانتفاء، وإنما يكون ذلك إذا ادعي عليه العلم ويمكن فرض العلم، وبعدمه إذا
كان الدعوى متعلقا بزمان مخصوص أو مكان مخصوص ونحو ذلك.
وإن ادعي عليه بمال فادعى إبراء أو قضاء وأنكر المدعي حلف المدعي على
البت أيضا، ولو ادعى وارث على إنسان أن لمورثي عليك كذا، فقال المدعى عليه:
أبرءني، أو أديته حلف المدعي على نفي العلم بذلك. ولو ادعي عليه أن الضيعة
التي بيده غصبها أبوه أو بايعه فأنكر، حلف على نفي العلم به.
ومقتضى ظاهر كلامهم أنه إذا ادعي عليه بمال في ذمته ولم يكن المدعى
عليه عالما بثبوته ولا بنفيه، لم يكف حلف المنكر بنفي العلم، وأنه لا يجوز له
حينئذ الحلف بنفي الاستحقاق، لعدم علمه بذلك، بل لابد له من رد اليمين، وإن لم
يرد يقضى عليه بالنكول إن قيل بالقضاء بالنكول، وبعد رد اليمين على المدعي إن
لم نقل به.
لكن في إثبات ذلك إشكال، إذ لا يبعد الاكتفاء حينئذ بالحلف على نفي العلم
ولا دليل على نفيه، إذ الظاهر أنه لا يجب عليه إيفاء ما يدعيه إلا مع العلم.
ويمكن على هذا أن يكون عدم العلم بثبوت الحق كافيا في الحلف على عدم
الاستحقاق، لأن وجوب إيفاء حقه إنما يكون عند العلم به، لكن ظاهر عباراتهم
خلاف ذلك.
وبعض المتأخرين احتمل قويا عدم القضاء بالنكول في الصورة المذكورة
وإن قيل به في غيرها، بل يجب الرد حينئذ، واحتمل الاكتفاء في الإسقاط بيمينه
على عدم علمه بذلك.
703

وظهر من الضابط المذكور في كلامهم أن المدعي يحلف دائما على البت.
وحلف المنكر ينقسم إلى قسمين.
واستشكلوا الحكم في مواضع، منها: لو ادعي عليه أن عبده جنى على
المدعي بما يوجب كذا وأنكر، ففيه وجهان:
الأول: أنه يحلف على نفي العلم، لأنه فعل الغير.
والثاني: البت، لأن فعله كفعله.
وربما بني الوجهان على أن أرش الجناية يتعلق بمحض الرقبة، أم يتعلق
بالرقبة والذمة جميعا حتى يتبع بما فضل بعد العتق، وعلى الأول حلف على البت،
وعلى الثاني حلف على نفي العلم. واستشكله العلامة في القواعد (1).
والأقرب أن المنكر يحلف على نفي العلم كما رجحه بعض المتأخرين (2). إذ
الأصل عدم تعلق تكليف به بعد حلفه على عدم العلم، ولا دليل على أنه يجب
عليه رد اليمين أو إيفاء الحق في الصورة المذكورة.
ومنها: إذا ادعي عليه أن بهيمته أتلفت زرعا أو غيره - حيث يجب الضمان
بإتلاف البهيمة - فأنكر قيل: يحلف على البت، لأن البهيمة لا ذمة لها، والمالك لا
يضمن بفعل البهيمة، إنما يضمن بالتقصير في حفظها، فهو أمر يتعلق بالحالف (3).
وفي النهاية جزم بأن مالك العبد يحلف على نفي العلم، ومالك البهيمة يحلف
على البت (4).
ومنها: لو نصب البائع وكيلا لقبض الثمن وتسليم المبيع فقال المشتري:
«موكلك أذن في تسليم المبيع وأبطل حق الحبس وأنت تعلم» ففيه وجهان، من
حيث إنه حلف على نفي فعل الغير، ومن حيث إنه يثبت لنفسه استحقاق اليد على المنع.

(1) القواعد 3: 456.
(2) انظر مجمع الفائد والبرهان 12: 196 - 197.
(3) حكاه في المسالك 13: 486.
(4) لم نعثر عليه في النهاية ونقله في المسالك 13: 486 عن العلامة في التحرير، انظر التحرير
2: 192 س 6.
704

ومنها: لو طولب البائع بتسليم المبيع، فادعى حدوث عجز عنه وقال
للمشتري: أنت عالم به.
ومنها: لو مات عن ابن فجاء آخر وقال: «أنا أخوك فالميراث بيننا» فأنكر،
قيل: يحلف على البت (1) واحتمل بعضهم قويا الحلف على نفي العلم (2) والأقرب
عندي في هذه المسائل الثلاث الحلف على نفي العلم.
الثالثة: قال بعض الأصحاب: لو قال: «لي عليك عشرة» فقال: «لا يلزمني
العشرة» حلف على أنه لا يلزمه العشرة ولا جزء منها، ولا يكفيه الحلف على أنه
لا يلزمه عشرة، فإن اقتصر كان ناكلا فيما دون العشرة، لأن دعوى العشرة يتضمن
دعوى كل جزء جزء منها، ونفي الكل لا يستلزم نفي كل جزء منها على طريق
السلب الكلي، فيكون ناكلا في الحلف على نفي كل جزء، فإما أن يلزمه الحق
بمجرده أو بعد رد اليمين، وعلى تقدير رد اليمين حينئذ على المدعي له أن يحلف
على العشرة إلا شيئا، وفيه التسوية في الحكم بين المذكور مطابقة والمذكور
تضمنا (3). وفيه تأمل.
واستثني من ذلك ما لو ادعى أنه باعه بخمسين، فحلف المنكر على أنه لم
يبعه بخمسين، لم يكن للمدعي أن يحلف على أنه باعه بأقل من خمسين.
الرابعة: لو رد المنكر اليمين إلى المدعي فعليه أن يحلف على البت، فإن نكل
سقط حقه، لا أعرف فيه خلافا. وفي الشرائع نقل الإجماع عليه (4).
وإن حلف المدعي ثم بذل المنكر اليمين فلا حق له، وفي المسالك نقل
الإجماع عليه (5). وإن بذلها بعد الرد وقبل أن يحلف المدعي فهل له ذلك؟ قال
الشيخ: لا إلا برضى المدعي (6) وتردد فيه الفاضلان (7) من حيث إن الرد إسقاط أو

(1) حكاه في المسالك 13: 486.
(2) المسالك 13: 486.
(3) مجمع الفائدة والبرهان 12: 193 - 194.
(4) الشرائع 4: 89.
(5) المسالك 13: 487.
(6) المبسوط 8: 211.
(7) الشرائع 4: 89، القواعد 3: 445.
705

تفويض. ولعل الترجيح للثاني، لأن اليمين يلزمه شرعا، فردها إلى المدعي يكون
إباحة، ولا يلزم سقوط اختياره فيه، لأصالة بقاء حقه الثابت قبل الرد.
الخامسة: إذا ادعى عليه شيئا، فإن أطلق الدعوى كقوله: «لي عليك عشرة»
فأنكره صح له الحلف على نفي الاستحقاق، وإن خصصها بسبب معين كقوله: «من
ثمن مبيع أو اجرة أو غصب» فإن كان إنكار المدعى عليه مطلقا يكفيه الحلف على
نفي الاستحقاق مطلقا لا أعرف فيه خلافا. ونقل في المسالك الاتفاق عليه (1) وإن
أجاب بنفي الخاص وحلف عليه صح بلا ريب.
وإن أراد الحلف على نفي الاستحقاق ففي إجابته قولان: أظهرهما: نعم،
لحصول الغرض وهو براءته عن حقه بذلك، وجاز تعلق غرض صحيح بالعدول
إلى العام، والأصل عدم تسلط المدعى عليه بأكثر من ذلك.
وقال الشيخ (رحمه الله): يلزمه في هذه الصورة الحلف على وفق الجواب (2) استنادا
إلى حجة ضعيفة.
السادسة: لو ادعى المنكر الإبراء أو الإقباض انقلب مدعيا، والمدعي منكرا،
ويكفي المدعي اليمين على بقاء الحق في ذمته.
وعن الشيخ: أنه وافق هنا على جواز الحلف على ثبوت الحق في ذمته،
وجعل الحلف على نفي ما ادعاه بخصوصه أحوط (3).
السابعة: كل من يتوجه عليه دعوى صحيحة يتعين عليه الجواب عنها
بالإقرار عنها أو الإنكار، بحيث لو أقر بمطلوب المدعي الزم به، فإنه إذا أنكر
يحلف عليه ويجري فيه أحكام الرد والنكول، فيدخل فيه النكاح والطلاق والعتق
والنسب وغيرها.
الثامنة: لا يتوجه اليمين على الوارث ما لم يدع عليه علمه بموت المورث
وعلمه بالحق وأنه ترك في يده مالا.

(1) المسالك 13: 488.
(2) المبسوط 8: 207.
(3) المبسوط 8: 207.
706

ولو أنكر بعضها ووافقه المدعي عليه لم يتوجه. ولو ادعي عليه العلم بموته أو
بالحق كفاه الحلف على نفي العلم. نعم لو ثبت الحق والموت وادعى في يده مالا
وأنكره الوارث حلف على القطع.
التاسعة: إذا ادعي على المملوك فهل الغريم هو أو مولاه؟ اختلف كلام
الأصحاب في ذلك، فقال المحقق: الغريم مولاه، ويستوي في ذلك المال والجناية.
ومقتضى كلام الشيخ في المبسوط أن الغريم في الجناية الموجبة للقصاص
العبد مطلقا، وفي موجب المال المولى مطلقا. واختلف كلام العلامة.
وفي المسالك: الأقوى أن الغريم كل واحد من العبد والمولى، فإن وقع النزاع
مع العبد لم ينفذ إقراره معجلا مطلقا، ويثبت بعد العتق مطلقا، فيتبع بالمال
ويستوفى منه الجناية. وإن أنكر فحلف انتفت عنه الدعوى مطلقا، وإن ردها أو
نكل اتبع بموجبها بعد العتق كما لو أقر. وإن وقع النزاع بينه وبين المولى، سواء كان
قد وقع بينه وبين العبد أم لا، فإن أقر بالمال لزم مقتضاه معجلا في ذمته، أو متعلقا
برقبة العبد على حسب موجب الدعوى. فإن أقر بالجناية لم يسمع على العبد
بالنسبة إلى القصاص، ولكن يتعلق برقبة المجني عليه بقدرها، فيملكه المقر له إن
لم يفده المولى.
وفي قوله: إن وقع النزاع مع العبد لم ينفذ إقراره معجلا مطلقا إشكال على
القول بأن العبد يملك مطلقا، أو على بعض الوجوه. وكذا في قوله: وإن ردها أو
نكل اتبع بموجبها بعد العتق إشكال على القول المذكور، وكذا في قوله: وإن وقع
النزاع بينه وبين المولى فإن أقر بالمال لزم مقتضاه معجلا في ذمته أو متعلقا برقبة
العبد إشكال أيضا، فإن المولى إذا أقر بأن العبد أتلف شيئا أو استقرض شيئا
ففي ثبوته على ذمة المولى أو رقبة العبد مطلقا إشكال، ففي المسألة تفصيل آخر
غير ما ذكروه.
العاشرة: لا أعرف خلافا بين الأصحاب في أنه لا تسمع الدعوى في الحدود
مجردة عن البينة، فلا يتوجه اليمين إلى المدعى عليه إذا كانت الحدود حقا لله
707

تعالى، كحد الزنا وشرب الخمر، فإن المستحق لم يأذن في الدعوى، بل ظاهره
الأمر بالستر والإخفاء والكف عن تتبع معايب الناس وكشفها، وقد قرر تحريم
الغيبة وحد المدعي عند عدم الشهود، للأمر بدرء الحدود بالشبهات.
وروي أنه قال (صلى الله عليه وآله) لمن حمل رجلا على الإقرار عنده بالزنا: هلا سترته (1).
ولو اشترك الحد بين الله والآدمي كحد القذف، ففي سماع الدعوى بها من
القاذف قولان:
أحدهما: أنها تسمع. واختاره الشيخ في المبسوط (2) وفرع الشيخ على قوله:
أنه لو ادعي عليه أنه زنى، لزمه الجواب عن دعواه ويستحلف على ذلك: فإن
حلف سقطت الدعوى ولزم القاذف الحد، وإن لم يحلف ردت اليمين على القاذف
فيحلف ويثبت الزنا في حقه بالنسبة إلى سقوط حد القذف، ولا يجب حد الزنا.
وفيه إشكال، لعموم قوله تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا
بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) (3).
وفي مرسلة البزنطي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أتى رجل أمير المؤمنين (عليه السلام)
برجل فقال: هذا قذفني فلم يكن له بينة، فقال: يا أمير المؤمنين أستحلف؟
فقال (عليه السلام): لا يمين في حد (4). والترجيح للقول الثاني.
والسرقة يقتضي أمرين: أحدهما: المال، وهو حق الآدمي. وثانيهما: القطع
بشرطه، وهو حق الله، فإذا ادعاها مدع سمعت الدعوى في الأول ويترتب عليها
أحكامها من اليمين والرد والنكول، ولا يسمع فيما يتعلق بالحد إلا مع البينة.
الحادية عشرة: لو كان له بينة فأعرض عنها والتمس اليمين، أو قال: أسقطت
البينة وقنعت باليمين. فقال الشيخ: لا يجوز له الرجوع (5). والأشهر الأقوى جواز

(1) تلخيص الحبير 4: 68، ح 1779.
(2) المبسوط 8: 215 - 216.
(3) النور: 4.
(4) الوسائل 18: 335، الباب 24 من أبواب مقدمات الحدود، ح 1.
(5) حكاه عنه في المسالك 13: 499، انظر المبسوط 8: 210.
708

الرجوع، للأصل، وعدم ثبوت كون الإسقاط مبطلا للحق، وبقاء الحق في ذمة
المدعى عليه، فيدخل في عموم الرواية.
النظر الثالث في اليمين مع الشاهد
وفيه مسائل:
الاولى: يقضى بالشاهد واليمين في الجملة بلا خلاف في ذلك بين أصحابنا،
وهو مذهب أكثر العامة. ويدل عليه صحيحة منصور بن حازم (1) وصحيحة حماد
ابن عثمان (2) وحسنة حماد بن عيسى (3) وحسنة عبد الرحمن بن الحجاج (4)
وغيرها.
الثانية: قالوا: يشترط شهادة الشاهد أولا وثبوت عدالته ثم اليمين، ولو بدأ
باليمين وقعت لاغية وافتقر إلى إعادتها بعد الإقامة، وعلل ذلك بتعليل ضعيف،
فإن ثبت عليه الإجماع فذاك، وإلا كان للتأمل فيه مجال.
الثالثة: يثبت الحكم بالشاهد الواحد واليمين في الأموال، كالدين، والقرض،
والغصب، والبيع، والصلح، والهبة، والإجارة، والقراض، والوصية والجناية
الموجبة للدية كالخطأ، وقتل الوالد ولده، والحر العبد، وكسر العظام، والجائفة،
والمأمومة. والضابط الكلي ما كان مالا أو المقصود منه المال، لصحيحة محمد بن
مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجيز في الدين شهادة رجل
واحد ويمين صاحب الدين، ولم يجز في الهلال إلا شاهدي عدل (5). بإضافة
غيرها من الأخبار.

(1) الوسائل 18: 193، الباب 14 من أبواب كيفية الحكم، ح 2.
(2) الوسائل 18: 193، الباب 14 من أبواب كيفية الحكم، ح 3.
(3) الوسائل 18: 193، الباب 14 من أبواب كيفية الحكم، ح 4.
(4) الوسائل 18: 194، الباب 14 من أبواب كيفية الحكم، ح 6.
(5) الوسائل 18: 192، الباب 14 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
709

ولا يثبت بالشاهد واليمين حقوق الله تعالى، لما رواه محمد بن مسلم في
الصحيح، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادة الرجل إذا علم
منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس، فأما ما كان من حقوق الله عز وجل
ورؤية الهلال فلا (1). ونحوه رواية اخرى لمحمد بن مسلم (2).
والمعروف من مذهب الأصحاب أنه لا يثبت بهما غير الأموال من حقوق
الناس، كالطلاق، والنسب، والوكالة، والوصية إليه، وعيوب النساء.
ويدل على الاختصاص بالدين رواية أبي بصير (3) وفي طريقها شيء. ورواية
القاسم بن سليمان (4) وهو غير موثق.
والاختصاص بالدين هو غير معمول بين الأصحاب، وصحيحة محمد بن
مسلم السابقة تقتضي انسحاب الحكم في جميع الحقوق، فإن لم يثبت إجماع على
التخصيص كان القول بالعموم غير بعيد.
وفي الخلع خلاف بين الأصحاب، وأما العتق فالمشهور بينهم عدم ثبوته بهما،
لأنه يتضمن تحرير الرقبة، والحرية ليست مالا، وهي حق لله تعالى، ويشاركها
التدبير والكتابة والاستيلاد في المقتضي، وقيل: يثبت بهما العتق، لأن المملوك
مال، وتحريره يستلزم تفويت المال على المالك، والحرية وإن لم يكن نفسها مالا،
لكنها تتضمن المال من هذه الجهة، واختلف كلام العلامة وتوقف فيه الشهيد (رحمه الله).
واختلف الأصحاب في ثبوت الوقف بهما، وبني الاختلاف على أن الموقوف
هل ينتقل إلى الموقوف عليه مطلقا، أم إلى الله تعالى مطلقا، أو الأول عند الحصر،
والثاني عند عدمه، أم يبقى على ملك الواقف؟

(1) الوسائل 18: 195، الباب 14 من أبواب كيفية الحكم، ح 12.
(2) الوسائل 18: 192، الباب 14 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(3) الوسائل 18: 193، الباب 14 من أبواب كيفية الحكم، ح 5.
(4) الوسائل 18: 195، الباب 14 من أبواب كيفية الحكم، ح 10.
710

فعلى الأول يثبت بهما، كما هو مختار جماعة من الأصحاب منهم: الشيخ
والمحقق (1) وعلى الثاني لا يثبت بهما، واختاره الشيخ في الخلاف (2). وكذا على
الرابع. وعلى الثالث يثبت بهما في المنحصر وحده. وربما قيل بثبوته وإن قلنا بعدم
انتقاله إلى الموقوف عليه.
وفي النكاح خلاف نشأ من تضمنه المهر والنفقة، وكون ذلك مقصودا
بالعرض، وفيه أوجه: ثبوته مطلقا، وعدمه مطلقا، وثبوته إن كان المدعي الزوجة،
والوجه ثبوته من الزوجة مطلقا. ولا يبعد القول بثبوته مطلقا، نظرا إلى عموم
صحيحة محمد بن مسلم السابقة (3).
الرابعة: لا يثبت دعوى الجماعة مع الشاهد إلا مع حلف كل واحد منهم، وإن
حلف بعضهم ثبت نصيبه حسب.
ولو ادعى الجماعة مالا لمورثهم وحلفوا جميعا مع الشاهد يثبت الدعوى،
ويقسم المال بينهم على حسب سهامهم. ولو كان وصية قسموه بالسوية، إلا أن
يثبت التفضيل، وإن امتنعوا من الحلف لم يحكم لهم. قالوا: وإن حلف البعض أخذ
حصته ولم يشاركه الآخرون.
واستشكل الفرق بين هذا وبين ما لو ادعى على آخر مالا وذكر سببا موجبا
للشركة كالإرث، فإنه إذا أقر لأحدهما شاركه الآخر فيما وصل إليه.
فخص بعضهم هذا بالدين وذاك بالعين، نظرا إلى اشتراك عين التركة بين
الورثة، وحيث اعترف بذلك لزم عليه التشريك، بخلاف الدين، فإنه يتعين بالتعيين
والقبض، وهذا لا يوافق القول بمشاركة الشريك في الدين في ما قبضه الآخر.
وفرق آخرون بأن المدعي هناك تلقي الملك من قول ذي اليد وينضم إليه

(1) الشرائع 4: 93، المبسوط 8: 189 - 190.
(2) الخلاف 6: 280، المسألة 25.
(3) الوسائل 18: 195، الباب 14 من أبواب كيفية الحكم، ح 12.
711

إقراره بأنه إرث، فيشاركه الآخر، والسبب هنا الشاهد واليمين، وإثبات الشركة
هنا يقتضي تمكين الناكل بيمين غيره.
واستشكل بأن اليمين ليس سببا، بل كاشفة، والوجه أن يمين الحالف لا
تقتضي شركة غيره، لجواز الإبراء منه، أو القبض على وجه لا يقتضي التشريك.
ولو فرض حلف الآخر بعد الدفع إلى الأول، ففي مشاركة الثاني له وجهان:
من وجود المقتضي للشركة، وسبق الحكم باختصاص الأول، وتظهر الفائدة في
النماء المتجدد قبل يمين الثاني.
وإذا كان في الجملة مولى عليه كالصبي والمجنون يوقف نصيبه إلى أن يكمل
ويرشد ويحلف، وهل يشارك الحالف فيما قبضه؟ فيه وجهان، وبعضهم قوى
الشركة، بناء على أن اليمين كاشفة عن الشركة من حين موت المورث (1). وفيه
نظر، بل القول بالعدم لا يخلو عن ترجيح.
ولو أقام الحاضر بينة على الدعوى ثبت الحكم للغائب والطفل والمجنون
بمقدار حصصهم. ولو كانت الدعوى على عين فاستوفى بعض الحاضرين حصته
يثبت الشركة فيما يأخذه للغائب وغير المكلف.
ولو كانت الدعوى دينا فاستوفى حصته مما على ذمته لم يشاركه غيره. ولو
أخذ حصته منه شاركه غيره من الشركاء في المأخوذ، ويبقى الباقي بين الجميع.
الخامسة: لا يحلف ليثبت مالا لغيره، قالوا: فلو ادعى غريم الميت مالا له على
آخر مع شاهد، فإن حلف الوارث ثبت، وإن امتنع الوارث من الحلف لم يكن
للغريم الحلف عند الأصحاب.
وعلل بأن التركة تنتقل إلى ملك الوارث، أو تكون على حكم مال الميت،
وعلى التقديرين خارجة عن ملك الغريم. وفيه خلاف لبعض العامة.
ولا يجبر الوارث على الحلف. وكذلك لو ادعى رهنا وأقام شاهدا أنه
للراهن لم يحلف.

(1) المسالك 13: 520.
712

البحث السادس في القسمة
وفيه فصول:
الأول في القاسم:
قالوا: يستحب للإمام أن ينصب قاسما ويرزقه من بيت المال، لأن ذلك من
مصالح المسلمين.
وروي أنه: كان لعلي (عليه السلام) قاسم يقال له: عبد الله بن يحيى، ويرزقه من بيت
المال (1).
ويشترط في القاسم المنصوب من قبل الإمام التكليف، والإيمان، والعدالة،
والمعرفة بالحساب. ولا يشترط الحرية عند الأصحاب.
ولو نصب الشركاء قاسما لم يعتبر فيه العدالة. وفي اشتراط إسلامه وجهان،
والأوجه جواز كونه كافرا، لجواز كونه وكيلا، وهذه في حكم الوكالة. ولهم
التصرف في أموالهم بأي نحو كان.
وقسمة قاسم الإمام تمضي بنفس القرعة، ولا يعتبر رضا الشريكين بعد ذلك
على المعروف من مذهب الأصحاب. وفي الحكم به في قسمة الرد إشكال.
وإذا اقتسما بأنفسهما من غير قاسم، أو نصبا قاسما فهل يعتبر رضاهما بعد
القرعة؟ قال الشيخ: نعم (2). وقيل: يكفي رضاهما بالقسمة (3).
واشترط في الدروس تراضيهما بعد القرعة في غير قسمة منصوب الإمام مع
اشتمالها على الرد خاصة (4).
وفي اللمعة اكتفى بتراضيهما عليها من غير قرعة مطلقا (5). واختاره العلامة في
القواعد (6). واستجوده الشهيد الثاني (7).

(1) رواه الشيخ في المبسوط 8: 133.
(2) المبسوط 8: 148.
(3) لم نعثر عليه.
(4) الدروس 2: 117.
(5) اللمعة: 53.
(6) القواعد 3: 460.
(7) المسالك 14: 27.
713

والمسألة عندي محل تردد، لعدم نص على خصوص بعض هذه الأقوال،
والمرجع في هذا الباب إلى حديث الضرر، فينبغي أن يراعى في كل باب.
الفصل الثاني في المقسوم:
وهو على أقسام:
الأول: أن تكون مثلية متساوية الأجزاء في القيمة والصفات، كالحبوب
والأدهان. ولا أعلم خلافا بين الأصحاب في أن الممتنع يجبر في هذا القسم
بالقسمة مع مطالبة الشريك، لأن الامتناع من ذلك إضرار بالغير من غير جهة
شرعية، وكذا لو كان قيمية متشابهة الأجزاء كالدار المتفقة الأبنية والأرض
المتشابهة الأجزاء وما في معناها، بحيث يمكن تعديلها بعدد الأنصباء من غير
رد ولا ضرر.
الثاني: أن يكون المقسوم غير مثلي ويحصل بقسمته الضرر على جميع
الشركاء، كالجوهرة النفيسة تكسر، والثوب الرفيع يقطع. أو يحصل الضرر بالقسمة
على بعض الشركاء كدار بين اثنين لأحدهما عشرها الذي لا يصلح لسكناه.
والمتضرر لا يجبر على القسمة، لعموم الخبر. ولو طلب المتضرر القسمة اجبر
الآخر. واختلفوا في ضبط الضرر المانع من القسمة، فقيل: إنه عدم الانتفاع
بالنصيب بعد القسمة (1). وقيل: إنه نقصان القيمة (2). وقيل: إنه عدم الانتفاع به منفردا
فيما كان ينتفع به مع الشركة، كالدار الصغيرة إذا قسمت أصاب كل واحد موضع
ضيق لا ينتفع به في السكنى على ذلك الوجه وإن انتفع به في غيرها (3). والرابع: إنه
نقصان القيمة نقصانا فاحشا بحيث يحصل الضرر عرفا. ولعل هذا أقوى، واختاره
الشهيد في الدروس (4) والشهيد الثاني في المسالك (5).

(1) حكاه في المسالك 14: 34.
(2) حكاه في الشرائع 4: 101.
(3) حكاه في المسالك 14: 34.
(4) الدروس 2: 117.
(5) المسالك 14: 35.
714

الثالث: أن لا يكون أجزاء المقسوم متشابهة، ولا يحصل الضرر بالقسمة، ولا
يمكن تعديله من غير رد. وهذه ليست قسمة إجبارية، لا أعلم خلافا في ذلك.
ونفى عنه الخلاف في المسالك (1). ووجهه ظاهر، لكن بعض صوره المتضمن
للضرر والإضرار الشديد لا يخلو عن إشكال.
الرابع: أن لا يكون أجزاء المقسوم متشابهة، ولا يحصل الضرر بالقسمة،
ويمكن تعديل سهامه بالقيمة من غير رد، وهذا ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: ما يعد شيئا واحدا عرفا.
والثاني: ما لا يعد قسما واحدا عرفا.
أما الأول فكالأرض التي تختلف أجزاؤها كاختلافها في قوة الإنبات أو
القرب إلى الماء، أو في أن بعضها تسقى من النهر، وبعضها بالناضح، فيكون ثلثها
مثلا لجودتها يساوي ثلثيها بحسب القيمة، فيجعل لكل شريك سهم إذا كانت
القسمة بالتنصيف مثلا.
والمشهور أن القسمة هنا قسمة إجبار، ويحتمل عدم الإجبار هنا، لاختلاف
الأغراض بحسب اختلاف الأوصاف. ولا يبعد ترجيح المشهور.
وكذا الكلام في البستان الواحد المختلف الأشجار والدار الواحدة
المختلفة البناء.
وأما الثاني فينقسم إلى قسمين: العقار وغيره، أما العقار كالدور المتعددة
والأرض الخالية من الشجر - وهو المعبر عنها بالأقرحة - والدكاكين المتعددة
فالمشهور بين الأصحاب أنها لا تقسم بعضها في بعض قسمة إجبار، فإذا اشتركا
في دارين أو حانوتين متساوي القيمة وطلب أحدهما القسمة بأن يجعل لهذا دار
وللآخر دار فلا يجبر الممتنع هنا، سواء تجاور الداران والحانوتان أو تباعدا،
لشدة اختلاف الأغراض في مثله.

(1) المسالك 14: 39.
715

وقال ابن البراج: إذا استوت الدور والأقرحة في الرغبات قسمت بعضها في
بعض. قال: وكذا لو تضرر بعضهم بقسمة كل على حدته جمع حقه في ناحية (1).
وفي الإرشاد حكم بأن الدكاكين المتجاورة يقسم بعضها في بعض كذلك، دون
الدور والأقرحة (2).
وأما غير العقار كالعبيد، والدواب، والأشجار، والثياب فإما أن يكون من نوع
واحد أو من متعدد، فإن كانت من نوع واحد وأمكن التسوية بين الشريكين عددا
وقيمة كعبدين متساوي القيمة بين شريكين فعند الأكثر أنه يجبر على قسمتها
أعيانا، ويكتفي بالتساوي في القيمة، بخلاف الدور. وعن الشيخ في المبسوط أنه
نقل عن بعضهم عدم الإجبار (3). وفي القواعد استشكل الحكم في العبيد.
ولو لم يمكن التسوية في العدد وأمكن التعديل بحسب القيمة، كثلاثة أعبد
بين اثنين على السوى أحدهما يساوي الآخرين في القيمة وقلنا بالإجبار عند
إمكان التسوية العددية والقيمية فهنا إشكال.
ولو كانت الأعيان من أصناف مختلفة كالعبد التركي مع الهندي مع تساويهما
في القيمة ففي إجبار الممتنع وجهان. وكذا الكلام في مثل الثوب الإبريسم مع
الكتان. وكذا القول لو اختلفت قيمتها. وعن ظاهر المحقق وجماعة عدم اعتبار
اختلاف النوع مع اتفاق القيمة (4).
وأما الأجناس المختلفة كالعبد، والثوب، والحنطة، والشعير، والدابة، والدار
فعندهم أنه لا إجبار في قسمة أعيانها بعضها في بعض وإن تساوت قيمتها.
وإذا سأل الشريكان الحاكم القسمة ولهما بينة بالملك قسم بلا ريب، وإن لم
يكن لهما بينة وكانت يدهما عليه بلا منازع ففي المبسوط أنه لا يقسم (5) لأن اليد
أعم من الملك. وعن الخلاف: أنه يقسم (6). ولعل هذا أقرب، لليد الدالة على الملك.

(1) المهذب 2: 573 - 574.
(2) الإرشاد 1: 434.
(3) المبسوط 8: 145.
(4) انظر الشرائع 4: 102.
(5) المبسوط 8: 147 - 148.
(6) الخلاف 6: 232، المسألة 30.
716

قال بعض الأصحاب: لكن يكتب الحاكم ويشهد أنه إنما قسم بقولهما ولا
يتمسكا بقسمته (1).
الفصل الثالث في كيفية القسمة:
الحصص المعدلة في غير قسمة الرد إذا اتفق الشركاء على اختصاص كل
واحد منهم بسهم صح، وجاز لكل واحد منهم التصرف فيما اختص به. وظاهر
الأكثر وصريح بعضهم أن ذلك على سبيل اللزوم. فليس لبعضها (2) الرجوع، وليس
من قبيل المعاطاة، لصدق القسمة الموجبة لتمييز الحق.
وإن لم يتفق الشركاء على ذلك احتيج إلى التعيين بالقرعة، فإن كانت
الحصص متساوية القيمة والسهام - كالعين المشتركة بين اثنين على التساوي -
كان القاسم مخيرا بين الإخراج على الأسماء، والإخراج على السهام.
وطريق الأول أن يكتب كل نصيب في رقعة متميزا عن الآخر، ويجعل
مضمونا في ساتر كالشمع والطين، ويأمر من لم يطلع على الصورة بإخراج
أحدهما على اسم أحد المتقاسمين، فما خرج فهو له.
وطريق الثاني معلوم بالقياس إلى الأول. ونحوه الكلام في العين المشتركة
بين الثلاث والأربع على التساوي. وهذا الطريق هو المشهور في استعمال الفقهاء،
وليس ذلك على سبيل التعيين، فلو جعلها بالأقلام والحصى والورق ونحوها مع
مراعاة الستر جاز. وتعيين من يبتدأ له من الشركاء أو الأجزاء منوط بنظر القاسم.
ولو اختلفت السهام المعدلة بالقيمة قسم على أقل السهام. وفيها طرق: منها:
أن يجعل للسهام أول يعينه المتقاسمون أو الحاكم عند تعاسرهم، ثم الثاني والثالث
إلى آخرها، ويكتب أسماؤهم لا أسماء السهام، حذرا من التفريق، فمن خرج
اسمه أولا أخذ الأول وأكمل نصيبه منها على التوالي، فإن كانوا أكثر من اثنين
اخرج ثانيا، وهكذا حتى يتعين الباقي.

(1) المسالك 14: 39.
(2) كذا في النسخ، والأنسب: لبعضهم.
717

وأما قسمة الرد - وهي التي لا يمكن فيها تعديل السهام بالقيمة، بل يفتقر إلى
ضميمة شيء خارج عن المقسوم المشترك إلى بعض الأقسام، ليحصل التعادل -
فقد مر أنها غير إجبارية، لاشتمالها على أمر خارج عن المقسوم المشترك، فلا
يكون محض قسمة، بل معاوضة موقوفة على التراضي، فبعد التراضي على القسمة
إن اتفقا على أن يكون الرد من واحد معين وأوقعا صيغة معاوضة يلزمه كالصلح
فلا إشكال، وإن اتفقا عليه ودفع الراد العوض من غير عقد خاص فالأشهر أن
حكمه كالمعاطاة، ولا يلزم إلا بالتصرف عند من جعل ذلك حكم المعاطاة.
وإن اتفقا على القرعة فهل يلزم بنفس القرعة حتى يثبت العوض لمن أخرجته
أو عليه؟ قال الشيخ وجماعة: لا، بل يحتاج إلى التراضي بعد القرعة (1). وقيل: نعم.
وإليه ذهب جماعة من الأصحاب (2).
مسائل:
الاولى: لو كان لدار علو وسفل وطلب أحد الشريكين قسمتهما، بحيث يكون
لكل منهما نصيب من كل منهما على وجه التعديل جاز، واجبر الممتنع مع انتفاء
الضرر، لكونهما بمنزلة بيتين متجاورين. وإن طلب أحدهما قسمتهما على وجه
يختص بأحدهما لم يجبر الممتنع.
الثانية: لو كان بينهما أرض وزرع، فأراد أحدهما قسمة الأرض حسب
وجبت الإجابة على الآخر، لأن الأرض قسمتها إجبارية، والزرع فيها في حكم
المتاع في البيت. وإن أراد قسمة الزرع فالأقرب كونه كذلك إذا أمكن تعديله بأن
لا يكون بذرا مستورا، ويستوي في ذلك السنبل والحشيش والقصيل، ومنع الشيخ
من قسمته قسمة إجبار، استنادا إلى عدم إمكان تعديله (3). ومنعه ظاهر. ولو أراد
قسمتهما معا فحكمه كذلك عندنا.

(1) المبسوط 8: 148.
(2) انظر الشرائع 4: 100.
(3) المبسوط 8: 141.
718

الثالثة: إذا ادعى بعد القسمة الغلط عليه لم تسمع دعواه بمجردها، سواء كان
القاسم منصوب الإمام أو من تراضيا عليه أو أنفسهما. ولو أقام بينة سمعت
ونقضت القسمة.
ولو لم يقم بينة وأراد تحليف الشريك فإن ادعى عليه العلم مكن منه على
الأشهر، وإلا ففيه قولان، ولا يبعد القول بترجيح التمكين عملا بالعموم.
وأطلق ابن الجنيد عند سماع دعواه إلا بالبينة (1) وللشيخ قول بتفصيل (2).
البحث السابع في الدعوى
وفيه فصول:
الأول:
اختلف الفقهاء في حد المدعي، فقيل: هو الذي يترك لو ترك الخصومة (3).
وبعبارة اخرى: هو الذي إذا سكت خلي ولم يطالب بشيء. والمدعى عليه لا
يخلى ولا يقنع منه بالسكوت.
وقيل: إنه هو الذي يدعي ما يخالف الأصل، والمدعى عليه هو الذي يدعي
ما يوافقه (4).
وقيل: إن المدعي من يذكر أمرا خفيا بخلاف الظاهر (5).
وفي الأغلب لا يختلف موجب هذه المعاني، ومثل موضع الاختلاف بما إذا
أسلم زوجان قبل الدخول، فقال الزوج: أسلمنا معا فالنكاح مستمر، وقالت: بل
مرتبا فالنكاح منفسخ، فهي على الأولين مدعية، لأنها لو تركت الخصومة لتركت
واستمر النكاح المعلوم وقوعه، والزوج لا يترك، لزعمها انفساخ النكاح، والأصل
عدم التعاقب، لاستدعائه تقدم أحد الحادثين على الآخر، والأصل عدمه.

(1) حكاه في المختلف 8: 434 - 435.
(2) المبسوط 8: 141 - 142.
(3) الشرائع 4: 106.
(4) حكاه في الشرائع 4: 106.
(5) حكاه في المسالك 14: 59.
719

وعلى الثالث الزوج مدع، لأن التوافق في الإسلام خلاف الظاهر، فعلى
الأولين يحلف الزوج ويستمر النكاح، وعلى الثالث تحلف المرأة ويبطل النكاح.
وفيه تأمل.
ولو ادعى الزوج الإنفاق مع اجتماعهما ويساره واشتهاره بالديانة والسخاء
افترق الظاهر والأصل هاهنا.
[الفصل] الثاني:
يشترط في المدعي أن يكون بالغا عاقلا، وأن يدعي لنفسه أو لمن له ولاية
الدعوى عنه، ويكون مما يصح منه تملكه، فلا يسمع دعوى الطفل والمجنون، ولا
دعوى مال لغيره إلا أن يكون وكيلا، أو وصيا، أو وليا، أو حاكما، أو أمينا.
ولا يسمع دعوى المسلم خمرا أو خنزيرا.
ولابد من كونها معلومة أو مظنونة على بعض الوجوه على قول، وأن تكون
مضبوطة بذكر الجنس والوصف والقدر وغيرها على قول، وأن تكون لازمة على
المدعى عليه، فلو ادعى لفظ الهبة لم تسمع حتى يقول: «وهب وأقبض» أو يقول:
«هبة يلزمه التسليم إلي».
ولو ادعى رهنا بلا قبض - وقلنا باشتراط القبض في صحة الرهن - لم تسمع.
ولو ادعى المنكر فسق الحاكم والشهود ولا بينة، فادعى علم المدعي به، ففي
توجه اليمين وجهان، أقربهما العدم.
ولو ادعى عليه الإقرار بالحق فهل تسمع الدعوى بمعنى توجه اليمين على
المنكر؟ فيه وجهان.
والمشهور بين الأصحاب أنه لابد في دعوى الدم من التفصيل، للخلاف في
الموجبة منه القود والدية.
وأما دعوى المال مجردة عن ذكر السبب من بيع وقرض وغيرهما فلا أعلم
خلافا بين الأصحاب في عدم اعتبار التفصيل فيها، ونفي الخلاف فيه مذكور
في كلامهم.
720

وأما النكاح والبيع وسائر العقود فعند الأصحاب أنه لا يشترط فيها التفصيل،
بل يكفي إطلاق الدعوى بها كالمال.
وعند الأصحاب: يكفي قولها: «هذا زوجي» ولا يعتبر أن يضم إليه شيئا من
حقوق الزوجية كالمهر والنفقة، خلافا لبعض العامة.
ولو ادعى أن هذه بنت أمته لم يسمع دعواه، لأن ذلك لا يدل على كونها ملكا
له، لجواز أن تلدها قبل أن يملك الام في ملك غيره، أو يكون زوجها من حر أو
عبد وشرط لمولاه رقية الولد أو غير ذلك. ولا فرق بين أن يقول: ولدتها في ملكي
أم لا. ومثله لو قال: هذه ثمرة نخلي.
ولو قال المقر: هذه ثمرة شجرة فلان، أو بنت أمته، وأضاف إلى ذلك قوله:
وهي ملكي، فليس فيه إقرار. ولو أطلق فظاهر كلام المحقق أنه إقرار (1) وتبعه
العلامة في القواعد (2).
والفرق بين الدعوى والإقرار في ذلك لا حجة عليه، إذ الاحتمال قائم على
التقديرين، والعمل بالظاهر في الإقرار دون الدعوى غير مرتبط بدليل.
والعلامة في الإرشاد أطلق القول بسماع الدعوى والإقرار معا (3).
ولو ادعى أن الغزل من قطني والدقيق من حنطتي سمعت.
الفصل الثالث في التوصل إلى الحق:
الحق إما عقوبة أو مال، فإن كان عقوبة كالقصاص وحد القذف فلابد من الرفع
إلى الحاكم، لا أعرف فيه خلافا.
وإن كان مالا فهو إما عين أو دين، فإن كان عينا وأمكنه استردادها من غير
تحريك فتنة استقل به من غير حاجة إلى الحاكم. وإن أدى الاسترداد إلى إثارة
الفتنة فلابد من الحاكم.

(1) الشرائع 4: 108.
(2) القواعد 3: 437.
(3) الإرشاد 2: 143.
721

وإن كان دينا والغريم مقر باذل غير مماطل فليس له الأخذ بغير إذنه، لأن
حقه أمر كلي في ذمة الغريم، والتعين منوط برأيه، فلا استقلال له بدونه، ولا
استقلال للحاكم فيه.
ولو كان الغريم جاحدا أو مماطلا وليس لصاحب الحق بينة يثبت به الحق
عند الحاكم، أو كان ولم يتمكن من التوصل إلى الحاكم القوي المطاع، أو يمكن
ولكن بعد مدة أو تعب شديد يوجبان الضرر القوي، جاز له الاقتصاص منه.
لا أعلم خلافا في ذلك، لقوله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل
ما اعتدى عليكم) (1) وقوله تعالى: (فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) (2).
ولقوله (صلى الله عليه وآله): لي الواجد يحل عرضه وعقوبته (3).
وصحيحة داود بن زربي قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): إني اعامل قوما فربما
أرسلوا إلي فأخذوا مني الجارية والدابة فذهبوا بها مني، ثم يدور لهم المال عندي
فآخذ منه بقدر ما أخذوا مني؟ فقال: خذ منهم بقدر ما أخذوا منك ولا تزد عليه (4).
وصحيحة داود بن زربي أيضا، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): إني اخالط
السلطان، فيكون عندي الجارية فيأخذونها، أو الدابة الفارهة، فيبعثون فيأخذونها،
ثم يقع عندي لهم المال، فلي أن آخذه؟ قال: خذ مثل ذلك ولا تزد عليه (5).
وصحيحة اخرى لداود (6).
وفي الصحيح عن ابن مسكان، عن أبي بكر قال: قلت له: رجل لي عليه
دراهم فجحدني، فحلف عليها، أيجوز لي إن وقع له قبلي دراهم أن آخذ منه بقدر
حقي؟ قال: فقال: نعم، ولكن لهذا كلام. قلت: وما هو؟ قال: تقول: اللهم إني لم
آخذه ظلما ولا خيانة، وإنما أخذته مكان مالي الذي أخذ مني لم أزدد عليه شيئا (7).

(1) البقرة: 194.
(2) النحل: 126.
(3) السنن الكبرى 6: 51.
(4) الفقيه 3: 187، ح 3703.
(5) الوسائل 12: 201، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، ح 1. (وفيه عن داود بن رزين).
(6) الوسائل 12: 201، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، ذيل الحديث 1.
(7) الوسائل 12: 203، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، ح 4.
722

وعن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) نحوه (1). ولرواية اخرى لأبي
بكر (2). ورواية علي بن مهزيار (3). ورواية جميل بن دراج (4) ورواية علي بن
سليمان (5) وغيرها.
ورواية أبي بكر السابقة تدل على جواز الأخذ بعد الحلف، وهو مناف
للأخبار الكثيرة الدالة على أنه لا يبقى الحق بعد الحلف، وأنه ليس له أن يأخذ بعد
الحلف شيئا (6). ويمكن حمل الخبر المذكور على أن الحلف كان من قبل نفسه من
غير أن يحلفه المدعي.
ولو كان هناك بينة يثبت بها الحق عند الحاكم لو أقامها، والوصول إليه ممكن،
ففي جواز أخذه قصاصا من دون إذن الحاكم قولان. والأشهر الأقرب الجواز،
نظرا إلى عموم الأدلة المذكورة. وقيل: لا، استنادا إلى حجة ضعيفة، واختاره
المحقق في النافع (7).
واختلف الأصحاب في جواز الاقتصاص من الوديعة، فذهب الشيخ في
الاستبصار (8) والمحقق (9) وأكثر المتأخرين إلى الجواز على كراهية.
وذهب الشيخ في النهاية (10) وجماعة (11) إلى التحريم، والأقرب الأول، جمعا

(1) الوسائل 12: 203، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، ح 5.
(2) الوسائل 12: 204، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، ح 6.
(3) الوسائل 12: 204، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، ح 8.
(4) الوسائل 12: 205، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، ح 10.
(5) الوسائل 12: 204، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، ح 9.
(6) انظر الوسائل 18: 179، الباب 10 من أبواب كيفية الحكم، الوسائل 12: 201، الباب 83
من أبواب ما يكتسب به.
(7) لم نعثر عليه صريحا في المختصر النافع، وحكاه في المسالك 14: 70 - 71، وانظر
المختصر النافع: 276.
(8) الاستبصار 3: 53، ذيل الحديث 172.
(9) الشرائع 4: 109.
(10) النهاية 2: 26.
(11) الكافي في الفقه: 331، الغنية: 240، إصباح الشيعة: 284.
723

بين ما يدل على المنع، كرواية ابن أخي الفضيل بن يسار (1) وصحيحة سليمان بن
خالد (2) وبين ما يدل على الجواز، كصحيحة أبي العباس البقباق (3) ورواية علي
ابن سليمان (4).
ولو كان المال من غير جنس الموجود جاز أخذه بالقيمة، ويسقط اعتبار
رضى المالك. ويتخير عند الأصحاب بين أخذه بالقيمة وبين بيعه وصرفه في
جنس الحق، ويستقل بالمعاوضة. ويجوز أن يتولى بيعه وقبض دينه من ثمنه، فإن
تلف قبل البيع ففي الضمان قولان.
مسألتان:
[الاولى:] من ادعى مالا لا يد لأحد عليه قضي له به، لأن مع عدم المنازع لا
وجه لمنع المدعي منه ولا لطلب البينة والإحلاف، إذ لا خصم له.
ومن هذا الباب أن يكون كيس بين جماعة فيسألون: هل هو لكم؟ ويقولون:
لا، ويقول واحد: هو لي، والأصل فيه صحيحة منصور بن حازم، عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: قلت: عشرة كانوا جلوسا ووسطهم كيس فيه ألف درهم، فسأل
بعضهم بعضا: ألكم هذا الكيس؟ فقالوا كلهم: لا، فقال واحد منهم: هو لي؟ قال: هو
للذي ادعاه (5).
الثانية: لو انكسرت سفينة في البحر فما أخرجه البحر فهو لأهله، وما اخرج
بالغوص فهو لمخرجه على الأشهر عند الأصحاب، ومستنده رواية الشعيري قال:
سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن سفينة انكسرت في البحر، فاخرج بعضه بالغوص،

(1) الوسائل 12: 202، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، ح 3.
(2) الوسائل 12: 204، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، ح 7.
(3) الوسائل 12: 202، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، ح 2.
(4) الوسائل 12: 204، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، ح 9.
(5) الوسائل 18: 200، الباب 17 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
724

وأخرج البحر بعض ما غرق فيها؟ فقال: أما ما أخرجه البحر فهو لأهله، الله
أخرجه لهم، وأما ما خرج بالغوص فهو لهم وهم أحق به (1) والرواية ضعيفة السند.
وعن ابن إدريس: أنه رد الرواية وحكم بأن ما أخرجه البحر فهو لأصحابه،
وما تركه أصحابه آيسين منه فهو لمن وجده وغاص عليه، لأنه بمنزلة المباح،
وادعى الإجماع على ذلك (2).
وفي المسالك: الأصح أن جواز أخذ ما يتخلف مشروط بإعراض مالكه
عنه مطلقا، ومعه يكون إباحة لآخذه، ولا يحل أخذه بدون الإعراض مطلقا، عملا
بالأصل (3).
وفيه نظر، لأن أصل الاستصحاب لا يقتضي سوى استمرار الحكم في مورد
الاتفاق. والأقرب جواز أخذه للغائص وجواز تصرفه فيه، عملا بالإباحة
الأصلية، لكن في كونه ملكا مستقرا له تأمل.
الفصل الرابع في الاختلاف في دعوى الأملاك:
وفيه مسائل:
الاولى: لو تنازعا عينا في يدهما، فإن كان لواحد منهما بينة حكم بها له، وإن
لم يكن لواحد منهما بينة قضي بينهما نصفين على قول، ويحلف كل منهما لصاحبه
على قول آخر، وهو الأقوى. بل قيل: إنه لم ينقل الأكثر فيه خلافا (4) ووجهه أن كلا
منهما مدع في نصفها ومدعى عليه في النصف الآخر، فإن حلفا جميعا أو نكلا
حكم بها لهما بالتنصيف وحلفهما على النفي.
وإن حلف الذي أمر الحاكم بتحليفه ونكل الآخر بعده وقضينا بمجرد النكول
حكم بالكل للحالف، وإلا رد عليه اليمين وحكم بمقتضاه. وإن نكل الأول ورغب

(1) الوسائل 17: 362، الباب 11 من أبواب اللقطة، ح 2.
(2) السرائر 2: 195.
(3) المسالك 14: 77.
(4) المسالك 14: 78.
725

الآخر في اليمين حلف يمينا واحدة جامعة بين النفي والإثبات، أعني: النفي
للنصف الذي ادعاه صاحبه، والإثبات للنصف الذي ادعاه هو. ويحتمل وجوب
يمينين نافية ومثبتة.
وهل يتخير الحاكم في البدأة باليمين أو يقرع بينهما؟ فيه وجهان، وفائدته
تعدد اليمين على المبتدئ عند نكول صاحبه. ويحتمل أن يقال: ينظر إلى السابق
في الدعوى فيبدأ بتحليف صاحبه.
ولو كانت العين في يد أحدهما ولا بينة لواحد منهما فيقضى بها للمتشبث مع
يمينه، لأنه هو المدعى عليه، فإن نكل رد اليمين على الآخر إن لم نقض بالنكول،
ويحلف المتشبث على النفي والمدعي بالإثبات.
ولو كانت بيد ثالث، فإن صدق أحدهما فهو في حكم ذي اليد فهي له مع يمينه
وعلى المصدق اليمين للآخر إن ادعى علمه بأنها له، فإن امتنع حلف الآخر
وأغرمه القيمة إن لم نقض بالنكول. ولو صدقهما فهي لهما بعد حلفهما أو نكولهما،
ولهما إحلافه إن ادعيا علمه، طلبا للغرم. ولو أنكرهما حلف لهما.
ولو كان لكل واحد منهما بينة وأمكن الجمع بين البينتين، كما لو شهدت
إحداهما بملك زيد أمس، والاخرى بانتقاله إلى عمرو الآن، وكما لو أطلقت
إحداهما وفصلت الاخرى جمع بينهما، ولا تعارض هاهنا.
وإن وقع التعارض فإما أن يكون في يدهما، أو في يد أحدهما، أو في يد
ثالث. فهاهنا صور ثلاث:
الصورة الاولى: أن يكون في يدهما، والمعروف بينهم أنه يقضي بها بينهما
نصفين. وفي المسالك: أنه لا إشكال في الحكم بها بينهما نصفين (1).
واختلف الأصحاب في سبب ذلك فقيل: لتساقط البينتين بسبب التساوي،
فيبقى الحكم كما لو لم يكن هناك بينة (2) وعلى هذا القول يلزم لكل منهما يمين

(1) المسالك 14: 81.
(2) حكاه في المسالك 14: 81.
726

لصاحبه كما في المسألة السابقة. وقيل (1): لأن لكل واحد منهما مرجحا باليد على
نصفها، فيبنى على ترجيح بينة الداخل، ولا يمين على هذا القول، لأن ترجيح
البينة يقتضي العمل بالراجح وترك الاخرى، كما في تعارض الخبرين.
والأشهر أن السبب ترجيح بينة الخارج، فيقضى لكل واحد منهما بما في يد
صاحبه، ولا يمين على هذا، لاستناد القضاء إلى البينة الناهضة بثبوت الحق من
غير حاجة اليمين.
وبعضهم قوى ثبوت اليمين على كل واحد منهما مع حكمه بتقديم بينة الخارج (2).
وفي هذه المسألة إشكال من وجهين:
أحدهما: من حيث الإطلاق، حيث لم يعتبروا ترجيح إحدى البينتين هاهنا
من حيث الرجحان في العدالة والعدد، وفي بعض الروايات إشعار باعتبار ذلك (3).
ثانيها: أن في الأخبار ما يدل على القرعة والحلف بعدها، ففي رواية
عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان علي (عليه السلام) إذا أتاه
رجلان ببينة شهود عدلهم سواء وعددهم سواء أقرع بينهم على أيهم يصير اليمين،
قال: وكان يقول: اللهم رب السماوات السبع أيهم كان الحق له فأده إليه، ثم يجعل
الحق للذي يصير إليه اليمين عليه إذا حلف (4).
ورواية داود بن سرحان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في شاهدين شهدا على أمر
واحد، وجاء آخران فشهدا على غير الذي شهد الأولان، واختلفوا؟ قال: يقرع
بينهم، فمن قرع عليه اليمين فهو أولى بالقضاء (5).
وصحيحة الحلبي، قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجلين شهدا على أمر، وجاء
آخران فشهدا على غير ذلك، واختلفوا؟ قال: يقرع بينهم، فأيهم قرع فعليه اليمين

(1) حكاه في المسالك 14: 81.
(2) التحرير 2: 195 س 7.
(3) الوسائل 18: 186، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 14.
(4) الوسائل 18: 183، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 5.
(5) الوسائل 18: 183، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 6.
727

وهو أولى بالحق (1).
وفي مضمرة سماعة: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى في البينتين المتساويتين
بالقرعة بعد الدعاء لها (2).
وفي مرسلة داود عنه (عليه السلام): الحكم بالقرعة مع تعديل الشهود واعتدالهم (3).
وفي رواية السكوني: إنهم (عليهم السلام) قضوا لصاحب الشهود الخمسة خمسة أسهم،
ولصاحب الشاهدين سهمين (4).
الصورة الثانية: أن تكون العين في يد أحدهما وأقام كل منهما بينة،
فللأصحاب في ذلك أقوال:
منها: ترجيح الخارج، سواء شهدت البينة من الجانبين بالملك المطلق أو
المقيد بالسبب أو بالتفريق. وإليه ذهب الصدوقان والشيخ في موضع من الخلاف.
وجماعة من الأصحاب (5) لكن الصدوق اعتبر تقديم أعدل البينتين إن كان ذلك.
ومستندهم قول النبي (صلى الله عليه وآله): البينة على المدعي واليمين على من أنكر (6)
ورواية منصور، عن الصادق (عليه السلام) قال: قلت له: رجل في يده شاة، فجاء رجل
فادعاها، وأقام البينة العدول أنها ولدت عنده، ولم يهب ولم يبع، وجاء الذي في
يده بالبينة مثلهم عدول أنها ولدت عنده ولم يبع ولم يهب؟ قال (عليه السلام): حقها
للمدعي، ولا أقبل من الذي في يده بينة، إن الله عز وجل إنما أمر أن يطلب البينة
من المدعي، فإن كانت له بينة، وإلا فيمين الذي هو في يده، هكذا أمر الله عز وجل (7).

(1) الوسائل 18: 185، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 11.
(2) الوسائل 18: 185، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 12.
(3) الوسائل 18: 184، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 8.
(4) الوسائل 18: 185، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 10.
(5) انظر المقنع: 133، الفقيه 3: 65، ذيل الحديث 3345، الخلاف 3: 130، المسألة 217،
الغنية: 443، السرائر 2: 168.
(6) الوسائل 18: 171، الباب 3 من أبواب كيفية الحكم، ح 5.
(7) الوسائل 18: 186، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 14.
728

ومنها: ترجيح ذي اليد مطلقا، وهو قول الشيخ في موضع من الخلاف (1)
ومستنده رواية عامية.
ومن طريق الخاصة موثقة غياث بن إبراهيم عن الصادق (عليه السلام): أن
أمير المؤمنين (عليه السلام) اختصم إليه رجلان في دابة وكلاهما أقام البينة أنه أنتجها،
فقضى بها للذي هي في يده، وقال: لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين (2).
ويدل عليه أيضا رواية إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام): أن رجلين
اختصما إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فحلف أحدهما وأبى الآخر أن يحلف، فقضى بها
للحالف، فقيل له: لو لم يكن في يد واحد منهما وأقاما البينة؟ فقال: أحلفهما فأيهما
حلف ونكل الآخر جعلتها للحالف، فإن حلفا جميعا جعلتها بينهما نصفين، قيل:
فإن كانت في يد واحد منهما وأقاما جميعا البينة؟ قال: أقضي بها للحالف الذي
في يده (3).
ومنها: ترجيح الداخل إن شهدت بينته بالسبب مطلقا - أي سواء شهدت بينة
الخارج بالسبب أم لا - وترجيح الخارج في غيرها، وهو قول الشيخ في عدة من
كتبه (4) والمحقق (5) وجماعة من الأصحاب (6) ومستندهم الجمع بين ما دل على
تقديم بينة الداخل مع ذكر السبب، وبين ما دل على تقديم الخارج.
ومنها: ترجيح الأعدل من البينتين أو الأكثر عددا مع تساويهما في العدالة مع
اليمين، ومع التساوي يقضي للخارج، وهو قول المفيد (رحمه الله) (7). وفي المسألة أقوال
اخرى نادرة.
ويدل على ترجيح أكثرهم بينة صحيحة أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)

(1) الخلاف 6: 342، المسألة 15.
(2) الوسائل 18: 182، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 3.
(3) الوسائل 18: 182، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 2.
(4) النهاية 2: 75، التهذيب 6: 237، ذيل الحديث 583، الاستبصار 3: 42، ذيل الحديث 142.
(5) الشرائع 4: 111.
(6) حكاه عن الجماعة في المسالك 14: 84.
(7) المقنعة: 85.
729

عن الرجل يأتي القوم فيدعي دارا في أيديهم، ويقيم الذي في يده الدار أنه ورثها
عن أبيه لا يدري كيف كان أمرها؟ فقال: أكثرهم بينة يستحلف ويدفع إليه، وذكر
أن عليا (عليه السلام) أتاه قوم يختصمون في بغلة، فقامت البينة لهؤلاء أنهم أنتجوها على
مذودهم لم يبيعوا ولم يهبوا، وقامت لهؤلاء البينة بمثل ذلك، فقضى بها لأكثرهم
بينة واستحلفهم، قال: فسألته حينئذ فقلت: أرأيت إن كان الذي ادعى الدار قال: إن
أبا هذا الذي هو فيها أخذها بغير ثمن، ولم يقم الذي هو فيها بينة، إلا أنه ورثها عن
أبيه؟ قال: إذا كان أمرها هكذا فهي للذي ادعاها وأقام البينة عليها (1).
وهذا خبر معتمد، والعمل بمضمونه متجه، لكنه غير محيط بتمام الغرض في
هذه المسألة، والأدلة من الجوانب محل نظر، والمسألة محل إشكال وتردد.
الصورة الثالثة: أن تكون في يد ثالث، والمشهور بين الأصحاب خصوصا
المتأخرين منهم أنه يقضى بأرجح البينتين عدالة، ومع التساوي في العدالة يقضى
لأكثرهم شهودا، ومع التساوي يقرع بينهما، فمن خرج اسمه أحلف وقضي له. ولو
امتنع حلف الآخر وقضي له، فإن نكلا قضي بينهما بالسوية.
وعن الشيخ في المبسوط: أنه يقضى بالقرعة إن شهدتا بالملك المطلق،
ويقسم بينهما إن شهدتا بالملك المقيد. ولو اختصت إحداهما بالتقييد قضي بها
دون الاخرى (2). والنصوص غير ناهضة بالدلالة على هذه التفاصيل، فالمسألة
محل إشكال.
الثانية: (3) يتحقق التعارض بين الشاهدين والشاهد والمرأتين، والمعروف من
مذهبهم أنه لا يتحقق بين شاهدين وشاهد ويمين. ونقل عن الشيخ القول بوقوع
التعارض هاهنا أو التردد في ذلك (4). ولا يقع أيضا عندهم بين شاهد وامرأتين
وشاهد ويمين.

(1) الوسائل 18: 181، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(2) المبسوط 8: 258.
(3) أي المسألة الثانية من الفصل الرابع.
(4) نقله في الشرائع 4: 111.
730

الثالثة: إذا تداعيا زوجة ولم يرجح بينة أحدهما لكونهما خارجتين ونكلا عن
اليمين، فالطريق هنا الحكم لمن أخرجته القرعة عندهم، إذ لا سبيل إلى غيره، ويؤيده
مرسلة داود بن أبي يزيد العطار (1). ولا فائدة في الإحلاف بعد القرعة هاهنا.
الرابعة: إذا تعارضت البينتان في الملك فالمشهور أنه يحصل الترجيح بالقدم
والأقدم، كما لو شهدت إحدى البينتين بأنه ملكه الحال أو مذ سنة، والاخرى بأنه
ملكه منذ سنة أو مذ سنتين. وعللوه بأن البينتين تعارضتا في الوقت المشترك
بينهما فسقطتا فيه، والمختصة بالتقديم سلمت عن المعارض في غير الوقت
المشترك، فيثبت موجبها فيه، وهو الزمان المتقدم، فيثبت حكمها الآن بموجب
الاستصحاب.
وفيه: أن مناط الحكم الملك في الحال، وقد استويا فيه، ففي المسألة وجه
لعدم الترجيح.
وفي المسالك: إن المسألة مفروضة فيما إذا كان المدعى في يد ثالث، فأما إذا
كان في يد أحدهما وقامت بينتان مختلفتا التاريخ، فإن كانت بينة الداخل أسبق
تاريخا فهو المقدم لا محالة، وإن كانت بينة الآخر أسبق تاريخا، فإن لم نجعل سبق
التاريخ مرجحا فكذلك يقدم الداخل، وإن جعلناه مرجحا ففي ترجيح أيهما
وعدمه أوجه:
أحدها: ترجيح اليد، لأن البينتين يتساويان في إثبات الملك في الحال،
فتتساقطان فيه، ويبقى من أحد الطرفين اليد، ومن الآخر إثبات الملك السابق،
واليد أقوى من الشهادة على الملك السابق، ولهذا لا تزال بها.
والثاني: ترجيح السبق، لأن مع إحداهما ترجيحا من جهة البينة ومع الاخرى
ترجيحا من جهة اليد، والبينة مقدمة على اليد، فكذلك الترجيح من جهتها مقدم
على الترجيح من جهة اليد.

(1) الوسائل 18: 184، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 8.
731

والثالث: أنهما يتساويان، لتعارض البينتين (1).
ووجه تخصيص المسألة غير ظاهر، والظاهر أن هذه التفاصيل إنما تجري
على القول بترجيح بينة الداخل لا مطلقا.
وهل يعتبر في فرض المسألة المذكورة اشتراط أن يضيف البينة إلى الملك
القديم التعرض للملك في الحال؟ فيه وجهان، أشهرهما أن الشهادة بالملك القديم
لا يسمع حتى يقول: «وهو ملكه في الحال». أو يقول: «لا أعلم له مزيلا» حتى لو
قال: «لا أدري زال أم لا» لم يقبل، ووجه فرقهم بين الأمرين على وجه يصح
ويتضح غير ظاهر.
والحق أن إطلاق الشهادة بالملك القديم لا يسمع، إذ لا ينافي كونه ملكا له في
الحال مع علم الشاهد بذلك.
والظاهر أنه لا يكفي في الترجيح أن يقال: «كان ملكا له ولا أعلم زواله» وإن
كان المشهور ذلك، إذ البينة الثانية خاصة ومفصلة، والبينة الاولى لا تدل إلا على
ثبوت الملك سابقا، وهو لا يستلزم ثبوته في الحال، فلا تعارض البينة الثانية، فلا
وجه لترجيحها عليها. نعم لو أضاف إليه «أنه ملك له الآن» أمكن الترجيح مع
إشكال فيه.
الخامسة: قالوا: لو تعارضت: البينة بالملك المطلق والبينة باليد، فالترجيح
لبينة الملك، لأن اليد محتملة لغيره كالعارية والإجارة وغيرهما وإن كانت ظاهرة
في الملك.
ولا فرق بين تقديم تاريخ شهادة اليد وتأخيره، وفيه إشكال، لجواز أن يكون
مستند الشهادة بالملك هو اليد، فلا يزيد على الشهادة باليد.
قالوا: ولو تعارضت البينة بسبب الملك: مثل قوله: «اشتراه أو أنتجه في ملكه»
والبينة بالتصرف تصرف الملاك من البناء والهدم والبيع والرهن ونحو ذلك، قدمت

(1) المسالك 14: 93.
732

بينة الملك بالسبب، لكون التصرف أعم من الملك المطلق، لجواز وقوعه من
الوكيل وصراحة الملك المبين بسببه في المطلوب.
قال بعض الأصحاب: ومقتضى هذا التعليل تقديم بينة الملك وإن لم يذكر
سببه على بينة التصرف، كما رجحت على بينة اليد (1). وفي هذه المسألة إشكال،
لأن الاشتراء إن كان من غير ذي اليد فلا يدل على المطلوب، وإن كان من ذي اليد
أو المتصرف فيرجع إلى اليد والتصرف، فلا يترجح على الشهادة باليد أو التصرف.
السادسة: إذا كان في يد أحد دار، وادعاها غيره وأقام بينة على أنها كانت
أمس في يده، أو كانت أمس ملكا له ففي تقديم أي الأمرين قولان، كلاهما للشيخ
في المبسوط والخلاف - على ما نقل - أحدهما: أن القديمة منهما لا تسمع أصلا
ويقضى باليد الحالية، لأن ظاهر اليد الآن الملك، فلا يدفعها اليد السابقة، لاحتمال
أن تكون بعارية ونحوها، وكذا الملك السابق، لاحتمال الانتقال.
واحتج في المبسوط بعدم المطابقة بين الدعوى والشهادة، لأن الدعوى
متعلقة بالحال، والشهادة بالسابق، فلا توافق بينهما.
والقول الثاني: القبول، لمشاركتهما في الدلالة على الملك الحالي وانفراد
السابقة بالزمن السابق (2). وفيه تأمل.
والتحقيق أن البينة إن قامت على اليد السابقة فلا تعارض بينها وبين اليد
اللاحقة، فلا ينطبق على الدعوى كما مر، ودعوى الاستصحاب ضعيفة.
وكذا إن كانت البينة على التصرف السابق. وكذا إن كانت على الملك المطلق.
وكذا إن كانت على الاشتراء، لأن الاشتراء من غير ذي اليد غير نافع، ومن ذي
اليد أو ذي التصرف يرجع إلى أحدهما.
ونحوه لو قال الشاهد: أنتجه في ملكه. ولو قال: اصطاده. كان فيه أيضا
احتمال الانتقال، فلا تعارض اليد اللاحقة والتصرف اللاحق. نعم لو شهدت البينة بأن

(1) المسالك 14: 95.
(2) نقله في المسالك 14: 100 - 101.
733

صاحب اليد الحالية غصبها من السابق أو استأجرها أو استعارها منه ترجحت.
وفي كلامهم القطع بأن صاحب اليد لو أقر أمس بأن الملك له، أو شهدت
البينة بإقراره له أمس، أو أقر بأن هذا له أمس، قضي به له. وفي إطلاق الحكم بذلك
إشكال.
نعم لو أقر بأنه غصبه أمس من زيد أو قامت البينة على ذلك أو أقر بذلك أمس
لم ينفع اليد الحالية، إذ قد ثبت بالإقرار أو البينة أنه أثبت عليه يد عدوان،
فيستصحب ذلك حتى يثبت خلافه، وفي حكم الغصب فيما ذكرناه الاستئجار
والاستعارة.
السابعة: إذا اتفقا على استئجار دار معينة في مدة معينة واختلفا في قدر
الاجرة فادعى المؤجر الزيادة ففيها صور:
الاولى: أن لا يكون لواحد منهما بينة، والمشهور بين الأصحاب تقديم قول
المستأجر مع يمينه، لأنه منكر للزائد الذي يدعيه المؤجر ولا بينة للمدعي، فيكون
اليمين على المنكر، للخبر المشهور.
وعن الشيخ قول بالتحالف وثبوت اجرة المثل (1). ووافقه بعض المتأخرين (2)
استنادا إلى أن كلا منهما مدع ومدعى عليه، لأن العقد المتشخص بالعشرة غير
العقد المشتمل على الخمسة خاصة، فيكون كل منهما مدعيا ومنكرا.
وفيه: أنه لا نزاع هاهنا إلا في القدر الزائد، فيكون تحت عموم الخبر. وما ذكر من
التعليل ينتقض بما لا يقولون به، ومورد التحالف ما ليس فيه أمر مشترك ومتفق
عليه وأمر زائد مختلف فيه، كما لو قال: «آجرتك بدينار» فقال المستأجر: بل بثوب.
وعن الشيخ قول آخر بالقرعة (3) لكونه مشكلا، ولا إشكال، لما ذكرنا. وعن
الشيخ قول آخر بالفرق بين وقوع النزاع قبل انقضاء المدة وبعدها فحكم بالتحالف

(1) المبسوط 3: 266.
(2) الدروس 2: 107.
(3) الخلاف 3: 521، المسألة 10.
734

في الاولى، وتردد في الثانية بين القرعة وبين تقديم قول المستأجر (1).
الثانية: أن يقيما معا البينة، فإن تقدم تاريخ إحدى البينتين عمل بالمتقدمة
وقضي ببطلان المتأخرة. وإن اتحد التاريخان أو كانتا مطلقتين أو إحداهما مطلقة
فالأشهر الأقرب أن الحكم لبينة المؤجر. وفيه احتمال التحالف، واحتمال القرعة،
فيحلف من أخرجته القرعة ويقضى له، واحتمال أن الحكم لبينة المستأجر، بناء
على تقديم بينة الداخل.
الثالثة: أن يقيم أحدهما البينة، والحكم فيه لذي البينة مطلقا.
ولو ادعى استئجار دار معينة باجرة معينة في مدة معينة وقال المالك:
«آجرتك بيتا منها بهذه الاجرة في هذه المدة لا الدار» فإن لم يكن لهما بينة فقيل:
إن القول قول المؤجر بيمينه، لأنه منكر للزيادة، كما أن القول قول المستأجر في
المسألة السابقة. وقال الشيخ: يقرع بينهما (2). ولعل الأول أقرب، لما ذكر.
ولو اختص البينة بأحدهما قضي له.
ولو أقاما بينة واتفق التاريخ أو اطلقتا أو إحداهما تحقق التعارض، فإن كان
هناك مرجح، وإلا تعينت القرعة، لأنها لكل أمر مشكل، وإن اختلف تاريخ
البينتين وكان المتقدم تاريخ الدار اتبع وبطلت إجارة البيت، لدخوله في الإجارة
السابقة، وإن كان المتقدم تاريخ البيت حكم به بالاجرة المسماة وبطل من إجارة الدار
ما قابله، وصح في الباقي، ويعلم ذلك بمعرفة اجرة المثل ومراعاة النسبة. وقيل
بالقرعة حين يساوي التاريخ مع إقامة البينة من الجانبين (3) وبالتحالف مع عدمها،
فيحكم بعد الحلف بالفسخ وبطلان الإجارتين، ومع استيفاء المنفعة اجرة المثل.
و احتمل بعض المتأخرين تقديم بينة مدعي إجارة الدار مع تعارض بينتهما و
عدم الرجحان، بناء على القول بتقديم الخارج (4) ولا يبعد اختصاص هذا
الاحتمال بصورة يكون الدار بيد المالك.

(1) المبسوط 8: 263 - 265.
(2) المبسوط 8: 264.
(3) حكاه في مجمع الفائدة 12: 257.
(4) مجمع الفائدة 12: 257 - 258.
735

الثامنة: إذا ادعى كل منهما أنه اشترى العين من ذي اليد وأقبض الثمن والعين
المبيعة في يد البائع، فإن انتفت البينة وكذبهما المدعى عليه احلف لهما. وإن صدق
أحدهما دفع إليه المبيع وحلف للآخر، وله إحلاف الأول أيضا. وإن صدق واحدا
منهما في البعض حكم له به ويبقى النزاع للآخر فيه، ويبقى النزاع في الباقي أيضا
لكل منهما. وإن صدق كل واحد منهما في البعض حكم لكل منهما بما أقر به،
ويبقى النزاع لكل منهما في غير ما حكم له به.
وإن أقاما بينة مع تقدم تاريخ أحدهما حكم به، ويبطل اللاحق، ويرد الثمن.
وإن اتفقتا أو كانتا مطلقتين أو إحداهما مطلقة، رجع إلى الترجيح بالعدالة أو العدد.
وفي تقديم اعتبار العدالة كما في كلامهم تأمل.
فإن انتفى الترجيح اقرع بينهما وحكم لمن أخرجته القرعة بعد يمينه للآخر، فإن
نكل احلف الآخر، فإن نكلا قسمت العين بينهما ورجع كل منهما بنصف الثمن.
وفي جواز الفسخ لهما لتبعض الصفقة وجهان. وعلى الجواز لو فسخ أحدهما
كان للآخر أخذ الجميع، لعدم المزاحم، وهل يلزم أخذ الجميع؟ فيه وجهان، ولعل
الأقرب ذلك.
ولو كانت العين في يد أحدهما بنى الحكم على تقديم بينة الداخل أو الخارج.
ولو ادعى اثنان أن ثالثا اشترى من كل منهما هذا المبيع، وكل مطالب بالثمن،
فإن أقر لهما لزمه الثمنان، لإمكان الصدق، فيؤاخذ بإقراره. وإن أقر لأحدهما لزمه
الثمن له وحلف للآخر، وإن أنكرهما ولا بينة حلف لكل منهما.
وإن أقام كل منهما بينة، فإن اختلف تاريخ البينتين أو كانتا مطلقتين أو
إحداهما مطلقة فعليه الثمنان، لإمكان اجتماعهما.
وإن اتحد تاريخ البينتين ثبت التعارض بينهما، لامتناع كون الشيء الواحد
ملكا لشخصين في زمان واحد، فلابد حينئذ من الرجوع إلى المرجح، فإن لم يكن
اقرع بينهما، فمن أخرجته القرعة قضي له بالثمن الذي شهدوا به بعد حلفه للآخر،
فإن امتنع حلف الآخر وحكم له، فإن امتنعا قسم الثمن بينهما مع التشابه أو يحكم
لكل واحد بنصف ما ادعاه من الثمن مع الاختلاف.
736

التاسعة: اختلف الأصحاب في حكم متاع البيت إذا تنازع الزوجان فيه
على أقوال:
أحدها: أنهما فيه سواء، فيتحالفان، فيقسم بينهما كما في سائر الدعاوي، سواء
كان المتنازع فيه مما يصلح للرجال أو للنساء أو لهما، وسواء كانت الدار لهما أو
لأحدهما أو لثالث، وسواء كانت الزوجية باقية أو زائلة، وسواء كانت يدهما عليه
تحقيقا كالمشاهدة أو تقديرا، وسواء كان التنازع بينهما أو بين ورثتهما أو بين
أحدهما وورثة الآخر، وهو قول للشيخ والعلامة (1) إلحاقا لهذه الدعوى بسائر
الدعاوي، نظرا إلى عموم الأدلة.
وثانيها: أن ما يصلح للرجال يحكم به للزوج، وما يصلح للنساء خاصة يحكم
به للمرأة، وما يصلح لهما يقسم بينهما بعد التحالف أو النكول. وإليه ذهب جماعة
منهم: الشيخ في الخلاف (2) والمحقق (3) والعلامة في بعض كتبه (4) ومستنده رواية
رفاعة النخاس (5).
وثالثها: أن القول قول المرأة مطلقا، وهو قول الشيخ في الاستبصار (6)
ومستنده صحيحتا عبد الرحمن بن الحجاج (7) وصحيحة إسحاق بن عمار و
عبد الرحمن بن الحجاج (8).
ورابعها: الرجوع في ذلك إلى العرف العام أو الخاص، فإن تحقق اتبع، وإن
فقد أو اضطرب كان بينهما، لعدم الترجيح. وحينئذ يرجع إلى التحالف وما يترتب

(1) المبسوط 8: 310، القواعد 3: 470.
(2) الخلاف 6: 352، المسألة 37.
(3) الشرائع 4: 119.
(4) التحرير 2: 200 س 16.
(5) الوسائل 17: 525، الباب 8 من أبواب ميراث الأزواج، ح 4.
(6) الاستبصار 3: 47، ذيل الحديث 153، وفيه لم يكن صريحا ولكن انظر المبسوط حيث
نسبه إلى بعض الروايات 8: 310.
(7) الوسائل 17: 523، الباب 8 من أبواب ميراث الأزواج، ح 1 وذيله.
(8) الوسائل 17: 524، الباب 1 من أبواب ميراث الأزواج، ذيل الحديث 1.
737

على الحلف والنكول. وإليه ذهب العلامة في المختلف (1) وجماعة من المتأخرين
منهم: الشهيدان في الشرحين (2) ولعله الأقرب تعويلا على العرف، وبه يحصل
الجمع بين الأخبار مع موافقة الاصول.
وكذا الحكم مع البينتين المتعارضتين مع عدم الترجيح، ويقرع حينئذ ويحلف
الخارج بالقرعة.
ولو اختصت البينة بأحدهما اتبع. ولو ادعى أبو الميتة أنه أعارها بعض ما في
يدها، فمذهب الأصحاب أنه يكلف البينة من غير فرق بين الأب وغيره في
الدعوى، عملا بعموم الأدلة، واستضعافا للرواية الدالة على الفرق وهي رواية
جعفر بن عيسى (3).

(1) المختلف 8: 391.
(2) غاية المراد 4: 84، المسالك 14: 138.
(3) الوسائل 18: 213، الباب 23 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
738

كتاب الشهادات
739

كتاب الشهادات
والنظر في أطراف:
الأول
في صفات الشاهد
وهي امور:
منها البلوغ: ولا خلاف بين الأصحاب في عدم قبول شهادة غير المميز من
الصبيان.
ونقل في المسالك عن جماعة من الأصحاب منهم: الشيخ فخر الدين الاتفاق
على عدم قبول شهادة من لم يبلغ العشرة (1). والموجود في الإيضاح أن من لم يبلغ
العشرة لا يقبل شهادته في غير القصاص والقتل والجراح إجماعا. ونقل الخلاف
في قبول شهادته في الجراح والشجاج (2).
واختلفوا في قبول شهادة الصبي إذا بلغ عشرا فقيل: لا يقبل مطلقا (3). وقيل:
يقبل مطلقا (4) والأشهر عدم قبول شهادته إلا في القتل والجراح، وعدم قبول
شهادته في ما عدا الجراح والقتل أقرب.

(1) المسالك 14: 154.
(2) الإيضاح 4: 417.
(3) انظر المسالك 14: 154.
(4) حكاه في الشرائع 4: 125.
740

ومستند استثناء الجراح والقتل حسنة جميل، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
يجوز شهادة الصبيان؟ قال: نعم في القتل، ويؤخذ بأول كلامه ولا يؤخذ بالثاني
منه (1). ونحوه رواية محمد بن حمران (2) والمذكور في الروايتين القتل.
وذكر الأكثر الجراح، ومنهم من اقتصر عليه كالشيخ في الخلاف (3) والمحقق
في النافع (4) وفي الدروس صرح باشتراط أن لا يبلغ الجراح النفس (5).
واختلف القائلون بقبول شهادتهم في هذا النوع في شرائطه، والمستفاد من
النص الأخذ بأول كلامهم دون باقيه.
واشترط جماعة من الأصحاب بلوغهم العشر (6). ويدل عليه رواية أبي أيوب
الخزاز (7). وفي سنده تأمل. وجماعة لم يشترطوا ذلك.
واشترطوا أيضا أن لا يتفرقوا قبل أداء الشهادة، ويدل عليه رواية طلحة بن
زيد عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم السلام) قال: شهادة
الصبيان جائزة بينهم ما لم يتفرقوا ويرجعوا إلى أهلهم (8). وإنما يدل على شهادة
بعضهم على بعض مطلقا، لا على شهادتهم مطلقا. واشترطوا أيضا اجتماعهم على
المباح، ولا أعرف دليلا عليه.
ومنها كمال العقل: فلا تقبل شهادة المجنون المطبق بلا خلاف في ذلك، أما
من يعتريه الجنون أدوارا فلا بأس بشهادته في حال إفاقته، لكن يستظهر الحاكم
بحضور ذهنه واستكمال فهمه. وكذا الحكم فيمن عجز عن التحفظ فيعرض له
السهو غالبا، فيستثبت الحاكم ما يشهد به. وكذا المغفل الذي في جبلته البله.

(1) الوسائل 18: 252، الباب 22 من أبواب الشهادات، ح 1.
(2) الوسائل 18: 252، الباب 22 من أبواب الشهادات، ح 2.
(3) الخلاف 6: 270، المسألة 20.
(4) المختصر النافع: 278.
(5) الدروس 2: 123.
(6) الجامع للشرائع: 540، الإرشاد 2: 156، الدروس 2: 123.
(7) الوسائل 18: 252، الباب 22 من أبواب الشهادات، ح 3.
(8) الوسائل 18: 253، الباب 22 من أبواب الشهادات، ح 6.
741

ومنها الإيمان: على المعروف من مذهب الأصحاب. وفي المسالك:
ظاهر الأصحاب الاتفاق على اشتراط الإيمان في الشاهد. وينبغي أن يكون هو
الحجة (1).
واستدل عليه العلامة بأن غير المؤمن فاسق وظالم من حيث اعتقاده الفاسد
الذي هو أكبر الكبائر (2). وقد قال تعالى: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) (3) وقال:
(ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) (4).
وفيه: أن التبين ربما حصل بعدم قبول شهادة شاهد واحد حتى ينضم إليه
شاهد آخر، فإن التبين ليس هو الرد. والعمل بالشهادة إذا أوجبت غلبة الظن، ففي
كونه ركونا تأمل.
وأما الإيراد في المسالك بأن الفسق إنما يتحقق بفعل المعصية المخصوصة مع
العلم بكونها معصية، أما مع عدم علمه بل مع اعتقاد أنها طاعة كما في المخالف
فلا، ومع ذلك يتحقق الظلم أيضا، وإنما يتفق ذلك ممن يعاند الحق مع علمه به (5)
ففيه نظر، لأن الظاهر صدق الفسق والظلم على المخالف.
وفي الأخبار الكثيرة المستفيضة دلالة على قبول شهادة المسلمين، والظاهر
صدق المسلم على المخالف عرفا.
وأما الأخبار الدالة على كفرهم (6) فلعل الكفر المذكور فيها على سبيل
الاشتراك. وعن عبد الله بن المغيرة بإسناد ظاهر الصحة قال: قلت للرضا (عليه السلام):
رجل طلق امرأته وأشهد شاهدين ناصبيين؟ قال: كل من ولد على الفطرة وعرف
بالصلاح في نفسه جازت شهادته (7).

(1) المسالك 14: 160.
(2) لم نعثر عليه في كتب العلامة، نقله عن المحقق الشهيد الثاني في المسالك 14: 160، راجع
الشرائع 4: 126.
(3) الحجرات: 6.
(4) هود: 113.
(5) المسالك 14: 160.
(6) راجع الكافي 1: 372 - 377.
(7) الوسائل 18: 290، الباب 41 من أبواب الشهادات، ح 5.
742

وفي حسنة ابن أبي نصر عن أبي الحسن (عليه السلام): من ولد على الفطرة اجيزت
شهادته على الطلاق بعد أن يعرف منه خير (1).
ولو لم يثبت الإجماع على الحكم الذي ذكروه كان الحكم به مشكلا.
وفي المسالك: والحق أن العدالة يتحقق في جميع أهل الملل مع قيامهم
بمقتضاها بحسب اعتقادهم، ويحتاج في إخراج بعض الأفراد إلى الدليل (2).
وأما الكفار فنقل الإجماع على عدم قبول شهادة غير الذمي منهم، وكذلك
الذمي في غير الوصية.
واستدل عليه بقول النبي (صلى الله عليه وآله): لا تقبل شهادة أهل دين على غير أهل دينهم
إلا المسلمين، فإنهم عدول على أنفسهم وعلى غيرهم (3).
وقول الصادق (عليه السلام) في حسنة أبي عبيدة: يجوز شهادة المسلمين على جميع
أهل الملل، ولا يجوز شهادة أهل الذمة على المسلمين (4). وفيهما دلالة ما على
قبول شهادة غير المسلم على مثله.
ويدل عليه رواية سماعة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شهادة أهل الملل؟
قال: فقال: لا يجوز إلا على أهل ملتهم، فإن لم يجد غيرهم جاز شهادتهم على
الوصية، لأنه لا يصلح ذهاب حق أحد (5).
ولهذا فالعمل بما نقل عن الشيخ في النهاية من قبول شهادة غير المسلم
على أهل ملته إذا كان عدلا في مذهبه ومقبول الشهادة باعتقاد المدعى عليه (6)
غير بعيد.
وأما قبول شهادة الذمي في الوصية فهو مشهور عند الأصحاب، لا أعرف فيه

(1) الوسائل 15: 282، الباب 10 من أبواب الطلاق، ذيل الحديث 4.
(2) المسالك 14: 160.
(3) تلخيص الحبير 4: 198، ح 2108.
(4) الوسائل 18: 284، الباب 38 من أبواب الشهادات، ح 1.
(5) الوسائل 18: 284، الباب 38 من أبواب الشهادات، ح 2.
(6) نقله في مجمع الفائدة 12: 303.
743

خلافا، ويدل عليه الآية على بعض التفاسير (1) وحسنة هشام بن الحكم عن أبي
عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: (أو آخران من غيركم) فقال: إذا كان
الرجل في أرض غربة ولا يوجد فيها مسلم جازت شهادة من ليس بمسلم
على الوصية (2).
وإطلاق الرواية يدل على شمول الحكم لغير الذمي أيضا، وكذا إطلاق
صحيحة ضريس الكناسي (3) لكن رواية حمزة بن حمران (4) تدل على تخصيص
المراد في الآية بالذمي، وحسنة أحمد بن عمر تدل على تخصيص المراد في الآية
بأهل الكتاب، وفيها: فإن لم يجد من أهل الكتاب فمن المجوس، لأن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: سنوا بهم سنة أهل الكتاب (5). لكن الروايتين تدلان على
تخصيص المراد في الآية لا الحكم مطلقا، فلا تعارضان صحيحة ضريس.
والظاهر اعتبار العدالة في الذميين كما تدل عليه رواية حمزة.
واعتبر الشيخ وابن الجنيد وأبو الصلاح الغربة في الموصي (6) وهو متجه، لأن
المستفاد من حسنة هشام بن الحكم ورواية حمزة وحسنة أحمد بن عمر اعتبار
الغربة والضرورة.
وأما عدم قبول شهادة الذمي في غير الوصية فهو المشهور بين الأصحاب.
ونقل عن ابن الجنيد أنه ذهب إلى قبول شهادة أهل العدالة منهم في دينه على
ملته وعلى غير ملته (7).

(1) راجع تفسير جوامع الجامع 1: 540.
(2) الوسائل 18: 287، الباب 40 من أبواب الشهادات، ح 3.
(3) الوسائل 13: 390، الباب 20 من أبواب الوصايا، ح 1.
(4) الوسائل 13: 392، الباب 10 من أبواب الوصايا، ح 7.
(5) الوسائل 18: 287، الباب 40 من أبواب الشهادات، ح 2.
(6) المبسوط 8: 187، حكاه عن ابن الجنيد في المختلف 8: 505، الكافي في الفقه: 436.
(7) نقله في المختلف 8: 505.
744

وصحيحة عبيد الله بن علي الحلبي (1) تدل على جواز شهادتهم على غير أهل
ملتهم إن لم يوجد من أهل ملتهم، لكن صحيحة ضريس تدل على التخصيص
بالوصية. فالمعتمد هو المشهور.
ومنها العدالة: ولا أعرف خلافا بين الأصحاب في اعتبار عدالة الشاهد، لكن
الخلاف فيما يتعلق بهذا المقام في امور:
الأول: في أن الذنوب هل بعضها كبائر وبعضها صغائر، أو كل ذنب يتصف
بكونه كبيرة، وإنما تكون صغيرة بالنسبة؟ والأقوى الأول.
الثاني: في تحقيق الكبائر، والأشهر الأقوى أن الكبيرة كل ذنب توعد عليه
بالوعيد في الكتاب العزيز، وفي حصره خلاف.
الثالث: الحكم بالعدالة هل يحتاج إلى التفتيش والخبرة والبحث عن البواطن،
أم يكفي الإسلام وحسن الظاهر ما لم يثبت خلافه؟ الأقوى الثاني.
الرابع: الإصرار على الصغائر كبيرة، وقد وقع الخلاف في تفسيره، والظاهر أن
الإكثار من الذنوب وإن لم يكن من نوع واحد بحيث يكون ارتكابه للذنب أغلب
من اجتنابه إذا عن له من غير توبة ولم يكن ذلك نادرا قليلا قادح في العدالة،
وليس لهم فيه خلاف على الظاهر.
الخامس: بعضهم اعتبر المروة في العدالة شطرا أو شرطا، والمتقدمون لم
يذكروها، ولا أعلم عليه حجة ظاهرة، لخلو النصوص عنه، ثم لهم في تفسيرها
عبارات مختلفة متقاربة.
السادس: فسر العلامة وجماعة ممن تأخر عنه العدالة بملكة نفسانية تبعث
على ملازمة التقوى والمروة (2) ولم أجده في كلام من تقدم على العلامة، والظاهر
أنه اقتفى في ذلك بكلام الرازي ومن تبعه من العامة، ولم أجد على هذا التفسير

(1) الوسائل 18: 287، الباب 40 من أبواب الشهادات، ح 1.
(2) القواعد 3: 494، الدروس 2: 125، مجمع الفائدة 12: 311.
745

شاهدا من جهة النص ولا الاعتبار. والظاهر أنه ليس مقصودهم بهذا التعبير سوى
الاجتناب عن الكبائر والإصرار على الصغائر المذكور في كلام من تقدم عليه،
واعتبار الملكة لا يجامع قولهم بعود العدالة بعد التوبة مطلقا أو بشرط سيذكر.
السابع: لا ريب في زوال العدالة بمواقعة الكبيرة أو الإصرار على الصغيرة، ثم
يعود بإظهار التوبة مطلقا، كما هو عند بعضهم (1) أو مع الظن بحصولها كما هو عند
البعض (2).
وبعضهم يعتبر إصلاح العمل ولو بمجرد ذكر أو تسبيح (3) وبعضهم يكتفي
بمجرد استمرار ما على التوبة ولو ساعة (4). وسيجئ ما يدل على قبول شهادة
القاذف بعد التوبة، ولا فرق بين القاذف وغيره في ذلك. ويؤيده رواية السكوني
عن أبي عبد الله (عليه السلام): أن أمير المؤمنين (عليه السلام) شهد عنده رجل وقد قطعت يده ورجله
بشهادة، فأجاز شهادته، وقد كان تاب وعرفت توبته (5).
وفي رواية اخرى، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) ليس يصيب أحد حدا فيقام
عليه الحد ثم يتوب إلا جازت شهادته (6).
ورواية قاسم بن سليمان، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يقذف الرجل
فيجلد حدا، ثم يتوب ولا يعلم منه إلا خيرا، يجوز شهادته؟ فقال: نعم ما يقال
عندكم؟ قلت: يقولون: توبته فيما بينه وبين الله، لا يقبل شهادته أبدا. قال: بئس ما
قالوا. كان أبي (عليه السلام) يقول: إذا تاب ولم يعلم منه إلا خيرا جازت شهادته (7).
وتفصيل الكلام في هذه المباحث أوردناه في كتاب ذخيرة المعاد في شرح
الإرشاد من أراده فليرجع إليه.

(1) حكاه في المسالك 14: 166 - 175.
(2) انظر المسالك 14: 175.
(3) مجمع الفائدة 12: 321.
(4) الشرائع 4: 128.
(5) الوسائل 18: 284، الباب 37 من أبواب الشهادات، ح 2.
(6) الوسائل 18: 282، الباب 36 من أبواب الشهادات، ح 3.
(7) الوسائل 18: 282، الباب 36 من أبواب الشهادات، ح 2.
746

والمتجه عندي في التعويل في العدالة على ما تضمنه صحيحة عبد الله بن أبي
يعفور، فإنها أقوى ما ورد في هذا الباب، ولهذا نورده في هذا المقام.
روى الصدوق عن عبد الله بن أبي يعفور - بإسناد ظاهره الصحة - قال: قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم
وعليهم؟ فقال: أن تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان،
ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عز وجل عليها النار من شرب الخمر،
والزنا، والربا، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف، وغير ذلك، والدلالة على
ذلك كله أن يكون ساترا لجميع عيوبه، حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من
عثراته وعيوبه وتفتيش ما وراء ذلك، ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته في
الناس، ويكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهن، وحفظ مواقيتهن
بحضور جماعة من المسلمين، وأن لا يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم إلا من
علة، فإذا كان كذلك لازما لمصلاه عند حضور الصلوات الخمس، فإذا سئل عنه
في قبيلته ومحلته قالوا: ما رأينا منه إلا خيرا، مواظبا على الصلوات، متعاهدا
لأوقاتها في مصلاه، فإن ذلك يجيز شهادته وعدالته بين الناس، وذلك أن الصلاة
ستر وكفارة للذنوب، وليس يمكن الشهادة على الرجل بأنه يصلي إذا كان لا
يحضر مصلاه ويتعاهد جماعة المسلمين، وإنما جعل الجماعة والاجتماع إلى
الصلاة لكي يعرف من يصلي ممن لا يصلي ومن يحفظ مواقيت الصلاة ممن
يضيع، ولولا ذلك لم يمكن أحد أن يشهد على آخر بصلاح، لأن من لا يصلي لا
صلاح له بين المسلمين، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) هم بأن يحرق قوما في منازلهم
بتركهم الحضور لجماعة المسلمين، وقد كان فيهم من يصلي في بيته، فلم يقبل منه
ذلك، وكيف تقبل شهادة أو عدالة بين المسلمين ممن جرى الحكم من الله عز
وجل ومن رسوله (صلى الله عليه وآله) فيه الحرق في جوف بيته بالنار، وقد كان يقول: لا صلاة
لمن لا يصلي في المسجد مع المسلمين إلا من علة (1).

(1) الفقيه 3: 38، ح 3280.
747

وهاهنا مسائل:
الاولى: ذكر الأصحاب أن ترك المندوبات لا يقدح في العدالة ما لم يبلغ حدا
يؤذن بالتهاون بالسنن، لدلالته على قلة المبالاة بأمر الدين.
وقطع الشهيد الثاني بأنه لو اعتاد ترك صنف منها كالجماعة والنوافل ونحو
ذلك قدح في عدالته من غير نقل خلاف في ذلك (1). ولا ريب فيه في الجماعة،
لدلالة النص السابق وغيره من الأخبار المتعددة عليه.
الثانية: كل مخالف في شيء من اصول عقائد الفرقة الناجية ترد شهادته إن
قلنا باشتراط الإيمان، وأما فروع المسائل الكلامية فالاختلاف فيها غير ضار،
وكذا فروع المسائل الشرعية الاجتهادية ما لم يكن فيها إجماع المسلمين على
سبيل القطع، أو إجماع الشيعة الإمامية، بحيث علم على سبيل القطع دخول الإمام
المعصوم (عليه السلام) في جملة المجمعين، وأما إذا اتفقت الإمامية على شيء ولم يعلم
دخول المعصوم في جملتهم فمخالفتهم غير قادحة في العدالة.
الثالثة: لا خلاف في عدم قبول شهادة القاذف قبل التوبة، لقوله تعالى: (ولا
تقبلوا لهم شهادة أبدا) (2) ولا خلاف أيضا في قبول شهادته بعد التوبة، لقوله تعالى:
(إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا) (3).
واختلفوا في حد التوبة المقتضية للقبول، فقيل: توبته أن يكذب نفسه مما كان
قذف به، سواء كان صادقا في الواقع في قذفه أم كاذبا، وتكذيبه مطابق للواقع على
الثاني دون الأول، وحينئذ ورى بما يخرجه عن الكذب، والله سبحانه ألزمه
التكذيب، حيث جعل القاذف كاذبا متى لم يأت بالشهداء، حيث قال سبحانه:
(فإذ لم يأتوا بالشهداء فاولئك عند الله هم الكاذبون) (4).
ولما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: توبة القاذف إكذابه نفسه (5). ولروايتي أبي

(1) المسالك 14: 172.
(2) النور: 4.
(3) النور: 5.
(4) النور: 13.
(5) تلخيص الحبير 4: 204، ح 2131.
748

الصباح الكناني (1) وقول الصادق (عليه السلام) في صحيحة ابن سنان: توبته أن يرجع فيما
قال ويكذب نفسه عند الإمام وعند المسلمين (2). ومرسلة يونس عن بعض
أصحابه (3) وإلى هذا القول ذهب جماعة من الأصحاب منهم: الشيخ في النهاية (4).
وذهب جماعة منهم: الشيخ في المبسوط (5) والعلامة إلى أن حدها أن يكذب
نفسه إن كان كاذبا، ويعترف بالخطأ إن كان صادقا (6).
وفيه أن هذا القول مع مصادمته للروايات المتعددة قد يوجب من حيث إثبات
الفرق بين القولين قذفا آخر تعريضا بالنسبة إليه، فربما كان ذلك سببا لزيادة
تفضيحه، وهو ممنوع شرعا. فالترجيح للقول الأول.
وفي اشتراط إصلاح العمل زيادة عن التوبة قولان، أحدهما: أن ذلك شرط،
لقوله تعالى: (إلا الذين تابوا وأصلحوا) (7).
وذهب جماعة من الأصحاب منهم: المحقق والشهيد الثاني إلى الاكتفاء
بالاستمرار على التوبة، لتحقق مسمى الإصلاح بذلك (8). وللتأمل فيه مجال،
والأحوط مراعاة أمر زائد على ذلك.
ولو أقام القاذف بينة بالقذف فلا حد عليه ولا رد، لقوله تعالى: (ثم لم يأتوا
بأربعة شهداء) (9) قالوا: وكذا لو صدقه المقذوف، نظرا إلى أن الإقرار أقوى من
البينة، فيسقطان به بطريق أولى. وفيه نظر.
تذنيب:
قد جرت عادة الفقهاء بإيراد عدة من المحرمات في هذا المقام:

(1) الوسائل 18: 282، الباب 36 من أبواب الشهادات، ح 1 و 5.
(2) الوسائل 18: 283، الباب 37 من أبواب الشهادات، ح 1.
(3) الوسائل 18: 283، الباب 36 من أبواب الشهادات، ح 4.
(4) النهاية 2: 53، الغنية: 440، إصباح الشيعة: 529، الدروس 2: 126.
(5) المبسوط 8: 179.
(6) القواعد 2: 494.
(7) النور: 5.
(8) الشرائع 4: 128، المسالك 14: 175.
(9) النور: 4.
749

فمنها: شرب المسكر، ولا ريب في تحريمه، سواء اتخذ من العنب أو غيره
ولو شرب منه قطرة. ولا ريب في تحريم ذلك مطلقا، والأخبار تدل عليه (1).
والأصحاب أطلقوا الحكم بأن شارب المسكر ترد شهادته ويفسق، وهذا يدل
على كون ذلك عندهم كبيرة مطلقا، سواء كان خمرا أو غيره.
وذكروا في هذا المقام العصير العنبي إذا غلى قبل ذهاب الثلثين، وتحريمه
ثابت، لكن في كونه كبيرة تأمل. والأقرب عدم ذلك، وأما غير العصير العنبي
فالأصل فيه الحل ما لم يسكر.
ومنها: الغناء، ولا خلاف بين الأصحاب في تحريمه، وكذا في تحريم
استماعه، والأخبار في هذا الباب من طريقنا تكاد تبلغ حد التواتر، ويدل عدة
منها على كونه كبيرة مما أوعد الله عليه النار.
واختلف كلام أهل اللغة والفقهاء في تفسيره، فمنهم من اعتبر فيه مجرد
الإطراب (2). ومنهم من اعتبر فيه مجرد الترجيع (3). ومنهم من جمع بين الأمرين (4).
ومنهم من اعتبر فيه التسمية العرفية، فما سمي في العرف غناء فهو حرام (5) والظاهر
أن ما اجتمع فيه الإطراب والترجيع فهو غناء.
والطرب على ما قاله الجوهري وغيره خفة تصيب الإنسان بسبب حزن أو
سرور، والترجيع ترديد الصوت في الحلق. والظاهر أنه يحصل بتكرير الألفاظ
والأصوات بالنغمات.
والمشهور بين المتأخرين أنه لا فرق بين كون الغناء في قرآن أو شعر أو
خطبة أو غيرها. وقد مر الكلام فيه في كتاب التجارة.
واستثنى الأصحاب من الغناء المحرم الحدا. واستثنى بعضهم مراثي
الحسين (عليه السلام) (6) ولعل مستنده ما دل على جواز النوحة عليه أو مطلقا، مع أن الغالب

(1) الوسائل 17: 237، الباب 9 من أبواب الأشربة المحرمة.
(2) مجمع الفائدة 12: 336.
(3) القواعد 3: 495.
(4) الشرائع 4: 128.
(5) المسالك 14: 179.
(6) انظر مجمع الفائدة 12: 338.
750

اشتمال النوحة على الغناء. وهو غير بعيد.
ومنها: بعض أنواع الشعر، ولا يحرم مطلقا، فيجوز إنشاده وإنشاؤه
والاستماع إليه، لا أعرف خلافا فيه، ويدل عليه تقرير النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)
وفعلهم.
ويحرم من الشعر ما تضمن هجاء مؤمن صدقا كان أو كذبا. وكذا يحرم منه ما
اشتمل على الفحش.
قالوا: وكذا التشبيب بامرأة معينة غير محللة، سواء كان في شعر أو غيره.
والظاهر تحريم ذلك إذا أدى إلى غيبة أو فتنة، وأما الحكم به مطلقا فلا أعرف
دليلا عليه، والتقييد بغير المحللة في كلامهم يقتضي جواز التشبيب بزوجته أو
أمته، وربما قيل بأن ذلك يرد الشهادة، لما فيه من سقوط المروة. واستحسنه
في المسالك (1).
وأطلق الأصحاب القول بتحريم تشبيب الغلام، وفي هذا الإطلاق إشكال.
والشعر المشتمل على المدح والإطراء إن أمكن حمله على ضرب من
المبالغة فهو جائز، وإن لم يمكن حمله على المبالغة فيحتمل أن يكون كسائر أنواع
الكذب. وربما قيل بعدم إلحاقه بالكذب، فإن الكاذب غرضه أن يرى الصدق كذبا
وأن يخبر بما يقول وأن يصدق به، وليس غرض الشاعر ذلك.
والإكثار من الشعر مكروه، كما وردت به الروايات (2).
ومنها: استعمال آلات اللهو كالعود والزمر والرباب والدف المشتمل على
الجلاجل، لا أعرف خلافا في حرمته بين الأصحاب، لكن في كونها كبيرة
مطلقا تأمل.
واستثني من ذلك الدف غير المشتمل على الصنج عند النكاح والختان،
استنادا إلى بعض الروايات العامية المختصة بالنكاح، ومنع منه ابن إدريس

(1) المسالك 14: 182.
(2) الوسائل 5: 83، الباب 51 من أبواب صلاة الجمعة.
751

مطلقا (1) ورجحه العلامة في التذكرة محتجا بأن الله عز وجل حرم اللهو واللعب،
وهذا منه (2). وهو غير بعيد.
ومنها: اللعب بآلات القمار كالشطرنج والنرد والأربعة عشر وغيرها حتى
الكعاب والجوز، وكل ذلك حرام عند الأصحاب، ووافقهم على ذلك أكثر العامة،
والأخبار الدالة عليه كثيرة (3).
وفي المسالك: ظاهر النهي أنها من الصغائر، فلا يقدح في العدالة إلا مع
الإصرار عليها (4). وهو حسن.
ومنها: الحسد وبغضة المؤمن، ولا ريب في كونهما معصية، ولا خلاف في
تحريمهما، سواء كانا ظاهرين أم لا، والتهديد عليهما في الأخبار كثير (5).
وذكر الأصحاب أن التظاهر بهما قادح في العدالة، وظاهر ذلك كونهما من
الكبائر، كما صرح به بعضهم (6) وفي إثبات ذلك إشكال، وإسناد القدح في العدالة
والشهادة إلى التظاهر بهما، بناء على أن كلا منهما من الامور القلبية، فلا يؤثر في
الشهادة إلا إظهارهما وإن كانا محرمين مطلقا.
والمراد بالحسد: كراهة النعمة على المحسود وتمني زوالها عنه، وأما إرادة
مثلها لنفسه فهي غبطة محمودة.
وأما بغضة المؤمن ففي المسالك: أنها كراهته واستثقاله لا بسبب ديني كفسق
فيبغضه لأجله، سواء قاطعه أم لا، فإن هجره فهما معصيتان، وقد يحصل كل منهما
بدون الآخر (7).
وقال بعض المتأخرين: قال في القاموس البغض ضد الحب، والذي يفهم منه
ومن العرف أيضا أن البغض نوع عداوة وكراهة، بحيث لو وصل إليه نعمة يتألم به،

(1) السرائر 2: 215.
(2) التذكرة 2: 581 س 14.
(3) الوسائل 12: 242، الباب 104 من أبواب ما يكتسب به.
(4) المسالك 14: 177.
(5) الوسائل 11: 292، الباب 55 من أبواب الجهاد 8: 569، الباب 126 من أبواب الحج.
(6) المسالك 14: 184.
(7) المسالك 14: 184.
752

وإذا فارقت منه يسره أو قريب من ذلك. قال: والظاهر أن مجرد الاستثقال ليس
ببغض لا لغة ولا عرفا، والاستثقال قد يكون لأسباب متعددة في العادات من
الأغراض العادية التي يبعد الحكم بتحريمه (1). وهو حسن.
والظاهر أن تحريم الهجر ليس مطلقا، بل على سبيل البغض والعداوة والغيظ.
ومنها: لبس الحرير للرجال، وليس تحريمه موضع خلاف، ولعل قدحه في
الشهادة باعتبار الإصرار، واستثني منه حالة الحرب والضرورة، للنص (2). ويعتبر
في تحريم الحرير كونه خالصا، فلا يحرم الممتزج، والأقرب جواز الاتكاء عليه
والافتراش به، للرواية (3).
ومنها: لبس الذهب للرجال، ولا خلاف في تحريمه أيضا وفي تحريم مطلق
التزين بالذهب من غير اللبس إشكال.
تذنيب:
اتخاذ الحمام للبيض والفرخ والانس بها جائز بلا كراهة، لا أعلم فيه خلافا.
وفي الأخبار ما يدل على الترغيب في اتخاذ الحمام (4) وأما اقتناؤها للعب بها وهو أن
يطيرها يتقلب في السماء فالمشهور أنه مكروه، لكونه عبثا وتضييعا للعمر بلا طائل،
وفيه خلاف لابن حمزة حيث جعل اللعب بها قادحا، لقبح اللعب (5) وفيه منع.
وروى العلاء بن سيابة عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن شهادة من يلعب
بالحمام؟ قال: لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق (6). وفي خبر آخر: لا بأس بشهادة
الذي يلعب بالحمام (7).

(1) مجمع الفائدة 12: 344.
(2) الوسائل 3: 269، الباب 12 من أبواب لباس المصلي.
(3) الوسائل 3: 274، الباب 15 من أبواب لباس المصلي، ح 1.
(4) الوسائل 8: 376، الباب 31 من أبواب أحكام الدواب.
(5) لم نعثر عليه ونقله عن ابن إدريس في المسالك 14: 187، انظر السرائر 2: 124.
(6) الوسائل 18: 305، الباب 54 من أبواب الشهادات، ح 1.
(7) الوسائل 18: 305، الباب 54 من أبواب الشهادات، ح 2.
753

وأما الرهان عليها فمحرم، لاختصاص جواز الرهان بالخف والحافر من الحيوان.
والصنائع المكروهة كالصياغة، والدنية كالحجامة والحياكة لا تمنع من قبول
الشهادة، لا أعرف فيه خلافا عندنا.
ومن شرائط قبول الشهادة أيضا ارتفاع التهمة:
وقد نقل الإجماع على عدم قبول شهادة المتهم، ويدل عليه الأخبار، مثل
صحيحة سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الذي يرد من الشهود
قال: الظنين والخصم، قال: قلت: فالفاسق والخائن؟ فقال: كل هذا يدخل في
الظنين (1).
وقريب منه صحيحة عبد الله بن سنان (2) لكن فيه بدل الخصم المتهم. وقريب
منها صحيحة أبي بصير (3). لكن فيها الظنين والمتهم والخصم. والأصحاب ذكروا
هذا الحكم في مواضع.
وفي المقام مسائل:
الاولى: من مواضع التهمة المانعة من القبول أن يجر الشاهد بشهادته نفعا إلى
نفسه أو دفعا لضرر عنه، كشهادة الشريك لشريكه فيما هو شريك فيه، ويدل عليه
مرسلة أبان (4). وكشهادة صاحب الدين للمعسر المحجور عليه بفلس بعد الحجر.
وقبل الحجر وجهان. وكشهادة الشريك لبيع الشقص حتى يستحق الشفعة، فإن لم
يكن له فيه شفعة أو عفا عنها قبلت. وكشهادة المولى لمملوكه المأذون، وكشهادة
الوارث بجرح مورثه عند بقاء الجرح وإمكان السراية، فإن الدية تجب له عند
الموت. وكشهادة الغريم للميت والوكيل لموكله في ما هو وكيل فيه، والوصي في

(1) الوسائل 18: 274، الباب 30 من أبواب الشهادات، ح 2.
(2) الوسائل 18: 274، الباب 30 من أبواب الشهادات، ح 1.
(3) الوسائل 18: 275، الباب 30 من أبواب الشهادات، ح 3.
(4) الوسائل 18: 272، الباب 27 من أبواب الشهادات، ح 3.
754

محل تصرفه على المشهور فيهما، وفيهما خلاف لابن الجنيد (1).
ويقبل شهادة الغريم لمديونه الموسر مطلقا، ولا تقبل الدافعة للضرر كشهادة
العاقلة بجرح بعض شهود الجناية خطاءا لأنها تدفع عنه الغرم، وشهادة الوصي
والوكيل بجرح الشاهد على الموصي والموكل على المشهور، لأنهما يدفعان الغرم
من أيديهما.
الثانية: من مواضع التهمة المانعة من القبول العداوة الدنيوية، والعداوة الدينية
لا تمنع قبول الشهادة عليه، فإن المسلم تقبل شهادته على الكافر، إنما يمنع العداوة
الدنيوية عند الأصحاب، لصدق الخصم والمتهم المذكورين في الخبر عليه،
ويتحقق ذلك بأن يعلم من حال أحدهما السرور بمساءة الآخر والمساءة بسروره،
أو يقع بينهما تقاذف.
واعتبر بعضهم مع السرور والمساءة المذكورين تمني زوال نعمه (2) ومنع
العداوة لقبول الشهادة ليس من حيث كونها قادحة في العدالة، فلابد من اعتبارها
على وجه لا تكون قادحة فيها.
ولو اختصت العداوة بجانب تبعه اختصاص الرد. فإن عاداه من يريد أن
يشهد عليه وبالغ في خصومته وسكت الآخر ثم شهد عليه قبلت شهادته. وإنما يرد
شهادة العدو إذا كانت عليه لا له، فيقبل إذا لم يكن العداوة مفضية إلى الفسق.
وفي المسالك: الفرح بمساءة المؤمن والحزن بمسرته معصية، فإن كانت
العداوة من هذه الجهة وأصر على ذلك فهو فسق، وظهور الفسق مع التقاذف
أوضح، فالجمع بين العداوة وقبول الشهادة لا يخلو عن إشكال، إلا أن يفسر
الإصرار بالإكثار من الصغائر لا بالاستمرار على واحدة بخصوصها (3).
ويمكن فرض الشهادة في ابتداء العداوة بلا استمرار، وأيضا إذا كان التقاذف
بغير الزنا ووقع على وجه المكافاة لا ابتداء لم يبعد القول بجوازه.

(1) حكاه في المختلف 8: 531.
(2) المسالك 14: 192.
(3) المسالك 14: 193.
755

الثالثة: إذا شهد بعض الرفقة لبعض على قاطع الطريق، فإن كان الشاهد لم
يؤخذ منه شيء ولم يظهر منه عداوة مانعة من قبول الشهادة فالظاهر قبول
شهادته، لعموم أدلة القبول وعدم ما يقتضي التخصيص، ويحتمل العدم، نظرا إلى
الرواية الآتية. وإن ظهر منه عداوة بالنسبة إلى اللصوص لم يقبل شهادته، وإن ظهر
من اللصوص بالنسبة إليه ما يوجب العداوة عادة فهل ينسحب فيه حكم العداوة؟
فيه تأمل.
وإن اخذ منه شيء لم يقبل قوله فيما اخذ منه، وهل يقبل شهادته لغيره فيما
اخذ منه؟ فيه وجهان، وكذا لو لم يتعرض لما اخذ منه أصلا.
واختار جماعة من الأصحاب منهم: المحقق (رحمه الله) الرد في الصورتين (1) نظرا
إلى ظهور التهمة المانعة، ورواية محمد بن الصلت، قال: سألت أبا الحسن
الرضا (عليه السلام) عن رفقة كانوا في الطريق فقطع عليهم الطريق فأخذوا اللص، فشهد
بعضهم لبعض؟ قال: لا تقبل شهادتهم إلا بإقرار من اللصوص أو بشهادة غيرهم
عليهم (2).
واختار في الدروس القبول (3) نظرا إلى بعد العدل عن شهادة الزور، وعموم
أدلة قبول الشهادة، ومنع التهمة المانعة، بل هو كشهادة بعض غرماء المديون
لبعض، وكما لو شهد الاثنان بوصية من تركة، وشهد المشهود لهما للشاهدين
بوصية منها. ولا يقتضي رد بعض الشهادة لمانع عن القبول حصول الرد فيما لا
مانع فيه، والمسألة محل إشكال، والترجيح للقول الأول.
الرابعة: إذا أظهر التوبة دفعا لعار الكذب لم يقبل توبته، كما لو تاب الفاسق
ليقبل شهادته، وقال الشيخ: تقبل لو قال الحاكم: «تب أقبل شهادتك» (4).
ولا خلاف في أن حصول التوبة الصحيحة يوجب قبول الشهادة، لكن

(1) الشرائع 4: 129 - 130.
(2) الوسائل 18: 272، الباب 27 من أبواب الشهادات، ح 2.
(3) الدروس 2: 127 - 128.
(4) المبسوط 8: 179.
756

الخلاف في أن مجرد الإظهار هل يكفي في ذلك أم لا؟ فذهب الشيخ إلى أنه
يكفي (1). والأشهر الأقرب أنه لا يكفي ذلك، بل لابد أن يختبر مدة يغلب على
الظن فيها أنه قد أصلح عمله وسريرته وأنه صادق في توبته، لأن المعتبر حصول
التوبة الواقعية، ومجرد إظهار ذلك ليس دليلا على وقوعه، فيبقى التهمة المانعة من
القبول، فلابد من الوثوق بذلك، وحيث يتعذر العلم بذلك يكتفى فيه بالأمارات
الظنية. والاستمرار على العمل الصالح مدة يحصل الظن والوثوق، ولا يتقدر ذلك
بمدة معينة، لاختلاف الأشخاص والأحوال في ذلك. وقد يحصل الوثوق بقوله
وتوبته في مدة قصيرة. ومن العامة من قدر الأمر بمضي الفصول الأربعة، ومنهم من
قدره بستة أشهر.
واعلم أن مذهب الأصحاب قبول شهادة الفاسق بعد تحقق التوبة، والأخبار
والآية تدل على ذلك في القذف، وفيه دليل على بطلان اعتبار المعاشرة الباطنية
واعتبار الملكة في العدالة كما ذكره جماعة من المتأخرين (2).
الخامسة: المعروف من مذهب الأصحاب أنه ترد شهادة المتبرع بها قبل
سؤال الحاكم، ومستنده بعض الروايات (3) وكون ذلك موضع تهمة.
وفي الكل نظر، والرواية التي ذكروها غير معلوم السند، والظاهر أنها عامية
معارضة بمثلها، فلا تعويل عليها. ولا أعرف خلافا في الرد المذكور في حقوق
الناس المحضة.
أما حقوق الله تعالى المحضة - كشرب الخمر والزنا والوقف على المصالح
العامة - وما كان لله فيه حق وإن كان مشتركا كحد القذف والوقف على منتشرين
والعتق والوقف على معين إن قلنا بانتقال الملك إلى الله، ففيه خلاف بين
الأصحاب. والأقرب عدم الرد، لعموم أدلة الشهادة، وضعف القول بكون ذلك

(1) المبسوط 8: 179.
(2) منهم المقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة 12: 393.
(3) انظر تلخيص الحبير 4: 204، ح 2130.
757

موجبا للتهمة مطلقا، ويؤيده أن مثل هذه الحقوق لا مدعي لها، فلو رد التبرع فيه
لزم التعطيل، وأنه نوع أمر بمعروف ونهي عن منكر فيجب. وليس التبرع جرحا
في الشاهد يوجب فسقه، بل مختص بتلك الواقعة، فلو شهد في غيرها لم ترد. ولو
أعاد تلك الشهادة في مجلس آخر ففي قبولها وجهان، واستجود الشهيد الثاني
القبول (1) وهو حسن.
السادسة: لا أعرف خلافا بين الأصحاب في قبول شهادة النسيب لنسيبه
وعليه، إلا شهادة الولد على والده، فعند الأكثر أنها لا تقبل. ونقل الشيخ في
الخلاف الإجماع عليه (2) والخلاف فيه منقول عن المرتضى (رحمه الله) (3).
ومستند الأول مضافا إلى الإجماع المنقول أن الشهادة عليه إيذاء، فلا يجوز،
لعموم المنع عنه، وقوله تعالى: (وصاحبهما في الدنيا معروفا) (4). وفي الفقيه:
وفي خبر: أنه لا يقبل شهادة الولد على والده (5).
وفي الكل ضعف.
وحجة الثاني قوله تعالى: (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله) (6) الآية وعموم
أدلة قبول الشهادة، وخصوص روايات متعددة دالة على القبول، منها: رواية
داود بن الحصين أنه قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أقيموا الشهادة على
الوالدين والولد (7).
ولعل الأقرب القول الأخير. والأقرب أنه لا ينسحب حكم المنع فيمن علا
من الآباء ونزل من الأبناء، ولا يتعدى أيضا إلى الأب والولد من الرضاعة.
ولا أعرف خلافا بين الأصحاب في قبول شهادة كل من الزوجين للآخر،
والأقرب عدم اعتبار الضميمة.

(1) المسالك 14: 216.
(2) الخلاف 6: 297، المسألة 45.
(3) الانتصار: 244.
(4) لقمان: 15.
(5) الفقيه 3: 42، ح 3286.
(6) النساء: 135.
(7) الفقيه 3: 49، ح 3304.
758

وعن الشيخ في النهاية أنه اعتبر انضمام عدل آخر إلى كل منهما (1). قال
المحقق: والفائدة تظهر لو شهد فيما يقبل شهادة الواحد مع اليمين، وتظهر الفائدة
في الزوجة لو شهدت لزوجها في الوصية (2) يعني لا تقبل في الربع أو شهدت له.
ومستند الشيخ صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يجوز شهادة
الرجل لامرأته والمرأة لزوجها إذا كان معها غيرها (3). ونحوها موقوفة سماعة (4).
والرواية غير دالة على مطلوبه، لعدم التقييد في الزوج، ولهذا وافقه المحقق في
التقييد في الزوجة دون الزوج.
والظاهر أن التقييد في الزوجة مبني على الغالب من غير الوصية، حيث لا
يثبت بشهادتها الحق منفردة ولا منضمة إلى اليمين، بل يعتبر انضمام الغير.
ولعل الأقرب عدم اشتراط الضميمة مطلقا. وعلى القول بها يكفي انضمام
امرأة اخرى فيما يكتفى فيه بشهادة امرأتين، كنصف الوصية، والمال الذي يكتفى
فيه بهما مع اليمين.
السابعة: مذهب الأكثر عدم قبول شهادة السائل بكفه، وهو من يباشر السؤال
والأخذ بنفسه.
واستثنى جماعة من المتأخرين منهم: ابن إدريس والمحقق من دعته
الضرورة إلى ذلك (5). والأصل في المسألة صحيحة علي بن جعفر (6) وموثقة محمد
ابن مسلم، وفيها التعليل بأنه لا يؤمن على الشهادة، وذلك لأنه إذا اعطي رضي،
وإن منع سخط (7).

(1) النهاية 2: 59.
(2) الشرائع 4: 130.
(3) الوسائل 18: 269، الباب 25 من أبواب الشهادات، ح 1.
(4) الوسائل 18: 270، الباب 25 من أبواب الشهادات، ح 3.
(5) السرائر 2: 122، الشرائع 4: 130.
(6) الوسائل 18: 281، الباب 35 من أبواب الشهادات، ح 1.
(7) الوسائل 18: 281، الباب 35 من أبواب الشهادات، ح 2.
759

الثامنة: يقبل شهادة الصديق والضيف بلا خلاف في ذلك، وفي قبول شهادة
الأجير قولان، فالمتأخرون على القبول، لقوله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من
رجالكم) (1) وقوله تعالى: (واشهدوا ذوي عدل منكم) (2) ويدل عليه أيضا
عمومات الأدلة وغيرها.
وعن جماعة منهم: الصدوقان والشيخ في النهاية العدم ما دام أجيرا (3) لرواية
علاء بن سيابة (4) وهي ضعيفة، ومضمرة سماعة (5) وهي لا تقاوم الأدلة السابقة.
وفي صحيحة صفوان (6) تأييد ما لهذا القول، لكنه لا يدفع ما ذكر. فالقول
الأول أقرب.
وحمل غير واحد من الأصحاب أخبار المنع على الكراهة، جمعا بينها وبين
موثقة أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: يكره شهادة الأجير لصاحبه، ولا بأس
بشهادته لغيره، ولا بأس به له بعد مفارقته (7). وفي الكراهة بعد، لأنها إن كانت
مقبولة لزم الحكم بمقتضاها عندنا في الشرائط. ويمكن حمل الكراهة في الخبر
على التحمل، ويمكن حمل أخبار المنع على موضع التهمة.
تذنيب فيه فروع:
الأول: الصغير والكافر والفاسق المعلن إذا عرفوا شيئا ثم زال المانع عنهم
فأقاموا بتلك الشهادة قبلت وإن ردت قبل ذلك للمانع، لاستجماعها لشرائط
القبول، وكذا العبد لو ردت شهادته على مولاه والولد على والده مع زوال المانع
وإعادة الشهادة.

(1) البقرة: 282.
(2) الطلاق: 2.
(3) المقنع: 133، ونقله عن والده في المختلف 8: 484، النهاية 2: 52.
(4) الوسائل 18: 274، الباب 29 من أبواب الشهادات، ح 2.
(5) الوسائل 18: 278، الباب 32 من أبواب الشهادات، ح 3.
(6) الوسائل 18: 273، الباب 29 من أبواب الشهادات، ح 1.
(7) الوسائل 18: 274، الباب 29 من أبواب الشهادات، ح 3.
760

وفي الفاسق المستتر إذا أقام الشهادة فردت ثم تاب وأعاد قولان، أشبههما
القبول، لعموم الأدلة، ووجه الرد تهمة الحرص على القبول وحفظ الظاهر. وفي
حكم الفاسق المستتر العدو المستتر في جريان الوجهين وترجيح القبول.
الثاني: اختلف الأصحاب في شهادة العبد على أقوال، فقيل: تقبل مطلقا وهو
المنقول عن صاحب الجامع. وقيل: لا تقبل مطلقا، وهو قول ابن أبي عقيل. وقيل:
تقبل إلا على مولاه، وهو منسوب إلى أكثر الأصحاب. وقيل: لا تقبل إلا على
مولاه، وقائله غير معلوم. وقيل: تقبل على مثله وعلى الكافر وترد على الحر
المسلم، وهو منقول عن ابن الجنيد. ويظهر من الفقيه قول آخر وهو عدم قبولها
للمولى فقط.
ووجه تفرق الأقوال اختلاف الأخبار والأنظار، ففي رواية محمد بن مسلم
عن أبي عبد الله (عليه السلام) في شهادة المملوك، قال: إذا كان عدلا فهو جائز الشهادة، إن
أول من رد شهادة المملوك عمر بن الخطاب (1) الحديث، وعد الخبر من الحسان.
وعن عبد الرحمن بن الحجاج في الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال
أمير المؤمنين (عليه السلام): لا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلا (2).
وعن بريد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن المملوك تجوز شهادته؟ قال:
نعم، وإن أول من رد شهادة المملوك لفلان (3).
وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: تجوز شهادة العبد
المسلم على الحر المسلم (4).
وفي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الواردة في درع طلحة وقضاء شريح
أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: لا بأس بشهادة مملوك إذا كان عدلا (5).

(1) الوسائل 18: 254، الباب 23 من أبواب الشهادات، ح 3.
(2) الوسائل 18: 253، الباب 23 من أبواب الشهادات، ح 1.
(3) الوسائل 18: 254، الباب 23 من أبواب الشهادات، ح 2.
(4) الوسائل 18: 254، الباب 23 من أبواب الشهادات، ح 5.
(5) لم نعثر عليه في كتب الأحاديث، نقله صاحب مجمع الفائدة والبرهان 12: 409.
761

وهذه الأخبار تدل على القول الأول، ويؤيده الأخبار الواردة في ذكر من
يرد شهادته وعدم ذكر العبد فيها.
وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): لا تجوز شهادة العبد المسلم
على الحر المسلم (1).
وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما السلام) قال: تجوز شهادة
المملوك من أهل القبلة على أهل الكتاب، وقال: العبد المملوك لا تجوز شهادته (2).
وفي صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن شهادة ولد الزنا؟
قال: لا، ولا عبد (3). وعد العبد في موقوفة سماعة مما يرد من الشهود (4).
روى الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل مات وترك جارية ومملوكين
فورثها أخ له، فأعتق العبدين وولدت الجارية غلاما، فشهدا بعد العتق بأن
مولاهما كان أشهدهما أنه كان يقع على الجارية وأن الحمل منه؟ قال: تجوز
شهادتهما ويردان عبدين كما كانا (5).
وفي المختلف: أن هذه دالة على قبول شهادته لسيده والمنع من قبولها على
سيده (6). وفيه نظر.
وعن الشيخ في الخلاف أنه قال: روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه كان يقبل
شهادة بعضهم على بعض، ولا يقبل شهادتهم على الأحرار (7).
والأقرب عندي القول الأول، لكثرة الأخبار الدالة عليه، واعتضادها
بعمومات القرآن والأدلة، وبعدها عن قبول التأويل وعن مذهب العامة، وحينئذ

(1) الوسائل 18: 256، الباب 23 من أبواب الشهادات، ح 12.
(2) الوسائل 18: 256، الباب 23 من أبواب الشهادات، ح 10.
(3) الوسائل 18: 277، الباب 31 من أبواب الشهادات، ح 6.
(4) الوسائل 18: 278، الباب 32 من أبواب الشهادات، ح 3.
(5) الوسائل 18: 255، الباب 23 من أبواب الشهادات، ح 7.
(6) المختلف 8: 503.
(7) الخلاف 6: 269، المسألة 19.
762

لابد من التخصيص في أخبار المنع بغير العدل، أو الحمل على التقية، أو الحمل
على التحمل، أو عدم الجواز بدون إذن المولى، في كل ما يناسبه.
الثالث: إذا حكم الحاكم ثم بان له ما يمنع قبول الشهادة، فإن كان المانع
متجددا بعد الحكم كالفسق والكفر لم ينقض الحكم، وإن كان حدوثه قبل الإقامة
وخفي على الحاكم ثم بان لم يقبل شهادة الشاهد.
ومن شرائط قبول الشهادة طهارة المولد:
فلا تقبل شهادة ولد الزنا على المشهور بين الأصحاب، وهو الأقرب، للأخبار
الكثيرة الدالة عليه، كصحيحة الحلبي (1) وموثقة أبي بصير (2) ورواية محمد بن مسلم
وزرارة (3) وغيرها. وقيل: تقبل إذا كان عدلا مطلقا (4). وقيل: تقبل في الشيء
اليسير حسب (5) استنادا إلى رواية ضعيفة (6).
الطرف الثاني
في ما يصير الشاهد شاهدا
والضابط في ذلك العلم اليقيني العادي، لقوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به
علم) (7) وللأخبار (8) فلا يجوز له الإخبار بالشيء على وجه الشهادة إذا كان له به
ظن. وهل له الإخبار بطريق الظن؟ الأصل يقتضي الجواز.
وقسم الفقهاء المشهود به على ثلاثة أقسام:
أحدها: ما يكفي فيه الرؤية، كالزنا، وشرب الخمر، والقتل، والسرقة،

(1) الوسائل 18: 277، الباب 31 من أبواب الشهادات، ح 6.
(2) الوسائل 18: 275، الباب 31 من أبواب الشهادات، ح 1.
(3) الوسائل 18: 276، الباب 31 من أبواب الشهادات، ح 3، 4.
(4) المبسوط 8: 228.
(5) النهاية 2: 53.
(6) الوسائل 18: 255، الباب 23 من أبواب الشهادات، ح 8.
(7) الإسراء: 36.
(8) عوالي اللآلئ 3: 528، ح 1.
763

والغصب، والولادة، والرضاع، والإتلاف، والإحياء، والاصطياد، واليد،
والتصرف. قالوا: ولا يجوز بناء الشهادة فيها على السماع من الغير، وفيه إشكال،
إذ السماع قد يفيد العلم.
وتقبل شهادة الأصم على الأقرب، لعموم الأدلة، وعن الشيخ في النهاية:
يؤخذ بأول قوله ولا يؤخذ بثانيه (1). تمسكا برواية ضعيفة (2).
القسم الثاني: ما يكفي فيه السماع فمنه: النسب، فيجوز أن يشهد بالتسامع أن
هذا الرجل ابن فلان أو من قبيلة كذا، وهذه المرأة بنت فلان أو من قبيلة كذا، لتعذر
الرؤية في النسب إلى الأجداد المتوفين والقبائل القديمة، والأشهر كون الانتساب
إلى الام أيضا كذلك.
ومنه: الموت، والمشهور جواز الشهادة فيه بالتسامع.
ومنه: الملك المطلق، والوقف، والعتق، وولاية القاضي.
واختلف فيما به يصير الشاهد شاهدا بالاستفاضة، فقيل: أن يكثر السماع من
جماعة حتى يبلغ العلم بالمخبر عنه (3). وقيل: يكفي بلوغه حدا يوجب الظن
الغالب المقارب للعلم (4). وقيل: مطلق الظن (5). والأول أقرب، اقتصارا للحكم
المخالف للأصل على مورد اليقين.
وعن الشيخ في المبسوط أنه قال: يكفي أن يسمع من عدلين فصاعدا، فيصير
بسماعه منهما شاهد أصل ومتحملا للشهادة، لحصول الظن بذلك (6). وهو ضعيف.
والاستفاضة على المشهور مختصة بامور مخصوصة، منها: الملك المطلق دون
البيع ونحوه، فإذا سمع الشاهد بالاستفاضة أن هذا ملك زيد ورثه عن أبيه الميت
كان له أن يشهد بالملك وسببه، لثبوتهما بالاستفاضة. أما لو سمع أن هذا ملك زيد

(1) النهاية 2: 55.
(2) الوسائل 18: 296، الباب 42 من أبواب الشهادات، ح 3.
(3) الإرشاد 2: 160.
(4) حكاه في المسالك 14: 229 - 230.
(5) مجمع الفائدة 12: 447.
(6) المبسوط 8: 181.
764

اشتراه من عمرو، شهد بالملك المطلق من دون السبب، فلو شهد به ففي القبول
وجهان، أقربهما ذلك في الملك المطلق، وتلغو الضميمة التي لا تثبت بالاستفاضة،
وتظهر الفائدة في اعتبار الترجيح على بينة اخرى.
وإذا اجتمع في ملك: استفاضة ويد وتصرف، فالمعروف من مذهبهم جواز
الشهادة له بالملك، ولم أعرف مخالفا فيه.
وفي المسالك نقل الاتفاق عليه، وذكر أنه لا إشكال في جواز الشهادة له
بالملك، بل هو غاية ما يبنى عليه الشهادة (1).
والحق أنه إن اعتبرنا في الاستفاضة حصول العلم لم يحتج إلى الضميمة، وإلا
ففي الحكم المذكور إشكال، لأن انضمام اليد والتصرف من حيث كونهما أعم من
الملك لم يفد سوى الظن الغالب، وفي الاكتفاء به في الشهادة تأمل، إلا أن يثبت
إجماع عليه.
وأما مجرد اليد والتصرف بالبناء والهدم والإجارة ونحوها فهل يكفي مع عدم
المنازع في الشهادة بالملك المطلق؟ فيه قولان:
أحدهما: نعم، وهو المشهور بين الأصحاب. ونقل في الخلاف الإجماع عليه،
استنادا إلى قضاء العادة بأن ذلك لا يكون إلا في الملك، وجواز شرائه منه، ومتى
حصل عند المشتري جاز له دعوى الملكية، ولو ادعي عليه فأنكر جاز له
الحلف (2). وفيه إشكال، لأن العادة لا تقضي على وجه يوجب العلم، وجواز الشراء
لا يقتضي الحكم بملكية البائع قطعا، لجواز الشراء من الوكيل والعاقد فضولا
والغاصب مع عدم العلم. ودعوى الملكية بعد الشراء لا يقتضي جواز الشهادة على
ملكية البائع أولا، وجواز الحلف على بعض الوجوه لا ينفع، ومطلقا في محل
المنع. ولو سلم فغير دال على المطلوب. واعتبروا في التصرف التكرر وعدم
المنازع، ومن أصحاب هذا القول من لم يفرق بين التصرف القصير والطويل، بل

(1) المسالك 14: 233.
(2) الخلاف 6: 264، المسألة 14.
765

جعل ضابطه ما أفاد الأمر المطلوب من الاستفاضة، ومنهم من اعتبر الطويل، وفي
المبسوط جعل القصيرة نحو الشهر والشهرين، والطويلة كالسنة والسنتين (1).
وثانيهما: لا، لوقوع ذلك كله من غير المالك كالوكيل والمستأجر والغاصب
والموصى له بالمنفعة وغيرهم. والشيخ في المبسوط اقتصر على نقل القولين ولم
يرجح أحدهما (2).
وأما إذا انفردت اليد من التصرف ولم نجوز الشهادة بالملك في الأول فهاهنا
أولى، وإن جوزناه ففيه وجهان.
والذي اختاره أكثر المتأخرين الجواز، لما مر من الوجوه، ولرواية حفص بن
غياث أنه سئل الصادق (عليه السلام) عن رجل رأى في يد رجل شيئا، أيجوز له أن يشهد أنه
له؟ فقال: نعم. قلت: فلعله لغيره، قال: ومن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا
لك، ثم تقول بعد الملك: هو لي، وتحلف عليه، ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار
ملكه من قبله إليك؟ ثم قال الصادق (عليه السلام): لو لم يجز هذا ما قامت للمسلمين سوق (3).
والرواية ضعيفة، لكن ذكر بعض الأصحاب أن مضمونها موافق للقواعد
الشرعية (4). وفيه تأمل يظهر مما ذكرنا.
وهل الاستفاضة في الملك المطلق على القول بعدم اشتراط العلم فيها يحتاج
إلى انضياف اليد أو التصرف؟ فيه قولان.
ولو تعارض السماع واليد ففي ترجيح أيهما قولان.
والوقف والنكاح يثبت بالاستفاضة عند جماعة: منهم الشيخ (5) وهذا على
القول باعتبار العلم في الاستفاضة ظاهر، ومستنده على القول الآخر أن الوقف
مبني على التأبيد، فلو لم يسمع فيه الاستفاضة لبطلت الوقوف مع تصادم الأزمان،

(1) المبسوط 8: 182.
(2) المبسوط 8: 181 - 182.
(3) الوسائل 18: 215، الباب 25 من أبواب كيفية الحكم، ح 2.
(4) المسالك 14: 236.
(5) الخلاف 6: 265، المسألة 15.
766

وبأنه يجوز لنا الشهادة على أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) ولم يثبت ذلك إلا بالاستفاضة.
وفيه تأمل.
القسم الثالث: ما يعتبر فيه السماع والرؤية، وهو العقود، كالبيع والنكاح
والفسوخ والأقارير، فيحتاج إلى السمع لسماع الألفاظ، والبصر لمشاهدة اللافظ.
قالوا: الأعمى إن انضم إلى سماعه معرفان يشهدان على العاقد جاز له
الشهادة عليه، وهل يجوز له الشهادة اعتمادا على ما يعرفه؟ فيه قولان، والأقرب
القبول إن حصل له العلم وادعاه، وشهادته على المقبوض ماضية عند المانعين.
الطرف الثالث
في أقسام الحقوق
وفيه مسائل:
الاولى: لا يثبت الزنا بأقل من أربعة رجال أو ما في حكمها، لا أعرف فيه
خلافا، ويدل عليه الآيات (1) وغيرها. والحق به اللواط والسحق، ولا أعرف فيه
خلافا بين الأصحاب. وفي وطء البهائم قولان، ولعل الأقرب ثبوته بشهادة
عدلين.
الثانية: يثبت الزنا بثلاثة رجال وامرأتين، ويثبت بها الرجم عند شرائطه،
للأخبار الكثيرة الدالة عليه، كصحيحة عبد الله بن سنان (2) وحسنة الحلبي (3)
وصحيحة محمد بن مسلم (4) وغيرها من الأخبار الكثيرة (5).

(1) النور: 4 و 13، النساء: 15.
(2) الوسائل 18: 260، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 10.
(3) الوسائل 18: 258، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 3.
(4) الوسائل 18: 264، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 28.
(5) الوسائل 18: 258، الباب 24 من أبواب الشهادات.
767

والشيخ وجماعة من الأصحاب ذهبوا إلى ثبوت الجلد برجلين وأربع نسوة (1)
استنادا إلى رواية عبد الرحمن، عن الصادق (عليه السلام) قال: يجوز شهادة النساء في
الحدود مع الرجال (2) والرواية مع عدم صحتها معارضة بغيرها، ففي رواية أبي
بصير: يجوز شهادتهن في حد الزنا إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان، ولا يجوز
شهادة رجلين وأربع نسوة (3) وقريب منه في رواية محمد بن الفضيل (4) وفي غير
واحد من الروايات: أنه لا يقبل شهادتهن في حد (5).
وذهب جماعة من الأصحاب منهم: الصدوقان والعلامة في المختلف إلى عدم
ثبوت الحد بذلك، للأصل. واحتج في المختلف بأنه لو ثبت الزنا بشهادتهن لثبت
الرجم، والتالي باطل (6).
وذهب الصدوق وابن الجنيد إلى تعدي حكم الزنا إلى اللواط والسحق (7).
وهو ضعيف، لعموم الأخبار الدالة على عدم قبول شهادتهن في الحد، وذهب
الشيخ في الخلاف إلى ثبوت الحد دون الرجم بشهادة رجل واحد وست نساء.
الثالثة: لا يثبت شيء من حقوق الله - تعالى - سوى ما ذكر بشاهد وامرأتين،
ولا بشاهد ويمين، ولا بشهادة النساء منفردات. ولا فرق في حق الله - تعالى - بين
كونه مالية كالزكاة والكفارة، أو غيرها كالحدود.
ويدل على الحكم المذكور في الحدود روايات. وأما حق الله - تعالى - المالي
فلا أعرف عليه نصا، لكن يمكن التمسك فيه بالأصل، وقصر حكم شهادة النساء
والشاهد واليمين على موارده المنصوصة.

(1) النهاية 2: 61، السرائر 2: 137، إصباح الشيعة: 528.
(2) الوسائل 18: 262، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 21.
(3) الوسائل 18: 258، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 4.
(4) الوسائل 18: 259، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 7.
(5) الوسائل 18: 258، الباب 24 من أبواب الشهادات.
(6) المقنع: 135، ونقله عن والده في المختلف 8: 471، المختلف 8: 472.
(7) حكاه عنهما في المختلف 8: 470.
768

الرابعة: لا يقبل شهادة النساء في الطلاق على الأشهر الأقرب، لروايات كثيرة
دالة عليه، كصحيحة محمد بن مسلم (1) وحسنة الحلبي (2) ورواية أبي بصير (3)
ورواية محمد بن الفضيل (4) ورواية إبراهيم (5) وصحيحة عبد الله بن سنان (6) ورواية
زرارة (7) وغيرها.
وقوى الشيخ في المبسوط قبول شهادتهن فيه مع الرجال (8). وهو المنقول عن
جماعة (9) وهو ضعيف.
وأما الخلع فالمشهور إلحاقه بالطلاق، وقيل: إن كان يدعيه المرأة لا يثبت
بالرجل والمرأتين، وإلا يثبت، لأن الدعوى حينئذ المال (10).
واشتهر بينهم ضابطة هي: أن كل دعوى يكون مالا أو يكون المقصود منه
المال يثبت بالرجل والمرأتين، وإلا فلا يثبت إلا بالرجال، إلا أن يكون مما لا
يمكن الاطلاع عليه عادة للرجال كالعذرة والرضاع فيثبت بالنساء. ولا أعلم في
الخلع نصا ولا على هذه القاعدة.
والمقطوع به في كلامهم عدم قبول شهادة النساء في الوكالة، والوصية إليه،
والنسب، ولا أعرف على ذلك نصا. وكذا عدم قبولها في الهلال، ويدل عليه
صحيحة عبد الله بن سنان (11) وفي توقف ثبوت العتق على الشاهدين أو ثبوته

(1) الوسائل 18: 260، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 8.
(2) الوسائل 18: 258، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 2.
(3) الوسائل 18: 258، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 4.
(4) الوسائل 18: 259، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 7.
(5) الوسائل 18: 258، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 5.
(6) الوسائل 18: 260، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 10.
(7) الوسائل 18: 260، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 11.
(8) المبسوط 8: 172.
(9) حكاه عن ظاهر كلام ابن أبي عقيل وابن الجنيد في المختلف 8: 463 - 464.
(10) المسالك 14: 251.
(11) الوسائل 18: 260، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 10.
769

بالشاهد واليمين والشاهد والمرأتين خلاف.
وأما النكاح فاختلف الأصحاب فيه، نظرا إلى اختلاف الروايات، ففي رواية
أبي بصير: تجوز شهادة النساء في النكاح إذا كان معهن رجل (1). ونحوه في رواية
محمد بن الفضيل (2).
وعن زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن شهادة النساء تجوز في النكاح؟
قال: نعم (3). وفي رواية إبراهيم: تجوز شهادتهن في النكاح (4). ونحوه في رواية
الكناني (5).
ويدل على المنع رواية السكوني (6) ويمكن حملها على شهادتهن منفردات،
كما في رواية إسماعيل بن عيسى (7). والجمع بين الروايات بالفرق بين الزوج
والزوجة لا شاهد له، ولعل الترجيح للقبول.
وأما القصاص يعني: الجناية الموجبة له فاختلف فيه كلام الأصحاب على
أقوال ثلاثة:
أحدها: القبول مطلقا. وثانيها: عدم القبول مطلقا. وثالثها: القبول فيما يوجب
الدية حسب. ومنشأ الاختلاف اختلاف الأخبار، والترجيح لا يخلو عن إشكال.
الخامسة: من حقوق الآدمي ما يثبت بشاهدين، وشاهد وامرأتين، وشاهد
ويمين، وهو الديون والأموال، ومن هذا القسم: البيع، والرهن، والحوالة، والصلح،
والإجارة، والضمان، والقرض، والقراض، والشفعة، والمزارعة، والمساقاة،
والهبة، والإبراء، والمسابقة، والوصية بالمال، والصداق في النكاح، والإقالة، والرد

(1) الوسائل 18: 258، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 4.
(2) الوسائل 18: 259، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 7.
(3) الوسائل 18: 260، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 11.
(4) الوسائل 18: 259، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 5.
(5) الوسائل 18: 263، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 25.
(6) الوسائل 18: 267، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 42.
(7) الوسائل 18: 266، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 39.
770

بالعيب، والوطء بالشبهة، والغصب، والإتلاف، والجنايات التي لا توجب إلا المال
كقتل الخطأ، وقتل الصبي والمجنون، وقتل الحر العبد، والمسلم الذمي، والوالد
الولد، والسرقة التي لا قطع فيها، والمال خاصة فيما فيه القطع، والمهر في النكاح،
والامور المتعلقة بالعقود والأموال كالخيار والأجل، ونجوم مال الكتابة، وفي
النجم الأخير قولان. وبالجملة: ما المقصود منه المال أو يؤول إليه. ولا أعرف فيها
خلافا، ولعل الحجة فيها عموم أدلة الشهادة، وقوله تعالى: (فرجل وامرأتان) (1)
في الدين.
السادسة: يثبت بالرجال والنساء منفردات ومنضمات ما يعسر اطلاع الرجال
عليه غالبا، كالولادة، والبكارة، والثيوبة، وعيوب النساء الباطنة، والحيض،
واستهلال المولود، والمراد منه: ولادته حيا ليرث، ويدل عليه ما في صحيحة
عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: تجوز شهادة النساء وحدهن بلا رجال
في كل ما لا يجوز للرجال النظر إليه، وتجوز شهادة القابلة وحدها في المنفوس (2)
ورواية أبي بصير (3) ورواية محمد بن الفضيل (4) ورواية إبراهيم الخارقي (5).
واختلف الأصحاب في الرضاع، والأقرب أنه كذلك، لأنه أمر ليس للرجال
النظر إليه، فيدخل في العمومات المذكورة، ويؤيده ظاهر رواية ابن بكير (6) وذهب
جماعة من الأصحاب إلى أنه لا يقبل فيه شهادة النساء (7) تعويلا على حجة
ضعيفة. قال الشهيد (رحمه الله) القائلون بقبول شهادة النساء في الرضاع اختلفوا في العدد،
فقال المفيد: يقبل فيه شهادة امرأتين، وكذا في عيوب النساء والاستهلال، فإن

(1) البقرة: 282.
(2) الوسائل 18: 260، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 10.
(3) الوسائل 18: 258، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 4.
(4) الوسائل 18: 259، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 7.
(5) الوسائل 18: 259، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 5.
(6) الوسائل 14: 304، الباب 12 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 3.
(7) الخلاف 6: 257، المسألة 9، السرائر 2: 137، الجامع للشرائع: 543.
771

تعذر امرأتان فواحدة (1) لصحيحة الحلبي عن الصادق (عليهما السلام) أنه سأله عن شهادة
القابلة في الولادة؟ فقال: تجوز شهادة الواحدة (2). ولا دلالة في الحديث على ما ذكره.
السابعة: كل موضع يقبل فيه شهادة النساء منفردات يعتبر كونهن أربعا، لأن
المعهود في الشرع في باب الشهادات اعتبار المرأتين برجل، واستثني من ذلك
الوصية بالمال، وميراث المستهل، فيثبت على الأشهر الأقرب جميع المشهود به
بشهادة أربع، وثلاثة أرباعه بشهادة ثلاث، ونصفه باثنتين، وربعه بواحدة.
والمستند في ذلك قول أبي عبد الله (عليه السلام) في صحيحة ربعي: يجوز ربع ما أوصى
بحساب شهادتها (3). وقريب منها صحيحة محمد بن قيس (4).
ومستند حكم المنفوس صحيحة عمر بن يزيد (5) ويدل على جواز شهادة
النساء فيه صحيحة محمد بن مسلم (6) وصحيحة العلا (7) ورواية داود بن سرحان (8)
وروايتا عبد الرحمن (9) وعلى جواز شهادة الواحدة صحيحة الحلبي (10) وروى
عبد الله بن سنان في الصحيح، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: تجوز شهادة
القابلة في المولود إذا استهل وصاح في الميراث، ويورث الربع في الميراث
بقدر شهادة امرأة. قلت: فإن كانت امرأتين؟ قال: تجوز شهادتهما في النصف
من الميراث (11).

(1) غاية المراد 4: 135.
(2) الوسائل 18: 258، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 2.
(3) الوسائل 18: 261، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 16.
(4) الوسائل 18: 261، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 15.
(5) الوسائل 18: 259، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 6.
(6) الوسائل 18: 260، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 8.
(7) الوسائل 18: 262، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 18.
(8) الوسائل 18: 261، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 12.
(9) الوسائل 18: 261 و 262، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 14 و 21.
(10) الوسائل 18: 267، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 43.
(11) الوسائل 18: 267، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 45.
772

وفي الفقيه بعد نقل صحيحة عمر بن يزيد: وفي رواية اخرى: إن كانت
امرأتين تجوز شهادتهما في النصف من الميراث، وإن كن ثلاث نسوة جازت
شهادتهن في ثلاثة أرباع الميراث، وإن كن أربعا جازت شهادتهن في الميراث
كله (1). والمعارض مع عدم مقاومته لما ذكرنا مؤول جمعا.
وهل يثبت بشهادة الرجل النصف لكونه بمنزلة امرأتين أو الربع إلحاقا له بها،
أو لا يثبت بها شيء قصرا للحكم على مورد النص؟ فيه أوجه، أضعفها الأول.
ولا يجوز للمرأة تضعيف الحق حتى يثبت بشهادتها مقدار الحق. وفي
المسالك: فلو فعلت جاز للمشهود له أخذه إن علمت بالحق، وإلا فلا (2). والظاهر
جواز أخذه إن جهلت بالتضعيف.
وعن المفيد وسلار: تقبل في عيوب النساء والاستهلال والنفاس والحيض
والولادة والرضاع شهادة امرأتين مسلمتين، وإذا لم يوجد إلا شهادة امرأة واحدة
مأمونة قبلت شهادتها فيه (3). استنادا إلى صحيحة الحلبي (4) وفيه نظر.
الطرف الرابع
في بعض المباحث المتعلقة بالشهادات
وفيه فصول:
الأول في بعض المسائل المتفرقة:
وفيه مسائل:
الاولى: الشهادة ليست شرطا في شيء من العقود والإيقاعات سوى الطلاق

(1) الفقيه 3: 53 و 55، ح 3316 و 3317.
(2) المسالك 14: 260.
(3) المقنعة: 727، المراسم: 223.
(4) الوسائل 18: 258، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 2.
773

كما مر، ويستحب الإشهاد في البيع، لقوله تعالى: (وأشهدوا إذا تبايعتم) (1) وفي
النكاح والرجعة، للأخبار، ولا يجب في شيء منها، للأصل السالم عن المعارض.
الثانية: إذا أقام البينة فحكم الحاكم له ينفذ الحكم ظاهرا لا باطنا، إلا مع كونه
محقا، ولا يستبيح المشهود له ما حكم له مع العلم بعدم الاستحقاق، ويستبيح ذلك
مع العلم بلا ريب، وقطعوا بأن الحكم كذلك مع الجهل. فلو لم يعلم بحق وشهد له
شاهدان بذلك إما لكونه متروكا له من مورثه، أو له مع نسيانه فإنه يستبيح أخذه مع
الحكم بشهادتهما، ما لم يعلم فساد ذلك، بأن يتجدد مثلا براءة المشهود عليه مع
عدم علم الشاهد بذلك. ولو توقف الحكم على يمين المدعي لكون الدعوى على
ميت، أو كون الشاهد واحدا لم يجز له الحلف إلا مع العلم بالحال.
الثالثة: المشهور وجوب إقامة الشهادة كفاية إلا مع انحصار العدد، فيجب
عينا. وفي الشرائع: أنه لا خلاف في وجوب أداء الشهادة كفاية (2).
وذهب جماعة منهم الشيخ وابن الجنيد وأبو الصلاح إلى عدم وجوب الإقامة
إلا مع الاستدعاء (3) يعني استدعى صاحبها للتحمل.
ويدل على الأول قوله تعالى: (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم
قلبه) (4) وقوله تعالى: (وأقيموا الشهادة لله) (5) وصحيحة هشام بن سالم عن أبي
عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) قال: قبل الشهادة،
وفي قوله تعالى: (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) قال: بعد الشهادة (6). ونحوه حسنة
هشام بن سالم (7) وما روي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من كتم
شهادة، أو شهد بها ليهدر بها دم امرء مسلم، أو ليزوي بها مال امرء مسلم أتى يوم

(1) البقرة: 282.
(2) الشرائع 4: 138.
(3) النهاية 2: 58، حكاه في المختلف 8: 508، الكافي في الفقه: 436.
(4) البقرة: 283.
(5) الطلاق: 2.
(6) الوسائل 18: 225، الباب 1 من أبواب الشهادات، ح 1.
(7) الوسائل 18: 226، الباب 1 من أبواب الشهادات، ح 8.
774

القيامة ولوجهه ظلمة مد البصر، وفي وجهه كدوح يعرفه الخلائق باسمه ونسبه،
ومن شهد شهادة حق ليحيي بها حق امرء مسلم أتى يوم القيامة ولوجهه نور مد
البصر، يعرفه الخلائق باسمه ونسبه. ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): ألا ترى أن الله تعالى
يقول: (وأقيموا الشهادة لله) (1).
وفي الفقيه: قال علي (عليه السلام) في قول الله تعالى: (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه):
كافر قلبه (2). إلى غير ذلك من الأخبار.
ويدل على الثاني صحيحة محمد بن مسلم، عن الباقر (عليه السلام): في الرجل يشهد
حساب الرجلين ثم يدعى إلى الشهادة قال: إن شاء شهد وإن شاء لم يشهد (3).
وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا سمع الرجل الشهادة ولم
يشهد عليها فهو بالخيار، إن شاء شهد، وإن شاء سكت (4). ونحوه صحيحة محمد بن
مسلم (5). وموثقته (6). وحسنة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (7). ونحوه مرسلة
يونس (8) ورواية اخرى لمحمد بن مسلم (9).
وفي المختلف جعل النزاع بين الفريقين لفظيا، نظرا إلى أنه فرض كفاية،
فيجوز تركه إذا قام غيره مقامه، ولو لم يقم غيره مقامه وخاف لحوق ضرر بإبطال
الحق وجب عليه إقامة الشهادة، ولا يبقى فرق بين أن يشهد من غير استدعاء
وبين أن يشهد معه (10).

(1) الوسائل 18: 227، الباب 2 من أبواب الشهادات، ح 2.
(2) الفقيه 3: 58، ح 3330 وفيه عن الباقر (عليه السلام).
(3) الوسائل 18: 232، الباب 5 من أبواب الشهادات، ح 6.
(4) الوسائل 18: 231، الباب 5 من أبواب الشهادات، ح 1.
(5) الوسائل 18: 232، الباب 5 من أبواب الشهادات، ح 7.
(6) الوسائل 18: 232، الباب 5 من أبواب الشهادات، ح 5.
(7) الوسائل 18: 231، الباب 5 من أبواب الشهادات، ح 2.
(8) الوسائل 18: 233، الباب 5 من أبواب الشهادات، ح 10.
(9) الوسائل 18: 232، الباب 5 من أبواب الشهادات، ح 4.
(10) المختلف 8: 521.
775

وفيه تأمل، لأن المستفاد من الروايات الفرق بين الاستدعاء وعدمه، ولزوم
الإقامة مع الاستدعاء مطلقا وإن حصلت الكفاية بغيره، والمسألة محل تردد،
للتعارض بين ظاهر الآية والأخبار المعتبرة المتعددة.
نعم لو شهد وعلم بقاء الحق على المدعى عليه حين الدعوى وتوقف
الاستيفاء على شهادته فالظاهر وجوبها عليه وإن لم يشهد عليه، وحينئذ كان
عموم الأخبار المذكورة مخصصا بهذه الصورة.
ونبه على ذلك الصدوق في الفقيه، حيث قال بعد نقل رواية محمد بن مسلم
وغيرها: معنى هذا الخبر الذي جعل الخيار فيه إلى الشاهد بحساب الرجلين هو
إذا كان على ذلك الحق غيره من الشهود، فمتى علم أن صاحب الحق مظلوم ولا
يحيى حقه إلا بشهادته وجب عليه إقامتها ولم يحل له كتمانها، فقد قال
الصادق (عليه السلام): العلم شهادة إذا كان صاحبها مظلوما (1). وكأنه إشارة إلى مرسلة
يونس، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا سمع الرجل الشهادة ولم
يشهد عليها فهو بالخيار إن شاء شهد، وإن شاء سكت، إلا إذا علم من الظالم
فيشهد، ولا يحل له إلا أن يشهد (2).
الرابعة: المشهور أيضا وجوب تحمل الشهادة كفاية، لقوله تعالى: (ولا يأب
الشهداء إذا ما دعوا) (3) وصحيحة هشام بن سالم السابقة في المسألة المتقدمة (4).
ورواية أبي الصباح الكناني (5) وغيرها.
وذهب ابن إدريس إلى عدم الوجوب، عملا بالأصل وطعنا في الأخبار
ودلالة الآية بأن صدق الشاهد بعد التحمل، فتكون الآية مختصة بالإقامة (6). وهو
خلاف ما يدل عليه سياق المقام، ولعل الأول أقرب.

(1) الفقيه 3: 56 - 57.
(2) الوسائل 18: 233، الباب 5 من أبواب الشهادات، ح 10.
(3) البقرة: 282.
(4) تقدمت في ص 774.
(5) الوسائل 18: 225، الباب 1 من أبواب الشهادات، ح 2.
(6) السرائر 2: 125 - 126.
776

قال في المسالك: واعلم أن إطلاق الأصحاب والأخبار يقتضي عدم الفرق
في التحمل والأداء بين كونه في بلد الشاهد وغيره مما يحتاج إلى سفر، ولا بين
السفر ا لطويل والقصير مع الإمكان، هذا من حيث السعي، أما المؤنة المحتاج إليها
في السفر من المركوب وغيره فلا يجب على الشاهد تحملها، بل إن أقام به
المشهود له، وإلا سقط الوجوب، فإن الوجوب في الأمرين مشروط بعدم توجه
ضرر على الشاهد غير مستحق، وإلا سقط الوجوب. واحترز بالمستحق عما لو
كان للمشهود عليه حق على الشاهد يناقشه عليه على تقدير الشهادة ويمهله به أو
يسامحه بدونها، فلا يعد ذلك عذرا، لأنه مستحق مع قدرته على الوفاء لا بدونه (1).
الفصل الثاني في الشهادة على الشهادة:
وفيه مسائل:
الاولى: لا أعرف خلافا بين الأصحاب في قبول الشهادة على الشهادة مرة
واحدة في غير الحدود، واتفاقهم على ذلك منقول في كلامهم، ويدل عليه عموم
الأدلة كقوله تعالى: (وأقيموا الشهادة لله) (2) وقوله تعالى: (واستشهدوا شهيدين
من رجالكم) (3) وعموم الأخبار، وخصوص رواية محمد بن مسلم - بإسناد لا
يبعد أن يكون صحيحا - عن الباقر (عليه السلام): في الشهادة على شهادة الرجل وهو
بالحضرة في البلد؟ قال: نعم، ولو كان خلف سارية [يجوز ذلك] إذا كان لا يمكنه
أن يقيمها لعلة تمنعه من أن يحضر ويقيمها، فلا بأس بإقامة الشهادة على
شهادته (4).
وصحيحة صفوان بن يحيى (5) ورواية عمرو بن جميع (6) وغيرها.

(1) المسالك 14: 268.
(2) الطلاق: 2.
(3) البقرة: 282.
(4) الوسائل 18: 297، الباب 44 من أبواب الشهادات، ح 1.
(5) انظر الوسائل 18: 273، الباب 29 من أبواب الشهادات، ذيل الحديث 1.
(6) الوسائل 18: 298، الباب 44 من أبواب الشهادات، ح 6.
777

ولا أعرف خلافا بينهم في عدم قبولها إلا مرة واحدة، وفي عدم قبولها في
الحدود، ويدل عليه رواية طلحة بن زيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) ورواية غياث بن
إبراهيم عن جعفر عن أبيه (عليه السلام) (2).
الثانية: محل الشهادة على الشهادة ما عدا الحدود، لا أعلم خلافا في ذلك،
ولا فرق بين الأموال، والأنكحة، والعقود والإيقاعات، والفسوخ وغيرها. ولا
فرق أيضا بين أن يكون حق الآدميين أم حق الله تعالى كالزكاة، وأوقاف
المساجد، والجهات العامة، والأهلة وغيرها.
وأما في الحدود المختصة بالله فلا أعرف خلافا في أنها لا تسمع، ونقل
بعضهم الإجماع عليه (3).
وفي المشتركة قولان، والأشهر أنها لا تسمع كسائر الحدود، خلافا للشيخ
في موضع من المبسوط (4) وابن حمزة (5) والشهيد في الشرح (6).
الثالثة: شهادة الأصل أمر مشهود به، فلابد من تحقق شاهدين لكل أصل، فإن
ذلك هو الأصل في الإثبات بالشهادة، ولا يزيد ولا ينقص عنهما إلا بدليل خارج،
ويؤيده رواية طلحة بن زيد (7). فلو شهد على شهادة كل واحد منهما اثنان صح،
وكذا لو شهد على شهادة كل واحد من الأصلين كل واحد منهما، وكذا لو شهد
شاهد أصل مع شاهد آخر على شهادة أصل. ولو شهد اثنان على شهادة جماعة
كفى الاثنان. ولو كان شهود الأصل رجلا وامرأتين يشهد على شهادتهم اثنان
صح، وكذا لو كان شهود الأصل نساء مما يقبل فيه شهادتهن منفردات.
الرابعة: لتحمل الشهادة على الشهادة مراتب، أعلاها الاسترعاء، وهو أن
يلتمس شاهد الأصل أن يرعي شهادته وأن يشهد بها، ولا أعرف خلافا في جواز

(1) الوسائل 18: 298، الباب 44 من أبواب الشهادات، ح 2.
(2) الوسائل 18: 298، الباب 44 من أبواب الشهادات، ح 3.
(3) المسالك 14: 270.
(4) انظر المبسوط 8: 231.
(5) الوسيلة: 233.
(6) غاية المراد 4: 160.
(7) الوسائل 18: 299، الباب 45 من أبواب الشهادات، ح 1.
778

الشهادة معه. ونقل في المسالك الإجماع عليه (1). وذكر الأكثر في كيفيته أن يقول
شاهد الأصل للفرع: اشهد على شهادتي أني أشهد على فلان بكذا وكذا، وفي
معناها أن يسمعه يسترعي شاهدا آخر.
والمرتبة الثانية: أن يسمعه يشهد عند الحاكم أن لفلان على فلان كذا، فله أن
يشهد على شهادته، لانتفاء احتمال الوعد والتساهل على هذا التقدير، وهذا هو
المشهور، ويظهر من كلام ابن الجنيد المخالفة في ذلك (2).
والمرتبة الثالثة: أن يبين سبب الوجوب فيقول: أشهد أن لفلان على فلان كذا
من ثمن مبيع أو قرض أو أرش جناية، ونحو ذلك. وتردد فيه الفاضلان (3) نظرا إلى
وقوع التسامح بذلك في غير مجالس الحكام. ولعل الوجه القبول، لأن الظاهر أن
العدالة تمنع المساهلة المذكورة. ولو فرض أن الفرع يجوز المساهلة المذكورة
على الأصل لم يكن له أن يشهد عليه.
الرابعة: أن يقول: أشهد بكذا ولم يذكر السبب، وقد قطع الفاضلان بعدم جواز
الشهادة عليها (4) لاحتمال وقوع التسامح في مثله، واحتمال إرادة الوعد. ولو
فرض انتفاء الاحتمالين كان له الشهادة.
الخامسة: المشهور بين الأصحاب اشتراط تعذر حضور شاهد الأصل في
قبول شهادة الفرع، وفي رواية محمد بن مسلم السابقة دلالة عليه. وقيل بعدم
اشتراط ذلك، وهو المنقول عن علي بن بابويه. وضابط التعذر مراعاة المشقة.
السادسة: اختلف الأصحاب في جواز شهادة النساء فرعا في موضع تجوز
شهادة النساء أصلا، سواء جازت شهادتهن منفردات أو منضمات. فذهب جماعة
من الأصحاب منهم: الشيخ في الخلاف (5) والعلامة في المختلف (6) إلى الجواز،

(1) المسالك 14: 273.
(2) لم نعثر عليه، انظر المسالك 14: 274.
(3) الشرائع 4: 139، القواعد 3: 504.
(4) المصدران السابقان.
(5) الخلاف 6: 316، المسألة 66.
(6) المختلف 8: 516.
779

استنادا إلى الأصل، والآية، وعموم رواية السكوني (1) وفي الكل نظر.
وذهب جماعة إلى المنع منهم: الشيخ في المبسوط (2) والعلامة في غير
المختلف (3) ولعل الترجيح لهذا القول، استنادا إلى أن قبول شهادة النساء في
مواضع مخصوصة، للنص والضرورة، ولا ينسحب ذلك في محل البحث.
السابعة: لو شهد على الشهادة على سبب الحد وكان السبب مقتضيا لغير الحد
أيضا، ففي سماع الشهادة بالنسبة إلى غير الحد وجهان، ولعل الأقرب ذلك، لأن
الحد انتفى بالمانع الشرعي، فيبقى غيره على الأصل.
ولا فرق بين أن يكون الشهادة على نفس السبب كاللواط المترتب عليه نشر
الحرمة بام المفعول واخته وبنته، والزنا بالعمة والخالة المترتب عليه تحريم بنتهما،
والزنا مكرها للمرأة حيث يترتب عليه ثبوت المهر، والوطء بالبهيمة المترتب
عليه تحريم الأكل أو البيع، أو على الإقرار بحصول السبب.
وإن كانت الشهادة على الإقرار فقيل: يكفي اثنان في الأصل والفرع على كل
منهما (4). وقيل: يتوقف على أربعة في الإقرار بالزنا كأصله (5).
وإن كانت شهادة الأصل على نفس الزنا فهل يعتبر العدد المعتبر في الأصل
في الفرع؟ فيه وجهان.
الفصل الثالث في توارد الشاهدين بحسب المعنى:
وفيه مسائل:
الاولى: يشترط في قبول الشهادة من توارد الشاهدين معنا لا لفظا، فلو قال
أحدهما: إنه غصب، والآخر: إنه أخذ ظلما، صح. ولو قال أحدهما: إنه باع،

(1) الوسائل 18: 267، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 42.
(2) لم نعثر عليه وحكاه في المسالك 14: 283.
(3) القواعد 3: 505.
(4) المسالك 14: 287.
(5) حكاه في الإيضاح 4: 432.
780

والآخر: إنه أقر بالبيع، لم يكن التوارد على معنى واحد، ويثبت كل منهما بانضمام
اليمين، وكذا لو اختلفت الشهادة بحسب الزمان أو المكان أو الوصف.
الثانية: لو شهد أحدهما أنه سرق نصابا غدوة، والآخر أنه سرق نصابا
عشية، لم يحكم بها، لتغاير الفعلين. ولو شهد الآخر أنه سرق ذلك بعينه عشية
فكذلك، للتعارض.
ولو قال أحدهما: سرق درهما، وقال الآخر: دينارا، أو قال أحدهما: ثوبا
أبيض، والآخر: أسود، فكذلك. ويجوز له أن يحلف على أحدهما خاصة فيحكم له
به إذا عين الزمان بحيث يحصل التنافي، وإلا كان له الحلف على الجميع بشرط أن
لا ينافي ذلك دعواه أولا. ولا يثبت القطع هنا، لعدم ثبوت الحد باليمين.
ولو قالا: سرق منه دينارا في وقت معين، وقال آخران: سرق ذلك الدينار
بعينه في وقت آخر - بحيث لا يمكن الجمع بين الفعلين - سقط الحد، لحصول الشبهة.
قالوا: ولا يسقط الغرم، لحصول سرقة المعين على التقديرين. وفيه إشكال، للتكاذب.
وإن لم يتعارضا، كما لو شهدت إحداهما بسرقته غدوة، والاخرى عشية
- حيث يمكن الاسترداد بعد السرقة والسرقة بعده - ثبت القطع والغرم. ولو كان
شهادة البينتين لا على عين واحدة ثبت الجميع.
الثالثة: لو شهد أحدهما أنه باعه هذا الثوب بدينار، والآخر أنه باعه بعينه
بدينارين على وجه لا يمكن الجمع، لم يثبت واحد منهما إلا بانضمام اليمين. ولو
شهد أحدهما بالإقرار بألف، والآخر بالإقرار بألفين يثبت الألف بهما، والألف
الآخر يحتاج إلى انضمام اليمين. ولو شهد بكل واحد شاهدان ثبت الألفان.
ولو شهد أحدهما بالقذف غدوة والآخر عشية لم يحكم بشهادتهما، لاختلاف
الفعلين.
ولو قال أحدهما: إنه أقر بالعربية، والآخر بالعجمية، وأمكن الجمع حكم
به، لأن المدلول شيء واحد، وإنما الاختلاف في الدال. وإن لم يمكن الجمع لم
يحكم، للتكاذب.
781

الفصل الرابع في الطوارئ:
وفيه مسائل:
الاولى: لو شهدا فماتا قبل الحكم حكم بهما، وكذا لو كان موتهما قبل التزكية.
الثانية: اختلف الأصحاب في جواز الحكم بشهادة العدلين إذا طرء فسقهما
بعد أداء الشهادة قبل الحكم، فذهب جماعة منهم: الشيخ والعلامة والمحقق في
أحد قوليه إلى الجواز (1).
وذهب جماعة منهم: الشهيد والعلامة في أحد قوليه إلى المنع (2) والمسألة
عندي محل تردد.
واتفق أصحاب القولين على أن المشهود به إذا كان حقا لله كحد الزنا
واللواط وشرب المسكر لم يحكم به، لحصول الشبهة الدارئة للحد، وفي القذف
والقصاص وجهان.
الثالثة: قالوا: لو شهدا لمن يرثانه فمات قبل الحكم فانتقل المشهود به إليهما
لم يحكم لهما بشهادتهما. وأسنده الشهيد الثاني إلى الجميع (3). وفيه إشكال.
الرابعة: إذا رجع الشاهد فلا يخلو إما أن يكون المشهود به العقوبة - وهي
الحد والتعزير - أو البضع، أوا لمال، ففيه ثلاثة أبحاث:
الأول: العقوبة، وحكمه أن الرجوع إن كان قبل قضاء القاضي به لم يقض بعده،
ويبطل شهادته، فإن كان المشهود به الزنا جرى على الشاهد حكم القذف، فيجب
عليه الحد إن كان موجبا له، أو التعزير إن أوجبه. هذا إن اعترف الشاهد بالكذب
والافتراء والتعمد. وإن قال: توهمت أو اشتبه علي الأمر، ففي وجوب الحد
عليه وجهان.

(1) الخلاف 6: 320، المسألة 73، الشرائع 4: 142، القواعد 3: 506.
(2) الدروس 2: 133، المختلف 8: 535.
(3) المسالك 14: 296.
782

وإن رجع الشاهد بعد القضاء وقبل الاستيفاء والعمل بمقتضى الشهادة - مثل
القتل أو الحد أو التعزير - نقض الحكم مطلقا، سواء كان المشهود به حقا لله مثل
الزنا، أو الآدمي مثل القطع في السرقة والحد في القذف بالزنا.
ولو رجعوا بعد الاستيفاء وكان المشهود به كالقتل والجرح وقالوا: تعمدنا،
فالمقطوع به في كلام الأصحاب أن عليهم القصاص أو الدية في موضع لا يقتص
فيه من المتعمد، وكذا لو شهدوا بالردة فقتل، أو على المحصن فرجم. وأما لو كانت
الشهادة على غير محصنة فجلد فمات منه يلزمهم مع الاعتراف بالتعمد الدية، لأنه
عمد شبيه بالخطأ. وإن قالوا: أخطأنا، فعليهم الدية.
الثاني: أن يكون المشهود به متعلقا بالبضع، فإذا شهد شاهدان مقبولان
بالطلاق، فإن ثبت أنهما شاهدا زور لم يحكم بالفراق، وإن رجعا أو أحدهما قبل
حكم الحاكم فكذلك، ولا يلزمهما شيء إلا التعزير إلا مع عذر مقبول.
وإن رجعا بعد حكم الحاكم بالمفارقة فالمقطوع به في كلامهم أنه لا ينتقض
الحكم، بل يثبت الطلاق، لأنه ثبت بالبينة المقبولة وحكم به الحاكم بالقضاء
المبرم، فلا يبطل بمجرد رجوع الشهود المحتمل للصحة والفساد، فإن الثابت بدليل
شرعي لا ينتقض إلا بدليل شرعي آخر. وفي التعليل تأمل.
وهل يجب الغرم على الشاهدين مطلقا، أم يتقيد بعدم الدخول؟ المشهور
الثاني، وهو مبني على المشهور من أن البضع لا يضمن بالتفويت، ومن ثم لو قتلها
قاتل أو قتلت نفسها لم يضمن القاتل.
ولو غصب أمة وماتت في يده فإنه يضمن بذلك قيمتها وقيمة منافعها وإن لم
يستوفها، دون بضعها مع عدم استيفائه، وعلى الوجه الآخر يغرم الشاهدان مهر
المثل مطلقا، لتفويتهما أمرا متقوما.
وعلى المشهور إن كان رجوع الشاهدين بعد الدخول لم يكن عليه شيء،
لاستقرار المهر بالدخول، والبضع غير مضمون، وإن كان قبل الدخول ضمنا نصف
المسمى، لإلزامهما ما كان في معرض السقوط بالردة أو الفسخ.
783

وفي المسألة أقوال اخرى، منها: قول الشيخ في النهاية، وهو أنها لو تزوجت
بعد الحكم بالطلاق ثم رجعا ردت إلى الأول بعد العدة، وغرم الشاهدان المهر
للثاني (1). استنادا إلى موثقة إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي عبد الله (عليه السلام): في
شاهدين شهدا على امرأة بأن زوجها طلقها، فتزوجت، ثم جاء زوجها وأنكر
الطلاق؟ قال: يضربان الحد ويضمنان الصداق للزوج، ثم ترجع إلى زوجها
الأول (2).
وفي ظاهر الرواية إشكال، وليس فيها تعرض للرجوع. وحملها في المختلف
على حصول التزويج بمجرد الشهود من دون حكم الحاكم (3) وعلى هذا فليس فيها
نقض للحكم المبرم، لكن في حد الشاهدين وغرمهما إشكال.
وروى الصدوق عن أبي بصير في الموثق، عن أبي عبد الله (عليه السلام): في امرأة شهد
عندها شاهدان بأن زوجها مات فتزوجت، ثم جاء زوجها الأول؟ قال: لها المهر
بما استحل من فرجها الأخير، ويضرب الشاهدان الحد، ويضمنان المهر لها عن
الرجل، ثم تعتد وترجع إلى زوجها الأول (4).
وعن محمد بن مسلم في الصحيح، عن أبي جعفر (عليه السلام): في رجلين شهدا على
رجل غائب عن امرأته بأنه طلقها فاعتدت المرأة وتزوجت، ثم إن الزوج الغائب
قدم فزعم أنه لم يطلقها وأكذب نفسه أحد الشاهدين؟ فقال: لا سبيل للأخير
عليها، ويؤخذ الصداق من الذي شهد ورجع، فيرد على الأخير، ولا يقربها الأول
حتى تنقضي عدتها (5).
الثالث: أن يكون المشهود به المال، ولا أعلم خلافا بين الأصحاب في بطلان
الشهادة وعدم الحكم بها لو رجع الشهود قبل حكم الحاكم. ولا أعلم خلافا

(1) النهاية 2: 65.
(2) الوسائل 18: 241، الباب 13 من أبواب الشهادات، ح 1.
(3) المختلف 8: 527.
(4) الفقيه 3: 59، ح 3334.
(5) الوسائل 18: 242، الباب 13 من أبواب الشهادات، ح 3.
784

أيضا في عدم بطلان الحكم ونقضه لو كان الرجوع بعد الحكم والاستيفاء وعدم
بقاء العين.
وإنما اختلفوا في ما إذا كان الرجوع بعد الحكم والاستيفاء وبقاء العين،
فالمشهور لزوم الحكم وعدم انتقاضه، ويلزم الشهود غرامة ما شهدوا به.
ويدل عليه حسنة جميل بن دراج عمن أخبره عن أحدهما (عليهما السلام): في الشهود
إذا شهدوا على رجل ثم رجعوا عن شهادتهم وقد قضي على الرجل: ضمنوا ما
شهدوا به، وغرموا، وإن لم يكن قضي طرحت شهادتهم ولم يغرم الشهود شيئا (1).
وذهب الشيخ في النهاية وابن البراج وجماعة إلى أنه يرد العين على صاحبها
عند قيامها إجراء للشهادة مع الرجوع مجرى عدمها (2) ويدل عليه صحيحة جميل
عن أبي عبد الله (عليه السلام) في شاهد الزور؟ قال: إن كان الشيء قائما بعينه رد على
صاحبه، وإن لم يكن قائما ضمن بقدر ما تلف من مال الرجل (3). ولا يبعد ترجيح
هذا القول.

(1) الوسائل 18: 238، الباب 10 من أبواب الشهادات، ح 1.
(2) النهاية 2: 65 - 66، المهذب 2: 564.
(3) الوسائل 18: 239، الباب 11 من أبواب الشهادات، ح 2.
785

كتاب الميراث
787

كتاب المواريث
وفيه أبحاث أربعة:
الأول
في المقدمات
وفيه فصول:
الأول في الأمر المقتضي للإرث
وهو ينقسم إلى نسب وسبب، والنسب اتصال بين شخصين بسبب الولادة،
والسبب اتصال بينهما بنحو آخر خاص.
وللنسب ثلاث مراتب:
المرتبة الاولى: الآباء والأولاد.
والمرتبة الثانية: الأجداد والإخوة ومن في حكمهم من الأولاد والأخوات
وأولادهن.
والمرتبة الثالثة: الأعمام والأخوال ومن في حكمهم من أعمام الأبوين
والأجداد وأخوالهم وأولاد الجميع.
والمراد بالأولاد أولاد الصلب وأولادهم وإن نزلوا، وبالآباء الأب والام
فقط، وبالأجداد أب الأب وأب الام وامهما وإن علوا.
788

وكما أن بين المراتب الثلاث ترتيب، كذا يوجد في أهل المرتبة ترتيب، فمتى
وجد الأقرب من قسم لا يرث الأبعد، فيقدم الولد على ولد الولد، والجد على أبيه،
والأخ على ولده.
وكذا الحكم في الأعمام والأخوال، لكن يرث البعيد من كل نوع مرتب في
مرتبة مع القريب من نوع آخر مرتب في تلك المرتبة، فولد الولد يرث مع الأبوين،
وأب الجد مع الإخوة، وولد الإخوة مع الجد، والعم بلا واسطة مع أولاد الخال
وهكذا.
والسبب منحصر شرعا في أقسام أربعة: الزوجية، والعتق، وضمان الجريرة،
والإمامة.
والوارث قد يرث بالفرض، وقد يرث بالقرابة، فالأول من سمى الله تعالى له
سهما مقدرا في كتابه العزيز، والثاني من لم يسم له سهما مخصوصا، وإنما حكم
بإرثه إجمالا، كما في قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ
الانثيين) (1) وكإرث الأعمام والأخوال الداخلين في عموم آية: (اولوا
الأرحام) (2).
والوارث بالفرض خمسة أصناف:
الأول: الأبوان، قال الله تعالى: (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك
إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلامه الثلث فإن كان له إخوة فلامه
السدس) (3).
والثاني: الزوجان، قال الله تعالى: (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) (4) وقال
الله تعالى: (ولهن الربع مما تركتم) (5) الآية.

(1) النساء: 11.
(2) الأنفال: 75.
(3) النساء: 11.
(4) النساء: 12.
(5) النساء: 12.
789

الثالث: البنت والبنات، قال الله تعالى: (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما
ترك وإن كانت واحدة فلها النصف) (1).
الرابع: الاخت والأخوات للأبوين أو للأب، قال الله تعالى: (إن امرؤ هلك
ليس له ولد وله اخت فلها نصف ما ترك فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما
ترك) (2).
الخامس: كلالة الام، وهم الإخوة والأخوات من قبلها، قال الله تعالى: (وإن
كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو اخت فلكل واحد منهما السدس فإن
كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) (3).
ومن يرث بالفرض إما أن يرث به دائما، أو يرث به في حالة ويرث بالقرابة
في حالة اخرى، أو يرث بهما معا.
الفصل الثاني في تعديد موانع الإرث
وهي أنواع:
الأول الكفر:
وفيه مسائل:
الاولى: لا أعرف خلافا بين الأصحاب في أن الكافر بأنواعه لا يرث المسلم،
والمسلم يرث الكافر، ويدل على ذلك أخبار كثيرة، كحسنة جميل وهشام (4)
وحسنة محمد بن قيس (5) وصحيحة أبي ولاد (6) وحسنته (7) وموثقة سماعة (8)

(1) النساء: 11.
(2) النساء: 176.
(3) النساء: 12.
(4) الوسائل 17: 376، الباب 1 من أبواب موانع الإرث، ح 14.
(5) الوسائل 17: 375، الباب 1 من أبواب موانع الإرث، ح 7.
(6) قال في مجمع الفائدة 11: 472، وفي صحيحة في الفقيه، انظر الفقيه 4: 336، ح 5725.
(7) الوسائل 17: 374، الباب 1 من أبواب موانع الإرث، ذيل الحديث 1.
(8) الوسائل 17: 375، الباب 1 من أبواب موانع الإرث، ح 5.
790

ورواية عبد الله بن أعين (1).
وما يدل على أن المسلم والكافر لا يتوارثان فالمراد به نفي التوارث من
الجانبين، فلا ينافي ثبوت الإرث من جانب واحد. وقد دل على هذا التفسير غير
واحد من الأخبار المعتبرة (2) وبعض الأخبار الضعيفة تدل على خلاف ما ذكرنا (3)
وحمل على التقية.
والمعروف بين الأصحاب - حتى كاد أن يكون إجماعا - أنه لو مات كافر
وله ورثة كفار ووارث مسلم وإن كان بعيدا كمولى نعمة أو ضامن جريرة،
ورثه المسلم دون الكافر، ويدل عليه رواية الحسن بن صالح (4) ولعل ضعفها منجبر
بعمل الأصحاب.
الثانية: لو مات الكافر الأصلي ولم يخلف مسلما ورثه الكفار، لا أعلم فيه
خلافا بين الأصحاب، لعموم أدلة الإرث. ولو خلف مع الولد الكافر زوجة مسلمة
فلها الثمن والباقي للولد، حيث قلنا بعدم الرد على الزوجة.
ولو مات المرتد لم يرثه الكافر مطلقا، بل يرثه الإمام مع فقد الوارث المسلم
على المشهور بين الأصحاب، لمرسلة أبان بن عثمان (5). وأما صحيحة أبي ولاد
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل ارتد عن الإسلام، لمن يكون ميراثه؟
قال: يقسم ميراثه على ورثته على كتاب الله (6). فمبنية على الغالب من كون ورثة
المرتد عن الإسلام مسلمين، وكذا صحيحة محمد بن مسلم (7).

(1) الوسائل 17: 375، الباب 1 من أبواب موانع الإرث، ح 4 وفيه عبد الرحمن بن أعين.
(2) الوسائل 17: 374، الباب 1 من أبواب موانع الإرث.
(3) انظر الوسائل 17: 374، الباب 1 من أبواب موانع الإرث.
(4) الوسائل 17: 374، الباب 1 من أبواب موانع الإرث، ح 2.
(5) الوسائل 17: 387، الباب 6 من أبواب موانع الإرث، ح 6.
(6) الوسائل 17: 386، الباب 6 من أبواب موانع الإرث، ح 3.
(7) الوسائل 17: 387، الباب 6 من أبواب موانع الإرث، ح 5.
791

وفي رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي عبد الله (عليه السلام): في نصراني أسلم ثم
رجع إلى النصرانية ثم مات؟ قال: ميراثه لولده النصارى (1) والإفتاء بمضمونها
منقول عن الصدوق في المقنع (2). وعن ابن الجنيد روايته في كتابه عن ابن فضال
وابن يحيى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وقال: لنا في ذلك نظر (3).
الثالثة: لو مات المسلم ولم يكن له ورثة سوى الكفار، لم يرثوه وورثه الإمام،
لا أعرف فيه خلافا، ويدل عليه صحيحة أبي بصير (4).
الرابعة: لو أسلم الكافر على ميراث قبل قسمته شارك مع المساواة في مرتبة
الإرث واختص به مع التقدم، لصحيحة محمد بن مسلم (5) وحسنة عبد الله بن
مسكان (6) وحسنة محمد بن مسلم (7) وصحيحة أبي بصير (8) ورواية البقباق (9) ولا
فرق بين كون المورث مسلما أو كافرا.
وهل يبقى الميراث على حكم مال الميت إلى أن يقسم، أو يسلم الباقي من
الورثة ويصير بلا مالك بالفعل غير الله، أو ينتقل إلى الموجودين ملكا متزلزلا ثم
ينتقل منهم إلى من يسلم بعدهم كلا أو بعضا، أو يكون إسلامه كاشفا عن الملكية
بعد الموت؟ فيه أوجه.
وفي المسالك قطع بأن النماء المتجدد بعد الموت وقبل القسمة تابع
للأصل (10).

(1) الوسائل 17: 385، الباب 6 من أبواب موانع الإرث، ح 1.
(2) المقنع: 179.
(3) حكاه في المختلف 9: 107.
(4) الوسائل 17: 380، الباب 3 من أبواب موانع الإرث، ح 1.
(5) الوسائل 17: 382، الباب 3 من أبواب موانع الإرث، ح 4.
(6) الوسائل 17: 382، الباب 3 من أبواب موانع الإرث، ح 2.
(7) الوسائل 17: 382، الباب 3 من أبواب موانع الإرث، ح 3.
(8) الوسائل 17: 380، الباب 3 من أبواب موانع الإرث، ح 1.
(9) الوسائل 17: 382، الباب 3 من أبواب موانع الإرث، ح 5.
(10) المسالك 13: 24.
792

ولو أسلم الكافر بعد القسمة لم يرث، للأخبار المذكورة. وكذا لو كان الوارث
واحدا سوى الإمام، لانتقال المال إليه وحصوله في ملكه، فالانتقال إلى غيره
يحتاج إلى دليل.
أما لو كان الوارث الواحد هو الإمام فأسلم الوارث الكافر فهو أولى بالميراث
على المشهور، وقيل: الإمام أولى بالميراث، لأنه الوارث الواحد (1). ومنهم من
فصل بنقل المال إلى بيت مال الإمام وعدمه، فيرث الإمام على الأول دون
الثاني (2). ولعل الأول هو الأقرب، لصحيحة أبي بصير (3).
ولو كان الوارث زوجا أو زوجة وآخر كافرا ثم أسلم، فهل يأخذ ما فضل عن
نصيب أحدهما؟ فيه أوجه مبنية على أن الزوجين إذا لم يكن وارث غيرهما هل
يرد عليهما ما فضل عن فرضهما، أم لا يرد على أحدهما أصلا، أم يرد على الزوج
دون الزوجة؟ فعلى الأول اختص الميراث بأحد الزوجين. وعلى الثاني اعتبر
المقاسمة قبل الإسلام وبعده فيهما. وعلى الثالث اعتبرت في الزوجة دون الزوج.
وللشيخ في النهاية قول بالرد على الزوج ومع ذلك يشاركه المسلم (4). وتبعه
القاضي (5). ونصره المحقق في النكت (6). واحتجاجهم عليه بحجة ضعيفة.
الخامسة: المسلمون يتوارثون على اختلاف مذاهبهم والكفار يتوارثون على
اختلاف مللهم على الأشهر الأقرب في المسألتين، لعموم أدلة التوارث وعدم
ما يصلح للتخصيص، وفيهما خلاف لأبي الصلاح (7). وفي الاولى خلاف للمفيد
أيضا (8).
السادسة: لا أعرف خلافا بين الأصحاب في أن الطفل تابع لأحد الأبوين في

(1) المسالك 13: 25.
(2) المبسوط 4: 79.
(3) الوسائل 17: 380، الباب 3 من أبواب موانع الإرث، ح 1.
(4) النهاية 3: 234.
(5) المهذب 2: 155 - 156.
(6) نكت النهاية 3: 234.
(7) الكافي في الفقه: 374 - 375.
(8) المقنعة: 701.
793

الإسلام، فلو كان الأبوان أو أحدهما مسلما وقت العلوق يحكم بإسلام الطفل،
وكذا لو أسلما أو أحدهما بعده، ويتبع ذلك حكم التوارث. وفي إلحاق إسلام
الأجداد والجدات بالأبوين وجهان.
السابعة: لو خلف نصراني أولادا صغارا وابن أخ وابن اخت مسلمين فمذهب
أكثر الأصحاب خصوصا المتقدمين منهم أنه يجب على الوارثين الإنفاق على
الأولاد بنسبة استحقاقهما من التركة إلى أن يبلغ الأولاد، مع حكمهم بإرثهما، فإن
أسلموا دفعت إليهم التركة، وإلا استقر ملك المسلمين عليها، استنادا إلى رواية
مالك بن أعين (1). وجماعة طردوا الحكم إلى ذي القرابة المسلم مع الأولاد (2).
وردها أكثر المتأخرين، لمنافاتها لما سبق من أن الإسلام بعد القسمة لا يوجب
الإرث. والرواية المذكورة وصفها جماعة من الأصحاب بالصحة، وليس الأمر
كذلك. والمسألة لا تخلو عن إشكال.
الثامنة: يقسم تركة المرتد عن فطرة من حين ارتداده على ورثته، لصحيحة
محمد بن مسلم (3) وغيرها. ولا أعلم فيه خلافا، وسيجئ باقي أحكام المرتد في
محله إن شاء الله تعالى.
النوع الثاني الرق:
وفيه مسائل:
الاولى: الرق يمنع الإرث في الوارث، بمعنى أن الرق لا يرث مما تركه
الموروث الحر شيئا، بل يرثه الأحرار وإن كانوا أبعد منه في مرتبة الإرث. وفي
الموروث، بأن الحر لا يرث المملوك. ولا أعرف خلافا في شيء من الحكمين،
ولا إشكال على القول بأنه لا يملك شيئا، وكذا فيما لا يملك على القول الآخر.

(1) الوسائل 17: 379، الباب 2 من أبواب موانع الإرث، ح 1.
(2) انظر المقنعة: 701، المهذب 2: 159 - 160، الغنية: 329، الإصباح: 370.
(3) الوسائل 17: 387، الباب 6 من أبواب موانع الإرث، ح 5.
794

وحجة المسألتين على وجه العموم صحيحة محمد بن مسلم عن
أحدهما (عليهما السلام) قال: لا يتوارث الحر والمملوك (1). ونحوها رواية محمد بن حمران
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2). ورواية اخرى لجميل بن دراج ومحمد بن حمران (3).
ورواية اخرى لمحمد بن مسلم (4). ورواية عبد الله بن جبلة (5). ورواية محمد بن
حمران (6). ورواية مهزم عن أبي عبد الله (عليه السلام): في عبد مسلم وله ام نصرانية وللعبد
ابن حر، قيل: أرأيت إن ماتت ام العبد وتركت مالا؟ قال (عليه السلام): يرثه ابن
ابنها الحر (7).
وفي حسنة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): من اعتق على ميراث قبل أن
يقسم الميراث فهو له، ومن اعتق بعد ما قسم فلا ميراث له (8). ويفيد ذلك غيرها
من الأخبار.
ولو كان الوارث رقا وله ولد حر لم يمنع الولد برق أبيه، لا أعلم فيه خلافا بين
الأصحاب، ويدل عليه رواية مهزم السابقة.
الثانية: لو كان الوارث متعددا فعتق المملوك قبل قسمة التركة شارك مع
التساوي في المرتبة واختص به مع التقدم، دون ما إذا كان العتق بعد القسمة، ويدل
عليه صحيحة محمد بن مسلم وحسنته (9) وغيرهما من الأخبار. وإذا كان الوارث

(1) الوسائل 17: 399، الباب 16 من أبواب موانع الإرث، ح 1.
(2) الوسائل 17: 399، الباب 16 من أبواب موانع الإرث، ح 2.
(3) الوسائل 17: 400، الباب 16 من أبواب موانع الإرث، ح 4.
(4) الوسائل 17: 382، الباب 3 من أبواب موانع الإرث، ح 3.
(5) الوسائل 17: 400، الباب 16 من أبواب موانع الإرث، ح 5.
(6) الوسائل 17: 399، الباب 16 من أبواب موانع الإرث، ح 2.
(7) الوسائل 17: 401، الباب 17 من أبواب موانع الإرث، ح 1.
(8) الوسائل 17: 382، الباب 3 من أبواب موانع الإرث، ح 3.
(9) الوسائل 17: 399، الباب 16 من أبواب موانع الإرث، ح 1، والوسائل 17: 382، الباب 3
من أبواب موانع الإرث، ح 3.
795

واحدا لم يستحق المملوك شيئا بعد العتق، لا أعرف فيه خلافا، لاستحقاقه المال
أولا وعدم ما يدل على الانتقال.
الثالثة: إذا مات الميت ولم يكن له وارث حر وإن كان بعيدا وكان له قريب
مملوك، فإن كان أحد الأبوين اشتري من التركة واعتق وأعطي بقية المال. لا
أعرف خلافا في ذلك. واختلف الأصحاب في ما عداهما على أقوال:
أحدها: المنع من عتق من عداهما مطلقا، وذهب إليه سلار.
وثانيها: إضافة الأولاد إليهما خاصة، وهو قول جماعة منهم: المفيد
وابن إدريس.
وثالثها: إضافة الأقارب مطلقا دون الأسباب كالزوجين، وهو قول جماعة
منهم: ابن الجنيد والقاضي.
ورابعها: فك كل وارث وإن كان زوجا أو زوجة، والحكم في الام لا إشكال
فيه. ويدل عليه الروايات المعتبرة المستفيضة، كصحيحة سليمان بن خالد (1)
وحسنته (2) وصحيحة عبد الله بن سنان وحسنته (3) أيضا، ورواية اخرى لسليمان بن
خالد (4). وأما الأب فيدل عليه مرسلة عبد الله بن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: إذا مات الرجل وترك أباه وهو مملوك، أو امه وهي مملوكة، أو
أخاه أو اخته، وترك مالا والميت حر، يشترى مما ترك أبوه أو قرابته وورث
الباقي من المال (5).
ومرسلة عبد الله بن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا
مات الرجل وترك أباه وهو مملوك، أو امه وهي مملوكة، أو أخاه أو اخته، وترك

(1) الوسائل 17: 404، الباب 20 من أبواب موانع الإرث، ح 1.
(2) الوسائل 17: 406، الباب 20 من أبواب موانع الإرث، ح 7.
(3) الوسائل 17: 404، 405، الباب 20 من أبواب موانع الإرث، ح 2 و 6.
(4) الوسائل 17: 407، الباب 20 من أبواب موانع الإرث، ح 10.
(5) الوسائل 17: 404، الباب 20 من أبواب موانع الإرث، ح 3.
796

مالا والميت حر، اشتري مما ترك أبوه أو قرابته، وورث ما بقي من المال (1).
والخبران معتبران مع اعتضادهما بالإجماع المنقول، وبعد الفرق بين الام والأب
فإلحاق الأب بالام متجه.
والحكم بإلحاق الابن متجه أيضا، لصحيحة جميل (2) ورواية سليمان بن
خالد (3) ويؤيده صحيحة وهب بن عبد ربه (4). ولعل الترجيح لإلحاق الأقارب
النسبية مطلقا أيضا، عملا بمرسلتي ابن بكير (5).
ويؤيده في الجملة رواية إسحاق، قال: مات مولى لعلي (عليه السلام) فقال: انظروا هل
تجدون له وارثا؟ فقيل: له ابنتان باليمامة مملوكتان، فاشتراهما من مال الميت ثم
دفع إليهما بقية الميراث (6).
ويؤيده في الجملة رواية عبد الله بن طلحة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته
عن رجل مات وترك مالا كثيرا، وترك اما مملوكة، واختا مملوكة؟ قال: تشتريان
من مال الميت ثم تعتقان وتورثان. قلت: أرأيت إن أبى أهل الجارية كيف يصنع؟
قال: ليس لهم ذلك، تقومان قيمة عدل ثم يعطى مالهم على قدر القيمة (7).
وفي إلحاق الزوجة احتمال، لصحيحة سليمان بن خالد، قال: قال أبو
عبد الله (عليه السلام): كان علي (عليه السلام) إذا مات الرجل وله امرأة مملوكة اشتراها من ماله
فأعتقها ثم ورثها (8). وفي دلالة الخبر تأمل، لاحتمال كون ذلك تبرعا منه (عليه السلام)،

(1) الوسائل 17: 407، الباب 20 من أبواب موانع الإرث، ح 9.
(2) الوسائل 17: 405، الباب 20 من أبواب موانع الإرث، ح 4.
(3) الوسائل 17: 407، الباب 20 من أبواب موانع الإرث، ح 10.
(4) الوسائل 17: 407، الباب 20 من أبواب موانع الإرث، ح 12.
(5) الوسائل 17: 404 و 407، الباب 20 من أبواب موانع الإرث، ح 3 و 9.
(6) الوسائل 17: 406، الباب 20 من أبواب موانع الإرث، ح 8.
(7) الوسائل 17: 405، الباب 20 من أبواب موانع الإرث، ح 5.
(8) انظر الوسائل 17: 404 و 406، الباب 20 من أبواب موانع الإرث، ح 1 و 7.
797

لا أن الحكم كذلك على سبيل الوجوب. وفي إلحاق الزوج تأمل، لفقد نص دال
عليه والأولوية ممنوعة.
وهل يشترط الإعتاق أم يكفي الشراء، أو الشراء مع تسليم الثمن؟ فيه
وجهان. والأول أحوط، ويدل على الثاني حسنة عبد الله بن سنان (1) ومرسلة
ابن بكير (2).
والمباشر للشراء والإعتاق هو الإمام أو نائبه الخاص أو العام، وعند التعذر
لا يبعد أن يقال بجواز ذلك لآحاد المؤمنين، ولعل العدل أولى. والظاهر وجوب
الشراء كفاية كما صرح به في المسالك (3). والمصرح به في كلامهم وجوب البيع
على المالك وأنه يقهر عليه، وأنه لا يعطى أكثر من قيمته لو لم يرض بالقيمة
السوقية.
ولو قصر المال عن ثمن المملوك فالمشهور أنه لا يفك ويكون الميراث
للإمام (عليه السلام)، قصرا للحكم على موضع اقتضاء الدليل، وقيل: يفك بما وجد ويسعى
في الباقي. ولو كان بعضه حرا ورث من نصيبه بقدر حريته، فلو كان نصيبه النصف
ونصفه حر ورث بقدر الربع، وكذا يورث منه، ويدل عليه صحيحة منصور بن
حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المكاتب يرث ويورث على قدر ما أدى (4). وفي
حسنة محمد بن قيس: أنه يرث بحساب ما عتق منه (5). وفي صحيحة محمد بن
قيس عن أبي جعفر (عليه السلام): في مكاتب توفي وله مال؟ قال: قال: يحسب ميراثه
على قدر ما اعتق منه لورثته، وما لم يعتق منه لأربابه الذين كاتبوه من ماله (6).
وفي الفرض المذكور كان الباقي لغيره وإن كان بعده في المنزلة.

(1) الوسائل 17: 404، الباب 20 من أبواب موانع الإرث، ح 2.
(2) الوسائل 17: 404، الباب 20 من أبواب موانع الإرث، ح 3.
(3) المسالك 13: 47.
(4) الوسائل 17: 403، الباب 19 من أبواب موانع الإرث، ح 3.
(5) الوسائل 17: 402، الباب 19 من أبواب موانع الإرث، ح 1.
(6) الوسائل 17: 402، الباب 19 من أبواب موانع الإرث، ح 2.
798

قالوا: وإن لم يكن هناك وارث في جميع الطبقات حتى ضامن الجريرة كان
باقي التركة في مقابلة الجزء الرق بمنزلة ما لو لم يخلف وارثا، فيشترى الجزء
الرق من التركة المتخلفة في مقابله، ولو لم يف باقي التركة بقيمة هذا الجزء جاء
فيه الخلاف السابق.
وفي كيفية الإرث منه بنسبة الحرية وجهان:
أحدهما: أن ما جمعه ببعضه الحر يقسط على مالك الباقي والورثة. وقيل: إنما
يكون كذلك إذا كان المال مكتسبا بجملته، أما لو كان مكتسبا بجزئه الرق فهو
للمولى خاصة، ولو كان بجزئه الحر فهو للوارث خاصة.
النوع الثالث القتل:
وفيه مسائل:
الاولى: لا أعرف خلافا بين الأصحاب في أن القاتل عمدا ظلما لا يرث،
ونقل الإجماع عليه مذكور في كلامهم. ويدل عليه صحيحة هشام بن سالم (1)
وغيرها من الأخبار السالمة عن المعارض في العمد (2). وإن كان القتل بحق فلا
أعرف خلافا أيضا في أنه غير مانع من الإرث.
واختلف الأصحاب في منع القتل خطأ على أقوال:
أحدها: أن القاتل خطأ يرث مطلقا، وهو قول جماعة منهم: المفيد وسلار
والمحقق (3).
وثانيها: أنه لا يرث مطلقا، وهو قول ابن أبي عقيل (4).
و ثالثها: أنه يرث مما عدا الدية، وهو مذهب الأصحاب.
ومستند الأول: صحيحة عبد الله بن سنان، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن

(1) الوسائل 17: 388، الباب 9 من أبواب موانع الإرث، ح 1.
(2) الوسائل 17: 390، الباب 8 من أبواب موانع الإرث.
(3) المقنعة: 703، المراسم: 218، الشرائع 4: 13 - 14.
(4) حكاه في المختلف 9: 65.
799

رجل قتل امه، أيرثها؟ قال: إن كان خطأ ورثها، وإن كان عمدا لم يرثها (1). ونحوها
موثقة محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) وهي حسنة في الفقيه (3) والظاهر عدم
القائل بالفرق بين الام وغيرها.
ومستند الثاني: عمومات الأخبار، كصحيحة هشام بن سالم (4) وحسنة
جميل (5) وغيرها، ورواية الفضيل بن يسار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يقتل
الرجل بولده، ويقتل الولد بوالده إذا قتل والده، ولا يرث الرجل الرجل إذا قتله
وإن كان خطأ (6). ورواية الفضيل ضعيفة، وباقي الأخبار مطلقة يجب تقييدها
بالأخبار المقيدة.
ومستند الثالث: أن الدية لابد من تسليمها إلى الوارث، ومن المستبعد وجوب
الدفع إلى نفسه وأخذه من عاقلته عوض ما جناه، وبعض الروايات العامية.
وفيه إشكال.
والأقوى عندي أن القاتل خطأ يرث من غير الدية، وفي الدية إشكال وتردد.
وفي شبه العمد خلاف بين الأصحاب.
الثانية: لو لم يكن وارث سوى القاتل كان الميراث للإمام، لأنه وارث من
لا وارث له.
الثالثة: لو قتل أباه وللقاتل ولد ولم يكن للمقتول ولد للصلب ورثه ولد القاتل،
لوجود المقتضي وعدم المانع.
الرابعة: لو كان مع القاتل وارث كافر لم يرثا جميعا، وكان الميراث
للإمام (عليه السلام). ولو أسلم الكافر كان الميراث له على قول.

(1) الوسائل 17: 392، الباب 9 من أبواب موانع الإرث، ح 2.
(2) الوسائل 17: 391 - 392، الباب 9 من أبواب موانع الإرث، ح 1.
(3) الفقيه 4: 318، ح 5684.
(4) الوسائل 17: 388، الباب 7 من أبواب موانع الإرث، ح 1.
(5) الفقيه 4: 317، ح 5683.
(6) الوسائل 17: 392، الباب 9 من أبواب موانع الإرث، ح 3.
800

الخامسة: لو لم يكن للمقتول وارث سوى الإمام (عليه السلام) فالأشهر الأقرب أن
له المطالبة بالقود أو الدية مع التراضي، وليس له العفو، استنادا إلى صحيحة
أبي ولاد (1) وذهب ابن إدريس إلى جواز عفوه عن القصاص والدية كغيره
من الأولياء (2).
السادسة: اختلف الأصحاب في وارث الدية على أقوال:
أحدها: عدم الفرق بين وارث الدية وغيرها من الأموال، لعموم آية: (واولوا
الأرحام) (3) وهو قول الشيخ في المبسوط، وموضع من الخلاف (4) وابن إدريس
في أحد قوليه (5).
والثاني: أنه يرثها من عدا المتقرب بالام، ولعله قول الأكثر، ويدل عليه
صحيحة سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في
دية المقتول: أنه يرثها الورثة على كتاب الله وسهامهم إذا لم يكن على المقتول
دين، إلا الإخوة والأخوات من الام، فإنهم لا يرثون من ديته شيئا (6). وصحيحة
عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) أن الدية يرثها
الورثة إلا الإخوة من الام، فإنهم لا يرثون من الدية شيئا (7). ونحوه رواية محمد
ابن قيس (8) وفي موثقة عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يرث الإخوة
من الام من الدية شيئا (9). ونحوه ضعيفة أبي العباس (10).

(1) الوسائل 19: 93، الباب 60 من أبواب القصاص في النفس، ح 2.
(2) السرائر 3: 336.
(3) الأنفال: 75.
(4) المبسوط 7: 53 - 54، الخلاف 4: 114، المسألة 127.
(5) السرائر 3: 328.
(6) الوسائل 17: 393، الباب 10 من أبواب موانع الإرث، ح 1.
(7) الوسائل 17: 393، الباب 10 من أبواب موانع الإرث، ح 2.
(8) الوسائل 17: 394، الباب 10 من أبواب موانع الإرث، ح 4.
(9) الوسائل 17: 394، الباب 10 من أبواب موانع الإرث، ح 5.
(10) الوسائل 17: 394، الباب 10 من أبواب موانع الإرث، ح 6.
801

والقول الثالث: أنه يمنع المتقرب بالام والمتقرب بالأب وحده لا غير، وهو
قول الشيخ في موضع من الخلاف (1).
ولعل الترجيح للقول الثاني، عملا بالأخبار المستفيضة المذكورة، لكن
الأخبار لا يشمل غير الإخوة والأخوات، فالوجه الاقتصار عليها في الحكم
وعدم التعدي إلى سائر من يتقرب بالام، لكن أصحاب هذا القول لم يقولوا
بالفرق، ولعلهم نظروا إلى الأولوية. وفيه تأمل.
السابعة: قالوا: الدية في حكم مال المقتول يقضى منها ديونه ويخرج منها
وصاياه، ويدل على هذا الحكم في الديون صحيحة يحيى الأزرق (2) وصحيحة
سليمان بن خالد (3) المذكورة في المسألة المتقدمة، وأما الوصايا فلا أعرف حجة
على حكمها، لكن لا أعرف خلافا في المسألة بين الأصحاب.
الثامنة: لا أعرف خلافا بين الأصحاب في أن أحد الزوجين لا يرث
القصاص، ولو وقع التراضي بالدية ورثا نصيبهما منها، والاتفاق على ذلك منقول
في كلامهم.
النوع الرابع اللعان:
وهو يقطع نسب الولد عن الأب وينتفي التوارث بينهما كما مر، ولو اعترف به
بعد اللعان فحينئذ يرثه الولد دون العكس، للروايات الدالة على ذلك.
ويلحق بهذا المقام مسائل:
الاولى: في ميراث المفقود الغائب غيبة منقطعة، واختلف الأصحاب فيه،
فالمشهور بين المتأخرين منهم أنه يتربص به مدة لا يعيش إليها مثله عادة، فيحكم
حينئذ بموته ويرثه الأولى به عند الحكم بموته.

(1) الخلاف 5: 178، المسألة 41.
(2) الوسائل 13: 111، الباب 24 من أبواب الدين والقرض، ح 1.
(3) تقدمت في ص 801.
802

قال الشهيد الثاني: وهذا القول لا دليل عليه من جهة النص صريحا، ولكنه
يوافق الأصل من بقاء الحياة إلى أن يقطع بالموت عادة. قال: وهذه المدة ليست
مقدرة عند الجمهور، بل ربما اختلف باختلاف الأزمان والأصقاع، وربما قدره
بعضهم بمائة وعشرين [سنة] قال: والظاهر الاكتفاء في زماننا بما دونها، فإن بلوغ
العمر مائة سنة الآن على خلاف العادة. قال: ولو مات لهذا المفقود قريب قبل
الحكم بموته عزل نصيبه منه، وكان بحكم ماله (1).
وفي الاحتجاج بالأصل المذكور تأمل. والأولى الاستدلال بأن التصرف في
مال الغير ممنوع شرعا إلى أن يثبت دليل على خلافه، وفيه أيضا نظر، وكذا
الاستدلال بالعمومات الدالة على عدم جواز التصرف في مال الغير.
واحتج بعض المتأخرين (2) لهذا القول بصحيحة هشام بن سالم، قال: سأل
خطاب الأعور أبا إبراهيم وأنا جالس، فقال: إنه كان عند أبي أجير يعمل عنده
بالأجر، ففقدناه وبقي له من أجره شيء، فلا نعرف له وارثا؟ قال: فاطلبوه. قال:
وقد طلبناه فلم نجده. قال: فقال: مساكين، وحرك يديه، قال: فأعاد عليه. قال:
اطلب واجهد، فإن قدرت عليه، وإلا فهو كسبيل مالك حتى يجيء له طالب، وإن
حدث بك حدث فأوص به إن جاء له طالب أن يدفع إليه (3).
وحسنة هشام بن سالم، قال: سأل حفص الأعور أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا حاضر،
فقال: كان لأبي أجير وكان له عندي شيء، فهلك الأجير فلم يدع وارثا ولا قرابة،
وقد ضقت بذلك، كيف أصنع؟ إلى أن قال: إني قد ضقت بذلك وكيف أصنع؟ فقال:
هو كسبيل مالك، فإن جاء طالب أعطيته (4).
ورواية معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (عليه السلام): في رجل كان له على رجل حق

(1) المسالك 13: 57 - 58.
(2) انظر مجمع الفائدة 11: 539.
(3) الوسائل 17: 582، الباب 6 من أبواب ميراث الخنثى، ح 1.
(4) الوسائل 17: 585، الباب 6 من أبواب ميراث الخنثى، ح 10.
803

ففقده ولا يدري أين يطلبه ولا يدري أهو حي أم ميت، ولا يعرف له وارثا ولا
نسبا ولا ولدا؟ قال: اطلبه. قال: فإن ذلك قد طال فأتصدق به؟ قال: اطلبه (1).
وفي رواية الهيثم بن روح حيث سأل عن نظير ما ذكر: اتركه على حاله (2).
وفي رواية حفص بن حبيب حيث سأل عن نظيرها: اعمل فيها وأخرجها
صدقة قليلا حتى يخرج (3).
وفي الفقيه بعد خبر معاوية: وقد روي في خبر آخر: إن لم تجد له وارثا
وعرف الله منك الجهد فتصدق بها (4).
ولا يخفى أن هذه الأخبار مختصة بمن لم يعرف له وارث، ولا تشمل لمن
له وارث.
القول الثاني: الحكم بقسمة ميراثه بعد عشر سنين، وهو قول ابن الجنيد، لكن
قيده بانقطاع خبره لغيبة أو لكونه مأسورا (5).
ولو كان فقده في عسكر قد شهرت هزيمته وقتل من كان فيه أو أكثرهم كفى
مضي أربع سنين.
ويدل على عشر سنين ما رواه الشيخ معلقا عن علي بن مهزيار، وطريقه إليه
صحيح، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن دار كانت لامرأة وكان لها ابن وبنت، فغاب
الابن بالهجر (6) وماتت المرأة، فادعت ابنتها أن امها كانت صيرت هذه الدار لها
وباعت اشقاصها منها وبقيت في الدار قطعة إلى جنب دار لرجل من أصحابنا وهو
يكره أن يشتريها، لغيبة الابن وما يتخوف من أن لا يحل له شراؤها، وليس يعرف
للابن خبر، فقال لي: ومنذ كم غاب؟ فقلت: منذ سنين كثيرة. فقال: ينتظر به غيبة

(1) الوسائل 17: 583، الباب 6 من أبواب ميراث الخنثى، ح 2.
(2) الوسائل 17: 583، الباب 6 من أبواب ميراث الخنثى، ح 4.
(3) الوسائل 17: 583، الباب 6 من أبواب موانع الإرث، ح 3، وفيه عن نصر بن حبيب.
(4) الفقيه 4: 331، ح 5711.
(5) حكاه في المختلف 9: 95.
(6) كذا في الأصل أيضا، ولكن في المصادر الحديثية: بالبحر.
804

عشر سنين ثم يشتري. فقلت: فإن انتظر بها غيبة عشر سنين يحل شراؤها؟ قال:
نعم (1). وعمل المفيد (رحمه الله) بمضمونها في جواز بيع عقاره بعد المدة (2).
وفي المسالك: أن في طريقها سهل بن زياد (3). وهو كذلك في الكافي (4).
القول الثالث: أنه يدفع ماله إلى وارثه الملئ، ومستنده قول أبي الحسن في
موثقة إسحاق بن عمار: إن كان ورثة الرجل ملاء بماله اقتسموه بينهم، فإذا هو
جاء ردوه عليه (5). ونحوه في رواية اخرى موثقة أو صحيحة لإسحاق (6) وفي
رواية اخرى ضعيفة لإسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم (عليه السلام) مثله (7). وفي المسالك:
أن الرواية مقطوعة (8). وليس كذلك مطلقا كما عرفت.
القول الرابع: أنه يحبس ماله أربع سنين ويطلب فيها في كل الأرض، فإن لم
يوجد قسم ما بين ورثته، وإليه ذهب المرتضى (9). ونحوه قال الصدوق وأبو
الصلاح الحلبي (10). وقواه في الدروس (11). ومال إليه في المختلف (12) وقواه في
الروضة (13).
ويدل عليه موثقة سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المفقود يحبس ماله على
الورثة قدر ما يطلب في الأرض أربع سنين، فإن لم يقدر عليه قسم ماله بين
الورثة، وإن كان له ولد حبس ماله وأنفق على ولده تلك الأربع سنين (14).

(1) التهذيب 9: 390، ح 1391.
(2) المقنعة: 706.
(3) المسالك 13: 58.
(4) الكافي 7: 154، ح 6.
(5) الوسائل 17: 584، الباب 6 من أبواب ميراث الخنثى، ح 8.
(6) الوسائل 17: 584، الباب 6 من أبواب موانع الإرث، ح 6.
(7) الوسائل 17: 584، الباب 6 من أبواب موانع الإرث، ذيل الحديث 6.
(8) المسالك 13: 58.
(9) الانتصار: 307.
(10) الفقيه 4: 330، ذيل الحديث 5707، الكافي في الفقه: 378.
(11) الدروس 2: 352.
(12) المختلف 9: 69.
(13) الروضة 8: 50.
(14) الوسائل 17: 585، الباب 6 من أبواب الميراث، ح 9.
805

وموثقة إسحاق بن عمار - وبعضهم يرى صحتها - قال: قال أبو الحسن في
المفقود: يتربص بماله أربع سنين ثم يقسم (1).
والأقرب عندي هذا القول عملا بالخبرين، وصحيحة علي بن مهزيار يمكن
حملها على الاستحباب، ويؤيده أمر الحاكم بعدة الوفاة وتزويجها بعد
الأربع سنين.
الثانية: إذا مات وامرأته حامل يرث ما في بطنها حيث يحكم بكونه ملحقا به،
لكنه موقوف على أن يخرج من بطنها حيا، سواء كانت حياته مستقرة أم لا، وسواء
ولد تاما أو قبل إكمال مدة الحمل، وسواء كان سقوطه بجناية أم لا، وسواء صاح
بعد الولادة أم لا. ولو ولد ميتا لم يرث.
وفي المسألة أخبار، مثل صحيحة ربعي عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته
يقول في المنفوس: إذا تحرك ورث، فإنه ربما كان أخرس (2). وحسنة ربعي
عنه (عليه السلام) يقول في السقط: إذا سقط من بطن امه فتحرك تحركا بينا يرث ويورث،
فإنه ربما كان أخرس (3). ونحوه صحيحة الفضيل (4) وموثقة أبي بصير (5). ولا
يعارضها رواية عبد الله بن سنان (6). ويدل صحيحة عمر بن يزيد على قبول شهادة
المرأة القابلة وحدها إذا شهدت أنه استهل وصاح في ربع ميراث الغلام (7).
وفي صحيحة عبد الله بن سنان: أنه يقبل شهادة القابلة في ربع الميراث، وإن
كانت امرأتان يجوز شهادتهما في النصف من الميراث (8).

(1) الوسائل 17: 583، الباب 6 من أبواب ميراث الخنثى، ح 5.
(2) الوسائل 17: 586، الباب 7 من أبواب ميراث الخنثى، ح 3.
(3) الوسائل 17: 587، الباب 7 من أبواب ميراث الخنثى، ح 4.
(4) الوسائل 17: 588، الباب 7 من أبواب ميراث الخنثى، ح 8.
(5) الوسائل 17: 587، الباب 7 من أبواب ميراث الخنثى، ح 7.
(6) الوسائل 18: 267، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 45.
(7) الوسائل 18: 259، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 6.
(8) تقدمت في الهامش (5).
806

ولو كان للميت امرأة أو أمة حامل وله إخوة فيترك الإرث حتى تضع، ولو
طلبت الزوجة أعطيت حصة ذات الولد. ولو كان هناك أبوان اعطيا السدسين.
قالوا: ولو كان هناك أولاد ارجئ نصيب ذكرين ثم استدرك زيادة ونقصانا.
الثالثة: إذا مات وعليه دين يستوعب التركة فمذهب الشيخ (1) وأكثر
الأصحاب أن المال لم ينتقل إلى الوارث وكان على حكم مال الميت، استنادا إلى
قوله تعالى: (من بعد وصية يوصي بها أو دين) (2).
وفي صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قضى
أمير المؤمنين (عليه السلام) في دية المقتول أنه يرثها الورثة على كتاب الله وسهامهم إذا لم
يكن على المقتول دين (3).
والقول الآخر أن المال ينتقل إلى الوارث مطلقا، لكنه يمنع من التصرف فيه
إلى أن يوفى الدين منها أو من غيرها، استنادا إلى أن بقاء الملك بلا مالك
مستحيل، والميت غير مالك، والديان لا يملكه إجماعا، فيتعين الوارث. وحملوا
الآية على أن الملك المستقر بعد الدين والوصية. والمسألة مشكلة جدا.
وفائدة الخلاف في النماء المتجدد بين الوفاة وإيفاء الدين، فيتبع العين
في تعلق الدين به وتقديمه على حق الوارث على الأول، وعلى الثاني يكون
للوارث مطلقا.
ولو لم يستوعب الدين التركة ففي منع الوارث من التصرف مطلقا أو فيما
قابل الدين خاصة وجهان، والثاني لا يخلو عن قرب. وحينئذ لو قصر لتلف أو
نقص لزم الوارث الإكمال بحسب الزائد، فإن تعذر استيفاء الدين مما قابله ففي
تسلط المدين أو الحاكم على نقض التصرف اللازم في الزائد وجهان، ولعل
الأقرب ذلك.

(1) النهاية 3: 171.
(2) النساء: 12.
(3) الوسائل 17: 393، الباب 10 من أبواب موانع الإرث، ح 1.
807

الفصل الثالث في الحجب (1)
وهو منع من له سبب الإرث بالكلية، ويسمى حجب حرمان، أو من حظه
الأوفر، ويسمى حجب نقصان. والأول يبنى على مراعاة القرب، فالولد للصلب
يحجب ولد الولد وإن كان انثى، خلافا للعامة في الانثى.
ويمنع الأقرب من الأولاد الأبعد. ويمنع الولد مطلقا من يتقرب بالأبوين أو
بأحدهما كالإخوة والأجداد والأعمام والأخوال، ولا يشارك الأولاد في الإرث
سوى الأبوين والزوجين، خلافا للعامة في الانثى.
وإذا عدم الأولاد والآباء فالميراث للإخوة والأجداد، والأخ يمنع ولد
الأخ، وكذا الاخت، وهكذا في البطون المتنازلة يمنع الأقرب الأبعد، ومن في هذه
الطبقة من الإخوة والأخوات يمنع من يتقرب بالأجداد من الأعمام والأخوال
والعمات والخالات وأولادهم، ولا يمنعون آباء الأجداد، بل يمنع الأولى منهم إلى
الميت الأبعد. وهكذا الكلام في سائر الطبقات: يمنع الأقرب الأبعد إلا في مسألة
اتفاقية سيجيء.
والمتقرب بالأب والام يمنع المتقرب بالأب وحده مع تساوي الدرج،
والقريب يمنع مولى النعمة، ومولى النعمة ومن ينوب منابه يمنع ضامن الجريرة،
وهو يحجب الإمام.
وأما حجب النقصان ففي صورتين: حجب الولد وحجب الإخوة، أما الأول
فالولد وإن نزل ذكرا كان أو انثى يمنع الأبوين عما زاد عن السدسين إلا مع البنت
أو البنتين فصاعدا مع أحد الأبوين، فإن نصيبه يزيد على السدس بسبب الرد على
المشهور. وفيه خلاف لابن الجنيد (2). وكذا الكلام في البنت الواحدة مع الأبوين

(1) كذا في المطبوع، وفي خ 2: «النوع الخامس» وفي الأصل بياض.
(2) حكاه في المختلف 9: 102.
808

معا. وكذا الولد يحجب الزوج والزوجة عن النصيب الأكثر إلى الأقل.
وأما حجب الإخوة فإنهم يمنعون الام عما زاد عن السدس بلا خلاف في
ذلك، ويدل عليه قوله تعالى: (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلامه الثلث فإن
كان له إخوة فلامه السدس) (1).
ولحجب الإخوة شرائط: منها: وجود الأب على الأشهر الأقوى، ودليله ظاهر
الآية، وخبر بكير عن الصادق (عليه السلام) (2). ويؤيده موقوفة زرارة (3).
وعن بعض الأصحاب عدم اشتراط هذا الشرط، استنادا إلى عموم الآية (4)
وأنت خبير بأن الآية عليه، لا له. وبعض الأخبار المعتبرة (5) بحسب السند يدل
على هذا القول، لكن الخبر مشتمل على أمر متروك بين الأصحاب بالاتفاق.
وحمله الشيخ على التقية (6).
ومنها: أن يكونوا ذكرين فصاعدا، أو ذكرا وامرأتين، أو أربع نساء. وهذا هو
المعروف من مذهب الأصحاب لا أعرف فيه خلافا، ونقل الإجماع عليه، وظاهر
الآية على خلاف ذلك، لأن المشهور أن أقل الجمع ثلاثة، فلا يصدق على أقل منهم.
وعن ابن عباس: أنه يشترط كونهم ثلاثة فصاعدا، وأنه قال لعثمان حين
حكم بحجبها باثنين: كيف تردها إلى السدس بالأخوين وليسا بإخوة في لغة
قومك؟ فقال عثمان: لا أستطيع رد شيء كان قبلي ومضى في البلدان وتوارث
الناس به (7).
ومستند الأصحاب صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا

(1) النساء: 11.
(2) الوسائل 17: 467، الباب 19 من أبواب ميراث الخنثى، ح 4.
(3) الوسائل 17: 475، الباب 1 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، ح 2.
(4) حكاه في المسالك 13: 79 - 80 عن ظاهر الصدوق، انظر الفقيه 4: 271 - 272.
(5) الوسائل 17: 478، الباب 1 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، ح 12.
(6) التهذيب 9: 321، ذيل الحديث 1152.
(7) حكاه في المسالك 13: 76.
809

يحجب الام من الثلث إذا لم يكن ولد إلا أخوان أو أربع أخوات (1).
وحسنة أبي العباس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا ترك الميت أخوين فهم
إخوة مع الميت حجبا الام، وإن كان واحدا لم يحجب الام، وقال: إذا كن أربع
أخوات حجبن الام عن الثلث، لأنهن بمنزلة الأخوين، وإن كن ثلاثا لم يحجبن (2).
وفي موثقة أبي العباس عنه (عليه السلام) قال: لا يحجب الام عن الثلث إلا أخوان أو
أربع أخوات لأب وام أو لأب (3). وفي رواية اخرى له: إن الاختين لا يحجب وكذا
الثلاث، وتحجب الأربع (4).
وهذه الروايات لا تدل على حجب ذكر وامرأتين، بل صحيحة محمد بن
مسلم وموثقة أبي العباس تدلان على خلافه، ولعل مستند الأصحاب اعتبار
المنزلة المستفادة من حسنة أبي العباس، مضافا إلى اتفاقهم.
ومنها: أن لا يكونوا كفرة ولا أرقاء، ولا أعرف خلافا في ذلك بين
الأصحاب، والاتفاق عليه منقول في كلامهم، ومستنده صحيحة محمد بن مسلم
قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المملوك والمشرك يحجبان إذا لم يرثا؟ قال: لا (5).
ويؤيده رواية الفضل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن المملوك والمملوكة هل
يحجبان إذا لم يرثا؟ قال: لا (6).
وهذا الشرط أيضا مخالف لظاهر القرآن، ودلالة الروايتين غير صريحة في
المطلوب، لاحتمال أن يكون المراد عدم حجب الكافر القريب المسلم البعيد.
وأما القاتل فالمشهور بين الأصحاب إلحاقه بهما في عدم الحجب، بل نقل في

(1) الوسائل 17: 457، الباب 11 من أبواب ميراث الأبوين، ح 4.
(2) الوسائل 17: 456، الباب 11 من أبواب ميراث الأبوين، ح 1.
(3) الوسائل 17: 457، الباب 11 من أبواب ميراث الأبوين، ح 3.
(4) الوسائل 17: 456، الباب 11 من أبواب ميراث الأبوين، ح 2.
(5) الوسائل 17: 459، الباب 14 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 1.
(6) الوسائل 17: 459، الباب 14 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 2.
810

المختلف الإجماع عليه (1) استنادا إلى المشاركة في العلة. وهو ضعيف.
وعن الصدوقين وابن أبي عقيل القول بحجب القاتل (2). وتردد فيه المحقق (3).
ولعل الأقرب الحجب، لظاهر الآية وعدم المعارض.
ومنها: كونهم من الأب والام، أو من الأب وحده، ولا أعرف في هذا خلافا
بيننا، والإجماع عليه منقول في كلامهم. ويدل عليه موثقة أبي العباس السابقة
وموثقة عبيد بن زرارة (4) ورواية زرارة (5).
ومنها: الانفصال، فلا يحجب الحمل على المشهور، ودليله ظاهر الآية، لعدم
صدق الإخوة، ويؤيده رواية الفضيل بن يسار (6) والعلاء بن الفضيل (7) ولا يحجب
أولاد الإخوة، لعدم صدق الإخوة عليهم.
مسألة: العول باطل باتفاق الإمامية، وبيانه: أنه إذا زاد السهام المفروضة
للورثة عن الفريضة - مثل أن خلف اختين لأب وام أو لأب وحده وزوجا -
فللاختين الثلثان، أربعة من ستة، وللزوج النصف، ثلاثة من ستة.
فالعامة يجعلون السهام على حالها ويعلون الفريضة إلى سبعة، ويجعلون
للاختين أربعة من سبعة وللزوج ثلاثة من سبعة. وعند الأصحاب يدخل النقص
على الاختين.
ومستند الأصحاب الأخبار المستفيضة: كصحيحة محمد بن مسلم، والفضيل
ابن يسار، وبريد بن معاوية العجلي، وزرارة بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن

(1) المختلف 9: 67.
(2) الفقيه 4: 321، وحكاه عنه وعن والده في المسالك 13: 78. وحكاه عن ابن أبي عقيل في
المختلف 9: 65.
(3) الشرائع 4: 19.
(4) الوسائل 17: 454، الباب 10 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 1.
(5) الوسائل 17: 454، الباب 10 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 2.
(6) التهذيب 9: 282، ح 1022.
(7) الوسائل 17: 459، الباب 13 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 1.
811

السهام لا تعول» (1). وصحيحة محمد بن مسلم (2). وموثقة أبي بصير (3).
ورواية علي بن سعيد قال: قلت لزرارة: إن بكير بن أعين حدثني عن أبي
جعفر (عليه السلام): أن السهام لا تعول؟ قال: هذا ما ليس فيه اختلاف بين أصحابنا عن أبي
جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) (4).
ورواية أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان ابن عباس يقول: إن
الذي أحصى رمل عالج ليعلم أن السهام لا تعول من ستة، فمن شاء لاعنته عند
الحجر، إن السهام لا تعول من ستة (5). إلى غير ذلك من الأخبار.
وعند الأصحاب النقص إنما يقع على من لم يكن له في القرآن فرضان،
فالفريضة الثانية لا تنقص أبدا، بخلاف ما لو فرض له فرض واحد، فإنه يزيد
وينقص، بدلالة الأخبار.
وروي عن طريق العامة عن ابن عباس أنه قال: سبحان الله العظيم، أترون أن
الذي أحصى رمل عالج عددا جعل في مال نصفا ونصفا وثلثا، وهذان النصفان قد
ذهبا بالمال، فأين موضع الثلث؟
فقال له زفر بن أوس البصري: يا بن عباس! فمن أول من أعال الفرائض؟
فقال: عمر بن الخطاب لما التفت عنده الفرائض ودفع بعضها بعضا قال: والله
لا أدري أيكم قدم الله وأيكم أخر، وما أجد شيئا هو أوسع من أن اقسم عليكم هذا
المال بالحصص، فأدخل على كل ذي حق حق ما دخل عليه من عول الفريضة،
وأيم الله لو قدم من قدم الله وأخر من أخر الله ما عالت فريضة.
فقال له زفر بن أوس: فأيها قدم وأيها أخر؟

(1) الوسائل 17: 421، الباب 7 من أبواب موجبات الإرث، ح 2.
(2) الوسائل 17: 423، الباب 10 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 10.
(3) الوسائل 17: 423، الباب 10 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 9.
(4) الوسائل 17: 421، الباب 6 من أبواب موجبات الإرث، ح 3.
(5) الوسائل 17: 423، الباب 6 من أبواب موجبات الإرث، ح 12.
812

فقال: كل فريضة لم يهبطها الله عز وجل عن فريضة إلا إلى فريضة فهذا ما قدم
الله. وأما ما أخر الله فكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يكن لها إلا ما بقي، فتلك
التي أخرها الله.
وأما التي قدم الله فالزوج له النصف، فإذا دخل عليه ما يزيله عنه رجع إلى
الربع لا يزيله عنه شيء، والزوجة لها الربع، فإذا زالت عنها صارت إلى الثمن لا
يزيلها عنه شيء. والام لها الثلث، فإذا زالت عنها صارت إلى السدس لا يزيلها
عنه شيء، فهذه الفرائض التي قدم الله عز وجل.
وأما التي أخر ففريضة البنات والأخوات لها النصف والثلثان، فإن أزالتهن
الفرائض عن ذلك لم يكن لها إلا ما بقي، فتلك التي أخر.
فإذا اجتمع ما قدم الله وما أخر بدئ بما قدم الله فاعطي حقه كاملا، فإن بقي
منه شيء كان لمن أخر، فإن لم يبق شيء فلا شيء له الحديث (1).
فالنقص عندنا إنما يقع على البنت والبنات، والأخوات للأب والام، أو للأب.
فإذا كان مثلا أبوان وزوج أو زوجة وبنتان فصاعدا يأخذ الأبوان الثلث كل واحد
السدس، والزوج أو الزوجة الربع أو الثمن، بقي الباقي للبنتين أو البنات وهو أقل
من فريضة البنتين والبنات. وإذا كان أبوان وزوج وبنت فللأبوين الثلث وللزوج
الربع وللبنت الباقي، وهو أقل من فريضة البنت.
مسألة اخرى: التعصيب عندنا باطل، وهو توريث العصبة مع ذي الفرض
القريب إذا لم يحط الفرض بمجموع التركة، كما لو خلف بنتا واحدة أو بنتين
فصاعدا مع أخ أو اختا أو اختين فصاعدا مع عم ونحو ذلك.
ومذهب الإمامية أن الأقرب يمنع الأبعد، سواء كان الأقرب ذا فرض أو لم
يكن، ويرد الباقي على ذي الفرض. والعامة يجعلون الزائد للعصبة، ومستند
الأصحاب الآية والأخبار الكثيرة، كرواية الحسن البزاز (2) ورواية حماد بن

(1) الوسائل 17: 426، الباب 7 من أبواب موجبات الإرث، ح 6.
(2) الوسائل 17: 431، الباب 8 من أبواب موجبات الإرث، ح 1 وفيه (الحسين).
813

عثمان (1) ورواية محمد بن مسلم (2) وغيرها من الأخبار.
البحث الثاني
في حساب الفرائض
كل عدد إذا نسب إلى آخر، فإما أن يكونا متساويين كثلاثة وثلاثة وسميا
متماثلين، أو مختلفين، فإما أن يعد الأقل الأكثر بأن يفني الأكثر بإسقاط الأقل منه
مرة بعد اخرى كالثلاثة مع التسعة، وإما أن لا يكونا كذلك. فإن كان الأول سميا
متداخلين. وإن كان الثاني فإما أن يكون عدد آخر غيرهما يفنيهما جميعا
بالإسقاط مرة بعد اخرى، وإما أن لا يكون كذلك. فإن كان الأول سميا متوافقين
كالستة مع العشرة يفنيهما الاثنان، وكالتسعة مع الاثني عشر يفنيهما الثلاثة. وإن
كان الثاني سميا متباينين، والعدد الذي يفني المتوافقين إن كان هو الاثنان كانا
متوافقين بالنصف، وإن كان هو الثلاثة كانا متوافقين بالثلث، وعلى هذا القياس،
فإن كان العدد المفني أحد عشر فهما متوافقان بجزء من أحد عشر، وهكذا.
وطريق استعلام كون العددين متداخلين أن يسقط الأقل من الأكثر مرة بعد
اخرى، أو يزاد على الأقل مثله مرة بعد اخرى فإن فنى الأكثر أو ساوى الأقل
الأكثر فهما متداخلان وإلا فلا. وطريق استعلام كون العددين متوافقين أن يسقط
الأقل من الأكثر ما أمكن ويسقط ما بقي من الأقل، فإن بقي منه شيء أسقط مما
بقي من الأكثر ويسقط ما بقي من الأقل، ولا يزال يفعل ذلك حتى يفني العدد
المنقوص منه أخيرا، فإن فنى بواحد فلا موافقة بينهما، وإن فنى بعدد فهما
متوافقان بالجزء المأخوذ من ذلك العدد، فإن فنى باثنين فهما متوافقان بالنصف.

(1) الوسائل 17: 445، الباب 5 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 6.
(2) الوسائل 17: 463، الباب 17 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 1.
814

وهكذا مثاله الستة والعشرة، يسقط الستة من العشرة يبقى أربعة، ثم يسقط
الأربعة من الستة يبقى اثنان يفني الأربعة بإسقاطهما عنه مرتين، فهما متوافقان
بالنصف. وكمائة وعشرين ومائة وخمسة وستين يسقط الأقل من الأكثر يبقى
خمسة وأربعون نسقطها من الأقل مرتين يبقى ثلاثون، نسقطها من الخمسة
والأربعين، يبقى خمسة عشر، نسقطها من الثلاثين مرة، يفنى الثلاثون، فهما
متوافقان بجزء من خمسة عشر.
والضابط في هذا الباب أن العددين متى أفناهما عدد، أعني: فوق الواحد،
فإن كان المفني اثنين فالتوافق بالنصف، وإن كان ثلاثة فالتوافق بالثلث وهكذا إلى
العشرة، فإن زاد على العشرة بأن يكون المفني أحد عشر أو أزيد منه، فإن كان
مضافا كالاثني عشر، والأربعة عشر، والخمسة عشر، والستة عشر بأن يكون له
جزء كسر كنصف السدس أو ثلث الربع، إلى غير ذلك، فالموافقة بذلك الجزء
كنصف السدس في الأول، ونصف السبع في الثاني، وثلث الخمس في الثالث،
ونصف الثمن في الرابع. وإن كان العدد لا يرجع إلى كسر منطق ولا إلى جزء كأحد
عشر، وثلاثة عشر، وسبعة عشر، وتسعة عشر، وثلاث وعشرين، فالموافقة بجزء
من ذلك العدد، مثاله اثنان وعشرون، وثلاثة وثلاثون لا يعدهما إلا أحد عشر،
فالموافقة بينهما بجزء من أحد عشر، فنأخذ ذلك الجزء من أحدهما ونضربه في
الآخر، فنضرب اثنين في ثلاثة وثلاثين، أو ثلاثة في اثنين وعشرين، وكأحد
عشر واثنين وعشرين، نضرب الواحد في اثنين وعشرين يصير اثنين وعشرين،
أو نضرب الاثنين في أحد عشر يصير اثنين وعشرين، ثم نضربهما في أصل
الفريضة حتى تبلغ عددا يصح منه القسمة.
وفي عدد الإخوة من الأب والإخوة من الام يحصل التمثيل بجميع أجزاء
الوفق، ففي أربعة من أب وستة من ام يحصل التوافق بالنصف، وفي ثلاثة وستة
يحصل التوافق بالثلث، وهكذا.
815

* (1) مخارج الفروض الستة المقدرة في كتاب الله تعالى خمسة
والمراد بالمخرج أقل عدد يحصل منه ذلك الجزء صحيحا، وإنما كان
المخارج خمسة مع أن الفروض ستة، لأن مخرج اثنين منهما - وهو الثلث
والثلثان - من واحد وهو الثلث، ومخرج النصف من اثنين، ومخرج الربع من
أربعة، والسدس من ستة، والثمن من ثمانية فإما أن يقع في المسألة واحد، وإما أن
يقع اثنان فصاعدا. وعلى الأول فمخرج ذلك الكسر كالاثنين للنصف، والستة
للسدس، هو أصل المسألة. وعلى الثاني إن خرج الكسران من مخرج واحد
كالثلث والثلثين من ثلاثة كان ذلك أصل المسألة، وإلا ينظر في المخرجين، فإن
كان بينهما تداخل كالأربع والثمان فالأكثر أصل المسألة. وإن كان بينهما توافق
كالست والأربع ضربت وفق أحد المخرجين في جميع الآخر، وحاصل الضرب
هو أصل المسألة.
ففي المثال يضرب الاثنين في الست أو الثلاث في الأربع، يصير حاصل
الضرب اثنا عشر، فهو أصل المسألة. وإن كان بينهما تباين كالأربع والثلاث
ضربت أحد المخرجين في الآخر، والحاصل هو الأصل.
(2) الفريضة إما أن تكون موافقة للسهام يعني حصص الوراث، وإما أن
تكون زائدة عليها، وإما أن تكون ناقصة عنها، فالأقسام ثلاثة:
الأول:
أن يكون الفريضة موافقة للسهام، وهو على نوعين:
أحدهما: أن ينقسم من غير كسر وحكمه ظاهر، مثاله اخت لأب مع زوج،
وفريضة كل منهما النصف، ومخرجه الاثنان.
وثانيهما: أن ينكسر الفريضة، فلا يخلو إما أن يكون الانكسار على فريق

(*) في المطبوعة زيادة: «فرع» وفي الأصل بياض.
(* *) في المطبوعة زيادة: «البحث الثاني»، وفي الأصل بياض.
816

واحد، وإما أن يكون على أكثر من فريق، فإن كان الانكسار على فريق واحد فلابد
من اعتبار النسبة بين النصيب والعدد، ويقتصر في ذلك على التباين والتوافق.
فإن كانت النسبة بين النصيب والعدد هي التباين ضربت العدد في أصل
الفريضة، فما حصل فهو أصل المسألة. مثاله: زوج وأخوان، هي من اثنين للزوج
واحد، يبقى واحد ينكسر عليهما، وبين النصيب والعدد مباينة تضرب العدد في
أصل الفريضة يبلغ أربعة ومنها تصح المسألة وكل من كان له من الوراث سهم قبل
الضرب فاضربه في اثنين وذلك قدر نصيبه.
و إن كان النسبة بينهما هي التوافق ضربت الوفق من العدد في النصيب ومن
الحاصل تصح المسألة، مثاله: أخوان لام مع ستة لأب للأخوين الثلث، وهو اثنان
من الستة، والأربعة الباقية للباقي تنكسر عليهم، والنسبة بينه وبين العدد التوافق
بالنصف، لأن الاثنين يفنيانهما بالإسقاط مرة بعد اخرى، فتضرب الوفق من
عددهم وهو ثلاثة في أصل الفريضة يعني الست، يبلغ ثمانية عشر، ومنها تصح
المسألة، وقد كان للأخوين لام سهمان ضربتهما في ثلاثة، فلهما ستة وللإخوة
لأب أربعة من الأصل ضربتهما في ثلاثة، فاجتمع لهم اثني عشر، لكل واحد منهم اثنان.
وإن كان الانكسار على أكثر من فريق ففيه نوعان:
الأول: أن يكون الكسر على الجميع، وهذا ينقسم إلى أصناف ثلاثة:
الصنف الأول: أن لا يكون بين نصيبهم وبين عدد رؤوسهم توافق، ولهذا صور:
منها: أن يكون أعداد كل فريق متساوية مع أعداد غيره، وحكمه أن يكتفى
بأحدها وتضربه في أصل الفريضة، مثاله: ثلاثة إخوة من ام وثلاثة من أب أصل
فريضتهم ثلاثة، لأن للإخوة الامية ثلاثة، وثلثها واحد ينكسر على رؤوسهم ثلاثا،
واثنان ينكسران على إخوة الأب والأعداد متساوية اكتفينا بأحد العددين
وضربناه في أصل الفريضة بلغ تسعة، ثلاثة منها للإخوة الامية لكل واحد منهم
واحد، وستة للإخوة من الأب، لكل واحد منهم اثنان.
817

ومنها: أن يكون الأعداد متداخلة، وحكمه أن نقتصر على العدد الأكثر
ونضربه في أصل الفريضة، مثاله: ثلاثة إخوة من ام وستة من أب، نضرب الستة في
أصل الفريضة تبلغ ثمانية عشر، ستة للإخوة الامية لكل واحد منهم اثنان، واثنى
عشر للإخوة من الأب، لكل واحد منهم اثنان.
ومنها: أن يكون العددان متوافقين، وحكمه أن نضرب وفق أحدهما في
مجموع الآخر، ثم نضرب المرتفع في أصل الفريضة، مثاله: أربعة إخوة من الام
وستة من الأب، ضربنا وفق أحدهما كالأربعة وهو الاثنان في الآخر أعني الست
تبلغ اثني عشر، ثم نضرب المرتفع في أصل الفريضة «ثلاثة» تبلغ ستة وثلاثين،
للإخوة من الام اثنا عشر، لكل واحد منهم ثلاثة، وللإخوة من الأب أربعة
وعشرون، لكل واحد منهم أربعة.
ومنها: أن يكون العددان متباينين، وحكمه أن يضرب أحدهما في الآخر، ثم
المرتفع في أصل الفريضة، مثاله: ثلاثة إخوة لام وأربعة لأب، تضرب أحدهما في
الآخر تبلغ اثني عشر، ثم تضربها في الثلاثة تبلغ ستة وثلاثين، ومنها تصح
القسمة.
الثاني: أن يكون الكسر على الجميع، وعدد البعض يوافق النصيب وعدد
البعض لا يوافقه، وفيه صور:
منها: أن يكون الأعداد بعد ردنا الموافق إلى جزئه متماثلة، وحكمه أن نرد
الموافق إلى جزئه، ثم نقتصر على أحدهما ونضربه في أصل الفريضة، مثاله:
زوجتان وستة أخ لأب فريضتهم أربعة، ينكسر على الفريقين، وللإخوة منها ثلاثة
يوافق عددهم بالثلث بالمعنى الأعم، فنرد الموافق وهو الستة إلى اثنين، وهما
مماثل عدد الزوجتين، فنقتصر على أحدهما ونضربه في أصل الفريضة يبلغ
ثمانية، للزوجين اثنان وللإخوة ستة.
ومنها: أن يكون الأعداد متداخلة بعد الرد، وحكمه أن نضرب الأكثر في أصل
818

الفريضة، مثاله: أربع زوجات وستة إخوة، فنرد الموافق وهو الستة إلى اثنين،
وبينهما وبين الأربع تداخل، فنضرب الأكثر في أصل الفريضة تبلغ ستة عشر،
للزوجات أربعة، وللإخوة اثني عشر.
ومنها: أن يكون العددان بعد الرد متوافقين، وحكمه أن نضرب وفق أحدهما
في الآخر ثم المجتمع في أصل الفريضة.
ومنها: أن يبقى الأعداد بعد الرد متباينة، مثاله: ما لو كانت الزوجات أربعا
والإخوة من الأب خمسة والإخوة من الام ستة فريضتهم اثني عشر، وهي
الحاصل من ضرب أربع مخرج الربع في ثلاثة مخرج الثلث، ونصيب الإخوة من
الام أربعة توافق عددهم بالنصف، فتردهم إلى ثلاثة وتقع المباينة بينها وبين
الأربعة والخمسة، فنضرب ثلاثة في أربعة، ثم المرتفع في خمسة، ثم المجتمع
أعني ستين في أصل الفريضة، تبلغ سبعمائة وعشرين.
الثالث: أن يكون بين نصيب كل فريق وعدده وفق، فنرد كل فريق إلى جزء
الوفق، ثم نعتبر الأعداد، ففيه صور:
منها: أن يبقى الأعداد بعد ردها متساوية، فيكتفى بالوفق، ونضربه في أصل
الفريضة، فما بلغ يصح منه الحصص، مثاله: ست زوجات، وذلك يتحقق في
المريض حيث يطلق ثم يزوج ويدخل ثم يموت قبل الحول، وثمانية من كلالة
الام، وعشرة من كلالة الأب، فالفريضة اثنا عشر يحصل من ضرب مخرج الربع
في مخرج الثلث، نصيب الزوجات ربعها ثلاثة يوافق عددهن بالثلث ونصيب
كلالة الام ثلثها أربعة يوافق عددهم بالربع، ونصيب كلالة [الأب] (1) الباقي خمسة
توافق عددهم بالخمس، فنرد الأول إلى الثلث، والثاني إلى الربع، والثالث إلى
الخمس، والكل واحد هاهنا هو اثنان فتتماثل الأعداد، فنجتزى باثنين، فنضربهما
في أصل الفريضة يبلغ أربعة وعشرين، ومنها يصح.

(1) لم يرد في الأصل.
819

ومنها: أن يبقى الأعداد بعد ردها إلى جزء الوفق متداخلة، وحكمه أن نجتزي
بالأكثر، ونضربه في أصل الفريضة، ومثاله المثال السابق بتبديل عدد كلالة الام
بستة عشر، وحينئذ توافق نصيبهم وهو الأربع عددهم بالربع، فنرد العدد إلى أربعة
والاثنان اللذان رد إليهما عدد الزوجات، وكلالة الأب تداخلانها فنجتزي بالأربعة
ونضربه في أصل الفريضة يبلغ ثمانية وأربعين، ومنه يصح الحصص.
ومنها: أن يبقى الأعداد بعد ردها إلى جزء الوفق متوافقة، مثاله: ما لو كان
الزوجات ستة والإخوة من الام أربعة وعشرين، والإخوة من الأب عشرين،
نصيب الأول ثلاثة، يوافق عدده بالثلث، وللثاني أربعة يوافق عدده بالربع،
وللثالث خمسة يوافق عدده بالخمس، فصار جزء الوفق في الثلاثة اثنين وأربعة
وستة، وبين كل عدد وما فوقه موافقة بالنصف، فنضرب اثنين جزء وفق الأربعة
في الستة، ثم المرتفع في اثني عشر، تبلغ مائة وأربعة وأربعين.
ومنها: أن يكون الأعداد بعد الرد متباينة، كما لو كانت الزوجات ستة،
والإخوة من الام اثني عشر، والإخوة من الأب خمسة وعشرين، فيرجع الأول
إلى اثنين، والثاني إلى ثلاثة والثالث إلى خمسة، فصار العدد اثنين وثلاثة
وخمسة، وهي متباينة، فضربنا اثنين في ثلاثة، فصار ستة، ثم الستة في خمسة
صار ثلاثين، ثم الثلاثين في اثني عشر أصل الفريضة، تبلغ ثلاثمائة وستين.
النوع الثاني: أن يكون الكسر على أكثر من فريق، ولم يستوعب الكسر
الجميع، مثاله: ثلاث زوجات وثلاث إخوة للام، وثلاثة للأب، الفريضة اثنا عشر،
للزوجات ثلاثة ينقسم عليهن صحيحة، وينقسم نصيب الإخوة من الطرفين
عليهم (1) والعدد والنصيب فيهما متباينان، والأعداد متماثلة، فيكتفى بأحدهما
ونضربه في أصل الفريضة يبلغ ستة وثلاثين، فمن كان له شيء من الأصل ضرب
في ثلاثة وأخذه، والصور السابقة تجري في هذا القسم، ويمكن استخراجها بعد
الاستعانة بمراجعة ما سبق، وكذلك ما لو كانت الأعداد مختلفة بعد مراعاة النسبة.

(1) في الأصل: عليهن.
820

القسم الثاني: (1)
أن يكون الفريضة قاصرة عن السهام، وذلك إنما يكون عند دخول الزوج أو
الزوجة، مثل أبوين وبنتين فصاعدا مع زوج أو زوجة أو أبوين وبنت وزوج، أو
أحد الأبوين وبنتين فصاعدا مع زوج أو زوجة، فللزوج أو الزوجة في هذه
المسائل الربع أو الثمن، ولكل واحد من الأبوين السدس، وما يبقى فللبنت أو
البنتين فصاعدا، ولا عول عندنا أبدا. وكذا أخوان لام وأختان فصاعدا لأب وام،
أو لأب مع زوج أو زوجة، أو أحد كلالة الام مع اخت وزوج، ففي هذه المسائل
يأخذ الزوج أو الزوجة النصف أو الربع ويدخل النقص على الاخت أو الأخوات
للأب والام أو للأب خاصة.
القسم الثالث: أن يزيد الفريضة عن السهام، فنرد الزائد على أرباب السهام
عدا الزوج والزوجة، والام مع الإخوة على التفاصيل الآتية في مواضعها.
البحث الثالث
في مواريث ذوي الأنساب
وفيه فصول:
الأول في ميراث الأبوين والأولاد
كل من الأبوين إذا انفرد أخذ المال كله بلا خلاف في ذلك، لعموم آية ذوي
الأرحام (2) وخصوص صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر قال: لا يرث مع
الام ولا مع الأب ولا مع الابن ولا مع الابنة إلا الزوج والزوجة (3) الحديث، ونحوه
في صحيحة زرارة (4).

(1) تقدم القسم الأول في ص 816
(2) الأنفال: 75.
(3) الوسائل 17: 510، الباب 1 من أبواب ميراث الأزواج، ح 1.
(4) الكافي 7: 83، ذيل الحديث 1.
821

ولو اجتمع الأبوان فللام الثلث مع عدم الإخوة الحاجبة، والباقي للأب وللام
السدس مع الإخوة، والباقي للأب بلا خلاف فيه، ويدل عليه الآية (1) والأخبار (2).
ولو انفرد الابن فالمال كله له، ولو كانوا أكثر من واحد فهم سواء في المال.
ولو انفردت البنت فالمال لها نصفه بالتسمية والباقي بالرد، ولو كان بنتان
فصاعدا ينقسم المال بينهما أو بينهن بالسوية والثلثان بالتسمية والباقي بالرد.
ولو اجتمع الذكران والاناث فالمال ينقسم بينهم للذكر مثل حظ الانثيين.
ولو اجتمع الأبوان أو أحدهما مع ولد واحد ذكرا أو أكثر من واحد من
الأولاد مطلقا فلكل واحد من الأبوين السدس، والباقي للولد الواحد أو المتعدد،
والقسمة بين المتعدد من الأولاد كما مر، ولو اجتمع مع الولد زوج أو زوجة
فللزوج الربع وللزوجة الثمن والباقي للولد.
وهذه الأحكام كلها مرتبطة بدلالة النص (3) لا خلاف فيها.
ولو كان مع الأبوين بنت فللأبوين السدسان وللبنت النصف، والباقي يرد
عليهم أخماسا إن لم يكن له إخوة، لأن الفاضل لا يخرج عنهم، ولحسنة محمد بن
مسلم قال: أقرأني أبو جعفر (عليه السلام) صحيفة كتاب الفرائض التي هي إملاء
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخط علي (عليه السلام) بيده ووجدت فيها: رجل ترك أبويه وابنته، فللابنة
النصف، وللأبوين لكل واحد منهما السدس يقسم المال على خمسة أسهم، فما
أصاب ثلاثة فللابنة، وما أصاب سهمين فللأبوين (4).
وإن كان له إخوة للأب فلا أعرف خلافا بين الأصحاب في أن الرد مختص
بالأب والابنة، وعلل ذلك بالآية (5) وفيه نظر، وعموم الرواية السابقة أيضا ينافيه.
والمشهور بين الأصحاب أنه يرد أرباعا على حسب سهامهم.

(1) النساء: 11.
(2) انظر الوسائل 17: 453 و 354، الباب 9 و 10 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد.
(3) راجع الوسائل 17: 463، الباب 17 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد.
(4) الوسائل 17: 463، الباب 17 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 1.
(5) النساء: 11.
822

وعن الشيخ معين الدين المصري أن قسمة الرد أخماسا سهمان منها للأب (1).
وهو ضعيف.
ولو كان مع أحد الأبوين بنت فللبنت النصف ولأحد الأبوين السدس،
والباقي يرد عليهما أرباعا، لما مر، ولحسنة محمد بن مسلم قال: أقرأني أبو
جعفر (عليه السلام) صحيفة كتاب الفرائض التي هي إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخط علي (عليه السلام)
بيده، ووجدت فيها: رجل ترك ابنته وامه، للابنة النصف ثلاثة أسهم، وللام السدس
سهم، يقسم المال على أربعة أسهم، فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة، وما أصاب
سهما فللام، قال: وقرأت فيها: رجل ترك ابنته وأباه، للابنة النصف ثلاثة أسهم،
وللأب السدس سهم، يقسم المال على أربعة أسهم، فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة،
وما أصاب سهما فللأب (2).
ولأحد الأبوين مع البنتين فصاعدا السدس، ولهما أو لهن الثلثان، والباقي يرد
أخماسا. وللأبوين مع البنتين فصاعدا السدسان، ولهما أو لهن الثلثان.
وإذا اجتمع الأبوان أو أحدهما مع أحد الزوجين فلأحد الزوجين حصته
العليا النصف أو الربع، والباقي لأحدهما مع الوحدة، ومع الاجتماع فالثلث للام
والباقي للأب مع عدم الإخوة، والسدس للام والباقي للأب مع الإخوة بلا خلاف
في ذلك، للآية. وما في بعض الأخبار من إطلاق أن الثلث للام والباقي للأب (3)
وفي بعضها: أن السدس للام والباقي للأب (4) مخصص بصورة الحجب وعدمه.
ولو اجتمع أحد الزوجين مع الولد فله حصته الدنيا: الربع أو الثمن، والباقي
للولد، ومع تعدد الأولاد ينقسم الباقي بينهم على قياس ما مر.
ولو اجتمع الزوج مع أحد الأبوين والبنت فللزوج الربع، ولأحد الأبوين

(1) حكاه عنه في مجمع الفائدة 11: 353.
(2) الوسائل 17: 463، الباب 17 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 1.
(3) الوسائل 17: 462، الباب 16 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد.
(4) الوسائل 17: 462، الباب 16 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 9.
823

السدس، وللبنت النصف، والباقي يرد على البنت وأحد الأبوين أرباعا، ولا رد على
الزوج بلا خلاف في ذلك، ويستنبط ذلك من الآية ويضاف إليها دلالة الخبر،
والمسألة من ثمان وأربعين، للزوج اثنا عشر ولأحد الأبوين تسعة، وللبنت سبع
وعشرون.
وإن كان الأبوان معا معهما فالمسألة من اثني عشر، ويقع النقص على البنت،
لبطلان العول، ويدل عليه صحيحة محمد بن مسلم (1).
ولو اجتمع الأبوان مع الزوجة والبنت فالزيادة عن فروضهم أعني: السدسين
والثمن والنصف يرد على الأبوين والبنت أخماسا مع عدم الإخوة، ومعها على
الأب والبنت أرباعا.
ولو اجتمع أحد الأبوين مع الزوجة والبنت فالفاضل عن فروضهم أعني:
السدس والثمن والنصف يرد على أحد الأبوين والبنت أرباعا.
ولو اجتمع أحد الزوجين مع الأبوين والبنتين فصاعدا فله حصته الدنيا،
وللأبوين السدسان والباقي للبنتين أو البنات. وكذا لو اجتمع الزوج مع أحد
الأبوين والبنتين فصاعدا فالنقص إنما يرد على البنتين أو البنات.
ولو اجتمع الزوجة مع أحد الأبوين والبنتين فصاعدا فلها الثمن ولأحد
الأبوين السدس وللبنتين أو البنات الثلثان، والفاضل يرد على أحد الأبوين
والبنتين أخماسا.
مسائل:
الاولى: المشهور بين الأصحاب أن أولاد الأولاد يرثون مع الأبوين أو
أحدهما كما يرث آباؤهم معهما أو مع أحدهما، ذهب إلى ذلك الشيخان
وأتباعهما (2) وعامة المتأخرين، وعند ابن بابويه أنهم يرثون عند فقد الأبوين (3).

(1) الوسائل 17: 465، الباب 18 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 465.
(2) المقنعة: 688، المبسوط 4: 76، الكافي في الفقه: 368، المراسم: 228، المهذب 2: 129 -
130، الوسيلة: 387.
(3) انظر الفقيه 4: 268 و 269.
824

والمنقول عن حجة الأولين أنهم في الميراث ولد في الحقيقة، ومن ثم دخلوا
في عموم الآية والأخبار أيضا، مثل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: بنات البنت يرثن إذا لم يكن بنات كن مكان البنات (1). وموثقة
إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ابن الابن يقوم مقام أبيه (2).
وما رواه الشيخ في الحسن بإبراهيم، عن صفوان، عن خزيمة بن يقطين -
وهو غير موثق - عن عبد الرحمن بن الحجاج الثقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ابن
الابن إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قام مقام الابن. قال (عليه السلام): وابنة البنت إذا لم
يكن من صلب الرجل أحد قامت مقام البنت (3).
واحتج لابن بابويه بكون الأبوين أقرب، فيحجب الأبعد، لصحيحة أبي أيوب
الخزاز (4) ولصحيحة سعد بن أبي خلف عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) قال: بنات الابنة
يقمن مقام البنات إذا لم يكن للميت بنات ولا وارث غيرهن، وبنات الابن يقمن
مقام الابن إذا لم يكن للميت ولد ولا وارث غيرهن (5) ونحوه صحيحة عبد الرحمن
ابن الحجاج (6).
والجواب منع كون الأبوين أقرب، وارتكاب التأويل في الخبرين، جمعا بين
الأدلة، ولعل الترجيح للمشهور.
الثانية: المشهور بين الأصحاب أن أولاد الأولاد يقومون مقام آبائهم في
الميراث، فلكل واحد من أولاد الأولاد نصيب من يتقرب به، فلأولاد الابن نصيب
الابن وإن كان انثى، ولأولاد البنت نصيبها وإن كان ذكرا، فلبنت الابن الثلثان،

(1) الوسائل 17: 449، الباب 7 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 1.
(2) الوسائل 17: 449، الباب 7 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 2.
(3) التهذيب 9: 317، ح 1141.
(4) الوسائل 17: 487، الباب 5 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، ح 9.
(5) الوسائل 17: 449، الباب 7 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 3.
(6) الوسائل 17: 450، الباب 7 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 4.
825

ولابن البنت الثلث، ولبنت الابن المنفردة جميع المال، ولابن البنت وإن تعدد
النصف بالفرض والباقي بالرد، ويرد عليه وعلى الأبوين الباقي أخماسا إن كانا
معه، وعليه وعلى أحدهما أرباعا إن كان أحدهما معه، ولا رد على ابنة الابن، بل
لها الباقي بعد الثلث أو السدس. إلى غير ذلك من الأحكام، ونسبه في الكافي
والفقيه إلى الفضل بن شاذان (1) وبالغ الصدوق في رد ذلك (2) وذهب المرتضى
وجماعة منهم معين الدين المصري وابن إدريس إلى أن أولاد الأولاد يقتسمون
تقاسم الأولاد (3) حتى لو خلف بنت ابن وابن بنت فللذكر الثلثان وللانثى الثلث.
وهذا القول يناسب المشهور من أن اسم الولد هاهنا شامل لولد الولد إما بطريق
الحقيقة أو بالإجماع في هذا الباب كما هو مذكور في المسالك (4).
حجة القول الأول صحيحة سعد بن أبي خلف (5) وصحيحتا عبد الرحمن بن
الحجاج (6) السابقة في المسألة المتقدمة.
وحجة القول الثاني أنهم أولاد حقيقة، فيدخلون في عموم الآية، ويدل على
كونهم أولادا تحريم حلائلهم، لقوله تعالى: (وحلائل أبنائكم) (7) وتحريم بنات
الابن والبنت، لقوله تعالى: (وبناتكم) (8) وحل رؤية زينتهن لأبناء أولادهن
مطلقا، لقوله: (أبنائهن) (9) وحلها لأولاد أولاد بعولتهن مطلقا، لقوله تعالى: (أو
أبناء بعولتهن) (10) وللاتفاق على أن أولاد الابن وأولاد البنت يحجبون الأبوين
عما زاد من السدسين والزوج إلى الربع والزوجة إلى الثمن، وكل ذلك متعلق في

(1) الكافي 7: 90، والفقيه 4: 269 - 270.
(2) الفقيه 4: 270.
(3) حكاه في المختلف 9: 16، السرائر 3: 239 - 240.
(4) المسالك 13: 125 - 126.
(5) الوسائل 17: 449، الباب 7 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 3.
(6) الوسائل 17: 450، الباب 7 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 1 و 4.
(7) النساء: 23.
(8) النساء: 23.
(9) النور: 31.
(10) النور: 31.
826

الآية بالولد، فمن سماه الله ولدا في حجب الأبوين والزوجين كان مسمى بالولد
في آية ميراث الأولاد. وذكر البنات بعد قوله تعالى: (وأخواتكم وعماتكم
وخالاتكم) (1) وعدم ذكرهن بعد قوله: (بناتكم) مما يشعر بالمطلوب.
ويؤيد ذلك أيضا آية المباهلة وأخبار، منها: صحيحة محمد بن مسلم عن
أحدهما (عليهما السلام) أنه قال: لو لم تحرم على الناس أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) لقول الله عز
وجل: (ما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا)
حرم على الحسن والحسين (عليهما السلام)، لقول الله عز وجل: (ولا تنكحوا ما نكح
آباؤكم من النساء) (2) والمسألة مشكلة جدا. ولا يبعد ترجيح القول الثاني.
ويمكن الجواب عن الروايات بأنها غير صريحة في المطلوب، لجواز أن
يكون المراد بالقيام مقام البنت أو الابن في مجرد الإرث لا في كيفيته، أو المراد
بالابن والبنت الابن المنفرد والبنت المنفردة.
الثالثة: المشهور بين الأصحاب أن أولاد البنت يقتسمونه نصيبهم (للذكر مثل
حظ الانثيين) (3) وكذلك أولاد الابن. وقيل: يقتسمونه بالسوية، حكاه الشيخ عن
بعض الأصحاب (4). ورجحه ابن البراج (5) استنادا إلى تعليل ضعيف. والقول الأول
يناسب دخولهم في الأولاد حقيقة في الآية، والقول بالتفاضل مع عدم دخولهم في
الأولاد حقيقة لا يخلو عن إشكال، والراجح القول الأول.
الرابعة: يمنع الأولاد من يتقرب بهم ومن يتقرب بالأبوين من الإخوة
والأجداد والأعمام والأخوال والجدات والعمات والخالات وأولادهم،
ويترتبون الأقرب فالأقرب إلا في مسألة واحدة.
الخامسة: يحبى الولد الأكبر الذكر من تركة أبيه بثياب بدنه وخاتمه وسيفه

(1) النساء: 23.
(2) الوسائل 14: 313، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 1.
(3) النساء: 11.
(4) النهاية 3: 199.
(5) انظر المهذب 2: 137.
827

ومصحفه عند الأصحاب، وهل ذلك على سبيل الوجوب أو الاستحباب؟ فيه
خلاف بين الأصحاب، ونسب الأول إلى الأكثر، والثاني إلى المرتضى وابن الجنيد
وأبي الصلاح والعلامة في المختلف (1).
ومستند الحبوة روايات كثيرة كصحيحة ربعي (2) ورواية اخرى له (3) وصحيحة
أبي بصير (4) ورواية زرارة، ومحمد بن مسلم، وبكير، وفضيل بن يسار عن
أحدهما (عليهما السلام) (5) وحسنة حريز (6) ومرسلة ابن اذينة (7).
والأقرب عندي الثاني، لعموم الآيات، وعدم دلالة الاختصاص المذكور في
الروايات على أكثر من الاستحباب، ويؤيده الاختلاف في الأخبار.
وهل ذلك مجانا أو يعطى ويحسب عليه من ميراث أبيه؟ نسب الأول إلى
الأكثر، والثاني إلى المرتضى وابن الجنيد (8) وهو أقرب.
والمشهور فيها الأربعة المذكورة، ولم يوجد بخصوصها في رواية، ففي
بعضها: ذكر السيف والمصحف والخاتم والدرع (9) من غير ذكر الثياب. وفي بعضها:
السيف والمصحف والخاتم والكتب والرحل والراحلة والكسوة (10) ولم أعلم قائلا به
صريحا، لكن الصدوق أوردها (11). وفي بعضها: الاقتصار على ذكر السلاح والسيف (12).

(1) الناسب هو الشهيد الثاني في المسالك 13: 129.
(2) الوسائل 17: 439، الباب 3 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 1.
(3) الوسائل 17: 439، الباب 3 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 2.
(4) الوسائل 17: 440، الباب 3 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 8.
(5) الوسائل 17: 440، الباب 3 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 6.
(6) الوسائل 17: 440، الباب 3 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 3.
(7) الوسائل 17: 440، الباب 3 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 4.
(8) نسبه إليهم في المسالك 13: 130.
(9) الوسائل 17: 439، الباب 3 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 2.
(10) الوسائل 17: 439، الباب 3 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 1.
(11) الفقيه 4: 346، ح 5746.
(12) الوسائل 17: 440، الباب 3 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 4.
828

وفي بعضها: السيف والرحل وثياب الجلد (1).
والمحبو هو الولد الذكر أو أكبر الذكور إن تعددوا. والمذكور في أكثر
الروايات الأكبر (2) ولا يتحقق مع الاتحاد، لكن في بعض الروايات أنها لابنه (3)
فيشمل المتحد، ويحمل على الأكبر مع التعدد، جمعا بين الأخبار.
ولو تعدد الأكبر اشتركوا على الأشهر، وشرط ابن حمزة فقد آخر في سنه
فأسقط الحبوة هنا (4).
وفي اشتراط بلوغه قولان، والأقرب العدم.
وهل قضاء ما فات من الصيام والصلاة عن الولد شرط في استحقاق الحبوة أم
لا؟ الأقرب العدم. والمراد بثياب بدنه ما كان يلبسها أو أعدها للبس، والأقرب أن
العمامة والسراويل منها.
وفي المسالك: دون شد الوسط والخف وما في معناه. قال: وكذا لا يدخل
القلنسوة. وفي المسالك أيضا: ولو تعددت هذه الأجناس فما كان منها بلفظ الجمع
كالثياب يدخل أجمع، وما كان بلفظ الواحد كالسيف والمصحف يتناول واحدا،
وإن تعددت في ملكه انصرف إلى ما كان يغلب نسبته إليه، فإن تساوت النسبة ففي
تخير الوارث واحدا منها والقرعة وجهان، أصحهما الأول (5).
وفيه إشكال، إذ لا يبعد أن يقال: قوله (عليه السلام): «سيفه ومصحفه» يفيد العموم عرفا.
ويشترط خلو الميت عن دين يستغرق التركة، ولا يشترط عدم قصور نصيب
كل وارث عن قدرها على الأقوى، ولا زيادتها عن الثلث.
السادسة: لا يرث الأجداد والجدات مع الأبوين أو واحد منهما على
المعروف من مذهب الأصحاب، بل كاد أن يكون إجماعا.

(1) الوسائل 17: 440، الباب 3 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 7.
(2) الوسائل 17: 439، الباب 3 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد.
(3) الوسائل 17: 440، الباب 3 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 7.
(4) الوسيلة: 387.
(5) المسالك 13: 134.
829

وذهب ابن الجنيد إلى أنه يجعل الفاضل عن سهام البنت والأبوين للجدين
والجدتين (1) والأصح الأول، وحجته ظاهر الآية، وما يدل على تقديم الأقرب (2)
وما دل على أنهم يجتمعون مع الإخوة المتأخرة عن الأبوين (3) وما يدل على أنه
لا يجتمع مع الأبوين والولد غير الزوج والزوجة (4) وصحيحة عبد الله بن جعفر (5)
ورواية أبي بصير (6) ورواية الحسن بن صالح (7).
السابعة: يستحب للأبوين أو أحدهما أن يطعم السدس للجد والجدة من قبله،
ومستنده صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن
ابنتي هلكت وامي حية، فقال ابن تغلب - وكان عنده -: ليس لامك شيء، فقال أبو
عبد الله (عليه السلام): سبحان الله أعطها السدس (8).
وحسنة جميل بن دراج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أطعم
الجدة السدس (9) ونحوه موثقة زرارة بإضافة قوله: ولم يفرض لها شيئا (10). ونحوه
رواية زرارة (11).
وظاهر الروايات سدس الأصل - كما هو المشهور - لا سدس حصة المطعم
كما ذهب إليه ابن الجنيد (12).
والمعروف في كلامهم اشتراط زيادة نصيب المطعم عن السدس.

(1) حكاه في المختلف 9: 106.
(2) الأنفال: 75.
(3 و 6) الوسائل 17: 468، الباب 19 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 3.
(4) الوسائل 17: 467، الباب 19 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد.
(5) الوسائل 17: 468، الباب 19 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 4.
(7) الوسائل 17: 467، الباب 19 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 2.
(8) الوسائل 17: 470، الباب 19 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 6.
(9) الوسائل 17: 469، الباب 20 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 2.
(10) الوسائل 17: 470، الباب 20 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 3.
(11) الوسائل 17: 470، الباب 20 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 4.
(12) حكاه في المختلف 9: 105.
830

وفي الدروس قيد الاستحباب بما إذا زاد نصيب المطعم بقدر السدس (1) وقال
بعضهم باستحباب طعمة أقل الأمرين من الزائد عن السدس ومنه (2). والروايات
غير دالة على هذه التخصيصات.
قالوا: ويشترط كون المطعم أحد الأبوين وكون الطعمة ممن يتقرب به من
الأبوين دون من يتقرب بالآخر.
واستدل الشيخ على أن الطعمة إنما يكون للجد والجدة إذا كان ولدهما حيا،
لحسنة جميل بن دراج (3) ورواية إسحاق بن عمار (4) ومرفوعة حسن بن رباط (5)
والروايات تدل على ثبوت الحكم في الصورة المذكورة لا على التخصيص
والاشتراط.
الفصل الثاني في ميراث الإخوة والأجداد
إذا انفرد الأخ للأب والام أو للأب وحده فالمال كله له ولا يشاركه الأبعد،
لتقدم القريب على البعيد في الإرث، للآية، وصحيحة أبي مريم (6) وغيرها. وإن
كان معه أخ أو إخوة فالمال بينهم بالسوية. ولو كان معه انثى أو إناث فللذكر مثل
حظ الانثيين، لقوله تعالى: (وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ
الانثيين) (7) ولو كان المنفرد اختا لأب وام، أو لأب كان لها النصف فرضا، والباقي
يرد عليها. ولو كان اختان فصاعدا كان لهما أو لهن الثلثان والباقي يرد عليهما أو
عليهن، والمستند الآية والخبر (8).

(1) الدروس 2: 367.
(2) المسالك 13: 140.
(3) تقدمت في هامش 9 من الصفحة السابقة.
(4) الوسائل 17: 470، الباب 20 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 5.
(5) الوسائل 17: 472، الباب 20 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 11.
(6) لم نعثر عليها في الوسائل ولكن نقلها في مجمع الفائدة 11: 387 فراجع.
(7) النساء: 176.
(8) الوسائل 17: 488، الباب 6 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد.
831

ولو انفرد الواحد من ولد الام كان له السدس والباقي يرد عليه، ذكرا كان أو
انثى وللاثنين فصاعدا الثلث بينهم بالسوية ذكرانا كانوا أم إناثا، لقوله تعالى:
(وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو اخت فلكل واحد منهما السدس
فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث.) (1)
قال المفسرون: المراد بالأخ والاخت هنا هما من الام، ويدل عليه الأخبار
كصحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: ما تقول في امرأة
ماتت وتركت زوجها وإخوتها لامها وإخوة وأخوات لأبيها؟ قال: للزوج النصف
ثلاثة أسهم، ولإخوتها لامها الثلث سهمان، الذكر والانثى فيه سواء، بقي سهم فهو
للإخوة والأخوات من الأب للذكر مثل حظ الانثيين، لأن السهام لا تعول وأن
الزوج لا ينقص من النصف ولا الإخوة من الام من ثلثهم، لأن الله عز وجل يقول:
(فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) (2) وإن كان واحدا فله السدس،
وإنما عنى الله في قوله: (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو اخت
فلكل واحد منهما السدس) إنما عنى الله بذلك الإخوة والأخوات من الام
خاصة، وقال في آخر سورة النساء: (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن
امرؤ هلك ليس له ولد وله اخت) يعني بذلك اختا لأب وام واختا لأب فلها نصف
ما ترك، وهو يرثها إن لم يكن لها ولد، فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن
كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين فهم الذين يزادون وينقصون،
قال: ولو أن امرأة تركت زوجها واختيها لامها واختيها لأبيها كان للزوج النصف
ثلاثة أسهم، ولاختيها لامها الثلث سهمان، ولاختيها لأبيها السدس سهم، وإن
كانت واحدة فهو لها، لأن الاختين من الأب لا يزادون على ما بقي، ولو كان أخ
لأب لم يزد على ما بقي (3).
وحسنة بكير بن أعين قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) امرأة تركت زوجها

(1 و 2) النساء: 12.
(3) الكافي 7: 103، ح 5.
832

وإخوتها لامها وإخوتها وأخواتها لأبيها؟ فقال: للزوج النصف ثلاثة أسهم،
وللإخوة من الام الثلث، الذكر والانثى فيه سواء، وبقي سهم للإخوة والأخوات
من الأب، للذكر مثل حظ الانثيين، لأن السهام لا تعول ولا ينقص الزوج من
النصف والإخوة من الام من ثلثهم، لأن الله عز وجل يقول: (فإن كانوا أكثر من
ذلك فهم شركاء في الثلث) وإن كانت واحدة فلها السدس الذي عنى الله، (وإن
كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو اخت فلكل واحد منهما السدس، فإن
كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث)، إنما عنى بذلك الإخوة والأخوات من
الام خاصة، وقال في آخر سورة النساء: (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن
امرؤ هلك ليس له ولد وله اخت) يعني اختا لام وأب أو اختا للأب (فلها نصف
ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد، وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل
حظ الانثيين)، فهم الذين يزادون وينقصون وكذلك أولادهم الذين يزادون
وينقصون. ولو أن امرأة تركت زوجها وإخوتها لامها واختيها لأبيها كان للزوج
النصف، ثلاثة أسهم، وللإخوة من الام سهمان، وبقي سهم فهو للاختين للأب. وإن
كانت واحدة فهو لها، لأن الاختين لو كانتا أخوين لأب لم يزادا على ما بقي، ولو
كانت واحدة أو كان مكان الواحدة أخ لم يزد على ما بقي ولا زاد انثى من
الأخوات ولا من الولد على ما لو كان ذكرا لم يزد عليه (1). انتهى الحديث.
وإذا اجتمعت الاخت للأب والام مع واحد من كلالة الام أو مع جماعة من
كلالة الام أو اختان للأب والام مع واحد من كلالة الام فهل يختص المتقرب
بالأبوين بالزائد أعني الثلث في الاولى والسدس في الأخيرتين، أو يرد على
الوارث بالنسبة؟ أطلق الأصحاب سوى الفضل بن شاذان (2) وابن أبي عقيل (3) على
أن الرد يختص بذي السببين، لقوة وصلته، وفي التعليل تأمل.

(1) الكافي 7: 101، ح 3.
(2) حكاه في الدروس 2: 369 - 370.
(3) حكاه في المختلف 9: 23.
833

والصحيح ما أطلقوه، للحصر المستفاد من قوله (عليه السلام) في حسنة بكير المذكورة
وصحيحة محمد بن مسلم المذكورة: «فهم الذين يزادون وينقصون» يعني كلالة
الأب بالنسبة إلى كلالة الام، فلا تكون لكلالة الام زيادة بالرد.
ولو فرض في الصورة المذكورة بدل المتقرب بالأبوين المتقرب بالأب وحده
ففي اختصاص الرد بالمتقرب بالأب وحده أو الاشتراك قولان، فمن قال
بالاشتراك في الاولى قال به هاهنا بطريق أولى، ومن لم يقل به في الاولى اختلفوا
هاهنا، فعن الصدوق والشيخ في النهاية والاستبصار والقاضي والتقي وابن حمزة
ونجيب الدين وظاهر المفيد القول بالاختصاص (1) وهو اختيار أكثر المتأخرين.
وقال الشيخ في المبسوط وابن الجنيد وابن زهرة وابن إدريس والكيدري
والمحقق بالاشتراك (2).
حجة الأول أن النقص يدخل على كلالة الأب، فيكون الزيادة له. وفيه منع
الملازمة وحاجتها إلى بيان، ولعل مراد المستدل أن كل من لم يدخل عليه النقص
بأن يزيد تارة وينقص اخرى يختص بالزيادة إذا لم يجتمع مع من يدخل النقصان
عليه، فلا يستقيم النقص بالبنت مع الأبوين، لأن الأبوين يدخل النقص عليهما،
لأن فريضتهما مختلفة. ولا وجه لما قال بعضهم: إن النقص لا يدخل عليهما، إذ لا
ينقص ميراثهما عما فرض لهما.
ومن حجتهم أيضا موثقة محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) في ابن اخت لأب
وابن اخت لام؟ قال: لابن الاخت للام السدس، ولابن الاخت للأب الباقي (3) وهو

(1) الفقيه 4: 273، النهاية 3: 201، 202، الاستبصار 4: 160، ذيل الحديث 607، حكاه عن
ابن البراج في المختلف 9: 46، الكافي في الفقه: 371 - 372، الوسيلة: 388 - 389،
الجامع للشرائع: 516، المقنعة: 689.
(2) المبسوط 4: 73، حكاه في المختلف 9: 46، الغنية: 324، السرائر 3: 260، إصباح
الشيعة: 367، الشرائع 4: 29.
(3) الوسائل 17: 487، الباب 5 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، ح 11.
834

يستلزم كون الابن كذلك، لأن الولد إنما يرث بواسطتهما، وهذا لا يصير حجة على
من لا يعمل بالأخبار الموثقة.
والأقرب عندي القول الأول، للحصر المستفاد من صحيحة محمد بن مسلم
وحسنة بكير المذكورتين والموثقة المذكورة.
ولو اجتمع المتقرب بالأبوين أو بالأب وحده مع المتقرب بالام، فللمتقرب
بالام السدس فقط إن كان واحدا، والثلث إن كانوا أكثر، وينقسم بينهم بالسوية، لما
مر. ولا أعرف فيه خلافا إلا في المسألة السابقة.
ولا شيء للمتقرب بالأب ذكرا أو انثى مع المتقرب بالأبوين ذكرا كان أو
انثى، بلا خلاف في ذلك بين الأصحاب، ومستنده ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): «أعيان
بني الام أحق بالميراث من ولد العلات» (1) ورواية يزيد الكناسي - في ما يحتمل
الصحة - عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) لكن الرواية مشتملة على ما لا يقول به أحد من
الأصحاب، فتوهن قوتها.
فإن فقد المتقرب بالأبوين قام المتقرب بالأب مقامه على هيئته، والحجة
عليه واضحة مما سلف، ولا خلاف في ذلك بين الأصحاب إلا في المسألة السابقة.
ولو اجتمع الإخوة المتفرقون فللمتقرب بالام السدس مع الوحدة، والثلث مع
التعدد، وينقسم بينهما أو بينهم بالسوية بلا فرق بين الذكر والانثى والباقي
للمتقرب بالأبوين، للذكر ضعف الانثى. ولا شيء للمتقرب بالأب. والجد إذا انفرد
كان المال له لأب كان أو لام، وكذا الجدة ولها المال.
والمعروف بينهم أنهما إن كانا لأب كان للذكر مثل حظ الانثيين، وإن كانا لام
كان بالسوية، ولا أعرف في الحكمين خلافا، إلا أني لا أعرف فيهما نصا.
ولو اجتمع الجد أو الجدة أو هما لام مع الجد أو الجدة أو هما لأب فالمشهور

(1) تلخيص الحبير 3: 83، ح 1354.
(2) الوسائل 17: 414، الباب 1 من أبواب موجبات الإرث، ح 2.
835

بين الأصحاب أن لمن يتقرب بالام منهم الثلث، ينقسم بين المتعدد منهم بالسوية،
ولمن يتقرب بالأب منهم الباقي ينقسم بين المتعدد والمختلف منهم، للذكر مثل
حظ الانثيين، ونقل اتفاق المتأخرين عليه استنادا إلى أن المتقرب بالام يأخذ
نصيب الام، سواء اتحد أم تعدد، ونصيبها الثلث. وفيه تأمل.
وفي المسألة أقوال كثيرة:
منها: أنه إذا اجتمع جدة (ام ام) وجدة (ام أب) فلام الام السدس، ولام الأب
النصف، والباقي يرد عليهما بالنسبة، كمن ترك اختا لأب وام واختا لام، وهذا
القول منسوب إلى الفضل بن شاذان وابن أبي عقيل (1).
ومنها: أن للجد من الام مع الجد للأب أو الأخ للأب السدس والباقي للجد
للأب أو الأخ، وهو قول الصدوق (2).
ومنها: أن للجد أو الجدة للام السدس ولهما الثلث، وهو منسوب إلى التقي
وابن زهرة والقطب الكيذري (3).
وحجج هذه الأقوال غير ظاهرة. ويدل على القول الأول موثقة محمد بن
مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إذا لم يترك الميت إلا جده (أبا
أبيه) وجدته (ام امه) فإن للجدة الثلث وللجد الباقي، وإذا ترك جده من قبل أبيه
وجد أبيه وجدته من قبل امه وجدة امه كان للجدة من قبل الام الثلث وسقط جدة
الام، والباقي للجد من قبل الأب، وسقط جد الأب (4). والرواية لا تدل على الحكم
ولا على كيفية الانقسام في صورة تعدد أحد المتقربين.
ولو اجتمع الأجداد والإخوة فالمعروف بين الأصحاب أن الجد للام كالأخ
لها، والجدة لها كالاخت لها، ينقسم المال بينهم بالسوية، والجد للأب كالأخ
للأبوين، والجدة له كالاخت لهما، ينقسم المال بينهم، للذكر مثل حظ الانثيين.

(1) نسبه إليهما في المسالك 13: 142.
(2) حكاه في المختلف 9: 23.
(3) الكافي في الفقه: 371 - 372، الغنية: 324 - 325، إصباح الشيعة: 367.
(4) الفقيه 4: 284، ح 5639، الوسائل 17: 498، الباب 9 من أبواب ميراث الإخوة، ح 2.
836

وأسند في المسالك الحكم بتعبير قريب مما ذكرنا إلى مذهب الأصحاب (1).
ومستنده الأخبار مثل حسنة الفضلاء - الصحيحة في الفقيه - زرارة، وبكير،
والفضيل، ومحمد بن مسلم، وبريد بن معاوية، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: إن الجد مع
الإخوة من الأب يصير مثل واحد من الإخوة ما بلغوا، قال: قلت: رجل ترك أخاه
لأبيه وامه وجده، أو قلت: جده وأخا لأبيه وامه؟ قال: المال بينهما وإن كانا
أخوين، أو مائة ألف فله مثل نصيب واحد من الإخوة. قال: قلت: رجل ترك جده
واخته، فقال: للذكر مثل حظ الانثيين، وإن كانتا اختين فالنصف للجد والنصف
الآخر للاختين، وإن كن أكثر من ذلك فعلى هذا الحساب، وإن ترك إخوة
وأخوات لأب وام، أو لأب، وجدا فالجد أحد الإخوة فالمال بينهم، للذكر مثل
حظ الانثيين، قال زرارة: هذا مما لم يؤخذ علي فيه، قد سمعته من أبيه ومنه قبل
ذلك، وليس عندنا في ذلك شك ولا اختلاف (2).
ورواية إسماعيل الجعفي، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الجد؟ فقال: يقاسم
الإخوة ما بلغوا وإن كانوا مائة ألف (3).
ورواية أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في ستة إخوة وجد، قال:
للجد السبع (4).
وفي رواية اخرى له عنه (عليه السلام) في رجل ترك خمسة إخوة وجدا؟ قال: هي
ستة، لكل واحد سهم واحد (5).
ورواية زرارة في الصحيح قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل ترك أخاه
لأبيه وامه وجده؟ قال: المال بينهما، ولو كانا أخوين أو مائة كان الجد معهم كواحد

(1) المسالك 13: 143.
(2) الوسائل 17: 490، الباب 6 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، ح 9.
(3) الوسائل 17: 491، الباب 6 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، ح 14.
(4) الوسائل 17: 492، الباب 6 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، ح 15.
(5) الوسائل 17: 492، الباب 6 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، ح 16.
837

منهم، للجد نصيب واحد من الإخوة. قال: وإن ترك اخته فللجد سهمان، وللاخت
سهم، وإن كانا اختين فللجد النصف وللاختين النصف، وقال: إن ترك إخوة
وأخوات من أب وام كان الجد كواحد من الإخوة، للذكر مثل حظ الانثيين (1).
ورواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: الإخوة من الجد يعني
أب الأب يقاسم الإخوة من الأب والام، والإخوة من الأب يكون الجد كواحد
من الذكور (2).
وصحيحتي أبي عبيدة الحذاء (3) وغيرها.
ولا يخفى أن هذه الأخبار لا تدل على تمام مدعاهم، بل إنما تدل على حكم
الجد أب الأب كما هو الظاهر منها مع الأخ من قبل الأبوين، أو لأب، ومع الاخت
كذلك، ومع الإخوة والأخوات كذلك، ولا تدل على غير ذلك.
وعلى القول المعروف لو خلف جدا أو جدة من الام وإخوة وأجدادا
من الأب وإن كثروا فللجد أو الجدة من الام الثلث، وللإخوة والأجداد من
الأب الثلثان.
ولو انعكس فخلف جدا أو جدة أو أخا أو اختا من الأب وإخوة وجدين من
الام فللجد أو الجدة أو الأخ أو الاخت للأب الثلثان، وللإخوة والجدين وإن كثروا
الثلث بينهم بالسوية.
ولو ترك جدا أو جدة لام وأخا وجدا لأب فالمال بينهما أثلاثا، وكذا لو كان
بدل الجد والأخ للأب جدة واختا.
وحجة هذه الأحكام غير واضحة عندي.
ولو ترك أخا أو اختا من الام وجدا أو أخا من الأب فعندهم أن للأخ من الام
أو الاخت السدس والباقي للجد أو الجدة، أو الأخ أو الاخت من الأب.

(1) الوسائل 17: 491، الباب 6 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، ح 13. فيه سألت أبا جعفر.
(2) الوسائل 17: 490، الباب 6 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، ح 11.
(3) الوسائل 17: 490، الباب 6 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، ح 10 وذيله.
838

ويدل على بعض الحكم المذكور صحيحة ابن سنان، قال: سألت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن رجل ترك أخاه لامه ولم يترك وارثا غيره؟ قال: المال له. قلت:
فإن كان مع الأخ للام جد؟ قال: يعطى الأخ للام السدس ويعطى الجد الباقي.
قلت: فإن كان الأخ لأب وجد؟ قال: بينهما سواء (1).
ولو ترك اخوة لام مع الجد لأب فللإخوة الثلث والباقي للجد، لرواية أبي
الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الإخوة من الام مع الجد قال:
الإخوة من الام مع الجد فريضتهم الثلث مع الجد (2).
ورواية مسمع أبي سيار، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل مات وترك
إخوة وأخوات لام وجدا؟ فقال: الجد بمنزلة الأخ من الأب له الثلثان وللإخوة
والأخوات من الام الثلث، فهم فيه شركاء سواء (3).
وفي رواية أبي بصير: «أعط الأخوات من الام فريضتهن مع الجد» (4). وفي
رواية الحلبي بإسناد لا يخلو عن قوة في الإخوة من الام قال: «للإخوة من الام
مع الجد نصيبهم الثلث» (5) ونحوه رواية زيد عن الصادق (عليه السلام) (6). ونحوه رواية
الحلبي بإسناد معتبر (7).
مسائل:
الاولى: الزوج والزوجة مع الإخوة يأخذان نصيبهما الأعلى، وهو النصف
للزوج، والربع للزوجة، ويأخذ من يتقرب بالام نصيبه المسمى من أصل التركة،

(1) الوسائل 17: 495، الباب 8 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، ح 1.
(2) الوسائل 17: 485، الباب 8 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، ح 2.
(3) الوسائل 17: 496، الباب 8 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، ح 4.
(4) الوسائل 17: 496، الباب 8 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، ح 6.
(5) الوسائل 17: 496، الباب 8 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، ح 3.
(6) الوسائل 17: 496، الباب 8 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، ح 7.
(7) الوسائل 17: 496، الباب 8 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، ح 5.
839

والفاضل لكلالة الأب والام، ومع عدمهم فلكلالة الأب، ويدخل النقص على
المتقرب بالأبوين أو المتقرب بالأب، كما لو خلفت زوجا مع واحد من كلالة الام
مع اخت للأب. ومثله ما لو اجتمع مع الزوج اختان فصاعدا للأب، سواء جامعهم
كلالة الام أم لا.
والمسألتان من مسائل العول، ولا خلاف بين أصحابنا في أن النقص يدخل على
من يتقرب بالأب، ويدل عليه صحيحة محمد بن مسلم السابقة في أوائل الفصل.
الثانية: الأقرب يمنع الأبعد، والأبعد يشارك الإخوة عند عدم الأقرب، فلو
اجتمع الإخوة والأجداد العليا والدنيا كان المقاسم للإخوة الدنيا فقط، ولو فقد
الأقرب شارك الأبعد، لصدق الجد عليه، فيدخل تحت العمومات.
الثالثة: الأجداد في الدرجة الاولى أربعة: أب الأب وامه، وأب الام وامها،
ولكل منهم أب وام، فالأجداد في المرتبة الثانية ثمانية، وهكذا، وقد جرت عادة
الفقهاء بالبحث عن الأجداد الثمانية.
والظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في أن ثلثي التركة للأجداد الأربعة من
قبل أب الميت، وثلثها للأجداد الأربعة من قبل امه. واختلفوا في اعتبار الانقسام
بين كل فريق من جانبي الميت، فالذي اختاره الأكثر من الأصحاب اعتبار النسبة
إلى الميت، فمن كان متقربا إليه بأبيه يعني الأجداد الأربعة يأخذون ثلثي التركة،
والثلثان ينقسم بينهم بالتفاوت، فلجدي الأب من قبل أبيه الثلثان، للذكر مثل حظ
الانثيين، ولجدي الأب من قبل امه الثلث كذلك، ومن كان متقربا إليه بامه
يأخذون ثلث التركة وينقسم بينهم بالسوية، فأصل المسألة ثلاثة، لأنها مخرج
الثلث والثلثان، واحد منها للأجداد الأربعة من قبل الام ينكسر عليهم، واثنان
للأجداد الأربعة من قبل الأب، وسهامهم تسعة، لأن ثلثيه ينقسم أثلاثا، وكذا ثلثه،
فلابد من اعتبار ثلث الثلث وأقل ما يخرج منه تسعة.
وبين عدد الفريق الأول ونصيبه مباينة، وكذا بين عدد سهام الفريق الثاني
ونصيبه، وكذا بين العددين، فنطرح النصيب ونضرب أحد العددين في الآخر، يعني
840

الأربعة في التسعة، ثم المرتفع - وهو ستة وثلاثون - في أصل الفريضة وهو ثلاثة
يبلغ مائة وثمانية، ثلثها ستة وثلاثون للأجداد الأربعة من قبل الام بالسوية، لكل
واحد منهم تسعة، وثلثاها اثنان وسبعون للأجداد الأربعة من قبل الأب ثلثا ذلك
ثمانية وأربعون لجدي الأب من قبل أبيه أثلاثا للجد اثنان وثلاثون، وللجدة ستة
عشر، وثلثه وهو أربعة وعشرون لجدي الأب من قبل امه أثلاثا، للجد ستة عشر،
وللجدة ثمانية.
وفي المسألة قولان آخران: أحدهما للشيخ معين الدين المصري: أن ثلث
الثلث لأبوي ام الام بالسوية، وثلثاه لأبوي أبيها بالسوية أيضا، وثلث الثلثين
لأبوي ام الأب بالسوية، وثلثاهما لأبوي أبيه أثلاثا اعتبارا في الطرفين بالتقرب
بالام في الجملة (1).
وثانيهما للشيخ زين الدين محمد بن القاسم الزهري: أن ثلث الثلث لأبوي ام
الام بالسوية، وثلثيه لأبوي أبيها أثلاثا، وقسمة أجداد الأب كما ذكره الشيخ
والجماعة (2). ولا أعرف نصا يدل على خصوص أحد الأقوال.
الرابعة: أخ من ام مع ابن أخ لأب وام، فالأقرب المشهور بين الأصحاب أن
الميراث كله للأخ، لأنه أقرب إلى الميت. ووجهه في المسالك بأن المعتبر في
جهات القرب وترجيح الأقرب على الأبعد بأصناف الوارث، فالأولاد في المرتبة
الاولى صنف، ذكورا كانوا أم إناثا، فيمنع ابن البنت ابن ابن الابن وهكذا، والإخوة
صنف واحد، سواء كانوا لأب وام، أم لأحدهما، أم متفرقين، كما أن الأجداد صنف
واحد كذلك، فالأقرب منهم إلى الميت وإن كان جده لام يمنع الأبعد وإن كان
جدا لأب، قال: هذا هو المفهوم من تقديم الأقرب فالأقرب، مضافا إلى
النص الصحيح (3).

(1) حكاه في الدروس 2: 370.
(2) حكاه في الدروس 2: 371، وقاله الشيخ في النهاية 3: 216.
(3) المسالك 13: 152.
841

والأقرب عندي أن الأقرب لا يعتبر فيه اعتباره في صنف واحد، بل يجري
في الأصناف المختلفة، فالأب أقرب من الجد، والابن أقرب من الأخ.
وفي مكاتبة محمد بن الحسن الصفار: رجل مات وترك ابنة بنته وأخاه لأبيه
وامه، لمن يكون الميراث؟ فوقع (عليه السلام) في ذلك: الميراث للأقرب إن شاء الله (1).
فاعتبر الأقربية في الصنفين المختلفين، كما هو الظاهر من الأقرب.
وفي صحيحة أبي أيوب الخزاز: كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجربه، إلا
أن يكون وارث أقرب إلى الميت منه فيحجبه (2).
وفي رواية عن أبي عبد الله: إذا التقت القرابات فالسابق أحق بميراث قريبه (3).
وفي موثقة زرارة: أولاهم بالميت أقربهم إليه من الرحم التي تجره إليها (4).
وخالف في المسألة الفضل بن شاذان (رحمه الله) فيما نقل عنه، فإنه ذهب إلى أن الأخ
للام مع ابن الأخ للأبوين يأخذ فرضه وهو السدس، والباقي لابن الأخ للأب
والام، أو للأب. ونقل عنه أيضا: لو ترك أخا لام وابنة أخ لأب وام فللأخ من الام
السدس، ولابنة الأخ من الأب والام النصف، وما بقي رد عليها، لأنها تورث
ميراث أبيها، وهكذا القول في ابن الأخ للام مع ابن ابن الأخ للأبوين (5). والجماعة
نقلوا عنه التعليل بكثرة الأسباب وضعفوه بأن كثرة السبب إنما يؤثر مع تساوي
الدرجة لا مطلقا.
وذكر في المسالك التعليل بأنه جعل الإخوة أصنافا، فاعتبر الأقرب من إخوة
الام فالأقرب، وكذلك إخوة الأبوين والأب، ولم يعتبر قرب أحد الصنفين بالنسبة
إلى الآخر، كما لم يعتبر قرب الأخ بالنسبة إلى الجد الأعلى، لتعدد الصنف. وذكر

(1) الوسائل 17: 452، الباب 8 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح 1.
(2) الوسائل 17: 418، الباب 2 من أبواب موجبات الإرث، ح 1.
(3) الوسائل 17: 419، الباب 2 من أبواب موجبات الإرث، ح 3.
(4) الوسائل 17: 414، الباب 1 من أبواب موجبات الإرث، ح 1.
(5) حكاه عنه الصدوق (رحمه الله) في الفقيه 4: 275 - 276.
842

أن التعليل بهذا ظاهر كلام الفضل (1). والجواب يظهر مما ذكرنا.
الخامسة: لا أعرف خلافا بين الأصحاب في أن أولاد الأخ أو الاخت أو
الإخوة أو الأخوات يقومون مقام من يتقربون به، فإن كانوا أولاد أخ لام أو اخت
لها من غير شريك كان المال لهم بالسوية، السدس بالفرض، والباقي بالرد، ولا
فرق بين الذكر والانثى. وإن كانوا أولاد إخوة لام، أو أخوات لام، أو بالشركة من
غير شريك كان لجميع من يتقرب بواحد منهم نصيب من يتقرب به، ينقسم بينهم
بالسوية، بلا فرق بين الذكر والانثى، فلو كان أولاد الإخوة للام ثلاثة، واحد منهم
ولد أخ، والآخران ولدا واحد آخر فللأول السدس، ذكرا كان أو انثى، وللآخرين
السدس ينقسم بينهما بالسوية، فإن لم يكن غيرهم يرد الباقي عليهم. وإن كانوا
أولاد أخ لأب وام أو لأب مع عدمهم كان المال لهم بالسوية مع الاتفاق، وللذكر
ضعف الانثى مع الاختلاف. فإن كانوا أولاد اخت كذلك كان النصف لهم بالفرض
والباقي بالرد، وينقسم المجموع بينهم بالسوية إلا مع الاختلاف. وإن كانوا أولاد
إخوة لأب وام أو لأب مع عدمهم من غير شريك كان المال لهم بالسوية إلا مع
الاختلاف. وإن كانوا أولاد اختين فصاعدا لأب وام أو لأب مع عدمهم كان
الثلثان لهم بالفرض والباقي بالرد، وينقسم كما مر.
ولو اجتمع معهم في الصورة المذكورة زوج أو زوجة، كان له أو لها النصيب
الأعلى والباقي لهم. ولو اجتمع أولاد الاخت للأبوين أو للأب عند عدمهم مع
أولاد الأخ أو الإخوة أو الاخت أو الأخوات للام فلأولاد كلالة الام السدس إن
كان من يتقرب به واحدا، والثلث إن كان أكثر، ولأولاد الاخت للأبوين أو للأب
النصف، والباقي يرد على أولاد المتقرب بهما أو به على الأشهر، ويرد على
الفريقين على قول آخر.
ويدل على بعض القول المشهور صحيحة (2) محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) في

(1) المسالك 13: 153.
(2) في المخطوطة: «موثقة».
843

ابن اخت لأب وابن اخت لام؟ قال (عليه السلام): لابن الاخت للام السدس ولابن الاخت
للأب الباقي.
ولو اجتمع أولاد الاختين من الأب والام أو من الأب عند عدمهم مع أولاد
الكلالة الامية فلأولاد كلالة الامية السدس مع وحدة من يتقرب به، والثلث مع
التعدد، ولأولاد الاختين فصاعدا الثلثان، إلا أن يقصر المال بدخول الزوج أو
الزوجة فيكون لهم الباقي.
ولو اجتمع أولاد من يتقرب بالام وأولاد من يتقرب بالأب وأولاد من
يتقرب بهما كان لأولاد من يتقرب بالام السدس مع وحدة من يتقرب به، والثلث
مع التعدد، ولأولاد من يتقرب بهما الثلثان، وسقط أولاد من يتقرب بالأب، ولو
دخل عليهم زوج أو زوجة كان له أو لها النصيب الأعلى، ولمن يتقرب بالام
السدس إن كان من يتقرب به واحدا، والثلث إن كان أكثر، والباقي لأولاد من
يتقرب بهما زائدا كان أو ناقصا. ولو لم يكونوا فللأولاد المتقرب بالأب خاصة.
ولو زادت الفريضة عن السهام، كما إذا اجتمع أولاد أخ أو إخوة لام مع أولاد
اخت لأب ففي رد الفاضل وهو الثلث أو السدس على الفريقين أو اختصاصه
بأولاد الاخت للأب قولان، أشهرهما الثاني.
ولو اجتمع معهم الأجداد قاسموهم كما يقاسمهم الإخوة. ولا يمنع الجد
القريب ابن الأخ وإن بعد بالنسبة إليه، لدلالة الأخبار الكثيرة عليه، كصحيحة
محمد بن مسلم، قال: نظرت إلى صحيفة ينظر فيها أبو جعفر (عليه السلام) فقرأت فيها
مكتوبا: ابن أخ وجد المال بينهما سواء. فقلت لأبي جعفر (عليه السلام): إن من عندنا لا
يقضون بهذا القضاء، لا يجعلون لابن الأخ مع الجد شيئا؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): أما
إنه إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخط علي (عليه السلام) من فيه بيده (1).
ولو خلف ابن أخ لأب وبنت ذلك الأخ، وابن اخت لأب وبنت تلك الاخت،

(1) الوسائل 17: 486، الباب 5 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، ح 5.
844

وابن أخ لام وبنت ذلك الأخ، وابن اخت لام وبنت تلك الاخت مع الأجداد
الثمانية أخذ الأجداد من قبل الأب مع أولاد الأخ والاخت الأربعة من قبل الأب
الثلثين، وأخذ الأجداد الأربعة من قبل الام وأولاد الإخوة من قبل الام الثلثين،
وأخذ الأجداد الأربعة من قبل الام وأولاد الإخوة من قبل الام الثلث، ينقسم
أسداسا، لكل جد سدس، ولأولاد الأخ سدس، ولأولاد الاخت سدس.
وطريق قسمة الثلثين على ما يظهر من كلام العلامة (رحمه الله) - ولعل ذلك هو
المشهور - أن للجدة والجدة من قبل أب الأب وأولاد الأخ والاخت ثلثي الثلثين،
للجد وأولاد الأخ ثلثا ذلك، نصفه للجد ونصفه لأولاد الأخ أثلاثا، والثلث للجدة
ولأولاد الاخت، نصفه للجدة ونصفه لأولاد الاخت أثلاثا، ثلثهما للجد والجدة
من قبل ام الأب. لكن حجته غير واضحة عندي، وكما لا يمنع الجد الأدنى أولاد
الإخوة كذا لا يمنع الأخ الجد الأبعد لدخوله في مسمى الجد.
وفي المسالك: لا فرق بين كون الأخ وولده موافقا للجد في انتسابه للأب أو
الام ومخالفا، فلو كان ابن أخ لام مع جد لأب فلابن الأخ للام السدس، وللجد
الباقي. ولو انعكس فكان الجد للام وابن الأخ للأب، فللجد الثلث، ولابن الأخ
الباقي (1). وما ذكره هو المعروف، لكن لا أعرف نصا يدل عليه على سبيل العموم.
قال في القواعد: لو خلف مع الإخوة من الأب جدا قريبا للأب ومع الإخوة
من الام جدا بعيدا منها، أو بالعكس فالأقرب أن الأدنى هنا يمنع الأبعد مع
احتمال عدمه، لعدم مزاحمته به. ولي في المسألة إشكال. ثم قال بعد المسألة
السابقة: ولو تجرد البعيد عن مشارك من الإخوة منع، وكذا لو كان الأعلى من الام
مع واحد من قبلها منع، وهو حسن. ثم قال: وكذا الأقرب فيما لو خلف الجد من
قبل الام وابن أخ من قبلها مع أخ من قبل الأبوين أو من الأب، فإنه يرث الأبعد مع
الأقرب (2). وفيه إشكال.

(1) المسالك 13: 156.
(2) القواعد 3: 368 - 369.
845

الفصل الثالث في ميراث الأعمام والأخوال
وفيه أطراف:
الأول:
للعم المنفرد المال كله إذا لم يكن أقرب منه، وكذا العمان والأعمام بالسوية
إن كانوا من درجة واحدة، ولا ريب في ذلك إذا كان العمان والأعمام من نوع
واحد كالعم لأب أو لام أو لهما، وكذا الحكم مع الاختلاف النوعي عندهم، لكن
حجة ذلك غير واضحة عندي، وكذا الكلام في العمة والعمتين والعمات.
ولو اجتمع الذكور والاناث، فإن كانوا من قبل الأبوين بأن يكون العم مثلا
أخا أبيه من قبل الأب والام أو من قبل الأب وحده فللذكر ضعف الانثى عندهم،
وإلا تساووا عندهم، لا أعرف في الحكمين خلافا، لكن الحجة غير واضحة.
ولا يرث المتقرب بالأب مع المتقرب بالأبوين مع تساوي الدرجة على
المشهور بينهم حتى كاد أن يكون إجماعا، ويدل عليه قوله (عليه السلام) في صحيحة بريد
الكناسي السابقة: «وعمك أخو أبيك من أبيه وامه أولى بك من عمك أخي أبيك
من أبيه» (1).
قالوا: ولو اجتمع المتفرقون فلمن يتقرب بالام السدس إن كان واحدا،
والثلث إن كان أكثر، للذكر مثل الانثى، والباقي للمتقرب بالأبوين، للذكر ضعف
الانثى، ويسقط المتقرب بالأب.
وعن النهاية والفضل بن شاذان في الكافي: وإن ترك أعماما وعمات فالمال
بينهم للذكر مثل حظ الانثيين (2). وظاهره عدم الفرق بين المتقرب بالأب
والمتقرب بالام والمتقرب بهما، ودليل المسألة غير واضحة عندي. ويقوم
المتقرب بالأب مقام المتقرب بهما عند الأصحاب.

(1) الوسائل 17: 507، الباب 4 من أبواب ميراث الأعمام والأخوال، ح 1.
(2) النهاية 3: 221 - 222، حكاه عن الفضل في الكافي 7: 120، ذيل الحديث 8.
846

ولا يرث ابن عم مع عم ولا من هو أبعد مع أقرب، للآية والأخبار، إلا في
مسألة واحدة إجماعية وهي ابن عم لأب وام مع عم لأب، فابن العم أولى،
والمسألة اتفاقية بين الأصحاب، والنص الدال عليه لم يبلغ حد الصحة، والأقرب
الاقتصار على مورد الاتفاق، وهو ما إذا انحصر الوارث في ابن عم لأب وام وعم
لأب لا غير، فإذا تغير الفرض ففيه صور وقع الخلاف فيها:
منها: ما لو كان تعدد في أحدهما، وقد خالف جماعة من الأصحاب منهم
الشهيد في ذلك استنادا إلى حجة ضعيفة (1).
ومنها: ما لو كان معهما زوج أو زوجة وخالف الشهيد هاهنا أيضا (2).
ومنها: التغير بالذكورة والانوثة فيهما أو في أحدهما. وفيه خلاف للشيخ (3).
ومنها: التغير بهبوط ابن العم مع وجود العم.
ومنها: صورة انضمام الخال أو الخالة، واختلف الفقهاء في هذه المسألة
على أقوال:
الأول: حرمان ابن العم ومقاسمة العم والخال أثلاثا، وينسب إلى عماد بن حمزة
القمي (4) وتابعه أكثر المحققين كالفاضلين (5) والشهيدين (6) وجمهور المتأخرين.
الثاني: حرمان العم خاصة وجعل المال للخال وابن العم، وإليه ذهب القطب
الراوندي ومعين الدين المصري (7).
الثالث: حرمان العم وابن العم معا واختصاص المال بالخال، وإليه ذهب
سديد الدين محمود الحمصي (8).
الرابع: حرمان العم والخال واختصاص المال بابن العم، وأقرب الأقوال
الأول، لما ذكرنا.

(1) الدروس 2: 336.
(2) الدروس 2: 336.
(3) الاستبصار 4: 170، ذيل الحديث 643.
(4) حكاه في المختلف 9: 27.
(5) القواعد 3: 370، الشرائع 4: 31.
(6) الدروس 2: 336، المسالك 13: 161.
(7) حكاه في المختلف 9: 25.
(8) حكاه في المختلف 9: 270.
847

والحاصل أن الخال يحجب ابن العم كما كان يحجبه عند عدم العم، من حيث
إن الأقرب يحجب الأبعد، ولا يختص بالخال، بل يشاركه العم، لكونه في مرتبته
مع كونه غير محجوب، ويؤيده صحيحة أبي بصير أن أبا عبد الله (عليه السلام) أخرج له
كتاب علي (عليه السلام) فإذا فيه: رجل مات وترك عمه وخاله فقال: للعم الثلثان وللخال
الثلث (1).
الثاني:
الخال لو انفرد كان المال له، وكذا الخالة. ولو اجتمع الخالان أو الأخوال أو
الخالتان أو الخالات من نوع واحد كما إذا كانوا لأب أو لام أو لهما كان المال
بينهم بالسوية. قالوا: ولو اجتمعوا فالذكر والانثى سواء. ولو كانوا متفرقين
فالمعروف أنه يسقط المتقرب بالأب مع وجود المتقرب بالأبوين، ولا أعلم حجة عليه.
والمعروف أن للمتقرب بالام السدس مع الوحدة، والثلث مع التعدد، وينقسم بينهم
بالسوية والباقي للمتقرب بالأبوين أو بالأب مع عدمه، والأشهر أنه ينقسم بينهم
بالسوية وإن اختلفوا بالذكورة والانوثة.
ونقل الشيخ في الخلاف عن بعض الأصحاب أن الخؤولة للأبوين أو للأب
يقتسمون، للذكر ضعف الانثى، نظرا إلى تقربهم بأب في الجملة (2). واستضعف بأن
تقرب الخؤولة بالميت بالام مطلقا، ولا عبرة بجهة قربها. وفيه أن حصر الاعتبار
على تقرب الخؤولة بالميت بالام مطلقا ينافي الحكم بالاختلاف بينهم في الإرث،
حيث يحكم بأن للمتقرب بالام السدس أو الثلث، وبالجملة المسألة محل إشكال،
لفقد النص.
الثالث:
لو اجتمع عم وخال كان للعم الثلثان، وللخال الثلث على الأشهر الأقرب،

(1) الوسائل 17: 504، الباب 2 من أبواب ميراث الأعمام والأخوال، ح 1.
(2) الخلاف 4: 16 - 17، المسألة 6.
848

لصحيحة أبي بصير (1) وغيرها، وفيه خلاف لجماعة منهم: ابن أبي عقيل، فإنه ذهب
إلى أن للخال السدس (2). وكذا الحكم لو اجتمعت العمة والخالة على الأشهر
الأقرب، لحسنة محمد بن حكيم (3) وموثقة أبي بصير (4) وغيرهما.
ولو اجتمع الأعمام والأخوال فالمشهور بين الأصحاب أن للأخوال الثلث،
وكذا لو كان واحدا، ذكرا كان أو انثى، وللأعمام الثلثان، وكذا لو كان واحدا، ذكرا
كان أو انثى.
وذهب جماعة من الأصحاب إلى تنزيل الخؤولة والعمومة منزلة الكلالة،
فنزلوا الأخوال والخالات منزلة الإخوة والأخوات من قبل الام، لواحدهم إذا
اجتمع مع الأعمام والعمات السدس، وإن زاد عليه الثلث، للذكر مثل حظ
الانثيين، والباقي للأعمام والعمات.
حجة المشهور روايات تختص بعضها بالعم والخال (5) وبعضها بالعمة
والخالة (6). فلا يدل على عموم الدعوى.
وتمسكهم بأن الأخوال يرثون نصيب من تقربوا به، وهو الاخت ونصيبها
الثلث، والأعمام يرثون نصيب من تقربوا به، وهو الأخ ونصيبه الثلثان ضعيف. وكذا
تمسكهم بأن الأخوال يرثون نصيب الام، والأعمام نصيب الأب، وكذا أمثال ذلك.
والقائلون بالأول قالوا: فإن كان الأخوال مجتمعين فالمال بينهم، للذكر مثل
حظ الانثيين، ومرادهم بالاجتماع أن يكونوا من جهة واحدة لأب أو لام أو لهما.
قالوا: وإن كانوا متفرقين فللأخوال الثلث ولمن تقرب منهم بالام سدس الثلث إن

(1) الوسائل 17: 504، الباب 2 من أبواب ميراث الأعمام والأخوال، ح 1.
(2) حكاه في المختلف 9: 28.
(3) الوسائل 17: 505، الباب 2 من أبواب ميراث الأعمام والأخوال، ح 4 (وفيه محمد بن مسلم).
(4) الوسائل 17: 504، الباب 2 من أبواب ميراث الأعمام والأخوال، ح 1.
(5) راجع الوسائل 17: 504، الباب 2 من أبواب ميراث الأعمام والأخوال.
(6) راجع الوسائل 17: 504، الباب 2 من أبواب ميراث الأعمام والأخوال.
849

كان واحدا، والثلث إن كانوا أكثر بينهم بالسوية، والباقي لمن تقرب منهم بالأب والام.
ويسقط الخؤولة من الأب إلا مع عدم الخؤولة من الأب والام، والثلثان للعم
اتحد أم تعدد، وعلى تقدير التعدد إن كانوا من جهة واحدة فالمال بينهم للذكر مثل
حظ الانثيين، ولو كانوا متفرقين كان حكمهم في انقسام الثلثين بينهم كالأخوال،
فللعم من الام سدس الثلثين إن كان واحدا، وثلثهما إن كان أكثر بالسوية، وباقي
الثلثين للعم من قبل الأب والام، أو الأعمام والعمات، للذكر مثل حظ الانثيين،
ويسقط من يتقرب بالأب إلا مع عدم المتقرب بهما.
الرابع:
ترتيب درجات الأعمام والأخوال: إن أقل ما يفرض لشخص واحد في
الدرجة الاولى من العم اثنان، عم وعمة، ومن الخال كذلك، فإذا صعدت العمومة
والخؤولة بدرجة صارت ثمانية، أربعة لأبيه، وأربعة لامه، فإذا صعدت درجة
اخرى صارت ستة عشر وهكذا، والسابق في كل درجة من هذه الدرجات أولى
بالإرث، للتقرب، ولا أعلم فيه خلافا بين الأصحاب.
الخامس:
أولاد كل طبقة يقومون مقام آبائهم ويتقدمون في الميراث على الطبقة
المتأخرة بلا خلاف أعرف فيه بين الأصحاب، ويدل عليه الآية، وقول
الصادق (عليه السلام) على ما في أخبار متعددة: «كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي تجر
به» (1) فإن اجتمع ولد العم وولد العمة فلولد العم وإن كان انثى الثلثان، ولولد العمة
وإن كان ذكرا الثلث.
وأولاد العمومة المتفرقون يأخذون نصيب من يتقربون به، فبنو العم للام لهم
السدس بينهم بالسوية مطلقا، وإن كانوا بني عمين للام كان لهم الثلث، ينقسم بينهم
بالسوية مطلقا، والباقي لبني العم أو العمة للأب والام، للذكر مثل حظ الانثيين، أو

(1) الوسائل 17: 505، الباب 2 من أبواب ميراث الأعمام والأخوال، ح 6.
850

لبني العمومة والعمات للأب والام، لأولاد كل واحد نصيب من يتقرب به، ينقسم
بينهم للذكر مثل حظ الانثيين، ومع عدمهم يقوم المتقرب بالأب وحده مقامهم.
ولولد الخال أو الخالة الثلث إذا جامع أحدا من ولد العمومة ولو كان انثى عندهم،
وتساوي ابن الخال وابن الخالة. وميراث أولاد الخؤولة المتفرقين على ما تقرر
من ميراث من يتقرب بهم وقيام الأولاد مقامهم.
السادس:
إذا انتقل فرض الميراث إلى الطبقة الثانية من طبقات الأعمام والأخوال لفقد
الطبقة الاولى وأولادهم، فلو اجتمع عم لأب وعمته، وخال لأب وخالته، وعم لام
وعمتها وخالها وخالتها، فالمشهور بين الأصحاب أن لمن تقرب بالام الثلث،
ينقسم بينهم بالسوية، ولمن تقرب بالأب الثلثان، ثلثه لخال الأب وخالته بينهما
بالسوية، وثلثاه للعم والعمة بينهما للذكر مثل حظ الانثيين. وقيل: بل يجعل لخال
الام وخالتها ثلث الثلث بالسوية وثلثاه لعمها وعمتها بالسوية أيضا، وسهام
الأعمام كما في المشهور.
واحتمل بعضهم أن يكون للخؤولة الأربعة الثلث بينهم بالسوية، وفريضة
الأعمام الثلثان، ثلثها لعم الام وعمتها بالسوية أيضا، لتقربهما بالام، وثلثاها لعم
الأب وعمته أثلاثا.
مسائل:
الاولى: إذا اجتمع للوارث سببان ولم يكن أحدهما مانعا من الآخر ورث
بهما مثل ابن عم لأب وهو ابن خال لام، ومثل ابن عم هو زوج، ومثل عمة لأب
هي خالة لام. وإن كان أحد السببين مانعا من الآخر مثل ابن عم هو أخ فإنه يرث
بالإخوة المانعة.
الثانية: إذا اجتمع الزوج أو الزوجة مع العم والخال فللزوج أو الزوجة
النصيب الأعلى، ولمن يتقرب بالام نصيبه الأصلي من أصل التركة وهو الثلث،
851

لأنه بمنزلة الام على ما ورد في الخبر، وما بقي فهو للعم، وكذلك إن كانت العمة و
الخالة مع أحد الزوجين. ولو كان مع الزوج أو الزوجة العمومة المتفرقون فلأحد
الزوجين النصيب الأعلى.
والمشهور أن للمتقرب بالام السدس إن كان واحدا، والثلث إن كان أكثر،
وللمتقرب بالأب والام أو الأب عند عدمهم الباقي.
ولو اجتمع أحدهما مع الخؤولة المتفرقين فللزوج أو الزوجة النصيب الأعلى،
وللخال من الام سدس الأصل إن كان واحدا، وثلثه إن كان أكثر، وقيل: له سدس
الباقي لا غير.
وذهب جماعة منهم العلامة والشهيد في القواعد والدروس أن له سدس
الثلث (1). ولا وجه له.
ولو كان مع الزوج أو الزوجة الخؤولة المتفرقون مع العمومة المتفرقين
فللزوج أو الزوجة النصيب الأعلى، والمشهور أن للخؤولة الثلث ينقسم بينهم كما
مر، والباقي للعمومة ينقسم بينهم كما مر.
الثالثة: لو اجتمع أحد الزوجين مع أولاد الخؤولة أو أولاد العمومة فالحكم
حكم الاجتماع مع آبائهم.
البحث الرابع
في الميراث بحسب السبب
وفيه فصول:
الأول في بعض الأحكام المتعلقة بميراث الأزواج
وفيه مسائل:
الاولى: الزوجة ترث ما دامت في حبال الزوج وإن لم يدخل بها، إلا أن

(1) القواعد 3: 370 - 371، الدروس 2: 374، الدرس 191.
852

يكون الزوج مريضا حال التزويج ولم يبرأ من مرضه - كما سيأتي - وكذا يرثها
الزوج. ولو طلقت رجعية توارثا إذا مات أحدهما في العدة، ولا ترث البائن ولا
تورثه كالمطلقة ثالثة وغير المدخول بها واليائسة والمختلعة والمباراة، وكذا
المعتدة عن وطء الشبهة والفسخ. واستثنى من عدم الإرث مع الطلاق المذكور ما لو
كان المطلق مريضا، فإنها ترثه إلى سنة، ولا يرثها هو كما سبق في كتاب الطلاق.
الثانية: إذا لم يكن للميت ولد وإن كان نازلا فللزوج النصف وللزوجة الربع،
ولو كن أكثر من واحدة كن شركاء في الربع على السوية. وإذا كان للميت
ولد فللزوج الربع وللزوجة الثمن. ولو كن أكثر من واحدة كن شركاء في الثمن
على السوية.
الثالثة: المشهور بين علمائنا حرمان الزوجة عن شيء من ميراث الزوج في
الجملة، حتى قال الشهيد في النكت: أهل البيت (عليهم السلام) أجمعوا على حرمانها من
شيء ما، ولا يخالف في هذا علماؤنا الإمامية إلا ابن الجنيد، وقد سبقه الإجماع
وتأخر عنه (1). وللأصحاب اختلاف في هذه المسألة في موضعين:
الأول، فيما تحرم منه:
وقد اختلف فيه الأصحاب على أقوال:
الأول: حرمانها من نفس الأرض، سواء كانت بياضا أو مشغولة بزرع أو بناء
وشجر وغيرها من عينها وقيمتها، وحرمانها من عين الآلات والأبنية دون قيمتها،
وهذا هو المشهور، ذهب إليه الشيخ والقاضي وأبو الصلاح وابن حمزة والعلامة
في المختلف والشهيد في اللمعة (2) وهو ظاهر المحقق في الشرائع (3).
الثاني: حرمانها مما ذكر مع إضافة الشجر إلى الأبنية في الحرمان من عينه دون
قيمته، واسند إلى أكثر المتأخرين منهم: العلامة في القواعد والشهيد في الدروس (4).

(1) غاية المراد 3: 583.
(2) النهاية 3: 210، المهذب 2: 140 - 141، الكافي في الفقه: 374، الوسيلة: 391، المختلف
9: 32، اللمعة: 160.
(3) الشرائع 4: 34.
(4) القواعد 3: 376، الدروس 2: 358.
853

الثالث: حرمانها من الرباع، وهي: الدور والمساكن دون البساتين والضياع،
وتعطى قيمة الآلات والأبنية من المساكن، وهو قول المفيد وابن إدريس والمحقق
في النافع وشارح المختصر (رحمه الله)، ومال إليه العلامة في المختلف بعض الميل (1).
الرابع: حرمانها من عين الرباع خاصة لا من قيمتها، وهو قول المرتضى (رحمه الله) (2)
واستحسنه في المختلف وإن استقر رأيه أخيرا على الأول (3).
ومنشأ الخلاف الاختلاف بين الأخبار ومعارضة أكثرها لظاهر الآية، والذي
وصل إلي منها أخبار:
الأول: ما رواه الكليني والشيخ عن الفضلاء الخمسة في الحسن بإبراهيم،
منهم من رواه عن أبي جعفر، ومنهم من رواه عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ومنهم من رواه
عن أحدهما (عليهما السلام): إن المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار أو أرض إلا أن
يقوم الطوب والخشب قيمة، فتعطى ربعها أو ثمنها إن كان من قيمة الطوب
والجذوع والخشب (4).
الثاني: ما رواه الشيخ عن زرارة في الصحيح والكليني عنه في الصحيح
والموثق عن أبي جعفر (عليه السلام): إن المرأة لا ترث مما ترك زوجها من القرى والدور
والسلاح والدواب شيئا، وترث من المال والفرش والثياب ومتاع البيت مما ترك
ويقوم النقض والأبواب والجذوع والقصب فتعطى حقها منه (5).
الثالث: ما رواه الصدوق في الفقيه عن الأحول في الصحيح، عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: لا يرثن النساء من العقار شيئا ولهن قيمة البناء
والشجر والنخل، يعني بالبناء الدور، وإنما عنى من النساء الزوجة (6).

(1) المقنعة: 687، السرائر 3: 258، النافع: 264، كشف الرموز 2: 463، المختلف 9: 32.
(2) الانتصار: 301.
(3) المختلف 9: 35.
(4) الكافي 7: 128، ح 3، التهذيب 9: 297، ح 1064.
(5) التهذيب 9: 298، ح 1065 و 1066، الكافي 7: 128 و 129 ح 4 و 6.
(6) الفقيه 4: 348، ح 5750.
854

الرابع: ما رواه الصدوق عن الفضل بن عبد الملك وابن أبي يعفور، عن أبي
عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن الرجل هل يرث من دار امرأته وأرضها من التربة
شيئا، أو يكون في ذلك بمنزلة المرأة فلا يرث من ذلك شيئا؟ فقال: يرثها وترثه
من كل شيء ترك وتركت (1). ورواه الشيخ عن الفضل بن عبد الملك وابن أبي يعفور
في الصحيح (2).
الخامس: ما رواه الصدوق والشيخ عن ابن اذينة في الصحيح: النساء إذا كان
لهن ولد اعطين من الرباع (3).
السادس: ما رواه الكليني في الحسن بإبراهيم، عن زرارة ومحمد بن
مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا ترث النساء من عقار الأرض شيئا (4).
السابع: ما رواه الكليني، عن زرارة ومحمد بن مسلم في الحسن بإبراهيم،
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا ترث النساء من عقار الدور شيئا، ولكن يقوم البناء
والطوب وتعطى ثمنها أو ربعها، قال: وإنما ذلك لأن لا يتزوجن فيفسدن على أهل
المواريث مواريثهم (5).
الثامن: ما رواه الشيخ عن زرارة وطربال بن رجاء في الموثق عن أبي
جعفر (عليه السلام): إن المرأة لا ترث مما ترك زوجها من القرى والدور والسلاح والدواب
شيئا، وترث من المال والرقيق والثياب ومتاع البيت مما ترك ويقوم النقض
والجذوع والقصب فتعطى حقها منه (6).
التاسع: ما رواه الصدوق في الصحيح إلى أبان الأحمر عن ميسر - وهو
مشترك بين الثقة وغيره - عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن النساء ما لهن من
الميراث؟ فقال: لهن قيمة الطوب والبناء والقصب والخشب، فأما الأرض

(1) الفقيه 4: 349، ح 5753.
(2) التهذيب 9: 300، ح 1075.
(3) الفقيه 4: 349، ح 5754، التهذيب 9: 301، ح 1076.
(4) الكافي 7: 128، ح 4.
(5) الكافي 7: 129، ح 6.
(6) التهذيب 9: 299، ح 1072.
855

والعقارات فلا ميراث لهن فيه. قال: قلت: فالثياب؟ قال: الثياب لهن... (1) الحديث.
العاشر: ما رواه الشيخ عن زرارة ومحمد بن مسلم بإسناد فيه مشترك، عن
أبي جعفر (عليه السلام) قال: النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئا (2).
الحادي عشر: ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في الضعيف قال: قال أبو
عبد الله (عليه السلام): ترث المرأة الطوب، ولا ترث من الرباع شيئا. قال: قلت: كيف ترث
من الفرع ولا ترث من الرباع شيئا؟ فقال لي: ليس لها منهم نسب ترث به، وإنما
هي دخيل عليهم، فترث من الفرع ولا ترث من الأصل، ولا يدخل عليهم داخل
بسببها (3).
الثاني عشر: ما رواه في الضعيف عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: إنما جعل للمرأة قيمة الخشب والطوب لئلا تتزوج فتدخل عليهم من يفسد
مواريثهم (4).
الثالث عشر: ما رواه عن يزيد الصائغ في الضعيف قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام)
يقول: إن النساء لا يرثن من رباع الأرض شيئا، ولكن لهن قيمة الطوب والخشب.
قال: قلت له: إن الناس لا يأخذون بهذا، فقال: إذا ولينا ضربناهم بالسوط، فإن
انتهوا وإلا ضربناهم بالسيف (5). ورواه الكليني عن يزيد الصائغ بإسناد آخر في
الضعيف (6) وعنه باسناد آخر في الضعيف أيضا (7).
الرابع عشر: ما رواه الشيخ عن عبد الملك بن أعين في الضعيف عن
أحدهما (عليهما السلام) قال: ليس للنساء من الدور والعقار شي (8).
الخامس عشر: ما رواه عن ميسرة بياع الزطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
سألته عن النساء ما لهن من الميراث؟ قال: لهن قيمة الطوب والبناء والخشب

(1) الفقيه 4: 347، ح 5748.
(2) التهذيب 9: 298، ح 106.
(3) التهذيب 9: 298، ح 1067.
(4) التهذيب 9: 298، ح 1068.
(5) التهذيب 9: 299، ح 1069.
(6) الكافي 7: 129، ح 10.
(7) الكافي 7: 129، ح 8.
(8) التهذيب 9: 299، ح 1070.
856

والقصب، فأما الأرض والعقار فلا ميراث لهن فيه، قال: قلت: فالثياب، قال:
فالثياب لهن (1)... الحديث.
السادس عشر: ما رواه محمد بن مسلم وزرارة في الضعيف عن أبي
جعفر (عليه السلام): إن النساء لا يرثن من الدور ولا من الضياع شيئا، إلا أن يكون أحدث
بناء فيرثن ذلك البناء (2).
السابع عشر: ما كتب الرضا (عليه السلام) إلى محمد بن سنان فيما كتب من جواب
مسائله: علة المرأة أنها لا ترث من العقار شيئا إلا قيمة الطوب والنقض، لأن العقار
لا يمكن تغييره وقلبه، والمرأة قد يجوز أن ينقطع ما بينها وبينه من العصمة، ويجوز
تغييرها وتبديلها، وليس الولد والوالد كذلك، لأنه لا يمكن التفصي منهما...
الحديث. (3)
الثامن عشر: ما رواه عن موسى بن بكر الواسطي، قال: قلت لزرارة: إن بكيرا
حدثني عن أبي جعفر (عليه السلام) أن النساء لا ترث مما ترك زوجها من تربة دار ولا
أرض، إلا أن يقوم البناء والجذوع والخشب، فيعطى نصيبها من قيمة البناء، وأما
التربة فلا تعطى شيئا من الأرض ولا تربة دار، قال زرارة: وهذا لا شك فيه (4).
واختلاف هذه الأخبار صار منشأ لاختلاف الأصحاب.
ولهم هاهنا اختلاف آخر (5)
فيمن يحرم من الإرث من الزوجات، فالمشهور خصوصا بين المتأخرين
اختصاص الحرمان بغير ذات الولد من الزوج.
وذهب جماعة منهم المفيد والمرتضى والشيخ في الاستبصار وأبو الصلاح
وابن إدريس والمحقق في النافع وتلميذه في شرحه إلى أن هذا المنع عام في كل

(1) التهذيب 9: 299، ح 1071.
(2) التهذيب 9: 300، ح 1073.
(3) التهذيب 9: 300، ح 1074.
(4) التهذيب 9: 301، ح 1077.
(5) هذا هو الموضع الثاني من الاختلاف، تقدم أولهما في الصفحة 853.
857

زوجة، وإن كانت ذات الولد منه (1). بل ادعى ابن إدريس الإجماع على ذلك (2).
إذا عرفت هذا فلنتكلم في مدلول الروايات المذكورة، فنقول: ظاهر الآية
الشريفة ثبوت الربع أو الثمن للزوجة مطلقا من غير استفصال، وكذا كثير من
الروايات الدالة على أن للزوجة الربع أو الثمن من غير تخصيص واستفصال،
وخصوص الرواية الرابعة دال على ثبوت حكم التوريث مطلقا في محل البحث،
ويبعد ارتكاب تخصيص فيها.
والرواية الاولى غير صريحة في ثبوت الحرمان في الأرض مطلقا، لأن
قوله (عليه السلام): «تربة دار أو أرض» يحتمل أن يكون ترديدا من الراوي في كون
العبارة تربة دار أو أرض دار، فلا يلزم شمول الحكم في جميع الأراضي. ويحتمل
أيضا أن يكون الألف زائدا سهوا، ويكون العبارة: تربة دار وأرض كما في ما
عندنا من نكت الشهيد (رحمه الله) (3) فيكون المراد بالأرض أرض الدار أيضا، ويكون
ذكره تعميما بعد التخصيص، بناء على كون الأرض أعم من التربة، أو عطفا
تفسيريا، فلا يدل الحديث على القول المشهور.
ثم قوله (عليه السلام): «المرأة لا ترث» يحتمل أن يكون نهيا تنزيهيا أو خبرا في
معناه، ويكون المقصود: أن الراجح والأولى أن لا تأخذ المرأة الميراث من الدار،
لا أن المرأة ليس لها حق. وهذا الاحتمال غير بعيد، خصوصا في مقام الجمع.
ثم من المحتمل أن يكون المراد أن المرأة لا ترث من الأرض المذكورة
بخصوصها، بل ما كان حقها في الميراث من الربع أو الثمن يأخذه من قيمة الطوب
وغيره إن كانت وافية به. وعلى هذا يوافق الخبر قول المرتضى (رحمه الله)، بل الأنسب
بعبارة الحديث هذا المعنى، لأن قوله: «إن كان» لا يمكن أن يكون اسم «كان» فيه

(1) المقنعة: 687، الانتصار: 301، الاستبصار 4: 154 - 155، الكافي في الفقه: 374، السرائر
3: 258، المختصر النافع: 294، كشف الرموز 2: 464.
(2) السرائر 3: 258.
(3) غاية المراد 3: 585.
858

ضميرا راجعا إلى أحد الأمرين لأنه يصير على هذا التقدير مستدركا، لأنه يصير
المعنى: «تعطى ربعا أو ثمنا إن كان أحد الأمرين فريضتها» وإن كان المقصود
«يعطى ما ذكر إن كان ما يعطيها أوما يقصد إعطاؤه فريضتها أو حقها» ففيه زيادة
تقدير مع عدم دلالة واضحة.
وإن جعل ضميرا راجعا إلى الثمن حتى يصير حاصل المعنى: «يعطيها ثمنها
إن كان الثمن حقها أو فريضتها» ففيه بعد، إذ من المستبعد أن يذكر تقييدا للثمن
ويترك للربع، والحاجة إليه فيه بحسب المنطوق وللثمن بحسب المفهوم، وكيف ما
كان يصير الاستثناء منقطعا وهو خلاف الظاهر.
والوجه أن يقال: الضمير في قوله: «ربعها وثمنها» يرجع إلى المرأة لا إلى
القيمة، ويكون المراد الربع أو الثمن من جميع المتروكات ويكون قوله: «إن كان
من قيمة الطوب» معناه: إن حصل أحد الأمرين من قيمة الطوب بحيث تفي به.
ويحتمل إرجاع الضمير إلى التربة والأرض ويكون المعنى ما ذكر، وعلى الوجهين
يصير الاستثناء متصلا.
وأما الخبر الثاني فيشمل ما لا أعرف به قائلا من الأصحاب: من حرمان
الزوجة من السلاح والدواب، فالوجه في التوفيق بينه وبين ما يعارضه أن يحمل
على أن الأولى بالنسبة إليها ذلك. ويحتمل أيضا أن يكون المراد أن لا تأخذ
الميراث من أعيان المذكورات، ويعطى حق ربعه أو ثمنه من قيمة النقض وغيره
مما ذكر في الحديث. وكذا الكلام في الخبر الثامن.
وحديث الرجحان والأولوية يجري في الحديث الثالث وغيره مما يقاربه في
المعنى، واحتمال الحرمان من خصوص العين لا القيمة أيضا يجري فيها، بل لا
يبعد أن يقال: تغيير أسلوب الكلام في الخبر الثالث حيث ذكر فيه: «لا يرثن النساء
من العقار» بإبراد «من» التبعيضية ثم غير الأسلوب فذكر: ولهن قيمة البناء
والشجر من غير ذكر للتبعيض لا يخلو عن إشعار بأن الاستحقاق المثبت في الثاني
ليس على سبيل الاستحقاق المنفي في الأول، لأنه ليس بحسب ربع قيمة البناء أو
ثمنه، بل باعتبار تعلق ربع الأصل أو ثمنها بها.
859

وكذا تغيير الأسلوب في الحديث التاسع والحادي عشر والثالث عشر
والخامس عشر والسادس عشر.
وحينئذ نقول: إذا لم نقل بحجية الإجماع المنقول والشهرة مطلقا كما هو
الواقع أو عند المعارضة بأقوى منه مثل القرآن، كان المتجه قول ابن الجنيد،
ووجهه يظهر مما ذكرنا.
وإن قلنا بحجية الإجماع المنقول كان المتجه قول السيد، لما فيه من مراعاة
ظاهر الآية في الجملة، بأن يكون المراد أن للمرأة ربع ما ترك أو ثمنه، يعني لها ما
يكون ربعا أو ثمنا للجميع بحسب القيمة وإن لم يكن حقها ربع كل جزء، وفيه أيضا
مراعاة ظاهر الأخبار العامة وخصوص الحديث الرابع، ولا ينافيه شيء من
الأخبار صريحا مع مراعاة الإجماع المنقول أيضا. وقد وقع العرض على كتاب
الله عند ورود الأخبار المختلفة.
وبعد قول السيد فقول المفيد ومن تبعه لا يخلو عن قوة.
ثم لا يخفى أن الفرق بين ذات الولد من الزوج وغيرها في حرمان الثانية دون
الاولى - كما هو المشهور بين المتأخرين - ليس له وجه وجيه، لأن مستند القائلين
به الخبر الخامس - نظرا إلى رعاية الجمع بينه وبين ما يدل على حرمان الزوجة
مطلقا - كلام منقول عن ابن اذينة من غير إسناد إلى إمام بتصريح أو إضمار أو نحو
ذلك، بل الظاهر أنه كلام ابن اذينه وفتواه، وليس شأنه شأن سائر المرسلات
والمقطوعات والمضمرات التي يقال فيها: إن الظاهر أن نقل مثلها إنما هو عن
الإمام (عليه السلام).
وفي المتن أيضا إجمال، إذ ليس فيه الإعطاء من كل المتروكات ولا من كل
ما فيه الخلاف والنزاع، ولا فيه أن الإعطاء على سبيل الاستحقاق أو الوجوب أو
الاستحباب، وليس فيه دلالة على كون الولد من الزوج الميت، والنساء فيه أعم
من الزوجة، ففيه إجمال، فالتعويل عليه والعدول عن ظاهر الكتاب والأخبار
الكثيرة لا وجه له.
860

ثم الظاهر أنه لا فرق في الأبنية والمساكن على القول باعتبارها بين ما
يسكنه الزوج وغيره، ولا بين الصالح للسكنى وغيره كالحمامات والأرحية
وغيرها إذا صدق اسم البناء عليه. والمراد بالآلات: المثبتة، والظاهر أنها يشمل
الطوب والخشب والقصب والشجر والأبواب والألواح ونحو ذلك.
وأما المنقولة فإنها ترث من عينها، ولا فرق بين كونها قابلة للنقل بالفعل أو
بالقوة القريبة كالثمرة على الشجرة والزرع في الأرض وإن لم يستحصد أو كان
بذرا دون الشجر.
وكيفية التقويم للبناء والآلات والشجر على القول بانسحاب الحكم فيه أن
يقوم مستحق البقاء في الأرض مجانا إلى أن يفنى، فيقدر الدار كأنها مبنية في ملك
الغير على وجه لا يستحق عليها اجرة إلى أن يفنى، وتعطى قيمة ما عدا الأرض
من ذلك، كذا ذكره بعض الأصحاب (1) وهو حسن، وكذا الحكم في الشجر.
وهل القيمة رخصة للورثة لتسهيل الأمر لهم - كما يظهر الإشعار بذلك من
الروايات - حتى لو بذلوا الأعيان لم يكن لها طلب القيمة، أم على سبيل
الاستحقاق؟ فيه وجهان، ولعل الأقرب الأول.
وعلى القول بالفرق بين ذات الولد وغيرها في الحرمان ففي اختصاص ذات
الولد بثمن الأرض أجمع وثمن عين ما حرمت الاخرى منها، أو اختصاص باقي
الورثة بها، أو الاشتراك وجوه، ولعل الأقرب الأول.
وحيث يختص بالعين توجه دفع القيمة إليه. وإنما أطلنا الكلام في هذه
المسألة على خلاف رسم الكتاب، لأنها من المشكلات.
وظاهر الرواية وجود الولد بالفعل، فلا يكفي وجوده سابقا، وهل يتعدى
الحكم إلى ولد الولد؟ فيه وجهان مبنيان على صدق الولد عليه حقيقة أم لا، وعلى
تقدير التعدي هل يعتبر كون ولد الولد وارثا أم لا؟ فيه وجهان، أقربهما العدم.

(1) المسالك 13: 194.
861

الرابعة: (1) لا يشترط في توارث أحد الزوجين من الآخر الدخول بلا خلاف،
ويدل عليه عموم الكتاب والسنة.
ويدل على إرث الزوجة من الزوج قبل الدخول روايات كصحيحة محمد بن
مسلم (2) ومرسلة عبد الرحمن بن الحجاج (3) ورواية ابن أبي يعفور (4).
ويدل على التوارث من الجانبين رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله (5).
واستثنى من الحكم المذكور ما لو تزوجها مريض ولم يدخل بها فمات،
فالمعروف من مذهب الأصحاب أنها لا ترثه، ونسبه في الدروس إلى المشهور (6)
وهو يشعر بعدم وضوحه عنده.
وفي المسالك: جزم الأكثر بالحكم من غير أن يذكروا فيه خلافا أو إشكالا (7)
والأصل في الحكم صحيحة زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال: ليس للمريض أن
يطلق، وله أن يتزوج، فإن تزوج ودخل بها فجائز، وإن لم يدخل بها حتى مات في
مرضه فنكاحه باطل ولا مهر لها ولا ميراث (8). والرواية صحيحة لا يبعد التعويل
عليها، لكنها معارضة بالآية وعموم الأخبار الكثيرة، فللتأمل طريق إلى الحكم
المذكور.
والظاهر أن مراد الأصحاب من حكمهم بأن نكاح المريض مشروط
بالدخول الاشتراط في لزومه وترتب جميع الآثار حتى ما يكون بعد الموت
كالتوارث والعدة، وليس المراد الاشتراط في الصحة، وإلا لزم عدم جواز دخوله
في المرض.

(1) يعني المسألة الرابعة، تقدمت الثالثة في ص 853.
(2) الوسائل 15: 462، الباب 35 من أبواب العدد، ح 1.
(3) الوسائل 15: 72، الباب 58 من أبواب المهور، ح 5.
(4) الوسائل 15: 73، الباب 58 من أبواب المهور، ح 8.
(5) الوسائل 17: 529، الباب 12 من أبواب الميراث، ح 4.
(6) الدروس 2:، 358.
(7) المسالك 13: 196.
(8) الوسائل 17: 537، الباب 18 من أبواب ميراث الأزواج، ح 3.
862

ولو ماتت هي قبل الدخول ففي ثبوت الإرث إشكال، وكذا ثبت الإشكال لو
مات في غير مرضه قبل الدخول، ولعل الأقرب هنا ثبوت الإرث.
الخامسة: إذا ماتت عن زوج ولم يكن هناك مناسب ولا مسابب فالمعروف
من مذهب الأصحاب أن المال كله للزوج، ولا أعرف فيه خلافا بينهم. ونقل
جماعة من الأصحاب منهم: الشيخان والمرتضى (رحمهم الله) الإجماع عليه (1) ويدل عليه
أخبار كثيرة كصحيحتي أبي بصير (2) وصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام)
في امرأة توفيت ولم يعلم بها أحد ولها زوج؟ قال: الميراث لزوجها (3) وفيه (4) أن
عدم العلم بالغير يكفي ورواية المثنى بن وليد الحناط (5) ورواية اخرى لأبي بصير (6)
وغيرها.
وقيل: يظهر من كلام سلار عدم الرد عليه (7). والأول أصح وأقرب، لما ذكرناه.
وإذا مات عن زوجة ففيه خلاف بينهم على أقوال ثلاثة:
الأول: عدم الرد عليها مطلقا، وهو المشهور بين الأصحاب.
الثاني: الرد عليها مطلقا، كالزوج، وهو ظاهر المفيد (8).
الثالث: أنه يرد عليها مع غيبة الإمام لا مع حضوره، وهو قول الصدوق في
الفقيه والشيخ في كتابي الأخبار (9) وفي النهاية: أنه قريب من الصواب (10) وإليه

(1) الأعلام (ضمن مصنفات المفيد) 9: 55، الخلاف 4: 116، المسألة 130، الانتصار: 300.
(2) راجع الوسائل 17: 512، الباب 3 من أبواب ميراث الأزواج.
(3) الوسائل 17: 511، الباب 3 من أبواب ميراث الأزواج، ح 1.
(4) أي في صحيح محمد بن قيس.
(5) الوسائل 17: 513، الباب 3 من أبواب ميراث الأزواج، ح 7.
(6) راجع الوسائل 17: 513، الباب 3 من أبواب ميراث الأزواج.
(7) المراسم: 222.
(8) المقنعة: 691.
(9) الفقيه 4: 262، ذيل الحديث 5612، التهذيب 9: 295، ذيل الحديث 1056، الاستبصار
4: 150، ذيل الحديث 568.
(10) النهاية 3: 211.
863

ذهب صاحب الجامع (1) والعلامة في عدة من كتبه (2) والشهيد في اللمعة (3).
والأخبار في المرأة مختلفة، فبعضها تدل على عدم الرد، ففي رواية أبي بصير
الضعيفة: رجل توفي وترك امرأته؟ قال: للمرأة الربع وما بقي للإمام (4).
وروى الكليني عن أبي بصير في الموثق عن أبي جعفر: في رجل توفي وترك
امرأته؟ قال: للمرأة الربع وما بقي للإمام (5).
وعن محمد بن مسلم في الضعيف عن أبي جعفر (عليه السلام): في رجل مات وترك
امرأة؟ قال: لها الربع ويرفع الباقي (6). وفي معنى الرفع إجمال، ولا يبعد أن يكون
المراد الرفع إلى الإمام.
وروى الشيخ عن أبي بصير في الضعيف في جملة حديث: والمرأة لها الربع
وما بقي فللإمام (7).
وعن محمد بن مروان في الضعيف عن أبي جعفر (عليه السلام): في زوج مات وترك
امرأته؟ قال: لها الربع ويدفع الباقي إلى الإمام (8).
وروى الكليني عن محمد بن نعيم الصحاف، قال: مات محمد بن أبي عمير
بياع السابري وأوصى إلي، وترك امرأة له، ولم يترك وارثا غيرها، فكتبت إلى
العبد الصالح (عليه السلام) فكتب إلي: أعط المرأة الربع واحمل الباقي إلينا (9) ورواه الشيخ
أيضا بتفاوت ما (10).

(1) الجامع للشرائع: 502.
(2) التحرير 2: 168 س 11، ونسبه إلى تلخيص العلامة الشهيد في غاية المراد 3: 578.
الإرشاد 2: 125.
(3) اللمعة: 157.
(4) الوسائل 17: 515، الباب 4 من أبواب ميراث الأزواج، ح 4.
(5) الكافي 7: 126، ح 3.
(6) الوسائل 17: 515، الباب 4 من أبواب ميراث الأزواج، ح 5.
(7) التهذيب 9: 294، ذيل الحديث 1055.
(8) الوسائل 17: 516، الباب 4 من أبواب ميراث الأزواج، ح 7.
(9) الكافي 7: 126، ح 1.
(10) التهذيب 9: 295، ح 1058.
864

وفي النكت: استدل الشيخ والمصنف أيضا بصحيحة علي بن مهزيار قال:
كتب محمد بن حمزة العلوي إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام): مولى لك أوصى إلي بمائة
درهم، وكنت أسمعه يقول: كل شيء هو لي فهو لمولاي، فمات وتركها ولم يأمر
فيها بشيء، وله امرأتان، أما واحدة فلا أعرف لها موضعا الساعة، والاخرى بقم،
ما الذي تأمر في هذه المائة درهم؟ فكتب إلي: انظر أن تدفع هذه الدراهم إلى
زوجتي الرجل وحقهما من ذلك الثمن إن كان له ولد، وإن لم يكن له ولد فالربع،
وتصدق بالباقي على من تعرف أن له إليه حاجة إن شاء الله (1).
واعترض الشهيد (رحمه الله) بكونها مكاتبة، وبأن الظاهر أن هذه المائة له (عليه السلام) بسبب
الإقرار الصادر عن الميت، وأمره بإعطاء الزوجتين لا يدل على أنه إرث (2). وفيه
نظر. وظاهر الحديث أن الثمن والربع على سبيل الاستحقاق، وأمر بتصدق الباقي
إما بناء على كون الباقي له (عليه السلام) فأمر بصرفه في مصرف معين، أو بناء على أن
الحكم في مال من لا وارث له ذلك، كما هو مذهب البعض كما حكى بعضهم. قال:
وروي أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقسمه على فقراء أهل البلد (3). والاحتمال الأول
أقرب وأنسب بموافقة الأخبار السابقة.
ويؤيد الأول ما رواه الصدوق، عن محمد بن مسلم في الصحيح، عن أبي
جعفر (عليه السلام) قال: من مات وليس له وارث من قرابة، ولا مولى عتاقة قد ضمن
جريرته، فماله من الأنفال (4). وظاهر أن الأنفال للإمام (عليه السلام).
ويؤيد الاحتمال الثاني ما ذكر في الفقيه: وقد روي في خبر آخر: أن من مات
وليس له وارث فماله لهمشريجه، يعني لأهل بلده (5).
ويدل على القول الثاني ما رواه الشيخ، عن أبي بصير في الصحيح، عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: رجل مات وترك امرأته؟ قال: المال لها. قلت: امرأة
ماتت وتركت زوجها؟ قال: المال له (6).

(1 و 2) غاية المراد 3: 577.
(3) مجمع الفائدة 11: 432.
(4) الفقيه 4: 333، ح 5714.
(5) الفقيه 4: 333، ح 5715.
(6) التهذيب 9: 295، ح 1056.
865

وحجة القول الثالث الجمع بين الأخبار بحمل الخبر المذكور على حال غيبة
الإمام (عليه السلام)، وهو تأويل بعيد جدا، والشيخ ذكر تأويلا آخر وهو حمل الخبر على
ما إذا كانت المرأة قريبة له (1). وهو أيضا بعيد.
وبالجملة، المسألة مشكلة، ولا يبعد ترجيح القول المشهور، لأن الأخبار
الدالة عليه متعددة، وفيها الموثق، ويرجحها الشهرة بين الأصحاب وموافقة
ظاهر القرآن.
الفصل الثاني في ولاء العتق
الولاء من أسباب الإرث، لما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): الولاء لحمة كلحمة
النسب (2). وقوله (صلى الله عليه وآله): الولاء لمن أعتق (3).
والإرث في النسب ثابت من الجانبين بخلاف الولاء، - فإنه ثابت للمنعم
بالنسبة إلى المعتق دون العكس - على المشهور بين الأصحاب، وفيه خلاف لابن
بابويه. ويشترط في ثبوت الإرث به امور ثلاثة:
الأول: أن يكون العتق تبرعا، فلو كان واجبا بنذر وشبهه، أو بكفارة،
أو بانعتاق قهري فلا ولاء. ولا أعلم خلافا في ذلك، للأصل، وعدم شمول مستند
الحكم.
وروى علي بن رئاب في الصحيح قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن السائبة،
فقال: انظروا في القرآن، فما كان فيه (فتحرير رقبة) فتلك السائبة التي لا ولاء
لأحد عليها إلا لله، فما كان ولاؤه لله فهو لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وما كان لرسول الله فإن
ولاءه للإمام وجنايته على الإمام وميراثه له (4). ولو نكل به وانعتق كانت سائبة، لما

(1) التهذيب 9: 295، ذيل الحديث 1056.
(2) الوسائل 16: 47، الباب 42 من أبواب العتق، ح 2.
(3) الوسائل 16: 38، الباب 35 من أبواب العتق، ح 1.
(4) الكافي 7: 171، ح 2.
866

ذكر، ولصحيحة أبي بصير (1). ومثله انعتاقه بالإقعاد والعمى والجذام والبرص على
القول به.
الثاني: أن لا يتبرء المعتق من ضمان جريرته حال الإعتاق، ويدل عليه حسنة
أبي الربيع (2). فلو اشترط سقوط الضمان لم يثبت له ميراث. وهل يشترط في
السقوط الإشهاد؟ الأقرب لا، خلافا لجماعة منهم الشيخ (3) استنادا إلى صحيحة
عبد الله بن سنان (4) وحسنة أبي الربيع (5) وهما غير دالتين على مطلوبهم.
الثالث: أن لا يكون للمعتق وارث مناسب، للأخبار الدالة على ذلك، فلو كان
للمعتق وارث مناسب قريب أو بعيد، ذو فرض أو غيره لم يرث المعتق ولو كان
زوجا أو زوجة كان له سهمه، والباقي للمنعم أو من يقوم مقامه عند عدمه، لما دل
على فريضة الزوجين، مضافا إلى حديث: الولاء لحمة كلحمة النسب.
وإذا اجتمعت الشروط ورثه المنعم مع وحدته، ومع الكثرة كانوا شركاء في
الولاء بالحصص، ولا فرق بين الذكر والانثى.
و إذا فقد المنعم فللأصحاب في تعيين وارث الولاء أقوال:
أحدها: أنه يرثه أولاد المنعم مطلقا من غير فرق بين الذكر والانثى،
لقوله (صلى الله عليه وآله): الولاء لحمة كلحمة النسب (6). وإليه ذهب الصدوق (رحمه الله)، واستحسنه
المحقق.
وثانيها: أنه يرثه وارث المال مطلقا، وإليه ذهب ابن أبي عقيل، حيث جعل
الولاء بعد المولى لعاقلته الذين يكون عليهم الدية إذا جنا بجناية. قال: واختلف

(1) الوسائل 16: 26، الباب 22 من أبواب العتق، ح 2.
(2) الوسائل 16: 48، الباب 43 من أبواب العتق، ح 2.
(3) النهاية 3: 26.
(4) الوسائل 16: 49، الباب 43 من أبواب العتق، ح 4.
(5) الوسائل 16: 48، الباب 43 من أبواب العتق، ح 2.
(6) الوسائل 16: 47، الباب 42 من أبواب العتق، ح 2.
867

الشيعة في العاقلة، فقال الأكثرون: العاقلة هم ورثة الرجل يقسم عليهم الدية
ويكون لهم الولاء. قال: وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) والأئمة من ولده (عليهم السلام) أنهم
قالوا: يقسم الدية على من أحرز الميراث، ومن أحرز الميراث أحرز الولاء. وهذا
مشهور متعالم. وقال الباقون: العاقلة هم العصبة دون الورثة ورووا عن
الأئمة (عليهم السلام) أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى في امرأة أعتقت رجلا واشترطت ولاءه،
فاختصمت في ولائه من بعدها أولادها وعصبتها، فحكم بالولاء لعصبتها دون
أولادها، قال: والقول الأول عندي أشبه بقولهم وأولى (1).
وثالثها: أن الولاء يجري مجرى النسب ويرثه من يرث من ذوي الأنساب
على حد واحد، الا الإخوة والأخوات من الام، أو من يتقرب بها من الجد والجدة
والخال والخالة وأولادهما، قال: إذا كان المعتق امرأة فولاء مواليها لعصبتها دون
ولدها، سواء كانوا ذكورا أو إناثا (2)، وإليه ذهب الشيخ في الخلاف، واستدل عليه
بإجماع الفرقة وأخبارهم.
ورابعها: أن الولاء لأولاد المعتق الذكور دون الإناث، ذكرا كان المعتق أم انثى،
فإن لم يكن هناك أولاد ذكور ورثه عصبة المعتق، وهو المنقول عن المفيد (رحمه الله).
وخامسها: أن النساء لا يرثن من الولاء شيئا، وهو قول ابن الجنيد.
وسادسها: أن الولاء للأولاد الذكور خاصة إن كان رجلا، وإن كان امرأة
فلعصبتها. ولو لم يكن للذكر ولد ذكور كان ولاء مواليه لعصبته دون غيره، وإليه
ذهب الشيخ في النهاية والإيجاز، والقاضي وابن حمزة، وقواه العلامة
في المختلف.
والشهيد الثاني قال في المسالك: والروايات الصحيحة شاهدة به كصحيحة

(1) المختلف 8: 56 - 57.
(2) كذا، والعبارة مختلة النظام، فإنها من أول المسألة إلى هنا بعينها عبارة الشيخ في الخلاف
(ج 4 ص 79، المسألة 84 و 86) فضمير قوله: «قال» راجع إلى الشيخ، لكن لا يلائم قوله: و
إليه ذهب الشيخ في الخلاف... الخ.
868

بريد بن معاوية العجلي، عن الصادق (عليه السلام) (1) قال: سألته عن رجل كان عليه عتق
رقبة فمات قبل أن يعتق، فانطلق ابنه فابتاع رجلا من كسبه فأعتقه عن أبيه، وأن
المعتق أصاب بعد ذلك مالا ثم مات وتركه، لمن يكون تركته؟ فقال: إن كانت
الرقبة التي كانت على أبيه في ظهار أو شكر أو واجبة عليه فإن المعتق سائبة لا
سبيل لأحد عليه، وإن كانت الرقبة التي على أبيه تطوعا وقد كان أبوه أمره أن
يعتق عنه نسمة كان ولاء المعتق ميراثا لجميع ولد الميت من الرجال. قال: ويكون
الذي اشتراه وأعتقه بأمر أبيه كواحد من الورثة، إذا لم يكن للمعتق قرابة من
المسلمين أحرار يرثونه، قال: وإن كان ابنه الذي اشترى الرقبة فأعتقها عن أبيه
من ماله بعد موت أبيه تطوعا منه من غير أن يكون أمره أبوه بذلك، كان ولاؤه
وميراثه للذي اشتراه من ماله وأعتقه عن أبيه إذا لم يكن للمعتق وارث من
قرابته (2). قال (رحمه الله): وهذه صريحة في حكم الرجل.
ولا يخفى أن المذكور في الكافي والتهذيب والاستبصار وغيرها بدل قوله:
«كان ولاء المعتق ميراثا لجميع ولد الميت»: «فإن ولاء المعتق هو ميراث لجميع
ولد الميت من الرجال» وعلى هذا يحتمل أن يكون قوله (عليهم السلام): «من الرجال»
قيدا للميت لا للولد، وحينئذ لا يكون للخبر دلالة على اختصاص الولاء بالذكور
من الأولاد.
ثم قال: ويدل على اختصاص عصبته بالولاء دون الإناث أيضا صحيحة
محمد بن قيس عن الباقر (عليه السلام) قال: قضى في رجل حرر رجلا فاشترط ولاءه،
فتوفي الذي أعتق وليس له ولد إلا النساء، ثم توفي المولى وله مال وله عصبة،
فاختلف في ميراثه بنات مولاه والعصبة، فقضى بميراثه للعصبة الذين يعقلون عنه

(1) الرواية عن أبي جعفر الباقر (عليهما السلام) كما في الوسائل، ونقله في المسالك أيضا عنه (عليه السلام) راجع
المسالك 13: 202.
(2) الوسائل 16: 45، الباب 40 من أبواب العتق، ح 2.
869

إذا أحدث حدثا يكون فيه عقل (1).
وفيه نظر، لأن هذه الرواية غير دالة على المقصود، لأن المراد بقوله (عليه السلام): ثم
توفى المولى وله عصبة المعتق وفرض كون العصبة له، فالنزاع بين بنات المعتق
وعصبة المعتق، فيكون خارجا عن محل البحث.
ثم استدل على حكم المرأة بصحيحة محمد بن قيس عن الباقر (عليه السلام) (2)
وصحيحة يعقوب بن شعيب عن الصادق (عليه السلام) (3) وصحيحة أبي ولاد عنه (عليه السلام) (4)
وهذا متجه، إذ الأخبار المذكورة مع صحة أسانيدها دالة على أن المعتق إذا كانت
امرأة فالولاء لعصبتها دون أولادها، وإذا كان المعتق رجلا فالظاهر أن الولاء
لأولاده مطلقا، سواء كانوا ذكورا أو إناثا، لموثقة عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي
عبد الله (عليه السلام)، قال: مات مولى لحمزة بن عبد المطلب، فدفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ميراثه
إلى بنت حمزة (5) ويعضده ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): الولاء لحمة كلحمة النسب، فإنه
سالم عن المعارض هاهنا، وهذا الحديث مروي في الحسن إلى إبراهيم بن هاشم
عن النوفلي عن السكوني (6) وذكر ابن إدريس أن هذا الخبر متلقى بالقبول عند
الخاصة والعامة.
فظهر أن الأقرب أن الولاء يرثه أولاد المنعم إذا كان رجلا، من غير فرق بين
الذكور والإناث، وإن كان امرأة كان الولاء لعصبتها. وأن ما ذكره المحقق في
الشرائع من شهادة الروايات، والشهيد الثاني في المسالك من شهادة الروايات
الصحيحة، وفي الروضة من دلالتها على قول الشيخ في النهاية، وكذا غيرهما،
محل تأمل.

(1) الوسائل 16: 44، الباب 40 من أبواب العتق، ح 1.
(2) الوسائل 16: 44، الباب 39 من أبواب العتق، ح 1.
(3) الوسائل 16: 44، الباب 39 من أبواب العتق، ح 2.
(4) الوسائل 16: 44، الباب 39 من أبواب العتق، ح 3.
(5) الوسائل 17: 540، الباب 1 من أبواب ميراث ولاء العتق، ح 10.
(6) الوسائل 16: 47، الباب 42 من أبواب العتق، ح 2.
870

مسائل:
الاولى: هل الولاء يورث؟ ظاهر الخلاف والشرائع ذلك. وقيل: إنما يورث
به، ولا يورث، واختاره في المسالك. ويظهر الفائدة فيما لو مات المنعم قبل
المعتق وخلف وارثا غير الوارث بعد موت المعتق، كما لو مات المنعم عن ابن
وابن ابن، فمات الابن قبل موت المعتق وترك ابنا، فإن الميراث يختص بهذا الابن
على الأول، ويشترك بين ولدي الابنين على الثاني.
ويدل على الأول قول الصادق (عليه السلام) في صحيحة بريد بن معاوية السابقة: ولاء
المعتق ميراث لجميع ولد الميت من الرجال (1).
ويدل على الثاني خبر «اللحمة» (2) ولا يبعد ترجيح الأول، لكونه أصرح
في الدلالة على المطلوب مع صحة الرواية، لكن لا يدل على عموم الدعوى في
جميع الطبقات.
الثانية: المعروف بينهم أن الأبوين يشاركان الأولاد، ومع الانفراد يختصان
بالإرث، وفيه خلاف لابن الجنيد، ويمكن الاستدلال على الأول بخبر «اللحمة»
لكن يدل على الثاني صحيحة بريد، ولا يبعد العمل بها.
الثالثة: يقوم أولاد الأولاد مقام آبائهم عند عدمهم ويأخذ كل منهم نصيب من
يتقرب به، ويمكن الاستدلال عليه بخبر «اللحمة» وصحيحة بريد.
الرابعة: مع عدم الأبوين والولد يرث الإخوة، وهل يرث الأخوات؟ فيه
قولان، أقربهما: نعم. ويشاركهما الأجداد والجدات، ومع عدمهم فالميراث
للأعمام وبينهم مع مراعاة الأقرب فالأقرب. والأشهر أنه لا يرث من يتقرب بالام
من الإخوة والأخوات والأخوال والخالات، ومن اعتبر اللحمة وعمم الميراث
حكم بإرث الجميع، وهو غير بعيد.

(1) الوسائل 16: 45، الباب 40 من أبواب العتق، ح 2.
(2) تقدم في هامش (2) من الصفحة السابقة.
871

الخامسة: قالوا: عند عدم المنعم وعدم قرابته يرث معتق المعتق ولو بواسطة
أو وسائط، ويقدم المباشر، ثم أقاربه وهكذا. وهل يرث قرابة معتق المعتق من قبل
امه؟ فيه قولان.
السادسة: المشهور بين الأصحاب أن المنعم لا يرثه المعتق، ونقل الشيخ
الإجماع عليه، وخالف فيه ابن بابويه وابن الجنيد. والأول أقرب، ويدل عليه
الأصل، فلا يصار إلى خلافه من غير مستند شرعي، ويؤيده خبر: «الولاء لمن
أعتق» وخبر: «إنما الولاء لمن أعتق».
السابعة: لا ينتقل الولاء ببيع وهبة وصلح واشتراط في عقد، للأصل وخبر
«اللحمة» (1) وصحيحة عيص بن القاسم (2).
الفصل الثالث في ولاء ضامن الجريرة
وهذا عقد كان في الجاهلية يتوارثون به دون الأقارب، فأقرهم الله تعالى في
صدر الإسلام عليه، ثم نسخ بالإسلام والهجرة، فإذا كان للمسلم ولد مهاجر ورثه
المهاجرون دون ولده، ثم نسخ بالتوارث بالرحم والقرابة.
وعند الشافعي أن الإرث لضمان الجريرة منسوخ مطلقا، وعندنا أنه باق على
بعض الوجوه. وبالجملة الحكم بالإرث بضمان الجريرة حكم ثابت، ويدل عليه
الأخبار الكثيرة (3). ولها شرائط وتفاصيل وأحكام، لكن حيث كان وقوع ذلك في
هذه الأعصار في بلادنا نادرا وليس له شيوع تام فلم يمس الحاجة إلى إطناب
الكلام بإيراد تلك الأحكام، أعرضنا عنها.
الفصل الرابع في ولاء الإمام
والمشهور بين الأصحاب أن الميت إذا لم يكن له وارث نسبي ولا سببي حتى

(1) الوسائل 16: 47، الباب 42 من أبواب العتق، ح 2.
(2) الوسائل 16: 40، الباب 37 من أبواب العتق، ح 1.
(3) الوسائل 17: 545، الباب 1 من أبواب ولاء ضمان الجريرة.
872

ضامن الجريرة فالإمام وارثه، سواء كان الإمام حاضرا أو غائبا، وسواء لم يكن
هناك وارث أصلا أو يكون ولكن ما يرث لمانع من قتل أو كفر مع إسلام الميت
ونحوهما.
وقال الصدوق في الفقيه: إذا كان الإمام حاضرا فهو له، وإن كان غائبا فهو
لأهل بلده (1).
وقال المفيد في المقنعة: من مات وخلف تركة في يد إنسان لا يعرف لها وارثا
جعلها في الفقراء والمساكين. وقال في الكتاب قبل ذلك: فإن مات إنسان لا
يعرف له قرابة - من العصبة ولا الموالي ولا ذوي الأرحام - كان ميراثه لإمام
المسلمين خاصة يضعه فيهم حيث يرى. وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يعطي تركة من
لا وارث له - من قريب، ولا نسيب، ولا مولى - فقراء أهل بلده وضعفاء جيرانه
وخلطائه تبرعا عليهم بما يستحقه من ذلك، واستصلاحا للرعية حسب ما كان
يراه في الحال من صواب الرأي، لأنه من الأنفال (2).
وفي الخلاف: ميراث من لا وارث له ينتقل إلى بيت المال، وهو للإمام
خاصة، وعند جميع الفقهاء ينتقل إلى بيت المال ويكون للمسلمين، واستدل
بإجماع الفرقة. ثم قال: كل موضع وجب المال لبيت المال عند الفقهاء وعندنا
للإمام (عليه السلام)، إن وجد الإمام العادل سلم إليه بلا خلاف، وإن لم يوجد وجب حفظه
له عندنا كما يحفظ سائر أمواله التي يستحقها (3).
وقال ابن الجنيد: إذا لم يعرف للميت وارث من ذي رحم أو عصبة أو مولى
عتاقه أو علاقة انتظر بماله وميراثه طالب، فإن حضر أو وكيله وأقام البينة بما
يوجب توريثه منه سلم إليه، وإلا فميراثه مردود إلى بيت مال المسلمين، واختار
أن تكون شهادة، فمتى حضر من يستحقه سلم إليه (4). والأول أقرب.
ويدل عليه صحيحة بريد العجلي السابقة في الفصل الثاني.

(1) الفقيه 4: 333، ذيل الحديث 5715.
(2) المقنعة: 705 - 706.
(3) الخلاف 4: 22 - 23، المسألة 14 و 15.
(4) حكاه عنه في المختلف 9: 98.
873

وما رواه الكليني، عن محمد الحلبي في الصحيح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في
قول الله تعالى: (يسئلونك عن الأنفال) قال: من مات وليس له مولى فماله من
الأنفال (1) وقد ثبت أن الأنفال للإمام (عليه السلام) (2).
وعن محمد بن مسلم في الصحيح، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من مات وليس له
وارث من قرابة ولا مولى عتاق قد ضمن جريرته فماله من الأنفال (3).
وعن الحلبي في الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من مات وترك دينا فعلينا
دينه وإلينا عياله، ومن مات وترك مالا فلورثته، ومن مات وليس له موالي فماله
من الأنفال (4).
وفي الحسن إلى حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن الأول
قال: الإمام وارث من لا وارث له (5).
وعن ابن رئاب وعمار بن أبي الأحوص في الصحيح قال: سألت أبا
جعفر (عليه السلام) عن السائبة؟ فقال: انظروا في القرآن، فما كان فيه: (فتحرير رقبة)
فتلك يا عمار السائبة التي لا ولاء لأحد عليها إلا لله عز وجل، فما كان ولاؤه لله
فهو لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وما كان ولاؤه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فإن ولاءه للإمام وجنايته
على الإمام وميراثه له (6). ورواه الشيخ عن عمار بن أبي الأحوص (7). وفي
صحيحتي عبد الله بن سنان: فإن لم يفعل السيد ذلك ولا يتوالى إلى أحد، فإن
ميراثه يرد إلى إمام المسلمين (8).

(1) الكافي 7: 169، ح 4.
(2) الوسائل 17: 547، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة، ح 1.
(3) الوسائل 17: 548، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة، ح 4.
(4) الوسائل 17: 548، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة، ح 5.
(5) الوسائل 17: 548، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة، ح 5.
(6) الوسائل 17: 549، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة، ح 6.
(7) التهذيب 9: 395، ح 1410.
(8) الوسائل 16: 49، الباب 43 من أبواب العتق، ح 3، 4.
874

وفي صحيحة أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام): فإن لم يسلم من قرابته أحد فإن
ميراثه للإمام (1).
وقد ورد روايات بأنه يجعل في بيت مال المسلمين مثل صحيحة أبي بصير،
عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل عن المملوك يعتق سائبة؟ قال: يتولى من شاء، وعلى
من يتولى جريرته وله ميراثه، قلنا له: فإن مكث حتى يموت ولم يتول أحدا؟ قال:
يجعل ماله في بيت مال المسلمين (2).
وفي رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام): فإن سكت حتى يموت اخذ
ميراثه ويجعل في بيت مال المسلمين إذا لم يكن له ولي (3).
وفي رواية سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت: فإن سكت حتى
يموت؟ قال: يجعل ميراثه لبيت مال المسلمين (4).
ويؤيده صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام): في رجل مسلم قتل
وله أب نصراني، لمن يكون ديته؟ قال: يؤخذ ويجعل في بيت مال المسلمين (5).
وهذه الأخبار لا تقاوم الأخبار السابقة، فلابد من ارتكاب التأويل فيها،
ولعل المراد من جعله في بيت مال المسلمين أنه لا يختص بآحاد الرعية، أو يقال:
لما كان الإمام ولي المسلمين فبيته بيت مال المسلمين، أو بيت مالهم بيته كما قاله
بعض الأصحاب.
والظاهر من كلام الصدوق في الفقيه ومن كلام الشيخ في التهذيب أنهما لم
يفرقا بين المقصود من كون المال للإمام، وبين المقصود من جعله في بيت مال
المسلمين (6).

(1) الوسائل 17: 540، الباب 3 من أبواب موانع الإرث، ح 1 (وفيه عن أبي عبد الله (عليه السلام)).
(2) الوسائل 16: 46، الباب 41 من أبواب العتق، ذيل الحديث 1.
(3) الوسائل 17: 549، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة، ح 9.
(4) الوسائل 17: 553، الباب 4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة، ح 8.
(5) الوسائل 17: 552، الباب 4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة، ح 5.
(6) الفقيه 4: 333، التهذيب 9: 386 - 387.
875

ولعل حجة الصدوق الجمع بين الأخبار المذكورة وبين رواية السندي، يرفعه
إلى أمير المؤمنين (عليه السلام): في الرجل يموت ويترك مالا وليس له وارث؟ قال: فقال
أمير المؤمنين (عليه السلام): أعط همشاريجه (1).
ورواه الشيخ في التهذيب عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: مات رجل
على عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) ولم يكن له وارث، فدفع أمير المؤمنين (عليه السلام) ميراثه إلى
همشاريجه (2).
فجمع الصدوق بحمل البعض على حال ظهور الإمام وحمل البعض على حال
غيبته (3).
ولا يخفى أن الأخير لا يصلح للمعارضة حتى يحتاج إلى الجمع المذكور كما
قاله الشيخ (رحمه الله) في الكتابين، حيث قال بعد الرواية المذكورة: فهذه مرسلة لا
تعارض ما قدمناه من الأخبار، مع أنه ليس فيها ما ينافي ما قدمناه، لأن الذي
تضمن أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أعطى تركته همشاريجه، ولعل ذلك فعل لبعض
الاستصلاح، لأنه إذا كان المال له خاصة جاز له أن يعمل به ما شاء، وليس في
الروايتين أنه قال: إن هذا حكم كل مال لا وارث له، فيكون منافيا لما قدمناه من
الأخبار (4). والتوجيه جيد.
بقي الكلام في كيفية التصرف في المال المذكور في زمان الغيبة، فيظهر من
كلام بعضهم أنه يحفظه ويوصي به حتى يصل إلى الإمام (5).
وذكر جماعة أنه يقسم في الفقراء والمساكين (6). ولعل وجهه استغناء الإمام

(1) الفقيه 4: 333، ح 5715، الوسائل 17: 553، الباب 4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة،
ح 1.
(2) التهذيب 9: 387، ح 1383.
(3) الفقيه 4: 333، ذيل الحديث 5715.
(4) التهذيب 9: 387، ذيل الحديث 1383، الاستبصار 4: 196، ذيل الحديث 736.
(5) الخلاف 4: 23، المسألة 15.
(6) المهذب 2: 154، إصباح الشيعة: 369 - 370، اللمعة: 161.
876

واحتياج الفقراء، والحفظ في المدة المتطاولة تعريض للمال معرض الضياع
والهلاك، فمعلوم رضاء الإمام (عليه السلام) بذلك، وأنه لو كان حاضرا مستغنيا لفعل كذلك.
والأولى صرفه في بلد الميت وإيثار الأحوج وقدر الحاجة. ولو أمكن
التدريج يوما فيوما فعل، ويرجح الأيتام والأرامل والضعفاء العاجزين عن
التكسب كالعجائز، والشيوخ، والمرضى، وأصحاب العاهات.
ولا يبعد القول بوجوب الرجوع إلى الحاكم النائب، والظاهر استثناء المناكح
والمتاجر والمساكن عند الأصحاب. ولا يبعد أيضا القول بتحليله للشيعة، بل
الأظهر ذلك، لأنه من الأنفال. وقد دل أخبار على ثبوت تحليلها للشيعة، مثل ما
رواه الشيخ، عن الحرث بن المغيرة النضري في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
قال: قلت له: إن لنا أموالا من غلات ونحو ذلك، وقد علمت أن لك فيها حقا؟ قال:
فلم أحلل إذا لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم، وكل من والى آبائي فهم في حل مما في
أيديهم من حقنا، فليبلغ الشاهد الغائب (1).
وما رواه عن أبي بصير، وزرارة، ومحمد بن مسلم في الصحيح عن أبي
جعفر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): هلك الناس في بطونهم
وفروجهم، لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا، ألا وإن شيعتنا من ذلك وآباءهم في حل (2).
وفي العلل: «وأبناءهم» (3) وحسنة مسمع بن عبد الملك (4) ورواية داود بن كثير
الرقي (5) ورواية الحرث بن المغيرة (6) ورواية معاذ بن كثير (7) ويؤيده صحيحة علي

(1) التهذيب 4: 143، ح 399.
(2) الوسائل 6: 378، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 1.
(3) علل الشرائع: 377.
(4) الوسائل 6: 382، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 12.
(5) الوسائل 6: 380، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 7.
(6) الوسائل 6: 381، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 9.
(7) الوسائل 6: 381، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 11.
877

ابن مهزيار (1) ورواية يونس بن يعقوب (2).
مسائل:
الاولى: المعروف أن الغنيمة المأخوذة حال الحرب للمقاتلة بعد الخمس، وما
استثني في محله، وفي المسالك: أنه موضع وفاق (3).
والمشهور بين الأصحاب أن ما يأخذه السرية ونحوها بغير إذن الإمام فهو
للإمام، ولم يذكر كثير منهم في المسألة خلافا، ومستنده رواية مرسلة في إسنادها
ضعف، وما يتركه المشركون ويفارقونه من غير حرب فهو للإمام (عليه السلام) عند
الأصحاب، ورواه الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) ومحمد بن مسلم عن أبي
جعفر (عليه السلام) (5).
الثانية: الجزية عند الأصحاب للمجاهدين خاصة مع وجودهم، ومع عدمهم
تصرف في الفقراء والمساكين وباقي مصالح المسلمين، ومذهب العامة أنها لبيت
المال تصرف في مصالح المسلمين مطلقا.
وفي بعض الروايات: إنما الجزية عطاء المهاجرين، والصدقة لأهلها الذين
سماهم الله تعالى في كتابه، وليس لهم من الجزية شيء (6).
الثالثة: عندهم أن مال الحربي فيء للمسلمين في الأصل، فمن أخذ منه شيئا
من غير قتال فهو له وعليه خمسه، وقد يعرض له التحريم بالهدنة والأمان ولو من
بعض المسلمين كما فصلوه في مبحث الجهاد، فمن أخذه منه حينئذ لم يملكه، بل
يجب عليه رده، وأن أموال أهل الذمة يحرم بالتزامهم بأحكامها، ويحل بدونه.

(1) الوسائل 6: 379، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 2.
(2) الوسائل 6: 380، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 6.
(3) المسالك 13: 229.
(4) الوسائل 6: 367، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 11.
(5) الوسائل 6: 368، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 12.
(6) الوسائل 11: 116، الباب 69 من أبواب الجهاد، ح 1.
878

البحث الخامس
في بعض الأحكام المتفرقة
وفيه مسائل:
الاولى:
من شروط الإرث عند الأصحاب العلم بحياة الوارث بعد موت الموروث،
فلو علم موتهما معا لم يرث أحدهما من الآخر، ولو اشتبه التقدم والتأخر والمعية
لم يرث المشتبه عندهم إلا فيما استثني.
ونقل في المسالك الإجماع على ذلك (1). وقد روى القداح عن الصادق (عليه السلام)
عن أبيه قال: ماتت ام كلثوم بنت علي (عليه السلام) وابنها زيد بن عمر بن الخطاب في
ساعة واحدة لا يدرى أيهما مات قبل، فلم يورث أحدهما من الآخر وصلى
عليهما جميعا (2).
وحجتهم على ذلك بعد الإجماع والخبر المذكور أن الإرث مشروط ببقاء
الوارث بعد موت الموروث، والشك في الشرط يقتضي الشك في المشروط، فلا
يحكم عليه، للأصل، وحينئذ يحكم بثبوت الإرث لغيره وإن كان في الدرجة
المتأخرة.
ولقائل أن يقول: ثبوت الإرث له مشروط بعدم وجود الأقرب عند موت
الموروث، وثبوت الجميع له مشروط بعدم المشارك في مرتبته عند موت
الموروث، والشك في الشرط يقتضي الشك في المشروط، وفي ثبوت الإجماع
تأمل، والرواية ضعيفة.
ولم يذكر الأصحاب احتمال القرعة هاهنا، وهو احتمال صحيح إن لم يثبت
إجماع على خلافه كما هو الظاهر.

(1) المسالك 13: 269.
(2) الوسائل 17: 594، الباب 5 من أبواب ميراث الغرقى، ح 1.
879

وفرع عليه بعض الأصحاب أنه لو ادعى زوج الميتة موتها قبل ولدها منه
ليرث الكل، وادعى أخوها موت ولدها قبلها ليرث النصف ولا بينة فالمال
بينهما (1). ولعل حجته أن بقاء الولد بعدها مشتبه، فلا يرث، فيكون في حكم
المعدوم، وهذا بناء على القاعدة، ويرد عليها ما ذكرنا. ثم على القاعدة لا يبعد
اعتبار التحالف هاهنا.
الثانية:
استثنى الأصحاب من الأصل المذكور الغرقى والمهدوم عليهم وحكموا
بتوريث كل واحد من المغرقين أصحابه، وكذا كل واحد من المهدوم عليهم،
استنادا إلى النص والاتفاق، والروايات في هذا الباب كثيرة:
منها: ما رواه الشيخ عن محمد بن قيس - في الصحيح وهي حسنة في الفقيه -
عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل وامرأة انهدم عليهما
بيت فماتا، ولا يدرى أيهما مات قبل؟ فقال: يرث كل واحد منهما زوجه كما
فرض الله (2).
وما رواه عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القوم
يغرقون أو يقع عليهم البيت؟ قال: يورث بعضهم من بعض (3).
وعن الفضل بن عبد الملك، عن أبي عبد الله (عليه السلام): في امرأة وزوجها سقط
عليهما بيت، مثل ذلك (4).
وعن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن بيت وقع على
قوم مجتمعين، فلا يدرى أيهم مات قبل؟ قال: يورث بعضهم من بعض، قلت: إن أبا
حنيفة أدخل فيها شيئا، قال: وما أدخل؟ قلت: لو أن رجلين أخوين أحدهما
مولاي والآخر مولى لرجل، لأحدهما مائة ألف درهم، والآخر ليس له شيء، ركبا

(1) الإرشاد 2: 129.
(2) التهذيب 9: 359، الفقيه 4: 307، ح 5658.
(3) الوسائل 17: 590، الباب 1 من أبواب ميراث الغرقى، ح 3.
(4) الوسائل 17: 590، الباب 1 من أبواب ميراث الغرقى، ح 4.
880

في السفينة فغرقا، فلم يدر أيهما مات أولا، فإن المال لورثة الذي ليس له شيء،
ولم يكن لورثة الذي له المال شيء، قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): لقد سمعتها وهي
كذلك. قلت: ولو أن مملوكين أعتقت أنا أحدهما، وأعتقت أنت الآخر، لأحدهما
مائة ألف، والآخر ليس له شيء؟ فقال مثله (1).
ورواه الكليني عن عبد الرحمن بن الحجاج في الحسن وغيره إلى قوله: «ولم
يكن لورثة الذي له المال شيء» وبعده قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): لقد شنعها
وهو هكذا (2).
وعن عبد الرحمن بن الحجاج بإسنادين أحدهما موثق والآخر فيه محمد بن
عيسى، عن يونس عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: رجل وامرأة سقط عليهما
البيت فماتا؟ قال: يورث الرجل من المرأة والمرأة من الرجل، قال: قلت: فإن أبا
حنيفة قد أدخل عليهم في هذا شيئا، قال: وأي شيء أدخل عليهم؟ قلت: رجلين
أخوين أعجميين ليس لهما وارث إلا مواليهما، أحدهما له ألف درهم معروفة،
والآخر ليس له شيء ركبا سفينة فغرقا، وأخرجت المائة ألف، كيف يصنع بها؟
قال: تدفع إلى موالي الذي ليس له شيء، فقال: ما أنكر ما أدخل فيها، صدق هو
هكذا، ثم قال: يدفع المال إلى مولى الذي ليس له شيء ولم يكن للآخر مال يرثه
موالي الآخر، فلا شيء لورثته (3). ورواه الكليني بتفاوت في المتن (4).
وعن عبيد بن زرارة بإسناد فيه غير موثق قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
رجل سقط عليه وعلى امرأته بيت؟ فقال: تورث المرأة من الرجل، ثم يورث
الرجل من المرأة (5).

(1) الوسائل 17: 590، الباب 2 من أبواب ميراث الغرقى، ح 1.
(2) الكافي 7: 137، ح 2.
(3) الوسائل 17: 591، الباب 2 من أبواب ميراث الغرقى، ح 2.
(4) الكافي 7: 137، ح 3.
(5) الوسائل 17: 595، الباب 6 من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم، ح 2.
881

وعن محمد بن مسلم في الصحيح، عن أحدهما (عليهما السلام) مثل ذلك (1) وعن محمد
ابن مسلم بإسناد فيه محمد بن عيسى، عن يونس، عن أبي جعفر (عليه السلام): في الرجل
يسقط عليه وعلى امرأته بيت؟ قال: تورث المرأة من الرجل، ويورث الرجل من
المرأة. معناه: يورث بعضهم من بعض من صلب أموالهم، لا يورثون مما يورث
بعضهم بعضا شيئا (2). ورواه الكليني (3).
ومنها: ما رواه الكليني عن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح، قال: سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن القوم يغرقون في السفينة، أو يقع عليهم البيت فيموتون، فلا
يعلم أيهم مات قبل صاحبه؟ قال: يورث بعضهم من بعض، كذلك هو في كتاب
علي (عليه السلام) (4). ومثله عنه بطريق آخر، إلا أنه قال: كذلك وجدناه في كتاب
علي (عليه السلام) (5).
ومنها: ما رواه الشيخ عن أبان في الصحيح، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
قال: سألته عن قوم سقط عليهم سقف كيف مواريثهم؟ فقال: يورث بعضهم من بعض (6).
وعن حمران بن أعين، عمن ذكره، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): في قوم غرقوا جميعا
أهل البيت؟ قال: يورث هؤلاء من هؤلاء، ولا يرث هؤلاء مما ورثوا من
هؤلاء شيئا (7).
فاعلم أن الغرقى والمهدوم عليهم يرث بعضهم من بعض بشروط ثلاثة:
الأول: أن يشتبه الحال في تقدم موت أحدهما على الآخر وتأخره عنه.
الثاني: ثبوت المال لجميع المهلكين أو لواحد منهم، لأن التوريث فرع تحقق
المال، ولو كان المال لواحد يرثه من لا مال له.

(1) الوسائل 17: 595، الباب 6 من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم، ذيل الحديث 2.
(2) الوسائل 17: 591، الباب 3 من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم، ح 1.
(3) الكافي 7: 137، ح 5.
(4) الكافي 7: 136، ح 1.
(5) الكافي 7: 136، ذيل الحديث 1.
(6) التهذيب 9: 362، ح 1293.
(7) الوسائل 17: 592، الباب 3 من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم، ح 2.
882

الثالث: أن يكون كل واحد يرث من الباقي، وهذا الشرط مشهور بين
الأصحاب، وانتفاء الحكم في صورة لم يكن الإرث في شيء من الجانبين أصلا
ظاهر، كما إذا مات أخوان لكل واحد منهما ولد.
وإذا مات أخوان لواحد منهما ولد ولم يكن للآخر أقرب من صاحبه
فالمشهور عدم توريث الأخ واختصاص الميراث بغيره وإن كان أبعد، لعدم ثبوت
بقائه بعد أخيه، وعدم خروجه عن الأصل السابق بالنصوص، لاختصاصها
بالتوارث الدائر من الجانبين. وفيه الإشكال الذي ذكرنا سابقا، على أن عموم قول
الصادق (عليه السلام) يورث بعضهم من بعض في أخبار متعددة يقتضي ثبوت الإرث
هاهنا من جانب واحد.
فإذا اجتمعت الشرائط يرث كل واحد من الآخر بأن يفرض موت أحدهما
أولا فيرث الآخر منه، ثم يفرض موت الآخر أولا فيرث الأول منه. والأشهر
الأقرب أنه لا يرث الثاني مما ورث الأول منه، ويدل عليه صحيحة عبد الرحمن
ابن الحجاج وموثقته (1) ورواية محمد بن مسلم (2) ورواية حمران بن أعين (3) وفيه
خلاف للمفيد (رحمه الله) (4).
المسألة الثالثة:
لو ماتا بسبب مثل الغرق كالحرق واشتبه التقدم ففي انسحاب الحكم المذكور
فيه قولان، أحدهما: العدم، وهو مذهب الأصحاب. وثانيهما: انسحاب الحكم في
كل الأسباب، وهو ظاهر كلام الشيخ في النهاية (5) وابن الجنيد (6) وأبي الصلاح (7).

(1) الوسائل 17: 589، الباب 1 من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم، ح 1.
(2) الوسائل 17: 591، الباب 3 من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم، ح 1.
(3) الوسائل 17: 592، الباب 1 من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم، ح 2.
(4) المقنعة: 699.
(5) النهاية 3: 253 - 254.
(6) حكاه في المختلف 9: 102.
(7) الكافي في الفقه: 376.
883

المسألة الرابعة:
في وجوب تقديم الأضعف في التوريث يعني الأقل نصيبا قولان، فذهب
جماعة منهم: الشيخان وابن إدريس والمحقق في النافع إلى الوجوب (1) وحجتهم
صحيحة محمد بن مسلم (2) ورواية عبيد بن زرارة (3) الدالتين على الترتيب بدلالة
لفظة «ثم». وذهب جماعة منهم: الشيخ في الإيجاز والمحقق في الشرائع إلى عدم
الوجوب (4) وحجتهم ما ذكر فيه بلفظ «الواو» والحجة من الجانبين ضعيفة. ويمكن
ترجيح الثاني للأصل، ويؤيده عدم ظهور الفائدة إلا على قول المفيد (رحمه الله).

(1) المقنعة: 699، النهاية 3: 253، السرائر 3: 300، المختصر النافع: 267.
(2) الوسائل 17: 595، الباب 6 من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم، ذيل الحديث 2.
(3) الوسائل 17: 595، الباب 6 من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم، ح 2.
(4) الشرائع 4: 50، وحكاه عن الإيجاز.
884