الكتاب: كفاية الأحكام
المؤلف: المحقق السبزواري
الجزء: ١
الوفاة: ١٠٩٠
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: الشيخ مرتضى الواعظي الأراكي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢٣
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك: ٩٦٤-٤٧٠-٥٠٤-١
ملاحظات: كفاية الفقه المشتهر بكفاية الأحكام

1071
كفاية الفقه
المشتهر ب‍ (كفاية الأحكام)
تأليف
العلامة المحقق والفقيه المدقق
المولى محمد باقر السبزواري
المتوفى سنة 1090 ه‍
الجزء الأول
المؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
1

محقق سبزواري، محمد باقر بن محمد مؤمن، 1017 _ 1090
كفاية الفقه / تأليف المحقق محمد باقر سبزواري؛ تحقيق مرتضى الواعظي الأراكي.
قم: جامعه مدرسين حوزه علميه قم، دفتر انتشارات اسلامى، 1381
ج 1. _ (جامعه مدرسين حوزه علميه قم، دفتر انتشارات اسلامى؛ 1071)
فهرست نويسى بر أساس اطلاعات فيپا. 2850 تومان شابك 1 _ 504 _ 470 _ 964
ISBN 964 - 470 - 504 - 1
كتاب نامه به صورت زيرنويس.
1. فقه جعفري قرن 11 ق. الف: واعظى اراكى، مرتضى، مصحح _ ب: عنوان ج: عنوان
ديگر. كفاية الأحكام. د: عنوان ديگر كفاية المقتصد.
7 ك 3 م 7 / 182 BP
342 / 297
كفاية الفقه
(ج 1)
تأليف: العلامة المحقق المولى محمد باقر سبزواري
تحقيق: مرتضى الواعظي الأراكي.
الموضوع: الفقه
طبع ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي
عدد الصفحات: 748
الطبعة: الأولى
المطبوع: 500 نسخة
التاريخ: 1423 ه‍.
المؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
2

مقدمة التحقيق:
بسم الله الرحمن الرحيم
نحمده استتماما لنعمته واستسلاما لعزته واستعصاما من معصيته، ونستعينه
فاقة إلى كفايته، والصلاة والسلام على من بعثه صادعا برسالته وكافلا بهدايته
وعلى المعصومين من آله وأهل بيته الذين لاتفتح الخيرات إلا بمفاتيحهم ولا
تكشف الظلمات إلا بمصابيحهم، واللعن على أعدائهم من الملحدين، والمنتحلين
الذين شبهوا الله بأصنامهم وتنسكوا له بأوهامهم.
وبعد، فإن مؤسسة النشر الإسلامي منذ تأسيسها تهدف إلى إحياء آثار علماء
الفرقة الناجية وتحقيق ونشر الكتب النافعة، وتتحرى ما هو أوفق بسد الحاجات
الملحة لطلاب العلوم الدينية ولكل من أراد التعرف بالمعارف الإلهية والشريعة
المحمدية، وقد توفقت في هذا المجال وقدمت إلى المجتمع الثقافي الديني عدة
من الموسوعات المنيفة والكتب القيمة وترجو تقديم المزيد بتوفيق سديد.
ومن الآثار الخالدة والأسفار المعتمدة التي توفقت لإحيائها وإصدارها هذا
الكتاب الماثل بين يديكم يأتي تعريفه بعد ذكر نبذة من حياة مؤلفه الماجد (قدس سره).
نبذة من حياة المؤلف:
لقد عنونه أصحاب التراجم والفهرستات - من معاصريه وغابريه - مع ثناء
جميل وذكر تآليفه القيمة، وإليك نص ثلة منهم رحمهم الله:
1 - الحر العاملي في أمل الآمل: ج 2 ص 250، الرقم 736:
مولانا محمد باقر بن محمد مؤمن الخراساني السبزواري، عالم فاضل، محقق
متكلم، فقيه محدث جليل القدر، من المعاصرين. له كتب، منها شرح الإرشاد
3

لم يتم، وكتاب في الفقه، ورسالة في تحريم الغناء، ورسالة في الصلاة والصوم
- فارسية - ورسالة في الغسل، ورسالة في تحديد النهار شرعا، وكتاب كبير في
الأدعية المأثورة، ورسالة في صلاة الجمعة عربية، واخرى فارسية; وغير ذلك.
2 - المولى عبد الله الأفندي في رياض العلماء: ج 5 ص 44:
عنونه ووصفه بعين ما وصفه به الشيخ الحر (قدس سره) في أمل الآمل وعد كتبه مثل ما
عده، ثم قال: ومن تصانيفه الحواشي على شرح الإشارات من الطبيعي والإلهي،
والحواشي على إلهيات الشفا; وقد قرأت شطرا منهما عليه (قدس سره) وشرحه على
المجسطي - لم يتمه - ورسالة في اختيارات الساعات، مات سنة تسعين وألف،
وله من العمر اثنان وسبعون سنة.
3 - الأردبيلي في جامع الرواة: ج 2 ص 79:
محمد باقر بن محمد مؤمن السبزواري، الإمام العلامة المحقق المدقق،
الرضي الزكي، جليل القدر، عظيم الشأن، رفيع المنزلة، عالم فاضل، كامل صالح،
متبحر في العلوم العقلية والنقلية، وحيد عصره فريد دهره، لاتحصى مناقبه
وفضائله. له تأليفات حسنة، منها كتاب شرح الإرشاد، وكتاب الكفاية في الفقه،
وكتاب مفاتيح النجاة - الفارسية - في الدعوات، وكتاب روضة الأنوار العباسي
في آداب الملوك، وحاشية على إلهيات الشفا، وحاشية على شرح الإشارات
وغيرها. وله رسائل، منها: رسالة شبهة الاستلزام، رسالة في تحقيق صلاة الجمعة،
ورسالة في الغناء، وغيرها. ولد سنة سبع عشرة بعد ألف، ومات - قدس الله روحه
الشريف - سنة تسعين بعد الألف، رضي الله عنه وأرضاه.
4 - الخوانساري في روضات الجنات: ج 2 ص 68، الرقم 141:
المولى الفاضل الفقيه الداري محمد باقر بن محمد مؤمن الخراساني
السبزواري، كان فاضلا عالما، حكيما متكلما، فقيها اصوليا محدثا نبيلا، أصله من
بليدة سبزوار. وقد ورد العراق بعد فوت والده المذكور وسكن إصبهان إلى أن
اعتلا أمره عند السلطان شاه عباس الصفوي الثاني، ففاز بإمامة الجمعة والجماعة
4

ومنصب شيخية الإسلام، وبقي هذا المنصب الرفيع بإصبهان في سلالته الطاهرة
إلى هذا الزمان. وكان السيد الوزير الكبير المدعو بخليفة السلطان يحبه كثيرا
ويقدمه على أترابه وأقرانه بحيث فوض تدريس مدرسة المولى عبد الله التستري
إليه - إلى أن قال - وكان بينه وبين المولى محسن الفيض الكاشاني أيضا الفة تامة
وموافقة كاملة في كثير من المراسم والفتاوى والأحكام.
ثم سرد الكلام في ذكر كتبه - إلى أن قال -: وله أيضا كتاب «كفاية الفقه» في
نحو من ثلاثين ألف بيت كتبها تتمة للذخيرة، كما يشهد به اختصار أبواب
العبادات منه دون أبواب معاملاته - وإلى أن قال - وكان من تلامذة شيخنا البهائي
وروايته أيضا عنه وعن السيد حسين بن حيدر العاملي. - وإلى أن قال - ومن كبار
تلامذته زوج اخته الآقا حسين الخوانساري والمولى محمد الشهير ب‍ «سراب» ثم
قال: وتوفي سنة ألف وتسعين وأرخه بعض شعراء العجم «شد شريعت بي سر و
افتاد از پا اجتهاد» = 1090.
ثم نقل عن «لؤلؤة البحرين» للمحدث البحراني أنه وقف على رسالة للشيخ
علي ابن الشيخ محمد ابن الشيخ حسن صاحب حاشية «شرح اللمعة» في الرد
على المولى محمد باقر الخراساني صاحب «الكفاية» والطعن فيه بما يستقبح نقله
- إلى أن قال - إن رسالة الشيخ علي التي يشنع على صاحب العنوان عندنا
موجودة، وقد وضعها في عموم تحريم الغناء من حيث المتعلق. ثم شرع في
المحاكمة بين الشيخ الطاعن وصاحب العنوان بكلام طويل - رضي الله عنهم
وأرضاهم - فمن شاء الوقوف عليه فليراجع.
وعنونه أيضا التنكابني في قصص العلماء: ص 386. والمدرس في
ريحانة الأدب: ج 5 ص 242 بضميمة نموذج من مصورة خطه الشريف. والسيد
محسن الأمين في أعيان الشيعة: ج 9 ص 188. والطهراني في طبقات أعلام الشيعة:
ص 71 - الجزء الخاص بالقرن الحادي عشر - وفي الذريعة في مواضع ذكر كتبه.
التعريف بالكتاب:
سفر قويم لمن هو حبر عليم، اعتمد عليه الفقهاء واستند إليه الفضلاء، حاو
5

لمعظم أبواب الفقه - بل كلها، على ما سيأتي عن المتتبع الطهراني (رحمه الله) من أنه رأى
نسخة كاملة منه إلى آخر الديات - متوسط بين المطولات والمقتصرات من الكتب
الفقهية، قلما يوجد كتاب وسيط مثله فيه كفاية للمقتصد وغنية للمتوسط.
وقد اختلف في اسم هذا الكتاب المنيف، قال المحقق الطهراني (قدس سره) في موضع
من الذريعة: «كفاية الأحكام» للمحقق السبزواري، طبع في 1269، يأتي بعنوان
«كفاية المعتقد». وفي موضع آخر: «كفاية الفقه» للمولى محمد باقر السبزواري،
ألفها بعد الذخيرة، وهذا أصغر منه يوجد منها نسخ في (دانشگاه: 1287 و 1991)
ويحتمل أنه «كفاية الأحكام». وفي موضع ثالث: «كفاية المعتقد» أو «المقتصد»
في الفقه للمحقق السبزواري... وكأنه تتميم «الذخيرة» حيث إنه أجمل في أبواب
العبادات اقتصارا على ما في الذخيرة، وفصل أبواب المعاملات التي لم يكتب
منها شيئا في الذخيرة. ويبلغ الجميع نحو ثلاثين ألف بيت، وقد طبع على الحجر
بإيران في 1269 وفي 1270 وطبع على هامشه كثيرا من الذخيرة، وهو إلى آخر
كتاب الفرائض في الميراث. ورأيت نسخة خط يد المصنف تامة إلى آخر الديات
عند الحاج السيد نصر الله الأخوي في طهران، ونسخة إلى آخر الميراث اشتراه
السيد خليفة بن علي أحمد الموسوي الأحسائي في 1247. الذريعة: ج 18، الرقم
807 و 843 و 859.
هذه ما عني به هذا المتتبع الخبير في موسوعته الثمينة.
وأما ما نص عليه في سائر التراجم والفهرستات:
ففي أمل الآمل ورياض العلماء «كتاب في الفقه».
وفي جامع الرواة «كتاب الكفاية في الفقه».
وفي روضات الجنات وريحانة الأدب «كفاية الفقه».
ولم نر في النسخ المتوفرة لدينا من الكتاب تسمية من نفس المؤلف (قدس سره) لكن
على ظهر الصفحة الاولى من نسخه الأصل: «قطعة من كتاب كفاية الفقه للمولى
الفاضل الفقيه العالم المتكلم الاصولي المحدث النبيه محمد باقر بن محمد مؤمن
الخراساني السبزواري...» وفي آخر كتاب السبق والرماية لإحدى المخطوطات:
6

«تمت الجلد الثاني من كفاية المقصد...» وفي خاتمة نفس النسخة: «قد وقع الفراغ من
تسويد هذه النسخة الشريفة المسمى بالكفاية...» وفي غلاف المطبوع بالحجر: «كفاية
الأحكام» وفي خاتمته: «قد فرغت من تسويد الكتاب الموسوم بالكفاية...» وحيث
لم نتحقق اسمه الذي سماه به مؤلفه (رحمه الله) اخترنا من تلكم المذكورات «كفاية الفقه».
وصف النسخ التي حصلنا على مصوراتها
1 - مخطوطة ثمينة محفوظة في مكتبة «مجلس الشورى الإسلامي» بالرقم
4595 يبدو منها أنها بخط المؤلف (قدس سره) مكتوب على ظهر الصفحة الاولى: قطعة من
كتاب كفاية الفقه للمولى الفاضل الفقيه العالم المتكلم الاصولي المحدث النبيه
محمد باقر بن محمد مؤمن الخراساني السبزواري المتوفى سنة 1090 المدفون
في المشهد الرضوي على مشرفه السلام، ومزاره هناك معروف، وهذا الكتاب
بمنزلة تتمة لكتابه ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد، أعلى الله مقامه بخطه الشريف
فهذه نسخة الأصل. وكتب عليه أيضا: بعضي حواشي از محمد على نام از جمله
نواده جناب مصنف ديده شود.
وهذه النسخة تبتدأ من أول كتاب الطهارة وتنتهي إلى آخر كتاب المواريث
ومن المأسوف عليه افتقادها كتب الزكاة والخمس والصوم، وبعض الأوراق منها
مخطوط بخط يغاير الأصل، لكن عليها حواش وتصحيحات بخط مماثل للأصل
يبدو منها أن المؤلف (قدس سره) قرأها وصححها، فهي نسخة الأصل التي عولنا بها واعتمدنا
عليها في المقابلة والتصحيح في كل ما حوته، إلا ما أحرزنا أنه من سهو القلم.
2 - نسخة محفوظة في مكتبة «مدرسة مروي» بطهران من أوائل كتاب
الطهارة إلى آخر كتاب الطلاق وقد سقط من أولها صفحات، ولم نتحقق تاريخ
نسخها، وهي مطابقة غالبا مع نسخة الأصل. اعتمدنا عليها فيما هو نسخة الأصل
فاقدة له، ورمزنا لها ب‍ «خ 1».
3 - نسخة محفوظة في مكتبة «مدرسة مروي» أيضا، من أول كتاب الطهارة
إلى آخر كتاب المواريث، تاريخ نسخها 1130، لا توجد فيها بعض ما ورد في
7

هامش نسخة الأصل من التصحيحات والاستدراكات التي من المظنون أنها بقلم
المؤلف (رحمه الله). وقد قابلنا ما حققناه بها، ورمزنا لها ب‍ «خ 2».
وهنا تجدر الإشارة إلى نكتة غير خالية عن الفائدة في طريق التحقيق، وهي
أن المحقق الشهيدي المحشي على مكاسب الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) بعد أن
نقل من المتن هذه العبارة: «والموجود في الكفاية بعد ذكر الأخبار المتخالفة
جوازا ومنعا، في القرآن وغيره، أن الجمع بين هذه الأخبار... الخ» قال: أقول:
ينبغي نقل عبارة الكفاية بعين ألفاظها كي ترى أن المصنف كيف غير النقل، فحصل
من جهته ما تراه من الإغلاق والاضطراب حتى لا تغتر في المنقول بعظم شأن
الناقل، بل تراجع إلى الكتاب المنقول منه، كما أوصى بذلك كاشف اللثام في
وصاياه، ولعمري! إنه أجاد فيما أوصاه... (هداية الطالب: 71). ثم أخذ في نقل
عبارة الكفاية طبقا لهذه النسخة والمطبوعة بالحجر - المتوفرة في المكتبات وبين
أيدي الباحثين - اعتراضا على نقل الشيخ الأعظم (قدس سره) مع أن نقل الشيخ موافق
لنسخة الأصل التي تقدمت وصفها.
وفي الختام نقدم بخالص شكرنا وجميل ثنائنا إلى صديقنا الفاضل المحقق
سماحة الحجة «الشيخ مرتضى الواعظي الأراكي» كفاء ما بذله من الجهد في
تقويم نص هذا السفر الثمين وتحقيقه، وإلى أخينا الفاضل المحقق سماحة الحجة
«الشيخ أحمد المحسني السبزواري» كفاء ما عني به من مراجعة الكتاب نهائيا
وإشباعه تحقيقا وتدقيقا.
ونقدم أيضا شكرنا الجزيل إلى إخوتنا الأعزاء المحققين الذين ساهموا في
إعداد الكتاب بتخريج مصادره ومقابلته بالنسخ وسائر ما هو دخيل في الإخراج
الفني، إلى أن وفقنا لإصداره بهذا الثوب الجميل، نسأل الله الجليل أن يوفقنا جميعا
إلى سواء السبيل، إنه خير هاد ودليل.
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
8

الصورة
الصفحة الأولى من الأصل
9

الصورة
الصفحة الأخيرة من الأصل
10

الصورة
الصفحة الأولى مما حصلنا عليه من خ 1
11

الصورة
نموذج من خ 2
12

كتاب الطهارة
13

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي
كتاب الطهارة
وفيه فصول:
الأول
في الوضوء
وفيه أبحاث:
الأول: يجب الوضوء للصلاة الواجبة والطواف الواجب، والمشهور وجوبه
لمس كتابة القرآن إن وجب. والمندوب ما عداه. والمشهور وجوب الوضوء لغيره،
وقيل بوجوبه لنفسه عند وجود بعض أسبابه (1). وهو غير بعيد نظرا إلى الدليل، لكن
نقل جماعة من الأصحاب الإجماع على خلافه (2).
الثاني: أسباب الوضوء: خروج البول والغائط والريح من الموضع المعتاد،
والنوم الغالب على الحاستين، ويلحق به كل ما أزال العقل من جنون أو إغماء أو
سكر عند الأصحاب، لا أعرف خلافا فيه بينهم، لكن في دليله تأمل.

(1) قال في الذخيرة: «حكى الشهيد في الذكرى قولا بوجوب الطهارات أجمع بحصول
أسبابها» لكن عبارة الذكرى ليست صريحة، راجع الذكرى 1: 196.
(2) منهم العلامة في التذكرة 1: 148، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 263، والشهيد
الثاني في الروض: 51 س 10.
14

ومن أسباب الوضوء الاستحاضة القليلة، ولا يوجب الوضوء شيء آخر غير
ما ذكرناه.
الثالث: في كيفية التخلي، يجب فيه ستر العورة، والمشهور تحريم استقبال
القبلة واستدبارها، والقول بالكراهة غير بعيد، والظاهر أن المراد الاستقبال
والاستدبار بجميع البدن.
ويجب غسل مخرج البول بالماء خاصة والأحوط اعتبار الغسلتين،
والثلاث أكمل.
ويجب غسل مخرج الغائط بالماء خاصة مع التعدي حتى ينقى، ومع عدمه
يتخير بين الماء وبين ثلاثة أحجار طاهرة وشبهها مزيلة للعين، ولو لم ينق بالثلاثة
وجب الزائد، ولو نقي بالأقل وجب الإكمال على المشهور; وقيل: لا يجب (1) وهو
الأقرب والماء أفضل، والجمع أكمل.
والمندوبات: تغطية الرأس، والتسمية، والاستبراء، والدعاء دخولا وخروجا،
وعند الاستنجاء، وعند الفراغ منه.
ويكره الجلوس في الشوارع والمشارع، وفيء النزال، وتحت الأشجار
المثمرة، ومواضع اللعن، واستقبال جرم النيرين واستقبال الريح واستدبارها،
والبول في الصلبة، وفي ثقوب الحيوان، وفي الماء، والبول قائما، والتطميح بالبول،
والسواك، والاستنجاء باليمين، وباليسار وفيها خاتم عليه اسم الله تعالى، والحق
به أسماء الأنبياء والأئمة (عليهم السلام)، والكلام بغير الذكر والحاجة وآية الكرسي
وحكاية الأذان.
الرابع: يجب في الوضوء النية، ويكفي فيها القربة، والأقوى عدم وجوب نية
الوجوب والاستباحة أو الرفع; ويجب استدامتها حكما إلى الفراغ ويتضيق وقت
النية عند غسل الوجه.
ويجب غسل الوجه بما يسمى غسلا من قصاص شعر الرأس إلى محادر

(1) حكاه في السرائر 1: 96 عن المفيد (رحمه الله). واختاره العلامة في المختلف 1: 268.
15

الذقن طولا، وما دارت عليه الإبهام والوسطى عرضا من مستوي الخلقة، وغيره
يحال عليه. والمشهور أنه لا يجوز الغسل منكوسا، وعند السيد المرتضى
استحباب ذلك (1) وهو غير بعيد. ولا يجب تخليل اللحية وإن خفت على الأقوى،
نعم يجب غسل البشرة الظاهرة في خلال الشعور.
وغسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الأصابع، ويدخل المرفقين في
الغسل، ولو نكس بطل الغسل على المشهور خلافا للسيد. والظاهر أنه يجب غسل
الشعور في اليد.
ويجب مسح بشرة مقدم الرأس أو شعره المختص به بأقل اسمه، والأقرب
عدم وجوب المسح مقبلا، والمشهور استحباب ذلك.
ويجب مسح بشرة الرجلين بأقل اسمه من رؤوس الأصابع إلى الكعبين،
والمشهور وجوب الاستيعاب الطولي وهو غير ثابت، لكنه أحوط، والأولى أن
يمسح بتمام كفه والكعبان قبتا القدمين على الأقرب، وقيل مجمع القدم وأصل
الساق (2) والأقرب جواز المسح منكوسا، ولا يجوز المسح على حائل إلا للتقية
والضرورة.
والمشهور أنه يجب مسح الرأس والرجلين ببقية نداوة الوضوء، خلافا لابن
الجنيد (3).
ويجب الترتيب إلا في الرجلين، والموالاة، وهي أن يغسل كل عضو قبل أن
يجف ما تقدمه على الأشهر الأقرب. والأقرب أن المبطل جفاف جميع الأعضاء
السابقة لا البعض.
وذو الجبيرة إن تمكن من مراعاة الغسل أو المسح الواجب فعل، وإلا أجزأه
المسح عليها، وصاحب السلس يتوضأ لكل صلاة على الأشهر الأقرب.

(1) كذا في الأصل، وفي سائر النسخ: وعند السيد المرتضى جواز ذلك واستحباب البدأة
بالأعلى، راجع المعتبر 1: 143.
(2) إرشاد الأذهان 1: 223.
(3) حكاه عنه في المختلف 1: 296.
16

والأحوط عدم تثنية الغسلات، بل الأحوط الاكتفاء بغرفة للوجه وغرفتين
لليدين.
ويستحب: التسمية والدعاء عند كل فعل، وغسل اليدين من الزندين قبل أن
يدخلهما الإناء، مرة من حدث النوم والبول، ومرتين من الغائط، والمضمضة
والاستنشاق، والبدأة للرجل بظاهر الذراع عكس المرأة، والوضوء بمد.
ويكره: الاستعانة، والمشهور كراهية التمندل، خلافا للمرتضى (رحمه الله) (1) وهو
المسح بالمنديل، فلا يلحق به غيره، اقتصارا على مورد النص. ويحرم التولية
اختيارا.
ولو تيقن الحدث وشك في الطهارة توضأ، وكذا لو تيقنهما وشك في المتأخر
على الأشهر الأقرب، ولو شك في شيء منه وهو على حاله أعاد العضو المشكوك
فيه مع ما بعده رعاية للترتيب، ولو تيقن الطهارة وشك في الحدث لم يلتفت، ولا
فرق بين أن يكون الحدث مشكوكا أو مظنونا. ولو شك في شيء منه بعد
الانصراف لم يلتفت.
الفصل الثاني
في الغسل
وفيه أنظار:
الأول: الأغسال الواجبة
غسل الجنابة، والحيض، والاستحاضة مع غمس القطنة، والنفاس، وغسل
الأموات، وغسل مس الأموات من الناس بعد برده بالموت وقبل الغسل على
المشهور. وما عدا ذلك مستحب.

(1) حكاه عنه في الذكرى 2: 189.
17

النظر الثاني في الجنابة
وهي تحصل للرجل والمرأة بإنزال المني مطلقا، وبالجماع في قبل المرأة
حتى تغيب الحشفة، وفي دبر المرأة كذلك على المشهور، خلافا للشيخ (1) وللأول
رجحان ما، وفي وجوب الغسل بوطء الغلام تردد، والأشهر الوجوب، والموطوءة
قبلا كالواطئ، وفي الدبر تردد.
ولو اشتبه المني اعتبر بالشهوة والدفق وفتور الجسد، وفي المريض لا يعتبر
الدفق، ولا يجب الغسل إلا مع اليقين بالسبب، ولا يكفي الظن.
ويحرم عليه قراءة العزائم بلا خلاف، والمذكور في الرواية السجدة (2)
والمشهور السورة. وذكر المتأخرون من جملتها قراءة البسملة بقصد إحداها،
ومس كتابة القرآن على المعروف المدعى عليه الإجماع من جماعة، والمشهور
تحريم مس شيء مكتوب عليه اسم الله تعالى أو أسماء الأنبياء أو الأئمة (عليهم السلام).
ويحرم عليه اللبث في المساجد على المشهور الأصح ووضع شيء فيها على
الأشهر الأقوى، ويحرم عليه الاجتياز في المسجدين.
ويكره الأكل والشرب إلا بعد المضمضة والاستنشاق على المعروف، وفي
بعض الروايات الصحيحة: يغسل يده أو يتوضأ، والوضوء أفضل (3) وفي بعضها:
غسل يده وتمضمض وغسل وجهه وأكل (4) ويكره له مس ما عدا المكتوب من
المصحف على الأشهر الأقرب، وحرمه المرتضى (رحمه الله) (5) والنوم إلا بعد الوضوء،
والخضاب، وقراءة ما زاد على سبع آيات على الأقرب، وتشتد الكراهة فيما زاد
على سبعين آية.

(1) الاستبصار 1: 112 ذيل الحديث 373.
(2) الوسائل 1: 493 و 494، الباب 19 من أبواب الجنابة ح 4 و 7.
(3) الوسائل 1: 496، الباب 20 من أبواب الجنابة، ح 7.
(4) الوسائل 1: 495، الباب 20 من أبواب الجنابة، ح 1.
(5) حكاه عنه في المعتبر 1: 190.
18

والأقرب وجوب غسل الجنابة لنفسه.
ويجب فيه النية عند الشروع مستدامة الحكم حتى يفرغ; وغسل بشرة جميع
الجسد بأقل اسمه، وتخليل ما لا يصل إليه الماء إلا به، والترتيب يبدأ بالرأس ثم
بالجانب الأيمن ثم بالأيسر على المعروف، والروايات غير دالة على الترتيب بين
اليمين واليسار.
ويجوز أن يرتمس في الماء مرة واحدة، فلو نوى خارج الماء ثم غمس في
الماء مرة واحدة أجزأ، ولو نوى في داخل الماء ثم غمس رأسه وبقية بدنه في
الماء ففي الإجزاء تأمل. والموالاة غير معتبرة في غسل الجنابة، ولو أخل
بالترتيب يجب الإعادة على ما يحصل معه الترتيب. ويتخير في غسل العورة مع
الجانبين أو التبعيض وكذا البيضتين، وفي الذكرى جعل غسلهما مع الجانبين
أولى (1) وهو أحوط.
ولا يجب الوضوء مع غسل الجنابة، والأشهر الأقوى أنه لا يستحب أيضا
معه. وفي وجوب الوضوء مع باقي الأغسال الواجبة خلاف، والأشهر الوجوب،
والأقوى عدمه كما هو مذهب المرتضى (رحمه الله) (2).
ويستحب الاستبراء، وهو الاجتهاد في إزالة بقايا المني المتخلفة في المحل
بالبول، أو الاجتهاد بالاستبراء المعهود. وقيل بالوجوب (3) والأول أقرب. وهل
يختص الاستبراء بالرجل؟ فيه قولان.
وإذا رأى المغتسل للجنابة بللا بعد الغسل فإن علمه منيا أو بولا لحقه حكمه،
وإن اشتبه فالصور خمس:
الاولى: أنه بال واستبرأ، فلا إعادة عليه اتفاقا.
الثانية: أن ينتفي الأمران، فالأظهر الأشهر وجوب إعادة الغسل.
الثالثة: بال ولم يستبرئ، فحكمه عدم وجوب إعادة الغسل ووجوب الوضوء.

(1) الذكرى 2: 228.
(2) حكاه عنه في المعتبر 1: 196.
(3) إصباح الشيعة: 33.
19

الرابعة: استبرأ ولم يبل وكان البول ممكنا، والأقوى وجوب إعادة الغسل.
الخامسة: استبرأ ولم يبل ولم يكن البول ممكنا، والمشهور عدم وجوب إعادة
الغسل. وقيل بوجوب الإعادة (1) وتوقف فيه العلامة في المنتهى (2) ومقتضى عموم
الأخبار وجوب الإعادة (3).
ويستحب غسل اليدين ثلاثا قبل الغسل، والأولى غسلهما من المرفقين،
ويستحب المضمضة والاستنشاق، وإمرار اليد على الجسد، وغسل كل عضو
ثلاثا، والموالاة، والغسل بصاع، والدعاء بالمنقول.
ويحرم التولية اختيارا، ويكره الاستعانة.
ولو أحدث في أثناء الغسل فالأقرب أنه يكفي الإتمام، والأحوط وجوب
إعادة الغسل.
النظر الثالث في الحيض
وهو في الأغلب أسود حار يخرج بحرقة، وقال بعضهم: إنه يخرج من
الأيسر (4) وقال بعضهم: من الأيمن (5).
وما تراه قبل التسع وبعد اليأس فليس بحيض; واختلفوا في سن اليأس، فقيل:
إنه خمسون (6) وقيل: ستون (7) وقيل: خمسون إلا في القرشية، فإن يأسها ستون (8)
وألحق بعضهم بالقرشية النبطية (9) ولا مستند له، والمسألة محل تردد، وللقول
بالخمسين رجحان، نظرا إلى الروايات (10) فإن اشتبه دم الحيض بالعذرة اعتبر
بالقطنة، فإن خرجت القطنة مطوقة فهو دم عذرة وإلا فحيض.

(1) المدارك 1: 304 و 305.
(2) المنتهى 2: 254.
(3) انظر الوسائل 1: 517، الباب 36 من أبواب الجنابة.
(4) النهاية 1: 235.
(5) حكاه عن ابن الجنيد في المختلف 1: 355.
(6) النهاية 2: 441.
(7) الشرائع 1: 29.
(8) المبسوط 1: 42.
(9) المقنعة: 532.
(10) انظر الوسائل 2: 580، الباب 31 من أبواب الحيض.
20

وأقل الحيض ثلاثة أيام، وأكثره عشرة، والزائد عن أكثره وأكثر النفاس ليس
بحيض، واختلف الأصحاب في اشتراط التوالي في الأيام الثلاثة، فذهب أكثر
الأصحاب إلى اعتباره، خلافا للشيخ في النهاية (1) ولا يبعد ترجيح الأول.
واختلفوا في المعنى المراد بالتوالي، وظاهر الأكثر الاكتفاء بحصول مسمى
الدم في كل واحد من الأيام الثلاثة وإن لم يستوعبه، ولعل ذلك ظاهر عموم
الروايات (2) واعتبر مع ذلك بعض المتأخرين أنها إذا رأته في أول جزء من أول
ليلة من الشهر ثم تراه في آخر جزء من اليوم الثالث بحيث يكون عند غروبه
موجودا وفي اليوم الوسط يكفي أي جزء كان منه (3). وبعضهم اعتبر الاتصال في
الثلاثة بحيث متى وضعت الكرسف في أي جزء كان من أجزاء الثلاثة تلوث (4)
وظاهرهم أن الليالي معتبرة في الثلاثة، وبه صرح ابن الجنيد (5).
وأقل الطهر عشرة أيام.
وتستقر العادة الوقتية والعددية باتفاق شهرين وقتا وعددا، فإذا رأته في
الشهر الأول في السبعة الاولى وفي الثاني كذلك فقد استقرت العادة عددا ووقتا،
فإذا رأته في أول الثالث تحيضت برؤيته، والأقوى عدم اشتراط استقرار الطهر
في استقرار العادة.
وللعادة قسمان آخران:
أحدهما: أن ترى شهرين متوافقين في العدد دون الوقت.
وثانيهما: أن ترى شهرين متوافقين في الوقت دون العدد.
وذات العادة الوقتية والعددية متى رأت الدم في وقت العادة تترك الصلاة

(1) النهاية 1: 237.
(2) انظر الوسائل 2: 551 و 554، الباب 10 و 12 من أبواب الحيض.
(3) حكاه في الحدائق الناضرة 3: 169، عن السيد حسن ابن السيد جعفر، ولم نعثر على قوله
في كتب المعاصرين له.
(4) جامع المقاصد 1: 287.
(5) حكاه عنه في المعتبر 1: 202.
21

والصوم وإن لم يكن الدم على صفة الحيض، والأقرب أنه (1) إذا رأت الدم قبل
العادة أو بعدها أيضا تترك الصلاة والصوم إذا كان الدم بصفة الحيض.
وأما المبتدئة - وهي من لم تستقر عادتها بعد - فهل تترك الصلاة برؤية الدم؟
اختلف الأصحاب في ذلك، فذهب جماعة منهم إلى أنه تترك العبادة برؤية الدم (2)
وذهب جماعة منهم إلى أنه تحتاط للعبادة إلى ثلاثة أيام (3) والأقرب أنه تترك
العبادة برؤية الدم إذا كان بصفة الحيض، والخلاف المذكور جار في المضطربة
أيضا.
والدم الذي لا يكون بصفة الحيض حيض في أيام العادة، وما كان بصفة
الحيض ليس بحيض في أيام الطهر.
وإذا تجاوز الدم عشرة وكانت ذات عادة وقتية وعددية ولم يكن لها تمييز
فإنها تعول على العادة، وإن كان لها تمييز فإن توافق التمييز والعادة رجعت إليها،
وإن تخالفا فلا يخلو إما أن يكون بينهما أقل الطهر أم لا، فإن كان بينهما أقل الطهر
ففيه خلاف، وقطع جمع من الأصحاب بأنه تجعلهما حيضا (4) والظاهر عندي
الرجوع إلى العادة.
وإن لم يكن بينهما أقل الطهر، فإن أمكن الجمع بينهما بأن لا يتجاوز المجموع
العشرة، فالذي صرح به غير واحد من المتأخرين أنه تجمع بينهما (5).
وللشيخ فيه قولان:
أحدهما: ترجيح التمييز، والآخر ترجيح العادة (6) ولعله الراجح.
وإن لم يمكن الجمع بينهما كما إذا رأت في العادة صفرة وقبلها أو بعدها بصفة

(1) الضمير للشأن.
(2) المبسوط 1: 66، المختلف 1: 359، الذكرى 1: 237.
(3) منهم المحقق في المعتبر وحكاه عن السيد المرتضى 1: 213، ومنهم الحلبي في الكافي: 128.
(4) نهاية الإحكام 1: 142، المعتبر 1: 203، الجامع للشرائع: 42.
(5) اللمعة: 27، المسالك 1: 70.
(6) المبسوط 1: 48 - 49.
22

الحيض وتجاوز المجموع العشرة فالأقرب الأشهر الرجوع إلى العادة.
وقيل: ترجع إلى التمييز (1) وقيل بالتخيير (2) وقيل غير ذلك (3).
ولو لم تكن للمرأة عادة وكان لها تمييز رجعت إلى التمييز، وعند الأصحاب
أنه لا فرق بين أن يكون مبتدئة أو مضطربة، لكن المستفاد من الرواية أن الرجوع
إلى التمييز مختص بالمضطربة وأن للمبتدئة حكما آخر وهو التحيض بالسبع أو
الست (4).
واعلم أن القدر الذي يستفاد من الروايات في اعتبار صفة الحيض الحرارة
والدفع والسواد، والعلامة وجماعة من المتأخرين اعتبروا قوة الدم وضعفه وذكروا
فيه تفاصيل (5).
ويشترط في تحقق التمييز امور:
الأول: اختلاف صفة الدم بأن يكون بعضه مشابه الحيض دون بعض.
الثاني: أن لا ينقص المشابه عن ثلاثة.
الثالث: أن لا يزيد عن عشرة على المشهور بين الأصحاب، وفي كلام الشيخ
اضطراب (6) ولي في الحكم المذكور تردد.
الرابع: أن لا ينقص الضعيف مع أيام النقاء عن أقل الطهر، وبهذا الاشتراط
صرح جماعة من المتأخرين (7) وفيه قول بعدم الاشتراط (8) والأول لا يخلو عن
رجحان.

(1) الخلاف 1: 241، المسألة 210.
(2) الوسيلة: 60.
(3) جامع المقاصد 1: 301.
(4) انظر الوسائل 2: 546، الباب 8 من أبواب الحيض.
(5) نهاية الإحكام 1: 135، جامع المقاصد 1: 297، المسالك 1: 68، المدارك 2: 15.
(6) المبسوط 1: 46.
(7) نهاية الإحكام 1: 135، المسالك 1: 68، المدارك 2: 15.
(8) المبسوط 1: 50.
23

واعلم أنه يظهر من كلام جماعة من الأصحاب منهم العلامة أن المضطربة إذا
ذكرت الوقت دون العدد أو العدد دون الوقت ووجدت تمييزا اعتبرت التمييز وإن
كان منافيا لاعتبار العدد أو الوقت (1) ولا بعد فيه. وهاهنا أبحاث ذكرتها في
الذخيرة (2).
وإذا تجاوز الدم عشرة ولم يكن لها عادة ولا تمييز رجعت المبتدئة إلى عادة
أهلها، وهن: الأقارب من الأبوين أو أحدهما، فإن اختلفن أو فقدن إما بعدمهن
أصلا أو بموتهن وعدم علمها بعادتهن، أو بعدم تمكنها من استعلام حالهن رجعت
إلى أقرانها، أي: ذوات أسنانها على المشهور بين الأصحاب، والأقوى عدم
الرجوع إلى الأقران كما ذهب إليه جمع من الأصحاب (3).
وإن اختلفت الأقران أو لم نقل بالرجوع إلى الأقران ففيه اختلافات بين
الفقهاء واختلاف في الروايات، ولا يبعد العمل بموثقة ابن بكير «قال: المرأة إذا
رأت الدم في أول حيضها فاستمر الدم تركت الصلاة عشرة أيام ثم تصلي عشرين
يوما، فإن استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام وصلت سبعة وعشرين
يوما» (4).
ولا يبعد العمل بمرسلة يونس أيضا من أنها تتحيض في كل شهر سبعة أيام أو
ستة (5).
والمضطربة الناسية للوقت والعدد إذا لم يكن لها تمييز ليس لها الرجوع إلى
الأقران، وفي حكمها أقوال متعددة، ولم أجد رواية دالة على حكمها، ورجح
المحقق في المعتبر أنها تتحيض بثلاثة أيام وتصلي وتصوم بقية الشهر استظهارا (6)

(1) الإرشاد 1: 226.
(2) الذخيرة: 66 - 68.
(3) المعتبر 1: 208، المدارك 2: 18، التنقيح 1: 104.
(4) الوسائل 2: 549، الباب 8 من أبواب الحيض، ح 6.
(5) الوسائل 2: 547، الباب 8 من أبواب الحيض، ح 3.
(6) المعتبر 1: 210.
24

وهذا القول متجه إلا أن في تعيين وقت الثلاثة اشكالا.
وإذا تذكرت الوقت دون العدد أو العدد دون الوقت ففي بعض الصور يحصل
لها حيض يقينا، ولذلك تفاصيل لا يناسب هذا المختصر، من أرادها راجع كتاب
الذخيرة.
والمشهور بين الأصحاب أن كل دم يمكن أن يكون حيضا فهو حيض،
ويدخل في هذا كل حيض تخلل بينه وبين الحيض السابق الواقع في العادة أقل
الطهر.
واستشكل بعض المتأخرين ذلك وقال: الأظهر أنه إنما يحكم بكونه حيضا
إذا كان بصفة الحيض أو في العادة (1) وما ذكره متجه بحسب الدليل.
ولو رأت المرأة الدم ثلاثة أيام وانقطع ثم رأت العاشر خاصة فالعشرة حيض،
ويجب عليها الاستبراء عند الانقطاع لدون العشرة، فإن خرجت القطنة نقية
فطاهرة، وإلا ثبت لذات العادة الوقتية والعددية صبر وانتظار إذا كانت عادتها أقل
من العشرة بلا خلاف; للروايات. والخلاف هاهنا في أمرين:
أحدهما: في حد الانتظار (2) فقيل: يوم أو يومان (3) وقيل: إلى عشرة (4) وقيل:
إنها مخيرة بين يوم ويومين وثلاثة (5) وقيل بالتخيير بين الكل (6) وهو أقوى.
وثانيهما: هل الانتظار على سبيل الوجوب أو الاستحباب أو الجواز؟ فيه
وجوه، والأقوى الأخير، وذكر العلامة وغيره أن الدم إذا انقطع على العشرة يظهر
أن المجموع حيض، فيجب عليها قضاء الصوم عشرة وإن صامت بعد أيام
الاستظهار (7) وتوقف فيه بعض المتأخرين (8) وهو في محله.

(1) المدارك 1: 324.
(2) كذا في النسخ، ولعل الأنسب: «الاستظهار» كما في عبارة الذخيرة.
(3) النهاية 1: 235.
(4) حكاه في المعتبر 1: 214.
(5) السرائر 1: 149.
(6) الذكرى 1: 238.
(7) المنتهى 1: 316 - 321.
(8) المدارك 1: 336.
25

والمشهور أنه إذا تجاوز الدم عشرة في الصورة المذكورة يظهر أن ما بعد
العادة طهر، فتقضي صلاة أيام الاستظهار، كما أنها تقضي صيام تلك الأيام، وقيل
بعدم وجوب قضاء الصلوات المذكورة (1). والمسألة محل تأمل.
وما مر حكم ذات العادة الوقتية والعددية، وألحق بها بعضهم ذات العادة
العددية (2) وهو غير بعيد.
وذكر العلامة وغيره أن المبتدئة إذا استمر بها الدم يجب عليها الصبر إلى
الانقطاع أو انقضاء العشرة (3) وهذا متجه إن كان الدم بصفة الحيض، وإلا ففيه
إشكال.
وأكثر الأصحاب لم يذكروا للمبتدئة والمضطربة استظهارا.
ويجب الغسل عند انقطاع الحيض بلا خلاف، وكيفيته مثل غسل الجنابة،
والأقوى عدم وجوب الوضوء مع غسل الحيض، والأشهر وجوبه، وأكثر القائلين
بالوجوب خيروا بين تقديم الوضوء على الغسل أو تأخيره عنه وحكموا بأفضلية
التقديم، ونقل عن الشيخ قول بوجوب تقديم الوضوء (4) وعلى المشهور مخيرة في
صورتي التقديم والتأخير بين نية الاستباحة أو الرفع، ونقل عن بعضهم تعيين نية
الاستباحة في صورة تقديم الوضوء (5).
ويحرم عليها في زمان رؤية الدم كل مشروط بالطهارة كالصلاة، والطواف،
ومس كتابة القرآن على المعروف من مذهب الأصحاب، ولا يصح منها الصوم،
ولا يصح طلاقها مع الدخول وحضور الزوج أو حكمه.
ويحرم عليها اللبث في المساجد على الأشهر الأقوى، والدخول في
المسجدين مطلقا على الأشهر الأقوى، ووضع شيء في المساجد على الأشهر
الأقوى، وقراءة العزائم، ولو قرأت أو استمعت عن غيرها فالأقوى جواز السجدة

(1 و 3) القواعد 1: 218.
(2) الروض: 73 س 19.
(4) المبسوط 1: 44.
(5) السرائر 1: 151.
26

لها، وقيل: يحرم (1) والمشهور أن السجدة في الصورة المذكورة واجبة عليها، وقيل:
لا (2) والمسألة عندي محل تردد.
وعلى تقدير الوجوب فهل يختص ذلك بصورة الاستماع أو يعم السماع
أيضا؟ والمسألة محل تردد، وهذا الخلاف غير مختص بالحائض بل يجري مطلقا.
ويحرم على زوجها وطؤها قبلا، ويستحق التعزير به، وإن جهل الحيض أو
نسيه فلا شيء عليه، وإن جهل الحكم فقد صرح غير واحد من الأصحاب بأنه لا
شيء عليه (3) وللتأمل فيه مجال.
ولو أخبرت المرأة بالحيض فالظاهر وجوب القبول عند عدم التهمة، ولو ظن
كذبها قيل: لا يجب القبول (4) وقيل: يجب (5) ولا يخلو عن رجحان، ولا خلاف في
رجحان الكفارة بالنسبة إلى الواطئ، واختلفوا في وجوبها واستحبابها، والثاني
أقرب، وهو قول أكثر المتأخرين (6).
والمشهور في تقدير الكفارة أنها مثقال في أول الحيض، ونصف في وسطه،
وربع في آخره، وفي إجزاء القيمة تردد، وكذا في اشتراط كون الدينار مضروبا،
وفي تكرر الكفارة بتكرر الفعل خلاف، والأقرب أنه إن اختلف الزمان كما إذا كان
بعضه في الأول وبعضه في الوسط أو تخلل التكفير تكرر، وإلا فلا.
وذكر جماعة من العلماء أن النفساء حكمها حكم الحائض فيما ذكر (7).
وفي تحريم جماع الحائض بعد النقاء قبل الغسل خلاف، والأقوى الكراهة.
ويكره لها الخضاب، وحمل المصحف على المشهور، ولمس هامشه على
الأشهر الأقوى، وقراءة غير العزائم على المشهور، والأقوى جواز الاستمتاع بما

(1) المقنعة: 52.
(2) المبسوط 1: 114.
(3) التذكرة 1: 266، جامع المقاصد 1: 320، المدارك 1: 350.
(4) التذكرة 1: 268.
(5) الذكرى 1: 278.
(6) المعتبر 1: 231، النهاية 1: 237، المدارك 1: 353.
(7) المبسوط 1: 69، السرائر 1: 154، المعتبر 1: 257.
27

بين السرة والركبة، ومنه الدبر على كراهة، وقيل يحرم (1).
ويستحب أن تتوضأ عند كل صلاة وتجلس في مصلاها ذاكرة لله تعالى على
الأشهر الأقوى، وقيل: يجب (2).
ويجب عليها قضاء الصوم دون الصلاة، وفي قضاء الصوم المنذور الذي وافق
أيام حيضها وجهان.
وإذا أدركت من أول الوقت مقدار الطهارة والصلاة ولم تصل وجب عليها
القضاء، ومتى أدركت أقل من ذلك لم يجب عليها القضاء على الأشهر الأقوى،
وإذا طهرت في آخر الوقت بمقدار الطهارة وأداء ركعة فالمشهور أنه يجب عليها
الصلاة أداء، ومع الإخلال القضاء، ونقل بعضهم الإجماع على ذلك (3).
وقال الشيخ في التهذيب: المرأة إذا طهرت بعد زوال الشمس إلى أن يمضي
منه أربعة أقدام فإنه يجب عليها قضاء الظهر والعصر معا، وإذا طهرت بعد أن يمضي
أربعة أقدام فإنه يجب عليها قضاء العصر لا غير، ويستحب لها قضاء الظهر إذا كان
طهرها إلى مغيب الشمس (4) وما ذكره الشيخ طريقة حسنة في الجمع بين الأخبار
المختلفة الواردة في هذا الباب.
النظر الرابع في الاستحاضة والنفاس
دم الاستحاضة في الأغلب أصفر بارد رقيق، والناقص عن ثلاثة أيام مما
ليس بقرح ولا جرح والزائد عن العادة وأيام الاستظهار استحاضة، وقيد الأخير
في المشهور بما إذا تجاوز العشرة، وكذا الزائد عن أيام النفاس ومع اليأس.
وهل الدم الذي تراه الحامل استحاضة أم حيض؟ فيه خلاف، فقيل بالأول (5)

(1) حكاه عن السيد المرتضى في المختلف 1: 346.
(2) حكاه عن أبيه في الفقيه 1: 90 ذيل الحديث 195.
(3) المدارك 1: 342.
(4) التهذيب 1: 391 ذيل الحديث 1207.
(5) السرائر 1: 150.
28

وقيل بالثاني (1) وقال الشيخ في كتابي الأخبار والنهاية: ما تجده المرأة الحامل في
أيام عادتها يحكم بكونه حيضا، وما تراه بعد عادتها بعشرين يوما فليس
بحيض (2) وهذا القول قوي.
والاستحاضة على أقسام ثلاثة: قليلة، ومتوسطة، وكثيرة.
فالقليلة أن لا يغمس الدم القطنة، أي لا يثقبها إلى الخارج بحيث يصل إلى
الخرقة.
والمتوسطة أن يغمس الدم القطنة ولم يسل من الخرقة.
والكثيرة أن يسيل الدم من الخرقة.
وحكم الأول أن تتوضأ لكل صلاة، وليس عليها غسل على المشهور، وقيل:
ليس بها عليها وضوء أيضا (3) وقيل: بل يجب عليها غسل واحد (4) ولعل الترجيح
للأول، والمشهور أنه يجب عليها مع ذلك تغيير الخرقة أيضا، ويظهر من المنتهى
أن هذا الحكم إجماعى (5) وفيه تأمل، وقال بعضهم: يجب عليها غسل ظاهر الفرج
أيضا (6).
وحكم الثاني على المشهور أنها تفعل ما تفعل في القليلة مع غسل لصلاة
الصبح وتغيير الخرقة.
وذهب جماعة من الأصحاب إلى أن حكم المتوسطة حكم الكثيرة بلا فرق
بينهما (7) وسيأتي، وهو أقرب.

(1) المدارك 2: 44.
(2) التهذيب 1: 388 ذيل الحديث 1196، الاستبصار 1: 140 ذيل الحديث 481، النهاية 1:
236.
(3) حكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف 1: 372.
(4) حكاه عن ابن الجنيد في المختلف 1: 372.
(5) المنتهى 2: 409.
(6) حكاه عن الشهيد الأول في جامع المقاصد 1: 340.
(7) حكاه عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل في المختلف 1: 372 والمعتبر 1: 244.
29

وحكم الثالث أنه يجب عليها ثلاثة أغسال: غسل للصبح وغسل للظهرين
وغسل للعشاءين.
وذكر الأصحاب أنها تغتسل غسلا للظهرين تجمع بينهما بأن تؤخر الاولى
إلى آخر وقت فضيلتها، والثانية تقدمها في أول وقت فضيلتها وكذا المغرب
والعشاء، والظاهر أن الجمع المذكور على سبيل الأفضلية.
واختلف الأصحاب في الوضوء مع الأغسال وتعدد الوضوء بحسب تعدد
الصلوات، فذهب جمهور المتأخرين إلى أنها تتوضأ لكل صلاة، وقال بعضهم:
تجمع بين الظهرين بوضوء واحد (1) وبعضهم اكتفى بالأغسال (2) وهو أقرب.
وذكر غير واحد من الأصحاب أن وجوب الأغسال الثلاثة إنما يكون مع
استمرار سيلان الدم، وإلا فغسلان إن حصلت القلة بعد الظهرين، وغسل واحد إن
حصلت القلة بعد الصبح (3).
وهل يكفي في وجوب الغسل حصول السبب مطلقا، سواء كان في وقت
الصلاة أم لا، أم يعتبر حصوله في وقت الصلاة؟ فيه قولان، أقربهما الأول.
واشترط جماعة من الأصحاب في صحة صلاتها معاقبتها للغسل (4) وهو غير
بعيد، ولا يقدح في ذلك الاشتغال بمقدمات الصلاة كالستر وتحصيل القبلة والأذان
والإقامة وأمثالها، وفي انتظار الجماعة قولان.
ولم يتعرض الأصحاب لمقدار زمان اعتبار الدم ولا لمقدار القطنة، ولعل
التعويل في ذلك على المعتاد المتعارف.
وذكر الأصحاب أن المرأة إذا أرادت صلاة الليل تجمع بينها وبين صلاة
الصبح بغسل واحد، ولا أعلم فيه خلافا بينهم ولم أطلع على نص دال عليه.
والمشهور بين الأصحاب أنه يجب عليها مع الأغسال تغيير الخرقة والقطنة

(1) المقنعة: 57.
(2) النهاية 1: 241.
(3) قواعد الأحكام 1: 219، جامع المقاصد 1: 343.
(4) الروضة 1: 393، جامع المقاصد 1: 342، المدارك 2: 35.
30

أيضا، ومنهم من أوجب غسل ظاهر الفرج أيضا (1) والمرأة إذا فعلت جميع ما ذكر
فهي بحكم الطاهرة وتصح منها جميع ما تصح من الطاهرة.
والظاهر أنه يجوز لها دخول المساجد بدون الامور المذكورة، وفي جواز
مجامعتها بدونها أقوال أقربها الجواز.
والظاهر عدم توقف الصوم على غير الغسل، وأما الغسل فالظاهر من
الرواية (2) أن ترك جميع الأغسال موجب لقضاء الصوم، وإطلاق كلام بعضهم
يقتضي حصول فساد الصوم بالإخلال بشيء من الأغسال.
وقيد ذلك جماعة من المتأخرين بالأغسال النهارية وحكموا بعدم توقف
صحته على غسل الليلة المستقبلة وترددوا في غسل الليلة الماضية (3) وذكر بعضهم
أنها إن قدمت غسل الفجر ليلا أجزأها عن غسل العشاءين بالنسبة إلى الصوم، وإن
أخرته إلى الفجر بطل الصوم هنا (4) وإن لم يكن التقديم واجبا، وهذه التفاصيل غير
مستفادة من النص.
والظاهر عدم وجوب تقديم غسل الفجر عليه للصوم، والظاهر عدم توقف
قراءة العزائم على ما عدا الغسل، والظاهر أن مس كتابة القرآن غير متوقف على
تغيير القطنة وغسل الفرج.
وغسل الاستحاضة كغسل الحيض، والمشهور أنه يتعين عليها نية الاستباحة
دون الرفع إذا كان قبل الانقطاع.
وذكر بعضهم أنه يعتبر في هذا الغسل الموالاة تقليلا للحدث إذا لم يكن الغسل
للانقطاع (5) ولو رأت الدم بعد الطهارة ثم انقطع فالأحوط إعادة الطهارة، وذكر

(1) المقنعة: 57، الروضة 1: 391 و 392.
(2) الوسائل 2: 590، الباب 41 من أبواب الحيض، ح 7، 7: 45، الباب 18 من أبواب ما
يمسك عنه الصائم وقت الإمساك، ح 1.
(3) الذكرى 1: 249، جامع المقاصد 1: 344، المسالك 1: 75.
(4) الروض: 87 س 5.
(5) الروض: 87 س 30.
31

الأصحاب أن المستحاضة تحتاط في منع تعدي الدم بقدر الإمكان، وبعضهم
أوجب تغيير الخرقة التي بها تمنع الدم عن التعدي في وقت كل صلاة (1).
وأما النفاس: فهو الدم الذي تراه المرأة مع الولادة أو بعدها على الأشهر
الأقوى، وما رأته قبل الولادة فليس بنفاس ولا حد لأقله، وفي أكثره خلاف،
فقيل: إنه عشرة (2) وقيل: ثمانية عشرة (3) وقيل: لذات العادة في الحيض عادتها،
وللمبتدئة والمضطربة عشرة (4) وقيل: ثمانية عشر (5) والأقوى أنه يجوز لذات
العادة العمل بعادتها، ولا يبعد أن يقال: يجوز لها الصبر إلى عشرة من باب
الاستظهار، وفي المبتدئة والمضطربة إشكال.
وعند الأصحاب أن حكم النفساء حكم الحائض في المحرمات
والمكروهات والمستحبات والمباحات.
النظر الخامس في غسل الأموات وما يتبعه
وهو واجب على الكفاية، وكذا باقي الأحكام المتعلقة بالميت من توجيهه إلى
القبلة على القول بوجوبه، وتكفينه وتحنيطه ودفنه، لا بذل الكفن والحنوط وماء
الغسل، فإنه مستحب.
وهل المعتبر في السقوط عن المكلفين العلم بوقوع الفعل على الوجه
الشرعي، أم يكفي الظن الغالب؟ فيه قولان، ولعل الأقرب الأول، والظاهر أن العلم
العادي بذلك يحصل في بلاد المسلمين غالبا، والمشهور أن الأحكام المذكورة
واجبة بالنسبة إلى المسلم ومن هو في حكمه مطلقا، وخالف فيه جماعة من
الأصحاب فلم يجوزوا تغسيل المخالف (6) والقول بعدم وجوب تغسيلهم لا يخلو

(1) نهاية الإحكام 1: 126.
(2) المهذب 1: 39.
(3) الانتصار: 35.
(4) إرشاد الأذهان 1: 229.
(5) المختلف 1: 378 و 379.
(6) المقنعة: 85، التهذيب 1: 335 ذيل الحديث 981، المهذب 1: 56.
32

عن قوة، وفي حكم المسلم الطفل المتولد عن مسلم، وكذا المجنون.
ولا يجوز تغسيل الكافر مطلقا، سواء كان قريبا أو بعيدا، وكذا لا يجوز تكفينه
ودفنه عند الأصحاب، وقد حكي إجماعهم على ذلك.
والمشهور وجوب توجيه الميت عند الاحتضار إلى القبلة بأن يلقى الميت
على ظهره ويجعل باطن قدميه إلى القبلة بحيث لو جلس كان مستقبلا للقبلة، وقيل
بالاستحباب (1) وهو أقرب.
ويستحب عند الاحتضار التلقين بالشهادتين والإقرار بالأئمة (عليهم السلام) وكلمات
الفرج، وقراءة سورة «والصافات» عنده، وحثه على التوبة، ونقله إلى مصلاه الذي
يكثر الصلاة فيه أو عليه إذا تعسر عليه الموت واشتد به النزع، والتغميض لعينه،
وإطباق فيه بعد موته، وتغطيته بثوب، والتعجيل في دفنه إلا المشتبه، ويكره طرح
الحديد على بطنه وحضور الجنب والحائض عنده.
ويجب عند الغسل ستر عورتيه وإزالة النجاسة أولا على المعروف من مذهب
الأصحاب.
ويجب تغسيل الميت ثلاثا بالسدر والكافور والقراح على الأشهر الأقرب،
والمشهور بين الأصحاب أنه يجب النية في هذا الغسل كسائر الأغسال، وخالف
فيه السيد المرتضى فلم يوجب النية فيه، والأول أحوط.
وهل يعتبر النية في كل واحد من الأغسال، أم يكفي نية واحدة للجميع؟ فيه
قولان، أقربهما الثاني والظاهر وجوب الترتيب في الأغسال، والظاهر أيضا
وجوب الترتيب بين الأغسال الثلاثة على الأشهر الأقرب.
وذكر بعض الأصحاب أنه يسقط الترتيب بغمس الميت في الماء مرة
واحدة (2) وهو غير بعيد.
والمشهور أنه يكفي في السدر والكافور مسماه ويحكى عن بعضهم تقدير

(1) الخلاف 1: 691، المسألة 466.
(2) الإيضاح 1: 60، جامع المقاصد 1: 377، المسالك 1: 85.
33

السدر برطل (1) وعن بعضهم رطل ونصف (2) وعن بعضهم سبع ورقات (3) والظاهر
أن المعتبر ما يصدق معه أنه ماء سدر وكافور، وإن فقد السدر والكافور ففي
وجوب تغسيله مرة بالقراح أو ثلاثا قولان، ولا يبعد ترجيح الثاني.
ولو خيف من تغسيله تناثر جسده يسقط الغسل، والمشهور أنه يتيمم.
ويجب المماثلة بين الغاسل والميت إلا في مواضع، منها: يجوز لكل واحد من
الزوجين تغسيل الآخر اختيارا على الأشهر الأقرب، ولا يجب أن يكون ذلك من
وراء الثياب، بل يستحب، ولا فرق بين الدائمة والمنقطعة والحرة والأمة.
ومنها: يجوز للمالك تغسيل أمته إذا لم تكن مزوجة ولا معتدة، وفي العكس
قولان.
ومنها: يجوز للأجنبي أن يغسل بنت ثلاث سنين مجردة، وللمرأة الأجنبية أن
تغسل ابن ثلاث سنين مجردا، ومنهم من جوز في الخمس (4) ولا يخلو عن قوة.
ومنها: يجوز لكل واحد من الرجل والمرأة تغسيل الآخر إذا كان محرما من وراء
الثياب وهل يشترط في ذلك تعذر المماثل؟ ذهب إليه الأكثر. وذهب ابن إدريس
والعلامة إلى جوازه اختيارا من فوق الثياب (5) والأظهر عندي جوازه اختيارا،
وهل يعتبر كون ذلك من وراء الثياب؟ المشهور ذلك، وقيل: لا يجب (6) وهو غير
بعيد، والزوج أولى بأحكام الزوجة من غيره، والأولى بميراثه أولى من غيره.
ويجب أن يكون ماء الغسل طاهرا غير مغصوب، ويستحب توجيهه إلى القبلة
حين الغسل كما في الاحتضار، وأوجبه بعض الأصحاب (7). ويستحب تغسيله
تحت الظلال، ووقوف الغاسل عن يمينه، وغمز بطنه في الغسلتين الاوليين برفق،
والذكر لله تعالى وصب الماء إلى حفيرة تجاه القبلة، وتليين أصابعه برفق، وغسل

(1) المقنعة: 74.
(2) المهذب 1: 56.
(3) الروض: 99 س 1.
(4) المقنعة: 87، المراسم: 50.
(5) السرائر 1: 168، المنتهي 1: 437 س 6.
(6) التذكرة 1: 359.
(7) الذكرى 1: 340، جامع المقاصد 1: 374.
34

فرجه بماء قد مزج بالحرض (1) والسدر.
وذكر جماعة من الأصحاب أنه يستحب أن يغسل رأسه برغوة السدر أولا
قبل الغسل بالسدر (2) لكن المستفاد من الأخبار المتعددة أن تغسيل الرأس برغوة
السدر محسوب من الغسل بالسدر الواجب (3) ويستحب تكرار كل عضو ثلاثا،
وأن يوضأ قبل الغسل على الأشهر الأقرب، وقيل يجب (4). ويستحب تنشيفه بثوب.
ويكره إقعاده وقص أظفاره وترجيل شعره وقيل: يحرم (5) والأول أقرب،
ويكره إرسال ماء الغسل إلى الكنيف.
وإذا كان الميت محرما يحرم تغسيله بالكافور وتحنيطه بالكافور.
وبعد الغسل يجب تكفين الميت، والأشهر الأقرب أن الواجب في الكفن ثلاثة
أبواب، وقيل: واحدة (6) والمشهور أنه يتعين أن يكون واحد منها القميص.
وذهب جماعة إلى التخيير بين الأثواب الثلاثة وبين القميص والثوبين (7)
ولعل الترجيح للقول الأخير.
والمشهور أنه يجب أن يكون في الثلاثة المئزر، والروايات التي وصلت إلي
غير دالة على ذلك.
ويشترط في كفن الميت أن لا يكون حريرا، والمشهور عموم هذا الحكم
بالنسبة إلى المرأة أيضا، واحتمل العلامة في النهاية إباحته للمرأة (8).
ويجب التحنيط وهو إمساس المساجد السبعة من الميت بشيء من الكافور،

(1) الحرض: بضمتين وإسكان الراء أيضا، وهو الأشنان سمي بذلك لأنه يهلك الوسخ، مجمع
البحرين 4: 200.
(2) الشرائع 1: 39، القواعد 1: 225، المعتبر 1: 272.
(3) الوسائل 2: 680 و 681، الباب 2 من أبواب غسل الميت، ح 2 و 3 و 5.
(4) نزهة الناظر: 11.
(5) الخلاف 1: 695، المسألة 478.
(6) المراسم: 47.
(7) منهم المحقق في المعتبر وحكاه عن ابن الجنيد 1: 279، ومنهم السيد في المدارك 2: 95.
(8) نهاية الإحكام 2: 242.
35

وأضاف بعضهم طرف الأنف أيضا (1) وألحق الصدوق السمع والبصر والفم والمغابن
وهي الإباط واصول الأفخاذ (2) واختلفت الروايات في هذا الباب ويجتزى في
المسح بأقله على المشهور، وأوجب بعضهم مثقالا، وبعضهم مثقالا وثلثا (3) ولا
يجب استيعاب المساجد، بل يكفي المسمى ولو كان الميت محرما لم يجز
تحنيطه، ويدفن الميت بغير كافور لو تعذر.
ويستحب أن يكون ثلاثة عشر درهما وثلثا على الأشهر الأقرب والأكثر
على أن الغسل لا يشارك الحنوط في المقادير المستحبة.
ويستحب أن يعمم الرجل وتزاد خرقة لفخذيه، وتزاد للمرأة لفافة اخرى
لثدييها وقناعا بدل العمامة، وأن يكون الكفن أبيض قطنا، والذريرة (4).
وأن يوضع الجريدتان مع الميت، والمراد بهما خشبتان رطبتان من النخل،
فإن لم يوجد فمن شجر رطب، والأحسن أن يكون من السدر، وإن لم يوجد فمن
الخلاف، وإن لم يوجد فمن شجر رطب، ومنهم من ألزم هذا الترتيب (5) وذكر
بعضهم بعد الخلاف الرمان (6) وفي تقدير الجريدة خلاف، وقدرت في بعض
الروايات بالذراع (7) وفي بعضها بشبر (8) والظاهر جواز الكل والمشهور أنه يجعل
إحداهما من جانبه الأيمن من ترقوته تلصقها بجلده، والاخرى من الجانب
اليسار بين القميص والإزار، وفيه خلاف، والأولى العمل على ما ذكر.
وذكر جماعة من الأصحاب أنه يستحب أن يكتب على اللفافة والإزار
والقميص والجريدتين اسم الميت وأنه يشهد بالشهادتين ويقر بالأئمة (عليهم السلام)
بالتربة الشريفة الحسينية.

(1) المقنعة: 78.
(2) الفقيه 1: 149 ذيل الحديث 416.
(3) حكاه عن الجعفي في الذكرى 1: 356.
(4) كذا في الأصل أيضا والعبارة لا تخلو عن خلل.
(5) النهاية 1: 245، الشرائع 1: 40.
(6) الدروس 1: 109.
(7) الوسائل 2: 740، الباب 10 من أبواب التكفين، ح 5.
(8) الوسائل 2: 740، الباب 10 من أبواب التكفين، ح 2.
36

ويكره أن يكون الكفن أسود والكتان والأكمام المبتدأة وتجمير الأكفان.
والواجب من كفن المرأة على زوجها وإن كانت موسرة، وإطلاق النص
يقتضي عدم الفرق بين الدائمة والمتمتع بها والمطيعة والناشزة والحرة والأمة،
وخصه بعض المتأخرين بالدائمة (1) وهو غير بعيد، وألحق جمع من الأصحاب
بالكفن الواجب سائر مؤن التجهيز الواجب (2) والحكم مختص بالزوج الموسر عند
الأصحاب، ويحتمل شموله للمعسر أيضا مع الإمكان.
ولا يلحق واجب النفقة بالزوجة إلا المملوك، فإن كفنه على المولى على ما
ذكره الأصحاب ونقل الاتفاق عليه، ولو أوصت بالكفن نفذت من الثلث، فيسقط
من الزوج.
ويستحب للمسلمين بذل الكفن لو فقد ولا يجب، وكذا القول في باقي مؤن
تجهيزه، ويجوز تكفينه من الزكاة عند الحاجة إليه، وقيل: بل يجب (3).
وإذا خرجت نجاسة من الميت ولاقت بدنه يجب غسلها، ولا يجب إعادة
الغسل على الأشهر الأقرب، وإذا خرج من الميت شيء فأصاب الكفن فالمشهور
أنه يجب غسله ما لم يطرح في القبر، وقرضه بعده وعن الشيخ أنه أطلق وجوب
قرض المحل (4).
ويجب أن يطرح معه في الكفن ما يسقط من شعره وجسده.
والمشهور بين الأصحاب أنه إذا وجد من الميت عضو فيه عظم يغسل ويكفن
ويدفن، واعتبر بعضهم في كفنه القطع الثلاث (5) وإن كان نصفا فيه القلب يصلى عليه
أيضا، والأحوط إلحاق القلب مطلقا والصدر واليدين به، وأما الخالي عن العظم
فالمشهور بين المتأخرين أنه يلف في خرقة ويدفن، ولم يوجب المحقق اللف (6)

(1) الدروس 1: 110.
(2) المبسوط 1: 188، السرائر 1: 171، الدروس 1: 110.
(3) جامع المقاصد 1: 402.
(4) المبسوط 1: 181.
(5) الروض: 112 س 12.
(6) المعتبر 1: 319.
37

وهو موجه. والسقط لأربعة أشهر يغسل ويكفن ويدفن، وقيل: يكفن بالثلاث
ويحنط (1) وإذا كان له أقل من أربعة أشهر يلف في خرقة ويدفن، ويظهر من كلام
بعضهم نقل الإجماع عليه، واللف في الخرقة غير موجود في الرواية (2) (3).
النظر السادس في غسل مس الميت
اختلف الأصحاب في وجوب غسل مس الميت بعد برده بالموت وقبل
غسله، فذهب أكثر الأصحاب إلى الوجوب خلافا للسيد المرتضى، فإنه ذهب إلى
الاستحباب (4).
ومن غسل غسلا صحيحا مع تعذر الخليطين هل يجب الغسل بمسه؟ فيه
وجهان أقربهما العدم، وفي وجوب الغسل بمس قطعة فيها عظم سواء ابينت من
حي أو من ميت قولان، ولو خلت القطعة المبانة من عظم أو كان الميت من غير
الناس غسل العضو اللامس خاصة.
النظر السابع في الأغسال المستحبة
منها: غسل الجمعة، واختلف الأصحاب في وجوبه واستحبابه، وللقول
بالاستحباب رجحان ما.
وأول وقت غسل الجمعة طلوع الفجر، وآخره الزوال على المشهور، وصلاة
الجمعة عند بعضهم، ولعله أقرب، وإذا فاته غسل الجمعة في وقته قضاه آخر نهار
الجمعة أو يوم السبت على المشهور بين الأصحاب، وخصه ابن بابويه بما إذا كان
الفوات لعذر أو نسيان (5) والترجيح للأول، وهل يلحق بما ذكر ليلة السبت؟ قيل:
نعم (6) وهو خروج عن المنصوص.

(1) المسالك 1: 83.
(2) في خ 2: الروايات.
(3) الوسائل 2: 696، الباب 12 من أبواب غسل الميت، ح 5.
(4) حكاه في المعتبر 1: 351.
(5) الفقيه 1: 111 ذيل الحديث 227.
(6) المدارك 2: 164.
38

ويجوز تقديم غسل الجمعة يوم الخميس لمن خاف إعواز الماء في يوم
الجمعة، وبعضهم عمم الحكم لخائف فوت الأداء (1) والنص لا يقتضي التعميم،
والنص مختص بيوم الخميس (2) فلا يلحق به ليلة الجمعة.
ومنها: غسل أول ليلة من رمضان، وليلة نصفه، وليلة سبع عشرة، وتسع
عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وليلة الفطر، ويومي العيدين، وليلة
النصف من رجب وشعبان، ويوم النصف من رجب، ويوم المبعث عند جماعة من
الأصحاب - وهو اليوم السابع والعشرون من رجب - ويوم الغدير، ويوم عرفة،
ويوم التروية، ويوم المباهلة، وهو اليوم الرابع والعشرون من ذي الحجة على
المشهور، وقيل: هو الخامس والعشرون منه (3) وتدل عليه رواية سماعة (4).
ويستحب الغسل للإحرام، وأوجبه بعض الأصحاب (5) ويستحب أيضا
للطواف وزيارة النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)، ويستحب الغسل لقضاء أحد الكسوفين،
وأوجبه بعض الأصحاب (6) والأقوى أن استحباب الغسل إنما يكون إذا تعمد
الترك، سواء استوعب الاحتراق أم لا، والأكثر اشترطوا استيعاب الاحتراق.
ويستحب غسل المولود حين الولادة على الأشهر الأقوى، وقيل بالوجوب (7)
وللسعي إلى رؤية المصلوب مع رؤيته على الأشهر الأقوى، وقيل بالوجوب (8) ولا
فرق بين المصلوب الشرعي وغيره.
ويستحب الغسل للتوبة وصلاة الاستسقاء وصلاة الحاجة وصلاة الاستخارة
على التفاصيل (9) المذكورة في مواضعها.

(1) الدروس 1: 87.
(2) الوسائل 2: 948 و 949، الباب 9 من أبواب الأغسال المسنونة، ح 1 و 2.
(3) المعتبر 1: 357.
(4) الوسائل 2: 937، الباب 1 من أبواب الأغسال المسنونة، ح 3.
(5) حكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف 1: 315.
(6) النهاية 1: 375.
(7) الوسيلة: 54.
(8) الكافي في الفقه: 135.
(9) في خ 2: بالتفاصيل.
39

ويستحب أيضا لدخول الحرم والمسجد الحرام ومكة والكعبة والمدينة
ومسجد النبي (صلى الله عليه وآله).
فائدة: إذا اجتمع على المكلف غسلان فصاعدا فلا يخلو إما أن يكون الكل
واجبا أو مستحبا، أو بعضها واجبا وبعضها مستحبا.
الأول (1): أن يكون الكل واجبا، فإن قصد الجميع في النية فالظاهر إجزاء
غسل واحد للكل، وإن لم يقصد التعيين، بل أطلق فالظاهر أيضا إجزاء غسل
واحد للجميع، وإن قصد التعيين فإن قصد الجنابة فالأشهر الأقوى أنه مجز عن
غيره، بل قيل: إن ذلك متفق عليه (2) وإن قصد غير الجنابة ففيه قولان، والأقوى أنه
مثل السابق.
الثاني: أن يكون الكل مستحبا، والأقرب إجزاء غسل واحد للجميع والأولى
أن ينوي الأسباب جميعا.
الثالث: أن يكون بعضها واجبا وبعضها مستحبا كالجنابة والجمعة، فإن نوى
الجميع أجزأ غسل واحد، وإن نوى الجنابة دون الجمعة فالأقوى أنه يجزي عن
الجميع، خلافا لبعض الأصحاب (3) وإن نوى الجمعة دون الجنابة فالمشهور أنه
لا يجزي عن واحد منهما، والقول بالإجزاء غير بعيد.
الفصل الثالث
في التيمم
وفيه أبحاث:
الأول: إنما يجب التيمم عند فقد الماء مع الطلب على الوجه المعتبر شرعا كما
سيجيء، أو تعذر استعماله للمرض بأن يخاف زيادته أو بطوء برئه أو عسر

(1) في خ 2: والأول.
(2) حكاه في المدارك 1: 194.
(3) نهاية الإحكام 1: 113.
40

علاجه، أو خاف حدوثه إن لم يكن حاصلا.
والمشهور بين الأصحاب عدم الفرق بين متعمد الجنابة وغيره في تسويغ
التيمم له عند التضرر بالماء، وقيل: المتعمد يغتسل وإن خاف على نفسه (1) وقيل
يتيمم ويعيد الصلاة (2) وبعض الروايات المعتبرة (3) يؤيد القول الثاني، لكن حملها
على المشقة طريق الجمع بين الأدلة، والقول الثالث ضعيف.
والمريض إذا لم يخف الضرر باستعمال الماء لم يجز له التيمم، والمرجع في
معرفة التضرر إلى ظنه الحاصل بالتجربة أو إخبار من يثق بقوله.
ومما يسوغ التيمم تعذر استعمال الماء بسبب البرد الشديد الذي لا يتحمل
مثله عادة عند جماعة من الأصحاب، وربما يمنع من تسويغ التيمم مع البرد الذي
لا يخشى عاقبته مطلقا، وللتأمل فيه مجال.
وقطع الأصحاب بأن الشين مسوغ للتيمم وصريح العلامة وظاهر المحقق نقل
الإجماع عليه (4) وصرح العلامة في النهاية بعدم الفرق بين الشديد والضعيف (5)
وقيده في بعض مواضع المنتهى بالفاحش (6) ونقل بعضهم الاتفاق على أن الشين
إذا لم يوجب تغيير الخلقة وتشويهها لم يجز التيمم (7).
وقال بعض المتأخرين: وأما الشين فهو أيضا إن وصل إلى أن يسمى مرضا
ويحصل به الضرر الغير المحتمل - كما قد يقع في بعض البلدان بالنسبة إلى بعض
الأبدان - فهو ملحق بالمرض ومشترك معه في دليله، وإلا فيشكل الحكم به وبأنه
مرض مطلقا (8) وهو حسن.
ومن الأسباب المسوغة للتيمم عدم إمكان الوصول إلى الماء بسبب ضيق

(1) المقنعة: 60.
(2) النهاية 1: 259 و 260.
(3) الوسائل 2: 986 و 987، الباب 17 من أبواب التيمم، ح 3 و 4.
(4) المنتهى 3: 32، المعتبر 1: 365.
(5) نهاية الاحكام 1: 195.
(6) المنتهى 3: 28.
(7) الخلاف 1: 153، المسألة 102.
(8) مجمع الفائدة 1: 215.
41

الوقت وإن كان الماء قريبا على الأشهر الأقوى، خلافا لبعضهم (1).
ومنها: خوف العطش الحاصل أو المتوقع في زمان لا يحصل فيه الماء عادة
أو بقرائن الأحوال، ولا فرق بين الخوف على النفس أو شيء من الأطراف، أو
حصول مرض أو زيادته، أو خوف ضعف يعجز معه عن المشي، أو تخلف الرفقة،
أو مزاولة امور السفر حيث يحتاج إليها. ولو خاف على رفيقه أو عطشانا آخر
يتيمم واستبقى الماء.
وألحق الفاضلان وغيرهما بذلك الدواب المحترمة فجعلوا الخوف من عطشها
موجبا للرخصة (2). واستشكله بعضهم (3).
ومنها: خوف اللص أو السبع سواء كان على النفس أو على المال، وذكر
جماعة من الأصحاب أن الخوف إذا كان بسبب الجبن فهو كذلك (4) وهو غير بعيد.
ومنها: عدم الآلة المحتاج إليها في تحصيل الماء كالدلو والرشاء، ولو وجد الماء
أو الآلة بقيمة يتمكن منها ولا يضر بذلها بحاله في الحال أو المآل لم يجز التيمم،
ولو فقد الماء وجب عليه الطلب غلوة سهم في الأرض الحزنة - وهي المشتملة
على الأشجار والأحجار والعلو والهبوط من كل جانب - وسهمين في السهلة من
الرامي المعتدل بالآلة المعتدلة على الأشهر بين الأصحاب، ولا يخلو عن قوة.
وفي المنتهى: ينبغي له أن يطلب الماء في رحله ثم إن رأى ما تقضي العادة
بوجود الماء عنده كالخضرة قصده وطلب الماء عنده وإن زاد عن المقدر، ولو كان
بقربه قرية طلبها، ثم قال: والحاصل وجوب الطلب عندما يغلب على الظن وجود
الماء عنده (5) وهو حسن، ولو تيقن عدم الماء في جميع الجهات أو بعضها سقط
الطلب بحسبه، ولا يكفي طلب الغير إلا أن يحصل به العلم بالانتفاء، نعم لو عجز لم
يبعد وجوب الاستنابة ولو باجرة ويحتسب لهما.

(1) المعتبر 1: 366.
(2) المعتبر 1: 368، القواعد 1: 237.
(3) المدارك 2: 196.
(4) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 111، والسيد العاملي في المدارك 2: 191.
(5) المنتهى 3: 48.
42

وقال العلامة وغيره: لا يكفي الطلب قبل الوقت إذا أمكن التجدد بعده (1) وفي
إثباته إشكال، واستقرب العلامة إعادة الطلب للصلاة الثانية (2).
ولو تيقن بوجود الماء قريبا أو بعيدا ولم يتضرر بتحصيله مع سعة الوقت
فالظاهر وجوب تحصيله.
ولو وجد ما لا يكفيه للطهارة يتيمم ولا يتبعض الطهارة، ولو تضرر بعض
أعضائه بالمرض تيمم ولم يغسل الصحيح، وقال الشيخ: لو غسلها وتيمم كان
أحوط (3).
ولو كان على بدنه أو ثوبه المحتاج إليه في حال الصلاة نجاسة غير معفو عنها
ومعه من الماء ما يكفي لإزالتها أو للطهارة أزال النجاسة به وتيمم بدلا عن الغسل
أو الوضوء.
الثاني: اختلف العلماء فيما به يتيمم، فالمشهور أنه يجوز التيمم بما يصدق
عليه الأرض وإن لم يكن ترابا كالحجر وأرض النورة والجص، واعتبر السيد
المرتضى التراب (4) والأول أقوى، لكن لا يبعد أن يعتبر وجود غبار ونحوه على
الحجر ونحوه يعلق باليد، وفي الخزف قولان.
ولا يجوز التيمم بالمعادن والرماد والدقيق والاشنان ونحوها، وكذا المغصوبة
والنجس.
ولو فقد الأرض تيمم بغبار ثوبه ولبد سرجه وعرف دابته، والأشهر الأقوى
التخيير، وبعضهم أوجب فيها ترتيبا (5) وظاهر المفيد وسلار وجوب النفض والتيمم
بالغبار الخارج منه (6) والظاهر اشتراط الإحساس بالغبار، والنفض لتحصيل ذلك
عند فقده، فلا يكفي الغبار الكامن من غير إحساس به، فلو فرض عدم الغبار أصلا
لم يجز التيمم به، لأن العبرة بالغبرة.

(1) المنتهى 3: 49.
(2) المنتهى 3: 48.
(3) المبسوط 1: 35.
(4) حكاه في المعتبر 1: 372.
(5) النهاية 1: 262.
(6) المقنعة: 59، المراسم: 53.
43

وظاهر الأكثر اشتراط فقد الأرض مطلقا أو التراب في جواز التيمم بما ذكر،
وظاهر بعضهم جوازه مع وجود التراب (1) والأول أظهر. والأشهر الأظهر أن التيمم
بالحجر مقدم على التيمم بالغبار خلافا لسلار (2). ولو اختص بعض الأشياء
المذكورة بكثرة الغبار فهل يتعين التيمم به؟ قيل: نعم (3) وفيه إشكال.
وإن لم يوجد شيء من ذلك ووجد الوحل فإن أمكن تجفيفه وجمعه في مكان
ثم الضرب عليه فعل، وإلا يتيمم به، والمشهور كراهية التيمم بالسبخة والرمل.
الثالث: في آداب التيمم. يجب فيه النية، وفي وجوب نية بدلية الغسل أو
الوضوء قولان، أقربهما العدم، والأشهر الأقوى أن وقتها عند الضرب وقيل عند
مسح الجبهة (4) ويجب الاستدامة الحكمية.
ويجب وضع اليدين معا على الأرض، والأقرب وجوب كون الوضع على
وجه يتحقق صدق الضرب، والظاهر وجوب كون ضرب اليدين دفعة وأن يكون
بباطنهما، والمشهور أنه لا يجب علوق شيء باليد والمسح به، وعن ابن الجنيد
وجوب المسح بالتراب العالق باليد (5) وهو غير بعيد.
ثم يمسح باليدين جميعا جبهته من قصاص شعر الرأس إلى طرف الأنف
الأعلى، والاحتياط أن يمسح الجبينين أيضا، والمشهور عدم وجوب مسح
الحاجبين، وقيل: يجب (6) ومنهم من أوجب مسح تمام الوجه (7) وهو ضعيف.
والمشهور وجوب البدأة بالأعلى، ويجب المسح بالكفين معا على الأشهر
الأقرب. وجوز ابن الجنيد المسح باليد اليمنى (8).

(1) جمل العلم والعمل (رسائل السيد المرتضى) 3: 26.
(2) المراسم: 53.
(3) الروض: 121 س 15.
(4) نهاية الإحكام 1: 204.
(5) حكاه عنه في المختلف 1: 434.
(6) الفقيه 1: 104 ذيل الحديث 213.
(7) حكاه عن علي بن بابويه في المختلف 1: 426.
(8) حكاه في المختلف 1: 430.
44

والأقرب وجوب ملاقاة بطن الكفين بمحل المسح، ولا يجب استيعاب
مجموع اليدين، ويجب أن لا يكون حائل بين اليد والجبهة.
ثم يمسح ببطن كفه اليسرى ظهر كفه اليمنى، وحده من الزند إلى أطراف
الأصابع على الأشهر الأقرب، ثم يمسح ظهر اليسرى ببطن كفه اليمنى،
وللأصحاب اختلاف في عدد الضربات فقيل: إن الواجب في الجميع ضربة
واحدة (1) وقيل: ضربتان مطلقا (2) وقيل: ثلاث ضربات (3) وقيل: إذا كان بدل
الوضوء فضربة، وإلا فضربتان (4) والأقوى عندي أن الضربة الواحدة واجبة مطلقا،
والثانية مستحبة، لكن الاحتياط أن لا تترك الضربة الثانية.
ويجب الترتيب كما ذكر والموالاة.
والظاهر أن المراد بالموالاة هاهنا هي المتابعة عرفا، فلا يضر التراخي اليسير
الذي لا يقدح في الصدق العرفي.
ويجب الاستيعاب في الأعضاء الممسوحة دون الماسح، والمشهور بين
المتأخرين وجوب طهارة موضع المسح، والاحتياط فيه، ولو تعذرت إزالة
النجاسة سقط اعتبارها ووجب التيمم وإن تعدت النجاسة إلى التراب، وقيد
الشهيد وغيره وجوب التيمم بعدم تعدي النجاسة إلى التراب (5).
الرابع: في بعض أحكام التيمم، وفيه مسائل:
الاولى: اختلف الأصحاب في جواز التيمم في سعة الوقت، فذهب جماعة
منهم إلى جوازه في سعة الوقت (6) وجماعة منهم إلى وجوب تأخيره إلى آخر

(1) جمل العلم والعمل (رسائل السيد المرتضى) 3: 25.
(2) حكاه عن علي بن بابويه (رحمه الله) في المختلف 1: 431.
(3) حكاه في المعتبر 1: 388.
(4) المراسم: 54.
(5) الدروس 1: 133.
(6) المنتهى 3: 53، البيان: 35، مجمع الفائدة 1: 223.
45

الوقت (1) ومنهم من قال بالتفصيل بأنه يجب التأخير إذا كان العذر مرجو الزوال
ويجوز في السعة بدونه (2) والراجح عندي القول الأول، لكن الشهرة على خلافه
حتى نقل جماعة الاتفاق عليه (3) والقول بالتفصيل أيضا لا يخلو عن وجه.
ولو تيمم عند ضيق الوقت ثم دخل وقت صلاة اخرى فالأظهر أنه يجوز له
الدخول فيها في أول الوقت على القول بالتضييق أيضا.
ولو تيمم لصلاة فريضة جاز له الدخول في صلوات اخرى من غير إعادة
التيمم، ومن عليه فائتة فالأوقات كلها تصلح للتيمم، وحكم المحقق والشهيد
بجواز التيمم للصلاة النافلة في سعة وقتها (4). وهو جيد، ويجوز الدخول بتيمم
النافلة في الفريضة، ولو تيمم وصلى بظن ضيق الوقت ثم ظهر الخطأ فالأقرب
على القول بالتضييق عدم وجوب الإعادة.
الثانية: لو أخل بالطلب وتيمم وصلى في سعة الوقت فصلاته باطلة، ولو أخل
بالطلب وضاق الوقت حتى لا يمكنه الطلب ثم تيمم وصلى فالأشهر الأقوى أن
صلاته صحيحة، ولو ظهر حينئذ أن الماء كان في رحله أو مع أصحابه فالمشهور
أنه يجب عليه إعادة الصلاة.
ولو أراق الماء قبل الوقت أو مر بماء فلم يتطهر ودخل الوقت ولا ماء تيمم
وصلى ولا إعادة، ولو كان ذلك بعد دخول الوقت فكذلك على الأقرب، وذهب
بعض الأصحاب إلى وجوب الإعادة (5) ولو كان الماء موجودا عنده فأخل
باستعماله حتى ضاق الوقت عن الطهارة به والصلاة فهل يتيمم ويؤدي أم يتطهر
بالماء ويقضي؟ فيه قولان أقربهما الأول.
الثالثة: ينقض التيمم كل نواقض الطهارة الكبرى والصغرى، ويزيد وجود

(1) الخلاف 1: 146 المسألة 94، الانتصار: 31، الكافي في الفقه: 136.
(2) حكاه عن ابن الجنيد في المعتبر 1: 383، القواعد 1: 239، جامع المقاصد 1: 501.
(3) الانتصار: 32، الروض: 122 س 11، جامع المقاصد 1: 499.
(4) المعتبر 1: 383، الذكرى: 106 س 26.
(5) القواعد 1: 236، الدروس 1: 131.
46

الماء مع التمكن من استعماله، فإن وجد الماء قبل دخوله في الصلاة انتقض تيممه،
وإن وجده وقد تلبس بالتكبيرة أتم عند الأكثر، وفي المسألة أقوال اخرى، والأول
لا يخلو عن رجحان.
الرابعة: لو أحدث المجنب المتيمم أعاد بدلا من الغسل وإن كان الحدث أصغر
على المشهور، وقيل: إنه يتيمم بدلا من الوضوء (1) ولو وجد الماء بقدر الوضوء
حينئذ فالمشهور أنه يتيمم وقيل: يتوضأ (2).
الخامسة: يجوز التيمم لصلاة الجنازة مع وجود الماء ولا يدخل في غيرها
من الصلوات.
الفصل الرابع
في المياه
الماء على قسمين: مطلق ومضاف، فالمطلق ما يطلق عليه اسم الماء بلا
إضافة، ولا يقدح في ذلك الإطلاق مع الإضافة، والمضاف مقابله، والماء المطلق
على قسمين: جار وغير جار، وغير الجاري على قسمين: بئر وغير بئر، وغير البئر
على قسمين: الكر والناقص عن الكر، فصارت أقسام المياه خمسة:
القسم الأول: الجاري، وهو ما ينبع من الأرض ولا يسمى في العرف بئرا
سواء جرى على وجه الأرض أم لا، ولا ينجس بملاقاة النجاسة إلا أن يتغير
طعمه أو لونه أو رائحته، سواء كان كرا أم لا على الأشهر الأقوى خلافا للعلامة (3)
ولابد في التنجيس من أن يكون التغير بالنجاسة، فلو تغير بالمتنجس لم ينجس،
ولو شك في أن التغير بسبب النجاسة أم لا لم ينجس.
وإذا تغير الجاري بالنجاسة فلا يخلو إما أن يكون النجاسة مستوعبة له أم لا،

(1) و (2) حكي القولان عن السيد المرتضى في جامع المقاصد 1: 514.
(3) القواعد 1: 182.
47

وعلى الأول نجس أجمع، وعلى الثاني نجس المتغير قطعا، وأما الباقي فيختلف
بحسب اختلاف حال الماء، فلا يخلو إما أن يكون الماء مستوى السطوح أم لا،
وعلى التقديرين لا يخلو إما أن يستوعب النجاسة عمود الماء - وهو ما بين
حافتي المجرى عرضا وعمقا - أم لا، وعلى الأول إما أن يبلغ ما يلي المتغير من
غير جهة المنبع كرا أم لا، فهذه ست صور:
الاولى: أن يكون السطوح مستوية ولا يستوعب النجاسة عمود الماء،
ولا ريب في اختصاص المتغير بالتنجيس إذا بلغ الباقي كرا، وإن لم يبلغ فيبنى
على الخلاف في اشتراط الكرية في الجاري.
الثانية: الصورة بحالها، لكن استوعبت النجاسة عمود الماء وكان ما يلي
المتغير من غير جهة المنبع كرا، وحكمها كالاولى، لكن يشترط في بقاء ما يلي
المتغير إلى جهة المنبع على الطهارة أن يكون كرا على القول باشتراط الكرية في
الجاري.
وعن بعضهم الحكم بعدم الانفعال مع القلة وإن اعتبرنا الكرية (1) وفيه نظر.
الثالثة: الصورة بحالها، ولكن يكون ما يلي المتغير من غير جهة المنبع دون
الكر، ولا ريب في نجاسته وحكم ما قبل المتغير كما قبلها.
الرابعة: أن يختلف السطوح ولم يستوعب النجاسة العمود وهي في الحكم
كالصورة الاولى، إذ الظاهر عدم اشتراط استواء السطوح في الجاري وإن اعتبر
في غيره.
الخامسة: الصورة بحالها، ولكن استوعبت النجاسة العمود وكان ما بعده بالغا
حد الكر، فلا يخلو إما أن يكون سطوح ما بعده مستويا أم لا، وعلى الأول فإنه
باق على الطهارة، وعلى الثاني مبني على الخلاف في اشتراط استواء سطوح
مقدار الكر في الواقف وعدمه، ومن التفصيل الآتي فيه يستفاد الحكم هاهنا.
وأما ما يلي المنبع فهو طاهر وإن اعتبرنا الكرية في الجاري إن كان فوقه،

(1) انظر الروض: 135 س 13.
48

وإلا فيشترط في طهارته الكرية بناء على القول باعتبارها في الجاري.
السادسة: الصورة بحالها، ولكن كان ما بعد المتغير دون الكر وهو نجس
وحكم ما قبل المتغير كما قبلها.
وإن نجس الماء الجاري فإن اعتبرنا في تطهير المياه ممازجة المطهر كما هو
مذهب جماعة من الأصحاب فلابد في تطهره من تدافع المادة وتكاثرها عليه
حتى يستهلك النجاسة ويزول التغير.
وإن اكتفينا بالاتصال فقيل: لا يكفي هاهنا، وقيل: إن كان للمادة نحو علو
على الماء النجس أو مساواة له فالمتجه الحكم بالطهارة عند زوال التغير بناء على
الاكتفاء بالاتصال، وإلا فاشتراط التدافع والتكاثر متعين (1).
وعن جمع من المتأخرين حصول الطهارة بزوال التغير (2). وهو غير بعيد، ولا
ينحصر طريق تطهير الجاري فيما ذكر، بل يمكن تطهيره بغير ذلك مما يطهر به
الواقف.
والأقرب أن الحياض الصغار في الحمام إذا كانت أقل من الكر ولها اتصال
بمادة يكون المجموع كرا حكمه حكم الجاري، ولا يعتبر استواء السطوح هاهنا،
بل لا يبعد أن يكون الحكم كذلك وإن لم يكن المجموع كرا، كما هو ظاهر كلام
المحقق (3).
والمشهور أن ماء الغيث حال نزوله حكمه حكم الجاري، ويلوح من كلام
الشيخ اشتراط الجريان من الميزاب (4) ولا يبعد اعتبار الجريان في الجملة وإن لم
يصل إلى حد الجريان من الميازيب وإن كان ذلك أحوط.
وإذا وقع المطر على ماء نجس غير متغير فإن جرى إليه من ميزاب ونحوه فلا
ريب في تطهير الماء مع اشتراط الامتزاج على القول باعتباره في التطهير، وإن لم

(1) المعالم 1: 305.
(2) جامع المقاصد 1: 135، المدارك 1: 33، الروض:، 137 س 13.
(3) المعتبر 1: 50.
(4) المبسوط 1: 6.
49

يحصل الجريان فالمشهور حصول التطهير بالتقاطر خلافا لما يلوح من كلام
الشيخ من اعتبار الجريان (1).
وعن بعض المتأخرين الاكتفاء في التطهير بقطرة واحدة (2).
وإذا وقع على ماء قليل طاهر فإن كان بطريق الجريان فيفيده تقويا يصير
كالجاري، وإلا فيبنى على الخلاف المذكور، وإذا أصاب في حال تقاطره موضعا
نجسا كالأرض ونحوها واستوعب موضع النجاسة وزالت العين فالظاهر حصول
الطهارة به، وإذا انقطع التقاطر صار ماء المطر في حكم الواقف.
القسم الثاني: الماء الواقف غير البئر الناقص عن الكر، وللكر تقديران:
أحدهما: الوزن وهو ألف ومائتا رطل، والمشهور بين الأصحاب أن المراد
بالرطل «العراقي» وقدره مائة وثلاثون درهما، وقيل: المراد «المدني» (3) وقدره
مائة وخمس وتسعون درهما، والأول لا يخلو عن رجحان.
والتقدير الثاني: بحسب المساحة وفيه خلاف، وللفقهاء أقوال متعددة وأقوى
الأقوال قولان:
أولهما: أن يكون مساحته اثنان وأربعون شبرا وسبعة أثمان شبر بشبر
مستوي الخلقة، وهذا أشهر الأقوال.
وثانيهما: أن يكون مساحته سبعة وعشرون شبرا، والترجيح بين القولين
لا يخلو عن إشكال.
والماء الواقف القليل غير البئر إذا لاقته نجاسة ولم تغيره فالأقرب المشهور
بين الأصحاب أنه ينجس خلافا لابن أبي عقيل (4).
وإذا نجس القليل فطريق تطهيره أحد امور:

(1) المبسوط 1: 6.
(2) حكاه الشهيد الثاني عن بعض السادة الأفاضل من معاصريه في الروض: 139 س 3.
(3) الفقيه 1: 6 ذيل الحديث 2، الانتصار: 8. وحكاه عن ابن بابويه في المختلف 1: 185.
(4) حكاه في المختلف 1: 176.
50

منها: اتصاله بالجاري أو الكر، لكن اختلف الأصحاب في أنه هل يكفي
مجرد الاتصال أم لابد من الامتزاج؟ ولي فيه تردد، والأحوط اعتبار الثاني.
ومنها: أن يصب عليه كر من ماء بحيث لا ينفصل أجزاء الكر بعضها عن بعض.
ومنها: وقوع المطر عليه بالتفصيل الذي ذكر.
القسم الثالث: الماء الواقف غير البئر إذا بلغ كرا فصاعدا، وحكمه حكم
الجاري، ولا فرق بين الغدير والمصنع والحياض والأواني على الأشهر الأقرب،
وقيل: إن الحياض والأواني ينجس بالملاقاة (1). وإذا تغير بعض الماء البالغ كرا
بالنجاسة فإن كان الباقي كرا لم ينجس، والأقرب أنه لا يعتبر في الكر استواء
السطوح وإذا نجس الكر فلتطهيره وجوه:
منها: الاتصال بينه وبين الجاري أو كر طاهر بحيث يحصل الامتزاج بينهما،
وفي مجرد الاتصال قولان.
ومنها: إلقاء الكر عليه بحيث لا يحصل بين أجزائه انفصال، والأحوط اعتبار
الدفعة عرفا.
ومنها: تقاطر المطر على ما مر.
ومنها: أن ينبع ماء من تحته.
ولو وقع في الماء نجاسة وشك في أن وصوله إليه قبل الكرية أو بعدها فالوجه
الطهارة.
القسم الرابع: ماء البئر، وإذا تغير بالنجاسة نجس، وفي طريق تطهيره أقوال:
أقربها أنه يطهر بالنزح حتى يزول التغير، وإن لاقته النجاسة من غير تغير فالأكثر
على أنه ينجس، والأقوى أنه لا ينجس، والأمر بالنزح في الأخبار محمول على
الاستحباب.
والقائلون بالنجاسة أوجبوا نزح كله بموت البعير، والمشهور بينهم وجوب
نزح الكل بوقوع المني، والأخبار خالية عنه.

(1) المقنعة: 64، المراسم: 36.
51

والمشهور عندهم وجوب نزح الجميع في وقوع دم الحيض والاستحاضة
والنفاس، والنص خال عنه.
وأوجبوا نزح الجميع بوقوع المسكر، والموجود في الرواية الخمر، ومعظم
الأصحاب لم يفرقوا بين الخمر وسائر المسكرات، والمشهور عندهم جريان هذا
الحكم في الفقاع.
وإذا تعذر نزح الجميع لغزارته تراوح عليها أربعة رجال يوما، والأحوط
اعتبار يوم الصوم.
وعلى المشهور يجب نزح كر في موت الحمير والبقرة وشبههما كالبغل
والفرس، والأحسن إلحاق الثور والبقرة بالبعير في نزح الجميع.
وأوجبوا سبعين دلوا في موت الآدمي، والأكثر لم يفرقوا بين المسلم والكافر،
وأوجب ابن إدريس للكافر نزح الجميع (1) والأول أقرب.
والمشهور خمسون في العذرة الرطبة والذائبة في الماء، والمشهور خمسون
في الدم الكثير كذبح الشاة وأربعون في موت السنور، والكلب، وألحق الشيخان
بهما الخنزير والأرنب والثعلب (2).
والمشهور أربعون في بول الرجل وبعضهم حكموا بشمول الحكم لبول المرأة
أيضا (3) ومنهم من أوجب في بول المرأة ثلاثين (4) ومنهم من أدخله فيما
لا نص فيه (5).
وكثير من الأصحاب ذهبوا إلى أن ماء المطر المخلوط بالبول والغائط وخرء
الكلاب إذا وقع في البئر ينزح ثلاثون دلوا، وفيه تأمل، والمشهور أنه يجب عشرة
في العذرة اليابسة.
وذهب جماعة من الأصحاب إلى أنه ينزح عشرة في الدم القليل غير الدماء

(1) السرائر 1: 73.
(2) المقنعة: 66، المبسوط 1: 11.
(3) السرائر 1: 78.
(4) المعتبر 1: 68.
(5) الذكرى 1: 101، جامع المقاصد 1: 142.
52

الثلاثة كذبح الطير والرعاف اليسير، وقيل: دلاء يسيرة (1). وهو أقوى.
والمشهور نزح سبع في موت الطير كالحمامة والنعامة وما بينهما، وكذا الفأرة
إذا تفسخت أو انتفخت وإلا فثلاث، وقيل: دلو (2).
والمشهور في بول الصبي الذي لم يبلغ وأكل الشيء سبع دلاء، وكذا في
اغتسال الجنب الخالي بدنه من نجاسة عينية ووقوع الكلب عند خروجه حيا،
وخمس في ذرق الدجاج، وقيده بعضهم بالجلال (3) وثلاث في موت الحية، ودلو
في موت العصفور وشبهه وبول الرضيع الذي لم يغتذ بالطعام.
واختلف القائلون بالتنجيس في وقوع نجاسة لم يرد فيها نص على أقوال ثلاثة:
نزح الجميع، ونزح ثلاثين، والأربعين، والأقوى أن الكل على سبيل الاستحباب.
والمشهور بين القائلين بالتنجيس أن طريق تطهير البئر إذا نجس غير منحصر
في النزح، بل يمكن تطهيره بممازجة الجاري ونزول الغيث وإلقاء كر عليه،
ويستفاد من كلام المحقق في المعتبر انحصار طريق التطهير في النزح (4) وهو أقوى
على القول بالتنجيس.
وإذا تكرر وقوع النجاسة فللأصحاب فيه أقوال، أقواها التداخل.
ولا ينجس جوانب البئر بما يصيبها من الماء المنزوح عندهم ويحكم
بالطهارة عند مفارقة آخر الدلاء، والمتساقط معفو عنه، ولا يجب غسل الدلو.
ويستحب التباعد بين البئر والبالوعة بخمس أذرع إذا كانت الأرض صلبة أو
كانت البئر فوق البالوعة وإلا فسبع.
القسم الخامس: الماء المضاف كالمعتصر من الأجسام أو المصعد أو الممزوج
بجسم آخر بحيث يسلبه الإطلاق، والمشهور أنه لا يرفع الحدث ولا يزيل الخبث،
ولا أعلم خلافا في أنه ينجس بملاقاة النجاسة بلا فرق بين القليل والكثير.

(1) الفقيه 1: 17 ذيل الحديث 22، المنتهى 1: 79.
(2) الفقيه 1: 17 ذيل الحديث 22.
(3) المقنعة: 68، المراسم: 36، السرائر 1: 80.
(4) المعتبر 1: 79.
53

الفصل الخامس
في بعض الأحكام المتعلقة بالمياه
لا يجوز استعمال الماء النجس في الطهارة، ولا يجوز شربه وإدخاله في
المأكول والمشروب بدون التطهير، ولو اشتبه الإناء الطاهر بالنجس وجب
الاجتناب عنهما والتيمم، وظاهر النص صب الماءين (1) وأوجب ذلك بعض
الأصحاب (2) وهو أحوط، وفي نجاسة الشيء بملاقاة ماء أحد الإناءين قولان:
أقربهما عدم الانفعال.
ولا يحكم بنجاسة الشيء بالوهم والشك، وفي الظن خلاف، فقيل: إنه لا يعتبر
مطلقا ولا يحكم بالنجاسة إلا مع العلم بحصول السبب (3). وقيل: يعتبر مطلقا،
وقائله قليل. والمشهور أن الظن إذا استند إلى سبب يقوم مقام العلم عول عليه،
وإلا فلا. وفسر السبب المذكور بما اعتبر الشارع سببيته كإخبار العدلين وإخبار
المالك، وبعضهم عول على إخبار العدل الواحد (4) وبعضهم عول على قول صاحب
اليد مطلقا (5) وقطع المحقق بعدم قبول قول العدل الواحد (6) ونقل عن ابن البراج
عدم التعويل على قول العدلين هاهنا (7).
والأقوى عندي عدم التعويل على الظن مطلقا، لكن في صورة إخبار العدلين
بالنجاسة تردد.
والأسئار: والمراد به الماء القليل الذي لاقاه جسم حيوان، وهو في الطهارة
والنجاسة تابع لذلك الحيوان وقد وقع الخلاف في مواضع بحسب الخلاف في
طهارة الحيوان الملاقي.

(1) الوسائل 1: 116، الباب 8 من أبواب الماء المطلق، ح 14.
(2) المقنعة: 69، النهاية 1: 206.
(3) المدارك 1: 108.
(4) المنتهى 1: 178.
(5) جامع المقاصد 1: 154.
(6) المعتبر 1: 30.
(7) المهذب 1: 30.
54

منها: اليهود والنصارى، فالأكثر على نجاستهم، وبعضهم على طهارتهم (1).
ومنها: المجسمة، فقد وقع الاختلاف في طهارتهم.
ومنها: المجبرة، والأكثر على طهارتهم.
ومنها: مخالف الحق في الدين غير المستضعف، والمشهور الأصح طهارتهم،
وقيل بالنجاسة (2) ومنها: سؤر ما عدا الخنزير من المسوخات، فالأكثر على
الطهارة، وقيل بالنجاسة (3) وسيجئ ذكر هذه الأحكام في مباحث النجاسات.
والأقرب الأشهر أن كل حيوان طاهر سؤره طاهر، ومنهم من حكم بنجاسة
سؤر آكل الجيف. ومنهم من حكم بنجاسة سؤر الجلال (4). ومنهم من حكم بنجاسة
سؤر ما لا يؤكل لحمه إلا الفأرة ومثل البازي والصقر من الطيور (5). والمشهور
كراهية سؤر الجلال وآكل الجيف، وكذا كراهية سؤر البغال والحمير، وقيل: يكره
سؤر كل حيوان لا يؤكل لحمه (6). وهو متجه.
ويكره سؤر الحائض المتهمة بعدم التحرز من النجاسات.
والماء القليل المستعمل في الحدث الأصغر طاهر مطهر، والمستعمل في
الحدث الأكبر كالجنابة إذا كان البدن خاليا من النجاسة العينية طاهر، وفي جواز
رفع الحدث به ثانيا خلاف، والأقرب الجواز، وفي نجاسة الغسالة إذا لم يتغير
بالنجاسة خلاف، فقيل بنجاستها مطلقا (7). وقيل بطهارتها مطلقا (8). وقيل: طاهرة
مع ورود الماء على النجاسة دون العكس (9). والأقرب عندي الطهارة مع ورود

(1) حكاه عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل في المختلف 8: 296.
(2) السرائر 1: 84.
(3) الخلاف 6: 73 المسألة 2.
(4) المهذب 1: 25، حكاه عن ابن الجنيد في المختلف 1: 229.
(5) الاستبصار 1: 26 ذيل الحديث 1 و 2.
(6) الدروس 1: 123.
(7) المبسوط 1: 92.
(8) السرائر 1: 180.
(9) الناصريات: 72، المسألة 3.
55

الماء على النجاسة، وإن وردت النجاسة على الماء ففيه تردد، وعلى القول
بالنجاسة فالأقرب أنه ليس له حكم المحل، بل يكفي في تطهيره مرة واحدة، وفي
المسألة أقوال اخر، ونقل الفاضلان الإجماع على أن الغسالة على تقدير طهارتها
لا يرتفع بها الحدث (1).
وغسالة الماء المستعمل في الاستنجاء طاهرة بلا خلاف إذا لم يتغير ولم يرد
على نجاسة خارجة، ولم يكن الخارج من المخرج غير الحدثين، ولم يدخله من
غير مخرج البول والغائط نجاسة اخرى.
واشترط جماعة من الأصحاب أن لا يخالط البول والغائط بنجاسة اخرى،
وأن لا ينفصل مع الماء أجزاء متميزة (2). واشتراطهما أحوط وإن كان للتوقف فيه
مجال، وفي الذكرى: إذا زاد وزنه اجتنب (3).
والظاهر عدم الفرق بين التعدي وغيره، إلا أن يتفاحش على وجه لا يصدق
على إزالته اسم الاستنجاء، ولا فرق بين سبق الماء اليد وبين سبقها إياه، وينسب
إلى بعضهم اشتراط سبقه (4) وهو ضعيف.
وهل الرخصة في ماء الاستنجاء على سبيل العفو أو مبني على طهارته؟
الظاهر الثاني خلافا للسيد المرتضى (5).
واختلف الأصحاب في غسالة الحمام، فالمشهور نجاستها، والقول بالطهارة
لا يخلو عن قوة.
ويكره الطهارة بماء اسخن بالشمس في الأواني وبماء اسخن بالنار في غسل
الأموات.

(1) المعتبر 1: 90، المنتهى 1: 142.
(2) غاية المراد 1: 76، جامع المقاصد 1: 129، الروض: 160 السطر الأخير.
(3) الذكرى 1: 83.
(4) جامع المقاصد 1: 129.
(5) حكاه في المعتبر 1: 91.
56

الفصل السادس
في النجاسات
النجاسات عشرة:
منها: البول والغائط، ولا خلاف في نجاسة بول الإنسان وغائطه، وكذا من
كل حيوان لا يؤكل لحمه، إلا في موضعين:
أحدهما: رجيع الطير، فذهب جماعة من الأصحاب منهم: ابن بابويه وابن
أبي عقيل إلى طهارته (1) وقال الشيخ في المبسوط: بول الطيور وذرقها طاهر إلا
الخفاش (2) وذهب أكثر الأصحاب إلى النجاسة، والأقرب طهارة رجيع الطير، وفي
بوله تردد.
وثانيهما: بول الرضيع قبل أن يغتذي بالطعام، والأشهر الأقوى فيه النجاسة،
وقيل بالطهارة (3). والمشهور أن البول والغائط مما لا نفس سائلة له طاهر، ولا
أعلم قائلا بخلافه، وفي المعتبر أشعر بطريق تردد فيه (4).
وفسرت النفس السائلة بدم مجتمع في العروق يخرج بعد قطع شيء منها بقوة
وسيلان، وفسرها المحقق بما يخرج من العرق (5).
والبول والروث من كل حيوان يؤكل لحمه طاهران لا أعلم في ذلك خلافا إلا
في موضعين:
الأول: في أبوال الدواب الثلاث وأرواثها، فالمشهور طهارتها على كراهية،
وعن ابن الجنيد القول بالنجاسة، وإليه ذهب الشيخ في النهاية (6). والقول بطهارة
الأرواث واضح الدليل، وفي البول نوع تعارض بحسب الأخبار (7). والأحوط

(1) الفقيه 1: 71 ذيل الحديث 164، حكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف 1: 456.
(2) المبسوط 1: 39.
(3) حكاه عن ابن الجنيد في المختلف 1: 459.
(4) المعتبر 1: 102.
(5) المعتبر 1: 101.
(6) حكاه في المختلف 1: 457، النهاية 1: 265.
(7) انظر الوسائل 2: 1009، الباب 9 من أبواب النجاسات.
57

التحرز عنه.
الثاني: ذرق الدجاج، والأشهر الأقرب طهارته.
ومنها: المني، ولا ريب في نجاسة مني الإنسان، وحكم مني غير الآدمي
مما له نفس حكم مني الآدمي عند الأصحاب لا نعرف فيه خلافا بينهم، ونقل
الإجماع عليه.
ولا يلحق بالمني المذي، وهو الماء الذي يخرج عقيب الملاعبة والملامسة،
والودي - بالدال المهملة - وهو الذي يخرج عقيب البول، وهما طاهران عند
جمهور الأصحاب، وفيه خلاف لابن الجنيد (1).
ومنها: ميتة ذي النفس غير الآدمي، وهي نجسة بالإجماع على ما نقله
جماعة من الأصحاب إذا كان لها نفس سائلة، ويظهر من ابن بابويه المخالفة فيه
في بعض المواد (2).
وميتة الإنسان نجسة بلا خلاف بعد البرد وقبل الغسل، وفي نجاستها قبل البرد
خلاف، والأقرب النجاسة، والراجح طهارة الأجزاء الصغيرة المنفصلة عن بدن
الإنسان كالبثور والثالول.
وما لا تحله الحياة من الميتة طاهر كالصوف والشعر والوبر والعظم والظفر
والظلف والقرن والحافر والريش والبيض إذا اكتسى القشر الأعلى، ولا خلاف
بينهم في طهارة الإنفحة، وفي تفسيرها اختلاف.
والأشهر الأقوى عدم الفرق في الحكم بطهارة الصوف والشعر والوبر بين
كونها مأخوذة من الميتة بطريق الجز أو القلع، إلا أنه يحتاج في صورة القلع إلى
غسل موضع الاتصال، وفيه خلاف للشيخ (3) والأشهر الأقرب طهارة لبن الميتة.
والأجزاء المذكورة إذا كانت من نجس العين ففي طهارتها خلاف، والمشهور
النجاسة، خلافا للسيد (4).

(1) حكاه عنه في المختلف 1: 463.
(2) الفقيه 1: 11، ح 15.
(3) النهاية 3: 95.
(4) الناصريات: 100.
58

وجلد الحيوان المذكى طاهر. وتقع التذكية على كل حيوان مأكول اللحم وغير
مأكول اللحم على أنواع وسيجئ تفصيل الحكم فيها.
والمشهور أن جلد كل حيوان لم يذك نجس لا يجوز استعماله، سواء دبغ
أم لا، خلافا لابن الجنيد (1).
ومنها: الدم، وهو على أقسام:
الأول: الدم المسفوح أي الدم المنصب من العرق بقوة وكثرة، ولا ريب في
نجاسته.
الثاني: الدم المتخلف في الذبيحة بعد خروج المعتاد من الدم، والظاهر أنه
طاهر حلال ولا أعرف فيه خلافا.
الثالث: الدم المتخلف في حيوان غير مأكول اللحم والظاهر نجاسته كما هو
ظاهر الأصحاب، وتردد فيه بعضهم (2).
الرابع: ما عدا المذكورات من الدماء التي لا تخرج بقوة من عرق ولا لها كثرة
وانصباب، لكنها مما له نفس، وظاهر الأصحاب الاتفاق على نجاسته، ويتوهم من
بعض عباراتهم خلاف ذلك.
الخامس: دم السمك، والظاهر أن طهارته اتفاقي بينهم، ونقل الإجماع عليه
جماعة من الأصحاب (3). والأقرب أنه حلال أيضا.
السادس: دم غير السمك مما لا نفس له وهو طاهر، والظاهر أنه لا خلاف
فيه، وبعض عباراتهم يوهم خلاف ذلك (4).
ومنها: الكلب والخنزير وأجزاؤهما، وكلب الماء طاهر على الأقرب الأشهر.
ومنها: الكافر، ولا خلاف بين الأصحاب في نجاسة غير أهل الكتاب من
أصناف الكفار، وفي نجاسة أهل الكتاب خلاف، والمشهور بين الأصحاب

(1) حكاه في المختلف 1: 501.
(2) نقله صاحب المعالم 2: 475.
(3) الخلاف 1: 476، المسألة 219، غنية النزوع: 41، المعتبر 1: 421.
(4) الجمل والعقود: 56، المراسم: 55.
59

نجاستهم، وذهب المفيد في أحد قوليه وابن الجنيد إلى الطهارة (1) وأدلة النجاسة
محل بحث، والأخبار المعتبرة دالة على الطهارة، لكن لا ينبغي الجرأة على مخالفة
المشهور المدعى عليه الإجماع.
وفي نجاسة المجسمة خلاف بين الأصحاب، والأشهر الأقوى طهارة
المجبرة، والمنقول عن المرتضى نجاسة ما عدا المؤمن من الفرق الإسلامية (2).
والأشهر الأقوى الطهارة وولد الزنا نجس عند بعض الأصحاب (3) والأشهر الأقوى
طهارته، والمشهور نجاسة أولاد الكفار وفي دليله تأمل، والأقرب طهارة ولد
الكافر إذا سباه المسلم، وقيل: ظاهر الأصحاب أنه لا خلاف في طهارتهم (4). لكن
الظاهر أن فيه خلافا.
والمشهور بين الأصحاب نجاسة الخمر ونقل بعضهم الإجماع عليه (5). وذهب
جماعة من الأصحاب منهم ابن بابويه إلى طهارته (6) والأحوط التحرز منه. وسائر
المسكرات المائعة حكمه حكم الخمر وكذا الفقاع.
وألحق بعض الأصحاب بالخمر في التنجيس العصير إذا غلا واشتد ولم يذهب
ثلثاه (7). واكتفى بعضهم في التنجيس بمجرد الغليان (8). والأقرب الطهارة.
والأقرب الأشهر طهارة عرق الجنب من الحرام، وكذا عرق الإبل الجلال.
والأشهر الأقوى طهارة الثعلب والأرنب والفأرة والوزغة والأقرب الأشهر
طهارة المسوخ عدا الخنزير.
والأشهر الأقوى طهارة القيء، والأشهر الأقوى طهارة لبن الصبية.

(1) حكاه عن المفيد في المعتبر 1: 96، وحكاه عن ابن الجنيد في المختلف 8: 296.
(2) الناقل صاحب جامع المقاصد 1: 164.
(3) الفقيه 1: 9 ذيل الحديث 11، الانتصار: 273.
(4) مجمع الفائدة 7: 466.
(5) السرائر 1: 178 و 179.
(6) الفقيه 1: 74 ذيل الحديث 167.
(7) المعتبر 1: 424، المنتهى 3، 219.
(8) جامع المقاصد 1: 162، الذكرى 1: 115.
60

الفصل السابع
في أحكام النجاسات
وفيه مسائل:
الاولى: يجب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن للصلاة إلا ما استثني،
والمشهور أن الحكم في الطواف كذلك، وسيجئ حكمه.
وا لمشهور بين الأصحاب أنه لا يجوز إدخال النجاسة في المسجد، سواء
كانت متعدية أم لا، وذهب جماعة من المتأخرين إلى تخصيص التحريم
بالمتعدي (1) وهو أقوى، ومذهب الأصحاب أن إزالة النجاسة عن المسجد واجبة
كفاية، وقيل: يختص الوجوب بمن أدخل النجاسة إليها (2).
الثانية: لا خلاف بين الأصحاب في العفو عن دم الجروح والقروح إذا كان
في الثوب أو البدن، وكلام الأصحاب مختلف في الحد الموجب للترخيص فقيل
بالعفو عنه مطلقا إلى أن يبرأ سواء شقت إزالته أم لا، وسواء كان له فترة ينقطع فيها
أم لم يكن (3) واعتبر بعضهم سيلان الدم دائما وعدم الانقطاع (4). وبعضهم السيلان
في جميع الوقت أو تعاقب الجريان على وجه لا يتسع فتراتها لأداء الفريضة (5).
واعتبر بعضهم المشقة (6). والأول لا يخلو عن قوة.
ويستفاد من الروايات أنه لا يجب إبدال الثوب ولا تخفيف النجاسة ولا
عصب موضع الدم بحيث يمنعه عن الخروج (7) وذكر بعض الأصحاب أنه يستحب
لصاحب القروح والجروح غسل ثوبه في كل يوم مرة (8). وهو غير بعيد عملا

(1) الذكرى 1: 122، جامع المقاصد 1: 169، المسالك 1: 124.
(2) الذكرى 3: 129.
(3) المسالك 1: 125.
(4) اللمعة: 3.
(5) المعتبر 1: 429.
(6) القواعد 1: 193.
(7) وسائل الشيعة 2: 1028، الباب 22 من أبواب النجاسات.
(8) التحرير 1: 24 س 26.
61

برواية سماعة (1).
الثالثة: عفي في الصلاة عن كل دم يكون أقل من الدرهم البغلي ويكون
مجتمعا، وفيما هو بقدر الدرهم خلاف والأكثر على عدم العفو عنه، وفي المتفرق
خلاف، فقيل: إنه يجب إزالته إذا زاد على مقدار الدرهم سواء كان مجتمعا أو
متفرقا (2). وذهب جماعة منهم أكثر المتأخرين إلى وجوب إزالة الدم المتفرق إذا
بلغ المجموع على تقدير الاجتماع مقدار الدرهم (3). وقيل: لا يجب إزالته ما لم
يتفاحش (4). ثم اختلفوا في تقدير الفاحش، وقيل: ما نقص عنه لا يجب إزالته بعد
أن يكون كل موضع أقل من مقدار الدرهم (5) وهذا القول أقوى.
والدرهم البغلي كان بقدر درهم وثلث بالقياس إلى الدراهم المعروفة. وحدده
بعضهم بمقدار أخمص الراحة (6). وذكر بعضهم أنه كعقد الإبهام الأعلى (7).
ولو أصاب الدم المعفو عنه رطب طاهر ففي انسحاب العفو فيه وعدمه قولان،
والقول بالعدم لا يخلو عن رجحان، كما هو مختار التذكرة والبيان (8).
والمشهور أن دم الحيض ليس بمعفو مطلقا، وجماعة من الأصحاب ألحقوا به
في عدم العفو دم الاستحاضة والنفاس (9) وفي دم نجس العين إذا كان أقل من
الدرهم خلاف، والأقرب كونه معفوا عنه، ولو شك في كونه دما طاهرا أو نجسا
ففيه قولان، والقول بالطهارة لا يخلو عن رجحان، ولو شك في كونه دما معفوا عنه
أم لا ففيه إشكال.
الرابعة: عفي أيضا في الصلاة عن نجاسة ثوب لا يتم الصلاة فيه منفردا

(1) وسائل الشيعة 2: 1029، الباب 22 من أبواب النجاسات، ح 2.
(2) القواعد 1: 193.
(3) الوسيلة: 77، المراسم: 55، نهاية الإحكام 1: 287.
(4) النهاية 1: 266.
(5) المبسوط 1: 36.
(6) السرائر 1: 177.
(7) حكاه عن ابن الجنيد في المختلف 1: 475.
(8) لم نعثر عليه في التذكرة بل ذكره في المنتهى 3: 256، البيان: 41 س 13.
(9) النهاية 1: 266، البيان: 41، مجمع الفائدة 1: 317.
62

كالتكة والجورب وشبههما في محالها وإن نجست بغير الدم، ولا اعرف في أصل
الحكم خلافا بين الأصحاب وإن اختلفوا في تفصيله، فإن جماعة من الأصحاب
منهم المحقق والشهيد عمموا الحكم في كل ما لا يتم الصلاة فيه منفردا، سواء كان
ملبوسا أو محمولا (1) وابن إدريس خص الحكم بالملبوس (2) واختاره العلامة وزاد
قيدا آخر وهو أن يكون في محالها (3).
ونقل عن بعضهم قصر الحكم على خمسة أشياء: القلنسوة والتكة والجورب
والخف والنعل (4) والأقرب الأول.
واستحب جماعة من الأصحاب تطهير ما لا يتم الصلاة فيه منفردا عن
النجاسة (5) ولم أطلع على دليله، وفي بعض الأخبار الصحيحة دلالة على استحباب
تطهير النعل (6).
ولو شرب خمرا أو أكل ميتة فالأقرب عدم وجوب قيئه، وذهب بعض
الأصحاب إلى الوجوب (7) وعلى هذا القول لا يبعد القول ببطلان الصلاة في سعة
الوقت مع ترك القيء.
الخامسة: قال العلامة في التذكرة: لو أدخل دما نجسا تحت جلده وجب عليه
إخراج ذلك الدم مع عدم الضرر وإعادة كل صلاة صلاها مع ذلك الدم (8).
وعندي فيه إشكال، والقول بوجوب إعادة الصلاة عندي ضعيف، وأولى
بالعفو ما لو احتقن الدم بنفسه تحت الجلد.
وذكر جماعة من الأصحاب أنه إذا جبر عظمه بعظم نجس وجب قلعه ما لم

(1) المعتبر 1: 434، الذكرى 1: 138.
(2) السرائر 1: 184.
(3) التحرير 1: 24 س 24.
(4) نقله في المختلف عن القطب الراوندي 1: 484.
(5) المقنعة: 72، الغنية: 66، النهاية 1: 269.
(6) وسائل الشيعة 3: 308 و 309، الباب 37 من أبواب لباس المصلي، ح 1 و 7.
(7) المنتهى 3: 318.
(8) التذكرة 2: 497.
63

يخف التلف أو المشقة، واحتمل الشهيد (رحمه الله) عدم الوجوب إذا اكتسى اللحم (1). وهو
حسن، ولو جبره بعظم ميت طاهر العين في حال الحياة في غير الآدمي جاز، ولو
جبره بعظم آدمي ففيه إشكال.
السادسة: تعتبر في إزالة نجاسة البول من غير الرضيع عن الثوب بالماء القليل
غسله مرتين على المشهور بين الأصحاب، واكتفى بعضهم بالمرة (2) والأول لا
يخلو عن رجحان، هذا حكم الثوب، والأكثر على عدم الفرق بين الثوب والبدن
في الحكم المذكور، ومنهم من فرق بينهما واكتفى في البدن بالمرة (3) والأول
لا يخلو عن رجحان.
والمنقول عن ظاهر جماعة من الأصحاب طرد التعدد المذكور في غير الثوب
والبدن مما يشبههما فيعتبر الغسلتان فيما يمكن إخراج الغسالة منه بالعصر من
الأجسام المشبهة بالثوب، والصب مرتين فيما لا مسام له بحيث ينفذ فيه الماء
كالخشب والحجر (4).
واستثنى البعض من ذلك الإناء وسيجئ حكمه والاقتصار في التعدد على
مورد النص غير بعيد كما هو مذهب بعض الأصحاب.
ومن الأصحاب من اكتفى في التعدد بالانفصال التقديري (5) ومنهم من اعتبر
الانفصال حقيقة (6) وهو أقرب.
وهل يعتبر التعدد إذا وقع المغسول في الماء ا لجاري أو الراكد الكثير؟ فيه
قولان والأحوط اعتبار التعدد، والمشهور بين الأصحاب توقف طهارة الثياب
وغيرها مما يرسب فيه الماء على العصر إذا غسل بالماء القليل، وهو أحوط.
والظاهر من كلام بعضهم وجوب العصر مرتين فيما يجب غسله كذلك (7)

(1) الذكرى 1: 143 - 144.
(2) البيان: 40.
(3) المدارك 2: 337.
(4) معالم الدين 2: 653.
(5) الذكرى 1: 128.
(6) حكاه في المدارك 2: 339.
(7) المعتبر 1: 435.
64

واكتفى بعضهم بعصر بين الغسلتين (1) وبعضهم بعصر واحد بعد الغسلتين (2) والأول
أحوط، وأكثر المتأخرين على اختصاص وجوب العصر بالقليل وسقوطه في
الكثير، وذهب بعضهم إلى عدم الفرق (3) والأول أقرب، والأقوى عدم اشتراط
الدلك، وشرطه بعضهم في إزالة النجاسة عن البدن (4).
ويكفي الصب في بول الرضيع، ولا يعتبر الغسل، والمراد بالصب وصول الماء
إلى محل النجاسة، ولا يعتبر السيلان والتقاطر، ويعتبر استيعاب محل النجاسة، ولا
يعتبر انفصال الماء عن ذلك المحل، والحكم معلق في الرواية على صبي لم يأكل (5)
كذا في كلام الشيخ وغيره (6) ويحكى عن ابن إدريس تعليق الحكم بالحولين (7).
وذكر جماعة من المتأخرين أن المراد بالرضيع من لم يغتذ بغير اللبن كثيرا
بحيث يزيد على اللبن أو يساويه ولم يتجاوز الحولين (8).
وقال المحقق: لا عبرة بما يلعق دواء أو من الغذاء في الندرة (9) والأشهر
الأقوى اختصاص الحكم المذكور بالصبي، وأما نجاسة غير البول إذا وصلت إلى
غير الأواني ففي وجوب تعدد الغسل خلاف، والأحوط ذلك، وفي تطهير الأرض
بالماء القليل قولان.
السابعة: ذكر الشيخ والمتأخرون عنه أن المرأة المربية للصبي إذا كان لها
ثوب واحد تكتفي بغسل ثوبها في اليوم مرة واحدة (10). وأكثرهم عمموا الحكم
بالنسبة إلى الصبية أيضا، وبعضهم خصوا بالصبي (11). والظاهر أن نجاسة البدن غير

(1) اللمعة: 3.
(2) الفقيه 1: 68 ذيل الحديث 156.
(3) الشرائع 1: 54.
(4) نهاية الإحكام 1: 277.
(5) الوسائل 2: 1003، الباب 3 من أبواب النجاسات، ح 2.
(6) النهاية 1: 270، المنتهى 3: 271.
(7) السرائر 1: 187.
(8) جامع المقاصد 1: 173، الروض: 167 س 16، مجمع الفائدة 1: 337.
(9) المعتبر 1: 436.
(10) النهاية 1: 270، المعتبر 1: 444، المنتهى 3: 271.
(11) النهاية 1: 270، المعتبر 1: 444.
65

معفو عنها في الصورة المذكورة وإن قلنا بالعفو عن نجاسة الثوب.
الثامنة: إذا اشتبه موضع النجاسة فلا يخلو إما أن يكون في ثوب واحد أم لا،
فإن كان في ثوب واحد يجب غسل كل موضع يحتمل كونها فيه، ولو قام
الاحتمال في الثوب كله وجب غسل كله، ولا خلاف فيه.
وإن كان في ثياب متعددة أو غيرها، فلا يخلو إما أن يكون محصورا أم لا،
وعلى الثاني لا أثر للنجاسة ويبقى كل واحد من الأجزاء التي وقع فيها الاشتباه
باقيا على أصل الطهارة، وعلى الأول فالمنقول عن ظاهر جماعة من الأصحاب
أنه لا خلاف في وجوب اجتناب ما حصل فيه الاشتباه (1) ولم يذكروا عليه حجة،
ولعل حجتهم الإجماع إن ثبت.
ثم على تقدير وجوب الاجتناب هل يكون بالنسبة إلى ما يشترط فيه
الطهارة حتى إذا كان ماءا أو ترابا لم يجز الطهارة به ولو كان ثوبا لم يجز الصلاة
فيه، أو يصير بمنزلة النجس في جميع الأحكام حتى لو لاقاه جسم طاهر تعدى
حكمه إليه؟ فيه قولان: أقربهما الأول كما هو مختار جماعة من المتأخرين (2).
وفي تحقيق معنى المحصور إشكال، فجماعة منهم جعلوا المرجع فيه العرف
ومثلوا له بالبيت والبيتين، ولغير المحصور بالصحراء (3) وذكر بعضهم أنه يمكن
جعل المرجع في صدق الحصر وعدمه إلى حصول الحرج والضرر بالاجتناب عنه
وعدمه (4). وربما يفسر غير المحصور بما يعسر عده وحصره، ولا شاهد في المقام
من جهة النص ولا يظهر من اللغة والعرف تحقيق ذلك، وفي ألفاظ الفقهاء اختلاف
في التمثيل، فبعضهم مثل المحصور بالبيت والبيتين وبعضهم بالبيتين والثلاثة.
ولو اشتبه الثوب النجس بالطاهر فالأقرب أنه يصلي الصلاة الواحدة فيهما

(1) الناقل صاحب المعالم 2: 580.
(2) جامع المقاصد 2: 166، المعالم 2: 580 - 581، المدارك 2: 335.
(3) جامع المقاصد 2: 166، الروض: 224 س 18.
(4) حكاه في معالم الدين عن بعضهم ولم يسمه 2: 582.
66

مرتين، وقيل: يطرحهما ويصلي عريانا (1).
التاسعة: إذا لاقى الشيء اليابس نجاسة يابسة فلا خلاف بين الأصحاب في
أنه لا ينجس الملاقي في غير الميتة، وفيها أقوال: فقيل: إنها مؤثرة مطلقا (2).
وثانيها: عدم التأثير مطلقا (3). وثالثها: التفصيل بموافقة القول الأول في ميتة
الآدمي والثاني في ميتة غيره (4). ورابعها: موافقة القول الأول في ميتة الآدمي
مطلقا وإيجاب الغسل بملاقاة ميتة غيره مع اليبوسة، دون النجاسة (5). والظاهر
عندي عدم التأثير في ميتة غير الآدمي إلا مع الرطوبة وأما في الآدمي فتردد.
وهل القطع المبانة من الحي ملحقة بالآدمي؟ فيه تردد، والظاهر عدم
التنجيس وعدم وجوب الغسل بمس الصوف ونحوه وتنظر فيه العلامة (6).
والمتنجس بملاقاة الميتة مع اليبوسة هل هو مؤثر للتنجيس في غيره إذا لاقاه
رطبا؟ فيه خلاف، والمشهور نعم.
العاشرة: إذا صلى مع نجاسة ثوبه عالما عامدا أعاد في الوقت وخارجه،
واختلف الأصحاب في حكم الناسي فقيل: يعيد مطلقا (7). وقيل: لا يجب عليه
الإعادة مطلقا (8). وقيل: يجب عليه الإعادة في الوقت خاصة (9). والأحوط الأول،
والقول الثاني لا يخلو عن قوة، ولو لم يعلم به حتى صلى فالأشهر الأقرب أنه
لا يجب عليه الإعادة مطلقا.
وإذا وجد المصلي على ثوبه، أو جسده نجاسة وهو في الصلاة وعلم سبقها
على الصلاة فالمشهور أنه يجب عليه إزالة النجاسة أو إلقاء الثوب النجس وستر
العورة بغيره مع الإمكان وإتمام الصلاة، وإن لم يمكن إلا بفعل المبطل كالفعل

(1) السرائر 1: 185.
(2) نهاية الإحكام 1: 292.
(3) السرائر 1: 163.
(4) الذكرى 1: 132 - 133.
(5) انظر المنتهى 2: 456 و 459، 3: 195.
(6) المنتهى 2: 459.
(7) المعتبر 1: 441.
(8) حكاه عن الشيخ الطوسي في التذكرة 2: 490.
(9) القواعد 1: 194.
67

الكثير والاستدبار بطلت صلاته واستقبلها بعد إزالة النجاسة.
ونقل قول بوجوب الإعادة مطلقا (1). وليس للقول المشهور مستند واضح.
وإتمام الصلاة بغير إعادة ولا تغيير اللباس محتمل، نظرا إلى بعض الأحاديث (2)
وبعضها يتضمن الإعادة (3) والأحوط إعادة الصلاة في سعة الوقت.
وإذا وجد على ثوبه أو جسده نجاسة وهو في الصلاة ولم يعلم سبقها فالظاهر
أنه يجب طرح النجس أو إزالة النجاسة وإتمام الصلاة إذا لم يتضمن الفعل المبطل،
وإلا استأنف.
ولو صلى ثم رأى النجاسة وشك هل كانت عليه في حال الصلاة أم لا فالصلاة
ماضية.
ولو كان ثوبه نجسا وليس له غيره فاختلف الأصحاب فيه، فذهب جماعة إلى
وجوب النزع والصلاة عاريا (4) وذهب جماعة منهم إلى التخيير بين ذلك وبين
الصلاة فيه (5). وعندي أن الصلاة فيه أولى، ومع العذر عن النزع يصلي فيه قولا
واحدا. والمشهور أنه ليس عليه إعادة، وقيل: عليه الإعادة (6). ولم يثبت.
الفصل الثامن
في المطهرات
فمنها: الماء، وقد مر أحكامه.
ومنها: الشمس، والمشهور بين المتأخرين أن الشمس تطهر ما تجففه من
البول وشبهه من النجاسات التي لا جرم لها بأن تكون مائعة أو كان لها جرم لكن

(1) نقله المحقق في المعتبر 1: 443.
(2) الوسائل 2: 1017 و 1027، الباب 13 و 20 من أبواب النجاسات، ح 1 و 6.
(3) الوسائل 2: 1006 و 1022، الباب 7 و 16 و 42 من أبواب النجاسات، ح 2 و 2 و 2.
(4) المبسوط 1: 91، السرائر 1: 186، الشرائع 1: 54.
(5) المعتبر 1: 444، المنتهى 3: 303.
(6) المبسوط 1: 91.
68

أزيل بغير المطهر وبقى لها رطوبة، وإنما تطهره إذا كان في الأرض أو البواري أو
الحصر أو ما لا ينقل عادة كالأبنية والنبات، وقيل باختصاص الحكم المذكور
بالبول (1). وقيل باختصاصه بالأرض والبواري والحصر (2). ومنهم من اعتبر
الخصوصيتين (3). ومنهم من قال: لا يطهر المحل، ولكن يجوز السجود عليه (4).
والأقرب عندي طهارة الأرض والبواري والحصر من نجاسة البول وفي غير ذلك
لم يثبت عندي الطهارة ولا النجاسة، ولكن تحصيل البراءة اليقينية في الصلاة
يقتضي الاجتناب عنه.
ولو يبس الموضع بغير الشمس ثم صب عليه ماء فجففته الشمس فالمشهور
الطهارة، ولي فيه تأمل.
والمشهور أن الجفاف الحاصل بغير الشمس لا يوجب الطهارة، خلافا للشيخ (5).
ويطهر الباطن بتجفيف الشمس مع اتصاله بالظاهر، أما مع الانفصال كوجهي
الحائط إذا كانت النجاسة فيها غير خارقة فيختص الطهارة بما صدق عليه الإشراق.
ومنها: النار على المشهور، فالنجس إذا احترق وصيرته النار رمادا طهر على
المشهور، وتردد فيه المحقق (6). ومورد الخبر وكلام كثير من الأصحاب عين
النجاسة إذا احترقت وصارت رمادا، وعمم بعضهم الحكم بحيث يتناول المتنجس
أيضا، والمسألة محل إشكال.
وذكر جمع من الأصحاب أن الدخان المستحيل من الأعيان النجسة طاهر
أيضا كالرماد (7). وتردد في طهارته المحقق في الشرائع (8) وينسب إلى الشيخ
نجاسة دخان الدهن النجس (9) ولم أطلع على نص في هذا الباب، وألحق بعضهم

(1) المنتهى 3: 279.
(2) الخلاف 1: 495، المسألة 236.
(3) المقنعة: 71.
(4) الوسيلة: 80.
(5) الخلاف 1: 218، المسألة 186.
(6) الشرائع 3: 226.
(7) المعتبر 1: 452، المنتهى 3: 292، المدارك 2: 367.
(8) الشرائع 3: 226.
(9) حكاه عنه صاحب المدارك 2: 368.
69

بالرماد الفحم (1). وفيه تردد.
واختلف الأصحاب في طهارة الطين النجس إذا أحالته النار خزفا أو آجرا.
وإذا استحالت الأعيان النجسة ترابا أو دودا فالأقرب الأشهر طهارته.
وإذا عجن الدقيق بالماء النجس ثم خبز لم يطهر على المشهور بين
الأصحاب، وللشيخ قول بالطهارة (2). ولا يخلو عن قوة.
ومنها: الاستحالة كاستحالة الكلب ملحا على الأقرب، ومن باب الاستحالة
المطهرة استحالة النطفة حيوانا طاهرا، والماء النجس بولا لحيوان مأكول اللحم،
والغذاء النجس روثا أو لبنا لمأكول اللحم والدم النجس قيحا، ولا خلاف في شيء
من ذلك، ومنه استحالة الخمر خلا ولو بعلاج.
ويطهر العصير باستحالته خلا - على تقدير القول بنجاسته عندهم - وبذهاب
ثلثيه، والمعروف بينهم أنه يطهر بطهارة العصير أيدي مزاوليه وثيابهم وآلات
الطبخ، حتى لو أصاب العصير شيئا في حال الحكم بنجاسته ثم جفت الرطوبة
الحاصلة منه بحيث علم ذهاب ثلثي ما أصاب حكم بالطهارة.
وقال بعض الأصحاب: البخار المتصاعد من الماء النجس إذا اجتمع منه نداوة
على جسم صقيل وتقاطر فهو نجس، إلا أن يعلم تكونه من الهوآء كالقطرات
الموجودة على طرف إناء في أسفله جمد نجس، فإنها طاهرة (3) والظاهر أن الحكم
بالطهارة غير متوقف على العلم بالتكون من الهواء، بل يكفي فيه احتمال ذلك.
ومنها: الأرض، فإنها تطهر باطن النعل والقدم والخف، سواء كان إزالة
النجاسة بالمشي أو الدلك، وسواء كان على التراب أو الحجر أو الرمل، وتوقف
بعض الأصحاب في القدم (4). ولا وجه له.
ولا يشترط جفاف النجاسة قبل الدلك. ولا أن يكون لها جرم، فلو كان أسفل
القدم أو النعل متنجسا بنجاسة غير مرئية كالبول اليابس طهر بمجرد المشي على

(1) جامع المقاصد 1: 179.
(2) النهاية 1: 211.
(3) المنتهى 3: 292.
(4) المنتهى 3: 285.
70

الأرض، خلافا لبعض العامة، واعتبار طهارة الأرض أحوط وإن كان القول بعدم
اعتبارها لا يخلو عن قوة، وفي اشتراط جفافها قولان: أحوطهما ذلك وإن كان
القول بالعدم أقوى، واستشكل تطهير الوحل، والقول بالتطهير غير بعيد.
الفصل التاسع
في أحكام الأواني
وفيه مسائل:
الاولى: اختلف الأصحاب في غسل الإناء من الخمر، فذهب جماعة إلى
وجوب الغسل سبعا (1). ومنهم من اكتفى بالثلاث (2). وبعضهم اكتفى بالمرة بعد
إزالة العين (3). ومنهم من أوجب مرتين (4). ومنهم من اكتفى بمرة مزيلة للعين (5).
وهو أقرب.
الثانية: إذا ماتت الفأرة في الإناء ففيه الأقوال المنقولة في الخمر، والأقرب
الاكتفاء بالمرة المزيلة للعين.
الثالثة: اختلف الأصحاب في غسل الإناء من باقي النجاسات سوى الولوغ،
فقيل: يغسل ثلاثا (6). وقيل: اثنتين (7). وقيل: مرة بعد إزالة العين (8). وقيل: مرة مزيلة
للعين (9). وهو أقرب.
الرابعة: المشهور بين الأصحاب وجوب الغسل ثلاثا من ولوغ الكلب مرة
بالتراب، وإن لم يثبت الإجماع ففي إثبات الحكم إشكال، والولوغ شرب الكلب

(1) المقنعة: 73، المبسوط 1: 15، الذكرى 1: 127.
(2) الشرائع 1: 56، القواعد 1: 197.
(3) المختلف 1: 499.
(4) اللمعة: 3.
(5) المعتبر 1: 461، الإرشاد 1: 240.
(6) الخلاف 1: 182 المسألة 138.
(7) اللمعة: 3.
(8) المختلف 1: 499.
(9) المعتبر 1: 461، 462.
71

مما في الإناء بطرف لسانه، وذهب ابن الجنيد إلى أنه يغسل سبعا (1). وهو ضعيف.
والمشهور بين الأصحاب قصر الحكم على الولوغ واللطع وعدم جريانه في
باقي أجزاء الكلب وفضلاته، وهو أقرب.
وأكثر الأصحاب على الاكتفاء في التعفير بالتراب وحده (2) وبعضهم لم يصرح
بحال مزجه بالماء. ومنهم من صرح بإجزاء ذلك (3) ومنهم من اشترط المزج (4)
وأطلق جماعة من الأصحاب اعتبار الغسل ثلاثا إحداها بالتراب (5) من غير
تعرض لبيان الترتيب، وصرح بتقديم التراب أكثر الأصحاب، وبعضهم صرح
بتوسيط التراب (6).
الخامسة: المشهور في ولوغ الخنزير الغسل سبعا.
السادسة: يكفي في غسل الإناء بالقليل أن يصب فيه الماء ثم يحرك حتى
يستوعب ما نجس فيه ثم يفرغ. وعن جماعة من الأصحاب أنه لو ملئ الإناء ماء
كفى إفراغه عن تحريكه وأنه يكفي في التفريغ مطلقا وقوعه بآلة، لكن يشترط
عدم إعادتها إلى الإناء قبل تطهيرها (7). وعن بعضهم اشتراط كون الإناء مثبتا
بحيث يشق قلعه (8).
السابعة: المشهور بين الأصحاب أنه يسقط اعتبار التعدد في الغسل إذا وقع
المتنجس في الماء الكثير، سواء كان إناء أو غيره، لكن لابد في الإناء من سبق
التعفير إذا كانت نجاسته من ولوغ الكلب فيه. ومنهم من اعتبر التعدد في ولوغ
الكلب في الكثير أيضا (9) واعتبار التعدد مطلقا أحوط، لكن بعض الروايات

(1) حكاه في المختلف 1: 495.
(2) المختلف 1: 495 - 496.
(3) مسالك الأفهام 1: 133.
(4) السرائر 1: 91.
(5) الفقيه 1: 9، وحكاه عن ابن بابويه في المعالم 2: 669.
(6) المقنعة: 65.
(7) حكاه عن الجماعة في المعالم 2: 732 - 733.
(8) الروضة 1: 307 - 308.
(9) الخلاف 1: 178 المسألة 134.
72

الصحيحة تدل على أن الثوب الذي يصيبه البول إذا غسل بالماء الجاري اكتفي فيه
بالمرة (1) والعمل به متجه.
الثامنة: أواني المشركين طاهرة ما لم يعلم مباشرتهم لها برطوبة، ولا فرق
فيها بين كونها مستعملة أم لا، وفي حكم الأواني سائر ما بأيديهم عدا الجلود
واللحم حتى المائع إذا لم يعلم مباشرتهم له، وتوقف العلامة في التذكرة في طهارة
المائع (2). وعن الشيخ في المبسوط المنع من الصلاة في ثوب عمله المشرك (3).
والأقرب الأشهر عدم المنع إذا لم يعلم الملاقاة بالرطوبة.
التاسعة: يحرم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة، والمشهور أنه يحرم
استعمالها مطلقا، ونقل اتفاق الأصحاب عليه في التذكرة والذكرى (4) وفي
الخلاف: يكره استعمال أواني الذهب والفضة (5). ولعل مراده التحريم، والمشهور
بين الأصحاب تحريم اتخاذ أواني الذهب والفضة لغير الاستعمال أيضا،
واستقرب العلامة في المختلف الجواز (6).
والأشهر الأقرب أنه لو تطهر من آنية الذهب والفضة بأن يأخذ الماء منها
ويتطهر لم يبطل وضوؤه ولا غسله.
والظاهر عدم تحريم اتخاذ اليسير من الفضة كقبيعة السيف ونعله، وضبة الإناء
والسلسلة، وحلقة القصعة، وتحلية المرآة بها، وربط الأسنان بها، واتخاذ الأنف
منها، وما لم يصدق عليه «الإناء» لم يحرم استعماله.
وفي جواز اتخاذ المكحلة وظرف الغالية تردد، واستقرب العلامة والشهيد
التحريم (7). وفي تزيين المساجد والمشاهد بقناديل الذهب والفضة تردد، وفي
جواز تزيين الحيطان والسقوف بالذهب قولان.

(1) الوسائل 2: 1002، الباب 2 من أبواب النجاسات، ح 1.
(2) التذكرة 1: 93.
(3) المبسوط 1: 84.
(4) التذكرة 2: 225، الذكرى 1: 145.
(5) الخلاف 1: 69 المسألة 15.
(6) المختلف 1: 495.
(7) نهاية الإحكام 1: 299، الذكرى 1: 148.
73

وفي بعض الروايات الصحيحة: سئل أبو الحسن (عليه السلام) عن السرج واللجام وفيه
الفضة أ نركب به؟ قال: إن كان مموها لا يقدر على نزعه فلا بأس به وإلا فلا تركب
به (1).
ولا يشترط في تحريم المجمرة اشتماله عليها، بل يكفي مجرد وضع البخور
فيها.
والأشهر الأقرب كراهية المفضض، وقيل بالتحريم (2). ويجتنب موضع الفضة
وجوبا على المشهور واستحبابا على قول قوي.

(1) الوسائل 2: 1087، الباب 67 من أبواب النجاسات، ح 5 و 6.
(2) الخلاف 1: 69، المسألة 15، ونقله عنه صاحب إيضاح الفوائد 1: 32.
74

كتاب الصلاة
75

كتاب الصلاة
وفيه فصول:
الأول
في أقسامها
وهي واجبة ومندوبة:
فالواجبات منها: اليومية والجمعة والعيدان والآيات، ومنها: الكسوفان
والزلزلة، ومنها: الطواف والأموات والمنذور وشبهه.
والمندوب ما عداه.
واليومية خمس: الظهر والعصر والعشاء كل واحدة منها أربع ركعات في
الحضر ونصفها في السفر، والمغرب ثلاث فيهما، والصبح ركعتان كذلك.
ونوافلها في الحضر ثمان ركعات قبل الظهر، وثمان قبل العصر، وأربع بعد
المغرب، وركعتان من جلوس تعدان بركعة بعد العشاء، وثمان صلاة الليل، وثلاث
الوتر، وركعتا الفجر على أشهر الروايات، ويسقط نوافل الظهرين في السفر، وفي
سقوط الوتيرة تردد.
الفصل الثاني
في الأوقات
فأول وقت الظهر إذا زالت الشمس ويعلم بزيادة الظل بعد نقصه أو عدمه،
76

والأقرب أن وقت إجزاء الظهر يمتد إلى أن يبقى إلى الغروب مقدار أداء العصر
للمختار والمضطر، ووقت الفضيلة إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، والأقرب
استحباب تأخير الظهر إلى أن يصير الظل قدمين.
وأول وقت العصر بعد الفراغ من الظهر ويمتد وقت إجزاء صلاة العصر إلى
غروب الشمس، ووقت الفضيلة إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه.
وأول وقت المغرب إذا غربت الشمس، والمشهور أنه يعلم الغروب بزوال
الحمرة من جهة المشرق، والأقرب أنه لا يتوقف على ذلك، بل يعلم بزوال الأشعة
عن الأشجار والأبنية العالية، ويمتد وقت الإجزاء إلى أن يبقى إلى نصف الليل
مقدار أداء العشاء، أو إلى نصف الليل، وللمضطر إلى طلوع الصبح على إشكال،
ووقت الفضيلة إلى ذهاب الحمرة المغربية، ويستحب تأخيرها إلى ذهاب الحمرة
المشرقية.
وأول وقت العشاء إذا مضى من غروب الشمس مقدار أداء المغرب على
الأقرب، ويستحب تأخيرها إلى زوال الحمرة المغربية، والأقرب عندي امتداد
وقت الإجزاء للمختار إلى نصف الليل، ووقت الفضيلة إلى ثلث الليل، ووقت
المضطر إلى طلوع الصبح مع تردد في الأخير.
وأول وقت الصبح إذا طلع الفجر الثاني المعترض - وهو البياض المنتشر في
الافق - والأقرب أن وقت الإجزاء يمتد إلى طلوع الشمس والفضيلة إلى الإسفار.
وأول وقت نافلة الظهر زوال الشمس، والمشهور أنها تمتد إلى أن يزيد الفيء
قدمين.
ونافلة العصر بعد الفراغ من الظهر، والمشهور أنها تمتد إلى أن يزيد الفيء
أربعة أقدام.
ونافلة المغرب بعدها إلى زوال الحمرة المغربية، والوتيرة بعد العشاء وتمتد
بامتدادها.
ووقت صلاة الليل بعد انتصافه، والمعتبر منتصف ما بين طلوع الشمس
77

وغروبها ويعلم بانحدار النجوم الطالعة مع غروب الشمس وكلما قرب من الفجر
كان أفضل.
وأول وقت ركعتي الفجر بعد الفراغ من صلاة الليل على الأشهر الأقرب،
ويمتد إلى أن تطلع الحمرة.
ويجوز تقديم نوافل الليل على الانتصاف لمسافر يصده جده، أو شاب يمنعه
رطوبة رأسه عن القيام إليها في وقتها على الأشهر الأقرب، والقضاء أفضل من
التقديم، ويقضى الفرائض كل وقت ما لم يتضيق الحاضرة.
ويجوز الإتيان بالنوافل المرتبة في أول وقت الإجزاء بلا ريب، وأما في
وقت فضيلة الفريضة فالأفضل تقديم الفريضة، ويجوز النافلة فيه أيضا على
الأقرب، وقضاء النوافل أيضا كذلك وكذا باقي النوافل.
ويجوز التنفل لمن عليه فائتة على الأقرب.
والمشهور كراهية ابتداء النوافل عند طلوع الشمس حتى ترتفع وتذهب
الحمرة، وعند ميلها إلى الغروب وقيامها إلى أن تزول إلا يوم الجمعة، وبعد صلاة
الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد صلاة العصر حتى تغرب، ولا كراهة في ذي
السبب، وأول الوقت أفضل إلا في مواضع فصلناها في الذخيرة.
ولا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها ولا تقديمها عليه، والمشهور أنه لا يجوز
التعويل على الظن بالوقت عند التمكن من العلم. وفيه تردد.
وهل يجوز التعويل على أذان الثقة الذي يعرف منه الاستظهار عند التمكن
من العلم؟ فيه نظر، والمشهور بين الأصحاب جواز التعويل على الأمارات المفيدة
للظن وعدم وجوب الصبر إلى حصول اليقين، خلافا لابن الجنيد (1) والسيد (2)
وغيرهما، وللأول رجحان ما، فإن انكشف فساد ظنه وقد فرغ قبل الوقت أعاد،
وإن دخل الوقت وهو متلبس ولو في التشهد أجزأ عند الشيخ وجماعة من

(1) نقله في المختلف 2: 47.
(2) رسائل المرتضى 2: 350.
78

الأصحاب (1) ووجبت عليه الإعادة عند السيد وجمع منهم (2) ولو صلى قبل الوقت
عامدا أو جاهلا أو ناسيا بطلت صلاته.
الفصل الثالث
في القبلة
يجب استقبال الكعبة للمشاهد ومن هو في حكمه، والجهة للبعيد، ويستحب
للنوافل.
والأقرب جواز التنفل على الراحلة حضرا وسفرا مع الضرورة والاختيار،
وكذا ماشيا، وكذا إلى غير القبلة عند جماعة من الأصحاب (3) ولا يجوز ذلك في
الفريضة إلا مع العذر ولو فقد العلم بالقبلة عول على العلامات.
وعلامة أهل العراق ومن كان على سمتهم كأهل خراسان جعل الجدي خلف
المنكب الأيمن والمشرق على اليسار والمغرب على اليمين والشمس عند الزوال
على الحاجب الأيمن، لكن في هذه العلامات اختلاف بحسب اختلاف البلاد
والفصول، فمن كان عارفا بقواعد الهيئة رجع إليها وإلا اكتفى بالظن الحاصل له.
ولو تعذر الرجوع إلى العلامات لمانع فالأقوى أنه يحصل الظن بأي نحو كان
ثم يعمل عليه، ومنهم من أوجب الصلاة إلى أربع جهات (4).
ولو اخبر بخلاف أمارته فالمشهور أنه يعمل على أمارته، وقيل: يرجع إلى
أقوى الظنون (5). وهو أقوى. ولو فقدت الأمارات وأخبر عدل بالقبلة فالأقرب أنه
يعمل عليه، وفي العمل بقول الفاسق والكافر قولان: ورجح المحقق العمل به إن

(1) النهاية 1: 283، التنقيح 1: 171، جامع المقاصد 2: 29.
(2) رسائل المرتضى 2: 350، كشف الرموز 1: 129، المدارك 3: 101.
(3) المعتبر 2: 75 - 76، المنتهى 4: 191، الذكرى 3: 192.
(4) المقنعة: 96، النهاية 1: 285، مجمع الفائدة 2: 67.
(5) الذكرى 3: 171.
79

أفاد الظن (1) وهو غير بعيد.
ولو فقد الظن بالقبلة أصلا فالأكثر على أنه يصلي إلى أربع جهات، والأقوى
أنه يصلي صلاة واحدة إلى أي جهة شاء ولا قضاء عليه إن علم الاستدبار،
والعامي يقلد، وكذا من لا يعرف الأمارات على الأقوى.
والأقرب جواز الرجوع إلى الفاسق والكافر إذا وثق بقوله ولم يحصل أمارة
أقوى منه. ويجوز التعويل على قبلة مساجد المسلمين ومقابرهم. وإن اجتهد في
التيامن والتياسر فالأظهر الجواز.
والمضطر على الراحلة إن لم يتمكن من الاستقبال في كل صلاته استقبلها
بتكبيرة الافتتاح حسب على قول (2). وقيل: يجب الاستقبال بحسب المكنة (3).
وكذا الحكم في الماشي، وكذا الحكم في الصلاة في السفينة، لكن كثير من الأخبار
يدل على الاستقبال حينئذ بقدر الإمكان.
ولو صلى باجتهاد أو لضيق الوقت ثم انكشف فساد ظنه فإن كان مستدبرا
قيل: يعيد مطلقا (4). وقيل: يعيد في الوقت خاصة (5) وهو أقرب، وان كان مشرقا أو
مغربا يعيد في الوقت خاصة، ولا يعيد إن كان بينهما، ولو ظهر الخلل وهو في
الصلاة استدار إن لم يصل الانحراف إلى حد التشريق والتغريب، وإلا أعاد.
الفصل الرابع
في لباس المصلي
يجب ستر العورة في الصلاة وهي القبل والدبر، ومنها البيضتان دون الأليتين
على الأشهر الأقوى. ومنهم من أوجب ستر ما بين السرة والركبة (6) وقيل: من
السرة إلى نصف الساق (7). والمعتبر ستر اللون، وفي الحجم خلاف.

(1) الشرائع 1: 66.
(2) المدارك 3: 140.
(3) المعتبر 2: 75.
(4) الكافي في الفقه: 139.
(5) الناصريات: 202.
(6) المهذب 1: 83.
(7) الكافي في الفقه: 139.
80

والأقوى أن جسد المرأة الحرة كله عورة سوى الوجه والكفين والقدمين،
وفي إثبات وجوب ستر العنق للمرأة إشكال، ولم يذكر في أكثر عبارات
الأصحاب وجوب ستر الشعر، وأوجبه الشهيد (رحمه الله) (1). وفيه تأمل.
ويجوز للأمة والصبية كشف الرأس في الصلاة.
والأقرب أن انكشاف العورة ساهيا غير ضار.
ويجب أن يكون الستر بثوب طاهر - عدا ما استثني - مملوك للمصلي عينا أو
منفعة أو مأذون فيه في الصلاة أو اللبس مطلقا منطوقا أو مفهوما، وفي جواز
الاكتفاء بشاهد الحال إشكال.
ويجوز أن يكون الثوب في الصلاة من جميع ما ينبت من الأرض كالقطن والكتان
والحشيش، ومن جلد ما يؤكل لحمه مع التذكية وإن لم يدبغ على الأشهر الأظهر،
وصوفه وشعره وريشه ووبره وإن كان ميتة، لكن بعضهم شرط غسل موضع الاتصال.
وكذا يجوز الخز الخالص، لكن فيما اشتهر في زماننا بالخز إشكال، وفي
السنجاب تردد، ولعل الأقرب الجواز، ويجوز الممتزج بالحرير.
ويحرم الحرير المحض على الرجال، والأقرب في مثل التكة والقلنسوة
المنع، ويجوز الركوب عليه والافتراش له، وفي الكف به تردد.
ويجوز الحرير للنساء في غير الصلاة، وفي الصلاة تردد، والقول بالجواز لا
يخلو عن رجحان.
ويحرم الصلاة في جلد الميتة وإن دبغ، وظاهر الأخبار عدم الفرق بين ميتة
ذي النفس وغيره (2). وجماعة من الأصحاب خصوا المنع بميتة ذي النفس (3).
وكذا تحرم في جلد ما لا يؤكل لحمه سواء ذكي أم لا وإن دبغ، وكذا في صوفه
وشعره وريشه ووبره إلا ما استثني، والأشبه عدم جواز الصلاة في قلنسوة أو تكة

(1) الذكرى 3: 11.
(2) الوسائل 3: 249، الباب 1 من أبواب لباس المصلي.
(3) المعتبر 2: 77، نهاية الإحكام 1: 373، المدارك 3: 161.
81

متخذين من جلد غير المأكول، وكلام أكثر الأصحاب مطلق في المنع من الصوف
والشعر والوبر وغيرها، وخصه بعضهم بالملابس دون مثل الشعرات الملقاة على
الثوب (1). ولعل المنع لا يخلو عن رجحان.
واختلفت الروايات في جواز الصلاة في جلد الأرنب والثعلب (2). والمنع
أشهر، واختلفت الروايات في السمور أيضا (3). والمنع أشهر.
وتحرم الصلاة فيما يستر ظهر القدم ولا ساق له كالشمشك عند جماعة من
الأصحاب (4). وذهب الأكثر إلى الكراهة. والأقوى عدم التحريم.
ويستحب للرجال ستر جميع الجسد إلا ما اعتيد انكشافه.
ويستحب للمرأة ثلاثة أثواب: درع وقميص وخمار، والمراد بالدرع الثوب
الذي يكون فوق القميص.
ويكره السود عدا العمامة والخف والكساء، ويتأكد الكراهة في القلنسوة
السوداء، ويكره المزعفر والمعصفر والأحمر، ويستحب لبس البياض والقطن
والكتان.
ويكره الصلاة في الواحد الرقيق واشتمال الصماء، والإمامة في القميص
وحده بلا رداء، واستصحاب الحديد ظاهرا، والخلخال المصوت للمرأة،
والتماثيل والصورة في الخاتم.
الفصل الخامس
في مكان المصلي
يجوز الصلاة في كل مكان مملوك أو ما في حكمه كالمأذون فيه، صريحا أو

(1) الذكرى 3: 52، المسالك 1: 162، المدارك 3: 166.
(2) الوسائل 3: 258، الباب 7 من أبواب لباس المصلي.
(3) الوسائل 3: 254، الباب 4 من أبواب لباس المصلي.
(4) المقنعة: 153، النهاية 1: 328، المراسم: 65.
82

فحوى أو بشاهد الحال، وظاهر بعضهم أنه يكفي في شاهد الحال حصول الظن
برضى المالك (1) وظاهر كثير منهم اعتبار العلم (2). والأقرب عندي جواز الصلاة في
كل موضع لم يتضرر المالك بالكون فيه وجرت العادة بعدم المضايقة في أمثاله
وإن فرضنا عدم العلم بالرضا، نعم لو ظهرت كراهة المالك لأمارة لم يجز الصلاة
فيه مطلقا.
والظاهر عدم الخلاف بين الأصحاب في جواز الصلاة في الصحارى
والبساتين إذا لم يكن مغصوبة وإن لم يستأذن، وفي حكم الصحارى والبساتين
الأماكن المأذون في غشيانها على وجه مخصوص إذا اتصف به المصلي
كالحمامات والخانات والأرحية وغيرها. ولا يقدح في الجواز كون الصحراء
لمولى عليه بشهادة الحال بالرضا ولو من الولي.
ولا يجوز الصلاة في المكان المغصوب مع العلم بالغصبية [على المشهور] (3)
وجوز المرتضى الصلاة في الصحارى المغصوبة استصحابا لما كانت عليه قبل
الغصب (4). وهو غير بعيد.
ويشترط طهارة موضع الجبهة دون باقي مساقط الأعضاء على الأشهر
الأقرب.
ولا يجوز السجود على ما ليس بأرض ولا نباتها، ويجوز السجود على
الأرض وما أنبتته الأرض إذا لم يكن ملبوسا أو مأكولا عادة. ويجوز السجود
على الأجزاء المنفصلة عن الأرض وإن لم يصدق عليها اسم الأرض عرفا.
ولا يجوز السجود على ما اكل أو لبس عادة بلا خلاف إلا في القطن والكتان،
إذ فيه خلاف، وجوز المرتضى السجود عليهما (5). والأقرب الأشهر المنع.

(1) الشرائع 1: 71.
(2) المبسوط 1: 84، المسالك 1: 170، المدارك 3: 216.
(3) لم يرد في خ 2.
(4) نقله في الذكرى 3: 77.
(5) رسائل المرتضى (المجموعة الاولى): 174.
83

والأفضل السجود على الأرض، والأفضل التربة الحسينية (عليه السلام)، والمعتبر
المسمى.
ولا يصح السجود على الصوف والشعر والجلد والمستحيل من الأرض إذا لم
يصدق عليه اسمها: كالمعادن والوحل. ويجوز على القرطاس وإن كان مكتوبا.
والمشهور وجوب اجتناب المشتبه بالنجس في المحصور، وحجته غير
واضحة.
والأقرب أنه يكره أن يصلي وعلى جانبه أو قدامه امرأة تصلي، وتزول
الكراهة مع الحائل أو تباعد عشرة أذرع أو الصلاة خلفه، والأقرب حصول
الاكتفاء بالشبر.
ويكره الصلاة في الحمام. ولا كراهة في المسلخ على الأقرب. ويكره في
بيت يبال فيه، ومعاطن الإبل، وقرى النمل، ومجرى المياه، والأرض السبخة،
والبيداء، ووادي ضجنان، وذات الصلاصل، وبين المقابر من دون حائل أو بعد
عشرة أذرع، وفي بيت فيه خمر أو مسكر أو مجوسي، والأقرب كراهة الصلاة في
جواد الطرق، وقيل بالتحريم (1).
ويكره الفريضة في جوف الكعبة وسطحها وتكره الصلاة في مرابط الخيل
والحمير والبغال. وإلى نار مضرمة على الأقرب، وقيل بالتحريم (2). وإلى تصاوير،
وإلى مصحف مفتوح، وإلى حائط ينز من البالوعة، ولا كراهة في البيع والكنائس
ومرابض الغنم وبيت فيه يهودي أو نصراني.
تتمة: صلاة الفريضة في المسجد أفضل، والمشهور رجحان فعل النافلة في
البيت، وعن الشهيد في بعض فوائده رجحان فعلها أيضا في المسجد (3). وهو حسن.
ويستحب اتخاذ المساجد مكشوفة، وجعل الميضاة على أبوابها، والدعاء

(1) المقنعة: 151.
(2) حكاه عن أبي الصلاح في المختلف 2: 109.
(3) نقله في المدارك 4: 407.
84

عند الدخول والخروج، وتعاهد النعال عند أبوابها، وإعادة المستهدم وكنسها
والإسراج فيها ليلا.
ويكره الشرف، والبيع والشراء فيها. وتمكين المجانين، وإنفاذ الأحكام،
وتعريف الضوال والسؤال عنها، وإنشاد الشعر، وإقامة الحدود، ورفع الصوت إذا
تجاوز المعتاد، وعمل الصنائع، ودخول من في فيه رائحة ثوم أو بصل وكذا
غيرهما من الروائح المؤذية، وتتأكد الكراهة في الثوم، ويكره التنخم ورمي
الحصى خذفا على الأقرب، وحرمه الشيخ (1).
والمشهور تحريم الزخرفة وهي النقش بالزخرف، وأطلق جماعة النقش من
غير تقييد بالزخرف (2). ووجه التحريم غير واضح. والأشهر تحريم نقش الصور،
وحجته غير واضحة، والشهيد في البيان حرم نقشها وتصويرها بما فيه روح وكره
غيره كالشجر (3) وفي الدروس كره الجميع (4).
ويحرم اتخاذ بعضها في ملك أو طريق وتملكها بعد زوال آثارها وإدخال
النجاسة إليها، والأقرب اختصاص التحريم بصورة التلويث.
الفصل السادس
في الأذان والإقامة
والأقرب استحبابهما في الفرائض اليومية والجمعة خاصة أداء وقضاء للمنفرد
والجامع للرجل والمرأة إذا لم تسمع الرجال الأجانب، ويتأكدان في الجهرية
خصوصا الغداة والمغرب.

(1) النهاية 1: 342.
(2) المعتبر 2: 451، المنتهى 1: 388 س 29، الذكرى 3: 123.
(3) البيان: 67.
(4) الدروس 1: 156.
85

والمشهور سقوط أذان العصر يوم الجمعة خلافا لجمع من الأصحاب (1) ولا
دليل على السقوط إلا في صورة الجمع.
ولو جمع المسافر أو الحاضر بين الفرضين كان له ترك الأذان للثانية عند
الأصحاب، وذكر الشهيدان أن الجمع إن كان في وقت فضيلة الاولى أذن لها وأقام
ثم أقام للثانية من غير أذان، وإن كان في وقت فضيلة الثانية أذن لها ثم أقام للاولى
وصلاها ثم أقام للثانية (2). وليس في الروايات هذا التفصيل.
ويسقط أذان العصر في عرفة وأذان العشاء لمن يصلي العشاءين في المزدلفة.
وهل سقوط الأذان على سبيل الرخصة أو الكراهة أو التحريم؟ قيل بالتحريم
في عصر الجمعة وفي عصر عرفة وعشاء المزدلفة (3).
وقال الشهيد الثاني: لا قائل بالتحريم في غير الصور الثلاثة (4). وقيل بالكراهة
في مواضع استحباب الجمع دون غيرها (5). وقيل بالترخيص (6). ولا يبعد أن يقال:
إنه يكره في مواضع استحباب الجمع بالمعنى المستعمل في العبادات، وأما في غير
مواضع استحباب الجمع فتركه مرخص فيه بمعنى عدم التأكيد في استحبابه كما
في غيره.
وأما تفسير الجمع فلم أجده إلا في كلام ابن إدريس حيث قال: وحد الجمع
أن لا يصلى بينهما نافلة، وأما التسبيح والأدعية فمستحب ذلك وليس بمانع
للجمع (7) ويستفاد ذلك من كلام الشهيد في الذكرى أيضا (8).
والظاهر أنه يعتبر مع ذلك صدق الجمع عرفا، ويشعر بعض عبارات
الأصحاب بأن مناط الاعتبار في الجمع حصولهما في وقت فضيلة واحدة وهو

(1) المقنعة: 162، مجمع الفائدة 2: 165، المدارك 3: 264.
(2) الدروس 1: 165، المسالك 1: 183.
(3) البيان: 72.
(4) روض الجنان: 240 س 16.
(5) الذكرى 3: 232.
(6) السرائر 1: 588.
(7) السرائر 1: 304.
(8) الذكرى 3: 231.
86

على الإطلاق مشكل، بل لابد من اعتبار صدق الجمع عرفا، واحتمل بعضهم
تحقق التفريق بالتعقيب (1). وهو بعيد.
ويسقط الأذان عن القاضي المؤذن في أول ورده، ويسقط الأذان والإقامة
عن الجماعة الثانية ما لم يتفرق الاولى، والحكم في الرواية المعتبرة معلق على
عدم تفرق الصف (2) كما في كلام الفاضلين (3).
وفي كلام بعض الأصحاب: أنه يكفي في السقوط بقاء البعض ولو واحدا (4)
ويدل عليه بعض الروايات الضعيفة (5). والأقرب الوقوف في الحكم بالسقوط على
القدر المتيقن، والأقرب اختصاص الحكم بالمسجد، والظاهر عموم الحكم بالنسبة
إلى المنفرد أيضا.
وكيفية الأذان أن يكبر أربعا، ثم يتشهد بالتوحيد، ثم يتشهد بالرسالة، ثم
يدعو إلى الصلاة، ثم إلى الفلاح، ثم إلى خير العمل، ثم يكبر، ثم يهلل مرتين
مرتين، فيكون عدد فصوله ثمانية عشر حرفا.
والإقامة كذلك، إلا أنه يسقط من التكبير الأول مرتان ومن التهليل مرة ثم
يزيد مرتين: قد قامت الصلاة بعد حي على خير العمل، فيكمل فصولها سبعة عشر.
ولا اعتبار بأذان الكافر، والأقرب اشتراط الإيمان، ولا اعتبار بأذان غير
المميز وغير المرتب، ويجوز من المميز.
ويستحب أن يكون المؤذن المنصوب للأذان عدلا صيتا بصيرا بالأوقات
متطهرا قائما على مرتفع مستقبلا للقبلة متأنيا في الأذان محدرا في الإقامة واقفا
على أواخر الفصول.

(1) لم نعثر عليه.
(2) الوسائل 4: 653، الباب 25 من أبواب الأذان والإقامة.
(3) المعتبر 2: 136، المنتهى 1: 260 س 15.
(4) روض الجنان: 241 س 8.
(5) الوسائل 5: 466، الباب 65 من أبواب صلاة الجماعة، ح 2.
87

ويكره الكلام في أثناء الإقامة، والمشهور استحباب ترك الكلام في خلال
الأذان، ومستنده غير واضح.
ويستحب أن يكون فاصلا بينهما بركعتين أو جلسة، وذكر الأصحاب السجدة
والخطوة أيضا، ولم أطلع على نص يدل على اعتبار الخطوة، كما اعترف به
الشهيد (رحمه الله) (1) ولا على اعتبار السجدة.
وفي رواية عمار الساباطي: افصل بين الأذان والإقامة بقعود أو كلام أو
تسبيح (2).
وفي رواية اخرى: بين كل أذانين قعدة إلا المغرب، فإن بينهما نفسا (3).
ويستحب رفع الصوت في الأذان والحكاية لسامع الأذان.
واختلف الأصحاب في التثويب، فقيل: إنه حرام (4). وقيل: مكروه (5). وكذا في
الترجيع لغير الإشعار، ولعل التحريم أقرب.
ويكره الكلام لغير مصلحة الصلاة بعد قول المؤذن: قد قامت الصلاة، وقيل
بالتحريم (6) ويكره الالتفات يمينا وشمالا.
ويجوز أن يؤذنوا دفعة، ولو أذن المنفرد ثم أراد الجماعة أعاد الأذان
والإقامة.
ويؤذن المصلي خلف غير المرضي ويقيم لنفسه، فإن خاف الفوات فليقل: قد
قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله.
ولا يجوز تقديم الأذان على دخول الوقت إلا في الصبح فيجوز تقديمه عليه
مع استحباب إعادته بعده، وخالف فيه جماعة من الأصحاب فمنعوا من التقديم.

(1) الدروس 1: 163.
(2) الوسائل 4: 631، الباب 11 من أبواب الأذان والإقامة، ح 4.
(3) الوسائل 4: 632، الباب 11 من أبواب الأذان والإقامة، ح 7.
(4) جامع المقاصد 2: 190.
(5) الذكرى 3: 237.
(6) النهاية 1: 289.
88

الفصل السابع
في ما يعتبر في ماهية الصلاة
وفيه مقاصد:
الأول
في الصلاة اليومية
وفيه أطراف:
الأول: يجب على المكلف معرفة كيفية الصلاة وما يعتبر في ماهيتها ليتمكن
من الإتيان بها على وجه الامتثال، ولابد من أن يكون تلك المعرفة مستندة إلى
دليل تفصيلي إن كان مجتهدا أهلا للاستدلال، أو دليل إجمالي إن كان مقلدا لم
يبلغ درجة الاجتهاد - على ما بين في الاصول - ولا يكفي تقليد غير المجتهد بلا
خلاف، ولا تقليد الأموات، ويجب في الصلاة امور:
الأول: النية
وتحقيقها أن هاهنا امورا:
الأول: ملاحظة الذات على الوجه الإجمالي، والمراد بالذات الامور المعتبرة
في ماهية صلاة معينة - كالظهر مثلا - بحيث يكون الإخلال بشيء منها موجبا لعدم
الامتثال.
الثاني: القصد المتعلق بالشيء الملحوظ على الوجه المذكور قبل الاشتغال به.
الثالث: ملاحظة اتصاف الفعل الملحوظ على الوجه المذكور ببعض
الأوصاف المميزة له مثل كونه ظهرا مثلا وكونه واجبا أو ندبا وكونه أداء أو قضاء
إلى غير ذلك.
الرابع: إرادة التقرب بالفعل المذكور وجعل القربة والامتثال غاية للفعل.
الخامس: اقتران القصد المذكور بأول الأفعال بحيث لا يحصل بينهما فصل.
السادس: الاستدامة الحكمية.
89

أما الأول، فلا ريب في اعتباره وكذا الثاني.
وأما الثالث، فالمشهور بين الأصحاب وجوب اعتبار التعيين مثل كونه ظهرا
أو عصرا، وادعى في التذكرة إجماع علمائنا عليه (1). والقول به قريب، والمشهور
بينهم وجوب نية الوجه، وظاهر التذكرة اتفاق الأصحاب عليه (2). وهو غير بعيد،
وكذا الكلام في الأداء والقضاء.
وأما الرابع، فلا شك في وجوبه، وأما اشتراطه في ترتب الثواب فلا خلاف
فيه بين الأصحاب، وأما في الصحة بمعنى سقوط القضاء وسقوط العقاب التابع
للترك فمشهور بين الأصحاب، وخالف فيه السيد المرتضى (3).
وأما الخامس، فالأحوط مقارنتها لأول التكبير، وهل يشترط بقاء النية فعلا
إلى آخر التكبير؟ الظاهر العدم.
وأما السادس، فلا يجب الاستمرار الفعلي إلى آخر الصلاة، لا أعرف خلافا
فيه، بل يجب الاستمرار الحكمي إلى آخرها بأن لا ينوي نية تنافي النية الاولى،
وفي المقام تفاصيل ذكرناها في الذخيرة.
الثاني: القيام
ولا خلاف في وجوبه، وهو ركن يبطل الصلاة بتركه عمدا أو سهوا مع القدرة
عليه لكن لا مطلقا، بل القيام في الصلاة على أنحاء، فالقيام في حال التكبير تابع له
في الركنية، والقيام في حال القراءة واجب غير ركن، والقيام المتصل بالركوع
ركن، والقيام في حال القنوت مستحب.
والمشهور بين الأصحاب وجوب الاستقلال اختيارا، وذهب أبو الصلاح إلى
جواز الاستناد على كراهية (4). وهو قوي، فإن عجز اعتمد وهو مقدم على الجلوس.
ولو عجز عن القيام في جميع الحالات وقدر على البعض لم يسقط عنه،

(1) التذكرة 3: 101.
(2) التذكرة 3: 101.
(3) رسائل الشريف المرتضى (المجموعة الثانية): 340.
(4) الكافي في الفقه: 125.
90

فيجب عليه القيام بقدر مكنته سواء كان مستقلا أو متكئا منتصبا أو منحنيا، فإن
عجز قعد.
والأقرب أن حد العجز المسوغ للقعود هو العجز عن القيام أصلا، وهو مستند
إلى علمه بنفسه، وعن المفيد أن حده أن لا يتمكن من المشي بمقدار زمان
الصلاة (1).
ولو عجز عن القعود أصلا اضطجع ويومئ بالركوع والسجود، والأقرب الترتيب
بين الاضطجاع على اليمين واليسار. فإن عجز عن الصلاة مضطجعا استلقى.
ولو قدر المريض على رفع موضع السجدة والسجود عليه وجب، وهل يجب
أن يضع على جبهته شيئا حال الإيماء؟ فيه نظر وذكر الفاضلان ومن تأخر عنهما
أن الإيماء بالعين (2). وكلام القدماء خال عن هذا التفصيل، والعمل به أحوط.
ولو تجددت قدرة العاجز انتقل إلى المقدور، ولو تمكن من القيام للركوع
خاصة وجب.
الثالث من واجبات الصلاة: التكبير
وهو ركن يبطل الصلاة بتركه عمدا أو سهوا، وصورته: الله أكبر، فلو عكس أو
أتى بالترجمة مع القدرة عليه أو أتى بها قاعدا مع القدرة على القيام أو قبل استيفاء
القيام أو أخل بحرف واحد بطلت، والعاجز عن العربية يتعلم واجبا.
ويتخير في السبع أيها شاء جعلها تكبيرة الافتتاح.
ويستحب رفع اليدين بها على الأشهر، وذهب السيد إلى الوجوب (3). وليس
بذاك البعيد وفي عبارات الأصحاب نوع اختلاف في بيان حد الرفع، فقال الشيخ:
يحاذي بيديه شحمتي اذنيه (4). وعن ابن أبي عقيل: يرفعهما حذو منكبيه أو حيال
خديه لا يجاوز بهما اذنيه. وقال ابن بابويه: يرفعهما إلى النحر ولا يجاوز بهما

(1) المقنعة: 215.
(2) المعتبر 2: 61، نهاية الإحكام 1: 441.
(3) الانتصار: 40.
(4) الخلاف 1: 320، المسألة 72.
91

الاذنين حيال الخد (1). والكل متقارب، ويستحب أن تكونا مبسوطتين ويستقبل
بباطن كفيه القبلة.
والمشهور أنه يبتدئ برفع يديه عند ابتدائه بالتكبير ويكون انتهاء الرفع عند
انتهاء التكبير ويرسلهما بعد ذلك، لكن في حسنة الحلبي: إذا افتتحت الصلاة فارفع
كفيك، ثم ابسطهما بسطا، ثم كبر ثلاث تكبيرات (2).
ويستحب إسماع الإمام من خلفه، ويستحب للمأموم الإسرار.
الرابع من واجبات الصلاة: القراءة
ولا خلاف ولا ريب في وجوبها، والأظهر الأشهر عدم ركنيتها، ويجب في
الثنائية وفي الاوليين من غيرها الحمد، والأقرب استحباب السورة، ويجوز
الاقتصار على الحمد وحدها في النوافل مطلقا، وفي الفرائض عند الضرورة
كالخوف والمرض وضيق الوقت قولا واحدا، ويتخير المصلي في ثالثة المغرب
وأخيرتي الرباعية بين الحمد وحدها أو التسبيحات.
واختلفوا في مقدار التسبيحات، فقيل: ثلاث مرات: سبحان الله والحمد لله ولا
إله إلا الله والله أكبر (3) فيكون اثنتي عشرة تسبيحة، وذهب ابن بابويه إلى أنها تسع
بحذف التكبير في الثلاث (4). وقيل: إنها عشرة بحذف التكبير في الاوليين (5).
وقيل: أربع تسبيحات وهي العبارة المذكورة مرة واحدة (6). واختاره جماعة
من المتأخرين (7). وقيل: ثلاث (8). وعبارة المنتهى تشعر بوجود القول بوجوب
الاستغفار (9). والأقرب الاجتزاء بكل واحد، ولو ضم الاستغفار في التسبيحات
كان أحسن.

(1) من لا يحضره الفقيه 1: 304.
(2) الوسائل 4: 723، الباب 8 من أبواب تكبيرة الإحرام، ح 1.
(3) النهاية 1: 302.
(4) نقله في المعتبر 2: 189.
(5) الجمل والعقود: 69.
(6) المقنعة: 113.
(7) المختلف 2: 147، جامع المقاصد 2: 256، الذكرى 3: 315.
(8) الكافي في الفقه: 118.
(9) المنتهى 1: 275 س 37.
92

واختلف الأصحاب في أفضلية التسبيح أو القراءة، والأقرب عندي أفضلية
التسبيح مطلقا، سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا. وفي اشتراط الترتيب في
التسبيحات قولان: أقربهما العدم. والأقرب عدم وجوب الإخفات فيها. ولو شك
في عددها بنى على الأقل.
ولو لم يحسن القراءة وجب عليه التعلم، فإن ضاق الوقت عن التعلم يجب
عليه الائتمام إن أمكنه، أو القراءة من مصحف إن أحسنه، والأقرب جواز القراءة
من المصحف للمتمكن من الحفظ أيضا. والظاهر أن تتبع القارئ كالقراءة من
المصحف، فإن لم يمكنه شيء من ذلك قرأ ما يحسن منها ولا تجزي الترجمة مع
القدرة، ولا يجزي القراءة مع الإخلال بحرف حتى التشديد.
والمعروف بين الأصحاب وجوب مراعاة الإعراب والبناء، وادعى المحقق
الاتفاق عليه (1). وعن المرتضى تجويز تغيير الإعراب الذي لا يتغير المعنى به (2).
وأوجب بعضهم في القراءة مراعاة المد المتصل دون المنفصل (3) ومراعاة الصفات
المعتبرة عند القراء ليست واجبة شرعا إلا أن يتوقف تميز بعض الحروف عن
بعضها عليه.
ويجب الترتيب بين الآيات، والموالاة بحيث لا يفصل بين الآيتين فصلا
يوجب أن لا يعد قارئا. ويجوز الدعاء بالمباح، ورد السلام، والحمد عند العطسة،
وطلب الرحمة عند آيتها، والاستعاذة من العذاب عند آيته.
والمشهور تحريم قراءة العزيمة في الفريضة. ويحرم قول آمين. وأوجب
بعضهم قصد سورة معينة بالبسملة (4). ولم يثبت عندي، والأقرب كراهة القران بين
السورتين في الفريضة، وقيل بالتحريم (5).
والمشهور وجوب الجهر في الصبح وأولتي المغرب والعشاء، والإخفات في

(1) المعتبر 2: 166.
(2) رسائل المرتضى (المجموعة الثانية): 387.
(3) المسالك 1: 203.
(4) الذكرى 3: 355.
(5) الانتصار: 44.
93

البواقي، وأنه يبطل الصلاة بترك ذلك عامدا، وعن المرتضى وابن الجنيد المخالفة
في ذلك (1). والمسألة محل إشكال، وترجيح الثاني غير بعيد.
والجهر في موضع الجهر غير واجب على النساء ولو جهرت حيث لا يسمع
الأجنبي جاز، وإن أسمعت الأجنبي فالمشهور بين المتأخرين بطلان قراءتها،
وفيه تأمل. والأقرب الرجوع في تفسير الجهر والإخفات إلى العرف. وجاهل
الحكم معذور في الجهر والإخفات.
والجهر والإخفات على القول بوجوبهما يختصان بالقراءة ولا يجبان في
شيء من أذكار الصلاة، نعم يستحب للإمام الإجهار.
ويجب البسملة في أول الحمد، ويستحب الجهر بالبسملة في مواضع
الإخفات والترتيل والوقوف على مواضعه.
وفي الصحيح عن أبان عن عيسى بن عبد الله القمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي الغداة بعم يتساءلون، وهل أتاك حديث الغاشية، ولا
اقسم بيوم القيامة وشبهها. وكان يصلي الظهر بسبح اسم، والشمس وضحاها، وهل
أتاك حديث الغاشية وشبهها. وكان يصلي المغرب بقل هو الله أحد، وإذا جاء نصر
الله والفتح، وإذا زلزلت. وكان يصلي العشاء الآخرة بنحو ما يصلي في الظهر
والعصر بنحو من المغرب (2).
وفي صحيحة محمد بن مسلم: فأما الظهر وعشاء الآخرة فسبح اسم ربك
الأعلى، والشمس وضحاها ونحوهما. وأما العصر والمغرب فإذا جاء نصر الله،
وألهاكم التكاثر ونحوهما. وأما الغداة فعم يتساءلون، وهل أتاك حديث الغاشية،
ولا اقسم بيوم القيامة، وهل أتى على الإنسان (3).

(1) نقله عنهما في المعتبر 2: 176.
(2) الوسائل 4: 787، الباب 48 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 1.
(3) الوسائل 4: 787، الباب 48 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 2.
94

وفي بعض الروايات أن أفضل ما يقرأ في الفرائض: «إنا أنزلناه» و «قل هو الله
أحد» (1).
ويستحب قراءة هل أتى في صبح الاثنين والخميس، وفي العشاءين ليلة
الجمعة سورة الجمعة وسبح اسم ربك، وفي صبح يوم الجمعة سورة الجمعة وقل هو
الله، وفي الظهرين يوم الجمعة سورة الجمعة والمنافقين.
ويستفاد من الروايات جواز العدول عن سورة إلى غيرها إلا التوحيد
والجحد (2) لكن الأصحاب قيدوا جواز العدول بعدم تجاوز النصف، وجماعة منهم
بعدم بلوغ النصف (3). والمشهور بين الأصحاب تحريم العدول عن التوحيد
والجحد، وقيل بالكراهة (4). والمستفاد من الروايات جواز العدول عن سورة
التوحيد في يوم الجمعة إلى الجمعة والمنافقين (5) وقيده الأصحاب بعدم تجاوز
النصف أو عدم بلوغه، وألحقوا الجحد بالتوحيد.
الخامس من واجبات الصلاة: الركوع
وهو ركن تبطل الصلاة بتركه عمدا أو سهوا، والواجب في كل ركعة مرة إلا
الكسوف وما في حكمه.
والركوع عبارة عن الانحناء إلى حد خاص، وبراءة الذمة يقينا إنما تحصل
بأن ينحني إلى حد يمكن أن يصل شيء من باطن الكفين إلى محاذاة الركبتين،
وظاهر بعض الأخبار والروايات أن الانحناء بحيث أمكن وصول رؤوس الأصابع
إلى الركبة كاف (6). ووضع اليد على الركبة غير واجب بل مستحب، والأحسن
وضع الكفين على الركبتين.

(1) الوسائل 4: 788، الباب 48 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 3.
(2) الوسائل 4: 775، الباب 35 من أبواب القراءة في الصلاة.
(3) السرائر 1: 222، نهاية الإحكام 1: 478، جامع المقاصد 2: 279.
(4) المعتبر 2: 191.
(5) الوسائل 4: 814، الباب 69 من أبواب القراءة في الصلاة.
(6) الوسائل 4: 673، الباب 1 من أبواب أفعال الصلاة، و 920، الباب 1 من أبواب الركوع.
95

ويجب في الركوع الذكر، والأقرب جواز الاكتفاء بمطلق الذكر من التسبيح
والتهليل والتكبير وغيرها، وأوجب جماعة من الأصحاب التسبيح (1) وجماعة
التسبيح الخاص (2). والأحسن أن يقول: سبحان ربي العظيم وبحمده وأن يقوله ثلاثا.
ويجب الطمأنينة بقدر الذكر الواجب ورفع الرأس من الركوع، والمعروف بين
الأصحاب وجوب الطمأنينة عند الرفع ولا حد لها، بل يكفي مسماها.
ولو عجز عن الانحناء إلى حد الركوع (3) أتى بالممكن، ولو عجز أصلا أومأ برأسه.
ويستحب التكبير للركوع قائما، وأوجبه بعض الأصحاب (4). والأول لا يخلو
عن رجحان. والأقرب استحباب رفع اليدين فيه، وأوجبه بعضهم (5). ويستحب رد
الركبتين، وتسوية الظهر، ومد العنق، والدعاء والتسبيح ثلاثا أو سبعا، وقول: «سمع
الله لمن حمده» عند الرفع إماما كان أو مأموما منفردا. ويستحب الدعاء بعد
التسميع بأن يقول: «الحمد لله رب العالمين أهل الجبروت والكبرياء والعظمة لله
رب العالمين» سواء كان إماما أو مأموما.
السادس: السجود
يجب في كل ركعة سجدتان وتبطل الصلاة بتركهما عمدا أو سهوا، والمشهور
أنه لا فرق في ذلك بين الأولتين والأخيرتين.
ويجب في كل سجدة وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه ويتحقق بما
يصدق عليه الاسم على الأشهر الأقرب، وحدده ابن بابويه بمقدار الدرهم (6).
وأن لا يكون موضع الجبهة أرفع عن الموقف بقدر لبنة، والأولى المساواة،
وبعضهم أجرى حكم الارتفاع في الانخفاض (7). وبعضهم حكم بجواز الانخفاض (8).

(1) الانتصار: 45، التهذيب 2: 80، المقنع: 28.
(2) الكافي في الفقه: 118، المعتبر 2: 203، النهاية 1: 308.
(3) في الأصل: الراكع.
(4) المراسم: 69.
(5) الانتصار: 44.
(6) المقنع: 26.
(7) البيان: 87.
(8) نهاية الإحكام 1: 488.
96

ويجب في السجود الذكر مطلقا على الأقرب، والأمر فيه كما في الركوع
والأحسن أن يقول: سبحان ربي الأعلى وبحمده والأحسن أن يقوله ثلاثا.
ويجب السجود على سبعة أعضاء الجبهة والكفين والركبتين وإبهامي
الرجلين، وعن المرتضى أنه جعل بدل الكفين المفصل عند الزندين (1) ووافقه ابن
إدريس (2). والأول أقرب، والأحوط استيعاب الكفين، والأحوط أيضا اعتبار
باطنهما.
ويجب الطمأنينة في السجود بقدر الذكر الواجب ورفع الرأس منه، والجلوس
مطمئنا عقيب السجدة الاولى.
والعاجز عن السجود يومئ، ولو احتاج إلى رفع شيء يسجد عليه فعل، وذو
الدمل يحفر لها حفيرة ليقع السليم على الأرض ويستحب التكبير له قائما رافعا
يديه، والخلاف فيه كما في الركوع.
ويستحب السبق بيديه إلى الأرض والإرغام والدعاء فيه للدين والدنيا
والتسبيح ثلاثا أو سبعا. ويجب رفع الرأس من السجدة الاولى، والمشهور وجوب
الطمأنينة فيه.
ويستحب التورك بين السجدتين وتفسيره على الأقرب الأشهر أن يجلس
على وركه الأيسر ويخرج رجليه جميعا من تحته ويجعل رجله اليسرى على
الأرض وظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى ويفضي بمقعدته إلى
الأرض. ويستحب الدعاء عند التورك والتكبير عند الرفع من السجدة الاولى
رافعا يديه وكذا قبل السجدة الثانية وعند الرفع منها، وبعضهم أوجب التكبيرات.
ويستحب جلسة الاستراحة بعد الرفع من السجدة الثانية على الأقرب وأن يقول
عند الأخذ في القيام: «بحول الله وقوته أقوم وأقعد وأركع وأسجد» والاعتماد
على يديه عند قيامه سابقا برفع ركبتيه. والأقرب كراهة الإقعاء بين السجدتين.

(1) رسائل الشريف المرتضى (المجموعة الثالثة): 32.
(2) السرائر 1: 225.
97

ويستحب أن يقول قبل التسبيح: «اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت
وعليك توكلت وأنت ربي سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره والحمد لله
رب العالمين تبارك الله أحسن الخالقين» ويقول بين السجدتين: أستغفر الله ربي
وأتوب إليه.
السابع: التشهد
ويجب عقيب كل ثنائية ورباعية الشهادتان، ولا خلاف فيه بين الأصحاب،
والمشهور وجوب الصلاة على النبي وآله أيضا. والمشهور أن أقل الواجب من
التشهد أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، ثم يصلي على
النبي وآله. والأحوط أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله اللهم صل على محمد وآل محمد. والأحسن أن يصلي كلما
ذكر اسم النبي (صلى الله عليه وآله)، وقيل بالوجوب (1). لكن ذكر الفاضلان في المعتبر والمنتهى
الإجماع على عدم الوجوب (2).
ويجب الجلوس مطمئنا بقدر التشهد، ويستحب التورك، ويكره الإقعاء.
وفي وجوب التسليم خلاف.
والأقرب عندي الاستحباب، والأولى أن يقول: السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين، ثم يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والأحسن أن يقول قبل
السلام علينا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. وقيل بوجوبه (3).
ويستحب أن يسلم المنفرد إلى القبلة تسليمة واحدة من غير إيماء، وذكر
بعضهم استحباب الإيماء بمؤخر عينيه إلى اليمين والإمام أيضا يسلم تسليمة
واحدة إلى القبلة ويومئ بصفحة وجهه إلى اليمين، والمأموم يسلم عن الجانبين إن
كان على يساره أحد، وإلا فعن يمينه، والأولى أن يقصد بالتسليم الأنبياء والأئمة
والحفظة والإمام المأمومين أيضا، والمأموم الرد على الإمام ومن على جانبيه،

(1) القواعد 1: 278.
(2) المعتبر 2: 224، المنتهى 1: 293 س 22.
(3) الناصريات: 213، الكافي في الفقه: 119.
98

وقيل: يجب أن يقصد المأموم بالأولى الرد على الإمام (1).
ومن مندوبات الصلاة:
التوجه بسبع تكبيرات بينها ثلاثة أدعية: إحداها تكبيرة الافتتاح، ويتخير
المصلي أيها شاء جعلها تكبيرة الافتتاح، قالوا: والأفضل جعلها الأخيرة (2)
والمشهور انسحاب ذلك في جميع الصلوات من الفرائض والنوافل، وخصها
المرتضى بالفرائض (3) وبعضهم بالمنفرد (4) وبعضهم بالسبع (5) والأصح الأول.
ومنها: القنوت، وهو بحسب الاصطلاح الدعاء في أثناء الصلاة في محل
معين، وربما يطلق على الدعاء مع رفع اليد، والأصح الأشهر استحبابه في جميع
الصلوات، ومنهم من أوجبه مطلقا (6) ومنهم من أوجبه في الصلوات الجهرية (7).
ويستحب عقيب قراءة الثانية قبل الركوع على الأشهر الأقرب إلا في الجمعة.
ويستحب بالمنقول، وأفضله كلمات الفرج وصورتها: لا إله إلا الله الحليم الكريم،
لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع
وما فيهن وما بينهن وما تحتهن ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين.
ويجوز الدعاء في القنوت بما سنح للدين والدنيا، وفي بعض الروايات أن
أدنى القنوت خمس تسبيحات (8). ويجوز الدعاء فيه للمؤمنين بأسمائهم والدعاء
على الكفرة والمنافقين.
واختلف الأصحاب في جواز القنوت بالفارسية فمنعه سعد بن عبد الله،
وأجازه محمد بن الحسن الصفار، واختاره الصدوق والشيخ والفاضلان (9)

(1) الذكرى 3: 435.
(2) المبسوط 1: 104، الروضة 1: 281، الروض: 260 س 6.
(3) نقله في المختلف 2: 186.
(4) نسبه إلى ابن الجنيد في الذكرى 3: 265.
(5) المقنعة: 111.
(6) الفقيه 1: 316.
(7) نقله عن ابن أبي عقيل في الذكرى 3: 281.
(8) الوسائل 4: 905، الباب 6 من أبواب القنوت.
(9) الفقيه 1: 316 النهاية 1: 299، المعتبر 2: 240، المختلف 2: 181.
99

وغيرهم، وهو أقرب.
ويستحب إطالة القنوت، ويستحب التكبير له قائما رافعا يديه خلافا للمفيد (1)
ويستحب رفع اليدين تلقاء وجهه مبسوطتين يستقبل ببطونهما السماء وظهورهما
الأرض.
ويستحب الجهر به في الجهرية والإخفاتية، وعن المرتضى والجعفي أنه تابع
للصلاة في الجهر والإخفات (2).
وفي الجمعة قنوتان: أحدهما: في الركعة الاولى قبل الركوع، وثانيهما: في
الثانية بعده على الأشهر الأقرب، ولو نسيه أتى به بعد الركوع.
ومن مستحبات الصلاة: شغل النظر قائما إلى مسجده، وفي حال الركوع مخير
بين النظر إلى ما بين رجليه أو التغميض على الأقرب.
ومنها: وضع اليدين قائما على فخذيه بحذاء ركبتيه، وقانتا تلقاء وجهه،
وراكعا على ركبتيه، وينبغي تفريج الأصابع وإيصالها إلى عين الركبة، ووضع
اليمنى قبل اليسرى، وساجدا بحذاء اذنيه.
فائدة: المرأة حكمها في الصلاة حكم الرجل إلا في الجهر والإخفات وفي
مواضع اخر مذكورة في صحيحة زرارة «قال: إذا قامت المرأة في الصلاة جمعت
بين قدميها ولا تفرج بينهما، وتضم يديها إلى صدرها لمكان ثدييها، فإذا ركعت
وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلا تطأطئ كثيرا فترتفع عجيزتها، فإذا
جلست فعلى أليتيها ليس كما يقعد الرجل، وإذا سقطت للسجود بدأت بالقعود
بالركبتين قبل اليدين، ثم تسجد لاطئة بالأرض، فإذا كانت في جلوسها ضمت
فخذيها ورفعت ركبتيها من الأرض، فإذا نهضت انسلت انسلالا لا ترفع عجيزتها
أولا» (3).
ومنها: التعقيب، واستحبابه وفضله متفق عليه أفضله تسبيح فاطمة

(1) المقنعة: 107.
(2) نقله عنهما في الذكرى 3: 287.
(3) الوسائل 4: 676، الباب 1 من أبواب أفعال الصلاة، ح 4.
100

الزهراء (عليها السلام)، ويستحب أن يكون بالتربة الحسينية، وفي المنتهى: أفضل ما يقال ما
نقل عن أهل البيت (عليهم السلام) وهو أنه إذا سلم كبر ثلاثا يرفع يديه إلى شحمتي اذنيه
قبل أن يثني رجليه (1). ويستحب مؤكدا سجدتا الشكر بعد الصلاة، وأذكارها
كثيرة، وفي الذكرى: روى الأصحاب أدنى ما يجزي فيها أن يقول شكرا ثلاثا (2).
فائدة: لا أعرف خلافا بين الأصحاب في أن سجدات القرآن خمس عشرة
ثلاث في المفصل وهي والنجم وانشقت واقرأ، واثنتا عشرة في باقي القرآن وهي
في الأعراف والرعد والنحل وبني إسرائيل ومريم والحج في موضعين والفرقان
والنمل والم تنزيل وص وحم فصلت، ونقل الشهيد إجماع الأصحاب عليه (3).
وقال ابن بابويه: ويستحب أن يسجد في كل سورة فيها سجدة، فيدخل فيه آل
عمران، والواجب منها أربع وهي في ألم تنزيل وفصلت والنجم واقرأ (4).
ولا خلاف في وجوب السجود على القارئ والمستمع، وإنما اختلفوا في
السامع من غير إصغاء، ولعل عدم الوجوب أقرب. وهل الطهارة شرط؟ الأقرب
لا. ولا يشترط استقبال القبلة ولا ستر العورة ولا خلو الثوب والبدن عن النجاسة.
وفي اشتراط السجود على الأعضاء السبعة أو الاكتفاء بالجبهة نظر، وكذا في
السجود على ما يصح السجود عليه في الصلاة، ولا يبعد ترجيح الاشتراط، ولا
يجب فيها ذكر ولا تكبير فيها إلا في الرفع، والمشهور بين الأصحاب أنه يجب
قضاء سجدة العزيمة مع الفوات ويستحب قضاء غيرها.
المقصد الثاني
في صلاة الجمعة
وهي ركعتان بدل الظهر، ووجوبها في الجملة إجماعي بين المسلمين، إنما
الخلاف في زمان غيبة الإمام (عليه السلام)، والأقرب وجوبها عينا بلا اشتراط الفقيه، لكن

(1) المنتهى 1: 301 س 25.
(2) الذكرى 3: 461.
(3) الذكرى 3: 465.
(4) نقله عنه العلامة في المنتهى 1: 303 س 33.
101

الأحوط أنه إذا وجد الفقيه في بلد لا يجمع غيره، وكذا الأعلم وأن لا يؤم للجمعة
غير الفقيه إلا بإذنه.
ويشترط في صحة الجمعة شروط:
الأول: الجماعة، فلا تصح فرادى، ويشترط في إمام الجمعة البلوغ على
المشهور، وجوز الشيخ إمامة الصبي المميز (1). والأحوط الأول، ويشترط فيه
العقل، وفي المجنون دورا خلاف، ويشترط فيه الإيمان والعدالة وطهارة المولد
- يعني عدم العلم بكونه ولد زنا - والذكورة، وفي العبد خلاف، والأقرب، الجواز،
وفي المبروص والمجذوم قولان، والأقرب جواز إمامة الأعمى.
الثاني: العدد، والأقرب عندي الوجوب العيني مع السبعة أحدهم الإمام
والتخييري مع الخمسة.
الثالث: الخطبتان من قيام ويجب تقديمهما على الصلاة.
الرابع: عدالة الإمام.
الخامس: عدم جمعة اخرى بينهما أقل من فرسخ على المعروف من مذهب
الأصحاب، وفي تحقيق هذه المسألة تفاصيل لا يليق بهذا المختصر.
السادس: الوقت، وأول وقت الجمعة زوال الشمس على الأقرب والأقرب
جواز الخطبتين قبل الزوال. والمشهور أن آخر وقت الجمعة إذا صار ظل كل شيء
مثله، وفيه أقوال اخر، والمسألة محل إشكال.
ويعتبر في وجوب الجمعة التكليف فلا يجب على الصبي والمجنون،
والذكورة فلا يجب على المرأة، والحرية فلا يجب على العبد، والحضر فلا يجب
على المسافر، والسلامة من العمى والمرض، والأقرب عدم اعتبار التعذر أو
المشقة الشديدة في رخصة المريض، وعدم الكبر، وقيد في بعض عباراتهم
بالمزمن (2). وفي بعضها بالبالغ حد العجز (3). وقيده جماعة بالبالغ حد العجز أو

(1) المبسوط 1: 154.
(2) إرشاد الأذهان 1: 257.
(3) القواعد 1: 287.
102

المشقة الشديدة، والنصوص خالية عن التقييد، وعدم بعد أكثر من فرسخين، وفي
رأس الفرسخين قولان، وعدم المطر، والأقرب الوجوب على الأعرج، ومذهب
الأصحاب أن من حضر من المعذورين تصح الجمعة منه.
والمشهور بينهم أن المكلف منهم إذا حضر وجبت عليه الجمعة إلا المرأة، ففي
المرأة خلاف، فقيل بوجوبها عليها (1) وفي المسافر والعبد، فقيل بعدم الوجوب
عليهما (2).
ولو صلى الظهر من وجب عليه السعي لم يسقط عنه، بل عليه أن يحضر، فإن
أدركها صلى الجمعة وإلا أعاد الظهر.
وتدرك الجمعة بإدراك الإمام راكعا في الثانية، ولا يعتبر إدراك التكبير
المستحب للركوع على الأشهر الأقرب.
ويحرم السفر بعد الزوال قبل الجمعة والبيع بعد الأذان، والأقرب عدم التحريم
بعد الزوال قبل الأذان، وفي تحريم شبه البيع من سائر العقود والإيقاعات خلاف،
والأقرب صحة البيع إن وقع في وقت التحريم.
وفي تحريم الأذان الثاني في يوم الجمعة قولان، واختلف كلامهم في تفسير
الأذان الثاني، فقيل: ما وقع ثانيا بالزمان بعد أذان آخر واقع في الوقت من مؤذن
واحد أو قاصد كونه ثانيا، سواء كان بين يدي الخطيب أو على المنارة أو
غيرهما (3). وقيل: ما وقع ثانيا بالزمان والقصد (4). وقيل: إنه ما لم يكن بين يدي
الخطيب (5). وقيل: ما يفعل بعد نزول الإمام مضافا إلى الأذان الأول الذي بعد
الزوال (6). ولم أطلع على نص في هذا الباب.
واختلف الأصحاب في وجوب الإنصات، والأكثر على الوجوب، وفي
اشتراط طهارة الخطيب من الحدث قولان، ومقتضى بعض أدلة القائلين بالوجوب

(1) السرائر 1: 293.
(2) مجمع الفائدة 2: 343.
(3) جامع المقاصد 2: 425.
(4) المدارك 4: 76.
(5) جامع المقاصد 2: 425.
(6) السرائر 1: 295.
103

وجوبها على المأموم أيضا (1) لكن ذكر بعض العلماء أنه لم يقف على قائل بوجوبها
على المأموم أيضا.
واختلفوا أيضا في تحريم الكلام، فذهب الأكثر إلى التحريم، فمنهم من عمم
الحكم في الخطيب والمستمعين (2). ومنهم من خصه بالمستمعين (3) وذهب الشيخ
في المبسوط والمحقق في المعتبر إلى الكراهة (4). وهو أقرب.
والظاهر تحريم الكلام أو كراهته فيما بين الخطبتين، ولا يحرم بعد الفراغ من
الخطبتين ولا قبل الشروع فيهما.
ويستحب أن يكون الخطيب بليغا مواظبا، والمباكرة إلى المسجد، وقص
الأظفار والشارب، ويتطيب ويسرح لحيته، ويلبس أنظف ثيابه، وليكن عليه في
ذلك اليوم السكينة والوقار، وليفعل الخير ما استطاع، ويستحب التعمم والرداء
والاعتماد والسلام أولا عند أكثر الأصحاب، وبه رواية (5).
ويستحب الجهر في صلاة الجمعة، والأقرب استحباب الجهر في ظهر يوم الجمعة.
ويستحب التنفل يوم الجمعة بعشرين ركعة زيادة عن كل يوم بأربع ركعات.
وفي وقت أدائها خلاف بين الأصحاب، وفي الروايات أيضا اختلاف،
والواقع في أكثر الروايات الصحيحة أن يصلي ستا عند ارتفاع النهار وستا قبل
نصف النهار وركعتين بعد الزوال قبل الجمعة وستا بعد الجمعة (6) وفي رواية اخرى
صحيحة عن الرضا (عليه السلام): ست ركعات بكرة، وست بعد ذلك اثنتا عشرة ركعة،
وست ركعات بعد ذلك ثماني عشرة ركعة، وركعتان بعد الزوال، فهذه عشرون
ركعة، وركعتان بعد العصر، فهذه ثنتان وعشرون ركعة (7).

(1) الروض: 297 س 8.
(2) الوسيلة: 104.
(3) النهاية 1: 336.
(4) المبسوط 1: 148، المعتبر 2: 294.
(5) الوسائل 5: 78، الباب 47 من أبواب صلاة الجمعة، ح 2.
(6) الوسائل 5: 24، الباب 11 من أبواب صلاة الجمعة، ح 10.
(7) الوسائل 5: 23، الباب 11 من أبواب صلاة الجمعة، ح 5.
104

المقصد الثالث
في صلاة العيدين
وإنما تجب على من يجب عليه الجمعة، والظاهر وجوبها في زمان غيبة
الإمام بشروط وجوب الجمعة جماعة، ويعتبر في وجوبها العدد، والظاهر أن
الخمس يكفي هاهنا وقيل بالسبع (1). والأقوى الأشهر استحباب الخطبتين في
صلاة العيد ويستحب استماعهما، ووقتهما بعد صلاة العيد.
وظاهر كثير من الأصحاب وحدة الصلاة في الفرسخ حيث أطلقوا القول
بمساواتها للجمعة في الشرائط، ونقل التصريح به عن بعضهم (2). وتوقف فيه
بعضهم (3). وقيل: هذا الشرط إنما يعتبر مع الوجوب لا مطلقا (4).
وصلاة العيد إنما تجب على من تجب عليه الجمعة، ولا تجب على من تسقط
عنه الجمعة والمشهور استحبابها لهم، ولم أطلع على نص عام، لكن يستفاد من
بعض الأخبار استحبابها للمسافر والمرأة (5).
والأشهر الأقرب استحبابها منفردا إذا تعذرت الجماعة، والأشهر الأقرب أنه
يستحب الإتيان بها جماعة وفرادى مع اختلال بعض الشرائط.
وكيفية صلاة العيد على القول الأشهر الأقرب أن يكبر للافتتاح ويقرأ الحمد
وسورة، ثم يكبر ويقنت خمسا ويكبر السادسة مستحبا، فيركع بها، ثم يسجد
سجدتين، ثم يقوم فيقرأ الحمد وسورة، ثم يكبر ويقنت أربعا، ثم يكبر الخامسة
مستحبا للركوع، ثم يسجد سجدتين ويتشهد ويسلم.
وفي التذكرة نقل الاتفاق على وجوب السورة مع الحمد في هذه الصلاة (6).

(1) نقله عن ابن أبي عقيل في المختلف 2: 251.
(2) الكافي في الفقه: 153، الغنية: 94.
(3) التذكرة 4: 122.
(4) الذكرى 4: 172 - 173.
(5) الوسائل 5: 103 و 133، الباب 8 و 28 من أبواب صلاة العيد.
(6) التذكرة 4: 134.
105

ولا يتعين سورة مخصوصة، واختلفوا في الأفضل فقيل: الشمس في الاولى
والغاشية في الثانية (1). وقيل: سبح اسم في الاولى والشمس في الثانية (2). وبعض
الروايات الصحيحة يناسب الأول (3). وبعض الروايات يناسب الثاني (4).
وفي وجوب التكبيرات الزائدة قولان: أحوطهما الوجوب، كما هو قول
الأكثر، وفي وجوب القنوت بعد التكبير قولان، والقول بالاستحباب لا يخلو عن
رجحان، والأقرب الأشهر عدم التوقيت فيه، والمشهور أن مع كل تكبيرة من
التكبيرات الزائدة قنوت، فيكون عدد القنوت في الاولى خمسا وفي الثانية أربعا
وقيل: إن في الاولى أربعا وفي الثانية ثلاثا (5). ويشهد له بعض الروايات (6).
ويستحب رفع اليدين مع كل تكبيرة.
ولو نسي التكبيرات كلا أو بعضا مضى في صلاته ولا شيء عليه، وفي قضائه
بعد الصلاة قولان، ولو شك في عدد التكبير أو القنوت بنى على الأقل، ولو ذكر
الإتيان به بعد فعله لم يضر، والإمام لا يتحمل التكبير والقنوت، وإنما يتحمل
القراءة، واحتمل في الذكرى تحمل القنوت (7).
ووقت صلاة العيد من طلوع الشمس على المشهور، وقال الشيخ: إذا طلعت
الشمس وارتفعت وانبسطت (8). ومقتضى الرواية أن وقت الخروج بعد طلوع
الشمس (9) ولا أعلم خلافا في أن آخر وقتها الزوال.
ويستحب تأخير صلاة العيد في الفطر بالنسبة إلى الأضحى، ولو فاتت لم

(1) المهذب 1: 122.
(2) المبسوط 1: 170.
(3) الوسائل 5: 105، الباب 10 من أبواب صلاة العيد، ح 2.
(4) الوسائل 5: 107، الباب 10 من أبواب صلاة العيد، ح 10.
(5) المدارك 4: 109.
(6) الوسائل 5: 105، الباب 10 من أبواب صلاة العيد.
(7) الذكرى 4: 191.
(8) المبسوط 1: 169.
(9) الوسائل 5: 135، الباب 29 من أبواب صلاة العيد، ح 2.
106

تقض عند الأكثر، وقيل: يستحب القضاء (1).
ويحرم السفر بعد طلوع الشمس قبل الصلاة، ويكره بعد طلوع الفجر.
ولو اتفق العيد والجمعة تخير من صلى العيد في حضور الجمعة ويعلم الإمام ذلك.
ويستحب الإصحار بها إلا بمكة، والخروج حافيا بالسكينة ذاكرا لله تعالى،
وأن يطعم قبل الخروج في الفطر وبعده في الأضحى مما يضحي به.
وذكر كثير من الأصحاب أنه يستحب الإفطار يوم الفطر على الحلوا استنادا
إلى رواية غير دالة عليه (2) وفي الذكرى: أفضله السكر (3). ومستنده غير واضح،
وروي من تربة الحسين (عليه السلام) (4). وتحريمه إلا بقصد الاستشفاء أقرب.
ويعمل منبر من طين (5).
والمشهور استحباب التكبير في الفطر عقيب أربع صلوات أولها المغرب ليلة
العيد، وظاهر بعضهم الوجوب (6). وضم إليه بعضهم الظهرين (7). وبعضهم النوافل (8).
وفي الأضحى عقيب خمس عشرة إن كان بمنى، أولها ظهر العيد وفي غيرها
عقيب عشر صلوات، وذهب المرتضى وابن الجنيد إلى الوجوب (9). والأقرب
الاستحباب.
والأولى العمل في الفطر بما في رواية سعيد النقاش وهو: الله أكبر الله أكبر لا
إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا (10).
وكيفية التكبير في الأضحى بما في حسنة ابن عمار أن يقول: الله أكبر الله أكبر

(1) السرائر 1: 318.
(2) الوسائل 5: 114، الباب 13 من أبواب صلاة العيد، ح 2.
(3) الذكرى 4: 176.
(4) الوسائل 5: 114، الباب 13 من أبواب صلاة العيد، ح 1.
(5) أي لإيراد الخطبة.
(6) الانتصار: 57.
(7) المقنع: 46.
(8) نقله عن ابن الجنيد في المختلف 2: 275.
(9) الانتصار: 57، نقله عن ابن الجنيد في المختلف 2: 275.
(10) الوسائل 5: 122، الباب 20 من أبواب صلاة العيد، ح 2.
107

لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما
رزقنا من بهيمة الأنعام والحمد لله على ما أبلانا (1).
ونحوه في حسنة زرارة (2) وصحيحة منصور (3) إلا أنه ليس في آخرهما الحمد
لله على ما أبلانا، والعمل بالجميع متجه.
ويكره التنفل بعدها إلى الزوال وقبلها إلا بمسجد النبي (صلى الله عليه وآله) فإنه يصلي
ركعتين قبل خروجه.
المقصد الرابع
في صلاة الكسوف
وتجب عند كسوف الشمس وخسوف القمر بلا خلاف وعند الزلزلة والريح
المظلمة وباقي أخاويف السماء والآيات المخوفة على الأشهر الأقرب صلاة
ركعتين في كل ركعة خمس ركوعات.
وكيفيتها أن يكبر للإحرام، ثم يقرأ الحمد وسورة، ثم يركع، ثم يقوم فيقرأ
الحمد وسورة، ثم يركع هكذا خمسا، ثم يسجد بعد القيام من الركوع الخامس
سجدتين، ثم يقوم فيصلي الركعة الثانية كذلك ويتشهد ويسلم. وإن شاء وزع
السورة على الركعات في الاولى وكذلك السورة في الثانية، ويجوز أن يقرأ بعض
السورة فيقوم من الركوع ويتمها من غير أن يقرأ الحمد.
والمشهور أنه إذا أكمل سورة وجب عليه قراءة الحمد فيما يليه، واستحب
ذلك بعضهم (4). والأول أقرب، ويستفاد من إطلاق بعض الأخبار جواز التفريق بأن
يبعض سورة في إحدى الركعتين ويقرأ في الاخرى خمسا، والجمع في الركعة

(1) الوسائل 5: 124، الباب 21 من أبواب صلاة العيد، ح 4.
(2) الوسائل 5: 123، الباب 21 من أبواب صلاة العيد، ح 2.
(3) الوسائل 5: 124، الباب 21 من أبواب صلاة العيد، ح 3.
(4) السرائر 1: 324.
108

الواحدة بين الإتمام والتبعيض (1).
ووقت هذه الصلاة من حين ابتداء الكسوف، واختلف الأصحاب في آخره
فالأكثر على أنه ابتداء الانجلاء، وذهب جماعة من الأصحاب إلى أنه تمام
الانجلاء (2). وهو الراجح، فلو قصر عنها سقطت على المشهور، وفيه تأمل، ووقت
الزلزلة تمام العمر.
والمشهور أن من علم بحصول الآية المخوفة وترك الصلاة يجب عليه القضاء
وإن احترق بعض القرص سواء كان عامدا أو ناسيا وهو أحوط، والقول بترجيح
وجوب القضاء فيما عدا الكسوفين غير بعيد، ولو جهلها حتى خرج وقتها فلا
قضاء إلا في الكسوفين بشرط احتراق القرص أجمع على الأشهر الأقرب.
ويستحب فيها الجماعة والإطالة بقدره والإعادة لو لم ينجل بعد الفراغ من
الصلاة على الأشهر الأقرب، وقيل بالوجوب (3). وقراءة الطوال، ومساواة الركوع
والسجود للقراءة، والتكبير عند الرفع من كل ركوع إلا في الخامس والعاشر
فيقول: سمع الله لمن حمده، والقنوت خمسا.
وإذا حصل الكسوف في وقت فريضة حاضرة فإن تضيق وقت إحداهما
تعينت للأداء ثم يصلي بعدها ما اتسع وقتها، وإن تضيقتا قدمت الحاضرة، وإن
اتسع الوقتان كان مخيرا في تقديم أيهما شاء على الأشهر الأقرب، وتقدم على
النافلة وإن خرج وقتها.
المقصد الخامس
في الصلاة على الأموات
تجب على الكفاية الصلاة على كل مؤمن وعلى غير المؤمن من المسلمين

(1) الوسائل 5: 149، الباب 7 من أبواب صلاة الكسوف والآيات.
(2) الكافي: 156، المعتبر 2: 330، المنتهى 1: 353 س 17.
(3) رسائل الشريف المرتضى (المجموعة الثالثة): 46.
109

على الأشهر الأقرب.
والظاهر أنه لا خلاف في وجوب الصلاة على مرتكب الكبائر إذا كان معتقدا
للحق، وكذا يجب على من هو بحكم المسلم ممن بلغ ست سنين ذكرا كان أو انثى
حرا أو عبدا على الأقرب.
والمشهور خصوصا بين المتأخرين أنه يستحب على من لم يبلغ الست،
وظاهر المفيد والكليني والصدوق نفي الاستحباب (1). وهو أحوط.
وكيفيتها أن ينوي مستدامة الحكم ثم يكبر تكبيرة الإحرام مقارنة للنية، ثم
يتشهد عقيبها الشهادتين، ثم يكبر ثانية ويصلي على النبي وآله (صلى الله عليه وآله)، ثم يكبر
ثالثة ويدعو للمؤمنين والمؤمنات، ثم يكبر رابعة ويدعو للميت إن كان مؤمنا،
ويدعو على الميت إن كان مخالفا ويدعو بدعاء المستضعفين إن كان الميت منهم
وأن يحشره مع من كان يتولاه إن جهل حاله.
والظاهر أن معرفة بلد الميت الذي يعرف إيمان أهله كاف في إلحاقه بهم
ويدعو بأن يجعل الميت فرطا لأبويه إن كان طفلا ثم يكبر الخامسة وينصرف.
واختلف الأصحاب في وجوب الدعاء بين التكبيرات، فالمشهور بين
الأصحاب خصوصا المتأخرين منهم وجوبه، بل وجوب الأذكار الأربعة، وقيل
بعدم الوجوب وإليه ذهب المحقق (2) والبراءة اليقينية من التكليف يقتضي المصير
إلى الوجوب، لكن الإيجاب على التفصيل المذكور خلاف ما يفهم من الأخبار
الكثيرة، ثم على القول بوجوب الأذكار الأربعة لا يتعين فيها لفظ مخصوص.
ويجب استقبال القبلة، وجعل رأس الجنازة على يمين المصلي بالنسبة إلى
الإمام، وكون الميت مستلقيا بحيث لو اضطجع على يمينه كان مستقبلا للقبلة، ولا
قراءة فيها ولا تسليم.
ويستحب الطهارة من الحدث، وهل تشترط الطهارة من الخبث؟ فيه نظر.

(1) المقنعة: 231، الكافي 3: 206، الباب 73 من غسل الأطفال، المقنع: 21.
(2) الشرائع 1: 106.
110

ويجوز في المساجد والمشهور أنه يكره فيها إلا بمكة. ويستحب الوقوف حتى
ترفع الجنازة ولو كان مأموما على الأقرب، ووقوف الإمام عند وسط الرجل
وصدر المرأة على الأشهر الأقرب، ونزع النعلين. ويستحب رفع اليدين في
التكبيرة الاولى، والمشهور عدم استحباب الرفع في البواقي، وذهب جماعة إلى
الاستحباب (1) ولعله الأقرب.
ولا يصلى عليه إلا بعد غسله وتكفينه، والأقرب عندي جواز الصلاة على
القبر لمن فاتته الصلاة وأنه يجب الصلاة عليه إذا دفن بغير صلاة.
وأولى الناس بها أولاهم بالميراث، والأب أولى من الابن، والزوج أولى من
كل أحد، فإن لم يكن الولي بالشرائط استناب من يريد وليس لأحد التقدم بدون إذنه.
ولو فات عن المأموم بعض التكبيرات أتم ما بقي منها بعد فراغ الإمام ولاء
وإن رفعت الجنازة.
ويستحب تشييع الجنازة وأن يكون ماشيا، والمشي وراء الجنازة أو أحد
جانبيها أفضل على الأشهر والعمل به أولى.
ويستحب تربيع الجنازة وهو حمل الجنازة من جوانبها الأربعة، والأفضل أن
يربع الشخص الواحد وهو يحصل بحمل جوانب السرير الأربعة على أي وجه
كان، وأفضل هيئاته المستحبة أن يأخذ الحامل جانب السرير الذي يلي اليد
اليمنى للميت، ثم يمر إلى الجانب الذي يلي الرجل اليمنى، ثم يمر إلى الجانب
الذي يلي الرجل اليسرى، ثم يمر إلى الجانب الذي يلي اليد اليسرى وهذه وإن
كانت غير مشهورة بين المتأخرين، لكنها مستفادة من الأخبار ووقع التصريح بها
في كلام العلامة في المنتهى (2).
ويستحب للمشيع أن يحضر قلبه للتفكر في مآله والتخشع والاتعاظ بالموت،
ويكره له الضحك والسرور، ويكره له الجلوس قبل أن يوضع الميت في لحده.

(1) التهذيب 3: 194 ذيل الحديث 444، المعتبر 2: 356، الجامع للشرائع: 121.
(2) المنتهى 1: 444 س 12.
111

ويستحب الإعلام للمؤمنين، والدعاء عند المشاهدة. ويستحب وضع الميت
دون القبر هنيئة ثم دفنه كما هو المستفاد من الأخبار (1) ولا يستفاد منها ما اشتهر
بين الأصحاب من أنه ينقل في ثلاث دفعات وبمضمون الأخبار أفتى ابن الجنيد
والمحقق في المعتبر (2). وتوضع المرأة مما يلي القبلة وتنزل عرضا.
والواجب دفنه في حفرة تستر رائحته وتحرسه عن هوام السباع على
الكفاية، وإضجاعه على جانبه الأيمن مستقبل القبلة على المشهور، وذهب ابن
حمزة إلى الاستحباب (3). والأول أحوط.
ويستحب حفر القبر قدر قامة أو إلى الترقوة واللحد مما يلي القبلة قدر
الجلوس، وكشف الرأس للنازل، وحل العقد الكائنة في الكفن من قبل رأسه
ورجليه، وجعل التربة معه. ويستحب لملحد الميت أن يلقنه الشهادتين وأسماء
الأئمة (عليهم السلام) وشرج اللبن، والخروج من قبل الرجلين، وإهالة الحاضرين بظهور
الأكف، ورفع القبر أربع أصابع وتربيعه، وصب الماء من قبل رأسه دورا، ووضع
اليد عليه والترحم، وتلقين الولي أو من يأمره بعد الانصراف بأعلى صوته،
والتعزية لأهل المصيبة جميعا، ويجوز قبل الدفن وبعده، ويكفي المشاهدة.
ويكره أن ينزل الوالد قبر ولده، ويستحب نزول ذي الرحم للمرأة.
ويكره إهالة التراب على الرحم. ويكره القعود على القبر والبناء عليه وتجصيصه
وتطيينه ودفن ميتين في قبر واحد ونقل الميت إلا إلى أحد المشاهد المشرفة.
والمعروف تحريم نبش القبر، لا أعرف خلافا فيه، ويستثنى منه مواضع
فصلناها في الذخيرة (4).
والمشهور تحريم نقل الميت بعد دفنه، وقيل بالجواز (5). والمشهور تحريم شق

(1) الوسائل 2: 837، الباب 16 من أبواب الدفن.
(2) نقله في الذكرى 2: 16، المعتبر 1: 298.
(3) الوسيلة: 68.
(4) الذخيرة: 343 - 444.
(5) الوسيلة: 69.
112

الثوب على غير الأب والأخ مطلقا. وقيل بجوازه للنساء (1). والمشهور جوازه على
الأب والأخ، وذهب ابن إدريس إلى عموم المنع (2). ولا خلاف في تحريم دفن
غير المسلمين في مقابرهم إلا الذمية الحامل من مسلم.
المقصد السادس
في المنذور
إذا نذر صلاة مطلقا لم يعتبر فيها مكانا معينا ولا زمانا، ولو قيده بهيئة معلومة
كصلاة جعفر مثلا تعين، ولو نذر العيد المندوب في وقته تعين، ولو نذر هيئة في
غير وقتها لم يجب، ولو قيدها بزمان أو مكان تعين، ولو قيده بزمان له مزية تعين،
ولو لم يكن للقيد مزية قيل: أجزأه أين شاء (3). والأقرب مراعاة اعتبار القيد،
وحكم اليمين والعهد في الامور المذكورة حكم النذر.
المقصد السابع
في النوافل
يستحب صلاة الاستسقاء جماعة عند قلة الأمطار وغور الأنهار، وهي ركعتان
كالعيد، إلا أنه يقنت بالاستعطاف وسؤال توفير الماء بعد أن يصوم الناس ثلاثة
أيام، ويخرج بهم الإمام في الثالث، وليكن الجمعة أو الاثنين إلى الصحراء بالسكينة
والوقار، ويستحب أن يخرج المؤذنون بين يدي الإمام بأيديهم العنز، ويستحب
أن يخرج معهم الشيوخ والأطفال والعجائز على المشهور، وأن يفرق بين الأطفال
وامهاتهم على المشهور، ويستحب تحويل الرداء، ثم يستقبل القبلة ويكبر الله مائة
عاليا صوته ويسبح مائة عن يمينه ويهلل مائة عن يساره ويحمد الله مائة تلقاء
الناس، ثم يخطب ويبالغ في السؤال، فإن تأخرت الإجابة أعادوا الخروج.

(1) نهاية الإحكام 2: 290.
(2) السرائر 1: 172.
(3) الإرشاد 1: 265.
113

ومن النوافل المستحبة: نوافل شهر رمضان وهي ألف ركعة، والمشهور
استحبابه، وقيل: لم يشرع لرمضان نافلة زائدة على غيره (1) والأول أقرب.
ومنها: صلاة علي (عليه السلام) أربع ركعات في كل ركعة الحمد مرة وقل هو الله أحد
خمسين مرة.
ومنها: صلاة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وهي ركعتان في الاولى الحمد مرة والقدر
مائة مرة، وفي الثانية الحمد مرة والتوحيد مائة مرة.
ومنها: صلاة جعفر بن أبي طالب ويسمى صلاة الحباء وصلاة التسبيح وهي
أربع ركعات بتسليمتين، يقرأ في الاولى الحمد وسورة، ثم يقول خمس عشرة
مرة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ثم يركع ويقولها عشرا، ثم
يرفع ويقولها عشرا، ثم يسجد ويقولها عشرا، ثم يرفع ويقولها عشرا، ثم يسجد
ثانيا ويقولها عشرا، ثم يرفع ويقولها عشرا، وهكذا في البواقي.
ويستحب أن يقرأ في الاولى: إذا زلزلت الأرض، وفي الثانية: والعاديات،
وفي الثالثة: إذا جاء نصر الله، وفي الرابعة: قل هو الله. والمشهور أن التسبيح في
هذه الصلاة بعد القراءة، وقيل: قبله (2). والتخيير غير بعيد، ويجوز الاحتساب بها
من نوافل الليل والنهار، ويجوز فعلها في السفر في المحمل.
ويستحب ليلة الفطر ركعتان يقرأ في الاولى الحمد مرة وألف مرة بالتوحيد،
وفي الثانية الحمد مرة والتوحيد مرة.
ويستحب صلاة الغدير، وليلة النصف من شعبان، وليلة المبعث ويومه.
ويستحب صلاة الشكر والحاجة والاستخارة على المرسوم.
وكل النوافل ركعتان بتشهد وتسليم إلا ما استثني، وقائما أفضل مع جواز الإتيان
بها جالسا على الأقرب، وابن إدريس منع من الجلوس في النافلة في غير الوتيرة
اختيارا (3). وفي جواز الاضطجاع والاستلقاء فيها اختيارا قولان، أظهرهما العدم.

(1) حكاه عن الصدوق في الذكرى 4: 275.
(2) الفقيه 1: 552، ح 1533.
(3) السرائر 1: 309.
114

المقصد الثامن
في مكروهات الصلاة
وذكر بعض ما يجوز فعله في الصلاة
المشهور بين الأصحاب كراهة العقص للرجل، وذهب جماعة من الأصحاب
منهم الشيخ إلى أنه حرام مبطل للصلاة (1). والأول أقرب.
ومن المكروهات: الالتفات يمينا وشمالا على المشهور، وذهب بعض
الأصحاب إلى أنه محرم مبطل للصلاة (2). وسيجئ الكلام فيه.
ومنها: التثاؤب، والتمطي، والفرقعة والعبث باللحية والرأس، ونفخ موضع
السجود، والتنخم والبصاق، ورمي الحصى، ومدافعة الأخبثين أو الريح،
والاشتغال بالصلاة متكاسلا متناعسا.
والمعروف من مذهب الأصحاب تحريم قطع الصلاة الواجبة اختيارا ولا
أعلم خلافا فيه بينهم، ويجوز قطعها للضرورة كقبض الغريم، وحفظ النفس
المحترمة من التلف أو الضرر، وإنقاذ الغريق، وقتل الحية التي يخافها على نفس
محترمة، وإحراز المال المضر ضياعه، وخوف ضرر الحدث بإمساكه، إلى غير ذلك.
ويجوز الدعاء في جميع حالات الصلاة بالمباح للدين والدنيا، ولا يجوز
الدعاء بالمحرم، والظاهر أنه مبطل للصلاة مع العلم بالتحريم، وفي الجهل وجهان،
أجودهما الإبطال.
فائدة: لو سلم مسلم يجب الرد، ولو قال: عليك السلام، ففي وجوب الرد
تردد، وكذا الكلام في مثل: سلام، وسلاما، والسلام، وسلامي، وسلام الله عليك
وأمثالها. والأولى أن يقول في رد السلام: سلام عليكم، كما يستفاد من الرواية (3)
وفي التذكرة أن صيغة الجواب: وعليكم السلام، ورد السلام واجب كفاية، فلو رد
بعض المسلم عليهم سقط عن الباقين (4).

(1) المبسوط 1: 119.
(2) نقله في الذكرى عن بعض مشايخه 4: 21.
(3) الوسائل 4: 1265، الباب 16 من أبواب قواطع الصلاة، ح 2.
(4) التذكرة 1: 406 س 28 و 37.
115

والظاهر أن الجواب واجب فوري، والظاهر أن الفورية المعتبرة فيه تعجيله
بحيث لا يعد تاركا له عرفا، فعلى هذا لا يضر إتمام كلمة أو كلمتين لو وقع في أثنائها.
وصرح جماعة بأن الإسماع واجب تحقيقا أو تقديرا (1).
ويكره أن يخص طائفة من الجمع بالسلام.
ويستحب أن يسلم الراكب على الماشي، والقائم على الجالس، والطائفة
القليلة على الكثيرة، والصغير يسلم على الكبير، وأصحاب البغال يبدؤون
أصحاب الحمير، وأصحاب الخيل يبدؤون أصحاب البغال، وقيل: يحرم سلام
المرأة على الأجنبي (2). وتوقف فيه بعض الأصحاب (3). وهو في محله.
ويستفاد من بعض الروايات كراهة التسليم على الشابة من النساء (4). وهل
يجب على الأجنبي الرد عليها على القول بتحريم تسليمها؟ فيه وجهان. وفي
وجوب الرد عليها لو سلم عليها أجنبي ثلاثة أوجه: الوجوب والتحريم
ووجوب الرد خفيا، وحيث لم يثبت تحريم سماع صوت الأجنبية وإسماعه مطلقا
كان القول بالوجوب عاما.
ولا يسلم على أهل الذمة ابتداء، ولو سلم عليه ذمي قال في الرد: عليكم
واقتصر عليه، والظاهر أن هذا الاقتصار على سبيل الاستحباب، وهل يجب الرد
على أهل الذمة؟ لم أجد تصريحا في هذا الباب في كلام الأصحاب، وقد رخص
في السلام عليهم والدعاء لهم في بعض الأحيان.
ففي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): أرأيت إن
احتجت إلى المتطبب وهو نصراني اسلم عليه وأدعوا له؟ قال: نعم لا ينفعه
دعاؤك (5). وفي بعض الروايات أنه يقول له: بارك الله لك في دنياك (6).

(1) جامع المقاصد 2: 356، المسالك 1: 232، مجمع الفائدة 3: 119.
(2) التذكرة 1: 407 س 5.
(3) مجمع الفائدة 3: 121.
(4) الوسائل 8: 451، الباب 48 من أبواب أحكام العشرة.
(5) الوسائل 8: 456، الباب 53 من أبواب أحكام العشرة، ح 1.
(6) الوسائل 8: 457، الباب 53 من أبواب أحكام العشرة، ح 2.
116

وإذا سلم عليه وهو في الصلاة وجب عليه الرد لفظا، والمشهور أنه إذا سلم
عليه في الصلاة بقوله: سلام عليكم، يجب أن يكون الجواب مثله. ولا يجوز
الجواب ب‍: عليكم السلام، خلافا لابن إدريس (1). والأحوط الأول.
ولو قال المسلم: عليكم السلام فظاهر المحقق عدم جواز إجابته إلا إذا قصد
الدعاء وكان مستحقا (2). وتردد فيه العلامة في المنتهى (3) وعلى تقدير الجواز ففي
الوجوب تردد، وعلى تقدير الوجوب هل يتعين سلام عليكم أو يجوز الجواب
بالمثل؟ فيه تردد، ويحتمل قويا تعين الجواب بالمثل.
ولو حياه أو سلم عليه بغير ما ذكر من الألفاظ فعندي أنه إن قصد بالرد الدعاء
فهو جائز، وإلا ففي جواز الرد ووجوبه تردد، ولو ترك المصلي الرد الواجب
واشتغل بإتمام الصلاة أثم، وهل تبطل به الصلاة؟ فيه تفصيل ذكرته في الذخيرة،
ولو رد السلام غير المصلي ففي جواز الرد من المصلي أو استحبابه خلاف،
والأقرب الجواز إن قصد الدعاء.
ويجوز للمصلي تسميت العاطس، وهو أن يقول: يرحمك الله ويغفر لك الله
وأمثال ذلك، ويجوز له أن يحمد الله إذا عطس وأن يصلي على النبي وآله (صلى الله عليه وآله).
المقصد التاسع
في الخلل الواقع في الصلاة
وفيه طرفان:
الأول في مبطلات الصلاة
كل من أخل بواجب عمدا أو جهلا من أجزاء الصلاة أو صفاتها أو شرائطها أو
تروكها الواجبة بطلت صلاته إلا الجهر والإخفات على القول بالوجوب.
ولو تعمد الحدث في أثناء الصلاة بطلت صلاته، ولو كان سهوا أو من غير

(1) السرائر 1: 236.
(2) المعتبر 2: 264.
(3) المنتهى 1: 314 س 22.
117

اختيار فالمشهور أنه كذلك، وقيل: يتطهر ويبني (1).
ولو أحدث بعد السجدة الثانية قبل التشهد فالمشهور أنه تبطل صلاته.
وقال ابن بابويه: إنه يتوضأ ويعود إلى مكانه ويتشهد جالسا وتصح صلاته (2).
ومن مبطلات الصلاة تعمد التكلم بحرفين مما ليس بقرآن ولا دعاء، وقطع
الأصحاب بأن الحرف الواحد غير المفهم غير مبطل للصلاة، والاحتياط يقتضي
الاجتناب عنه، والظاهر أن الحرف الواحد المفهم مبطل كما صرح به جماعة من
الأصحاب (3). ولا يعتبر في الكلام المبطل الوضع، والظاهر أن التنحنح غير مبطل
كما صرح به جماعة منهم (4). والظاهر أن النفخ بحرفين والتأوه بهما بحيث يصدق
التكلم مبطل للصلاة، ولو تأوه كذلك خوفا من النار فوجهان.
ولا فرق في البطلان بين أن يكون التكلم لمصلحة الصلاة أم لا عندهم، ولا
بين أن يكون لمصلحة اخرى غيرها أم لا على المشهور، وذكر العلامة في النهاية
أنه غير مبطل (5). ولعل الأقرب الأول.
ويجوز التنبيه بتلاوة القرآن والدعاء والذكر والإشارة باليد.
ولا تبطل الصلاة بالكلام سهوا ولو ظن إتمام الصلاة فتكلم لم تبطل صلاته
على الأشهر الأقرب، ولو تكلم مكرها فالأقرب البطلان.
ومن مبطلات الصلاة تحويل الوجه عن القبلة، وفي المسألة اختلاف
واضطراب في كلام الأصحاب. والظاهر أن الانحراف عن القبلة بكل البدن عمدا
يوجب البطلان وإن لم يبلغ حد التشريق أو التغريب، وكذا الانحراف بالوجه عمدا
إن بلغ حد الاستدبار، وإلى اليمين واليسار تردد، وترجيح عدم البطلان غير بعيد.
وإذا كان الالتفات إلى أحد الجانبين ولم يبلغ حد التشريق أو التغريب

(1) نقله عن المرتضى في المعتبر 2: 250.
(2) الفقيه 1: 356.
(3) المنتهى 1: 309 س 37، الذكرى 4: 13، المدارك 3: 463.
(4) التذكرة 3: 284، الذكرى 4: 14، الروض: 331 س 21.
(5) نهاية الإحكام 1: 516.
118

فالأقرب عدم البطلان وعدم التحريم، لكن لو كان الالتفات طويلا جدا احتمل
البطلان، وكذا لو أتى ببعض أفعال الصلاة في حال الالتفات، ويحتمل الفرق بين ما
لا يمكن تداركه من الأفعال كالأركان وغيرها كالقراءة.
ولو كان الانحراف سهوا فإن بلغ الانحراف حد اليمين أو اليسار وكان الانحراف
بكل البدن أو بالوجه خاصة مع بلوغه حد الاستدبار فلا يبعد اختيار أنه مثل العمد
في البطلان، فيجب الإعادة في الوقت وخارجه، والمسألة لا تخلو عن تردد.
وإن بلغ الانحراف حد اليمين أو اليسار ولم يتجاوز عنه ولم يكن الانحراف
بالبدن كله فإن لم يأت بشيء من أفعال الصلاة على هذه الحالة فالظاهر أنه غير
مبطل، اللهم إلا أن يكون طويلا جدا، فيحتمل القول بالبطلان حينئذ، وإن أتى
بشيء من أفعال الصلاة على هذه الحالة فإن أمكن تداركه فالظاهر أنه غير قادح
في الصحة مع احتماله، وإن لم يمكن تداركه كما إذا كان ركنا فالظاهر البطلان.
وإن لم يبلغ الانحراف حد اليمين أو اليسار سواء كان بالبدن كله أم لا فالظاهر
أنه ليس عليه شيء، ولو ظن الخروج عن الصلاة فانحرف لم يبعد أن يقال: حكمه
حكم العامد في التفاصيل المذكورة.
ومن المبطلات: تعمد التكفير على المشهور، وكرهه أبو الصلاح (1) واستوجهه
المحقق في المعتبر (2). وهو جيد، وفي تفسيره قولان: أحدهما: أنه وضع اليمين
على الشمال وقيده بعضهم بحال القراءة (3) وثانيهما: عدم الفرق بين وضع اليمين
على الشمال وبالعكس، ولا فرق في الكراهة أو التحريم بين أن يكون الوضع فوق
السرة أو تحتها، ولا بين أن يكون بينهما حائل أم لا، ولا بين أن يكون الوضع على
الزند أو الساعد كما صرح به جماعة من الأصحاب، واستشكل العلامة في
النهاية الأخير (4).
ومن المبطلات: تعمد القهقهة، ولو كانت سهوا فجماعة من الأصحاب نقلوا

(1) الكافي في الفقه: 125.
(2) المعتبر 2: 257.
(3) التذكرة 3: 295.
(4) نهاية الإحكام 1: 523.
119

الإجماع على عدم البطلان (1). وهو مشكل نظرا إلى عموم الروايات (2). ولو وقعت
على وجه لا يمكن دفعه فاستقرب في الذكرى البطلان (3). وهو متجه، ويظهر من
التذكرة أنه متفق عليه (4). ولا يبطل التبسم.
ومنها: البكاء للدنيوية على المشهور، وفيه تردد، وبعض الأصحاب فسر
البكاء بما له صوت (5). والظاهر العموم.
ومنها: تعمد فعل الكثير، وفي تحديد حد الكثرة إشكال، والعمل بالاحتياط
أنسب.
ويظهر من الروايات جواز بعض الأفعال مثل: تسوية الحصى حين السجود،
ومس الجبهة لإزالة التراب، ونفخ موضع السجود لإزالة الغبار، وإدخال الإصبع
في الأنف، ورمي الدم اليابس لو خرج من الأنف، وعد الرجل صلاته بخاتمه أو
بحصى يأخذه بيده فيعد به، ورمي الحصاة يقصد به إقبال رجل، وغسل الرعاف،
وقطع الثؤلول، ونتف بعض اللحم من الجرح ورميه، ومسح موضع الدمل المنفجر
ثم مسح اليد على الجدار، وضم الجارية إليه، ودفن القملة في الحصى، وحمل
المرأة صبيها، وإرضاع الولد وهي تتشهد، وقتل الحية والعقرب، وقتل البقة
والبرغوث والقملة والذباب، ورفع العصا وإعطاؤها لشيخ، والانصراف لحفظ
الطفل يحبو إلى النار والشاة تدخل البيت لتفسد الشيء ثم البناء، والتقدم بخطوة
والإيماء والإشارة، وضرب المرأة يدها على الفخذ للتنبيه وتصفيقها لذلك، وأن
يحنك في الصلاة، ونزع بعض الأسنان المتحركة، وحك ما يرى في ثوبه من خرء
الطير وغيره (6).

(1) جامع المقاصد 2: 349، الذكرى 4: 12، الروض: 332 س 30.
(2) الوسائل 4: 1252، الباب 7 من أبواب قواطع الصلاة.
(3) الذكرى 4: 12.
(4) التذكرة 3: 285 - 286.
(5) الروض: 333 س 17.
(6) انظر الوسائل 4: 1240 - 1284، أبواب قواطع الصلاة.
120

ولو كان الفعل الكثير سهوا فمذهب الأصحاب أنه غير مبطل للصلاة،
واستشكل بعض الأصحاب الحكم في الكثير الذي يوجب انمحاء صورة
الصلاة (1).
ومنها: تعمد الأكل أو الشرب على المشهور، واستقرب جماعة من الأصحاب
عدم البطلان بذلك إلا مع الكثرة (2). وفي المنتهى: ولو ترك في فيه شيئا يذوب
كالسكر فذاب فابتلعه لم يفسد صلاته عندنا. قال فيه: لو بقي بين أسنانه شيء من
بقايا الغذاء فابتلعه في الصلاة لم تفسد صلاته قولا واحدا (3). وكذا لو كان في فيه
لقمة ولم يبلعها إلا في الصلاة، ولو أراد الصوم وأصابه عطش وكان في صلاة الوتر
جاز أن يسعى إلى الماء ويشرب.
ومنها: الإخلال بركن وقد مر حكم النية والتكبير والقيام.
وأما الركوع فالمشهور بين الأصحاب أنه إذا ترك الركوع عمدا أو سهوا حتى
دخل في السجود بطلت صلاته، وفيه الخلاف لبعض الأصحاب.
والمشهور أن من ترك السجدتين مطلقا حتى ركع بطلت صلاته، سواء كان
ذلك في الأولتين أو في الأخيرتين، ولا أعلم خلافا بين الأصحاب في أن زيادة
الركن مبطلة إلا ما استثني. ولو زاد ركعة عمدا بطلت صلاته.
ومن المبطلات: زيادة ركعة عمدا، وإن كانت سهوا فإن لم يجلس عقيب
الرابعة بقدر التشهد فصلاته باطلة، وإن جلس وتشهد فصلاته صحيحة، وإن جلس
بقدر التشهد ولم يتشهد ففي المسألة تردد، وتحصيل البراءة اليقينية يقتضي
الإعادة.
ولو ذكر الزيادة بعد السجود وكان قد جلس بعد الرابعة أو تشهد على القولين
فالأولى أن يضيف إلى الخامسة ركعة اخرى ويكون نافلة، ولو ذكر الزيادة قبل
الركوع فلا إشكال في الصحة، ولو ذكرها بعد الركوع قبل السجود فالظاهر الصحة

(1) الروض: 333 س 11.
(2) المعتبر 2: 259.
(3) المنتهى 1: 312 س 16.
121

إن تشهد بعد الرابعة مع تردد فيه، واحتمل بعضهم البطلان.
ولو زاد أكثر من واحدة أو زاد في الثنائية أو الثلاثية فإن تشهد فالظاهر
الصحة على إشكال، وبدون التشهد فالظاهر البطلان.
ومنها: نقصان ركعة عمدا، ولو ترك ركعة سهوا وذكر بعد التسليم قبل فعل
المنافي يجب عليه الإتمام ولا إعادة عليه وإن كان في الثنائية. ولو ذكر النقص بعد
فعل المنافي عمدا لا سهوا كالكلام فالأشهر الأقرب عدم وجوب الإعادة. ولو
ذكر النقص بعد فعل المنافي عمدا وسهوا فالأكثر على وجوب الإعادة. وقيل: يتم
الصلاة ولا إعادة عليه (1). ولا يخلو عن قوة.
ومنها: ما لو تيقن ترك سجدتين وشك هل هما من ركعة واحدة أو اثنتين على
المشهور، وفي دليله تأمل.
ومنها: ما لو شك قبل إكمال السجود وبعد الركوع هل رفعه من الركوع الرابعة
أو الخامسة عند جماعة من الأصحاب (2) وعند جماعة من الأصحاب عدم
البطلان والبناء على الرابعة والإتمام (3) وهذا القول لا يخلو عن رجحان.
ومنها: الشك في عدد الثنائية كالصبح، ورباعية السفر، وصلاة العيدين فرضا،
والكسوف على الأشهر الأقرب، وكذا الشك في عدد الثلاثية كالمغرب.
ومنها: الشك في عدد الأولتين مطلقا رباعية كانت أو غيرها على المشهور
بين الأصحاب، وذهب ابن بابويه إلى صحة الصلاة والبناء على الأقل والإتمام (4).
والروايات مختلفة، والجمع بينها بالتخيير متجه، والأحوط الإعادة.
ومنها: ما إذا شك ولم يعلم كم صلى على المشهور بين الأصحاب، وذهب ابن
بابويه إلى جواز البناء على الأقل (5). وأكثر الأخبار تدل على الأمر بالإعادة (6).

(1) الفقيه 1: 347.
(2) التذكرة 3: 310، الموجز الحاوي: 163، مجمع الفائدة 3: 94.
(3) المعتبر 2: 397، البيان: 150.
(4) نقله في الذكرى 4: 66.
(5) نقله عنه في الذكرى 4: 66.
(6) الوسائل 5: 327، الباب 15 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
122

وبعضها تدل على البناء بالجزم وسجدتي السهو والتشهد الخفيف (1) والجمع
بالتخيير متجه، والأحوط الإعادة.
الطرف الثاني في الشك والسهو وفيه مسائل:
الاولى: المعروف من مذهب الأصحاب أنه لا حكم للشك مع غلبة الظن
بأحد الطرفين، بل يبنى على الظن، والمراد من غلبة الظن مطلق الرجحان،
وإطلاق كلامهم يقتضي عدم الفرق بين أن يكون الظن متعلقا بعدد الركعات أو
بالأفعال، وفي دلالة الدليل على التعميم تأمل، وكذا إطلاق كلام الأكثر يقتضي
عدم الفرق بين الأولتين والأخيرتين والرباعية وغيرها.
وبهذا التعميم صرح جماعة منهم (2). وبعض الأصحاب خص الحكم
بالأخيرتين (3). ولي في جريان الحكم في غير الأخيرتين نوع تردد، والمراد من
البناء على الظن تقدير الصلاة كأنها وقعت على هذا الوجه سواء اقتضى الصحة
أو الفساد.
فلو شك بين الاثنين والثلاث مثلا وظن الثلاث بنى على الثلاث من غير
احتياط.
ولو شك بين الأربع والخمس وظن كونها أربعا بنى عليه من غير سجود سهو.
ولو ظن كونها خمسا كان كمن زاد ركعة فيبني على ما ذكر في زيادة الركعة.
الثانية: لا حكم لناسي القراءة أو الجهر أو الإخفات أو قراءة الحمد أو السورة
حتى ركع، وإذا تذكر قبل الركوع ترك الحمد أو بعضها وجب الرجوع إليه على ما
يحصل معه الترتيب.
وأما الجهر والإخفات فالظاهر أنه لا يرجع إليه إذا فرغ من القراءة وإن لم

(1) الوسائل 5: 328، الباب 15 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
(2) الغنية: 112، الدروس 1: 201، المسالك 1: 295.
(3) السرائر 1: 254.
123

يركع، بل الظاهر أنه لا يرجع إليه وإن كان في أثناء القراءة.
ولا حكم لناسي ذكر الركوع أو الطمأنينة فيه حتى ينتصب، ولا حكم لناسي
الرفع من الركوع أو الطمأنينة فيه حتى يسجد، أو الذكر في السجدتين، وكذا
السجود على الأعضاء السبعة إلا الجبهة، فإن الإخلال به في السجدتين إخلال
بالركن، فيكون مبطلا، ويكون الإخلال به في أحدهما تركا للسجدة الواحدة،
ويكون محتاجا إلى التدارك.
وكذا لا حكم لناسي الطمأنينة فيهما أو في الجلوس بينهما، وكذا لو نسي
إكمال الرفع من السجدة الاولى حتى سجد ثانيا.
الثالثة: إذا شك الإمام أو المأموم وحفظ الآخر يرجع كل منهما إلى يقين
صاحبه، ولا فرق في ذلك بين الأفعال والركعات، ولا بين كون المأموم عادلا أو
فاسقا، وفي الصبي المميز تأمل، نعم إن أفاد قوله الظن كان التعويل عليه من باب
البناء على الظن، ويكفي في الرجوع تنبيه الحافظ بتسبيح ونحوه مما يفهم منه المراد.
والظاهر أنه لا يجوز التعويل على غير الإمام والمأموم وإن كان عادلا، إلا إذا
أفاد قوله الظن فيبنى عليه من باب الرجوع إلى الظن.
وفي بعض الأخبار الصحيحة: أن رجلا صلى ثم اخبر أنه صلى في غير وقته
قال: يعيد (1). وفي اخرى: جواز الاتكال في العدد على الغير (2).
وإذا فعل المأموم ما يوجب سجدتي السهو فقال جمع من الأصحاب: إنه
يجب عليه السجدتان (3). وقال جمع منهم: إنهما لا يجبان (4). ومنهم من قال: لو ترك
ما يوجب القضاء لم يجب عليه القضاء (5) والمسألة محل تردد.

(1) الوسائل 3: 204، الباب 59 من أبواب المواقيت، ح 1.
(2) الوسائل 5: 347، الباب 33 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
(3) المختلف 2: 439، الموجز الحاوي: 109، مجمع الفائدة 3: 141.
(4) المعتبر 2: 394، التذكرة 3: 323، الذكرى 4: 60.
(5) المعتبر 2: 395.
124

ولو فعل الإمام ما يوجب سجدتي السهو فعل ولا يجب السجدة على المأموم،
ومن الأصحاب من أوجبها عليه (1).
الرابعة: لا حكم للسهو والشك مع الكثرة، بل يمضي على الصلاة، ومعناه في
الشك عدم الإعادة وعدم الاحتياط فيما يوجب الشك أحدهما لولا الكثرة، وعدم
تدارك الفعل المشكوك فيه وإن كان في محله، بل يبني على وقوع المشكوك فيه ما
لم يستلزم الزيادة فيبنى على وقوع المصحح، والظاهر سقوط سجدتي السهو إذا
اقتضاهما الشك، كما إذا شك بين الأربع والخمس.
واعلم أن ظاهر عبارات كثير من الأصحاب التسوية بين الشك والسهو في
عدم الالتفات إليهما، بل شمول الحكم للسهو في كلامهم أظهر، وهو ظاهر
النصوص (2).
وفي عبارة المعتبر وكلام العلامة في عدة من كتبه إشعار باختصاص الحكم
بالشك (3). والأول يقتضي عدم الإبطال بالسهو في الركن وعدم القضاء إذا كان
السهو موجبا له، ولم أجد أحدا من الأصحاب صرح بالحكمين، بل صرح جماعة
منهم بخلافهما (4). مع تصريح بعضهم بسقوط سجود السهو، والفرق بينه وبين
القضاء محل نظر.
وفي الذكرى: لو كثر السهو عن ركن فلابد من الإعادة، وكذا عن واجب
يستدرك إما في محله أو غير محله (5). وفيه نظر.
ولو أتى بعد الحكم بالكثرة بما شك فيه فالذي صرح به جماعة من الأصحاب
بطلان صلاته (6). وفيه إشكال.

(1) الوسيلة: 102.
(2) الوسائل 5: 346، الباب 32 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
(3) المعتبر 2: 393، المنتهى 1: 411 س 11، نهاية الإحكام 1: 533، التذكرة 3: 323.
(4) الذكرى 4: 57، الروض: 343 السطر الأخير، المدارك 4: 272.
(5) الذكرى 4: 57.
(6) الموجز الحاوي: 105، المسالك 1: 299، المدارك 4: 272.
125

ولو تذكر بعد الشك أتى بما يلزمه والأقرب الأشهر في تحقق الكثرة الرجوع
إلى العرف، ومتى تحقق الحكم بالكثرة يستمر اعتبار سقوط حكم الشك والسهو،
إلى أن يخلو من السهو والشك فرائض متعددة بحيث ينتفي عنه وصف الكثرة
عرفا، فيتعلق بها حينئذ حكم السهو الطارئ.
الخامسة: لو نسي قراءة الحمد وذكر قبل الركوع قرأ. ولو ذكر الركوع قبل
السجود ركع وأتى بما بعده. ولو ذكر أنه نسي سجدة واحدة قبل أن يركع رجع إليها
وبما بعدها.
ولو ذكر أنه نسي سجدتين فالمشهور بين المتأخرين أنه كنسيان السجدة
الواحدة في وجوب الرجوع، وذهب ابن إدريس إلى أنه يوجب إعادة الصلاة (1).
ولا يبعد ترجيح الأول، ومتى كان المنسي مجموع السجدتين عاد إليهما من غير
جلوس واجب قبلهما، ومتى كان المنسي إحداهما فإن كان قد جلس عقيب
الاولى واطمأن بنية الفصل أو لا بنيته لم يجب الرجوع إلى الجلوس قبل السجدة،
وإن لم يجلس أو جلس ولم يطمئن فقيل: يجب الجلوس (2). وقيل: لا (3). والمسألة
محل تردد، ولا يبعد ترجيح القول بالوجوب.
ومن نسي التشهد وذكر قبل أن يركع رجع فتلافاه ثم أتى بما بعده. ولو ذكر
بعد التسليم ترك الصلاة على النبي وآله قضاها على الأشهر الأقرب، وأنكره ابن
إدريس (4).
ومن ترك سجدة من صلاته ولم يذكر حتى ركع قضاها بعد الفراغ من الصلاة
وليس عليه الإعادة على الأشهر الأقرب، وقيل بإعادة الصلاة في الأولتين (5).
وقيل بإعادتها مطلقا (6). والمشهور وجوب سجدتي السهو في هذه الصورة. وقيل:
لا يجب (7). ولا يخلو عن قوة.

(1) السرائر 1: 241.
(2) المدارك 4: 236.
(3) المبسوط 1: 120.
(4) السرائر 1: 241.
(5) التهذيب 2: 176.
(6) نقله عن ابن أبي عقيل في المختلف 2: 371.
(7) المدارك 4: 241.
126

ومن نسي التشهد ولم يذكر حتى ركع قضاه وسجد سجدتي السهو على
المشهور بين الأصحاب، وقيل بعدم وجوبهما (1). وللأول رجحان ما، وهو أحوط،
وفي وجوب القضاء أيضا خلاف والأحوط القضاء، ولا خلاف في أن محل قضاء
التشهد المنسي بعد التسليم، وفي السجود خلاف، والأشهر أنه بعد التسليم أيضا.
وإذا نسي السجدة من الركعة الأخيرة وذكرها بعد التشهد قبل التسليم
فالظاهر على القول بوجوب التسليم الرجوع، وعلى القول باستحبابه وجهان:
الأول: الرجوع إليها سواء كانت واحدة أو اثنتين.
وثانيهما: بطلان الصلاة إن كان المنسي السجدتين، وقضاء السجدة الواحدة
إن كان المنسي سجدة واحدة.
ولو نسي التشهد ولم يذكره إلا بعد التسليم فالظاهر أنه يقضيه، سواء تخلل
الحدث أم لا، وفيه خلاف لابن إدريس (2).
وهل يجب الترتيب بين الأجزاء المنسية وسجود السهو لها أو لغيرها؟ الأقرب
العدم، وأوجب في الذكرى تقديم الأجزاء المقضية على سجود السهو لها وسجود
السهو لها على سجود السهو لغيرها وإن كان سبب الغير مقدما على الأجزاء (3).
السادسة: لو شك في شيء من الأفعال وهو في موضعه أتى به، فإن ذكر بعد
فعله أنه كان قد فعله فإن لم يكن ركنا فلا شيء عليه على الأشهر الأقرب، وقال
جماعة منهم المرتضى: إن شك في سجدة فأتى بها ثم ذكر فعلها أعاد الصلاة (4) وإن
كان ركنا فالمشهور بين الأصحاب بطلان الصلاة به.
ولو شك في الركوع وهو قائم فركع ثم ذكر قبل رفعه بطلت صلاته على قول
اختاره أكثر المتأخرين، وذهب جماعة من الأصحاب إلى أنه يرسل نفسه للسجود
ولا تبطل صلاته (5). والمسألة محل إشكال، والإتمام ثم الإعادة طريق الاحتياط.

(1) الجمل والعقود: 79.
(2) السرائر 1: 241.
(3) الذكرى 4: 91.
(4) نقله في الذكرى 4: 64.
(5) المبسوط 1: 122، السرائر 1: 251، الكافي في الفقه: 118.
127

ولو شك بعد انتقاله إلى واجب آخر من واجبات الصلاة فلا التفات إلى الشك،
بل يبني على وقوع المشكوك فيه على الأشهر الأقوى، ولا فرق فيه وفي وجوب
الإتيان به في موضعه بين أن يكون الشك في الأولتين أو غيرهما على الأشهر الأقرب.
وقال المفيد في المقنعة: كل سهو يلحق الإنسان في الركعتين الأولتين من
فرائضه فعليه الإعادة (1). وإطلاق الأخبار يقتضي عدم الفرق بين أن يكون الشك
في الركن أو غيره.
واستقرب العلامة في التذكرة البطلان إن تعلق الشك بركن في الأولتين.
ولو شك في قراءة الفاتحة وهو في السورة ففيه قولان:
أحدهما: أنه يعيد.
وثانيهما: أنه لا يلتفت إليه وهو أقرب، وكذا الحكم في أبعاض الحمد أو
السورة بعد التجاوز عنه والدخول في البعض الآخر.
ولو شك في القراءة وهو قانت فالأظهر عدم وجوب العود.
ولو شك في الركوع وقد هوى إلى السجود فالأظهر عدم وجوب العود إلى
الركوع، خلافا لبعض الأصحاب (2).
ولو شك في السجود وهو يتشهد، أو في التشهد وقد قام فالأظهر أنه لا
يلتفت. وكذا لو شك في التشهد ولما يستكمل القيام. ولو شك في السجود ولما
يستكمل القيام فالظاهر أنه يرجع إلى السجود.
السابعة: لو شك في الرباعية بين الاثنين والثلاث فالمشهور بين الأصحاب
أنه يبني على الثلاث ويتم ثم يأتي بصلاة الاحتياط، وفي المسألة أقوال اخر،
والروايات مختلفة (3) والأقرب عندي في الجمع بينها أنه مخير بين ما ذكر وبين
البناء على الأقل، وعلى تقدير البناء على الأكثر فالمشهور أنه مخير بين ركعتين
جالسا وركعة قائما.

(1) المقنعة: 145.
(2) الروض: 344 س 16.
(3) الوسائل 5: 319، الباب 9 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
128

ومن الأصحاب من لم يذكر التخيير بل ذكر ركعتين من جلوس (1) والمستفاد
من كلام بعضهم تعين الركعة من قيام (2).
واعلم أن ظاهر الأصحاب أن كل موضع تعلق الشك بالاثنتين يشترط في
عدم وجوب الإعادة إكمال السجدتين، قاله الشهيد في الذكرى (3). ووجهه محافظة
سلامة الأولتين، فبدون ذلك يجب الإعادة.
وعن بعض الأصحاب الاكتفاء بالركوع لصدق مسمى الركعة (4). وفيه تأمل.
قال في الذكرى: نعم لو كان ساجدا في الثانية ولما يرفع رأسه وتعلق الشك لم
أستبعد صحته، لحصول مسمى الركعة (5). وفيه أن مقتضى صحيحة عبيد بن زرارة (6)
ومفهوم حسنة زرارة (7) الإعادة في الصورة المذكورة.
ولو شك في الرباعية بين الثلاث والأربع فالمشهور بين الأصحاب أنه يبني
على الأكثر ويتم ويصلي الاحتياط.
وقال ابن بابويه وابن الجنيد: إنه يتخير بينه وبين البناء على الأقل (8). وهذا
القول أقرب، لكن الأول أحوط.
] والمشهور بين الأصحاب أنه يتخير في الصورة المذكورة بين البناء على
الأقل ولا احتياط، وبين البناء على الأكثر والاحتياط [(9).
والمشهور بين الأصحاب أنه يتخير في الصورة المذكورة في صلاة الاحتياط
بين ركعتين جالسا وركعة قائما.

(1) نقله عن ابن أبي عقيل في المختلف 2: 384.
(2) نقله عن ابن بابويه في المختلف 2: 384.
(3) الذكرى 4: 80.
(4) حكاه عن الشيخ في المختلف 2: 357.
(5) الذكرى 4: 81.
(6) الوسائل 4: 938، الباب 14 من أبواب الركوع، ح 3.
(7) الوسائل 5: 300، الباب 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح 6.
(8) المقنع: 31، ونقله عن ابن الجنيد في المختلف 2: 382.
(9) ما بين المعقوفتين لم يرد في الأصل وخ 1.
129

والمنقول عن ظاهر الجعفي وابن أبي عقيل تعين ركعتين جالسا (1). وهو متجه.
ولو شك بين الاثنين والأربع فالمشهور أنه يسلم ويصلي ركعتين من قيام،
وعن ابن بابويه التخيير بينه وبين البناء على الأقل والإعادة (2). ونقل عنه أيضا
القول بالإعادة (3). والقول بالتخيير غير بعيد، والتخيير بين الأول والبناء على الأقل
متجه، والأحوط العمل على الأول.
ولو شك بين الاثنين والثلاث والأربع سلم وصلى ركعتين من قيام وركعتين
من جلوس على الأشهر بين الأصحاب.
وذهب ابن بابويه وابن الجنيد إلى أنه يبني على الأربع ويصلي ركعة من قيام
وركعتين من جلوس (4). وجوز ابن الجنيد البناء على الأقل ما لم يخرج الوقت (5).
والاحتياط في العمل بالأول.
وعلى القول المشهور فهل يجوز أن يصلي بدل الركعتين جالسا ركعة قائما؟
فيه أقوال ثلاثة، والأقرب عدم الجواز.
وهل يجب تقديم الركعتين من قيام؟ فيه أقوال، والوجه الصحيح مراعاة
التقديم.
ولا يعيد لو ذكر ما فعل وإن كان في الوقت، ولو تذكر النقص قبل الشروع في
الاحتياط ولم يعمل منافيا فالظاهر أنه يعمل بما هو مقتضى تذكر النقص. ولو
تذكر النقص في أثناء الاحتياط وكان مطابقا ففيه أوجه، ولو كان مخالفا ففيه
أيضا أوجه.
الثامنة: يعتبر في صلاة الاحتياط ما يعتبر في الصلاة من الأركان والأجزاء
والشرائط، ويعتبر فيها الفاتحة على الأشهر الأقوى، وجوز ابن إدريس الاكتفاء
بالتسبيح.

(1) نقله عنهما في الذكرى 4: 79.
(2) نقله عنه في المختلف 2: 382.
(3) المقنع: 31.
(4) نقله عنهما في المختلف 2: 384.
(5) نقله عنه في الذكرى 4: 77.
130

وظاهر كلام الأصحاب وجوب المبادرة إلى صلاة الاحتياط قبل الفعل
المنافي. وهل تبطل الصلاة بتخلل المنافي؟ فيه وجهان أقربهما العدم، والشهيد في
الذكرى نقل الإجماع على وجوب الفورية في الأجزاء المنسية (1).
ولو فعل المنافي قبل فعلها ففي بطلان الصلاة وجهان، ولا يبعد ترجيح العدم.
وفي الذكرى: يترتب الاحتياط بترتب المجبورات وكذا الأجزاء المنسية
تترتب (2) والاحتياط فيما ذكره. ولو شك في عدد النافلة فالأحوط البناء على الأقل.
التاسعة: لو تكلم ناسيا في الصلاة فالمشهور بين الأصحاب أنه يجب عليه
سجدتا السهو. والمنقول عن ابني بابويه خلافه (3). والأحوط العمل بالأول وإن
كان الثاني لا يخلو عن رجحان.
والمشهور بين الأصحاب أن من سلم في غير موضعه ناسيا يجب عليه
سجدتا السهو، ونقل العلامة إجماع الفرقة عليه (4). ونقل عن ابني بابويه خلافه (5).
وهو أقوى.
ولو شك بين الأربع والخمس فالمشهور بين الأصحاب أنه يجب عليه سجدتا
السهو خلافا لجماعة من الأصحاب.
واعلم أن للشك بين الأربع والخمس صورا، لأن الشك إما أن يكون بعد رفع
الرأس من السجدتين، أو قبله بعد إتمام الذكر في السجدة الثانية، أو بعد السجدة
الثانية قبل تمام ذكرها، أو بين السجدتين، أو قبل الرفع من السجدة الاولى بعد
تمام ذكرها، أو قبل تمام ذكرها، أو بعد الرفع من الركوع، أو بعد الانحناء قبل الرفع
بعد تمام الذكر أو قبله، أو قبل الركوع بعد القراءة، أو في أثنائها، أو قبل القراءة بعد
استكمال القيام أو قبل استكماله، فهذه ثلاث عشرة صورة.
ففي الاولى ليس عليه إلا سجدتا السهو، والظاهر إلحاق الثانية بالاولى.

(1) الذكرى 4: 85.
(2) الذكرى 4: 84.
(3) نقله عنهما في الذكرى 4: 86.
(4) المنتهى 1: 417 س 30.
(5) نقله عنهما العلامة في المنتهى 1: 417 س 31 و 35.
131

وفي الثالثة والرابعة تردد، وللأصحاب فيهما قولان.
والخامسة والسادسة يجري فيهما التردد المذكور، وتجويز البناء على الأقل
في هذه الصور الأربعة غير بعيد، وقد مر أحكام باقي الصور في فصل المبطلات.
ولو قام في موضع قعود أو قعد في موضع قيام وجب سجدتا السهو عند فرقة
من الأصحاب (1) وخالف في ذلك فرقة اخرى منهم (2) ولعل الاستحباب أوجه.
وذهب بعض العلماء إلى وجوب سجود السهو لكل زيادة أو نقيصة سهوا (3).
والأشهر الأقوى عدم الوجوب.
وذهب بعضهم إلى وجوب سجود السهو للشك في كل زيادة أو نقيصة (4)
والأشهر الأقوى عدم الوجوب.
وسجود السهو سجدتان، والمشهور أن محلهما بعد التسليم، وقيل: إن كانتا
للزيادة فمحلهما بعد التسليم، وإن كانتا للنقيصة فمحلهما قبل التسليم (5). والأحوط
العمل بالأول. ويجب أن يفصل بينهما بجلسة.
وفي وجوب الذكر فيهما خلاف، والمشهور الوجوب، والقول بالعدم لا يخلو
عن قوة، وعلى القول بالوجوب ففي وجوب القول المخصوص خلاف، والأقرب
عدم الوجوب.
والذكر المخصوص فيهما على ما في صحيحة الحلبي: بسم الله وبالله وصلى
الله على محمد وآل محمد. قال: وسمعته مرة اخرى يقول: بسم الله وبالله السلام
عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته (6).
ورواه الكليني في الكافي (7) وفيه بدل قوله: «وصلى الله» «اللهم صل» وفي

(1) المراسم: 90، المهذب 1: 156، الوسيلة: 102.
(2) النهاية 1: 320، المعتبر 2: 399، الجامع للشرائع: 86.
(3) الفقيه 1: 341.
(4) المختلف 2: 425.
(5) نقله عن ابن الجنيد في المختلف 2: 431.
(6) الوسائل 5: 334، الباب 20 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح 1.
(7) الكافي 3: 356 ح 5.
132

بعض نسخ الفقيه ورواية الشيخ «والسلام» بإضافة الواو.
والمشهور وجوب التشهد الخفيف والتسليم بعد السجدتين، وذهب العلامة
في المختلف إلى الاستحباب (1) وهو أقرب. والمراد بالتشهد الخفيف ما اشتمل
على مجرد الشهادتين والصلاة على النبي وآله (صلى الله عليه وآله).
وقيل: يجب التشهد المعهود في الصلاة (2) والظاهر من التسليم المعهود في
الصلاة. وقيل: ينصرف بالتسليم على محمد صلوات الله عليه وآله (3).
ويجب فيهما النية على ما ذكره جماعة من الأصحاب، والظاهر أنه لا يعتبر
فيهما تعيين السبب، وأوجبه الشهيد في الذكرى (4). وقيل: يجب إن تعدد السبب
على القول بتعددهما بتعدده.
ويجب فيهما السجود على الأعضاء السبعة ووضع الجبهة على ما يصح
السجود عليه. وفي وجوب الطهارة والاستقبال والستر قولان. واستحب جماعة
الاستفتاح بالتكبير، والرواية مختصة بالإمام (5).
ويجب المبادرة إليهما قبل فعل المنافي عند الأصحاب، ولو نسيهما أتى بهما
متى ذكر، ولو أهملهما عمدا فأكثر الأصحاب على أنه لا يبطل الصلاة، وذهب
بعضهم إلى اشتراط صحة الصلاة بهما (6). وهو أحوط.
ولو تعدد ما يوجب السجدتين فالأقرب التداخل مطلقا، وذهب جماعة من
الأصحاب إلى عدم التداخل مطلقا (7) وذهب ابن إدريس إلى التداخل إن اتحد
الجنس وإلا فلا (8).

(1) المختلف 2: 434.
(2) المقاصد العلية: 608.
(3) الكافي في الفقه: 149.
(4) الذكرى 4: 94.
(5) الوسائل 5: 334، الباب 20 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح 3.
(6) الخلاف 1: 462، المسألة 203.
(7) التذكرة 3: 360، الذكرى 4: 90، الموجز الحاوي: 164.
(8) السرائر 1: 258.
133

الفصل العاشر (1)
في بعض الأحكام المتعلقة بالصلاة
وفيه مسائل:
الاولى: من ترك الصلاة من المكلفين مستحلا لتركها فهو كافر، لأنه منكر
لبعض ضروريات الدين فيرجع إلى إنكار النبي (صلى الله عليه وآله).
ولو ادعى المستحل شبهة محتملة في حقه - كدعوى عدم علمه بالوجوب
ممن احتمل ذلك في حقه كالساكن في بادية نائية عن بلاد المسلمين، أو دعوى
النسيان في إخباره عن الحل، أو الغفلة، أو تأويل الصلاة بالنافلة ونحو ذلك - لم
يحكم بكفره.
وإن لم تكن التارك للصلاة مستحلا عزر، وللأصحاب اختلاف هاهنا، فقيل:
يقتل في الرابعة مع تخلل التعزير ثلاثا (2). وقيل: في الثالثة (3). ولا يسقط القضاء
عن التارك مطلقا.
الثانية: من ترك الصلاة الواجبة مع استكمال الشرائط أو أخل بها لنوم أو
نسيان يلزمه القضاء، وكذا يجب القضاء لو فاتته بسبب شرب مسكر أو مرقد،
واستثنى جماعة من متأخري الأصحاب عن الموجب للقضاء السكر الذي يكون
الشارب غير عالم به، أو اكره عليه، أو اضطر إليه لحاجة (4). ودليل الاستثناء غير
واضح مع اندراجه تحت عموم أدلة القضاء.
ويجب قضاء ما فات في زمان ردته. ولا يجب قضاء ما فاته لصغر أو جنون
أو حيض أو نفاس أو كفر أصلي، ولا يلحق بالكافر الأصلي من حكم بكفره من
فرق المسلمين ولا غيرهم من المخالفين، بل يجب عليهم القضاء عند الاستبصار

(1) كذا في الأصل أيضا، والمناسب إما «الفصل الثامن» وإما «المقصد العاشر» راجع ص 89
وص 117.
(2) المبسوط 7: 284.
(3) التحرير 1: 51 س 15.
(4) الذكرى 2: 429، جامع المقاصد 2: 494، الروض: 355 س 13.
134

إذا فاتتهم، وأما إذا أوقعوها صحيحة بحسب معتقدهم لم يجب عليهم القضاء.
والأقرب عدم وجوب القضاء على المغمى عليه.
الثالثة: يقضي في السفر ما فات في الحضر تماما ويقضي في الحضر ما فات
في السفر قصرا.
ولو نسي تعيين الصلاة الواحدة الفائتة صلى ثلاثا ينوي بها المغرب واثنتين
ينوي بهما الصبح وأربعا مرددا بين الظهر والعصر والعشاء مخيرا بين الجهر
والإخفات، وهذا هو الأشهر الأقرب، وفيه خلاف لبعض الأصحاب (1).
ولو تعددت الفائتة قضى كذلك ثلاثا ثلاثا، ولو نسي عدد الفائتة فالمشهور أنه
يصلي حتى يغلب على ظنه الوفاء، واحتمل العلامة في التذكرة الاكتفاء بقضاء ما
يحصل اليقين بقضائه (2). واستوجهه بعض المتأخرين (3). وهو حسن، وعلى هذا فلو
نسي الكمية والتعيين صلى للكمية بقدر ما تيقن فواته وللتعيين لكل صلاة ثلاثا.
والمشهور وجوب الترتيب بين الفوائت إذا علم الترتيب، ونقل في المعتبر
اتفاق الأصحاب على ذلك (4). وحكى الشهيد (رحمه الله) عن بعض الأصحاب القول
بالاستحباب (5). وللتوقف في المسألة طريق، ولو جهل ترتيب الفوائت
فالأصح سقوطه.
ويستحب قضاء النوافل المرتبة ولا يتأكد فائت المرض.
وروى ابن بابويه في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
قلت: أخبرني عن رجل عليه من صلوات النوافل ما لا يدري ما هو من كثرتها
كيف يصنع؟ قال: فليصل حتى لا يدري كم صلى من كثرتها، فيكون قد قضى بقدر
علمه بذلك. ثم قال: قلت له: فإنه لا يقدر على القضاء، فقال: إن كان شغله في طلب
معيشة لابد منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شيء عليه، وإن كان شغله لجمع الدنيا

(1) الكافي في الفقه: 150.
(2) التذكرة 2: 361.
(3) المدارك 4: 307.
(4) المعتبر 2: 406.
(5) الذكرى 2: 433.
135

والتشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء، وإلا لقى الله وهو مستخف متهاون مضيع
لحرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله). قلت: فإنه لا يقدر على القضاء فهل يجزي أن يتصدق؟
فسكت مليا ثم قال: فليتصدق بصدقة. قلت: فما يتصدق؟ قال: بقدر طوله، وأدنى
ذلك مد لكل مسكين مكان كل صلاة، قلت: وكم الصلاة التي يجب فيها مد لكل
مسكين؟ قال: لكل ركعتين من صلاة الليل ولكل ركعتين من صلاة النهار مد.
فقلت: لا يقدر. فقال: مد إذن لكل أربع ركعات من صلاة النهار. فقلت: لا يقدر.
فقال: مد إذن لصلاة الليل ومد لصلاة النهار، والصلاة أفضل، والصلاة أفضل،
والصلاة أفضل (1).
الرابعة: الظاهر جواز الصلاة عن الميت بأن يصلي صلاة مندوبة بالنسبة إليه
ويجعل ثوابها للميت، وهل ينسحب هذا الحكم في كل صلاة حتى جاز أن يصلي
المكلف صلاة ظهر مثلا وينويه عن الميت وإن لم يكن عليه قضاء؟ فيه إشكال.
ولو كان على الميت قضاء جاز أن يقضيها عنه وإن لم يكن ولدا له، وهل
يجوز أن يقضي عنه باحتمال أن عليه قضاء؟ فيه نظر.
ولو أوصى الميت بالصلاة عنه وجب العمل بوصيته وهل يجوز الاستئجار
على الصلاة الواجبة عن الميت؟ المشهور ذلك.
وهل يجب القضاء عن الميت على الولي؟ الأحوط الأشهر ذلك، وفيه
اختلافات بين الأصحاب، والأكثر على أن القاضي هو الولد الأكبر، وأطلق بعض
الأصحاب، وفي الذكرى: القول بعموم كل ولي ذكر أولى (2).
وفي الذكرى أيضا: ظاهرهم أن المقضي عنه الرجل (3). وكلام المحقق مؤذن
بالقضاء عن المرأة (4). والقول بالتعميم غير بعيد.
واختلفوا في اشتراط كون الولي مكلفا وقت الفوت، وعموم الروايات يقتضي
التعميم.

(1) الفقيه 1: 568 ح 1573.
(2) الذكرى 2: 448.
(3) الذكرى 2: 448.
(4) المعتبر 2: 703.
136

ولو علم ترتيب الفوائت فهل يجب الترتيب في القضاء؟ فيه وجهان، والقول
بوجوب الترتيب هاهنا أضعف مستندا من القول بوجوب الترتيب في قضاء الحي،
ولو لم يعلم الترتيب فالظاهر عدم وجوب مراعاته، والأقرب أنه ليس عليه ترتيب
بين القضاء عن الميت وبين ما على ذمته، والأقرب أنه ليس له الاستئجار عليه.
ولو مات الولي ولم يقض فهل يجب على وليه؟ استقرب في الذكرى العدم (1).
وفيه تأمل.
ولو أوصى الميت بقضائها عنه باجرة من ماله أو أسندها إلى أحد من أوليائه
أو إلى أجنبي فهل تسقط عن الولي؟ فيه وجهان أقربهما السقوط.
الفصل الحادي عشر (2)
في أحكام الجماعة
والأخبار الدالة على فضلها وذم تاركها ذما تاما كثيرة، وتجب في الجمعة
والعيدين بالشرائط، وفي باقي الفرائض خصوصا اليومية سنة.
والمشهور أنه لا يصح في النوافل إلا ما استثني، وقيل بالجواز (3). والمسألة
عندي محل تردد. ويستثنى منه العيدان والاستسقاء وإعادة الصلاة كما سيجيء،
وعن أبي الصلاح استحباب الجماعة في صلاة الغدير.
وتنعقد الجماعة باثنين فصاعدا، والظاهر حصولها بالصبي المميز الذي كلف
بالصلاة تمرينا.
ولا يصح إمامة غير المميز من الصبيان، وفي المميز قولان، والراجح بحسب

(1) الذكرى 2: 449.
(2) كذا في الأصل أيضا، والمناسب إما «الفصل التاسع» أو «المقصد الحادي عشر» والأصل
في الاشتباه ما نبهنا عليه في ص 134.
(3) لم نعثر عليه ولكن نقله عن بعض العامة العلامة في المنتهى 1: 364 س 5.
137

الروايات الجواز، ومن اعتوره الجنون أدوارا فالظاهر جواز إمامته حال إفاقته.
ويشترط في الإمام الإيمان والعدالة، والأشهر الأقرب في معنى العدالة أن لا
يكون مرتكبا للكبائر ولا مصرا على الصغائر.
وللعلماء في تفسير الكبيرة اختلاف فقال قوم: هي كل ذنب توعد الله عز وجل
عليه بالعقاب في الكتاب العزيز (1).
وقال بعضهم: هي كل ذنب رتب عليه الشارع حدا، أو صرح فيه بالوعيد (2).
وقال طائفة: هي كل معصية تؤذن بقلة اكتراث فاعلها بالدين (3).
وقال جماعة: هي كل ذنب علم حرمته بدليل قاطع (4). وقيل: كل ما توعد عليه
توعدا شديدا في الكتاب أو السنة (5).
وقيل: ما نهى الله عنه في سورة النساء من أولها إلى قوله تعالى: (إن تجتنبوا
كبائر ما تنهون عنه) الآية (6).
وقال قوم: إن الكبائر سبع: الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله، وقذف
المحصنة، وأكل مال اليتيم، والزنا، والفرار من الزحف، وعقوق الوالدين (7).
وقيل: إنها تسع بزيادة السحر والإلحاد في بيت الله أي الظلم فيه (8) وزاد عليه
في بعض الروايات العامية أكل الربا (9) وعن علي (عليه السلام): زيادة على ذلك: شرب
الخمر، والسرقة (10).
وزاد بعضهم على السبعة السابقة ثلاث عشرة اخرى: اللواط، والسحر، والربا،
والغيبة واليمين الغموس، وشهادة الزور، وشرب الخمر، واستحلال الكعبة،

(1) الروض: 289 س 6، مجمع الفائدة 2: 351، المدارك 4: 69.
(2) حكاه في تفسير البغوي 1: 419.
(3) حكاه في تفسير القرآن العظيم 1: 461.
(4) لم نعثر على قائليه.
(5) حكاه في المسالك 14: 167.
(6) نقله عن ابن مسعود في مجمع البيان 3: 38.
(7 و 8 و 9) حكاه في تفسير الماوردي 1: 476.
(10) الوسائل 11: 253، الباب 46 من أبواب جهاد النفس، ح 3.
138

والسرقة، ونكث الصفقة، والتعرب بعد الهجرة، واليأس من روح الله، والأمن من
مكر الله (1).
وقد تزاد أربعة عشرة اخرى: أكل الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما اهل لغير
الله به من غير ضرورة، والسحت، والقمار، والبخس في الكيل والوزن، ومعونة
الظالمين، وحبس الحقوق من غير عسر، والإسراف، والتبذير، والخيانة،
والاشتغال بالملاهي، والإصرار على الذنوب.
وقد تعد منها أشياء اخر كالقيادة، والدياثة، والغصب، والنميمة، وقطيعة
الرحم، وتأخير الصلاة عن وقتها، والكذب خصوصا على رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
وضرب المسلم بغير حق، وكتمان الشهادة، والسعاية إلى الظالم، ومنع الزكاة
المفروضة، وتأخير الحج عن عام الوجوب، والظهار، والمحاربة لقطع الطريق.
وعن ابن عباس لما سئل عن الكبائر: هي إلى السبعمائة أقرب منها إلى
السبعة (2).
والمعروف بين أصحابنا القول الأول من هذه الأقوال، ولم أجد في كلامهم
اختيار قول آخر، وهو الصحيح، ويدل عليه أخبار متعددة من طريق أهل
البيت (عليهم السلام)، وقد وردت أخبار متعددة بتعديد الكبائر.
فمنها: رواية يونس عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول الكبائر سبع: قتل
المؤمن متعمدا، وقذف المحصنة، والفرار من الزحف، والتعرب بعد الهجرة، وأكل
مال اليتيم ظلما، وأكل الربا بعد البينة، وكل ما أوجب الله عز وجل عليه النار (3)
وقال: إن أكبر الكبائر الشرك بالله (4).
ومنها: حسنة عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الكبائر؟ فقال:
هن في كتاب علي (عليه السلام) سبع: الكفر بالله عز وجل، وقتل النفس، وعقوق الوالدين،

(1) انظر تفسير القرآن العظيم 1: 462.
(2) نقله في تفسير القرآن العظيم 1: 460.
(3) الوسائل 11: 254، الباب 46 من أبواب جهاد النفس الحديث 6.
(4) الوسائل 11: 254، الباب 46 من أبواب جهاد النفس، ح 8.
139

وأكل الربا بعد البينة، وأكل مال اليتيم ظلما، والفرار من الزحف، والتعرب بعد
الهجرة، قلت: فهذا أكبر المعاصي؟ قال: نعم، قلت: فأكل درهم من مال اليتيم ظلما
أكبر أم ترك الصلاة؟ قال: ترك الصلاة، قلت: فما عددت ترك الصلاة في الكبائر؟
فقال: أي شيء أول ما قلت لك؟ قال، قلت: الكفر، قال: فإن تارك الصلاة كافر،
يعني من غير علة (1).
وفي الصحيح عن مسعدة بن صدقة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: الكبائر:
القنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله عز وجل، والأمن من مكر الله، وقتل
النفس التي حرم الله، وعقوق الوالدين، وأكل مال اليتيم ظلما، وأكل الربا بعد
البينة، والتعرب بعد الهجرة، وقذف المحصنة، والفرار من الزحف (2) الحديث.
وروى الكليني في الصحيح عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني - وهو مرضي
ممدوح - قال: حدثني أبو جعفر الثاني (عليه السلام) قال: سمعت أبي (عليه السلام) يقول: سمعت أبي
موسى بن جعفر (عليه السلام) يقول: دخل عمرو بن عبيد على أبي عبد الله (عليه السلام) فلما سلم
وجلس تلا هذه الآية (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش) ثم أمسك، فقال
له أبو عبد الله (عليه السلام): ما أسكتك؟ فقال احب أن أعرف الكبائر من كتاب الله عز وجل
فقال: نعم يا عمرو أكبر الكبائر الإشراك بالله، يقول الله عز وجل: (ومن يشرك
بالله فقد حرم الله عليه الجنة) وبعده الأياس من روح الله، لأن الله عز وجل يقول:
(لا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) ثم الأمن
من مكر الله، لأن الله عز وجل يقول: (فلا يأمن من مكر الله إلا القوم الخاسرون)
ومنها: عقوق الوالدين، لأن الله عز وجل جعل العاق جبارا شقيا، وقتل النفس التي
حرم الله إلا بالحق، لأن الله عز وجل يقول: (فجزاؤه جهنم خالدا فيها... إلى آخر
الآية) وقذف المحصنة، لأن الله عز وجل يقول: (لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم
عذاب عظيم) وأكل مال اليتيم، لأن الله عز وجل يقول: (إنما يأكلون في بطونهم

(1) الوسائل 11: 254، الباب 46 من أبواب جهاد النفس، ح 4.
(2) الوسائل 11: 255، الباب 46 من أبواب جهاد النفس، ح 13.
140

نارا وسيصلون سعيرا) والفرار من الزحف، لأن الله عز وجل يقول: (ومن يولهم
يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم
وبئس المصير) وأكل الربا، لأن الله عز وجل يقول: (الذين يأكلون الربا لا
يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) والسحر، لأن الله عز وجل
يقول: (ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق) والزنا، لأن الله عز
وجل يقول: (ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه
مهانا) واليمين الغموس الفاجرة، لأن الله عز وجل يقول: (الذين يشترون بعهد
الله وأيمانهم ثمنا قليلا اولئك لا خلاق لهم في الآخرة) والغلول، لأن الله عز وجل
يقول: (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) ومنع الزكاة المفروضة، لأن الله عز
وجل يقول: (فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم) وشهادة الزور وكتمان
الشهادة، لأن الله عز وجل يقول: (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) وشرب الخمر، لأن
الله عز وجل نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان، وترك الصلاة متعمدا أو شيئا
مما فرض الله، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «من ترك الصلاة متعمدا فقد برئ من ذمة
الله وذمة رسوله» ونقض العهد وقطيعة الرحم، لأن الله عز وجل يقول: (اولئك لهم
اللعنة ولهم سوء الدار) قال: فخرج عمرو وله صراخ من بكائه وهو يقول: هلك
من قال برأيه ونازعكم في الفضل والعلم (1).
وروى ابن بابويه عن الفضل بن شاذان فيما كتب به الرضا (عليه السلام) للمأمون: أن
الكبائر هي: قتل النفس التي حرم الله تعالى، والزنا، والسرقة، وشرب الخمر،
وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف، وأكل مال اليتيم ظلما، وأكل الميتة والدم
ولحم الخنزير وما اهل لغير الله به من غير ضرورة، وأكل الربا بعد البينة، والسحت،
والميسر وهو القمار، والبخس في المكيال والميزان، وقذف المحصنات، واللواط،
وشهادة الزور، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله،
ومعونة الظالمين والركون إليهم، واليمين الغموس، وحبس الحقوق من غير عسر،

(1) الكافي 2: 285، ح 24.
141

والكذب، والكبر، والإسراف، والتبذير، والخيانة، والاستخفاف بالحج، والمحاربة
لأولياء الله، والاشتغال بالملاهي، والإصرار على الذنوب (1).
وقد وقع في الأخبار في خصوص بعض الذنوب أنها كبائر كالغناء، والحيف
في الوصية، والكذب على الله ورسوله والأئمة (عليهم السلام) وغيرها.
والمراد من الإصرار على الصغائر الإكثار منها، سواء كان من نوع واحد أو
من أنواع مختلفة، وقيل: المداومة على نوع واحد منها (2).
ونقل بعضهم قولا بأن المراد به عدم التوبة (3). وهو ضعيف، وقسم بعض
علمائنا الإصرار إلى فعلي وحكمي، فالفعلي هو الدوام على نوع واحد منها بلا
توبة أو الإكثار من جنسها بلا توبة، والحكمي هو العزم على فعل تلك الصغيرة بعد
الفراغ منها (4) وهذا مما ارتضاه جماعة من المتأخرين (5) والنص خال عن بيان
ذلك، لكن المداومة على نوع واحد من الصغائر والعزم على المعاودة إليها لا يخلو
عن مناسبة للمعنى اللغوي.
وأما الإكثار من الذنوب وإن لم يكن من نوع واحد - بحيث يكون ارتكابه
للذنب أكثر من اجتنابه عنه إذا عن له من غير توبة - فالظاهر أنه قادح في العدالة
بلا خلاف في ذلك كله بينهم، وفي كون العزم على معاودة الذنب قادحا فيه تأمل.
والمشهور اعتبار المروة في الإمامة والشهادة، ولا شاهد لذلك من جهة
النصوص.
وفي ضبط معناها عبارات متقاربة، وحاصلها: مجانبة ما يؤذن بخسة النفس
ودناءة الهمة من المباحات والمكروهات وصغائر المحرمات التي لا تبلغ حد

(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 127.
(2) حكاه في المسالك 14: 168.
(3) السرائر 2: 118.
(4) القواعد والفوائد 1: 227، الروض: 289 س 6، مجمع الفائدة 2: 351.
(5) لم نعثر على ذلك ونقل صاحب مفتاح الكرامة 3: 87 عن الذخيرة وهذا مما ارتضاه
جماعة من المتأخرين.
142

الإصرار كالأكل في الأسواق والمجامع في أكثر البلاد، والبول في الشوارع
المسلوكة، وكشف الرأس في المجامع، وتقبيل أمته وزوجته في المحاضر، ولبس
الفقيه ثياب الجندي، والإكثار من المضحكات، والمضايقة في اليسر الذي لا
يناسب حاله، ويختلف ذلك بحسب اختلاف الأشخاص والأعصار والأمصار
والعادات المختلفة.
والأقرب جواز الاكتفاء بحسن الظاهر وعدم ثبوت الخلاف، ولا حاجة إلى
التفتيش خلافا لأكثر المتأخرين.
والأولى الرجوع في هذا الباب إلى ما رواه الشيخ بإسناد معتبر عن ابن أبي
يعفور قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى
يجوز شهادته لهم وعليهم؟ قال: فقال: أن تعرفوه بالستر والعفاف والكف عن
البطن والفرج واليد واللسان، ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار
من شرب الخمر، والزنا، والربا، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف، وغير ذلك،
والدال على ذلك كله والساتر لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما
وراء ذلك من عثراته وعيبه ويجب عليهم توليته وإظهار عدالته في الناس التعاهد
للصلوات الخمس إذا واظب عليهن وحافظ مواقيتهن بإحضار جماعة المسلمين،
وأن لا يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم إلا من علة، وذلك لأن الصلاة ستر
وكفارة للذنوب، ولو لم يكن ذلك لم يكن لأحد أن يشهد على أحد بالصلاح، لأن
من لم يصل فلا صلاح له بين المسلمين، لأن الحكم جرى فيه من الله ومن
رسوله (صلى الله عليه وآله) بالحرق في جوف بيته، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا صلاة لمن لا يصلي في
المسجد مع المسلمين إلا من علة. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا غيبة لمن صلى في بيته
ورغب عن جماعتنا، ومن رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين
غيبته وسقطت بينهم عدالته ووجب هجرانه، وإذا رفع إلى إمام المسلمين أنذره
وحذره، فإن حضر جماعة المسلمين وإلا احرق عليه بيته، ومن لزم جماعتهم
143

حرمت عليهم غيبته وثبتت عدالته بينهم (1).
وأورد الصدوق هذا الحديث بإسناد صحيح عن عبد الله بن أبي يعفور بتفاوت
ما في المتن، حيث قال بعد قوله: والفرار من الزحف وغير ذلك: والدلالة على ذلك
كله أن يكون ساترا لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من
عثراته وعيوبه وتفتيش ما وراء ذلك، ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته في
الناس، ويكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهن وحفظ مواقيتهن
بحضور جماعة المسلمين وأن لا يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم إلا من علة،
فإذا كان كذلك لازما لمصلاه عند حضور الصلوات الخمس، فإذا سئل عنه في
قبيلته ومحلته قالوا: ما رأينا منه إلا خيرا مواظبا على الصلاة متعاهدا لأوقاتها في
مصلاه، فإن ذلك يجيز شهادته وعدالته بين المسلمين وذلك أن الصلاة ستر وكفارة
للذنوب، وليس يمكن الشهادة على الرجل بأنه يصلي إذا كان لا يحضر مصلاه
ويتعاهد جماعة المسلمين، وإنما جعل الجماعة والاجتماع إلى الصلاة لكي يعرف
من يصلي ممن لا يصلي ومن يحفظ مواقيت الصلاة ممن يضيع، ولولا ذلك لم
يكن لأحد أن يشهد على آخر بصلاح، لأن من لا يصلي لا صلاح له بين
المسلمين، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) هم بأن يحرق قوما في منازلهم لتركهم الحضور
لجماعة المسلمين، وقد كان منهم من يصلي في بيته فلم يقبل منه ذلك، وكيف تقبل
شهادة أو عدالة بين المسلمين ممن جرى الحكم من الله عز وجل ومن رسوله (صلى الله عليه وآله)
فيه الحرق في جوف بيته بالنار، وقد كان يقول (صلى الله عليه وآله): لا صلاة لمن لا يصلي في
المسجد مع المسلمين إلا من علة (2).
واعتبر المتأخرون في معنى العدالة الملكة التي تبعث على ملازمة التقوى
والمروة، ولم أجده في النصوص ولا في كلام من تقدم على العلامة من علمائنا.
وإذا زالت العدالة بارتكاب ما يقدح فيها فتعود بالتوبة، لا أعلم فيه خلافا بين

(1) الوسائل 18: 288، الباب 41 من أبواب الشهادات، ح 1 و 2.
(2) الفقيه 3: 38، ح 3280.
144

الأصحاب ولا ريب فيه، وكذلك من حد في معصية ثم تاب رجعت عدالته وقبلت
شهادته.
ومن العامة من اعتبر إصلاح العمل مدة، فمنهم من اعتبر سنة. ومنهم من اعتبر
ستة أشهر، والمشهور أنه لا يكفي في الحكم بعدالته مجرد إظهار التوبة، بل لابد
من الاختبار مدة يغلب الظن بأنه أصلح سريرته وأنه صادق في توبته.
وذهب الشيخ في موضع من المبسوط إلى الاكتفاء في قبول الشهادة بإظهار
التوبة عقيب قول الحاكم له: تب أقبل شهادتك (1).
وإنما أطلنا الكلام في هذه المسألة مع خروجه عن أسلوب الكتاب لما في
ذلك من مزيد المنفعة.
ويشترط في الإمام أيضا طهارة المولد، لا أعرف فيه خلافا بين الأصحاب،
والمراد أن لا يعلم كونه من الزنا، فلا يضر المتهم وولد الشبهة ومن لا يعلم والده.
ويشترط أن لا يكون قاعدا بقائم، وفي جواز إمامة المفتقر إلى الاعتماد بمن
لا يفتقر إليه قولان.
وأن لا يكون اميا بقارئ، والمراد بالامي من لا يحسن القراءة الواجبة.
ولا يجوز إمامة اللاحن والمبدل حرفا بغيره بالمتقن لقراءته على المشهور
بين الأصحاب، وأطلق الشيخ كراهة إمامة من يلحن في قراءته، أحال المعنى أو
لم يحل في الحمد والسورة إذا لم يقدر على الإصلاح (2). ويظهر من ابن إدريس
اختصاص المنع بمن يحيل المعنى (3). والمسألة محل إشكال.
ولا يجوز أن تؤم المرأة بالرجل، والظاهر أنه لا خلاف فيه بين العلماء.
وإمام الأصل أولى بالإمامة من غيره، وصاحب الإمارة والمنزل أولى،
والحق بهما صاحب المسجد، وما علل به غير تام.

(1) المبسوط 8: 179.
(2) المبسوط 1: 153.
(3) السرائر 1: 281.
145

وذكر بعض العلماء في بعض مراتب الترجيح: الهاشمي (1). ولا أعلم حجة
عليه. وقد جزم الشهيدان بانتفاء كراهة تقدم الغير بإذنهم (2). وفيه إشكال. وهل
الأفضل لهم الإذن للأكمل منهم، أو المباشرة بنفسه؟ فيه وجهان.
وذكر الأصحاب في اختلاف الأئمة في الإمامة: أنه إن اتفق المأمومون على
إمامة واحد فهو أولى. وفيه إشكال، وإن كرهوا جميعا إمامة واحد لم يؤم بهم.
وإن اختلف المأمومون فالأكثر على اعتبار المرجحات المعينة، ومنهم من
رجح اختيار الأكثر (3). والأول أقرب، والأكثر على ترجيح الأقرأ على الأفقه،
والأقرب ترجيح الأعلم كما اختاره جماعة من الأصحاب (4). والمراد بالأقرأ على
ما فسره جماعة من الأصحاب هو الأجود قراءة وإتقانا للحروف وأشد إخراجا
لها من مخارجها.
وضم بعضهم إلى الامور المذكورة الأعرف بالاصول والقواعد المقررة بين
القراء (5) ويفسر أيضا بالأعرف بمرجحات القراءة لفظا ومعنى. ويجوز أن يكون
المراد أكثر قرآنا، ونسبه في البيان إلى الرواية (6). فيحتمل أن يكون المراد أكثر
قراءة للقرآن. ويحتمل أن يكون المراد أكثر حفظا للقرآن. ويجوز أن يكون المراد
الأجود بحسب طلاقة اللسان وحسن الصوت وجودة النطق، لكن هذا الوجه غير
مذكور في كلام الأصحاب.
والفقهاء ذكروا بعد مرتبة الأفقه والأقرأ مرجحات اخر مثل: الأسن، والأقدم
هجرة، والأصبح وجها، والأصبح ذكرا، والأورع. ولهم في تقديم بعض المراتب
وتأخير بعضها اختلافات.

(1) الذكرى 4: 419، الروض: 366 س 5، المدارك 4: 357.
(2) الذكرى 4: 412، الروض: 366 س 7.
(3) التذكرة 4: 306.
(4) راجع التذكرة 4: 306، مجمع الفائدة 3: 253، المدارك 4: 359.
(5) البيان: 134.
(6) البيان: 134.
146

والمشهور جواز إمامة المرأة بالنساء، وعن المرتضى والجعفي المنع (1). وعن
ابن الجنيد أنه منع في الفرائض وجوز في النوافل (2). ومنشأ الاختلاف اختلاف
الأخبار. والأقرب في الجمع بين الأخبار أن يقال: إمامتهن في الفرائض جائزة،
لكن الأفضل تركها.
وإذا مات الإمام أو اغمي عليه استحب للمأمومين استنابة من يتم بهم الصلاة.
ولو عرض للإمام ضرورة جاز أن يستنيب، ولو لم يستنب جاز للمأمومين
الاستنابة، ومذهب الأصحاب أنه لم يجب شيء من ذلك، بل يجوز للمأمومين أن
يتموا الصلاة منفردين أو التبعيض بأن ينوي بعضهم الائتمام ببعض وبعضهم
الائتمام بغيره، وقوله (عليه السلام) في بعض الروايات - في صورة أحدث الإمام وانصرف
ولم يقدم أحدا -: «لا صلاة لهم إلا بإمام فليقدم بعضهم فليتم بهم ما بقي منها وقد
تمت صلاتهم» (3) محمول على شدة الاستحباب.
ويكره ائتمام المسافر بالحاضر وبالعكس، وعن ابن بابويه القول بعدم
الجواز (4). ومنهم من خص الكراهة بصورة اختلاف الفرضين لا التساوي (5).
ويكره استنابة المسبوق. ويكره أيضا إمامة الأبرص والأجذم عند جماعة من
الأصحاب، وقيل: يحرم (6). والمسألة محل تردد.
ويكره إمامة من يكرهه المأمومون والأعرابي بالمهاجرين على الأشهر (7).
وقيل: يحرم (8). ويكره إمامة المتيمم بالمتوضئين على المشهور.
ولو علم المأموم فسق الإمام أو كفره أو حدثه بعد الصلاة لم يعد على الأشهر

(1) نقله عنهما في الذكرى 4: 376 - 377.
(2) نقله عنه في المختلف 3: 59.
(3) الوسائل 5: 474، الباب 72 من أبواب صلاة الجماعة، ح 1.
(4) نقله في المختلف 3: 62.
(5) المعتبر 2: 441.
(6) المبسوط 1: 155.
(7) في المطبوع: الأشهر الأقرب.
(8) المبسوط 1: 155.
147

الأقرب، خلافا للمرتضى وابن الجنيد والصدوق (1). ولو علم في الأثناء يعدل إلى
الانفراد على المشهور.
ويدرك الركعة بإدراك الإمام راكعا على الأشهر الأقرب، وذهب الشيخ إلى
أنه إنما يدرك الركعة بإدراك تكبير الركوع (2).
ولا يصح الائتمام مع وجود حائل بين الإمام والمأموم الرجل يمنع
المشاهدة، وأما الشبابيك التي يمنع الاستطراق دون المشاهدة فالمشهور بين
الأصحاب عدم المنع هناك، خلافا للشيخ في الخلاف (3). ولي في المسألة تردد.
والظاهر أنه لا بأس بالحائل القصير الذي لا يمنع المشاهدة. ولو كان مانعا
من المشاهدة في بعض الأحوال دون بعض فالأقرب أنه ليس بمانع، ولو لم
يشاهد المأموم الإمام وشاهد بعض المأمومين صحت صلاته.
وذكر جماعة من الأصحاب أنه لو وقف المأموم خارج المسجد بحذاء الباب
وهو مفتوح بحيث يشاهد الإمام أو بعض المأمومين صحت صلاته وصلاة من
على يمينه وشماله وورائه (4) ولم أجد من حكم بخلافه، وفيه إشكال.
ولو وقف بين يدي هذا الصف صف آخر عن يمين الباب أو عن يساره بحيث
لا يشاهدون من في المسجد بطلت صلاتهم.
والمشهور بين الأصحاب أنه لا يجوز علو الإمام على المأموم في مثل الأبنية
دون الأرض المنحدرة، وذهب الشيخ في الخلاف إلى الكراهة (5). وتردد فيه
المحقق في المعتبر (6).
واختلفوا في مقدار العلو المانع، فقيل: إنه القدر المعتد به (7). وقيل: قدر شبر (8).

(1) نقله عن المرتضى وابن الجنيد في المختلف 3: 70، وانظر الفقيه 1: 405 ذيل الحديث
1201.
(2) المبسوط 1: 158.
(3) الخلاف 1: 558، المسألة 305.
(4) المنتهى 1: 365 س 13، المدارك 4: 318.
(5) الخلاف 1: 556، المسألة 301.
(6) المعتبر 2: 419.
(7) اللمعة: 20.
(8) حكاه في المدارك 4: 321.
148

وقيل: ما لا يتخطاه الإنسان (1) وفي التذكرة: لو كان العلو يسيرا جاز إجماعا (2).
ويجوز علو المأموم على الإمام.
ولا يجوز التباعد بين الإمام والمأموم إلا مع اتصال الصفوف، واختلف
الأصحاب في تحديد البعد المانع، فذهب الأكثر إلى أن المرجع فيه إلى العرف.
وفي الخلاف حده ما يمنع من مشاهدته والاقتداء بأفعاله (3). ويظهر من المبسوط
جواز البعد بثلاثمائة ذراع (4). وقال أبو الصلاح وابن زهرة: لا يجوز أن يكون بين
الصفين ما لا يتخطى (5). والأحوط أن لا يزيد البعد على مسقط جسد الإنسان.
ولا يصح تقدم المأموم على الإمام عند الأصحاب، لا أعرف خلافا فيه بينهم،
والمشهور جواز المساواة، وحكي عن ابن إدريس المنع (6). والأول أقرب.
ويستحب للمأموم الواحد أن يقف على يمين الإمام إذا كان رجلا على
المشهور بين الأصحاب، وعن ابن الجنيد القول بالبطلان مع المخالفة (7). والأول
أقرب، ولو كان المأموم امرأة تأخرت والجماعة يقفون خلفه.
ويستحب أن يكون في الصف الأول أهل الفضل والكمال، وأفضل الصفوف
أولها، وأفضل أولها ما ولي الإمام، وميامن الصفوف أفضل من مياسرها.
ولو كان الإمام امرأة استحب أن تدخل الصف.
ويستحب إعادة المنفرد صلاته مع الجماعة، سواء كان معهم إماما أو مأموما،
ولو صلى الفريضة في جماعة ثم وجد جماعة اخرى ففي استحباب الإعادة
قولان، والأحوط عدم الإعادة. ولو صلى اثنان فرادى ففي استحباب إعادة
الصلاة لهما جماعة وجهان، أقربهما المنع. وإذا أعاد المنفرد صلاته جماعة وقصد
التعرض للوجه في النية نوى الاستحباب.

(1) التذكرة 4: 263.
(2) التذكرة 4: 263.
(3) الخلاف 1: 559، المسألة 308.
(4) المبسوط 1: 156.
(5) الكافي في الفقه: 144، الغنية: 88.
(6) حكاه في المدارك 4: 331.
(7) نقله عنه في المختلف 3: 89.
149

ويكره وقوف المأموم وحده مع سعة الصفوف على الأشهر الأقرب، وعن ابن
الجنيد منع ذلك (1). ويكره التنفل بعد «قد قامت الصلاة» على الأشهر الأقرب.
واختلف الأصحاب في القراءة خلف الإمام المرضي اختلافا كثيرا، والذي
يرجح عندي تحريم القراءة في الإخفاتية مطلقا، سواء كان في الأولتين أو في
الأخيرتين، وكذا تحريم القراءة في الجهرية عند سماع قراءة الإمام ولو همهمة،
وأنه يستحب القراءة إذا كانت الصلاة جهرية ولا يسمع القراءة ولا همهمة. ويستحب
تسبيح المأموم خلف الإمام في الإخفاتية، والأحوط في الجهرية السكوت.
ولو صلى خلف الإمام غير المرضي يقرأ لنفسه سرا، ويجزيه قراءة الفاتحة
وحدها مع تعذر السورة وإن قلنا بوجوب السورة، ولو ركع الإمام قبل إكمال
الفاتحة قيل: يقرأ في ركوعه (2). وقيل: يسقط القراءة (3). والإتمام والإعادة عند
عدم التمكن من القراءة طريقة الاحتياط.
ويجب التبعية في الأفعال، وفسرت بعدم تقدم المأموم على الإمام، فلو قدم
بطلت صلاته على تفصيل يأتي، وفي المساوقة تردد، والأقرب الجواز.
وأما الأقوال فالظاهر أنه لا خلاف في وجوب المتابعة في تكبيرة الإحرام،
وهل يجوز المقارنة؟ فيه قولان: أقربهما العدم، وأما باقي الأقوال ففي وجوب
المتابعة فيها قولان: أجودهما العدم.
ثم تقديم المأموم لا يخلو إما أن يكون في رفع الرأس من الركوع أو السجود،
أو في نفس الركوع أو السجود، فإن كان التقديم في رفع الرأس من الركوع أو
السجود فلا يخلو إما أن يكون عمدا أو سهوا.
فإن كان الرفع من الركوع عمدا فالمشهور بين الأصحاب أنه يستمر، وظاهر
بعضهم البطلان (4). وظاهر المفيد أنه يعود إلى الركوع حتى يرفع مع الإمام (5).

(1) نقله في المسالك 1: 312.
(2) الذكرى 4: 447.
(3) التهذيب 3: 37.
(4) انظر النهاية 1: 349.
(5) لم نعثر عليه في كتب المفيد، نقله عنه الشيخ في التهذيب 3: 47.
150

والقول بالتخيير غير بعيد، والأحسن أن يعود، نظرا إلى الروايات (1). وإن كان الرفع
من السجود عمدا ففيه الأقوال الثلاثة، والأقرب عندي هاهنا أنه يعود إلى السجود.
وإن كان التقديم في رفع الرأس من الركوع أو السجود سهوا فالمشهور بين
الأصحاب وجوب العود، وقيل بالاستحباب (2). والأول أحوط. ولو ترك الناسي
الرجوع على القول بالوجوب ففي بطلان صلاته وجهان، والظاهر وجوب إعادة
الصلاة في الوقت، وفي وجوب القضاء إشكال.
وإن كان تقديم المأموم في الركوع أو السجود فإن كان الإمام لم يفرغ من
القراءة] وتعمد المأموم [(3) فالظاهر بطلان صلاته، وإن كان بعد قراءته أثم. وفي
بطلان الصلاة قولان. فقال المتأخرون: لا تبطل الصلاة ولا الاقتداء. وظاهر الشيخ
في المبسوط البطلان (4). والمسألة محل تردد، والقول بوجوب الإعادة في الوقت
متجه وفي القضاء إشكال.
ولو كان ذلك سهوا ففيه وجهان، أحدهما: أنه يرجع، وهو المشهور بين
المتأخرين، والوجه الآخر أنه يستمر. وبعض الروايات المعتبرة تدل على
الرجوع (5) لكن الرواية مختصة بالركوع وبمن ظن ركوع الإمام لا الساهي.
والمأموم المسافر يسلم إذا فرغ قبل الإمام الحاضر، وإذا كان في صلاة الظهر
جاز أن يجعل الأولتين الظهر والأخيرتين العصر.
ويجب نية الائتمام للمعين، ولابد من التعيين بالاسم أو بالصفة أو بكونه هذا
الحاضر. ولو نوى الاقتداء بالحاضر على أنه زيد فبان عمرو ففي صحة صلاته
وعدمها وجهان، أقربهما الصحة مع استجماع الحاضر شرائط الإمامة، ولا يجب
نية الإمامة.

(1) الوسائل 5: 447، الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة، ح 1، 2، 3.
(2) التذكرة 4: 345.
(3) أثبتناه من الذخيرة.
(4) المبسوط 1: 159.
(5) الوسائل 5: 447، الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة.
151

وهل يجب نية الإمامة في الجماعة الواجبة؟ قال الشهيدان: نعم (1). وقيل: لا
يجب (2). ولعله الأجود.
ويجوز اقتداء المفترض بمثله وإن اختلفا كالظهر والعصر وإن كان الاختلاف
في الكمية على الأجود المعروف بين الأصحاب، وعن ابن بابويه أنه لا يصلي
العصر خلف من يصلي الظهر إلا أن يتوهمها العصر فيصلي معه العصر ثم يعلم أنها
كانت الظهر (3). وحكي عنه أيضا اشتراط اتحاد الكمية (4). ولا يجوز مع تغير الهيئة
كالظهر والكسوف.
ويجوز اقتداء المفترض بالمتنفل كاقتداء من لم يصل بمعيد الصلاة، والمتنفل
بالمفترض كاقتداء معيد صلاته بمن لم يصل، والصبي بالبالغ. ويجوز اقتداء
المتنفل بالمتنفل، ويجوز أن يكبر الداخل الخائف فوت الركوع إن ترك التكبير إلى
اللحوق بالصف ويركع ويمشي راكعا حتى يلحق بالصف.
والمسبوق يجعل ما يدركه مع الإمام أول صلاته فإذا سلم الإمام أتم.
ولم يتعرض أكثر الأصحاب لقراءة المأموم إذا أدرك الإمام في الركعتين
الأخيرتين، واستقرب العلامة في المنتهى استحباب القراءة، ونقل عن بعض
فقهائنا القول بالوجوب (5). وهو قوي.
والمشهور بين الأصحاب أن التخيير بين قراءة الحمد والتسبيح ثابت
للمسبوق في الركعتين الأخيرتين وإن اختار الإمام التسبيح فيهما ولم يقرأ هو،
ونقل عن بعض الأصحاب القول بوجوب القراءة في ركعة (6).
والمسبوق يقنت ويتشهد لنفسه في محلهما، وإن قنت الإمام ينبغي أن يقنت
معه، وكذا ينبغي المتابعة في التشهد، والأولى القيام إلى إدراك الفائت بعد تسليم

(1) البيان: 135، المسالك 1: 309.
(2) المدارك 4: 332.
(3) الفقيه 1: 358.
(4) حكاه في الروض: 376 س 8.
(5) المنتهى 1: 384 س 13.
(6) نقله الشهيد الثاني في الروض: 377 س 6 عن بعض الأصحاب.
152

الإمام، ويجوز قبله بعد التشهد على القول باستحباب التسليم، وأما على القول
بوجوبه فلا يبعد أيضا ذلك، بل يجوز المفارقة بعد رفع الرأس من السجدة أيضا
قبل التشهد بناء على القول بعدم وجوب المتابعة في الأقوال وعلى تقدير الجواز
هل يجب نية الانفراد؟ فيه وجهان ولعل الأقرب العدم.
ولو دخل الإمام في الصلاة أو اقيمت الصلاة والمأموم في نافلة قطعها إن
خشي الفوات، والظاهر أنه لا فرق بين فوات كل الصلاة وفوات الركعة. ولو دخل
و المأموم في الفريضة نقل إلى النفل ويتمها نافلة ويدخل معه، وبعض الأصحاب
جوز قطع الفريضة من غير حاجة إلى النقل إلى النفل إذا خاف الفوات مع النقل (1).
وهو حسن، وإتمام الركعتين بعد النقل إنما يكون إذا لم يستلزم فوات الجماعة وإلا
لم يبعد الحكم بقطعها والدخول مع الإمام.
ولو أدرك الإمام بعد رفع رأسه من الركوع الأخير فقد فاتته الصلاة، والمشهور
أنه يكبر ويتابعه في السجدتين والتشهد ولا يحتسب بهما تحصيلا لفضيلة
الجماعة، وقد توقف فيه بعض الأصحاب (2). والأكثر على أنه ينوي ويعيد التكبير بعد
التشهد وجوبا. ومنهم من لم يوجبه، وكذا الحكم إذا أدرك الإمام بعد السجدة الاولى.
ولو أدركه بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة فمذهب الفاضلين وغيرهما أنه
يكبر ويجلس معه، فإذا سلم الإمام قام وأتم صلاته ولا يحتاج إلى استئناف
التكبير (3). وصرح المحقق بأنه مخير بين الإتيان بالتشهد وعدمه (4). وفي الروايات
اختلاف (5).
ولا يجوز للمأموم مفارقة الإمام بدون نية الانفراد بغير عذر عند الأصحاب،
ولا ريب في جواز مفارقته عن الإمام لعذر، وأما بدون العذر مع نية الانفراد

(1) الذكرى 4: 468.
(2) المختلف 3: 82.
(3) المعتبر 2: 447، المنتهى 1: 384 س 21.
(4) المعتبر 2: 447.
(5) الوسائل 5: 448، الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة.
153

فالمشهور جوازه، وفي المبسوط: من فارق الإمام لغير عذر بطلت صلاته (1).
والمسألة محل تردد، وقول الشيخ لا يخلو عن قوة.
وهل يجوز عدول المنفرد إلى الائتمام في أثناء الصلاة؟ فيه قولان، أقربهما العدم.
ويجوز التسليم قبل الإمام.
ويستحب أن لا ينحرف الإمام من مكانه حتى يتم المسبوقون. ويستحب له
أن يسمع من خلفه كل ما يقول، ولا ينبغي لمن خلفه أن يسمعه شيئا.
الفصل الثاني عشر (2)
في صلاة القصر
وفيه بحثان:
الأول في صلاة الخوف
لا خلاف بين الأصحاب في وجوب التقصير في صلاة الخوف سفرا، وإنما
اختلفوا في وجوب تقصيرها إذا وقعت في الحضر، فذهب الأكثر إلى وجوب
تقصيرها سفرا وحضرا جماعة وفرادى، وقيل: إنما تقصر في السفر خاصة (3).
وصلاة الخوف على أقسام، وأشهرها صلاة ذات الرقاع وشروطها أربعة:
أولها: كون الخصم في خلاف جهة القبلة بحيث لا يمكنهم مقابلتهم وهم
يصلون إلا بالانحراف عن القبلة، وهذا الاشتراط هو المشهور بين الأصحاب.
وثانيها: أن يكون الخصم ذا قوة يخاف هجومه.
وثالثها: أن يكون في المسلمين كثرة يمكنهم الافتراق طائفتين يقاوم كل
فرقة منهما العدو.

(1) المبسوط 1: 157.
(2) كذا في الأصل أيضا، والمناسب إما «الفصل العاشر» وإما «المقصد الثاني عشر» والأصل
في الاشتباه ما نبهنا عليه في ص 134.
(3) حكاه المحقق في المعتبر 2: 454 عن بعض الأصحاب.
154

ورابعها: عدم احتياجهم إلى زيادة على الفرقتين، وهذا في الثنائية واضح،
وفي الثلاثية قولان.
وكيفية هذه الصلاة: أن يصلي الإمام بالطائفة الاولى ركعة والثانية تحرسهم
عن العدو، ثم يقوم الإمام والطائفة إلى الثانية فينفرد الجماعة ويقرؤون لأنفسهم
ويطول الإمام القراءة فيتم الجماعة صلاتهم وهو قائم ويمضون إلى موقف
أصحابهم، ويجيء الطائفة الثانية فيكبرون للافتتاح ثم يركع الإمام بهم ويسجد
ويقوم الجماعة فيصلي ركعة اخرى ويطيل الإمام تشهده ويتمون ويسلم الإمام بهم.
وفي صلاة المغرب يتخير الإمام بين أن يصلي بالاولى ركعة وبالثانية ركعتين
أو بالعكس.
ويجب على المصلين أخذ السلاح على المشهور إلا أن يمنع شيئا من
الواجبات، فيجوز مع الضرورة حسب. والنجاسة على السلاح غير مانعة.
وأما صلاة شدة الخوف: فإن انتهى الحال إلى المسايفة أو المعانقة فيصلون
فرادى كيف ما أمكنهم واقفا أو ماشيا أو راكبا ويركعون ويسجدون إن أمكنهم،
وإلا فبالإيماء، ويستقبلون القبلة مع المكنة وإلا فبحسب الإمكان في بعض الصلاة
على ما ذكره جماعة من الأصحاب (1) وإلا فبالتكبيرة، وإلا سقط.
ويجوز راكبا مع الضرورة، ويسجد على قربوس سرجه، ولو عجز صلى
بالتسبيح عوض كل ركعة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وهو
يجزي عن جميع الأفعال والأذكار، وما ذكر من كيفية التسبيح غير مستفاد من
الروايات، لكن الاحتياط فيما ذكر، والأولى أن يضاف إليها شيء من الدعاء.
وصرح جماعة من المتأخرين بأنه لابد مع التسبيحات من النية وتكبيرة
الإحرام والتشهد والتسليم (2). وإيجاب غير النية من الامور المذكورة محل إشكال.
وخائف السبع أو السيل يصلي صلاة الشدة على المشهور، والأشهر أن صلاته

(1) المعتبر 2: 460، المسالك 1: 336، المدارك 4: 421.
(2) التحرير 1: 55 س 21، الذكرى 4: 361، الروض: 382 س 13.
155

مقصورة، وقيل: ليس القصر فيه إلا في الكيفية (1). وهو قوي، والمذكور في الرواية
العدو واللص والسبع (2). وفي إلحاق غيرها بها تأمل والموتحل والغريق يصليان
بحسب الإمكان ويجوز لهما الصلاة بالإيماء مع العجز عن استيفاء الأفعال، ولا
يقصران العدد إلا في سفر أو خوف.
البحث الثاني في صلاة السفر
يجب التقصير في السفر في الرباعية خاصة بشروط ستة:
الأول: المسافة، ولا خلاف بين العلماء في أن المسافة شرط في التقصير،
وإنما اختلفوا في تقديرها، فذهب علماؤنا بلا خلاف بينهم إلى أن القصر يجب في
مسيرة يوم تام بريدان ثمانية فراسخ، أربعة وعشرون ميلا.
واختلف الأصحاب في مسيرة أربعة فراسخ، والذي عندي يوافق الاحتياط
نظرا إلى الأحاديث الواردة في هذا الباب أنه إذا سافر أربعة فراسخ وكان من
عزمه العود قبل عشرة أيام يقصر، وإلا كان الاحتياط في الإتمام.
والاتفاق واقع على أن الفرسخ ثلاثة أميال، وأما الميل فلم أطلع على تحديده
في روايات الأصحاب سوى ما رواه ابن بابويه مرسلا عن الصادق (عليه السلام) أنه ألف
وخمسمائة ذراع (3). وهو متروك بين الأصحاب.
وفي الكافي: روي أنه ثلاثة آلاف وخمسمائة (4). وفي المعتبر نسبه إلى بعض
أخبار أهل البيت (عليهم السلام) (5). وقد قطع الأصحاب بأنه أربعة آلاف ذراع، وفي كلام
بعض أهل اللغة دلالة عليه، وفسر الميل بمد البصر أيضا، وفسر مد البصر في الأرض
بأنه ما يتميز به الفارس عن الراجل للمبصر المتوسط في الأرض المستوية.

(1) انظر المدارك 4: 425.
(2) الوسائل 5: 485، الباب 3 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة، ح 12.
(3) الفقيه 1: 448 - 449.
(4) الكافي 3: 432، ح 3.
(5) المعتبر 2: 467.
156

ويعلم المسافة بالأمرين: الأذرع ومسير اليوم، والمراد بالذراع الشرعي،
وفسر اليوم جماعة من الأصحاب بيوم الصوم (1). وفيه تأمل، واعتبر الفاضلان
مسير الإبل السير العام (2). وهو حسن.
وذكر جماعة من الأصحاب أن مبدأ التقدير من آخر خطة البلد المعتدل،
وآخر محلته في المتسع عرفا (3). ولم أطلع على دليله، ولا يبعد أن يكون مبدأ
التقدير مبدأ سيره بقصد السفر.
ولو جهل البلوغ ولا بينة أتم على ما قطع به الأصحاب وهو متجه، والظاهر
أنه لا يجب عليه المساحة للعلم بالمقدار.
الثاني: القصد إلى المسافة في مبدأ السير، فالهائم وطالب الآبق لا يقصران
وإن زاد سفرهما عن المسافة، ويقصران في الرجوع مع البلوغ. واشترط
الأصحاب استمرار القصد إلى انتهاء المسافة، وحجتهم على ذلك غير واضحة
عندي، وعلى قولهم لو قصد المسافة ثم رجع عن قصده أو تردد الحاصل قبل
بلوغ المسافة أتم، فلو توقع رفقة علق سفره عليهم، فإن كان التوقع في محل رؤية
الجدار وسماع الأذان أتم، وإن كان بعد التجاوز عن ذلك الحد قبل بلوغ المسافة
أتم إلا مع العزم على المسير، وإن كان بعد بلوغ المسافة قصر ما لم ينو المقام
عشرة أو يمضي ثلاثون، ولو رجع المسافر عن التردد الحاصل قبل بلوغ المسافة
قصر، وفي احتساب ما مضى من المسافة حينئذ نظر، واستقرب الشهيد في البيان
الاحتساب (4).
والعبد والزوجة والخادم والأسير تابعون يقصرون إن علموا جزم المتبوع،
وقد صرح جمع من الأصحاب بأنهم يقصرون وإن قصدوا الرجوع بعد زوال اليد

(1) غاية المرام: 21 س 9، مجمع الفائدة 3: 365، المدارك 4: 430.
(2) المعتبر 2: 467، التذكرة 4: 371.
(3) الذكرى 4: 313، الروض: 383 س 24، المدارك 4: 432.
(4) البيان: 155.
157

عنهم (1) بل كلام المنتهى يشعر بكون ذلك اتفاقيا عند الأصحاب (2) والحكم بذلك
مطلقا لا يخلو عن إشكال.
الثالث: إباحة السفر، ولا خلاف بين الأصحاب في أن جواز السفر شرط في
جواز التقصير، فلو كان معصية لم يقصر كاتباع الجائر، وصيد اللهو، والسفر في
ضرر المسلمين، والفساد في الأرض. والظاهر عموم الحكم بالنسبة إلى كل سفر
حرام، سواء كانت غايته معصية كقطع الطريق أو قتل مسلم وكالنشوز والإباق
للمرأة والعبد، أو كان نفس سفره معصية وإن لم يكن غايته معصية كالفرار من
الزحف، والسفر بعد تعلق وجوب الجمعة، وسلوك طريق يغلب على الظن الهلاك
فيه، والسفر المستلزم لترك واجب كتحصيل العلم الواجب والنفقة الواجبة.
ولو رجع المسافر العاصي عن المعصية في أثناء السفر يقصر إن كان الباقي
مسافة، ولو قصد المعصية في أثناء السفر المباح انقطع ترخصه، لا أعلم فيه خلافا
بينهم، فلو عاد إلى الطاعة قصر، وهل يعتبر كون الباقي مسافة؟ فيه قولان، أقربهما
العدم. ولو صاد للتجارة فالأقرب أنه يقصر في صلاته وصومه.
الرابع: عدم زيادة السفر على الحضر كالمكاري، والملاح، وطالب القطر
والنبت، وطالب الأسواق، والبريد، فإنهم يتمون على الأشهر الأقرب، والظاهر أن
مرجع الأمر صدق المكاري والملاح وأمثالهم عرفا، والظاهر أن صدق أن فعلهم
السفر كاف في وجوب الإتمام.
وتوجد في كلام جمع من الأصحاب تحديدات غير مستندة إلى حجة
صحيحة، وذكر الشيخ ومن تبعه أن الضابط أن لا يقيم في بلده عشرة، فإن أقام
أحدهم عشرة قصر (3) ولا يبعد وجوب الإتمام عليه ما صدق عليه اسم المكاري
والملاح، نظرا إلى عموم الأخبار. والمسألة عندي مشكلة، لكن في صحيحة
عبد الله بن سنان: «فإن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام أو أكثر

(1) المنتهى 1: 391 س 3، مجمع الفائدة 3: 370، المسالك 1: 340.
(2) المنتهى 1: 391 س 3.
(3) النهاية 1: 358.
158

وينصرف إلى منزله ويكون له مقام عشرة أيام أو أكثر قصر في سفر وأفطر» (1)
والعمل بمقتضى هذه الرواية الصحيحة غير بعيد.
وألحق جمع من المتأخرين بإقامة العشرة في بلده إقامة العشرة المنوية في
غير بلده (2). وهو حسن، وبعضهم ألحق إقامة العشرة بعد التردد بثلاثين (3) واختلفوا
في الثلاثين مع التردد، والأقرب عدم زوال حكم الإتمام بذلك.
ولو نوى أقل من عشرة في بلده فالمشهور بين المتأخرين أنه يتم الصلوات
الليلية والنهارية وخالف فيه بعضهم ويستفاد من صحيحة عبد الله بن سنان: أن من
أقام في منزله خمسة لا أكثر يقصر نهارا ويتم ليلا (4).
الخامس: حد الترخص، واختلف الأصحاب فيه، فذهب جماعة إلى أن
المعتبر خفاء الجدران والأذان معا (5). وذهب أكثر الأصحاب إلى أن المعتبر أحد
الأمرين. وبعضهم اعتبر خفاء الأذان (6). وبعضهم اعتبر خفاء الجدران (7).
ويستفاد من صحيحة محمد بن مسلم أن حد الترخص خفاء المسافر عن
البيوت (8) وعلى هذا فالظاهر حصول ذلك بالحائل، والظهور بعد الخفاء بالحائل
لا يضر.
ويستفاد من صحيحة عبد الله بن سنان أن حد الترخص خفاء الأذان (9).
والظاهر جواز العمل بكل واحد من الصحيحتين.

(1) الوسائل 5: 519، الباب 12 من أبواب صلاة المسافر الحديث 5.
(2) المختصر النافع: 51، التذكرة 4: 394، الذكرى 4: 316.
(3) الدروس 1: 212.
(4) الوسائل 5: 519، الباب 12 من أبواب صلاة المسافر، ح 5.
(5) الخلاف 1: 572، المسألة 324، رسائل السيد المرتضى المجموعة الثالثة: 47، ونقله عن
ابن أبي عقيل في المختلف 3: 110.
(6) المراسم: 75.
(7) المقنع: 37.
(8) الوسائل 5: 505، الباب 6 من أبواب صلاة المسافر، ح 1.
(9) الوسائل 5: 506، الباب 6 من أبواب صلاة المسافر، ح 3.
159

وقالوا: المراد جدران آخر البلد الصغير والقرية، وإلا فالمحلة، وكذا أذان
مسجد البلد والمحلة (1). ويحتمل البيت ونهاية البلد، وظاهر الرواية خفاء جميع
بيوت البلد وأذانه. ويحتمل البيوت المتقاربة من بيته وكذا أذانها. وذكر بعضهم أن
المعتبر صورة الجدار لا الشبح (2).
وأما في العود فذهب جماعة من الأصحاب إلى أنه يقصر إلى أن يبلغ حدا
يظهر أحد الأمرين (3). وذهب بعضهم إلى اعتبار الأذان هاهنا (4). وذهب جماعة
إلى أن المسافر يجب عليه التقصير في العود إلى أن يبلغ منزله (5) والأحوط نظرا
إلى الأدلة العمل به.
السادس: صرح العلامة وغيره بأن من شروط وجوب القصر أن ينوي مسافة
لا يعزم على إقامة العشرة في أثنائها، ولا الوصول إلى موضع الاستيطان في
الأثناء، فلو نوى مثلا قطع ثمانية فراسخ لكنه يعزم على أن يقيم عشرة في أثنائها
لم يجب عليه التقصير، لا في موضع الإقامة، ولا في طريقه (6). ولا أعلم من خالف
في هذا الحكم منهم، ولا أعلم أيضا حجة واضحة عليه.
ولو نوى المقصر الإقامة في بلد عشرة أيام أتم، ولا فرق بين كون المقام في
بلد أو قرية أو بادية ولا بين العازم على السفر بعد المقام وغيره، والظاهر أن بعض
اليوم لا يحسب بيوم كامل، بل يلفق، فلو نوى المقام عند الزوال كان منتهاه زوال
اليوم الحادي عشر، وهل يشترط عشرة غير يومي الدخول والخروج؟ فيه وجهان.
والمشهور أن من نوى أقل من العشرة لم يتم، وابن الجنيد اكتفى في الإتمام
بنية إقامة خمسة أيام (7). والأحوط العمل بالمشهور.
وهل يشترط في العشرة التوالي بحيث لا يخرج بينها إلى محل الترخص أم

(1) الروض: 392 س 27، المدارك 4: 458.
(2) المسالك 1: 346.
(3) منهم المحقق في المعتبر 2: 474، والعلامة في المختلف 3: 112.
(4) الشرائع 1: 134.
(5) نقل عن جماعة في المختلف 3: 111.
(6) إرشاد الأذهان 1: 274.
(7) نقله في المختلف 3: 113.
160

لا؟ فيه وجهان، والظاهر أن المعتبر صدق الإقامة في البلد عرفا، والظاهر أن عدم
التوالي في أكثر الأحيان يقدح في صدق المعنى المذكور عرفا، ولا يقدح فيه
أحيانا، فينبغي الرجوع إلى طريقة الاحتياط.
ولو عزم على إقامة طويلة في رستاق ينتقل فيه من قرية إلى قرية ولم يعزم
على إقامة العشرة في واحدة منها لم يبطل حكم سفره.
وإذا نوى إقامة العشرة فرجوع حكم السفر يحتاج إلى حدوث سبب مسوغ
للتقصير، فلو قصد المسافة وخرج إلى حد الخفاء وجب عليه التقصير. فإن رجع
إلى محل الإقامة مع بقاء نية السفر فالظاهر وجوب القصر عليه، بخلاف ما لو كان
الرجوع إلى بلده، وإن تردد في الإقامة قصر إلى ثلاثين يوما ثم يتم ولو صلاة واحدة.
ولو نوى المقصر الإقامة ثم بداله قصر مالم يكن صلى فريضة واحدة على التمام.
وهل يلحق بالصلاة الفريضة الصوم الواجب فيثبت حكم الإقامة بالشروع فيه
مطلقا أو إذا زالت الشمس قبل الرجوع عن نية الإقامة أم لا؟ فيه أوجه ثالثها
أقرب الوجوه. والأقرب أن الصلاة النافلة غير ملحقة بالفريضة في الحكم المذكور.
وإذا رجع عن نية الإقامة قبل الصلاة رجع حكم القصر، ولا يشترط أن يكون
الباقي مسافة.
والمشهور بين المتأخرين أن المسافر إذا وصل إلى بلدة له فيها ملك استوطنه
ستة أشهر يجب عليه الإتمام، ومن الأصحاب من اعتبر المسكن (1). ومنهم من اعتبر
الاستيطان من غير ذكر الملك وستة أشهر (2). وفي المسألة أقوال اخر، والروايات
مختلفة (3) وطريق الجمع بينها غير منحصر في جهة واحدة، فالمسألة مشكلة.
وكيف ما كان فالظاهر أنه إذا وصل إلى بلد له فيه منزل يكون وطنه بحيث
يصدق الاستيطان عرفا كفى في الإتمام، وإن لم يكن كذلك فالأحوط نظرا إلى
الأحاديث القصر.

(1) المختصر النافع: 51.
(2) الكافي في الفقه: 117.
(3) الوسائل 5: 520، الباب 14 من أبواب صلاة المسافر.
161

ومع اجتماع الشرائط يجب التقصير إلا في حرم الله تعالى ورسوله ومسجد
الكوفة والحائر، فإنه مخير بين القصر والإتمام، والإتمام فيها أفضل، والمستفاد
من الأخبار جواز الإتمام في مكة والمدينة وإن كان في موضع خارج من
المسجدين (1). وهو قول أكثر الأصحاب، وابن إدريس خص الحكم بالمسجدين (2)
والأحوط قصر الحكم على مسجد الكوفة والحائر لا البلد، والحكم مخصوص
بالصلاة ولا يعم الصوم، والأقرب جواز الإتيان بالنوافل المقصورة سفرا في
هذه المواضع.
ولو أتم المقصر عالما عامدا أعاد في الوقت وخارجه، وناسيا يعيد في الوقت
خاصة على الأشهر الأقرب.
ولو أتم جاهلا بحكم وجوب التقصير لا يعيد مطلقا على الأشهر الأقرب،
وهل الحكم مختص بالجاهل بوجوب التقصير من أصله أو ينسحب في الجاهل
ببعض أحكام السفر والمواضع التي يختلف فيها حكم الإتمام والقصر؟ فيه
وجهان، والأول أنسب بالقواعد المقررة.
ولو صلى من فرضه التمام قصرا ففي الصحة وجهان، وفي رواية منصور بن
حازم عن الصادق (عليه السلام) قال: «إذا أتيت بلدا وأزمعت المقام عشرة فأتم الصلاة فإن
تركه جاهل فليس عليه الإعادة» (3) والرواية دالة على الصحة في بعض صور
وجوب الإتمام، والعمل بها حسن، لكن ينبغي عدم التعدي عن المنصوص،
فالحكم بالبطلان في غيرها متجه.
ولو سافر بعد دخول الوقت قبل الصلاة فالأكثر على أنه يقصر، وذهب جماعة
إلى أنه يتم (4). وجماعة إلى التخيير (5). والمسألة محل تردد ولو حضر في الوقت

(1) الوسائل 5: 543، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر.
(2) السرائر 1: 342.
(3) الوسائل 5: 530، الباب 17 من أبواب صلاة المسافر، ح 3.
(4) المقنع: 37، واختاره العلامة ونقله عن ابن أبي عقيل في المختلف 3: 117 و 120.
(5) منهم ابن بابويه في الفقيه 1: 444، والشيخ في التهذيب 3: 223.
162

قبل الصلاة مع دخول الوقت قبل الحضور فالأكثر على أنه يتم، وبعضهم على أنه
يقصر (1). وبعضهم على التخيير (2). وبعضهم فرق بين السعة والضيق (3). والأحوط
الإتمام، بل في الحكم ببراءة الذمة بدونه شك.
وإذا فاتت عنه هذه الصلاة ففي حكم قضائها خلاف، ولي فيه تردد.
ولو نوى المسافر في غير بلده إقامة عشرة أيام أتم إذا صلى صلاة واحدة كما
مر، فلو خرج إلى أقل من مسافة عازما للعود والإقامة لم يقصر وإن عزم العود
دون الإقامة عشرا قيل: يقصر بمجرد خروجه (4). وقيل: يقصر عند الرجوع
حسب (5). وهذا الحكم لا يصح على إطلاقه، بل إنما يصح إذا كان حين الرجوع
العزم على المسافة، فلو عاد غافلا عن السفر أو مترددا في السفر والإقامة فحكمه
التمام ذاهبا وعائدا.
وذكر جماعة من الأصحاب ضابطة يرجع محصلها إلى أنه يقصر في الرجوع
إذا كان من نيته قطع المسافة، ولا يقصر في الذهاب، أما الحكم الأول فواضح،
وأما الحكم الثاني فادعى بعضهم الإجماع عليه (6). ولو ثبت الإجماع المذكور كان
الحكم المذكور متجها، وفي ثبوته تأمل، وبدونه لا يتجه الحكم المذكور، فإن
مقتضى النظر وجوب التقصير في الذهاب أيضا.

(1) السرائر 1: 332.
(2) حكاه عن ابن الجنيد في الذكرى 4: 296.
(3) النهاية 1: 358 و 359.
(4) مجمع الفائدة 3: 441.
(5) الدروس 1: 211.
(6) الروض: 399 س 9.
163

كتاب الزكاة
165

كتاب الزكاة
وهي من أعظم الفرائض. قال الله تعالى: (وويل للمشركين * الذين لا
يؤتون الزكاة) (1) وقال تعالى: (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من
فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة) (2).
وسأل محمد بن مسلم أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (سيطوقون ما
بخلوا به يوم القيامة) قال: ما من عبد منع من زكاة ماله شيئا إلا جعل الله له ذلك
ثعبانا من نار يطوق في عنقه ينهش من لحمه حتى يفرغ من الحساب، وهو قول
الله عز وجل: (سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة) يعني ما بخلوا من الزكاة (3).
وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: وجدنا في كتاب علي (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا
منعت الزكاة منعت الأرض بركاتها (4).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام): ما من عبد يمنع درهما في حقه إلا أنفق اثنين في غير
حقه، وما من رجل يمنع حقا من ماله إلا طوقه الله عز وجل به حية من نار يوم
القيامة (5) والأخبار في هذا الباب كثيرة.

(1) فصلت: 6 - 7.
(2) آل عمران: 180.
(3) الوسائل 6: 11، الباب 3 من أبواب ما تجب فيه الزكاة...، ح 3.
(4) الوسائل 6: 13، الباب 3 من أبواب ما تجب فيه الزكاة...، ح 12.
(5) الوسائل 6: 25، الباب 6 من أبواب ما تجب فيه الزكاة...، ح 1.
166

والنظر هاهنا في مقاصد ثلاثة: (1)
الأول
في شرائط الوجوب ووقته
إنما يجب على البالغ العاقل الحر المالك للنصاب المتمكن من التصرف، فلا
زكاة على الطفل، خلافا لابن حمزة حيث أوجب الزكاة في ماله (2). ولا زكاة على
المجنون المطبق، وفي ذي الأدوار خلاف.
وظاهر المتأخرين أن البالغ يستأنف الحول من حين البلوغ وأنه لا يجب
عليه إذا تم الحول السابق في زمان تكليفه، وفيه إشكال.
وفي المغمى عليه خلاف، والظاهر مساواة الإغماء للنوم في تحقق التكليف
بعد زوالهما وعدم انقطاع الحول بعروضهما في أثنائه.
وفي وجوب الزكاة في غلات الطفل ومواشيه خلاف، والأقرب العدم كما هو
المشهور بين المتأخرين، خلافا لجماعة من الأصحاب منهم الشيخان (3). والمتجه
القول باستحباب الزكاة في غلات الأطفال كما ذهب إليه جمهور المتأخرين،
وذهب أكثر المتأخرين إلى استحبابها في مواشيهم، ولم أقف على مستند لهم.
واختلف الأصحاب في غلات المجانين ومواشيهم، فمنهم من أوجب الزكاة
فيها (4). ومنهم من حكم بالاستحباب (5). ومنهم من نفاها وجوبا واستحبابا (6).
وهو أقرب.
والأشهر الأقرب استحباب إخراج الزكاة لمن اتجر في مال الطفل أو المجنون

(1) كذا في النسخ المتوفرة لدينا، لكن يأتي في ص 196 المقصد الرابع، وفي ص 199
المقصد الخامس. وكتب الزكاة والخمس والصوم مفقودة من نسخة الأصل.
(2) الوسيلة: 123.
(3) المقنعة: 238، المبسوط 1: 234.
(4) المقنعة: 238، المبسوط 1: 234.
(5) نهاية الإحكام 2: 300.
(6) الشرائع 1: 140.
167

بولاية لهما، ولو اتجر في مالهما لنفسه بأن ينقله إليه بناقل شرعي كالقرض ثم
يقصد البيع والشراء له وكان وليا مليا كان الربح له والزكاة المستحبة عليه.
وذكر الأصحاب أن جواز التصرف في مال اليتيم بالاقتراض مشروط بأمرين:
الأول: الولاية، لكن لو تعذر الوصول إلى الولي وتوقفت مصلحة الطفل على
التصرف المذكور لم يبعد جوازه، للآية.
الثاني: الملاءة، واستثنى المتأخرون الأب والجد فجوزوا لهما اقتراض مال
الطفل مطلقا، واستشكله بعض الأصحاب (1). ولو فقد أحد الأمرين كان ضامنا
والربح لهما، وفي المسألة تفصيل مذكور في الذخيرة.
والأصح أنه لا زكاة على المملوك، سواء قلنا: إنه يملك أم لا، وفيه خلاف
لجماعة من الأصحاب.
ولا زكاة على المكاتب المشروط، وهو الذي اشترط عليه الرد في الرق إن
عجز عن أداء مال الكتابة ولا يتحرر شيء منه إلا بأداء الجميع، ولا على المطلق
الذي لم يؤد شيئا، ولو تحرر منه شيء وجبت الزكاة في نصيبه إن بلغ النصاب.
ويعتبر الحول في الموهوب بعد القبض على القول بكون القبض في الهبة
شرط الصحة لا اللزوم. وما لا يعتبر فيه الحول - كالغلات - يشترط في وجوب
زكاته على المتهب حصول القبض قبل تعلق الوجوب بالنصاب.
واعتبار الحول في الموصى به بعد القبول والوفاة، وفي القرض من حين
القبض على الأشهر الأقرب، وفي ذي الخيار من حين البيع على الأشهر الأقرب.
ولا زكاة في المال المغصوب على المالك ولا على الغاصب، ولا في الغائب
عن المالك أو وكيله إذا لم يكن متمكنا من التصرف.
واعلم أن ظاهر كثير من عبارات الأصحاب أنه يشترط في وجوب الزكاة
في المال الغائب أن يكون في يد الوكيل، وظاهر بعضها يدل على وجوب الزكاة
عند التمكن من التصرف وإن غاب عنه وعن وكيله وكلام المحقق في النافع

(1) المدارك 5: 19.
168

والعلامة في النهاية والتحرير كالصريح في ذلك (1). ويظهر من الخلاف عدم
الخلاف فيه (2). وفي كلام ابن إدريس نوع تشويش (3). وفي بعض عباراتهم إجمال.
وبالجملة: كلامهم في هذا المقام لا يخلو عن اضطراب، وفي الروايات نوع
اختلاف، واستفادة رجحان عدم وجوب الزكاة في المال الغائب مطلقا من
الروايات غير بعيد، فلو قيل به لم يكن بعيدا.
وإذا خلف الرجل عند أهله نفقة للسنين فبلغت ما يجب فيه الزكاة فإن كان
حاضرا وجب عليه فيه الزكاة، وإن كان غائبا فليس عليه فيه زكاة، وفيه خلاف
لابن إدريس (4).
ولا زكاة في الوقف بلا خلاف، ولو نتج الوقف وجبت الزكاة في نتاجه إذا كان
لمعين عند حصول الشرائط.
وقال الشيخ: لو ولدت الغنم الموقوفة وبلغ الأولاد نصابا وحال عليه الحول
وجبت الزكاة، إلا أن يكون الواقف شرط أن يكون الغنم وما يتوالد منها وقفا (5).
قال بعض المتأخرين: وهو جيد إن ثبت صحة اشتراط ذلك، لكنه محل نظر (6). ولي
في هذه المسألة تفصيل ذكرته في شرح الإرشاد.
ولا زكاة في الضال والمفقود، فإن عاد بعد سنين استحب زكاة سنة، وظاهر
بعض عباراتهم أن استحباب التزكية إنما يكون إذا كانت مدة الضلال ثلاث سنين
فصاعدا، وقال بعضهم: إنها محمولة على السنتين فصاعدا، كما نبه عليه الشهيد
وغيره (7).
وأطلق العلامة في المنتهى استحباب تزكية المغصوب والضال مع العود لسنة

(1) المختصر: 53، نهاية الإحكام 2: 302، التحرير 1: 57 س 29.
(2) الخلاف 2: 81، المسألة 96.
(3) السرائر 1: 443.
(4) السرائر 1: 447.
(5) المبسوط 1: 205.
(6) المدارك 5: 36.
(7) البيان: 168.
169

واحدة (1). وهو غير بعيد، نظرا إلى إطلاق مرسلة ابن بكير (2).
ولا زكاة في الدين حتى يقبضه ويحول عليه الحول إذا لم يقدر على أخذه
وهو المعروف بين الأصحاب، وإذا كان معجلا يتمكن المالك من أخذه ويكون
التأخير من قبله ففي وجوب الزكاة عليه قولان أقربهما العدم.
وإن ترك المقترض القرض حولا بحاله فالزكاة عليه، وإلا سقطت. والمشهور
أن الكافر لا يضمن الزكاة بعد إسلامه وإن وجبت عليه في حال كفره.
وقد نص الفاضلان ومن تبعهما على أن الزكاة تسقط عن الكافر بالإسلام وإن
كان النصاب موجودا (3). وظاهر كلام العلامة في بعض كتبه أنه يستأنف الحول من
حين إسلامه وإن أسلم في أثناء الحول (4). وكلام الشهيد كالصريح فيه (5). وكلام
العلامة في النهاية مشعر بخلافه (6).
والإشكال في هذه الأحكام ثابت، لعموم الأدلة الدالة على الوجوب وعدم
وضوح ما يدل على السقوط، ولهذا توقف غير واحد من المتأخرين (7).
والضمان مشروط بالتمكن من الأداء، ولو تلفت بعد الوجوب وإمكان الأداء
فهو ضامن وإن لم يفرط، وفي التذكرة أنه قول علمائنا أجمع (8).
وإنما يتحقق تلف الزكاة مع العزل وتلف جميع النصاب، ولو تلف بعض
النصاب وزع على حصة المالك ونصيب الفقراء بالنسبة وضمن المالك نصيبهم في
موضع الضمان، وحكي قول بكون التالف من مال المالك خاصة (9). وفيه بعد.
ولو تلف قبل الإمكان فلا ضمان.

(1) المنتهى 1: 475 س 16.
(2) الوسائل 6: 63، الباب 5 من أبواب من تجب فيه الزكاة...، ح 7.
(3) المعتبر 2: 490، المنتهى 1: 476 س 3، المسالك 1: 362.
(4) التذكرة 5: 40، القواعد 1: 332، التحرير 1: 58 س 3.
(5) الدروس 1: 230.
(6) نهاية الإحكام 2: 308.
(7) المدارك 5: 42.
(8) التذكرة 5: 191.
(9) مجمع الفائدة 4: 26.
170

ولو تلف البعض سقط من الواجب بالنسبة، والامتزاج لا يقتضي الجمع بين
ملكي شخصين، والتباعد لا يقتضي التفريق بين ملكي شخص واحد، والدين لا
يمنع الزكاة على الأشهر الأقرب، ولا الشركة مع بلوغ النصيب نصابا.
ووقت الوجوب في الغلات: بدو صلاحها، وهو اشتداد الحب في الحنطة
والشعير، وانعقاد الحصرم في الكرم، والإحمرار والإصفرار في ثمر النخل عند
الشيخ (1). ونسبه العلامة وغيره إلى أكثر الأصحاب (2).
وقال المحقق في المعتبر: ويتعلق الزكاة بها إذا صار الزرع حنطة وشعيرا،
وبالتمر والعنب إذا صار تمرا وزبيبا. ونسب الأول إلى الشيخ والجمهور، قال:
وفائدة الخلاف أنه لو تصرف قبل صيرورته تمرا وزبيبا لم يضمن، وعلى قولهم
يضمن، لتحقق الوجوب. ولا يجب الإخراج عند الجميع في الحبوب إلا بعد
التصفية ولا في الثمار إلا بعد التشميس والجفاف (3) وهذا القول يسند إلى ابن
الجنيد وبعض العلماء (4) ولعل قول المحقق لا يخلو عن ترجيح.
ووقت الوجوب في غير الغلات: إذا أهل الثاني عشر من زمان حصولها في
يده، ولا يعتبر كمال الثاني عشر، وهل يحتسب الثاني عشر من الحول الثاني أو
الأول؟ فيه قولان، أقربهما الأول، وهل الوجوب مستقر بدخول الثاني عشر أم لا
حتى يكون الاختلال فيه كالاختلال فيما قبله؟ ظاهر الأصحاب الأول، واختاره
غير واحد من المتأخرين (5). وهو أقرب.
والأكثر على عدم جواز التأخير مع المكنة، ونقل عن الشيخين جواز
التأخير شهرين بشرط العزل (6). وجوز في الدروس التأخير لانتظار الأفضل

(1) المبسوط 1: 214.
(2) المختلف 3: 185، المنتهى 1: 499 س 1، المدارك 5: 137.
(3) المعتبر 2: 534.
(4) أسنده الشهيد في البيان: 181.
(5) المقنعة: 258، المعتبر 2: 507، التذكرة 5: 51.
(6) نقله عنهما الشهيد في البيان: 203.
171

والتعميم (1). والأقرب جواز تأخيرها شهرا وشهرين خصوصا للبسط أو لذي
المزية، كما هو مختار الشهيد الثاني وصاحب المدارك (2).
والأقرب عدم جواز التقديم إلا على سبيل القرض، وفي الروايات اختلاف،
فإن دفع قرضا جاز الاحتساب من الزكاة عند الحول مع بقاء الشرائط المعتبرة في
المال والقابض، وحينئذ جاز أخذها وإعطاء غيره، وللفقير دفع عوضها مع بقائها
على القول بكونها قرضا.
ولو كان المدفوع تمام النصاب سقطت الزكاة، سواء كانت عينه باقية أو تالفة
بناء على أن القرض يخرج من ملك المقرض بالقبض، ويعتبر التصرف بناء على ما
نقل عن الشيخ من أن القرض يملك بالتصرف (3). ونقل عنه قول آخر بأن النصاب
لا ينثلم بالقرض مطلقا إذا تمكن المالك من استعادته بناء على وجوب الزكاة في
الدين (4) ونقل عنه قول آخر بالوجوب مع بقاء العين (5).
والمشهور أنه لو استغنى الفقير بعين المال جاز الاحتساب، خلافا لابن
إدريس (6). ولي في المسألة إشكال، نعم لو كانت أمواله قاصرة عن ديونه جاز
الاحتساب من سهم الغارمين بغير إشكال ولو استغنى بغيره لم يجز الاحتساب.
المقصد الثاني
فيما يجب فيه الزكاة
يجب الزكاة في تسعة: الإبل، والبقر، والغنم، والذهب، والفضة، والحنطة،
والشعير، والتمر، والزبيب. والأشهر الأقرب أنه لا زكاة في غيرها، خلافا لابن

(1) الدروس 1: 245.
(2) الروضة 2: 39، المدارك 5: 289.
(3) نقله عنه الشهيد الثاني في المسالك 1: 435.
(4) المصدر السابق.
(5) نقله عنه الشهيد في البيان: 203، وانظر المبسوط 1: 231.
(6) السرائر 1: 455.
172

الجنيد حيث قال: تؤخذ الزكاة في أرض العشر من كل ما دخل القفيز: حنطة،
وشعير، وسمسم، وارز، ودخن، وذرة، وعدس، وسلت وسائر الحبوب (1). وهو
المحكي عن يونس بن عبد الرحمن (2).
وفي هذا المقام فصول:
الأول:
يجب الزكاة في الأنعام بشروط أربعة:
الأول: الحول، وهو أحد عشر شهرا كاملة، فلو نقص النصاب في أثنائه
سقطت، وكذا لو عاوضها بجنسها أو بغيرها في الأثناء على الأشهر الأقرب، خلافا
للشيخ في المبسوط (3). ولو كان ذلك فرارا فالأقرب الأشهر أنه كذلك، خلافا
للشيخ والمرتضى (4).
قالوا: ولو ارتد في الأثناء عن فطرة استأنف ورثته الحول، ولو كان عن غير
فطرة لا ينقطع الحول.
الثاني: السوم فلو اعتلفت أو أعلفها مالكها طول الحول لم يجب. واختلفوا
فيما إذا أعلفها بعض الحول، فقيل: يعتبر الأغلب ويسقط عند التساوي (5). وقيل:
يسقط مطلقا (6). وقيل: يسقط بعلف اليوم دون اللحظة (7) والأقرب ما ذهب إليه
العلامة في التحرير والتذكرة من اعتبار الاسم عرفا (8).
ولا فرق في المعلوفة بين أن يكون العلف من ماله أو من مال غيره خلافا
للتذكرة (9). ولو منعها الثلج أو غيره من الرعي لم يجب، ولا اعتبار باللحظة عادة.

(1) حكاه عنه في المختلف 3: 195.
(2) حكاه عنه الشيخ في الاستبصار 2: 4.
(3) المبسوط 1: 206.
(4) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 205، الانتصار: 83.
(5) المبسوط 1: 198.
(6) المختصر: 55.
(7) نهاية الإحكام 2: 317.
(8) التذكرة 5: 48، التحرير 1: 60 س 26.
(9) التذكرة 5: 48.
173

ولا تعد السخال إلا بعد استغنائها بالرعي عند جماعة من الأصحاب، والأكثر
على أن حولها من حين النتاج.
ولو تجددت السخال في ملكه في أثناء الحول فإن كانت نصابا مستقلا كما لو
ولدت خمس من الإبل خمسا فلكل حول بانفراده.
ولو ولدت أربعون من الغنم أربعين وجب في الامهات شاة عند تمام حولها،
والظاهر أنه لم يجب في السخال شيء، لأن الزائد عن الأربعين إلى أن يصل إلى
النصاب الثاني عفو، والظاهر أنه لا فرق في ذلك بين أن يملكها مجتمعة أو متفرقة
واحتمل المحقق وجوب شاة في الثانية عند تمام حولها (1).
وإن كانت المتجددة متممة للنصاب الثاني بعد إخراج ما وجب في الأول كما
لو ولدت ثلاثون من البقر أحد عشر ففيه أوجه: سقوط اعتبار الأول، واعتبار
الجميع نصابا واحدا من الزمان الثاني، ووجوب زكاة كل منهما عند تمام حوله،
واعتبار حول المجموع بعد انتهاء حول الأول، ولعل الأخير أقرب.
الثالث: أن لا تكون عوامل، والخلاف الذي مر في اعتبار استمرار السوم
وعدمه جار هاهنا.
الرابع: النصاب، وهو في الإبل اثنا عشر، خمس وفيه شاة، ثم عشر وفيه
شاتان، ثم خمس عشرة وفيه ثلاث شياه، ثم عشرون وفيه أربع، ثم خمس
وعشرون وفيه خمس، ثم ست وعشرون وفيه بنت مخاض، ثم ست وثلاثون وفيه
بنت لبون، ثم ست وأربعون وفيه حقة، ثم إحدى وستون وفيه جذعة، ثم ست
وسبعون وفيه بنتا لبون، ثم إحدى وتسعون وفيه حقتان، ثم مائة وإحدى
وعشرون ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون وهكذا دائما على
الأشهر الأقرب، ولا خلاف في اعتبار هذه النصب إلا في مواضع:
فمنها: النصاب الخامس، ففيه خلاف لابن الجنيد وابن أبي عقيل (2).
ومنها: النصاب السادس، فقد خالف فيه ابن أبي عقيل، حيث أسقطه وأوجب

(1) المعتبر 2: 509.
(2) نقله في المختلف 3: 169.
174

بنت مخاض في خمس وعشرين إلى ست وثلاثين (1).
ومنها: النصاب الأخير، ففيه خلاف للمرتضى (رحمه الله) (2). وأكثر علمائنا لم يوجبوا
في إحدى وثمانين شيئا سوى نصاب ست وسبعين.
وعن ابني بابويه: إذا بلغت خمسا وأربعين فزادت واحدة ففيها حقة إلى أن
تبلغ ستين، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى ثمانين، فإن زادت واحدة ففيها
ثني (3) والأول أقرب.
وذكر الشهيد الثاني أن التقدير بالأربعين والخمسين ليس على وجه التخيير
مطلقا، بل يجب التقدير بما يحصل به الاستيعاب، فإن أمكن بهما تخير، وإن لم
يمكن بهما وجب اعتبار أكثرهما استيعابا مراعاة لحق الفقراء، ولو لم يمكن إلا
بهما وجب الجمع، فعلى هذا يجب تقدير أول هذا النصاب وهو المائة وإحدى
وعشرين بالأربعين، والمائة والخمسين بالخمسين، والمائة وسبعين بهما ويتخير
في المائتين، وفي الأربعمائة يتخير بين اعتباره بهما وبكل واحدة منهما (4).
وذهب في فوائد القواعد إلى التخيير في التقدير بكل من العددين مطلقا
ونسبه إلى ظاهر الأصحاب (5). والأول هو الأشهر بين الأصحاب، وهو أحوط.
والمشهور أن في البقر نصابين: ثلاثون وفيه تبيع أو تبيعة، ثم أربعون وفيه
مسنة، ثم ليس في الزائد شيء حتى تبلغ ستين، فإذا بلغت ذلك ففيها تبيعان أو
تبيعتان إلى سبعين، ففيها تبيع أو تبيعة ومسنة، فإذا زادت ففي كل ثلاثين تبيع أو
تبيعة، وفي كل أربعين مسنة.
وقال ابن أبي عقيل وعلي بن بابويه: في ثلاثين تبيع حولي ولم يذكرا
التبيعة (6). والرواية تساعدهما (7). لكن المحقق في المعتبر نقل الرواية على وجه

(1) نقله في المختلف 3: 169.
(2) الانتصار: 81.
(3) الهداية: 42، وحكاه في المختلف 3: 174.
(4) المسالك 1: 365.
(5) فوائد القواعد: 246.
(6) حكاه عنهما في المختلف 3: 178.
(7) الوسائل 6: 77، الباب 4 من أبواب زكاة الأنعام، ح 1.
175

توافق المشهور (1).
وفي الغنم خمس نصب: أربعون وفيه شاة. وقال ابن بابويه: فإذا بلغت أربعين
وزادت واحدة ففيها شاة (2). والأول أقرب، ثم مائة وإحدى وعشرون وفيه
شاتان، ثم مائتان وواحدة وفيه ثلاث شياه، ثم ثلاثمائة وواحدة وفيه أربع شياه،
ثم أربعمائة ففي كل مائة شاة هكذا دائما، وهذا أشهر وأقرب.
وذهب جماعة من الأصحاب إلى أنه إذا بلغت الشياه ثلاثمائة وواحدة ففي
كل مائة شاة ففيها ثلاث شياه، ولا يتغير الفريضة من مائتين وواحدة حتى تبلغ
أربعمائة (3). والمشهور أنه تظهر الفائدة في الوجوب والضمان. وفيه نظر ذكرته في
الذخيرة (4) وما بين النصابين لا زكاة فيه.
تذنيب: قد جرت عادة الفقهاء بتسمية ما بين النصابين في الإبل شنقا، وفي
البقر وقصا، وفي الغنم عفوا. وبنت المخاض في الإبل والتبيع والتبيعة في البقر ما
دخلت في الثانية، وبنت اللبون والمسنة ما دخلت في الثالثة، والحقة ما دخلت في
الرابعة، والجذعة ما دخلت في الخامسة.
والمشهور بين الأصحاب أن الشاة المأخوذة في الزكاة أقلها الجذع من
الضأن والثني من المعز حتى نقل الشيخ في الخلاف إجماع الفرقة عليه (5)
ومستندهم ضعيف.
ونقل المحقق قولا بأن المعتبر ما يسمى شاة (6). ويدل عليه إطلاق قوله (عليه السلام):
فإذا كانت خمسا ففيها شاة، وفي خمس قلاص شاة، وفي أربعين شاة شاة (7).
وقد صرح العلامة ومن تبعه من المتأخرين عنه بأن الجذع ما كمل له سبعة

(1) المعتبر 2: 502.
(2) الفقيه 2: 26 ذيل الحديث 1607.
(3) المقنعة: 238، جمل العلم والعمل (المجموعة الثالثة): 77، المقنع: 50، السرائر 1: 451.
(4) الذخيرة: 435 س 38.
(5) الخلاف 2: 24، المسألة 20.
(6) الشرائع 1: 147.
(7) الوسائل 6: 72، 78، الباب 2، 6 من أبواب زكاة الأنعام، ح 1، 2، 1.
176

أشهر، والثني ما كمل له سنة ودخل في الثانية (1). وفيه مخالفة لكلام كثير من أهل
اللغة في تفسير الجذع.
وأما المعز فمقتضى كلام الشيخ في المبسوط والعلامة في المنتهى والتذكرة أن
الثني من المعز ما دخل في الثالثة (2). وهو موافق لتفسير أكثر أهل اللغة.
ولا تؤخذ المريضة من الصحاح ولا الهرمة ولا ذات العوار إذا كان في
النصاب فتى أو سليم من العوار، وفي الرواية: إلا أن يشاء المصدق (3) ولا يؤخذ
الوالد، وعبره جماعة بالربى، وغياه العلامة بخمسة عشر يوما (4). ونقل الفاضلان
القول بالتحديد إلى خمسين (5). وفي النهاية الضابط استغناء الولد (6).
وفي الكافي في حديث معتبر عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال ليس في الأكولة
ولا في الربى التي تربي اثنين ولا شاة لبن ولا فحل الغنم صدقة (7). والمستفاد منه
تفسير الربى بالتي تربي اثنين، لكن هذه الرواية مذكورة في الفقيه بإسناد صحيح
وفيه: ولا في الربي التي تربي اثنين (8) ولعله أقرب إلى الصحة، لأن تفسير الربي
بذلك خلاف ما ذكره أهل اللغة.
وهل تعد الأكولة وفحل الضراب ظاهر الأكثر ذلك، وذهب جماعة منهم إلى
العدم (9) والأول أحوط، ويجزي الذكر والانثى على الأقرب.
وقال الشيخ في الخلاف من كان عنده أربعون شاة انثى اخذ منه انثى، وإن
كانت ذكورا كان مخيرا بين إعطاء الذكر والانثى (10) وجوز العلامة في المختلف

(1) المنتهى 1: 491 س 5، القواعد 1: 338، الروضة 2: 27، الدروس 1: 235، التنقيح 1:
305.
(2) المبسوط 1: 199، المنتهى 1: 491 س 1، التذكرة 5: 106.
(3) التهذيب 4: 25، ح 59.
(4) المنتهى 1: 485 س 22.
(5) المعتبر 2: 514، المنتهى 1: 485 س 22.
(6) نهاية الإحكام 2: 332.
(7) الكافي 3: 535، ح 2.
(8) الفقيه 2: 28، ح 1608.
(9) المختصر: 56، اللمعة: 22.
(10) الخلاف 2: 25، المسألة 22.
177

إخراج الذكر عن الإناث مع مساواة القيمة لا مطلقا (1).
وإذا تعدد السن الواجب في المال كان الخيار في التعيين للمالك على
الأقرب، وذهب جماعة منهم إلى استعمال القرعة عند التشاح (2). ونقل القول
باستعمال القرعة من غير تقييد بالتشاح أيضا (3).
وإذا وجب عليه بنت مخاض ولم يكن عنده وكان عنده ابن لبون أجزأ عنها،
وظاهر بعضهم إجزاؤه عنها مطلقا. ونقل الشهيد الثاني قولا بذلك (4). وهو ضعيف،
ولو لم يوجد عنده تخير في ابتياع أيهما شاء، وظاهر الفاضلين أنه موضع وفاق (5)
ويظهر من كلام بعضهم وجود القول بتعيين شراء بنت المخاض (6).
ولو وجب عليه سن من الإبل ولم يوجد عنده إلا الأعلى بسن دفعها واستعاد
شاتين أو عشرين درهما، وبالعكس إذا وجب عليه سن ولم يوجد عنده إلا
الأدون بسن يدفع معها شاتين أو عشرين درهما، ومقتضى الرواية انحصار
الجبران في الشاتين أو العشرين درهما (7). واكتفى العلامة في التذكرة والشهيد
الثاني بشاة وعشرة دراهم (8). وفيه تعد عن المنصوص من غير حجة.
والخيار في دفع الأعلى أو الأدنى وفي الجبر بالشاتين أو الدراهم إلى
المالك، سواء كانت قيمة السوقية أقل أو أكثر، لإطلاق الرواية.
ولو كان التفاوت بأكثر من سن فالأشهر الأقرب القيمة، وللشيخ قول بجواز
الانتقال إلى الأعلى أو الأدنى مع تضاعف الجبران (9). وكذا يعتبر القيمة فيما عدا
الإبل وفيما زاد على الجذع من أسنان الإبل، ويتخير في مثل مائتين بين إخراج
الحقاق وبنات اللبون، ولعل الأقرب أن الاختيار للمالك، وذهب الشيخ في

(1) المختلف 3: 258.
(2) المبسوط 1: 195.
(3) نقله صاحب الشرائع 1: 147.
(4) المسالك 1: 374.
(5) المعتبر 2: 515، المنتهى 1: 484 س 18.
(6) البيان: 173.
(7) الوسائل 6: 87، الباب 13 من أبواب زكاة الأنعام، ح 1 و 2.
(8) التذكرة 5: 69، المسالك 1: 375.
(9) المبسوط 1: 194.
178

الخلاف إلى أن الاختيار للساعي (1).
الفصل الثاني في زكاة النقدين
تجب الزكاة في الذهب والفضة بشروط ثلاثة:
الأول: الحول على ما تقدم.
الثاني: كونه منقوشا بسكة المعاملة بالفعل أو سابقا، فلو جرت المعاملة
بالسبائك فليس فيها زكاة.
الثالث: النصاب، وهو في الذهب عشرون مثقالا، وفيه نصف مثقال على
الأشهر الأقرب، وذهب علي بن بابويه إلى أنه لا زكاة في الذهب حتى يبلغ
أربعين دينارا، وفيه دينار (2) ثم النصاب الثاني في الذهب أربعة، وفيه قيراطان،
وهكذا دائما على الأشهر الأقرب، وفيه خلاف لعلي بن بابويه أيضا (3).
والنصاب في الفضة مائتا درهم، وفيه خمسة دراهم، ثم أربعون وفيه درهم،
وهكذا دائما. ولا زكاة في الناقص عن النصب. والدرهم ستة دوانيق، والدانق على
ما حكم به جماعة من الأصحاب ثماني حبات من أوسط حبات الشعير، والعشرة
من الدراهم سبعة مثاقيل، ومقتضى بعض الروايات الضعيفة أن وزن الدانق اثنتا
عشرة حبة (4).
ولو نقص النصاب في أثناء الحول أو عاوض بجنسها أو بغيره أو أقرضها أو
بعضها مما يتم به النصاب أو جعله حليا سقطت وإن كان فرارا، وفيه خلاف
كما سبق.

(1) الخلاف 2: 14، المسألة 8.
(2) حكاه عنه في المختلف 3: 182. وفيه: ليس فيه شيء حتى يبلغ أربعين مثقالا وفيه مثقال.
(3) راجع المختلف 3: 184.
(4) الوسائل 1: 338، الباب 50 من أبواب الوضوء، ح 3.
179

ولا زكاة في الحلي ولا في السبائك ولا النقار ولا التبر (1) على الأشهر
الأقرب، وذهب جماعة من الأصحاب إلى وجوب الزكاة في سبائك الذهب
والفضة إذا قصد بها الفرار (2).
ولا يخرج المغشوشة عن الصافية، ولا زكاة في المغشوشة حتى يبلغ الصافي
نصابا، ولو كان معه دراهم مغشوشة بذهب وبلغ كل منهما نصابا وجبت عليه الزكاة
في كل منهما على ما صرح به العلامة في المنتهى (3).
ولو جهل بلوغ الصافي نصابا لم يجب عليه التصفية، وإن جهل القدر ولم
يتطوع المالك وماكس قال الشيخ: الزم تصفيتها (4). واستوجه المحقق في المعتبر (5)
والعلامة في عدة من كتبه (6) الاكتفاء بإخراج القدر المتيقن. وهو غير بعيد.
الفصل الثالث في زكاة الغلات
وإنما يجب الزكاة في الغلات الأربع دون غيرها من الأجناس على ما سبق،
وإنما يجب إذا ملكت بالزراعة إذا كان حصولها في ملكه قبل الوقت الذي يتعلق
الزكاة فيه - لا بالابتياع والهبة والإرث ونحوها - إذا بلغت النصاب وهو خمسة
أوسق في كل واحد منها.
والوسق ستون صاعا، والصاع أربعة أمداد، والمد رطلان وربع بالعراقي على
الأشهر الأقرب، ونقل عن ابن أبي نصر أن المد رطل وربع (7).

(1) السبائك: القطعة من الذهب أو الفضة ذوبت وافرغت في قالب. النقار: القطعة المذابة من
الذهب والفضة. التبر: ما كان من الذهب غير مضروب أو غير مصوغ.
(2) المبسوط 1: 210، المقنع: 51، جمل العلم والعمل (المجموعة الثالثة): 75، المهذب 1:
159.
(3) المنتهى 1: 494 س 23.
(4) المبسوط 1: 210.
(5) المعتبر 2: 525.
(6) التذكرة 5: 127، المنتهى 1: 494 س 22، التحرير 1: 62 س 19.
(7) حكاه صاحب المعتبر 2: 533.
180

واختلف الأصحاب في مقدار الرطل العراقي، فذهب الأكثر إلى أن وزنه مائة
وثلاثون درهما أحد وتسعون مثقالا، وقال العلامة في التحرير: إن وزنه مائة
وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم تسعون مثقالا (1) والأول أقرب.
وفيه العشر إن سقي سيحا أي بالماء الجاري، أو بعلا، والبعل النخل الذي
يشرب بعروقه، أو عذيا، قال الجوهري: العذي بالتسكين: الزرع لا يسقيه إلا ماء
المطر (2). ونصف العشر إن سقي بالغرب أي الدلو الكبير والدوالي.
ومناط الفرق بين وجوب العشر ونصفه على ما يستفاد من الروايات احتياج
الماء في ترقيته إلى الأرض إلى آلة من دولاب ومثله وعدمه، ولا عبرة بغير ذلك
من الأعمال كحفر الأنهار والسواقي وإن كثرت مؤنتها ولو سقى بهما اعتبر الأغلب.
وهل الاعتبار بالأكثر زمانا أو عددا أو نفعا؟ فيه أوجه، وإن تساويا قسط،
ولو لم يعلم الأغلب فيحتمل إلحاقه بالتساوي ويحتمل العشر، ولعل الترجيح للأول.
واختلف الأصحاب في استثناء المؤن فقال الشيخ في المبسوط والخلاف المؤن
كلها على رب المال دون الفقراء. ونسبه في الخلاف إلى جميع الفقهاء إلا عطاء (3).
ونقل عن جامع يحيى بن سعيد أنه قال: والمؤنة على رب المال دون
المساكين إجماعا إلا عطاء فإنه جعلها بينه وبين المساكين، ويزكى ما خرج من
النصاب بعد حق السلطان (4). واختاره جماعة من المتأخرين منهم الشهيد الثاني
في فوائد القواعد، فإنه ذكر أنه لا دليل على استثناء المؤن سوى الشهرة، وقال: إن
إثبات الحكم الشرعي بمجرد الشهرة مجازفة (5).
وقال الشيخ في النهاية باستثناء المؤن كلها (6). وهو قول كثير من الأصحاب،
ونسبه في المنتهى إلى أكثر الأصحاب (7). والأول أقرب، والمستفاد من النصوص

(1) التحرير 1: 62 السطر الأخير.
(2) الصحاح 6: 2423 مادة (عذا).
(3) المبسوط 1: 217، الخلاف 2: 67، المسألة 78.
(4) الجامع: 134.
(5) فوائد القواعد: 250 - 251.
(6) النهاية 1: 426.
(7) المنتهى 1: 500 س 1.
181

وجوب الزكاة في جميع ما يخرج من الأرض بعد المقاسمة (1) فالتعويل عليه.
وعلى القول باستثناء المؤنة فهل يعتبر بعد النصاب فيزكى الباقي منه بعد
إخراج المؤنة، أو قبله فلا تجب الزكاة لو لم يبلغ الباقي بعد إخراج المؤنة نصابا، أم
يعتبر ما سبق على تعلق الوجوب كالسقي والحرث قبله وما تأخر كالحصاد
والجذاذ بعده؟ فيه أوجه، ذهب العلامة في التذكرة إلى الأول وفي المنتهى
والتحرير إلى الثاني (2). واستوجه الشهيد الثاني الثالث (3). ولعل الأقرب الأول.
ثم يجب في الزائد عن النصاب مطلقا وإن قل من غير اعتبار نصاب آخر. ولا
يجب بعد إخراج الزكاة مرة زكاة اخرى وإن بقي أحوالا، بخلاف باقي النصب.
ويضم الثمار في البلاد المختلفة وإن اختلف في الإدراك، ويضم الطلع الثاني
إلى الأول فيما يطلع مرتين في السنة على الأشهر الأقرب، خلافا للشيخ في
المبسوط (4).
ولو اشترى ثمرة قبل البدو فالزكاة على المشتري، وبعده على البائع.
ويجزي الرطب والعنب عن مثله لا عن التمر والزبيب، ولا يجزي المعيب عن
الصحيح.
ولو مات المديون بعد تعلق الوجوب إما ببدو الصلاح كما هو أحد القولين، أو
بصدق الاسم كما هو القول الآخر وجب إخراج الزكاة من أصل المال، ولو ضاقت
التركة عن الدين فالأكثر على وجوب تقديم الزكاة، فمنهم من أطلق (5) ومنهم من
قيده بما إذا كانت العين موجودة بناء على تعلق الزكاة بالعين (6). وقيل: يجب
التحاص بين أرباب الزكاة والديان. وإليه ذهب الشيخ (7) وهو مبني على أن الزكاة

(1) الوسائل 6: 129، الباب 7 من أبواب زكاة الغلات، ح 1.
(2) التذكرة 5: 153، المنتهى 1: 500 س 9، التحرير 1: 63 س 28.
(3) المسالك 1: 393.
(4) المبسوط 1: 251.
(5) المسالك 1: 398.
(6) المدارك 5: 157.
(7) المبسوط 1: 219.
182

هل تتعلق بالعين على سبيل الشركة أو تتعلق بالذمة، فعلى الأول اتجه القول
بتقديمها مع التقييد المذكور، وعلى الثاني الثاني مع التأمل فيه.
ولو مات قبل زمان تعلق الوجوب ففيه تفاصيل ذكرناها في الذخيرة.
ولو بلغت حصة عامل المزارعة والمساقاة نصابا وجبت الزكاة عليه وكذا
المالك على الأشهر الأقرب، ونقل في التذكرة الإجماع عليه (1).
ونقل الشهيد عن ابن زهرة أنه أسقط الزكاة عن العامل إن كان البذر من مالك
الأرض، وإلا فعلى العامل ولا زكاة على مالك الأرض، فإن الحصة كالاجرة ورد
بحصول الملك قبل بدو الصلاح، فيجب عليه كباقي الصور (2). وهو جيد.
ولو آجر الأرض بغلة فالزكاة على المستأجر عند تحقق شرائط الوجوب
دون الموجر، لعدم التملك بالزراعة، وأسنده العلامة في التذكرة والمنتهى إلى
علمائنا مؤذنا بدعوى اتفاقهم عليه (3).
ويجوز الخرص في التمر والزبيب بشرط السلامة، واختلفوا في جواز
الخرص في الزرع، فأثبته جماعة من الأصحاب ونفاه آخرون، ويمكن استقراب
القول الأول.
فروع:
الأول: قال في المعتبر والمنتهى وغيرهما: وقت الخرص بدو الصلاح، لأنه
وقت الأمن من الجائحة وذهاب الثمار (4).
الثاني: قالوا: يجزي خارص واحد، لأن الأمانة معتبرة فيه، فلا يتطرق إليه
التهمة، ولأن النبي (صلى الله عليه وآله) اقتصر على الواحد (5).
الثالث: قال العلامة: يعتبر كون الخارص أمينا، لعدم الوثوق بقول الفاسق، ولو
كانا اثنين كان أفضل (6).

(1) التذكرة 5: 149.
(2) البيان: 179.
(3) التذكرة 5: 149، المنتهى 1: 502 س 10.
(4) المعتبر 2: 535، المنتهى 1: 500 س 27.
(5) سنن البيهقي 4: 123.
(6) المنتهى 1: 500 س 33.
183

الفصل الرابع في بعض اللواحق
المشهور بين الأصحاب أن الزكاة تجب في العين لا في الذمة، سواء كان
المال حيوانا أو غلة أو ثمارا وفي المنتهى أنه قول علمائنا أجمع (1) وحكى الشهيد
عن ابن حمزة أنه نقل عن بعض الأصحاب الوجوب في الذمة (2). واحتمل في
البيان أن يكون تعلقها في نصب الإبل الخمسة بالذمة، لأن الواجب ليس من جنس
العين بخلاف البواقي.
قال في البيان بعد أن حكم بوجوبها في العين: وفي كيفية تعلقها بالعين
وجهان، أحدهما: أنه بطريق الاستحقاق فالفقير شريك، وثانيهما: أنه استيثاق
فيحتمل أنه كالرهن، ويحتمل أنه كتعلق أرش الجناية بالعبد (3) وهذه المسألة لا
تخلو عن إشكال.
ونقل جماعة من الأصحاب الإجماع على جواز إعطاء الفريضة من غير
النصاب وإن اشتمل عليها، فمنهم من أطلق ومنهم من نسب المخالفة إلى الشاذ (4).
والمشهور جواز إخراج القيمة في الزكاة عن الذهب والفضة والغلات حتى
قال في المعتبر: إنه قول علمائنا أجمع (5). والأصل فيه صحيحتا علي بن جعفر
والبرقي (6).
والمستفاد من الخبر الأول جواز إعطاء الدنانير عن الدراهم بالقيمة وجواز
إعطاء الدراهم عن الدنانير بالقيمة.
والمستفاد من الثاني جواز إعطاء الدراهم بالقيمة عن الحنطة والشعير
والذهب، ولا يدلان على جواز إعطاء كل جنس بقيمة الواجب كما هو المستفاد

(1) المنتهى 1: 505 س 19.
(2) البيان: 186.
(3) البيان: 187 س 4.
(4) المدارك 5: 98، ولم نعثر على من نسب المخالفة إلى الشذوذ.
(5) المعتبر 2: 516.
(6) الوسائل 6: 114، الباب 14 من أبواب زكاة الذهب والفضة، ح 1، 2.
184

من كلام الأصحاب، والوجه الوقوف على مقتضى النص.
وأما إخراج القيمة في زكاة الأنعام فقد اختلف فيه الأصحاب فالمشهور
الجواز، خلافا للمفيد (رحمه الله)، فإنه حكم بعدم الجواز إلا أن يعدم الأسنان المخصوصة
في الزكاة (1). ويفهم من المعتبر الميل إليه (2). وهو المتجه.
وكل موضع سوغنا إخراج القيمة فالظاهر أن المعتبر وقت الإخراج، لأنه
وقت الانتقال إليها.
ولو حال على النصاب أحوال وكان يخرج من غيره تعددت الزكاة، ولو لم
يخرج الفريضة من غيره أخرج عن سنة لا غير، بناء على القول بأن الزكاة متعلقة
بالعين تعلق شركة، أو تعلق رهانة إن قلنا بعدم تعلق الزكاة بالمرهون، ومن أوجب
الزكاة في الذمة يحكم بتعدد الزكاة هاهنا كما صرح به العلامة (3).
ولو كان المال أكثر من نصاب تعددت ويجبر من الزائد في كل سنة حتى
ينقص النصاب.
والجاموس والبقر جنس واحد، وكذا الضأن والمعز والبخاتي والعراب،
ويخرج المالك من أيهما شاء، سواء تساوت قيمتها أو اختلفت على الأشهر
الأقرب، واعتبر الشهيدان التقسيط مع اختلاف القيمة (4) ولا زكاة لو نقصت
الأجناس وإن زاد مع الانضمام.
الفصل الخامس فيما يستحب فيه الزكاة، وهو أقسام
الأول: مال التجارة على الأشهر الأقرب، وقيل بالوجوب (5) وهو ما ملك بعقد
معاوضة للاكتساب عند التملك ويعتبر نية الاكتساب طول الحول وهل يعتبر

(1) المقنعة: 253.
(2) المعتبر 2: 517.
(3) الإرشاد 1: 284.
(4) الدروس 1: 234، المسالك 1: 380.
(5) المقنع: 52.
185

مقارنة هذه النية للتملك؟ قيل: نعم (1). وهو المشهور بين الأصحاب. وقيل: لو نوى
بمال القنية التجارة تدور في الحول بالنية وهو المنقول عن جماعة من الأصحاب
منهم المحقق والشهيدان (2). وعندي فيه تردد.
ولا أعرف خلافا بينهم في أنه إنما بلغت قيمته بأحد النقدين نصابا، ولا يعتبر
نصاب غيرهما من الأموال، ويعتبر وجود النصاب طول الحول.
وهل يشترط في الزيادة على النصاب بلوغه النصاب الثاني؟ فيه قولان.
ويشترط في الاستحباب أيضا الطلب برأس المال أو الربح طول الحول، فلو
نقص رأس ماله في أثناء الحول أو طلب بنقيصة ولو حبة سقط الاستحباب، وكذا
لو نوى القنية في الأثناء، ولو كان رأس المال أقل من نصاب استأنف عند البلوغ،
ولو ملك الزكوي للتجارة وجبت المالية، ولو عاوض الزكوي بمثله للتجارة
استأنف الحول للمالية.
الثاني: كل ما ينبت من الأرض مما يدخل المكيال والميزان غير الأربعة التي
يجب فيها الزكاة يستحب فيه الزكاة إذا حصلت فيه الشرائط المعتبرة في الأصناف
الأربعة على الأشهر الأقرب.
الثالث: الخيل الإناث السائمة مع الحول، يستحب عن كل فرس عتيق - وهو
الذي أبواه عربيان كريمان - ديناران، وعن كل فرس برذون - وهو خلاف العتيق -
دينار.
الرابع: الحلي المحرم عند جماعة من الأصحاب، ومستنده غير واضح.
الخامس: المال الغائب والمدفون إذا عاد بعد أحوال يستحب فيه زكاة سنة.
السادس: العقار المتخذ للنماء تخرج الزكاة من حاصله استحبابا
عند الأصحاب، ولم أطلع على دليل عليه، وفي اشتراط الحول والنصاب
فيه قولان.

(1) الشرائع 1: 156.
(2) المعتبر 1: 548، الدروس 1: 238، المسالك 1: 400.
186

المقصد الثالث
في أصناف المستحقين
يستحق الزكاة ثمانية أصناف:
الفقراء والمساكين: والحد الشامل للفقير والمسكين عدم الغنى، فإذا تحقق
ذلك استحق صاحبه الزكاة.
واختلف الأصحاب فيما يتحقق به الغنى المانع من استحقاق الزكاة، فقيل:
الغني من ملك نصابا يجب فيه الزكاة أو قيمته (1). وقيل: من ملك عشرين ذهبا (2).
وقيل: من ملك قوت السنة له ولعياله أو قدر على التكسب على قدر الكفاية له
ولهم طول السنة (3). والأقرب أنه إن كان له مال يتجر به أو ضيعة يستغلها وكفاه
الربح أو الغلة له ولعياله لم يجز له أخذ الزكاة، وإن لم يكفه جاز، ولا يكلف الإنفاق
من رأس المال وإن كان كافيا لمؤنة سنته، وكذا لا يكلف الإنفاق من ثمن الضيعة
وإن لم يكن كذلك، فالظاهر أن المعتبر في الفقير قصور أمواله وكسبه عن مؤنة
السنة له ولعياله.
الصنف الثالث من المستحقين للزكاة: العاملون عليها أي الساعون في
جبايتها وتحصيلها بأخذ وكتابة وحساب وحفظ وقسمة ونحو ذلك.
الرابع: المؤلفة قلوبهم، واختلف الأصحاب في اختصاص التأليف بالكفار أو
شموله للمسلمين، فمنهم من خصه بالأول (4). ومنهم من ذهب إلى الثاني (5). ويظهر
من كلام ابن الجنيد اختصاصه بالمنافق (6). وفي المسألة قول باختصاصه بالكافر
المقاتل (7).

(1) الخلاف 2: 146، المسألة 183. (2) نقله عن بعض الأصحاب في السرائر 1: 462.
(3) المدارك 5: 194.
(4) المبسوط 1: 249، الإرشاد 1: 286، الشرائع 1: 161.
(5) السرائر 1: 457 وقد نسبه إلى المفيد.
(6) كما في المختلف 3: 200.
(7) الإيضاح 1: 195.
187

واختلفوا في سقوط سهم المؤلفة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) فقيل: يسقط (1) وقيل: لا (2)
وقيل: يسقط في زمان غيبة الإمام (عليه السلام) دون حضوره (3).
الخامس: في الرقاب، وهم المكاتبون والعبيد تحت الشدة أو في غير الشدة
مع عدم المستحق، واختلفوا في جواز الإعتاق من الزكاة مطلقا من غير اعتبار
القيدين السابقين وشراء الأب منها، والأقرب الجواز، ومن وجبت عليه كفارة
العتق ولم توجد فهل يجوز أن يعتق عنه من الزكاة؟ فيه قولان.
السادس: الغارمون، وفسرهم الأصحاب بالمدينون في غير معصية، ولا ريب
في كون المراد بالمديون الغارم، وأما التقييد بكون الدين في غير معصية فهو
مذهب الأصحاب استنادا إلى روايتين لا يبعد الاكتفاء بهما لاعتضادهما بالشهرة،
لكن يعارضهما إطلاق الآية.
وقال المحقق في المعتبر: لو تاب فاعطي من سهم الغارمين لم أمنع منه (4).
والكلام في جواز أخذه من حصة الغارم، فلو كان فقيرا وأخذ من حصة الفقراء
وصرفها في دينه فالظاهر أنه لا كلام في جوازه.
واعتبر في المعتبر والمنتهى والبيان التوبة (5). وكأنه مبني على اشتراط العدالة.
وصرح جماعة من الأصحاب منهم الشهيدان أنه يعتبر في الغارم أن يكون
غير متمكن من قضاء دينه (6).
واستقرب العلامة في النهاية جواز الدفع إلى المديون وإن كان عنده ما يفي
بدينه إذا كان بحيث لو دفعه يصير فقيرا (7). وهو حسن، لعموم الآية. ويجوز أن
يعطى من سهم الغريم من جهل أنه اعطى في الطاعة أو المعصية.
واعلم أن الأصحاب قسموا الغارم قسمين، أحدهما: المديون لمصلحة نفسه،

(1) الفقيه 2: 6.
(2) المعتبر 2: 573، المنتهى 1: 520 س 15.
(3) النهاية 1: 434.
(4) المعتبر 2: 575.
(5) المعتبر 2: 575، المنتهى 1: 521 س 12، البيان: 195.
(6) الدروس 1: 241، المسالك 1: 417.
(7) نهاية الإحكام 2: 391.
188

والثاني: الغارم لإصلاح ذات البين، واعتبروا في الأول الفقر دون الثاني، ولم
أعرف دليلا واضحا عليه.
السابع: في سبيل الله، ولا خلاف بين العلماء في أن لسبيل الله سهما من الزكاة
والأشهر الأقرب أنه يدخل فيه الغزاة، ومعونة الحاج، وقضاء الدين عن الحي
والميت، وبناء القناطر، وجميع سبل الخير والمصالح، وخصه جماعة من
الأصحاب بالجهاد (1) وقيل: غير ذلك.
الثامن: ابن السبيل، واختلف الأصحاب في معنى ابن السبيل، فعن المفيد
أنهم المنقطع بهم في الأسفار. وقد جاءت رواية أنهم الأضياف يراد بهم من اضيف
لحاجته إلى ذلك وإن كان له في موضع آخر غنى ويسار (2). ونحوه قال ابن زهرة
والشيخ في النهاية لكنه أسند أمر الضيف إلى قيل (3).
وقال الشيخ في المبسوط: ابن السبيل هو المجتاز المنقطع به، وقد روي أن
الضيف داخل فيه (4). وقد قيل في المسألة: غير ذلك، والخلاف في موضعين:
الأول: هل يدخل في ابن السبيل المنشئ للسفر من بلده يعني مريد السفر
منه؟ المشهور بين الأصحاب العدم خلافا لابن الجنيد (5).
الثاني: ظاهر الأكثر أن الضيف داخل في المعنى الذي ذكر لابن السبيل،
وظاهر بعض عباراتهم غير ذلك، والمشهور اعتبار الحاجة والسفر في الضيف،
ويحكى عن بعض الفقهاء أنه ذكر في بعض قيوده عدم اشتراط الفقر والغربة فيه (6)
وقال العلامة: ولم يذكر ابن الجنيد الضيف وهو الأقوى عندي، لنا أن الضيف إذا
كان مسافرا محتاجا دخل تحت ابن السبيل وإلا فلا (7). وهو حسن.
ويعتبر في ابن السبيل الحاجة في السفر وإن كان غنيا في بلده. وهل يعتبر

(1) النهاية 1: 434، المقنعة: 241.
(2) المقنعة: 241.
(3) الغنية: 124، النهاية 1: 434.
(4) المبسوط 1: 252.
(5) نقله في المختلف 3: 205.
(6) لم نعثر عليه.
(7) المختلف 3: 204.
189

العجز عن التصرف في أمواله ببيع ونحوه؟ قيل: نعم (1). وقيل: لا (2). وفي اعتبار
العجز عن الاستدانة وجهان: أقربهما العدم.
ويشترط إباحة سفره عندهم لا أعلم فيه خلافا بينهم، وهل يكفي مجرد
الإباحة في جواز الإعطاء من سهمهم؟ المشهور نعم، وظاهر ابن الجنيد أنه لابد
من كون السفر واجبا أو مندوبا (3). والمسألة محل تردد ولا يبعد ترجيح المشهور.
والظاهر أنه لا يمنع نية إقامة العشرة كما قاله العلامة وابن إدريس (4) لعدم
زوال صدق الاسم لغة وعرفا، خلافا للشيخ (5) ولا يبعد جواز الدفع إليه في حال
الإقامة وإن لم يكن مريدا للسفر ما دام يصدق عليه اسم المسافر عرفا. وظاهر
الرواية أنه يعطى مؤنة العود إلى بلده (6).
وقال العلامة في التحرير: يعطى ما يكفيه لذهابه وعوده إن قصد غير بلده، وما
يكفيه لوصوله إلى بلده إن قصده (7). ويمكن أن يقال: إن أراد قضاء الحاجة التي
قصدها في سفر ببلد آخر ثم العود إلى بلده فمؤنة ذلك في قوة الرد إلى بلده عرفا.
وظاهر الرواية أنه لا يعطى من سهم ابن السبيل لو أراد الإقامة في غير بلده
لطلب علم أو حاجة اخرى وإن كانت واجبة، ويحكى عن بعضهم القول بجواز
إعطائه لذلك (8).
ويشترط في المستحقين الإيمان إلا المؤلفة، وهل يعطى غير أهل الولاية إذا
لم يوجد لها مستحق من أهل الولاية؟ فيه قولان، أقربهما العدم كما هو مختار
الفاضلين (9).
والأقرب أنه لا يشترط العدالة كما هو رأي جمهور المتأخرين وهو المنقول

(1) المدارك 5: 236.
(2) المعتبر 2: 578.
(3) نقله عنه المختلف 3: 205.
(4) المختلف 3: 206، السرائر 1: 458.
(5) المبسوط 1: 257.
(6) الوسائل 6: 145، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، ح 7.
(7) التحرير 1: 69 س 14.
(8) لم نعثر عليه.
(9) المعتبر 2: 580، المنتهى 1: 523 س 4.
190

عن الصدوقين وسلار (1) واشترط جماعة من الأصحاب منهم المرتضى العدالة (2).
واشترط المفيد كونه عارفا تقيا (3). وفي الرسالة العزية عارفا عفيفا (4). ومنع ابن
الجنيد من إعطاء شارب الخمر أو مقيم على كبيرة (5). واعتبر جماعة مجانبة
الكبائر دون الصغائر (6).
ويعطى أطفال المؤمنين دون غيرهم من الكفار والمخالفين ويدفع إلى وليه،
فإن لم يكن له ولي جاز أن يدفع إلى من يقوم بأمره ويعتني بحاله كما صرح به
العلامة (7). ولا يبعد اشتراط الأمانة في من يدفع إليه، وحكم المجنون حكم الطفل،
وفسق آبائهم غير مانع من جواز الدفع إليهم. ولو أعطى المخالف مثله أعاد
عند الاستبصار.
ويشترط في المستحق أن لا يكون واجب النفقة على المالك كالأبوين وإن
علوا والأولاد وإن نزلوا والزوجة والمملوك من سهم الفقراء.
فروع:
الأول: استقرب الشهيد في الدروس جواز صرف الزكاة في توسعتهم (8). وفيه
نظر، نعم إن كان عاجزا عن تحصيل ما يوجب توسعتهم جاز صرفها فيها.
الثاني: الأقرب فيما عدا الزوجة والمملوك ممن وجبت نفقته على غيره جواز
أخذ الزكاة من غير من وجبت نفقته عليه كما في المنتهى والدروس (9). وقطع في
التذكرة بعدم الجواز (10).

(1) المقنع: 52، وحكاه عن علي بن بابويه في المختلف 3: 208، المراسم: 133.
(2) الانتصار: 82.
(3) المقنعة: 242.
(4) حكاه في المختلف 3: 207.
(5) حكاه في المختلف 3: 207.
(6) المحرر في الفتوى (الرسائل العشر): 181، غاية المراد: 263.
(7) التذكرة 5: 280.
(8) الدروس 1: 244.
(9) المنتهى 1: 519 س 3، الدروس 1: 242.
(10) التذكرة 5: 244.
191

وأما الزوجة فالظاهر عدم الجواز، ولو كانت ناشزة فالأقرب عدم جواز الدفع
إليها أيضا.
وأما المملوك ففي جواز أخذه تردد، وقطع الشهيد في الدروس والبيان بعدم
إعطاء العبد (1) وفي عدم إعطائه على القول بملكه إشكال، وكذا على القول بعدم
ملكه إذا كان فقيرا وأذن له في الأخذ.
الثالث: لو امتنع من وجبت النفقة عليه من الإنفاق ولم يكن متمكنا من الأخذ
عنه ولو بالحاكم جاز الإعطاء في الجميع بلا خلاف.
الرابع: يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة المتمتع بها، لعدم وجوب الإنفاق عليه،
وربما قيل بالمنع. وهو ضعيف.
الخامس: العيلولة من دون القرابة غير مانعة من إعطاء الزكاة، لا أعرف فيه
خلافا بين علمائنا.
السادس: يجوز إعطاء الزكاة لغير الجماعة المذكورة من الأقارب وارثا كان
أم لا، والظاهر أن إعطاء الأقارب أفضل كما يستفاد من بعض الروايات (2) وفي
بعض الروايات: لا تعطين قرابتك الزكاة كلها، ولكن أعطهم بعضا واقسم بعضا في
سائر المسلمين (3).
السابع: المنع مختص بالإعطاء لسهم الفقراء، فلو كان من يجب نفقته عاملا أو
غازيا أو غارما أو مكاتبا أو ابن السبيل جاز الدفع إليهم على ما قطع به
الأصحاب، ومنع ابن الجنيد من إعطاء المكاتب (4).
ويشترط في المستحق أن لا يكون هاشميا إذا لم يكن المعطي منهم وإذا كان
المعطي هاشميا جاز أخذ الهاشمي منه، وهم الآن أولاد أبي طالب والعباس

(1) الدروس 1: 243، البيان: 198.
(2) الوسائل 6: 169 و 170، الباب 15 من أبواب المستحقين للزكاة، ح 2 و 5 و 6.
(3) الوسائل 6: 169، الباب 15 من أبواب المستحقين للزكاة، ح 4.
(4) نقله في المختلف 3: 211.
192

والحارث وأبي لهب.
والمشهور أن تحريم الصدقة مختص بأولاد هاشم، خلافا لابن الجنيد حيث
ذهب إلى تحريم الزكاة على بني المطلب أيضا (1) ولو قصر الخمس عن كفايتهم
جاز إعطاؤهم من الصدقات المفروضة واختلف الأصحاب في القدر الذي جاز
لهم أخذه في حال الاضطرار فقيل: إنه لا يتقدر بقدر (2) ونسبه في المختلف إلى
الأكثر (3). وقيل: لا يتجاوز قدر الضرورة (4). واستقربه العلامة والشهيد في المنتهى
والدروس (5). واختاره غير واحد من المتأخرين (6). وهو أقرب.
ويجوز إعطاؤهم من المندوبة، وهل حكم الكفارة حكم الزكاة المفروضة في
عدم جواز أخذها؟ فيه وجهان أقربهما الجواز. ويجوز إعطاؤها لمواليهم يعني
عتقاءهم.
وقطع الأصحاب بأنه يشترط العدالة في العامل وعلمه بفقه الزكاة، ويتخير
الإمام بين الجعالة والاجرة للعامل، ويجوز عدم التعيين وإعطاؤه ما يراه.
والأقرب أن القادر على تكسب المؤنة بصنعة أو غيرها ليس بفقير، ولو قصر
تكسبه جاز له أخذ الزكاة، واختلفوا في تقدير المأخوذ فذهب الأكثر إلى أنه لا
يتقدر بقدر، بل يجوز أن يعطى ما يغنيه ويزيد على غناه.
وحكي عن بعض الأصحاب قول بأن ذا الكسب القاصر لا يأخذ ما يزيد على
كفايته (7). وظاهر جماعة من الأصحاب أن موضع الخلاف ذو الكسب القاصر،
وظاهر المنتهى في موضع وقوعه في غيره أيضا (8). والأقرب أنه لا يتقدر بقدر

(1) نقله في المختلف 3: 212.
(2) المختلف 3: 220.
(3) المختلف 3: 220.
(4) النهاية 1: 436.
(5) المنتهى 1: 526 س 11، الدروس 1: 243.
(6) المدارك 5: 254، التنقيح 1: 326.
(7) الحاكي الشيخ في الخلاف 4: 230، المسألة 11.
(8) المنتهى 1: 518 س 36.
193

وتعطى صاحب الدار والخادم، ولا يبعد إلحاق فرس الركوب وثياب التجمل بهما،
ولو كانت دار السكنى تزيد عن حاجته بحيث يبلغ قيمة الزيادة مؤنته وعياله
حولا وأمكنه بيع الزيادة منفردة فهل يخرج بذلك عن حد الفقر؟ فيه إشكال، ولو
كانت حاجته يندفع بأقل منها قيمة فهل يكلف بيعها وشراء الأدون؟ فيه نظر، وقطع
العلامة في التذكرة بالعدم (1). وهو حسن، لعموم النص.
وفي جواز إعطاء الفقير بدون البينة أو الحلف إشكال، نشأ من عدم دليل دال
عليه من نص أو إجماع فلا يحصل اليقين بالبراءة به، ومن أنه لم يعهد عنهم (عليهم السلام)
شيئا من ذلك، والظاهر أنه لو كان لنقل وشاع.
والعلامة في المنتهى والمختلف ادعى الإجماع على جواز إعطاء العاجز إذا
ادعى العجز عن الكسب إذا لم يعرف له أصل مال من غير بينة ولا يمين (2). ولا
أعرف خلافا في الجواز إذا كان المدعي عدلا، لكن التعويل على مجرد ذلك
لا يخلو عن إشكال. وأما إذا كان فاسقا ففيه الخلاف من جهة اخرى وهي منع
الفاسق من الزكاة، والتعويل على الجواز مشكل لآية التثبت (3).
والتحقيق أن تحصيل العلم بالفقر غير معتبر، وإلا لزم حرمان أكثر الفقراء،
وانتفاء ذلك معلوم من عادة النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) وكذا السلف.
وهل يكفي الظن الحاصل من الأمارات أو من دعواه مطلقا، أو يختص ذلك
بصورة يكون عدلا وأمينا (4) مطلقا، أو عند تعذر البينة، أم لا، بل يحتاج إلى البينة
أو الحلف مطلقا؟ وفي بعض صور المسألة لي فيه توقف (5).
والمشهور بين المتأخرين أنه يصدق مدعي الفقر في ادعاء تلف ماله إذا

(1) التذكرة 5: 375.
(2) المنتهى 1: 526 س 12، المختلف 3: 222.
(3) الحجرات: 6.
(4) في نسخة: أو أمينا.
(5) كذا في النسخ، والظاهر أن الصحيح هكذا: بل يحتاج إلى البينة أو الحلف مطلقا، أو في
بعض صور المسألة؟ لي فيه توقف. راجع الذخيرة: 463.
194

عرف له أصل مال، وذهب الشيخ في المبسوط إلى أنه يكلف ببينة (1). ونقل
المحقق في الشرائع قولا بأنه يحلف (2). وقيل: إن هذا القول منقول عن
الشيخ (رحمه الله) (3). والمشهور أنه يصدق في ادعاء الغرم إذا لم يكذبه الغريم، وفيه
خلاف، وقيل: موضع الخلاف الغارم لمصلحة نفسه، أما الغارم لمصلحة ذات البين
فلا يقبل دعواه إلا ببينة (4).
ولا يجب إعلام المستحق أنها زكاة عند استجماع الشرائط، ولو ظهر عدم
الاستحقاق ارتجعت مع المكنة إذا علم الآخذ أنها زكاة، ولو لم يعلم ففيه خلاف
بين الأصحاب، ولو تعذر الارتجاع أجزأت إذا كان الدافع الإمام أو نائبه، وإن كان
المالك فقيل: لا ضمان عليه (5). وقيل: يجب عليه الإعادة (6). وقال الفاضلان في المعتبر
والمنتهى بسقوط الضمان مع الاجتهاد وثبوته مع عدمه (7). والمسألة محل تردد.
ويجوز مقاصة الفقير بما عليه من الدين للمزكي، والمراد بالمقاصة هنا إسقاط
ما في ذمة الفقير للمزكي من الدين على وجه الزكاة وقيل: إن معنى المقاصة
احتساب الزكاة على الفقير ثم أخذها مقاصة من دينه (8).
ويجوز أن يقضى عن الفقير ما عليه من الدين حيا وميتا وإن كان واجب
النفقة، وهل يشترط قصور تركة الميت عن الدين كالحي؟ فيه قولان.
ولا يشترط الفقر في الغازي والعامل والمؤلفة، ويسقط في الغيبة سهم الغازي
إلا أن يجب الغزو، وذكر جماعة من الأصحاب أنه يسقط في الغيبة سهم العامل (9)
وجزم الشهيد في الدروس ببقائه مع تمكن الحاكم من نصبه (10). وهو حسن،
لعموم الآية (11).

(1) المبسوط 1: 247.
(2) الشرائع 1: 160.
(3) الناقل صاحب المدارك 5: 203.
(4) المدارك 5: 230.
(5) المبسوط 1: 261.
(6) المقنعة: 259.
(7) المعتبر 2: 569، المنتهى 1: 527 س 7.
(8) المسالك 1: 417.
(9) المبسوط 1: 249، الشرائع 1: 162.
(10) الدروس 1: 248.
(11) التوبة: 60.
195

المقصد الرابع
في كيفية الإخراج
المشهور بين الأصحاب خصوصا المتأخرين منهم أنه يجوز أن يتولاه المالك
بنفسه أو وكيله، وذهب جماعة من الأصحاب إلى وجوب حملها إلى الإمام (عليه السلام)
أو نائبه، وعلى هذا القول ففي الإجزاء بدون ذلك وجهان.
والمشهور جواز التولي بنفسه أو وكيله في زمان غيبة الإمام، وذهب المفيد
وأبو الصلاح إلى وجوب حملها إلى الفقيه المأمون (1). وهو أحوط، وعلى المشهور
فالحمل إلى الفقيه مستحب.
ولو طلبها الإمام وجب حملها إليه، ولو فرقها حينئذ أثم، وفي الإجزاء قولان،
ولعل الأقرب عدم الإجزاء، ولا يبعد انسحاب الحكم في الفقيه.
ولا يجب البسط على الأصناف، بل يجوز تخصيص جماعة من كل صنف أو
صنف واحد بل شخص واحد من بعض الأصناف وإن كثرت، لا أعرف في ذلك
خلافا بين أصحابنا، وذكر جماعة من الأصحاب استحباب بسطها على الأصناف
وإعطاء جماعة من كل صنف (2). وهو غير واضح الدليل.
ويستحب تخصيص أهل الفضل على غيرهم، وتفضيل من لا يسأل على الذي
يسأل، وتفضيل الأقارب. ويستحب صرف صدقة المواشي إلى المتجملين،
وصرف غيرها إلى الفقراء المدقعين، ويجوز أن يعطى غناه دفعة.
وفي تحريم حملها عن بلدها مع وجود المستحق فيه قولان، والأقرب الجواز
مطلقا. ويستحب صرفها في بلد المال، ويجوز دفع العوض في بلده.
ويدعو الإمام أو الساعي إذا قبضها، والأصح عدم الوجوب على الساعي
والفقيه، والظاهر عدم وجوب الدعاء على المستحق، ويستحب الدعاء للجميع،
ويجوز بلفظ «الصلاة» وغيره، والقول بتعين لفظ «الصلاة» ضعيف.

(1) المقنعة: 252، الكافي في الفقه: 172.
(2) المنتهى 1: 528 س 32، التذكرة 5: 338، المدارك 5: 265.
196

وقال في التذكرة: إنه ينبغي أن يقال في الدعاء: آجرك الله بما أعطيت وجعله
لك طهورا وبارك الله لك فيما أبقيت (1).
واختلف الأصحاب في أقل ما يعطى الفقير، فعن المفيد والمرتضى أنه خمسة
دراهم فصاعدا (2) وعنه أيضا خمسة دراهم من الورق أو نصف مثقال من العين (3).
وقال الشيخ في النهاية والمبسوط: أقل ما يعطى الفقير من الزكاة خمسة
دراهم أو نصف دينار وهو أقل ما يجب في النصاب الأول، وأما ما زاد على ذلك
فلا بأس أن يعطى كل واحد ما يجب في نصاب (4). وقيل: أقل ما يجزي من الزكاة
درهم (5) وعن سلار: أقل ما يجب في نصاب (6). وقيل بجواز القليل والكثير ولا
يحد بحد (7) وهو المشهور بين المتأخرين وهو أقرب، والظاهر من كلام الأصحاب
أن هذه التقديرات على سبيل الوجوب، وبعض عباراتهم كالصريح في ذلك، لكن
العلامة ذكر أن ذلك على سبيل الاستحباب حتى نقل الإجماع عليه (8).
ولو فقد المستحق وجبت الوصية بها عند حضور الوفاة، ولا خلاف بين
الأصحاب في صحة عزلها عند عدم المستحق، واختلفوا في ذلك مع وجوده على
قولين، ولعل الصحة أقرب. والمراد بالعزل تعيينها في مال خاص، ومقتضى ذلك
كونها أمانة في يده لا يضمن عند التلف إلا مع التفريط أو تأخير الدفع مع التمكن
من إيصالها إلى المستحق.
وذكر الشهيد أنه ليس له إبدالها بعد العزل في وجه (9). وبه قطع الأصحاب (10)
ولا أعلم حجة عليه، مع أن بعض الروايات يدل على جواز التبديل. والنماء
المتصل تابع له، وفي المنفصل خلاف، ولي فيه تردد.

(1) التذكرة 5: 361.
(2) المقنعة: 243، الانتصار: 82.
(3) نقله في المختلف 3: 225.
(4) النهاية 1: 439، المبسوط 1: 260.
(5) نقله عن المرتضى في المختلف 3: 226.
(6) المراسم: 133.
(7) جمل العلم والعمل (المجموعة الثالثة): 79.
(8) التذكرة 5: 340.
(9) الدروس 1: 247.
(10) كذا في النسخ، وفي الذخيرة: وبه قطع بعض الأصحاب.
197

وتجب النية عند الدفع إلى المستحق أو الإمام أو الساعي، وهي شرط في
الصحة، ويعتبر فيها التعيين والقربة، ولا يعتبر أكثر من ذلك على الأقوى.
والأحوط أن ينوي المالك عند الدفع إلى الوكيل أو الساعي أو الحاكم، وأحد
الثلاثة عند الدفع إلى المستحق.
ويكفي نية المالك عند الدفع إلى الساعي أو الحاكم على ما صرح به الفاضلان
وغيرهما (1) ولو نوى الحاكم أو الساعي عند الدفع إلى المستحق ولم ينو المالك
فقيل: إن اخذت كرها أجزأت بخلاف ما إذا اخذت طوعا (2). وقيل بالإجزاء في
الصورتين (3).
وإذا نوى المالك عند الدفع إلى الوكيل ولم ينو الوكيل عند الدفع إلى المستحق
قال الشيخ والفاضلان: إنه لم يجزئه (4). بل كلام العلامة في التذكرة مشعر
بالاتفاق (5). وإذا نوى الوكيل عند الدفع إلى المستحق ولم ينو الموكل قال الشيخ
والمحقق: لم يجزئه (6). وقال العلامة ومن تأخر عنه بالإجزاء (7).
ولو مات من اعتق من الزكاة ولا وارث له فالأكثر على أن ميراثه لأرباب
الزكاة، وقيل: إن ميراثه للإمام. واختاره العلامة في القواعد وولده في الشرح (8).
والأول أقرب، لموثقة عبيد بن زرارة (9) لكن الرواية تدل على اختصاص الفقراء بذلك.
وقال بعض أصحابنا المتأخرين: الأحوط صرف ذلك في الفقراء خاصة،
لأنهم من أرباب الزكاة، وفي حال الغيبة يستحقون ما يرثه الإمام ممن لا وارث له

(1) المعتبر 2: 599، التذكرة 5: 330.
(2) المبسوط 1: 233.
(3) إرشاد الأذهان 1: 290.
(4) المبسوط 1: 233، المعتبر 2: 559، التذكرة 5: 330.
(5) التذكرة 5: 243.
(6) المبسوط 1: 233، المعتبر 2: 559.
(7) المختلف 3: 255، الروضة 2: 60، جامع المقاصد 3: 40.
(8) القواعد 1: 255، الإيضاح 1: 207.
(9) الوسائل 6: 203، الباب 43 من أبواب المستحقين للزكاة، ح 2.
198

غيره، فيكون الصرف إليهم مجزيا على القولين (1). وهو حسن.
واجرة الكيل والوزن على المالك على الأشهر الأقرب، خلافا للشيخ في
موضع من المبسوط (2) والمعروف بين الأصحاب أنه يكره التملك لما يتصدق به
اختيارا ولا كراهة في الميراث وشبهه، ولو احتاج إلى شرائها زالت الكراهة.
المقصد الخامس
في زكاة الفطرة
يجب عند هلال شوال إخراج صاع، واختلف الأصحاب فيما يجب إخراجه
في الفطرة، فعن جماعة منهم ابنا بابويه أنها صاع من أحد الأجناس الأربعة (3).
وقال المرتضى: هي فضلة أقوات أهل الأمصار على اختلاف أقواتهم من
التمر والزبيب والحنطة والشعير والأقط واللبن (4) وزاد المفيد الأرز (5).
ونقل في الخلاف الإجماع على إجزاء صاع من الأجناس السبعة (6) والأشهر
أن يخرج أغلب الأشياء على قوته حنطة أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا أو سلتا أو ذرة.
وجعل بعض المتأخرين المعتمد الاقتصار على الأجناس الخمسة يعني
الأجناس الأربعة والأقط (7). ومنشأ الاختلاف اختلاف الأخبار، والذي يحصل
من الأخبار الصحيحة إجزاء الأجناس الستة: الحنطة والشعير والتمر والزبيب
والأقط والذرة، والأقرب الأشهر أنه لا يجوز إخراج صاع واحد من جنسين.
والأشهر وجوب إخراجها إلى مستحق زكاة المال، وظاهر المفيد في المقنعة
اختصاصها بالفقراء (8). وفي جواز دفعها إلى المستضعفين قولان.

(1) المدارك 5: 278.
(2) المبسوط 1: 257.
(3) حكاه عن علي بن بابويه في المختلف 3: 281، الهداية: 51.
(4) جمل العلم والعمل (المجموعة الثالثة): 80.
(5) المقنعة: 250.
(6) الخلاف 2: 150، المسألة 188.
(7) المدارك 5: 333.
(8) المقنعة: 252.
199

ويشترط في الوجوب التكليف فلا تجب على الصبي والمجنون، والحرية فلا
تجب على المملوك، ولو ملك المملوك عبدا على القول بتملكه ففي وجوب فطرته
على مولى العبد أو سقوطها عنهما وجهان.
وفي التذكرة: العبد لا يجب عليه أن يؤدي عن نفسه ولا عن زوجته سواء
قلنا: إنه يملك أو أحلناه (1). وهو حسن إن عالهما المولى أو كان العبد فقيرا، وأما
مع عدم الأمرين فالحكم لا يخلو عن إشكال.
ولو تحرر بعض المملوك ففي وجوب الفطرة عليه بالنسبة أو سقوطها عنه
وعن المولى قولان، وفي الحجة من الجانبين نظر، وعلى ما ذكره ابن بابويه من
وجوب فطرة المكاتب على نفسه وإن لم يتحرر منه شيء (2) فالوجوب هنا أولى.
ولو قيل: يجب عليه الفطرة إن ملك ما يجب به الزكاة كان قويا، عملا بعموم الأدلة.
وفي اشتراط الغنى في وجوب الفطرة قولان، والأكثر على الاشتراط، وقال
ابن الجنيد: تجب على من فضل من مؤنته ومؤنة عياله ليومه وليلته صاع (3). ونقله
الشيخ في الخلاف عن أكثر أصحابنا (4).
واختلفوا في معنى الغنى المقتضي لوجوب الفطرة على أقوال، والصحيح أن
الغني من ملك قوت السنة له ولعياله فعلا أو قوة، وهو مختار جماعة من
الأصحاب منهم الفاضلان (5). وهل يعتبر أن يملك مقدار زكاة الفطرة زيادة على
قوت السنة؟ فيه قولان.
ويجب إخراج الزكاة عنه وعن كل من يعوله وجوبا وتبرعا، مسلما كان
المعال أو كافرا، حرا أو عبدا، صغيرا أو كبيرا. والمشهور أن المعتبر صدق العيلولة
عند هلال العيد، وكلام الفاضلين دال على كون ذلك اتفاقيا بين الأصحاب (6). لكن
جماعة منهم ذهبوا إلى أن وقت وجوب الفطرة يوم العيد قبل صلاة العيد (7). وعلى

(1) التذكرة 5: 369.
(2) الفقيه 2: 179 ذيل الحديث 2072.
(3) نقله في المنتهى 1: 532 س 12.
(4) الخلاف 2: 146، المسألة 183.
(5) الشرائع 1: 171، المختلف 3: 265.
(6) المعتبر 2: 603، التذكرة 1: 248 س 32.
(7) المبسوط 1: 242، جمل العلم والعمل (المجموعة الثالثة): 80.
200

ظاهر هذا القول فالظاهر اعتبار صدق العيلولة في ذلك الوقت.
ويجب الإخراج عن الضيف أيضا، واختلفوا في مقدار الضيافة المقتضية
لذلك، فعند المرتضى والشيخ في الخلاف طول الشهر (1). وعن المفيد النصف
الأخير من الشهر (2). واجتزأ ابن إدريس بليلتين من آخره (3) وإليه ذهب العلامة في
المختلف (4). وفي التذكرة: المعتبر آخر ليلة من الشهر بحيث يهل هلال شوال وهو
في ضيافته (5). وعن جماعة من الأصحاب الاكتفاء بالعشر الأواخر (6). والأشهر
بين المتأخرين الاكتفاء بآخر جزء من الشهر بحيث يهل الهلال وهو في ضيافته.
والمسألة محل إشكال.
ويحتمل قويا اعتبار صدق العيلولة عرفا في وقت تعلق الوجوب، لإناطة
الحكم بها في الأخبار، لكن معرفة ذلك وضبطه لا يخلو عن إشكال.
وهل يشترط الأكل عند المضيف؟ فيه قولان، قال ابن إدريس: يجب أن
يخرج المضيف عن ضيفه، ويجب أن يخرج الضيف عن نفسه (7). حكاه في
المختلف، ثم قال بعد كلام: والتحقيق أن نقول: إن كان المضيف موسرا وجب عليه
أن يخرج عن ضيفه ولا يجب على الضيف أن يخرج عن نفسه حينئذ سواء أخرج
المضيف عنه أم لا، وإن كان معسرا وجب على الضيف أن يخرج عن نفسه (8).
واحتمل بعضهم السقوط هنا مطلقا، لإعسار المضيف وعيلولة الضيف (9) والترجيح
للقول بوجوبه على الضيف هاهنا.
ويجب الإخراج عن المولود إذا أدرك غروب الشمس ليلة العيد والمتجدد
في ملكه كذلك، ولو كان بعد الهلال لم تجب، ولو بلغ قبل الهلال أعني قبل غروب

(1) الانتصار: 88، الخلاف 2: 133، المسألة 162.
(2) المقنعة: 265.
(3) السرائر 1: 466.
(4) المختلف 3: 280.
(5) التذكرة 5: 380.
(6) حكاه عنهم المحقق في المعتبر 2: 603 - 604.
(7) السرائر 1: 468.
(8) المختلف 3: 280.
(9) المدارك 5: 319.
201

الشمس ليلة العيد أو أسلم أو عقل من جنونه أو استغنى وجب الإخراج، واستحب
بعده ما لم يصل العيد.
والظاهر اتفاق العلماء على وجوب إخراجها عن الزوجة في الجملة وقد وقع
الخلاف في موضعين:
أحدهما: إذا لم تكن واجب النفقة على الزوج كالناشزة والصغيرة وغير
المدخول بها مع عدم التمكن، فالأشهر الأقرب عدم الوجوب إلا مع العيلولة
تبرعا، وذهب ابن إدريس إلى الوجوب مطلقا حتى في المنقطعة (1).
وثانيهما: إذا لم يعلها الزوج وكانت واجبة النفقة عليه فظاهر الأكثر الوجوب،
وقيل: لا يجب إلا مع العيلولة (2) واختاره بعض المتأخرين (3). وهو جيد.
والأكثر على وجوب فطرة العبد غير المكاتب على المولى مطلقا، وقيل: لا
يجب الفطرة إلا مع العيلولة (4). وهو متجه.
واختلفوا في العبد الغائب الذي لا يعلم حياته هل تجب فطرته على المولى أم
لا؟ فذهب جماعة من الأصحاب منهم الشيخ والفاضلان في الخلاف والمعتبر
والمنتهى إلى عدم الوجوب (5). خلافا لابن إدريس (6). والعمل بقوله أحوط.
وتسقط الفطرة عن الزوجة الموسرة والضيف الغني بالإخراج عنه عند أكثر
الأصحاب.
ونقل عن ظاهر ابن إدريس إيجاب الفطرة على الضيف والمضيف (7) وهو
أحوط. واختلفوا في الزوجة الموسرة إذا كان زوجها معسرا هل يجب الفطرة
عليها؟ فيه أقوال، والمتجه القول بوجوبها على الزوجة في الفرض المذكور مطلقا،
سواء سقطت عنه نفقة الزوجة أم لا، وسواء تكلف إعالة الزوجة الموسرة أم لا.

(1) السرائر 1: 466.
2 و 4) حكاهما المحقق في الشرائع 1: 172.
(3) المدارك 5: 324.
(5) الخلاف 2: 136، المسألة 168، المعتبر 2: 598، المنتهى 1: 534 س 21.
(6) السرائر 1: 467.
(7) السرائر 1: 468.
202

والظاهر أن القريب لا يجب فطرته على قريبه إلا مع العيلولة، ونقل عن الشيخ
أنه قال: الأبوان والأجداد والأولاد الكبار إذا كانوا معسرين كانت نفقتهم
وفطرتهم عليه (1).
وزكاة المشترك عليهما إذا عالاه أو لم يعله أحد عند أكثر الأصحاب، ونقل
في الدروس قولا بعدم الوجوب (2) وقال ابن بابويه: لا فطرة عليهم إلا أن يكمل
لكل واحد منهم رأس تام (3) استنادا إلى ما رواه عن زرارة بإسناد ضعيف عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال قلت: عبد بين قوم فيه زكاة الفطرة؟ قال: إذا كان لكل إنسان رأس
فعليه أن يؤدي عنه فطرته، وإن كان عدة العبيد وعدة الموالي سواء وكانوا جميعا
فيهم سواء أدوا زكاتهم لكل واحد منهم على قدر حصته، وإن كان لكل إنسان منهم
أقل من رأس فلا شيء عليهم (4). ولا يبعد المصير إلى مقتضى هذه الرواية،
لموافقتها للأصل وسلامتها عن المعارض.
والأفضل التمر على الأقرب.
ويجوز إخراج القيمة السوقية، وظاهر الأكثر وصريح بعضهم جواز إخراج
القيمة من الدراهم وغيرها (5) وبهذا التعميم صرح الشيخ في المبسوط فقال بجواز
إخراج القيمة من أحد الأجناس التي قدرناها، سواء كان الثمن سلعة أو حبا أو
خبزا أو ثيابا أو دراهم أو شيئا له ثمن بقيمة الوقت (6).
ولم يذكر ابن إدريس سوى النقدين (7) فظاهره التخصيص بهما، والاحتياط
في عدم التعدي عنهما. ولو قلنا بالجواز فهل يجوز إخراج نصف صاع يساوي
قيمته لصاع من جنس آخر أدون قيمة منه؟ فيه قولان أقربهما عدم الإجزاء كما
هو مختار الشهيد في البيان (8).

(1) المبسوط 1: 239.
(2) الدروس 1: 250.
(3) الهداية: 52.
(4) الفقيه 2: 182، ح 2082.
(5) الدروس 1: 251، جمل العلم والعمل (المجموعة الثالثة): 80، المختلف 3: 291.
(6) المبسوط 1: 242.
(7) السرائر 1: 468.
(8) البيان: 212.
203

ولو باعه على المستحق بثمن المثل أو أكثر ثم احتسب الثمن قيمة عن جنس
من الأجناس أجزأ إن أجزنا احتساب الدين هنا كالمالية.
والمشهور أنه لا تقدير في عوض الواجب، بل يعتبر قيمة السوق وقت
الإخراج، لأن ذلك هو المتبادر من إعطاء القيمة، وقدره قوم بدرهم، وآخرون
بأربعة دوانيق.
ويجوز تقديمها قرضا في رمضان واحتسابه عن الفطرة في وقت وجوبها،
والأقرب جواز تقديم إخراج الفطرة في شهر رمضان في أوله كما قاله الشيخ وابنا
بابويه وغيرهم (1).
واختلف الأصحاب في وقت وجوب الفطرة فذهب جماعة إلى أن أول وقت
وجوبها طلوع الفجر الثاني من يوم الفطر (2). وقال آخرون: إنها تجب بغروب
الشمس من آخر يوم من شهر رمضان (3) وتأخيرها إلى قبل صلاة العيد أفضل على
الأشهر الأقرب. واختلفوا في آخر وقتها فذهب الأكثر إلى أن آخر وقتها صلاة
العيد، وقيل: آخر وقتها زوال الشمس (4) واستقرب العلامة في المنتهى جواز
تأخيرها عن الصلاة وتحريم التأخير عن يوم العيد (5) وهو أقرب.
وإذا عزل الفطرة أخرجها إلى المستحق وإن خرج وقتها، والمراد بالعزل
تعيينها في مال مخصوص، والأقرب أن مع العزل يخرجها أداء بعد خروج الوقت
كما هو ظاهر الأصحاب، وعن بعض المتأخرين (6) المنازعة فيه (7).
وإن لم يعزلها وخرج وقتها فقيل: تسقط (8). وقيل: تجب قضاء (9). وقيل:

(1) النهاية 1: 442، المقنع: 67، ونقله الصدوق عن أبيه في الفقيه 2: 182 ذيل الحديث
2081.
(2) المقنعة: 249، جمل العلم والعمل (المجموعة الثالثة): 80، المهذب 1: 176.
(3) الوسيلة: 131، السرائر 1: 469، الجمل والعقود: 108.
(4) المختلف 3: 299.
(5) المنتهى 1: 541 س 6.
(6) في خ 2: ولبعض المتأخرين.
(7) الدروس 1: 250.
(8) المقنعة: 249.
(9) القواعد 1: 359.
204

أداء (1). والأول لا يخلو عن قوة، والاحتياط في الإتيان بها بعد وقتها من غير
تعرض للأداء والقضاء. قالوا: ويضمن لو عزل وتمكن ومنع، ولا يضمن مع عدم
المكنة.
قالوا: ولا يجوز حملها إلى بلد آخر مع وجود المستحق ويجوز مع عدمه ولا
ضمان.
والأفضل أن يتولي الإخراج الإمام أو نائبه أو الفقيه.
والمشهور أنه لا يجوز أن يعطى الفقير أقل من صاع، والقول باستحباب ذلك
أقرب، ويجوز أن يعطى غناه دفعة، ويستحب اختصاص القرابة بها ثم الجيران.

(1) السرائر 1: 470.
205

كتاب الخمس
207

] كتاب الخمس [(1)
في الخمس، وهو واجب في:
غنائم دار الحرب حواها العسكر أم لا إذا لم يكن مغصوبا.
وفي المعادن - كالذهب، والفضة، والرصاص، والياقوت، والزبرجد،
والكحل، والعنبر، والقير، والنفط، والكبريت - بعد المؤنة.
واختلف الأصحاب في اعتبار النصاب، فذهب جماعة كثيرة من الأصحاب
إلى عدم اعتبار النصاب (2) حتى نقل ابن إدريس إجماع الأصحاب عليه (3). واعتبر
أبو الصلاح بلوغ قيمته دينارا واحدا (4). ورواه ابن بابويه في المقنع والفقيه (5).
وقال الشيخ في النهاية: ومعادن الذهب والفضة لا يجب فيها خمس إلا إذا
بلغت إلى القدر الذي تجب فيها الزكاة (6). واختاره جمهور المتأخرين وهو أقرب.
والظاهر من إطلاق الأدلة أنه لا يعتبر في النصاب الإخراج دفعة، بل لو
اخرج في دفعات متعددة ضم بعضه إلى بعض واعتبر النصاب من المجموع وإن
تخلل بين المرتين الإعراض والإهمال.

(1) لا يوجد في خ 1 و 2.
(2) الخلاف 2: 119، المسألة 142، الانتصار: 86، المراسم: 139.
(3) السرائر 1: 488 - 489.
(4) الكافي في الفقه: 170.
(5) المقنع: 53، الفقيه 2: 39، ح 1644.
(6) النهاية 1: 448.
208

وقال العلامة في المنتهى: يعتبر النصاب فيما اخرج دفعة أو دفعات لا يترك
العمل بينهما ترك إهمال، فلو أخرج دون النصاب وترك العمل مهملا له ثم أخرج
دون النصاب وكملا نصابا لم يجب عليه شيء ولو بلغ أحدهما نصابا اخرج خمسه
ولا شيء عليه في الآخر، أما لو ترك العمل لا مهملا، بل لاستراحة مثلا أو لإصلاح
آلة، أو طلب اكل وما أشبهه فالأقرب وجوب الخمس إذا بلغ المنضم النصاب ثم
يخرج من الزائد مطلقا ما لم يتركه مهملا، وكذا لو اشتغل بالعمل فخرج من
المعدن (1) تراب أو شبهه (2). ولا أعلم دليلا صالحا يدل على ما ذكره، ولا يشترط
في الضم اتحاد المعدن، ولو اشترك جماعة في استخراج المعدن اشترط بلوغ
نصيب كل واحد نصابا.
ويجب الخمس أيضا في الكنوز المأخوذة في دار الحرب مطلقا سواء كان
عليه أثر الإسلام أم لا، أو في دار الإسلام وليس عليه أثره والباقي له، والمراد
بالكنز المال المذخور تحت الأرض، والأصحاب قطعوا بأن النصاب معتبر في
وجوب الخمس في الكنز، ويدل عليه النص الصحيح (3).
وصرح العلامة في المنتهى بأن عشرين مثقالا معتبر في الذهب، والفضة يعتبر
فيها مائتا درهم، وما عداه يعتبر قيمته بأحدهما (4). وهو الصحيح كما هو المستفاد
من الرواية (5).
وجماعة من الأصحاب اقتصروا على ذكر نصاب الذهب ولعل ذلك من باب
التمثيل لا الحصر، وقد صرح في المنتهى بأن المعتبر النصاب الأول، فما زاد عليه
يجب فيه الخمس قليلا كان أو كثيرا (6). واستشكله بعض المتأخرين (7).

(1) في خ 1: بين المعدن، ولعل الصحيح: بين المعدنين، أو بين المرتين.
(2) المنتهى 1: 549 س 33.
(3) الوسائل 6: 345، الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، ح 1.
(4) المنتهى 1: 549 س 15.
(5) الوسائل 6: 345، الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، ح 2.
(6) المنتهى 1: 549 س 14.
(7) المدارك 5: 370.
209

واعلم أن الكنز إذا وجد في دار الحرب فقد قطع الأصحاب بأنه لواجده بعد
الخمس، سواء كان عليه أثر الإسلام أم لا. وهو متجه، لأن الأصل في الأشياء
الإباحة، والتصرف في مال الغير إنما يحرم إذا ثبت كونه ملكا لمحترم ولم يثبت،
ولم يتعلق به نهي، فيكون باقيا على الإباحة الأصلية.
وإن وجد في دار الإسلام في أرض مباحة بأن يكون في أرض موات أو
خربة باد أهلها ولم يكن عليه أثر الإسلام فهو مثل الأول حكما وحجة، ولو كان
عليه سكة الإسلام فاختلف فيه الأصحاب، فذهب جماعة منهم إلى أن حكمه
كالسابق (1) وذهب الشيخ في المبسوط إلى أنه لقطة (2) واختاره أكثر المتأخرين،
والأول أقرب.
ولو كان المكنوز في مبيع فالمشهور أنه يجب تعريف البائع القريب والبعيد،
ولا أعرف حجة عليه إذا احتمل عدم جريان يده عليه. قالوا: وحيث يعترف به
البائع يدفع إليه من غير بينة ولا وصف، وفي حكم البائع من انتقل عنه بغير البيع
من أسباب الملك، وإن لم يعترف به البائع فهو للمشتري.
ولو اشترى دابة فوجد في جوفها شيئا يجب تعريف البائع، فإن عرفه فهو له،
وإن جهله فهو للمشتري، لصحيحة علي بن جعفر (3). وظاهر الرواية عدم الفرق بين
ما عليه أثر الإسلام وغيره، والمستفاد من الرواية أنه لا يجب تتبع من جرت يده
على الدابة من الملاك. قالوا: ويجب فيه الخمس. ولا أعرف حجة عليه.
ولو اشترى سمكة فوجد في جوفها شيئا فهو للواجد من غير تعريف، قالوا:
ويجب فيه الخمس. ولا أعرف حجة عليه.
ويجب الخمس أيضا في الغوص كالجوهر والدر، ويعتبر فيه النصاب،
واختلفوا في تقديره، فالأكثر على أنه دينار واحد. وقيل: إنه عشرون دينارا (4).

(1) السرائر 1: 487، المدارك 5: 370.
(2) المبسوط 1: 236.
(3) الوسائل 17: 358، الباب 9 من أبواب اللقطة، ح 1، وفيه: عبد الله بن جعفر.
(4) نقله عن المفيد في المختلف 3: 320.
210

والأول أقرب، وفي المنتهى: لا يعتبر في الزائد نصاب إجماعا (1).
ولو اشترك في الغوص جماعة اعتبر بلوغ نصيب كل واحد منهم نصابا. ولو
اخذ من البحر شيء بغير غوص فلا خمس.
والعنبر إن اخذ بالغوص فله حكمه، بخلاف ما اخذ من وجه الماء، والظاهر
اتفاقهم على وجوب الخمس فيه، واختلفوا في مقدار نصابه، فذهب الأكثر إلى أنه
إن اخرج بالغوص روعي فيه مقدار دينار كما في الغوص، وإن اخذ من وجه الماء
أو من الساحل كان له حكم المعادن.
وعن المفيد في المسائل العزية أن نصابه عشرون دينارا (2). وظاهر الشيخ في
النهاية عدم اعتبار النصاب فيه (3) ولعله الأقرب.
والمشهور بين الأصحاب وجوب الخمس فيما يفضل عن مؤنة سنة له ولعياله
من أرباح التجارات والصناعات والزراعات، ونسبه في المعتبر إلى كثير من
علمائنا (4). وفي المنتهى إلى علمائنا أجمع (5).
والأخبار الدالة على وجوب الخمس في الأرباح مستفيضة، لكن المستفاد من
أخبار متعددة أنه مختص بالإمام (عليه السلام) (6) والمستفاد من كثير منها أنهم (عليهم السلام) أباحوه
لشيعتهم (7). والقول بكونه مخصوصا بالإمام (عليه السلام) غير معروف بين المتأخرين، لكن
لا يبعد أن يقال: كلام ابن الجنيد (8) ناظر إليه وأنه مذهب القدماء والأخباريين، ولا
يبعد أن يكون قول جماعة من القدماء الذين ذهبوا إلى تحليل الخمس مطلقا في
حال الغيبة (9) ناظرا إليه، وحيث لم يثبت إجماع على خلافه ودلت الأخبار عليه
من غير معارض، فلا وجه لرده بمجرد اشتهار خلافه بين المتأخرين.

(1) المنتهى 1: 550 س 7.
(2) حكاه في المختلف 3: 320.
(3) النهاية 1: 448.
(4) المعتبر 2: 623.
(5) المنتهى 1: 548 س 2.
(6) الوسائل 6: 348، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.
(7) الوسائل 6: 378، الباب 4 من أبواب الأنفال....
(8) حكاه صاحب المختلف 3: 314 - 315.
(9) المراسم: 140، الجامع للشرائع: 151.
211

والأخبار الدالة على أنهم (عليهم السلام) أباحوا الخمس مطلقا أو النوع المذكور منه
كثيرة ذكرناها في الذخيرة (1).
والمشهور بين الأصحاب وجوب الخمس في جميع أنواع التكسب من
صناعة وتجارة وزراعة وغير ذلك عدا الميراث والصداق والهبة، والظاهر أن
نماءها يلحق بالأرباح كما صرح به الشهيد في البيان (2). وقال أبو الصلاح: يجب
في الميراث والهبة والهدية أيضا (3) وكثير من الأخبار الدالة على الخمس في هذا
النوع شامل بعمومها للكل.
ومذهب الأصحاب أن الخمس إنما يجب في الأرباح والفوائد إذا فضلت عن
مؤنة السنة له ولعياله، وفي المنتهى أنه قول علمائنا أجمع (4).
ويستفاد من الأخبار أن الخمس بعد مؤنة الرجل لنفسه ولعياله، وأما اعتبار
السنة فقد ادعى إجماع الأصحاب عليه ابن إدريس والعلامة (5). ولم أعرف خبرا
يدل عليه صريحا.
وظاهر التذكرة - حيث نسب اعتبار السنة الكاملة إلى علمائنا - (6) أنه لا
يكتفى بالطعن في الثاني عشر كما في الزكاة، وهو مستقرب الشهيد في الدروس (7).
وذكر غير واحد من الأصحاب أن المراد بالمؤنة هنا ما ينفقه على نفسه
وعياله الواجبي النفقة وغيرهم، كالضيف والهدية والصلة لإخوانه، وما يأخذه
الظالم منه قهرا أو يصانعه به اختيارا، والحقوق اللازمة له بنذر أو كفارة، ومؤنة
التزويج وما يشتريه لنفسه من دابة وأمة وثوب ونحوها، ويعتبر في ذلك ما يليق
بحاله عادة، فإن أسرف حسب عليه ما زاد، وإن قتر حسب له ما نقص، ولو
استطاع للحج اعتبرت نفقته من المؤن.

(1) الذخيرة: 481 س 38.
(2) البيان: 219.
(3) الكافي في الفقه: 170.
(4) المنتهى 1: 550 س 8.
(5) السرائر 1: 490، المنتهى 1: 550 س 8.
(6) التذكرة 5: 428.
(7) الدروس 1: 259.
212

وصرح في الدروس بأن الدين السابق والمقارن للحول مع الحاجة من
المؤن (1).
وظاهرهم أن ما يستثنى إنما يستثنى من ربح عامه، وبه صرح بعضهم (2). فلو
استقر الوجوب في مال بمضي الحول لم يستثن ما تجدد من المؤن.
وإذا ترك الحج اختيارا فهل يستثنى مؤنة الحج؟ فيه نظر، واختار بعضهم
الاستثناء (3). وألحق بعضهم سفر الطاعة كالزيارات والحج المندوب بالواجب (4).
ولو كان له مال آخر لا خمس فيه ففي احتساب المؤنة منه، أو من الربح
المكتسب، أو منهما بالنسبة أوجه أجودها الثاني، والاحتياط في الأول، والظاهر
أنه يجبر خسران التجارة والصناعة والزراعة بالربح في الحول الواحد.
وفي الدروس: ولو وهب المال في أثناء الحول أو اشترى بغبن حيلة لم يسقط
ما وجب (5). وهو جيد، وأدخل في المنتهى في الاكتساب زيادة قيمة ما غرسه
لزيادة نمائه فأوجبه فيها، بخلاف ما لو زادت قيمته السوقية من غير زيادة فيه (6).
ومنهم من أوجب في زيادة القيمة أيضا (7).
وهل يكفي ظهور الربح في أمتعة التجارة أم يحتاج إلى الإنضاض والبيع؟ فيه
وجهان ولعل الثاني أقرب.
وذكر الشيخ ومن تبعه وجوب الخمس في:
أرض الذمي إذا اشتراها من مسلم (8) ولم يذكر ذلك كثير من المتقدمين،
وظاهرهم سقوط الخمس فيه، ومال إليه بعض المتأخرين (9). وفي المسألة تردد.
وقال في المعتبر: الظاهر أن مراد الأصحاب أرض الزراعة لا المساكن (10).

(1) الدروس 1: 259.
(2) السرائر 1: 489.
(3) المسالك 1: 465.
(4) الروضة 2: 76.
(5) الدروس 1: 259.
(6) المنتهى 1: 548 س 25.
(7) الروضة 2: 66 - 67.
(8) النهاية 1: 448، المهذب 1: 177، الوسيلة: 137.
(9) المسالك 1: 466.
(10) المعتبر 2: 624.
213

وجزم الشهيد الثاني بتناوله لمطلق الأرض (1).
وذكر الشيخ وجماعة من الأصحاب أنه يجب الخمس في:
الحلال المختلط بالحرام ولا يتميز الحلال من الحرام ولا يعرف صاحبه ولا
قدره فيحل الباقي بعد إخراج الخمس (2). ولم يذكره جماعة من القدماء، ولعل
مستند الأول روايتان ضعيفتان غير دالتين على خصوص المقصود (3) بل أحدهما
مشعرة بأن مصرفه مصرف الصدقات. ويظهر من الشهيد في البيان نوع تردد فيه (4).
قال بعض المتأخرين: والمطابق للاصول وجوب عزل ما تيقن انتفاؤه عنه
والتفحص عن صاحبه إلى أن يحصل اليأس عن العلم به فيتصدق به على الفقراء
كما في غيره من الأموال المجهولة المالك. وقد ورد بالتصدق بما هذا شأنه
روايات كثيرة مؤيدة بالإطلاقات المعلومة وأدلة العقل، فلا بأس بالعمل بها إن
شاء الله (5).
ولو عرف المالك خاصة صالحه، وإن أبى قال في التذكرة: دفع إليه خمسه،
لأن هذا القدر جعله الله تعالى مطهرا للمال (6). وفيه تأمل، ولا يبعد الاكتفاء بما
تيقن انتفاؤه عنه، والأحوط أن يدفع إليه ما يحصل به اليقين بالبراءة.
وإن مات المالك دفع إلى الورثة، فإن لم يجد له وارثا فمصرفه مصرف ميراث
من لا وارث له.
ولو عرف القدر خاصة دون المالك قيل: يتصدق به على أرباب الزكاة مع اليأس
من المالك، سواء كان بقدر الخمس أم لا (7). وقيل: يجب إخراج الخمس ثم التصدق
بالزائد في صورة الزيادة (8). واحتمل بعضهم كون مصرف الجميع مصرف الخمس (9).

(1) المسالك 1: 466.
(2) النهاية 1: 448، المهذب 1: 177، المسالك 1: 467.
(3) الوسائل 6: 352 و 353، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، ح 1 و 4.
(4) البيان: 217.
(5) المدارك 5: 388.
(6) التذكرة 5: 422.
(7) المدارك 5: 389.
(8) الدروس 1: 259.
(9) المسالك 1: 467.
214

ولو لم يعلم التعيين، لكن علم أنه زائد على الخمس فالأحوط أن يخرج ما
تيقن به البراءة أو يغلب على ظنه، ويحتمل قويا الاكتفاء بإخراج ما تيقن انتفاؤه
عنه، ولو لم يعلم التعيين لكن علم أنه أقل من الخمس فالأمر فيه كذلك، وعن
بعضهم احتمال الخمس في هذه الصورة (1).
ولو تبين المالك بعد إخراج الخمس أو الصدقة ففي الضمان وعدمه وجهان،
ولا فرق فيما ذكرنا بين كون المختلط من كسبه أو ميراث كما صرح به العلامة
والشهيد (2). والظاهر أن حكم الصلة والهدية أيضا كذلك.
ولا يعتبر الحول في الخمس فيما عدا الأرباح بلا خلاف في ذلك بينهم، وأما
الأرباح فالمشهور بين الأصحاب عدم اعتبار الحول فيها بمعنى وجوب الخمس
فيما علم زيادته على مؤنة السنة وجوبا موسعا من حين ظهور الربح إلى تمام
الحول، فلا يتعين عليه الإخراج من حين ظهور الربح ولا التأخير إلى انقضاء
الحول، بل له التقديم والتأخير احتياطا للمكتسب، لاحتمال زيادة مؤنته بتجدد
العوارض التي لم يترقبها كتجدد ولد أو مملوك أو زوجة أو حصول غرامة
أو خسارة أو غير ذلك، وظاهر ابن إدريس عدم مشروعية الإخراج قبل
تمام الحول (3).
وقال بعض الأصحاب: والربح المتجدد في أثناء الحول محسوب، فيضم
بعضه إلى بعض ويستثنى من المجموع المؤنة ثم يخمس الباقي (4). وهو حسن
وكلام الشهيد مشعر به (5). وكلام الشهيد الثاني وغيره دال على أن اعتبار الحول من
حين ظهور الربح (6). وظاهر الدروس أنه يعتبر من حين الشروع في التكسب (7).
واستفادة هذه التفاصيل من النصوص مشكل.

(1) انظر الروضة 2: 68.
(2) المنتهى 1: 548 س 27 و 35، البيان: 218.
(3) السرائر 1: 489.
(4) لم نعثر عليه.
(5) الدروس 1: 259.
(6) المسالك 1: 468.
(7) الدروس 1: 359.
215

(1)
في قسمة الخمس
والبحث في موضعين:
أحدهما: في كيفية القسمة، والمشهور بين أصحابنا أنه يقسم ستة أقسام: ثلاثة
للإمام (عليه السلام) وثلاثة لليتامى والمساكين وأبناء السبيل، ونسبه الشيخ الطبرسي إلى
أصحابنا قال: وروى ذلك الطبري عن علي بن الحسين زين العابدين ومحمد بن
علي الباقر (2) ونقل المرتضى وابن زهرة إجماع الفرقة عليه (3).
وعن بعض أصحابنا: يقسم خمسة أقسام: سهم الله لرسوله (عليه السلام)، وسهم لذي
القربى لهم، والثلاثة الباقية لليتامى والمساكين وابن السبيل (4). ولعل الأقرب
الأول.
وثانيهما: في المراد بذي القربى، فالمشهور بين الأصحاب أن المراد به
الإمام (عليه السلام) فله النصف من الخمس سهمان وراثة من النبي (عليه السلام) وسهم أصالة، ونقل
السيد المرتضى عن بعض أصحابنا أن سهم ذي القربى لا يختص بالإمام (عليه السلام) بل
هو لجميع قرابة الرسول (صلى الله عليه وآله) من بني هاشم (5) قال العلامة في المختلف: ورواه ابن
بابويه في المقنع ومن لا يحضره الفقيه وهو اختيار ابن الجنيد (6).
واعلم أن الآية الشريفة إنما تضمنت ذكر مصرف الغنائم خاصة، لكن اشتهر
بين الأصحاب الحكم بتساوي الأنواع في المصرف، بل ظاهر المنتهى والتذكرة أن
ذلك متفق عليه بين الأصحاب (7). والذي يقتضيه الدليل خروج خمس الأرباح

(1) في النسخ المتوفرة لدينا زيادة «المقصد الثامن» لكن من أول كتاب الخمس إلى هنا لا
يوجد ذكر من المقصد الأول، والثاني، والثالث... والمأسوف عليه افتقاد نسخة الأصل كتب:
الزكاة والخمس والصوم.
(2) مجمع البيان 4: 543 - 544.
(3) الانتصار: 86، الغنية: 130.
(4) لم نعثر على القائل كما في المسالك 1: 470 حيث قال: والقول الآخر مع شذوذه لا يعلم قائله.
(5) الانتصار: 87.
(6) المختلف 3: 327.
(7) المنتهى 1: 552 س 23، التذكرة 1: 254 س 26.
216

عن هذا الحكم واختصاصه بالإمام (عليه السلام)، وأما المعدن والكنز والغوص فللتأمل
والنظر فيها مجال، ولعل الأقرب القول بكون جميع المذكورات له (عليه السلام)، وهذا
يناسب القول بكون مطلق المعادن والبحار له (عليه السلام).
والمشهور بين الأصحاب أنه يعتبر في الطوائف الثلاثة انتسابهم إلى
عبد المطلب جد النبي (صلى الله عليه وآله)، وحكي عن ابن الجنيد أنه قال: وأما سهام اليتامى
والمساكين وابن السبيل وهي نصف الخمس فلأهل هذه الصفات من ذوي القربى
وغيرهم من المسلمين إذا استغنى عنها ذووا القربى، ولا يخرج من ذوي القربى ما
وجد فيهم محتاج إليها إلى غيرهم (1). والأول أقرب.
وأكثر أصحابنا على المنع من إعطاء بني المطلب من الخمس، وفيه خلاف
لابن الجنيد والمفيد في الرسالة العزية (2) والمشهور بين الأصحاب اشتراط كون
الانتساب إلى عبد المطلب بالابوة، فلو كانت امه هاشمية وأبوه من غير الهاشميين
منع منه، وخالف في ذلك السيد المرتضى فأجاز إعطاءه منه (3). والمسألة محل تردد.
واشترط العلامة في مستحق الخمس الإيمان (4). وتردد فيه بعضهم (5) وهو في
موضعه.
واختلف الأصحاب في جواز تخصيص النصف الذي لا يستحقه الإمام
بطائفة من الطوائف الثلاث، فالمشهور بين المتأخرين الجواز، وظاهر الشيخ في
المبسوط المنع (6). وعن أبي الصلاح أنه يجب إخراج شطر الخمس للإمام والشطر
الآخر للطوائف الثلاث كل صنف ثلث الشطر (7) وقول الشيخ لا يخلو عن قوة.
والمشهور بين الأصحاب أن الإمام يقسم الخمس بين الأصناف بقدر الكفاية
والفاضل للإمام والمعوز عليه، وخالف فيه ابن إدريس فقال: لا يجوز له أن يأخذ

(1) حكاه في المختلف 3: 330.
(2) نقله عنهما في المختلف 3: 329.
(3) المجموعة الرابعة (رسائل الشريف المرتضى): 328.
(4) المختلف 3: 332.
(5) الشرائع 1: 183.
(6) المبسوط 1: 262.
(7) الكافي في الفقه: 173 - 174.
217

فاضل نصيبهم ولا يجب عليه إكمال ما نقص لهم (1). وتوقف فيه العلامة في
المختلف (2). وهو في موقعه.
ويعتبر في اليتيم الفقر عند جماعة من الأصحاب (3). وذهب الشيخ وابن
إدريس إلى عدم اعتبار ذلك (4). وهو أقرب.
ويعتبر في ابن السبيل الحاجة عندنا لا في بلده، وقد مر الكلام فيه سابقا.
وذهب جماعة من الأصحاب منهم: العلامة إلى أنه لا يجوز نقل الخمس مع
وجود المستحق فيضمن (5) وجوز ابن إدريس النقل مع الضمان (6) واختاره الشهيد
الثاني (7). وهو قوي.
تتمة:
الأنفال يختص بالإمام (عليه السلام) بالانتقال من النبي (صلى الله عليه وآله) إليه، وهي كل أرض
موات، سواء ماتت بعد الملك أم لا، ولعل المرجع في معرفة الموات إلى العرف.
وعرفه بعضهم بأنه ما لا ينتفع به لعطلته إما لانقطاع الماء عنه أو لاستيلاء
الماء عليه أو لاستيجامه أو غير ذلك من موانع الانتفاع (8).
وكل أرض اخذت من الكفار من غير قتال، سواء انجلى أهلها أو سلموها طوعا.
ورؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام، وظاهر كلام الأصحاب اختصاص
هذه الأشياء الثلاثة بالإمام (عليه السلام) من غير تقييد.
وقال ابن إدريس: ورؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام التي ليست في
أملاك المسلمين بل التي كانت مستأجمة قبل فتح الأرض والمعادن التي في بطون
الأودية التي هي ملكه (عليه السلام) وكذلك رؤوس الجبال، فأما ما كان من ذلك في أرض
المسلمين ويد مسلم عليه فلا يستحقه (عليه السلام) بل ذلك في الأرض المفتوحة عنوة

(1) السرائر 1: 492 - 495.
(2) المختلف 3: 337.
(3) المختصر: 63، التنقيح 1: 342.
(4) المبسوط 1: 262، السرائر 1: 496.
(5) المنتهى 1: 552 س 5.
(6) السرائر 1: 496.
(7) المسالك 1: 428، 472.
(8) الشرائع 3: 271.
218

والمعادن التي في بطون الأودية مما هي له (1).
ورده الشهيد في البيان بأنه يفضي إلى التداخل وعدم الفائدة في ذكر
اختصاصه (عليه السلام) بهذين النوعين (2). ويظهر من المحقق الميل إلى قول ابن إدريس (3).
والمسألة محل تردد، فيمكن ترجيح المشهور نظرا إلى تكثر الروايات الواردة به
وإن لم يكن شيء منها نقي السند، ويمكن ترجيح القول الآخر قصرا في الحكم
المخالف للأصل على القدر المتيقن.
ومن الأنفال: صفايا الملوك وقطائعهم غير المغصوبة، وفسر الصفايا بما ينقل
من المال ويحول، والقطائع بالأرض، قال في المعتبر: ومعنى ذلك إذا فتحت أرض
من أهل الحرب فما كان يختص به ملكهم مما ليس بغصب من مسلم يكون للإمام،
كما كان للنبي (صلى الله عليه وآله) (4). ومثله في المنتهى (5) ويظهر من التذكرة إشعار بالاختصاص
بالأرضين (6) ومرسلة حماد بن عيسى ومضمرة سماعة (7) يقتضيان التعميم.
ويصطفي الإمام من الغنيمة ما شاء قبل القسمة كثوب وفرس وجارية
ونحوها.
وعد جماعة من الأصحاب كالشيخين والمرتضى وأتباعهم من الأنفال غنيمة
من قاتل بغير إذن الإمام (عليه السلام) (8). وادعى ابن إدريس الإجماع عليه (9). وقوى
العلامة في المنتهى مساواة ما يغنم بغير إذن الإمام لما يغنم بإذنه (10).
ومن الأنفال ميراث من لا وارث له، ونسبه في المنتهى إلى علمائنا أجمع (11).

(1) السرائر 1: 497.
(2) البيان: 222.
(3) المعتبر 2: 633.
(4) المعتبر 2: 633.
(5) المنتهى 1: 553 س 20.
(6) التذكرة 5: 440.
(7) الوسائل 6: 365 و 367، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 4 و 8.
(8) المقنعة: 279، النهاية 1: 451، ونقل قول السيد في المعتبر 2: 635 والقاضي في المهذب:
186.
(9) السرائر 1:، 497.
(10) المنتهى 1: 554 س 5.
(11) المنتهى 1: 553 س 32.
219

ويدل عليه بعض الروايات الصحيحة وغيرها (1).
وعد الشيخان المعادن من الأنفال (2). وهو قول الشيخ أبي جعفر الكليني
وشيخه علي بن إبراهيم بن هاشم، وسلار (3). واستوجه المحقق عدم الاختصاص
مما (4) يكون في أرض لا يختص بالإمام (عليه السلام) (5). ويدل على قول الشيخين موثقة
إسحاق بن عمار (6) والترجيح للعمل بها، لكونها معتبرة قد عمل بها جماعة
من القدماء.
وحكي عن المفيد أنه عد البحار أيضا من الأنفال (7). وهو قول الكليني (8) ولم
أعرف لذلك مستندا.
ثم الإمام إن كان ظاهرا تصرف فيما اختص به من الخمس والأنفال كيف
شاء، ولا يجوز لغيره التصرف في حقه إلا بإذنه، وإذا تصرف أحد في شيء من
ذلك بإذن الإمام (عليه السلام) بمقاطعته إياه على حصة معلومة كان عليه أداء ما قاطع عليه
ويحل له الباقي.
وإن كان الإمام غائبا ساغ لنا خاصة دون غيرنا من المخالفين للشيعة المناكح
والمساكن والمتاجر، والمراد بالمناكح الجواري التي تسبى من دار الحرب، فإنه
يجوز شراؤها ووطؤها وإن كانت بأجمعها للإمام (عليه السلام) إذا غنمت من غير إذنه
عند الأكثر.
وفي الدروس: ليس ذلك من باب تبعيض التحليل، بل تمليك للحصة، أو

(1) الوسائل 17: 547 و 549، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة، ح 1 و 8،
والوسائل 6: 365 و 369، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 4 و 14.
(2) المقنعة: 278، ونقل قول الشيخ في المعتبر 2: 634.
(3) الكافي 1: 538، تفسير القمي 1: 254، المراسم: 140.
(4) كذا، والأنسب «فيما». وفي المطبوع وخ 1: عدم اختصاص ما يكون.
(5) المعتبر 2: 635.
(6) الوسائل 6: 371، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 20.
(7) المقنعة: 278.
(8) الكافي 1: 538.
220

للجميع من الإمام (عليه السلام) (1). وفسرها بعض الأصحاب بمهر الزوجة وثمن السراري
من الربح (2) وهو يرجع إلى المؤنة المستثناة في وجوب الخمس في الأرباح،
ويظهر من الدروس استثناء مهر الزوجة من جميع ما يجب فيه الخمس (3). وعلى
هذا فلا يختص بالأرباح.
والعلامة في المنتهى نقل إجماع علمائنا على إباحة المناكح في حال ظهور
الإمام وغيبته (4) لكن حكينا خلافا في ذلك في الذخيرة (5).
وفسرت المساكن بما يتخذ منها فيما يختص بالإمام (عليه السلام) من الأرض أو من
الأرباح بمعنى أنه يستثنى من الأرباح مسكن فما زاد مع الحاجة (6) ومرجع الأول
إلى الأنفال المباحة في زمان الغيبة، والثاني إلى المؤنة المستثناة من الأرباح، ولا
يبعد أن يكون المراد بها ثمن المسكن مما فيه الخمس مطلقا.
وفسرت المتاجر بما يشترى من الغنائم المأخوذة من أهل الحرب في حال
الغيبة وإن كانت بأسرها أو بعضها للإمام (عليه السلام) (7) وفسرها ابن إدريس بشراء متعلق
الخمس ممن لا يخمس فلا يجب على المشتري إخراج الخمس إلا أن يتجر فيه
وتربح (8). وفسرها بعضهم بما يكتسب من الأرض والأشجار المختصة به (عليه السلام) (9).
وهو يرجع إلى الأنفال.
واعلم أن كلام الأصحاب في هذه الأبواب مختلفة، والكلام هاهنا يقع في
مواضع:
الأول: المناكح، والمشهور بين الأصحاب ثبوت الترخيص فيها للشيعة في
زمن الغيبة، وهو الصحيح.

(1) الدروس 1: 263.
(2) الروضة 2: 80.
(3) الدروس 1: 263.
(4) المنتهى 1: 555 س 7.
(5) الذخيرة: 491 س 1.
(6) التنقيح 1: 345.
(7) المسالك 1: 476.
(8) السرائر 1: 498.
(9) المهذب البارع 1: 569.
221

الثاني: المساكن والمتاجر، وألحقهما الشيخ بالمناكح (1). وتبعه على ذلك كثير
من المتأخرين (2) وظاهرهم تخصيص هذا الحكم بهذه الأشياء الثلاثة دون غيرها،
وهو مشكل بناء على تفسير المساكن والمتاجر بالمتخذة من أرض الأنفال، فإنه
خلاف ما صرحوا به من أن المحيي يملك الأرض الموات في زمان الغيبة، بل
ادعى بعض المتأخرين إطباق الأصحاب عليه (3).
وإن فسر المساكن والمتاجر بتفسير آخر فتخصيص الحكم بالثلاثة غير
مرتبط بحجة صحيحة، فإن الظاهر أن تعويلهم في هذا الباب على الأخبار الدالة
على إباحة حقوقهم للشيعة، كما يظهر من احتجاجاتهم، ولا اختصاص في تلك
الأخبار، فلا وجه للتخصيص.
الثالث: أرض الموات وما يجري مجراها، والظاهر أنه لا خلاف بينهم في
إباحة التصرف فيها للشيعة في زمان الغيبة، وهو الصحيح المرتبط بالدليل.
الرابع: سائر الأنفال غير الأرض، والأظهر إباحته للشيعة في زمان الغيبة،
للأخبار الكثيرة.
الخامس: الخمس في غير الأشياء الثلاثة، وللأصحاب اختلاف كثير في أمر
الخمس في زمان الغيبة.
والقول بإباحته فيه مطلقا لا يخلو عن قوة، لكن الأحوط عندي صرف
الجميع في الأصناف الموجودين بتولية الفقيه العدل الجامع لشرائط الإفتاء،
وينبغي أن يراعى في ذلك البسط بحسب الإمكان ويكتفي بمقدار الحاجة ولا
يزيد على مؤنة السنة، ويراعى الأعجز والأحوج والأرامل والضعفاء، والأولى أن
يقسم النصف أقساما ثلاثة يصرف كل ثلث في صنف من الأصناف الثلاثة.

(1) النهاية 1: 451.
(2) السرائر 1: 498، المهذب 1: 180، الجامع للشرائع: 150.
(3) المدارك 5: 424.
222

ونقل الشهيد الثاني إجماع القائلين بوجوب صرف حصة الإمام في الأصناف
على أنه لو فرقه غير الحاكم يعني الفقيه العدل الإمامي ضمن (1). ويلوح من كلام
المفيد في العزية جواز تولي المالك لذلك (2). والأول أحوط.

(1) المسالك 1: 476.
(2) نقله عنها المحقق في المعتبر 2: 641.
223

كتاب الصوم
225

كتاب الصوم
وهو من أشرف الطاعات وأفضل القربات. روى زرارة في الحسن عن
أبي جعفر (عليه السلام) قال: بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة والزكاة والحج
والصوم والولاية (1).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الصوم جنة من النار (2).
والأخبار الواردة في هذا الباب كثيرة.
وأفضل الصيام صوم شهر رمضان، فروي عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه
أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من صام شهر رمضان إيمانا واحتسابا وكف سمعه
وبصره ولسانه عن الناس قبل الله صومه وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر
وأعطاه ثواب الصابرين (3).
وفي الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما انصرف من عرفات وسار
إلى منى دخل المسجد فاجتمع إليه الناس يسألونه عن ليلة القدر فقام خطيبا فقال
بعد الثناء على الله عز وجل: أما بعد، فإنكم سألتموني عن ليلة القدر ولم أطوها
عنكم، لأني لم أكن عالما بها، اعلموا أيها الناس أنه من ورد عليه شهر رمضان

(1) الوسائل 1: 7، الباب 1 من أبواب مقدمة العبادات، ح 2.
(2) الوسائل 7: 289، الباب 1 من أبواب الصوم المندوب، ح 1.
(3) الوسائل 7: 118، الباب 11 من أبواب آداب الصائم، ح 7.
226

وهو صحيح سوي فصام نهاره وقام وردا من ليله وواظب على صلاته وهاجر إلى
جمعته وغدا إلى عيده فقد أدرك ليلة القدر وفاز بجائزة الرب عز وجل. وقال
أبو عبد الله (عليه السلام): فاز والله بجوائز ليست كجوائز العباد (1).
والنظر في هذا الكتاب في ماهية الصوم وأقسامه ولواحقه، فهاهنا مباحث:
المبحث الأول
الصوم هو الإمساك المعين من طلوع الفجر الثاني إلى المغرب، ويتحقق
بذهاب الحمرة المشرقية على المشهور بين المتأخرين، والأقرب عندي أنه
يتحقق باستتار القرص كما هو مذهب جماعة من الأصحاب (2).
ويجب الإمساك في الزمان المذكور عن الأكل والشرب المعتاد بلا خلاف في
ذلك، وأما غير المعتاد كالتراب والحجر والحصى والخزف والبرد وماء الشجر
والفواكه وماء الورد فاختلف فيه الأصحاب، فالمشهور بينهم وجوب الإمساك
عنه ووجوب القضاء والكفارة بفعله.
ونقل عن السيد المرتضى أنه قال: الأشبه أنه ينقص الصوم ولا يبطله (3). وهو
المنقول عن ابن الجنيد أيضا (4). وقيل: إنه يوجب القضاء خاصة (5). واليقين بالبراءة
من التكليف الثابت يقتضي الإمساك عنه، لكن في ثبوت القضاء والكفارة بفعله
إشكال.
ويجب الإمساك عن الجماع قبلا بلا خلاف في ذلك، وأما الوطء في الدبر
فإن كان مع الإنزال فهو حرام مفسد للصوم موجب للقضاء والكفارة، لا أعرف

(1) الوسائل 7: 219، الباب 18 من أبواب أحكام رمضان، ح 1.
(2) الاستبصار 1: 265، علل الشرائع: 350.
(3) جمل العلم والعمل (المجموعة الثالثة): 54.
(4) كما في المختلف 3: 387.
(5) نقله المرتضى عن بعض الأصحاب في جمل العلم والعمل (المجموعة الثالثة): 55.
227

خلافا فيه، وإن كان بدون الإنزال فالمعروف أنه كذلك، حتى نقل الشيخ في
الخلاف إجماع الفرقة عليه (1). ويظهر من كلامه في المبسوط تردد في هذا
الحكم (2). والمسألة محل تردد وإن كان للمشهور رجحان ما.
والمشهور بين الأصحاب أن وطء دبر الغلام أيضا مفسد للصوم، وتردد فيه
في المعتبر (3). وكلام بعض الأصحاب حيث قيد بتمام الحشفة (4) يقتضي عدم
الإفساد بالجماع إذا لم يدخل تمام الحشفة، ولا أعرف دليلا على هذا التحديد، إلا
أن تثبت المساواة بين إفساد الصوم ووجوب الغسل، وللتأمل فيه مجال، وكثير من
عبارات الأصحاب خال عن هذا التقييد.
والمشهور بين الأصحاب أن البقاء على الجنابة متعمدا حتى يطلع الفجر حرام
مفسد للصوم موجب للقضاء والكفارة. ونقل ابن إدريس إجماع الفرقة على أنه
مفسد للصوم (5). وقال ابن أبي عقيل: يجب عليه القضاء خاصة (6).
ونقل عن الصدوق في المقنع أنه قال: سأل حماد بن عثمان أبا عبد الله (عليه السلام)
عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل وأخر الغسل إلى أن يطلع الفجر؟
فقال له: قد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجامع نساءه من أول الليل ويؤخر الغسل حتى
يطلع الفجر، ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب يقضي يوما مكانه (7).
قيل: وعادته أنه يفتي بما ينقل في ذلك الكتاب (8) والمسألة عندي محل تردد.
وهل يختص الحكم المذكور برمضان؟ فيه تردد، ولا يبعد أن يقال: قضاء
رمضان ملحق بأدائه، بل أنه لا ينعقد ممن أصبح جنبا كما قاله الفاضلان
وغيرهما (9) وإطلاق النص وكلامهم يقتضي عدم الفرق بين من أصبح في النومة

(1) الخلاف 2: 190، المسألة 41.
(2) المبسوط 1: 270.
(3) المعتبر 2: 654.
(4) الإرشاد 1: 296.
(5) السرائر 1: 377.
(6) كما في المختلف 3: 407.
(7) المقنع: 60.
(8) المدارك 6: 53.
(9) المعتبر 2: 656، المنتهى 2: 566 س 37، المدارك 6: 56.
228

الاولى أو الثانية وفي القضاء بين الموسع والمضيق.
واحتمل الشهيد الثاني جواز القضاء مع التضييق لمن لم يعلم الجنابة حتى
أصبح (1). وما عدا صوم رمضان من الصوم الواجب فالإشكال فيه ثابت، والظاهر
عدم توقف الصوم المندوب على الغسل مطلقا.
وهل حكم الحيض كالجنابة؟ فيه تردد، وتحصيل البراءة اليقينية يقتضي
اعتبار الاغتسال، لكن لا يلزم من ذلك القضاء والكفارة.
وهل يجب التيمم على المجنب وذات الدم عند تعذر الماء؟ فيه قولان
أحوطهما ذلك، وعلى تقدير وجوب التيمم هل يجب البقاء عليه وعدم النوم إلى
أن يطلع الفجر؟ قيل: نعم (2). وقيل: لا (3). ولعل الترجيح للأول.
والمشهور بين الأصحاب أن النومة الاولى بعد الجنابة ناويا للغسل ليس
بمحظور ولا موجب للقضاء، وذهب المحقق في موضع من المعتبر إلى أنه يجب
عليه القضاء (4). وينبغي أن لا يترك الاحتياط في المسألة.
والمشهور أنه إذا نام غير ناو للغسل [حتى أصبح] (5) فعليه القضاء والكفارة،
ومذهب الشيخين وجماعة من الأصحاب وجوب الكفارة في معاودة النوم بعد
انتباهتين (6). وذهب جماعة من الأصحاب ومنهم العلامة في المنتهى إلى عدم
وجوب الكفارة فيها (7). وهو أقرب.
وفي وجوب الإمساك عن إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق خلاف، والأقرب
عندي أنه غير مفسد للصوم، والمحقق في الشرائع لم يقيد الغبار بكونه غليظا. وقد
صرح الأكثر بالتقييد، وهو غير بعيد قصرا للحكم على موضع الوفاق. والمشهور أن
الوقوف في الغبرة مختارا لا يوجب القضاء خلافا لأبي الصلاح (8) والأول أقرب.

(1) الروضة 2: 116 - 117.
(2) حكاه في المدارك 6: 58.
(3) مجمع الفائدة 5: 48.
(4) المعتبر 2: 706.
(5) لم يرد في المطبوع وخ 1.
(6) المقنعة: 347، المبسوط 1: 271.
(7) المنتهى 2: 606 س 13.
(8) الكافي في الفقه: 183.
229

وأكثر المتأخرين ألحقوا بالغبار الدخان الغليظ الذي يحصل منه أجزاء
ويتعدى إلى الحلق كبخار القدر ونحو ذلك، وأنكره بعضهم (1). وهو حسن.
ويجب الإمساك أيضا عن الاستمناء، وفسر الاستمناء بأنه طلب الإمناء بفعل
غير الجماع مع حصوله، وأما طلب الإمناء مطلقا فليس بمفسد للصوم وإن كان
محرما. والظاهر أنه لا خلاف في أن الاستمناء مفسد للصوم، قال في المعتبر:
ويفطر بإنزال الماء بالاستمناء والملامسة والقبلة اتفاقا (2). ونحوه في التذكرة
والمنتهى (3). والأصل فيه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني؟ قال: عليه من
الكفارة مثل ما على الذي يجامع (4). ويؤيدها أخبار اخر، والرواية لا تنهض
بالدلالة على عموم الدعوى.
وقد أطلق الفاضلان وغيرهما أن الإمناء الحاصل عقيب الملامسة مفسد
للصوم (5). واستشكله بعض المتأخرين خصوصا إذا كانت الملموسة محللة ولم
يقصد بذلك الإمناء ولا كان من عادته ذلك (6). والوجه ما ذكره الأصحاب،
لصحيحة عبد الرحمن، إذ لا اختصاص لها بالاستمناء.
واختلفوا فيما إذا كرر النظر فأمنى، فذهب جماعة منهم إلى أنه لا يجب عليه
قضاء ولا كفارة وقيل: من نظر إلى ما لا يحل النظر إليه بشهوة فأمنى فعليه
القضاء (7). واستقرب العلامة في المختلف وجوب القضاء والكفارة مطلقا إن قصد
الإنزال، ووجوب القضاء خاصة إن لم يقصد (8).
واختلفوا في تعمد القيء، فذهب الأكثر إلى أنه موجب للقضاء خاصة، وقال

(1) المدارك 6: 53.
(2) المعتبر 2: 654.
(3) التذكرة 6: 24، المنتهى 2: 564 س 10.
(4) الوسائل 7: 25 الباب 4 من أبواب ما يمسك الصائم، ح 1.
(5) المعتبر 2: 654، التذكرة 6: 24.
(6) المدارك 6: 61.
(7) المبسوط 1: 272.
(8) المختلف 3: 425.
230

ابن إدريس: إنه لا يوجب قضاء ولا كفارة، إلا أنه محرم. وقيل: إنه موجب للقضاء
والكفارة (1). والمسألة محل إشكال.
والمشهور أنه لو ذرعه القيء فلا شيء عليه، ونقل بعضهم الاتفاق عليه (2).
وفيه خلاف لابن الجنيد (3) يدفعه الأخبار.
واختلفوا في الحقنة، فمنهم من قال: إنها يفسد الصوم وأطلق (4). ومنهم من
قال: إنها لا يجوز للصائم وأطلق (5). ومنهم من قال: إنها يوجب القضاء والكفارة (6).
ومنهم من قال: إنها تنقص الصوم ولا يبطله (7). ومنهم من كره الحقنة بالجامدات
وحرم بالمائعات من غير إيجاب كفارة ولا قضاء (8). ومنهم من كره بالجامد
وأوجب القضاء بالمائع (9). ومنهم من أوجب بها القضاء ولم يفصل (10). ومنهم من
استحب الامتناع منها (11). والأقرب أنها مكروهة غير موجبة للقضاء.
ولو صب الدواء في إحليله فوصل إلى جوفه فالأشهر الأقرب أنه لا يفطر،
وفي المبسوط: أنه يفطر (12).
ولو داوى جرحه فوصل الدواء إلى جوفه فالأكثر على عدم الإفطار، واستقرب
العلامة في المختلف الإفطار (13) تعويلا على حجة ضعيفة. والمعتمد الأول.
والأشهر الأقرب أن تقطير الدواء في الاذن غير مفطر، خلافا لأبي
الصلاح (14).
وإذا أجنب ثم نام وانتبه ثم نام ثانيا ولم يستيقظ حتى يطلع الفجر فالمشهور

(1) السرائر 1: 387.
(2) المدارك 6: 98.
(3) حكاه في المختلف 3: 421.
(4) المقنعة: 344.
(5) منهم ابن بابويه نقله عنه في المختلف 3: 412.
(6) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) المجموعة الثالثة: 54.
(7) المسالك 2: 19.
(8) النهاية 1: 399.
(9) الجمل والعقود: 112 و 113.
(10) الكافي في الفقه: 183.
(11) حكاه في المختلف 3: 413.
(12) المبسوط 1: 273.
(13) المختلف 3: 415.
(14) الكافي في الفقه: 183.
231

بينهم أن عليه القضاء، سواء نام بنية الغسل أم لا، وبعضهم حكم بتحريم النومة
الثانية (1). والعلامة في المنتهى لم يحرم النومة الثانية ولا الثالثة وأوجب بهما
القضاء (2). واختاره بعض المتأخرين (3).
تتمة:
لا أعلم خلافا بين الأصحاب في جواز الإفطار بالظن الحاصل ببقاء الليل مع
عدم مراعاة الفجر، بل قيل: لا خلاف في جواز فعل المفطر مع الظن الحاصل من
استصحاب بقاء الليل بل مع الشك في طلوع الفجر (4)، وإن لم يثبت الإجماع على
الحكم المذكور كان للتأمل فيه مجال.
إذا عرفت هذا فاعلم أنه إذا أفطر في الصورة المذكورة مع القدرة على
المراعاة، ثم تبين أن الفجر كان طالعا، لم يكن عليه كفارة ويتم يومه وعليه القضاء
عند الأصحاب، ومستنده روايتان دلالتهما على الوجوب غير واضحة، ولا يبعد
استخراج ذلك منهما بمعونة الشهرة وعمل الأصحاب، والروايتان مختصتان
بالأكل والشرب، وفي كثير من عبارات الأصحاب ورد الحكم المذكور في صورة
الظن بعدم طلوع الفجر وهو يقتضي أن لا يكون حكم الشك كذلك، وكثير من
عباراتهم يشمل صورة الشك أيضا والروايتان مطلقتان.
والظاهر عدم الفرق بين صورة الظن وصورة الشك في ثبوت القضاء وعدم
لزوم الكفارة، وفي الإباحة تأمل.
والمشهور بينهم تقييد الحكم المذكور بصورة القدرة على المراعاة، فينتفي
عند عدمها وجوب القضاء، والظاهر أن الأمر كذلك ويستفاد من كلام العلامة
وغيره من الأصحاب انتفاء القضاء إذا تناول المفطر بعد المراعاة أي بعد الظن
المستند إلى المراعاة. ويدل عليه الأخبار واستظهر بعض المتأخرين إلحاق

(1) المسالك 2: 18.
(2) المنتهى 2: 577 س 25.
(3) المدارك 6: 61.
(4) المدارك 6: 91.
232

الواجب المعين بصوم رمضان (1). وهو غير بعيد.
ويجب القضاء أيضا فقط بالإفطار لإخبار الغير بعدم الطلوع مع القدرة على
المراعاة مع طلوعه، ولا فرق بين المخبر الواحد والمتعدد، واستقرب بعض
المتأخرين سقوط القضاء لو كان المخبر عدلين (2). وهو حسن، بل إثبات وجوب
القضاء في صورة إخبار العدل الواحد أيضا محل تأمل. ويجب أيضا القضاء
بالإفطار مع الإخبار بطلوعه لظن كذبه والقدرة على المراعاة مع طلوعه.
واستقرب العلامة والشهيدان وجوب القضاء والكفارة لو كان المخبر
عدلين (3). وللتأمل فيه مجال.
قالوا: ويجب القضاء بالإفطار للإخبار بدخول الليل ثم يظهر الفساد ولا يبعد
أن يقال: إن حصل الظن بإخبار المخبر اتجه سقوط القضاء والكفارة، لصحيحة
زرارة (4) ولا يبعد انتفاء الإثم أيضا، وإلا فالظاهر ترتب الإثم، فإن مقتضى الأمر
بالصيام إلى الليل وجوب تحصيل العلم أو الظن بالامتثال وهو منتف في الفرض
المذكور، وأما وجوب القضاء ففيه تأمل.
وإطلاق كلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين كون المخبر واحدا أو متعددا،
ولا بين كونه فاسقا أو عادلا.
وقطع المدقق الشيخ علي بأنه لو شهد بالغروب عدلان ثم بان كذبهما فلا شيء
على المفطر وإن كان ممن لا يجوز له التقليد، لأن شهادتهما حجة شرعية (5).
واستشكل ذلك بانتفاء ما يدل على جواز التعويل على البينة على وجه
العموم، خصوصا في موضع يجب فيه تحصيل اليقين، وهو حسن إلا أن في جعل
محل البحث مما يجب فيه تحصيل اليقين تأملا، لدلالة صحيحة زرارة على جواز

(1) المدارك 6: 93.
(2) المقاصد 3: 66.
(3) المنتهى 2: 578 س 24، الدروس 1: 273، المسالك 2: 25.
(4) الوسائل 7: 88 الباب 51 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، ح 2.
(5) جامع المقاصد 3: 65.
233

الاكتفاء بالظن، وحينئذ فالظاهر التعويل على شهادتهما إلا مع عدم الظن
بشهادتهما.
ويجب القضاء أيضا بالإفطار للظلمة الموهمة دخول الليل، قال بعض
أصحابنا المتأخرين: لا خلاف بين علمائنا ظاهرا في جواز الإفطار عند ظن
الغروب إذا لم يكن للظان طريق إلى العلم (1). وما ذكره من نفي الخلاف غير
واضح، فإن أكثر عباراتهم خال عن التصريح بذلك.
وقال العلامة في التذكرة: الأحوط للصائم الإمساك عن الإفطار حتى يتيقن
الغروب، لأصالة بقاء النهار فيستصحب إلى أن يتيقن خلافه، ولو اجتهد وغلب
على ظنه دخول الليل فالأقرب جواز الأكل (2). وظاهره وجود الخلاف في الحكم
المذكور، وما قربه متجه، لظاهر صحيحة زرارة.
واختلفوا في وجوب القضاء إذا أفطر في الصورة المذكورة ثم انكشف فساد
ظنه، فذهب الشيخ والصدوق وابن البراج إلى عدم الوجوب (3). وذهب الأكثر إلى
الوجوب، ويظهر من كلام ابن إدريس الاستفصال بين مراتب الظن (4) وهو ضعيف،
والأقرب الأول.
وكل موضع تعلق فيه حكم القضاء أو الكفارة أو الإثم بالواطئ انسحب في
الموطوء أيضا.
ويحرم وطء الدابة بلا خلاف في ذلك، وفي وجوب القضاء والكفارة به
قولان، ففي المبسوط: أنه موجب للقضاء والكفارة (5). وفي الخلاف: أن عليه
القضاء والكفارة مع الإنزال والقضاء حسب مع عدمه (6).
ومطلق الكذب غير مفسد للصوم وإن كان حراما، واختلفوا في الكذب على

(1) المدارك 6: 95.
(2) التذكرة 6: 74.
(3) النهاية 1: 398، الفقيه 2: 121، المهذب 1: 192.
(4) السرائر 1: 377.
(5) المبسوط 1: 270.
(6) الخلاف 2: 191، المسألة 42.
234

الله ورسوله والأئمة (عليهم السلام) فذهب الشيخان والمرتضى إلى أنه مفسد للصوم موجب
للقضاء والكفارة (1). وذهب جماعة من الأصحاب إلى أنه لا يفسد الصوم، ولي في
المسألة تردد.
واختلفوا في الارتماس في الماء، فقيل: إنه يوجب القضاء والكفارة (2). وقيل:
إنه لا يوجب شيئا منهما (3). وعن أبي الصلاح أنه يوجب القضاء خاصة (4). وذهب
جماعة إلى أنه محرم ولا يوجب قضاء ولا كفارة (5). وقيل: إنه مكروه (6). وعن ابن
أبي عقيل أنه ليس بمكروه (7). والمستفاد من الأخبار رجحان ترك الارتماس
للصائم (8). ولا يبعد القول بالتحريم، ولا دليل على ثبوت الكفارة والقضاء.
والمراد بالارتماس غمس الرأس في الماء وإن كان البدن خارج الماء كما هو
مقتضى الروايات، وتنظر في الدروس في إلحاق غمس الرأس دفعة في الماء
بالارتماس (9). وذكر بعض الأصحاب أنه يعتبر فيه كونه دفعة عرفية، فلو غمس
رأسه على التعاقب لم يتعلق به التحريم (10). وفيه تأمل.
نعم لو أدخل جزءا من الرأس ثم أخرجه وأدخل جزءا آخر بحيث لا يحصل
الأجزاء جميعا في الماء اتجه عدم التحريم، ولعل هذا مقصود من نفى التحريم في
صورة التعاقب، واحتمل بعض الأصحاب تعلق التحريم بغمس المنافذ كلها دفعة وإن
كانت منابت الشعر خارجة من الماء (11). وهو حسن إن صدق عليه الارتماس عرفا.

(1) المقنعة: 344، المبسوط 1: 270، الانتصار: 62.
(2) الانتصار: 62.
(3) السرائر 1: 276.
(4) الكافي في الفقه: 183.
(5) الاستبصار 2: 85، وقواه في المختلف 3: 401، المدارك 6: 48 و 88.
(6) حكاه عن السيد المرتضى في المعتبر 2: 656.
(7) حكاه في المختلف 3: 400.
(8) الوسائل 7: 22 الباب 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم.
(9) الدروس 1: 278.
(10) المدارك 6: 50.
(11) المدارك 6: 50.
235

وظاهر إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في الحكم المذكور
بين صوم النافلة والفريضة. والوجه أنه إن قلنا بكونه مفسدا جاز فعله في صوم
النافلة كغيره من المفطرات، وإن قلنا بالتحريم خاصة احتمل التحريم في صوم
النافلة كالتكفير في الصلاة المندوبة ويحتمل الإباحة، والوجه عندي جواز فعله
في صوم النافلة.
يكره تقبيل النساء ولمسهن وملاعبتهن ممن يحرك اللمس ونحوه شهوته
على الأقرب، ومنهم من أطلق (1).
والظاهر كراهة الاكتحال بكل ما له طعم يصل إلى الحلق أو كان فيه مسك.
ويكره إخراج الدم ودخول الحمام المضعفان.
ويكره السعوط بما لا يتعدى الحلق على الأشهر الأقرب، وقال ابن بابويه في
من لا يحضره الفقيه: لا يجوز للصائم أن يتسعط (2). وأوجب المفيد وسلار القضاء
والكفارة (3). ومنهم من أوجب القضاء خاصة. وشم الرياحين خصوصا النرجس،
والريحان كل نبت طيب الريح.
ويكره له بل الثوب على الجسد، وجلوس المرأة في الماء على الأشهر الأقرب،
وعن أبي الصلاح إذا دخلت المرأة في الماء إلى وسطها لزمها القضاء (4) وعن ابن
البراج إيجاب الكفارة أيضا (5). ومجرد التمضمض فيه غير مفطر بلا خلاف، ولو
دخل الماء حلقه فإن كان متعمدا لزمه القضاء والكفارة. وإن لم يقصد ذلك بل
ابتلعه بغير اختياره فقيل: إن كان للصلاة فلا قضاء عليه ولا كفارة، وإن كان للتبرد
أو للعبث وجب عليه القضاء خاصة (6). وقيل: يختص القضاء بصورة قصد التبرد (7).
وعن طائفة منهم الميل إلى أنه إن كان توضأ لنافلة أفطر، وإن كان لفريضة فلا (8).

(1) السرائر 1: 389.
(2) الفقيه 2: 112.
(3) المقنعة: 344، المراسم: 98.
(4) الكافي في الفقه: 183.
(5) المهذب 1: 192.
(6) الإرشاد 1: 297.
(7) السرائر 1: 275.
(8) انظر المسالك 2: 31.
236

وصرح الشيخ في الاستبصار بعدم جواز التمضمض للتبرد (1). وكلام المنتهى
يدل على تحريم التمضمض للتبرد والعبث (2). والأقرب نظرا إلى الأخبار عدم
البأس بالتمضمض وعدم لزوم القضاء والكفارة، لكن يظهر من المنتهى: اتفاق
علمائنا على القضاء فيما إذا كان للتبرد أو للعبث (3). وهو في العبث خلاف ما صرح
به في غيره (4). وإن كان وضوؤه لصلاة نافلة فلا يبعد القول باستحباب القضاء،
والعلامة في التذكرة ألحق سبق الماء إلى الحلق عند غسل الفم من النجاسة، وكذا
عند غسله من أكل الطعام بالمضمضة (5).
ولو ابتلع بقايا الغذاء عامدا فالمشهور أنه يكفر، وإن كان سهوا فالمشهور أنه
لا شيء عليه، سواء قصر في التخليل أم لا; وقيل: إن المقصر في التخليل يجب
عليه القضاء (6). وهو ضعيف.
ولا يفسد الصوم بمص الخاتم وغيره، واختلفوا فيما له طعم كالعلك إذا تغير
الريق بطعمه ولم ينفصل منه أجزاء فابتلعه الصائم، فحرمه الشيخ في النهاية (7).
وذهب جماعة إلى الكراهة (8). وهو أقرب.
ويجوز مضغ الطعام للصبي وزق الطير، ولو مضغ الصائم شيئا فسبق شيء منه
إلى الحلق بغير اختياره فالظاهر عدم الإفساد وعدم لزوم القضاء، وفيه خلاف
للمنتهى (9).
ولا كراهية في استنقاع الرجل في الماء ولا يفسد.
واختلفوا في ابتلاع النخامة والمسترسل من الفضلات من الدماغ، ففيه أقوال
ثلاثة:

(1) الاستبصار 2: 94.
(2) المنتهى 2: 579 س 25.
(3) المنتهى 2: 579 س 25.
(4) الإرشاد 2: 297.
(5) التذكرة 6: 68.
(6) المسالك 1: 33.
(7) النهاية 1: 399.
(8) المبسوط 1: 273، السرائر 1: 389، المدارك 6: 107.
(9) المنتهى 2: 568 س 29.
237

الأول: جواز ابتلاع ما يخرج من الصدر ما لم ينفصل عن الفم والمنع من
ابتلاع الآخر وإن لم يصل إلى الفم.
الثاني: جواز ابتلاعهما ما لم يصل إلى الفم والمنع إذا وصل إليه.
الثالث: جواز اجتلاب النخامة من الرأس والصدر وابتلاعهما ما لم ينفصلا
عن الفم.
والظاهر عندي عدم الإفساد إذا لم يصلا إلى الفم، لعدم صدق الأكل عليه،
وأما إذا وصل شيء منهما إلى الفم فابتلعه ففي الإفساد توقف، للشك في صدق
الأكل عليه، ومقتضى الشك الاجتناب تحصيلا للبراءة اليقينية، لكن لا يلزم
الكفارة والقضاء.
ولا يفسد الصوم بفعل المفطر سهوا، وإطلاق النصوص وكلامهم يقتضي عدم
الفرق بين الصوم الواجب والمندوب، وصوم رمضان وقضائه، والواجب بالنذر
وإن كان غير معين. وفي الجاهل بالحكم خلاف، فذهب الأكثر إلى أنه كالعالم في
وجوب القضاء والكفارة (1). وقيل: لا شي عليه (2) وقيل: يجب عليه القضاء دون
الكفارة (3) والمسألة محل تردد.
ووجور المفطر في حلق الصائم ليس بمفطر، وفي معناه الإكراه بحيث يرتفع
القصد. أما لو أكرهه لا على هذا الوجه، بل بالتوعد بالضار مع حصول الظن به
فاختلفوا في حصول الإفطار، والأكثر على العدم، خلافا للشيخ (4). والأول أقرب.
وفي معنى الإكراه الإفطار للتقية. والظاهر أنه يكفي في الجواز الظن بحصول
الضرر، بل لا يبعد أن يكفي في الجواز حصول الخوف الشديد بالضرر وإن كان
ناشئا من الجبن وإن لم يحصل الظن بل مجرد الاحتمال، وهو قوي جدا إن كان
الخوف على النفس وما يجري مجراها.

(1) الشرائع 1: 190، الإرشاد 1: 298، المدارك 6: 66.
(2) السرائر 1: 386.
(3) المعتبر 2: 662.
(4) المبسوط 1: 273.
238

وناسي غسل الجنابة من أول الشهر إلى آخره يقضي الصلاة والصوم على
الأشهر. وقال ابن إدريس بعدم وجوب قضاء الصوم عليه (1).
تجب الكفارة في إفساد صوم رمضان وقضائه بعد الزوال على المشهور،
وعن الشيخ وجوب الكفارة إذا كان الإفطار بعد العصر دون ما إذا كان قبله (2).
وعن ابن أبي عقيل عدم وجوب الكفارة فيه (3). وهو قوي.
واعلم أن الأصحاب قطعوا بأنه يحرم الإفطار لقاضي رمضان بعد الزوال، لا
أعلم خلافا في ذلك بينهم، وبعض الأخبار يدل على خلافه; واختلفوا فيما قبل
الزوال، فذهب الأكثر إلى الجواز، وعن ظاهر ابن أبي عقيل المنع (4). والأول أقرب
ويحرم الإفطار قبل الزوال إذا ضاق الوقت، لكن لا تجب به الكفارة.
ولا يلحق بقضاء شهر رمضان غيره من الواجبات الموسعة على الأشهر الأقرب،
وحكي عن أبي الصلاح أنه أوجب المضي في كل صوم واجب بالشروع فيه (5).
والمشهور أنه يجب الكفارة في النذر المعين وشبهه كاليمين والعهد خلافا
لابن أبي عقيل حيث أوجب القضاء دون الكفارة (6). والمشهور أنه تجب الكفارة
في الاعتكاف الواجب، وعن ابن أبي عقيل الحكم بسقوطها فيما عدا رمضان (7).
واختلفوا في الكفارة في رمضان، فذهب جماعة من الأصحاب إلى التخيير
بين عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا (8). وذهب ابن أبي
عقيل إلى الترتيب (9); وهو المنقول عن السيد المرتضى في أحد قوليه (10).
وذهب ابن بابويه إلى وجوب الثلاث في الإفطار بالمحرم وواحدة في

(1) السرائر 1: 407.
(2) الاستبصار 2: 121.
(3) حكاه في المختلف 3: 453 و 556.
(4) حكاه في المختلف 3: 556.
(5) الكافي في الفقه: 184.
(6) حكاه في المختلف 3: 453.
(7) حكاه في المختلف 3: 594.
(8) المبسوط 1: 271، الانتصار: 69، الكافي في الفقه: 183.
(9) حكاه في المختلف 3: 438.
(10) نقله في المختلف 3: 439.
239

المحلل (1). وهو قول الشيخ في كتابي الأخبار (2). والأقرب أنه إن كان الإفطار
بمحلل فالواجب أحد الثلاث على سبيل التخيير وإن كان بمحرم ففي المسألة إشكال.
والمشهور أن مقدار ما يعطى لكل فقير مد، وقيل: مدان (3). والأول أقرب.
والظاهر عدم الفرق بين الحنطة والشعير والتمر والزبيب في الحكم المذكور.
والقائلون بوجوب الكفارة بإفطار قضاء رمضان بعد الزوال اختلفوا، فذهب
الأكثر إلى أنها إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد، ومع العجز فصيام ثلاثة
أيام، وقيل: إنها كفارة يمين (4). وقيل: إنها صيام ثلاثة أيام أو إطعام عشرة
مساكين (5). وقال ابنا بابويه: إنها كفارة رمضان (6). والأقرب على القول بوجوب
الكفارة القول الأول.
والمنفرد برؤية الهلال (7) كفر إذا أفطر وإن ردت شهادته.
وتكرر بتكرر الموجب في يومين مطلقا لا أعلم فيه خلافا، واختلفوا في
تكررها بتكرر الموجب في يوم واحد، فذهب جماعة منهم الشيخ والمحقق إلى
أنه لا يتكرر (8). وعن المرتضى: يتكرر بتكرر الوطء. وعن ابن الجنيد: إن كفر عن
الأول كفر ثانيا وإلا فواحدة (9). وذهب العلامة في القواعد والمختلف إلى أنها إنما
تتكرر مع تغاير الجنس أو تخلل التكفير حسب (10) وذهب بعضهم إلى تعدد الكفارة
بتعدد السبب مطلقا (11). والأقرب عندي مختار الشيخ.
ولو أفطر ثم سقط الفرض باقي النهار إما بفعل اختياري كالسفر أم لا
كالحيض فاختلف الأصحاب فيه، والأشهر الأقرب عدم السقوط، وقيل: يسقط;

(1) الفقيه 2: 118.
(2) التهذيب 4: 205، الاستبصار 2: 97.
(3) المبسوط 1: 271.
(4) السرائر 1: 410.
(5) النهاية 1: 407.
(6) نقله عن ابن بابويه في السرائر 1: 410، المقنع: 200.
(7) أي هلال رمضان.
(8) المبسوط 1: 274، المعتبر 2: 680.
(9) نقله عنهما في المعتبر 2: 680.
(10) القواعد 1: 376، المختلف 3: 450.
(11) جامع المقاصد 3: 70.
240

واختاره العلامة (1).
ولو انكشف بعد الإفطار كون ذلك اليوم من شوال فالظاهر سقوط الكفارة.
والمشهور أن المكره لزوجته بالجماع يتحمل عنها الكفارة وصومها صحيح.
ولو طاوعته فسد صومها أيضا وكفرت، وعن ظاهر ابن أبي عقيل أنه أوجب على
الزوج مع الإكراه كفارة واحدة (2). ومستند الأول رواية ضعيفة، لكن الحكم بها
مشهور حتى أن الفاضلين ذكرا أن أصحابنا ادعوا الإجماع على هذا الحكم (3).
وقد يجتمع الكراهة والمطاوعة ابتداء واستدامة فيلزم ثبوت مقتضاهما.
ولا فرق بين الدائمة والمتمتع بها، نظرا إلى إطلاق النص، وفي التحمل عن
الأجنبية المكرهة قولان، أقربهما العدم. وتبرع الحي بالتكفير يبرئ الميت على
الأصح. وفي جواز التبرع عن الحي أقوال أقربها العدم.
خاتمة
في بعض الامور المتعلقة بالنية
وفيه مسائل:
الاولى: اختلف الأصحاب في أنه هل يكفي في رمضان نية أنه يصوم غدا
متقربا من غير اعتبار نية التعيين؟ فذهب المحقق إلى أنها يكفي (4). وهو المنقول
عن الشيخ (5). وذهب بعضهم إلى خلافه (6). والاحتياط فيه.
واختلفوا أيضا في اشتراط نية التعيين في نية صوم النذر المعين، والظاهر عدم
الفرق بين كون النذر معينا ابتداءا وبين كونه مطلقا ابتداءا ثم نذر تعيينه، وقيل
بالفرق بينهما (7) تعويلا على توجيه ضعيف. وهل يعتبر في النية الوجه من الوجوب

(1) المختلف 3: 452.
(2) حكاه في المدارك 6: 118.
(3) المعتبر 2: 681، المنتهى 2: 571 س 6.
(4) الشرائع 1: 187.
(5) الجمل والعقود: 109.
(6) المسالك 2: 7.
(7) حكاه في المدارك 6: 19.
241

أو الندب؟ فيه قولان.
ولابد في غير المتعين كالقضاء والنذر والكفارة من نية التعيين، وعن الشهيد
في بعض تحقيقاته إلحاق المندوب مطلقا بالمتعين، لتعين الصوم شرعا في جميع
أيام السنة (1) واستحسنه الشهيد الثاني (2). وهو حسن.
الثانية: لا أعلم خلافا واضحا بين الأصحاب في صلاحية كل جزء من الليل
لإيقاع نية الصيام فيه، وحكي عن السيد المرتضى أنه قال: ووقت النية في الصيام
الواجب من قبل طلوع الفجر إلى الزوال (3). وحمل على أن المراد وقت التضيق،
والمشهور بين أصحابنا المتأخرين أنه يجب تبييت النية في الليل قبل طلوع الفجر
أو استحضارها عند أول جزء من النهار بحيث يقع في آخر جزء من الليل (4).
وحكي عن ابن أبي عقيل أنه حكم بتبييت النية (5). وعن المفيد: يجب لمكلف
الصيام أن يعتقده قبل دخول وقته (6).
ولا أعلم خلافا بين أصحابنا في عدم جواز تأخير النية اختيارا من أول
طلوع الفجر، سوى ظاهر كلام المرتضى وما نقل عن ابن الجنيد (7).
والمشهور أن الناسي يجدد النية إلى الزوال، فإن زالت فات وقت النية وقضى
الصوم، بل ظاهر المعتبر والتذكرة والمنتهى أنه موضع وفاق (8). وعن ابن أبي عقيل
أنه ساوى بين العامد والناسي في بطلان الصوم بالإخلال بالنية من الليل (9).
والمسألة عندي محل إشكال.

(1) نقله الشهيد الثاني في الروضة 2: 108.
(2) الروضة 2: 108.
(3) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى المجموعة الثالثة): 53.
(4) الشرائع 1: 187.
(5) حكاه عنه في المختلف 3: 365.
(6) المقنعة: 302.
(7) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى المجموعة الثالثة): 53، وحكاه عن ابن
الجنيد في المختلف 3: 365.
(8) المعتبر 2: 645، التذكرة 6: 10، المنتهى 2: 558 س 6.
(9) حكاه عنه في المختلف 3: 367.
242

والأصحاب قطعوا بأن وقت النية في الواجب الذي ليس بمعين كالقضاء
والنذر المطلق يستمر من الليل إلى الزوال إذا لم يفعل المنافي نهارا. والمشهور بين
الأصحاب أن منتهى وقت النية في القضاء والنذر المطلق زوال الشمس، فبعد
الزوال يفوت وقت النية، وظاهر كلام ابن الجنيد استمرار وقت النية ما بقي من
النهار شيء (1). والأحوط الأول وإن كان قول ابن الجنيد قويا.
واختلفوا في وقت نية النافلة، فالأكثر على أنه يمتد وقت نية النافلة إلى
الزوال، وذهب المرتضى والشيخ وجماعة إلى امتداد وقتها إلى الغروب (2). قال
الشيخ: وتحقيق ذلك أن يبقى بعد النية من الزمان ما يمكن صومه لا أن يكون
انتهاء النية مع انتهاء النهار (3). والأقرب القول الثاني.
والظاهر أنه لا يبطل النية بفعل منافي الصوم بعد النية قبل طلوع الفجر، سواء
كان جماعا أو غيره، وتردد الشهيد في البيان في الجماع وما يبطل الغسل (4).
والمشهور أنه لو أخل بالنية ليلا في المعين فسد صومه، لفوات الشرط
ووجب القضاء، وفي وجوب الكفارة قولان أقربهما العدم.
الثالثة: المشهور أنه لابد في كل يوم من شهر رمضان من نية، وعن السيد
المرتضى والشيخين وغيرهما أن شهر رمضان يكفي فيه نية واحدة من أوله. ونقل
السيد إجماع الفرقة عليه (5). والأحوط تجديد النية لكل يوم.
والمشهور أنه لا يكفي النية المتقدمة على شهر رمضان للناسي، وذهب الشيخ
في النهاية والمبسوط إلى جواز الاكتفاء بها (6) وليس في الكتابين تعيين لمدة
التقديم، وصرح في الخلاف بجواز تقديمها بيوم أو أيام (7). والمسألة محل نظر.
الرابعة: المشهور بينهم أنه لا يقع في رمضان غير الصوم الواجب فيه

(1) حكاه في المختلف 3: 367.
(2) الانتصار: 60، المبسوط 1: 278.
(3) المبسوط 1: 278.
(4) البيان: 227.
(5) الانتصار: 61، المقنعة: 302، المبسوط 1: 276.
(6) النهاية 1: 392، المبسوط 1: 276.
(7) الخلاف 2: 166، المسألة 5.
243

بالأصالة، فلا يجوز للمسافر أن يصوم فيه ندبا وإن جوزنا له الصيام المندوب في
السفر، وكذا واجبا بالنذر المقيد بالسفر والحضر، ونقل عن الشيخ في المبسوط أنه
جوز الصيام المندوب من المسافر في رمضان (1). ولو نوى غير رمضان فيه فعند
جماعة من الأصحاب أنه لم يجز عن أحدهما (2). وذهب المرتضى والشيخ
والمحقق إلى أنه يجزي عن رمضان دون غيره (3).
ولا يجوز صوم يوم الشك بنية رمضان، فلا يجزي عن رمضان لو ظهر أنه كان
منه على القول المشهور بين الأصحاب، وذهب ابن أبي عقيل وابن الجنيد والشيخ
في الخلاف إلى أنه يجزي عن رمضان (4). والمسألة محل إشكال.
ولا يجوز صوم يوم الشك بنية الوجوب على تقديره والندب إن لم يكن كذلك،
ولا يجزي عن رمضان إن ظهر كونه منه عند الشيخ والمحقق والعلامة وابن إدريس
وأكثر المتأخرين (5). وذهب جماعة منهم الشيخ إلى أنه يجزي (6) ولو نواه مندوبا
أجزأ عن رمضان إذا ظهر أنه منه، ولا أعرف خلافا فيه، بل ظاهر الفاضلين أنه لا
خلاف فيه بين المسلمين (7). قالوا: ولو ظهر في أثناء النهار جدد نية الوجوب ولو كان
قبل الغروب، وهذا على القول باشتراط الوجه في النية متجه وبدونه محل تأمل.
ولو أصبح في يوم الشك بنية الإفطار ثم ظهر أنه من الشهر ولم يكن تناول
جدد نية الصوم وأجزأ، لا أعرف خلافا فيه بينهم. ولو زالت الشمس أمسك واجبا
وقضى عند الأكثر، وعن ابن الجنيد أنه اجتزأ بالنية فيما بعد الزوال إذا بقي جزء

(1) المبسوط 1: 277.
(2) السرائر 1: 372، المختلف 3: 376، المدارك 6: 32.
(3) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى المجموعة الثالثة): 53، الخلاف 2: 164،
المسألة 4، المعتبر 2: 645.
(4) حكاه عنهما في المختلف 3: 379، الخلاف 2: 178، المسألة 20.
(5) النهاية 1: 391، المعتبر: 652، الإرشاد 1: 300، السرائر 1: 384.
(6) الخلاف 2: 179، المسألة 21.
(7) المعتبر 2: 651، التذكرة 6: 20.
244

من النهار (1) والمسألة محل تردد.
الخامسة: لابد من استمرار النية حكما بأن لا ينوي نية تنافي النية الاولى،
ولو طرأت في أثناء النهار نية الإفساد فعند الأكثر أنه يصح الصوم. وعن أبي
الصلاح أنه حكم بفساد الصوم ووجوب القضاء والكفارة (2). وذهب العلامة في
المختلف إلى وجوب القضاء دون الكفارة (3) والقول الأول لا يخلو عن رجحان ما.
ولو نوى الإفساد ثم جدد نية الصوم قبل الزوال فالمشهور أنه لا يجزيه، بل
كلام المنتهى يشعر بأنه ليس فيه خلافا (4). وربما حكي أن القول بالانعقاد مفهوم
من كلام الشيخ (رحمه الله) (5) والمسألة لا تخلو عن إشكال.
النظر الثاني (6)
في أقسام الصوم
وفيه مطالب:
الأول: الصوم على أربعة أقسام:
الأول: الواجب، وهو رمضان، والكفارات، وبدل الهدي، والنذر وشبهه،
والاعتكاف الواجب وقضاء الواجب.
القسم الثاني: المندوب، وهو أيام السنة كلها إلا ما استثني، ولا ينافي ذلك
ما يدل على كراهة صوم الدهر.
وآكده أول خميس من كل شهر وآخر خميس منه وأول أربعاء في العشر
الثاني، وهذا الصيام على هذا الوجه هو المشهور، ويدل عليه أخبار (7) وعن ابن

(1) حكاه عنه في المختلف 3: 379.
(2) الكافي في الفقه: 182.
(3) المختلف 3: 385.
(4) المنتهى 2: 569 س 29.
(5) المبسوط 1: 278.
(6) كذا، والمناسب: المبحث الثاني، وتقدم أول المباحث في ص 227.
(7) الوسائل 7: 303 الباب 7 من أبواب الصوم المندوب.
245

أبي عقيل أنه الخميس الأول من العشر الأول، والأربعاء الأخير من العشر
الأوسط، وخميس من العشر الأخير (1) وعن أبي الصلاح: خميس في أوله وأربعاء
في وسطه وخميس في آخره (2).
ويستحب قضاء هذه الأيام لمن أخرها ولا يتأكد استحباب قضائها إذا فاتت
في السفر. وإذا أخرها من الصيف وأتى بها في الشتاء كان مؤديا للسنة، وإن عجز
يستحب له أن يتصدق عن كل يوم بدرهم أو مد.
ومن الصيام المؤكدة صوم أيام البيض، والمشهور في تفسيرها: الثالث عشر
والرابع عشر والخامس عشر، وقال ابن أبي عقيل: فأما السنة من الصيام فصوم
شعبان، وصيام البيض، وهي ثلاثة أيام في كل شهر متفرقة، أربعاء بين الخميسين،
الخميس الأول من العشر الأول، والأربعاء الأخير من العشر الأوسط، وخميس
من العشر الأخير (3).
وذكر الصدوق في كتاب علل الشرائع كلاما يدل على أن صوم الأيام الثلاثة
المذكورة منسوخ بصوم الخميس والأربعاء (4). وفي بعض الروايات إشعار بذلك (5).
ومن الصيام المؤكدة صوم يوم الغدير وهو الثامن عشر من ذي الحجة،
والمباهلة وهو الرابع والعشرون من ذي الحجة أو الخامس والعشرون منه، ومولد
النبي (صلى الله عليه وآله) وهو السابع عشر من ربيع الأول على المشهور بين الأصحاب، وقال
الكليني: إنه الثاني عشر منه (6). وهو الذي صححه الجمهور ومال إليه الشهيد الثاني
في حواشي القواعد (7). وبعض الأخبار يدل على الأول (8). ومبعث النبي (صلى الله عليه وآله) وهو
السابع والعشرون من رجب، ودحو الأرض وهو الخامس والعشرون من ذي القعدة.

(1) حكاه عنه في المختلف 3: 510.
(2) الكافي في الفقه: 189.
(3) حكاه عنه في المختلف 3: 512.
(4) علل الشرائع: 380.
(5) الوسائل 7: 319 الباب 12 من أبواب الصوم المندوب.
(6) الكافي 1: 439.
(7) فوائد القواعد: 316.
(8) الوسائل 7: 335 الباب 19 من أبواب الصوم المندوب.
246

واختلف الأخبار في صوم يوم عرفة، فبعضها يدل على الاستحباب (1).
وبعضها يدل على المنع (2). وجمع الشيخ بين الأخبار المختلفة في هذا الباب بأن من
قوي على صوم هذا اليوم قوة لا يمنعه من الدعاء فإنه يستحب له صوم هذا اليوم،
ومن خاف الضعف وما يمنعه من الدعاء والمسألة فالأولى له ترك الصوم واستدل
عليه ببعض الروايات (3). وهو حسن، لكن الأولى أن يعتبر في استحباب صومه
تحقق الهلال أيضا كما اعتبره جماعة من الأصحاب (4) لرواية حنان بن سدير (5).
واختلف الروايات في صوم يوم عاشوراء، فبعضها تدل على الاستحباب
وأنه كفارة سنة (6). وبعضها تدل على المنع وأن من صامه كان حظه من ذلك اليوم
حظ ابن مرجانة وآل زياد وهو النار (7). والشيخ في الاستبصار جمع بين الأخبار
بأن من صام يوم عاشوراء على طريق الحزن بمصاب آل محمد (عليهم السلام) والجزع لما
حل بعترته فقد أصاب، ومن صام على ما يعتقد فيه مخالفونا من الفضل في صومه
والتبرك به والاعتقاد لبركته فقد أثم وأخطأ ونقله عن شيخه المفيد (8). وهو غير
بعيد، وفي بعض الروايات: وليكن إفطارك بعد العصر ساعة على شربة من ماء (9).
ومن الصيام المؤكدة أول ذي الحجة ورجب كله وشعبان كله، وعد في
الدروس من المؤكدة أول ذي الحجة وباقي العشر، وأول يوم من المحرم وثالثه
وسابعه. قال: وروي عشره وكله، وصوم داود ويوم التروية وثلاثة أيام للحاجة

(1) الوسائل 7: 343 الباب 23 من أبواب الصوم المندوب، ح 4.
(2) الوسائل 7: 343 الباب 23 من أبواب الصوم المندوب، ح 6.
(3) الاستبصار 2: 133.
(4) المنتهى 2: 610 س 25، مجمع الفائدة 5: 187، المدارك 6: 266.
(5) الوسائل 7: 344، الباب 23 من أبواب الصوم المندوب ح 6.
(6) الوسائل 7: 337، الباب 20 من أبواب الصوم المندوب، ح 2 و 3.
(7) الوسائل 7: 340، الباب 21 من أبواب الصوم المندوب، ح 4.
(8) الاستبصار 2: 135.
(9) الوسائل 7: 338، الباب 20 من أبواب الصوم المندوب، ح 7.
247

خصوصا بالمدينة، ويوم النصف من جمادى الاولى (1).
وقال العلامة في التذكرة: ويتأكد استحباب أول رجب وثانيه وثالثه، وفي يوم
الأول منه ولد مولانا الباقر (عليه السلام) يوم الجمعة سنة سبع وخمسين، وفي الثاني منه
كان مولد أبي الحسن الثالث (عليه السلام) وقيل: الخامس منه، ويوم العاشر ولد أبو جعفر
الثاني (عليه السلام)، ويوم الثالث عشر منه ولد مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في الكعبة قبل
النبوة باثني عشر سنة ذكره الشيخ عن ابن عياش من علمائنا، وفي يوم الخامس
عشر منه خرج فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الشعب، وفي هذا اليوم بخمسة أشهر من
الهجرة عقد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام) على ابنته فاطمة (عليها السلام) عقدة
النكاح، وفيه حولت الكعبة (2) من بيت المقدس وكان الناس في صلاة العصر. وقال
عن أيام شعبان: وفي الثالث منه ولد الحسين (عليه السلام) وليلة النصف ولد القائم وهي
أحد الليالي الأربعة ليلة الفطر وليلة الأضحى وليلة النصف من شعبان وأول ليلة
من رجب (3) انتهى.
القسم الثالث: المكروه، ومنه: صوم المدعو إلى طعام، ففي خبر جميل بن دراج
في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: من دخل على أخيه وهو صائم فأفطر
عنده ولم يعلمه بصومه فيمن عليه كتب الله له صوم سنة (4). وفي بعض الروايات
عنه (عليه السلام): لإفطارك في منزل أخيك أفضل من صيامك سبعين ضعفا أو تسعين ضعفا (5).
ومنه: صوم عرفة مع ضعفه عن الدعاء أو شك الهلال.
واختلف الأصحاب في صوم النافلة سفرا فقيل: لا يجوز ذلك (6). وقيل: يجوز

(1) الدروس 1: 281.
(2) في نسخة بدل خ 2: القبلة، مثل ما في التذكرة.
(3) التذكرة 6: 196 - 197.
(4) الوسائل 7: 109، الباب 8 من أبواب آداب الصائم، ح 4.
(5) الوسائل 7: 110، الباب 8 من أبواب آداب الصائم، ح 6.
(6) المقنعة: 350.
248

على كراهية (1). والأقرب عندي عدم الشرعية للصوم المندوب في السفر إلا ثلاثة
أيام للحاجة في المدينة.
القسم الرابع: المحرم وهو العيدان، ونقل في المعتبر والتذكرة إجماع علماء
الإسلام عليه (2).
لكن روى الشيخ في التهذيب بإسناد ضعيف عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)
قال: سألته عن رجل قتل رجلا خطأ في الشهر الحرام؟ قال: يغلظ عليه الدية
وعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم، قلت: فإنه يدخل في
هذا شيء، فقال: وما هو؟ قلت: يوم العيد وأيام التشريق، قال: يصوم فإنه حق
لزمه. قال الشيخ: ليس بمناف لما تضمنه الخبر الأول من تحريم صيام العيدين،
لأن التحريم إنما وقع على من يصومهما مختارا ابتداء، فأما إذا لزمه شهران
متتابعان على حسب ما تضمنه الخبر، فيلزمه صوم هذه الأيام، لإدخاله نفسه
في ذلك (3).
قال في التذكرة: وفي طريقه سهل بن زياد، ومع ذلك فهو مخالف للإجماع (4).
وفي المختلف أنه قاصر عن إفادة المطلوب، إذ ليس فيه أمر بصوم العيد وإنما
أمره بصوم أشهر الحرم، وليس في ذلك دلالة على صوم العيد، وأيام التشريق
يجوز صومه في غير منى (5). وفيه نظر، وقد أوردنا في الذخيرة (6) تفصيل الكلام
في هذا المقام.
ولا أعرف خلافا بين أصحابنا في تحريم الصيام في أيام التشريق في
الجملة، لكن قد وقع الخلاف في مواضع:
الأول: في تقييد الحكم لمن كان بمنى، ونسبه المحقق إلى الشيخ وأكثر
الأصحاب (7). وبعضهم أطلق (8). ولعل مراده التقييد، والمعتمد التقييد، لصحيحة

(1) النهاية 1: 405.
(2) المعتبر 2: 712، التذكرة 6: 207.
(3) التهذيب 4: 297، ح 896.
(4) التذكرة 6: 208.
(5) المختلف 3: 513.
(6) الذخيرة: 521 - 522.
(7) المعتبر 2: 713.
(8) المقنعة: 366.
249

معاوية بن عمار (1).
الثاني: في تقييده بالناسك، وليس في الروايات هذا التقييد، فلعل النظر في
التقييد على حمل الروايات على الغالب.
الثالث: ذهب الشيخ إلى أن القاتل في أشهر الحرم يجب عليه صوم شهرين
من أشهر الحرم وإن دخل فيهما العيد وأيام التشريق (2). والمشهور خلافه، وقول
الشيخ لا يخلو عن قوة.
الرابع: قال الشهيد في الدروس: روى إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه السلام)
صيام أيام التشريق بدلا عن الهدي. واستقرب المنع (3).
ومن الحرام: صوم يوم الشك بنية رمضان. ونذر المعصية. والصمت، وهو أن
ينوي الصوم ساكتا، وظاهر الأصحاب بطلان هذا الصوم، واحتمل بعض
المتأخرين الصحة (4) لتحقق الامتثال بالإمساك عن المفطرات مع النية وتوجه
النهي إلى أمر خارج عن العبادة، فلا يكون مؤثرا في البطلان.
والوصال، ولا أعرف خلافا في تحريمه، واختلفوا في تفسيره، فذهب أكثر
الأصحاب إلى أنه تأخير الإفطار إلى السحر. وقيل: هو أن يصوم يومين مع ليلة
بينهما، وإليه ذهب الشيخ في الاقتصاد وابن إدريس (5). وجعله المحقق في المعتبر
أولى (6). والأول أقرب، واعلم أنه قطع الأصحاب بأن تحريم تأخير العشاء إلى
السحر إنما يحرم إذا نوى به كونه جزءا من الصوم، أما لو أخره بغير نيته فإنه لا
يحرم، والاحتياط يقتضي الاجتناب عنه مطلقا والظاهر عدم بطلان الصوم بذلك.
ومن الحرام: صوم رمضان في السفر بلا خلاف في ذلك عندنا، واختلفوا في
تحريم غيره من الصيام الواجب في السفر، فذهب الأكثر إلى تحريم الصوم

(1) الوسائل 7: 385، الباب 2 من أبواب الصوم المحرم، ح 2.
(2) النهاية 1: 411.
(3) الدروس 1: 283.
(4) المدارك 6: 282.
(5) الاقتصاد: 293، السرائر 1: 420.
(6) المعتبر 2: 714.
250

الواجب في السفر مطلقا (1) وحكي عن المفيد قول بجواز صوم ما عدا شهر رمضان
من الواجبات في السفر (2). وجوز علي بن بابويه صوم جزاء الصيد في السفر (3).
والأول أقرب.
واستثنى الأصحاب من تحريم الصوم الواجب في السفر مواضع:
الأول: صوم ثلاثة أيام في بدل الهدي، وخالف فيه ابن أبي عقيل (4).
الثاني: صوم ثمانية عشر يوما لمن أفاض من عرفات قبل غروب الشمس.
الثالث: من نذر يوما معينا وشرط في نذره أن يصومه حضرا وسفرا، فقد
ذهب الشيخان وأتباعهما إلى أنه يصومه في السفر (5). وتوقف فيه المحقق (6). ولا
وجه له، والسيد المرتضى استثنى من الصوم الواجب الممنوع من السفر مطلق
الصوم المنذور إذا علق بوقت معين فاتفق في السفر (7). ويدل عليه رواية ضعيفة (8)
معارضة بأقوى منها (9).
الرابع: من المواضع المستثناة من هو بحكم المقيم ككثير السفر والعاصي به،
ومن نوى إقامة عشرة في غير بلده أو مضى عليه ثلاثون مترددا في الإقامة، ولا
خلاف في هذا الحكم، ويدل عليه النص الصحيح (10).
ومن الحرام: الصوم في المرض مع التضرر به، ولا فرق في خوف المرض
المسوغ للإفطار بين أن يكون الخوف من زيادة المرض أو حدوثه أو عدم برئه أو
بطء برئه أو الانتقال إلى مرض آخر أو حصول مشقة شديدة عادة، والمرجع في
ذلك كله إلى ظنه، سواء استند إلى أمارة أو تجربة أو قول عارف وإن كان فاسقا،

(1) في خ 1 زيادة: إلا ما استثني.
(2) حكاه في المعتبر: 2: 685.
(3) حكاه عنه في المختلف 3: 570.
(4) حكاه في المختلف 3: 570.
(5) المقنعة: 362، النهاية 1: 406.
(6) المعتبر 2: 684.
(7) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى المجموعة الثالثة): 56.
(8) الوسائل 7: 141، الباب 10 من أبواب من يصح منه الصوم، ح 7.
(9) الوسائل 7: 139، الباب 10 من أبواب من يصح منه الصوم، ح 3.
(10) الوسائل 7: 524، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، ح 1.
251

ولا يعتبر العلم، لأن تحصيل العلم في مثله متعسر، فيكتفى فيه بالظن، ولعموم
الآية (1) وبعض الأخبار (2). وفي جواز الإفطار بمجرد الخوف من غير ظن بحصول
الضرر إشكال.
والصحيح الذي يخشى المرض بالصيام هل يباح له الفطر؟ تردد فيه العلامة
في المنتهى (3). واحتمل بعضهم ترجيح الإباحة (4).
لا ينعقد صوم العبد تطوعا بدون إذن مولاه بلا خلاف فيه، وإطلاق النص
والفتوى يقتضي عدم الفرق بين أن يكون المولى حاضرا أو غائبا، ولا بين أن
يضعف العبد عن القيام بوظيفة خدمة المولى وعدمه.
واختلفوا في صوم الولد تطوعا بدون إذن والده، فالمشهور الكراهة، وذهب
المحقق في النافع إلى عدم الصحة (5). واختاره العلامة (6). واستقربه الشهيد (7). ويدل
عليه رواية هشام بن الحكم (8). لكن في سندها كلام، ومقتضاها التوقف على إذن
الوالدين. وهو أحوط.
ولا ينعقد صوم الزوجة تطوعا بدون إذن الزوج، لا أعرف خلافا فيه بين
الأصحاب، واستشكل العلامة في التذكرة جواز المنع في الموسع إذا طلبت
التعجيل (9).
واختلفوا في انعقاد صوم الضيف تطوعا بدون إذن المضيف، فذهب جماعة
منهم إلى الكراهة (10). وذهب المحقق في النافع والمعتبر إلى أنه غير صحيح (11).

(1) البقرة: 185.
(2) الوسائل 7: 155، الباب 19 من أبواب من يصح الصوم منه، ح 1.
(3) المنتهى 2: 596 س 37.
(4) المدارك 6: 158.
(5) المختصر النافع: 71.
(6) المنتهى 2: 615 س 7.
(7) الدروس 1: 283.
(8) الوسائل 7: 396، الباب 10 من أبواب الصوم المحرم والمكروه، ح 2.
(9) التذكرة 6: 202.
(10) التحرير 1: 75 س 22، الدروس 1: 183، المدارك 6: 276.
(11) المختصر النافع: 71، المعتبر 2: 712.
252

وإليه ذهب العلامة في الإرشاد (1). واستظهر في الشرائع أنه لا ينعقد مع النهي (2).
والمسألة لا يخلو عن إشكال.
ويستحب الإمساك في سبعة مواضع على الأصح الأشهر: للمسافر إذا قدم
بعد إفطاره أو قدم بعد الزوال وإن لم يفطر، وكذا المريض إذا برئ، والحائض
والنفساء إذا طهرتا في الأثناء، والكافر إذا أسلم، والصبي إذا بلغ، والمجنون إذا
أفاق، والمغمى عليه.
وحكي عن المفيد أنه قال: إذا أفطر المريض يوما من شهر رمضان ثم صح
في بقية يومه وقد أكل وشرب فإنه يجب عليه الإمساك وعليه القضاء لذلك اليوم
وكذلك المسافر إذا قدم في بعض النهار إلى منزله (3).
والصوم الواجب إما مضيق ليس له بدل تخييري كرمضان وقضائه والنذر
والاعتكاف، وإما مخير في الإتيان بالصوم وشئ آخر كجزاء الصيد وكفارة أذى
الحلق وكفارة رمضان، وإما مرتب وهو كفارة اليمين وقتل الخطأ والظهار ودم
الهدي وقضاء رمضان.
المطلب الثاني في شرائط الوجوب (4)
إنما يجب على البالغ العاقل السليم من التضرر به الطاهر من الحيض
والنفاس، فلا يجب على الصبي والمجنون، وقد نص العلامة وغيره على أن الجنون
إذا عرض في أثناء النهار لحظة واحدة بطل صوم ذلك اليوم (5). وعن ظاهر الشيخ
في الخلاف الحكم بالصحة مع سبق النية (6).
والمشهور بينهم بطلان صوم المغمى عليه بحصول الإغماء في جزء من النهار،

(1) الإرشاد 1: 301.
(2) الشرائع 1: 209.
(3) المقنعة: 354.
(4) كذا، وفي عد شرائط الوجوب من مطالب أقسام الصوم ما لا يخفى، وإن كان في الذخيرة
ومتنها (الإرشاد) أيضا كذلك.
(5) التذكرة 6: 99.
(6) الخلاف 2: 201، المسألة 52.
253

وفيه خلاف للمفيد والشيخ في الخلاف (1). والمسألة لا تخلو عن إشكال. ولا يصح
صوم المريض المتضرر به ولا الحائض ولا النفساء.
ويشترط في رمضان الإقامة، فلا يصح صومه سفرا يجب فيه القصر، فلو صام
عالما بالحكم لم يجزه. ولو جهل الحكم أجزأه وفي إلحاق ناسي الحكم بجاهله
قولان، والإلحاق أقرب.
ولو قدم المسافر قبل الزوال ولم يفطر أتم واجبا وأجزأه عند الأصحاب لا
أعرف خلافا في ذلك بينهم، ويدل عليه بعض الأخبار (2) لكن يعارضه أقوى منه،
فيدل أخبار متعددة على أنه إذا دخل أرضا بعد طلوع الفجر فهو بالخيار إن شاء
صام وإن شاء أفطر (3). والمشهور بينهم أنه إذا دخل بعد الزوال لم يجب عليه
الصوم، وفيه خلاف للشيخ في النهاية (4). والمسألة لا تخلو عن إشكال.
وذهب الأصحاب إلى أن حكم المريض حكم المسافر في أنه إذا برئ قبل
الزوال ولم يفطر وجب عليه الإتمام ويعتد به، وإذا برئ بعد الزوال أو قبله وأفطر
لم يجب عليه صومه، ونقل بعضهم إجماع الأصحاب على ذلك (5) والمسألة عندي
محل إشكال، لفقد النص الدال على الحكم، وعدم استقامة التعويل على
الاعتبارات العقلية.
وشرط وجوب القضاء التكليف والإسلام، فلا يجب قضاء ما فات من الصبي
والمجنون. وفي المغمى عليه خلاف، فعن جماعة منهم وجوب القضاء إذا اغمي
عليه قبل الاستهلال وعدمه إذا كان بعده وهو يعقل الصيام وعزم عليه (6). وعن
جماعة من الأصحاب لا قضاء مطلقا (7). وهو مذهب المتأخرين، وقيل فيها غير

(1) المقنعة: 352، الخلاف 2: 198، المسألة 51.
(2) التهذيب 4: 256، ح 754 و 755.
(3) التهذيب 4: 256، ح 756.
(4) النهاية 1: 402.
(5) المدارك 6: 195.
(6) المقنعة: 352، المراسم: 98، المهذب 1: 196.
(7) النهاية 1: 409، الوسيلة: 150، السرائر: 409.
254

ذلك. والأقرب أنه لا قضاء عليه مطلقا.
ولا قضاء على الكافر الأصلي. ولو استبصر المخالف وجب عليه قضاء ما
فاته من العبادات ولم يجب عليه قضاء ما أتى به من العبادات سوى الزكاة.
ويجب القضاء على المرتد، ولو عقد الصوم مسلما ثم ارتد ثم رجع ففي وجوب
القضاء قولان. ويجب أيضا على الحائض والنفساء والنائم والساهي مع عدم سبق
النية منهما.
ولو أسلم الكافر أو أفاق المجنون أو بلغ الصبي قبل الفجر وجب صوم ذلك
اليوم، ولو كان شيء من ذلك بعد الفجر لم يجب صوم ذلك اليوم خلافا للشيخ
حيث حكم في أحد قوليه بالوجوب إذا كان ذلك قبل الزوال (1).
ولو فاته رمضان أو بعضه بمرض ومات في مرضه سقط، والمشهور أنه
يستحب القضاء عنه، وأسنده العلامة في المنتهى إلى الأصحاب واستحسنه (2)
محتجا عليه بحجة ضعيفة، فللتأمل فيه مجال.
ولو استمر مرضه إلى رمضان آخر فالأشهر الأقرب أنه يسقط الأول عنه
ويكفر عن كل يوم بمد، وعن أبي جعفر بن بابويه إيجاب القضاء دون الصدقة (3).
وحكاه العلامة عن غيره من الأصحاب وقواه في المنتهى والتحرير (4). وعن ابن
الجنيد أنه احتاط بالجمع بين القضاء والصدقة وقال: إنه مروي (5).
واختلف القائلون بوجوب التصدق فيما يجب التصدق به، فالأكثر على أنه مد
لكل يوم، وعن الشيخ في النهاية أنه يتصدق بمدين وإن لم يمكنه فبمد (6).
والأقرب الأول.

(1) المبسوط 1: 284.
(2) المنتهى 2: 603 س 37.
(3) حكاه في المنتهى 2: 603 س 6.
(4) المنتهى 2: 603 س 10، التحرير 1: 83 س 25.
(5) حكاه في الدروس 1: 287.
(6) النهاية 1: 400.
255

ولو فاته الصوم بغير المرض ثم حصل له المرض المستمر فهل ينسحب فيه
الحكم بسقوط الصيام ولزوم الكفارة؟ قيل: نعم (1). وقيل: لا (2)، والمسألة لا تخلو
عن إشكال. ولو كان الفوات بالمرض والمانع من القضاء غيره كالسفر الضروري
ففي انسحاب الحكم المذكور فيه وجهان، أقربهما العدم.
ولا يتكرر الفدية بتكرر السنين كما هو مختار المنتهى خلافا للتذكرة (3).
والظاهر أنه لا فرق بين رمضان واحد وأكثر، وهو المشهور، ونقل عن ظاهر ابن
بابويه أن رمضان الثاني يقضى بعد الثالث وإن استمر المرض (4).
والمستفاد من رواية محمد بن مسلم اختصاص هذه الصدقة بالمساكين (5) فإن
قلنا بأن المسكين أسوء حالا من الفقير يجب اعتبار ذلك هاهنا، والمشهور بين
المتأخرين أن مستحق هذه الصدقة مستحق الزكاة.
ولو برئ بين رمضانين وترك القضاء تهاونا قضى الأول وكفر على المشهور
بين الأصحاب، خلافا لابن إدريس حيث أوجب القضاء دون الكفارة (6).
] وابنا بابويه ذكرا وجوب الصدقة مطلقا ولم يفصلا إلى التواني وغيره، وكذا
ابن أبي عقيل (7) [(8).
واختلف الأصحاب في معنى التهاون المقتضي لاجتماع القضاء والكفارة،
فظاهر كلام الفاضلين في الشرائع والقواعد أنه عدم العزم على الصوم. فإذا عزم
عليه لم يكن متهاونا وإن لم يحصل العذر المقتضي للتأخير (9). والمصرح به في

(1) الخلاف 2: 206، المسألة 63.
(2) المختلف 3: 526.
(3) المنتهى 2: 603 س 20، التذكرة 6: 173.
(4) الفقيه 2: 148.
(5) الوسائل 7: 244، الباب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان، ح 1.
(6) السرائر 1: 396.
(7) حكاه عن ابن بابويه وابن أبي عقيل في المختلف 3: 523، المقنع: 64.
(8) لم يرد في نسخة خ 1.
(9) الشرائع 1: 203، القواعد 1: 379.
256

الدروس أن المقتضي لوجوب الكفارة عدم العزم على الصوم، أو العزم على العدم،
أو الإفطار عند تضيق وقت القضاء، أما إذا عزم على الفعل في سعة الوقت مع
القدرة ثم حصل العذر عند ضيقه لم يجب الكفارة بل القضاء حسب (1).
ونسب بعض الأصحاب هذا التفسير للتهاون وعدمه إلى تفسير الأصحاب.
والأصح ما أطلقه الصدوقان ونسب اختياره إلى المحقق في المعتبر والشهيدين
من وجوب القضاء والفدية على من برئ من مرضه وأخر القضاء توانيا من غير
عذر حتى دخل رمضان الثاني سواء عزم على الصيام أم لا (2).
والمعروف في مذهب الأصحاب أنه لو مات بعد استقراره عليه وجب على
وليه القضاء، والأصل فيه أخبار غير واضحة الدلالة على الوجوب معارضة ببعض
الأخبار الدالة على عدم الوجوب على الولي (3) وظاهر الروايات العموم بالنسبة
إلى المقضي سواء كان فائتا لعذر أم لا، فلو قلنا بدلالتها على الوجوب فالظاهر
تعيين المصير إليه.
وحكى الشهيد في الذكرى عن المحقق أنه قال في مسائله البغدادية المنسوبة
إلى سؤال جمال الدين بن حاتم المشغري: الذي ظهر لي أن الولد يلزمه قضاء ما
فات الميت من صلاة وصيام لعذر كالسفر والمرض والحيض لا ما تركه عمدا مع
قدرته عليه. ثم قال الشهيد (رحمه الله): وقد كان شيخنا عميد الدين ينصر هذا القول ولا
بأس به، فإن الروايات تحمل على الغالب من الترك وهو إنما يكون على هذا
الوجه (4). وهو غير بعيد اقتصارا في الحكم المخالف للأصل على موضع الاتفاق
إن ثبت، لما عرفت من التوقف في دلالة الأخبار على الوجوب.
والقول بوجوب قضاء الصوم عن الميت مشهور بين الأصحاب وفيه خلاف

(1) الدروس 1: 287.
(2) المعتبر 2: 698، الدروس 1: 287، المسالك 2: 62.
(3) الوسائل 7: 240، الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان.
(4) الذكرى 2: 447.
257

لابن أبي عقيل (1).
والمشهور أيضا قضاء الصوم على الولي سواء خلف الميت ما يمكن التصدق
عنه أم لا، وعن المرتضى (رحمه الله) أنه اعتبر في وجوب القضاء على الولي أن لا يخلف
الميت ما يتصدق به عنه عن كل يوم بمد (2). والمسألة لا تخلو عن إشكال، وتقييد
بعضهم الحكم بالمستقرة دال على أن المعتبر في وجوب القضاء على الولي تمكن
الميت من الإتيان بالفائت، ولم يعتبر الشيخ في التهذيب فيما فات في السفر
ذلك (3) وتوافقه غير واحد من الروايات، ولا بأس بالمصير إليها.
ومقتضى كلام الشيخ أن الولي هو أكبر أولاده الذكور خاصة (4). ووافقه غير
واحد منهم (5). وقال الصدوق: وإن كان للميت وليان فعلى أكبرهما من الرجال أن
يقضي عنه، فإن لم يكن له ولي من الرجال قضى عنه وليه من النساء (6). وعن
المفيد: فإن لم يكن له وارث من الرجال قضى عنه أولياؤه من أهله وأولاهم به
وإن لم يكن إلا من النساء (7). قال في الدروس: وهو ظاهر القدماء والأخبار
والمختار (8).
والوقوف على مقتضى الأخبار الحكم بوجوب القضاء على الولي الذكر سواء
كان ولدا أم لا. وهل يشترط في تعلق الوجوب بالولي بلوغه حين موت مورثه أم
لا؟ فيه قولان.
ولو تعددوا قضوا بالتقسيط على قول. وقيل: إنهما مخيران، فإن اختلفا
فالقرعة (9). وقال ابن إدريس: لا قضاء (10). والمسألة لا تخلو عن إشكال.
وهل يجب القضاء عن المرأة ما فاتها؟ فيه خلاف، والمسألة لا تخلو عن
إشكال.

(1) حكاه في المختلف 3: 527.
(2) الانتصار: 70.
(3) التهذيب 4: 249.
(4) النهاية 1: 400.
(5) الوسيلة: 150، المعتبر 2: 702.
(6) المقنع: 63.
(7) المقنعة: 353.
(8) الدروس 1: 289.
(9) المهذب 1: 196.
(10) السرائر 1: 499.
258

ولو كان عليه شهران متتابعان صام الولي شهرا وتصدق عن تركة الميت عن آخر
عند بعض الأصحاب (1). وفيه خلاف، والمسألة قوية الإشكال مفصلة في الذخيرة.
والمشهور بين الأصحاب عدم وجوب الفورية في القضاء
وظاهر الحلبي وجوب الفورية (2). والأول أقرب. والأقرب استحباب تتابع
القضاء وفيه أقوال اخر.
وذكر جماعة من الأصحاب أنه لا يجب الترتيب في القضاء (3) وهو حسن.
وهل يستحب نية الأول فالأول؟ فيه قولان، والأشهر الأقرب أنه لا يعتبر الترتيب
بين أفراد الواجب كالقضاء والكفارة.
وعن ابن أبي عقيل: لا يجوز صوم عن نذر ولا كفارة لمن عليه قضاء من شهر
رمضان حتى يقضيه (4). وهل يجوز التطوع لمن عليه صوم واجب؟ اختلف
الأصحاب فيه فمنعه الأكثر، خلافا للمرتضى وجماعة من الأصحاب (5). وظاهر
الكليني (6) اختصاص المنع بما إذا كان الواجب عن قضاء رمضان، واعتمد عليه
بعض المتأخرين (7) محتجا على عدم المنع في غيره بالأصل وعلى المنع بحسنة
الحلبي ورواية أبي الصباح الكناني (8). ودلالة الروايتين على المنع التحريمي غير
واضحة. ولو لم يمكن فعل الواجب كمن عليه صوم شهرين متتابعين في شعبان
فالظاهر جواز الصوم المندوب قولا واحدا كما قاله بعض المتأخرين (9).
المطلب الثالث في صيام شهر رمضان
وهو واجب بأصل الشرع على جامع الشرائط المذكورة سابقا، ويصح من

(1) الشرائع 1: 204.
(2) الكافي في الفقه: 184.
(3) التذكرة 6: 181، الشرائع 1: 202، المدارك 6: 209.
(4) حكاه عنه في المختلف 3: 560.
(5) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى المجموعة الثانية): 366، القواعد 1: 382.
(6) الكافي 4: 123.
(7) المدارك 6: 210.
(8) الوسائل 7: 253، الباب 28 من أبواب أحكام شهر رمضان، ح 5 و 6.
(9) المدارك 6: 210.
259

المميز والنائم مع سبق النية، خلافا لابن إدريس (1). ولو استمر نومه من الليل قبل
النية إلى الزوال فعلى القول بفوات وقت النية بالزوال يجب عليه القضاء ولا
كفارة عليه.
ويعلم رمضان برؤية الهلال سواء انفرد أو في جماعة من الناس. وبالشياع،
وهل يعتبر فيه العلم؟ فيه خلاف، ففي التذكرة: لو لم يحصل العلم بل حصل غالب
الظن بالرؤية فالأقوى التعويل عليه (2). واحتمل الشهيد الثاني في موضع اعتبار
زيادة الظن على ما يحصل بقول العدلين (3). واعتبر العلامة في المنتهى والمحقق
في كتاب الشهادات من الشرائع العلم (4). وهو أقرب، وحيث كان المعتبر العلم كان
الحكم منوطا بحصوله من غير تعيين عدد، ولا فرق بين المسلم والكافر والصغير
والكبير والانثى والذكر.
وبشهادة عدلين ذكرين مطلقا على الأشهر الأقرب، سواء كان صحوا أو غيما،
وسواء كان من خارج البلد أو داخله، وفيه اختلافات بين الأصحاب. ولا يعتبر
في ثبوت الهلال بالشاهدين في الصوم والفطر حكم الحاكم، بل يجب الصوم أو
الفطر على من يسمع شهادتهما مطلقا، وقد صرح بذلك العلامة وغيره (5).
واختلاف الشاهدين في وصف الهلال يقتضي عدم التعويل على شهادتهما،
والاختلاف في زمان الرؤية مع اتحاد الليلة غير قادح، ولو شهد أحدهما برؤية
شعبان يوم الاثنين وشهد الآخر برؤية رمضان الأربعاء ففي القبول وعدمه
وجهان. ولا يكفي قول الشاهد: اليوم الصوم أو الفطر، لاختلاف الأقوال في
المسألة، فيجوز استناده إلى أمر لا يوافق رأي السامع، بل لابد من الاستفصال أو
أمر يرفع هذا الاحتمال.
وفي ثبوت الهلال بالشهادة على الشهادة قولان، أحدهما: العدم وأسنده في

(1) انظر السرائر 1: 365 و 367.
(2) التذكرة 6: 136.
(3) المسالك 2: 51.
(4) المنتهى 2: 590 س 18، الشرائع 4: 132.
(5) التحرير 1: 82 س 5، المسالك 2: 51.
260

التذكرة إلى علمائنا (1). وثانيهما: نعم. وبه قطع الشهيد الثاني من غير نقل خلاف (2).
والترجيح للأول، لكن لو استند الشاهدان إلى الشياع المفيد للعلم لزم القبول.
وفي قبول قول الحاكم الشرعي وحده في ثبوت الهلال وجهان، أحدهما:
نعم، وهو خيرة الدروس (3). وهو غير بعيد.
وإذا رأى الهلال في أحد البلاد المتقاربة وهي التي لم يختلف مطالعها ولم ير
في الثاني وجب الصوم على جميع من في تلك البلاد، بخلاف المتباعدة عند
جماعة من الأصحاب.
وقال العلامة في التذكرة: المعتمد أن حكم المتقاربين كبغداد والكوفة واحد
في الصوم والإفطار وللمتباعدين كبغداد وخراسان والحجاز والعراق حكم
نفسه (4). ونقل عن بعض علمائنا قولا بأن حكم البلاد كلها واحد وهو قول العلامة
في المنتهى أولا (5). واحتمل في الدروس ثبوت الهلال في البلاد المغربية برؤيته
في البلاد المشرقية وإن تباعدت، للقطع بالرؤية عند عدم المانع (6). والمسألة عندي
محل إشكال.
ولا يثبت هلال شهر رمضان بشهادة النساء منفردات ولا منضمات إلى الرجال
بلا خلاف فيه، ولو حصل بإخبارهن الشياع الموجب للعلم صح التعويل عليه.
ويثبت رمضان بمضي ثلاثين من شعبان بلا خلاف في ذلك بين المسلمين.
ولا يثبت هلال شهر رمضان بالجدول على المشهور بين الأصحاب، ونقل
الشيخ عن شاذ منا العمل بالجدول (7). ونقله العلامة في المنتهى عن بعض
الأصحاب (8). والأول أقرب، نعم لو أفاد العلم في بعض الأحيان صح التعويل عليه.
ولا اعتبار بالعدد يعني عد شعبان ناقصا أبدا وعد رمضان تاما.

(1) التذكرة 6: 135.
(2) المسالك 2: 51.
(3) الدروس 1: 286.
(4) التذكرة 6: 122.
(5) المنتهى 2: 593 س 18.
(6) الدروس 1: 285.
(7) الخلاف 2: 169، المسألة 8.
(8) المنتهى 2: 590 س 32.
261

والمشهور بين الأصحاب أنه لا اعتبار بغيبوبة الهلال بعد الشفق. وعن
الصدوق في المقنع: واعلم أن الهلال إذا غاب قبل الشفق فهو لليلة، وإن غاب بعد
الشفق فهو لليلتين، وإن رئي فيه ظل الرأس فهو لثلاث ليال (1). ورواه الصدوق في
من لا يحضره الفقيه (2). قال في المختلف: ورواه أبو علي في رسالته (3). ولعل
مستند الصدوق رواية إبراهيم بن الحر ومحمد بن مرازم عن أبيه وغيرهما (4).
وعمل الشيخ باعتبار الغيبوبة بعد الشفق والتطوق في الغيم دون الصحوة (5) ويظهر
من الأخبار المذكورة اعتبار العادة في الهلال، ويؤيده صحيحة عيص بن القاسم (6).
والمشهور بين المتأخرين أنه لا اعتبار برؤية الهلال قبل الزوال يوم الثلاثين.
وعن المرتضى (رحمه الله) أنه قال في بعض رسائله إذا رئي الهلال قبل الزوال فهو
لليلة الماضية. بل الكلام المنقول عنه يشعر بكون ذلك مذهب الأصحاب. وادعى
أن عليا (عليه السلام) وابن مسعود وابن عمر وأنس قالوا به ولا مخالف لهم (7). وهو ظاهر
الصدوق (8) والكليني (9) ومال إليه صاحب المنتقى (10) وتردد فيه المحقق في النافع
والمعتبر (11). وصاحب المدارك (12). وقال العلامة في المختلف: والأقرب اعتبار ذلك
في الصوم دون الفطر (13). والأقرب عندي قول السيد، لحسنة حماد بن عثمان،
وموثقة عبيد بن زرارة وعبد الله بن بكير، وصحيحة محمد بن قيس وحسنته،
ورواية محمد بن عيسى وغيرها (14).

(1) المقنع: 58.
(2) الفقيه 2: 125، ح 1917.
(3) المختلف 3: 496.
(4) الوسائل 7: 203 و 204، الباب 9 من أبواب أحكام شهر رمضان، ح 2 و 3.
(5) التهذيب 4: 178.
(6) الوسائل 7: 212، الباب 12 من أبواب أحكام شهر رمضان، ح 6.
(7) الناصريات: 291.
(8) المقنع: 59.
(9) الكافي 4: 78، ح 10.
(10) منتقى الجمان 2: 481 و 482.
(11) المختصر النافع: 69، المعتبر 2: 689.
(12) المدارك 6: 181.
(13) المختلف 3: 494.
(14) الوسائل 7: 201 و 203، الباب 8 من أبواب أحكام شهر رمضان، ح 6، 5، 1، 4.
262

والمشهور بين المتأخرين أنه لا يعتبر التطوق، ويظهر من كلام الشيخ في
كتابي الأخبار أنه معتبر إذا كان في السماء علة (1). وظاهر الصدوق اعتبار ذلك
عنده مطلقا (2). والأقرب اعتبار ذلك خصوصا عند العلة في السماء، لصحيحة
محمد بن مرازم (3).
والمشهور بين الأصحاب أنه لا اعتبار بعد خمسة أيام من أول شهر رمضان
من السنة الماضية، بل لا أعلم قائلا بذلك من الأصحاب، لكن ورد باعتباره بعض
الروايات الضعيفة (4).
ولو اشتبه شعبان عد رجب ثلاثين، ولو غمت الشهور أجمع فذهب جمع من
الأصحاب إلى عد كل شهر ثلاثين، وقيل: ينقص منها، لقضاء العادة بالنقيصة (5)
وقيل: يعمل برواية الخمسة (6) واختاره العلامة في عدة من كتبه (7). وموضع
الخلاف ما إذا غمت شهور السنة كلها أو أكثرها، أما الشهران والثلاثة فالظاهر أنه
لا خلاف في اعتبار العدد فيها.
النظر الثالث (8)
في أحكام متفرقة
وفيه مسائل:
الاولى: لو نذر وأطلق لم يجب عليه التتابع على الأشهر الأقرب، ونقل فيه

(1) التهذيب 4: 178، الاستبصار 2: 75.
(2) المقنع: 58 - 59.
(3) الوسائل 7: 203، الباب 9 من أبواب أحكام شهر رمضان، ح 2.
(4) الوسائل 7: 205، الباب 10 من أبواب أحكام شهر رمضان، ح 3.
(5) حكاه في المدارك 6: 187، وقال: إنه مجهول القائل.
(6) المبسوط 1: 268.
(7) التذكرة 6: 141، المنتهى 2: 593 س 20، التحرير 1: 82 س 10.
(8) كذا، والمناسب: المبحث الثالث، كما نبهنا عليه في النظر الثاني.
263

خلاف عن ظاهر كلام الشاميين (1). وكذا الكلام في اليمين والعهد.
وكل من وجب عليه شهران متتابعان فأفطر في الأثناء لعذر يبني، وأما غير
ذلك ممن يجب عليه صيام متتابعا فمقتضى كلام جماعة من الأصحاب أن حكمهم
أيضا كذلك (2). وجزم جماعة من الأصحاب منهم العلامة والشهيدان بوجوب
الاستئناف مع الإخلال بالمتابعة في كل ثلاث تجب تتابعها، سواء كان الإخلال
لعذر أو لا إلا ثلاثة الهدي لمن صام يومين وكان الثالث العيد، فإنه يبني على
اليومين الأولين بعد انقضاء أيام التشريق (3). واستجود بعض المتأخرين اختصاص
الحكم بالبناء مع الإخلال بالتتابع للعذر بصيام الشهرين المتتابعين والاستئناف في
غيره (4). والمسألة لا تخلو عن إشكال.
وحيث يبني بعد زوال العذر ففي وجوب المبادرة بعد زوال العذر قولان:
أقربهما نعم. ولو نسي النية في بعض أيام الشهر حتى فات محلها فسد صوم ذلك
اليوم، وفي انقطاع التتابع بذلك قولان، ولعل الترجيح لعدم الانقطاع.
ومن وجب عليه شهران متتابعان فأفطر في أثناء الشهر الأول من غير عذر أو
بعد إكماله من غير أن يصوم من الشهر الثاني شيئا كذلك وجب عليه الإعادة. وإذا
صام الشهر الأول ومن الثاني شيئا ثم أفطر بلا عذر يبني، ولا أعلم فيه خلافا.
وهل يجوز التفريق من غير عذر بعد الإتيان بما يحصل به التتابع؟ ذهب
الأكثر إلى الجواز، وفيه خلاف لابن إدريس والمفيد (5). والأول أقرب.
ومن نذر صوم شهر متتابع فصام خمسة عشر منه متتابعا ثم أفطر لم يبطل
صومه وبنى عليه عند الأصحاب، استنادا إلى روايتين ضعيفتين (6) يشكل التعويل
عليهما، واستثني من وجوب التتابع من أفطر بالعيد بعد يومين في بدل الهدي.

(1) نقله في الدروس 1: 295.
(2) المقنعة: 361، السرائر 1: 411، المختلف 3: 561.
(3) القواعد 1: 386، الدروس 1: 296، المسالك 2: 71.
(4) المدارك 6: 247.
(5) السرائر 1: 411، المقنعة: 361.
(6) الوسائل 7: 276، الباب 5 من أبواب بقية الصوم الواجب، ح 1 وذيله.
264

الثانية: اختلف الأصحاب في العاجز عن الخصال الثلاثة، فعن جماعة منهم
المفيد والمرتضى أن عليه صوم ثمانية عشر يوما (1). وعن ابن الجنيد والصدوق في
المقنع تصدق بما يطيق (2). واستقرب في المختلف التخيير بينهما (3). وفي المنتهى:
يصوم ثمانية عشر يوما وإن لم يقدر تصدق بما وجد أو صام ما استطاع، فإن لم
يتمكن استغفر الله ولا شيء عليه ونسبه إلى علمائنا (4). وعن الشيخ: فإن لم يتمكن
من الأصناف الثلاثة تصدق بما يتمكن منه، فإن لم يتمكن من الصدقة صام ثمانية
عشر يوما، فإن لم يقدر صام ما تمكن منه فإن لم يتمكن قضى ذلك اليوم واستغفر الله (5).
وفي بعض الروايات الصحيحة أنه إن لم يقدر يعني على الخصال الثلاث
تصدق بما يطيق (6). ونحوه في بعض الحسان (7). وفي روايتين غير نقيتين سندا أنه
يصوم ثمانية عشر يوما (8). والمتجه الوقوف على مدلول الخبرين الأولين.
واختلفوا في وجوب التتابع في صوم الثمانية عشر والأقرب العدم.
ولا يجوز صيام ما لا يسلم فيه الشهر واليوم كشعبان خاصة في المتتابعين.
الثالثة: الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا عجزا عن الصوم أو أطاقاه بمشقة
عظيمة يفطران ويتصدقان عن كل يوم بمد من طعام عند الشيخ وجماعة من الأصحاب (9)
لكن الشيخ في النهاية أوجب عليه مدين، فإن عجز فمد (10). وعن المفيد

(1) المقنعة: 345، جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى المجموعة الثالثة): 55.
(2) حكاه عن ابن الجنيد العلامة في المختلف 3: 444، المقنع: 61.
(3) المختلف 3: 445.
(4) المنتهى 2: 575 س 23.
(5) النهاية 1: 397.
(6) الوسائل 7: 28، الباب 8 من أبواب ما يمسك الصائم عنه، ح 1.
(7) الوسائل 7: 29، الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، ح 3.
(8) التهذيب 4: 207، ح 601، الوسائل 7: 279، الباب 9 من أبواب بقية الصوم الواجب
الحديث 1.
(9) الاستبصار 2: 104، المقنع: 61، المنتهى 2: 618 س 34.
(10) النهاية 1: 401.
265

والمرتضى: إن عجزا عن الصوم سقط عنهما الكفارة أيضا كما يسقط الصيام، وإن
أطاقاه بمشقة وجبت الكفارة وسقط الصيام (1) وهو مختار العلامة في المختلف
والشهيد الثاني (2). فالخلاف بينهم في وجوب الكفارة عند العجز عن الصيام مع
اتفاقهم على وجوبها عند المشقة الشديدة.
قال في المختلف: لو قدر الشيخ الكبير والشيخة على الصوم بمشقة عظيمة
سقط وجوب الصوم أداء وقضاء ووجبت الكفارة إجماعا (3).
وبالجملة قد ثبت سقوط الصوم بالأخبار، أما في وجوب الكفارة في صورة
العجز بالكلية توقف، ولا ريب في رجحان التصدق، والمشهور بين الأصحاب
وجوب القضاء عليه عند التمكن، وعن ظاهر علي بن بابويه عدم الوجوب (4)، وهو
ظاهر الرواية (5).
الرابعة: اختلف الأصحاب في ذي العطاش وهو بالضم داء لا يروى صاحبه،
فقيل: يجوز له الإفطار إذا شق عليه الصوم ويجب عليه التكفير عن كل يوم بمد
والقضاء مع البرء (6). وإليه ذهب المحقق (7). وقال العلامة في التذكرة: الذي لا
يرجى برؤه يفطر ويتصدق عن كل يوم بمد ويسقط القضاء والذي يرجى برؤه
يفطر إجماعا وعليه القضاء مع البرء (8) وهل تجب الكفارة؟ قال الشيخ: نعم (9) كما
في الذي لا يرجى زواله، ومنع المفيد والسيد المرتضى (10). وقيل: إن العطاش إذا
كان غير مرجو الزوال لم تجب الكفارة ولا القضاء ولو برئ على خلاف الغالب،

(1) المقنعة: 351، جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى، المجموعة الثالثة): 56.
(2) المختلف 3: 544، المسالك 2: 86.
(3) المختلف 3: 545.
(4) انظر ما حكاه عنه في المختلف 3: 545.
(5) الوسائل 7: 151، الباب 15 من أبواب من يصح منه الصوم، ح 10.
(6) المدارك 6: 297.
(7) المعتبر 2: 718.
(8) التذكرة 6: 215 و 216.
(9) المبسوط 1: 285.
(10) المقنعة: 351، جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى، المجموعة الثالثة): 56.
266

وهو المحكي عن سلار (1). ومقتضى الآية وجوب القضاء عليه إن كان العطاش داء
كما مر من تفسيره، ومقتضى صحيحة محمد بن مسلم الكفارة وسقوط القضاء (2).
ثم الظاهر من الخبر غير العاجز بالكلية، فانسحاب الحكم فيه لا يخلو عن إشكال.
واختلف الأصحاب في قدر الكفارة، فالمشهور أنه مد لكل يوم وعن الشيخ
أنه مدان فإن لم يتمكن فمد (3). وهل يجب على ذي العطاش الاقتصار على ما
يندفع به الضرورة، أم يجوز له التروي والتملي من الشراب وغيره؟ فيه قولان
والأكثر على الجواز.
الخامسة: الحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن يفطران ويقضيان مع
الصدقة بمد من طعام، واختلفوا فيما إذا خافتا على أنفسهما هل عليهما كفارة أم
لا؟ والأقرب ذلك، والظاهر عدم الفرق في المرضعة بين الام والمستأجرة
والمتبرعة إذا لم تقم غيرها مقامها، أما لو قام غيرها مقامها بحيث لا يحصل على
الطفل ضرر ففي جواز الإفطار لها نظر. واستجود بعض المتأخرين العدم (4).
السادسة: يكره التملي للمفطر كالمريض والمسافر والشيخ والشيخة وغيرهم
عند الأصحاب استنادا إلى تعليل ضعيف، لكن يدل على رجحان ترك التملي
للمسافر بعض الروايات (5). واختلفوا في الجماع للمفطر فذهب الأكثر إلى
الكراهة. وذهب الشيخ إلى التحريم (6). والأول أقرب.
السابعة: ذهب جماعة من الأصحاب منهم المرتضى إلى أن من سافر في جزء
من آخر النهار أفطر وإن كان يسيرا (7) وعن المفيد (رحمه الله): المسافر إن خرج من منزله
قبل الزوال وجب عليه الإفطار والقصر في الصلاة، وإن خرج بعد الزوال وجب

(1) حكاه في المدارك 6: 298.
(2) الوسائل 7: 149، الباب 15 من أبواب من يصح منه الصوم، ح 1.
(3) النهاية 1: 401.
(4) المدارك 6: 300.
(5) الوسائل 7: 147، الباب 13 من أبواب من يصح منه الصوم، ح 5.
(6) المبسوط 1: 285.
(7) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى: المجموعة الثالثة): 55 - 56.
267

عليه الإتمام في الصيام والقصر في الصلاة (1).
وقال الشيخ في النهاية: وإذا خرج الرجل إلى السفر بعد طلوع الفجر أي وقت
كان من النهار وكان قد بيت نيته من الليل للسفر وجب عليه الإفطار، وإن لم يكن
قد بيت نيته من الليل ثم خرج بعد طلوع الفجر كان عليه إتمام ذلك اليوم وليس
عليه قضاؤه (2) ثم قال: ومتى بيت نيته للسفر من الليل ولم يتفق له الخروج إلا بعد
الزوال كان عليه أن يمسك بقية النهار وعليه القضاء (3). ويستفاد من كلامه أن
المعتبر في جواز الإفطار تبييت النية من الليل والخروج قبل الزوال.
ومال العلامة إلى تخير المسافر بين القصر والإتمام إذا خرج بعد الزوال (4).
والأخبار في هذا الباب مختلفة، فبعضها يدل على التخيير مطلقا (5). وبعضها
يدل على أنه يتم إذا خرج بعد الزوال ويفطر إذا خرج قبله (6). وبعضها يدل على أنه
يتم صومه مطلقا. وبعضها يدل على أنه يفطر مطلقا (7). وبعضها يدل على أنه يفطر
إذا نوى السفر في الليل ويصوم إذا لم ينو ذلك في الليل (8). والمسألة مشكلة
لاختلاف الأخبار المتعلقة بها. والظاهر تحقق التخيير مطلقا ورجحان الإفطار إذا
خرج قبل الزوال أو خرج مع نية السفر من الليل، وينبغي رعاية الاحتياط.
الثامنة: كل سفر يجب فيه قصر الصلاة يجب فيه قصر الصوم وبالعكس
واستثني من الكلية الثانية صيد التجارة على قول الشيخ في النهاية والمبسوط (9)
فإنه ذهب فيهما إلى أن الصائد للتجارة يقصر صومه ويتم صلاته، واستثني من
الكلية الاولى السفر في مواضع التخيير في الصلاة، فإن تقصير الصوم هناك متعين.

(1) المقنعة: 354.
(2) و (3) النهاية 1: 404.
(4) المختلف 3: 475.
(5) الوسائل 7: 132، الباب 5 من أبواب من يصح منه الصوم، ح 7.
(6) الوسائل 7: 131، الباب 5 من أبواب من يصح منه الصوم.
(7) الوسائل 7: 134، الباب 5 من أبواب من يصح منه الصوم.
(8) الوسائل 7: 133، الباب 5 من أبواب من يصح منه الصوم.
(9) النهاية 1: 358، المبسوط 1: 136.
268

واختلف الأصحاب في جواز السفر في شهر رمضان، فذهب الأكثر إلى
جوازه وأنه مكروه إلى أن يمضي من الشهر ثلاثة وعشرون يوما.
وعن أبي الصلاح أنه قال: إذا دخل الشهر على حاضر لم يحل له السفر
مختارا (1). والأقرب الجواز مطلقا مع أفضلية الإقامة، وأما انتفاء الكراهية بعد
مضي ثلاث وعشرين، فاستدل عليه ببعض الروايات الضعيفة (2). ومقتضاه انتفاء
الكراهية في اليوم الثالث والعشرين.
المطلب السادس (3)
في الاعتكاف
وعرفه الفاضلان بأنه اللبث الطويل للعبادة (4). وفي المنتهى والتذكرة أنه اللبث
المخصوص للعبادة (5). وفي الدروس أنه اللبث في مسجد جامع ثلاثة أيام
فصاعدا صائما للعبادة (6). وقيل: إنه لبث في مسجد جامع مشروط بالصوم
ابتداء (7). وهذه التعريفات لا يخلو عن خلل، لكن الأمر فيه هين.
وهو بأصل الشرع مندوب، ويجب بالنذر وشبهه، واختلف الأصحاب في
عروض الوجوب له، فقيل: إنه يصير واجبا بالنية والدخول (8). وقيل: يجب الثالث
بعد مضي اليومين (9). وقيل: يجوز الفسخ والإبطال مطلقا متى شاء (10). وهذا القول
قوي، وفيه قولان آخران.

(1) الكافي في الفقه: 182.
(2) الوسائل 7: 129، الباب 3 من أبواب من يصح منه الصوم، ح 6.
(3) كذا في النسخ المتوفرة لدينا، وهو سهو قطعا - كما يظهر بالمراجعة إلى العناوين السابقة -
والمناسب هنا «النظر الرابع» كما في الذخيرة. ونسخة الأصل فاقد لكتاب الصوم.
(4) الشرائع 1: 215، القواعد 1: 388.
(5) المنتهى 2: 628 س 18، التذكرة 6: 239.
(6) الدروس 1: 298.
(7) المدارك 6: 308.
(8) المبسوط 1: 289.
(9) المهذب 1: 204.
(10) السرائر 1: 422.
269

ولو شرط الرجوع إذا شاء كان له ذلك، وظاهر كلام جماعة من الأصحاب
جواز اشتراط الرجوع بالاختيار من غير تقييد بالعارض (1). وعبارة بعضهم
صريحة في ذلك (2). ونازع في ذلك جماعة من المتأخرين. واعتبر جماعة منهم
التقييد بالعارض (3). والروايات الواردة في هذه المسألة بعضها ظاهر في التقييد (4).
وبعضها مجمل. فإذن القدر الثابت جواز اشتراط الرجوع عند العارض. وفي جواز
اشتراطه مطلقا نظر، والظاهر أن العارض أعم من العذر. ومحل الاشتراط في
المتبرع به عند نية الاعتكاف والدخول فيه.
وأما المنذور فقد صرح العلامة وغيره بأن محل اشتراط ذلك عند عقد
النذر (5). قال في المعتبر: أما إذا أطلقه من الاشتراط على ربه فلا يصح له الاشتراط
عند إيقاع الاعتكاف، وإنما يصح فيما يبتدء من الاعتكاف لا غيره (6). والحجة
على ما ذكروه غير واضحة.
وفائدة هذا الشرط جواز الرجوع عند العارض أو متى شاء - كما قاله العلامة -
وإن مضى اليومان أو كان الاعتكاف واجبا بالنذر وشبهه، ولو خصصنا اشتراط
الرجوع بالعارض وفسرناه بالعذر المخرج عن الاختيار كالمرض والخوف انتفت
هذه الفائدة، ولا أعلم على هذا التقدير فائدة إلا ما ذكره العلامة وغيره من أن فائدة
الشرط سقوط القضاء مع الرجوع في الواجب المعين (7). لكن إثبات كون الشرط مؤثرا
في هذا الأمر وأن القضاء ثابت بدونه لا يخلو عن إشكال، لعدم دليل واضح عليه.
ولا قضاء في الواجب المعين. وأما الواجب المطلق الذي لم يتعين زمانه
فالأظهر وجوب الإتيان به بعد ذلك.

(1) المعتبر 2: 739، الدروس 1: 301، المسالك 2: 107 و 108.
(2) الدروس 1: 303.
(3) المختصر النافع: 74، التذكرة 6: 305.
(4) الوسائل 7: 411، الباب 9 من أبواب الاعتكاف، ح 2.
(5) المنتهى 2: 638 س 28.
(6) المعتبر 2: 740.
(7) التذكرة 6: 307.
270

ولا يصح إلا في مسجد، واختلف الأصحاب فيه فذهب جماعة من
الأصحاب إلى أنه لا يصح إلا في مسجد مكة أو المدينة أو الكوفة أو البصرة (1).
وأبدل علي بن بابويه مسجد البصرة بمسجد المدائن (2).
وقال الصدوق في المقنع: لا يصح الاعتكاف إلا في خمسة مساجد (3) وضم
مسجد المدائن إلى المساجد الأربعة.
وعن المفيد: لا يكون الاعتكاف إلا في المسجد الأعظم، وقد روي أنه لا
يكون إلا في مسجد قد جمع فيه نبي أو وصي نبي وهي أربعة مساجد وذكر ما
سبق (4). وإلى هذا القول ذهب جماعة من الأصحاب (5).
ونقل الشهيد في شرح الإرشاد: للأصحاب في ضابط هذه المسألة أقوالا:
طرفان ووسائط: المسجد لا بقيد، وأسنده إلى ابن أبي عقيل. الجمعة من الإمام
القيم (6) للمسلمين، وهو قول الصدوق. الجماعة من الإمام المذكور، وهو قول ابن
بابويه في المقنع، الجامعية، وهو المسجد الجامع وصرح المفيد بكونه الأعظم وهو
اختيار المحقق (7). والضابط عند ابن بابويه أن يكون مسجدا قد جمع فيه نبي أو
وصي نبي (8).
وعن الشيخ والمرتضى أن المعتبر من ذلك صلاة الجمعة لا مطلق الجماعة (9).
ولعل الأقرب جواز الاعتكاف في كل مسجد جامع.
ويشترط في الاعتكاف اللبث ثلاثة أيام فصاعدا، لا أقل. والمشهور بينهم
دخول الليلتين، ونسبه في المنتهى إلى فقهاء أهل البيت (عليهم السلام) (10). ونقل المحقق

(1) النهاية 1: 415، الانتصار: 72، الكافي في الفقه: 186.
(2) حكاه عنه في المختلف 3: 576.
(3) المقنع: 209.
(4) المقنعة: 363.
(5) الشرائع 1: 216، المدارك 6: 322، ونقل عن جماعة في المسالك 2: 99.
(6) في المصدر: العام بدل القيم.
(7) انظر غاية المراد 1: 347.
(8) المقنع: 66.
(9) المبسوط 1: 289، الانتصار: 72.
(10) المنتهى 2: 630 س 11.
271

إجماع علمائنا على ذلك (1). وفي بعض عبارات الخلاف مخالفة في ذلك (2).
واختلف الأصحاب في دخول الليلة الاولى فقيل بعدم وجوبه، وبه صرح
المحقق في المعتبر (3). وقيل بوجوبه (4). والأول أقرب. واحتمل بعض الأصحاب
دخول الليلة المستقبلة في مسمى اليوم (5). وعلى هذا فلا ينتهي الأيام الثلاثة إلا
بانقضاء الليلة الرابعة، وهو ضعيف جدا.
ويشترط أن يكون المعتكف صائما، والظاهر أنه لا يعتبر إيقاع الصوم لأجل
الاعتكاف، بل يكفي وقوعه في أي صوم اتفق واجبا كان أو ندبا.
ويشترط فيه النية كما في سائر العبادات. ولو أطلق النذر وجب ثلاثة أيام
أين شاء في أي وقت شاء، ولو عينهما تعينا. ولو نذر أزيد من ثلاثة أيام فإن شرط
التتابع لفظا أو معنى - كما إذا نذر اعتكاف شهر رمضان مثلا - وجب، وإن لم
يشترطه جاز التفريق ثلاثة ثلاثة.
ولو أطلق الأربعة جاز أن يعتكفها متوالية من غير حاجة إلى انضمام شيء،
وأن يفرق الثلاثة عن اليوم لكن يضم إليه يومين آخرين.
ويشترط في المندوب إذن الزوج والمولى.
ولا يجوز الخروج من موضعه إلا لضرورة. وهل يبطل الاعتكاف بالخروج؟
فيه أقوال، ثالثها ما فصله العلامة في التذكرة فقال: إن الاعتكاف إنما يبطل بمطلق
الخروج المحرم إذا وقع اختيارا. أما إذا اخرج كرها فإنه لا يبطل إلا مع طول
الزمان بحيث يخرج عن كونه معتكفا (6). والظاهر أن الخروج من المسجد إنما
يتحقق بخروج جميع بدنه من المسجد لا بعضه، وبه قطع المحقق في المعتبر من
غير نقل خلاف (7). وجزم الشهيد الثاني بتحقق الخروج من المسجد بخروج جزء

(1) المعتبر 2: 728.
(2) الخلاف 2: 239، المسألة 115.
(3) المعتبر 2: 730.
(4) المختلف 3: 584.
(5) مجمع الفائدة والبرهان 5: 358.
(6) التذكرة 6: 304.
(7) المعتبر 2: 733.
272

من البدن (1). وهل يتحقق بالصعود إلى سطح المسجد؟ فيه قولان، وفي جواز
الاعتكاف في سطح المسجد أيضا وجهان.
ويجوز الخروج للامور الضرورية، ويندرج فيها تحصيل المأكول والمشروب
إذا لم يكن من يأته بهما، وجوز العلامة والشهيد الثاني الخروج للأكل أيضا إذا كان
في فعله في المسجد غضاضة عليه، بخلاف الشرب، إذ لا غضاضة فيه ولا يعد
تركه من المروة (2). وهو غير بعيد.
ويجوز له الخروج للتخلي، ويقتصر على قدر الضرورة في تحري أقرب
الطرق وأقرب المواضع ومقدار المكث.
ويجوز الخروج لقضاء الحاجة الضرورية، وذكر بعض الأصحاب أنه لا فرق
بين أن يكون الحاجة له أو لغيره من المؤمنين (3). وبالجواز قطع في المنتهى (4).
وللأغسال الواجبة، وشهادة الجنازة وعود المريض، والحق بها تشييع المؤمن، ولا
أعلم حجة عليه، وإقامة الشهادة. وفيه إشكال.
ويحرم عليه حين الخروج الجلوس، وذكر جماعة من الأصحاب المشي
تحت الظلال (5). والأكثر خصوا التحريم بالجلوس تحت الظل وهو أقرب.
ويحرم الصلاة خارجا إلا بمكة فيصلي حيث شاء، واستثني من الحكم الأول
صلاة الجمعة، فيجوز الخروج لها وإقامتها خارجا إذا لم يقم في المسجد الذي
اعتكف فيه.
ويحرم على المعتكف النساء جماعا ولمسا بشهوة وتقبيلا كذلك وشم الطيب
عند الأكثر، خلافا للشيخ في المبسوط (6). والبيع والشراء، واختلفوا في فساد
الاعتكاف بهما.

(1) المسالك 2: 101.
(2) التذكرة 6: 289، المسالك 2: 103.
(3) المسالك 2: 103.
(4) المنتهى 2: 635 س 4.
(5) الجمل والعقود: 126، الانتصار: 74، السرائر 1: 425.
(6) المبسوط 1: 293.
273

كتاب الحج
275

كتاب الحج
والنظر في امور أربعة:
الأول
في أنواعه
وهو واجب وندب، فالواجب بأصل الشرع مرة واحدة في تمام العمر على
الفور وهي حجة الإسلام، وغيرها تجب بالنذر وشبهه كاليمين والعهد
وبالاستيجار والإفساد، والندب ما عداه.
وكل من هذه إما تمتع أو قران أو إفراد، فالتمتع أن يحرم من الميقات للعمرة
المتمتع بها، ثم يمضي إلى مكة فيطوف سبعا ويصلي ركعتيه ويسعى بين الصفا
والمروة للعمرة ويقصر، ثم يحرم من مكة للحج في الوقت المقدر شرعا، ويخرج
بعد الإحرام إلى عرفات فيقف بها من الزوال إلى غروب الشمس يوم عرفة، ثم
يفيض إلى المشعر الحرام ويبيت به ليلة العاشر ويقف به من طلوع الفجر إلى طلوع
الشمس يوم العيد، ثم يأتي منى فيرمي جمرة العقبة بسبع حصيات، ثم يذبح هديه،
ثم يحلق رأسه، ثم يمضي إلى مكة فيطوف للحج ويصلي ركعتيه، ثم يسعى للحج،
ثم يطوف للنساء ويصلي ركعتيه، ثم يرجع إلى منى فيبيت بها ليلة الحادي عشر
والثاني عشر ويرمي في اليومين المذكورين الجمار الثلاث، ثم ينفر إن شاء إن
اتقى الصيد والنساء، أو يقيم إلى اليوم الثالث فيرميه.
276

والمفرد يحرم من الميقات، ثم يمضي إلى عرفة والمشعر فيقف بهما، ثم يأتي
منى فيقضي مناسكه، ثم يطوف بالبيت للحج ويصلي ركعتيه، ثم يسعى، ثم يطوف
للنساء، ثم يصلي ركعتيه، ثم يرجع إلى منى فيرمي اليومين أو الثلاثة، ثم يأتي
بعمرة مفردة. والقارن كذلك، إلا أنه يقرن بإحرامه هديا على الأشهر الأقرب.
والتمتع فرض من بعد منزله عن مكة. واختلفوا في حد ذلك البعد، فالأشهر
الأقرب أنه ثمانية وأربعون ميلا فما زاد من مكة من كل جانب وقيل: إنه اثنا عشر
ميلا فما زاد عن مكة من كل جانب (1). ومن أصحاب هذا التقدير من اعتبر البعد
بالنسبة إلى المسجد الحرام (2). والباقيان فرض أهل مكة وحاضريها.
ولا يجوز للمتمتع العدول إلى القران والإفراد اختيارا بلا ضرورة ويجوز له
العدول إلى القران أو الافراد عند الاضطرار لضيق الوقت عن الإتيان بأفعال
العمرة، واختلفوا في حد الضيق، فقال المفيد: إذا غابت الشمس يوم التروية ولم
يفعل الأفعال فلا متعة له، يجعلها حجة مفردة (3).
وعن علي بن بابويه: تفوت المتعة المرأة إذا لم تطهر حتى تزول الشمس يوم
التروية (4). وحده في المقنع بليلة عرفة (5). وحده الشيخ في النهاية بزوال
الشمس (6). وقيل: وقت طواف العمرة إلى غروب الشمس يوم التروية للمختار
وللمضطر إلى أن يبقى ما يدرك عرفة في آخر وقتها (7). وقيل: تبقى المتعة ما لم
يفت اضطراري عرفة (8).
والأخبار في هذا الباب مختلفة، فبعضها يدل على فوات المتعة بزوال
الشمس يوم عرفة (9). وبعضها يدل على العدول إذا خاف فوت الموقف (10). وبعضها

(1) الشرائع 1: 237.
(2) السرائر 1: 520.
(3) المقنعة: 431.
(4) نقله في المختلف 4: 218.
(5) المقنع: 85.
(6) النهاية 1: 516.
(7) الكافي في الفقه: 194.
(8) السرائر 1: 581.
(9) الوسائل 8: 213، الباب 20 من أبواب أقسام الحج، ح 15.
(10) الوسائل 8: 211، الباب 20 من أبواب أقسام الحج، ح 5.
277

يدل على أنه يتمتع إذا أدرك الناس بمنى (1). وبعضها يدل على توقيت التمتع بآخر
نهار التروية (2). وبعضها يدل على التوقيت إلى زوال الشمس من يوم التروية (3).
وبعضها يدل على التوقيت إلى سحر عرفة (4). وبعضها يدل على منع التمتع إذا وافى
يوم عرفة (5).
والظاهر عندي أنه إذا لم يخف فوات الزمان الذي يجب فيه الوقوف يثبت
التخيير بين البقاء على المتعة والعدول في المواضع التي وقع الأمر بالعدول في
الأخبار جمعا بينها.
ومتى خاف ذلك فلا ريب في أنه يحصل الامتثال بالعدول، نظرا إلى الأخبار
الدالة عليه، ومع عدم العدول والبقاء على التمتع فالبراءة غير معلومة وإن أدرك
مسمى الوقوف الاضطراري أو الاختياري، لدلالة الأمر بالعدول والحال هذه
على جوازه، وعدم ما يدل على جواز البقاء على المتعة حينئذ، بل في بعض
الأخبار المنع منه.
فالمتجه قول الشيخ في النهاية، لكن في غير الحائض والنفساء، ومن ذكر
حكمهما فأقول: إذا حاضت المرأة المتمتعة أو نفست قبل الطواف ومنع العذر عن
الطواف وإتمام بقية أفعال العمرة لضيق الوقت فالمشهور بين الأصحاب أنها تعدل
إلى الإفراد، وحكى الشهيد (رحمه الله) عن جماعة من الأصحاب قولا بأنها مع ضيق
الوقت تسعى ثم تحرم بالحج وتقضي طواف العمرة مع طواف الحج (6).
والأولى عندي العدول إلى الإفراد وقوفا على ظاهر صحيحة جميل بن دراج (7).

(1) الوسائل 8: 210، الباب 20 من أبواب أقسام الحج، ح 1.
(2) الوسائل 8: 216، الباب 21 من أبواب أقسام الحج، ح 11.
(3) الوسائل 8: 213، الباب 20 من أبواب أقسام الحج، ح 13.
(4) الوسائل 8: 212، الباب 20 من أبواب أقسام الحج، ح 9.
(5) الوسائل 8: 213، الباب 20 من أبواب أقسام الحج، ح 16.
(6) المسالك 2: 200.
(7) الوسائل 8: 214، الباب 21 من أبواب أقسام الحج، ح 2.
278

وصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع (1). ومقتضى صحيحة جميل تعين العدول
يوم التروية، ومقتضى صحيحة محمد بن إسماعيل توقيت متعتها بزوال الشمس
يوم التروية، والأولى العمل بذلك كما هو قول محكي عن علي بن بابويه
والمفيد (2).
ولا خلاف في جواز عدول القارن والمفرد إلى التمتع عند الضرورة، واختلفوا
في جواز العدول اخيتارا، والأصح عدم الجواز، وللشيخ قول بالجواز (3). وموضع
الخلاف حجة الإسلام دون التطوع والمنذور. والمتطوع بالحج مخير بين الأنواع
الثلاثة، لكن التمتع أفضل، للروايات.
ويجوز للمفرد إذا دخل مكة العدول إلى التمتع، والظاهر أن الجواز مختص
بما إذا لم يكن الإفراد متعينا عليه بأصل الشرع، وكذا إذا تعين عليه الإفراد بنذر أو
شبهه لم يجز له العدول.
والأشهر الأقرب أنه يجوز للمفرد والقارن تقديم طوافهما الواجب على
الوقوف، ومنع ابن إدريس من ذلك (4). وتخصيص الأصحاب الحكم بالمفرد
والقارن يقتضي عدم انسحاب الحكم في المتمتع وقد قطعوا بأنه لا يجوز له تقديم
طواف الحج وإجماعهم عليه منقول في كلامهم، واحتجوا برواية ضعيفة (5) بإزائها
أخبار كثيرة دالة على جواز التقديم مطلقا (6).
وفي جواز الطواف المندوب للمتمتع قبل الخروج إلى منى قولان
أشهرهما المنع.
قالوا: ذو المنزلين يلزمه فرض أغلبهما إقامة، والمستفاد من الرواية الصحيحة

(1) الوسائل 8: 216، الباب 21 من أبواب أقسام الحج، ح 14.
(2) حكاه عنهما في المختلف 4: 217 و 216.
(3) النهاية 1: 463.
(4) السرائر 1: 575.
(5) الوسائل 8: 203، الباب 13 من أبواب أقسام الحج، ح 5.
(6) الوسائل 8: 202، الباب 13 من أبواب أقسام الحج.
279

التي هي الأصل في المسألة اعتبار الأهل لا المنزل (1). وينبغي تقييد الحكم بما إذا
لم يكن إقامته بمكة سنتين متواليتين، فإن تساويا تخير. ولو حج المكي على
ميقات أحرم منه وجوبا، وهل يجوز له التمتع حينئذ أم يجب عليه الإحرام للنوع
الذي هو فرض المكي؟ فالمشهور الجواز، وأنكره ابن أبي عقيل (2) وقوله لا يخلو
عن رجحان.
والمشهور بين الأصحاب أن من أقام بمكة سنتين ودخل في الثالثة فقد
استوطنها وانتقل فرضه إلى فرض أهلها، وقال الشيخ في النهاية: لا ينتقل حتى
يقيم ثلاثا (3). والروايات في هذا الباب مختلفة، وإطلاق النصوص والفتاوى
يقتضي عدم الفرق في الانتقال المذكور بين كون الإقامة بنية الدوام أو المفارقة،
وربما خص الحكم بالمجاور بغير نية الدوام، أما لو كان بنية الدوام انتقل فرضه من
أول زمان نيته وهو غير مرتبط بدليل.
وذكر الشهيد الثاني وغيره أن انتقال الفرض إنما يتحقق إذا تجددت
الاستطاعة بعد الإقامة المقتضية للانتقال، فلو كانت سابقة لم ينتقل الفرض وإن
طالت المدة لاستقرار الأول (4). وفي إثبات ذلك إشكال. ولو انعكس الفرض بأن
أقام المكي في الآفاق لم ينتقل فرضه إلا مع صدق خروجه عن حاضري مكة
عرفا، واحتمل بعضهم اعتبار إقامة سنتين في الانتقال (5) وهو ضعيف. ولو أقام
بمكة دون ما ذكر يتمتع وقد قطع الأصحاب بأنه يخرج إلى الميقات إن تمكن، فإن
لم يتمكن من الميقات أحرم من خارج الحرم، ولو تعذر أحرم من موضعه، وهل
المعتبر الخروج إلى ميقات أهله عند الإمكان أو إلى الميقات مطلقا؟ الظاهر الثاني
كما قطع به في الدروس (6). وظاهر المعتبر والمنتهى الأول (7). واحتمل بعض

(1) الوسائل 8: 191، الباب 9 من أبواب أقسام الحج الحديث 1.
(2) نقله في المختلف 4: 24.
(3) النهاية 1: 463.
(4) المسالك 2: 208.
(5) المسالك 2: 208.
(6) الدروس 1: 341.
(7) المعتبر 2: 804، المنتهى 2: 671 س 22.
280

المتأخرين الاكتفاء بالخروج إلى أدنى الحل مطلقا (1). وهو حسن.
والمشهور أنه لا يجوز الجمع بين الحج والعمرة بنية واحدة بأن يحرم وينوي
به الحج والعمرة معا، وفيه خلاف لابن أبي عقيل حيث جوز ذلك وجعله تفسير
القران (2).
النظر الثاني
في الشرائط
يشترط في حجة الإسلام التكليف والحرية والاستطاعة، وفي تفسيرها
إشكال.
وفي المنتهى نقل اتفاق علمائنا على اعتبار الزاد والراحلة في الاستطاعة (3).
ويدل عليه بعض الأخبار، لكن في أخبار متعددة دلالة على أن الراحلة غير
معتبرة في من يتمكن من المشي (4). ففي المسألة إشكال.
وذكر العلامة أنه يشترط الزاد والراحلة في حق المحتاج إليهما لبعد مسافته
أما القريب فيكفيه اليسير من الاجرة بنسبة حاجته، والمكي لا يعتبر الراحلة في
حقه ويكفيه التمكن من المشي، وذكر أن القريب إلى مكة لا يعتبر في حقه وجود
الراحلة إذا لم يكن محتاجا إليها (5). وهو حسن، لكن في تحديد القرب الموجب
لذلك إشكال.
ويعتبر في الاستطاعة إمكان المسير وهو الصحة، وتخلية السرب، والقدرة
على الركوب عند الحاجة إليه، وسعة الوقت.
ولا يجب على الصبي والمجنون، فلو حجا أو حج عنهما لم يجز عن حجة

(1) الدروس 1: 341.
(2) نقله في المعتبر 2: 800.
(3) المنتهى 2: 652 س 10.
(4) الوسائل 8: 26، الباب 10 من أبواب وجوب الحج.
(5) المنتهى 2: 652 س 22.
281

الإسلام، ولو حجا ثم كملا قبل المشعر أجزأ عند أكثر الأصحاب.
ويحرم المميز، والظاهر أنه يشترط في صحة إحرامه إذن الولي، وهل يتوقف
الحج المندوب من البالغ على إذن الأب أو الأبوين؟ فقيل بعدم اعتبار إذنهما (1).
وقيل: يعتبر إذن الأب خاصة (2). وقيل: يعتبر إذن الأبوين (3).
ولو حج المملوك بإذن مولاه لم يجز عن حجة الإسلام إلا أن يدرك المشعر
معتقا.
تنبيهات:
الأول: المعتبر في وجدان الزاد أن يكون مقتدرا على تحصيل المأكول
والمشروب بقدر الحاجة إما بالقدرة على تحملهما أو التمكن من تحصيلهما في
المنازل، والظاهر أنه لا فرق في ذلك بين المأكول والمشروب وعلف المركوب
كما يدل عليه إطلاق النص وفتوى الأكثر، وفيه خلاف من العلامة (4).
الثاني: هل يعتبر في الراحلة أن يكون مناسبا بحاله بحسب العزة والشرف؟
فيعتبر المحمل أو الكنيسة عند علو منصبه، ظاهر العلامة اعتبار ذلك (5) والظاهر
عدمه وبه حكم الشهيد في الدروس (6).
الثالث: الظاهر أنه لا يعتبر في الاستطاعة حصولها من بلده، فلو اتفق كون
المكلف في غير بلده واستطاع للحج والعود إلى بلده وجب عليه الحج وإن لم يكن
له الاستطاعة من بلده كما صرح به بعض المتأخرين (7) خلافا للشهيد الثاني (8).
الرابع: الأقرب الأشهر أن من وجد الزاد والراحلة بقدر الحاجة وما يمون
عياله ذاهبا وعائدا فهو مستطيع وإن لم يرجع إلى كفاية، والمراد به أن يكون له
عقار متخذ للنماء أو يكون له رأس مال يحصل من ربحه ما يتعيش به، أو يكون له

(1) الخلاف 2: 432، المسألة 327.
(2) القواعد 1: 402.
(3) المسالك 2: 126.
(4) المنتهى 2: 653 س 30.
(5) التذكرة 7: 51.
(6) الدروس 1: 312.
(7) المختلف 4: 14.
(8) المسالك 2: 153.
282

مال يكفيه أو صناعة أو حرفة يحصل منها كفايته. ولو وجد الزاد والراحلة بالثمن
وجب الشراء وإن زاد عن ثمن المثل.
الخامس: قالوا: المديون لا يجب عليه الحج إلا أن يفضل عن دينه قدر
الاستطاعة، والحكم به مطلقا لا يخلو عن إشكال.
السادس: لا يجوز صرف المال في النكاح وإن شق تركه بعد تعلق الخطاب
بالحج وتوقفه على المال، فلو صرفه قبل زمان خروج الوفد الذي يجب الخروج
معهم أو أمكنه الحج من غير مال جاز صرفه في النكاح، فلو حصل له من ترك
النكاح ضرر شديد لا يتحمل عادة أو خشي حدوث مرض بتركه قدم النكاح.
السابع: لو بذل له زاد وراحلة ومؤنة عياله ذاهبا وعائدا وجب الحج. وإطلاق
الروايات يقتضي عدم الفرق بين أن يكون البذل على وجه التمليك أم لا، ولا بين
أن يكون واجبا بنذر وشبهه أم لا، ولا بين أن يكون الباذل موثوقا به أم لا، واعتبر
بعضهم التمليك (1) وبعضهم التمليك أو الوثوق (2). وعن جماعة من الأصحاب
اشتراط التمليك أو الوجوب بنذر وشبهه (3). والأقرب عدم اعتبار التمليك ولا
الوجوب، لإطلاق النص، نعم لا يبعد اعتبار الوثوق بالباذل.
وإذا بذل له المال مطلقا من غير تقييد بكونه للحج فعموم الأدلة يقتضي
الوجوب، ومقتضى بعض عباراتهم عدم الوجوب.
ولا يعتبر كون المبذول عين الزاد والراحلة، فينسحب الحكم في أثمانهما
على الأشهر الأقرب، خلافا للشهيد الثاني (4).
ولو وهبه الزاد والراحلة فالظاهر أنه يجب عليه، وفي الدروس: لا يجب عليه
القبول (5). وكذا الكلام لو وهب ثمنهما للحج، ولا يمنع الدين من وجوب الحج على
تقدير البذل، وكذا لو وهبه للحج، ولا يجب على المبذول] له [إعادة الحج عند

(1) السرائر 1: 517.
(2) الدروس 1: 310.
(3) لم نعثر عليه ولكن نقل عن العلامة في المدارك 7: 46.
(4) المسالك 2: 133.
(5) الدروس 1: 310.
283

اليسار خلافا للشيخ في الاستبصار (1). قالوا: ولو وهب ما يستطيع به لم يجب
القبول. ولو استؤجر لعمل في السفر بقدر الكفاية وجب الحج ولا يجب القبول. ولو
حج الفقير متسكعا لم يجز عن حجة الإسلام إلا مع إهمال المستقرة. ولو تسكع
الغني أجزأ.
ولو حج عن المستطيع الحي غيره لم يجز. والمريض يجب عليه إن قدر على
الركوب. ولو فقد الرفيق أو الأوعية والآلات مع الحاجة إليهما لم يجب. ولو
احتاج إلى مال للعدو في الطريق مع تمكنه ففي الوجوب حينئذ خلاف، والأقرب
الوجوب. ولو عجز عن الحج لمانع من عدو أو مرض فإن كان الحج مستقرا في
ذمته فمذهب الأصحاب وجوب الاستنابة، ونقل بعضهم الاتفاق فيه (2). وإن لم
يكن مستقرا ففي وجوب الاستنابة قولان، والأحوط الاستنابة، وعلى القول
بالوجوب يختص بحال اليأس من البرء فلا يجب عند الرجاء عند الأصحاب،
ونقل بعضهم الاتفاق عليه (3).
ومن استقر الحج في ذمته ثم مات قضي عنه من أصل ماله، وهل الواجب
قضاء الحج عن الميت من أقرب الأماكن أو من بلده؟ فيه أقوال، والأقرب الأشهر
الأول، وهل المراد ببلد الميت بلد موته أو بلد استيطانه أو بلد يساره ووجوب
الحج عليه؟ فيه أقوال، وموضع الخلاف ما إذا لم يوص للحج من البلد، أما لو
أوصى بذلك تعين الحج على الوجه الذي أوصى به إن خرج الزائد على اجرة
الحج من الميقات من الثلث وكذا إن أطلق ودلت القرائن عليه.
واختلف كلام الأصحاب فيما به يتحقق استقرار الحج، فذهب الأكثر إلى أنه
يتحقق بمضي زمان يمكن فيه الإتيان بجميع أفعال الحج مستجمعا للشرائط،
واكتفى العلامة في التذكرة بمضي زمان يمكن فيه تأدي الأركان خاصة، واحتمل
الاكتفاء بمضي زمان يمكنه فيه الإحرام ودخول الحرم (4). واستحسنه بعض

(1) الاستبصار 2: 144.
(2) المسالك 2: 138.
(3) المنتهى 2: 655 س 23.
(4) انظر التذكرة 7: 96 - 97.
284

المتأخرين إن كان زوال الاستطاعة بالموت لا بذهاب المال وغيره (1). والنص
خال عن ذلك كله.
ولو مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأ، ولا يكفي الإحرام عند الأكثر،
وعن الشيخ في الخلاف وابن إدريس الإجزاء بالإحرام (2). ولو خرج حاجا في
عام (3) الوجوب فمات قبل الإحرام ودخول الحرم فالمشهور بين المتأخرين
سقوط القضاء عنه، وعن المفيد والشيخ وجوب القضاء إذا مات قبل دخول الحرم (4).
والأشهر الأقرب أن من حج في حال إسلامه ثم ارتد بعد ذلك ثم عاد إلى
الإسلام لم يجب عليه إعادة الحج خلافا للشيخ في المبسوط (5) والأشهر الأقرب
أن من أحرم في حال إسلامه ثم ارتد لم يبطل إحرامه. والأشهر أن المخالف يعيد
الحج مع الإخلال بركن، وبدونه لا يعيد، والنصوص مطلقة في عدم إعادة المخالف
حجه بعد الاستبصار من غير تقييد بعدم الإخلال بركن، لكن الشيخ وكثير من
الأصحاب ذكروا هذا التقييد (6). ونص الفاضلان والشهيد على أن المراد بالركن ما
يعتقده أهل الحق ركنا (7) مع تصريحهم في مسألة سقوط قضاء الصلوات باعتبار
الصحة عنده في السقوط وإن كان فاسدا عندنا (8). وانسحاب هذا الحكم هاهنا
أيضا أوفق بمقتضى النصوص.
وليس للمرأة ولا للعبد الحج تطوعا إلا بإذن الزوج والمولى. ولا يشترط
للمرأة إذن الزوج في الحج الواجب.
ويشترط في النذر البلوغ والعقل، والمعروف بينهم اعتبار الحرية، ونقل

(1) لم نعثر عليه.
(2) السرائر 1: 628، الخلاف 2: 390، المسألة 244.
(3) في المطبوع خ 2: حال الوجوب.
(4) المقنعة: 443، المبسوط 1: 323.
(5) المبسوط 1: 305.
(6) المبسوط 1: 303، السرائر 1: 518.
(7) المعتبر 2: 765، المنتهى 2: 860 س 20، وانظر الذكرى 2: 432 - 433.
(8) منهم الشهيد في الذكرى 2: 432، ومجمع الفائدة 3: 211 - 213.
285

بعضهم اتفاق الأصحاب عليه (1). قالوا: لو أذن المولى انعقد نذر العبد فيجب عليه
الوفاء به وجاز له المبادرة إليه في الوقت الموسع وإن نهاه المولى وكذا قالوا
في الزوجة.
ولو مات بعد استقرار الحج المنذور بأن يتمكن من الإتيان به فالأشهر وجوب
قضائه من الأصل، وذهب الشيخ إلى وجوب قضائه من الثلث (2). وفي أدلة الطرفين
إشكال. وإن عين النذر لوقت معين تعين، فإن عجز فيه سقط، وإن أطلق توقع المكنة.
ولو نذر الحج ماشيا فالأقرب أنه ينعقد، واختلف الأصحاب في مبدأ المشي
فقيل: إن المبدأ بلد الناذر (3). وقيل: وقت الشروع في أفعال الحج (4) والتعويل في
هذا الباب على نية الناذر أو العرف الشائع في وقت النذر، واختلف أيضا في
منتهاه فقيل: برمي الجمار (5). وقيل: طواف النساء (6). ويدل على الأول صحيحة
جميل (7) وصحيحة إسماعيل بن همام (8).
النظر الثالث
يشترط في النائب كمال العقل والإسلام، وأن لا يكون عليه حج واجب فورا
في السنة التي ينوب فيها، وتعيين المنوب عنه قصدا في مواضع النية، ويستحب أن
يسميه في المواطن.
واشترط المتأخرون في الحج الواجب عدالة الأجير، واكتفى بعض
الأصحاب بكونه ممن يظن صدقه ويحصل الوثوق بقوله عند إخباره بالإتيان
بالحج الصحيح (9).

(1) المدارك 7: 94.
(2) التهذيب 5: 406.
(3) الشرائع 3: 186.
(4) المدارك 7: 103.
(5) المدارك 7: 103.
(6) الدروس 1: 319.
(7) الوسائل 8: 62، الباب 35 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ح 2.
(8) الوسائل 8: 62، الباب 35 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ح 1 و 3.
(9) الدروس 1: 320.
286

وفي نيابة المميز خلاف. ولا يصح نيابة العبد بدون إذن المولى. ويصح نيابة
الصرورة مع عدم الوجوب عليه وإن كان امرأة عن رجل على الأشهر الأقرب.
ولو مات النائب بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأ عن المنوب على الأشهر
الأقرب، والمعروف من مذهبهم أنه يستحق جميع الاجرة، ونقل بعضهم الاتفاق
عليه (1). واستشكله بعض المتأخرين (2) وهو في موقعه.
وإن لم يكن موت النائب بعد الإحرام ودخول الحرم استعيد من الاجرة بما
قابل المتخلف ذاهبا وعائدا عند المحقق والعلامة في بعض كتبه (3). وفيه خلاف
للشيخ في المبسوط والعلامة في التذكرة والمختلف (4).
والوجه أن يقال: إن تعلقت الإجارة بمجرد أفعال الحج لم يستحق الأجير
عند موته قبل الإحرام شيئا من الاجرة، وإن مات بعد الإحرام وزعت الاجرة
على الأفعال واستحق من الاجرة بنسبة ما فعل، وإن تعلقت الإجارة بالأفعال مع
الذهاب وزعت الاجرة على الذهاب وأفعال الحج واستحق الأجير على نسبة ما
فعل، ومنه يعلم الحكم إن تعلقت الإجارة بالأفعال مع الذهاب والعود.
قالوا: الإطلاق يقتضي التعجيل. وفيه نظر، وعلى النائب ما يلزمه من
الكفارات والهدي.
ولو احصر تحلل بالهدي ولا قضاء عليه في المعين واستحق من المسمى
بنسبة ما أتى به من الأفعال. ولو كانت الإجارة مطلقة فإنه يجب على الأجير
الإتيان بالحج المستأجر عليه بعد زوال الحصر. ولو لم يتحلل الأجير وبقي على
إحرامه حتى فات الحج تحلل بعمرة ولا يستحق بأفعالها اجرة.
ويشترط في حج التطوع الإسلام، وأن لا يكون عليه حج واجب فورا على
المشهور، وعن الشيخ في المبسوط أنه يقع عن حجة الإسلام (5) وفي الخلاف

(1) المسالك 2: 169.
(2) مجمع الفائدة 3: 143.
(3) الشرائع 1: 232، القواعد 1: 410.
(4) المبسوط 1: 323، التذكرة 7: 153، المختلف 4: 327.
(5) المبسوط 1: 302.
287

الحكم بصحة التطوع وبقاء حجة الإسلام في ذمته (1). ويشترط إذن المولى والزوج.
قالوا: ويشترط في حج التمتع النية، قال الشهيد الثاني: ظاهر الأصحاب أن
المراد بهذه النية نية الحج بجملته (2)، وصرح بعضهم بذلك. وعلى هذا يجب الجمع
بين هذه النية ونية كل فعل فعل على حدة، والحجة عليه غير واضحة، والأخبار
خالية عنه، وهاهنا كلام آخر ذكرته في الذخيرة.
ويشترط أيضا وقوعه في أشهر الحج وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة على
الأقرب، والإتيان به والعمرة في عام واحد والإحرام بالحج من مكة، فلو أحرم
من غيرها يرجع فإن تعذر أحرم حيث قدر في صورة الجهل أو النسيان، وفي
صورة العمد خلاف، والإحرام للعمرة المتمتع بها يجب أن يكون من المواقيت
الستة اختيارا لا أعلم فيه خلافا.
وشرط القران والإفراد وقوعه في أشهر الحج وإحرامه من الميقات أو منزله
إن كان أقرب، وذكر المحقق أن المعتبر القرب إلى عرفات (3). والمذكور في
الأخبار خلافه.
النظر الرابع
في الأفعال
وفيه مقاصد:
المقصد الأول في الإحرام
ومطالبه أربعة:
الأول في المواقيت
وفيه مسائل:
الاولى: يجب الإحرام منها على كل من دخل مكة، ولا يجوز دخول مكة إلا

(1) الخلاف 2: 256، المسألة 19.
(2) المسالك 2: 194.
(3) المعتبر 2: 786.
288

محرما إذا كان الدخول إليها من خارج الحرم عدا ما استثني، والأصل فيه صحيحة
محمد بن مسلم (1) وصحيحة عاصم بن حميد (2). ومقتضى الخبرين سقوط الإحرام عن
المريض، وبه قطع الشيخ (3) والمحقق في بعض كتبه (4). واستحب الشيخ في التهذيب
الإحرام للمريض واستثنى عن هذا الحكم العبد (5). ويجب أن ينوي الداخل
بإحرامه الحج أو العمرة وعليه إكمال النسك الذي تلبس به ليتحلل من الإحرام.
الثانية: من دخلها بعد الإحرام قبل شهر لا يجب عليه الإحرام، واختلفوا في
مبدأ اعتبار الشهر، فذهب جماعة منهم إلى أن مبدأه من وقت الإحلال من
الإحرام المتقدم (6). وقيل غير ذلك. والمسألة محل إشكال.
وكذا لا يجب الإحرام على المتكرر كالحطاب والمجتلبة، والنص يختص
بهما (7) والأولى عدم التعدي عن مورده.
الثالثة: يجب أن يكون الإحرام من الميقات من غير تقدم عليها، فلو أحرم
قبل المواقيت لم يصح بلا خلاف إلا للناذر، فإنهم اختلفوا في نذر الإحرام قبل
هذه المواقيت هل ينعقد أم لا؟ والأشهر الأقرب الانعقاد. ومن يعتمر في رجب إذا
خاف خروجه قبل الوصول إلى إحدى المواقيت جاز له الإحرام قبله، ولو منعه
مانع من الإحرام في الميقات ثم زال المانع وجب عليه العود على الأشهر الأقرب،
فإن تعذر خرج إلى الحل فإن تعذر أحرم من موضعه. ولو تعذر العود ففي وجوب
العود إلى ما أمكن من الطريق وجهان، وكذا الناسي وغير القاصد للنسك والمتمتع
المقيم بمكة. ولو نسي الإحرام أصلا وقضى المناسك ففي الإجزاء خلاف، وفي
المسألة إشكال.

(1) الوسائل 9: 67، الباب 50 من أبواب الإحرام، ح 4.
(2) الوسائل 9: 67، الباب 50 من أبواب الإحرام، ح 1.
(3) النهاية 1: 467.
(4) المختصر النافع: 85.
(5) التهذيب 5: 165.
(6) الشرائع 1: 252، الإرشاد 1: 314، المسالك 2: 270.
(7) الوسائل 9: 70، الباب 51 من أبواب الإحرام، ح 2.
289

الرابعة: المواقيت المنصوصة من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ستة: لأهل العراق
«العقيق» والمشهور أن العقيق كله ميقات يجوز الإحرام من جميع جهاته وأن
الأفضل الإحرام من المسلخ، ثم غمرة، ثم ذات عرق، والمحكي عن علي بن
بابويه والشيخ في النهاية أن التأخير إلى ذات عرق للتقية والمرض (1). والاحتياط
يقتضي أن لا يتجاوز غمرة إلا محرما، والأفضل أول العقيق، والظاهر الاكتفاء في
معرفة العقيق بالظن الغالب المستفاد من الشياع لصحيحة معاوية بن عمار (2) ولا
يبعد أن يكون الحكم كذلك في سائر المواقيت.
وميقات أهل المدينة اختيارا عند الفاضلين مسجد الشجرة نفسه (3). وعند
بعضهم الموضع المسمى بذي الحليفة (4). والأحوط الإحرام من المسجد ولو كان
المحرم جنبا أو حائضا أحرما به مجتازين فإن تعذر الاجتياز أحرما من خارجه.
وميقاتهم اضطرارا الجحفة، لا نعرف خلافا بينهم في جواز تأخير الإحرام إليها
عند الضرورة وهي المشقة التي يعسر تحملها، ويدل عليه صحيحة أبي بصير
وغيرها (5). وظاهر غير واحد من الأخبار جواز التأخير إلى الجحفة اختيارا (6) كما
هو المنقول عن ظاهر الجعفي (7).
والجحفة ميقات أهل الشام، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل الطائف قرن المنازل.
ومن كان منزله أقرب إلى مكة من المواقيت فمنزله، والمشهور بين الأصحاب
شمول الحكم المذكور لأهل مكة والأخبار التي هي مستند الحكم غير شاملة لهم
وفي حديثين صحيحين ما يخالف ذلك، وهذه المواقيت مواقيت لأهلها وللمجتاز
عليها من غير أهلها.

(1) حكاه عن علي بن بابويه في المختلف 4: 40، النهاية 1: 466.
(2) الوسائل 8: 225، الباب 2 من أبواب المواقيت، ح 1 و 2.
(3) الشرائع 1: 241، التذكرة 7: 191.
(4) الدروس 1: 340.
(5) الوسائل 8: 229، الباب 6 من أبواب المواقيت، ح 4.
(6) الوسائل 8: 223، 229، الباب 1، 6 من أبواب المواقيت.
(7) كما في الدروس 1: 493.
290

ويستفاد من بعض الروايات أن من مر على المدينة تعين عليه الإحرام من
ميقاتها (1). وذكر جماعة من الأصحاب أنه لو سلك ما لا يفضي إلى أحدها أحرم
عند ظن المحاذاة لأحدها (2). وظاهر بعضهم أنه مخير في الإحرام من محاذاة أي
المواقيت شاء. وقيل: إن المعتبر محاذاة أقرب المواقيت إلى مكة (3).
وفي المنتهى والتذكرة اعتبر الميقات الذي هو أقرب إلى طريقه، قال:
والأولى أن يكون إحرامه بحذو الأبعد من المواقيت عن مكة (4). وفي الكل نظر،
ومستند المسألة رواية لا تفيد التعميم (5). والاحتياط يقتضي المرور على الميقات
وترك التعويل على المحاذاة، ولو سلك طريقا لا يؤدي إلى محاذاة ميقات قيل:
يحرم من مساواة أقرب المواقيت إلى مكة (6). واستقرب بعضهم وجوب الإحرام
من أدنى الحل (7). ولي في المسألة تردد.
المطلب الثاني في كيفية الإحرام
ويجب فيه النية، والمشهور بين المتأخرين وجوب اشتمال النية على قصد
حجة الإسلام أو غيرها تمتعا أو قرانا أو إفرادا، أو عمرة مفردة لوجوبه أو ندبه
متقربا بذلك الفعل إلى الله تعالى.
وقال العلامة في المنتهى والتذكرة بعد الحكم باعتبار الأربعة المذكورة: ولو
نوى الإحرام مطلقا ولم ينو حجا ولا عمرة انعقد إحرامه وكان له صرفه إلى أيهما
شاء (8) والذي يقتضيه الدليل وجوب القصد إلى الفعل المتميز بوجه متقربا إلى الله
تعالى ولا يعتبر أمر زائد على ذلك. وهل يعتبر تمييز كونه حجا أو عمرة فيه إشكال.

(1) الوسائل 8: 230، الباب 8 من أبواب المواقيت، ح 1.
(2) المبسوط 1: 313، الجامع للشرائع: 181، التحرير 1: 95 س 4.
(3) القواعد 1: 417.
(4) المنتهى 2: 671 س 19، التذكرة 7: 204.
(5) الوسائل 8: 230، الباب 7 من أبواب المواقيت، ح 1.
(6) المسالك 2: 216.
(7) القواعد 1: 417.
(8) التذكرة 7: 233، المنتهى 2: 675 س 4.
291

ويجب فيه التلبيات، واختلفوا في اشتراط مقارنتها للنية، فقال ابن إدريس
والشهيد في اللمعة باشتراط المقارنة (1). وكلام أكثر الأصحاب خال عن اشتراط
المقارنة، ويحكى عن كثير منهم التصريح بعدم اشتراطها (2). والأقرب عندي جواز
تأخير التلبية عن موضع الإحرام.
وصورتها «لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك» على الأقرب. والتلبيات
متعينة للمتمتع والمفرد. والقارن مخير بين عقد الإحرام بها وبين عقده بالإشعار
المختص بالبدن أو التقليد المشترك بين البدن والبقر والغنم على الأشهر الأقرب.
ولا أعرف خلافا بينهم في وجوب لبس الثوبين، والظاهر أن محل اللبس قبل
عقد الإحرام لئلا يكون بعد عقده لابسا للمخيط، وهل اللبس من شرائط صحة
الإحرام أم لا بل يكون تركه موجبا للإثم فقط؟ الظاهر الثاني، ونسبه في الدروس
إلى ظاهر الأصحاب وتنظر فيه (3).
واختلف كلام الأصحاب في كيفية لبس الثوبين، فذكر جماعة منهم أنه يأتزر
بأحدهما ويرتدي بالآخر أو يتوشح به (4). وقيل: إنه يأتزر بأحدهما ويتوشح
بالآخر (5). وذكر غير واحد منهم أنه لابد في الإزار من كونه ساترا لما بين السرة
والركبة (6). والظاهر أنه لا يجب استدامة اللبس.
وذكر العلامة والشهيد وغيرهما أنه لا يجوز عقد الرداء ويجوز عقد الإزار (7).
والأظهر جواز عقد الهميان مطلقا، ويجوز شد المنطقة، وبه قطع في الدروس (8)
ويجوز شد النفقة في الحقو، والمعروف في كلامهم اشتراط كون الثوبين مما يصح
فيه الصلاة ومقتضاه عدم جواز الحرير المحض للرجل وجلد غير المأكول

(1) السرائر 1: 536، اللمعة: 34.
(2) التهذيب 5: 84، الوسيلة: 161، المدارك 7: 263.
(3) الدروس 1: 345.
(4) النهاية 1: 468، السرائر 1: 530، المسالك 2: 237.
(5) القواعد 1: 419.
(6) المسالك 2: 236، المدارك 7: 274.
(7) التذكرة 7: 300، الدروس 1: 344.
(8) الدروس 1: 376.
292

والمتنجس بما لا يعفى عن الصلاة فيه وما يحكي العورة.
وقال بعض المتأخرين: ومقتضى الرواية - يعني صحيحة معاوية بن عمار -
عدم جواز لبس النجس حالة الإحرام مطلقا، ويمكن حمله على ابتداء اللبس، إذ
من المستبعد وجوب الإزالة عن الثوب دون البدن إلا أن يقال بوجوب إزالتها عن
البدن أيضا للإحرام، ولم أقف على مصرح به وإن كان الاحتياط يقتضي ذلك (1).
ولا ريب في كون الإزالة عن الثوب والبدن على سبيل الاستمرار يوافق
الاحتياط.
والشهيد في الدروس منع من الإزار الحاكي وجعل اعتبار ذلك في الرداء
أحوط (2). وذكر بعضهم أن إطلاق عبارات الأصحاب يقتضي عدم جواز الإحرام
فيه مطلقا من غير فرق بين الإزار والرداء (3). والظاهر عدم اعتبار ذلك في الرداء،
لصحة الصلاة فيه لو كان حاكيا، واحتمل بعض الأصحاب عدم جواز الإحرام في
جلد المأكول (4). وفيه نظر.
ويبطل إحرامه] بإخلال النية عمدا أو سهوا، وكذا يبطل إحرامه [(5) لو نوى
النسكين معا بأن أحرم إحراما واحدا وقصد به الحج والعمرة من غير تخلل
التحلل بينهما، أما لو نواهما معا ولبى بهما وقال: «بحجة وعمرة معا» وقصد
الترتيب فالظاهر أنه يصح، بل حكي عن الشيخ في موضع أنه قال باستحبابه (6).
ولو فعل المحرم على المحرم قبل التلبية فلا كفارة، وظاهر الروايات أنه لا يجب
عليه استئناف نية الإحرام بعد ذلك، بل يكفي النية السابقة عند الإحرام، والمنوي
عند الإحرام اجتناب ما يجب على المحرم اجتنابه بعد التلبية، وذهب السيد
المرتضى إلى وجوب استئناف النية قبل التلبية على التقدير المذكور (7).

(1) المدارك 7: 275.
(2) الدروس 1: 344.
(3) المدارك 7: 275.
(4) المدارك 7: 275.
(5) ليس في خ 1.
(6) حكاه في الدروس 1: 345.
(7) الانتصار: 96.
293

واختلف الأصحاب في جواز لبس الحرير في حال الإحرام للنساء، فذهب
جماعة من الأصحاب منهم المفيد (رحمه الله) والعلامة إلى الجواز (1) وذهب جماعة منهم
الشيخ والشهيد في الدروس إلى التحريم (2). والأول أقرب.
والمعروف من مذهب الأصحاب جواز لبس المخيط لهن، ويحكى عن الشيخ
قول بالتحريم (3). والأول أقرب.
ويجوز للمحرم تجديد الثياب والإبدال ولبس القباء للفاقد على ما ذكره
الأصحاب، وفي عدة من الأخبار تقييد ذلك بحال الاضطرار.
ولو أحرم بحج التمتع قبل التقصير ناسيا فلا شيء عليه على الأقرب الأشهر،
وقيل: يلزمه بذلك دم (4) ولو كان ذلك عامدا فالمشهور أنه يبطل تمتعه ويصير
حجه مفردا، وذهب ابن إدريس إلى بطلان الإحرام الثاني والبقاء على الأول (5).
والمسألة محل إشكال، ثم على القول بصيرورة العمرة حجة مفردة يجب إكمالها،
وهل يجزي عن الفرض الواجب؟ فيه وجهان.
والأفضل الإحرام بالصبيان من الميقات ويجردون من فخ ويجتنب الصبي ما
يجتنبه المحرم، يأمره الولي بذلك، فإن فعل ما يوجب الكفارة لزم الولي، والأكثر
خصوا الحكم بما يوجب الكفارة عمدا وسهوا كالصيد وهو حسن، وكذا ما يعجز
عنه وكذا الهدي أو الصيام مع العجز عن الهدي.
ويستحب تكرار التلبية للحاج إلى الزوال يوم عرفة، وللمعتمر تمتعا إذا شاهد
بيوت مكة، والروايات في المعتمر إفرادا مختلفة.
ويستحب رفع الصوت بالتلبية للرجال على المشهور، وقال الشيخ: إن
الإجهار بالتلبية واجب (6).

(1) أحكام النساء (مصنفات المفيد) 9: 35، التذكرة 7: 238.
(2) المبسوط 1: 320، الدروس 1: 344.
(3) حكاه عنه في الدروس 1: 376.
(4) الإرشاد 1: 328.
(5) السرائر 1: 536.
(6) التهذيب 5: 92.
294

ويستحب الاشتراط وهو أن يشترط على ربه عند عقد إحرامه أن يحله حيث
حبسه، وذكر بعض الأصحاب أن محل الاشتراط قبل النية متصلا بها وقال: ولو
ذكرها في خلال النية حيث لا يخل بواجباتها صح أيضا (1).
ويستحب أن يكون الإحرام في القطن. ويستحب توفير شعر الرأس من أول
ذي القعدة للمتمتع على الأشهر ويتأكد عند هلال ذي الحجة، وقيل: يجب (2).
وليس في شيء من الروايات الدالة على التوفير التقييد بالتمتع، فالتعميم أولى.
ويستحب أيضا تنظيف الجسد وقص الأظفار وأخذ الشارب وإزالة الشعر
والإطلاء. ويستحب الغسل للإحرام على الأشهر الأقرب، ولو اغتسل ثم أكل أو
لبس ما لا يجوز للمحرم أكله أو لبسه أعاد الغسل استحبابا، وأضاف بعضهم إلى ما
يقتضي إعادة الغسل التطيب أيضا (3). وهو حسن، للرواية (4) ولو قلم أظفاره بعد
الغسل يمسحها بالماء وليس عليه إعادة الغسل، ويجوز تقديم الغسل على
الميقات إذا خاف عوز الماء فيه.
وظاهر عدة من الروايات جواز تقديم الغسل مطلقا (5). ويجزي الغسل في
أول النهار وفي أول الليل لليلته ما لم ينم، والظاهر الاكتفاء بغسل اليوم لليلته
وبغسل الليلة لليوم، وهل يلحق بالنوم في استحباب الإعادة به غيره من نواقض
الوضوء؟ فيه قولان أقربهما العدم.
والمشهور بين الأصحاب استحباب كون الإحرام بعد الصلاة، ويظهر من كلام
ابن الجنيد الوجوب (6). والأقرب الأول، والأفضل أن يكون الإحرام بعد صلاة
الظهر، وإن لم يتفق بعد صلاة الظهر فالأفضل أن يكون بعد صلاة مكتوبة، وإذا لم

(1) المسالك 2: 246.
(2) النهاية 1: 463.
(3) الدروس 1: 343.
(4) الوسائل 9: 16، الباب 13 من أبواب الإحرام، ح 2.
(5) الوسائل 9: 10 و 12، الباب 7 و 8 من أبواب الإحرام.
(6) حكاه في الدروس 1: 343.
295

يتفق بعد وقت فريضة يصلي ركعتين ويحرم بعدهما، والمشهور بينهم أن الأفضل
أن يحرم بعد ست ركعات.
ولا تمنع المرأة الحيض من الإحرام، فإن تركته ظنا بالمنع رجعت إلى
الميقات وأنشأت الإحرام منه مع المكنة، ومع عدمها أحرمت خارج الحرم، ومع
عدم المكنة أحرمت في موضعها.
المطلب الثالث في تروكه
وفيه مسائل:
الاولى: لا أعرف في تحريم صيد البر في الجملة على المحرم خلافا بين
الأصحاب، واختلف كلامهم في تعيينه، فقيل: إنه الحيوان الممتنع (1). وهو أعم من
المحلل وغيره، وقيل: إنه الحيوان المحلل الممتنع (2). وأضاف بعضهم الأسد
والثعلب والأرنب والضب والقنفذ واليربوع (3). وعن بعضهم إلحاق الزنبور والأسد
والعظاية (4). وقيل: ما جمع ثلاثة أشياء: أن يكون مباحا وحشيا ممتنعا (5). وقيل
غير ذلك.
والأقرب تحريم صيد البر مطلقا إلا ما يستثنى وسيجئ.
والظاهر أن مرادهم بالممتنع الممتنع بالأصالة كما صرح به بعض
الأصحاب (6). وكما يحرم على المحرم اصطياده كذلك يحرم عليه الأكل والذبح
والإشارة والدلالة والإغلاق والإمساك، والدلالة أعم من الإشارة، لتحققها بالقول
والكتابة بخلاف الإشارة، ولا فرق في تحريم الدلالة بين كون المدلول محرما أو
محلا، ولا بين الدلالة الخفية والواضحة، ولا بين كون الصيد في الحل أو الحرم.
وذكر بعض الأصحاب أن الدلالة إنما تحرم لمن يريد الصيد إذا كان جاهلا

(1) الشرائع 1: 283.
(2) المختصر النافع: 101.
(3) الدروس 1: 351.
(4) حكاه في المدارك 7: 305.
(5) حكاه في التذكرة 7: 264.
(6) المدارك 8: 312.
296

بالمدلول عليه، فلو لم يكن مريدا للصيد أو كان عالما به ولم تفده الدلالة زيادة
انبعاث فلا حكم لها، بل الظاهر أن مثل ذلك لا يسمى دلالة (1). وكما يحرم الصيد
يحرم فرخه وبيضه، والجراد في معنى الصيد البري فيحرم قتله ويضمنه المحرم في
الحل والحرم، ولبعض الأصحاب فيه تفصيل (2). والمعتبر في صيد البر أن يبيض
ويفرخ في البر وإن عاش في الماء كالبط، ولا أعرف في ذلك خلافا بين الأصحاب.
الثانية: يجب على المحرم اجتناب النساء وطء وعقدا له ولغيره وشهادة
عليه، ولا فرق بين أن يكون العقد لمحل أو محرم، وقال بعض الأصحاب: ينبغي
قصر الحكم على حضور العقد لأجل الشهادة، فلو اتفق حضوره لا لأجل الشهادة
لم يكن محرما (3). وهو غير بعيد. والمشهور بينهم تحريم إقامة الشهادة على
النكاح، ونقل عن الشيخ تخصيص في الحكم (4). وفي القواعد: وإقامة على إشكال
وأن يتحمل محلا (5) ومستند أصل هذه المسألة غير واضح، وألحق بذلك تقبيلا
ونظرا بشهوة، والأحوط الاجتناب عن التقبيل مطلقا. وكذا يحرم عليه الاستمناء.
الثالثة: يحرم على المحرم الطيب شما وأكلا، وفي الجملة مما لا خلاف فيه
بين الأصحاب، واختلفوا فيما يحرم من الطيب، فالمشهور بينهم عموم التحريم في
كل طيب، وذهب الشيخ في التهذيب إلى تحريم الأنواع الأربعة: المسك والعنبر
والورس والزعفران (6). وأضاف في النهاية إلى الأربعة المذكورة العود والكافور (7).
وقيل غير ذلك. والترجيح عندي لقول الشيخ في التهذيب.
وذكر العلامة في التذكرة أن الطيب ما يطيب رائحته ويتخذ للشم كالمسك
والعنبر والكافور والزعفران والورد والأدهان الطيبة كدهن البنفسج والورد، وقسم
النبات الطيب - وفاقا للشيخ وغيره - إلى أقسام ثلاثة:

(1) المدارك 7: 305.
(2) المسالك 2: 445.
(3) المدارك 7: 311.
(4) نقله في المدارك 7: 312.
(5) القواعد 1: 422.
(6) التهذيب 5: 299.
(7) النهاية 1: 476.
297

الأول: ما لا ينبت للطيب ولا يتخذ منه كنبات الصحراء من الشيح والقيصوم
والخزامي والأذخر والدارصيني والمصطكي والزنجبيل والسعد والفواكه كالتفاح
والسفرجل والنارنج والاترج وقال: إنه ليس بمحرم ولا يتعلق به كفارة إجماعا.
ثم قال: وكذا ما ينبته الآدميون بغير قصد الطيب كالحناء والعصفر (1) وظاهره
أن الحكم المذكور في الفواكه أيضا إجماعي. ويظهر من الدروس أن فيه اختلافا
ويظهر من كلامه التردد فيه (2). والوجه عندي ما ذكره العلامة.
الثاني: ما ينبته الآدميون للطيب ولا يتخذ منه طيب كالريحان الفارسي
والمرزنجوش والنرجس والبرم، واختلفوا في حكمه، فعن الشيخ أنه غير محرم
ولا يتعلق به كفارة (3). وذهب العلامة إلى تحريمه (4). ودليله غير واضح، والظاهر
أنه لو صدق عليه اسم الريحان لحقه حكمه وسيجئ الكلام فيه.
الثالث: ما يقصد شمه ويتخذ منه الطيب كالياسمين والورد والنيلوفر،
واختلفوا في حكمه، فاختار العلامة في المنتهى والتذكرة تحريمه (5). وقيل بعدم
التحريم (6) وهو أقرب والوجه دخول هذا النوع قبل يبسه في الرياحين.
وما يستثنى من الطيب المحرم على المحرم خلوق الكعبة بلا خلاف فيه بينهم.
وإذا اضطر المحرم إلى مس الطيب أو أكل ما فيه طيب قبض على أنفه وجوبا عند
الأصحاب، والروايات الدالة على الأمر بقبض الأنف عند الرائحة الطيبة كثيرة (7).
وحكم الشهيد بتحريم القبض على الأنف من الرائحة الكريهة (8). وهو موافق
للاحتياط وإن كان الحكم به محل تأمل.
ولا أعرف خلافا بينهم في تحريم لمس الطيب، ونقل في التذكرة إجماع

(1) التذكرة 7: 304 و 305.
(2) الدروس 1: 373.
(3) المبسوط 1: 352.
(4) التحرير 1: 113 س 21.
(5) المنتهى 2: 784 س 19، التذكرة 7: 306.
(6) النهاية 1: 476 - 477.
(7) الوسائل 9: 10، الباب 24 من أبواب تروك الإحرام.
(8) الدروس 1: 374.
298

علماء الأمصار على تحريم لبس ثوب مسه طيب (1). قالوا: وكذا لا يجوز له
افتراشه والجلوس عليه والنوم.
الرابعة: اختلف الأصحاب في الاكتحال بالسواد، فالمشهور التحريم وقال
الشيخ في الخلاف: إنه مكروه للرجال والنساء (2). وقال الصدوق في المقنع: لا
بأس أن يكتحل بالكحل كله إلا كحلا أسود للزينة (3). والجمع بين الأخبار يقتضي
حمل ما دل على النهي عن الاكتحال بالسواد على ما كان للزينة، ثم إن لم نقل بأن
النهي في أخبارنا يدل على التحريم كان المتجه قول الشيخ، وكيف ما كان فالظاهر
أنه لا كلام في جوازه عند الضرورة مطلقا. والمشهور بينهم تحريم الاكتحال بما
فيه طيب، وقيل بالكراهة (4). والأول أقرب.
الخامسة: اختلفوا في النظر في المرآة، فمذهب الأكثر التحريم ومذهب
الشيخ في الخلاف وابن البراج أنه مكروه (5). والمسألة لا تخلو عن تردد، والقول
الثاني لا يخلو عن ترجيح.
السادسة: لا خلاف في تحريم الجدال على المحرم، ويدل عليه الآية
والأخبار (6). وهو قول: لا والله وبلى والله، على ما يدل عليه الأخبار المعتبرة
والمستفاد منها انحصار الجدال فيه. وقيل: يتعدى إلى كل ما يسمى يمينا (7).
واختاره الشهيد في الدروس (8). وهل الجدال مجموع اللفظين أو يتحقق بأحدهما؟
فيه قولان. والمشهور أن الجدال مطلقا حرام، وقال ابن الجنيد: وما كان من اليمين
يريد بها طاعة الله وصلة الرحم فهو معفو عنها ما لم يدأب في ذلك (9). ولي في
المسألة تأمل.

(1) التذكرة 7: 309.
(2) الخلاف 2: 313، المسألة 106.
(3) المنقع: 73.
(4) المهذب 1: 221.
(5) الخلاف 2: 319، المسألة 119، المهذب 1: 221.
(6) البقرة: 197، الوسائل 9: 108، الباب 32 من أبواب تروك الإحرام.
(7) جامع المقاصد 3: 184.
(8) الدروس 1: 386.
(9) حكاه في المختلف 4: 87.
299

السابعة: يحرم على المحرم الكذب لقوله: (ولا فسوق ولا جدال في
الحج) (1) واختلف في تفسير الفسوق، فعن جماعة منهم الشيخ وابنا بابويه أنه
الكذب (2). وخصه ابن البراج بالكذب على الله ورسوله والأئمة (عليهم السلام) (3) وعن
جماعة منهم السيد المرتضى أنه الكذب والسباب (4). وقيل: منه المفاخرة (5). وعن
ابن أبي عقيل أنه كل لفظ قبيح (6). وقول السيد غير بعيد. ولا كفارة في الفسوق
على ما قطع به الأصحاب ويدل عليه الأخبار (7).
الثامنة: المشهور بين الأصحاب تحريم قتل هوام الجسد من القمل
والبراغيث وغيرها، وعن الشيخ في المبسوط وابن حمزة أنهما جوزا قتل ذلك
على الجسد (8). والأخبار غير واضحة الدلالة على التحريم.
التاسعة: لا أعرف خلافا بين الأصحاب في تحريم لبس الخاتم للزينة لا
للسنة، والظاهر أن المرجع في التفرقة إلى القصد كما قاله جماعة من الأصحاب (9)
إذ ليس بين الأمرين تميز بهيئة مخصوصة.
وقطع الأصحاب بتحريم ما يستر ظهر القدم كالخفين والجوربين اختيارا،
وغاية ما يستفاد من الروايات ثبوت الحكم في الخفين - مع إمكان النزاع فيه
أيضا - ولا يدل على عموم الدعوى، وعلى كل تقدير فالظاهر أن ستر القدم بما لا
يسمى لبسا غير محرم كما صرح به الشهيدان وغيرهما (10). وكذا ما كان ساترا

(1) البقرة: 197.
(2) النهاية 1: 476، حكاه عن والده في الفقيه 2: 329، والمقنع: 71.
(3) المهذب 1: 221.
(4) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى، المجموعة الثالثة): 65.
(5) انظر المختلف 4: 85.
(6) حكاه في المختلف 4: 84.
(7) الوسائل 9: 108، الباب 32 من أبواب تروك الإحرام.
(8) المبسوط 1: 339، الوسيلة: 163.
(9) جامع المقاصد 3: 185، المسالك 2: 260، مجمع الفائدة 6: 301.
(10) الدروس 1: 377، المسالك 2: 257.
300

لبعض القدم دون بعض، بل لا يبعد اختصاص الحكم بما له ساق إذا كان ساترا
للجميع، والظاهر اختصاص الحكم المذكور بالرجل دون المرأة.
العاشرة: اختلف الأصحاب في جواز الادهان بغير الأدهان الطيبة كالسمن
والزيت والشيرج اختيارا، والأقرب المنع. والمشهور تحريم استعمال الأدهان
الطيبة كدهن الورد والبنفسج واللبان في حال الإحرام، وحكي عن الشيخ في
الجمل القول بالكراهة (1). وهل يحرم استعماله قبل الإحرام إذا كانت تبقى رائحته
إلى وقت الإحرام؟ اختلف الأصحاب في ذلك فذهب الأكثر إلى التحريم، وعن
ابن حمزة القول بالكراهة (2). ويستفاد من حسنة الحلبي ورواية علي بن أبي حمزة
جواز الادهان بغير المطيب قبل الإحرام (3). وإطلاقهما يقتضي عدم الفرق بين ما
يبقى أثره بعد الإحرام وغير ذلك، وكذا إطلاق كلامهم، واحتمل بعضهم تحريم
الادهان بما يبقى أثره بعد الإحرام (4). وهو ضعيف.
الحادية عشر: يحرم إزالة الشعر وإن قل عن الرأس واللحية وسائر البدن
بنتف أو حلق وغيرهما اختيارا بلا خلاف فيه بينهم، ويدل عليه الأخبار
المستفيضة (5).
الثانية عشر: اختلف الأصحاب في تحريم الحجامة، فذهب كثير من
الأصحاب إلى التحريم، وعن جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في الخلاف
الكراهة (6). ونقل عن ابن بابويه أيضا القول بالجواز (7). وفي المختلف الفصد وإدماء
الجسد والحك والسواك على وجه يدميان محرم كلها على الخلاف (8). والأقرب

(1) انظر الجمل والعقود: 136.
(2) الوسيلة: 164.
(3) الوسائل 9: 104 و 105، الباب 29 من أبواب تروك الإحرام، ذيل الحديث 1.
(4) المسالك 2: 261.
(5) الوسائل 9: 299 و 292 و 291 و 143 و 159، الباب 16 و 11 و 10 و 62 و 73 من أبواب
بقية كفارات الإحرام وأبواب تروك الإحرام.
(6) الخلاف 2: 315، المسألة 110.
(7) نقله عنه في المختلف 4: 78.
(8) المختلف 4: 80.
301

عندي القول بالجواز، وعلى تقدير تحريم الإدماء فالظاهر عدم وجوب الكفارة.
وعن بعضهم أنه جعل فدية إخراج الدم شاة (1). وعن الحلبي أنه جعل في حك
الجسم حتى يدمى إطعام مسكين (2). والخلاف في التحريم والكراهة إنما هو عند
عدم الضرورة، أما معها فلا خلاف في الجواز، والظاهر أنه لا يعتبر في الضرورة
أن يكون شديدة بل يكفي خوف الضرر في الجملة.
الثالثة عشر: نقل العلامة إجماع فقهاء الأمصار كافة على أن المحرم ممنوع
من قص أظفاره مع الاختيار (3). ومستنده الأخبار، ويستفاد من صحيحة زرارة
عدم اختصاص الحكم بالقص (4) بل هو يتناول لمطلق الإزالة، وبه قطع في
التذكرة (5). ولو انكسر ظفره وتأذى ببقائه فله إزالته، ونفى بعضهم الخلاف فيه،
واستشكل الفداء حينئذ (6). ويدل عليه صحيحة معاوية بن عمار (7).
الرابعة عشر: لا أعرف خلافا في تحريم قطع الشجر والحشيش على المحرم
في الجملة، ويدل عليه الروايات (8). واستثنى العلامة (9) وغيره مما يحرم قطعه
أربعة أشياء:
الأول: ما ينبت في ملك الإنسان استنادا إلى رواية دالة على جواز قلع
الشجرة من المنزل (10). وفي إثبات التعميم إشكال.
الثاني: شجر الفواكه، وقد قطع الأصحاب بجواز قلعه سواء أنبته الله أو
الآدمي، ويدل عليه حسنة سليمان بن خالد وموثقته (11).

(1) حكاه في الدروس 1: 386.
(2) الكافي في الفقه: 204.
(3) التذكرة 7: 354.
(4) الوسائل 9: 291، الباب 10 من أبواب بقية كفارات الإحرام، ح 5.
(5) التذكرة 7: 355.
(6) المنتهى 2: 795 س 3.
(7) الوسائل 9: 293، الباب 12 من أبواب بقية كفارات الإحرام، ح 4.
(8) الوسائل 9: 173 و 177، الباب 86 و 90 من أبواب تروك الإحرام، ح 4 و 1.
(9) التذكرة 7: 369 - 371.
(10) الوسائل 9: 174، الباب 87 من أبواب تروك الإحرام، ح 3.
(11) الوسائل 9: 301، الباب 18 من أبواب بقية كفارات الإحرام، ح 2 وذيله.
302

الثالث: الإذخر، ولا أعرف خلافا بين الأصحاب في جواز قطعه، ويدل عليه
حسنة حريز وموثقة زرارة (1).
الرابع: عود المحالة، وقد حكم جماعة من الأصحاب بجواز قطعه (2) ومستنده
رواية مرسلة (3). والمستفاد من أكثر الروايات شمول الحكم للرطب واليابس من
الشجر والحشيش. وصرح بعض المتأخرين باختصاص الحكم المذكور بالرطب
وأنه يجوز قطع اليابس منهما (4). وفيه تأمل.
ويجوز للمحرم أن يترك إبله يرعى في الحشيش وإن حرم قطعه، واحتمل
بعض المتأخرين جواز نزع الحشيش للإبل (5) وكما يحرم على المحرم قطع شجر
الحرم كذلك يحرم ذلك على المحل أيضا، ولا يحرم على المحرم قطع شجر غير
الحرم، والظاهر أن حكم الحشيش أيضا حكم الشجر فيما ذكرنا.
الخامسة عشر: المشهور بين الأصحاب تحريم لبس المخيط على الرجال
وإن قلت الخياطة، ونقل عن ابن الجنيد تقييد المخيط بالضام للبدن (6).
وغاية ما يستفاد من الأخبار تحريم القميص والسراويل والثوب المزرر
والمدرع إلا ما يستثنى، سواء كان شيء من ذلك مخيطا أم لا، ولا دلالة في شيء
منها على تحريم لبس المخيط مطلقا، ولهذا لم يذكر بعض الأصحاب كالمفيد في
المقنعة إلا المنع من أشياء معينة. فقول ابن الجنيد لا يخلو عن قوة، والاحتياط
فيما عليه المتأخرون.
والمشهور بينهم تحريم الحلي غير المعتاد للنساء، ولم يقطع به المحقق في
الشرائع، بل جعله أولى (7) وما يمكن أن يستند إليه غير واضح الدلالة على التحريم
مع معارضته بغيره، وذكروا تحريم إظهار المعتاد للزوج، ومستنده صحيحة

(1) الوسائل 9: 175 و 174، الباب 88 و 87 من أبواب تروك الإحرام، ح 1 و 4.
(2) القواعد 1: 432، الدروس 1: 389، المدارك 7: 371.
(3) الوسائل 9: 174، الباب 87 من أبواب تروك الإحرام، ح 5.
(4) المدارك 7: 371.
(5) المدارك 7: 372.
(6) حكاه في الدروس 1: 376.
(7) الشرائع 1: 250.
303

عبد الرحمن بن حجاج (1) ومقتضاها المنع من إظهاره للرجال مطلقا، وذكروا
تحريم الحلي للنساء للزينة. ولا شيء في لبس الحلي والخاتم المحرمين
إلا الاستغفار.
السادسة عشر: المشهور بين الأصحاب تحريم تظليل الرجل الصحيح سائرا،
وعن ابن الجنيد القول بالاستحباب (2). ولي في المسألة إشكال، وعلى كل تقدير
فلا ريب في جوازه عند الضرورة، والحكم المذكور مختص بحال السير فيجوز
للمحرم حالة النزول الاستظلال بالسقف والشجرة والخبأ وغيرها لضرورة أو
غير ضرورة.
ويجوز للمحرم المشي تحت الظلال، نص عليه الشيخ وغيره (3). وقال الشهيد
الثاني: إنما يحرم - يعني التظليل - حالة الركوب، فلو مشى تحت الظل كما لو مشى
تحت الجمل والمحمل جاز (4). وفي المنتهى: يجوز للمحرم أن يمشي تحت الظلال
وأن يستظل بثوب ينصبه إذا كان سائرا أو نازلا لكن لا يجعله فوق رأسه سائرا
خاصة لضرورة وغير ضرورة عند جميع أهل العلم (5). والظاهر أنه يجوز للمحرم
أن يستتر من الشمس بيده، والحكم المذكور مختص بالرجل، وأما المرأة فيجوز
لها الاستظلال بلا خلاف أعرفه منهم.
السابعة عشر: لا أعرف خلافا بينهم في تحريم تغطية الرجل رأسه وإن
كان بالارتماس، ونقل عن جمع من الأصحاب أن المراد بالرأس هنا منابت
الشعر خاصة حقيقة أو حكما (6). والمستفاد منه خروج الاذنين كما صرح
به الشهيد الثاني (7). واستوجبه العلامة في التحرير تحريم سترهما (8)

(1) الوسائل 9: 131، الباب 49 من أبواب تروك الإحرام، ح 1.
(2) حكاه في المختلف 4: 83.
(3) المبسوط 1: 321، الدروس 1: 378.
(4) المسالك 2: 265.
(5) المنتهى 2: 792 س 6.
(6) نقله عنهم في المدارك 7: 355.
(7) المسالك 2: 263.
(8) التحرير 1: 114 س 12.
304

ويعضده صحيحة عبد الرحمن (1).
وفي المنتهى: يحرم تغطية بعض الرأس كما يحرم تغطيته (2). وهو غير بعيد.
ويجوز وضع عصام القربة على رأسه اختيارا. ويجوز العصابة للصداع كما قطع به
العلامة في التذكرة (3). والأظهر جواز ستر رأسه بيده أو ببعض أعضائه، والأحوط
التجنب.
ونسب العلامة في التذكرة إلى علمائنا عدم الفرق في التحريم بين التغطية
بالمعتاد وغيره كالزنبيل والقرطاس والخضاب بالحناء أو حمل المتاع أو الطبق
على الرأس (4). وهو أحوط وإن كان في إثباته إشكال. ولو توسد بوسادة أو بعمامة
مكورة فالظاهر أنه لا بأس به كما قال في التذكرة (5).
ويجوز للمرأة كشف الرأس في حال الإحرام بلا خلاف أعرفه، والأشهر
الأقرب جواز تغطية الرجل المحرم وجهه خلافا لبعض الأصحاب (6).
الثامنة عشر: المشهور بين الأصحاب تحريم لبس السلاح اختيارا وقيل:
يكره (7). ولعله الأقرب.
التاسعة عشر: لا أعلم خلافا بين الأصحاب في أنه لا يجوز للمرأة تغطية
الوجه، والمستند الأخبار (8) وذكر جماعة من الأصحاب أنه لا فرق في التحريم
بين التغطية بثوب وغيره (9). واستشكله بعض المتأخرين (10). والظاهر أنه يجوز لها
وضع يدها على وجهها ونومها عليه ويجوز لها سدل ثوبها من فوق رأسها على

(1) الوسائل 9: 137، الباب 55 من أبواب تروك الإحرام، ح 1.
(2) المنتهى 2: 789 س 28.
(3) التذكرة 7: 334.
(4) التذكرة 7: 331.
(5) التذكرة 7: 331.
(6) حكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف 4: 171.
(7) الإرشاد 1: 318.
(8) الوسائل 9: 129، الباب 48 من أبواب تروك الإحرام.
(9) حكاه عنهم في المدارك 7: 360.
(10) المدارك 7: 360.
305

وجهها إلى طرف أنفها، ولا نعلم فيه خلافا، ويدل عليه الأخبار (1). والمستفاد من
غير واحد من الروايات جواز السدل إلى النحر (2).
وإطلاق الروايات يقتضي عدم اعتبار مجافاة الثوب عن الوجه، وبه قطع
العلامة في المنتهى (3) ونقل عن الشيخ أنه أوجب مجافاة الثوب عن الوجه بخشبة
وشبهها بحيث لا يصيب البشرة وحكم بلزوم الدم إذا أصاب الثوب وجهها ولم
تزله بسرعة (4). ولم أطلع على دليل على الحكمين، ونسب في الدروس اعتبار
المجافاة إلى الشهرة (5).
العشرون: يكره الإحرام في السواد عند الأكثر، وعن الشيخ في النهاية القول
بعدم الجواز (6). والكراهة غير بعيدة. وقال في المنتهى: لا بأس بالمعصفر من
الثياب ويكره إذا كان مشبعا وعليه علماؤنا (7). وهو حسن. ويكره الإحرام في
الوسخة والمعلمة.
واختلف الأصحاب في استعمال الحناء للزينة في حال الإحرام فذهب الأكثر
إلى الكراهة، وبعضهم إلى التحريم (8). والأحوط الاجتناب عنه وإن كان إثبات
التحريم مشكلا، واختلفوا في الحناء قبل الإحرام إذا قارنه فالمشهور الكراهة،
وحكم الشهيد الثاني في الروضة بتحريم الحناء قبل الإحرام إذا بقي أثره عليه (9).
ولعل الأول أقرب.
ويكره أيضا للمحرم الحمام على المعروف، ويدل عليه رواية عقبة بن
خالد (10). وفي صحيحة معاوية بن عمار: لا بأس أن يدخل المحرم الحمام ولكن لا

(1) الوسائل 9: 129، الباب 48 من أبواب تروك الإحرام.
(2) الوسائل 9: 130، الباب 48 من أبواب تروك الإحرام، ح 7، 8.
(3) المنتهى 2: 791 س 12.
(4) المبسوط 1: 320.
(5) الدروس 1: 381.
(6) النهاية 1: 474.
(7) المنتهى 2: 682 س 24.
(8) المختلف 4: 76.
(9) الروضة 2: 243.
(10) الوسائل 9: 161، الباب 76 من أبواب تروك الإحرام، ح 2.
306

يتدلك (1). ويستفاد منها رجحان ترك الدلك في الحمام، ويدل على رجحان ترك الدلك
في حال الاغتسال صحيحة يعقوب بن شعيب (2). لكنها مخصوصة بدلك الرأس.
وعد في الدروس من المكروه الدلك في غير الحمام ولو في الطهارة وغسل
الرأس بالسدر والخطمي والمبالغة في السواك وفي دلك الوجه والرأس في
الطهارة والهذر من الكلام والاغتسال للتبرد، ونقل عن الحلبي تحريمه (3).
واختلفوا في استعمال الرياحين، فذهب جماعة إلى التحريم (4). وجماعة إلى
الكراهة (5). والحجة من الجانبين محل نظر.
وفي صحيحة معاوية بن عمار: لا بأس أن يشم الإذخر والقيصوم والخرامي
والشيح وأشباهه (6). ويكره أيضا تلبية المنادي بأن يقول في جواب من يناديه:
لبيك، وقال الشيخ: لا يجوز (7). ولعل الأول أقرب.
والشهيد (رحمه الله) في الدروس حكم بكراهة الاحتباء للمحرم وفي المسجد الحرام
وبكراهة المصارعة للمحرم أيضا خوفا من جرح أو سقوط شعر (8). ويدل على
الأول رواية حماد بن عثمان (9). وعلى الثاني صحيحة علي بن جعفر (10).
الحادية والعشرون: إذا ذبح المحرم صيدا كان ميتة حراما على المحرم

(1) الوسائل 9: 161، الباب 76 من أبواب تروك الإحرام، ح 1.
(2) الوسائل 9: 160، الباب 75 من أبواب تروك الإحرام، ح 1.
(3) الدروس 1: 388.
(4) المقنع: 72، المقنعة: 432، جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى، المجموعة
الثالثة): 66.
(5) النهاية 1: 477، السرائر 1: 545، القواعد 1: 420.
(6) الوسائل 9: 101، الباب 25 من أبواب تروك الإحرام، ح 1.
(7) التهذيب 5: 386.
(8) الدروس 1: 388.
(9) الوسائل 9: 179، الباب 93 من أبواب تروك الإحرام، ح 1.
(10) الوسائل 9: 180، الباب 94 من أبواب تروك الإحرام، ح 2.
307

والمحل على المشهور بين الأصحاب، ونقل فيه إجماع علمائنا (1) وذهب الصدوق
إلى أن مذبوح المحرم في غير الحرم لا يحرم على المحل (2). وفي المقنعة: لا بأس
أن يأكل المحل ما صاده المحرم وعلى المحرم فداؤه (3). والأحوط الأول.
واعلم أنه كما يحرم على المحرم الصيد كذلك يحرم على المحل في الحرم
صيد ما يحرم على المحرم، لا أعرف فيه خلافا بينهم. ومستنده أخبار كثيرة (4).
ولو ذبح المحل صيدا في الحرم كان ميتة حراما على المحرم والمحل لا
أعرف فيه خلافا بينهم، ومستنده أخبار كثيرة. وهل يجوز صيد حمام الحرم في
الحل؟ فيه [قولان للشيخ قول بالتحريم وقول بعدمه] (5).
الثانية والعشرون: يجوز مراجعة المطلقة الرجعية في حال الإحرام بلا
خلاف فيه بينهم، ولا فرق في ذلك بين المطلقة تبرعا وبين المختلعة إذا رجعت في
البذل. ويجوز شراء الإماء في حال الإحرام بلا خلاف أعرفه بينهم، وإطلاق النص
وكلامهم يقتضي عدم الفرق بين ما إذا قصد بشرائهن الخدمة أو التسري. وعن
الشهيد الثاني تحريم الشراء لو قصد به المباشرة واحتمل بطلان الشراء وقوى
العدم (6). والأقوى عدم حرمة الشراء أيضا.
الثالثة والعشرون: لو فقد غير السراويل لبسه.
الرابعة والعشرون: يجوز أن يحول القملة من موضع إلى موضع آخر من
جسده، والمشهور بينهم أنه يجوز أن يلقي الحلم والقراد عن نفسه وبعيره، وقال
الشيخ: لا بأس أن يلقي المحرم القراد عن بعيره وليس له أن يلقي الحلمة (7).

(1) المنتهى 2: 803 س 30.
(2) الفقيه 2: 372.
(3) المقنعة: 438.
(4) الوسائل 9: 85، 195، 204، الباب 10 من أبواب تروك الإحرام والباب 10 و 14 من
أبواب كفارات الصيد.
(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في الأصل. راجع المبسوط 1: 341، والخلاف 6: 28، المسألة 29.
(6) المسالك 2: 252.
(7) التهذيب 5: 338.
308

المطلب الرابع في الكفارات
وفيه فصلان:
الأول في كفارة الصيد، وفيه مسائل:
الاولى: في النعامة بدنة، والمستفاد من كلام جماعة من أهل اللغة اختصاص
البدنة بالانثى، فلا يجزئ الذكر، وقيل بالإجزاء وهو اختيار جماعة من الأصحاب
منهم الشيخ (1). والترجيح للأول.
ولو عجز عن البدنة فض ثمن البدنة على البر ويطعم ستين مسكينا لكل
مسكين نصف صاع والفاضل له، ولا يلزمه التمام لو اعوز كما ذهب إليه جماعة
من الأصحاب منهم الشيخ (2). وعن كثير من الأصحاب: فإن لم يجد البدنة فإطعام
ستين مسكينا (3). وعن أبي الصلاح: فإن لم يجد البدنة فقيمتها، فإن لم يجد فض
القيمة على البر وصام عن كل نصف صاع يوما (4). والترجيح للقول الأول.
والخلاف متحقق في هذه المسألة في موضع آخر وهو أن قدر ما يطعم لكل
مسكين نصف صاع أو مد، والأول هو الأشهر، والثاني قول ابن بابويه وابن أبي
عقيل (5). ولعل الترجيح للثاني.
وليس في الروايات تعيين لإطعام البر، ولهذا اكتفى الشهيد الثاني وغيره
بمطلق الطعام (6). وهو غير بعيد، إلا أن إطعام البر أولى لكونه المتبادر من الطعام.
فإن عجز عن الإطعام يصوم عن كل مسكين يوما، فإن عجز صام ثمانية عشر
يوما عند كثير من الأصحاب.
وعن ابن أبي عقيل وابن بابويه: فإن لم يجد يعني قيمة الهدي فعليه صيام

(1) المبسوط 1: 339.
(2) التهذيب 5: 342.
(3) المبسوط 1: 321، السرائر 1: 556: المدارك 8: 323.
(4) الكافي في الفقه: 205.
(5) نقله عنهما في المختلف 4: 92.
(6) المسالك 2: 415.
309

ثمانية عشر يوما (1). ويدل على الأول صحيحة أبي عبيدة وصحيحة محمد بن
مسلم (2). وعلى الثاني صحيحة معاوية بن عمار وصحيحة أبي بصير (3). ويمكن
الجمع بين الأخبار بحمل الأخيرتين على أقل المجزئ والباقي على الأفضلية.
وظاهر كلام كثير من الأصحاب أنه لو نقصت قيمة البدنة عن إطعام الستين
وعجز عنها رأسا وانتقل فرضه إلى الصوم يصوم عن كل نصف صاع يوما بالغا ما
بلغ، وقرب العلامة في القواعد أنه يصوم الستين (4). وهو المستفاد من كلام ابن
حمزة (5). والأول أقرب. ولو تمكن من الزيادة على ثمانية عشر بعد عجزه عن
الستين ففي وجوب الزيادة وجهان. والأقرب العدم.
واعلم أن الأكثر على أن هذه الكفارة مرتبة، وذهب جماعة من الأصحاب
إلى التخيير (6). والمسألة محل إشكال، والاحتياط في اعتبار الترتيب. وعن المفيد
والمرتضى وسلار أن هذه الكفارة متتابعة (7). وعن الشيخ أنه صرح بأن جزاء
الصيد لا يجب فيه التتابع (8). وهو ظاهر إطلاق الآية والروايات، ويدل عليه حسنة
عبد الله بن سنان (9).
وعن الشيخ في الخلاف أن في صغار أولاد الصيد صغار أولاد المثل (10).
ومثله عن المفيد (11). وعن السيد في صغار النعامة، وعن الشيخ في النهاية في فراخ
النعامة مثل ما في النعامة سواء (12). ولعله أوجه وأحوط.

(1) نقله عن ابن أبي عقيل في المختلف 4: 93، المقنع: 77.
(2) الوسائل 9: 183 و 185، الباب 2 من أبواب كفارات الصيد، ح 1 و 7.
(3) الوسائل 9: 186 و 183، الباب 2 من أبواب كفارات الصيد، ح 11 و 3.
(4) القواعد 1: 458.
(5) الوسيلة: 167.
(6) الخلاف 2: 397، المسألة 260، السرائر 1: 557، مجمع الفائدة 6: 359 و 360.
(7) المقنعة: 435، الانتصار: 101، المراسم: 119.
(8) انظر الخلاف 2: 397، المسألة 260.
(9) الوسائل 9: 186، الباب 2 من أبواب كفارات الصيد، ح 12.
(10) الخلاف 2: 399، المسألة 262.
(11) المقنعة: 436.
(12) النهاية 1: 484.
310

الثانية: المشهور بين الأصحاب أن في قتل كل واحد من بقرة الوحش
وحماره بقرة أهلية، وعن الصدوق أنه أوجب فيه بدنة (1). وكذا نقل عن
الشيخين (2). وعن ابن الجنيد القول بالتخيير (3). وهو طريق الجمع بين الأخبار
المختلفة. واختلفوا في صورة العجز عن البقرة، فنقل عن جماعة منهم الشيخ أنه
يفض الثمن على البر ويطعم ثلاثين لكل مسكين نصف صاع والفاضل عن ثلاثين
له أو يصوم عن كل مسكين يوما، فإن عجز صام تسعة أيام (4). ونقل في المنتهى
مثله عن علمائنا أجمع، وزاد: لا يجب عليه إتمام ما نقص عنه (5) وعن أبي الصلاح
كما في النعامة من الصدقة بالقيمة ثم الفض (6). وعن علي بن بابويه والمفيد كما
تقدم في النعامة من الانتقال إلى الإطعام ثم الصوم من دون التقويم (7).
ويدل على وجوب فض ثمن البقرة على البر والتصدق به على الوجه المذكور
صحيحة أبي عبيدة (8). وعلى عدم الإكمال لو نقص عن ثلاثين صحيحة محمد بن
مسلم (9). ويدل على أنه لا يلزم ما زاد على ثلاثين صحيحة معاوية بن عمار
وصحيحة أبي بصير (10). وما ذكر من أنه يصوم عن كل مسكين يوما فإن عجز صام
تسعة أيام أحد القولين في المسألة.
وعن ابن بابويه والمفيد والمرتضى الاكتفاء بصيام التسعة مطلقا (11). وهو
أقرب، والكلام في التخيير والترتيب بين الأبدال الثلاثة كما في مسألة النعامة.

(1) المقنع: 77.
(2) المقنعة: 435، النهاية 1: 480.
(3) نقله عنهما في المختلف 4: 97.
(4) نقله في المختلف 4: 95.
(5) المنتهى 2: 822 س 9.
(6) الكافي في الفقه: 205.
(7) نقله عن علي بن بابويه في المختلف 4: 90، المقنعة: 435.
(8) الوسائل 9: 183، الباب 2 من أبواب كفارات الصيد، ح 1.
(9) الوسائل 9: 185، الباب 2 من أبواب كفارات الصيد، ح 8.
(10) الوسائل 9: 183 و 186، الباب 2 من أبواب كفارات الصيد، ح 2 و 11.
(11) المقنع: 77، المقنعة: 435، جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى: المجموعة الثالثة): 71،
وفيه: سبعة أيام.
311

الثالثة: لا أعرف خلافا بين الأصحاب في لزوم الشاة بقتل الظبي، والمشهور
أنه يفض ثمنها على البر ويتصدق به عند العجز منه على عشرة مساكين والفاضل
عن عشرة له ولا يجب عليه الإكمال، وعن أبي الصلاح: فإن لم يجد فقيمتها، فإن
لم يجد صام عن كل نصف صاع من قيمتها يوما (1). وعن جماعة منهم المفيد
والمرتضى مع العجز عن الشاة الانتقال إلى الإطعام ثم الصوم (2). والأقرب الأول.
والأظهر الاكتفاء بمد لكل مسكين، وقيل: مدان (3). وإن عجز عن الإطعام
صام عن كل مدين يوما، فإن عجز صام ثلاثة أيام على أحد القولين في المسألة،
والقول الآخر جواز الانتقال إلى صيام ثلاثة أيام مطلقا عند العجز عن القيمة،
ونسبه بعض الأصحاب إلى الأكثر (4). وهو أقرب.
الرابعة: لا أعلم خلافا بين الأصحاب في لزوم الشاة في قتل الثعلب
والأرنب، ومستنده في الأرنب صحيحة الحلبي (5) وغيرها، وفي الثعلب بعض
الأخبار (6). واختلفوا في مساواتهما للظبي في الإبدال من الطعام والصيام فذهب
جماعة منهم الشيخان والمرتضى إلى المساواة (7). وعن جماعة الاقتصار على
الشاة من غير تعرض للإبدال (8). والأقرب ثبوت الإبدال فيهما كما في الظبي.
الخامسة: المشهور بين الأصحاب أن في كسر بيض النعامة لكل بيضة بكرة
من الإبل إن تحرك الفرخ، وإلا أرسل فحولة الإبل في إناث يكون تلك الإناث
بعدد البيض المكسور فالنتاج هدي، فإن عجز ففي كل بيضة شاة، فإن عجز أطعم

(1) الكافي في الفقه: 205.
(2) المقنعة: 435، جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى، المجموعة، الثالثة): 71.
(3) الشرائع 1: 285.
(4) المدارك 8: 328.
(5) الوسائل 9: 189، الباب 4 من أبواب كفارات الصيد، ح 2.
(6) الوسائل 9: 189 و 190، الباب 4 من أبواب كفارات الصيد، ح 3 و 4.
(7) المقنعة: 435، المبسوط 1: 340، جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى، المجموعة
الثالثة): 71.
(8) نقله عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل وعلي بن بابويه العلامة في المختلف 4: 99.
312

عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام، وفي المسألة أقوال اخر.
السادسة: ذكر جماعة من الأصحاب منهم الشيخ أن في كسر بيض القطا
والقبج لكل بيضة مخاض من الغنم إن تحرك الفرخ، وإلا أرسل فحولة الغنم في
إناث تكون تلك الإناث بعدد البيض والنتائج هدي، فإن عجز فكبيض النعام (1).
وعن المفيد: فإن كسر بيض القطا أو القبج وما أشبههما أرسل فحولة الغنم في
إناثها وكان ما ينتج هديا لبيت الله تعالى، فإن لم يجد فعليه لكل بيضة دم شاة، فإن
لم يجد أطعم عن كل بيضة عشرة مساكين، فإن لم يجد صام عن كل بيضة ثلاثة
أيام (2). وفي المسألة أقوال اخر ذكرتها في الذخيرة مع الأدلة.
السابعة: الكفارة في الحمام، لكل حمامة شاة على المحرم في الحل بلا خلاف
أعرفه بينهم، وفي كل فرخ حمل على المحرم في الحل. والحمل من أولاد الضأن
ما له أربعة أشهر فصاعدا على ما فسره جماعة من الأصحاب (3). والأقرب
الاكتفاء بالجدي أيضا وهو ما بلغ سنه أربعة أشهر من أولاد المعز لصحيحة عبد الله
ابن سنان (4). وعليه لكل بيضة إن تحرك الفرخ حمل عند الشيخ (5) وأكثر
الأصحاب، وإن لم يتحرك فدرهم عند جمع من الأصحاب (6). ويدل عليه بعض
الأخبار الصحيحة، لكن المستفاد من صحيحة علي بن جعفر أن عليه القيمة (7).
والأحوط التصدق بأكثر الأمرين.
وعلى المحل في الحرم لكل حمامة درهم على المشهور بين الأصحاب، وقال
في المنتهى: إن الأحوط وجوب أكثر الأمرين من الدرهم والقيمة (8). وهو حسن.

(1) المبسوط 1: 344 - 345.
(2) المقنعة: 436.
(3) المنتهى 2: 826 س 5، السرائر 1: 557 - 558، المدارك 8: 339.
(4) الوسائل 9: 194، الباب 9 من أبواب كفارات الصيد، ح 6.
(5) المبسوط 1: 345.
(6) الشرائع 1: 286، القواعد 1: 459، مجمع الفائدة 6: 376.
(7) الوسائل 9: 194، الباب 9 من أبواب كفارات الصيد، ح 8.
(8) المنتهى 2: 825 س 4.
313

وعلى المحل في الحرم لكل فرخ نصف درهم على ما يدل عليه غير واحد
من الأخبار (1). لكن بعض الروايات الصحيحة تدل على أن الاعتبار بالقيمة (2)
والأحوط اعتبار أكثر الأمرين. ولكل بيضة ربع على ما يدل عليه غير واحد
من الأخبار (3).
واعلم أن المستفاد من إطلاق كلام بعض الأصحاب أن في كل بيضة إذا
كسرها المحل في الحرم ربع القيمة سواء تحرك الفرخ أم لا، وأن الحكم بتصدق
الحمل في صورة تحرك الفرخ مختص بالمحرم، وصرح الشهيدان بأن حكم
البيض بعد التحرك حكم الفرخ (4). ومقتضاه اختصاص حكم تصدق الحمل
بالمحرم، لكن يقتضي ثبوت نصف درهم في البيض إذا تحرك الفرخ للمحل في
الحرم. وقال المحقق: وفي بيضها إذا تحرك الفرخ حمل وقبل التحرك على المحرم
درهم وعلى المحل ربع درهم ونحوه قال العلامة في المنتهى وغيره (5).
الثامنة: يجتمع ما على المحرم في الحل والمحل في الحرم على المحرم في
الحرم على المشهور بين الأصحاب. ونقل عن ابن أبي عقيل أن من قتل حمامة في
الحرم وهو محرم فعليه شاة (6). وعن ابن الجنيد وأحد قولي السيد أن عليه الجزاء
مضاعفا، وعن السيد في القول الآخر أن عليه الفداء والقيمة أو القيمة مضاعفة (7).
التاسعة: لا أعرف خلافا بين الأصحاب في تحريم ذبح الحمام الأهلي - يعني
المملوك - كما أنه يحرم ذبح حمام الحرم يعني غير المملوك، ويدل عليه غير واحد
من الأخبار (8). والفرق بينهما أنه يشتري بقيمة حمام الحرم علفا لحمامه، لكن

(1) الوسائل 9: 195، 196، الباب 10 من أبواب كفارات الصيد، ح 1 و 5.
(2) الوسائل 9: 196، الباب 10 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3 و 7.
(3) الوسائل 9: 195، 196، الباب 10 من أبواب كفارات الصيد، ح 1 و 4 و 5.
(4) الدروس 1: 356، المسالك 2: 450.
(5) الشرائع 1: 286، المنتهى 2: 825 س 20.
(6) حكاه في المختلف 4: 127.
(7) حكاه عنهما في المختلف 4: 126.
(8) الوسائل 9: 195 و 199، الباب 10 و 12 من أبواب الصيد.
314

الظاهر أنه مخير في حمام الحرم بين التصدق بقيمته وبين شراء العلف به كما صححه
بعض المتأخرين، لصحيحة الحلبي وحسنته (1). والظاهر أن المراد هنا بالقيمة ما قابل
الفداء وهي المقدرة في الأخبار بالدرهم ونصفه وربعه كما قطع به بعض المتأخرين (2).
وذكر بعضهم أن المراد بالقيمة هنا ما يعم الدرهم والفداء (3). وفيه تأمل.
ولو أتلف الحمام الأهلي المملوك بغير إذن صاحبه فالظاهر أنه يجتمع عليه
القيمة لحمام الحرم وقيمة اخرى لمالكه كما صرح به العلامة ومن تأخر عنه (4).
وذكر بعضهم أنه لا يتصور ملك الصيد في الحرم إلا في القماري والدباسي لجواز
شرائهما وإخراجهما (5). وهو متجه إن قلنا: إن الصيد لا يدخل في ملك المحل في
الحرم، وأما على القول بأنه يملكه وإن وجب إرساله فلا يتم هذا الكلام.
العاشرة: في كل من القطا والحجل والدراج حمل فطم، ولا خلاف في الحكم
في الجملة بينهم، لكن في عدة من الكتب حمل فطم ورعى الشجر (6). وفي
الدروس لم يذكر قيد الفطام والرعي.
الحادية عشر: المشهور بين المتأخرين أن في كل من القنفذ والضب واليربوع
جديا. وعن جماعة منهم الشيخان والمرتضى الجدي فيها وفي ما أشبهها (7). وعن
أبي الصلاح في الثلاثة حمل قد فطم ورعى من الشجر (8).
الثانية عشر: المشهور بين الأصحاب أن في كل من العصفور والقبرة والصعوة

(1) المدارك 8: 344، الوسائل 9: 198 و 207، الباب 11 و 16 من أبواب كفارات الصيد
الحديث 3 و 1.
(2) المدارك 8: 344.
(3) المسالك 2: 432.
(4) المنتهى 2: 819 س 33، كالشهيد الثاني في الروضة 2: 343.
(5) جامع المقاصد 3: 315.
(6) التهذيب 5: 343، الشرائع 1: 286، القواعد 1: 459.
(7) المقنعة: 435، النهاية 1: 481، جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى، المجموعة الثالثة): 71.
(8) الكافي في الفقه: 206.
315

مدا من طعام وألحق بها في المنتهى والتذكرة والدروس ما أشبهها (1).
ونقل عن علي بن بابويه في الطائر جميعه دم شاة ما عدا النعامة فإن فيها
جزورا (2). وقيل غير ذلك.
الثالثة عشر: الأقرب أن في الجرادة تمرا أو كفا من طعام كما قاله الشيخ في
المبسوط (3). واختاره العلامة في المنتهى (4). وقربه الشهيد في الدروس (5). ورجحه
غير واحد منهم (6). وفي كثير من الجراد شاة، لصحيحة محمد بن مسلم (7). وذكر
بعضهم أن في إلقاء القملة من جسده كفا من طعام، للروايات (8). وحملها على
الاستحباب متجه جمعا بينها وبين غيرها. وأما البرغوث فالظاهر جواز إلقائه ولا
شيء فيه، لموثقة معاوية بن عمار (9).
الرابعة عشر: اختلف الأصحاب في قتل الزنبور، فعن الشيخ: يجوز قتل
الزنابير (10). واستوجه المحقق المنع (11). وعن المفيد والمرتضى: من قتل زنبورا
تصدق بتمرة، فإن قتل زنابير كثيرة تصدق بمد من طعام أو مد من تمر (12). وفي
المختلف: لا شيء في خطائه وإن كان عمدا تصدق بشيء (13) وفي المسألة أقوال اخر.
الخامسة عشر: كل ما لا تقدير لفديته يجب مع قتله قيمته لا أعرف خلافا فيه
بينهم، ويدل عليه صحيحة سليمان بن خالد (14). ونقل عن الشيخ أنه قال: في البطة

(1) المنتهى 2: 826 س 8، التذكرة 7: 420، الدروس 1: 357.
(2) نقله عنه في المختلف 4: 103 و 90.
(3) المبسوط 1: 348.
(4) المنتهى 2: 826 س 21.
(5) الدروس 1: 495.
(6) المسالك 2: 435، المدارك 8: 348.
(7) الوسائل 9: 233، الباب 37 من أبواب كفارات الصيد، ح 6.
(8) الوسائل 9: 297، الباب 15 من أبواب بقية كفارات الإحرام.
(9) الوسائل 9: 163، الباب 78 من أبواب تروك الإحرام، ح 5.
(10) المبسوط 1: 339.
(11) الشرائع 1: 284.
(12) المقنعة: 438، جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى، المجموعة الثالثة): 72.
(13) المختلف 4: 107.
(14) الوسائل 9: 181، الباب 1 من أبواب كفارات الصيد، ح 2.
316

والأوزة والكركي شاة (1). ولا أعرف له مستندا. وذهب ابن بابويه إلى وجوب
الشاة في الطير بأنواعه (2). ويدل عليه صحيحة عبد الله بن سنان (3) والعمل
بمضمونها متجه فيما لم يقم دليل على خلافه، وعلى هذا فيكون الطير من
المنصوص وكذا الحكم في البيوض.
السادسة عشر: إن تعذر الجزاء قوم الجزاء وقت الإخراج، وما لا تقدير
لفديته وقت الإتلاف.
السابعة عشر: يجوز صيد البحر، لا أعرف فيه خلافا بين العلماء، للآية (4)
وصحيحة حريز وغيرها (5). وكذا الدجاج الحبشي، للأخبار الكثيرة (6). ولا خلاف
في جواز قتل النعم ولو توحشت للأخبار (7). والمشهور بين أصحابنا أنه لا تحريم
في صيد السباع كلها ولا كفارة فيه.
ونقل عن الحلبي أنه ذهب إلى حرمة قتل جميع الحيوان ما لم يخف منه أو
كان حية أو عقربا أو فأرة أو غرابا (8). وقول الحلبي لا يخلو عن قوة وكيف ما كان
فلا ريب في عدم الكفارة في غير الأسد وأما الأسد فقال العلامة في المنتهى: إن
أصحابنا رووا أن في قتله كبشا إذا لم يرده. وأما إذا أراده فإنه يجوز قتله ولا كفارة
حينئذ إجماعا (9). وذهب في المختلف إلى سقوط الكفارة فيه مطلقا (10). وعن
بعضهم إيجاب الكبش فيه (11). والوجه عندي الاستحباب.
ويجوز قتل الأفعى والفأرة والعقرب بلا خلاف فيها، ويدل عليه الأخبار.

(1) المبسوط 1: 346.
(2) المقنع: 78.
(3) الوسائل 9: 194، الباب 9 من أبواب كفارات الصيد، ح 6.
(4) المائدة: 96.
(5) الوسائل 9: 82، الباب 6 من أبواب تروك الإحرام، ح 1 و 3 و 5.
(6) الوسائل 9: 234، الباب 40 من أبواب كفارات الصيد، ح 1، 6، 7.
(7) الوسائل 9: 169، الباب 82 من أبواب تروك الإحرام.
(8) الكافي في الفقه: 203.
(9) المنتهى 2: 800 س 36.
(10) المختلف 4: 88.
(11) الوسيلة: 164.
317

وفي قتل البرغوث خلاف، فذهب جماعة إلى الجواز وجماعة إلى التحريم وهو
أحوط. وإن كان إثبات التحريم لا يخلو عن إشكال.
ويجوز رمي الحدأة والغراب ويدل على جواز رمي الحدأة والغراب بأنواعه
مطلقا سواء كان عن ظهر البعير أو غيره - كما هو مقتضى إطلاق كلام العلامة
وغيره (1) - حسنة الحلبي (2) وعلى الجواز في الغراب مطلقا رواية الحسين بن أبي
العلاء (3) وعن الشهيد أنه قيد في بعض حواشيه رمي الحدأة بكونه عن بعيره (4)
ومقتضى الروايات جواز قتل يفضي الرمي إليه لا مطلقا، بل ربما يقال: مقتضاها
عدم جواز القتل إلا أن يفضي الرمي إليه.
واختلف الأصحاب في جواز شراء القماري والدباسي وإخراجهما من مكة،
فعن الشيخ في النهاية والمبسوط الجواز مع الكراهة (5). وعن ابن إدريس المنع (6).
وقربه العلامة في المختلف (7). والقول بتحريم الإخراج قوي عندي، ومتى قلنا
بجواز الإخراج فاخرجا فهل يجوز إتلافهما للمحل؟ فيه وجهان، والأقرب
استمرار التحريم.
الثامنة عشر: لو أكل مقتوله فاختلف الأصحاب فيه، فذهب جماعة منهم إلى
أنه يتضاعف عليه الفداء (8) وذهب جماعة إلى أنه يفدي القتيل ويضمن قيمة ما
أكل (9). وفي المسألة تفاصيل ذكرتها في الذخيرة (10) وللتأمل فيها مجال مع العمل
بالاحتياط.

(1) الإرشاد 1: 320.
(2) الوسائل 9: 167، الباب 81 من أبواب تروك الإحرام، ح 6.
(3) الوسائل 9: 167، الباب 81 من أبواب تروك الإحرام، ح 5.
(4) نقله في جامع المقاصد 3: 303.
(5) النهاية 1: 483، المبسوط 1: 341.
(6) السرائر 1: 559 - 560.
(7) المختلف 4: 109.
(8) النهاية 1: 486، السرائر 1: 564، المختصر النافع: 103.
(9) الخلاف 2: 405، المسألة 274، الشرائع 1: 288، المنتهى 2: 827 س 27.
(10) الذخيرة: 600 و 601.
318

التاسعة عشر: لو جرحه ثم رآه سويا ففيه خلاف، ونسب إلى جماعة منهم
الشيخ أن عليه ربع القيمة (1). ونسب إليهم أيضا أن عليه ربع الفداء. وعن جماعة أنه
يتصدق بشيء (2). وذهب الفاضلان أن عليه الأرش (3) وفي المسألة إشكال. ولو
جهل حاله فالمقطوع به في كلامهم أن عليه الجميع، وأسنده في المنتهى إلى
علمائنا (4) وفي الحجة عليه إشكال، وكذا لو جهل التأثير على ما ذكره جماعة من
الأصحاب (5). وظاهر المحقق في النافع التوقف فيه (6). وقال بعض المتأخرين: لو
قيل بعدم لزوم الفدية هنا كما في صورة الشك في الإصابة كان حسنا (7). وهو متجه.
العشرون: قال المحقق: روي في كسر قرني الغزال نصف قيمته وفي كل واحد
ربع وفي عينيه كمال قيمته وفي كسر إحدى يديه نصف قيمته وكذا في إحدى
رجليه. وفي الرواية ضعف (8).
وزاد في المنتهى: ولو كسر يديه معا وجب كمال القيمة، وأسند المجموع إلى
الشيخ (9). وفي المسألة قولان آخران، أحدهما: أن عليه الأرش وأسنده بعض
المتأخرين إلى الأكثر (10). وثانيهما: التصدق بشيء في كسر قرنه. والرواية التي هي
مستند الشيخ ضعيفة يشكل التعويل عليها. والمتجه العمل بالأرش إلا في كسر اليد
والرجل حيث يدل بعض الأخبار على ربع القيمة فيه (11).
الحادية والعشرون: يضمن كل من المشتركين فداء كملا بلا خلاف فيه بينهم،

(1) المبسوط 1: 343، السرائر 1: 566، الدروس 1: 361.
(2) حكاه عن علي بن بابويه في المختلف 4: 139، المقنعة: 43، الكافي في الفقه: 206.
(3) الشرائع 1: 288، المنتهى 2: 828 س 21.
(4) المنتهى 2: 828 س 30.
(5) المقنعة: 437، المبسوط 1: 343، الشرائع 1: 288.
(6) المختصر النافع: 103.
(7) المدارك 8: 358.
(8) الشرائع 1: 288.
(9) المنتهى 2: 828 س 8.
(10) المدارك 8: 358.
(11) الوسائل 9: 222، الباب 28 من أبواب كفارات الصيد، ح 1.
319

ويدل عليه الأخبار (1).
الثانية والعشرون: يضمن شارب لبن الظبية في الحرم دما وقيمة اللبن عند
جماعة من الأصحاب، ومستنده ضعيف. وذكر جماعة منهم أنه لو ضرب بطير على
الأرض فدم وقيمتان استنادا إلى حجة ضعيفة.
الثالثة والعشرون: المشهور بين الأصحاب أنه يزول بالإحرام ما يملكه من
الصيود معه، وأسنده في المنتهى إلى علمائنا (2). وعن ابن الجنيد: ولا أستحب أن
يحرم وفي يده صيد (3). واستدل عليه العلامة بما لا يدل على المطلوب (4).
والأخبار تدل على تحريم إمساك الصيد بعد دخول الحرم ولا يستفاد منها زوال
الملك ولا تحريم الإمساك بعد الإحرام.
ولا يبعد أن يقال: لا يخرج عن ملك المحرم بعد الإحرام وإن حرم عليه
إمساكه، وعلى القول بخروجه عن ملكه أو وجوب الإرسال كان اللازم عليه
إرساله ولم يكن عليه ضمان بعد ذلك. ولو كان الصيد نائبا عنه لم يزل عنه ملكه.
والمشهور بين الأصحاب أنه لا يدخل في ملك المحرم شيء من الصيد
باصطياد ولا بابتياع ولا هبة ولا ميراث إذا كان عنده، وعن الشيخ أنه حكم
بدخوله في الملك وإن وجب إرساله (5). والظاهر أنه كما لا يمنع الإحرام استدامة
ملك البعيد لا يمنع إحداثه، فلو اشترى صيدا بعيدا أو تملكه بوجه آخر غير
الاشتراء صح ولم يخرج عن ملكه، وتردد فيه المحقق (6). والظاهر تحقق النأي بأن
لا يكون مصاحبا له وقت الإحرام وجماعة من الأصحاب ذكروا أن الصيد في
الحرم لا يدخل في ملك المحل والمحرم (7). وقيل: إنه مذهب الأكثر (8). وذهب
المحقق في النافع إلى وجود الإرسال خاصة (9). وهو متجه.

(1) الوسائل 9: 209، الباب 18 من أبواب كفارات الصيد.
(2) المنتهى 2: 830 س 13.
(3) حكاه في المدارك 8: 363.
(4) المنتهى 2: 830 س 11.
(5) انظر المبسوط 1: 347.
(6) الشرائع 1: 293.
(7) الشرائع 1: 293، القواعد 1: 466.
(8) المدارك 8: 398.
(9) المختصر النافع: 106.
320

الرابعة والعشرون: المحل في الحرم عليه القيمة على الأشهر الأقرب
والمحرم في الحل عليه الفداء، والمشهور أنه يجتمعان على المحرم في الحرم.
الخامسة والعشرون: يتكرر الكفارة بتكرر الصيد سهوا بلا خلاف فيه،
والأقرب عدم التكرار في العمد.
السادسة والعشرون: الأقرب أن الفداء في المملوك لله تعالى كغيره ويجب
على المتلف مع الفداء القيمة لمالكه إذا كان مضمونا، وغير المملوك يتصدق به،
والظاهر أنه لا فرق بين أن يكون الفداء حيوانا أو غيره كالقيمة أو كفا من طعام،
وصرح العلامة وغيره بأن مستحق الصدقة الفقراء والمساكين بالحرم (1). ومقتضى
الآية الشريفة اختصاص الإطعام بالمساكين (2). وهل يعتبر الإيمان؟ لم أجد
تصريحا بذلك في كلام الأصحاب، وإطلاق الأدلة يقتضي العدم. ولو كان الفداء
حيوانا فالظاهر أنه يجب أولا ذبحه ثم التصدق به.
السابعة والعشرون: المشهور بين الأصحاب أن الحاج يذبح ما يلزمه بمنى
والمعتمر بمكة، حتى قال بعض المتأخرين: لا أعلم خلافا في ذلك بينهم (3).
والأدلة غير ناهضة بالدلالة عليه، وألحق الشهيد في الدروس بالذبح الصدقة في
أن محلها مكة إن كانت الجناية في العمرة، ومنى إن كانت الجناية في الحج (4).
وعموم صحيحة منصور (5) يقتضي صرف كفارة المعتمر بمكة.
الثامنة والعشرون: حد الحرم بريد في مثله وهو محدود بعلامات هناك ومن
أصاب فيه صيدا ضمن. واختلفوا في الاصطياد في البريد الخارج من الحرم
المحيط به من كل جانب ويسمى حرم الحرم، والأقرب المشهور إباحته.
التاسعة والعشرون: لو أخرج من الحرم صيدا وجب إعادته، فإن تلف قبل

(1) التحرير 1: 118 س 24، الروضة 2: 352.
(2) المائدة: 95.
(3) المدارك 8: 405.
(4) الدروس 1: 391.
(5) الوسائل 9: 246، الباب 49 من أبواب كفارات الصيد، ح 4.
321

الإعادة ضمنه، لا أعلم خلافا فيه بين الأصحاب، ومستنده روايات بعضها مختص
بالطير وبعضها بالحمامة (1). ولو كان مقصوصا وجب حفظه ثم يرسله بعد عود ريشه.
الفصل (2) الثاني في باقي المحظورات، وفيه مسائل:
الاولى: الجماع في فرج المرأة عالما عامدا موجب لفساد الحج وعليه إتمامه
وبدنة والحج من قابل، وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين
الزوجة الدائمة والمتمتع بها. والأقرب الأشهر أنه لا فرق في الوطء بين القبل
والدبر، وعن الشيخ في المبسوط أنه أوجب بالوطء في الدبر البدنة دون
الإعادة (3). وألحق العلامة في المنتهى بوطء الزوجة الزنا ووطء الغلام (4) لأنه أبلغ
في هتك الإحرام فكانت العقوبة عليه أولى بالوجوب. وللمنازعة فيه طريق، ولا
فرق في الحج بين الواجب والمندوب.
والأشهر الأقرب أن الجماع مفسد إذا وقع قبل المشعر سواء وقع قبل
الوقوف بعرفات أم لا، وفيه خلاف لجماعة من الأصحاب، واختلفوا في أن حجة
الإسلام هل هي الاولى والثانية عقوبة أو الأمر بالعكس، ويظهر فائدة القولين في
الأجير لتلك السنة وفي كفارة خلف النذر، والأقرب القول الأول. والمشهور بين
الأصحاب أنه يجب على الرجل والمرأة الافتراق في حج القضاء إذا بلغا الموضع
الذي أصابا فيه ذلك، ونقل بعض المتأخرين أن هذا مجمع عليه بين الأصحاب (5)
وظاهر الشيخ في النهاية والمبسوط الاستحباب (6). ويظهر من المختلف التوقف
في ذلك (7). ويدل على الأمر بالتفرق روايتان (8) لكن ليس في الروايتين دلالة على
كون ذلك في حجة القضاء، بل الظاهر منهما أن ذلك في

(1) الوسائل 9: 204، الباب 14 من أبواب كفارات الصيد.
(2) في الأصل: المقام. وهو سهو.
(3) المبسوط 1: 336.
(4) المنتهى 2: 837 س 32.
(5) المدارك 8: 410.
(6) النهاية 1: 494، المبسوط 1: 336.
(7) المختلف 4: 149 - 150.
(8) الوسائل 9: 257 و 259، الباب 3 و 4 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح 9 و 2.
322

الحجة الاولى.
واختلف الأصحاب في قدر مدة التفريق على أقوال، واختلف الأصحاب في
وجوب التفريق في الحجة الاولى وكذا في مدة التفريق فيها.
ونقل الصدوق عن والده: فإن أخذتما على طريق غير الذي كنتما أخذتما فيه
عام أول لم يفرق بينكما (1) وبمضونه أفتى جماعة من الأصحاب كالفاضلين
والشهيد وغيرهم (2). وهو متجه، فإن طاوعته الزوجة لزمها مثل الرجل من البدنة
وإتمام الحج والحج من قابل، وإن لم تطاوعه بل استكرهها صح حجها وعليه
بدنتان على المشهور، ومستند تعدد الكفارة ضعيف يشكل التعويل عليه في الحكم
المخالف للأصل.
ولو جامع بعد المشعر أو في غير الفرجين قبله عامدا فعليه بدنة لا غير وحجه
صحيح على التقديرين، وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في
لزوم البدنة بالجماع فيما دون الفرج (3) بين الإنزال وعدمه. وتردد العلامة في
المنتهى في وجوب البدنة مع عدم الإنزال (4). وإطلاق النص يدفعه.
ولا خلاف في كون الاستمناء موجبا للبدنة مع حصول الإنزال به، وفي الفساد
به قولان، والمسألة عندي محل تردد.
ولو جامع أمته محلا وهي محرمة بإذنه فبدنة أو بقرة أو شاة، فإن عجز فشاة
أو صيام، والحكم به مقطوع به في كلام الأصحاب. ونقل عن الشيخ أنه يلزمه
بدنة، فإن عجز فشاة أو صيام (5). ومقتضى إطلاق النص وكلام كثير من الأصحاب
عدم الفرق بين الأمة المكرهة والمطاوعة، وصرح العلامة ومن تبعه من المتأخرين

(1) الفقيه 2: 329.
(2) الشرائع 1: 294، المنتهى 2: 837 س 21، الدروس 1: 369.
(3) في هامش الأصل ما يلي: المراد بالجماع فيما دون الفرج الاستمتاع بالتفخيذ وبين
الأليتين ونحوهما، صرح في التذكرة بعدم وجوب شيء].... [كلمات غير مقروءة.
(4) المنتهى 2: 838 س 20.
(5) النهاية 1: 495.
323

بفساد حجها مع المطاوعة ووجوب إتمامه والقضاء كالحرة وأنه يجب على المولى
الإذن لها في القضاء والقيام بمؤنته (1) وحجتهم على هذه الدعاوي غير واضحة.
قالوا: ولو جامع قبل طواف الزيارة فبدنة، فإن عجز فبقرة، وإن عجز فشاة.
وفي الشرائع وغيره: فإن عجز فبقرة أو شاة (2). وفي التهذيب: عليه أن ينحر
جزورا ثم يطوف، فإن لم يمكن فبقرة أو شاة (3).
ولو جامع وقد طاف للنساء ثلاثة أشواط فبدنة على المعروف بينهم، ويدل
عليه رواية حمران (4). ولو طاف خمسة فلا كفارة، وفي الأربعة قولان، والمسألة
عندي لا يخلو عن إشكال.
ولو جامع قبل سعي العمرة في إحرامها فسدت العمرة وعليه بدنة وقضاؤها
عند الأصحاب، لا أعلم مصرحا بخلافه، وعن ابن أبي عقيل التوقف فيه (5).
والروايات التي هي مستند الحكم مختصة بالعمرة المفردة (6).
واعلم أنه لم يذكر الشيخ وكثير من الأصحاب وجوب إتمام العمرة الفاسدة،
وقطع العلامة والشهيدان بالوجوب (7). واستشكله بعض الأصحاب (8). وعلى القول
بالوجوب هل يجب إكمال الحج لو كانت العمرة الفاسدة عمرة تمتع، حتى لو كان
الوقت واسعا واستأنف العمرة وأتى بالحج لم يكف؟ فيه وجهان. واستوجه الشهيد
الثاني وجوب إكمالهما ثم قضائهما (9). واستضعفه بعضهم (10). والقول بعدم وجوب
الإكمال غير بعيد.

(1) القواعد 1: 469، المهذب البارع 2: 284، المسالك 2: 478.
(2) الشرائع 1: 294، القواعد 1: 469.
(3) التهذيب 5: 321.
(4) الوسائل 9: 267، الباب 11 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح 1.
(5) نقله في المختلف 4: 155.
(6) الوسائل 9: 268، الباب 12 من أبواب كفارات الاستمتاع.
(7) القواعد 1: 469، الدروس 1: 338، المسالك 2: 481.
(8) المدارك 8: 423.
(9) المسالك 2: 481.
(10) المدارك 8: 424.
324

ولو كان الجماع في العمرة المتمتع بها بعد السعي وقبل التقصير لم تفسد العمرة.
قالوا: ولو نظر إلى غير أهله فأمنى فبدنة على الموسر، وبقرة على المتوسط،
وشاة على المعسر، ولا يبعد القول بالتخيير بين الجزور والبقرة مطلقا، فإن لم يجد
فشاة، ويحتمل الاكتفاء بالشاة مطلقا.
ولو كان النظر إلى أهله فلا شيء عليه وإن أمنى، إلا أن يكون نظره عن شهوة
فبدنة على المعروف بين الأصحاب، وظاهر المنتهى أن الحكمين إجماعيان (1).
وعندي القول بالاستحباب غير بعيد.
ولو مسها بغير شهوة فلا شيء عليه، وبشهوة شاة وإن لم يمن. ولو قبلها فشاة،
وبشهوة جزور عند جماعة من الأصحاب، وفيه خلاف. ولو أمنى عن ملاعبة
فجزور، ويجب على المرأة مثله، ومستنده صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (2).
لكن مقتضاها وجوب البدنة.
الثانية: لو عقد المحرم على محرم فدخل فعلى كل واحد منهما كفارة عند
الأصحاب، ولا أعلم مستندا لهذا الحكم على الخصوص، إلا أنه لا أعلم فيه خلافا
بينهم. ولو كان العاقد محلا ففي لزوم الكفارة على العاقد المحل خلاف بين
الأصحاب، ومستند الموجبين موثقة سماعة (3). ومقتضاها لزوم الكفارة على
المرأة المحلة أيضا إذا كانت عالمة بإحرام الزوج، ونقل الإفتاء بمضمونها عن
الشيخ وجماعة من الأصحاب (4).
الثالثة: في الطيب أكلا وإطلاء وبخورا وصبغا ابتداء واستدامة شاة عند
الأصحاب، لا أعلم خلافا فيه، وفي الحجة عليه كلام.
الرابعة: المشهور بين الأصحاب أن في قص كل ظفر مد من طعام وفي أظفار

(1) المنتهى 2: 810 س 26.
(2) الوسائل 9: 271، الباب 14 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح 1.
(3) الوسائل 9: 279، الباب 21 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح 1.
(4) نقله عنهم في المدارك 8: 422.
325

يديه شاة وكذا في رجليه. ولو اتحد المجلس فشاة، وفي المسألة بعض الاختلافات.
الخامسة: المشهور بينهم أنه إذا لبس المحرم ما لا يحل له لبسه وجبت عليه
الفدية دم شاة، ونقل العلامة في المنتهى إجماع العلماء على ذلك (1). ولم أجد ما
يدل على وجوب الكفارة بلبس مطلق المخيط ولا على تحريم لبسه وإنما تعلق
النهي بلبس القميص والقباء والسراويل (2). وقد اعترف بذلك غير واحد من
المتأخرين (3). ففي إيجاب الكفارة بلبس مطلق المخيط تأمل.
وقطع الأصحاب بأنه إذا اضطر إلى لبس ثوب يتقي به الحر أو البرد جاز لبسه
وعليه دم شاة، والأصل فيه صحيحة محمد بن مسلم (4). ودلالتها على الوجوب
غير واضحة. ولو لبس القميص ناسيا ثم ذكر وجب عليه خلعه عندهم، ونقل
بعضهم الإجماع عليه (5). ولا فدية حينئذ. ولو أخل بذلك بعد العلم لزمه الفدية
عندهم، وأوجب جماعة من الأصحاب الكفارة دم شاة إذا لبس ما لا يستر ظهر
القدم ولا أعلم عليه حجة. واختلفوا في وجوب الكفارة في ذلك إذا لبسه اضطرارا
والأقرب العدم.
السادسة: نقل العلامة إجماع العلماء كافة على وجوب الفدية على المحرم إذا
حلق رأسه متعمدا، سواء كان لأذى أو غيره (6). والمشهور بين المتأخرين أنها شاة
أو إطعام عشرة مساكين أو صيام ثلاثة أيام، ويدل على وجوب الفدية في الجملة
ظاهر الآية والأخبار المتعددة (7) لكن في بعضها تعين دم وفي بعضها تعين دم شاة (8).

(1) المنتهى 2: 812 س 15.
(2) الوسائل 9: 115 و 124 و 125، الباب 35 و 44 و 45 من أبواب تروك الإحرام.
(3) الدروس 1: 485، المدارك 8: 436.
(4) الوسائل 9: 290، الباب 9 من أبواب بقية كفارات الإحرام، ح 1.
(5) المدارك 8: 437.
(6) المنتهى 2: 793 س 9.
(7) البقرة: 196، الوسائل 9: 295، الباب 14 من أبواب كفارات الإحرام.
(8) الوسائل 9: 289 و 291 و 295، الباب 8 و 10 و 14 من أبواب بقية كفارات الإحرام.
326

إلا أن العلامة ذكر أن التخيير في هذه الكفارة لعذر وغيره قول علمائنا أجمع (1).
واختلفوا في التصدق الذي هو أحد الخصال، فعن الشيخ أنه يتصدق على
ستة مساكين كل مسكين مد من طعام (2). وعن المفيد الإطعام ستة مساكين كل
مسكين مد (3) وعن بعضهم الإطعام بستة مساكين كل مسكين نصف صاع (4).
ونسب إلى الشهرة (5) وقيل بإطعام ستة مساكين كل مسكين مدان ونسب إلى
الشيخين وأكثر الأصحاب (6).
السابعة: في سقوط شيء بمس رأسه أو لحيته كف من طعام على الأقرب، ولو
كان ذلك في الوضوء فلا شيء عليه على الأشهر، وقيل: عليه أيضا كف من طعام،
فإن كان الساقط من شعره كثيرا فعليه دم شاة (7) وألحق الشهيد بالوضوء الغسل (8).
وهو حسن نظرا إلى التعليل المستفاد من الخبر (9) بل المستفاد من الخبر إلحاق
إزالة النجاسة والحك الضروري به أيضا.
الثامنة: المعروف أن في نتف الإبطين شاة وفي نتف أحدهما إطعام ثلاثة
مساكين، ولو قيل بالدم في نتف الإبط الواحد لم يكن بعيدا، نظرا إلى صحيحتي
زرارة (10).
التاسعة: اختلف الأصحاب في وجوب الكفارة في التظليل سائرا، فذهب
الأكثر إلى وجوب الكفارة فيه وخالف فيه ابن الجنيد (11) واختلفوا فيما يجب
الفداء به، فذهب الأكثر إلى أنه شاة، وفيه خلاف لابن أبي عقيل وغيره (12).
العاشرة: المشهور أن في الجدال مرة كاذبا شاة ومرتين بقرة وثلاثا بدنة وفيه

(1) المنتهى 2: 815 س 16.
(2) المبسوط 1: 349.
(3) المقنعة: 434.
(4) حكاه عن ابن الجنيد في المختلف 4: 166.
(5) المنتهى 2: 815 س 22.
(6) نسبه في المدارك 8: 439.
(7) المقنعة: 435.
(8) الدروس 1: 382.
(9) الوسائل 9: 299، الباب 16 من أبواب بقية كفارات الإحرام، ح 6.
(10) الوسائل 9: 291 و 292، الباب 10 من أبواب بقية كفارات الإحرام، ح 1 و 6.
(11) حكاه في المختلف 4: 168.
(12) حكاه في المختلف 4: 168.
327

كلام ذكرناه في الذخيرة. وفي الجدال صادقا ثلاثا شاة.
الحادية عشر: الأشهر أن في قطع الشجرة الكبيرة من الحرم بقرة، وفي
الصغيرة شاة وإن كان محلا، وفي الأبعاض قيمته، وفيه أقوال اخر، ولا كفارة في
قلع الحشيش وإن أثم، على الأقرب الأشهر.
الثانية عشر: المشهور حرمة استعمال الدهن الطيب ووجوب الكفارة به،
وعن الشيخ في الجمل الكراهة (1).
الثالثة عشر: المعروف بين الأصحاب أنه لو تعددت الأسباب تعددت
الكفارة مع الاختلاف كاللبس وتقليم الأظفار والطيب، سواء كان ذلك في وقت
واحد أو في وقتين، وسواء تخلل التكفير أم لا، ولا خفاء في تعدد الكفارة مع
تخلل التكفير أما بدونه ففيه خفاء ولا ريب في كونه أحوط، ولو تكرر الوطء
تكررت الكفارة على المعروف من مذهب الأصحاب.
وعن الشيخ في الخلاف أنه إذا كفر عن الأول لزمه الكفارة، وإن كان قبل أن
يكفر فعليه كفارة واحدة (2). وهذا القول أقوى.
وفي تكرر الكفارة بتكرر اللبس أو الطيب خلاف بين الأصحاب، والأقرب
الاختلاف مع اختلاف صنف الملبوس وكذا مع تخلل التكفير، أما في تكرر
الكفارة بدون الأمرين ففيه إشكال.
الرابعة عشر: يسقط الكفارة عن الجاهل والناسي والمجنون إلا في الصيد،
فإن الكفارة يجب فيه مع الجهل والنسيان والعمد والخطأ على الأشهر الأقرب،
ونقل عن بعض الأصحاب قول بسقوط الكفارة عن الناسي في الصيد (3). ولو صال
على المحرم صيد ولم يقدر على دفعه إلا بقتله جاز له قتله إجماعا، وفي وجوب
الكفارة به قولان.

(1) الجمل والعقود: 136.
(2) الخلاف 2: 367، المسألة 204.
(3) المدارك 8: 454.
328

المقصد الثاني في الطواف
لا خلاف في وجوب الطواف وكونه ركنا بمعنى أن الحج يبطل بتركه عمدا
إلا طواف النساء، وقد قطعوا بأن الجاهل كالعامد في الحكم المذكور، ويدل عليه
صحيحة علي بن يقطين وغيرها (1). ومقتضى الرواية وجوب البدنة أيضا على
الجاهل، وفي وجوبها على العالم وجهان أقربهما العدم.
وإذا بطل الحج بترك الركن كالطواف مثلا ففي حصول التحلل بمجرد ذلك، أو
البقاء على إحرامه إلى أن يأتي بالفعل الفائت في محله، أو حصول التحلل بأفعال
العمرة أوجه.
ويقضيه في السهو ولو بعد قضاء المناسك، ولو تعذر قضاؤه بنفسه استناب
على الأشهر الأقرب، وهل المراد بالتعذر المشقة الكثيرة أو ما يقابل القدرة على
الحج على الوجه المعهود؟ فيه احتمالان. وإذا وجب قضاء طواف العمرة أو الحج
فهل يجب إعادة السعي أيضا معه؟ فيه قولان.
ويجب في الطواف المفروض الطهارة بلا خلاف فيه بين الأصحاب ويدل
عليه الأخبار (2) واختلفوا في اشتراط الطهارة في الطواف المندوب فذهب الأكثر
إلى عدم الاشتراط، وعن أبي الصلاح أنه اعتبر الطهارة فيه (3). والأول أقرب.
واختلفوا في وجوب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن في الطواف، فالمشهور
بين المتأخرين اشتراط ذلك، ونقل عن ابن الجنيد وابن حمزة الكراهة في الثوب
النجس (4). ولعله أقرب. واختلف القائلون باشتراط الطهارة في الثوب والبدن في
اعتبار الطهارة عما يعفى عنه في الصلاة.
والمشهور بينهم أنه يجب في الطواف الختان في الرجل، ويفهم من كلام ابن

(1) الوسائل 9: 466، الباب 56 من أبواب الطواف، ح 1.
(2) الوسائل 9: 443، الباب 38 من أبواب الطواف.
(3) الكافي في الفقه: 195.
(4) نقله عنهما في المختلف 4: 198.
329

إدريس نوع توقف فيه (1). ومستند الأول الأخبار (2). وفي دلالتها على الوجوب
والاشتراط تأمل، وهل يعتبر مع الإمكان أو مطلقا؟ فيه احتمالان، والأقرب الأول.
وفي وجوب ستر العورة في الطواف قولان.
ويجب فيه النية على المشهور بينهم، وحكي عن بعض القدماء أن نية الإحرام
كافية عن خصوصيات نيات باقي الأفعال (3). وهو غير بعيد، والأظهر الاكتفاء منها
بقصد الفعل المعلوم طاعة لله أو امتثالا لأمره، والأمر في النية هين. قالوا: ويجب
مقارنة النية لأول الطواف، والظاهر أنه لا يضر الفصل اليسير، ويعتبر الاستدامة
الحكمية كما في غيره من العبادات.
ويجب البدءة بالحجر، والظاهر أنه يكفي في تحقق البدءة بالحجر ما يصدق
عليه ذلك عرفا، واعتبر جماعة من متأخري الأصحاب جعل أول جزء من الحجر
محاذيا لأول جزء من مقاديم بدنه بحيث يمر عليه بعد النية بجميع بدنه (4). والظاهر
عدم اشتراط ذلك.
والمشهور بين الأصحاب أنه يستحب استقبال الحجر أولا، وعبارة بعض
القدماء يشعر بالوجوب (5). والأول أقرب، وينبغي إيقاع النية حال الاستقبال
والأخذ في اليسار عقيبها.
ويجب أيضا الختم بالحجر بمعنى أنه يكمل الشوط السابع إليه، ولا ريب في
وجوب ذلك، وأما وجوب عدم الزيادة على ذلك - كما هو المستفاد من كلام
الأصحاب - فإثباته لا يخلو عن إشكال.
وقال بعض المتأخرين: لا يضر الزيادة إذا كانت نيته عدم دخولها في الطواف

(1) السرائر 1: 574.
(2) الوسائل 9: 369، الباب 33 من أبواب مقدمات الطواف.
(3) حكاه عنهم في الدروس 1: 394.
(4) التذكرة 8: 87، الدروس 1: 394، المسالك 2: 331.
(5) المقنعة: 400.
330

ورجح عدم بطلان الطواف بمثل هذه الزيادة وإن قصد كونها من الطواف (1).
والظاهر أنه يكفي في الانتهاء إلى الحجر صدق ذلك عرفا.
واعتبر كثير من المتأخرين محاذاة الحجر في آخر شوط كما ابتدأ به أولا
ليكمل الشوط من غير زيادة ولا نقصان.
ويجب أيضا الطواف سبعا وجعل البيت على يساره. ولا يجوز المشي على
أساس البيت، وهل يجوز للطائف مس الجدار بيده في موازاة الشاذروان؟ فيه
قولان والمنع أحوط.
ويجب إدخال الحجر لا أعلم فيه خلافا بينهم، والمستفاد من الأخبار عدم
الاعتداد بما كان بين الحجر لا ما كان على جداره ومقصودهم أعم من ذلك. وهل
يجب على من اختصر شوطا في الحجر إعادة الطواف من رأس أو إعادة ذلك
الشوط؟ فيه وجهان أقربهما الثاني.
ويجب إخراج المقام بأن يكون الطواف بين البيت والمقام على المشهور بين
الأصحاب، وذهب ابن الجنيد إلى جواز الطواف خارج المقام عند الضرورة (2).
ويدل على قوله صحيحة محمد الحلبي (3). والعدول عنها مشكل، إلا أن الأحوط
الأول.
وقطع الأصحاب باعتبار مسافة ما بين المقام والبيت من جميع نواحي البيت،
ويدل عليه رواية محمد بن مسلم (4). ومقتضاها احتساب الحجر من المسافة.
وذكر جماعة منهم أنه تحسب المسافة من جهة الحجر من خارجه (5).
والأحوط الأول.
ويجب ركعتا الطواف على الأشهر الأقرب، ونقل الشيخ عن بعض أصحابنا

(1) المدارك 8: 127.
(2) حكاه في المختلف 4: 183.
(3) الوسائل 9: 427، الباب 28 من أبواب الطواف، ح 2.
(4) الوسائل 9: 427، الباب 28 من أبواب الطواف، ح 1.
(5) المسالك 2: 333، المدارك 8: 131.
331

القول بالاستحباب (1). واعلم أن كلام الأصحاب مختلف في موضع الصلاة
المذكورة، والظاهر عندي جواز الصلاة خلف المقام الذي هو البناء المخصوص
بحيث لا يتباعد منه كثيرا عرفا، وأما جواز الصلاة إلى أحد جانبيه اختيارا فلا
أعلم نصا يدل عليه صريحا.
نعم ورد في غير واحد من الأخبار المعتبرة الصلاة عند المقام، والأحوط
الصلاة خلف المقام، وهذا مع الاختيار، وأما مع الاضطرار فيجوز التباعد عنه مع
مراعاة الوراء أو أحد الجانبين مع الإمكان. ولو تعذر وخاف فوت الوقت فقد قطع
جماعة من الأصحاب بسقوط الاعتبار المذكور وجواز فعلها في أي موضع شاء
من المسجد (2). والحكم المذكور مختص بالفريضة، وأما النافلة فيجوز فعلها في
أي موضع شاء من المسجد.
والمشهور بين الأصحاب أن من نسي الركعتين وجب عليه الرجوع إلا مع
المشقة فيصلي حيث ما ذكر. والأخبار في هذا الباب مختلفة، فبعضها يدل على
الرجوع والصلاة عند المقام (3). وبعضها يدل على أنه يصلي في الموضع الذي
ذكر (4). وبعضها يدل على أنه يرجع في البلد دون خارجه (5) والشيخ ومن تبعه جمع
بين الأخبار بوجوب الرجوع مع عدم المشقة وعدمه عند المشقة (6). وهو غير بعيد،
والجمع المذكور أحوط وإن أمكن الجمع بنحو آخر.
وشرط الشهيد في الدروس في الصلاة في غير المقام تعذر العود وأوجب
العود إلى الحرم عند تعذر العود إلى المقام (7). ومستنده غير معلوم.

(1) الخلاف 2: 327، المسألة 138.
(2) الخلاف 2: 327، المسألة 139، وحكاه عن علي بن بابويه في المختلف 4: 201، الكافي
في الفقه: 158.
(3) الوسائل 9: 482، الباب 74 من أبواب الطواف، ح 5.
(4) الوسائل 9: 483، الباب 74 من أبواب الطواف، ح 9.
(5) الوسائل 9: 485، الباب 74 من أبواب الطواف، ح 18.
(6) التهذيب 5: 140.
(7) الدروس 1: 396.
332

ونقل عن الشيخ في المبسوط أنه أوجب الاستنابة في صلاة ركعتين (1) إذا شق
الرجوع (2). واستقرب الشهيد عدمه (3). ومقتضى صحيحة عمر بن يزيد (4) التخيير
بين الرجوع والاستنابة عند عدم المشقة، والأحوط ما عليه أكثر الأصحاب.
ويلحق الجاهل بالناسي، أما العامد فقد ذكر الشهيد الثاني أن الأصحاب لم
يتعرضوا لذكره (5). والذي يقتضيه الأصل أنه يجب عليه العود مع الإمكان، ومع
التعذر يصليهما حيث أمكن، وفي إجزاء فعلهما حيث أمكن مع التعذر إشكال، بل
يحتمل بقاؤهما في الذمة إلى أن يحصل التمكن. ولا يبعد بطلان الأفعال الواقعة
بعد ذلك.
وذكر الأصحاب أنه لو ترك الركعتين نسيانا ومات قضاهما الولي عنه، قال
الشهيد الثاني: ولو ترك معهما الطواف ففي وجوبهما حينئذ عليه ويستنيب في
الطواف أم يستنيب عليهما معا من ماله وجهان. قال: ولعل وجوبهما عليه مطلقا
أقوى (6).
وذكر جماعة من الأصحاب أنه يجوز أن يصلى ركعتا الطواف الفريضة في
الأوقات التي يكره فيها ابتداء النوافل من غير كراهة (7) للأخبار الكثيرة. وقد ورد
بعض الروايات بخلافه (8). وحمله الشيخ على التقية (9). وصرح الشيخ وغيره بأنه
يكره طواف النافلة في هذه الأوقات (10).
ويستحب الغسل لدخول الحرم ولدخول مكة من بئر ميمون أو فخ أو من
منزله. ويستحب مضغ الإذخر عند دخول الحرم. ويستحب أن يكون حال دخوله

(1) في خ 2: في الصلاة الركعتين.
(2) نقله في الدروس 1: 396.
(3) انظر الدروس 1: 397.
(4) الوسائل 9: 484، الباب 74 من أبواب الطواف، ح 13.
(5) المسالك 2: 335.
(6) المسالك 2: 336.
(7) الشرائع 1: 368، المسالك 2: 340، المدارك 8: 146.
(8) الوسائل 9: 486، الباب 76 من أبواب الطواف.
(9) الاستبصار 2: 237.
(10) التهذيب 5: 141.
333

مكة والمسجد الحرام حافيا بسكينة والوقوف عند الحجر وحمد الله والصلاة على
النبي وآله (عليهم السلام) والأقرب استحباب الاستلام والتقبيل، ويحصل الاستلام
بالمباشرة باليد، وذكر بعضهم أنه يستحب استلام الحجر بالبطن والبدن أجمع، فإن
تعذر فباليد (1). ولا أعرف لذلك وجها.
ويستحب التزام المستجار وبسط اليدين عليه وإلصاق بطنه وخده به،
والأقرب استحباب التزام الأركان كلها ويتأكد العراقي واليماني، وحكي عن ابن
الجنيد المنع من استلام الركنين الآخرين (2).
ويستحب الطواف ثلاثمائة وستين طوافا، وإن لم يفعل أو لم يتيسر له لمانع
فثلاثمائة وستين شوطا.
والمشهور بين الأصحاب تحريم الزيادة على السبع في الطواف الواجب
عمدا، وفي حجتهم كلام، وإطلاق كلام الأصحاب يقتضي تحريم الزيادة وإن لم
يبلغ شوطا، والذي يستفاد من الخبرين اللذين هما مستند الحكم (3) على تقدير
تمامه كون زيادة شوط موجبة للإعادة. وعلى كل تقدير فالظاهر أن تحريم
الزيادة إنما يكون إذا وقعت الزيادة بقصد الطواف، وأما لو تجاوز الحجر بنية أن
الزيادة ليست من الطواف فالظاهر أنه لا محذور فيه.
واختلف الأصحاب في القران بين الأسبوعين، فقيل: إنه يحرم في الفريضة
ويبطل الطواف به (4). ونسبه بعضهم إلى الشهرة (5). وعن الشيخ الحكم بالتحريم
خاصة في الفريضة (6). وعن ابن إدريس الحكم بالكراهة (7). ولعله المتجه.
والمشهور بين الأصحاب أن من زاد سهوا على سبعة أشواط بشوط فصاعدا
أكمله أسبوعين وصلى للفرض أولا وللنفل بعد السعي، وعن ابن بابويه في المقنع

(1) الدروس 1: 398.
(2) حكاه في المختلف 4: 194.
(3) الوسائل 9: 436 و 438، الباب 34 من أبواب الطواف، ح 1 و 11.
(4) التنقيح 1: 503.
(5) المختصر النافع: 93.
(6) المبسوط 1: 357.
(7) السرائر 1: 572.
334

أنه أوجب الإعادة بمطلق الزيادة وإن وقعت سهوا (1). والأول أقرب، وذكر جماعة
من الأصحاب أن إكمال الأسبوعين إنما يكون إذا لم يذكر حتى يبلغ الركن، فلو
ذكر قبل ذلك وجب القطع (2) ومستنده ضعيف. ومقتضى كلام بعض الأصحاب أن
الطواف الأول هو طواف الفريضة (3) وعن ابن الجنيد وعلي بن بابويه أنهما حكما
بكون الفريضة هو الثاني (4) وبعض الأخبار الصحيحة مشعر به (5). والظاهر أن
تأخير ركعتي طواف النافلة إلى أن يفرغ من السعي على سبيل الأفضلية.
ولو طاف في النجس جاهلا بالنجاسة صح، والأظهر إلحاق الناسي بالجاهل،
ويمكن إلحاق جاهل الحكم به أيضا.
ولو علم في الأثناء أزال النجاسة وتمم الطواف على الأقرب، وقيل بوجوب
الاستئناف إن توقفت الإزالة على فعل يستدعي قطع الطواف إذا كان قبل إكمال
أربعة أشواط (6).
ولو نقص عدد الطواف فإن تجاوز النصف رجع فأتم عند جماعة من
الأصحاب، وأسنده بعضهم إلى الشهرة (7). وقال الشيخ: من طاف بالبيت ستة
أشواط وانصرف فليضف إليه شوطا آخر ولا شيء عليه، وإن لم يذكر حتى رجع
إلى أهله أمر من يطوف عنه (8). وظاهرهم كون النقص على سبيل النسيان كما
صرح به بعضهم (9). والأقرب البناء إذا كان المنقوص شوطا واحدا، وأما إذا كان
المنقوص زائدا على شوط فيحتمل القول بالبناء ويحتمل الإعادة.
ولو قطع الطواف لدخول البيت فالأقرب الاستئناف مطلقا. ولو قطع طوافه

(1) المقنع: 85.
(2) المهذب 1: 238، الشرائع 1: 270، المسالك 2: 350.
(3) انظر ما نقله في المختلف 4: 191 و 192.
(4) نقله عنهما في المختلف 4: 191.
(5) الوسائل 9: 437، الباب 34 من أبواب الطواف، ح 7.
(6) الدروس 1: 405.
(7) المدارك 8: 148.
(8) التهذيب 5: 109.
(9) المدارك 8: 149.
335

لحاجة ففيه أقوال، أحدها: أنه إن تجاوز النصف يتم ما بقي وإلا استأنف، وثانيها:
أنه إن تجاوز النصف بنى عليه وإلا أعاد إن كان طوافه طواف الفريضة، وبنى عليه
إن كان طوافه طواف النافلة وإن كان أقل من النصف وقيل غير ذلك. والأحوط
الإعادة في الفريضة مطلقا.
والأقرب جواز قطع الطواف لصلاة فريضة ثم البناء وإن لم يتجاوز النصف،
وحيث قلنا بالبناء مع القطع في موضع فالظاهر أنه يبني من موضع القطع، فلابد من
أن يحفظ موضع القطع ليكمل بعد العود حذرا من الزيادة والنقصان.
وعن العلامة في المنتهى تجويز البناء على الطواف السابق من الحجر وإن
وقع القطع في أثناء الشوط، بل جعل ذلك أحوط من البناء من موضع القطع (1).
ولو أحدث في أثناء الطواف الفريضة يتوضأ ويتم ما بقي عليه إن كان حدثه
بعد إكمال النصف، وإلا استأنف. ولو ذكر الزيادة في الثامن قبل وصول الحجر قطع
ولا شيء عليه. ولو شك في العدد بعد الانصراف لم يلتفت، وكذا إن كان في الأثناء
وكان الشك في الزيادة. وقال الشهيد الثاني: إنما يقطع مع شك الزيادة إذا كان على
منتهى الشوط أما لو كان في أثنائه بطل طوافه (2). وفيه نظر.
ولو كان الشك في الأثناء وكان في النقصان فالمشهور بين الأصحاب أنه
يعيد طوافه. وقال المفيد: من طاف بالبيت فلم يدر ستا طاف أم سبعا فليطف
طوافا آخر ليستيقن أنه طاف سبعا (3). وهو المحكي عن جماعة من الأصحاب (4).
ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات، ووجوب اليقين بالبراءة من التكليف الثابت
يقتضي المصير إلى القول الأول. ولو كان الشك في النافلة يبني على الأقل.
وطواف النساء واجب بلا خلاف، ويدل عليه الأخبار المستفيضة (5). ولا
خلاف بينهم في وجوب طواف النساء في الحج بأنواعه، ويدل عليه الأخبار (6).

(1) المنتهى 2: 698 س 26.
(2) المسالك 2: 349.
(3) المقنعة: 440.
(4) حكاه عنهم في المدارك 8: 179.
(5) الوسائل 9: 489، الباب 2 من أبواب الطواف.
(6) الوسائل 8: 155 و 156، الباب 2 من أبواب أقسام الحج، ح 8 و 9 و 13.
336

والمعروف من مذهبهم وجوبه في العمرة المفردة، ونقل عن الجعفي القول بسقوط
طواف النساء في العمرة المفردة (1). والأحوط الأول.
والمعروف بينهم أنه ليس في عمرة التمتع طواف النساء، وحكى الشهيد عن
بعض الأصحاب أن في المتمتع بها طواف النساء كالمفردة (2). والمعتمد الأول،
وطواف النساء على النساء والصبيان والخصيان أيضا.
ولو نسي طواف الزيارة حتى واقع وكانت المواقعة بعد الذكر فبدنة عند
جماعة منهم ونسب إلى الأكثر (3). وعن ظاهر الشيخ في النهاية والمبسوط أن عليه
بدنة وإن كانت المواقعة قبل الذكر (4) ويستنيب لو نسي طواف النساء.
والأصحاب قطعوا بوجوب تأخير الطواف عن الموقفين ومناسك منى في
حج التمتع، ونقل العلامة إجماع العلماء كافة على أنه لا يجوز تقديم الطواف على
المضي إلى عرفات اختيارا (5). واستدلوا (6) برواية ضعيفة معارضة بأخبار
متعددة (7). لكن الاحتياط في العمل بما عليه الأصحاب. ويجوز للمعذور التقديم
كما هو المشهور بينهم خلافا لابن إدريس (8). ولا فرق في الحكمين بين طواف
الزيارة وطواف النساء، فلا يجوز تقديمه اختيارا ويجوز اضطرارا خلافا لابن
إدريس (9).
ويجب تأخير طواف النساء عن السعي إلا لعذر ولو كان التقديم عمدا لم يجز
وقد قطعوا بجواز تقديم طواف النساء على السعي في حال النسيان والضرورة
والخوف والحيض، ولا أعلم نصا صريحا يدل عليه. ويجوز التعويل على الغير في

(1) نقله في الدروس 1: 329.
(2) الدروس 1: 329.
(3) المدارك 8: 183.
(4) النهاية 1: 506، المبسوط 1: 359.
(5) المنتهى 2: 708 س 25.
(6) في نسخة خ 1: استدل.
(7) الوسائل 8: 203، الباب 13 من أبواب الحج، ح 5، الوسائل 9: 474، الباب 64 من أبواب
الطواف، ح 3 و 4.
(8) السرائر 1: 575.
(9) السرائر 1: 575.
337

العدد. والمستحاضة كالطاهرة إذا فعلت ما يجب عليها.
المقصد الثالث في السعي
وهو ركن يبطل الحج بتركه عمدا، ولو ترك السعي عمدا أتى به، فإن خرج
عاد له، فإن تعذر استناب، والمراد بالتعذر المشقة البالغة، واحتمل بعضهم عدم
الإمكان (1). وهو بعيد. ولا يحل لمن أخل بالسعي ما يتوقف حله عليه من
المحرمات حتى يأتي به بنفسه أو بنائبه فيما يصح فيه ذلك. وهل يلزمه الكفارة لو
واقع بعد الذكر؟ فيه نظر، وفي إلحاق الجاهل بالعامد أو الناسي وجهان.
ويجب في السعي النية والبدءة بالصفا، ولا يجب الصعود على الصفا، ويتحقق
السعي بدون الصعود بأن يلصق عقبيه به، فإن (2) عاد ألصق أصابعه بموضع العقب.
وفي الدروس: الاحتياط في الترقي إلى الدرج ويكفي الرابعة (3). والأحوط
استحضار النية إلى أن يتجاوز الدرج.
ويجب الختم بالمروة بأن يصعد درجة المروة أو يلصق أصابع رجليه بها.
وتوقف بعضهم في اعتبار إلصاق القدمين معا (4). ويجب السعي سبعا، من الصفا
إليه شوطان.
والأقرب الأشهر استحباب الطهارة في حال السعي، وقيل بالوجوب (5).
ويستحب استلام الحجر، والشرب من زمزم، والصب على الجسد من الدلو
المقابل للحجر، والخروج من الباب المحاذي للحجر، والصعود على الصفا،
واستقبال الركن العراقي والإطالة، والدعاء (6) والتكبير سبعا، والتهليل، والصعود
على المروة، ويستحب المشي طرفيه، والرمل بين المنارة وزقاق العطارين

(1) المسالك 2: 359.
(2) كذا في النسخ، والمناسب: وإذا أعاد.
(3) الدروس 1: 410.
(4) جامع المقاصد 3: 206.
(5) حكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف 4: 211.
(6) كذا في الأصل، وفي خ 2: في الدعاء، وفي المطبوع: بالدعاء.
338

للرجل، وفي الدروس أن الرمل هو الإسراع في المشي مع تقارب الخطى (1). وذكر
جماعة من الأصحاب أنه لو نسي الهرولة رجع القهقري (2). ويستحب المشي في
حال السعي ويجوز راكبا والدعاء، خلال السعي.
قالوا: ويحرم الزيادة عمدا ويبطل السعي بها، والظاهر أن الزيادة إنما يتحقق
بالإتيان بما زاد على سبعة على أنه من جملة السعي المأمور به لا مطلقا، ولو زاد
سهوا لم يبطل والمكلف مخير بين طرح الزيادة والاعتداد بالباقي أو الإكمال
أسبوعين، والظاهر أن التخيير بين الطرح والإكمال إنما يتحقق إذا لم يقع التذكر إلا
بعد إكمال الثامن وإلا تعين القطع.
ويحرم تقديم السعي على الطواف عمدا ويعيده بعد الطواف لو قدمه ولو كان
ذلك سهوا. ولو دخل في السعي فذكر أنه لم يتم طوافه ففي المسألة قولان،
أحدهما: أنه يرجع ويتم طوافه ثم يتم السعي إذا تجاوز نصف الطواف، وثانيهما:
إطلاق القول بأنه يتم الطواف ثم يتم السعي. ولو ذكر في أثناء السعي أنه لم يصل
الركعتين قطع السعي وأتى بهما ثم يبني على سعيه. ولو ذكر النقيصة قضاها.
ولو كان متمتعا وظن إتمام السعي فأحل وواقع أو قلم أظفاره أو قص شعره
فعليه بقرة وإتمامه عند جماعة من الأصحاب (3). وعن الشيخ في أحد قوليه وابن
إدريس الاستحباب (4). ولعله الأقرب.
ولو لم يحصل العدد أعاد على ما ذكره جماعة من الأصحاب (5). وقيده الشهيد
بما إذا كان الشك في الأثناء وحكم بعدم الالتفات إذا كان بعده (6). ويدل على
إطلاق الحكم به صحيحة سعيد بن يسار (7). ويستثنى من ذلك ما لو كان الشك بين

(1) الدروس 1: 399.
(2) المبسوط 1: 363، الوسيلة: 175، الجامع للشرائع: 202.
(3) المقنعة: 434، النهاية 1: 513.
(4) نقله عنهما في المدارك 8: 217 و 218.
(5) الاقتصاد: 304، الوسيلة: 176، الجامع للشرائع: 202.
(6) الدروس 1: 413.
(7) الوسائل 9: 529، الباب 14 من أبواب السعي، ح 1.
339

الإتمام والزيادة على وجه لا ينافي البدءة بالصفا كالشك بين السبعة والتسعة وهو
على المروة، لتحقق الواجب وعدم منافاة الزيادة سهوا.
ويجوز قطع السعي لقضاء حاجة وصلاة فريضة ثم يتمه على الأشهر الأقرب.
ونقل عن جماعة منهم المفيد (رحمه الله) أنهم جعلوا ذلك كالطواف في اعتبار مجاوزة
النصف (1).
ويجوز الجلوس خلال السعي للراحة على الأشهر الأقرب، ونقل عن أبي
الصلاح وابن زهرة المنع (2).
وإذا فرغ من سعي عمرة التمتع قصر، وإذا قصر أحل من كل شيء أحرم منه،
وأدناه أن يقصر شيئا من شعر رأسه أو يقصر أظفاره على الأشهر الأقرب، وفيه
خلاف للشيخ في المبسوط (3). وفي المنتهى: لو قص الشعر بأي شيء كان أجزأه
وكذا لو نتفه أو أزاله بالنورة (4). وهو غير بعيد، ويدل صحيحة حماد بن عثمان
وحسنة الحلبي على جواز أخذ الشعر بالأسنان (5). وعمومهما يقتضي جواز أخذ
الشعر النازل على حد الرأس كما قطع به في المنتهى وذكر أنه لا نعلم فيه خلافا (6).
وقطع في المنتهى بالإجزاء إذا أخذ من لحيته أو شاربه أو حاجبيه (7).
والأشهر أنه لا يجوز له الحلق، فإن فعل فعليه دم شاة. وفي الخلاف: وإن
حلق جاز والتقصير أفضل (8). والمسألة عندي محل إشكال. وفي المنتهى: لو حلق
بعض رأسه فالوجه عدم التحريم على القولين وحصول الدم والإجزاء به (9).
واحتمل في الدروس الإجزاء بحلق الجميع لحصوله بالشروع (10). وبه قطع العلامة

(1) المقنعة: 441.
(2) الكافي في الفقه: 196، الغنية 179.
(3) المبسوط 1: 363.
(4) المنتهى 2: 711 س 10.
(5) الوسائل 9: 540، الباب 3 من أبواب التقصير، ح 2 وذيله.
(6) المنتهى 2: 711 س 12.
(7) المنتهى 2: 711 س 14.
(8) الخلاف 2: 330، المسألة 144.
(9) المنتهى 2: 711 س 10.
(10) الدروس 1: 415.
340

في المنتهى (1). ولو نسي التقصير حتى أحرم بالحج فلا أعلم خلافا في صحة المتعة
في الصورة المذكورة، ويدل عليه بعض الأخبار الصحيحة (2). واختلفوا في وجوب
شيء عليه، والأقرب العدم، وقيل: عليه دم شاة (3).
المقصد الرابع في إحرام الحج والوقوف
إذا فرغ المتمتع من العمرة وجب عليه الإحرام بالحج من مكة، ويستحب أن
يكون ذلك يوم التروية على الأشهر الأقرب، وقيل بالوجوب (4).
واختلفوا في استحباب الخروج قبل صلاة الظهرين أو بعده على قولين، وقال
الشيخ في التهذيب: إن الخروج بعد الصلاة مختص بمن عدا الإمام من الناس، فأما
الإمام نفسه فلا يجوز له أن يصلي الظهر والعصر يوم التروية إلا بمنى (5). والأخبار
في هذا الباب مختلفة، والوجه في الجمع بين الأخبار أن تحمل على التخيير لغير
الإمام وعلى الإمام أن يصلي الظهر بمنى.
ويستثنى ممن يستحب له الخروج يوم التروية المضطر كالشيخ الكبير
والمريض ومن يخشى الزحام، فلهم الخروج إلى منى قبل يوم التروية.
والمستفاد من كلام العلامة وغيره أن يكون مقدمات الإحرام كالغسل قبل
الزوال (6). وفيه خلاف لجماعة منهم (7). ويستفاد من رواية عمر بن يزيد رجحان
كون الإحرام من المقام (8). ومن حسنة معاوية بن عمار التخيير بين كونه من المقام
أو الحجر (9). ولهم في المسألة أقوال، أحدها: استحباب أن يكون من تحت

(1) انظر المنتهى 2: 711.
(2) الوسائل 9: 544، الباب 6 من أبواب التقصير.
(3) المهذب 1: 225.
(4) الوسيلة: 176.
(5) التهذيب 5: 175.
(6) انظر المنتهى 2: 714 س 27.
(7) انظر ما نقله في المختلف 4: 223 و 224.
(8) الوسائل 9: 63، الباب 46 من أبواب الإحرام، ح 2.
(9) الوسائل 10: 2، الباب 1 من أبواب إحرام الحج، ح 1.
341

الميزاب، وثانيها: استحباب كونه من تحت الميزاب أو المقام. وثالثها: استحباب
كونه من المقام.
فإن نسي الإحرام من مكة قيل: يرجع إلى مكة وجوبا مع المكنة (1). فإن تعذر
أحرم ولو بعرفة. وعن الشيخ: لو نسي الإحرام بالحج إلى أن يحصل بعرفات جدد
الإحرام بها وليس عليه شيء، فإن لم يذكر حتى يرجع إلى بلده فإن كان قد قضى
مناسكه كلها لم يكن عليه شيء (2).
وصفة الإحرام كما تقدم في إحرام العمرة، إلا أنه ينوي هاهنا إحرام الحج ثم
يبيت بمنى مستحبا ليلة عرفة إلى طلوع الفجر من يوم عرفة.
ويكره أن يجوز وادي محسر إلا بعد طلوع الشمس، ونقل عن الشيخ وابن
البراج التحريم (3). واختلفوا في جواز الخروج قبل الفجر من غير ضرورة، فعن
أكثر الأصحاب القول بالكراهة. وعن بعضهم عدم الجواز (4).
ثم يمضي إلى عرفات فيقف بها، وفي غير واحد من عبارات المتأخرين أنه
يجب الوقوف من أول الزوال إلى الغروب وأنه يجب النية في أول الزوال ليقع
الوقوف الواجب بعده (5). وفي كثير من عباراتهم لم يقع التصريح بمبدأ الكون، بل
ذكر وجوب الكون إلى الغروب. والذي يستفاد من عبارات القدماء أن الوقوف
إنما يكون بعد الفراغ من الغسل والصلاتين بعد الزوال، وهو المستفاد من الأخبار.
وأما وجوب الوقوف إلى غروب الشمس وعدم جواز الإفاضة قبله فقد نقل
العلامة في المنتهى اتفاق أهل العلم عليه (6). ويناسبه حسنة معاوية بن عمار (7).

(1) القواعد 1: 417.
(2) النهاية 1: 518.
(3) المبسوط 1: 368، المهذب 1: 251.
(4) الشرائع 1: 253.
(5) جامع المقاصد 3: 222، المدارك 7: 393.
(6) المنتهى 2: 720 س 12 و 28.
(7) الوسائل 10: 29، الباب 11 من أبواب إحرام الحج، ح 1.
342

ورواية يونس بن يعقوب (1). لكن دلالتهما على الوجوب غير واضحة، إلا أن
تحصيل اليقين بالبراءة من التكليف الثابت يقتضيه.
والوقوف بعرفات ركن من تركه عمدا بطل حجه، لا أعرف خلافا فيه بين
الأصحاب، والركن ليس هو مجموع الوقوف من الزوال إلى غروب الشمس، بل
المسمى من الكون في هذا الزمان قائما أو جالسا أو راكبا أو ماشيا، والظاهر أنه
اتفاقي بينهم.
قال في المنتهى: ولو أفاض قبل الغروب عمدا فقد فعل حراما وجبره بدم
وصح حجه، وبه قال عامة أهل العلم إلا مالكا (2). ويجب فيه النية، واعتبر
الأصحاب أن يكون بعد الزوال مقارنا بالوقوف الواجب.
ولو أفاض قبل الغروب جاهلا أو ناسيا فلا شيء عليه وعامدا عليه بدنة على
الأقرب الأشهر، وقيل: شاة (3). ولو عجز صام ثمانية عشر يوما، وهل يجب المتابعة
في الصيام؟ فيه قولان أقربهما العدم.
ولو لم يتمكن من الوقوف بعرفات نهارا وقف ليلا، والواجب مسمى الكون
لا استيعاب الليل. ولوفاته الوقوف بالكلية جاهلا أو ناسيا أو مضطرا أجزأه المشعر.
ويستحب الوقوف في الميسرة في السفح، والمشهور استحباب الدعاء له
ولوالديه وللمؤمنين، وعن ابن البراج أنه عد من أقسام الواجب الذكر لله تعالى
والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) في الموقفين (4). ولا ريب في تأكد رجحان فعل الدعاء
والذكر والاستغفار في يوم عرفة. ويستحب أن يضرب خباه بنمرة ويسد الخلل
برحله وبنفسه.
والمشهور كراهة الوقوف في أعلى الجبل، وقيل بالتحريم إلا مع الضرورة (5).
والأول أقرب.

(1) الوسائل 10: 29، الباب 11 من أبواب إحرام الحج، ح 2.
(2) المنتهى 2: 720 س 28.
(3) المقنع: 86.
(4) المهذب 1: 254.
(5) المهذب 1: 246.
343

فإذا غربت الشمس بعرفة أفاض ليلة النحر إلى المشعر الحرام، ويستحب
الاقتصاد في سيره والدعاء عند الكثيب الأحمر.
ويستحب تأخير العشاءين إلى المشعر وإن ذهب ثلث الليل، ويستحب الجمع
بين الصلاتين بأذان واحد وإقامتين وتأخير نافلة المغرب إلى بعد العشاء.
ويجب في الوقوف بالمشعر النية والظاهر أنه لابد من النية بعد تحقق الفجر.
والمعروف المصرح به في كلام جماعة من الأصحاب أن الواجب الوقوف من
حين تحقق طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وبعض عباراتهم يدل إما بظاهره أو
بصريحه على عدم وجوب الاستيعاب. ودليل وجوب الاستيعاب غير واضح،
لكنه أحوط.
وصرح بعض الأصحاب بوجوب المبيت بالمشعر (1). وهو ظاهر الأكثر،
واليقين بالبراءة من التكليف الثابت يقتضيه.
والمشهور أن من أفاض قبل الفجر عامدا بعد أن كان به ليلا فعليه شاة ولا
يبطل حجه إن كان وقف بعرفة، وقال ابن إدريس: إن من أفاض قبل طلوع الفجر
عامدا مختارا بطل حجه (2). والأقرب عدم بطلان الحج. ويجوز للمرأة والخائف
الإفاضة قبل طلوع الفجر ولا شيء عليهما. ولا يجزي الوقوف بغير المشعر، وحده
ما بين المأزمين إلى الحياض وإلى وادي محسر. ويستحب وطء الصرورة المشعر
برجله والإقامة بمنى أيام التشريق لمن فاته الحج ثم يتحلل بعمرة مفردة.
تذنيب:
وقت الاختيار لعرفة من زوال الشمس يوم عرفة إلى غروبها، من تركه
بالكلية عامدا فسد حجه، وللمضطر إلى طلوع الفجر، ومن لم يصل إلى وقت فاته
الوقوف الاختياري وقف ولو إلى الفجر إذا عرف إدراك المشعر.
ووقت الاختيار للمشعر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس والمعروف بينهم

(1) المدارك 7: 423.
(2) السرائر 1: 589.
344

أن وقت المضطر إلى الزوال، ويدل عليه أخبار (1).
ويدرك الحج بادراك اختياري المشعر بلا خلاف أعرفه منهم، ويدل عليه
الأخبار (2). وكذا إذا أدرك اختياري عرفة مع اضطراري مشعر يصح حجه،
والمعروف بين الأصحاب إدراك الحج بإدراك اختياري عرفة خاصة. واستشكله
العلامة في التحرير والتذكرة (3).
والظاهر عندي أنه إذا أدرك اختياري عرفة ثم أتى المشعر ليلا وجاوزه ولم
يقف فيه إلى طلوع الفجر صح وإلا بطل. ولو أدرك الاضطراريين أدرك الحج على
الأقرب. ولو أدرك اضطراري عرفة حسب فلا أعرف خلافا في أنه فاته الحج، وأما
إذا أدرك اضطراري المشعر خاصة فذهب الأكثر إلى أنه فاته الحج، وعن جماعة
منهم المرتضى وابن بابويه أنه يصح حجه (4). واختاره الشهيد الثاني وصاحب
المدارك (5). والأخبار في هذا الباب مختلفة جدا. ولعل الترجيح للقول المشهور.
ويسقط بقية أفعال الحج عمن فاته الحج بعدم إدراكه من الوقوفين ما يكفي
في صحة الحج ويتحلل بعمرة مفردة، ونقل عن العلامة في المنتهى أن معنى تحلله
بالعمرة أنه ينقل إحرامه بالنية من الحج إلى العمرة المفردة (6). وعن ظاهر بعضهم
أنه ينقلب الإحرام إليها بمجرد الفوات من غير حاجة إلى النية (7). وهو ظاهر
أخبار متعددة (8). ويجب عليه قضاء الحج بعد التحلل بالعمرة إذا كان الحج واجبا
عليه مستقرا، ولا يجب عليه القضاء إذا كان حجه مندوبا.
تتمة: يستحب التقاط الحصى من جمع، ويجوز من سائر الحرم إلا
المساجد، ففيها خلاف، ويجب أن يكون أحجارا على المشهور بينهم، والأجود
اعتبار كونه حصاة، فلا يجزي الرمي بالكبيرة التي لا تسمى حصاة، وكذا الصغيرة

(1) و (2) انظر الوسائل 10: 45 و 57 و 55، الباب 11 و 23 و 22 من أبواب الوقوف بالمشعر.
(3) التذكرة 8: 208، التحرير 1: 103 س 2.
(4) الانتصار: 90، علل الشرائع: 451.
(5) المسالك 2: 277، المدارك 7: 407.
(6) المنتهى 2: 854 س 10.
(7) القواعد 1: 437.
(8) الوسائل 10: 65، الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر.
345

التي لا يصدق عليها الاسم. ويجب أن يكون من الحرم، وفي طهارة الحصى
قولان، أقربهما العدم، ويعتبر كونها أبكارا بمعنى أنه لم يرم بها قبل ذلك، ويستحب
أن يكون برشا يعني مختلفة الألوان، وأن يكون رخوة منقطة كحلية بقدر الأنملة
ملتقطة غير مكسرة.
والمشهور أنه يستحب الإفاضة من المشعر إلى منى قبل طلوع الشمس لغير
الإمام، وفيه خلاف لجماعة من الأصحاب فمنعوا من الإفاضة قبل طلوع
الشمس (1) والأحوط الوقوف حتى تطلع الشمس، والأولى أن لا يجوز وادي
محسر إلا بعد طلوعها، فعند بعضهم على سبيل الوجوب (2). وعند بعضهم على
سبيل الاستحباب (3). ويستحب السعي في وادي محسر داعيا. ولو ترك السعي في
وادي محسر يرجع فسعى استحبابا.
المقصد الخامس في مناسك منى
ومباحثه ثلاثة:
الأول: في الرمي، يجب يوم النحر رمي جمرة العقبة على الأشهر الأقرب
بسبع حصياة مع النية، ويجب أن يكون الإصابة بفعله، فلا يجزي لو وقعت بواسطة
غيره من حيوان وغيره، ولا يجزي إذا أصابت الجمرة بما لا يسمى رميا، ولا مع
الشك في وصولها.
ويستحب الطهارة في حال الرمي على الأشهر الأقرب، وقيل بالوجوب (4).
والدعاء عند كل حصاة، والتباعد بعشرة أذرع إلى خمسة عشر والرمي خذفا على
الأشهر الأقرب، وقيل بالوجوب (5).
واختلف كلام الأصحاب في كيفية الخذف، فعن جماعة منهم الشيخان أنه

(1) المقنعة: 417، الصدوق في الفقيه 2: 546، ونقله عن والده في المختلف 4: 243.
(2) المهذب 1: 254.
(3) المختلف 4: 256.
(4) المقنعة: 417.
(5) السرائر 1: 590.
346

وضع الحصاة على ظهر إبهام يده اليمنى ودفعها بظفر السبابة (1). وعن ابن البراج:
ويأخذ الحصاة فيضعها على باطن إبهامه ويدفعها بالمسبحة قال: وقيل: يضعها
على ظهر إبهامه ويدفعها بالمسبحة (2). وقال المرتضى: الخذف هو وضع الحصاة
على إبهام يده اليمنى ودفعها بظفر إصبعه الوسطى (3). والرواية محتملة لكل من
التفسيرين الأولين، ومأخذ تفسير السيد غير معلوم، وتفسير أهل اللغة غير هذه
التفاسير الثلاثة. قالوا: ويستحب استقبالها مستدبر القبلة.
الثاني: في الذبح. ويجب ذبح الهدي أو نحره على المتمتع، والأقرب وجوب
الهدي على المتمتع وإن كان مكيا، ويتخير المولى بين الذبح عن عبده المأذون في
حج التمتع وبين أمره بالصوم، فإن أدرك المشعر معتقا تعين عليه الهدي مع القدرة
على الأشهر الأقرب.
ويجب فيه النية منه أو من الذابح. ويجب ذبحه يوم النحر، وفي وجوب كون
الذبح قبل الحلق أو استحبابه قولان، ولعل الترجيح للثاني. والشيخ اكتفى في عدة
من كتبه في جواز الحلق بحصول الهدي في رحله (4). وهو غير بعيد. ولو خالف
الترتيب أثم على القول بوجوبه ولا إعادة عندهم.
ويجب ذبحه بمنى، والمشهور وجوب الوحدة، فلا يجزي الواحد عن اثنين
مطلقا، وذهب جماعة إلى إجزاء الواحد عن الكثير عند الضرورة (5). وعن المفيد:
يجزي البقرة عن خمسة إذا كانوا أهل بيت (6). وعن سلار: يجزي بقرة عن خمسة
نفر (7). والأخبار في هذا الباب مختلفة (8). ولعل الأقرب في الجمع حمل أخبار
الترخيص على حال الضرورة وتخصيص أخبار المنع بحال الاختيار، لكن لابد

(1) المقنعة: 417، المبسوط 1: 369، التذكرة 8: 225.
(2) المهذب 1: 255.
(3) الانتصار: 105.
(4) التهذيب 5: 235، النهاية 1: 531، المبسوط 1: 374.
(5) المبسوط 1: 372، المهذب 1: 257، المختلف 4: 279.
(6) المقنعة: 418.
(7) المراسم: 114.
(8) الوسائل 10: 113، الباب 18 من أبواب الذبح.
347

من قصر التشريك على البقرة والبدنة، لعدم دليل يعتد به على الجواز في الشاة.
ويجزي المندوب عن سبعة وعن سبعين من أهل الخوان الواحد، والمراد
بالمندوب الهدي المندوب وهو الاضحية، والمبعوث من الآفاق، والمتبرع بسياقه إذا
لم يتعين بالإشعار أو التقليد وليس المراد الهدي في الحج المندوب، والخوان كغراب
وكتاب ما يؤكل عليه الطعام. والظاهر أن المراد بكونهم أهل خوان واحد كونهم
رفقة مختلطين. وقيل: إن ذلك كناية عن كونهم أهل بيت واحد (1). والأول أقرب.
ولا يباع ثياب التجمل فيه. والمشهور أنه لا يجوز إخراج شيء منه من منى،
ومستندهم في ذلك أخبار في دلالتها على مدعاهم تأمل.
ويجب أن يكون الهدي من النعم الثلاث: الإبل والبقر والغنم، ولا أعلم خلافا
بين الأصحاب في أنه لا يجزي عن غير الضأن إلا الثني، أما الضأن فيجزي عنه
الجذع. والمشهور بين الأصحاب أن الثني من الإبل ما كمل له خمس سنين ودخل
في السادسة، ومن البقر والغنم ما دخل في الثانية. وقيل: ذكر الشيخ أن الثني من
البقر والمعز ما دخل في الثالثة (2).
وفي كتاب الزكاة من المنتهى والتحرير في المعز أنه إذا دخلت في الثالثة فهي
ثنية والذكر ثني، وأسنده إلى الشيخ (3). وأما الجذع من الضأن ففي التذكرة
والمنتهى أنه ما كمل له ستة أشهر (4). وفي الدروس: ما كمل له سبعة أشهر (5). وفي
موضع من المنتهى: إذا بلغت سبعة أشهر فهو جذع إن كان بين شابين، وإن كان بين
هرمين فلا يقال جذع حتى تكمل ثمانية، وأسنده إلى الشيخ (6). ونقله في التذكرة
عن ابن الأعرابي (7).

(1) لم نعثر عليه نسبه في المدارك أيضا إلى القيل 8: 22.
(2) حكاه في جامع المقاصد 3: 240.
(3) المنتهى 1: 491 س 1، التحرير 1: 61 س 35.
(4) التذكرة 8: 259، المنتهى 2: 740 س 15.
(5) الدروس 1: 235.
(6) المنتهى 1: 491 س 4.
(7) التذكرة 5: 107.
348

والمشهور في كلام أهل اللغة أن ولد الضأن في أول السنة حمل، ثم يكون في
السنة الثانية جذعا، ثم يكون في السنة الثالثة ثنيا، والمعز في أول السنة جدي،
وفيما بعدها كولد الضأن، وينبغي أن لا يترك الاحتياط في هذا المقام.
ويجب أن يكون الهدي تاما، والمستفاد من صحيحة علي بن جعفر (1) أن
مطلق النقص قادح، ولم أجد تصريحا منهم بذلك، بل بخلافه. ولا يجزي العوراء
ولا العرجاء البين، وأضاف إليهما في المنتهى المريضة البين مرضها والكبيرة التي
لا تنقى، ونقل في رواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): أربع لا يجوز في الأضحى البين
عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين ضلعها والكبيرة التي لا تنقى (2).
وفي رواية اخرى عنه (صلى الله عليه وآله): لا يضحى بالعرجاء بين عرجها ولا بالعوراء بين
عورها ولا بالعجفاء ولا بالخرقاء ولا بالجذاء ولا بالعضاء (3). وفي المنتهى في
معنى قوله: البين عورها: أي التي انخسفت عينها وذهبت، وفي معنى العرجاء البين
عرجها التي عرجها متفاحش يمنعها السير مع الغنم ومشاركتهن في العلف والمرعى
فيهزل، قال: والتي لا تنقى هي التي لا مخ لها لهزالها، والمريضة قيل: هي الجرباء
لأن الجرب يفسد اللحم واستقرب اعتبار كل مرض يؤثر في فساد اللحم والهزال (4).
وعن علي (عليه السلام) قال: أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الأضاحي أن نستشرف العين
والاذن، ونهانا عن الخرقاء والشرقاء والمقابلة والمدابرة (5).
وفسرت الخرقاء بالتي في اذنها خرق مستدير، والشرقاء بأنها المشقوقة
الاذنين بأثنتين، والمقابلة بأنها المقطوعة طرف الاذن ويترك معلقا، والمدابرة
بأنها المقطوعة مؤخر الاذن كذلك، والغضباء بأنها الناقة المشقوقة الاذن والشاة

(1) الوسائل 10: 122، الباب 24 من أبواب الذبح، ح 2.
(2) المنتهى 2: 740 س 27.
(3) الوسائل 10: 119، الباب 21 من أبواب الذبح، ح 3.
(4) المنتهى 2: 74 س 29.
(5) الوسائل 10: 119، الباب 21 من أبواب الذبح، ح 2.
349

المكسورة القرن الداخل والجذاء بأنها المقطوعة الاذن.
والمعروف بينهم أنه لا يجزي التي انكسر قرنها الداخل وهو الأبيض الذي
في وسط الخارج، وإن كان القرن الداخل صحيحا لا بأس بالتضحية به وإن كان
القرن الظاهر الخارج مقطوعا. وفيه إشكال نظرا إلى صحيحة علي بن جعفر (1) فإن
فيها المنع من الناقص مطلقا ولا يجزي المقطوع الاذن.
وذكر جماعة منهم أنه يجزي الجماء وهي التي لم يخلق بها قرن، والصمعاء
وهي التي ليس لها اذن خلقة (2). واستقرب في المنتهى إجزاء البتراء أيضا وهي
المقطوعة الذنب (3). والكل لا يصفو عن إشكال.
واختلف الأصحاب في حكم الخصي فالأقرب الأشهر عدم الإجزاء، وقيل
بالكراهة (4). ولو لم يجد إلا الخصي فالأظهر إجزاؤه. ولا يجزي المهزول، وفسر
بالذي ليس على كليتيه شحم، ومستند التفسير رواية غير نقي السند (5) فيشكل
إثبات الحكم الشرعي بمثله ولو قيل بالرجوع إلى العرف في حد الهزال كان
حسنا.
ولو لم يجد إلا فاقد الشرائط فقيل بالإجزاء (6). واستقرب بعضهم الانتقال إلى
الصوم (7). ولعل الترجيح للأول.
ولو اشتراها سمينة فخرجت مهزولة بعد الذبح فالأكثر على الإجزاء. وحكي
عن بعض الأصحاب عدم الإجزاء (8). وإن اشتراها مهزولة فخرجت سمينة بعد
الذبح فالأكثر على الإجزاء، وحكي عن ابن أبي عقيل القول بعدم الإجزاء (9). ولو
ظنه سمينا فظهر الهزال قبل الذبح ففي الإجزاء قولان.

(1) الوسائل 10: 122، الباب 24 من أبواب الذبح، ح 2.
(2) الخلاف 6: 44، المسألة 5، التحرير 1: 105 س 13، الدروس 1: 437.
(3) المنتهى 2: 741 س 29.
(4) نقله عن ابن أبي عقيل في المختلف 4: 282.
(5) الوسائل 10: 110، الباب 16 من أبواب الذبح، ح 3.
(6) الدروس 1: 438.
(7) جامع المقاصد 3: 241.
(8) الشرائع 1: 261.
(9) نقله في المختلف 4: 283.
350

ولو اشتراها على أنه تام فظهر ناقصا فالمشهور أنه لا يجزي، وقال الشيخ: إن
من اشترى هديا ولم يعلم أن به عيبا ونقد ثمنه ثم وجد به عيبا فإنه يجزي عنه (1).
ولو اشتراها على أنه ناقصة فبانت تامة قبل الذبح أجزأ، ولو كان بعد الذبح ففي
الإجزاء وعدمه إشكال.
ويستحب أن يمشي في سواد وينظر في سواد والمذكور في كلامهم ويبرك في
سواد أيضا. ويقال: إنه موجود في بعض الروايات.
واختلف الأصحاب في تفسير هذا فقال بعضهم: إن المراد بذلك كون هذه
المواضع سوادا، واختاره ابن إدريس (2). وقيل: معناه أن يكون من عظمه ينظر في
شحمه ويمشي في فيئه ويبرك في ظل شحمه (3). وقيل: معناه أن يكون رعى ومشى
وبرك في الخضرة (4). فالسواد هو المرعى والنبت وحكى في الدروس عن القطب
الراوندي أن المعاني الثلاثة منقول عن أهل البيت (5).
والمشهور أنه يستحب أن يكون معرفا، وظاهر المفيد الوجوب (6). ويستفاد
من صحيحة سعيد جواز الاكتفاء في ذلك بقول البائع (7). وبه صرح بعضهم (8).
ويستحب أن يكون الهدي إناثا من الإبل والبقر، ذكرانا من الضأن والمعز.
ونحرها قائمة مربوطة بين الخف والركبة. ويختص الإبل بالنحر، فلا يجوز ذبحها،
والبقر والغنم بالذبح، فلا يجوز نحرها والتذكية إنما يكون بقطع الأعضاء الأربعة:
الحلقوم وهو مجرى النفس، والمريء وهو مجرى الطعام والشراب، والودجان
وهما عرقان محيطان بالحلقوم.
ويستحب طعن الإبل من الجانب الأيمن، ومعناه أن الذي ينحرها يقف في

(1) التهذيب 5: 214.
(2) السرائر 1: 596.
(3) نقله عن أهل التأويل في السرائر 1: 596 - 597.
(4) نقله في الدروس 1: 439.
(5) الدروس 1: 439.
(6) لم نعثر عليه في المقنعة نقله في التهذيب 5: 206.
(7) الوسائل 10: 112، الباب 17 من أبواب الذبح، ح 3.
(8) المدارك 8: 40.
351

جانبه الأيمن ويطعنها في موضع النحر.
ويستحب الدعاء والمباشرة مع المعرفة بالذبح أو النحر على المشهور
ولا يجب.
واختلف الأصحاب في كيفية القسمة وكذا الروايات، والأقرب عندي أن
الواجب مسمى الأكل وإعطاء شيء إلى الفقير وشئ إلى القانع وشئ إلى المعتر
الذي يتعرض للإعطاء ولا يسأل.
وتثليث القسمة مستحب على ما ورد في الروايات. ففي صحيحة سيف
التمار: أطعم أهلك ثلثا، وأطعم القانع والمعتر ثلثا، وأطعم المساكين ثلثا. فقلت:
المساكين هم السؤال؟ فقال: نعم، وقال: القانع الذي يقنع بما أرسلت إليه من
البضعة فما فوقها، والمعتر ينبغي له أكثر من ذلك هو أغنى من القانع يعتريك فلا
يسألك (1).
وفي موثقة شعيب: كل ثلثا واهد ثلثا وتصدق بثلث (2).
وفي رواية أبي الصباح الكناني: كان علي بن الحسين وأبو جعفر (عليهما السلام)
يتصدقان بثلث على جيرانهما وثلث على السؤال وثلث يمسكانه لأهل البيت (3).
والظاهر أنه مخير في التقسيم على الوجه الذي ورد في الروايات الثلاثة.
واعتبار السؤال والتكفف في الفقير حسن. والمستفاد من أكثر الأخبار أن المراد
في الآية من القانع الراضي بما يعطى. والأحوط اعتبار الإيمان في المستحق،
وفي تعينه إشكال.
ولو فقد الهدي ووجد الثمن خلفه عند من يثق به ليذبح عنه طول ذي الحجة،
فإن تعذر فمن القابل فيه على الأشهر الأقرب، وقيل: الواجب عليه إذا فقد الهدي
الصوم سواء وجد الثمن أم لا (4). وقيل غير ذلك.

(1) الوسائل 10: 142، الباب 40 من أبواب الذبح، ح 3.
(2) الوسائل 10: 146، الباب 40 من أبواب الذبح، ح 18.
(3) الوسائل 10: 144، الباب 40 من أبواب الذبح، ح 13.
(4) السرائر 1: 591 - 592.
352

ولو عجز عن الهدي وثمنه صام عشرة أيام، ثلاثة أيام في الحج متتابعات،
ويستحب أن يكون يوم عرفة ويومين قبله، ويجوز تأخيرها فيصوم طول ذي
الحجة. فإن خرج ذو الحجة ولم يصمها تعين الهدي على المشهور، وقيل غير ذلك.
والأخبار في هذا الباب مختلفة (1).
واختلف الأصحاب فيما لو وجد الهدي بعد صوم الثلاثة، فذهب الأكثر إلى
عدم وجوب الهدي عليه، واستقرب العلامة في القواعد وجوب الهدي إذا وجد في
وقت الذبح (2). وإن وجد الهدي بعد الشروع في الثلاثة قبل إتمامها ففي وجوب
الهدي أو إتمام الصيام خلاف بين الأصحاب، ونسب إلى الأكثر أنه يجب عليه
حينئذ الهدي.
وعن ابن إدريس والعلامة في جملة من كتبه سقوط الهدي بمجرد التلبس
بالصيام (3). والمسألة لا تخلو عن إشكال، ولقول ابن إدريس رجحان.
ويصوم سبعة إذا رجع إلى أهله والمشهور أنه لا يشترط الموالاة في السبعة،
وقيل بوجوب الموالاة (4).
فإن أقام بمكة انتظر وصول أصحابه إلى بلده أو مضي شهر إن كان مدة وصول
أصحابه إلى البلد أكثر من شهر. وذكر غير واحد من المتأخرين أن مبدأ الشهر بعد
انقضاء أيام التشريق (5). وهو غير واضح، بل يحتمل الاحتساب من يوم يدخل
مكة، أو يوم يعزم على الإقامة.
والمعروف من مذهب الأصحاب استحباب الاضحية، ونقل عن ابن الجنيد
القول بالوجوب (6). وأيامها ثلاثة أولها النحر بالأمصار، وأربعة بمنى أولها يوم
النحر، ويجزي الهدي الواجب عنها. ويستحب أن يكون الاضحية بما يشتريه لا

(1) الوسائل 10: 159، الباب 47 من أبواب الذبح.
(2) القواعد 1: 440.
(3) السرائر 1: 594، التذكرة 8: 278، المنتهى 2: 747 س 10.
(4) الكافي في الفقه: 188.
(5) المسالك 2: 306، المدارك 8: 59.
(6) نقله في المختلف 4: 291.
353

بما يربيه. ولو فقدها تصدق بثمنها، فإن اختلف ثمنها تصدق بالأوسط بمعنى أنه
يجمع الأعلى والأوسط والأدون ويتصدق بثلث الجميع.
ويكره التضحية بما يربيه. ويكره أخذ الجلود وإعطاؤها الجزار. وصحيحة
معاوية بن عمار تدل على الانتفاع بالإهاب بأن يجعل مصلى ينتفع به في البيت (1).
وذكر بعض الأصحاب أنه يستحب أن يأكل من الاضحية ويهدي ثلثا ويتصدق
بثلث (2). ولم أطلع على نص يتضمن ذلك. ويجوز أن يأكل أكثرها ويتصدق بالأقل
على ما صرح به العلامة في المنتهى (3).
الثالث: في الحلق، المشهور بين الأصحاب أن الحلق أو التقصير نسك واجب،
ونقل عن الشيخ في التبيان أنه مستحب (4). والمشهور وجوب الحلق أو التقصير
بمنى يوم النحر، ونقل عن أبي الصلاح أنه جوز تأخير الحلق إلى آخر أيام
التشريق لكن لا يزور البيت قبله (5). واستحسنه العلامة في المنتهى والتذكرة (6). وهو
غير بعيد. والأفضل الحلق، وقيل بوجوبه على الملبد والصرورة (7). وهو أحوط.
ويتعين التقصير على النساء، وظاهر الأكثر أنه يكفي المسمى، وفي بعض
عبارات الأصحاب: ولو مثل الأنملة (8) كما في الرواية (9) وهو مشعر بأن ذلك أقل
الواجب، وقيل: إنه كناية عن المسمى (10). وعن ظاهر ابن الجنيد أنه لا يجزئها في
التقصير ما دون القبضة (11) ومأخذه غير معلوم، والمعروف بينهم وجوب تقديمه على
طواف الزيارة. وظاهر الأكثر عدم وجوب إعادة الطواف مع تقديمه على الحلق.

(1) الوسائل 10: 152، الباب 43 من أبواب الذبح، ح 5.
(2) الشرائع 1: 263.
(3) المنتهى 2: 759 س 23.
(4) التبيان: ذيل الآية 196 من سورة البقرة.
(5) نقله عنه العلامة في المنتهى 2: 765 س 15، الكافي في الفقه: 201.
(6) المنتهى 2: 765 س 16، التذكرة 8: 342.
(7) الشرائع 1: 264.
(8) الشرائع 1: 264.
(9) الوسائل 9: 541، الباب 3 من أبواب التقصير، ح 3.
(10) المسالك 2: 321.
(11) نقله عنه في المختلف 4: 294.
354

ولو قدم الطواف على الحلق أو التقصير فإن كان عالما بالحكم فقد قطع
الأصحاب بأنه يجب عليه دم شاة، ونسبه في الدروس إلى الشيخ وأتباعه، قال:
وظاهرهم أنه لا يعيد الطواف (1). وكذا ظاهر الصدوق (2). والشهيد الثاني نقل
الإجماع على وجوب إعادة الطواف على العامد (3).
وإن كان تقديم الطواف ناسيا فالمعروف من مذهبهم أن عليه الإعادة خاصة،
ويظهر من كلام المحقق أنه فيه خلافا (4). ومستند الإعادة رواية صحيحة (5)
معارضة بمثلها، بل أقوى منها (6).
واختلف الأصحاب في الجاهل، فقيل: إنه كالناسي في وجوب الإعادة ونفي
الكفارة وبه قطع الشهيد الثاني (7). ونقل عن ظاهر الصدوق نفي وجوب الإعادة
أيضا (8) وقطع الشهيد في الدروس بالإجزاء لو قدم الطواف على الرمي أو على
جميع مناسك منى مع الجهل (9). ولعل الترجيح للأخير والأول أحوط.
وفي وجوب إعادة السعي مع الطواف حيث يجب إعادته قولان أحوطهما
الوجوب. ولو قدم الطواف على الذبح أو على الرمي ففي إلحاقه بتقديمه على
التقصير وجهان.
ولو رحل من منى قبل الحلق رجع فحلق بها، فإن عجز حلق أو قصر مكانه
وجوبا عندهم. واختلفوا في بعث الشعر إلى منى، فقيل: إنه واجب (10) وقيل: إنه
مستحب (11). واختلفوا في دفن الشعر بمنى، فالأشهر الأقرب استحبابه.
ويسقط الحلق عمن ليس على رأسه شعر، واختلفوا في أن إمرار الموسى

(1) الدروس 1: 454.
(2) المقنع: 89.
(3) المسالك 2: 322.
(4) الشرائع 1: 265.
(5) الوسائل 10: 182، الباب 4 من أبواب الحلق والتقصير، ح 1.
(6) الوسائل 10: 140، الباب 39 من أبواب الذبح، ح 4.
(7) المسالك 2: 322.
(8) نقله في المختلف 4، 294.
(9) الدروس 1: 455.
(10) انظر النهاية 1: 533.
(11) المختصر النافع: 92.
355

على رأسه واجب أو مستحب.
والأقرب عندي أنه يحل للقارن والمفرد كل شيء بالحلق إلا النساء، وأما
المتمتع فالأقرب أنه يحل له ما عدا الطيب والنساء بالحلق، فإذا طاف للزيارة حل
الطيب، والمعروف بينهم بقاء حرمة الطيب إلى وقت طواف الزيارة، لا أعرف
خلافا فيه بينهم. والأخبار متعارضة في هذا الباب (1). وتبقى حرمة النساء إلى أن
يطوف للنساء، فإذا طاف طواف النساء حللن له، والظاهر أن التحليل عقيب
الحلق إنما يحصل إذا كان الحلق بعد الرمي والذبح، فلو حلق أولا فالظاهر توقف
التحليل على فعل الباقي.
وليس في كثير من عباراتهم أن تحلل الصيد بماذا يقع؟ وظاهر العلامة في
المنتهى أنه يقع التحلل بطواف النساء (2). وأسنده في الدروس إلى العلامة وأنه
مذهب علمائنا (3).
والمستفاد من كلام جماعة من علمائنا أن التحلل الثاني إنما يقع بطواف
الزيارة (4). والأقرب أنه يحصل بالسعي، ويستفاد من بعض الأخبار توقفه على
ركعتي الطواف أيضا (5). ويستفاد من الخبر المذكور توقف التحليل الأخير على
ركعتي طواف النساء.
والذي يظهر من الأخبار حصول التحلل من الطيب بالطواف والسعي
المتأخرين عن الوقوفين ومناسك منى إجراء لها على الترتيب الشرعي الواقع
غالبا، وأما مع التقديم كما في القارن والمفرد مطلقا والمتمتع مع الاضطرار، ففي
حصول التحلل به أو توقفه على الحلق المتأخر عن باقي المناسك قولان، وكذا
الكلام في حصول التحلل بطواف النساء إذا قدمه.

(1) الوسائل 10: 102، الباب 13 من أبواب الحلق والتقصير.
(2) المنتهى 2: 766 س 27.
(3) الدروس 1: 456.
(4) النهاية 1: 533، الوسيلة: 187، الشرائع 1: 265.
(5) الوسائل 10: 205، الباب 4 من أبواب الزيارة، ح 1.
356

والأقرب كراهية المخيط وتغطية الرأس حتى يفرغ من طواف الزيارة
والسعي. ويكره الطيب قبل طواف النساء.
وإذا فرغ المتمتع من أداء المناسك بمنى وجب عليه الرجوع إلى مكة لطواف
الحج وركعتيه، والسعي بين الصفا والمروة، وطواف النساء وركعتيه، والأفضل
إيقاع ذلك يوم النحر بعد أداء المناسك بمنى فإن تعذر فمن غده.
واختلف الأصحاب في جواز التأخير من الغد، فالمشهور بينهم عدم الجواز
وقال ابن إدريس: يجوز تأخيره طول ذي الحجة (1). وهو الظاهر من كلام
الشيخ (2). واختاره العلامة في المختلف (3). ونسب إلى سائر المتأخرين (4) والأقرب
جواز تأخيره إلى النفر الثاني، والقول بجواز تأخيره طول ذي الحجة غير بعيد،
ويجوز للمفرد والقارن التأخير طول ذي الحجة. ويستحب لمن يمضي إلى مكة
للطواف والسعي الغسل وتقليم الأظفار وأخذ الشارب.
تذنيب في باقي المناسك:
إذا فرغ من الطوافين والسعي رجع إلى منى فبات بها ليالي التشريق، وهي:
الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، وأسنده في المنتهى إلى علمائنا أجمع (5).
ونقل عن الشيخ في التبيان قول باستحباب المبيت (6).
وذكر بعض الأصحاب أنه يجب في البيتوتة بمنى النية مقارنة لأول الليل بعد
تحقق الغروب، وقصد الفعل وهو المبيت تلك الليلة، وتعيين الحج، والوجه،
والقربة، والاستدامة الحكمية (7).
ويجوز النفر في اليوم الثاني عشر بعد الزوال، والمشهور بين الأصحاب أنه

(1) السرائر 1: 602.
(2) الاستبصار 2: 295.
(3) المختلف 4: 303.
(4) المدارك 8: 110.
(5) المنتهى 2: 769 س 25.
(6) التبيان ذيل الآية 196 من سورة البقرة.
(7) المسالك 2: 364.
357

يشترط في جواز النفر في اليوم الثاني عشر اتقاء الصيد والنساء في إحرامه.
والمشهور بينهم أنه يكفي في جواز النفر الأول اتقاء الصيد والنساء في إحرامه
حسب. وظاهر كلام الطبرسي أن المعتبر اتقاء الصيد إلى انقضاء النفر الأخير (1).
والمشهور أنه لا يعتبر الاتقاء عما يوجب الكفارة سوى النساء والصيد، وقال ابن
إدريس: إن من عليه كفارة لا يجوز له أن ينفر في النفر الأول (2).
ولا أعرف خلافا بين الأصحاب في أن من بقي في منى إلى غروب الشمس
وجب عليه أن يبيت بها. ويجوز في النفر الثاني المضي إلى مكة قبل الزوال.
وأشهر الأقوال بين الأصحاب أن من بات بغير منى يلزمه الكفارة عن كل ليلة إلا
أن يبيت بمكة مشتغلا بالعبادة على الأشهر الأقرب. ويجوز أن يخرج من منى بعد
نصف الليل على الأشهر الأقرب.
ويجب أن يرمي كل يوم من أيام التشريق كل جمرة من الثلاث على المشهور
بين الأصحاب، وقيل بالاستحباب (3). والمسألة عندي محل تردد.
والرمي بسبع حصيات يبدأ بالاولى ثم بالوسطى ثم بجمرة العقبة، ولو نكس أعاد
الوسطى وجمرة العقبة. وإذا أخل ببعض الرميات فإن أتى على المتقدمة بأربع رميات
حصل الترتيب فيأتي بما بقي ولا يجب عليه الإعادة، بخلاف ما إذا لم يأت بأربع.
وفي وقت الرمي خلاف، والأقرب عندي أن وقت الإجزاء يمتد من طلوع
الشمس إلى غروبها كما هو المشهور، وأن وقت الفضيلة عند الزوال، ولو نفر في
الأول يسقط عنه الرمي في الثالث. ولو نسي رمي يوم قضاه من الغد وقطعوا بأنه
يجب البدأة بالفائت.
ويستحب الإقامة بمنى أيام التشريق. ويستحب رمي الاولى عن يمين الرامي
واقفا داعيا، وكذا الثانية والثالثة مستدبرا للقبلة مقابلا لها، ولا يقف عند الثالثة.

(1) مجمع البيان: ذيل الآية 203 من سورة البقرة.
(2) السرائر 1: 605.
(3) الجمل والعقود: 145.
358

ويستحب التكبير بمنى على الأشهر، وقيل بالوجوب (1) وصورته المشهورة:
الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر على ما هدانا والحمد لله
على ما أبلانا ورزقنا من بهيمة الأنعام. وفي صحيحة منصور «الله أكبر الله أكبر، لا
إله إلا الله والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما
رزقنا من بهيمة الأنعام» (2) وفي حسنة معاوية بن عمار: الله أكبر الله أكبر الله أكبر،
لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما
رزقنا من بهيمة الأنعام، والحمد لله على ما أبلانا (3) والأولى العمل بما تضمنته
إحدى الروايتين المذكورتين، وهذا التكبير عقيب خمس عشر صلوات أولها ظهر
العيد إذا لم يتعجل في يومين.
ويستحب للمقيم بمنى أن يوقع صلواته كلها في مسجد الخيف، وأفضله في
مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو من المنارة إلى نحو من ثلاثين ذراعا إلى جهة القبلة
وعن يمينها ويسارها وخلفها كذلك. وبعد الفراغ من المناسك يمضي حيث شاء.
ولو بقي عليه شيء من المناسك بمكة عاد إليها واجبا وإلا مستحبا بعد صلاة ست
ركعات بمسجد الخيف.
ويستحب طواف الوداع ودخول الكعبة خصوصا للصرورة والصلاة بين
الأسطوانتين على الرخامة الحمراء ركعتين بالحمد و «حم السجدة» وفي الثانية
بعددها من الآيات، وفي الزوايا، والدعاء، واستلام الأركان خصوصا اليماني
والمستجار، والشرب من زمزم، والدعاء خارجا، ويستحب السجود مستقبل
القبلة داعيا. ويستحب شراء التمر بدرهم يتصدق به. ويستحب العزم على العود.
ويستحب النزول بالمعرس على طريق المدينة وصلاة ركعتين به. والحائض تودع
من باب المسجد.

(1) لم نعثر على قائله، نقله في المختلف 4: 315.
(2) الوسائل 5: 124، الباب 21 من أبواب صلاة العيد، ح 3.
(3) الوسائل 5: 124، الباب 21 من أبواب صلاة العيد، ح 4.
359

والمشهور كراهية المجاورة بمكة، واختلف الأخبار في هذا الباب (1) ويمكن
الجمع بين الأخبار باستحباب التحول عن مكة في أثناء السنة ثم الرجوع إليها.
وصحيحة الحلبي يقتضي كراهية المجاورة لمن لا يتحفظ عن الظلم والمعاصي (2).
وقد يجمع بين الأخبار بحمل ما دل على استحباب المجاورة على المجاورة
للعبادة، وما دل على النهي عنها على المجاورة للتجارة. ولا دليل عليه.
المقصد السادس في العمرة المفردة
يجب العمرة بشروط الحج في العمر مرة واحدة، والمتمتع عمرة تمتعه يجزي
عنها. وقد يجب بالنذر وشبهه والاستئجار والإفساد وفوات الحج.
ويجب فيها النية. وفي كلام بعضهم: يجب الإحرام من الميقات أو من خارج
الحرم (3). وخير في التذكرة والدروس بين الإحرام من أدنى الحل وأحد المواقيت
التي وقتها رسول الله (صلى الله عليه وآله) (4). وفي بعض عبارات الأصحاب أنه يحرم من أدنى
الحل (5). والمراد أقرب الحل إلى الحرم. وظاهر المنتهى أنه لا خلاف في جواز
الإحرام من أدنى الحل (6).
ويجب فيها الطواف وركعتاه، والسعي، والتقصير أو الحلق، وطواف النساء
وركعتاه على الأشهر.
وتصح العمرة في جميع أيام السنة وأفضلها رجب. ومن اعتمر عمرة مفردة لم
يجب عليه الإتيان بالحج على المشهور بينهم. وعن ابن البراج وإن اعتمر بعمرة
غير متمتع بها إلى الحج في شهور الحج ثم أقام بمكة إلى أن أدركه يوم التروية
فعليه أن يحرم بالحج ويخرج إلى منى ويفعل ما يفعله الحاج ويصير بذلك

(1) الوسائل 9: 340، الباب 15 و 16 من أبواب مقدمات الطواف.
(2) الوسائل 9: 340، الباب 16 من أبواب مقدمات الطواف، ح 1.
(3) انظر المدارك 7: 186 و 187.
(4) التذكرة 7: 294، الدروس 1: 338.
(5) الشرائع 1: 238 - 239.
(6) المنتهى 2: 668 س 14.
360

متمتعا (1). والأخبار في هذا الباب مختلفة (2).
ولو اعتمر متمتعا لم يجز الخروج حتى يأتي بالحج، فإن خرج من مكة بحيث
لا يفتقر إلى استئناف إحرام آخر بأن يخرج منها محرما ويرجع قبل شهر جاز
على الأشهر، ونقل عن جماعة من الأصحاب إطلاق القول بالمنع من الخروج (3)
وذهب ابن إدريس إلى الكراهة (4). ولو خرج فاستأنف عمرة تمتع بالأخيرة.
والأقوى جواز وقوعها في كل شهر، وفي أقل منه نظر. والحلق فيها أفضل من
التقصير، ويحل مع أحدهما من كل شيء عدا النساء فإذا طاف طوافهن حللن له
على المشهور، وعن الجعفي عدم وجوب طواف النساء في العمرة المفردة (5).
المقصد السابع في الحصر والصد
وفيه مسائل:
الاولى: الحصر والصد يشتركان في حصول أصل التحلل بهما في الجملة،
ويفترقان في أن المصدود يحل له بالمحلل كل ما حرم عليه بالإحرام حتى النساء،
دون المحصور، فإنه إنما يحل له بالمحلل ما عدا النساء، ويفترقان أيضا في مكان
ذبح هدي التحلل، فإن مكان ذبح هدي التحلل أو نحره للمصدود حيث يحصل
المانع، والمحصور يبعثه إلى منى إن كان في إحرام الحج أو مكة إن كان في إحرام
العمرة على المشهور بين الأصحاب، وفي إفادة الاشتراط تعجيل التحلل في
المحصور دون المصدود، لجوازه بدون الشرط.
الثانية: إذا تلبس الحاج أو المعتمر بالإحرام وجب عليه الإتمام، فإذا صده
المشركون أو غيرهم عن الوصول إلى مكة بعد إحرامه ولا طريق له سوى موضع

(1) المهذب 1: 272.
(2) الوسائل 8: 205، الباب 15 من أبواب أقسام الحج.
(3) نقله عنهم في الدروس 1: 336.
(4) السرائر 1: 633.
(5) الدروس 1: 329.
361

الصد، أو كان له طريق لا تفي نفقته لسلوكه تحلل.
الثالثة: لا أعلم خلافا بين الأصحاب في تحقق الصد في الحج بما يمنع من
الموقفين وكذا من أحدهما إذا كان مما يفوت بفواته الحج، وأما إذا كان الصد بعد
إدراك الموقفين فإن كان الصد عن نزول منى خاصة استناب في الرمي والذبح كما
في المريض، ثم حلق وتحلل وأتم باقي الأفعال، فإن لم يمكنه الاستنابة ففي
البقاء على إحرامه وجواز التحلل وجهان.
وكذا ينسحب الوجهان لو كان المنع من مكة ومنى. ولو كان المنع من مكة
خاصة بعد التحلل بمنى فاستقرب الشهيد في الدروس البقاء على إحرامه بالنسبة
إلى الطيب والنساء والصيد (1). ولا يتحقق الصد بالمنع من العود إلى منى لرمي
الجمار والمبيت بها عند الأصحاب.
الرابعة: يتحقق الصد في العمرة بالمنع من دخول مكة، والظاهر أنه يتحقق
بالمنع من أفعالها بعد دخول مكة.
الخامسة: المشهور بين الأصحاب توقف التحلل للمصدود على ذبح الهدي.
وقال ابن إدريس: يتحلل المصدود بغير هدي (2). وعن ابن الجنيد: من لم يكن عليه
ولا معه هدي أحل إذا صد ولم يكن عليه دم (3). والمسألة لا تخلو عن إشكال.
السادسة: اعتبر جماعة من الأصحاب نية التحلل بالهدي، وبه قطع في
المنتهى من غير نقل خلاف (4). وللأصحاب في توقف الحل على الحلق أو التقصير
بعد الذبح خلاف. واختلف الأصحاب في سقوط الهدي إذا شرط حله حيث حبسه.
السابعة: لو كان هناك طريق آخر يمكن سلوكه مع تيسر النفقة لم يتحلل.
الثامنة: الأقرب الأشهر أنه يكفي هدي السياق عن هدي التحلل، والأقرب
عدم وجوب بعث الهدي وجواز ذبحه في موضع الصد.
التاسعة: لو افتقر إلى بذل مال مقدور عليه فالأقرب الوجوب.

(1) الدروس 1: 480 - 481.
(2) السرائر 1: 641.
(3) نقله في المختلف 4: 347 و 348.
(4) المنتهى 2: 846 س 27.
362

العاشرة: لا أعلم خلافا بين الأصحاب في أن المحصور - وهو الممنوع
بالمرض - يتحلل بالهدي، والكلام في الاكتفاء بالهدي المسوق كما في المصدود.
واختلفوا في وجوب البعث وجواز ذبحه في موضع الحصر، فذهب الأكثر إلى
وجوب بعثه إلى منى إن كان حاجا، وإلى مكة إن كان معتمرا، ولا يحل حتى يبلغ
الهدي محله. والأقرب عندي جواز الذبح في موضع الحصر ثم يحل بالتقصير إلا
من النساء إلى أن يحج في القابل مع وجوبه أو يطاف عنه للنساء مع ندبه
على المعروف من مذهبهم، وأسنده في المنتهى إلى علمائنا (1). واستشكله
بعض المتأخرين (2).
النظر السادس (3)
في مسائل متفرقة
الاولى: الطواف للمجاور أفضل من الصلاة، وللمقيم بالعكس.
الثانية: اختلف الأصحاب في تحريم التقاط ما يوجد في الحرم على أقوال
ثلاثة:
الأول: التحريم.
الثاني: الكراهة.
الثالث: جواز التقاط القليل مطلقا والكثير على كراهية مع نية التعريف.
واختلفوا أيضا في حكم هذه اللقطة بعد الالتقاط فقيل: يتخير بين الصدقة
والحفظ (4). وقيل: يملك ما دون الدرهم دون الزائد وأنه مخير بين إبقائه أمانة أو

(1) المنتهى 2: 850 س 14.
(2) المدارك 8: 305.
(3) كذا في الأصل أيضا، والمناسب للتعداد «النظر الخامس»، تقدم «النظر الرابع» فيص 288.
(4) الشرائع 1: 277.
363

التصدق به ولا ضمان (1). وعن أبي الصلاح أنه جوز تملك الكثير أيضا (2).
والأحوط التصدق بها بعد التعريف.
الثالثة: حرم المدينة ما بين عاير ووعير لا يعضد شجره ويؤكل صيده إلا ما
صيد بين الحرمين، فيحرم أكله على الأشهر الأقرب.

(1) المدارك 8: 259.
(2) لم نعثر عليه في الكافي، حكاه عنه في المدارك 8: 259.
364

كتاب الجهاد
365

كتاب الجهاد
وفيه أركان (1):
الأول في وجوبه
وهو فرض على الكفاية إلا فيما يستثنى، لا أعرف في ذلك خلافا بين
أصحابنا، وحكي عن سعيد بن المسيب القول بوجوبه على الأعيان (2) وفروض
الكفايات كثيرة مذكورة في مواضع.
والفرض الكفائي: كل مهم ديني يتعلق غرض الشارع بحصوله ولا يكون عين
من يتولاه مقصودة، ومن ذلك: إقامة الحجج العلمية ودفع شبهات المقاومين للحق
في الاصول الدينية، وحل المشكلات المحتاج إليها، والصناعات المهمة التي بها
قوام المعاش.
وعد منها: دفع الضرر عن المؤمنين وإزالة فاقتهم كإطعام الجائع وستر العاري
وإغاثة المستغيثين في النائبات على ذوي اليسار مع قصور الصدقات الواجبة عن
الكفاية، وكالقضاء وتحمل الشهادة.
وعد منها: حفظ ما يتوقف عليه التفقه من المقدمات العلمية والحديث ومعرفة
الرجال، قيل: فيجب نسخ كتبه وتصحيحها وضبطها على المكلف وإن كان قاصرا
عن استعداد بلوغ درجة الاجتهاد (3). وقطع في التذكرة بأنه لا يكفي المفتي الواحد

(1) كذا، والكتاب مشتمل على ركنين.
(2) حكاه في الخلاف 5: 517، المسألة 1.
(3) المسالك 3: 9.
366

في البلد (1). ولعل المستند في معظم ما ذكر قوله تعالى: (تعاونوا على البر
والتقوى) (2) وقوله تعالى: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم) (3) مع تأييدهما في بعض
المواضع بوجوب حفظ النفس والدين، ولا يمكن حصول موجبهما إلا بالتعاون
والتشارك في الامور الموجبة لنظام المعاش والمعاد.
وربما يستدل على وجوب القضاء وتحمل الشهادة والتفقه والأمر بالمعروف
بقوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله) (4) الآية، وقوله تعالى: (إن الذين
يكتمون ما أنزلنا من البينات) (5) الآية، وقوله تعالى: (فلولا نفر من كل فرقة منهم
طائفة ليتفقهوا في الدين) (6) وقوله تعالى: (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) (7)
وقوله تعالى: (ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن
المنكر) (8) الآية.
ويشترط في وجوب الجهاد التكليف وكون المكلف حرا على الأشهر، ونقل
عن ابن الجنيد الخلاف فيه (9). ويشترط في الوجوب كونه ذكرا، فلا يجب على
المرأة ونقل العلامة الإجماع عليه (10). وأن لا يكون شيخا هما ولا أعمى عند
الأصحاب ولا مقعدا يعجز عن الركوب والعدو. وأوجب في المنتهى على من
يمكنه الركوب والمشي وإن تعذر عليه شدة العدو (11). ولا يجب على فقير يعجز
عن نفقة عياله وطريقه وثمن سلاحه. للآية (12).
وعن الشيخ أن الضابط في إسقاط الجهاد لأجل عدم الراحلة هو مسافة
التقصير (13). ونفى العلامة الاعتماد عليه وجعل الضابط الحاجة (14). وهو حسن،

(1) التذكرة 9: 36.
(2) المائدة: 2.
(3) الحديد: 21.
(4) المائدة: 44 و 45.
(5) البقرة: 159.
(6) التوبة: 122.
(7) البقرة: 282.
(8) آل عمران: 104.
(9) حكاه في المختلف 4: 383.
(10) المنتهى 2: 899 س 7.
(11) المنتهى 2: 899 س 22.
(12) التوبة: 91.
(13) المبسوط 2: 5.
(14) المنتهى 2: 899 س 29.
367

لعموم قوله تعالى: (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم) (1) الآية.
والظاهر أن للأبوين المنع من الجهاد مع عدم التعيين، ونسب العلامة في
التذكرة المنع من الجهاد بغير إذنهما أو بإذن الحي منهما إذا كانا مسلمين إلى عامة
أهل العلم (2).
وقطع في المنتهى بأنه لو سافر لطلب العلم أو التجارة استحب استئذانهما، ولو
منعاه لم يحرم مخالفتهما (3). وفيه إشكال.
وقال في التذكرة: إنه ليس لهما المنع من سفره في طلب العلم الواجب عليه
ولو كان فرض كفاية، فإن خرج طالبا لدرجة الفتوى وفي بلده من يشتغل بالفتوى
احتمل لهما المنع، لتعين البر عليه، وعدمه، لبعد الحجر على المكلف وحبسه. قال:
ولو أمكنه التعلم في بلده فإن توقع في سفره زيادة فراغ أو إرشاد احتمل عدم
افتقاره إلى الإذن. قال: وأما سفر التجارة فإن كان قصيرا لم يمنع منه، وإن كان
طويلا وفيه خوف اشترط إذنهما، وإلا احتمل ذلك حذرا من تأذيهما، ولأن لهما
منعه عن حجة التطوع مع أنه عبادة، فيكون منعهما في المباح أولى، وعدمه، لأنه
بامتناعه ينقطع عن معاشه ويضطرب أمره (4).
ويشترط في وجوب الجهاد وجود الإمام أو من نصبه على المشهور بين
الأصحاب، ولعل مستنده أخبار لم تبلغ درجة الصحة (5) مع معارضتها بعموم
الآيات. ففي الحكم به إشكال.
ولو عينه الإمام تعين عليه، وكذا لو عينه على نفسه بنذر وشبهه.
ويجب الجهاد متى دهم المسلمين عدو يخشى منه على بيضة الإسلام، وإذا
وطئ الكفار دار الإسلام وجب على كل ذي قوة قتالهم حتى العبد والمرأة، وانحل
الحجر عن العبد مع الحاجة إليه.

(1) التوبة: 92.
(2) التذكرة 9: 29.
(3) المنتهى 2: 902 س 25.
(4) التذكرة 9: 32.
(5) الوسائل 11: 32، الباب 12 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه.
368

وقد تجب المحاربة على وجه الدفع، كما لو كان بين أهل الحرب وغشيهم
عدو وخشي منه على نفسه فيساعدهم دفعا عن نفسه، وفي بعض الكتب تقييد
العدو بالمشركين (1). وكذا كل من خشي على نفسه من القتل مطلقا أو ماله إذا غلب
السلامة جاز له المحاربة ولا يكون جهادا.
ويحرم القتال في أشهر الحرم وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب
إلا أن يبدأ العدو بالقتال أو لا يرى لها حرمة، ويدل على الأول الآية (2). وعلى
الاستثناء قوله تعالى: (الشهر الحرام بالشهر الحرام) (3) الآية. وفي جواز الابتداء
بالقتال في الحرم قولان.
ويجب المهاجرة عن بلاد الشرك على من يعجز عن إقامة شعائر الإسلام ولم
يكن به عذر من مرض أو غيره، ونقل عن شيخنا الشهيد أن البلاد التي يضعف
المكلف فيها عن إظهار شعائر الإيمان يجب الخروج عنها (4). ونقل عنه أيضا
وجوب الخروج عن البلاد التي يضعف المكلف عن إقامة شعائر الإيمان وهو
انسب (5). وهو غير بعيد.
والمرابطة مستحبة ولو في زمان غيبة الإمام، وهي: الإرصاد لحفظ الثغر،
ومن لم يتمكن منها بنفسه يستحب له أن يربط فرسه هناك أو يعينهم بشيء.
الثاني في من يجب قتاله
وهم ثلاثة أصناف:
الأول: البغاة على الإمام، لقوله تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا
فأصلحوا بينهما فإن بغت إحديهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى
أمر الله) (6).

(1) انظر جامع المقاصد 3: 371.
(2) البقرة: 194.
(3) المصدر السابق.
(4) نقله في جامع المقاصد 3: 374.
(5) نقله في المسالك 3: 17.
(6) الحجرات: 9.
369

الثاني: أهل الذمة، وهم اليهود والنصارى والمجوس إذا أخلوا بشرائط الذمة،
لقوله تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله) إلى قوله تعالى: (حتى يعطوا الجزية
عن يد وهم صاغرون) (1).
والواجب قتال الكتابي حتى يسلم أو يتذمم أو يقتل.
الثالث: سائر أصناف الكفار، لقوله تعالى: (فاقتلوا المشركين حيث
وجدتموهم) (2) والمعروف عند الأصحاب أن هؤلاء لا يقبل منهم إلا الإسلام،
فإن امتنعوا قوتلوا إلى أن يسلموا أو يقتلوا ولا يقبل منهم بذل الجزية. والمعروف
بينهم أنه إنما يجب قتال هؤلاء الأصناف مع دعاء الإمام أو نائبه إلى النفور إما
لكفهم أو لنقلهم إلى الإسلام، وقد مر.
القول في شرائط الذمة
وشرائط الذمة اثنا عشر:
الأول: بذل الجزية.
الثاني: أن لا يفعلوا ما ينافي الأمان مثل حرب المسلمين وإمداد المشركين،
وهذان لا يتم عقد الذمة إلا بهما، وبعضهم جعل من هذا الباب التزام أحكام
المسلمين، وفسر بمعنى وجوب قبولهم لما يحكم به المسلمون من أداء حق أو
ترك محرم، وحكم بأن عقد الذمة لا يتم إلا به أيضا (3).
الثالث: ترك الزنا بالمسلمة.
الرابع: ترك إصابتها باسم نكاح، وكذا صبيان المسلمين.
الخامس: ترك فتن المسلم عن دينه.
السادس: ترك قطع الطريق على المسلم.
السابع: ترك إيواء جاسوس المشركين.

(1) التوبة: 29.
(2) التوبة: 5.
(3) المسالك 3: 74.
370

الثامن: ترك المعاونة على المسلمين بدلالة المشركين على عوراتهم ومكاتيبهم.
التاسع: ترك قتل مسلم أو مسلمة. وهذه السبعة (1) إن شرطت في عقد الذمة
انتقض العقد بالمخالفة وإلا فلا، نعم يحد أو يعزر بحسب الجناية. ولو حاول
أحدهم شيئا من ذلك منع منه، فإن مانع بالقتال نقض عهده.
العاشر: ترك ما فيه غضاضة على المسلمين وهو ذكر الرب تعالى ذكره أو
النبي (صلى الله عليه وآله) بسب. ويجب به القتل على فاعله، وبه ينقض العهد على ما ذكره جماعة
من الأصحاب (2). ولو ذكرهما بدون السب أو ذكر دينه أو كتابه بما لا ينبغي نقض
العهد إن شرط عليه الكف.
الحادي عشر: ترك إظهار منكر في دار الإسلام ولا ضرر فيه على المسلمين
كإدخال الخنازير، وإظهار شرب الخمر في دار الإسلام، ونكاح المحرمات،
ويعتبر فيه الإظهار عند بعض الأصحاب (3). وظاهر بعضهم عدم اعتبار الإظهار (4).
ولعله الأقرب، نظرا إلى صحيحة زرارة (5). لكن يظهر من الخلاف دعوى الإجماع
على عدم النقض بدون الإظهار (6). وعند جماعة من الأصحاب أنه يجب الكف
عنها سواء شرط عليهم أم لا، وأنه ينتقض ذمامهم بالمخالفة إن كانت مشروطة
عليهم لا مطلقا (7). وعن الشيخ أنه لا يكون نقضا للعهد سواء شرط عليهم أم لا (8).
الثاني عشر: أن لا يحدثوا كنيسة ولا بيعة في دار الإسلام، ولا يرفعوا
أصواتهم بكتبهم، ولا يضربوا الناقوس، ولا يطيلوا بنيانهم على بناء المسلمين.
ويجب الكف عن جميعها مطلقا عند الأصحاب، واختلفوا في انتقاض الذمة

(1) أي ما بعد الأول والثاني.
(2) المبسوط 2: 44، القواعد 1: 482، المسالك 3: 75.
(3) الشرائع 1: 330.
(4) السرائر 1: 474.
(5) الوسائل 11: 95، الباب 48 من أبواب جهاد العدو، ح 1.
(6) الخلاف 5: 552، المسألة 21.
(7) التحرير 1: 150 س 33، فوائد الشرائع: 158 (مخطوط) المسالك 3: 75.
(8) المبسوط 2: 44.
371

بها فعند بعضهم ينتقض إن كانت مشروطة عليهم لا مطلقا (1) وعند بعضهم لا ينتقض
مطلقا (2).
قالوا: وكل موضع حكم فيه بنقض العهد فإنه يستوفى أولا ما يوجبه الجرم ثم
يتخير الإمام بين القتل والاسترقاق والمن والفداء. وزاد في المنتهى: ويجوز أن
يردهم إلى مأمنهم في دار الحرب ويكونوا حربا لنا يفعل من ذلك ما يراه صلاحا
للمسلمين، قال: هكذا قاله الشيخ (3).
قالوا: إذا أسلم بعد خرق الذمة قبل الحكم فيه سقط الجميع عدا القود والحد
واستعادة ما أخذ من مال الغير، ولو أسلم بعد الاسترقاق أو المفاداة لم يرتفع
عنه ذلك.
قالوا: وينبغي للإمام أن يشترط في العقد التميز عن المسلمين بامور أربعة: في
اللباس والشعر والركوب والكنى، قال في المنتهى: أما لباسهم فهو أن يلبسوا ما
يخالف لونه سائر ألوان الثياب، فعادة اليهودي العسلي، وعادة النصارى الأدكن،
ويكون هذا في ثوب واحد لا في جميعها ليقع الفرق، قال: ويأخذهم بشد الزنانير
في أوساطهم إن كان نصرانيا فوق الثياب، وإن لم يكن نصرانيا ألزمه بعلامة اخرى
كخرقة يجعلها فوق عمامته أو قلنسوة يخالف لونها لونها، ويجوز أن يلبسوا
العمامة والطيلسان، قال: وينبغي أن يتختم في رقبته خاتم رصاص أو نحاس أو
حديد أو يضع فيه جلجلا أو جرسا ليمتاز به عن المسلمين في الحمام، وكذلك
يأمر نساءهم بلبس شيء يفرق بينهن وبين المسلمات من شد الزنار تحت الإزار
وتختم في رقبتهن وتغير أحد الخفين بأن يكون أحدهما أحمر والآخر أبيض.
وأما الشعور فإنهم يحذفون مقاديم شعورهم ولا يفرقون شعورهم.
وأما الركوب فيمنعون من الخيل خاصة ولا يركبون السروج، ويركبون
عرضا رجلاهم إلى جانب واحد ويمنعون تقليد السيوف ولبس السلاح واتخاذه.

(1) المسالك 3: 75.
(2) المبسوط 2: 44.
(3) المنتهى 2: 970 س 3.
372

وأما الكنى فلا يكنون بكنى المسلمين (1).
وقد جرت عادة الفقهاء بأن يذكروا في مثل هذا الموضع أحكام القتال
وكيفيته وتفاصيل أحكام الأسر والقتل والاستغنام وأحكام الغنائم وغير ذلك،
ونحن لما رأينا الفائدة فيها في هذا الزمان قليلة عدلنا عنها واقتصرنا على ذكر
أحكام الأرضين.
القول في أحكام الأرضين
وهي على أقسام أربعة:
الأول: المفتوحة عنوة.
الثاني: أرض من أسلم عليها أهلها طوعا.
الثالث: أرض الصلح.
الرابع: أرض الأنفال.
والمراد بالمفتوحة عنوة المأخوذة بالغلبة والقهر والاستيلاء، وحكمها على
المشهور أنها للمسلمين قاطبة لا يختص بها الغانمون، وعند بعضهم أنها كذلك بعد
إخراج الخمس لأهله (2). وفي بعض حواشي القواعد لما ذكر المصنف «يخرج منه
الخمس»: هذا في حال ظهور الإمام، وأما في حالة الغيبة ففي الأخبار ما يدل
على أنه لا خمس فيه (3).
قال في المنتهى: الأرضون على أربعة أقسام:
أحدها: ما يملك بالاستغنام ويؤخذ قهرا بالسيف، فإنها تكون للمسلمين
قاطبة ولا يختص بها المقاتلة، بل يشاركهم غير المقاتلة من المسلمين وكما لا
يختصون بها كذلك لا يفضلون، بل هي للمسلمين قاطبة ذهب إليه علماؤنا أجمع.
ثم اشتغل بنقل مذاهب العامة.

(1) المنتهى 2: 970 س 7.
(2) الإيضاح 1: 365.
(3) لم نعثر عليه.
373

ثم قال بعد نقل مسائل في مسألة أرض السواد، وبيان كونها مفتوحة عنوة،
وبيان ما كان في زمن عمر والحجاج وعمر بن عبد العزيز: قال الشيخ (رحمه الله): والذي
يقتضيه المذهب أن هذه الأراضي وغيرها من البلاد التي فتحت عنوة يخرج
خمسها لأرباب الخمس وأربعة الأخماس الباقية يكون للمسلمين قاطبة الغانمين
وغيرهم سواء في ذلك، ويكون للإمام النظر فيها وتقبيلها وتضمينها بما شاء،
ويأخذ ارتفاعها ويصرفه في مصالح المسلمين وما ينويهم من سد الثغور وتقوية
المجاهدين وبناء القناطر وغير ذلك، وليس للغانمين في هذه الأرضين على وجه
التخصيص شيء، بل هم والمسلمون فيه سواء، ولا يصح بيع شيء من هذه
الأرضين ولا هبته ولا معاوضته ولا تملكه ولا وقفه ولا رهنه ولا إجارته ولا
إرثه، ولا يصح أن يبنى دورا ومنازل ومساجد وسقايات ولا غير ذلك من أنواع
التصرف الذي يتبع الملك، ومتى فعل شيء من ذلك كان التصرف باطلا وهو باق
على الأصل. ثم قال (رحمه الله): وعلى الرواية التي رواها أصحابنا أن «كل عسكر أو
فرقة غزت بغير أمر الإمام فغنمت تكون الغنيمة للإمام خاصة» تكون هذه
الأرضون وغيرها مما فتحت بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) إلا ما فتح في أيام
أمير المؤمنين (عليه السلام) إن صح شيء من ذلك تكون للإمام خاصة ويكون من جملة
الأنفال التي له خاصة ولا يشتركه فيها غيره (1) انتهى.
ولعل نظر من لم يذكر الخمس إلى ما رواه الشيخ عن حماد بن عيسى قال:
رواه لي بعض أصحابنا ذكره، عن العبد الصالح أبي الحسن الأول (عليه السلام) إلى أن قال:
والأرض التي اخذت عنوة بخيل وركاب فهي موقوفة متروكة في أيدي من
يعمرها ويحييها ويقوم عليها على صلح ما يصالحهم الوالي على قدر طاقتهم من
الخراج النصف أو الثلث أو الثلثين وعلى قدر ما يكون لهم صالحا ولا يضر بهم،
فإذا خرج منها فابتدأ فأخرج منها العشر من الجميع مما سقت السماء أو سقي
سيحا، ونصف العشر مما سقي بالدوالي والنواضح فأخذه الوالي فوجهه في الوجه

(1) المنتهى 2: 934 س 27 و 938 س 1.
374

الذي وجهه الله تعالى له على ثمانية أسهم: للفقراء والمساكين، والعاملين عليها،
والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب، والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل، ثمانية
أسهم يقسمها بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون في سنتهم بلا ضيق ولا تقتير،
وإن فضل من ذلك شيء رد إلى الوالي، وإن نقص من ذلك شيء ولم يكتفوا به كان
على الوالي أن يمونهم من عنده بقدر شبعهم حتى يستغنوا، ويؤخذ بعد ما بقي من
العشر ويقسم بين الوالي وشركائه الذين هم عمال [الأرض] (1) وأكرتها فيدفع
إليهم أنصباءهم على قدر ما صالحهم عليه ويأخذ الباقي، فيكون ذلك أرزاق
أعوانه على دين الله وفي مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام وتقوية الدين في
وجوه الجهاد وغير ذلك مما فيه مصلحة العامة، ليس لنفسه من ذلك قليل ولا كثير،
وله بعد الخمس الأنفال (2) الحديث.
ولعل النظر في إيجاب الخمس إلى الآية الشريفة الدالة على وجوب إخراج
خمس الغنيمة من غير تخصيص بالمنقولات.
واعلم أن بعض عبارات الأصحاب مطلق في أن الأرض المفتوحة عنوة
للمسلمين من غير تقييد بالعامرة، وأكثرها مقيد بكونها عامرة. ولعل المراد وقت
الفتح، ولعل مستنده الأخبار الدالة على أن الموات ملك للإمام (3). فيشمل الموات
في ذلك الزمان أيضا.
ولا يخفى أن ثبوت كون الأرض مفتوحة عنوة وكونها عامرة وقت الفتح لا
يخلو من عسر. وقال بعض المتأخرين: في الإثباتين غاية الإشكال (4) إذ مقتضى
القواعد عدم العمل بالظن الحاصل من غير الشهود المعتبرة شرعا وما في معناها
مما دل الدليل على حجيته، وفي تحصيل الشهود وما في معناها لا سيما مع تقادم
الزمان ما لا يخفى. وإن اعتبرنا في حكمها كون الفتح والاستغنام بإذن الإمام كما

(1) من المصدر.
(2) التهذيب 4: 128 و 130، ح 366.
(3) الوسائل 6: 364، الباب 1 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام.
(4) مجمع الفائدة 7: 474.
375

ورد به بعض الأخبار (1) زاد العسر والإشكال.
وذكر الشهيد الثاني أنه يثبت كونها مفتوحة عنوة بنقل من يوثق بنقله
واشتهاره بين المؤرخين. وقد عدوا من ذلك مكة المكرمة، وسواد العراق وبلاد
خراسان والشام، وجعل بعض الأصحاب من الأدلة على ذلك ضرب الخراج من
الحاكم وإن كان جائرا، وأخذ المقاسمة من ارتفاعها عملا بأن الأصل في
تصرفات المسلمين الصحة، وكونها عامرة وقت الفتح بالقرائن المفيدة للظن
الغالب المتآخم للعلم كتقادم عهد البلد، واشتهار تقدمها على الفتح، وكون الأرض
مما يقضي القرائن المذكورة بكونها مستعملة في ذلك الوقت (2).
وذكر بعض الأصحاب قريبا منه وقال: ما يوجد من الأراضي المفتوحة عنوة
في هذه الأزمنة معمورا ولا يعلم حاله حين الفتح يعمل فيه بقرائن الأحوال،
ومنها: ضرب الخراج عليه، أو أخذ المقاسمة من ارتفاعه، فإن انتفت جميعا عمل
فيه بظاهر الحال، وما يوجد من هذه الأراضي مواتا في هذه الأزمنة إن دلت
القرائن على أنه كان معمورا من القديم ومضروبا عليه الخراج ككثير من أرض
العراق، فهو ملحق بالمعمور وقت الفتح، وحيث إنه لا أولوية لأحد عليه فمن
أحياه كان أحق به وعليه الخراج والمقاسمة (3). انتهى.
واعترض عليه بعض المتأخرين (4) أما على قوله من «ثبوت الفتح بالاشتهار
بين المؤرخين» فبأنه إن اريد به مجرد كلام طائفة منهم - وإن لم ينته إلى حد إفادة
العلم إما لقلتهم أو لتحقق الخلاف فيما بينهم وإن قل المخالف - فمما لا أعرف على
حجيته دليلا واضحا، لما نبهنا عليه من أن مطلق الظن الحاصل من الأفواه لا يقوم
حجة على إثبات الأحكام الشرعية المخالفة للاصول كحل ما في يد الغير بعنوان
الملك وأمثاله لغيره، وإن اريد به ما إذا حصل بذلك العلم لم أر فيه قصورا واضحا،

(1) الوسائل 6: 369، الباب 1 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، ح 16.
(2) المسالك 3: 54.
(3) فوائد الشرائع: 155 (مخطوط).
(4) لم نقف عليه.
376

غير أني لا أظن حصوله، لما استأنسنا من أحوال الناس من اعتمادهم في أمثال
هذه الأخبار بأي نقل جاء.
وبالجملة ربما يجوز حصول العلم بقول جماعة إذا لم يخطر بالبال بعض
الاحتمالات اللازمة للطبائع من المسامحة والنسيان وأمثالهما، وللوقائع من
خفائها على بعض الأفهام والمسامحة في تحققها، فلا يقبل من أحد دعوى العلم
حتى يبين لنا وجه حصوله وينبه بأن حصول الاشتباه كثير، خصوصا لمن لم يألف
طرق النظر ولم يعرف وجوه الخطأ الواردة في الأنظار.
وأما فيما ذكر من ثبوته بضرب الخراج من الجائر حملا لتصرف المسلم على
الصحة، فلأنه إنما يتم في نظرنا إذا كان الحكم بكونه خراجيا مصححا لتصرفه
وتسلطه على الأخذ، أو يكون كون الأرض خراجية وحكمه بذلك واعتماده عليه
من أفعاله.
وأما إن قلنا: إن فعله كتسلطه وضربه وأخذه حرام وإن حكمنا بكونها
خراجية أو أن كونها خراجية من أفعاله. فلا. قال: ولا أظن أحدا من أصحابنا بل
من أهل الإسلام يقول بجواز أخذ الجائر للخراج والمقاسمة وأن له هذا التسلط
شرعا ولا يعاقب عليه.
ونقل عن بعضهم أن كلامه كالصريح في الحرمة، قال: وإن توهمه أمكننا إقامة
الحجة عليه من الأخبار الدالة على المنع من الدخول في سلك السلاطين ومن
قبول عمهلم وأشباهها.
قال: فإن أراد هذا القائل أن كونها خراجية يصحح تصرفه هذا ففيه ما ترى.
وإن أراد أن كونها خراجية من فعله فدفعه أوضح من أن يتصدى له.
وإن أراد أن كونها خراجية يخفف فساد تصرفه وتسلطه الذي هو فعله
وأن فعل المسلم كما يحمل على الصحة يحمل على ما هو أقل فسادا، ففيه أن هذا
مما لم يقم عليه في نظرنا دليل، إذ الظاهر أن الحجة في الحمل على الصحة إنما هي
النهي عن اتباع الظن في نسبة فعل الغير إلى الفساد مع عدم سراية فعله إلى الغير،
377

وعدم معرفة فساده وصحته إلا من أخباره وما في معناه، وبعض
الأخبار الدالة على أنه يحمل فعل المسلم على الصحة، وهذا المعنى مع ما فيه من
عدم دلالة جزئه الأول على الحمل على الصحة ولزوم اعتقادها لا يتمشى فيما
نحن فيه.
وأيضا هذا كله إنما يتم إذا لم يعلم من آثاره مستمسكه في فعله، وأما إذا علم
منها أن مستمسكه مجرد التشهي وأشباهه فلا.
ثم قال: وأما فيما ذكر من أنهم قد عدوا مكة وما ساقه من البلاد من المفتوحة
عنوة، فلأن ما وجدناه في بعض كتب التواريخ - وكأنه من الكتب المعتبرة في هذا
الفن - أن حيرة وكأنها من قرى العراق بقرب الكوفة فتحت صلحا، وأن نيشابور
من بلاد خراسان فتح صلحا، وقيل: عنوة، وبلخ منها، وهرات وفوسخ والتوابع فتح
صلحا وبعض آخر منها فتح صلحا وبعض عنوة وبالجملة حكي حال بلاد
خراسان مختلفا في كيفية الفتح.
وأما بلاد الشام ونواحيه فحكي أن حلب وحماه وحمص وطرابلس فتح
صلحا، وأن دمشق فتح بالدخول من بعض غفلة بعد أن كانوا طلبوا الصلح من
غيره، وأن أهالي طبرستان صالحوا أهل الإسلام، وأن آذربايجان فتح صلحا، وأن
أهل أصفهان عقدوا أمانا، وأما الري فتح عنوة.
وقد حكى العلامة في المنتهى عن الشافعي أن مكة فتح صلحا بأمان قدمه
لهم قبل دخوله. وهو منقول عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ومجاهد، ونسب إلى
الظاهر من المذهب أنها فتحت بالسيف ثم آمنهم بعد ذلك، ونقله عن مالك وأبي
حنيفة والأوزاعي (1).
وحكى فيما عندنا من التذكرة عن بعض الشافعية: أن سواد العراق فتح
صلحا، قال: وهو منقول عن أبي حنيفة. وعن بعض الشافعية: أنه اشتبه الأمر علي

(1) المنتهى 2: 937 س 5.
378

ولا أدري أفتح صلحا أم عنوة (1) وأما هو فقد حكم في الكتابين أنه فتحه عمر بن
الخطاب وهو سواد العراق، وحده في العرض من منقطع الجبال بحلوان إلى طرف
القادسية المتصل بعذيب من أرض العرب، ومن تخوم الموصل طولا إلى ساحل
البحر ببلاد عبادان من شرقي دجلة، وأما الغربي الذي يليه البصرة فإنما هو إسلامي
مثل شط عثمان بن أبي العاص، وما والاها كانت سباخا ومواتا فأحياها عثمان
ابن أبي العاص (2) - إلى أن قال - وهذه الأرض فتحت عنوة فتحها عمر بن الخطاب.
قال: وبعد اللتيا والتي حل الخراج حكم شرعي ويتوقف ثبوته على الحكم
بأن الأرض خراجية، ولابد للأحكام من المدارك الشرعية والاصول الثابتة،
والظاهر أن المذكور ليس فيها، وإن اختلج في خلدك شيء من الأخبار الواردة
عنهم (عليهم السلام) المتضمنة للمسامحة في زمانهم في شراء ما يأخذه الجائر وأمثاله.
فنقول: نطعن في سند بعضها إن سلمنا دلالتها على خلاف ما نحن فيه، ونمنع دلالة
بعضها، ويجوز في بعضها أن يكون وروده للتقية، وفي بعضها أن يكون منزلا على
معرفة الإمام صلوات الله عليه حال تلك الأرض من كونها خراجية مع صلاحية
الأخذ للآخذ.
وبالجملة حيث كان الحل مما يخالفه ظاهر الآيات والأخبار المعتبرة
والاعتبارات العقلية وأمكننا الجمع بينها وبين ما ينافيها بوجه التزمنا المصير إليه،
ونازعنا من أفتى بالحل مطلقا وطالبناه بوجه ترجيح أخباره على أدلتنا الموافقة
للاحتياط ولعدم الاقتحام في الشبهات، وبوجه استنباطه منها الحل في غير زمان
الأئمة مع كونها واردة في وقائع مخصوصة بالنسبة إلى الموجود في زمانهم (عليهم السلام)
ولعله لا يتمشى الجواب بحكاية عموم الحكم وخصوص السبب وأمثاله،
لاختصاصها بما إذا لم يكن للخصوص دخل في الجواب، وليس إفتاء واحد ولا
عشرة من أصحابنا المتأخرين عن زمان الأئمة (عليهم السلام) بذلك إجماعا ولا شهرة
معتبرة كما نبهنا عليه مرارا لا سيما مع العلم بمستمسكهم، والحاصل إنا نتبع

(1) التذكرة 9: 191.
(2) التذكرة 9: 189، المنتهى 2: 937 س 26.
379

المستمسك لا المعتقد كما قاله المصنف في المنتهى في غير هذا الموضع على ما
يحضرني حين تصديه لمخالفة جماعة من الفقهاء.
ثم ساق الكلام إلى نقل بعض الأخبار الدالة على النهي عن الدخول في
أعمال السلاطين.
ونحن نذكر التحقيق عندي في هذا المقام، ومنه يظهر وجوه الإيراد
والاختلال فيما ذكره بحسب نظري.
فأقول: لابد هاهنا من تحقيق الأمر في حل الخراج في الجملة، وتحقيق
المواضع الخراجية، وتحقيق الكلام في كونها عامرة وقت الفتح، والكلام في إذن
الإمام وعدمه، وبيان الحكم في المواضع المشتبه، فلابد في هذا المقام من رسم
مباحث:
الأول في حل الخراج في الجملة
فأقول: المعروف من مذهب الأصحاب حل الخراج في زمان غيبة
الإمام (عليه السلام) في الجملة، لا أعرف في ذلك خلافا بينهم. قال الشهيد الثاني في شرح
الشرائع عند شرح قول المحقق «ما يأخذه السلطان الجائر من الغلات باسم
المقاسمة أو الأموال باسم الخراج عن حق الأرض ومن الأنعام باسم الزكاة يجوز
ابتياعه وقبول هبته، ولا يجب إعادته على أربابه وإن عرف بعينه» قال: المقاسمة
حصة من حاصل الأرض يؤخذ عوضا عن زراعتها، والخراج مقدار من المال
يضرب على الأرض أو الشجر حسب ما يراه الحاكم، ونبه بقوله: باسم المقاسمة
واسم الخراج على أنهما لا يتحققان إلا بتعيين الإمام العادل، إلا أن ما يأخذه
الجائر في زمن تغلبه قد أذن أئمتنا (عليهم السلام) في تناوله منه وأطبق عليه علماؤنا، لا
نعلم فيه مخالفا وإن كان ظالما في أخذه، ولاستلزام تركه والقول بتحريمه الضرر
والحرج العظيم على هذه الطائفة، ولا يشترط رضا المالك ولا يقدح فيه تظلمه ما
لم يتحقق الظلم بالزيادة عن المعتاد أخذه من عامة الناس في ذلك الزمان. واعتبر
380

بعض الأصحاب في تحققها اتفاق السلطان والعمال على القدر، وهو بعيد الوقوع
والوجه، وكما يجوز ابتياعه واستيهابه يجوز سائر المعاوضات ولا يجوز تناوله
بغير إذن الجائر، ولا يشترط قبض الجائر له وإن أفهمه قوله «ما يأخذه» فلو أحاله
به أو وكله في قبضه أو باعه وهو في يد المالك أو ذمته حيث يصح البيع كفى
ووجب على المالك الدفع، وكذا القول فيما يأخذه باسم الزكاة، ولا يختص ذلك
بالأنعام كما أفادته العبارة، بل حكم زكاة الغلات والأموال كذلك، لكن يشترط
هنا أن لا يأخذ الجائر زيادة عن الواجب شرعا في مذهبه، وأن يكون صرفه لها
على وجهها المعتبر عندهم بحيث لا يعد عندهم غاصبا، إذ يمتنع الأخذ منه عندهم
أيضا، ويحتمل الجواز مطلقا، نظرا إلى إطلاق النص والفتوى، ويجيء مثله في
المقاسمة والخراج، لأن مصرفهما مصرف بيت المال وله أرباب مخصوصون
عندهم أيضا، وهل تبرأ ذمة المالك من إخراج الزكاة مرة اخرى؟ يحتمله، كما في
الخراج والمقاسمة، مع أن حق الأرض واجب لمستحق مخصوص، والتعليل بكون
دفع ذلك حقا واجبا عليه، وعدمه، لأن الجائر ليس من باب المستحقين فيتعذر
النية ولا يصح الإخراج بدونها.
وعلى الأول تعتبر النية عند الدفع إليه كما يعتبر في سائر الزكوات، والأقوى
عدم الاجتزاء بذلك، بل غايته سقوط الزكاة عما يأخذه إذا لم يفرط فيه، ووجوب
دفعه إليه أعم من كونه على وجه الزكاة أو المضي معهم في أحكامهم والتحرز عن
الضرر بمباينتهم، ولو أقطع الجائر أرضا مما يقسم أو يخرج، أو عاوض عليها فهو
تسليط منه عليهما، فيجوز للمقطع والمعاوض أخذهما من الزارع والمالك، كما
يجوز إحالته عليه.
قال: والظاهر أن الحكم مختص بالجائر المخالف للحق نظرا إلى معتقده من
استحقاقه ذلك عندهم، فلو كان مؤمنا لم يحل أخذ ما يأخذه منهما، لاعترافه
بكونه ظالما فيه وإنما المرجع حينئذ إلى رأي الحاكم الشرعي، مع احتمال الجواز
مطلقا، نظرا إلى إطلاق النص والفتوى ووجه التقييد أصالة المنع إلا ما أخرجه
381

الدليل، وتناوله للمخالف متحقق والمسؤول عنه الأئمة (عليهم السلام) إنما كان مخالفا
للحق، فيبقى الباقي وإن وجد مطلقا فالقرائن دالة على إرادة المخالف منه التفاتا
إلى الواقع أو الغالب (1). انتهى كلامه.
والظاهر أن الأئمة (عليهم السلام) لما علموا انتفاء تسلط السلطان العدل إلى زمان
القائم (عليه السلام)، وعلموا أن للمسلمين حقوقا في الأراضي المفتوحة عنوة، وعلموا أنه
لا يتيسر لهم الوصول إلى حقوقهم في تلك المدة المتطاولة إلا بالتوسل والتوصل
إلى السلاطين والامراء حكموا (عليهم السلام) بجواز الأخذ منهم، إذ في تحريم ذلك حرج
وغضاضة عليهم وتفويت لحقوقهم بالكلية.
فمما يدل على ذلك ما رواه الصدوق في الفقيه - بإسناد لا يبعد أن يعد
صحيحا - عن إسماعيل بن الفضل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل
يتقبل بخراج الرجال وجزية رؤوسهم وخراج النخل والشجر والآجام والمصائد
والسمك والطير وهو لا يدري لعل هذا لا يكون أبدا أو يكون، أيشتريه وفي أي
زمان يشتريه ويتقبل منه؟ فقال: إذا علمت أن من ذلك شيئا واحدا قد أدرك
فاشتره وتقبل به (2).
وروى الشيخ عن أبان بن عثمان عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي في
الموثق، والكليني بإسنادين، أحدهما من الموثقات، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في
الرجل يتقبل بجزية رؤوس الرجال وخراج النخل والآجام والطير وهو لا يدري
لعله لا يكون من هذا شيء أبدا أو يكون؟ قال: إذا علم من ذلك شيئا واحدا أنه قد
أدرك فاشتره وتقبل به (3).
وظاهر هذا الحديث أن غرض السائل متعلق بالسؤال من حيث إنه لا يدري
أنه يكون من ذلك شيء أم لا، ولهذا لم يذكر خراج الأرض، فكان أصل الجواز
من حيث كون ذلك خراجا أمرا مسلما عنده.

(1) المسالك 3: 142 - 144.
(2) الفقيه 3: 224، ح 3832.
(3) التهذيب 7: 124، ح 544، الكافي 5: 195، ح 12.
382

ومنها: ما رواه الشيخ عن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) في جملة
حديث قال: لا بأس بأن يتقبل الرجل الأرض وأهلها من السلطان، وعن مزارعة
أهل الخراج بالربع والنصف والثلث، قال: نعم لا بأس به، قد قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله)
خيبر أعطاها اليهود حين فتحت عليه بالخبر، والخبر هو النصف (1).
ومنها: ما رواه الشيخ عن أبي عبيدة في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
سألته عن الرجل منا يشتري من السلطان من إبل الصدقة وغنمها وهو يعلم أنهم
يأخذون منهم أكثر من الحق الذي يجب عليهم. قال فقال: ما الإبل والغنم إلا مثل
الحنطة والشعير وغير ذلك، لا بأس به حتى يعرف الحرام بعينه، قيل له: فما ترى
في مصدق يجيئنا فيأخذ صدقات أغنامنا فنقول: بعناها، فيبيعناها، فما ترى في
شرائها منه؟ فقال: إن كان قد أخذها وعزلها فلا بأس، قيل له: فما ترى في الحنطة
والشعير يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظنا ويأخذ حظه فيعزل بكيل، فما ترى في
شراء ذلك الطعام منه؟ فقال: إن كان قبضه بكيل وأنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه
بغير كيل (2).
وقد يقال: لا دلالة في قوله «لا بأس به حتى يعرف الحرام بعينه» إلا على أنه
يجوز شراء ما كان حلالا، بل مشتبها أيضا ولا يجوز شراء ما هو معروف أنه
حرام، ولا يدل على جواز شراء الزكاة بعينها صريحا، نعم ظاهرها ذلك، ولكن لا
ينبغي الحمل عليه، لمنافاته للعقل والنقل، ويحتمل أن يكون سبب الإجمال التقية،
ويؤيد عدم الحمل على الظاهر أنه غير مراد بالاتفاق، إذ ليس بحلال ما أخذه الجائر.
وفيه نظر، لأن السؤال وقع عن إبل الصدقة والجواب أنه «لا بأس به» لا
يحتمل أن يكون مفروضا في غيره، لكن لما فرض السائل أنه يعلم أنهم يأخذون
أكثر من الحق فقد فرض وقوع حرام في الصدقات التي بأيديهم فوقع الحاجة إلى
الاستثناء الذي فعله (عليه السلام)، وكأن غرض السائل كان متعلقا باستعلام الحكم باعتبار
الاختلاط المذكور، وكان جواز أصل الصدقة مستغنيا عن البيان عنده.

(1) التهذيب 7: 202، ح 888.
(2) التهذيب 7: 132، ح 579.
383

ثم قوله: «لا ينبغي الحمل عليه لمنافاته للعقل والنقل» محل نظر، إذ لا أعرف
دليلا عقليا ولا نقليا يدل على ما ذكره حتى يقع الحاجة إلى التأويل أو الحمل على
التقية، إذ ذلك من غير ضرورة غير سائغ، ودعوى الاتفاق الذي ذكره غير ظاهر.
وذكر أيضا أنه ليس بمعلوم أن المصدق المذكور في الحديث من قبل الجائر
الظالم، فيحمل على كونه من قبل العدل، لما تقدم، على أنه قد يكون المراد بجوازه
حيث كان المبيع مال المشتري، فإنه قال: يأخذ صدقات أغنامنا ولم يصر متعينا
للزكاة، لأخذه ظلما، فيكون الشراء استنقاذا لا شراء حقيقة، ويكون الغرض من
قوله: «إن كان... إلخ» بيان شرط الشراء وهو التعيين، ويعلم منه الكلام في قوله:
فما ترى في الحنطة... الخ.
وفيه نظر، فإن وقوع المصدق في زمان الأئمة (عليهم السلام) من قبل الإمام العادل أو
المأذون من قبله أو عادل يأخذ ويجمع الزكاة حسبة بعيد جدا، وكون الشراء
استنقاذا لا بيعا حقيقة بعيد جدا مع الشرط الذي ذكره (عليه السلام)، وحمل الشرط على ما
ذكره القائل بعيد جدا.
ثم قال: ويمكن عدم الصحة أيضا، لاحتمال أن يكون أبو عبيدة غير الحذاء.
وبالجملة ليست هذه مما يصلح أن يستدل بها على المطلوب، بل شراء الزكاة
أيضا، لما عرفت من أنها مخالفة للعقل والنقل، مع عدم الصراحة واحتمال التقية،
وعلى تقدير دلالتها على جواز الشراء من الزكاة فلا يمكن أن يقاس عليه جواز
الشراء من المقاسمة، وعلى تقديره أيضا لا يمكن أن يقاس عليه جواز قبول هبتها
وسائر التصرفات فيها مطلقا كما هو المدعى، إذ قد يكون ذلك مخصوصا بالشراء
بعد القبض لسبب ما نعرفه كسائر الأحكام الشرعية، ألا ترى أن أخذ الزكاة لا
يجوز منهم مطلقا ويجوز شراؤها عنهم، ويؤيده أنه لما وصل العوض إلى السلطان
الجائر يكون في ذمته عوض بيت المال، بخلاف ما لم يكن له عوض، فإنه يصير
كالتضييع (1) انتهى.

(1) مجمع الفائدة 8: 101 - 103.
384

وفيه نظر، لأن احتمال كون أبي عبيدة غير الحذاء مع أن غيره غير مذكور في
باب الكنى ولم يشتهر غيره بهذه الكنية بعيد جدا، والمخالفة للعقل والنقل التي
يدعيها قد عرفت جوابه، وكذا عدم الصراحة واحتمال التقية، واستفادة جواز
الشراء من المقاسمة من الحديث ليس بحسب القياس إلى الزكاة، بل بناء على أن
الظاهر من القاسم في قوله «يجيئنا القاسم» خصوصا بعد ما عبر أولا آخذ الزكاة
بالمصدق إنما هو قاسم آخذ الخراج.
ونقول في جواب كلامه الأخير: إنا لو سلمنا أن أخذ السلطان وجمعه حق
الخراج من الأرضين حرام مطلقا حتى لو كان مقصوده جمع حقوق المسلمين
وصرفه في مصارفه الشرعية بقدر طاقته كان حراما أيضا، لكن لا نسلم أن إعطاءه
لأحد في صورة الهبة أو غير ذلك يكون حراما إذا كان الآخذ مستحقا لمثله لفقر أو
كونه من مصالح المسلمين كالغازي والقاضي والذي له مدخل في امور الدين وإن
كان الأخذ حراما أولا، إذ لا أجد بحسب نظري دليلا على ذلك ولا
الأصل يقتضيه.
ثم يظهر من الحديث أن تصرف العامل بالبيع جائز، إذ لو كان حراما كان
الظاهر أن يكون الاشتراء منه حراما أيضا، لكونه إعانة على الفعل المحرم، وحيث
ثبت أن التصرف بنحو البيع والشراء جائز ظهر أن أصل التصرف فيه ليس بحرام.
وإذا قيل: إن بعض أنحاء التصرفات كالإعطاء من غير عوض لمستحق له حرام
كان محتاجا إلى دليل، لأن الأصل خلافه. وإذا كان ذلك حراما فإما أن يكون
الواجب ضبطه وحفظه في الخزائن وهو بعيد جدا، وإما أن يكون الواجب الرد إلى
من أخذ منه، وذلك يقتضي تحريم بيعه والاشتراء، لأن الواجب رد العين مع
التمكن لا القيمة، مع أن الظاهر عدم القائل بالفرق بين الاشتراء وغيره.
ومما يؤيد الحل ما رواه الشيخ في الصحيح إلى فضالة بن أيوب - وقيل: إنه
ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه - عن سيف بن عميرة، وهو ثقة،
عن أبي بكر الحضرمي - ولم يوثقه غير ابن داود، نقل ذلك عن الكشي، والاعتماد
385

على ذلك في التصحيح مشكل، لكن الحديث لا يخلو عن اعتبار - قال: دخلت
على أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده إسماعيل ابنه، فقال: ما يمنع ابن أبي سمال أن يخرج
شباب الشيعة فيكفونه ما يكفي الناس ويعطيهم ما يعطي الناس؟ قال: ثم قال لي:
لم تركت عطاك؟ قال: قلت: مخافة على ديني، قال: ما منع ابن أبي سمال أن يبعث
إليك بعطائك أما علم أن لك في بيت المال نصيبا (1).
ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح إلى عبد الله بن سنان - وهو ثقة جليل - عن
أبيه - ولا يبعد أن يعد ممدوحا - قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن لي أرض خراج
وقد ضقت بها أفأدعها؟ قال: فسكت عني هنيئة ثم قال: إن قائمنا لو قد قام
كان نصيبك من الأرض أكثر منها، وقال: لو قد قام قائمنا كان للإنسان أفضل
من قطائعهم (2).
قوله: «لي أرض خراج» يحتمل أن يكون أرضا أعطي من أرض الخراج
ليستعملها وينتفع بها، ويحتمل أن يكون أرضا أعطي ليأخذ الخراج من مزارعيه،
وعلى هذا «من» في قوله (عليه السلام): نصيبك من الأرض ابتدائية.
ويؤيده أيضا ما رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان في الصحيح، عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن النزول على أهل الخراج؟ فقال: ثلاثة أيام (3). وعن
محمد بإسناد لا يبعد أن يعد صحيحا، قال: سألته عن النزول على أهل الخراج؟
فقال: تنزل عليهم ثلاثة أيام (4).
وما رواه الشيخ عن سماعة في الموثق قال: سألته عن شراء الخيانة والسرقة؟
فقال: إذا عرفت أنه كذلك فلا، إلا أن يكون شيئا تشتريه من العمال (5). إذ لولا حل
أخذ الخراج منهم لم يكن للمستثنى مصداق.
وما رواه عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي في الموثق، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)

(1) التهذيب 6: 336، ح 933.
(2) التهذيب 7: 149، ح 660.
(3) التهذيب 7: 153، ح 676.
(4) التهذيب 7: 153، ح 677.
(5) التهذيب 7: 132، ح 581.
386

عن رجل اكترى أرضا من أرض أهل الذمة من الخراج وأهلها كارهون وإنما
يقبلها السلطان لعجز أهلها عنها أو غير عجز؟ فقال: إذا عجز أربابها عنها فلك أن
تأخذها، إلا أن يضاروا (1). الحديث.
وعن إسماعيل بن الفضل الهاشمي بإسناد فيه مشترك عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: سألته عن رجل استأجر من السلطان من أرض الخراج بدراهم مسماة أو
بطعام مسمى، ثم آجرها ويشترط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقل من ذلك
أو أكثر وله في الأرض بعد ذلك فضل أيصلح له ذلك؟ قال: نعم إذا حفر نهرا أو
عمل بهم عملا يعينهم بذلك فله ذلك. قال: وسألته عن رجل استأجر أرضا من
أرض الخراج بدراهم مسماة أو بطعام معلوم، فيؤاجرها قطعة قطعة أو جريبا
جريبا بشيء معلوم، فيكون له فضل ما استأجر من السلطان ولا ينفق شيئا أو
يؤاجر تلك الأرض قطعا قطعا على أن يعطيهم البذر والنفقة، فيكون له في ذلك
فضل على إجارته وله تربة الأرض، أو ليست له؟ فقال: إذا استأجرت أرضا
فأنفقت فيها شيئا أو زرعت فلا بأس بما ذكرت (2).
واستدل على حل الخراج بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: قال لي أبو
الحسن (عليه السلام): ما لك لا تدخل مع علي في شراء الطعام؟ إني أظنك ضيقا. قال: قلت:
نعم فإن شئت وسعت علي قال: اشتره (3).
وفي دلالتها على المقصود تأمل، إذ ليس فيها ذكر الخراج والمقاسمة، ولا
دلالة عليها بوجه من الوجوه ولا ما أخذه الجائر باسم الزكاة، إذ لم يعلم كون
الطعام الذي جوز شراؤه كان من قبيل شيء منها.
وبصحيحة جميل بن صالح قال: أرادوا بيع تمر عين أبي زياد فأردت أن
أشتريه، ثم قلت حتى أستأذن أبا عبد الله (عليه السلام)، فأمرت مصادفا فسأله فقال: قل له:

(1) التهذيب 7: 150، ح 663.
(2) التهذيب 7: 203، ح 896.
(3) الوسائل 12: 161، الباب 52 من أبواب ما يكتسب به، ح 1.
387

يشتريه، فإن لم يشتره اشتراه غيره (1). وفي دلالتها أيضا تأمل لا يخفى.
وبرواية أبي المعزا قال: سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) - وأنا عنده - فقال:
أصلحك الله أمر بالعامل فيجيزني بالدراهم آخذها؟ قال: نعم. قلت: وأحج بها؟
قال: نعم (2). وفي الدلالة تأمل. وفي معنى الخبر المذكور أخبار كثيرة.
وبرواية إسحاق بن عمار قال: سألته عن الرجل يشتري من العامل وهو
يظلم؟ قال: يشتري منه ما لم يعلم أنه ظلم فيه أحدا (3). وفيه تأمل.
وبما يدل على أن الحسنين (عليهما السلام) كانا يقبلان جوائز معاوية (4). وفيه تأمل
أيضا.
وزعم بعض المتأخرين أن صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في
الزكاة «فقال: ما أخذه منكم بنو امية فاحتسبوا به ولا تعطوهم شيئا ما استطعتم»
كالصريحة في عدم جواز إعطاء الخراج والمقاسمة والزكاة إلى السلطان الجائر،
قال: فلا يجوز الأخذ منهم ولا بإذنهم (5).
وفيه نظر، لأن النهي في أخبارنا غير واضحة الدلالة على التحريم، وغاية ما
يستفاد من الرواية حكم الزكاة، فلا يعم غيره، ثم التفريع الذي ذكره أيضا محل
تأمل، وانسحاب حكم بني امية في غيرهم مطلقا أيضا محل تأمل.
المبحث الثاني:
الظاهر أن أرض السواد مفتوحة عنوة وأنها خراجية للمسلمين كما يستفاد
من الكتب والتواريخ المعتبرة، ويستفاد منها استثناء شيء يسير منها كالحيرة.

(1) الوسائل 12: 162، الباب 53 من أبواب ما يكتسب به، ح 1.
(2) الوسائل 12: 156، الباب 51 من أبواب ما يكتسب به، ح 2.
(3) الوسائل 12: 163، الباب 53 من أبواب ما يكتسب به، ح 2.
(4) الوسائل 12: 157، الباب 51 من أبواب ما يكتسب به، ح 4.
(5) مجمع الفائدة 8: 108.
388

ويدل عليه ما رواه الشيخ عن محمد الحلبي في الصحيح قال سئل أبو
عبد الله (عليه السلام) عن السواد ما منزلته؟ قال: هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم ولمن
يدخل في الإسلام بعد اليوم ولمن لم يخلق بعد، فقلنا: الشراء من الدهاقين؟ قال:
لا يصلح إلا أن يشتري منهم على أن يصيرها للمسلمين، فإن شاء ولي الأمر أن
يأخذها يأخذها، قلنا: فإن أخذها منها؟ قال: يرد إليه رأس ماله وله ما أكل من
غلتها بما عمل (1).
وعن أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا تشتر من أرض السواد
شيئا إلا من كانت له ذمة، فإنما هو فيء للمسلمين (2).
وعن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عما
اختلف فيه ابن أبي ليلى وابن شبرمة في السواد وأرضه، فقلت: إن ابن أبي ليلى
قال: إنهم إذا أسلموا فهم أحرار وما في أيديهم من أرضهم لهم. وأما ابن شبرمة
فزعم أنهم عبيد وأن أرضهم التي بأيديهم ليست لهم. فقال في الأرض ما قال ابن
شبرمة، وقال في الرجال ما قال ابن أبي ليلى: إنهم إذا أسلموا فهم أحرار، ومع هذا
كلام لم أحفظه (3).
المبحث الثالث:
هذه الأحاديث دالة على حكم أرض السواد، والمفتوحة عنوة غير منحصرة
فيها، فإن علم كون بلد آخر كذلك فذاك، وما لم نعلم فيه ذلك وكان مشتبها
فالظاهر أن يعمل بالظن فيه، بيان ذلك: أنا نعلم أن بعض البلاد كان مفتوحا عنوة
وبعضها صلحا، وما كان صلحا اشتبه أمره في أن الصلح وقع على أن يكون
الأرض لهم، أو وقع على أن يكون الأرض للمسلمين فيكون حكمه حكم المفتوح

(1) التهذيب 7: 147، ح 652.
(2) الوسائل 12: 274، الباب 21 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 5.
(3) الوسائل 17: 330، الباب 4 من أبواب إحياء الموات، ح 3.
389

عنوة، فهذا البلد المشتبه إما أن يكون على سبيل الأول أو الثالث، فيكون
للمسلمين وعليه الخراج، أو على سبيل الثاني فلم يكن عليه خراج، فإما أن
يجري عليه خصوص حكم بلا أمر دال عليه أو أمارة ظنية ففيه ترجيح حكم بلا
مرجح، أو يرجع فيه إلى الظن، وإذا بطل الأول تعين الثاني، وأيضا إذا كان
المظنون فيه أمرا كان خلافه مرجوحا، فإما أن يعمل فيه بالراجح، أو بالمرجوح،
أو لا يعمل فيه بشيء منها، لا وجه للثالث وهو ظاهر، ولا وجه للعمل بالمرجوح،
فتعين المصير إلى الأول.
والظن قد يحصل بالتواريخ المعتبرة إذا كان صاحب الكتاب اشتهر بصحة
النقل واشتهر الاعتماد على كتابه والعمل بقوله بين الناس كابن جرير
الطبري وصاحب المغازي والواقدي والبلاذري والمدائني وابن الأثير
والمسعودي وأضرابهم.
وقد يحصل باستمرار أخذ السلاطين الخراج منه وأخذ المسلمين من
السلاطين، إذ الظاهر أن أخذ الخراج من ذلك البلد إذا كان مستمرا في الأعصار
التي نعلمها لم يكن شيئا حادثا من بعض سلاطين الجور، بل كان شيئا مستمرا من
الصدر الأول من غير نكير، وأنه لو كان حادثا فالظاهر أنه كان ذلك منقولا في
كتب التواريخ والأخبار، لاعتناء أهل التواريخ ببيان أمثال هذه المبدعات
والحوادث، وأخذ الناس ذلك الخراج من السلاطين مستمرا شاهد على ذلك، فإن
الظاهر جريان أفعال المسلمين على وجه الصحة والمشروعية مالم يعلم خلاف ذلك.
لا يقال: إذا كان البلد تحت يد المسلمين كان محكوما بكونه ملكا لهم، والقول
بخلاف ذلك يحتاج إلى أمر مفيد للعلم، ولا يكفي الظن في ذلك.
لأنا نقول: نحن نعلم أن تلك الأراضي كانت تحت يد الكفار ثم طرأ عليها
دخولها تحت يد المسلمين، إما على وجه كونها ملكا لجميع المسلمين والآن
لصاحب اليد أولوية التصرف فيها تبعا للآثار، وإما على وجه آل الأمر إلى كونه
ملكا لصاحب اليد، فإذا اشتبه الأمر لم يكن لنا أن نحكم بشيء من ذلك إلا بحجة،
390

ولا نعرف أن اليد في أمثال هذه الأراضي يقتضي الحكم باختصاصها بصاحب اليد
على وجه الاختصاص الملكي وإن سلمنا ذلك في المنقولات والأشجار والأبنية
وأمثالها، ومن المعلوم أن المتصرف أيضا لا يعلم ذلك ولا يدعيه، ولو ادعى شيئا
من ذلك لا نصدقه لأنا نعلم أنه لا يعلم. ولا يمكن دعوى الإجماع فيما نحن فيه
ولا دعوى نص يدل على أكثر مما ذكرنا.
وإذا علم كون بلد مفتوحا عنوة وحصل الاشتباه في بعض قراه أو مزارعه
فسبيل تحصيله ما ذكرنا، وكذلك السبيل في معرفة كون الأرض عامرة وقت الفتح
أو مواتا، فإنه يعول عليها بالأمارات الظنية عند تعذر العلم، كما نقلناه سابقا عن
بعض العلماء.
المبحث الرابع:
ما نقل سابقا عن الشيخ - حيث قال: وعلى الرواية التي رواها أصحابنا أن كل
عسكر أو فرقة غزت بغير أمر الإمام فغنمت تكون الغنيمة للإمام خاصة، إلى آخر
ما ذكره ونقلناه سابقا - لا يدل على كون ذلك مذهبا للشيخ (رحمه الله) بل نقل ذلك على
سبيل الاحتمال، والرواية التي أشار إليها رواية ضعيفة مرسلة لا تصلح لإناطة
الحكم بها، ثم لو صحت لا تضر، لأن الظاهر أن الفتوح التي وقعت في زمن عمر
كان بإذن أمير المؤمنين (عليه السلام)، لأن عمر كان يشاور الصحابة خصوصا
أمير المؤمنين (عليه السلام) في تدبير الحروب وغيرها، وكان لا يصدر إلا عن رأي
علي (عليه السلام)، والنبي (صلى الله عليه وآله) أخبر بالفتوح وغلبة المسلمين على أهل الفرس والروم (1)
وقبول سلمان تولية المدائن وعمار أمارة العساكر - مع ما روي فيهما - قرينة على
ما ذكرنا، ومع ذلك وقع التصريح بحكم أرض السواد وكونها للمسلمين في النص
الصحيح كما ذكرنا.
وقد روى الشيخ عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:

(1) انظر سنن البيهقي 9: 177.
391

سألته عن سيرة الإمام في الأرض التي فتحت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقال: إن
أمير المؤمنين (عليه السلام) قد سار في أهل العراق بسيرة، فهي إمام لسائر الأرضين (1).
الحديث. ولو سلمنا أن تلك الأراضي للإمام (عليه السلام) فهم أباحوها لشيعتهم، كما يدل
عليه صحيحة عمر بن يزيد (2) وغيرها.
المبحث الخامس:
ما يظهر من كلام الشهيد الثاني من الميل إلى اختصاص حكم حل الخراج
بالمأخوذ من المخالفين فلا وجه له، إذ الظاهر أن ترخيص الأئمة (عليهم السلام) إنما هو
لغرض توصل الشيعة إلى حقوقهم في بيت مال المسلمين، لعلمهم بأن ذلك غير
مقدور لهم، لعجزهم واستيلاء السلاطين على الأموال، كما يشير إليه رواية عبد الله
ابن سنان عن أبيه (3). ورواية أبي بكر الحضرمي (4).
واعتقاد الجائر إباحته بالنسبة إليه جهلا غير مؤثر في جواز الأخذ منه، لأن
الجهل ليس بعذر ولو كان مؤثرا لكان تأثيره في تسويغه بالنسبة إليه أولى.
المبحث السادس:
قالوا: النظر فيها إلى الإمام. قال بعضهم على هذا الكلام: هذا مع ظهور
الإمام (عليه السلام)، وفي حال الغيبة يختص بها من كانت بيده بسبب شرعي كالشراء
والإرث ونحوهما، لأنها وإن لم يملك رقبتها لكونها لجميع المسلمين، إلا أنها
يملك تبعا لآثار المتصرف ويجب عليه الخراج أو المقاسمة ويتولاهما الجائر، ولا
يجوز جحدهما ولا منعهما ولا التصرف فيهما إلا بإذنه باتفاق الأصحاب، ولو لم

(1) التهذيب 4: 118، ح 340.
(2) الوسائل 6: 382، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، ح 12.
(3) الوسائل 11: 121، الباب 72 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ح 3.
(4) الوسائل 12: 157، الباب 51 من أبواب ما يكتسب به، ح 6.
392

يكن عليها يد فقضية كلام الأصحاب توقف جواز التصرف فيها على إذنه، حيث
حكموا بأن الخراج والمقاسمة منوطان برأيه وهما كالعوض من التصرف، وإذا
كان العوض منوطا برأيه كان المعوض كذلك، ويحتمل جواز التصرف مطلقا (1).
وقال آخر من الأصحاب: هذا مع ظهوره (عليه السلام) وبسط يده، أما مع غيبته كهذا
الزمان فكل أرض يدعي أحد ملكها بشراء أو إرث ونحوهما ولا يعلم فساد
دعواه يقر في يده كذلك، لجواز صدقه، وحملا لتصرفه على الصحة، فإن الأرض
المذكورة يمكن تملكها بوجوه منها: إحياؤها ميتة. ومنها: بيعها تبعا لأثر التصرف
فيها من بناء وغرس ونحوهما كما سيأتي.
وما لا يد عليه مملكة لأحد فهو للمسلمين قاطبة، إلا أن ما يتولاه الجائر من
مقاسمتها وخراجها يجوز لنا تناوله منه بالشراء وغيره من الأسباب المملكة بإذن
أئمتنا (عليهم السلام) لنا في ذلك، وقد ذكر الأصحاب أنه لا يجوز لأحد جحدهما ولا
منعهما ولا التصرف فيهما إلا بإذنه، بل ادعى بعضهم الاتفاق عليه. وهل يتوقف
التصرف في هذا القسم منها على إذن الحاكم الشرعي إن كان متمكنا من صرفها
في وجهها بناء على كونه نائبا من المستحق (عليه السلام) ومفوضا إليه ما هو أعظم من
ذلك؟ الظاهر ذلك، وحينئذ فيجب عليه صرف حاصلها في مصالح المسلمين، ومع
عدم التمكن أمرها إلى الجائر. وأما جواز التصرف فيها كيف اتفق لكل أحد من
المسلمين فبعيد جدا، بل لم أقف على قائل به، لأن المسلمين بين قائل بأولوية
الجائر وتوقف التصرف على إذنه، وبين مفوض للأمر إلى الإمام العادل (عليه السلام)، فمع
غيبته يرجع الأمر إلى نائبه، فالتصرف بدونهما لا دليل عليه (2). انتهى.
وما ذكر من جواز تناول ما يتولاه الجائر من الخراج والمقاسمة صحيح في
نظري لو كان الآخذ محتاجا إليه، أو يكون من مصالح المسلمين كالغازي
والقاضي بالحق والأئمة وأهل الدين، وما اسند إلى الأصحاب من عدم جواز
الجحد والمنع والتصرف فيهما إلا بإذنه محل تأمل، إذ لا أعلم حجة واضحة عليه،

(1) فوائد الشرائع للكركي: 154 (مخطوط).
(2) المسالك 3: 55.
393

وادعاء بعضهم الاتفاق عليه لا يصلح حجة شرعية.
وإذا تمكن الحاكم الشرعي من التصرف فيه فالظاهر جواز ذلك له، والأحوط
أن يستأذن الحاكم الشرعي فيما يعطيه الجائر إن تمكن من ذلك.
وقد نازع فيه بعض المتأخرين من الأصحاب وقال: لا دليل عليه من الكتاب ولا
من السنة، بل قد يستنبط منهما خلافه، إذ هذا معاونة على الإثم وتقوية الظالم وقول
بأن له ولاية وعهد من الله عز وجل، إذ من لا سلطنة له من الله ورسوله في أمر جاز
خلافه في ذلك الأمر، والكتاب والسنة ناطقتان بالنهي عن هذه الامور. وأيضا لو
كان الأمر على ما ذكره لم يكن على الجابي والعامل وأمثالهما من عمال الجور
شيء، نظرا إلى أن أخذهم وجمعهم إنما هو لما يحرم على المأخوذ منه منعه، فهو
نوع بر وإحسان بالنسبة إلى المأخوذ منه ومعاونة على إبراء ذمته من الواجب، وهذا
مع كونه فتح باب لإقامة الباطل وخمول الحق المنفيين عقلا ونقلا مردود بخصوص
ما رواه الشيخ في الحسن، ونقل روايات دالة على المنع من الدخول في أعمالهم (1).
وفيه نظر، لأن كون ذلك معاونة على الإثم إنما يكون على تقدير كون أخذ
الجائر حراما مطلقا بأي غرض كان، وهو ممنوع كما مرت الإشارة إليه، وتقوية
الظالم إنما يسلم تحريمه في الظلم، وفي مطلقه إشكال.
وفي تحريم الجباية على أي وجه كان إشكال، إذ لا دليل عليه، وما وقع من
النهي عن الدخول في أعمالهم لو سلم عمومه لكل جائر من الموافق والمخالف
أمكن أن يقال: أعمالهم المتعارفة لا تنفك عن امور محرمة غالبا، ولا يكون شيء
من أعمالهم مقصورا على جباية الخراج كالأعمال والأشغال الدنيوية الشائعة في
هذا الزمان.
المبحث السابع:
قال في المبسوط: لا يصح بيع شيء من هذه الأرضين ولا هبته، ولا

(1) لم نعثر عليه في الكتب المتوفرة لدينا.
394

معاوضته، ولا تملكه، ولا وقفه، ولا رهنه، ولا إجارته، ولا إرثه، ولا يصح أن يبنى
دورا ومنازل ومساجد وسقايات ولا غير ذلك من أنواع التصرف الذي يتبع
الملك، ومتى فعل شيء من ذلك كان التصرف باطلا وهو باق على الأصل (1).
وحكم بعدم صحة بيعها ووقفها الفاضلان (2). وقال ابن إدريس: إن قيل نراكم
تبيعون وتشترون وتقفون أرض العراق وقد اخذت عنوة. قلنا: إنا نبيع ونقف
تصرفنا فيها وتحجيرنا وبنياننا، فأما نفس الأرض فلا يجوز ذلك فيها (3).
وفسر الشهيد الثاني قول المحقق: «ولا يصح بيعها ولا وقفها» بأنه لا يصح
شيء من ذلك في رقبتها مستقلة، قال: أما فعل ذلك فيها تبعا لآثار التصرف من
بناء وغرس وزرع ونحوها فجائز على الأقوى، فإذا باعها بائع مع شيء من هذه
الآثار دخلت في البيع على سبيل التبع، وكذا الوقف وغيره، ويستمر كذلك ما دام
شيء من الآثار باقيا، فإذا ذهبت أجمع انقطع حق المشتري والموقوف عليه
وغيرهما عنها. هكذا ذكره جمع من المتأخرين وعليه العمل (4). انتهى.
وقال الشيخ في التهذيب: إنا قد قسمنا الأرضين فيما مضى على أقسام ثلاثة:
أرض يسلم أهلها عليها فهي تترك في أيديهم وهي ملك لهم، فما يكون حكمه هذا
الحكم صح لنا شراؤها وبيعها، وأما الأرضون التي تؤخذ عنوة أو يصالح أهلها
عليها فقد أبحنا شراءها وبيعها، لأن لنا في ذلك قسما، لأنها أراضي المسلمين،
وهذا القسم أيضا يصح الشراء والبيع فيه على هذا الوجه، وأما الأنفال وما جرى
مجراها فليس يصح تملكها بالشراء، وإنما ابيح لنا التصرف حسب (5).
وفي الدروس: لا يجوز التصرف في المفتوحة عنوة إلا بإذن الإمام (عليه السلام) سواء
كان بالوقف أو بالبيع أو غيرهما، نعم في حال الغيبة ينفذ ذلك (6).
والأقرب القول بالجواز، لنا - مضافا إلى العمل المستمر من المسلمين في

(1) المبسوط 2: 34.
(2) الشرائع 1: 322، القواعد 1: 493.
(3) السرائر 1: 478.
(4) المسالك 3: 56.
(5) التهذيب 4: 136.
(6) الدروس 2: 41.
395

جميع الأعصار المتلاحقة من غير نكير - الأخبار الكثيرة منها: صحيحة الحلبي
السابقة في البحث الثاني.
ومنها: صحيحة محمد بن مسلم قال: سألته عن الشراء من أرض اليهود
والنصارى؟ فقال: ليس به بأس، وقد ظهر رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أهل خيبر
فخارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعملونها ويعمرونها، وما بها بأس إذا
اشتريت منها شيئا، وأيما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عملوه فهم أحق بها وهي
لهم (1). وبإسناد آخر عن محمد بن مسلم قريبا منه (2).
وعن محمد بن مسلم في الصحيح قال: سألته عن شراء أرضهم؟ فقال: لا بأس
أن تشتريها فتكون إذا كان ذلك بمنزلتهم تودي فيها كما يؤدون فيها (3).
وعن أبي بصير في الصحيح على الظاهر قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شراء
الأرضين من أهل الذمة؟ فقال: لا بأس أن يشترى منهم إذا عملوها وأحيوها، فهي
لهم، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين ظهر على خيبر وفيها اليهود خارجهم على أمر
وترك الأرض في أيديهم يعملونها ويعمرونها (4).
وعن محمد بن شريح قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شراء الأرض من أرض
الخراج، فكرهه وقال: إنما أرض الخراج للمسلمين. فقالوا له: فإنه يشتريها الرجل
وعليه خراجها؟ قال: لا بأس إلا أن يستحيي من عيب ذلك (5).
وعن محمد بن مسلم وعمر بن حنظلة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن
ذلك؟ فقال: لا بأس بشرائها، فإنها إذا كانت بمنزلتها في أيديهم تؤدي عنها كما
يؤدي عنها (6).

(1) الوسائل 17: 326، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، ح 1.
(2) الوسائل 11: 118، الباب 71 من أبواب جهاد العدو...، ح 2.
(3) الوسائل 12: 275، الباب 21 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 7.
(4) الوسائل 17: 330، الباب 4 من أبواب إحياء الموات، ح 1.
(5) الوسائل 12: 275، الباب 21 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 9.
(6) الوسائل 11: 119، الباب 71 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ح 3.
396

وعن إبراهيم بن أبي زياد قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الشراء من أرض
الجزية، قال: فقال: اشترها فإن لك من الحق ما هو أكثر من ذلك (1).
وعن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: رفع إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)
رجل مسلم اشترى أرضا من أراضي الخراج، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): له ما لنا
وعليه ما علينا مسلما كان أو كافرا، له ما لأهل الله وعليه ما عليهم (2).
وفي الصحيح إلى صفوان بن يحيى عن أبي بردة بن رجاء - وهو مجهول -
قال: قلت لأبي عبد الله (عليهم السلام): كيف في شراء أرض الخراج؟ قال: ومن يبيع ذلك
وهي أرض المسلمين؟ قال: قلت: يبيعها الذي هي في يده، قال: ويصنع بخراج
المسلمين ماذا؟ ثم قال: لا بأس اشترى (3) حقه منها ويحول حق المسلمين عليه،
ولعله يكون أقوى عليها وأملأ بخراجهم منه (4).
ويظهر من كلام الشيخ أن جواز بيعها بناء على أن للبائع حقا فيها (5) ويرشد
إليه قوله (عليه السلام) في رواية أبي بردة «اشترى حقه منها». ويؤيده صحيحة عبد الله بن
سنان عن أبيه (6). ويحتمل أن يكون المراد بقوله: «اشترى حقه منها» إشارة إلى
الآثار التي له فيها، والمعنى الأول أقرب.
القسم الثاني من أقسام الأرضين أرض من أسلم عليها أهلها طوعا:
كل أرض أسلم أهلها عليها طوعا من قبل نفوسهم من غير قتال ترك في
أيديهم ملكا لهم، يصح لهم التصرف فيها بالبيع والشراء والوقف وسائر التصرفات

(1) الوسائل 11: 119، الباب 71 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ح 4.
(2) الوسائل 11: 119، الباب 71 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ح 6.
(3) كذا في خ 2 والتهذيب والوسائل، وفي الأصل وخ 1 «اشتر» كما في الاستبصار.
(4) الوسائل 11: 118، الباب 71 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ح 1.
(5) التهذيب 4: 146 ذيل، ح 27.
(6) الوسائل 11: 121، الباب 72 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ح 3.
397

إذا عمروها وقاموا بعمارتها، ويؤخذ منهم العشر أو نصف العشر على سبيل الزكاة
إذا بلغ النصاب.
فإن تركوا عمارتها وتركوها خرابا، فعن الشيخ وأبي الصلاح: أن الإمام
يقبلها ممن يعمرها ويعطي صاحبها طسقها وأعطى المتقبل حصته، وما يبقى فهو
متروك لمصالح المسلمين في بيت مالهم (1).
وعن ابن حمزة أنه إذا تركوا عمارتها صارت للمسلمين وأمرها إلى الإمام (2).
وعن ابن البراج أنه إن تركوا عمارتها حتى صارت خرابا كانت حينئذ لجميع
المسلمين، يقبلها الإمام ممن يقوم بعمارتها بحسب ما يراه، من نصف أو ثلث أو
ربع، وعلى متقبلها بعد إخراج مؤنة الأرض وحق القبالة فيما يبقى في خاصة من
غلتها إذا بلغ خمس أوسق، أو أكثر من ذلك، العشر أو نصف العشر (3).
وعن ابن إدريس أن الأولى ترك ما قاله الشيخ، فإنه مخالف للاصول والأدلة
العقلية والسمعية، فإن ملك الإنسان لا يجوز لأحد أخذه ولا التصرف فيه بغير إذنه
واختياره (4).
وقرب في المختلف قول الشيخ، نظرا إلى أنه أنفع للمسلمين وأعود عليهم
فكان سائغا، قال: وأي عقل يمنع من الانتفاع بأرض ترك أهلها عمارتها وإيصال
أربابها حق الأرض، مع أن الروايات متظافرة بذلك. ثم أخذ في نقل ما رواه
الشيخ عن صفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: ذكرنا له الكوفة
وما وضع عليها من الخراج، الحديث. وصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال:
ذكرت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) الخراج وما سار به أهل بيته... الحديث (5).
والحديثان مذكوران في التهذيب في كتاب الزكاة في باب الخراج وعمارة
الأرضين (6) والروايتان غير دالتين على قول الشيخ، بل هما دالتان على القدر

(1) المبسوط 1: 235، الكافي في الفقه: 260.
(2) الوسيلة: 132.
(3) المهذب 1: 182.
(4) السرائر 1: 477.
(5) المختلف 4: 426.
(6) التهذيب 4: 118 و 119، ح 341 و 342.
398

المشترك بين قول ابن حمزة وقول ابن البراج.
واحتج في المختلف (1) لهما برواية معاوية بن وهب - وهي ظاهرة الصحة -
قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أيما رجل أتى قرية بائرة فاستخرجها أو كرى
أنهارها وعمرها فإن عليه فيها الصدقة، فإن كانت أرضا لرجل قبله فغاب عنها
وتركها وأخربها ثم جاء بعد فطلبها، فإن الأرض لله عز وجل ولمن عمرها (2).
والرواية غير دالة على مقصودهما.
القسم الثالث من أقسام الأرضين أرض الصلح
فإن كان أربابها صولحوا على أن الأرض لهم فهي لهم، وإن صولحوا على أنها
للمسلمين ولهم السكنى وعليهم الجزية فالعامر للمسلمين قاطبة والموات للإمام
خاصة وإذا شرطت الأرض لهم فعليهم ما يصالحهم الإمام ويملكونها ويتصرفون
فيها بالبيع وغيره. ولو أسلم الذمي ملك أرضه وسقط مال الصلح عنه. ولو باع
أحدهم أرضه على مسلم صح وانتقل مال الصلح إلى رقبة الذمي.
القسم الرابع من أقسام الأرضين الأنفال
وقد مر سابقا.
القول في بعض أحكام الاسراء
ولا بأس بإيراد بعض الأخبار الدالة على جواز الاسترقاق وتملك البائعين
وغيرهم في الجملة.
روى الشيخ عن رفاعة النحاس في الصحيح، قال: قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام):
إن القوم يغيرون على الصقالبة والنوبة فيسرقون أولادهم من الجواري والغلمان،

(1) المختلف 4: 427.
(2) الوسائل 17: 328، الباب 3 من أبواب إحياء الموات، ح 1.
399

فيعمدون إلى الغلمان فيخصونهم، ثم يبعثون إلى بغداد إلى التجار، فما ترى في
شرائهم ونحن نعلم أنهم مسروقون، إنما أغاروا عليهم من غير حرب كانت بينهم؟
قال: لا بأس بشرائهم، إنما اخرجوا من الشرك إلى دار الإسلام (1).
وعن العيص في الصحيح، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوم مجوس خرجوا
على ناس من المسلمين في أرض الإسلام هل يحل قتالهم؟ قال: نعم وسبيهم (2).
وفي الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن محمد بن عبيد الله - وهو
غير معلوم الحال - قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن قوم خرجوا وقتلوا اناسا
من المسلمين وهدموا المساجد وأن المتوفى هارون بعث إليهم واخذوا وقتلوا
وسبي النساء والصبيان، هل يستقيم شراء شيء منهن ويطأهن أم لا؟ قال: لا بأس
بشراء متاعهن وسبيهن (3).
وعن إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن سبي الأكراد إذا
حاربوا ومن حارب من المشركين هل يحل نكاحهم وشراؤهم؟ قال: نعم (4).
وفي الصحيح إلى صفوان بن يحيى عن المرزبان بن عمران - وليس في شأنه
توثيق، لكن صفوان يروي كتابه - قال: سألته عن سبي الديلم وهم يسرق بعضهم
من بعض ويغير عليهم المسلمون بلا إمام، أيحل شراؤهم؟ فقال: إذا أقروا
بالعبودية فلا بأس بشرائهم (5).
وبإسناد فيه محمد بن سهل - وليس في شأنه توثيق، لكن له كتاب يرويه
أحمد بن محمد بن عيسى عن زكريا بن آدم - قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن قوم من
العدو صالحوا ثم خفروا، ولعلهم إنما خفروا لأنهم لم يعدل عليهم، أيصلح أن

(1) التهذيب 6: 162، ح 297.
(2) الوسائل 11: 99، الباب 50 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ح 3.
(3) الوسائل 11: 99، الباب 50 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ح 4.
(4) الوسائل 11: 99، الباب 50 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ح 1.
(5) الوسائل 11: 99، الباب 50 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ح 2.
400

يشترى من سبيهم؟ قال: إن كان من عدو وقد استبان عداوتهم فاشتر منه، وإن كان
قد نفروا وظلموا فلا يبتاع من سبيهم (1).
وبهذا الإسناد قال: سألته عن سبي الديلم ويسترق بعضهم من بعض ويغير
المسلمون عليهم بلا إمام، أيحل شراؤهم؟ قال: إذا أقروا بالعبودية فلا بأس
بشرائهم (2).
وفي الموثق إلى عبد الله بن بكير، عن عبد الله اللحام - وهو مجهول - قال:
سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يشتري امرأة رجل من أهل الشرك يتخذها ام
ولد (3)؟ قال: لا بأس (4).
وبإسناد آخر - فيه جهالة - عن عبد الله بن بكير، عن عبد الله اللحام، قال:
سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يشتري من رجل من أهل الشرك ابنته يتخذها؟
قال: لا بأس (5).
قال بعض المتأخرين (6) بعد نقل أكثر هذه الأخبار: الذي يظهر من هذه الأخبار
أن التملك يحصل بسبي الحربي ومن في معناه بالمقاتلة أو السرقة وإخراجه من
بلادهم التي لم يجر فيها أحكام الإسلام، وأما إذا كان الحربي في بلاد يجري فيها
أحكام الإسلام مستأمنا، أي من غير قتال، بل مطيعا لحكام الإسلام وإن كان
جائرا في الخراج والمقاسمة وما يشبههما راضيا منهم الحكام بذلك دافعين عنهم
أذى الغير ككثير من بلاد الهند في زماننا هذا فدفع ابنه منه مثلا إما ببيع أو غيره إلى
أحد من المسلمين فلا، سواء أقعده معهم في بلادهم أو لا. والحاصل أن الأصل

(1) الوسائل 11: 100، الباب 50 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ح 5.
(2) الوسائل 13: 27، الباب 2 من أبواب بيع الحيوان، ح 3.
(3) كلمة «ام ولد»: ليس في المصدر.
(4) الوسائل 13: 28، الباب 3 من أبواب بيع الحيوان، ح 3.
(5) الوسائل 13: 28، الباب 3 من أبواب بيع الحيوان، ح 2.
(6) لم نقف عليه.
401

عدم التملك واستحقاق هذه السلطنة الخاصة، ولم يظهر من
الأخبار ومن كلام الأصحاب أن مجرد كونهم حربيين كاف في استملاكهم
واستملاك أموالهم. وأجاب عن روايتي ابن اللحام - بعد استضعاف السند - بأن
الظاهر أن المراد ما إذا أخرجها من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام، فلا يزيدان على
ما يفهم من صحيحة رفاعة.
ويمكن تقوية الجواز بظاهر الروايتين وقوتهما بناء على أن ابن بكير ممن
أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، وظاهرهما العموم بالنسبة إلى محل
البحث، واعتضادهما بعموم ما يدل على حل البيع وغيره من العقود، وعموم ما دل
على ترتب الآثار على العقود خرج ما خرج منه بالدليل، فيبقى الباقي تحت العموم.
402

كتاب الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر
403

كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
لا ريب ولا خلاف في وجوبهما بين المسلمين مع وجوب المعروف،
واختلفوا في كون وجوبهما على الأعيان أو الكفاية، والأقرب الثاني كما هو قول
المرتضى (1) لظاهر الآية (2).
والأمر بالمعروف ينقسم بحسب انقسام متعلقه إلى واجب وندب، وإنما
يجبان بشروط أربعة:
الأول: علم الآمر والناهي بوجه الفعل، وعلى الناهي تتبع الجهات المحسنة،
وعدم القطع بالنهي مع تجويز شيء منها، لئلا يقع في النهي عن الجائز.
الثاني: تجويز التأثير، وهل يعتبر مجرد التجويز وإن كان احتمال التأثير
بعيدا، أو عدم غلبة الظن، أو العلم بعدم التأثير؟ ظاهر بعض عباراتهم يقتضي
الأول. وظاهر بعضها الثاني. ولعل النظر الأول على الآية (3). ويدل على الثاني عدة
من الأخبار، بل ظاهر بعضها اعتبار الظن بالتأثير (4). ولعل الترجيح للثاني وإن كان
الأحوط الأول.
الثالث: إصرار المأمور أو المنهي على ما يستحق بسببه الأمر أو الإنكار،

(1) نقله في السرائر 2: 22.
(2) آل عمران: 104.
(3) آل عمران: 104.
(4) انظر الوسائل 11: 400، الباب 2 من أبواب الأمر والنهي.
404

قالوا: لو ظهر الإقلاع سقط. ولا ريب فيه إن كان المراد بالإقلاع الندم، ولو كان
مجرد الترك ففيه تردد، وقطع في الدروس بأنه لو لاح منه أمارة الندم حرم
الإنكار (1). وهو حسن إن أفادت الأمارة غلبة الظن.
الرابع: انتفاء المفسدة بسببهما، فلو ظن ضررا في نفسه أو في ماله أو على
بعض المؤمنين سقط الوجوب، وفي بعض الأخبار في سياق ذم قوم في آخر
الزمان: لا يوجبون أمرا بمعروف ولا نهيا عن منكر إلا إذا أمنوا الضرر (2) ولعله
يحمل على المضار اليسرة.
وعن الريان بن الصلت في الصحيح قال: جاء قوم بخراسان إلى الرضا (عليه السلام)
وقالوا: إن قوما من أهل بيتك يتعاطون امورا قبيحة فلو نهيتهم عنها. قال: لا أفعل.
قيل: ولم؟ قال: لأني سمعت أبي (عليه السلام) يقول: النصيحة خشنة (3). وهو محمول على
صورة الضرر.
ويظهر من الدروس أن مع ظن الضرر يحرم الأمر أو الإنكار (4). واقتصر في
المنتهى على الحكم بسقوط الوجوب (5). وغير واحد من الأخبار يناسب الأول (6).
وما نقل من طريقة جماعة من الصحابة يناسب الثاني (7).
ويجبان بالقلب مطلقا بأن لا يرضى بفعل المنكر وبترك الواجب، والظاهر أنه
يجب عليه إظهار ما يدل على إرادته ترك المنكر من فاعله وفعل المأمور من
تاركه بأن يظهر الكراهة في وجهه ويعرض عنه حين التكلم ويهجره، ويدل عليه
الأخبار الدالة على تحريم الرضى بالحرام (8).

(1) الدروس 2: 47.
(2) الوسائل 11: 402، الباب 2 من أبواب الأمر والنهي، ح 6.
(3) الوسائل 11: 402، الباب 2 من أبواب الأمر والنهي، ح 7.
(4) الدروس 2: 47.
(5) المنتهى 2: 993 س 13.
(6) الوسائل 11: 400، الباب 2 من أبواب الأمر والنهي.
(7) انظر مجمع الفائدة 7: 537.
(8) الوسائل 11: 408، الباب 5 من أبواب الأمر والنهي.
405

وروى الكليني عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن نلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرة (1).
وعن الحرث بن المغيرة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لآخذن البريء منكم بذنب
السقيم، ولم لا أفعل ويبلغكم عن الرجل ما يشينكم ويشينني، فتجالسونهم
وتحدثونهم فيمر بكم المار فيقول: هذا شر من هذا، فلو أنكم إذا بلغكم عنه ما
تكرهون زبرتموهم ونهيتموهم كان أبر بكم وبي (2).
وعن الحرث بن المغيرة أيضا أن أبا عبد الله (عليه السلام) قال له: لأحملن ذنوب
سفهائكم على علمائكم - إلى أن قال -: ما يمنعكم إذا بلغكم عن الرجل منكم ما
تكرهون وما يدخل علينا الأذى أن تأتوه فتؤنبوه وتعذلوه وتقولوا له قولا بليغا،
قلت: جعلت فداك! إذا لا يقبلون منا، قال: اهجروهم واجتنبوا مجالسهم (3).
ويجبان باللسان، فيأمره نطقا (4) أو ينهاه كذلك متدرجا من الأيسر إلى الأقوى
منه، ومع عدم القبول إلى الأخشن، للنهي عن الإيذاء إلا ما خرج بالدليل، وباليد
مع الحاجة بنوع من الضرب والإهانة، وقد ذكره العلامة في المنتهى والتذكرة بغير
نقل خلاف (5). واحتج بما رواه الشيخ عن يحيى الطويل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما
جعل الله عز وجل بسط اللسان وكف اليد، ولكن جعلهما يبسطان معا وتكفان معا (6).
وبما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): من ترك إنكار المنكر بقلبه ويده ولسانه
فهو ميت بين الأحياء (7).
وبقول أبي جعفر (عليه السلام) في حديث جابر: فأنكروا بقلوبكم والفظوا بألسنتكم
وحكوا بها جباههم ولا تخافوا في الله لومة لائم (8).

(1) الكافي 5: 59، ح 10.
(2) الكافي 8: 158، ح 150.
(3) الكافي 8: 162، ح 169.
(4) في خ 2: لطفا.
(5) المنتهى 2: 993 س 24، التذكرة 9: 443.
(6) التهذيب 6: 169، ح 325.
(7) الوسائل 11: 404، الباب 3 من أبواب الأمر والنهي، ح 4.
(8) الوسائل 11: 403، الباب 3 من أبواب الأمر والنهي، ح 1.
406

وفي الحديث المذكور بعد ما ذكر: فإن اتعظوا وإلى الحق رجعوا فلا سبيل
عليهم (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق
اولئك لهم عذاب أليم) (1) هنالك فجاهدوهم بأبدانكم وأبغضوهم بقلوبكم غير
طالبين سلطانا ولا باغين مالا ولا مريدين بالظلم ظفرا حتى يفيئوا إلى أمر الله
ويمضوا على طاعته.
وفي التهذيب: قال الصادق (عليه السلام) لقوم من أصحابه: إنه قد حق لي أن آخذ
البريء منكم بالسقيم، وكيف لا يحق لي ذلك وأنتم يبلغكم عن الرجل منكم القبيح
فلا تنكرون عليه ولا تهجرونه ولا تؤذونه حتى يتركه (2).
وقال الشيخ في الاقتصاد: فإذا أثر القول والوعظ في ارتفاعه اقتصر عليه،
وإن لم يؤثر وجب أن يمنع منه ويدفع عنه وإن أدى ذلك إلى إيلام المنكر عليه
والإضرار به وإتلاف نفسه بعد أن يكون القصد ارتفاع المنكر أن لا يقع من فاعله
ولا يقصد إيقاع الضرر به، ويجري ذلك مجرى دفع الضرر عن النفس في أنه
يحسن وإن أدى إلى الإضرار بغيره، غير أن الظاهر من مذهب شيوخنا الإمامية أن
هذا الضرب من الإنكار لا يكون إلا للأئمة (عليهم السلام) أو لمن يأذن له الإمام (عليه السلام) فيه.
وكان المرتضى (رضي الله عنه) يخالف في ذلك ويجوز فعل ذلك بغير إذنه، قال: لأن ما
يفعل بإذنهم يكون مقصودا وهذا يخالف ذلك لأنه غير مقصود وإنما القصد
المدافعة والمخالفة، فإن وقع ضرر فهو غير مقصود. ويمكن أن ينصر الأول بأن
يقال: إذا كان طريق حسن المدافعة بالألم بالسمع فينبغي أن يدفعه على الوجه
الذي قدره الشرع وهو أن يقصد المدافعة دون نفس إيقاع الألم والقصد إلى إيقاع
الألم بإذن الشرع فيه فلا يجيء منه ما قاله (3). انتهى.
وفي المختلف نقل عن الشيخ أنه وافق المرتضى في التبيان ونصره وضعف ما
عداه، ثم نقل عن بعض أصحابنا ما مرجعه إلى احتياج الجراح والقتل إلى

(1) الشورى: 42.
(2) التهذيب 6: 181، ح 375.
(3) الاقتصاد: 150.
407

السلطان ومن يأمره، وعن بعض آخر عدمه، وقرب مقالة السيد مستندا بعموم
وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبحديث جابر السابق (1). وبما رواه
الشيخ في الحسن عن ابن أبي عمير، عن جماعة من أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: ما قدست امة لم تأخذ لضعيفها من قويها بحقه غير مضيع (2). واحتج الآخرون
بوجوب عصمة النفوس وتحريم الإقدام على إراقة الدماء، وأجاب بالمنع (3).
ولا يخفى أن العمومات الواردة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر غير دالة على محل البحث، لأن الأمر والنهي مختصان بالألفاظ وما في
معناها دون الأفعال.
نعم يمكن الاحتجاج على الجواز بالأخبار المذكورة المعتضدة بعضها ببعض،
واعتضادها بالأصل، وبما يدل على ذم تعطيل الحدود (4) وما يدل على الأمر
بالسعي في أن لا يعصى الله في الأرض (5).
ويعضد ذلك ما نقله السيد الرضي في نهج البلاغة عن ابن جرير الطبري في
تاريخه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه: أني سمعت عليا (عليه السلام) يقول يوم لقينا
أهل الشام: أيها المؤمنون إنه من رأى عدوانا يعمل به ومنكرا يدعى إليه فأنكره
بقلبه فقد سلم وبرئ، ومن أنكره بلسانه فقد اجر وهو أفضل من صاحبه، ومن
أنكره بالسيف لتكون كلمة الله العليا وكلمة الظالمين السفلى فذلك الذي أصاب
سبيل الهدى وقام على الطريق ونور في قلبه اليقين (6). وقد قال في كلام له (عليه السلام)
غير هذا يجري هذا المجرى: فمنهم المنكر للمنكر بيده ولسانه وقلبه، فذلك

(1) المختلف 4: 460.
(2) تهذيب الأحكام 6: 180، ح 371، وفيه متضع بدل مضيع.
(3) المختلف 4: 462.
(4) انظر الوسائل 18: 307، الباب 1 من أبواب مقدمات الحدود.
(5) انظر الوسائل 11: 293، الباب 1 من أبواب الأمر والنهي.
(6) نهج البلاغة: 541، قصار الحكم 373.
408

المستكمل لخصال الخير ومنهم المنكر بلسانه وقلبه والتارك بيده. فذلك مستمسك
بخصلتين من خصال الخير ومضيع خصلة، ومنهم المنكر بقلبه والتارك بيده
ولسانه، فذلك الذي ضيع أشرف الخصلتين من الثلاث وتمسك بواحدة، ومنهم
تارك لإنكار المنكر بلسانه وقلبه ويده، فذلك ميت الأحياء. وما أعمال البر كلها
والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا كنفثة في بحر
لجي، وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقربان من أجل ولا ينقصان من
رزق، وأفضل من ذلك كلمة عدل عند إمام جائر (1).
ورواه علي بن إبراهيم في تفسيره مرسلا (2).
ثم قال الرضي: وعن أبي جحيفة قال سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: إن أول
ما تغلبون عليه من الجهاد الجهاد بأيديكم، ثم بألسنتكم، ثم بقلوبكم، فمن لم
يعرف بقلبه معروفا ولم ينكر منكرا قلب بجعل أعلاه أسفله (3) انتهى.
فإذا الأقرب قول السيد (رحمه الله).
ولو افتقر إلى الجراح أو القتل ففي الوجوب بدون إذن الإمام قولان، ويظهر
من بعض عباراتهم أن الخلاف يختص بهذه الصورة، وقد عرفت خلافه. ولا يبعد
ترجيح الوجوب في ما عدا القتل، وفيه إشكال، إذ الغرض من هذه المراتب ارتكاب
المأمور أو المنهي لما طلب منه، ويشترط تجويز التأثير وهو لا يتحقق مع القتل.
وأما إقامة الحدود: فللإمام أو من يأذن له، وهل لفقهاء الشيعة في حال الغيبة
ذلك؟ فحكى في المنتهى عن الشيخين أنهما جزما بجواز ذلك عملا برواية حفص
ابن غياث، ثم قال: وعندي في ذلك توقف. وحكى في موضع آخر عنهما أيضا
جوازه مع الأمن من ضرر سلطان الوقت، نظرا إلى الرواية المذكورة، وإلى أن

(1) نهج البلاغة: 542، قصار الحكم 374.
(2) لم نعثر على الرواية المتقدمة في تفسير علي بن إبراهيم وإنما نقل الرواية المتأخرة، انظر
تفسير علي بن إبراهيم 1: 213.
(3) نهج البلاغة: 542، قصار الحكم 375. وفيه: قلب فجعل أعلاه أسفله، وأسفله أعلاه.
409

تعطيل الحدود حال غيبة الإمام مع التمكن من استيفائها يفضي إلى الفساد، ثم
قال: وهو قوي عندي (1).
ولعل الترجيح لهذا إذا كان الفقيه مأمونا، لرفع الفساد، ولعموم الآيات المؤيدة
برواية عمر بن حنظلة الدالة على الأمر بالتحاكم إلى العارف بأحكام أهل البيت (2)
وما في معناها (3) والتوقيع المنقول عن الإمام (عليه السلام): وأما الحوادث الواقعة فارجعوا
إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله (4). وما رواه الشيخ عن حفص
ابن غياث، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) من يقيم الحدود، السلطان أو القاضي؟
فقال: إقامة الحدود إلى من إليه الحكم (5).
والأكثر على أن للمولى أن يقيم الحد على عبده في زمان الغيبة، وربما يلوح
من كلام بعضهم اشتراط الفقاهة. ويدل على الأول ظاهر ما رواه الشيخ عن طلحة
ابن زيد، عن أبي جعفر، عن أبيه، عن علي (عليه السلام) قال: اضرب خادمك في معصية الله
عز وجل واعف عنه فيما يأتي عليك (6).
وعن أبي بصير في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من ضرب مملوكا له بحد
من الحدود من غير حد وجب لله على المملوك لم يكن لضاربه كفارة إلا عتقه (7).
وعلى هذا إنما يقيم المولى الحد فيما يعلمه ولا يكون أمرا يختلف فيه الأنظار
ويحتاج في التمييز فيه إلى الفقاهة، وأما إذا احتاج فيه إلى الفقه يقيمه عند ذلك،
وكذا لو احتاج ثبوته إلى إقامة البينة.

(1) المنتهى 2: 994 س 6 و 995 س 19.
(2) الوسائل 18: 98، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، ح 1.
(3) انظر الوسائل 18: 98، الباب 11 من أبواب صفات القاضي.
(4) الوسائل 18: 101، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، ح 9.
(5) التهذيب 10: 155، ح 621.
(6) التهذيب 10: 27، ح 84، وفيه «فيما يأتي إليك» بدل: فيما بغى عليك.
(7) الوسائل 18: 340، الباب 30 من أبواب مقدمات الحدود، ح 5.
410

ومقتضى الإطلاق جواز الإقامة للفاسق، وتنظر فيه في الدروس (1). قيل: وله
شاهد من الأخبار.
وفي جواز إقامته على ولده وزوجته قولان، قال في النهاية: قد رخص في
حال قصور أيدي أئمة الحق وتغلب الظالمين أن يقيم الإنسان الحد على ولده
وأهله ومماليكه إذا لم يخف في ذلك ضررا من الظالمين ومن يوافقهم (2).
وعن ابن إدريس: الأقوى عندي أنه لا يجوز له أن يقيم الحدود إلا على عبده
فحسب دون ما عداه من الأهل والقرابات، لما ورد في العبيد من الأخبار
واستفاض به النقل بين الخاص والعام (3). ولعل المنع أقوى، لكن في بعض
الروايات أنه لو وجد رجلا يزني بامرأته جاز له قتلهما (4).
وقال في السرائر: قد روي أن من استخلفه سلطان ظالم على قوم وجعل إليه
إقامة الحدود جاز له أن يقيمها عليه (5) على الكمال ويعتقد أنه إنما يفعل ذلك بإذن
سلطان الحق لا بإذن سلطان الجور، ويجب على المؤمنين معونته وتمكينه من
ذلك ما لم يتعد الحق في ذلك وما هو مشروع في شريعة الإسلام، فإن تعدى ما
جعل إليه الحق لم يجز له القيام به ولا لأحد معونته على ذلك، والأولى في الديانة
ترك العمل بهذه الرواية، وقال: إنها أوردها الشيخ في نهايته وقال: الإجماع منعقد
حاصل من أصحابنا ومن المسلمين جميعا أنه لا يجوز إقامة الحدود ولا يكون
المخاطب بها إلا الأئمة والحكام القائمون بإذنهم في ذلك (6). وقوله متجه إذا لم
يكن المتولي فقيها.
فإن أجبره السلطان على ذلك جاز ما لم يكن قتلا ظلما، فلا تقية فيه وإن بلغ

(1) الدروس 2: 48.
(2) النهاية 2: 16، وفيها (وأمن من بوائقهم) بدل ومن يوافقهم.
(3) السرائر 2: 24.
(4) الوسائل 18: 413، الباب 45 من أبواب حد الزنا، ح 2.
(5) في المصدر: عليهم.
(6) السرائر 2: 24 - 25.
411

حد تلف نفسه، لا أعرف في ذلك خلافا بينهم، ونقل بعضهم الإجماع عليه وعلله
في الشرائع بأنه لا تقية في الدماء (1).
وظاهر الأكثر عدم لحوق الجرح بالقتل، وقال في المسالك: ألحق به
الشيخ (رحمه الله) الجرح، وهو مناسب لتعليل المصنف، فإن التقية المنفية في الدماء نكرة
في سياق النفي فيعم، وفي بعض العبارات، لا تقية في قتل النفوس، فيخرج الجرح
الذي لا يفضىء إليه، ولا يحضرني مستندا رتب عليه الحكم (2) انتهى.
وقال الشهيد (رحمه الله) في اللمعة: ولو اضطره السلطان إلى إقامة حد، أو قصاص
ظلما، أو لحكم جاز له إلا القتل فلا تقية فيه. قال الشارح (رحمه الله) ويدخل في الجواز
الجرح لأن المروي أنه لا تقية في قتل النفوس، فهو خارج، وألحقه الشيخ بالقتل
مدعيا أنه لا تقية في الدماء، وفيه نظر (3) انتهى.
وقال بعضهم: وفي الجرح خلاف لصدق الدماء عليه مع عموم: لا تقية في
الدماء في الرواية. وهو بعيد (4). ولم أطلع في هذا الباب إلا على رواية نقلها
صاحب الكافي عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) قال إنما
جعلت التقية ليحقن بها الدم فإذا بلغ الدم فليس تقية (5).
وفي رواية نقلها الشيخ ونقلها العلامة في المنتهى عن أبي حمزة الثمالي في
الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام): إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغت التقية الدم
فلا تقية (6). وفي العبارة إجمال، وقد يعبر عن القتل بالدم، وكلام من خص الحكم
بالقتل وعلل بأن لا تقية في الدماء يناسب هذا الحمل، فالمقام لا يخلو عن إشكال.
وللفقهاء الحكم بين الناس مع الأمن من الظالمين وقسمة الزكوات
والأخماس والإفتاء بشرط الاستجماع لشرائط الإفتاء، ومستنده قوله تعالى:

(1) الشرائع 1: 344.
(2) المسالك 3: 107.
(3) اللمعة: 46، الروضة 2: 420.
(4) مجمع الفائدة 7: 550.
(5) الكافي 2: 220، ح 16.
(6) المنتهى 2: 997 س 13.
412

(فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) (1) الآية، وقوله تعالى: (إن الذين
يكتمون) (2) الآية. ومقبولة عمر بن حنظلة (3) وغيرها من الروايات. ويجب على
الناس مساعدتهم والترافع إليهم في الأحكام، فمن امتنع على خصمه وآثر الترافع
إلى حكام الجور أثم.
ولا يحل لفاقد الشرائط كلا أو بعضا الحكم ولا الإفتاء، ولا ينفذ حكمه، ولا
يكفيه فتوى العلماء ولا تقليد القدماء، فإن الميت لا تعويل على العمل بفتواه وإن
كان مجتهدا، للآية والخبر. ونقل بعضهم الاتفاق على ذلك (4) فالعمل بقولهم يقتضي
عدم جواز العمل به.

(1) التوبة: 122.
(2) البقرة: 159.
(3) الوسائل 18: 98، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، ح 1.
(4) المسالك 3: 108 و 109.
413

كتاب التجارة
415

كتاب التجارة
وفيه مقاصد:
الأول
في المقدمات
وفيه فصول:
الأول في استحباب التجارة
لا نعلم خلافا في جواز طلب الرزق بالمعاش في الحلال، قال الله تعالى:
(فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور) (1).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) في الصحيح في قول الله عز وجل: (ربنا آتنا في الدنيا
حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) قال: رضوان الله والجنة في الآخرة،
والسعة في الرزق والمعاش وحسن الخلق في الدنيا (2).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام): نعم العون الدنيا على الآخرة (3).
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): نعم العون على تقوى الله الغنى (4).

(1) الملك: 15.
(2) الوسائل 12: 2، الباب 1 من أبواب مقدمات كتاب التجارة، ح 1.
(3) الوسائل 12: 17، الباب 6 من أبواب مقدمات كتاب التجارة، ح 3.
(4) الوسائل 12: 16، الباب 6 من أبواب مقدمات كتاب التجارة، ح 1.
416

وعن أبي عبد الله عبد الله (عليه السلام) في الصحيح قال: ترك التجارة ينقص العقل (1).
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله (2).
الفصل الثاني في آداب التجارة
مسألة: ينبغي لمن أراد التجارة أن يتفقه في دينه أولا ليعرف كيفية
الاكتساب، ويميز بين العقود الصحيحة والفاسدة - فإن العقد الفاسد لا يترتب عليه
أثر الانتقال، بل الشيء باق على ملكية الأول، ولا يصح للمشتري التصرف فيه -
وليسلم من الربا الموبق، ولا يرتكب المآثم من حيث لا يعلم.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) من اتجر بغير علم ارتطم في الربا ثم ارتطم (3). ومعنى
ارتطم: ارتكب، وارتطم عليه أمره: إذا لم يقدر على الخروج منه.
وعنه (عليه السلام) أنه كان يقول: لا يقعدن في السوق إلا من يعلم الشراء والبيع (4).
وكان (عليه السلام) يقول: التاجر فاجر، والفاجر في النار، إلا من أخذ الحق وأعطى
الحق (5).
وعن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول على المنبر: يا
معشر الناس الفقه ثم المتجر، الفقه ثم المتجر، والله للربا في هذه الامة دبيب أخفى
من دبيب النمل على الصفا، شوبوا أيمانكم بالصدق، التاجر فاجر، والفاجر في
النار إلا من أخذ الحق وأعطى الحق (6).
مسألة: قال في المنتهى: ينبغي للتاجر أن يسوي بين الناس في البيع والشراء

(1) الوسائل 12: 5، الباب 2 من أبواب مقدمات كتاب التجارة، ح 1.
(2) عوالي اللئالي 2: 109، ح 297.
(3) الوسائل 12: 283، الباب 1 من أبواب آداب التجارة، ح 2.
(4) الوسائل 12: 283، الباب 1 من أبواب آداب التجارة، ح 3.
(5) الوسائل 12: 282، الباب 1 من أبواب آداب التجارة ذيل الحديث 1.
(6) الوسائل 12: 282، الباب 1 من أبواب آداب التجارة، ح 1 وفيه: يا معشر التجار.
417

فيكون الصبي عنده بمنزلة الكبير، والساكت بمنزلة المماكس، والمستحيي بمنزلة
البصير المداق، يعني المدقق في الامور. قال: والمراد بالصبي هنا البالغ العاقل في
أوائل بلوغه، فإن من لم يبلغ لا ينعقد بيعه وشراؤه، والبصير المراد به أن يكون من
أهل البصيرة والخبرة، وكل ذلك على جهة الاستحباب (1).
مسألة: إذا قال التاجر لغيره: هلم احسن إليك، باعه من غير ربح، وكذلك إذا
عامله مؤمن فليجتهد أن لا يربح عليه إلا في حال الضرورة، كل ذلك على جهة
الاستحباب (2).
مسألة: قال في المنتهى: إذا قال إنسان للتاجر: اشتر لي متاعا، لم يجز له أن
يعطيه من عنده وإن كان الذي عنده خيرا مما يجده، إلا أن يبين له أن ذلك من
عنده ومن خاص ماله (3). واحتج بحسنة هشام بن سالم (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
إذا قال الرجل: اشتر لي، فلا تعطه من عندك وإن كان الذي عندك خيرا منه (5).
وقد روى ابن بابويه عن ميسر قال: قلت له: يجيئني الرجل فيقول: تشتري
لي، فيكون ما عندي خيرا من متاع السوق، قال: إن أمنت أن لا يتهمك فأعطه من
عندك، وإن خفت أن يتهمك فاشتر له من السوق (6).
وجعل ابن إدريس وجه المنع أن التاجر صار وكيلا في الشراء، ولا يجوز
للوكيل أن يشتري لموكله من نفسه، لأن العقد يحتاج إلى إيجاب وقبول، ولا يصح
أن يكون موجبا وقابلا (7). وفيه نظر.
ويستحب الإقالة استحبابا مؤكدا، لرواية هارون بن حمزة (8) وإعطاء الراجح،

(1) المنتهى 2: 1000 س 19.
(2) المنتهى 2: 1000 س 26.
(3) المنتهى 2: 1000 س 30.
(4) كذا في النسخ، ولكن في الوسائل والتهذيب والمنتهى: هشام بن الحكم.
(5) الوسائل 12: 288، الباب 5 في أبواب آداب التجارة، ح 1.
(6) الفقيه 3: 195، ح 3733.
(7) السرائر 2: 231.
(8) الوسائل 12: 268، الباب 3 من أبواب آداب التجارة ح 2.
418

وأخذ الناقص، والمسامحة في البيع والشراء، والقضاء والاقتضاء، للرواية (1).
] ويدل عليه أيضا رواية إسحاق عن أبي عبد الله (عليه السلام). ودلالة الروايتين على
التحريم غير واضحة [(2).
ويكره للتاجر أن يكون أول داخل إلى السوق، ويستحب له إذا دخل السوق
الدعاء بما رواه معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3).
ويستحب لمن اشترى شيئا أن يكبر الله ثلاثا وأن يشهد الشهادتين، وإذا
تعسر عليه نوع من التجارة انتقل إلى غيرها، وإذا حصل له في نوع من التجارة
الربح استحب له المقام عليه.
الفصل الثالث في المناهي المتعلقة بالبيع
بعضها على سبيل التحريم، وبعضها على سبيل الكراهية.
ينبغي أن يتجنب في تجارته خمسة أشياء: مدح البائع، وذم المشتري،
واليمين، وكتمان العيوب، والربا; والأخيران على التحريم.
ويكره السوم والمقاولة في البيع والشراء فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع
الشمس، وينبغي أن يتجنب مخالطة السفلة من الناس والأدنين منهم، ولا يعامل
إلا من نشأ في الخير.
ويكره معاملة ذوي العاهات والمحارفين، ويكره معاملة الأكراد ومخالطتهم
ومناكحتهم، ويكره الاستحطاط بعد العقد، والبيع في الموضع المظلم، ففي صحيحة
هشام بن الحكم عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) أن البيع في الظلال غش والغش
حرام (4) والتعرض للكيل أو الوزن إذا لم يحسنه وقيل بالتحريم، والزيادة وقت

(1) الوسائل 12: 289، الباب 5 من أبواب آداب التجارة، ح 2.
(2) لم يرد في الأصل وخ 1».
(3) الوسائل 12: 301، الباب 18 من أبواب آداب التجارة، ح 2.
(4) الوسائل 12: 343، الباب 58 من أبواب آداب التجارة، ح 1، وفيه: والغش لا يحل.
419

النداء، ودخول المؤمن في سوم أخيه. وقيل: يحرم (1).
والمراد بالدخول في سومه أن يطلب المتاع الذي يشتريه بأن يزيد في الثمن
أو يبذل للمشتري متاعا غير ما اتفق عليه هو والبائع.
قال في المسالك: إنما يحرم أو يكره بعد تراضيهما أو قربه، فلو ظهر منه ما
يدل على عدم الرضى وطلب الزيادة أو جهل حاله لم يحرم ولم يكره اتفاقا. قال:
ولو طلب الداخل من الطالب الترك له لم يحرم، وفي كراهته وجه، ولا كراهية في
ترك الملتمس منه قطعا، بل ربما استحب إجابته إذا كان مؤمنا (2).
ويكره أيضا أن يتوكل حاضر لباد، وقيل: يحرم (3). ولعل الأول أقرب. والمراد
بالباد الغريب الجالب للبلد أعم من كونه من البادية أو قرويا، ومعناه أن يحمل
متاعه إلى بلد فيأتيه البلدي ويقول: أنا أبيعه لك.
ويكره تلقي الركبان، وقيل بالتحريم (4). والأول أقرب. وحده أربعة فراسخ،
ولو تلقى لا بالقصد لم يكره.
وفي كراهية الاحتكار أو تحريمه قولان
ويشترط أن يستبقيها للزيادة في الثمن، قال في المنتهى: إنما يتحقق
الاحتكار المحرم أو المكروه على اختلاف الرأيين عند احتياج الناس إلى الطعام
وعدم الباذل والبائع سوى المحتكر (5).
وفي حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الحكرة أن يشتري طعاما ليس
في المصر غيره فيحكره، فإن كان في المصر طعام أو يباع غيره فلا بأس بأن
يلتمس من سلعته الفضل (6). ومثله ما في صحيحة الحلبي بتفاوت يسير.
وفي حسنة اخرى للحلبي أيضا: إن كان الطعام كثيرا يسع الناس فلا

(1) المبسوط 2: 160.
(2) المسالك 3: 187.
(3) حكاه في شرائع الإسلام 2: 20.
(4) الخلاف 3: 172، المسألة 282.
(5) المنتهى 2: 1007 س 15.
(6) الوسائل 12: 315، الباب 28 من أبواب آداب التجارة، ح 1.
420

بأس، وإن كان قليلا لا يسع الناس فإنه يكره أن يحتكر الطعام ويترك الناس
ليس لهم طعام (1). ويستفاد من رواية سالم الحناط نفي البأس بوجود بائع
غيره (2).
وإنما يكون في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن على المشهور،
لرواية غياث بن إبراهيم (3). ويشهد له رواية أبي البختري المذكورة في قرب
الإسناد (4). وعن الشيخ: يثبت الاحتكار في الملح (5). ولا أعرف له مستندا. وفي
حسنة الحلبي ورواية غياث بن إبراهيم ورواية السكوني (6) إضافة الزيت، وهو
منقول عن ابن بابويه (7).
وظاهر بعضهم يقتضي عدم الفرق بين كون ذلك من غلته وشرائه لها. والعلامة
صرح بأنه لا يتحقق إلا بشرائها وحبسها. ويستفاد من حسنة الحلبي وصحيحته
اعتبار الاشتراء في الحكرة.
ويستفاد من حسنة اخرى للحلبي (8) تعلق المنع باحتكار الطعام وتربصه
وشرط جماعة أن يستبقيها في الغلاء ثلاثة أيام وفي الرخص أربعين (9). ومستنده
رواية ضعيفة (10). ولعل التقييد بالحاجة أولى.
والمشهور أن على الإمام أن يجبر المحتكرين على البيع لا التسعير إلا مع
الإجحاف. ولعل الأقوى عدم التسعير.

(1) الوسائل 12: 313، الباب 27 من أبواب آداب التجارة، ح 2.
(2) الوسائل 12: 316، الباب 28 من أبواب آداب التجارة، ح 3.
(3) الوسائل 12: 313، الباب 27 من أبواب آداب التجارة، ح 4.
(4) قرب الإسناد: 135، ح 472.
(5) المبسوط 2: 195.
(6) رواية الحلبي في التهذيب 7: 160، ح 706، ورواية غياث والسكوني في الوسائل 12:
313 و 314، الباب 27 من أبواب آداب التجارة، ح 4 و 10.
(7) نقله في المختلف 5: 40.
(8) التهذيب 7: 160، ح 708.
(9) النهاية 2: 115، ونقله عن ابن البراج في المختلف 5: 40.
(10) الوسائل 12: 312، الباب 27 من أبواب آداب التجارة، ح 1.
421

المقصد الثاني
في ضروب الاكتساب
وفيه مباحث:
المبحث الأول في ما يحرم التكسب به
وهو أنواع:
منها: الميتة والخمر والخنزير. ونقل في المنتهى إجماع المسلمين كافة على
تحريم بيعها (1). ويدل على تحريم ثمنها النص، ومستند الحكم في الميتة رواية
السكوني (2).
وفي رواية أبي القاسم الصيقل وولده دلالة على جواز بيع ما يتخذ من جلود
الميتة للسيوف وشرائها (3) والحكم لا يخلو عن إشكال.
وفي حكمها الأنبذة المسكرة بلا خلاف، والأخبار مطلقة في تحريم ثمن
المسكر، وكذا الكلب، سوى كلب الصيد والماشية والزرع والحائط بلا خلاف.
ومنها: أرواث وأبوال ما لا يؤكل لحمه، والمشهور عدم جواز بيعها، وبعض
الأخبار يدل على أن ثمن العذرة سحت وأن بيعها وثمنها حرام (4) وبعضها يدل
على نفي البأس عن بيع العذرة (5).
والشيخ في التهذيب جمع بين الأخبار بحمل الأول على عذرة الإنسان
والثاني على عذرة البهائم (6). ويمكن الجمع بحمل الأول على الكراهية والثاني
على الجواز، لكن لا أعلم قائلا به. ويمكن أيضا حمل الثاني على ما عدا عذرة

(1) المنتهى 2: 1008 س 26.
(2) الوسائل 12: 62، الباب 5 من أبواب ما يكتسب به، ح 5.
(3) الوسائل 12: 125، الباب 38 من أبواب ما يكتسب به، ح 4.
(4) الوسائل 12: 126، الباب 40 من أبواب ما يكتسب به، ح 1.
(5) الوسائل 12: 126، الباب 40 من أبواب ما يكتسب به، ح 2 و 3.
(6) تهذيب الأحكام 6: 372.
422

الإنسان مطلقا كما قاله في الاستبصار (1) وهذا الوجه الذي ذكره الشيخ في
الاستبصار يقتضي جواز بيع عذرة ما لا يؤكل لحمه غير الإنسان، وادعاء الاتفاق
على خلافه كما اتفق لصاحب المسالك (2) محل إشكال.
وبالجملة إن ثبت إجماع في تحريم بيع شيء من العذرات فذاك، وإلا كان
الجواز متجها فيما ينتفع به.
وأما روث وبول ما يؤكل لحمه ففي جوازه خلاف إلا بول الإبل للاستشفاء،
والجواز أقوى خصوصا في العذرات، للانتفاع بها مع طهارتها، وأما الأبوال فكذلك
إن فرض لها نفع مقصود، والمعروف أن المائعات التي لا تقبل التطهير لا يجوز
بيعها سوى الأدهان لفائدة الاستصباح، ونقل في المنتهى الإجماع عليه (3). ولا
حجة للمستثنى سواه إن تم، وعموم الأدلة مع حصول الانتفاع بها يقتضي الجواز.
وأما استثناء الأدهان فيدل على جواز استعمال الأدهان المتنجسة صحيحة
الحلبي، وصحيحة زرارة، وصحيحة سعيد الأعرج وغيرها (4) وحيث جاز
استعمالها على بعض الوجوه جاز بيعها مع الإعلام.
وألحق بعض الأصحاب ببيعها للاستصباح بيعها ليعمل صابونا أو ليدهن بها
الأجرب ونحو ذلك (5). وهو قوي، للأصل وعموم الأدلة. وذكر الإسراج
والاستصباح في الروايات غير دال على الحصر، بل الظاهر أن الغرض بيان
الفائدة والانتفاع بذكر فائدة ظاهرة، كما أن تخصيص المنع بالأكل فيها غير دال
على الحصر.
وقيدوا الاستصباح بكونه تحت السماء، وعن ابن إدريس دعوى الإجماع
عليه (6). والقول بالجواز مطلقا متجه كما ذهب إليه جماعة من الأصحاب، لعموم

(1) الاستبصار 3: 56.
(2) المسالك 3: 122.
(3) المنتهى 2: 1010 س 16.
(4) الوسائل 16: 374 و 375، الباب 43 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 4 و 3 و 5.
(5) فوائد الشرائع: 168 س 17 (مخطوط).
(6) السرائر 2: 222.
423

الأدلة. وفي المسالك: موضع الخلاف ما إذا كان الدهن متنجسا بالعرض، فلو كان
نفسه نجاسة كأليات الميتة والمبانة من الحي لم يصح الانتفاع به مطلقا، لإطلاق
النهي عن استعمال الميتة.
ونقل الشهيد (رحمه الله) عن العلامة جواز الاستصباح به تحت السماء، قال: وهو
ضعيف (1). وفيه نظر.
وقد روى ابن إدريس في آخر السرائر عن جامع البزنطي صاحب
الرضا (عليه السلام)، قال: سألته عن الرجل يكون له الغنم يقطع من ألياتها وهي أحياء،
أيصلح أن ينتفع بما قطع؟ قال: نعم يذيبها ويسرج بها ولا يأكلها ولا يبيعها (2).
ورواه الحميري في قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن علي بن جعفر عن
أخيه (3). والعمل به متجه.
وروى الحلبي في الصحيح قال: سمعت أبا عبد الله يقول: إذا اختلط الذكي
بالميتة باعه ممن يستحل الميتة وأكل ثمنه. وروى الحلبي في الحسن عن أبي
عبد الله (عليه السلام) أنه سئل عن رجل كان له غنم وبقر، وكان يدرك الذكي منها فيعزله
ويعزل الميتة، ثم إن الميتة والذكي اختلطا، كيف يصنع به؟ قال: يبيعه ممن يستحل
الميتة ويأكل ثمنه، فإنه لا بأس (4). وروى علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى
ابن جعفر مثله (5).
وروى الكليني عن حفص بن البختري في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) في
العجين من الماء النجس كيف يصنع به؟ قال: يباع ممن يستحل الميتة (6) والعمل
بهذه الأخبار متجه.

(1) المسالك 3: 120.
(2) السرائر 3: 573.
(3) قرب الإسناد: 261، ح 1033 و 1034.
(4) الوسائل 12: 68، الباب 7 من أبواب ما يكتسب به، ح 2.
(5) الوسائل 12: 68، الباب 7 من أبواب ما يكتسب به ذيل الحديث 2.
(6) الوسائل 12: 68، الباب 7 من أبواب ما يكتسب به، ح 3.
424

ومنها: ما تحرم لتحريم ما قصد به، نحو هياكل العبادة المبتدعة كالصليب
والصنم وآلات اللهو إن لم يمكن الانتفاع بها في غير الوجه المحرم ولم يكن
لمكسورها قيمة، وإن أمكن الانتفاع بها في غير الوجه المحرم منفعة مقصودة غير
نادرة جدا لم يبعد الجواز.
ولو كان لمكسورها قيمة وباعها صحيحة لتكسر وكان المشتري ممن يوثق
بديانته فالأقوى جوازه، وقوى في التذكرة الجواز مع زوال الصفة (1). والأكثر
أطلقوا المنع، وكذا الحكم في آلات القمار. وفي أواني الذهب والفضة وجهان.
ومنها: ما يفضي إلى مساعدة على محرم كبيع السلاح لأعداء الدين، وفي
حكمهم قطاع الطريق ونحوهم، وإنما يحرم مع قصد المساعدة أوفي حال الحرب أو
التهيؤ له، أما بدونها فلا على أحد القولين في المسألة، لرواية أبي بكر الحضرمي (2)
ورواية هند السراج (3) وغيرهما. ولو باعهم ليستعينوا بهم على قتال الكفار لم
يحرم، للأصل المعتضد برواية هند السراج. قال بعض الأصحاب: هذا كله فيما يعد
سلاحا كالسيف والرمح، وأما ما يعد جنة كالبيضة والدرع فلا (4). وفيه إشكال.
وفي رواية أبي بكر الحضرمي: فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا
إليهم السروج والسلاح (5).
ومن هذا الباب إجارة المساكن والسفن للمحرمات، وبيع العنب ليعمل خمرا،
وبيع الخشب ليعمل صنما، والمراد بيعه لأجل الغاية المحرمة، سواء شرطها في
ضمن العقد أم حصل الاتفاق عليها. وروى ابن اذينة في الحسن قال: كتبت إلى
أبي عبد الله (عليه السلام) أسأله عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه برابط؟ فقال: لا بأس

(1) التذكرة 1: 465 س 9.
(2) الوسائل 12: 69، الباب 8 من أبواب ما يكتسب به، ح 1.
(3) الوسائل 12: 69، الباب 8 من أبواب ما يكتسب به، ح 2.
(4) المسالك 3: 123.
(5) الوسائل 12: 69، الباب 8 من أبواب ما يكتسب به، ح 1.
425

به. وعن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا قال: لا (1).
وفي تحريم إجارة البيت والسفينة لمن يعلم أنه يفعل المحرمات خلاف،
فقيل بالتحريم (2) نظرا إلى الآية (3) ورواية صابر (4). والأقرب الجواز، لحسنة ابن
اذينة (5) ومنع كون ذلك معاونة.
وفي بيع العنب لمن يعلم أنه يعمله خمرا خلاف، والأقرب الجواز، لصحيحتي
ابن أبي نصر ومحمد الحلبي، وحسنة عمر بن اذينة، وصحيحة رفاعة بن موسى،
وصحيحة الحلبي، ورواية أبي كهمس وغيرها (6).
ومنها: ما لا ينتفع به كالحشرات والمسوخ على القول بعدم وقوع التذكية
عليها، أما لو قلنا بوقوع التذكية عليها جاز بيعها لمن يقصد الانتفاع بالتذكية، أو
اشتبه القصد. قال بعضهم: لو علم منه قصد منفعة محرمة كلعب الدب والقرد لم
يصح (7). وفيه تأمل. ولو قصد منه حفظ المتاع جاز على الأقرب، وقيل: لا، لأنه
منفعة نادرة غير موثوق بها (8).
والأقوى جواز بيع الفيل، للأصل المعتضد برواية عبد الحميد بن سعد (9).
والأشبه جواز بيع السباع كلها، للانتفاع، وعموم الأدلة، وصحيحة عيص بن
القاسم الواردة في الفهود وسباع الطير (10) وصحيحة محمد بن مسلم وعبد الرحمن

(1) الوسائل 12: 127، الباب 41 من أبواب ما يكتسب به، ح 1.
(2) المسالك 3: 124.
(3) (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) المائدة: 2.
(4) الوسائل 12: 125، الباب 39 من أبواب ما يكتسب به، ح 1.
(5) الوسائل 12: 126، الباب 39 من أبواب ما يكتسب به، ح 2.
(6) الوسائل 12: 169 و 170، الباب 59 من أبواب ما يكتسب به، ح 1 و 4 و 5 و 8 و 9 و 6.
(7) المسالك 3: 124.
(8) المسالك 3: 124.
(9) الوسائل 12: 123، الباب 37 من أبواب ما يكتسب به، ح 2.
(10) الوسائل 12: 123، الباب 37 من أبواب ما يكتسب به، ح 1.
426

في ثمن الهر (1). ونسب جواز بيع الهرة في التذكرة إلى علمائنا (2). وفي كتاب علي
ابن جعفر عن أخيه قال: سألته عن جلود السباع وبيعها وذكاتها، أيصلح ذلك؟
قال: لا بأس ما لم يسجد عليها (3).
ومنها: ما هو محرم في نفسه كعمل الصور المجسمة عند بعض الأصحاب، لا
المنقوشة على نحو البساط والورق (4). وعن جماعة من الأصحاب التصريح
بتحريم التماثيل المجسمة وغيرها (5). وعن آخرين التخصيص بذوات الأرواح
المجسمة (6).
وقوى في المسالك تحريم تصوير ذوات الأرواح مطلقا، استنادا إلى ما روى
الصدوق في كتاب عقاب الأعمال عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «ثلاثة يعذبون
يوم القيامة» وعد منهم «من صور صورة من الحيوان يعذب حتى ينفخ فيها وليس
بنافخ فيها» وقال: الرواية دالة على تحريم تصوير ذوات الأرواح مطلقا ولا أعلم
حجة على تحريم غيره (7) وهذا هو الأقوى. وعد الرواية من الصحاح والرواية
مذكورة في كتاب الخصال أيضا (8). وفي صحتها نظر، وكذا باقي الروايات الواردة
في هذا الباب ليس شيء منها نقي السند، فالحكم بالتحريم في غير مورد الاتفاق
محل نظر، لكن لا أعلم خلافا في تحريم تصوير الحيوان ذي الظل بحيث إذا
أشرق عليه مضيء حصل له الظل، ونقل بعضهم الإجماع عليه.
وروى أبو بصير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنا نبسط عندنا الوسائد فيها
التماثيل ونفترشها. قال: لا بأس أن تبسطها وتفترش، إنما يكره منها ما نصب على

(1) الوسائل 12: 83، الباب 14 من أبواب ما يكتسب به، ح 3.
(2) التذكرة 1: 464 س 20.
(3) مسائل علي بن جعفر: 189، ح 382.
(4) المسالك 3: 126.
(5) المهذب 1: 344، السرائر 2: 215، الروضة 3: 212.
(6) التنقيح 2: 11.
(7) المسالك 3: 126.
(8) الخصال 1: 108، ح 76.
427

الحائط وعلى السرير (1). والرواية ضعيفة.
وفي المحاسن عن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا بأس
بتماثيل الشجر (2). وعن محمد بن مسلم في الصحيح قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن تماثيل الشجر والشمس والقمر، فقال: لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان (3).
ومن ذلك: الغناء، وهو مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب على ما
قاله بعضهم (4). وبعضهم اقتصر على الترجيع (5). وبعضهم على الإطراب من غير ذكر
الترجيع (6). ومن العامة من فسر بتحسين الصوت. ويظهر ذلك من بعض عبارات
أهل اللغة. والظاهر أن الغالب لا ينفك التحسين من الوصفين المذكورين. ومنهم
من فسر بمد الصوت. ومنهم من قال: من رفع صوتا ووالاه فهو غناء. ولعل
الإطراب والترجيع مجتمعان غالبا. وقيل: ما يسمى غناء عرفا وإن لم يشتمل على
القيدين (7).
ولا خلاف عندنا في تحريم الغناء في الجملة، والأخبار الدالة عليه متظافرة (8).
وصرح المحقق وجماعة ممن تأخر عنه بتحريم الغناء ولو كان في القرآن (9).
لكن غير واحد من الأخبار يدل على جوازه، بل استحبابه في القرآن (10) بناء على
دلالة الروايات على جواز حسن الصوت والتحزين والترجيع في القرآن، بل
استحبابه، والظاهر أن شيئا منها لا يوجد بدون الغناء على ما استفيد من كلام أهل
اللغة وغيرهم، وفصلناه في بعض رسائلنا.

(1) الوسائل 12: 220، الباب 94 من أبواب ما يكتسب به، ح 4.
(2) المحاسن: 619، ح 55.
(3) الوسائل 12: 220، الباب 94 من أبواب ما يكتسب به، ح 3.
(4) المسالك 3: 126.
(5) حكاه في المسالك 3: 126.
(6) السرائر 2: 215.
(7) حكاه في مجمع الفائدة 8: 57.
(8) الوسائل 12: 225، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به.
(9) لم نقف بالتصريح في كلامهم، نعم إطلاق عبارتهم يقتضي ذلك، راجع الحدائق 18: 101.
(10) الوسائل 4: 858، الباب 24 من أبواب قراءة القرآن.
428

ففي مرسلة ابن أبي عمير عن الصادق (عليه السلام): أن القرآن نزل بالحزن فاقرأه
بالحزن (1). وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله أوحى إلى موسى
ابن عمران: إذا وقفت بين يدي فقف موقف الذليل الفقير، وإذا قرأت التوراة
فأسمعنيها بصوت حزين (2).
وعن حفص قال: ما رأيت أحدا أشد خوفا على نفسه من موسى بن جعفر ولا
أرجى للناس منه، وكانت قراءته حزنا، فإذا قرأ فكأنه يخاطب إنسانا (3).
وفي رواية عبد الله بن سنان: اقرأوا القرآن بألحان العرب وأصواتها (4).
وفي رواية النوفلي عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: ذكرت الصوت عنده فقال: إن
علي بن الحسين (عليه السلام) كان يقرأ القرآن فربما يمر به المار فصعق من حسن صوته
وإن الإمام لو أظهر من ذلك شيئا لما احتمله الناس من حسنه. قلت: ولم يكن
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصلي بالناس ويرفع صوته بالقرآن؟ فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
كان يحمل الناس من خلفه ما يطيقون (5).
وفي رواية عبد الله بن سنان عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يعط امتي أقل من ثلاث:
الجمال والصوت الحسن والحفظ (6).
وفي رواية أبي بصير عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن من أجمل الجمال الشعر الحسن
ونغمة الصوت الحسن (7).
وفي رواية عبد الله بن سنان عن النبي (صلى الله عليه وآله): لكل شيء حلية، وحلية القرآن
الصوت الحسن (8).

(1) الوسائل 4: 857، الباب 22 من أبواب قراءة القرآن، ح 1.
(2) الوسائل 4: 857، الباب 22 من أبواب قراءة القرآن، ح 2.
(3) الوسائل 4: 857، الباب 22 من أبواب قراءة القرآن، ح 3.
(4) الوسائل 4: 858، الباب 24 من أبواب قراءة القرآن، ح 1.
(5) الكافي 2: 615، ح 4.
(6) الكافي 2: 615، ح 7.
(7) الكافي 2: 615، ح 8.
(8) الوسائل 4: 859، الباب 24 من أبواب قراءة القرآن، ح 3.
429

وفي رواية اخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام): ما بعث الله نبيا إلا حسن الصوت (1).
وفي رواية اخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان علي بن الحسين صلوات الله
عليه أحسن الناس صوتا بالقرآن وكان السقاؤون يمرون فيقفون ببابه يستمعون
قراءته (2).
وفي رواية اخرى - لا تخلو عن قوة - عن أبي بصير قال: قلت لأبي
جعفر (عليه السلام): إذا قرأت القرآن فرفعت صوتي جاءني الشيطان فقال: إنما ترائي بهذا
أهلك والناس، فقال: يا أبا محمد اقرأ ما بين القراءتين يستمع أهلك، ورجع
بالقرآن صوتك، فإن الله عز وجل يحب الصوت الحسن يرجع فيه ترجيعا (3).
وفي رواية اخرى عن أبي جعفر (عليه السلام): ترجع بالقرآن صوتك فإن الله عز وجل
يحب الصوت الحسن يرجع فيه ترجيعا (4).
وروى معاوية بن عمار في الصحيح قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل لا
يرى أنه صنع شيئا في الدعاء وفي القرآن حتى يرفع صوته، فقال: لا بأس، إن
علي بن الحسين (عليه السلام) كان أحسن الناس صوتا بالقرآن فكان يرفع صوته حتى
يسمعه أهل الدار، وإن أبا جعفر (عليه السلام) كان أحسن الناس صوتا بالقرآن، وكان إذا
قام من الليل وقرأ رفع صوته فيمر به مار الطريق من السقائين وغيرهم فيقومون
فيستمعون إلى قراءته (5).
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: (ورتل القرآن ترتيلا)
قال: هو أن تتمكث فيه، وتحسن به صوتك (6). وعن الحسن بن عبد الله التميمي عن
أبيه عن الرضا (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حسنوا القرآن بأصواتكم، فإن

(1) الكافي 2: 616، ح 10.
(2) الكافي 2: 616، ح 11.
(3) الوسائل 4: 859، الباب 24 من أبواب قراءة القرآن، ح 5.
(4) الكافي 2: 616، ح 13.
(5) الوسائل 4: 858، الباب 23 من أبواب قراءة القرآن، ح 2.
(6) الوسائل 4: 856، الباب 21 من أبواب قراءة القرآن، ح 4.
430

الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا (1). وعن دارم بن قبيصة عن الرضا (عليه السلام) عن
آبائه مثله (2). وعن سماعة عن شيخ من أصحابنا عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: جئنا نريد
الدخول عليه، فلما صرنا في الدهليز سمعنا قراءة بالسريانية بصوت حسن يقرأ
ويبكي حتى أبكى بعضنا (3). وعن موسى النميري قال: جئت إلى باب أبي جعفر
لأستأذن عليه فسمعنا صوتا حزينا يقرأ بالعبرانية فبكينا حين سمعنا الصوت فظننا
أنه بعث إلى رجل من أهل الكتاب يستقرئه، فأذن لنا فدخلنا عليه فلم نر عنده
أحدا، فقلنا: أصلحك الله سمعنا صوتا بالعبرانية فظننا أنك بعثت إلى رجل من أهل
الكتاب تستقرئه، قال: لا ولكن ذكرت مناجاة إيليا لربه فبكيت (4). الحديث.
وفي الفقيه: سأل رجل علي بن الحسين (عليهما السلام) عن شراء جارية لها صوت،
فقال: ما عليك لو اشتريتها فذكرتك الجنة: «يعني بقراءة القرآن والزهد والفضائل
التي ليست بغناء» فأما الغناء فمحظور (5)
وفي رواية عبد الله بن سنان: اقرؤوا القرآن بألحان العرب وأصواتها وإياكم
ولحون أهل الفسق وأهل الكبائر، وسيجئ من بعدي أقوام يرجعون القرآن
ترجيع الغناء والرهبانية والنوح ولا يجاوز حناجرهم، مقلوبة قلوبهم وقلوب
الذين يعجبهم شأنهم (6).
وفي بعض الروايات في ذكر أشراط الساعة: ويتغنون بالقرآن (7).
وارتكاب التأويل في هذه الأخبار ما عدا الأخير (8) بحيث يجتمع مع القول
بتحريم الغناء في القرآن يحتاج إلى تكلف بين.

(1) الوسائل 4: 859، الباب 24 من أبواب قراءة القرآن، ح 6.
(2) الوسائل 4: 860، الباب 24 من أبواب قراءة القرآن، ح 7.
(3) البصائر: 340، ح 1.
(4) البصائر: 341، ح 3.
(5) الفقيه 4: 60، الحديث 5097.
(6) الوسائل 7: 858، الباب 24 من أبواب قراءة القرآن، ح 1.
(7) الوسائل 12: 230، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به، ح 27.
(8) في خ 2: الأخيرين.
431

والشيخ أبو علي الطبرسي (رحمه الله) قال في كتاب مجمع البيان: الفن السابع في ذكر
ما يستحب للقارئ من تحسين اللفظ وتزيين الصوت بقراءة القرآن. ونقل
روايات من طريق العامة حتى نقل رواية عبد الرحمن بن السائب قال: قدم علينا
سعد بن أبي وقاص فأتيته مسلما عليه فقال: مرحبا يا بن أخي! بلغني أنك حسن
الصوت بالقرآن. قلت: نعم والحمد لله. قال: فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن
القرآن نزل بالحزن، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا وتغنوا به، فمن لم
يتغن بالقرآن فليس منا. قال: وتأول بعضهم بمعنى استغنوا به، وأكثر العلماء على
أنه تزيين الصوت وتحزينه (1). انتهى.
وهذا يدل على أن تحسين الصوت بالقرآن والتغني به مستحب عنده وأن
خلاف ذلك لم يكن معروفا بين القدماء، وكلام السيد المرتضى في الغرر والدرر لا
يخلو عن إشعار واضح بذلك (2).
وفي الكافي باب ترتيل القرآن بالصوت الحسن (3) وأورد أكثر الأخبار
المذكورة، وأنت تعلم طريقة القدماء.
وحينئذ نقول: يمكن الجمع بين هذه الأخبار والأخبار الكثيرة الدالة على
تحريم الغناء بوجهين:
أحدهما: تخصيص تلك الأخبار بما عدا القرآن، وحمل ما يدل على ذم
التغني بالقرآن على قراءة تكون على سبيل اللهو كما يصنعه الفساق في غنائهم.
ويؤيده رواية عبد الله بن سنان المذكورة، فإن في صدر الخبر الأمر بقراءة
القرآن بألحان العرب، واللحن هو الغناء، ثم بعد ذلك المنع من القراءة بلحون أهل
الفسق، ثم قوله: سيجيء من بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء.
وثانيهما: أن يقال: المذكور في تلك الأخبار الغناء، والمفرد المعرف باللام
لا يدل على العموم لغة، وعمومه إنما يستنبط من حيث إنه لا قرينة على إرادة

(1) مجمع البيان 1: 16.
(2) أمالي المرتضى 1: 32.
(3) الكافي 2: 614.
432

الخاص، وإرادة بعض الأفراد من غير تعيين ينافي غرض الإفادة وسياق البيان
والحكمة، فلابد من حمله على الاستغراق والعموم، وهاهنا ليس كذلك، لأن
الشائع في ذلك الزمان الغناء على سبيل اللهو من الجواري المغنيات وغيرهن في
مجالس الفجور والخمور والعمل بالملاهي والتكلم بالباطل وإسماعهن الرجال
وغيرها، فحمل المفرد على تلك الأفراد الشائعة في ذلك الزمان غير بعيد.
ويؤيده ما رواه الحميري في قرب الإسناد عن علي بن جعفر - بإسناد لا يبعد
إلحاقه بالصحاح - عن أخيه (عليه السلام) قال: سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر
والأضحى والفرح؟ قال: لا بأس ما لم يعص به (1).
وفي كتاب علي بن جعفر، قال: سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر
والأضحى والفرح يكون؟ قال: لا بأس ما لم يؤمر به (2).
ويؤيده أيضا رواية أبي بصير في الصحيح قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): أجر
المغنية التي تزف العرائس ليس به بأس ليست بالتي يدخل عليها الرجال (3) إذ فيه
دلالة على أن منشأ المنع دخول الرجال عليها، ففيه إشعار بأن منشأ المنع في الغناء
هو بعض الامور المحرمة المقترن به كالالتهاء وغيره.
وروى أبو بصير أيضا قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن كسب المغنيات؟ فقال:
التي يدخل عليها الرجال حرام، والتي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس (4).
ويؤيده أيضا رواية عبد الله بن سنان المذكورة، فإن في صدر الخبر الأمر
بقراءة القرآن بألحان العرب ثم المنع من القراءة بلحون أهل الفسق، ثم ذم من
يرجع فيها ترجيع الغناء ويؤيده أيضا قوله (عليه السلام) في رواية أبي بصير: إن الله عز
وجل يحب الصوت الحسن (5). وفي عدة من تلك الأخبار إشعار بكونه لهوا

(1) قرب الإسناد: 294، ح 1158.
(2) مسائل علي بن جعفر: 156، ح 219، وفي بعض نسخه: ما لم يزمر به.
(3) الوسائل 12: 85، الباب 15 من أبواب ما يكتسب به، ح 3.
(4) الوسائل 12: 84، الباب 15 من أبواب ما يكتسب به، ح 1.
(5) الوسائل 4: 859، الباب 24 من أبواب قراءة القرآن، ح 5.
433

باطلا (1) وصدق ذلك في القرآن والدعوات والأذكار المقروءة بالأصوات الطيبة
المذكرة للآخرة المهيجة للإشواق إلى العالم الأعلى محل تأمل. على أن التعارض
وقع بين أخبار الغناء والأخبار الكثيرة المتواترة الدالة على فضل قراءة القرآن
والأدعية والأذكار، مع عمومها لغة وكثرتها وموافقتها للأصل، والنسبة بين
الموضوعين عموم من وجه.
فإذن لا ريب في تحريم الغناء على سبيل اللهو والاقتران بالملاهي ونحوهما.
ثم إن ثبت إجماع في غيره كان متبعا، وإلا بقي حكمه على أصل الإباحة،
وطريق الاحتياط واضح.
والمشهور بين الأصحاب استثناء الحداء، وهو سوق الإبل بالغناء لها، ولا
أعلم حجة عليه إلا أن يقال بعدم شمول أدلة المنع له.
واختلفوا في فعل المرأة له في الأعراس إذا لم تتكلم بالباطل ولم تعمل
بالملاهي ولم تسمع صوتها الأجانب من الرجال، فأباحه جماعة منهم الشيخان (2).
وكرهه القاضي (3). وذهب جماعة منهم ابن إدريس] والعلامة [(4) إلى التحريم (5)
استنادا إلى أخبار مطلقة. ووجوب الجمع بينها وبين الصحيح الدال على الجواز
يقتضي المصير إلى القول الأول.
وعن بعضهم استثناء مراثي الحسين (عليه السلام) (6). وهو غير بعيد.
وكثير من الأخبار المعتمدة وغيرها يدل على تحريم بيع الجواري المغنيات
وشرائهن وتعليمهن الغناء وبإزائها الرواية السابقة المنقولة عن علي بن
الحسين (عليه السلام) (7). ورواية عبد الله بن الحسين الدينوري عن أبي الحسن (عليه السلام) في
جملة حديث قال: قلت: جعلت فداك! فأشتري المغنية أو الجارية تحسن أن تغني

(1) انظر الوسائل 4: 858، الباب 24 من أبواب قراءة القرآن.
(2) النهاية 2: 103 ولم نظفر بفتوى المفيد (قدس سره).
(3) المهذب 1: 346.
(4) شطب عليه في الأصل.
(5) السرائر 2: 222، التذكرة 1: 582 س 18.
(6) حكاه عن بعض في جامع المقاصد 4: 23.
(7) الفقيه 4: 60، ح 5097.
434

اريد بها الرزق لا سوى ذلك؟ قال: اشتر وبع (1).
ومن ذلك: معونة الظالمين بما يحرم، وأما ما لا يحرم كالخياطة وغيرها
فالظاهر جوازه، لكن الأحوط الاحتراز عنه، لبعض الأخبار الدالة على المنع (2)
وقوله تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) (3).
قال في مجمع البيان: فقيل: معناه لا تميلوا إلى المشركين في شيء من دينكم،
عن ابن عباس. وقيل: لا تداهنوا الظلمة، عن السدي وابن زيد. وقيل: إن الركون
إلى الظالمين المنهي عنه هو الدخول معهم في ظلمهم أو إظهار موالاتهم، وأما
الدخول عليهم ومخالطتهم ومعاشرتهم دفعا لشرهم فجائز، عن القاضي. وقريب
منه ما روي عنهم (عليهم السلام) أن الركون هو المودة والصحبة (4) والطاعة لهم (5).
ومن ذلك: نوح النائحة بالباطل، وبدون ذلك جائز، ويدل على جواز النوحة
وأخذ الاجرة صحيحة أبي بصير (6) وموثقة حنان بن سدير (7) وعلى جوازها موثقة
يونس بن يعقوب (8) ورواية أبي حمزة (9) وفي موثقة حنان: قل لها لا تشارط
وتقبل كل ما اعطيت. وتدل رواية سماعة على كراهية كسب النائحة (10).
وعد من ذلك: حفظ كتب الضلال من التلف أو على ظهر القلب لغير النقض
والحجة على أهلها والتقية، والظاهر أنه لو كان الغرض الاطلاع على المذاهب
والآراء والديانات ليكون على بصيرة في تمييز الصحيح من الفاسد، أو يكون

(1) الوسائل 12: 86، الباب 16 من أبواب ما يكتسب به، ح 1.
(2) الوسائل 12: 127، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به.
(3) هود: 113.
(4) في نسخة: والنصيحة.
(5) مجمع البيان 5: 200.
(6) الوسائل 12: 90، الباب 17 من أبواب ما يكتسب به، ح 7.
(7) الوسائل 12: 89، الباب 17 من أبواب ما يكتسب به، ح 3.
(8) الوسائل 12: 88، الباب 17 من أبواب ما يكتسب به، ح 1.
(9) الوسائل 12: 89، الباب 17 من أبواب ما يكتسب به، ح 2.
(10) الوسائل 12: 90، الباب 17 من أبواب ما يكتسب به، ح 8.
435

الغرض منه الإعانة على التحقيق أو تحصيل ملكة البحث أو الاطلاع على الطرق
الفاسدة ليحترز عنها، أو غير ذلك من الأغراض الصحيحة لم يكن عليه بأس.
ومن ذلك: الغيبة وهجاء المؤمنين يعني ذكر المعائب بالشعر، قال في
المسالك: ولا فرق في المؤمن هنا بين الفاسق وغيره، اللهم إلا أن يدخل هجاء
الفاسق في مراتب النهي عن المنكر بحيث يتوقف ردعه عليه (1). وقال الشهيد
الثاني وغيره: خرج ب‍ «المؤمنين» غيرهم، فيجوز هجاؤه كما يجوز لعنه (2).
وقال بعض المتأخرين: الظاهر أن عموم أدلة تحريم الغيبة من الكتاب والسنة
يشمل المؤمنين وغيرهم، فإن قوله تعالى: (ولا يغتب بعضكم بعضا) إما
للمكلفين كلهم أو المسلمين فقط، لجواز غيبة الكافر، ولقوله تعالى بعده: (لحم
أخيه ميتا) وكذلك الأخبار، فإن أكثرها بلفظ «الناس» أو «المسلم» مثل ما روي
في الفقيه: من اغتاب امرءا مسلما بطل صومه ونقض وضوؤه، وجاء يوم القيامة
تفوح من فيه رائحة أنتن من الجيفة يتأذى بها أهل الموقف، وإن مات قبل أن
يتوب مات مستحلا لما حرم الله تعالى. ألا من سمع فاحشة فأفشاها فهو كالذي
أتاها. الحديث. ونقل عن رسالة الغيبة للشهيد الثاني أخبار بعضها بلفظ «الناس»
وبعضها بلفظ «المسلم» (3).
واستثني من الغيبة المحرمة امور تسعة:
الأول: المتظلم عند من يرجو إزالة ظلمه إذا نسب من ظلمه إلى الآثام جاز.
ولعل الأحوط الاقتصار على قدر الحاجة.
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى منهج الصلاح، ومرجع
الأمر في هذا إلى القصد الصحيح، وللقصد هاهنا مدخل في الجواز.
الثالث: الاستفتاء كما يقول للمفتي: ظلمني أبي أو أخي فكيف طريقي في
الخلاص؟ والأسلم هاهنا التعريض بأن يقول: ما قولك في رجل ظلمه أبوه أو أخوه؟

(1) المسالك 3: 127 - 128.
(2) المسالك 3: 127.
(3) مجمع الفائدة والبرهان 8: 76 - 77.
436

وقد روي أن هندا قالت للنبي (صلى الله عليه وآله): إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني
أنا وولدي أفآخذ من غير علمه؟ فقال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف (1).
فذكرت الشح والظلم لها وولدها ولم يزجرها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إذ كان قصدها
الاستفتاء، وفي هذا الحكم إشكال إذا كان سبيل إلى التعريض وعدم التصريح.
الرابع: تحذير المسلم من الوقوع في الخطر والشر ونصح المستشير، فإذا
رأيت متفقها يتلبس بما ليس من أهله فلك أن تنبه الناس على نقصه وقصوره عما
تأهل نفسه له وتنبههم على الخطر اللاحق لهم بالانقياد إليه، وكذلك إذا رأيت رجلا
تردد إلى فاسق يخفي أمره وخفت عليه من الوقوع بسبب الصحبة فيما لا يوافق
الشرع فلك أن تنبهه على فسقه مهما كان الباعث الخوف على إفشاء البدعة
وسراية الفسق، وهذا موضع الغرور والخديعة من الشيطان، إذ قد يكون الباعث هو
الحسد على تلك المنزلة فيلبس عليك الشيطان.
ومن هذا القبيل الوقيعة في المبتدعين; روى الكليني بطريق صحيح عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي
فأظهروا البراءة منهم، وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة، وباهتوهم كي لا
يطمعوا في الفساد في الإسلام ويحذرهم الناس ولا يتعلموا من بدعهم، يكتب الله
لكم بذلك الحسنات ويرفع الله لكم به الدرجات في الآخرة (2).
وفي الخبر: من كمال الدين الوقوع في أهل الريبة (3).
قالوا: وكذلك إذا رأيت رجلا يشتري مملوكا وقد عرفت المملوك بعيوب
منقصة فلك أن تذكرها للمشتري، فإن في سكوتك ضررا للمشتري، وفي ذلك
ضرر للعبد، لكن المشتري أولى بالمراعاة، ومن اللازم أن يقتصر على العيب
المنوط به ذلك الأمر، فلا يذكر في عيب التزويج ما يخل بالشركة والمضاربة مثلا،
بل إنما يذكر ما يتعلق بذلك من غير تجاوز عنه قاصدا نصح المستشير. ولو حصل

(1) صحيح البخاري 7: 85.
(2) الكافي 2: 375، ح 4.
(3) لم نعثر عليه.
437

الغرض بقوله: «لا يصلح لك» كفى، فإن علم أنه لا ينزجر إلا بالتصريح جاز.
قال الشهيد الثاني قال النبي (صلى الله عليه وآله): أترعوون عن ذكر الفاجر حتى يعرفه
الناس؟! اذكروه بما فيه يحذره الناس (1).
وقال (صلى الله عليه وآله) لفاطمة بنت قيس حين شاورته في خطابها: أما معاوية فرجل
صعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه (2).
الخامس: الجرح والتعديل للشاهد وراوي الحديث صيانة لحقوق المسلمين
وحفظا للأحكام والسنن الشرعية، ومن ثم وضع العلماء كتب الرجال وقسموهم
إلى الثقات والمجروحين وذكروا أسباب الجرح غالبا مثل كونه كذابا وضاعا.
ويشترط إخلاص النصيحة في ذلك بأن يكون قصده حفظ حقوق المسلمين
وضبط السنن والأحكام وحمايتها عن الكذب، ولا يكون حامله العداوة
والتعصب، ولا يذكر إلا ما يخل بالشهادة والرواية لا مطلق معايبه مما لا يؤثر في
ذلك، اللهم إلا أن يكون متظاهرا بالمعاصي.
السادس: أن يكون المقول فيه متظاهرا به كالفاسق المتظاهر بفسقه بحيث لا
يستنكف من أن يذكر بذلك الفعل لما رواه الصدوق في المجالس عن هارون بن
الجهم - في الصحيح على الظاهر - عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) قال: إذا جاهر
الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة (3). وتؤيده رواية أبي البختري عن جعفر بن
محمد عن أبيه (عليهما السلام) قال: ثلاثة ليس لهم حرمة: صاحب هوى مبتدع، والإمام
الجائر، والفاسق المعلن بالفسق (4). قال الشهيد الثاني: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من ألقى
جلباب الحياء عن وجهه فلا غيبة له. وظاهر الروايات جواز غيبته وإن استنكف
من ذكر ذلك الذنب.
وفي جواز غيبة مطلق الفاسق احتمال، لما روي عنه (صلى الله عليه وآله): لا غيبة لفاسق (5).

(1 و 2) كشف الريبة: 79.
(3) أمالي الصدوق: 42، ح 7.
(4) الوسائل 8: 605، الباب 155 من أبواب أحكام العشرة، ح 5.
(5) كشف الريبة: 80.
438

والحمل على النهي بعيد، وللرواية السابقة عن قريب.
ولو تعلق بذلك غرض ديني يعود على المغتاب بارتداعه عن المعصية بذلك
الحق بباب النهي عن المنكر، وفي رواية عبد الله بن أبي يعفور عن أبي
عبد الله (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا غيبة لمن صلى في بيته ورغب عن
جماعتنا، ومن رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته وسقط
بينهم عدالته (1). لكن سند الرواية غير نقي، وحملها الشهيد (رحمه الله) على تارك الجمعة.
وفي المسألة إشكال، لعموم الآية، والخروج عنه يحتاج إلى حجة قوية.
السابع: أن يكون الإنسان معروفا باسم يعرب عن عيبه (2) كالأعرج
والأعمش والأشتر، فلا إثم على من يقول ذلك، فقد فعل العلماء ذلك لضرورة
التعريف، كذا قالوا.
قال الشهيد الثاني: والحق أن ما ذكره العلماء المعتمدون من ذلك يجوز
التعويل فيه حكايتهم، وأما ذكره عن الأحياء فمشروط بعلم رضاء المنسوب إليه
به، لعموم النهي، وحينئذ يخرج عن كونه غيبة. وكيف كان فلو وجد عنه معدلا
وأمكنه التعريف بعبارة اخرى فهو أولى (3). وهو حسن.
الثامن: لو اطلع العدد الذين يثبت بهم الحد أو التعزير على فاحشة جاز ذكرها
عند الحاكم بصورة الشهادة في حضرة الفاعل وغيبته، ولا يجوز التعرض إليها في
غير ذلك، إلا أن يتجه فيه أحد الوجوه الاخرى.
التاسع: قيل: إذا علم اثنان من رجل معصية شاهداها فأجرى أحدهما ذكرها
في غيبة ذلك العاصي جاز، لأنه لا يؤثر عند السامع شيئا (4). وفيه تخصيص
للعمومات من غير حجة فيما أعلم.
ويحرم سب المؤمنين والكذب عليهم، والنميمة، وفي التذكرة نفى الخلاف

(1) الوسائل 18: 289، الباب 41 من أبواب الشهادات، ح 2.
(2) في خ 2 والمصدر: غيبته.
(3) كشف الريبة: 80.
(4) حكاه في كشف الريبة: 81.
439

عن تحريم مدح من يستحق الذم وبالعكس (1) والتشبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة.
وفي الدروس حكم بتحريم تشبيب الغلمان مطلقا، قال: ويجوز التشبيب بنساء
أهل الحرب (2).
ومن ذلك: السحر، قال في المنتهى: السحر عقد ورقى وكلام يتكلم به أو
يكتبه أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له (3).
وعد الشهيدان منه الاستخدام للملائكة والجن والاستنزال للشياطين في كشف
الغائبات وعلاج المصاب (4). فمنه الاستحضار بتلبيس الروح ببدن منفعل كالصبي
والمرأة وكشف الغائبات عن لسانه، وعد الشهيد منه النيرنجات والطلسمات (5).
وعمل السحر والتكسب به حرام بلا خلاف. قال في الدروس: أما علمه
ليتوقى أو لئلا يعتريه فلا، وربما وجب على الكفاية لدفع المتنبين بالسحر ويقتل
مستحله. قال: ويجوز حله بالقرآن والذكر والأقسام لا به، وعليه يحمل رواية
العلاء (6). والمعروف ما ذكره، لكن ظاهر رواية عيسى بن سيف دالة على جواز
الحل به (7).
ولا أعرف خلافا بينهم في تحريم الكهانة، قال في المسالك: عمل يوجب
طاعة بعض الجان له واتباعه له بحيث يأتيه بالأخبار الغائبة، وهو قريب من
السحر (8). ويدل على تحريمه ما روى الصدوق في الصحيح إلى ابن أبي عمير، عن
علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من تكهن أو تكهن له
فقد برئ من دين محمد (صلى الله عليه وآله)، قلت: فالقيافة؟ قال: ما أحب أن تأتيهم (9) الحديث.
وما نقله ابن إدريس من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب عن الهيثم قال:

(1) التذكرة 1: 582 س 37.
(2) الدروس 3: 163.
(3) المنتهى 2: 1014 س 5.
(4) المسالك 3: 128، الدروس 3: 164.
(5) الدروس 3: 164.
(6) الدروس 3: 164.
(7) الوسائل 12: 105، الباب 25 من أبواب ما يكتسب به، ح 1، في الكافي «عيسى بن
شفقي».
(8) المسالك 3: 128.
(9) الخصال: 19، ح 68.
440

قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن عندنا بالجزيرة رجلا ربما أخبر من يأتيه يسأله عن
الشيء يسرق أو شبه ذلك يسأله؟ فقال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من مشى إلى ساحر
أو كاهن أو كذاب يصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله من كتاب (1).
ولا أعلم خلافا بينهم أيضا في تحريم القيافة، قال في المسالك: هي الاستناد
إلى علامات ومقادير يترتب عليها إلحاق بعض الناس ببعض ونحوه، قال: وإنما
يحرم إذا جزم به أو رتب عليه محرما (2).
قالوا: ويحرم الشعبذة. وعلوم النجوم حرمه بعض الأصحاب، والأقرب
الجواز، لظاهر بعض الروايات المعتبرة (3). وصنف ابن طاووس رسالة أكثر فيها من
الاستشهاد على صحته وجوازه (4).
ومن ذلك: القمار بأنواعه حتى اللعب بالخاتم والجوز ونحوهما، وفسره في
المسالك بالآلات المعدة له كالنرد والشطرنج (5) والتكسب به حرام يجب رده على مالكه.
ويدل على تحريم القمار صحيحة زياد بن عيسى وغيرها (6) ويدل على تحريم
الأكل منه رواية إسحاق بن عمار ورواية السكوني ورواية عبد الحميد بن سعيد (7)
لكن الروايات الثلاثة الأخيرة مختصة ببعض أنواعه وهو الأكل من الجوز والبيض
الذي لعب به الصبيان، وفي صحيحة معمر بن خلاد عن أبي الحسن (عليه السلام): كل ما
قومر عليه فهو ميسر (8). وفي رواية الوشا عن أبي الحسن (عليه السلام) تفسير الميسر
بالقمار (9). وفي رواية جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قيل: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما الميسر؟

(1) السرائر 3: 593.
(2) المسالك 3: 128.
(3) الوسائل 12: 101، الباب 24 من أبواب ما يكتسب به.
(4) فرج المهوم في تاريخ علماء النجوم.
(5) المسالك 3: 129.
(6) الوسائل 12: 117، الباب 35 من أبواب ما يكتسب به، ح 1، والباب 104 من هذه الأبواب
الحديث 1.
(7) الوسائل 12: 120 و 119، الباب 35 من أبواب ما يكتسب به، ح 7 و 6 و 2.
(8) الوسائل 12: 242، الباب 104 من أبواب ما يكتسب به، ح 1.
(9) الوسائل 12: 119، الباب 35 من أبواب ما يكتسب به، ح 3.
441

قال: كل ما يقامر به حتى الكعاب والجوز (1). وفي تفسير العياشي عن ياسر الخادم
عن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن الميسر؟ قال: الثقل من كل شيء قال: والثقل ما
يخرج بين المتراهنين من الدراهم (2). وفي صحيحة محمد بن مسلم عن
أحدهما (عليهما السلام): لا تصلح المقامرة ولا النهبة (3). والأخبار الواردة في تحريم
خصوص الشطرنج كثيرة (4) وكذا النرد، وفي بعض الأخبار مبالغة عظيمة في
تحريم الشطرنج، وفيه كون اللعب به كبيرة (5).
ومن ذلك: الغش بما يخفى، كشوب الماء باللبن للأخبار المتعددة، لا ما لا
يخفى كمزج الحنطة بالتراب، وفي صحة البيع على تقدير الخفاء إشكال.
وتدليس الماشطة، ولو انتفى غرض التدليس فلا تحريم، وفي رواية ابن أبي
عمير عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام): أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لماشطة: لا تصلي
الشعر بالشعر (6). وفي رواية عبد الله قال: سألته عن القرامل: قال: وما القرامل؟
قلت: صوف تجعله النساء على رؤوسهن، قال: إن كان صوفا فلا بأس به، وإن كان
شعرا فلا خير في الواصلة والموصولة (7). وفي رواية سعد الإسكاف عن أبي
جعفر (عليه السلام) نفي البأس عن القرامل التي تضعها النساء في رؤوسهن بشعورهن
وفيها: إنما لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) الواصلة التي تزني في شبابها فلما كبرت قادت
النساء إلى الرجال، فتلك الواصلة والموصولة (8).
وكذا تزيين الرجل بما يحرم عليه كالذهب والحرير، إلا ما استثني، قيل: ومنه

(1) الوسائل 12: 119، الباب 35 من أبواب ما يكتسب به، ح 4.
(2) تفسير العياشي 1: 341، ح 187.
(3) الوسائل 12: 120، الباب 35 من أبواب ما يكتسب به، ح 5.
(4) الوسائل 12: 237، الباب 102 من أبواب ما يكتسب به.
(5) الوسائل 12: 241، الباب 103 من أبواب ما يكتسب به ح 4.
(6) الوسائل 12: 94، الباب 19 من أبواب ما يكتسب به، ح 2.
(7) الوسائل 12: 94، الباب 19 من أبواب ما يكتسب به، ح 5.
(8) الوسائل 12: 94، الباب 19 من أبواب ما يكتسب به، ح 3.
442

تزيينه بما يختص بالنساء، كلبس السوار والخلخال والثياب المختصة بها بحسب
العادة، ويختلف ذلك بحسب الأمصار والأعصار، ولا أعلم حجة عليه وكأن دليله
الإجماع وهو غير ظاهر كما قيل.
ومن ذلك: ما يجب على الإنسان فعله كتغسيل الموتى ودفنهم على المشهور
بين الأصحاب خلافا للمرتضى، حيث ذهب إلى جواز أخذ الاجرة على ذلك لغير
الولي (1) بناء على اختصاص الوجوب بالولي، وهذا لا يستقيم على القول
بالوجوب الكفائي، وأخذ الاجرة على المندوبات جائز على المشهور خلافا
لبعض الأصحاب (2).
المبحث الثاني في بعض المسائل المتفرقة
مسألة: المشهور بين الأصحاب حرمة أخذ الاجرة على الأذان ولا بأس
بالرزق من بيت المال، وذهب المرتضى إلى جوازها (3). ولعل الأقرب الأول، لما
رواه الكليني عن ابن أبي عمير في الحسن بإبراهيم، وعن أحمد بن محمد في
الصحيح عن بعض أصحابنا جميعا، عن محمد بن أبي حمزة الثقة، عن حمران -
ولا يبعد عده من الممدوحين - عن أبي عبد الله (عليه السلام) حيث قال: إذا رأيت الحق قد
مات فذهب أهله ويعد المنكرات، إلى أن قال: ورأيت الأذان بالاجرة والصلاة
بأجر، الحديث (4). وفي رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السلام) قال: آخر
ما فارقت عليه حبيب قلبي أن قال: يا علي إذا صليت فصل صلاة أضعف من
خلفك ولا تتخذن مؤذنا يأخذ على أذانه أجرا (5) ويؤيده رواية زيد بن علي (6).
وهل يوصف أذان آخذ الاجرة بالتحريم؟ فيه قولان، والقول بالتحريم إذا

(1) حكاه عنه في جامع المقاصد 4: 36.
(2) المسالك 3: 130.
(3) حكاه عنه في المختلف 2: 134.
(4) الكافي 8: 37، ح 7.
(5) الوسائل 4: 666، الباب 38 من أبواب الأذان والإقامة، ح 1.
(6) الوسائل 12: 113، الباب 30 من أبواب ما يكتسب به، ح 1.
443

كان غرضه من الأذان منحصرا في الاجرة متجه، والظاهر أن أخذ ما يعد للمؤذنين
من أوقاف مصالح المساجد ونحوها جائز ليس باجرة، ولا يثاب فاعله عليه إلا
مع تمحض إرادة القربة في فعله.
مسألة: القضاء إن تعين عليه بتعيين الإمام أو بعدم قيام أحد به غيره حرم
عليه أخذ الاجرة عليه على المشهور. فإن لم يتعين عليه فالأشهر أنه إن كان له
عنها غناء لم يجز، وإلا جاز. وقيل: يجوز مع عدم التعين مطلقا. وقيل: يجوز مع
الحاجة مطلقا. ومنهم من جوز أخذ الاجرة عليه مطلقا (1).
مسألة: يجوز أخذ الاجرة على النكاح أي على مباشرة الصيغة وكذا الخطبة.
مسألة: قال في التذكرة: يحرم بيع المصحف، لما فيه من الابتذال وانتفاء
التعظيم، بل ينبغي أن يبيع الجلد والورق. قال سماعة: سألته عن بيع
المصاحف وشرائها؟ فقال: لا تشتر كتاب الله ولكن اشتر الحديد والجلود
والدفتين وقل: أشتري هذا منك بكذا وكذا، ثم نقل رواية جراح المدائني (2)
وهي قريبة من السابقة. والروايتان مع ضعف سندهما غير ناهضتين بالدلالة
على التحريم. وقريب منهما رواية عبد الرحمن بن سيابة (3) ورواية عبد الله بن
سليمان (4) وغيرها، والكل مشترك في ضعف السند والدلالة. وروى سماعة بن
مهران قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا تبيعوا المصاحف، فإن بيعها
حرام، قلت: فما تقول في شرائها؟ قال: اشتر منه الدفتين الحديد والغلاف،
وإياك أن تشتري منه الورق وفيه القرآن مكتوب، فيكون عليك حراما وعلى
من باعه حراما (5). والرواية ضعيفة معارضة بأقوى منها، ففي صحيحة أبي بصير
عن الصادق (عليه السلام) أشتريه أحب إلي من أن أبيعه (6) ونحوه رواية روح بن

(1) حكى الأقوال في المسالك 3: 132.
(2) التذكرة 1: 582 س 43.
(3) الوسائل 12: 114، الباب 31 من أبواب ما يكتسب به، ح 1.
(4) الوسائل 12: 115، الباب 31 من أبواب ما يكتسب به، ح 6.
(5) الوسائل 12: 116، الباب 31 من أبواب ما يكتسب به، ح 11.
(6) الوسائل 12: 115، الباب 31 من أبواب ما يكتسب به ح 8.
444

عبد الرحيم (1) فإذن غاية ما يستفاد من الأخبار الكراهة. وقال في التذكرة: يحرم
تعشير المصاحف بالذهب وزخرفتها، ثم رجع إلى القول بالكراهة (2). وهو متجه،
لضعف دلالة مستند التحريم وهو ظاهر، ورواية محمد الوراق (3). ويكره كتابة
القرآن بالذهب للرواية (4).
المبحث الثالث في الصناعات المكروهة
منها: الصرف وبيع الأكفان والطعام والرقيق والذبح والنحر والنساجة
والحجامة. ففي بعض الأخبار أن كسب الحجام سحت (5) وفي بعضها ذلك إذا
شارط (6) وفي غير واحد من الأخبار الصحيحة ما يدل على الجواز، ويمكن
الجمع بوجهين: تقييد ما يدل على الجواز بعدم الشرط، وحمل خبر المنع على
شدة الكراهة، ولعل الترجيح للثاني.
ومنها: كسب الصغير الذي لا يحسن صناعة، وفي بعض الأخبار عن كسب
الإماء (7).
مسائل:
الاولى: المشهور جواز بيع كلب الصيد، ونقل جماعة الإجماع عليه، ويدل
عليه النص. ولا أعلم خلافا في عدم صحة بيع كلب الهراش، ويدل عليه الأخبار (8).
واختلفوا في كلب الماشية والزرع والحائط، والأقرب المنع، لصحيحة

(1) الوسائل 12: 116، الباب 31 من أبواب ما يكتسب به، ح 9.
(2) التذكرة 1: 583 س 3.
(3) الوسائل 12: 117، الباب 32 من أبواب ما يكتسب به، ح 2.
(4) الوسائل 12: 117، الباب 32 من أبواب ما يكتسب به ذيل الحديث 2.
(5) الوسائل 12: 62 و 63، الباب 5 من أبواب ما يكتسب به، ح 2 و 6.
(6) الوسائل 12: 73، الباب 9 من أبواب ما يكتسب به، ح 9.
(7) الوسائل 12: 118، الباب 33 من أبواب ما يكتسب به، ح 1.
(8) الوسائل 12: 82، الباب 14 من أبواب ما يكتسب به.
445

عبد الرحمن ومحمد بن مسلم، وحسنة الوشاء، ورواية أبي بصير ورواية
السكوني، ورواية اخرى لأبي بصير، ورواية أبي عبد الله العامري وغيرها (1). ونقل
العلامة من حجة المانعين روايتي الوليد والسكوني، وأجاب باستضعاف السند
وعدم الدلالة على العموم (2). وفيه نظر. ويظهر من الشيخ في المبسوط أن بجواز
بيع كلب الماشية والحائط رواية (3). ولم أطلع عليها. ولكل واحد من هذه الأربعة
دية لو قتلها غير المالك.
الثانية: إذا دفع الإنسان مالا إلى غيره ليصرفه في صنف والمدفوع إليه على
صفتهم، فإن عين عمل بمقتضى التعيين، وإن أطلق هل يجوز له أن يأخذ مثل
أحدهم؟ اختلف كلام الشيخ في الجواز وعدمه (4) ثم كلام ابن إدريس (5) ثم كلام
الفاضلين (6). والأقرب الجواز، لحسنة الحسين بن عثمان، ورواية عبد الرحمن بن
الحجاج، وصحيحة سعيد بن يسار (7) لكن الأخيرة واردة في الزكاة، والظاهر عدم
الفرق. ومستند المنع صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (8) ودلالتها على التحريم
غير واضحة، والجمع بحمله على الكراهة متجه.
ولو دلت القرائن الحالية أو المقالية على تسويغ أخذه قوي القول بالجواز،
قال في المسالك: يأخذ كغيره لا أزيد، هكذا اشترطه كل من سوغ له الأخذ، وصرح
به في الروايتين المجوزتين. قال: وظاهر هذا الشرط أنه لا يجوز له تفضيل بعضهم
على بعض، لأنه من جملتهم. وفيه تأمل. ثم قال: ويتجه ذلك إذا كان المعين
للصرف محصورا، أما لو كانوا غير محصورين كالفقراء فجواز التفاضل مع عدم

(1) الوسائل 12: 83 و 84، الباب 14 من أبواب ما يكتسب به، ح 3 و 8 و 5 و 6 و 7 والباب 5، ج 5.
(2) المختلف 5: 13.
(3) المبسوط 2: 166.
(4) النهاية 2: 101 والمبسوط 2: 403.
(5) السرائر 2: 223.
(6) المختصر النافع: 118، المختلف 5: 24.
(7) الوسائل 6: 199 و 200، الباب 40 من أبواب المستحقين للزكاة، ح 1 و 2 و 3.
(8) الوسائل 12: 206، الباب 84 من أبواب ما يكتسب به، ح 3.
446

قرينة خلافه أوضح، خصوصا إذا كان المال من الحقوق الواجبة كالزكاة (1). انتهى.
والوجه عندي جواز التفاضل مطلقا، ويجوز له أن يدفع إلى عياله وأقاربه
على القولين، لعدم المانع.
الثالثة: جوائز الجائر إن علمت حرمتها بعينها فهي حرام، فإن قبضها أعادها
على المالك إن أمكنه، ولا يجوز إعادتها إلى غير المالك مع الإمكان إلا أن
يأخذها الظالم قهرا. وهل يضمن حينئذ؟ قيل: نعم (2). وقوى بعضهم التفصيل وهو
أن القبض إن كان بعد العلم بكونها مغصوبة ضمن واستمر الضمان، وإن كان قبل
العلم ولم يقصر في إيصالها إلى من يجوز إيصالها إليه لم يضمن، والفرق أن اليد في
الأول عادية مستصحبة للضمان وفي الثاني أمانة (3). وهو حسن. وإن جهل المالك
أو تعذر إيصالها إليه تصدق بها عنه، وإن لم يعلم حرمتها بعينها جاز الأخذ وإن
علم أن في ماله مظالم، للأخبار الكثيرة، واشتهر بينهم أنه مكروه، واحتج له في
المنتهى بوجهين ضعيفين (4). وفي المسالك بعد أن ذكر حديث الجواز: وإن علم أن
في ماله مظالم، ولا يكون حكمه حكم المال المختلط بالحرام في وجوب اجتناب
الجميع، للنص على ذلك (5). وفي وجوب اجتناب الجميع في الصورة المذكورة
نظر، لصحيحة عبد الله بن سنان وموثقة سماعة (6).
الرابعة: ما يأخذه السلطان الجائر من الغلات باسم المقاسمة، أو الأموال باسم
الخراج عن حق الأرض، ومن الأنعام باسم الزكاة يجوز ابتياعه وقبول هبته، ولا
يجب إعادته على أربابه وإن علم بعينه.
الخامسة: لا يجوز التولي من قبل الجائر إذا لم يأمن الحرام، ولو أمن ذلك
وتمكن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جاز، وعبر بعضهم بالاستحباب (7).

(1) المسالك 3: 138.
(2) حكاه في المسالك 3: 142.
(3) المسالك 3: 142.
(4) المنتهى 2: 1020 س 33.
(5) المسالك 3: 141.
(6) الوسائل 12: 59، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، ح 1 و 2.
(7) المسالك 3: 140.
447

وقال بعضهم: مقتضى هذا الشرط الوجوب، لأن القادر على الأمر بالمعروف يجب
عليه وإن لم يوله الظالم (1). وهو متجه إن ثبت أن الأمر بالمعروف بالقياس إلى
القدرة ليس واجبا مشروطا، بل مطلق حتى يجب عليه تحصيل القدرة عليه إن
أمكنه.
ولو أكرهه الجائر على الولاية جاز القبول بل وجب، وفي المسالك: ضابط
الإكراه المسوغ للولاية الخوف على النفس أو المال أو العرض عليه أو على بعض
المؤمنين على وجه لا ينبغي تحمله عادة، بحسب حال المكره في الرفعة والضعة،
بالنسبة إلى الإهانة (2).
وقال جماعة: ولو اكره جاز له الدخول دفعا للضرر اليسير على كراهية، ويزول
الكراهة لدفع الضرر الكثير (3). ولو اكره على الولاية وامر بمحرم جاز إذا اكره عليه
إلا الدماء كما مر تحقيق ذلك.
وفي المسالك: يشمل قوله «والعمل بما يأمره إلا في الدماء» كونه بطريق
المباشرة للفعل مثلا أو التسبيب كالإفتاء فيها والأمر بها. وبهذا حصلت المغايرة
بين هذه المسألة والمتقدمة في كتاب الأمر بالمعروف، فإن تلك مخصوصة
بالحكم، لأنه فرضها في القضاء (4).
المقصد الثالث
في عقد البيع وشروطه
والمشهور أنه لا يكفي في البيع التقابض من غير لفظ دال على انتقال الملك
من مالك إلى آخر بعوض معلوم وإن حصل من الأمارات ما يدل على إرادة البيع.
وعن ظاهر المفيد (رحمه الله) الاكتفاء في تحقق البيع بما دل على الرضا به من المتعاقدين
إذا عرفاه وتقابضا (5). ونقله في المسالك عن بعض معاصريه بشرط أن يكون الدال

(1) المسالك 3: 111.
(2) المسالك 3: 139.
(3) منهم المحقق في الشرائع 2: 12، والعلامة في المنتهى 2: 1025 س 22.
(4) المسالك 3: 141.
(5) المقنعة: 591.
448

لفظا (1). وقول المفيد (رحمه الله) غير بعيد.
والنصوص المطلقة من الكتاب والسنة دالة على حل البيع وانعقاده من غير
التقييد بصيغة مخصوصة. ولم ينقل عنهم (عليهم السلام) اعتبار خصوص لفظ مع توفر
الدواعي في ذلك لو كان شرطا.
والمشهور عدم تحقق اللزوم بدون اللفظ المعتبر. والمشهور بينهم أنه يفيد
إباحة تصرف كل منهما فيما صار إليه من العوض، لا أنه بيع فاسد، وهو أقوى، بناء
على القول بعدم اللزوم، وعلى هذا يجوز له الرجوع في المعاوضة ما دامت العين
باقية، قالوا: فإذا ذهبت لزمت. وفيه نظر.
ويقوم مقام اللفظ الإشارة، والمشهور اشتراط ذلك بالعذر. قالوا: ولا ينعقد إلا
بلفظ الماضي وكذا في طرف القبول. وهل يشترط تقديم الإيجاب على القبول؟
الأقرب العدم.
أما الشروط:
فيشترط أن يكون المتعاقدان عاقلين بالغين - على المشهور - مختارين، فلا
يصح بيع المجنون ولا الصبي وكذا الشراء. وفي المميز إشكال. وقيل: يصح بيع من
بلغ عشرا وكذا شراؤه (2)، ولا يكفي إذن الولي. وكذا المغمى عليه والسكران وغير
المميز والمكره، قالوا: ولو رضي كل منهم بما فعل بعد زوال عذره لم يصح عدا
المكره، استنادا إلى تعليلات اعتبارية من غير نص، فالمسألة محل إشكال.
ولو باع المملوك أو اشترى بغير إذن المولى لم يصح، فإن أذن له جاز.
ويشترط أن يكون العاقد مالكا أو يصح له العقد كالولي والوصي والوكيل
والحاكم وأمينه. ولو باع ملك غيره فالمشهور أنه يقف على إجازة المالك أو من له
الإجازة، ولا يكفي سكوته مع العلم ولا مع حضور العقد. ثم على تقدير الإجازة
ولزوم العقد - إن قلنا به - فهل الإجازة ناقلة أم كاشفة؟ فيه إشكال. ويظهر الفائدة
في النماء المتخلل وفي أحكام اخر.

(1) المسالك 3: 147.
(2) انظر مجمع الفائدة 8: 152.
449

وإن لم يجز المالك البيع كان له أن يرجع إلى المشتري في عين ماله ونمائها
متصلا ومنفصلا وعوض منافعها وبقيمة الهالك من ذلك أو مثله، ولعل الأقوى أن
المعتبر القيمة يوم التلف إن كان التفاوت بسبب السوق، والأعلى إن كان بسبب
الزيادة العينية أو الوصفية. قالوا: ثم المشتري يرجع بذلك كله على البائع مع الجهل
بكون المبيع لغير البائع أو ادعاء البائع الإذن في البيع إذا لم يحصل للمشتري نفع
في مقابله، لنفي الضرر والإضرار، وإذا حصل نفع ففيه إشكال.
ولو رجع عليه المالك بالقيمة مع تلف المبيع رجع بها على البائع وإن زادت
عن الثمن المدفوع إليه على إشكال.
ويدل على بعض هذه الأحكام موثقة جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) في
الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها، ثم يجيء مستحق الجارية؟ فقال:
يأخذ الجارية المستحق، ويدفع إليه المبتاع قيمة الولد، ويرجع على من باعه بثمن
الجارية وقيمة الولد التي اخذت منه (1).
ورواية زرارة قال، قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل اشترى جارية من سوق
المسلمين فخرج بها إلى أرضه فولدت منه أولادا، ثم إن أباها يزعم أنها له، وأقام
على ذلك البينة، قال: يقبض ولده ويدفع إليه الجارية ويعوضه في قيمة ما أصاب
من لبنها وخدمتها (2).
وإن كان المشتري عالما بكون المبيع لغير البائع ولم يدع الإذن لم يرجع بما
اغترم، والمشهور أنه لا يرجع بالثمن مع العلم بالغصب، وقيل: يرجع بالثمن
مطلقا (3). والأقوى أنه يرجع مع بقاء العين، وفي الرجوع مع التلف تردد.
ولو باع ما يملك وما لا يملك معا وقف فيما لا يملك على الإجازة عند
الأكثر، فإن لم يجز من له الإجازة كان المشتري مخيرا بين الفسخ والإمضاء، فإن

(1) الوسائل 14: 592، الباب 88 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 5.
(2) الوسائل 14: 592، الباب 88 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 4.
(3) حكاه في المسالك 3: 161.
450

أمضى صح البيع فيما يملكه البائع عند الأكثر، ويدل عليه صحيحة محمد بن
الحسن الصفار (1) ويقسط الثمن عليهما، وكلامهم في كيفية التقسيط لا يخلو
عن تأمل.
والوجه أن يقال: إذا لم تكن قيمة المجموع زائدة على مجموع قيمتي
الجزءين يقوم واحد منهما مثل المملوك ويقوم المجموع ويراعى النسبة بين قيمته
وقيمة المجموع ويأخذ البائع من الثمن بتلك النسبة ويرد الباقي على المشتري. أو
يقوم غير المملوك ويقوم المجموع ويراعى النسبة ويرجع المشتري من الثمن
بتلك النسبة ويأخذ البائع الباقي.
وإن كانت قيمة المجموع زائدة يقوم المملوك ويقوم المجموع ويراعى النسبة
بين القيمتين ويأخذ البائع من الثمن بتلك النسبة ويرجع المشتري بالباقي، أو يقوم
كل منهما ويقوم المجموع ويراعى النسبة بين مجموع قيمتي الجزءين وقيمة
المجموع ويجعل من الثمن قدرا بتلك النسبة بإزاء مجموع القيمتين والباقي بإزاء
الهيئة التركيبية (2) ويأخذ البائع من الثمن بنسبة قيمة مملوكه إلى مجموع القيمتين
ويرجع المشتري على البائع بالباقي.
ولو أجاز من له الإجازة يقوم كل منهما ويقوم المجموع ويأخذ كل منهما من
الثمن بمراعاة النسبة على ما قاله بعض الأصحاب (3).
والصواب أن يقوم كل واحد منهما ويقوم المجموع وينظر إلى مجموع
القيمتين ويراعى نسبته إلى قيمة المجموع ويجعل قدرا من الثمن على نسبة
مجموع القيمتين إلى قيمة المجموع بإزاء جزئي المبيع، ويجعل قدرا من الثمن
بقدر نسبة الباقي من قيمة المجموع بعد إفراز القيمتين إلى قيمة المجموع ويجعل

(1) الوسائل 12: 252، الباب 2 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 1.
(2) في المطبوع وخ 2 زيادة شطت عليها في الأصل، وهي ما يلي: هذا يختص بصورة لم يكن لقيمة
المجموع زيادة على مجموع القيمتين، أما في صورة الزيادة فيحتمل ذلك، لكن الأقرب أن يقال.
(3) المسالك 3: 162.
451

بإزاء الهيئة التركيبية، ثم يأخذ البائع من القدر الذي بإزاء القيمتين على نسبة قيمة
مملوكه إلى مجموع القيمتين، ويأخذ المجيز منه على نسبة قيمة ماله إلى المجموع
وينصف ما بإزاء الهيئة من الثمن بينهما. وهذا إذا كان كل واحد من مال البائع
والمجيز عينا واحدة وإن اختلفا بحسب القيمة، وإذا لم يكن كذلك اختلف
الحكم (1).
والأب والجد للأب يمضي تصرفهما ما دام الولد غير بالغ أو بلغ واستمر عدم
رشده، ويجوز لهما أن يتوليا طرفي العقد بأن يبيع عن نفسه من ولده وعن ولده من
نفسه على الأقرب، وكذا يجوز تولي طرفيه حيثما يثبت له الولاية من الجانبين
ولو بالاستنابة.
والوكيل يمضي تصرفه عن الموكل ما دام حيا جائز التصرف، والأقرب أن له
أن يتولى طرفي العقد بأن يكون وكيلا من الجانبين، ويجوز له بيع ما وكل فيه من

(1) في هامش الأصل وخ 1 ورد ما يلي: ولنذكر فرضا واحدا وهو أن يكون مال البائع واحدا
وقيمته درهم، ومال المجيز اثنان، وقيمة كل واحد منهما درهم، وقيمة مجموعهما ثلاثة
دراهم، وكل واحد منهما إذا اجتمع مع مال البائع كان قيمة المجموع أربعا، فمجموع قيمتي
مال البائع والمجيز أربعة دراهم، ولنفرض أن يكون قيمة المجموع ست عشرة وأن البائع باع
المجموع باثنين وثلاثين، فإن أجرينا القاعدة هاهنا يلزم أن يكون حصة البائع أربعة عشرة
وحصة المجيز ثمانية عشر، لكن العدل يقتضي خلاف ذلك، ولنسم مال البائع «أ» ومال
المجيز «ب ج» وفرضنا قيمة مجموع «ب ج» ثلاثة، وقيمة «أ» واحدة، فكان مجموع
القيمتين أربعا وهو ربع قيمة المجموع، فربع قيمة المسمى أعني ثمانية بإزاء مجموع
القيمتين، وربعه للمالك أعني اثنان، والست للمجيز، يبقى من قيمة المجموع اثنين بإزاء
الهيئة الاجتماعية، لكن اجتماع مجموع «ب ج» مع «أ» يتضمن اجتماع «ب» معه، واجتماع
«ج» معه واجتماع المجتمعين معه، ولو فرض اجتماع «ب» معه صارت قيمة المجموع أربعة
فرضا، اثنان قيمة المجتمعين واثنان بإزاء الاجتماع، وكذا الكلام في اجتماع «ج» مع «أ»
فصارت قيمة «أ» من جهة الأصل والاجتماع ثلاثة، وقيمة «ب ج» كذلك أربعة، وحيث
فرضنا قيمة المجموع ست عشر كانت تسعة بإزاء هيئة اجتماع الثلاثة، وينقسم بين الثلاثة،
فصارت حصة «أ» من القيمة بالاعتبارات المذكورة ستة، وحصة «ب ج» منها عشرة،
وحصة المالك في المسمى اثني عشر، وحصة المجيز عشرون. منه (رحمه الله).
452

نفسه إذا أذن له الموكل صريحا، ولو أطلق ففيه خلاف، والأقرب أنه إن دلت
القرائن على أن المراد البيع لا خصوصية المشتري جاز، وإلا ففيه إشكال. وفي
رواية علي بن أبي حمزة الأمر بالبيع من غيره (1).
والوصي لا يمضي تصرفه إلا بعد الوفاة والكلام في توليته طرفي العقد
كالوكيل، والمشهور أنه يجوز له أن يقوم على نفسه ويقترض إذا كان مليا. وشرط
بعضهم مع ملاءته الرهن (2). ويدل على جواز الاقتراض من مال الطفل أخبار
متعددة وأكثرها دال على اعتبار الملاءة (3) وليس في شيء منها اعتبار الرهن، لكن
التحفظ في مال الأيتام بقدر الإمكان طريق الاحتياط لقوله تعالى: (لا تقربوا مال
اليتيم إلا بالتي هي أحسن) (4).
وفسر بعضهم الملاءة بأن يكون للمتصرف فيه مال بقدر مال الطفل فاضلا عن
المستثنيات في الدين وعن قوت يوم وليلة له ولعياله الواجبي النفقة (5).
وفسره بعض المتأخرين بكون المتصرف بحيث يقدر على أداء المال
المأخوذ من ماله إذا تلف بحسب حاله (6). وقول الصادق (عليه السلام) في رواية أسباط بن
سالم عن أبيه: إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن تلف أو أصابه شيء غرمه،
وإلا فلا يتعرض لمال اليتيم (7) وقوله (عليه السلام) في رواية أسباط بن سالم] أيضا [: إن
كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن تلف فلا بأس به، وإن لم يكن له مال فلا
يعرض لمال اليتيم (8) يمكن انطباقه على المعنيين، لكن الثاني أوفق بالحفظ المعتبر
في مال اليتيم وأنسب بمدلول الآية، والظاهر اعتبار الإشهاد حفظا للحق.

(1) الوسائل 12: 290، الباب 6 من أبواب آداب التجارة، ح 2.
(2) حكاه عن الشهيد في جامع المقاصد 4: 86.
(3) الوسائل 12: 192، الباب 76 من أبواب ما يكتسب به.
(4) الإسراء: 34.
(5) المسالك 1: 356.
(6) لم نعثر عليه.
(7) الوسائل 12: 191، الباب 75 من أبواب ما يكتسب به، ح 4.
(8) الوسائل 12: 190، الباب 75 من أبواب ما يكتسب به، ح 1.
453

قال الشهيد الثاني: وإنما يصح له التقويم على نفسه مع كون البيع مصلحة
للطفل، إذ لا يصح بيع ماله بدونها مطلقا. أما الاقتراض فشرطه عدم الإضرار
بالطفل وإن لم يكن المصلحة موجودة (1). وهو حسن.
قالوا: والحاكم وأمينه لا يليان إلا على المحجور عليه لصغر أو سفه أو فلس
أو حكم على غائب. والأقرب اشتراط كون المشتري مسلما إذا ابتاع مسلما،
وقيل: يجوز ولو كان كافرا ويجبر على بيعه من مسلم (2).
ويشترط في المبيع امور:
الأول: أن يكون مملوكا، فلا يصح بيع الحر، ولا ما يشترك فيه المسلمون
كالماء والكلاء والصيود والسموك قبل الاصطياد. وفي بيع بيوت مكة تردد.
الثاني: أن يكون طلقا، فلا يصح بيع الوقف إلا ما استثني، ولا بيع ام الولد إلا
ما استثني، ولا بيع الرهن إلا مع الإذن.
الثالث: أن يكون مقدورا على تسليمه، فلا يصح بيع الآبق منفردا ويجوز
منضما إلى ما يصح بيعه، ومستنده صحيحة رفاعة وموثقة سماعة ومضمرة
سماعة (3). والظاهر أن امتناع بيع الآبق إنما يكون مع تعذر تسليمه، فلو أمكن صح.
ولو أمكن للمشتري خاصة فالأقوى الجواز. والأقرب أنه يصح بيع ما جرت
العادة بعوده كالحمام الطائر، وتردد في صحته (4) العلامة في النهاية (5) وكذا السموك
المملوكة المشاهدة في المياه المحصورة مع إمكان صيده. ولو باع ما يتعذر
تسليمه إلا بعد مدة ففيه تردد، ولعل الأقرب الجواز. ثم إن كان المشتري عالما
بالحال فلا خيار له، وإلا ثبت له الخيار.
الرابع: لا أعرف خلافا بينهم في اشتراط أن يكون الثمن معلوم القدر
والجنس والوصف. قالوا: لو باع بحكم أحدهما لم ينعقد. ويدل على خلافه رواية

(1) المسالك 3: 166.
(2) حكاه المحقق في الشرائع 2: 16.
(3) الوسائل 12: 262، الباب 11 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 1 و 2.
(4) في المطبوع وخ 2: ومنعه.
(5) نهاية الإحكام 2: 481.
454

رفاعة النحاس بإسناد ظاهره الصحة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) قلت: ساومت
رجلا بجارية فباعنيها بحكمي فقبضتها منه على ذلك، ثم بعثت إليه بألف درهم
فقلت: هذه الألف درهم حكمي عليك، فأبى أن يقبلها مني وقد كنت مسستها قبل
أن أبعث إليه بألف درهم، قال: فقال: أرى أن تقوم الجارية قيمة عادلة، فإن كان
قيمتها أكثر مما بعثت إليه كان عليك أن ترد عليه ما نقص من القيمة، وإن كان
قيمتها أقل مما بعثت إليه فهو له قال: فقلت: أرأيت إن أصبت بها عيبا بعد ما
مسستها؟ قال: ليس لك أن تردها ولك أن تأخذ قيمة ما بين الصحة والعيب (1).
ولو تسلمه المشتري مع عدم حصول شرط الصحة فتلف كان مضمونا عليه
عندهم، والحكم به على الإطلاق مشكل، وعلى تقديره هل الضمان بقيمته يوم
قبضه أو بأعلى القيم من يوم قبضه إلى يوم تلفه؟ قوى الشهيد الثاني الوجه
الثاني (2). وهو جيد بناء على حكمهم بالضمان وكونه مثل الغصب. قال: لكن
يشترط أن يكون التفاوت بسبب نقص في العين أو زيادة، فلو كان باختلاف
السوق لم يضمن واعتبر قيمتها يوم التلف (3). وفيه إشكال.
قالوا: وإن نقص فللمالك أرشه، وإن زاد بفعل المشتري جاهلا فهو شريك
المالك بالنسبة. قال الشهيد الثاني: أما مع علمه فليس له إلا الزيادة العينية التي
يمكن فصلها، فالوصفية كالصنعة لا يستحق بسببها شيء. قال: وبالجملة حكمه مع
العلم حكم الغاصب (4).
واعلم أنهم أجروا حكم المقبوض بالبيع الفاسد على المقبوض بالسوم، وفيه
أيضا إشكال.
ويشترط أن يكون المبيع معلوما.
والمشهور بين الأصحاب أنه لا يجوز بيع ما يكال أو يوزن أو يعد جزافا ولو

(1) الوسائل 12: 271، الباب 18 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 1.
(2) المسالك 3: 174.
(3) المسالك 3: 174.
(4) المسالك 3: 175.
455

كان مشاهدا، أو بمكيال مجهول، وذهب بعض الأصحاب إلى جوازه مع
المشاهدة (1). وجوز ابن الجنيد بيع الصبرة مع المشاهدة دون غيرها (2).
وأقوى ما يصلح مستندا للمشهور ما رواه الشيخ والصدوق عن الحلبي في
الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال في رجل اشترى من رجل طعاما عدلا بكيل
معلوم، ثم إن صاحبه قال للمشتري: ابتع مني هذا العدل الآخر بغير كيل، فإن فيه
مثل ما في الآخر الذي ابتعته، قال: لا يصلح إلا أن يكيل. وقال: ما كان من طعام
سميت فيه كيلا فإنه لا يصلح مجازفة، هذا ما يكره من بيع الطعام (3). وآخر
الحديث مذكور في خبرين آخرين، والمذكور في الحديث الطعام والكيل وما
سمي فيه الكيل، ودلالته على التحريم والاشتراط غير ظاهر. وما يستفاد منه من
عدم الاعتماد على قول البائع خلاف المعروف وخلاف بعض الأخبار. فالحكم
على وجه العموم مع عموم أدلة الجواز لا يخلو عن إشكال، وإجراء الحكم في
المعدود أخفى.
واعلم أنهم قالوا: المراد بالمكيل والموزون ما ثبت فيهما الكيل والوزن في
زمانه (صلى الله عليه وآله وسلم).
ويجوز الشراء على تصديق البائع في الكيل، لمرسلة ابن بكير (4) ورواية
محمد بن حمران (5) والظاهر انسحاب الحكم في الوزن. ويجوز بيع التبن
بالمشاهدة، لصحيحة زرارة (6). ويجوز ابتياع جزء من معلوم النسبة مشاعا سواء
كانت أجزاؤه متساوية أو متفاوتة، قالوا: لو قال: بعتك كل قفيز منها بدرهم، لم

(1) جوز ابن الجنيد بيع الجزاف بالجزاف مما اختلف جنساهما، راجع المختلف 5: 247.
(2) حكاه عنه في المختلف 5: 246.
(3) التهذيب 7: 36، ح 148، من لا يحضره الفقيه 3: 209، ح 3781.
(4) الوسائل 12: 256، الباب 5 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 3.
(5) الوسائل 12: 256، الباب 5 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 4.
(6) الوسائل 12: 267، الباب 12 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 1.
456

يصح، ولو قال: بعتكها كل قفيز منها بدرهم، فالمشهور أنه لا يصح، خلافا للشيخ (1)
وقول الشيخ غير بعيد.
ولا يجوز ابتياع شيء مقدر غير معين منه إذا لم يكن متساوي الأجزاء
عندهم، كالذراع من الثوب، أو الجريب من الأرض، أو عبد من عبيد، أو شاة من
قطيع، ولو عينه من جهة كما لو قال: من هذا الطرف إلى حيث ينتهي، ففي صحته
قولان، أقربها الصحة.
ويجوز ذلك في المتساوي الأجزاء كالقفيز من كر وكذا يجوز ولو كان من
أصل مجهول كبيع مكوك (2) من صبرة مجهولة القدر إذا علم اشتمالها على المبيع،
وهل ينزل على الإشاعة أو يكون المبيع مكوكا في الجملة؟ فيه وجهان، أقربهما
الثاني، ويشهد له صحيحة بريد بن معاوية عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3).
ويظهر الفائدة فيما لو تلف بعضها، فعلى الأول تلف من المبيع بالنسبة، وعلى
الثاني يبقى المبيع ما بقي قدر المبتاع.
وإذا تعذر عد ما يجب عده جاز الاعتبار بمكيال والأخذ بحسابه، وعبر
بعضهم بالتعسر (4). وهو غير بعيد، ومستند الحكم - مضافا إلى عموم الأدلة -
صحيحة هشام بن سالم وابن مسكان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) وحسنة الحلبي
عنه (عليه السلام) (6) والوارد في الرواية بلفظ «عدم الاستطاعة» ولعل المراد المشقة العرفية.
وفي حكمه الموزون لو تعذر أو تعسر وزنه، فيكال ويعتبر على حسابه، وكذا
المكيل عملا بعموم الأدلة. وروى عبد الملك بن عمرو قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
أشتري مائة راوية زيتا فأعترض راوية أو اثنتين فأتزنهما ثم آخذ سائرها على

(1) المبسوط 2: 152.
(2) المكوك: مكيال يسع صاعا ونصف صاع.
(3) الوسائل 12: 272، الباب 19 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 1.
(4) الدروس 3: 198.
(5) الوسائل 12: 258، الباب 7 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 1.
(6) الوسائل 12: 258، الباب 7 من أبواب عقد البيع وشروطه ذيل الحديث 1.
457

قدر ذلك، فقال: لا بأس (1).
وروى عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل
يشتري بيعا فيه وزن أو كيل يعيره ثم يأخذ على نحو ما فيه؟ قال: لا بأس (2).
ويجوز بيع الثوب والأرض مع المشاهدة وإن لم يمسحا على الأشهر الأقرب،
ونقل في التذكرة الإجماع عليه (3). ونقل بعضهم عن الشيخ في الخلاف المنع (4).
ولو باعه أرضا على أنها جربان معينة فكانت أقل، فالمشتري بالخيار بين
فسخ البيع وأخذها بحصتها من الثمن على قول. وقيل: بل بكل الثمن (5).
وللشيخ (رحمه الله) قول ثالث بأن البائع إن كان له أرض يفي بالناقص بجنب الأرض
المبيعة فعليه الإكمال منها وإلا أخذه المشتري بجميع الثمن أو فسخ، ومستنده
رواية عمر بن حنظلة عن الصادق (عليه السلام) (6) لكنها غير نقي السند.
ولو زادت كان الخيار للبائع بين الفسخ والإجازة بالثمن، ويحتمل على بعد
كون الزيادة للبائع فيتخير المشتري بين الفسخ والرضا بالباقي بجميع الثمن. وفيه
قول آخر في المختلف (7).
وكذا الحكم في كل ما لا يتساوى أجزاؤه. ولو نقص ما يتساوى أجزاؤه
فقيل: يثبت الخيار للمشتري بين الرد والأخذ بحصته من الثمن، والأقرب أن
المشتري مخير بين الفسخ والأخذ بالثمن.
ويكفي مشاهدة المبيع عن وصفه ولو غاب وقت الابتياع، إلا أن يمضي مدة
جرت العادة بالتغير فيها، وإن احتمل التغير فالظاهر جواز البناء على الأول،
ويثبت له الخيار إن ثبت التغير.

(1) الوسائل 12: 255، الباب 5 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 1.
(2) الوسائل 12: 255، الباب 4 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 4.
(3) التذكرة 1: 470 س 22.
(4) الدروس 3: 198.
(5) حكاه في الدروس 3: 198.
(6) النهاية 2: 221، والرواية في التهذيب 7: 153، ح 675.
(7) المختلف 5: 270.
458

ويفتقر ما يراد منه الطعم أو الريح إلى الاختبار بالذوق أو الشم، ويجوز
شراؤه من دون الاختبار بالوصف. ولو كان المبيع مشاهدا بحيث ترتفع الجهالة
عنه بحسب الأوصاف المعتبرة سوى الطعم والريح ففي جواز بيعه خلاف، ولعل
الأقرب الصحة. فإن ظهر بخلاف المعروف منه بحيث كان معيبا تخير المشتري
بين الرد والإمساك وأخذ الأرش إن لم يتصرف فيه تصرفا موجبا لسقوط الخيار،
وإلا ثبت الأرش خاصة.
وما يؤدي اختباره إلى فساده كالجوز والبطيخ والبيض يجوز شراؤه مع
جهالة ما في بطونه، وفي عبارة بعض الأصحاب: جاز شراؤه بشرط الصحة (1).
وفي عبارة جماعة بشرط الصحة والبراءة من العيوب.
قالوا: ويثبت للمشتري الأرش بالاختبار مع العيب دون الرد، وإذا لم يكن
لمكسوره قيمة رجع بالثمن كله. وهذا متجه مع الشرط المذكور وبدونه محل
تأمل. وعن جماعة من الأصحاب إطلاق القول بأنه إن شرط البائع البراءة من
العيوب صح ولا خيار لو ظهر معيبا (2). واستشكله بعضهم فيما لو ظهر كله معيبا ولم
يكن لمكسوره قيمة (3). فإن مقتضى الشرط سلامة الثمن كله للبائع، وهو مناف
لمقتضى العقد، إذ لا شيء في مقابلة الثمن حينئذ، فيكون أكل مال بالباطل،
واستوجه حينئذ بطلان الشرط.
وفي جواز بيع السمك الذي في الآجام وكان مملوكا ولم يكن مشاهدا ولا
محصورا خلاف، فقيل: لا يجوز وإن ضم إليه القصب أو غيره (4) وذهب جماعة
منهم الشيخ إلى الجواز مع الضميمة (5). ومستندهم أخبار ضعيفة، والذي اختاره
المتأخرون أن المقصود بالبيع إن كان هو القصب وجعل السمك تابعا له صح البيع،

(1) جامع المقاصد 4: 95.
(2) النهاية 2: 155، الوسيلة: 246، المسالك 3: 179.
(3) المسالك 3: 179.
(4) الشرائع 2: 19.
(5) النهاية 2: 176، الوسيلة: 246.
459

وإن انعكس أو كانا مقصودين لم يصح. وقول الشيخ غير بعيد.
ولا يجوز بيع اللبن في الضرع عند جماعة، وجوزه الشيخ مع الضميمة ولو
إلى ما يوجد في مدة معلومة (1). وهو حسن، لموثقة سماعة، قال: سألته عن اللبن
يشترى وهو في الضرع؟ قال: لا، إلا أن يحلب إلى سكرجة فيقول: أشتري منك
هذا اللبن الذي في السكرجة وما في ضروعها بثمن مسمى، فإن لم يكن في
الضروع شيء كان ما في السكرجة (2).
وروى الكليني بإسناد معتبر عن العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن رجل له نعم يبيع ألبانها بغير كيل؟ قال: نعم حتى ينقطع أو شيء منها (3).
وكذا منع جماعة من بيع الجلود والأصواف والأوبار والشعر على الأنعام ولو
ضم إليه غيره، لجهالته، ولكون ما عدا الجلود من المذكورات موزونا فلا يصح
جزافا (4). وفي المسالك: الأقوى جواز بيع ما عدا الجلد منفردا ومنضما مع
مشاهدته وإن جهل وزنه، لأنه حينئذ غير موزون كالثمرة على الشجرة وإن كان
موزونا لو قلع كالثمرة، وفي بعض الأخبار دلالة عليه (5) وهو جيد، لكن في استثناء
الجلد تأمل.
ومنع جماعة من بيع الحمل ولو مع الضميمة (6). وجوزه بعضهم إذا ضم إلى ما
يصح بيعه بشرط كون الضميمة مقصودة (7). وهذا القول متجه، لكن لا أعرف دليلا
على اشتراط كون الضميمة مقصودة.
وروى إبراهيم الكرخي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما تقول في رجل

(1) النهاية 2: 170.
(2) الوسائل 12: 259، الباب 8 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 2.
(3) الكافي 5: 103، الحديث 5.
(4) الشرائع 2: 19، القواعد 2: 25، جامع المقاصد 4: 111.
(5) المسالك 3: 181.
(6) السرائر 2: 322، المختلف 5: 251، جامع المقاصد 4: 112.
(7) المسالك 2: 181.
460

اشترى من رجل أصواف مائة نعجة وما في بطونها من حمل بكذا وكذا درهما؟
قال: لا بأس بذلك، إن لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف (1).
ومنع الأصحاب من بيع ما يلقح الفحل منفردا ومنضما، ولعل مستنده ما
رواه محمد بن قيس في الحسن بإبراهيم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا تبع من آجلة
(راحلة خ ل) عاجلة بعشر ملاقيح من أولاد جمل في قابل (2) بناء على
عدم الفرق بين البيع والشراء. وفي معاني الأخبار بإسناد ضعيف عن القاسم بن
سلام بإسناد متصل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) أنه نهى عن المجر وهو أن يباع البعير أو
غيره بما في بطن الناقة ونهى (صلى الله عليه وآله) عن الملاقيح والمضامين (3). فالملاقيح ما في
البطون وهي الأجنة، والمضامين ما في أصلاب الفحول، وكانوا يبيعون الجنين
في بطن الناقة وما يضرب الفحل في عامه وفي أعوام، ونهى (صلى الله عليه وآله) عن بيع
حبل الحبلة ومعناه: ولد ذلك الجنين الذي في بطن الناقة وهو نتاج النتاج
وذلك غرر (4).
ويجوز بيع المسك في فأره وإن لم يفتق، وفتقه أحوط.
ويجوز أن يندر للظروف ما يحتمل الزيادة والنقيصة، للعرف
ورواية حسان (5). ولو كان ذلك بالتراضي لكان أحوط، لرواية معمر
الزيات عن الصادق (عليه السلام) (6) ورواية علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) (7)
ولا يجوز وضع ما يزيد إلا بالمراضاة، ويجوز بيعه مع الظروف من
غير وضع.

(1) الوسائل 12: 261، الباب 10 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 1.
(2) الوسائل 12: 262، الباب 10 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 3.
(3) معاني الأخبار: 278.
(4) الوسائل 12: 262، الباب 10 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 2.
(5) الوسائل 12: 273، الباب 20 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 4 وفيه حنان.
(6) الوسائل 12: 272، الباب 20 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 1.
(7) الوسائل 12: 273، الباب 20 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 3.
461

المقصد الرابع
في الخيار
وفيه فصلان:
الفصل الأول في أقسامه
أقسام الخيار ثمانية:
الأول خيار المجلس: وهو ثابت للمتبايعين، سواء كانا مالكين أو وكيلين أو
متفرقين بعد انعقاد البيع بالإيجاب والقبول ما داما في المجلس ولم يفترقا،
ومستنده الأخبار (1) مؤيدة بالاتفاق.
قالوا: ولو ضرب بينهما حائل لم يبطل الخيار، سواء كان الحائل رقيقا كالستر
أو غليظا كالجدار. قالوا: ولا فرق بين المانع من الاجتماع وغيره، وكذا لو أكرها
على التفرق، ولا أعلم نصا في هذا الباب، وفي الأخبار اعتبار التفرق.
ويسقط باشتراط سقوطه في العقد، لوجوب الإيفاء بالشروط. ولو شرط
أحدهما خاصة سقط من جانبه. ولا أعلم خلافا بينهم في أنه يسقط بإيجابهما
العقد وإلزامهما وإسقاط الخيار. ولو أوجبه أحدهما خاصة سقط خياره خاصة.
ويسقط أيضا بمفارقة كل واحد منهما صاحبه، ويتحقق بانتقال أحدهما من
مكانه بحيث يبعد عن صاحبه، ولا أعرف فيه خلافا بينهم، ونقل بعضهم الإجماع
عليه (2). ويدل عليه الأخبار. قالوا: ويسقط الخيار بالتصرف، فإن كان التصرف في
المبيع من البائع كان ذلك فسخا للبيع وبطل خيارهما، وإن كان من المشتري كان
التزاما بالبيع ويسقط خياره ويبقى خيار البائع، وإن كان منهما فالظاهر تقدم من
كان تصرفه الفسخ. قال بعضهم: لا فرق بين التصرف الناقل للملك وغيره (3).
ولو كان العاقد واحدا عن اثنين ففيه وجوه ثلاثة:
الأول: ثبوت الخيار ما لم يشترط سقوطه أو يلتزم به عنهما، أو يفارق
المجلس الذي عقد فيه.

(1) الوسائل 12: 345، الباب 5 من أبواب الخيارات.
(2) الغنية: 217.
(3) المسالك 3: 197.
462

الثاني: ثبوته دائما ما لم يلتزماه أو يشترطا سقوطه، وهو قول العلامة في
التذكرة (1) وظاهر اختيار الدروس (2).
الثالث: عدم ثبوت الخيار أصلا، وهذا القول لا يخلو عن قوة.
الثاني خيار الحيوان: والشرط فيه ثلاثة أيام للمشتري خاصة على الأقرب
الأشهر، وفيه خلاف للسيد المرتضى (رحمه الله) فإنه ذهب إلى ثبوت الخيار للبائع أيضا (3)
ويدل على المشهور صحيحة الفضيل (4) وصحيحة الحلبي (5) وصحيحة زرارة (6)
وصحيحة محمد بن مسلم (7) وموثقة الحسن بن علي بن فضال (8) وصحيحة علي بن
رئاب (9) ورواية علي بن أسباط (10) ورواية الحلبي (11).
ويدل على قول السيد صحيحة محمد بن مسلم (12) وصحيحة علي بن رئاب
المنقولة في قرب الأسناد (13). والجمع بين الأخبار بارتكاب التأويل في رواية
محمد بن مسلم أقرب.
وفي المسألة خلاف لأبي الصلاح، حيث ذهب إلى ثبوت الخيار في الإماء
مدة الاستبراء (14) والروايات تدل على خلافه.

(1) التذكرة 1: 515 س 32.
(2) الدروس 3: 266.
(3) الانتصار: 207.
(4) الوسائل 12: 349، الباب 3 من أبواب الخيار، ح 5.
(5) الوسائل 12: 349، الباب 3 من أبواب الخيار، ح 4.
(6) الوسائل 12: 349، الباب 3 من أبواب الخيار، ح 6.
(7) الوسائل 12: 349، الباب 3 من أبواب الخيار، ح 3.
(8) الوسائل 12: 349، الباب 3 من أبواب الخيار، ح 2.
(9) الوسائل 12: 350، الباب 3 من أبواب الخيار، ح 9.
(10) الوسائل 12: 350، الباب 3 من أبواب الخيار، ح 8.
(11) الوسائل 12: 349، الباب 3 من أبواب الخيار، ح 1.
(12) الوسائل 12: 349، الباب 3 من أبواب الخيار، ح 3.
(13) قرب الأسناد: 167، ح 611.
(14) الكافي في الفقه: 185.
463

ويسقط باشتراط سقوطه في العقد للزوم الإيفاء بالشروط، وبالتزامه بعده، لا
أعرف فيه خلافا، وبالتصرف، سواء كان ناقلا كالبيع أو لا كالهبة.
وفي صحيحة علي بن رئاب: فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل
الثلاثة أيام فذلك رضى منه، فلا شرط له. قيل له: وما الحدث؟ قال: أن لامس أو
قبل أو نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء (1). وفيه دلالة على حكم
الالتزام أيضا.
وفي صحيحة علي بن رئاب المذكورة في قرب الإسناد قال: قلت له - يعني
الصادق (عليه السلام) -: أرأيت إن قبلها المشتري أو لامس؟ قال: فقال: إذا قبل أو لامس
أو نظر فيها إلى ما يحرم على غيره فقد انقضى الشرط ولزمته (2). ويدل عليه أيضا
ما روى محمد بن الحسن الصفار قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) في الرجل اشترى
من رجل دابة فأحدث فيها حدثا من أخذ الحافر أو أنعلها، أو ركب ظهرها فراسخ
أله أن يردها في الثلاثة الأيام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها أو
الركوب الذي ركبها فراسخ؟ فوقع (عليه السلام): إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشراء
إن شاء الله (3).
وفي المسالك: إطلاق التصرف والحدث يشمل الناقل وغيره، بل مطلق
الانتفاع كركوب الدابة وتحميلها وحلب ما يحلب ونحو ذلك (4). ولو قصد به
الاستخبار ففي منعه من الرد قول لا بأس به. فإن استثناه اعتبر منه ما يعلم به الحال
بأن يركب الدابة قدرا يظهر به فراهتها وعدمه، ويحلب الشاة بحيث يعلم حالها
ونحو ذلك، فلو زاد عنه منع. ولو ساق الدابة إلى منزله فإن كان قريبا بحيث لا يعد
تصرفا عرفا فلا أثر له، وإن كان بعيدا كثيرا احتمل قويا منعه، وبالجملة فكل ما

(1) الوسائل 12: 350، الباب 5 من أبواب الخيار، ح 1.
(2) قرب الإسناد: 167، ح 611.
(3) الوسائل 12: 351، الباب 5 من أبواب الخيار، ح 2.
(4) المسالك 3: 201.
464

يعد تصرفا وحدثا يمنع، وإلا فلا.
الثالث خيار الشرط: وهو ثابت لمن شرطاه له، سواء كان هما معا، أو
أحدهما، أو أجنبيا، أو أحدهما مع أجنبي، ولا خلاف فيه، ومستنده عموم الأدلة.
ويجب أن يكون مدة مضبوطة، ولا فرق بين كونها متصلة بالعقد ومنفصلة عنه
مع ضبطها، فلو شرطاها متأخرة كان العقد لازما بعد المجلس جائزا فيها. وفي
جواز جعلها متفرقة قولان، أقربهما الجواز. ولو جعلاها محتملة للزيادة والنقصان
كقدوم الحاج لم يصح، ولو أطلقا فالأشهر الأقرب عدم الصحة خلافا للشيخ (1).
ويجوز اشتراط المؤامرة مدة مضبوطة، فيلزم العقد من جهتهما ويتوقف على
أمر من سمى، فليس للشارط أن يفسخ حتى يستأمره ويأمره بالرد خلافا
للتحرير (2).
ويجوز اشتراط مدة يرد فيها البائع الثمن إذا شاء ويرتجع المبيع، وكذا لو
شرط رد المثل أو القيمة. ويدل عليه مضافا إلى العمومات صحيحة سعيد بن
يسار (3) وموثقة إسحاق بن عمار (4) ورواية أبي الجارود (5).
ولو شرط المشتري ارتجاع الثمن إذا رد المبيع صح أيضا، ويكون الفسخ
مشروطا برده. والظاهر أن هذا الخيار لا يسقط بالتصرف كما قاله بعض
الأصحاب (6) لظاهر الروايات.
الرابع خيار الغبن: والمشهور بين الأصحاب خصوصا المتأخرين منهم ثبوت
خيار الغبن، وكثير من المتقدمين لم يذكروه، ونقل في الدروس عن المحقق القول
بعدمه (7). والأخبار خالية عنه إلا في تلقي الركبان، فقد ورد رواية بتخيرهم إذا

(1) الخلاف 3: 20، المسألة 25.
(2) التحرير 1: 166 س 28.
(3) الوسائل 12: 354، الباب 7 من أبواب الخيار، ح 1.
(4) الوسائل 12: 355، الباب 8 من أبواب الخيار، ح 1.
(5) الوسائل 12: 354، الباب 7 من أبواب الخيار، ح 2.
(6) المسالك 3: 203.
(7) الدروس 3: 275.
465

غبنوا (1) واحتجوا عليه أيضا بخبر الضرار (2) وبقوله تعالى: (إلا أن تكون تجارة
عن تراض منكم) (3) فإنه لو علم المغبون لم يرض، وفي الحجج تأمل. ويمكن
الاحتجاج برواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: غبن المسترسل
حرام (4). ورواية ميسر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: غبن المؤمن حرام (5). وفي رواية
اخرى: لا يغبن المسترسل، فإن غبنه لا يحل (6).
ويظهر من التذكرة عدم الخلاف فيه (7) ولو لم يثبت الإجماع كما هو الظاهر
كان للتأمل مجال.
وعلى تقدير الثبوت فهو مشروط بأمرين:
الأول: جهالة المغبون بالقيمة وقت العقد، فلو عرف القيمة ثم زاد أو نقص مع
العلم، أو تجددت الزيادة أو النقيصة بعد العقد فلا خيار ونقل الإجماع عليه.
الثاني: الزيادة والنقصان الفاحش التي لا يتسامح الناس بمثله عادة مثل بيع
ما يساوي مائة بخمسين، فلو كان التفاوت يسيرا يتسامح بمثله في العادة فلا
خيار، ومثل بمثل الدرهم في المائة بل الخمسة دراهم فيها عادة.
والثاني يظهر بالبينة. والأول إن أمكن إقامة البينة عليه فذاك، ولو ادعاه ولا
يمكن ذلك في حقه، حيث يعلم ممارسته لذلك النوع في ذلك الزمان والمكان
بحيث لا يخفى قيمته عليه لم يقبل قوله، وإلا ففي القبول وجهان.
وإذا ثبت الغبن كان المغبون مخيرا بين الرد والإمساك مجانا عندهم ولا
أرش، والعلامة مع ادعائه الإجماع على عدم ثبوت الأرش استشكل في التذكرة

(1) مستدرك الوسائل 13: 281، الباب 29 من أبواب آداب التجارة، ح 3 و 4.
(2) أي خبر «لا ضرر ولا ضرار» منه (رحمه الله)، الوسائل 12: 364، الباب 17 من أبواب الخيار، ح 3 و 4 و 5.
(3) النساء: 29.
(4) الوسائل 12: 363، الباب 17 من أبواب الخيار، ح 1، وفيه: سحت.
(5) الوسائل 12: 364، الباب 17 من أبواب الخيار، ح 2.
(6) الوسائل 12: 285، الباب 2 من أبواب التجارة، ح 7.
(7) التذكرة 1: 522 س 41.
466

في ثبوت الخيار للمغبون لو بذل الغابن التفاوت (1). ولهم في سقوط الخيار
بالتصرف هاهنا تفاصيل مذكورة في المسالك (2).
الخامس: من باع ولم يقبض الثمن ولا سلم المبيع ولا اشترط تأخير الثمن
فالبيع لازم ثلاثة أيام، فإن جاء المشتري بالثمن، وإلا كان البائع أحق به. واللزوم
في هذا النوع منتف عند الأصحاب، وأخبارهم متظافرة به كصحيحة زرارة (3)
وحسنته (4) وصحيحة علي بن يقطين (5) وموثقة إسحاق بن عمار (6) وغيرها، فعند
جماعة ثبوت الخيار (7). وعن ظاهر ابن الجنيد والشيخ بطلان البيع (8) ولعل الأقرب
الثاني، لظاهر صحيحة علي بن يقطين وصحيحة زرارة وغيرهما.
والمعتبر في هذا النوع عدم قبض الثمن، وعدم تقبيض المبيع، وعدم اشتراط
التأجيل في الثمن والمثمن، وبعض كل واحد منهما ولو ساعة. وقبض بعض من كل
منهما كلا قبض، ولو قبض الجميع أو أقبض الجميع فلا خيار. وشرط القبض المانع
من الخيار كونه بإذن مالكه.
ولا يسقط هذا الخيار بمطالبة البائع بالثمن بعد الثلاثة. ولو بذل المشتري
الثمن بعدها قبل الفسخ فالأقرب عدم اللزوم وثبوت البطلان أو الخيار.
ولو تلف المبيع كان من مال البائع بعد الثلاثة بلا خلاف أعرفه، وقبل الثلاثة على
الأشهر الأقرب، لظاهر صحيحة علي بن يقطين (9) مؤيدا برواية عقبة بن خالد (10).

(1) التذكرة 1: 523 س 10.
(2) المسالك 3: 204 - 205.
(3) الوسائل 12: 356، الباب 9 من أبواب الخيار الحديث 1.
(4) الوسائل 12: 356، الباب 9 من أبواب الخيار ذيل الحديث 1.
(5) الوسائل 12: 357، الباب 9 من أبواب الخيار، ح 3.
(6) الوسائل 12: 357، الباب 9 من أبواب الخيار، ح 4.
(7) المقنعة: 591 - 592، النهاية 2: 139، المسالك 3: 208.
(8) نقله في المختلف 5: 70، المبسوط 2: 87.
(9) الوسائل 12: 357، الباب 9 من أبواب الخيار، ح 3.
(10) الوسائل 12: 358، الباب 10 من أبواب الخيار، ح 1.
467

وذهب المفيد والمرتضى وسلار ومن تبعهم إلى أن تلفه من المشتري نظرا إلى
ثبوت الناقل من غير خيار (1).
وعن ابن حمزة وظاهر أبي الصلاح أن البائع إن عرض تسليمه على المشتري
فمن مال المشتري، وإلا فمن مال البائع (2). ونفى عنه البأس في المختلف (3).
وللشيخ قول بجواز الفسخ متى تعذر الثمن (4). وقواه الشهيد في الدروس (5). وكأن
مستنده خبر الضرار، لكن التمسك بوجوب الوفاء بالعقد أقوى مع إمكان دفع
الضرر بالمقاصة.
السادس خيار ما يفسد من يومه: ففي رواية محمد بن أبي حمزة أو غيره
عمن ذكره عن أحد الإمامين (عليهما السلام): في الرجل يشتري الشيء الذي يفسد من
يومه ويتركه حتى يأتيه بالثمن؟ قال: إن جاء فيما بينه وبين الليل بالثمن وإلا فلا
بيع له (6). وفي رواية زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: العهدة فيما يفسد
من يومه مثل البقول والبطيخ والفواكه يوم إلى الليل (7). وفي الرواية إشكال، لأن
الظاهر أن الغرض من الخيار دفع الضرر عن البائع وهو لا يحصل بالخيار في
الليل، لأن المفروض أنه يفسد من يومه. ولعل المراد من اليوم اليوم بليلته.
والأصحاب عبروا المسألة بعبارات لا تخلو من شيء. وأوفق العبارات بالخبر
عبارة المحقق (8).
والشهيد في الدروس فرض المسألة فيما يفسده المبيت وأثبت الخيار عند
انقضاء النهار (9). فكأنه حمل اليوم على ما ذكرنا، ثم استقرب تعديته إلى كل ما

(1) المقنعة: 592، الانتصار: 210، المراسم: 173.
(2) الوسيلة: 239، الكافي في الفقه: 355.
(3) المختلف 5: 69.
(4) المبسوط 2: 148.
(5) الدروس 3: 274.
(6) الوسائل 12: 358، الباب 11 من أبواب الخيار، ح 1.
(7) الوسائل 12: 359، الباب 11 من أبواب الخيار، ح 2.
(8) الشرائع 2: 23.
(9) الدروس 3: 274.
468

يتسارع إليه الفساد عند خوف ذلك وأنه لا يتقيد بالليل، وكأن مستنده خبر
الضرار المنفي.
السابع خيار الرؤية: وهو ثابت لمن اشترى أو باع موصوفا أو غائبا بعد
مشاهدته، فإن خرج على الوصف أو العهد فلا فسخ، وإلا تخير البائع إن زاد وصفه
والمشتري إن نقص، وكأنه لا خلاف فيه بينهم، وخبر الضرار يدل عليه، وصحيحة
جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى ضيعة وقد كان
يدخلها ويخرج منها، فلما أن نقد المال صار إلى الضيعة فقلبها ثم رجع فاستقال
صاحبه فلم يقله فقال أبو عبد الله (عليه السلام): لو أنه قلب منها أو نظر إلى تسعة وتسعين
قطعة ثم بقي منها قطعة ولم يرها لكان له في ذلك خيار الرؤية (1). والرواية واردة
في خيار المشتري. وروى زيد الشحام في الصحيح، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن رجل اشترى سهام القصابين من قبل أن يخرج السهم؟ فقال: لا تشتر شيئا
حتى تعلم أين يخرج السهم، فإن اشترى شيئا فهو بالخيار إذا خرج (2).
الثامن خيار العيب: وسيأتي إن شاء الله تعالى.
الفصل الثاني في أحكام الخيار
وفيه مسائل:
الاولى: خيار المجلس لا يثبت في شيء من العقود عدا البيع، وفي المسالك أن
هذا مما لا خلاف فيه بين علمائنا (3). ومستنده أن الأصل في العقود اللزوم ووجوب
الإيفاء بها، خرج البيع بالنص، فبقي الباقي على أصله، والشيخ في المبسوط أثبته
في عقود جائزة مثل الوكالة والمضاربة والوديعة (4). والعقود الجائزة يصح
فسخها (5) في المجلس وبعده، فليس لخصوصية خيار المجلس ارتباط بها.

(1) الوسائل 12: 361، الباب 15 من أبواب الخيار، ح 1.
(2) الوسائل 12: 362، الباب 15 من أبواب الخيار، ح 2.
(3) المسالك 3: 211.
(4) المبسوط 2: 82.
(5) في المطبوع وخ 2: رفعها.
469

الثانية: خيار الشرط يثبت في كل نوع من العقود سوى النكاح والوقف
والإبراء والطلاق والعتق، وكأن مستنده الإجماع إن ثبت.
الثالثة: التصرف المسقط للخيار ما يصدق عليه الاسم عرفا، كلبس الثوب
للانتفاع، وركوب الدابة كذلك، واستخدام العبد، وحلب الشاة، وتقبيل الجارية،
ونقله عن الملك عينا ومنفعة.
وقد استثني من ذلك ركوبها لرفع الجموح إذا عسر قودها وسوقها في طريق
الرد، وعلف الدابة وسقيها فيه وقبل التمكن من الرد، واستعمال المبيع للاختبار
قدرا يظهر به حاله لا الزائد عليه.
قال في المسالك: لو وضع على الدابة سرجا ونحوها وركبها للاختبار بادر
بعد تحصيل الغرض إلى نزعه، فإن أبقاه منع، لأنه انتفاع واستعمال. ويعذر في ترك
العذار واللجام لخفتهما وللحاجة إليهما في قودها. وكذا نعلها مع حاجتها إليه
بحيث يضرها المشي إلى المالك بغير نعل، وإلا كان تصرفا (1).
واعلم أني لا أعلم دليلا على كون شيء من التصرفات موجبا للزوم سوى ما
ورد في صحيحة علي بن رئاب (2) وصحيحة محمد بن الحسن الصفار (3) وما في
قوته أو أقوى منه، فإن ثبت إجماع في غير ذلك كان متبعا، وإلا كان للتأمل
فيه مجال.
ولو وقع التصرف نسيانا ففي منعه من الرد نظر. ولو كان الخيار لهما وتصرف
أحدهما كالمشتري في المبيع والبائع في الثمن سقط خياره. ولو تصرف البائع في
المبيع فالظاهر أنه فسخ. قالوا: ولو أذن أحدهما وتصرف الآخر يبطل خيارهما،
وفيه إشكال.
الرابعة: إن مات من له الخيار انتقل الخيار إلى الوارث، لأنه حق مالي قابل

(1) المسالك 3: 213.
(2) الوسائل 12: 350، الباب 4 من أبواب الخيار، ح 1.
(3) الوسائل 12: 351، الباب 4 من أبواب الخيار، ح 2.
470

للانتقال، فإن كان الخيار خيار شرط مثلا ثبت للوارث بقية المدة المضروبة، فلو
كان غائبا أو حاضرا ولم يبلغه الخبر حتى انقضت المدة سقط خياره بانقضائها
كالمورث. ولو تعدد الوارث واختلفوا في الفسخ والإجازة قيل: قدم الفسخ (1).
وفيه نظر، وعلى تقديره ففي انفساخ الجميع أو في حصته خاصة ثم يتخير الآخر
لتبعض الصفقة وجهان. ولو جن قام وليه مقامه. ولو كان الميت مملوكا مأذونا ثبت
الخيار لمولاه.
الخامسة: المبيع يملك بالعقد عند أكثر الأصحاب، وحكي عن الشيخ أنه
يملك بانقضاء الخيار إذا كان الخيار للبائع أو لهما (2). وعن ابن الجنيد إطلاق القول
بأنه يملك بانقضاء الخيار (3). والقول الأول في خيار الشرط واضح، لأن
المتبايعين أقدما على البيع على أن يكون المبيع للمشتري وشرطا خيارا في وقت
معين، ولابد من العمل بالشرط، وهو مجرد الخيار في الوقت، فيبقى الباقي
على أصله.
ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح إلى صفوان عن إسحاق بن عمار قال:
حدثني من سمع أبا عبد الله (عليه السلام)، وسأله رجل وأنا عنده فقال: رجل مسلم احتاج
إلى بيع داره فجاء إلى أخيه فقال: أبيعك داري هذه - ويكون لك أحب إلي من أن
تكون لغيرك - على أن تشترط لي إن أنا جئتك بثمنه إلى سنة تردها علي؟ فقال: لا
بأس بهذا إن جاء بثمنها إلى سنة ردها عليه. قلت: فإنها كانت فيها غلة كثيرة فأخذ
الغلة لمن تكون الغلة؟ قال: الغلة للمشتري، ألا ترى أنها لو احترقت لكانت من
ماله (4) ويؤيده رواية معاوية بن ميسرة (5).
وأما خيار الحيوان يشكل، نظرا إلى صحيحة ابن سنان، قال: سألت أبا

(1) المسالك 3: 214.
2 و 3) حكاه عنهما الشهيد في الدروس 3: 270.
(4) الوسائل 12: 355، الباب 8 من أبواب الخيار الحديث 1.
(5) الوسائل 12: 355، الباب 8 من أبواب الخيار، ح 3.
471

عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يشتري الدابة أو العبد ويشترط إلى يوم أو يومين فيموت
العبد أو الدابة، أو يحدث فيه الحدث، على من ضمان ذلك؟ فقال (عليه السلام): على البائع
حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام ويصير المبيع للمشتري، شرط له البائع أو لم
يشرط قال: وإن كان بينهما شرط أيام معدودة فهلك في يد المشتري قبل أن
يمضي الشرط فهي من مال البائع (1).
وفي موثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى
أمة بشرط من رجل يوم أو يومين فماتت عنده وقد قطع الثمن، على من يكون
الضمان؟ فقال: ليس على الذي اشترى ضمان حتى يمضي شرطه (2). وفي رواية
اخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن حدث بالحيوان قبل ثلاثة أيام فهو من مال
البائع (3).
ثم على القول الثاني مطلقا أو مقيدا فهل يكون انقضاء الخيار مع عدم الفسخ
كاشفا عن ملك المشتري من حين العقد، أم ناقلا له؟ فيه وجهان، ونقل عن ظاهر
الشيخ اختيار الأول (4). ويظهر الفائدة في صور:
منها: في النماء المنفصل كاللبن والحمل والثمرة المتجددة في زمن الخيار،
فعلى المشهور للمشتري، وكذا على الكشف إذا لم يفسخ، وعلى الآخر للبائع.
ومنها: في الأخذ بالشفعة في زمن الخيار، وفي جريانه في حول الزكاة لو كان
زكويا، وتشهد للأول رواية إسحاق بن عمار (5) لكنها مختصة بخيار الشرط ونحوها
رواية معاوية بن ميسرة (6) وللثاني صحيحة ابن سنان (7) لكنها مختصة بالحيوان.

(1) التهذيب 7: 24، ح 103.
(2) الوسائل 12: 351، الباب 5 من أبواب الخيار، ح 1.
(3) الوسائل 12: 352، الباب 5 من أبواب الخيار، ح 5.
(4) الخلاف 3: 22 المسألة 29.
(5) الوسائل 12: 355، الباب 8 من أبواب الخيار، ح 1.
(6) الوسائل 12: 355، الباب 8 من أبواب الخيار، ح 3.
(7) الوسائل 12: 355، الباب 8 من أبواب الخيار، ح 2.
472

السادسة: إذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال بائعه، لا أعرف فيه خلافا،
ومستنده رواية علي بن عقبة السابقة (1) وما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): كل مبيع تلف قبل
قبضه فهو من مال بائعه (2). ولعل المراد أنه ينفسخ العقد بتلفه من حينه ويرجع
الثمن إلى ملك المشتري، وليس للمشتري مطالبة المثل أو القيمة، ورواية علي بن
عقبة لا يخلو عن إشعار به.
قال في المسالك: لو كان قد تجدد له نماء بعد العقد وقبل التلف فهو
للمشتري (3). وحكى في التذكرة وجها بأن الفسخ يكون من أصله (4).
قال في المسالك: هذا كله إذا كان تلفه من الله تعالى، أما لو كان من أجنبي أو
من البائع تخير المشتري بين الرجوع بالثمن وبين مطالبة المتلف بالمثل أو القيمة،
ولو كان التلف من المشتري ولو بتفريطه فهو بمنزلة القبض (5). وهو غير بعيد.
وإذا تلف في زمن الخيار فأورد في المسالك ضابطا له، وهو أن المتلف إن
كان المشتري فلا ضمان على البائع مطلقا، لكن إن كان له خيار أو لأجنبي
واختار الفسخ رجع على المشتري بالمثل أو القيمة، وإن كان التلف من البائع أو
من أجنبي تخير المشتري بين الفسخ والرجوع بالثمن، وبين مطالبة المتلف بالمثل
أو القيمة إن كان له خيار، وإن كان الخيار للبائع والمتلف أجنبي تخير - كما مر -
ورجع على المشتري أو الأجنبي، وإن كان التلف بآفة من عند الله تعالى فإن كان
الخيار للمشتري أو له ولأجنبي فالتلف من البائع، وإلا فمن المشتري (6). ولا
أعرف في المسألة مستندا سوى الروايات الخمسة المذكورة في المسألة الخامسة
فينبغي إناطة الحكم بها.
السابعة: الأقرب أن مبدأ خيار الشرط من حين العقد. وقيل: من حين

(1) الوسائل 12: 358، الباب 10 من أبواب الخيار، ح 1.
(2) عوالي اللئالي 3: 212، ح 59.
(3) المسالك 3: 216.
(4) التذكرة 1: 474 س 12.
(5) المسالك 3: 216.
(6) المسالك 3: 217.
473

التفرق (1). وكذا خيار الحيوان.
الثامنة: لا أعرف خلافا بينهم في أنه يشترط في صحة بيع الأعيان من غير
مشاهدة ذكر الجنس كالحنطة مثلا والوصف، ولابد من ذكر كل وصف يثبت
الجهالة عند انتفائه، والمراد جهالة ما يوجب اختلاف أثمان تلك الأصناف
المشتركة بحيث لا يتسامح فيها عادة، ويبطل العقد بالإخلال بذكر الجنس أو
الوصف، ويصح مع ذكرهما سواء لم يره البائع أو المشتري أو هما، بأن وصفه
غيرهما، فإن كان المبيع على ما ذكر لزم البيع، وإلا ثبت الخيار للمشتري إن نقص
عن الوصف، أو للبائع إن زاد عليه، وإن لم يكونا رأياه كان الخيار لكل واحد منهما
إذا اجتمع فيه الزيادة والنقصان من جهتين. ولو اشترى ضيعة رأى بعضها ووصف
له سائرها ثبت له الخيار فيها أجمع إذا لم يكن على الوصف.
المقصد الخامس
في أحكام العيوب
لا أعرف خلافا بينهم في أن إطلاق العقد يقتضي لزوم السلامة من العيوب،
وكذا لو شرط الصحة، فإن ظهر في المبيع عيب سابق على العقد فالمشتري خاصة
بالخيار بين الرد وأخذ الأرش.
ويسقط الرد بالتبري من العيوب، للإيفاء بالعقود، ورواية جعفر بن عيسى (2).
ولا فرق حينئذ بين علم البائع والمشتري جميعا بالعيب أو جهلهما أو بالتفريق.
ويسقط أيضا لو علم المشتري بالعيب حين العقد، وكذا الأرش في
الموضعين، وبإسقاط المشتري خيار العيب بعد العقد عندهم فيسقط الرد والأرش
جميعا. ولو قيد الإسقاط بأحدهما اختص به.
ولو تصرف المشتري سقط الرد دون الأرش، للأخبار المتعددة، لكن الأخبار
مختصة بمن اشترى جارية فوطئها ثم ظهر بها عيب، ولا فرق بين أن يكون

(1) الشرائع 2: 24.
(2) الوسائل 12: 420، الباب 8 من أبواب أحكام العيوب، ح 1.
474

التصرف قبل العلم بالعيب أو بعده. ويستثنى من هذا الحكم أمران:
الأول: الحامل إذا وطئها المشتري، فإنه يردها على البائع ويرد معها نصف
عشر قيمتها، لصحيحة ابن سنان (1) ومعتبرة عبد الملك بن عمرو (2) ورواية سعيد بن
يسار المعتبرة (3) ورواية فضيل (4) والمعارض قابل للتأويل لا يصلح للمعارضة،
لكن في بعض الروايات الصحيحة أنه يردها ويكسوها (5). وحملها الشيخ على أن
المراد أنه يكسوها كسوة يساوي نصف عشر قيمتها (6). وهو بعيد، والقول بالتخيير
غير بعيد، لكن الأصوب العمل على الأكثر المعروف بين الأصحاب، وفي المسألة
خلاف ضعيف لبعض الأصحاب.
الثاني: حلب المصراة، وسيجئ حكمه.
ولو تجدد العيب بعد العقد قبل القبض جاز له الرد بلا خلاف، وفي الأرش
خلاف. قالوا: لو حدث العيب بعد القبض ثبت الأرش بالعيب السابق دون الرد.
وإذا ابتاع شيئين صفقة وعلم بعيب في أحدهما كان مخيرا بين رد الجميع وأخذ
الأرش، وليس له رد المعيب منفردا. ولو اشترى اثنان شيئا كان لهما رد الجميع أو
إمساكه مع الأرش، وليس لأحدهما رد نصيبه حسب.
القول في بيان العيوب:
كل ما خرج به عن أصل الخلقة الطبيعية بزيادة عضو أو نقصانه أو نقصان
وصف طبيعي كخروج المزاج عن مجراه الطبيعي مستمرا كالممراض (7) أو غير
مستمر كالحمى فالظاهر أنه عيب، ولا يبعد أن يرجع في ذلك إلى العرف.
وكل ما يشترط المشتري على البائع فأخل به ثبت الخيار وإن لم يكن الفوات

(1) الوسائل 12: 416، الباب 5 من أبواب أحكام العيوب، ح 1.
(2) الوسائل 12: 416، الباب 5 من أبواب أحكام العيوب، ح 3.
(3) الوسائل 12: 417، الباب 5 من أبواب أحكام العيوب، ح 9.
(4) الوسائل 12: 417، الباب 5 من أبواب أحكام العيوب، ح 8.
(5) الوسائل 12: 417، الباب 5 من أبواب أحكام العيوب، ح 6.
(6) الاستبصار 3: 81، ذيل الحديث 276.
(7) الممراض: الكثير المرض.
475

عيبا، كاشتراط الجعودة في الشعر والزجج للحاجب.
مسائل:
الاولى: التصرية تدليس يثبت به الخيار بين الرد والإمساك، والمراد
بالتصرية أن يربط الشاة ونحوه ولا يحلب يومين أو أكثر فيجتمع اللبن بضرعها،
فيظن الجاهل بحالها كثرة ما يحلبه كل يوم، فيرغب في شرائها بزيادة.
قال في المسالك: الأصل في تحريمه مع الإجماع النص عن النبي (صلى الله عليه وآله) وهو
من طرق العامة، وليس في أخبارنا تصريح به، لكنه في الجملة موضع وفاق (1).
ويرد مع المصراة لبنها، فإن تعذر فالمثل، فإن تعذر فالقيمة وقت الدفع ومكانه
على المشهور، وقيل: يرد ثلاثة أمداد من طعام.
والمراد باللبن الموجود حال البيع، أما المتجدد بعد العقد ففي وجوب رده
وجهان: من إطلاق الرد في الأخبار، ومن أنه نماء المبيع الذي هو ملكه والعقد إنما
يفسخ من حينه. ولو امتزج الموجود حالته بالمتجدد اشتركا.
ولو تغير اللبن في ذاته أو صفته ففي الانتقال إلى بدله أو رده مع الأرش إن
أوجب نقصا وجهان، ولعل الترجيح للثاني.
والقول برد ثلاثة أمداد للشيخ (رحمه الله) (2) ومستنده حسنة الحلبي عن أبي
عبد الله (عليه السلام) في رجل اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيام ثم ردها؟ قال: إن كان في
تلك الثلاثة الأيام يشرب لبنها رد معها ثلاثة أمداد، وإن لم يكن لها لبن فليس
عليه شيء (3). والرواية مختصة بصورة شرب اللبن، ولا يبعد العمل بمضمونها،
لحسنها مع اعتضادها بغيرها (4). وللشيخ قول آخر برد صاع من تمر أو من بر (5).
وهو منصوص عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حكم المصراة من طريق العامة (6).
وإذا لم تثبت التصرية بالإقرار أو البينة تختبر ثلاثة أيام، وفي ثبوتها في

(1) المسالك 3: 292.
(2) النهاية 2: 141.
(3) الوسائل 12: 360، الباب 13 من أبواب الخيار، ح 1.
(4) الوسائل 12: 360، الباب 13 من أبواب الخيار، ح 2 و 3.
(5) المبسوط 2: 125.
(6) صحيح البخاري 3: 92.
476

البقرة والناقة تردد.
الثانية: أطلق أكثر الأصحاب أن الثيوبة ليست عيبا، إلا أنه يشكل ذلك في
الصغيرة التي ليست محل الوطء، فإن أصل الخلقة والغالب في أمثالها البكارة.
وعن ظاهر ابن البراج أنها عيب مطلقا (1).
ولو اشترط البكارة فظهر أنها كانت ثيبا حال البيع بالبينة أو إقرار البائع أو
بالاختبار - مع قرب زمانه لزمان البيع بحيث لا يمكن تجدد الثيوبة فيه - كان
المشتري مخيرا بين الرد والإمساك على الأشهر الأقرب، وهل يثبت له الأرش مع
اختيار الإمساك؟ فيه وجهان. ولو انعكس الفرض فالأقوى ثبوت الخيار أيضا.
الثالثة: خيار العيب ليس بفوري، فيجوز الرد بالعيب السابق وإن أخره عالما
به ما لم يصرح بالإسقاط، سواء كان غريمه حاضرا أم غائبا. وكذا الأرش،
والظاهر أنه لا خلاف فيه، ومستنده عموم أدلة الخيار من غير تقييد، وخصوص
بعض الأخبار (2).
الرابعة: الإباق الحادث عند المشتري لا يقتضي الخيار، والسابق عند البائع
يوجب الخيار، وظاهر بعضهم وصريح التذكرة الاكتفاء بوقوعه مرة (3). وهو ظاهر
صحيحة أبي همام (4) واشترط بعضهم الاعتياد (5). قيل: وأقل ما يتحقق بمرتين (6).
الخامسة: إذا اشترى جارية ولم تحض ستة أشهر وكان من شأنها الحيض كان
ذلك عيبا على الأشهر الأقرب، لأنه لا يكون ذلك إلا لآفة غير طبيعية، ويدل عليه
حسنة داود بن فرقد، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى جارية مدركة
فلم تحض عنده حتى مضى لها ستة أشهر وليس بها حمل؟ قال: إن كان مثلها تحيض

(1) المهذب 1: 395.
(2) الوسائل 12: 362، الباب 16 من أبواب الخيار.
(3) المسالك 3: 296، وفي التذكرة 1: 538 س 40.
(4) الوسائل 12: 411، الباب 1 من أبواب أحكام العيوب، ح 2.
(5) الروضة البهية 3: 499.
(6) المسالك 3: 296.
477

ولم يكن ذلك من كبر فهذا عيب ترد به (1). ولو قلنا بثبوت الخيار متى تأخر حيضها عن
عادة أمثالها في تلك البلاد كان حسنا، لا للرواية المذكورة، بل للتعليل المذكور.
السادسة: قالوا: من اشترى زيتا أو بزرا (2) فوجد فيه ثفلا فإن كان مما جرت
العادة بمثله لم يكن له رد ولا أرش، وكذا لو كان كثيرا وعلم به، ووقع التفصيل في
بعض الأخبار بنحو آخر، روى الكليني عن ميسر في الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: قلت له: رجل اشترى زق زيت فيجد فيه درديا قال: فقال: إن كان المشتري
يعلم أن ذلك يكون في الزيت لم يرده، وإن لم يكن يعلم أن ذلك يكون في الزيت
رده على صاحبه (3). ورواه الشيخ والصدوق نحوا منه (4).
السابعة: تحمير الوجه ووصل الشعر وما شابهه تدليس، يثبت به الخيار دون
الأرش على الأشهر الأظهر. وقيل: لا يثبت به خيار (5). وفي المسالك: لو شرط
أحد هذه فظهر بالخلاف تخير بين الرد والإمساك إجماعا (6).
الثامنة: إذا قال البائع: بعت بالبراءة، وأنكر المشتري ولم يكن للبائع بينة
فالقول قول المشتري مع يمينه، لعموم البينة على المدعي واليمين على من أنكر.
ويؤيده رواية جعفر بن عيسى (7).
ولو ادعى المشتري سبق العيب وأنكره البائع ولم يكن للمشتري بينة ولا
شاهد حال يشهد له، فالقول قول البائع مع يمينه.
التاسعة: إذا حدث في الحيوان عيب بعد القبض وقبل انقضاء الثلاثة فالأقرب
أنه يجتمع الخياران، ويبقى خيار العيب بعد انقضاء الثلاثة.

(1) الوسائل 12: 413، الباب 1 من أبواب أحكام العيوب، ح 1.
(2) يراد به الزيت الذي يؤخذ من بزر الكتان.
(3) الكافي 5: 229، ح 1.
(4) التهذيب 7: 66، ح 283، الفقيه 3: 270، ح 3977.
(5) الخلاف 3: 111، المسألة 183.
(6) المسالك 3: 298.
(7) الوسائل 12: 420، الباب 8 من أبواب أحكام العيوب، ح 1.
478

العاشرة: في صحيحة أبي همام، قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: يرد المملوك
من أحداث السنة من الجنون والجذام والبرص، فإذا اشتريت مملوكا فوجدت به
شيئا من هذه الخصال ما بينك وبين ذي الحجة ترده على صاحبه (1). ولعل المراد
أن هذه الأمراض إذا حدثت ما بين البيع وتمام السنة يرد بها المملوك وإن لم يكن
الرد في السنة كما هو ظاهر الرواية.
وفي رواية علي بن أسباط عن الرضا (عليه السلام) قال: سمعته يقول: الخيار في
الحيوان إلى الثلاثة ثلاثة أيام للمشتري، وغير الحيوان أن يتفرقا، وأحداث السنة
ترد بعد السنة. قلت: وما أحداث السنة؟ قال: الجنون والجذام والبرص والقرن،
فمن اشترى فحدث فيه هذه الأحداث فالحكم أن يرد إلى صاحبه إلى تمام السنة
من يوم اشتراه (2). وقريب منه رواية محمد بن علي (3). وروى الصدوق في الخصال
عن ابن فضال في الموثق عن أبي الحسن الثاني (عليه السلام) قال: في أربعة أشياء خيار
سنة: الجنون والجذام والبرص والقرن (4).
وقيد بعضهم هذا الخيار بعدم التصرف ومعه الأرش خاصة (5). وقيد بعضهم
الأحداث المسقط للرد بما كان مغيرا لعينه أو صفته (6). والمسألة محل إشكال.
المقصد السادس
في أحكام العقود
وفيه فصول:
الأول في النقد والنسيئة
والمراد بها البيع مع تأخر الثمن. قال في المسالك: البيع بالنسبة إلى تعجيل

(1) الوسائل 12: 411، الباب 2 من أبواب أحكام العيوب، ح 2.
(2) الوسائل 12: 412، الباب 2 من أبواب أحكام العيوب، ح 4.
(3) الوسائل 12: 412، الباب 2 من أبواب أحكام العيوب ذيل الحديث 2.
(4) الخصال: 245، ح 104.
(5) الإرشاد 1: 377.
(6) الشرائع 2: 40.
479

الثمن والمثمن وتأخيرهما والتفريق أربعة أقسام: فالأول بيع النقد، والثاني بيع
الكالي بالكالي، ومع حلول المثمن وتأجيل الثمن هو النسيئة، وبالعكس السلف،
وكلها صحيحة عدا الثاني، فقد ورد النهي عنه في الأخبار (1) انتهى.
ومن ابتاع مطلقا أو اشترط التعجيل كان الثمن حالا واشتراط التعجيل مفيدا
للتأكيد. وفي موثقة عمار الواردة في رجل اشترى من رجل جارية: والثمن إذا لم
يكونا اشترطا فهو نقد (2).
ولو عين زمانه وأخل به المشتري ولم يمكن إجباره عليه أفاد تسلط البائع
على الفسخ كما قال في الدروس (3). ولو اشترط تأجيل الثمن صح.
والظاهر أنه لا خلاف في أنه يشترط أن يكون المدة معلومة لا يتطرق إليها
الزيادة والنقيصة، فلو اشترط التأجيل ولم يعين أجلا أو عين أجلا مجهولا كقدوم
الحاج كان باطلا، ولا فرق في المدة المعلومة بين كونها قصيرة أو طويلة.
ولو باع بثمن حالا وبأزيد منه مؤجلا فقيل: يبطل (4). وقيل: للمشتري أن
يأخذه مؤجلا بأقل الثمنين (5). وهو أقرب، لحسنتي محمد بن قيس عن أبي
جعفر (عليه السلام) (6) ورواية السكوني عن جعفر (عليه السلام) (7).
ولو باع بثمنين إلى أجلين ففيه قولان. ولو باعه نسيئة جاز له أن يتشريه قبل
الأجل بزيادة أو نقيصة حالا ومؤجلا إذا لم يشترط ذلك حال البيع. ويدل على
الجواز المطلق صحيحة منصور بن حازم (8) ورواية يونس بن عبد الرحمن عن غير

(1) المسالك 3: 222.
(2) الوسائل 12: 366، الباب 1 من أبواب أحكام العقود، ح 2.
(3) الدروس 3: 202، الدرس 240.
(4) المسالك 3: 224.
(5) النهاية 2: 148 - 149.
(6) الوسائل 12: 367، الباب 2 من أبواب أحكام العقود، ح 1 والباب 3، ح 1.
(7) الوسائل 12: 367، الباب 2 من أبواب أحكام العقود، ح 2.
(8) الوسائل 12: 370، الباب 5 من أبواب أحكام العقود، ح 1.
480

واحد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) وصحيحة بشار بن يسار (2) وعلى الجواز بلا شرط
رواية الحسين بن المنذر (3) وعلى عدم جواز الشرط ما رواه الحميري - بإسناد لا
يبعد الحكم بصحته - عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قال: سألته عن
رجل باع ثوبا بعشرة دراهم، ثم اشتراه بخمسة دراهم، أيحل؟ قال: إذا لم يشترط
ورضيا فلا بأس (4). ونحوه في كتاب علي بن جعفر، إلا أنه قال: بعشرة دراهم إلى
أجل ثم اشتراه بخمسة دراهم بنقد (5) ولا أعلم خلافا بينهم في البطلان عند الشرط.
وإن حل الأجل فاشتراه بمثل ثمنه جاز، وكذا إن اشتراه بغير جنس ثمنه
مطلقا. وإن اشتراه بجنس ثمنه بزيادة أو نقيصة ففيه أقوال: أحدها: الجواز مطلقا،
وثانيها: التحريم مطلقا، وثالثها: اختصاص التحريم بالطعام. ومنشأ الاختلاف
اختلاف الأخبار. والأقرب في الجميع القول بالجواز مع الكراهية، فالقول الأول
أقرب.
وإذا ابتاع شيئا مؤجلا لم يجب عليه دفع الثمن قبل حلول الأجل وليس
للبائع المطالبة، وإن دفعه تبرعا فالظاهر أنه لم يجب على البائع أخذه.
ويجب الدفع بعد حلول الأجل ومطالبة البائع، فإن امتنع جاز الرفع إلى
الحاكم الشرعي، وإن تعذر فالظاهر أن له الأخذ على الوجه القهري أو المقاصة مع
الإمكان، والظاهر وجوب مراعاة الأقرب فالأقرب، فإن وجد الجنس المساوي
لا يتعدى إلى غيره.
وفي جواز المرافعة إلى حكام الجور عند تعذر الوصول إلى الحق أو تعسرها
بدونها إشكال، للنهي عنها في الأخبار (6) بل لا ينبغي الاقتضاء والتضييق عليه إن

(1) الوسائل 12: 370، الباب 5 من أبواب أحكام العقود، ح 2.
(2) الوسائل 12: 370، الباب 5 من أبواب أحكام العقود، ح 3.
(3) الوسائل 12: 370، الباب 5 من أبواب أحكام العقود، ح 4.
(4) الوسائل 12: 371، الباب 5 من أبواب أحكام العقود، ح 6.
(5) مسائل علي بن جعفر: 127، ح 100.
(6) الوسائل 18: 2، الباب 1 من أبواب صفات القاضي.
481

كان مؤمنا، للنهي عن ذلك والترغيب في التسامح وسهولة القضاء والاقتضاء (1).
وإن دفع المشتري ولم يرض ببقاء الثمن عنده فالظاهر أنه يجب على البائع
الأخذ أو الإبراء، وإن امتنع دفع الثمن إلى الحاكم الشرعي إن تمكن، وبذلك تبرأ
ذمته، فإن تلف بلا تفريط فمن مال البائع ولا ضمان على المشتري ولا على
الحاكم، وكذا الحكم في سائر الحقوق المالية، وإن تعذر يخلى عنده بحيث يسهل
عليه أخذه برفع يده وتسليط صاحبه عليه فيبرأ ذمته والضمان على البائع، فإن
ضاع من غير تفريط من المشتري أو تصرف كان من مال البائع على الأقرب، ولا
يبعد جواز ما ذكرنا مع التمكن من الحاكم أيضا، وكذا الحكم في طرف البائع إذا
باع سلما، وكذا الحكم في سائر الحقوق.
ويجوز بيع المتاع حالا ومؤجلا بزيادة عن ثمنه، وفي بعض عباراتهم التقييد
بعلم المشتري والبائع بالقيمة (2) والظاهر أن هذا ليس شرطا للصحة، بل شرط
اللزوم بناء على ثبوت خيار الغبن عند عدمه، والظاهر أن الحكم المذكور مقيد
بعدم الإسراف وتضييع المال.
ولا يجوز تأخير ثمن المبيع وغيره من الحقوق المالية بزيادة فيه، ويجوز
تعجيله بنقصان منه، وتدل عليه صحيحة الحلبي (3) وموثقة زرارة (4).
الفصل الثاني في ما يدخل في المبيع
والضابط في هذا الباب الرجوع إلى العرف العام، ولو اختص أهل قرية أو بلد
بعرف خاص ظاهر شائع بينهم حمل كلامهم في بلادهم على ذلك، وهذا أمر
يختلف بحسب البلاد المختلفة والأزمان المختلفة.

(1) الوسائل 12: 331، الباب 42 من أبواب آداب التجارة.
(2) إرشاد الأذهان 1: 370.
(3) الوسائل 12: 369، الباب 4 من أبواب أحكام العقود، ح 2.
(4) الوسائل 12: 369، الباب 4 من أبواب أحكام العقود، ح 1.
482

والفقهاء ذكروا في هذا المقام ألفاظا وذكروا مدلولاتها بحسب العرف الشائع،
فمن ذلك الأرض أو الساحة أو العرصة وأمثالها من الألفاظ، ولا يندرج تحتها
الشجر والزرع والبذر الكامن، ويثبت الخيار للمشتري مع الجهل به بين الرد
والأخذ بالثمن، ويدخل الحجارة المخلوقة فيها دون المدفونة، وعلى البائع النقل
وتسوية الحفر، ويتخير المشتري مع الجهل إن كان فيها نوع ضرر، والظاهر أنه لا
خيار للمشتري إن تركه البائع لها ولا ضرر فيه.
ومن ذلك البستان، ويدخل فيه الأرض والشجر، وفي الأبنية إشكال.
ومن ذلك الدار، ويدخل فيها الأرض والأبنية والحيطان والأعلى والأسفل،
إلا أن يكون الأعلى مستقلا على وجه يشهد العادة بخروجه، ويدخل الأبواب
والأغلاق المنصوبة في بيع الدار، وكذا الأخشاب المستدخلة في البناء، والأوتاد
المثبتة، والسلم المثبت في الأبنية على حذو الدرج، والرفوف المثبتة للدوام على
الأقرب في الجميع.
واختلفوا في الأشجار، وعرف زماننا في هذه البلاد يقتضي دخولها. ولو قال:
ما أغلق عليه الباب; دخل الأشجار قولا واحدا، وفي دخول المفاتيح في بيع الدار
تردد، ولعل دخولها أقرب. ولا يدخل فيه المنقولات وما أثبت لا على وجه
الدوام، بل لغرض التثبت وسهولة الانتفاع لعدم التزلزل مثل القدر، والدن،
والإجانة، والسلم المثبت بالمسمار، والأوتاد المثبتة في الأرض، والجرة، ومعجن
الخباز ونحوها.
ومن ذلك الشجر ويندرج فيه الأغصان والعروق والأوراق، وفي مثل ورق
التوت تأمل. ويستحق الإبقاء مغروسا إذا كان الشجر رطبا تعلق الغرض ببقائه، لا
الذي تقتضي العادة بأنه يقطع للبناء أو الحطب ونحوه، ولا يستحق المغرس، بل
يستحق منفعته للإبقاء، وحينئذ لو انقلع الشجر لم يكن للمشتري غرس آخر ولا
التصرف حينئذ في المغرس.
وإذا باع النخل فإن كانت مؤبرة ولم يشترط كون الثمرة للمشتري فهو للبائع،
483

ومستنده النص (1) مؤيدا بالإجماع المنقول، وعلى المشتري تبقيته، نظرا إلى
العرف، وإذا لم يؤبر فالظاهر أنه للمشتري عند علمائنا، ويظهر من التذكرة وغيره
دعوى الإجماع عليه (2) ويدل عليه الأخبار من طريق العامة والخاصة (3).
ولو انتقل النخل بغير البيع أو انتقلت شجرة غير النخل بالبيع لم ينتقل الثمرة
بعد ظهورها، للعرف والأخبار الدالة على أن الثمرة في غير النخل بعد الظهور للبائع.
فروع:
الأول: لو استثنى نخلة فله الممر إليها والمخرج منها ومدى جرائدها من
الأرض، لرواية السكوني (4) وإسماعيل بن مسلم (5). وليس المراد أنه يملك
الأرض بقدر ذلك، بل يستحق المنفعة بقدر الدخول والخروج والانتفاع بالشجر
والثمر والسقي والحرث وجمع الثمرة ووضعها في المكان المعتاد لذلك، ويستحق
مدى جرائد النخلة في الهواء والعروق في الأرض، ويدل عليه العرف. ولا
يستحق أكثر من ذلك، ويدل عليه العرف، وروى الشيخ عن محمد بن الحسن -
يعني الصفار - في الصحيح قال: كتبت إليه - يعني الحسن بن علي العسكري - في
رجل باع بستانا له فيه شجر وكرم فاستثنى شجرة منها، هل له ممر إلى البستان إلى
موضع شجرته التي استثناها وكم لهذه الشجرة التي استثناها، إلى حولها بقدر
أغصانها أو بقدر موضعها التي هي ثابتة فيه؟ فوقع: له من ذلك على حسب ما باع
وأمسك، فلا يتعدى الحق في ذلك إن شاء الله (6). وكذا الحكم في الشجر. وكذا لو
باع أرضا له فيها زرع يجب تبقيته في الأرض حتى يحصد.
الثاني: إذا باع المؤبر وغيره كان المؤبر للبائع وغيره للمشتري.

(1) الوسائل 12: 407، الباب 32 من أبواب أحكام العقود، ح 1 و 2 و 3.
(2) التذكرة 1: 573 س 25.
(3) الوسائل 12: 407، الباب 32 من أبواب أحكام العقود.
(4) الوسائل 12: 406، الباب 30 من أبواب أحكام العقود، ح 2.
(5) الوسائل 12: 406، الباب 30 من أبواب أحكام العقود ذيل الحديث 2.
(6) التهذيب 7: 90، ح 381.
484

الثالث: يلزم تبقية الثمرة على الاصول، ويرجع في قدرها إلى العادة، ويجوز
سقي الثمرة والاصول، ويجبر الممتنع. وإن كان السقي يضر بأحدهما فالمشهور
أنه يقدم مصلحة المشتري، واحتمل في الدروس تقديم البائع (1). وعن بعض
الأصحاب جواز الفسخ بينهما مع التشاح (2). ولا أعلم في هذا الباب حجة واضحة.
الفصل الثالث في التسليم
إطلاق العقد يقتضي تسليم المبيع والثمن مع المطالبة، فإن امتنعا اجبرا، وإن
امتنع أحدهما اجبر. وعن الشيخ إجبار البائع أولا (3). والأقرب الاستواء، ولو امتنع
أحدهما من التسليم فهل للآخر الحبس حتى يرضى صاحبه بالتسليم؟ ظاهرهم
المنع من ذلك، ومن المتأخرين من استشكل ذلك (4).
ولو شرط تأجيل أحدهما اختص الآخر بوجوب التسليم. ولو شرط تسليم
أحدهما أولا لزم ذلك. ولو شرط تأجيلهما صح في العينين. ولو كانا في الذمة
فالمشهور البطلان، لأنه بيع الكالي بالكالي.
والقبض من الامور المعتبرة شرعا ويترتب عليه أحكام مثل انتقال ضمان
المبيع من البائع إلى المشتري بعده إن لم يكن له خيار، وجواز بيع ما اشتراه بعد
القبض مطلقا وتحريمه أو كراهته قبله على بعض الوجوه، وعدم جواز فسخ البائع
بتأخير الثمن بعد الثلاثة، وله مدخل في الهبة والوصية والرهن.
ولم يرد له من الشارع تعريف محصل لمعناه، والفقهاء اختلفوا في تفسيره،
فقيل: هو التخلية، سواء كان المبيع مما لا ينقل كالعقار، أو مما ينقل ويحول
كالجوهر والدابة والمتاع (5). وقيل في ما ينقل: القبض باليد، أو الكيل فيما يكال،
والانتقال به في الحيوان (6).

(1) الدروس 3: 236.
(2) المبسوط 2: 103.
(3) المبسوط 2: 148.
(4) مجمع الفائدة والبرهان 8: 504.
(5) الشرائع 2: 29.
(6) المختلف 5: 279.
485

ولم أطلع في هذا الباب إلا على روايتين، إحداهما: صحيحة معاوية بن
وهب، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يبيع المبيع قبل أن يقبضه؟ فقال: ما
لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه إلا أن توليه (1).
وقد زعم بعض الأصحاب أن الرواية دالة على أن كيل الموزون أو وزنه هو
القبض (2). وفيه نظر.
وثانيهما: رواية عقبة بن خالد عنه (عليه السلام) في رجل اشترى متاعا من آخر
وأوجبه، غير أنه ترك المتاع عنده ولم يقبضه، فسرق المتاع، من مال من يكون؟
قال: من مال صاحب المتاع حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته، فإذا أخرجه من
بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد ماله إليه (3).
وليس في الخبر أيضا دلالة على تفسير القبض، ويدل على أنه يعتبر في نقل
الضمان الإخراج من بيت البائع، ولم أطلع على قائل به منهم، والخبران حجة على
من اكتفى فيه بالتخلية مطلقا، والثاني على من اكتفى بها في نقل الضمان لا في
زوال التحريم أو الكراهة المذكورتين قبل القبض كما نفى الشهيد (رحمه الله) البأس عنه (4).
والأقوى الرجوع في ذلك إلى العرف، حيث لم يثبت فيه حقيقة شرعية.
قال في المسالك: العرف يدل على أن إقباض غير المنقول يتحقق بالتخلية مع
رفع يد البائع عنه وعدم مانع للمشتري من قبضه، وأما في المنقول فلا يتحقق إلا
باستقلال يد المشتري به، سواء نقله أم لا، وكذا في طرف البائع بالنسبة إلى الثمن.
وهو حسن.
ثم قال: وهذا مطرد في المكيل والموزون وغيرهما، إلا أنهما خرجا عنه
بالنص الصحيح، فيبقى الباقي (5).

(1) الوسائل 12: 389، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، ح 11.
(2) جامع المقاصد 4: 392.
(3) الوسائل 12: 358، الباب 10 من أبواب الخيار، ح 1.
(4) الدروس 3: 213.
(5) المسالك 3: 239.
486

وفيه نظر، لأن النص لا يدل على أن القبض فيهما هو الكيل أو الوزن، بل على
اعتبارهما في المكيل والموزون
وفي المسالك: المراد بالتخلية - حيث يعتبر - رفع المانع للمشتري من قبض
المبيع إن كان والإذن له فيه، واعتبار الإذن في مثل الهبة والوقف محتمل، أما في
البيع فبعيد، لانتقال الملك إلى المشتري اتفاقا، فلا وجه لتوقف قبضه على إذن
البائع الذي ليس بمالك له في الحقيقة.
وفيه أيضا: لو كان المبيع بيد المشتري قبل الابتياع، فإن كان بغير إذن البائع
فلابد من تجديد الإذن في تحققه بالنسبة إلى رفع التحريم أو الكراهة. وأما بالنسبة
إلى نقل الضمان فيحتمل قويا تحققه بدونه، كما لو قبضه بعده بغير إذن البائع،
ويحتمل توقف الأمرين على تجديده، لفساد الأول شرعا، فلا يترتب عليه أثر،
ولو كان بإذنه - كالوديعة والعارية - لم يفتقر إلى تجديد إذن (1).
وما ذكره من اعتبار تجديد الإذن محل نظر.
وما يكتفي فيه بالتخلية إن كان عقارا لا يعتبر فيها مضي زمان يمكن فيه
وصول المشتري أو وكيله إليه.
قال في المسالك: نعم لو كان بعيدا جدا بحيث يدل العرف على عدم قبضه
بالتخلية كما لو كان ببلاد اخرى اتجه اعتبار مضي الزمان. وهو غير بعيد. قال:
وعلى الاكتفاء بالتخلية في المنقول يحتمل كونه كالعقار واعتبار مضي زمان
يتمكن من قبضه ونقله، لإمكان ذلك فيه بخلاف العقار (2).
وفي اعتبار الزمان نظر، بل الظاهر اعتبار الوصول بالفعل أو عدم اعتبار
الوصول ولا الزمان مطلقا، ولعل الثاني أقرب.
ولو كان المبيع مشغولا بملك البائع فإن كان منقولا (3) كالصندوق المشتمل
على أمتعة البائع واعتبرنا نقله فنقله المشتري بالأمتعة كفى في نقل الضمان مطلقا،

(1) المسالك 3: 239.
(2) المسالك 3: 239 - 240.
(3) في ظاهر الأصل وخ 1: مقفولا.
487

ويحتمل توقفه على إذن البائع في نقل الأمتعة، وهل يكتفى بمجرد التخلية قبل نقل
المتاع في مثل الدار كما هو مختار التذكرة (1) والمسالك (2)؟ فيه إشكال إذا كانت
الأمتعة شاغلة للدار مانعة من التصرفات والانتفاعات المعتبرة في البيع.
ولو كان المبيع مشتركا بين البائع وغيره، فإن كان منقولا فالظاهر أنه لابد من
إذن الشريك في تحقق القبض، وإن كان غير منقول ففي توقفه عليه قولان،
أجودهما العدم.
وفي المسالك: وعلى تقدير التوقف على إذنه بوجه فإن أذن الشريك فيه، وإلا
نصب الحاكم من يقبضه أجمع بعضه أمانة وبعضه لأجل البيع (3). واختار العلامة في
المختلف الاكتفاء حينئذ بالتخلية (4).
ولو كان المبيع مكيلا أو موزونا وقد كيل قبل البيع واخبر البائع بكيله أو وزنه
فهل يفتقر إلى الاعتبار ثانيا لأجل القبض، أو يكفي الاعتبار السابق؟ فيه وجهان،
والأول منقول عن جماعة من الأصحاب منهم العلامة والشهيدان (5).
وألحق في الدروس المعدود بالمكيل والموزون، فاعتبر في قبضه عده بعد
البيع ولم يكتف بعده السابق. ولا تعويل عليه، لفقد النص وتحقق القبض عرفا
بدونه. واكتفى فيه أيضا عن اعتبار المكيل والموزون والمعدود بنقله (6).
والعلامة في المختلف اكتفى بأحد امور ثلاثة: النقل والقبض باليد والاعتبار
بالكيل أو الوزن (7). والحق أنه لابد من اعتبار الكيل أو الوزن مراعاة للنص
الصحيح (8) لا لكون ذلك قبضا أو معتبرا فيه، وأما القبض فيرجع فيه إلى العرف
الثابت.

(1) التذكرة 1: 563 س 38.
(2) المسالك 3: 240.
(3) المسالك 3: 240.
(4) المختلف 5: 279.
(5) القواعد 2: 85، الدروس 3: 213، المسالك 3: 241.
(6) الدروس 3: 213.
(7) المختلف 5: 279.
(8) الوسائل 12: 389، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، ح 11.
488

وإذا تلف المبيع قبل تسليمه إلى المشتري كان من مال البائع، قالوا: وإن
نقصت قيمته بحدث كان للمشتري رده، وفي الأرش تردد.
مسائل:
الاولى: إذا حصل للمبيع النماء - كالنتاج وثمرة النخل - قبل القبض كان ذلك
للمشتري، قالوا: فإن تلف الأصل سقط الثمن عن المشتري وله النماء، وهذا مبني
على أن التلف إنما يبطل البيع من حينه. ولو تلف النماء من غير تفريط لم يلزم
البائع دركه.
الثانية: يجب تسليم المبيع مفرغا، فلو كان فيه متاع وجب نقله أو زرع قد
احصد وجبت إزالته، ولو كان فيه حجارة مدفونة مثلا وجب على البائع إزالته
وتسوية الأرض، ولو كان فيه دابة مثلا لا يخرج إلا بتغيير في بناء أو غيره وجب
إخراجه وإصلاح ما يستهدم.
الثالثة: لو باع شيئا فغصب من يد البائع فإن أمكن استعادته في زمان يسير لا
يفوت فيه منفعة مقصودة توجب فواتها نقصا معتبرا عرفا لم يكن للمشتري الفسخ،
وإلا كان المشتري مخيرا بين الفسخ والرجوع إلى الثمن والرضى بالمبيع وارتقاب
حصوله، ثم إن تلف في يد الغاصب فهو مما تلف قبل قبضه فيبطل البيع وإن رضي
بالصبر، ويحتمل كون الرضى بمنزلة القبض، وكذا لو رضي بكونه في يد البائع.
وهل يلزم البائع اجرة المدة التي كان المبيع فيها عند الغاصب؟ فيه قولان، أما لو
منعه البائع بغير حق ثم سلم بعد مدة كان له الاجرة.
الرابعة: من ابتاع متاعا ولم يقبضه ثم أراد بيعه كره ذلك إن كان مما يكال أو
يوزن، وذهب بعضهم إلى عدم الجواز في الطعام (1). والأقرب الأول، جمعا بين ما
دل على الجواز كرواية جميل (2) وابن الحجاج الكرخي (3) وما يدل على المنع

(1) الخلاف 3: 97، المسألة 158.
(2) الوسائل 12: 388، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، ح 6.
(3) الوسائل 12: 391، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، ح 19.
489

مطلقا كصحيحتي الحلبي (1) ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله وأبي صالح (2) وهي
موثقة لا يبعد أن يلحق بالصحاح وغيرها.
وأخبار الجواز وإن لم تكن بالغة حد الاعتماد التام وأخبار المنع صحيحة
متظافرة، لكن دلالتها على التحريم غير واضحة، فحملها على الكراهة جمعا بين
الأخبار متجه، ويؤيده قوله (عليه السلام): «ما يعجبني» في رواية أبي بصير (3).
وغير واحد من الأخبار يدل على المنع إلا تولية (4). ويحمل على شدة
الكراهية. ولو ملك بغير بيع كالميراث والصداق للمرأة والخلع جاز وإن لم يقبضه.
الخامسة: لو كان له على غيره طعام من سلم وعليه مثل ذلك، فأمر غريمه أن
يكتال لنفسه من الآخر، فالظاهر أنه لا كراهة هاهنا ولا تحريم، لأن التحريم أو
الكراهة مشروط بانتقاله بالبيع ونقله به والغرض هاهنا ليس كذلك، لأن الواقع
هاهنا من السلم إما حوالة لغريمه في القبض، أو وكالة له فيه وليس ببيع، ويؤيده
رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله (5) وهي صحيحة أو ملحقة بها. وفيه خلاف
لجماعة من الأصحاب (6). ولو كان المالان قرضا أو المال المحال به قرضا صح
ذلك قطعا.
السادسة: إذا قبض المشتري المبيع ثم ادعى نقصانه فإن لم يحضر كيله أو
وزنه فالقول قوله، قالوا: وإن كان حضر فالقول قول البائع، قال في المسالك: لو أنه
مع فرض حضوره لم يدع الغلط بل ادعى عدم قبض جميع حقه قبل قوله أيضا،
لأصالة عدم قبض الجميع (7).

(1) الوسائل 12: 390، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، ح 13 و 10.
(2) الوسائل 12: 390، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، ح 14.
(3) الوسائل 12: 390، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، ح 16.
(4) الوسائل 12: 389، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، ح 11 و 12.
(5) الوسائل 12: 387، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، ح 2.
(6) القواعد 2: 76 و 87، إيضاح الفوائد 1: 508، جامع المقاصد 4: 399.
(7) المسالك 3: 253.
490

السابعة: إذا أسلفه في طعام بالشام ثم طالبه بالعراق لم يجب عليه دفعه، لتعين
دفعه في بلده عند الإطلاق، وفي موضع التعيين معه فالدفع في غيره غير واجب.
ولو طالبه بقيمة الشام مثلا ورضي المسلم إليه بدفعه فهل يجوز الدفع؟ فيه وجهان،
أقربهما الجواز، وليس هذا من بيع الشيء قبل قبضه. وهل يجب الدفع عند المطالبة
حتى يجبر عليه؟ الأشهر الأقرب العدم خلافا للتذكرة (1).
ولو كان قرضا جاز أخذ العوض في غير بلد القرض مع التراضي، لعدم المانع.
وهل يجب ذلك؟ الأقرب العدم، لأن الإطلاق منزل على قبضه في بلده، فليس
للمقرض المطالبة به في غير بلده، كما أنه لو بذله لم يجب عليه الأخذ. واختار في
المختلف وجوب دفع المثل أو القيمة عند تعذره مع المطالبة (2).
الفصل الرابع في اختلاف المتبايعين
وفيه مسائل:
الاولى: إذا اخلتفا في قدر الثمن فإن كان المبيع قائما بعينه فالقول قول البائع
مع يمينه، وإلا فالقول قول المشتري مع يمينه على المشهور بين الأصحاب.
ومستنده رواية ابن أبي نصر (3) وفيها إرسال، لكنه غير ضائر، لأن مراسيل ابن أبي
نصر بمنزلة المسانيد، والرواية معمولة بين الأصحاب مشهورة متكررة في الكتب.
وادعى الشيخ الإجماع على الحكم (4). وروى الكليني والشيخ عن الحسين
ابن عمر بن يزيد عن أبيه في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا التاجران صدقا بورك لهما، وإذا كذبا وخانا لم يبارك لهما،
وهما بالخيار ما لم يفترقا، فإن اختلفا فالقول قول رب السلعة أو يتتاركا (5). ولعل

(1) التذكرة 1: 561 س 27.
(2) المختلف 5: 290.
(3) الوسائل 12: 383، الباب 11 من أبواب أحكام العقود، ح 1.
(4) الخلاف 3: 147 - 148، المسألة 236.
(5) الكافي 5: 174، ح 2، التهذيب 7: 26، ح 110.
491

إطلاق الرواية محمول على التقييد في الخبر السابق، ويحتمل أن يكون المراد
في الخبر الاختلاف في حال عدم الافتراق. وفي المسألة أقوال غير ما ذكر لا
تعويل عليها.
ولو وقع النزاع بعد تلف المبيع في يد البائع فالعقد ينفسخ، وليس للنزاع أثر
ظاهر إن لم يقبض البائع الثمن، ولو قبضه كان كالدين في ذمته أو الأمانة عنده،
فيقدم قوله حينئذ، وموضع الخلاف ما لو كان الثمن في الذمة.
فلو كان الاختلاف في تعيين الثمن كما لو قال البائع: بعتك بهذا الدينار، فقال:
بل بذاك، تعين التحالف وحلف كل منهما يمينا واحدا على نفي ما يدعيه الآخر،
فإذا حلفا انفسخ العقد، وهل يبطل البيع من أصله أو من حين التحالف أو الفسخ؟
فيه وجهان، وعلى القول المشهور لو كانت العين باقية لكنها قد انتقلت عن
المشتري انتقالا لازما كالبيع والعتق والوقف فهل ينزل منزلة التلف، أم لا؟ فيه
وجهان، ويجري الوجهان لو كان الانتقال غير لازم.
الثانية: إذا اختلفا في تأخير الثمن وتعجيله، أو في قدر الأجل، أو في اشتراط
رهن فالقول قول البائع مع يمينه، لأنه منكر. وكذا لو اختلفا في المبيع كما لو قال
البائع: بعتك ثوبا، فقال المشتري: بل ثوبين.
الثالثة: لو قال: بعتك هذا الثوب، فقال: بل هذا، تحالفا.
الرابعة: لو اختلف ورثة البائع وورثة المشتري في قدر الثمن أو المبيع فقيل:
القول قول ورثة البائع في قدر المبيع وورثة المشتري في قدر الثمن وإن لم نقل به
في مورثهم (1). وذهب جماعة من الأصحاب إلى أن حكمهم حكم المورث في
جميع الأحكام (2). ولا يبعد ترجيح الأول.
الخامسة: إذا قال: بعتك بعبد، فقال: بحر، فالمعروف بينهم أن القول قول من
يدعي الصحة، وعلل بأن الظاهر من العقود الجارية بين المسلمين الصحة، وفيه نظر.

(1) المسالك 3: 267.
(2) القواعد 2: 96، الدروس 3: 242، التنقيح 2: 34.
492

الفصل الخامس في الشروط
لا أعرف خلافا في أن الشرط إذا كان مؤديا إلى جهالة المبيع أو الثمن لم
يجز، وذلك كاشتراط تأجيل أحد العوضين بأجل غير معلوم، لأن للأجل قسطا
من الثمن فلزم الجهالة.
وكذا إذا كان الشرط مخالفا للكتاب والسنة، ومثل بأن لا يبيعه أو لا يطأه أو
لا يعتقه، وجعل بعضهم ضابطه ما ينافي مقتضى العقد، بل يقتضي عدم ترتب الأثر
الذي جعل الشارع العقد من حيث هو هو مقتضيا له ورتبه عليه (1). واستشكل
باشتراط عدم الانتفاع زمانا معينا، واشتراط سقوط خيار المجلس والحيوان وما
شاكل ذلك مما أجمع على صحة اشتراطه (2). ويجوز اشتراط ما هو سائغ مقدور
معلوم.
ولا يجوز بيع الزرع على أن يجعله سنبلا، ويجوز اشتراط تبقيته، وهل
يشترط تعيين المدة أم يكفي أن يحال على المتعارف من البلوغ، لأنه مضبوط
عرفا؟ الأقرب الثاني.
ويجوز ابتياع المملوك إذا شرط أن يعتقه عن المشتري أو أطلق، ولو شرط
عن البائع ففي صحته وجهان.
ولو شرط في البيع أن يضمن إنسان كل الثمن أو بعضه صح. قالوا: ولو شرط
أن لا خسارة على المشتري لو باع المبيع فخسر بل يكون على البائع، فإن هذا
الشرط باطل، لمنافاته لمقتضى البيع.
ولو شرط شرطا فاسدا في البيع فهل يصح البيع ويبطل الشرط، أم يبطل البيع
أيضا؟ الأقرب الثاني، لأن التراضي لم يقع إلا على المجموع، فيكون تجارة لا عن
تراض، وينسحب الحكم فيما يشبهه من العقود اللازمة. والأول قول للشيخ (رحمه الله) (3).
ولو اشترط شرطا سائغا في العقد وامتنع المشروط عليه كان للمشروط له

(1) المسالك 3: 269.
(2) المسالك 3: 269.
(3) المبسوط 2: 148 - 149.
493

إجباره عليه، وإن لم يمكن رفع أمره إلى الحاكم، فإن تعذر كان له اختيار الفسخ،
وهذا أقوى الأقوال في المسألة. وقيل: إن امتنع كان للمشروط له اختيار الفسخ (1).
وللشهيد (رحمه الله) قول بالتفصيل وهو: أن الشرط الواقع في العقد اللازم إن كان العقد
كافيا في تحققه كشرط الوكالة في عقد الرهن فهو لازم لا يجوز الإخلال به، وإن
لم يكن كافيا في تحققه، بل يحتاج إلى أمر آخر وراء ذكره في العقد فليس بلازم،
بل يقلب العقد اللازم المشروط فيه جائزا، كشرط رهن شيء على الثمن (2).
المقصد السابع
في المرابحة والمواضعة وغيرهما
اعلم أن عقد البيع باعتبار الإخبار برأس المال وعدمه أربعة أقسام: لأنه إما
أن يخبر به أو لا، الثاني المساومة، والأول إما أن يبيع معه برأس المال، أو بزيادة
عليه، أو نقصان عنه، والأول التولية، والثاني المرابحة، والثالث المواضعة.
فإن أراد البيع مرابحة فطريقه أن يخبر برأس ماله فيقول: بعتك - أو ما جرى
مجراه - بربح كذا، ولابد أن يكون رأس ماله وقدر الربح معلوما لهما حال العقد،
والظاهر أنه يكفي العلم بالقوة القريبة من الفعل بالحساب المنضبط، كما لو علما
بالثمن وجعلا ربح كل عشرة درهما ولا يعلمان ما يتحصل من المجموع حالة
العقد، وفي المسالك منع منه (3). ولابد من ذكر الصرف والوزن إن اختلف.
وإذا لم يعمل فيه فالعبارة عن الثمن أن يقول: اشتريت بكذا أو رأس ماله كذا،
أو يقوم علي، وأمثال ذلك، وإن كان عمل فيه ما يقتضي الزيادة قال: رأس ماله كذا
وعملت فيه بكذا. وإن عمل باجرة جاز أن يقول: يقوم علي أو هو علي.
ويسقط الأرش من رأس المال إلا أرش الجناية، لا ما يبرأ البائع ذمته من
الثمن بعد البيع على الأقرب، ولا الثمرة المتجددة بعد البيع، ولو فدى جناية المملوك
لم يجز ضمها. ولو اشترى جملة لم يجز بيع بعضها مرابحة وإن قوم إلا أن يخبر بالحال.

(1) المسالك 3: 274.
(2) حكاه في المسالك 3: 274.
(3) المسالك 3: 306 - 307.
494

ولو اشترى نسيئة اخبر بالأجل، فإن أهمل تخير المشتري بين الرد والأخذ
على قول، وفي رواية هشام بن الحكم المنقولة بطريقين أحدهما الحسن بإبراهيم
بن هاشم: إن باعه مرابحة ولم يخبره كان للذي اشتراه من الأجل مثل ذلك (1).
ونحوه في رواية الحسن بن محبوب عن أبي محمد الوابشي (2). والوجه العمل
بالخبرين.
مسائل:
الاولى: قال الشيخ في النهاية: لا يجوز أن يبيع الإنسان متاعا مرابحة بالنسبة
إلى أصل المال بأن يقول: أبيعك هذا المتاع بربح عشرة واحدا أو اثنين، بل يقول
بدلا من ذلك: هذا المتاع علي بذلك وأبيعك إياه بكذا بما أراد (3). والمشهور
الكراهة، وهو أقرب، لأن غاية ما يستفاد من الأخبار رجحان تركه (4). وفي بعضها
دلالة على الجواز (5). واسند إلى الشيخ الاستدلال بصحيحة محمد بن الحلبي
وعبيد الله الحلبي (6) ولا دلالة فيها على مطلوبه.
الثانية: يجوز أن يشتري ما باعه بزيادة أو نقصان، سواء كان حالا أو مؤجلا،
ويكره قبل قبضه إذا كان مكيلا أو موزونا على الأقرب.
الثالثة: لو باع غلامه الحر سلعة ثم اشتراها منه بزيادة جاز أن يخبر بالثمن
الثاني إذا لم يكن المقصود زيادة الثمن بذلك ليربح فيه، أما إذا كان المقصود ذلك
فالظاهر التحريم، لأنه تدليس وغرور منهي عنه.
الرابعة: لو باع مرابحة فبان رأس ماله أقل فالأقرب أن المشتري بالخيار بين

(1) الوسائل 12: 400، الباب 25 من أبواب أحكام العقود، ح 2.
(2) الوسائل 12: 401، الباب 25 من أبواب أحكام العقود، ح 3.
(3) النهاية 2: 152.
(4) الوسائل 12: 385، الباب 14 من أبواب أحكام العقود.
(5) الوسائل 12: 385، الباب 14 من أبواب أحكام العقود.
(6) التهذيب 7: 54، ح 234.
495

رده وبين أخذه بالثمن، وقيل: يأخذه بإسقاط الزيادة.
وأما التولية فهي أن يعطيه المتاع برأس ماله من غير زيادة فيقول: بعتك بما
قام علي ونحوه، أو يقول: وليتك.
والمواضعة البيع بوضيعة، فإذا قال: بعتك بمائة درهم ووضيعة درهم من كل
عشرة فالثمن تسعون حملا على الظاهر من التبعيض، وذكر جماعة من الأصحاب
احتمال كون الثمن أحدا وتسعين إلا جزءا من أحد عشر جزءا من درهم، حملا
على ابتداء الغاية (1) ويكون التقدير: من كل عشرة تسلم لي فهو بمنزلة ما لو قال:
من كل أحد عشر.
المقصد الثامن
في الربا
وهو بيع أحد المتجانسين بالآخر بزيادة سواء كان نقدا أو نسيئة إذا كانا
مكيلين أو موزونين، فلابد في تحقق الربا من زيادة. قال بعض متأخري
الأصحاب: قالوا: هي أعم من أن يكون عينية مثل الدرهم بدرهمين وقفيز
بقفيزين، أو حكمية مثل زيادة الأجل بأن يبيع قفيزا نقدا بقفيز نسيئة، فإن فيه
زيادة حكمية وإن لم يكن ظاهرة وعينية، لأن للأجل عندهم قسطا من الثمن،
وكذا يقال فيما إذا كانت الزيادة منفعة مثل زيادة صنعة واجرة دار ودابة انتهى (2).
ويحرم القرض بشرط الزيادة أيضا بلا خلاف، وسيجئ الأخبار الدالة عليه.
وهل يجري الربا في سائر المعاملات؟ فيه خلاف، ولا يبعد القول به. وتحريم الربا
ثابت بالكتاب والسنة والإجماع. والربا مما أوعد الله عليه النار. والكلام هاهنا
في فصول:
الأول الجنس
يعتبر في الربا أن يكون العوضان من جنس واحد، والمراد بالجنس الحقيقة

(1) الإرشاد 1: 373، جامع المقاصد 4: 261.
(2) مجمع الفائدة 8: 459.
496

النوعية، وضابطه أن يتناولهما لفظ خاص كالحنطة والأرز وأمثالهما، فلا يجوز بيع
أحد المتجانسين بالآخر مع زيادة، ويجوز وزنا بوزن. ولو كان أصلهما الكيل ففي
الاكتفاء بالوزن نظر، والأقوى ذلك.
وإذا كان الجنسان ربويين مختلفين يجوز بيع أحدهما بالآخر نقدا مع
التساوي والتفاضل، لا أعلم خلافا في ذلك. ويدل عليه الأخبار (1).
وفي التفاضل مع النسيئة قولان، والمشهور بين المتأخرين الجواز، وذهب
جماعة من الأصحاب إلى التحريم (2). ولعل الأول أقرب، للأصل المؤيد بما نقل
عن النبي (صلى الله عليه وآله): إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم (3) وبإطلاق الأخبار
كصحيحة الحلبي (4) وموثقة سماعة (5) وغيرهما ويدل على المنع أخبار متعددة
بعضها بحسب المنطوق (6) وبعضها بحسب المفهوم (7) لكنها غير صريحة في
التحريم، والمعارض موجود، فحملها على الكراهة طريق الجمع.
وإذا كان أحد الجنسين ربويا والآخر غير ربوي فيجوز بيع أحدهما بالآخر
نقدا ونسية كيف كان، لعموم الأدلة، ونقل في المختلف الإجماع عليه (8). وإذا كان
الجنسان غير ربويين كثوب بثوبين وعبد بعبدين ودابة بدابتين فإنه يجوز التفاضل
فيها نقدا، للأخبار المستفيضة (9) ونفى الخلاف عنه في المختلف (10).

(1) الوسائل 12: 442، الباب 13 من أبواب الربا.
(2) المقنعة: 603، المهذب 1: 364، المراسم: 179.
(3) صحيح مسلم 3: 1211، ح 81.
(4) الوسائل 12: 442، الباب 13 من أبواب الربا، ح 2.
(5) الوسائل 12: 442، الباب 13 من أبواب الربا، ح 5.
(6) الوسائل 12: 443، الباب 13 من أبواب الربا.
(7) الوسائل 12: 442، الباب 13 من أبواب الربا.
(8) المختلف 5: 87.
(9) الوسائل 12: 434 و 448، الباب 6 و 16 من أبواب الربا.
(10) المختلف 5: 87.
497

وفي النسيئة قولان، والمشهور بين المتأخرين الجواز، ومنعه الشيخ في
النهاية (1). وفي الخلاف منعه متماثلا ومتفاضلا (2) والمفيد حكم بالبطلان (3). وكرهه
الشيخ في المبسوط (4). والأقرب الجواز مع الكراهة، جمعا بين ما دل على المنع
وما دل على الجواز بحسب العموم والإطلاق، وفي صحيحة زرارة: لا بأس
بالثوب بالثوبين يدا بيد ونسيئة (5).
وفي صحيحة سعيد بن يسار تصريح بجواز بيع البعير ببعيرين نسيئة (6). وفي
قرب الأسناد عن علي بن جعفر بإسناد لا يبعد عده من الصحاح عن أخيه موسى
ابن جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن الحيوان بالحيوان بنسيئة وزيادة دراهم ينقد
الدراهم ويؤخر الحيوان؟ قال: إذا تراضيا فلا بأس (7). ورواه علي بن جعفر في
كتابه (8).
والحنطة والشعير جنس واحد في الربا على الأشهر الأقوى، للأخبار الكثيرة
المستفيضة، مع التعليل في غير واحد منها بأن أصلهما واحد، وفيه خلاف لابن
الجنيد (9) وابن إدريس (10). والظاهر أن ثمرة النخل جنس واحد وإن اختلف
أوصافها، وكذا ثمرة الكرم.
وكل ما يعمل من جنس واحد يحرم التفاضل فيه عندهم كالحنطة بدقيقها،
والشعير بسويقه، والدبس المعمول من التمر بالتمر وكذا العنب، وفي الأخبار ما هو
شاهد لبعضها (11).
وادعى في التذكرة الإجماع على الاتحاد بين الحنطة وجميع ما يعمل منها،

(1) النهاية 2: 120.
(2) الخلاف 3: 48، المسألة 67.
(3) المقنعة: 604.
(4) المبسوط 2: 89.
(5) الوسائل 12: 449، الباب 17 من أبواب الربا، ح 1.
(6) الوسائل 12: 451، الباب 17 من أبواب الربا، ح 7.
(7) قرب الأسناد: 263، ح 1041.
(8) مسائل علي بن جعفر: 122، ح 78.
(9) نقله في المختلف 5: 89.
(10) السرائر 2: 254 - 255.
(11) الوسائل 12: 445 و 447، الباب 14 و 15 من أبواب الربا.
498

حتى بينها وبين الخبز والهريسة، وكذا بين جميع أنواع اللبن وما يحصل منه، حتى
بين الحليب والكشك والكامخ (1) وإن لم يثبت الإجماع المذكور كان في الحكم
المذكور على سبيل العموم نظر.
وما يعمل من جنسين يجوز بيعه بهما وبكل واحد منهما بشرط أن يكون في
الثمن زيادة عن مجانسه.
قالوا: لحوم البقر والجواميس جنس واحد، لدخولهما تحت جنس البقر،
وادعي الإجماع على ذلك (2) فإن ثبت، وإلا كان للنظر فيه مجال، ولحم البقر
والغنم جنسان، والوحشي مخالف لإنسيه، قال بعضهم: لحم الضأن والمعز واحد،
لدخولهما تحت لفظ الغنم (3) واللحوم مختلفة بحسب اختلاف أسماء الحيوان،
والألبان تتبع الحيوان في التجانس والاختلاف، والأدهان تتبع ما يستخرج منه
والخلول (4) تابعة لاصولها.
قالوا: الشيء وأصله واحد، كالزبد والسمن، والحليب والمخيض، ونقل في
التذكرة اتفاق الأصحاب على أنه لا يجوز التفاضل بينهما (5) قيل: الحمام جنس
واحد (6). وقيل: ما يختص من أنواعه باسم فهو جنس مغاير (7) وكذا الخلاف
في السموك.
الفصل الثاني في الكيل والوزن
لا ربا إلا في مكيل أو موزون، لصحيحة زرارة (8) وموثقة عبيد بن زرارة (9)،
فما لا كيل فيه ولا وزن جاز بيعه متساويا ومتفاضلا. ولو كان معدودا ففيه خلاف،

(1) التذكرة 1: 479 س 26.
(2) المسالك 2: 320.
(3) الشرائع 2: 44.
(4) كذا، والصحيح: الأخل، أو الخلال.
(5) التذكرة 1: 479 س 29.
(6) الشرائع 2: 44.
(7) الشرائع 2: 45.
(8) الوسائل 12: 434، الباب 6 من أبواب الربا، ح 1.
(9) الوسائل 12: 434، الباب 6 من أبواب الربا، ح 3.
499

والأقرب الجواز، فيجوز بيع الثوب بالثوبين والبيضة بالبيضتين نقدا ونسيئة على
الأقرب الأشهر. ولا ربا في الماء، ويثبت في الطين الموزون كالأرمني على الأشبه،
قالوا: الاعتبار بعادة الشرع، فما ثبت أنه مكيل أو موزون في عصر النبي (صلى الله عليه وآله) بني
عليه، وما جهل الحال فيه رجع إلى عادة البلد، وقد ثبت أن أربعة كانت مكيلة في
عهده وهي الحنطة والشعير والتمر والملح، فلا يباع بعضها ببعض إلا كيلا وإن
اختلف في الوزن، وما عداها إن ثبت له في عهده (صلى الله عليه وآله) أحد الأمرين، وإلا رجع
فيه إلى عادة البلد، والرجوع إلى عادة البلد مطلقا وجواز التعويل على الوزن
مطلقا محتمل.
وفي جواز بيع الرطب بالتمر خلاف، والمسألة محل إشكال، والقول بالجواز
لا يخلو عن قرب. وهل يتعدى إلى غيره كالعنب بالزبيب، واللحم الرطب بالمقدد،
والحنطة المبلولة باليابسة؟ فيه خلاف، والأقرب الكراهة جمعا بين الأخبار،
وأخبار المنع وإن كانت متعددة معتبرة، لكن دلالتها على التحريم غير واضحة.
فروع:
الأول: إذا باع الحنطة بالدقيق مثلا فالأحوط اعتبار الوزن، لأنه أضبط.
الثاني: يجوز بيع الأدقة بعضها ببعض، وكذا الأخباز مثلا بمثل إن اشتركا في
الرطوبة أو اليبوسة وإن كانت رطوبة بعضها أكثر من الآخر، ولو كان أحدهما رطبا
والآخر يابسا ففيه الخلاف السابق. ولعل الأقرب الجواز.
الثالث: المشهور عدم] جواز [بيع لحم بحيوان من جنسه كلحم الشاة بالشاة،
ولعل مستنده ما رواه الصدوق عن غياث بن إبراهيم في الموثق عن جعفر بن
محمد عن أبيه (عليهما السلام) أن عليا (عليه السلام) كره بيع اللحم بالحيوان (1) والرواية غير دالة على
التحريم، وعموم الحكم في الحيوان غير مشهور، وخالف ابن إدريس فحكم
بالجواز، لأن الحيوان غير مقدر بأحد الأمرين (2). وفي المسالك: وهو قوي مع

(1) الفقيه 3: 278، ح 4004.
(2) السرائر 2: 258.
500

كونه حيا، وإلا فالمنع أقوى، قال: والظاهر أنه موضع النزاع (1) انتهى. وفيه نظر
الرابع: يجوز بيع دجاجة فيها بيضة بدجاجة خالية، وبيع شاة في ضرعها لبن
بشاة في ضرعها لبن أو خالية أو بلبن وإن كان من لبن جنسها.
الخامس: يجوز بيع مكوك من الحنطة بمكوك وفي أحدهما دقاق التبن أو
يسير تراب مما جرت العادة بكونه.
السادس: يجوز بيع درهم ودينار أو درهم ومتاع بدينارين أو درهمين، وكذا
مد من تمر ودرهم بمدين وأمداد ودرهمين ودراهم، وقد يتخلص من الربا بأن
يبيع أحدهما سلعته من صاحبه بغير جنسه ثم يشتري الآخر بالثمن، ويسقط
حينئذ اعتبار المساواة وكذا لو وهبا أو أقرضا وتباريا.
السابع: المشهور بين الأصحاب أنه لا ربا بين الوالد وولده، ولا بين المولى
ومملوكه، ولا بين الرجل وزوجته، وخالف فيه السيد المرتضى في بعض كتبه
وحكم بثبوت الربا بينهم وحمل الخبر على النهي كقوله تعالى: (ولا رفث ولا
فسوق ولا جدال) (2) ثم رجع ووافق المشهور وادعى الإجماع عليه (3).
والمشهور أنه يجوز لكل واحد من الوالد والولد أخذ الفضل، وفيه خلاف
لابن الجنيد حيث نفى الربا بين الوالد والولد بشرط أن يكون يأخذ الوالد الفضل
مع بعض شروط اخرى (4). ومستند المشهور رواية زرارة (5) ومحمد بن مسلم (6)
مؤيدة برواية عمرو بن جميع (7) وشئ منهما لم يبلغ حد الصحة، مع أن عموم
الكتاب والأخبار الكثيرة يخالفه، فإن ثبت إجماع كان هو المتبع، وإلا فالصواب
العمل بالكتاب، لكن موافقة المشهور في العبد غير بعيد أو متجه، لما رواه الصدوق

(1) المسالك 3: 329.
(2) (رسائل السيد المرتضى) المجموعة الاولى: 182.
(3) الانتصار: 212.
(4) حكاه في المختلف 5: 79.
(5) الوسائل 12: 436، الباب 7 من أبواب الربا، ح 3.
(6) الوسائل 12: 436، الباب 7 من أبواب الربا الحديث 4.
(7) الوسائل 12: 436، الباب 7 من أبواب الربا، ح 1.
501

عن علي بن جعفر في الصحيح أنه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليه السلام) عن رجل أعطى
عبده عشرة دراهم على أن يؤدي العبد كل شهر عشرة دراهم، أيحل ذلك؟ قال: لا
بأس (1). وفي كتاب علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) مثله، وزاد: قال: وسألته عن رجل
أعطى رجلا مائة درهم يعمل بها على أن يعطيه خمسة دراهم أو أقل أو أكثر، هل
يحل ذلك؟ قال: لا، هذا الربا محضا (2).
ولا ينسحب الحكم إلى الام، وفي الجد مع ولد الولد إشكال ينشأ: من
الاقتصار على موضع اليقين، وصدق الولد على ولد الولد. وفي ولد الرضاع
إشكال. والمشهور عدم الفرق في الزوجة بين الدائمة والمنقطعة خلافا للتذكرة (3).
ولا أعلم خلافا بين الأصحاب في عدم الربا بين المسلم والحربي إذا أخذ
المسلم الفضل، وأطلق جماعة نفي الربا هاهنا من غير فرق بين أخذ المسلم
الزيادة والحربي (4). ومستند الحكم بعض الأخبار الضعيفة المعارضة بأقوى منه
سندا، مع اعتضاده بعموم الكتاب والأخبار، فالحكم معلق على ثبوت الإجماع.
والأشهر ثبوت الربا بين المسلم والذمي، لعموم الأدلة. وذهب جماعة منهم
المرتضى وابنا بابويه إلى عدم ثبوته (5) للرواية المخصصة نقلها الصدوق عن
الصادق (عليه السلام) مرسلا (6). والأقرب الأول.
الفصل الثالث في الصرف
وهو بيع الأثمان وهي الذهب والفضة بالأثمان، ويشترط في صحة هذا البيع
التقابض قبل التفرق على المشهور بين الأصحاب، وهل يجب تحصيل هذا الشرط
بحيث يأثمان لو أخلا به؟ فيه قولان. ومذهب الصدوق عدم اعتبار التقابض في

(1) الفقيه 3: 281، ح 4016.
(2) مسائل علي بن جعفر: 125، ح 90.
(3) التذكرة 1: 485 س 13.
(4) النهاية 2: 118، الوسيلة: 254.
(5) الانتصار: 212 - 213، وحكاه عن ابن بابويه في المختلف 5: 81، المقنع: 126.
(6) الفقيه 3: 278، ح 4002.
502

الصحة (1) ويدل على اعتبار التقابض الأمر به في أخبار متعددة فيها الصحاح (2).
ويدل على عدم اعتبارها أخبار متعددة فيها الموثق (3) وأولها الشيخ بتأويل بعيد
وذكر أنها لا تقاوم ما دل على التقابض (4) ويمكن الجمع بين الأخبار عند من يعمل
بالموثقات بحمل ما دل على الأمر بالتقابض على الاستحباب وتأكد الفضيلة،
والباقي على الجواز، كما هو قول الصدوق، لأن الجمع مقدم على الإطراح، فقول
الصدوق ليس بذاك البعيد.
ولو فارقا المجلس مصطحبين لم يبطل. ولو وكل أحدهما رجلا في القبض
قبل التفرق فقبض الوكيل صح على الأقرب. قالوا: ولو قبض بعد التفرق بطل.
وفي المسالك: الضابط في ذلك أن المعتبر حصول التقابض قبل تفرق
المتعاقدين، فمتى كان الوكيل في القبض غير المتعاقدين اعتبر قبضه قبل تفرق
المتعاقدين ولا اعتبار بتفرق الوكيلين، ومتى كان المتعاقدان وكيلين اعتبر
تقابضهما في المجلس أو تقابض المالكين قبل تفرق الوكيلين (5).
ولو اشتري منه دراهم ثم اشترى بها دنانير قبل قبض الدراهم لم يصح الثاني
على المشهور من اعتبار التقابض، ولو افترقا بطل العقدان على المشهور. وعن ابن
إدريس: إن كان النقد المبتاع أولا معينا صح العقد الثاني إذا تقابضا في المجلس،
وإن كان في الذمة بطل الثاني، لأنه بيع دين بدين (6).
وفي المسالك: ينبغي القول بالصحة مطلقا إذا تقابضا قبل التفرق، وغاية ما
يحصل في البيع الثاني أن يكون فضوليا، فإذا لحقه القبض صح (7). وسيأتي أن بيع
الدين بالدين على هذا الوجه غير ممتنع.

(1) حكاه في كشف الرموز 1: 497.
(2) الوسائل 12: 457، الباب 2 من أبواب الصرف.
(3) الوسائل 12: 460، الباب 2 من أبواب الصرف.
(4) التهذيب 7: 101.
(5) المسالك 3: 334.
(6) السرائر 1: 267 - 268.
(7) المسالك 3: 335.
503

ولو كان له عليه دراهم فقال: حولها إلى الدنانير صح وحصل التحول وإن لم
يتقابضا على الأقرب، لموثقة إسحاق بن عمار (1) وإذا اتحد الجنس لم يجز
التفاضل وإن اختلفا في الجودة والرداءة والضعة، وإذا اختلفا فيه جاز.
وإذا كان في الفضة غش مجهول قال المحقق: لا يباع إلا بالذهب أو بجنس
غير الفضة، وكذا الذهب (2). ولعل مستنده صحيحة عبد الله بن سنان، قال: سألت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن شراء الفضة فيها الرصاص والنحاس بالورق، وإذا أخلصت نقصت
من كل عشرة درهمين أو ثلاثة؟ فقال: لا يصلح إلا بالذهب. قال: وسألته عن شراء
الذهب فيه الفضة والزيبق والتراب بالدنانير والورق؟ قال: لا يصارفه إلا
بالورق (3). وفي رواية اخرى عن عبد الله بن سنان عنه (عليه السلام) قال: سألته عن شراء
الذهب فيه الفضة بالذهب؟ قال: لا يصلح إلا بالدنانير والورق (4). وجوز الشهيدان
بيعه بجنسه إذا علم زيادة الخالص عن مجانسة المغشوش (5). وهو حسن، لعموم
الأدلة وعدم صراحة الرواية على عدم الصحة وإمكان حملها على الغالب.
والأحوط عدم التعدي عن المنصوص ولو علم جاز بيعه بمثل جنسه مع زيادة
تقابل الغش.
ويجوز بيع جوهر الرصاص والصفر بالذهب والفضة وإن كان فيه يسير فضة
أو ذهب، لأنه مضمحل وتابع غير مقصود بالبيع، ولحسنة عبد الرحمن بن
الحجاج (6) ورواية معاوية بن عمار وغيره عن الصادق (عليه السلام) (7).
ويجوز إخراج الدراهم المغشوشة مع جهالة الغش إذا كانت متداولة بين

(1) الوسائل 12: 463، الباب 4 من أبواب الصرف، ح 1.
(2) الشرائع 2: 48.
(3) الوسائل 12: 475، الباب 11 من أبواب الصرف، ح 1.
(4) الوسائل 12: 475، الباب 11 من أبواب الصرف، ح 3.
(5) الدروس 3: 301، المسالك 3: 336.
(6) الوسائل 12: 485، الباب 17 من أبواب الصرف، ح 1.
(7) الوسائل 12: 486، الباب 17 من أبواب الصرف، ح 2.
504

الناس مع علمهم بحالها وإن لم يعلم بقدر ما فيها. وإن كانت مجهولة الصرف بين
الناس لم يجز إنفاقها إلا بعد إبانة حالها.
مسائل:
الاولى: الدراهم والدنانير يتعينان، فلو اشترى بدراهم معينة مثلا لم يجز دفع
غيرها وإن تساوت الأوصاف، لوجوب الإيفاء بالعقود، ولو تلفت قبل القبض
انفسخ العقد، وإن وجد بها عيبا ليس له الاستبدال، بل كان له الخيار.
الثانية: إذا اشترى دراهم بمثلها معينة فوجد ما صار إليه من غير جنسها - كما
لو ظهرت الدراهم رصاصا أو نحاسا - كان البيع باطلا، لأن ما وقع عليه العقد غير
مقصود بالشراء، ولا فرق في ذلك بين الصرف وغيره، فلو باعه ثوبا كتانا فبان
صوفا أو قطنا بطل البيع، وليس له الاستبدال ولا أخذ الأرش.
ولو كان البعض من غير الجنس بطل فيه حسب، وذكر الأصحاب أن له الخيار
بين أخذ الموافق بحصته من الثمن وبين رد الكل، لتبعض الصفقة مع جهله، وحيث
يأخذ المشتري بحصته من الثمن كان للبائع الخيار أيضا مع جهله.
ولو كان الجنس واحدا وبه عيب مثل مخالفة السكة للسكة المعمولة الغالبة
في المعاملة وكان العيب شاملا للجميع تخير المشتري بين رد الجميع وإمساكه،
وليس له رد البعض، ولا الاستبدال; للتعين. وإن كان مختصا بالبعض تخير أيضا
بين رد الجميع وإمساكه، وهل له رد المعيب وحده؟ فيه قولان. والأرش منفي في
جميع هذه الصور، لأن المفروض بيع الفضة بالفضة، فاعتبر في الصحة المساواة في
القدر، فلو أخذ الأرش لزم الزيادة الممنوعة شرعا.
الثالثة: إذا اشترى دراهم في الذمة بمثلها فوجد ما صار إليه من غير جنسه
قبل التفرق كان له المطالبة بالجنس، وإن كان بعد التفرق بطل الصرف على
المشهور من اعتبار القبض قبل التفرق، قالوا: ولو كان البعض كذلك اختص
بالحكم، وإن كان ما صار إليه معيبا من جنسه كان مخيرا بين الرد والإمساك من
غير أرش، لاستلزامه الربا، وله المطالبة بالبدل قبل التفرق، وفيما بعد التفرق
505

إشكال على القول باعتبار القبض.
الرابعة: إذا اشترى دينارا بدينار ودفعه فزاد زيادة لا يكون إلا غلطا أو
تعمدا، فإن كان غلطا ففي كون الزيادة في يد البائع أمانة أو مضمونة قولان، ولعل
الأول أقرب، وكذلك إن كان تعمدا، وفي المسالك أنه موضع وفاق (1). والظاهر أن
الأمانة في الصورتين مختلفة، ففي صورة التعمد أمانة مالكية يجب حفظها ولا
يجب ردها إلا مع طلب المالك، وعلى تقدير الغلط هي شرعية يجب ردها إلى
المالك فورا أو إعلام المالك بها وإن كانت مدفوعة من المالك لكونه غير عالم بها،
ويحتمل كونها مالكية، لاستناد الدفع إليه.
الخامسة: الأواني المصوغة من الذهب والفضة معا يجوز بيعه بأحد الجنسين
بشرط كون الثمن زائدا على ما فيه من ذلك الجنس، ويجوز بيعه بمجموع
الجنسين مطلقا.
السادسة: المراكب المحلاة إذا علم ما فيها من الحلية جاز بيعها بغير جنسها
مطلقا وبجنسها مع الزيادة، وإذا جهل بقدرها جاز بيعها بغير جنسها مطلقا
وبجنسها مع العلم بزيادة الثمن عن الحلية.
السابعة: تراب الصياغة إن علم بالقرائن المفيدة للعلم أن صاحبه أعرض عنه
جاز للصائغ تملكه كسائر الأموال المعرض عنها، خصوصا إذا كانت مما يتسامح
فيها عادة، ولا يبعد الاكتفاء بالظن مع عدم قضاء العادات على خلافه، وإلا فإن
كان أربابه معلومين استحلهم أو رده إليهم، ولو كان بعضهم معلوما فلابد من
الاستحلال، وإلا فالظاهر جواز بيعه والصدقة به، لما رواه الكليني عن علي بن
ميمون الصائغ، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عما يكنس من التراب فأبيعه فما أصنع
به؟ قال: تصدق به فإما لك وإما لأهله. قال: قلت: فإن فيه ذهبا وفضة وحديدا
فبأي شيء أبيعه؟ قال: بعه بطعام. قلت: فإن كان لي قرابة محتاج اعطه منه؟
قال: نعم (2).

(1) المسالك 3: 344.
(2) الكافي 5: 250، ح 24.
506

وروى الشيخ في الصحيح إلى علي الصائغ - وهو غير ممدوح ولا مجروح -
قال: سألته عن تراب الصواغين وإنا نبيعه؟ قال: أما تستطيع أن تستحله من
صاحبه؟ قال: قلت: لا إذا أخبرته اتهمني. قال: بعه. قلت: فبأي شيء نبيعه؟ قال:
بطعام. قلت: فأي شيء نصنع به؟ قال: تصدق به إما لك وإما لأهله. قلت: إن كان ذا
قرابة محتاجا فأصله؟ قال: نعم (1). ويستفاد من هذه الرواية جواز بيعه مع علمه
بأربابه عند خوف التهمة، والظاهر أنه لا يتعين عليه البيع، بل يجوز التصدق بعينه.
ولو علم الأرباب أولا ثم يؤخر حتى يصير مجهولا فيأثم. ومصرفه مصرف
الصدقات الواجبة على قول. وقيل: المندوبة وإن كان عياله (2) وفي جواز أخذه
لنفسه لو كان على وصف الاستحقاق احتمال. ولو ظهر بعض الأرباب بعد الصدقة
ولم يرض بها فهل يضمن؟ فيه احتمالان.
المقصد التاسع
في بيع الثمار
وفيه مسائل:
الاولى: المشهور بين الأصحاب أنه لا يجوز بيع ثمرة النخل قبل ظهورها
عاما واحدا بغير ضميمة، وفي كلام العلامة في التذكرة والشهيدين دعوى الاتفاق
عليه (3). وفسر الظهور بخروجها إلى الوجود وإن كانت في طلعها، وجوز الشيخ في
التهذيب والاستبصار ذلك قبل أن يبدو صلاحها مع الكراهة (4). وهذا أعم من عدم
الظهور بالمعنى السابق، فإن لم يثبت الإجماع المنقول - كما هو الظاهر - كان
القول بالكراهة مطلقا متجها، جمعا بين الأخبار، وفي صحيحة الحلبي (5) وغيرها
دلالة عليه.
والمشهور بينهم عدم جواز بيعها عاما واحدا مع الضميمة أيضا حيث لا يكون

(1) التهذيب 7: 111، ح 479.
(2) المسالك 3: 352.
(3) التذكرة 1: 502 س 12، الدروس 3: 234، المسالك 3: 353.
(4) التهذيب 7: 88، الاستبصار 3: 88.
(5) الوسائل 13: 3، الباب 1 من أبواب بيع الثمار، ح 2.
507

الضميمة هي المقصودة بالبيع، والأقرب الجواز، لما ذكرنا، ولموثقة سماعة، وأما
بيعها كذلك أكثر من عام واحد فالمشهور عدم جوازه أيضا، حتى ادعى ابن
إدريس الإجماع عليه (1). وفيه خلاف للصدوق (رحمه الله) (2). والأقرب الجواز، لصحيحة
يعقوب بن شعيب (3) وصحيحة سليمان بن خالد (4) وحسنة الحلبي (5) وغيرها.
الثانية: المشهور بينهم أنه لا يجوز بيعها قبل بدو صلاحها إلا أن يضم إليها ما
يجوز بيعه، أو بشرط القطع، أو عامين فصاعدا. والأقرب الجواز مطلقا.
ولو بيعت عاما من دون الشرائط الثلاثة ففيه أقوال ثلاثة:
الأول: الجواز مع الكراهة. الثاني: عدم الصحة. الثالث: يراعى السلامة.
والأول أقرب.
الثالثة: بدو صلاح ثمرة النخل المجوز لبيعها على القول بالمنع من بيعها قبله
أن تصفر أو تحمر أو تبلغ حدا يؤمن عليها العاهة عند بعضهم (6) وعن جماعة من
الأصحاب الاقتصار على العلامة الاولى (7) وقيل بالثانية خاصة (8).
قال الشهيد الثاني: اقتصر جماعة من الأصحاب على العلامة الاولى، لصحة
دليلها، وقواه لذلك (9). ولم أجد حديثا صحيحا دالا عليه، بل في بعض الأخبار
الصحيحة اعتبار الإطعام والإدراك (10) وفي بعضها البلوغ (11) وفي بعضها الإدراك (12)

(1) السرائر 2: 359.
(2) المقنع: 123.
(3) الوسائل 13: 4، الباب 1 من أبواب بيع الثمار، ح 8.
(4) الوسائل 13: 5، الباب 1 من أبواب بيع الثمار، ح 9.
(5) الوسائل 13: 3، الباب 1 من أبواب بيع الثمار، ح 2.
(6) الشرائع 2: 52.
(7) السرائر 2: 361، المسالك 3: 356، جامع المقاصد 4: 161 و 162.
(8) حكاه في المسالك 3: 356.
(9) المسالك 3: 356.
(10) الوسائل 13: 8، الباب 2 من أبواب بيع الثمار.
(11) الوسائل 13: 7، الباب 1 من أبواب بيع الثمار، ح 22.
(12) الوسائل 13: 8، الباب 2 من أبواب بيع الثمار.
508

نعم ذكر الإحمرار والإصفرار في غير واحد من الأخبار الضعيفة (1) والمرجع في
الأمن من العاهة على القول به الرجوع إلى أهل الخبرة. ونقل في التذكرة عن بعض
العلماء القول بأن حده طلوع الثريا، محتجا عليه برواية عن النبي (صلى الله عليه وآله) (2) ولم يثبت
النقل.
الرابعة: إذا أدرك بعض ثمرة البستان جاز بيعه أجمع، لا أعرف فيه خلافا
بينهم، ومستنده صحيحة يعقوب بن شعيب (3) وموثقة إسماعيل بن الفاضل (4) وكذا
لو أدركت ثمرة بستان جاز بيعه مع بستان آخر على الأقرب، للرواية المعتبرة.
الخامسة: الأقرب جواز بيع ثمرة الأشجار قبل بدو صلاحها، وحد بدو
صلاحها على الأشهر أن ينعقد الحب، واعتبر جماعة منهم الشيخ في النهاية مع
انعقاد الحب تناثر الورد (5).
وذكر في المبسوط: إن كانت الثمرة مما تحمر أو تسود أو تصفر فبدو الصلاح
فيها الحمرة أو السواد أو الصفرة، وإن كانت مما تبيض فهو أن يتموه، وهو أن
يتموى فيه الماء الحلو ويصفر لونه، وإن كان مما لا يتلون كالتفاح فبأن يحلو
ويطيب أكله، وإن كان مثل البطيخ فبأن ينضج، قال: وقد روى أصحابنا أن التلون
يعتبر في ثمرة النخل خاصة، فأما ما يتورد فبدو صلاحه أن يتناثر الورد وينعقد،
وفي الكرم أن ينعقد الحصرم (6). ولا أعلم رواية صحيحة في هذا الباب.
والأقرب جواز بيعها قبل ظهورها سنتين فصاعدا، وكذا لو ضم إليها شيئا قبل
انعقادها، وإذا انعقد جاز بيعها مع اصولها ومنفردة، سواء كانت بارزة كالتفاح، أو
في قشر كالجوز واللوز.
ويجوز بيع الزرع والسنبل قائما وحصيدا، والخضر بعد انعقادها لقطة

(1) الوسائل 13: 3، الباب 2 من أبواب بيع الثمار.
(2) التذكرة 1: 503 س 41.
(3) الوسائل 13: 7، الباب 2 من أبواب بيع الثمار، ح 1.
(4) الوسائل 13: 8، الباب 2 من أبواب بيع الثمار، ح 2.
(5) النهاية 2: 207.
(6) المبسوط 2: 114.
509

ولقطات، والرطبة وشبهها جزة وجزات والتوت خرطة وخرطات.
ويجوز بيع الثمرة منفردة ومع اصولها، ولو بيعت الاصول لم تدخل الثمرة بعد
انعقادها إلا بالشرط، والظاهر أنه يجب على المشتري إبقاؤها إلى أوان بلوغها،
وما يحدث بعد الابتياع للمشتري.
السادسة: يجوز أن يستثنى ثمرة شجرات واستثناء جزء معين منها كعذق
معين وأن يستثنى حصة مشاعة منها، والأقرب الأشهر أنه يجوز أن يستثنى منها
أرطالا معينة معلومة، لرواية ربعي (1) الصحيحة عند جماعة من الأصحاب (2) مضافة
إلى العمومات وخالف فيه أبو الصلاح (3). ولو خاست الثمرة سقط من الثنيا بحسابه.
السابعة: يجوز أن يبيع ما ابتاعه من الثمرة بزيادة على ما اشتراه ونقصان قبل
القبض وبعده، لعموم الأدلة، وخصوص صحيحة محمد بن مسلم (4) وصحيحة
الحلبي (5).
الثامنة: يجوز بيع الثمرة في اصولها بالأثمان والعروض، والمنقول عن
النبي (صلى الله عليه وآله) تحريم المزابنة (6) وهو المعروف بين الأصحاب، وفسره بعضهم ببيع
الثمرة في النخل بالتمر (7). وفسره جماعة ببيع ثمرة النخل بثمرة منها (8) والأقرب
عدم تحريم بيع الثمرة في النخل بمطلق التمر، لعموم الأدلة، وخصوص حسنة
الحلبي وغيرها (9) بل بثمرة منها كما هو التفسير الثاني، وعلى هذا تحمل رواية

(1) الوسائل 13: 26، الباب 15 من أبواب بيع الثمار، ح 1.
(2) الخلاف 3: 91، المسألة 148، الشرائع 2: 53، المختلف 5: 200.
(3) الكافي في الفقه: 356.
(4) الوسائل 13: 13، الباب 7 من أبواب بيع الثمار، ح 3.
(5) الوسائل 13: 13، الباب 7 من أبواب بيع الثمار، ح 2.
(6) الوسائل 13: 24، الباب 13 من أبواب بيع الثمار، ح 4 و 5.
(7) القواعد 2: 35.
(8) الشرائع 2: 54، الخلاف 3: 94، المسألة 153، كشف الرموز 1: 506.
(9) الوسائل 13: 11، الباب 6 من أبواب بيع الثمار، ح 1.
510

عبد الرحمن بن أبي عبد الله (1) الملحقة بالصحاح.
ومثله الكلام في بيع السنبل بحب من جنسه، والأقرب اختصاص التحريم
بحب منه، وهي المحاقلة، وقيل: هي بيع السنبل بحب من جنسه مطلقا (2).
واختلف كلامهم في تعبير المبيع هنا، فبعضهم عبر بالزرع (3) وبعضهم
بالسنبل (4). وفي المسالك: يظهر من كلامهم الاتفاق على أن المراد به السنبل وإن
عبروا بالأعم (5). والحق اختصاص الحكم بالسنبل، والأقرب عدم اختصاص
السنبل بالحنطة، لعموم الرواية.
وفي التذكرة أن أكثر تفاسير المحاقلة أنها بيع الحنطة في السنبل بحنطة إما
منها أو من غيرها (6) فيختص بالحنطة، ويدخل فيه الشعير إن جعلناه من جنس
الحنطة أو عللنا المنع بالربا، وإلا فلا. وهل ينسحب حكم النخل في غيره من
أشجار الفواكه؟ الأقرب العدم.
التاسعة: القائلون بتعميم التحريم في بيع ثمرة النخل بالتمر استثنوا منه العرايا،
والعرية هي النخلة تكون لإنسان في دار آخر، قال أهل اللغة: أو بستانه. وهو
جيد.
قال في المسالك: فقد صح عن النبي (صلى الله عليه وآله) الإذن فيها (7) ويدل عليه رواية
السكوني (8). وقد اعتبر بعضهم شروطا، ولا أعلم حجة على اعتبارها.
العاشرة: يجوز بيع الزرع قصيلا، فإن لم يقطعه المشتري كان للبائع قطعه، وله
تركه والمطالبة باجرة الأرض، وكذا لو اشترى نخلا بشرط القطع.
الحادية عشر: إذا اشتركا في نخل أو شجر يجوز أن يتقبل أحد الشريكين

(1) الوسائل 13: 23، الباب 13 من أبواب بيع الثمار، ح 1.
(2) حكاه في الشرائع 2: 54.
(3) المراسم: 178.
(4) الوسيلة: 250.
(5) المسالك 3: 365.
(6) التذكرة 1: 501 س 9.
(7) المسالك 3: 365.
(8) الوسائل 13: 25، الباب 14 من أبواب بيع الثمار، ح 1.
511

حصة صاحبه بمقدار معلوم زاد أو نقص، لصحيحة يعقوب بن شعيب (1).
الثانية عشر: المشهور بين الأصحاب أن من مر على ثمرة من النخل أو شجر
الفواكه أو الزرع جاز له أن يأكل منها ولا يحمل، ونقل الشيخ في الخلاف الإجماع
على ذلك (2). وادعى ابن إدريس انعقاد الإجماع على الجواز وتواتر الأخبار (3)
وخالف فيه المرتضى وجماعة من المتأخرين (4). والأول أقرب، لمرسلة ابن أبي
عمير الملحقة بالصحاح (5) ورواية محمد بن مروان (6) ومرسلة يونس (7) ورواية
السكوني (8) وما رواه البرقي في المحاسن عن عبد الله بن سنان في الصحيح عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا بأس بالرجل يمر على الثمرة ويأكل منها ولا يفسد، وقد
نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يبنى الحيطان بالمدينة لمكان المارة، قال: وكان إذا بلغ
نخلة أمر بالحيطان فخربت لمكان المارة (9). وما رواه علي بن جعفر في كتابه عن
أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن رجل يمر على ثمرة فيأكل منها؟ قال:
نعم، قد نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تستر الحيطان برفع بنائها (10). وفي كتاب كمال
الدين بإسناده عن محمد بن جعفر الأسدي مما ورد عليه من محمد بن عثمان
العمري في جواب مسائله عن القائم (عليه السلام): فأما ما سألت عنه عن أمر الثمار من
أموالنا يمر به المار فيتناول منه ويأكله هل يحل له ذلك؟ فإنه يحل له أكله ويحرم
عليه حمله (11). وروى ابن إدريس من كتاب مسائل الرجال ومكاتباتهم مولانا أبا
الحسن علي بن محمد (عليهما السلام) من مسائل داود الصرمي قال: سألته عن رجل دخل

(1) الوسائل 13: 18، الباب 10 من أبواب بيع الثمار، ح 1.
(2) الخلاف 6: 98، المسألة 28.
(3) السرائر 3: 126.
(4) حكاه في المسالك 3: 372.
(5) الوسائل 13: 14، الباب 8 من أبواب بيع الثمار، ح 3.
(6) الوسائل 13: 14، الباب 8 من أبواب بيع الثمار، ح 4.
(7) الوسائل 13: 17، الباب 8 من أبواب بيع الثمار، ح 12.
(8) الوسائل 13: 14، الباب 8 من أبواب بيع الثمار، ح 1.
(9) المحاسن: 528، ح 766 و 765.
(10) مسائل علي بن جعفر: 148، ح 188.
(11) كمال الدين: 521، ح 49.
512

بستانا، أيأكل من الثمرة من غير علم صاحب البستان؟ قال: نعم (1).
ويدل على الثاني صحيحة الحسن بن علي بن يقطين (2) وحملت على الكراهة
أو الحمل. وهو حسن، جمعا بين الأدلة، وكذا الكلام في رواية مروك بن عبيد (3).
وذكر بعض الأصحاب شروطا ثلاثة:
الأول: أن يكون المرور اتفاقا.
الثاني: أن لا يفسد، والظاهر في تفسيره الرجوع إلى العرف، ومستنده رواية
عبد الله بن سنان ومرسلة يونس (4).
الثالث: أن لا يحمل معه شيئا، ويدل عليه خبر محمد بن مروان وخبر
السكوني، ومرسلة يونس، ورواية الأسدي (5). وزاد بعضهم رابعا وهو عدم العلم
بالكراهة، وينافيه رواية محمد بن مروان (6) وخامسا وهو عدم ظنها، وسادسا وهو
كون الثمرة على الشجرة (7).
المقصد العاشر
في بيع الحيوان
كل حيوان مملوك يصح بيعه وأبعاضه المشاعة إلا الآبق منفردا، وام الولد مع
وجوده إلا ما استثني، ويصح أن يملك الرجل كل أحد إلا الآباء والامهات
والأجداد والجدات وإن علوا، والأولاد ذكورا وإناثا وإن نزلوا، والأخوات
والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الاخت. وهل ينسحب الحكم في الرضاع؟
فيه قولان، أقربهما ذلك، للأخبار الدالة عليه. ويملك المرأة كل قريب عدا الآباء

(1) السرائر 3: 582.
(2) الوسائل 13: 15، الباب 8 من أبواب بيع الثمار، ح 7.
(3) الوسائل 13: 15، الباب 8 من أبواب بيع الثمار، ح 6.
(4) الوسائل 13: 17، الباب 8 من أبواب بيع الثمار، ح 12.
(5) الوسائل 13: 14 و 16 و 17، الباب 8 من أبواب بيع الثمار، ح 4 و 1 و 5 و 9.
(6) الوسائل 13: 14، الباب 8 من أبواب بيع الثمار، ح 4.
(7) حكى هذه الشروط عن بعضهم الشهيد الثاني في المسالك 3: 373.
513

وإن علوا، والأولاد وإن نزلوا نسبا، والأقرب انسحاب الحكم في الرضاع لصحيحة
ابن سنان يعني عبد الله (1) وصحيحة علي بن جعفر المنقولة من كتابه (2) وغيرهما.
ولا أعرف خلافا في أنه إذا ملك أحد الزوجين صاحبه استقر الملك دون
الزوجية. ويدل على حكم المرأة المالكة زوجها صحيحة عبد الله بن سنان (3)
وحسنة محمد بن قيس (4) ورواية سعيد بن يسار (5).
ويجوز استرقاق المحارب وذراريه، ثم يسري الرق في أعقابه وإن زال
الكفر ما لم يعرض أحد الأسباب الموجبة للحرية، وكذا الحكم في اليهود
والنصارى والمجوس عند الإخلال بشرائط الذمة، وإلا فحكمهم حكم المسلمين
في عدم جواز استرقاقهم.
ويملك اللقيط في دار الحرب إذا علم انتفاؤه من مسلم، ولا يملك من دار
الإسلام. ولو بلغ فأقر الرق ففي قبوله قولان، ولعل الأقرب ذلك، لصحيحة عبد الله
ابن سنان أو حسنته، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: كان علي بن أبي
طالب (عليه السلام) يقول: الناس كلهم أحرار إلا من أقر على نفسه بالعبودية وهو مدرك
من عبد أو أمة، ومن شهد عليه بالرق صغيرا كان أو كبيرا (6). ويدل عليه أيضا ما
يدل على جواز إقرار العقلاء، وما رواه الشيخ عن أبان بن عثمان في الصحيح عن
الفضل - وهو مشترك - قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل حر أقر أنه عبد؟ قال:
يؤخذ بما أقر به (7) ورواية محمد بن الفضيل (8) وموثقة إسماعيل بن الفضل (9). وكذا

(1) الوسائل 13: 29، الباب 4 من أبواب بيع الحيوان، ح 3.
(2) مسائل علي بن جعفر: 111، ح 25.
(3) الوسائل 14: 556، الباب 49 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 1.
(4) الوسائل 14: 557، الباب 49 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 3.
(5) الوسائل 14: 557، الباب 49 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 2.
(6) الوسائل 16: 33، الباب 29 من أبواب العتق، ح 1.
(7) التهذيب 8: 235، ح 846.
(8) الوسائل 16: 33، الباب 29 من أبواب العتق، ح 3.
(9) الوسائل 16: 34، الباب 29 من أبواب العتق، ح 5.
514

كل مقر به مع جهالة حريته، وفي اشتراط الرشد في القبول قولان. ولا تقبل ادعاء
الحرية من المملوك إلا بالبينة، لصحيحة عيص بن القاسم (1). وكذا إن وجده يبتاع
في الأسواق، لمعتبرة (2) حمزة بن حمران المعتضدة بالشهرة. ولو وجده في يده
وادعى رقيته ولم يعلم شراؤه ولا بيعه فإن كان كبيرا وصدقه حكم به، وإن كذبه
فالظاهر أنه لا يقبل دعواه إلا ببينة، لصحيحة عبد الله بن سنان السابقة عن قريب،
وإن سكت أو كان صغيرا فوجهان. واستقرب في التذكرة العمل بأصالة الحرية (3).
وفي التحرير العمل بظاهر اليد (4). واستجوده في المسالك (5) وفيه إشكال، نظرا إلى
صحيحة عبد الله بن سنان. ولو أسلم الكافر في ملك مثله بيع عليه من مسلم.
والوحشي من الحيوان يملك بالاصطياد أو بأحد العقود الناقلة أو
بالاستنتاج، وغير الوحشي بالأخيرين.
وإذا باع الحامل فالأشهر أن الولد الموجود حال البيع للبائع، إلا أن يشترطه
المشتري. وعن الشيخ أنه للمشتري حتى حكم بفساد البيع لو استثناه البائع (6).
وحيث يشترطه المشتري يدخل وإن كان مجهولا، لأنه تابع للمعلوم.
مسائل:
الاولى: لو باع واستثنى الرأس والجلد صح ويكون شريكا بقدر قيمة
المستثنى من غير فرق بين ما يراد ذبحه وغيره على قول، وورد به رواية
السكوني (7) والرواية ضعيفة لا تصلح للتعويل، والشركة المشاعة غير مقصودة
لهما، والقول بالبطلان غير بعيد، إلا أن يكون مذبوحا أو يراد ذبحه، وكذا القول في
الاشتراك المشترط لبعضهم ذلك.

(1) الوسائل 13: 31، الباب 5 من أبواب بيع الحيوان، ح 1.
(2) في المطبوع وخ 1: لرواية، راجع الوسائل 13: 31، الباب 5 من أبواب بيع الحيوان، ح 2.
(3) التذكرة 1: 497 س 26.
(4) التحرير 2: 77 س 25.
(5) المسالك 3: 378.
(6) المبسوط 2: 156.
(7) الوسائل 13: 49، الباب 22 من أبواب بيع الحيوان، ح 2.
515

ولو قال: اشتر حيوانا بشركتي، صح، ويشتركان في المبيع، ويلزم الآمر الثمن
بقدر الحصة، ولو أذن أحدهما لصاحبه أن ينقد عنه صح، ويرجع عليه عند دلالة
القرائن على عدم إرادة التبرع.
الثانية: يجوز النظر إلى وجه المملوكة ومحاسنها كالكفين والرجلين والشعر
إذا أراد شراءها، لرواية أبي بصير (1) ورواية حبيب المعلى الخثعمي (2) ورواية
عمران الجعفري (3) ورواية الحسين بن علوان المذكورة في قرب الأسناد (4) ولا
يشترط في ذلك إذن المولى.
وفي المسالك: يجوز له مس ما يجوز له النظر إليه (5). ويدل عليه رواية أبي
بصير (6) وجوز في التذكرة النظر إلى ما عدا العورة بدون الإذن (7).
ويستحب لمن اشترى مملوكا أن يغير اسمه، وأن يطعمه شيئا من الحلاوة،
وأن يتصدق عنه بشيء، للنص فيها (8). وقدرت الصدقة بأربعة دراهم.
ويكره وطء من ولدت من الزنا، جمعا بين ما دل على المنع (9) وما دل على
الجواز (10). ويكره أن يرى المملوك ثمنه في الميزان، للأخبار (11).
واختلفوا في كراهة التفريق بين الامهات والأطفال أو التحريم، والثاني لا
يخلو عن قوة، لصحيحة معاوية بن عمار (12) المعتضدة برواية أبي أيوب عن

(1) الوسائل 13: 47، الباب 20 من أبواب بيع الحيوان، ح 1.
(2) الوسائل 13: 48، الباب 20 من أبواب بيع الحيوان، ح 2.
(3) الوسائل 13: 48، الباب 20 من أبواب بيع الحيوان، ح 3.
(4) قرب الأسناد: 103، ح 344.
(5) المسالك 3: 381.
(6) الوسائل 13: 47، الباب 20 من أبواب بيع الحيوان، ح 1.
(7) التذكرة 1: 501 س 23.
(8) الوسائل 13: 31، الباب 6 من أبواب بيع الحيوان، ح 1.
(9) الوسائل 12: 224، الباب 96 من أبواب ما يكتسب به، ح 8 و 9.
(10) الوسائل 12: 224، الباب 96 من أبواب ما يكتسب به، ح 6 و 7.
(11) الوسائل 13: 31، الباب 6 من أبواب بيع الحيوان.
(12) الوسائل 13: 41، الباب 13 من أبواب بيع الحيوان، ح 2.
516

النبي (صلى الله عليه وآله) ويؤيده صحيحة هشام بن الحكم (1) ولرواية سماعة الملحقة
بالموثقات (2). وفي صحيحة ابن سنان ما يدل على اختصاص النهي بعدم
رضاهما (3) وفيها ذكر الأب والأخ والاخت أيضا، وفي رواية سماعة ذكر
الأخوين أيضا، والأحوط اعتبار مطلق الأقارب المشارك في الاستئناس، وليس
في الروايات تخصيص بالأطفال. والأحوط تعدي الحكم إلى غير البيع من أنواع
التفريق، وحيث حكم بالتحريم فهل يبطل البيع؟ فيه وجهان.
الثالثة: قيل: العبد لا يملك شيئا. وقيل: يملك فاضل الضريبة. وقيل: أرش
الجناية. وقيل: يملك مطلقا. والوجه أنه يملك فاضل الضريبة، لصحيحة عمر بن
يزيد (4) الدالة على أنه يملك فاضل الضريبة.
وروى إسحاق بن عمار في الموثق قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما تقول في
رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقل أو أكثر فيقول: حللني من ضربي إياك ومن كل
ما كان مني إليك ومما أخفتك وأرهبتك، فيحلله ويجعله في حل رغبة فيما أعطاه،
ثم إن المولى بعد أصاب الدراهم التي أعطاه في موضع قد وضعها فيه العبد
فأخذها المولى أحلال هي له؟ قال: فقال: لا تحل له لأنه افتدى بها نفسه من العبد
مخافة العقوبة والقصاص يوم القيامة. قال فقلت له: فعلى العبد أن يزكيها إذا حال
عليه الحول؟ قال: لا، إلا أن يعمل له بها. ولا يعطى العبد من الزكاة شيئا (5). وفي
تملكه غير ما ذكرنا نظر.
الرابعة: من اشترى مملوكا له مال قيل: ماله للبائع، إلا أن يشترطه المشتري.
وقيل: إن لم يعلم به البائع فهو له، وإن علم فهو للمشتري. والأول مشهور بينهم،

(1) الوسائل 13: 41، الباب 13 من أبواب بيع الحيوان، ح 3.
(2) الوسائل 13: 42، الباب 13 من أبواب بيع الحيوان، ح 4.
(3) الوسائل 13: 41، الباب 13 من أبواب بيع الحيوان، ح 1.
(4) الوسائل 13: 34، الباب 9 من أبواب بيع الحيوان، ح 1.
(5) الوسائل 13: 35، الباب 9 من أبواب بيع الحيوان، ح 3، وذيله في الوسائل 6: 61، الباب 4
من أبواب ما تجب فيه الزكاة، ح 6.
517

والثاني منسوب إلى ابن البراج.
ويدل على الأول صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (1) ورواية يحيى
ابن أبي العلاء (2). ومن القائلين به من شرط في صورة شرط المشتري أن لا يكون
ماله ربويا أو زاد على الثمن (3). والنص مطلق. وبعض الروايات دال على جواز بيع
المملوك مع ماله وإن كان ماله أكثر مما اشتراه به.
ويدل على القول الثاني حسنة زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) وصحيحة زرارة
عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام). والمسألة مشكلة جدا، لاختلاف الخبرين
ومعارضتهما لصحيحة عمر بن يزيد الدالة على أن المملوك يملك فاضل الضريبة.
الخامسة: يجب استبراء الأمة على تفصيل يأتي في مبحث العدة.
واختلف الأصحاب في تحريم وطء الأمة الحامل أو كراهته بسبب اختلاف
الأخبار في ذلك، ففي بعضها كصحيحة محمد بن قيس (5) إطلاق النهي عن وطئها
حتى تضع ولدها. وفي بعضها كصحيحة أبي بصير (6) تخصيص الحل بما دون الفرج،
وفي صحيحة رفاعة: لك ما دون الفرج إلى أن تبلغ في حملها أربعة أشهر وعشرة
أيام، فإذا جاز حملها أربعة أشهر وعشرة أيام فلا بأس بنكاحها في الفرج (7).
فمنهم من جمع بين الأخبار بحمل النهي المغيا بالوضع على الحامل من حل
أو شبهة أو مجهول، والمغيا بالمدة المذكورة على الحامل من زنا. ومنهم من ألحق
المجهول بها. ومنهم من أسقط اعتبار الزنا وجعل التحريم بالغايتين لغيره. ومنهم
من أطلق التحريم قبل الأربعة والعشرة والكراهة بعدها. ولعل الأخير أقرب مع

(1) الوسائل 13: 32، الباب 7 من أبواب بيع الحيوان، ح 1.
(2) الوسائل 13: 33، الباب 7 من أبواب بيع الحيوان، ح 4.
(3) الوسائل 13: 32، الباب 7 من أبواب بيع الحيوان، ح 2.
(4) الوسائل 13: 33، الباب 7 من أبواب بيع الحيوان، ح 3.
(5) الوسائل 13: 40، الباب 12 من أبواب بيع الحيوان، ح 2.
(6) الوسائل 13: 40، الباب 12 من أبواب بيع الحيوان، ح 3.
(7) الوسائل 14: 505، الباب 8 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 3.
518

تأمل في حكم الزنا، ويؤيد الحمل على الكراهة صحيحة رفاعة بن موسى (1).
وفي إلحاق الدبر بالقبل في الحكم المذكور وجهان. ولو وطئها استحب العزل،
ولو لم يعزل كره له بيع ولدها، ويستحب أن يعزل له من ميراثه قسطا، لصحيحة
إسحاق بن عمار (2).
السادسة: من أولد جارية جاهلا أنها مستحقة للغير ثم ظهر أنها مستحقة
انتزعها المالك، والمشهور أن على الواطئ عشر قيمتها إن كانت بكرا، ونصف
العشر إن كانت ثيبا. وقيل: يجب مهر أمثالها (3). ومستند الأول على هذا التقدير
صحيحة الوليد بن صبيح (4) وموردها غير محل البحث. والولد حر وعلى أبيه قيمته
يوم ولد حيا ويرجع على البائع بما اغترمه من قيمة الولد. ويدل عليه صحيحة
جميل بن دراج (5) وغيرها، وهل يرجع بما اغترمه من مهر واجرة؟ فيه قولان.
السابعة: المشهور أن المغنوم بغير إذن الإمام (عليه السلام) له، ويدل عليه مرسلة العباس
الوراق عن رجل سماه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا غزا قوم بغير إذن الإمام
فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام، وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس (6).
وتوقف في هذا الحكم المحقق في النافع بضعف المستند. وفي المسالك: أن
المستند مقطوعة البزنطي ولم أطلع عليها، وذكر فيه أيضا: أن المعروف من
المذهب هو العمل بمضمونها لا نعلم فيه مخالفا، فلا يضر القطع. وذكر بعضهم أن
المأخوذ إن كان سرقة وغيلة ونحوهما مما لا قتال فيه فهو لآخذه وعليه الخمس،
وإن كان بقتال فهو بأجمعه للإمام. وكيف ما كان يجوز تملكه حال الغيبة، ولا
يجب إخراج حصة الموجودين من الهاشميين منه، لأنهم (عليهم السلام) أباحوا ذلك

(1) الوسائل 14: 505، الباب 8 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 3.
(2) الوسائل 14: 507، الباب 9 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(3) السرائر 2: 347.
(4) الوسائل 14: 557، الباب 67 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(5) الوسائل 14: 592، الباب 88 من أبواب العيوب والتدليس، ح 5.
(6) الوسائل 6: 369، الباب 1 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، ح 16.
519

لشيعتهم لتطيب ولادتهم كما يدل عليه الأخبار المستفيضة (1). وكذا يجوز وطء الأمة
وشراؤها من السابي سواء كان السابي مسلما أو كافرا، وتعارض ذلك رواية زكريا
ابن آدم المذكورة في كتاب الجهاد. لكن العمل على المشهور المرتبط بالأخبار.
المقصد الحادي عشر
في السلف
وهو ابتياع مال مضمون إلى أجل معلوم بمال حاضر أو في حكمه. وهاهنا
بحثان:
الأول في الشرائط
وهي ثمانية: الإيجاب، مثل: «أسلمت» و «سلفت» وما يؤدي معناه، وينعقد
بلفظ البيع والشراء. والقبول، وذكر الجنس والوصف، والضابط أن كل ما يختلف
لأجله الثمن اختلافا لا يتغابن به فذكره لازم، وأما الاختلاف اليسير المتسامح
عادة فغير ضائر، ويجوز اشتراط الجيد أو الردي، ولو شرط الأجود أو الأردى
ففيه وجهان. ولابد أن تكون العبارة التي عبر بها الوصف معلومة عند المتعاقدين،
ظاهرة الدلالة في العرف أو اللغة.
ويجوز السلم في الخضر والفواكه، وكذا ما تنبته الأرض غيرها، وفي البيض
واللوز والجوز، وشرط الشيخ في جواز السلف في البيض والجوز ضبطه بالوزن (2)
والظاهر الاكتفاء بالعدد، وفي الحيوان كله والألبان والسمون والشحوم والأطياب
والملابس والأشربة والأدوية وشاة لبون، ويلزم ما من شأنه ذلك، والأقرب الجواز
في شاة معها ولدها. والمشهور أنه لا يجوز في اللحم، ويدل عليه رواية جابر (3).

(1) الوسائل 6: 378، الباب 4 من أبواب الأنفال.
(2) المبسوط 2: 189.
(3) الوسائل 13: 57، الباب 2 من أبواب السلف، ح 1.
520

والمشهور أنه لا يجوز في الخبز ولا في النبل المعمول، ويجوز في عيدانه قبل
نحتها، ولا في العقار والأرض، ولا في الجواهر واللآلي، وفرق بعضهم من اللآلي
الصغيرة والكبيرة.
والأقرب الجواز في جارية حامل، وكذا في جوز القز، ومنع الشيخ في
الموضعين (1).
ومن الشرائط قبض الثمن قبل التفرق في المشهور ونقل بعضهم الإجماع
عليه (2) وعن ظاهر ابن الجنيد جواز تأخير القبض ثلاثة أيام (3).
قالوا: ولو قبض البعض صح في المقبوض وبطل في الباقي، فإن كان عدم
الإقباض بتفريط المسلم إليه فلا خيار له، وإلا تخير، لتبعض الصفقة.
ولو شرط كون الثمن من دين عليه قيل: يبطل (4) وقيل: يكره (5) والثاني غير
بعيد. ولو لم يعينه من الدين ثم تقاصا في المجلس مع اتفاق الجنس والوصف أو
تحاسبا مع الاختلاف ففيه قولان، أجودهما الصحة.
ومن الشرائط تقدير السلم بالكيل أو الوزن المعلومين بينهما إن دخلا فيه،
ويظهر من بعض عباراتهم أنه لابد أن يكون التقدير بالكيل أو الوزن المعروف
بالبلد، ويشهد له حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يصلح للرجل أن يبيع
بصاع سوى صاع المصر (6). وفي دلالتها على الاشتراط تأمل، ويمكن الحمل على
صورة يكون الصاع مجهولا، أو يكون أصغر ولا يكونان عارفين به، ولو أحالا
على مكيال مجهول القدر بينهما لم يصح وإن كان مشاهدا لهما.
قالوا: لا يجوز الإسلاف في الثوب جزافا، وفي القصب أطنانا، وفي الحطب
حزما، وفي المجزوز جززا، وفي الماء قربا، وفي المعدود عددا مع اختلاف قدره

(1) المبسوط: 176 و 182.
(2) المسالك 3: 412.
(3) نقله في المختلف 5: 149.
(4) المبسوط 2: 189.
(5) الشرائع 2: 63.
(6) الوسائل 12: 280، الباب 26 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 1.
521

في الصغر والكبر، والوجه الرجوع إلى الانضباط الرافع لاختلاف الثمن.
ولابد أن يكون رأس المال مقدرا بالكيل أو الوزن كما ذكر في المبيع إن كان
مكيلا أو موزونا، ولو كان مما يباع جزافا فجاز الاقتصار على مشاهدته كما لو
بيع. ولو كان مذروعا كالثوب ففي الاكتفاء بمشاهدته نظر، وقطع الشيخ باشتراط
الذرع (1) وتوقف العلامة في المختلف (2) وخالف المرتضى في ذلك كله، فاكتفى
بالمشاهدة في الثمن مطلقا (3).
ومن الشرائط تعيين الأجل، للروايات (4) فلو ذكر أجلا مجهولا كما لو قال:
متى أردت، أو أجلا يحتمل الزيادة والنقصان - كقدوم الحاج - كان باطلا عندهم
لا أعرف فيه خلافا بينهم، وفي رواية غياث بن إبراهيم: ولا تسلم إلى دياس ولا
إلى حصاد (5) ولابد أن يكون الأجل معلوما للمتعاقدين.
ومن الشرائط أن يكون التسليم مقدورا عادة عند الحلول. وذكر بعضهم من
الشرائط أن يكون وجوده غالبا في وقت حلول الأجل (6).
واختلف الأصحاب في اشتراط ذكر موضع التسليم على أقوال مع اعترافهم
بأنه لا نص فيه على الخصوص على ما ذكر في المسالك (7):
القول الأول: عدمه مطلقا.
الثاني: اشتراطه مطلقا.
الثالث: التفصيل، فإن كان في حمله مؤنة وجب تعيين محله، وإلا فلا.
الرابع: أنهما إن كانا في برية أو بلد غربة قصدهما مفارقته اشترط تعيينه، وإلا
فلا.

(1) الخلاف 3: 198، المسألة 4.
(2) المختلف 5: 138.
(3) الناصريات: 369.
(4) انظر الوسائل 13: 58، الباب 3 من أبواب السلف.
(5) الوسائل 13: 58، الباب 3 من أبواب السلف، ح 5.
(6) المسالك 3: 415.
(7) المسالك 3: 421.
522

الخامس: إن كان لحمله مؤنة أو لم يكن المحل صالحا كالغربة اشترط تعيينه
وإلا فلا.
البحث الثاني في الأحكام
وفيه مسائل:
الاولى: إذا أسلف في شيء لم يجز بيعه قبل حلول الأجل حالا، لعدم
الاستحقاق، ومذهب الأصحاب أنه لا يجوز بيعه مؤجلا أيضا، ويجوز بعده وبعد
القبض، وإن لم يقبضه فالمشهور جواز بيعه تولية على من هو عليه وعلى غيره
على كراهية في المكيل والموزون.
ومذهب الشيخ في التهذيب تحريم البيع بالدراهم إذا كان الثمن دراهم (1)
استنادا إلى رواية علي بن جعفر (2). وهي ضعيفة معارضة بأقوى منها وهي: مرسلة
أبان بن عثمان (3) المعتضدة برواية معاوية بن حكيم (4) لكن الظاهر عدم جواز بيعه
بأكثر من ثمنه، لصحيحتي محمد بن قيس (5) المعتضدتين بعدة من الأخبار
كصحيحة سليمان بن خالد (6) وصحيحة يعقوب بن شعيب (7) وموثقة عبد الله بن
بكير (8) وغيرها.
الثانية: إذا دفع المسلم إليه دون الصفة ورضي المسلم صح وبرئ سواء كان
ذلك لأجل التعجيل أم لا، وإن أتى بمثل صفته وجب قبضه أو إبراء المسلم إليه،

(1) التهذيب 7: 30.
(2) الوسائل 13: 71، الباب 11 من أبواب السلف، ح 12.
(3) الوسائل 13: 69، الباب 11 من أبواب السلف، ح 5.
(4) الوسائل 13: 70، الباب 11 من أبواب السلف، ح 8.
(5) الوسائل 13: 70 و 72، الباب 11 من أبواب السلف، ح 9 و 15.
(6) الوسائل 13: 69، الباب 11 من أبواب السلف، ح 3.
(7) الوسائل 13: 71، الباب 11 من أبواب السلف، ح 10.
(8) الوسائل 13: 72، الباب 11 من أبواب السلف، ح 14.
523

ولو امتنع قبضه الحاكم مع إمكانه، والظاهر أن مع التعذر يخلى بينه وبينه ويبرأ منه.
ولو دفع أكثر من الحق لم يجب قبول الزائد. ولو دفع فوق الصفة فالمشهور أنه
يجب القبول، خلافا لابن الجنيد (1) وقوله قوي، لظاهر صحيحة سليمان بن خالد (2).
ولو دفع من غير جنسه افتقر إلى التراضي.
الثالثة: إذا اشترى كرا من طعام بمائة ودفع خمسين وشرط الباقي من دين له
على المسلم إليه قيل: صح في الجميع (3). وقيل: بطل فيما قابل الدين (4) والأول
غير بعيد.
الرابعة: لو شرطا موضعا للتسليم فتراضيا بقبضه في غيره جاز، وإن امتنع
أحدهما فليس للآخر الإجبار عليه.
الخامسة: إذا قبض المشتري المسلم فيه فوجد فيه عيبا فلا أرش، بل يتخير
بين الرضى به مجانا فيستقر ملكه عليه، وبين أن يرده فيرجع الحق إلى ذمة
المسلم إليه.
قالوا: النماء المنفصل المتجدد بين القبض والرد للقابض، لأنه متجدد في ملكه
وإن كان متزلزلا، وإذا قبض الثمن وظهر فيه عيب وكان الثمن معيبا بطل العقد إن
كان ظهور العيب بعد التفرق، وإن كان قبل التفرق كان البائع مخيرا بين أخذ
الأرش والرد. وإن كان في الذمة وظهر العيب قبل التفرق استبدله، وإن كان بعد
التفرق ففيه إشكال.
السادسة: إذا حل الأجل وتأخر التسليم باختيار المشتري مع بذل البائع له
فلا خيار للمشتري، وإن كان تأخر التسليم لعارض أو من قبل البائع ثبت الخيار
للمشتري بين الصبر والفسخ على الأشهر الأقرب خلافا لابن إدريس (5) وزاد

(1) نقله عنه في المختلف 5: 153.
(2) الوسائل 13: 69، الباب 11 من أبواب السلف، ح 3.
(3) المسالك 3: 426.
(4) الشرائع 2: 65.
(5) السرائر 2: 317.
524

بعضهم ثالثا وهو أن لا يصبر ولا يفسخ، بل يأخذ قيمة الوقت (1). ويدفعه صحيحتا
محمد بن قيس (2). والخيار ليس على الفور، ولو قبض البعض وتأخر الباقي كان له
الخيار بين الصبر والفسخ في الباقي والفسخ في الجميع.
تتمة في الإقالة، وهو فسخ في حق المتعاقدين وغيرهما، ولا يكون بزيادة
على الثمن ولا نقصان ويبطل بذلك، ويصح الإقالة في العقد وفي بعضه. ولا تثبت
الشفعة بالإقالة، وإذا تقايلا رجع كل عوض إلى مالكه، فإن كان موجودا أخذه،
وإن كان مفقودا قيل: ضمن بمثله إن كان مثليا وبقيمته إن كان قيميا (3). وقيل: إن
القيمي يضمن بالمثل أيضا (4).
قالوا: ما كان له نماء منفصل لا يرجع به، وأما المتصل فيتبع الأصل، والولد
منفصل وإن كان حملا، وأما اللبن في الضرع ففي كونه متصلا إشكال، وأما الصوف
والشعر قبل الجز ففيهما احتمالان.
واجرة الكيال ووزان المتاع على البائع إذا أمره بذلك أو بالبيع، واجرة ناقد
الثمن ووزانه على المشتري كذلك، واجرة الدلال على من يأمره، فإن أمره إنسان
ببيع متاع فباعه له فاجرته على البائع الآمر لا على المشتري، وإن أمره بالشراء له
فاشترى له فاجرته على المشتري الآمر، ولو تبرع لم يستحق اجرة وإن أجاز المالك.
وإذا باع متاعا لشخص واشترى متاعا آخر له أو لغيره كان اجرة ما يبيع على
الآمر ببيعه واجرة الشراء على الآمر بالشراء، وإذا هلكت المتاع في يد الدلال لم
يضمن إلا مع التفريط، لأنه أمين. وإذا اختلفا في التفريط ولم يكن بينة كان القول
قول الدلال مع يمينه، وكذا لو اختلفا في القيمة، لأن الأصل براءة ذمة الدلال من
الزائد.

(1) حكاه في المسالك 3: 431.
(2) الوسائل 13: 70 و 72، الباب 11 من أبواب السلف، ح 9 و 15.
(3) الشرائع 2: 67.
(4) الشرائع 2: 67.
525

كتاب الدين
527

كتاب الدين
وفيه مقاصد (1):
الأول
القرض
والنظر في امور:
الأول: قالوا يعتبر فيه الإيجاب والقبول، والظاهر أنه بالنسبة إلى تحقق الملك
إن قلنا بتوقفه عليهما وعلى القبض، وأما أصل الإباحة فالظاهر أنها غير متوقفة
عليهما. فالإيجاب كقوله: «أقرضتك»، أو «تصرف فيه وعليك رد عوضه»، أو
«انتفع به وعليك عوضه»، وما يؤدي معناها، والقبول هو اللفظ الدال على الرضى
بالإيجاب، ولا ينحصر في معين.
وفي القرض ثواب كثير، ويحرم اشتراط النفع، لا أعلم فيه خلافا بينهم، ويدل
عليه حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا أقرضت الدراهم فجاءك بخير
منها فلا بأس إذا لم يكن بينكما شرط (2). وفي معناه أخبار متعددة (3).
ورواية خالد بن الحجاج قال: سألته عن الرجل كانت لي عليه مائة درهم

(1) كذا في النسخ والكتاب مشتمل على مقصدين.
(2) الوسائل 12: 477، الباب 12 من أبواب الصرف، ح 3.
(3) الوسائل 12: 476، الباب 12 من أبواب الصرف.
528

عددا قضانيها مائة وزنا؟ قال: لا بأس ما لم يشترط. قال: وقال: جاء الربا من قبل
الشروط، إنما يفسده الشروط (1).
وروى الحميري في قرب الأسناد عن علي بن جعفر - في الصحيح على
الظاهر - عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن رجل أعطى رجلا مائة
درهم على أن يعطيه خمس دراهم أو أقل أو أكثر؟ قال: هذا الربا المحض (2). وفي
كتاب علي بن جعفر مثله (3).
وفي حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يستقرض
الدراهم البيض عددا، ثم يعطي سودا وزنا وقد عرف أنها أثقل مما أخذ ويطيب
نفسه أن يجعل له فضلها؟ فقال: لا بأس به إذا لم يكن فيه شرط لو وهبها، كله
صلح (4) ولا فرق بين كون النفع عينا أو صفة ولا بين الربوي وغيره.
ولو تبرع المقترض بزيادة عين أو صفة جاز، ولا فرق في الجواز بين كون
ذلك من نيتهما وعدمه، ولا بين كون ذلك معتادا وعدمه، لإطلاق النصوص
المتعددة. وقد روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) اقترض بكرا فرد بازلا رباعيا وقال: إن خير
الناس أحسنهم قضاء (5). وروي مثله عن الصادق (عليه السلام) (6) وعنه (عليه السلام) في حسنة
محمد بن مسلم وصحيحته على الظاهر: أو ليس خير القرض ما جر منفعة (7).
ونحوه منقول عن أبي جعفر (عليه السلام) (8).
ثم إن كانت الزيادة حكمية كما لو دفع الجيد بدل الردي أو الكبير بدل الصغير
فالظاهر أنه ملكه المقرض ملكا مستقرا بقبضه، وإن كانت عينية ففي كون

(1) الوسائل 12: 476، الباب 12 من أبواب الصرف، ح 1.
(2) قرب الأسناد: 265، ح 1055.
(3) مسائل علي بن جعفر: 125، ح 90.
(4) الوسائل 12: 476، الباب 12 من أبواب الصرف، ح 2.
(5) سنن البيهقي 5: 351 - 353.
(6) الوسائل 12: 477، الباب 12 من أبواب الصرف، ح 6.
(7) الوسائل 13: 104، الباب 19 من أبواب الدين والقرض، ح 4.
(8) الوسائل 13: 105، الباب 19 من أبواب الدين والقرض، ح 6.
529

المجموع وفاء أو يكون الزائد بمنزلة الهبة فيلزمه أحكامها نظر.
ولو شرط الصحاح بدل المكسور فالمشهور المنع ولعل مستنده صحيحة
محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من أقرض رجلا ورقا فلا يشترط إلا
مثلها، فإن جوزي أجود منها فليقبل (1) الحديث. ودلالتها على التحريم غير
واضحة. وذهب جماعة منهم الشيخ في النهاية إلى الجواز (2) استنادا إلى صحيحة
يعقوب بن شعيب (3) وهي غير دالة على مدعاهم.
الثاني: ما يصح اقتراضه، وهو كل ما صح إحصاء قدره ووصفه، فيجوز
اقتراض الذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر والزبيب كيلا ووزنا والخبز وزنا،
والمشهور عندنا أنه يجوز عددا، ويظهر من التذكرة أنه إجماعي عندنا (4). ويدل
عليه رواية الصباح بن سيابة (5). ومثله الجوز والبيض.
وشرط في الدروس في جواز إقراض الخبز عددا عدم علم التفاوت (6) ولعل
المراد التفاوت الذي لا يتسامح به عادة.
وكل ما كان مثليا يثبت في الذمة مثله، والمراد بالمثلي ما يتساوى أجزاؤه في
القيمة والمنفعة ويتقارب صفاته كالحبوب والأدهان، ومع تعذر المثل ينتقل إلى
القيمة، وفي اعتبارها يوم القرض أو التعذر أو المطالبة أوجه، ولعل الأخير أوجه.
وفي القيمي أقوال: أحدها وهو الأشهر قيمته مطلقا. وثانيها: ضمان المثل
مطلقا، ولا أعرف به قائلا صريحا، لكن المحقق في الشرائع قال: ولو قيل: يثبت
مثله أيضا كان حسنا (7). وثالثها: ضمان المثل الصوري فيما يضبطه الوصف، وهو

(1) الوسائل 13: 106، الباب 19 من أبواب الدين والقرض، ح 11.
(2) النهاية 2: 34، الوسيلة: 273، وحكاه عن ابن البراج في المختلف 5: 390.
(3) الوسائل 12: 477، الباب 12 من أبواب الصرف، ح 5.
(4) التذكرة 2: 5 س 42.
(5) الوسائل 13: 109، الباب 21 من أبواب الدين والقرض، ح 1.
(6) الدروس 3: 321.
(7) الشرائع 2: 68.
530

ما يصح السلم فيه، وضمان ما ليس كذلك بالقيمة كالجوهر، وهو مختار التذكرة (1).
وعلى تقدير اعتبار القيمة مطلقا أو على بعض الوجوه فهل المعتبر قيمته وقت
التسليم، أو وقت القرض، أو وقت التصرف؟ فيه أقوال. قيل: ولا اعتبار لقيمته يوم
المطالبة هنا قولا واحدا إلا على القول بضمانه بالمثل فيتعذر فيعتبر يوم المطالبة
كالمثلي على أصح الأقوال (2).
ويجوز إقراض الجواري والعبيد، ولا أعرف فيه خلافا عندنا، ويحل وطؤها
بالقبض إن قلنا بانتقال الملك به، وإن أوقفناه على التصرف لم يحل بمجرد القبض.
وفي جواز اقتراض اللآلي وجهان.
الثالث: في أحكامه، وفيه مسائل:
الاولى: المشهور بين أصحابنا أن القرض يملك بالقبض. وقيل: لا يملك إلا
بالتصرف (3). ونقل في الدروس أن هذا القائل يجعل التصرف كاشفا عن سبق الملك (4).
ويظهر فائدة القولين في جواز رجوع المقرض في العين ما دامت باقية
ووجوب قبولها لو دفعها المقترض وفي النماء قبل التصرف إن قلنا بكون التصرف
ناقلا للملك حقيقة أو ضمنا، فإنه للمقترض على المشهور وللمقرض على القول الآخر.
ولو قيل بالكشف ففيه احتمالان، ويظهر الفائدة أيضا في نفقته لو كان حيوانا،
وفي وقت انعتاقه لو كان ممن ينعتق على المقترض. وفي جواز وطء الأمة إذا لم
يحصل من اللفظ ما يفيد التحليل ولم يتحقق الملك، ويحتمل جواز الوطء
على القولين.
وليس في كلامهم تصريح ببيان المراد بالتصرف الموجب للملك على ما ذكر
في المسالك (5) ويشعر بعض عباراتهم بأن المراد التصرف المتلف للعين أو الناقل،
وعن ظاهر الشهيد في بعض تحقيقاته أن المراد مطلق التصرف (6).

(1) التذكرة 2: 5 س 41.
(2) المسالك 3: 449.
(3) حكاه عن الشيخ صاحب التنقيح 2: 156.
(4) الدروس 3: 322.
(5) المسالك 3: 452.
(6) حكاه عنه في المسالك 3: 452.
531

وعلى القول بأنه يملك بالقبض لو طلب المقرض عين ماله مع بقائها هل يلزم
إجابته؟ فيه قولان. ولعل الأشهر العدم، ولعله الأقرب، عملا بمقتضى: الناس
مسلطون على أموالهم.
الثانية: المشهور أنه لو شرط التأجيل في القرض لم يلزم، واحتمل بعضهم
لزوم هذا الشرط (1) ويدل عليه عموم ما دل على لزوم الالتزام بالشروط والوفاء
بالعقود، ويؤيده رواية الحسين بن سعيد، قال: سألته عن رجل أقرض رجلا
دراهم إلى أجل مسمى ثم مات المستقرض، أيحل مال القارض عند موت
المستقرض منه، أو لورثته من الأجل ما للمستقرض في حياته؟ فقال: إذا مات
فقد حل مال القارض (2).
ولو شرط تأجيله في غير عقد القرض من العقود اللازمة بأن باعه شيئا وشرط
عليه تأجيل قرضه إلى شهر مثلا فالأقوى لزومه ووجوب الوفاء به، لما تقدم.
وقيل: لا يلزم الوفاء بها، بل يقلب العقد اللازم جائزا (3). ولو امتنع من شرط عليه
من الوفاء بالشرط ولم يمكن إجباره كان للمشروط له الفسخ. ولو أجل الحال لم
يتأجل كما هو المشهور بين الأصحاب، ولا فرق بين أن يكون مهرا أو ثمن مبيع
أو غير ذلك.
ولو أخر الأجل بزيادة فيه لم يثبت الزيادة ولا الأجل. ويصح تعجيل
المؤجل بإسقاط بعض الدين مع تراضيهما بذلك وكذا تعجيل بعضه بزيادة في
أجل الباقي لا تأخيره بزيادة فيه، ومستند المجموع صحيحة محمد بن مسلم (4).
وهل يكفي الرضى في الإسقاط أو يتوقف البراءة على لفظ يدل عليها كالبراءة
والإسقاط والعفو ونحوها؟ فيه وجهان.

(1) المسالك 3: 455.
(2) الوسائل 13: 97، الباب 12 من أبواب الدين والقرض، ح 2.
(3) حكاه عن الشهيد الأول في بعض تحقيقاته صاحب المسالك 3: 274.
(4) الوسائل 13: 120، الباب 32 من أبواب الدين والقرض، ح 1.
532

الثالثة: من كان عليه دين وجب أن ينوي القضاء قالوا: إن غاب صاحبه غيبة
منقطعة يجب أن يعزل ذلك عند وفاته ويوصي به ليوصل إلى أربابه، وربما قيل
بوجوب العزل عند اليأس من الوصول إليه وإن لم يحضر الوفاة، ويظهر من
المختلف أنه لا خلاف في وجوب العزل عند الوفاة (1). ولا أعرف نصا في هذا الباب.
ولو لم يعرفه اجتهد في طلبه، فإذا يئس منه قال الشيخ (رحمه الله) يتصدق به عنه (2).
وتبعه عليه جماعة من الأصحاب (3). وتوقف فيه الفاضلان لعدم النص على
الصدقة (4). وذهب ابن إدريس إلى عدم جوازها (5). والظاهر جواز الصدقة مع
الضمان، لأنه إحسان محض، لأنه إن ظهر المالك ضمن له عوضها إن لم يرض بها،
وإلا فالصدقة أنفع من بقائها المعرض لتلفها، وأما الوجوب فلا دليل عليه، بل
ظاهر صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (6) وصحيحة معاوية بن وهب عن أبي
عبد الله (عليه السلام) (7) عدم الوجوب.
المقصد الثاني
في الأحكام المتعلقة بالدين
وفيه مسائل:
الاولى: الدين لا يتعين ملكا لصاحبه إلا بقبضه، فلا يصح المضاربة به قبل
قبضه، ويدل عليه رواية السكوني (8).
الثانية: الذمي إذا باع ما لا يصح تملكه للمسلم كالخمر والخنزير جاز دفع

(1) المختلف 5: 378.
(2) النهاية 2: 26.
(3) منهم ابن البراج كما في المختلف 5: 374.
(4) التذكرة 2: 3 س 22، الشرائع 2: 69.
(5) السرائر 2: 37.
(6) الوسائل 13: 109، الباب 22 من أبواب الدين والقرض، ح 1.
(7) الوسائل 13: 110، الباب 22 من أبواب الدين والقرض، ح 2.
(8) الوسائل 13: 187، الباب 5 من أبواب أحكام المضاربة، ح 1.
533

الثمن إلى المسلم عن حقه، لأخبار متعددة دالة عليه (1). قال بعضهم: ولو كان البائع
مسلما لم يجز (2). وهو مناف لإطلاق أخبار كثيرة كصحيحة محمد بن مسلم (3)
وحسنة زرارة (4) ورواية أبي بصير (5) ورواية محمد بن يحيى الخثعمي (6). فالحكم
به مشكل، إلا أن يكون المقصود المنع بالنسبة إلى البائع.
الثالثة: المعروف بين الأصحاب أنه إذا كان لاثنين مال في الذمم لم يصح
قسمته فإذا تقاسما في الذمم فكل ما يحصل لهما وما يتوى منهما، ويدل عليه
صحيحة سليمان بن خالد (7) ورواية غياث (8) لكن روى الحميري في قرب الأسناد
عن علي بن جعفر بإسناد لا يبعد أن يعد صحيحا عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام)
قال: سألته عن رجلين اشتركا في السلم أيصلح لهما أن يقسما قبل أن يقبضا؟ قال:
لا بأس (9). وفي كتاب علي بن جعفر مثله (10).
قال في المسالك: الحيلة في تصحيح ذلك أن يحيل كل منهما صاحبه بحصته
التي يريد إعطاءها صاحبه ويقبل الآخر بناء على صحة الحوالة ممن ليس في
ذمته دين، ولو فرض سبق دين له عليه فلا إشكال في الصحة، ولو اصطلحا على ما
في الذمم بعضها ببعض فقد قرب في الدروس صحته وهو حسن (11) انتهى، وهو جيد.
الرابعة: ذهب الشيخ وابن البراج إلى أنه إذا باع الدين بأقل منه لم يلزم

(1) الوسائل 12: 171، الباب 60 من أبواب ما يكتسب به.
(2) الشرائع 2: 69.
(3) الوسائل 12: 171، الباب 60 من أبواب ما يكتسب به، ح 2.
(4) الوسائل 12: 171، الباب 60 من أبواب ما يكتسب به، ح 3.
(5) الوسائل 12: 172، الباب 60 من أبواب ما يكتسب به، ح 5.
(6) الوسائل 12: 171، الباب 60 من أبواب ما يكتسب به، ح 4.
(7) الوسائل 13: 116، الباب 29 من أبواب الدين والقرض، ح 1.
(8) الوسائل 12: 159، الباب 13 من أبواب أحكام الضمان، ح 1.
(9) قرب الأسناد: 263، ح 1040.
(10) مسائل علي بن جعفر: 122، ح 77.
(11) المسالك 3: 460.
534

المدين أن يدفع إلى المشتري أكثر مما بذله (1) ومستنده رواية محمد بن الفضيل
عن الرضا (عليه السلام) (2) ورواية أبي حمزة عن الباقر (عليه السلام) (3) والمستند ضعيف مخالف
لعموم الأدلة من الكتاب والسنة، والأقوى أنه مع صحة البيع يلزمه دفع الجميع،
ولابد من رعاية السلامة من الربا وشروط الصرف فيما يعتبر فيه ذلك، ولو دفع
ذلك بصيغة الصلح صح ذلك أيضا.
الخامسة: يجوز بيع الدين بعد حلوله على الذي هو عليه وعلى غيره على
الأشهر الأقرب، ومنع ابن إدريس من بيع الدين على غير من هو عليه مطلقا (4)
وهو ضعيف.
وأما قبل الحلول ففي الجواز قولان، ولعل الأقرب الجواز كما هو خيرة
التذكرة (5). لكن لا يجوز المطالبة به قبل حلول الأجل، فإن باع الدين الحال بعين
صح، وإن باعه بمضمون حال صح أيضا ولا إشكال فيه، لأنه ليس بيع الدين بالدين
ولا بيع الكالي بالكالي، لأن الظاهر أن المراد به بيع المضمون المؤجل بمثله.
وأما بيعه بمؤجل فقد ذهب جماعة إلى المنع منه، نظرا إلى أن المؤجل يقع
عليه اسم الدين، والظاهر أن صدق الدين عليه بعد البيع، والممنوع إنما هو ما
صدق عليه الاسم قبل العقد، فالأقرب الجواز كما هو أحد القولين في المسألة.
السادسة: إذا دفع إلى صاحب الدين عروضا على أنها قضاء ولم يساعره
احتسب بقيمتها يوم القبض، ولو كان الدين من غير النقد الغالب احتسب به أيضا
يوم دفع القرض قضاء، والظاهر أنه يدخل في ملك المدين بمجرد القبض وإن لم
يساعره عليه، ولا أعرف في الحكم خلافا، ويدل عليه مكاتبة محمد بن الحسن
الصفار (6) وهي صحيحة والعمل به متجه، والظاهر انسحاب الحكم في النقدين إذا

(1) النهاية 2: 31، نقله عن ابن البراج في المختلف 5: 371.
(2) الوسائل 13: 100، الباب 15 من أبواب الدين والقرض، ح 3.
(3) الوسائل 13: 99، الباب 15 من أبواب الدين والقرض، ح 2.
(4) السرائر 2: 38.
(5) التذكرة 2: 3 س 38.
(6) الوسائل 13: 106، الباب 19 من أبواب الدين والقرض، ح 14.
535

كان أحدهما في ذمته وأعطى الآخر قضاء من غير احتساب، لموثقتي إسحاق بن
عمار (1) ورواية إبراهيم بن عبد الحميد (2) ورواية إبراهيم بن ميمون (3) ورواية
عبد الملك بن عتبة الهاشمي (4).
السابعة: لا يجوز للمملوك أن يتصرف في نفسه بإجارة ولا استدانة ولا غير
ذلك من العقود إلا بإذن المولى، قالوا: ولا بما في يده ببيع ولا هبة إلا بإذن سيده
ولو حكم له بملكه. ولو أذن السيد لعبده في أن يشتري لنفسه فهل يصح وقوع
الشراء للعبد أم لا يصح؟ فيه وجهان مبنيان على أن العبد هل يملك مثل هذا أم لا؟
وإذا لم نقل بملك العبد واشترى فهل يقع الشراء للسيد أم لا؟ ولعل العدم أقوى،
وعلى القول بوقوعه للمولى لو كان المبيع أمة هل يستبيح بضعها بالإذن المذكور؟
فيه وجهان، ولا يبعد ترجيح العدم.
وإذا استدان العبد للمولى بإذن المولى فالدين على المولى، وإن استدان لنفسه
بإذن المولى كان الدين لازما للمولى إن استبقاه أو باعه، وإن أعتقه قيل: يستقر في
ذمة العبد (5) استنادا إلى روايتي ظريف الأكفاني (6) ورواية عجلان (7). وقيل: بل
يكون باقيا في ذمة المولى (8) وهو أقرب، لصحيحة أبي بصير عن الباقر (عليه السلام) (9)
ويؤيده موثقة زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (10). وموثقة وهيب بن حفص عن أبي

(1) الوسائل 12: 471، الباب 9 من أبواب الصرف، ح 2 و 3.
(2) الوسائل 12: 471، الباب 9 من أبواب الصرف، ح 4.
(3) الوسائل 12: 472، الباب 9 من أبواب الصرف، ح 5.
(4) الوسائل 12: 470، الباب 9 من أبواب الصرف، ح 1.
(5) النهاية 2: 32.
(6) الوسائل 13: 118، الباب 31 من أبواب الدين والقرض، ح 3.
(7) الوسائل 16: 57، الباب 54 من أبواب العتق، ح 1.
(8) الاستبصار 4: 20، ذيل الحديث 64.
(9) الوسائل 13: 118، الباب 31 من أبواب الدين، ح 1.
(10) الوسائل 13: 119، الباب 31 من أبواب الدين، ح 5.
536

جعفر (عليه السلام) (1) ورواية روح بن عبد الرحيم (2) الدالتان على عدم ثبوت الدين على
المولى محمولتان على الاستدانة بغير إذن المولى.
ولو مات المولى كان الدين في تركته، ولو كان له غرماء شاركهم غريم العبد،
ولو أذن له في التجارة لم يتعد موضع الإذن، قالوا: ولو أذن له في الابتياع انصرف
إلى النقد، وفيه تأمل.
ولو أجاز له النسيئة كان الثمن في ذمة المولى. ولو أذن له في التجارة دون
الاستدانة فاستدان فإن كان من ضروريات التجارة المأذون فيها كنقل المتاع
وحفظه مع الاحتياج إلى ذلك فالظاهر أن الدين على المولى، وغير الضروري وما
خرج عنها لا يلزم المولى، لصحيحة أبي بصير (3). ورواية زرارة (4) محمولة على
الإذن في الاستدانة جمعا بينها وبين صحيحة أبي بصير، وهل يتبع به بعد العتق أو
يستسعى العبد فيه معجلا؟ فيه قولان.
ولو استدان من غير إذن المولى في الاستدانة أو التجارة فتلف كان بذمة
المملوك يتبع به بعد التحرير، وإذا اقترض أو اشترى من غير إذن كان باطلا،
ويستعاد العين إن كان باقيا، وإذا اقترض مالا فأخذه المولى وتلف في يده كان
المقرض بالخيار بين مطالبة المولى واتباع العبد إذا اعتق وأيسر.

(1) الوسائل 13: 120، الباب 31 من أبواب الدين، ح 6.
(2) الوسائل 13: 119، الباب 31 من أبواب الدين، ح 4.
(3) الوسائل 13: 118، الباب 31 من أبواب الدين والقرض، ح 1.
(4) الوسائل 13: 119، الباب 31 من أبواب الدين والقرض، ح 5.
537

كتاب الشفعة
539

كتاب الشفعة
وهي استحقاق أحد الشريكين حصة الآخر عند انتقالها بالبيع إلى غير
الشريك، والنظر هاهنا في امور:
الأول في ما يثبت فيه الشفعة
لا أعرف خلافا في ثبوتها في العقار الثابت القابل للقسمة كالأراضي
والبساتين والمساكن.
وذهب أكثر المتقدمين وجماعة من المتأخرين إلى ثبوتها في كل مبيع منقولا
كان أم لا، قابلا للقسمة أم لا (1) وقيده جماعة بالقابل للقسمة (2).
وبعضهم حكم بثبوتها في المقسوم أيضا، وهو قول ابن أبي عقيل (3) وذهب
أكثر المتأخرين إلى اختصاصها بغير المنقول عادة مما يقبل القسمة، وأضاف
بعضهم إليه العبد دون غيره من المنقولات (4).
والشفعة ثابتة في مورد الاتفاق وهو غير المنقول القابل للقسمة، وفي غيره
تأمل، لفقد الحجة الواضحة من الطرفين، ولا يبعد القول بالعدم، لعموم ما دل على

(1) الانتصار: 215، وحكاه عن ابن الجنيد في المختلف 5: 326، المهذب 1: 458.
(2) المختلف 5: 327.
(3) حكاه عنه في المختلف 5: 330.
(4) انظر المقنع: 135.
540

جواز تصرف الناس في أموالهم، وما تثبت فيه الشفعة خرج عن العام بالدليل،
فيبقى الباقي على الأصل.
والأظهر ثبوتها في العبد، لصحيحة الحلبي وحسنته (1) وصحيحة عبد الله بن
سنان وموثقته (2).
حجة القائل بالتعميم رواية يونس (3) وهي ضعيفة بالإرسال وحجة المخصص
بعض الروايات العامية والخاصية الضعيفة. ويشكل التعويل عليها، وبعضها مع
ضعفها ينفي بعض أنواع ما يقصد نفيه، فلا يدل على العموم، واحتج لابن أبي عقيل
بحجة غير دالة على مطلوبه.
والنخل والشجر والأبنية إن بيعت مع الأرض التي هي فيها فالظاهر ثبوت
الشفعة فيها تبعا للأرض، لدخولها في عموم ما ورد في ثبوت الشفعة في الريع
والمساكن، وإن بيعت منفردة بني الحكم فيها على القولين السابقين.
وفي ثبوتها في النهر والطريق والحمام وما يضر قسمته قولان، وفي تفسير
المراد بضرر القسمة وجوه: منها: أن يخرجه القسمة عن حد الانتفاع، ومنها: أن
ينقص القيمة نقصانا فاحشا، ومنها: أن يبطل منفعته المقصودة قبل القسمة وإن
بقيت فيه منافع غيرها. ولو كان الحمام أو الطريق أو النهر مما لا تبطل منفعته بعد
القسمة ثبتت الشفعة فيها.
وفي ثبوت الشفعة في الدولاب إذا بيع مع الأرض إشكال. ولا يدخل الحبال
التي تركب عليها الدلاء في الشفعة إلا على القول بالتعميم.
ولا يثبت الشفعة في الثمرة وإن بيعت على رؤوس النخل أو الشجر مع الأصل
والأرض إلا على القول بالتعميم، وكذا الكلام في الزرع.

(1) الوسائل 17: 321، الباب 7 من أبواب الشفعة، ح 3.
(2) الوسائل 17: 321، الباب 7 من أبواب الشفعة، ح 4 و 7.
(3) الوسائل 17: 321، الباب 7 من أبواب الشفعة، ح 2.
541

الثاني في الشرائط
وهي امور:
الأول: الأشهر الأقرب اعتبار الشركة وعدم القسمة بالفعل في ثبوت الشفعة،
للأخبار الدالة على ذلك، وفيه خلاف لابن أبي عقيل (1). واستثنوا من هذا الحكم
صورة واحدة وهي ما لو اشتركا في الطريق أو الشرب وباع الشريك نصيبه من
الأرض ونحوها ذات الطريق أو الشرب وضمهما أو أحدهما، فإنه تثبت الشفعة
حينئذ في مجموع المبيع وإن كان بعضه المقصود بالذات مقسوما، ومستند الحكم
حسنة منصور بن حازم، وحسنة اخرى له (2) عدها بعضهم صحيحة (3) ورواية
اخرى له (4) والأخيرتين غير دالتين على المطلوب، والروايات مختصة بصورة
الاشتراك في الطريق، لكنهم ألحقوا به الاشتراك في الشرب أيضا.
ولو فرض بيع الشريك لحصة من العرصة التي هي الطريق دون الدار
جاز الأخذ بالشفعة، لحصول المقتضي. واشترط بعضهم كون الطريق مما يقبل
القسمة في صورة انفراد الطريق بالبيع دون صورة الانضمام (5) وبعضهم اشترط
ذلك في الموضعين (6) وليس في الروايات تعرض لذلك، فالأقوى عدم اعتباره
مطلقا، وكذا إطلاق الروايات يقتضي عدم الفرق بين كون الدور وما في معناها
مقسومة بعد اشتراك سابق أم لا، وعن ظاهر جماعة اعتبار شركة سابقة على
القسمة في ذات الطريق (7) تعويلا على حجة ضعيفة، والأقوى عدم اعتبار ذلك،
لعموم النصوص التي هي مستند الحكم.
الثاني: المشهور بين الأصحاب اشتراط انتقال الشقص بالبيع، فلو جعله

(1) نقله عنه في المختلف 5: 330.
(2) الوسائل 17: 318، الباب 4 من أبواب الشفعة، ح 1 و 2.
(3) المسالك 12: 270.
(4) التهذيب 7: 167، ح 743.
(5) التذكرة 1: 590 س 8.
(6) حكاه في المسالك 12: 271.
(7) الشرائع 3: 254، تحرير الأحكام 2: 145 س 14، اللمعة: 99.
542

صداقا أو صدقة أو هبة أو صالح عليه فلا شفعة، وخالف فيه ابن الجنيد فأثبتها
بمطلق النقل حتى الهبة (1) ولا أعلم في المسألة نصا صريحا.
وروى أبو بصير في الصحيح عن الباقر (عليه السلام) قال سألته عن رجل تزوج امرأة
على بيت في دار له في تلك الدار شريك؟ قال: جائز له ولها، ولا شفعة لأحد
الشركاء عليها (2). والرواية حجة على ابن الجنيد، لكنها لا يدل على عموم الحكم
المشهور، ويمكن ترجيح المشهور بما ذكرنا سابقا.
وإذا كان بعض دار أو أرض وقفا وبعضه طلقا وبيع الوقف على وجه يصح
ثبتت الشفعة لصاحب الطلق لوجود المقتضي وعدم المانع، وإن بيع الطلق ففي
ثبوت الشفعة للموقوف عليه أو ولي الوقف من ناظر أو حاكم أقوال، منشؤها أن
ملك الموقوف هل ينتقل إلى الموقوف عليه مطلقا أو مع اتحاده، أو لا ينتقل إليه
مطلقا؟ فمنهم من حكم بعدم انتقاله إليه وحكم بعدم ثبوت الشفعة (3) فإن قلنا بأنه
يملك وينتقل إليه ففي ثبوت الشفعة له وجهان: أحدهما العدم، كما ذهب إليه الشيخ
في المبسوط وادعى عدم الخلاف (4) وتبعه المحقق والشهيد (5) وذهب المرتضى (رحمه الله)
إلى ثبوتها للموقوف عليه مطلقا وجوز للإمام وخلفائه المطالبة بشفعة الوقوف
التي ينظرون فيها على المساكين أو على المساجد ومصالح المسلمين وكذلك كل
ناظر بحق في وقف من وصي وولي (6) وعن ابن إدريس والمتأخرين: إن كان
الموقوف عليه واحدا صحت الشفعة له (7). والمسألة لا تخلو عن إشكال.
الثالث: المشهور بين الأصحاب أنه يشترط في ثبوت الشفعة أن لا يكون
الشريك أكثر من واحد، وإليه ذهب الشيخان والمرتضى وأتباعهم (8).

(1) حكاه في المختلف 5: 339.
(2) الوسائل 17: 325، الباب 11 من أبواب الشفعة، ح 2.
(3) جامع المقاصد 6: 358.
(4) المبسوط 3: 145.
(5) الشرائع 3: 254، الدروس 3: 358.
(6) الانتصار: 220 و 221.
(7) السرائر 2: 397.
(8) المقنعة: 618، النهاية 2: 228، الانتصار: 216، الكافي في الفقه: 361، المراسم: 183، المهذب 1: 453 - 454.
543

وقيل: تثبت مع كثرة الشركاء مطلقا، وهو منسوب إلى ابن الجنيد (1). وقيل:
تثبت مع الكثرة في غير الحيوان (2). ونقل المحقق قولا بثبوتها مع الكثرة في غير
العبد (3).
حجة الأول رواية عبد الله بن سنان (4) وفي طريقه محمد بن عيسى بن عبيد.
ويؤيده مرسلة يونس (5).
وحجة الثاني حسنتا منصور (6) ويؤيده رواية عقبة بن خالد (7).
وحجة الثالث ما رواه ابن بابويه عن عبد الله بن سنان في الصحيح قال:
سألته عن مملوك بين شركاء أراد أحدهم بيع نصيبه؟ قال: يبيعه. قال قلت: فإنهما
كانا اثنين فأراد أحدهما بيع نصيبه فلما أقدم على البيع قال له شريكه: أعطني،
قال: هو أحق به. ثم قال (عليه السلام) لا شفعة في حيوان إلا أن يكون الشريك فيه
واحدا (8). وفيه أنها معارضة لصحيحة الحلبي وحسنته (9) الدالتين على عدم الشفعة
في الحيوان.
والوجه أن الشفعة لا تثبت في العبد إلا مع وحدة الشريك لصحيحة الحلبي
وحسنته وصحيحة عبد الله بن سنان وغيرها، وأما في غير العبد فالحكم لا يخلو
عن إشكال، لتعارض الأدلة. واختلف القائلون بثبوتها مع الكثرة في ثبوتها على
عدد الرؤوس أو على قدر السهام.

(1) حكاه في المختلف 5: 336.
(2) الفقيه 3: 80.
(3) الشرائع 3: 255.
(4) الوسائل 17: 321، الباب 7 من أبواب الشفعة، ح 1.
(5) الوسائل 17: 321، الباب 7 من أبواب الشفعة، ح 2.
(6) الوسائل 17: 318، الباب 4 من أبواب الشفعة، ح 1 و 2.
(7) الوسائل 17: 319، الباب 5 من أبواب الشفعة، ح 1.
(8) الفقيه 3: 80، ح 3378.
(9) الوسائل 17: 321، الباب 7 من أبواب الشفعة، ح 3 وذيله.
544

الثالث في الشفيع
وهو كل شريك بحصة مشاعة بالشروط المقررة، ويشترط فيه القدرة على
الثمن بالفعل أو بالقوة القريبة، ويشترط إسلامه إذا كان المشتري مسلما عند
الأصحاب، ولو لم يكن المشتري مسلما لم يشترط إسلام الشفيع، ولا يثبت
الشفعة بالجواز ولا في ما ميز وقسم إلا مع الشركة في الطريق كما مر، والحق
بالطريق النهر كما مر.
وتسقط الشفعة بعجز الشفيع عن الثمن، وفي تحققه بإعساره مع إمكان
تحصيله بقرض ونحوه وجهان، أقربهما العدم. قالوا: ولو ماطل القادر على الأداء
بطلت الشفعة.
ولو ادعى غيبة الثمن فإن ذكر أنه ببلده اجل ثلاثة أيام من وقت حضوره
للأخذ، وإن ذكر أنه ببلد آخر اجل بمقدار ذهابه إليه وأخذه وعوده وثلاثة أيام،
ومستند الحكم رواية علي بن مهزيار (1) والظاهر أن الحكم مقيد بعدم تضرر
المشتري بالتأخير كما إذا كان البلد بعيدا جدا. ولو لم يحضر الثمن بعد انقضاء
الأجل بطلت شفعته. وفي المسالك حكم بسقوط الشفعة إن لم يكن أخذ وتسلط
المشتري على الفسخ إن كان قد أخذ (2) وهذا التفصيل غير مذكور في الرواية.
ويثبت للغائب والسفيه، وكذا للمجنون والصبي، ووليهما يأخذ مع الغبطة، ولو
ترك الولي المطالبة فالظاهر أن للصبي المطالبة عند البلوغ، وكذا المجنون عند الإفاقة.
الرابع في كيفية الأخذ
لا ريب في استحقاق الشفيع بعد العقد وانقضاء الخيار، وهل يستحق بمجرد
العقد؟ فيه قولان، أقربهما ذلك، ولو كان الخيار للمشتري فهو كذلك قولا واحدا.
وليس للشفيع تبعيض حقه، بل يأخذ الجميع أو يترك، ويأخذ بالثمن الذي

(1) الوسائل 17: 324، الباب 10 من أبواب الشفعة، ح 1.
(2) المسالك 12: 285.
545

وقع عليه العقد وإن كان مخالفا للقيمة، ولا يلزمه غير الثمن مما يغرمه المشتري،
ولو زاد المشتري في الثمن بعد العقد وانقضاء الخيار لم يلزم الشفيع، ولو كانت
الزيادة في مدة الخيار ففيه قولان، ولعل الأقرب أنه لم يلزم الشفيع.
والمشهور بين المتأخرين أنه لا يلزم المشتري رفع الشقص ما لم يبذل
الشفيع الثمن الذي وقع عليه العقد، وهل يتم الملك بمجرد الأخذ القولي بدون
تسليم الثمن أم يتوقف على التقابض؟ فيه قولان، وعلى الأول هل يكون دفع
الثمن جزءا من السبب المملك أم كاشفا عن حصول الملك بالأخذ القولي؟ فيه
وجهان، ويظهر الفائدة في النماء المتخلل.
قالوا: ولو اشترى ما فيه الشفعة وما ليس فيه شفعة فإنه يثبت الشفعة في
المشفوع دون الآخر وإن تبعض الصفقة على المشتري، ولا يثبت للمشتري خيار
تبعض الصفقة، وهو غير بعيد.
ويدفع الشفيع مثل الثمن إن كان مثليا كالذهب والفضة، وإن لم يكن مثليا
كالحيوان والجوهر والثوب قيل: يسقط الشفعة، وهو قول الشيخ في الخلاف
مدعيا فيه الإجماع (1) والعلامة في المختلف (2). وقيل: يأخذ بالقيمة، وهو قول
الأكثر منهم الشيخ والعلامة في الخلاف (3) والمختلف (4) ويدل على الأول موثقة
علي بن رئاب عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل اشترى دارا برقيق ومتاع وبز
وجوهر قال: ليس لأحد فيها شفعة (5). ولعل هذا القول أقرب، وعلى الثاني هل
يأخذ بالقيمة وقت العقد، أو وقت الأخذ، أو يعتبر الأعلى من وقت العقد إلى وقت
الأخذ؟ فيه أقوال.
والشفيع إذا علم الشراء فله المطالبة بالشفعة في الحال، وهل المبادرة مع

(1) الخلاف 3: 432، المسألة 7.
(2) المختلف 5: 338.
(3) لم نعثر عليه في الخلاف ولكن ذكره في المبسوط 3: 108.
(4) لم نعثر عليه في المختلف ولكن ذكره في التذكرة 1: 596 س 32.
(5) الوسائل 17: 324، الباب 11 من أبواب الشفعة، ح 1.
546

الإمكان شرط في الاستحقاق؟ فيه قولان. ولو أخر لعذر لم تبطل الشفعة. ولو
اعتبرت الفورية لا يقدح فيها تأخيره لعذر يمنع المبادرة إليها بالمباشرة أو
التوكيل، وعد من هذا الباب توهمه كثرة الثمن فبان قليلا، أو توهمه الثمن ذهبا
فبان فضة، أو حيوانا فبان قماشا، وكونه محبوسا بحق وهو عاجز عنه وعن التوكيل.
وعلى القول باعتبار الفورية لزم المبادرة إلى المطالبة عند العلم على وجه
العادة، والمرجع فيه إلى العرف لا المبادرة على كل وجه يمكن، فيكفي مشيه إلى
المشتري على الوجه المعتاد وإن قدر على الزيادة. وانتظار الصبح والصلاة عند
حضور وقتها ومقدماتها ومتعلقاتها الواجبة والمندوبة التي يعتادها على الوجه
المعتاد وانتظار الجماعة والرفقة مع الحاجة وزوال الحر والبرد المفرطين ولبس
الثياب وأمثال ذلك وما يعد في العرف تأخيرا وتوانيا في الطلب يسقط به الشفعة.
ولو علم بالشفعة مسافرا فإن قدر على السعي أو التوكيل فأهمل بطلت شفعته.
قالوا: ولو عجز عنهما لم تسقط شفعته وإن لم يشهد على المطالبة، ولا تسقط
الشفعة بتقايل المتبايعين، لثبوت الحق بالعقد.
وتصرفات المشتري في الشقص بالبيع والهبة والوقف وغيرها صحيحة، لوقوعه
في ملكه، لكن لا يبطل شيء من ذلك حق الشفعة، فلو باع المشتري كان للشفيع
الأخذ بالشفعة، فله فسخ البيع والأخذ من المشتري الأول، وله أن يأخذ من
الثاني. ولو وقفه المشتري أو جعله مسجدا فللشفيع أخذه بالشفعة وإزالة ذلك كله.
قالوا: والشفيع يأخذ من المشتري ودركه عليه ولا يأخذ من البائع، ولو طالب
والشقص في يد البائع فله أخذه من البائع، والمشهور أنه لا يكلف المشتري
القبض من البائع مع امتناعه وإن التمس ذلك الشفيع، وليس للشفيع فسخ البيع، ولو
نوى الفسخ والأخذ من البائع لم يصح.
ولو انهدم المبيع أو غاب فإن كان ذلك بفعل المشتري قبل مطالبة الشفيع
بالشفعة ولا يحصل معه تلف شيء من العين فالمشهور أن الشفيع بالخيار بين
الأخذ بكل الثمن وبين الترك. وآلات البناء المنفصلة بالانهدام للشفيع، ولا ضمان
547

على المشتري، وقيل بضمانه على المشتري (1). ولو كان ذلك بعد مطالبة الشفيع
بالشفعة ففي ضمان المشتري للبعض بمعنى سقوط ما قابله من الثمن قولان،
أشهرهما الضمان. وعن ظاهر كلام الشيخ في المبسوط عدم الضمان (2).
ولو كان ذلك بغير فعل المشتري سواء كان قد طالب الشفيع أم لا فإنه لا شيء
على المشتري على المشهور، بل يتخير الشفيع بين الأخذ بمجموع الثمن والترك،
وآلات البناء المنفصلة للشفيع، هذا كله إذا لم يتلف من الشقص شيء يقابل بشيء
من الثمن، وإلا ضمن بحصته من الثمن على الأشهر.
مسائل:
الاولى: قالوا: إذا بلغه البيع فقال: أخذت بالشفعة، صح إن كان عالما بالثمن
دون ما إذا كان جاهلا به تفصيا من الغرر.
الثانية: التأخير لغرض صحيح أو عذر لا يخل بالفورية على القول باعتبارها،
فلو بلغه أن المشتري اثنان فترك فبان واحدا، أو انعكس الأمر، أو بلغه أنه اشترى
لنفسه فبان لغيره، أو بالعكس لم تبطل الشفعة، لاختلاف الأغراض في هذه
الأشياء.
الثالثة: لو تعذر انتفاع الشفيع للشغل بالزرع فهل له تأخير المطالبة إلى وقت
الحصاد؟ فيه قولان.
الرابعة: إذا اشترى بثمن مؤجل قيل: للشفيع أخذه بالثمن عاجلا، وله التأخير
وأخذه بالثمن وقت الحلول (3). وقيل: يأخذه بالثمن عاجلا (4).
الخامسة: أكثر الأصحاب منهم الشيخ في الخلاف والمفيد والمرتضى وابن
الجنيد (5) وجمهور المتأخرين على أن الشفعة تورث، وللشيخ قول بأنه لا تورث (6)

(1) المسالك 12: 326.
(2) المبسوط 3: 116.
(3) المبسوط 3: 112.
(4) الشرائع 3: 263.
(5) الخلاف 3: 27، المسألة 36، المقنعة: 619، الانتصار: 217، حكاه عن ابن الجنيد في
المختلف 5: 347.
(6) الخلاف 3: 436، المسألة 12.
548

وإليه ذهب ابن البراج (1) ولعل الترجيح للأول، للآية (2) ومستند الثاني رواية
ضعيفة (3) ويقسم بين الورثة على قدر سهامهم، خلافا لبعضهم (4) ولو عفا بعض
الورثة عن نصيبه فالمشهور أنه لا يسقط حق غيره، ولمن لم يعف أن يأخذ
الجميع، وفيه احتمال السقوط.
السادسة: لو صالح الشفيع على ترك الشفعة فالظاهر صحة الصلح وبطلان
الشفعة. ولو ضمن الشفيع الدرك عن البائع أو عن المشتري، أو شرط المتبايعان
الخيار للشفيع، أو كان وكيلا لأحدهما ففي سقوط الشفعة في الصور الثلاثة قولان.
السابعة: إذا اشترى شقصا بألف ودفع إليه متاعا يساوي عشرة لزم الشفيع
تسليم ما وقع عليه العقد أو الترك.
الثامنة: إذا عفا الشفيع عن حق الشفعة وأسقط قبل البيع ففي السقوط بذلك
بعد البيع قولان: أقربهما العدم، وكذا الخلاف لو شهد على البيع أو بارك للمشتري
أو للبائع أو أذن للمشتري في الابتياع، والأقرب عدم السقوط.
ولو بلغه البيع بالتواتر فلم يطالب وقال: لم اصدق، بطلت شفعته على القول
باعتبار الفورية. قالوا: وكذا لو أخبره عدلان فلم يطالب، ولو أخبره عدل واحد
فلم يطالب لم تبطل شفعته. ولو كان المبيع في بلد ناء فلم يطالب توقعا للوصول
إلى المبيع بطلت الشفعة على القول بالفورية، وليس هذا عذرا، بل عليه أن يأخذه
ويدفع الثمن ثم يسعى في تحصيل الشقص.
التاسعة: لو بان الثمن المعين مستحقا بطلت الشفعة لتبين بطلان البيع، وكذا لو
تصادق المتبايعان على كون الثمن المعين مستحقا، ولو أقر الشفيع بكون الثمن
المعين مستحقا بطلت شفعته، لأنه مأخوذ بإقراره.
العاشرة: يجوز الحيلة في إسقاط الشفعة أو عدم رغبة الشفيع في المطالبة:

(1) المهذب 1: 459.
(2) النساء: 7 و 11 و 12.
(3) الوسائل 17: 325، الباب 12 من أبواب الشفعة، ح 1.
(4) حكاه في المسالك 12: 342.
549

منها: أن يبيع بثمن زائد ويدفع عوض الثمن عرضا قليلا، أو يبيع بثمن زائد
ويبرئه عن البعض.
ومنها: أن ينقل الشقص بغير البيع كالهبة والصلح، أو يبيع جزءا من الشقص
بثمن كله ويهب له الباقي.
ومنها: أن يبيع عشر الشقص مثلا بتسعة أعشار الثمن ثم يبيع تسعة أعشاره
بعشر الثمن، فلا يرغب المشتري الأول في المطالبة بالشفعة، لزيادة القيمة، ولا
الثاني على القول باعتبار وحدة الشريك.
ومنها: أن يؤاجره في مدة كثيرة بقليل ثم يبيعه بالثمن الذي تراضيا عليه.
الحادية عشر: إذا اتفق المشتري والشفيع في وقوع البيع واختلفا في الثمن،
فالمشهور أن القول قول المشتري مع يمينه، وعن ابن الجنيد أن القول قول
الشفيع (1) وحجة المسألة من الجانبين لا يخلو عن ضعف، ولا يبعد أن يقال: إذا
سلم المشتري المبيع بمطالبة الشفيع ثم اختلفا في قدر الثمن فالقول قول الشفيع،
لأنه منكر للزيادة فيكون داخلا في عموم «اليمين على من أنكر» وإن لم يسلم
المشتري المبيع وقلنا بوجوب تسليم الثمن أولا فيرجع الأمر إلى كون الشفيع
مدعيا والمشتري منكرا، فيكون القول قول المدعي ولا يقبل شهادة البائع
لأحدهما، هذا كله عند عدم البينة، وأما مع البينة ففي الصورة الاولى تقبل بينة
المشتري، لأنه مدع، وفي الصورة الثانية تقبل بينة الشفيع لكونه مدعيا، ولو أقام
كل منهما بينة قيل: تقبل بينة المشتري (2). وقيل: تقبل بينة الشفيع (3). والأقرب أنه
تقبل بينة الخارج.

(1) حكاه جامع المقاصد 6: 462.
(2) المبسوط 3: 110.
(3) السرائر 2: 391 - 392.
550

كتاب الرهن
551

كتاب الرهن
وفيه فصول:
الأول
الرهن مفتقر إلى الإيجاب والقبول، فالإيجاب كل لفظ دال على الرضى بكونه
وثيقة له كقولك: «رهنتك» أو «هذا وثيقة عندك» أو ما أشبهه مما يؤدي معناه، ولا
يختص بلفظ، ولا يعتبر الماضي، والأقرب أنه لا يعتبر العربية واستقربه في
التذكرة (1) ووافقه الدروس (2). ولو عجز عن النطق كفت الإشارة المفهمة، ولو كتب
بيده والحال هذه وعرف من قصده ذلك صح.
والقبول هو الدال على الرضى بالإيجاب. ويصح الارتهان سفرا وحضرا
عندنا.
وهل القبض شرط في الرهن أم لا؟ اختلف فيه الأصحاب، وظاهر العلامة في
الإرشاد والقواعد (3) وظاهر غيره أن الخلاف في أن القبض شرط في الصحة أم لا،
وكلام النكت صريح في ذلك.
وفي المسالك قرر الخلاف في أن القبض شرط في اللزوم بمعنى كونه جزء
السبب في لزومه من قبل الراهن كالقبض في الهبة في كونه كذلك بالنسبة إلى ملك

(1) التذكرة 2: 12 س 15.
(2) الدروس 3: 383.
(3) الإرشاد 1: 391، القواعد 2: 108.
552

المتهب وعدمه، وذكر فيه أن القائل باشتراط القبض لا يقول: إن الرهن بدونه يقع
باطلا، بل هو صحيح عنده، إلا أنه غير لازم، ونقل عن التذكرة ما يشهد له (1).
وفي مجمع البيان: القبض شرط في صحة العقد، فإن لم يقبض لم ينعقد الرهن
بالإجماع (2). وهذا وما ذكر سابقا مدافع لما في المسالك.
ومما ذكرنا يظهر أن الخلاف هاهنا في موضعين، والمسألة محل إشكال.
فمما يدل على اشتراط القبض في الصحة موثقة محمد بن قيس عن أبي
جعفر (عليه السلام): لا رهن إلا مقبوضا (3) والرواية معتبرة جدا. وأما الاستدلال بالآية على
الاشتراط فضعيف.
ويدل على عدم الاشتراط أن الظاهر أن معنى القبض غير معتبر في مفهوم
الرهن وحقيقته، فالرهن المذكور في الأخبار المرتب عليه أحكامه أعم من
المقبوض وغيره، فلابد في القول باشتراط القبض في الصحة أو اللزوم من حجة
تدل على التخصيص أو التقييد في تلك الأخبار الكثيرة، وحمل الموثقة المذكورة
على نفي الكمال أو معنى يقرب منه ليس أبعد من التخصيص المذكور، وظاهر
الآية أيضا أن القبض غير معتبر في مفهوم الرهن ولا في صحته، لأن الظاهر من
الصفة أن يكون مخصصة لا كاشفة، وحيث صح الرهن لم يبعد الاستدلال على
اللزوم بما يدل على الإيفاء بالعقود، و: المسلمون عند شروطهم.
ونقل في المسالك الإجماع على أن استدامة القبض ليست شرطا، بل لو وكل
المرتهن الراهن في القبض كفى عند القائل به (4).
وفي التذكرة: لو رهن ولم يقبض كان الرهن صحيحا غير لازم، بل للراهن
الامتناع من الإقباض والتصرف فيه بالبيع وغيره، لعدم لزومه (5) فعلى هذا ينقسم
الرهن الصحيح إلى لازم من طرف الراهن وجائز من الطرفين، وإطلاق الرهن إنما

(1) المسالك 4: 11 و 12.
(2) مجمع البيان 1: 400.
(3) الوسائل 13: 123، الباب 3 من أبواب أحكام الرهن، ح 1.
(4) المسالك 4: 11.
(5) التذكرة 2: 24 س 41.
553

ينزل على الصحيح، ولا يقتضي أحد القيدين إلا بأمر خارج.
واستشكله في المسالك بما لو شرط الرهن في عقد لازم (1) فإن ما يجب
الوفاء به هو الرهن الصحيح أعم من اللازم، فينبغي أن يتحقق الوفاء بالشرط بدون
القبض وإن لم يلزم، وحينئذ فللراهن فسخه بعد ذلك، لجوازه من طرفه ولا يحصل
الفائدة المطلوبة من اشتراطه، فينبغي التقييد بالاشتراط برهن مقبوض ونحوه،
وفي الاكتفاء بدلالة القرائن عليه وجه.
ويظهر من الشهيد (رحمه الله) أن الرهن المشروط في العقد اللازم يستحق القبض وإن
قلنا بكونه شرطا في اللزوم (2).
وفي القواعد استشكل في استحقاق المرتهن المطالبة به على القول
بالاشتراط (3) انتهى.
ولا يخفى أن مجرد اشتراط القبض لا يكفي في حصول الغرض الذي أشار
إليه بناء على ما قال: إن استدامة القبض غير شرط.
واعلم أن اشتراط الرهن في العقد اللازم يقتضي إيقاع العقد، فإن قلنا بعدم
اشتراط القبض في الصحة كفى إيقاع العقد في حصول الشرط الواقع في العقد، وإن
قلنا باشتراطه فالظاهر أن القبض معتبر في حصوله، وإن قلنا بأن القبض شرط في
اللزوم دون الصحة فالظاهر أن مجرد اشتراط الرهن لا يلزم الإقباض إلا
بالتصريح به أو حصول قرينة واضحة الدلالة على اعتباره.
والظاهر أنه يشترط في القبض إذن المالك إن قلنا بعدم اشتراط القبض في
لزوم الرهن، وإن قلنا باشتراط القبض في اللزوم دون الصحة ففيه إشكال. وفي
الشرائع وغيره: لو قبضه من غير إذن الراهن لم ينعقد (4) وإن قلنا باشتراط القبض
في الصحة فجواز القبض موقوف على الإذن إلا أن يكون الرهن الشرعي لازما

(1) المسالك 4: 12.
(2) حكاه عنه في المسالك 4: 12، انظر الدروس 3: 384 و 385.
(3) القواعد 2: 161.
(4) الشرائع 2: 75.
554

على الراهن بوجه شرعي. وإذا لم يكن الإذن فهل يوجب القبض اللزوم؟ فيه إشكال.
ولو نطق بالعقد ثم مات أو جن أو اغمي عليه قبل القبض لم ينعقد أو لم يلزم
على القول بالاشتراط.
قالوا: وليس استدامة القبض شرطا، فلو عاد إلى الراهن أو تصرف فيه لم
يخرج عن الرهانة، ولو رهن ما هو في يد المرتهن لزم من غير حاجة إلى قبض
جديد.
ولو كان القبض غير مأذون فيه شرعا كالمغصوب والمشترى فاسدا فقد أطلق
الأكثر الاكتفاء به، إذ يصدق على الرهن أنه مقبوض، وقيل بعدم الاكتفاء به (1)
استنادا إلى حجة غير واضحة.
وقطع في التذكرة باشتراط الإذن ومضي زمان يمكن فيه تجديد القبض (2).
وربما قيل باشتراطهما في المقبوض صحيحا أيضا، ولعل الترجيح للأول.
ولو أقر الراهن بالإقباض قضي به عليه إن لم يعلم كذبه. ولو رجع الراهن عن
إقراره بالإقباض لم يقبل رجوعه وحكم عليه به.
ولو ادعى الغلط في إقراره وأظهر تأويلا ممكنا بأن قال: إني أقبضت بالقول
وظننت الاكتفاء به. أو قال: استندت فيه إلى كتاب كتبه إلي وكيلي فظهر زورا
ونحوها، ففي المسالك أنه يسمع دعواه ويتوجه اليمين على المرتهن بأن القبض
حقيقي أو على نفي ما يدعيه الراهن (3) واستقرب في التذكرة توجه اليمين له على
المرتهن وإن لم يظهر تأويلا، معللا بأن الغالب في الوثائق وقوع الشهادة قبل
تحقق ما فيها (4).
ولو ادعى المواطاة في الإشهاد إقامة لرسم الوثيقة فالمشهور أنها مسموعة
فيتوجه اليمين على المرتهن لجريان العادة بوقوع مثله، ويحتمل عدم السماع،
لأنه مكذب لإقراره الأول.

(1) حكاه في المسالك 4: 16.
(2) التذكرة 2: 25 س 32.
(3) المسالك 4: 18.
(4) التذكرة 2: 43 س 41.
555

ولو شهد على نفس الإقباض لم يسمع دعواه] على [(1) ما ذكر.
ولو كان المرهون مشتركا بين الراهن وغيره بالإشاعة وكان مما لا يكفي في
قبضه مجرد التخلية لا يجوز تسليمه إلا برضاء الشريك، وما يكفي فيه مجرد
التخلية ففي اشتراط إذنه وجهان، أقربهما العدم، وحيث قلنا بالتحريم لو فعل
محرما هل يتم القبض؟ قيل: لا، وهو مختار الشهيد (2) وقيل: نعم، وهو مختار
العلامة (3). ولعله أقرب.
الفصل الثاني في شرائط الرهن
والمشهور أنه يشترط أن يكون عينا، فلا يصح رهن ما في الذمة كالديون، إما
لعدم جواز بيعها إن قلنا به، أو لاشتراط القبض وعدم إمكانه فيها. وفيه نظر،
والعمومات يقتضي الجواز. والمشهور أنه لا يصح رهن المنافع.
ويشترط كونه مملوكا أو مأذونا فيه، والمشهور أنه يصح غير المملوك مع
الإجازة، وفي جواز رهن المدبر خلاف، فقيل: يصح وأن رهن رقبته إبطال
لتدبيره (4). وقيل: لا يصح (5) وقيل: التدبير مراعى بفكه فيستقر أو يأخذه في الدين
فيبطل (6). وفي صحة رهن خدمة المدبر قولان.
ولو رهن ما يملك وما لا يملك صح فيما يملك، والمشهور أنه وقف ما لا
يملك على إجازة المالك، وأنه لا يصح رهن الخمر إذا كان الراهن مسلما ولو
وضعه على يد ذمي، ولا يصح رهن ما لا يمكن إقباضه عادة كالطيور في الهواء إذا
لم يكن معتادة العود، والسمك في الماء إذا لم يكن محصورا، والأصح أنه يجوز

(1) لم يرد في الأصل وخ 1.
(2) الدروس 3: 384.
(3) التذكرة 2: 17 س 2.
(4) الشرائع 2: 76.
(5) النهاية 2: 251.
(6) المسالك 4: 22.
556

رهن أرض الخراج تبعا لآثار المتصرف من الأبنية والأشجار وغيرها.
ولو رهن عبدا مسلما أو مصحفا عند كافر قيل: لا يصح (1). وقيل: يصح
ويوضع على يد مسلم (2). وهو غير بعيد، ولا يصح رهن الوقف.
الفصل الثالث في الحق
يجوز الرهن على كل دين ثابت في الذمة كالقرض وثمن المبيع وإن كان في
زمن الخيار، قالوا: ولا يصح فيما لا يحصل سبب وجوبه كالرهن على ما يستدينه
وعلى ثمن ما يشتريه. والمشهور أنه لا يصح على ما حصل سبب وجوبه ولم
يثبت كالدية قبل استقرار الجناية (3).
ولا يصح الرهن على الأعيان كالوديعة والعارية غير المضمونة عندهم. وفي
المسالك أنه موضع وفاق (4). أما المضمونة كالمغصوبة والمقبوضة بالسوم
والمستعارة مع الضمان فقد أطلق المحقق وجماعة من الأصحاب المنع (5) وجوزه
بعضهم (6). والمسألة عندي محل إشكال.
وحيث جوزنا الرهن في الأعيان المضمونة فمعناه الاستيفاء منه إذا تلفت أو
نقصت أو تعذر الرد، وهل يلحق بالأعيان الرهن للمبيع وثمنه؟ قيل: نعم، واختاره
الشهيد (رحمه الله) وجماعة (7). وقيل: لا (8). والمشهور أنه لا يصح الرهن على مال الجعالة
قبل تمام العمل، وقيل: يصح بعد الشروع في العمل (9) ولا يصح على ما لا يمكن
استيفاؤه من الرهن كالإجارة المتعلقة بعين معين. ويصح فيما ثبتت في الذمة

(1) الشرائع 2: 77.
(2) المبسوط 2: 232.
(3) أي قبل انتهائها إلى الحد الذي يوجب الدية وإن علم أنها تأتي على النفس (منه (رحمه الله)).
(4 و 6) المسالك 4: 28.
(5) الشرائع 2: 78.
(7) الدروس 3: 400، التحرير 1: 205 س 6، جامع المقاصد 5: 89.
(8) المبسوط 2: 235.
(9) لم نعثر عليه.
557

كالعمل المطلق، ولو رهن على مال رهنا ثم استدان وجعل ذلك الرهن عليهما جاز.
الفصل الرابع في الراهن والمرتهن
يشترط في الراهن كمال العقل وجواز التصرف والاختيار، ويجوز لولي
الطفل رهن ماله إذا وقعت الحاجة إلى الاستدانة لمصلحة الطفل. ويشترط في
المرتهن كمال العقل وجواز التصرف، ويجوز لولي الطفل أخذ الرهن له، ولا يجوز
أن يسلف ماله إلا مع ظهور الغبطة، وحينئذ يعتبر كون المديون ثقة مليا، ويرتهن
على الحق ما يفي بقيمته، كل ذلك مع الإمكان.
ولا يجوز إقراض مال الطفل من غيره إلا مع اقتضاء المصلحة، وحينئذ
فالأحوط أن يقرضه من الثقة الملي ويرهن عليه ويشهد مع الإمكان، وأما إقراضه
من نفسه فيحتمل أن يكون كذلك، ويحتمل قويا الجواز مع عدم الضرر على الطفل
مطلقا، لإطلاق صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1). ومثله عنه بإسناد
آخر (2). وفي الصحيح إلى الحسن بن محبوب عن خالد بن جرير عن أبي الربيع
عن أبي عبد الله (عليه السلام) نحوه (3).
وشرط في التذكرة في جواز إقراضه الولاية والملاءة ومصلحة الطفل (4).
وإطلاق الرهن لا يقتضي كون المرتهن وكيلا في البيع، لكن يجوز اشتراط كونه
وكيلا في عقد الرهن، وكذا يجوز اشتراط ذلك لوارثه أو وصيه والوصية إليهما
بذلك بعد الموت، وكذا اشتراط ذلك لغيرهم، فإذا شرط ذلك فهل للراهن فسخ
الوكالة فيما بعد؟ فيه قولان، أقربهما العدم. والظاهر أنه يجوز للمرتهن الفسخ.
ويبطل الوكالة بموت الراهن أو الوكيل، ولو مات المرتهن الوكيل لم ينتقل

(1) الوسائل 13: 192، الباب 76 من أبواب ما يكتسب به، ح 10.
(2 و 3) الوسائل 13: 192، الباب 76 من أبواب ما يكتسب به ذيل الحديث 10.
(4) التذكرة 2: 81 س 38.
558

الوكالة إلى وارثه.
ولو كان وكيلا في بيع الرهن جاز له بيعه من نفسه على الأشهر الأقرب، وربما
قيل بالمنع.
وإذا شرط وضع الرهن على يد عدل لزم.
والمشهور أن المرتهن أحق باستيفاء دينه من غرماء الميت، لأن هذا مقتضى
الرهانة، والمسألة محل خلاف، ويدل على خلاف المشهور والتسوية بينه وبين
سائر الغرماء رواية سليمان بن حفص (1) ورواية عبد الله بن الحكم (2) وكذا الأشهر
جريان الحكم في الحي.
وفي المسالك: يتحقق التعارض في الحي إذا كان مفلسا محجورا عليه، إذ
بدونه يتخير في الوفاء، والخلاف في تقديم المرتهن على غرماء الميت (3). ويظهر
من كلام بعض المتأخرين أن الحكم المذكور في الحي إجماعي (4).
ولو أعوز (5) ضرب مع الغرماء في المعوز.
والمعروف من مذهبهم أن الرهن أمانة في يد المرتهن لا يضمنه لو
تلف، ولا يسقط من حقه شيء ما لم يكن التلف بتفريطه، ونقل الشيخ
الإجماع عليه (6). ويدل عليه صحيحة جميل بن دراج (7) وصحيحة أبان
ابن عثمان (8) وصحيحة الحلبي (9) وحسنة الحلبي (10) ورواية عبيد بن زرارة (11)

(1) الوسائل 13: 139، الباب 19 من أبواب أحكام الرهن، ح 2.
(2) الوسائل 13: 139، الباب 19 من أبواب أحكام الرهن، ح 1.
(3) المسالك 4: 39.
(4) مجمع الفائدة والبرهان 9: 161.
(5) أي لم يف المرهون بحق المرتهن (منه رحمه الله).
(6) المبسوط 2: 246.
(7) الوسائل 13: 125، الباب 5 من أبواب أحكام الرهن، ح 1.
(8) الوسائل 13: 125، الباب 5 من أبواب أحكام الرهن، ح 2.
(9) الوسائل 13: 126، الباب 5 من أبواب أحكام الرهن، ح 3.
(10) الوسائل 13: 126، الباب 5 من أبواب أحكام الرهن، ح 5.
(11) الوسائل 13: 127، الباب 5 من أبواب أحكام الرهن، ح 9.
559

التي لا تقصر عن الصحاح، وصحيحة إسحاق بن عمار (1) ومرسلة أبان المعتبرة (2)
وغيرها. وبإزائها أخبار يخالفها مثل صحيحة أبي حمزة (3) وصحيحة محمد بن
قيس (4) وموثقة ابن بكير (5) وغيرها وحملها الأصحاب على تفريط المرتهن، ويدل
على هذا التفصيل مرسلة أبان، ويشعر به صحيحة إسحاق بن عمار، وعليه يحمل
رواية سليمان بن خالد (6).
ولو تصرف فيه تصرفا بغير إذن الراهن كالركوب والسكنى ضمن وعليه اجرة
المثل، فحسنة ابن سنان دالة على أن غلة الرهن للراهن تحسب لصاحب الرهن
مما عليه (7) وحسنة محمد بن قيس دالة على أن المرتهن إذا زرع الأرض المرهون
كان عليه اجرة الأرض يحسبها من المال الذي ارتهن به، وموثقة إسحاق بن عمار
دالة على أن غلة الدار المرهون لصاحب الدار، وموثقة أبي العباس دالة على أن
غلة الرهن يحسب لصاحبه مما له عليه، وحسنة محمد بن قيس دالة على أن ثمرة
المرهون تحسب من حساب المال، وفي معناها رواية إبراهيم الكرخي (8).
والمشهور أنه ليس للمرتهن التصرف في الرهن مطلقا إلا بإذن الراهن، فإن
تصرف لزمته الاجرة فيما له اجرة، والمثل أو القيمة فيما يضمن كذلك كاللبن، وأما
النفقة فإن أمره الراهن بها رجع عليه بما غرم، وإلا استأذنه، فإن امتنع أو غاب رفع
أمره إلى الحاكم، فإن تعذر أنفق هو بنية الرجوع وأشهد عليه ليثبت له استحقاقه.

(1) الوسائل 13: 126، الباب 5 من أبواب أحكام الرهن، ح 4.
(2) الوسائل 13: 126، الباب 5 من أبواب أحكام الرهن، ح 7.
(3) الوسائل 13: 129، الباب 7 من أبواب أحكام الرهن، ح 1.
(4) الوسائل 13: 129، الباب 7 من أبواب أحكام الرهن، ح 4.
(5) الوسائل 13: 129، الباب 7 من أبواب أحكام الرهن، ح 3.
(6) الوسائل 13: 126 و 127، الباب 5 من أبواب أحكام الرهن، ح 7 و 4 و 8.
(7) الوسائل 13: 132، الباب 10 من أبواب أحكام الرهن، ح 1.
(8) الوسائل 13: 132، الباب 10 من أبواب أحكام الرهن، ح 2 و 3 و 4 و 5.
560

فإن تصرف في شيء بغير الإذن ضمن مع الإثم وتقاصا. وقيل: إذا أنفق عليها كان
له ركوبها أو يرجع على الراهن بما أنفق، وهذا القول منسوب إلى الشيخ (رحمه الله) (1)
ومستنده صحيحة أبي ولاد «قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يأخذ الدابة
والبعير رهنا بماله، له أن يركبها؟ فقال: إن كان يعلفها فله أن يركبها، وإن كان الذي
يرهنها عنده يعلفها فليس له أن يركبها» (2) والرواية صحيحة، فقول الشيخ قوي،
ويؤيده رواية السكوني (3). ولو آجره المرتهن ومضى زمان يقابله اجرة تخير
الراهن بين أخذ اجرة المثل وبين إمضاء الإجارة والرجوع بالمسمى.
مسائل:
الاولى: إذا لم يكن المرتهن وكيلا في البيع وخاف جحود الراهن أو الوارث
ولم يكن له بينة أمكنه بها إثبات حقه عند الحاكم فالظاهر أنه يجوز أن يستوفي
حقه مما في يده كما هو المعروف بينهم، ويدل عليه رواية سليمان بن حفص
المروزي (4). وألحق بعضهم بخوف الجحود الحاجة إلى اليمين (5) وفيه نظر.
ولو اعترف بالرهن وادعى دينا لم يحكم له وكلف بالبينة، وله إحلاف الوارث
إن ادعى علمه.
وفي مكاتبة سليمان بن حفص المروزي قال: كتبت إليه - يعني أبي
الحسن (عليه السلام) - في رجل مات وله ورثة، فجاء رجل فادعى عليه مالا وأن عنده
رهنا؟ فكتب (عليه السلام): إن كان له على الميت مال ولا بينة له عليه فليأخذ ماله مما في
يده وليرد الباقي على ورثته، ومتى أقر بما عنده اخذ به وطولب بالبينة على دعواه
وأوفى حقه بعد اليمين ومتى لم يقم البينة والورثة ينكرون فله عليهم يمين علم،

(1) النهاية 2: 255.
(2) الوسائل 13: 134، الباب 12 من أبواب أحكام الرهن، ح 1.
(3) الوسائل 13: 134، الباب 12 من أبواب أحكام الرهن، ح 2.
(4) الوسائل 13: 140، الباب 20 من أبواب أحكام الرهن، ح 1.
(5) المسالك 4: 41.
561

يحلفون بالله ما يعلمون أن له على ميتهم حقا (1).
الثانية: لو وطئ المرتهن الأمة مكرها قيل: عليه عشر قيمتها إن كانت بكرا
ونصف العشر إن كانت ثيبا (2). وقيل: مهر أمثالها (3). وقيل: يتخير المالك بين
الأمرين، ورجحه الشهيد في بعض حواشيه (4). وهل يجب مع ذلك أرش البكارة؟
فيه وجهان، والمشهور أنه لو طاوعته لم يكن عليه شيء، استنادا إلى قوله (صلى الله عليه وآله): لا
مهر لبغي (5) وفي الدلالة تأمل، ولعل الأقوى ثبوت الحق كما قواه بعض
الأصحاب (6).
الثالثة: إذا وضعاه على يد عدل فللعدل رده إليهما أو إلى من يرتضيانه، ولا
يجوز تسليمه إلى الحاكم ولا إلى أمين غيرهما من غير ضرورة، فلو كانا غائبين
اتفاقا وجب على المستودع الصبر إلى أن يحضرا، فإن عرض له عذر من إبقائه في
يده كسفر عزم عليه أو مرض خاف منه دفعه إلى الحاكم حينئذ لا مطلقا، لأن ولاية
الحاكم ليس كولاية المالك، بل هي منوطة بالحاجة والمصلحة، فيتقدر بقدرها،
ولو امتنعا من القبض ولم يمكن إجبارهما فالظاهر أن له أن يسلمه إلى الحاكم.
ولو وضعه على يد عدلين لم ينفرد به أحدهما ولو أذن له الآخر.
قالوا: ولو باع المرتهن الرهن أو العدل ودفع الثمن إلى المرتهن ثم ظهر في
المبيع عيب ففسخ المشتري لم يكن للمشتري الرجوع إلى المرتهن، لأن الفسخ لا
يبطل البيع من أصله، بل من حين الفسخ، وهو مسبوق بقبض المرتهن الثمن وتعلق
الوثيقة به، بل يرجع المشتري على الراهن بعوض الثمن، أما لو ظهر استحقاق
الرهن استعاد المشتري الثمن من المرتهن، لأنه بطل البيع من أصله.

(1) الوسائل 13: 140، الباب 20 من أبواب أحكام الرهن، ح 1.
(2) المسالك 4: 42.
(3 و 4) حكاه في المسالك 4: 42.
(5) لم نعثر عليه بلفظه وورد أنه سحت في الوسائل 13: 83، الباب 14 من أبواب ما
يكتسب به، ح 6.
(6) المسالك 4: 42.
562

الرابعة: إذا مات المرتهن وكان في يده الرهن بالاشتراط أو الاتفاق كان
للراهن الامتناع من تسليمه إلى الوارث، فإن اتفقا على أمين، وإلا سلمه الحاكم
إلى من يرتضيه.
الخامسة: المشهور بين الأصحاب أنه لا يجوز للراهن التصرف في الرهن
ببيع ولا وقف ولا استخدام ولا سكنى ولا إجارة، وعن الشيخ: أما استخدام العبد
المرهون وركوب الدابة المرهونة وزراعة الأرض المرهونة وسكنى الدار فإن ذلك
غير جائز عندنا، ويجوز عند المخالفين (1). وهو يشعر بعدم الخلاف عندنا، بل
الإجماع.
وكلام التذكرة يشعر بنوع مخالفة فيه (2). وفي المسالك: إنه لا يمنع من تصرف
يعود نفعه على الراهن كمداواة المريض ورعي الحيوان وتأبير النخل وختن العبد
وخفض الجارية إن لم يؤد إلى النقص (3).
والظاهر أن التصرفات المخرجة عن الملك كالعتق والبيع والوقف غير صحيح
إلا أن يأذن المرتهن، وكذا التصرفات الموجبة لنقص المرهون، وأما غير ذلك فلا
أعرف عليه دليلا. ويدل على الجواز عموم: الناس مسلطون على أموالهم (4).
ويدل صحيحة محمد بن مسلم (5) وحسنة الحلبي (6) على جواز الوطء للراهن،
وظاهر الصدوق العمل بمضمونه (7) حيث أورد صحيحة محمد بن مسلم. بل ظاهر
الكليني أيضا (8).
والمشهور بين الأصحاب خلاف ذلك، قال في الدروس: وفي رواية الحلبي
يجوز وطؤها سرا، وهي متروكة (9). ونقل في المبسوط الإجماع (10). والعدول عن

(1) المبسوط 2: 206.
(2) التذكرة 2: 29 س 24.
(3) المسالك 4: 47.
(4) عوالي اللئالي 2: 138، ح 383.
(5) الوسائل 13: 133، الباب 11 من أبواب أحكام الرهن، ح 1.
(6) الوسائل 13: 133، الباب 11 من أبواب أحكام الرهن، ح 2.
(7) الفقيه 3: 313 - 314.
(8) الكافي 5: 237، ح 20.
(9) الدروس 3: 397.
(10) المبسوط 2: 237.
563

الروايتين المعتبرتين والحكم بخلافهما في غاية الإشكال.
قال في المسالك: لو تصرف الراهن بما يمنع منه، فإن كان بعقد كان موقوفا
على إجازة المرتهن فإن أجازه صح وإلا بطل، وإن كان بانتفاع منه أو ممن سلطه
عليه ولو بعقد لم يصح وفعل محرما، ثم إن قلنا: إن النماء المتجدد يتبع الرهن تثبت
عليه اجرة ذلك إن كان مما له اجرة عادة وكانت رهنا، وإن لم نقل بالتبعية لم يلزمه
شيء (1) وهو حسن.
وكيف ما كان إذا كان العقد أو الإذن من الراهن للمرتهن صح وجاز، لانحصار
الحق فيهما، كما لو اتفقا على ذلك للغير، والأقرب صحة عتق الراهن مع الإجازة،
والأقرب عدم صحة عتق المرتهن ما لم يسبق الإجازة، إذ لا عتق إلا في ملك.
السادسة: إذا وطئ الراهن أمته المرهونة فأحبلها صارت ام ولد، سواء كان
بإذن المرتهن أم لا وإن ثبت الإثم والتعزير على الثاني، وكيف ما كان لا يبطل الرهن،
لجواز بيعها على تقدير موت الولد، وهل يجوز في حياته لأجل الدين؟ فيه أقوال:
أحدها: الجواز مطلقا، لإطلاق ما دل على جواز بيع الرهن في الدين وسبق
حق المرتهن على الاستيلاد.
وثانيها: المنع مطلقا، للنهي عن بيع ام الولد وتشبثها بالحرية وبناء العتق على
التغليب.
وثالثها: التفصيل بإعسار الراهن فيباع، ويساره فيلزمه القيمة من غير ما
يكون رهنا، وهو قول الخلاف (2) والتذكرة (3) وقيل بجواز بيعها إذا كان الوطء بغير
إذن المرتهن ومنعه مع وقوعه بإذنه، وهو منقول عن الشهيد (رحمه الله) في بعض
حواشيه (4).
السابعة: إذا أذن المرتهن في البيع فباع بطل الرهن ولم يجب رهينة الثمن. ولو
أذن الراهن للمرتهن في بيع المرهون قبل الأجل لم يجز للمرتهن التصرف في

(1) المسالك 4: 47.
(2) الخلاف 3: 229، المسألة 19.
(3) التذكرة 2: 28 س 43.
(4) حكاه في المسالك 4: 50.
564

الثمن إلا بعد حلول الأجل.
الثامنة: إذا حل الأجل وتعذر الأداء وكان المرتهن وكيلا في البيع واستيفاء
حقه كان له ذلك، وإلا لم يكن له البيع بنفسه، لا أعرف فيه خلافا، ويدل عليه موثقة
ابن بكير (1) وموثقة عبيد بن زرارة (2) في بعض الصور، ويدل موثقة إسحاق بن
عمار (3) على جواز بيعه إذا لم يعلم صاحبه، وحينئذ يطلب من الراهن البيع أو
الإذن فيه، فإن فعل، وإلا رفع أمره إلى الحاكم فيلزمه الحاكم بالبيع أو يبيع عليه،
لأنه ولي الممتنع، كما يفعل ذلك في سائر الحقوق، كما روي عن
أمير المؤمنين (عليه السلام) ورواه جماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام)
يحبس الرجل إذا التوى على غرمائه، ثم يأمر فيقسم ماله بينهم بالحصص، فإن
أبى باعه فيقسمه بينهم يعني ماله (4). والظاهر عدم الخلاف في جواز ذلك للحاكم.
ولو كان حقه مما لا يمكن إثباته عند الحاكم - لعدم بينة حاضرة أو مقبولة، أو
تعذر وصوله إلى الحاكم لعدمه أو لبعده - فيحتمل قويا جواز استقلاله بالبيع بنفسه
واستيفاء حقه، كما لو ظفر بغير جنس حقه من مال المديون وهو جاحد ولا بينة،
وهو خيرة التذكرة (5) والمسالك (6). ولو أمكن إثباته عند الحاكم بالبينة لكن افتقر
إلى اليمين فالظاهر أنه غير مانع.
التاسعة: لا يفك الرهانة إلا بأحد أشياء:
الأول: إقباض الدين من الراهن أو غيره وإن كان متبرعا، وفي حكمه ضمان
الغير له مع قبول المرتهن والحوالة به.
الثاني: إبراء المرتهن له من الدين، وفي حكمه الإقالة المسقطة للثمن

(1) الوسائل 13: 125، الباب 4 من أبواب أحكام الرهن، ح 3.
(2) الوسائل 13: 124، الباب 4 من أبواب أحكام الرهن، ح 1.
(3) الوسائل 13: 124، الباب 4 من أبواب أحكام الرهن، ح 2.
(4) الكافي 5: 102، ح 1.
(5) التذكرة 2: 32 س 2.
(6) المسالك 4: 52.
565

المرهون به أو المثمن المسلم فيه المرهون به.
الثالث: إسقاط المرتهن حقه من الرهانة وفسخه ليعقدها، ولو أقبض بعضه أو
أبرأ البعض فهل حكمه حكم الجميع؟ فيه وجهان، وادعى في المبسوط الإجماع
على بقاء الرهانة ما بقي جزء من الدين (1) ولو شرط كونه رهنا على المجموع لا
على كل جزء. أو شرط كونه رهنا على كل جزء لزم الشرط.
العاشرة: ما يحصل من الرهن من الفوائد والزوائد متصلة كانت أو منفصلة
فهي للراهن، ويدل عليه أخبار متعددة، فإن كانت متصلة اتصالا لا يقبل الانفصال
كالسمن والطول دخلت في الرهن بلا خلاف. وإن كانت منفصلة كالثمرة والولد أو
يقبل الانفصال كالشعر والثمرة قبل الجذاذ ففي كونها تابعا للأصل في الرهن
قولان، والمشهور ذلك. ونقل المرتضى وابن إدريس الإجماع عليه (2). وذهب
الشيخ إلى عدم التبعية (3) وتبعه جماعة من الأصحاب منهم العلامة (4). وهو أقوى،
للأصل، وعموم «الناس مسلطون على أموالهم».
ولو شرط الراهن خروجها أو المرتهن دخولها لزم الشرط وارتفع الإشكال،
واستثنى في التذكرة من ذلك ما يتجدد من المنافع بالاختيار كاكتساب العبد فلا
يصح اشتراط دخوله (5).
وإذا رهن النخل لم يدخل الثمرة وإن لم يؤبر، وإن رهن الأرض لم يدخل
الزرع والشجر، وكذا ما ينبت في الأرض بعد الرهن، سواء أنبته الله أو الراهن أو
أجنبي، وهل يجبر الراهن على إزالته؟ فيه خلاف.
الحادية عشر: لو أتلف الرهن متلف كان عليه المثل أو القيمة، وكان رهنا مثل
الأصل، وكذا الأرش، لكن لو كان المرتهن أو غيره وكيلا في بيع الأصل لم يكن
وكيلا في العوض، لاختلاف الأغراض.

(1) المبسوط 3: 202.
(2) الانتصار: 230، السرائر 2: 424.
(3) المبسوط 2: 237.
(4) القواعد 2: 124.
(5) انظر التذكرة 2: 37.
566

مسائل متعلقة بالنزاع
الاولى: إذا كان الرهن مشتركا ورهن بعض الشركاء مشاعا فتنازع الشريك
والمرتهن في القبض فالحاكم ينصب أمينا للقبض بإذن الراهن، ثم إن كان ذا
إجازة آجره الحاكم أو من نصبه مدة لا يزيد عن أجل الحق، فيبطل مع الزيادة إلا
أن يجيز المرتهن. فإن قلنا بدخول النماء المتجدد في الرهن تعلق الرهن بحصة
الراهن من الاجرة.
الثانية: إذا مات المرتهن انتقل حق الرهانة إلى وارثه دون الوكالة، وللراهن
أن يمتنع من استئمان الوارث، وحينئذ فإن اتفقا على أمين، وإلا رجع الأمر إلى
الحاكم.
الثالثة: إذا فرط في الرهن فتلف قيل: لزم قيمته يوم قبضه (1). وقيل: يوم
التلف وهو قول الأكثر ومنهم المحقق في النافع (2). ولعل هذا القول أقوى، وهذا إذا
كان الاختلاف بسبب السوق أو بسبب نقص في العين غير مضمون، أما
لو فرط فنقصت العين بهزال ونحوه ثم هلك اعتبر أعلى القيم من حين الأخذ
في التفريط إلى حين التلف كالغاصب، ويحتمل الأعلى من حين التلف إلى
الحكم عليه بالقيمة، وهو قول ابن الجنيد (3). والأعلى من حين القبض إلى يوم التلف
مساواة بينه وبين الغاصب، حكاه في النافع (4) ونسب إلى الشيخ في المبسوط (5).
وعن جماعة منهم إطلاق القول بالأعلى، ولعل الاحتمال الأول أقوى. ويضعف
الثاني بأن المطالبة لا دخل لها في الضمان، والثالث بأن الضمان غير ثابت قبل
التفريط.
الرابعة: إذا اختلفا فقال الراهن: إنه بمائة، وقال المرتهن: إنه بألف فالمشهور
أن البينة على المرتهن والقول قول الراهن مع يمينه عند عدم البينة، وفيه خلاف

(1) الشرائع 2: 85.
(2 و 4) المختصر النافع: 138.
(3) نقله في المختلف 5: 401 - 402.
(5) التنقيح 2: 174.
567

لابن الجنيد (1). والأول أقوى، لأصالة عدم الزائد وبراءة ذمة الراهن، ولأنه منكر
فالقول قوله، ولصحيحة محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) (2) وصحيحة أبان عن أبي
عبد الله (عليه السلام) (3) وموثقة عبيد بن زرارة عنه (عليه السلام) (4) ورواية عبد الله بن أبي يعفور
عنه (عليه السلام) (5) وهي لا تقصر عن الموثقات. ومستند قول ابن الجنيد رواية السكوني (6)
وهي ضعيفة لا يصلح لمعارضة ما ذكرنا.
الخامسة: لو اختلفا في متاع فقال المالك: هو وديعة (7) وقال الذي عنده: هو
رهن، فالأكثر على أن القول قول المالك. وذهب الصدوق والشيخ في الاستبصار (8)
إلى أن القول قول الذي عنده.
حجة الأول الأصل، وكون المالك منكرا، وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي
جعفر (عليه السلام) في رجل رهن عند صاحبه رهنا فقال الذي عنده الرهن: ارتهنه عندي
بكذا وكذا، وقال الآخر: إنما هو عندك وديعة، فقال: البينة على الذي عنده الرهن
أنه بكذا وكذا، فإن لم يكن له بينة فعلى الذي له الرهن اليمين (9).
ويدل على قول الشيخ أخبار ثلاثة:
أحدها: صحيحة أبان، أوردها الصدوق في الفقيه (10).
وثانيها: رواية عبد الله بن أبي يعفور (11) وهي لا تقصر عن الموثقات.

(1) نقله في المختلف 5: 402.
(2) الوسائل 13: 137، الباب 17 من أبواب أحكام الرهن، ح 1.
(3) الوسائل 13: 137، الباب 17 من أبواب أحكام الرهن، ح 2.
(4) الوسائل 13: 138، الباب 17 من أبواب أحكام الرهن، ح 3.
(5) الوسائل 13: 138، الباب 17 من أبواب أحكام الرهن ذيل الحديث 2.
(6) الوسائل 13: 138، الباب 17 من أبواب أحكام الرهن، ح 4.
(7) المقنع: 129.
(8) الاستبصار 3: 123.
(9) الوسائل 13: 136، الباب 16 من أبواب أحكام الرهن، ح 1.
(10) الفقيه 3: 312، ح 4116.
(11) الوسائل 13: 136، الباب 16 من أبواب أحكام الرهن، ح 2.
568

وثالثها: ما رواه الشيخ في الصحيح إلى الحسن بن محبوب عن عباد بن
صهيب (1) وليس في طريقها من يتوقف فيه إلا عباد ووثقه النجاشي وضعفه الشيخ،
وجمع الشيخ بين الأخبار بحمل صحيحة محمد بن مسلم على أن المراد أن البينة
على من عنده الرهن على مقدار ما على الرهن لا على أصل الرهانة (2). وهو متجه.
فقول الشيخ والصدوق متجه، ووجه ترجيح صاحب المسالك (3) للقول الأول محل
تأمل.
السادسة: لو كان له دينان أحدهما رهن فدفع إليه مالا واختلفا فقال الدافع:
دفعت بنية الدين الذي هو رهن، وقال الآخر: دفعت بنية الدين الآخر، فالقول قول
الدافع، لأنه أبصر بنيته، وهل يلزمه يمين؟ يحتمل العدم، لأن الدعوى غير
صحيحة، إذ لا اطلاع على ما في نفس الغير، ولعل الأقرب ثبوته، لإمكان الاطلاع
عليه بإقراره. ولو قال: قلت: دفعت عن الدين الآخر، فالقول قول المنكر مع يمينه.
السابعة: لو اختلفا في رد الرهن فالقول قول الراهن، لأصالة عدم الرد.

(1) الاستبصار 3: 122، ح 436.
(2) الاستبصار 3: 123 ذيل الحديث 438.
(3) المسالك 4: 76.
569

كتاب المفلس
571

كتاب المفلس
وهو من عليه ديون وليس له مال يفي بها عند الأصحاب، وهو يستحق الحجر
من الحاكم إذا كانت ديونه ثابتة عند الحاكم وأمواله قاصرة عن الديون المذكورة
وديونه حالة والتمس الغرماء أو بعضهم الحجر عليه، بشرط أن يكون ديون
الملتمس بقدر يجوز الحجر عليه، ثم لا يختص الحجر بهم.
واستقرب في التذكرة جواز الحجر بالتماس بعض أرباب الديون الحالة وإن
لم يكن الملتمس زائدا عن أمواله (1).
ولو كانت الديون لغائب لم يكن للحاكم الحجر عليه، لأن الحاكم لا يستوفي
مال الغائب في الذمم، بل يحفظ أعيان أمواله.
ولو ظهر أمارات الفلس لم يتبرع الحاكم بالحجر عليه، إلا أن يكون الديون
لمن له عليه ولاية كاليتيم والمجنون والسفيه، وكذا لو كان بعضها كذلك مع التماس
الباقين. والمشهور أنه لو سأل هو الحجر عليه لم يكن للحاكم ذلك، واستقرب في
التذكرة ذلك (2) محتجا بحجة اعتبارية. مضافا إلى أنه قد روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) حجر
على معاذ بالتماسه خاصة (3).
قالوا: وإذا حجر تعلق به أحكام ثلاثة:

(1) التذكرة 2: 52 س 20.
(2) التذكرة 20: 52 س 22.
(3) سنن البيهقي 6: 48.
572

الأول: منع التصرف
قالوا: وإنما يمنع من التصرف المبتدأ في المال، فلا يمنع من الفسخ بالخيار
والعيب، ولا يمنع من التصرف في غير المال كالنكاح والطلاق واستيفاء القصاص
والعفو عنه ونحوها، ولا يمنع مما يفيد تحصيل المال كالاحتطاب وقبول الهبة
والوصية ونحوها، ولو أقر بدين سابق صح. وهل يشارك المقر له الغرماء؟ فيه خلاف،
فذهب الشيخ والمحقق والعلامة في المبسوط (1) والشرائع (2) والتذكرة (3) والتحرير (4)
إلى ذلك. وقيل بعدم المشاركة (5). وقواه في المسالك (6) والمسألة محل تردد.
ولو أقر بعين فهل يدفع إلى المقر له؟ فيه تردد.
والديون المؤجلة تحل بالموت ولا تحل بالحجر على الأشهر الأقرب، خلافا
لابن الجنيد (7). ويدل على حلول الديون المؤجلة بالموت صحيحة الحسين بن
سعيد (8) ورواية السكوني (9) ورواية أبي بصير (10) والظاهر أنه لا خلاف فيه، ولا
فرق في دين الميت بين مال السلم والجناية المؤجلة عليه وغيرهما على الأقوى،
لعموم النصوص.
الحكم الثاني: اختصاص الغريم بعين ماله
إذا وجد عين ماله فله أخذها وإن لم يكن سواها، وله أن يضرب بدينه، سواء
كان وفاء أو لم يكن على الأشهر الأقرب، لصحيحة عمر بن يزيد (11) وللشيخ قول

(1) المبسوط 2: 272.
(2) الشرائع 2: 90.
(3) التذكرة 2: 53 س 16.
(4) التحرير 1: 212 س 20.
(5) الإرشاد 1: 398.
(6) المسالك 4: 92.
(7) نقله في المختلف 5: 453.
(8) الوسائل 13: 97، الباب 12 من أبواب الدين والقرض، ح 2.
(9) الوسائل 13: 97، الباب 12 من أبواب الدين والقرض، ح 3.
(10) الوسائل 13: 97، الباب 12 من أبواب الدين والقرض، ح 1.
(11) الوسائل 13: 145، الباب 5 من أبواب أحكام الحجر، ح 2.
573

بأنه لا اختصاص إلا أن يكون هناك وفاء (1) استنادا إلى صحيحة أبي ولاد «قال:
سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل باع من رجل متاعا إلى سنة فمات المشتري قبل
أن يحل ماله، وأصاب البائع متاعه بعينه، له أن يأخذه إذا خفي له؟ قال: فقال: إن
كان عليه دين وترك نحوا مما عليه فليأخذ إن خفي له، فإن ذلك حلال له، ولو لم
يترك نحوا من دينه، فإن صاحب المتاع كواحد ممن له عليه شيء يأخذ بحصته
ولا سبيل له على المتاع» (2) والرواية غير دالة على مطلوبه، لورودها في غريم
الميت، ولا يدل على أن المفلس إذا مات يختص صاحب العين بها عند عدم
الوفاء، لأن صاحب العين المذكور في الرواية لم يكن من الغرماء الذين يقسم
المال بينهم، لأن دينه لم يكن حالا وقت الحجر، والميت غرماؤه سواء في التركة
إلا أن يترك ما يفي بدينه، فحينئذ يجوز لصاحب العين أخذها، لصحيحة أبي ولاد
المذكورة، وخالف فيه ابن الجنيد فحكم بالاختصاص مطلقا (3) والأول أقرب.
ولا فرق بين أن يموت المديون محجورا عليه أم لا على المشهور الأقرب،
عملا بعموم الرواية، وقيل: الحكم مختص بالمحجور عليه (4) وهل الخيار في ذلك
على الفور أو التراخي؟ فيه قولان.
قالوا: وإذا مات المفلس حل ما عليه، لعموم الرواية الدالة على حلول ما على
الميت بالموت، ولا يحل ماله على الأشهر الأقرب، خلافا للشيخ (5) ومستنده
رواية أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) (6) والرواية ضعيفة.
الحكم الثالث: قسمة مال المفلس
تجب قسمة أمواله بين الغرماء، وكل من امتنع من قضاء دين عليه مع قدرته

(1) المبسوط 2: 250.
(2) الوسائل 13: 146، الباب 5 من أبواب الحجر، ح 3.
(3) نقله في المختلف 5: 444.
(4) حكاه الشهيد الثاني في المسالك 4: 99.
(5) النهاية 2: 30.
(6) الوسائل 13: 97، الباب 12 من أبواب الدين والقرض، ح 1.
574

وتمكنه منه وامتنع من بيع ماله إذا توقف القضاء عليه فإن على الحاكم أن يلزمه
بأداء الدين أو يبيع عليه متاعا، سواء كان مفلسا محجورا عليه أم لا، ويقسمه بين
الغرماء.
وينظر المعسر، والمشهور بين الأصحاب أنه لا يجوز إلزامه ولا مؤاجرته،
ويدل عليه قوله تعالى: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) (1) وأطلق جماعة
من الأصحاب أنه لا يجب عليه الاكتساب أيضا ولا قبول الصدقة والهبة والوصية
ونحوها، قال في المسالك: ولو قيل بوجوب ما يليق بحاله كان حسنا (2). وبراءة
الذمة عن التكليف إلا في موضع الوفاق وظاهر الآية ينافيه.
وروى السكوني عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه «أن عليا (عليه السلام) كان يحبس في
الدين ثم ينظر، فإن كان له مال أعطى الغرماء، وإن لم يكن له مال دفعه إلى الغرماء
فيقول لهم: اصنعوا به ما شئتم، إن شئتم فآجروه، وإن شئتم فاستعملوه» (3) وعمل
بها ابن حمزة (4) واختاره الشهيد (5) ومال إليه في المختلف (6) والرواية ضعيفة،
فالأقرب الأول.
ولا يجبر المفلس على بيع داره التي يسكنها، ويدل عليه حسنة الحلبي عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا تباع الدار ولا الجارية في الدين، وذلك أنه لابد للرجل
من ظل يسكنه وخادم يخدمه (7) ويدل عليه أيضا حسنة إبراهيم بن هاشم (8)
وموثقة زرارة (9) وحسنة ذريح المحاربي (10) وقول الصادق (عليه السلام) في رواية عثمان

(1) البقرة: 280.
(2) المسالك 4: 120.
(3) الوسائل 13: 148، الباب 7 من أبواب الحجر، ح 3.
(4) الوسيلة: 274.
(5) اللمعة: 78.
(6) المختلف 5: 386.
(7) الوسائل 13: 94، الباب 11 من أبواب الدين والقرض، ح 1.
(8) الوسائل 13: 95، الباب 11 من أبواب الدين والقرض، ح 5.
(9) الاستبصار 3: 47، ح 154.
(10) الوسائل 13: 96، الباب 11 من أبواب الدين والقرض، ح 8.
575

ابن زياد: اعيذك بالله أن تخرجه من ظل رأسه (1) ونحوه في رواية إبراهيم بن
عثمان (2) ولا ينافيه رواية سلمة بن كهيل (3) لأنها يحمل على جواز بيع دار لا
يضطر إليها، والظاهر أنه يباع منها ما يفضل عن حاجته، قال الصدوق: وكان
شيخنا محمد بن الحسن (رضي الله عنه) يروي أنها إن كانت الدار واسعة يكفي صاحبها
ببعضها فعليه أن يسكن منها ما يحتاج ويقضي ببعضها دينه، وكذلك إن كفته دار
بدون ثمنها باعها واشترى بثمنها دارا يسكنها ويقضي أيضا بالثمن دينه (4) وقال
في المسالك: يعتبر في الدار كونها لائقة بحاله كما وكيفا، فلو زادت في أحدهما
وجب الاستبدال بما يليق به أو يبيع الفاضل إن أمكن إفراده بالبيع (5). وفيه تأمل.
وفي رواية مسعدة بن صدقة قال: سمعت جعفر بن محمد (عليه السلام) وسئل عن
رجل عليه دين وله نصيب في دار وهي تغل غلة فربما بلغت غلتها قوته وربما لم
تبلغ حتى يستدين، فإن هو باع الدار وقضى دينه بقي لا دار له؟ فقال: إن كان في
داره ما يقضي به دينه ويفضل منها ما يكفيه وعياله فليبع الدار، وإلا فلا (6).
والظاهر أنه لا يجبر على بيع أمته التي تخدمه، ويدل عليه حسنة الحلبي
السابقة (7).
واعتبر في المسالك في الأمة الحاجة إلى خدمتها أو الأهلية لها بحسب
حاله (8) والأول حسن مع التعميم في الحاجة فعلا أو قوة، وبه يشعر حسنة الحلبي،
وفي الأخير تأمل.
والظاهر أن حكم العبد مثل الأمة، وكذا دابة الركوب مع الحاجة، ولو احتاج

(1) الوسائل 13: 94، الباب 11 من أبواب الدين والقرض، ح 3.
(2) الوسائل 13: 95، الباب 11 من أبواب الدين والقرض، ح 4.
(3) الوسائل 13: 96، الباب 11 من أبواب الدين والقرض، ح 9.
(4) الفقيه 3: 190، ذيل الحديث 3715.
(5) المسالك 4: 123.
(6) الوسائل 13: 96، الباب 11 من أبواب الدين والقرض، ح 7.
(7) الوسائل 13: 94، الباب 11 من أبواب الدين والقرض، ح 1.
(8) المسالك 4: 123.
576

إلى المتعدد استثني كالمتحد، وكذا يستثنى له دست ثوب يليق بحاله شتاء وصيفا،
ويترك لعياله من الثياب ما يترك له.
قال في التذكرة: ولا يترك الفرش والبسط، بل يسامح باللبد والحصير القليل
القيمة (1). وفي المسالك: لا فرق في المستثنيات بين كونها عين مال بعض الغرماء
وعدمه عندنا (2).
قالوا: ويجري عليه نفقته ونفقة من يجب عليه نفقته وكسوته، ويتبع في ذلك
عادة أمثاله إلى يوم قسمة ماله، فيعطى هو وعياله نفقة ذلك اليوم.
ولو مات قدم كفنه على حقوق الغرماء، ويدل عليه صحيحة زرارة (3) ورواية
إسماعيل بن أبي زياد (4). قالوا: ويقتصر على الواجب منه، والرواية مطلقة. وفي
المسالك: وكذا يقدم كفن من يجب نفقته عليه ممن يجب تكفينه عليه قبل الإفلاس،
قال: ويعتبر فيها الوسط مما يليق به عادة ولا يقتصر على الأدون مع احتماله، وبه
قطع في البيان، قال: وكذا يستثنى مؤنة التجهيز من سدر وكافور وماء وغيرها (5).
مسائل:
الاولى: لو باع الحاكم أو أمينه مال المفلس ثم طلب بالزيادة لم يفسخ العقد،
ولا يجب على المشتري الإجابة لو التمس منه الفسخ.
الثانية: إذا كان عليه ديون حالة وديون مؤجلة عند قسمة أمواله قسمت
أمواله على الديون الحالة خاصة.
الثالثة: لا يجوز حبس المعسر مع ظهور إعساره، ويثبت ذلك بإقرار المدعي
أو قيام البينة عليه أو علم الحاكم به، وإذا ظهر له مال ولم يوف دينه مع مطالبة
صاحب الحق يأمره الحاكم بالوفاء، فإن امتنع منه تخير الحاكم بين حبسه وإهانته

(1) التذكرة 2: 57 س 17.
(2) المسالك 4: 124.
(3) الوسائل 13: 98، الباب 12 من أبواب الدين والقرض، ح 1.
(4) الوسائل 13: 98، الباب 12 من أبواب الدين والقرض، ح 2.
(5) المسالك 4: 124 و 125.
577

إلى أن يوفي وبين الإيفاء بنفسه، فإن كان ماله من جنس الحق أوفى به، وإلا باعه.
ويحل لصاحب الحق الإغلاظ له في القول مع الحاجة، فإن أصر جاز للحاكم ضربه.
وإن لم يكن له مال ظاهر وادعى الإعسار ولم يصدقه صاحب الحق فإن كان له
بينة قضي بها. والظاهر أنه يثبت بالعدلين، وفي ثبوته بالواحد واليمين احتمال.
قال في التذكرة: شرط في البينة أن يكونوا من أهل الخبرة الباطنة والعشرة
المتقادمة وكثرة الملابسة سرا وجهرا وكثرة المجالسة وطول الجوار، فإن الأموال
قد تخفى ولا يعرف تفصيلها إلا بأمثال ذلك (1).
قالوا: وإن لم يكن له بينة وكان له أصل مال، أو كان أصل الدعوى مالا بمعنى
أن الدين الذي أثبته الغريم دفع إليه في مقابلته مال كالقرض والبيع ونحوهما
حبس حتى يثبت إعساره.
وفي التذكرة: إنه إذا لم يكن له بينة بذلك يحلف الغرماء على عدم التلف، فإذا
حلفوا حبس، وإذا شهدت البينة بتلف ماله قضي له بها وإن لم يكن الشاهد مطلعا
على باطن أمره، بخلاف ما لو شهدت البينة على الإعسار المطلق (2).
وقيل: يعتبر اليمين أيضا في الثاني دون الأول (3) وفي التذكرة عكس الحكم
فأثبت اليمين في الأول دون الثاني (4). وأفتى في موضع آخر منها بأنه لا يمين في
الموضعين (5).
وإن لم يعلم له أصل مال وادعى الإعسار قبلت دعواه ولا يكلف البينة،
وللغرماء مطالبته باليمين.
وإذا قسم المال بين غرماء المفلس وجب إطلاقه، وفي زوال الحجر بمجرد
الأداء أو الحاجة إلى حكم الحاكم قولان، ولعل الأقرب الأول.

(1) التذكرة 2: 59 س 4.
(2) التذكرة 2: 58 س 34.
(3) انظر المسالك 4: 131 و 132.
(4) التذكرة 2: 59 س 22.
(5) انظر التذكرة 2: 58.
578

كتاب الحجر
579

كتاب الحجر
والمحجور عليه شرعا هو الممنوع من التصرفات في ماله شرعا، وهاهنا
فصلان (1):
الأول
في موجبات الحجر
وهي في الأغلب ستة: الصغر، والجنون، والرق، والمرض، والسفه، والفلس.
ويحجر على الصبي في تصرفاته أجمع إلى البلوغ والرشد. ويعلم بلوغ الذكر
بأحد ثلاثة:
الأول: خروج المني من الموضع المعتاد، سواء كان في النوم أو اليقظة،
للآيات مثل قوله تعالى: (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم) (2) و (الذين لم يبلغوا
الحلم منكم) (3) و (حتى إذا بلغوا النكاح) (4) ويدل عليه صحيحة هشام (5) أيضا
ورواية حمران (6) ورواية الحسين الخادم بياع اللؤلؤ (7) ورواية أبي بصير (8) ورواية

(1) ليس في النسخ الفصل الثاني.
(2) النور: 59.
(3) النور: 58.
(4) النساء: 6.
(5) الوسائل 13: 141، الباب 1 من أبواب أحكام الحجر، ح 1.
(6) الوسائل 13: 142، الباب 2 من أبواب أحكام الحجر، ح 1.
(7) الوسائل 13: 143، الباب 2 من أبواب أحكام الحجر، ح 5.
(8) الوسائل 13: 433، الباب 45 من أبواب أحكام الوصايا، ح 5.
580

داود بن سرحان (1) وغيرها.
قال في التذكرة: الاحتلام هو خروج المني، وهو الماء الدافق الذي يخلق منه
الولد (2). ويظهر من بعض كتب اللغة اختصاصه بالنوم (3) لكن الظاهر أن النوم غير
معتبر في البلوغ اتفاقا.
الثاني: نبات الشعر الخشن على العانة، قال في التذكرة: نبات هذا الشعر دليل
البلوغ في حق المسلمين والكفار عند علمائنا أجمع (4) ولعل مستندهم الأخبار من
الخاصة والعامة (5) ولا يضر ضعف الإسناد مع الشهرة التامة.
الثالث: السن، والمشهور بين الأصحاب أنه إكمال خمس عشرة سنة ويدل
عليه بعض الأخبار الضعيفة، وذهب بعضهم إلى الشروع في خمس عشرة (6)
وبعضهم إلى ثلاث عشرة (7) وبعضهم إلى العشرة (8).
وروى الشيخ عن عبد الله بن سنان - في الموثق بأبناء فضال - عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: سأله أبي وأنا حاضر عن قول الله عز وجل (حتى إذا بلغ أشده)
قال: الاحتلام، قال: فقال: يحتلم في ست عشرة وسبع عشرة سنة ونحوها، فقال:
إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنات وكتبت عليه السيئات وجاز
أمره، إلا أن يكون سفيها أو ضعيفا، فقال: وما السفيه؟ فقال: الذي يشتري الدرهم
بأضعافه، قال: وما الضعيف؟ قال: الأبله (9).
وعن عبد الله بن سنان - في الحسن بالوشاء - عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا بلغ
أشده ثلاث عشرة سنة ودخل في الأربع عشرة وجب عليه ما وجب على
المحتلمين، احتلم أو لم يحتلم، كتبت عليه السيئات وكتبت له الحسنات وجاز له

(1) الوسائل 13: 433، الباب 45 من أبواب أحكام الوصايا ذيل الحديث 5.
(2) التذكرة 2: 74 س 7.
(3) لسان العرب: مادة (حلم).
(4) التذكرة 2: 73 س 38.
(5) الوسائل 11: 112، الباب 65 من أبواب جهاد العدو، ح 2، سننن البيهقي 6: 58.
(6) الشرائع 2: 100.
(7) نقله رواية في المسالك 4: 144.
(8) المبسوط 2: 284، وجعله رواية.
(9) التهذيب 9: 182، ح 731.
581

كل شيء إلا أن يكون سفيها أو ضعيفا (1).
وعن عبد الله بن سنان - في الموثق - عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا بلغ الغلام
ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة وكتبت عليه السيئة وعوقب، فإذا بلغت الجارية
تسع سنين فكذلك، وذلك أنها تحيض لتسع سنين (2).
وهذه الروايات أخبار معتبرة ويؤيدها موثقة عمار الساباطي (3) فالعمل
بمقتضاها متجه، وظاهر الشيخ في التهذيب والاستبصار العمل بها (4).
ويدل أخبار كثيرة على أن الصبي إذا بلغ عشر سنين جازت وصيته (5)
وسيجئ ذلك في الوصايا.
وبلوغ الانثى بخروج المني ونبات الشعر الخشن على العانة وبتسع على
الأقرب المشهور بين الأصحاب، ويدل عليه موثقة ابن سنان السابقة، ورواية
يزيد الكناسي (6) وغيرهما. وقد روي أنه يحصل بعشر سنين (7).
وذهب ابن الجنيد إلى أن الحجر لا يرتفع عنها إلا بالتزويج (8) والحمل
والحيض دليلان على سبق البلوغ عند الأصحاب.
والمشهور أن الرشد يعتبر فيه ثلاثة امور: كونه غير مفسد للمال بالتضييع،
وكونه مصلحا له على الوجه اللائق بحاله مما يعتبر عند العقلاء بالتنمية مثلا، وأن
لا يصرفه في المصارف التي لا تليق بحاله، ويعتبر كون تلك الامور ملكة له راسخة.

(1) الوسائل 13: 431، الباب 44 من أبواب أحكام الوصايا، ح 11.
(2) الوسائل 13: 431، الباب 44 من أبواب أحكام الوصايا، ح 12.
(3) الوسائل 1: 32، الباب 4 من أبواب مقدمات العبادات، ح 12.
(4) التهذيب 2: 381، الاستبصار 1: 408 و 409.
(5) الوسائل 13: 428، الباب 44 من أبواب أحكام الوصايا.
(6) الوسائل 13: 431، الباب 44 من أبواب أحكام الوصايا، ح 12، الوسائل 1: 31، الباب 4
من أبواب مقدمات العبادات، ح 3.
(7) الوسائل 13: 143، الباب 2 من أبواب أحكام الحجر، ح 2.
(8) نقله عنه العلامة في المختلف 5: 432.
582

ويدل على اعتبار الرشد قوله تعالى: (فإن ءانستم منهم رشدا فادفعوا إليهم
أموالهم) (1) ويختبر باعتنائهم بالأفعال اللائقة بحاله من الامور المذكورة على
وجه يدل على كون ذلك ينشأ عن كيفية راسخة.
والمشهور أنه لا يعتبر فيه العدالة، خلافا للشيخ حيث ذهب إلى اعتبار ذلك
في الرشد (2) نظرا إلى قوله تعالى: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) (3) مع ما روي أن
شارب الخمر سفيه (4) وروي عن ابن عباس في قوله تعالى: (فإن ءانستم منهم
رشدا) (5) هو أن يبلغ ذا وقار وحلم وعقل (6).
وأكثر أهل العلم على عدم اعتبارها، وهو أقرب، لصدق مطلق الرشد على
غير العادل، ولقوله (عليه السلام): الناس مسلطون على أموالهم (7) خرج عنه ما خرج
بالدليل ويبقى الباقي تحت العموم، وللزوم الحرج والضيق والضرر في الجملة.
قال في المسالك: لو اعتبرت العدالة في الرشد لم يقم للمسلمين سوق ولم ينتظم
للعالم حال، لأن الناس إلا النادر منهم إما فاسق أو مجهول الحال، والجهل
بالشرط يقتضي الجهل بالمشروط (8). وما نقل في الروايات (9) وأقوال العلماء
المعاصرين للأئمة مع عموم البلوى بالأيتام وأموالهم المنع من معاملتهم
ومناكحتهم وغير ذلك بدون العدالة.
وقد ورد في النصوص الأمر بالمعاملة والمناكحة مطلقا من غير تقييد بالعدالة.
وفي الأخبار ما يدل على معاملة الفساق وأخذ جوائز العمال والظلمة (10) وما يدل

(1) النساء: 6.
(2) المبسوط 2: 284.
(3) النساء: 5.
(4) الوسائل 13: 434، الباب 45 من أبواب أحكام الوصايا، ح 8.
(5) النساء: 5.
(6) الدر المنثور 2: 435.
(7) عوالي اللآلي 2: 138، ح 383.
(8) المسالك 4: 149.
(9) هذا دليل آخر على القول الثاني أي عدم اعتبار العدالة، والظاهر أن كلمة «ما» في «وما
نقل» نافية.
(10) الوسائل 12: 156 الباب 51 من أبواب ما يكتسب به.
583

على جواز بيع الخشب لمن يعمل صنما والعنب لمن يعمل خمرا (1).
قالوا: وإنما يعتبر العدالة على القول باعتبارها في الابتداء لا في الاستدامة،
ونقل في التذكرة الإجماع عليه (2).
وذكر في التذكرة أيضا: أن الفاسق إن كان ينفق ماله في المعاصي كشرب
الخمور وآلات اللهو والقمار أو يتوصل به إلى الفساد فهو غير رشيد لا يدفع إليه
أمواله إجماعا، لتبذيره ماله وتضييعه إياه في غير فائدة. وإن كان فسقه لغير ذلك
كالكذب ومنع الزكاة وإضاعة الصلاة مع حفظه لماله دفع إليه ماله، لأن الغرض من
الحجر حفظ المال، وهو يحصل بدون الحجر، فلا حاجة إليه، قال: وكذا إذا طرأ
الفسق الذي لا يتضمن لتضييع المال ولا تبذيره، فإنه لا يحجر عليه إجماعا (3).
ويثبت الرشد بالاختبار بما يلائم طبقته من الرجال في الرجال والنساء في
النساء من الأفعال التي يدل على أنه حافظ للمال مصلح غير مضيع له، ويثبت
بشهادة عدلين مطلقا، قالوا: وبشهادة أربع نساء في النساء. ويثبت رشدها بشهادة
رجل وامرأتين بطريق أولى.
وأما السفيه: فهو الذي يضيع المال أو لا يصلحه، أو يصرفه في غير الأغراض
الصحيحة اللائقة بحاله على وجه يكون شيء من ذلك عن ملكة راسخة في
النفس، ولا يوجب السفاهة الغلط والانخداع أحيانا.
والمراد بغير الأغراض الصحيحة ما لا يلائم تصرفات أهل العقل غالبا، مثل
الإنفاق في المحرمات على وجه التبذير، وصرف المال في الأطعمة النفيسة التي
لا يليق بحاله بحسب وقته وبلده وشرفه وضعته، وكذلك شراء اللباس الفاخر
والأمتعة التي لا تليق بحاله. وأما صرف المال في وجوه الخير إذا لم يكن زائدا
على اللائق بحاله فليس بإسراف، وإذا كان زائدا على اللائق بحاله فأسند في

(1) الوسائل 12: 168 الباب 59 من أبواب ما يكتسب به.
(2) التذكرة 2: 75 س 28.
(3) التذكرة 2: 75 س 32.
584

المسالك إلى المشهور أنه كذلك (1) وفي التذكرة أنه تبذير (2).
وما في التذكرة غير بعيد، لإطلاق النهي عن الإسراف والتبذير ويؤيده قوله
تعالى: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) (3) وقوله
تعالى: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط) (4) ففي صحيحة
عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا
ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) (5) وفرق أصابعه وحناها شيئا، وعن قوله تعالى:
(ولا تبسطها كل البسط) فبسط راحته وقال: هكذا، وقال: القوام ما يخرج من
بين الأصابع ويبقى في الراحة منه شيء (6). ويؤيده رواية عجلان ورواية
عبد الملك بن عمرو (7).
وقوله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا) (8) دال على وقوع
الإسراف في البذل والإنفاق أيضا.
وروى ابن أبي نصر في الصحيح عن أبي الحسن (عليه السلام) قال سألته عن قول الله
عز وجل (وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا) قال: كان أبي (عليه السلام) يقول: من
الإسراف في الحصاد والجذاذ أن تصدق الرجل بكفيه جميعا، وكان أبي إذا حضر
شيئا من هذا فرأى أحدا من غلمانه يتصدق بكفيه صاح به: أعط بيد واحدة،
القبضة بعد القبضة والضغث بعد الضغث من السنبل (9).
وفي الحسن إلى ابن أبي عمير عن هشام بن المثنى قال: سأل رجل أبا
عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: (وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب

(1) المسالك 4: 152.
(2) التذكرة 2: 76 س 10.
(3) الفرقان: 37.
(4) الإسراء: 29.
(5) الفرقان: 67.
(6) الوسائل 15: 263، الباب 29 من أبواب النفقات، ح 1.
(7) الوسائل 15: 264، الباب 29 من أبواب النفقات، ح 5 و 6.
(8) الأنعام: 141.
(9) الوسائل 6: 139، الباب 16 من أبواب زكاة الغلات، ح 1.
585

المسرفين) فقال: كان فلان بن فلان الأنصاري - سماه - وكان له حرث وكان إذا
أخذ يتصدق به ويبقى هو وعياله بغير شيء فجعل الله ذلك سرفا (1).
ومما يدل على المطلوب الحديث الطويل المذكور في كتاب الكافي في باب
دخول الصوفية على أبي عبد الله (عليه السلام) (2).
وتعدد الملبوسات وكثرتها ليس بإسراف، للأخبار المتعددة المستفيضة.
وفي حسنة شهاب بن عبد ربه قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ليس في الطعام
سرف (3).
وفي بعض الأخبار: إنما السرف أن يجعل ثوب صونك ثوب بذلتك (4) وفي
بعضها أن السرف أمر يبغضه الله عز وجل حتى طرحك النواة، فإنها يصلح لشيء،
وحتى فضل شرابك (5).
وفي رواية إسحاق بن عبد العزيز عن بعض أصحابنا: ليس فيما أصلح البدن
إسراف. وفيها: إنما الإسراف فيما أفسد المال وأضر بالبدن (6) ونحوه في رواية
اخرى لإسحاق بن عبد العزيز عن رجل (7) ونحوه في رواية أبان بن تغلب (8).
ولو باع السفيه لم يمض بيعه وهبته وإقراره بالمال، ويصح طلاقه وظهاره
وخلعه وإقراره بالنسب إذا لم يوجب النفقة، وإن أوجبها لم يبعد أن يقال: إن
الإقرار يتضمن شيئين: أحدهما إلحاق النسب، وهو ليس بمالي، وثانيهما: الإنفاق،
فيثبت في الأول دون الثاني، ويصح إقراره بما يوجب القصاص، ولا يجوز تسليم

(1) الوسائل 15: 263، الباب 29 من أبواب النفقات، ح 3.
(2) الكافي 5: 65، ح 1.
(3) الوسائل 3: 375، الباب 28 من أبواب أحكام الملابس، ح 7، وليس في السند شهاب بن
عبد ربه.
(4) و (5) الوسائل 3: 374، الباب 28 من أبواب أحكام الملابس.
(6) الوسائل 15: 260، الباب 26 من أبواب النفقات، ح 1.
(7) الوسائل 1: 397، الباب 38 من أبواب آداب الحمام، ح 7.
(8) الوسائل 1: 397، الباب 38 من أبواب آداب الحمام، ح 5.
586

عوض الخلع إليه، ولو وكله أجنبي في بيع أو هبة جاز، ولو تصرف وأجاز الولي
ففي صحته قولان.
والمملوك ممنوع من التصرفات إلا بإذن المولى، ويستثنى من ذلك طلاقه،
فإنه لا يتوقف على إذن المولى، واستثنى في التذكرة ضمانه أيضا.
والمريض لا ينفذ وصيته فيما زاد على الثلث إلا بإمضاء الورثة، وفي
التبرعات المنجزة الزائدة على الثلث خلاف، وسيجئ الترجيح في كتاب
الوصايا إن شاء الله تعالى (1).
وهل يثبت الحجر على السفيه بمجرد ظهور سفهه أم يتوقف على حكم
الحاكم؟ وهل يزول بزوال سفهه أم يتوقف على حكم الحاكم؟ فيه أقوال:
أحدها: التوقف على حكم الحاكم في الموضعين.
وثانيها: عدم التوقف مطلقا.
وثالثها: التوقف في الأول دون الثاني.
ورابعها: عكسه.
والأقرب عندي القول الثاني، لقوله تعالى: (ولا تؤتوا السفهاء
أموالكم...) (2) الآية حيث جعل سبحانه مناط المنع السفه، فلا يحتاج إلى أمر
آخر، وقوله تعالى: (فإن كان الذي عليه الحق سفيها) (3) الآية أثبت تعالى شأنه
الولاية بمجرد السفه، وقوله تعالى: (فإن ءانستم منهم رشدا فادفعوا إليهم
أموالهم) (4) بحسب منطوقه ومفهومه، وارتفاع المقتضي للمنع يقتضي زوال المنع،
ويدل عليه عموم: الناس مسلطون على أموالهم.
وإذا بايعه إنسان كان البيع باطلا، فإن كان المبيع موجودا جاز للبائع
استعادته، وإن تلف وكان القبض بإذن صاحبه وكان عالما بسفهه كان تالفا وإن فك

(1) من قوله: والمملوك ممنوع من التصرفات... إلى هنا قد وقع في الأصل أيضا بين المسائل
المتعلقة بالسفيه، ولم نتحقق وجهه.
(2) النساء: 5.
(3) البقرة: 282.
(4) النساء: 6.
587

حجره وليس عليه ضمان، وإن كان جاهلا فحكمه كذلك على الأشهر.
وفي التذكرة نقل عن بعض الشافعية أن السفيه إذا أتلف المال بنفسه يضمن
بعد رفع الحجر، قال: ولا بأس به. (1) قالوا: وإن كان السفيه قبض المبيع بغير إذن
صاحبه وأتلفه ضمن مطلقا، ولو فك حجره ثم عاد مبذرا حجر عليه، ولو زال فك
حجره، ولا يوقف على العدالة هاهنا على القولين، لأنها معتبرة في الابتداء لا مطلقا.
ولا خلاف بين الأصحاب في أن الولاية في مال الطفل والمجنون للأب والجد
للأب وإن علا، وإذا وقع التعارض بين الأب والجد له فأوقعا عقدا دفعة فهل يقع
باطلا بناء على عدم الرجحان واستحالة الترجيح من غير مرجح، أو يقدم عقد
الأب أو عقد الجد؟ فيه أوجه، والكلام في المال، وسيجئ حكم التزويج. ومع فقد
الأب والجد له وإن علا فالولاية للوصي للأب أو الجد، وإن فقد الوصي فالولاية
للحاكم، ولو جعل الأب أو الجد للوصي أن يوصي أو جوزنا للوصي ذلك مطلقا
فحكم وصيه حكمه، فيقدم على الحاكم. والمراد بالحاكم حيث يطلق في أبواب
الفقه الفقيه الجامع لشرائط الفتوى، ونقل في المسالك الإجماع عليه (2).
وأما المفلس فالولاية في ماله للحاكم لا غير. وأما السفيه فقيل: إن ولايته
للحاكم، سواء بلغ سفيها أو تجدد سفهه بعد الرشد. وجعله في المسالك أشهر
القولين (3). وقيل: إن بلغ سفيها فالولاية للأب والجد، ثم وصي أحدهما، ثم الحاكم،
وإن بلغ رشيدا ثم تجدد سفهه فأمره إلى الحاكم دونهما. واستجوده في المسالك،
نظرا إلى استصحاب ولايتهما في الأول وارتفاعها في الثاني فيحتاج عودها إلى
دليل. قال: والحاكم ولي عام لا يحتاج إلى دليل (4) وفيه تأمل بناء على عدم ثبوت
حجية أمثال هذه الاستصحابات، وعموم ولاية الحاكم مطلقا في محل المنع، وإنما
يثبت لو ثبت عدم ولاية الأب والجد هاهنا.

(1) التذكرة 2: 78 س 26.
(2) المسالك 4: 162.
(3) المسالك 4: 162.
(4) المسالك 4: 162.
588

ويمكن الاستدلال على الأول بقوله تعالى: (وابتلوا اليتامى...) (1) الآية، كما
يظهر بالتأمل في سياق الآية، وعلى الثاني بأنه لابد من ولي يباشر اموره، وليس
أحد يساويه، لرجحانه في العلم والديانة، ولأن «العلماء ورثة الأنبياء» و «أنهم
بمنزلة أنبياء بني إسرائيل»، ولا شك في ثبوت ذلك للأنبياء فيكون للعلماء أيضا،
ولأن الفقيه نائب ولي الأصل بمقتضى بعض الأخبار المؤيدة بالشهرة ونقل
الاتفاق. ولا يبعد القول بثبوت ذلك لمن يوثق بدينه وأمانته بعد تعذر ذلك كله
تسوية بينه وبين مال اليتيم. ودلالة الآية، وصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع (2)
المؤيدة برواية إسماعيل بن سعد الأشعري (3) على ثبوته هناك.
واعلم أن أكثر العبارات خالية عن اشتراط العدالة في الأب والجد، وفي
القواعد وشرحه (4) إشارة إليه، والأصل يقتضي العدم، وكذا في الوصي، لعموم
الروايات الدالة على إجراء حكم الوصي من غير اشتراط العدالة، وفيه خلاف بين
الأصحاب.
وإذا كان الحج عليه واجبا فلا اعتراض للولي عليه، سواء زادت نفقته في
السفر على الحضر أم لا، لكن يتولى الولي النفقة عليه أو وكيله، وكذا النذر إذا تقدم
سببه على الحجر، وإذا كان الحج مندوبا فكذلك إذا لم تزد نفقته الحضر أو أمكنه
تكسبا في السفر، وفي غير ذلك تأمل.
وينعقد يمينه إذا لم يكن متعلقه المال، وكذا النذر والعهد، ولو كان متعلق
اليمين أو النذر مالا في زمان معين لم ينعقد إذا كان سفيها في ذلك الزمان، وإن
كان مطلقا صح وروعي في إنفاذه الرشد.
وإذا حلف على شيء وحنث وجبت عليه الكفارة، وهل يجوز له التكفير

(1) النساء: 6.
(2) الوسائل 12: 270، الباب 16 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 2.
(3) الوسائل 12: 269، الباب 16 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 1.
(4) القواعد 2: 564، إيضاح الفوائد 2: 627.
589

بالمال؟ فيه تردد. ولو وجب له قصاص جاز له أن يعفو عنه. قالوا: ولو وجب له
دية لا يجوز له أن يعفو عنها.
ويختبر الصبي، ومحله قبل البلوغ، لظاهر الآية. وفي المسالك أنه لا خلاف
فيه عندنا قال: نعم شارحا القواعد حملا عبارته على أن الاختبار بعد البلوغ (1).

(1) المسالك 4: 166.
590

كتاب الضمان
591

كتاب الضمان
وفيه أقسام:
الأول
ضمان المال ممن ليس عليه للمضمون عنه مال
وفيه فصول:
الأول في الضامن
ولابد أن يكون مكلفا، فلا يصح ضمان الصبي ولا المجنون، ولو ضمن
المملوك بغير إذن سيده ففي صحته قولان:
أحدهما: عدم الصحة وهو مختار المحقق (1).
وثانيهما: الصحة، واستقربه العلامة في التذكرة (2) ولعل الترجيح للأول، لظاهر
الآية (3) وعلى الثاني يتبع به بعد العتق، لأن كسبه مملوك للمولى.
ولو ضمن بإذن المولى وأطلق فلم يشترط الأداء من الكسب ولا الصبر إلى
أن يعتق فهل يتعلق بذمته أم بكسبه؟ فيه قولان.
ولو أذن له مولاه في الضمان في كسبه فالظاهر أنه يصح، كما قطع به
المحقق (4). ولو شرط الضامن كون ضمانه من مال معين فالظاهر أنه يصح الضمان

(1) الشرائع 2: 107.
(2) التذكرة 2: 87 س 26.
(3) النحل: 75.
(4) الشرائع 2: 107.
592

وينحصر وجوب الأداء فيه، وهل هو يتعلق به كتعلق الدين بالرهن أو تعلق
الأرش بالجاني؟ فيه وجهان.
واشترط الشيخ في المبسوط علم الضامن بالمضمون له والمضمون عنه (1).
واعتبر العلامة في المختلف العلم بالمضمون عنه لا المضمون له. ونفى الاشتراط
فيهما في غيره (2) ولعل ذلك هو الأقرب.
والأشهر الأقرب اشتراط رضى المضمون له في صحة الضمان، لصحيحة
عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) (3). وفيه خلاف للشيخ، استنادا إلى أن عليا (عليه السلام)
وأبا قتادة ضمنا الدين عن الميت ولم يسأل النبي (صلى الله عليه وآله) عن رضى المضمون له (4).
] وروى ما في معناه معاوية بن وهب في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) [(6) وفي
الدلالة تأمل، لكن يدل عليه موثقة إسحاق بن عمار (7) لكنها يضعف عن مقاومة
الصحيح المعتضد بالشهرة والاعتبار العقلي. ولا عبرة برضى المضمون عنه.
ولو أنكر المضمون عنه بعد الضمان لم تبطل على الأقرب، وإذا تحقق الضمان
انتقل الحق إلى ذمة الضامن وبرئ المضمون عنه عن حق المضمون له، لا أعرف
فيه خلافا بين الأصحاب، ويشهد له الخبر، ولو أبرأ المضمون له المضمون عنه لم
يبرأ الضامن. وفي التذكرة ادعى إجماع علمائنا على ذلك (8).
قالوا: ويشترط فيه الملاءة أو العلم بالإعسار. وموثقة الحسن بن الجهم (9) لا
يخلو عن دلالة ما على اعتبار الملاءة، ورواية عيسى بن عبد الله (10) على الجواز

(1) المبسوط 2: 323.
(2) المختلف 5: 455.
(3) الوسائل 13: 149، الباب 2 من أبواب الضمان، ح 1.
(4) الخلاف 3: 313، المسألة 2.
(5) الوسائل 13: 150، الباب 2 من أبواب الضمان، ح 2.
(6) لم يرد في «خ 2».
(7) الوسائل 13: 99، الباب 14 من أبواب الدين، ح 2.
(8) التذكرة 2: 93 س 36.
(9) الوسائل 13: 152، الباب 4 من أبواب الضمان، ح 1.
(10) الوسائل 13: 153، الباب 4 من أبواب الضمان ذيل الحديث 1.
593

عند العلم بالإعسار. ولعل اشتراط ذلك في لزوم الضمان لا في صحته، فلو ضمن
ثم بان إعساره كان للمضمون له فسخ الضمان والعود على المضمون عنه.
والضمان المؤجل يعني تأجيل الدين الحال في العقد جائز لا أعرف فيه
خلافا. وفي ضمان المؤجل حالا خلاف.
ويرجع الضامن على المضمون عنه بما أداه إن ضمن بإذنه عند الأصحاب ولو
أدى بغير إذنه. ويدل عليه ما رواه الشيخ بإسناده عن عمر بن يزيد - الثقة - قال:
سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل ضمن عن رجل ضمانا ثم صالح عليه؟ قال: ليس
له إلا الذي صالح عليه (1). ورواه الكليني عن عمر بن يزيد بإسناد معتبر لا يبعد أن
يكون صحيحا (2). وروى الشيخ عن ابن بكير في الموثق قال: سألت أبا
عبد الله (عليه السلام) مثله إلا أنه قال: ثم صالح على بعض ما صالح عليه (3). وبإسناد آخر
مثله (4). ونقله ابن إدريس من كتاب عبد الله بن بكير (5). وعندهم أنه لا يرجع إن
ضمن بغير إذنه ولو كان الأداء بإذنه، والروايتان المذكورتان مطلقتان. وروى
الحسين بن خالد قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك قول الناس: الضامن
غارم؟ قال: فقال: ليس على الضامن، إنما الغرم على من أكل المال (6).
الثاني في الحق المضمون
وهو كل مال ثابت في الذمة، سواء كان مستقرا أو متزلزلا كالثمن في مدة
الخيار، وفي ضمان مال الجعالة قبل فعل ما شرط خلاف بينهم.
ويصح ضمان النفقة الماضية والحاضرة للزوجة دون المستقبلة. وفي ضمان
الأعيان المضمونة كالغصب والمقبوض بالبيع الفاسد تردد.

(1) التهذيب 6: 210، ح 490.
(2) الكافي 5: 259، ح 7.
(3) التهذيب 6: 206، ح 473.
(4) التهذيب 6: 201، ح 489.
(5) مستطرفات السرائر: 137، ح 4.
(6) الوسائل 13: 149، الباب 1 من أبواب الضمان، ح 1.
594

ولا يصح ضمان ما هو أمانة كالمضاربة والوديعة. ويصح ترامي الضمان
ودوره. ولو لم يعلم كمية المال ولم يمكن الاستعلام فالظاهر أنه لا يصح الضمان،
أما لو أمكنه الاستعلام ففي صحته قولان.
الثالث في اللواحق
وفيه مسائل:
الاولى: يصح ضمان عهدة الثمن للمشتري عن البائع إذا كان قد قبضه البائع
- والشرط الذي هو ثبوت الحق في ذمة المضمون عنه وقت الضمان متحقق في
نفس الأمر - على تقدير ظهور المبيع مستحقا للغير ولم يجز المالك البيع أو أجازه
ولم يرض بقبض البائع الثمن، ومثله ما لو تبين خلل في البيع كتخلف شرط معتبر
في صحته.
ولو تجدد الفسخ بالتقايل لم يلزم الضمان ورجع على البائع، وكذا لو تلف
المبيع قبل القبض على الأشهر بينهم، إذ لا فساد للبيع حين الضمان.
وفي التذكرة بنى حكم تلف المبيع قبل القبض على أن التلف هل يبطل البيع
من حينه أو من أصله، فعلى الأول لا يتناوله الضمان دون الثاني (1).
ولو فسخ المشتري بعيب سابق فالأشهر أنه لم يلزمه الضمان، وفيه خلاف.
وإذا خرج بعض المبيع مستحقا ولم يجز المالك رجع على الضامن بما قابل
المستحق، ثم إن فسخ المشتري لتبعض الصفقة فالمشهور أنه يطالب البائع بثمنه،
وخالف الشيخ فجوز الرجوع على الضامن بالجميع (2). قالوا: ولا يصح أن يضمن
ضامن للمشتري درك ما يحدث من بناء أو غرس، لأنه ضمان ما لم يجب.
الثانية: يرجع الضامن على المضمون عنه إذا ضمن بإذنه بما أداه إن لم يزد
عن الحق، فلو أبرأه البعض لم يرجع به على المضمون عنه عند الأصحاب، ولم
أطلع على نص يدل عليه إلا في الصلح كما مر.

(1) التذكرة 2: 92 س 32.
(2) المبسوط 2: 328.
595

ولو قبض منه الجميع ثم وهبه فالظاهر أنه يجوز له الرجوع على المضمون عنه.
قالوا: ولو دفع عرضا عن مال الضمان رجع بأقل الأمرين من قيمته ومن
الدين، ولا فرق في ذلك بين أن يكون قد رضي المضمون له بالعرض عن دينه بغير
عقد، وبين أن يصالحه الضامن به عن دينه.
الثالثة: إذا ضمن بإذن المضمون عنه ثم اختلف الضامن والمضمون له في
الدفع فالقول قول المضمون له، لأنه منكر. فإن شهد المضمون عنه للضامن قبلت
شهادته مع انتفاء التهمة، ولو لم يكن مقبولا ولم يكن بينة اخرى فحلف المضمون
له كان له مطالبة الضامن، ويرجع الضامن على المضمون عنه بما أداه أولا بشرط
مساواته للحق أو قصوره عنه، وإلا رجع بأقل من الأمرين. ولو لم يشهد المضمون
عنه رجع الضامن عليه بما أداه أخيرا إذا لم يزد على ما ادعى دفعه أولا ولا على
الحق، وإلا رجع بالأقل من الثلاثة.
القسم الثاني
الحوالة
وهي عقد شرع لتحويل مال من ذمة إلى ذمة مشغولة بمثله.
ويشترط فيها رضى المحيل والمحتال اتفاقا، واشتراط رضى المحال عليه
مشهور بين الأصحاب، بل ادعى الشيخ الإجماع عليه (1).
وقوى في المسالك عدم اشتراط رضى المحال عليه وقال: نعم لو كانا يعني
الجنسين مختلفين وكان الغرض استيفاء مثل حق المحتال توجه اعتبار رضى
المحال عليه، لأن ذلك بمنزلة المعاوضة الجديدة، فلابد من رضى المتعاوضين
ومع ذلك لو رضي المحتال بأخذ جنس ما على المحال عليه زال المحذور، قال:
ثم على تقدير اعتبار رضى المحال عليه ليس هو على حد رضى الآخرين، لأن
الحوالة عقد لازم من جملة العقود اللازمة، فلا يلتئم إلا بإيجاب وقبول،

(1) الخلاف 3: 305، المسألة 2.
596

فالإيجاب من المحيل والقبول من المحتال. ويعتبر فيهما ما يعتبر في غيرهما من
اللفظ والمقارنة وغيرهما. وأما رضى المحال عليه فيكفي كيف اتفق مقارنا أم
متراخيا، وربما اكتفى به متقدما أيضا، لحصول الغرض المطلوب منه بذلك كله.
قال: ويستثنى من القول بعدم اعتبار رضاه ما لو كان بريئا من حق المحيل،
فإن رضاه معتبر إجماعا، ويستثنى من اعتبار رضى المحيل ما لو تبرع المحال
عليه بالوفاء، فإنه لا يعتبر رضى المحيل قطعا، لأنه وفاء دينه وضمانه بغير إذنه،
والعبارة عنه حينئذ أن يقول المحال عليه للمحتال: أحلت بالدين الذي لك على
فلان على نفسي، فيقبل (1) انتهى.
والحوالة تفيد نقل المال وتحوله من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، وقيل:
إنه موضع وفاق منا ومن العامة إلا من شذ منهم (2).
والمحيل يبرأ من حق المحتال بمجرد الحوالة وإن لم يبرئه المحتال على
الأشهر الأقرب، لصحيحة أبي أيوب الخزاز عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) وموثقة منصور
ابن حازم عنه (عليه السلام) (4) ورواية عقبة بن جعفر عن أبي الحسن (عليه السلام) (5).
وخالف فيه الشيخ وجماعة (6) استنادا إلى حسنة زرارة عن الباقرين (عليهما السلام) في
الرجل يحيل الرجل بمال كان له على رجل فيقول له الذي احتال: برئت من مالي
عليك؟ قال: إذا أبرأه فليس له أن يرجع عليه، وإن لم يبرئه فله أن يرجع على الذي
أحاله (7). وهي مروية بإسنادين آخرين ضعيفين. والأقرب في الجمع بين الأخبار
حمل هذه الرواية على السلب الكلي والإيجاب الجزئي كما هو ظاهر السلب
والإيجاب، فيكون المراد في الإيجاب أن له أن يرجع إليه في بعض الأحيان، وهو

(1) المسالك 4: 213 و 214.
(2) المسالك 4: 214.
(3) الوسائل 13: 158، الباب 11 من أبواب الضمان، ح 1.
(4) الوسائل 13: 158، الباب 11 من أبواب الضمان، ح 3.
(5) الوسائل 13: 159، الباب 11 من أبواب الضمان، ح 4.
(6) النهاية 2: 39، الكافي في الفقه: 340، الوسيلة: 282.
(7) الوسائل 13: 158، الباب 11 من أبواب الضمان، ح 2.
597

ما إذا ظهر إعسار المحال عليه حال الحوالة مع جهل المحتال بحاله.
والظاهر أنه يصح الحوالة على من ليس عليه دين، لكن يرجع هذا إلى
الضمان، وللشيخ قول بالمنع (1). وإذا أحاله على الملي لم يجب القبول، ولو قبل لم
يكن له الرجوع ولو افتقر، لا أعرف فيه خلافا بيننا، ويدل عليه عموم صحيحة أبي
أيوب (2) وموثقة منصور (3) وخصوص رواية عقبة بن جعفر عن الكاظم (عليه السلام).
ولو قبل الحوالة جاهلا بحاله ثم بان إعساره وقت الحوالة كان له الفسخ والعود
على المحيل، لموثقة منصور بن حازم وصحيحة أبي أيوب. ولو كان مليا وقت
الحوالة ثم تجدد له إعسار فلا خيار، ولو انعكس الفرض فالأقرب ثبوت الخيار.
ويصح ترامي الحوالات، وإذا أدى المحيل الدين بعد الحوالة بمسألة المحال
عليه رجع عليه، وإن تبرع لم يرجع ويبرأ ذمة المحال عليه. والمشهور أنه يشترط
في المال أن يكون معلوما ثابتا في الذمة.
واشترط الشيخ وجماعة تساوي المالين وهما المحال به والمحال عليه
جنسا ووصفا (4). وفيه تأمل.
ولو أدى المحال عليه بعد الحوالة ثم طالب المحيل فادعى أنه أدى ما على
ذمته فالقول قول المحال عليه، ولو قال: أحلتك عليه، فقبض، فقال المحيل: قصدت
الوكالة، وقال المحتال: إنما أحلتني بما عليك، قيل: القول قول المحيل (5). وفيه تردد.
القسم الثالث
الكفالة
ويشترط فيها رضى الكفيل والمكفول له، والمشهور بين علمائنا أنه لا

(1) المبسوط 2: 321.
(2) الوسائل 13: 158، الباب 11 من أبواب الضمان، ح 1.
(3) الوسائل 13: 159، الباب 13 من أبواب الضمان، ح 3.
(4) المبسوط 2: 313، الوسيلة: 282.
(5) الشرائع 2: 114.
598

يشترط رضى المكفول، خلافا للشيخ (1) وابن إدريس (2) والعلامة في التحرير (3).
والمشهور أنها تصح حالة ومؤجلة. واشترط الشيخ وجماعة (4) فيها الأجل
كالضمان. ولعل الأول أقرب. وإذا شرط الأجل فلابد أن يكون الأجل معلوما عند
الأصحاب، فإن سلمه في الوقت والمكان المشروطين إن عيناهما في العقد أو في
بلد العقد مع الإطلاق ولا يكون للمكفول له مانع من تسلمه بأن يكون في حبس أو
يد ظالم مانع من التسليم أو لا يتمكن المكفول له من تسلمه لضعفه أو قوة المكفول
ونحو ذلك فقد برئ مما عليه، وإن لم يتسلمه فالظاهر أنه برئ الكفيل ولا يحتاج
إلى تسليمه إلى الحاكم، وفيه خلاف.
والأقرب أن الإشهاد غير معتبر في براءته، والحاجة إليه لأجل الإثبات. وإذا
امتنع من التسليم التام ألزمه الحاكم به، فإن أبى حبسه حتى يحضره وله عقوبته
عليه كما في كل من يمتنع من أداء الحق، فإن أبى من التسليم وبذل ما عليه فعند
جماعة من الأصحاب الاكتفاء به في براءته، وهذا إنما يصح فيما يمكن أخذه
كالمال، فلو لم يمكن كالقصاص وزوجية المرأة والدعوى بما يوجب حدا أو
تعزيرا فلابد من إلزامه بإحضاره، وذهب جماعة من الأصحاب منهم العلامة في
التذكرة أنه لا يتعين على المكفول له قبول الحق، بل له إلزامه بالإحضار مطلقا (5).
ولا يبعد ترجيح هذا القول.
وذكر الشيخ (رحمه الله) في النهاية وجماعة من الأصحاب أنه لو قال: إن لم احضره
كان علي كذا، لم يلزمه إلا إحضاره دون المال، ولو قال: علي كذا إلى كذا إن لم
احضره، وجب عليه ما شرط من المال (6). ونقل بعض المتأخرين الإجماع عليه (7).

(1) المبسوط 2: 337.
(2) السرائر 2: 77.
(3) التحرير 1: 224 س 33.
(4) النهاية 2: 38، المقنعة: 815، الكافي في الفقه: 339، الوسيلة: 281.
(5) انظر التذكرة 2: 102.
(6) النهاية 2: 38.
(7) التنقيح الرائع 2: 196، جامع المقاصد: 393.
599

ومنعه في المسالك وقال: الموجود كلامهم في المسألة جماعة يسيرة
والباقون لا نعرف حكمهم فيها، ومع ذلك فقد ذكرها العلامة في المختلف. وحكى
فيه كلام الشيخ ومن تبعه ثم قال: وعندي في هذه المسألة نظر، ثم نقل فيها عن ابن
الجنيد حكما يخالف ما ذكره الشيخ والجماعة وقال: إن كلام ابن الجنيد أنسب،
وللمصنف وحده فيها قولان هاهنا وفي النافع، وللعلامة فيها أربعة مذاهب (1)
انتهى.
واعلم أن مستند الحكم في المسألة روايتان:
الاولى: ما رواه الشيخ عن أبي العباس في الموثق قال: سألته عن الرجل
يكفل بنفس الرجل إلى أجل، فإن لم يأت به فعليه كذا وكذا درهما؟ قال: إن جاء
به إلى أجل فليس عليه مال وهو كفيل بنفسه أبدا، إلا أن يبدأ بالدراهم، فإن بدأ
بالدراهم فهو له ضامن إن لم يأت به إلى الأجل الذي أجله (2).
الثانية: ما رواه عن أبي العباس أيضا في الموثق قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
رجل كفل لرجل بنفس رجل فقال: إن جئت به وإلا فعلي خمسمائة درهم؟ قال:
عليه نفسه ولا شيء عليه من الدراهم، فإن قال: علي خمسمائة درهم إن لم أدفعه
إليه، فقال: يلزمه الدراهم إن لم يدفعه إليه (3).
وللأصحاب في توجيه الحديث أقوال، والذي يخطر بالبال في تفسير الخبر
الأول أن المراد أنه كفل بنفس الرجل وشرط في ضمن العقد أنه إن لم يأت به كان
عليه كذا، فإنه يصير بذلك كفيلا أبدا وليس عليه المال الذي اشترطه إن أتى
بالمكفول في الأجل.
وقوله (عليه السلام) «إلا أن يبدأ بالدراهم» يعني: إلا أن يبدأ بالدراهم الذي على ذمة
المديون فضمنه من غير أن يكفل، فإن بدأ بالدراهم بالمعنى الذي ذكرناه فهو له
ضامن يعني ضامن للدراهم. وتذكير الضمير بتأويل الدراهم بالمال، وتقييد

(1) المسالك 4: 240.
(2) التهذيب 6: 209، ح 488.
(3) التهذيب 6: 210، ح 493.
600

الضمان بعدم الإتيان في الأجل مع ثبوته من حين العقد من باب المساهلة في
التعبير ولا نظر فيه إلى اعتبار مفهومه. ويحتمل أن يكون المقصود أنه ضامن للمال
الذي كان على المديون حسب إن لم يأت به في الأجل، وليس عليه غير ذلك إن
لم يشترط بمال عند عدم الإتيان في الأجل كما في الصورة السابقة، وتقديم
الظرف لا يخلو عن إشعار بذلك. ويحتمل أن يرجع ضمير «له» إلى المديون، وكذا
الضمير المستتر في «لم يأت» أو يرجع الأول إلى المال والثاني إلى المديون،
ويكون المقصود أن الرجل ضامن للمديون أو للمال، بمعنى أنه يجب عليه الإتيان
بالمال إن لم يتبرع المديون بالإتيان بالمال في الأجل الذي أجله الضامن.
والتقييد بالشرط مبني على شيوع تبرع المديونين بأداء المال حيث كان المال
عليهم، والضمان في كثير من الأحوال يرجع إلى مصلحتهم.
وأما الخبر الثاني فتوجيهه أن الكفالة يقتضي إحضار النفس وليس على
الكفيل شيء سواه، وحيث اشترط في ضمن العقد أن عليه خمسمائة درهم إن لم
يحضره كان عليه الخمسمائة بشرط عدم الإحضار. ومقصوده (عليه السلام) بقوله: «عليه
نفسه وليس عليه شيء من الدراهم» أنه لم يلزم عليه بسبب الكفالة المذكورة
سوى نفسه. فإن قال: علي خمسمائة درهم إن لم أدفعه، لزم عليه بسبب الشرط
المذكور الخمسمائة على تقدير عدم الإتيان، فبين أولا ما هو اللازم عليه مطلقا،
وثانيا ما لزم عليه على بعض التقديرات، وذكر ما هو منشأ لزومه عليه، وذلك نظير
ما إذا سأل سائل فقال: إذا نذر رجل الحج في هذه السنة ثم نذر أن يتصدق بألف
دينار إن لم يحج في هذه السنة ماذا يجب عليه؟ فأجاب مجيب بأنه ليس عليه
واجب سوى الحج في هذه السنة ويلزم عليه التصدق بالألف إن لم يحج في هذه
السنة إن نذر أن يتصدق بالألف إن لم يحج في هذه السنة، وما ذكرنا من التوجيه
أقل تكلفا مما قيل في هذا المقام.
ومن أطلق غريما من يد صاحب الحق المستحق لأخذه منه فالظاهر أنه
يجب عليه إعادته إليه، وعلى الحاكم الإجبار مع الامتناع. ولو تعذر فالظاهر أنه
601

يجب عليه أداء الحق إن كان ماليا، وحيث يؤخذ منه المال فالظاهر أنه لا رجوع
له على الغريم. ولو كان قاتلا لزمه إحضاره أو دفع الدية مع التعذر ويدل عليه ما
رواه الكليني عن حريز في الصحيح والحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن
رجل قتل رجلا عمدا فرفع إلى الوالي فدفعه الوالي إلى أولياء المقتول ليقتلوه
فوثب عليهم قوم فخلصوا القاتل من أيدي الأولياء؟ قال: أرى أن يحبس الذي
خلص (1) القاتل من أيدي الأولياء حتى يأتوا بالقاتل، قال: فإن مات القاتل وهم
في السجن؟ قال: وإن مات فعليهم الدية يؤدونها جميعا إلى أولياء المقتول (2). وإن
تمكن الولي من القاتل وجب عليه رد الدية إلى المخلص.
ولو خلص الغريم من يد الكفيل وتعذر استيفاء الحق وأخذ المال أو الدية من
الكفيل كان له الرجوع على المخلص. ولو أحضر الغريم قبل الأجل فالأشهر
الأقرب أنه لا يجب عليه تسلمه، خلافا للشيخ (3).
ويجب أن يكون التسليم تاما، ولا يعتد بالتسليم الممنوع معه من استيفاء
الغرض، وحبس الحاكم غير مانع، بخلاف حبس الظالم.
وإذا كان المكفول غائبا يعرف موضعه ولم ينقطع خبره انظر بمقدار يمكنه فيه
الذهاب إليه والعود به بعد مطالبة المكفول له بالإحضار، ولو لم يعرف موضعه
لانقطاع خبره لم يكلف الكفيل إحضاره، لعدم الإمكان، ولا شيء عليه، لأنه لم
يضمن المال وامتنع الإحضار.
وإذا مات المكفول برئ الكفيل، وكذا لو جاء المكفول وسلم نفسه، ولو سلمه
أجنبي فكذلك. وإذا تكفل بتسليمه مطلقا انصرف إلى بلد العقد، وإن عين زمانا أو
مكانا تعين، ولو سلمه في غيره لم يبرأ على الأقرب.
ولو اتفقا على الكفالة وقال الكفيل: لا حق لك عليه فالظاهر أن القول قول
المكفول له مع يمينه. وإذا تكفل رجلان برجل فسلمه أحدهما قيل: لم يبرأ الآخر،

(1) في المصدر: الذين خلصوا.
(2) الكافي 7: 286، ح 1.
(3) المبسوط 2: 338.
602

وقيل: يبرأ، وهو الأجود.
ويجوز ترامي الكفالات. ولو قال الكفيل: أبرأت المكفول، وأنكره المكفول
له، فالقول قوله مع يمينه، ولو رد اليمين على الكفيل فحلف برئ من الإحضار، ولم
يبرأ المكفول من الحق.
603

كتاب الصلح
605

كتاب الصلح
قال في التذكرة: الصلح عقد شرع لقطع التنازع، وهو عقد سائغ بالنص
والإجماع.
والنص من الكتاب قوله تعالى: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو
إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير) (1) وقوله: (وإن
طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) (2).
ومن السنة من طريق العامة عن أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: الصلح جائز
بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا (3) إلى أن قال: ومن الخاصة ما
رواه حفص بن البختري - في الحسن بإبراهيم - عن الصادق (عليه السلام) قال: الصلح
جائز بين الناس (4).
وفي الصحيح عن الباقر والصادق (عليهما السلام) أنهما قالا في الرجلين كان لكل
واحد منهما طعام عند صاحبه ولا يدري كل واحد منهما كم له عند صاحبه، فقال:
كل واحد منهما لصاحبه: لك ما عندك ولي ما عندي، فقال: لا بأس بذلك. وقد
أجمعت الامة على جواز الصلح في الجملة ولم يقع بين العلماء فيه خلاف (5). انتهى.

(1) النساء: 128.
(2) الحجرات: 9.
(3) تلخيص الحبير 3: 44، ح 1246.
(4) الوسائل 13: 164، الباب 3 من أبواب الصلح، ح 1.
(5) التذكرة 2: 176 س 42.
606

والرواية التي أشار إليها رواية محمد بن مسلم في الصحيح عن الباقر (عليه السلام) (1)
ورواية منصور في الصحيح عن الصادق (عليه السلام) (2) وفي الروايتين: إذا تراضيا وطابت
به أنفسهما.
وقال الصدوق: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): البينة على المدعي واليمين على المدعى
عليه، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا (3).
وروى عمر بن يزيد في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا كان للرجل
على الرجل دين فمطله حتى مات ثم صالح ورثته على شيء فالذي أخذ الورثة
لهم وما بقي فهو للميت يستوفيه منه في الآخرة، وإن هو لم يصالحهم على شيء
حتى مات فهو للميت يأخذه به (4) وفي هذا الحديث فوائد.
وبالجملة لا نزاع في صحة عقد الصلح في الجملة، ولا أعرف خلافا بين
أصحابنا في أنه لا يشترط في صحة الصلح سبق النزاع. ويدل عليه العمومات
وغيرها.
والمشهور بين أصحابنا أنه عقد مستقل بنفسه.
وفي التذكرة: الصلح عند علمائنا أجمع عقد قائم بنفسه ليس فرعا على
غيره (5).
ونقل عن الشيخ قول بأنه فرع على عقود خمسة، فهو فرع البيع إذا أفاد نقل
الملك بعوض معلوم، وفرع الإجارة إذا وقع على منفعة مقدرة بمدة معلومة بعوض
معلوم، وفرع الهبة إذا تضمن ملك العين بغير عوض، وفرع العارية إذا تضمن إباحة
منفعة بغير عوض، وفرع الإبراء إذا تضمن إسقاط دين (6).

(1) الوسائل 13: 165، الباب 5 من أبواب الصلح، ح 1.
(2) الوسائل 13: 165، الباب 5 من أبواب الصلح ذيل الحديث 1.
(3) الفقيه 3: 32، ح 3267.
(4) الوسائل 13: 166، الباب 5 من أبواب الصلح، ح 4.
(5) التذكرة 2: 177 س 7.
(6) المبسوط 2: 288.
607

فعند الشيخ لابد في الأول من شرائط البيع ويجري فيه جميع أحكامه من
اشتراط الكيل والوزن والتقابض في المجلس إن كان صرفا وعدم الربا، وكذا
في غيره.
ولعل الأول أقرب، لكونه غير البيع، فيصح، لكونه تجارة عن تراض، وعموم:
(أوفوا بالعقود) (1) و: المؤمنون عند شروطهم (2) وقوله (صلى الله عليه وآله): الصلح جائز، وكونه
فرعا لغيره يحتاج إلى دليل، وصحيحة محمد ومنصور السابقة، وعموم صحيحة
الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) وغير واحد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يكون عليه
الشيء فيصالح؟ فقال: إذا كان بطيبة نفس من صاحبه فلا بأس (3) وعموم صحيحة
عمر بن يزيد المتقدمة في الضمان وموثقته قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل
ضمن على رجل ضمانا ثم صالح على بعض ما يصالح عليه؟ قال: ليس له إلا
الذي صالح عليه (4).
ويصح الصلح مع الإقرار والإنكار، ولا أعرف فيه خلافا بينهم. والمراد
بصحته مع الإنكار صحته بحسب الظاهر، وأما بحسب نفس الأمر فلا يستبيح كل
منهما ما وصل إليه بالصلح مع إنكاره الحق، فإذا أنكر المدعى عليه الحق الثابت
في ذمته وصولح على قدر بعض ما عليه لم يستبح المنكر ما بقي له من حق
المدعى عينا أو دينا، ويدل عليه صحيحة عمر بن يزيد السابقة.
قال في المسالك: لو كان قد صالح عن العين بمال آخر - يعني منكر الحق -
فهي بأجمعها في يده مغصوبة، ولا يستثنى له منها مقدار ما دفع، لعدم صحة
المعاوضة في نفس الأمر، وكذا لو انعكس وكان المدعى مبطلا في نفس الأمر لم
يستبح ما صولح به من عين ودين. قال: لأن هذا كله أكل مال بالباطل، وإنما صالح
المحق المبطل دفعا لدعواه الكاذبة، وقد يكون استدفع بالصلح ضررا عن نفسه أو

(1) المائدة: 1.
(2) عوالي اللآلي 2: 257، ح 7.
(3) الوسائل 13: 166، الباب 5 من أبواب الصلح، ح 3.
(4) الوسائل 13: 153، الباب 6 من أبواب الصلح، ح 1.
608

ماله، ومثل هذا لا يعد تراض يبيح أكل مال الغير. وهو حسن. وقال فيه أيضا: لو
كانت الدعوى مستندة إلى قرينة تجوزها كما لو وجد المدعي بخط مورثه أن له
حقا على أحد أو شهد له من لا يثبت بشهادته الحق ولم يكن المدعي عالما بالحال
وتوجهت له اليمين على المنكر فصالحه على إسقاطها بمال أو قطع المنازعة
فالمتجه صحة الصلح في نفس الأمر، لأن اليمين حق يصح الصلح على إسقاطها،
ومثله ما لو توجهت الدعوى بالتهمة، حيث يتوجه اليمين على المنكر ولا يمكن
ردها انتهى (1). وفيه تأمل.
والصلح عام في كل شيء إلا ما أحل حراما أو حرم حلالا. وفسر تحليل
الحرام بالصلح على استرقاق حر أو استباحة بضع لا سبب لإباحته غيره أو
ليشتريا أو أحدهما الخمر ونحو ذلك، وتحريم الحلال بأن لا يطأ أحدهما حليلته،
أو لا ينتفع بماله ونحو ذلك.
ويصح المصالحة مع علم المصطلحين بلا ريب ومع جهلهما، ويدل عليه
صحيحة محمد بن مسلم وصحيحة منصور السابقتين (2) وموثقة منصور (3) أيضا.
ولو كان أحدهما عالما به دون الآخر فإن كان الجاهل المستحق، قال في
المسالك: لم يصح الصلح في نفس الأمر، إلا أن يعلمه بالقدر أو يكون المصالح به
قدر حقه مع كونه غير متعين (4). وهو غير بعيد، لرواية ابن أبي عمير والقاسم بن
محمد عن علي بن أبي حمزة (5) لكن يعارضه عموم صحيحة الحلبي وغير واحد
عن الصادق (عليه السلام) (6).
ولو رضي صاحب الحق باطنا بالصلح بذلك القدر ولو علم قدر حقه فحينئذ

(1) المسالك 4: 262.
(2) الوسائل 13: 165، الباب 5 من أبواب الصلح، ح 1 وذيله.
(3) التهذيب 6: 706، ح 470.
(4) المسالك 4: 263.
(5) الوسائل 13: 166، الباب 5 من أبواب الصلح، ح 2.
(6) الوسائل 13: 166، الباب 5 من أبواب الصلح، ح 3.
609

يصح الصلح كما صرح في التذكرة (1) والمسالك (2) ويدل عليه صحيحة الحلبي
وغير واحد عن الصادق (عليه السلام) (3).
وفي المسالك: ولو انعكس الفرض بأن كان المستحق عالما بالقدر والغريم
جاهلا ويريد التخلص منه لم يصح الصلح بزيادة عن الحق، بل بقدره فما دون (4).
وهو عقد لازم على المشهور من كونه عقدا مستقلا بنفسه إلا إذا اتفقا على
فسخه، لوجوب الإيفاء بالعقود والشروط، ويجيء على قول الشيخ جوازه في
بعض موارده (5).
وإذا اصطلح الشريكان على أن يكون الربح لأحدهما والخسران عليه
ولصاحبه رأس المال صح، لرواية الحلبي وأبي الصباح جميعا في الصحيح عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (6) ومثله صحيحة الحلبي وحسنته (7) ورواية داود الابزاري (8).
وفي المسالك: هذا إذا كان عند انتهاء الشركة وإرادة فسخها لتكون الزيادة مع
من هي معه بمنزلة الهبة، والخسران على من هو عليه بمنزلة الإبراء، أما قبله فلا،
لمنافاته وضع الشركة شرعا (9).
ولو كان معهما درهمان فقال أحدهما: الدرهمان لي، وقال الآخر: هما بيني
وبينك، فأخذ الدرهمين ليس للمدعي الأخير فيه حق وأنه لصاحبه، ويقسم
الدرهم الثاني بينهما نصفين، رواه الشيخ والصدوق في الصحيح إلى ابن المغيرة (10)
وهو الثقة التي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، ورواه عن غير واحد

(1) التذكرة 2: 178 س 43.
(2) المسالك 4: 263.
(3) انظر التهذيب 6: 207، ح 475 و 478.
(4) المسالك 4: 264.
(5) كما إذا كان فرع العارية أو الهبة على بعض الوجوه (منه (رحمه الله)).
(6) الوسائل 13: 165، الباب 4 من أبواب الصلح ذيل الحديث 1.
(7) الوسائل 13: 165، الباب 4 من أبواب الصلح، ح 1.
(8) الوسائل 13: 165، الباب 4 من أبواب الصلح ذيل الحديث 1.
(9) المسالك 4: 265.
(10) التهذيب 6: 208، الحديث 481، الفقيه 3: 35، ح 3274.
610

عن أبي عبد الله (عليه السلام) وروايته عن غير واحد يدل على استفاضته عنده، فتكون
معتبرة يتعين العمل بمدلولها، ويؤيده مرسلة محمد بن أبي حمزة (1).
والمراد بكونهما معهما كونهما تحت يدهما ليكونا متساويين في الدعوى، إذ
لو كانا في يد مدعي الدرهمين قدم قوله فيهما بيمينه، ولو كانا في يد مدعي الدرهم
قدم قوله بيمينه. والظاهر أن الحكم المذكور في صورة لا يكون لأحدهما بينة أو
يكون لهما بينة من غير رجحان.
واستشكل الحكم المذكور في الدروس: إذا ادعى الثاني النصف مشاعا فإنه
يقوي القسمة نصفين. قال: ويحلف الثاني للأول وكذا في كل مشاع (2). وكأن نظره
على أن النصف في الحقيقة بيد الأول والنصف بيد الثاني فمدعي التمام خارج
بالنسبة إلى الثاني، فيكون البينة على الأول واليمين على الثاني، لكن العدول عن
الرواية المعتبرة مشكل.
وقال في التذكرة: إنه لابد من اليمين، فيحلف كل منهما على استحقاق نصف
الآخر الذي تصادمت دعواهما فيه، وهو ما في يده، فمن نكل منهما قضي به للآخر،
ولو نكلا معا أو حلفا معا قسم بينهما نصفين (3). واستحسنه في المسالك (4) ويشكل
في المشاع.
ولو أودعه إنسان دينارا وآخر دينارين وامتزجا ثم تلف دينار بغير تفريط
فالمشهور بين الأصحاب أن حكمه حكم المسألة السابقة، ومستنده رواية
السكوني (5) ورواه في المقنع مرسلا (6).
ويشكل الحكم بأن التالف لا يحتمل كونه منهما، بل من أحدهما خاصة،
فالموافق للقواعد القرعة. لكن لا يبعد العمل بالمشهور بناء على أن ضعف الرواية
منجبر بعمل الأصحاب.

(1) لم نعثر عليه.
(2) الدروس 3: 333.
(3) التذكرة 2: 195 س 33.
(4) المسالك 4: 266.
(5) الوسائل 13: 171، الباب 12 من أبواب الصلح، ح 1.
(6) المقنع: 133.
611

ولو كان بدل الدنانير مال يمتزج أجزاؤه بحيث لا يتميز وهو متساوي
الأجزاء كالحنطة وكان لأحدهما مثلا ما للآخر فامتزجا وتلف شيء فالتالف على
نسبة المالين، وكذا الباقي.
ويصح الصلح على عين بعين أو منفعة، وعلى منفعة بعين أو منفعة، بل لو
صالح على مثل إسقاط خيار أو على حق أولوية في تحجير وسوق ومسجد صح،
لعموم الأدلة. ولو صالحه على دراهم بدنانير أو بالعكس صح، ولا يعتبر فيه ما
يعتبر في البيع من حكم الصرف على المشهور، خلافا للشيخ (1) والأول أقرب.
وأما حكم الربا فيبنى على أن الربا عام في كل معاوضة أو يختص بالبيع،
وبعض الأخبار السابقة يدل على الجواز هاهنا.
ولو أتلف على رجل ثوبا قيمته درهم فصالحه عنه على درهمين، صح إن قلنا
بضمان القيمي بمثله، أو قلنا بعدم عموم الربا في كل معاوضة.
ولو ادعى دارا فأنكر من هي في يده، فصالحه المنكر على سكنى سنة صح،
وكذا لو أقر له بالدار، ولم يكن لأحدهما الرجوع على المشهور الأقرب، خلافا
للشيخ حيث أجاز الرجوع بناء على كون الصلح هنا فرع العارية (2).
والمشهور بينهم أنه لو ادعى اثنان عينا في يد ثالث بأنها لهما بالمناصفة
وصرح كل منهما بالسبب المقتضي للمناصفة مثل كونهما وارثين في ذلك من غير
مشاركة وارث آخر، أو وكلا واحدا بالشراء لهما مناصفة في عقد واحد وصدق
المدعى عليه أحدهما في أن النصف له من غير تصديق في السبب وكذب الآخر،
ثم صالح المدعى عليه المقر له بشيء على ذلك النصف المقر به، فإن كان بإذن
شريكه أو إذن بعده على القول بجواز الفضولي صح الصلح على تمام النصف
واشترك العوض بينهما، وإلا صح في ربع المقر له بنصف ما صولح عليه، ويبطل في
ربع شريكه، أما لو ادعى كل واحد منهما النصف من غير تصريح بسبب مقتض
للشركة لم يشتركا فيما أقر لأحدهما. وهو قريب.

(1) المبسوط 2: 288.
(2) المبسوط 2: 269.
612

ولو ادعى عليه فأنكر وصالحه المدعى عليه على سقي زرعه أو شجره بمائه
فالأقرب الجواز مع ارتفاع الجهالة من السقي، وفيه قول بالمنع، ولو صالحه على
إجراء الماء إلى سطحه أو ساحته صح بعد العلم بتقدير المجرى طولا وعرضا
ليرتفع الجهالة عن المحل المصالح عليه، ولا يعتبر تعيين العمق، لأن من ملك شيئا
ملك إقراره مطلقا، ولا فرق بين جعله عوضا بعد المنازعة وبين إيقاعه ابتداء. ولو
قال: صالحني، لم يكن إقرارا. ولو قال: بعني أو ملكني، كان إقرارا بأنه ليس له.
ويلحق بهذا المقام النزاع في الأملاك، وفيه مسائل:
الاولى: يجوز إخراج الرواشن والأجنحة إلى الطرق النافذة إذا كانت عالية لا
يضر بالمارة، ويعتبر في المارة ما يليق بذلك الطريق عادة، فإن كانت مما يمر
عليها الفرسان اعتبر ارتفاع ذلك بقدر لا يصدم الرمح على وضعه ممالا، واعتبر
في التذكرة مروره ناصبا رمحه (1) ونفاه في الدروس (2) وهو أجود. وإن كانت مما
يمر فيها الإبل اعتبر فيها مروره محملا ومركوبا وعلى ظهره محمل إن كان مرور
مثل ذلك عادة.
ولو تضرر الجار بالإشراف عليه فالأشهر أنه لا يمنع لأجله، كما لا يمنع لو
كان وضعه في ملكه، خلافا للتذكرة، وفيها: وإنما يمنع من الإشراف لا من التعلية
المقتضية لإمكانه (3).
والمشهور أنه لا يشترط في جواز إخراج الرواشن والأجنحة عدم معارضة
مسلم، وفيه خلاف للشيخ (4). والأول أقرب، للأصل، وعدم حجة صالحة
للاشتراط. ولو كانت مضرة وجب إزالتها، ولا يختص الوجوب بالواضع، بل يعم،
لوجوب رفع المنكر.
ولو أظلم بها الطريق بحيث يذهب الضياء بالكلية منع بلا خلاف أعرف، ونقل

(1) التذكرة 2: 182 س 3.
(2) الدروس 3: 339.
(3) التذكرة 2: 182 س 18.
(4) المبسوط 2: 291.
613

في المسالك الإجماع عليه (1) وإلا فعن الشيخ أنه لا يجب إزالتها (2). والأقرب البناء
على تضرر المارة ولو لضعيف البصر، ولا فرق في التضرر بين وقوعه ليلا ونهارا.
ويجوز فتح الأبواب المستجدة في الطرق النافذة، أما الطرق المرفوعة فلا
يجوز إحداث باب فيها ولا جناح ولا غيره إلا بإذن أربابها، ولا يصح لأحد من
أربابها التصرف إلا بإذن الباقين، ولا فرق بين الضرر بالمارة وعدمه، والمراد
بأربابها من له باب نافذ إليها دون من يلاصق داره ويكون حائطه إليها، قالوا: وكذا
لو أراد فتح باب لا يستطرق فيها دفعا للشبهة.
ويجوز فتح الروازن والشبابيك قالوا وكما يجوز فتحهما إلى الدروب
المرفوعة يجوز إلى غيرها من الأملاك والدور وإن استلزم الإشراف على الجار، لأن
المحرم هو التطلع لا التصرف في الملك، وهو غير بعيد، لتسلط الناس على أموالهم.
ولو صالحهم على إحداث روشن جاز على الأقرب، وفيه خلاف للشيخ (3).
ولو كان له داران باب كل واحد منهما إلى زقاق غير نافذ جاز أن يفتح بينهما بابا.
ولو كان في زقاق بابان أحدهما أدخل من الآخر فصاحب الأول يشارك
الآخر ويختص الأدخل بما بين البابين على الأشهر. وقيل: يشترك الجميع في
الجميع حتى في الفضلة الداخلة في صدرهما لاحتياجهم إلى ذلك عند ازدحام
الأحمال ووضع الأثقال (4).
ولو أخرج بعض أهل الدرب النافذ روشنا لم يكن لمقابله معارضته ولو
استوعب عرض الدرب ما لم يوضع شيئا على جدار مقابله، ولو انهدم ذلك
الروشن فسبق جاره إلى عمل روشن لم يكن للأول منعه.
وإذا التمس وضع جذع على حائط جاره لم يجب على الجار إجابته، نعم
يستحب ذلك استحبابا مؤكدا، فلو أذن له فله الرجوع قبل الوضع، وهل يجوز
الرجوع بعد الوضع؟ فيه قولان، ولعل الأقرب الجواز، وهل ينقض مجانا أو مع

(1) المسالك 4: 277.
(2) المبسوط 2: 291.
(3) المبسوط 2: 291 و 292.
(4) حكاه في المسالك 4: 281.
614

الأرش؟ فيه وجهان، والأحوط الثاني. ولو انهدم لم يعد الوضع إلا بإذن جديد
على الأقرب.
وإذا تداعيا جدارا مطلقا أعني غير مقيد بوجه يوجب كونه لأحدهما، مثل
اتصال ببناء أحدهما وما في حكمه مما سيجيء ولا بينة لأحدهما، فمن حلف
عليه مع نكول صاحبه فهو له، وإن حلفا أو نكلا قضي به بينهما، ولو كان متصلا
ببناء أحدهما اتصال ترصيف وهو تداخل الأحجار واللبن على وجه يبعد كونه
محدثا كان القول قوله مع يمينه، وكذا لو كان لأحدهما عليه قبة أو غرفة أو سترة،
لأنه يصير بجميع ذلك صاحب يد.
ولو اتصل بهما كذلك، أو كان البناء لهما، أو اختص أحدهما نصفه والآخر
باخرى فاليد لهما. ولو كان لأحدهما عليه جذوع أو جذع فالأشهر أنه يقضى له
مع اليمين، خلافا للشيخ.
ولا ترجح دعوى أحدهما بالخوارج التي في الحيطان، والمراد بالخوارج كل
ما خرج عن وجه الحائط من نقش ووتد ورف ونحو ذلك مما يجوز إحداثه من
جهته من غير شعور صاحب الجدار به، وكذا الدواخل كالطاقات غير النافذة
والروازن النافذة.
ولو انهدم الجدار لم يجبر شريكه على المشاركة في عمارته، وكذا لو كانت
الشركة في دولاب أو بئر أو نهر. وكذا لا يجبر صاحب العلو ولا السفل على بناء
الجدار الذي يحمل العلو. ولو هدمه بغير إذن شريكه أطلق الشيخ والمحقق
بوجوب إعادته (1) واختار في القواعد القيمة وهو الأرش (2) وفصل الشهيد فأوجب
إعادته إن أمكنت المماثلة، وإلا فالأرش (3). وكذا الكلام فيما لو هدمه بإذنه مع
شرط الإعادة.
وإذا خرجت أغصان شجرة إلى ملك الجار وجب عطفها مع الإمكان أو قطعها

(1) المبسوط 2: 303، الشرائع 2: 125.
(2) القواعد 2: 174.
(3) الدروس 3: 345.
615

إن لم يأذن الجار، وإن لم يمكن العطف فللجار أن يطلب القطع من حد ملكه، وإن
امتنع فله القطع، ولا يتوقف على إذن الحاكم، وربما قيل بجواز إزالة مالك الأرض
لها من دون مراجعة المالك، لأن إزالة العدوان عليه أمر ثابت له وتوقفه على إذن
الغير ضرر، ويشهد له جواز إخراج البهيمة بدون إذنه، وهو غير بعيد، ولو قطعها
مالك الأرض مع إمكان العطف ضمن.
616

كتاب الشركة
617

كتاب الشركة
ولها معنيان:
أحدهما: اجتماع حقوق الملاك في الشيء الواحد على سبيل الشياع.
وثانيهما: عقد ثمرته جواز تصرف الملاك للشيء الواحد على سبيل الشياع
فيه.
ثم المشترك بالمعنى الأول قد يكون عينا، وقد يكون منفعة، وقد يكون حقا،
وسببها قد يكون عقدا، وقد يكون إرثا، وقد يكون مزجا، وقد يكون حيازة.
والمالان المتماثلان في الجنس والصفة إذا امتزجا اختيارا أو اتفاقا تحققت
الشركة فيهما، وما لا مثل له لا يتحقق الشركة فيه بالمزج. وقد يحصل الشركة فيه
بالإرث والابتياع والاتهاب ونحوها.
ولا يجوز التصرف لأحد الشركاء بدون الإذن من الباقين. ولا خلاف بين
المسلمين في صحة الشركة بالأموال بالمعنى الثاني، وهي المعبر عنها بشركة العنان.
وفي التذكرة: الشركة على أربعة أنواع: شركة العنان، وشركة الأبدان، وشركة
المفاوضة، وشركة الوجوه، فأما شركة العنان فهي أن يخرج كل مالا ويمزجاه،
ويشترطا العمل فيه بأبدانهما.
قال: وأما شركة الأبدان فأن يشترك اثنان أو أكثر فيما يكتسبون بأيديهما
كالصناع يشتركون على أن يعملوا في صناعتهم، وما رزق الله تعالى فهو بينهم على
التساوي أو التفاوت.
618

وأما شركة المفاوضة فهو أن يشتركا ليكون بينهما ما يكتسبان ويربحان
ويلتزمان من غرم ويحصل لهما من غنم، فيلزم كل واحد منهما ما يلزم الآخر من
أرش جناية وضمان غصب وقيمة متلف وغرامة لضمان أو كفالة، ويقاسمه في ما
يحصل له من ميراث أو يجده من ركاز أو لقطة أو يكتسبه في تجارته بماله
المختص به. قال صاحب إصلاح المنطق: شركة المفاوضة أن يكون مالهما من كل
شيء يملكانه بينهما.
وأما شركة الوجوه فقد فسرت بمعان، أشهرها أن صورتها أن يشترك اثنان
وجهان عند الناس لا مال لهما ليبتاعا في الذمة إلى أجل على أن ما يبتاعه كل
واحد منهما يكون بينهما فيبيعاه ويؤديا الأثمان، فما فضل فهو بينهما، وقيل: أن
يبتاع وجيه في الذمة ويفوض بيعه إلى خامل ويشترطا أن يكون الربح بينهما.
وقيل: أن يشترك وجيه لا مال له وخامل ذو مال ليكون العمل من الوجيه والمال
من الخامل ويكون المال في يده لا يسلمه إلى الوجيه والربح بينهما. وقيل: أن يبيع
الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون الربح له.
قال: ولا يصح شيء من أنواع الشركة سوى شركة العنان، وقد بينا أن شركة
العنان جائزة، وعليه إجماع العلماء في جميع الأعصار، انتهى (1).
والأخبار الدالة على جواز الشركة مستفيضة، والمعروف بين الأصحاب أنه
لا يصح ما عدا شركة العنان، فإن ثبت كونه إجماعيا فذاك، وإلا كان للتأمل في
عموم الحكم المذكور مجال.
والربح والخسران في شركة الأموال على نسبة المالين مع الإطلاق، ولو
شرطا تفاوت الربح مع تساوي المالين أو تساوي الربح مع تفاوت المالين
فللأصحاب فيه أقوال:
الأول: الصحة، وهو قول المرتضى مدعيا فيه الإجماع (2). وتبعه جماعة منهم

(1) التذكرة 2: 219 س 35 و 42 وص 220 س 7.
(2) الانتصار: 227.
619

العلامة ووالده وولده (1) لعموم: (أوفوا بالعقود) و (إلا أن تكون تجارة عن
تراض) وقوله (صلى الله عليه وآله): المؤمنون عند شروطهم.
الثاني: البطلان ذهب إليه الشيخ (2) وجماعة منهم ابن إدريس (3) والمحقق (4)
لانتفاء دليل يدل على الصحة، ولأنه أكل مال بالباطل، لأن الزيادة ليس في
مقابلها عوض.
الثالث: قول أبي الصلاح بصحة الشركة دون الشرط (5).
وأجود الأقوال القول الأول، وعلى القول بالبطلان ثبتت لكل واحد اجرة
مثله، ويقتسمان الربح على نسبة المالين.
ولو اصطلحا بعد ظهور الربح على ما شرطاه أولا أو على غيره صح، والظاهر
أنه لو كان العامل أحدهما وشرطا الزيادة للعامل صح بلا خلاف، وكذا لو كان
لصاحب الزيادة زيادة عمل يقابل الزيادة.
ولا يصح لأحدهما التصرف إلا بقدر ما أذن له الآخر، فيضمن لو خالف، ولو
أذن كل واحد من الشريكين لصاحبه جاز لكل منهما التصرف منفردا.
ولو شرطا الاجتماع لم يجز الانفراد، ولكل منهما الرجوع في الإذن والمطالبة
بالقسمة، لأنها غير لازمة وليس له المطالبة بالإنضاض.
ولو شرطا التأجيل في الشركة لم يلزم، فلكل منهما فسخها قبل الأجل، ولا
يجوز تصرفهما بعد الأجل إلا بإذن مستأنف، ولا يضمن ما تلف في يده إلا مع التعدي
أو التفريط في التحفظ، ويقبل قوله في دعواه التلف مع يمينه، ولو ادعى الخيانة أو
التفريط فالقول قول المدعى عليه مع يمينه، وكذا القول قول الشريك لو ادعى
الشراء بمال مختص به أو بالمال المشترك مع يمينه، ويبطل الإذن بالجنون والموت.
ولو دفع إنسان دابة وآخر راوية إلى سقاء على الاشتراك فيما يحصل لم ينعقد

(1) المختلف 6: 231، إيضاح الفوائد 2: 301.
(2) المبسوط 2: 349.
(3) السرائر 2: 400.
(4) الشرائع 2: 130.
(5) الكافي في الفقه: 343.
620

الشركة عندهم، وكان ما يحصل للسقاء وعليه اجرة مثل الدابة والراوية، ويحتمل
أقل الأمرين من الاجرة والثلث، وقيل: يقسم الحاصل أثلاثا، فإن كانت اجرة
مثلهم متفاوتة يرجع كل واحد منهم إلى صاحبه بثلث اجرة مثله (1) وإن رجحنا
القول الأول فالظاهر أنه إنما يتم مع كون الماء ملكا للسقاء أو مباحا ونوى التملك
لنفسه أو لم ينو شيئا، أما لو نواه لهم جميعا وقلنا بجواز التوكيل في تلك المباحات
فالظاهر أنهم يشتركون في الماء، ويكون اجرة السقاء والدابة والراوية عليهم أثلاثا.
ولو باع الشريكان سلعة صفقة ثم استوفى أحدهما حقه أو أخذ منه شيئا
شاركه الشريك الآخر، والحكم عام فيما إذا كان بين شريكين فصاعدا دين
مشترك بسبب واحد مشترك كبيع سلعة أو ميراث أو إتلاف ونحو ذلك، وإليه ذهب
أكثر الأصحاب، ويدل عليه صحيحة سليمان بن خالد (2) وموثقة محمد بن مسلم (3)
ومرسلة أبي حمزة (4) ورواية معاوية بن عمار (5) ورواية عبد الله بن سنان (6) ورواية
غياث (7) ودلالتها على المطلوب لا يخلو عن وضوح.
فلا جهة لتوقف صاحب المسالك في الحكم تعويلا على أن الروايات قاصرة
عن الاستدلال بها لإرسال بعضها وضعف الآخر وعدم صراحة المطلوب في
بعضها (8) لكن في رواية علي بن جعفر المذكورة في قرب الأسناد (9) معارضة لها.
وذهب ابن إدريس إلى أن لكل منهما أن يقبض حقه ولا يشاركه الآخر فيه (10)

(1) المسالك 4: 323 - 324.
(2) الوسائل 13: 116، الباب 29 من أبواب الدين والقرض، ح 1.
(3) الوسائل 13: 179، الباب 6 من أبواب الشركة ذيل الحديث 1.
(4) الوسائل 13: 179، الباب 6 من أبواب الشركة، ح 1.
(5) الوسائل 13: 179، الباب 6 من أبواب الشركة ذيل الحديث 1.
(6) الوسائل 13: 180، الباب 6 من أبواب الشركة، ح 2.
(7) الوسائل 13: 159، الباب 13 من أبواب الضمان، ح 1.
(8) المسالك 4: 336.
(9) قرب الأسناد: 263، ح 1040.
(10) السرائر 2: 402.
621

تعويلا على وجوه ضعيفة، وفي المسالك: القابض لو أراد الاختصاص بالمقبوض
بغير إشكال فليبع حقه للمديون على وجه يسلم من الربا بثمن معين، فيختص به،
ومثله الصلح عليه، بل أولى بالجواز، وكذا لو أبرأه على حقه واستوهب عوضه أو
أحال به على المديون بما عليه وكان كالقبض، قال: وإنما يأتي الخلاف في ذلك
مع حلول الحقين معا، فلو كان حق أحدهما مؤجلا إما بالعقد الأول أو باشتراطه
في عقد لازم لم يشارك الآخر فيما قبض قبل حلول الأجل، لأنه لا يستحق الآن
شيئا، وتمكنه من تأجيله يقتضي جواز قبض الحصة منفردة، لاستلزامه تميز
حصته من حصة الآخر، وكذا لو ضمن ضامن لأحد الشريكين حصته، فإن الضمان
صحيح، لتناول الأدلة له، فيختص بأخذ المال المضمون من الضامن، قال: وهو
يقتضي إمكان أخذ الحصة منفردة عن الاخرى (1). هذا كلامه، وفي بعض ما
ذكره تأمل.

(1) المسالك 4: 338.
622

كتاب المضاربة
623

كتاب المضاربة
والنظر في امور:
الأول
المضاربة، ويعبر عنه بالقراض أيضا، وهي عقد شرع لتجارة الإنسان بمال
غيره بحصة من الربح.
قال في التذكرة: إذا دفع الإنسان إلى غيره مالا ليتجر به فلا يخلو إما أن
يشترطا قدر الربح بينهما أو لا، فإن لم يشترطا شيئا فالربح بأجمعه لصاحب المال
وعليه اجرة المثل للعامل، وإن شرطا فإن جعلا جميع الربح للعامل كان المال
قرضا ودينا عليه والربح له والخسارة عليه، وإن جعلا الربح بأجمعه للمالك كان
بضاعة، وإن جعلا الربح بينهما فهو القراض، قال: وسمي بالمضاربة أيضا (1).
والقراض لغة أهل الحجاز، والمضاربة لغة أهل العراق. وقوله: «عليه اجرة
المثل للعامل» لا يخلو عن تأمل، وكذا قوله: كان المال قرضا ودينا عليه.
وهذه المعاملة جائزة بالنص والإجماع، والأخبار الدالة عليها مستفيضة. ولا
خلاف في كونها عقدا جائزا من الطرفين، سواء نض أو كان عروضا.
قال في التذكرة: أركانه خمسة: الأول: العقد، لابد في هذه المعاملة من لفظ
دال على الرضى من المتعاقدين، إذ الرضى من الامور الباطنة التي لا يطلع عليها

(1) التذكرة 2: 229 س 11.
624

إلا الله تعالى، وهذه المعاملة مثل غيرها من المعاملات يعتبر فيها الرضى، للآية.
فاللفظ الدال على الإيجاب أن يقول رب المال: ضاربتك، أو قارضتك، أو
عاملتك على أن يكون الربح بيننا نصفين أو أثلاثا، أو غير ذلك من الأجزاء بشرط
تعيين الأكثر لمن هو منهما والأقل كذلك. والقبول أي قبول العامل: قبلت، أو
رضيت، أو غيرهما من الألفاظ الدالة على الرضى بالقبول. والإيجاب لا يختص
لفظا - إلى أن قال -: ولابد من القبول على التواصل المعتبر كما في سائر العقود،
وهل يعتبر اللفظ؟ الأقرب العدم (1) انتهى.
ولا يخفى أن الدليل لا يقتضي سوى اعتبار ما دل على التراضي، وأما كون
الدال لفظا فوجهه غير ظاهر، والأقوى عدم اعتبار ذلك، لعموم الآية، وكذا
التواصل الذي ذكره لا دليل عليه.
وقال أيضا: يجب التنجيز في العقد فلا يجوز تعليقه على شرط أو صفة (2).
وفيه أيضا تأمل، لعموم النصوص، وحصول التراضي المعتبر في الآية.
ولو اشترط فيه الأجل لم يلزم لكن لو قال: إن مر بك شهر فلا تبع ولا تشتر،
صح، ولو قال: لا تبع واشتر، صح، وكذا العكس، ولو قال على أني لا أملك منعك،
لم يصح، لمنافاته لمقتضى العقد. ولو شرط أن لا يشتري إلا من زيد أو لا يبيع إلا
على بكر صح، وكذا لو قال: على أن لا يشتري إلا المتاع الفلاني أو لا يشتري إلا
من بستان عمرو ونحو ذلك.
ويجوز تعدد العامل ووحدة المالك وبالعكس، واشتراط استقلالهما ومراجعة
كل إلى صاحبه.
ولما كانت المضاربة معاملة على المال لتحصيل الربح كان إطلاق العقد مقتضيا
للترخيص فيما اعتيد تولي المالك له بنفسه من عرض القماش على المشتري
ونشره وطيه وإحرازه وبيعه وشرائه وقبض ثمنه وإيداعه الصندوق ونحو ذلك.
وهذا النوع لو استأجر عليه فالاجرة عليه، عملا بالمعتاد، وما جرت العادة

(1) التذكرة 2: 229 س 34.
(2) التذكرة 2: 229 س 42.
625

بالاستئجار عليه كالدلالة والحمل والكيل والوزن ونقل الأمتعة الثقيلة - التي لم
تجر عادات التجار بمباشرتها بأنفسهم بحسب حال تلك التجارة من مثل ذلك
التاجر - جاز له الاستئجار عليه، ولو عمل بنفسه لم يستحق اجرة عليه بحسب ما
يقتضيه إطلاق كلامهم، لكن لو قصد بالعمل الاجرة كما يأخذ غيره أو أقل لم يبعد
القول باستحقاقه لها.
وينفق في السفر جميع نفقته من أصل المال على الأشهر الأقرب، لصحيحة
علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن (عليه السلام) «قال في المضارب: ما أنفق في سفره فهو
من جميع المال، وإذا قدم بلده فما أنفق فهو من نصيبه» (1) ويؤيده رواية
السكوني (2). وقيل: ينفق ما زاد على نفقة الحضر (3) وقيل: إن جميع نفقة السفر على
نفسه كالحضر.
والمراد بالسفر، العرفي لا الشرعي، فلو كان قصيرا أو أقام في الطويل وأتم لم
يخرج بذلك عن حكم السفر هاهنا، ويجب الاقتصار منه على ما يحتاج إليه
للتجارة، فلو أقام زيادة عنه فنفقته عليه خاصة.
والمراد بالنفقة، ما يحتاج إليه - من مأكول وملبوس ومشروب ومركوب
وآلات ذلك - مراعيا ما يليق بحاله عادة على وجه الاقتصاد، ولو شرط فيه عدم
النفقة لزم الشرط، ولو أذن له بعد ذلك فهو تبرع محض، وإنما ينفق في السفر
المأذون لا مطلقا.
ولو كان مال غير مال القراض فالوجه تقسيط النفقة على المالين، وهل
التقسيط على نسبة المالين أو نسبة العملين؟ فيه وجهان، وربما قيل بعدم ثبوت
الشيء على مال المضاربة هنا، وهو ضعيف.
وللعامل ابتياع المعيب والرد بالعيب وأخذ الأرش، كل ذلك مع المصلحة.

(1) الوسائل 13: 187، الباب 6 من أبواب أحكام المضاربة، ح 1.
(2) الوسائل 13: 188، الباب 6 من أبواب أحكام المضاربة ذيل الحديث 1.
(3) المبسوط 3: 172.
626

ويشترط أن يكون دافع المال مالكا أو مأذونا من قبله أو وليا أو وصيا.
والظاهر جواز دفع مال اليتيم للمضاربة مع المصلحة، لقوله تعالى: (ولا
تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) (1) وقوله تعالى: و (ما على المحسنين من
سبيل) (2) لكن في رواية بكر بن حبيب «قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): رجل دفع مال
اليتيم مضاربة؟ فقال: إن كان ربح فلليتيم، وإن كان وضيعة فالذي أعطى ضامن» (3)
وسند الرواية غير نقي.
وفي التذكرة: ويستحب له ذلك أي للولي دفع مال الطفل أو المجنون إلى
مضارب، سواء كان الولي أبا أو جدا أو وصيا أو حاكما أو أمينه، إلى قوله: لا نعلم
فيه خلافا إلا من الحسن البصري (4).
قالوا: ويقتضي الإطلاق الإذن في البيع نقدا لا نسيئة بثمن المثل، وبناؤه على
الحمل على المتعارف. وفيه نظر، لأن المصلحة قد تقتضي غير ذلك، وقد يكون
المعاملة بالنسيئة شائعا حتى يكون النقد نادرا، فالإطلاق يشمله، وكذا الكلام في
ثمن المثل.
وذكر الشيخ وجماعة منهم أن الإطلاق ينصرف إلى نقد البلد (5) وقد يكون
تحصيل الربح بغير نقد البلد كالعروض، ولهذا قوى الشهيد الثاني جوازه بها مع
الغبطة (6) وهو متجه.
ولو أذن له في شيء من ذلك جاز قولا واحدا، ولو خالف لم يقع التصرف
باطلا بناء على صحة الفضولي، وحينئذ فإن أجاز المالك مضى، فإن قدر على
تحصيل النسيئة، وإلا ضمن الثمن لا القيمة، لثبوت الثمن بالبيع الصحيح، كذا ذكره

(1) الأنعام: 152.
(2) التوبة: 91.
(3) الوسائل 13: 189، الباب 10 من أبواب أحكام المضاربة، ح 1.
(4) التذكرة 2: 80 س 36.
(5) المبسوط 3: 174، الوسيلة: 264، الجامع للشرائع: 317.
(6) المسالك 4: 351.
627

بعض الأصحاب (1). وفي الضمان تأمل، وإن لم يجز وجب الاسترداد مع الإمكان،
وإلا ضمن القيمة.
قالوا: ويجب أن يشتري بعين المال لا في الذمة، وهو حسن، لأن الاسترباح
بالمال يتوقف عليه، فلا يكون غيره مأذونا فيه.
ولو أمره بالسفر إلى جهة فسافر إلى غيرها، أو أمره بابتياع شيء معين فابتاع
غيره ضمن.
ولو ربح فالربح بينهما، ويدل عليه صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في
الرجل يعطي الرجل مالا مضاربة فيخالف ما شرط عليه؟ قال: هو ضامن والربح
بينهما (2). وما رواه جميل في الصحيح أو الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل دفع
إلى رجل مالا يشتري به ضربا من المتاع مضاربة، فذهب فاشترى به غير الذي
أمره؟ قال: هو ضامن والربح بينهما على ما شرط (3).
ويدل على حكم المخالفة في السفر صحيحة الحلبي وحسنته (4) وصحيحة
محمد بن مسلم (5) وموثقة أبي بصير (6) ورواية الكناني (7) وفي روايات متعددة:
الربح له وليس عليه من الوضيعة شيء إلا أن يخالف عن شيء مما أمر صاحب
المال (8).
وموت كل واحد منهما يبطل المضاربة وكذا جنونه والحجر عليه لسفه، فإن
كان الميت المالك وكان المال ناضا لا ربح فيه استحق الوارث أخذه، وإن كان فيه

(1) المسالك 4: 351.
(2) الوسائل 13: 180، الباب 1 من أبواب أحكام المضاربة، ح 5.
(3) الوسائل 13: 182، الباب 5 من أبواب أحكام المضاربة، ح 9.
(4) الوسائل 13: 181، الباب 5 من أبواب أحكام المضاربة، ح 2 و 7.
(5) الوسائل 13: 181، الباب 5 من أبواب أحكام المضاربة، ح 1.
(6) الوسائل 13: 182، الباب 5 من أبواب أحكام المضاربة، ح 10.
(7) الوسائل 13: 182، الباب 5 من أبواب أحكام المضاربة، ح 6.
(8) الوسائل 13: 181، الباب 5 من أبواب أحكام المضاربة، ح 3 و 4.
628

ربح اقتسما ويقدم حصة العامل على غرماء الميت، وإن كان المال عروضا ورجا
الربح قال في المسالك: للعامل بيعه (1). وفيه تأمل. وفي المسالك: للوارث إلزامه
بالإنضاض إن شاء مطلقا (2). وفيه تأمل.
وإن كان الميت العامل فإن كان المال ناضا ولا ربح فللمالك أخذه، وإن كان
فيه ربح دفع إلى الورثة سهمهم. ولو كان هناك متاع احتيج إلى التنضيض وإذن
المالك للوارث جاز له ذلك، وإلا نصب الحاكم أمينا للبيع، فإن ظهر ربح أعطى
ورثة العامل حصته، وإلا سلم الثمن إلى المالك.
وحيث حكم ببطلان المضاربة بالموت لو اريد التجديد مع أحد الوارثين
اشترط في الثانية شروط الاولى من انضاض المال وغيره.
الثاني في مال المضاربة
قالوا: ومن شرطه أن يكون عينا، وأن يكون دراهم أو دنانير، ونقل في
التذكرة الاتفاق عليه (3). قالوا: لو كان له دين لم يجز له أن يجعله مضاربة إلا بعد
قبضه. والمشهور أنه لابد أن يكون معلوم القدر ولا يكفي المشاهدة، وقيل: يصح
مع الجهالة، ويكون القول قول العامل مع التنازع في القدر (4).
الثالث في الربح
يلزم الحصة بالشرط دون الاجرة على الأصح الأشهر، بناء على أن المضاربة
عقد صحيح شرعي، والقول بكونها صحيحة يلزم العامل ما شرط له من الحصة
قول جميع العلماء إلا قليلا من أصحابنا، والأخبار الدالة عليه متظافرة.
وذهب جماعة منهم المفيد (5) والشيخ في النهاية (6) إلى أن الربح كله للمالك

(1 و 2) المسالك 4: 353.
(3) التذكرة 2: 230 س 37.
(4) المبسوط 3: 199.
(5) المقنعة: 633.
(6) النهاية 2: 237.
629

وللعامل عليه الاجرة، ولابد أن يكون الربح مشاعا مشتركا بينهما، فلو جعل
لأحدهما شيئا معينا والباقي للآخر بطل عندهم ونقل الاتفاق على ذلك.
ولو قال: خذه قراضا والربح لي لم يكن مضاربة صحيحة، وهل يكون بضاعة
بمعنى أن العامل لا يستحق على عمله اجرة أم يكون قراضا فاسدا؟ المشهور الثاني.
ولو شرط لغلامه حصة معهما صح وإن لم يعمل الغلام، وإن شرط لأجنبي
وعين له عملا مضبوطا صح، وإلا قيل: إنه فاسد، وفيه وجه آخر.
والعامل يملك حصته من الربح بظهوره، ولا يتوقف على وجوده ناضا على
الأقرب المشهور بين الأصحاب، حتى قال في المسالك: لا يكاد يتحقق فيه
مخالف ولا نقل في كتب الخلاف عن أحد من أصحابنا ما يخالفه، لكن نقل الشيخ
فخر الدين عن والده أن في هذه المسألة أربعة أقوال، ولكن لم يذكر القائل
بأحد منها:
أحدها: أنه يملك بمجرد الظهور.
وثانيها: أنه يملك بالإنضاض.
وثالثها: أنه إنما يملك بالقسمة.
ورابعها: أن القسمة كاشفة عن ملك العامل (1).
والأول أقرب، لإطلاق النصوص بأن الربح بينهما، ولأن سبب الاستحقاق هو
الشرط الواقع في العقد، ويؤيده أن الظاهر أن له مالكا وليس غير العامل، ويؤيده
صحيحة محمد بن قيس عن الصادق (عليه السلام) «قال: قلت له: رجل دفع إلى رجل ألف
درهم مضاربة فاشترى أباه وهو لا يعلم؟ قال: يقوم فإن زاد درهما واحدا عتق
واستسعى في مال الرجل» (2).
وعلى تقدير الملك بالظهور كما رجحناه ليس بملك تام ولا مستقر، لأن الربح
وقاية لرأس المال، فلابد لاستقراره من إنضاض جميع المال أو قدر رأس المال

(1) المسالك 4: 371 - 372.
(2) الوسائل 13: 188، الباب 8 من أبواب أحكام المضاربة، ح 1.
630

مع الفسخ أو القسمة أو لا معها على قول وبدونه يجبر ما يقع في التجارة من تلف
أو خسران، وهو محل وفاق على ما قال في المسالك (1).
مسائل:
الاولى: العامل أمين لا يضمن إلا مع التعدي أو التفريط، ويقبل قوله في التلف
وعدم التفريط والخسارة وقدر رأس المال. وهل يقبل قوله في الرد؟ فيه قولان،
والأشهر أنه لا يقبل، وهو غير بعيد، وفيه خلاف للشيخ (2). والمشهور أن القول قول
المالك مع يمينه لو اختلفا في نصيب العامل، لأن المالك منكر للزائد، ولأن
الاختلاف في فعله وهو أبصر به، ولأن الأصل تبعية الربح للمال. وفي الكل نظر،
واستوجه بعضهم التحالف (3).
الثانية: لو قال العامل: ربحت كذا، ورجع لم يقبل رجوعه، وكذا لو ادعى
الغلط. أما لو قال: ثم خسرت، أو قال: ثم تلف الربح، قبل.
الثالثة: إذا انفسخ عقد القراض فلا يخلو إما أن يكون فسخه من المالك، أو من
العامل أو منهما، أو من غير جهتهما كعروض ما يقتضي الانفساخ من موت أو
جنون ونحوهما، وعلى كل تقدير إما أن يكون المال كله ناضا، أو قدر رأس المال،
أو بجميعه عروض أو ببعضه بحيث لا يكون الناض بقدر رأس المال، وعلى
التقادير المذكورة إما أن يكون قد ظهر ربح بالفعل أو بالقوة أم لا، فهذه صور
المسألة والنصوص خالية عن أحكامها، وقد ذكر فيها أشياء لا أعرف عليها دليلا
صالحا للتعويل.
الرابعة: قالوا: إذا قال: دفعت إليه مالا قراضا، فأنكره أو أقام المدعي البينة
فادعى المنكر التلف قضي عليه بالضمان، وكذا لو ادعى عليه وديعة أو غيرها من
الأمانات. أما لو قال في الجواب: لا يستحق قبلي شيئا، لم يلزم الضمان عليه.
الخامسة: إذا تلف شيء من مال القراض بعد دورانه في التجارة احتسب

(1) المسالك 4: 373.
(2) المبسوط 2: 174 - 175.
(3) لم نعثر عليه.
631

التالف من الربح، ولو تلف قبل ذلك ففيه وجهان.
السادسة: إذا نض قدر الربح فطلب أحدهما القسمة واتفقا صح، وإن منع
المالك لم يجبر، فإن اقتسما بالاتفاق لم يملكها العامل ملكا مستقرا، بل مراعى
بعدم الحاجة إليها بجبر النقصان ونحوه، فإن اتفق الخسران بعد القسمة وأخذ
العامل حصته يرد العامل أقل الأمرين مما وصل إليه من الربح ومما يصيبه من
الخسران، والمالك يحتسب أقل الأمرين من رأس المال، فيكون رأس المال ما
أخذه هو والعامل، وما بقي منهما إن احتيج إليه.
السابعة: إذا مات وفي يده أموال مضاربة فإن علم مال أحدهم بعينه كان أحق
به، وإن جهل والأموال مجتمعة في يده على حدة كانوا فيه سواء على نسبة
أموالهم، وإن كان ممتزجا مع جملة ماله مع العلم بكونه موجودا فالغرماء بالنسبة
إلى جميع التركة كالشريك، إن وسعت التركة للجميع أخذوها، وإن قصرت تحاصوا.
ولو كان في يده مال مضاربة ولم يعلم بقاؤه ولا تلفه فجهل كون المال الذي
بيده مضاربة أو من ماله فيحكم بكونه ميراثا، عملا بظاهر اليد، وكونه مما ترك
وهل يحكم بضمانه من حيث أصالة بقائه إلى أن يعلم تلفه بغير تفريط، أم لا،
لأصالة براءة الذمة وكونه أمانة غير مضمون؟ وجهان، ولعل الترجيح للثاني.
632

كتاب
المزارعة والمساقاة
633

كتاب المزارعة والمساقاة
وفيه فصلان:
الأول
في المزارعة
وهي معاملة على الأرض بحصة من حاصلها. وعبارتها أن يقول: زارعتك
هذه الأرض مدة معلومة بحصة معينة من حاصلها، أو كل ما دل على التراضي.
وأما اعتبار الإيجاب والقبول اللفظيين والماضوية وتقديم الإيجاب على
القبول والعربية والمقارنة وسائر ما قيل في العقود اللازمة كما ادعاه في المسالك (1)
فغير لازم. وصرح الفاضلان بجوازها بصيغة الأمر (2). وصرح في القواعد بالاكتفاء
بالقبول الفعلي (3). وهو جيد.
والمعروف بين الأصحاب أنها عقد لازم من الطرفين وكأنه إجماعي بينهم،
ويمكن الاستدلال عليه بمثل: (أوفوا بالعقود) (4) و: المؤمنون عند شروطهم (5).
ويجوز فسخها بالتقايل.
والظاهر أنه لا يعتبر كون الأرض ملكا لأحد المزارعين، بل يكفي كونه مالكا

(1) المسالك 5: 8.
(2) الشرائع 2: 149، التحرير 1: 256 س 25.
(3) القواعد 2: 311.
(4) المائدة: 1.
(5) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور، ح 4.
634

لعينها أو منفعتها. ويكفي الأولوية الحاصلة في الأرض الخراجية وبالإحياء إن لم
نقل بكونه مفيدا للملك.
ففي الأخبار ما يدل على جواز تقبيل الأرض الخراجية للزراعة مثل
صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: سألته عن مزارعة أهل الخراج بالربع
والثلث والنصف؟ فقال: لا بأس» (1).
وصحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يكون
له الأرض من أرض الخراج فيدفعها إلى الرجل على أن يعمرها ويصلحها ويؤدي
خراجها وما كان من فضل فهو بينهما؟ قال: لا بأس (2).
وصحيحة الحلبي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) أن أباه حدث أن النبي أعطى
خيبر بالنصف أرضها ونخلها (3) وصحيحة معاوية بن عمار (4) وغير ذلك من الأخبار.
فما في المسالك: من أنه لا يشرع المزارعة بين المتعاملين إذا لم يكن
الأرض ملكا لأحدهما كما في الأرض الخراجية وإن بقي من لوازمها ما يمكن
اشتراكهما فيه بناء على أن متعلقها والمعقود عليه فيها هو الأرض (5) محل التأمل،
ولا حاجة إلى التشبث بالطرق المتعددة التي جعلها مناط التسويغ مثل الاشتراك
في البذر واستئجار العوامل وغير ذلك.
ولا تبطل بموت أحد المتعاقدين عندهم، ولعل هذا مبني عندهم على لزوم
العقد وما يترتب اللزوم عليه من الإيفاء بالعقود والشرائط. واستثني من ذلك ما إذا
شرط المالك على العامل القيام بنفسه، فإنها تبطل بموته.
ويشترط فيها امور:
الأول: أن يكون النماء مشاعا بينهما على سبيل التساوي أو التفاضل لكون

(1) الوسائل 13: 200، الباب 8 من أبواب المزارعة والمساقاة، ح 8.
(2) الوسائل 13: 203، الباب 10 من أبواب المزارعة والمساقاة، ح 2.
(3) الوسائل 13: 201، الباب 9 من أبواب المزارعة والمساقاة، ح 1.
(4) الرسائل 13: 199، الباب 8 من أبواب المزارعة والمساقاة، ح 1.
(5) المسالك 5: 8.
635

ذلك هو المعهود من فعلهم، وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تقبل
الأرض بحصة مسماة، ولكن النصف والثلث والربع والخمس» (1) فلو شرطه
أحدهما لم يصح.
ولو شرط أحدهما قدرا من الحاصل وما زاد عليه بينهما لم يصح على
المشهور. ولا فرق بين أن يكون المشروط هو البذر أو غيره، ولا بين كون الغالب
على تلك الأرض أن يخرج منها ما يزيد على المشروط عادة وعدمه، للاشتراك
في منافاة وضع المزارعة وكون العقد على خلاف الأصل، حيث إن العوض فيه
مجهول، فيقتصر فيه على موضع النقل، وخالف في ذلك جماعة منهم الشيخ في
النهاية فجوزوا استثناء البذر من جملة الحاصل (2). وفي المختلف جوز استثناء
شيء منه مطلقا (3). ويمكن الاحتجاج على الأخير بقوله تعالى: (إلا أن تكون
تجارة عن تراض) (4) فالقول به غير بعيد.
ولو شرط أحدهما شيئا يضمنه من غير الحاصل مضافا إلى الحصة فالمشهور
بين الأصحاب أنه يصح، وقيل: يبطل (5). والأول أقرب، لعموم الأدلة، مضافا إلى
رواية محمد بن سهل عن أبيه عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) (6).
الثاني: تعيين المدة، وإذا شرط مدة معينة بالأيام والأشهر صح، والأقوى أنه
يعتبر مدة يدرك فيها الزرع بحسب العلم أو الظن الغالب. ولو اقتصر على تعيين
المزروع من غير ذكر المدة ففيه وجهان. والأشبه أنه لو مضت المدة والزرع باق
كان للمالك إزالته، لانقضاء المدة التي يستحق فيها التبقية، والأصل تسلط المالك
على مملوكه كيف شاء. وقيل: ليس له الإزالة (7). وقيل: له الإزالة بالأرش (8).

(1) الوسائل 13: 199، الباب 8 من أبواب المزارعة والمساقاة، ح 3 وفيه: بحنطة مسماة.
(2) النهاية 2: 268.
(3) المختلف 6: 192.
(4) النساء: 29.
(5) حكاه المحقق في الشرائع 2: 150.
(6) الوسائل 13: 206، الباب 14 من أبواب المزارعة والمساقاة، ح 1.
(7) حكاه في المسالك 5: 15.
(8) القواعد 2: 312.
636

الثالث: قالوا: من شرط صحة المزارعة على الأرض أن يكون لها ماء معتاد
يكفيها لسقي الزرع غالبا، فلو لم يكن لها ذلك بطلت المزارعة وإن رضي العامل.
وتردد في التذكرة فيما لو كان لها ماء نادرا هل يصح المزارعة عليها أم لا (1)؟
وقال الفاضلان: لو انقطع الماء في أثناء المدة فللمزارع الخيار (2) هذا إذا زارع
عليها أو استأجرها للزراعة، وعليه اجرة ما سلف ويرجع بما قابل المدة المتخلفة.
وقال المحقق: لو زارع عليها أو آجرها للزراعة ولا ماء لها مع علم المزارع لم
يتخير (3) ومع الجهالة له الفسخ. أما لو استأجرها مطلقا ولم يشترط الزراعة لم
يفسخ، لإمكان الانتفاع بها بغير الزرع. ولو أطلق أو عمم زرع ما شاء من غير
حاجة إلى التعيين على الأقرب الأشهر.
وقوى في التذكرة وجوب التعيين، لتفاوت ضرر الأرض باختلاف جنس
المزروعات (4).
وإن عين الزرع بمعين تعين ولم يجز التعدي، ولو زرع ما هو أضر فالظاهر أنه
مخير بين أخذ اجرة المثل وبين المسمى مع الأرض، قال بعضهم: ولو كان أقل
ضررا جاز (5) وفيه إشكال.
قالوا: ولو استأجر للزراعة ما لا ينحسر عنه الماء لم يجز، لعدم الانتفاع، وقيد
عدم الانحسار بوقت الحاجة إلى الزرع. قالوا: ولو رضي بذلك المستأجر جاز.
وفي الشرائع: لو قيل بالمنع لجهالة الأرض كان حسنا (6) ولو كان الماء قليلا لا يمنع
من الزرع جاز.
ولو اشترط الزرع والغرس معا فالظاهر الافتقار إلى تعيين كل واحد منهما،
قالوا: وكذا لو استأجر زرعين أو غرسين مختلفي الضرر.

(1) التذكرة 2: 338 س 1.
(2) الشرائع 2: 151، القواعد 2: 312.
(3) الشرائع 2: 151.
(4) التذكرة 2: 340 س 5.
(5) الشرائع 2: 151.
(6) الشرائع 2: 151.
637

مسائل:
الاولى: إذا كان من أحدهما الأرض حسب ومن الآخر البذر والعمل
والعوامل صح بلفظ المزارعة، وكذا يجوز كل من الصور الممكنة في اشتراك هذه
الأربعة بينهما] كلا [(1) أو بعضا، لعموم الأدلة.
قال في المسالك: هذا إذا كانا اثنين خاصة، فلو جعلا معهما ثالثا وشرطا عليه
بعض الأربعة أو رابعا كذلك ففي الصحة وجهان (2) واستجود عدم الصحة (3). ولعل
الأقرب الجواز، لعموم الأدلة، ولو كان شيء من ذلك بلفظ الإجارة لم تصح، لأن
الإجارة يقتضي عوضا معلوما.
الثانية: إذا تنازعا في المدة فالقول قول منكر الزيادة مع يمينه، لأن الأصل
معه. قالوا: لو اختلفا في قدر الحصة فالقول قول صاحب البذر، لأن النماء تابع
للأصل في الملك، والأصل عدم خروجها عن ملكه. وفيه إشكال.
ولو أقام كل منهما بينة قدمت بينة الخارج، وقيل: قدمت بينة العامل (4) وقيل:
يرجعان إلى القرعة (5).
الثالثة: لو اختلفا بعد الزرع فقال الزارع: أعرتنيها، وأنكر المالك ولا بينة
فالقول قول المالك.
ولو ادعى المالك المزارعة بحصة أو الإجارة وادعى الزارع العارية حلف كل
منهما على نفي ما يدعيه الآخر، ويبقى على الزارع أنه انتفع بأرض غيره مع عدم
ثبوت التبرع فيلزمه اجرة المثل لتلك الأرض، وهذا إذا لم يزد اجرة المثل على
الحصة أو الاجرة التي يدعيها المالك، وإلا ثبت له ما يدعيه خاصة.
وإذا كان النزاع قبل الزرع وادعى الزارع العارية والمالك الإجارة أو المزارعة
وتحالفا انتفت العارية والمزارعة والإجارة، وليس للعامل أن يزرع بعد ذلك.
قالوا: وللزارع تبقية الأرض إلى أوان أخذه، وفي المسألة قول باستعمال القرعة.

(1) لم يرد في الأصل.
(2 و 3) راجع المسالك 5: 28 - 29.
(4) الشرائع 2: 152.
(5) حكاه في الشرائع 2: 152.
638

ولو ادعى الزارع العارية وأنكرها المالك وادعى غصب الأرض فالقول قوله
مع يمينه، لأصالة عدم الإعارة وعدم خروج منافع أرضه عن ملكه وبعد الحلف
كان للمالك قلع الزرع، والمطالبة باجرة المثل لما مضى من المدة، وأرش الأرض
إن نقصت، وطم الحفر. وفي التذكرة: يحلف العامل على نفي الغصب (1).
الرابعة: المشهور أنه يجوز للمزارع أن يشارك غيره وأن يزارع عليها غيره،
ولا يتوقف على إذن المالك إلا أن يشترط عليه المالك أن يزرع بنفسه قالوا: ولا
يجوز له تسليم الأرض إلا بإذن المالك، واشترط بعضهم في جواز مزارعة غيره
كون البذر منه (2).
الخامسة: خراج الأرض على صاحبها، لأنه موضوع عليها، وفي المسالك:
وهو مروي أيضا (3) وفي رواية «أن السلطان لو زاد فيه زيادة وطلبها من الزارع
وجب على صاحب الأرض دفعها إليهم، قال السائل: قلت: أنا لم أظلمهم ولم أزد
عليهم، قال: إنهم إنما زادوا على أرضك (4)» وسند هذه الرواية غير نقي، هذا إذا لم
يشترط على الزارع، ولو شرط عليه لزم إذا كان القدر معلوما وكذا لو شرط بعضه
معينا، أو مشاعا مع ضبطه.
وفي المسالك: لو شرط عليه الخراج فزاد السلطان فيه زيادة فهي على
صاحب الأرض، لأن الشرط لم يتناولها ولم تكن معلومة، فلا يمكن اشتراطها (5).
وهو مشكل، نظرا إلى صحيحة داود بن سرحان عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في الرجل
يكون له الأرض عليها خراج معلوم ربما زاد وربما نقص، فيدفعها إلى رجل على
أن يكفيه خراجها ويعطيه مائتي درهم في السنة؟ قال: لا بأس» (6).

(1) التذكرة 2: 340 س 39.
(2) حكاه في المسالك 5: 32 و 33.
(3) المسالك 5: 34.
(4) الوسائل 13: 211، الباب 16 من أبواب المزارعة والمساقاة، ح 10.
(5) المسالك 5: 34.
(6) الوسائل 13: 212، الباب 17 من أبواب المزارعة والمساقاة، ح 1.
639

وروى الصدوق بإسناده عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله (1).
فإن الروايتين تدلان على أن مثل هذه الجهالة غير ضائر.
السادسة: قالوا: متى حكم ببطلان المزارعة في موضع يجب لصاحب
الأرض اجرة المثل إذا كان البذر للعامل.
وفي المسالك: لو كان - يعني البذر - من صاحب الأرض فهو له، وعليه
للعامل والعوامل والآلات اجرة المثل. ولو كان منهما فالحاصل بينهما على نسبة
الأصل، ولكل منهما على الآخر اجرة مثل ما خصه على نسبة ما للآخر من الحصة
إلى أن قال: ولو كان البذر من ثالث فالحاصل له، وعليه اجرة مثل الأرض وباقي
الأعمال وآلاتها (2).
السابعة: يجوز لصاحب الأرض أن يخرص على الزارع بعد بلوغ الغلة، وهو
انعقاد الحب، ويدل عليه صحيحة محمد الحلبي وعبيد الله الحلبي جميعا عن أبي
عبد الله (عليه السلام) (3) وصحيحة يعقوب بن شعيب عنه (عليه السلام) (4) وغيرهما من الأخبار.
ويتخير الزارع في القبول، وعلى تقدير القبول فالظاهر أنه يكفي ما يدل
على الرضى من الطرفين. ولا يتوقف النقل على عقد بلفظ الصلح أو التقبيل على
ما ذكره الأصحاب. والمشهور أن لزوم العوض فيه مشروط بالسلامة، فإن تلفت
الغلة أجمع بآفة من قبل الله تعالى فلا شيء على الزارع، ولو تلف البعض
سقط بالنسبة، والقائلون به معترفون بعدم النص على ما قاله بعضهم (5) ولو زاد
فله ولو نقص فعليه، عملا بمقتضى الشرط، ويدل عليه موثقة محمد بن
مسلم (6) ومرسلة محمد بن عيسى (7) وأنكر هذه المعاوضة ابن إدريس وجعلها

(1) الفقيه 3: 244، ح 3890.
(2) المسالك 5: 35.
(3) الوسائل 13: 18، الباب 10 من أبواب بيع الثمار، ح 2 وذيله.
(4) الوسائل 13: 20، الباب 10 من أبواب بيع الثمار، ح 5.
(5) المسالك 5: 35 و 36.
(6) الوسائل 13: 206، الباب 14 من أبواب المزارعة والمساقاة، ح 3.
(7) الوسائل 13: 206، الباب 14 من أبواب المزارعة والمساقاة، ح 4.
640

باطلة (1) لأنها إن كانت بيعا فهي محاقلة، وإن كانت صلحا فهو لازم سلم أم لا إن
كان بعوض مضمون، وإن كان العوض من الغلة فهو باطل كالبيع.
الفصل الثاني
في المساقاة
وهي معاملة على اصول ثابتة بحصة من نمائها، وهي عقد ثابت شرعا
إجماعا على ما نقله في التذكرة (2) ويدل عليه الأخبار العامية والخاصية مثل
صحيحة الحلبي (3) وصحيحة يعقوب بن شعيب (4) وغيرهما. والنظر فيها يستدعي
أبحاثا:
الأول: الصيغة
لا أعرف خلافا في كون المساقاة عقدا لازما، ويدل عليه وجوب الإيفاء
بالعقود والشروط.
والمشهور بين المتأخرين أن كل عقد لازم يحتاج إلى إيجاب وقبول لفظيين
والمقارنة والعربية والماضوية، فهاهنا كذلك عندهم. وقد عرفت أن هذه القاعدة
غير ثابتة عندي، فالأقرب الحصول بكل ما دل على الرضى من الجانبين، والظاهر
حصول الإيجاب بالأمر، ويدل عليه صحيحة يعقوب بن شعيب.
ويصح قبل ظهور الثمرة بلا خلاف، وإن كان بعد ظهور الثمرة ولم يبق فيها
مستترا لم يصح، لا أعرف فيه خلافا، ونقل فيه الإجماع.

(1) السرائر 2: 450.
(2) التذكرة 2: 341 س 36.
(3) الوسائل 13: 201، الباب 9 من أبواب المزارعة والمساقاة، ح 1.
(4) الوسائل 13: 202، الباب 9 من أبواب المزارعة والمساقاة، ح 2.
641

ولا يكفي الجذاذ والحفظ والحمل والنقل ونحوها، وإذا ظهرت وبقي لها عمل
يحصل به الزيادة في الثمرة كالسقي والحرث ورفع أغصان شجرة الكرم على
الخشب وتأبير ثمرة النخل ونحوها ففي صحتها قولان، ولعل الأقرب الصحة.
والمشهور أنه لا تبطل بموت الساقي ولا العامل، وقال الشيخ في المبسوط:
لو مات أحدهما أو ماتا انفسخت المساقاة عندنا (1). ولا يبطل بالبيع.
الثاني: ما يساقى عليه
وهو كل أصل ثابت له ثمرة ينتفع بها مع بقائه، فيصح المساقاة على النخل
والكرم وشجر الفواكه، وفي ما لا ثمرة له إذا كان له ورق ينتفع به وجهان، ولعل
الأقرب الجواز.
والمشهور أنه لا يصح على ودي أو شجر غير ثابت، وفي المسالك: لا خلاف
في عدم جواز المساقاة على غير المغروس منه إلا عن بعض العامة (2).
أما لو ساقاه على ودي مغروس إلى مدة يحمل مثله فيها غالبا صح ولو لم
يحمل فيها، قالوا: ولو قصرت المدة المشروطة عن ذلك غالبا أو كان الاحتمال
على السواء لم يصح.
الثالث: المدة
والمشهور أنه يعتبر فيها شرطان: التقدير بزمان لا يحتمل الزيادة والنقصان،
وأن يكون مما يحصل الثمرة فيها غالبا، واكتفى ابن الجنيد بتقديرها بالثمرة
المساقى عليها، نظرا إلى أنه بالنسبة إلى ثبوته عادة كالمعلوم (3) وهو غير بعيد.
الرابع: العمل
وإطلاق العقد يقتضي قيام العامل بما يتكرر في كل سنة مما يحتاج إليه صلاح

(1) المبسوط 3: 216.
(2) المسالك 5: 43.
(3) حكاه في المسالك 5: 45.
642

الثمرة أو زيادتها في المتعارف، ومنه الرفق وإصلاح الأجاجين، وإزالة الحشيش
المضر بالاصول، وقطع ما يحتاج إلى القطع من أغصان الشجر والنخل، وإصلاح
الأرض بالحرث، والحفر حيث يحتاج إليه، والسقي والتلقيح، والعمل بالناضح،
وتعديل الثمرة بإزالة ما يضر بها من الأغصان والأوراق لإيصال الهواء إليها وما
يحتاج إليه من الشمس، ولقاط الثمرة بمجرى العادة وحفظها، إلى غير ذلك.
ويجب قيام صاحب الأصل ببناء الجدران وحفر الأنهار والآبار وعمل ما
يسقي بها من دولاب أو دالية، وإنشاء النهر، والأكثر على أن الكش للتلقيح على
المالك، وذهب ابن إدريس إلى أنه على العامل (1) وعلى العامل تسميد الأرض.
وفي التذكرة أن شراء الزبل ونقله على رب المال (2) والأقوى الرجوع في ذلك كله
إلى المتعارف في كل بلد أو قرية. ولو شرط شيء من ذلك على العامل لزم بعد أن
يكون معلوما. ولو شرط العامل العمل كله على المالك لم يصح، لمنافاته لحقيقة
المساقاة، ولو شرط البعض لزم، ولو شرط عليه اجرة الإجراء صح.
الخامس في الفائدة
ولابد أن يكون للعامل جزء منها مشاعا، فلو أضرب عن ذكر الحصة بطلت
المساقاة، لمنافاة ذلك لحقيقتها، وكذا لو شرط أحدهما انفراده بالثمرة. قالوا: وكذا
لو شرط لنفسه شيئا معينا، وما زاد فهو بينهما، أو قدر لنفسه أرطالا وللعامل ما
فضل أو بالعكس، أو جعل حصته نخلات بعينها والباقي للآخر، وهو غير بعيد.
ولعل الوجه في الجميع مخالفته للمعهود من المساقاة، لابتنائها على الاشتراك في
الثمرة مشاعا.
ولو أفرد كل نوع بحصة مخالفة للحصة من النوع الآخر صح بعد العلم بمقدار
كل نوع. ولو شرط مع النماء حصة من الأصل الثابت ففي صحته وجهان. ولو
شرط المالك على العامل مع الحصة شيئا من ذهب أو فضة صح عندهم، وهو

(1) السرائر 2: 451.
(2) التذكرة 2: 346 س 30.
643

حسن، عملا بوجوب الوفاء بالشروط والعقود، والمشهور عندهم كراهة ذلك.
واعتبروا في اللزوم أن لا تتلف الثمرة، وهو جيد. ولو ساقاه بالنصف إن سقى
بالناضح وبالثلث إن سقى بالسائح فالأشهر بطلان المساقاة، وفي بعض عباراتهم:
لو شرط فيما سقت السماء النصف وفيما سقى بالناضح الثلث بطل، والأقرب
هنا الصحة.
مسائل:
الاولى: كل موضع حكم فيه ببطلان المساقاة فالثمرة لصاحب الأصل، قالوا:
وللعامل اجرة المثل. وقيده في المسالك بما إذا كان جاهلا بالفساد ولم يكن
الفساد باشتراط جميع الثمرة للمالك (1) نظرا إلى أن في صورة علمه بالفساد بذل
عمله في مقابلة ما يعلم أنه لا يحصل له، فيكون متبرعا، وفي صورة شرط جميع
الثمرة للمالك دخل على أن لا شيء له.
الثانية: إذا استأجر أجيرا على العمل بجزء من الثمرة قبل ظهورها لم يجز
ذلك عند الأصحاب، لأن عوض الإجارة يشترط فيه الوجود والمعلومية، بخلاف
المساقاة، وإن كان بعد ظهورها وقبل بدو صلاحها وكان الاستيجار بالثمرة أجمع
بني على جواز نقلها بالبيع مطلقا أو بشرط القطع، ولو استأجره ببعضها قيل: لا
يصح، لتعذر التسليم (2) وقيل: يصح (3).
الثالثة: إذا ادعى المالك أن العامل خان أو سرق أو تلف أو فرط فتلف، وأنكر
العامل فالقول قوله مع يمينه، وبعد ثبوت الخيانة هل يرفع يده أو يستأجره من
يكون معه؟ الوجه أن لا يرفع يده من حصته من الربح، وفي جواز رفع يده عما
عداه تردد، ولو ضم المالك أمينا كان اجرته على المالك.
الرابعة: ليس للعامل أن يساقي غيره، لأن المساقاة إنما تجري على الاصول
وهي غير مملوكة للعامل.

(1) المسالك 5: 56.
(2) حكاه في التنقيح الرائع 2: 158.
(3) المسالك 5: 58.
644

الخامسة: خراج الأرض على المالك إلا أن يشترط على العامل أو بينهما،
فيجب حسب ما شرط، قال في المسالك: لكن يشترط علمهما بقدره ليصح
اشتراطه في العقد اللازم لئلا يجهل العوض. وفيه تأمل، وقال فيه أيضا: لو زاد
السلطان بعد ذلك فهو على المالك لا على حكم ما شرط (1). وفيه أيضا تأمل.
السادسة: الفائدة تملك بالظهور، لا أعرف فيه خلافا بين علمائنا، ويجب
الزكاة على كل منهما إذا بلغت حصته نصابا على الأقرب المشهور بين الأصحاب،
وقد خالف فيه ابن زهرة فأوجب الزكاة على من كان البذر منه خاصة (2).
السابعة: المغارسة معاملة خاصة على الأرض ليغرسها العامل على أن يكون
الغرس بينهما، وهي باطلة عند الأصحاب وعند أكثر العامة، لتوقف عقود
المعاوضات على الإذن من الشارع، وليس هاهنا، ولقائل أن يمنع عدم الإذن
العام، ولا فرق عندهم بين أن يكون الغرس من مالك الأرض أو من العامل، ولا
بين أن يشترط تملك العامل جزءا من الأرض مع الغرس وعدمه.
وحيث كانت المعاملة باطلة فالغرس لصاحبه، فإن كان لصاحب الأرض
فعليه للعامل اجرة مثل عمله، لأنه لم يعمل مجانا، بل بحصة لم تسلم له، وإن كان
للعامل فعليه اجرة المثل للأرض عن مدة شغله بها، ولصاحب الأرض قلعه، لأنه
غير مستحق للبقاء فيها، لكن بالأرش، لصدوره بالإذن، فليس بعرق ظالم.
قال في المسالك: والمراد بالأرش هنا تفاوت ما بين قيمته في حالته على
الوضع الذي هو عليه وهو كونه حال غرسه باقيا باجرة ومستحقا للقلع بالأرش،
وكونه مقلوعا، لأن ذلك هو المعقول من أرش النقصان، لا تفاوت ما بين قيمته
قائما مطلقا ومقلوعا، إذ لا حق له في القيام كذلك ليقوم بتلك الحالة، ولا تفاوت ما
بين كونه قائما باجرة ومقلوعا، لما ذكرنا، فإن استحقاقه للقلع بالأرش من جملة
أوصافه، ولا تفاوت ما بين كونه قائما مستحقا للقلع ومقلوعا، لتخلف بعض
أوصافه أيضا كما بيناه، ولا بين كونه قائما مستحقا للقلع بالأرش ومقلوعا،

(1) المسالك 5: 68.
(2) الغنية: 291.
645

لتخلف وصف القيام باجرة، وهذه الوجوه المنفية ذهب إلى كل منها بعض اختار
الثاني منها الشيخ علي (رحمه الله)، والأخير فخر الدين في بعض ما ينسب إليه، والآخران
ذكرهما من لا يعتد بقوله (1). انتهى.
وقال أيضا: يحتسب على العامل مع ذلك أرش الأرض لو نقصت به، وطم
الحفر خصوصا لو قلعه بغير أمر المالك، وقلع العروق المتخلفة عن المقلوع، قال:
ولم يفرق الأصحاب في إطلاق كلامهم بين العالم بالبطلان والجاهل، بل تعليلهم
يؤذن بالتعميم، ولا يبعد الفرق بينهما وأن لا اجرة لصاحب الأرض مع علمه
ولا أرش لصاحب الغرس مع علمه، أما الأول فللإذن في التصرف فيها بالحصة مع
علمه بعدم استحقاقها، وأما الثاني فلظلمه بالغرس مع علمه بعدم استحقاقه، ويمكن
دفعه بأن الأمر لما كان منحصرا في الحصة أو الاجرة لم يكن الإذن من المالك
تبرعا فله الاجرة، لفساد المعاملة، والغرس لما كان بإذن المالك وإن لم يكن
بحصته فعرقه ليس بظالم، فيكون مستحقا للأرش (2). انتهى.
ولو دفع صاحب الأرض القيمة ليكون الغرس له لم يجبر الغارس على ذلك،
ولو دفع الغارس اجرة الأرض لم يجبر صاحب الأرض على التبقية.

(1) المسالك 5: 71 و 72.
(2) المسالك 5: 72.
646

كتاب الإجارة
647

كتاب الإجارة
وفيه فصول:
الأول
الإجارة: وهي عقد ثمرته تمليك المنفعة بعوض معلوم، وهي من العقود
اللازمة عند الأصحاب، لا أعرف فيه خلافا بينهم، ويدل عليه عموم ما يدل على
لزوم الوفاء بالعقود والشروط، والكلام في الصيغة والإيجاب والقبول كما مر في
نظائره من العقود.
وفي المسالك: لما كانت الإجارة من العقود اللازمة وجب انحصار لفظها في
الألفاظ المنقولة شرعا المعهودة لغة (1). وفيه تأمل، بل الظاهر جواز الاكتفاء بما دل
على التراضي من الجانبين.
ولا تبطل الإجارة إلا بالتقايل أو ببعض الأسباب الموجبة للفسخ، ولا تبطل
بالبيع، لكن إن كان المشتري عالما بالإجارة تعين عليه الصبر إلى انقضاء مدة
الإجارة، وإن كان جاهلا تخير بين فسخ البيع وبين إمضائه مجانا إلى آخر المدة.
ولا تبطل الإجارة بالعذر مهما كان الانتفاع الذي تضمنه عقد الإجارة
بالإطلاق أو التعيين ممكنا بوجه. وفي المسالك: لا عبرة بإمكان الانتفاع بغير
المعين كما لو استأجر الأرض للزراعة فغرقت وأمكن الانتفاع بها بغيرها، فإن

(1) المسالك 5: 172.
648

ذلك كتلف العين، قال: وعدم منع العذر الانتفاع أعم من بقاء جميع المنفعة
المشروطة وبعضها، وعدم البطلان حاصل على التقديرين، لكن مع حصول
الانتفاع ناقصا يتخير المستأجر بين الفسخ والإمساك بتمام الاجرة (1).
وهل يبطل الإجارة بالموت؟ فيه أقوال:
الأول: أنه تبطل بموت كل من الموجر والمستأجر، وجعله في الشرائع
المشهور بين الأصحاب (2).
الثاني: لا تبطل بموت الموجر وتبطل بموت المستأجر، ونسب القولان إلى
الشيخ (رحمه الله) (3).
والمشهور بين المتأخرين أنه لا تبطل بموت أحدهما، ولعل الأقرب ترجيح
هذا القول، لظاهر صحيحة علي بن يقطين «قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل
يكتري السفينة سنة أو أكثر؟ قال: الكري لازم إلى الوقت الذي اكتراه، والخيار في
أخذ الكري إلى ربها إن شاء أخذ وإن شاء ترك» (4) ومثله رواية محمد بن سهل عن
أبيه عن أبي الحسن (عليه السلام) (5). ونحوه صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6).
ويدل عليه أيضا ما رواه علي بن مهزيار ومحمد بن عيسى العبيدي جميعا في
الصحيح إلى إبراهيم بن محمد الهمداني، قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) وسألته
عن امرأة آجرت ضيعتها عشر سنين على أن تعطي الإجارة في كل سنة عند
انقضائها، لا يقدم لها إجارة ما لم يمض الوقت، فماتت قبل ثلاث سنين أو بعدها،
هل يجب على ورثتها إنفاذ الإجارة إلى الوقت أم تكون الإجارة منتقضة بموت
المرأة؟ فكتب (عليه السلام) إن كان لها وقت مسمى لم تبلغه فماتت فلورثتها تلك الإجارة،

(1) المسالك 5: 174.
(2) الشرائع 2: 179.
(3) نسبهما إليه في المسالك 5: 175.
(4) الوسائل 13: 249، الباب 7 من أبواب الإجارة، ح 1.
(5) الوسائل 13: 249، الباب 7 من أبواب الإجارة ذيل الحديث 1.
(6) الوسائل 13: 249، الباب 7 من أبواب الإجارة ذيل الحديث 1.
649

وإن لم تبلغ ذلك الوقت وبلغت ثلثه أو نصفه أو شيئا منه فتعطى ورثتها بقدر ما
بلغت من ذلك الوقت إن شاء الله (1).
ومثله رواية أحمد بن إسحاق الأبهري عن أبي الحسن (عليه السلام) (2).
ويؤيده أن الظاهر أن المنفعة صارت ملكا للمستأجر والاجرة للمؤجر،
فينتقل إلى الورثة، لأدلة الإرث، وأنه لا ينتقل عن أحدهما أو ورثته إلى الغير إلا
بدليل.
واستثني من الحكم المذكور مواضع:
أحدها: ما لو شرط على المستأجر استيفاء المنفعة بنفسه فإنها تبطل بموته.
وثانيها: أن يكون المؤجر موقوفا عليه فيؤجر ثم يموت قبل انقضاء المدة،
فإنها تبطل بموته أيضا قالوا: إلا أن يكون ناظرا على الوقف وآجره لمصلحة
بالنسبة إلى البطون أو إلى الجميع فلا تبطل بموته.
وثالثها: الموصى له بمنفعة مدة حياته لو آجرها مدة ومات في أثنائها، فإنها
تبطل، لانقضاء مدة الاستحقاق.
وكل ما يصح إعارته من الأعيان للانتفاع بالمنفعة التي لا تكون عينا يصح
إجارته، والمشاع (3).
والمستأجر أمين لا يضمن إلا بتفريط، بترك ما يجب عليه فعله مثل سقي
الدابة وعلفها وحفظها بما جرت العادة به، أو يتعدى بفعل ما لا يجوز له، مثل أن
يحملها أكثر مما يطيق أو أكثر مما استأجرها له، أو تجاوز عن المسافة المشترطة،
أو ضربها فوق العادة ونحوها، وفي ضمانه بالتضمين وجهان، أشهرهما المنع، لأنه
شرط مخالف لما ثبت شرعا.
وعلى هذا يحتمل بطلان العقد المشروط أيضا، ويحتمل بطلان الشرط

(1) الوسائل 13: 268، الباب 25 من أبواب الإجارة، ح 1.
(2) الوسائل 13: 269، الباب 25 من أبواب الإجارة ذيل الحديث 1.
(3) كذا في الأصل أيضا.
650

حسب، ولعل الترجيح للاحتمال الأول، إذ الرضى لم يقع إلا بالشرط، وعلى
الاحتمال الثاني يثبت عدم الضمان، وكذا على الاحتمال الأول، للأصل، وقد تقرر
عندهم أن كل ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده، ويمكن أن يقال: إن أدلة
صحة العقود والشروط تقتضي صحة هذا العقد والشرط، وكونه مخالفا لما ثبت
شرعا ممنوع، لأن الثابت عدم الضمان عند عدم الشرط لا مطلقا.
وروى موسى بن بكر عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته عن رجل استأجر
سفينة من ملاح فحملها طعاما واشترط عليه إن نقص الطعام فعليه؟ قال: جائز،
قلت: إنه ربما زاد الطعام، قال: فقال: يدعي الملاح أنه زاد فيه شيئا؟ قلت: لا، قال:
هو لصاحب الطعام الزيادة وعليه النقصان إذا كان قد اشترط عليه ذلك (1).
ولا فرق في عدم ضمان المستأجر بين مدة الإجارة وبعدها قبل طلب المالك
لها، إذ لا يجب على المستأجر رد العين إلى الموجر ولا مؤنة ذلك، وإنما يجب
عليه التخلية بين المالك وبينها على الأقرب الأشهر، لأصالة براءته من الزائد على
ذلك، وفيه خلاف لجماعة منهم الشيخ (2) وابن الجنيد (3) حيث أوجبوا الضمان فيما
بعد المدة وأوجبوا عليه مؤنة الرد. وتردد العلامة في المختلف (4).
وليس في الإجارة خيار المجلس، ولو شرط الخيار لهما أو لأحدهما جاز.
الفصل الثاني في شروط الإجارة
يشترط فيها امور:
الأول: كمال المتعاقدين، فلا ينعقد بالصبي والمجنون، وفي المميز بإذن الولي
وجهان.

(1) الوسائل 13: 277، الباب 30 من أبواب الإجارة، ح 5.
(2) المبسوط 3: 249.
(3) نقله في المختلف 6: 166.
(4) المختلف 6: 166.
651

الثاني: كون الاجرة معلومة بوجه، وهل يشترط الوزن أو الكيل في الموزون
والمكيل؟ قيل: نعم (1). وقيل: يكفي المشاهدة، وهو اختيار جماعة منهم
المرتضى (2) والشيخ (3) ولعله الأقرب، لعموم الأدلة، ومثله القول في المعدود.
وتملك الاجرة بنفس العقد، لأن المعاوضة اللازمة تقتضي نقل الملك في كل
من العوضين إلى الآخر. قال في المسالك: لكن لا يجب تسليم الاجرة إلا بتسليم
العين الموجرة أو بالعمل إن كان الإجارة على عمل (4).
قالوا: يجب تسليم الاجرة مع الإطلاق، وهو متجه فيما تقتضي العادة ذلك،
ولعل المراد أول وقت وجوب الدفع. وفي المسالك أنه وقت تمام العمل وتسليم
العين الموجرة (5) ولو شرط التعجيل تعين.
والظاهر أنه يتسلط الموجر على الفسخ لو شرط التعجيل في مدة مضبوطة
فأخل به. ولو شرطا القبض قبل العمل أو قبل تسليم العين الموجرة صح ووجب
الوفاء بالشرط. ولو شرطا التأجيل صح بشرط انضباط مدة التأجيل، ولا فرق بين
المتحد والمتعدد بأن يقسطها في نجوم معينة.
ولو كانت الاجرة مضمونة فوقف الموجر على عيب سابق على القبض في
الاجرة المدفوعة إليه كان له الرد والمطالبة بالعوض، فإن تعذر العوض كان له
الفسخ، والظاهر أن له حينئذ الرضى بالمعيب ومطالبة الأرش، وإن كانت الاجرة
معينة فظهر العيب السابق كان له الرد أو الأرش.
والظاهر عدم الخلاف في جواز إيجار الدار التي استؤجرت إذا لم يشترط
استيفاء المنفعة بنفسه، ونقل في التذكرة إجماع علمائنا عليه (6). قيل: ولكن لا يسلم
إلى المستأجر الثاني إلا بإذن المالك للعين حتى لا يكون ضامنا لها، ودليله
غير معلوم.

(1) المسالك 5: 178.
(2) الناصريات: 370.
(3) المبسوط 3: 223.
(4) المسالك 5: 179.
(5) المسالك 5: 179.
(6) التذكرة 2: 290 س 29.
652

ونسب إلى أكثر الأصحاب أنه لا يجوز أن يوجر المسكن ولا الخان ولا
الأجير بأكثر مما استأجر، إلا أن يوجر بغير جنس الاجرة أو يحدث ما يقابل
التفاوت، ومستنده روايات دالة على المنع (1). وحملها في المسالك على الكراهة
جمعا بينها وبين ما دل على الجواز (2).
والذي وصل إلي حسنة أبي المعزا عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في الرجل يستأجر
الأرض ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها؟ فقال: لا بأس إن هذا ليس كالحانوت
والأجير، إن فضل الحانوت والأجير حرام» (3) وفيه دلالة على تحريم فضل
الحانوت والأجير ودلالة على الجواز في الأرض، ورواية أبي الربيع الشامي
الدالة على تحريم فضل الأجير والبيت والجواز في الأرض، ورواه الصدوق
والكليني والشيخ في الصحيح إلى الحسن بن محبوب عن خالد بن جرير عن أبي
الربيع الشامي (4) ورواية إبراهيم بن المثنى (5) الدالة على ما ذكر، فالقول بالتحريم
في البيت والأجير والحانوت متجه، ولم أطلع على ما يدل على التحريم في غيرها
على سبيل العموم وسيجئ الكلام فيه.
ولو استأجره ليحمل له متاعا إلى موضع معين باجرة في وقت معين فإن قصر
عنه نقص من اجرته شيئا جاز على الأشهر الأقرب، لعموم أدلة جواز الإجارة
وجواز الشرط والوفاء بالشروط والعقود، وموثقة الحلبي الواردة فيمن يكاري
لحمل متاع إلى موضع معين واشترط عليه أن يدخل المتاع في يوم كذا فإن
احتبسه عن ذلك حط عن كل يوم كذا، وجوابه (عليه السلام): أن شرطه جائز ما لم يحط
بجميع كراه (6).
وفي المسالك أن مستنده روايتان صحيحة وموثقة عن محمد بن مسلم

(1) المسالك 5: 180.
(2) المسالك 5: 180.
(3) الوسائل 13: 260، الباب 20 من أبواب الإجارة، ح 4.
(4) الوسائل 13: 259، الباب 20 من أبواب الإجارة، ح 2.
(5) الوسائل 13: 260، الباب 20 من أبواب الإجارة، ح 5.
(6) الوسائل 13: 253، الباب 13 من أبواب الإجارة، ح 2.
653

والحلبي عن الباقر (عليه السلام) (1). ولم أطلع إلا على روايتين صحيحتين لمحمد بن مسلم
نقل أحدهما الصدوق (2) والاخرى الكليني (3) والشيخ (4) بعد الخبر المذكور، لكنهما
غير منطبقتين على المدعى.
وفي المسالك استشكله بعدم تعيين الاجرة، لاختلافهما على التقديرين، كما
لو باعه بثمنين على تقديرين. قال: ومن ثم ذهب جماعة من الأصحاب إلى
البطلان. قال: ويمكن حمل الأخبار على الجعالة (5).
وهذا الإشكال لا وجه له في مقابلة النص، واختلاف الاجرة على التقديرين
غير ضائر بعد دلالة النص عليه، وقد روى الشيخ عن أبي حمزة في الصحيح عن
أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يكتري الدابة فيقول: أكتريها منك إلى مكان
كذا وكذا، فإن جاوزته فلك كذا وكذا وزيادة وسمى ذلك، قال: لا بأس (6).
وفي المسالك: ومتى حكم بالبطلان ثبتت اجرة المثل، إلا أن يشترط إسقاط
الجميع فلا شيء مع عدم الإتيان به في المعين وإن أتى به في غيره، قال: ويمكن
القول بصحة الإجارة على التقدير الثاني وهو شرط سقوط الاجرة مع الإخلال في
المعين لا بجعله أحد شقي المستأجر عليه، لخلوه عن الاجرة، بل بيانا لنقيض
الإجارة، فإنها إذا تعينت بوقت فأخل الأجير بالفعل فيه بطلت، وإذا فعله في غيره
لم يستحق شيئا، فيكون التعرض بذلك بيانا لنقيض الإجارة، فلا ينافيها، وحينئذ
فيثبت المسمى إن جاء به في المعين ولا شيء في غيره للإخلال بمقتضاها (7).
ولو قال: اجرتك كل شهر بكذا، قيل: تبطل، للجهالة (8) وقيل: يصح في شهر
وتبطل في الزائد ويثبت فيه اجرة المثل إن سكن (9). والأقوى الصحة في شهر، ولا
يبعد القول بالصحة في الكل، فيثبت المسمى في كل شهر سكن فيه. ولو قال: إن

(1) المسالك 5: 181.
(2) الفقيه 3: 246، ح 3896.
(3) الكافي 5: 290، ح 4.
(4) التهذيب 7: 214، ح 941.
(5) المسالك 5: 181.
(6) التهذيب 7: 214، ح 938.
(7) المسالك 5: 181.
(8) المسالك 5: 182.
(9) الشرائع 2: 181.
654

خطته فارسيا فلك درهم، وإن خطته روميا فلك درهمان، صح. ولو قال: إن عملت
هذا العمل في هذا اليوم فلك درهمان، وفي غد درهم، فالأظهر الجواز.
ويستحق الأجير المطالبة بالاجرة بعد العمل على قول، وقيل: لا يستحق إلا
بعد التسليم (1). وقيل بالفرق بين أن يكون العمل في ملكه أو ملك المستأجر (2).
وكل موضع فسد فيه عقد الإجارة يجب فيه اجرة المثل مع استيفاء المنفعة كلا
أو بعضا، لأن مقتضى الفساد رجوع كل عوض إلى مالكه، وحيث تعذر ثبت البدل.
واستثنى بعضهم من ذلك ما لو كان الفساد باشتراط عدم الاجرة في العقد أو
متضمنا له كما لو لم يذكر اجرة، فإنه يقوى حينئذ عدم وجوب الاجرة، لدخول
العامل على ذلك تبرعا (3). وهو جيد.
الثالث: من شروط الإجارة أن تكون المنفعة مملوكة إما تبعا للعين أو منفردة،
ولو آجر غير المالك فضولا قيل: يبطل (4) وقيل: يقف على الإجازة (5).
الرابع: أن تكون المنفعة معلومة إما بتعيين العمل كخياطة الثوب المعلوم، أو
تعيين مدة الانتفاع المعلوم كسكنى الدار شهرا.
والأجير الخاص هو الذي يستأجر للعمل بنفسه مطلقا مدة معينة أو لعمل
معين مع تعيين أول زمانه] بحيث لا يتوانى في فعله حتى يفرغ منه [(6) فإن كان
العمل مطلقا اقتضى الاستئجار ملك جميع منافعه في الوقت الذي جرت العادة
بالعمل فيه، فليس له أن يعمل فيه عملا لغير المستأجر إلا بإذنه، وله ذلك في
الزمان الذي لم تجر العادة بالعمل كبعض أجزاء الليل إذا لم يؤد إلى ضعف العمل
المستأجر عليه. وهل يجوز له ما لا ينافي حق المستأجر كإيقاع عقد ونحوه] مع
تشاغله بالفعل المستأجر عليه [(7) الأقرب ذلك. وإن كان العمل معينا مع تعيين
المبدأ فلا يجوز له ما ينافيه حسب.

(1) المسالك 5: 179.
(2 - 5) حكاها المحقق في الشرائع 2: 181 - 182.
(6) لم يرد في خ 2.
(7) لم يرد في خ 2.
655

ولو استأجره لعمل مجرد عن المباشرة مع تعيين المدة أو عن المدة مع تعيين
المباشرة أو مجردا عنهما جاز له العمل لغيره، وكذا الاستئجار.
ويحكى عن الشهيد (رحمه الله) في بعض تحقيقاته أن الإطلاق في كل الإجارات
يقتضي التعجيل والمبادرة إلى الفعل، فيقع التنافي بينه وبين عمل آخر في صورة
اعتبار المباشرة، وفرع عليه منع صحة الإجارة الثانية في الصورة المذكورة (1). ولم
يثبت ذلك عندي، مع اقتضاء عموم الأدلة الجواز. والأقرب أن إطلاق العقد لا
يقتضي اتصال مدة الإجارة بالعقد بانضمام ما يدل عليه، خلافا لبعضهم. ولو أطلق
أو صرح بعدم الاتصال فالظاهر الصحة مع تعيين مدة ترفع الجهالة بأن يقول يفعل
ذلك في عرض السنة أو الشهر مثلا. وقيل: يبطل العقد مع الإطلاق أو التصريح
بالانفصال (2). وقوى بعضهم الجواز مع الإطلاق إن دل العرف على اقتضائه
الاتصال، وإلا فلا، للجهالة (3). ولو عين شهرا متأخرا عن العقد فالأقرب الجواز
خلافا للشيخ (رحمه الله) (4).
وإذا سلم العين المستأجرة ومضت المدة المشترطة لزمته الاجرة. فلو
استأجر دارا مدة معينة وتسلمها ومضت المدة ولم يسكنها استقرت الاجرة. ولو
استأجر شيئا فتلف قبل قبضه بطلت الإجارة، وكذا لو تلف بعد قبضه قبل مدة
استيفاء المنفعة، ولو تلف بعد انقضاء بعض المدة أو تجدد فسخ الإجارة بوجه صح
فيما مضى وبطل في الباقي، ويرجع من الاجرة بما قابل المتخلف ويقسط المسمى
على جميع المدة.
ولابد من تعيين ما يحمل على الدابة بالمشاهدة أو الكيل أو الوزن مع ما يعتبر
في رفع الجهالة كمعرفة جنس المحمول مع التقدير بالكيل أو الوزن والامتحان
باليد مع المشاهدة، والظاهر أنه لا يكفي ذكر المحمل ولا راكب غير معين ولا
الآلات المحمولة من غير تعيين وكذا الزاد، ولابد من تعيين الدابة المحمول عليها

(1) حكاه في المسالك 5: 192.
(2) المبسوط 3: 230.
(3) المسالك 5: 193.
(4) الخلاف 3: 496، المسألة 13.
656

بالمشاهدة أو ذكر الجنس والوصف بما يرفع الجهالة. ولو آجرها للدوران
لدولاب احتيج إلى مشاهدته.
ولو آجر الدابة للسير في مسافة معينة فلابد من تعيين المسير على وجه يرتفع
الجهالة، إلا أن يقتضي العادة بشيء معلوم.
ويجوز استئجار المرأة للرضاع مدة معينة بإذن الزوج، فإن لم يأذن الزوج
ومنع بعض حقوقه اعتبرت إجازته، وإن لم يمنع فالأقرب الصحة. وفيه قول
بالمنع.
الخامس: أن تكون المنفعة مباحة، فلو استأجر بيتا ليشتغل فيه بالمعاصي
كإحراز الخمور للشرب لم يصح، وهذا إذا كان الإجارة لخصوص هذا الغرض،
وأما الإيجار لمن يعمل ذلك ففيه خلاف بين الأصحاب، وقد مر تحقيق المسألة
سابقا. وفي المسألة قول بتحريم الإجارة وصحتها، لإمكان الانتفاع بغير الحرام.
وفيه: أن ذلك لم يتناوله العقد. وهل يجوز استئجار الحائط المروق للتنزه؟ منعه
الشيخ وجماعة من الأصحاب (1) وجوزه ابن إدريس (2).
السادس: حصول القدرة على تسليم المنفعة، فلو آجر عبدا آبقا لم يصح
عندهم، إلا أن يكون المستأجر قادرا على تسليمه، وكذا المغصوب لو آجره
الغاصب أو لمن يتمكن من قبضه، ولو آجره لمن لا يتمكن من قبضه مع الضميمة
فالأقرب الجواز، لعموم الأدلة.
ولو منعه الموجر فالأقرب أن له الفسخ، وحينئذ يسقط المسمى وله الالتزام
ومطالبة الموجر بالتفاوت إن كان، وظاهر بعضهم سقوط الاجرة مطلقا. واختاره
في التذكرة وقيده بمنع الموجر المستأجر من العين من غير أن يستوفي المنافع،
وقرب ثبوت الخيار لو استوفى (3).
قالوا: ولو منعه ظالم قبل القبض كان بالخيار بين الفسخ ومطالبة الموجر

(1) الخلاف 3: 501، المسألة 24، المختلف 6: 169.
(2) السرائر 2: 479.
(3) التذكرة 2: 326 س 17.
657

بالمسمى، وبين الرضى والرجوع على الظالم باجرة المثل بناء على أن العين قبل
القبض مضمونة على الموجر، ولو كان ذلك بعد القبض لم يكن له الفسخ وإذا انهدم
المسكن فللمستأجر فسخ الإجارة، إلا أن يعيده المالك سريعا بحيث لا يفوت
شيء من المنافع، وفيه تردد.
الفصل الثالث في أحكام الإجارة
وفيه مسائل:
الاولى: إذا وجد بالعين المستأجرة عيبا قيل: له الفسخ أو الرضى بالاجرة من
غير نقصان (1). وقيل: يثبت له الأرش (2).
الثانية: اختلف الأصحاب في جواز إجارة الأرض وغيرها من الأعيان
المستأجرة بأكثر مما استأجرها به إذا لم يحدث فيه حدثا، فمنع منه جماعة من
الأصحاب (3) استنادا إلى أخبار دلت على النهي، وآخرون إلى الجواز (4) استنادا
إلى أخبار دلت على الجواز. وطريق الجمع بين الروايات القول بالكراهة، لكن لا
أعرف خبرا يدل على النهي على سبيل العموم، وقد مر حكم الحانوت والبيت
والأجير، والحكم في غيرها.
إذا كانت الإجارة بالذهب والفضة لا يخلو عن إشكال، لما رواه الشيخ عن
إسحاق بن عمار في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: إذا تقبلت أرضا بذهب أو
فضة فلا تقبلها بأكثر مما تقبلتها به، وإن تقبلتها بالنصف والثلث فلك أن تقبلها بأكثر
مما تقبلتها به، لأن الذهب والفضة مضمونان (5).

(1) الشرائع 2: 187.
(2) المسالك 5: 221.
(3) المقنعة: 642، الكافي في الفقه: 346، الشرائع 2: 181.
(4) جامع المقاصد 7: 119، المسالك 5: 180.
(5) التهذيب 7: 204، ح 898.
658

وعن الحلبي بإسناد لا يبعد أن يكون موثقا قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
أتقبل الأرض بالثلث أو الربع فاقبلها بالنصف؟ قال: لا بأس به. قلت: فأتقبلها بألف
درهم واقبلها بألفين؟ قال: لا يجوز. قلت: كيف جاز الأول ولم يجز الثاني؟ قال:
لأن هذا مضمون وذلك غير مضمون (1).
ويمكن الجمع بين هذين الخبرين وبين ما دل على إطلاق الجواز إما بحمل
المطلق على المقيد، أو حمل الخبرين على الكراهة، والترجيح لا يخلو عن
إشكال، إلا أن الأصل يعضد الوجه الثاني فلترجيحه وجه.
وروى الصدوق عن سليمان بن خالد في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
إني أكره أن أستأجر الرحى وحدها ثم اواجرها بأكثر مما استأجرتها إلا أن
احدث فيها حدثا أو أغرم فيها غرما (2).
الثالثة: اختلف الأصحاب في إجارة الأرض بالحنطة والشعير مما يخرج
منها، فقيل بالتحريم (3). وقيل بالكراهة (4) ومستند الأول رواية الفضيل بن يسار عن
الباقر (عليه السلام) أنه سأله عن إجارة الأرض بالطعام، قال: إن كان من طعامها فلا خير
فيه (5). وفي إسناد الرواية ضعف، لكن روى الشيخ عن صفوان في الصحيح عن أبي
بردة - وهو مشترك بين جماعة لا جرح فيهم ولا تعديل - عن الصادق (عليه السلام) قريبا
منه (6). وفي صحتها إلى صفوان إشعار بجودة الرواية، لكن في الدلالة على التحريم
نظر، بل ظاهرها الكراهة، لأن نفي الخير يشعر به.
ولو أطلق أو شرط من غيرها فالمشهور جوازه على كراهة، للأصل. وقيل
بالمنع بشرط أن يكون من جنس ما يزرع فيها، لصحيحة الحلبي عن الصادق (عليه السلام)

(1) الوسائل 13: 260، الباب 20 من أبواب الإجارة، ح 1.
(2) الفقيه 3: 235، ح 3864.
(3) المهذب 2: 10.
(4) الشرائع 2: 150.
(5) الوسائل 13: 210، الباب 16 من أبواب المزارعة والمساقاة، ح 5.
(6) التهذيب 7: 209، ح 917.
659

قال: لا يستأجر الأرض بالحنطة ثم يزرعها حنطة (1). ودلالة الرواية على
التحريم غير واضحة مع اختصاصها بالاستئجار وعدم شمولها للإيجار، على أن
خبر الفضيل وخبر أبي بردة بحسب المفهوم معارضان لها ومقتضيان لتخصيصها
باشتراطه مما يخرج منها، فإن دلالتهما على مفهوم الشرط واضحة، وكذا الكلام
في غير واحد من الأخبار الدالة على النهي عن إجارة الأرض بالحنطة مطلقا
وبالطعام من غير تقييد.
لكن روى الشيخ عن أبي المعزا في الصحيح قال: سأل يعقوب الأحمر أبا
عبد الله (عليه السلام) وأنا حاضر فقال: أصلحك الله إنه كان لي أخ فهلك وترك في حجري
يتيما، ولي أخ يلي ضيعة لنا وهو يبيع العصير ممن يصنعه خمرا ويؤاجر الأرض
بالطعام، فأما ما يصيبني فقد تنزهت، وكيف أصنع بنصيب اليتيم؟ فقال: أما إجارة
الأرض بالطعام فلا تأخذ نصيب اليتيم منه (2). وحمل هذه الرواية على الكراهة
بعيد. نعم لا يبعد تقييدها بما إذا آجرها بطعام من تلك الأرض أو من جنس ما
يزرع فيها، جمعا بين الأدلة.
ويؤيد الثاني ما رواه الصدوق في العلل عن يونس بن عبد الرحمن عن غير
واحد بإسناد فيه إسماعيل بن مرار - وليس في شأنه مدح ولا قدح - «عن أبي
جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) أنهما سئلا ما العلة التي من أجلها لا يجوز أن يؤاجر
الأرض بالطعام ويؤاجرها بالذهب والفضة؟ قال: العلة في ذلك أن الأرض يخرج
منها حنطة وشعير، ولا يجوز إجارة حنطة بحنطة ولا شعير بشعير (3). والرواية غير
نقية السند، فلعل الأقرب التخصيص بالشرط الأول عملا بالمتيقن، فالقول بالمنع
بالشرط المذكور لا يخلو عن قوة، والاحتياط في مراعاة الشرطين.
الرابعة: قال جماعة من الأصحاب: إذا تعدى في العين المستأجرة ضمن

(1) الوسائل 13: 209، الباب 16 من أبواب المزارعة والمساقاة، ح 3.
(2) التهذيب 7: 196، ح 866.
(3) علل الشرائع: 518، الباب 291، ح 1.
660

قيمتها وقت العدوان، لأنه بمنزلة الغاصب (1) ويدل على ذلك صحيحة أبي ولاد (2)
لكنها مختصة بالدابة المستأجرة إذا تعدى المستأجر، ولعل الحكم مبني على أن
الغاصب يضمن قيمة المغصوب يوم الغصب كما هو مختار الأكثر، وقيل: يضمن
أعلى القيم من حين العدوان إلى حين التلف (3). وقيل: يضمن قيمتها يوم التلف (4).
ولو اختلفا في القيمة قيل: القول قول المالك إن كانت دابة، وهو قول الشيخ (5).
وقيل: القول قول المستأجر (6). ولعله أقرب، لأنه منكر.
الخامسة: الظاهر عدم الخلاف في جواز استيجار الدار المستأجرة على
تقدير عدم اشتراط استيفاء المنفعة بنفسه وعدم قرينة دالة عليه. قال في التذكرة:
لو استأجر دارا أو دابة أو غيرهما من الأعيان التي يصح استئجارها جاز له أن
يؤجرها من غيره عند علمائنا أجمع (7). وقيل: لكن لا يسلم إلى المستأجر الثاني
إلا بإذن المالك (8). ولعل الأقرب القول بالجواز.
ويدل عليه في الدابة ما رواه الكليني والشيخ عن علي بن جعفر في الصحيح
عن أخيه أبي الحسن (عليه السلام) «قال: سألته عن رجل استأجر دابة فأعطاها غيره
فنفقت ما عليه؟ قال: إن كان شرط أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها، وإن لم يسم
فليس عليه شيء» (9) ورواه علي بن جعفر في كتابه (10).
ويدل على حكم الأرض صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) «قال:
سألته عن رجل استأجر أرضا بألف درهم ثم آجر بعضها بمائتي درهم، ثم قال له
صاحب الأرض الذي آجره: أنا أدخل معك فيها بما استأجرت فننفق جميعا، فما

(1) الشرائع 2: 187، النهاية 2: 280 - 281، القواعد 2: 304.
(2) الوسائل 13: 255، الباب 17 من أبواب الإجارة، ح 1.
(3) حكاه في المسالك 5: 221.
(4) المسالك 5: 221.
(5) النهاية 2: 281.
(6) الشرائع 2: 187.
(7) التذكرة 2: 290 س 29.
(8) حكاه في الشرائع 2: 182.
(9) الكافي 5: 291، ح 7.
(10) مسائل علي بن جعفر: 196، ح 414.
661

كان فيها من فضل كان بيني وبينك؟ قال: لا بأس» (1) لكن لا يبعد اشتراط كونه
أمينا ثقة.
السادسة: المشهور أن من تقبل عملا لم يجز له أن يقبله غيره بنقيصة إلا أن
يحدث فيه ما يستبيح به الفضل، ومستنده أخبار دالة على النهي (2). والأقرب
حملها على الكراهة جمعا بينها وبين ما يدل على الجواز، ولا فرق في الجواز على
تقدير الحدث بين القليل والكثير، والجواز مشروط بعدم تعيين العامل في العقد،
وإلا فالظاهر المنع والضمان لو سلم العين.
السابعة: ذهب جماعة من الأصحاب إلى أنه يجب على المستأجر سقي
الدابة وعلفها من ماله من غير أن يرجع به على المالك، ولعل الأقرب وجوبهما
على المالك إلا مع الشرط، للأصل، ثم إن لم يكن المالك حاضرا معه استأذنه في
الإنفاق ورجع به عليه، فإن تعذر أنفق بنية الرجوع وأشهد عليه ورجع به.
الثامنة: الظاهر أن الصائغ إذا أفسد بيده شيئا ضمن ولو كان حاذقا، لا أعرف
فيه خلافا، وفي المسالك أنه موضع وفاق (3). وذلك كالحجام يجني في حجامته،
أو الختان يختن فيسبق موساه إلى الحشفة أو يتجاوز حد الختان، أو الفصاد يفصد
فيقتل، أو القصار يخرق أو يحرق، ولا فرق في ذلك بين الحاذق وغيره، ولا بين
المفرط وغيره. والظاهر أنه يدخل في الحكم الطبيب إذا باشر السقي بيده، وهل
يدخل فيه إذا أمره بذلك من غير مباشرة؟ يحتمل ذلك، إذ يصدق أنه تلف بدواء
الطبيب، ولا يضمن لو وصف أن دواء كذا نافع لمرض كذا وكذا. ولو قال: هذا
الدواء نافع لهذا المرض، ففيه إشكال، والأصل يقتضي العدم. وفي تحقق الضمان
في صورة الوجوب إشكال.
ويدل على ضمان الصائغ المفسد حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

(1) الوسائل 13: 259، الباب 19 من أبواب الإجارة، ح 1.
(2) الوسائل 13: 265، الباب 23 من أبواب الإجارة.
(3) المسالك 5: 223.
662

سئل عن القصار يفسد؟ قال: كل أجير يعطى الأجر على أن يصلح فيفسد فهو
ضامن (1). ومفهوم الخبر يدل على عدم الضمان على المتبرع.
ويدل عليه أيضا ما رواه الصدوق عن الحلبي في الصحيح عن أبي
عبد الله (عليه السلام) في الرجل يعطي الثوب ليصبغه فيفسده؟ فقال: كل عامل أعطيته أجرا
على أن يصلح فأفسد فهو ضامن، قال: وقال (عليه السلام): كان أبي (عليه السلام) يضمن الصائغ
والقصار ما أفسدا، وكان علي بن الحسين (عليه السلام) يتفضل عليهم (2).
وعن إسماعيل بن أبي الصباح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الثوب
أدفعه إلى القصار فخرقه؟ قال: أغرمه فإنك إنما دفعته إليه ليصلحه ولم تدفع إليه
ليفسده (3) ورواه الصدوق بتفاوت ما (4).
وعن يونس قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن القصار والصائغ أيضمنون؟ قال: لا
يصلح إلا أن يضمنوا. قال: وكان يونس يعمل به ويأخذ (5).
وعن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن أمير المؤمنين (عليه السلام) رفع إليه رجل استأجر
رجلا يصلح بابه فضرب المسمار فانصدع الباب فضمنه أمير المؤمنين (عليه السلام) (6).
وعن أبي بصير في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان علي (عليه السلام) يضمن
القصار والصائغ يحتاط به على أموال الناس، وكان أبو جعفر (عليه السلام) يتفضل عليه إذا
كان مأمونا (7) وعن أبي الصباح قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القصار هل عليه
ضمان؟ فقال: نعم، كل من يعطى الأجر ليصلح فيفسد فهو ضامن (8).

(1) الوسائل 13: 271، الباب 29 من أبواب الإجارة، ح 1.
(2) الفقيه 3: 253 - 254، ح 3917 و 3919.
(3) الوسائل 13: 273، الباب 29 من أبواب الإجارة، ح 8.
(4) الفقيه 3: 253، ح 2918.
(5) الوسائل 13: 273، الباب 29 من أبواب الإجارة، ح 9.
(6) الوسائل 13: 274، الباب 29 من أبواب الإجارة، ح 10.
(7) الوسائل 13: 274، الباب 29 من أبواب الإجارة، ح 12.
(8) الوسائل 13: 274، الباب 29 من أبواب الإجارة، ح 13.
663

وعن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يضمن
الصباغ والقصار والصائغ احتياطا على أمتعة الناس، وكان لا يضمن من الغرق
والحرق والشيء الغالب. الحديث (1).
ورواه الصدوق مرسلا (2) ونقله ابن إدريس عن جامع البزنطي عن
أمير المؤمنين (عليه السلام) مثله (3).
وفي القواعد: يضمن الصائغ ما يجنيه وإن كان حاذقا كالقصار يخرق الثوب،
والحمال يسقط حمله عن رأسه أو يتلف بعثرته، والجمال يضمن ما يتلف بقوده
وسوقه وانقطاع حبله الذي يشد به حمله، والملاح يضمن ما تلف من يديه أو
حدقه أو ما يعالج به السفينة (4). وقال في الشرح: للنص والإجماع (5) وفيه تأمل.
واستثنى في القواعد التلف بفعل الطبيب والكحال إذا أخذا البراءة من البالغ
العاقل وولي الطفل والمجنون، لما روي عن علي (عليه السلام): من تطبب أو تبيطر فليأخذ
البراءة من صاحبه، وإلا فهو ضامن (6). وهو غير بعيد، للأصل وفقد الإجماع في
صورة البراءة.
وفي التحرير: لو لم يتجاوز - يعني الختان - محل القطع مع حذقهم في الصنعة
واتفق التلف فإنهم لا يضمنون (7). وهو غير بعيد، للأصل وعدم الإجماع والنص
الظاهر فيه، ويجري مثله في الطبيب، بل قيل: إنه يجري في الصانع بأن فرض أنه
ما فرط ولا تعدى في القصر والصبغ أصلا، إلا أن الثوب كان بحيث لو لم يصبغ ولم
يقصر لم يمزق. وكان متهيئا لقبول ذلك، وهو غير بعيد.
والصانع أو غيره إذا تلف شيء في يده فالأشهر أنه لا يضمن إلا بالتعدي

(1) الوسائل 13: 272، الباب 29 من أبواب الإجارة، ح 6.
(2) الفقيه 3: 256، ح 3927.
(3) مستطرفات السرائر: 63، ح 472.
(4) القواعد 2: 305، وفيه «جذفه» بدل حدقه.
(5) جامع المقاصد 7: 267.
(6) الوسائل 19: 194، الباب 24 من أبواب موجبات الضمان، ح 1.
(7) التحرير 1: 253 س 7.
664

والتفريط، وليس يده يد ضمان وغصب بحيث يضمن مطلقا، بل يد أمانة مالكية،
للأصل، ولأنه أمين متصرف بإذن المالك.
ويدل عليه صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن
القصار والصباغ؟ قال: ليس يضمنان (1) ورواية أحمد بن إسحاق المذكورة في
إكمال الدين (2). وحمل الشيخ رواية ابن عمار على ما إذا كانا مأمونين، وأما مع
التهمة فيضمن، لروايات كثيرة كصحيحة أبي بصير (3) ورواية اخرى لأبي بصير (4)
وحسنة الحلبي (5) وصحيحة محمد بن الحسن الصفار (6) ورواية محمد بن علي بن
محبوب (7) وغيرها.
وذهب المرتضى (رحمه الله) إلى القول بالضمان مدعيا عليه الإجماع (8).
وقيل: يكلفون البينة، ومع فقدها يلزمهم الضمان (9). وتدل رواية الحلبي في
الصحيح والحسن على أن القصار والصباغ إذا ادعى السرق ولم يقم البينة فهو
ضامن (10). وصحيحة أبي بصير تدل على اعتبار البينة ورواية السكوني السابقة
عن أبي عبد الله (عليه السلام) تدل على الضمان. وكذا ما نقله ابن إدريس عن جامع
البزنطي، وكذا رواية يونس، وفي بعض الروايات الضعيفة اعتبار الاستحلاف.
والملاح والمكاري لا يضمنان إذا تلف شيء في يدهما لا بسبب فعل منهما،

(1) الوسائل 13: 274، الباب 29 من أبواب الإجارة، ح 14.
(2) إكمال الدين 2: 454، ح 21.
(3) الوسائل 13: 274، الباب 29 من أبواب الإجارة، ح 11.
(4) الوسائل 13: 278، الباب 30 من أبواب الإجارة، ح 7.
(5) الوسائل 13: 271، الباب 29 من أبواب الإجارة، ح 1.
(6) الوسائل 13: 275، الباب 29 من أبواب الإجارة، ح 18.
(7) الوسائل 13: 275، الباب 29 من أبواب الإجارة ذيل الحديث 18.
(8) الانتصار: 225.
(9) حكاه في السرائر 2: 470.
(10) الوسائل 13: 271، الباب 29 من أبواب الإجارة، ح 2 و 3.
665

إلا مع التفريط على الأشهر. وقال الشيخ بضمانهما (1) استنادا إلى ما روى ابن
بابويه عن الحلبي في الصحيح والكليني عنه في الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن
المكاري لا يصدق إلا ببينة عادلة (2). ونحوه رواية زيد الشحام. وحسنة الحلبي
تدل على ضمان الملاح، وروى مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال
أمير المؤمنين (عليه السلام): الأجير المشارك هو ضامن إلا من سبع أو غرق أو حرق أو
لص مكابر (3). وبعض الأخبار تدل على اعتبار الأمانة وعدمها (4) وبعضها على
الاتهام وعدمه (5).
ولا يضمن صاحب الحمام وإن ظن المالك أن صاحب الحمام يحفظه ما لم
يودعه عنده وقبله وفرط، والظاهر أنه لا يضمن بمجرد قول صاحب المال
«احفظه» مع سكوته، وكذا مع عدم التفريط، لأنه أمين، ويؤيده رواية غياث بن
إبراهيم (6) ورواية إسحاق بن عمار (7) ورواية أبي البختري المذكورة في
قرب الأسناد (8).
التاسعة: قال في القواعد: لو استأجر أجيرا بطعامه وكسوته فإن قدرا ذلك
وعلماه صح العقد، وإن لم يقدراه بطل العقد. قال: ولا فرق بين أن يستأجره بالنفقة
والكسوة، وبين أن يجعلها جزء من الاجرة، وإذا استأجره بهما صح إجماعا
ووصفها كما يوصف في السلف (9). وهو حسن.
ومن استأجر أجيرا لينفذه في حوائجه كانت نفقته على المستأجر عند جماعة

(1) النهاية 2: 285.
(2) الفقيه 3: 254، ح 3920، الكافي 5: 243، ح 1.
(3) الوسائل 13: 276، الباب 30 من أبواب الإجارة، ح 4.
(4) الوسائل 13: 271 - 276، الباب 29 من أبواب الإجارة.
(5) الوسائل 13: 278، الباب 30 من أبواب الإجارة، ح 6.
(6) الوسائل 13: 270، الباب 28 من أبواب الإجارة، ح 1.
(7) الوسائل 13: 270، الباب 28 من أبواب الإجارة، ح 2.
(8) قرب الإسناد: 152، ح 553.
(9) لم نعثر عليه.
666

من الأصحاب، ومستنده رواية سليمان بن سالم عن الرضا (عليه السلام) (1) وفيه كلام سندا
ودلالة، وذهب جماعة إلى أنه كغيره لا يجب نفقته إلا مع الشرط (2) ولعل ذلك هو
الأقرب.
العاشرة: لا أعلم خلافا في أنه إذا تسلم أجيرا ليعمل له صنعة فهلك لم
يضمنه، وفي المسالك أنه موضع وفاق منا ومن العامة (3) واحتمل بعضهم اشتراط
إذن المولى والولي (4). والظاهر العدم.
الحادية عشر: لو دفع سلعة إلى غيره ليعمل فيها عملا فقد شرط المحقق في
لزوم الاجرة أحد الأمرين: إما كون العامل من عادته أن يستأجر بمثل ذلك العمل،
أو كون العمل له اجرة في العادة (5).
واعتبر العلامة كون العمل ذا اجرة عادة خاصة (6). ولا ريب في لزوم الاجرة
عند اجتماع الأمرين وعدمه عند عدمهما. وإذا كان العمل مما له اجرة في العادة
ولكن العامل ليس من عادته الاستئجار فمقتضى القولين لزوم الاجرة، وللتأمل
فيه مجال، وإذا كان الأمر بالعكس تثبت الاجرة عند المحقق دون العلامة.
الثانية عشر: قالوا: كل ما يتوقف عليه توفية المنفعة فعلى المؤجر، كالخيوط
على الخياط والمداد على الكاتب، والظاهر أن المرجع في هذه الامور إلى العرف
المنضبط والعادة المستمرة إن كانت، وإلا فيتبع الشرط.
الثالثة عشر: إذا تنازعا في أصل الإجارة فالقول قول منكرها مع يمينه، ولو
اختلفا في قدر المستأجر أي العين المستأجرة بأن قال: آجرتني الدار بأجمعها
بمائة. فقال الآخر: بل البيت منها خاصة بالمائة، فالقول قول منكر الزائد،
لاتفاقهما على استحقاق الانتفاع بالبيت وعلى استحقاق الاجرة المعينة، إنما

(1) الوسائل 13: 250، الباب 10 من أبواب الإجارة، ح 1.
(2) النهاية 2: 282، إصباح الشيعة: 282، القواعد 2: 283.
(3) المسالك 5: 228.
(4) لم نعثر عليه.
(5) الشرائع 2: 188.
(6) إرشاد الأذهان 1: 425، القواعد 2: 307.
667

الاختلاف في استحقاق المنافع الزائدة على البيت، فيقدم قول منكره. وقيل
بالتحالف (1) لأن كلا منهما مدع ومنكر. وهو ضعيف. ولو اختلفا في تعيين
المستأجر لم يبعد القول بالتحالف. ولو تنازعا في رد العين المستأجرة فالقول قول
المنكر، ولو تنازعا في قدر الاجرة فالقول قول منكر الزائد.
الرابعة عشر: يكره استعمال الأجير قبل تعيين الاجرة كراهة مؤكدة،
للأخبار (2).

(1) حكاه في المسالك 5: 232.
(2) الوسائل 13: 245، الباب 3 من أبواب الإجارة.
668

كتاب الوكالة
669

كتاب الوكالة
وفيه فصول:
الأول في الصيغة
والمعتبر فيها ما يدل على الرضى بالاستنابة في فعل، سواء كان لفظا أو كتابة
أو إشارة، ولا فرق بين أن يقول: وكلتك، أو استنبتك. أو قال: اشتر وأعتق ونحوها.
ويعتبر فيها القبول، والظاهر أنه يتحقق بالوجوه المذكورة بل بالفعل، فلا
يحتاج إلى شيء قبل الفعل الموكل فيه، بل يكفي الرضى من الجانبين.
وقد نقل في وكالة البارقي أنه قال (صلى الله عليه وآله): اشتر (1). ومن هذا القبيل حكاية
أصحاب الكهف، وعموم قول الصادق (عليه السلام) في رواية جابر بن يزيد ومعاوية بن
وهب: من وكل في أمر من الامور... (2) الحديث.
وفي رواية عمر بن حنظلة عن الصادق (عليه السلام) في رجل قال لآخر: اخطب إلي
فلانة فما فعلت من شيء مما قاولت من صداق... (3) الحديث، ولم يذكر فيه حديث
القبول. إلى غير ذلك من الأخبار.

(1) سنن الدارقطني 3: 10، ح 29.
(2) الوسائل 13: 285، الباب 1 من أبواب الوكالة، ح 1.
(3) الوسائل 13: 288، الباب 4 من أبواب الوكالة، ح 1.
670

وفي التذكرة: القبول يطلق على معنيين: أحدهما الرضى والرغبة في ما فوض
إليه، ونقيضه الرد. والثاني: اللفظ الدال عليه على النحو المعتبر في البيع وسائر
المعاملات (1).
ويعتبر في الوكالة القبول بالمعنى الأول، حتى لو رد وقال: لا أقبل أو لا أفعل،
بطلت الوكالة ولو ندم وأراد أن يفعل أو يرجع، بل لابد من استئناف إذن جديد مع
علم الموكل، لأن الوكالة جائزة من الطرفين يرتفع في الالتزام بالفسخ فلأن يزيد
في الابتداء بالرد كان أولى. وأما بالمعنى الثاني وهو القبول اللفظي فالوجه عندنا
أنه لا يشترط، لأنه إباحة ورفع حجره فأشبه إباحة الطعام لا يفتقر إلى القبول
اللفظي. وفي حكمه باستئناف إذن جديد عند الرد مع الحكم بكونه إباحة إشكال،
ولعل الوجه عدم الحاجة إلى استئناف إذن جديد، لكونه في قوة الإباحة وعموم
الأدلة والمعاملات الواقعة بعده يصدق عليها أنها تجارة عن تراض.
ولو تأخر القبول عن الإيجاب لم يقدح في الصحة، فإن الغالب يوكل مع
تأخر القبول.
ومذهب الأصحاب - كما نقل - أن من شرط صحة الوكالة أن يقع منجزة، فلو
علقت بشرط وهو ما أمكن وقوعه، أو صفة وهو ما تحقق وقوعه كانت باطلة.
ولا نزاع عندهم في جواز التوقيت بأن يقول: وكلتك شهرا، فلا يكون بعده
وكيلا، ولا في صحة أن يقول: وكلتك الآن أو مطلقا ولكن لا تتصرف إلا بعد مجيء
زيد مثلا أو بعد إذنه. وادعى في التذكرة الإجماع على صحة قوله: أنت وكيلي في
بيع عبدي إذا قدم الحاج (2). ولعل الشرط قيد للبيع، وبه يحصل الفرق بينه وبين
المعلق الممنوع، ومرجعهما بحسب المآل واحد، ومنع التعليق غير مرتبط بدليل
واضح، إلا أن يثبت الإجماع عليه.

(1) التذكرة 2: 114 س 6.
(2) التذكرة 2: 114 س 28.
671

ثم إن قلنا بفساد العقد لتعليقه على الشرط فهل يصح التصرف بعد حصول
الشرط؟ قرب في التذكرة ذلك محتجا بأن الإذن حاصل لم يزل بفساد العقد (1).
واستشكل بعضهم القول ببطلان العقد وحصول الإذن نظرا إلى أن الظاهر أن
الوكالة ليست أمرا زائدا على الإذن، ولتوجيه القول بذلك سبيل كما ذكره بعض
المتأخرين (2).
ولو وكله في شراء عبد مطلقا قيل: لا يصح (3). وقيل: يصح (4) واحتمل
الشهيد (رحمه الله) التفصيل فأوجب الوصف إذا كان المقصود من العبد القنية دون
التجارة (5) ولعل القول بالصحة مطلقا نظرا إلى عموم الأدلة أقرب.
وهي جائزة من الطرفين بمعنى أنه يجوز للوكيل ترك ما وكل فيه وللموكل
عزله عن الوكالة، والوكيل إذا عزل نفسه عن الوكالة فهل ينعزل بالكلية حتى لا
يمكنه العمل بمقتضى التوكيل بلا إذن مجدد؟ قيل: نعم (6) وقيل: لا (7). والأول أشهر،
والثاني أقرب، لما مر.
وقد يفرق بين علم الموكل بذلك وعدمه، وللموكل أن يعزل الوكيل. والمشهور
بين الأصحاب خصوصا بين المتأخرين أنه يشترط في انعزاله إعلامه بذلك، فلو
لم يعلمه لم ينعزل.
وعن الشيخ وجماعة من الأصحاب انعزاله عند الإشهاد على ذلك (8). وقد
يقيد ذلك بحال تعذر الإعلام.
واختار في القواعد انعزاله بالعزل مطلقا (9). والأقرب الأول، لصحيحة هشام
ابن سالم عن الصادق (عليه السلام) (10) ورواية جابر بن يزيد ومعاوية بن وهب الصحيحة في

(1) التذكرة 2: 114 س 33.
(2) المسالك 5: 240.
(3) المبسوط 2: 391.
(4) المسالك 5: 242.
(5) حكاه عنه في جامع المقاصد 8: 222.
(6) القواعد 2: 364.
(7) المسالك 5: 243.
(8) النهاية 2: 42.
(9) القواعد 2: 364.
(10) الوسائل 13: 286، الباب 2 من أبواب الوكالة، ح 1.
672

الفقيه عن الصادق (عليه السلام) (1) ورواية العلاء بن سيابة عنه (عليه السلام) (2).
ومقتضى كلام المحقق ومن تبعه - حيث قيدوا الانعزال بعلمه - عدم الانعزال
بالظن وإن كان بعدل أو عدلين. والأقوى انعزاله بإخبار الثقة كما يدل عليه
صحيحة هشام بن سالم (3).
ولو تصرف الوكيل قبل الإعلام بالعزل مضى تصرفه على الموكل، فلو وكله
في استيفاء القصاص فاقتص قبل علمه بالعزل وقع الاقتصاص موقعه.
ولو مات الوكيل بطلت الوكالة ولا ينتقل إلى الوارث. ولو مات الموكل بطلت
وكالة الوكيل وإن كان قبل علمه بالموت، ولا تبطل الأمانة ببطلان الوكالة هاهنا.
فلو تلفت العين الموكل فيها في يده من غير تفريط لم يضمن، وكذا لو كان وكيلا
في قبض عين قبضها بعد موت الموكل قبل العلم بذلك فتلف في يده بغير تفريط.
ويجب عليه المبادرة إلى إيصال العين إلى الوارث.
وتبطل أيضا بالجنون والإغماء في كل منهما عند الأصحاب، وفي المسالك
أن هذا موضع وفاق، قال: ولا فرق عندنا بين طول زمان الإغماء وقصره، ولا بين
الجنون المطبق والأدوار، وكذا لا فرق بين أن يعلم الموكل بعروض المبطل
وعدمه (4).
والظاهر جواز تصرف الوكيل بعد زوال المانع من غير حاجة إلى تجديد التوكيل.
والظاهر أنه تبطل وكالة الوكيل بالحجر على الموكل فيما يمنع الحجر من
التصرف فيه. ولا تبطل الوكالة بالنوم المتطاول، وتبطل بفعل الموكل ما تعلقت
الوكالة به، وفي حكمه فعل الموكل أمرا منافيا للوكالة. وفي كون وطء الزوجة
منافيا للوكالة في طلاقها وجهان، وكذا الكلام في وطء السرية الموكل في بيعها.

(1) الفقيه 3: 83، ح 3381.
(2) الوسائل 13: 286، الباب 2 من أبواب الوكالة، ح 2.
(3) مر ذكرها آنفا.
(4) المسالك 5: 247.
673

وإطلاق الوكالة يقتضي ابتياع الصحيح دون المعيب. ويقتضي أن يبيع بثمن
المثل أو أزيد منه إن وجد باذل لأزيد منه، ولو لم يوجد إلا مشتري بأقل من ثمن
المثل وعلم اضطرار الموكل إلى البيع لم يبعد جواز البيع بالأقل. قالوا: ويقتضي أن
يبيع بنقد البلد حالا.
ولو أطلق الوكالة جاز للوكيل أن يبيع على زوجته وولده الكبير والصغير على
الأشهر الأقرب، وللشيخ قول بالمنع (1). والأقرب أنه يجوز أن يبيع على نفسه مع
الإذن صريحا أو مع وجود قرينة دالة عليه، فيجوز له حينئذ تولي طرفي العقد.
ولو أطلق ولم يفهم الإذن ولا عدمه فهل يكفي الإطلاق في الجواز؟ فيه
إشكال وخلاف بين الأصحاب، فعن ظاهر أكثر المتأخرين القول بالمنع، وذهب
بعض الأصحاب كأبي الصلاح (2) والعلامة في التذكرة والمختلف إلى الجواز (3). ولو
ثبت أن المتبادر عرفا من قوله: بع هذا الشيء البيع على الغير كان المنع متجها.
وروى الشيخ عن علي بن أبي حمزة قال: سمعت معمر الزيات يسأل أبا
عبد الله (عليه السلام) فقال: جعلت فداك إني رجل أبيع الزيت يأتيني من الشام أفآخذ
لنفسي مما أبيع؟ قال: ما احب لك ذلك. قال: إني لست أنقص لنفسي شيئا مما أبيع؟
قال: بعه من غيرك ولا تأخذ منه شيئا، أرأيت لو أن رجلا قال: لا أنقصك رطلا من
دينار كيف كنت تصنع؟ لا تقربه (4).
وعن خالد القلانسي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يجيئني بالثوب
فأعرضه فإذا أعطيت به الشيء زدت فيه وأخذته؟ قال: لا تزده. قلت: ولم ذاك؟
قال: أليس أنت إذا عرضته أحببت أن تعطى به أوكس من ثمنه؟ قلت نعم، قال: فلا
تزده (5). ودلالتهما على التحريم غير واضحة مع ضعف الإسناد.

(1) المبسوط 2: 381.
(2) الكافي في الفقه: 337.
(3) التذكرة 2: 115 س 39، المختلف 6: 32.
(4) التهذيب 7: 128، ح 558.
(5) الوسائل 12: 289، الباب 6 من أبواب آداب التجارة، ح 1.
674

وروى الكليني عن هشام بن الحكم بإسنادين: أحدهما من الحسان بإبراهيم
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا قال لك الرجل: اشتر لي، فلا تعطه من عندك وإن كان
الذي عندك خيرا منه (1) ورواه الشيخ في الحسن بإبراهيم وبإسناد آخر غير نقي (2).
وروى إسحاق قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يبعث إلى الرجل يقول
له: ابتع لي ثوبا، فيطلب له في السوق فيكون عنده مثل ما يجد له في السوق فيعطيه
من عنده، قال: لا يقربن هذا ولا يدنس نفسه، إن الله عز وجل يقول: (إنا عرضنا
الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها
الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) وإن كان عنده خير مما يجد له في السوق فلا
يعطيه من عنده (3).
والروايتان واردتان في الشراء، ودلالتهما على التعميم والتحريم غير
واضحة. ويعارضهما رواية إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): يجيئني
الرجل بدينار يريد مني دراهم فاعطيه أرخص مما أبيع؟ فقال: أعطه أرخص مما
تجد له (4).
وروى الصدوق بإسناده عن عثمان بن عيسى عن ميسر قال: قلت له: يجيئني
الرجل فيقول: اشتر لي، ويكون ما عندي خير من متاع السوق قال: إن أمنت أن لا
يتهمك فأعطه من عندك، وإن خفت أن يتهمك فاشتر له من السوق (5).
وإطلاق الوكالة في البيع لا يقتضي الإذن في قبض الثمن، لأنه قد يؤمن على
البيع ولا يؤمن على قبض الثمن، وكذا الوكالة في الشراء لا يقتضي الإذن في قبض
المبيع، لما ذكر، ووكيل البيع لا يملك تسليم المبيع، لأنه ليس بداخل في مفهوم
البيع ولا يشترط فيه. وإذا أعطى الثمن إلى الموكل أو وكيله في أخذ الثمن أو أبرأه

(1) الكافي 5: 151، ح 6.
(2) التهذيب 7: 6، ح 19.
(3) الوسائل 12: 289، الباب 5 من أبواب آداب التجارة، ح 2.
(4) الوسائل 12: 289، الباب 5 من أبواب آداب التجارة، ح 3.
(5) الفقيه 3: 195، ح 3733.
675

من الثمن فلا يجوز لأحد المنع من تسليم المبيع، لأنه مستحق لأخذه، ولا يجوز
منع المستحق، والظاهر أن مثله يجري في وكيل الشراء من غير فرق، ومنهم من
فصل بينهما وذكر أن وكيل الشراء يملك تسليم الثمن (1). وذكر بعضهم أن إطلاق
الوكالة في البيع يقتضي تسليم المبيع، لأنه من واجباته، وكذا إطلاق الوكالة في
الشراء يقتضي الإذن في تسليم الثمن (2). وفيه نظر.
الثاني في ما فيه الوكالة
وله شرطان:
الأول: أن يكون مملوكا للموكل بمعنى كون مباشرته له ممكنة بحسب العقل
والشرع، فلا يجري الوكالة في الامور المستحيلة عقلا، ولا في الامور الممنوعة
شرعا، فلا يجوز في المعاصي كالغصب والسرقة والقتل، وأحكامها تلزم المباشر.
وهل يعتبر الإمكان المذكور من حين التوكيل إلى وقت التصرف؟ ظاهر
جماعة منهم ذلك (3) فلا يجوزون طلاق زوجة سينكحها ولا عتق عبد سيشتريه.
وقال بعضهم: الظاهر أن ذلك متفق عليه عندنا (4).
لكن يشكل إطلاق القول بذلك، إذ الظاهر أنهم يجوزون توكيل الطلاق في طهر
المواقعة وفي الحيض، ويجوزون التوكيل في تزويج امرأة وطلاقها أو شراء عبد
وعتقه. قال في التذكرة: لو وكله في شراء عبد وعتقه، أو في تزويج امرأة وطلاقها،
أو في استدانة دين وقضائه صح ذلك كله (5). وأيضا يجوزون التوكيل في التطليق
الثلاث مع الرجعتين بينهما (6)، ويلزم أن لا يجوز التوكيل في اشتراء ضيعة وإخراج
الزكاة أو التصدق من غلته، وأن لا يجوز التوكيل في اشتراء طعام وإطعامه.

(1) القواعد 2: 357.
(2) الشرائع 2: 195.
(3) منهم العلامة في القواعد 2: 353.
(4) جامع المقاصد 8: 207.
(5) لم نعثر عليه صريحا، انظر التذكرة 2: 115 س 22.
(6) كذا في الأصل أيضا، والظاهر: بينها.
676

الثاني: أن لا يكون مما يترتب الأثر الشرعي على إيقاعه مباشرة حسب
كالعبادات، إلا ما استثني نحو الطواف الواجب بشرط ذكر في محله، وركعتي
الطواف، حيث يجوز استنابة الحي في الحج الواجب والحج المندوب وأداء
الزكاة، وكالأيمان والعهود والقسمة بين الأزواج والشهادات والظهار واللعان
والجناية وإقامة الشهادة. وفي صحة التوكيل بإثبات اليد على المباحات
كالاصطياد والاحتطاب والاحتشاش قولان. وفي التوكيل في الإقرار إشكال،
والظاهر أن ذلك ليس بإقرار، ويصح التوكيل في الدعوى وإثبات الحجج
والحقوق، ولا يشترط في توكيل الخصومة رضى الغريم.
وهل يصح التوكيل على كل قليل وكثير؟ قيل: لا يصح، لما يتطرق من الضرر.
وقيل: يصح ويندفع التطرق باعتبار المصلحة، ولعل هذا أقرب. ولو وكله على ما
يملك صح ويناط بالمصلحة، بل يعتبر في التوكيل مطلقا اعتبار مصلحة الموكل.
الثالث: الموكل
ويعتبر فيه البلوغ وكمال العقل وجواز التصرف فيما وكل فيه، فلا يصح وكالة
الصبي، قيل: ولو بلغ عشرا جاز أن يوكل فيما له التصرف فيه كالصدقة والوصية
والطلاق على رواية، وكذا يجوز أن يتوكل فيه (1). ولعل الأقرب العدم.
ولا يصح وكالة المجنون، ولو عرض الجنون بعد التوكيل أبطله، وهل يرجع
بعد زوال الجنون؟ الأقرب ذلك. وللمكاتب أن يوكل، وليس للعبد القن ذلك إلا
بإذن المولى.
وليس للوكيل أن يوكل من الموكل إلا بإذنه صريحا أو بالقرينة الواضحة، ولو
كان العبد مأذونا في التجارة جاز أن يوكل فيما جرت العادة بالتوكيل فيه، ولا
يجوز أن يوكل في غير ذلك إلا بصريح الإذن من المولى، وله التوكيل فيما يجوز
له التصرف فيه بغير إذن المولى مما يصح فيه النيابة كالطلاق.

(1) الشرائع 2: 197.
677

وللمحجور عليه أن يوكل فيما له التصرف فيه كالطلاق، وللأب والجد أن
يوكلا عن الولد الصغير وكذا الوصي.
ويصح الوكالة في الطلاق للغائب على المشهور حتى ادعى المحقق الإجماع
عليه (1). ونقل قول عن ابن سماعة بعدم جواز التوكيل في الطلاق مطلقا (2) والأول
هو الأصح، لصحيحة سعيد الأعرج، ويدل على قول ابن سماعة رواية زرارة (3)
وهي ضعيفة لا يصلح لمعارضة الصحيحة.
ويصح الوكالة في الطلاق عن الحاضر على الأشهر الأقرب، للصحيحة
المذكورة، مضافا إلى عمومات الأدلة، وخالف فيه الشيخ حيث لم يجوز التوكيل
في الطلاق إذا كان الزوج حاضرا في بلد التوكيل وإيقاع الطلاق فيه (4). استنادا إلى
الجمع بين رواية زرارة (5) وغيرها. ورواية زرارة ضعيفة لا ينطبق على قول الشيخ،
بل على قول ابن سماعة، والشيخ لا يقول به، والشيخ جمع بين الروايات بحمل
رواية الجواز على الغائب ورواية المنع على الحاضر، لرواية غير دالة على التفصيل.
ولو قال: اصنع ما شئت، دل الكلام على الإذن في التوكيل من حيث العموم،
وفيه خلاف للعلامة في التذكرة محتجا بأنه إنما يستلزم التعميم فيما يفعله بنفسه لا
مطلقا (6). وجوابه أن عموم اللفظ يشمل الأمرين، ومدلول العام كمدلول الخاص
في الحجية وإن اختلفا في القوة والضعف.
والمشهور أنه يستحب أن يكون الوكيل له بصيرة تامة ومعرفة باللغة التي
يتعلق بما وكل فيه، وذهب ابن البراج إلى وجوب ذلك (7). وهو منقول عن ظاهر
أبي الصلاح (8).

(1) الشرائع 2: 197.
(2) نقله في السرائر 2: 95.
(3) الوسائل 15: 334، الباب 39 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 5.
(4) النهاية 2: 44.
(5) تقدمت آنفا.
(6) التذكرة 2: 116 س 13.
(7) نقله في المختلف 6: 25.
(8) نقله في المسالك 5: 264.
678

قالوا: وينبغي للحاكم أن يوكل عن السفهاء وكذا غير السفهاء ممن للحاكم
عليه ولاية كالصبيان والمجانين، قالوا: ويكره لذوي المروات يعني أهل الشرف
والمناصب الجليلة الذين لا يليق بهم الامتهان أن يتولوا المنازعة بنفوسهم، وروي
أن عليا (عليه السلام) وكل عقيلا في خصومة وقال: إن للخصومة قحما (1).
الرابع: الوكيل
ويعتبر فيه البلوغ وكمال العقل، ولا يعتبر العدالة، قالوا: ويشترط الإسلام إذا
كان وكيلا على المسلم، سواء كان الموكل مسلما أو كافرا، وقال في التذكرة: عند
علمائنا أجمع، لقوله تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) (2)
وهذا غير بعيد فيما فيه التسلط والاقتدار، وأما في غير ذلك مثل أن يكون وكيلا
لأن يوقع عقد المسلم أو يعطيه دينا ونحو ذلك فلا أعلم حجة على منعه، مع عموم
أدلة التوكيل، وتسلط الناس على أموالهم، وإطلاق (تجارة عن تراض).
ويصح وكالة المحجور عليه لتبذير أو فلس، ولا يصح نيابة المحرم فيما ليس
للمحرم أن يفعله كابتياع الصيد وعقد النكاح.
ويجوز أن تتوكل المرأة في طلاق غيرها، ويصح وكالتها في عقد النكاح.
ويجوز وكالة العبد إذا أذن مولاه، وأما بدون الإذن فإطلاق كلام المحقق وغيره -
حيث حكموا بتوقف توكيله على إذن المولى - عدم الجواز (3) بدونه من غير فرق
بين أن يمنع ما وكل فيه شيئا مما يجب عليه من حقوق سيده أم لا، كما لو وكله في
إيقاع عقد في حال لم يطلب المولى منه شيئا، أو لم يكن العقد منافيا لما طلب منه،
ولا فرق بين القليل والكثير.
وذهب العلامة في التذكرة إلى جواز توكيله بغير إذنه إذا لم يمنع شيئا من
حقوقه (4). وهو متجه بشرط آخر وهو أن يغلب على ظنه أن هذا المولى راض بهذه

(1) المغني لابن قدامة 5: 205.
(2) التذكرة 2: 116 س 11.
(3) الشرائع 2: 198.
(4) التذكرة 2: 117 س 2.
679

الوكالة، ويظهر من بعض عباراتهم التقييد بالقليل، وهو غير بعيد. والظاهر أنه
يجوز أن يوكله مولاه في إعتاق نفسه.
ولا يشترط عدالة الولي ولا الوكيل في عقد النكاح، والمشهور كراهة وكالة
المسلم للكافر على المسلم، بل ادعى في التذكرة الإجماع عليها (1). ويظهر من
الشيخ في النهاية عدم الجواز (2) ولا أعلم حجة عليه.
ويقتصر الوكيل على التصرف فيما أذن له فيه أو يشهد العادة بالإذن فيه، وإذا
ابتاع الوكيل وقع الشراء عن الموكل ولا يدخل في ملك الوكيل، فلا ينعتق عليه
ولده ووالده لو اشترى أحدهما.
وكل موضع تبطل الشراء للموكل إما للمخالفة أو لإنكار الموكل التوكيل، فإن
كان سماه عند العقد لم يقع عن الموكل، لعدم الوكالة أو المخالفة، ولا عن الوكيل،
لذكر غيره. وإن لم يكن سماه وقع عن الوكيل بحسب ظاهر الشرع، وأما في نفس
الأمر فإن كان قصده لنفسه فهو له، وإن كان للموكل لم يقع له أيضا، فينبغي المصالحة
أو يقول الموكل: إن كان لي فقد بعته من الوكيل، والظاهر أن هذا التعليق غير ضائر.
وفي حكمه لو قال منكر التزويج عقيب دعوى الزوجة: إن كانت زوجتي فهي طالق.
والظاهر أنه لو أوقع البيع أو الطلاق من غير تعليق على الشرط صح أيضا،
وإن امتنع الموكل جاز له المقاصة.
ولو وكل اثنين فإن شرط الاجتماع لم يجز لأحدهما التصرف فيه منفردا.
قالوا: وكذا لو أطلق، ولو مات أحدهما حيث كان المعتبر اجتماعهما بطلت الوكالة،
وليس للحاكم أن يضم إليه.
ولو وكل إنسانا في الحكومة لم يكن توكيلا في قبض الحق. ولو وكله في
قبض المال فأنكر الغريم لم يكن توكيلا في محاكمته. ولو قال: وكلتك في قبض
حقي من زيد فمات لم يكن له المطالبة من وارثه، لتعيين المقبوض منه، بخلاف ما
لو قال: وكلتك في قبض حقي الذي على زيد. ولو وكله في بيع فاسد أو ابتياع

(1) التذكرة 2: 117 س 12.
(2) النهاية 2: 41.
680

معيب لم يملك الصحيح.
الخامس في ما تثبت به الوكالة
] قال في التذكرة [: (1) تثبت الوكالة بإقرار الموكل على نفسه بأنه وكله،
وشهادة عدلين ذكرين، فلا يثبت بشهادة رجل وامرأتين، ولا بشهادة رجل ويمين
عند علمائنا أجمع (2). وظاهر هذا الكلام وغيره حيث خص ثبوتها بالشاهدين
عدم ثبوتها بالاستفاضة، والأمر كذلك إن لم يعتبر في الاستفاضة العلم، وإلا ففيه
إشكال مع رجحان للقول بالثبوت.
والمشهور في عبارات الأصحاب أن الشاهدين بالوكالة إذا اختلفا في تاريخ
ما شهدا به لم تثبت الوكالة بذلك، لعدم اجتماع الشاهدين على صيغة واحدة، أما لو
شهدا على إقراره في وقتين قبلت. وبعض الأصحاب لم يفرق بينهما في القبول (3).
والقول الأول في الإقرار لا يخلو عن قرب، وأما في الوكالة فمحل إشكال.
ولو تكاذبا في لفظه بأن شهد أحدهما في اللفظ الواقع في الوقت المعين أنه
كان بلفظ: «وكلتك» وشهد الآخر بأنه كان بلفظ: «استنبتك» لم يقبل. ولو عدلا عن
حكاية لفظ الموكل واقتصرا على إيراد المعنى مع اختلاف في تعبير الشاهدين
قبلت.
وإذا علم الحاكم بالوكالة فالظاهر أن له أن يحكم به، ولا يثبت بموافقة الغريم،
بمعنى أنه لا يترتب عليه جميع أحكام الوكالة، نعم عليه العمل بمقتضى إقراره.
وإذا ادعى الوكالة عن غائب في قبض ماله وصدقه الغريم، فإن كان الحق
عينا لم يؤمر بالتسليم إليه، لأن العين ليس مال الغريم حتى يسمع إقراره فيه، نعم
يجوز له تسليمه، إذ لا منازع الآن ويبقى المالك على حجته، فإن صدق المالك
الوكيل برئ الدافع، وإن كذبه فالقول قوله مع يمينه، فإن كانت العين موجودة

(1) لم يرد في خ 2.
(2) التذكرة 2: 142 س 37.
(3) الشرائع 2: 201.
681

أخذها، وإن تعذر ردها لتلف أو غيره تخير في الرجوع على من شاء منهما، فإن
رجع إلى الوكيل لم يرجع على الغريم، لاعترافه ببراءته، وإن رجع على الغريم لم
يرجع على الوكيل إن تلفت عنده بغير تفريط، وإلا رجع عليه. وإن كان الحق دينا
ففي وجوب تسليمه إليه مع تصديقه وجهان، أقربهما ذلك.
ثم إذا حضر المالك وأنكر فله مطالبة الغريم لا الوكيل وإن كانت العين التي
دفعها باقية، لأنها ليست عين مال المالك، وللغريم العود إلى الوكيل مع بقاء العين
أو تلفها بتفريط، لا بدونهما، لتصديق الغريم التوكيل. وإذا أنكر الغريم وكالة
المدعي لها ولم يكن له بينة فالقول قوله بغير يمين إذا كان الحق عينا، لأن اليمين
إنما يتوجه إذا كان المنكر بحيث لو أقر نفذ إقراره، وليس هنا كذلك، وإذا كان الحق
دينا يتوجه على الغريم اليمين على نفي العلم مع ادعائه عليه، لأنه لو أقر
لزمه التسليم.
السادس في اللواحق
وفيه مسائل:
الاولى: الوكيل أمين لا يضمن إلا بتعد أو تفريط.
الثانية: إذا أذن الموكل للوكيل أن يوكل عن نفسه كان الوكيل الثاني نائبا عن
الأول وينعزل بعزل الموكل وموته، والظاهر أنه ينعزل بعزل الوكيل الأول وموته
أيضا. وإذا أذن له أن يوكل عن الموكل كان الوكيل الثاني نائبا عن الموكل، وإنما
ينعزل بعزله وخروجه عن أهلية الوكالة، ولا ينعزل بعزل الوكيل الأول.
وإذا أذن له في التوكيل مطلقا ففيه وجوه:
أحدها: أنه وكيل عن الوكيل.
وثانيها: أنه وكيل عن الموكل، وبه قطع العلامة في التحرير (1) والقواعد (2).
وثالثها: أنه يتخير بين أن يوكل عن نفسه وعن الموكل، وهو ظاهر المحقق في

(1) التحرير 1: 234 س 3.
(2) القواعد 2: 351.
682

الشرائع (1). ولو كان مستند الإذن القرائن الحالية احتمل الوجوه الثلاثة، وقطع في
التحرير بأن الثاني يكون وكيلا للوكيل (2) واستوجهه في المسالك (3). وهو غير بعيد
] ولو كان مستنده القرائن المقالية الدالة على مطلق الإذن فحكمه حكم الإذن في
التوكيل مطلقا [(4).
الثالثة: لو طالب الموكل وجب على الوكيل تسليم ما في يده من مال الموكل
إليه مع عدم العذر، فإن امتنع حينئذ ضمن، ولو كان هناك عذر لم يضمن، وليس
المراد بالعذر عدم القدرة العقلية، بل عدم الشرعية لمانع شرعي والعرفية لمانع يعد
عذرا عرفا. وصرح في التذكرة بأن الفراغ من الحمام وأكل الطعام ونحو ذلك من
الأعذار العرفية (5).
ولو ادعى بعد الامتناع تلف المال قبله أو الرد قبل المطالبة، قيل: لا يقبل دعواه
وإن أقام بينة (6). وقيل: يقبل (7). والوجه تخصيص عدم القبول بصورة يكون دعواه
مكذبا للامتناع الأول كما لو قال أولا: ما قبضت منك شيئا، ثم ادعى الرد أو التلف.
الرابعة: إذا تعدى الوكيل في مال الموكل ضمنه ولا تبطل وكالته، ولو باع ما
تعدى فيه أو سلمه إلى المشتري برئ من ضمانه، لأنه يجري مجرى قبض المالك.
وفي زوال الضمان بمجرد البيع وجهان، وقوى في المسالك العدم (8). ولو قبض
ثمنه في موضع الجواز لم يكن الثمن مضمونا عليه وإن كان أصله مضمونا.
الخامسة: الأشهر أن كل من في يده مال لغيره أو في ذمته ذلك له أن يمتنع من
التسليم حتى يشهد صاحب الحق بالقبض بلا فرق بين ما يقبل قوله في الرد وما لا
يقبل. ومنهم من فصل بين ما يقبل قوله في الرد وبين ما لا يقبل، فأوجب التسليم
في الأول وأجاز الامتناع في الثاني إلا مع الإشهاد (9) وربما فصل بعضهم هذا

(1) الشرائع 2: 203.
(2) التحرير 1: 234 س 3.
(3) المسالك 5: 289 و 290.
(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في «خ 2».
(5) التذكرة 2: 306 س 2.
(6) الإرشاد 1: 420.
(7) الشرائع 2: 203.
(8) المسالك 5: 294.
(9) حكاه في الشرائع 2: 204.
683

القسم بأنه إن كان بالحق بينة له الامتناع حتى يشهد وإلا فلا (1). والظاهر أنه إن كان
في موضع الضرر وخيف منه فله الامتناع بدون الإشهاد.
الفصل السابع في التنازع
وفيه مسائل:
الاولى: إذا اختلفا في الوكالة فالقول قول المنكر، للأصل. ولو اختلفا في
التلف فالقول قول الوكيل عند الأصحاب، ونقل الإجماع عليه في المختلف (2)
والقواعد (3) والتحرير (4) والشرائع (5). والقول قول منكر التفريط. والقول قول منكر
الزائد في قيمة ما تلف في يده مع التفريط. ولو اختلفا في إيقاع الفعل فعند بعضهم
أن القول قول الوكيل، لأنه أمين قادر على الإنشاء، والتصرف إليه، ومرجع
الاختلاف إلى فعله، وقيل: القول قول الموكل، للأصل. والظاهر أن القول قول
الوكيل لو قال: «اشتريت لنفسي» ولو قال: «اشتريت للموكل» ففيه تأمل.
الثانية: إذا اختلفا في رد المال إلى الموكل، فالمشهور أنه إن كان بجعل كلف
البينة، وإن كان بغير جعل فالقول قوله، وقيل: القول قول المالك مطلقا، وهو أقرب،
للأصل وعموم: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر». وحجة التفصيل أنه
مع عدم الجعل أمين محسن محض، وفيه نظر: أما الوصي فالقول قوله في الإنفاق
دون تسليم المال إلى الموصى له، وكذا القول في الأب والجد والحاكم وأمينه مع
اليتيم إذا أنكر بعد بلوغه ورشده.
الثالثة: لو باع الوكيل بثمن فأنكر المالك الإذن في ذلك القدر كان القول قول
المالك مع يمينه، لأنه منكر، فإذا حلف على نفي ما ادعاه الوكيل بطل البيع بالنسبة
إلى الوكيل.

(1) حكاه في المسالك 5: 292.
(2) لم نعثر عليه.
(3) القواعد 1: 261 س 21، وليس فيه الإجماع.
(4) التحرير 1: 236 س 16، وليس فيه الإجماع.
(5) الشرائع 2: 204 و 205، وليس فيه الإجماع.
684

وأما المشتري فإن صادق على الوكالة يثبت بطلان البيع في حقه، وإلا يلزمه
اليمين على نفي العلم إن ادعى عليه. ثم إن كانت العين باقية وثبت قول المالك
بالنسبة إلى المشتري استرجعها، فإن كان المشتري دفع الثمن إلى الوكيل ولم
يصدقه في دعواه رجع بالثمن، وإن صدقه في دعواه وفي كونه وكيلا في أخذ
الثمن رجع بالثمن إن كان أقل من قيمة المبيع أو ساواها، لأن الثمن من مال البائع
بزعم المشتري وهو ظالم في استرجاع المبيع، فإن كان الثمن أقل من قيمة المبيع
أو ساواها كان له أن يأخذه من مال البائع مقاصة، وإن كان الثمن أكثر من القيمة لم
يرجع بأزيد من القيمة ويبقى الزائد في يد الوكيل مجهول المالك.
وإن كانت العين تالفة تخير المالك في الرجوع على أيهما شاء، لتلف المال في
يد المشتري وعدوان الوكيل ظاهرا، فإن رجع على المشتري بالقيمة وكان
المشتري مصدقا للوكيل فيما يدعيه والوكيل لم يقبض الثمن من المشتري لم
يرجع المشتري على الوكيل، لزعمه أن الموكل ظالم في رجوعه.
وإن قبض الوكيل الثمن من المشتري مع كون المشتري مصدقا للوكيل فيما
يدعيه وفي كونه وكيلا في قبض الثمن وكان الثمن أقل من القيمة أو ساواه يرجع
المشتري على الوكيل بالثمن وأخذه مقاصة، وإن زاد على القيمة التي اغترمها
رجع عليه بما اغترم ويبقى الزائد في يد الوكيل مجهول المالك.
وإن لم يكن المشتري مصدقا على الوكالة فالظاهر أنه يرجع على الوكيل بما
غرمه، ولو كان الثمن أزيد وقد دفعه رجع به عليه، لفساد البيع ظاهرا، وإن رجع
على الوكيل رجع الوكيل على المشتري بمثل الثمن إذا كان أقل مما اغترمه أو
ساواه، ولا يستحق الزيادة، لأن ثمنه إن كان أقل ولا يستحق المالك سواه بزعمه
فالزائد الذي أخذه كان ظلما على المشتري، فلا يجوز أخذه منه، وإن كان الثمن
أزيد مما اغترمه يرجع عليه بما اغترم، ويبقى الزيادة عنده مجهول المالك، لأن
الموكل لا يستحقه بزعمه والوكيل قد خرج من الوكالة بإنكار الموكل فينتزعه
الحاكم ويتوصل إلى تحصيل مالكه. وما ذكرناه في المسألة على تقدير كون
685

التوكيل ثابتا في الجملة، وإلا لزم على المدعي إثبات كون المبيع له، ولا يكفي
إقرار البائع بعد البيع، وفي الحكم حينئذ تفصيل آخر.
الرابعة: إذا اشترى إنسان سلعة ثم ادعى أنه وكيل لإنسان فأنكر كان القول
قول المنكر مع يمينه، فإذا حلف اندفع الشراء عنه وحكم به للمشتري ظاهرا والزم
بالثمن بشرط عدم اعتراف البائع بكونه وكيلا في الاشتراء، أو كون العين التي
اشترى بها ملكا للبائع، أو قيام البينة بذلك، وإلا بطل.
ولو قال الوكيل: ابتعت لنفسي، فقال الموكل: ابتعت لي، فالظاهر أن القول قول
الوكيل مع يمينه، لأنه أبصر بنيته، وكذا الحكم في العكس.
الخامسة: إذا زوجه امرأة فأنكر الوكالة ولا بينة كان القول قول الموكل مع
يمينه، ويلزم الوكيل مهرها عند الشيخ في النهاية (1). وقيل: نصف المهر، وهو
المشهور بين الأصحاب، واختاره الشيخ في المبسوط (2) استنادا إلى رواية عمر
ابن حنظلة (3) وقيل: يحكم ببطلان العقد في الظاهر ويجب على الموكل أن يطلقها
إن كان يعلم صدق الوكيل وأن يسوق لها نصف المهر (4). والأقرب عندي هذا القول.
السادسة: لو قال: ما أذنت إلا في الشراء بعشرة، وكان الشراء بأزيد كان القول
قوله مع يمينه ويغرم الوكيل الزائد إن أنكر البائع الوكالة، وإلا بطل الشراء.
السابعة: قيل: إذا اشترى لموكله كان البائع بالخيار إن شاء طالب الوكيل، وإن
شاء طالب الموكل، والصحيح اختصاص المطالبة بالموكل إن علم بالوكالة حين
العقد، وإن جهل ذلك اختصت المطالبة بالوكيل (5) والحكم المذكور فيما إذا لم يكن
القيمة معينا، وإن كان جاهلا وقت العقد بكونه وكيلا ثم علم ذلك ففيه وجهان.
الثامنة: لو وكل بقبض دينه من غريم له فأقر الوكيل بالقبض وصدقه الغريم
وأنكر الموكل، ففي كون القول قول الموكل أو الوكيل تردد ينشأ: من أن الاختلاف

(1) النهاية 2: 43.
(2) المبسوط 2: 386.
(3) الوسائل 13: 288، الباب 4 من أبواب الوكالة، ح 1.
(4) حكاه في الشرائع 2: 206.
(5) قاله المحقق في الشرائع 2: 206.
686

في فعل الوكيل فيقدم قوله فيه ولأنه أمين، ومن أصالة بقاء الحق. ولو أمره ببيع
سلعة وتسليمها بعد قبض ثمنها وتلف من غير تفريط فأقر الوكيل بالقبض وصدقه
المشتري وأنكر الموكل فقيل: القول قول الوكيل، لأن الدعوى هنا على الوكيل من
حيث سلم المبيع ولم يقبض الثمن، فكأنه يدعي ما يوجب الضمان (1). وهو غير
بعيد.

(1) الشرائع 2: 207.
687

كتاب الوديعة
689

كتاب الوديعة
وهي الاستنابة في الحفظ، قال في التذكرة: هي في عرف الفقهاء عبارة عن
عقد يفيد الاستنابة في الحفظ.
والنظر هاهنا في امور:
الأول: الصيغة
قال في التذكرة: لابد فيه من إيجاب وقبول، فالإيجاب كل لفظ دال على
الاستنابة بأي عبارة كانت، ولا ينحصر في لغة دون اخرى، ولا يفتقر إلى
التصريح، بل يكفي التلويح والإشارة. والقبول قد يكون بالقول وهو كل لفظ دال
على الرضى بالنيابة في الحفظ بأي عبارة كانت، وقد يكون بالفعل (1). ونحوه قال
غيره، وهو حسن. وقد نبهناك عليه في أمثاله مرارا.
وذهب بعض الأصحاب إلى أن الوديعة إذن مجرد، وفرع عليه عدم اعتبار
القبول اللفظي (2) وذهب آخرون إلى أن الإيجاب إن كان بلفظ: «أودعتك» وشبهه
مما هو على صيغ العقود وجب القبول لفظا، وإن قال: «احفظه» ونحوه لم يفتقر إلى
القبول اللفظي كالوكالة، واستوجهه في المسالك (3) وفيه نظر.
ولو طرح الوديعة عنده قال في المسالك: فيه صور:

(1) التذكرة 2: 196 س 36.
(2) حكاه في المسالك 5: 79.
(3) المسالك 5: 79.
690

الأول: أن يضع المال عنده ولا يحصل منه ما يدل على الاستنابة في حفظه،
فيقبله قولا، ولا أثر له في الضمان ولا في وجوب الحفظ.
الثاني: أن يقبله فعلا بأن يقبضه الموضوع عنده، فيضمنه ويجب عليه حفظه
إلى أن يرده على مالكه، للخبر. يعني: على اليد ما أخذت حتى تؤدي.
الثالث: أن يتلفظ المالك مع الطرح بما يدل على الإيداع، فيقبل قبولا قوليا،
فيجب عليه الحفظ باعتبار الوديعة، ولا ضمان إلا مع التقصير.
الرابع: أن يقبله قبولا فعليا، فيتم الوديعة أيضا كما مر. وأما لو طرحها عنده
متلفظا بالوديعة أم لا، ولم يحصل من الموضوع عنده ما يدل على الرضى قولا ولا
فعلا، لم يجب عليه حفظها، حتى لو ذهب وتركها فلا ضمان عليه، لكن يأثم إن كان
ذهابه بعدما غاب المالك، لوجوب الحفظ حينئذ من باب المعاونة على البر وإعانة
المحتاج، فيكون واجبا على الكفاية.
ولو انعكس الفرض بأن تمت الوديعة ولكن غاب المستودع وتركها والمالك
حاضر عندها فهو رد للوديعة، ولو كان المالك غائبا ضمن. كذا جزم في التذكرة.
ويشكل تحقق الرد بمجرد الذهاب عنها مع حضور المالك، لأصالة بقاء العقد،
وكون الذهاب أعم منه ما لم ينضم إليه قرائن يدل عليه. انتهى (1). وهو حسن، إلا
أن ما فرض في الصورة الاولى من وضع المال عنده ظاهره أن غرض المالك
الاستنابة في الحفظ وإن لم يقل لفظا يدل عليه.
والظاهر أنه لا يعتبر في إيجاب الوديعة لفظ، بل ما يدل على الرضى مطلقا،
فلا حاجة إلى انضمام أمر آخر يدل على الاستنابة في حفظه. والظاهر في الصورة
الثانية أيضا الإيداع.
ولو اكره على القبض لم يصر وديعة، ولو أهمل حفظها لم يضمن، إذ لم يجب عليه
الحفظ بسبب الإكراه إلا أن يضع يدها عليها اختيارا بعد زوال الإكراه، فإنه يجب

(1) المسالك 5: 79 - 80.
691

عليه الحفظ بسبب إثبات اليد. وهل يصير بذلك وديعة أم أمانة شرعية؟ فيه وجهان.
ويمكن الفرق بين وضع اليد عليها اختيارا بنية استيداع (1) وعدمه، فيضمن
على الثاني دون الأول، وإذا استودع وجب عليه الحفظ، ولا يلزم عليه العوض لو
تلف من غير تفريط أو اخذت منه قهرا. ولا فرق بين أن يتولى الظالم أخذها قهرا
من يده أو مكانه، وبين أن يأمره بدفعها إليه بنفسه فيدفعها إليه مقهورا، لانتفاء
التفريط، فيرجع المالك على الظالم بالعين أو البدل، وهل للمالك مطالبة المستودع
به، استقرب في التذكرة ذلك (2). وعلى هذا معنى عدم الضمان عدم استقراره عليه،
فيرجع على الظالم بما غرم، والأقوى عدم ذلك، لعدم التفريط، ولكونه محسنا لا
سبيل عليه.
ولو تمكن من دفع الظالم بوجه وجب، فلو لم يفعل ضمن، ولا يجب تحمل
الضرر الكثير كالجرح وأخذ المال. ولو أمكن دفعه بشيء منه بحيث لا يندفع بدونه
عادة فالأقرب الجواز، ولا يبعد القول بالوجوب، ولو ترك الدفع به حينئذ ضمن
الزائد، وكذا الأقرب الجواز لو كان إمكان الاندفاع بشيء من ماله، والظاهر أنه
يرجع به على المالك إن لم يمكن الاستئذان قبل الدفع وعدم نية التبرع] ولو
حصل دفع الظالم بالإنكار وجب [(3) ولو أنكرها فطولب الحلف حلف ويوري ما
يخرج به عن الكذب مع المعرفة والإمكان، وإلا وجب الحلف بغير تورية ولو ترك
الحلف حيث توقف حفظ المال عليه فأخذه الظالم ضمنه، للتفريط.
والوديعة عقد جائز من الجانبين بلا خلاف فيه، فيبطل بموت أحدهما
وفسخه وخروجه عن حد التكليف، وحينئذ فلابد من رده إلى المالك أو من له
التصرف فيه، ويكون عنده، حيث ذاك أمانة شرعية إلى أن يتمكن من الرد، ومن
حكم الأمانة الشرعية أنه لا يقبل قول من هي في يده في ردها إلى المالك أو من
يقوم مقامه مع يمينه، بخلاف الوديعة.

(1) كذا، والظاهر الاستيداع.
(2) التذكرة 2: 205 س 17.
(3) لم يرد في «خ 2».
692

وفي المسالك: من حكمها وجوب المبادرة بردها على الفور إلى مالكها أو
من يقوم مقامه، فإن أخر عن ذلك مع قدرته ضمن، ولو تعذر الوصول إلى المالك
أو نائبه أو وليه سلمها إلى الحاكم. قال: ولا فرق في ذلك بين علم المالك بأنها
عنده وعدمه عندنا (1).
ومن صور الأمانة الشرعية: لو أطارت الريح ثوبا ونحوه إلى داره. ومنها: ما
لو انتزع المغصوب من الغاصب حسبة. ومنها: ما لو أخذ الوديعة أو غيرها من يد
مجنون أو صبي حيث يخاف التلف. ومنها: ما لو استعار صندوقا فوجد فيه شيئا.
وضابط الأمانة الشرعية ما وضع اليد عليها بغير إذن المالك بالإذن الشرعي.
وليس لحفظ الوديعة كيفية معينة من جهة الشرع، والمرجع فيه إلى العرف، فما
عد حفظ لتلك الوديعة في العرف وجب العمل به ولا يتعقبه ضمان وإن تلف.
ويجب سقي الدابة وعلفها بما جرت به العادة، ولو أخل به كان تفريطا فليزمه
ضمانها إن تلفت أو نقصت، ولو فرط ثم رجع إلى الحفظ قيل: لم يرجع إلى الأمانة،
وإن أودعه حيوانا وأمره بالإنفاق عليه وجب عليه الإنفاق ويرجع عليه بما غرم،
وإن أطلق توصل إلى الحاكم فيأمره به، أو يستدين عليه، أو يبيع بعضه للنفقة، أو
ينصب أمينا عليه. وفي المسالك: إن تعذر الحاكم أنفق هو وأشهد عليه ورجع مع
نيته (2).
وفي حكم الحيوان الشجر الذي يحتاج إلى السقي وغيره من الخدمة. وفي
حكم النفقة ما يحتاج إليه الحيوان من الدواء لمرض وغيرها. ولو عين له موضع
الانحفاظ اقتصر عليه، فلو خالف ضمن. وقيل: يجوز النقل إلى الأحفظ أو المثل.
والظاهر جواز نقلها أو وجوبها إذا خاف تلفها فيه.
ولا يجوز قبول الوديعة من الطفل والمجنون ويضمن القابض، ولا تبرأ ذمته
بردها إليهما، ولو علم تلفها في أيديهما فالأقوى أنه لو قبضها بنية الحسبة للحفظ
جاز ولم يضمن، ولو اودعا لم يضمنا بالإهمال. وإذا ظهر للمودع أمارة الهلاك

(1) المسالك 5: 85.
(2) المسالك 5: 87.
693

وجب الإشهاد عليها على قول، والإيصاء بها على قول آخر. وقيل: يجب الرد
حينئذ على المالك أو وكيله أو الحاكم عند تعذرهما (1).
قيل: وحيث يكتفى بالوصية يعتبر في الوصي العدالة (2). ولا يبعد الاكتفاء
بكونه أمينا ثقة يوصله إلى المالك، ولو لم يشهد وأنكر الورثة كان القول قولهم ولا
يمين عليهم إلا أن يدعى عليهم العلم فيلزمهم الحلف على نفي العلم لا على البت.
ولو أقر الورثة بالوديعة ولا يوجد في التركة وادعى المستودع أنه قصر في
الإشهاد وقال الورثة: لعلها تلفت من غير تقصير فالقول قولهم، ولا يمين إلا مع
دعوى علمهم بالتقصير، وكذا الحكم لو أنكر الورثة وجودها في التركة.
وإذا طلب المالك الوديعة وهي باقية عند الودعي وجب عليه ردها في أول
وقت الإمكان بمعنى رفع يده عنها والتخلية بينه وبينها، ولو كان في صلاة واجبة
أتمها، أو في حاجة فإلى أن ينقضي الضروري منها.
وفي كون إكمال الطعام والحمام وصلاة النافلة وانقطاع المطر غير المانع عذرا
وجهان. وهل التأخير للإشهاد عذر؟ قيل: نعم. وقيل: لا (3). وقيل: إن أشهد عليه
وقت الدفع بالإيداع فله مثله، وإلا فلا (4). ولعل الأول لا يخلو عن ترجيح، دفعا
للضرر والتهمة.
وإذا أخر الرد حيث يجب كان ضامنا، وإيجاب الرد لا يختص بالمودع
المسلم، بل يعم الكافر مطلقا على الأشهر الأقرب، للآية والأخبار.
وقال أبو الصلاح: إذا كان المودع حربيا وجب على المودع أن يحمل ما
أودعه إلى سلطان الإسلام (5) ولو كان المودع غاصبا لها لم يجب الرد، بل يمنع منه
ويجب الإنكار، وله أن يحلف ويرد على المغصوب منه إن علمه، وإن جهله
فالمشهور أنه يعرف سنة ثم جاز التصدق بها عن المالك ويضمن المتصدق،

(1) حكاه في المسالك 5: 95.
(2) المسالك 5: 95.
(3) حكاهما في المسالك 5: 97.
(4) نقله عن آخرين في المسالك 5: 98.
(5) الكافي في الفقه: 231.
694

ومستنده رواية حفص بن غياث عن الصادق (عليه السلام) (1) وهي ضعيفة.
وأوجب ابن إدريس ردها إلى إمام المسلمين، فإن تعذر أبقاها أمانة ثم
يوصي بها إلى العدل إلى حين التمكن من المستحق (2). وقواه في المختلف (3). قال
في المسالك: وهو حسن وإن كان القول بجواز التصدق بها بعد اليأس والتعريف
متوجها أيضا، واستجود التخيير بين الصدقة بها وإبقائها أمانة (4) وهو جيد، لكن
تقييد الصدقة بالضمان كما في الإرشاد (5) أحوط.
قال بعض المتأخرين: يحتمل التصدق به على ما يدل عليه الأخبار الدالة
على فعل ذلك في المال المجهول صاحبه (6) لكن تلك الأدلة خالية عن الضمان، بل
ظاهرها عدمه.
ثم الضمان على تقديره هل هو بمعنى أنه لو وجد صاحبه حين حياة القابض
يجب رده عليه فقط أولا، بل ضمان مثل سائر الديون حتى يجب الإيصاء ثم على
الورثة كذلك؟ فيه وجهان، والأول أنسب بالأصل.
وذهب المفيد (رحمه الله) إلى أنه يخرج خمسها إلى مستحقه والباقي يتصدق به (7) ولم
يذكر التعريف، وعلى القول بالتعريف هل له التملك بعد التعريف هنا كما جاز في
اللقطة؟ فيه وجهان. وإنما يجب منع الغاصب مع إمكانه، فلو لم يمكن سلمها إليه،
وفي الضمان إشكال.
النظر الثاني في موجبات الضمان
وهي على قسمين: التعدي والتفريط، والتعدي فعل ما يجب تركه مثل أن
يلبس الثوب أو يركب الدابة أو يخرجها من حرزها لا لغرض الحفظ، ولو توقف
الحفظ على شيء من ذلك لم يكن تعديا، بل يجب، ولو طلب منه فامتنع من الرد

(1) الوسائل 17: 368، الباب 18 من أبواب اللقطة، ح 1.
(2) السرائر 2: 435 - 436.
(3) المختلف 6: 60.
(4) المسالك 5: 99.
(5) الإرشاد 1: 438.
(6) مجمع الفائدة 10: 342.
(7) المقنعة: 627.
695

مع القدرة ضمن، وكذا لو جحدها بعد طلب المالك ثم اعترف بها أو قامت عليه
البينة بشرط أن لا يظهر لجحوده عذرا بنسيان أو غلط ونحوهما، فإنه لا يضمن إن
صدقه المالك على العذر، وإلا فوجهان، ويشترط أيضا أن لا يكون الجحود
لمصلحة الوديعة.
ولو لم يطلبها المالك، ولكن سأله عنها، أو قال: لي عندك وديعة فأنكرها ففي
الضمان قولان.
ويضمن لو خلطها بغيرها بحيث لا يتميز، ولو أودعه مالا في كيس مختوم
ففتح ختمه ضمن، ولو جعلها المالك في حرز مقفل ثم أودعها ففتح المودع الحرز
وأخذ بعضها ضمن الجميع، ولو لم يكن مودعة في حرز فأخذ بعضها لم يضمن
الجميع، وكذا لو كانت مودعة في حرز للمودع.
والتفريط ترك ما يجب فعله مما له مدخل في الحفظ، مثل أن يضعها في مكان
غير حريز، وأن لا يدفع ما يوجب فسادها كنشر الثوب وطيه، أو تعريضه للهواء
في كل وقت يفتقر إليه عادة، أو يودعها عند الغير من غير ضرورة ولا إذن.
قال في المسالك: لا فرق في عدم جواز إيداعها من دون إذن مالكها وعدم
الضرورة بين أن يودعها لزوجته وولده وعبده وغيرهم، ولا فرق بين الثقة وغيره،
ولا بين أن يجعل ذلك الغير مستقلا وشريكا في الحفظ بحيث يغيب عن نظره، وهو
موضع وفاق (1).
ومن جملة أسباب التفريط السفر بالوديعة من غير ضرورة ولا إذن المالك مع
الأمن والخوف.
قال في التذكرة: ولا يجوز للمستودع إذا عزم على السفر أن يسافر بالوديعة،
بل يجب عليه دفعها إلى صاحبها أو وكيلها الخاص في الاسترداد أو العام في
الجميع، وإن لم يوجد دفعها إلى الحاكم، فإن تعذر الحاكم دفعها إلى أمين، فإن
سافر بها مع القدرة على صاحبها أو الحاكم أو الأمين ضمن عند علمائنا أجمع،

(1) المسالك 5: 102.
696

سواء كان السفر مخوفا أو غير مخوف (1).
وقال المحقق (رحمه الله): ولا يجوز السفر مع ظهور أمارات الخوف فلو سافر والحال
هذه ضمن (2). وظاهر هذا الكلام جوازه عند عدم ظهور أمارات الخوف، ونحوه
في كلام العلامة.
وفي التذكرة: لو اضطر المستودع إلى السفر بالوديعة بأن يضطر إلى السفر
وليس في البلد حاكم ولا ثقة ولم يجد المالك ولا وكيله، أو اتفق جلاء لأهل البلد،
أو وقع حريق أو غارة ونهب ولم يجد المالك ولا وكيله ولا الحاكم ولا العدل سافر
بها ولا ضمان عليه إجماعا، لأن حفظه حينئذ في السفر بها، والحفظ واجب، وإذا
لم يتم إلا بالسفر بها كان السفر بها واجبا ولا نعلم فيه خلافا.
قال: أما لو عزم على السفر من غير ضرورة في وقت السلامة وأمن البلد
وعجز عن المالك أو وكيله وعن الحاكم والأمين فسافر بها، فالأقرب الضمان (3).
وما ذكره حسن.
ويجوز سفر المستودع وردها إلى واحد من المذكورين على الترتيب
المذكور، والظاهر أنه لو خالف ضمن، وإذا خاف عليها في الحضر وأمكن الرد إلى
واحد منهم بلا خوف عليها في الرد وجب، وإن لم يمكن جاز السفر بها مع الأمن
إذا لم يحصل الحفظ إلا بالسفر، بل يجب استصحابها معه إذا سافر في تلك الحال.
وهل يجب عليه إنشاء السفر؟ ظاهر التذكرة ذلك وأنه لا يعلم فيه خلافا (4).
وقواه في المسالك (5). وهو مشكل على الإطلاق، إذ قد يكون مؤنة سفره أضعاف
الوديعة، وقيل: لا يجب السفر عليه لأجلها وإن خاف تلفها بدونه (6) بل إن اختار
السفر وجب عليه حينئذ استصحابها، فلا يكون السفر واجبا، وفي الحكم به على
الإطلاق أيضا إشكال. وإذا كان خوف الحضر وكذا في السفر كان الأحوط مراعاة

(1) التذكرة 2: 200 س 21.
(2) الشرائع 2: 167.
(3) التذكرة 2: 200 س 27.
(4) التذكرة 2: 200 س 29.
(5) المسالك 5: 113.
(6) المسالك 5: 112.
697

أقل الخوفين، والظاهر أن المعتبر في تعذر الوصول إلى المالك ومن يجري
مجراه في جواز الرد إليه المشقة الكثيرة، وهو المعبر عنه بالتعذر عرفا لا معناه لغة.
ونقل في المسالك عن التذكرة أنه يفهم منه أنه لو سافر لغير ضرورة يجوز
استصحابها مع التزامه الضمان وعجزه عن إيصالها إلى المالك ومن يقوم مقامه
وإيداعها الثقة، ثم استجود المنع (1). وهو غير بعيد خصوصا إذا كان خصوص العين
مما يتعلق به الغرض.
ومن التفريط ترك علف الدابة وسقيها بحسب المعتاد في الحفظ، وفي
عباراتهم اضطراب هاهنا، فإنه يظهر من بعضها أن مجرد الترك ولو مرة يوجب
الضمان، وإذا ضمن لم يسقط بالرجوع ما لم يؤدها إلى المالك ومن يجري مجراه،
أو يحصل إيداع جديد.
وفي بعضها تعليق الضمان على ترك سقي الدابة وعلفها مدة لا تصبر عليه في
العادة فماتت به.
وفي التذكرة: لو امتنع المستودع من ذلك - وعنى به العلف والسقي - حتى
مضت مدة يموت مثل تلك الدابة في مثل تلك المدة نظر، إن ماتت ضمنها، وإن لم
تمت دخلت في ضمانه، فإن نقصت ضمن النقصان، فإن ماتت قبل مضي تلك
المدة لم يضمنها (2).
النظر الثالث في اللواحق
وفيه مسائل:
الاولى: يجوز للمستودع رد الوديعة إلى المالك أو وكيله في قبضها أو مطلقا
بحيث يتناوله، ولا يبرأ حينئذ بردها إلى الحاكم، فإن فقدهما وعجز عن حفظها أو
عرض له خوف محوج إلى السفر المنافي لرعايتها أو خاف عليها التلف أو النقص
جاز له دفعها إلى الحاكم، وإن تعذر أودعها الثقة ولا ضمان فيهما.

(1) المسالك 5: 104.
(2) التذكرة 2: 202 س 42.
698

ولا يجوز الدفع إلى الحاكم أو الثقة عند عدم العذر، وفي المسالك: أنه لا نعلم
فيه خلافا (1). وهل يجب القبول على الحاكم؟ فيه وجهان، والوجهان منسحبان
فيما لو حمل المديون الدين إليه مع غيبة المدين ووكيله أو الغاصب المغصوب،
ولا يجوز الدفع إلى الثقة عند التمكن من الحاكم.
الثانية: إذا فرط أو تعدى ثم رجع لم يبرأه ذلك عن الضمان، ولو ردها على
المالك ثم جدد له الوديعة زال الضمان، ولو جدد له الوديعة من غير تخلل الرد بأن
يقول: أذنت لك في حفظها أو أودعتكها أو استأمنتك عليها، قيل: تعود الأمانة (2)
وقيل: لا (3). والمسألة لا تخلو عن إشكال.
الثالثة: لو أنكر الوديعة ولا بينة فالقول قوله مع يمينه. ولو ادعى الرد ففيه
إشكال: من حيث إن الأصل عدم الرد وعموم الخبر، ومن حيث إنه محسن
وقابض لمصلحة المالك وأمين بمقتضى الآية وغيرها، والأصل براءة ذمته،
والمشهور قبول قوله بيمينه، هذا في صورة دعوى الرد على من ائتمنه أو وكيله.
ولو ادعى الرد على الوارث فعليه البينة، لأنه لم يأتمنه فلا يكلف تصديقه.
ولو ادعى التلف فالمشهور أنه يقبل قوله فيه، لأنه أمين فيقبل قوله فيه على
من ائتمنه.
ولا فرق بين دعواه التلف بسبب ظاهر كالحرق أو خفي كالسرق. وخالف فيه
الشيخ في المبسوط فخص قبول قوله بالثاني دون الأول إلا أن يكون معلوما
بالمشاهدة أو الاستفاضة عاما بحيث يمكن تناوله (4) وهذا إذا ذكر السبب، ولو
أطلق قبل قوله بيمينه. ونفى عن هذا القول البأس في التذكرة (5). وقال الصدوق في
المقنع: يقبل دعوى التلف والضياع بلا يمين (6) والقول قول المستودع في عدم
التفريط والقدر والقيمة.

(1) المسالك 5: 114.
(2) التذكرة 2: 199 س 1.
(3) جامع المقاصد 6: 15.
(4) المبسوط 4: 141.
(5) التذكرة 2: 206 س 27.
(6) لم نعثر عليه في المقنع، ولكن حكاه في المسالك 5: 118.
699

الرابعة: قالوا: لو دفعها إلى غير المالك وادعى الإذن فأنكر المالك فالقول
قوله مع اليمين ثم بعد الحلف إن كان من ادعى الدفع إليه مقرا به وكانت العين
موجودة ردت إلى المالك، وإن تعذر الارتجاع منه تخير المالك بين الرجوع عليه
وعلى المستودع، فإن رجع على المستودع رجع إلى المدفوع إليه مع بقاء العين،
فإن أخذها ردها إلى المالك وأخذ البدل الذي دفعه إليه، وإن كانت العين تالفة لم
يكن له الرجوع إليه، لاعترافه بظلم المالك عليه في أخذ البدل.
الخامسة: اختلف الأصحاب في أن من أمر غيره بدفع الوديعة إلى غير المالك
أو بقضاء دينه ففعل ولم يشهد عليه وأنكر المدفوع إليه هل يضمن الدافع أم لا؟
فقيل: يضمن فيهما، لأن إطلاق الدفع يقتضي بحسب العرف دفعا ثابتا يرفع النزاع
والدعوى وخصوصا الدين، فإن الغريم إذا أنكر فالقول قوله (1). وقيل: لا يجب
الإشهاد فيهما. وإلى هذا القول مال في المختلف (2) وقيل: يجب الإشهاد في قضاء
الدين دون الوديعة، واختاره العلامة في التذكرة وغيرها (3).
السادسة: إذا أنكر الوديعة فأقام المالك البينة عليها فصدقها ثم ادعى التلف
قبل الإنكار ففي سماع دعواه وجوه: عدم السماع، من جهة أن إنكاره السابق مكذب
لدعواه اللاحقة، فلا يسمع، ومن حيث عموم الخبر وإمكان استناد جحوده إلى النسيان
فيعذر، وهو خيرة التذكرة (4) وفي المختلف منع من قبول بينته وسماع دعواه بمعنى
قبول قوله بيمينه، لكن قال: إن له إحلاف الغريم (5). وفي القواعد منعهما معا (6) وفي
المسألة قول آخر وهو أنه إن أظهر لإنكاره تأويلا كقوله: ليس لك عندي وديعة
يلزمني ردها أو ضمانها، ونحو ذلك قبلت دعواه وسمعت بينته، وإن لم يظهر له
تأويلا لم يقبل، واختاره الشهيد (رحمه الله) (7) واستحسنه الشهيد الثاني (8) وهو حسن.

(1) المبسوط 4: 142.
(2) المختلف 6: 67.
(3) التذكرة 2: 206 س 20.
(4) التذكرة 2: 205 س 27.
(5) المختلف 6: 68.
(6) القواعد 2: 189.
(7) حكاه في المسالك 5: 121، ونسبه إلى بعض تحقيقات الشهيد في الروضة 4: 249.
(8) المسالك 5: 121.
700

السابعة: إذا أقر بالوديعة ثم مات وجهلت العين، فالمشهور بينهم أنه يخرج
من أصل تركته، ولو كان له غرماء وضاقت التركة حاصهم المستودع وتردد فيه
المحقق (1) والأقوى أنه إن علم بقاء العين إلى بعد الموت ولم يتميز قدم مالكها على
الورثة والغرماء وكان بمنزلة الشريك، وإن علم تلفها بتفريط شارك الغرماء، وإلا
فلا ضمان أصلا، لأصالة براءة الذمة، واعترافه بها في حياته إنما يقتضي وجوب
الحفظ لا اشتغال ذمته بها، فإذا مات ولم يعلم احتمل تلفها قبل الموت بغير تفريط
أو ردها إلى المالك.
وفي التذكرة: الذي يقتضيه النظر عدم الضمان، والذي عليه فتوى أكثر العلماء
منا ومن الشافعية الضمان (2). والظاهر أنه إذا علم بقاءها إلى بعد الموت وكانت
غائبة عن الورثة ولم يعلم أنها دخلت تحت أيديهم لعدم العلم بها واحتمال التلف
بغير تفريط كان حكمه كالسابق.
الثامنة: إذا مات المودع سلمت الوديعة إلى الوارث، وإن كانوا جماعة سلمت
إليهم جميعا، أو إلى من يقوم مقام الكل، وإن سلم إلى البعض من غير إذن الباقي
ضمن بقدر الحصة، قالوا: ويجب المبادرة إلى التسليم المذكور، لأنها بموت
المورث صارت أمانة شرعية.
وفي المسالك: لا فرق في وجوب المبادرة بين علم الورثة بالوديعة وعدمه
عندنا (3).
وقال بعض الشافعية: إن مع علمهم لا يجب الدفع إلا بعد الطلب، ونفى عنه في
التذكرة البأس (4) وهو وجيه، إلا أنه لم يتحقق به قائل منا وإن كان القول به ممكنا،
لعدم تحقق الإجماع، وهو حسن، لأصالة البراءة من التكليف الزائد.

(1) الشرائع 2: 168.
(2) التذكرة 2: 201 س 27.
(3) المسالك 5: 127.
(4) التذكرة 2: 207 س 5.
701

كتاب العارية
703

كتاب العارية
والكلام في الصيغة كما مر في نظائرها. والبحث فيها في امور:
الأول: المعير
ولابد أن يكون مكلفا جائز التصرف، فلا يصح إعارة الصبي ولا المجنون لا
عن نفسه ولا عن غيره، ولو أذن الولي صح مع مراعاة المصلحة.
الثاني في المستعير
وله الانتفاع بما جرت به العادة في المعار كالفرش في البساط والتغطية في
اللحاف، فلو أعار فرسا من شأنه الركوب لم يجز التحميل عليه. ولو تعددت منفعة
العين وعين نوعا خاصا لم يجز التعدي عنه، ولو عمم جاز الانتفاع بجميع
وجوهها، والأقرب أنه كذلك مع الإطلاق. ولو تلفت العين بالاستعمال أو نقص
منها شيء من غير تعد لم يضمن على الأقرب، ويد المستعير من الغاصب يد
ضمان كما في كل من ترتبت يده على يده، سواء كان عالما بالغصب أم جاهلا
على الأصح، ومع جهل المستعير فالمشهور أن له الرجوع بما أغرمه على المالك
إلا إذا كان فرط أو كانت العارية مضمونة، فإنه حينئذ لو تلفت في يده لا يرجع
على الغاصب بالقيمة، ويرجع باجرة المنفعة إذا أخذها منه المالك ويرجع بعوض
704

النقصان قبل التلف.
وذهب المحقق إلى اختصاص الضمان بالغاصب حيث لا تكون العارية
مضمونة (1). والمشهور أنه إن رجع المالك على الغاصب ولم يكن من المستعير
تفريط لم يرجع الغاصب عليه إن لم يكن مضمونة، وإلا رجع عليه بما كان يضمنه
لو كانت صحيحة، ولو كان المستعير عالما بالغصب كان ضامنا، والمالك مخير في
الرجوع على أيهما شاء. ويستقر الضمان على من تلفت العين في يده، ولو زادت
القيمة في يد الغاصب ثم ذهب قبل قبض المستعير اختص الغاصب بضمان الزائد
ولا يرجع به على المستعير.
الثالث في العين المعارة
كل ما يصح الانتفاع به مع بقاء عينه يصح إعارته كالثوب والإناء والدابة.
ويصح استعارة الأرض للغرس والزرع والبناء، ويقتصر المستعير على المأذون
فيه، وقيل: يجوز التخطي إلى الأقل والمساوي (2). والأول أقرب ولو علم انتفاء
الغرض بخصوص المأذون فيه جاز التخطي إلى الأقل والمساوي. ولو نهى عن
التخطي لم يجز إلى المساوي أو الأقل قطعا. ولو عدل إلى الأضر مع النهي أو
الإطلاق، أو إلى المساوي والأقل مع النهي أو الإطلاق - على القول بعدم جواز
التخطي - فهل يلزمه الاجرة لمجموع الزرع أو يثبت الزائد على مقدار اجرة
المأذون؟ فيه وجهان، ولعل الترجيح للأول.
وفرق العلامة (رحمه الله) بين النهي والإطلاق فأوجب الاجرة كملا في الأول وأسقط
التفاوت في الثاني (3). ووجه الفرق غير واضح.
ولو كان المتخطى إليه مشتملا على المأذون فيه كما لو أذن في تحميل الدابة
قدرا معينا فزاد عليه فالظاهر سقوط اجرة المأذون فيه.

(1) الشرائع 2: 172.
(2) المسالك 5: 144.
(3) التذكرة 2: 211 س 36.
705

ويجوز استعارة كل حيوان له منفعة كفحل الضراب والكلب والسنور والعبد
والمملوكة للخدمة ولو كان أجنبيا، ويدل عليه صحيحة محمد بن قيس (1). قالوا:
ويكره إعارتها لأجنبي، وتتأكد الكراهة إذا كانت حسناء، والظاهر جواز النظر
إليها مع عدم التلذذ وخوف الفتنة وسماع صوتها أيضا. ونقل بعضهم الإجماع على
عدم جواز استعارتها للاستمتاع (2).
ويجوز استعارة الشاة للحلب وهي المنحة، والظاهر أنه لا خلاف فيه،
والأصل مع عدم المانع يقتضيه، وله نص من طريق العامة، وعدوا الحكم إلى غير
الشاة مما يتخذ للحلب من الأنعام وغيرها، وهو حسن. وفي التذكرة جوز إعارة
الغنم للانتفاع بلبنها وصوفها (3). وهو جيد. وتنظر في المسالك في تعدي الحكم من
إعارة الغنم للبن، لعدم الدليل مع وجود المانع، وهو أن الإعارة مختصة في الأصل
بالأعيان ليستوفى منها المنافع (4) وفي هذه الدعوى تأمل، إنما المسلم تعلق
الإعارة بالأعيان، وأما كون الانتفاع الحاصل منه عين مطلقا ممنوع، وعموم
تسلط الناس على أموالهم يقتضي الجواز. وتصح الإعارة مطلقة ومدة معينة.
ويجوز للمالك الرجوع على الأشهر الأقرب، وفيه خلاف لابن الجنيد، حيث
حكم بلزومها من طرف المعير إذا عين لها مدة، لكنه خص الحكم بإعارة الأرض
البراح للغرس والبناء (5). ولو أذن له في البناء أو الغرس أو الزرع جاز له الرجوع
والأمر بالإزالة.
والحكم في الزرع عام، سواء كان قبل الإدراك أو بعده على المشهور، وفيه
خلاف للشيخ وابن إدريس حيث أوجبا على المعير الوفاء بالعارية إلى حين
إدراكه (6) والأقرب الأول، لعموم: الناس مسلطون على أموالهم، والضرر والإضرار

(1) الوسائل 13: 237، الباب 1 من أبواب العارية، ح 9.
(2) المسالك 5: 145.
(3) التذكرة 2: 210 س 11.
(4) المسالك 5: 145.
(5) نقله في المسالك 5: 146.
(6) المبسوط 3: 56، السرائر 2: 433.
706

مشترك مع إمكان الجمع بين المصلحتين بالأرش، ولهذا أوجبوه. وفي المسالك:
إنه يتفاوت ما بين كونه منزوعا من الأرض وثابتا، وهل يعتبر كونه مجانا أو
باجرة؟ كلام الشيخ في المبسوط صريح في الأول وهو الظاهر من كلام المحقق
والجماعة مع احتمال الاعتبار الثاني، ثم قوى الثاني قال: واختاره في التذكرة (1).
وقال بعض المتأخرين: الظاهر أن المراد بالأرش هو التفاوت ما بين كون
الزرع مقلوعا وبين ما يدرك (2) وإنما يثبت الأرش في صورة التفاوت بين الحالين،
وحيث ينتفي التفاوت كما إذا كان الرجوع بعد إدراك الزرع فلا أرش.
قالوا: دفع الأرش شرط في المطالبة، فلا يجب إجابته إلى القلع قبل دفعه.
والظاهر أنه ليس على المستعير تسوية الأرض وطم الحفر، بخلاف ما كان متعديا
كالغاصب.
وفي التذكرة إذا أعاره للرهن فرهنه كان للمالك مطالبة المستعير بفك الرهن
في الحال، سواء كان بدين حال أو مؤجل، لأن العارية عقد جائز من الطرفين،
فللمالك الرجوع فيها متى شاء، وإذا حل الدين أو كان حالا فلم يفكه الراهن جاز
بيعه في الدين، لأن ذلك مقتضى الرهن (3). وظاهر هذا الكلام أنه ليس للمالك فك
الرهن، بل له مطالبة الراهن الذي هو المعير.
وإذا استعار الأرض للغرس جاز للمعير دخول الأرض والاستظلال بالشجر.
وليس للمستعير أن يدخل الأرض لغرض غير ما يتعلق بمصلحة الشجر كالسقي
والحرس ونحوهما. ولو أعاره حائطا لطرح خشبة جاز الرجوع قبل الطرح وكذا
بعده، إلا أن يكون أطرافها الاخر مثبتة في بناء المستعير فيؤدي الإزالة إلى خراب
البناء وإجبار المستعير على إزالة جذوعه عن ملكه على ما ذكره الشيخ وابن
إدريس وغيرهما (4) وتردد فيه المحقق (5). وقوى في المسالك الجواز مع الأرش (6).

(1) المسالك 5: 147.
(2) المسالك 5: 148.
(3) التذكرة 2: 218 س 40.
(4) المبسوط 3: 56، السرائر 2: 433.
(5) الشرائع 2: 173.
(6) المسالك 5: 151.
707

وهو غير بعيد.
ولو أذن له في غرس شجرة فانقلعت فهل له أن يغرس غيرها بلا إذن جديد؟
فيه قولان، ولعل الأقرب العدم. ولا يجوز إعارة العين المعارة ولا إجارتها إلا
بإذن المالك، لأن المنافع ليست مملوكة للمستعير.
الرابع في اللواحق
وفيه مسائل:
الاولى: العارية أمانة لا يضمن، للنصوص الصحيحة (1). ولا خلاف فيه بين
الأصحاب، واستثني منه صور:
منها: التعدي والتفريط.
ومنها: ما إذا اشترط ضمانها، ويدل عليه الأخبار (2) والظاهر أنه لا خلاف فيه.
ومنها: الدراهم والدنانير، فلا خلاف بين الأصحاب في الضمان فيهما وإن لم
يشترط الضمان. ويدل عليه الأخبار (3).
واختلف الأصحاب في غيرهما من الذهب والفضة كالحلي المصوغة، فمنهم
من حكم بالضمان نظرا إلى الحكم بالضمان في الذهب والفضة في حسنة زرارة
قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): العارية مضمونة فقال: جميع ما استعرته فتوى فلا
يلزمك تواه إلا الذهب والفضة، فإنهما يلزمان إلا أن يشترط عليه أنه متى توى لم
يلزمك تواه، وكذلك جميع ما استعرت فاشترط عليك لزمك، والذهب والفضة
لازم لك وإن لم يشترط عليك (4). وروى إسحاق بن عمار في الموثق عن أبي
عبد الله (عليه السلام) وأبي إبراهيم (عليه السلام) قال: العارية ليس على مستعيرها ضمان إلا ما كان

(1) الوسائل 13: 235 و 239، الباب 1 و 3 من أبواب أحكام العارية.
(2) الوسائل 13: 235، الباب 1 من أبواب أحكام العارية.
(3) الوسائل 13: 239، الباب 3 من أبواب أحكام العارية.
(4) الوسائل 13: 239، الباب 3 من أبواب أحكام العارية، ح 2.
708

من ذهب أو فضة فإنهما مضمونان اشترطا أو لم يشترطا (1).
ومنهم من حكم بعدم الضمان، نظرا إلى تخصيص الحكم بالضمان بالدراهم
في رواية عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ليس على صاحب العارية
ضمان إلا أن يشترط صاحبها إلا الدراهم، فإنها مضمونة اشترط صاحبها أو لم
يشترط (2) ولا يبعد إلحاقها بالحسان، وتخصيص الحكم بالضمان بالدنانير في
حسنة (3) ابن سنان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لا يضمن العارية إلا أن يكون قد
اشترط فيها ضمان إلا الدنانير، فإنها مضمونة وإن لم يشترط فيها ضمان (4). ورواها
الشيخ في الصحيح (5) وفي بعض نسخ التهذيب بدل «ابن سنان» «ابن مسكان».
وتحقيق المقام: أنه وقع التعارض بين الأخبار.
فمنها: ما يدل على عدم الضمان مطلقا كصحيحة الحلبي وحسنته (6) وغيرهما،
وفي صحيحة محمد بن مسلم: «إن كان أمينا فلا غرم عليه» (7). وفي صحيحة
عبد الله بن سنان: «لا غرم على مستعير عارية إذا هلكت إذا كان مأمونا» (8).
ومنها: ما يدل على التخصيص كما مر، ولابد من حمل العام على الخاص أو
المطلق على المقيد إذا كان بينهما تناف، كما إذا كان أحدهما مثبتا والآخر منفيا،
والمستثنى في خبر زرارة لا ينافي المستثنى في خبر عبد الملك وابن سنان،
لتوافقهما في كونهما إثباتا، وكذا المستثنى منه في الجانبين، لتوافقهما على كونهما

(1) الوسائل 13: 240، الباب 3 من أبواب أحكام العارية، ح 4.
(2) الوسائل 13: 240، الباب 3 من أبواب أحكام العارية، ح 3.
(3) في المطبوع و «خ 2»: صحيحة.
(4) الوسائل 13: 239، الباب 3 من أبواب أحكام العارية، ح 1.
(5) التهذيب 7: 183، ح 804 والوسائل 13: 239، الباب 3 من أبواب أحكام العارية ذيل
الحديث 1.
(6) الوسائل 13: 237 و 236، الباب 1 من أبواب أحكام العارية، ح 6 و 1.
(7) الوسائل 13: 237، الباب 1 من أبواب أحكام العارية، ح 7، وفيه عن محمد بن مسلم.
(8) الوسائل 13: 236، الباب 1 من أبواب أحكام العارية، ح 3.
709

منفيين، بل وقع التعارض بين المستثنى منه في خبر الدراهم والدنانير، وحاصله:
«لا ضمان في غير الدراهم والدنانير» وبين المستثنى في خبر الذهب والفضة،
والنسبة بين الموضوعين عموم من وجه يمكن تخصيص كل منهما بالآخر، فإن
خصص الأول بالثاني كان الحاصل: «لا ضمان في غير الدراهم والدنانير إلا أن
يكون ذهبا أو فضة» وإن خصص الثاني بالأول كان الحاصل: «كل من الذهب
والفضة مضمونان إلا أن يكون غير الدراهم والدنانير» فالأمر المشترك بين
الحكمين ثابت وهو حصول الضمان في الدراهم والدنانير، فلابد من استثناء هذا
الحكم من عموم الأخبار الدالة على عدم الضمان، ويبقى تلك الأخبار في غير
ذلك سالما عن المعارض فإذن المتجه الحكم بعدم الضمان في غير الدراهم
والدنانير من الذهب والفضة.
والشهيد الثاني حكم بالضمان في الذهب والفضة مطلقا وظن أن الحكم بذلك
طريق الجمع بين الأخبار وأطال الكلام في توجيهه بما لا يخلو عن ضعف (1).
وإن اشترط سقوط الضمان في الذهب والفضة صح ولزم.
ومنها: العارية من غير المالك وهي في الحقيقة غصب.
ومنها: عارية الحيوان عند ابن الجنيد، فإنه حكم بالضمان فيها (2) استنادا إلى
رواية ضعيفة، والأشهر الأقرب أنه كغيره.
وإذا ضمن عين المستعارة أو نقصانها أو هما معا صح ولزم، ولو أطلق الضمان
فعند بعضهم أنه منزل على ضمان العين خاصة لا النقص الحاصل بالاستعمال،
ويمكن الفرق بين تلف الأجزاء الموجب للنقص بالاستعمال وغيره، وقد يحكم
بضمان النقص وإن ردها إلى المالك، والمسألة لا تخلو عن إشكال، فإن قلنا
بضمان النقص فنقص ثم تلف ضمن أعلى القيم من حين القبض إلى وقت التلف إن
كان التفاوت بسبب الأجزاء كالثوب ينسحق باللبس والشمعة تذوب بالاحتراق،
ولو كان الاختلاف بسبب قيمة السوق لم يضمن الزائد.

(1) المسالك 5: 155 - 158.
(2) نقله عنه في المختلف 6: 71.
710

الثانية: لا يبرأ برد العارية إلى حرز المالك كما لو رد الدابة إلى اصطبله أو رد
آلة الدار إليها، بل لابد من الإيصال إلى المالك أو وكيله. ولو استعار الدابة
إلى مسافة فجاوزها ضمن، ويستمر الضمان إلى أن يردها إلى المالك أو من
يجري مجراه.
الثالثة: يجوز للمستعير بيع غروسه وزروعه وأبنيته المستحدثة في الأرض
المستعارة للمعير. وفي جواز ذلك لغيره قولان أقربهما الجواز.
الرابعة: إذا اختلف مالك دار والمتشبث بها مثلا فقال المالك: «آجرتكها»
وقال الآخر: «أعرتنيها» وكان ذلك بعد استيفاء المنافع مدة لها اجرة عادة فذهب
الشيخ في الخلاف إلى أن القول قول المتصرف بيمينه، محتجا بأنهما متفقان على
أن استيفاء المنافع وقع في ملك المتصرف ويده شرعية على القولين والمالك
يدعي عليه العوض، والأصل براءة ذمته عنه، فيتوجه اليمين إلى المنكر (1).
وذهب ابن إدريس والمحقق إلى تقديم قول المالك في عدم العارية وإن لم
يقبل قوله في الإجارة، لأن المنافع أموال كالأعيان، والأصل أن لا يكون لغير
المالك إلا بعوض، فالمتصرف يدعي بخلاف الأصل، فإذا حلف المالك على نفي
الإعارة يثبت اجرة المثل (2). وفيه نظر، لمنع الأصل المذكور، إذ لا حجة عليه عقلا
ولا نصا.
واعترض عليه أيضا بعض المتأخرين بأنه إنما يثبت بعد الحلف انتفاء العارية
ولا تثبت اجرة المثل، لاعتراف المالك بانتفائها، ولا المسمى، لعدم ثبوته (3).
وذهب العلامة في القواعد إلى أنه يثبت للمالك بعد الحلف أقل الأمرين مما
يدعيه من المسمى واجرة المثل، لأن المسمى إن كان أقل كان الزائد عنه منتفيا
باعترافه، وإن كان أكثر كان الزائد منتفيا، لعدم ثبوته (4). وهذا القول أيضا مبني
على الأصل المذكور.

(1) انظر الخلاف 3: 388، المسألة 3.
(2) السرائر 2: 431 - 432، الشرائع 2: 175.
(3) انظر المسالك 5: 164.
(4) القواعد 2: 198.
711

وذهب جماعة من الأصحاب منهم العلامة في المختلف والشهيد في بعض
تحقيقاته والشهيد الثاني إلى أنهما يتحالفان (1) لأن كلا منهما مدع ومدعى عليه
استنادا إلى أن حلف المالك على نفي الإعارة لا يدل على ثبوت الإجارة، كما أنه
لا يدل على نفيها، فيبقى النزاع في الزائد على اجرة المثل بحاله على تقدير زيادة
المسمى، فيقع الحاجة إلى حلف آخر، فيحلف المالك على نفي ما يدعيه المتصرف
وهو الإعارة، والمتصرف على نفي ما يدعيه المالك وهو الإجارة، وحينئذ يثبت
أقل الأمرين، لانتفاء الزائد من المسمى بيمين المتصرف وانتفاء الزائد عن اجرة
المثل باعتراف المالك، وهو أيضا مبني على الأصل الممنوع.
ويرد عليه أيضا أن المالك إنما يدعي حقا معينا ولا يدعي شيئا آخر سواه،
فإذا حلف المتصرف على نفيه فقد أسقط حقه الذي كان له في الدنيا مطالبته
باليمين، لأن اليمين مسقط للحق كما ثبت بالنصوص، وقد اعترف بأنه لا حق له
سواه، فمن أين ثبت أقل الأمرين؟ وما ذكرته يقوى فيما إذا كان المسمى بحسب
دعوى المالك عينا معينة.
وللشيخ قول آخر وهو الرجوع إلى القرعة، للاشتباه (2). وهو أيضا ضعيف، إذ
لا اشتباه كما ستعلم.
والأقوى عندي القول الأول، لأن المدعي هاهنا هو المالك، لأن النزاع إنما
هو في عوض المنفعة والمتصرف منكر له، فمع عدم البينة يحلف المتصرف على
عدم الإجارة، فتسقط مطالبة العوض في الظاهر، خصوصا إذا كان عينا معينة ولا
دعوى له سواه، ولا فائدة حينئذ في حلف المالك على عدم الإعارة، فلا تحالف،
وما ذكروه من الأصل المذكور لا حجة عليه، فلا وجه لتقديم تحليف المالك على
عدم الإعارة حتى يفضي إلى التحالف.
ولو كان الاختلاف قبل مدة ينتفع بالشيء فالقول قول المتصرف، لأن المالك

(1) المختلف 6: 76، نقله عن الشهيد الأول وقاله في المسالك 5: 165.
(2) الخلاف 3: 521، المسألة 11.
712

لا يدعي على المتصرف بشيء من عوض المنافع، إنما يدعي عليه ثبوت الإجارة
وتحقق الاجرة في ذمته، والآخر ينكرهما فيقدم قوله، لأن الأصل براءة ذمته من
تعلق الإجارة وما يتبعها، فيقدم قول مدعي الإعارة.
الخامسة: إذا جحد العارية بطل استئمانه ولزمه الضمان مع ثبوت الإعارة،
وإذا ادعى التلف فالظاهر أن القول قوله مع يمينه، وكذا في عدم التفريط والقيمة،
وفيه خلاف للشيخ (1). ولو ادعى الرد فالظاهر أن القول قول المالك مع يمينه.
السادسة: لو فرط في العارية ولم يكن لها مثل ثم تلفت كان على المستعير
قيمتها يوم التلف على قول، وقيل: أعلى القيم من حين التفريط إلى حين التلف.
وقيل: المعتبر قيمتها وقت الضمان (2). وموضع الخلاف ما لو كان الاختلاف بسبب
السوق، بخلاف ما إذا كان بسبب نقص في العين.

(1) المبسوط 3: 53.
(2) نقل الأقوال في المسالك 5: 167 و 168.
713

كتاب السبق والرماية
715

كتاب السبق والرماية
والكلام في امور:
الأول في شرعية هذا العقد وما يسابق فيه
وفيه مسائل:
الاولى: قال في التذكرة: قد ثبت جواز هذا العقد بالنص والإجماع. وقال: لا
خلاف بين الامة في جوازه وإن اختلفوا في تفصيله (1).
وفي المسالك: إنه لا خلاف بين جميع المسلمين في شرعية هذا العقد (2)
وفائدته بعث النفس على الاستعداد للقتال وهي فائدة مهمة في الدين لما يحصل
بها استعداد الغلبة على أعداء الدين. قيل: وقد أمر به النبي (صلى الله عليه وآله) في عدة مواطن (3)
ومستنده ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر (4)
وما روي عنهم (عليهم السلام) «إن الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه ما خلا
الحافر والخف والريش والنصل» (5) والرواية الاولى جعلها في الشرائع
قوله (عليه السلام) (6). وظاهر التذكرة أنها من طريق العامة (7). وفي المسالك: رواها العامة

(1) التذكرة 2: 353 س 24 و 37.
(2) المسالك 6: 69.
(3) المسالك 6: 69.
(4) سنن النسائي 6: 226.
(5) الوسائل 13: 347، الباب 3 من أبواب السبق والرماية، ح 6.
(6) الشرائع 2: 235.
(7) التذكرة 2: 353 س 27.
716

في الصحيح عن النبي (صلى الله عليه وآله) ورواها أصحابنا في الحسن عن الصادق (عليه السلام) (1) وهي
ما رواه الكليني عن حفص في الحسن بإبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا سبق
إلا في خف أو حافر أو نصل، يعني النصال (2) وروي عن عبد الله بن سنان في
الضعيف عنه (عليه السلام) مثل السابق (3). وروى الحميري في قرب الأسناد بإسناده عن
الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا سبق إلا في
حافر أو نصل أو خف (4) والرواية الثانية - المنقولة في التذكرة - غير واضح السند
رواها في الفقيه عن العلاء بن سيابة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شهادة من
يلعب بالحمام؟ قال: لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق. قلت: فإن من قبلنا يقولون:
قال عمر: هو شيطان. فقال: سبحان الله أما علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن
الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه ما خلا الحافر والخف والريش والنصل
فإنها تحضره الملائكة (5).
وفي التهذيب: وبهذا الإسناد قال: سمعته يقول - يعني أبا عبد الله (عليه السلام) -: لا
بأس بشهادة من يلعب بالحمام ولا بأس بشهادة صاحب السباق المراهن عليه،
فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أجرى الخيل وسابق وكان يقول: إن الملائكة تحضر الرهان
في الخف والحافر والريش، وما سوى ذلك قمار حرام (6).
وفي المسالك: المشهور في الرواية - يعني الاولى - فتح الباء من «سبق» وهو
العوض المبذول للعمل، وماهيته المنفية غير مرادة، بل المراد نفي حكم من
أحكامها أو مجموعها بطريق المجاز كنظائره، وأقرب المجازات إليه نفي الصحة،
والمراد أنه لا يصح بذل العوض في هذه المعاملة إلا في هذه الثلاثة، وعلى هذا لا
ينفي جواز غيرها بغير عوض. وربما رواه بعضهم بسكون الباء وهو المصدر أي:
لا يقع هذا الفعل إلا في الثلاثة، فيكون ما عداها غير جائز، ومن ثم اختلف في

(1) المسالك 5: 69.
(2) الكافي 5: 50، ح 14.
(3) الوسائل 13: 348، الباب 3 من أبواب السبق والرماية، ح 2.
(4) قرب الأسناد: 88، ح 291.
(5) الفقيه 3: 48، ح 3303.
(6) التهذيب 6: 284، ح 785.
717

المسابقة بنحو الأقدام ورمي الحجر ورفعه والمصارعة وبالآلات التي لا يشتمل
على نصل بغير عوض هل يجوز أم لا؟ فعلى رواية الفتح يجوز، وعلى السكون لا،
وفي الجواز مع شهرة روايته بين المحدثين موافقة للأصل، خصوصا مع ترتب
غرض صحيح على تلك الأعمال (1) انتهى.
ولا يخفى أن الخبر الأول على الوجهين لا يتعين معناه فيما ذكره، بل يحتمل
غيره، فإنه على الفتح يحتمل أن «لا لزوم» أو «لا تملك» أو «لا فضل» للسبق
والعوض إلا في هذه الثلاثة من بين الأفعال التي يسابق عليها.
وعلى هذا لا دلالة للخبر على تحريم الفعل والملاعبة مع العوض أيضا في
غير الثلاثة، بل لا يدل على تحريم العوض أيضا.
وعلى السكون يحتمل أن يكون معناه: لا اعتداد بسبق في أمثال هذه الامور
إلا في الثلاثة. أو: لا فضل لسبق إلا في الثلاثة، فلا يكون دالا على التحريم.
وبالجملة الأصل الجواز، والتحريم يحتاج إلى دليل، وقد ذكر تحريم القمار
سابقا حتى لعب الصبيان بالجوز، وقد علم أيضا تحريم بعض الأشياء بآلات
القمار وإن لم يكن فيه رهن وعوض مثل النرد والشطرنج، وأما مثل السبق
بالأقدام وغير ذلك فلا أعلم حجة على تحريمها إذا لم يكن فيها عوض ومراهنة.
الثانية: لا ريب في الجواز في النصل والخف والحافر، قالوا: يدخل في النصل
السيف والرمح، وهو موافق للمذكور في الصحاح، وهل يدخل فيه الدبوس
والعصاء إذا جعل في رأسها حديدة؟ فيه إشكال.
الثالثة: الظاهر أنه لا خلاف في جواز المسابقة على الإبل، لتناول الخف
الإبل، وفي المسالك: أما الفيلة فكذلك عندنا (2) ويدل عليه الخبران. والأشهر عدم
جواز المسابقة بالأقدام لا بعوض ولا بغيره استنادا إلى نهي النبي (صلى الله عليه وآله). وفيه تأمل
كما عرفت.

(1) المسالك 6: 69 - 70.
(2) المسالك 6: 86.
718

وفي التذكرة: لا يجوز المسابقة على المصارعة لا بعوض ولا بغير عوض عند
علمائنا أجمع، لعموم النهي إلا في الثلاثة: الخف والحافر والنصل (1). وأنت خبير
بعدم دلالة الخبر على ذلك.
وقال بعض الأصحاب: تدل بعض الروايات على جواز المصارعة، وفعل
الحسنين (عليهما السلام) ذلك مشهور وهو موجود في الأمالي وغيره (2).
وقال في التذكرة أيضا: لا يجوز المسابقة على رمي الحجارة باليد والمقلاع
والمنجنيق، سواء كان بعوض أو غير عوض عند علمائنا. وقال أيضا: لا يجوز
المسابقة على إشالة الحجر باليد - إلى أن قال -: وأما مراماة الحجر وهو أن يرمي
كل واحد الحجر إلى صاحبه فلا يجوز عندنا، كما لا يجوز أن يرمي كل واحد
السهم إلى الآخر، وكذا لا يجوز أن يسابق على أن يدحرجوا حجرا ويدفعه من
مكان إلى مكان ليعرف به الأشد بعوض ولا بغير عوض، لأنه لا يقاتل بها، وقال
أيضا: ولا يجوز المسابقة على الطيور من الحمامات وغيرها بالعوض عند علمائنا
وهو أصح قولي الشافعي (3).
ونقل عن المبسوط: فأما المسابقة بالطيور فإن كان بغير عوض جاز عندهم
يعني العامة، وإن كان بعوض فعلى قولين، وعندنا لا يجوز، للخبر. قال: وهذا
يقتضي المنع من المسابقة عليها بغير عوض مع أن المشهور عندنا أنه يجوز
اتخاذ الحمام للانس وإنفاذ الكتب ويكره للتفرج والتطير، ولا خلاف في تحريم
الرهان عليها (4).
وأنت خبير بأنه لا منافاة بين ما ذكره الشيخ وبين ما أسنده إلى المشهور،
والخبر السابق يدل على جواز المسابقة بالطيور مع اعتضاده بالأصل.
وقال أيضا: لا يجوز المسابقة على المراكب والسفن والطيارات عند علمائنا.
وقال أيضا: ولا يجوز المسابقة على مناطحة الغنم وممارسة الديك بعوض

(1) التذكرة 2: 354 س 29.
(2) مجمع الفائدة والبرهان 10: 168.
(3) التذكرة 2: 354 س 20 و 35.
(4) التذكرة 2: 354 س 37.
719

ولا بغير عوض.
قال: وكذا لا يجوز المسابقة على ما لا ينتفع في الحرب. وعد فيما مثل به
اللعب بالخاتم والصولجان ورمي البنادق والجلاهق والوقف على رجل واحدة
ومعرفة ما في اليد من الفرد والزوج وسائر الملاعب ولا اللبث في الماء، قال:
وجوزه بعض الشافعية وليس بجيد (1).
وبالجملة يفهم من التذكرة النهي عن جميع ما يسابق عليه بعوض وغير
عوض إلا الثلاثة وإلا الطائر بغير عوض. وتنظر في القواعد في الطير والأقدام
والسفن والمصارعة مع الخلو عن العوض (2). والعامة رووا عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه سابق
عائشة بالقدم مرتين سبق في إحداهما وسبق في الاخرى (3). وفي المسالك: رواه
ابن الجنيد في كتاب الأحمدي (4).
وفي المسالك: لو خلت هذه الامور ونحوها من العوض ففي جوازها قولان،
ورجح الجواز (5). وهو جيد للأصل، وعدم ثبوت الإجماع في شيء منها، وعدم
دلالة النص على التحريم.
الثاني في عقد المسابقة والرماية وشروطهما
وفيه مسائل:
الاولى: اختلف الأصحاب في أن عقد المسابقة لازم أو جائز، فذهب جماعة
من الأصحاب منهم ابن إدريس والمحقق إلى أنه لازم (6) لعموم: (أوفوا بالعقود)
و «المؤمنون عند شروطهم» وذهب العلامة في المختلف والشيخ إلى جوازه (7)
لأصالة عدم اللزوم. وكذا اختلفوا في أنه عقد يفتقر إلى الإيجاب والقبول اللفظي
أم يكفي الإيجاب مع البذل.

(1) التذكرة 2: 354 س 38.
(2) القواعد 2: 373.
(3) سنن أبي داود 3: 29 ح 2578.
(4) المسالك 6: 87.
(5) المسالك 6: 87.
(6) السرائر 3: 149، المختصر النافع: 161.
(7) المختلف 6: 255، المبسوط 6: 300.
720

الثانية: لا خلاف بين الأصحاب في أنه يجوز أن يبذل السبق الإمام سواء
كان من بيت المال أم لا، وكذا يجوز أن يكون المخرج غير الإمام أيضا، لا أعرف
خلافا فيه بينهم، لأنه بذل مال في طاعة وقربة ومصلحة للمسلمين.
ويجوز أن يخرج المال أحد المتسابقين بأن يقول: إن سبقت فلك علي كذا،
وإن سبقت أنا فلا شيء لي عليك. ويجوز أن يخرجه المتسابقان معا بأن يخرج كل
منهما قدرا على أن يجوزهما السابق على الأشهر الأقرب، خلافا لابن الجنيد،
فإنه قال: لا يجوز إلا بالمحلل أخذا برواية عامية لا تصلح للتعويل (1). والمراد به
بالمحلل ثالث يكون بينهما في السباق، إن سبق أخذ السبقين معا وإن سبق لم
يغرم، والمعتبر جعل المال للسابق منهما، أو للسابق منهما والمحلل، أو غير ذلك
بحسب الشرط، ولو جعلا السبق للمحلل بانفراده إن سبق جاز.
الثالثة: اعتبر الأصحاب في المسابقة شروطا، وجعلها العلامة في التذكرة
اثنى عشر (2):
الأول: تقدير المسافة ابتداءا وانتهاءا.
الثاني: تقدير الخطر بالتحريك وهو المال الذي تسابقا عليه جنسا وقدرا،
سواء كان عينا أو دينا. فلو شرطا مالا مطلقا أو تسابقا على ما يتفقان عليه أو على
ما يحكم به أحدهما أو غيرهما لم يصح.
الثالث: تقدير ما يسابق عليه بالمشاهدة.
الرابع: تساوي ما به السباق في احتمال السبق ليكون في المسابقة فائدة.
الخامس: أن يجعل السبق لأحدهما أو للمحلل، فلو جعل لغيرهم لم يجز.
السادس: تساوي الدابتين في الجنس، فلا يجوز المسابقة بين الخيل والبغال،
ولا بين الإبل والفيلة، ولا بينهما وبين الخيل.
السابع: إرسال الدابتين دفعة، فلو أرسل أحدهما دابته قبل الآخر ليعلم هل
يدركه أم لا لم يصح.

(1) نقله في المختلف 6: 256.
(2) التذكرة 2: 354 س 43.
721

الثامن: أن يستبقا على الدابتين بالركوب، فلو شرطا إرسال الدواب لتجري
بنفسها لم يصح.
التاسع: أن يجعلا المسافة بحيث يحتمل الفرسان قطعها ولا ينقطعان دون
الغاية.
العاشر: أن يكون ما ورد عليه العقد عدة للقتال، فلا يجوز السبق والرمي من
النساء.
الحادي عشر: العقد المشتمل على أركانه.
الثاني عشر: عدم تضمن العقد شرطا فاسدا، والأظهر عدم اشتراط التساوي
في الموقف.
واعتبر في الرمي على المشهور شروط:
الأول: العلم بالرشق وهو عدد الرمي على المشهور، لأنه العمل المقصود
المعقود عليه، وفصل بعضهم فاشترط العلم به في المحاطة دون المبادرة (1).
وسيجئ تفسيرهما، وفي أصل الاشتراط إشكال، لعدم توقف معرفة الإصابة على
تعيين الرشق، لجواز حصولها بدونه.
الثاني: عدد الإصابة كخمس إصابات من عشرة، لأن الاستحقاق إنما يحصل
بالإصابة، وبها يحصل معرفة جودة رميه ومعرفة الناضل من المنضول، فلو عقدا
على أن يكون الناضل منهما أكثرهما إصابة من غير بيان للعدد لم يصح عندهم،
وفي هذا الشرط أيضا إشكال، لجواز حصول معرفة الإصابة بكونه أكثر إصابة في
العدد المشترط أو غير ذلك.
الثالث: تعيين صفة الرمي كالحابي والخاصر والخارق والخاسق والمارق
والحازم والمزدلف، وهذا الشرط أيضا غير ثابت.
وفي التذكرة: إنه لا يشترط الإعلام بصفة الإصابة وأنه إذا أطلق حمل على
مجرد الإصابة، لأنه المتعارف، ولأنه المطلق معنى، فيحمل المطلق لفظا عليه، نعم

(1) التذكرة 2: 362 س 36.
722

إن شرط نوعا معينا تعين (1).
واعلم أن المراد بالحابي من صفات السهم المصيب على المشهور هو أن يقع دون
الهدف ثم يحبوا إلى الغرض فيصيبه، وهو المزدلف عند بعضهم، وربما يفرق بينهما.
وفي المشهور الهدف ما يجعل فيه الغرض من تراب وغيره، والغرض ما
يقصد إصابته وهو الرقعة. والخاصر ما أصاب أحد جانبي الغرض، ويسمى أيضا
جائزا، وقيل: الجائز ما يسقط من وراء الهدف (2). وقيل: ما وقع في الهدف على
أحد جانبي الغرض (3). وعلى هذا فإن كانت الإصابة مشروطة في الغرض فالجائز
مخطئ، وإن كانت مشروطة في الهدف فهو مصيب، وفسر الخارق بما خدش
الغرض ولم يثقبه ولم يثبت فيه، وفي التحرير: إنه ما خدشه ولم يثقبه (4). وكلام أهل
اللغة مخالف له. والمارق الذي يخرج من الغرض نافذا والخارم الذي يخرم
حاشية الغرض بأن يصيب طرفه فلا يثقبه ولكن يخرمه، واعلم أن بعضهم اعتبر من
أوصاف السهم المصيب ستة، وبعضهم ذكر له أحد عشر اسما، وبعضهم ستة عشر،
وبعضهم تسعة عشر اسما.
الرابع: قدر المسافة التي يرميان فيها، وهي ما بين موقف الرامي والهدف أو
ما في معناه، ويحصل بأمرين: المشاهدة والمساحة، ولا يبعد الاكتفاء بالعادة
الغالبة بين الرماة في اعتبار الإصابة، وبالجملة في الاشتراط المذكور تأمل.
الخامس: الغرض باعتبار موضعه من الهدف في ارتفاعه وانخفاضه واعتبار
قدره في ضيقه وسعته، وفيه أيضا تأمل.
السادس: قدر السبق بالفتح أعني العوض المبذول للسابق حذرا من الغرر.
وهل يشترط تماثل جنس الآلة من القوس والسهم؟ قيل: نعم (5). وقيل: لا
يشترط التعيين ولا يضر اختلاف النوع ويجوز إطلاق العقد مجردا عنه، وإنما

(1) التذكرة 2: 362 س 11.
(2) التذكرة 2: 360 س 33.
(3) المهذب البارع 3: 87.
(4) التحرير 1: 261 س 22.
(5) مجمع الفائدة والبرهان 10: 177.
723

يتعين مع التعيين، ومع الإطلاق يحمل على المتعارف (1). وهذا أقرب. ولا يشترط
تعيين السهم والقوس، ولا التساوي في الموقف.
واختلف الأصحاب في اشتراط تعيين المبادرة والمحاطة فقيل باشتراط
التعرض لإحداهما في العقد، وهو مختار التذكرة (2). وذهب جماعة من الأصحاب
إلى عدم الاشتراط (3). ولعله الأقوى، للأصل، وعدم الدليل على الاشتراط. وعلى
هذا فهل نزل الإطلاق على المبادرة أو المحاطة؟ فيه قولان، أشهرهما الثاني،
والحجة من الجانبين في محل التأمل.
والظاهر أن المراد بالمبادرة أن يشترطا استحقاق العوض لمن بدر إلى إصابة
عدد معين من رشق معين مع تساويهما في الرمي، كما إذا كان الرشق مائة وعدد
الإصابة المعينة أربعون، فإذا رمى كل واحد منهما خمسين وحصل لأحدهما من
الإصابات أربعون دون الآخر فقد ناضل الأول واستحق السبق.
والمحاطة هي اشتراط الاستحقاق لمن خلص له من الإصابة عدد معلوم بعد
مقابلة إصابات أحدهما بإصابات الآخر وطرح ما اشتركا فيه، فإذا كان الشرط
المبادرة والرشق عشرون مثلا وعدد الإصابة المشترطة خمسة فرميا العشرين
وأصاب أحدهما خمسة والآخر أربعة مثلا فقد ناضل الأول، ولو أصاب كل منهما
خمسة، أو لم يصب واحد منهما خمسة فلا نضل لأحدهما، وإذا كان الشرط
المحاطة وشرط الرشق عشرون وخلوص خمس إصابات فرميا عشرين فأصاب
أحدهما عشرة والآخر خمسة فالأول هو السابق، ولو زاد أحدهما دون العدد
المشترط فلا سبق.
الثالث في الأحكام
وفيه مسائل:
الاولى: لو شرطا المبادرة والرشق عشرين والإصابة خمسة فرمى كل واحد

(1) المسالك 6: 98.
(2) التذكرة 2: 362 س 40.
(3) الشرائع 2: 238، التحرير 1: 262 س 35، كشف الرموز 2: 64.
724

منهما عشرة وأصابا خمسة فلا يجب إكمال الرشق، وإلا لزم الخروج عن موضع
المبادرة إلى المحاطة.
ولو رمى كل واحد منهما العشرة فأصاب واحد منهما خمسة والآخر أقل منها
فقد نضله صاحب الخمسة، ولو سأل إكمال الرشق لم يجب إجابته. ولو شرطا
المحاطة فرمى كل واحد منهما عشرة فأصاب خمسة أكملا الرشق، ولو أصاب
أحدهما من العشرة تسعة والآخر خمسة تحاطا وأكملا، فلو تحاطا فبادر أحدهما
إلى إكمال العدد وكان عند انتهاء الرشق منهما فقد نضل صاحبه، وإن كان قبل
انتهائه فأراد صاحب الأقل إكمال الرشق، فلا يخلو إما أن يكون له في الإكمال
رجاء فائدة] أو لا، فإن كان له في ذلك فائدة [(1) اجبر صاحب الأكثر، وإلا فلا.
والفائدة تكون بوجوه:
منها: أن يرجو المسبوق الرجحان على صاحبه، وهذا على قسمين:
أحدهما: أن يرجو المسبوق الرجحان على وجه يصير بالرجحان سابقا
ويأخذ العوض، كما إذا شرط الرشق عشرين وشرط الإصابة التفرد بخمسة، فرمى
كل واحد منهما عشرة، فأصاب أحدهما في الكل وأصاب الآخر منهما خمسة
وهو يرجو في الإكمال أن يخطأ صاحبه في العشرة الباقية ويصيبها هو فيتم له
خمسة عشرة إصابة ولصاحبه عشرة فيتحاطان ويفضل للمسبوق خمسة يصير بها
ناضلا مستحقا للسبق.
وثانيهما: أن يصير المسبوق راجحا على صاحبه لكن لا بحيث يصير ناضلا
مستحقا للسبق، كما لو فرض في الصورة المذكورة إن أصاب المسبوق اثنين فإنه
على تقدير إصابته العشرة الثانية بتمامها وخطأ الآخر في العشرة بتمامها يبقى
للمسبوق بعد التحاط اثنان، فيحصل له الرجحان لكن لا يصير ناضلا.
ومنها: أن لا يرجو المسبوق الرجحان ولكن يرجو المساواة المانعة من نضل
صاحبه، كما لو فرض في الصورة المذكورة أنهما رميا عشرة فأخطأها جميعا

(1) أثبتناه من خ 2.
725

أحدهما وأصابها الآخر، وغاية ما يرجو المسبوق انعكاس الأمر في العشرة
الباقية، وعلى تقديره لا يحصل سوى المساواة المانعة من السبق.
ومنها: أن لا يرجو المسبوق الرجحان ولا المساواة، ولكن يرجو منع صاحبه
من إصابة العدد المشروط بعد التحاط، كما لو رميا في الفرض المذكور اثني عشر،
فأصاب أحدهما في الكل وأخطأ الآخر، فالمسبوق لا يرجو الرجحان ولا
المساواة، لأن غاية ما يرجوه أن يصيب في جميع ما بقي ويخطأ الآخر في
الجميع، وحينئذ يبقى للسابق بعد التحاط أربعة ولا يحصل له الإصابة المشترطة،
وهي فائدة تمنع من استحقاق صاحبه السبق.
الثانية: لو جعل العوض للسابق من خمسة يعني لو قيل: هذا المال للسابق من
خمسة فتساووا فلا شيء لهم، ولو سبق واحد فله، ولو سبق اثنان أو ثلاثة فالسبق
المعين لهم على ما قيل.
واستشكل ذلك بأن المتبادر من قوله «هذا لمن سبق منكم» مثلا هو الواحد
عرفا وإن صح إطلاقه على الأكثر من واحد لغة، ولأن الظاهر سبق واحد على
الكل لا سبق الكل على الواحد، فإن كان هنا قرينة معلومة يرجع إليها، وإلا عمل
بمقتضى العرف.
ولو قال: كل من سبق فله دينار، فسبق ثلاثة قال في التذكرة: الأقرب أن لكل
واحد دينار (1) وخلاف الأقرب يحتمل كون الدينار الواحد للسابقين، ويحتمل
عدم الاستحقاق مع التعدد.
ولو قال: من سبق فله كذا، فسبق اثنان أو ثلاثة فقال جماعة منهم المحقق
باشتراك السابقين في المال المبذول فيوزع عليهم على الرؤوس، لأن «من»
يحتمل كل فرد فرد من السابقين ومجموعهم (2). وقيل (3): يستحق كل واحد منهم

(1) التذكرة 2: 358 س 30.
(2) لم نعثر على من قال به صريحا، نسبه إلى المحقق وجماعة في المسالك 6: 101.
(3) حكاه في المسالك 6: 102.
726

المال المبذول، لأن «من» من ألفاظ العموم، فهي بمنزلة كل فرد فرد كما في نظائره
من القضايا الكلية، وهي بمنزلة قول من قال: «من دخل داري فله درهم» فدخلها
جماعة، فإنه يستحق كل منهم درهما، وليس من قبيل «من رد عبدي فله دينار»
فرده جماعة، لأن الرد هنا إنما تحقق من المجموع لا من كل واحد واحد، بخلاف
ما نحن فيه. وفيه احتمال عدم الاستحقاق أيضا، لاحتمال أن يكون المراد السبق
على ما عداه جميعا.
الثالثة: لو قال: «من سبق فله درهمان، ومن صلى فله درهم» فسبق واحد فله
درهمان، ولو سبق اثنان أو ثلاثة فيبنى على الخلاف المذكور سابقا، وعلى
القول بالاشتراك والتوزيع يمكن استحقاق المصلي أكثر من السابق، بأن يسبق
ثلاثة ويصلي واحد، فيكون لكل واحد من السابقين ثلث درهمين وللمصلي
الواحد درهم.
واستشكل ذلك بأنه خلاف الأمر المعتبر في العقد، فإن المعتبر فيه أن يجعل
أكثر من المصلي، لأن الغرض الحث على السبق بالتفضيل في السبق، ومن ثم
احتمل البطلان هنا، ولا إشكال على القول الآخر.
واعلم أن المشهور بين الأصحاب وغيرهم أن السابق هو المتقدم بعنق
دابته وكتده بفتح التاء وكسرها، وهو العالي بين أصل العنق والظهر، ويعبر
عنه بالكاهل.
وذهب ابن الجنيد إلى الاكتفاء بالاذن (1). استنادا إلى قول النبي (صلى الله عليه وآله) بعثت
والساعة كفرس رهان كاد أحدهما أن يسبق الآخر باذنه (2). وفيه نظر.
وفي المسالك استشكل القولان بأن السبق معنى من المعاني يختلف بحسب
اللغة والعرف، وله اعتبارات متعددة عند الفقهاء وغيرهم، فتارة يعبرونه بالقوائم،
واخرى بالعنق، وثالثة به مع الكتد، ورابعة بالاذن، فإذا أطلق المتسابقان العقد
وجعلا العوض للسابق، ففي حمله على بعض هذه المعاني دون بعض نظر، بل في

(1) حكاه في المختلف 6: 257.
(2) تاريخ دمشق 7: 121.
727

صحة إطلاق العقد كذلك، إلا أن يدل العرف على إرادة شيء منها فيحمل عليه. ولا
كلام فيه (1).
واعلم أن المصلي هو الذي يحاذي رأسه صلو السابق، والصلوان هما
العظمان الناتئان عن يمين الذنب وشماله، وأسماء المتسابقين إذا ترتبا في الحلبة
مختلفة، وقد جرت العادة بتسمية عشرة من خيل الحلبة وهي المجتمعة للسباق،
فأول العشرة المجلي، وهو السابق، والثاني هو المصلي، والتالي للمصلي هو
الثالث، ويليه البارع، والخامس هو المرتاح، والسادس الخطي، والسابع العاطف،
والثامن المؤمل، والتاسع اللطيم، والعاشر السكيت - مصغرا مخففا ويجوز تشديده -
وليس لما بعد العاشر منها اسم، إلا الذي يجيء آخر الخيل كلها فيقال لها: الفسكل
بكسر الفاء والكاف وضمهما.
الرابعة: لو كانا اثنين فأخرج كل واحد سبقا وأدخلا محللا وقالا: أي الثلاثة
سبق فله السبقان فللمسألة شعب:
الاولى: أن ينتهوا جميعا إلى الغاية على السواء، فيحوز كل من المتسابقين
مال نفسه ولا شيء للمحلل.
الثانية: أن يصل المستبقان معا إلى الغاية ويتأخر المحلل عنهما، وحكمه
كالسابق.
الثالثة: أن يسبق المحلل ويأتي المستبقان بعده على السواء أو مترتبين
فيستحق المحلل السبقين.
الرابعة: أن يسبق أحد المستبقين ثم يأتي بعده المحلل والمستبق الآخر على
السواء فيحوز السابق السبقين جميعا.
الخامسة: أن يسبق المحلل وأحد المستبقين بأن يأتيا إلى الغاية معا سابقين
على صاحبهما، والمذكور في كلامهم أن حكمه أن يحوز السابق من المستبقين
مال نفسه ويكون مال المسبوق بين المستبق والمحلل، وعلل الأول بأن السابق

(1) المسالك 6: 71 - 72.
728

من المستبقين لم يسبقه أحد والثاني يتشارك المستبق السابق والمحلل في
الاستحقاق، والتعليلان ضعيفان. ونقول: إن كان المراد بالسابق في أصل المسألة
هو الواحد منهم السابق على جميع من عداه فهو غير متحقق هاهنا، فحكم هذا
القسم حكم القسم الأول. وإن كان المراد السابق في الجملة لزم التشارك في
السبقين، وهو غير ما ذكر.
السادسة: أن يسبق أحد المستبقين المحلل، فيكون المحلل مصليا والمستبق
المسبوق أخيرا والمال كله للسابق.
السابعة: أن يسبق أحد المستبقين المحلل ويكون المستبق المسبوق مصليا
والمحلل ثالثا والمال كله للسابق.
الخامسة: إذا تم النضال ملك الناضل السبق وله التصرف فيه كيف يشاء، ولو
شرط في العقد إطعامه لجماعة فالأقرب الصحة، لعموم ما دل على وجوب الإيفاء
بالعقود، وللشيخ قول ببطلان الشرط والعقد (1). وله قول آخر ببطلان الشرط دون
العقد (2).
السادسة: إذا فسد عقد السبق ففي وجوب اجرة المثل وعدمه قولان،
والأقرب الثاني فيسقط المسمى لا إلى بدل. ولو ظهر كون السبق مستحقا للغير ولم
يرض المالك ففي ثبوت المثل أو القيمة أو ثبوت اجرة المثل قولان، والمسألة
محل إشكال.

(1) المبسوط 6: 302.
(2) الخلاف 6: 105، المسألة 10.
729