الكتاب: التحفة السنية (مخطوط)
المؤلف: السيد عبد الله الجزائري
الجزء:
الوفاة: ١١٨٠
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: شرح الجزائري
الطبعة: نسخة مخطوطة
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات: نسخة مخطوطة ( ميكرو فيلم مكتبة آستانه قدس ) تخطيط : عبد الله نور الدين بن نعمت الله

اسم كتاب
تحفة السنية في شرح نخبة المحسنية - عربي
مؤلف ماتن ملا محسن فيض شارح سيد عبد الله بن نعمة الله جزائري
خطى نسخ 27 سطري
سال تحرير 1170 عدد أوراق 367
جزء كتب فقه شماره 59
شماره عمومي 2269 شماره قبض
واقف ابتياعي آستانة قدس تاريخ وقف 1307
طول 30 و 5 مو عرض 19 سانتمتر قفسة
بخط نواسه شارح عبد الله بن نور الدين بن نعمت الله مى بأشد اصدراي
كتابخانه آستان قدس
ويژه خطى
بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي
اللهم إنا نحمدك حمدا يكون لنا وسيلة إليك وذريعة للزلفى لديك وذخيرة ليوم العرض بين يديك
ونشكرك شكرا نستوجب به الفواضل من نعمك ونستوهب النوافل من كرمك ونسألك أن تصلي
وتسلم على رسلك وأنبيائك وأمنائك وأوليائك سيما حبيبك نبي الرحمة ومعلم الكتاب والحكمة
المبعوث باكمال الدين واتمام النعمة الصادع بشرايع الأحكام العادلة الداعي إلى مكارم الأخلاق و
محاسن الخصال الفاضلة وعلى أهل بيته الأخيار الأطهار وخلفائه الراشدين الأبرار وصحابته المرضيين
الأخيار ما تعاقب الليل والنهار وتعاورت الظلم والأنوار وأن تشرح صدورنا بحاق الحق وتهدينا
للتي هي أقوم وأحق وتثبتنا على الهدى وتثبطنا عن الردى وتوفقنا لتطهير السر عما سواك وتوقفنا
في منشعبات الأهواء على ما فيه رضاك وتعيذنا من كل ما نبوء بإثمه وننوء وتعصمنا من شرور أنفسنا
الأمارة بالسوء إنك سميع مجيب وبعد فيقول المعترف بذنبه المفتقر إلى رحمة ربه المفرط في الجهالة
المضيع عمره في البطالة عبد الله بن نور الدين بن نعمة الله الموسوي غفر الله بفضله ذنوبه وستر عوراته
وعيوبه هذا أيها الأخ الوفي والصديق الصفي والحبر الملي والخليل الجليل العلي أعلى الله قدرك
ورفع ذكرك وأصلح أعمالك وحقق آمالك وكثر في الأولياء أمثالك ما توجهت إليه همتك وتوفرت
عليه نهمك وتكثر له طلبك وانحصر فيه إربك وعكفت عليه قديما ووليت وجهك شطره مستديما
من تعليقة خفيفة على كتاب النخبة للعالم العامل والمرشد الكامل المولى محمد محسن الكاشاني تغمده
الله بغفرانه وأسكنه بحبوحة جنانه وجيزة النظم غير كبيرة الحجم تبين عن رموزها وتدل على كنوزها و
تفصل مجملاتها وتحل مشكلاتها مقتصدة عن الاخلال والاملال ممتزجة بها امتزاج الماء الزلال
بالخمر الحلال موسومة بالتحفة السنية في شرح النخبة المحسنية وقد كان تصدى لهذا المرام والدي العلامة
الإمام أعلى الله مقامه في دار السلام فشرح منها بضعة في مجلد يسير وعاقه عن انهائه عوائق الدهر
العسير وأرجو من الله أن يسعدني لتمامه التوفيق ببركات الأنفاس الأخ الشفيق المقصود اسعافه بهذا
التعليق واعتمدت فيه غالبا في ايضاح العبارات وافصاح الإشارات على ما وقع إلي من كلام المصنف
في سائر كتبه وفوائده لأنه أعلم بمقاصده وكذا في نقل الاجماعات والأقوال ونقد الأخبار بحسب الرجال
إلا فيما بان لي نادرا رجحان خلافه بعد إجالة النظر في أطرافه فليشبع في مواطن الاختلاف البخت و
التنفير لتحقيق الحال وتخليص البر من الشعير وبالله أستمد وأستعين إنه نعم المولى ونعم المعين قال المصنف
شرح الله صدره وأضاء في سماء الرضوان بدره بسم الله الرحمن الرحيم الباء للاستعانة أو للملابسة
وربما يرجح الأول بأنه أقرب إلى تمام الانقطاع لاشعاره بأن الأمر لا يتأتى إلا بمعونته والثاني بأنه أدخل
في التعظيم فإن التلبس باسمه (تع) تيمنا وتبركا أجل من جعله آلة لتبعية الآلة وابتذالها وفيه أن التلبس لا
يدل على الوجه المذكور بوجه مع أنه كثيرا ما يكون على وجه التبعية والاستعانة في ذلك بالمقام مشترك
فإن ذكره (تع) مما يتبرك به كيف كان والاستعانة به لا ينافي ذلك بل يؤكده على أن الاستعانة بشئ ملزومة
بملابسته ولا عكس وفي الحديث بسم الله أي أستعين في أموري كلها بالله وكيف كان فلك اضمار المتعلق
خاصا وعاما أي أصنف أو أبدأ ويرجح الأول بأن ما يدل على الاستعانة بالاسم الأقدس في مطلق
الفعل أولى مما هو صريح في التقييد بابتدائه والثاني باقتضائه العمل بحديث الابتداء لفظا ومعنى و
فوات الامتثال اللفظي في الخاص وهو كما ترى وفعلا واسما ويرجح الأول بزيادة التقدير على الثاني
ومقدما ومؤخرا ويرجح الأول بأنه الأصل والثاني بما فيه من تقديم ما هو إلا حق به واقتضائه القصر
وأما الحديث فيمكن حمله على بيان حاصل المعنى لا المتعلق المقدر في نظم الكلام وقيل الباء للالصاق
والمعنى أبدأ في الكتاب باسم الله وهو أوفق بحديث الابتداء مضافا إلى اشعاره بأن اسمه (تع) أهم أجزاء المقصود
إلا أنه غير مطرد والاسم ما دل على المسمى وورد أنه سئل الرضا (ع) عن الاسم ما هو فقال صفة لموصوف
وحذفت ألفه خطأ لكثرة الاستعمال المناسبة للتخفيف والاستعانة إنما هي بالمسمى وأقحم الاسم تأدبا وتعظيما
له ولكونه أوفق بالرد على القائلين باسم اللات والعزى وعن الرضا (ع) معنى قول القائل بسم الله اسم نفسي
بسمة من سمات العبادة قيل ما السمة قال العلامة والله اسم لهذا المعبود الحق الذي دعا إليه الأنبياء
وفي الحديث أنه أعظم اسم من أسمائه (تع) لا ينبغي أن يتسمى به غيره وفي حديث آخر أنه مشتق من إله والرحمن
والرحيم صفتان من رحم كعلم أو حسن منقولا مع زيادة مبالغة في الأول مدلولا عليها بزيادة المباني
ومن ثم خص به سبحانه حتى صار علما أو كالعلم لأنه المنعم الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها ومن ثم حسن
توسطه بين الاسم والصفة المحضين ونزل منزلة الاسم في استعماله غير تابع نحو الرحمن علم القرآن وإذا
قيل لهم اسجدوا للرحمن وعودل به الاسم مخيرا بينهما في الدعاء في قوله (تع) ادعوا الله أو ادعوا الرحمن ويعرب
1

في البسملة ونحوها بدلا وما بعده نعت له لا لاسم الجلالة إذ لا يتقدم البدل على النعت وأما تسمية
مسيلمة رحمن اليمامة وقول شاعرهم فيه وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا فمن باب التعنت في الكفر
والخروج عن قانون اللغة كما قيل وفي الحديث الرحمن اسم خاص بصفة عامة والرحيم اسم عام بصفة
خاصة وفي حديث آخر الرحمن رحمن الدنيا والرحيم رحيم الآخرة وفي الدعاء المأثور يا رحمن الدنيا
ورحيم الآخرة وفيهما إيماء إلى معنى العموم والخصوص فيهما فإن الرحمة في الدنيا تعم الصالح والطالح
بخلافها في الآخرة وبما تلوناه ظهر لك في الجواب عن السؤال بأنه لم قدم الرحمن مع أن تقديم غير الأبلغ
فيقال عالم نحر يرد جواد فياض وجهان وقيل إن الرحمن لما دل على جلائل النعم وأصولها فتعقيبه بالرحيم
من قبيل التتميم ليشمل ما خرج منها وفيه أنه غير مرتبط بالسؤال وإنما يصلح وجها للجمع بينهما ومن
ثم لو عكس الترتيب لكان الشمول المطلوب حاصلا أيضا وربما يقرر بوجه آخر وهو أن الملحوظ أولا في
باب التعظيم والثناء هو عظايم النعماء وجلائل الآلاء وما عداها يجري مجرى التتمة والرديف وهو
أقرب إلى السداد وأسلم من الايراد وأما ما في بعض الأدعية يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما و
يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا فمن باب التوسع أو لاختلاف الاعتبارات الحمد لله انشاء
للحمد وهو الثناء على ذي علم بكماله بالجملة الاسمية الدالة على الاستمرار والدوام لأنه أبلغ في المرام و
أليق بالمقام واللام الأولى جنسية أو استغراقية والثانية اختصاصية تفيد القصر على المشهور
والموصول في قوله الذي أوضح بأئمة الهدى بصلته ومتعلقاتها نعت أتى به للمدح مع ما فيه من بسط
الكلام حيث الاطناب مطلوب والتبرك بذكرهم (ع) والتنبيه من أول الأمر على أن موضوع الكتاب
إنما هو من علوم أهل البيت صلوات الله عليهم ففي الحديث كل علم لم يخرج من هذا البيت فهو
باطل والباء للآلة والإضافة لامية إما لملابسة الآلية كما في ثوب الزينة أو السببية كما في سفينة
النجاة أو الفاعلية كما في ذباب العسل وطوى المضاف إليه للتعميم أو هو المذكور تجوزا ايذانا بأن الحق
يدور معهم حيث داروا والجار في قوله من أهل بيت النبوة للنبيين أو للتبعيض متعلق بمحذوف وفي
قوله عن دينه القويم بفعل الإيضاح لتضمنه رفع الإبهام عن الموضح ودين الله المعتدل هو الاسلام
الذي ارتضاه الله دينا لهذه الأمة المرحومة بتبليغ النبي المختار صلى الله عليه وآله والناس يومئذ خابطون في
الجهالة تائهون في العمة والضلالة فاليهود في نكدهم ومساويهم والنصارى في توسعهم ومخازيهم والمجوس
في سرفهم وتعظيمهم النيران والهنود في حيرتهم وعبادتهم الثيران والعرب في جلافة طباعهم ورداءة أوضاعهم
والعجم في ترفهم واتباعهم الشهوات وعكوفهم على الأباطيل واللهوات فندبهم جزاه الله خير ما جزى نبيا
عن أمته إلى الصواب والسداد ونظم لهم أمور المعاش والمعاد ودعاهم عن الميول الباطلة والأهواء
الزائغة إلى العدل والصلاح والرشاد بحيث إن كل عاقل لبيب رزق حظا من الانصاف إذا أمعن النظر في
كليات قواعد الملل والنواميس التي يتدين بها يضطر من نفسه إلى الاذعان بأن أشرفها وأعدلها
وأقربها إلى النجاة وأكملها وأحقها بالقبول وأمثلها حتى أن الملاحدة المنكرين للنبوات المعتقدين
في الأنبياء أنهم حكماء راسخين معترفون بأن الصادع به كان أكمل الحكماء وأقومهم نفسا وأوسعهم
نظرا وأدقهم فكرا وأصوبهم رأيا وأرسخهم حكمة وأحسنهم سياسة وأعلمهم بمصالح الخلق في دهره وفي
الدهور المتطاولة الغابرة لما يرونه بالنظر الكلي من رزانة قوانين الاسلام واتقان الشرع الأقدس
ونظامه الأكمل الأتم وصلاحه الأوفى الأعم وإحاطته بجميع ما لا بد منه مما له مدخل في سعادة الدين
والدنيا بحيث لا يكاد يفرض أمر من الأمور الكلية والجزئية كائنا ما كان إلا وشملته أحكام الشريعة
الواسعة البيضاء على الوجه اللائق وله فيها حد لا يسوغ التعدي عنه والتخطي إلى ما سواه بما فيها من السماحة
والسهولة واليسر والخلوص عن الحرج والإصر والعسر ومن ثم من الله على عباده في غير موضع من كتابه بأن
هداهم للاسلام وجعلهم أمة وسطا وحيث إن الشريعة المحمدية باقية مستمرة بامتداد زمان التكليف
اقتضت الحكمة البالغة الإلهية والرحمة الواسعة السبحانية أن يقوم بالأمر بعد انقضاء عهد النبوة
من يتم به الحجة في كل عصر على أهله يبين لهم من أحكام الدين ما أبهم عليهم ويفصل لهم من العلوم والمعارف
التي ورثها عن النبي ما يحتاجون إليه مما لم يبلغهم عنه أو بلغهم اجمالا ولم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله وهو
الخليفة الحق والإمام المطلق فصارت الأئمة (ع) وسائط في ايضاح الدين وهداية المهتدين كما أن الآلة
واسطة بها يعالج الفاعل فعله ومن ثم يسند الفعل إلى الفاعل تارة ويدخل الباء على اسم الآلة إن
ذكر فيقال رأيته بعيني وإلى الآلة أخرى فيقال رأته عيني ومساق الكلام على الوجهين على وجه وأبلج أي
أوضح بأنوار آثارهم وهي الأخبار المتضمنة لحكاية أقوالهم أو أفعالهم أو تقريراتهم والإضافة الأولى إما بيانية
كما في لجين الماء أو من الاستعارة المكنية المخيلة أو لامية كالثانية فالثاني لا غير وهو من أحسن التشبيهات
ففي الحديث النبوي أن على كل صواب ويقرب منه القول في قوله في ظلمات البدع والأهواء والبدع
جمع بدعة بكسر الباء وهي في اللغة اسم من ابتدع الأمر إذا ابتداه وأحدثه كالرفعة والخلفة من
الارتفاع والاختلاف وفي الشرع قيل هي احداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وعن أمير المؤمنين (ع) في معاني الأخبار
أن السنة ما سن رسول الله والبدعة ما أحدث بعده وإليه نظر العلامة في نهاية الأصول من قسمها إلى الأقسام الخمسة قال العلامة في نهاية الأصول
والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قول الشريعة فإن دخلت في قواعد الايجاب فهي واجبة
كالاشتغال بعلوم العربية التي بها يفهم كلام الله وكلام رسوله وتدوين الحديث والكلام في الجرح والتعديل
لأن حفظ الشريعة واجب ولا يتأتى إلا بذلك وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب أو في قواعد التحريم
فمحرمة مثل مذاهب القدرية والمرجئة والمجسمة والرد على هؤلاء من البدع الواجبة أو الندب فمندوبة
كاحداث الربط والمدارس وكل احسان لم يعهد في العصر الأول أو الكراهة فمكروهة كزخرفة المساجد
2

وتزويق المصاحف أو الإباحة فمباحة كالتوسع في اللذيذ من المآكل والملابس والمساكن وتوسيع
الأكمام ونحوها وقيل إن اسم البدعة لا يطلق إلا على ما هو محرم من هذه الأقسام وهو الموافق للأصل
وفي الحديث المستفيض كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها إلى النار وقد كثر في الأدعية المأثورة
الاستعاذة من البدع وسؤال التوفيق لمجانبتها والأهواء جمع هوى بالقصر وهي ميل النفس إلى ما
تشتهيه من حق أو باطل ثم غلب استعماله في الثاني لأنه الغالب بحيث لا ينصرف الذهن عند الاطلاق
إلا إليه وعليه قوله (تع) ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله وقوله سبحانه أرأيت من اتخذ إلهه هواه
وقول أمير المؤمنين (ع) إن أخوف ما أخاف عليكم اثنان اتباع الهوى وطول الأمل ولأجل هذا التشديد
العظيم الواقع في أمر البدع والأهواء حسن تشبيهها بالظلمات أو ذواتها لجامع السببية في الضلال
عن السبيل المقيم والجار في قوله عن صراطه المستقيم متعلق بفعل الابلاج كما في الفقرة الأولى والصراط
المستقيم هو حاق الحق والعدل المطلق وذلك أن النفس الانسانية واقعة في جميع أحوالها بين رذائل
متخالفة متعاندة واقعة على طرفي الزيادة والنقصان وذمايم بينها كمال التنافي حاصلة على طرفي الافراط
والتفريط كلما تباعد الانسان عن أحدهما تقارب إلى الآخر ولا مخلص منها إلا بالاقتصاد التام وملازمة
الوسط الحقيقي الذي هو غاية البعد عن الطرفين ونهاية الانفكاك الممكن عنهما ففي اعمال القوة الشهوية
يكون ملازما للعفة التي هي التوسط بين افراط الفجور وتفريط الخمود وفي القوة الغضبية للشجاعة المتوسطة
بين التهور والجبن وفي القوة الفكرية للحكمة المتوسطة بين الجربزة والبلاهة والمراد بها هنا ما يقارب
الفطنة وحسن الانتقال منا المبادي إلى الغايات وهذه هي أصول الفضائل المحصلة للعدالة الظاهرة
فالعفيف لا فاجر ولا خامد والشجاع لا متهور ولا جبان والحكيم لا جربز ولا إبله وهكذا يختار التوسط
والأمر بين الأمرين في سائر الأخلاق والأعمال المنشعبة عن الأصول المذكورة ففي المعاشرة التواضع المتوسط
بين التكبر والتخاسس والبشاشة بين التزمت والدعابة والحلم بين الطيش والمهانة والمروة بين الآنفة
والدنائة وفي الاكتساب السعي الجميل بين الحرص والكسل وفي المعيشة التقدير بين التبذير والتقتير
وفي البذل السخاوة بين الاسراف والبخل وفي الأكل والشرب والنوم والكلام وغير ذلك لا يخرج عن الاعتدال
والاقتصاد حتى في العبادة يكون ملازما للرفق خارجا عن مرتبة الإضاعة غير بالغ حد الايغال الذي
هو الاكثار منها بحيث يعقب الملال وانتهاك البدن ومن ثم كره صوم الدهر بل وفي مودة ذي
القربى يكون مقتصدا ومتقصرا على مرتبة الولاية متجاوزا عن تفريط النصب متقاصرا عن افراط الغلق
والتفويض فهذه هي الطريقة المثلى الموصلة إلى الرفيق الأعلى وفي الحديث الصراط المستقيم في الدنيا
ما قصر عن الغلو وارتفع عن التقصير واستقام وفي الآخرة طريق المؤمنين إلى الجنة وفي حديث آخر
الصراط أدق من الشعر واحد من السيف وذلك أن الوسط الحقيقي بين الأمور المتنافية كمال التنافي
يكون في غاية الغموض والبعد عن الادراك لأنه أشبه شئ بالخط الهندسي الفاصل بين الظل
والشمس الذي لا عرض له أصلا ولأجل ذلك لا تؤمن غائلته ولا يبعد أن يكون هذا الصراط في الدنيا
هو الجسر المدود على متن جهنم الذي يمر عليه المؤمنون إلى الجنة في النشأة الآخرة وما ورد من أن
منهم من يمر كالبرق الخاطف ومنهم مثل عدو الفرس ومنهم من يمشي حبوا ومنهم من يمر عليه متعلقا
فتأخذ النار منه شيئا وتترك شيئا إلى غير ذلك من الأحوال المختلفة مسببا عن اختلافهم الشديد
في مراتب القرب من العدل الحقيقي والبعد عنه وتفاوتهم في قلة الالتفات إلى الميول الطبيعية و
كثرته وهذا كله مبين في كلام الله وكلام رسوله وكلام أهل البيت صلى الله عليه وآله ومن ثم ورد في تفسير البطون
تفسير البطون الصراط المستقيم بالقرآن وبالإمام وعقب الحمد بانشاء الصلاة والسلام على محمد
وآله قضى لحقوقهم وتبركا بذكرهم (ع) المعصومين من الذنوب بالاجماع والسهو والنسيان على المشهور
ما دامت الصلاة والتسليم وهي أبد الأبدين كما في بعض الأدعية المأثورة صلاة يصعد أولها ولا ينفد
أخرها وفعل الدوام تام لا يحتاج إلى الخبر كما في قوله (تع) خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض و
بعد الحمد والصلاة السلام فيقول خادم العلوم الدينية وهي العلوم الثلاثة الأخروية التي يأتي بيانها
وهي المسماة بالفقه في الصدر السالف وخدمتها عبارة عن الاشتغال بها ونشرها وترويجها وكثيرا
ما يصف المصنف وهو محمد بن مرتضى الملقب بمحسن أحسن الله إليه نفسه بهذا الوصف يتمدح به و
يتبجح ومن ثم قدمه على الاسم مع أنه بحسب المعنى نعت حقه التأخير اهتماما به وشوقا إليه وحق له ذلك
فإنه لم يجتهد أحد من علماء المائة الحادية عشر اجتهاده في ذا الباب وقد بلغ في كثرة التصانيف
المختصرة والمطولة وتلخيص المعاني وتقريبها إلى الأفهام والتوفيق بين العقل والشرع وتسهيل الأمر
على الناظرين مبلغا لم يسبقه إليه سابق ولا يشق غباره لاحق وفي التسمية على الوجه المذكور
إشارة إلى أن الاسم في هذه المركبات التي شاعت التسمية بها في هذه الأعصار المتأخرة إنما
هو الجزء الأول لا غير فالتركيب تقييدي خلافا لمن جعله مجموع الجزئين واعتبر التركيب مزجيا
وبيان مقالته إن الله (تع) خلق الانسان في أحسن تقويم وجعله في الأرض خليفة وخصه بالتكريم
وآتاه الحكمة وفصل الخطاب ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب وقد
ورد عن الصادقين صلى الله عليه وآله تفسير الحكمة بوجوه متقاربة يعمها جميعا ما قيل إنها خروج النفس إلى كمالها
الممكن في قوتيها العلمية والعملية معا فهي مركبة من جزئين علم هو تصور حقايق الموجودات والتصديق
بأحكامها وما يتبع ذلك وعمل هو ممارسة الحركات الإرادية ومزاولة الصناعات الاختيارية لاخراج
ما في القوة إلى الفعل على وجه يؤدي إلى صلاح المعاش والمعاد وينقسم الجزء العلمي بحسب المعلومات
إلى قسمين لأنها إما أن يتوقف وجودها على الحركات الإرادية الانسانية أو لا ويسمى الأول حكمة
3

عملية لتعلقها بالعمل والثاني حكمة نظرية تسمية للنوع بوصف جنسه وتنقسم الحكمة النظرية في
معلوماتها أيضا بحسب مفارقتها للمادة مطلقا وملابستها لها في الوجود فقط أو فيه وفي
التعقل جميعا أقساما ثلاثة فالعلم بما يفارق المادة فيهما هو الإلهي وبما يلابسها في الوجود دون
التعقل هو الرياضي وبما يلابسها فيهما هو الطبيعي ويبحث في الأول عن المجردات كالواجب وصفاته
والعقول والنفوس ويتبعه الكلام في النبوة والإمامة والمعاد وعن الأمور العامة كالوجود والعدم
والحدوث والقدم والوحدة والكثرة ونحوها وربما يخص العلم بالمجردات باسم الإلهي ويسمى العلم
بالأمور العامة بالفلسفة الأولى ويطلق على المجموع علم ما بعد الطبيعة وفي الثاني عن المقادير وهو
الهندسة وعن الأعداد وهو الحساب وعن أوضاع الأجرام العلوية وهو الهيئة عن النسب التأليفية
وهو الموسيقى وفي الثالث عن مبادي المتغيرات كالزمان والمكان والحركة والسكون وعن
الأجسام البسيطة والمركبة وتبذل الصور على المواد وعلل حدوث الحوادث ونحوها وربما ينوع أنواعا
ويخص كل منها باسم تقليلا للانتشار وتسهيلا للضبط كما يسمى البحث عن البسائط العلوية والسفلية
بعلم السماء والعالم وعن الأركان والعناصر وتوارد الصور على المادة المشتركة بالكون والفساد
وعن كائنات الجو كالرعد والبرق والمطر وثواني النجوم كالشهب والنيازك وبعض الأرضيات كالزلزلة
والخسف بالآثار العلوية وعن المركبات التامة وكيفية تركيبها وما يتعلق بذلك بعلم المعادن والنبات
والحيوان والنفس ومن فروع القسم الرياضي المناظر والجبر والمقابلة وجر الأثقال ونحوها ومن فروع
الطبيعي الطب وأحكام النجوم والفلاحة وأما الحكمة العملية فتنقسم بحسب المأخذ إلى قسمين ما يؤخذ
من العقل من دون توقف على غيره وما يؤخذ من الشرع والأول إما أن تكون مصلحته المقصودة بالذات
مقصورة على العامل بخصوصه وهو علم الأخلاق أو عليه وعلى من يختص به أتم اختصاص كالمشارك له
في المنزل مثل الزوجة والولد والخادم وهو تدبير المنزل أو يعم غيرهم ممن يساكنهم في المدينة أو
يجاورهم فيها وهو السياسات المدنية فهذه الأقسام مما يستقل به العقول الكاملة وقد ورد في جميع ذلك
عن الشارع الحكيم مما يصدق حكم العقل وينبه عليه ويؤكده ويزيده وضوحا ما يقطع العذر والحاجة
إلى الأقسام الثلاثة ماسة جدا أما الأول فلأن القوى النفسانية التي هي مبادي الأفعال الاختيارية و
الحركات الإرادية متخالفة متدافعة جدا كما سبق وعائقة عن الوصول إلى مرتبة الكمال الانساني بل ناكبة
بذويها إلى أسفل سافلين فإن الافراط في الشهوة مثلا ملحق لصاحبها بمرتبة البهائم التي همها شهواتها
وفي الغضب بمرتبة السباع التي همها الغلبة والافتراس والتفريط فيهما بمرتبة الجمادات الفاقدة لقوة
التوليد والانتصار بل البهيمة والسبع والجماد خير منه في هذه الحيثية لأنها لم تفوت على أنفسها كمالا
فترتيب هذه الدواعي المتعاضدة على وجه يتحقق بينها المسالمة وتصدر أفعالها منتظمة من أهم المهمات
والعلم بكيفية هذا الترتيب وتضعيف القوى منها وتقوية الضعيف بحيث تتعادل وتتساوى
من أشرف العلوم وأما الأخيرين فلأن الانسان لا بد له من زوجة بها يدافع سلطان الشهوة
ويستعمل القوة المولدة ويستعين بها على بعض أموره وحينئذ يحصل الولد وتشتد الحاجة إلى الخادم
ولا بد من النظر في مصالحهم ومصالح المسكن الذي يأوون إليه ويدخر فيه اقواتهم فتتكثر الحوائج
بحيث يتعسر على الواحد القيام بها إن أمكن فلا بد له من الاجتماع بعدة من أبناء نوعه يتعاونون
جميعا على مصالح المعيشة ونعني بالمدنية محل هذا الاجتماع وحيث إنه مظنة الهرج والفساد لغلبة
النفوس الشريرة الخارجة عن الاعتدال فلا بد من سياسات عدلية يتفق عليها الجميع طوعا أو كرها
بها يستقيم أمر الاجتماع ويحصل الغرض المطلوب منه وهو الصلاح النوع الانساني وتوجهه إلى
ما خلق لأجله من السعادة الباقية والعيشة الراضية وأما ما يؤخذ من الشرع فينقسم أيضا بالتقسيم
المذكور إلى العبادات والمناكحات والمعاملات والسياسات الشرعية والعلم بها هو المختص باسم
الفقه في عرف الأخيرين فصار علم الأحكام الشرعية التي هي خطابات الشارع أو مدلولاتها
المتعلقة بأفعال المكلفين من أقسام الحكمة العملية وعطفها عليها فيما سيأتي من قبيل عطف
جبرئيل وميكائيل على الملائكة والعقل وإن كان مما يستقل بادراك بعض كلياتها ومجملاتها
مثل حسن الصدق النافع وقبح الكذب الضار ووجوب رد الأمانة وحرمة الغصب إلا أن تفاصيلها
وحدودها لا تكاد تعرف إلا من جهة الشرع ولا مدخل لعقولنا وآرائنا فيها بوجه من الوجوه فهذا
بيان الحكمة وشرح ماهيتها بجزئيها العلم والعمل والحكيم الكامل هو المستجمع لهما الراسخ علمه بالعمل
وهو العالم الصغير المنطوي فيه ما في العالم الأكبر والكتاب المبين الذي بآياته يظهر المضمر والآدم
الذي خمر الله طينته بيده أربعين صباحا أو عاما وخلقه على صورته وأسجد له ملائكته تعظيما
له واكراما وهو الانسان المطلق موجود بما هو انسان دون أن يكون موجودا بما هو حيوان
لتحققه ظاهرا وباطنا بخاصيته الانسانية التي بها يمتاز عن سائر الممكنات ومن عداه انسان في
الظاهر حيوان في الباطن بحسب الخلق الغالب عليه وفي كلام أهل البيت صلى الله عليه وآله إشارات جلية إلى ذلك
والمقتصر على أحدهما ناقص مطعون على قدر نقصه وقد ورد في الانكار والتشديد عليه ما ورد
ففي الحديث لا علم إلا بعمل ولا عمل إلا بمعرفة وأن العلم بلا عمل وبال والعمل بلا علم ضلال وفيه أن
العالم التارك لعلمه أشد الناس حسرة يوم القيامة وأن أهل النار ليتأذون من ريحه وأن العامل
على غير بصيرة كالساير على غير الطريق لا يزيده كثرة السير إلا بعدا وتبين مما تقدم أن الحكمة
العملية من أشد العلوم حاجة إليها ومن ثم يقال بوجوب تحصيلها عينا في الجملة وأوثقها حجة فإن
الأدلة الشرعية والوجدانيات التي لا ريب فيها من أقوى البينات وأشرفها موضوعا وهي النفس
4

الانسانية من حيث صدور الأعمال عنها جميلة أو قبيحة وغاية لأنها ترقية النفس الناقصة التي هي
أخس الموجودات إلى مرتبة الخلافة التي هي أشرف المراتب الممكنة ومن ثم سميت الإكسير الأعظم وربما
يعبر عنها في كتب الأقدمين بالطب الروحاني لأنها تحفظ الكمال على النفوس الكاملة كما تحفظ الصحة
على الأمزجة الصحيحة في الطب الطبيعي وتأخذ بالنفوس الناقصة إلى الاعتدال بإزالة الذمايم التي
هي أمراض الأرواح كما قال (تع) في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا وقال صم بكم عمي فهم لا يعقلون و
وللمصنف قدس الله روحه كتب جيدة مبسوطة ومتوسطة في أقسام الحكمتين ثم رجع إلى مطولاته
في الحكمة النظرية فانتخب مهماته في متون وجيزة وهذه أيضا نخبة وجيزة في الحكمة العملية والأحكام الشرعية على ما ورد به الكتاب والسنة وهي ما سنه رسول الله صلى الله عليه وآله كما سبق وآثار الأئمة الاثني عشرا و
المقتدى بهم من أهل بيت العصمة ومن اقتبس من أنوارهم (ع) من المشايخ الموثقين فإن الاقتداء بهم
فيما يتسامح فيه من الآداب والسنن وفضايل الأعمال مما لم يثبت عن أهل العصمة صلى الله عليه وآله خلافه مما لا ضير
فيه وكلها راجعة إلى السنة وفيه إشارة إلى حصر الأدلة الشرعية في الكتاب والسنة وأما الاجماع ودليل
العقل والاستصحاب فما يصلح منها للحجية وهو من الأول ما بلغ مبلغا يعلم دخول المعصوم فيه
المرادف لضرورة الدين أو المذهب أو المتاخم لها ومن الأخيرين ما ينطبق على قواعد الكتاب أو
السنة فهي غير خارجة عنهما وما عدا ذلك لا تعويل عليه كما صرح به في غير موضع وهذه النخبة
تفصل بين ما وضح دليله منهما وهو ما يتوصل بصحيح النظر فيه إليه بوضوح دلالته من غير ابهام سواء
كانت مطابقية أو تضمنية أو التزامية على تشكيك في الأخيرتين لا يصغى إليه وبأن سبيله بخلوصه
عن المعارض ابتداء أو بعد الترجيح بالوجوه المأثورة الآتية مما لا ريب فيه لحصول العلم الشرعي به
الموجب للعمل ولا ينافي ذلك ظنية الدلالة أو الطريق لأن المعلوم إنما هو وجوب العمل فهو غير المظنون
وهذه هي الأحكام الموردة فيها على وجه الفتوى والجزم وبين ما أبهم مأخذه وأظلم مسلكه بصيغة
المعلوم في الفعلين واقحام البين للفصل الكثير بين المتعاطفين مما يتشابه الأمر فيه لفقد الدليل
أو وجود المعارض حيث لا ترجيح وهذه هي المشفوعة بالإشارة إلى نوع من التردد مع بيان ما يحصل به
يقين البراءة والخروج عن العهدة ليكون العامل على بصيرة من الأخذ باليقين والاحتياط في أمور
الدين إذ ورد في الأمر بذلك ما ورد فعن أمير المؤمنين (ع) أخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت و
في الصحيح عن عبد الرحمن الحجاج قال سألت أبا الحسن (ع) عن رجلين أصابا صيدا وهما محرمان الجزاء
بينهما أو على كل واحد منهما جزاء فقال لا بل عليهما أن يجزي كل واحد منهما الصيد قلت إن بعض أصحابنا
سئلني عن ذلك فلم أدر ما عليه فقال إذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسئلوا
عنه فتعلموا وفي مقبولة عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله (ع) في الرجلين المتنازعين قلت فإن كان كل واحد
اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا ناظرين في حقهما واختلفا فيما حكما وكلاهما اختلف في حديثكم
قال الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر قال قلت
فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على صاحبه قال فقال ينظر إلى ما كان من روايتهم
عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه من أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند
أصحابك فإن المجمع عليه لا ريب فيه وإنما الأمور ثلاثة أمر بين رشده فيتبع وأمر بين غيه فيتجنب وأمر
مشكل يرد علمه إلى الله وإلى رسوله قال رسول الله صلى الله عليه وآله حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن
ترك الشبهات نجا من المحرمات ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم قلت فإن كان
الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم قال ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ
به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة قلت جعلت فداك أرأيت إن كان الفقيهان
عرفا حكمه من الكتاب والسنة ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم بأي الخبرين يؤخذ
قال ما خالف العامة ففيه الرشاد فقلت جعلت فداك فإن وافقهم الخبران جميعا قال ينظر إلى ما هم إليه
أميل حكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر قلت فإن وافق حكامهم الخبرين جميعا قال إذا كان ذلك
فارجه حتى تلقى إمامك فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات وفي بعض خطب أمير المؤمنين (ع)
إن الله حد حدودا فلا تعتدوها وفرض فرائض فلا تنقضوها وسكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا لها
فلا تكلفوها رحمة من الله لكم فلا تكلفوها فاقبلوها ثم قال (ع) حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن
ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان له ترك والمعاصي حمى الله فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها
وفي معناها روايات أخر وقد دخلت الشبهة على عصبته من الآخرين في تحقيق الشبهة وذلك أنهم اتفقوا
في مفهومها وأنه كل ما فيه اشتباه وخفاء وزعموا أن ذلك حقيقتها الشرعية والعرفية واللغوية وهو مقتضى
مقابلته بالبين في أحاديث التثليث وعلى صدقها على ما تعارضت فيه الأدلة واختلفوا في شمولها لما لا
نص فيه فمن قائل إنه ليس بالحلال البين ولا بالحرام البين لأن البيان إنما هو بالنص والفرض انتفاؤه فيندرج
تحت الشبهات وإلا لاختل التقسيم وأيضا قد ورد الأمر بالاحتياط في الصحيحة فيما لا نص فيه وفي المقبولة
وما في معناها في الشبهات على وجه يفيد القصر بالقرائن والاجماع على أنه للاحتياط في غير الشبهات و
زعموا أنه المراد بالمسكوت عنه في كلام أمير المؤمنين (ع) وهو ظاهر المصنف هنا وصريحه في غيره ومن قائل
إن حديثي التثليث اللذين فيهما ذكر الشبهات إنما يدلان على ثبوت شبهات بين الحلال البين والحرام
البين ولا دلالة فيهما على أن كل ما بينهما شبهة لفقد ما يدل على العموم والمهملة في قوة الجزئية فيكفي تحققها
في ضمن المتفق عليه وهو ما تعارضت فيه الأدلة أو يخص التثليث بغير المسكوت عنه وأما المسكوت عنه
فهو مباح رحمة من الله على عباده للعمومات الدالة على إباحة ما لا نص فيه وخارج عن مجرى هذا التقسيم
5

لأنه (ع) وسع في المسكوت عنه وضيق في الشبهات فدخوله فيها يوجب التناقض في الكلام والصحيحة إنما تضمنت
الأمر بالاحتياط عن الفتوى في المسائل الشرعية للجاهل بأحكامها ولا دلالة فيها على أكثر من ذلك و
هذا معنى متفق عليه لا ارتباط له بموضع البحث هذه خلاصة كلماتهم مع تتميم وفصل الخطاب في هذا
الباب يتوقف على تحرير محل النزاع أولا فاعلم أنه إن أريد بالنص المنفي فيما لا نص فيه النص الخاص بالأمر
المبحوث عنه فاطلاق الحكم باندراجه في الشبهات ممنوع كما أن اطلاق الحكم بخروجه عنها كذلك وذلك
لانقسامه إلى قسمين أحدهما ما لا يمكن ادراجه تحت شئ من عمومات الكتاب والسنة وهذا من الشبهات
والمشكلات الذي التي يرد علمها إلى الله ورسوله ويحتاط فيها في العمل والآخر ما يمكن ادراجه تحت شئ
منها وهذا يشمله حكم ذلك العموم ويلتحق بأحد الأمرين البينين ما لم يتعارض فيه عمومان وحينئذ يندرج
في الشبهات ويحتاط فيها علما وعملا وانحصار البيان في النص الخاص ممنوع كما يشهد بذلك مراجعة طريقة
السلف الصالح رضوان الله عليهم وتبين من هذا البيان حال ما لو أريد بالنص ما يعم العمومات وحمل الكلام
على المهملة مما يخل بفائدته على أن حديث تقسيم الأمور مشتمل على صريح الحصر ونقله (ع) بعد ذلك حديث
التثليث في مقام الاستدلال كما هو الظاهر كالصريح في إرادة التقسيم الحاصر وإلا لاختل الاستدلال
فظهر أن اخراج ما لا نص فيه عن مجرى التقسيم وتخصيصه بغير المسكوت عنه غير جيد واطلاق الحكم بأن المسكوت
عنه وهو ما لا نص فيه مباح للعمومات الدالة على إباحة ما لا نص فيه غير مقبول بل الوجه التفصيل بأنه إن شملته
عمومات الإباحة فهو مباح بين الحكم غير مسكوت عنه كما قدمنا وإن لم تشمله كما في مسألة عبد الرحمن فلا
معنى للحكم بالإباحة والقول بأنها خارجة عن المبحث فكلام خال عن التحصيل لأن المسألة المجهولة الحكم لا شبهة
أنها عند الجاهل بها مما لا نص فيه لأن المراد به ما لم يبلغنا فيه عن الشارع حكم معين لا ما ليس له حكم في الواقع
لأنه لا وجود له في نفس الأمر إذ ما من شئ إلا ورد فيه كتاب أو سنة وإن لم يبلغنا كله كما تظافرت به الروايات
وهذا من الأمر بين الأمرين فليكن منك على ذكر وأما المسكوت عنه في حديث أمير المؤمنين (ع) فيشبه أن يكون المراد به ما ليس له ذكر صريح في ظاهر القرآن مثل الكلام في حقيقة الروح والبحث عن ماهية كلام الله
وحدوثه وقدمه وغير ذلك من الصفات مما يخوض فيه الفضوليون من القاصرين وقد وضعه الله عنهم رحمة لهم و
يسرا بهم فإن تكلف ذلك منهي عنه ولا سيما للنفوس الناقصة بل الأصلح لهم الاكتفاء بالايمان المرسل والتصديق
المجمل وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله مر بأصحابه وهم يخوضون فغضب حتى احمرت وجنتاه ثم قال أفبهذا أمرتم
تضربون كتاب الله بعضه ببعض انظروا إلى ما أمركم الله به فافعلوا وما نهيكم عنه فانتهوا وعن أبي عبد الله (ع)
في جواب من سأله أن يكتب إليه بالمذهب الصحيح في التوحيد اعلم رحمك الله أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به
القرآن من صفات فانف عن الله البطلان والتشبيه هو الله الثابت الموجود تعالى الله عما يصفه الواصفون ولا
تعدوا القرآن فتضلوا بعد البيان وفيهما دلالة واضحة على ما قلناه وإذ لا سبيل لنا إلى القطع في الشبهات
لابهام المأخذ واظلام المسلك فالأمور بحسب القسمة الحاصرة الأولى بالنسبة إلينا قسمان محكم ومتشابه
وبحسب الثانية ثلاثة أقسام هذا في الحلال والحرام وكذلك في الفرض والنفل ففرض بين ونفل بين وشبهات
يتردد أمرها بينهما من أتى بها نجا يقينا من ترك الفرايض احتمالا ومن تركها وقع فيه فهلك من حيث لا يعلم
ومن هنا يعلم أنه كلما وقع الاشتباه بين فعلين وجوديين يعلم وقوع التكليف بأحدهما يقينا ولا يعلم
يقينا فالأخذ باليقين يأتي بهما جميعا تحريا للنجاة وحذر من الوقوع في ترك الفرائض يقينا وما يقال
في المنع من أن الاتيان بفرد من الأفراد المشكوكة ينفي اليقين ببقاء التكليف وينفي احتماله بالأصل فتشكيك شارح الدروس
لا يلتفت إليه الحازم الورع وإذ قد بينا الأمر في الأحكام الشرعية على أساس التثليث واقتصرنا في مداركها
على القرآن والحديث فارتفع الخلاف أو قل ونجونا عما نهينا عنه من القول بالرأي والجزاف إلا من زل فإن
أكثر الاختلافات الواقعة في الفروع إنما نشأت من الخوض في المتشابهات التي يضطر الناظر فيها
إلى الاستمداد بالرأي المتلون السيال الذي لا يقف على حد ولا على حال ومن ثم ترى اختلاف الفتوى عن
عصابتنا الأخباريين أقل منه عن الأصوليين لابهامنا ما أبهم الله وسكوتنا عما سكت الله و
اقتصارنا على البين المحكم وردنا ما سواه إلى الله والرسول وأولي الأمر فإنهم أعلم وفي الحديث من عمل
بما علم كفى ما لا يعلم قال المصنف طاب ثراه في سفينة النجاة ولعلك تقول إن الحكم في كل مسألة واحدة
في نفس الأمر كما هو مذهب أهل الحق والأحكام الشرعية إنما تراد معرفتها للعمل وحاجة المكلفين إليها
جميعا سواء فما الوجه في اخفاء بعض المسائل وابهامه فتقول إن الحكمة في أكثر الأمور الشرعية غير معلومة
لنا إلا أنه يمكننا أن نشير ههنا إلى ما يمكننا يكسر سورة استبعادك بأن نقول يحتمل أن يكون من
الحكم في المتشابه المحتاط فيه أنه يتميز المتقي المتدين باحتياطه في الدين وعدم رتاعه حول الحمى خوفا عن
الوقوع فيه ممن لا تقوى له ويجترئ في الرتاع حوله ولا يبالي بالوقوع فيه فتتفاضل بذلك درجات
الناس ومراتبهم في الدين فكما أن تارك الشبهات في الحلال والحرام وفاعلها في الفرض والنفل ليس
كالهالك من حيث لا يعلم فكذا الهالك من حيث لا يعلم ليس كالهالك من حيث يعلم فالناس ثلاث فرق
مترتبين وأن يكون من الحكم في المتشابه المخير فيه أن يتوسع التكليف لجمهور الناس باثبات التخيير
في كثير من الأحكام وهذه رحمة من الله عز وجل وبه تختلف مراتب التكليف باختلاف مراتب الناس
في العقل والمعرفة ولعل أمير المؤمنين (ع) إلى هذا أشار بقوله فلا تكلفوها رحمة من الله لكم فاقبلوها
وما لا نعلم من الحكم أكثر مما نعلم هذا كلامه زيد اكرامه ولا تعبؤ فيما لا يتسامح فيه بقول من لا نقف على برهان
له به من الكتاب والسنة وإن كان ذلك القول في الأخيرين مشهورا لأن أكثر الأقوال المشهورة بين الآخرين
إنما حدثت شهرتها من الشيخ الطوسي (ره) كما حققه العلامة والشهيد الثاني (رض) وذلك لأن الفقهاء الذين
نشؤوا بعده كانوا يتبعونه ولا يجترؤون على مخالفته لكثرة اعتقادهم فيه وحسن ظنهم به فكانوا يفتون ويعملون
6

على وفق مذاهبه وتحقيقاته فلما جاء المتأخرون وجدوا أحكاما مشهورة قد عمل بها الشيخ ومن بعده
فحسبوا ذلك شهرة بين العلماء وما فطنوا أن مرجعها إلى الشيخ وأن الشهرة إنما حصلت بمتابعته وتخطى
ذلك قوم وسموها اجماعا وفي الكلام إيماء إلى أن الشهرة بين الأولين من أصحاب الأئمة صلى الله عليه وآله وأرباب النصوص
ليست حالها على هذا المنوال وهو كذلك لأن المفهوم من سيرهم وأحوالهم بالتتبع أنهم كانوا يتثبتون كثيرا
ويراجعون المعصوم في جلائل الأمور ودقائقها ولا يتسارعون إلى الحكم والفتوى في المسائل إلا بثبت مركون
إليه ودليل مقبول يسوغ التعويل عليه فاشتهار الحكم بينهم مما يستبعد جدا أن يقع جزافا بل الذي يقوى في
النفس أنهم أخذوه عن الحجة بإحدى الطرق المعتبرة ومع ذلك كله فلا تنهض حجة فيما لا يتسامح فيه و
المستيقن لا يفارق الاحتياط في العمل ما أمكن على أن البحث عنها قليل الجدوى إذ معرفة المشهور بينهم في
آحاد المسائل التي يختلف فيها الآن مما كاد يلحق بالمحالات لأن كتبهم في الفتاوى المجردة قليلة جدا وإنما يوجد
نبذ منها متفرقة في أسفار الناقلين كما في كتاب الكافي وغيره كالفقيه والتهذيب ولا يبعد أن تكون الإشارة إلى هذا فإن
روى صاحب العوالي مرفوعا عن زرارة بن أعين قال سألت أبا جعفر (ع) فقلت جعلت فداك يأتي عنكم الخبران
أو الحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ فقال (ع) يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر
فقلت يا سيدي أنهما معا مشهوران مرويان مأثوران عنكم فقال (ع) خذ بقول أعدلهما عندك وأوثقهما في
نفسك فقلت إنهما معا عدلان مرضيان موثقان فقال انظر ما وافق منهما مذهب العامة فاتركه وخذ
بما خالفهم قلت ربما كانا معا موافقين لهم أو مخالفين فكيف أصنع فقال إذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك
واترك ما خالف الاحتياط فقلت إنهما معا موافقان للاحتياط أو مخالفان له فكيف أصنع فقال (ع) إذن
فتخير أحدهما فتأخذ به وتدع الآخر قال وفي رواية أنه (ع) قال إذن فارجه حتى تلقي إمامك وتسئله وهي صريحة
في التعويل على الشهرة فكيف ينفى الاعتداد بها بقسميها قلت المعول عليه في الحديث إنما هو اشتهار الرواية
بين أصحابه دون اشتهار القول المجرد عن البرهان بين القائلين به وكذا لا نعتد باجماع يدعى في محل الخلاف
كما كثر من ابن إدريس والمحقق الثاني وبعض من تقدمهما فإنه ليس إلا زورا إذ المجمع عليه لا ريب فيه كما تقدم في
المقبولة وفي معناها مرسلة الإحتجاج فكيف يشتبه بالمتنازع فيه وقد يوجه للذب عن هؤلاء الأجلة
قدس الله أرواحهم بوجوه مثل أن مرادهم الشهرة كما سبق سواء ألحقناها به في الحجية أم لا أو تأويل الخلاف
على وجه يمكن مجامعته لدعوى الاجماع وإن بعد كجعل الحكم من باب التخيير أو عدم اعتداد مدعيه بخلاف
معلوم النسب أو اطلاعه في عصره على الخلاف وهو الذي ارتضاه المصنف (ره) في المفاتيح وغيره ويرد
عليها
جميعا عدم الاطراد لما اتفق منهم كثيرا من ادعائه على ما لم يبلغ حد الشهرة وفي مواضع لا تكاد تنالها
أيدي التأويل وقدحهم في الاجماع تارة بخلاف معلوم النسب وعدم اعتدادهم بمخالفة مجهوله أخرى
على أنه لا فرق بين معلومه ومجهوله إذ المقدمة التي بنوا عليها أمر الاجماع وهو قبح الاجتماع على الخطأ
على تقدير تسليمها تهدم في الصورتين كما بيناه في شرح المفاتيح وربما يكون المدعي هو الناقل للخلاف
أو هو المخالف وربما تتعارض الدعويان مع اتحاد المدعي والحق أنه وإن تقاصر كل منها عن شمول هذه
الاجماعات إلا أنها غير خارجة عن مجموعها كما لا يخفى على المتتبع وأكثر الاجماعات المنقولة في المسائل النظرية
من هذا القبيل والله يقول الحق وهو يهدي السبيل مقدمة في تقسيم العلم بوجه آخر غير ما تقدم في ضمن
تقسيم الحكمة وبيان مرتبة كل قسم وآداب العالم والمتعلم فهي يسيرة الألفاظ كثيرة الفوائد والتنوين
للتحقير أو التعظيم العلم هو حصول الصورة في الذهن أو الصورة الحاصلة فيه أو انتقاشها بها وهذا الحد
ينطبق طردا وعكسا على جميع أنواعه بتصوراتها وتصديقاتها وهي وإن كانت كثيرة إلا أن مجامعها
علمان علم الدنيا وعلم الآخرة وعلم الدنيا ما يرتبط به مصالح الدنيا كالطب والحساب وعلم الآخرة
علمان أحدهما علم يقصد لذاته وهو العلم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وهو إما تحقيقي
أو تقليدي فالتحقيقي نور يظهر في القلب عند تطهيره وتذكيته من ذمائمه فينشرح للحق فيشاهد بذلك النور و
والانشراح الغيب ففي الحديث النبوي ليس العلم بكثرة التعلم وإنما هو نور يقذفه الله في قلب من يريد أن يهديه وفيه ما من عبد إلا ولقلبه عينان وهما غيب يدرك بهما الغيب فإذا أراد الله بعبد خيرا فتح عيني
قلبه فيرى ما هو غايب عن بصره فعند ذلك ينكشف عليه أمور كان يسمع من قبل أسماءها ويتوهم
لها معاني مجملة غير متضحة فيتضح له جميع ذلك حتى تحصل له المعرفة التامة بذات الله وبصفاته وأفعاله و
حكمته ومعنى النبوة والإمامة والوحي وكيفية وصوله إلى النبي وحديث الملك مع الإمام ومعنى الآخرة والجنة و
النار وما يتعلق بهما إلى غير ذلك فإن للناس في تصور حقايق هذه الأمور بعد التصديق بأصولها مقامات
متفاوتة ودرجات متفاضلة فنعني بالعلم المقصود لذاته أن يرتفع الغطاء حتى يتضح جلية الحق في هذه
الأمور اتضاحا يجري مجرى العيان الذي لا شك فيه كما في حديث أمير المؤمنين (ع) لو كشف الغطاء لما ازددت
يقينا ولم أعبد ربا لم أره لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقايق الايمان وذلك
بتفريغ القلب عن الشواغل وتخليته عن الهموم المختلفة المتنوعة وجعلها كلها هما واحدا كما يأتي فيتسع
بذلك وينفسح فيحتمل البلاء لسعته وفي الحديث أن أشد الناس بلاء في الدنيا الأنبياء ثم الذين يلونهم
ثم الأمثل فالأمثل ويحفظ السر وهو ما ظفر به من مكنون العلم الصعب المستصعب الذي لا يحتمله إلا نبي
مرسل أو ملك مقرب أو عبد امتحن الله قلبه للايمان ولقد بولغ في الحث على كتمان الأسرار والمنع عن
الافشاء والإذاعة والهتك بما لا مزيد عليه أما لغموض الأمر وقصور الأفهام العامية عن ادراكه و
افشاء مثل هذا وضع للحكمة في غير موضعها كتعليق الدر في أعناق الخنازير وفي الحديث لا تحدثوا الجهال
بالحكمة فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ومشغلة لأذهانهم بما لا يرجع إلى طائل وذلك مثل
حقيقة الروح التي هي من عالم الملكوت والنفوس الناقصة التي لم يتجاوز عالم الملك بمعزل عن ادراكها
7

وأما لكون الكشف مفسدة للمستمعين وإن كان لا يتعسر عليهم ادراكه وسببا لافتتانهم أو لتفويت مصلحة
راعاها الشارع الحكيم في التعبير عن بعض المسميات بغير أسمائها وتصوير بعض المعاني في غير قوالبها المعروفة
تمثيلا ورمزا لكون ذلك أوقع في النفوس وأدخل في حصول الغرض المطلوب من الترغيب والترهيب والوعد
والوعيد ومن ذلك بيان حقيقة الكسوف والخسوف على النهج المقرر في الهيئة وتأويل الملائكة الجاذبة الدافعة
بروحانيات الشمس والبحر المظلم بظل الأرض ونحو ذلك وهذا النوع عريض جدا ويندرج تحته كثير من
متشابهات الكتاب والسنة إلا أن الخوض فيه مما يختص بأهله وكان أكابر الصحابة مع ما هم فيه من تقارب
المنازل والتشارك في بركة الصحبة يستخفى بعضهم من بعض بسره وفي الحديث لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله
ولقد آخى رسول الله بينهما فما ظنك بساير الناس وعن أمير المؤمنين (ع) اندمجت على مكنون علم لو بحت به
لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوى البعيدة وعنه (ع) حملت عن النبي صلى الله عليه وآله دعامين من العلم أما واحد فبثثته
فيكم وأما الآخر فلو بثثته قطع مني هذا البلعوم وسئله كميل بن زياد النخعي وقد بلغك جلالة قدره عن
الحقيقة فقال (ع) مالك والحقيقة قال أولست صاحب سرك قال بلى ولكن يرشح عليك ما يطفح مني الحديث
ومما نسبه المصنف في كثير من مسفوراته إلى علي بن الحسين صلوات الله عليهما وغيره إلى غيره. إني لأكتم
من علمي جواهره كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا. وقد تقدم في هذا أبو حسن إلى الحسين ووصى قبله
الحسنا
يا رب جوهر علم لو أبوح به * لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا -
ولاستحل رجال مسلمون دمي * يرون
أقبح ما يأتونه حسنا -
وهذا العلم هو المسمى باللدني وعلامته ما ورد في الحديث النبوي وقد سئل صلوات
الله عليه عن قوله (تع) فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام ما هذا الشرح فقال النور إذا دخل
القلب انشرح له الصدر وانفسح قيل يا رسول الله وهل لذلك علامة قال نعم التجافي عن دار الغرور
والإنابة إلى دار الخلود والتهيؤ للموت قبل نزوله وهو العلم الأفضل بقول مطلق لأنه المقصد الأقصى
من الايجاد أو غاية مقاصد السالكين أو هو الغاية للقسم الآخر المقصود للعمل المتوسل به إليه والتقليدي
هو تلقي بعض مسائل هذا العلم من صاحب الشرع على قدر الفهم والحوصلة كما وكيفا ثم التدين به و
الآخر علم يقصد المعمل ظاهرا وباطنا ليتوسل به إلى ذلك النور وهو العلم بما يقرب إليه (تع) وما يبعد عنه
من طاعات الجوارح ومعاصيها ومكارم الأخلاق ومساويها فهو قسمان علم الشرايع وعلم الأخلاق
وكله تقليد لصاحب الشرع إما عن بصيرة أو استبصار إلا ما لا يختلف فيه العقول منه وربما يسمى
الفقه ومن علاماته ما في حديث الرضا (ع) أن من علامات الفقه الحلم والصمت وليس المراد بالفقه
فيه مجرد معرفة الفتاوى في المسائل الفرعية وحفظا لأقوال المختلفة فيها والإحاطة بمتعلقاتها
لما يشاهد في ذويها غالبا من العلامة بنقيض ما هو مذكور في الحديث فإنهم أكثر الناس طيشا وهذرا
وتصديق الفعل القول إذ به يعرف موافقة الباطن للظاهر والخروج عن ذميمة النفاق وعن أبي عبد الله (ع)
في قول الله عز وجل إنما يخشى الله من عباده العلماء قال يعني بالعلماء من صدق فعله قوله ومن لم يصدق
فعله قوله فليس بعالم وهذا العلم المقصود للعمل هو الأقدم في الوجود الخارجي بالنسبة إلى تحقيقي الأول
لأنه الشرط فيه وفي الحديث من علم وعمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم وفيه إذا علمتم فاعملوا بما علمتم
لعلكم تهتدون وبيان ذلك أن الانسان إذا عمل بمقتضى علمه يؤدي عمله إلى صفاء في قلبه فيستعد
لعلم آخر فوق ما علمه أولا ثم إذا عمل بمقتضى هذا العلم يحصل له استعداد آخر وبسببه يحصل علم و
انكشاف آخر وهكذا يتزايد العلم قوة وضياء بحسب تتابع الأعمال حتى ينتهى إلى الاهتداء بهدى
الله وهو نور اليقين المقصود لذاته قالوا ومثال ذلك من يمشي بمصباح في ظلمة فكلما أضاء له
من الطريق قطعة مشى فيها فيصير ذلك المشي سببا لإضاءة قطعة أخرى وهكذا تترادف الأضواء
بتعاقب الحركات وتترادف الحركات بتعاقب الأضواء إلى أن يتأدى الماشي إلى الغاية وتنتهي الحركة
وبحسب هذه الشرطية والتوسل تعد هذا العلم من علم الآخرة فإن أريد به الدنيا التحق بالدنيا وقد
وقد وقع حصر العلم في هذه العلوم الثلاثة الأخروية في الحديث النبوي إنما العلم ثلاثة آية محكمة
أو فريضة عادلة أو سنة قائمة وما خلاهن فهو فضل قيل الأول إشارة إلى أصول العقايد وأركانها
المستفادة من الآيات المحكمات القرآنية والثاني إلى علم آفات النفس وتعديل قواها وتهذيب الأخلاق
والثالث إلى علم الشرايع والحلال والحرام ويسمى كل منها علم الدين وعلم الفقه كما مر وأما مجادلة علم
الكلام في أصول العقايد والتعمق في الفروع في فتاوي غير منصوصة تستنبط بالرأي فليسا في عرف الأولين
من العلم والفقه في شئ بل لم يكن عندهم منهما عين ولا أثر وإنما هما من محدثات الأمور وقد ذكر أبو حامد
وغيره في مبدأ نشوءهما وبسبب تدوينها كلاما ملخصه أنه لما انتهت الخلافة إلى أقوام تولوا بغير استحقاق واستيهال
واستقلال بعلم الفتاوى والأحكام اضطروا إلى الاستعانة بالفقهاء وإلى استصحابهم في جميع أحوالهم لاستفتائهم
في جميع مجاري أحكامهم وكان العلماء قد تفرعوا العلم الآخرة وتجردوا له وكانوا يتدافعون الفتاوي
وما يتعلق بأحكام الخلق وأقبلوا على الله بكنه اجتهادهم فكانوا إذا طلبوهم هربوا وأعرضوا واضطروا
الخلفاء إلى الالحاح في طلبهم لتولية القضاء والحكومات فرأى أهل تلك الأعصار عز العلماء واقبال
الولاة إليهم مع اعراضهم عنهم ما شربوا لطلب العلم توصلا إلى نيل العز ودرك الجاه من قبل الولاة
فأكبوا على علم الفتاوي وعرضوا أنفسهم على الولاة وتعرفوا إليهم وطلبوا الولايات والصلاة منهم فمنهم
من حرم ومنهم من أنجح ومن أنجح لم يخل عن ذل الطلب ومهانة الابتذال فأصبح الفقهاء بعد أن كانوا مظلومين
طالبين وبعد أن كانوا أعزة بالاعراض عن السلاطين أذلة بالاقبال عليهم إلا من وفقه الله في
كل عصر من علماء دينه ثم لما اعتزل واصل بن عطاء مجلس الحسن البصري وقرر عقايده في العدل و
الصفات وغيرهما ونشأ بعده الشيخ أبو الحسن الأشعري واشتغل بالرد عليه وابطال مقالاته وتبع
8

كلا منهما من تبعه وخرجوا من الطريقة الساذجة التي مشى عليها الصحابة والتابعون وأعانهم على ذلك أن
نقلت الفلسفة اليونانية إلى العربية فخاض فيها الفريقان وطفقوا في الابرام والنقض وابطال
بعضهم مذهب بعض فأخذوا ذلك فتاوسموه الكلام إما لأن مسألة الكلام كانت أشهر مباحثه أو أكثرها
نزاعا وجدلا ويحكي أنه قتل فيها خلق كثيرا وأولها كما يحكي عن بعض الصحابة قال حضرت ذات يوم مجلس
عمر فسأله رجل يا أمير المؤمنين أخبرني عن كلام الله مخلوق أم لا فتعجب عمر وأخذ بيد السائل حتى جاء به
إلى أمير المؤمنين (ع) وقال يا أبا الحسن أما تسمع مقالة هذا الرجل فلما سمعها تغير وجهه ثم أقبل إلى عمر
وقال إنها فتنة يكون لها شأن تثور في مستقبل الزمان أما أني لو كنت مكانك لقطعت وريديه أو لأنه
يورث قدرة على الكلام والزام الخصوم كالمنطق أو لأنه إنما يتحقق بالمباحثة وإدارة الكلام من الجانبين
وغيره قد يحصل بالتأمل والمطالعة أو لأنه أكثر العلوم خلافا فيشتد افتقاره إلى الكلام مع المخالفين و
الرد عليهم أو لأنه لقوة أدلته صار كأنه هو الكلام دون ما عداه من العلوم كما يقال للأقوى من
الكلامين هذا هو الكلام أو لأنه أشد العلوم تأثيرا في القلب وتغلغلا فيه فسمي الكلام من الكلم وهو الجرح
أو لأنهم كانوا يعنونون مباحثه في المدونات بقولهم الكلام في كذا والكلام في كذا وظهر بعد ذلك من
الصدور والأمراء من سمع هذه المقالات وقواعد العقايد ومالت نفسه إلى سماع الحجج فيها فعلمت
رغبته إلى المناظرة والمجادلة في الكلام فانكب الناس إلى علم الكلام وأكثروا فيها التصانيف ورتبوا فيها
فيها طرق المجادلات واستخرجوا فنون المناقضات والمقالات وزعموا أن غرضهم الذب عن دين الله والنضال عن
الستة وقمع البدعة ثم ظهر بعد ذلك من الصدور من يستصوب الخوض في الكلام وفتح باب المناظرة فيه
لما تولد من فتح بابه من التنعضات والخصومات الناشئة من اللداد المفضية إلى تخريب البلاد ومالت نفسه
إلى المناظرة في الفقه وبيان الأولى من مذاهب المجتهدين فترك الناس الكلام وفنون العلم وأقبلوا على
المسائل الخلافية وزعموا أن غرضهم استنباط دقائق الشرع وتقرير علل المذاهب وتمهيد أصول الفتاوي
وأكثروا فيها الفتاوى والاستنباطات ورتبوا فيها أنواع المجادلات ولو مالت نفوس أرباب الدنيا
إلى علم آخر من العلوم لمالوا أيضا إليه ولم يسكتوا عن التعلل والاعتذار بأن ما اشتغلوا به علم
الدين وأن لا مطلب لهم سوى القيام بفرض الكفاية تقربا إلى رب العالمين والفطن يعلم أنه لو كان
غرضهم ذلك لقدموا عليه فرض العين ترى الواحد منهم إذا سألته عن شئ من فقه الظهار أو اللعان
أو السبق ليرد عليك من التفريعات الدقيقة أشياء كثيرة تنقضي الدهور ولا يتفق الاحتياج إلى شئ
منها وإذا سألته عن معنى من معاني الاخلاص والتوكل والرضا ونحوهما مما يجب على كل مكلف في كل حال
يتوقف في الجواب ويتلجلج في الكلام بل كثيرا من فروض الكفايات فكم من بلد ليس فيه طبيب إلا من أهل الذمة والاحتياج إليه فيما يتعلق بالأطباء من أحكام الفقه أكثر وقوعا منه إلى هذه التعمقات والفروض
التي يتعبون ليلا ونهارا في حفظها ودرسها والبحث عنها ثم لا ترى أحدا يشتغل بالطب و
يتهافتون على الفقه الذي شأنه ما عرفت والبلد مشحون من الفقهاء وليس الباعث إلا
أن الطب لا يتيسر الوصول به إلى ما يتوصل إليه بالفقه والله المستعان انتهى وليس الغرض اخراج
علم الشرايع والفتاوي من الفقه وسلب صدق هذا الاسم المحمود عليه في الشرع عليه بل الفرق
بين ما سبيله الكتاب والسنة على الوجه المتقدم وما سبيله الآراء والظنون التي يستمد بها
المتعمقون والاجماعات التي حالها ما عرفت والأول معدود من الفقه وإن كان أحط أقسامه و
تخصيص هذا الاسم به في عرف الآخرين من قبيل تخصيص اسم الحكمة بالطب الذي هو من فروع
أدنى أقسامها أعني الطبيعي كما مر بخلاف الثاني وهذا التفصيل بعينه يجري في المجادلة فإن كانت
بالتي هي أحسن دخلت تحت الاستثناء في قوله عز وجل ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن
والأمر في قوله (تع) وجادلهم بالتي هي أحسن وإلا فهي المجادلة المذمومة نظير القسم المذموم من فقه
الفتاوي وهما مما يقسي القلب ويبعد عن الله عز وجل فإن المتمرن فيهما يعتاد الاستعانة بقوة
الشيطنة والخروج عن حد الحكمة والاعتدال في القوة الفكرية إلى افراط الجربزة وجحود ما تستيقن
به نفسه وخلط الباطل بالحق إلى غير ذلك من الذمايم تقويا بذلك على ما هو بصدده من الفوز بالغلبة وادراك لذة الظفرة فيقسو قلبه عن قبول الحق إلى أن يعود كالسباع التي همها في الاعتداء ولذتها
في الضراوة على من اعترضها وذلك من أقوى الأسباب في البعد عن الله سبحانه والحرمان عن نور الهداية
لأنه من أشد أمراض القلوب وفي الحديث لا تخاصموا الناس لدينكم فإن المخاصمة ممرضة للقلب على أنه لا بد أن يعترض المتكلم في فنه الشكوك والشبه وربما يتشبث بدهنه شئ منها إذ الشبهة قد تكون
جلية والجواب عنها دقيقا يقصر عن ادراكه فيخرج إلى الشك من اليقين وينسل من الدين انسلال
الشعرة من العجين وعن أمير المؤمنين عليه السلام من طلب الدين بالجدل تزندق وفي حديث آخر
الخصومة تمحق الدين وتحبط العمل وتورث الشك وإنما رخص في التكلم لضرورة دفع شبه المعاندين
كما في حديث الشامي الذي جاء إلى أبي عبد الله (ع) وقال إني رجل صاحب كلام وفقه وفرايض وقد
جئت لمناظرة أصحابك فكلمه أبو عبد الله (ع) ثم التفت إلى يونس بن يعقوب فقال يا يونس لو كنت تحسن
الكلام كلمته فقال يونس فيا لها من حسرة فقلت جعلت فداك إني سمعتك تنهي عن الكلام وتقول
ويل لأصحاب الكلام يقولون هذا ينقاد وهذا لا ينقاد وهذا ينساق وهذا لا ينساق وهذا نعقله
وهذا لا نعقله فقال أبو عبد الله (ع) إنما قلت ويل لهم إن تركوا ما أقول وذهبوا إلى ما يريدون ثم قال
أخرج إلى الباب فانظر من ترى من المتكلمين فأدخله قال فأدخلت حمران بن أعين والأحول وهشام
بن سالم وقيس الماصر وكان عندي أحسنهم كلاما وكان قد تعلم الكلام من علي بن الحسين (ع) فلما
9

استقر بنا المجلس ورد هشام بن الحكم وهو أول ما اختطت لحيته فوسع له أبو عبد الله (ع) وقال
ناصرنا بقلبه ولسانه ويده ثم قال يا حمران كلم الرجل فكلمه فظهر عليه حمران ثم قال يا طاقي كلمه فكلمه
فظهر عليه الأحول ثم قال يا هشام بن سالم كلمه فتعاوقا ثم قال لقيس الماصر كلمه فكلمه فأقبل أبو
عبد الله (ع) يضحك من كلامهما مما قد أصاب الشامي فقال للشامي كلم هذا الغلام يعني هشام
بن الحكم فكلمه وقطعه واستبصر الشامي ثم التفت أبو عبد الله (ع) إلى حمران فقال تجري الكلام
على الأثر فتصيب والتفت إلى هشام بن سالم فقال تريد الأثر ولا تعرفه ثم التفت إلى الأحول فقال
قياس رواع تكسر باطلا بباطل إلا أن باطلك أظهر ثم التفت إلى قيس الماصر فقال تتكلم وأقرب
ما تكون من الخير عن رسول الله أبعد ما تكون منه تمزج الحق مع الباطل وقليل الحق يكفي عن كثير
الباطل أنت والأحول قفازان حاذقان ثم قال يا هشام لا تكاد تقع تلوي رجليك إذا هممت
بالأرض طرت مثلك فليكلم الناس فاتق الزلة والشفاعة من ورائها انشاء الله والحديث
مختصر وحيث يرخص فيه للضرورة فليقتصر منه على قدر الحاجة كما في سائر الاضطراريات و
ربما وجب حينئذ نصرة للدين وحراسة للمذهب وحماية عن الحق كفاية أو عينا على الماهر بالصنعة
الحاذق فيها مثل هشام بن الحكم والاطلاقات السابقة محمولة على الغالب من الأحوال وأفراد
المتكلمين فهو كما قيل نظير منع الصبيان عن شاطئ الدجلة شفقة عليهم من الغرق ورخصة الماهر
القوي تضاهي رخصة الكاملين في صنعة السباحة إلا أن ههنا موضع غرور ومزلة قدم وهو أن
كل ضعيف في عقله يظن بنفسه أنه يقدر على ادراك الحقايق كلها وأنه من جملة الأقوياء فربما يخوضون
ويغرقون في بحر الجهات لا من حيث لا يشعرون وهذا الوجه فيما قد ورد من التصريح بالتعميم فيما
رواه محمد بن عيسى قال قرأت في كتاب علي بن هلال أنه سئل عن الرجل يعني أبا الحسن (ع) أنهم نهوا عن
الكلام في الدين فتأول مواليك المتكلمون بأنه إنما نهى من لا يحسن أن يتكلم فلم ينهه فهل ذلك كما تأولوا
أو لا فكتب (ع) المحسن وغير المحسن لا يتكلم فيه فإن إثمه أكبر من نفعه وربما أوردناه يتضح لك أمر المجادلة
والتفصيل الذي أشرنا إليه ويتسهل عليك الإحاطة بقسميها ويزيد ذلك بيانا ما ورد أنه ذكر عند
أبي عبد الله (ع) الجدال في الدين وأن رسول الله والأئمة صلى الله عليه وآله قد نهوا عنه فقال (ع) لم ينه عنه مطلقا وإنما
لكنه نهي عن الجدال بغير التي هي أحسن قيل يا بن رسول الله فما الجدال بالتي هي أحسن والتي ليست
بأحسن فقال أما الجدال بغير التي هي أحسن فإن تجادل مبطلا فيورد عليك باطلا فلا ترده بحجة
قد نصبه الله (تع) ولكن تجحد قوله أو تجحد حقا يريد ذلك المبطل أن يعين به باطله فتجحد ذلك الحق
مخافة أن يكون له عليك حجة لأنك لا تدري كيف المخلص منه فذلك حرام على شيعتنا أن يصيروا
فتنة على ضعفاء إخوانهم وعلى المبطلين أما المبطلون فيجعلون ضعف الضعيف منكم إذا تعاطى
مجادلته وضعف في يده حجة له على باطله وأما الضعفاء فتغتم قلوبهم لما يرون من ضعف المحق
في يد المبطل وأما الجدال بالتي هي أحسن وهو ما أمر الله به نبيه أن يجادل به من جحد البعث
بعد الموت واحياء الله له فقال الله له حاكيا عنه وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيى
العظام وهي رميم فقال الله في الرد عليه قل يا محمد يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق
عليم الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون إلى آخر السورة فأراد الله من نبيه أن
يجادل المبطل الذي قال كيف يجوز أن يبعث هذه العظام وهي رميم فق الله قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ا
فتعجز من ابتداه لا من شئ أن يعيده بعد أن يبلي بل ابتداؤه أصعب عندكم من إعادته ثم قال الذي
جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون أي إذا كن النار الحارة في الشجر الأخضر الرطب
ثم يستخرجها فعرفكم أنه على إعادة ما يلي أقدر ثم قال أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق
مثلهم بلى وهو الخلاق العليم أي إذا كان خلق السماوات والأرض أعظم وأبعد في أوهامكم وقدركم
أن تقدروا عليه من إعادة الباقي فكيف جوزتم من الله خلق هذا الأعجب عندكم والأصعب لديكم ولم
تجوزوا منه ما هو أسهل عندكم من إعادة البالي قال فهذا الجدال بالتي هي أحسن لأن فيها قطع عذر الكافرين
وإزالة شبههم وأما الجدال بغير التي هي أحسن فإن تجحد حقا لا يمكنك أن تفرق بينه وبين باطل من
تجادله وإنما تدفعه عن باطله بأن تجحد الحق فهذا هو المحرم لأنك مثله جحد هو حقا وجحدت أنت حقا آخر
والحديث مختصر وحق العلم اخلاص النية في طلبه وبذله لله جل جلاله فإن مدار الأعمال على النيات وبسببها
يكون العمل تارة خزفة لا قيمة لها وتارة جوهرة لا يعلم قيمتها لعظم قدرها وتارة وبالأعلى صاحبه مكتوبا
في ديوان السيئات وإن كان بصورة الواجبات كما يأتي فيجب على كل من طالب العلم وباذله أن يقصد بعمله
وجه الله سبحانه وامتثال أمره واستصلاح نفسه وغيره ولا يقصد بذلك شيئا من أغراض الدنيا من مال
أو جاه أو شهوة أو امتياز عن أشباه وافتخار وترفع على الأقران أو غير ذلك من المقاصد الفاسدة التي
ثمرتها الخذلان من الله عز وجل والبعد عن الدار الآخرة والثواب الدائم فيصير من الأخسرين أعمالا
الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا وفي الحديث من طلب العلم ليباهي به العلماء
أو يماري به السفهاء أو يصرف وجوه الناس إليه فليتبوأ مقعده من النار وفيه من أراد الحديث لمنفعة
الدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب ومن أراد به خير الآخرة أعطاه الله خير الدنيا والآخرة وعن أبي
عبد الله (ع) من تعلم العلم وعمل به وعلم لله دعى في ملكوت السماوات عظيما فقيل تعلم لله وعمل لله وعلم
لله واخلاص النية مما يحق في كل عمل وإن كان في العلم أحق والعمل به فيما يطلب للعمل إذ بدون ذلك لا ينفعه
عمله في سلامة العاقبة وكان كمن به مرض شديد وهو يعلم كيفية العلاج وترتيب الأدوية فيظن أن ذلك
يكفيه في خلاصه عن مرضه ويشفيه بدون العمل به فلا يزال يزداد مرضه حتى يهلكه وفي الحديث لا تطلبوا علم ما
10

لا تعلمون ولما تعلموا بما علمتم فإن العلم إذا لم يعمل به لم يزدد صاحبه إلا كفرا ولم يزدد من الله إلا
بعدا وقلما ينتفع بذلك العلم غيره أيضا فإن الذي يتناول مطعوما بنهمة وينهى الحاضرين عنه معللا
بأنه مسموم منهوم عند الناس بالكذب وسخافة الرأي بل هم لفعله أطوع منهم لقوله إذ لولا أنه أطيب
الأطعمة لما استأثر به وفي الحديث أن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل المطر
عن الصفا ولو فرض أن واحدا من الأكياس أو ممن لا خبرة لهم بحاله اهتدوا بعلمه كان ذلك حسرة
ووبالا عليه كما تقدم وعن النبي صلى الله عليه وآله العلماء رجلان رجل عالم أخذ بعلمه فهذا ناج وعالم تارك لعلمه
فهذا هالك وأن أشد الناس ندامة وحسرة رجل دعا عبدا إلى الله فاستجاب له وقبل منه فأطاع الله
فأدخله الله الجنة وأدخل الداعي إلى النار بتركه علمه الحديث على أن العمل عقال العلم وهو بدونه في معرض
الذهاب وفي الحديث العلم مقرون إلى العمل فمن علم عمل ومن عمل علم والعلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا
ارتحل عنه والقول بما يعلم والوقوف عند ما لا يعلم فعن زرارة بن أعين قال سألت أبا عبد الله (ع)
ما حق الله على العباد قال إن يقولوا ما يعلمون ويقفوا عندما لا يعلمون وعن أبي عبد الله (ع) مثله
وزاد فإن فعلوا ذلك فقد أدوا إلى الله حقه وفي حديث آخر ما علمتم فقولوا وما لم تعلموا فقولوا الله
أعلم وعن أبي عبد الله (ع) قال للعالم إذا سئل عن شئ وهو لا يعلمه أن يقول الله أعلم وليس لغير العالم
أن يقول ذلك وعنه (ع) إذا سئل الرجل منكم عما لا يعلم فليقل لا أدري ولا يقل الله أعلم فيوقع في
قلب صاحبه شكا وإذا قال المسؤول لا أدري فلا يتهمه السائل والاحتراز عن الفتوى بالرأي و
التدين بما لا يعلم ففي الصحيح عن أبي عبد الله (ع) إياك وخصلتين ففيهما هلك من هلك إياك أن
تفتي الناس برأيك وتدين بما لا تعلم والتفهم وهو أن يستوضح في كل مقام ما يليق به من تفهم
المسألة إذا فهمها شيئا بعد شئ دون الاقتصار على مجرد حفظ الأقوال والألفاظ فيكون مثله
كمثل الحمار يحمل أسفارا وعن أمير المؤمنين عليه السلام لا خير في علم ليس فيه تفهم والاستبصار في أنحاء
الحق حتى لا ينفلح الشك في قلبه لأول عارض من شبهة كما في حديث أمير المؤمنين (ع) في وصف حملة العلوم
وبذله قال الله (تع) إن الذين يكتمون ما بينا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك
يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون وعن أبي عبد الله (ع) قال قرأت في كتاب على أن الله لم يأخذ على الجهال عهدا
بطلب العلم حتى أخذ على العلماء عهدا ببذل العلم للجهال وعن أبي جعفر (ع) من علم باب هدى فله مثل أجر من عمل به
ولا ينقص أولئك من أجورهم من شئ وفي حديث آخر وإن مات وأيضا يقوى بالبذل ويتكامل كما ورد
عن أمير المؤمنين (ع) العلم يزكو بالانفاق وفي حديث زكاة العلم أن تعلمه عباد الله كما يراعى في زكاة المال
استحقاق المبذول له وأهليته لها حتى يترتب على اعطائه ما وعد الله المزكين من المثوبات فيمنع غير
المستحق الذي لا يليق العطاء وإن سأل الحافا كذلك يراعي في بذل العلم كونه لأهله المستوجبين له المنتفعين
به ومنعه عن غير أهله حذرا عن الظلم وتعليق الدر على أعناق الخنازير كما تقدم وسئل بعض العلماء
عن مسألة فلم يجب فقال السائل أما سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول من كتم علما نافعا جاء يوم القيامة ملجما بلجام من
نار فقال له العالم اترك اللجام واذهب فإن جاءني من ينفعه فكتمته فليلجمني قال بعض المحققين ليس الظلم
في اعطاء غير المستحق أقل منه من منع المستحق بل هو في الثاني أقل لأنه تأخير يمكن أن يتدارك بخلاف
الأول لأنه تفويت ونعم ما قيل فمن منح الجهال علما أضاعه ومن منع المستوجبين فقد ظلم قال الشهيد الثاني
ولا يمتنع المعلم من تعليم أحد لكونه غير صحيح النية فربما عسر على كثير من المبتدئين بالاشتغال تصحيح
النية لضعف نفوسهم وانحطاطها عن ادراك السعادة الآجلة وقلة أنسهم بموجبات تصحيحها فالامتناع من
تعليمه يؤدي على تفويت كثير من العلم مع أنه يرجى ببركة العلم تصحيحها إذا أنس بالعلم لكن يجب على المعلم
إذا أشعر من المتعلم فساد النية أن يستدرجه بالموعظة الحسنة وينبهه على خطر العلم الذي لا يراد به وجه الله
ويتلو عليه من الأخبار الواردة في ذلك حالا فحالا حتى يقوده إلى القصد الصحيح فإن لم ينجع ذلك ويئس
منه قيل يتركه حينئذ فإن العلم لا يزيده إلا شرا وفصل آخرون فقالوا إن كان فساد نيته من جهة الكبر و
المراء ونحوهما فالأمر كذلك وإن كان من جهة حب الرياسة الدنيوية فينبغي مع اليأس من اصلاحه أن لا
يمنعه لعدم ثوران المفسدة وتعديها ولأنها لا يكاد يخلص من هذه الرذيلة أحد في البداية فإذا وصل
إلى أصل العلم عرف أن العلم أنما يطلب للسعادة الأبدية بالذات والرياسة لازمة له قصدت أم لم تقصد انتهى
والشفقة في التعليم ففي رسالة علي بن الحسين (ع) إلى بعض أصحابه في تعداد الحقوق الواجبة ثم حق رعيتك
في العلم فإن الجاهل رعية العالم إلى أن قال فإن تعلم أن الله إنما جعلك قيما لهم فيما أتاك من العلم و
فتح لك من خزائنه فإن أحسنت في تعليم الناس ولا تخرق بهم ولا تضجر عليهم زادك الله من فضله و
أنت منعت الناس من علمك أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك كان حقا على الله أن يسلبك
العلم وبهائه ويسقط من القلوب محلك الحديث وأيضا فإن المتعلم بالنسبة إلى المعلم ولد روحاني
فينبغي أن ينظر إليه نظر الوالد الشفيق إلى الولد البار المسترشد ويؤدبه أحسن الأدب وأول ذلك أن يحرصه على الاخلاص لله في علمه وسعيه ومراقبته (تع) في جميع اللحظات ويعلمه أن بذلك تنفتح عليه أبواب
المعارف وينشرح صدره وتتفجر من قلبه ينابيع الحكمة ويبارك له في حاله وعلمه ويوفق للإصابة ويتلو
عليه الآثار الواردة في ذلك ويزهده في الدنيا ويصرفه عن التعلق بها والاغترار بزخارفها و
يرغبه في العلم ويذكره بفضائله وفضائل العلماء وأنهم ورثة الأنبياء وأن مدادهم يرجح دماء
الشهداء وأن الملائكة لتضع أجنحتها لهم وأنهم على منابر من نور يغبطهم الأنبياء والشهداء ونحو ذلك
مما ورد في فضل العلم وأهله من الأخبار والاشعار والأمثال ففي الأقاويل الخطابية والكلمات الشعرية
هز عظيم للنفوس الانسانية كما يرى ويتلطف في موعظته للاقتصار على الميسور وقدر الكفاية من الدنيا
11

والقناعة بذلك عما يشغل القلب عن طلب العلم ويفرق الهم ويحب ويكره له ما يحب لنفسه ويكره ويزجره
عن سوء الأخلاق وارتكاب المناهي وكلما يؤدي إلى فساد حال أو بطالة عن اشتغال أو إساءة أدب أو
كثرة كلام لغير فائدة أو معاشرة من لا يليق أو نحو ذلك بطريق التعريض ما أمكن فإن لم ينجع نهاه سرا
ثم جهرا وغلظ عليه القول إن اقتضاه الحال لينزجر هو وغيره ويتأدب به كل سامع فإن لم ينته فلا
بأس حينئذ بطرده والاعراض عنه إلى أن يرجع لا سيما إذا خاف على بعض رفقته من الطلبة موافقته و
أن يسامح في نشر العلم وتقريبه إلى ذهنه متلطفا في الإفادة برفق ونصيحة وتحريض على حفظ ما يبذله
له من الفوائد النفيسة ولا يدخر عنه من فنون العلم شيئا يحتاج إليه ويسأل عنه إذا كان أهلا لذلك فإن لم يتأهل بعد لما سئل عنه نبهه على أن ذلك يضره وأنه لم يمنعه عنه شحا بل شفة ولطفا ثم يرغبه
بعد ذلك في الاجتهاد والتحصيل ليتأهل لذلك ولغيره وقد ورد في تفسير الرباني الذي يربي الناس
بصغار العلم قبل كباره ويأمر الطلبة بالاجتماع في الدرس لما يترتب عليه من الفائدة التي لا تحصل مع الانفراد
وينصفهم في البحث فيعترف بفائدة يقولها بعضهم وإن كان صغيرا ويسمع السئول من مورده على وجهه
ولا يترفع عن سماعه فيحرم عن الفائدة ويطرح عليهم أحيانا من النكات والدقايق الغريبة ما تتشحذ به
أذهانهم وإذا سلك أحدهم في التحصيل فوق ما يقتضيه حاله أو فهمه حمله برفق على الاقتصار على مقتضى
الحال وقدر الفهم أو المراد أنه يقتصر له في بيان المسائل وتوضيح المشكلات التي لها وجوه متعددة متفاوتة
على ما يبلغه فهمه ويكتم عنه ما لا يبلغه فهمه لأنه يفرق عليه الهم وينفر الطبع ويفسد الحال وفي الحديث النبوي
نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم فنكلمهم على قدر عقولهم وفيه ما أحد يحدث قوما بحديث
لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة على بعضهم وعلى الوجهين فهو من آداب المعلم ويحتمل أن يعتبر من آداب المتعلم
بأن يكون المراد اقتصاره على ما يبلغه فهمه من المراتب مندرجا من كل مرتبة إلى ما فوقها ولا يخالف الترتيب
فيتبلد ذهنه ويضيع سعيه وقطع الطمع عن المتعلمين لمنافاته الاخلاص فلا يسألهم عليه أجرا تأسيا بالأنبياء
فإن العلماء ورثتهم بل يعلمهم لوجه الله لا يريد منهم جزاء ولا شكورا ولا يرى لنفسه منة عليهم وإن كانت
المنة لازمة عليهم بل يرى الفضل لهم لأن ثوابه في التعليم أكثر من ثوابهم في التعلم عند الله ولولاهم
لما نال هذا الثواب الجسيم والتواضع بخفض الجناح وحسن اللقاء والتلطف وبشاشة الوجه إلى
غير ذلك للمتعلم لما له من المدخل في حصول الأجر للمعلم ولكونه باعثا لمزيد العلم له وتمرنه بالمذاكرة والتكرار
معه وعن أبي عبد الله عليه السلام اطلبوا العلم وتزينوا معه بالحلم والوقار وتواضعوا لمن تعلمونه
وتواضعوا لم طلبتم منه العلم ولا تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم وفي مرفوعة محمد بن سنان
قال عيسى بن مريم يا معشر الحواريين لي إليكم حاجة اقضوها لي قالوا قضيت حاجتك يا روح الله فقام
وقبل أقدامهم فقالوا كنا نحن أحق بهذا يا روح الله فقال إن أحق الناس بالخدمة العالم إنما تواضعت
هكذا لكيما تتواضعوا بعدي في الناس كتواضعي لكم ثم قال (ع) بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبر وكذلك
في السهل ينبت الزرع لا في الجبل والتملق وهو التودد ولين الجانب والمراد هنا أبلغ التواضع للمعلم
زيادة على غيره من ذوي الحقوق حتى الأبوين كما يأتي من المصنف التصريح به لأنهما وإن تسببا
لوجوده فإن ذلك إنما اتفق منهما من غير قصد له في الأغلب بل بمقتضى الشهوة البهيمية المركوزة
فيهما وهو وجود ناقص في أخس المراتب يشترك فيه الديدان والخنافس والمعلم المرشد يتسبب بقصده
وعنايته لتكميل هذا الوجود الناقص وايصاله إلى أقصاها واستخراج ما فيه بالقوة إلى الفعل فحقه أعظم و
نعمته أحق بالشكر والموفق لا يألوا جهدا في تعظيمه وحسن الأدب والخدمة له في محضره ومغيبه وفي
الحديث النبوي ليس من أخلاق المؤمن الملق إلا في طلب العلم وسئل إسكندر ما بالك توقر معلمك أكثر من
والدك فقال لأن الوالد سبب لحياتي الفانية والمعلم سبب لحياتي الباقية والتسليم بأن يلقي إليه زمام
أمره بالكلية ويذعن له في كل ما يعين له من العلم المناسب لمرتبته وحاله حتى يجعل نفسه بين يديه كالمريض
المجاهل بين يدي الطبيب الحاذق يداويه بما يشاء من الدواء بل كالميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف
يشاء فيذعن لما ينقله من علم إلى علم واحضار القلب والاقبال بكليته عليه في مجلسه متعقلا لقوله بحيث
لا يحوجه إلى إعادة الكلام ولا يلتفت من غير ضرورة ولا سيما عند بحثه معه أو كلامه له وقد اشتمل
على جملة من آداب المتعلم مرسلة الجعفري عن أبي عبد الله (ع) قال كان أمير المؤمنين (ع) يقول إن من
حق العالم
أن لا تكثر عليه السؤل ولا تأخذ بثوبه وإذا دخلت عليه وعنده قوم فسلم عليهم جميعا وخصه بالتحية
دونه واجلس بين يديه ولا تجلس خلفه ولا تغمز بعينيك ولا تشر بيدك ولا تكثر من القول قال فلان
وقال فلان خلافا لقوله ولا تضجر بطول صحبته فإنما مثل العالم مثل النخلة تنتظرها متى يسقط عليك
منها شئ الحديث وفي حديث الحقوق وحق سايسك بالعلم التعظيم له والتوقير لمجلسه وحسن الاستماع
إليه والاقبال عليه وأن لا ترفع عليه صوتك ولا تجيب أحدا يسأله عن شئ حتى يكون هو الذي
يجيب ولا تحدث في مجلسه أحدا ولا تغتاب عنده أحدا وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء وأن تستر
عيوبه وتظهر مناقبه ولا تجالس له عدوا ولا تعادي له وليا فإذا فعلت ذلك شهد لك ملائكة الله
عز وجل بأنك قصدته وتعلمت علمه لله جل اسمه لا للناس والسؤال فإنه دواء العي كما ورد عن أبي عبد الله (ع)
إنما هلك الناس لأنهم لا يسألون وعنه (ع) أن هذا العلم قفل ومفتاحه السئول وينبغي ترك الحياء
والاستنكاف عنه فإن من رق وجهه رق علمه ومن رق وجهه عند السئول ظهر نقصه عند اجتماع الرجال
وفي الصحيح عن أمير المؤمنين (ع) قوام الدين بأربعة عالم ناطق مستعمل له وغني لا يبخل بفضله على أهل
دين الله وفقير لا يبيع آخرته بدنياه وجاهل لا يتكبر عن طلب العلم فإذا كتم العالم علمه وبخل الغني بماله
على مستحقه وباع الفقير آخرته بدنياه واستكبر الجاهل عن طلب العلم رجعت الدنيا على ورائها قهقري
12

الحديث ويتجنب الاكثار والالحاح في المسألة كما في الحديث المتقدم وفي حديث آخر نهى رسول الله
صلى الله عليه وآله عن القيل والقال وافساد المال وكثرة السئول وعما لا يهمه فإنه من الخوض فيما لا يعني
المذموم كما يأتي ويتخير الوقت المناسب ويغتنمها عند طيب نفس الشيخ وفراغ باله والخلوة وهذا حسن السئول
وفي الحديث النبوي حسن السئول نصف العلم وكان النصف الآخر حسن الحفظ أو حسن التفكر وتقديم
الأهم من العلوم فالأهم فإنها وإن كانت مرتبطة بعضها ببعض إلا أن لكل منها مرتبة ومقاما معلوما فلا
يشتغل بالغايات قبل المبادي ولا بالنتائج قبل المقدمات ولا باختلاف العلماء في العقليات والسمعيات
قبل إتقان الاعتقادات فيختل ذهنه ويحار عقله ويضيع سعيه ويعسر عليه طلبه بل يلاحظ الترتيب اللائق
فيكون ممن أتى البيوت من أبوابها ويتسهل له درك البغية ونجح الأمنية فيشتغل أولا بحفظ كتاب الله وتجويده
ليكون مفتاحا صالحا ومعينا ناجحا وليستنير القلب به ويستعد بسببه للإحاطة بباقي العلوم ثم
بالعلوم العربية فإنها أول آلات الفهم وأعظم أسباب العلم الشرعي لأن الكتاب والسنة عربيان فيتقن التصريف
والنحو واللغة والمعاني والبيان اتقانا جيدا بحيث إذا عرضت عليه عبارة عربية غير موحشة قوي
عليها ويكفيه في غريب اللغة أصل مركون إليه يراجعه عند الحاجة ثم بالمنطق ويحقق مقاصده فإن له
مدخلا عظيما في تقويم الفكر واصلاح صور الأقيسة ولا يبالغ فيه مبالغته في العربية إذ المقصود
يحصل بدونها ثم بالعقليات كالإلهي وشئ من الطبيعي يتشحذ به ذهنه ويرسخ فيه ملكة الاستدلال
وينظر في أصول الفقه ودراية الحديث والرجال ويتعرف الاصطلاحات الموضوعة بين أهلها ثم يشتغل
بالحديث والتفسير وليمعن النظر في كشف أغوار كلام الله فإنها لا تقف على حد وهو بحر عميق ولا
يقنع بما ذكره المفسرون وليكن كثير التفتيش عن الروايات المأثورة في تفسير الظهور والبطون فإن
فيها من علوم الأسرار شيئا كثيرا وليتقن من فقه الأحكام الشرعية طرفا صالحا ويطلع على أقوال
الفقهاء رضوان الله عليهم ومواقع الخلاف والاجماع ولا يكتفي في ذلك بالمتون الوجيزة فإن الشروح
والكتب الاستدلالية أكثر فائدة وأوفى بالمقصود وإذا اشتغل بفن فلا ينتقل عنه حتى يتقن فيه كتابا
أو أكثر إن أمكن وليحذر التنقل من كتاب إلى كتاب ومن فن إلى آخر من غير موجب فإن ذلك علامة العجز
وعدم الفلاح وليأخذ من كل فن حظه ويصرف تمام قوته في العلوم الدينية الأخروية مما يوجب
كمال النفس وتزكيتها بالأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة ومرجعه إلى معرفة الكتاب والسنة ومكارم
الأخلاق وما ناسب ذلك والمذاكرة مع أقرانه من الطلبة الصالحين فإنها نعم المعين على الحفظ و
رسوخ العلم في الذهن وانتعاش النفس وتوسع القلب وفي الحديث النبوي إن الله عز وجل يقول
تذاكر العلم بين عبادي مما يحيي عليه القلوب الميتة إذا هم فيه انتهوا إلى أمري وفيه تذاكروا وتلاقوا
وتحدثوا فإن الحديث جلاء للقلوب إن القلوب لترين كما يرين السيف جلاؤه الحديث وعن أبي جعفر (ع) رحم الله عبدا أحيى العلم قيل وما احياؤه قال إن يذاكر به أهل الدين وأهل الورع
وعنه (ع) تذاكر العلم دراسة والدراسة صلاة حسنة وقد يترائى كون المناظرة من جملة أنواع المذا
كرة بل أقوى أنواعها لما تلزمه غالبا من استحضار الذهن وتذكر الأدلة وتنقيحها والفحص عن دلالتها
وتشحيذ الخاطر ورياضة الفكر وتقوية النفس لدرك المآخذ وترغيب الناس في العلم ونحو ذلك لكنها
كثيرة الآفات غير مأمونة التبعات والتحفظ على شروطها وآدابها على وجه السلامة في غاية التعسر و
الصعوبة إلا ما رحم ربي فالأولى ترك المناظرة إلا مع الاضطرار كتجدد قضية واقعة أو مترقبة لا يسعه
الجهل بحكمها ولا يثق بنفسه إذا انفرد بالنظر فلا بد له من الاستعانة بنظر غيره من الثقات المأمونين
فيقتصر على قدر الحاجة وهي معرفة حكم ذلك المشكل الواقع أو القريب منه ولا يتخطى إلى غيره من النواد وكما تتفق
كثيرا وليكن ذلك في الخلوة فإنها أجمع للهم وأحرى بصفاء الفكر ودرك الحق وأبعد من حركة دواعي الريا
والحرص على الافحام وأن يكون في طلب الحق كمنشد ضالة يكون شاكرا متى وجدها ولا يفرق بين أن يظهر على
يده أو يد غيره فيرى طرفا مشيرا وناصحا ومعينا لا خصما ويتناظران على سبيل التشاور والتناصح والتعاون
دون الخصومة والمغالبة شاكرا للمصيب إذا عرفه خطأه كما لو أخذ طريقا في طلب ضالته فنبهه غيره عليها في
طريق آخر معترفا بالخطأ إذا ظهر منه غير مهتم بظهوره من الطرف فإنه من المراء المذموم وقد بلغك ما فيه
مقدما لافحام النفس الأمارة بالمراء والخصومة وحب الافحام وكل سوء وطرد الشيطان المسؤول لهذه الذمايم
وهو أول الممارين حيث قال خلقتني من نار وخلقته من طين فينبغي افتتاح الأمر بافحامه وابعاده و
فهذه أصول ما يتأدب به المناظر ليخلص من آفاتها ويسلم من تبعاتها انشاء الله (تع) والتمسك في الأصول الاعتقادية من اثبات الصانع وصفاته وما يتبع ذلك من الإلهيات بمحكمات الكتاب والسنة بمعونة
الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها فلا يقال إن ثبوت الكتاب والسنة والأنبياء والشرايع متوقف
على ثبوت الصانع وصفاته فكيف يعرف الصانع وصفاته بالكتاب والسنة وذلك لأنه لو لم يكن الصادع
بهذا الدين القويم الذي استوفى المحاسن كلها كما سبقت الإشارة إليه مقبول القول ومعصوم الفعل
لكان فيه الحجة أيضا لمطابقته لمقتضى العقول الرزينة والفطر السليمة التي لم يخرجها عن صرافتها الأصلية مخرج على أن ما يتوقف عليه الشرع من معرفة الصانع وصفاته يجري مجرى الضروريات التي يحكم
بها كل ذي أدنى مسكة ومن مواقع الاجماع المقطوع به قال الله (تع) ولئن سئلتهم من خلق السماوات
والأرض ليقولن الله فظهر أن ما ورد في الشرع كاف في الاهتداء إلى سبيل الحق مع ما جبل عليه أهل
السلامة من الفطرة المعبر عنها في بعض كلمات أمير المؤمنين (ع) بالعقل المطبوع ولا حاجة إلى تكلفات المتكلفة
وكلمات المتكلمين في إبداء الأدلة وإقامة الحجج ومن ثم لم يأمر النبي صلى الله عليه وآله الذي كان أعقل العقلاء باتفاق العقلاء
إلا بالتمسك بالثقلين وأخبر في الروايات
بين فرق الاسلام كلها أن المتمسك بهما لن يضل أبدا
13

على أن جميع ما حرره المتكلمون في ذا الباب فإنما أخذوا أصوله من كلام الله وكلام أهل البيت (ع)
خصوصا أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله الذي هو آية الله الكبرى وفي كلماته من العلوم الإلهية والمعارف الربانية
ما تتقاصر دونه علوم الأولين والآخرين وإنما وقعوا فيما وقعوا في الزيادات التي أردفوها من
تلقاء أنفسهم والمقتصر على لباب الحق في غنية عنها فالراشد للبصير لا يكدر قلبه السليم برين ولا
ولا يعدو التشبث بأذيال الثقلين ويقتصر على محكمات الكتاب والسنة غير متصرف بعقله الجزئي في
شئ منها لاعتصامها عن الهوى والمسترشد المستبصر إذا حفظ ترجمة العقايد التي لقنها في مبدأ
نشوه فلا يزال ينكشف له معانيها ويتكامل بتكامل تميزه حتى يبلغ حد الاعتقاد إلا أنه اعتقاد
ضعيف يقبل الزوال بالقاء نقيضه إليه فلا بد من تقويته واثباته في نفسه حتى يترسخ به ولا
يتزلزل لا بأن يعلم صنعة الجدل والكلام فإن ما يفسده الجدل أكثر مما يصلحه وما يشوشه أكثر مما
يمهده كما تقدم ومن المشاهدات أن عقايد العوام أرسى وأرسخ من عقايد المتكلمين بل بأن يشغل
بتلاوة القرآن وتفسيره وقراءة الحديث ومعانيه ويشتغل بوظائف العبادات فلا يزال يقوى اعتقاده
ويزداد رسوخا بما يقرع سمعه من أدلة القرآن وحججه وما يرد عليه شواهد الأحاديث وفوائدها وبما
يسطع عليه من أنوار العبادات وما يسري إليه من مشاهدة الصالحين ومجالستهم وروية سيماهم وسيرتهم و
هيئاتهم في الخضوع لله والاستكانة له واستماع مواعظهم اللينة وأمثالهم فيكون أول التلقين كالقاء
بذر في الصدور وهذه الأسباب كالسقي والتربية له حتى ينمو ذلك البذر ويقوى ويرتفع شجرة طيبة
أصلها ثابت وفرعها في السماء وليس تأييد الاعتقاد بالعمل بمقتضاه وصحبة الصالحين واصغاء الوعظ
اللين مما يختص به المسترشدون ويندب إليه المبتدؤون فقط بل انتفاع العلماء الكاملين بملازمة هذه
الآداب عظيم كما يقضي به المشاهدة وكذا ترك مجادلة المتكلمين سواء اعتبر المصدران مضافين إلى المفعول
أو الأول إلى مفعوله النوعي والثاني إلى الفاعل هذا كله في الأصول الاعتقادية وفي الفروع العملية يتمسك
بالمجمع عليه لأنه لا ريب فيه كما تقدم وروى صاحب الإحتجاج عنهم (ع) إذا اختلف أحاديثنا فخذوا عليكم بما
اجتمعت عليه شيعتنا فإنه لا ريب فيه ثم الأحوط عند فقد الاجماع ووجود الخلاف إن أمكن ثم عند فقده
يختار الأوثق دليله إما لموافقته لشواهد الكتاب والسنة كذا دون دليل الخلاف أو لمخالفته للمشهور بين القوم
وموافقته له أو لكونه أشهر بين الرواة ثم عند تعذر هذه الوجوه يأخذ بقول من ظن أنه أعلم وأورع
وإن اختلفا في الوصفين عول على أعلم الورعين وأورع العالمين فهذه هي الوجوه المأثورة في باب
الترجيح عند التعارض في مقبولة عمر بن حنظلة ومرفوعة زرارة اللتين هما الأصل في الباب إلا أن
الترتيب المذكور غير منطبق على شئ منهما وما اعتبره في الوافي وسفينة النجاة من أنه يؤخذ بخبر الأوثق
وما للقرآن أوفق وعن رأي المخالفين أبعد وأسحق ثم التخيير على وجه التسليم المطلق فإنها كلها حق
مع مخالفته لما هنا مخالف أيضا للروايتين وهما أيضا متخالفتان في الترتيب وتنفرد الأولى
باشتمالها على الترجيح بموافقة الكتاب والارجاء أخيرا والثانية بالاحتياط والتخيير وقد ورد
في روايات أخر الاكتفاء ببعض هذه روى الصدوق في عيون الأخبار أنه سئل الرضا عليه السلام
وقد اجتمع عنده قوم من أصحابه وقد كانوا تنازعوا في الحديثين المختلفين عن رسول الله صلى الله عليه وآله في الشئ
الواحد فقال (ع) إن الله عز وجل حرم حراما وأحل حلالا وفرض فرائض إلى أن قال فما ورد عليكم من
خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله فما كان في كتاب الله موجودا حلالا أو حراما فاتبعوا ما وافق
الكتاب وما لم يكن في الكتاب فاعرضوه على سنن رسول الله إلى أن قال وما لم تجدوه في شئ من هذه
الوجوه فردوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك ولا تقولوا فيه بآرائكم وعليكم بالكف والتثبت والوقوف وأنتم
طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا وفي كتاب الإحتجاج للشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي (ره)
عن الحسن بن الجهم قال قلت للرضا (ع) تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة قال ما جاءك عنا فقسه على كتاب
الله عز وجل وأحاديثنا فإن كان يشبهها فهو منا وإن كان لم يشبهها فليس منا قلت يجيئنا الرجلان
وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين فلا نعلم أيهما الحق قال إذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت وعن سماعة
بن مهران قال سألت أبا عبد الله (ع) قلت يرد علينا حديثان واحد يأمرنا بالأخذ به والآخر ينهانا عنه
قال لا تعمل بواحد منهما حتى تلقي صاحبك فتسأله عنه قال قلت لا بد من أن يعمل بأحدهما قال خذ بما
فيه خلاف العامة وفي كتاب الأصول الأصلية ووسائل الشيعة والفوائد المدنية نقلا عن رسالة الفقهاء
للشيخ قطب الدين الراوندي طاب ثراه في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) قال إذا ورد عليكم حديثان مختلفان
فاعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فذروه فإن لم تجدوهما
في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامة فما وافق أخبارهم فذروه وما خالف أخبارهم فخذوه و
وفي الموفق عن الحسن بن الجهم قال قلت للعبد الصالح يسعنا فيما يرد علينا منكم إلا التسليم لكم فقال
لا والله لا يسعكم إلا التسليم لنا قلت فيروي عن أبي عبد الله (ع) ومروي عنه خلافه فبأيهما نأخذ قال
خذ بما خالف القوم وما وافق القوم فاجتنبه وعن أبي عبد الله (ع) قال إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا
بما خالف القوم وعن محمد بن عبيد الله قال قلت لأبي الحسن الرضا (ع) كيف نصنع بالخبرين المختلفين فقال
إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فانظروا ما يخالف منهما العامة فخذوه وانظروا ما يوافق أخبارهم
فدعوه والمتقيد بالأخبار لا محيص له عن إهمال الترتيب بوجوهه والاقتصار على القدر الجامع بين جميعها
وهو جواز الترجيح بكل منها في الجملة والزيادة على ذلك موكولة إلى بصيرة الناظر في الحلال والحرام
فيبحث بقوته القدسية في كل مورد مورد من موارد التعارض عن القرائن والخصوصيات التي لا تندرج
تحت قاعدة كلية فإنها من أقوى البينات على تعيين الوجه الراجح وفي الحديث النبوي أن على كل حق
14

حقيقة وأن على كل صواب نورا وهي غير عزيزة في روايات أئمتنا صلى الله عليه وآله يعرف ذلك من له أنس بكلامهم
والباذل جهده في تتبع الأخبار والإحاطة بها يستشهد ببعضها على بعض ويسهل عليه الأمر جدا
ولتتبع أقاويل العامة ومعرفة ما حكامهم وقضاتهم إليه أميل في كل عصر من أعصار الأئمة (ع) مدخل
عظيم في ذلك فإن أكثر اختلاف رواياتنا إنما جاء من تلك الجهة كما صرح به الشهيدان وغيرهما و
الحمل على التقية أظهر الوجوه التي ترتفع بها المنافاة غالبا بل كثيرا ما يقترن الخبر بما ينادي بالتقية
في مضمونه كما لا يخفى على الممارس وأورد هنا أن مذهب الإمامية في حل الأحكام موافق لمذهب
من المذاهب الأربعة ولا سيما مذهب الشافعي وكلهم مصونه فيمكن الفتوى في أكثر الأحكام بالحق
من غير تقية غايته أن تكون الفتوى خطأ بزعم أكثرهم وإن كانت صوابا عند بعضهم مع اتفاق كلهم
على نفي التخطئة وعدم التفسيق وفيه أنه اجتهاد في مقابلة النصوص المستفيضة التي تقدم شطر
منها بل ورد الأمر بمخالفتهم في غير صورة التعارض أيضا روى الشيخ في التهذيب والصدوق
في عيون الأخبار وعلل الشرايع عن علي بن أسباط قال قلت له يعني الرضا (ع) يحدث الأمر من أمري
لا أجد بدا من معرفته وليس في البلد الذي أنا فيه أحد استفتيه من مواليك فقال (ع) ائت فقيه
البلد فاستفته في أمرك فإذا أفتاك بشئ فخذ بخلافه فإن الحق فيه وفي العلل عن أبي عبد الله (ع)
قال أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامة فقلت لا أدري فقال إن عليا لم يكن يدين
الله بدين إلا خالفته عليه الأمة إلى غيره إرادة ابطال أمره وكانوا يسألون عن أمير المؤمنين (ع) عن
الشئ فإذا أفتاهم جعلوا له ضدا من عندهم ليلبسوا على الناس وفي التهذيب في الموثق عن عبيد بن
زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال ما سمعته شيئا يشبه قول الناس فيه التقية وما سمعت مني لا يشبه
قول الناس فلا تقية فيه ومن العجب أن معظم تأويلهم في باب الترجيح إنما هو على رواية بن حنظلة وقد
تلقوها بالقبول وسموها المقبولة وإن كان لهم فيه كلام وهي مشتملة على هذا الوجه بأبلغ الوجوه مع أن اتفاق القوم على التصويب ممنوع لاشتهار الخلاف فيه بينهم كما نقله العلامة منا والعضدي منهم
بل نقل بعض متأخريهم أن المذهب المختار للفقهاء الأربعة التخطئة واهتمام علمائهم في كل عصر بانتشار
أقاويلهم وحرصهم على عمل الناس بها وحمل السلطان على ترويجها وايصال الأذى والضرر إلى
من خالفها وعدل عنها مما امتلأت به كتب السير خصوصا في حق أئمتنا الطاهرين صلوات الله
عليهم إذ كانوا متهمين عندهم بالمخالفة ومحسودين على ما آتاهم الله من فضله وظنونهم سيئة فيهم
فكانوا مضطرين إلى التحبب إليهم باظهار الموافقة لهم ومداراتهم بالقول والعمل بالمشتهر في كل عصر من
مذاهبهم وبالجملة فهذا من القطعيات التي لا يحوم حولها شك وقد ورد في بعض الأخبار ترجيح الأحدث
روى ذلك ثقة الاسلام عن المعلي بن خنيس قال قلت لأبي عبد الله (ع) إذا جاء حديث عن أولكم وحديث
عن آخركم بأيهما نأخذ فقال خذوا به حتى يبلغكم عن الحي وإن بلغكم عن الحي فخذوا بقوله قال الكليني وفي
حديث آخر خذوا بالأحدث وعن الحسين بن مختار عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال أرأيتك لو
حدثتك بحديث العام ثم جئتني من قابل فحدثتك بخلافه بأيهما كنت تأخذ بالأخير فقال
لي رحمك الله ولعل الوجه في ذلك فيما لو كان الأسبق بنويا ما ورد في موثقه محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع)
قال قلت له ما بال أقوام يروون عن فلان وفلان عن رسول الله صلى الله عليه وآله لا يتهمون بالكذب فيجئ منكم خلافه
قال إن الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن وأما في غيره فإن تغاير المروي عنه فلان المتأخر منهم (ع) أعلم بمقاصد
آبائه الطاهرين وأعرف بواقع كلامهم كذا قيل وهو يجري في صورة اتحاده أيضا وقيل إن الأزمنة تختلف
في مراعاة مصلحة التقية وهو أعلم بذلك فيتكلمون في كل وقت بما تقتضيه مصلحة ذلك الوقت وهذا أحد
معاني قول أبي عبد الله (ع) وقد سئله منصور بن حازم ما بالي أسئلك عن المسألة فتجيبني فيها بالجواب
ثم يجيئك غيره فتجيبه فيها بجواب آخر فقال إنا نجيب الناس على الزيادة والنقصان فليس لأحد أن يأخذ في العام
بما حكم به عام أول فيختص العمل به بزمن الحضور دون هذه الأزمنة وهو قريب في رواية بن المختار ومن
الصريح فيه رواية أبي عمرو الكناني قال قال لي أبو عبد الله (ع) يا أبا عمرو أرأيتك لو حدثتك بحديث أو
أفتيك بفتيا ثم جئتني بعد ذلك فسألتني فأخبرتك بخلاف ما كنت أخبرتك أو أفتيتك بخلاف ذلك
بأيهما كنت تأخذ قلت بأحدثهما وأدع الآخر فقال قد أصبت يا أبا عمرو أبى الله أن يعبد إلا سرا أما و
الله لئن فعلتم ذلك أنه لخير لي ولكم أبى الله لنا ولكم في دينه إلا التقية واعلم أن المشهور بين الأصحاب
أنه لا معارضة بين عام وخاص ولا مطلق ومقيد ولا مجمل ومبين بل يبنى كل من الأدلة على ما يقابله
عملا بالدليلين وقال الصدوق في اعتقاداته اعتقادنا في الحديث المفسر أنه يحكم على المحمد كما قال الصادق (ع)
وكثيرا ما يبنى على هذه القاعدة في الفقيه وربما يقال وجوب حمل المطلق على المقيد ليس بمسلم مطلقا لأن في
حمل المطلق على المقيد لا بد من ارتكاب خلاف ظاهر البتة فلو جاز تأويل في المقيد لم يكن ارتكاب خلاف
الظاهر فيه أكثر منه في الأول لم يتعين حمل المطلق على المقيد بل مع التساوي ويحكم بالتوقف ومع النقصان
يرتكب التأويل في المقيد انتهى وهو راجع إلى ما قلناه بقي الكلام في التدافع الواقع بين ما تضمن الارجاء
عند تعذر الترجيح وما تضمن التخيير وربما يرفع بتخصيص الأول بالعبادات والثاني بالماليات ولا يعرف له
وجه أو تخصيص الأول بمن يمكنه ذلك ويرجو اللقاء والثاني بغيره فيكون هو الحكم زمن الغيبة أو أن
الارجاء والتوقف إنما هو في العلم والتخيير والتوسعة في العمل وهو ظاهر شيخ الأجل محمد بن يعقوب الكليني
مجدد المذهب في المائة الثالثة بعد أبي جعفر الباقر (ع) في المائة الأولى وأبي الحسن الرضا (ع) في المائة الثانية
على ما ذكره علماء الفريقين (رض) حيث قال في أول كتابه الذي لا يوجد له في كتب الاسلام عديل اعلم أرشدك
الله أنه لا يسع أحدا تمييز شئ مما اختلفت الروايات فيه عن العلماء برأيه إلا على ما أطلقه العالم بقوله عليه السلام
15

أعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردوه وقوله (ع) دعوا ما
وافق القوم فإن الرشد في خلافهم وقوله (ع) خذوا بالمجمع عليه فإن المجمع عليه لا ريب فيه ونحن لا نعرف
من جميع ذلك إلا أقله ولا نجد شيئا أحوط ولا أوسع من رد ذلك كله إلى العالم (ع) وقبول ما وسع من
الأمر فيه بقوله بأيهما أخذتم من باب التسليم وسعكم انتهى ما أردنا نقله قال المصنف في الوافي فإن قلت
آذنوا (ع) بالتخيير مع أن حكم الله (تع) واحد في كل قضية قلنا إن مع الجهل بالحكم يسقط الأخذ به للاضطرار
دفعا لتكليف ما لا يطاق ولهذا جاز العمل بالتقية أيضا فالحكم في مثله اضطراري قال الله عز وجل
اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف
لإثم فإن الله غفور رحيم على أنا لا نمنع أن يكون الحكم في بعض المسائل التخيير وكانوا قد أتوا في كل خبر
بأحد فردي المخير فيه كما يستفاد من رواية علي بن مهزيار قال قرأت في كتاب لعبد الله بن محمد إلى أبي
الحسن (ع) اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد الله (ع) في ركعتي الفجر في السفر فروى بعضهم أن صلهما
في المحمل وروى بعضهم أن لا تصلهما إلا على الأرض فأعلمني كيف تصنع أنت لأقتدي بك في ذلك فوقع (ع)
موسع عليك بأنه عملت هذا كلامه وهو جيد جدا إلا أن في تمثيله نظرا هذا كله في حق الناظر في الأدلة
الشرعية بشرايطه وغيره يرجع إليه كما يأتي في كتاب الحسبة هذا تمام الكلام في المقدمة والحمد لله و
يتلوها المقاصد وهي في غيرها محصورة في نيف وأربعين كتابا وفيها بما فيها في اثني عشر تقليلا
للانتشار وتسهيلا للضبط ومن ثم وقعت مخالفة المنظم للكتب المشهورة فحسن هنا ذكر فهرس ما
فيها من الكتب وأبوابها تسهيلا لمراجعة موضع الحاجة منها على الطالبين وهي كتاب الطهارة وأبوابه
ثلاثة وثلاثون (13) باب التعداد (14) باب جرائم الجوارح (15) باب التوبة (22) باب التدارك (22) باب الحد والتعزير
(27) باب الجناية (31) باب ذمائم القلب (33) باب الصبر (35) باب الحلم (36) باب النصيحة (31) باب حب الخمولة (41) باب التواضع
(44) باب الفقر (46) باب الزهد (48) باب السخا (50) باب الرضا (51) باب الشكر (52) باب الرجاء والخوف (54) باب قصر الأمل
(55) باب النية (57) باب الاخلاص (65) باب الصدق (60) باب التوحيد والتوكل (62) باب تطهير السر عما سوى الله
(65) باب الماء (67) باب الأخباث وتطهيرها (70) باب آداب التخلي (71) باب الاتفاث وإزالتها (71) باب آداب التنظيف
(73) باب الأحداث ورفعها (74) باب الوضوء (75) باب الغسل (79) باب التيمم كتاب الصلاة وأبوابه ثمانية عشر
(79) باب التعداد (80) باب الشرايط (84) باب الأوقات (85) باب المكان (88) باب اللباس (89) باب القبلة (90) باب النداء
(90) باب الهيئة (92) باب الآداب والسنن (93) باب المكروهات (94) باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين
(95) باب آداب العيدين وسننهما (95) باب آداب الآيات وسننها (95) باب الجماعة (97) باب الخلل (99) باب التعقيب
(99) باب الدعاء (101) باب قراءة القرآن كتاب الزكاة وأبوابه تسعة (102) باب التعداد والشرايط (103) باب المقادير والنصب
(104) باب المصرف (105) باب الأداء (105) باب الخمس (107) باب المعروف (107) باب آداب المعطي (109) باب آداب الآخذ (109) باب زكاة الجسد
كتاب الصيام وأبوابه سبعة (110) باب التعداد (111) باب الشرايط (112) باب الهيئة (112) باب الآداب (114) باب الحلل
(115) باب فوايد الجوع (116) باب الاعتكاف كتاب الحج وأبوابه ثمانية (117) باب التعداد (118) باب الشرايط (119) باب الهيئة
(120) باب المحرمات (121) باب الآداب والسنن (126) باب الخلل (128) باب حرمة الحرم (129) باب الزيارات كتاب الحسبة
وأبوابه أيضا ثمانية (130) باب الجهاد (132) باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (133) باب إقامة الحدود (134) باب الفتيا
(135) باب القضا (136) باب الشهادة (137) باب أخذ اللقيط (138) باب الحجر كتاب البر وأبوابه ستة (139) باب العطية (140) باب العتق
(142) باب التدبير (142) باب الكتابة (142) باب النذر والعهد (143) باب اليمين كتاب الكسب وأبوابه أربعة وعشرون (144) باب التعداد
(146) باب الآداب (147) باب البيع (150) باب الربا (151) باب الشفعة (152) باب الشركة (152) باب القراض (153) باب الجعالة (154) باب الإجارة
(155) باب المزارعة (155) باب المساقاة (156) باب احياء الموات (157) باب الغصب (158) باب اللقطة (159) باب السبق (159) باب الدين
(160) باب الرهن (161) باب الضمان (161) باب الحوالة (162) باب الكفالة (162) باب الوكالة (163) باب الوديعة (163) باب الاقرار (163) باب الصلح
كتاب النكاح وأبوابه سبعة عشر (164) باب التعداد والجدوى (166) باب المحارم (170) باب الولاية (171) باب العقد
(172) باب الصداق (173) باب الخلوة (175) باب الحقوق (176) باب النشوز والشقاق (176) باب الفسخ (178) باب الطلاق
(179) باب الخلع والمبارات (179) باب الظهار (180) باب الايلاء (180) باب اللعان (181) باب العدد (183) باب الولد (186) باب القرابة كتاب
المعيشة وأبوابه خمسة عشر (187) باب الطعام (191) باب الأكل (193) باب الشرب (194) باب الضيافة (195) باب اللباس (195) باب الطيب
(195) باب المسكن (196) باب المنام (197) باب التحية (198) باب الكلام (201) باب الإخاء (203) باب المعاشرة (205) باب العزلة (207) باب الورد
(208) باب السفر كتاب الجنائز وأبوابه اثنا عشر (211) باب المرض (213) باب العيادة (213) باب الوصية (215) باب الاحتضار
(215) باب التغسيل (216) باب التكفين (217) باب التشييع والتربيع (217) باب الصلاة (218) باب الدفن (219) باب التعزية
(220) باب الهدية (221) باب زيارة القبر (222) كتاب القرايض وأبوابه ثلاثة (223) باب الأسباب والطبقات (224) باب الموانع
باب التعداد والقسمة وافتتح كلا من الكتب بالبسملة ايذانا بأنه أمرد وبال وقد كان الأوايل يفردونها بالتدوين
ويعنونونها بالكتاب ثم جمعها المتأخرون تكثيرا للفائدة وبقيت العنوانات بحالها
كتاب الطهارة بسم الله الرحمن
الرحيم الطهارة هي التنظيف عن الأدناس والمصنف كثيرا يكتفي عن التعاريف بتعداد الأقسام لأن التقسيم بمنزلة
التعريف باب التعداد الطهارة بحسب المحل طهارتان تنقسم إليهما انقسام الجنس إلى أنواعه طهارة الباطن وطهارة
الظاهر وينحصر كل منهما بحسب أدناسه في ثلاثة أقسام أما طهارة الباطن فبالحصر الجعلي فهي إما عن جريمة الجوارح
أي جنايتها من إضافة المصدر إلى الفاعل أو ذميمة القلب أي الملكة المذمومة الحاصلة له أو فيه أو شغل السر بما سوى الله
والسر هنا هو القلب من تسمية المحل باسم الحال حذرا عن التكرار وإنما تعد جريمة الجوارح من الأدناس الباطنة
مع أن الجوارح هي الأعضاء الظاهرة بحسب المبدأ فإن الأعضاء إنما تتحرك وتسكن إلى أعضائها وتروكها الاختيارية بالإرادة التي هي فعل القلب فرجعت جرائمها إلى ذميمة القلب وشغل السر بما سوى الله مما يندرج أيضا
تحتها سواء اعتبر المصدر مبنيا للفاعل أو المفعول وإنما أفردهما بالذكر تثليثا للقسمة تتميما للمقابلة ومزيد
16

اعتناء بهما فانحصرت ذمائم القلب في الأخلاق السيئة كما يأتي بيانه ثم إن كانت عن قبيح يذم أو يعاقب
صاحبه ففرض وإلا فنفل فانحلت الأقسام إلى ستة وأما طهارة الظاهر فبالحصر الاستقرائي لأنها إما عن
الخبث بفتحتين فيه وفي قسيميه وهو النجس أو التفث وما هو يستهجن في البدن من فضلاته وغيرها أو الحدث
وهو ما يوجب الوضوء أو الغسل ثم إن كانت مقدمة بواجب مشروط بها كطهارة الثوب واليد والوضوء
للصلاة والطواف الواجبين أو جزء من واجب كالحلق والتقصير من الحج والعمرة ففرض وإلا فنفل فهذه
أيضا ستة أقسام وورد عن النبي صلى الله عليه وآله الطهور نصف الايمان وهو بضم الطاء التطهر مصدر كالوضوء
وبفتحها يرد مصدر أيضا كالقبول وآلة بمعنى ما يتطهر به كالسحور والوقود ومبالغة في الفاعل كالآكول
وهو حث على الطهارة وتأكيد في أمرها من المبالغة المقبولة مجازا شايعا وكان النصف الآخر هو العمارة
بالطاعة ظاهرا وباطنا أو إشارة إلى التخلية التي هي للقلب بمنزلة تنقية الأرض عن الأشواك والأعشاب
الفاسدة والنصف الآخر هو التخلية التي هي بمنزلة غرس الأشجار المثمرة والقاء البذور الصالحة والايمان
عبارة عنهما والباطن هو الأصل فإن الحركات الظاهرة إنما تنبعث منه كما ذكر ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وقد رأى رجلا يعبث بلحيته في الصلاة لو خشعت قلبه لخشعت جوارحه فهو الأولى والأهم بالتطهير
وطهارته ملزومة لطهارة الظاهر ففي الحديث أن القلب في الجسد بمنزلة السلطان في الرعية فإذا صلح
السلطان صلحت الرعية وإذا فسد فسدوا والسلف الصالح من قرن النبوة وهم من خير القرون ثم من بينهم
الأقرب فالأقرب كانوا يبالغون فيه زيادة على مبالغتهم في غيره ويفحصون عن مقاماته ويتساءلون عن دقايق
عيوبه وآفاته لمزيد اهتمامهم به كما سبق نقله ولكن لطهارة الظاهر أثر في تنوير الباطن كما يصادف عند إسباغ
الوضوء وغسل الجمعة وسائر الأعمال الظاهرة فإنها مما يحس بتأثيراتها في النفوس ولو بعد التكرار ومن
ثم يتمرن على الأعمال بكثرة المداومة عليها وهي مبدأ الملكات العادية كما يأتي لارتباط الملك وهو عالم الشهادة
بالملكوت وهو عالم الغيب وانطباق كل منهما على الآخر وبسبب هذا الارتباط والانطباق والعلاقة الخفية بين
العالمين ربما يسري حكم أحدهما إلى الآخر وتؤثر العلة المشهورة في المعلول الغيبي وبالعكس وفي الحديث
أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان قاعد مع أصحابه في المسجد فسمعوا هدة عظيمة فارتاعوا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أتعرفون ما هذه
الهدة قالوا الله ورسوله أعلم قال حجر ألقي من أعلى جهنم منذ سبعين سنة وصل الآن إلى قعرها وسقوطه فيها
هذه الهدة فما فرغ من كلامه صلى الله عليه وآله إلا والصراخ في دار منافق من المنافقين قد مات وكان عمره
سبعين سنة فكبر
رسول الله صلى الله عليه وآله وعلم الحاضرون أن الحجر هو ذلك المنافق الذي كان يهودي في جهنم مدة عمره فلما مات استقر في قعرها
كما قال (تع) إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار والعارف تحقيقة العالمين وتفصيل المطابقة بينهما ينكشف
له كثير من الأسرار ويصدق يقينا واعتقادا لا تقليدا بجميع ما ورد به الدين القيم من أحوال النشأة
الآخرة ويحيط بتأويل كثير من الآيات المتشابهات قائلا آمنا به كل من عند ربنا ومن ثمة تصدق غالبا
روية من اعتاد الصدق حتى عدت في الصديقين من أنواع الوحي وأجزاء النبوة فإن النفس إذا تمرنت
بالصدق في حال اليقظة التي هي من عالم الشهادة سرى ذلك إليها في حال الرويا التي هي من عالم الغيب أو المراد
أن الصدق يسري من اللسان إلى القلب والأول أقرب لفظا والثاني معنى ولأجل ذلك تكذب أيضا رؤيا
الكذوب والشاعر وأمثالهما من المعتادين بالصور المتخيلة التي لا حقيقة لها كما يأتي في باب المنام ونبدأ
ببيان طهارة الباطن وموجباتها بالترتيب المذكور لأنها الأهم كما ذكر
باب جرائم الجوارح بالهمزة بعد الألف
عوضا عن الياء الزائدة وهي ما يخالف حكمة (تع) من فعل ما حكم بتركه أو ترك ما حكم بفعله والفعل والترك
حدثان فالجريمة هي نفس المخالفة دون ما يخالف أعني الهيئة المخالفة والحمل على معنى الهيئة لا يجري في
الأخير إذ المعدوم لا هيئة له وكيف كان فهو من أجود التعاريف وتنقسم الجرايم مطلقا تارة إلى ما هو
جريمة بأصل الشرع كشرب الخمر والزنا وما يصير جريمة بالنية والعزم كالأكل للتقوي على المعصية مثلا
كما يأتي وأخرى إلى حقه (تع) محضا كافطار الصوم وترك الصلاة الواجبين وما يتركب من حقه (تع) وحق
العبد كقتل النفس المحترمة وقطيعة الرحم ويضاف إلى العبد تغليبا إذ حق العبد أغلظ لأنه لا يغفر حتى يعفو عنه
صاحبه كما يأتي وفي المتفق عليه ان الدواوين يوم القيمة ثلاثة ديوان يغفر وديوأن لا يغفر وديوأن لا يترك اما
الذي لا يغفر فالاشراك بالله عز وجل وأما الذي يغفر فظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين ربه وأما الذي لا يترك
فمظالم العباد بعضهم لبعض والقسمتان على هذا الوجه حاصرتان للطاعات أيضا والضابط في الأخيرة أن ما تعلق به
الخطاب الاقتضائي من الشارع إن كانت مصلحته مقصورة على المخاطب كالصلاة والحج فهو حق الله المحض وإن كانت
غير مقصورة عليه بل لغيره فيه مصلحة فهو حق الآدمي أعني ذلك الغير سواء كان للمخاطب منها حظ كبذل العلم للمتعلم أو
مقصورة عليه كانقاذ المتردي من البئر وسواء كان ذلك الغير محصورا بشخصه كأداء الأمانة إلى أهلها أو بوصفه كايتاء
الزكاة إلى أصنافها أما لو لم يكن محصورا لا شخصا كان الحق معدودا من حقوق الله كالحدود والسياسات الشرعية
التي يخاطب بها أولو الأمر لمصلحة عامة المكلفين وربما يوجد في كلام بعضهم الحاق المحصور بوصفه بغير المحصور إذ لا
يجوز له المطالبة ولو كان الحق له لجازت له مطالبته فتندرج الزكاة وأمثالها في حقوق الله وفيه أن المستفاد
من الروايات اندراج الزكاة في حقوق الآدميين على أن تخصيص ذي الحق بمن يجوز له المطالبة ممنوع
إذ لا دليل عليه بل ربما يتفق الاستحقاق مع عدم جواز المطالبة كما في المحلوف له غموسا ومما ذكرناه
يظهر أن اطلاق أكثرهم القول بأن الزنا من حقوق الله يحتاج إلى تفصيل وهو أن المزني بها إن كانت
حرة مطاوعة خلية فكذلك وإن كانت أمة أو مكرهة أو ذات بعل أو ما تركب منها ثنائيا أو ثلاثيا غلب
فيه حق الآدمي وفي الحديث يحكم البعل في حسنات الزاني وفيه دلالة على ما قلناه وإليه شيخنا البهائي زاد الله
بهائه وأصرح منه ما رواه الصدوق في الفقيه مسندا عن أبي عبد الله (ع) في رجل فجر بجارية أخيه فما توبته
قال يأتيه فيخيره فيسأله أن يجعله في حل ولا يعود قلت فإن لم يجعله من ذلك في حل قال يلقى الله زانيا خائنا
17

الحديث وتنقسم الجرائم ثالثة إلى كبيرة وصغيرة ممتازة كل منهما عن الأخرى حقيقة وتكفر الصغيرة مطلقا
باسقاط عقابها المستحق باجتناب الكبيرة مطلقا قال الله (تع) أن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم
والمراد بالسيئات الكبائر بقرينة المقابلة وقيل إن الصغيرة المكفرة هي ما كانت مقدمة لكبيرة مجتنبة لله سبحانه
بعد الاشراف عليها والتمكن منها كما لو تمكن من الزنا فكف نفسه عن الوقوع واقتصر على المس والنظر فإن مجاهدته
نفسه في الكف عن الوقاع أشد تأثيرا في تنوير قلبه من اقدامه على المس والنظر في اظلامه ولو كان عنينا أو كان الامتناع لخوف ونحوه فلا تكفير ومن يشتهي الخمر والأوتار فأمسك نفسه بالجهد عن الخمر وأطلقها في السماع فمجاهدة
النفس بالكف عن الخمر تمحو عن قلبه الظلمة التي ارتفعت عليه من معصيته السماع بخلاف من لا يشتهي الخمر بطبعه
فإن سماعه للأوتار لا مكفر له حينئذ والكبيرة ما أوجب الله عليه النار كما في رواية الحلبي عن أبي عبد الله (ع) وكذا
رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) وغيرهما وقيل ما أوعدها عليها وهو أعم من الأول لتطرق الاخلاف إلى الابعاد
المطلق بخلاف الايجاب ولو ادعاء ويشهد له كثير من الروايات والوجه في الجمع حمل العام على الخاص وفي بعض الأخبار دلالة ظاهرة على ذلك مع التصريح بأنها سبع مثل صحيحة الحسن بن محبوب قال كتب معي بعض أصحابنا إلى أبي الحسن (ع) يسأله عن الكبائر كم هي وما هي فكتب (ع) الكبائر ما اجتنب ما أوعد الله عليه النار كفر عنه سيئاته إذا كان مؤمنا
والسبع الموجبات قتل النفس الحرام وعقوق الوالدين وأكل الربا والتعرب بعد الهجرة وقذف المحصنة وأكل مال اليتيم
والفرار من الزحف ومثله رواية أحمد بن عمرو الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام وفي صحيحة محمد بن مسلم عنه (ع)
الكبائر سبع قتل المؤمن متعمدا وقذف المحصنة والفرار من الزحف والتعرب بعد الهجرة وأكل مال اليتيم ظلما
وأكل الربا بعد البينة وكل ما أوجب الله تعالى عليه النار وفي معناها رواية العباس بن هلال عن أبي
الحسن الرضا (ع) ويستفاد منهما أن للإيجاب درجات بعضها فوق بعض وأن المعدودات هي المؤكدات منها ويؤكده
حديث أبي الصامت عن أبي عبد الله (ع) قال أكبر الكبائر سبع ثم عدها والمراد بقتل النفس الحرام ازهاق الحياة
من النفس المحترمة بالاسلام أو ما في حكمه كما هو الظاهر أو بالايمان حرا كان أو رقا ذكرا أو أنثى صغيرا أو كبيرا
حتى الجنين مباشرة أو تسبيبا بقطع أو ضرب أو احراق أو اغراق أو ارداء أو سقي سم أو اغراء كلب أو غير
ذلك وإن لم يوجب القصاص والكفارة وقد شدد الله أمر القتل عظيما وجعل من قتل نفسا فكأنما قتل
الناس جميعا لهتكه حرمة الدماء وتسنينه سنة القتل وتجرئة الناس عليه وعن أبي جعفر (ع) يوضع في موضع
من جهنم إليه ينتهي شدة عذاب أهلها لو قتل الناس جميعا كان إنما يدخل ذلك المكان قيل فإن قتل
أخر قال يضاعف عليه وعن أبي عبد الله (ع) من أخرجها من ضلال إلى هدى فكأنما أحياها ومن أخرجها من
هدى إلى ضلال فقد قتلها وبعقوق الوالدين تضييع حقوقهما حيين أو ميتين وقد أمر الله سبحانه بالاحسان
إليهما في سبعة مواضع من القرآن وعن أبي عبد الله (ع) أدنى العقوق أف ولو علم الله شيئا أهون منه لنهي عنه
وفي حديث آخر من العقوق أن ينظر الرجل إلى والديه فيحد النظر إليهما وفي حديث هشام عنه (ع) أن صوم الولد
تطوعا بدون إذن الوالد من العقوق ويلوح من بعض الأخبار أن تضييع الوالدين حقوق الولد عقوق
أيضا ففي الحديث يلزم الآباء من العقوق لأولادهم ما يلزم الأولاد من العقوق لآبائهم وفيه لعن الله والدين
حملا ولدهما على عقوقهما وفي رواية الكناسي عن أبي عبد الله (ع) والذي إذا دعاه أبوه لعن أباه والذي إذا أجابه
ابنه يضربه والاكثار في الحث على بر الوالدين والنهي عن عقوقهما دون الأولاد من أسرار حكمة الشريعة فإن كل
ما إليه محرك من الطبع لا حاجة إلى الترغيب والتأكيد فيه كثيرا في الشرع بخلاف مالا باعث إليه طبعا فإن الحاجة إلى
الحث عليه والمبالغة في المنع عن مخالفته شديدة جدا وهذا أصل ينفعك في مواضع كثيرة في الأفعال والتروك
جميعا ويستفاد من كثير من الأخبار والآثار أن محافظة حقوق المشايخ والمعلمين من أقوى البر وتضييعها
من أفحش العقوق وقد تقدمت الإشارة إليه ويأتي لهذا تتمة في باب المعاشرة وبأكل الربا الانتفاع بالمعاملة
الخاصة مطلقا وإنما خص الأكل لأنه أظهر الانتفاعات ومثله في أكل مال اليتيم وورد أن رسول الله صلى الله عليه وآله لعن الربا وأكله
وموكله وبايعه ومشتريه وكاتبه وشاهديه ومن تأمل في حكمة الباري جل شأنه في خلق النقود والأطعمة الربوية
وعنايته (تع) بمصالح العباد وشدة احتياجهم إلى المعاوضات المقتضية لتحليل البيع انكشف له الوجه في تحريم الربا من غير ريب
كما يأتي في كتاب الكسب وكذا تحريم أواني الذهب والفضة فإن ذلك كله ظلم ووضع للشئ في غير موضعه ومضادة
للحكمة الإلهية وبالتعرب بعد الهجرة أن يعود إلى البادية ويقيم مع الأعراب بعد أن كان مهاجرا وكان من رجع بعد
الهجرة إلى موضعه من غير عذر يعدونه كالمرتد قاله ابن الأثير وفي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) التعرب و
الشرك واحد وفي كلام بعض علمائنا أن التعرب في زماننا هذا أن يشتغل الانسان بتحصيل العلم ثم يتركه وقال
المصنف في الوافي لا يبعد تعميمه لكل من تعلم آداب الشرع وسننه ثم تركها وأعرض عنها ولم يعمل بها وفي معاني
الأخبار عن أبي عبد الله (ع) قال التعرب بعد الهجرة التارك لهذا الأمر بعد معرفته والمشهور أن التعرب بالمهملة
وربما يضبط بالمعجمة والأول أوفق بالتعميم وبقذف المحصنة رمي العفيفة بالفاحشة حرة أو أمة ذات بعل
أو خلية مواجهة أو غايته وبالفرار من الزحف الانهزام من جيش الكفار والزحف الجيش يزحفون إلى العدو أي يمشون
وقيل الكثير بحيث يرون من كثرتهم كأنهم يزحفون أي يدبون من زحف الصبي إذا دب على مقعده والزحف أيضا تقارب
القدم إلى القدم فهذا بيان السبع الموجبات المعدودة في حديث الحسن بن محبوب اجمالا وزيد في غيره ذنوب أخر
روى ثقة الاسلام في الكافي والصدوق في الفقيه وعيون الأخبار في الصحيح عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني
قال دخل عمرو بن عبيد على أبي عبد الله (ع) فلما سلم وجلس تلا هذه الآية الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ثم
أمسك فقال أبو عبد الله (ع) ما أسكتك قال أحب أن أعرف الكبائر من كتاب الله فقال نعم يا عمرو أكبر الكبائر الاشراك بالله يقول الله أنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة وبعده الإياس من روح الله لأن الله يقول إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون وبعده إلا من من مكر الله لأن الله يقول فلا يأمن من مكر الله إلا
القوم الخاسرون ومنها عقوق الوالدين لأن الله جعل العاق جبارا شقيا وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق لأن
18

الله يقول فجزاؤه جهنم خالدا فيها إلى آخر الآية وقذف المحصنة لأن الله يقول لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم
عذاب عظيم وأكل مال اليتيم لأن الله يقول إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا والفرار من
الزحف لأن الله يقول ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله و
ماويه جهنم وبئس المصير وأكل الربا لأن الله يقول الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه
الشيطان من المس والسحر لأن الله يقول ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق والزنا لأن
الله يقول ومن يفعل ذلك يلق آثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا واليمين الغموس
الفاجرة لأن الله يقول الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة والغلول
لأن الله يقول ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ومنع الزكاة المفروضة لأن الله يقول فتكوى بها جباههم
وجنوبهم وظهورهم وشهادة الزور وكتمان الشهادة لأن الله يقول ومن يكتمها فإنه إثم قلبه وشرب الخمر لأن
الله نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان وترك الصلاة متعمدا أو شيئا مما فرض الله لأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال من
ترك الصلاة متعمدا فقد برئ من ذمة الله وذمة رسوله ونقض العهد وقطيعة الرحم لأن الله يقول أولئك
لهم اللعنة ولهم سوء الدار قال فخرج عمرو وله صراخ من بكائه وهو يقول هلك من قال برأيه ونازعكم في العلم
والفضل انتهى الحديث والوجه في كون الاشراك بالله أكبر الكبائر واضح ومن أمعن النظر رأى أنه ما من معصية
صغيرة أو كبيرة إلا وفيها منه نصيب فهو بمنزلة الحقيقة الجنسية الموجودة في الأنواع كلها إلا أن مراتبه متفاوتة
جدا وبعضها أجلى من بعض والأذهان العامية متسارعة إلى مرتبة واحدة منها هي أجلى المراتب وأعلاها
أعني عبادة الأصنام المعمولة من الذهب والخشب أو غيرهما والسجود لها وهو الموسوم عندهم بالشرك الجلي غير
ملتفتة إلى المراتب النازلة مع أن غائلتها أعظم والبلوى بها أشد واعم ولنكتف في بيانها بايراد بعض الروايات
في ذلك فعن أبي عبد الله (ع) أمر الناس بمعرفتنا والرد إلينا والتسليم لنا وإن صاموا وصلوا وشهدوا أن لا إله إلا الله وجعلوا في أنفسهم أن لا يردوا إلينا كانوا بذلك من المشركين وعنه (ع) لو أن قوما عبدوا الله
وحده لا شريك له وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وحجوا البيت وصاموا شهر رمضان ثم قالوا لشئ
صنعه الله أو صنعه النبي إلا صنع خلاف الذي صنع أو وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين
الحديث وعنه (ع) في قول الله عز وجل وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون قال يطيع الشيطان
من حيث لا يعلم فيشرك وعنه (ع) كل رياء شرك وعنه (ع) في قوله (تع) ولا يشرك بعبادة ربه أحدا قال الرجل
يعمل شيئا من الثواب لا يطلب به وجه الله إنما يطلب تزكية الناس يشتهي أن يسمع به الناس
فهذا الذي أشرك بعبادة ربه الحديث وسئل عنه (ع) عن أدنى ما يكون به الانسان مشركا فقال
من ابتدع رأيا فأحب عليه أو أبغض عليه وفي الصحيح عن بريد العجلي قال سألت أبا جعفر (ع)
عن أدنى ما يكون به العبد مشركا قال فقال من قال للنواة أنها حصاة وللحصاة أنها نواة ثم دان به
وفي بعض الروايات أن الاستعانة في الوضوء اشراك وقوله عز وجل إنما المشركون نجس لا
يبعد عمومه لجميع هذه المراتب المتباينة لاشتراكهم في الوصف المحكوم به عليهم أعني خبث الباطن
ودرن القلب ورجاسة الغيب وإن كانت شهادتهم نقية مستطابة وصدقه عليها صدق المشكك
على ما تحته وقد نطقت النصوص باثبات نظير هذه المراتب للكفر أيضا وبإزاء كل واحدة منها
مرتبة من مراتب التوحيد والايمان والإياس من روح الله هو افراط الخوف وتفريط الرجاء
كما أن الأمن من مكر الله افراط الرجاء وتفريط الخوف وكلاهما خروج عن الاعتدال ونكوب عن الصراط
المستقيم كما يأتي والسحر في الأصل صرف الشئ عن وجهه وسحر كمنع خدع وكل ما لطف مأخذه ودق
فهو سحر سواء كان من أعمال اليد أو خواص الجواهر أو الأعراض مفردة أو مركبة أو غير ذلك فيندرج فيه
الشعوذة وقد يطلق على ما يباينها وربما يفسر بكل عمل يحدث بسببه ضرر على الغير من كلام أو كتابة
أو رقية أو أقسام وعزايم أو نحوها ومنه عقد الرجل عن زوجته بحيث لا يقدر على وطيها والقاء البغضاء
بينهما كما قال الله (تع) فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه ومنه استخدام الملائكة والجن و
استنزال الشياطين في كشف الغائبات وعلاج المصاب واستحضارهم وتلبيسهم ببدن صبي أو امرأة
فتعلم ذلك وأشباهه وتعليمه والعمل به حرام إلا للتوقي أو دفع المتنبي وقيل بوجوب تعلمه لذلك كفاية
وعن أمير المؤمنين (ع) من تعلم شيئا من السحر قليلا أو كثيرا فقد كفر وكان آخر عهده بربه وحده أن
يقتل إلا أن يتوب ويجوز حله بالقرآن والأقسام وهل يجوز بالسحر الذي حكم به العلامة في المنتهى المنع
لأنه سحر وحديث عيسى بن سيفي صريح في الجواز وأما الطلسم وهو مزج القوى العالية بالقوى السافلة
ليحدث منها أمر غريب في عالم الكون والفساد فما كان منها مشتملا على اضرار أو تمويه على المسلمين أو
استهانة بشئ من حرمات الله كالقرآن وأبعاضه وأسماء الله الحسنى ونحو ذلك فلا ريب في تحريمه
سواء عد من السحر أو لا وما عدا ذلك للأغراض المباحة كحضور الغائب وبقاء عمارة الدار والضيعة
وفتح حصن الكفار على المسلمين ونحوه فمقتضى الأصل جوازه ويحكي عن بعض عظماء الأصحاب فعله
وربما يستندون في بعضها إلى أمير المؤمنين (ع) وإن كان في السند كلام وأطلق في الدروس تحريم عمل
الطلسمات الحاقا له بالسحر ووجهه غير ظاهر وأما تسخير رونيات الكواكب فالذي وقفت عليه من أعمالها
يشتمل على مناكير كثيرة ومن جملتها أوراد وأذكار لا يجترئ المسلم على التلفظ بها وإن كانت الغاية
المقصودة مباحة وما يحكى عن بعض المتأخرين من فعل ذلك فغير ثابت وبعد التسليم فلعله كان على نهج آخر
وهذه أمور مباينة للمعهود من آداب الاسلام في التوصل إلى المقاصد بالدعاء والتضرع والابتهال إلى الله
والاستشفاع والتوسل إليه بأرواح النبي والأئمة صلوات الله عليهم وإنما تناسب مذهب الصبوة
والتنجيم والزنا هو ايقاب الحشفة بامرأة محرمة قبلا أو دبرا وهي الفاحشة وقد يقال إنه في الدبر لواط
19

ويشتد التفاحش باحصانه فإن كانت أمة أو محصنة أو مكرهة فأفحش لتعلق حق الآدمي حينئذ
كما سبق واليمين الغموس هي الحلف على الماضي كذبا وسميت بذلك لأنها تغمس صاحبها
في الإثم قال بعض العلماء ولو حلف واقتطع مال مسلم أو ذمي فالإثم أشد والعقوبة أعظم و
لو لاعن ونفى النسب كاذبا فأشد ولو أقسم في دعاوي الدم كاذبا فأشد ولا تنفع التورية إذا كان
المحلوف له مظلوما والغلول الخيانة في المغنم والسرقة من الغنيمة قبل القسمة وكل من خان في
شئ خفية فقد غل وسمي غلولا لأن الأيدي فيها مغلولة أي ممنوعة وحذفه المصنف لفقد موضوعه
في هذا الزمان ومنع الزكاة المفروضة مندرج في ترك شئ مما فرضه الله فاكتفى به عنه وشهادة
الزور هي الشهادة بما لا يعلم وإن كان المشهود به صدقا في نفس الأمر ولا فرق بين أن يكون لا علم له
بالواقعة أصلا أو له علم بخلافه أو كان له علم فنسيه سواء كان صاحبه ثقة ومعه ثقة يشهد أم لا
وسواء عرف خطه وخاتمه أم لا وما ورد بخلاف ذلك معارض بما هو أقوى منه كما يأتي ووجوب أداء
الشهادة على الشاهد المستشهد كفاية أو عينا مما لا ريب فيه والمشهور الوجوب في غيره أيضا وفي حديث
المناهي عن النبي صلى الله عليه وآله من كتم الشهادة أطعمه الله لحمه على رؤس الخلايق وكذا الخلاف في وجوب التحمل
عينا أو كفاية بالاستشهاد كما يأتي والخمر يطلق في العرف على هذا المسكر المتخذ من ماء العنب
وفي الروايات على النبيذ والفقاع أيضا وكل ما خمر العقل أي ستره ولا فرق بين قليله وكثيره
في التحريم والنهي عنه وعن عبادة الأوثان مسوقان مساقا واحدا في قوله عز وجل إنما الخمر و
الميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه وترك الصلاة معدود في بعض
الروايات من الكفر وربما يقيد في كلامهم بالاستحلال والمستفاد من بعضها الاطلاق وصرف
التقييد إلى الكفر نظير تارك الحج أو أغلظ منه فيعود النزاع لفظيا والظاهر أن المراد بشئ مما فرضه
الله ما أوجبه في القرآن فإنه اصطلاح قديم والفرايض بهذا المعنى قد صارت من ضروريات
الدين وتارك شئ منها في مرتبة تارك الصلاة أو يدانيه ومن ثم حسن سوقهما مساقا واحدا
وفيهما خروج عن شرط السئول اهتماما بهما وإشارة إلى أن الكباير ليست منحصرة فيما توعد
عليه الكتاب كما هو الأقوال ولم يستشهد (ع) لنقض العهد بقوله (تع) وأوفوا بالعهد إن العهد
كان مسؤولا لأن الأمر بالوفاء أعم من كون النقض كبيرة توعد عليها بالوعيد الشديد واكتفاء بما
سبق من شاهد اليمين ففيه إشارة إلى أن المراد ما عوهد الله عليه دون عهود العباد بعضهم لبعض
وإن وجب الوفاء بها وعن أبي عبد الله (ع) ثلاثة لا عذر لأحد فيها ولم يجعل الله لأحد فيهن الرخصة
الوفاء بالعهد للبر والفاجر وبر الوالدين برين كانا أو فاجرين وأداء الأمانة إلى البر والفاجر والرحم
الذي تظافرت الآيات والروايات بالنهي عن قطيعته والأمر بصلته هو القريب المعروف بنسبه وإن بعدت
لحمته وجاز نكاحه دون من يحرم نكاحه خاصة كما قيل وفي الحديث أن قوله (تع) فهل عسيتم إن توليتم
أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم نزلت في بني أمية وعن النبي صلى الله عليه وآله لما أسري بي إلى
السماء رأيت رحما متعلقة بالعرش يشكو رحما إلى ربها فقلت لها كم بينك وبينها من أب فقالت
نلتقي في أربعين أبا وقطعه عبارة عن هجره والاعراض عنه وقلة الاكتراث به من دون سبب
شرعي وليس منها القطيعة ففي الصحيح عن عبد الله بن سنان قال قلت لأبي عبد الله (ع) إن لي ابن عم
فيقطعني وأصله فيقطعني حتى لقد هممت لقطيعته إياي أن أقطعه قال إنك إذا وصلته وقطعك
وصلكما الله جميعا وإن قطعته وقطعك قطعكما الله وعنه (ع) أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال يا رسول
الله أهل بيتي إلا توثبا علي وقطيعة لي وشتيمة فأرفضهم قال إذن يرفضكم الله جميعا قال فكيف
أصنع قال تصل من حرمك قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك فإنك إذا فعلت ذلك كان
لك من الله عليهم ظهير وعنه صلى الله عليه وآله لا تقطع رحمك وإن قطعك وصلته بره والاحسان إليه بالتزاور
وحسن اللقاء والتعاون والمواساة وكل ما قدر عليه من الخيرات ولو بالسلم كما يأتي في باب المعاشرة
وعن الرضا (ع) أفضل ما توصل به الرحم كف الأذى عنها وقد استفاضت الروايات بأنها منساة
في الأجل ومدفعة للبلاء وميسرة للحساب وموسعة للرزق ومزكاة للعمل فهذا بيان الزيادات الواقعة
في هذا الخبر وورد في خبر ثالث اسقاط بعض هذه وزيادة غيرها وهو حديث شرايع الدين برواية
الأعمش وما كتبه الرضا (ع) للمأمون برواية الفضل بن شاذان قال الكباير هي قتل النفس التي حرم الله
والزنا واللواط والسرقة وشرب الخمر وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وأكل مال اليتيم ظلما وأكل
الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله من غير ضرورة وأكل الربا بعد البينة والسحت والميسر و
هو القمار والبخس في الكيل والوزن وقذف المحصنات وشهادة الزور واليأس من روح الله والأمن
من مكر الله والقنوط من رحمة الله ومعونة الظالمين والركون إليهم واليمين الغموس وحبس الحقوق
من غير عسر والكذب والكبر والاسراف والتبذير والخيانة والاستحقار هكذا وجدناه فيما وجدناه
من نسخ الكتاب والمفاتيح وفيما وجدناه من نسخ الخصال وعيون الأخبار المحاربة لأولياء الله والاستخفاف
بالحج والاشتغال بالملاهي والاصرار على الصغاير من الذنوب واللواط هو الايقاب بذكر من غير
شبهة حرا كان أو عبدا طايعا أو مكرها مسلما أو كافرا وهو أفحش الفجور وأبعده عن الحكمة المقتضية
لتسليط الشهوة وقد خلق الله الذكورة مئنة للفعل والأنوثة للانفعال فاللائط ظالم ممتثل أمر إبليس
في تغيير خلق الله وفي الحديث أن اللواط هو ما كان بين الفخذين وأما الايقاب فهو الكفر بما
أنزل الله والمفعول أسوأ حالا والسرقة هي أخذ المال المحترم خفية فإن كان جهرا فغضب ولا فرق بين
القليل والكثير وقد وردت الرخصة بها على وجه النقاض عند انحصار العلاج فيها ويأتي في محله
20

والمراد بالميتة هنا الحيوان الزاهق روحه بغير التذكية المعتبرة شرعا سواء كان مما يقع عليه
الذكاة في الشرع أم لا ويدخل فيها المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع
وفي حكمها أجزاؤها التي تحلها الحياة وإن أبينت من الحي وأما ما لا تحله الحياة منها فلا يصدق
عليه الوصف المقتضي للتحريم وهو الموت وربما يترائى أن في كلامه صلوات الله عليه إيماء
إلى أن المضاف المقدر في قوله (تع) في سورة المائدة حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما
أهل لغير الله به هو الأكل كما هو المتبادر كما أن المتبادر من تحريم الأمهات في قوله عز وجل حرمت
عليكم أمهاتكم نكاحهن ويترتب على ذلك جواز الاستقاء بجلودها للزرع ونحوه خلافا لمن حرم استعمالها
مطلقا لأنه أقرب المجازات إلى الحقيقة من إضافة التحريم إلى العين وفيه أن الآية مسوقة لبيان المحرمات مطلقا
والحديث لبيان الكباير فحسب وإذا اختلف السياقان امتنع الاستشهاد بأحدهما للآخر فيحتمل تحريم الانتفاعات كلها وإن كان المعدود من الكباير هو الأكل لا غير والدم وإن كان مطلقا إلا أنه مقيد في آية
الأنعام بالمسفوح فالمتخلف في تضاعيف اللحم بعد القذف المعتاد من غير مانع باق على أصل الإباحة كما
صرحوا به من غير نقل خلاف ويندرج في لحم الخنزير جميع أجزائه من الشحوم والغضاريف والصفاقات وغيرها
والمراد بما أهل لغير الله ما رفع الصوت عند ذبحه باسم اللات والعزى كما كانوا يفعلونه وهو أخص
مما لم يذكر اسم الله عليه المنهي عنه في آية الأنعام وفي التقييد بغير ضرورة دلالة على اختصاص الحكم في المذكورات بحالة السعة وقد وقع التصريح بالإباحة عند الاضطرار في المخمصة في الآية الكريمة فتتقدر الرخصة
بقدرها كما في نظايرها والسحت على وزن عنق وقفل الحرام من سحته إذا استأصله لأنه مسحوت البركة
وفي الحديث النبوي إنه الرشوة في الحكم وعن أمير المؤمنين (ع) ثمن الميتة وثمن الكلب وثمن الخمر ومهر البغي
والرشوة وأجر الكاهن وكسب الحجام وعسيب الفحل والاستجعال في المعصية وفي حديث آخر كل شئ
غل من الإمام فهو سحت وأكل مال اليتيم وشبهه سحت وللسحت أنواع كثيرة أجور الفواجر وثمن الخمر و
النبيذ المسكر والربا بعد البينة فأما الرشا في الحكم فإن ذلك هو الكفر بالله العظيم وبرسوله وعن أبي
عبد الله (ع) أنه سئل عن قاض بين فريقين يأخذ من السلطان على القضاء الرزق قال ذلك السحت و
عن أمير المؤمنين (ع) في قوله (تع) أكالون للسحت قال هو الرجل يقضي لأخيه الحاجة ثم يقبل هديته والقمار
بكسر القاف مصدر قامر إذا قالب والمراد اللعب بالآلات المعدة للمغالبة كالنرد والشطرنج والأربعة عشر
وغيرها حتى الجوز والخاتم وعن الباقر والجواد (ع) في قوله (تع) وأن تستقسموا بالأزلام كانوا يعمدون إلى
الجزور فيجزونه عشرة أجزاء ثم يجتمعون عليه فيخرجون السهام فيدفعونها إلى رجل وهو عشرة سبعة لها
أنصباء وثلاثة لا أنصباء لها وثمن الجزور على من لم يخرج له من الأنصباء شئ وهو القمار فحرمه الله
والحديث مختصر والبخس في الكيل والوزن نقصهما وهو التطفيف وقد كرر الله النهي عنه والتوعيد
الشديد عليه في القرآن وأهلك به أمة من الأولين وهو من أمهات المعاصي لاشتماله
على الكذب والسرقة والخيانة وأضرها بالنظام وذلك لأن معايش الخلق لا تنتظم بينهم
إلا بالمعاملة والمعاملة لا تنتظم إلا بالقسطاس المستقيم والباخس المخل بالقسطاس مخل بأمر
المعاملة وذلك مستلزم لاختلال المصالح الدنيوية وهي أحد الشطرين اللذين بعث الأنبياء
بأسرهم وأنزلت الكتب الإلهية بأسرها لتقريرهما وتثبيتهما في النفوس لأنهم إنما بعثوا لمصلحة
الدين والدنيا ومن هذا شأنه يبالغ في موعظته ونهيه عن هذا المنكر الذي هو من أشد
المناكير ضررا وجناية ويؤدب ويعزر ويهدد بالبأس الشديد والجهاد بالسيف كما يجاهد
الكفار المخلون بالشطر الآخر أعني المصالح الدينية وآخر الدواء الكي وإليه الإشارة بقوله
عز وجل لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط و
أنزلنا الحديد فيه بأس شديد وفي الحديث أن جبرئيل (ع) نزل بالميزان على نوح (ع) وقال مر قومك
يزنوا به ويندرج فيه البخس في الذراع لأنه من الميزان إذ المراد به الآلة التي بها يعرف مقادير الحقوق
لتحفظ النسبة بينها ويستعمل فيها بالقسط والعدل بل البصير يلتفت من تحريم البخس في الميزان
إلى تحريم المشاغبة في الكلام والمغالطة في الحجة وتلبيس الحق بالباطل فإن ذلك كله من أفراده
على وجه أعم والقنوط من رحمة الله قيل هو اليأس من روح الله وهو ظاهر المصنف هنا وربما يفرق
بينهما كما هو ظاهر العطف سيما مع الفصل ويأتي في باب الرجاء والخوف ومعونة الظالمين قد وقع
في كلام كثير منهم كالمحقق والعلامة والشهيدين ومن وافقهم قدس الله أرواحهم مقيدا بما إذا كانت
بما هو محرم في نفسه كالكتابة لهم واحضار المظلوم ونحوه دون معونتهم بالأعمال المحللة كالخياطة
والبناء وإن كره التكسب بأموالهم وقال شيخنا البهائي طاب ثراه أن هذا التفصيل إن كان قد وقع
عليه اجماع فلا كلام فيه وإلا فللمناقشة فيه مجال فإن النصوص متظافرة بالعموم في الإعانة بالمحرم و
المباح بل المندوب روى محمد بن يعقوب بإسناده عن علي بن حمزة قال كان لي صديق من كتاب بني
أمية فقال استأذن لي على أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (ع) فاستأذنت له فأذن له فلما دخل
وسلم جلس ثم قال جعلت فداك إني كنت في ديوان هؤلاء القوم فأصبت من ديوانهم مالا كثير لو
أغمضت في مطالبه فقال أبو عبد الله (ع) لولا أن بني أمية وجدوا من يكتب لهم ويجبي لهم الفئ ويقاتل
عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا ولو تركهم الناس وما في أيديهم ما جدوا شيئا إلا ما في أيديهم
الحديث فإن قوله (ع) ويشهد جماعتهم يدل على عدم الاختصاص بما هو محرم في نفسه ويؤيده ما رواه
الشيخ في الحسن عن أبي يعفور قال كنت عند أبي عبد الله (ع) إذ دخل عليه رجل من أصحابه فقال
له أصلحك الله أنه ربما أصاب الرجل منا الضيق أو الشدة فيدعى إلى البناء فيبنيه أو للنهر يكريه أو
21

المسناة يصلحها فما تقول في ذلك فقال أبو عبد الله عليه السلام ما أحب أن عقدت لهم عقدة
أو وكيت لهم وكاء وأن لي ما بين لابتيها لا ولا مدة بقلم إن أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من
نار حتى يحكم الله بين العباد وفي الصحيح عن يونس بن يعقوب قال قال لي أبو عبد الله (ع) لا تعنهم على
بناء مسجد وروى بن بابويه عن الحسن بن زيد عن الصادق عن آبائه (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله
من علق سوطا بين يدي سلطان جاير جعل الله ذلك السوط يوم القيمة ثعبانا من نار طوله سبعون
ذراعا يسلطه الله عليه في نار جهنم وبئس المصير ثم قال وربما يستأنس له بظاهر قوله (تع) ولا تركنوا
إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وأيضا فعلى هذا فلا معنى حينئذ لتخصيص الإعانة بالظالمين فإن
إعانة كل أحد بالمحرم محرمة بل فعل المحرم في نفسه حرام سواء كان إعانة أو غير إعانة والظاهر أن مرجع
الإعانة إلى العرف فما سمي إعانة عرفا حرام وأما ما ينقل عن بعض الأكابر يعني عبد الله بن المبارك
على ما نقله أبو حامد أن خياطا قال له إني أخيط للسلطان ثيابه فهل تراني بهذا داخلا في أعوان
الظلمة فقال الداخل في أعوان الظلمة من يبيعك الإبر والخيوط وأما أنت فمن الظلمة أنفسهم
فالظاهر أنه محمول على نهاية المبالغة في الاحتراز عنهم والاجتناب عن تعاطي أمورهم وإلا فالأمر
مشكل جدا هذا كلامه زيد اكرامه ولا يذهب عليك قصور هذه الأدلة جميعا عما هو بصدده من
إفادة تحريم الخياطة ونحوها من الأعمال المباحة بالذات لهؤلاء الموجودين في هذه الأعصار من
سلاطين الاسلام الذين بهم تقوم أكثر مصالح الدنيا وكثير من مصالح الدين وذلك لأن شهود
جماعة بني أمية المتظاهرين بالفجور وشرب الخمور وسب أمير المؤمنين (ع) وقتل أهل البيت (ع) و
غصبهم حقوقهم من أعظم المناكير وأدخل في شوكتهم وتفحيل أمرهم من جباية الفئ وغيرها من الأمور
المعدودة في الرواية فالنهي عنه عن محرم محكم التحريم بين الغي ولا دلالة له على المدعى بوجه من الوجوه
وحسنة ابن أبي يعفور وصحيحة يونس بن يعقوب بل موثقته يحتملان الاختصاص بموردهما
أعني سلاطين تلك الأعصار الذين حالهم ما عرفت والحمل على ما حمل به كلام بعض الأكابر أخيرا
وهو المبالغة والتنزيه التام فإن مباشرة أعمالهم ملزومة غالبا لمواجهتهم ومخالطتهم وربما
ينجر ذلك إلى الميل إليهم والطمع في دنياهم والولوج في أمرهم وإعانتهم في الظلم فإن من رتع حول الحمى
أوشك أن يقع فيه كما مر ومن مراتب الورع كما يأتي اجتناب المباحات حذرا عن الوقوع في المحرمات
مثل ترك تحدث بأحوال الناس تحرجا عن الانتهاء إلى الغيبة فتحمل عليها الحسنة وفوقها مرتبة
اجتناب بعض المندوبات لذلك كاجتناب القاضي قبول الهدايا خوفا عن الانجرار إلى الرشوة
فتحمل عليها الموثقة وفي الحسنة ارشاد ذلك فإنه (ع) سامح في النهي عن الأعمال المذكورة ابتداء
وغلظ بعد ذلك في التوعيد على معاونتهم من غير تصريح بأن تلك الأعمال داخلة في المعاونة
والصدق العرفي الذي عول عليه غير متحقق فيها والتعبير بالإعانة في الموثقة تغليظا أعم منه كالتعبير
عن بعض المعاصي بالكفر والقدر المتحقق إنما هو الصدق على ما له مدخل في تكثير الشوكة وترغيب
المظلوم ونحو ذلك مما يتوليه معلق السوط بين يدي الجاير كما في الحديث النبوي وما يستتبع
ذلك غالبا من الضرب والبطش بغير حق مما لا ريب في تحريمه وتحريم فعل المحرم في نفسه
سواء كان إعانة أو غيرها لا ينافي تخصيص الإعانة بالذكر إذ قد يجتمع في الفعل الواحد حيثيات
متعددة متوافقة أو متخالفة وله بحسب كل حيثية حكم يوافق الآخر أو يغايره والفقيه الباحث
عن أحكام أفعال المكلفين يلزمه النظر في تلك الحيثيات والافصاح عن حكم كل منها على حدة كامساك
الأجنبية مثلا فإنه معصيته في نفسه لكن إن كان ذلك ليتمكن الزاني من الوقوع عليها كان إعانة
على معصية أخرى وتغلظت العقوبة وكذا تحريم إعانة كل إثم غير مناف لتخصيص إعانة الظالمين
بالذكر لكونها من الكباير والعقوبة فيها أشد كما أن عد ترك الصلاة من الكباير في الحديث السابق
لا ينافي ذكر ترك الفرايض مطلقا منها مع أنهما مشتركان في حيثية الكبر على أن المتبادر من الوصف
أن المراد بمعونة الظالمين في الروايات هي الإعانة على الإثم والعدوان المذكورة في الآية الكريمة و
اعتبار التقييد في المعان فيه دون المعاون به وهذا من الأمر بين الأمرين ويحتمل تنزيل كلام
بعض الجماعة عليه وإلا لزم كون معونة الصادق أسهل أمرا من معونة غيرهم إذ ربما تحرم بما ليس
محرما في نفسه فتأمل وأما الاستيناس بالآية فكما ترى والمروي عن أهل البيت صلوات الله عليهم
في تفسير الركون أنه المودة والنصيحة والطاعة وفي حديث آخر هو الرجل يجئ إلى السلطان فيحب
بقائه إلى أن يدخل يده في كيسه فيعطيه والحقوق التي يحرم حبسها تعم حقوق الله وحقوق الآدميين
والمالية والبدنية وما يجوز مطالبته وما لا يجوز ومنها الاقتصاص ومضاجعة الزوجة و
وطيها حيث يجبان ولا فرق بين كونها معلومة لذي الحق أو مجهولة فإن علم وأذن في التأخير
خرج من الحبس والمراد بالكذب هنا الأخبار بما لا يطابق الاعتقاد ويأتي الكلام فيه وفي
تواليه الثلاث في أبوابها والخيانة تشمل الجحود والتعدي والتفريط في الأمانات المالية مالكية كانت
أو شرعية ولا تقاص من الأولى بالنص والمحتاط لا يقاص من الثانية أيضا وهي من الثلاث التي لا
رخصة فيها لأحد كما تقدم ويندرج تحتها النميمة وافشاء الأسرار لأن المجالس بالأمانة كما يأتي
وبه فسر قوله (تع) في امرأة نوح وامرأة لوط فخانتاهما ومن أنواعها الخيانة في الأعراض كما سبقت الإشارة إليه واستحقار أولياء الله إهانة المؤمنين واذلالهم وفي الحديث القدسي بعده طرق
صحيحة من أهان لي وليا وفي بعضها من استذل عبدي المؤمن فقد بارزني بالمحاربة والاستخفاف بالحج تركه أو ترك تعظيمه لأنه من الشعاير المعظمة أو تأخيره أو الغمز بأعماله التي لا تأنس
22

بها النفوس ولا تدرك معانيها العقول القاصرة كرمي الجمار والتردد بين الصفا والمروة على
سبيل التكرار فإنها مما اختص بها الحج دون سائر العبادات كالزكاة التي هي انفاق مقدر على
وجه معلوم ينتفع به الفقراء والصوم الذي هو كسر للشهوة ورياضة وتصفية للنفس والصلاة التي
هي تواضع وتعظيم وذكر لله سبحانه على هيئة الخضوع والخشوع فإنها كلها معان معقولة لكل من
له أدنى غور وبصيرة في الأمور بخلاف وظائف الحج ومن ثم كثر هذر الملاحدة فيه دونها ولعل
هذا هو الوجه في اختصاصه بكبر استخفافه وأيضا كل ما أدرك العقل وجه الحكمة في فعله مال
الطبع إليه ميلا ما بقدر ما أدرك من وجه حكمته فيكون ذلك الميل معينا في الأمر وباعثا على
الفعل فلا يكاد يظهر به كمال الرق والانقياد وإذا اقتضت حكمة الله سبحانه ربط نجاة الخلق بكون
أعمالهم على خلاف أهوية طباعهم وأن تكون أزمتها بيد الشارع فيترددون في أعمالهم على سنن
الانقياد ومقتضى الاستعباد كان ما لا يهتدي إلى معانيه أبلغ أنواع التعبدات في تزكية النفوس
وصرفها عن مقتضى الطبع إلى مقتضى الاسترقاق ولأجل ذلك قال صلى الله عليه وآله في الحج على الخصوص لبيك بحجة
حقا تعبدا ورقا ولم يقل ذلك في الصلاة وغيرها فمن ثم كان الاستخفاف به بأي معنى أخذ أكبر
من الاستخفاف بغيره والاشتغال بالملاهي يشمل اللعب بها واستماعها وتعليمها وتعلمها
وعمل آلاتها وبيعها وشرائها ونحو ذلك والاصرار من الصر وهو الشد والربط قال المفسرون
في قوله (تع) ولم يصروا على ما فعلوا أنه الإقامة على الذنب من دون استغفار كان المذنب
ارتبط بالإقامة عليه وقيل هو الاكثار من الذنوب سواء كان من نوع واحد منها أو أنواع مختلفة
وقيل هو المداومة على نوع واحد منها وقيل هو أن تتكرر الصغيرة بحيث يشعر مجموعها بما
يشعر به أصغر الكباير وفي حديث جابر عن أبي عبد الله (ع) هو أن يذنب الذنب فلا يستغفر الله
ولا يحدث نفسه بتوبة فذلك الاصرار وهو ظاهر المقابلة في حديث هشام عن أبي الحسن (ع)
والتوبة والاصرار وفي حديث سماعة عن أبي عبد الله (ع) والتوبة وضدها الاصرار وفي النبوي
المتفق عليه لا صغيرة مع الاصرار ولا كبيرة مع الاستغفار ويمكن تطبيق كلام المفسرين عليه
إلا أن ما ذكروه من التعليل والتمثيل من أنه إنما كبر لأنه سبب تراكم الظلمة على القلب كالأنفاس
المتعاقبة على وجه المرآة ولو مر عليه ذلك المقدار من النسيم دفعة مجتمعة لما أثر فيه ذلك التأثير
أو قطرات الماء المتقاطرة على الحجر فإنها تؤثر فيه بخلاف ما لو جمعت وصبت صبة واحدة لإملائه
فإنه يقتضي كونه أمرا وجوديا ومقتضى الروايات أنه عدمي إلا أن يقال إن الواجب المبادرة إلى التوبة
في كل آن فيحصل في تركها في الآنات المتعاقبة ذنوب كثيرة تنضاف إلى الأول ويتحقق المحذور وبما ذكرناه
ظهر أن تقسيمه إلى الفعلي والحكمي ثم المناقشة في تعريف كل منهما مما لا وجه له وكذا الخلاف في أن
الكبيرة هل هي نفس الاصرار على الصغيرة كما هو ظاهر حديث الكتاب أو هي الصغيرة المصر
عليها كما هو ظاهر الحديث النبوي ولا يعرف لهذا الخلاف ثمرة بعد الاتفاق على تحقق كبيرة
بالاصرار ومثله القول في الاستحقار للذنب كأن يقول باللسان أو بالقلب وإن كان الأول
أفحش طوبى لي لو لم يكن غير ذلك فورد عن أبي عبد الله (ع) أنه لا يغفر روى ذلك زيد الشحام
في الموثق عنه (ع) قال اتقوا المحقرات من الذنوب فإنها لا تغفر قلت وما المحقرات قال الرجل يذنب
الذنب فيقول طوبى لي لو لم يكن لي غير ذلك وهو مما يؤدي إلى الاصرار مطلقا وكذا نسيان حلمه (تع)
عنه في تأخير العقوبة وستره عليه بالصون عن الفضيحة حسبانا منه أن ذلك عناية من الله
به وكرامة له فإنه سبب الأمن من مكره عز وجل باستدراجه من حيث لا يعلم واملائه له ليزداد
إثما وكذا الاظهار بالاتيان به بمشهد الغير ابتداء أو التحدث به بعد ذلك فإنه يؤدي إلى ذنوب
آخر كهتك الستر وهو مضادة له (تع) لأنه كريم يظهر الجميل ويستر القبيح وترغيب الغير سيما إذا
كان متبوعا فيكون قد سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها وورد في الحديث النبوي
المذيع بالسيئة مخذول والمستتر بها مغفور له وهذه الكباير كلها راجعة عند التأمل إلى ما
يتعلق بالضروريات الخمس التي هي مصلحة الأديان والعقول والنفوس والأموال والأنساب و
أما الصغاير فهي ما عدا الكباير المعدودة وهي كثيرة ولنذكر جملة من المنصوصات مما يكثر
وقوعها وربما يرجع بعضها إلى الكباير ويعد منها فمنها تحليل الحرام وتحريم الحلال والقياس
في الدين والافتاء في المسائل الشرعية بغير حجة شرعية ومتابعة البدع والاستهانة بحرمات
الله كالقرآن وقبور الأنبياء والأئمة (ع) وقلة الاعتناء بآثارهم وأخبارهم ومنع مساجد الله
أن يذكر فيها اسمه والسعي في خرابها وكتمان الحق والرشا في الكتمان والوقوف في بلد الكفر
مع التمكن من الخروج منه ومشاقة الرسول ومتابعة غير سبيل المؤمنين وتحريف الكلم عن
مواضعه وقطع الطريق ومنع الماء المنتاب والغصب واللبث في المساجد جنبا أو حايضا ولبس
الذهب للرجال وكذا الحرير إلا ما استثنى واستعمال أواني الذهب والفضة وتصوير ذوات
الأرواح والبناء رياء وسمعة وقذف غير المحصنة وهجاء المؤمنين والغيبة والنميمة و
الشكوى في المصائب والنياحة بالباطل واللعن والسب لغير مستحقهما وتكلم المرأة عند
الأجانب لغير ضرورة وتحدثها بما تخلو به مع زوجها والاستماع إلى ذلك كله وتزين المرأة لغير
زوجها وخروجها من بيته بغير إذنه ومباشرتها لأخرى ليس بينهما ثوب والقيادة والمساحقة
والنظر إلى عورة المسلم والاطلاع على بيت الجار والاستماع إلى حديث قوم وهم كارهون و
الحضور في محاضر المعصية والصفق والرقص والصفير وعلى مائدة يشرب عليها الخمر وإن لم يشرب
23

وفي الحديث لعن الله الخمر وعاصرها وغارسها وشاربها وساقيها وبايعها ومشتريها وأكل
ثمنها وحاملها والمحمولة إليها والكهانة والقيافة والشعوذة والتنجيم واظهار الحسد وإشاعة الفواحش
في المؤمنين وتجسس عوراتهم والشماتة بمصائبهم والبذاء والفحش والمراء والغدر والغش و
التصرية والتدليس والاستخفاف بالبول وسائر النجاسات والاختيال في المشي وسد الطريق المسلوك
وتزي الرجال بزي النساء والنساء بزي الرجال والإعانة على الإثم والعدوان وايذاء المؤمنين
خصوصا الجيران واضرار المماليك والنساء والأولاد والبخل وسائر الذمايم الآتي بيانها و
خفر الذمة والمن بعد الصدقة وأكل اللحوم المحرمة كالكلب والسنور وسباع الوحوش والطيور و
بعض السموك ومحرمات الذبيحة كما يأتي ومجامعة الحايض والنفساء والتمتع بالأجنبية بالنظر واللمس
والمضاجعة والتقبيل والتحديث وكذا الصبيان وتبرج النساء للرجال واتيان البهائم والاستمناء
باليد وغيرها وتأخير العمرة عن عام الوجوب وأكل السموم والطين والتراب والمدر والأمر بالمنكر و
النهي عن المعروف واستكبار الطاعة وكراهة الجماعة وغيرها من السنن الشرعية وحلق اللحية وترك
المندوبات إذا بلغ حدا يؤذن بالتهاون بالدين والاستخفاف بشريعة سيد المرسلين صلوات
الله عليه وآله أجمعين والغناء واستماعه وتعلمه وتعليمه والتكسب به وبذل الأجرة له وبيع المغنية
وشرائها لذلك سواء كان مقرونا بشئ من آلات اللهو أم لا وسواء كان صوت رجل أو امرأة أجنبية
أو ذات محرم وسواء كان له معرفة مكتسبة بفن الموسيقى وتأليف النغمات ورعاية النسبة بينها
أو تعاطي ذلك طباعا بحسب السليقة وسواء كان في كلام موزون أو غيره له معنى مفهوم أم لا للعمومات
المستفيضة في ذلك من غير مخصص إلا ما في صحيحة أبي بصير أجر المغنية التي تزف العرايس ليس به بأس
وليست بالتي يدخل عليها الرجال وربما يلحق به الحداء ومراثي الحسين (ع) ولم يثبت له حقيقة في
الشرع فالمرجع فيه إلى العرف وما قيل إنه مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب إن أريد به بيان العرف
كما هو أحد الاحتمالين فلا حاجة إليه وإن أريد به ما يقابله وهو أظهرهما فلا مأخذ له فتحسين الصوت
وترقيقه على وجه يؤثر في النفوس ولا يعد في العرف غناء باق على أصل الإباحة وفي المتفق عليه أن علي
بن الحسين (ع) كان يقرأ فربما مر عليه المار فصعق من حسن صوته وللكلمات البليغة المشتملة على معان
لطيفة من معارف السر إذا أنشدت على ألحان متناسبة تأثير ظاهر في تجريد النفس عن بعض علائقها
وتشويقها إلى دار سعادتها كما في حديث علي بن الحسين (ع) أيضا وقد سئل عن شراء جارية لها صوت
ما عليك لو اشتريتها فذكرت الجنة وعلى هذا فالمراثي خارجة عن موضوع المسألة لا حاجة إلى استثنائها
وقد أفرط في المقام من جعل أنين البنائين من الغناء المحظور كما فرط المصنف في مطولاته بتخصيصه
بما كان على النحو المعهود المتعارف في زمن بني أمية من دخول الرجال عليهن واستماعهم لصوتهن وتكلمهن
بالأباطيل ولعبهن بالملاهي من العيدان والقصب وغيرها وبالجملة ما اشتمل على فعل محرم دون
ما سوى ذلك وإن أمكن تطبيقه على ما اخترناه بضرب من العناية فافهم وقيل الذنوب كلها
كبائر لاشتراكها جميعا في مخالفة الشارع والخروج عن طاعته وإنما تطلق الصغيرة والكبيرة على
الذنب بالإضافة إلى ما فوقه وما تحته فالقبلة صغيرة بالنسبة إلى الزنا كبيرة بالنسبة إلى النظر و
وكذا سرقة الدينار بالنسبة إلى الدرهم والقنطار وأسند هذا القول إلى أصحابنا وفيه ما فيه كما
فصلنا القول فيه في المسائل الجبلية الثانية والطهارة عن الجريمة مطلقا إما بالتوبة وحدها
كما في لبس الحرير أو مع التدارك بالقضاء وحده كما في ترك الصلاة أو الكفارة وحدها كما في وطي
الحايض أو كليهما كما في افطار رمضان أو غير ذلك مما سيأتي أو التوبة مع الحد كما في شرب الخمر أو التعزير
كذلك كما في وطي البهيمة أو كليهما كما في الزنا بالميتة أو التوبة والتدارك مع الحد كما في الزنا في نهار رمضان
أو التعزير كما في وطي الزوجة فيه أو الجميع وهو التوبة والتدارك والحد والتعزير كما في الزنا في نهار
رمضان بالميتة فالأقسام الجميلة ثمانية أخل المصنف طاب ثراه بقسمين منها وذلك بحسب أصناف
الجرايم كما يأتي تفاصيلها والقدر المشترك بين الجميع التوبة ومن ثم بدأ ببابها
باب التوبة وهي في اللغة
الرجوع وفي الاصطلاح إذا نسبت إلى العبد تبرئة القلب وتنزيهه عن درن الذنب بماء الحسرة والرجوع من
المعصية التي هي سبب البعد عن ساحة الكرامة إلى الطاعة التي هي سبب القرب إليها وتتعدى حينئذ بإلى
وإذا نسبت إلى الله عديت بعلى لتضمنها معنى العطف والفضل فإنها حينئذ الرجوع من القهر إلى اللطف وذلك أن الله قد سبقت رحمته غضبه وهو المبتدئ بالنعم قبل استحقاقها وقد فطر عباده على التقرب إليه بالطاعات والإساءة السانحة من العبد خروج عن الفطرة وتباعد عن مرتبة القرب واللطف إلى عرصة القهر
فالتوبة الماحية لتلك الإساءة يلزمها عود العبد إلى مقتضى فطرته الأصلية والرب إلى رحمته السابقة
كالوسخ الطاري على الثوب النقي إذا غسل بالصابون وبولغ في إزالته عاد إلى نظافته الأولية وصلوح
ملابسة الملك أو المرض العارض في البدن إذا عولج عاد إلى الصحة وكما أن الغالب على أصل الأمزجة
الطبيعية الصحة وإنما يعرض المرض بأسباب مغيرة إذا أزيلت زال المرض كذلك إذا تحققت التوبة التي هي
علاج القلوب المريضة عادت إلى فطرتها وما كانت عليه من مرتبة القبول وإليه الإشارة بقوله عز وجل
إلا من أتى الله بقلب سليم ومن ثم ورد في الحديث النبوي وغيره التائب من الذنب كمن لا ذنب له والتائب
حبيب الله وهي فرض مأمور به في عدة مواضع من القرآن كقوله عز وجل وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون وغيره من الآيات مدلول على وجوبه بالعقل للصراح فإن من علم معنى الذنوب وأنها قبايح يحرم
بها عن السعادة الأبدية التي هي محبوبة لكل عاقل ويتعرض للهلاك الدائم ومعنى التوبة وأنها المنجية من
تبعات الذنوب ومعنى الواجب وأنه ما يذم تاركه ثم جمع بين هذه المعاني فإنه لا يستريب في أنها من الوجوب
24

المؤكد في مرتبة لا يعقل لها غاية وهذا العلم لا يحتاج إلى مزيد نظر لأنه داخل في الايمان ومن ثم
خص الخطاب بالتوبة في الآية المذكورة بالمؤمنين ولكن ربما تذهل الغفلة عنه فينتبه عليه التوفيق و
كما يلتفت به إلى أصل وجوبها في الجملة يلتفت إلى عموم وجوبها على كل أحد في كل حال لأن غرائز الشهوة و
الغضب وسائر الذمايم تسابق إلى النفوس الانسانية على كمال العقل لأنه إنما يتحقق ببلوغ الأشد في حدود
الأربعين وهي قد تكاملت قبل ذلك واستولت على المكان وألف بها القلب بمقتضى العادة ومن ثم الانسان
أسلس قيادا للباطل منه للحق إلا من عصمه الله فلا جرم لا ينفك في كل وقت عن معصية بجوارحه فإن
خلا في بعض الأوقات عن معصية الجوارح فبقلبه من هم بذنب أو تحديث النفس بوسوسة أو مداهنة في باطل
أو تقاعد عن حق أو غير ذلك مما يحده كل أحد من نفسه وإلى وجوبها على الفور لأن العالم بأن الذنوب مهلكات
لروح الايمان كالعالم بأن السموم مهلكات لروح الحياة وكما يجب على شارب السم المبادرة إلى التنقية و
الاستفراغ تلافيا لحياته المشرفة على الزهوق والزوال كذلك يجب على صاحب الذنوب المبادرة إلى التوبة تلافيا
لايمانه المشرف على الاضمحلال ومن أهمل المبادرة إلى وسوفها من وقت إلى وقت فهو بين خطرين عظيمين
إن سلم من أحدهما فلعله لا يسلم من الآخر أحدهما أن يعاجله الأجل فلا يتيقظ من غفلته إلا وقد حضره
الموت وفات وقت التدارك وضاقت عليه الأرض بما رحبت وانسدت أبواب التلافي وجاء الوقت الذي
أشار إليه عز وجل بقوله وحيل بينهم وبين ما يشتهون وقوله (تع) وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا
حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن وصار يطلب المهلة والتأخير يوما أو ساعة فيقال له لا محصلة لك كما قال
عز وجل من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين فيغلق
عنه باب التوبة ويغرغر بروحه إلى النار ويتجرع غصة اليأس وحسرة الندامة على تضييع العمر فيما لا ينفع في
القيامة وربما اختل أصل ايمانه في صدمات تلك الأهوال نعوذ بالله من ذلك وثانيهما أن تتراكم
ظلمة المعاصي على قلبه إلى أن يصير زينا وطبعا فلا يقبل المحو فإن كل معصية يرتكبها الانسان يحصل منها ظلمة
في قلبه كما يحصل من نفس الانسان ظلمة في المرآة كما تقدمت الإشارة إليه فإذا تراكمت ظلمة الذنوب صارت
رينا كما يصير بخار النفس عند تراكمه على المرآة صداء وإذا تراكم الرين صار طبعا فيطبع على قلبه كالخبث على
وجه المرآة إذا تراكم بعضه فوق بعض وطال مكثه وغاص في جرمها وأفسدها فصارت لا يقبل الصقل أبدا
وقد يعبر عن هذا بالقلب المنكوس والقلب الأسود كما روي عن أبي جعفر (ع) ما من شئ أفسد للقلب من خطيئة
إن القلب ليواقع الخطيئة فلا يزال به حتى تغلب عليه فيصير أعلاه أسفله وعنه (ع) ما من عبد إلا وفي قلبه
نكتة بيضاء فإذا أذنب ذنبا خرج في النكتة نكتة سوداء فإن تاب ذهب ذلك السواد وإن تمادى في
الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي البياض فإذا غطى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبدا وهو قول الله
عز وجل بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون وربما يؤل حال صاحب القلب إلى قلة المبالاة بأمور الشريعة
واختلال عقيدته وزوال ايمانه فيموت على غير الملة وهو المعبر عنه بسوء الخاتمة نعوذ بالله من ذلك
هذا حاصل ما أفاده أبو حامد في ذا الباب ومن كلام بعضهم اغتنموا التوبة قبل أن يصير القريب نائيا
والمستقبل ماضيا والمحصول ندما والموجود عدما ويضرب الأدبار على المصرين سرادق الخسار
فلا إقالة عثار ولا توفيق إنابة واعتذار وربما يناقش في وجوبها العقلي عن الصغاير بأنها مكفرة
باجتناب الكباير فلا حاجة إلى التوبة عنها وفيه أن الندم على القبيح من مقتضيات العقل الصحيح و
من حفظ ما أوردناه من الأخبار في معنى الاصرار ظهر له سقوطها عن درجة الاعتبار وإن لم
يتب عن الصغاير لم يجتنب الكبائر وفي الفورية بما رواه زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام
أن العبد إذا أذنب ذنبا أجل من غدوة إلى الليل فإن استغفر الله لم يكتب عليه وعنه (ع) من عمل سيئة أجل
فيها سبع ساعات فإن قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ثلاث مرات لم يكتب عليه وفي معناهما
غيرهما وفيه أن تأخير الكتابة تفضلا ورحمة لا ينافي وجوب المبادرة إلى التوبة كما لا يخفى وجدواها حبه (تع)
وهو ملاك كل خير لأن الله يحب التوابين والتائب حبيب الله والتوفيق على الطاعة لأن الذنوب حابسة
عنها ففي الحديث أنه قال رجل لأمير المؤمنين (ع) قد حرمت صلاة الليل فقال (ع) أنت رجل قد قيدتك ذنوبك
وعن أبي عبد الله (ع) إن الرجل يذنب الذنب فيحرم صلاة الليل وأن العمل السئ أسرع في صاحبه من السكين
في اللحم وادراك حلاوتها فإن طعم العسل مما يختص باحساسه الذوق السليم دون الممرور وقبولها فعن أبي
عبد الله (ع) لا والله لا يقبل الله شيئا من طاعته على الاصرار على شئ من معاصيه والعافية من الأمراض
والنكبات فإنها من تبعات الذنوب فعنه (ع) أما أنه ليس من عرق يضرب ولا نكبة ولا صداع ولا
مرض إلا بذنب وذلك قول الله عز وجل ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم والرزق لأن الذنوب
محرمة عنه فعنه (ع) إن الذنب ليحرم العبد الرزق وعن أبي جعفر (ع) إن الرجل ليذنب الذنب فيدرأ
عنه الرزق وتلا هذه الآية إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون فطاف عليها طائف من
ربك وهم نائمون وقضاء الحوائج فعنه (ع) إن العبد يسأل الله الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل
قريب أو إلى وقت بطئ فيذنب العبد ذنبا فيقول الله تبارك وتعالى للملك لا تقض حاجته وأحرمه إياه
فإنه تعرض لسخطي واستوجب الحرمان مني وهي مقبولة مسقطة لعقاب الجريمة مع تحقق شروطها بلا
شك بالكتاب والسنة والاجماع والخلاف بعد ذلك في أنه هل هو على وجه التفضل أو الاستحقاق
وهل هو بنفس التوبة أو كثرة الثواب مما لا يهم وإنما الشك في تحققها وإلا فالقبول مبذول وتوهم أن
التوبة تصح ولا تقبل كتوهم أن الثوب يعالج بالصابون والوسخ لا يزول اللهم إلا أن يكون قد غاص لطول
لطول تراكمه في تجاويف الثوب وخلاله ولا يقوى الصابون على قلعه ومثال ذلك القلب المطبوع فإنه
لا يرجع ولا يتوب كما ذكر نعم ربما يقول باللسان تبت فيكون كقول القصار بلسانه قد غسلت الثوب
25

وذلك لا ينظفه أصلا ما لم يغير صفته باستعمال ما يضاد الوصف المتمكن فيه فهذا حال امتناع أصل
التوبة في حق من ورد فيهم من المجرمين أنهم لا تقبل توبتهم بسبب أن شروطها لا يجتمع فيهم وهي بحسب
المذكور هنا ثلاثة الاخلاص وهو الأصل في العبادات كلها وتوطين النفس على الندم على ما فرط في جنب
الله والعزم على عدم العود أبدا وعن الأول عبر بقوله أن تكون لله أي ناصحة له سبحانه باعثا عليها أمره
مطلوبا منها وجهه لا لمال أو جاه يكتسبهما أو يستديمهما بها أو خوف من معاقبة سلطان عادل أو جاير
يعاقبانه على الجريمة حتى الخوف من النار كما صرح به المحقق الطوسي وهو اللازم على كل من أبطل
العبادة بذلك القصد وإن كان فيه كلام يأتي في محله ومثله الخوف من حرمان نعيم الجنة أو عدم أسباب
وآلات كتوبة المحبوب عن الزنا والأطرش عن استماع الغناء ومنه التوبة عند المعاينة كما تقدم ويأتي
لفقد الحياة التي هي أصلها وفيه كلام وعن الثاني بقوله أن يتندم وذلك بعدل النفس الأمارة بالسوء
ولعن الشيطان الداعي إليه وهجر النديم المحرك له والمعاون فيه والمهون لأمره ومنادمة الصالحين
إلى غير ذلك من شعار النادمين أما نفس الندم فغير مقدور لأنه أمر طبيعي لا يدخل تحت الإرادة و
الاختيار فلا يتعلق به التكليف والوجه أن العلم بضرر الذنوب وأنها الحائلة عن المحبوب يستعقب
للعالم به توجع القلب وتألم الروح بما ارتكب منها كما في كلام أمير المؤمنين (ع) لا وجع أوجع للقلوب من الذنوب
على أحد الوجهين والندم ليس إلا هذا التوجع والتألم فيسوغ سوقه مساق متعلقات القدرة لتعلق
الإرادة والاختيار بمبدئه وهو العلم المذكور الذي هو من أجزاء الايمان كما عرفت وهو ليس من العلوم المقصود
لذاتها بل إنما تقصد لهذا الحال وهو التوبة حقيقة كما في الحديث النبوي الندم توبة وعن أبي جعفر (ع) كفى بالندم
توبة وفي دعاء سيد الساجدين (ع) اللهم إن كان الندم توبة فأنا أندم النادمين ولقد أجاد من رسم التوبة
بأنه الندم على القبيح لقبحه ثم إذا غلب هذا الألم حصلت حالة ثالثة هي القصد إلى أمور ثلاثة لها تعلق بالحال
والماضي والاستقبال فالأول أن يترك ما هو مقيم عليه من الذنوب وعن أمير المؤمنين (ع) إن الندم على الشر
يدعو إلى تركه والثاني أن يتدارك ما يمكن تداركه بما يأتي والثالث أن يعزم على عدم العود إليها إلى آخر العمر
فهذه الأمور الثلاثة أعني العلم والندم والقصد المذكور مترتبة في الحصول أولها مقدمة وآخرها ثمرة
وترتب هذه الأمور غير مختص بالتوبة بل انتظام الصبر والشكر والتوكل وغير ذلك من المقامات الدينية إنما هو
من هذه الأمور الثلاثة أعني العلم والحال والعمل كما يأتي فيما بعد وبما ذكرناه ظهر أن الشروط المذكورة ليست شرعية
ولا عقلية إن تم الفرق بينهما وأنها لا توقت وحقها أن يعترف التائب بذنبه فورد في الحديث النبوي الاعتراف
بالذنب كفارة له وعن أبي جعفر (ع) والله ما ينجو من الذنب إلا من أقر به وعنه (ع) والله ما أراد الله من الناس إلا
خصلتين أن يقروا له بالنعم فيزيدهم وبالذنوب فيغفرها لهم وعن أبي عبد الله والله ما خرج عبد من ذنب
باصرار وما خرج عبد من ذنب إلا باقرار ويتدارك الفرايض المضيعة بما يأتي بيانه ويرد المظالم وهي
حقوق الآدميين إلى أصحابها أو ورثتهم ويذيب اللحم النابت في بدنه من الحرام بالحزن على ما مضى ويذيق النفس
مرارة المعصية بالاستمرار على الطاعة كما أذاقها حلاوة الطاعة بارتكاب المعصية فعن أمير المؤمنين (ع) أن
التوبة يجمعها ستة أشياء على الماضي من الذنوب الندامة وللفرائض الإعادة ورد المظالم واستحلال الخصوم
وأن تعزم على أن لا تعود وأن تذيب نفسك في طاعة الله كما ربيتها في المعصية وأن تذيقها مرارة الطاعات
كما أذاقها حلاوة المعاصي وعنه (ع) أن قائلا قال بحضرته أستغفر الله فقال (ع) ثكلتك أمك أتدري ما الاستغفار
إن الاستغفار درجة العليين وهو اسم واقع على ستة معان أولها الندم على ما مضى الثاني العزم على ترك
العود إليه أبدا الثالث أن يؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله سبحانه أملس ليس عليك تبعة الرابع أن
تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها الخامس أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان
حتى يلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد السادس أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية
فعند ذلك استغفر الله قال أبو حامد كما لا يكفي في جلاء المرآة قطع الأنفاس والأبخرة المسودة عنها بل لا بد من
تصقيلها وإزالة ما حصل في جرمها من السواد كذلك لا يكفي في جلاء القلب من ظلمات المعاصي وكدوراتها مجرد
تركها وعدم العود إليها بل يجب محو آثار تلك الظلمات بأنوار الطاعات ويغسل ثيابه التي أذنب فيها سيما ما باشر
بها النجاجات أو يبدلها فيكون قد جمع بين التراهتين لارتباط الملك بالملكوت كما تقدم ويغتسل سواء كانت
توبته عن الكفر أو غيره من الكباير على المشهور وربما يلحق بهما الصغاير أيضا والمستند ما رواه المحمدون الثلاثة
عن أبي عبد الله (ع) أنه جاء إليه رجل وقال إن لي جيرانا ولهم جوار يتغنين ويضربن بالعود فربما دخلت المخرج
فأطيل الجلوس استماعا مني لهن فقال (ع) لا تفعل فقال والله ما هو شئ آتيه برجلي إنما هو سماع أسمعه بأذني
فقال الصادق (ع) تالله أنت أما سمعت الله يقول إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا
فقال الرجل كأني لم أسمع بهذه الآية من كتاب الله عز وجل من عربي ولا عجمي لا جرم إني قد تركتها فإني أستغفر
الله (تع) فقال له الصادق (ع) قم فاغتسل وصل ما بدا لك فلقد كنت مقيما على أمر عظيم ما كان أسوء حالك لو مت
على ذلك استغفر الله واسأله التوبة عن كل ما يكره فإنه لا يكره إلا القبيح والقبيح دعه لأهله فإن لكل أهلا
وأنت خبير بقصوره عن هذه التعميمات فإن أمر مستمع الغناء وصوت العود والأجنبية مع الاصرار والاستحقار
بالغسل لا دلالة فيه على حكم غيره بوجه وربما يستدل للأول بما نقل من أمره صلى الله عليه وآله قيس بن عاصم وثمامة بن أثال
بالغسل عند الاسلام وهو إنما يتم لو ثبت كونها للتوبة دون غيرها مما يقل الانفكاك عنه كالجنابة فالمعتمد
الشهرة لأنه مما يتسامح فيه ويصلي ما أراد وقد عرفت المستند وما فيه مع فقد الشهرة هنا لكن الصلاة خير
موضوع وليكن ذلك في موضع خال فإنه أقرب إلى الستر وأحرى بحضور القلب وأسلم من الرياء وغيره من
الآفات والأخبار في فضل عبادة السر ودعائه مستفيضة وفي الأوقات التي تفتح أبواب السماء ويرجى
القبول وهي عند هبوب الرياح ونزول المطر والزوال وأول قطرة من دم القتيل المؤمن والسحر إلى طلوع الشمس إلى
26

غير ذلك مما يأتي في باب الدعاء ويضع الوجه على الأرض بهيئة الساجد لأنه أقرب ما يكون العبد من ربه و
يمرغه في التراب لأنه أبلغ في التذلل وارغم للشيطان بدمع جار فإنه من علامات الإجابة وكل شئ له وزن و
كيل سواه وقلب حزين وصوت علي لثكله بنفسه وفاجعة أشد منه فحق له الحزن والعويل ويذكر الذنوب واحدا
واحدا على التفصيل ليتجدد ندمه كلما ذكر واحدا منها ولا يكتفى بالاجمال سيما مع الذكر فإن فيه اشكالا ويلوم
النفس ويوبخها بإزاء كل منها والتوبيخ أشد اللوم ويرفع يديه وهو التضرع فإن تجاوز بهما رأسه فأكمل
وهو الابتهال حامدا لله أولا ذاكر نعمه عنده شاكرا مصليا على النبي وآله داعيا بعد ذكر الذنوب بالمأثور أو
غيره مستغفرا منها روى في الكافي عن أبي عبد الله (ع) قال من أطاع الله فيما أمره ثم دعاه من جهة الدعاء
أجابه قيل وما جهة الدعاء قال تبدء فتحمد الله وتذكر نعمه عندك ثم تشكره ثم تصلي على النبي وآله ثم تذكر ذنوبك
فتقر بها ثم تستغفر منها فهذا جهة الدعاء وتصح التوبة المبعضة على المشهور خلافا لمن أبطلها قالوا إن التوبة على
الذنب إن كانت لكونه ذنبا فهو أمر مشترك بين الذنوب كلها وليس بعضها أرجح بالتوبة من بعض وهي نظير
ما لو تاب شارب الخمر عن أحد الدنين مع ولوعه بالآخر وإن كانت لأمر آخر لم تكن توبة وأيضا إن الله
يحب التوابين والتائب حبيب الله ومن يحبه لم يعذبه كما ورد والعاصي بغير المتوب عنه معذب البتة فلم
تفد توبته شيئا والفاتك بابن الملك إذا أجنبت الجنابة بالسيف وجنى بالسكين لم يكن لاجتنابه السيف
أثر والجواب أن الذنوب وإن كانت كلها متشاركة في الحقيقة الجنسية إلا أنها متخالفة بحسب الفصول وإلا
عراض في مراتب التفاحش كالزنا بذات المحرم والأجنبية وفي مراتب استحقاق العقوبة شدة وضعفا كالسبع
الموجبات وغيرها وحقوق الناس التي لا تترك وحقوق الله التي أن يتسارع العفو إليها وفي أمر التدارك
عند التوبة يسرا وعسرا كترك الصلاة الموجب للقضاء وحده وافطار يوم من شهر رمضان الموجب للقضاء
وصيام شهرين متتابعين فالأغلظ أحق بالتوبة فظهر الفرق بينها وبين الدنين إذ لا فرق بينهما و
كذا الجناية بالسيف والسكين وإنما المثال المطابق الجناية على حرم الملك ودابته وأيضا الذنوب إنما
تؤتى بحسب الدواعي وتترك بحسب الصوارف وهي متفاوتة في الأشخاص والأحوال تفاوتا لا ينكر فربما يضعف
الداعي إلى بعضها ويقوى الصارف فيسهل التوبة عنه دون ما يقوى داعيه ويضعف صارفه كالموسر يضعف
داعيه إلى السرقة ويقوى إلى الكبر والمعسر بالعكس فتتفاوت الذنوب بحسب تفاوت أحوال المذنبين في
الدواعي والصوارف فلا مانع من التوبة عن البعض لضعف الداعي إليه وقوة الصارف عنه وإن أصر على البعض
الآخر لكونه على العكس منه سيما مع فرض الرجحان في طرفه بأحد المرجحات المذكورة لكونه أفحش من غيره أو العقاب
عليه أصعب أو التدارك أشق كما مثلنا وإلا لزم بقاء الكفر على التائب منه المقيم على صغيرة كاليهودي إذا سرق
بيضة ثم أسلم ولم يتب عنها والتالي باطل بالاجماع فالمقدم مثله وتفيد نقصان العقوبة لأنها بحسب الذنب
فكلما كثر كثرت وكلما قل قلت ولا تفيد النجاة عنها رأسا لأنها لا تحصل إلا بترك الكل وعليه يحمل ما ورد في
كلام أهل البيت (ع) من الحكم على التوبة المبعضة بعدم الصحة بمعنى أنها لا تفيد النجاة المطلقة هكذا ذكر المحقق
الطوسي (ره) أو تنزل على صورة عدم الرجحان في المتوب عنه والطريق إلى تحصيلها للتائب والمستتيب جميعا أمران
أحدهما ايجاد المقتضي وهو ذكر ما ورد من الآيات والأخبار في فوائد التوبة وفضلها والحث عليها وأن الله
أفرح بتوبة العبد من أحدكم إذا فقد ضالة في مفازة ثم وجدها وقبح الاصرار على الذنب عقلا وشرعا وشدة
العقوبة على المصرين في الدنيا بالنكبات والمصايب والأمراض والفقر وتعجيل الفناء وشماتة الأعداء وتسليط
من لا يرحم وسلب التوفيق وفي الآخرة بالسلاسل والأغلال والجحيم والحميم والسموم والعقارب والحيات و
نار يأكل بعضها بعضا ويصول بعضها على بعض في مدد لا يعلمه إلا الله وضعف النفس عن الاحتمال لا يسرها
في أقصر الآنات وشرف نعيم الآخرة للتائبين مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر و
مجاورة الملائكة المقربين ومرافقة الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
وحسن أولئك رفيقا ورضوان من الله أكبر كل ذلك أبد الأبدين ودهر الداهرين وخساسة الدنيا التي يعصي
في مقاصدها الدنية وملتذاتها المنقصة المقرونة بالغموم المعجونة بالسموم الفانية لذاتها الباقية تبعاتها
وقرب الموت الذي لا يسلم هاربه ولا يؤب غائبه واحتماله في كل لحظة وكل آن قريب ولذة المعرفة بالمعارف
والمناجات مع الله بالسر المشروط بنور القلب وصفاء الباطن وطهارته ورقته الممتنعة مع الاصرار على
المعصية لأنه يؤثر بالضد من ذلك كما تقدم وخوف الاملاء وهو في اللغة مطلق الانظار والامهال ويطلق على
امهال الله المجرم بعدم الأخذ الحالي عليه قال الله عز وجل ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خيرا لأنفسهم
إنما نملي لهم ليزدادوا إثما وقال عز وجل وأملي لهم إن كيدي متين وقال سبحانه وكأين من قرية أمليت لها و
هي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير وخوف الاستدراج وهو في الأصل الخداع واستدراج الله للعباد هو
اغفال العصاة بالاحسان وتجديد النعم عليهم عقيب الإساءة فينسون الاستغفار وعن أبي عبد الله (ع) إن الله
إذا أراد بعبد خيرا فأذنب ذنبا أتبعه بنقمه ويذكره الاستغفار وإذا أراد بعبد شرا فأذنب ذنبا أتبعه بنعمة
لينسيه الاستغفار ويتمادى بها وهو قول الله عز وجل سنستدرجهم من حيث لا يعلمون بالنعم عند المعاصي
وسئل عليه السلام عن الاستدراج فقال هو العبد يذنب الذنب فيملي له ويجدد له عنده النعم فيلهيه عن الاستغفار من الذنوب فهو مستدرج من حيث لا يعلم والآخر رفع المانع وهو قلع أسباب الاصرار عن القلب و
هي الغرور وهو سكون النفس إلى اتباع الهوى الصاد عن الحق وحب الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة وطول الأمل
المنسي للآخرة وعلاجها بما يأتي في تضاعيف الأبواب الآتية وكان الثاني أولى بالتقديم لأن التخلية مقدم
على التحلية والطبيب الطبيعي يبدء بالاستفراغات لقلع مادة المرض عن المزاج ثم يثني بالأدوية والأغذية المعيدة
للصحة والروحاني مثله
باب التدارك وهو يختلف باختلاف الجرايم المتوب عنها من حق الله وحق العبد وأصناف
كل منهما بحيث لا ينتظم تحت قاعدة كلية إلا أنه في حقه (تع) لا يزيد الواجب على القضاء والكفارة بل يكتفي في بعضها
27

بالقضاء وحده كترك الصلاة والحج والعمرة ونحوها وهو فرض جديد وفي بعضها بالكفارة وحدها كوطي
الحايض وتأخير قضاء رمضان من غير عذر إلى رمضان آخر ويجمع بينهما في بعض كافطار صوم رمضان وأما في
حق العبد فلا يخلو الحق من أربعة أقسام مالي وبدني وديني وعرضي وينوب مناب القضاء في الأول رد
المال المغصوب أو المسروق أو المخان به بعينه أو بمثله أو بقيمته إلى المالك إن كان موجودا أو الوارث ولو
بمراتب مع الاعلام احتياطا والاستحلال عن حق الحبس مبالغا في التبليغ عينا ونماء وإلا بقي في ذمته
يقتص منه يوم القيامة وهل هو لصاحبه الأول أو آخر وارث ولو بالعموم كالإمام أو ينتقل الحق إلى الله تعالى
أقوال وتظهر الفائدة فيما لو كان هو الوارث أولا أو أخيرا وفي صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع) إذا كان
للرجل على الرجل دين فمطله حتى مات ولم يقض عنه فهو للميت يأخذه منه ومنهم من صرح بأن الحق للأول لكن
لكل من الورثة عوض عن ألم حبس الحق الذي انتقل إليه كل ذلك أن أمكن وإلا فالعزم عليه مع الاشهاد والوصية
إلى ثقة معه أيضا أو التصدق عنه مع الضمان وفي الثاني عرض الاقتصاص في جناية العمد على النفس على وارث المجني
عليه وفي جنايته على الطرف والضرب واللطم ونحوهما عليه أو على الوارث أو الدية فيما له دية في غيره حتى
الخطأ المحض وإن لم يكن جريمته أو الاستعفاء في الجميع من العمد وغيره أو المالي والبدني وفي صحيحة عبد الله
بن سنان عن أبي عبد الله (ع) في توبة القاتل وإن لم يكن علم به أحد انطلق إلى أولياء المقتول فأقر عندهم بقتل
صاحبهم فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية وأعتق نسمة وصام شهرين متتابعين وأطعم ستين مسكينا
توبة إلى الله عز وجل وأما رواية عيسى الضرير عنه (ع) قال قلت له رجل قتل رجلا ما توبته فقال يمكن من نفسه
قلت يخاف أن يقتلوه قال فليعطهم الدية قلت يخاف أن يعلموا بذلك قال فليتزوج إليهم امرأة قلت يخاف أن
تطلعهم على ذلك قال فلينظر إلى الدية فيجعلها صررا ثم لينظر مواقيت الصلاة فليلقها في دارهم فتحتمل الحمل
على ما إذا رجا العفو بذلك وفي الثالث بذل العلم في منعه والارشاد إلى الحق في الاضلال عنه كل ذلك عند
القدرة على الوصول إلى من له الحق ولو كان بعيدا والخروج عن مظلمته وأما عند العجز فتكثير الحسنات
بحسب المظالم ليقتص عنه في ديوان القيامة وإلا حمل من أوزار أربابها بقدرها ولا يظلم ربك أحدا وذلك
قوله (تع) وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وأما في الرابع نحو الغيبة والسب والقذف والايذاء فالاستعفاء عن
ذي الحق مع البلوغ إليه وتمكين المقذوف من إقامة الحد عليه والاستغفار له مع عدمه من غير اعلام كما
اختاره المحقق الطوسي والعلامة طاب ثراهما أو الذكر المجمل له كما اختاره شيخنا البهائي (قده) مطلقا كأن يقول
له لك علي حقوق كثيرة أستعفيك منها أو المفصل مع الاعتذار إليه كما قربه الشهيد نور الله مرقده في قواعده
إلا أن يزداد التأذي بالاظهار التفصيلي فيكتفي بالذكر المبهم حينئذ تحاميا عن ذنب آخر بالتفصيل وبهذا
التفصيل تجتمع الأدلة كلها من أن الاعلام إيذاء وتنبيه على ما يوجب البغضاء فلا يجب بل لا يجوز وأنه من حق
آدمي فلا يسقط إلا باسقاطه فيجب ولكن على سبيل الاجمال حذرا عن مفسدة التفصيل ومن أن الحقوق مختلفة
والرضا بالمجهول لا يمكن وقد تقدم في رواية الصدوق عن أبي عبد الله (ع) في رجل فجر بجارية أخيه أن
توبته أن يأتيه فيخيره ويسأله أن يجعله في حل ولا يعود وينبغي المبالغة في الاستعفاء عن صاحب الحق إن
كان حاضرا بالتلطف والتودد والاحسان إليه ولو ببذل المال والتملق له ولو بلغ حد التخاسس لتطيب نفسه
بالعفو فإن عفى برئت ذمته من المظلمة وليس له الرجوع وإلا كان تلطفه به واعتذاره إليه من جملة حسناته
التي يمكن أن يجبر بها في القيمة بعض جنايته وعليه أن يحاسب الحقوق التي عليه ويجبر كل واحد منها بحسنة
في مقابلته بإزائه مع رعاية المناسبة بالتضاد فإنه أبلغ في مخالفة النفس وزجرها عن العود وكل ظلمة
ارتفعت إلى القلب من معصية فلا تنمحي عنه إلا بنور يرتفع إليه من حسنة تضادها فإن المرض إنما يعالج
بالضد الخاص وكذلك يفعل ابتداء لو كان المستحق ميتا ولم يكن الحق موروثا أو غائبا هو أو وارثه
مع الاستغفار له فإنه من جملة الحسنات التي يعاوض بها في القيمة والمتحري نصوح توبته كذلك يعمل
في الطهارة عن حق الله (تع) أيضا تكميلا وتقوية لها فورد في الحديث النبوي اتبع السيئة بالحسنة تمحها
فيجبر التائب معصية كل عضو بطاعته مع اعتبار أخص النسب نحو سماع الملاهي بسماع القرآن و
الغناء بتلاوته والأذان والقعود في مقاعد المعصية بالقعود في حلق الذكر ومجالس العلم والوعظ وفي المسجد
جنبا بالاعتكاف فيه للعبادة والرقص بالتبتل والتضرع والابتهال والقتل الذي هو إماتة الحي بالاعتاق
الذي هو كاحياء الميت إذ الرق لا وجود له لنفسه والغيبة لأحد بالثناء عليه والهجو بالمدح والغصب بالصدفة
سيما على المغصوب منه والخيانة بالنصيحة والإهانة بالإكرام والتسبب إلى مساءته بالتسبب إلى متبرئه
إلى غير ذلك مما لا يخفى وعن أمير المؤمنين (ع) إن الله يكفي بكل حسنة سيئة إن الحسنات يذهبن السيئات
وعن أبي عبد الله (ع) ليس شئ أضر عاقبة ولا أسرع دركا للخطيئة من الحسنة أما إنها لتدرك الذنب العظيم القديم
المنسي عند صاحبه فتحته وتسقطه وتذهب به بعد اثباته وذلك قوله سبحانه إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى
للذاكرين
باب الحد والتعزير وهما في اللغة المنع والتأديب ويطلقان على التأديب الشرعي فالمقدر حد وغيره
تعزير والمقدرات خمسة الرجم والقتل بغيره والجلد والتغريب والقطع وأما الرأس فلم يلتفت إليه المصنف
والمذكور منها في صريح الكتاب ما عدا الأول فتأمل من أتى فاحشة فالأحب أن يسترها ابتداء واستدامة
ولا يفضح نفسه على رؤس الملأ ويتوب عنها فيما بينه وبين ربه ويقيم حد الله على نفسه بأنواع المجاهدة
والتعذيب فإن العفو في حقوق الله قريب من التائبين فإن لم يستتر ترتب عليها أحكام يستوفى مهماتها
في فصول الأول في الزنا واللواط والمساحقة وهي دلك المرأة فرجها بفرج أخرى من أقر صريحا بالزنا
فاعلا أو قابلا أو اللواط الموقب كذلك أو المساحقة عند الحاكم أربعا ولو في مجلس واحدا وشهد
عليه عنده في مجلس واحد على المشهور أربعة شهود ذكور أنهم شاهدوه عيانا يولج فيه ويخرج كالمرود
في المكحلة والرشا في البئر أو يولج فيه ويخرج أو تسحق فرجها بأخرى وكان الثبوت قبل ظهور التوبة من المحرم
28

وإن تقادم عهده وكان عند الفاحشة محصنا وهذا الشرط فايدته لغير الملوط والمحصن من له ما يغنيه
في قضاء شهوته عن الفاحشة من فرج حاضر مستباح بملك أو عقد دايم قد أصابه مع التكليف والحرية
بما يوجب الغسل طهره الحاكم من الزنا والمساحقة بالرجم كما يأتي في باب إقامة الحدود فهنا قيود ثمانية
الأول صراحة الاقرار بحيث لا يحتمل الخلاف وينتفى مجال التأويل وهذا جار في كل اقرار ويخص في
هذا الباب بالاشتراط احتياطا لأن فائته لا يستدرك فلا عبرة بالكنايات والمجازات وإن كانت شايعة
وفي قصة ماغر بن مالك الأنصاري الذي أقر عند رسول الله صلى الله عليه وآله بالزنا أنه لم يقبل منه حتى صرح بأنها
ناكها كما يغيب المرود في المكحلة والرشا في البئر الثاني تكراره أربعا فما زاد فلا يكتفى به مرة أو مرتين أو
ثلاثا في شئ من الفواحش الثلاث وهو في الأخيرين مقطوع به في كلامهم منقول عليه الاجماع ويحكي
عن بعض القدماء الاكتفاء في الزنا بالمرة وهو شاذ ومستنده معارض بالنصوص الكثيرة الصريحة في المشهور
وموافق للمشهور بين القوم ثم إن المشترطين للتعدد اختلفوا في اختلاف تعدد المجالس بحسب الاقرارات ولم يشترطه
الأكثرون ومنهم المصنف في المفاتيح الثالث كون اللواط مثقبا وأما فيما دونه فسيأتي التصريح بالجلد وظاهر
بعض المتقدمين عدم اشتراطه لأنهم فرضوه في غير المثقب وجعلوا الأثقاب هو الكفر كما صرح به في بعض الأخبار المتقدمة
الرابع تربيع الشهود فما زاد فلو كانوا دون الأربعة لم يثبت بشهادتهم حد وحد واحد الفرية وقيل إن شهد رجلان
وأربع نسوة فيما يوجب الرجم من الزنا ثبت به الجلد دون الرجم وله الصحيح وربما يلحق به رجل وست نساء وهو
شاذ وفي حكم الأربعة ثلاثة رجال وامرأتان في الأول بلا خلاف وفي الأخيرين أيضا عند الصدوق ومن وافقه
الخامس اتحاد مجلس الشهادة فلو حضر بعضهم قبل بعض وشهد حد ولم ينتظر حضور الباقين لأنه صار قاذفا ولا
تأخير في حد وعن أمير المؤمنين (ع) في ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا فقال (ع) أين الرابع قالوا الآن يجئ فقال (ع)
حدوهم ليس في الحدود نظرة ساعة ولا ينافي ذلك استحباب تفريق الشهود عند الريبة لامكان الجمع بين الوظيفتين
بحضورهم جملة ثم تفريقهم واستنطاقهم واحدا فواحدا في مجلس واحد ويمكن حمل حجة المخالف عليه السادس أن تكون
الشهادة عن معاينة فلا يكفي مطلق العلم كالحاصل باللمس أو القرائن وفي عدة أخبار صحيحة وغيرها حد الرجم أن
يشهد أربعة أنهم رأوه يدخل ويخرج والاخراج مما لا مدخل له في الفعل ولكن تكرر اشتراط الشهادة به في
الروايات السابع أن يكون ثبوت الجريمة بالاقرار أو البينة قبل ظهور التوبة منه فلو تاب قبل ذلك سقط
الحد مطلقا بلا خلاف أما لو تاب بعده فإن كان بالبينة فالمشهور عدم السقوط استحبابا وقيل يتخير
الحاكم بين العفو والإقامة وفي رواية إن تاب فما عليه شئ وإن كان بالاقرار فالمشهور التخيير وربما يقيد
بالرجم دون الجلد ولو أنكر بعد الاقرار سقط الرجم دون غيره وإذا ثبت موجب الحد لم يسقط بتقادم العهد
ما لم يثبت التوبة وقد وقع هذا الاشتراط في رواية ابن أبي عمير عن جميل الثامن الاحصان وهو أن يكون له فرج بقيود الأول الحضور فلو كان غائبا بمسافة التقصير فما زاد لم يكن محصنا روى ثقة الاسلام
والصدوق في الحسن عن عمر بن يزيد قال قلت لأبي جعفر (ع) أخبرني عن الغائب عن أهله يزني هل يرجم إذا كان
له زوجة وهو غائب عنها قال لا يرجم الغائب عن أهله ولا المملوك الذي لم يبن بأهله ولا صاحب المتعة
قلت ففي أي حد سفره لا يكون محصنا قال إذا قصر وأفطر فليس محصنا وفي معناها غيره ومنهم من أطلق
الغيبة ولم يقيد ومنهم من صرح بعدم التقييد وفي حكم الغائب الممنوع عنه بسبب شرعي أو غيره كما قضى
أمير المؤمنين (ع) في محبوس له امرأة حرة في بيته في المصر وهو لا يصل إليها فزنى في السجن فقال (ع) عليه
الجلد ويدرء عنه الرجم وهذا معنى ما ورد في الصحيح في تفسير المحصن أنه من كان له فرج يغدو عليه
ويروح الثاني الملك أو دوام النكاح فلا تحصن المنقطعة كما تقدم وقيل لا تحصن الأمة أيضا كما في
صحيحة محمد بن مسلم وغيرها الثالث الإصابة حال التكليف والحرية ولو بغيبوبة الحشفة مرة واحده ولا
يشترط الانزال ولا سلامة الخصيتين واشتراطها مما وقع مقطوعا به في كلامهم ونقل عليه الاجماع و
في صحيحة المرادي عن أبي عبد الله (ع) في العبد يتزوج الحرة ثم يعتق فيصيب فاحشة قال لا رجم عليه حتى يواقع
الحرة بعد العتق الحديث فلا يكفي مجرد العقد ولا الخلوة ولا التفخيذ وإن أنزل قيل ولا إصابة الدبر وفي
استفادة ذلك من الفرج نظر لشيوع اطلاقه شرعا ولغة على ما يعمهما ومع اجتماع هذا لشروط يطهر
من الزنا بالرجم وحده عينا مطلقا وقيل يجمع بين الجلد والرجم كذلك وقيل الجمع أنما هو على الشيخ والشيخة
أما الشاب والشابة فالرجم لا غير وقيل إذا كانت مجنونة أو أحدهما غير بالغ فلا رجم على الآخر بل الجلد لا غير و
من المساحقة بالرجم كذلك أيضا وقيل لا ترجم المساحقة بل تطهر بالجلد مطلقا ومن اللواط به أو بضربه
في عنقه بالسيف أو القائه من شاهق مثل جبل أو منارة مشدود اليدين والرجلين أو القاء جدار عليه
يقتل مثله غالبا أو احراقه بالنار تخييرا أو جمعا بين اثنين منها أحدهما الاحراق حسب ما يراه الحاكم
وإن لم يكن له ما يغنيه بالقيود المذكورة مع مطاوعة الطرف في الأول أو لاط بما دون الثقب كالتفخيذ و
بين الأليين وإن كان محصنا فيجلد مائة سوط لا غير وقيل حد اللائط المثقب القتل مطلقا وعليه
الأكثر بل نقل عليه الاجماع ولهم الروايات المستفيضة بل حملوا ما يدل على الجلد على غير المثقب وما اختاره
المصنف أحوط منه ومما تقدمه وله صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) أن في كتاب علي إذا أخذ
الرجل مع غلام في لحاف مجردين ضرب الرجل وأدب الغلام وإن كان ثقب وكان محصنا رجم و
عنه (ع) في الذي يوقب أن عليه الرجم إن كان محصنا وعليه الجلد إن لم يكن محصنا والشيخ حملهما
وما في معناهما على التقية ويزاد في التطهير عن الزنا تغريب عام هلالي من مصره أو محل الواقعة
فإن عاد قبل اكماله أعيد سواء أملك ولم يدخل أم لا خلافا لمن شرط الاملاك وسواء في ذلك
الزاني والزانية وفاقا لابن الجنيد وابن أبي عقيل ومن وافقهما للنصوص الصريحة وخلافا للمشهور
بل نقل عليه في الخلاف الوفاق من اختصاصه بالرجل لأن المرأة عورة يقصد بها الصيانة ولا يؤمن
29

عليها مثل ما فعلت في الغربة وهو اجتهاد في مقابلة النص واجماع في محل الخلاف وإليه الخيرة في جهة السفر
وأقله مسافة القصر وقيل لا حد له بل حسب ما يراه الحاكم وفي بعض الأخبار خمسون فرسخا والغريب يخرج
إلى غير بلده تحقيقا لمعنى الغربة كذا في القواعد وغيره والوارد في أخبارنا إنما هو بلفظ النفي والاخراج و
كان التعبير بهما أجود فإن زنى بذات محرم ولو سببا كما هو ظاهر الاطلاق والمصرح به في المفاتيح خلافا
لمن خصه بالنسبي أو مكرها فاعلا كان أو قابلا وإن كان في تحقق الأخير كلام ولو قال بمكره لكان أجود أو زنى
الكافر حربيا أو ذميا بمسلمة ولو طائعة أو لاط ولو بما دون الثقب بمسلم وإن أسلما بعد ذلك فالقتل مطلقا
محصنا أو غيره حرا أو رقا بالاجماع في الجميع كما في المفاتيح وغيره وروى المحمدون الثلاثة بعدة أسانيد في الزاني
بذات محرم أنه يضرب ضربة بالسيف في عنقه آخذة منه ما أخذت فإن عاش خلا في السجن حتى يموت وعن أمير
المؤمنين (ع) أنه رفع إليه رجل وقع على امرأة أبيه فرجمه وكان غير محصن ولا قتل على المملوك في غير ما ذكر
برجم ولا غيره لعدم تحقق الاحصان في حقه كما عرفت وتغليبا لحق الآدمي بل يقتصر فيه على الجلد من غير
تغريب وحيث يجلد في اللواط يجلد مئة سوط كالحر اجماعا كما نقله الشهيد طاب ثراه وكذا في السحق بلا خلاف
كما في المفاتيح وفي الزنا خمسين نصف ما على الحر من العذاب وهنا أطلق الخمسين في الجميع وهذا عجيب ويزاد
الفاعل بالميت أو الميتة على حده المقدر مقدما على قتله حيث يقتل مقدار ما يراه الحاكم تعزيرا لأن جنايته
أفحش ووزره أعظم كما ورد والأخبار إنما تضمنت الحد دون التعزير ومن ثم نسبه في المفاتيح إلى القيل مشعرا
بتمريضه ولو كانت زوجته أو أمته اقتصر على التعزير وثبوته فيهما كثبوته في غيرهما وقيل يثبت الزنا بالميتة
بشاهدين وبالإقرار مرتين لأنها شهادة على فعل واحد وهو منقوض بالمكرهة والمجنونة والصغيرة على أن
في بعض الروايات ما ينافي هذا التعليل وكذا كل من أتى فاحشة في مكان شريف أو زمان شريف يعاقب
زيادة على الحد لهتكه الحرمة كما ذكروه ومنهم المصنف في المفاتيح وورد في شارب الخمر في شهر رمضان
أن أمير المؤمنين (ع) ضربه عشرين سوطا زيادة على الحد وقال هذا لجرأتك على شرب الخمر في شهر رمضان
والثاني في القيادة وبعض التعزيرات المشهور أنه يجلد القواد وهو المؤلف بين الحرامين للفاحشة ولو
مرة واحدة رجلين أو امرأتين أو مختلفين ومورد النص هو الأخير خاصة ولو حذف القيد لكان أجود
ثلاثة أرباع جلد الزاني خمسة وسبعين سوطا رجلا كان أو امرأة حرا أو رقا مبتدئا أو معاودا وينفي
الرجل من مصره الذي هو فيه وزاد بعضهم حلق رأسه وشهرته في البلد قبل النفي ومنهم من اقتصر في
المرة الأولى على الجلد والحلق والشهرة وأثبت في الثانية الجلد والنفي واختصاص النفي بالرجل غير معلوم
من الرواية كالزيادة والتفصيل إلا أنه منقول عليه الاجماع ولا حد لنفيه وتثبت بشهادة رجلين وبالا
قرار مرتين بلا خلاف ويعزر دون الحد الصبي والصبية إذا ثبت عليهما الموجب بالبينة وكذا لو أقرا به
ولو مرة واحدة لكذبهما أو صدور الفعل عنهما لامتناع الخلو عنهما وكذا يعزر المجنون والمجنونة إذا قام عليهما
البينة وقيل بل يقام الحد على المجنون كملا لرواية أبان بن تغلب عن أبي عبد الله (ع) قال إذا زنى المجنون
أو المعتوه جلد الحد وإن كان محصنا رجم قلت وما الفرق بين المجنون والمجنونة والمعتوه والمعتوهة
فقال المرأة إنما تؤتى والرجل يأتي وإنما يأتي إذا عقل كيف يأتي اللذة وأن المرأة إنما تستكره ويفعل بها
وهي لا تعقل ما يفعل بها ويقرب حملها على من يعتوره الجنون إذا زنى بعدما عقل كما ينبه عليه التعليل ومع
ذلك فهي أخص من المدعى وكذا المقر بالفاحشة دون العدد المعتبر في اقرارها لكذبه أو صدور الفعل
عنه كما ذكر والمجتمعان تحت إزار واحد أو ما أشبهه مجردين من غير حل ولا ضرورة ذكرين أو أنثيين أو
مختلفين والنصوص متظافرة بذلك إلا مطلقة عن قيد التجرد ومن ثم خلت عنه بعض الفتاوي وإنما وقع اشتراطه
صريحا في حسنة أبي عبيدة عن أبي جعفر (ع) قال كان علي إذا وجد رجلين في لحاف واحد مجردين جلدهما حد الزاني
مائة جلدة كل واحد منهما وكذلك المرأتان إذا وجدتا تحت لحاف مجردتين جلدهما كل واحدة منهما مائة
جلدة وهي مختصة بالرجلين والمرأتين فلا يتم الحكم بها في غيرهما ومتضمنة للحد مائة جلدة كما يحكي عن الصدوق
وابن الجنيد وهو المشهور بين القوم خلافا للمشهور بين أصحابنا لأنهم حدوه في طرف الزيادة بتسعة وتسعين
سوطا لوقوعه في بعض الروايات وفي طرف النقيصة بثلثين لوقوعه في بعض آخر وما بينهما منوط بنظر الإمام
ومنهم من حده في جانب القلة بعشرة وعن أمير المؤمنين (ع) أنه رفع إليه رجل وجد تحت فراش امرأة في بيتها
فقال هل رأيتم غير ذلك قالوا لا قال فانطلقوا به إلى مخراة فمرغوه عليها ظهر البطن ثم خلوا سبيله وكذا المقبل وجه
غيره أو غيره بشهوة مطلقا كما تقدم لأنه فاحشة فيستحق عليها التعزير ومثله القول في المعانق بشهوة كما قالوه
وهذا لا يقتضي البحث عنهما بالخصوص والوارد من الأخبار في حكم التقبيل هي رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع)
في محرم قبل غلاما بشهوة قال يضرب مائة سوط وكذا يعزر المستمني بذلك ذكره بعضو منه أو من غيره المحرم
وهو من عدا الزوجة والأمة وروي فيه أنه أتي أمير المؤمنين (ع) برجل عبث بذكره حتى أنزل فضرب يده
بالدرة
حتى احمرت وزوجه من بيت المال وفي رواية سئل عن الدلك فقال ناكح نفسه ولا شئ عليه ويثبت بشهادة
عدلين ولا يقبل فيه شهادة النساء مطلقا وبالإقرار مرة خلافا لابن إدريس ومن اقتض بكرا بإصبعه نبت عليه
مع مهر المثل للحرة وعشر القيمة والأرش في الأمة التعزير بما يراه الحاكم وقدره بعضهم من ثلاثين إلى ثمانين وآخرون
إلى تسعة وتسعين وفي الصحيح عن أبي عبد الله (ع) في امرأة اقتضت جارية بيدها قال عليها المهر وتضرب الحد و
في آخر أن أمير المؤمنين (ع) قضى بذلك وقال تجلد ثمانين ومن المعزرين شاهد الزور لرواية سماعة قال سئلته
عن شهود الزور فقال يجلدون حدا ليس له وقت وذلك إلى الإمام ويطاف بهم حتى يعرفهم الناس والواطي للبهيمة
وهي ذات القوايم الأربع أو مطلق الحيوانات سواء أولج أم لا وتقدير التعزير في الكل موكول إلى نظر الحاكم أما فيما عدا
الأخير فكما عرفت وأما فيه فما اختاره المصنف هو المشهور وقيل يضرب ربع حد الزاني خمسة وعشرين وقيل
حد الزاني كملا وقيل يقتل والشيخ حمل ما دل على الأخير على الايلاج أو على ما إذا تكرر منه الفعل مع تخلل التعزير
30

وغيره على غيره وفيه قصور ويغرم الواطي المولج ثمن البهيمة يوم الفعل لمالكها إن لم يكن هو هو ويحرم
الانتفاع بجلدها ولحمها ونسلها ولبنها المتجددين وتذبح لئلا تشتبه هي أو نسلها بغيرها ويتعذر
الاجتناب وفي نسله كلام يأتي في كتاب المعيشة وتحرق لئلا يشتبه لحمها أو جلدها بغيره هذا كله إن كانت مما
تعد للأكل كالنعم الثلاث وأمثالها وإن كانت تعد للظهر كالخيل والبغال والحمير لم تذبح واغرم الواطي ثمنها
وأخرجت من بلد الواقعة وبيعت في غيره لئلا يعير بها صاحبها والثمن للغارم أو المالك إن كان هو الفاعل
وعن المفيد أنه يتصدق بالثمن على التقديرين ولو بيعت بأزيد احتمل رده على المالك والمغترم على المشهور
والصدقة على الأخير ولو كان الفاعل معسرا رد الثمن على المالك قولا واحدا فإن نقص كان الباقي في ذمته يطالب
به عند الميسرة ونفقتها إلى وقت بيعها على الفاعل ويثبت بشهادة عدلين وبالإقرار مرة على المشهور خلافا
لابن إدريس أيضا وإن كانت لغيره فلا يثبت باقراره وإن تكرر سوى ما يتعلق به من التعزير دون التحريم و
البيع لأنه متعلق بحق الغير ومن جامع زوجته في نهار شهر رمضان متعمدا وهما صائمان عزر بخمسة وعشرين
سوطا كما في المفاتيح وغيره فإن أكرهها ضرب هو خمسين دونها قيل ولا فرق في الزوجة بين الدائمة و
المنقطعة للعموم ولا يلحق بها المملوكة اقتصارا على مورد النص وهو رواية المفضل بن عمر عن أبي عبد الله (ع) في رجل
أتى امرأته وهو صائم وهي صائمة فقال إن استكرهها فعليه كفارتان وإن كان طاوعته فعليه كفارة وعليها
كفارة وإن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطا نصف الحد وإن كان طاوعته ضربت خمسة وعشرين سوطا
وضرب خمسة وعشرين سوطا وفي خروج الأمة عن الامرأة تأمل وكذا يجلد خمسا وعشرين من أتى أهله وهي حايض
كما نص عليه في حدود المفاتيح ويدل عليه صريحا روايتا إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي الحسن (ع) ومحمد بن مسلم
عن أبي جعفر (ع) إلا أنه لم في النكاح منه لم يثبت إلا التعزير كما يراه الحاكم ثم قال وربما يقدر بثمن حد الزاني
للخبر والذي وقفت عليه مما يتضمن التقدير بالثمن هو ما رواه علي بن إبراهيم في التفسير وهي متضمنة للتفصيل
بالربع في أول الحيض والثمن في آخره وورد التقدير بالثمن أيضا فيمن تزوج أمة على حرة لم يستأذنها كما يأتي
في النكاح واشترط في المفاتيح وغيره اسلام الحرة ووطي الأمة قبل الإذن وكذا فيمن تزوج ذمية على مسلمة و
الثمن اثنا عشر سوطا ونصف وكيفية النصف أن يقبض على نصف السوط ويضرب به كما ورد به وقيل ضربا
بين ضربين والثالث في القذف والتعريض من رمى بالغا عاقلا حرا مسلما بالزنا واللواط بما دل عليهما صريحا
لغة أو عرفا عند القايل مع معرفته بموضوع اللفظ بأي لغة اتفق وإن جهلها المرمي وهو غير متظاهر به ولو بعد
التوبة وهو المراد بالعفة المشروطة في كلام الأصحاب وطالبه المرمي بنفسه أو وارثه بالحق وثبت ذلك عند
الحاكم بالاقرار من الرامي مرة أو مرتين أو شهادة عدلين ولا بينة له كاملة على ما رماه به وهي أربعة شهداء
كما مر حاضرة حضورهم بشهادة الزنا جلد حد القذف والمصنف عبر بالرمي موافقة للآية الكريمة وهي قوله
عز وجل والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة فالنظر في القذف والقاذف
والمقذوف أما الأول فهو الرمي بإحدى الفاحشتين ولو بالميت أو الميتة فلا حد لو رماه باتيان البهيمة أو
المضاجعة أو التقبيل بل يعزر في الجميع وكذا المساحقة على خلاف فيها ممن أوجب الحد وأما الثاني فيعتبر فيه
لثبوت الحد البلوغ والعقل والاختيار والقصد اجماعا كما قيل فلو قذف الصبي أدب ولم يحد ولو كان
المقذوف كاملا وفي رواية أبي مريم عن أبي جعفر عليه السلام في الغلام لم يحتلم يقذف الرجل هل يجلد قال لا
وذلك لو أن رجلا قذف الغلام لم يجلد وكذا المجنون إن كان ممن يرجى منه الكف بالتأديب ولا شئ على المكره
والغافل والساهي والنائم والمغمى عليه وفي السكران اشكال ويقوى ثبوت الحد أو التعزير إن كان السبب اختياريا
وفي اشتراط الحرية في كمال الحد قولان والمشهور العدم بل نقل عليه الاجماع لعموم الآية وفي حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) إذا قذف العبد الحر جلد ثمانين هذا من حقوق الناس ومثلها رواية أبي بكر الحضرمي عنه (ع)
وزاد فأما ما كان من حقوق الله فإنه يضرب نصف الحد قلت الذي من حقوق الله ما هو قال إذا زنى
أو شرب الخمر فهذا من الحدود التي يضرب فيها نصف الحد واستدل المشترط بقوله (تع) فإن اتين بفاحشة
فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب وفسرت الفاحشة بالزنا فلا تعم وبروايتي قاسم بن سليمان وحماد بن
عثمان وحملتا على التقية وأما الثالث فيشترط فيه الاحصان كما في الآية وهو هنا عبارة عن الأمور الأربعة
المذكورة ويجب بها الحد كملا عند المطالبة لا بدونها لأنها من حقوق الناس كما ذكر فإن كان المواجه بالقذف
هو المرمي بالفاحشة كما لو قال له يا زاني أو زانية أو لايط أو ملوط فالحد لا غير وإن واجه به غير المرمي كما لو قال
أمك زانية أو أبوك لايط أو ابنك ملوط حد للمرمي للقذف وزيد تعزيرا للمواجه لايذائه له وإذا قذف كلا
أو بعضا فالتعزير لا غير سواء كان القاذف مسلما أو كافرا حرا أو عبدا وكذا يعزر كل معرض بما يكرهه المواجه
من الفجور بما يدل عليه عرفا كقوله ما أنا بزان ولا أمي بزانية أو بغيره مما يوجب الأذى كالتعريض بالأمراض
والعلل وكل سب كما في صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام لحرمة الاستخفاف بالمسلم
إلا أن يكون المقول له مستحقا له لفسقه وتظاهره به فإنه لا حرمة له حينئذ ولا يوجب الاستخفاف به شيئا بل
الوقيعة فيه مندوب إليها مرغوب فيها للأمر بذلك في الصحيح النبوي كذا في المفاتيح والصحيح الذي أشار إليه هو
ما رواه داود بن سرحان عن أبي عبد الله (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي
فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة وباهتوهم لئلا يطمعوا في الفساد في الاسلام
ويحذرهم الناس ولا يتعلمون من بدعتهم يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة وهو
أخص من
المدعى وإذا تكاملت الشروط فيهما ثبت الحد إلا في مواضع أ إقامة البينة كما تقدم ب اقرار المقذوف
ولو مرة واحدة ج العفو سواء قبل المرافعة أو بعدها قبل الثبوت وبعده على خلاف في الأخير د ما لو تقاذف
اثنان فإنهما يتدافعان الحد ويعذران جميعا لو ه قذف زوجته فإنه يمكن أن يدرء عنه العذاب
عن نفسه باللعان ولو قذف ابنه فإنه لا يحد الأب لولده لا ابتداء ولا بوسط كما لو قذف زوجته الميتة ولا
31

وارث لها غيره أو غيرهما فليس للولد المطالبة بالحد بل يعزر الأب في الصورتين ولو كان لها ولد من غيره
ثبت له الحد كملا والرابع في شرب المسكر وما يتبعه من شرب مختارا عالما بالتحريم مسكرا ولو قطرة خالصا
أو ممزوجا أو فقاعا وإن لم يسكر بلا خلاف وأقر به مرة أو مرتين على الخلاف أو شهد عليه عدلان بشربها أو واحد
به وآخر بقيئها على المشهور كما في قضاء أمير المؤمنين (ع) جلد ثمانين جلدة بعد الإفاقة على ظهره وكتفه عريانا
مستور العورة حرا أو عبدا على المشهور وقيل ينصف على العبد لأنه من حقوق الله كما تقدم في رواية الحضرمي
وفي حكم الشرب التناول بغيره كالاصطباغ وممتزجا بالأدوية والأغذية وإن خرج عرفا عن حقيقته بالتركيب على المشهور بل نقل عليه الاجماع وإن اختصت النصوص بالشرب قالوا ولا فرق في المسكر بين أن يكون متخذا من عنب وهو الخمر أو تمر وهو النبيذ أو زبيب وهو النقيع أو عسل وهو البتع أو شعير وهو
المرز أو حنطة أو ذرة أو غيرها من جنس واحد أو أكثر وكذا العصير العنبي إذا غلى وإن لم يقذف
بالزبد سواء غلى من نفسه أو بالنار أو بالشمس إلا أن يذهب ثلثاه أو ينقلب خلا قولا واحدا في الجميع
والخامس في السرقة من سرق ما قيمته ربع دينار من الذهب الخالص المسكوك مخرجا له من الحرز
بالمباشرة أو ما ينوب منابها وأقر به مرة أو مرتين أو شهد عليه عدلان قطع بعد مطالبة المالك
في المرة الأولى أصابعه الأربع وهي ما عدا الإبهام من يده اليمنى فههنا قيود خمسة أ الأخذ سرا كما
ينبه عليه لفظ السرقة فلو أخذ جهرا كان غاصبا لا سارقا فلا يترتب عليه حكمه ب أن يكون مالا فلا
قطع على بايع الحر نعم لو كان صغيرا لا يتحفظ جاز قطعه لإفساده ولو سرقه ولم يبعه عزر بما يراه الحاكم سافر
به أم لا ولا فرق بين ما أصله الإباحة كالمعادن وغيره كالثياب والأطعمة والضابط كل ما يملكه المسلم وإن
حرم بيعه كالمصحف فإن ذلك لا يخرجه عن المالية مع جواز بيع الورق ومثله العين الموقوفة ج النصاب و
المشهور فيه الربع من هذه الدنانير المعمولة في بلاد الاسلام التي وزنها أربعة دوانيق ونصف صيرفية
سواء كانت سكتها اسلامية أو غيرها أو ما قيمته ذلك وقيل خمس دينار وقيل دينار كامل وهما
شاذان والربع من الذهب الابريز إذا لم يساو ربعا مضروبا لا قطع فيه إلا على عدم اشتراط السكة كما
نقل عن ظاهر الشيخ في المبسوط والخلاف والمشهور خلافه ولو سرق قميصا قيمته أقل من نصاب وفي جيبه
تمامه أو أزيد وهو لا يعلمه فالأقرب أنه لا قطع د الاخراج من الحرز فلو لم يكن المال محروزا فلا قطع وكذا
إذا هتك الحرز أحدهما وأخرج الآخر أما على الهاتك فإنه ليس بأخذ وأما الآخذ فلأنه أخذ مال غير محروز
وكذا إذا أخذه منه فأخذ قبل اخراجه وعن أمير المؤمنين (ع) لا قطع على السارق حتى يخرج بالسرقة من البيت
وفي خبر آخر في السارق إذا أخذ وقد أخذ المتاع وهو في البيت لم يخرج بعد قال ليس عليه القطع حتى يخرج به
من الدار واختلف في تفسير الحرز فقيل يرجع فيه إلى العرف لعدم ضبط له في الشرع ويختلف باختلاف
المال المحرز فحرز الثياب الصندوق المقفل وحرز الدواب الاصطبل المغلق إلى غير ذلك وقيل كل حرز
لشئ فهو حرز لجميع الأشياء ولم ترتضه المصنف في المفاتيح وقيل الحرز إما بالقفل أو بالغلق أو بالدفن
وقيل كل موضع ليس لغير مالك الدخول فيه إلا بإذنه وقيل كل ما كان على سارقه خطر لكونه ملحوظا
غير مضيع قال وهو أحسن التفاسير ففي المواضع المطروقة كالحمامات والخانات والأرحية والمساجد
لا بد من مراعاة المالك بكثرة الالتفات مع امكان المشاهدة وإلا فلا قطع وعليه يحمل ما ورد من اطلاق
النفي في كل ما يدخل فيه بغير إذن وقيل يقطع في أي موضع سرق من بيت أو سوق أو مسجد أو غير ذلك
مطلقا لقطع النبي صلى الله عليه وآله سارق ميزر صفوان بن أمية في المسجد ففي الحسن عن أبي عبد الله (ع) أنه خرج يهريق
الماء فوجد ردائه قد سرق حين رجع إليه فقال من ذهب بردائي فذهب يطلبه فأخذ صاحبه فرفعه
إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال النبي اقطعوا يده فقال صفوان يقطع لأجل ردائي يا رسول الله قال نعم قال فأنا أهبه له
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله فهلا كان هذا قبل أن ترفعه إلي ويمكن حمله على التفسير الأخير فإن السارق في
المسجد على خطر من أن يطلع عليه وفي خبر آخر أنه نام فأخذ من تحته وقال الصدوق لا قطع من المواضع التي
يدخل فيها بغير إذن مثل الأرحية والحمامات والمساجد وإنما قطعه النبي صلى الله عليه وآله لأنه سرق الرداء فأخفاه
فلاخفائه قطعه ولو لم يخفه لعذره وهو راجع إلى التفسير الأخير وفي رواية لا يقطع إلا من نقب بيتا
أو كسر قفلا ويمكن حمله على ما حرزه البيت أو القفل وفي سارق الكفن أقوال وأخبار مختلفة وفي الصحيح وغيره
حد النباش حد السارق ويجمع بين النصوص باشتراط بلوغه النصاب أو اعتياده النبش أما الطرار وهو
الذي يشق الثوب ليأخذ ما فيه فوردت الأخبار فيه محملة بالقطع وبعدمه وبالتفصيل بأنه إن شق من
قميصه الأعلى لم يقطع وإن طر من قميصه الأسفل قطع وكأنه الذي وقع التعبير عنه في كلام الأصحاب بالجيب
والكم الظاهرين والباطنين ولا قطع على المختلس وهو الذي يأخذ من غير حرز اختطافا وحين يفترض غفلة
من صاحب المال ويهرب وكذا المستلب والمنتهب وهو الذي يأخذ جهرا من غير اشهاد سلاح ويهرب وكذا المحتال
على الأموال بالتزوير والرسايل الكاذبة على المشهور وفي رواية أنه يقطع لأنه سارق ه مطالبة المالك
فلو لم يرافعه لم يرفعه الإمام وإن قامت عليه بينة الحسبة أو أقر بها أو عرف الحاكم بعلمه ولو عفى عن القطع
قبل المرافعة سقط ولا يسقط بعدها كما في حديث وقيل إذا ثبت بالاقرار قطع على كل حال للعمومات المسالمة
عن المعارض وأما قيد التكليف في السارق فموكول إلى الظهور فلا قطع على المجنون بل يؤدب إن كان ممن يرجى
انزجاره به ولا على الصبي وإن عاد مرارا وقيل يعفى عنه أول مرة فإن عاد أدب فإن عاد حكت أنامله حتى
تدمي فإن عاد قطعت أنامله فإن عاد قطع كما يقطع الرجل ولم أظفر في الأخبار بما يتضمن هذا التفصيل و
في بعضها يعفى عنه مرتين ولا فرق بين الرجل والمرأة والمسلم والكافر والحر والعبد إذا ثبت عليه بالبينة
دون الاقرار كما سيأتي واطلاق القول بقطع اليمنى يقتضي عدم الفرق بين ما إذا كان واجدا لليسرى و
فاقدا لها وبين ما إذا كانتا سليمتين وشلائين وإحديهما سليمة والأخرى شلاء وبهذا التعميم صرح
32

المشهور لعموم الأدلة وخصوص بعضها وقيل فاقد اليسرى يخلد في الحبس من غير قطع لاستلزامه بقائه
بلا يد وهو خلاف المعهود من حكمة الشارع وكذا إذا كانت شلاء لأنها كالمعدومة ولو كانت هي اليمنى
عرضت على أهل الخبرة فإن أخبروا أنها إذا قطعت لم تندمل أفواه العروق لم يقطع إذ ليس الغرض الاتلاف
وإلا قطعت ولو ذهبت اليمنى بعد الجناية سقط القطع ولو كانت ذاهبة قبلها قبل تقطع يسراه وقيل رجله
اليسرى كما لو لم يكن له يد وفي الجميع اشكال ولو نقصت أصابعه بالأصل أو بعارض اجتزئ بالباقي ولو
واحدة وترك له الإبهام مع الراحة يرتفق بهما في الاعتمال وغيره فإن عاد إلى السرقة بعد قطع يمناه قطع
رجله اليسرى من المفصل وترك له العقب يعتمد عليه فإن عاد خلد في الحبس إلى أن يموت أو يتوب توبة يستنصحها
الحاكم وينفق عليه من بيت المال إن لم يكن له مال فإن عاد في المحبس أو غيره قتل ولا توبة له ظاهرا ولا قتل
عليه قبل ذلك وهكذا يقتل غيره من أصحاب الكباير إذا أقيمت عليهم الحدود المقررة في المرة الرابعة على المشهور
وقيل الزاني والقاذف يقتلان في الخامسة وقيل في الثالثة وكذا شارب المسكر هذا كله في الحر وأما
المملوك فالزاني يقتل في الثامنة ذكرا أو أنثى وقيل في التاسعة وغيره كالحر كما هو ظاهر المفاتيح وغيره
ولا يستبعد بكون الزنا أفحش لبطلان القياس وروي أن الإمام يدفع ثمنه بعد قتله إلى مواليه من بيت المال
ولا يقطع المملوك بالاقرار منه بالسرقة ما لم يصدقه المولى لتعلق حقه ولا بسرقة مال مولاه ومنه عبد الغنيمة
إذا سرق منها وكذا لا يقطع الوالد للسرقة من مال ولده اجماعا وربما يلحق به الجد له وكذا الوالدة ونفى عنه البأس
في المختلف لاشتراكهما في وجوب التعظيم ولا عكس للعمومات وفي رواية لا يقطع لأن ابن الرجل لا يحجب عن الدخول
إلى منزل أبيه هذا خائن وروي مثل ذلك في الأجير والضيف والمشهور تقييدها بما لم يحرز عنهما وأما الضيف
فيقطع قطعا لرواية محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) وكذا لا قطع على سارق المأكول في عام المجاعة سواء كان صالحا
للأكل بالفعل كالخبز والفاكهة أو القوة كالدقيق واللحم والحبوب ولا على سارق الثمرة من على الشجرة على المشهور و
قيده العلامة في القواعد بعدم كون الشجرة محرزة بغلق ونحوه واستجوده في المفاتيح ولو أكل في البستان ما قيمته
النصاب فصاعدا لم يقطع كما قال الصدوق طاب ثراه لأنه لم يخرج من الحرز شيئا وتدرأ أنواع الحدود بالشبهات كما
ورد الأمر به في الحديث النبوي المشهور لابتنائها على التخفيف ومن ثمة عد الأصوليون في باب التعارض ترجيح
الدارئ للحد على المثبت له ومنها الشركة في السرقة على بعض الوجوه ودعوى الاكراه من مثل العبد والزوجية حيث
لا مكذب فلا يكلف البينة ولا اليمين وإن توقفت الأحكام الأخر على الاثبات والجهل بالتحريم فيمن يمكن فيه
لقرب عهده بالاسلام وبعده عن مجالس العلم كما في النصوص ومنه قضاء أمير المؤمنين (ع) فيمن شرب الخمر في
عهد أبي بكر والشبهة في الزنا وغيره ولو اختصت بأحدهما اختص بحكمها وروي أن امرأة تشبهت بأمة لرجل
وذلك ليلا فواقعها وهو يرى أنها جاريته فرفع ذلك إلى عمر فأرسل إلى علي (ع) فقال اضرب الرجل حدا في السر
واضرب المرأة في العلانية وعمل بظاهرها القاضي وأولت باحتمال أن يكون (ع) علم منه العلم أو الظن بحالها
وإن ادعى الشبهة وقال المحقق في نكت النهاية سمعنا من بعض فقهائنا من أنه عليه السلام أراد ايهام
الحاضرين من الأمر بإقامة الحد على الرجل سرا ولم يقم عليه الحد استصلاحا وحسما للمادة لئلا
يتخذ الجاهل الشبهة عذرا وهذا ممكن والسادس في المحاربة والافساد من شهر السلاح لإخافة
الناس المسلمين فهو محارب مفسد سواء كان في بر أو بحر مصر أو غيره في بلاد الاسلام أو غيرها ليلا
أو نهارا محددا سلاحه كالسيف والرمح أو لا كالعصا والحجارة اجماعا كما قيل وسواء حصل معه الخوف
أم لا أخذ المال أم لا كان من أهل الريبة أم لا ذكرا أم أنثى على المشهور فإذا ثبت عليه قبل التوبة بشهادة
عدلين أو الاقرار ولو مرة واحدة بلا خلاف هنا قتل أو صلب أو قطع يده اليمنى ورجله اليسرى من
خلاف أو نفى من الأرض بالكتاب والسنة والاجماع قال الله (تع) إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله
ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض
ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا إن الله
غفور رحيم وإنما الخلاف في موضعين أ تفسير النفي من الأرض ففي وجه أنه دفنه حيا وفي رواية
رميه في البحر ليكون عدلا للقتل والصلب والقطع وفي أخرى ايداعه الحبس وفي كثير منها اخراجه من بلده فإن
خفي خبره وإلا كتب إلى البلد الذي صار إليه بمنع مواكلته ومعاملته واطعامه لينتقل إلى موضع آخر و
هكذا إلى أن يموت أو يتوب وقدر في بعضها إلى سنة لأنه يتوب قبل ذلك وهو صاغر ب في تعيين العقوبات
المذكورة فالذي ذهب إليه المفيد والمحقق والعلامة في بعض كتبه وغيرهم أنها على التخيير كما هو ظاهر الآية وفي
صحيحة حريز عن أبي عبد الله (ع) إن أوفى القرآن للتخيير حيث وقع وفي حسنة جميل ورواية سماعة عنه (ع) أي شئ عليهم
من هذه الحدود التي سمى الله قال ذاك إلى الإمام إن شاء قطع وإن شاء صلب وإن شاء نفى وإن شاء قتل
والمشهور أنها على الترتيب وذلك بحسب جنايته فإن قتل قتل وإن قتل وأخذ المال استعيد منه وقطعت يده
اليمنى ورجله اليسرى ثم قتل وصلب وإن أخذ المال ولم يقتل قطع مخالفا ونفي ولو جرح ولم يأخذ المال اقتص
منه ونفي ولو اقتصر على شهر السلاح والإخافة نفي لا غير وقيل غير ذلك وفي صحيحة بريد بن معاوية عنه (ع)
ذاك إلى الإمام يفعل ما يشاء قلت فمفوض ذاك إليه قال لا ولكن بحق الجناية وروى عبد الله بن إسحاق
المدايني عنه (ع) خذها أربعا بأربع إذا حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا فقتل قتل وإن قتل وأخذ
المال قتل وصلب وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف وإن حارب الله وسعى في الأرض فسادا
أو لم يقتل ولم يأخذ من المال نفي من الأرض وعن الكاظم والرضا (ع) ما يقرب منه وروى محمد بن مسلم
عن أبي جعفر (ع) قال من شهر السلاح في مصر من الأمصار فعقر اقتص منه ونفي من تلك البلدة ومن شهر السلاح
في غير الأمصار وضرب وعقر وأخذ الأموال ولم يقتل فهو محارب وأمره إلى الإمام إن شاء قتله وإن شاء
صلبه وإن شاء قطع يده ورجله وإن قتل وضرب وأخذ فعلى الإمام أن يقطع يده اليمنى بالسرقة ثم
33

يدفعه إلى أولياء المقتول فيتبعونه بالمال ثم يقتلونه وفي رواية عبيدة بن بشر الخثعمي قال سألت أبا عبد الله (ع)
عن قاطع الطريق وقلت إن الناس يقولون الإمام مخير أي شئ صنع قال ليس أي شئ شاء صنع ولكنه يصنع
بهم على قدر جناياتهم فقال من قطع الطريق فقتل وأخذ المال قطعت يده ورجله وصلب ومن قطع
الطريق وقتل ولم يأخذ المال قتل ومن قطع الطريق وأخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله ومن
قطع الطريق ولم يأخذ مالا ولم يقتل نفي من الأرض وأجود ما يوفق به مجموع هذه الأخبار تفويض الأمر
إلى الحاكم ليجتهد في اختيار العقوبة المناسبة للجناية وحمل التفصيلات المذكورة على التمثيل دون التوظيف و
كأنه مراد المصنف هنا وفي المفاتيح وإن كان كلامه ثمة لا يخلو من قصور ويصلب حيا على التخيير ومقتولا
على التفصيل كما تقدم وكيف كان فلا يترك المصلوب على خشبته أكثر من ثلاثة أيام بلياليها فينزل اليوم الرابع
ويجهز عليه إن كان حيا ويجهز تجهيز المسلمين فيغسل إن لم يكن قد اغتسل قبل ذلك ويكفن ويصلى عليه و
يدفن والسابع في السحر الساحر وهو من يعمل بالسحر يقتل وإن لم يكن مستحلا له على المشهور إن أقر به ولو مرة
وكان مسلما ولم يتب عنه فهذه شروط ثلاثة أ الاقرار به إذ لا طريق لشوبة سواه لأن الشاهد لا يعرف قصده و
لا يشاهد التأثير وقيل بل يثبت بالشاهدين لرواية زبد بن علي عن أبيه عن آبائه (ع) قال سئل رسول الله صلى الله عليه وآله
عن الساحر فقال إذا جاء الرجلان عدلان فشهدا بذلك فقد حل دمه ب الاسلام فلو كان كافرا اقتصر على
تأديبه فعن أبي عبد الله (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ساحر المسلمين يقتل وساحر الكفار لا يقتل قيل ولم لا
يقتل ساحر الكفار قال لأن الكفر أعظم من السحر ولأن السحر والشرك مقرونان ج الاصرار فإن تاب قبل أن
يقام عليه الحد سقط لرواية إسحاق بن عمار المتقدمة عن أبي عبد الله (ع) أن عليا كان يقول من تعلم من السحر شيئا
كان آخر عهده بربه وحده القتل إلا أن يتوب ومن شرط مع ذلك استحلاله فقد احتاط للدماء لكنه محجوج
بالعمومات المذكورة وبأنه خروج عن موضوع البحث لأن تحريم السحر من ضروريات الدين كتحريم الزنا واللواط
والخمر فمستحله محكوم عليه بالارتداد كغيره من المرتدين والمبحوث عنه حكم الساحر دون المرتد والثامن
في الارتداد المرتد هو الكافر بعد أن كان مسلما سواء كان اسلامه عن كفر وهو الملي أم لا وهو الفطري و
هو يحصل بالفعل كالسجود للصنم والشمس وإن لم يقل بربوبيتهما وتمزيق للصحف والقائه في القاذورات
وبالقول كاللفظ المصرح بإنكار ما علم ثبوته من الدين ضرورة كوجوب الصلاة والزكاة والحج وحرمة الفواحش
كما تقدم وفي صحيحة بريد العجلي عن أبي جعفر (ع) في رجل شهد عليه شهود أنه أفطر من رمضان ثلاثة أيام قال يسئل
هل عليك في افطارك إثم فإن قال لا فإن على الإمام أن يقتله وإن هو قال نعم فإن على الإمام أن ينهكه ضربا
أما لم يكن ثبوته ضروريا فلا يكفر منكره وإن كان منقولا عليه الاجماع بين علماء الاسلام لأن حجية الاجماع
الغير المرادف لضروري الدين ليست من ضروريات الدين وأما ما ذهب إليه شذاذ من المتقدمين وتعصب له
عصابة من المتأخرين من تكفير من خالف اجماع أصحابنا ففي غاية البعد عن الصواب وأدلتهم منزلة على مرتبة
من مراتب الكفر دون المرتبة المبحوث عنها وكذا القول فيما ورد من شواذ الأخبار في كفر من قدم الجبت
والطاغوت على أمير المؤمنين عليه السلام وقد استوفيت بيان ذلك في المسائل الأحمدية بما لا مزيد عليه و
ويشترط في ترتب أحكام الارتداد صدوره من المكلف بالقصد والاختيار من غير غلط كان يريد تمزيق كتاب
من كتب الضلال فيمزق المصحف ولا سهو عن التلفظ بما ليس بكفر بسبق اللسان إلى كلمة الكفر ولا غفلة عن معناها
أو لزومها لما علم خلافه ضرورة ولا نوم ولا اغماء ولا سكر على المشهور فيه وإن كان السبب باختياره ولا غضب
رافع للقصد ولا اكراه كما في أسير الكفار وتقبل دعوى ذلك كله حيث يمكن وإذا تكاملت الشروط فالمشهور أنه إن
كان مرتدا عن فطرة الاسلام بأن انعقدت نطفته حال اسلام أحد أبويه فحكمه ما تضمنه صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع)
قال من رغب عن الاسلام وكفر بما أنزل الله على محمد بعد اسلامه فلا توبة له وقد وجب قتله وبانت منه امرأته
وقسم ما ترك ومثلها رواية عمار عن أبي عبد الله (ع) قال كل مسلم بين مسلمين ارتد عن الاسلام وجحد محمدا نبوته
وكذبه فإن دمه مباح لكل من سمع ذلك منه وامرأته باينة منه يوم ارتد فلا تقربه ويقسم ماله بين ورثته وتعتد
امرأته عدة المتوفى عنها زوجها وعلى الإمام أن يقتله ولا يستتيبه وإن كان مرتدا عن ملة مسبوقة بخلاف الفطرة استتيب
قدر ما يؤمل معه الرجوع والمروي ثلاثة أيام وبينهما عموم من وجه فإن تاب ترك وإن أبى إلا الاصرار قتل لصحيحة
علي بن جعفر عن أخيه (ع) في مسلم ارتد قال يقتل ولا يستتاب قال فنصراني أسلم ثم ارتد عن الاسلام قال يستتاب فإن رجع
وإلا قتل ومرفوعة عثمان بن عيسى أنه كتب إلى أمير المؤمنين (ع) عامل له إني أصبت قوما من المسلمين زنادقة
وقوما من نصارى زنادقة فكتب (ع) أما من كان من المسلمين ولد على الفطرة ثم تزندق فاضرب عنقه ولا تستتبه و
من لم يولد منهم على الفطرة فاستتبه فإن تاب وإلا فاضرب عنقه وأما النصارى فما هم عليه أعظم من الزندقة و
في معناهما غيرهما وبها يتقيد اطلاق الصحيحة المتقدمة وعن ابن الجنيد انكار هذا التفصيل وأن المرتد قسم واحد
لا يقتل إلا بعد الاستتابة والاصرار وله اطلاق كثير من الروايات المقيدة في المشهور بالملي هذا كله في الرجل
المرتد وأما المرأة المرتدة فلا قتل عليها قولا واحدا بل تستتاب فإن تاب عفي عنها وإن أبت إلا الاصرار
خلدت في الحبس وضيق عليها في المطعم والملبس وضربت أوقات الصلوات لصحيحة الحسن محبوب عن غير واحد من
أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) في المرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل والمرأة إذا ارتدت استتيب فإن تاب ورجعت
وإلا خلدت السجن وضيق عليها في حبسها وصحيحة حماد عن أبي عبد الله (ع) في المرتدة عن الاسلام قال لا تقتل و
تستخدم خدمة شديدة وتمنع الطعام والشراب إلا ما يمسك نفسها وتلبس خشن الثياب وتضرب في أوقات
الصلاة وليس في الثانية ذكر الاستتابة وفي معناها غيرها وحملت على الأولى إلا أنها بعمومها تدل على استتابة
المرتد الفطري أيضا وتخصيصها بغيره كما تقدم يقتضي سرايته إليها وإلا لزم تفكيك الكلام ولمثل هذا جعل
المصنف هنا وفي المفاتيح الأحوط استتابة الفطري أيضا كالملي والكف عن التهجم على قتله إلا بعد الاصرار كما نقلناه
عن ابن الجنيد وإن نسبه ثمة إلى الشذوذ والحكم بوجوب قتل المرتد حيث يجب إنما هو لرعاية ظاهر الاسلام
34

والتحفظ على ناموس الشريعة فلو تأخر قتله وتاب فالحق أن توبته مقبولة فيما بينه وبين الله على كل حال فطريا
كان أو مليا حذرا من التكليف بما لا يطاق لو كان مكلفا بالاسلام أو خروجه من التكليف ما دام حيا كامل
العقل وهو باطل بالاجماع والضرورة فتصح عباداته ومعاملاته وإن لم يعد إليه ماله ولا زوجته بذلك
باب الجناية وهي الجريمة المستتبعة في الدنيا لتعلقها ببدن الغير أو ماله وربما تطلق على غير ذلك توسعا
وإنما أفرد لها بابا لكثرة مباحثها وتنقسم إلى عمد وشبيه به وخطأ محض فالعمد هو فعل المكلف ما تحصل
به الجناية غالبا قاصدا به إلى معين سواء قصد به الجناية أو لا كالذبح والخنق وسقي السم القاتل ونحو ذلك
والشبيه به هو ما تحصل به الجناية نادرا أو احتمل الأمرين قاصد به إلى معين من دون قصد جناية
كان يضرب للتأديب بما يؤدب به غالبا فيموت أو يخرج والخطأ المحض هو فعل أحد الأمور الثلاثة من
دون قصد إليه ولا إلى الجناية مثل أن يرمي طايرا فيصيب انسانا أو تزلق رجله فيقع عليه وليس من الجرايم
كما مر وإنما ذكرت أحكامه في هذا الباب استطرادا وأما فعل ما يجني نادرا كالحذف بالحصاة والضرب
بالعود الخفيف أو احتمل الأمرين مع القصدين فالذي عليه المحققون ومنهم المصنف في المفاتيح أنه عمد و
قيل بل هو عمد وإن لم يقصد به الجناية لروايات استضعفها الأولون وقيل خطأ وإن قصد به الجناية لاطلاق
صحيحة أبي العباس عن أبي عبد الله (ع) أنه قال أرمي الرجل بالشئ الذي لا يقتل مثله قال هذا خطأ ثم أخذ حصاة
صغيرة فرمى بها قلت أرمي الشاة فأصيب رجلا قال هذا الخطأ الذي لا شك فيه والعمد الذي يضرب بالشئ
الذي يقتل مثله والوجه حمل الخطأ على شبيه العمد مع عدم القصد إلى الجناية فتكون مستوفية للأقسام
كلها وجناية العمد على النفس أو الطرف المعصومين مع التكافي بين الجاني والمجني عليه بأن لا يكون الجاني
حين الجناية أشرف من المجني عليه في الدين والعقل والحرية ومع امكان الاستيفاء من الجاني مثل ما اعتدى
على المجني عليه بلا زيادة توجب بالأصالة القصاص لا غير على المشهور لقوله (تع) إن النفس بالنفس والعين
بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص وقوله سبحانه فمن اعتدى عليكم
فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم وقوله عز وجل وجزاء سيئة سيئة مثلها وقوله عز من قائل كتب عليكم
القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى وقيل تخيير الولي الجناية بينه وبين الدية لظاهر
بعض الأخبار وقوله سبحانه ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا وهما ممنوعان ولأن الولي إذا رضي
بالدية وأمكن الجاني دفعها وجب محافظة على النفس فلو هرب جاز للولي أن يأخذها من ماله ويقضي له بها
كما يقضي على كل غايب في ماله وليس له الامتناع عنها مع القدرة والاقتصار على عرض القصاص لو كان حاضرا
بل مقتضى التعليل وجوب بذل ما يرضى به الولي وإن زاد على الدية المقدرة أضعافا مضاعفة وحيث
يثبت القصاص عينا أو تخييرا فلا مخلص عنه إلا أن يصطلحا على ما يتراضيان به من الدية المقدرة أو ما زاد
أو نقص أو يعفو الولي عنه فيسقط حقه رأسا على المشهور وله المطالبة بالدية على الأخير إلا أن يعفو
عنهما جميعا أو يكون الجاني أبا للمجني عليه فلا يقتص له منه كما لا يقطع لسرقة ماله ولا يحد لقذفه وربما
يلحق به الجد دون الأم قولا واحدا ولو قتل الرجل زوجته ففي ثبوت القصاص لولدها منه قولان أو
يكونا كافرين وأسلم الجاني فإنه لا يقتص منه حينئذ وتلزمه الدية إن كان المجني عليه ذا دية ولو قطع المسلم
يد مثله فسرت مرتدا سقط القصاص في النفس وفي القصاص في الطرف قولان واختار المصنف الثبوت
ولا قصاص مع عدم اجتماع الشروط المذكورة فلا يقتص من الصبي ولا المجنون ولا النائم وإنما توجب
جنايتهم الدية لأن عمدهم بمنزلة الخطأ كما سيأتي والأخبار الدالة على الاقتصاص ممن بلغ عشرا أو ثماني
سنين أو خمسة أشبار متروكة عند الأكثر لضعفها ومعارضتها بأقوى منها وفي ثبوته على السكران
قولان كما تقدم نظيره والأشهر الثبوت ويقوى إذا كان السبب باختياره وروي في الأعمى أيضا أن
عمده خطأ والمشهور أنه كالمبصر استضعافا للرواية ولا من المسلم لمن أباح الشارع قتله كالزاني و
اللايط لانتفاء العصمة وأن إثم الجاني إن بادر إليه بدون إذن الحاكم بخلاف من وجب عليه القصاص
إذا جنى عليه غير الولي لأنه معصوم بالنسبة إليه ولا للكافر ذميا أو حربيا أو مرتدا لانتفاء التكافؤ في الدين
ويقتص من الذمي للمرتد لأنه إن كان مليا فاسلامه مقبول وهو محترم به وإلا فقتله للمسلمين دون
غيرهم وفي العكس قولان مبنيان على أن أيهما أسوء حالا واختار المصنف الثبوت لأن الكفر كالملة الواحدة
ولا من العاقل للمجنون بلا خلاف لما رواه المحمدون الثلاثة في الصحيح عن أبي بصير قال سألت أبا جعفر (ع) عن
رجل قتل رجلا مجنونا قال إن كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه فقتله فلا شئ عليه من قود ولا
دية وتعطى ورثته الدية من بيت مال المسلمين قال وإن كان قتله من غير أن يكون المجنون أراده فلا
قود لمن لا يقاد منه وأدى أن على قاتله الدية في ماله يدفعها إلى ورثة المجنون ويستغفر الله ويتوب إليه
وقريب منه رواية أبي الورد ولا من الحر للمملوك بالكتاب والسنة والاجماع وفي الاكتفاء بالتكافؤ في الدين
والعقل والحرية دلالة على الاقتصاص من البالغ لغيره كما هو المشهور خلافا لمن ألحقه بالمجنون لاشتراكهما
في نقصان العقل وله الصحيح المذكور فإن من من أدوات العموم فيصح جعله موضوعا للكبرى وأما الصغرى
فثابتة بالاجماع كما تقدم ويأتي ولا مع تعذر الاستيفاء بالمثل سواء كان لفقدان المثل كما لو جنى الأكمه
على عين أو الأجدع على أنف لكن إذا قطع يمين رجل ومثلها من آخر فالمروي أنه تقطع يمينه بالأول ويساره
يساره بالثاني لصدق المماثلة في الجملة حيث تعذرت من كل وجه أما لو قطع يد ثالث فالذي اختاره في
المفاتيح ثبوت الدية لفوات المحل وقال آخرون تقطع رجله كما صرح به في الرواية أو لتعذر استيفائه إلا بزيادة
مرعية متيقنة كما في اقتصاص ذكر الفحل بذكر العنين واليد الصحيحة بالشلاء دون العين الصحيحة بالعماء والرجل
المستقيم بالعرجاء أو محتمله كما في كسر العظام وكل ما فيه تعزير بالنفس كالجائفة والمأمومة وقيل يجوز الاقتصار
على ما دون الجناية من الشجة التي لا تعزير فيها وأخذ التفاوت بينها وبين ما استوفاه فيقتص من الهاشمة
35

بالموضحة ويأخذ المجني عليه ما بين الديتين وعلى هذا القياس جمعا بين الحقين وكلما ثبتت الدية في العمد
فإنما تجب في مال الجاني وكذا الشبيه به إنما يوجب الدية عينا في مال الجاني أيضا وإن تعذر الاستيفاء منه فيهما
بموت أو هرب فالأكثر ومنهم المصنف بل قيل إنه اجماع على أنه يؤخذ من الأقرب إليه ممن يرث ديته فإن لم يكن فمن
بيت المال لموثقة أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) في رجل قتل رجلا عمدا ثم هرب فلم يقدر عليه قال إن كان له مال أخذت
الدية من ماله وإلا أخذت من الأقرب فالأقرب ولا يطل دم امرئ مسلم ومثلها صحيحة ابن أبي نصر عن أبي جعفر (ع)
والروايتان أخص من المدعى وقيل لا دية في العمد مطلقا ولا في الشبيه به من مال قريبه والوجه الاقتصار على
مدلول الخبرين والخطأ المحض إن ثبت باقرار الجاني أوجب الدية في ماله مطلقا وكذا إن ثبت لبينة في الذمي
وفي العبد يتعلق برقبته على المشهور أما في الحر المسلم فيوجب الدية في مال عاقلته ابتداء على الأظهر كما في المفاتيح
وهم العصبة والمعتق وضامن الجريرة والإمام والدية تسمى عقلا لأنها تعقل لسان الولي والعقل أيضا المنع وقد
كانت العشيرة في الجاهلية تمنع عن الجاني بالسيف ثم منعت عنه في الاسلام بالمال وضابط العصبة من
يتقرب بأبيه من الذكور كالأخوة والأعمام وأولادهم على المشهور وقيل من يرث دية القاتل لو قتل وقيل من
يرثه بالفرض خاصة ومع فقده يشترك في العقل من يتقرب بالأم مع من يتقرب بالأب أثلاثا واختلف
أيضا في دخول الآباء والأولاد والمشهور العدم أما الصبي والمجنون والمرأة والفقير عند حلول الأجل فلا
وكذا أهل البلد وأهل الديوان عندنا قولا واحدا وروى المحمدون الثلاثة عن سلمة بن كهيل قال أتي
أمير المؤمنين (ع) برجل قد قتل رجلا خطأ فقال له أمير المؤمنين (ع) من عشيرتك فقال مالي بهذا البلد
عشيرة ولا قرابة قال فقال فمن أي البلدان أنت قال إنا رجل من أهل الموصل ولدت بها ولي بها قرابة
وأهل بيت قال فسئل عنه أمير المؤمنين (ع) فلم يجد له بالكوفة قرابة ولا عشيرة قال فكتب إلى عامله على الموصل
أما بعد فإن فلان بن فلان وحليته كذا وكذا قد قتل رجلا من المسلمين خطأ وذكر أنه رجل من أهل
الموصل وأن له بها قرابة وأهل بيت وقد بعثت به إليك مع رسولي فلان بن فلان وحليته كذا وكذا فإذا
ورد عليك انشاء الله وقرأت كتابي فافحص عن أمره وسئل عن قرابته من المسلمين فإن كان من أهل
الموصل ممن ولد بها وأصبت له قرابة من المسلمين فاجمعهم إليك ثم انظر فإن كان رجل منهم يرثه له
سهم في الكتاب لا يحجبه عن ميراثه أحد من قرابته فألزمه الدية وخذه بها نجوما في ثلاث سنين فإن لم يكن
له من قرابته أحد له سهم في الكتاب وكانوا قرابته سواء في النسب ففض الدية على قرابته من قبل أبيه و
على قرابته من قبل أمه من الرجال المدركين المسلمين ثم اجعل على قرابته من قبل أبيه ثلثي الدية وعلى
قرابته من قبل أمه ثلث الدية وإن لم يكن له قرابة من قبل أمه ففض الدية على قرابته من قبل أبيه
من الرجال المدركين المسلمين ثم خذهم بها واستأدهم الدية في ثلاث سنين وإن لم يكن له قرابة من قبل
أبيه ولا قرابته من قبل أمه ففض الدية على أهل الموصل ممن ولد بها ونشأ ولا تدخلن فيهم غيرهم من أهل
البلدان ثم أستاد ذلك منهم في ثلاث سنين في كل سنة نجما حتى تستوفيه انشاء الله وإن لم يكن لفلان
بن فلان قرابة من أهل الموصل ولم يكن من أهلها وكان مبطلا فرده إلي مع رسولي فلان بن فلان
انشاء الله فأنا وليه والمؤدي عنه ولا يطل دم امرئ مسلم انتهى ويسقطها الحاكم على ما يراه بحسب
أحوال العاقلة وقيل يؤخذ من الغني عشرة قراريط ومن غيره خمسة قراريط وهل يجمع بين القريب و
البعيد أم يرتب في التوزيع إلا مع عجز الأقرب عن الاتمام قولان ومع فقد العصبة فالمعتق ثم ضامن الجريرة
وهو يعقل ولا يعقل عنه إلا مع دوران الضمان ومع فقده يؤديه الإمام من بيت المال وقيل بل تؤخذ حينئذ
من الجاني فإن لم يكن له مال فمن الإمام وعمد الصبي والمجنون خطأ يوجب الدية على عاقلتهما اجماعا لرفع
القلم عنهما وكذا النائم إذا جنى بحركته وانقلابه على المشهور لعدم قصده إلى الفعل ولا الجناية خلافا لمن جعله
شبيه عمد جعلا له من الأسباب وروي في الظئر إذا قتلت صبيا بانقلابها عليه في النوم أن عليه الدية في مالها
إن ظئرت طلبا للعز والفخر وعلى عاقلتها إن ظأرت من الفقر وقد عمل بها المحقق وغيره وتثبت الجناية بأحد
أمور ثلاثة أما شهادة عدلين لا شاهد ويمين ولا شاهد وامرأتين في الموجبة للقصاص وقيل بل تجب به
الدية جمعا بين ما دل على عدم الثبوت بذلك مطلقا وما دل على الثبوت به وأما الموجبة للدية فتثبت به بلا
خلاف كما في المفاتيح ولو كذبهما المشهود عليه لم يسمع كما في غيره أما لو ادعى الموت بغير الجناية المشهود عليها
من غير تكذيب لهما سمع مع امكانه ويمينه ولو تعارضت البينتان على اثنين فالمشهور ثبوت الدية بينهما وإن
كان عمد الثبوت القتل من أحدهما وعدم تعين الجاني ليقاد منه وقيده المصنف وغيره بما إذا لم يدع الولي على أحدهما
فيتعين للقود أو الدية لقيام البينة بالدعوى وتهدر الأخرى ومنهم من خير الولي ولا فرق في الثبوت بالبينة
بين ما إذا كان المشهود عليه حرا أو عبدا واقرار الحر دون العبد فلا يلزم به قبل العتق ولو مرة واحدة على المشهور
وقيل مرتين ولو أقر اثنان على البدلية قيل يتخير الولي في تصديق أيهما شاء لأن كل واحد سبب مستقل
ولا يمكن الجمع وليس له على الآخر سبيل واستدل لهم برواية المحمدين الثلاثة عن الحسن بن صالح قال سألت
أبا عبد الله (ع) عن رجل وجد مقتولا فجاء رجلان إلى وليه فقال أحدهما أنا قتلته عمدا وقال الآخر أنا قتلته
خطأ فقال إن أخذ بقول صاحب العمد فليس له على صاحب الخطأ سبيل وإن أخذ بقول صاحب الخطأ فليس له
على صاحب العمد سبيل وهي أخص من المدعى ولا دلالة فيها على التخيير ولو رجع الأول فالمروي في قضية الحسن
بن علي (ع) سقوط الدعوى عنهما جميعا وثبوت الدية في بيت المال ولو تعارض البينة والاقرار وأبرأ المقر
المشهود عليه فإن اختار الولي الدية كانت بينهما نصفين وإلا فلا قصاص من المشهود عليه إلا برد
نصف ديته فإن اقتص منه خاصة فمن المقر أو منهما فمنه خاصة أو من المقر فلا رد والفرق أن المشهود
عليه لم يبرئ المقر بخلافه فيلزمه حكم قراره كذا في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) ومنهم من اقتصر على
التخيير ومنع من الاقتصاص منهما جميعا كما في تعارض الاقرارين وقواه المصنف في المفاتيح والقيد المتقدم
36

مما لا ينبغي اغفاله فيهما أو القسامة بفتح القاف وهي الايمان تقسم على أولياء الدم كما قاله الجوهري
وصورتها أن تقع جناية ولا يعرف الجاني ولا تقوم عليه بينة ويدعى الولي على واحد أو جماعة فيحلف
على ما يدعيه وهي على خلاف الأصل من توجيه اليمين على المدعي مع اللوث أي اقتران الواقعة بما يغلب
معه الظن بصدقه كما لو وجد قتيل في قبيلة أو حصن أو قرية صغيرة أو محلة منفصلة عن البلد
الكبير وبينه وبين أهلها عداوة ظاهرة وكما لو تفرق جماعة عن قتيل في دار كان قد دخلها عليهم ضيفا
أو في حاجة وكما لو وجد قتيل وعنده رجل معه سلاح متلوث بالدم ولو كان بقربه سبع أو رجل آخر مول ظهره
لم يوجب ذلك اللوث في حقه إن أمكن الاستناد إليهما وكما إذا شهد عليه عدل واحد أو عدلان أحدهما بالاقرار
والآخر بالمشاهدة أو نسوة أما الصبيان والفساق وأهل الذمة فالمشهور عدم حصول اللوث باخبارهم و
استحسن المصنف وغيره حصوله مع حصول الظن به وفي قبول قسامة الكافر على المؤمن قولان وهي في النفس خمسون
يمينا في العمد بلا خلاف وخمسة وعشرون يمينا في الآخرين الخطأ المحض والشبيه بالعمد لصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال القسامة خمسون رجلا في العمد وفي الخطأ خمسة وعشرون رجلا وعليهم أن يحلفوا بالله وحسنة
يونس عن الرضا (ع) أن أمير المؤمنين (ع) جعل القسامة في القتل خمسين رجلا وجعل في النفس على الخطأ خمسة
وعشرين رجلا وقيل خمسون مطلقا لاطلاق قضية الأنصاري التي هي الأصل في الباب وهي حكاية حال لا عموم
فيها ويبدء أولا من الوارث المدعي وقومه فإن بلغوا العدد وحلفوا وإلا كررت عليهم حتى يكمل النصاب ولو
لم يكن له قوم أو امتنعوا كلا أو بعضا حلف وحده أو هو ومن وافقه منهم العدد وأما في الأطراف فالمشهور
خمسون يمينا فيما فيه الدية وبنسبتها منه فيما دون ذلك خلافا للشيخ فست ايمان فيما فيه الدية وبحساب
ذلك فيما دونه لرواية استضعفها المشهور وإذا اجتمع المباشر والسبب ضمن المباشر في الأكثر كالذابح مع
الممسك أو الآمر وإن كان مكرها إذ لا اكراه في القتل عندنا لأنه دفع ضرر بمثله فيقاد من الذابح اجماعا و
يحبس الممسك والأمر مخلدا ففي الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) في رجلين أمسك أحدهما وقتل الآخر قال يقتل
القاتل ويحبس الآخر حتى يموت غما كما كان حبسه عليه حتى مات غما وفيه عن زرارة عن أبي جعفر (ع) في رجل أمر
رجلا بقتل رجل فقال يقتل الذي قتله ويحبس الأمر بقتله بقتله في السجن حتى يموت وفي بعض الروايات أن أمير
المؤمنين (ع) قال في رجل أمر عبده أن يقتل رجلا فقتله هل عبد الرجل إلا كسيفه يقتل السيد ويستودع العبد
السجن وحملت على من يعتاد ذلك لأنه مفسدة وهو كما ترى وقد يرجح السبب على المباشر كما لو جهل المباشر
حال السبب فيضعف بالغرور كقتل الحد أو بشاهد الزور وأكل الطعام المسموم مع الجهل بالسم أو أكرهه فيما
دون النفس كأن يقول له اقطع يد هذا وإلا قتلتك أو فرط في ضبط دابته الصائلة فجنت ويقاد للمرأة من الرجل
في الأطراف مثلا بمثل التساوي ديتيهما ما لم تبلغ ثلث دية الحر على المشهور فترجع إذا بلغته إلى النصف ففي
الصحيح عن جميل بن دراج وعبد الرحمن بن أبي نجران قال سألت أبا عبد الله (ع) عن المرأة بينها وبين الرجل
قصاص قال نعم في الجراحات حتى تبلغ الثلث سواء فإذا بلغت الثلث سواء ارتفع الرجل وسفلت المرأة
وفي معناه روايات كثيرة كلها ناعية على القياس فيقتص لها منه فيما في الثلث فما زاد ويرد عليه الفاضل
كما في غيره من مواضع التفاضل وقيل بل تعاقله في الثلث فما دون ويرد عليه الفاضل فيما زاد
لصحيحة الحلبي قال سئل أبو عبد الله (ع) عن جراحات الرجال والنساء في الديات والقصاص سواء فقال الرجال
والنساء في القصاص السن بالسن والشجة بالشجة والإصبع بالإصبع سواء حتى تبلغ الجراحات ثلث الدية فإذا
جازت الثلث صيرت الرجال في الجراحات ثلثي الدية ودية النساء ثلث الدية وموثقة ابن أبي يعفور قال سألت
أبا عبد الله (ع) عن رجل قطع إصبع امرأة قال يقطع إصبعه حتى ينتهي إلى ثلث المرأة فإذا جاز الثلث أضعف
الرجل وغيرهما من النصوص الصريحة فلو قطع أربعا من أصابعها لم يقطع منه الأربع إلا بعد رد دية إصبعين
ولو أخذ منه الدية لم يؤخذ أكثر من عشرين بعيرا دية إصبعين كما وقع التصريح به في رواية أبان الآتية وهل
لها القصاص في إصبعين من دون رد اشكال ويقوى لو طلبت القصاص في ثلث والعفو عن الرابعة ولو كانت
الجناية بأزيد من ضربة ثبت لها دية الأربع أو القصاص في الجميع من غير رد إذ كلما جنى عليها جناية ثبت لها
حكمها ولا دليل على سقوطه بلحوق جناية أخرى والجناية الأخيرة إنما هي قطع ما دون الأربع فلها حكمها ولا يسقط
بسبق أخرى ويتخير الولي في نفس المسلم بين الاقتصاص من العبد إذا كان قاتلا له عمدا مع بقائه على الرق وكذا الذمي
مع بقائه على الكفر وبين استرقاقهما سواء رضي مولى العبد أم لا على المشهور وقيل بل يتوقف استرقاقه على رضى
المولى وهو محجوج باطلاق الروايات وسواء كان المقتول عبدا مساويا للقاتل في القيمة أم متفاوتا مطلقا
كما يقتضيه الاطلاق وصرح به بعضهم وقيل لا يقتل الكامل بالناقص إلا بعد الرد فإن القيمة في المملوك
بمنزلة الدية في غيره فإن لم يرد كان له أن يسترق منه بقدر قيمة عبده كما لو جرح جرحا لا يحيط بقيمته وله
مال الذمي سواء قتله أو استرقه وقيل لا يجوز أخذ ماله إلا إذا اختار استرقاقه وهو محجوج بحسنة ضريس
الكناسي عن أبي جعفر (ع) في نصراني قتل مسلما فلما أخذ أسلم قال اقتله به قيل فإن لم يسلم قال يدفع إلى
أولياء المقتول هو وماله والحر المباشر لقتل المؤمن ومن في حكمه حرا أو عبدا إن تعمد كفر وجوبا بالعتق
الذي هو بمنزلة الاحياء كما تقدم وصيام شهرين متتابعين واطعام ستين مسكينا جمعا بين الخصال
الثلث اجماعا وأن لا يكن عامدا بل خاطئا أحد الخطابين رتب على المشهور بينهما من ماله الترتيب المذكور والقول بالتخيير شاذ والمذكور في صريح الكتاب خصلتان قال الله (تع) ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة
مؤمنة إلى قوله فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ويشترط في الرقبة الاسلام والمحتاط لا يجتزئ بغير المؤمن
ولا بغير البالغ فيه وإن اجتزئ به في غيره لحسنة معمر بن يحيى عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن الرجل يظاهر
من امرأته يجوز عتق المولود في الكفارة فقال كل العتق يجوز فيه المولود إلا في كفارة القتل فإن الله يقول
فتحرير رقبة مؤمنة يعني بذلك مقرة قد بلغت الحنث ومثله روى الحسين بن سعيد عن رجاله عنه (ع)
37

وعمل به ابن الجنيد وإن كان المشهور خلافه والتتابع يحصل بالتجاوز عن النصف فالصائم شهرا وعن الثاني
ولو يوما متتابع اجماعا فيجوز له تفريق البواقي من غير إثم على المشهور وقيل يأثم وإن كان مجزيا فإن ابتدء
من أول الهلال اعتبر الشهر الهلالي وإن كان ناقصا أو من أثنائه فالأحوط اكمال كل منهما ثلثين وإن كان المشهور
احتساب الثاني بالهلالي واكمال الأول من الثالث وكل ما أفطر لمرض أو حيض أو اغماء بنى عند زواله وإن كان
قبل تجاوز النصف وكذا السفر إن كان ضروريا ولم يعلم بعروضه عند الشروع ويتخير في الاطعام بين أن يسلم إلى المستحق مدا
من طعام على المشهور أو مدين على قول وبين أن يشبعه مرة على المشهور ومرتين غدوة وعشية على قول ولا بد من مراعاة العدد المقدر فلا يجزي لو أطعم ثلثين في يومين مثلا إلا مع التعذر على المشهور والمملوك لا
عتق عليه في كفارته ولا اطعام لأنه لا يقدر على شئ بل يصوم شهرا واحدا متتابعا على النصف من الحر كما في
غيره وروي تحقق التتابع فيه بخمسة عشر يوما كما هو المشهور والدية لنفس المسلم الحر في العمد حيث يرجع
إليها أحد أمور ستة إما مائة بعير من المسان بفتح الميم وتشديد النون وهي ما دخل في السادسة وتسمى
الثنايا أيضا أو مائتا بقرة يصدق عليها الاسم وقيل مسنة وهي السنية الداخلة في الثالثة أو مائتا حلة
بضم الحاء على المشهور وقيل مائة مما يصدق عليه الاسم وقيل قيمة كل حلة خمسة دنانير ولا مشاحة في العدد
إذ الضابط ما يبلغ ألف دينار والحلة ثوبان بنص أهل اللغة إزار ورداء كما عول عليه أكثر أصحابنا و
قيل ثلاثة أثواب من برد اليمن بضم الباء قيل نوع من الثياب معروف وقيل ثوب مخطط أو كساء يلتحف به
وقيل كساء أسود مربع تلبسه الأعراب وكانت تجلب إليهم من اليمن فأضيفت إليه أو ألف دينار من الدنانير
الشرعية أو ألف شاة بإزاء كل جمل عشرة شياة وما ورد في بعض الأخبار أن مكان كل جمل عشرون شاة فأجود
محامله التقية أو عشرة آلاف درهم وما ورد باثني عشر ألف يحتمل التقية أيضا وكل واحد من هذه الأصناف
أصل في نفسه عندنا ليس بدلا عن غيره ولا مشروطا بعدمه والتخيير إلى الجاني في بذل أيها شاء من أهل
أيها كان وفي قبول القيمة السوقية قولان واختار المصنف العدم وهل له التلفيق من جنسين منها فصاعدا
بدون رضاء الولي اشكال وقد كانت في صدر الاسلام في بلاد الشارع وما والاها متقاربة في القيمة
وإنما أنشأ التفاحش في الاختلاف بعد ذلك وتستأدي في سنة واحدة لا تؤخر عنها إلا برضاء المستحق
ولا يعجل قبل تمامها على الوادي ودية النفس في كل من الخطأ الشبيه بالعمد والخطأ المحض مائة بعير أيضا
أو غيرها من المقدرات الخمسة المذكورة كما في العمد إلا أنها فيهما مخففة بشيئين أحدهما سن الإبل فإنهما
فيهما دون المسان على التفصيل المأثور في الروايات وهي مختلفة في كل منهما ومنه نشأ الاختلاف بين الا
صحاب واجمعها روايتان إحديهما صحيحة عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول قال أمير المؤمنين (ع)
في الخطأ شبه العمد ان يقتل بالسوط أو بالعصا أو بالحجر ان دية ذلك تغلط وهي مائة من الإبل أربعون
خلفة بين ثنية إلى باذل عامها وثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون والخطأ يكون فيه ثلاثون حقة وثلاثون
بنت لبون وعشرون بنت مخاض وعشرون ابن لبون ذكر وقيمة كل بعير مائة وعشرون درهما أو عشرة
دنانير ومن الغنم قيمة كل ناب من الإبل عشرون عشرون شاة رواها الصدوق والشيخ ورواها ثقة
الاسلام أيضا وعمل بها جماعة منهم المصنف في الجزئين والخلفة بفتح الخاء وكسر اللام الحامل وباذل عما
ما فطرنا بها أي انشق وذلك في السنة التاسعة وربما بذل في الثامنة والحقة بكسر الحاء ما دخلت في الرابعة
واستحقت الفحل والركوب كما روي في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام وبنت اللبون بفتح اللام ما دخلت
في الثالثة فصارت أمها لبونا أي ذات لبن لأنها حملت حملا آخر ووضعته وبنت المخاض بفتح الميم ما دخلت
في الثانية فصارت أمها ماخضا أي حاملا والأخرى رواية العلا بن فضيل عن أبي عبد الله (ع) أنه قال في قتل
الخطأ مائة من الإبل أو ألف من الغنم أو عشرة آلاف درهم أو ألف دينار فإن كانت الإبل فخمس وعشرون
بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة والدية المغلظة في
الخطأ الذي يشبه العمد الذي يضرب بالحجر أو بالعصا الضربة والضربتين لا يريد قتله فهي أثلاث ثلاث و
ثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون خلفة كلها طروقة الفحل وإن كان الغنم فألف كبش والعمد هو
القود أو رضي ولي المقتول انتهى والجذعة بفتح الجيم والذال ما دخلت في الخامسة فإنها تجذع مقدم أسنانها
أي تسقطه والآخر الامهال فإن المشهور أن الشبيه بالعامد يستأدي في سنتين كل سنة نصفا وقد اعترفوا
فيه بعدم النص لكن ذكره المفيد وتبعه عليه الجماعة وقيل إن كان موسرا فسنة وإلا فسنتين والخاطئ المحض
وعاقلته في ثلاث سنين كما في صحيحة أبي ولاد وكذا حديث الموصلي المتقدم وفيه في كل سنة نجما ودبة الحر الذمي
مطلقا ثمان مائة درهم على المشهور رواية وفتوى وفي بعض الروايات أنها كدية المسلم وفي بعضها أربعة آلاف
درهم لأنهم من أهل الكتاب وفي بعض أن دية اليهودي والنصراني كالمسلم والمجوسي ثمانمائة وفي حديث
سماعة عن أبي عبد الله (ع) لو أن مسلما غضب على ذمي فأراد أن يقتله ويأخذ أرضه ويؤدي إلى أهله ثمان
مائة درهم إذا تكثر القتل في الذميين وفيه إيماء إلى ما يجمع به بينهما من أن للحاكم أن يلزم المعتاد لقتلهم
بما يراه من دية المسلم أو الأربعة آلاف ولا دية لغير أهل الذمة من الكفار ذوي عهد كانوا أم أهل حرب
كما في المفاتيح وكذا ولد الزنا عند بعضهم لأنه ليس بمسلم ولا ذمي وقيل دية الذمي وهو المروي والمشهور أنها
دية المسلم لدخوله تحت عموم المسلمين ودية العبد مطلقا قيمته ما لم يتجاوز دية الحر من أهل ملته
فترد إليها مسلما أو ذميا لأنه لا يتجاوز قيمة العبد دية الأحرار وكذا الأمة لا يتجاوز بها دية الحر وإلا
خبار والفتاوي متظافرة بذلك ومنهم من استثنى من الاستثناء ما لو كان القاتل غاصبا فالقيمة تامة
مؤاخذة له بأشق الأحوال كما في كل غصب وفي القتل في الشهر الحرام وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة
ومحرم دية وثلث في الجميع تغليظا وكذا في الحرم كما في صحيحتي زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) وظاهر بعضهم
اختصاص ذلك بالعمد وفي الروايات ما يأباه وروي أن الصوم في كفارتهما يتعين في الأشهر الحرم وأما
38

الأطراف والمراد به هنا الأعضاء والقوى المعبر عنها بالمنافع فكل ما هو في الانسان واحد خلقه
طبيعية ففيه الدية كاملة عضوا كان كالأنف واللسان والذكر أو منفعة كالعقل والشم والذوق والقدرة
على الانزال وكل ما هو اثنان ففيهما جميعا الدية وفي كل واحدة النصف كالأذنين والشفتين والعينين
واليدين والرجلين وكضوء العينين وسمع الأذنين وهذه الكلية منصوصة في صحيحة هشام بن سالم عن أبي
عبد الله (ع) قال كل ما كان في الانسان اثنين ففيهما الدية وفي أحدهما نصف الدية وما كان واحدا ففيه الدية
وقد تشابه الأمران في بعض الأطراف فخصت بالبحث وهي عدة أ الشعر فالمشهور أن في شعر الرأس الدية إن لم تعد
مطلقا وإن عاد ففي الذكر الأرش وفي الأنثى مهر المثل ما لم يتجاوز ديتها فيرد إليها وفي شعر اللحية الدية إن لم يعد والأرش إن عاد وقيل ثلث الدية وفي الأبعاض بالنسبة إلى الجميع بالمساحة وقيل إن لم تعد اللحية
وشعر رأس الرجل فمائة دينار وفي الحاجبين جميعا خمسمائة دينار مطلقا وفي كل واحدة نصف ذلك و
في البعض بالحساب وقيل بل فيهما الدية كاملة وقيل بل مع العود الأرش ومع عدمه مائة دينار وفي رواية إن
أصيب الحاجب فذهب شعره كله فديته نصف دية العين مائتان وخمسون دينارا فما أصيب منه فعلى حساب
ذلك وأما الأهداب فقيل فيها الدية كاملة مع عدم النبات وقيل نصف الدية وقيل الأرش حالة الانفراد
عن الجفن والسقوط حالة الاجتماع كشعر الساعدين وهو الذي اختاره في المفاتيح ثم قال وفيما عدا ذلك من
الشعر الأرش ولو قيل بذلك في جميع الشعور لضعف المستند في المذكورات لكان حسنا ب قيل في الأجفان
الدية كاملة وفي كل واحدة ربعها وفي اندراجها تحت القاعدة تكلف والمشهور أن في الأعلى ثلث دية العين
وفي الأسفل نصفها ويسقط السدس لرواية ظريف بن ناصح عن أبي عبد الله (ع) وقيل بل في الأعلى الثلثان
وفي الأسفل الثلث واستدل عليه في الخلاف بالاجماع والأخبار ولم يثبتا وفي الجناية على بعضها بالنسبة
ج في العين الصحيحة من الأعور الدية كاملة إذا لم يستحق دية الأخرى بأن خلقيا أو بآفة غير مضمونة وإن
استحق فالنصف بلا خلاف قاله في المفاتيح واستدل عليه بالأخبار المستفيضة د مقتضى القاعدة أن
في كل واحدة من المنخرين والشفتين والحلمتين والخصيتين نصف الدية والمشهور في إحدى المنخرين الثلث
تقسيطا للدية عليهما وعلى الحاجز وبه روايتان وقيل في الشفة العليا الثلث وفي السفلى الثلثان لكثرة
منفعتها وقيل بل في العليا خمسا الدية وفي السفلى ثلاثة أخماسها وقيل في العليا النصف وفي السفلى الثلثان
والكل للروايات والمشهور أنه لا فرق بين حلمتي الرجل والمرأة واستبعد بعضهم ايجاب الدية في الأول والصدوق
جعل فيهما منه ربع الدية لكل واحدة ثمنا وأما الخصيتان فالمشهور فيهما اعمال القاعدة وقيل في اليسرى ثلثا
الدية لأن الولد منها وقيل بل في اليمنى النصف وفي اليسرى الدية كاملة لأن في فواتها فوات منفعة تامة وفي انتفاخهما أربعمائة دينار فإن فحج فلم يقدر على المشي فثمانمائة على المشهور فيهما للخبر وفي رواية في كل فتق
ثلث الدية واهمال جميع ذلك من الايجاز المخل وفي الأسنان الثمانية والعشرين كلها الدية تامة وعند
التبعيض توزع على المقاديم وهي اثنتا عشرة سنا ثنيتان ورباعيتان ونابان من فوق ومثلها من تحت
ستمائة دينار لكل منها خمسون وعلى المآخير وهي ستة عشر ضاحك وثلاثة أضراس في كل جانب من المقاديم
أربعمائة لكل منها خمس وعشرون على المشهور فتوى ورواية وفي صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع)
أن الأسنان كلها سواء في كل سن خمسمائة درهم ويوافقها ما ورد من الطريقين إن في السن خمسا من
الإبل وعلى المشهور فما زاد على الثمانية والعشرين فهو بمنزلة الزايد فيه ثلث دية الأصلية لو قلع منفردا
وقيل الأرش وكذا تثبت الدية كاملة في مجموع أصابع كل من اليدين العشرة والرجلين كذلك وفي كل إصبع
من كل واحدة منهما عشر الدية مطلقا على المشهور وقيل بل في الإبهام ثلث دية اليد وفي الأربع البواقي
الثلثان لرواية ظريف وكل ما يكون من الأعضاء ديته مقدرة ففي شلله مع بقاء عينه ثلثا ديته
وفي حكمه ما لو جنى على سنه البيضاء فاسودت كما في الصحيح وفي قطعه بعد شلله ثلث ديته وفي حكمه ذكر العنين
على المشهور وروي الدية تامة وأما الشجاج جمع شجة وهي الجناية في الرأس والوجه والجراح في سائر البدن
فأقسامها ثمانية أو تسعة على اختلاف بين اللغويين والفقهاء في عددها وفي تفسيرها ونحن نقول على كلام
المصنف طاب ثراه في المفاتيح ففي الشجة القاشرة للجلد قليلا نحو الخدش وسمي الحارصة والحرصة كالعرصة باهمال الحروف
وقد يقال الدامية أيضا بعير وفي الدامية موضعها بالشق الآخذة في اللحم قليلا وقد يقال الباضعة بعيران وفي التي
تأخذ في اللحم كثيرا وتسمى المتلاحمة وقد يقال الباضعة أيضا ثلاثة أبعر وفي البالغة إلى الجلدة الرقيقة المغشية
على العظم أربعة أبعر وتسمى الشجة السمحاق وتلك الجلدة السمحاقة وفي الحارقة لها الكاشفة عن وضح العظم أي بياضه
وتسمى الموضحة من غير كسر له خمسة أبعر وفي الكاسرة له وتسمى الهاشمة سواء جرحه أم لا عشرة أبعر أرباعا إن كان خطأ
بنتا مخاض وابنا لبون وثلاث بنات لبون وثلاث حقق وأثلاثا إن كان شبيه عمد ثلاث بنات لبون وثلاث حقق وأربع
خلف حوامل على نسبة ما يوزع في الدية الكاملة على الرواية المختارة عند المصنف وفي المحوجة إلى نقله وتسمى
المنقلة خمسة عشر بعيرا وقيل عشرون وهو شاذ وفي البالغة أم الرأس من غير فتق لها وهي الخريطة التي تجمع الدماغ
وتسمى المأمومة ثلث الدية وقيل ثلاث وثلاثون بعيرا بحذف الثلث وكذا يثبت الثلث من غير زيادة في الفاتقة للخريطة الواصلة إلى الجوف الدماغ وتسمى الدامغة والسلامة معها بعيدة وقيل يزاد فيها حكومة على
المأمومة وهي من أفراد مطلق الجائفة وهي الواصلة إلى الجوف من أي جهات البدن كانت ولو من ثغرة النحر
فإن فيها الثلث مع السلامة اتفاقا كما قيل وديات هذه الشجاج كلها في الوجه والرأس سواء ومثلها في
جراح البدن بنسبة دية العضو المجني عليه من دية الرأس ففي قاشرة اليد نصف بعير وفيها في إصبع واحدة عشرة وهكذا و
ما لا تقدير فيه من جنايات الأطراف ففيه الأرش ويسمى الحكومة أيضا وذلك بأن يقوم المجني عليه صحيحا عن الجناية
تارة ومعيبا بها أخرى بتقديره مملوكا وينظر إلى التفاوت بين القيمتين ويحتسب من الدية التي هي بمنزلة
القيمة الصحيحة بحساب القيمة المعينة فلو قوم صحيحا بمائة ومعيبا بتسعين فالأرش عشر الدية أو بخمسين فنصفها
39

وهكذا والمرأة الحرة مطلقا كالرجل في الجميع من ديات الأعضاء والشجاج والجراح حتى تبلغ ثلث ديته
أو تتجاوزه على ما مر من الخلاف ثم تصير على النصف منه وقد تقدم فيه بعض الروايات وروى أبان بن
تغلب في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) قال قلت له ما تقول في رجل قطع إصبع من أصابع المرأة كم فيها قال عشر
من الإبل قلت قطع اثنتين قال عشرون قلت قطع ثلاثا قال ثلاثون قلت قطع أربعا قال عشرون قلت
سبحان الله يقطع ثلاثا فيكون عليه ثلاثون ويقطع أربعا فيكون عليه عشرون إن هذا كان يبلغنا ونحن
بالعراق فنبرأ ممن قاله ونقول إن الذي جاء به شيطان فقال مهلا يا أبان هذا حكم رسول الله صلى الله عليه وآله إن
المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف يا أبان إنك أخذتني بالقياس
وأن السنة إذا قيست محق الدين وأما الجنين فإن ولجته الروح فديته كاملة ذكرا كان أو أنثى وإن
تعدد تعددت وإلا فأقوال وروايات أشهرها أنها تاما مائة دينار وعظما ثمانون ومضغة ستون
وعلقة أربعون ونطفة عشرون والمشهور في الذمي التام ثمانون درهم عشر دية أبيه وفي رواية عشر
دية أمه والنصوص في المملوك عشر قيمة أمه المملوكة وفي رواية نصف عشر قيمتها إن ألقته ميتا و
عشرها إن ألقته حيا ودية الأعضاء والجراحات بالنسبة ومن افزع مجامعا فعزل فالمروي المنقول عليه
الاجماع أن على المفزع عشرة دنانير وفي اطلاقه اشكال ولو عزل اختيارا فلا دية للأصل وجواز الفعل كما
يأتي في النكاح وقيل بل يلزمه في الحرة مع عدم الإذن عشرة دنانير وفي اطلاقه الاشكال ولو قتلت المرأة
مع ولدها ولم يعلم كونه ذكرا أو أنثى فالمشهور نصف الديتين وفي المفاتيح أنه إذا فعلت فعل بالميت ما يوجب
قتله لو كان حيا كقطع الرأس وشق البطن فديته مائة دينار دية الجنين قبل ولوج الروح بلا خلاف
وفي اطلاقه أيضا اشكال والمستفاد من الصحيح اختصاصه بالعامد دون الخاطي وأنه يصرف عنه في وجوه القرب
ولا يرث وارثه منه شيئا وفي قطع جوارحه بحساب ديته وكذا في شجاجه وجراحه وفي رواية إن قطعت يمينه أو شئ
من جوارحه فعليه الأرش للإمام وفي اتلاف المال المضمون مع عدم بقاء المالية سواء كان بالمباشرة
كأكل الطعام أو التسبيب كاطعامه الحيوان المثل إن أمكن بأن كان مثليا لا يتعذر تحصيله وقت الدعوى
وأن لا يجتمع الوصفان فإن كان قيميا فالقيمة السوقية يوم وضع اليد عليه كما في صحيحة أبي ولاد ويوم
التلف عند جماعة وأعلى القيم بينهما عند أخرى وإن كان مثليا فالقيمة يوم الدفع وقيل يوم الاعواز ولو
عذر بعد عزم القيمة على المثل لم يجب والمراد بالمثلي ما لا تتفاوت أجزاؤه تفاوتا معتدا به كالحبوب و
الأدهان والذهب والفضة الخالصين غير المصوغين وبالقيمي ما عداه ولا فرق في عدم بقاء المالية
بين بقاء العين وعدمه ومعه يتعين رد العين مع الأرش كما لو غصب شاة وذبحها فيجب ردها مذبوحة
مع تفاوت قيمتها وكذا الحكم لو تلف أو نقص أو حدث فيه عيب في يده لا بفعله كما لو غصب عبدا فمات أو أعمى أو
أبق إلا أنها لا تعد جناية ولا يتداخل الأرش مع الأجرة إن نقص بالاستعمال ولو كان النقص في القيمة السوقية
من دون تغير في العين لم يضمن بلا خلاف والضمان حيث يحكم به يحصل بوضع اليد عليه بالاستقلال
أو بالاشتراك بغير إذن المالك كما في الأمانات المالكية كالأعيان المستأجرة والمستودعة والمستعارة
والشارع كما في الأمانات الشرعية كاللقطة وأموال المولى عليهم أو مع التفريط فيه وهو ترك ما يجب فعله أو
التعدي وهو فعل ما يجب تركه ولو كانا فيهما كما يأتي في محله قال المصنف في الحاشية ومن التفريط تأخير الرد
مع الامكان فيما أخذه بإذن الشارع دون المالك كانتزاع المغصوب من يد الغاصب وأخذ الثوب المطار به الريح
إلى داره حسبة
باب ذمائم القلب جمع ذميمة فعيل بمعنى المفعول والتاء للنقل كالسقيفة والقلب يطلق تارة على
العضو اللحماني الصنوبري الشكل المودع في تجويف الأيسر من الصدر وفي جوفه دم أسود هو أول ما يتعين من أجزاء
الجنين وتحل فيه الحياة وهو منبع الروح الحيواني وهو الذي يبحث عنه الأطباء وأخرى على اللطيفة الربانية
المتعلقة بهذا البدن الجسماني ولها بالقلب اللحماني مزيد تعلق وقد تحيرت الأفهام في حقيقتها وكيفية تعلقها
على أقوال استوفيناها مع ما يتعلق بها في المسائل الجبلية الأولى وهذه اللطيفة هي حقيقة الانسان العاقلة
العالمة المدركة الفاعلة التاركة المعينة غالبا في الكتاب والسنة حيثما أطلق لفظ القلب وربما يعبر عنها
بالنفس والروح والعقل وكثيرا ما تطلق هذه الألفاظ على معان أخر مفهومة بالقراين وذمايمه هي الأخلاق السيئة وقد ورد التشديد في أمرها كثيرا فعن النبي صلى الله عليه وآله أبى الله لصاحب الخلق السئ بالتوبة
قيل وكيف ذلك يا رسول الله قال إنه إذا تاب من ذنب وقع في ذنب أعظم منه وعن أبي عبد الله (ع) الخلق السئ
يفسد العمل وفي رواية الايمان كما يفسد الخل العسل والخلق مثل قفل وعنق الملكة التي من شأنها أن يصدر
عنها الأفعال بسهولة من غير حاجة إلى مزيد روية سواء كان طبيعية أو عادية فإن كانت الأفعال السهلة
الصدور عنها جميلة شرعا وعقلا سمي الخلق حسنا أو قبيحة فسيئا وحيث إن الجمال المطلق هو الاستواء
التام والخلوص عن الزيادة والنقصان والاعتدال الحقيقي ومن ثم ورد أن الله جميل يحب الجمال فلأخلاق
الحسنة هي الملكات المتوسطة العادلة وبإزائها الأخلاق السيئة هي الملكات المائلة عن الوسط العدل
الذي هو خير الأمور كما في الحديث النبوي المشهور وقد وقع الأمر به في قوله عز وجل إن الله يأمر بالعدل و
قد تقدم أول الكتاب قوله (ع) الصراط المستقيم في الدنيا ما قصر عن الغلو وارتفع عن التقصير واستقام
وميلها عنه أما إلى الافراط كالشره بفتحتين وهو غلبة الحرص بحيث لا يتقيد بناموس الشرع في القوة الشهوية
مطلقا ويخص في الفرجية باسم الهتك والفجور كما تقدم والتهور وهو التهجم من غير مبالاة في القوة الغضبية
والجربزة بضم الجيم وسكون الراء وضم الباء وفتح الزاء المعجمة وهي الاسترسال في القوة العقلية لاستنباط
الحيل والمكايد إلى حد النكر أو الشيطنة أو إلى التفريط كالخمود في مقابلة الشرة والجبن في مقابلة التهور والبله
الاختياري وهو قلة الالتفات في مغامض الأمور أو تركه فيها وهذه القوى الثلاث هي مناشئ الأخلاق
مطلقا ومغارسها النابتة فيها وهي كثيرة منقسمة بكثرتها إلى الحسنة والسيئة كما عرفت وتنقسم أخرى
40

إلى أصول هي أمهات لما عداها وفروع تنشعب وتتولد منها وأصول الأخلاق الحسنة تسمى منجيات
والسيئة مهلكات وربما يسمى جميع أفراد القسمين بالاسمين والمقصود بيانه هنا هي الأخلاق السيئة
ليتخلى عنها وبذلك تتبين الأخلاق الحسنة ليتحلى بها لأن الأشياء شيئان تثبتان بأضدادها والمذكور
منها جملة ثمانية وعشرون بعضها أصول وبعضها فروع كحب الدنيا الذي هو الأصل الأول ورأس كل
خطيئة وفي الحديث ما من عمل بعد معرفة الله ومعرفة رسوله أفضل من بغض الدنيا وأن لذلك لشعبا
كثيرة وللمعاصي شعبا فأول ما عصى الله به الكبر معصية إبليس ثم الحرص معصية آدم ثم الحسد معصية ابن
آدم حيث حسد أخاه فقتله ثم عد عليه السلام معاصي أخر ثم قال فاجتمعن كلهن في حب الدنيا فقالت
الأنبياء والعلماء بعد معرفة ذلك حب الدنيا رأس كل خطيئة والدنيا دنياوان دنيا بلاغ ودنيا ملعونة و
من شعبه الشح المطاع وهو الحرص مع البخل المعمول بمقتضاه في منع الحقوق يقال واد شحيح إذا كان لا يسيل
ماؤه وعن الفضل بن قرة قال قال لي أبو عبد الله (ع) تدري ما الشح قلت هو البخيل فقال الشح أشد من البخل أن
البخيل يبخل بما في يده والشحيح يشح على بما في أيدي الناس وعلى ما في يده حتى لا يرى في أيدي الناس شيئا إلا تمنى أن يكون
له بالحل والحرام ولا يقنع بما رزقه الله والوصف للاحتراز عن أصل الغريزة إذا كانت مخالفة بالمجاهدة و
التكلف وهو نظير تقييد الحسد المذموم بما يتظاهر به ومثله القول في الهوى المتبع وقد عرفت تفسير الهوى
فيما تقدم والاعجاب بالنفس بحسب مزاياها كالعلم والعمل والشرف واليسار وغير ذلك مما يأتي في محله وفي
الحديث النبوي ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع واعجاب المرء بنفسه وهذه الثلاثة معدودة من
الأمهات بعد الأول والبواقي منشعبات منها إما ابتداء أو بوسط وربما ينشعب واحد منها من أصلين أو
أكثر مفردين أو بعد التركيب كالغصب والحقد بكسر الحاء وفتحها وسكون القاف وفتحهما وهو إمساك العداوة
في القلب والحسد والكبر والغرور والرياء وفي حكمه السمعة وربما يعبر عنهما جميعا بالشوب والنفاق وهو
التظاهر بالايمان مع خلو السر منه والبخل والسرف والحرص والاصرار على الذنب والكفران للنعمة والأمن
من مكر الله واليأس من روحه وقد يعبر عنه بالقنوط كما تقدم والجحود لما لم يحط بعلمه ولما يأته تأويله
والقسوة والجهل الراسخ المانع من اشراق نور العقل على القلب ويقرب منه الحمق وهو البلادة المفرطة
بسبب الاعراض عن المقدمات الواضحة الموصلة إلى المقاصد الصحيحة والخرق بضم الخاء وسكون الراء و
هو الخشونة وعدم التلطف واللين والعجلة وهي التسرع وعدم التأمل في الأمور والجزع والمكر والحمية
الجاهلية والخلع بفتح الخاء وهو التسرع في الشهوات من غير تقيد بالعقل والشرع كالدابة التي خلعت
عذارها وهامت على وجهها وغير ذلك مما عده أبو عبد الله (ع) في حديث سماعة والكاظم (ع) في وصية
هشام من جنود الجهل المقابل للعقل وتطبيق كل من هذه الفروع على أصله مبين في تضاعيف الأبواب
الآتية والتطهير عن كل منها إنما يتأتى بتحصيل ضده المحمود كالعفة والشجاعة والحكمة بالمعنى الخاص
المتقدم التي هي أوساط السنة الأول وتسمى الملكة الحاصلة من اجتماع هذه الملكات الثلث بالعدالة
من قولهم هذا عدل ذاك أي مساو له فإن العادل متساو شرهه وخموده وتهوره وجبنه وجربزته وبلهه
بمعنى أنه منفك عنهما جميعا على حد واحد ونسبته إليها متساوية ومن هنا اعتبر الملكة في رسم العدالة
من اعتبرها وإن لم يرو بهذا اللفظ في الروايات والزهد الرافع لحب الدنيا والكرم الرافع للشح المطاع و
البصيرة للأخيرتين من الأمهات والرضا والعفو والتسليم والتواضع والانتباه التي هي بإزاء الخمسة
الأول من المنشعبات واحد بواحد على الترتيب والاخلاص الذي هو بإزاء الشوب واستواء السر والعلانية
الذي هو بإزاء النفاق ولقد كان يمكن الاكتفاء عنه بما قبله ومن ثم وقع مخطوطا عليه في بعض النسخ و
السخاء الذي هو بإزاء البخل والسرف وهو دون الكرم والتوكل والتوبة والشكر والخوف والرجاء و
التصديق والرأفة والعلم والفهم والرفق والتؤدة بضم التاء وفتح الهمزة والدال بمعنى التثبت والتروي
والصبر وسلامة الصدر والانصاف والحياء التي هي بإزاء بقية تلك الفروع وقد عدت جميعا في الحديثين المذكورين من جنود العقل وذلك التحصيل لا يتأتى إلا بأن يتذكر آفات تلك الرذايل وهي ما
يترتب عليها من المفاسد الدينية والدنيوية اللازمة والتعدية وما ورد في الكتاب والسنة وآثار
المقتدين من ذمها والنهي عنها ومدح أضدادها المحمودة والأمر بها وتكلف النفس المقصود تطهيرها
بالمجاهدة والرياضة المتخلية عن كل واحد منها بالجمل على الطرف المقابل له فإن المعالجة إنما هي بالضد
وذلك بالالحاح في تمرينها بالأفعال المناسبة للطرف المطلوب المستجلبة له بالاعتياد فإن الشرة في
الشهوة البطنية والفرجية مثلا إذا راض نفسه بالجوع والصوم حتى اعتادهما زال عنه الشرة ووقفت
على حد الاعتدال المطلوب وكذا اليائس من رحمة الله بسبب غلبة الخوف عليه إذا أمعن في تتبع ما
يشاهد من آثار الرحمة البالغة وما ورد في الكتاب والسنة في سعتها وشمولها مما استراح إليه
الآمنون خفت عنه دواعي الخوف وتحركت فيه دواعي الرجاء وكذا العكس وذلك لأن كل فعل يباشره
الانسان من عمل أو قول أو فكر أو ذكر يحصل منه أثر في نفسه وكلما تكرر ذلك الفعل قوى ذلك الأثر وترسخ في
النفس إلى أن يصير ملكة يصدر عنها الأفعال بسهولة ومن ثم قيل إن العادات طبايع ثانية كالدابة
الجموح إذا بولغ في رياضتها وتأديبها على خلاف ما هي عليه من الشراسة تغير خلقها وعادت سلسة منقادة
فيما يطلب منها من الحركات والسكنات وهذا هو تهذيب الأخلاق المأمور به سمعا وعقلا وليس من
الأمور المستحيلة مطلقا كما زعمه بعض البطالين حسبانا منهم أن الطباع لا تتغير واستدل لهم أبو حامد
في الاحياء وتبعه المصنف في المحجة والحقايق بوجهين أ أن الخلق هو صورة الباطن كما أن الخلق هو صورة
الظاهر فكما لا يقدر القصير أن يجعل نفسه طويلا والقبيح جميلا فكذلك الخلق الباطن ب أن حسن
الخلق إنما يحصل بقمع الغضب والشهوة وهذا أمر ممتنع لأنهما من مقتضيات الطبع لا ينفك عنهما الآدمي
41

فالاشتغال به تضييع زمان بغير فائدة فإن المطلوب هو قطع التفات القلب إلى الحظوظ العاجلة
وهو محال وربما يقرر الاستدلال لهم بوجه آخر وهو أن الأخلاق ملكات طبيعية ولا شئ من
الطبيعيات بممكنة التغيير أما الصغرى فمعلومة بما يشاهد من أن المزاج الصفراوي يغلب فيه الطيش و
الغضب والدموي الشهوة والفرح والسوداوي البخل والامساك والبلغمي البله وسلامة الصدر وبعض
الناس مجبولون على الجربزة والدهاء مع قلة ممارستهم لمداق الأمور وبعضهم على البلادة والحمق مع كثرة
كدهم وولوعهم في التحصيل وهكذا وأما الكبر فبالضرورة فإن الجسم الثقيل كالماء يميل بطبعه إلى المركز و
الخفيف كالهواء إلى المحيط ولا مطمع للمعالج في صرفهما إلى العكس ومما يؤكد هذا الحسبان ما رواه القوم عن النبي صلى الله عليه وآله
إذا سمعتم بجبل زال عن مكانه فصدقوه وإذا سمعتم برجل زال عن خلقه فلا تصدقوه فإنه سيعود إلى ما جبل
عليه وعنه صلى الله عليه وآله الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام إذا فقهوا و
بإزاء هذا التفريط افراط من ذهب إلى أنه لا شئ من الأخلاق بطبيعي وأن الانسان مجبول على فطرة ساذجة
عن جميع الأخلاق والملكات بالفعل صالحة لجميعها بالقوة ثم إنه يختار ما يختار ما يختار منها بيسر أو بعسر
على وفق اقتضاء مزاجه الخاص فهي بأسرها اعراض صالحة للتغيير قابلة للإزالة واستدلوا أيضا بوجهين
أنه لولا ذلك لبطلت المواعظ والوصايا والتأديبات وغيرها ولما قال النبي صلى الله عليه وآله حسنوا أخلاقكم
ب ما يشاهد من تبدل الأخلاق في حق الأشرار الملازمين لمجالسة الأخيار والأحداث الذين يهتم بتأديبهم
وتهذيبهم سيما المنقولين قبل ظهور قوة التمييز فيهم من بلدهم إلى بلد آخر وإن كانوا متفاوتين في
سرعة القبول وبطئه وكيف ينكر هذا في حق الآدمي وهو في الحيوانات العجم مما لا يكاد ينكر فإن الحيوان الوحشي
ربما يؤدب فيصير إنسيا والمحيط خبرا بما أشرنا إليه غير مرة من مبادي الأخلاق ومعنى تهذيبها يتسهل عليه
الوقوف على حقيقة الحق في الباب وتمييز القشر من اللباب ولنستأنف البيان مختصرا فاعلم أن الأخلاق على
تباينها وتقابلها تنقسم بحسب المبدأ إلى قسمين طبيعية حاصلة بمقتضى الطبع من دون تعمل واختيار
وعادية حاصلة بمقتضى العادات العارضة من تكرار ممارسة الحركات البدنية والنفسية أما الأخلاق العادية
فلا ريب في امكان تغييرها لأنها مسببة عن العادات وهي أعراض قابلة للزوال وزوال السبب ملزوم لزوال
المسبب وإن كانت أفرادها متفاوتة في عسر التغيير ويسره بسبب كثرة الرسوخ في النفس وقلته ففائدة
الاشتغال بتحسين الأخلاق فيها ظاهرة وأما الأخلاق الطبيعية فتنقسم إلى نوعية وهي ما يشترك فيه
أبناء النوع في الجملة وشخصية وهي ما يختص بكل فرد بحسب اقتضاء مزاجه الخاص أما النوعية كالشهوة و
الغضب فلا نمنع تعذر إزالتها لكن ليس المراد من تهذيبها إزالتها بالكلية كيف والخمود والجبن اللذان هما
النقصان فيهما معدودان من الرذايل ولو هما لاختل النظام وانقطع النوع بل المراد تطويعهما لحكم العقل و
الشرع وجعلهما منقادين تحت أمرهما وذلك ليس بممتنع وأما الشخصية فالمعلوم باستقراء أحوال الناس
أنهم بحسب الجبلة الأولى فيها على أقسام قسم يوجد فيهم أخلاق محمودة فاضلة وهم قليلون وقسم يوجد فيهم
أخلاق مذمومة وهم كثيرون وقسم لا يوجد فيهم شئ منهما وإنما يكتسبونها بعد التمييز بالعادات وهم
الأكثرون وهؤلاء فاقدون للأخلاق الشخصية وإنما أخلاقهم كلها عادية وقد عرفت فائدة تهذيب الأخلاق
فيها وأما القسم الأول ففائدته فيهم تقوية الملكات المحمودة وزيادة الخير وأما المجبولون على الملكات المذمومة
فلا تنازع أنه في إزالتها عنهم لكن لا نسلم انتفاء الفائدة في حقهم إذ لو لم تجاهد وتدافع أخلاقهم المذمومة
تكون الأفعال الصادرة عنهم جارية بحسب اقتضائها فتتعاضد العادة والطبيعة جميعا وتقوى الذميمة جدا
بخلاف ما إذا جوهدت بالمخالفة واجراء العادة على ما يضادها فإن العادة حينئذ تعاوق الطبيعة وتمانعها
وينتقص الشر فإن الصفراوي الغضوب مثلا لو خلي وطبعه لتكرر منه الغضب لوجود المقتضي وفقد المانع
كما هو المفروض فتصير الذميمة الطبيعية عادية ويعظم الخطب أما لو تأدب بالرياضة والتهذيب على خلاف
مقتضى الطبع فإن المانع يضعف أثر المقتضي فالفائدة في هذا القسم موجودة أيضا وهي تنقيص الشر ولو
فرض أن أفرادا نادرة من الذمايم الطبيعية الشديدة الرسوخ يتعذر الخلوص عن مقتضاها في بعض الأفراد
النادرة من الناس لم يكن ذلك قادحا فيما يشتمل على مصلحة الأكثرين كما أن تعذر معالجة بعض الأمراض
في بعض المرضى ليس قادحا في علم الطب ولا مقتضيا لبطلانه إذ يكفي في صحته امكان معالجة بعض الأمراض
في بعض المرضى ولا يتوقف على امكان معالجة جميعها في جميعهم فإن قلت فعلى هذا لا يحسن تكليف
كل فرد من أفراد الانسان بتهذيب كل فرد من أفراد الأخلاق إذ يحتمل كونه مما يتعذر تهذيبه قلت كل
فرد من أفراد الأخلاق لا قطع عليه بأنه مما يتعذر تهذيبه فهو في مرتبة الاحتمال والأفراد الغالبة ممكنة
التهذيب فيقوي الحاقه بها فيحسن التكليف وبما قررناه ظهر لك حال أدلة الطرفين وهو من الأمر
بين الأمرين والرذايل يجر بعضها بعضا فإن الشره في شهوة البطن مثلا يؤدي غالبا إلى الشبق وتشتد
الحاجة إلى المال لتقويم المأكول والمنكوح ويحصل الحرص والبخل وإلى الجاه لتحصيل المال وحفظه ويتولد
منه العجب والكبر والحقد والحسد والغضب والغرور والرياء والنفاق وغير ذلك وكما أن جرائم الجوارح
قلما يتفق أن يخرج شئ منها إلى الوجود إلا مكتنفا بأمثاله من الذنوب فإن الزنا مثلا لا يكاد يقع غالبا
إلا مسبوقا بالنظر والمراودة والملامسة والمضاجعة والتقبيل ونحوها من اللوازم العادية كما
ورد في حديث أمير المؤمنين (ع) أنه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى ولذلك يجلد حد المفتري كذلك ذمائم
القلب وكذا الفضايل كما روي في تفسير قوله (تع) إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر من أن كل شكل يدعو
إلى شكله ويصرف عن ضده ولنأت بجملة وافية من أصول المطهرات إذا أتقنها الطالب علما وعملا كفى ما عداها
انشاء الله تعالى وذلك في بضعة عشر بابا أولها
باب الصبر وهو لغة الحبس واصطلاحا ثبات باعث الدين
في مقابلة باعث الهوى وهو من الخواص الانسانية لا يتصور في البهائم لانحصار باعثها في باعث الهوى ولا في
42

الملائكة لانحصاره فيها في باعث الدين وليس في شئ منهما قوتان متقاومتان تغالب إحديهما الأخرى كما
كما في الصورة الانسانية التي هي مجمع الأضداد وأكبر حجة لله على العباد وكل واحدة من القوتين تصول
على الأخرى وتجاهدها لتطردها ويخلو لها المحل أو تقهرها فتسخرها وتستخدمها في حوايجها فمن غلب فيه
باعث الدين رقى إلى أعلى عليين أعني ما فوق مرتبة الملائكة ومن غلب فيه باعث الهوى انتكس إلى أسفل سافلين
أعني ما دون مرتبة البهائم كما قال (تع) أولئك كالأنعام بل هم أضل وتقوية باعث الدين في الاستمرار على
مخالفة باعث الهوى وهو الجهاد الأكبر الذي تكررت الإشارة إليه في الأخبار والآثار كما يأتي وكلما كانت
أقوى وأتم كانت ملكة الصبر أرسخ وأثبت وهو ضربان بدني ونفسي فالأول كالثبات على تحمل المشاق بالبدن
إما بالفعل كتعاطي الأعمال الشاقة من العبادات أو غيرها أو بالانفعال كاحتمال الضرب الشديد والمرض العظيم
والمحمود منه ما وافق الشرع والثاني يتشعب شعبا بحسب تشعب البواعث النفسانية والجميع مندرج تحت الصبر
إلا أن لكل منها اسما يخصه فالثبات المحمود على الفعل الشاق كالعبادة والانفعال الشاق وهو المكروه
بالطبع سواء كان بدنيا كما ذكر أو نفسيا كالمصيبة بالأولاد صبر مطلقا من دون قيد بحيث لا يتبادر الأذهان
عند الاطلاق إلا إليه والوجه اختصاص المطلق بالأخير وضده فيه الجزع والهلع وهو اطلاق داعي الهوى ليسترسل
في رفع الصوت ولطم الوجه وشق الجيب ونحوها وحبس النفس عن مقتضى الشهوتين البطنية والفرجية عفة و
ضده الشره وفي الأخيرة خاصة التهتك والفجور كما مر وحبسها في حالة الفقر عن السئول واظهار الحاجة لغير أهلها
تعفف وضده الالحاف وفي حالة الغنى عن الزهو والطغيان ونحوهما من الذمايم التي تعرض الأغنياء غالبا ضبط
النفس وضده البطر بالتحريك وهو قلة احتمال النعمة وفي حالة الحرب عن التفريط والافراط شجاعة وضده في
الأول الجبن وفي الثاني التهور كما عرفت وفي حالة ثوران الغيظ شوقا إلى الانتقام بمقاسات المنافر وكظم
الغيظ حلم وهو غير المقابل بالسفه في حديث الجنود وغيره وضده الغضب أو الطيش وهو خفته وسرعته فإن الحليم
من لا يتسارع إليه الغضب دون من لا يغضب أصلا وفي الحديث أعوذ بالله من غضب الحليم والمقابل بالغضب
فيما مضى الرضا وربما يسمى الصبر في النوائب وهي المصائب سعة الصدر وضده وهو الجزع ضيقه والضجر
بفتحتين يقال مكان ضجر ككتف أي ضيق والتبرم وهو الملال وضبطها في اخفاء الأمر الذي حقه أن
يكتم من أسرار الشريعة وأمانات المجالس وغيرها كتمان وضدها الإذاعة وهي الافشاء وبوجه خاص النميمة
وفي مرافق المعيشة عن طلب فضول العيش زهد بمعنى أخص من المقابل بحب الدنيا وهو القناعة وعن
امساكها سخاء وضده في الأول الحرص وفي الثاني البخل وفي المخاطبات عن اكثار الكلام صمت وضده الهذر
وفي سائر الأمور عن الزيادة والنقصان قصد وضده العدوان ومن ثمة قيل العلم والصبر أبو
الفضايل
فقد علمت فيما مضى أن كمال القوة النظرية بالعلم وكمال القوة العملية في شعبتيها الشهوية والغضبية بالعفة
والشجاعة وأصول الفضايل منحصرة في هذه الثلاثة وملكه الصبر من حيث تضمنها ضبط النفس عن الشهوات
تشمل العفة وعلى المكروهات تشمل الشجاعة فإذا حصل العلم والصبر نتج منهما سائر الفضايل فالعلم
بمنزلة الأب لكونه المؤثر الأول والصبر بمنزلة الأم لانطوائه عليها بالقوة القريبة وقد أمر الله سبحانه بالصبر
وأثنى على الصابرين في نيف وسبعين موضعا من الكتاب فقال واصبروا إن الله مع الصابرين وقال و
بشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم و
رحمة وأولئك هم المهتدون وقال ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون وقال أولئك
يؤتون أجرهم بما صبروا إلى غير ذلك من الآيات وورد في الحديث النبوي وأحاديث أهل البيت (ع) بعدة
طرق الصبر رأس الايمان ولا ايمان لمن لا صبر له لما عرفت من انطوائه على خصاله كلها وجدوته سهولة
العبادة فإن الصبور كالمديون الموطن نفسه على ايفاء حق الغريم فإنه لا يشق عليه الأداء عند الاقتضاء
ومن ثم أمر الله سبحانه عباده بعد ما أمرهم بما أمرهم بالاستعانة بالصبر في غير موضع من القرآن فقال
واستعينوا بالصبر وتوفية الأجر بغير حساب كما قال (تع) إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ويكتب له
من الدرجات ما في حديث أمير المؤمنين (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله الصبر ثلاثة صبر عند المصيبة وصبر
على الطاعة وصبر عن المعصية فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة
ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة ما بين
الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش ومن صبر عن المعصية كتب الله له تسعمائة درجة ما بين
الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش وحقه أن يكون خالصا لله عز وجل كغيره من العبادات
لا لحمية ورياء ونحوهما وإن كان من اللوازم والظاهر أن قصد الحمية إذا كان طارئا ولم تكن جاهلية ليس
بصاير في ترتب الثواب الموعود كما اختاره المصنف في طريان قصد التبرد في الوضوء إذا كان الباعث الأصلي
هو التقرب كما يأتي وهذا من المشتركات بين أنواعه الثلاثة المعدودة في الرواية ويختص كل من الصبر على الطاعة
والمصيبة بأمور تخص بالذكر أما الأول فإن النفس الأمارة نافرة عن العبودية ومن ثم تشق عليها العبادات
إما بسبب الكسل كالصلاة أو البخل كالزكاة أو بهما جميعا كالحج فالعابد يحتاج إلى الصبر عليها في ثلاثة أحوال
الأولى قبل العبادة وذلك بأن يثبت نفسه على الاخلاص ويصون النية في الطاعة عن شوايب الرياء ودواعي
الآفات والثانية في أثناء الأداء والاشتغال بالعبادة فيتحفظ عن الغفلة عن الله والتكاسل عن تكميل آدابها
وسننها إلى الفراغ والثالثة بعد الفراغ منها واستحقاق الثواب حينئذ إلى ضبط النفس عن الافشاء و
التظاهر بها للسمعة والرياء وعن النظر إليها بعين العجب وغير ذلك من مبطلات العمل ومحبطات الأجر وقد
نهى الله عنها بقوله عز وجل ولا تبطلوا أعمالكم وقوله سبحانه لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى وقوله ولا تمنن
تستكثر ومدح قوما بذلك حيث قال ثم لا يتبعون ما انفقوا منا ولا أذى وعن أبي جعفر (ع) الابقاء على العمل
أشد من العمل قيل وما الابقاء على العمل قال يصل الرجل بصلة وينفق نفقة لله وحده لا شريك له فكتبت
43

له سرا ثم يذكرها فتمحي فتكتب له علانية ثم يذكرها فتمحي وتكتب له رياء وأما الثاني فإن المصائب على تكثر أنواعها
ينظمها قسمان أحدهما ما هو من فعل الآدميين مثل قطع الطرف وقتل الولد ونحوهما مع تمكن المصاب من
مكافآت الجاني بالاقتصاص وهذا ممكن المجازات والآخر ما كان من فعل الله تعالى مثل موت الأحباب
وعروض الأمراض أو فعل غيره ممن لا يمكن مجازاته ويشترك القسمان في الصعوبة على النفس وكراهة الطبع لهما اضطرارا
فليس المراد بالصبر فيهما أن لا يكون في نفس المصاب كراهية المصيبة فإن ذلك غير داخل تحت الاختيار بل الذي
يكلف به الصابر أن يتحمل في المصيبة ويستعين بالله في تعزيته وتثبيت نفسه كما حكاه الله عن يعقوب (ع)
لما أصيب بذهاب ولده فصبر جميل والله المستعان وذلك يختلف باختلاف القسمين فالتجمل في ممكن
المجازات بترك المكافات والاعراض عنها قولا وفعلا افحاما للقوة الغضبية قال الله (تع) فإن عاقبتم فعاقبوا
بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين وينبغي تقييده بما إذا كان الفايت مما لا يستدرك
كما مثلنا وهو المحكي في شأن النزول أما في مثل الأموال المغصوبة ونحوها مما يستدرك فائته فلا ضير
في المكافاة بأخذ العين أو العوض ما لم يستلزم نقصا في المروة وفي عبارة المتن ما لا يخفى وفي غيره
بترك الجزع كلطم الوجه وشق الجيب كما ذكر وترك الشكاية إلى غير الله كأن يقول ابتليت بما لم يبتل به أحد
وأصابني ما لم يصب أحدا كما في الحديث قال وليس الشكوى أن يقول سهرت البارحة وحممت اليوم ونحو هذا
وسئل أبو جعفر عليه السلام عن الصبر الجميل فقال ذلك صبر ليس فيه شكوى إلى الناس وكتمان المصيبة
ففي الحديث النبوي من اجلال الله ومعرفة حقه أن لا تشكوا وجعك ولا تذكر مصيبتك واستمرار العادة من
دون تغيير في اللباس والطعام والفراش ونحوها هذه كلها أمور اختيارية يحسن التكليف بها أما الشكاية إلى
الله وسؤاله الرفع فيما يرجى رفعه كالأمراض فحسن كما حكى الله عن يعقوب إنما أشكو بثي وحزني إلى الله و
عن أيوب الممدوح بالصبر قوله إني مسني الشيطان بنصب وعذاب وقوله رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين
ونقل المصنف طاب ثراه في الحاشية عن بعض أهل المعرفة أن من سوء الأدب مع الله أن لا يسأل العبد رفع
البلاء عنه لأن فيه رائحة من مقاومة القهر الإلهي بما يجده من الصبر وقوته قال بعضهم إنما جوعني لأبكي
فالعارف وإن وجد القوة الصبرية فليقر إلى موطن الضعف والعبودية وحسن الأدب فإن القوة لله جميعا
فيسأل ربه رفع البلاء عنه أو عصمته منه إن توهم وقوعه وهذا لا يناقض الرضا بالقضاء ويسأل الله في
رفع المقضي عنه فيكون راضيا صابرا وأنشد بعضهم
ويحسن إظهار التجلد للعدى * ويقبح إلا العجز عند
الأحبة وفي الفارسية در پيش حسود خود پسندي خوشتر * وز عجز وفروتني بلندي خوشتر وانجا كه
زند دوست سرا پرده ء ناز * بيچاره كي ونياز مندي خوشتر انتهى وأما مثل التألم القلبي وجريان الدمع من
غير رفع صوت فلا يدخل تحت الاختيار ولا ينافيه لأنه من مقتضيات الطبيعة البشرية وبكى يعقوب (ع) حتى
ابيضت عيناه من الحزن وفي الحديث أنه دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على ابنه إبراهيم وهو يجود بنفسه فوضعه في حجره
فقال له يا بني إني لا أملك لك من الله شيئا وذرفت عيناه فقال له عبد الرحمن بن عوف يا رسول الله
يبكي أما نهيتنا عن البكاء فقال إنما نهيت عن صوتين أحمقين صوت عند نعمة لعب ولهو ومزامير شيطان وصوت عند
مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان وإنما هذه رحمة من لا يرحم لا يرحم لولا أنه أمر حق ووعد صدق
وسبيل ميتاء وأن آخرنا سيلحق آخرنا أولنا لحزنا عليك حزنا أشد من هذا وأنا بك لمحزونون العين تدمع و
القلب تحزن ولا نقول ما يسخط الرب بل ذلك ليس مناف لمقام الرضاء الذي هو فوق الصبر فإن المقدم على الفصد
والحجامة راض بهما وهو متألم بسببهما لا محالة كما يأتي ومما تقدم في حد الصبر وغيره ينكشف أن الصبر مما لا بد
منه للمؤمن في جميع الأحوال والأوقات لأن الهوى مركوز في جبلة الانسان باق ببقائه مستصحب له بامتداد زمن
الحياة لا مخلص منه إلا بالموت فعلى الحازم الموفق أن يتبادر بالموت الإرادي قبل الموت الطبيعي إلى مرتبة الفناء
في الله كما ورد الأمر به في قوله صلى الله عليه وآله موتوا قبل أن تموتوا ليتخلص من غائلة الهوى وذلك بافحامها والتمرن على معصيتها
والاصرار على مراغمتها حتى تضمحل وتتلاشى وتنقاد تحت حكم باعث الدين انقياد الميت في يد الغسال ومن ثم قيل
كمال الصبر ترك كل حركة مذمومة بدنية ونفسانية فإن الحركات المذمومة إنما تصدر عن الهوى والميت لا حراك
به وغاية هذا الكمال ترك جميع ما يشغل عنه (تع) ولو من المباحات التي ليست مذمومة في ظاهر الشريعة والطريق
إليه تقوية باعث الدين وتضعيف باعث الهوى بالمجاهدة والرياضة وذكر قلة قدر الشدة وقصر وقتها و
اضرار الجزع من سقوط الوقار وذهاب الهيبة وفوات الأجر المستحق بالصبر مع حصول وزر الجزع كل ذلك
من غير فائدة وورد أن أمير المؤمنين (ع) عزى مصابا فقال إن جزعت فحق الرحم قضيت وإن صبرت فحق الله أديت
على أنك إن صبرت جرى عليك القضاء وأنت مأجور وإن جزعت جرى عليك القضاء وأنت مأزور وأن يكثر
فكرته فيما ورد في فضل الصبر وفي حسن عواقبه في الدنيا والآخرة وأن يعلم أن ثواب الصبر على مصيبة أكثر مما فات
وأنه بسبب ذلك مغبوط بالمصيبة إذ فاته ما لا يبقى معه إلا مدة الحياة الدنيا وحصل له ما يبقى له بعد موته أبد
الأبدين ومن أسلم خسيسا في نفيس فلا ينبغي أن يحزن لفوات الخسيس في الحال وأن يعود هذا الباعث
مصارعة باعث الهوى تدريجا حتى يدرك لذة الظفر به فيستجري عليه ويقوى منته في مصارعته فإن الاعتياد
والممارسة للأعمال الشاقة تؤكد القوى التي تصدر منها تلك الأعمال كما مر ومن عود نفسه مخالفة الهوى غلبه مهما
أراد ثم إن الثبات في المصيبة تختلف أسماؤه باختلاف أحوال المصائب في الاحتمال فإن كان مبتديا في الرياضة
لا يحتملها إلا بتعب قوي فتصبر وإن كان مستكملا في الجملة محتملا لها بيسير تعب فصبر وإن كان مترقيا عن
مقام الصبر ذا جهدا لاحتمالها من غير تعب أصلا والجهد بفتح الجيم وضمها الطاقة فرضي كما يحكي عن سهل
التستري أنه كان يطب المرضى وهو مريض فقيل له لم لا تعالج نفسك فقال يا دوست ضرب الحبيب لا يوجع
وإن كان محتملا لها بتلذذ واستطابة فشكر فإن الشكور يتنعم بالمصيبة لما يرجوه بسببها من تكفير الخطيئة
وادخار المثوبة كما يحكى عن رابعة العدوية أنها عثرت فانقطع ظفرها وسال الدم فضحكت فقيل لها أما
44

تحسين بالألم فقالت إن حلاوة ثوابها أدهشتني عن مرارة المها ويعزى إلى علي بن الحسين (ع) يفرح هذا
الورى بعيدهم ونحن أعيادنا مأتمنا وقيل بالفارسية تهنيت جز در مصيبت پيش ما عيب است عيب
عبد را در شهر ما رسم مبارك باد نيست وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله أخبر أمير المؤمنين (ع) بشهادته وأنه
تخضب هذه من هذه ثم قال له فكيف صبرك يا علي فقال ذاك مقام الشكر لا مقام الصبر وأنه لما أصيب على رأسه
أهل فرحا فزت ورب الكعبة وعلم مما ذكر أن مقام الرضا فوق مقام الصبر ومقام الشكر فوقهما وفي ذلك
يقول القائل وفوق مقام الصبر للمتصبر مقام الرضا فالشكر للمتصبر ومن الصريح في الأول قوله صلى الله عليه وآله ا عبد الله على الرضا فإن لم تستطع ففي الصبر على ما تكره خير كثير وهو إنما ينال بالغيبة عن حظوظ النفس
بالموت الإرادي والفناء في الله كما ذكر والشهود معه (تع) وهو البقاء بالله والحياة الطيبة الموعودة في قوله عز وجل
ولنحيينه حياة طيبة ويلزمه عدم التمييز بين الألم واللذة الحسيين لاستهتار القلب به (تع) الموجب لانقطاع الالتفات
إلى ما سواه من المنافر والملائم وليس ذلك بمستنكر فإن القلب إذا قيل إلى شئ انصرف عن غيره وكلما كان تعلقه
بما أقبل الله أقوى كان اعراضه عما عداه أكثر وينبه عليه قوله (تع) ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه والمشغوف
بمغالبة العدو في الحرب ربما تصيبه الجراحات الهائلة وهو لا يشعر بها ولا يحس بألمها في حاله وقد قص الله قصة
النسوة مع يوسف وأنه لما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن اشتغالا بما بهرهن من النظر إلى جماله عما أصبن
بأنفسهن من الجراحة وسيأتي لهذا تتمة في موضعها الأليق انشاء الله (تع)
باب الحلم وهو لغة العقل والأناة
وشرعا يطلق على ما يناسب الأول وهو المقابل بالسفه والثاني وهو الصبر على كظم الغيظ وهو رده باحتمال
سببه وضده الغضب أو خفته كما تقدم وهو غليان دم القلب بهيجان الجزء الناري الكامن في الجبلة لدفع المؤذي
قبل وقوعه ولطلب الانتقام والتشفي بعده فينتشر في العروق ويرتفع إلى أعالي البدن كما يرتفع الماء الذي
يغلي في القدور ومن ثم يحمر الوجه والعينان والبشرة بصفائها تحكي لون ما ورائها من حمرة الدم كما تحكي الزجاجة
لون ما فيها وذلك إذا استشعر القدرة على الدفع والانتقام فإن غضب على المأيوس من القدرة عليه بهما
تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب وصار خوفا أو حزنا ومن ثم يصفر اللون وإن كان
على نظير يشك فيه تولد منه تردد بين انقباض وانبساط فيحمر تارة ويصفر أخرى والناس في هذا الخلق
بحسب الجبلة الأولى على درجات ثلاث من التفريط والافراط والاعتدال ومحموده الاعتدال وهو الضبط تحت
حكم الشرع والعقل بحيث لا يتقاصر عنهما ولا يزيد عليهما فالتفريط يضعف هذه القوة وسكونها حيث ينبغي
لها الحركة شرعا وعقلا كالتقرير على المنكرات والاغضاء على قصد الحريم مع القدرة على الدفع مذموم و
صاحبه ناقص ملوم كالافراط فيها بغلبتها حتى يخرج عن سياسة العقل والدين وطاعتهما فلا يبقى للمرء
معها بصيرة ولا اختيار وأغلب ما يكون ذلك في المحرورين خصوصا المنتسبين بأمزجتهم إلى الخلط الناري
ومن ثم ورد عن أبي جعفر (ع) أن هذا الغضب جمرة من الشيطان توقد في جوف ابن آدم فإن اللعين مخلوق
من النار كما حكى الله عز وجل عنه خلقتني من نار وربما يكون افراط الغضب اعتياديا بأن يخالط قوما
يتبجحون بتشفي الغيظ وطاعة الغضب ويسمون ذلك شجاعة ورجولية فيجب التشبه بالقوم ويرسخ في نفسه
الخلق المذموم ومن آثاره في الظاهر شدة الرعدة في الأطراف وخروج الأفعال عن الترتيب والنظام و
اضطراب الحركة والكلام وأما ما ورد من أن في المؤمن حدة وخيار أمتي أحداؤها وما ورد في مدح الغيرة
مثل قوله صلى الله عليه وآله إن سعدا لغيور وأنا أغير منه والله أغير منا ونحو ذلك فمحمول على ذم التفريط لا
مدح الافراط ومرجعه إلى مدح الاعتدال واستعماله في مواقع الحاجة بقدرها فورد في مدح الصحابة أشداء
على الكفار رحماء بينهم وفي جهاد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم وليجدوا فيكم غلظة وفي حد الزانية والزاني
فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله فإن الشدة والغلظة والقسوة في الجهاد
والنهي عن المنكر من الغضب المحمود وفي الحديث النبوي إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يتحر الخير يعطه
ومن يتوق الشر يوقه وفيه إشارة إلى أنه كما يحصل للجاهل ملكة العلم بسبب الاستفادة والاكتساب شيئا
فشيئا كذلك يمكن تحصيل ملكة الحلم وإزالة الغضب المذموم وقلعه من النفس بتكلف الحلم وبعثها على
الاحتمال إلى أن تعتاد وتطمئن لكن ذلك ليس بمطرد فإن لاختلاف الأسباب والأحوال في ذلك مدخلا
عظيما وذلك لأن المؤذي الذي يهيج الغضب لدفعه أو الانتقام منه أما أن تكون أذيته زوال ما يستغني
عنه كفضول المال والجاه أو ما يحتاج إليه وجميع ما يفرض من أسباب الغضب مراجعة إليها وقلعه في زوال
ما استغنى عنه بالتحلم والمجاهدة وقلع أسبابه بالعلاجات الآتية ممكن كما لو كان له دار زائدة على مسكنه
فهدمها ظالم فيمكن أن يتحلم أو يكون بصيرا بأمر الدنيا وأن عروضها لا يزاد لأنفسها بل لتدفع بها الحاجات
فيزهد في الزيادة على الحاجة ويفرع القلب عن حبها فلا يغضب لزوالها ولا يمكن قلعه في زوال ما احتيج
إليه من الضروريات التي لا غنى عنها سواء كان ضروريا في حق الكافة كطعام يسد جوعته وجوعة عياله
وثوب يستر عورته وعوراتهم ويقيهم الحر والبرد وبيت يواريه ويواريهم أو في حق بعض الناس كآلات يحترف
بها الكاسب وكتاب يطالعه العالم لصعوبة تفريغ القلب عن حبها في حال من الأحوال إلا لمن غلب عليه التوحيد حتى
يرى الأشياء كلها من الله كما قال (تع) قل كل من عند الله فلا يغضب على أحد من خلقه إذ يريهم مسخرين في
قبضة قدرته كالقلم في يد الكاتب ومن وقع عليه الملك بضرب رقبته لم يغضب على القلم أو حسن الظن
بالله وهو أن يرى أن الله لا يقدر له إلا ما فيه الخير كما ورد عن أبي جعفر (ع) أن الله لا يفعل بعباده إلا الأصلح
لهم ولكن الناس يجهلون وربما تكون الخيرة في فقره ومرضه وضعفه فلا يغضب كما لا يغضب على الفصاد في
إيلامه بالفصد لأنه يرى أن الخيرة فيه إلا أن غلبة التوحيد وحسن الظن على هذا الوجه إنما يكونان كالبرق
الخاطف لا يدومان فلا يمكن قلع الغضب في زوال ما احتيج إليه بهما إلا في أحوال نادرة وأما في سائر الأحوال
فالقدر الممكن فيه الكسر لسورته والتضعيف لقوته حتى لا يشتد هيجان الغيظ في الباطن ويتبين ضعفه
45

بأن لا يظهر الأثر منه في الوجه وغيره من الأعضاء الظاهرة لارتباط الملك بالملكوت كما تقدم وسببه
في الجملة أحد أمور ستة الكبر والعجب والمزاح معه والاستهزاء به والايذاء له والحرص أي التشاح في الفضول
من المال والجاه وغيرهما لكن سببية هذه الأسباب ليست على حد واحد والأصل العجب فإنه سبب الكبر
كما يأتي فالمتكبر إذا أوذي بالتجري عليه بالمزاح أو الاستهزاء أو المساحة فيما هو منهوم به من مال أو جاه
أو غيرهما غضب وحقد بل لا يكاد يتحقق ماهية الغضب إلا ممن يرى نفسه فوق المغضوب عليه كما سبق ثم لا يكاد
يصدر الغضب منه من حيث إنه متكبر فقط بل إذا انضم إليه أحد الأمور المذكورة وعلاج كل من الكبر والعجب
والحرص يأتي في موضعه الأنسب بالتفصيل وإذا عولجت هذه الذمايم فأزيلت عن النفس لزم ذلك زوال
ذميمة الغضب لأن زوال السبب مستلزم لزوال المسبب كما مر ولنذكر هنا بالاجمال علاج الغضب عند هيجانه
ليسكن ويفتر وهي عدة أمور عملية وعلمية يختار المعالج منها ما يناسب واحدا أو أكثر وربما لا يرجى برؤه
إلا بالجميع وذلك بحسب قوة المادة وضعفها كما في الأمراض الطبيعية وهي التوضي والاغتسال بالماء
البارد لتنطفئ نايرته وتبرد حرارته وروى أبو حامد مرسلا عن النبي صلى الله عليه وآله إذا غضب أحدكم فليتوضأ أو
ليغتسل فإن الغضب من النار والقعود إن كان قائما والاتكاء إن كان قاعدا مستقلا وقد يتصور الاتكاء
للقائم أيضا والقعود أبلغ والاضطجاع إن كان متكئا والنزول إن كان راكبا كل ذلك ليقرب من الأرض
الذي منها خلق فيعرف ذل نفسه فيسكن وروى أبو حامد أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله أن الغضب جمرة تتوقد في
القلب ألم تر إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينه فإذا وجد أحدكم من ذلك شيئا فإن كان قائما فليجلس وإن
كان جالسا فلينم والصاق الخد بالأرض لتستشعر به النفس الذل وتزايل الزهو الذي هو سبب الغضب و
هو من اطفاء النار بالتراب وجعله صاحب الاحياء إشارة إلى السجود وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أن الغضب جمرة
في قلب ابن آدم فمن وجد من ذلك شيئا فليلصق خده بالأرض والمروي من طرقنا ما أورده المصنف
في الحقايق عن أبي جعفر (ع) وفيه فإذا خاف أحدكم ذلك من نفسه فليلزم الأرض فإن رجز الشيطان يذهب
عنه عند ذلك وفي رواية أخرى فأيما رجل غضب على قوم وهو قائم فليجلس من فوره ذلك قال وأيما رجل
غضب على ذي رحم فليدن منه وليمسه فإن الرحم إذا مست سكنت والاستعاذة بالله السميع العليم من
الشيطان الرجيم فإن المهيج للغضب كما ذكر والاستعانة به (تع) على كفايته وتتأدى الوظيفة بالبسملة على
ما فسرت في الرواية المتقدمة في شرحها واستحضار العلم بثواب الحلم وفضله العظيم وما ورد في ذلك من
الروايات فعن أبي عبد الله (ع) إذا وقع بين رجلين منازعة نزل ملكان فيقولان للسفيه منهما قلت و
قلت وأنت أهل لما قلت ستجزى بما قلت ويقولان للحليم منهما صبرت وحملت سيغفر الله لك إن
أتممت ذلك فإن رد الحليم عليه ارتفع الملكان وعن الرضا (ع) لا يكون الرجل عابدا حتى يكون حليما وفي الحديث
النبوي إذا جمع الخلايق يوم القيامة نادى مناد أين أهل الفضل فيقول ناس وهم يصيرون فينطلقون سراعا
إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة فيقولون إنا نراكم سراعا إلى الجنة فيقولون نحن أهل الفضل فيقولون ما كان
فضلكم فيقولون كنا إذا ظلمنا صبرنا وإذا أسيئ إلينا عفونا وإذا جهل علينا حلمنا فيقال لهم ادخلوا الجنة
فنعم أجر العاملين وكذا التحلم فورد في التنزيل وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض
أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ أي المتحملين فإن كظم الغيظ عبارة
عن التحلم وعن أبي عبد الله (ع) إذا لم تكن حليما فتحلم وعن أبي جعفر (ع) من كف غضبه عن الناس كف الله عنه عذابه
يوم القيمة وليعلم أن غضبه وقدرته على المغضوب عليه بالنسبة إلى شدة غضبه (تع) الذي لا يقوم له شئ وقدرته
عليه يسير فيستسهل كف اليسير في جنب ما يرجوه من كف الخطير وكذا فضيحة المغضوب عليه بالانتقام
منه في الدنيا بالنسبة إلى فضيحته بالعذاب في الآخرة فليستر عليه رجاء أن يستر عليه وعن أبي عبد الله (ع)
من كف غضبه ستر الله عورته أو المعنى أنه ربما يكون الباعث على الاصرار في الانتقام التحرز عن مقالة
الناس فيه بالمهانة والذل والافتضاح بصغر النفس وجبن القلب فيحقر في الأعين ويجترى عليه وهذا من
وساوس الشيطان فيأنف عن الاحتمال مخافة الفضيحة فليعلم أن جزى يوم القيامة والفضيحة فيه بانتقام
المغضوب عليه في محضر الأولين والآخرين أشد وأحرى بالأنفة عنه وعن أبي عبد الله (ع) ما من عبد كظم غيظا
إلا زاده الله عزا في الدنيا والآخرة والنظر في تشبه الحليم بالأنبياء والأولياء الذين هم أفضل البشر باتفاق
العقلاء كافة حتى أن أجلاف العرب وأغنياء الترك والنفوس الغليظة الشريرة التي هي طرف النقيض المطلق
في جميع الحالات والأخلاق منهم يعترفون بفضلهم ويتبركون بآثارهم ويفدونهم بأنفسهم وآبائهم و
أمهاتهم وقد وصفهم الله بأنهم إذا مروا باللغو مروا كراما وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما و
نحو ذلك وتشبه الغضوب بالسبع الضاري والكلب العاوي لا يشتفى إلا بالكلب والاغتيال والنظر إلى قبح
هيئة غيره عند الغضب ليعلم بذلك قبح هيئته عنده بتغير اللون واحمرار الأحداق وظهور الزبد على الأشداق
واستحالة الخلقة وانقلاب المناخر ولو رأى الغضبان في حال غضبه كراهة منظره لسكن غضبه حياء من
قبح ظاهره وباطنه أقبح وإنما قبحت صورة الباطن أولا ثم سرى ذلك إلى الظاهر وأن يحدث نفسه عاقبة
الضراوة وهي انتقام المغضوب عليه عند مساعدة الدهر الدواري والشماتة بمصائبه ونحو ذلك وما يستلزمه
الغضب غالبا من حدوث الذنوب الظاهرة والباطنة كأخذ اللسان في الفحش والسب وقبيح الكلام الذي
يستحي منه ذوو العقول ويستحي منه قايله عند فتور الغضب وذلك مع تخبط النظم واضطراب اللفظ
والجوارح في التمزيق والضرب والجرح والقتل من غير مبالات فإن فاته المغضوب عليه بهرب أو سبب آخر
رجع الغضب على صاحبه فيمزق ثوب نفسه ويلطم وجهه وربما يعدو عدوا لواله المدهوش وربما سقط سريعا
لا يطيق النهوض وربما يضرب الحيوانات والجمادات ويكسر القصعة والخوان ويتعاطى أفعال المجانين وربما يجرح
نفسه أو يخنقها أو يلقيها من شاهق ونحو ذلك وربما لا يحصل له التشفي فيحتقن في الباطن ويأخذ القلب
46

في الحقد فإنه من فروع الغضب وهو ذميمة فاحشة منافية لكمال الايمان فورد في الحديث النبوي المؤمن
ليس بحقود وهو من أصول الحسد كما يأتي وعلاجه قلع الغضب لأنه أصله وذكر ما ورد في فضل العفو الذي
هو ضده مثل قوله (تع) والعافين عن الناس بعد قوله سبحانه والكاظمين الغيظ وعن النبي صلى الله عليه وآله عليكم بالعفو
فإن العفو لا يزيد العبد إلا عزا فتعافوا يعزكم الله وما ارتكبه الحقود من لوازم الحقد من مكروه كترك
كثير من التطوعات التي كان يستوجب فضلا عظيما بفعلها لولا الحقد كالمواساة والإعانة في قضاء الحاجة
والدعاء والابتداء بالسلم والزيارة وتسميت العطسة والمجالسة على ذكر الله والوعظ والبشاشة وحسن
اللقاء والرفق ونحو ذلك فإن التعرض للحرمان عن هذه الفضايل العظيمة غبن فاحش أو حرام كالشماتة
بالمصائب والاعراض بالهجر والقطيعة والايذاء والإهانة وانطلاق اللسان بالفرية والغيبة وافشاء السر و
ترك كثير من الواجبات الدينية مثل صلة الرحم إن كان المحقود من ذويها وهي مندرجة في الاعراض وأفردت
بالذكر اهتماما وكذا ترك قضاء الحق الواجب كما في رواية معلى بن خنيس عن أبي عبد الله (ع) قال قلت له ما حق
المسلم على المسلم قال له سبع حقوق واجبات ما منهن حق إلا وهو عليه واجب إن ضيع منها شيئا خرج من
ولاية الله وطاعته ولم يكن لله فيه نصيب ثم قال (ع) أيسر حق منها أن تحب له ما تحب لنفسك وتكره له
ما تكره لنفسك الحديث وبمعناه غيره كما يأتي في كتاب المعيشة وفي عدة أخبار أن من حق المؤمن على المؤمن
النصيحة فهي داخلة في الحق وأفردت بالذكر افتتاحا للباب
باب النصيحة وهي في اللغة الخلوص وفي العرف إرادة
بقاء النعمة على المسلم أو حصولها له مما له فيه صلاح ديني وضدها الحسد وقوبل فيما مضى بالتسليم وما
هنا أثبت وهو إرادة زوالها عنه أو كراهة حصولها له سواء أرادها لنفسه أم لا مما له فيه صلاح ديني
والرسم بيان لحقيقته في الجملة وبانتفاء كل من القيدين ينتفى الحسد ويثبت غيره فإن انتفى الصلاح بثبوت
الفساد فغيرة فهي كراهة النعمة على المسلم مما له فيه فساد كما لو استعان بها على تهييج الفتن وارتكاب المحارم
فلا ضير في كراهتها من حيث إنها آلة للفساد لا من حيث إنها نعمة أنعم الله بها على غيره فإن أراد مثلها
لنفسه دون أن يريد الزوال عنه سواء أراد البقاء عليه أم لم يرد شيئا منهما فغبطة من غبط كنصر فهي تمني
حصول مثل نعمة الغير لنفسه لا غير وربما تسمى منافسة وأما من غبط كضرب وسمع فبمعنى الحسد فالأقسام
ثلاثة وربما يطلق على بعضها اسم بعض والحسد حرام مطلقا لأنه كراهة نعمته تعالى وفي الحديث النبوي
قال الله لموسى بن عمران يا بن عمران لا تحسدن الناس على ما آتيتهم من فضلي ولا تمدن عينيك إلى ذلك
ولا تتبعه نفسك فإن الحاسد ساخط لنعمي صاد لقسمي الذي قسمت بين عبادي ومن يك كذلك فلست منه
وليس مني وكراهة قضائه (تع) في تفضيل بعض عباده على بعض بما يشاء من نعمة وفي الحديث القدسي من
لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي فليطلب ربا سوائي وكراهة راحة المسلم بما ساقه الله إليه من النعمة
ومن حقوقه الواجبة أن تحب له ما تحب لنفسك وورد في الحديث النبوي وغيره الحسد يأكل الحسنات وفي رواية
الايمان كما يأكل النار الحطب وبمضمونها غيرها ولأنه يدعو إلى ضرب من المعاصي فالجملة معطوفة على خبر
الناسخ دون المبتدأ أو هي معترضة لتقوية الكلام ببيان بعض نتايج الحسد كالتملق للمحسود وهو
التودد والتلطف إليه باللسان فوق ما ينبغي مع غش القلب وهو النفاق والغيبة له تشفيا لقلبه في
الجملة والشماتة بمسائته كما قال (تع) إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وقد قيل
للحاسد ثلاث علامات يتملق إذا شهد ويغتاب إذا غاب ويشمت بالمصيبة وإلى التعب في الدنيا إذ لا راحة
لحسود كما ورد وقال بعضهم لم أر ظالما أشبه بالمظلوم من الحاسد نفس دايم وعقل هائم وغم لازم والعقاب
في الآخرة لحبط حسناته واقترافه السيئات المذكورة فيكون قد خسر الدارين بلا نفع له إذ لا تزول النعمة عن المحسود
بحسده وإلا لزم زوال نعمه بحسد حساده إذ لا ينفك هو عن النعمة ولا النعمة من المحسود كما في الحديث النبوي
استعينوا على قضاء الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود بل ينفع المحسود فيهما جميعا أما في الدنيا فلأن
من المركوزات في طباع الخلق شهوتهم لمضرة العدو ومسائته ولا ضرر ولا مسائة أعظم مما أدخله الحسود
على نفسه من الغم والشقاء وقد كان يريد ذلك للمحسود فتنجز لنفسه في الحال وعن أبي عبد الله (ع) الحاسد مضر
بنفسه قبل المحسود وأما في الآخرة فلاستحقاقه لطلب المكافات لأنه مظلوم سيما إذا خرج إلى الوقيعة فيه
بالقول والفعل فهي هدايا يهديها إليه بانتقال حسناته إلى ديوانه فيكون قد أضاف له نعمة إلى نعمة و
عنه عليه السلام ميزان الحاسد أبدا خفيف بثقل ميزان المحسود ويدعو إلى عمى القلب بل عمى القلب يدعو
إليه فعنه (ع) الحسد أصله من عمى القلب وجحود فضل الله وبالحسد وقع ابن آدم في حسرة الأبد وهلك مهلكا
لا ينجو منه أبدا ولا توبة للحاسد أي لا يوفق للتوبة كما تقدمت الإشارة إليه وهو الخذلان فإن قلت كيف
يطلق الحكم بتحريم الحسد وقد روى الصدوق بإسناده عن أبي عبد الله (ع) ثلاثة لم يعر منها نبي فمن دونه
الطيرة والحسد والتفكر في الوسوسة في الخلق وعنه (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله رفع عن أمتي تسعة الخطأ والنسيان
وما أكرهوا عليه وما لا يطيقون وما لا يعلمون وما اضطروا إليه والحسد والطيرة والتفكر في الوسوسة
في الخلق ما لم ينطق بشفة قلت لا ريب أن من المركوزات في فطرة الله التي فطر الناس عليها محبة الخير والنعمة
كما قال الله (تع) وأنه لحب الخير لشديد وهذه حالة يجدها كل أحد من نفسه لا يليق المكابرة فيها وكل محبوب
مراد ومشتاق إليه وهذا الشوق ربما يسكن ويكمن في النفس وربما يهيج بعروض بعض الأسباب ومن جملة الأسباب
المهيجة له مشاهدة النعمة عند الغير فإن المحروم منها يثور شوقه إليها حينئذ ويتنبه لألم الحرمان الذي كان
غافلا عنه قبل ذلك وهذا من الأمور التي لا تدخل تحت الاختيار ولا يصلح متعلقا للتكليف وهو الذي
لم يعر منه نبي فمن دونه لأنه من مقتضيات البشرية من قبيل الهواجس والخواطر النفسانية فإن اعتقد قلبه
بذلك وتظاهر بآثاره الاختيارية انقسم إلى الأقسام الثلاثة المذكورة والمحكوم بتحريمه هو أحد الأقسام
الاختيارية دون الأول وإن سمي حسدا في الروايتين وهذا الوجه في الأخيرة منهما قريب جدا بارجاع
47

القيد إلى الثلاثة الأخيرة ويدل عليه صريحا ما رواه ثقة الاسلام عن أبي عبد الله (ع) قال قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وضع عن أمتي تسع خصال الخطأ والنسيان وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا إليه
وما استكرهوا عليه والطيرة والتفكر في الوسوسة في الخلق والحسد ما لم يظهر بلسان أو يد وعنه (ع)
ثلاثة لم ينج منها نبي فمن دونه التفكر في الوسوسة في الخلق والطيرة والحسد إلا أن المؤمن لا يستعمل حسده
وهذا هو الوجه في اعتبار التظاهر في الحسد القادح في العدالة كما في الشرايع والدروس والمفاتيح و
غيرهما وقيل إنهما محمولتان على الغبطة وفيه أن عموم الغبطة ممنوع كما يأتي وأيضا ينافيه التقييد في
الأخيرتين فإن المقيد تحريمه مفهوما إنما هو الحسد وهو المرسوم المعدود من ذمائم الأخلاق بخلاف
الغيرة فإنها من الأخلاق المحمودة مطلقا وورد في الحديث النبوي أن الغيرة من الايمان وفيه كان أبي إبراهيم
غيورا وأنا أغير منه وارغم الله أنف من لا يغار من المؤمنين وفيه أيضا كما تقدم بتغيير يسير أتعجبون من
غيرة سعد وأنا أغير منه والله أغير منا وربما تتصف بالوجوب إذ بها تنكر المناكير وعن أبي عبد الله (ع) إن
الله تبارك وتعالى غيور ويحب كل غيور ومن غيرته حرم الفواحش ظاهرها وباطنها وكذا الغبطة والمنافسة
فإنها محمودة في الجملة روى ثقة الاسلام عن أبي عبد الله (ع) قال المؤمن يغبط ولا يحسد والمنافق يحسد ولا
يغبط بل ورد الأمر بها في قوله عز وجل وفي ذلك فليتنافس المتنافسون وليست على حد قسيميها من اطلاق
الحكم بل تنقسم إلى الأحكام الخمسة فهي تتبع ما غبط فيه حرمة وكراهة وإباحة ووجوبا وندبا وفي حديث
أبي كبشة الأنصاري قال رسول الله صلى الله عليه وآله مثل هذه الأمة مثل أربعة رجال رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل
بعلمه في ماله ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا فيقول رب لو أن لي مال فلان كنت أعمل بمثل عمله فهما في
الأجر سواء ورجل آتاه الله مالا فهو ينفق في معاصي الله ورجل لم يؤته الله مالا فيقول لو أن لي مال فلان
كنت أعمل فيه بمثل عمله فهما في الوزر سواء وسبب الحسد لا يخلو عن أحد أمور سبعة أما خبث النفس وشحها
بالخير لعباد الله فإن من الناس من لا يشتغل برياسة ولا طلب مال ولكن إذا ذكر عنده حسن حال عبد
من عباد الله وإن كان لا يعرفه ولا يعاديه شق ذلك عليه وغمه وإذا وصف اضطراب أمور الناس وتنغض
عيشهم تسلي همه وانجلى كربه فهو أبدا يبخل بنعم الله على عباده وهو داء مزمن لا يرجى برؤه لأنه جبلي وإلا
خلاق الجبلية لا مطمع في إزالتها كما تقدم وهذا رجوع من المصنف إلى ما قررناه من التفصيل وإنما يعلل
لتنكسر سورته ويخفف ضرره أو الرغبة في نعمة الغير بعينها فيحب انتقالها منه إلى نفسه كالرئاسة المعينة و
المملوك والزوجة الخاصين أو خوف فوت المقاصد كما في المتزاحمين على مقصود واحد يحب كل منهما
الانفراد به وإذا ظفر به أحدهما حرم الآخر مثل الضرة مع ضرتها والأخ مع أخيه على نيل المنزلة في قلب
الزوج والأبوين وهما مندرجان تحت رذيلة الحرص أو العداوة وهي تحت الحقد فإن من أساء إليه أحد
كرهه وبغضه لا محالة كما في الحديث جبلت القلوب على بغض من أساء إليها فيكره نعمته ويتمنى زوالها
عنه وإن لم يرج حصولها لنفسه أو التعزز وهو عزة نفسه مع كراهة ترفع الغير عليه بسبب النعمة
فيتمنى زوالها عنه أنفة عن تكبره ولا يأنف عن مساواته وهو من شعب التكبر أو التكبر نفسه
بأن يكون في طبعه استصغار المنعم عليه واستتباعه ولا تسمح نفسه معه بالمساواة فيكره نعمته
لئلا يتشوق هو إلى مساواته والخروج عن متابعته بسبب النعمة أو التعجب برجحان من ساواه
بزعمه في المرتبة بالفوز بالنعمة كما أخبر الله عن الأمم الماضية إذ قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وقالوا
أنؤمن لبشرين مثلنا ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون إذ استعظموا أن يفوز بنعمة النبوة و
الوحي بشر مثلهم بزعمهم فحسدوهم وهو من شعب الكبر مع الجهل وقد تتركب هذه الأسباب مثنى وثلاث فصاعدا
فيقوى الحسد وينهتك حجاب المجاملة وأغلب ما يكون بين أقوام تجمعهم روابط مخصوصة يتواردون بها على
المقاصد ويتقيدون بحفظ المراتب ويكثر بينهم التنازع والتجاذب وكلما قويت الرابطة كثر ترادف الأسباب وكلما ضعفت قل فمن ثمة شذ الحسد بين العالم والتاجر وبين الحايك والإسكاف إذ لا رابطة بينهم
تجتمع بها الأسباب وكثر وقوي بين الأمثال والأكفاء لاجتماع الأسباب فيهم لقوة الرابطة سيما بين الأمثال
من الأقارب لأن اجتماعها فيهم أكثر منه فيمن عداهم فإن بنى الأعمام المتكافئين في النسب مثلا يحصل فيهم التعجب
والتعزز وفي بعضهم التكبر وتفشو بينهم المخاصمة بسبب الدعاوي على المواريث المشتركة والمزاحمة على المقاصد
الظاهرة والخفية لاطلاع بعضهم غالبا على أحوال بعض ولعله السر في كراهة مجاورة القريب كما يأتي فإن انصاف
إليها خبث الباطن كان الداء العضال وكذا بين علماء الدنيا القاصدين لها لكثرة تحققها فيهم أيضا وقلة
التفاتهم إلى تهذيب الأخلاق وإنما هممهم مقصورة على ما يكتسبون به القبول في قلوب المريدين ويتوصلون إلى
نيل المال والجاه وحسن الصيت وجميل الأحدوثة والأصل في ذلك كله حب الدنيا وحيث إنها ضيقة
المجال لا تسع لجميع آمال الآملين فمن ثمة يكثر على مقاصدها التزاحم والتشاح وبقدر ما يخطئ بعضهم
يحرم الآخرون وينشأ من ذلك ضروب المباغضات وأسباب الحسد فإن القلوب إذا امتلأت من تعظيم أحد
العالمين وحسن الاعتقاد فيه انصرفت عن تعظيم الآخر وكذا إذا سامحت ببذل ما يصرف إلى العلماء لأحدهم
صفرت أيدي الآخرين فيتحاسدون دون علماء الآخرة لتهذيب أخلاقهم واقتصار هممهم على معرفة الله سبحانه
وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والمعرفة لا تضيق على العارفين بل المعلوم الواحد يعرفه ألف ألف
عالم ويفرح بمعرفته ويلتذ ولا تنقص لذة واحد بسبب غيره بل يحصل بكثرة العارفين زيادة الأنس وثمرة الإفادة
والاستفادة ومن ثمة لا محاسدة في نعم الجنة كما أخبر (تع) عن حال أهلها بقوله عز وجل ونزعنا ما في صدورهم
من غل إخوانا لأن المنزلة عند الله لا ضيق فيها فإن أجل ما عند الله سبحانه من النعم لذة لقائه وليس فيها
ممانعة ولا مزاحمة كما لا مزاحمة على لذة النظر إلى زينة السماء بما فيها من الزواهر ومن ثمة لا يتحاسد فيها
وعلاج الحسد بوجهين رفع المقتضي وإيجاد المانع فالأول قلع كل ما يجده بنفسه من الأسباب الستة الأخيرة
48

من النفس أو قلع أصله بتحصيل ضده المحمود كما يأتي في موضعه الأنسب بالتفصيل ولنذكر هنا بالاجمال علاجا
كليا بمنزلة الروادع المستعملة لتسكين المواد الهايجة في البدن وهو مضادة الحسد بأن يحكمه وينظر ما
يتقاضاه من قول وفعل وترك فيكلف نفسه بنقيضه الأخص فإن بعثه على اطلاق اللسان فيه بالوقيعة
ألزم نفسه المدح له والثناء عليه وذكر محامده وإن بعثه على إيذائه ألزمها الاحسان إليه والتعطف عليه و
بعثه على هجره وقطيعته ألزمها الاختلاف إليه ومواصلته وهكذا فإذا فعل ذلك مرارا مالت إليه نفس
المحسود بالتودد والتلطف وتطييب نفس الحسود بذلك ويحصل بينهما المودة والمحبة والموافقة ويزول
الحسد وأما الأول فالعلاج الممكن فيه المجاهدة والرياضة واكراه النفس على النصيحة حتى لا تتلظى ناره
ولا يتدره آثاره كما تقدم والثاني ذكر الآفات الدنيوية والأخروية المذكورة التي هي لوازم الحسد ليتحرز
عنها بالاحتراز عن ملزومها وذكر ما ورد فيه من النهي والذم وما ورد في وجوب موالاة المؤمن ورعاية
حقوقه التي أيسرها أن يحب له ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه كما تقدم ويأتي وبهذا يعالج العداوة أيضا
وما ورد في عظم قدره وأن روحه لأشد اتصالا بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها وأنه ليزهر نوره
لأهل السماء كما تزهر نجوم السماء لأهل الأرض وأنه ولي الله وأن من قال له أنت عدوي فقد كفر
ونحو ذلك مما يدل على أنه لا يحسن كراهة نعمته وذكر ما ورد في التعاون أو في وجوبه فإن ذلك مما يحرك
إلى السعي في قضاء حوايجه وهو يتجر إلى حصول المصافات بينهما وزوال الحسد كما عرفت أو يكون معطوفا
على الذكر كما يليه وهو أقرب معنى والأول لفظا وبركة الجماعة في الصلاة وفي مجالس الخير فإنها تبعث على التسالم
والتصافح والتعاطف ونحوها من المحاسن المرغوبة الدينية الجالبة للتحابب والمناصحة المميتة للأحقاد
والضغاين كما هو المشاهد وهو من أوضح الوجوه المعقولة في الحث على الاجتماعات الشرعية
باب حب الخمولة
يقال أخمل صوته أي أخفاه والخامل الساقط الذي لا نباهة له وهو من ملكات النفس المطمئنة من
شعب التواضع وكان الأولى تأخيره عنه وله فضيلة عظيمة والفضيلة هي الدرجة الرفيعة في الفضل
فورد في الحديث النبوي طوبى لعبد نؤمة عرفه الله ولم يعرفه الناس أولئك مصابيح الهدى وينابيع
العلم الحديث والنؤمة كهمزة وقيل بالتسكين الخامل الذكر وفيه رب أشعث أغبر ذي طمرين لا
يؤبه لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك والأشعث المغبر الرأس أو المتفرق الشعر والأغبر الذي
فيه لون الغبر محركة وهو التراب وهما من صفات العيوب والطمر بالكسر الثوب الخلق أو الكساء البالي
من غير الصوف ولا يؤبه به أي لا يفطن له وضمن الأقسام معنى التحكم فعدى تعديته والأبرار امضاء
اليمين على الصدق وضده حب الجاه وهو من ملكات النفس الأمارة من شعب الكبر ولو اتسع من جهة
الله بلا تكلف طلب من العبد فلا بأس إلا أن فيه فتنة على الضعفاء دون الأقوياء كالغريق الضعيف
السباحة إذا كان معه جماعة من الغرقى فالأولى به أن لا يعرفه أحد منهم فإنهم يتعلقون به فيضعف
عنهم فيهلك معهم وأما القوي فالأولى أن يعرفه الغرقى ليتعلقوا به فينجيهم ويثاب عليهم وربما
يجب عليه أن يعرفهم نفسه ويدعوهم إلى التعلق به انقاذا لهم من الهلكة وعلى هذا تحمل ما بلغك من
حال بعض الأكابر في تعرفهم إلى الخلق وعرض أنفسهم على السلاطين والولاة وقبول الولايات أو طلبها و
حينئذ فالمطلوب بالحقيقة ليس هو الجاه بل ما يترتب عليه من الفوايد الدينية كالاقتدار على إقامة شعاير
الحق والحسبة وارشاد المسترشدين وقضاء الحوائج وعموم النفع وإنما المذموم حبه لغير ما ذكر إما
لنفسه أو للمقاصد الدنيوية أو للضعفاء الذين ليسوا من أهل الفوايد الدينية إلا أن ههنا موضع
غرور وقد أشرنا إلى نظيره فيما سلف وهو أن من الضعفاء من يشتبه عليهم حال أنفسهم فيعتقدون
بأنفسهم القدرة ويظنون أنهم من الأقوياء الذين من شأنهم انقاذ الهلكى فيهلكون وأيضا إذا انفتح
باب الرخصة ربما يتخذ ذلك رخصة علة ويتسع الخرق فمن ثم ورد ما ورد في ذم الجاه والنهي عن حبه
مطلقا من غير تقييد قال الله (تع) تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا و
في الحديث ملعون من ترائس ملعون من هم بها ملعون من حدث بها نفسه وأصله انتشار الصيت وهو
قريب من كلام أهل اللغة أنه القدر والمنزلة مقلوب وجه وحقيقته تلك القلوب وهو أحد شطري
الدنيا والآخر المال وحقيقته تلك الأعيان فإن الموصل إلى المقاصد بأسرها من نيل الشهوات ودفع الآفات
منحصر فيهما ومن ثم يتهالك عليهما توصلا إليها وربما يفضي الأمر إلى إهمال معنى التوصل والتهالك
عليهما لنفسهما لتعلق القلب بهما بالذات من غير أن يقصد ورائهما غرض ولا غاية وذلك كما أن الرجل قد
يحب حليلته من حيث إنه يدفع بها فضلة الشهوة كما يدفع ببيت الماء فضلة الطعام ولو كفى مؤنة الشهوة
لكان يهجرها كما يهجر بيت الماء لو كفي قضاء الحاجة وربما يحبها محبة العشاق بحيث لو كفي الشهوة لبقي
مستصحبا لها أيضا لشغفه بها لنفسها لا لأجل شئ آخر والجاه هو الشطر الأعظم فإنه أشهى من المال
لوجوه أما أولا فلأن تحصيل الغرض فيما يطلب لأجله به أيسر فإن المميل لا يحصل به غرضه إلا ببذله فهو
وإن كان مستكملا بحصول الغرض إلا أنه منتقص بذهاب المال بخلاف الوجيه فإنه مستكمل بتحصيل الغرض
من غير انتقاص وأيضا التوصل بالجاه إلى المال لو كان هو الغرض أيسر من التوصل بالمال إلى الجاه فالعالم
أو الزاهد الذي تقرر له جاه في القلوب لو قصد اكتساب الأموال لم يتعسر عليه فإن أموال أرباب القلوب
مبذولة له وأما الخسيس الذي لا جاه له إذا وجد كنزا مثلا وأراد أن يكتسب به جاها فربما تعوقه عنه العوائق
وأما ثانيا فلأن المال معرض للتوى والتلف لأنه يسرق ويغصب ويطمع فيه الملوك والظلمة ويتطرق
إليه أخطار كثيرة لا سلامة منها إلا بتعب شديد مع صرف بعضه في حراسة الباقي بخلاف الجاه
فإنه مأمون عن نحو السرقة والغصب نعم ربما تنحرف القلوب وتتغير الاعتقادات وذلك مما يهون دفعه عند
المتقيدين به وأما ثالثا فلأن الجاه نام بنفسه من غير تعب لأن القلوب إذا اعتقدت في أحد كمالا
49

أفصحت الألسن بثنائه ويقنص بذلك قلوب السامعين فيسري من الواحد إلى العشرة ومن العشرة إلى
الألف ويطير في الآفاق في أيسر وقت بخلاف المال فإنه لا يستنمي إلا بتعب شديد ومخاطرات كثيرة وربما
يتوي فيها الأصل والفرع وأما رابعا فلأن المميل يطلب ملك الأرقاء والعبيد ببذل ما في يده والوجيه استرقاق
الأحرار وملك رقابهم بملك قلوبهم والاستيلاء على ما في أيديهم بل مالك العبد لا يملكه إلا قهرا أو العبد
متاب بطبعه ولو خلي ورأيه لا نسل عن الطاعة فهو وإن كان مخدوما مطاعا إلا أنه بالكره بخلاف
الوجيه فإنه مخدوم مطاع بالطوع والإرادة مع الفرح وصدق الشوق بقدر ما يعتقدون فيه من الجميل
وإن لم يكن كما لا في نفس الأمر والوجوه الأخيرة جارية في قسم المحبوب لذاته أيضا وهو المذموم مطلقا مثله
من المال وأما المحبوب للغرض فينساق فيه التفصيل الجاري في نظيره أيضا وينقسم انقسامه إلى الأحكام
وذلك أن الانسان لا بد له من طعام ومسكن ومصالح أخر لا يستقيم أمره إلا بها ولا تستقيم هي إلا بالمال
فتحصيل شئ منه وحبه يصرف في تقويم هذه الضروريات مما لا ضير فيه بل ربما يستحب أو يجب مهما كان
غير متخطي فيه عن قانون الشرع كان يتوصل إلى تحصيله بالاستراق والتلصص والخيانة أو يحمله حبه على البخل
وحبس الحقوق فيحرم حينئذ وهكذا بعينه في الجاه وحبه وتحصيله فحرام إن كان التوصل إلى تحصيله أو ابقائه بارتكاب
ذنب كالكذب في الأقوال والأفعال وهو الخداع باظهار أنه عالم أو ورع أو شريف ليعظم محله في القلوب بذلك
وهو بخلافه ومن الخداع بيع العبادة وهو الرياء وهو في الأفعال والتورع في التروك وهذا هو الفرق فجعلها
وسيلة الدنيا خيانة على الدين كما في حديث أمير المؤمنين (ع) في وصف حملة العلوم يستعمل آلة الدين للدنيا
وإلا فمباح سواء كان باظهار ما فيه من المحامد كقول يوسف (ع) لما تعرف إلى الملك اجعلني على خزائن الأرض
إني حفيظ عليم وليس في الآية لفظ رب كما يوجد في النسخ فإن لم يكن سهوا فدعاء بما فيه إشارة إلى استدعاء
نبي الله أو بكتمان ما فيه من المساوي كالذي يستر عيوبه عن الناس من غير أن يتجمل إليهم بالتورع فإنه
ليس فيه تلبيس وقد ورد الأمر باخفاء العيوب والنهي عن التهتك كما مرت الإشارة إليه وسواء كان على وفق
حاله بحسب شرفه ومروته أم لا فإن ذلك كله داخل في المباح إلا قدرا يعين على الطاعة أو ضرورات المعيشة
مع الخلق كاستمالة قلب خادم يتعهد الخدمة فيتفرغ للتوجه إلى العبادة والمطالعة أو رفيق يعاون على بعض
الخيرات التي لا يتخرج هو وحده عليها أو سلطان يدفع عنه الشر ويتقوى به على الخير فإن حب هذا القدر من
الجاه متجاوز عن مرتبة الإباحة مستحب أو واجب بحسب قلة الاحتياج وكثرته وقوة النفس وضعفها وفيه
آفات دينية ودنيوية كالنفاق ففي الحديث النبوي حب الجاه والمال ينبتان النفاق في القلب كما ينبت الماء
البقل واضطراب القلب لشغله برعاية القلوب لئلا تنفر عنه مع تخالف ميولها بحيث تتعذر مراضاتها جميعا
وكثرة تقلبها ومن ثم سمي القلب قلبا وعدم ثباتها على حال واحدة حتى قيل إن الأمر المبتني على قلوب الناس
أشبه شئ بما يبنى على أمواج البحر فالمشفق من تغير منزلته في القلوب قد أوقع نفسه في شغل شاغل التثبيت
جاهه وحفظه ودفع كيد الحساد ومنع أذى الأعداء لأنه محسود مقصود بالايذاء من أكفائه وغيرهم وكل
ذلك اشتغال عن الله وغموم عاجلة منغصة للذته في الدنيا قبل الآخرة وسببه هو سبب حب المال و
هو أحد أمرين جلي وخفي أما الأول فهو طول الأمل وخوف الآفة فإن الانسان وإن كان مكتفيا في الحال إلا
أنه يخطر بباله أن المال الذي فيه كفايته ربما يتلف بنوائب الزمان في المدد المتطاولة التي يقدر لنفسه
الحياة فيها فيحتاج إلى غيره فإذا خطر له هذا الخاطر هاج الخوف من قلبه ولا يدفع هذا الخوف إلا الأمن
الحاصل بوجود مال آخر يفرغ إليه إن أصاب هذا المال حائجه فهو أبدا لتقديره طول الحياة وهجوم
الحاجات وتطرق الآفات إلى الأموال في وجل ولا موقف له عند مقدار مخصوص من المال حتى لو ملك
واديين من ذهب لأحب أن يكون معهما ثالث كما في الحديث وفي آخر منهومان لا يشبعان منهوم بالعلم
ومنهوم بالمال وهذه العلة بعينها مطردة في حب الجاه وقيام المنزلة في قلوب الأباعد عن وطنه وبلده
فإنه لا يخلو عن تقدير سبب يزعجه عن الوطن أو يزعج أولئك عن أوطانهم إلى وطنه ويحتاج إلى الاستعانة
بهم وهذا هو السبب في حب المال والجاه المقصودين لغيرهما وأما الثاني فهو استدعاء الطبع الكمال وهذا
هو السبب في القسم المحبوب بالذات منهما وذلك لتحقق الطبع الربوبي المقتضي للكمال في الانسان كالسبعي و
البهيمي والشيطاني فكما أن السبعي فيه يستدعي رغبته في الظفر والغلبة والبهيمي الأكل والنكاح والشيطاني
الجربزة والخديعة وإن كانت الطباع متفاوتة في هذه المقتضيات كذلك يستدعي الطبع الربوبي الرغبة في
مقتضاه وهو الكمال المطلق وإذ يمتنع عليه درك منتهى الكمال لا يسقط شوقه إلى القدر الممكن منه
فهو طالب له ملتذ بقدر ما يناله منه لذاته لا لمعنى آخر وراء الكمال فيحب الاستيلاء على الموجودات لأنه
غاية ما له القدرة عليه من كمال الربوبية وتختلف مراتبه باختلاف أحوال الموجودات وأبلغها الاستيلاء
بالاسترقاق والتملك إن أمكن كما في الأجساد الأرضية وهي البسيطة بما عليها من المعدن والنبات و
الحيوان وغيرها وهي متفاوتة في مراتب العزة والنفاسة ونقيضهما تفاوتا عريضا وتختلف درجات
الشوق إلى تملكها والإحاطة بها بحسب ذلك ثم الاستيلاء بالاستمالة كما في القلوب فإنها ضرب
من ضروب التملك به يسترق الأحرار كما عرفت وكلما كان الحر أجل قدرا وأوقع محلا كانت العناية
باستمالة قلبه أكثر ثم بالاطلاع والإحاطة العلمية كما في السماويات من الأجرام والأوضاع وعالم
الملكوت وما فيه من أسرار القدرة وكذا ذات الله وصفاته وعجايب عالم الملك من الجبال والبحار بما فيها
وغير ذلك فإن النفس تلتذ بالعلم بها لأن المعلوم المحاط به كالداخل تحت القدرة والعالم كالمستولي عليه
والاستيلاء كيف كان كمال محبوب بالطبع وعلاجه عدة أمور علمية وعملية فالعلمية ذكر آفات الدنيا
وكثرة تقلبها بأهلها لا سيما ذوي الجاه فإن أعظمهم الملوك وهم أشفق الناس قلبا وأكثرهم قلقا
وأقلهم أمنا لأنهم مقصودون بالأذى من إخوتهم وأولادهم وأخص خواصهم وأقاربهم فضلا عن الأباعد
50

وقد عاصرنا فيما مضى من عمرنا وهو دون الخمسين سنة بضعة عشر ملكا في فطرنا كل واحد منهم
جالوت زمانه لم يمت أحد منهم على فراشه حتف أنفه إلا قتلا بالسيف في أسوء حال على أيدي أرذل
الأرذال وهذه حال الدنيا وخساستها وأنه لو كانت تسوي عند الله جناح بعوضة لما سقي الكافر منها
شربة ماء كما في المتفق عليه فكيف يرغب العاقل فيها وفي جاهها وأنه كمال وهمي لا حقيقي وحسبانه كمالا
وعقد القلب عليه من أغاليط الوهم كما يغلط في غيره من المواضع وتلتبس عليه الأشياء بأضدادها
وذلك لأنه أمر معرض للزوال بما يعترضه من الآفات المذكورة وغيرها ولو فرض سلامته عنها واستمراره
لصاحبه مدة الحياة فلا ريب أنه يزول بالموت وهو مترقب في كل أن لو فرض انبساطه بحيث يسجد له
جميع من في الأرض فعما قليل يفنى الساجد والمسجود ويلتحقون بالأولين من الملوك والمتذللين لهم ممن
طحنهم الموت وقطع دابرهم وهكذا حال المال أيضا فإن من ملك خزاين الدنيا يفارقها عن قريب و
يخرج منها صفر اليد كيوم قدم إلى الدنيا بل قدمها خالي الذهن خفيف الظهر وفارقها وفي قلبه من
الحسرات ما لم يعلم به إلا الله وعليه من الأوزار أضعاف ذلك فالأعراض التي هذا حالها ما أبعدها
عن الكمال الربوبي ولا سيما الجاه فإن فيه التشبه بالسباع من حيث التوسع في البطش والاعتداء و
الشياطين من حيث التلطف إلى القلوب والمكيدة في جبلها والبهايم من حيث التسرع في الشهوات
فإنها كلها من لوازمه غالبا وهي في غاية البعد عن صفات الربوبية وأما الكمال الحقيقي المقارب لها
في الثبات والسلامة عن الزوال فمعرفته (تع) ومحبته المترتبة عليها وما يعين عليهما من الآلات و
المقدمات العلمية والعملية لبقائه بعد الموت وابتهاج صاحبه به إذ ذاك وفيه التشبيه بالأنبياء المتخلقين
بأخلاق الله والملائكة الذين لا يستفزهم الشهوة ولا يستهويهم الغضب وقد وقعت الإشارة إلى
القسمين في قوله عز وجل المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك
ثوابا وخير أملا فتلخص مما ذكر أن الاستيلاء المعدود في بادي النظر كمالا ربانيا مطلقا ترجع
أقسامه كلها إلى العلم والقدرة بنوعيها المالي والجاهي ليست من الكمال في شئ وإن سبق الوهم
إلى ذلك وأما العلم فينقسم إلى ما يبقى وما يزول والزائل هو المتعلق بالممكنات من حيث هي هي
وحكمه حكم القدرة والباقي هو المتعلق به (تع) وما يستتبعه كل شئ هالك إلا وجهه وهذا هو الكمال
وما سواه جهل وضلال أو حسرة ووبال ومن عرف حق الكمال من باطله صغر الجاه في عينه إلا أنه إنما
يصغر في عين من ينظر إلى الآخرة كأنه يشاهدها ويستحقر العاجلة ويكون الموت كالحاصل
عنده وأبصار أكثر الخلق ضعيفة مقصورة على العاجلة لا يمتد نورها إلى مشاهدة العواقب كما
قال الله (تع) بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى وقال كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة
فمن ثمة كان العلاج بما ذكر ضعيفا في حقهم والعلاج الأقوى هو العملي والمذكور هنا أمران أحدهما
القناعة فإن من قنع استغنى عن الناس وإذا استغنى عنهم لم يشتغل قلبه بهم ولم يكن لقيام
منزلته في القلوب عنده وزن ولم يبال أكانت له في قلوبهم منزلة أم لا كما لا يبالي ذلك في قلوب
الذين هم في أقصى الشرق وهذا إنما ينفع علاجا في الجاه المحبوب للمال والآخر الاغتراب إلى حيث يخمل
ذكره ويكف نفسه عن التعرف إلى أهله واستحداث جاه جديد أما الاعتزال عن الناس في الوطن والتنزل
عن المرتبة التي كان مترتبا عليها فربما يترائى أنه مما يمكن الخلاص به عن هذا الداء الدفين و
آفاته لكنه لا يخلو عن مغالطة وذلك لمعرفة الناس به وتقرر منزلته في قلوبهم فربما يكون عزوف
نفسه عن مخالطتهم وميلها إلى الانقطاع عنهم بسبب أنها ظفرت بمقصودها فسكنت ولو تعيروا عما
اعتقدوه فيه أو نسبوه إلى أمر غير لايق جزعت نفسه وتألمت وربما توصلت إلى الاعتذار عن ذلك
وإماطة الغبار عن قلوبهم وهذا علامة بقاء شئ من حب الجاه بعد في قلبه وأنه لما يفارقه المرض بالكلية
فمن ثم كان الاغتراب أقوى وهذا مما ينفع في القسمين ثم إن الكلام في حب المدح ينساق مساق الكلام
في الجاه لانشعابه عنه ويتبعه كراهة الذم والناس فيهما على مراتب متنزلة الأولى وهي الأولى كراهة
المدح وحب الذم فيمقت المادح لأنه فتنة له ويحب الذام لأنه مهد إليه حسناته ومنتبه له على عيوبه
وفي الحديث النبوي رأس التواضع أن تكره أن تذكر بالبر والتقوى وفيه ويل للصايم وويل للقايم
وويل لصاحب الصوف إلا من قيل يا رسول الله إلا من فقال إلا من تنزهت نفسه عن الدنيا وأبغض
المدحة واستحب المذمة وهذه شديدة عزيزة المنال جدا لا مطمع لنا فيها ومن ثم طواها المصنف ثم
التسوية بين المدح والذم فلا تغمه المذمة ولا تسره المدحة وهذه قد يظنها بعض المجاهدين بنفسه
فلا بد له من امتحانها وتعرف بعلاماتها وهي تسوية المادح والذام عنده في استثقال جلوسهما
أو طوله عنده فلا يجد في نفسه استثقالا للذام أكثر مما يجده في المادح وتسويتهما في الفرح بسرورهما
والغم بمصيبتهما فلا يكون فرحه بسرور المادح أو غمه بمصيبته أكثر من فرحه بسرور الذام وغمه بمصيبته
ونحوه التسوية في نهضته لقضاء حوائجهما وتوحشه عن انقطاعهما عن مجلسه وعفوه عن زلتهما
فمن وجد من نفسه هذه العلامات وأمثالها فهو من أهل هذه المرتبة وما أبعدها وأصعبها على
القلوب وأكثر المتهذبين فرحهم بالمدح مستبطن في قلوبهم وهم لا يشعرون وربما يشعر بعضهم بميل
قلبه إلى المادح دون الذام فيعلله الشيطان بأن المادح قد أطاع الله بمدحك والذام قد عصاه بذمك
فميلك إلى هذا وكراهتك لذاك من الدين وهو من الجهل المحض لأن في الناس من يعبد الله بأعظم
من مدح المادح وهو لا يحبه حبه وفيهم من يعصيه بأكبر من ذم الذام ولا يكرهه كراهته وأيضا
المادح الذي أطاع الله فيه قد يعصيه بمذمة غيره والذام الذي عصى الله فيه قد يطيعه بمدح غيره
وهو لا يكره ولا يحب لذلك وعلامة الصدق التسوية بين مدحه ومدح الغير وذمه وذم الغير و
51

هذه من قواصم الظهور ثم حب المدح وكراهة الذم في الباطن من دون إظهار قول ولا فعل يدل
على ارتياح القلب بالمدح وتكدره بالذم وهذه مما لا تتعسر كثيرا على بعض ثم حب المدح مع
إظهار القول والفعل الدالين عليه كالثناء والبشاشة والثواب وكراهة الذم باظهارهما
كالسب والتقطيب والطرد أو الضمير راجع إلى الحب والكراهة وهذه أدون المراتب وأكثرها شيوعا وحب المدح
كحب الجاه فيما ذكر من أحكامه حرمة إذا اشتمل على معصية من كذب أو ازراء بمؤمن ونحو ذلك وإباحة
إن خلا عنها مع استثناء ما استثني ثمة مما يستعان به على الواجب فواجب أو المندوب فمندوب أو يراد
بها المعنى العام وإنما أجمل اعتمادا على ما سبق من البيان والمدح كالجاه نفعا في الدنيا بالايصال إلى المقاصد
والتذاذ النفس بحصول كمالها وضرا في الدنيا في الدين بالآفات المذكورة للجاه فيهما كلا أو بعضا و
سبب حبه استلزامه أحد أمور ثلاثة أحدهما وهو الأقوى الشعور بكمال النفس فإن الكمال محبوب و
الشعورية لذيذ والمدح مما يشعر به والثاني الشعور بالاستيلاء على المادح فإن المدح يدل عليه على أحد
وجهين أما أن المادح محب ومريد للمدوح وأنه مستول على قلبه وأما أنه مغلوب متذلل له مضطر
إلى الثناء عليه فإن الحشمة أيضا لذيذة لما فيها من القدرة والاستيلاء كيف كان محبوب كما تقدم فالشعور
به لذيذ والثالث أن ثناء المثنى ومدح المادح سبب للصيت واستمالة قلوب السامعين إلى الممدوح
وقد عرفت أنه محبوب لذيذ وهذا من أنواع الاستيلاء أيضا إلا أنه على غير المادح وتتفاوت مراتب حبه
والالتذاذ به قوة وضعفا باختلاف الأشخاص والأحوال فيقوى الالتذاذ مهما صدر المدح من الخبير
المعتبر القول الذي لا يجازف فيه لأن الشعور بكمال النفس فيه أقوى وأثبت فالفرح به أعظم كفرح التلميذ
بثناء أستاذه عليه بالفضل والكياسة فإنه في غاية اللذة فإن صدر ممن لا خبرة له أو لا وثوق بقوله
ضعفت وكذا إذا صدر من المترفع العظيم الخطر كالملوك والأكابر فإن العناية بالاستيلاء على قلوبهم
شديدة والانتفاع باقتناصها عظيم وكذا المتمنع المتعزز إذا تذلل باطلاق اللسان بالثناء اضطرارا
فإن الالتذاذ بمدحهم أعظم منه بمدح الاسقاط والسفلة وكذا يقوى الالتذاذ إذا اتفق المدح في الملأ
والمجمع لكثرة السامعين المأمول استمالة قلوبهم فهو أقوى نفعا من المدح في الخلوة فيعظم حبه و
الالتذاذ به وربما تجتمع هذه الأسباب في مدح مادح فتقوى اللذة به جدا وعلاجه علاج أصله الذي
هو حب الجاه بما ذكر من العلم والعمل يزيد هنا في المسبب عن الأول علمه بأن الصفة الممدوح بها
إن فقدت فيه فمدحه بها استهزأ به نظير أن يقال له ما أكثر العطر الذي في أحشائك وما أحسن الروايح
التي تفوح منك إذا قضى حاجته وهو يعلم ما تشتمل عليه أمعاؤه من الأقذار والأنتان فإن الفرح
بمثل هذا المدح غاية السفه وإن وجدت فيه فلا يخلو إما أن تكون دنيوية كالثروة والجاه ونحوهما أو
دينية كالعلم والورع والدنيوية كمال وهمي كما علمت فلا تستحق الفرح بها وإن فرح فلا ينبغي أن يفرح
بمدح المادح بل بوجودها والمدح ليس سبب وجودها والدينية وإن كانت كمالا حقيقيا تستحق
الفرح بها إلا أنها إنما تستحقه من حيث إنها تقرب إلى الله زلفى وتنفع في القيامة فهي موقوفة على
الخاتمة وهي غير معلومة وخطرها باق والفرحان بها على رجاء حسن الخاتمة ينبغي أن يكون فرحه
بفضل الله عليه بالعلم والتقوى لا بمدح المادح وسبب كراهة الذم نقائض الأسباب المذكورة لحب
المدح وهي الشعور بنقص النفس وهو مكروه مؤلم فالذم المشعر به كذلك والشعور بالمغلوبية و
استيلاء الذام وانحراف قلوب السامعين وتقوى حيث يقوى وربما تقوى من الساقط الذليل أيضا
خصوصا للمتعزز وعلاجها زيادة على ما سبق العلم بأن الصفة المذموم على وجه التعنت إن وجدت فيه
فالذم بها تبصير له بما عمى عنه من العيون لأن النفس المحبوبة لا تخلو عن ذمائم مغفول عنها بالجهل البسيط
أو المركب أو معلومة مسامح بها وإنما ينبه بها ألسنة الأعداء ويبعث على التخلي عنها ذمهم فينبغي فيه
الفرح وتقلد المنة عنهم والشغل بالإزالة فإن من قصد الدخول على الملك وثوبه ملوث بالعذرة
وهو لا يدري ولو دخل كما هو لخيف عليه أن يحز رأسه لتلويثه المجلس بالعذرة فقال له قايل أيها الملوث
بالعذرة طهر ثوبك فهذا يليق أن يفرح به ويغتنم ارشاده ونصحه ويشكر نعمته وجميع المساوي مهالك
في الآخرة يفطن لها الانسان من مقالات أعدائه وأما قصد العدو التعنت فجناية منه على دين نفسه
فالضرر عليه والنفع للمذموم وإن فقدت بأن افترى ما ليس فيه فكفارة الذنوب إذ لا يخلو عنها غالبا
أو رفع الدرجات باهداء حسناته إليه واللايق فيه الشكر لله (تع) من وجوه أ سقوط سيئاته عنه من غير تعب
فإن المفتري رماه بما هو عنه برئ وطهره عما هو عنه غير برئ ب توفر حسناته من غير تعب أيضا
فيثقل في القيامة ميزانه بأعمال غيره وكلاهما من جلائل النعم المشكورة ج أنه وإن خلي عن الصفة المرمي
بها فلا يخلو عن أمثالها وأخواتها وما سر الله على الذام من عيوبه أكثر فليشكر الله إذ لم يطلعه
على عيوبه ودفعه عنه بذكر ما هو برئ عنه وينبغي الترحم عليه إذا هلك نفسه بالافتراء والتعرض
للعقاب وتضييع الحسنات والدعاء له بالاصلاح والهداية كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله اللهم اهد قومي
فإنهم لا يعلمون حيث كسروا سنه وسال الدم في وقعة أحد
باب التواضع وهو عرفا الوسط العدل
بين تفريط التكبر وافراط التخاسس كما سلف وعن أبي الحسن (ع) التواضع أن تعطي الناس ما تحب أن تعطاه
وورد في الحديث النبوي ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله وعن الصادق (ع) في عدة روايات من تواضع
لله رفعه الله ومن تكبر وضعه الله وفي النبوي أيضا أنه الشرف وفي الصادقي أنه أصل كل شرف
نفيس ومرتبة رفيعة ولو كان للتواضع لغة يفهمها الخلق لنطق عن حقايق ما في مخفيات العواقب
وقد قوبل فيما مضى بالكبر وهو الخلق الباطن الكامن في الصدر كما قال (تع) إن في صدورهم إلا كبر و
التكبر هو اتباع الكبر في الأعمال الظاهرة والحركات الخارجة والكبر هو أن يرى نفسه فوق غيره في صفة
52

من صفات الكمال لخلوه عنها وعما يساويها بزعمه فيحصل به في قلبه نفخة وهي التي استعاذ عنها النبي صلى الله عليه وآله
بقوله اللهم إني أعوذ بك من نفخة الكبرياء وآثاره كثيرة بعضها في نفسه وبعضها بالنسبة إلى غيره فمنها
الترفع على المتكبر عليه في المجلس والتقدم عليه في الطرق أو في مضائقها والاختيال وهو التبختر في المشي
ولو وحده والنظر إلى الأشياء بالمآقي وهو مؤخر العين آنفة عن التوجه إليها بتمام الوجه وإلى المتكبر
عليه أو الأعم بعين الاستحقار إذ لا موقع للمنظور إليه في قلبه وتعويج العنق عند الالتفات إلى جانبيه
آنفة عن التحول بالشق واطراق الرأس بارخاء العينين بالنظر إلى الأرض والاتكاء جالسا من غير ضرورة
سيما على الوسائد وحب قيام الناس عنده له وبين يديه كسيرة الأعاجم والسير راكبا مع المشاة
من غير علة به وترك الخروج من المنزل إلا بشخص أو أكثر عقيبه أو أمامه والاستنكاف من عمل البيت
الغير المنافي لمروته بنفسه ومن حمل السلعة من السوق أو غيره إليه كذلك مع أنهما من سير الأولياء
وفي المتفق عليه أن فاطمة (ع) كنست البيت حتى وكنت ثيابها وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها وأن
أمير المؤمنين (ع) اشترى لحما بدرهم فحمله في ملحفته فقيل له نحمل عنك قال لا أبو العيال أحق أن يحمل وعن أبي عبد الله (ع) أنه نظر إلى رجل من أهل المدينة قد اشترى لعياله شيئا وهو يحمله فلما رآه الرجل استحى منه
فقال له أبو عبد الله (ع) اشتريته لعيالك وحملته إليهم أما والله لولا أهل المدينة لأحببت أن أشتري
لعيالي الشئ ثم أحمله إليهم والاستنكاف من احتمال الأذى مع أنه من أحمد الصبر كما مر ومن لباس
الدون بحسب حاله وفي الحديث جودة الثياب خيلاء القلب وعوتب علي (ع) في إزار مرقوع فقال يقتدي
به المؤمن ويخشع له القلب وربما يكون تجويد الثياب من التجمل الممدوح كما يأتي في محله ومنها
الغضب على من لا يبدء بالسلام عليه عند التلاقي وإن كان أكبر سنا أو ماشيا وهو راكب أو
جماعة وهو منفرد والاهتمام بعدم ظهور إصابة الخصم المناظر له في المقاصد العلمية والانكار
عليه آنفة عن الانقياد له بالحق كما أخبر الله تعالى عمن كانت هذه حالهم بقوله عز وجل وجحدوا بها
واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا وهذه الآثار مما تختلف فيها أحوال المتكبرين فمنهم من تجتمع جملتها فيهم
ومنهم من يتصف ببعضها مع الخلو عن البعض الآخر أو الاتصاف بنقائضها بحسب الداعي وقوته وضعفه
والمجاهدة وعدمها وآفاته الدينية والدنيوية كثيرة منها منازعته (تع) في رداء جلاله فعن أبي جعفر (ع) الكبر
رداء الله والمتكبر ينازع الله ردائه وبغضه لأن الله لا يحب المستكبرين وعن النبي صلى الله عليه وآله من
تعظم في نفسه واختال في مشيته لقي الله وهو عليه غضبان فتأمل وعمى القلب لقوله عز وجل كذلك يطبع
الله على كل قلب متكبر جبار وقيل في قوله (تع) سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق
أن المعنى سأرفع فهم القرآن عن قلوبهم وقيل سأحجب قلوبهم عن الملكوت والذل في الناس فإن من
تكبر وضعه الله كما تقدم وعن أبي عبد الله (ع) ما من عبد إلا وفي رأسه حكمة وملك يمسكها فإذا تكبر
قال له اتضع وضعك الله فلا يزال أعظم الناس في نفسه وهو أصغر الناس في أعين الناس وإذا تواضع
رفعه الله ثم قال له انتعش نعشك الله فلا يزال أصغر الناس في نفسه وأرفع الناس في أعين الناس
والبعث على كثير من الذمايم فإن الرذائل يجر بعضها بعضا كما سلف كتعيير الخلق أي نسبتهم إلى العار
وهو كل ما يلزم به عيب وجحد الحق كما حكى الله من أحوال الأمم واستكبارهم عن متابعة الأنبياء وقولهم
أنؤمن لك واتبعك الأرذلون وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا ومن ثم فسر الكبر في الحديث
النبوي وغيره بأنه تسفيه الحق وتغميص الناس أي تحقيرهم والطعن عليهم وحب الجاه والحسد كما سبق
والحجب عن كثير من الفضايل كالتواضع فإن وجود أحد الضدين ينفي الآخر والحلم لاستنكافه عن احتمال
الأذى والنصيحة فإنه يرى بنفسه ما لا يرى بغيره فلا يحب له ما يحب لها والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
لاضطراره إلى مداهنة أهل المعاصي صيانة لحشمته والاستفادة عن المشايخ والمعلمين فإنها لا تتأتى
إلا بالتواضع والتملق وقد تقدم حديث عيسى (ع) أن الحكمة تعمر بالتواضع لا بالتكبر وكذلك الزرع ينبت
في السهل لا في الجبل ومجالسة الصالحين واكتساب الخيرات والسعادات من بركاتهم وغير ذلك مما يحرم
عنه أصحاب هذا الخلق المذموم ثم التخاسس كتأخر العالم في المجلس والطريق عن الخصاف وهو راقع النعل
واستقباله إلى باب الدار إذا دخل عليه وتقديم نعله إليه وتشييعه إليه عند الخروج ونحو ذلك مذموم أيضا
كالتكبر فإن مثل هذا إنما يحمد منه بالنسبة إلى شيخه ومن يحذو حذوه من العلماء المبجلين دون الخصاف
والتواضع المحمود معه إنما يتأدى بعدم الاستحقار له وتقريب مجلسه وترحيبه واظهار البشر في وجهه و
الرفق والملاطفة في محاورته والاصغاء لكلامه وتطييب قلبه بالكرامة وإجابة الدعوة والسعي في الحاجة
إن كانت إلى غيره وانجاحها إن كانت إليه ونحو ذلك لكن التكبر أفحش من التخاسس لأن آفاته أكثر كما أن
البخل أفحش من الاسراف والفجور من الخمود والجربزة من البله والمحمود المطلق الذي لا فحش فيه هو الوسط
العدل ووضع الأمور في مواضعها اللايقة بحسب الشرع والعادة وسببه العجب فإن المعجب بنفسه يستعظمها
فيريها فوق الغير وهو الكبر الباطن وتترتب عليه الآثار المذكورة وغيرها في الخارج وهو التكبر حقيقة
وقد يطلق اسم التكبر مجاز العلاقة المشابهة في وجود بعض آثاره على الأثر المنبعث من غيره أي غير العجب
من الذمايم التي ربما تترتب عليها تلك الآثار كلا أو بعضا كالحقد فإنه ربما يبعث على الترفع على المحقود
والاستنكاف عن مفاتحته بالسلام واحتمال أذاه ونحو ذلك فيسمى هذا الترفع والاستنكاف تكبرا
وإن لم ير الحقود نفسه فوق المحقود وكذا الحسد فإن الحسود قد يجحد حق المحسود ويعيره ويستنكف عن التواضع
له من غير أن يرى نفسه فوقه وكذا الرياء فإنه مما يبعث أيضا على أخلاق المتكبرين فإن الرجل قد يناظر
من يعلم أنه أفضل منه وليس بينهما محاقدة ولا محاسدة ولكنه يتمنع من قبول الحق منه والاقرار له بالفضل
حذرا عن مقالة الناس أنه أفضل منه ويختص هذا بالملأ ولو خلا معه بنفسه لأقر له وأما التكبر للعجب
53

والحقد والحسد فلا يتفاوت فيه الخلا والملأ إلا إذا انضم الرياء أيضا فيقوي في الملأ ويضعف
في الخلا فصارت أسباب التكبر أي الآثار المذكورة أربعة الكبر المسبب عن العجب والحقد والحسد والريا
وسبب الحقيقي منها هو الأول لا غير وعلاجه قلع العجب عن النفس فإن الأمراض لا تعالج إلا بقلع
أسبابها كما مر مرارا وذلك متوقف على معرفة السبب والإحاطة بحقيقته ليكون المعالج على بصيرة
من أمره فالعجب هو استعظام النفس وذلك باستعظام خصالها الكمالية الخاصة التي هي من
النعم الإلهية مع الركون إليها والفرح بها من حيث إنها خصال مضافة إليه نفسه ونسيان الإضافة
إليه (تع) وإلا من الزوال والتكدر لا باعتقاد أنها لا تزول ولا تتكدر فإن ذلك يستحيل من العاقل
بل بالغفلة عنهما ولو عطف الزوال على الإضافة بحذف المصدر والجار ليندرج تحت المضاف لكان
أخصر وأجود فمن رأى النعمة منه تعالى وفرح بها من حيث إنها كرامة منه عز وجل له وخاف عليها
من الزوال والتكدر لا يكون معجبا وإن استعظم الخصلة بل اللائق استعظام النعم فإنه أدعى إلى
الشكر وهو غير الادلال فهو عجب بالعمل مع رؤية حق النفس عنده (تع) وأنه منه بمكان يقال أدل عليه
إذا وثق بمحبته فأفرط عليه وذلك كمن أعطى غيره شيئا ويستعظمه ويمن عليه فيكون معجبا فإن
استخدمه أو اقترح عليه الاقتراحات واستبعد تخلفه عن قضاء حقوقه كان مدلا عليه فهو فوق العجب
وأفحش منه فورد عن أبي عبد الله (ع) أنه أتى عالم عابدا فقال له كيف صلاتك فقال مثلي يسأل عن صلاته
وأنا أعبد الله منذ كذا وكذا قال كيف بكاؤك قال أبكي حتى تجري دموعي فقال العالم إن ضحكك و
أنت خائف أفضل من بكائك وأنت مدل إن المدل لا يصعد من عمله شئ وبمضمونه غيره ويعرف المدل
بالتعجب عن رد دعائه لأنه يتوقع إجابته وعن استقامة حال مؤذيه لأنه يتوقع اختلالها بسبب ما
يراه في نفسه من الحق عليه (تع) ولا يتعجب من رد دعاء الفساق ولا استقامة أحوال أعدائهم لأنه لا يرى لهم
من الحق ما يرى لنفسه والعجب غير الكبر أيضا لكونه أثره المسبب عنه كما تقدم واستدعائه المتكبر عليه
فإنه لا يتصور أن يكون متكبرا إلا أن يكون معه غيره وهو يرى نفسه فوق ذلك الغير في صفات
الكمال فعند ذلك يكون متكبرا بخلاف العجب فإنه لا يستدعي غير المعجب بل لو لم يخلق الانسان إلا وحده
لتصور أن يكون معجبا هذا ما قرره الإمام أبو حامد في الاحياء وتبعه عليه المصنف وغيره وفيه أن
ما هو بصدد اثباته من تغاير الكبر والعجب مسلم فإن الكبر من مقولة الإضافة والعجب من مقولة
الكيف أو الفعل لكن ما ذكره في البيان من تحقق العجب بالمعجب نفسه من دون توقف على شئ آخر ممنوع
لا ما ذكر في رسمه من استعظام النفس لا يكاد يتحقق إلا بالنسبة إلى الغير فإن الغني المعجب بماله إنما
يستعظم نفسه بالقياس إلى الفقير الذي لا مال له ومن ثم نراه إذا جالس من هو أغنى منه استصغر
نفسه واستحقر نعمته وكذا المستعظم لعلمه أو عمله أو غيرهما مما يعجب به يستصغر نفسه في مشهد من هو
أكمل منه في تلك الخصلة المستعظمة وإنما يستعظمها بالنسبة إلى العاري عنها أو الناقص فيه ولأجل
ذلك أدرجنا في الرسم قيد الاختصاص في الخصال فتأمل وآفاته الهلاك فإنه من الثلاث المهلكات
كما تقدم في الحديث النبوي وهي الكلمة الجامعة والبواقي تفصيل لها وبيان لأسبابه وهي نسيان الذنوب
لقلة اكتراثه بها واستحقار ما ربما يتذكره منها أحيانا وقد علمت ما فيه من التشديد ويدعو ذلك
إلى ترك التدارك بالتوبة وغيرهما مما ذكر والمعجب بالعبادات ليحجبه بها يعمي عن عيوبها فيترك تفقد
آفات العمل من الشوب والتضييع والاستخفاف والاستثقال والرياء والسمعة والمن والأذى
بعد الصدقة وغيرها ليحترز عنها كل ذلك على زعم أنه مغفور اعتمادا منه على عظيم خصلته بزعمه
وينجر الاغترار به إلى الأمن من مكره تعالى وهو من الكباير كما تقدم والمعجب بعلمه يلزمه الاستنكاف
من التعلم والاتعاظ والحرمان عن فوائدهما اكتفاء بما عنده ومن آفات العجب أيضا تزكية النفس
والثناء عليها وقد نهى الله عن ذلك بقوله ولا تزكوا أنفسكم وسببه أحد أمرين أما خبث الطبع
وضيق الحوصلة عن النعمة وهو من الأدواء الجبلية الممتنعة البرء وإنما يعلل بالمجاهدة والرياضة
ليفل حده وتقل غائلته كما سبق نظيره وأما الجهل بالحقايق ويندرج فيه اعتقاد كمال النفس فإنه
جهل مركب وإنما أفرد اهتماما فيراد بالأول البسيط وهذا مما يرجى برؤه وعلاجه بالعلم
والعمل والأول قلع السبب ويتحقق ذلك بمعرفة أحوال النفس المعتقد كمالها ومعرفة حقيقة الكمال
ومعرفة حقايق الخصال التي تستعظم وتظن كمالا وتنحصر مجامعها بالاستقراء في العلم والعمل
والشرف والجمال والمال والقوة والعشيرة وتتحصل هذه المعارف بوجهين أحدهما بالنظر في
حقارة النفس ومهانتها اللازمة الدائمة فإنه قد أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا
ولا شئ أخس من العدم المطلق والليس الصرف ثم وجد بوجود ناقص ضعيف معار في مدة قليلة
وأحوال خسيسة فأولها النطفة المذرة وآخرها الجيفة القذرة وما بينهما حمالة العذرة كما
ورد عن أمير المؤمنين (ع) وهذه عوارض النفس بحسب البدن الملابس لها وقد وكل به الأقذار في
جميع أجزائه الرجيع في أمعائه والبول في مثانته والمخاط في أنفه والبصاق في فيه والوسخ في أذنه
والدم في عروقه والصديد تحت بشرته والصنان تحت إبطه يغسل الغايط كل يوم مرة أو
مرتين بيده ويتردد إلى الخلاء ليخرج من بطنه ما لو رآه بعينه لاستقذره فضلا أن يمسه أو
يشمه ولو ترك نفسه يوما لم يتعهده بالتنظيف والغسل لثارت منه الأنتان والأقذار والنظر
في أحوالها الهاجمة الواردة فجأة أو بغير اختيار من هجم عليه هجوما إذا انتهى إليه بغتة أو دخل عليه
بغير إذن كالمحن والشدايد التي لا تطيق دفع أهونها من السقم والألم والهرم والفقر وموت الأحباب
وتسلط الأعداء وتعسر الأمور وغير ذلك مما يدل على ضعف الانسان وعجزه وأنه مربوب ذليل
54

مضطر لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا أو النظر في أعمالها وخساسة ثمنها فأجرة
أجير يعمل طول النهار ويحمل الأثقال على ظهره في شمس الصيف أو يحرس طول الليل المظلم في برد الشتاء
درهم أو درهمان في العرف العام وإنما يعطى هذا المال الخسيس بالاستخدام على الدوام في جميع الوقت
المشروط ولو أخل بها في جزء يسير حوسب عليه ونقص من أجرته والالقاء بالنفس في الأخطار والمهالك
كذلك فإذا علم هذا وشفع ذلك بالنظر في كرمه (تع) عليه بالتوفيق للعمل والاقدار عليه بتهيئة الأسباب
التي لا تتهيأ إلا بكرمه عز وجل ورفع الموانع التي لا ترتفع إلا بكرمه سبحانه أيضا ووعده الثواب الجزيل
المخلد على ساعة من العمل المعيوب استحى من نفسه واستحقر عمله ووجد نفسه في عجبه واستعظامه لصلاته
أو تسبيحه أو غيرهما مما يعجب به نظير سوقي خامل بائس فاقد لقوة السمع والبصر والفهم والبطش والمشي
وسائر الحركات فتفقده الملك وأكرمه وأسبغ عليه النعمة وأصلح أحواله حتى عاد سميعا بصيرا موسرا
قادرا قويا ورتب له جميع ما يرتفق به في معاشه من المطعم والمسكن والملبس والمركب ومن أسباب
الزينة والتجمل والتفكه مثل ذلك وأمره أن يأتي كل يوم باب السلم ويمكث هناك هنيئة مع أمثاله من
المأمورين ويرجع ووعده أن يجزل له يوم العرض العام بإزاء هذه الخدمة اليسيرة ضروبا من الانعامات
مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم إنه بعد ما اعتدلت أحواله يركب كل يوم مركبه
الذي أعطاه الملك ويغدوا إلى الباب كما أمر لحظة خفيفة ثم يعود مرحا إلى مأواه مترفا مسرفا في اتباع
هواه مشتغلا باللذات متوسعا في الشهوات متنعما بالطيبات التي أدرها له الملك ثم يكون هذا الغافل
الكفور مستصغرا جميع هذه المحامد الجليلة ومستعظما غدوه إلى الباب ومعجبا به وهل هذا
إلا جهل وشقاء وسفه وقلة حياء بل حال المعجب بعمله أفحش وأشنع من حال هذا الجاهل أضعافا
مضاعفة لا تحصى على مقدار التفاوت بين كرمه ونعمه تعالى وكرم الملك المفروض ونعمه وفي بعض
الآثار أن عابدا من بني إسرائيل كان مقيما في كهف وبجنبه عين ماء وأشجار مثمرة كان مكتفيا بها
العابد فمكث ما شاء الله صايما نهاره قائما ليله فدخله العجب فلما أفطر ليلته بشئ من الثمار وذهب
إلى العين ليشرب على عادته رآها قد غارت ولا ماء فاضطرب واشتد به العطش فانحدر من الجبل ليطلب
الماء فلقيه ملك في هيئة رجل معه قربة من ماء فقال له العابد اسقني سقاك الله قال هات الثمن
قال ما عندي شئ وأنا فلان العابد فقال هات عبادتك فقال العابد أنى يسوغ هذا وأنا أعبد الله
منذ كذا سنة كيف أبذلها على شربة من ماء فقال الرجل لا بد من ذلك فساومه بالعشر والتسع ولا زال يزيد
شيئا فشيئا والرجل لا يرضى إلى أن رضي العابد بالجميع فلما بذلها له جميعا ناوله الماء فلما شرب وارتوى عرك
الملك أذنه وقال له مهلا أيها المعجب بأعمال قدرها شربة من ماء وأنت تشرب كل يوم كم شربة فأي شئ تستعظم
من عملك فعلم العابد أن ذلك كان تنبيها من الله له والآخر بمعرفة حقيقة الكمال وانقسامه بادي الرأي إلى
الديني والدنيوي وأن الكمال الدنيوي وهو ما عدا العلم والعمل من المفارقات وهمي لا حقيقة له كما
تقدم فلا يحسن استعظامه والعجب به والكمال الديني وهو العلم النافع والعمل به ينافيه وينفيه فالعلم
وهو في الحقيقة من جملة الأعمال القلبية وإذا قوبل به العمل أريد القسم البدني والصناعي منه النافع منه
ما يزيد خوفا منه (تع) بحمل المواطاة ومن ثم ينعكس كليا كما ينبه عليه الحصر في قوله عز وجل إنما يخشى الله
من عباده العلماء ولا عبرة بغيره من العلوم لأنه من المفارقات فهو من الكمالات الوهمية بل لا يحسن اطلاق
اسم العلم عليه كما سبق التنبيه عليه وكل عمل دونه من البدنيات والصناعيات فلا نفع له بدون العلم النافع
النافي للعجب إذ هو شرط له في القبول وترتب الجزاء الموعود وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط فلا يتحقق العمل النافع
ما لم يتحقق العلم النافع وحينئذ لا عجب وبدونه فالعمل خيبة وضلال كما تقدم في الحديث أن العامل على
غير بصيرة كالساير على غير الطريق لا يزيده كثرة السير إلا بعدا وعن أبي الحسن (ع) أنه سئل عن العجب الذي يفسد
العمل فقال العجب درجات منها أن يزين للعبد سوء عمله فرآه حسنا فيعجبه ويحسب أنه يحسن صنعا الحديث و
فيه تمليح إلى قوله (تع) قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم
يحسنون صنعا وأيضا فالاطلاع على تفاصيل الذنوب الباطنة الموبقة للعمل بالمنع عن القبول أو الاحباط
صعب سيما لمن لم يتفرغ الفحص عن دقائقها وتهذيب الاخلاص فالخلوص عنها أصعب وما لم يتحقق
الخلوص عنها والأمن من غوائلها فالعجب بالأعمال بناء على شفا جرف هار وفي الحديث النبوي أن الله
خلق سبعة أملاك وجعلهم على أبواب السماوات فتكتب الحفظة عمل العبد من حين يصبح إلى حين يمسي ثم
ترتفع الحفظة بعمله وله نور كنور الشمس حتى إذا بلغ السماء الدنيا فتزكيه وتكثره فيقول الملك قفوا و
اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه أنا ملك الغيبة فمن اغتاب لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري ثم تجئ الحفظة
من الغد ومعهم عمل صالح فتمر به حتى تبلغ السماء الثانية فيقول الملك قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه
إنما أراد بهذا عرض الدنيا لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري ويقول الملك الثالث أنا صاحب الكبر ويرد
العمل والرابع صاحب العجب والخامس صاحب الحسد والسادس صاحب الرحمة يقول إن صاحب هذا العمل
لا يرحم شيئا إذا أصاب عبد ذنبا للآخرة أو ضرا في الدنيا شمت به ويقول السابع أنا ملك الحجاب أحجب
كل عمل ليس لله أنه أراد رفعة عند القواد وذكرا في المجالس وصيتا في المداين وتصعد الحفظة بعمل العبد
تشيعه ملائكة السماوات بجماعتهم حتى يقوموا بين يدي سبحانه فيشهدوا له بعمل ودعاء فيقول أنتم حفظة
عمل عبدي وأنا رقيب على ما في نفسه لم يردني بهذا العمل عليه لعنتي فتقول الملائكة عليه لعنتك ولعنتنا
والحديث مختصر وأيضا فالأمور بخواتمها والخاتمة مستورة وسوءها غير مقطوع الانتفاء فلا يليق
الركون إلى الأعمال الواقعة تحت الخطر وعن أبي عبد الله (ع) العجب كل العجب ممن يعجب بعمله وهو لا يدري
بما يختم له فمن أعجب بنفسه وفعله فقد ضل عن نهج الرشاد وعنه (ع) قال الله لداود يا داود بشر المذنبين إني
55

التوبة واعفو عن الذنب وانذر الصديقين أن لا يعجبوا بأعمالهم فإنه ليس عبدا نصبه للحساب
إلا هلك وأيضا المعصية المستعقبة ندما أو خوفا خير من الطاعة المستعقبة عجبا لاضمحلالها به
ففي الصحيح عن أبي عبد الله (ع) قال إن الرجل ليذنب الذنب فيندم عليه ويعمل العمل فيسره ذلك فيتراخى
عن حاله تلك فلأن يكون على حاله تلك خير له مما دخل فيه وعنه (ع) قيل له الرجل يعمل العمل وهو خائف
مشفق ثم يعمل شيئا من البر فيدخله شبه العجب فقال هو في حاله الأولى وهو خائف أحسن حالا منه
في حال عجبه وفي الحديث النبوي لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر من ذلك العجب العجب هذا
حال العلم والعمل وهما أقوى الخصال وأدخل في الكمال والبلوى بهما على الخواص والبواقي ضعيفة
ليست بذاك لكن لا بأس بتثنية القول فيها تحقيقا لما سبق من موهومية كمالها وتفصيلا لاجماله
أما النسب إلى السلاطين وأرباب المناصب الدنيوية فلأنه لو كشف له أحوالهم في الآخرة وتعلق الخصماء بهم
وما يستحقونه من التعذيب بما تحملوه من المظالم التبرأ من الانتساب إليهم فضلا عن الاعجاب بذلك
وأما إلى العلماء والمرشدين وأصحاب الدين الذين يرجى لهم النجاة فلأن خواتم العباد مستورة وما
أدري ما يفعل بي ولا بكم فلا قطع على النجاة في المنسوب إليه فضلا عن المنسوب وأما إلى من يقطع فيه
بالنجاة ويرجى شفاعته كنسب الفاطميين فلأن الشفاعة مختصة بمن أذن له الرحمن ورضي له قولا وهذا
الشرط غير مقطوع التحقق وحال هذا المعجب أشبه شئ بحال المريض المنهمك في شهواته اعتمادا منه على
طبيب حميم جهلا منه أن معالجة الطبيب لا تنفع في كل مرض ومشروطة بعدم بعد المزاج جدا عن الاعتدال
الصحي وبأمور أخر لا يعلمها إلا الطبيب وعن السجاد (ع) أنه قال له رجل أنتم أهل بيت مغفور لكم فغضب
فقال نحن أحرى أن يجرى فينا ما أجرى الله في أزواج النبي صلى الله عليه وآله من أن نكون كما تقول إنا نرى لمحسننا
ضعفين من الأجر ولمسيئنا ضعفين من العذاب وعن الوشاء قال كنت بخراسان مع علي بن موسى
الرضا (ع) في مجلسه وزيد بن موسى حاضر قد أقبل على جماعة في المجلس يفتخر عليهم ويقول نحن ونحن
وأبو الحسن (ع) مقبل على قوم يحدثهم فسمع مقالة زيد فالتفت إليه فقال يا زيد أغرك قول ناقلي الكوفة
أن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار فوالله ما ذلك إلا للحسن والحسين وولد
بطنها خاصة فأما أن موسى بن جعفر أطاع الله يطيع الله ويصوم نهاره ويقوم ليله وتعصيه أنت
ثم تجيئان يوم القيامة سواء لأنت أعز على الله منه إن علي بن الحسين كان يقول لمحسننا كفلان
من الأجر ولمسيئنا ضعفان من العذاب الحديث فتبين أنه لا يصلح النسب مطلقا للتعويل وعن
السجاد والصادق (ع) في قوله (تع) فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسائلون والله
لا ينفعك إلا مقدمة تقدمها من عمل صالح وهو بالحقيقة تعزر بكمال الغير ومن ثم قيل لئن فخرت
بآباء ذوي نسب - لقد صدقت ولكن بئس ما ولدوا - فالمعجب هو به إذا كان خسيسا في صفات
ذاته فأنى يجبر خسته كمال غيره بل لو كان الذي ينتسب إليه حيا لكان له أن يقول الفضل له ومن أنت إلا
دودة خلقت من فضلتي وكذا لا تعويل على الجمال الظاهر كما ربما يقع من النساء ومن في طبعه خنوثة من
الرجال ويندرج فيه حسن الصوت وحسن المقال فعما قليل ينضب ماؤه ويذهب رونقه ورواؤه وأيضا
فالاعتبار للباطن أي الجوف والقلب وهما مملوءان بالأقذار والرذايل الصورية والمعنوية وفي الحديث إن
الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وقد عاب الله (تع) قوما من أهل الجمال بسبب خبث ضمائرهم في
قوله وإذا رايتهم تعجبك أجسامهم وأن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة وأما ما ورد من أن الله
جميل يحب الجمال فالظاهر أن المراد به ليس الجمال الصوري بل الجمال الكسبي وهو تهذيب الأخلاق فإنه الزينة
الحقيقية كما ينبه قوله (ع) اطلبوا العلم وتزينوا معه بالحلم وقوله (ع) زينة الرجال الأدب وكذا لا تعويل
على المال وهو أو هي من النسب فإنه عظيم الغوايل إثمه أكبر من نفعه يغدو ويروح يسلبه السارق
والغاصب وتتوارد عليه الآفات الأرضية والسماوية وقد قص الله نبأ الرجلين المتحاورين إذ قال
المعجب منهما أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا إلى أن أحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها و
هي خاوية على عروشها ونبأ قارون الذي ملك من الكنوز ما أن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولو القوة
وقال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين فقال إنما أوتيته على علم عندي فخسف الله به وبداره
الأرض وقد شاهدنا كثيرا من المستريحين إلى أموالهم المعجبين بها بما استأصلتهم الحوائج وأذهبتها
النوائب كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شئ فهلكوا جوعا وبقيت
عليهم التبعات ولا القوة البدنية فعما قليل يهدمها الهرم أو يضعفها السقم ويقعد عنها الملوان فيهم
بأمر الحزم لا يستطيعه وقد حيل بين العير والنزوان ولا الأتباع والأولاد والعشاير كما قال الكافرون نحن أكثر أموالا وأولادا فإنهم لا يغنون عنه شيئا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله
بقلب سليم وكلما كانوا أكثر كان الابتلاء بهم أعظم والنظر في أمورهم والقيام بمصالحهم أعسر و
مع ذلك فلا يؤمن عليهم الزوال في شئ من الأحوال وقد أخبر الله عز وجل عن الأمم بقوله فلما نسوا
ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون أي
أي آيسون من النجاة والرحمة متحسرون هذا بيان العلاج العلمي وأما العلاج العملي وهو الأقوى
فإن يلتزم المعجب بخصلته الكمالية تتبع أحوال من هو أكمل منه في تلك الخصلة ليستحقرها من نفسه
فإن العالم المواظب على مجالسة الجهال يرى علمه عزيزا فيهم ويحصل بذلك في قلبه هزة معجبة فإذا جالس
من هو أعظم منه ورأى إحاطته بما لم يحط به استجهل نفسه واستنقص علمه وزال عنه ذلك الاستعظام
وذلك كراكب هجين بين قافلة الحمير فإنه يرى نفسه فارسا وفرسه سباقا وإذا تسابق مع راكب جواد
انقطع عنه وتبين له نقصه وقصوره وزال عنه اعجابه بهجينه فإن لم يجد في بلده من هو أعلم منه فليكب على مطالعة
56

الكتب العلماء الماضين وتحقيقاتهم وإفاداتهم في المسايل العويصة التي لا يبلغها فهمه فإن ذلك
يزيل عنه العجب ويحقر إليه علمه وكذا العابد يتوصل إلى مخالطة من هو أعبد منه فإن لم يجد فليتتبع
أحوال العباد الكاملين من الكتب المشتملة عليها والمعجب بنسبه العلوي يتتبع أحوال الأكابر الذين كانوا
أقرب نسبا وأمس رحما ويرون أنفسهم مع ما هم فيه من العبادة والاجتهاد على خطر عظيم من غير اتكال
على نسبهم القريب وناهيك في ذلك بما تقدم من حديث السجاد والرضا (ع) والجميل ينظر إلى من هو أجمل منه
والمميل يرى في عظماء النصارى والهنود من يملك أضعاف ما يملكه هذا المعجب والقوي يرى من الزنوج و
الأكراد من هو أقوى منه بمراتب كثيرة فإن فقده فيهم وجده في البهائم البتة فإنه لا يطيق ما يطيقه
الثور فضلا عن الجمل والفيل والمستعظم أتباعه وعشيرته إن لم يجد من هو أكمل منه في هذه الخاصة من
أهل عصره ففي تتبع أحوال السابقين ما فيه كفاية ومعتبر فإن قلت هذا يجر إلى استحقار النعمة و
الفتور عن الشكر قلت المعجب لم ير الخصلة من حيث إنها نعمة فائضة من الله وإنما نظر إليها بالعين العوراء
فرآها من حيث إنها صفة قائمة به فهو ليس من أهل الشكر فلا يتجدد محذور في استحقاره النعمة على أن
الجمع بين الحقين ليس بمستحيل فإن كل مرتبة من مراتب النعم مكتنفة بمرتبتين تحتانية وفوقانية
فالسالك المتهذب إذا كان بصيرا ذا عينين يلاحظ المرتبتين جميعا ويراعى العمل بمقتضى كل واحدة
في مقامها الأليق فبحسب المرتبة الفوقانية وملاحظة حال ذويها يجتهد في قلع العجب عن نفسه وبحسب
التحتانية وذويها يجتهد في أداء الشكر فلا محذور
باب الفقر بفتح الفاء وضمها وهو يطلق تارة
بمعنى الاحتياج فيساوق الامكان إذ كل ممكن محتاج إلى الموجد البتة وهذا هو الفقر المطلق ويقابله
الغنى المطلق وهو يساوق الوجوب قيل وهو المراد في قوله عز وجل والله الغني وأنتم الفقراء وأخرى
على فقد ما يحتاج إليه بالفعل والقوة القريبة من المال وهذا هو الشايع في العرف العام حيث
يسمون فاقد المال على الوجهين فقيرا وهو موضوع الباب فالواجد لا يسمى فقيرا وكذا فاقد ماله القدرة
عليه بالكسب أو لا حاجة له إليه ويتصور للفاقد في فقده أحوال يخص في كل منها باسم فإن كان ما فقده
ضروريا له كالخبز للجائع والثوب للعاري فمضطر سواء كان له رغبة في الطلب أم لا وقلما ينفك عن الرغبة
وهذا مما لا بحث عنه وقد وسع الله عليه في الجملة مهما كان غير باغ ولا عاد ولا متجانف لإثم وأن لا
يكن المفقود ضروريا فإن فرح بحالته تلك وكره المال الزايد على ما تندفع به الضرورة لو أتاه و
تأذى منه وهرب من قبوله محترزا من شرة وشغله فزاهد من الزهد وهو ضد الرغبة وإن لم يكره
كراهة يتأذى به ولم يرغب رغبة يفرح بحصوله ولو أتاه عفوا رضي به فراض وإن كان له رغبة فيه
لكنها ضعيفة لا تنهضه للسعي والاشتغال بالتحصيل فقعد وترك الطلب مع أن الوجود عنده أحب ولو
أتاه صفوا أخذه وفرح به فقانع إذ قنع نفسه بالموجود حتى ترك الطلب مع ما فيه من الرغبة وإن رغب
فيه رغبة قوية تحثه على الطلب مهما وجد إليه سبيلا ولو بشق الأنفس فإن شغلته به وسعى
للتحصيل فحريص من الحرص من الشق لأنه يشق قناع الحيا أو هو أن يأخذ نصيبه ويطمع في نصيب غيره
وإن عجز عن الطلب وتركه للعجز فحريص أيضا كالساعي ومجرد قعوده عنه عجز إلا يسلب عنه هذا الاسم
المذموم فهذه خمسة أحوال للفاقد في فقده مترتبة والأعلى الزهد وأعلى منه تسوية الوجود و
العدم عنده فإن وجده لم يفرح ولم يتأذ وإن فقده كذلك والفرق بينه وبين الرضا أن الراضي وإن
كان غير كاره لحصوله ولا راغبا إليه لكن ربما يتصور أن يتعلق به قلبه بعد الحصول ويحصل له الأنس به
والاخلاد إليه فإن ذلك غير مناف لمرتبة الرضا بخلاف الأخير فإنه غير مقيد به قبل الحصول وبعده فلو
كانت الدنيا بحذافيرها له لا يتفاوت حاله بين بقائها وذهابها ولا يشتغل قلبه بها بوجه وأما
ترجيحه على الزهد فلأن الزاهد متعلق للقلب بكراهته والتجرح عنه ومشتغل بذلك عن الله ومثاله
مثال الرقيب الحاضر في مجمع العاشق والمعشوق فإن التفت قلب العاشق إلى الرقيب وإلى بغضه و
استثقاله وكراهة حضوره فهو في حالة اشتغال قلبه ببغضه مصروف عن التلذذ بمشاهدة المعشوق
ولو استغرقه العشق لغفل عن غير المعشوق ولم يلتفت إليه وكما لا يجتمع في القلب حبان في حالة واحدة فلا
يجتمع أيضا بغض وحب في حالة واحدة فالزاهد المشغول ببغض الدنيا محجوب عن الله كالمشغول بحبها
إلا أن الأخير سالك في طريق البعد والأول في طريق القرب فيرجى له الوصول كرجلين في طريق الكعبة
أحدهما مستقبل والآخر مستدبر فإنهما سيان في البعد عنها بحسب الحال إلا أن المستقبل أحسن حالا
من المستدبر بحسب العاقبة المرجوة لكن الواصل المعتكف في الكعبة أحسن حالا منه لبلوغه المقصد
واستغنائه عن الاستقبال والاستدبار وهذا الحال لا يكاد يوجد إلا في الأوحدي من الناس من
ذوي النفوس القوية الموقنة المطمئنة المتخلقة بأخلاق الله فهو حقيق بأن يسمى استغناء إذ لا يعرف له
اسم مخصوص في الشرع وصاحبه مستغنيا فإنه قريب من الغنى المطلق لاستغنائه عن حصول المال وبقائه وذهابه
وعدم تأذيه بشئ منها وإنما اختير له اسم الاستغناء دون الغني تأدبا لاختصاص مطلقه حقيقة به (تع)
كما نبه عليه الحصر المتقدم وشيوع اطلاقه العرفي على اليسار فيسمى الموسر غنيا مع أنه أكثر الناس حاجة
وفي تغيير الأسلوب إيماء إلى مغايرة حال الاستغناء للأحوال الخمسة السابقة من حيث اندراجها تحت الفقر
وصحة اطلاق اسم الفقير على ذويها بخلافه فإن تسمية المستغني فقيرا لا وجه له بل بالمعنى المذكور بل إن
سمي فقيرا فبمعنى آخر وهو معرفته بكونه محتاجا إلى الله في جميع أموره عامة وفي بقاء استغنائه
عن المال خاصة فيكون اسم الفقير له كاسم العبد لمن عرف نفسه بالعبودية وأقر بها فإنه أحق باطلاق
اسم العبد من الغافلين وإن كان الاسم عاما للخلق واسم الفقير مشترك بين المعنيين والأخير هو
المراد بما ورد في فضل الفقر من قوله صلى الله عليه وآله الفقر فخري وبه افتخر على سائر الأنبياء فإن اتصاله بالحضرة الربوبية
57

لما كان أتم كانت معرفته بعبوديته واقراره بها أوفى وأكمل وكذا ما ورد في فضل المسكنة المرادف
أو المقارب له في اطلاقاته من قوله صلى الله عليه وآله اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة
المساكين وأما الفقر المذموم والمستعاذ منه في قوله صلى الله عليه وآله كاد الفقر أن يكون كفرا والفقر سواد الوجه
في الدارين واللهم أعوذ بك من الفقر فمحمول على معنى الاضطرار فلا منافاة هذا ما قرره أبو حامد
وغيره في الجمع ويمكن أن يخص الممدوح ببعض أحواله المحمودة كالزهد والرضا وهو خير من الاشتراك
أو يراد بالممدوح معناه العرفي أعني فقد المال وبالمذموم ما يلزمه غالبا من اضطراب النفس و
ضعف التوكل وقد أطلق عليه الفقر في بعض الروايات ففي معاني الأخبار فيما سأل علي بن أبي طالب (ع)
ابنه الحسن (ع) أنه قال له ما الفقر قال الحرص والشرة وفي بعضها خص المذموم بوجه آخر ففي الصحيح عن أبي
عبد الله (ع) قال الفقر الموت الأحمر فقيل الفقر من الدنانير والدراهم قال لا ولكن من الدين واختلاف
الأنظار في ترجيح الراجح من الفقر والغنى والقول الفصل فيه أن ما لا يراد لعينه بل يراد لغيره ينبغي أن
يضاف إلى مقصوده إذ به يظهر فضيلته والدنيا ليست محذورة لعينها بل لكون الاشتغال بها عائقا
عن الوصول إلى الله (تع) ولا الفقر مطلوب لعينه بل لأن فيه فقد العائق وعدم الشاغل عنه (تع) وكما أن الغنى
قد يكون من الشواغل كذلك الفقر قد يكون منها وإنما الشاغل في الحقيقة حب الدنيا والمحب للشئ مشغول
به سواء كان في فراقه أو وصاله وربما يكون الشغل في الفراق أكثر والشاغل عن الله مذموم دون
غير الشاغل عنه فقرا كان أو غنى فإذا لا يمكن الترجيح المطلق من حيث الشغل بل نقول الراجح لكل أحد
ما لا يشغله عن الله فإن كان الفقر يشغله فالغنى أولى به وإن كان الغنى يشغله فالفقر أولى به لما
عرفت أن الفضل إنما هو في عدم تعلق القلب بالمال فإن تساويا فيه تساوت درجاتهما إلا أن
ههنا من مزال الأقدام ومواقع الغرور فإن الغني ربما يظن أنه منقطع القلب عن المال ويكون
حبه دفينا في باطنه وهو لا يشعر وإنما يشعر به إذا فقده فليجرب نفسه وهذا حال كل الأغنياء إلا الأنبياء
والأولياء وإذا كان ذلك محالا أو بعيدا فليطلق القول بأن الفقر أصلح لكافة الخلق وأفضل لأنه
أبعد عن الخطر بحسب الدنيا والدين أما الأول فلأن الأغنياء محسودون مقصودون بالأذى بخلاف
الفقراء وأما الثاني فلأن فتنة السراء أشد من فتنة الضراء ومن ثم قالت الصحابة بلينا بفتنة الضراء
فصبرنا وبلينا بفتنة السراء فلم نصبر وعن الأنس بالدنيا وتأكد حبها في القلب المستلزم لطول
الأمل وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال له رجل ما لي لا أحب الموت فقال هل معك مال قال نعم يا رسول الله قال
قدم مالك أمامك فإن قلب المؤمن مع ماله إن قدمه أحب أن يلحقه وإن خلفه أحب أن يتخلف معه
أو المراد الأنس بالتنعم والألفة بالتوسع في المشتهيات ولو مباحة فإنه ينجر إلى اقتحام الشبهات إذا لم يمكن
التوصل إليها بالمكاسب المباحة لتتسر له نعمة المانوسة فتتكثر حاجاته إلى الناس وإلى المداهنة و
المنافقة معهم ومنها تنشأ العداوة والبغضاء والحسد والغيبة وسائر المعاصي القلبية والجوارحية
وعن القدرة على الشهوة ومن العصمة أن لا يقدر فإن المريض الذي لا يجد شيئا أصبر منه على الحمية إذا
وجد الأطعمة اللذيذة وعن طول الحساب في عرصات القيامة اللازم على الأغنياء وإن أخذوه حلالا وصرفوه
حلالا وقد ورد أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام فيأكلون ويشربون والناس يترددون
في الحساب وعن الغرور وهو سكون النفس إلى ما يوافق الهوى ويميل إليه الطبع وفي حديث أمير المؤمنين عليه السلام
يا صفراء ويا بيضاء غري غيري لا حاجة لي فيك وهو من شعب الأنس بالدنيا أو هو هو فهذه كلها غوائل
الغنى والسلامة عنها جميعا عسرة جدا إلا للنفوس الكاملة الملكوتية وهم الأقل وخطاب الشرع إنما هو
مع الأكثر فمن ثم ورد في فضل الفقر وذم الغنى ما ورد ولا يعارض بكون الغنى من أخلاق الله كما يحكى
عن ابن عطاء في ترجيحه لما أجابه به بعض الشيوخ من أن ذلك ليس بالاعراض والأسباب فانقطع ولم ينطق
والغنى بالأسباب كالتكبر دون الاستحقاق في أنه ليس من صفات الله ولا محمودا في العباد وإن وصف الله
نفسه بالمتكبر والتقييد بدون الاستحقاق للاحتراز عن مثل تكبر المؤمن على الكافر والعادل على الفاسق
فإنه محمود لا ضير فيه وما قيل إن على العبد أن يعلم أن المؤمن أكبر من الكافر والمطيع من العاصي و
الانسان من البهيمة وأقرب إلى الله منها ولو رأى الانسان نفسه بهذه الصفة روية محققة لا يشك فيه
لكانت صفة الكبر لائقة به وفضيلة في حقه إلا أنه لا سبيل له إلى معرفته لأن ذلك موقوف على الخاتمة
وليس يدري كيف تتفق فلجهله بها وجب أن لا يعتقد لنفسه رتبة فوق رتبة الكافر إذ ربما يختم له بالايمان
وله بالكفر فمغالطة لأن الكلام ليس في القرب إلى الله ولا في الكبر النفساني بل التكبر أعني الترفع وغيره مما
ذكر فيما سلف وما ورد في الحث على اذلال الكافر والفاسق واسقاط حرمتهما والتكبر على المتكبر ونحو ذلك
مما يدل على رجحان هذا النوع من التكبر فهو من باب الاستحقاق فليتأمل ولا بالقدرة على العبادات المالية
كالزكاة والصدقة ومواساة المحتاجين ونحوها مما يفوز بثوابه الأغنياء ويحرم عنه الفقراء كما زعمه بعض
المنتصرين له لأنها لم يندب إليها الفقراء الذين لاحظ لهم من الدنيا وإنما يندب إليها ذوو الدنيا و
توجب الثواب لترك شئ من الدنيا في ضمن ما أتوا به من الانفاق كالتوبة الموجبة للثواب لترك الذنب
المتوب عنه فإنه لا شك أن الكاف نفسه عن الذنب ابتداء أحق بالمتوبة من الذي أتى به واستحق
العقوبة ثم تاب عنه والثواب المستحق بالعبادة المالية نظير الصحة المكتسبة بالفصد الموجب لاخراج
ما اجتمع في البدن من الدم الفاسد فإن البدن الذي لم يجتمع فيه الدم الفاسد ولم يندب إلى الفصد
لا ريب أنه أصح وأعدل مزاجا وأرجى عافية كما لا يخفى وأيضا فإن اليسار ليس غنى بالحقيقة وهذا منع
بعد التسليم فعن أمير المؤمنين (ع) وهو سيد السالكين وإمام العارفين باتفاق الكل ليس الغنى بكثرة
العرض إنما الغنى غنى النفس وهو أن يستوي عنده وجود المال وعدمه فهو المضاهي بوجه من الوجوه للغنى الذي
58

يوصف به الله سبحانه وهو الذي سميناه استغناء والاستغناء عن الشئ بعدم الالتفات إليه خير
من الاستغناء به لأنه أقرب إلى التجرد وأشبه بالربوبية في التنبيه على غوائل الغنى بذكر فوائد الفقر وطي
فوائده اقتفاء لما ورد عن الشارع الحكيم صلوات الله عليه من رعاية المصلحة الغالبة في ذم المال لأن
إثمه أكبر من نفعه وقد تقدمت الإشارة في نظيره مما سلف إلى أن من أسرار الشريعة المقدسة أن
كل ما يقوى إليه المحرك الطبيعي وتكثر فيه الرغبة النفسانية ويكون الافراط فيه مفسدة تتوارد الأوامر
الشرعية بخلافه ليكون الباعث النفساني معارضا بالمانع الشرعي فيتقاومان ويحصل الاعتدال
المطلوب نظير ما ورد في فضل الجوع والأمر به كما يأتي فإن ذلك كله راجع بالحقيقة إلى النهي عن الامتلاء
والتخمة لا أمر بالكف عن تناول الرزق المباح بقدر ما يحفظ البدن عن الانتهاك ويتقوى به على العبادة
والتردد في الكسب وقضاء حوائج المؤمنين وكذا ما ورد في فضل الصمت فإنه نهي عن الهذر لا أمر باهمال
القوة الناطقة التي بها يمتاز عن الحيوانات العجم ولقد أحسن وأجاد من قال إن مثل المال مثل حية فيها
سم وترياق فسمها آفاتها المذكورة وترياقها فوائدها الدنيوية والدينية كالخلاص عن مهانة السئول و
ذل النفس واكتساب العز والمجد بين الخلق وكثرة الأعوان والإخوان والوقار والكرامة في القلوب والمروة
وصيانة العرض والاقتدار على الخيرات زيادة على ما يوجب الثواب لترك الدنيا كالحج وبناء المساجد و
المرابط ونحوها من الأوقاف المستجلبة لدعوات الصالحين في أزمنة متمادية ومن ثم سمى الله المال خيرا
في عدة مواضع من القرآن وعن النبي صلى الله عليه وآله نعم المال الصالح للرجل الصالح ومما يشهد لما ذكرناه احتجاج
أبي عبد الله (ع) على الصوفية لما دخلوا عليه قال ثم علم الله نبيه كيف ينفق وذلك أنه كانت عنده صلى الله عليه وآله أوقية
من الذهب فكره أن تبيت عنده فتصدق بها وأصبح فجاءه سائل وليس عنده ما يعطيه فلامه السائل و
أغنم هو وكان رحيما رفيقا فأدب الله نبيه بأمره فقال ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل
البسط فتقعد ملوما محسورا يقول إن الناس قد يسألونك ولا يعذرونك فإذا أعطيت جميع ما عندك
من المال كنت قد حسرت من المال قال ثم من علمتم من بعده في فضله وزهده سلمان الفارسي (رض) و
أبو ذر (ره) فأما سلمان فكان إذا أخذ عطائه رفع منه قوته لسنته حتى يحضر عطائه من قابل فقيل له
يا أبا عبد الله أنت في زهدك تصنع هذا وأنت لا تدري لعلك تموت اليوم أو غدا فكان جوابه أن
قال ما لكم لا ترجون لي البقاء كما خفتم على الفناء أما علمتم يا جهلة أن النفس قد تلتاث على صاحبها إذا
لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت وأما أبو ذر فكانت له نويقات
وشويهات يحلبها ويذبح منها إذا اشتهى أهله اللحم أو نزل به ضيف أو رأى بأهل الماء الذين معه خصاصة
نحر لهم الجزور أو من الشاء على قدر ما يذهب عنهم بقرم اللحم فيقسمه بينهم ويأخذ هو كنصيب واحد
منهم لا يتفضل عليهم ومن أزهد من هؤلاء وقد قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله ما قال ولم يبلغ من أمرهما أن
صار ألا يملكان شيئا البتة كما تأمرون الناس بالقاء أمتعتهم وشيئهم ويؤثرون به على أنفسهم
وعيالاتهم الحديث والموفق يتحفظ عن سم المال وينتفع بترياقه ويحفظ لكل مقام مرتبة استحقاقه
وفي الحديث القدسي إن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك ومنهم من لا
يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك وهذا من الأمر بين الأمرين والحمد لله وحق الفقر أن لا
يكره لأنه الأصلح وفي الحديث إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين وفيه يا معاشر الفقراء
أعطوا الله الرضا من قلوبكم تظفروا بثواب فقركم وإلا فلا بل يتقلد الفقير المنة من الله تقلد
المحجوم المنة من الحاجم لما يرجوه من فعله المؤلم من الصلاح ويستر فقره بالتجمل والتعفف
ولا يظهر الشكوى وقد مدح الله قوما بذلك بقوله يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف وعن النبي صلى الله عليه وآله
إن الله جعل الفقر أمانة عند خلقه فمن ستره أعطاه الله مثل أجر الصائم القائم ولا يتواضع
للغني لغناه بل يترفع عليه فعن أمير المؤمنين (ع) ما أحسن تواضع الغني للفقير رغبة في ثواب الله
وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء ثقة بالله عز وجل وأقله أن لا يرغب في مجالسته لأن ذلك من
مبادي الطمع ولا يتوانى بسبب الفقر في العبادة فإنه من علامات ضعف اليقين ولا يدخر شيئا مما
يسوقه الله إليه بل يأخذ قدر الحاجة ويتصدق بالفاضل وإن كان قليلا فإن ذلك جهد المقل و
فضله أكثر من أموال كثيرة تبذل عن ظهر غنى وفي الحديث النبوي درهم من الصدقة أفضل عند الله
من مائة ألف درهم قيل وكيف ذلك يا رسول الله قال أخرج رجل من عرض ماله مائة ألف يتصدق بها
وأخرج رجل درهما من درهمين لا يملك غيرهما طيبة به نفسه فصار صاحب الدرهم أفضل من صاحب
مائة ألف ويستقرض حيث يستقرض تعويلا على الله تحسينا للظن به لا تعويلا على السلطان سواء كان له
رزق راتب له أم لا ويكشف الحال للمقرض عند الاقتراض إن لم يكن مكشوف الحال عنده حرزا من الغرور
ليقدم على اقراضه على بصيرة ولا يخدع بالمواعيد الغير المرجوة فإنه كذب ولا يسأل أحدا إلا الله سيما
البخلاء ومستحدثي النعمة وفي الحديث لأن أدخل يدي في فم التنين أحب إلي من أن أسأل من لم يكن
ثم كان وقد كثر النهي عن السئول في الأخبار وذلك لتضمنه عدة من المفاسد أحدها الشكاية منه تعالى
بذكر قصور نعمته عليه كما أن العبد المملوك لو سأل كان سؤاله تشنيعا على سيده وشكاية عنه وثانيها
اذلال النفس المؤمنة لغيره (تع) وليس للمؤمن أن يذل نفسه إلا لله فعن أبي عبد الله (ع) إن الله فوض إلى
المؤمن أموره كلها ولم يفوض إليه أن يذل نفسه ألم تسمع لقول الله عز وجل ولله العزة ولرسوله و
للمؤمنين الحديث وثالثها إيذاء المسؤول فربما لا تطيب نفسه بالبذل لكن يعطي حياء من السائل أو الحاضرين
وهو الريا فيحرم المبذول على السائل فمن ثم حرم السئول إلا لضرورة مهلكة كالجوع في المخمصة أو ممرضة
كالبرد في الشتاء لفاقد الدثار غالبا فيجوز حينئذ لمن عجز عن الكسب دون القادر البطال أو للحاجة الخفيفة
59

وللأخذ بصيغة المصدر آداب يأتي ذكرها في باب مفرد في موضعها الأليق من كتاب الزكاة (انش تع)
باب الزهد وهو لغة ضد الرغبة كما تقدم ومنه قوله (تع) وكانوا فيه من الزاهدين وعرفا عزوف القلب
بضم الفاء أي انصرافه عن رغائب الدنيا رغبة إلى رغائب الآخرة طوعا فههنا قيود آ انصراف القلب
فلو صرف يده عنها وقلبه متعلق بها لم يكن زاهدا بل هو متزهد كما سيأتي ولو أنصرف قلبه عنها وهي
في يده كان زاهدا فالملاك القلب ولا يعبؤ باليد أو الفعل منصوب بأن المقدرة عطفا على المصدر كما
في قوله للبس عباءة وتقر عيني فيكون من تتمة الحد ويكون المعنى عدم الاكتراث بما في اليد من عروض
الدنيا كما روي عن أبي عبد الله (ع) ليس الزهد في الدنيا بإضاعة المال ولا تحريم الحلال بل الزهد في الدنيا
أن لا تكون بما في يدك أوثق منك بما عند الله عز وجل ب أن يكون المنصرف عنه مرغوبا له بالطبع
فالمنصرف عما لا يرغب إليه طبعه لا يسمى زاهدا بالنسبة إليه وإن كان مرغوبا لغيره ج أن يكون ذلك
رغبة إلى الآخرة فالعازف عن رغائب الدنيا أو بعضها استراحة عن متاعبها أو لغير ذلك من الأغراض الدنيوية كبعض المرتاضين ليس زاهدا د أن يكون بالطوع والاختيار فتارك ما
لا قدرة له عليه المأيوس من حصوله لا يسمى زاهدا ومن ثمة قال بعض المشايخ لما قيل له يا زاهد
لست زاهدا إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز حيث أقبلت عليه الدنيا فأعرض عنها ثم إن كان المعزوف
عنه جميع رغائب الدنيا فزهد مطلق وإن كان بعضها دون بعض فزهد مبعض كالتوبة المبعضة وصاحبه
زاهد حريض باعتبارين وهو ينشأ من العلم بأن المرغوب عنه حقير بالنسبة إلى المرغوب إليه كعلم التاجر
بأن العوض خير من المبيع فمن قوى يقينه بأن ما عند الله باق وأن الآخرة خير وأبقى وأن ثواب الله خير
لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقها إلا الصابرون اشتاقت نفسه إلى الآخرة وعزفت عن الدنيا ومن ثمة
سماه الله بيعا في قوله عز وجل إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون
في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التورية والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده
من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ولا يحتاج من العلم في الزهد إلا
إلى هذا القدر وقد يعلم ذلك من لا يزهد إما لضعف يقينه أو لاستيلاء الشهوة عليه في الحال فيغتر
بمواعيد الشيطان في التسويف إلى أن يختطفه أحد الخطرين المتقدم بيانهما ويثمر العلم المقصود لذاته وهو
النور الإلهي المقذوف في قلب من يريد الله أن يهديه وفي الحديث النبوي من أراد أن يؤتيه الله علما بغير
تعلم وهدى بغير هداية فليزهد في الدنيا وقد تقدم فيه أنه علامة ذلك النور وعبر عنه بالتجافي عن دار
الغرور والإنابة إلى دار الخلود والتهيؤ للموت قبل نزوله وعن أبي عبد الله (ع) من زهد في الدنيا أثبت الله
الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه الحديث والفراغ للعبادة فإن المتعلق بالدنيا في شغل شاغل فإن
الوجيه متفرق الهم مشغول القلب بصيانة جاهه والمحافظة على سد الأبواب التي يدخل عليها الخلل
من جهتها والمميل أكثرهما واشغل قلبا فصاحب الضيعة يمسي ويصبح متفكرا في خصومة الفلاح ومحاسبته
وخيانته وخصومة الشركاء ومنازعتهم في الماء والحدود وخصومة أعوان السلاطين في الخراج والاجراء في
التقصير في العمارة وصاحب التجارة في خيانة شريكه وكساد سلعته ومماطلة معامليه ومخاطرة قافلته
من اللصوص وكذا صاحب الحيوان والزراعة وغيرها من الحرف والصناعات والمحروم منهما محترق الفؤاد بنيران
الحسرة والحسد وتنفس الصعداء وسوء الحال والنكد فأين فرصة العبادة أو القلب الفارغ لها وما جعل
الله لرجل من قلبين في جوفه وعن أبي عبد الله (ع) إنما أرادوا بالزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة و
ادراك حلاوتها كما سبق في التوبة وعنه (ع) أنه حرام على قلوبكم أن تعرف حلاوة الايمان حتى تزهد في
الدنيا وقال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا يجد الرجل حلاوة الايمان في قلبه حتى لا يبالي من أكل الدنيا وقال عيسى (ع)
بحق أقول لكم كما ينظر المريض إلى الطعام فلا يلتذ به من شدة المرض كذلك صاحب الدنيا لا يلتذ بالعبادة
ولا يجد حلاوتها مع ما يجد من حب الدنيا الحديث وتعظيم قدرها بالاهتمام بها والتشوق إليها و
والتهيؤ لها قبل دخول وقتها والقيام بآدابها وكمالاتها واليقين بأن التوفيق لها نعمة مشكورة من
الله لأنها تعريض للثواب ومحبة الله بالإضافة إلى الفاعل أو المفعول ففي الحديث النبوي أزهد في الدنيا
يحبك الله وعن أبي عبد الله (ع) إذا تخلى المؤمن من الدنيا سما ووجد حلاوة حب الله وكان عند أهل
الدنيا كأنه قد خولط وإنما خالط القوم حلاوة حب الله فلم يشتغلوا بغيره فهذه ثمرات الزهد وخصايصه
أو الأخيرة خاصة فإنها لا تحصل إلا بدوام الذكر والفكر غالبا الممتنعين مع الشغل بالدنيا فالزهد فيها رفع للمانع والدنيا والآخرة عبارة عن جملة حالات القلب فالقريبة الدانية منها هي
الدنيا وهي الحالات التي قبل الموت والمتراخية المتأخرة هي الآخرة وهي الحالات التي بعده لكن
جميع الحالات الدانية ليست من الدنيا المذمومة التي يزهد فيها مطلقا بل تنقسم أولا إلى اختيارية
وغيرها وغير الاختيارية لا تحمد ولا تذم سواء كان للنفس رغبة إليها كالعافية وسعة الرزق أو
عنها كالمحن والشدائد والاختيارية تنقسم أقساما منها أمور حاضرة تميل إليها النفس وتستلذها
مما لا منفعة لها بعد الموت سواء كانت لها مضرة كالتلذذ بالمعاصي والمحرمات أم لا كالتنعم بفضول
المباحات فإنها لا تستتبع عقابا وإن كانت محرمة عن فضل كثير وهذا من المذموم المزهود فيه و
منها أمور عاجلة يؤتى بها في الحياة وتظهر ثمرتها بعد الممات وهي الأعمال الصالحة وما لا بد فيها من
العلوم سواء كان للنفس بها لذة أم لا فإن العابد قد يأنس بعبادته ويستلذها بحيث يهجر فيها النوم
والنكاح والطعام لأنها أشهى عنده من الجميع ولو منع عنها لكان ذلك أشد النكايات عليه قال بعضهم
ما أخاف من الموت إلا لأنه يحول بيني وبين قيام الليل وكذا العالم بعلمه وكان بعضهم إذا انكشف له شئ
من العلم ينادي أين أبناء الملوك من هذه اللذات ومنها ما يتوسط بين القسمين وهي الحظوظ العاجلة
60

التي لها مدخل في الأعمال الصالحة كقدر الحاجة من الطعام والمسكن ونحوهما من ضرورات التعيش
في الدنيا وما لا بد منه فيها وهذا إن أريد به حيثية الحظ العاجل التحق بالدنيا وإن أريد حيثية المعونة
على العبادة التحق بالعبادة وقد عد التعرض للرزق من العبادة وفي الحديث النبوي العبادة سبعون
جزءا أفضلها طلب الحلال والعبادة وإن كانت معدودة من الدنيا بوجه كما في الحديث النبوي حبب إلي
من دنياكم ثلاث النساء والطيب وقرة عيني في الصلاة إلا أنها بأنواعها العلمية والعملية وكذا ما لا بد
منه فيها بوجه أقوى معدودة من الآخرة لأنها لها وعن أبي عبد الله (ع) أنه قال له رجل والله إنا لنطلب الدنيا
ونحب أن نأتيها فقال تحب أن تصنع بها ماذا قال أعود بها على نفسي وعيالي وأصل بها وأتصدق بها
وأحج واعتمر فقال ليس هذا طلب الدنيا هذا طلب الآخرة ولخروجها عما جمع من الأمور الخمسة محصورة فيها
الحياة الدنيا في قوله عز وجل إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد
بين سبحانه أن ما لا يتوصل به من أمور الدنيا إلى سعادة الآخرة أمور وهمية عديمة النفع سريعة الزوال
وإنما هي لعب يتعب الناس به أنفسهم أتعاب الصبيان في الملاعب من غير فائدة ولهو يلهون به أنفسهم عما يهمهم
وزينة من ملابس شهية ومراكب بهية ومنازل رفيعة ونحو ذلك وتفاخر بالأنساب والاحتساب و
تكاثر بالعدد والعدد فهذه هي أحوال الدنيا بأجمعها مما لا يتعلق منها بالآخرة مترتبة في الذكر ترتب
مرورها على الانسان غالبا فإن أول ما يظهر في الصبي في مبدأ تمييزه وحركته واستقلاله غرائزه بها
يستلذ اللعب حتى يكون ذلك عنده ألذ الأشياء ثم يظهر فيه بعد ذلك استلذاذ اللهو واستماع الأشعار
والأقاصيص وركوب الدواب الفارهة فيستخف معها اللعب بل يستهجنه ثم يظهر فيه بعد ذلك لذة الزينة
بالنساء والمنزل والخدم فيستحقر ما سواها ثم يظهر فيه بعد ذلك لذة الجاه والرياسة ومباهات الأقران
ومفاخرة الأكفاء ثم لذة التكاثر من الأموال وجمعها والاستظهار بالأعوان والأتباع والأولاد
وهذه آخر لذات الدنيا ثم قد يظهر بعد ذلك لذة العلم بالله وقربه ومحبته والقيام بوظائف عباداته
وترويح الروح بمناجاته فيستحقر معها جميع اللذات السابقة ويتعجب من المنهمكين فيها وكما أن طالب
المال والجاه يضحك من لذة الصبي باللعب بالجوز مثلا كذلك صاحب المعرفة يضحك من طالب المال
والجاه ويسخر به وكذا أصحاب المعرفة بعضهم من بعض بحسب تفاوتهم في مراتبها وفوق كل ذي علم عليم
ومتاعها الذي هو موضوع هذه الأحوال الخمسة ما جمع من الأمور السبعة في قوله (تع) زين للناس
حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام و
الحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب واختلف في المزين فقيل هو الله إذ خلق الانسان على جبلة الشهوة لها ابتداء كما قال إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا و
قيل بل الشيطان لأنه (تع) قد ذم الدنيا وقبح شهواتها فلم يكن مزينا لها وقيل ما يحسن منها فمن الله وما
يقبح من الشيطان والشهوات هي المشتهيات وسميت شهوات مبالغة وايماء إلى أنهم انهمكوا
في محبتها حتى أحبوا شهواتها كقوله (تع) حكاية عن سليمان إني أحببت حب الخير والقنطار قيل
المال الكثير وفي الحديث أنه ملأ مسك ثور ذهبا والمقنطرة مأخوذة منه للتأكيد كقولهم
ألف مؤلفة والمسومة المعلمة بالغرة والتحجيل أو المرعية والأنعام الإبل والبقر والغنم والحرث
الزرع والنبات قيل وإنما لم يذكر الدور والقصور لأنها لم تكن معتادة عند العرب والمعدودات
أنواع الشهوة وقد أجملها الله تحت الجنس معبرا عنه بالهوى في قوله عز وجل وأما من خاف مقام
ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى والشغل بها على وجهين أحدهما وهو الأصل
حب حظوظها باطنا ويندرج فيه جميع الصفات القلبية المتعلقة بالدنيا كالكبر والحقد والحسد
والرياء والسمعة وسوء الظن والحرص وغيرها وهي الدنيا الباطنة ومنه ينشأ الوجه الآخر و
هو الحركة إلى تحصيلها ظاهرا بأنواع الحيل والعلاجات المرتبطة بعضها ببعض الصارفة لذويها
عن الله المستغرقة لجميع أوقاتهم وحواسهم حتى نسوا ما ذكروا به وكان عاقبة أمرهم خسرا ومشاعل
الدنيا متواصلة متلازمة يجر قليلها إلى الكثير وصغيرها إلى الكبير ولا ينبئك مثل خبير و
علاج حبها نوعان من العلم أحدهما معرفة الرب وحكمته في خلق الأمتعة المذكورة ومعرفة
النفس والحكمة في ركوز حبها في الجملة في جبلتها فإنها إنما خلقت ليتمتع بها السالك في وجهته
إلى الله الذي هو غاية مقاصد السايرين كما قال عز وجل وأن إلى ربك المنتهى وإلا إلى الله تصير
الأمور فهي أشبه شئ لعلف الدابة في طريق الحج فإن البدن الذي هو مركب النفس لا يقوم إلا بمطعم وملبس
فلا بد منهما بقدر الحاجة والاشتغال بالزيادة نظير توقف الحاج في منازل الطريق لجمع أنواع الحشيش
وادخارها وتحصيل الماء البارد للناقة والجلال الملونة واشتغاله بذلك حتى يفوت الوقت والقافلة
وهو غافل عن الحج ومرور القافلة وبقائه في البادية وحيدا فريسة للسباع هو وناقته والحاج البصير لا
يهمه من أمر الناقة إلا القدر الذي تقوى به على المشي فيتعهدها وقلبه إلى الكعبة والحجاج والآخر
معرفة شرف الآخرة ليرغب إليها وخساسة الدنيا ليرغب عنها فإن التاجر ما لم يعلم أن المرغوب إليه
خير له من المرغوب عنه لم تسمح نفسه بالمعاملة ولم يفارق حب المرغوب عنه قلبه ويكمل ذلك
بمعرفة المنافاة بينهما وأنهما كالمشرق والمغرب كلما تقاربت من أحدهما تباعدت من الآخر أو كالضرتين
كلما أرضيت أحدهما أغضبت الأخرى فإذا انتقشت هذه المعارف في القلب عزف عن حب الدنيا وبردت
رغبته فيها وفتر شوقه إليها فتركها والزهد الحقيقي كما عرفت هو عزوف القلب المستلزم للترك المذكور
وبسبب هذه الملازمة ربما يتجوز باطلاق اسم الزهد على الترك سواء كان بسبب عزوف القلب أو
غيره ويقسم على وجوه متعددة بحسب اعتباره في نفسه وفي علته وهو المزهود منه وفي محله وهو المزهود
61

فيه وفي عارضه وهو ما يوصف به من الأحكام الشرعية وله بحسب كل منها درجات مترتبة يتدرج من
أوائلها إلى ثوانيها في السلوك وأدنى درجات الزهد باعتبار نفسه أن يترك الدنيا وقلبه متعلق
بها فيتكلف ويجاهد فيه لميل النفس إلى الدنيا وهو تزهد ومبدء للزهد في حق من يصل إليه و
المتزهد على خطر إذ ربما تغلبه نفسه وتجذبه شهوته فيعود إلى الدنيا والاستراحة بها في قليل أو كثير
ثم إن يتنفر القلب عنها فلا يحتاج إلى مجاهدة فهو زهد من ملكات النفس المطمئنة إلا أنه لا يخلو عن شوب تشويش
بسبب التنفر وربما يرى زهده ويلتفت إليه كما يرى البايع مبيعه وإن كان لا يشق عليه البيع إذا سلف
ما يسوى قليلا بثمن رابح لكن يحتاج إلى انتظار الموعد فيكاد أن يظن بنفسه أنه ترك شيئا له قدر
لما هو أعظم منه وهذا أيضا نقصان ثم عدم الميل والتنفر جميعا لتسوية الوجود والعدم عنده فهو استغناء
كما سبق وقد تقدمت الإشارة إلى أنه من مواضع الغرور وربما يظنه الواجد بنفسه لسكونها بما
ظفرت به من المقصود فليجربها ويعرف بتسوية سرقة ماله ومال غيره في عدم الاعتداد فإن صح فهو أكثر
اطمئنانا وأثبت فليأمن الزاهد ثم عدم اعتباره بزهده إذ لا يرى أنه ترك شيئا لأنه عرف أن الدنيا
لا شئ فيكون كمن ترك خنفساءة وأخذ جوهرة فلا يرى ذلك معاوضة ولا نفسه تاركا شيئا والدنيا
بالإضافة إلى الآخرة أخس من خنفساءة إلى جوهرة ومن منعه عن الدخول إلى الملك كلب على بابه فألقى إليه
قطعة عظم شغله بها ودخل فتناول من الموائد المبذولة وتمتع بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا
خطر على قلب بشر ونال الكرامة والقرب من الملك افتري أنه يرى لنفسه بدا عند الملك بما ألقيه إلى كلب
من العظمة فالشيطان كلب على باب الله والدنيا كقطعة من العظم فمن يتركها لينال ما ينال بتركها كيف
يلتفت إليها ويعتد بها بل نسبة الدنيا إلى الآخرة أقل من نسبة العظمة إلى موائد الملك وكرامته نسبة
المتناهي إلى غير المتناهي وهذا هو الكمال في الزهد بحسب درجاته في نفسه ولكل منها عرض عريض وأما
درجاته باعتبار مأمنه فأدناها أن يترك الدنيا من خوف النار وسائر عذاب الآخرة وهذا
زهد الخائفين وكأنهم رضوا بالعدم لو أعدموا فإن الخلاص من الألم يحصل بمجرد العدم ثم من
الرجاء شوقا إلى الجنة وما فيها من الحور والقصور ونحوها وهذا زهد الراجين فإنهم لم يتركوا الدنيا
قناعة بالعدم والخلاص من الألم بل طمعوا في وجود دايم على نعيم قائم لا آخر له وهذه فوق الأولى
وإن كانتا ليستا بذاك لاقتضائهما المحبة لسلامة النفس وحظوظها ومثال الأول مثال المريض
الذي يترك الأغذية المضرة طمعا في العافية والثاني مثال الذي لا يأكل اليوم توفيرا لشهوته
غدا في ضيافة مترقبة ثم من رفع الالتفات إلى ما سواه (تع) من غير تقيد بالنار وآلامها ليقصد
الخلاص منها ولا بالجنة ولذاتها ليقصد نيلها والظفر بها وهذا زهد العارفين الذين همهم
مقصورة عليه (تع) لا رغبة لهم إلا فيه وفي لقائه فإن من عرفه سبحانه يستحقر جميع ما سواه ويرى الراغب
إلى الجنة للاحتظاظ بما فيها من اللذات الحسية الغافل عن لذة النظر إليه عز وجل كالصبي المستلذ
للعب بالعصفور لقصوره عن ادراك لذة السلطنة مثلا وأما درجاته باعتبار ما فيه فأدناها
أن يزهد في المال دون الجاه وإليه أشار فضيل بقوله الزهد هو القناعة ثم في الجاه دون المال
وإليه أشار بشر بقوله الزهد في الدنيا هو الزهد في الناس وهو فوق الأول لأن الجاه أشهى من
المال كما سبق وهما كالتوبة عن بعض الذنوب المفيدة لنقصان العقوبة دون النجاة لأنها
بترك الكل كما تقدم ثم في كليهما وإليه الإشارة في حديث أبي عبد الله (ع) الزاهد الذي يختار
الآخرة على الدنيا والذل على العز والجهد على الراحة والجوع على الشبع وعافية الأجل على محنة العاجل
والذكر على الغفلة ويكون نفسه في الدنيا وقلبه في الآخرة ثم في جميع ما سواه (تع) حتى في نفسه
وعنه (ع) الزهد مفتاح باب الآخرة والبراءة من النار وهو تركك كل شئ يشغلك عن الله من غير
تأسف على فوتها ولا اعجاب بتركها ولا انتظار فرح منها وطلب محمدة عليها ولا عوض لها بل ترى
فوتها راحة وكونها آفة وتكون أبدا هاربا من الآفة معتصما بالراحة وأما درجاته باعتبار
ما يعرضه من الحكم الشرعي فأدناها الفرض وهو أن يزهد في الحرام خاصة وهو زهد العدول
ثم السنة وهو الزهد فيما يرجح تركه ولم يثبت تحريمه من الشبهة والمكروه وهو زهد المتقين وإليه
أشار بعض السلف بقوله الزهد التقوى ثم النقل بمعنى أخص من السنة وهو في فضول المباح وإليه
الإشارة بقول أبي عبد الله (ع) وقد سئل عن الزاهد في الدنيا الذي يترك حلالها مخافة حسابه ويترك
حرامها مخافة عذابه ونزلها في الحقايق على ثلاث أيضا الفرص كما هنا والسلامة في الشبهات والنفل
في الحلال وهو الموافق للاحياء والدرجات العالية قد تتصادق فإن عدم الاعتبار بالزهد في جميع
ما سواه لرفع الالتفات إليه نفل بالوجهين إلا أن تحديد فضول المباح التي يقع فيها الزهد و
هي التنعمات المستلذة بالمباحات التي يمكن الغنى عنها وكذا ضبط مقدار الضرورة في كل شئ على
التعيين حتى يحكم على الزايد بأن القصد إليه ينافي الزهد متعذر ولاختلاف الأشخاص والأحوال
في ذلك مدخل عظيم وكذا لاختلاف النيات والقصود في تعاور الأحكام المختلفة والالتحاق تارة
بالدنيا المزهودة وأخرى بالآخرة المرغوبة كما مرت الإشارة إليه فمما ينافيه ويخرج عنه القصد
إلى الكسب للذة وإن كانت مباحة فإنها من الدنيا دون ما إذا قصد فيه العدة على العبادة وإن
حصلت اللذة بالتبع فإنها حينئذ معدودة من الآخرة كما سبق وكذا يخرج عنه الادخار إن
زاد المدخور على قوت السنة له ولعياله بحسب حاله دون ما لم يزد كما مر من حال سلمان وعن الرضا (ع)
أن الانسان إذا ادخر طعام سنة خف ظهره واستراح وكان أبو جعفر وأبو عبد الله لا يشتريان
عقدة حتى يحرزا طعام سنتهما ويتأكد الرخصة في المعيل والمنع في غيره إلا لمن لا يكسب بعمل ولا
62

عقار ولا راتب ولا يأخذ شيئا من الأيدي فإن الادخار الزايد لا يخرجه عن الزهد إلا أنه يخرجه عن
التوكل ولا يخلو عن مخاطرة الانجرار إلى الأنس بالدنيا ومع ذلك فهو أولى من وجه من التفريق
المحوج إلى الأخذ من الأيدي والسالك الحذر يتحفظ في كل مقام على ما يأمن به الآفة ولا يوسع على نفسه
بعلة الضرورة والحاجة فإن حدودها متشابهة وقليل الدنيا يجر إلى كثيرها والنفس أمارة بالسوء
تابعة للرخص والتسهيلات ومن حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه فالأولى المبالغة في التشديد و
التضييق على النفس وافحامها فيما يتسلل إليه بالخدايع تحاميا عن الأنس بالدنيا الموجب لحبها و
طول الأمل وعن طول المكث للحساب وطول الحبس عن الجنة لتفريغه فإن الانتظار خمسمائة عام كما مر
من أشد العذاب واللوم والتغيير بسبب الاختيار اللذات اليسيرة الفانية على السعادات الجليلة
الدائمة والحرمان عن الدرجات العالية المعدة للزاهدين عوضا عما فاتهم من زهائد الدنيا المنغصة
الملعونة فورد في الحديث النبوي الدنيا ملعونة ملعون ما فيها الأمان لله منها والمستثنى فيه هو
البلاغ المقاسم للملعونة في حديث حب الدنيا المتقدم
باب السخاء وهو من منشعبات الزهد و
ضده البخل من منشعبات الشح المطاع أو حب الدنيا وأجود ما يقال في رسمه أن يعطى أي يصرف ما
يجب صرفه من الأعيان والمنافع في محله اللائق شرعا ومروة عن طيب نفسه ففيه قيود أ اعطاء
الواجب فمانع الواجب ليس سخيا وإن تبرع بالنوافل سواء منع الواجب الشرعي كالذي يضن بالزكاة
الواجبة ويبني المساجد أو العرفي كالذي يضايق في اليسير الذي لا يستقصى فيه ويتكرم بالعطايا و
الصلات الجزيلة بل كلاهما بخيلان ومانع الواجب الشرعي أبخل إذ يستحق الذم والعقاب جميعا بخلاف
مانع العرفي ب رعاية المحل فمن وضع زكاته في غير المستحق أو صرف بره ومروته عن أقاربه وجيرانه
المحاويج إلى الأغنياء الذين لا تجمعه وإياهم رابطة لا يوصف بالسخاء المحمود بل هو مبذر ج أن يجمع بين
الواجبين كما في الحديث النبوي ليس بالبخيل الذي يؤدي الزكاة المفروضة في ماله ويعطي النائبة في قومه
فالمقتصر على أحدهما بخيل وربما يطلق السخاء على مجرد اعطاء الواجب الشرعي والبخل على منعه كما في حديث
أبي عبد الله (ع) وسئل ما حد السخاء فقال تخرج من مالك الحق الذي أوجبه الله عليك فتضعه في موضعه
وعن أبي الحسن (ع) البخيل من بخل بما افترض الله عليه إلا أن يعمم في الايجاب والافتراض د أن يكون ذلك
عن طيب النفس فإن المعطي عن كراهة متسخي لا سخي كما سيأتي وجدواه أمور دينية ودنيوية وكلها راجعة إلى
جلب منافع ودفع مضار إلا أنها في كلام المصنف مشوشة الترتيب وهي الابتلاء في حبه (تع) الباعث على امتثال
أمره في أنفاق المال المحبوب وترك الدنيا فعن أبي عبد الله (ع) في حديث إنما وضعت الزكاة اختيارا
للأغنياء وأن أحب الناس إلى الله أسخاهم كفا وأسخى الناس من أدى زكاة ماله ومعنى الابتلاء في أمثاله
ظهور المراتب فيه في الخارج بحسب اختلاف الناس في الملكة الباطنة وتنقية الباطن عن ذميمة البخل فإن
وجود أحد الضدين ينفي وجود الآخر وتحليته بالشكر فإن صرف النعمة في مصرفها اللائق من جملة
الشكر كما يأتي وعن الرضا (ع) فيما كتبه لمحمد بن سنان أن اخراج الزكاة من أداء شكر نعم الله عز وجل
وفي الصحيح عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله (ع) هل للشكر حد إذا فعله العبد كان شاكرا قال نعم قلت ما هو
يحمد الله على كل نعمة عليه في أهل ومال وإن كان فيما أنعم عليه في ماله حق أداه الحديث والقرب من الله (تع)
والناس والجنة فعن أبي الحسن (ع) السخي قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة والبعد من النار
فعن النبي (ص) أنه قال لبعض جلسائه ألا أخبرك بشئ يقرب من الله ويقرب من الجنة ويبعد من النار
فقال بلى فقال عليك بالسخاء الحديث واستحقاق المحبة من الله فعن أبي جعفر (ع) شاب سخي مرهق
للذنوب أحب إلى الله من شيخ عابد بخيل ومن أهل السماوات والأرضين فعن النبي صلى الله عليه وآله السخي محبب
في السماوات محبب في الأرض والبخيل مبغض في السماوات مبغض في الأرض وتحصيل الأخوة بصيغة المصدر
أو الجمع والأول أقرب لفظا والثاني معنى والفتوة بالكرامات اللائقة مثل الضيافة فإن الله يحب
اطعام الطعام والهدية فإنها مفتاح المحبة والإعانة قرضا أو تبرعا ولو للأغنياء ودفع الغيبة
والعداوة والهجاء ببذله للشعراء والسفهاء والطامعين وقطع ألسنتهم وتطييب نفوسهم به فإن
خير المال ما صين به العرض وأفضل الفعال صيانة العرض بالمال وما وقى المسلم به عرضه يكتب له صدقة
والاستخدام بالاستيجار وشراء الرقيق لتدبير أمور المعاش ونظم أسبابه التي لو تولتها الانسان بنفسه
ضاق وقته واشتغل قلبه عن العبادات العلمية والعملية فلا بد له لتفريغ القلب والوقت في الجملة لأداء
العبادة من أن يسخو بشئ من المال ببذله لأهل الخدمة عوضا عما يكفونه منها وابقاء الذكر الجميل
وتحصيل بركة الدعاء الصالح والثواب الجزيل بعد الموت في أوقات متمادية في الخيرات العامة
والصدقات الجارية نحو بناء المسجد والجسر والرباط ودار المرضى والمدرسة ووقف كتب العلم
والحوض والبئر سيما في البراري المقفرة إلى غير ذلك مما لا يحصى أفراده ولا ثوابه وفي الحديث إذا
مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ولد صالح يستغفر له أو ورقة علم ينتفع به من بعده أو صدقة
جارية وحصول ملكة السخاء في النفس ربما يكون غريزيا موهبة من الله في النفوس المجبولة على الخير
وربما يكون كسبيا لا يتأتى إلا بالعلاج والتحصيل ويحصل برفع المانع وإيجاد المقتضي والمانع إما
من طرف التفريط أو من طرف الافراط وعلاج كل بقلع سببه فيرفع الأول بقلع أسباب الحرص هكذا فيما
وجدناه من النسخ والصواب البخل لأنه المانع وإن كان بعض المعدودات من أسباب الحرص أيضا كحب عين
المال لنفسه لا للتوصل به إلى مقصد فإن من الناس من معه من المال ما يعلم أنه يزيد على كفايته مدة عمره المديد
إذا اقتصر على ما جرت عادته بنفقته أضعافا مضاعفة ولا تسمح نفسه باخراج الزكاة ولو علم أنه يموت غدا
ولا بمداواة نفسه عند المرض بل صار محبا للمال عاشقا له يلتذ بوجوده في يده فيكنزه تحت الأرض وهو
63

يعلم أنه يموت فيضيع أو يأخذ أعداؤه وهو مرض مزمن لا يرجى برؤه جبليا أو عرضيا وأكثر ما يعرض
للطاعنين في السن وكذا حب الشهوات التي لا وصول إليها إلا بالمال فيمسكه حذرا عن فواتها بفواته
وهذا يعالج بالقناعة وحبس النفس عن الشهوات وكذا طول الأمل وخوف حدوث الفقر بالحوادث
المحتملة وقلة الوثوق بمجئ الرزق في المستقبل فيحتاط بإمساك ما في يده في الحال وهذا لو فرض علمه
بأنه يموت غدا مثلا ربما كان لا يبخل وقد يقوم هم الولد مقام طول الأمل فيقدر بقائه كبقاء
نفسه ويبخل لأجله فورد في الحديث النبوي الولد مبخلة مجبنة محزنة بصبغة الآلة أو اسم المكان
تجوزا في الجميع وعلاج طول الأمل ما يأتي في باب قصره وعلاج قلة الوثوق في باب التوكل
ويعالج هم الولد بالالتفات إلى أن الذي خلقه خلق معه رزقه وكم من ولد لم يرث من أبيه
مالا وحاله أحسن ممن ورث وأنه يجمع المال لولده يريد أن يترك ولده بخير وينقلب هو إلى
شر وأن ولده إن كان تقيا سعيدا فيكفيه الله وإن كان شقيا فيستعين بماله على المعصية فيكونان
قد شقيا جميعا وعن أمير المؤمنين (ع) إن لك مما في يدك من المال ما مهدت لنفسك فأثر نفسك
على صلاح ولدك فإنما أنت جامع لأحد رجلين أما رجل عمل فيه بطاعة الله فسعد بما شقيت
وأما رجل عمل بمعصية الله فشقي بما سعيت وليس من هذين أحد بأهل أن تؤثره على نفسك
ولا تبرد له على ظهرك فارج لمن مضى رحمة الله وثق لمن بقي برزق الله وأما من طرف الافراط
فهو العدوان والخروج عن القصد في النفقة اللازمة له ولعياله بحيث لا يفضل من مكسبه ما
يصرفه في المحاسن التي بها تكتسب فضيلة السخاء وهذا يرفع بالتوسط في النفقات والتنزل عن
المؤنة المعتادة إلى الحد اللائق وهو القصد لتبقي له بقية يمكنه بها الاتيان بهذه المزية المحمودة
وربما تكون نفقته متوسطة غير بالغة حد العدوان بل مقصورة على الحد اللائق بحاله ومروته
لكن مكسبه يكون قاصرا عن الزيادة فيفوته السخاء لا من حيث زيادة النفقة بل من حيث عدم
زيادة الكسب عنها ويرفع هذا بمعرفة عز القناعة والتنزل عن حد القصد إليها فيجتزئ بأي طعام
كان ويقلل من الإدام ما أمكن ويوطن عياله على ذلك من غير إجحاف بهم ابقاء لما يندرج به في سلك
الأسخياء الذين حالهم ما عرفت وأما ايجاد المقتضي فبأمور علمية وعملية أحدها وهو مما ينفع في
دفع المانع أيضا التأمل في ذم البخيل ومدح السخي عند أولي الألباب وأصحاب العقول الرزينة وما
ورد فيهما في الكتاب والسنة مما ذكر وغيره قال الله (تع) لا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو
خير لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة وفي الحديث السخاء شجرة تنبت في الجنة فلا يلج
الجنة إلا سخي والبخل شجرة تنبت في النار فلا يدخل النار إلا بخيل والتأمل في أحوال الأنبياء والأولياء
من حيث اتصافهم بالسخاء وتنزههم عن البخل مع قلة ذات يدهم وضيق معاشهم أو من حيث التوسط في
النفقة أو القناعة فيها ايثارا للسخاء أو اسباغا فيه واختيار التشبه بهم لا بالمتنعمين البخلاء من
الكفار والحمقى فإنهم أهل التنعم الدنيوي غالبا كما هو المشاهد وثانيها التسخي بأن يكره نفسه على
البذل ومفارقة المال تكلفا بل لو رماه في الماء كان أولى به من وجه من إمساكه مع الحب له ومن
لطايف الحيل فيه خداع النفس بالصيت وحسن الاسم والاشتهار بالسخاء وتوقع المكافاة بالمدح
وغيره فيبذل على قصد الرياء حتى تسامح نفسه بالبذل طمعا في حشمة الجود فيكون قد أزال عن نفسه خبث
البخل واكتسب خبث الرياء ثم إزالة الرياء بعد الاعتياد بالجود بما يأتي في باب الاخلاص ويكون طلب
الاسم كالتسلية للنفس عند فطامها عن المال كما قد يسلى الصبي عند الفطام عن الثدي باللعب بالعصافير لا ليخلي واللعب ولكن لينتقل عن الثدي إليه ثم ينقل عنه إلى غيره فكذلك هذه الصفات الخبيثة
ينبغي أن يسلط بعضها على بعض ويدفع بعضها ببعض ومثاله ما يقال إن الميت يستحيل جميع أجزائه
دودا ثم يأكل بعض الديدان بعضا حتى يقل عددها وتكبر الباقيات ثم يأكل بعضها البعض حتى يرجع
إلى اثنين قويين عظيمين ثم لا يزالان يتقابلان إلى أن يغلب أحدهما الآخر فيأكله ويسمن به ثم لا
يزال يبقى وحده جائعا إلى أن يموت وثالثها كثرة ذكر الموت فإنه مما يقصر الأمل ويوحش عن الدنيا
والاعتبار بالسالفين وطول تعبهم في جمع المال وضياعه بعدهم وعدم انتفاع أولادهم به خصوصا
إذا كانوا من أقرانه وأوليائه فإنه أنجع ومن الحيل في تذكر الموت زيارة القبور سيما من الأحباب وهذه
كما تميت البخل وتحرك إلى السخاء كذلك تميت الحرص وتحرك إلى عز القناعة والأصل فيه الصبر لتتوقف النفس
من شهواتها وقصر الأمل لأن في تطويله تكثيرا للاحتمالات المفقرة الداعية إلى البخل وكلما قصر قلت
والعلم بآفات المال الدينية والدنيوية وهي زيادة على ما ذكر في باب الفقر الافضاء إلى المهلكات كالكبر و
الكذب والعداوة وحب الدنيا واقتحام الشبهة في المأخذ والمصرف والحاجة إلى الناس فإن الناس أحوجهم
إليه والشغل عن الطاعة قبل حصوله وبعده بالكسب والحفظ والاستمناء ودفع الحساد واسترضاء الخصوم
مع احتمال المشاق البدنية والنفسانية ومقاسات الأخطار والأهوال في القفار والبحار وغير ذلك مما لا
يحصى والقانع في سلامة من جميع ذلك واعلم أن المصنف (ره) في باب ذمائم القلب اعتبر السخا ضدا
للبخل والسرف جميعا إشارة إلى أنه الاقتصاد بينهما وقد عد في أحاديث الجنود ضدا للبخل كما قدمنا وهو
المناسب للرسم فيندرج فيه كثير من المفهومات المتشاركة في مضادة البخل أعني إمساك ما يجب بذله وإن
كانت متفارقة من وجوه أخر مقتضية لأن يوضع لكل منها اسم مخصوص ويحكم عليه بما يناسبه من
مدح أو ذم وربما قيل في بعضها بالترادف وهي الجود والكرم والايثار والتبذير والاسراف والتسخي و
المروة وبيان ذلك من الفوائد المناسبة للباب فالسخاوة تفارق الجود بأنه بذل قبل السئول بخلافها
فإنها بعده فيتفارقان كليا أو قد تكون بعده فهو أخص مطلقا وقيل هو الصفة الذاتية وهي المكتسبة
64

أو أعم منهما فهو أبلغ منها أو أبلغها ومن ثم يوصف (تع) بالجود دون السخاوة لأنه المبتدئ بالنعم قبل السئول
بالذات وقيل إنهما مترادفان وعليه يحمل ما في بعض الأدعية المأثورة من وصفه سبحانه بها والكرم
بأنه أبلغ أما في الواجب العرفي ففي الكم والكيف جميعا وأما في الشرعي ففي الكيف فقط إذ لا يعقل المبالغة
في مقداره وقد اعتبره المصنف ثمة ضدا للشح المطاع وقيل بالترادف أيضا والايثار بأنه بذل مع الاحتياج إلى المبذول فهو أخص أيضا لأنه مرتبتها العالية حيث إن المؤثر يبذل لغيره ما يحتاج إليه نفسه
وبإزائها في مراتب البخل مرتبة من يبخل على نفسه مع الحاجة فكم من بخيل يمسك المال ويمرض فلا يتداوي
ويشتهي الشهوة فلا يمنعه منها إلا البخل بالثمن ولو وجدها مجانا لأكلها لكنه خارج عن الرسم لأن بذل
المحتاج إليه غير واجب شرعا ولا مروة فيتباينان أيضا وكيف كان فهو الأفضل فهو من ثلاث خصال يستكمل
بها الايمان روى ذلك صاحب الاحياء مرسلا قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا يستكمل العبد الايمان حتى يكون
فيه ثلاث خصال الانفاق من الاقتار والانصاف من نفسه وبذل السلام وفي حديث الوصية ثلاث
من حقايق الايمان الانفاق من الاقتار وانصافك الناس من نفسك وبذل العلم للمتعلم وورد
في معرض المدح ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة والمروي في شأن النزول أنه جاء رجل
إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فشكى إليه الجوع فبعث إلى بيوت أزواجه فقالوا ما عندنا إلا الماء فقال رسول
الله صلى الله عليه وآله من لهذا الرجل الليلة فقال علي بن أبي طالب (ع) أنا له يا رسول الله وأتى فاطمة فقال لها ما عندك
يا بنة رسول الله فقالت ما عندنا إلا قوت العشية لكنا نؤثر قوتنا ضيفنا فقال (ع) يا بنة محمد صلى الله عليه وآله
نومي الصبية وأطفئ المصباح فلما أصبح علي (ع) غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يبرح حتى أنزل الله ويؤثرون
الآية والتبذير بأنه بذل حيث يجب الامساك فالنسبة بينهما عموم من وجه وهو حرام فورد ولا
تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ومثله الاسراف وإن كان دونه وكلاهما من
الفواحش لكن البخل أفحش منهما كما تقدمت الإشارة إليه والتسخي بأنه بذل مع الكراهة والتكلف كما
علمت فيتباينان والمروة بأنها تنزيه النفس عن الدناءات التي لا تليق بأمثاله في الماليات وغيرها مثل
ترك المضايقة بالمحقرات التي ليس من شأنها المضايقة فيها والأكل في الأسواق أو لبس الفقيه لباس الجندي
ونحوها والداخل في السخاء واجبات القسم الأول لا غيره وهي تابعة للعادات الغالبة الجارية بين أمثاله و
أكفائه فتختلف باختلاف الأشخاص والأحوال في القابل والفاعل كالغني والفقير والقريب والأجنبي
والجار والأهل والضيف والحي والميت والشريف والوضيع والعالم والجاهل والرخاء والشدة والخصب
والجدب والحضر والسفر ونحوها فما يستقبح في أحدهم وفي بعض الأحوال ربما لا يستقبح في الآخر وفي
الأحوال الأخر وللاعطاء أيضا آداب يأتي ذكرها في باب مفردة
باب الرضا وهو غير المذكور في
باب الفقر وفي باب ذمائم القلب والمراد هنا ترك الاعتراض باللسان والسخط بالقلب فيما يتعاور عليه من
الأحوال المختلفة من قبل الله (تع) وهو من ملكات النفس المطمئنة ولا ينافيه تحصيل الأسباب
المباحة الظاهرة التي ترتبط المسببات بها بتقدير الله ومشيته ارتباطا مطردا مثل السعي الجميل في
طلب المطعوم والمشروب ومباشرة الأكل والشرب تخلصا من الجوع والعطش ولا الخفية مثل الدعاء
والتوسل بالأرواح المقدسة لاستنزال الخيرات وكشف الشدائد ونحوها خلافا لبعضهم في الأخير
استنادا إلى أن فيه رعاية لحظ النفس والراضي بمعزل عن ذلك وفيه أنه لا يعقل الفرق بين الدعاء
وغيره من الأسباب فإن من جملة الأسباب في حصول المقاصد الطلب والتضرع كما في المشاهد فكما أن
حمل الكوز وشرب الماء ليس مناقضا للرضا بقضاء الله في العطش بل مباشرة سبب رتبه مسبب
الأسباب فكذلك الدعاء سبب شرعه الله وأمر به في قوله ادعوني ونحوه واستعمله من الأنبياء و
الأولياء من يقطع بأن مرتبته فوق مقام الرضاء ومن فوايده خشوع القلب ورقة التضرع و
صفاء الباطن وهو مفتاح الكشف وسبب تواتر مزايا اللطف وفي تركه رائحة من مقاومة القهر
الإلهي كما تقدم نظيره وقد روي بعدة طرق معتبرة في تفسير قوله (تع) إن الذين يستكبرون عن عبادتي
سيدخلون جهنم داخرين إن العبادة هو الدعاء وأفضل العبادة الدعاء وأنه ما من شئ أفضل عند
الله عز وجل من أن يسأل ويطلب ما عنده وما أحد أبغض إلى الله عز وجل ممن يستكبر عن عبادته
ولا يسأل وعن أمير المؤمنين (ع) أحب الأعمال إلى الله عز وجل في الأرض الدعاء وعن أبي عبد الله (ع)
عليكم بالدعاء فإنكم لا تتقربون بمثله ومن وظائف الداعي أن يهمل حظ النفس بل يقصد امتثال
أمر ربه والتأسي بأنبيائه وأوليائه وأنه لولا أمره (تع) لما اجترئ على التعرض لمخالفة قضائه وهذا
غير خارج عن الرضا ومن علامته أنه إذا لم يجب لم يتألم من ذلك من حيث عدم إجابته لجواز
أن يكون المدعو به مشتملا على مفسدة لا يعلمها إلا الله ومن ثم كان من تمام الأدب أن
يقرنه بشرط الصلاح الشرعي سواء تلفظ به باللسان أو اكتفى باشتراطه قلبا وبما ذكرناه ظهر الوجه
في تخصيص الدعاء بالذكر مع أنه من جملة الأسباب وجدواه في الحال فراغ القلب للعبادة فإن المتسخط
مشغول القلب والراحة من الهموم المتعبة بتجاذبها والموطن نفسه على الرضا بكل ما يسنح في أمن
منها وعن التورية يا ابن آدم إن رضيت بما قسمت لك أرحت قلبك وبدنك وأنت محمود وإن لم
ترض به سلطت عليك الدنيا حتى تركض فيها ركض الوحش في البرية ثم لا تنال إلا ما قدرت
لك وأنت مذموم وفي المال رضوان الله (تع) كما قال سبحانه رضي الله عنهم ورضوا عنه وهو أحد الشرطين
في النجاة من غضبه فقد قال سبحانه في الحديث القدسي من لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي فليطلب
ربا سواي وفيه قدرت المقادير ودبرت التدبير وأحكمت الصنع فمن رضي فله الرضا مني حتى
يلقاني ومن سخط فله السخط مني حتى يلقاني وعن السجاد (ع) الصبر والرضا عن الله رأس
65

طاعة الله وهو فوق الصبر كما مر وقد تقدم بعض الأخبار فيه والطريق إليه أن يعلم بالنظر
أن ما أصابه فهو من جملة ما قضى الله له وكل ما قضى الله له فهو الأصلح بحاله في الحال أو في المال
أو فيهما جميعا فإن الله لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم كما سبق وإن لم يبلغ علمه بسره كالصبي الذي
يحميه والده الحاذق الشفيق عن بعض مشتهياته ويذيقه حر الكي وألم الختان شفقة عليه و
استصلاحا لشأنه وأن يعلم أن ما قضى الله لا مدخل للهم والاعتراض والسخط فيه ولا يتبدل القضاء
به فإن ما قدر يكون لا محالة وما لم يقدر لم يكن كما دلت عليه أدلة العقل والنقل وحسرة الماضي و
تدبير الآتي على وجه ينافي الرضا يذهبان ببركة الوقت وثواب الرضا بلا فائدة وتبقى تبعة السخط
عليه وعن أبي جعفر (ع) من رضي بالقضاء أتى عليه القضاء وعظم الله أجره ومن سخط القضاء مضى عليه
القضاء وأحبط الله أجره فإن قلت المتصور في المصائب والشدايد الصبر دون الرضا فإن الرضا
بما يخالف الهوى مما لا تقبله العقول ولا نفقه كثيرا مما تقول قلت بل ينبغي أن تتلقاه بالقبول وقد
سبقك إلى هذه الشبهة من أتى من ناحية انكار المحبة فأما إذا ثبت تصور الحب لله (تع) واستغراق
الهم به جل جلاله فظاهر أن الحب يورث رضا المحب بأفعال الحبيب ويكون ذلك على وجهين أحدهما
وهو الأعلى أن يدهشه غلبة الحب عن الإحساس بالألم حتى يجري إليه المؤلم ولا يشعر به كما يعرض هذا
الحال للعاشق المستولي على قلبه سلطان الحب فإنه ينبهر به عن الشعور بما يصيبه من الآلام كما
أخبر الله عن حال النسوة اللاتي قطعن أيديهن عند الاستهتار بمشاهدة جمال يوسف (ع) وعن
سمنون المحب قال كان في جيراننا رجل له جارية يحبها غاية الحب فاعتلت الجارية وكان الرجل يعللها
فنصب القدر يوما ليصلح لها طعاما وكان يسوط ما في القدر بملعقة في يده إذ أنت الجارية
فدهش الرجل وسقطت الملعقة من يده وجعل يسوط القدر بيده حتى تساقطت أصابعه و
هو لا يعقل وإذا كان يصدق بهذا وأمثاله في عشق الصور الجميلة بما فيها فالتصديق به في عشق
الجمال المطلق لمن أنكشف شئ له أولى خصوصا إذا كان المؤلم من جهة المعشوق فإنه أعذب والرضا
به أبرد على الفؤاد وأطيب وقد تقدم كلام سهل ضرب الحبيب لا يوجع وكذا الحريص على تحصيل
شئ من المقاصد الجزئية الدنيوية ربما يصيبه أنواع الأذى في طلبه وهو لا يحس بها وانكار ذلك
مكابرة وكلما كان المقصود أعظم وعلاقة القلب به أتم كان احتمال المشاق في تحصيله أسهل و
القلب عن ادراكها أذهل وهو تعالى غاية المقاصد وأن إلى ربك المنتهى والأصل في ذلك ما
سبق في باب الصبر أن استهتار النفس بشئ كائنا ما كان يشغلها عن غيره كائنا ما كان و
كلما كان الاستهتار أكثر وأقوى كان الاشتغال أكمل وأوفى والآخر أن يحس به ويدرك شدة
ألمه لكن يهون عليه العلم بجزالة الثواب الموعود عليه الشدة لأنه أعظم فيرضى به بل يرغب إليه بعقله
وإن كرهه بطبعه كما يتفق للمريض والتاجر المتحملين بالرغبة والطلب شدة الحجامة والسفر مع ادراكها
والاحساس بها شوقا إلى ما يأملانه من نعيم العافية وعظيم الربح فهذه حالة الراضي فيما يجري
عليه من الألم ثقة بثواب الله فيفوض أمره إلى الله إن الله بصير بالعباد كما يفوض الصبي الموفق
أمره إلى الوالد الشفيق متوكلا عليه فيما يسوسه به ويصرفه عنه وإليه يقينا برأفته وكرامته فإن
الرضا والتوكل متتاخمان وقد يغلب الحب بحيث لا يلاحظ الثواب الذي يجازي به عليه بل يكون حظ
المحب في مراد الحبيب ورضاه لا لمعنى آخر وراءه فيكون مراد حبيبه ورضاه محبوبا عنده مطلوبا
لديه وكل ذلك موجود في المشاهدات في حب الخلق وقد تواصفها المتواصفون في نظمهم ونثرهم وهذا أحد
الوجوه في قول من قال المجاز قنطرة الحقيقة
باب الشكر وهو كغيره من المقامات الدينية ينتظم من
علم هو كالأصل وحال هو كالشجرة وعمل هو كالثمرة فالعلم هو عرفان النعمة من المنعم والحال هو
الفرح به من غير بطر والعمل هو القيام بما هو مقصود المنعم ومحبوبه وهو استعمالها في طاعته ورضاه فمن
عرف أن النعم كلها من الله وأنه هو المنعم الحقيقي والوسائط مسخرون من جهته كالآلات وفرح بما
يصل إليه منها مع هيئة الخضوع والتواضع وتوصل بها إلى التقرب إليه والتعرض لمراضيه والتجنب عن
مساخطه ومناهيه فهو شكور فإن كان فرحه بها من حيث إنها وسيلة له إلى القرب منه (تع) والزلفى
لديه وعلامته أن يكون فرحه من الدنيا بما كان مزرعة الآخرة فهذا غاية الشكر ومثال ذلك من أنعم عليه الملك بفرس فربما يكون فرحه بالفرس من حيث إنه مال حصل له مثل ما لو كان قد حصل له
هذا المقدار من المال من غير جهة الملك وهذا أدون المراتب وربما يكون فرحه بفرس الملك أعظم
من حيث إنها عطية الملك وعلامة العناية به وهذه فوق الأولى والأعلى أن يكون فرحه بها من حيث إنه يسرع بركوبها في تقديم خدمات الملك والسعي في امتثال أوامره ويتسهل له بها مرافقته في الأسفار
وإذا خرج للاصطياد ونحوه فيدوم له الاحتظاء بالصحبة والانخراط في سلك المقربين فيترشح
بذلك لمرتبة أخرى من الكرامة فوق عطاء الفرس لما يعلمه من سبوغ عطايا الملك وكرم أخلاقه
ومن استعمل النعمة في المعصية فقد كفرها نظير ما لو ركب الفرس فأبق بها عن باب الملك المنعم إلى
باب عدوه وجدواه استدامة النعمة ففي المشهور بالشكر تدوم النعم واستزادتها فعن أبي عبد الله (ع)
من أعطى الشكر أعطي الزيادة قال الله (تع) ولئن شكرتم لأزيدنكم وعنه (ع) ما أنعم الله على عبد من نعمة
فعرفها بقلبه وحمد الله ظاهرا بلسانه فتم كلامه حتى يؤمر له بالمزيد وهي أما دنيوية كالخلقة السوية
الظاهرة والباطنة وتسهيل الملاذ الشهية المباحة وصرف أنواع المفاسد والمضار الممكنة في كل آن
وتقريب المصالح والمنافع مما لو عمر الواحد عمر نوح وأراد علاج أدنى شئ منها بسعيه وقوته لتعذر
عليه وأما دينية كالاسلام ومعرفة الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم على وجهها وهي الايمان و
66

التوفيق على الطاعة بتهيئة أسبابها والعصمة عن المعصية بالتثبيط عنها وهي وإن كانت أحوالا
دنيوية لأنها قبل الموت وربما تشتمل على حظوظ عاجلة أيضا إلا أن الغالب فيها حظ الدين فمن ثم تنسب
إليه وهي أعظم من الدنيوية المحضة لأنها نعم في أنفسها ومباد لنعم أخرى دائمة لايصالها إلى السعادة
الأبدية من اللذات العقلية والحسية التي لا نهاية لها والانجاء عن الشقاوة السرمدية وهي الآلام
كذلك والمراد بالسرمد هنا ما يرادف الأبد وإن أريد به في غيره ما يعمه والأزل وأما قوله سبحانه
خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض فإما أن يراد سماوات الآخرة وأرضها أو هو كناية عن الدوام
والتأبيد في كلام العرب والقرآن نزل بلغتهم وفي الحديث النبوي وأحاديث أهل البيت صلوات
الله عليهم أنه إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار جئ بالموت كأنه كبش أملح فيذبح ثم
يقال خلود فلا موت أبدا وما يتوهم من أن في القول بتأبيد أهل الآخرة منافاة لما ورد من أنه
سبحانه هو الباقي والآخر وكل شئ هالك إلا وجهه ونحو ذلك مما يدل على اختصاص البقاء الأبدي به (تع)
فيجب حمل ما يدل به على التأييد على المكث المديد فمدفوع بأن المعلوم اختصاصه به عز وجل هو البقاء
الذاتي ولا ينافي ذلك بقاء غيره بالغير وقد يترائى أن القول ببقائهم ملتذين أو متألمين إنما
يستقيم في الأرواح المجردة بلذاتها وآلامها العقلية دون الأبدان ولذاتها وآلامها الحسية
لأن القوى الجسمانية متناهية فلا يعقل خلود الحياة ولمثل هذا يقال بوجوب الموت في الدنيا
وأيضا الرطوبة التي هي مادة الحياة تفنى بالحرارة سيما حرارة نار جهنم فيفضي إلى الفناء ضرورة
وأيضا دوام الاحراق مع بقاء الحياة خروج عن قضية العقل وكل ذلك من باب قياس الغائب
على الشاهد في غير محله فإن لاختلاف النشأة أثرا بينا في اختلاف أحكامها ولا يمتنع أن تكون
الرطوبة الأصلية التي هي مادة الحياة محفوظة عن الفناء بحفظ القادر المختار وإنما المتحلل بالحرارة ما
عداها من الأجزاء الغريبة الغذائية أو تكون هذه الأجزاء فيهم قائمة مقام الأجزاء الأصلية في
قوام البنية كما هو ظاهر قوله (تع) كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها وبالجملة فليس هذا مما
يصغى فيه إلى تشكيكات المتشككين وقد نقل عليه اجماع المليين وأما ما ورد في بعض شواذ
الأخبار من أنه يأتي على جهنم حين تصطفق أبوابها فمعارض بظواهر الكتاب والسنة المتواترة
وقد ورد من طريق أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) انكاره قال لا والله إنه الخلود على أنه أخص من المدعى
وهذا كلام وقع في البين واشتراك الكفار في النعم الدنيوية مما يختص به الأبرار أجل واغتنام
الأبرار زوال ما لا يهم منها لأنها مظنة الشغل عما هو أهم منها كما تقدم ومن ثم إذا رأوا الدنيا
مقبلة قالوا ذنب عجلت عقوبته وإذا رأوا الفقر مقبلا قالوا مرحبا بشعار الصالحين وهذا التقسيم
للنعمة إنما هو لجنسها العام ويندرج تحت كل من النوعين أنواع جزئية كثيرة وتحت كل منها أصناف
شتى وتحت كل منها أفراد كثيرة وطلب الاحصاء لجميعها توقع المحال كما قال الله عز وجل وإن تعدوا
نعمة الله لا تحصوها وإذا تأمل المتأمل في قرصة واحدة يتناولها وهي من مبتذلات النعم وما اجتمع
فيها من الأجزاء العنصرية ثم ما عمل فيها من الأرض والماء والريح والحرارة المنضجة والسحاب والمطر و
الظل وأضواء الكواكب والملائكة المدبرة لها وأيدي البشر العاملين عليها بالحرث والنثر والسقي
والتربية والحصاد والتنقية والطحن والعجن والخبز وتهيئة آلات ذلك كله من الخشب والحديد والرباط
والحيوان والإرادة المحركة لذلك الموقوفة على الادراك وخلق آلات الإرادة والادراك والتناول و
صرف الموانع ثم في آلات الأكل والاغتذاء من الفم والأسنان والحلق والأمعاء والمعدة والكبد
والطحال والرية والصفاقات والشرايين والأوردة وسائر العروق والقوى المودعة فيها وغير
ذلك لعد من أنواع النعم الجليلة فضلا عن آحادها ما يحار فيه عقله ويتقاصر دونه فهمه وفي
الحديث أن آدم (ع) لما هبط إلى الأرض احتاج إلى ألف عمل من أعمال اليد حتى صنع قرصة واحدة من
خبز ثم احتاج إلى عمل آخر وهو أن يصبر حتى تبرد ليأكلها فسبحان من لا يحصي نعمه العادون والطريق
إلى الشكر تحصيل المعرفة والتنبه لدقائق الأمور فإن النعم المتكررة يقل وقعها ويهون خطبها فيبقى
شكرها مغفولا عنه وفي المشهور نعمتان مجهولتان الصحة والأمان وإذا سلبت تبين فقدها فلو
أعيدت استعظمت وشكرت ومن ثمة ترى البصير لا يشكر نعمة البصر حتى إذا أصيبت عينه فعند ذلك
لو أعيدت عليه عرفها نعمة وشكرها وكذا روح الهوا والنسيم الطيب الذي به قوام الحياة والتنفس لا يعد
نعمة إلا بعد الابتلاء بمخنقة يشرف فيها على الهلاك فعند ذلك يعرف قدر تلك النعمة والقيام بواجب
شكرها ويحكى أن بعض المريدين شكى إلى شيخه الفقر وسوء الحال وكثرة اغتمامه بذلك فقال له أيسرك
أنك أعمى ولك عشرة آلاف درهم فقال لا قال أيسرك أنك أخرس ولك عشرة آلاف فقال لا قال أيسرك
أنك مجنون ولك عشرة آلاف فقال لا قال أيسرك أنك أقطع اليدين والرجلين ولك عشرون ألفا
قال لا قال أما تستحي أن تشكو مولاك وله عندك عروض بخمسين ألفا والتفكر في صنائعه (تع) وأن جميع
ما في الكون من العلويات والسفليات كلها مسخرة موقوفة لمرافق الانسان وجميعها نعم فائضة عليه وله
عليها الاستعلاء واليد هذا بالنسبة إلى النعم العامة ولا ينفك أحد من نعم مختصة يرى الأكثر خلوا
عنها وإن وجد الأقل أكمل فيها ومن ثمة ترى المغبوطين عند كل أحد أقل من غيرهم فينبغي للبصير النظر
إلى الأدنى في نعم الدنيا ليستعظم نعمة نفسه فيكتفي بها ويقوم بشكرها وإلى الأعلى في نعم الدين كالعلم و
العمل ليستحقر خصال نفسه فلا يعجب بها ويتحرك لطلب الزيادة وفي الحديث من نظر في الدنيا إلى من فوقه
وفي الدين إلى من دونه لم يكتبه الله لا صابرا ولا شاكرا وربما يلزم في الحال الواحد الصبر والشكر
جميعا فإن الشئ الواحد قد يتألم به من وجه ويفرح به من آخر كالكي وقطع العضو المؤف فيصبر ويشكر
67

في المصائب الدنيوية أما الصبر فظاهر وأما الشكر فعلى وجوه ستة أحدها أن لا يصيبه والصواب
لم يصبه أكبر منها إذ كل مصيبة وإن كانت عظيمة يتصور ما هو أكبر منها فإن مقدورات الله (تع)
غير متناهية فلو ضعفها الله وزاد عليه ماذا كان يردها ويحجزه فليشكر على عدم الزيادة وثانيها
أن لا تكون في الدين ومصائب الدنيا مما يتسلى عنها بأسباب تهونها بخلاف مصائب الدين إذ لا
سبيل إلى تخفيفها والسلوة عنها وعن سهل التستري أنه قال له رجل دخل اللص بيتي وأخذ جميع
متاعي فقال اشكر الله لو دخل الشيطان قلبك وأفسد التوحيد ما إذا كنت تصنع وهذا يمكن
ادراجه في الأول وثالثها أن تعجل عقوبته في الدنيا ولا تدخر للآخرة ففي المستفيضة من الطريقين
أن نكبات الدنيا ومصائبها كفارات الذنوب وأن المؤمن إذا أذنب ذنبا فأصابه شدة
أو بلاء فالله أكرم من أن يعاقبه مرة أخرى ورابعها أنها كانت مكتوبة عليه آتية لا محالة ففرغ
منها واستراح بقية عمره وخامسها أن ثوابها خير له مما فاته بها وعن أبي عبد الله (ع) لو يعلم المؤمن
ما له من الأجر في المصائب لتمني أنه قرض بالمقاريض وسادسها أنها تنقص من القلب حب
الدنيا فإن مواتاة النعم على وفق المراد من غير امتزاج ببلاء ومصيبة تورث طمأنينة القلب
إلى الدنيا وأنسه بها فيعظم بلاؤه عند الموت بسبب مفارقتها وإذا أفلقته المصائب انزعج قلبه
عنها ولم يسكن إليها بل صارت كالسجن عليه يحب الخلاص عنها والخروج منها ومن ثم ورد
الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر فهي في التحقيق نعم تستحق أن تشكر إذ لا تخلو عن تكفير الخطيئة
أو رياضة النفس أو رفع الدرجة فهي نظير مؤاخذة الصبي وتعذيبه بالتأديب والتعليم وكسر المعازف
والملاهي وأسباب اللعب استصلاحا لحاله وترشيحا له لمراتب الكمال
باب الرجاء والخوف و
يجمعهما تناسب التضاد وكلاهما توسط بين اليأس والأمن إلا أن الرجاء تفريطه اليأس وافراطه
الأمن والخوف بالعكس كما مر ومن ثم حسن ايرادهما في باب واحد وهما خاطران يردان على القلب
من دون تعمل للعبد فيهما فلا تكليف إلا في مقدماتهما وهي الأسباب الموصلة إليهما وكلما خطر بالبال
من مكروه أو محبوب فإما أن يكون موجودا فيما مضى من الزمان ويسمى الذكر والتذكر أو في الحال
ويسمى الوجد والذوق أو في المستقبل ويسمى الانتظار والتوقع فإن كان محبوبا عنده حصل
من انتظاره وتعلق القلب به واخطار وجوده بالبال نشاط وفرح وهو الرجاء فإن كان مكروها
حصل منه انقباض وغم وهو الخوف فالرجاء والخوف مبنيان على انتظار ما يستقبل فالمستغرق
بذكره (تع) المشاهد لجمال الحق على الدوام يفقدهما لكونه ابن الوقت الحاضر لا التفات له إلى
المستقبل لشغفه بوجده وذوقه قال صاحب الاصطلاحات الوقت ما حضرك في الحال فإن كان
من تصريف الحق فعليك الرضا والاستسلام حتى تكون بحكم الوقت لا تخطر ببالك غيره وإن
كان مما يتعلق بكسبك فالزم ما أهمك فيه لا تعلق بالك بالماضي والمستقبل فإن تدارك الماضي
تضييع للوقت وكذا الفكر فيما يستقبل فإنه عسى أن لا تبلغه وقد فاتك الوقت ولذا قيل الصوفي
ابن الوقت وفي كلام المولوي صوفي ابن الوقت
بأشد أي رفيق نيست فردا كفتن از شرط
طريق فابن الوقت ليس له خوف ولا رجاء بل صار حاله أعلى من الخوف والرجاء فإنهما زمانان
يمنعان النفس عن الخروج إلى رعوناتها وإلى هذا أشار من قال إذا ظهر الحق على السرائر لا يبقي
فضلة لرجاء ولا خوف وبالجملة فالعاشق الفائز بمواصلة المعشوق قد بلغ منتهى أمله ولم يبق
له رجاء وراء ذلك ولا شعور بالفراق حتى يخاف منه ومن هنا قيل إن المحب إذا شغل قلبه في مشاهدة
المحبوب بخوف الفراق كان ذلك نقصا في الشهود وإنما دوام الشهود غاية المقامات ولكن كلامنا في
أوائلها فالرجاء الفرح لانتظار محبوب متوقع وذلك المحبوب المتوقع لا بد وأن يكون له سبب
فإن حصل أكثر أسبابه يقينا فالأصدق عليه اسم الرجاء المحمود كتوقع الخير يوم الحصاد فمن ألقى بذرا
جيدا في أرض صالحة نقاها من الأشواك والأعشاب المفسدة وكرى أنهارها حتى يصلها الماء
ثم جلس منتظرا من فضل الله دفع الآفات والصواعق إلى أن يتم الزرع ويبلغ غايته فرجاء العبد
المغفرة أشبه شئ برجاء صاحب الزرع وأن الدنيا مزرعة الآخرة والقلب كالأرض والايمان
كالبذر والأخلاق الصالحة والطاعات جارية مجرى تنقية الأرض واصلاحها وحفر الأنهار
وسياقة الماء إليها والقلب المستهتر بالدنيا المستغرق بها كالأرض السبخة التي لا ينمي فيها البذر و
يوم القيامة يوم الحصاد فلا يحصد أحد إلا ما زرع ولا ينمي زرع إلا من بذر الايمان وقلما ينفع
ايمان مع خبث القلب وسوء أخلاقه كما لا ينمي بذر في أرض سبخة وإن فقد أكثر أسبابه يقينا
فهو من الرجاء المذموم وإلا صدق اسم الغرور والحماقة كما لو ألقى بذره في أرض غير صالحة لا تصلها
الماء يقينا وإن شك فيها فإلا صدق اسم التمني كما إذا صلحت الأرض ولكن لا ماء لها وأخذ ينتظر
مياه الأمطار حيث لا تغلب الأمطار ولا تمتنع أيضا فإذن اسم الرجاء لا يصدق إلا على انتظار محبوب
تمهدت جميع أسبابه الداخلة تحت اختيار العبد ولم يبق إلا ما لا يدخل تحت اختياره وهو فضل الله بصرف
القواطع والمفسدات وورد في ذلك قوله (تع) إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك
يرجون رحمة الله وقوله عز وجل فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون
سيغفر لنا وفي الحديث النبوي الأحمق من اتبع نفسه هويها وتمنى على الله وعن أبي عبد الله (ع) أنه قيل له
إن قوما من مواليك يلمون المعاصي ويقولون نرجو فقال كذبوا ليسوا لنا بموال أولئك قوم ترجحت
بهم الأماني من رجا شيئا عمل له ومن خاف شيئا هرب منه وعنه (ع) لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون
خائفا راجيا ولا يكون خائفا راجيا حتى يكون عاملا لما يخاف ويرجو والرجاء مما لا بد منه لكل مكلف
68

فهو الذي يبعث النفس على نوافل الطاعة وربما يبعثها على الفرائض أيضا ويهون عليها احتمال
المشقة فيها احتمال التاجر مشاق السفر رجاء للربح وضده القنوط وهو ضلال منهي عنه قال الله (تع)
في قصة ضيف إبراهيم لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون قالوا
بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون وقال عز وجل يا عبادي
الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا واليأس وهو ضده فيما
تقدم كفر قال الله (تع) في قصة يعقوب (ع) يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله
إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون وهما في اللغة بمعنى واحد إلا أن اقتفى ألفاظ الآيات
وقال في الحاشية قد تكرر القنوط واليأس في الأخبار مجتمعين مشعرا بتعددهما ولعل اليأس إنما يكون
في الأمور الدنيوية والقنوط في الأمور الأخروية كما يستفاد من موارد الآيات الثلاث أو يخص أحدهما بالثواب
والآخر بترك العقاب انتهى وفيه أن كون التبشير بالولد من الأمور الأخروية غير ظاهر بل الظاهر أنه
نظير آية اليأس والفرق الثاني غير واضح أيضا والظاهر الترادف واجتماعهما في بعض الأخبار مثل رواية
الأعمش المتقدمة في الكباير ليس بظاهر في الاشعار بالتعدد بل يحتمل الاشعار بالتغليظ كما لا يخفى والطريق
إليه لمن غلب عليه اليأس فترك العبادة أو الخوف فأسرف فيها حتى أضر بنفسه وبأهله ذكر سوابق فضله (تع)
على عباده من دون استحقاق ولا سئول ولا شفيع إذ مهد لهم مهاد الوجود وغذاهم بالكرم والجود وأعد
لهم كل ما يحتاجون إليه من الأعضاء والآلات وما لا يحتاجون إليه بل يحصل به مزيد زينة وجمال كاستقواس
الحاجبين وحمرة الشفتين وبلقة العينين وغير ذلك مما كان لا ينثلم بفقده غرض مقصود فالعناية
الإلهية إذا لم تقصر عن عباده في أمثال هذه الدقايق فكيف يرضى بسياقتهم إلى الهلاك المؤبد
وذكر ما وعد من جزيل ثوابه وسابغ غفرانه من دون استحقاق والتأمل فيما أنعم في الدنيا بما يمد
في الدارين من دون سئول فإذا كانت هذه مواهبه في الدنيا فالغالب أن أمر الآخرة كذلك أيضا
لأن مدبرهما واحد ولن نجد لسنة الله تبديلا وتتبع ما ورد في سعة الرحمة وسبقها الغضب و
إنها لتفيض يوم القيامة حتى أن إبليس ليرجو أن تشمله وفي النهي عن القنوط مثل قوله (تع) يا عبادي
الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله وفي الحث على حسن الظن بالله فعن الرضا (ع) أحسن
الظن بالله فإن الله (تع) يقول إنا عند ظن عبدي بي إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا وعن أبي جعفر (ع) قال وجدنا في
كتاب علي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال وهو على منبره لا يحسن ظن عبد مؤمن بالله إلا كان الله عند ظن عبده
المؤمن لأن الله كريم بيده الخيرات يستحي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظن ثم يخلف ظنه و
رجاءه فأحسنوا بالله الظن وارغبوا إليه والخوف الغم لانتظار مكروه متوقع الصدور عن أحد أمور
ثلاثة أما سوء الخاتمة عند الموت وهو أغلب مخاوف المتقين لأن الأمر فيه مخطر جدا بسبب أن الروح لشدة
اعتلاقها بالبدن وأنسها به طول الحياة تكره مفارقته كما في الحديث دخلت فيه كرها وخرجت منه
كرها فإذا رأت نفسها مغصوبة بالمفارقة فلقت واضطربت جدا فيقل حينئذ تفطنها لما يضرها مما
ينفعها اشتغالا بما بها ويرحب مجال الشيطان ومن ثم ورد الأمر بتلقين المحتضر الشهادتين وقراءة
القرآن ودعاء العديلة لافحام الشيطان وتذكيره بعقائد الدين لئلا تزل قدمه بعد ثبوتها فتنحل عقدة ايمانه
بما يلقى إليه من الوساوس التي ربما يذهل إذ ذاك عن التخلص منها فهذا أحد الأسباب في سوء الخاتمة وأيضا
ربما ينكشف له عند كشف الغطاء بطلان بعض ما تمرن عليه من الاعتقادات الدينية فيتلجلج ويسري الشك
إلى بقية اعتقاداته فإن اتفق زهوق روحه في هذه الخطرة قبل أن ينيب ويعود إلى أصل الايمان فالعياذ بالله
ونكاية هذا الخطر على أرباب الفطانة الناقصة أعظم والبله بمعزل عنه وهم أصحاب الايمان المجمل بكليات أمور
الديانة وظواهر الشرع وهذا سر ما ورد في الحديث أن أكثر أهل الجنة البله وأن البلاهة أقرب إلى السلامة
من فطانة تبراء وربما يتمكن في القلب حب الدنيا بحيث لا يبقى فيه مجال لمحبة الله إلا من حيث حديث نفس
لا يؤثر شيئا فيكره الموت ولقاء الله ومن كره لقاء الله كره الله لقائه كما يأتي وربما يترسخ بعض المأثم
والأحوال الدنيوية في القلب بحيث لا يتمثل له عند ذلك سواها ولا يبقى له التفات إلى شئ من أمور الآخرة
ويحكى عن بقال حضره الموت فكان يلقن كلمتي الشهادة وهو يقول خمسة ستة أربعة وكان مشغول
القلب بالحساب الذي طال إلفه له فهذه جملة من أسباب سوء الخاتمة نعوذ بالله منها أو سوء السابقة
التي سبقت له في الأزل وهذا أدل على كمال المعرفة من الأول لأن الخاتمة تبع السابقة ومن فروعها بعد
تحلل أسباب كثيرة فالخاتمة تظهر ما سبق به القضاء في أم الكتاب والخائف من مكروه الخاتمة بالإضافة
إلى السابقة مثل رجلين وقع الملك فيهما بتوقيع يحتمل أن يكون فيه حز الرقبة ويحتمل أن يكون فيه ولاية
العهد مثلا ولم يصل التوقيع إليهما إلا أنهما يعلمان أن الملك وقع فيهما ما شاء ويتعلق قلب أحدهما
بحالة وصول التوقيع إليهما وظهور ما فيه من خير أو شر وتعلق قلب الآخر بحالة توقيع الملك وكيفيته و
أنه إذ ذاك ما الذي خطر له من رحمة أو غضب وهذا التفات إلى السبب فهو أعلى من الالتفات إلى الفرع
أو غوائل المعاصي في الدنيا من غير التفات إلى السابقة ولا الخاتمة وهذا أغلب مخاوف الخائفين وهو
على وجوه كثيرة مثل خوف الموت قبل التوبة عنها أو استيلاء العادة في ارتكابها فيتعسر عليه ترك الشهوات
المألوفة أو أنه يشعر من نفسه الذمايم فيخاف اطلاع الله على سريرته أو خوف البطر بكثرة نعم الله
عليه أو خوف تبعات الناس عنده في الغيبة والخيانة والغش واضمار السوء ونحو ذلك ثم خوفه إما
أن يكون من السؤال في القبر أو يوم الحساب فيها ب موقفه ويستحي من كشف الستر أو الصراط وحدته
وصعوبة العبور عليه أو العذاب بالنار وأغلالها وأهوالها أو فوت الجنة ونعيمها وسلسالها أو نقصان
الدرجات والحجاب عن الله أو نحوها فهذه مجامع المخاوف وتختلف أحوال الخائفين فيها اختلافا فاحشا
69

وربما تتركب مثنى وثلاث فصاعدا ويؤثر الخوف مطلقا في البدن بالهزالة في الجسم والصفرة في البشرة
والضعف في القوى والرقة في القلب ومن علامتها سرعة البكاء إذا وعظ أو تلي عليه إنذار من الكتاب
المجيد وإذا كمل جدا ربما يؤدي إلى الجنون لاختلال حجب الدماغ الحاملة للقوى العاقلة وقد يؤدي
إلى الموت لانقطاع نياط القلب كما اتفق لهمام الذي حدثه أمير المؤمنين (ع) بعد ما اقترح عليه
وهو شهادة فورد من خاف ومات من خوفه فهو شهيد لكن الفضل الأتم لمن عاش وجاهد
فإن كل ما يراد لأمر فالمحمود منه ما يفضي إلى المراد وفائدة الخوف الحذر والورع والتقوى والمجاهدة
وسائر الأسباب المقربة إلى الله (تع) وكل ذلك يستدعي الحياة وسلامة العقل وله بإزاء كل مجاهدة
مع النفس أجر الشهادة ومن ثمة ورد أن أفضل السعادات طول العمر في طاعة الله ومن غلب عليه
خوف الله غلب خوفه على كل شئ وفي الحديث النبوي من خاف الله خافه كل شئ وعن أبي عبد الله (ع)
من خاف الله أخاف الله منه كل شئ ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شئ وهو مما لا بد
منه أيضا فهو الذي يزجر النفس عن المعصية فعلا وتركا وهو مما ينفى العجب عن الطاعة فإن
الخائف غير مستعظم نفسه وخصالها وضده الأمن كما تقدم وهو خسر وفي التنزيل لا يأمن مكر
الله إلا القوم الخاسرون وفيه تنبيه على أن اليأس أفحش كما هو مقتضى الرحمة السابقة والطريق
إليه النظر إلى صفاته (تع) الجلالية وأفعاله القاهرة فإن معرفتها موجبة للهيبة والحذر وفي الدعاء
المأثور عجبا لمن عرفك كيف لا يخافك وعن أبي عبد الله (ع) من عرف الله خاف الله ومن ثم ورد قصره
على أهلها في قوله عز وجل إنما يخشى الله من عباده العلماء وذكر الذنوب وتبعاتها والخصوم ومخاصمتهم
في ديوان القيامة وشدة العذاب المستحق على ما اقترفه من الإثم وضعف النفس عن احتمال أيسره
وما ورد فيه وفي طول زمانه المؤبد أو الممتد من الآيات والأخبار ثم الواجب على الخائف سلوك
سبيل الحذر عما يفضي إلى المخوف من الأسباب المذكورة فإن خاف الموت قبل التوبة عن الذنوب بادر
إليها وحذر التسويف ولا ينخدع بانتظار المكان الشريف والزمان الشريف فإنها من حبائل الشيطان
وإن خاف استيلاء العادة عليه باتباع الشهوات واظب على تركها وفطم النفس عنها قبل أن تستحكم فيه
داعية السوء مزيد استحكام وإن خاف اطلاعه (تع) عليه بما في سريرته من الذمايم الباطنة اشتغل بتنقية
السر عنها بعلاجاتها الأهم فالأهم وإن خاف البطر بكثرة النعم ألزم نفسه الشكر والتواضع ومضادة كل
ما يستشعره من نفسه من أقسام البطر وهكذا إلى بقية الأسباب والأفضل في الأغلب أن يعتدل الخوف
مع الرجاء بحيث لا يرجح أحدهما على الآخر فعن أبي عبد الله (ع) في أعاجيب وصية لقمان لابنه خف الله
خيفة لو جئته ببر الثقلين لعذبك وارج الله رجاء لو جئته بذنوب الثقلين لرحمك ثم قال أبو عبد الله (ع)
كان أبي يقول إنه ليس من عبد مؤمن إلا وفي قلبه نوران نور خيفة ونور رجاء لو وزن هذا لم يزد على
هذا ولو وزن هذا لم يزد على هذا وعنه (ع) الخوف رقيب القلب والرجاء شفيع النفس ومن كان بالله
عارفا كان من الله خائفا وإليه راجيا وهما جناحا الايمان يطير بهما العبد المحقق إلى رضوان الله
وعينا عقله يبصر بهما إلى وعد الله ووعيده وربما يقوى أحدهما ويضعف الآخر في بعض الأحوال
لعروض بعض الأسباب وقد يكون فيه الفضل كما سيأتي أما الانفكاك من أحدهما بالكلية فلا يجوز
لأحد في حال من الأحوال إذ لو عدم أحدهما صار الحال أمنا إن كان المعدوم الخوف أو قنوطا إن كان
الرجاء وكلاهما معدودان من الكباير كما عرفت والعمل على الرجاء أعلى منه على الخوف لأنه أفضل من
حيث هو لأنه طريق المحبة ومشربه من بحر الرحمة واللطف بخلاف الخوف فإنه طريق العنت ومشربه
من بحر الغضب والقهر وكذا يترجح الرجاء إذا امتنعت النفس الخائفة عن التوبة بسبب غلبة اليأس
لكثرة المعاصي وفترت عن فضايل الأعمال واقتصرت على الفرايض فينبغي المعالجة بتحصيل الرجا وتقوية
أسبابه استصلاحا للنفس الخارجة عن الاعتدال لتتحرك إلى التوبة وتتنشط للعبادة أو ضعف البدن
عن العمل وأشرف على الموت فإن الأصلح حينئذ الرجاء أيضا وحسن الظن بالله ليموت على المحبة إذ
الخوف جار مجرى السوط الباعث على العمل وقد انقضى وقته وأسباب الخوف تقطع نياط قلبه وتعين
على تعجيل موته وروح الرجاء يقوي قلبه ويحبب إليه ربه ولا ينبغي أن يفارق أحد الدنيا إلا محبا لله
ليكون محبا للقائه حتى يحب لقائه وربما يكون الأصلح بحال العبد الخوف وتقوية أسبابه وذلك أن
غلب عليه التمني والاغترار واعتاد المعاصي وأخلد إلى الأمن كما هو الغالب فيما يشاهد من أبناء زماننا
حتى صار الخوف مع غلبة أسبابه أعز من الكبريت الأحمر لا يوجد منه إلا اسم يتذاكر في المحاورات ولفظ لا
يشم معناه رائحة من الوجود كالأعيان الثابتات فيحسن اطلاق القول فيهم بأن الخوف أفضل لأنه
الأصلح بحالهم وحديث الرجاء معهم يجري مجرى تقريب العسل إلى المريض الصفراوي بل أبلغ فيهم من السم
الناقع والسيف القاطع والأصلح في نفس الأمر التسوية والاعتدال لكنه لمن اتقى ظاهر الإثم وباطنه
وهم الذين مدحهم الله بقوله يدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين وقليل ما هم والأمر صعب
بالله العياذ
باب قصر الأمل وهو من منشعبات الزهد والمراد به أن لا يراد أمر مستقبل يشك
في كونه إلا مقرونا بالاستثناء ويتأدى بذكر المشيئة على جهة التعليق عليها سواء أشكل على أدائه
أم لا والأصل فيه قوله (تع) ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله وقد ذم الله أصحاب
الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون وإنما يصدق بعقد القلب به رسوخه في البال
سواء تلفظ به باللسان أو اكتفى بنيته والعلم به قلبا والمتلفظ به مع عدم رسوخه في نيته كالتارك
له وإلى ذلك أشار القائل بقوله ترك استثناء مرادم قسوتيست ني همين كفتن كه عارض حالتيست
أي بسانا ورده استثنا بكفت جان أو با جان استثنا ست جفت وورد في الحديث النبوي خطابا
70

لعبد الله عمر إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح وخذ
من دنياك لآخرتك من حياتك لموتك ومن صحتك لسقمك فإنك يا عبد الله ما تدري ما
اسمك غدا والأمل هو الإرادة للأمر المستقبل المشكوك في كونه بالحكم والبت من دون التفات
إلى المشية اتكالا على الأسباب الظاهرة وهو من منشعبات حب الدنيا والناس متفاوتون فيه
بحسب التفاوت في أصله على مراتب من أمل البقاء في الدنيا أبدا أو إلى ألف سنة كما أخبر الله عنهم بقوله
ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة ومن البقاء إلى
الهرم وهو أقصى العمر الذي شاهده في آحاد المعمرين وإلى السنة فلا يشتغل بتدبير ما وراءها ولا يقدر لنفسه
وجودا في عام قابل ولكن يستعد في الصيف للشتاء وفي الشتاء للصيف وإذا أحرز ما يكفيه لسنته كف
عن الطلب واشتغل بغيره وإلى التمام الفصل فلا يدخر في الصيف للشتاء ولا في الشتاء للصيف وإلى الشهر
فلا يتأهب للشهر القابل وإلى اليوم الحاصر فلا يستعد لغد كما روي عن عيسى (ع) لا تهتموا برزق غد فإن
يكن غد من آجالكم فسيأتي أرزاقكم مع آجالكم وإن لم يكن غد من آجالكم فلا تهتموا لأرزاق غيركم ومنهم
من لا يتجاوز أمله الساعة كما في الحديث المتقدم ومنهم من يكون نصب عينه يترقبه في كل آن كما روي
أن أسامة بن زيد اشترى وليدة بمائة دينار إلى شهر فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فقال ألا تعجبون من
أسامة المشتري إلى شهر إن أسامة لطويل الأمل والذي نفسي بيده ما طرفت عيناي ألا ظننت أن
شفري لا يلتقيان حتى يقبض الله روحي ولا رفعت طرفي فظننت أني واضعه حتى أقبض ولا لقمت
لقمة إلا ظننت أني لا أسيغها حتى أغص بها من الموت ثم قال يا بني آدم إن كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم
من الموتى والذي نفسي بيده أن ما توعدون لات وما أنتم بمعجزين وهو من مواضع الغرور فإن
كل أحد يدعي من نفسه أنه قصير الأمل وإنما تظهر الحقيقة بالأعمال والآثار مثل الادخار لضرورات
الحياة والتأهب للبقاء المقدر فإن من يدخر ويتأهب لسنة مثلا ليس صادقا في دعوى النقيصة
أو المراد التأهب للموت فإن الاشتغال به علامة قصر الأمل والاغفال عنه علامة طوله وآفاته
ترك المبادرة إلى الطاعة والكسل عنها والتسويف لها اتكالا على اتساع الوقت فإن من له غائبان
ينتظر قدوم أحدهما في غد والآخر بعد سنة فلا يستعد للأخير وإنما يشتغل بالاستعداد لمن يستقرب
قدومه فالمبادرة إلى الاستعداد من نتايج قرب الانتظار فمن أنتظر مجئ الموت بعد سنة اشتغل قلبه
بالمدة ونسي ما ورائها ثم يصبح كل يوم وهو منتظر للسنة بكمالها لا ينقص منها اليوم الذي انقضى وذلك
يمنعه من مبادرة العمل أبدا فإنه يرى لنفسه متسعا في تلك السنة فيكسل ويؤخر العمل ومن آفاته أيضا
الحرص وحب المال كما سلف في باب حب الخمولة ونسيان الآخرة كما في حديث أمير المؤمنين (ع) إنما أخاف عليكم
اثنتين اتباع الهوى وطول الأمل أما اتباع الهوى فإنه يصد عن الحق وأما طول الأمل فإنه ينسى الآخرة
والقسوة ففي الحديث فيما ناجى الله عز وجل به موسى يا موسى لا تطول في الدنيا أملك فيقسو قلبك و
القاسي القلب مني بعيد وسببه القريب حب الدنيا فإن المحب المتصل بمحبوبه مشتغل القلب بوصاله و
التمتع به عن الالتفات إلى فراقه وزواله ولا يزال يقرر في نفسه لوازم الوصال من دار وأهل ومال وخوادم
ودواب وآلات ومرافق وأسباب فيصير عاكفا على هذا الفكر فيلهو عن الموت وذكره فإن خطر له في
بعض الأحوال عول على شبابه أو قوة مزاجه وصحة بدنه أو سول له الشيطان إن الأيام بين يديك فتقضي وطرك
من بناء هذه الدار ثم تتفرغ للآخرة أو من عمارة هذه الضيغة وتدبير هذا الولد وجهازه ونحو ذلك والأصل
فيه الجهل بالحقايق وأن الدنيا خسيسة لا تليق المحبة والاشتغال بها عن الآخرة وعلاجه علاجهما وذلك بالنظر
في حقيقة الدنيا ومجابها الوهمية التي أعظم حظوظ طالبيها الحسرة الدائمة كما مر في الأبواب السابقة وذكر احتمال
فجأة الموت وأن الشباب لا يصلح للتعويل فإن مشايخ البلد لو عدوا لكانوا أقل من عشر أهلها وإنما قلوا
لأن الموت في الشبان أكثر وكذا صحة المزاج وقوة البدن فإن موت الفجأة يفشو غالبا في الأمزجة القوية و
الموت ليس له وقت مخصوص من شيب أو شباب أو قوة أو ضعف وكثيرا ما يتفق بالأسباب البادية من الهدم و
الغرق والسم والسبع والعدو ونحوها مما إذا التفت إليه العاقل لم يزايل هم الموت فكره ولم ينس ذكره
فذكره مع استقرابه يوجب التأهب له كما ذكر في المثال الغائب المنتظر والتجافي عن دار الغرور والإنابة
إلى دار الخلود وعن أبي عبد الله (ع) ذكر الموت يميت الشهوات في النفس ويقلع منابت الغفلة ويقوى القلب
بمواعد الله ويرق الطبع ويكسر أعلام الهوى ويطفئ نار الحرص ويحقر الدنيا الحديث وحقه أن يذكر الموت
رغبة إلى لقائه (تع) كما هو شأن العارفين المشتاقين إلى الخلاص من الدنيا والنظر إلى وجه الله وهو
من أعلى الوجوه التي يذكر عليها الموت ودونه أن يذكر بعثا للخوف الموجب سرعة التدارك له كما هو شأن
التائبين المنساقين بسوط الخوف إلى الوفاء بتمام التوبة واصلاح الزاد ودون الجميع أن يذكر على
وجه التأسف على فوات الدنيا كما هو شأن المنهمكين فيها المحبين لها فإنهم يكرهون الموت ولا
يذكرونه إلا على وجه الحسرة والتألم لفراق الدنيا وهم الذين قال الله فيهم أن الموت الذي تفرون
منه فإنه ملاقيكم فهو من الذكر المذموم لأنه مبعد عنه (تع) إلا أن يستفيد به تنغص اللذة وتكدر الشهوة
فربما ينجر إلى النجاة فورد في النبوي المتفق عليه من أحب لقاء الله أحب الله لقائه ومن كره لقاء
الله كره الله لقائه والمراد بلقاء الله المصير إلى دار الآخرة وبالمحب له العارف المشتاق إليه سبحانه كما مر
فالموت موعده المنتظر والمحب لا ينسي موعد لقاء الحبيب بل يستبطئه وبالكاره الراغب إلى الدنيا المحب
لها العازف عن الدنيا لذلك بخلاف الخائف هجومه قبل تمام التوبة والتدارك واصلاح الزاد فهو
ليس يكره الموت واللقاء وإنما يكره فوت اللقاء لقصوره وتقصيره وهو كالذي يتأخر لقاء الحبيب
مشتغلا بالاستعداد للقائه على وجه يرضاه فلا يعد كارها للقاء وهذا لو فرض له حصول العلم بغفران
71

ذنوبه اشتاق إلى الموت وكره البقاء في الدنيا حبا للقاء الله عز وجل ولنعم ما قيل دل مي ندهم كه جامه
جان بدرم زان بيش كه نامهاي عصبان بدرم كراز سركرا در بدم برخيزي إزار زوي أجل كريبان
بدرم وعلامته أن يكون دايم الاستعداد له لا شغل له سواه وإلا التحق بالمنهمك في الدنيا المحب لها
فانحلت الأقسام إلى ثلاثة والأعلى من الجميع ترك الاختيار والتفويض إلى الله سبحانه فلا يحب لنفسه موتا
ولا حياة بل يكون أحب الأشياء إليه أحبها إلى مولاه وفي مكالمات بعض العاشقين بكفتا وصل به يا
هجر از دوست بكفتم هرچه ميل خاطر أو است وتفريغ القلب عن غيره (تع) ليخلو البيت لربه والتفكر
في أحوال الماضين خصوصا من أقرانه الذين خلو من قبله وما كانوا فيه من النعمة والنشاط والعيش الرغيد
والانبساط فيتذكر موتهم ومصرعهم تحت التراب وكيف تقطعت بهم الأسباب فخلت ديارهم واندرست آثارهم
فمهما تذكرهم رجلا رجلا وفصل في باله مجاري أحوالهم وترددهم في أمانيهم وآمالهم وأنهم كانوا يدبرون
لأنفسهم ما لهم الغنى عنه إلى عشر سنين فصاعدا في أوقات لم يكن بينهم وبين الموت إلا أيام قلائل
ونحو ذلك توحشت نفسه عن الدنيا وزهدت فيها واستقرب الرحيل واهتدى إلى السبيل وهو من التفكر
الذي ورد فيه عن النبي صلى الله عليه وآله تفكر ساعة خير من عبادة سنة وأنه دليل العقل وحياة قلب
البصير ويدعو إلى البر والعمل به إلى غير ذلك والأصل فيه الانتباه وهو من منشعبات العلم والفهم خلاف
الغرور الذي هو من منشعبات الجهل والحمق وهو سكون النفس إلى ما يوافق الهوى ويميل إليه الطبع ومنشؤه
نوع من الشبهة فكل من اعتقد أنه على خبر إما في العاجل أو الآجل عن شبهة فاسدة فهو مغرور و
أكثر الناس يظنون بأنفسهم الخير وهم مخطئون فيه فهم مغرورون وأنواعه كثيرة بعضها أوضح من بعض
كايثار الدنيا لكونها نقدا ومتيقنة على الآخرة لكونها نسية ومشكوكة والنقد خير من النسية واليقين
خير من الشك وهذا غرور الكافرين وإليه أشار في قوله سبحانه ولا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله
الغرور وقوله عز وجل ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله و
غركم بالله الغرور وقياساهم فاسدان فإن كل نقد ليس خيرا من كل نسية ولا كل يقين خير من كل شك
بل ذاك إذا تساويا في المقدار والمقصود أما إذا تفاضلا فيهما فلا ريب أن النسية الكثير راجح عند العقلاء
على النقد القليل وإن شك فيه إذ المريض العاقل يترك اللذات الحاضرة المتيقنة في الحال لأنه يرجو أن
يصح في المستقبل وكذا التاجر يتحمل المشاق ويخاطر بالأموال الحاضرة المتيقنة لأنه يرجو أن يربح فيه
فيما بعد فهما تاركان النقد للنسيئة واليقين للشك إذ ليسا من حصول الصحة والربح في المستقبل على
يقين وإنما قادهما إلى ذلك أصل الزيادة فالآخرة أولى بأن يطمع فيها ويترك لها الدنيا للتيقن بها
بالعقل والنقل وهذا قدح في الصغرى القياس الثاني وهو منع بعد التسليم وعدم نسبة الدنيا إليها
شدة ودواما فهي أرجح من الدنيا كيفا وكما إذ لا نسبة للمتناهي إلى غير المتناهي فالذي يخرج العشرة من يده
ليعود إليه بعد سنة أحد عشر وهو مشعوف بذلك كيف يشق عليه إن كان بصيرا أن يكف عن فضول
لذات ناقصة منغصة أياما قلائل لينال أضعافها المضاعف أبد الأبدين وكالاعتماد على مجرد الايمان
وهذا غرور عوام المؤمنين المطمئنين إلى الدنيا المترفهين بنعيمها إذ قرع سمعهم ما وعد الله المؤمنين
والمؤمنات وأعد لهم من النعيم فاغتروا وفتروا عن الأعمال الصالحة وأغفلوا التوبة ولم يتنبهوا أن
المغفرة منوطة بأمور أخر زايدة على أصل الايمان فورد في الكتاب الكريم وإني لغفار لمن تاب وآمن
وعمل صالحا ثم اهتدى وقد تكرر في الكتب الإلهية اشتراط الفوز والنجاة في القيامة بالايمان والعمل الصالح
جميعا بل ورد الحكم العام على جميع أفراد الانسان بالخسر واستثناء المتصفين بصفات عديده إحديهما
الايمان ففاقد شئ منها أيا كان مندرج تحت العموم قال الله عز وجل والعصر إن الانسان لفي خسر
إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات إلى آخر السورة وهو من أوضح أمثلة العموم في كتب الفن وكالاعتماد
على أنه (تع) كريم وهذا غرور العصاة وإليه الإشارة في قوله (تع) يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم فيتساهلون
في أمور الدين ويتعللون بالتعويل على كرمه (تع) وربما يتعاسرون في أمور الدنيا ويتهالكون عليها
ولا يعولون على كرم الله ويتعللون بأن الله قد أمر بالسعي والحزم فيكون حالتهم فيه على العكس
المطلق مما يجب بترك التعويل والاتكال على الله في أمور الدنيا مع أنه ورد الحث عليه فيها في قوله
عز وجل ومن يتوكل على الله فهو حسبه وغير ذلك مما يأتي بعضه في بابه وزعمهم التعويل عليه في
أمور الآخرة مع أنها ليست من مظانه كما تقدم ولقد أجاد القائل تقول مع العصيان ربي
غافر صدقت ولكن غافر بالمشية وربك رزاق كما هو غافر فلم لا تصدق فيهما بالسوية
فكيف ترجى العفو من غير توبة ولست ترجى الرزق إلا بحيلة وهاموا بالأرزاق كفل نفسه
ولم يتكفل للأنام بجنة وما زلت تسعي للذي قد كفيته وتهمل ما كلفته من وظيفة
تسئ به ظنا وتحسن تارة على حسبما يقضي الهوى بالقضية والعلاج الحاسم لأنواعه استحضار
العلم بالحقايق والتفكر في مغامض الأمور فهما رافعان لأصوله
باب النية والبحث عنها من مقدمات
الاخلاص الذي هو من أصول المطهرات وأفرد اهتماما بها وهي والقصد والإرادة ألفاظ
مترادفة على معنى واحد وهو الهمة الباعثة للعمل المعين بأنها من آلات القدرة المنبعثة عن المعرفة
بملائمته للغرض العاجل أو الأجل فهي أيضا حال يكتنفها علم وعمل كشهوة الطعام الحاضر عند الجوعان
الحاصلة من المعرفة بتحققه ورفعه الجوع الباعثة لامتداد اليد إليه للتناول وقصد قتل العقرب
المنبعث عن العلم بوجودها وايذائها الباعث لمبادرة اليد إلى النعل لقتلها وذلك أن الانسان
مجبول بحيث يوافقه بعض الأمور ويخالفه بعضها فلا بد له من معرفة بها يدرك التفرقة بين الموافق
والمخالف ومن همه بها يبادر إلى جلب الأول وسلب الثاني ومن قدرة يتمكن بها من ذلك فخلق الله
72

الهداية والمعرفة وجعل لها أسباب ومداخل هي الحواس الباطنة والظاهرة وخلق الهمة وهي نزوع النفس
وتوجه القلب نحو المقصود وخلق القدرة وآلاتها الأعضاء المتحركة إليه فإذا جزمت المعرفة الاعتقاد
بأن الشئ موافق للغرض انبعثت الهمة وانتهضت القدرة لتحريك الأعضاء حتى يتم بهذه الأمور الثلاثة
العمل وما لم يعتقد الانسان أن غرضه منوط بفعل من الأفعال فلا يميل إليه ولا يتوجه نحوه قصده و
ذلك مما لا يقدر على اعتقاده في كل حين وإذا اعتقد فإنما يتوجه القلب إذا كان فارغا غير مصروف عنه
بغرض أقوى منه وذلك لا يمكن في كل وقت والدواعي والصوارف لها أسباب كثيرة وتختلف بسببها الإرادات
وقوتها وضعفها ولاختلاف الأحوال والأعمال والخواطر في ذلك مدخل عظيم فإذن لا تدخل النية تحت
الاختيار ولا يمكن خلقها واختراعها في النفس ولا صرفها من وجه إلى آخر بالتصنع والتحريف فمن غلبته
شهوة النكاح ولم يعتقد غرضا صحيحا في الولد وطئ حليلته لغلبة الشهوة البهيمية أنى ينفعه قوله
الحسي باللسان والنفسي بالتصور نويت به إقامة السنة بالطروقة وتكثير الأمة بالتعرض لحصول الولد
إذ لا وجه لفعله إلا قضاء الشهوة فلا ينفعه تكلف غيرها نعم طريق اكتساب هذه النية مثلا أن يقوي
ايمانه بالشرع ويعظم ثواب من سعى في تكثير أمة محمد صلى الله عليه وآله ويدفع عن نفسه جميع المنفرات
عن الولد من ثقل المؤنة وطول التعب وغيره وإذا فعل ذلك فربما انبعثت من قلبه رغبة إلى تحصيل الولد
للثواب فتحركه تلك الرغبة وتحرك أعضائه لمباشرة الوطي فعند ذلك يكون ناويا للولد وهي المعبر عنها في
الأخبار بالنية الصادقة إشارة إلى أن أكثر ما يقرره الناوون في أفكارهم ويرددونه في أذهانهم مما يخدعون
به أنفسهم وسواس وهذيان ومن ثم كان يمتنع بعض المشايخ من بعض الطاعات أحيانا حين لم تحضرهم النية
إذ علموا أن النية روح العمل وأنه بدونها تكلف وتصنع لا يسمن ولا يغني من جوع وهذه النية هي أحد جزئي
العبادة والجزء الآخر العمل المنبعث عنها بمعونة القدرة فهي تتوقف عليها على حد توقفها على العمل ولا تتحقق
إلا بالاتيان بهما مجتمعين فإن وجود المركب متوقف على وجود جميع أجزائه وكما لا يتعين الجسم المؤلف من
اللحم والعظم وغيرهما لكونه حيوانا إلا باشتماله على الروح كذلك لا يتعين العمل المركب من القيام والقعود
والانحناء والارغام وغيرها لكونه صلاة إلا باشتماله على النية ففي النبوي المتفق عليه حتى عد متواترا
إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى وعن السجاد والرضا (ع) لا عمل إلا بنية وظاهر الحصرين انتفاء حقيقة
العمل بدونها فليحمل على أقرب المجازات الممكنة حيث تتعذر الحقيقة والمشهور أنه الصحة كما في لا صلاة إلا
بطهور على المشهور في الشرط الشرعي فاستدلوا به على اشتراط النية في العبادات وعلى اعتبار مقارنتها لأول
جزء فلو أخرت عنه لوقع بعض الأجزاء بلا نية فيبطل وببطلان الجزء يبطل الكل وكذا لو قدمت ولم تستمر
إلى الشروع إذ حينئذ يخلو جميعها عن النية وعلى استدامة حكمها إلى الفراغ وإن اختلفوا بعد ذلك في تفسيرها
والمناقشة بأنه الثواب وإلا لزم التخصيص في الأعمال إذ لم يثبت كونها حقيقة شرعية في العبادات مما لا يثمر
شيئا لأنا لا نعني بالعبادة الصحيحة إلا ما يثاب عليها نعم ما ذكره بعضهم من اعتبار قصد الوجوب أو
الندب وسائر الخصوصيات في كل عبادة عبادة مثل رفع الحدث واستباحة الصلاة في الوضوء قربة
إلى الله واستحضار جميع ذلك بالبال على التفصيل مما لا تشمله أدلة النية لما عرفت من أنها ليست إلا
القصد الباعث على العمل المعين وإنما الذي يدل عليه الدلايل هو اشتراط قصد القربة وهو الاخلاص
المبحوث عنه في الباب الآتي وقصد الفعل المعين مما لا ينفك عنه العاقل العامد في أفعاله الاختيارية
ومن ثم قيل لو كلفنا بايقاع الأعمال بغير نية لكان تكليفا بما لا يطاق فإن قلت التعيين لا يحصل إلا بملاحظة
الخصوصيات لأنها بمنزلة الفصول المميزة للحقايق المختلفة المندرجة تحت الجنس فقصد الفعل المعين قصد
لخصوصياته وهو عين ما ذكره البعض قلت لا نسلم أن جميع الخصوصيات التي ذكروها بمنزلة الفصول التي
لها مدخل في التعيين فإن رفع الحدث واستباحة الصلاة مثلا ليسا منها بل هما من اللوازم فإذا تصور فعله
بعنوان أنه وضوء فهو متعين ممتاز عن امساس الأعضاء بالماء على وجه النظافة مثلا واللوازم مندرجة
فيه لا مدخل لها في التعيين وكذا قيد الوجوب أو الندب بعد تصور أنه وضوء فإنه إن كان لغاية واجبة
فواجب وإلا فمندوب وبعد التسليم فلا ريب في الفرق بين حضور الشئ في الذهن اجمالا وحضور تفصيله
في الفكر وقد يتصور الانسان شيئا بصورة واحدة تتضمن معاني كثيرة ويحكم عليه بحكم واحد يتضمن
أحكاما كثيرة كقولك الانسان حادث فتصور الانسان يتضمن تصور الموجود والممكن والجوهر والجسم
والمتحيز والنامي والمغتذي والمتحرك والحساس والعاقل والمختار والناطق والضاحك وغير ذلك و
كذا الحكم بأنه حادث حكم بأنه موجود وأنه في زمان وأن لعدمه زمانا سابقا ولوجوده زمانا لاحقا
وأن له موجدا فهذه أحكام متعددة يتضمنها الحكم بأنه حادث ولكن ليست هذه التفاصيل حاضرة
في البال متميزة بعضها عن بعض واستحضارها جميعا عند الدخول في العبادة من الوسواس الذي ورد
فيه أنه من عمل الشيطان فإن من دخل عليه وقت الظهر وهو يعلم وجوب الصلاة عليه فقام يصلي فهو
نظير من دخل عليه عالم فقام لتعظيمه ولو قال انتصب قائما تعظيما لدخول هذا الفاضل لأجل فضله
قياما مقارنا لدخوله مقبلا عليه بوجهي لعد سفيها في عقله لأن هذه المعاني مخطورة بالبال لا يستدعي
حضورها جملة في القلب طولا في الزمان وإنما يطول زمان نظم الألفاظ الدالة عليها إما تلفظا باللسان
أو حديثا بالنفس ومنه ينشأ شك آخر وهو فوات المقارنة حينئذ بمجموع النية لأنها مترتبة الأجزاء
يتعذر تفصيلها دفعة واحدة فالمقارن لأول العمل هو الجزء الأخير منها لا غير ويقوى لو وقع التلفظ
بهذه الألفاظ المستحدثة المرتلة بالاعراب والتجويد فإنه عمل يحتاج إلى قصد إليه ونية ينبعث منها فما
بعده أن يكون هو النية بل هو إلى البدعة أقرب وأما المقارنة والاستدامة فيتبين حالهما مما قرره
بعض المحققين ومحصوله مع تتميم أن الحركات الصادرة منا بالاختيار إنما تصدر بعد تصور الفعل والغاية
73

والضرورة قاضية بأنه كثيرا ما نغفل عنها في أثناء الحركة ومع ذلك تصدر تلك الحركة من غير انقطاع
ولا فتور خصوصا إذا كانت تلك الحركة مما اعتادته النفس وتمرنت فيه وظاهر أن الحركة الصادرة عن
الإرادة الناشية من تصور النفع والغرض يطلق عليها في العرف أنها صادرة بنية تلك المنفعة وأنه عمل
بنية وإن ذهل المتحرك في أثنائها عن تصورها وتصور الفعل لكن يكون بحيث لو رجع إلى نفسه لا ستشعر به
ما لم تحدث له إرادة أخرى لاصدار تلك الحركة ناشية من تصور غرض آخر وكما يجوز الذهول في الأثناء
مع بقاء الاشتغال بالحركة كذلك يمكن صدورها أيضا بالإرادة لغرض مع الذهول عنهما مفصلا في ابتداء
الفعل أيضا إذا تصور الفعل والغرض في زمان سابق ولم تحدث إرادة أخرى والضرورة حاكمة أيضا بوقوع
هذا الفرض عند ملاحظة حال الأفعال فحينئذ يجوز أن يصدر العمل لغرض الامتثال والقربة باعتبار تصوره
وتصور ذلك الغرض في الزمان السابق وإن اتفق الذهول حين الشروع سيما أيضا في العاديات ولا دليل
على البطلان في الفرضين مع صدق العمل بالنية فيهما فإن تمسكوا في اشتراط المقارنة بالاجماع فاثباته
في غاية الاشكال إذ لم ينقل من القدماء شئ في أمر النية مطلقا وتحققه على وجه يكون حجة في أعصار
الخائضين فيه يكاد يلحق بالمجالات نعم نقل الشهيد في الذكرى عن الجعفي أنه لا عمل إلا بنية ولا بأس إن
تقدمت النية على العمل أو كانت معه وهذا تصريح بالخلاف عن المتقدمين ومن ثم عول أكثر المحققين
من المتأخرين على سهولة أمرها جدا وأن الاستغراق فيها بهذه التدقيقات المحيرة للعوام مشغلة للقلب
عما هو أهم منها من استشعار عظمة المعبود والتفكر في جلاله وكبريائه عز شأنه عند التلبس بالعبادة وفي أثنائها
إذ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه واعلم أن ما حكم به المصنف ومن وافقه من جزئية النية لا ينافي
الشرطية التي ذكرها غيرهم فإن كلا من أجزاء المركب يمكن اعتباره شرطا عقليا من حيث إنه يلزم من عدمه
العدم ولا يلزم من وجوده الوجود وتسميتها جزء أجود لأنه أدل على مدخليتها في العبادة وألصق بما هو
بضده من أنها أشرف الجزئين وخيرهما ففي المشهور المتفق عليه نية المؤمن خير من عمله وذلك لتوقف نفع
العمل وهو استحقاق الثواب أو سقوط العقاب أو كلاهما عليها ابتداء واستدامة دون العكس
فإن النية وحدها نافعة فعن أبي عبد الله (ع) إن العبد لينوي من نهاره أن يصلي بالليل فتغلبه عينه فينام
فيثبت الله لصلاته ويكتب نفسه تسبيحا ويجعل نومه صدقة وعنه (ع) إن العبد المؤمن الفقير ليقول يا رب
ارزقني حتى أفعل كذا وكذا من البر ووجوه الخير فإذا علم الله ذلك منه بصدق نية كتب الله له من الأجر
مثل ما يكتب له لو عمله إن الله واسع كريم ولكون الغرض الأصل من العمل بالجوارح إنما هو تأثر القلب
بسبب ما بينهما من الارتباط بالميل إليه (تع) والانصراف عن الغير وإلا فالأعمال الجسمانية بأنفسها ليست متعلقة
لغرض التكليف ولا موجبة للوصول والزلفى إليه جل شأنه فإن السجود مثلا لم يقصد من حيث إنه وضع للجبهة
على الأرض بل لأنه يؤكد صفة التواضع في القلب ويؤثر فيه بالعبودية المقربة إليه سبحانه كما قال الله (تع) لن ينال الله
لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم إذ كان العرب في الجاهلية يلطخون حيطان الكعبة بدماء القرابين
فلما حج المسلمون هموا بمثل ذلك فنبههم الله بأن المقصود من القربان ليس اللحوم ولا الدماء ولا هما مما يوجب
الوصلة إليه سبحانه ومناولة قربه ورضاه وإنما الموجب لها التقوى التي هي من أفعال القلوب ومن ثم أضيفت
إليها في قوله عز وجل ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب والمراد ميلها عن حب الدنيا وبذلها ايثارا
لوجه الله وهو الغرض المقصود من القربان وهذا التأثر قد يحصل عند جزم النية والهم وإن عاق عن العمل عائق
وإنما الاتيان به يزيده تأكيدا ورسوخا وفي أسرار الأحكام الشرعية لمن عقلها شواهد متواردة على أصالة القصد وتبعية
العمل له في الحكم ألا ترى إلى إثم المجامع امرأته المباحة على قصد أنها غيرها فإنه في حكم الزاني بخلاف المجامع غيرها
على قصد أنها امرأته فإنه لا إثم عليه فانظر كيف انقلب الحلال حراما والحرام حلالا بسبب النية بل الفعل الواحد يكون
طاعة ومعصية بالنية كلطم اليتيم للتأديب أو للتعذيب وفي الحديث أن رجلين قدما إلى خراسان فسئلا
الرضا (ع) عن صلاتهما في الطريق فقال لأحدهما كان يجب عليك التقصير لأنك قصدتني وعلى صاحبك التمام لأنه
قصد السلطان وما ذكر من الوجهين من أوجه ما قيل في حل الحديث وعن أبي عبد الله (ع) وقد سئل كيف تكون النية
خيرا من العمل قال لأن العمل ربما كان رياءا للمخلوقين والنية خالصة لرب العالمين فيعطي عز وجل على النية
ما لا يعطي على العمل الحديث وإليه يرجع ما قيل إن طبيعة النية خير من طبيعة العمل وفيه صراحة في معنى
التفضيل وسقوط ما قيل من حمل الخبر على الصفة المشبهة والمراد أنها من جملة أعماله التي يثاب عليها وعن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) أن النية أفضل من العمل وأما الايراد بأن النية من أفعال القلوب فلا تكون عملا لأنه
مختص بالعلاج فهو كما ترى وتمام الكلام في حاشية الأربعين وإذ قد عرفت أن النية هي القصد المخصوص
المحرك إلى العمل فاعلم أنه لا يخلو عن قسمين خالص ومشوب لأن الباعث المنهض لآلات القدرة أما أمر واحد
بسيط وهو الخالص ويسمى العمل الصادر عنه اخلاصا بالإضافة إلى الغرض المتصور كالقيام للاكرام الصادر
ممن دخل عليه مستحقة بزعمه وأما متعدد وهو المشوب كالتصدق على الفقير للفقر والقرابة معا ومثاله
من المحسوس أن يتعاون اثنان على حمل شئ بمقدار من القوة كافية في حمله لو انفردت وهو يتصور على وجهين
فإنه إما أن لا يستقل شئ منهما بالانهاض كما لو تعاون ضعيفان على الحمل بحيث لو أنفرد أحدهما لم يطق و
يعرف بالامتناع عند الانفراد فلو تعرض له الفقير الأجنبي أو القريب الغني لم يتصدق عليهما ولكن اجتماع
السببين يدعوه إلى البذل ويسمى مشاركة الباعث أو يستقل أحدهما به وهذا أيضا على أحد وجهين
لأنه إما أن يفرض كل منهما متساويا مع الآخر في السببية والتحريك كما لو تعاون قويان على الحمل ولو أنفرد
به كل منهما أمكنه ذلك ولم يتعذر عليه ويسمى مرافقة الباعث أو متفاوتا بأن يكون أحدهما قويا مستقلا
لو أنفرد بنفسه والثاني ضعيفا غير مستقل ولكن لما انضاف إليه لم ينفك عن تأثير بالإعانة والتسهيل
ويسمى هذا معاونة فالباعث الثاني أما أن يكون شريكا أو رفيقا أو معاونا وهي أقسام النية المشوبة
74

وتجري في الخيرات والشرور جميعا وبتعدد الجزاء بتعددها خيرا كان كالدخول في المسجد للزيارة فإن من دخل
المسجد فقد زار الله كما في الحديث النبوي وفي الحديث القدسي المساجد بيوتي في الأرض فطوبى لعبد تطهر
في بيته ثم زارني في بيتي وانتظار وقت الصلاة أو كمالها والاعتكاف والانزواء عن الناس تحفظا من
آفاتهم والتجرد للذكر عن الشواغل الخارجة وترك الذنوب خشية أو حياء وإصابة أخ مستفاد في الله أو
علم مستطرف أو كلمة تدل على هدى أو ترده عن ردى أو رحمة منتظرة كما في حديث أمير المؤمنين (ع) فإن كلا
منها طاعة مندوب إليها على حدة وقد تداخل جميعا في فعل واحد ويترتب عليه الثواب الموعود على كل
منها وكلها منتهية إلى وجه الله سبحانه فهي مشوبة خالصة من وجهين أو شرا كالقعود فيه للتحدث بالباطل
وملاحظة النساء حيث تحرم ومماطلة الغريم والمناظرة للمباهات وهي المفاخرة مع الطرف أو غيره والمرآة
للحاضرين فيها أو هي معطوفة على المناظرة أو التحدث من غايات العقود وخيرها يجعل المباح وهو هنا ما
يقابل الطاعة والمعصية فيندرج فيه المكروه عبادة كالتطيب لمن يريد المسجد يوم الجمعة أو العيد لإقامة
السنة وتعظيم المسجد واليوم ودفع الأذى عن الجليس بالنتن وادخال السرور عليه بالعرف وهو بفتح العين
الرايحة طيبة أو كريهة ثم غلبت في الأول وسد باب الغيبة بصيانة نفسه أن يغتاب بالنتن والتفل وجليسه أن
يتعرض له بالغيبة بهما ويستحق الإثم وبمثل هذا ورد الأمر في قوله صلى الله عليه وآله يا أبا ذر ليكن لك في كل شئ نية حتى
في الأكل والنوم وفي كلمات بعض المشايخ ليكن لك في كل حركة بركة إشارة إلى أن النية تؤثر في المباح وتلحقه
بالعبادة وربما تفضله على محضها فالترفه للمولول في جزء من الزمان بنومة أو دعابة مباحة لرد نشاط الطبيعة
واقبال القلب على الصلاة في الجزء التالي أفضل منها في ذلك الجزء مع الملال ومن ثم وردت الرخصة في
ترك النوافل والاقتصار على الفرايض عند ادبار القلوب وتأخير الصلاة عن أول وقتها من المكروهات
المنصوصة ويندب إليه إذا قصد به الوصول إلى المسجد أو فضيلة الجماعة أو الطهارة المائية كما يأتي في محله وروي
أن زكريا (ع) كان يعمل في حايط بالطين وكان أجير القوم فقدموا إليه رغيفين إذ كان لا يأكل إلا
من كسب يده فدخل عليه قوم فلم يدعهم إلى الطعام حتى فرغ منه فتعجبوا منه لما علموا من سخائه وزهده
فقال إني أعمل لقوم بأجرة وقدموا إلي الرغيفين لأتقوى بهما على عملهم فلو أكلتم معي لم يكفكم ولم
يكفني وضعفت من عملهم وكما يؤثر خيرها في المباح فيخرجه إلى الطاعة كك يؤثر شرها فيه بل وفي
الطاعة أيضا فيخرجهما إلى المعصية فالمباح الذي يجعله النية معصية كالتطيب للتفاخر باظهار الثروة
علي غير وجه التحديث بالنعمة والتزين للزنا والطاعة كالعمل المرائي به فإن نية الرياء تلحقه بالمعاصي
ولا تؤثر النية في الحرام باخراجه إلى قسميه كما فيهما فلا يباح شرب الخمر لموافقة الإخوان ولا الزنا لإجابة
التماس المراود ولو توارد على بعض أفراده قصود فاسدة تضاعف وزره وعظم وباله كما لو قتل أحدا
ليتمكن من غصب ماله والزنا بزوجته والفطن إذا أتقن هذه الجملة التفت منه إلى أن تصميم القصد إلى ماله
صورة خارجة من المعاصي كالزنا وشرب الخمر من المعاصي كما هو ظاهر قوله (تع) إن الذين يحبون أن تشيع
الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم وفي تتمة الحديث السابق نية الكافر شر من عمله وفي حديث الرضا (ع)
مع المأمون والمعصوم لا يهم بذنب ولا يأتيه وهو الذي صرح به أمين الاسلام في تفسير قوله (تع) إن تبدوا
ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء قال القول فيما يخطر بالبال من المعاصي
إن الله سبحانه لا يؤاخذ به وإنما يؤاخذ بما يعزم عليه الانسان ويعقد قلبه مع امكان التحفظ عنه فيصير من
أفعال القلب فيجازيه كما يجازيه بأفعال الجوارح وإنما يجازيه جزاء العزم لا جزاء عين تلك المعصية لأنه لم يباشرها
وهذا بخلاف العزم على الطاعة فإن العازم على فعل الطاعة يجازي على عزمه ذلك جزاء تلك الطاعة كما جاء
في الأخبار أن المنتظر للصلاة في الصلاة ما دام ينتظرها وهذا من لطائف نعم الله على عباده انتهى وقال السيد
في تنزيه الأنبياء إرادة المعصية والعزم عليها معصية وقد تجاوز ذلك قوم حتى قالوا إن العزم على الكبيرة كبيرة
وعلى الكفر كفر هذا كلامه ونسبه بعض الفضلاء الذين عاصرناهم إلى أكثر المحدثين والمتكلمين وجمهور العامة
وجماعة من أصحابنا وخالف في ذلك قوم فزعموا أن نية المعصية لا تؤثر عقابا ولا ذما ما لم يتلبس بها وادعوا
أن ذلك قد ثبت في الأخبار العفو عنه فإن كان نظرهم إلى رواية زرارة عن أحدهما (ع) إن الله جعل لآدم في
ذريته من هم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة ومن هم بحسنة وعملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة
ولم يعملها لم تكتب عليه سيئة ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال إن المؤمن ليهم بالحسنة ولا يعملها فتكتب له
حسنة فإن هو عملها كتبت له عشر حسنات وأن المؤمن ليهم بالسيئة إن لم يعملها فلا تكتب عليه فهما وما في معناهما
غير صريحة في خلاف ما نقلناه عن التفسير مع أن في أسانيدها على طريقتهم قصورا وبالجملة فالقطع بأن العزم غير
مؤاخذ عليه كما صرح به بعض المعاصرين مما لا ريب في انتفائه
باب الاخلاص وهو كما عرفت تجريد النية شرا
أو خيرا عن الشوب بأقسامه فالمتصدق لمحض الرياء مخلص كالمتصدق لمحض ابتغاء وجه الله ثم غلب مطلقه في الثاني
بحيث لا ينصرف إلا إليه تغليب الالحاد الذي هو مطلق الميل إلى الميل عن الحق في بعض العقايد وهو يتصور على وجهين
متفاضلين فالأعلى إرادة وجهه (تع) أي موافقة إرادته وامتثال أمره شكرا له أو حياءا منه ومهابة أو تعظيما و
انقيادا أو حبا أو لكونه أهلا للعبادة كما في حديث أمير المؤمنين (ع) ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك
ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك وهي من مواضع الغرور فكثيرا ما يغتر الناوي بنفسه وبنيته فيراها
من هذه المرتبة ويعرف صدتها بالتفكر في صفاته (تع) وأفعاله ومداومة السر على المناجاة معه في جميع
أحواله فإن فقد هذه العلامات فليوقن أن ليس منها إلا في حديث النفس وخديعة الوسواس كما مر من
حال الواطي ثم إرادة نفع الآخرة بجلب الثواب أو الخلاص من العقاب أو كليهما وكيف كان فهو حظ من
حظوظ النفس يخرج عن الاخلاص المطلق وإنما يعد اخلاصا بالإضافة إلى الحظوظ العاجلة ومن ثم حكم
كثير من علماء الفريقين ببطلان العبادة بهذا القصد فإن صاحبه إنما قصد الرشوة والبرطيل
75

أو الاستراحة من العذاب والتنكيل ولم يقصد وجه الرب الجليل وأبطله المصنف في المعتصم والمفاتيح
وغيرهما بالنصوص وأن بعض الناس ليس درجتهم أعلى منه وليس في وسعهم القصود الآخر كما ينبه عليه
حسنة هارون بن حارجة عن أبي عبد الله (ع) قال العباد ثلاثة قوم عبدوا الله عز وجل خوفا فتلك عبادة العبيد
وقوم عبدوا الله طلب الثواب فتلك عبادة الأجراء وقوم عبدوا الله عز وجل حبا له فتلك عبادة الأحرار
وهي أفضل العبادة وزاد بعضهم القول بصحة العبادة لطلب الأغراض الدنيوية المباحة أيضا من جنابه سبحانه
كما ينبه عليه ما ورد أن صلاة الليل تزيد في الرزق والصدقة ترد البلاء وصلة الرحم تنسئ الأجل والأجود
الاستدلال بما ورد من صلوات الحوائج كالاستطعام والحبل والعافية ونحوها وورد في حقيقته ما رواه
أبو حامد مرسلا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه سئل ما الاخلاص فقال هو أن تقول ربي الله ثم تستقيم كما أمرت قال أي
لا تعبد هواك ونفسك ولا تعبد إلا ربك وتستقيم في عبادتك كما أمرت وهذا إشارة إلى قطع كل ما سوى
الله عن مجرى النظر وهو الاخلاص حقا وعن الحواريين أنهم قالوا لعيسى (ع) ما الخالص من الأعمال فقال إن
تعمل لله لا تحب أن تحمد عليه وفي الكافي عن أبي عبد الله (ع) العمل الخالص الذي لا تريد أن يمدحك عليه أحد
إلا الله وفيهما تعريض للرياء لأنه أقوى الأسباب المشوشة للاخلاص وهو عزيز المثال جدا فإنه أشد الأشياء
على النفس إذ ليس لها فيه نصيب والطريق إليه كسر حظوظ النفس وقطع الطمع عن الدنيا والتجرد للآخرة بحيث
يغلب ذلك على القلب وضده المطلق الشوب مطلقا ومن وجوهه الرياء وفي حكمه السمعة كما تقدم وهو
في الأصل من الرؤية كالسمعة من السماع مصدر كالقتال يقال رائيته مراياة أي أريته نفسي على خلاف
ما أنا عليه وفي الاصطلاح طلب المنزلة عند غيره تعالى وهم الراؤن بالعبادة وهي المرائي به فهنا قيود ثلاثة
أحدها صلوحها للرؤية فيختص الريا أو المرائي به بأحد جزئيها وهو عمل الظاهر أما الجزء الآخر وهو
النية فهو من عمل الباطن لا يتطرق إليه الريا والثاني أن يكون المقصود منفردا أو مشوبا خصوصا المنزلة
عند الرائين فلو قصد لازما آخر لم يكن مرائيا ولا فرق بين أن يكون راجحا نحو ضم قصد الحمية إلى
قصد القربة في الصوم والاعلام بالصلاة في التكبير أو اجهاره وغيره نحو قصد التبرد في الوضوء والتفرج
عن الهم والتوحش عن الأهل والتجارة في سفر الحج والخلاص عن المؤنة وسوء الخلق في العتق فإن
ذلك كله وإن شارك الرياء من وجه لكنه غيره سواء كان على وجه المشاركة أو المرافقة أو المعاونة
وكله مما يفوت به الاخلاص المطلق وفي فوات الصحة تفصيل ومحصول ما ذكره المصنف في مطولاته أنه
إن كانت الضميمة راجحة صحت مطلقا وإلا فإن كانت مشاركة أو مرافقة بطلت وإن كانت معاونة صحت
مع احتمال البطلان أيضا والمشهور بطلان عبادة المرائي ووجوب الإعادة عليه كما أشرنا إليه فيما سبق
لأنها ليست عبادة بالحقيقة وما يحكى عن السيد من الحكم بالصحة والاجزاء بمعنى سقوط الطلب عنه وإن
لم يستحق بها ثوابا فغير ظاهر الوجه والرياء يكون بأمور كثيرة وأكثرها شيوعا خمسة هي مجامع ما يتزين
به العبد للناس وهي البدن والهيئة والزي وهو اللباس والقول والعمل وقد يترائى بغيرها من الأمور
الخارجة كالاتباع والأسباب فبالبدن كاظهار النحول والذبول ليدل على قلة الأكل والنوم وكثرة الصيام
والقيام والسهر للمطالعة وتحقيق العلوم والرياضة فيدل على شدة اجتهاده في أمر الدين وبالهيئة كابقاء
أثر السجود على الجبهة ليكون من الذين سيماهم في وجوههم وتشعث الشعر اشعارا باستغراق همه بأمر الدين و
عدم التفرغ لتسريحه وعن عيسى (ع) إذا صام أحدكم فليدهن رأسه ويرجل شعره ويكحل عينيه وذلك لما يخاف
عليه من نزع الشيطان بالرياء وبالزي كلبس الصوف والشملة واختيار ما اعتاده الأشراف أو العباد أو العلماء
منه ليرى أنه منهم فيقع له محل في القلوب وبالقول كالوعظ والتذكير والنطق بالحكمة والأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر في المحاضر ليقال إنه راسخ متصلب في أمور الدين لا يخاف لومة لائم وبالعمل كتطويل الصلاة و
اطراق الرأس وترك الالتفات وتسوية القدمين وبالاتباع كالتعرض لأسباب كثرة التلاميذ أو المريدين
أو الزايرين ليقال إنه أفضل ممن عداه والناس يستفيدون منه ويتبركون بأنفاسه ودعائه وزيارته و
بالأسباب كالاكثار من جمع الكتب العلم وكتب الأوراد والأدعية واعمال السنة وتصحيحها وحفظها وتحصيل
الإجازات والأسانيد إلى المشايخ ابهاما بأنه شديد الاهتمام بالعلوم والآداب الدينية وأوسع إحاطة وأجل
شأنا من غيره والثالث أن يكون ذلك بعمل العبادة فما طلب بغير العبادة من الأفعال المباحة كصرف الهمة
إلى كثرة المال ليخرج بذلك عن مهانة الفقر إلى حشمة اليسار وحفظ الأشعار المباحة والتواريخ والأدبيات ليتميز عن العامة ويحصل له القبول والمنزلة في القلوب بذلك فخارج عن مجرى الرياء ولا يحرم طلب
المنزلة على هذا الوجه إذا لم يؤد إلى رذيلة محرمة من رذائل المال أو الجاه كالتكبر كما سبق في الكلام في الجاه
في باب حب الخمولة وكذا لا يحرم التزين بتنظيف الثوب عند الخروج إلى الناس وتسوية العمامة ونحو ذلك
لاستمالة قلوب الإخوان وتطييب نفوسهم والتحامي عن ملالتهم وملامتهم بالتقشف سيما إذا كان
مرموقا إليه متبوعا في الدين فإن العناية بميل القلوب إليه وتثبيتها عن استثقاله والتنفر عنه شديدة
وليس ذلك رياء بالعبادة بل بالدنيا كما قرره أبو حامد واستدل عليه بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله إن الله
يحب من العبد أن يتزين لإخوانه إذا خرج إليهم وأنت خبير بأن مقتضاها استحباب التزين فالوجه تسليم
كونه رياء لاندراجه في الرسم واستثناؤه من عموم التحريم بالنص وعن أمير المؤمنين (ع) ليتزين أحدكم لأخيه
المسلم كما يتزين للغريب الذي يحب أن يراه في أحسن الهيئة والعبارة لا تأبى الوجهين وآفات الرياء كثيرة
والمذكور منها خمسة أحدها التلبيس بإرائة ما يخيل إلى الرائين أنه من أهل العبادة والدين وليس
كذلك فهو بالأمر الدنيوي حرام كما لو قضى دين جماعة وأوهم إلى الناس أنه متبرع عليهم ليعتقدوه سخيا فبالأمر
الديني أولى بالتحريم وثانيها الاستهزاء عليه تعالى وفي بعض الآثار إذا زنى العبد قال الله (تع) انظروا إليه كيف
يستهزئ بي قيل ومثاله الماثل بين يدي الملك طول النهار كما جرت عادة الخدمة وإنما مثوله لملاحظة جارية
76

من جواري الملك أو غلام من غلمانه فإنه من أفحش الاستهزاء بالملك وإنما عدي في العبارة بحرف
الاستعلاء دون الالصاق كما هو الأصل لتضمنه معنى الجرأة أو الايثار وذلك بايثار رضا غيره (تع)
على رضاه فطلب المنزلة عندهم دونه وايثار تعظيم نفسه في القلوب على تعظيمه (تع) في قلبه وايثار الاحتراز
عن مقت غيره على الاحتراز عن مقته عز وجل حيث تعرض له بريائه فعن أبي عبد الله (ع) من أظهر للناس ما
يحب الله وبارز الله بما كرهه لقي الله وهو ماقت له وثالثها رد العمل فإنه (تع) يرد المشوب ولا يقبل إلا
الخالص كما في حديث الحفظة وعن أبي عبد الله (ع) قال الله أنا خير شريك من أشرك معي غيري في عمل عمله لم
أقبله إلا ما كان لي خالصا ورابعها اللوم من الملائكة في القيامة فعن النبي صلى الله عليه وآله المرائي ينادي به على
رؤس العباد يا فاجر يا كافر يا غادر يا خاسر أما استحيت إذا اشتريت بطاعة الله عرض الدنيا راقبت
قلوب العباد واستهزأت بطاعة الله وتحببت إلى العباد بالتبغض إلى الله وتزينت لهم بالشين عند الله
وتقربت إليهم بالبعد عن الله وتحمدت إليهم بالتذمم عند الله وطلبت رضاهم بالتعرض لسخط الله أما كان
أحد أهون عليك من الله وخامسها الحرمان عن الأجر المستحق بالعمل لو كان خالصا فإن من عمل للناس
كان ثوابه على الناس كما ورد عن أبي عبد الله (ع) وينقسم الرياء على وجوه متعددة بحسب اعتباره في نفسه وفي
موضوعه وهو العمل المرائي به وفي غايته المطلوبة به وهي ما يرائى له وله بحسب كل منها درجات متفاوتة
في التفاحش والأفحش باعتباره في نفسه أن لا يريد الثواب أصلا كالذي يصلي بين أظهر الناس ولو أنفرد لكأن لا يصلي وربما يصلي مع الناس من غير طهارة فهذا جرد قصده إلى الرياء وهو في غاية المقت عند الله ثم
ما فيه إرادتان الثواب والرياء جميعا ولكن الرياء غالب والثواب معاون بحيث لو كان في الخلوة لا يفعله و
لا يحمله ذلك القصد على العمل ولو لم يكن الثواب لكان قصد الرياء يحمله عليه وهذا لا يصلي من غير طهارة
وهو دون الأول لكنه قريب منه في المقت ثم ما استويا فيه متشاركين بحيث لو كان كل منهما منفردا عن
الآخر لم يبعثه على العمل فلما اجتمعا انبعث الرغبة وهذا أيضا لا يقدم عليه في الخلوة ثم ما يرجح فيه قصد
الثواب ويعاونه قصد الرياء بحيث يكون اطلاع الناس مقويا لنشاطه ولو لم يكن ذلك لكأن لا يترك
العمل ولو كان قصد الرياء وحده لما أقدم وعن أمير المؤمنين (ع) ثلاث علامات للمرائي ينشط إذا رأى
الناس ويكسل إذا كان وحده ويحب أن يحمد في كل أموره وهذا أدنى الرياء بحسب درجاته في نفسه وأما
درجاته باعتبار ما يرائي به فأفحشها الرياء بأصل الايمان بالتظاهر به تجملا إلى المسلمين مع التكذيب
به باطنا وهو النفاق المشحون بذكره الكتاب كقوله عز وجل إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد أنك لرسول
الله والله يعلم أنك لرسوله والله يشهد أن المنافقين لكاذبون وفيه الخلود في النار فإنه كفر بل
المنافق أسوء حالا وأعظم فتنة على الاسلام من الكفار المجاهدين ومن ثمة كان عذابه أشد كما قال
عز وجل أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ثم الرياء بأصل الفرايض يأتي بها في المحاضر استرضاء
للناس واحترازا عن مقتهم ويتركها في الخلوات كسلا مع التصديق القلبي بالعقائد الدينية وهذا محكوم
باسلامه في الجملة لكونه معتقدا بأصل الايمان وإنما يرائي فيما سواه من الأعمال ولو كلف بعبادة غير الله
لامتنع عنه فهو دون الأول وفيه المقت عند الله كما سبق ثم الرياء بأصل السنن والنوافل التي لا
معصية في تركها عند الله ولا عند الناس كالاختلاف إلى المساجد والآتيان بالنوافل ونحوهما
فيكسل عنها في الخلوة لفتور رغبته في ثوابها أو ايثار اللذة الراحة ويأتي بها في مشهد الناس طلبا لرضا
هم عنه المقتضي لانطلاق الألسن فيه بالمحمدة والثناء وهو أيضا عظيم ممقوت عند الله لكنه دون ما قبله
ووعيده دون وعيده واللائق فيه نصفه لأن ذلك أنما استحق ما استحقه من المقت الكبير بسببين قد
اقتصر هذا على أحدهما لايثار رضا غيره (تع) على رضاه دون ايثار الاحتراز عن مقت غيره (تع) على الاحتراز
عن مقته فجنايته على النصف من جنايته ولا يظلم ربك أحدا ثم الرياء بالأوصاف المرعية في الأعمال لا
بأصولها وهي أدون المراتب وفيها أيضا درجات متفاوتة فالأفحش المرآة بالوصف الواجب كتعديل الأركان
واتمام الطمأنينات في الصلاة في حضور الناس وتخفيفها في الخلوة ثم بالوصف المكمل لها مما تنقص الصلاة
بدونه وإن صحت كتطويلها باختيار السور الطوال في القراءة والاكثار من أذكار الركوع والسجود والآتيان
بالأفعال المندوبة وتحسين الهيئة بالتخشع وترك الالتفات والوصفان داخلان في نفس العبادة
ثم بالوصف الزايد الخارج عنها كالبكور في المسجد قبل القوم وقصد الصف الأول من الجماعة واختيار
يمين الإمام ونحو ذلك وأما درجاته باعتبار ما يرائى له فأفحشها قصد المعصية باظهار التقوى والورع
والامتناع عن الشبهات لتحسن فيه الظنون فيتمكن بذلك من مقاصده محظورة لا تتسر له إلا بها كتقلد
الوقف وتولي مال الغائب والمحجور عليه للمداهنة وهي الغش والأكل بالباطل وهؤلاء من أبغض المرائين
إلى الله إذ جعلوا طاعته سلما إلى معصيته ثم قصد المباح كنكاح الشريفة ومصاهرة العابد فيظهر
الزهد والخشوع لترغب الشريفة إلى ازدواجه أو العابد إلى تزويجه ابنته فيكون قد طلب بطاعة الله (تع)
حظ النفس ومتاع الدنيا وفي الحديث القدسي ويل للذين يختلون الدنيا بالدين لكنه دون الأول لأن
المطلوب مباح في نفسه ثم قصد التميز عن العامة لئلا ينظر إليه بعين النقص والحقارة كما ينظر إلى عوام
الناس فيتظاهر بالصلاح ليعد من الخواص فيكرم اكرامهم ويتوقر في المشي في الأسواق والشوارع العامة
وإن كان مستعجلا في حاجته لئلا يظن فيه الطيش والخفة فإن انقطعت المارة عن الطريق وصادف
خلوة جرى على عجلته وإذا حس بأحد عاد إلى تؤدته ووقاره فهذه أقسام الرياء بدرجاتها وجميعها
جالبة لمقت الله وغضبه وهو من أشد المهلكات ومن شدته أن فيه شوائب هي أخفى من دبيب
النملة السوداء على الصخرة الملساء في الليلة الظلماء حتى أنه قد يخفى على المرائي نفسه كما أن من الأمراض
الطبيعية ما قد يخفى على المريض نفسه فينبغي التنبه لذلك والاستدلال بالعلامات الدقيقة على حقيقة
77

الحال كالفرح باطلاع الغير على العبادات الخالصة التي أداها في الخلوة بينه وبين ربه مع كمال التحفظ
عن الرياء والمبالغة في الستر والكتمان ولكن لو اتفق اطلاع الناس عليها فرح بذلك ووجد في نفسه
سرورا وارتياحا فهذا الفرح يدل على عرق خفي من الرياء مستكن في القلب إذ لولا التفاته إلى الناس
لما ظهر عليه هذا الأثر من اطلاعهم على عبادته وهو من المضايق التي تتعسر جدا السلامة عنها فإن
الفرح بظهور الخير كالطبيعة الثانية ومن ثم ورد أنه معفو ففي الحسن عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال
سئلته عن الرجل يعمل العمل من الخير فيراه انسان فيسره ذلك فقال لا بأس ما من أحد إلا وهو يحب أن
يظهر له في الناس الخير إذا لم يكن يصنع ذلك لذلك وفي المحجة والحقايق أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وآله أسر العمل
لا أحب أن يطلع عليه أحد فيطلع عليه فيسرني فقال لك أجران أجر السر وأجر العلانية وربما تلتذ النفس
بهذه اللذة فتتقاضاها إذا فقدتها وتتحرك إليها حركة خفيفة فتتكلف لها سببا كالتعريض في طي الكلام
للاظهار وإن أمسكت عن التصريح به كقوله إن في جيران المسجد لعرسا كانوا يغنون البارحة إلى الصباح
يؤذن بذلك أنه كان متهجدا ليلته في المسجد وربما يقع التعريض بغير النطق من الأحوال كالخفوق في الغدوات
التي تقام لياليها وتبريد الأطراف بالماء في الأيام الصيفية التي تصام ونحو ذلك وهذا دون الأول في الخفاء
ودونه أن يجد من نفسه أنه يحب إذا رأى الناس أن يؤدي عمله على أحسن الوجوه وأكملها ويخاف أن يكون
ذلك من الرياء الممقوت فيدعوه الاحتراز عنه إلى تحسين الأداء في الخلاء أيضا لئلا يخالف أدائه في الملأ
فيكون قد سوى بين الحالين زعما منه التخلص بذلك عن الرياء الذي هو الالتفات إلى الخلق وهو في
الحالين مشغول القلب بهم وهذا سر ما ورد في الحديث النبوي لا يكمل ايمان العبد حتى يكون الناس
عنده بمنزلة الأباعر ودون الجميع أن يسوي بين الحالين في تحسين الأداء ليتزين في الأعين بما اعتاده
من طول التكلف والممارسة في الخلاء والملاء من ظهور أثر الخشوع في الأعضاء وهذا مما يكاد يلحق
بأفراده الجلية وليس هذا من التزين الذي سبق عليه الحكم بالإباحة بل هو من الرياء المحرم وإن كان
بعض أفراده أوضح منه كما أن الأمراض الطبيعية بعضها أوضح من بعض والعلاج الحاسم لجميع أنواعه
قلع أسبابه عن القلب وهي حب الجاه وحب المدح وكراهة الذم وهي أشد مما قبلها فإن الانسان قد
يصبر عن لذة المدح ولا يصبر على ألم الذم وقطع الطمع عما في أيدي الناس فإن حب المال من الدواهي
العظيمة الجارة إلى فواحش كثيرة من جملتها الرياء فالمتقيد بتصحيح مزاج ايمانه عن هذا الداء الدفين
يتحرى التدبيرات المعمولة في المعالجات الطبية فيبادر إلى قلع المادة أولا ثم الحمية واستعمال المقويات
المعيدة للاعتدال الصحي فيزيل الأسباب المذكورة بما سبق ذكره فيما سبق ويحتمي بالتزام اخفاء العمل
عن الأعين واغلاق الأبواب دونه كما تغلق الأبواب دون الفواحش حتى يقنع القلب بعلم الله واطلاعه
عليه ولا تنازع النفس إلى طلب علم غيره وهذا وإن شق في بداية المجاهدة لكن إذا استمر عليه ولو متكلفا
سقط عنه ثقله وهان عليه بتواصل ألطاف الله وما يمد به عباده من حسن التوفيق والتأييد
فعلى العبد المجاهدة ومن الله الهداية ويقوى أمره بالمداومة على ذكر فوائد الاخلاص لتشتد
إليه رغبته وآفات الرياء ليفر عنه ميله فما أقبح من لا يكتفي بنظره (تع) في ساعة من العمل المعيوب و
يتحرى نظر الخلق إليه مع علمه بأن ذلك يسقطه عن نظره (تع) وباعه بخسيس فإن لا يدري هل يحصل له
أم لا فإن المنزلة المطلوبة للمرائي غير مقطوعة الحصول وأعرض عن بيعه بثواب الدارين المرجو عند
الله بالاخلاص فإن الآخرة مبذولة لمن أخلص عمله لله وأما الدنيا فتأتيه وهي راغمة كما قال تعالى
فآتهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة وقال عز من قابل من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله
ثواب الدنيا والآخرة إشارة إلى أن المريد بعمله ثواب الدنيا مغبون محروم وأنه لو أراد به وجه الله لكان
أوفى ثوابا وأعظم نفعا وعن النبي صلى الله عليه وآله إن الله يعطي الدنيا بعمل الآخرة ولا يعطي الآخرة بعمل الدنيا وربما
حرمهما المرائي جميعا وهو الغالب وإذ قد عرفت حال إظهار العمل من جهة الرياء وأن الفرح بظهوره لا
يخلو عن شوب ما وإن كان معفوا فاعلم أنه ربما يحمدان إذا كان الملحوظ فيهما جهة أخرى راجحة من الجهات
الممكنة فتحمد الفرحة بالظهور ومن جهة دلالته على حسن نظر الله إليه ولطفه (تع) به باخفاء الذنوب
واظهار الطاعات فإنه يخفيهما جميعا ثم الله يظهر له الجميل ويستر عليه القبيح فيكون فرحه بجميل نظر الله
له لا بحمد الناس وقيام المنزلة في قلوبهم وقد قال الله (تع) قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا فهو
من الفرح المأمور به لأن إظهار الجميل مع ستر القبيح من مخايل القبول أو من جهة دلالته في الدنيا
على أنه تعالى يفعل به كذلك في الآخرة فإنه رب الدنيا والآخرة وعنايته سبحانه بعباده عظيمة فيهما
وفي الحديث النبوي ما ستر الله على عبد ذنبا في الدنيا إلا وستره عليه في الآخرة فيكون الأول فرحا
بالقبول في الحال وهذا التفات إلى المستقبل أو من جهة أنه ممن يقتدى به فيظن رغبة المطلعين
إلى الاقتداء به في الطاعة فيضاعف له الأجر بذلك فيكون له أجر العلانية بما ظهر آخر أو أجر السر بما
قصده أولا ومن اقتدى به في طاعة فله مثل أجر أعمال المقتدين به من غير أن ينقص من أجورهم شئ
أو من جهة أن المطلعين يحبونه ويثنون عليه فيكونون قد أطاعوا الله فيه إذا حبوا رجلا من أهل
الايمان والعبادة ففرحه ليس من أجل محبتهم له من حيث إنها محبة له بل فرح بحسن ايمان عباد الله
حيث إنهم يثابون بمحبته والثناء عليه ويعرف الاخلاص في هذا النوع الذي هو من محال الغرور بتسوية
مدحه ومدح صالح غيره في الفرح بهما ومقداره فإن فقدت التسوية فليعلم أنها من مكايد الشيطان ويحمد
الاظهار فيما يمكن اخفاؤه من الأعمال للترغيب إن كان من أهله سواء كان بنفس العمل كالصدقة في الملأ
أو التحدث به بعد ذلك ما تحفظ عن الزيادة فورد في المتفق عليه من سن سنة حسنة فله أجرها و
أجر من عمل بها إلى يوم القيامة ونقل عن كثير من السلف التظاهر بالعمل لذلك فإن النفوس العامية
78

متشوقة إلى التشبه والاقتداء بل إظهار المرائي للعبادة إذا لم يعلم أنه رياء فيه خير كثير للناس وإن
كان شرا لنفسه فكم من مخلص كان سبب اخلاصه الاقتداء بمن هو مرائي عند الله ويحكى أنه كان يجتاز
الانسان في سكك البصرة عند الصبح فيسمع أصوات المصلين بالقرآن من البيوت فصنف بعضهم
كتابا في دقايق الرياء فتركوا ذلك وترك الناس الرغبة فيه فكانوا يقولون ليت ذلك الكتاب لم يصنف
وفي الحديث إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم في الآخرة ومن وظيفة المظهر
أن يراقب قلبه فإنه ربما يكون فيه حب الرياء الخفي فيدعوه إلى الاظهار بعذر الترغيب والاقتداء وإنما
شهوته التجمل بالعمل ويعرف الصدق بأنه لو قدر اقتداء الناس بغيره واستواء أجر السر والاعلان لما
رغب فيه وإن وجد من نفسه الرغبة عند عرض ذلك عليها فليعلمها كاذبة في الاعتذار وكذا
يحمد كتمان المعاصي لا لأن يعتقد فيه الورع رياءا بل للتحامي عن الهتك المذموم عقلا أو لأن
الستر مأمور به شرعا كما تقدم التنبيه عليه وفي الحديث النبوي من ابتلي بشئ من هذه القاذورات
فليستره بستر الله فهتك الستر معصية ثانية تنضاف إلى الأولى واخفاؤها من قوة الايمان
لكراهة الله ظهورها ويعرف الصدق فيه بكراهة ظهورها عن الغير أيضا على حد كراهته من نفسه
أو لأنه إذا افتضحت مساويه لا تنفك الألسن أن تناله بالمذمة والوفيعة فيه وهو يتألم بالذم فإنه
مؤلم للطبع كما أن الضرب مؤلم للبدن فيكتم ذنوبه ويكره الفضيحة حذرا أن يذم بها ويتألم بسببه و
لا ضير في ذلك فهو مباح في نفسه لكونه جبليا وإن كان الخواص منخلعين عنه أو لأن الناس شهداؤه
يوم القيامة كما ورد أن الناس شهداء بعضهم على بعض فيكره اطلاعهم على فضائحه حياء من شهادتهم عليه
يوم يقوم الأشهاد أو لأن المذمة من لوازم الافتضاح كما ذكر والذام يصير عاصيا فيكره الافتضاح من
حيث استلزامه معصية الذام لا من حيث استلزامه ذمه ويعرف الصدق فيه بتسوية ذمه وذم
غيره في الكراهة ومقدارها لاستوائهما في المعصية كما سبق أو لخوف أن يقصد بسوء ممن يطلع على دخيلة
ذنبه ومنه الحد والتعزير كما تقدم أو للحياء فهو كرم الطبع من الأخلاق الفاضلة لأن الملكة الموجبة
لانكسار النفس إذا استشعر منها ما تلام عليه وفي حديث آدم (ع) أنه والدين من لوازم العقل وفي
الحديث النبوي الحياء خير كله وفيه الحياء شعبة من الايمان وفيه الحياء لا يأتي إلا بالخير والفاسق
الوقح الذي لا يستحي من ظهور فسقه وتسامح مع الناس به أسوء حالا وأعظم فتنة من المستحي المستتر به إلا
أنه والرياء متشابهان والفرق بينهما عسر جدا وأكثر المرائين يزعمون أن الداعي إلى تحسينهم العبادات
في المرائي إنما هو الحياء من الناس فيستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وأحسن فارق بينهما
الوجدان السليم وقد علم من الرسم أن انكسار النفس عن مثل الوعظ والإمامة وسؤال العالم وتغليظ
القول على الذين يتعاطون المنكرات ونحو ذلك مما لا ملامة فيه ليس من الحياء المحمود وإنما هو من ضعف
القلب وقلة الاحتمال ويحمد ذلك في النساء والصبيان أو لأن لا يقتدي به الغير فإن النفوس متشوقة
إلى التشبه كما مر سيما في الشهوات وسيما أتباعه المتطلعين إلى أحواله فإنهم لا يكتفون بما أتاه بل يزيدون
ومن الأمثال المنظومة إذا كان رب البيت بالدف مولعا فشيمة أهل البيت كلهم الرقص أو للتحامي
عن انصراف القلوب عنه لاطلاعهم على باطن أمره من حيث حبه محبة الناس له لا للتوصل بذلك إلى معصية
بل ليعلم منه محبة الله له فيفرح بفضل الله ورحمته كما أمر ويقوى رجاؤه فإن من أحبه (تع) جعله محبوبا
في قلوبهم كما ورد لكنه لا ينعكس كليا لكونه موجبة كلية فلا يتم به الاستدلال
باب الصدق وهو مطابقة
الواقع في جميع الأحوال ويتعدد وجوهه بتعددها ومجامعه ستة ولفظ الصدق يطلق على كل منهما بالتشكيك
ويقابله فيها جميعا الكذب وأدناه الصدق في القول وما يجري مجراه في كل حال من الرضا والغضب و
العسر واليسر وغيرها سواء تعلق بالماضي أو الحال أو المستقبل وهو من أهم ما تجب
المحافظة عليه فإن الكذب تضييع لأوضح الخواص الانسانية وهو النطق وابطال لفائدته ومن ثم
ورد في الأمر بصدق الحديث ما ورد وكماله بأمرين أحدهما ترك المعاريض وهي جمع معراض كمفتاح
الكلمات الموري فيها بالقصد إلى معنى غير ما يتبادر إلى الفهم من ظاهر اللفظ من غير ضرورة دينية
أو دنيوية والمراد بها المصلحة الراجحة شرعا أو عقلا وإن لم تبلغ حد الاضطرار مثل تأديب الصبي
وتهديد الغلام وفي الحديث أنه (ع) قال لبعض غلمانه والله لأن قصرت في العمل لأضربنك ضرب
الحمار فقيل له وما ضرب الحمار قال ضربة خفيفة حد ما يستقيم على الجادة وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان إذا
توجه إلى غزو قوم ورى بغيرهم لئلا يبلغهم الخبر فليستعدوا والمعاريض في كلام أئمتنا صلى الله عليه وآله كثيرة
وأغلبها لمصلحة التقية وعنهم (ع) أنه لن يستكمل المؤمن حتى يفهم معاريض كلامنا وأن الكلمة منا لتنصرف
على سبعين وجها لنا في كل منها المخرج وربما يعد من المصلحة الراجحة تطييب قلوب الحاضرين بالمزاح
كقوله صلى الله عليه وآله لن يدخل الجنة عجوز وقوله الذي في عينه بياض ونحو ذلك وبدونها لا يجوز قطعا حذرا من
محذور الكذب وهو تفهيم الخلاف في المتكلم وكسب القلب صورة كاذبة في المخاطب وقد رخص في
الكذب في الحرب والاصلاح ومع الأهل فعن أبي عبد الله (ع) كل كذب مسؤول عنه صاحبه يوما إلا كذبا
في ثلاثة رجل كايد في حربه فهو موضوع عنه أو رجل أصلح بين اثنين يلقي هذا بغير ما يلقي به هذا و
يريد بذلك الاصلاح بينهما أو رجل وعد أهله شيئا وهو لا يريد أن يتم لهم ومع ذلك فليتحفظ
على التورية من يحسنها كما في قول إبراهيم (ع) بل فعله كبيرهم هذا فسئلوهم إن كانوا ينطقون وقول يوسف (ع)
إنكم لسارقون أي سرقتم يوسف من أبيه وكانا يريدان الاصلاح كما ورد ويأتي لهذا تتمة في باب الكلام
والآخر رعايته معه تعالى في الألفاظ التي يناجيه بها فمن قال وجهت وجهي لله والمتمكن في قلبه سواه أو
قال إياك نعبد أو أنا عبدك وهو يعبد الدنيا فهو كاذب في دعوته إذ التوجه ليس إلا انصراف وجه القلب إلى
79

الشئ ويمتنع ذلك إلا بعد تفريغه عن غيره والعبادة هي التذلل والانقياد وفي الحديث من اصغي إلى ناطق
فقد عبده فالمتقيد بالدنيا المتذلل لها عابد لها لا لله والعبودية هي تصحيح النسبة إلى المولى بصدق القصد إليه
في سلوك طريقه فالمصحح نسبته إلى الدنيا عبد لها وإنما عبد الله من تحرز عن قيد الدنيا واستخلص نفسه لله
عز وجل ومن ثم كان كثيرا يخاطب عيسى (ع) أصحابه بقوله يا عبيد الدنيا وعن النبي صلى الله عليه وآله تعس عبد الدنيا وتعس
عبد الدرهم وعبد الحلة وعبد الخميصة ثم الصدق في النية كما مرت الإشارة إليه بتمحيضها له عز وجل وهو الاخلاص
فالشوب يفوته يقال رمان صادق الحلاوة أي محضها غير مشوب حلاوته بشئ من الحموضة ثم الصدق في العزم
وهو جزم قوي على الخير في زمان مستقبل عند التمكن من سببه كالتصدق والعدل إن نال مالا أو ولاية
فهذه العزيمة قد يصادفها تصميم ورسوخ وربما يكون فيها نوع ميل وتردد وضعف فالصدق هنا عبارة
عن التمام والقوة كما يقال لفلان شهوة صادقة ويقال هذا المريض شهوته كاذبة مهما لم تكن شهوته
عن سبب ثابت قوي ثم الصدق في الوفاء بالعزم فالنفس قد تسمح بالعزم في الحال إذ لا مشقة فيه و
المؤنة خفيفة فإذا حققت الحقايق وحصل التمكن وهاجت الشهوات انحلت العزيمة وغلبت الشهوة
فتبرد النفس وتفتر رغبتها إلى الموعود وتتوانى بالوفاء فتخلف كما قال (تع) ومنهم من عاهد الله لئن أتانا من
فضله لنصدقن ولنكونن من الشاكرين فلما أتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون ومدح الموفين
بقوله من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا
ثم الصدق في العمل وهو تسوية السر والعلانية بأن يجتهد حتى لا تدل أعماله الظاهرة على أمر في باطنه لا
يتصف هو به لا بأن يترك العمل ولكن بأن يستجر الباطن إلى تصديق الظاهر وهو غير ما تقدم من ترك الرياء
لأن المرائي هو الذي يقصد ذلك لأجل الخلق وهذا ربما لا يقصد ذلك فكم واقف على هيئة الخشوع في صلاته ليس
يريد مشاهدة غيره ولكن قلبه غافل عن الصلاة فمن نظر إليه رآه قائما بين يدي الله وهو بالباطن قائم في
السوق بين يدي شهوة من شهواته ومن هنا قيل كم طائف يطوف بالبيت وهو بخراسان فهذه أعمال تعرب بلسان
الحال عن الباطن اعرابا هو فيه كاذب وكذا الماشي على هدو واطمئنان إن خلا باطنه عن الوقار فهذا غير صادق
في عمله وإن لم يكن ملتفتا إلى الخلق ولا مرائيا لهم ولا ينجو من هذا إلا من سوى بين سريرته وعلانيته بل ينبغي
للحازم أن يجتهد أن تكون سريرته خيرا من العلانية كما ورد في الدعاء النبوي اللهم اجعل سريرتي خيرا من علانيتي
واجعل علانيتي صالحة ثم الصدق في مقامات الدين من الخوف والرجاء والزهد والتوكل والصبر ونحوها فإن
لهذه المقامات مبادي يطلق الاسم بظهورها ثم لها غايات وحقايق والصادق المحقق من نال حقيقتها وبلغ
غايتها ولذلك علامات ولوازم غير منفكة إذا شوهدت استدل بها على بلوغ الغاية ودرك الحقيقة في
ذلك المقام ففي مقام الخوف مثلا يستدل على الصدق بصفرة الوجه وقلق الباطن وترك المعاصي واللذات
وإقامة الطاعات فإذا وجد المراقب هذه العلامات من نفسه فليعلمها صادقة فيما تدعيه من مقام الخوف أي
بالغة غايته متجاوزة عن المرتبة التي يشترك فيها آحاد المؤمنين إذ ما من عبد يؤمن بالله إلا ويخافه
خوفا يطلق عليه الاسم وقس على هذا معنى الصدق في غيره من المقامات وقد يكون العبد صادقا في بعض
المقامات دون بعض وببعض المعاني الست المذكورة دون آخر فيكون صادقا كاذبا من وجهين وقد
يكون صادقا في أكثرها فهو صديق بالإضافة إلى من هو أقل صدقا والصديق المطلق من يتصف بالجميع و
هي الغاية في الصدق فعن أبي جعفر (ع) إن الرجل ليصدق حتى يكتبه الله صديقا وليس يتخلل بينها وبين النبوة
مرتبة كما ينبه عليه قوله سبحانه إنه كان صديقا نبيا وقوله عز شأنه أولئك مع الذين أنعم الله عليهم
من النبيين والصديقين والشهداء
باب التوحيد والتوكل ولكل منهما مراتب مترتبة وأدنى
رتب التوحيد محض القول اللساني من غير اعتقاد للقلب عليه وهو من النفاق والعياذ بالله منها
سواء كان معتقدا لخلافه أم غافلا خالي الذهن ولا يفيد بحال صاحبه شيئا إلا عصمة الدم والمال
في الدنيا فورد في الحديث النبوي إني أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها
عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وأما في الآخرة فحاله أشد من حال الكفار المكاشفين كما مرت الإشارة
إليه ثم التصديق القلبي أما بالتقليد كما للعامي وأما بالاستدلال كما للمتكلم فإنه وإن كان أقوى علما من
العامي إلا أنهما متشاركان في أصل المرتبة ولا يتميز عنه المتكلم إلا بالحيلة الدافعة تشويش المبتدعة وهي القدرة
على صنعة الجدل والنظر في العقايد على طريق الفلاسفة من ترتيب المقدمات واستنتاج النتايج منها ومراعاة
قوانين الميزان في صور الأفكار وهي وإن كانت من محدثات الأمور كما سبق التنبيه عليها إلا أنها صارت
اليوم مما لا بد منه ومن ثم يقال بوجوبها كفاية حراسة لقلوب العوام عن تشكيكات المشككين وإنما
حدث ذلك بحدوث الشكوك والبدع كما حدثت حاجة الحجاج إلى استيجار البدرقة في الطريق لحدوث ظلم
العرب وقطعهم الطريق ولو تركت العرب عداوتهم لم يكن استيجار الحراس من الشروط ويفيد في الآخرة النجاة
من الخلود في النار إذ لا يخلد فيها من كان في قلبه مثقال ذرة من الايمان ثم مشاهدة ذلك بطريق الكشف
بواسطة نور الحق كما في الحديث أن المؤمن ينظر بنور الله وهو الذي يقذفه في قلب من يريد أن يهديه كما مر و
هو مقام المقربين وذلك بأن يرى أشياء كثيرة لكن يرى صدور الكل من الله (تع) إذا انكشف له أنه لا فاعل
بالحقيقة إلا هو لا أنه كلف نفسه أن تعتقد ذلك كالعامي والمتكلم وهو أول مراتب اليقين ويفيد اعتماد القلب
عليه سبحانه وانقطاعه عما سواه وهو التوكل فهو حال حال ينشأ من علم هو ثالث المراتب التوحيد فهي المقصودة
بالبيان لأنها التي يبتني عليها التوكل الذي هو من أصول المطهرات في موضوع الكتاب وما عداها فمذكور
استطرادا أو من باب المقدمة وهو الوجه في ادراجه في العنوان أيضا وقد تقدم ما هو أبلغ منه فتأمل
ثم رؤية عدم ما سواه (تع) فلا يحضر في شهوده غير الواحد ولا يرى الكل من حيث إنه كثير بل من حيث إنه
واحد وهي الغاية القصوى في التوحيد وتفيد الاستغراق به والغيبة عن الغير حتى عن نفسه وهو الذي يسميه
80

الصوفية الفناء في التوحيد فإنه من حيث لا يرى إلا واحدا لا يرى نفسه أيضا ويقال إن القائل ليس في جبتي
سوى الله إنما عنى هذه المرتبة من التوحيد إذ نفى نفسه وأثبت ربه كما قال القائل انرا كه فنا شيوه وفقرايين
است ني كشف ويقين نه معرفت ني دين است رفت أو زميان همه خدا ماند خدا الفقر إذا تم هو الله
أين است وبهذا يفرق بينه وبين من قال إنا ربكم الأعلى وما علمت لكم من إله غيري إذا ثبت هذا نفسه و
نفى ربه واستيفاء القول في هذه المرتبة مما لا يهم في المطلوب إذ هي فوق التوكل والمرتبط بالتوكل إنما هو ما
قبلها كما مر فمن أيقن أنه لا فاعل إلا الله وأن كل ما هو موجود من خلق ورزق وعطاء ومنع وحياه و
موت وغنى وفقر إلى غير ذلك فالمتفرد بابداعه واختراعه هو الله وحده لا شريك له كان منه خوفه وإليه
رجاؤه وبه ثقته وعليه اتكاله من غير نظر ولا التفات إلى غيره والالتفات إلى الغير يكون لأحد سببين
أما لضعف اليقين بالتوحيد المذكور بحيث لا يقوى على رفعه بالكلية أما لتطرق الشك بسبب ما يشاهد
من الأغيار من أفعالهم الاختيارية فيختلج بالبال أنه كيف يكون الكل من الله وهذا الانسان يعطيك
رزقك باختياره فإن شاء أعطاك وإن شاء منعك وهذا قادر عليك إن شاء قتلك وإن شاء عفى
عنك ونحو ذلك وهذا إشارة إلى وجود المانع أو عدم غلبة اليقين بحيث يثبت له الاستيلاء على القلب
وهذا إشارة إلى نقص المقتضي وهما يكونان غالبا في بداية الحال قبل تمام التحصيل ويرجى زوالهما
بالرياضة والاستكمال وأما للضعف الجبلي والخور الفطري في القلب بسبب الأوهام الغالبة عليه
بحيث لا يرجى اصلاح حاله وإن بولغ في رياضته وتكميله ما بولغ فإن القلب قد ينزعج تبعا للوهم
وطاعة له من غير نقصان في اليقين كالجبان مطيع الوهم فإنه ربما لا يطيق البيتوتة في بيت خال وثيق
الأغلال مع يقينه بأنه لا عدو ثمة أو في بيت فيه ميت مع يقينه بأنه جماد لا حراك به وعدم نفرته عن
سائر الجمادات فالتوكل لا يتم إلا بقوة القلب وقوة اليقين جميعا إذ بهما يحصل سكون القلب و
طمأنينته وكم من يقين لا طمأنينة معه كما قال سبحانه لخليله أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي فالتمس
أن يشاهد احياء الميت بعينه ليثبت اليقين في خياله فإن النفس تتبع الخيال وتطمئن به ولا تطمئن
باليقين في أوائل الحال وإنما تصير مطمئنة في أواخرها وأدنى رتب التوكل أن يعتمد المتوكل على الله
اعتماد الموكل على الوكيل الذي يختاره لكفاية مهم من مهماته عنه فإنه لا يستريح إليه إلا بعد الوثوق لشفقته
لتكون باعثة له على بذل كل المجهود في نصرته ورعايته وقدرته على انجاح ذلك المهم على وجه تقتضيه
مصلحة الحال بحيث لا يمنعه جبن ولا حياء أو صارف أخر من الصوارف المضعفة للقلب عن إقامة المصلحة
والاصرار عليها وعلمه بمواقع الصلاح والفساد حتى لا يخفى عليه من غوامض الأمر الموكل فيه شئ أصلا
لئلا يغلبه الخصم بالتلبيس أو يخبط هو بجهله فإذا أيقن الموكل بهذه الخصال الثلاث في وكيله قوى وكوله
عليه ومهما شك في شئ منها أو ضعف يقينه به ضعف الوكول وقل الاعتماد واضطربت النفس على حسبه
وهذا بعينه حال المتوكل في قوة يقينه أو ضعفه بعلمه (تع) وقدرته وعنايته بعباده واختلاف توكله
قوة وضعفا بحسب ذلك ثم إن يعتمد عليه اعتماد الطفل الصغير على الأم فإنه لا يعرف غيرها ولا يفزع إلى
سواها فإن رآها تعلق بذيلها وإن نابه أمر في غيبتها كان أول سابق إلى لسانه وخاطرة ذكرها فإنها
مفزعة أو وثق بكفالتها وكفايتها وشفقتها ثقة ليست خالية عن نوع ادراك بالتميز الذي له ولو طولب
بتفصيل هذه الخصال لم يقدر على تلفيق لفظها ولا على احضارها مفصلة في ذهنه فمن كان تألهه إلى الله
ونظره إليه كلف به كما يكلف الصبي بأمه فيكون متوكلا وهذه تفارق الأولى بوجهين أحدهما عدم الالتفات إلى الاعتماد فإن هذا المتوكل قد فنى في توكله عن توكله فلا التفات له إلا إلى المتوكل عليه فقط
استغراقا به عن غيره كاستغراق الصبي بالأم بخلاف الأول فإن له التفاتا إلى توكله وذلك شغل صارف
عن ملاحظة المتوكل عليه وحده والآخر ترك التدبير فإن الصبي لا يرى لنفسه مع الأم مصلحة بل مفوض
أمره كله إليها وأما الموكل فإنه ربما يشير على الوكيل ويعرفه وجوه المصالح ويأمره بالتحفظ عليها
ثم إن يكون بين يدي الله في حركاته وسكناته كالميت بين يدي الغسال لا يفارقه إلا في أنه يرى نفسه ميتا
وتحركه القدرة الأزلية كما تحرك يد الغاسل الميت وهو الذي قوى يقينه بأنه (تع) مجري الحركة والقدرة والعلم
والإرادة وسائر الصفات فيكون عين الانتظار لما يجري عليه وهذه تفارق الثانية بترك الالتفات مطلقا
فإن الصبي يفزع إلى أمه ويصيح ويتعلق بذيلها ويعدو خلفها والميت لا حراك به بل مثال هذا مثال
صبي علم أنه وإن لم يزعق بأمه فالأم تطلبه وإن لم يتعلق بذيلها فهي تحمله وإن لم يسأل اللبن فهي تفاتحه
وتسقيه وهذه المرتبة من التوكل تثمر ترك الدعاء والسؤال ثقة منه بكرمه (تع) وعنايته وهي أندر وقوعا من
الأولتين وأقل بقاء منهما لأن حصول اليقين المؤدي إليها نادر جدا وإذا حصل كان كالبرق الخاطف
لا مطمع في دوامه فهي تشبه صفرة الوجل وحمرة الخجل ثم الثانية فهي كصفرة المحموم قد تدوم يوما أو يومين
ثم الأولى فهي كصفرة مريض استحكم مرضه فلا يبعد أن يدوم ولا يبعد أن يزول وعن سهل أنه سئل عن التوكل
ما أدناه قال ترك الأماني قيل ما وسطه قال ترك الاختيار قيل فما أعلاه فلم يذكره قال لا يعرفه إلا من
بلغ أوسطه إشارة إلى عزة مثالها وبعدها عن الأفهام العامية لندرة وقوعها وعدم أنسهم بها و
جداوة حبه (تع) كما قال عز من قائل إن الله يحب المتوكلين وكمال الايمان كما قال وعلى الله توكلوا إن كنتم مؤمنين
والتفرغ للعبادة بالاعراض عن الالتفات إلى ما يشغل عنها وكفايته (تع) فعن أبي عبد الله (ع) من أعطى التوكل
أعطى الكفاية ثم قال أتلوت كتاب الله عز وجل ومن يتوكل على الله فهو حسبه وعن النبي صلى الله عليه وآله لو أنكم تتوكلون
على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا أي تخرج جياعا وتعود شباعا والطريق
إليه في باب الرزق والكسب أن يعلم أمورا بالنظر في مقدماتها أحدها أن المقدر المقسوم في علم الله الأزلي
لا يتغير بعلاجات المخلوقين وتدبيراتهم مما لم يثبت أن لها مدخلا في البدا فلا يترتب عليه فائدة والثاني
81

إن المطلوب من متاع الدنيا هو العدة على الطاعة بتقوية البدن وتغذيته ورعايته وتعهده بما يصلحه
ويعينه كالناقة التي تعلف في طريق الكعبة ليبلغ بها إلى الوجه المقصود وهو (تع) قادر على اعطائها بسبب حاصل
من الطلب من المستعد وبدون ذلك السبب بل بسبب آخر يسببه إن شاء فاللايق الانقطاع إليه (تع)
ليعطي كيف شاء بأي سبب شاء والثالث أن التعلق بالأسباب والالحاح في السعي إن كان للتشوق إلى الغناء
وتحصيل ما يزيد على قدر الضرورة فربما يكون في ذلك فساد حاله إذ الصلاح مستور وارتكاب المشاق فيما
لا يدري أنه نفع أو ضرر جهل وسفه وإن كان لقدر الضرورة فقد كفل الله (تع) ذلك في قوله سبحانه وما من دابة
في الأرض إلا على الله رزقها فإنه ضمان للرزق من غير تعليق كما في آية المغفرة فإن كان لا يثق بذلك فما أقبح
من يثق على قول سوقي بعد الاقراض والضيافة ولا يثق على ضمانه (تع) ومثل هذا في غاية البعد عن الفلاح
لضعف ايمانه ووهن عقيدته وينبغي أن يبتدئ بتقويم حاله وتقوية ايمانه إلى أن يترقى إلى مرتبة اليقين
فيترشح لمقام التوكل والانخراط في سلك المتوكلين إلا أنه سبحانه أبى أن يجري الأشياء إلا بالأسباب
فجعل لكل شئ سببا كما ورد في حديث أبي عبد الله (ع) فلا يكاد يقع شئ في هذا العالم إلا
بسبب ظاهر أو خفي وفي حديث آخر عنه (ع) أحب الله لعباده أن يطلبوا منه مقاصدهم بالأسباب فمن تمام الأدب أن يتسببوا بها كما سببها لهم وأمرهم بذلك تحقيقا لحكمته عز وجل
في خلق الأسباب والمسببات والارتباط بينهما كما في حديث موسى (ع) أنه مرض فوصف بنو إسرائيل
له دواءا فقال لا أتداوى حتى يعافني الله من غير دواء فطالت عليه فأوحى إليه فتداوى فلما
برئ أوحى الله إليه أردت أن تبطل حكمتي بتوكلك علي فمن أودع العقاقير منافع الأشياء غيري
وقد مضت رواية أخرى في هذا المعنى أو هي هي فتحصيل الأسباب لا ينافي التوكل إذا كانت
مباحة لم يسكن إليها بل يكون سكونه إلى الله الذي خلقها وأمر بها مع تجويز أن يؤتيه الله
مطلوبه من حيث لا يحتسب دون هذه الأسباب وأن يقطع الله هذه الأسباب عن
مسبباتها ولم يستقص فيها بل أجمل في الطلب كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنه لن تموت نفس حتى
تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء شئ من الرزق أن تطلبوه
بمعصية الله وعن أبي عبد الله (ع) ليكن طلبك المعيشة فوق كسب المضيع ودون طلب الحريص
وقال إذا فتحت بابك وبسطت بساطك فقد قضيت ما عليك سواء في ذلك السبب المقطوع
به وهو ما جرت سنته (تع) بتوقف المسبب عليه جريانا مطردا لا يتخلف كمد اليد إلى الطعام
وتناوله ومضغه وابتلاعه فإن هذا القدر من السعي والحركة مما لا يسوغ الامتناع عنه
للجوعان وإن كان متوكلا وانتظاره أن يخلق الله فيه شبعا من دون الخبز أو يخلق في الخبز
حركة إليه أو يبعث ملكا ليمضغه ويوصله إلى جوفه سفه وجهل بسنة الله وليس من التوكل
في شئ نظير أن يطمع في أن يخلق الله له نباتا من غير بذر أو تلد زوجته من غير وقاع بل التوكل
هنا أن يكون ساكن القلب معتمدا على فضل الله في خلق الطعام له واقداره عليه والسبب
المظنون وهو ما جرت السنة الغالبة فيه بالتوقف وإن احتمل بعيدا حصوله دونه لوقوع
التخلف فيه أحيانا كالكسب للتحامي عن ذل السؤال ومنة المخلوقين فإن البطالين من أبغض
خلق الله خصوصا من لم يكن مشتغلا في فراغه بعلم أو عبادة وإن أمكن عثوره بغتة
على كنز وكذا حمل الزاد للسفر في البوادي المقفرة كما يؤثر من سيرة الأولين من الذين مقامهم
فوق التوكل ومثله اتخاذ البضاعة بقدر الكفاية للتاجر بشرط أن يكون الاعتماد في
جميع ذلك على فضل الله سبحانه ويعرف ذلك بتسوية حاله عند وجود ذلك الأسباب
وفقدها فلو تعوق كسبه أو سرق زاده أو بضاعته كان سكون قلبه واطمئنان نفسه
واتكاله على ربه مثل ما كان قبل ذلك علما منه بأن الله لا يقضي على عباده إلا ما
هو الأصلح لهم وتوطينا لنفسه على أن غاية الأمر أن يموت جوعا ولا ضير في ذلك فإن
الجوع سبب من أسباب الموت الذي لا محيص عنه فيكون راضيا بما ارتضاه الله له وكذا لا
ينافيه الادخار في الجملة كما لا ينافي الزهد كما علمت ولا سيما من المضطر وهو من لا يكسب
ولا يأخذ من الأيدي فإن استشعر في نفسه اضطرابا يشغل قلبه عن العبادة والذكر والفكر
فادخار ما انساق إليه بإرث أو نحوه من الأسباب الاتفاقية أولى له من تفريقه واخراجه
من يده ولو في سبيل الله بل لو أمسك ضيعة يكون دخلها وافيا بقدر كفايته وكأن لا يتفرغ قلبه إلا به فذاك له أولى لأن الغرض اصلاح القلب ليتجرد لذكر الله ورب شخص
يشغله وجود المال ورب شخص يشغله عدمه والمحذور ما يشغل عن الله وإلا فالدنيا في
نفسها ليست محذورة لا وجودها ولا عدمها كما مرت الإشارة إليه وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وآله
إلى أصناف الخلق وفيهم التجار والمحترفون وغيرهم فلم يأمر التاجر بترك تجارته ولا المحترف
بترك حرفته ولا التارك لهما بالاشتغال بهما بل دعا الكل إلى الله وأرشدهم إلى فوزهم و
نجاتهم في انصراف قلوبهم عن الدنيا إلى الله وعمدة الاشتغال بالله هو القلب فصواب
الضعيف الادخار كما أن صواب القوي تركه وأما حده فللسنة للمعيل كما سبق تطييبا
لقلوب الضعفاء من عياله والزيادة مبطلة لتوكله لأن أسباب الدخل تكرر بتكرر
السنين غالبا ولا قل منها بقدر الأمل من غيره والفضل لقصره فكلما كان أقصر كان
أفضل والتحديد للأربعين لا يعرف له وجه وروي أن رسول الله صلى الله عليه وآله ادخر لعياله
قوت سنة ونهى أم أيمن أن تدخر له شيئا لغد ونهى بلالا عن كسرة خبز ادخرها ليفطر
82

عليها وقال أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش اقلالا قال أبو حامد وليس الكوز والسفرة
وما يحتاج إليه على الدوام في معنى ذلك فادخاره لا ينقص الدرجة وإنما ذلك في المأكول وكل
مال زائد على قدر الضرورة وأما السبب الموهوم وهو ما يتوهم افضاؤه إلى المسبب من غير
وثوق تام كالاستقصاء في التدبيرات الدقيقة في وجوه الاكتساب فمخرج بالكلية عنه وإن
كان ظاهر الإباحة هذا تفصيل الحكم في مباشرة أسباب تجلب الرزق وفي معناه كل منفعة
مطلوبة وكذا الكلام بعينه في مباشرة أسباب يدفع الضرر فلا ينافيه أن كان السبب مقطوعا
به كالشرب لدفع العطش أو مظنونا كالحجامة لدفع الدم الفاسد والاسهال لدفع الأخلاط الفاسدة
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يكتحل كل ليلة ويحتجم كل شهر ويشرب الدواء كل سنة وكالتحرز عن
النوم في مكمن السباع وممر السيل وتحت الحايط المايل والسقف المنكسر فإن ذلك كله تغرير
بالنفس وقد نهى الله عنه بقوله عز وجل ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة فالاحتراز عنها لا ينافي
التوكل وكأخذ السلاح للعدو كما قال سبحانه وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم وكالاستتار عنه
كما أمر أمة موسى (ع) بقوله فاسر بعبادي ليلا فإن المسير بالليل اختفاء وكما استتر رسول الله صلى الله عليه وآله
في الغار عن عيون الأعداء وكعقل البعير كما أمر النبي صلى الله عليه وآله الأعرابي لما أهمل عقل ناقته وقال
توكلت على الله فقال اعقلها وتوكل على الله وفي معناه غلق الباب واستيداع الأمين
فكلها أسباب مظنونة لا يخرج مباشرتها عن التوكل بخلاف السبب الموهوم كالرقية بضم
الراء وسكون القاف وهي ما يرقي به صاحب الآفة النازلة والمترقبة غير دعاء ولا قرآن
وورد ما توكل من استرقى ويأتي فيه كلام في كتاب الجنائز وكذا الطيرة كعنبة وهي ما
يتشاءم به من الفال الردي وقد كانت معمولة عند العرب في الجاهلية فأبطلها الاسلام و
الأصل فيه أنهم كانوا إذا أرادوا غزو قوم عمدوا في طريقهم إلى ما يرون من أوكار الطيور
فيزعجونها ويطيرونها عنها يتفألون بذلك لتفريق العدو والابعاد من المنزل أو أنها
إن أخذت يمينا تيمنوا وذهبوا يمينا في الحاجة وإن أخذت شمالا تشأموا ورجعوا
ثم استعمل هذا اللفظ في مطلق الفال سواء كان بإطارة الطيور عن أعشاشها أو بغير
ذلك مما كانوا يتفألون به مثل نعب الغراب واقعاء الذئب واعتراض الصيد وغيرها
ثم خص بالفأل الردي وقد تقدم أنها لا يسلم منه أحد وفي الحديث أن علاجها التوكل
والمراد بها هنا الفال الجيد استدفاعا للآفة الواقعة أو المترقبة
باب تطهير السر عما
سوى الله من الأشغال الملوثة للباطن المعلومة مما سلف ومن ثم اقتصر على بيان التطهير
عنها على الوجه الكلي وهو إنما يحصل بمحبة الله عز وجل وهي من ثمرات معرفته فورد عن أبي عبد الله (ع)
حب الله إذا أضاء على سر عبد خلاه عن كل شاغل وكل ذكر سوى الله والمحب أخلص الناس
سر الله وقال أمير المؤمنين (ع) حب الله نار لا يمر على شئ إلا احترق الحديث والمحبة أعظم
المقامات الدينية إذ ما بعدها مقام إلا وهو ثمرة من ثمراتها كالشوق والأنس وأخواتهما
ولا قبلها مقام إلا وهو مقدمة من مقدماتها كالزهد والصبر ونحوهما وألذ اللذات
العقلية فإنها من مساوقات المعرفة التي لا يعرف فوقها لذة كما يأتي وأما لذتها في نفسها
فمن الوجدانيات التي لا يؤمن بها إلا أهلها ويتعذر تعريفها بالبيان لغيرهم كما يتعذر تعريف
لذة الوقاع للعنين بالوصف وأهم المهمات ففي الحديث النبوي بأسانيد متعددة وألفاظ
متقاربة لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما والمحبة في الأصل هي
ميل النفس إلى الشئ الموافق لها فإن النفس تميل إلى ما يوافقها كما يميل الصبي إلى الصبي والصالح
إلى الصالح ولها في ادراكه لذة وكلما كان الشئ أوفق كان أحب والميل إليه أكثر والتذاذ
النفس بادراكه أعظم ومن تتفاوت درجات المحبة والميل إلى الأشياء بحسب تفاوتها في مراتب
الموافقة والالتذاذ الحاصل من ادراكها فالأدنى المطعم والملبس ونحوهما من المبتذلات
وإن كانت أفرادها متفاوتة في ذلك تفاوتا فاحشا ثم المنكح ثم الجاه ثم العلم ويعرف هذا
الترتيب المطابق لترتيبها في الوجود الخارجي بترك الأدنى واستحقاره عند وجدان إلا
على فإن الصبي المشغوف بالمطاعم الطيبة إذا ظهرت فيه غريزة النكاح انصرف همه إليه
وقيل التفاته إليها ثم إذا أدرك لذة الرياسة والسلطنة على القلوب أعرض عن الأولتين
بحيث إنه ربما يذهل عن الأكل والاشتغال بالنساء أياما لاشتغال قلبه بتدبير أمور
الرياسة واصلاح الجاه فإذا أدرك لذة العلم والمعرفة أعرض عن جميع ذلك واستطاب
الجوع ومتاركة النساء ومقاساة الذل والخدمة والتملق في تحصيله وكلها ظفر بشئ منه
ازداد شوقه إلى شئ آخر حتى يأتيه اليقين واستكراه البعض من الجهال العلم أنما هو للنقص
المركوز فيهم المقصر بهم عن ادراك لذته لا لكونه مؤلما كريها في نفسه وهو كاستكراه المريض
المطعم بسبب آفة مزاجه وانحرافه عن الاعتدال والصبي والعنين المنكح بسبب قصورهما
عن ادراكه فلا يقدح ذلك فيما أطبق عليه العقلاء كافة من الحكم بكونهما موافقين لذيذين
لأن المناط الطباع الكاملة السليمة وهي متوافقة على شرف العلم بقول مطلق فإنه من
أخص صفات الربوبية وهي منتهى الكمال ومن ثمة يرتاح الطبع إذا أثنى عليه بالزكاء و
غزارة العلم ويلتذ بذلك والذي ينسب إلى العلم ولو في شئ خسيس يفرح به والعالم
بالشطرنج على خسته لا يطيق السكوت عنه إذا جرى ذكره ولو كان من علماء الدين الذين
83

لا يليق بهم التكلم في أمثاله كل ذلك لفرط لذة العلم وما يستشعره من كمال ذاته به وأنواع العلوم
وإن كانت متفاضلة في الشرف إلا أنه لا ريب أن العلم به تعالى أشرف أنواع العلم إذ شرفه إما
بشرف المعلوم أو الغاية أو وثاقة الدليل أو شدة الحاجة وكلها مجتمعة في العلم الإلهي على الوجه الأكمل
وإنما اقتصر المصنف على الأول لأنه أقواها ومن ثمة يكون علم الفتوى أشرف من علم الخياطة فإن
المعلوم في الأول الأحكام الشرعية وفي الثاني كيفية الوصل بين قطعات الكرباس ليلبس والمتطلع
على أسرار الناس الفاحص عنها إن علم بواطن أحوال رئيس البلد وأسرار تدبيره في رياسته كان
ذلك أجل وأطيب عنده من علمه بباطن أحوال حايك أو فلاح فإن اطلع على أخص أحوال الوزير
وما هو عازم عليه من التدبير في أمور الوزارة فهي أشهى عنده وألذ فإن حصل له الوقوف على
أسرار الملك تمدح بذلك وكان شغفه والتذاذه به أعظم لأن الملك أجل من الوزير وأعلى
فالمعرفة بحاله أعظم موقعا من المعرفة بأحوال الوزير وإذ ليس في الوجود أشرف من الله (تع)
لا جرم كان الاطلاع على أسرار الربوبية هو أعلى أنواع المعارف وألذها وأطيبها حتى أن
للعارفين في معرفتهم به عز وجل لذات لو عرضت لهم الجنة في الدنيا بدلا عنها لأبوا أن يستبدلوا
الذي هو أدنى بالذي هو خير وهذه اللذة العظيمة الحاصلة بالعلم أنما هي بالحقيقة بسبب استيلاء
العالم على المعلوم وإحاطته به بانكشاف صورته لديه وحضورها عنده كما سبق فكلما كان العلم
أقوى وأثبت وانكشاف صورة المعلوم في ذهن العالم أتم وأرسخ كان الالتذاذ أعظم وانبساط
النفس أكثر ومن ثمة كان العلم الحاصل من الرؤية ألذ من العلم الحاصل من غيرها لازدياد الكشف
فيها بسبب حضور نفس المعلوم عند الحس وصورته عند الذهن فاللذة الزايدة إنما هي باعتبار هذا
الانكشاف الزايد من تصور معشوقه في خياله فإنه يلتذ بتصوره لا محالة لكن لا نسبة لهذه اللذة
إلى اللذة الحاصلة من مشاهدته رأي العين وحيث إنها أقوى طرق الانكشاف ربما يعبر عن
مطلق الانكشاف التام بأي طريق حصل بالرؤية والنظر كما في قوله سبحانه إلى ربها ناظرة وما
ورد من بعض الطرق أن رسول الله صلى الله عليه وآله رأى ربه ليلة المعراج ونحو ذلك لتطابق العقل والنقل
على امتناع الرؤية الحسية في حقه تعالى لاشتراطها بالوضع والجهة وكثافة المرئي وغير ذلك
فالمراد بها أينما أطلقت في كلمات من يعتني بتصحيح كلامهم غاية الانكشاف التام الذي لا
يمكن ما فوقه مجازا مقبولا لوجود العلاقة البينة إن ثبت كون اللفظ حقيقة في خصوص البصرية
وإلا فمن استعمال المشترك في معناه الآخر حقيقة اعتمادا على وضوح القرنية وهي اشتراط الحسية
بما يمتنع في حقه سبحانه وأحسن ما ينكشف به هذا المطلب ما سبقت روايته عن أمير المؤمنين (ع) من
قوله لم أعبد ربا لم أره لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقايق الايمان
حيث أثبت (ع) الرؤية أولا ثم استدرك ذلك بصرفها من العينية لأنها المتبادر إلى القلبية و
سبب المحبة أحد أمور ثلاثة الأول ذات المحبوب بنفسه لا لحظ ينال المحب منه وراء ذاته بل
يكون ذاته عين حظه مثل محبة كل أحد لوجوده وبقائه وعافيته ونحو ذلك فإن هذه
أمور محبوبة لذواتها لا لغرض آخر ويرجع إليها محبة مثل الزوجة والولد والخادم والمنزل و
غير ذلك من توابع الوجود المقصود بها حظوظ النفس فإنها كلها محبوبة بتبع الوجود المحبوب
بالذات ومن هذا الباب التحابب المشاهد بين المتحابين يميل كل منهما إلى الآخر ويلتذ بمؤالفته
بمجرد التلاقي والمشافهة من دون معرفة سابقة متأكدة ولا سبب ظاهر بل بمحض التناسب الذاتي
والموافقة الروحانية كما في الحديث النبوي الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما
تناكر منها اختلف والثاني الكمال المدرك في المحبوب سواء كان مدركه الحواس الظاهرة أو
الباطنة فهو بأنواعه محبوب طبعا سواء كان للمحب منه حظ أم لا ومن ثمة أحب العالم من حيث
علمه والصالح كذلك وإذ لم يشاهدهما المحب ولم يستفد من بركاتهما شيئا بل بمجرد سماع نعت
عالم في أقصى البلاد أو في الأعصار السالفة أو الاطلاع على مصنف من مصنفاته تميل إليه
النفس وتحبه وينطلق اللسان بمحمدته والثناء عليه ويلتذ بذكره ومنه حب الوجه الجميل من
حيث جماله فإن حسن التشكل وتناسب الأعضاء غاية الكمال الممكن في الوجه وللنفس في ادراكه
لذة عظيمة ولا يظن أن حب الصور الجميلة لا يتصور إلا لأجل قضاء الشهوة فإن قضاء الشهوة
لذة أخرى قد يحب الصور الجميلة لأجلها وادراك الجمال لذيذ في نفسه أيضا فإن غير أولي الإربة
من الرجال يلتذون به وكيف ينكر ذلك والخضرة والماء الجاري محبوبان لا ليشرب الماء وتؤكل
الخضرة أو ينال منهما حظ سوى نفس الرؤية وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يعجبه الخضرة والماء الجاري
والطباع السليمة قاضية باستلذاذ النظر إلى الأنوار والأزهار والأطيار المليحة الألوان الحسنة
النقش المتناسبة الشكل حتى أن الانسان لتنفرج عنه الغموم بالنظر إليها لا لطلب حظ وراء النظر
وكذا الكلام في الكلام البليغ والشعر الموزون والصوت الحسن ونحو ذلك والثالث الاحسان
سواء كان متعديا إلى المحب أم لا أما الأول فإن الانسان عبيده كما في الحديث المشهور وفيه جبلت
القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها وفي الدعاء النبوي اللهم لا تجعل لفاجر علي
يدا فيحبه قلبي إشارة إلى أن حب القلب للحسن إليه اضطرار لا يستطاع دفعه وحيلة لا يمكن تغييرها
وهذا إذا حقق رجع إلى السبب الأول فإن المحسن من أمد بالمال والمعونة وسائر الأسباب
الموصلة إلى دوام الوجود أو كماله والطبيب محسن لأنه سبب للعافية والأستاذ لأنه سبب للعلم فمحبتهم
من توابع المحبة الذاتية وأما الثاني فإن الموجود في الطباع أن من بلغه خبر ملك أو دستور مثلا
84

محسن إلى الناس ولو في البلاد البعيدة التي لا مطمع للسامع في الوصول إليها فإنه يميل إليه بالقلب
ويحبه ويدعو له بالخير وليس ذلك إلا بسبب الاحسان المحبوب بالطبع وهذا راجع إلى الثاني فإن
الاحسان على هذا الوجه من أقوى أنواع الكمال المحبوب إلا أن المصنف تبع بعض السلف في افراده بالذكر
وربما تتركب الأسباب فتقوى المحبة جدا مثل من له ولد عالم صالح جميل محسن إليه وإلى الناس وأقوى
ما يمكن أن يفرض من صور التركيب ما يصدق في حقه تعالى ومن ثمة اصطلحوا على تسمية حبه سبحانه
عشقا وذلك لأنه المفيض لأصل الوجود لجميع كمالاته ولا كمال حقيقيا إلا له تعالى ولا احسان إلا منه
وإن كان الخلق وسايط مسخرين في ايصال بعضه تسخير القلم في يد الكاتب ومن وقع عليه الملك
بأنعام يستوفيه فلا يليق أن يحب القلم ويشكره ويعده المنعم المحسن فإن المنعم المحسن هو الملك
وإنما هذا القلم آلة من آلات الكتابة لا مدخل له في الانعام وإن حسن حبه من حيث إنه قلم للملك و
منسوب إليه ولقد أحسن القائل برد رشاهم كدائي نكته در كار كرد بر سر خوان كه بنشستم
خدا رزاق بود وربما تنفرد فتتفاضل مراتب المحبة المسببة عنها والأعلى في هذا المقام المحمود
أن يحب الله لذاته فإنها الخالصة الباقية وهو من المواهب الإلهية لا مطمع فيها بالتعمل إلا أن
التوغل في العلم والتفكر يرشحان القلب لأن تفاض عليه هذه الموهبة من المبدء الفياض
إذ لا بخل فيه وإنما يتوقف الفيض على استعداد المفاض عليه ثم إن يحبه للكمال ثم الاحسان
إليه وهذا الترتيب مرعي في سائر المحبات أيضا وإنما كانت المحبة الاحسانية أدنى لما فيها
من شوب حض النفس وكونها عرضة للزوال بانقطاع سببها الذي يوشك أن ينقطع وأما
الكمالية فإنها تشاركها في الأخير خاصة فإن الصالح قد ينقلب فاسقا والعادل ظالما دون
الأول فمن ثم كانت أعلى منها والعلو المطلق لما خلص عن النقصين جميعا وآثارها المحمودة
كثيرة والمذكور منها خمسة مترتبة ترتبها في التعشقات الصورية وهي الشوق والأنس والانبساط
والقرب والاتصال وربما وربما يستنكر بعض هذه الألفاظ بادئ الرأي إلا أن لها معاني
مقبولة قد عبر عنها في الكتاب والسنة بغير هذه بل وبهذه الألفاظ أيضا في بعض الأخبار و
الأدعية المأثورة سيما المناجاة الإنجيلية الطويلة المروية عن سيد الساجدين صلوات
الله عليه ودعاء عرفة المأثورة عن سيد الشهداء (ع) على أن المناقشة في اللفظ بعد وضوح
المعنى ليس من دأب المحصلين وبيان ذلك مختصرا أن الشوق عبارة عن توقان النفس إلى
محبوب حاضر من وجه غايب من وجه آخر كمن أنقطع عن معشوقه فإنه يشتاق إليه لأنه غايب
عن نظره حاضر في ذهنه فلو طالت المفارقة حتى نسيه وغاب عن ذهنه أيضا فصار غايبا
مطلقا لا يتصور أن يشتاق إليه كما لا يتصور أن يشتاق إلى من لم يره أصلا ومن لم يسمع بوصفه
مطلقا وكذا لو حضر المعشوق عنده وصار حاضرا مطلقا فإنه لا يبقى شوق حينئذ إلا أنه
يمكن أن يكون حضوره على وجه يراه في ظلمة أو من وراء ستر رقيق فإنه يتصور أن يكون مشتاقا
إلى زوال تلك الظلمة أو ذلك الستر حتى يدركه على الوجه الأتم الأوضح لأن الحضور في الظلمة أو
من وراء الستر لا يخلو عن غيبة ما وكذا يمكن أن يرى وجهه دون شعره أو شعره دون محاسنه
أو كلامه أو مشيه فيشتاق إلى أن يحيط بادراكه بحيث لا يغيب عنه من أحواله شئ وفي مقام الشوق
يتصور الوجهان جميعا فإن المعارف المنكشفة على المحبين لا تخلو عن شوب خفاء بظلمة الوهم
وحجاب الغيب والخلوص عنهما بالكلية مما لا تيسر في دار الدنيا لأحد وإن تيسر أحيانا فلا يبقى و
لا يدوم بل هو كالبرق الخاطف كما سبق نظيره وأبقى ما اتفق منه لأكمل الأولين والآخرين
صلى الله عليه وآله ما سنح له في ليلة المعراج فأنى يطمع غيره في ذلك أيضا الأمور الإلهية
لا نهاية لها وإنما ينكشف على العارف بعضها والبواقي مستورة عنه مجهولة عنده وهو يعلم
وجودها ويتوق إلى معرفتها فلا يزال ينبعث قصده إلى استيضاح ما لم يتضح من المطلوب و
استكمال الوضوح فيما اتضح منه اتضاحا ما وينزعج قلبه لذلك ويهيج إليه كما قال (تع) يسعى نورهم
بين أيديهم وبايمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا وهذا هو الشوق وفي مناجاة داود (ع) أنه
شمس خزانة الله سبحانه وهي القلب وإذا غلب عليه الشغف بمطالعة ما حضرة واتضح له من
الجمال المكشوف غير ملتفت إلى ما ورائه من ما هو مغيب عنه استبشر القلب بما يلاحظه وسكن
إليه وهذا هو الأنس وفي حديث مجاشع أن الطريق إليه الوحشة من النفس وإذا غلب
الأنس ودام واستحكم ولم يشوشه قلق الشوق ولم ينغصه خوف البعد والحجاب أثمر ذلك
نوعا من الخلاعة في الأقوال والأفعال والمناجات مع الله وهذا هو الانبساط وقد
يكون منكرا بحسب الصورة لما فيه من رائحة الجرأة وقلة الهيبة وسوء الأدب ولكنه محتمل
ممن أقيم مقام الأنس كقول موسى (ع) إن هي إلا فتنتك ومن لم يقم في ذلك المقام وأحب التشبه
بهم في الفعل والكلام أدب على ذلك وغلظ عليه بما يليق كما غلظ على يونس (ع) لما أقيم مقام
القبض والهيبة فأدب بالسجن في بطن الحوت في ظلمات ثلاث إلى أن نادى سبحانك لا إله إلا
أنت إني كنت من الظالمين ونهى نبينا صلى الله عليه وآله أن يقتدي به فقيل له واصبر لحكم ربك ولا تكن
كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم والجالس على بساط الانبساط موف بما سبق في
الأزل من العهد القديم الذي بينه وبين الحق سبحانه في قوله ألست بربكم قالوا بلى وهو القرب
والطريق إليه التباعد عن النفس كما في الحديث المذكور والقريب يلاحظ وجوده متصلا
بالوجود الأحدي يقطع النظر عن تقييد وجوده بعينه واسقاط إضافته إليه فيرى اتصال
85

مدد الوجود ونفس الرحمن إليه على الدوام بلا انقطاع حتى يبقى موجودا به وهذا هو الاتصال
وحينئذ لا فرق بينه وبين حبيبه كما في حديث أمير المؤمنين (ع) إن لله (تع) شرابا لأوليائه إذا شربوا
سكروا وإذا سكروا طربوا وإذا طربوا طابوا وإذا طابوا ذابوا وإذا ذابوا خلصوا وإذا خلصوا
طلبوا وإذا طلبوا وجدوا وإذا وجدوا وصلوا وإذا وصلوا اتصلوا وإذا اتصلوا لا فرق بينهم و
بين حبيبهم وهو من محال الغرور ومظان التلبيس والحازم لا يغتر بخداع النفس مهما ادعت محبة الله
ما لم يمتحنها بالعلامات ولم يطالبها بشواهد الصدق فإن على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا
وعلامتها كثيرة والمذكور منها بضعة وأن تداخل بعضها ببعض منها كتمانها واجتناب الدعوى
والتوقي من إظهار الوجد والعشق تعظيما للمحبوب واجلالا له وهيبة منه وغيرة على سره فإن الحب
سر من أسرار الحبيب لا يسوغ ابتذاله وفي هذا المعنى ما قيل كل كفت ببلبل مكن إظهار محبت
سهل است متاعي كه بفرياد فروشند ولأنه قد يدخل في الدعوى ما يجاوز حد المعنى ويزيد
عليه فيكون ذلك كذبا تعظم العقوبة عليه نعم قد يكون للمحب سكرة في حبه يدهش فيها وتضطرب
أحواله فيقع في مقام الشطح ويظهر عليه حبه فإن وقع ذلك من غير تمحل وقصد فهو معذور إذ
ربما تشتعل من الحب نيرانه فلا يطاق سلطانه وقد يفيض به القلب فلا يندفع فيضانه ومنها
حب الموت فإنه موعد للقاء إلا أن ينتظر حسن التأهب كما تقدم ومنها الإطاعة في الأوامر و
النواهي وايثار ما أحبه الله على ما يحبه في ظاهره وباطنه كما قال القائل:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه * هذا لعمري في الفعال بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته * إن المحب لمن يحب مطيع
وفي كلام بعضهم
إن العصيان إنما ينافي كمال المحبة دون أصلها إذ لا يخلو عنها مؤمن وذلك كالمريض يحب نفسه ويحب
الصحة وربما يأكل ما يضره وهو يعلم أنه يضره لا لعدم حبه لنفسه ولكن المعرفة قد تضعف والشهوة
قد تغلب فتعجز عن القيام بحق المحبة ومنها التلذذ بالعبادة دون استثقالها كما يوجد في المشاهدات
من نشاط العاشق في السعي في هوى المعشوق والاستلذاذ بخدمته بقلبه وإن كان شاقا على بدنه و
مهما عجز بدنه كان أحب الأشياء إليه أن يعاوده القدرة ويفارقه العجز حتى يشتغل به وأعلى منه التلذذ
بالمصيبة والشكر عليها فإن كل ما يفعل الحبيب حبيب كما مر ومنها الحرص في الخلوة عن الخلق والمناجاة
مع الله بالسر وتلاوة القرآن فيغتنم هدو الليل وصفاء الوقت بانقطاع العوائق وفي بعض
الآثار إن الله أوحى إلى بعض الصديقين أن لي عبادا من عبادي يحبونني وأحبهم ويشتاقون إلي و
أشتاق إليهم ويذكرونني وأذكرهم وينظرون إلي وانظر إليهم فإن حذوت طريقهم أحببتك وإن
عدلت عنهم مقتك قال يا رب وما علامتهم قال عز وجل يراعون الظلال بالنهار كما يراعى الراعي
الشفيق غنمه ويحنون إلى غروب الشمس كما تحن الطير إلى أوكارها عند الغروب وإذا جنهم الليل
واختلط الظلام وفرشت الفرش ونصبت الأسرة وخلا كل حبيب بحبيبه نصبوا إلي أقدامهم
وفرشوا إلي جباههم وناجوني بكلامي وتملقوني بانعامي فبين صارخ وباك ومتأوه وشاك وبين
قائم وقاعد وبين راكع وساجد الحديث ومنها الاستهتار بالذكر وهو الوقوع به بحيث لا يفتر
عنه لسانه ولا يخلو عنه قلبه فإن من أحب شيئا أكثر بالضرورة ذكره وذكر ما يتعلق به وينتسب
إليه لسراية المحبة من المحبوب إلى متعلقاته فذكر القرآن والنبي والأئمة كله في حكم ذكر الله ومنها
بغض الدنيا لأنها مبغوضة إليه (تع) كما ورد أن الله لم يخلق شيئا أبغض إليه من الدنيا وأنه لم
ينظر إليها منذ خلقها ولأنها صادة له عن المحبوب فهي كالرقيب المبغوض إلى العاشق وقد عرفت
معنى الدنيا المبغوضة فيما سبق ومنها الوحشة عن الخلق لأنهم وإن صحبوا الدنيا بأبدانهم فأرواحهم معلقة بالملأ الأعلى ولأن في الأنس بالخلق وصحبتهم لوازم يتتره المحبون عنها كالتعلق
بالدنيا والاشتغال عن الحبيب والدخول فيما يخرج عن رضاه إلى سخطه ويجر إلى مقته وغير ذلك
من المفاسد وأما الأنس بأولياء الله والمرشدين والمسترشدين للاستفادة من بركاتهم و
الاستفاضة من خيراتهم فهو من الأنس بالله وعليه يحمل ما ورد في الحث على الصحبة والمواصلة
وزيارة الإخوان وقضاء الحقوق ونحو ذلك كما يأتي ومنها اتحاد الهم كما قال القايل كانت
لنفسي أهواء مفرقة فاستجمعت إذ رأتك النفس أهوائي فصار يحسدني من كنت أحسده
فصرت مولى الورى مذ صرت مولائي تركت للناس دنياهم ودينهم شغلا بذكرك
يا ديني ودنيائي وفي دعاء سيد الشهداء صلوات الله عليه أنت الذي أزلت الأغيار عن
قلوب أحبائك حتى لم يحبوا سواك ولم يلجأوا إلى غيرك وطريقها السلوك وهو السير عن
النفس إلى الله على الصراط المستقيم بقدم الصدق وزاد التقوى واتباع الرسول صلى الله عليه وآله المستجلب
لمحبته (تع) للعبد كما قال سبحانه قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله وهي الجاذبة إلى حرم العزة
في حضائر القدس المقربة على بساط الانبساط والأنس وبدونها تضل المساعي وتخيب ولا حظ إلا
الحرمان ولا نصيب كما قيل تا كه از جانب معشوقه نباشد كششي كوشش عاشق بيچاره بجائي نرسد
والمتأمل في عرض مراتب العشق الصوري والإلهي ومقاماتهما وانطباق كل على الآخر ينكشف له
أن العشق الصوري أقوى معين في تهذيب النفس وتلطيف السر وتصفية الروح وتوحيد
الهموم والاعداد للعشق الإلهي لمن سبقت لهم من الله الحسنى وهذا حقيقة ما قيل المجاز قنطرة
الحقيقة ومعناها كشف حجاب البعد عن قلبه واتمام نوره ودعوته أن يغشى مجلس شهوده و
مونس حضوره وسقيه من الشراب الذي سبق وصفه في حديث أمير المؤمنين (ع) جرعة تفرق عنه
الأوصال ولا يصحو من سكرته إلا في مقام الاتصال وقد طوى بساط المغايرة من البين و
86

انتقل من مضيق العلم إلى عرصة العين وخرج من شتات الفرقة إلى نظام الجمع وسرى فيه الحب سريان
النور في العين والقوة في السمع فيطرب بوصاله وينشد بلسان حاله جنوني فيك لا يخفى وناري
منك لا تخبو فأنت السمع والابصار والأركان والقلب وفي الحديث القدسي المتفق عليه
لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا وقلبا ويدا ورجلا
إن دعاني أجبته وإن ناداني لبيته وإليه الإشارة بقوله سبحانه وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى
وقول أمير المؤمنين (ع) ما قلعت باب خيبر بقوة جسدانية بل بقوة ربانية وقال المولوي إن پسر را
كش خضر ببريد خلق سر انرا در نيا بد عام خلق انكه جان بخشد اكر بكشد روا است حاكم است و
دست أو دست خدا است وهذا غاية السير أن تفقه منطق الطير وليس وراء عبادان قرية و
هو إنما يتحقق بلزوم متابعته صلى الله عليه وآله في جميع ما يشرع فيه التأسي كما ينبه عليه حذف المتعلق والمهم
من ذلك أمور منها الوضوء فإن الله يحب المتطهرين وهو ينور القلب لارتباط الملك بالملكوت
كما مر والوضوء على الوضوء نور على نور ومنها الخلوة عن العوام فهي تفرغ القلب والبدن عن الشواغل
كما ذكر دون الخواص فإن صحبتهم نعم العون وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يحب الخلوة وربما تتعذر عليه
فيتدثر بكساء أو إزار كل ذلك لضبط المشاعر الظاهرة التي هي دهاليز القلب سيما السمع والبصر
فإن أكثر الوساوس التي تدخل على القلب فتصده عن وجهته إنما تكون من جهتها وقد بلغه الحق و
هو على تلك الصفة فقيل يا أيها المزمل يا أيها المدثر ومنها السكوت فهو يلقح العقل بالحكمة و
يسهل الخلوة ويقوى التقوي بالعصمة عن آفات اللسان من الكذب والغيبة والنميمة وافشاء السر
والقذف والسب واللعن والهجو والمراء والفخار وغيرهما مما يأتي في باب الكلام فإن اللسان
أعصى الأعضاء على الانسان إذ لا تعب في تحريكه ولا مؤنة في اطلاقه ولا مؤنة لمجاله إذ ما
موجود أو معدوم معلوم أو مظنون أو متخيل أو موهوم حق أو باطل إلا واللسان يتناوله
ويتعرض له باثبات أو نفي فإن كل ما يتناوله العلم يعبر عنه اللسان ولا شئ إلا والعلم يتناوله
وهذه خاصية لا توجد في سائر الأعضاء فإن العين لا تصل إلى غير الألوان والصور ولا
الأذن إلى غير الأصوات ولا اليد إلى غير الأجسام وهكذا ومن ثم ورد فيه ما ورد ففي
الحديث النبوي يعذب الله اللسان بعذاب لا يعذب به شيئا من الجوارح فيقول يا رب
عذبتني بعذاب لم تعذب به شيئا فيقال له خرجت منك كلمة فبلغت مشارق الأرض و
مغاربها فسفك بها الدم الحرام وانتهك بها الفرج الحرام وانتهب بها المال الحرام وعزتي
لأعذبنك بعذاب لم أعذب به شيئا من جوارحك وفيه أنه جاء إليه رجل فقال يا رسول
الله أوصني فقال احفظ لسانك يكرر ذلك ثلاثا ثم قال ويحك وهل يكب الناس على
مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم وعن أبي عبد الله (ع) ما من يوم إلا وكل عضو من أعضاء الجسد
يكفر اللسان يقول نشدتك الله أن نعذب فيك وعنه (ع) لا يزال العبد المؤمن يكتب محسنا
ما دام ساكتا فإذا تكلم كتب محسنا أو مسيئا وفي المستفيض المشهور من صمت نجا وقد سبق
أنه من علامات الفقه وذلك من أجل أن شهوة النفوس للكلام كثيرة والمحافظة عن آفاته
عسيرة فاقتضت الحكمة المبالغة في المنع ليتقدر الأمر على الحد اللائق ويتقيد اللسان عن
الكلام إلا بحقه وحينئذ فالكلام أدخل في النجاة من السكوت كما في حديث السجاد (ع) وقد
سئل عن الكلام والسكوت أيهما أفضل قال (ع) لكل منهما آفات فإذا سلما من الآفات فالكلام
أفضل من السكوت قيل وكيف ذلك يا بن رسول الله قال لأن الله عز وجل ما بعث الأنبياء و
الأوصياء بالسكوت إنما بعثهم بالكلام ولا استحقت الجنة بالسكوت ولا استوجبت ولاية
الله بالسكوت ولا توقيت النار بالسكوت ولا يجتنب سخط الله بالسكوت إنما ذلك كله
بالكلام ما كنت لأعدل القمر بالشمس إنك تصف فضل السكوت بالكلام ولست تصف الكلام
بالسكوت ومنها الجوع والسهر فهما نعم المطيتان للسالك ينوران القلب بتقليل دمه فيبيض و
في بياضه نوره وذوبان شحمه فيرق وفي رقته صفاؤه وضياؤه فيصير كالكوكب الدري
والمرآة المجلوة يلوح فيها جمال الحق وعن المسيح (ع) يا معشر الحواريين جوعوا لعل قلوبكم ترى
ربكم وعن النبي صلى الله عليه وآله أفضلكم منزلة عند الله أطولكم جوعا وتفكرا وأبغضكم إلى الله كل نؤمة
أكول شروب ولم يشبع صلى الله عليه وآله من طعام قط واختار لما خير أن يجوع يوما ويأكل يوما وكان
يتهجد من الليل زيادة على الواجب حتى قيل له في ذلك فقال أفلا أكون عبدا شكورا وسيأتي
تمام الكلام فيهما والمحمود منهما التوسط كما سبقت الإشارة إليه وإنما بولغ فيهما توقيفا
للنفس على حد الاعتدال المطلوب والافراط فيهما شاغل عن القصد لأنه مضعف للمزاج منهك
للبدن مسقط للقوة مضر بالأعضاء الرئيسة جدا سيما الدماغ والعافية من الشرايط المرعية
في السلوك لأن البدن مركب النفس ومهما ضعف المركب تعسر السير فيكون مذموما كالتفريط و
حد الاعتدال في الجوع أن يأكل الطعام وهو يشتهيه ويرفع يده عنه وهو يشتهيه وفي السهر أن لا
ينام من الليل أكثر من ثلثيه ولا أقل من ثلثه وما يأتي وما يأتي في باب المنام تحديد لأكثره ومنها
نفي الخواطر عن القلب بسد مداخلها ما أمكن فإنها شاغلة له وللبدن ومنها الاقتصار على أكل
الحلال وهو ما يحكم بإباحته في ظاهر الشريعة مع ترك ما يريب فإن أكل الحرام يقسي القلب ويرد الدعاء
بالخاصية ومنها الذكر الدايم لله سبحانه فعن النبي صلى الله عليه وآله من أكثر ذكر الله عز وجل أحبه الله وفي الحديث
القدسي أنا جليس من ذكرني وعن أبي جعفر (ع) أن ذكرنا من ذكر الله وأفضله ما كان في السر كما تظافرت
87

به الأخبار وفي بعضها أنه ليس التسبيحات الأربع ولكنه ذكر الله عندما أحل وحرم ومنها التسليم له (تع)
في كل حال فعن أبي عبد الله (ع) قيل له بأي شئ يعلم المؤمن بأنه مؤمن قال بالتسليم لله والرضا فيما ورد
عليه من سرور أو سخط وعن أمير المؤمنين (ع) أن من أركان الايمان التسليم لأمر الله فهذه جملة من
الآداب المأثورة في السلوك عن أهل العصمة والهداية الذين أوجب الله اتباعهم واقتفاء آثارهم
وفرض الاقتداء بهم والاهتداء بمنارهم فاتحد الطريقان وأما ما ينقل عن بعض المشايخ من الرياضات
كاعتكاف الأربعين واجتناب أكل الحيواني والاجهار بالتكبيرات الأربعة على الهيئة المعهودة ونحو ذلك
فقد ذكر المصنف في بعض رسائله أنه لم يعثر لشئ منها على مأخذ يعول عليه وشنع في بعضها عليهم
وغاية ما يمكن الاستيناس لهم بقوله صلى الله عليه وآله من أخلص عمله لله أربعين صباحا تفجرت ينابيع الحكمة من
قلبه على لسانه وقوله صلى الله عليه وآله لا تجعلوا بطونكم قبور الحيوانات وهما بمراحل عن المقصود ولعل بعض السلف
استصلح هذه الرياضات في حق بعض المريدين فأمره بذلك وجرت به السنة والله يعلم هذا آخر الكلام
في شرح طهارة الباطن وهو المقصد الأول من كتاب الطهارة والله الموفق والمعين ويتلوه في
المقصد الثاني طهارة الظاهر وهي استعمال طهور مشروط بالنية والطهور الماء والتراب
باب الماء
وهو ما يصدق عليه الاسم باطلاقه فخرج المضاف وأما الأسئار فليس قسما برأسه وإنما يفرد بالبحث
أحيانا لكثرة مباحثه واهتمامهم بها وكون المطلق طاهرا طهورا ما لم تلاقه نجاسة من ضروريات الدين
وكذا خروجه عنهما بملاقات نجاسة مستولية على أحد أوصافه الثلاثة بالتغيير إلى وصفها أو غيره وفي
الحديث النبوي خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شئ إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه رواه ابن إدريس
مرسلا وقال إنه متفق على روايته وعن أبي عقيل إنه من المتواترات بين الخاصة والعامة وقد
عمل بعمومها المصنف ومن وافقه من المتأخرين في العقدين جميعا سواء في ذلك ماء البحار والأمطار
والعيون والآبار والحياض والأواني والقليل وهو ما دون الكر والكثير وهو الكر وما زاد و
المشهور الفرق بينهما فيما عدا النابع وماء الغيث حين نزوله فحكموا بنجاسة القليل وإن لم
يتغير خلا ماء الاستنجاء وربما يلحق به المستعمل في رفع الأخباث مطلقا وقيل في غير الغسلة
الأولى خاصة وقيل مع وروده على النجاسة خاصة وماء الحمام إذا كانت له مادة وما لاقاه
ما لا يدركه الطرف من النجاسة مطلقا وقيل الدم خاصة اقتصارا على مورد النص وهي صحيحة
علي بن جعفر وأما النابع فالمشهور أن الجاري في حكم الكثير مطلقا ومنهم من اشترط دوام
النبع وذهب العلامة إلى التفصيل بالقلة والكثرة كغيره من المياه المحقونة وأما البئر فالمشهور
بين المتقدمين أنه كالقليل مطلقا وبين المتأخرين أنه كالكثير كذلك ومنهم من فصل بهما و
هو المشهور في الحياض والأواني والقول بأنهما كالقليل شاذ كالقول بالحاق ماء الغيث به إن لم يكن جاريا من ميزاب ونحوه والمشهور نقله في كتب الاستدلال من مذهب ابن أبي عقيل موافقة
المصنف في التسوية بين القليل والكثير ونقل عن بعض المتأخرين أن القليل الغير المعلوم
تغيره بالنجاسة له صورتان إحديهما صورة العلم بعدم التغير والأخرى صورة الاحتمال و
الاشتباه وأن ابن عقيل ذهب إلى عدم النجاسة في الصورة الأولى دون الثانية فإن صح فهذا
فرق آخر مع تفصيل وتوجيه لاعتبار الكرية ويستفاد من كلام ثقة الاسلام والصدوق والروايات
التي أورداها في الكافي والفقيه التفصيل بوجه آخر وهو وجوب اجتناب بعض المياه القليلة
التي رويا النهي فيها بخصوصها وجواز استعمال ما رويا الإذن فيها بخصوصها وأما لم يرويا فيه
شيئا فهو مندرج في العمومات المبيحة فيلزم الصدوق تجويز استعمالها كما هو المعروف من دأبه
في العمل بالعمومات والقول بأنه خرق للاجماع المركب مما لا وقع له على طريقتهما السليمة ولم نعثر
في روايات المسألة على نص ينطق بنجاسة كل ماء قليل بملاقات أية نجاسة كانت على أي وجه
كانت الملاقاة فإن عثر عليه عاثر فله الدست وإلا ففي أدلة المشهور من القصور ما بيناه في
الرسالة الأحمدية ومع ذلك كله من اجتنب ما نقص من الكر منه الملاقي للنجاسة الغير المستولية
عليه في مطلق الاستعمالات ولا سيما في رفع الحدث والشرب إذ يراعي فيهما من نزاهة الماء ما لا
يراعي في غيرهما فقد أخذ باليقين وخرج عن وسواس مخالفة بعض الظواهر إلا ما اضطر إليه
كما في صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال كتبت إلى من يسأله عن الغدير يجتمع فيه ماء السماء أو
يستقي فيه من بئر فيستنجي فيه الانسان من بول أو يغتسل فيه الجنب ما حده الذي لا يجوز فكتب لا
يتوضأ من مثل هذا إلا من ضرورة إليه وعن علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) أنه سأله عن اليهودي
والنصراني يدخل يده في الماء أيتوضأ منه للصلاة قال لا إلا أن يضطر إليه وعن ابن مسكان عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن الوضوء مما ولغ فيه الكلب والسنور أو شرب منه جمل أو دابة أو غير ذلك
أيتوضأ منه أو يغتسل قال نعم إلا أن تجد غيره فتتنزه عنه وهذا وجه آخر لاعتبار الكرية ولمعرفة الكر
طريقان أحدهما التقدير بالوزن وهو ألف ومائتا رطل كما في مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله (ع)
وفسره الأكثر بالعراقي وهو مائة وثلاثون درهما عند الأكثر ومنهم المصنف في مطولاته من
الدراهم الشرعية التي كل عشرة منها سبعة مثاقيل شرعية كل مثقال دينار من هذه الدنانير السايرة
في بلاد الاسلام والتعويل عليها في التقدير أسهل وأقرب إلى الضبط فإنها لم تتغير في جاهلية ولا
اسلام كما نقله الناقلون بخلاف الدراهم إذ تطرق إليها الزيادة والنقصان والدينار ثلاثة أرباع
المثقال الصيرفي فالرطل أحد وتسعون دينارا هي ثمانية وستون مثقالا وربع مثقال فالكر
أحد وثمانون ألف وتسعمائة مثقال هي مائة وست وثلاثون منا تبريزيا ونصف من من الأمنان
88

المعهودة في بلاد العجم كل من ستمائة مثقال تحقيقا لا تقريبا وهو المطابق لما في الوافي والبحار وغيرهما
وأما ما نقله بعض المعاصرين عن بعض وعول عليه من أنه مائة وثمانية وأربعون منا وثلثمائة
واثنان وأربعون مثقالا وستة أسباع مثقال فالظاهر أنه لا يخلو عن سهو كاسقاط النيف ههنا
والآخر بالمساحة وهو عند القميين والمحقق والشهيد الثانيين سبعة وعشرون شبرا مكسرا
حاصلة من ضرب ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار كما في صحيحة إسماعيل بن جابر في ثلاثة أشبار و
الأحوط ما مال إليه في المعتبر وهو ستة وثلاثون شبرا حاصلة من ضرب أربعة أشبار في
ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار كما هو ظاهر صحيحته الأخرى وأحوط منه ما هو المشهور وهو اثنان
وأربعون شبرا وسبعة أثمان شبر حاصلة من ضرب ثلاثة أشبار ونصف في مثله ثلاثة أشبار
ونصف في عمقه في الأرض كما في رواية أبي بصير ويحكى عن الراوندي الاكتفاء ببلوغ مجموع أبعاده
الثلاثة عشرة ونصفا من دون اعتبار التكسير وأول بما يرجع إلى المشهور بحمله على ما إذا تساوت
أبعاده وإلا لزم من التهافت ما لا يخفى والتقديران متخالفان وأفراد المياه المتخالفة أيضا
في الوزن وهو أحد الأسباب في اختلاف تقديرات المدققين المعتنين بهذا الشأن فمن
قائل إن ما يملأ من الماء قدر مكعب شبر من المكان هو أربعة أمنان تبريزية ونصف
من وستة وخمسون مثقالا صيرفيا فقدر سبعة وعشرين شبرا مائة وأربعة وعشرون منا
واثنا عشر مثقالا وقدر ستة وثلاثين مائة وخمسة وستون منا وربع من وستة مثقالا و
قدر المشهور مائة وستة وتسعون منا وسبعة أثمان من وثمانية وثلاثون مثقالا ونصف
مثقال ومن قائل إن ملأ مكعب شبر ثلاثة أمنان وسبعة أثمان من وثمانية عشر مثقالا ووزن السبعة
وعشرين مائة وخمسون أمنان وثلاثة أثمان من وستة وثلاثون مثقالا ووزن الستة وثلاثين
مائة وأربعون منا ونصف من وثمانية وأربعون مثقالا ووزن المشهور مائة وأربعون و
ستون منا وستة وخمسون مثقالا وثمن مثقال وقد ورد في بعض الروايات تحديد الماء الذي
لا ينجسه شئ بالرواية والقلتين والحب من حباب المدينة والجرة والقربة وأشباه ذلك من
أوعية الماء وظاهر أن شيئا منها لا يتوافق مع شئ من التقديرات المذكورة وهذه كلها
من قراين الاستحباب على أن إناطة الأمر الذي تعم به البلوى ويشترك في التكليف بمعرفته
جميع المكلفين بأمثال هذه التدقيقات ينافي سهولة الشريعة الطاهرة وسماحتها وقد ورد
عن الصادع بها صلوات الله عليه وآله في آداب الأكل والنوم والتخلي والجماع ونحوها مما لا
يعتنى به مزيد اعتناء ما دونه المدونون ولم عنه في اشتراط الكرية في بقاء الماء على الطهارة خبر
واحد بل لم نقف في الروايات النبوية من ذكر الكر على عين ولا أثر ولو كان كل ماء قليل يتنجس بمجرد
إصابة النجاسة لكان تبليغ ذلك إلى عوام العرب الذين كانوا لا يحترزون عن النجاسات أشد
احتراز وكان مدارهم على المياه القليلة وتقريره في قلوبهم بتكرار البيان من أهم المهمات ولو فعل
ذلك لنقل إلينا متواترا لتوفر الدواعي إلى نقله وليس هذا مما يقال فيه أن عدم الدليل ليس
دليلا على عدم المدلول كما يعلمه المصنف ومع ذلك فالاحتياط لا يترك سيما فيما ورد فيه النهي
بخصوصه مثل ما شرب منه كلب أو خنزير أو دجاجة في منقارها قذر أو باز في منقاره دم أو
أدخل المحدث يده القذرة بالبول والمني فيه أو الدجاجة وجلها القذرة وغير ذلك مما له ذكر
بالخصوص كما ذكرنا أنه ظاهر الصدوق وهو المناسب لطريقة أهل الأخبار المسلمين فإن وقعت
في البئر نجاسة فغيرت ريح الماء أو طعمه نزحت حتى يذهب الريح ويطيب الطعم لأن له مادة كما في
صحيحة ابن بزيع عن الرضا (ع) وألحق بهما اللون في المشهور وإن لم تغير تغييرا محسوسا في شئ منها
فإن كانت من النجاسات المنصوصة فلينزح منها الدلاء المأثورة وجوبا شرطيا أو استحبابا تعبدا أو
ليطيب ماؤها وتزول عنه النفرة الحاصلة بوقوع النجاسة قليلا كان الماء أو كثيرا وفي تعيين الدلاء
المنزوحة في كثير من المنصوصات اختلافا كثيرة في الروايات وهذه من قراين الاستحباب أيضا وهي
دلو لبول الصبي الفطيم وموت العصفور وثلاث للفارة والوزعة ودلوان أو ثلاث للدجاجة وشبهها
وخمس للفارة والسنور والكلب والدجاجة والطير وقيد في بعضها بما إذا لم يتفسح أو يتغير طعم الماء
وسبع لوقوع الجنب واغتساله وخروج الكلب حيا والدجاجة والطير وقيد في بعضها بما لم ينتن
والفأرة وقيدت في بعضها بالتسلخ أو التفسخ والشاة والدابة الصغيرة وما بين الفأرة والسنور
إلى الشاة وبول الصبي والسام أبرص للتفسخ وتسع أو عشر للشاة وما أشبهها وعشر للعشرة الغير
الذائبة والعقرب والجيف كلها إلا جيفة قد أجيفت وعشرون للدم والخمر ولحم الخنزير والميتة و
قيدت الأخيرة في بعضها بما كان له ريح والفأرة إذا تقطعت وثلاثون لقطرة دم أو نبيذ مسكر
أو بول أو خمر وماء المطر وفيه البول والعذرة وأبوال الدواب وأرواثها وخرء الكلاب وأربعون
لبول الرجل والفأرة إذا لم تنتن وعشرون أو ثلاثون أو أربعون للسنور والكلب وشبهه وثلاثون
أو أربعون للسنور أو أكبر منه وما بين الثلاثين والأربعين لدم ذبح الشاة وأربعون أو خمسون
للعذرة الذائبة وسبعون لموت الانسان ومائة دلو لجيف قد أجيفت ودلاء لقطرات من
بول أو دم أو شئ من عذرة كالبعرة ونحوها والحمامة والدجاجة والطير والدابة والفأرة و
الهرة والكلب وشئ صغير سقط في البئر ومات فيها ودم ذبح الطير ودلاء يسيرة للدجاجة
والحمامة ودم الرعاف وكر من ماء للحمار والجمل ونزح الماء كله للبول والخمر وموت الكلب
والخنزير والبعير والفأرة وقيدت الأخيرة في بعضها بما إذا انتفخت فيه ونتنت وفي موثقة
89

عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع) في بئر وقع فيها كلب أو فأرة أو خنزير قال ينزف كلها فإن غلب الماء
فلينزف يوما إلى الليل ثم يقام عليها قوم يتراوحون اثنين اثنين فينزفون يوما إلى الليل
وقد طهرت وإن كان من غيرها فلهم أقوال وجوب نزح الجميع والاكتفاء بالأربعين وبالثلثين
ومال المصنف في كتابه الكبير إلى العشرين إن كانت النجاسة من الميتات ولا يخلو من وجه و
يستحب التنزه في رفع الحدث الأصغر عن الماء الأسن وهو الآجن وكان التعبير به أجود كما في
حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) في ماء الآجن يتوضأ منه إلا أن تجد ماء غيره فتتنزه عنه قال في
الوافي الآجن المتغير اللون والطعم وموردها الوضوء والاطلاق غير ملايم لطريقته وأبلغ منه
ما في المفاتيح حيث ذكره في الغسل وعلله بالنص ومثله القول في الماء المستعمل في رفع الحدث
الأكبر ففي رواية ابن سنان عنه (ع) الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز
أن يتوضأ منه وأشباهه مع اختصاصها وما في معناها مما استدل به المانعون بالجنابة فاجراء الحكم
في غيرها غير سديد والاستمداد بانتفاء القائل بالفرق غير مقبول كما أشرنا إليه مرارا وكذا في سؤر
الحايض فإن الروايات الناهية كلها في الوضوء كصحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد الله (ع) قال سألته
عن سؤر الحايض فقال لا تتوضأ منه وموثقة الحسين بن أبي العلا عنه (ع) في الحايض يشرب من سؤرها
ولا يتوضأ منه ووردت الرخصة في بعضها إذا كانت مأمونة ومن ثم قيد بعضهم الحكم بغير المأمونة
ومنهم المصنف في المعتصم والمفاتيح مع تضعيف الاطلاق ومنهم من عبر بالمتهمة كما في الدروس
وغيره ومطلقا عن الماء المسخن بالشمس كما في النبوي المتفق عليه الماء الذي تسخنه الشمس لا تتوضؤوا
به ولا تغتسلوا به ولا تعجنوا به فإنه يورث البرص والظاهر تعليق استمرار الحكم على بقاء الوصف وإن لم نشترط في صدق المشتق بقاء معنى الاشتقاق نظر إلى لفظ الرواية وكان التعبير به أجود ومنهم من عبر
بالمشمس ومنهم المصنف في المفاتيح وما هنا بما فيه أوفق وسوى فيه بين المياه المذكورة وسؤر
اليهودي والنصراني والمشرك والناصب وولد الزنا وما أصابته الوزغة والحية والعقرب والقليل
الذي أصابته النجاسة ولم يتغير وماء البئر التي أصابته ولما ينزح منها ما قدر إلا أن لا يجد
ماء غيرها فإن كان الموجود واحدا تعين وإن تعدد اختار المحتاط أقربهما إلى اليقين فيقدم ما
أصابته الوزغة على ما أصابته النجاسة وسؤر اليهودي على سؤر المشرك والآسن والمسخن بالشمس
على المستعمل وهكذا
باب الأخباث وكيفية تطهيرها وهي ثمانية فضلتا غير المأكول اللحم بالأصل
أو المعارض مطلقا كالموطوء والجلال مما له دم سائل أي خارج بقوة ودفع إذا قطع شئ من
عروقه لاجتماعه فيها من أنواع الحيوان ما عدا الطير اجماعا إلا من ابن الجنيد في بول الصبي ما
لم يأكل اللحم وهو شاذ ضعيف المستند سند أو دلالة محجوج بما يدل على نجاسة بول الصبي والانسان وما لا يؤكل لحمه وأما خلافه في طهارة أبوال الخيل والبغال والحمير فمدلول عليه بعدة
من الأخبار المعتبرة ويستفاد من بعضها أن المراد بمأكول اللحم ما جعله الله للأكل إلا أنه يقول
أرواثها أيضا وهي لا تساعد عليه وفي موثقة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) لا بأس بروث الحمير واغسل
أبوالها ومن ثم مال المصنف في مطولاته إلى الفرق والتفصيل إن لم ينعقد الاجماع المركب على خلافه
وفي استثناء الطير موافقة للصدوق وابن أبي عقيل لحسنة أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) كل
شئ يطير لا بأس بجزئه وبوله ومخالفته للمشهور لحسنة عبد الله بن سنان عنه (ع) اغسل ثوبك
من أبوال ما لا يؤكل لحمه وإذا ثبت في البول ثبت في الخرء إذ لا قائل بالفرق وهما عمومان متعارضان
من وجه فلا بد من تخصيص أحدهما بالآخر ومطابقة الأول للأصل وعمومات الطهارة معارضة
بمطابقة الثاني للاحتياط وعمومات نجاسة البول وأظهرية شمول كل شئ يطير لما لا يؤكل لحمه
من الطير من شمول ما لا يؤكل لحمه له في مرتبة الدعوى وقد يقال إن الظاهر عدم وجود البول للطير
وذلك مما يريب في الرواية إلا أن يحمل البول فيها على التجوز باطلاقه على رطوبات الطير وفيه أنه
حينئذ يصير ذكر الخرء مستدركا والتحقيق أن السالبة الكلية هنا غير معلومة الصدق والاستقراء
التام متعذر والناقص لا يجدي وكلام بعض علماء الحيوان وإن أشعر بذلك إلا أنه غير مقبول
في معارضة ما يشعر به النص المعتبر عن أهل العصمة صلى الله عليه وآله نعم ما غلب الميعان على ذرقه كالدجاج و
سباع الطيور لا يبعد فيه ذلك دون ما غلب فيه التصلب كالخشاف وقد صرح علماء الحيوان
بأنه يبول كما تبول ذوات القوايم من الحيوان وتكرر ذكره في الروايات مع الأمر بغسل الثوب
منه في بعضها ونفي البأس عنه في آخر كما ينقل عن القوم ومن ثم اختلف فيه أصحابنا بالخصوص
وفي دلالة الأمر بالغسل على النجاسة نظر ومثله الكلام في ذرق الدجاج ففي رواية مضمرة أنه لا يجوز
الصلاة فيه كما هو المنقول عن أبي حنيفة والشافعي وفي أخرى أنه لا بأس به والدم والمني من الآدمي
وغيره أيضا مما له دم سايل سوى الدم المتخلف في تضاعيف الحيوان المذبوح الشرعي بعد القذف
المعتاد من غير مانع فهنا أحكام خمسة أ نجاسة الدم في الجملة كما تظافرت به النصوص ونقل عليه
الاجماع والمشهور أنه لا فرق بين قليله وكثيره وفي كلام بعض المتقدمين ما يؤذن باستثناء
ما دون قدر الحمصة من غير دم الحيض وفي كلام بعضهم ما دون سعة الدرهم وهما شاذان
ب اختصاصها بدم ما له نفس كما نقل عليه الاجماع فلا بأس بدم السمك والبق والبرغوث
وإن كثر وتفاحش كما في صحيحة ابن أبي يعفور وغيرها ج استثناء المتخلف في الذبيحة كما وقع
مقطوعا به في كلامهم منقولا عليه الاجماع ومنهم المصنف في المفاتيح وإن أهمله في كتابه الكبير
والظاهر أنه لا فرق بين المتخلف في العروق والبطن وغيرهما مما لم يعلم احتباسه لعارض
90

كتنفس الذبيحة أو كون رأسها في مكان عال وسائرها في مكان منخفض أو يكن جزء من عضو محرم
كالطحال والتقييد بالبطن في روض الجنان وبتضاعيف اللحم في المفاتيح كأنهما من باب التمثيل واستدلوا
بتقييد الدم المحرم في الآية الكريمة بالمسفوح فيبقى ما عداه على أصالة الإباحة فيكون طاهرا ويتقيد
به عمومات نجاسة الدم واطلاقاته وبانا نعلم ضرورة حلية اللحم وأنه كان يتعارف أكله في أعصار
النبي والأئمة صلوات الله عليهم من غير نكير مع أنه لا ينفك عن دم في خلاله يظهر بالطبخ فلو كان نجسا
لما ساغ أكل اللحم أصلا وهو خلاف الضرورة من الدين فإن قلت يجوز أن يكون عفوا قلت إن
أردت العفو المطلق فالنزاع لفظي وإن أردت العفو في الأكل فقط فالحرج وكونه أيضا خلاف الضرورة
باق بحاله إذ نعلم بالضرورة أنهم بعد أكل اللحم ما كانوا يتحرزون عنه بتطهير الأيدي والأفواه والقدور
والأواني وسائر الملاقيات د اختصاصه بالمذبوح الشرعي فإن المذبوح الغير الشرعي ميتة فتكون
أعضاؤه الطاهرة نجسة فضلا عن دمه سواء كان مما يقبل التذكية أم لا وظاهر الاطلاق يقتضي أنه
لا فرق في المذبوح الشرعي بين مأكول اللحم وغيره عند المصنف وموافقيه وهو مشكل جدا إذ لا يستقيم
الاستدلال في الثاني بأصالة الطهارة لأن عمومات نجاسة الدم مخرجة عنه لا بالتقييد في الآية لأنها
مسوقة لبيان نفي التحريم دون الطهارة وإنما يستدل بها لها في الأول لأن الإباحة ملزومة لها وهي
منتفية في الثاني والاجماع المنقول على نجاسة دم ما له نفس ينطوي عليه وقد صرح به بعضهم فليتأمل
المحتاط وليستيقن ه نجاسة المني كما نقل عليه اجماع الأصحاب وتظافرت به الأخبار وما يدل
على جواز الصلاة فيه يحتمل الحمل على التقية وخصت في المشهور بما له نفس لأنه الفرد المعهود المتعارف
فيكون هو المتبادر فتنصرف إليه اطلاقات الروايات ويبقى ما عداه على حكم الأصل وبمثل هذا البيان
يناقش في شموله لما عدا مني الانسان لأنه الفرد المتكرر غالبا وأكثر ملاقاة الانسان إنما يكون معه
فظاهر السؤلات والأحكام اختصاصها به فعلى هذا إن ثبت الاجماع على وجه يكون حجة وإلا فللبحث
مجال وقد يستدل للتعميم بصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال ذكر المني فشدده وجعله أشد من البول
فإنه وإن شهدت القرائن الحالية في مثله بإرادة المني الانسان إلا أن فيه اشعارا بكونه أولى بالتنجيس من
البول فكلما حكم بنجاسة بوله ينبغي أن يكون لمنيه هذه الحالة وربما كان هذه القدر كافيا مع الاجماع
المنقول وعدم ظهور مخالف فيه وفيه أنه بعد تسليم أن الظاهر فيها إرادة مني الانسان فغاية ما
تدل عليه أن مني الانسان أشد من بوله وهذا لا يستلزم أن يكون مني غيره أيضا كذلك أصلا و
حمل المني والبول في غيره على منيه وبوله قياس لا نقول به مع أنه لا يثبت به أيضا المطلوب بتمامه
والميتة منه آدميا أو غيره بريا أو مائيا وصرحوا في الآدمي بأن هذا الحكم إنما يتعلق به بعد
البرد وقبل الغسل ونقلوا على جميع ذلك الاجماع إلا ما يلوح من كلام الشيخ في الخلاف من طهارة
ميتة الحيوان المائي وربما يبنى على الغالب من انتفاء النفس عنه وفيه نظر وفي حكمها أبعاضها أيضا
اجماعا الا ما يلوح من الصدوق في الفقيه حيث روى عن أبي عبد الله (ع) انه سئل عن جلود الميتة يجعل
فيها اللبن والماء والسمن ما ترى فيه فقال لا بأس بان تجعل فيها ما شئت من ماء أو لبن أو سمن
وتتوضأ منه وتشرب ولكن لا تصل فيها وكذا ما قطع من الحيوان الحي كالالية ونحوها ولا بأس فيهما
بلا خلاف بالعشرة الاجزاء الفقيدة للحيوة وهي الشعر والوبر والصوف والقرن والناب والظلف و
الظفر والعظم والبيضة والأنفحة وربما يزاد الحافر والريش والمنقار وفي درجها جميعا تحت الوصف
المذكور تنبيه على علة الحكم وهي عدم صدق الموت عليها لأنه فرع الحياة وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع)
لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة أن الصوف ليس فيه روح وقد يناقش في كون العظم منها
بقوله سبحانه قل يحييها الذي أنشأها أول مرة إذ الاحياء مستلزم للحياة ويجاب بأن الاحياء
حقيقة إنما هو لأصحاب العظام وإنما نسب إليها تجوزا نعم يتجه المناقشة في خصوص السن فإن
له حسا لا ينكر وقد صرح بذلك صاحب القانون أيضا والجواب بأن صاحب القانون عندنا غير
مقبول في مقابل كلام أهل العصمة صلوات الله عليهم إن صح فإنما يصح لو ثبت عنهم (ع) التنصيص
بأن السن مما لا تحله الحياة وهو ممنوع وإنما ثبت ذكر السن في حسنة الحسين بن زرارة
قال كنت عند أبي عبد الله (ع) وأبي يسأله عن السن من الميتة واللبن والبيضة فقال كل هذا أزكى
وحسنته الأخرى قال سأله أبي وأنا حاضر عن الرجل يسقط سنه فيأخذ سن انسان ميت فيجعله
مكانه قال لا بأس به ومرسلة الفقيه المسندة في باب العشرات من الخصال في الصحيح عن ابن أبي عمير
يرفعه إلى أبي عبد الله (ع) قال عشرة أشياء من الميتة ذكية القرن والحافر والعظم والسن والأنفحة
واللبن والشعر والصوف والريش والبيض ولا منافاة فيها لكلام الشيخ بوجه وقد وقع في بعض
الأخبار تقييد البيضة بما إذا اكتست الجلد الغليظ كما ذهب إليه جماعة وما يوجد في بعض كلمات
العلامة من تقييدها بما إذا كانت من مأكول اللحم لا يعرف له دليل ولا موافق والأنفحة بكسر
الهمزة وكسر الفاء وفتحها لبن مستحيل في جوف السخلة يصنع بها الجبن كذا يستفاد من الروايات
وطهارة اللبن مما أفتى به جماعة من الأصحاب بل نقل الاجماع فيها من الخلاف وتوقف فيها
المتأخرون وهو في محله ويأتي لهذا تتمة في كتاب المعيشة والكلب والخنزير غير المائيين صرفا
للاطلاقات الواردة في نجاستهما إلى الأفراد المتبادرة فيبقى ما عداها على حكم الأصل ومنهم من صرح
بالتعميم وهو افراط بإزاء تفريط من فرق بين كلب الصيد وغيره وفي حكمهما أبعاضهما مطلقا على المشهور
خلافا لمن استثنى ما لا تحله الحياة منهما كما في الميتة والكافر مطلقا وهو من أنكر ما علم ثبوته من
الدين ضرورة كلا أو بعضا وإن أقر بجميع ما عداه من الأصول الخمسة وغيرها كمستحل ترك الصلاة
91

خاصة أو الوطي في المحيض كما صرحوا به وإنما يقتصرون هنا على الشهادتين جمودا على الواقع كالخارج
على الإمام الحق وأولهم المارقون الخارجون بصفين يوم التحكيم المجتمعون بنهروان ثم انشعبوا فرقا
شتى يجمعهم القول بالتبري من عثمان وعلي ويقدمون ذلك على كل طاعة ولا يصححون المناكحات إلا
على ذلك وكذا الناصب وهو المعادي لأهل البيت (ع) كلا أو بعضا على المشهور في معناه بين الفقهاء
والمحدثين واللغويين وأما ما ذهب إليه شذاذ من المعاصرين ومن قاربهم وربما نسبوه إلى بعض
القدماء أيضا من أن كل مخالف في الإمامة فهو ناصب يحكم عليه بالنجاسة وتحريم المناكحة وسائر
لوازم الكفر ففي غاية الضعف والبعد عن الصواب واحتجوا للصغرى بما ورد في بعض شواذ الأخبار
في قوله (تع) عاملة ناصبة نصبت غير ولاة الأمر وأن الزيدية والواقفة من النصاب ومكاتبة محمد
بن علي بن عيسى عن أبي الحسن الثالث (ع) في الناصب هل احتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت و
الطاغوت وتقديم إمامتهما فرجع الجواب من كان على هذا فهو ناصب وروايتي عبد الله بن سنان
والمعلي بن خنيس عن أبي عبد الله (ع) ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت لأنك لا تجد أحدا يقول
أنا أبغض محمدا وآل محمد ولكن الناصب من نصب لكم وهو يعلم أنكم تتولونا وإنكم من شيعتنا و
للكبرى بالاجماع وهو مغالطة لأن الاجماع إن صح فإنما هو على كفر الناصب بالمعنى المشهور بين
المجمعين دون هذا المعنى المبتدع والمدلول عليه بتتبع الروايات أن النصب كالكفر والشرك له
معان متعددة مشككة واثبات بعض الأحكام لبعضها لا يستلزم ثبوتها بقول مطلق للجميع كما
هو ظاهر وفي حكم الخوارج والنواصب الغلاة لعنهم الله وهم الذين يعتقدون في علي أنه الله
وهم السبائية أو أنه أفضل من محمد وأنه بعث ليدعو الناس إلى علي فدعا إلى نفسه وهم العليائية
إلى غير ذلك من مقالاتهم الواهية وقد انقرضوا بحمد الله فلا يعرف لهم أثر في بلاد الاسلام
وإليهم أشار أمير المؤمنين (ع) بقوله هلك في اثنان مبغض قال ومحب غال وكذا المجسمة وهم الذين
يعتقدون فيه (تع) أنه جسم من الأجسام وهم فرق شتى متشاركون في معنى الكفر ومال في المفاتيح
إلى استثناء اليهود والنصارى والمجوس من حكم نجاسة الكافر وفاقا لبعض القدماء وخلافا
للمشهور وفي بعض الأخبار ارشاد إلى أن معنى نجاستهم خبثهم الباطني لا وجوب غسل الملاقي وأن
الأمر به في بعضها إنما هو للنجاسة العرضية دون الذاتية لكنها محتملة للحمل على التقية وهو أجود ما يجمع به
بينها هذا ما وضح دليله وبأن سبيله من النجاسات ومن اجتنب مع ذلك الخمر وكل مسكر مايع بالأصالة
فقد احتاط لدينه وخرج عن دغدغة مخالفة ما تضمن الأمر باجتنابها لا سيما الخمر فقد نقل فيها
الاجماع وهو الذي رجحه في المفاتيح وإن كان حمل ما يدل عليه على التقية متجها لأنه المذهب المنصور
بينهم لما فيه من مخالفة الاحتياط وظاهر الكتاب وعظماء الأصحاب وتوقف في الكتاب الكبير وهو
في محله لعدم ثبوت الاجماع على وجه يكون حجة فإن الخلاف فيه مشهور قديما وحديثا وفي حكمها
الفقاع كرمان وأصله الشراب المتخذ من الشعير كما يأتي وفي بعض الأخبار أنه خمر مجهول فإذا أصاب ثوبك
فاغسله وقد علمت مما سبق أن الأحوط اجتناب فضلتي غير المأكول اللحم مما له نفس من الطير وكذا أبوال
البغال والحمير والدواب وهي الخيل وأرواثها أكبر من ذلك ووقع في بعض الروايات الأمر بغسل ما أصابه
عرق الإبل الجلالة أي قبل تمام الاستبراء بل في بعضها النهي عن الصلاة في الثوب الذي فيه عرق الجنب من
الحرام من غير فرق بين ما كان التحريم ذاتا كالزنا واللواط أو عرضا كوطي الحليلة في الحيض على اشكال
في الأخير وفي موثقة عمار في الفأرة إذا أكلت من الخبز وشبهه أنه يطرح منه ويؤكل الباقي وصحيحة علي بن
جعفر في الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء تمشي على الثياب أيصلى فيها قال اغسل ما رأيت من أثرها و
ما لم تره فانضحه بالماء وفي حديث المناهي النهي عن أكل سؤر الفأرة وفي رواية هارون بن حمزة في
الوزغ أنه لا ينتفع بما يقع فيه فإن اجتنب الجميع فقد أخذ باليقين وخرج عن خلاف العالمين بها
من العظماء وإن كان المشهور الطهارة فإن تنزه مع ذلك من بول البعير والشاة الغير الجلالين
بالنضح كان أحب وكذا دم ما لا نفس سائلة له فإن الطهر منه أفضل ولبن الجارية لأنه يخرج من مثانة
أمها والمذي الخارج عقيب الشهوة والقيح والقئ لخباثتهما وكونهما مظنة النجاسة وسؤر غير المأمون
ولو لم يكن حايضا ولا جنبا حتى الحيوانات الأكلة للجيف ونحوها مع خلو موضع الملاقاة عن النجاسة
كما ذكروه وطين الطريق بعد ثلاثة أيام من انقطاع المطر كما في بعض الروايات والحديد بمسح ما لاقاه
بالماء وإن كان يابسا فإن الله يحب المتطهرين لكن في بعض ما ذكر تأمل ظاهر لأنه ليس من مظان
التشابه بحسب الأخبار ولا الأقوال وفي الفقيه أنه سئل علي (ع) أيتوضأ من فضل وضوء جماعة المسلمين
أحب إليك أو يتوضأ من ركو أبيض مخمر فقال لا بل من فضل وضوء جماعة المسلمين فإن أحب دينكم
إلى الله الحنيفية السمحة السهلة وأما العصير العنبي إذا غلا واشتد والمسوخ فلم أقف على ما يقتضي الاجتناب
عنهما وجوبا ولا تنزيها ثم الخبث إن كان له جرم محسوس في المحل أزاله عنه ولو بالفرك و
التمسح ونحوهما ثم أجرى الماء على مورده بحيث يسيل عنه بنفسه وأن لا يكن له جرم كفى في تطهيره
الاجزاء على الوجه المذكور سواء كان مما يرسب فيه الماء أم لا والمشهور توقف تطهير الأول على
العصر لاخراج الغسالة إن غسل بالقليل إلا بول الرضيع حتى أن منهم من صرح بأن ما لا تنفصل
الغسالة منه بالعصر كالصابون والفواكه والخبز لا يطهر بالقليل وأما في الثاني كالسيف والمرآة
ونحوهما من الأجسام الصقيلة فالمنقول عن السيد عدم اشتراط الماء في تطهيره وأنه يكفي في ذلك
إزالة العين ولو بالمسح والبزاق والمضاف وقواه المصنف بأن غاية ما يستفاد من الشرع وجوب
اجتناب أعيان النجاسات أما وجوب غسلها بالماء عن كل جسم فلا فكل ما علم زوال النجاسة عنه
92

قطعا حكم بتطهيره إلا ما خرج بالدليل حيث اقتضى فيه اشتراط الماء كالثوب والبدن وهو ضعيف
جدا لأن الطهارة والنجاسة من الأحكام التي لا تعرف إلا من جهة الشارع فبعد ثبوت حكمه بالنجاسة
لا يحكم بالطهارة إلا بعد ثبوت حكمه بها فعلى المدعي البيان والحكم بتطهير كل ما علم زوال النجاسة
عنه كيف كان ممنوع وإنما يقبل ذلك فيما إذا كان زوال النجاسة على الوجه المأثور من الشارع و
بدونه نفس الدعوى وليكن هذا منك على ذكر واعلم أن ظاهر كلام المصنف هنا اشتراط ورود
الماء على النجاسة في التطهير كما صرح به الجماعة وهو خلاف ما صرح به في غيره مشددا في الانكار
عليهم وبعد إزالة العين لا عبرة باللون إن بقي في المحل وإن أمكن إزالته على الأشهر لاحتمال حدوثه
بالمجاورة أو العفو وكذا الرايحة وفي حسنة بن المغيرة عن أبي الحسن (ع) الريح لا ينظر إليها فلا يستشكل
بأن وجود الرايحة يرفع أحد أوصاف الماء وذلك يقتضي النجاسة وربما يقال إن الرايحة إن كان
محلها الماء نجس لانفعاله وأن محلها اليد أو المحل فلا وعند الشك يحمل على الطهارة للأصل
على أنه على تقدير كون محلها الماء أيضا لا يلزم النجاسة لجواز أن يكون انفعال الماء من المحل أو اليد
المتنجسين لا من النجاسة فإن أزال النجاسة بالمار الكثير كفت غسلة واحدة على المشهور وإن أزالها
بالقليل ثنى الغسل ليزال بالأول العين وبالثاني الأثر كائنة ما كانت إلا بوال الصبي فيكتفي فيه بصب
الماء بلا خلاف وكذا الصبية عند المصنف وموافقيه وإن خالف الأكثر والمشهور اختصاص التثنية
بالبول وربما يلحق به المني وربما يكتفي في الكل بالمرة المزيلة فإن كان المقصود تطهيره باطن إناء ثني
الابلاغ أي ابلاغ الماء إلى النجاسة بتحريكه أو ملأه بحيث يبلغ الماء الموضع النجس منه والافراغ و
لو بال لا تعود إليه ثانيا إلا طاهرة احتياطا سواء في ذلك المثبت وغيره والتثليث أحوط لرواية
عمار عن أبي عبد الله (ع) قال سئل عن الكوز أو الإناء يكون قذرا كيف يغسل وكم مرة يغسل قال يغسل
ثلاث مرات يصب فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ ذلك الماء ثم
يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه وقد طهر وهي إنما تضمنت التحريك وربما يكون لمصادمة
الماء للنجاسة الحاصلة في ضمنه مدخل في التطهير فالمستيقن لا يتجاوز مدلولها ما أمكن هذا
في نجاسته بالبول ونحوه وفي ولوغ الخنازير والكلاب وهو شربها مما فيه بطرف لسانها أضاف
إلى المرتين مرة ثالثة بالتراب أول مرة ثم بالماء مرتين كما في صحيحة البقباق التي رواها المحقق في المعتبر
لكنها مختصة بالكلب ولم أقف على ما يقتضي مساواة الخنزير له في ذلك والمشهور فيه الثلاث
بالماء والأقوى السبع كما اختاره المصنف في المفاتيح والمعتصم لصحيحة علي بن جعفر من غير معارض
والمستيقن لا يجتزئ في الكلب أيضا بما دون السبع كما في موثقة عمار وعن النبي صلى الله عليه وآله إذا ولغ الكلب في أناء
أحدكم فليغسله سبعا أولهن بالتراب وبمضمونها عمل ابن الجنيد وقواه المصنف في الكتابين ونص جماعة
من الآخرين على أن لطعه أي لحسه بلسانه في حكم الولوغ بل هو أولى لأنه أقوى في وصول الأجزاء
اللعابية والتصاقها بالإناء فيتناوله الدليل وفيه منع ظاهر إذ يحتمل أن تكون الحكمة للتطهير الخاص عن
الولوغ تلطيف الماء للأجزاء اللعابية وتصغيره إياها بحيث تدخل في مسام الإناء وهذه العلة منتفية
في اللطع فلا يكون أولى وربما يقال بوجوب السبع في موت الفأرة وكل مسكر وفي موثقة عمار عن أبي
عبد الله (ع) اغسل الإناء التي تصيب فيه الجرذ ميتا سبع مرات والجرذ بضم الجيم وفتح الراء المهملة وآخره
الذال المعجمة قيل هو ذكر الفأر وقيل الذكر الكبير وقيل إنه ضرب منها أعظم من اليربوع أكدر في ذنبه
سواد وعن الجاحظ أن الفرق بين الجرذ والفأر كالفرق بين الجاموس والبقر وفي موثقته أيضا
في الإناء الذي يشرب فيه النبيذ يغسله سبع مرات وألحقوا به سائر المسكرات وفي روايته الأخرى
في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر قال يغسله ثلاث مرات فليأخذ المحتاط باليقين وإن شك في اللقاء
لم يجب عليه غسل الموضع للأصل واستحب رشه بالماء كما تضمنته صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي
إبراهيم (ع) إلا أن موردها الشك في إصابة البول الثوب والجسد وفي حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) إن
ظن أنه أصابه مني ولم يستيقن ولم ير مكانه فلينضحه بالماء وفي حسنة ابن سنان عنه (ع) في رجل أصاب
ثوبه جنابة أو دم قال إن كان يرى أنه أصابه شئ فنظر فلم ير شيئا أجزأه أن ينضحه بالماء وكذا الحكم
استحباب الرش في ملاقاة اجتنابه أولى كالكلب والخنزير باليبوسة وعن ابن حمزة الوجوب فيهما وفي
الكافر والمذي وعرق الجنب من الحرام والفأرة ولبن الجارية وبول البعير والشاة وثوب المجوسي وربما
نخص هذه بالحكم لأنها مورد النصوص والتعميم يتوقف على الدليل أما المظنون ملاقاته للنجاسة فعن
سلار ايجاب رشه وله ظاهر الحسنتين وعن أبي الصلاح ايجاب غسله كالمعلوم لأن الظن مناط
الشرعيات ولأن العمل بالمرجوح مع قيام الراجح باطل وهما ضعيفان وعمومات طهارة كل شئ مغياة
بالعلم بأنه قذر دون الظن به وهي حجة ابن البراج في إلغاء الظن مطلقا وقواه في المعتصم اكتفاء
بالرش حملا للحسنتين على الاستحباب جمعا ومنهم من الحق بالعلم الظن المستند إلى سبب معتبر عند
الشارع كشهادة العدلين واخبار المالك والغي المستند إلى الأمارات ككون الشئ مظنة النجاسة
واخبار الفاسق واختلفت كلماتهم في قبول العدل الواحد واشترط بعضهم في العدلين بيان
السبب المقتضي للنجاسة لوقوع الخلاف فيه إلا أن يعلم الوفاق وهو يأتي في الواحد أيضا على تقدير
قبوله وربما يقيد قبول اخبار الواحد بنجاسة مائه بما إذا كان ذلك قبل الاستعمال أما بعده فلا
بالنظر إلى نجاسة المستعمل له فإن ذلك بالحقيقة اخبار بنجاسة الغير فلا يكفي فيه الواحد وإن كان عدلا
فكيف كان فغسله أحوط وإن كان ظاهر الروايات العدم مطلقا وآلة الاستنجاء وهي ما يتمسح به
مطهرة لمحل النجو وهو الغايط إذا كانت طاهرة قالعة لما تخلف منه منشفة لرطوباته ففيها قيود ثلاثة
93

أ الطهارة فلا يجزي النجس سواء كانت نجاسته ذاتية أو عرضية وعلله في كتابه الكبير بأن المحل ينجس
بملاقاته فلا يكون مطهرا وهو على ما قرره في مطولاته من أن المتنجس لا ينجس مما لا يكاد يفرض له وجه
استقامة في القسم الثاني بعد ما أزيلت العين عنه ثم أيده بمرفوعة بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال
جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار ويتبع بالماء وهو كما ترى والاعتماد بالاجماع كما نقلوه إن
صح ب أن تكون قالعة للنجاسة حتى يحصل النقاء المطلوب فلا يجزي ما لا يحصل به النقاء لملاسته
كالزجاج ونحوه مما يزلق عن النجاسة أو رخاوته كالفحم ونحوه مما يتخلف منه أجزاء متنجسة في المحل ولم ينقلوا
فيه خلافا ج أن يكون فيها من التخلخل ما يشرب رطوبات النجاسة عن المحل فلا يجزي الحديد والذهب
ونحوهما مما لا تنفذ الرطوبة في مسامه لعدم حصول المطلوب بها واطلاق كلامه هنا يؤذن بأمور
صرح بها في غيره أ أنه لا يعتبر في الآلة أن يكون حجرا لأن المطلوب يحصل بغيره كالخرق والجلود ونحوها و
قيل لا بد أن يكون من الأرض فلا يجزي الجلود والحرير ونحوهما ب أنه لا فرق في ترتب الأثر بين كونها
مما يسوغ استعماله كالحجر أم يحرم كالعظم والروث اتفاقا والمطعوم على المشهور وربما يقيد بالمحترم كالخبز
والعجين وإن أثم في الثاني لحصول المطلوب وهو النقاء ولا ينافي ذلك تعلق النهي به كما في إزالة النجاسة
بالماء المغصوب فإنه يحصل به الطهارة وإن أثم الغاصب ج أنه لا يشترط عدد معين فيها بل حدها
النقاء كما في حسنة ابن المغيرة عن أبي الحسن (ع) قال قلت له للاستنجاء حد قال لا حتى ينقي ما ثمة وقيل بل
تجب ثلاثة وإن نقي بدونها تعبد الظواهر بعض الروايات كصحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) يجزيك من الاستنجاء
ثلاثة أحجار وصحيحة بريد بن معاوية عنه (ع) يجزي من الغايط المسح بالأحجار وبالغ بعضهم فلم يجتزي بالواحدة
وإن كانت مثلثة استعملت من جميع جهاتها تمسكا بحمل الأجزاء على الثلاثة والواحد لا يصدق عليه
أنه ثلاثة ويلزمهم الفرق بين الثوب مثلا متصلا واحدا ومتقطعا إلى ثلاث قطع مع أنه لا يعقل فرق
بينهما والتحقيق أن الروايات إنما وردت بلفظ الأحجار وثلاثة أحجار والخرق والكرسف والمدر فالمستيقن
يقتصر في الرخصة عليها وكونها مبنية على الغالب من عدم حصول المطلوب بما دون الثلاثة وانحصار
الآلة المتيسرة في المذكورات وجهتها المستعملة في واحدة غير مجزوم به والاطلاقات الواردة في الباب
حتى الحسنة المذكورة ليست مما يأتي التقييد فالحكم بأن المطلوب النقاء على أي وجه اتفق وحصول الطهارة
الرافعة للنجاسة المحكوم بها شرعا في غير موارد النصوص مما لا يرتضيه الحازم كما نبهناك عليه قريبا
والمراد بمحل النجو أما نفس المخرج كما ذكره الأكثر أعني ثقبة الدبر فمقتضى إناطة الحكم به عدم أجزاء التمسح
عند الانتشار عنها ولو يسيرا أو ما يشمل حواشيها القريبة التي يعتاد انتشار النجاسة إليها غالبا دون
البعيدة التي لا يعتاد وصولها إليها ولا يصدق على تنظيفها اسم الاستنجاء فإنها ليست من مواقع الخلاف
ولا مظان الوهم وظاهر المصنف في غيره الثاني حيث عبر بمحل العادة وهو الذي ارتضاه المحققون من
المتأخرين وإلا لزم صرف اطلاقات الاستجمار إلى الفرد النار من غير مقيد مع إباء بعضها عن ذلك
غاية الإباء إلا إذا ثبت على المشهور اجماع قاطع ودونه خرط القتاد ومع ذلك فالاحتياط لا يترك
وكذا الأرض مطهرة لباطن الخف والنعل والقدم وهو أسفلها الملاصق للأرض دون الحافتين منها
كما صرحوا به وفي صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) رجل وطئ على عذرة فساخت رجله فيها أينقض ذلك وضوؤه
وهل يجب عليه غسلها قال لا يغسلها إلا أن يقذرها ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها ويصلي وهي طاهرة
في أنهما بل ظاهر الرجل أيضا في حكم الباطن قال بعض اللغويين ساخت قوايمه في الأرض هو مثل الغرق
في الماء وفي عدم اشتراط المشي ولا كون الممسوح به أرضا كما ينقل عن ابن الجنيد ولا طاهرا ولا جافا
إلا أن الظاهر صرف الاطلاق إلى المعهود وهو ما كان بالأرض وقد ورد في بعض الأخبار تحديد
المشي بخمسة عشر ذراعا أو نحو ذلك والمشهور التحديد بما يزيل عين النجاسة وأنه لو لم يكن جرم ولا رطوبة
يكفي مسمى الامساس وأما اشتراط طهارة الأرض وجفافها فمحكى عن ابن الجنيد أيضا وقد نظر فيه
المصنف في المعتصم وظاهر الاطلاق هنا وفي المفاتيح نفيه لكن وقع اشتراط الأخير مصرحا في بعض
الروايات فالاحتياط لا يترك واقتصاره في المفاتيح على الثلاثة المذكورة جيد جدا وإن خلت النصوص
عن خصوص الباطن وقوى في الكتاب الكبير الحاق أسفل العصا وكعب الرمح وما شاكل ذلك بها
بل زاد آخرون خشبة الأقطع وسكة الحرث وهي الحديدة التي يشق بها الأرض وركبة الكشيح وهو
المقعد الذي يمشي على ركبتيه ويد الحابي وهو الذي يضع يديه على الأرض عند المشي نظرا إلى
الاشتراك في العلة المقتضية للتسهيل واستمدادا بما ورد مستفيضا في طهورية الأرض من أن
بعضها يطهر بعضا بأن يكون المراد بالأرض ما يشمل نفس الأرض وما عليها إلا ما خرج بالاجماع و
هو ما عدا المذكورات والأول ضعيف جدا وكذا الثاني فإن مثل هذه العبارة المجملة التي اختلفت
الأنظار في فهم المراد منها مما لا يستقيم الاستدلال به وأجود ما قيل فيها أنه إشارة إلى أنه بمحض
المسح على الأرض لا يذهب الأثر الحاصل من الأرض السابقة مطلقا بل يبقى في المحل بعض الأجزاء
من الأرض المتنجسة فتلك الأجزاء تطهرها الأرض الثانية وأما ما قاله في المفاتيح من أنه يعني
بالإزالة والإحاطة والتجفيف بالوطي عليها مرة بعد أخرى وانتقال بعضها إلى بعض وقريب منه
في الوافي فغير متضح والاستحالة وهي خلع المادة للصورة وتلبسها بأخرى بحيث يتغير الاسم ربما
تطهر الأعيان النجسة بالذات أو بالعرض كصيرورة العذرة والميتة ترابا أو دودا أو الكلب ملحا و
الوقود النجس رمادا أو فحما أو دخانا على خلاف شاذ في الأخير وكذا انقلاب الكافر مسلما والخمر
خلا سواء كان بعلاج أم غيره وعن الرضا (ع) في العصير يصير خمرا فيصب عليه الخل وشئ يغبره
حتى يصير خلا قال لا بأس به والمشهور في الطين النجس إذا طبخ خزفا أو آجرا الطهارة وقيل بالبقاء
94

على النجاسة وتوقف آخرون ويقوى الشك في اللبن وروي في العجين النجس أنه يباع ممن يستحل
أكل الميتة وفي أخرى أنه يدفن ولا يباع وفي أخرى في عجين عجن وخبز ثم علم أن الماء كانت فيه ميتة
قال لا بأس أكلت النار ما فيه والبواطن كداخل الأنف والأذن والفرج تطهر بزوال العين عنها
ولا حاجة إلى غسلها بلا خلاف يعرف وفي موثقة عمار عن أبي عبد الله (ع) في رجل يسيل من أنفه الدم
هل عليه أن يغتسل باطنه يعني جوف الأنف فقال إنما عليه أن يغسل ما ظهر منه وفي أحاديث الاستنجاء
يغسل ما ظهر على الشرج ولا يدخل فيه الأنملة وفي دلالتها على المطلوب نظر وظاهر كلام المصنف هنا وفي
غيره أن البواطن تنجس بوجود النجاسة فيها وإن طهرت بزوالها ويترتب على الأول تنجس الأجسام الملاقية
لها قبل زوال عين النجاسة مثل بقايا الطعام المتخلفة في الفم والكحل الداخل في العين كما صرح بذلك
شارح اللمعة وظاهر بعض المعاصرين أن البواطن لا تقبل النجاسة إذ لم يكلف الشارع بتطهيرها و
صب عبارات الأصحاب كلها من عدا الشهيدين على ذلك وزعم أن تنجيس الطعام والكحل حكم لا شاهد
له وأطال الكلام في ذلك وهو من الضعف بمكان وكذا تطهر الحيوان العجم المتنجسة بمجرد زوالها وإن لم
تغب على المشهور لكن الدليل غير ناهض باثباته والمراد به ما عدا الآدمي ووصف اسم الجنس بالجمع نظير
قولهم أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض أما الآدمي فاشترط بعضهم غيبته زمانا
يمكن فيه التطهير ولم يرتضه المصنف إذ العضو الباطن لا يحتاج فيه إلى ذلك والظاهر لا يكفي فيه
ذلك بل لا بد من العلم بإزالته أو الظن المعتبر شرعا ولو استند إلى أخباره مع عدم قرينة خلافه و
الشمس إذا جففت باشراقها الأرض والبارية والحصير المتنجسة بالبول جازت الصلاة عليها وإن
كانت باقية على النجاسة ومن ثم يشترط فيه بقاؤها على الجفاف وجفاف الجبهة وغيرها من الملاقيات
كما في موثقة عمار وربما يلحق بالبول كل نجاسة مايعة وهو ظاهر الاطلاق وبالأرض وأختيها كل
ما لا يمكن نقله كالأشجار والأبنية وزاد بعضهم الثمرة على الشجرة والأبواب المعلقة والرفوف المسمرة
ونحوها والمشهور الطهارة بجميع لوازمها عملا بالنصوص الواردة بلفظها وحملا لما ورد من أنه كيف
تطهر من غير ماء على التقية
باب آداب التخلي من الأفعال والتروك إلا أنها غير منتظمة الترتيب و
كلها مسنونة إلا ما ننبه عليه وهي ارتياد الموضع المناسب وهو ما يؤمن معه من نشر النجاسة
سيما للبول ففي الحديث النبوي من فقه الرجل أن يرتاد موضعا لبوله وعن أبي عبد الله (ع) كان
رسول الله صلى الله عليه وآله أشد الناس توقيا من البول كان إذا أراد البول عمد إلى مكان مرتفع أو مكان من
الأمكنة يكون فيه التراب الكثير كراهة أن ينضح عليه البول والتستر بالبدن عن الأعين
بالتواري ببناء ونحوه أو ابعاد المذهب مروي أما العورة فيجب سترها عمن يحرم نظره إليها
وهو من عدا من يحل وطيه من المميزين وهي القبل والدبر والأنثيان ومن ستر من السرة
إلى الركبة بل إلى نصف الساق فقد أخذ باليقين وتجتنب المشارع والنصوص إنما وردت
بلفظ شطوط الأنهار وشفير بئر ماء يستعذب منها أو نهر يستعذب منه فكان التعبير بموارد
المياه كما في المفاتيح والمعتصم أجود ومثله في الشوارع فإنها وردت بلفظ المحجة وقارعة
الطريق والطرق النافذة كما فيهما وتحت الشجرة المثمرة كما في بعض الأخبار وتختص الكراهة
بالأوقات التي يكون عليها ثمرها بقرينة البعض الآخر سواء قلنا باشتراط بقاء مبدأ الاشتقاق
في صدق المشتق أم لا وأبواب الدور وهي مواضع اللعن وأفنية المساجد وهي ما امتد من
جوانبها القريبة ولا يبعد أن تحد بحريمها وهي أربعون ذراعا من كل ناحية وفئ النزال وهي
الأماكن المعدة لنزول القوافل والواردين وتشتمل غالبا على ما يتظلل به من شجر أو كهف
أو نحوهما والمأثور منازل النزال وشطوط الأنهار كما عرفت والمقابر فإن التغوط بين القبور
من الثلاثة التي يتخوف منها الجنون كما في حديث الوصية والتخلي على القبر من الحالات التي
يتسارع فيها الشيطان الانسان ومن الآداب أيضا تأخير الكشف عن العورة وإن لم يكن
ناظرا والأعم إلى أن يقرب الموضع والدخول في بيت الخلا باليسرى من الرجلين فإن لم يكن
بناء جعلها آخر ما يقدم والخروج عنه باليمنى منهما عكس المكان الشريف كما قالوه وتغطية
الرأس اقرارا بأنه غير مبرئ نفسه من العيوب كما قاله الصدوق ولئلا تصل الرايحة الخبيثة
إلى دماغه ويأمن بذلك من عبث الشيطان وهو سنة من سنن النبي صلى الله عليه وآله وفيه إظهار الحياء
من سبحانه لكثرة نعمه على العبد وقلة الشكر منه كما قاله المفيد والاعتماد على نقله كونه سنة
دون ما ذكره من العلل مع أن الأولى منظور فيها بأنه خلاف الشاهد من كشف الناس رؤوسهم
في الروايح المنتنة وإن أمكن الذب عنه بما يعرفه الذكي على أن اللازم منه استحباب ما يحصل
به التوقي المذكور ولا ريب أن الحاصل منه باللثام ونحوه مما يسد الأنف والفم أقوى و
الأمر هين وتقنيعه حياء من الملكين كما في وصية أبي ذر وترك استقبال القبلة والريح
كالبدن وقرصي النيرين بالشمس والقمر لا جهتهما واستدبار الأولين وقيل بوجوبهما في الأول
وفرق بعضهم بين الصحاري والبنيان فكرههما في الأول خاصة وخص في الكتاب الكبير كراهة
استقبال النيرين بالبول وهو أوفق بأكثر الروايات وورد النهي عن استدبار الهلال وإن ذهل
عنه الأكثر والبول في الأرض الصلبة وما في معناها مما لا يؤمن فيه النجاسة وهو مما ينطوي
عليه ارتياد الموضع المناسب وفي الحجر وهي بضم الجيم ففتح الحاء ثقوب الحيوانات والماء سيما الراكد
وقائما إلا للمتنور ومطمحا من السطح أو من الشئ المرتفع يرميه في الهواء ومنها الذكر بالمأثور
في أحواله كلها فعند الدخول بسم الله وبالله اللهم إني أعوذ بك من الخبيث المخبث الرجس النجس
95

الشيطان الرجيم وعند الكشف عن العورة بسم الله وعند الجلوس للوضوء اللهم اذهب عني
القذى والأذى واجعلني من المتطهرين وعند التزحر اللهم كما أطعمتنيه طيبا في عافية فأخرجه
عني خبيثا في عافية وعند الفعل الحمد لله الذي أطعمني طيبا في عافية وأخرج مني خبيثا في
عافية وعند النظر إلى البراز اللهم ارزقني الحلال وجنبني الحرام وأما عند النظر إلى الماء فلم يذكره
المصنف في غيره وذكر غيره بسم الله وبالله والحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا
وهو مذكور في حديث وضوء أمير المؤمنين (ع) بعد ما أكفى بيده اليسرى على يده اليمنى وعند
الاستبراء اللهم حصن فرجي واعفه واستر عورتي وحرمني على النار وعند الفراغ منه الحمد
لله الذي عافاني من البلاء وأماط عني الأذى كذا ذكروه والرواية محتملة للفراغ من الحدث
وعند القيام من الحاجة الحمد لله الذي أذاقني طعمه وأبقى في جسدي منفعته وأخرج عني أذاه
ومشقته وعند الخروج بسم الله وبالله الحمد لله الذي عافاني من الخبيث المخبث وأماط عني
الأذى وقد روي في بعضها غير ما ذكر ومنها الاستبراء من البول لئلا ينتقض وضوئه لو
خرج بلل مشتبه بعده وقيل بوجوبه وكيفيته الكاملة أن يمسح من المقعدة إلى أصل القضيب
ثلاثا ومنه إلى رأس الحشفة ثلاثا وينزه ثلاثا وزاد بعضهم التنحنح ومنهم من ذكره سنة مفردة
والروايات خالية عنه وإن كان له مدخل في الاستظهار وفي ثبوت الاستبراء للمرأة قولان و
مختار المصنف العدم والانتقال من محل النجو والبول إلى محل نظيف للاستنجاء فإنه أمن من النجاسة
وأن يكون غير مستقبل فيه للقبلة ولا مستدبر لها كما في التخلي وكذا بالنسبة إلى الريح والنيرين
لعموم ما يدل على أنه يقعد فيه كما يقعد للغائط والبدءة فيه بالمقعدة ثم الإحليل كما في موثقة
عمار وقد يعلل بالتخلط عن تلوث اليد بالنجاسة عند الاستبراء والاستنجاء باليسار فإنه باليمين
من الجفاء ولا بأس إذا كانت اليسار معتلة ونزع الخاتم الذي فيه اسم الله عند الدخول ويتأكد
عند الاستنجاء بيده وقد يلحق به أسماء الأنبياء والأئمة (ع) ونفى عنه البأس في المعتصم وربما
يقيد الأخير بما إذا لم يتلوث الاسم بالنجاسة وإلا وجب واختيار الماء على ما يتمسح به في الاستنجاء
من النجو مع عدم التعدي استحبابا ومعه وجوبا سيما للنساء فإنه أبلغ للتنظيف وفي دلالة
الرواية عليه نظر أما في الاستنجاء من البول فيتعين الماء مط ولا يجري غيره من التمسح و
التجفيف اجماعا وأفضل منه الجمع بينهما مع تقديم التمسح في النجو مطلقا كما هو ظاهر الخبر وكلام
الأصحاب وصريح المعتبر والتخصيص بحال عدم التعدي كما هو ظاهر المفاتيح لا وجه له و
كيف كان فهو مختص بالنجو دون البول واثباته فيهما معا من خصايص الكتاب فيما أعلم وكون
كل من المسحات بجسم طاهر قالع منشف غير محترم كالتربة الحسينية وبعض المطعومات كالخبز
ولا عظم ولا روث لتحريم الاستنجاء بها وربما يعم في المطلوب كما تقدم وأن لا تكون أقل
من ثلاث مسحات بثلاثة أجسام مفصولة وإن نقى بما دونها وقد عرفت الحال وايتارها
إن حصل النقاء بالشفع لأن الله وتر يحب الوتر وقلع العين بها وجوبا إن اقتصر عليها حيث
يجوز وذلك إذا كانت في نفس المحل الطبيعي أو العادي من غير تعد عنه كما تقدم واستحبابا
ولئلا تتلوث اليد بالنجاسة وإن كان متبعا لها بالماء مط واستيعاب جميع المحل في كل مرة
غير مقتصر على التوزيع وأوجبه المحقق ومسح البطن باليد بعد الفراغ وعند الخروج كما في
المفاتيح داعيا بدعاء أمير المؤمنين (ع) الحمد لله الذي أخرج عني أذاه وأبقى في قوته فيا لها من
نعمة لا يقدر القادرون قدرها وترك الإطالة فهي تورث الباسور والأكل والشرب لما
يتضمنان من الاستقذار كما قالوه والسواك فهو يورث النجر والتكلم فإن من تكلم على الخلاء لم تقض
حاجته إلا لضرورة كفوات عزيم وتردي طفل أما ذكر الله (تع) وتلاوة آية الكرسي وحكاية
الأذان فلا بأس لورود الإذن فيها
باب الاتفاث غير ما يأتي في كتاب الحج وفي إزالتها فوائد
كلية زيادة على النظافة من تنقية البدن واستفراغ الفضول وتفريح القلب وتحسين الهيئة
وغير ذلك من ما هو مذكور في فنه وبعضها منصوص في الروايات مشهود عليه بالوجدان
وهي ما يجتمع في شعر الرأس المستطال من الرجال والنساء من الدرن بفتح الأولين وهو الوسخ
ويحصل من الغبار ومن خروج أجزاء صغيرة من الغذاء المهضوم تغلب عليها الأرضية من مسام
البدن فإن كان معها أجزاء مائية فهو العرق ويكثر في الصيف لاتساع المسام بسبب الحرارة
المفتحة ويقل في الشتاء لانسدادها بالبرودة المجمدة فيكثر فيطول مكثه في البدن وتعمل فيه
الحرارة الغريزية ويكمل نضجه فيستعد لأن تفاض عليه بعد الخروج نفس حيوانية وهو القمل ويزال
بالغسل والسدر والخطمي والترجيل وهو التشريح والتدهين بدهن البنفسج والبان الزيبق
وبدهن شيرج تري والزيت وما يجتمع في معاطف الأذن وقعر الصماخ بكسر الصاد وهو خرقه
من الأوساخ المتكونة فيها أو الرايحة إليها من جوف الدماغ ويزال ما في المعاطف بالمسح بالإصبع
فإن لتها بالمنديل أو نحوه فأبلغ وما في قعر الصماخ بالخنصر أو غيرها من الآلات المتناولة وليجتهد
في الاخراج برفق لأنه ذكي الحس جدا يتأثر بأهون سبب وليكن ذلك بعد قضاء الوطر من الحمام
بلا فصل إذ ينتفع به الوسخ ويسهل إزالته فليبادر قبل أن يلبده ضرب النسيم وأما أنه لا ينبغي
قبل ذلك فلأن ما فيه من الدسومة مما يمنع دخول الماء في باطن الأذن عند الغوص في الماء ونحوه
فينبغي ابقاؤه إلى الفراغ وما يجتمع في داخل الأنف من الرطوبات السائلة إليه من الدماغ
المنعقدة فيه غالبا عند النوم واحتباس الروح النجاري الملتصقة بجوانبها لما فيها من اللزوجة
96

البلغمية ويزيلها الاستنشاق في الوضوء وغيره والاستنثار وهو نثر ما في الأنف بالنفس
وقال ابن الأثير في حديث الوضوء إذا توضأت فانثر وفي حديث آخر من توضأ فلينثر
وفي آخر كان يستنشق ثلاثا في كل مرة ويستنثر نثر ينثر بالكسر إذا امتخطه واستنثر استفعل
منه أي يستنشق الماء ثم يستخرج ما في الأنف فينثره وقيل هو من تحريك النثرة وهي طرف
الأنف انتهى وربما لا يكفيان في الإزالة لكثرة اللزوجة فيستعان بالإصبع وما يجتمع على
الأسنان وأطراف اللسان من القلح وهو محركة صفرة الأسنان وفيه تغليب ويزال بالسواك
بالأراك وما ينوب منابه والمضمضة وإدارة الإبهام والمسجة في الفم وما يحدث في اللحية من
الدرن والشعث وهو الغبار والتلبد والانتشار ويزال بالتسريح بالمشط فإن لم يكن
فبالأصبع والغسل وأكمله ما كان بالصابون والسدر تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله وما يجتمع في البراجم وهي
معاطف ظهور الأنامل أو مفاصل الأصابع كلها أو ظهور القصب من الأصابع أو مفاصل
الأصابع التي بين الأشاجع والرواجب أو رؤس السلاميات من ظهر الكف إذا قبض القابض
كفه نشرت وارتفعت واحدهما برجمة بالضم وفي الرواجب وهي رؤسها أو ما بين العقد من
داخل كما في الوافي نقلا عن النهاية أو مفاصل أصول الأصابع أو بواطن مفاصلها أو هي قصب
الأصابع أو مفاصلها أو ظهور السلاميات أو ما بين البراجم من السلاميات أو المفاصل التي
تلي الأنامل ثم البراجم ثم الأشاجع اللاتي يلين الكف واحدتها راجبة ورجبة بالضم والذي وجدت
في النهاية تفسيرها بما بين عقد الأصابع من دون قيد الداخل فما في الوافي كأنه لا يخلو عن سهو في
النقل ولم يذكر فيه تفسيرها برؤس الأنامل ولا وجدته فيما حضرني من كتب المعنى بهم فهو
أعلم بما قال وليس في بعض النسخ ذكر البراجم والرواجب وما يجتمع تحت الأظفار لا سيما إذا
طالت من الوسخ ويزال بالغسل والاخراج إن كانت قصيرة والقلم وحده أو مع أحدهما إن
كانت طويلة وما يقع على جميع البدن برشح العرق من داخل والغبار من خارج ويزال بالحمام
والدلك وغسل الجمعة وهذه كلها تشترك في وجوب الإزالة إذا كانت حايلة عن وصول الماء إلى ما
يجب ايصاله إليه من البشرة في الطهارات ولا يكفي امساسها بالماء لأنها ليست من أجزاء البدن
ومنها ما هو أجزاء منه وهو شعر الرأس من الرجال ويزال بالحلق بالموسى وهو أفضل من إطالته
واتخاذه وإن أكرمه بالغسل والترجيل والتدهين وإنما ندب إلى اكرامه متخذة ففي الحديث النبوي
من اتخذ شعرا فليحسن ولايته أو ليجزه وشعر باطن الأنف ويزال بالنتف أو القرض وهو الأولى
لسلامته من غائلة النتف وإن كان أبلغ في التنظيف وما طال من الشارب واللحية ويجزه وما
خرج عنهما من شعر الوجه ويزال بالنتف أو الحلق وشعر الإبط والعانة وهي هنا المحل ويقال
الركب بفتحتين وربما تطلق على نفس الشعر النابت فيه وهو الأغلب وسائر البدن غير ما
ذكر ويزال بالحلق والنورة وهي الدواء المركب من النورة والزرنيخ وهو أقوى الجزئين في التأثير
ومنه المثل العمل للزرنيخ والاسم للنورة وينوب منابها كل ما يعمل عملها من المفردات من المركبات
القطاعة وما طال من الأظفار ويزال بالقلم والقرض ونهى عن أخذها بالأسنان وغلفة الحشفة
وهي الجلدة المنطوية عليها وما للنساء من ذلك من الجلدة الزائدة وتزال بالختان وتخص الثانية
باسم الخفض وهو لهن مستحب اجماعا وعن أبي عبد الله (ع) خفض الجواري مكرمة وليس من السنة
ولا شيئا واجبا وأي شئ أفضل من المكرمة والختان للرجال واجب بلا خلاف وهو من العشر
الحنيفية والمخاطب به في الغلام الولي ولو أسلم غير مختون وجب عليه الختان وإن طعن في السن
وهو شرط لصحة الطواف والإمامة
باب آداب التنظيف عن الاتفاث المذكورة وهي في كل من
التدهين والترجيل أن يكون غبا ويكره الادمان كل يوم لا سيما للرجال فعن أبي عبد الله (ع)
لا يدهن الرجل كل يوم يرى الرجل شعثا لا يرى منزلقا كأنه امرأة وروي في الأسبوع مرة
ومرتين وفي الشهر مرة وأن يدعو فيه بالمأثور عنه (ع) إذا اتخذت الدهن على راحتك فقل اللهم إني أسئلك الزين والزينة والمحبة وأعوذ بك من الشين والشنان والمقت ثم اجعله على
يافوخك ابدأ بما بد الله به وعنه (ع) إذا أراد أحدكم الامتشاط فليأخذ المشط بيده اليمنى وهو
جالس وليضعه على أم رأسه ثم يسرح مقدم رأسه ويقول اللهم حسن شعري وبشري وطيبهما
واصرف عني الوباء ثم يسرح مؤخر رأسه ثم يقول اللهم لا تردني على عقبي واصرف عني كيد الشيطان
ولا تمكنه من قيادي فيردني على عقبي ثم يسرح الشعر على حاجبه ويقول اللهم زيني بزينة
الهدى ثم يسرح الشعر من فوق ثم يمر المشط على صدره ويقول في الحالين معا اللهم سرح عني
الغموم والهموم ووحشة الصدور ووسوسة الشيطان ثم يشتغل بتسريح للشعر ويبتدئ
به من أسفل ويقرء إنا أنزلناه في ليلة القدر وإن بلغ في طوله حد الفرق فرق وإلا دخل في الوعيد
المذكور في حديث أبي عبد الله (ع) من اتخذ شعرا ولم يفرقه فرقه الله بمنشار من نار وهذا التوعيد
العظيم يؤذن بالوجوب وفي كل من الاستنشاق والاستنثار والمضمضة التثليث كما تقدم في حديث
الاستنثار وفي عهد أمير المؤمنين (ع) لمحمد بن أبي بكر الذي رواه المفيد في مجالسه وكذا أبو علي بن الشيخ
وفي حديث علي بن يقطين الذي رواه المفيد أيضا في ارشاده والراوندي في الخرايج عن أبي الحسن (ع)
تثليث المضمضة والاستنشاق في الوضوء والدعاء بالمأثور في حديث ابن الحنفية وهو
سند المضمضة اللهم لقني حجتي يوم ألقاك وأطلق لساني بذكراك وعند الاستنشاق اللهم لا
تحرم علي ريح الجنة واجعلني ممن يشم ريحها وروحها وطيبها وأما دعاء الاستنثار فلم أظفر
97

عليه بل لا يحضر في حديث الاستنثار في كلام من تقدم على المصنف من أصحابنا وفي السواك
أن يكون مدمنا عليه لا يترك أكثر من ثلاثة أيام ولو أن يمره مرة كما في حديث أبي جعفر (ع) ويتأكد
في السحر فإنه السنة فيه كما في رواية الكليني وعند كل صلاة ففي وصية أمير المؤمنين (ع) عليك
بالسواك لكل صلاة وعند كل وضوء ففي الحديث النبوي السواك شطر الوضوء وعند كل تلاوة فعن
أمير المؤمنين (ع) أفواهكم طرق القرآن فطهروها بالسواك وبعد تغير النكهة وهي ريح الفم
بالنوم ومن ثم كان النبي صلى الله عليه وآله يستاك كل مرة قام من نومه أو طول الأزم بفتح الهمزة فسكون الزاي
أي الامساك عن الطعام ومنه سميت الحمية أزما كما في النهاية ومنه حديث السواك يستعمله
عند تغير الفم من الأزم وبعد أكل ما يكره رايحته كالثوم والبصل فإنه مطيبة للفم كما ورد ويتأكد
في المجتمعات العامة كالجمعة والعيدين لتأكد العلة فيها وأن يكون بالعرض كما ورد الأمر به في الحديث
النبوي وفي التمشط أن يكون بقصد السنة ويتأكد عند كل صلاة قبل الاشتغال بها كما هو ظاهر
ما روي بعدة طرق في تفسير قوله (تع) خذوا زينتكم عند كل مسجد إن من ذلك التمشط عند كل
صلاة أو بعد الفراغ منها كما في بعض الروايات أنه كان لأبي عبد الله (ع) مشط في المسجد يتمشط إذا
فرغ من صلاته وأن يكون المتمشط جالسا فإنه من قيام يورث الفقر وضعف القلب وأن يأخذ
المشط بيده اليمنى ويمره على صدره ويدعو عنده بالمأثور كما في تسريح الرأس وأن يسرح اللحية
سبعين مرة ويعدها مرة مرة وفي رواية أنه صلى الله عليه وآله كان يسرح لحيته من تحت إلى
فوق أربعين مرة ويقرء إنا أنزلناه في ليلة القدر ومن فوق إلى تحت سبع مرات ويقرء و
العاديات وفي الحمام أن لا يدمنه كل يوم فإنه ينهك البدن ويذيب شحم الكليتين وفي رواية
أنه يورث السل بل غبا إلا من أراد أن يضمر وكان كثير اللحم ولا يدخله على الريق بل يأكل شيئا
قبله يطفئ المرار ويسكن حرارة الجوف ولا على الامتلاء فهو من ثلاثة يهدمن البدن وربما قتلن
ولا بغير ميزر وإن لم يكن ثمة ناظر ويغض بصره من الآلات التي تنكشف فيه غالبا وعن أبي
الحسن (ع) لا تدخل الحمام إلا بميزر وغض بصرك الحديث ويدعو بالمأثور وعن أبي عبد الله (ع) برواية
محمد بن حمران عند نزع الثياب أولا ولبسها أخيرا ودخول كل من البيوت الثلاثة قال (ع) إذا دخلت
الحمام فقل في الوقت الذي تنزع ثيابك اللهم انزع عني ربقة النفاق وثبتني على الايمان وإذا دخلت
البيت الأول فقل اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي واستعيذ بك من أذاه وإذا دخلت البيت الثاني
فقل اللهم اذهب عني الرجس النجس وطهر جسدي وقلبي إلى أن قال وإذا دخلت البيت الثالث
فقل نعوذ بالله من النار ونسئله الجنة ترددها إلى وقت خروجك من البيت الحار فإذا
خرجت من الحمام ولبست ثيابك فقل اللهم ألبسني التقوى وجنبني الردى فإذا فعلت ذلك
أمنت من كل داء وأن يذكر حر النار به وبه مدح الحمام في حديث أمير المؤمنين (ع) وينوي
التنظيف للصلاة فيكون قد زاد خيرا إلى خير كما تقدم في باب النية ويصب في البيت الثاني
من الماء الحار على رأسه ورجليه ويشرب منه جرعة إن أمكن فإنه ينقي المثانة وليلبث
في البيت الثاني ساعة ولا يشرب الماء البارد والفقاع فيه فإنه يفسد المعدة ولا يصبه
على جسده فإنه يضعف البدن ولكن يصبه على قدميه إذا خرج فإنه يسل الداء سلا كل
ذلك منصوص في الرواية موافق للطب وأن لا يتكئ فيه فإنه يذهب شحم الكليتين وروي
مثل ذلك في الاضطجاع وفي الاستلقاء مثله فإنه يورث الذبيلة ولا يستاك فإنه يورث
وباء الأسنان ولا يتمشط فإنه يورث وباء الشعر ولا يدلك رأسه ووجهه بالميزر فإنه
يذهب بماء الوجه ولا يغسل رأسه بالطين فإنه يسمج الوجه ويذهب بالغيرة ولا يدلك
تحت قدميه بالخزف فإنه يورث البرص كل ذلك مروي عن أبي عبد الله (ع) وربما يخص
الأخيران بطين مصر وخزف الشام كما رواه الصدوق مرسلا أو النهي عنهما يعم الحمام وغيره
وأن يغسل رأسه بالخطمي فإنه ينفي الفقر ويزيد في الرزق ونشرة وأمان من الصداع
وطهور من الحزاز وكذا ورق السدر فإنه يجلب الرزق ويجلي الهم ويصرف وسوسة
الشيطان سبعين يوما والوجه فيهما التعميم أيضا ونهيئ المستحم من استحم أي اغتسل
بالحميم وهو الماء الحار أو عرق والمراد الخارج من الحمام وهي من السنن ويجيب المهني
استحبابا أيضا على المشهور ووجوبا على الأقوى لعموم آية التحية وليكونا بالمأثور
فعن أبي عبد الله (ع) في التهنية أنقى الله غسلك وفي الجواب طهرك الله وفي رواية
أن الحسن بن علي (ع) خرج من الحمام فلقيه انسان فقال طاب استحمامك فقال يا لكع و
ما تصنع بالاست ههنا فقال طاب حميمك فقال أما تعلم أن الحميم العرق قال طاب
حمامك قال وإذا طاب حمامي فأي شئ لي ولكن قل طهر ما طاب منك وطاب ما طهر منك
وما تضمنه من انكار التهنية بطاب حمامك مما نص عليه اللغويون أيضا لكن في رواية
عن أبي عبد الله (ع) إذا قال لك أخوك وقد خرجت من الحمام طاب حمامك فقل له أنعم الله
بالك وفي الحلق أن يجلس مستقبل القبلة فإنه خير المجالس ويدعو قبل الفراغ بالمأثور
وهو بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله اللهم أعطني بكل شعرة نورا يوم
القيامة فإذا فرغ فليقل اللهم زيني بالتقوى وجنبني الردى ويبدأ بالجانب الأيمن من
الناصية ويدفن الشعر فهو من السنة وفي قض الشارب أن يكون في كل جمعة بضم
الميم وهو اليوم المعروف وأما بسكونها فهو الأسبوع وليكن قبل الزوال كما في المفاتيح
98

وغيره وأن يحفيه بحيث يجعله قريبا من الاستيصال ففي الحديث النبوي احفوا الشوارب
واعفوا عن اللحى ولا تتشبهوا باليهود وفيه أن من السنة أن يؤخذ الشارب حتى يبلغ الإطار
وعن أبي عبد الله (ع) إنه أحفى شاربه حتى ألزقه بالعسيب قال في الوافي الاحفاء الاستقصاء
في الأمر والمبالغة فيه واحفاء الشارب المبالغة في جزها والإطار ككتاب ما يفصل بين
الشفة وشعرات الشارب والعسيب منبت الشعر ولا بأس بترك سبالته وهما طرفا
ها الخارجان عن محاذاة الشفة إلى اللحيين والمذكور في كتب اللغة السبلة بالتحريك وجمعها
سبال ويدعو حين يقض بالمأثور وهو بسم الله وبالله وعلى سنة محمد وآل محمد صلوات
الله عليهم والأدب في اللحية أن يجز منها ما فضل عن القبضة المستوية أو قبضته فإنه في النار
كما في المستفيض وعن أبي عبد الله (ع) في قدر اللحية قال تقبض بيدك على اللحية وتجز ما فضل
والظاهر كما قيل إن المراد بالقبض على اللحية أن يضع اليد على الذقن فيجز ما فضل من مسترسل
اللحية طولا لا القبض مما تحت الذقن وأن يخففها ويدورها ولا ينافي ذلك ما تقدم
من الأمر باعفائها لأن الظاهر أن المراد به النهي عن الاحفاء فالمراد التوسط فيها بين
الاستيصال الذي كان يفعله بعض الأمم من النصارى وغيرهم والتوفير الذي يفعله
اليهود والصابئة حيث لا يأخذون من لحاهم شيئا وحده القبضة الخفيفة المدورة وهو
من العدل المأمور به ولا ينتف الشيب لورود النهي عنه والتوعيد الشديد على فعله و
ما ورد في نفي البأس عنه محمول أما على نفي التحريم فلا ينافي الكراهة المغلظة أو تحمل
المناهي على نتف جميع الشيب واستيعاب ذلك اللحية أو أكثرها والرخص على ما عدا
ذلك ولا بأس بجزه والوجه أنه أخف كراهة فإن الشيب نور ووقار فينبغي توقيره
ويستحب للشائب الخضاب إلا لأهل المصيبة كما في حديث أمير المؤمنين (ع) وليكن بالسواد
فإنه آنس للنساء ومهابة للعدو وايمان واسلام ونور والمروي الوسمة والكتم وأدنى
منه الخضاب بالحمرة فإنه اسلام وايمان ثم بالصفرة فإنه اسلام وورد أن رجلا دخل
على رسول الله صلى الله عليه وآله وقد صفر لحيته فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله ما أحسن هذا ثم دخل عليه بعد
هذا وقد افنى بالحناء فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله هذا أحسن من ذاك ثم دخل عليه بعد ذلك
وقد خضب بالسواد فضحك إليه وقال هذا أحسن من ذلك وذاك وفي شعره الإبط والعانة
أن يزيل في كل خمسة عشر يوما أن تكون الإزالة الثانية في الخامس عشر من الأولى في كل جمعة
بسكون الميم والتحديد بخمسة عشر في الروايات بيان لأكثره وورد أن أقل من الأسبوع أيضا
سيما في الصيف فإذا أتى عليه العشرون يوما وليس عنده ما يتنور به فليستقرض متوكلا على الله
وليتنور ولا يجوز لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر تركه فوق الأربعين بل ولا إلى
الأربعين والمشهور المنقول عليه الاجماع الكراهة الغليظة وأنه من منافيات الايمان
الكامل واستعمال النورة في إزالتهما أفضل من الحلق بالموسى وأبلغ في الغرض ومن ثم ورد
أكثر ما ورد بلفظ النورة وهو أفضل من النتف وهذه المفاضلة مروية في شعر الإبط
وأن يجعل المتنور شيئا من النورة على طرف أنفه ويشمه ويستغفر لسليمان بقوله صلى
الله على سليمان وفي رواية اللهم ارحم سليمان بن داود كما أتانا بالنورة قضاء لحقه
صلوات الله عليه ولئلا تحرقه النورة كما ورد وذلك أن ابتداء هذه النعمة كان منه (ع)
بالهام من الله سبحانه لما رأى الشعر على ساقي بلقيس وكانوا قبل ذلك يحلقونه وأن
يدعو عنده أو بعده بالمأثور وهو دعاء سيد الساجدين (ع) قال إذا اطلى بالنورة اللهم
طيب ما طهر مني وطهر ما طاب مني وأبدلني شعرا طاهرا لا يعصيك اللهم إني تطهرت
ابتغاء سنة المرسلين وابتغاء رضوانك ومغفرتك فحرم شعري وبشري على النار و
طهر خلقي وطيب خلقي وزك عملي واجعلني ممن يلقاك على الحنيفية السمحة ملة إبراهيم خليلك
ودين محمد حبيبك ورسولك عاملا بشرايعك تابعا لسنة نبيك أخذا به متأدبا
بحسن تأديبك وتأديب أوليائك الذين غذوتهم بأدبك وزرعت الحكمة في صدورهم
وجعلتهم معادن لعلمك صلواتك عليهم من قال ذلك فقد طهره الله من الأدناس
الحديث ولا يجلس وهو متنور فإنه يخاف عليه الفتق ولا يتنور يوم الأربعاء فإنه يوم
نحس مستمر ولا يوم الجمعة فإنه يورث البرص كما في بعض الروايات وفي أخرى عن أبي عبد الله (ع) أنه قيل له يزعم بعض الناس أن النورة يوم الجمعة مكروهة فقال ليس
حيث ذهبت أي طهور أطهر من النورة يوم الجمعة ويختضب بعده بالحناء فإنه أمان
من الجذام والبرص والآكلة إلى طلية مثلها كما في الحديث النبوي ولا سيما الأظفار فإنها
إذا أصابته النورة اشبهت أظافير الموتى فأمر بتغييرها بالحناء وظاهر كثير من الأخبار
أن المندوب إنما هو دلك مواضع النورة بالحناء إلى ذهاب غائلتها عنها دون خضاب
اليدين والرجلين على هذا النحو المعمول بل منها ما يتضمن انكار ذلك والوجه أنها محمولة
على التقية وأن المختضب إذا أمس مواضع النورة بالحناء فقد أدى السنة وإن استغرق
بدنه بالتدلك من قرنه إلى قدمه فهو أفضل كما في كثير من الأخبار وأما الاستغراق
بالاختضاب كما هو ظاهر العبارة فلم أظفر بما يدل عليه إلا ما ورد وأن أبا جعفر (ع) خرج
من الحمام وهو من قرنه إلى قدمه مثل الوردة من أثر الحناء وفي دلالتها نظر وفي تقليم
99

الأظفار أن يكون في كل جمعة فإن كانت قصارا حكها بالسكين أو المقراض وروي الخميس
أيضا وفي بعضها يترك واحدا ليوم الجمعة وفي رواية إن شئت يوم الجمعة وإن شئت في
سائر الأيام وأن يبدو بخنصره من اليد اليسرى ويختم خنصره من اليد اليمنى كذا في الخبر قال في
الوافي ولعل السر في ذلك تحصيل التيامن في كل إصبع إصبع وذلك لأن الوضع الطبيعي
لليدين أن يكون ظهرهما إلى فوق وبطنهما إلى تحت انتهى والمراد بالتيامن السير إلى اليمين
أو بالعكس بأن يبتدئ بخنصر اليمنى ويختم باليسرى لعين ما ذكر ويراد بالتيامن الابتداء
باليمين وفي خبر آخر أورده أبو حامد حكاية لفعل النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يبدأ في القلم بمسجة اليمنى
وهي سبابتها والمضاف إليه مستدرك لأن المسجة هي سبابة اليمنى ويختمه بإبهامها فيقلم بعد
المسجة ما يليها على الترتيب ويبتدئ في اليسرى بالخنصر مرتبا إلى الإبهام ثم يعود إلى
إبهام اليمنى فيتخيل عند تطابق الكفين الذي يقال إنه الموضع الطبيعي دائرة مبدءها سبابة
اليمنى التي هي أشرف الأصابع لأنها المسجة وأذكى الأعضاء حسا وأعدلها مزاجا ومن ثمة
يستعين بها الأطباء في معرفة حركات الشرائين وفي عبارة الكتاب ما لا يخفى من الحزازة وعن
أمير المؤمنين (ع) في ترتيب الأصابع مرمزاعتها بحروف أوائلها قلم أظافيرك بسنة وأدب يمنى
ثم يسرى خوابس أو خسب والدعاء بالمأثور وهو دعاء أخذ الشارب ويدفن القلامة فإنه
من السنة وفي الختان أن يكون في اليوم السابع من الولادة فإنه أطهر وأسرع لنبات اللحم ويدعو
عنده وليه بالمأثور وهو اللهم هذه سنتك وسنة نبيك صلواتك عليه وآله واتباع
مثالك وكتبك بمشيتك وإرادتك لأمر أردته وقضاء حتمته وأمر أنفذته فأذقته حر الحديد
في ختانه وحجامته لأمر أنت أعرف به منا اللهم طهره من الذنوب وزد في عمره وادفع الآفات
عن بدنه والأوجاع في جسمه وزده من الغنى وادفع عنه الفقر فإنك تعلم ولا نعلم وإن لم يفعل
حينئذ فليدع مشفقا أو مشرفا عليه بهذا الدعاء قبل أن يحتلم فإنه يكفي حر الحديد من قتل
أو غيره وفي خفض الجواري أن لا يبالغ فيه بل يبقى شئ وهذا معنى قوله صلى الله عليه وآله
للحافظة لا تنهكي واشمي وفي رواية أخرى اشمي ولا تجحفي فإنه أصفى للون وأحضى للزوج ويقال إن الغلقة مما يزيد في لذة النكاح من الرجال والنساء وإنما أمر بالختان والخفض استنقاصا
للذة البهيمية والاجحاف في الخفض نظير قطع الحشفة في الافراط في تنقيص اللذة وإن كانت
موجودة في الجملة والمطلوب العدل والتوسط في جميع الأحوال
باب الأحداث ورفعها و
هي الأسباب الناقضة للطهارة الموجبة لاستئنافها لما تشترط فيه وتنقسم إلى صغرى
وكبرى وكل منهما ستة فالصغرى البول وأخواه الغايط والريح اجماعا والنوم مطلقا
على الأشهر الأقوى وهو الغالب على السمع والعقل كما في النصوص وزوال العقل بسبب
اختياري أو غيره على المشهور للتنبيه المستفاد منها فإنه إذا وجب الوضوء بالنوم الذي
يجوز معه الحدث وجب بالاغماء والسكر والجنون بطريق أولى وهذا استدلال بالمفهوم
دون القياس ولصحيحة معمر بن خلاد عن أبي الحسن (ع) في رجل به علة لا يقدر على الاضطجاع
والوضوء يشتد عليه وهو قاعد مستند بالوسائد فربما أغفى وهو قاعد على تلك الحال قال
يتوضأ قلت له أن الوضوء يشتد عليه فقال إذا خفى عنه الصوت فقد وجب الوضوء عليه
والاغفاء لغة وإن كان هو النوم إلا أن قوله (ع) إذا خفي عنه الصوت مطلق فلا يتقيد
بالمقدمة الخاصة كذا قالوه ويتوجه على الأول أنه إنما يبتني على تعليل ناقضية النوم باحتمال
طريان الحدث وهو ممنوع لتظافر الروايات بأن النوم في نفسه حدث ولو سلم فاستقلاله
في العلية ليس مما لا يقبل المنع لاحتمال أن يكون لخصوص النوم في ذلك مدخل وإلا لوجب
في اليقظة عند تحققه أحيانا ولا قائل به وقد حذر عن الوضوء بسببه في قوله (ع) إياك أن
تحدث وضوء أبدا حتى تستيقن أنك قد أحدثت وعلى الثاني أن الضمير المجرور يرجع إلى الرجل
المحدث عنه وهو الذي قد أغفي فيكون التقييد باقيا بحاله وقد يقال إن الظاهر أن المراد
بالاغفاء في الرواية الاغماء بدلالة كلمة رب الغالبة في التكثير كما صرح به النحاة والمتكثر
في حالة المرض إنما هو الاغماء دون النوم وفيه أن وصفه بالعجز عن الاضطجاع من أجلى
القرائن على أن المراد بالاغفاء النوم وأن السائل كان يطمع في أن يأذن له عليه السلام
في ترك الوضوء كما يقوله بعض القوم من أن النوم قاعدا لا ينقض الوضوء على أن من
الأمراض ما يكثر فيه النوم كبعض أنواع السرسام والسبات والسكتة ونحوها فلعل
مورد السؤل ذلك ولو سلم فهو أخص من المدعى لعدم شموله الجنون والسكر ونحوهما مما
لا يخفى فيه الصوت كما لا يخفى مع أن الروايات المتظافرة في حصر الناقض في غيره مما ينفيه
فإن ثبت اجماع مقبول كما هو ظاهر التهذيب والمنتهى وإلا فليخص الحكم بالنوم والأحداث
الثلاثة وبعض الاستحاضة وذلك أن المستحاضة تعتبر نفسها بكرسف تحتشي به وتدعه
مليا ثم تخرجه اخراجا رقيقا وتنظر الدم هل ثقب الكرسف أي نفذ من باطنه إلى ظاهره
أم لا الغير الثاقبة للكرسف هي القليلة أي في المقدار أو في الحكم لا توجب الزيادة على الوضوء
على المشهور بل لم يوجب بها بعض المتقدمين شيئا بخلاف الثاقبة فإنها من موجبات
100

الغسل كما سيأتي كثيرة أو متوسطة وترفع الأحداث الستة بالوضوء وأما الكبرى فالانزال
للمني من ذكر أو أنثى في يقظة أو نوم والايلاج للحشفة في قبل أو دبر على وجه تتحقق به الجنابة
والحيض والنفاس والاستحاضة الثاقبة للكرسف سواء سالت عنه وهي الكثيرة أم لا وهي
المتوسطة ومس الميت الآدمي بعد البرد وقبل اكمال الواجب من الغسل وترفع هذه الستة
بالغسل وحده على الأقوى ولا حاجة إلى ضم الوضوء إليه في شئ منها خلافا للمشهور فيما عدا
الأولين والمحتاط بالجمع بينها يحتاط بتقديم الوضوء كما يأتي والحيض دم أسود أو أحمر حار
عبيط يخرج بحرقة وهي اللذع الحاصل للمخرج بسبب الدفع والحرارة يعتاد المرأة بسيلانه عنها
كل شهر هلالي مرة غالبا وإنما يكون بعد البلوغ فالخارج قبله لا يكون حيضا وإن كان
بأوصافه وقبل اليأس وحده بلوغ الخمسين والمشهور أنه في غير القرشية وفيها ستون
وربما يلحق به النبطية وهو غير معلوم الدليل والموضوع أقله ثلاثة أيام متوالية وأكثره
عشرة أيام كأقل الطهر ولا حد لأكثره وتقدم العادة الثابتة بتكرره مرتين متساويتين
على الصفة عند تعارضهما فتتحيض بمجرد رؤية الدم فيها وإن لم يكن بالصفات المذكورة
فإن انقطع عنها لدون عادتها استبرأت بالقطنة فإن خرجت نقية اغتسلت وإن خرجت
ملطخة فذات العشرة تنتظر أقرب الأمرين من النقاء واكمال العدة فإن كان الثاني فهي بعد
مستحاضة كما لو لم ينقطع وذات الدون وإن سبقها النقاء اغتسلت كما لو تصادف مع الانقطاع واكمال العدة وإن استمر بها الدم من غير انقطاع أو نقاء حتى تجاوزها استظهرت
الحال في كون المتجاوز استحاضة أو بقية الحيض بترك العبادة استصحابا لحكم الحيض يوما
أو يومين أو ثلاثة أيام مخيرة فيما لا يتجاوز بها العشرة على الأشهر وإلى تمام العشرة على قول
ثم هي بعد الاستظهار إن تجاوزها الدم مستحاضة يلحقها أحكامها الآتية هذا ما اختاره
المصنف ومن وافقه والمشهور أنه إن لم يتجاوز العشرة فالجميع حيض وإن تجاوزها فالزيادة
على العادة كلها طهر وعليها قضاء عبادة أيام الاستظهار وهو أحوط والتي لا عادة
لها مستقرة إن أمكنها الرجوع إلى الصفة بأن يكون ما بالصفة لا ينقص عن ثلاثة أيام
ولا يزيد على عشرة وما ليس بالصفة وحدها أو مع النقاء عشرة فما زاد ترجع إليها لاطلاق
الروايات الدالة على اعتبارها ومقتضاها لزوم ترك العبادة عليها بمجرد الرؤية بالصفة
وقيل بل تحتاط حتى تمضي لها ثلاثة أيام وإن لم يمكنها الرجوع إلى الصفة بأن يكون بخلاف
ذلك فالمشهور أنه إن كانت مبتدءة ترجع إلى عادة نسائها إن أمكن وإلا تحيضت فهي
كالمضطربة في كل شهر سبعة أيام أو عشرة من شهر وثلاثة من آخر وقيل الوجه أن تتحيض
كل واحدة منهما ثلاثة أيام لأنه اليقين في الحيض وتصلي وتصوم بقية الشهر استظهارا
وعملا بالأصالة في لزوم العبادة واستحسنه المصنف في مطولاته إلا في الدور الأول للمبتدأة
فعشرة وأوضح ما وقفت عليه من الروايات سندا ومتنا حديث يونس المشتمل على سنن
الحايض ومدلوله تخيير المبتدأة عند استمرار الدم بين الستة والسبعة في كل شهر وكذا
المضطربة بعد فقد التميز والاستحاضة دم أصفر رقيق بارد ويخرج بفتور يكون في غير
أيام الحيض من آفة في الرحم غير القرحة وقيل يخرج من عرق في أدنى الرحم يسمى العاذل وهو
يوجب في اليوم والليلة ثلاثة أغسال غسلا للغداة وهي صلاة الصبح وغسلا آخر للظهرين
كلتيهما تجمع بينهما تؤخر هذه وتعجل هذه وآخر للعشائين كذلك كل ذلك أن ثقب الدم
الكرسف سواء كانت كثيرة أو متوسطة فلا متوسطة في الحكم في الحكم والمشهور أن المتوسطة
تكتفي بغسل واحد وأن لا يثقبه توضأت لكل صلاة لدوام حدوثها وفي صحيحة عبد الله بن
سنان عن أبي عبد الله (ع) في المستحاضة بعد ذكر الأغسال ولا بأس بأن يأتيها بعلها
إذا شاء إلا أيام حيضها فيعتزلها زوجها وقال لم تفعله امرأة قط احتسابا إلا عوفيت عنه
والنفاس دم الولادة فلو ولدت ولم ترد ما فلا نفاس والمعتبر ما يكون مع الولادة بعد
خروج جزء من الولد قبل تمامها أو بعدها تامة من غير فصل أو معه قبل تجاوز اقصاه
سواء ولدته تاما أو سقطا مع صدق الولادة عرفا أما سبقها ولو يسيرا فليس بنفاس
اجماعا كما قيل ولا حد في الشرع لأقله وأكثره أكثر الحيض في ذات العادة وغيرها كما هو
ظاهر الاطلاق والذي اختاره في غيره أن أكثره لذات العادة في الحيض عادتها وتستظهر
بيومين وللمبتدأة عشرة من دون استظهار وقيل ثمانية عشر وقيل أحد وعشرون وفي
الروايات اختلاف كثير وأجود ما يجمع بينها الحمل على التقية بحسب مذاهبهم المختلفة و
ترفع الأحداث الاثنا عشر بقسميها بالتيمم إذا تعذر الطهارة المائية أما لفقد الماء أصلا
أو بقدر ما يكفيه وتعذر التتميم وحينئذ يجب الطلب إذا لم يتيقن عدمه ووسعة الوقت
والمشهور تحديده بغلوة سهم في الخزنة وسهمين في السهلة لرواية السكوني واستضعفها
جماعة منهم المصنف فاكتفوا بتحقق فقده عنده عرفا مثل رحله وحواليه من كل جهة يرجو فيها
الإصابة أو فقد الوصلة إليه إما لفقد الآلة أو الضعف عن الحركة أو الخوف على النفس أو
المال أو البضع أو فقد الثمن أو ضرر الشراء بحاله أو الخوف من الزحام يوم الجمعة أو نحو ذلك
أو الخوف من استعماله من تلف أو مرض مطلقا على المشهور والقول بوجوب الغسل على
متعمد الجنابة وإن خاف التلف شاذ أو عطش أو قرح أو جرح سواء خاف حدوثها أو
101

أو زيادة فيها أو بطؤ برء أو نحو ذلك والأصل في رفع الحدث الطهارة المائية وإنما ينوب
منابها التيمم عند تعذرها فيستمر حكمها إلى أن يتمكن منها بزوال العذر فإن تمكن
انتقض تيممه فإن لم يتطهر حتى زال التمكن استأنف تيممه لما يستقبل وفي الكلام إيماء
إلى أن المتيمم عن الأكبر إذا نقضه بالأصغر استأنف بدلا عن الوضوء فإن تمكن منه دون
الغسل توضأ كما صرح به في غيره وفاقا للسيد وخلافا للأكثر حيث أوجبوا الإعادة
بدلا عن الغسل بناء على أنه لا يرفع الحدث وإنما يبيح العبادة خاصة فإذا انتقض
عاد كما كان أولا وتنتقض الطهارات الثلاثة بالجميع من الأحداث المذكورة ومن ثم
ربما سميت نواقض وقد وردت الروايات متضمنة للأمر بالوضوء من أمور أخر
وعمل ببعضها بعضهم ولم يثبت شئ منها عند المصنف كما صرح به في غيره ومن توضأ
من المذي وهو الرطوبة الخارجة عقيب الشهوة كما في كلام أهل اللغة فقد أخذ
باليقين ونجا من شبهة مخالفة بعض الروايات وهي وإن كانت ظاهرة في انقسامه
إلى ما يخرج عقيب الشهوة وغيره إلا أنها قابلة للتأويل بما يتوافق مع كلام اللغويين وما
يوافقه من الأخبار بأن يراد بالمقسم مطلق الخارج ما عدا البول والمني مما يحصل فيه
الاشتباه غالبا من المذي والوذي والودي ففرق بين المذي وقسميه بالشهوة و
عدمها وهو قريب جدا في صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن (ع) قال سألته عن
المذي أينقض الوضوء قال إن كان من شهوة نقض وهي عمدة ما استدل به للموجب
والوجه حملها على الاستحباب أو التقية جمعا ويستحب الوضوء من التقبيل بشهوة في
المحلل والمحرم والغلام والامرأة كما هو ظاهر الاطلاق وصريح غيره ومورد الرواية
المرأة ومس فرجها مطلقا وكذا مس باطن الدبر والإحليل ومورد الرواية دبره وإحليله
والودي باهمال العين وهو ما يخرج من دريرة البول والقئ والرعاف والتخليل المخرج
للدم السائل مع الاستكراه في الجميع والقرقرة في البطن إلا شيئا يصبر عليه والقهقهة
في الصلاة وانشاد ما زاد على أربعة أبيات من الشعر الباطل والغيبة والكذب مطلقا
سيما ما كان على الله ورسوله والأئمة (ع) والظلم وخروج بلل مشتبه بعد البول والاستبراء
منه وبعد الاستنجاء بالماء مطلقا وإن كان قد استجمر عن الغايط إذا كان قد توضأ
قبله فيستحب له الإعادة وأوجبها الصدوق إذا كان من البول واعلم أن الأخبار الآمرة
بالوضوء عن الأسباب المذكورة لا صراحة في شئ منها في الاستحباب بل هي ظاهرة في
الوجوب مثل ما نقل من حديث المذي وإنما تصرف عنه جمعا بينها وبين ما ينافيها عموما
أو خصوصا وأكثرها موافقة للمذاهب المنقولة عن القوم ويقرب فيها الحمل على التقية وقد
عرفت أنه أقوى ما يجمع به بين الأخبار والاستحباب وإن اكتفى فيه الأدلة الضعيفة كما مرت
الإشارة إليه لكن الاكتفاء فيه برواية يقوى جدا خروجها مخرج التقية لا يخلو عن اشكال
لتظافر الأخبار في التحذير عن موافقتهم والأمر بالأخذ بخلافهم فيما يتشابه الأمر فيه وليس الحمل
على الاستحباب من الوجوه المنصوصة في الجمع حتى يعول عليه لأجل ذلك ثم إن مقتضى كلام
المصنف هنا وفي كتابيه استحباب الوضوء في الأحوال المذكورة للمتوضي والمغتسل جميعا وفي
كلام أكثرهم خال عن هذا التعميم بل بين ظاهر في الاختصاص بالمتوضي وصريح فيه مع أن الخروج
عن مقتضى ما استفاض في كون الوضوء بعد الغسل بدعة تحريا للاستحباب الذي سبيله ما
عرفت مشكل جدا خصوصا في المغتسل عن الجنابة ويقوي هذا الاشكال فيما عدا الودي من
المذكورات لاختصاص دليلها بالمتوضي
باب الوضوء وهو غسلتان ومسحتان فالغسلتان
الأولى غسل ما حوته الإبهام والوسطى مستديرا من الوجه وهو ما يقع به المواجهة فالجار للتبعيض أو
هو للتبيين والمعنى أن هذا هو الوجه الشرعي كما في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) أخبرني عن
حد الوجه الذي ينبغي أن يوضأ الذي قال الله (تع) فقال الوجه الذي أمر الله بغسله الذي لا
ينبغي لأحد أن يزيد عليه ولا ينقص منه إن زاد عليه لم يؤجر وإن نقص عنه أثم ما دارت
عليه الوسطى والابهام من قصاص شعر الرأس إلى الذقن وما جرت عليه الإصبعان مستديرا
فهو من الوجه وما سوى ذلك فليس من الوجه قلت الصدغ من الوجه قال لا والذي فهمه الأكثر
في تحديده منها أنه من قصاص شعر الرأس إلى الذقن طولا وما حوته الإصبعان عرضا وحملها المحقق
البهائي زاد الله بهائه في عدة من مصنفاته على معنى آخر وتبعه المصنف وغيره وهو أن كلا من
طول الوجه وعرضه ما اشتمل عليه الإبهام والوسطى بمعنى أن الخط الواصل من القصاص إلى طرف
الذقن وهو ما بين الإصبعين غالبا إذا فرض ثبات وسطه وأدير على نفسه حتى يحصل شبه
دايرة فذلك القدر هو الذي يجب غسله وذلك لأن الجار والمجرور في قوله (ع) من قصاص شعر
الرأس إما متعلق بقوله دارت أو صفة مصدر محذوف والمعنى أن الدوران يبتدئ من القصاص
منتهيا إلى الذقن وأما حال من الموصول الواقع خبرا عن الوجه وهو لفظة ما إن جوزنا الحال عن
الخبر والمعنى أن الوجه هو القدر الذي دارت عليه الإصبعان حال كونه من القصاص إلى الذقن
فإذا وضع طرف الوسطى مثلا على قصاص الناصية وطرف الإبهام على آخر الذقن ثم أثبت
وسط انفراجهما ودار طرف الوسطى مثلا على الجانب الأيسر إلى أسفل ودار طرف الإبهام على الجانب
102

الأيمن إلى فوق وتمت الدايرة المستفادة من قوله (ع) مستديرا تحقق ما نطق به قوله (ع) وما جرت
عليه الإصبعان مستدير فهو من الوجه هذا كلامه زيد اكرامه ومقتضاه خروج النزعتين
والعذارين ومواضع التحذيف والعارضين وما استرسل من اللحية من الوجه المأمور
بغسله وهو في الأخير مما نقل عليه الاجماع والثانية غسل اليدين من المرفقين إلى رؤس الأصابع مخيرا في الابتداء بأي الحديثين شاء حملا للتحديد في الآية على أنه للمغسول دون الغسل
نطير قولك أخضب يدك إلى الزند وأصقل سيفك إلى القبضة ولا خلاف في وجوب تقديم اليمنى
والواجب من الغسل ما يصدق عليه الاسم ولو بغمس العضو في الماء مع تخليل الموانع عن
وصول الماء إلى البشرة كالخاتم ونحوه بحيث يحصل الجزم بوصوله إليها والمسحتان الأولى
مسح شئ من مقدم الرأس ولو يسيرا والثانية مسح شئ من ظهر القدمين كذلك عرضا مستوعبا
من رؤس أصابعهما إلى الكعبين طولا وهما أصل الساقين عند العلامة والبهائي وتبعهما المصنف
والمشهور أنهما العظمان النابتان في ظهري القدمين وكأنه الأقوى وإن كان الأول أحوط
ومقتضى الاطلاق أنه لا ترتيب فيهما ولا في نفس العضو فإن الغاية إنما هي للممسوح لا المسح
كما صرح به في غيره ويشترط في الوضوء النية وهي أن يكون خالصا لله عز وجل كما سبق والمباشرة
بالنفس على المشهور إلا مع الضرورة فيستنيب وطهارة الماء وإباحته واطلاقه خلاقا للصدوق
في ماء الورد وضعفه في المعتصم وقواه في المفاتيح بما لا يخلو عن وجوه من الضعف والموالاة
اجماعا بمعنى أن يتابع بين الأعضاء عرفا أو لا يؤخر بعضها عن بعض بحيث يجف جميع ما تقدم
أو بعضه مطلقا أو الأقرب إلا لضرورة على اختلاف في تفسيرها وظاهر صحيحة معاوية بن
عمار وموثقة أبي بصير الثاني كما عليه الأكثر وهما الأصل في الباب فإن طهر المتوضئ محال
وضوءه أولا وبدأ بالأعلى فيما سوى الرجلين وذلك بالابتداء بالقصاص والمرافق والمسح
مقبلا وخلل شعور الوجه إذا خفت بحيث يرى البشرة في خلالها في بعض الأحيان ولم
ولم ينقص في مسح الرأس عن مقدار ثلاث أصابع مضمومة ولو بإصبع واحدة واستوعب
ظهر القدمين بالمسح بكل الكف وقدم اليمنى على اليسرى ومسح ببلة الوضوء ولو بالأخذ
من مظانها كاللحية والأهداب إن لم تبق في اليدين غير استيناف ماء جديد فقد أخذ
باليقين وخرج من خلاف من أوجبها فإن المشهور وجوب طهارة المحل وإن أشكل اثباته
بالدليل وكذا البداة بالأعلى في الغسلتين وقد اشتملت عليها الأخبار الفعلية وأما موجبها
في المسح فشاذ ولكن الاستثناء لا يعرف له وجه فإن الخلاف في الرأس والرجلين على حد
واحد وفي صحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (ع) لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا وتخليل
الخفيف من شعر الوجه مما نسب القول بوجوبه إلى ابن الجنيد ووافقه العلامة في بعض
كتبه واستفاد المصنف من بعض الروايات أنه من بدع العامة وكون الممسوح من الرأس
مقدار ثلاث أصابع إلى الصدوق والشيخ لاطلاق الأجزاء عليها في بعض الأخبار وإنما يستعمل
في أقل الواجب ووجوب استيعاب ظهر القدم بكل الكف مما مال إليه المصنف في مبسوطاته
لولا نقل المحقق والعلامة الاجماع على عدمه لصحيحة ابن أبي بصير عن الرضا (ع) قال سئلته
عن المسح على القدمين كيف هو فوضع كفه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين على ظاهر القدم
فقلت لو أن رجلا قال بإصبعين من أصابعه فقال لا إلا بكفه كله وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) وامسح على القدمين وأبدا بالشق الأيمن وهي ظاهرة في وجوب الترتيب بين الرجلين
كما قاله الصدوقان وتعين المسح بالبلة مما نقل عليه الاجماع وإن خالف فيه بعض القدماء وليس
في النصوص إلا أنهم عليهم السلام مسحوا بها من تجديد ماء أما اشتراط جفاف محل المسح كما ذهب
إليه بعضهم فليس في الأخبار ما يدل عليه بل اللايح منها عدمه وإن استاك قبله كما تقدم
كان أكمل وورد السواك شطر الوضوء وأقله بالابهام والمسجة وكذا إن غسل كفيه قبل
ادخالهما الإناء مرة إن كان من حدث البول أو النوم أو مرتين إن كان من الغايط وتمضمض
ثلاثا واستنشق واستنثر كذلك وذكر اسم الله عند كل فعل بالمأثور فعند الأكفاء
على اليد بسم الله والحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا وعند وضع اليد في الماء
بسم الله وبالله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين وعند غسل الوجه اللهم
بيض وجهي يوم تسود الوجوه ولا تسود وجهي يوم تبيض الوجوه وعند غسل اليمنى
اللهم أعطني كتابي بيميني والخلد في الجنان بيساري وحاسبني حسابا يسيرا وعند غسل
اليسرى اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي وأعوذ بك من مقطعات
النيران وعند مسح الرأس اللهم غشني برحمتك وبركاتك وعند مسح الرجلين اللهم ثبتني
على الصراط يوم تزل الأقدام واجعل سعيي فيما يرضيك عني يا ذا الجلال والاكرام وغسل
كل من الأعضاء المغسولة بغرفتين متواليتين وبه يجمع بين أخبار المرة والتثنية ومن صرف
في وضوئه وحده أو مع الاستنجاء مدا من الماء وقدره ربع المن التبريزي الوافي وهو
ستمائة مثقال صيرفي كما عرفت في وزن الكر فقد أسبغ وضوئه والتحقيق أن المد وهو
رطلان وربع بالعراقي يزيد على ربع المن وهو مائة وخمسون مثقالا بثلاث مثاقيل
صيرفية ونصف مثقال ونصف ثمن مثقال كما علم مما ذكر ثمة وقد استمر هذا الاشتباه
على المصنف طاب ثراه في أكثر مسفوراته إلا أن يحمل كلامه على التقريب وقد سبقه إلى ذلك شيخنا
103

البهائي وهو شرط شرعي للصلاة فريضة أو نافلة بالاجماع بل بالضرورة من الدين وكذا الطواف
الواجب أما المندوب ففيه خلاف والذي اختاره في غيره العدم وإن كان ظاهر اطلاقه هنا
مساواته للصلاة ومس كتابة القرآن على المشهور لتحريم مسها على المحدث وفيه كلاما أورد
المصنف نبذا منه في كتابه الكبير واشتراط هذه الغايات بالوضوء يقتضي وجوب الاتيان
به لها مع حصول سببه الناقض أما بدونه فلا بل له الاكتفاء بالوضوء السابق المقصود به غيرها
قولا واحدا مهما كان رافعا وجدواه تنوير القلب فإن لطهارة الظاهر أثرا في تنوير الباطن كما
مر وتكفير الذنب ففي عدة روايات أن من توضأ للمغرب كان وضوئه كفارة لما مضى من ذنوبه
في يومه إلا الكباير ومن توضأ للصبح كان كفارة لما مضى من ذنوبه في ليلته إلا الكباير
وفي رواية أنه من توضأ فذكر اسم الله طهر جميع جسده وكان الوضوء إلى الوضوء كفارة لما
بينهما من الذنوب والتهيؤ للعبادة المتوقفة صحتها أو كمالها عليه ويستحب في كل حال سواء
حصل سببه أم لا وسواء أريد العمل المشروط به أم لا فإن نفس الكون على الطهارة من الغايات
الصحيحة للوضوء كما ذكره المصنف وغيره وورد عن أبي عبد الله (ع) الطهر على الطهر عشر حسنات
وفي حديث آخر الوضوء على الوضوء نور على نور وفي آخر من جدد وضوئه من غير حدث جدد
الله توبته من غير استغفار ومقتضى التعميم استحباب التجديد ولاء مسترسلا غير متوقف
على حد وربما يقال باعتبار الفصل بصلاة أو زمان يحتمل فيه طرء الحدث إذ في صدق التجديد
عرفا بدون ذلك خفاء وخصه في المفاتيح بما إذا أراد الصلاة فلا يستحب التجديد في نفسه ولا
لغيرها من الغايات المشروطة به صحة أو كمالا والصدوق في الفقيه حمل الأخبار الواردة في فضل
الوضوء مرتين وأن من زاد لا يؤجر على التجديد فيكون التجديد ثانيا بدعة عنده فيحتمل أن يكون مراده التجديد ثانيا وإن كان لصلاة ثالثة والتجديد ثانيا لصلاة واحدة وكان المصنف
وصاحب المدارك وغيرهما ممن حكى الاجماع على استحباب التجديد حملوا كلامه على الثاني كما هو
الظاهر من سياقه ويؤيد ما ورد أن النبي صلى الله عليه وآله كان يجدد وضوئه لكل صلاة نافلة أو
فريضة ويتأكد استحباب الوضوء لكتابة القرآن لصحيحة علي بن جعفر عن أخيه (ع) في الرجل أيحل
له أن يكتب القرآن في الألواح والصحيفة وهو على غير وضوء قال لا وظاهرها الوجوب كما اختاره
في المفاتيح وهو من متفرداته فيما أعلم وقرائته ففي الخصال في حديث الأربعمائة عن أمير المؤمنين (ع)
لا يقرأ العبد القرآن إذا كان على غير طهور حتى يتطهر وفي قرب الإسناد عن محمد بن الفضيل عن
الرضا (ع) قلت أقرأ في المصحف ثم يأخذني البول فأقوم فأبول وأستنجي وأغسل يدي ثم أعود
إلى المصحف فاقرء فيه قال لا حتى تتوضأ للصلاة وفي عدة الداعي رواية ثالثة ودخول المسجد
فإنه بيت الله في الأرض وقيد في بعض الأخبار بإرادة اللبث والتأهب للفريضة قبل
دخول وقتها ليبادر إليها أوله وفي رواية ما وقر الصلاة من آخر الطهارة لها حتى يدخل
وقتها وصلاة الجنازة فإن خاف أن تفوته تيمم كما قالوه ويأتي وسجود الشكر بعد الصلاة
أو غيرها والسعي في حاجة أي طلبها وهو لفظ الرواية وكان التعبير به أجود كما في المفاتيح
وزيارة قبر مؤمن كما قالوه المحقق الثاني ورود الرواية به وما لا يجب فيه الطهور من
مناسك الحج كما يأتي والدخول على الأهل من سفر لئلا يرى ما يكره والنوم ليلا أو نهارا
ولا ينافي ذلك استحباب عرض النفس على الخلاء عنده لامكان الجمع بينهما مع تأخير الطهارة
وسيما للجنب لكراهة نومه وتخف بالوضوء وكذا أكله وشربه ويجزي عنه لهما غسل اليد
والمضمضة وغسل الوجه ودون ذلك غسل اليدين والمضمضة ودون الجميع غسل اليد
خاصة وتغسيله الميت وورد فيه غسل اليد مقدما على الوضوء وقصد حصول الولد
بالجماع وهو من الأسباب دون الغايات وجماع المحتلم كما ذكره الأصحاب ولا يعرف له وجه
فإن مورد الرواية جماع المجامع فطرد الحكم إلى المحتلم غير سديد فضلا عن تخصيصه به وجماع
غاسل الميت ولما يغتسل وروي فيه تقديم غسل اليدين كما في تغسيل الجنب للميت و
الجماع مع الحامل لئلا يجئ الولد أعمى القلب بخيل اليد وفي العبارة حزازة وذكر الحايض
المندوب أو الواجب لها أوقات فرايضها الخمس اليومية وتكفين الميت وروي غسل اليدين
إلى المنكبين ثلاثا كان هو المغسل وادخاله القبر كما ذكره الجماعة قال في المعتصم ولم أقف له
على رواية لكن لا بأس باتباع فتواهم في أمثال ذلك وهو عجيب ففي باب تلقين المحتضرين
من التهذيب في الموثق عن أبي عبد الله (ع) في حديث قال توضأ إذا أخلت الميت القبر إلا أن يكون نظره إلى ما قيل من أن الرواية محتملة للوضوء بعده واعلم أن الحكم بتأكد استحباب
الوضوء للجنب إذا أراد النوم والأكل وتغسيل الميت أو المحتلم الجماع أو الحايض الذكر بعد ما
سبق من تعميم استحبابه في كل حال يقتضي استحباب الوضوء في الجملة مع الحدث الأكبر
في غير ما ذكر وهو بين الفساد بل هو إلى كونه تشريعا أقرب وإن خص استحبابه في كل حال
بحال الخلو عن الحدث الأكبر كان ذكر المذكورات في جملة ما يتأكد له الوضوء واقعا في
غير موقعه وكان ذكرها جملة مفردة أولى فتأمل
باب الغسل والأصل فيه الترتيبي و
هو غسل بشرة جميع البدن بما يسمى غسلا ولو كالدهن مع تحقق الجريان والتخليل البالغ
للشعور وغيرها مما لا يصل الماء إليه إلا به أما غسل نفس الشعر فلم يوجبه الأكثر وإن
كان أحوط ويجزي القيام في المطر مبتدئا بالرأس مع نية كونه لله عز وجل كما في سائر العبادات
104

وورد أنه يفيض الجنب على رأسه الماء ثلاثا لا يجزيه أقل من ذلك ومن المتقدمين من أوجب تثليث
غسله والمشهور أن العنق يغسل مع الرأس ولم أقف من الأخبار على شئ صريح في ذلك ثم
يفيض الماء على سائر جسده فإن قدم ميامن البدن على مياسره فقد أخذ باليقين وخرج عن
دغدغة مخالفة الاجماع الذي ادعاه الشيخ على وجوبه وإن كان الخلاف قائما وأن غسل يديه
ثلاثا من المرفقين ودونه من الزندين أولا قبل ادخالهما الإناء وتمضمض بعد ذلك واستنشق
وأفاض على كل جانب مرتين ومورد الجميع غسل الجنابة وذكر اسم الله بالمأثور كان أكمل و
هو في غسل الجنابة اللهم طهر قلبي وتقبل سعيي واجعل ما عندك خيرا لي اللهم اجعلني من التوا
بين واجعلني من المتطهرين وفي غسل الجمعة اللهم طهر قلبي من كل آفة تمحق ديني وتبطل عملي اللهم
اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ومن صرف في غسله صاعا من الماء وقدره
أربعة أمداد إن كان وحده وإن اغتسل هو وصاحبته فخمسة أمداد فقد أسبغ غسله وما
ينقيان به فرجهما محسوب منه والكلام في طهارة المخل والماء وإباحته واطلاقه والمباشرة بالنفس كما في الوضوء ولا يجب الموالاة في الغسل بالنص ومورده الجنب وإن حدث في أثنائه
ما يوجب الوضوء قيل يستأنفه وقيل يقتصر على اتمامه وقيل يتمه ويتوضأ وعليه المصنف
في كتابيه والرواية صريحة في الأول وإن ارتمس في الماء قليلا أو كثيرا ارتماسة واحدة
أجزأه ذلك وإن لم يدلك بدنه وسقط عنه الترتيب ومنهم من استحب له تثليث الغوصات
يخلل شعره ويمسح سائر جسده بيديه عقيب كل غوصة وألحق بعضهم بالارتماس الوقوف
تحت المجرى والمطر الغريزين فأسقط الترتيب فيه وفيه اشكال ويقدم المجنب بالانزال عليه
وجوبا عند جماعة واستحبابا عند آخرين الاستبراء من المني لئلا ينتقض غسله بخروج
شئ بعده وله أن يكتفي في ذلك بالبول وحده أو بما يستبرئ به من المرات المذكورة
مخيرا بينهما كما هو ظاهر المفاتيح أو يكون أو للتقسيم والمراد ايجاب البول عند امكانه والاكتفاء بالعصر والنتر عند تعذره وقيل بوجوب الجمع بينهما مع تقديم البول عند الامكان و
لا ريب أنه أبلغ والحكم مختص بالرجال دون النساء فإن ما يخرج منهن بعد الغسل من البلل
إنما هو من ماء الرجال كما نطق به النص الصريح فلا يوجب انتقاض غسلهن والفرق أن
ماء الرجل ثخين لزق ومجراه مستطيل ضيق كثير التعاويج فربما يتخلف منه شئ في المجرى
يرشح بعد ذلك بدفع الطبيعة بخلاف المرأة فإن مائها رقيق يتسارع إلى النزول ويعين
ذلك ما فيها من شدة الشهوة الموجبة لقوة الدفق وسعة المجرى وقصره فلا يحتبس
بحيث يتأخر نزوله زمانا معتدا به يسع الغسل ومقدماته ثم يخرج بعد ذلك نعم ربما
يلصق من ماء الرجل شئ بالرحم ثم يرشح به منه بعد فصل أما بسبب فحاجة وقلة نضج
في الماء أو زلاقة في الرحم أو غير ذلك من الأسباب وقد خفي ذلك على بعض المحدثين
ثم حمله على أنه من مكنون علمهم (ع) ويجب على الحايض أن تستبرئ قبل الغسل من الدم برفع رجلها
اليسرى إلى حايط وادخالها الكرسف في قبلها بيدها اليمنى فإن كان ثم مثل رأس الذباب
خرج على الكرسف كما في رواية الكندي وفي أخرى رجلها اليمنى وزيادة الزاق بطنها بحايط
وهو مطلقا على الأحوط أو ما عدا الواجب بالمس شرط شرعي لما شرط له الوضوء من الصلاة
والطواف ومس كتابة القرآن مع حصول سببه من أحد الأحداث المذكورة ومقتضى الشرطية
توقف صحة صلاة المستحاضة على الاتيان بأغسالها الموظفة وصحيحة علي بن مهزيار صريحة في خلافه
وللمكث في المساجد وأكثر الروايات إنما وردت بلفظ الجلوس والقعود ووضع شئ فيها
ولو من خارج دون الأخذ منها كما في حديث زرارة عن أبي جعفر (ع) في الحايض والجنب ويأخذان
من المسجد ولا يضعان فيه شيئا قلت فما بالهما يأخذان منه ولا يضعان فيه قال لأنهما لا يقدران
على أخذ ما فيه إلا منه ويقدران على وضع ما بأيديهما في غيره ودخول المسجدين الحرميين و
لو اجتيازا وقراءة العزايم الأربع وأبعاضها المختصة والمشتركة مع قصده والاصباح لصيام
شهر رمضان وقضائه فيتسع وقته طول الليل ويتضيق إذا بقي من طلوع الفجر مقدار الاتيان
بالغسل بمقدماته المفقودة لوجوب الاصباح متطهرا على المشهور إلا أن أكثرهم مصرحون
باختصاص الحكم بغسل الجنابة لورود أكثر الأخبار فيه وفي موثقة أبي بصير الحاق الحيض وفي
صحيحة ابن مهزيار الحاق الاستحاضة وكيف كان فليس الحكم من المحكم الذي بأن سبيله
ووضح دليله بل من المتشابه الذي يحتاط فيه المستيقن ويجزي كل غسل عن الوضوء على
الأصح وفاقا لبعض المتقدمين وأكثر المتأخرين إلا للمحتاط في غير غسل الجنابة بقسميه
فيقدم الوضوء كما تقدم وأحوط منه أن ينقضه بما يوجب الوضوء ثم يتوضأ للمشروط به
وجداوه جداوه من تنوير القلب وغيره بل هو أنقى وأطهر وأبلغ كما يدل عليه الاعتبار وفحاوى
الأخبار ويستحب للأزمنة والأمكنة الشريفتين كما يحكى عن ابن الجنيد وفيه اشكال
لعدم ثبوت التعبد به مطلقا شرعا وأورده في المعتصم حكاية ونفى عنه البأس وكأنه للتسامح
في الباب وفي بعض النسخ ويستحب في كل حال وورد الطهر على الطهر عشر حسنات ويتأكد
للأزمنة والأمكنة الشريفتين وهو أشد اشكالا فإن استحباب الغسل في كل حال دعوى
مجردة عن الدليل وعموم الحديث بحيث يشمل المدعى غير ثابت فإن احتمال الاهمال غير
مقطوع الانتفاء ويكفي فيه صدق الحكم في بعض الأفراد أعني الوضوء ويكون الكلام مسوقا
105

لبيان مقدار الثواب لا أصل الاستحباب وكذا يستحب أو يتأكد عند إرادة بعض الأفعال
الآخر غير دخول الأمكنة الشريفة فصارت الأغسال ثلاثة أغسال زمانية وفعلية مكانية
وفعلية غير مكانية ولقد كان تقسيمها إلى الزمانية والفعلية أخصر لكن جرت عادتهم بافراز
المكانيات عن سائر الفعليات اهتماما بها وتقديم الزمانيات لمثل ذلك لا سيما غسل
يوم الجمعة فإن الحث عليه عظيم واللوم على تركه شديد والقول بوجوبه قوي جدا وفاقا لبعض
القدماء والمتأخرين والحازم لا يجترئ على تركه بحال في الحضر والسفر ورخص للنساء في السفر
لقلة الماء وورد تقديمه حينئذ يوم الخميس وعن بعضهم استحباب غسل في ليلة الجمعة
ولم نقف على مستنده ويومي العيدين الفطر والأضحى والليالي الثلاث التي يرجى فيها ليلة
القدر التاسع عشر والحادية والعشرين والثالثة والعشرين من شهر رمضان وكذا الليلة
الأولى والسابع عشرة منه وروي ليلة النصف والليلة الرابعة والعشرين وجميع ليالي
العشر الأخير أيضا وذكر جماعة استحبابه في جميع لياليه الأفراد الخمس عشرة وأشار ابن طاوس
في كتاب الاقبال إلى روايته والغسل أول الليل ويجزي إلى آخره في الجميع وليلة عيد الفطر
عند غروب الشمس قبل صلاة المغرب وللثالثة والعشرين من شهر رمضان غسلان غسل
أول الليل وغسل آخره وليلتي نصف رجب ونصف شعبان فعن أبي عبد الله (ع) صوموا
شعبان واغتسلوا ليلة النصف منه وأما الأول فاعترف المصنف وغيره بعدم الوقوف فيه
على نص ومن ثم طواه في المفاتيح لكن في كتاب الاقبال عن النبي صلى الله عليه وآله من أدرك شهر رجب فاغتسل
في أوله وأوسطه وآخره خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ويوم المبعث وهو السابع و
العشرون من رجب ولم نقف على مستنده وكذا يوم المولد وهو السابع عشر من ربيع الأول
على المشهور ومن ثم طواهما في المفاتيح ويوم الغدير وهو الثامن عشر من ذي الحجة ووقته
قبل أن تزول الشمس بمقدار نصف ساعة كما في رواية العبدي إلا أنها مختصة بمريد صلاته
ويوم المباهلة وهو الرابع والعشرون منه كما في روايته الصريحة المروية في مصباح الشيخ
وقيل الخامس والعشرون منه واستدل في الكتاب الكبير تبعا لغيره بما في رواية سماعة عن أبي عبد
الله (ع) وغسل المباهلة واجب ومن القريب فيه ما قيل من احتمال أن يكون المراد فعلها لا يومها
لورود الغسل فيه كما في باب المباهلة من أصول الكافي ويوم الدحو وهو الخامس والعشرون من ذي
القعدة ذكره الأصحاب ولم نجد لهم خبرا كذا في المعتصم ويوم التروية وهو ثامن ذي الحجة ويوم عرفه وهو
تاسعه ووقت في بعض الروايات بزوال الشمس وفي بعضها بما إذا زالت ويوم النيروز وهو
أول يوم من السنة معرب نوروز كما في القاموس والمراد نيروز الفرس كما في القواعد وغيره وفي
حديث المعلى بن خنيس بعدة أسانيد ومتون دخلت على أبي عبد الله (ع) صبيحة يوم النيروز
فقال أتعرف هذا اليوم قلت لا لكنه يوم تعظمه العجم وتتهادى وتتبارك فيه فقال (ع) ما هذا إلا
لأمر قديم أفسره لك حتى تفهمه أن يوم النيروز وهو أول يوم طلعت فيه الشمس وهبت فيه
الرياح اللواقح وخلقت فيه زهرة الأرض وهو اليوم الذي أخذ فيه النبي صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين (ع)
العهد بغدير خم فأقروا له بالولاية وهو اليوم الذي بويع لأمير المؤمنين فيه البيعة الثانية وهو
اليوم الذي ظفر فيه بأهل النهروان وقتل ذا الثدية ويظهر فيه قائمنا ويظفره الله بالدجال وما
من يوم نيروز إلا ونحن نتوقع فيه الفرج لأنه من أيامنا حفظته الفرس وضيعتموه ثم إن نبيا من أنبياء بني إسرائيل سأل ربه أن يحي القوم الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فأماتهم الله
فأوحى إليه أن صب عليهم الماء في مضاجعهم فصب عليهم الماء في هذا اليوم فعاشوا فصار صب
الماء في يوم النيروز سنة ماضية لا يعرف سببها إلا الراسخون في العلم وهو أول يوم من سنة
الفرس فقلت يا سيدي لا تعرفني أسماء الأيام بالفارسية فقال (ع) هي أيام قديمة من الشهور القديمة
كل شهر ثلاثون يوما فأول يوم كل شهر هرمز روز والثاني بهمن روز والثالث اردي بهشت روز
ثم ساق (ع) أسماء الأيام وسعودها ونحوسها على وفق ما نقله المنجمون عن الحكماء الأقدمين
من الفارسيين والحديث مختصر وهو صريح في النيروز الفارسي القديم المرسوم في التقاويم
في جدول التوقيعات بنوروز عامة وهو أول فروردينهم ويقال إنه اليوم الذي جلس فيه جمشيد
رابع ملوك الدنيا وهو المرسوم عند العرب متوشلخ على سرير الملك بآذربيجان ورتب قواعد
السلطنة ثم بعد خمسة أيام عقد مجلسا آخر وأمر الناس بالغسل والتنظيف والعفو عن المسيئين
فسمي ذلك اليوم نوروز خاصة وقد يقال إن تعظيم هذا اليوم كان من الرسوم المتقدمة على جمشيد
من زمن نوح (ع) وأن جمشيد تحرى لجلوسه ذلك اليوم المسعود زعما منهم أنه اليوم الذي خلق
الله فيه الدنيا وأمر الكواكب بالسير من أول الحمل وفيه خلق آدم (ع) إلا أنه لما كان حساب أكثر الأمم
الماضية منوطا بالسنين الشمسية والسنة الشمسية عبارة عن زمان سير الشمس بحركتها الخاصة
على توالي البروج دورة كاملة من أي مبدأ فرض وهو ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم
على رصد ابرخس الذي هو معول الحكماء الأولين وأما بحسب الأرصاد المتأخرة فينقص بعدة
دقايق يسيرة فكانوا يحسبون السنة ثلاثمائة وخمسة وستين يوما وأما الأرباع فالروم كانوا
يكبسونها أي يجمعونها في كل أربع سنين متوالية يوما واحدا يزيدونه على عدد أيام السنة
في آخر شباط والفرس يجمعونها في كل مائة وعشرين سنة ثلاثين يوما يزيدونها شهرا في آخر
السنة وتصير سنتهم تلك ثلاثة عشر شهرا وكانوا يتحفظون على أمر الكبيسة أشد احتفاظ و
106

يعتنون بضبطه شفقة من أن ينسى مبدأها أو يختل إذا تقادم به العهد ويشتغلون في تلك
الأيام الثلاثين بأنواع اللهو والطرب والزمزمة وسائر الرسوم المعمولة في مللهم وينفق
الملك الذي تتفق الكبيسة زمن دولته الأموال الجزيلة على الرؤساء والحكماء وسائر الناس على قدر
مراتبهم وكانت الأكاسرة قد رسمت لكل يوم نوعا من الرياحين والزهر يوضع بين يديه ولونا من
الشراب على رسم منتظم لا يخالفونه في الترتيب ولجلالة هذا الأمر عندهم وعموم المنفعة فيه للخاص و
العام والرعية والملك وما فيه من الأخذ بالحكمة والعمل بموجب الطبيعة ربما كانوا يؤخرون الكبس
إذا جاء وقته وأمر المملكة غير منتظم الحوادث ويهملونه حتى يجتمع منه شهران ويتقدمون بكبسها شهرين
إذا كانوا يتوقعون في وقت الكبس المستأنف ما يشغل عنه كما عمل في زمن يزدجرد بن شابور أخذا بالاحتياط وهو آخر الكبايس المعمولة وكانت هذه العادة مستمرة في معظم المعمورة إلى زمن يزدجرد
بن شهريار آخر ملوك العجم وهو القايم بالأمر في يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من شهر ربيع الأول
من السنة الحادية عشر من الهجرة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله بعدة أيام وإليه ينسب التاريخ اليزدجردي
المبتنى عليه بعض الزيجات الاسلامية فلما باد ملكهم وافتتحت العرب بلادهم في عهد الخليفة الثاني
ولم يكن للعرب معرفة بهذه الدقايق ولا اهتمام برسوم الفرس واحياء سننهم بل كانوا يكرهون ذلك
ومن ثم أسند عليه السلام تضييع النيروز إلى العرب لا جرم أهمل أمر الكبيسة واختل حسابها بحيث
لا يعرف الآن على التحقيق ولا محيص عن الرجوع إلى ما يدونه المنجمون في تقاويمهم مما بلغهم خلفا عن
سلف ولا نعرف من الأمم في بلاد الاسلام من يعول على هذا الحساب المختل إلا طائفة الصابئة
الموجودة في بلادنا وبعض بلاد العراق وأما النيروز المعتضدي وهو حادي عشر حزيران الرومي
والخوارزم شاهي وهو يوم حلول الشمس درجة شرفها والطبري وهو يوم حلولها منتصف الجدي
والسلطاني ويقال له الجلالي والملكي أيضا وهو حلولها أول الحمل فكلها أوضاع مستحدثة لم يكن
في العهود القديمة منها خبر ولا أثر فلا يمكن حمل ما في الرواية على شئ منها وما عدا الأخير منها مما لا كلام
في انتفائه وإنما دخلت الشبهة على عصبة زعموا أنه المراد في روايات المعلي ومنهم المصنف طاب ثراه
في كتابه الكبير استراحة منهم إلى ما ينبه الشيخ أحمد بن فهد الحلي قدس سره في مهذبه بعد ما فيه عدة
أقوال أما نقله ابن إدريس عن بعض محصلي أهل الحساب وعلماء الهيئة وأهل هذه الصنعة أنه
عاشر أبواب ما نقله عن الشهيد طاب مثواه أنه أول سنة الفرس وقال إنه إشارة إلى ما هو مشهور
عند فقهاء العجم في بلادهم فإنهم يجعلونه عند نزول الشمس الجدي وهو قريب مما قاله صاحب
كتاب الأنواء وحكايته اليوم السابع عشر من كانون الأول صوم اليهود وفيه ترجع الشمس مصعدة
إلى الشمال ويأخذ النهار من الليل ثلاث عشر ساعة وهو مقدار ما يأخذ في كل يوم وتنزل الشمس
ببرج الجدي قبله بيومين وبعض العلماء جعله رأس السنة وهو النيروز ج ما نقله عن
صاحب كتاب الأنواء أنه اليوم التاسع من شباط ثم قال والأقرب أنه يوم نزول الشمس برج
الحمل وما استدل به على مختاره وجوه أ أنه أعرف بين الناس وأظهر في استعمالهم وانصراف الخطاب
المطلق الشامل لكل مكلف إلى معلوم في العرف وظاهر في الاستعمال أولى من انصرافه إلى ما كان
بالضد من ذلك ولأنه المعلوم من عادة الشرع وحكمته ألا ترى كيف علق أوقات الصلاة بسير الشمس
الظاهر وصوم شهر رمضان برؤية الهلال وكذا أشهر الحج وهي أمور ظاهرة يعرفها عامة الناس فإن
قلت استعماله في نزول الشمس برج الحمل غير ظاهر الاستعمال في بلادهم العجم حتى أنهم لا يعرفونه و
ينكرون على معتقده فلم خصصت ترجيح العرف الظاهر في بعض البلاد دون بعض وأيضا فإن ما
ذكرته حادث ويسمى النيروز السلطاني والأول أقدم حتى قيل إنه منذ زمان نوح (ع) فالجواب عن
الأول إن العرف إذا تعدد انصرف إلى العرف الشرعي فإن لم يكن فإلى أقرب البلاد واللغات إلى الشرع
فيصرف إلى لغة العرب وبلادها لأنه أقرب إلى الشرع وعن الثاني بأن التفسيرين معا متقدمان
على الاسلام ب أنه مناسب لما ذكره صاحب الأنواء من أن الشمس خلقت في الشرطين وهما
أول الحمل وفي بعض روايات النيروز أنه أول يوم خلقت فيه الشمس فناسب ذلك اعظام هذا اليوم
الذي عادت فيه إلى مبدأ كونها ج أنه مناسب لما ذكره ابن طاوس أن ابتداء العالم وخلق الدنيا
كان في شهر نيسان ولا شك أن نيسان يدخل والشمس في الحمل وإذا كان ابتداء العالم في مثل هذا اليوم
ناسب أن يكون يوم عيد وسرور ولهذا ورد استحباب التطيب فيه بأطيب الطيب ولبس أنظف
الثياب ومقابلته بالشكر والدعاء حيث كان فيه ابتداء النعمة الكبرى وهي الاخراج من حيز العدم
إلى الوجود ولهذا أمرنا بتعظيم يوم المبعث والغدير حيث كان فيهما ابتداء منصب النبوة والإمامة
وكذا المولدين فإن قلت نسبته إلى الفرس يؤيد الأول لأنهم واضعوه والثاني وضعه قوم مخصوصون
ولم يوافقهم الباقون قلنا يكفي في نسبته إليهم أن يقول به طائفة منهم وإن قصروا في العدد عمن لم
يقل به ألا ترى إلى قوله (تع) وقالت اليهود عزير بن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله وليس
القائل بذلك كل اليهود ولا كل النصارى فقوله (ع) إنه اليوم الذي أخذ فيه العهد بغدير خم وكان
ذلك سنة عشر من الهجرة وحسب فوافق نزول الشمس في الحمل في التاسع عشر من ذي الحجة على حساب
التقويم ولم يكن الهلال رأي بمكة ليلة الثلاثين فكان الثامن عشر على الرؤية ه كون صب الماء
في ذلك اليوم سنة شايعة والظاهر أن مثل هذه السنة العامة لجميع المكلفين أن يكون صب الماء
في وقت لا ينفر منه الطبع ويأباه ولا يتصور ذلك مع كون الشمس في الجدي لأنه غاية القر في غالب
البلاد الاسلامية وقوله (ع) وفيه خلقت زهرة الأرض وهذا إنما يكون في الحمل دون الجدي
107

هذا كلام زيد اكرامه ولننظر في جميع ما قرره هذا الشيخ المعظم قدس الله روحه توضيحا لجلية
الحال فاعلم أن النيروز الفارسي ربما يتوافق في هذا العام مثلا مع اليوم المعين في العام الأول
وأكثر ما يفرض ذلك خمس سنين متوالية ثم يتقدم عليه بيوم واحد ثم بيومين وهكذا إلى أن يبلغ التفاوت شهرا أو شهرين ثم يعود إلى التوافق كل ذلك بسبب أمر الكبيسة فلا يقف التفاوت
إلى حد بل يدور النيروز في الفصول المتعينة بمسير الشمس كلها ولا يمكن تعيينه بحسب موضع الشمس
ولا بحسب أيام العربية فإنها تتوافق وتتخالف ولا الرومية لأنها مكبوسة في كل أربع سنين بيوم
ولا الجلالية التي يبتني عليها التقاويم الآن لأنها مكبوسة أيضا نعم يمكن ضبط يوم معين بجزء
الشمس على رصد ابرخس بيوم معين من الأيام الرومية أو الجلالية لتوافقها جميعا في الكيس و
مقداره وفقد ما يقتضي التقديم والتأخير فتعيين النيروز الفارسي بعاشر آيار أو غيره من الأيام
الرومية مما لا يكاد يفرض له وجه استقامة ويشبه أن يكون اشتباها منشأه مصادفة يوم
النيروز في بعض الأزمنة لشئ منها فظن اطراد ذلك نظير ما اتفق للكفعمي في المصباح في بيان الأعمال
المتعلقة بشهر شعبان أن الثالث والعشرين منه النيروز المعتضدي مضبوطا بالحادي عشر من
حزيران تاسع شهور الروم وفي الأنوار النعمانية أن العشرين من شهر شعبان النيروز المعتضدي
ومعلوم أن مثل ذلك لا يمكن أن ينضبط بالشهور العربية وقد يترائى أنه يأبى مثل ذلك اطراء مثل
ابن إدريس في وصف من ضبطه آيار فيقرب أن يكون لفظة آيار تصحيف إزار من بعض الناقلين ممن
ليس له إحاطة تامة بالفن وأن ذلك المحصل يرى ما يراه ابن فهد من أنه أول الحمل فإن حلول الشمس في
الحمل إنما يكون في عاشر آذار وهو الشهر المتقدم على نيسان وأما آيار فهو الشهر المتأخر عنه و
في عاشره تدخل الشمس أول الجوزاء ولما كانت معرفة الأشهر الرومية واستقراء حسابها أسهل
تناولا من معرفة حلول الشمس أول الحمل وقد روي من طرق الخاصة والعامة آداب وأعمال
تتعلق بها وعليها بناء النيروز المعتضدي أيضا لا جرم حاول تعريف أول الحمل بعاشر إزار اتكالا على وضوحه
وكثرة العارفين به بخلاف مدخل الحمل إذ لا يعرفه إلا الأوحديون من الرصديين بعد جهد طويل و
أعمال كثيرة يضيق عنها وسع الأكثرين من الخواص فضلا عن العوام والتحقيق أنه بمعزل من الصواب إذ
مطابقة أول الحمل لعاشر آذار في هذه الأعصار بحسب الرصد الجديد السمرقندي المعمول سنة أربعين
وثمانمائة لا يقتضي مطابقته له في عصر ابن إدريس بحسب الرصد الذي عول عليه ذلك المحصل مع ما نعلم
بينهما من التفاوت في مقدار الدقايق الناقصة عن الربع ومما يؤيد عدم الانطباق أن مبدأ الجدي
في عامنا هذا وهو سنة ثلاث وستين بعد المائة والألف بحسب الزيج الجديد هو حادي عشر كانون
الأول ومقتضى ما نقله عن بعض العلماء أنه الخامس عشر منه وهذا يقتضي وجود مثل هذا التفاوت
في مبدأ الحمل أيضا وكذا جعله أول سنة الفرس إشارة إلى أول الجدي لا محمل له إلا الاشتباه المذكور وكذا
ما نقله من أن السابع عشر من كانون الأول صوم اليهود وذلك لأن كانون الأول من الشهور الرومية
وأما اليهود فلهم شهور أخر بحسب لغتهم وهي قمرية كشهور العرب ولهم فيها عدة صيام ولا ارتباط لهم
بشهور النصارى بوجه وأما النصارى فلهم أيضا عدة صيام في شهورهم وصومهم الكبير يدور بين
ثاني شباط وثامن آذار يتقدم ويتأخر ومن ثم وضعوا لمعرفته في بعض الزيجات حد ولا يرجع
إليه في تعيينه من أراد ذلك وما أفاده من أن الشمس تنزل قبل ذلك بيومين برج الجدي
عجيب أيضا وكذا قوله إن النهار يأخذ عند ذلك كل يوم مقدار ثلاث عشر ساعة من الليل لأن
الزيادة حوالي الانقلاب الشتوي أقل من ذلك بكثير حتى أنها لقلتها ربما لا يحس بها أياما متوالية
لأنها لا تبلغ الدقيقة ثم تتدرج شيئا فشيئا إلى أن تبلغ في كل يومين أو ثلاثة أيام دقيقة واحدة
وهي سدس عشر ساعة ثم في كل يوم دقيقة وهكذا إلى أن تبلغ المقدار المذكور حوالي الاعتدال
الربيعي على قدر ما يأخذ الليل من النهار في الانقلاب الصيفي وأما ما أورده في الوجه الأول
ففيه احتمالان أحدهما أن استعمال لفظ النيروز في مبدأ الحمل أكثر شيوعا في العرف فينبغي حمله
في الحديث عليه ويؤيد هذا الاحتمال ما ذكره في ذيل فإن قلت الثاني إن معرفة مبدأ الحمل أوضح
وأظهر بين الناس من معرفة غيره من المعاني المذكورة فينبغي حمله على المعنى الواضح الذي يعرفه
كل أحد دون المعاني الغامضة ويؤيد ما ذكره من التنظير بأوقات الصلوات ومداخل الشهور
ويرد على الأول أنه مجرد دعوى بين البطلان عند أهل الخبرة بالحساب والتواريخ فإن كون نيروز الفرس
دايرا في الفصول سيما من زمن النبي صلى الله عليه وآله إلى زمان السلطان جلال الدين ملك شاه السلجوقي أمر لم
يبلغنا خلافه من أحد منهم وكتبهم مملوءة من التصريح بأن الروم والفرس كانوا لم يلاحظوا
في مبدأ سنينهم موضع الشمس وإن جعل الاعتدال الربيعي مبدأ السنة مخصوص بالتاريخ الجلالي
ولا يوافقه شئ من التواريخ المشهورة وأنه اجتمع بحضرته عدة من الحكماء الراسخين أحدهم
عمر الخيام فأمرهم أن يقننوا له تاريخا باسمه ممتازا عن غيره من التواريخ فاختاروا المبدأ السنة
حفظا من أن يدور في الفصول يوم انتقال الشمس إلى الحمل قبل نصف النهار واتفق ذلك يوم
الجمعة ثامن عشر فروردين القديم عاشر شهر رمضان سنة إحدى وسبعين وأربعمائة فكيف
يمكن أن يجعل مثل ذلك مناطا للأحكام الشرعية الثابتة قبل ذلك بقريب من خمسمائة سنة
ودعوى تقدمه على الاسلام والاغماض عن تقييده بالجلالي والسلطاني مما يقضى منه العجب و
وشيوع استعمال لفظ النيروز فيه في العرف بعد حدوثه مما لا يجدي في حمل لفظ الحديث عليه
وهو ظاهر وعلى الثاني أيضا المنع فإن معرفة وقت حلول الشمس أول نقطة من الحمل أمر في غاية
الغموض كما أشرنا إليه وناهيك في ذلك بما وقع من الاختلاف فيه بين الرصديين على دقة
108

أنظارهم وسعة أفكارهم حتى أنه لم يتوافق فيه رصدان بخلاف عاشر آيار وتاسع شباط وخامس
عشر كانون الأول فإنها أسهل معرفة كما مر وقياسه على أوقات الصلوات ومداخل الشهور ظاهر
الفساد لأنها أمور محسوسة يدركها كل عاقل سليم الحس بخلاف حركة الشمس وانتقالاتها في
بروجها فإنها تحتاج إلى رصد وحساب لا يتيسر لأكثر مهرة الفن وليست كوصولها إلى وسط
السماء ورؤية الهلال وأمثالهما من الأمور المعلومة بالعيان ولا يناسب المعلوم من عادة الشرع
وحكمته أن تكون لمعرفة النيروز مكلفين بتتبع ارصاد الرصديين ثم التميز بين الحق والباطل
منها والاتكال على ما اشتهر في زماننا مع علمنا بأنه غير مشهور ولا مذكور في أعصار النبي والأئمة
صلوات الله عليهم في أمر قد نصوا عليه بأنه من الأمور القديمة وما ذكره في الوجه الثاني من
المناسبة ضعيف جدا وبعد التسليم فإنما يدل على كون الشمس حين الخلقة في أوائل صورة
الحمل عند التسمية وهذا مما لا يستلزم المطلوب بوجه لأن هذه الصور تنتقل بمر الدهور
بناء على حركة الثوابت في كل سبعين سنة أو ما يقاربها درجة واحدة ومن أين ثبت كون
الشرطين أول الحمل عند الخلقة ولو ثبت فالمناسب اعظام يوم كون الشمس في الشرطين دون
أول برج الحمل وقد انتقل منه الشرطان إلى برج الحوت منذ قبل الاسلام بأزمنة مديدة
على أن المستفاد من حديث الرضا (ع) مع ذي الرياستين أنها كانت إذ ذاك في التاسعة عشر
من الحمل وكذا مناسبة خلق العالم في شهر نيسان لعدم مطابقة شئ من أيام شهر نيسان من زمن
النبي صلى الله عليه وآله إلى زماننا لأول الحمل المطلوب اثباته ثم كيف يرتبط به قوله ولا شك أن نيسان يدخل و
الشمس في الحمل وما ذكره من موافقة يوم الغدير لأول الحمل بالحساب فيه أن الظاهر أن الرصد المعول
عليه في زمن ابن فهد وقبيله إنما هو الرصد المراعي الذي قد عمل فيه المحقق نصير الدين الطوسي
لأنه أقرب الأرصاد إلى ذلك العهد وقد استخرجنا جزء الشمس منه يوم الغدير فوجدناه بمراحل
عن مدخل الحمل وإن كانت النسخة غير معتمدة وعلى تقدير تصحيحه فلا يجدي في المطلوب إلا إذا ثبت موافقة
بقية التواريخ المذكورة في الرواية له والثابت خلافه فإن البيعة الثانية بعد مقتل عثمان إنما
كانت في أواخر ذي الحجة سنة خمس وثلاثين باتفاق النقلة والظفر بأهل نهروان وقتل ذي الثدية
مضبوط في مناقب ابن شهرآشوب وغيره بتاسع صفر سنة تسع وثلاثين وقيل ثمان وثلاثين وإذا
كان يوم الغدير أول الحمل كان أول الحمل في السنة الحادي عشرة التاسع والعشرين من ذي الحجة وينتقل
بعده إلى المحرم ثم إلى صفر وهكذا ولا يدور إلى ذي الحجة إلا بعد نيف وثلاثين سنة وبين البيعتين
خمس وعشرون سنة فلا يعقل كونهما معا في مبدأ الحمل وكذا لا يعقل كون فتح النهروان الواقع بعد
يوم الغدير بتسع أو ثمان وعشرين سنة في مبدأ الحمل كما لا يخفى وأما إذا حملنا النيروز على
الفارسي المتفاوت في السنة العربية بأحد عشر يوما غالبا وفي بعضهما بعشرة أيام فإذا كان
الخامس والعشرون من ذي حجة الخامسة والثلثين يوم النيروز كان تاسع الصفر نيروز
السنة التاسعة والثلثين وبه يترجح ضبط ابن شهرآشوب وأما يوم الغدير فإنه كان متقدما
على جلوس يزدجرد كما علمت فلا يمكننا الآن تحقيق حاله ولا يثبت به منافاة لما حررناه
ومناسبة صب الماء لأول الحمل دون الجدي على ضعفها إنما تنفي أول الجدي دون سائر التفسيرات
هذا إن أريد به رش الماء كما هو المعمول في بعض بلاد العجم وحمله بعضهم على الغسل وليس ببعيد
ومناسبة خلق زهرة الأرض لأول الحمل دون الجدي غير ظاهرة لاختلاف ذلك باختلاف
البقاع فإن اعتبر ببلاد الحجاز التي هي محتد الدين والدنيا ومسكن الإمام الذي صدر عنه الخبر
فالأمر فيه على العكس إذ في القوس تكثر فيها الأمطار غالبا وفي أوائل الجدي تتكون النباتات و
الأعشاب وتنمو وتترعرع في الدلو وتزهر في الحوت وأما الحمل فيبدو فيها الذبول فابتداء خلق
زهرة الأرض إنما هو في الجدي دون الحمل ولو سلم فلا ريب أنه يكتفي في سعادة الأيام ونحوستها
بوقوع السبب فيها في مبدأ الأمر ولا يعتبر تكرره بتكررها فإن يوم المبعث مثلا يكفي في شرافته
وقوع البعثة فيه في صدر النبوة ولا يعتبر تجدد البعثة بتجدد هذا اليوم في كل سنة وبقية السعادات
المذكورة في هذا الحديث لهذا اليوم مثل عقد البيعتين وفتح النهروان واحياء الموتى كلها من هذا
القبيل فلا مانع من أن يكون في أول الأمر قد اتفق النيروز في أول الحمل كما هو ظاهر ما قدمنا نقله
عن قدماء الفرس ثم تزايل عنه ودار في الفصول بسبب الكبائس وتأخيرها واهمالها ومجرد وقوع
ذلك الاتفاق أولا لا يوجب اعتباره في مستقبل الزمان في شرافة اليوم حتى يكون ذلك هو المناط
وحده كما في يوم المبعث فإن الشمس كانت ذلك اليوم على وضع معين البتة وذلك لا يوجب أن يكون مناط سعادة اليوم فيما بعد وقوع الشمس على ذلك الوضع بعينه ومما يؤيد ذلك قوله (ع)
خلقت فيه زهرة الأرض بصيغة الماضي الذي مفاده الانقضاء والتصرم ولو كان المراد اعتبار
أول الحمل لكان حق التعبير تخلق فيه زهرة الأرض ايذانا بالاستمرار التجددي الموضوع له صيغة
المضارع مع أنه أوفى بالغرض المصوغ له الكلام من بيان شرافة اليوم كما لا يخفى وبما أوردناه
ظهر لك أيضا حال ما ذكره بعض الأفاضل الذين عاصرناهم من أن أول سنة الفرس أول فروردين
القديم وهو قبل انتقال الشمس إلى الحمل بسبعة عشر يوما ويوم انتقالها إليه وهو أول فروردين الجلالي
وكذا قوله إن أول نيسان وسط الحمل وذلك لأن أول نيسان في أعصارنا هذا إنما يصادف الثالث
والعشرين من الحمل كما هو ظاهر ولقد خرجنا بهذه الإطالة عما نحن بصدده من الاختصار تحذيرا
للناظرين عن الاغترار فهذه هي الأغسال الزمانية وأما المكانيات فغسل دخول الحرمين حرم
الله وحرم رسوله صلى الله عليه وآله وبلديهما مكة والمدينة ومسجديهما كما في المعتصم والمفاتيح وغيرهما والنص
109

مختص بمسجد النبي ومن ثم اقتصر عليه جماعة ودخول الكعبة وفي حديث سماعة عن أبي عبد الله (ع)
أنه واجب والحق بها بعضهم المشاهد المشرفة وأما الأفعال التي يغتسل لها فتنقسم إلى غايات يقدم
عليها الغسل وأسباب يؤخر عنها وجملة الفعليات المذكورة هنا تسعة غسل طواف الكعبة كما في
القواعد وغيره والنصوص إنما وردت بلفظ زيارتها وتبعه المصنف في مسفوراته ومنهم من
قيدها بما بعد الرجوع من منى وله وجه والنحر والذبح والحلق في منى وصلاة الكسوف مع الاستيعاب لقرص أحد النيرين أداء كانت أو قضاء مع تعمد الترك وخص بعضهم بالثاني ومنهم
من أوجبه فيه ومنهم من لم يقيد بالاستيعاب مع تقييده بالقضا وتعمد الترك وبعد التوبة كما
تقدم في بابها ومس الميت بعد تغسيله تاما والسعي إلى مصلوب شرعي أو غيره على الهيئة المشروعة
أو غيرها مطلقا خلافا لمن خصه بالمسلم مع رؤيته عامدا لا لغرض مشروع كالشهادة على عينه بعد
ثلاثة أيام من صلبه أو موته وقيل بوجوبه وقتل الوزغة وزيد في المفاتيح وغيره على الغايات الاحرام
وقيل بوجوبه والاستسقاء والاستخارة والحاجة وزيارة المعصومين ويأتي ذكر الأول في كتاب
الحج وكذا الأخير وعلى الأسباب غسل الميت وتكفينه وألحق بها في المشهور غسل المولود حين ولادته
وفي خبر سماعة أنه واجب وبظاهره أفتى بعضهم
باب التيمم وهو لغة القصد وشرعا ضرب باطن
الكفين أي وضعهما معا بقوة واعتماد على التراب الطاهر الخالص المباح من غير حاجب فيهما أو فيه
ثم المسح بهما جميعا الجبهة والجبينين وهما المحيطان بالجبهة يتصلان بالصدغين ثم مسح ظهر كل
واحدة من الكفين ببطن الآخر من الزندين وهما موصلا طرف الذراعين في الكفين إلى رؤس
الأصابع مقدما لليمنى على اليسرى فالمعتبر أمور أ ضرب اليدين فلا يكفي مجرد الوضع فيهما خلافا
لمن اكتفى به ولا استقبال العواصف بهما خلافا لظاهر المفاتيح حيث جعل أول الواجبات مسح
الجبهة ومقتضاه خروج الضرب والوضع من الواجبات الأصلية وإن وجب أحيانا من باب
المقدمة كالاغتراف في الوضوء ويترتب عليه جواز تأخير النية وصحة تيمم المحدث بينهما وبذلك
صرح العلامة في النهاية ب أن يكون ذلك بالكفين كلتيهما فلا يجوز الاكتفاء بواحدة مع الاختيار
ولو تعذرت إحديهما لقطع أو ربط مثلا اقتصر على الميسور ومسح به الجبهة وهل يسقط مسح اليد أو
يمسحهما بالأرض كما يمسح الجبهة بها لو تعذرتا وجهان أحوطهما الثاني وهل يشترط المقارنة بينهما ظاهر
النصوص والفتاوي ذلك والأصل ينفيه ج أن يكون بالتراب فلا يجزي الحجر الصلد الذي لا غبار
عليه وكذا الخزف خلافا للمشهور فيهما ومنهم من خص الأول بحال تعذر التراب وحينئذ يجوز بغبار
الثوب ونحوه أما النبات المسحوق كالأشنان والدقيق فلا يجوز مطلقا قولا واحدا د طهارته
وقد نقل عليه الاجماع وهو أحد الوجوه في تفسير الطيب ه خلوصه وهو أن يكون خاليا من مخالطة
ما لا يقع عليه اسم التراب كالكحل والزرنيخ وأنواع المعادن وفاقا لبعض المتقدمين وجعله
في المفاتيح أحوط وأن يكون مباحا فلا يجزي بالمغصوب أما لو كان المكان مغصوبا فالأقوى
صحته ما كان التراب مباحا ز مباشرة الأرض بالكف فلا يجوز مع الحايل ولو كان رقيقا ح
مسح الجبهة والجبينين ومنهم من اكتفى بالجبهة من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى وقيل
الأسفل وزاد بعضهم الحاجبين ومنهم من أوجب استيعاب الوجه ومستنده محتمل للتقية ط
أن يكون ذلك بالكفين جميعا كما هو المشهور واكتفى بعض المتقدمين بباطن اليمين لصدق
المسح وقواه المصنف في حواشي المفاتيح وفي صحيحة زرارة أن النبي صلى الله عليه وآله مسح جبينيه بأصابعه
والمحتاط لا يفارق اليقين ي مسح ظاهر الكفين من الزندين إلى أطراف الأصابع وقيل من
أصول الأصابع إلى رؤسها وقيل من المرفقين إليها ومستنده أيضا محتمل للتقية يا الترتيب
كما ذكر وقد نقل عليه الاجماع كالموالاة ومن بدأ في المسحين بالأعلى فقد أخذ باليقين كما في
الوضوء ويعتبر مع ذلك كله ما يعتبر في غيره من الأعمال من قصد الفعل لله عز وجل وظاهره
هنا وصريحه في غيره الاكتفاء في الضرب بمرة واحدة مطلقا كما في الصحاح المستفيضة فعلا
في معرض البيان وقيل بل لا بد من مرتين مرة للوجه وأخرى لليدين كما في بعضها قولا وحمل على
الاستحباب أو التخيير جمعا ومنهم من جمع بوجه آخر هو الاكتفاء بالمرة في بدل الوضوء وايجاب
المرتين في بدل الغسل ويدفعه من الأخبار ما يدل على المساواة وعلى اجزاء الواحدة في الأخير والمصنف استحسن في المفاتيح الجمع بوجه آخر وهو وجوب التكرار مع عدم بقاء التراب
في اليد وعدمه مع بقائه بناء على ما اختاره من اشتراط علوق شئ من التراب المتيمم به
باليد وإن استحب النفض لتقليله لئلا يوجب تشويه الخلقة فإن استأنف المحتاط بعد
مسح الوجه ضربة أخرى لليدين فقد أخذ باليقين وخرج من هذه الاختلافات خصوصا
مع ذهاب التراب العالق باليد بمسح الوجه وفي بدل الغسل وهو شرط لما شرط له الطهارتان
المائيتان من الصلاة والطواف ومس كتابة القرآن وصوم رمضان وقضائه واللبث في
المساجد وقراءة العزائم وغير ذلك مع تعذرهما لفقد الماء أو الوصلة إليه أو الخوف من استعماله
وحصول سببهما من أحد الأحداث الاثني عشر وجدواه جدواهما حينئذ من تنوير القلب وغيره لأنه
طهر طهور كما ورد ومع التمكن منهما حيث يشرع لا يخلو من جدوى ما وإن لم يقم مقام الشرط
في التهيئة للعبادة المشروطة به ويجب مطلقا مع تعذر المائية وامكانها مع مساواة زمانيهما
وتفاوتهما لخروج جنب أو حايض من أحد المسجدين الحرميين سواء دخلا طاهرين أو محدثين كما
هو ظاهر الاطلاق وصريح غيره والمستند صحيحة أبي حمزة عن أبي جعفر (ع) إذا كان الرجل نايما في
المسجد
الحرام أو مسجد الرسول صلى الله عليه وآله فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمم ولا يمر في المسجد إلا متيمما وفي رواية وكذلك
110

الحايض إذا أصابها الحيض تفعل كذلك وفي دلالته على المطلوب بعمومه قصور ومن ثم اقتصر في
المفاتيح والمعتصم على المحتلم في أحد المسجدين جمودا على النص ثم قال وربما يلحق به الحايض نظرا إلى
قصور الزيادة من حيث السند واختار الشهيد في الدروس وغيره تقديم الغسل عند امكانه و
مساواة زمانه لزمان التيمم ويلزمه ذلك عند النقيصة بطريق أولى كما صرح به الشهيد الثاني و
يستحب كذلك مطلقا للنوم إذا إذا آوى إلى فراشه فذكر أنه ليس على وضوء وشق عليه الخروج له فليتيمم
من دثاره والصلاة على الجنازة مطلقا على المشهور وقيده في المعتبر بما إذا خشي فوات الصلاة
مع المائية كما في بعض الروايات ولا وجه له لعدم الاختصاص حينئذ وإن كانت المائية أفضل
لقول أبي الحسن (ع) تكون على طهر أي وضوء أحب إلي وفيه تأمل لاحتمال أن يراد بالطهر فيه ما
يعم التيمم لأنه أحد الطهرين كما تقدم ولا تيمم للصلاة إلا بعد دخول وقتها فيلغوا قبله اجماعا وهل
يجوز مع سعة الوقت فيه أقوال ثالثها الجواز إذا لم يكن العذر مرجو الزوال وقطع المصنف
بالأول وفاقا لبعض المتقدمين وجمعا بين الأخبار باستحباب التأخير لراجي الزوال واستحباب
الإعادة لمن زال عذره في الوقت وهو من أجود ما تجمع به روايات المسألة على تنافرها إلا أنه
مع سعة الوقت خروج عن اليقين بما فيه خروج عن الفضل
كتاب الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم
الصلاة أفعال مشروطة بالطهور مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم وعن الرضا (ع) علة الصلاة
أنها اقرار بالربوبية لله عز وجل وخلع الأنداد وقيام بين يدي الجبار جل جلاله بالذل والمسكنة
والخضوع والاعتراف والطلب للإقالة من سالف الذنوب ووضع الوجه على الأرض كل يوم
خمس مرات اعظاما لله عز وجل وأن يكون ذاكرا غير ناس ولا بطر ويكون ذكره لربه وقيامه بين يديه
زاجرا له عن المعاصي ومانعا له من أنواع الفساد الحديث وروي أن لها أربعة آلاف باب
باب التعداد الصلاة قسمان فريضة ونافلة والفرايض الأصلية أربعة أنواع اليومية والجمعة
والعيدية والائية وأما الطوافية فموضعها كتاب الحج والمراد أنها مفروضة في الجملة لا أنها
لا تكون إلا مفروضة فلا يرد النقض باليومية المعادة والعيدية عند اختلال الشروط ونحوهما
مما يوصف بالاستحباب واليومية خمس صلوات في خمسة أوقات هي سبع عشرة ركعة في الحضر
وإحدى عشرة ركعة في السفر وإن جاز أداء السبع عشرة فيه أحيانا والمراد بهما الشرعيان فالعاصي بسفره
حاضر والمتردد في محل واحد قبل اكمال العدة مسافر وتوزيعها على الأوقات الخمسة مشهور من ضروريات
الدين وفي ظهر يوم الجمعة لمن اجتمعت له الشرايط الآتية لصلاة الجمعة تنقص ركعتان لمن حضرها لمكان
الخطبتين كما في النص وفي يومي العيدين ركعتان تزيدان قبل الظهر معهما أي مع الخطبتين و
تزيد عند حدوث الآيات السماوية والأرضية صلاة واحدة ذات عشرة ركوعات وأربع سجدات
فإن شئت فسمها عشر ركعات وإن شئت فركعتين وورد في الصحيح عن أبي جعفر (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله
ما بين المسلم وبين أن يكفر إلا أن يترك الصلاة الفريضة متعمدا أو يتهاون بها فلا يصليها
وفي الفرق بين شقي الترديد خفاء ولعل المراد من الأول ما قيل من ترك الاتيان بها في جميع الوقت
مع العزم بذلك من أوله ومن الثاني التقاعد عنها في كل جزء من أجزاء الوقت وتساهلا وتكاهلا
لكن مع عزمه على الاتيان بها في الجزء الآخر ثم يتكاسل عنها في ذلك الجزء أيضا وهكذا إلى أن يفوت
الوقت وهو مما يستدل به على ثبوت الكفر بتعمد ترك الصلاة بكلا شقيه مطلقا وهو في المستحل
مما نقل عليه الاجماع جماعة منهم المصنف في الكتاب الكبير لأنه انكار لما علم ثبوته من الدين ضرورة
وأما في غيره فنقل عن بعض الأصحاب الميل إليه أيضا لكن الأكثر على التقييد بالاستحلال وأن المراد
من الصحيح وما في معناه الترك مستحلا أو أن التعبير بالكفر للمبالغة وتغليظ الإثم كما في آية الحج أو
المعنى أنه ليس بين الاسلام والكفر واسطة إلا ترك الصلاة فتارك الصلاة في مرتبة متوسطة
ليس بكامل الاسلام ولا كامل الكفر وإنما يكمل كفره بالاستحلال واثبات الواسطة بين كماليهما مما
لا مجال لانكاره وبه يوجه ما استفاض في الروايات من أنه لا يزني الزاني وهو مؤمن وما في معناه
وإذا فرضت الواسطة عريضة ذات مراتب متفاوتة يتاخم بعضها الايمان وبعضها الكفر اتضح
لك المعنى في حسنة عبيد بن زرارة المتقدمة في الكباير وفي رواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (ع)
وسئل ما بال الزاني لا تسميه كافرا وتارك الصلاة تسميه كافرا قال لأن الزاني وما أشبهه إنما يفعل
ذلك لمكان الشهوة لأنها تغلبه وتارك الصلاة لا يتركها إلا استخفافا بها وإذا وقع الاستخفاف
وقع الكفر وأن استدلال بعض المتأخرين بهما على التسوية بين المستحل وغيره ليس بالوجه وهذا
ينحل إلى ما أشرنا إليه فيما مضى من تنزيل الكفر على درجات متفاوتة يقابله الايمان في كل منها وبه
يرتفع التنافي بين كثير من السمعيات والنوافل ويقال لها المرغبات قسمان رواتب وغيرها والرواتب
وهي النوافل اليومية أربع وثلاثون ركعة ضعف الفرايض الحضرية اليومية في الحضر وسبع عشرة
ركعة مثلها في السفر باسقاط النهاريات الظهرية والعصرية وأما نافلة الفجر فملحقة بالليليات
ومن ثم ربما يطلق صلاة الليل على مجموع الثلاث عشرة واسقاط الوتيرة العشائية المعدودة بواحدة
مطلقا على المشهور ويستفاد من بعض الأخبار أنها ليست من الرواتب وثانيه حضر أو سفر ألا
تسقط بحال كما ذهب إليه بعضهم وتزيد في نهار الجمعة أربع ركعات يصير المجموع عشرين ركعة موزعة
على أجزائه غير توزيع الرواتب ويأتي توزيعها في باب الأوقات وغير الرواتب من المبتداة وذوات
الأسباب لا حصر لها وإنما حدها لكل أحد في وقته ما لا يخرج به عن حد الاقتصاد إلى افراط الايغال
كما سبقت الإشارة إليه ولا تزاد النوافل مطلقا على ركعتين في تحريمة ولا تنقص عنهما لعدم ثبوت
التعبد بما زاد أو نقص إلا في المأثور كصلاة الأعرابي فإنها عشر ركعات بثلاث تحريمات كالصبح والظهرين
111

والوتر فإنها ركعة واحدة وورد في حديث أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وآله الصلاة خير موضوع فمن
شاء استكثر ومن شاء استقل
باب الشرايط جمع شريطة وهي الشرط والمراد هنا شروط وجوب
الفرايض وصحتها والمقدم شروط الوجوب وهي البلوغ والعقل وقد يعبر عنهما بالتكليف لأنه منوط بهما و
يراد بالعقل هنا الغريزة التي بها يمتاز الانسان عن البهائم ويستعد لقبول العلوم النظرية وتدبير
الصناعات الفكرية والخلو عن الحيض والنفاس والتمكن بالفعل أو القوة القريبة من استعمال
الطهور وهو ما يتطهر به من الماء والتراب ويترتب على هذا الاشتراط سقوط الفرض عن فاقد
الطهورين حذرا عن لزوم تكليف ما لا يطاق أو خروج المشروط المطلق عن كونه مشروطا مطلقا
وهو أشهر الأقوال في الأداء حتى أن صاحب المدارك والمصنف في كتابيه لم يعرفا المخالف فيه
ومنهم من استحبه لحرمة الوقت وعن المفيد أن عليه أن يذكر الله مقدار الصلاة وأما القضاء
فأثبته بعضهم منهم المصنف فيما يأتي ونفاه آخرون ومنهم من أوجب الأداء والقضاء جميعا ولا
يقضى على شئ منها بما يقطع العذر فليتحر المحتاط اليقين ودخول الوقت في الفرايض المؤقتة و
المشهور أنه من قبيل الأسباب دون الشروط حتى أنه شاع في أسفارهم التمثيل به للسبب لأنه
أوضح أمثلته والأمر فيه هين لأنها اصطلاحات لا مشاحة فيها لكن في فايدة القيد خفاء لأن
المعدودات كلها موقتة ابتداء فتأمل ويعلم البلوغ بأحد أمور أما خروج المني سواء كان بالجماع
أم الاحتلام أم الاستمناء أم غيرها والمتكرر في الأخبار ذكر الاحتلام لأنه أعمها ومن ثم
اقتصر عليه أو الانبات للشعر الخشن على العانة كما في المفاتيح وغيره والنصوص خالية عن قيد
الخشونة وكان البناء في ذلك على قضاء العادة بنبات الزغب في أوقات يقطع فيها بعدم
البلوغ والمرجع فيها إلى العرف وتقييده في التذكرة بما يحتاج في إزالته إلى الحلق كأنه بيان له
وأما نبات اللحية فاستقرب في التحرير اعتباره وربما يلحق بها الشارب دون شعر الإبط
وإن كان الغالب تأخره عن البلوغ وفي رواية يزيد الكناسي أن الغلام إذا زوجه أبوه و
لم يدرك كان له الخيار إذا أدرك وبلغ خمس عشر سنة أو يشعر في وجهه أو ينبت في عانته و
العلامتان مما يستوي فيه الذكر والأنثى أو الحيض في الأنثى وهو خروج الدم بالوصف المذكور
وإنما يعد علامة في حق المجهولة السن بناء على الغالب من تأخره عن التسع أما معلومته فإن
رأته قبلها لم يكن حيضا كما تقدم وإن رأته بعدها فقد بلغت بها فتنتفي فائدته في حقها ومن
ثم يحكم بكونه علامة على سبقه أو الحمل كذلك فإنه مسبوق بالانزال لأن الولد إنما يتخلق من المائين
كما قرره المحققون من الطبيعيين وعن أبي جعفر (ع) في قوله عز وجل إنا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج
قال ماء الرجل وماء المرأة وفي قوله سبحانه خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب
قال الصلب الرجل والترائب المرأة وهي صدرها فلا عبرة بإنكار بعضهم لماء المرأة والتحقيق أنه
نزاع لفظي إذ لا خلاف بينهم في انفصال رطوبة عنها بالمباشرة وإن كانت بخلاف المنفصلة
عن الرجل في بعض الأوصاف ومنه نشأ الخلاف في تسميته منيا أو اكمال خمس عشر
سنة قمرية وهي اثنا عشر شهرا هلاليا للذكر وتسع سنين كذلك للأنثى على المشهور
فيهما ويتحقق بالدخول في السادسة عشر والعاشرة لأن النصوص إنما وردت
بلفظ الخمس عشرة والتسع والداخل في سنة قبل اكمالها لا يسمى ابنها كذا قالوه وظاهر بعض القدماء
بلوغ الغلام بدخول الرابع عشرة وله عدة من الأخبار المعبرة الموافقة للاحتياط غالبا المخالفة
لمذاهب القوم وعن بعضهم توقف بلوغ الجارية على اكمال العشر والحق أنه يختلف بلوغهما بحسب
السن باختلاف أنواع التكاليف وأشخاص المكلفين كما يظهر مما روي في باب الصيام وتوقيته
تارة بما إذا أطاقه وأخرى بالحيض وثالثة بتسع سنين والفرق بينه وبين الصلاة وفي باب
الصدقة والطلاق والوصية والعتق أنها تصح من ذي العشر ولا يبعد أن يكون هذا مذهبا
للمحمدين الثلاثة حيث أوردوا ما يدل على الحد الذي يؤخذ فيه الصبيان بالصلاة في
كتاب الصلاة وما يدل على الحد الذي يؤخذون فيه بالصوم في كتاب الصوم وما يدل
على الحد الذي تجوز فيه وصيتهم وطلاقهم وصدقتهم وغيرها من أمورهم في أبوابها
المختصة بها فإن صلى الذكر بعد اكمال الثالث عشرة فقد أخذ باليقين بل هو الحق الذي
لا يحيد عنه المحتاط لدينه من المتقين سواء الصلاة وغيرها وأحوط منه أن لا يترك العبادة
بعد اكمال العشر سنين لورود الروايات بجواز أموره فيه كما عرفت والأولى أن يؤخذ بالصلاة
للسبع للتمرين ففي الصحيح عن الرضا (ع) يؤخذ الغلام بالصلاة وهو ابن سبع سنين وفي الحسن
عن أبي جعفر (ع) إنا نأمر صبياننا بالصلاة فإذا كانوا بني خمس سنين فمروا صبيانكم بالصلاة إذا
كانوا بني سبع سنين وعن أحدهما (ع) يترك الغلام حتى يتم له سبع سنين فإذا تم له سبع سنين
قيل له اغسل وجهك وكفيك فإذا غسلهما قيل له صل الحديث وقد ورد التحديد بالست
ربما بين الست والسبع وبالثمان وبالتسع وبمراهقة الحلم ومعرفة الصلاة والصوم و
الظاهر أن هذه الاختلافات منزلة على مراتب الفضل ورخص للأنثى أن لا تصوم قبل
الثالثة عشر إلا أن تحيض قبلها أو أرادت التمرين أو الأخذ باليقين بل هذه الرخصة إنما
هي في الصلاة روى ذلك عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن الغلام متى تجب
عليه الصلاة فقال إذا أتى عليه ثلاث عشر سنة فإن احتلم قبل ذلك فقد وجب عليه الصلاة
وجرى عليه القلم والجارية مثل ذلك إن أتى عليها ثلاث عشر سنة أو حاضت قبل ذلك
112

فقد وجبت عليها الصلاة وجرى عليها القلم وقد استمر هذا الاشتباه على المصنف طاب
ثراه في أكثر مسفوراته فهذه هي العلامات المشهورة للبلوغ أما تفلك الثديين وسطوع
ريح الإبطين فلم ينقل من أحد من أصحابنا العبرة بهما لكن روى ثقة الاسلام عن أبي عبد
الله عن أبيه (ع) قال الغلام لا يلقح حتى يتفلك ثدياه وتسطع ريح إبطيه فلا يبعد عدهما
علامتين على سبقه كالحيض والحمل وبه يتقوى ما تقرر في الطبيعي من حدوثهما من
الحرارة المنبعث منها المني كثقل الصوت ونتو طرف الحلقوم وانفراق الأرنبة ونحوها
فهذه شرايط الوجوب ويختص صحتها باشتراط الطهور بضم الطاء أو فتحها مصدرا أو
بمعنى الآلة بتقدير مضاف وقد تقدم أنه لا صلاة إلا بطهور والإسلام فلا تصح
من الكافر وإن سقط قضاؤها عنه بعده تفضلا من الله سبحانه وفي عده من شروط
الصحة دون الوجوب إيماء إلى اختيار أن الكفار مخاطبون بالفروع كما هو المشهور وإن كانت
غير صحيحة عنهم لعدم امكان التقرب في حقهم وقد خالف في ذلك المصنف طاب ثراه في الصافي
فذهب إلى أنهم غير مكلفين بها ما داموا باقين على الكفر كما في رواية علي بن إبراهيم عن أبي عبد
الله (ع) إنما دعا الله العباد إلى الايمان به فإذا آمنوا بالله وبرسوله افترض عليهم الفرايض
وأخذ فقه أحكامها بالطرق المضبوطة من المعصوم لأنه المأمون من الخطأ والكذب ولو
بوسايط موثوقين سواء كانوا من أهل النظر أم لا إذ رب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل
فقه إلى من هو أفقه منه وسواء كانوا أحياء أم أمواتا عند المصنف ومن وافقه من المحققين
فإن موت الأحكام الإلهية بموت نقلتها غير معقول مع أن حلال محمد حلال إلى يوم القيامة
وحرامه حرام إلى يوم القيامة ومن أوثق الوسائط الكتب المعتمدة المشتملة على أحاديثهم (ع)
سيما كتاب الكافي لثقة الاسلام ثم كتب الصدوق والشيخ لكن بشروطها المقررة من معرفة
المقدمات وكثرة التتبع والفحص البالغ عن المعارضات والجمع بالوجوه المأثورة التي مر بيانها
فإن الاختلاف والمعارضة في روايات أئمتنا (ع) كثير حتى أن من المخالفين من اتخذ ذلك
حجة علينا إذ قلما يوجد خبر إلا وبإزائه ما يضاده كما ذكره الشيخ ويدل عليه الممارسة و
الشرط الأعظم جودة الذهن المعبر عنها بالقوة القدسية وهي من محال الغرور وتعرف بعرض
ذهنه على أذهان المقبولين فإن صادف الموافقة مرارا فهي من علايم الصدق ومقتضى هذا
الاشتراط فساد الصلاة المأخوذة أحكامها من غير جهتهم صلوات الله عليهم سواء كانت
عن رأي أو قياس أو رواية أو تقليد لمن هذا شأنه كما نطقت بذلك الأخبار المستفيضة
وهو وما قبله من شرايط الصحة في مطلق العبادات دون خصوص الصلاة وكان ذكرهما في
الطهارة أوفق وإنما تختص صحة الصلاة بالطهور وبساير المقدمات من القبلة والساتر
وغيرهما على التفصيل الآتي في الأبواب الآتية ويختص وجوب الجمعة وهي اسم للصلاة المخصوصة
تجوزا وكذا العيدان زيادة على ما ذكر بالذكورية والحرية والحضور فلا تجبان على الأنثى اجماعا
ولا الخنثى لكن النصوص إنما تدل على استثناء المرأة دون اشتراط الذكورية والعبد كالمرأة
قنا كان أو مدبرا أو مكاتبا لم يتحرر منه شئ والمبعض كالخنثى وعن الشيخ أنه كالحر إذا هاياه
المولى فاتفقت الفريضة في نوبته وضابط السفر المسقط ما يلزم فيه القصر كما ذكروه فالمخير
حاضر كما صرح به العلامة وغيره وفي استفادة ذلك من الأخبار خفاء والسلامة من المرض
مطلقا وربما يقيد بما إذا خاف زيادته أو المشقة بالحضور ولا فرق بين أنواعه لعموم الأدلة
نعم لا بد من الصدق عرفا فلا تسقط بمثل الاختلاج والعنة ونحوهما ومن الهمم بفتح
الفاء وهو الطعن في السن والنصوص مطلقة في استثناء الكبير ومنهم من قيده بالعجز أو المشقة
ومن العمى مطلقا اجماعا ومن كل ما يؤدي مع التكليف بها إلى الحرج كالاقعاد والمطر وامكان
اجتماع خمسة نفر فما زاد بالصفات المذكورة بل الشرط لوجوب الفريضة اجتماعهم بالفعل وأما الامكان
فهو شرط وجوب الاجتماع وكأنه أراد التنبيه على أن الصلاة بالنسبة إلى الاجتماع واجب مطلق فوقع في
هذا الايجاز المخل ويشترط في وجوب اجتماع العدد أيضا أن يكونوا متقاربين بحيث لا يبعد بعضهم عن
بعض بل المجتمع بفرسخين فما زاد وقيل حد البعد المسقط أن يكون أزيد من فرسخين فيجب على من كان
على رأس فرسخين السعي إليها والخلاف قليل الجدوى أو عديمه والفرسخ ثلاثة أميال بالاجماع و
الميل أربعة آلاف ذراع بنص اللغويين وأهل المساحة بذراع اليد الذي طوله أربعة وعشرون
إصبعا هي ست قبضات غالبا وعن أبي عبد الله (ع) إن الميل ثلاثة ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع فيكون
كل سبعة فراسخ عرفية ثمانية شرعية وفي رواية أخرى أنه ألف وخمسمائة ذراع قال الشهيد في
الذكرى وتشبه هذه أن تكون سهوا من النساخ لأن القصة فيهما واحدة والتسوية بين الجمعة و
العيدين في الشروط المذكورة مما وقع مقطوعا به في كلام المصنف وغيره لكن في استفادة جميع
ذلك من الروايات خفاء فإني لم أقف على ما يقتضي اشتراط الحرية ولا السلامة من المرض والعمى و
الهمم وعدم البعد بفرسخين في العيدين فليؤخذ باليقين ما أمكن ويعتبر في العدد أن يكون
صالحا للإمامة إذ لا تجبان إلا جماعة كما يأتي وذلك أن تجتمع فيه عدة صفات أ أن يكون قادرا
على الاتيان بالخطبة على الوجه المجزي وإن كانت من منشآت غيره وهذه مشروطة في إمام الجمعة خاصة
ب أن يكون اثنا عشريا موثوقا بدينه إذ لا يجوز الاقتداء بغيره وفي رواية أبي علي بن راشد عن أبي
جعفر (ع) لا تصل إلا خلف من تثق بدينه وزيد في بعض الروايات وأمانته وفي تخصيص الإمام
113

بهذا الشرط إيماء إلى عدم اشتراطه في بقية العدد وأنه تنعقد الجمعة والعيدان بغيرهم وقال في المعتصم
أنه لا يبعد اشتراطه فيهم جميعا لعدم الاعتداد بعبادة المخالف ولكني لم أجد به نصا من الأصحاب
والواقع في النصوص إنما هو بلفظ المسلمين ج أن يكون غير مجاهر بالفسق كما في مرسلة خلف
بن حماد عن أبي عبد الله (ع) لا تصل خلف المجاهر بالفسق وإن كان مقتصدا وقد كثر في كلام الأصحاب
رضوان الله عليهم سيما المتأخرين التعبير عن هذا الشرط بالعدالة وإنما عدل عنها المصنف
اقتفاء للفظ المأثور فإنا لم نقف في الروايات على لفظ يشتمل على اشتراط العدالة في إمام الصلاة
جمعة أو جماعة وربما يوجد هذا الشرط مضروبا عليه في بعض النسخ وكأنه اكتفاء عنه باشتراط
الوثوق بالأمانة فإن المجاهر بالفسق ليس موثوقا بأمانته وهو أليق بالايجاز الذي هو بصدده
د أن يكون سالما من عدة عيوب الجذام والبرص وزاد في المفاتيح الجنون وهو في غير محله لأن
البحث إنما هو في المكلفين والطعن في المولد والسفاح ويتحقق بعدم ظهور خلافها وإن تناولته
الألسن أو جهل نسبه والحد الشرعي للنهي عن إمامة المحدود وربما يقيد بما قبل التوبة وليس
بشئ والأعرابية مطلقا كما في المفاتيح وجمعه المعتصم واستحسن في جماعته تفصيل المعتبر وهو
أنه إن كان الأعرابي ممن لا يعرف محاسن الاسلام ولا وضعها فكذلك وإن وصل إليه ما يكفيه اعتماده
ويدين به ولم يكن ممن يلزمه المهاجرة وجوبا جاز أن يؤم والمشهور الكراهة فيمن عد المطعون
من المذكورين واللحن في القراءة على المشهور وقيل بعدم الاشتراط لصحة صلاة الملحن وفيه
وفيه ما فيه لاقتضائه جواز إمامة الأمي والأخرس وموضع الخلاف من يتعذر عليه اصلاح
لسانه لأنه فيه كالتمتام والفأفاء والألثغ ونحوهم دون الأعجم الذي يبدل الذال والضاد و
الظاء زايا والصاد والثاء سينا أو الحاء هاء أو القاف غينا أو بالعكس في الأخيرين بسبب
التقصير في التعلم فإن صلاة هؤلاء وقراءتهم مما لا ريب في بطلانه فضلا عن إمامتهم
لغيرهم والعجز عن القيام اجماعا إلا إذا لم يسلم الباقون عن ذلك فيجوز حينئذ إمامة المعيب
عليهم بمثله وفي الكتابين أطلق المنع في الجمعة من غير استثناء وإنما أتى به في الجماعة وما هنا
أوجه إذ لم نقف على ما يقتضي الفرق بين الجمعة والعيدين وغيرهما بل الكلام في ذلك ينساق
مساقا واحدا وإنما استدل في الكتاب الكبير لمنع إمامتهم في الجمعة بما ورد في المنع عن إمامتهم
مطلقا ومن ثم كان الاقتصار على اشتراط القدرة على الخطبة هنا وحوالة الباقي على باب الجماعة
أوفق وتختص صحة الجمعة باشتراط أمور ثلاثة الخطبتين فلا تصح بدونهما اجماعا وفي الحسن
عن أبي جعفر (ع) ليس يكون جمعة إلا بخطبة وفي الصحيح عن أبي عبد الله (ع) لا جمعة إلا بخطبة ومحلهما
فيها قبلها على الأصح الأشهر خلافا للصدوق في العيون والعلل وظاهر الفقيه حيث أخرهما
فيها كما في العيدين والجماعة فلا تصح فرادى وإنما يشترط العدد والجماعة ابتداء لا استدامة
فلو أنفضوا بعد التلبس بالاحرام وجب اتمامها جمعة وعدم جمعة أخرى بينهما أقل من
فرسخ فتبطلان إن اقترنتا بتكبيرة الاحرام وإلا فالأخيرة خاصة وفي تخصيص الجمعة باشتراط
الوحدة تنبيه على عدم اشتراطها في العيدين وتوقف فيه العلامة في التذكرة والنهاية
وصرح باشتراطها جماعة محتجين بأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وآله أنه صلى في زمانه عيدان في
بلد كما لم ينقل أنه صليت جمعتان كذلك وهو كما ترى وذكر الشهيد أنه إنما يعتبر مع وجوب
الصلاتين فلو كانتا مندوبتين أو إحديهما لم يمتنع التعدد وهي مع اجتماع الشرايط المذكورة
عزيمة لا رخصة في تركها كالأربع الظهرية مع فقدها كلا أو بعضا فلا تجزي إحديهما عن
الأخرى في حال إلا إذا كانوا أقل من سبعة فإن وجوبهما بالنصاب الأول تخييري وإن كانت
مستحبة عينا بمعنى أنها أفضل الفردين فيجزي عنها الرباعية حينئذ وإنما يتعين بالثاني
وهذا أجود ما يجمع به بين رواياتهما وفي صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) تجب أي الجمعة على سبعة
نفر من المسلمين ولا جمعة لأقل من خمسة من المسلمين واطلاق التخيير في زمن غيبة المعصوم (ع)
كما ذهب إليه كثير منهم مطلقا أو بشرط الفقيه الجامع لشرايط النيابة العامة بناء على اشتراطهم
الإمام أو نائبه الخاص في الوجوب العيني لا برهان به وغاية ما استراحوا إليه دعويهم
الاجماع على نفي الوجوب العيني فلتحمل الأدلة على التخييري وأما اشتراط العيني بالنيابة الخاصة
فاستدلوا عليه بالمنقول من سيرة النبي صلى الله عليه وآله والخلفاء بعده فإنهم كانوا يعينون لإمامة الجمعة
كما يعينون للقضاء فكما لا يصح أن ينصب الانسان نفسه قاضيا من دون إذن الإمام فكذا إمام
الجمعة وليس هذا قياسا بل استدلال بالعمل المستمر في الأعصار وفيه منع الاجماع فإن كلمات
أكثر من اتصلت إلينا فتاويهم من المتقدمين خالية عن هذا الاشتراط وهم بين مصرح
بانحصار الشروط في غيره ومصرح بتخصيصه بحالة الامكان وأما سيرة النبي صلى الله عليه وآله والخلفاء
فهي أعم من الشرطية سيما المطلقة لاحتمال أن يكون التعيين لحسم مادة التشاح في هذه
المرتبة ورد الناس إليه من غير تردد وكما أنهم كانوا يعينون لإمامة الجماعة والأذان مع
عدم توقفهما على الإذن اجماعا على أنه لو تم كان انطباقه على ما سيأتي من مذهب ابن إدريس
أوضح وأما مشترطو الفقيه فزادوا أن الإمامة منصب الإمام فمع حضوره يعتبر حضوره
بنفسه أو حضور نايبه الخاص ومع غيبته لا يقوم مقامه إلا الفقيه المذكور لأنه نايبه
على العموم وتفطن بعض هؤلاء لحال الاجماع المذكور فأوجبها عينا بوجود الفقيه معولا
على أن الوجوب عيني عند حضور الإمام أو منصوبه والفقيه منصوب بحق النيابة
114

بحق النيابة اجماعا وفيه من الخلل ما لا يخفى فإن انحصار النايب في مثل القضاء والافتاء و
إقامة الحدود ونحوها في الفقيه لا يقتضي انحصاره في إمامة الجمعة فيه مع ورود الرخص
بل الأوامر المطلقة الصريحة بذلك من دون تقييد ولا ابهام كقول أبي جعفر (ع) في صحيحة زرارة
إذا اجتمع سبعة ولم يخافوا أمهم بعضهم وخطبهم وقول أبي عبد الله (ع) في موثقة الفضل بن
عبد الملك إن كان لهم من يخطب بهم جمعوا إذا كانوا خمسة نفر ونحوهما من النصوص وإرادة
الإمام ونائبه خاصة من بعضهم ومن يخطب الغاز ينزه عنه كلام المعصوم وما الباعث
على تأويل لا معارض له والخروج من مدلول العمومات والاطلاقات من غير مخصص ومقيد
وكذا الكلام بل أبلغ في اشتراط حضوره (ع) بنفسه أو نايبه الخاص في مطلق الوجوب وانتفائه
زمن الغيبة فلا تنعقد فيه كما ذهب إليه ابن إدريس ومن وافقه تمسكا بوجوه أ أنه مجمع
عليه عندنا ب أن فرض الظهر ثابتة في الذمة بيقين فلا يبرء المكلف إلا بفعلها ج أنه
من الشبهات لاختلاف الأخبار والأقوال فيها فالنجاة في تركها د إنه لو لم يكن الإمام أو
نايبه الخاص شرطا لصلاة الجمعة لم يكونا شرطا لها في زمن الحضور والتالي باطل فالمقدم مثله
بيان الملازمة أن ما لا يكون شرطا في نفس الأمر مطلقا لا يكون شرطا في زمن من الأزمنة كالصلاة
اليومية فإنهما أي الإمام لما لم يكونا شرطا لها في زمان الحضور لم يكونا شرطا لها
مطلقا ه ما ورد عن أمير المؤمنين (ع) أنه إذا قدم الخليفة مصرا من الأمصار جمع بالناس ليس
ذلك لأحد غيره وعن طلحة بن زيد عنه (ع) أنه لا جمعة إلا في مصر تقام فيه الحدود وعن سيد
الساجدين (ع) في دعاء يومي الأضحى والجمعة من الصحيفة اللهم إن هذا المقام لخلفائك وأصفيائك
ومواضع أمنائك والدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها قد ابتزوها الدعاء وحال الاجماع
مما قد عرفته وتيقن فرض الظهر يوم الجمعة نفس الدعوى فلا يستقيم الاحتجاج به وتيقنه في
غيرها من الأيام لا يجدي بل الثابت بأصل الشرع هو الجمعة وهي أول صلاة نزلت على رسول
الله صلى الله عليه وآله ويتحقق التكليف بها واستمر ذلك ثم حصلت الرخصة وجواز الاكتفاء بالظهر بالنسبة
إلى جماعة كما في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى قال نزلت
هذه الآية يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وآله في سفر فقنت فيها وتركها على حالها في السفر والحضر
وأضاف للمقيم ركعتين وإنما وضعت الركعتان اللتان أضافهما النبي صلى الله عليه وآله يوم الجمعة للمقيم
لمكان الخطبتين مع الإمام فمن صلى يوم الجمعة في غير جماعة فليصلها أربعا كصلاة الظهر
في سائر الأيام وفي معناها غيرها فالتكليف بالظهر أمر طار واحتياج حصول البراءة
بها مطلقا إلى الاثبات أظهر وكون الجمعة من الشبهات غير ظاهر والاستدلال عليه باختلاف
الأقوال والأخبار ضعيف جدا فإن مجرد اختلاف العلماء في حكم لا يقتضي انخراطه في سلك الشبهات
وإلا لانحصرت البينات في الاجماعيات وهي أقل قليل سيما في الأعصار اللاحقة على أن الحق
أنه لا عبرة بالخلاف والوفاق وإنما العبرة بالدليل وكذا اختلاف الأخبار لما مر من أنه قلما
يسلم خبر عما ينافيه فيجب الترجيح بالوجوه المأثورة والعمل بالراجح ولا شبهة حينئذ والمتتبع لا
يشك في أن المسألة من المواضع النادرة التي لا اختلاف في رواياتها مع كثرتها لأنها بين
دال على الوجوب في الجملة ودال على الوجوب بشرط الإمام ودال على أن الإمام المشروط هو إمام
الجماعة وهذه معان متوافقة لا تناقض فيها ولا اختلاف ولو سلم أنها من الشبهات فليست من
الشبهات التي لا نجاة إلا في تركها لانحصار تلك فيما يدور أمره بين التحريم وما عدا الوجوب و
أما الجمعة وما يضاهيها مما يدور أمره بين الوجوب والتحريم فليست من ذلك القبيل إذ كما في
فعلها احتمال الوقوع في المحظور كذلك في تركها لاحتمال الوقوع في ترك الواجب فالشبهة بالحقيقة
إنما هي الاجتزاء بها دون أصل فعلها وهذا مطرد في كل اشتباه وقع بين فعلين وجودين
كما سبق التنبيه عليه فمقتضى كونها شبهة الاتيان بها ثم إعادتها ظهرا وما قيل من أنه يمكن
حصول النجاة بالتوقف عن فعلها حتى يخرج وقتها ثم الاتيان بالظهر إذ لا شبهة في براءة الذمة
حينئذ فمردود بأن الاتيان بالظهر أنما يحصل يقين البراءة عما يجب في الوقت الثاني لا سقوط
العقاب على تفويت ما كان واجبا في الوقت الأول كما هو واضح وأما دليل التلازم فإن أريد
باشتراط الإمام أو نايبه في صلاة الجمعة اشتراطهما في وجوبها كما هو ظاهر تنظيره أخيرا بالصلاة
اليومية فظاهر أنه على تقدير تمامه غير مستلزم للمطلوب لانطباقه على الوجوب التخييري أيضا
وإن أريد اشتراطهما في صحتها كما هو المطلوب فما ذكر لاثبات الملازمة مردود بكثير من
المعتبرة عند الامكان الساقطة عند التعذر كالطهارة المائية والستر بالنسبة إلى الصلاة
فإن اشتراطهما عند الامكان لا يستلزم اشتراطهما مطلقا حتى تكون الصلاة ساقطة عند
تعذرهما فليكن الإمام أو نائبه بالنسبة إلى الجمعة من هذا القبيل يشترط عند الامكان أعني
زمن الحضور ولا يشترط زمن الغيبة كالقضاء العام في اشتراط الإذن الخاص فيه عند الحضور
دون الغيبة فيمنع دليل الملازمة بدليل التلازم فيقال لو كان كل ما يشترط في زمن من
الأزمنة يشترط مطلقا لزم عدم تحقق القضاء زمن الغيبة وسقوط الصلاة عند تعذر
طهارة المائية والساتر والتالي باطل فالمقدم مثله والملازمة بينة وحديث أمير المؤمنين (ع)
إنما يدل على أنه لا يجوز التقدم على إمام الأصل عند حضوره وهو غير المطلوب وطلحة بن
زيد عامي وروايته موافقة لبعض مذاهبهم المشهورة من اشتراط المصر والمعروف من
115

مذهب أصحابنا خلافه وتوقف إقامة الحدود على حضور الإمام ممنوع كما يأتي في محله وفقرة
الدعاء لا دلالة فيها على أزيد من تظلمه (ع) من أعدائه الذين كانوا مغصوبا بهم ممنوعا عن
إقامتها وأين هذا من الدلالة على أنه لا يجوز لأوليائهم إقامتها في زمن غيبة الإمام على أنه
لو تم لزم مثله في الأضحى مع الاجماع على مشروعيتها فيه وما أجاب به بعض الموافقين من
المعاصرين من صدق الخلفاء على رواة الأخبار كما في الحديث النبوي اللهم ارحم خلفائي
قيل ومن خلفاؤك قال الذين يروون حديثي ويستنون بسنتي فإنما يتجه على مذهب من
يشترط الفقيه وقد عرفت أنه لا وجه له وما وجهه به المصنف في المفاتيح وغيره من اشتراط
الاستفتاء منه في فعلها إن لم يكن هو هو لشبهة الخلاف فلا وجه له أيضا إذ يأبى عنه
كلام المشترطين غاية الإباء بل لا ريب في أن مرادهم من اشتراط الفقيه اشتراط إمامته بنفسه
وأيضا لا اختصاص لهذا الاشتراط بمسألة الجمعة بل هي مطردة في جميع الخلافيات على أنه لا يشك
من له أدنى أنس بكلامهم أنهم إنما يريدون من الفقيه المجتهد المطلق وهو النايب العام عندهم ولا
يلزم من انتفاء هذا الوصف عن إمام الجمعة كونه مقلدا محضا ليتعين الاستفتاء لجواز كونه متجزيا
بناء على جوازه كما عليه كثير من المحققين منهم المصنف ويدل عليه رواية أبي خديجة وكذا لا برهان لاشتراط معاشرة إمام الصلاة على وجه يطلع على أحواله الباطنة أو شهادة عدلين أو الشياع
لمعرفة العدالة كما عليه جماعة من المتأخرين بل يكتفى بعدم ظهور خلافها كما عليه جماعة من القدماء
فإن المدلول عليه بالأخبار أن الفسق مانع لا أن العدالة شرط لكن ورد في بعضها النهي عن الاقتداء
بالمجهول وأن الظاهر حمله على مجهول الايمان فإن تحرى إماما حسن الظاهر فقد أخذ باليقين و
خرج عن وسوسة الخروج عن بعض الظواهر وقد استقصينا الكلام في هذا المقام في المسائل العلوية
وإذا أثارت إقامة الجمعة فتنة عامة أو خاصة تركت كما يترك غيرها من الفرايض لذلك وهذا من
أقوى الأسباب الظاهرة في تعطيل هذه الفضيلة في أزمنة الأولة إذ كانت أعصار هدنة فتداعت
الحال إلى أن اتخذه المنكرون حجة والموضوع عنهم الجمعة وهم المرأة والعبد والمسافر والمريض والهم
والأعمى ومن يتحرج بالحضور متى حضروها لزمتهم لأن وضعها عنهم رخصة لهم أن لا يأتوها فإذا
أتوها سقطت الرخصة عنهم ولزمهم الفرض الأول كما في رواية حفص بن غياث عن أبي عبد الله (ع)
ولم يطلع المصنف في الكتابين على الخلاف في ذلك فيما سوى المرأة فقيل إنها كغيرها وصرح
بعضهم بالمساواة في الوجوب والفرق بأنها لا تعد من العدد ولا ينعقد بها الفرض وبالغ المحقق
في انكار الوجوب عليها وقال إنه مخالف لما عليه اتفاق فقهاء الأمصار وكأنه الذي حمل المصنف على
استثنائها مع صراحة الرواية التي هي أصل الباب في مساواتها للمسافر والعبد وقد نفي الخلاف
فيهما فيهما وإن كان موجودا وكلامه في المسألة هنالك لا يخلو عن اضطراب والخطبتان في يومي
العيدين محلهما بعد الصلاة وتقديمهما بدعة أموية وليستا فيها شرطا في الصحة كما في الجمعة عند
العلامة والشهيد وغيرهما لاستحبابهما على المشهور فلا يكونان شرطا في الواجب وعدم وجوب
استماعهما ولا حضورهما والقول بوجوبهما ضعيف عند المصنف ومن وافقه قوي بحسب الدليل
وإذا اختلت الشرايط فيهما كلا أو بعضا مطلقا صليت فرادى استحبابا على المشهور والقول بعدم مشروعية
الانفراد فيها ضعيف والذي تدل عليه الروايات إنما هو استحباب الاتيان فرادى عند تعذر الجماعة
وعدم اجتماع العدد خاصة دون اختلال باقي الشرايط وفي جواز الجماعة فيها حينئذ قولان أحوطهما
الترك ويختص الصلاة الآية في وجوبها باشتراط حصول شئ من أسبابها الموجبة من كسوف أو
خسوف أو زلزلة أو ريح مظلمة أو غيرها من أخاويف السماء المخوفة لعامة الناس كالحمرة الشديدة
والصيحة والصاعقة الخارجة عن قانون العادة والمطر الأسود والبرد الكبير جدا والضابط كل أمر
مخوف للعامة والقول باستحبابها في الزلزلة كما نقله في المفاتيح أو فيما يليها كما في المعتصم شاذ مجهول
القائل وزاد فيهما العلم بالآية لاستحالة تكليف الغافل نعم يجب القضاء في الكسوفين مع الاستيعاب
وعدم العلم ولكنه فرض مستأنف وفي التصريح بكونها أسبابا تنبيه على تمريض ما ذهب إليه بعضهم
من اشتراط اتساع الوقت في غير الزلزلة جعلا لها من قبيل الأوقات وقبح التكليف بما يقصر وقته
المعين عنه ويختص شرعية التقصير في السفر بشروط أربعة أحدها قصد المسافة ابتداء واستدامة
فلو خرج من دون قصدها أتم ولو تمادى به السير وكذا لو رجع عنه قبل بلوغها واختلف في حد المسافة
اختلافا فاحشا بسبب اختلاف الأخبار وأجود ما يجمع به بينها ما ذهب إليه المصنف ومن وافقه من
المتقدمين والمتأخرين من أنها ثمانية فراسخ هي بريدان ومسير يوم تام للإبل القطار فصاعدا
سواء كانت ذهابا فقط أو مع الإياب كما إذا أراد أن يسافر إلى أربعة فراسخ ثم يؤوب وقع الإياب
في يومه الذي ذهب فيه أولا خلافا للمشهور في الأخير ومنهم من خير فيه مطلقا وخصصه بعضهم
بالصلاة دون الصوم ومنهم من خير في الأخيرين جميعا مع كون القصر أفضل وفي عدة روايات
ويحهم كأنهم لم يحجوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله بعرفات فيقصروا والسفر إلى عرفات لا يتحقق فيه الإياب في اليوم
وفي الحسن عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال حج النبي صلى الله عليه وآله فأقام بمنى ثلاثا يصلي ركعتين ثم صنع ذلك أبو بكر
ثم صنع ذلك عمر ثم صنع ذلك عثمان ست سنين ثم أكملها عثمان أربعا فصلى الظهر أربعا ثم تمارض
ليشد ذلك بدعته فقال للمؤذن اذهب إلى علي فقل له فليصل بالناس العصر فأتى المؤذن عليا فقال له
إن أمير المؤمنين عثمان يأمرك أن تصلي بالناس العصر فقال إذن لا أصلي إلا ركعتين كما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله
فذهب المؤذن فأخبر عثمان بما قال علي (ع) فقال اذهب إليه وقل له إنك لست من هذا في شئ اذهب
116

فصل كما تؤمر فقال علي (ع) لا والله لا أفعل فخرج عثمان فصلى بهم أربعا فلما كان في خلافة معاوية واجتمعوا
الناس عليه وقتل أمير المؤمنين (ع) حج معاوية فصلى بالناس بمنى ركعتين الظهر ثم سلم فنظرت بنو
أمية بعضهم إلى بعض وثقيف ومن كان من شيعة عثمان ثم قالوا قد قضى على صاحبكم وخالفه و
أشمت به عدوه فقاموا فدخلوا عليه فقالوا أتدري ما صنعت ما زدت على أن قضيت على صاحبنا
وأشمت به عدوه ورغبت عن سنته وصنيعه فقال ويلكم أما تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى في
هذا المكان ركعتين وأبو بكر وعمر وصلى صاحبكم ست سنين كذلك فتأمروني أن أدع سنة رسول
الله صلى الله عليه وآله وما صنع أبو بكر وعمر وعثمان قبل أن يحدث فقالوا لا والله ما نرضى عنك إلا بذلك
قال فأقبلوا فإني متبعكم وراجع إلى سنة صاحبكم فصلى العصر أربعا فلم يزل الخلفاء والأمراء على ذلك
إلى اليوم انتهى وبه علل المصنف في حواشي المفاتيح سقوط صلاة العيد يوم النحر بمنى لأن الناس حينئذ
مسافرون لكن في صحيحة سعد بن سعد عن الرضا (ع) ما ينافي هذا التعليل والوجه أنه للاشتغال
بأفعال الحج وإنما يشرع التقصير للمسافر ما لم ينقطع سفره ولفظة دونها في هذا الموضع مما توافق
فيه ما وقفنا عليه من النسخ ولا يعرف له وجه وإنما ينقطع بعزم إقامة عشرة أيام متتابعة معقبا
بفريضة بتمام أو مستدام الحكم أو مضي ثلاثين يوما متتابعة عليه مترددا أي من غير عزم العشرة
في محل واحد عرفا ولا ينافي ذلك خروجه عن دار منزله إلى المحال القريبة ولو كانت خارجة عن
سور البلد مثلا ما لم يصدق عليها سفر جديد كمسجد الكوفة للنازل في المشهد الغروي و
نحو ذلك لأن عازم الإقامة حاضر حيث يلزمه التمام وكذا المتردد ثلاثين ولم يثبت كون
الخروج على الوجه المذكور مؤثرا فيهما بالنقل عن حكمهما الثابت شرعا إلى غيره فتحتسب الثلاثون
من مبدأ التردد للخارج في أثنائها وقد حاول بعض المعاصرين اثبات ذلك بما لا يسمن ولا
يغني من جوع وفي صحيحة أبي ولاد الحناط عن أبي عبد الله (ع) إن شئت فانو المقام يعني في
المدينة عشرا وأتم وإن لم تنو المقام فقصر ما بينك وبين شهر فإذا مضى لك شهر فأتم
الصلاة مع جريان العادات قديما وحديثا بخروج قادم المدينة إلى البقيع وقبا واحد
وغيرها وفي معناها روايات صحيحة متواردة بلفظ الشهر كما اعتبره بعضهم ولم يرد اعتبار
الثلاثين يوما إلا في حسنة أبي أيوب وكأنهم حملوها عليها لأن الشهر كالمجمل والثلثين
كالمبين ولعل الأظهر في الجمع الاكتفاء بالهلالي للمتردد في أوله واعتبار الثلاثين
للمتردد في أثنائه ويأتي نظيره أو بالوصول إلى بلد يكون له فيه منزل يستوطنه وصحيحة
ابن بزيع التي هي أصل الباب إنما وردت بلفظ الضيعة قال سألت أبا الحسن الرضا (ع)
عن الرجل يقصر في ضيعته قال لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيام إلا أن يكون له بها منزل
يستوطنه قال قلت له ما الاستيطان فقال أن يكون له بها منزل يقيم فيه ستة أشهر فإذا كان
كذلك يتم فيه متى يدخله وهي ظاهرة في اعتبار دوام الاستيطان بتجديده كل مدة بحيث
لا يزول صدقه عملا بمدلول صيغة المضارع سواء كان ذلك في كل سنة أو في أكثر منها و
تخصيصه بكل سنة افراط في مقابلة تفريط من اكتفى بالتفريق ولو يوما يوما مرة واحدة في
مدة العمر فإن انقطع السفر بأحدهما فقد صار سفرين بينهما حضور فيختص كل بحكمه والثاني أن لا
يكون السفر عمله كالمكاري والراعي والملاح والبريد فإنهم يتمون في السفر والحضر على المشهور
لكنهم اختلفوا في التعبير عن هذا الشرط ففي الدروس أن لا يكثر سفره وفي الذكرى والشرايع و
جملة من كتب العلامة أن لا يكون سفره أكثر من حضره وفي المعتبر والمنتهى أن لا يكون ممن
يلزمه الاتمام سفرا واختلفوا في تحقق ذلك وبتعاقب سفرين أو ثلاثة أسفار من غير قاطع
ثم في اشتراط أن لا ينوي في بلده أو مطلقا عشرة أيام وفي العشرة الحاصلة بعد التردد في
ثلاثين وفي حكم ما لو أقام خمسة في بلده والنصوص خالية عن جميع ذلك كله وإن كان ما
هنا أوفق بها في الجملة والأجود الاقتصار على ألفاظ الروايات وإناطة الحكم بصدق الأوصاف
المذكورة عرفا فكل من أطلق عليه اسم المكاري لزمه التمام إلا إذا جد به السير وشق له مشقة
شديدة كما في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال المكاري والجمال إذا جد بهما السير فليقصرا
وموثقة الفضل بن عبد الملك قال سألت أبا عبد الله (ع) عن المكاريين الذين يختلفون
فقال إذا جدوا السير فليقصروا قال الكليني معنى جد به السير يجعل منزلين منزلا وقال
الشيخ في كتابي الأخبار الوجه في الخبرين ما ذكره محمد بن يعقوب من الحمل على من يجعل المنزلين
منزلا فيقصر في الطريق ويتم في المنزل ويكشف عن ذلك مرفوعة الأشعري عن أبي عبد الله (ع)
قال المكاري والجمال إذا جد بهما السير فليقصرا فيما بين المنزلين ويتما في المنزل انتهى وفيه
احتمال أن يكون المراد بالمنزلين المنزل الذي يبتدي منه والذي ينتهي إليه وأما المتأخرون
فاختلفوا في تنزيلهما على معان أظهرها الرجوع إلى العرف والقول بوجوب التقصير
عليه في هذه الحالة كما اختاره المصنف وصاحب المنتقى وبعض من عاصرناهم لعدم باعث
على التأويل نعم يمكن تخصيص جد السير بما ذكره الكليني لأنه من أرباب النصوص مع أنه غير
بعيد عن الاطلاق العرفي وأما اعتبار المشقة الشديدة فالنصوص كما ترى خالية عنه إلا
أنها من لوازم الجد في السير عادة ولقد كان الاقتصار على ما في الروايات أجود والثالث
أن يكون السفر جايزا له ابتداء واستدامة فلا يقصر العاصي بسفره سواء كانت المعصية نفسه
كالإباق والفرار من الزحف أو غايته كالوفود على الجاير لغير مصلحة شرعية وسواء كانت مقصودة
117

أو لا أو معدولا إليها أما العاصي في سفره المباح فحكمه كغيره ما كانت النية صحيحة كما صرح به
أجلة الأصحاب ويحكى عن بعض المعاصرين خلاف ذلك وهو مقطوع الفساد والرابع أن
يتوارى عن جدران البلد كما في صحيحة محمد بن مسلم بمعنى أن لا يراه أحد ممن في البيوت كما في الوافي
وغيره تحقيقا أو تقريبا أو يخفى عليه أذانه كما في صحيحة ابن سنان وغيرها والاكتفاء بأحدهما هو المشهور
بين القدماء وقيل المعتبر كلاهما معا وقيل الثاني والخلاف فيه قليل الجدوى لأنهما متقاربان
على ما ذكر في تفسير التواري والأكثر ومنهم المصنف في المعتصم على أنه أن لا يرى البيوت فأشكل
عليهم التوفيق بين الحدين وذكر المصنف وغيره أن المرجع في الأذان إلى المتوسط فلا عبرة بالبالغ
في الجهارة والانغظاض وكذا التواري يعتبر بالابصار المتوسط وأن البلد إن كان صغيرا بالمناط
بيوت أقرب جهاته إليه وأذان مسجده وإن كانت متسعا فبيوت محلته وأذانها ولم أقف لهذا
التفصيل على مستند وهل يختص هذا الشرط بابتداء السفر أم يشترط في مطلق الانتقال من
التمام إلى القصر اللايح من كلماتهم الثاني وإليه ميله في الكتاب الكبير فالخارج بعد إقامة العشرة
أو تردد ثلاثين لا يترخصان إلا به ووجهه معلوم مما تقدم وفي اشتراطه في البقاء عليه عند
العود خلاف المشهور نعم واختار المصنف العدم كما يدل عليه الأخبار المستفيضة ودليل
المشهور يحتمل التقية فسقط دليل التخيير الذي استحسنه بعض المتأخرين وهو مع اجتماع
الشرايط المذكورة عزيمة لا رخصة في العدول عنه كالاتمام مع فقدها كلا أو بعضا خلافا
للمخبرين في بعض الصور المتقدمة فلا يجزي أحدهما عن الآخر على الأصح إلا لثلاث المسافر في
أحد المواضع الأربعة مكة والمدينة ومسجد الجامع بالكوفة وحاير الحسين (ع) فإن الاتمام
فيها أفضل من القصر على المشهور وقيل الاتمام في مكة والمدينة إنما هو في مسجديهما دون خارجهما
وقيل لا اتمام في شئ منهما على الأصل في فرض المسافر وهو أقرب إلى حصول البراءة خصوصا
في غير حرم أمير المؤمنين (ع) كما استقصيناه في شرح المفاتيح والجاهل بالحكم فإنه من المواضع التي
يعذر فيها كما في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) فيمن صلى في السفر أربعا قال إن كان
قد قرئت عليه آية التقصير وفسرت له فصلى أربعا أعاد وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها
فلا إعادة عليه ومقتضاها عدم الفرق بين ما إذا في الوقت وخارجه كما هو المشهور وقيل إنه يعيد في الوقت لاطلاق بعض الروايات المحمولة على الناسي جمعا وموردها المتمم في محل
التقصير أما المقصر في محل الاتمام جهلا فالأكثر على أنه يعيد مطلقا والمدلول عليه في
الروايات اشتراك الجاهلين في الرخصة كما يحكى عن صاحب الجامع وهو ظاهر المصنف في
كتبه وإليه مال جدي في شرح التهذيب وغيره والناسي إذا لم يتذكر إلا بعد خروج الوقت
فإنه لا إعادة عليه حينئذ وإنما يعيد إذا تذكر في الوقت خاصة وقيل يعيد مطلقا وقيل إن
ذكر في يومه أعاد وإن مضى اليوم فلا إعادة عليه وهو مدلول صحيحة أبي بصير
باب الأوقات
وقت صلاة الصبح من سطوع الفجر الثاني وهو الضوء المستطيل المنتشر في عرض الأفق
على هيئة قوس وسطه مطلع الشمس وإنما يسمى ثانيا بالنسبة إلى الأول وهو الضوء
المستدق المستطيل كأنه عمود وأول ظهوره إذا بقي لطلوع الشمس مقدار ثمان عشرة درجة
ويتفاضل زمانا باختلاف عروض البلاد ومطالع البروج وأقصر أوقاته في بلادنا و
ما والاها من الإقليم الثالث ساعة وربع ساعة هو خمس عشرة دقيقة مستوية وذلك
عند كون الشمس في منتصف العقرب وأطولها ساعة وإحدى وأربعون دقيقة وذلك إذا كانت
في المنقلب الصيفي ويتقدم الفجر الأول على الثاني بثلاث درجات ومن الدقايق الزمانية بحسب
ذلك وذلك أن ضوء النهار من ضياء الشمس ومن ثم من الله سبحانه على عباده بأنه جعل لهم الشمس
سراجا وإنما يستضئ بها ما كان كمدا في نفسه كثيفا في جوهره كالأرض والقمر وأجزاء الأرض المتصلة
والمنفصلة وكل ما يستضئ من جهة الشمس فإنه يقع له ظل من ورائه وقد قدر الله بلطيف حكمته دوران
الشمس حول الأرض وقد تبين في الأرصاد أن جرم الشمس أكبر منها أضعافا مضاعفة فإذا كانت
تحتها وقع ظلها وفوق الأرض على شكل مخروط قاعدته سطح الأرض وينتهي رأسه إلى فلك الزهرة
يكون الهواء المحيط بجوانب ذلك المخروط مستضيئا بضياء الشمس فتستضئ نهايات الظل بذلك الهواء
المضئ لكن ضوء الهواء ضعيف إذ هو مستعار فلا ينفذ كثيرا في أجزاء المخروط بل كلما ازداد بعدا
ازداد ضعفا فإذا متى يكون في وسط المخروط يكون في أشد الظلام وذلك منتصف الليل وإذا
قربت الشمس من الأفق الشرعي مال مخروط الظل عن سمت الرأس وقربت الأجزاء المستضيئة من
حواشي الظل بضياء الهوى من البصر وفيه أدنى قوة فيدركه البصر عند قرب الصباح وعلى هذا كلما
ازدادت الشمس قربا من الأفق ازداد ميل مخروط الظل فيزداد ضوء نهايات الظل قربا من البصر إلى أن
تطلع الشمس وأول ما يظهر يسمى الصبح الكاذب لكون الأفق مظلما ولو كان يصدق أنه نور الشمس
لكان المنير مما يلي الشمس دون ما يبعد عنه ويكون ضعيفا دقيقا ومن ثم يسمى ذنب السرحان
ويبقى وجه الأرض على ظلامه بظل الأرض ثم يزداد هذا الضوء إلى أن يأخذ طولا وعرضا فينبسط
في عرض الأفق وهو الصبح الصادق لأنه صدقك عن النهار وبينه لك والصبح ما جمع بياضا
وحمرة ومن ثم سمي الرجل الذي في لونه بياض وحمرة أصبح ثم يزداد الضوء إلى أن يحمر الأفق ثم تطلع
الشمس وعند مغيب الشمس تنعكس هذه الأوضاع فيحمر الأفق الغربي أولا ثم تضمحل الحمرة شيئا فشيئا
إلى أن يبقى الضوء المستطير في الأفق ثم يضمحل ويبقى الضوء العمودي إلى أن يزول فالصبح والشفق
118

متعاكسان وضعا متساويان زمانا في كل يوم وليلته ذلك تقدير العزيز الحكيم ولا يعرف
خلاف بين أهل العلم في تحديد أوله بالفجر وإنما الخلاف في آخره فالمشهور أنه طلوع الشمس أي طلوع
أول جزء من قرصها والشيخ وقت للمختار إلى أسفار الصبح وللمضطر إلى الطلوع وعن ابن أبي عقيل
أن آخره أن يبدو الحمرة فإن تجاوز دخل في الوقت الأخير ووقت الظهرين من الزوال وهو ميل
الشمس عن وسط السماء ويعرف بزيادة الظل المستوي بعد نقصانه بأن ينصب عمود على أرض
مسطحة ويقدر ظله ثم يصير قليلا ويقدر فإن كان الظل في النقيصة فإن الشمس لم تزل بعد
وإلا فقد زالت وربما ينعدم الظل فيعرف بحدوثه وبميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن وضع نقطة
الشمال بين كتفيه في البلاد الشمالية والأيسر لمن وضعها بين عينيه في البلاد الجنوبية وقد
عول أكثر المتأخرين ومنهم المصنف طاب ثراه في ذلك على العمل بالأسطرلاب والدائرة الهندية
والشاقول وغيرها من الآلات وروى جواز التعويل على تصارخ الديكة إذا أطبقت السماء ويمتد
وقتهما إلى الغروب مشتركا من غير اختصاص عند الصدوق لصحيحة عبيد الله بن زرارة عن أبي عبد الله (ع)
إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر جميعا إلا أن هذه قبل هذه ثم أنت في وقت منهما جميعا
حتى تغيب الشمس وفي معناها غيرها ومع اختصاص العصر من آخره بمقدار أدائها والظهر من أوله
كذلك على المشهور كما في النصوص الصريحة بتأويل الاستثناء إليها وتقدير النهاية في بعضها بصيرورة
الفئ مثل الشاخص ومثليه بيان للفضيلة عند الأكثر كما يأتي ونزله الشيخ على ما سبق من تفصيله
بالمختار والمضطر ووقت العشائين من الغروب إلى آخر الليل عند بعضهم إلا أن هذه قبل هذه كما
ذكر إلى الانتصاف كذلك على المشهور وكما في الظهرين عند الصدوق وقيل آخر المغرب ربع الليل و
قيل ذهاب الشفق الغربي وجعله الشيخان أول العشاء وآخرها ثلث الليل ويتحقق الغروب باستتار
جميع القرص عن الأعين وغيبته في الأفق عند المصنف ومن وافقه من القدماء وغيرهم وقيل باسوداد
الأفق من المشرق وقيل ببدو ثلاثة أنجم ونسبهما المصنف إلى الشذوذ والمحتاط أن آخر العشائين
والافطار إلى ذهاب الحمرة المشرقية كما عليه الأكثر فقد أخذ باليقين وإن كان الأول أصح رواية
وكذا إن قدم المغرب على ذهاب الحمرة الغربية خروجا عن خلاف من جعله آخر الوقت كما ذكر
وهو فضلها وعليه يحمل دليله وفضل العشاء إلى ثلث الليل وهو محمل مستند الشيخين و
فضل الصبح إلى الاحمرار وهو عند الاسفار وعليه يحمل مستند الشيخ وابن أبي عقيل وفضل الظهر
إلى أن يصير الفئ وهو الظل الحادث مثل الشخص الذي يقاس به الوقت وفضل العصر إلى أن
يصير مثليه وهذا العطف مما يمتنع عنه جمهور النحاة لأنه على معمولي عاملين مختلفين خلافا
لمن أجازه منهم وكلما قربت الصلوات الخمس من الجزء الأول من الوقت كانت أفضل أما الأول
فلما روي صحيحا أن الفضل الوقت الأول على الأخير خير للرجل من ولده وماله وأما الأول فالأول فلما
فيه من الاستباق والمسارعة إلى الخير إلا أن الراجح التأخير على وجوه أ المغرب تؤخر إلى ذهاب
الحمرة المشرقية أخذا باليقين كما عرفت ب تأخيرها إلى ما بعد الافطار للصائم لرفع الانتظار كما
يأتي ج العشاء تؤخر إلى ذهاب الحمرة الغربية فضلا واحتياطا عن خلاف الشيخين د كلتاهما
للمفيض من عرفه إلى المشعر الحرام كما يأتي ه الطهر للمتنفل تؤخر ذراعا مقدار ما تصلى النافلة و
العصر تؤخر ذراعين كذلك وتأخيرها إلى انقضاء فضيلة الظهر ولم يذكره في المفاتيح ولا غيره ز أن الصبح
تؤخر إلى تكميل نافلة الليل إذا أدرك منها أربعا وكذا لنافلتها كما يأتي في المستحاضة تؤخر الظهر و
المغرب إلى آخر وقت فضيلتهما لتجمع ما بينهما وبين ما يليهما بغسل واحد كما سبق ط السلس والمبطون
كذلك للجمع بين الفرضين ي مربية الصبي ذات الثوب الواحد تؤخر الظهرين لتجمع بين الأربع بغسلة
واحدة يا القاضي للفرايض يؤخر صاحبة الوقت إلى آخره وفيه قول بالوجوب يب التأخير لقضاء
حاجة المؤمن إذا كانت مضيقة يجوز تأخير مريد الاحرام الفريضة الحاضرة إلى أن يصلي نافلة الاحرام
يد إذا كان التأخير مشتملا على صفة كمال كادراك فضيلة الجماعة والطهارة المائية واجتماع البال
ومزيد الاقبال واستيفاء الأفعال ويندرج فيه تأخير المدافع للأخبثين إلى أن يدفعهما والمسافر
إلى المنزل إذا كان ذلك أوفق به أو البلد ليتم والابراد بالظهر على وجه فهذه مواضع تأخير
اليومية في أوقاتها المتسعة ووقت الجمعة مضيق فلا تأخير فيها وهو الزوال إلى أن يمضي مقدار
الأذان والخطبة وركعتي الفرض وما يلزم ذلك من صعود المنبر ونزوله والدعاء إمام الصلاة
فإذا مضى ذلك فقد فاتت وفي صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) أن من الأمور أمورا مضيقة و
أمورا موسعة وأن الوقت وقتان والصلاة مما فيه السعة فربما عجل رسول الله صلى الله عليه وآله وربما
أخر إلا صلاة الجمعة فإن صلاة الجمعة من الأمر المضيق إنما لها وقت واحد حين تزول الشمس
والأكثر على امتداده بامتداد فضيلة الظهر وقيل بل يمتد بامتداد وقت اجزائها ونقل عن
السيد جواز تقديمها على الزوال والمدلول عليه بفعل الشارع هو الأول وفي تقديم الخطبة على
الزوال بحيث إذا فرغت زال قول بالجواز وعليه جماعة ومن الصريح فيه صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك ويخطب في
الظل الأول فيقول جبرئيل يا محمد قد زالت فانزل وصل واختار المصنف في المفاتيح وغيره
المنع لظاهر الآية حيث أوجب السعي بعد النداء الذي هو الأذان فلا يجب قبله وحسنة
محمد بن مسلم قال سألته عن الجمعة فقال أذان وإقامة يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر
فيخطب الحديث ولا أذان قبل الوقت اجماعا قال ويؤيده أن الخطبتين بدل من الركعتين فيكونان
119

بعد دخول الوقت تحقيقا للبدلية وصحيحة ابن سنان مجملة لا تصلح للمعارضة فإن الأولية أمر
إضافي فيمكن أن يراد به أول الفئ الحاصل بعد الزوال انتهى وفيه أن تعليق وجوب السعي على
الأذان لا ينافي جواز تقديم الخطبة على الزوال لو اتفق حضور العدد بوجه من وجوه المنافاة
والاجماع على أنه لا أذان قبل الوقت مما لا يجدي في المطلوب شيئا لأن القائل بجواز التقديم
على الوجه المذكور يجعل قبيل الزوال من الوقت وإنما ينفعه الاجماع على أنه لا أذان قبل الزوال و
ضعف وجه التأييد في غاية الوضوح وما ذكره في تأويل الظل الأول مما يأباه مقالة جبريل كما
لا يخفى ووقت العيدية مع طلوع الشمس إلى زوالها بالاجماع وتأخيرها إلى وقت الارتفاع
كما هو ظاهر الشيخين أولى وأحوط لما في بعض الروايات من الإشارة إلى أن الطلوع إنما هو وقت
للخروج إلى المصلى دون الصلاة وادعى بعضهم الاجماع على استحباب زيادة التأخير في الفطر عن
الأضحى إلى استحباب الافطار واخراج الفطرة فيه قبل الصلاة بخلاف الأضحى فإن الافطار فيه
بعدها على شئ مما يضحي به ووقت الآية ما عدا الزلزلة من ابتدائها إلى تمام انجلائها وقيل
إلى الأخذ فيه لظاهر رواية حماد عن أبي عبد الله (ع) وقد ذكر عنده انكشاف الشمس وما يلقى الناس من
شدته قال إذا انجلى منه شئ فقد انجلى وفيه احتمال أن يكون المراد تساوي الحالين في زوال
الشدة لا بيان الوقت وإذا غاب القرص منكسفا أو ستره غيم ونحوه قيل وجبت أداء إلى أن يتحقق
الفوات بطلوعه منجليا ويظهر من بعضهم سيما الشهيد في الذكرى التعويل في ذلك على أخبار
رصديين عدلين وكذا لو أخبرا به في وقت مترقب وكذا الواحد إن اتفق العلم بخبره للقرائن و
هو جيد جدا لكن في اشتراط العدالة في المخبر نظر وإنما المعتبر كونه موثوقا به في فنه متحرجا عن المجازفة
في القول بحيث يحصل الظن القوي المعبر عنه بالعلم باخباره ولو مع القرائن كما يكتفى بذلك في
الطبيب بالنسبة إلى ما يؤتمن عليه وكذا كل ذي عمل على عمله وكيف كان فلا ريب في اختصاص
ذلك بالكسوفين كما صرح به في البيان لابتناء الرصد فيهما على مقدمات متقنة إذا مارسها
المنصف أذعن بها اضطرارا دون ما عداهما من الآيات كالرياح والصواعق ونحوها فإنها
لا تعرف من جهة الرصد وإنما فيها المنجمون على مباني واهية ومقدمات لاغية وهي من أحكام
النجوم التي تظافرت الأخبار الصحيحة في النهي عن قبولها وتصديقها وشهدت التجارب المكررة
بأنها تخمينات تخطئ أكثر مما تصيب وما يشعر به كلام المصنف في كتابه الكبير من التسوية
بين الجميع في جواز التعويل على اخبار أهلها وكلام غيره من التسوية في عدم جوازه في شئ منها
فافراط وتفريط بسبب الغفلة عن الفرق والذهول عن الأمر بين الأمرين ومع ذلك فالموجب
للصلاة من الكسوفين إنما هو مما يحس به منهما رأي العين دون غيره وإن فرض حصول العلم به من
جهة الرصد سواء كان ذلك لقلته كإصبع واحدة من جرم الشمس أو لكونه تحت الأرض أو محجوبا
بغيم أو نحوه وكذا انكسافها بالسفليين إن ثبت وانكساف ما عدا النيرين إذ لم يثبت كون
شئ منها آية في العرف بل ولا كسوفا ولا يلايم المعهود من محاسن الشريعة وفي الحديث النبوي
من طريق القوم في الكسوفين إذا رأيتم ذلك فصلوا وأما صلاة الزلزلة فوقتها عند حدوثها
وبعد سكونها ممتدا بتمام العمر على المشهور فتصلى أداء وإن سكنت وقيل بل مع السكون تصير
قضاء وهو شاذ وربما يلحق به الصيحة وكل آية يقصر وقتها عن صلاتها ومن أدرك ركعة من
آخر الوقت فقد أدرك الصلاة تامة باجماع أهل العلم فلو أدرك الحاضر قبل الغروب مقدار
خمس لزمه الفرضان أداء على الأصح وقضاء في الأخير عند قوم وموزعا عند آخرين وكذا المسافر
لو أدرك مقدار ثلاث ولو كان في مواضع التخيير فالأظهر تعين القصر تحصيلا لفضيلة الأداء
في الفرضين ولو أدرك الحاضر أربعا قبل الانتصاف ابتنى حكمه على ما سبق نقله من الاختصاص
والاشتراك في الوقت ولو كان مسافرا فالمتجه أداء الفرضين جميعا على المذهبين ولا يكفي
ادراك الركعة في أول الوقت فلا تستقر الصلاة في الذمة حتى يمضي من الوقت مقدار أدائها
جميعا بشرايطها المفقودة خلافا لمن اكتفى بمقدار أكثر الصلاة وهو شاذ ومن هنا يظهر حكم
الحايض إذا طهرت في أواخر الوقت أو طمثت في أوائله وتتحقق الركعة برفع الرأس من السجدة
الثانية كما صرح به جماعة واحتمل في الذكرى الاجتزاء بالركوع للتسمية لغة وعرفا وفيه
بعد تسليم اللغة والعرف أنهما إنما يعتبران عند انتفاء الحقيقة الشرعية وهذه الدعوى
هنا ظاهرة المنع هذا إن أراد العرف العام وإن أراد الخاص فأظهر وأما توزيع الرواتب
على الأوقات الموعود به فيما سبق فثمان ركعات من الزوال إلى أن يبلغ الفئ سبعي الشاخص
وعبر عنه في الروايات بالذراع والقدمين لأنهم كانوا يعتبرون الظل بالقامة وهي سبعة
أقدام غالبا كل قدم نصف ذراع وتؤدي هذه قبل صلاة الظهر ومن ثم أخرت ذراعا و
ثمان ركعات بعدها إلى أن يبلغ أربعة أقدام وقيل إلى أن يبقى لصيرورة الفئ مثل الشخص
مقدار أداء الفرض في الأولى ولصيرورته مثليه ذلك المقدار في الثانية ولا يعرف مستنده
وأربع ركعات بعد صلاة المغرب إلى ذهاب الحمرة المغربية كما في المفاتيح وغيره وظاهره هنا امتداده
بامتداد الفريضة وهو قول في المسألة في الجميع وواحدة بعد صلاة العشاء من تثني جلوس
بل مطلقا وإن عدت واحدة والقيام أفضل كما في موثقة سليمان بن خالد وهي زيادة في
الخمسين تطوعا ليتم بها بدل كل ركعة من الفريضة ركعتان من التطوع ومن ثم تسمى الوتيرة
أو لكونها بدل الوتر وإضافة هذه النوافل إلى الفرايض المجاورة لها كما يوجد في كتب الأصحاب
120

مما لم نعهده فيما وقفنا عليه من الأخبار وثلاث عشرة ركعة من الانتصاف ويقال له الزوال
أيضا إلى طلوع الفجر الثاني منها ثلاث ركعات تسمى الوتر وربما يخص الاسم بالأخيرة منها وتسمى الأولتان
الشفع والأخيرتان منها ركعتا الفجر ويطلق على المجموع صلاة الليل وربما تطلق على الإحدى عشرة وعلى الثمان
الأولة وتخص الخمس الأخيرة بأسمائها وهو الأكثر والحث عليها شديد كما يأتي في باب الورد وهو من
علامات المؤمن ولو ضاق الوقت عن الجميع اقتصر على هذه الخمس ثم على الأخيرتين وقضى ما عداها
كما قد يقتصر على الإقامة وحدها وعلى بعضها عند الضيق كما يأتي ولو أصبح وقد تلبس منها بأربع ركعات
فما زاد أتمها قبل الفريضة كما مرت الإشارة إليه والأقدم الفريضة وقضاها بعدها وفي التوقيت
على الوجه المذكور مخالفة للمشهور من وجهين أ أن مقتضاها اشتراك الوقت ويلزمه استحباب
المبادرة والمشهور أنها كلما قربت من الفجر كانت أفضل والذي اختاره في المعتصم أن الأفضل
أن يبدأ بها عند الانتصاف ويصلي الوتر بين الفجرين وفي حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) كان رسول
الله صلى الله عليه وآله إذا صلى العشاء الآخرة أمر بوضوئه وسواكه فوضع عند رأسه مخمرا فيرقد ما شاء الله ثم
يقوم فيستاك ويتوضأ ويصلي أربع ركعات ثم يرقد ثم يقوم فيستاك ويتوضأ ويصلي أربع
ركعات ثم يرقد حتى إذا كان في وجه الصبح قام فأوتر فصلى الركعتين ثم قال لقد كان لكم في رسول
الله أسوة حسنة ومقتضاها أفضلية التوزيع على تمام الوقت وتوسيط النومتين ويناسبها
ما يحكى عن ابن الجنيد الاتيان بصلاة الليل في ثلاث أوقات ب أن المشهور أن وقت ركعتي
الفجر الفراغ من صلاة الليل إلى طلوع الحمرة وقيل بل وقتهما طلوع الفجر الأول وقيل يمتد بامتداد
الفريضة وفي المفاتيح حمل الأخير على الجواز وما قبله على الفضيلة والمتنفل في يوم الجمعة يقدم
العشرين ركعة المرتبة فيه كلها على الزوال موزعة على أجزاء الوقت كما في الروايات إلا أنها مختلفة
في ذلك ففي صحيحة يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح (ع) ست ركعات عند ارتفاع النهار وست
ركعات قبل نصف النهار وركعتان إذا زالت الشمس قبل الجمعة وست ركعات بعد الجمعة
وقريب منها صحيحة ابن أبي بصير عن الرضا (ع) وغيرها وفي صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن (ع)
عشر ركعات قبل الصلاة وعشر بعدها وبمضمونها غيرها إلا أنها جميعا مشتركة في توظيف شئ
منها بعد الزوال ولم أقف على ما يدل على تقديم الجميع سوى صحيحة علي بن يقطين في الاستبصار
وباب العمل ليلة الجمعة من التهذيب قال سألت أبا الحسن (ع) عن النافلة التي تصلى يوم الجمعة قبل الجمعة
أفضل أو بعدها قال قبل الصلاة وبمضمونها أفتى فيهما وفي النهاية لكن رواها في زيادات
التهذيب بزيادة وقت الفريضة بعد يوم الجمعة فيشبه أن يكون السئول عن خصوص الركعتين
الموظفتين عند الزوال في الصحاح الأولة على أنه روي ما يقتضي التأخير كما قاله بعضهم روى ذلك
عقبة بن مصعب قال سألت أبا عبد الله (ع) أيما أفضل أقدم الركعات يوم الجمعة أو أصليها بعد
الفريضة فقال لا بل تصليها بعد الفريضة وفي معناها رواية سليمان بن خالد وإن أمكن تأويلهما
بالحمل على ما إذا زالت ولم يصل النافلة فإن تأخيرها حينئذ أفضل وإن وسط ثماني منها أو ستا
بين الفرضين كان حسنا بل الحسن إنما هو توسيط الست لخلو ما عثرنا عليه من الأخبار العشرينية
عن ذكر الثمانية رأسا ويكره التنفل مطلقا بعد فريضتي الصبح والعصر إلا قضاء النوافل كما في المفاتيح
وعند قيام الشمس وهو وصولها إلى وسط السماء أو ما قاربه في غير يوم الجمعة كما تقدم وفي صحيحة
ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) لا صلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة وعند الطلوع والغروب لأنها
تطلع بين قرني الشيطان وتغرب بين قرني شيطان وقيدت في المشهور بالمبتدأة وذهب بعضهم إلى
التحريم في الأخيرين وتوقف الصدوق في أصل الحكم لتعارض الروايات وأنه ما أرغم أنف الشيطان
بشئ أفضل من الصلاة فلتترك على وجه الاحتياط فإن ترك المندوب أهون من ارتكاب المحظور
باب المكان وهو ما يعتمد عليه الجسم بالقاء ثقله عليه وربما يطلق على الفراغ الذي يشغله
بحلوله فيه فيقال الكوز مكان الماء والكيس مكان المال وهو من الشروط العقلية للصلاة
لأنه من ضرورات المصلي من حيث هو جسم لا بد في الفريضة مطلقا من القرار بمعنى عدم التحرك
بمشي ونحوه فلا تجوز على الدابة المتحركة أما على المعقولة بحيث تؤمن عن الحركة والاضطراب فاستقرب
العلامة في بعض كتبه الجواز والمشهور المنع أيضا لعموم النهي عن الصلاة على الراحلة ولأن
اطلاق الأمر بالصلاة ينصرف إلى الفرد المعهود وهو ما كان على الأرض وما في معناها وهو
مقلوب بأن اطلاق النهي عن الصلاة على الراحلة ينصرف إلى الفرد المعهود وهو ما لا يؤمن
عليه الحركة فلا يشمل المعقولة ولا ماشيا سواء في الحضر والسفر إلا مع الاضطرار على المشهور
وعن ابن الجنيد جواز صلاة الآيات على الدابة وماشيا مع الاختيار وهو شاذ وكرهت
في السفينة الجارية مع الاختيار وبها يجمع بين ما يدل على الجواز مطلقا كصحيحة جميل بن دراج
عن أبي عبد الله (ع) أنه قال تكون السفينة قريبة من الجدد فأخرج وأصلي فقال صل فيها أما
ترضى بصلاة نوح (ع) وموثقة يونس بن يعقوب عنه (ع) قال سألته عن الصلاة المكتوبة
في السفينة وهي تأخذ شرقا وغربا فقال استقبل القبلة ثم كبر ثم اتبع السفينة ودر معها حيث
دارت بك وفي معناها صحاح ابن سنان ومعاوية بن عمار وحماد بن عثمان وغيرها وما يدل
على اختصاصه بحال الاضطرار كحسنة حماد بن عيسى عنه (ع) قال سمعته يسئل عن الصلاة في السفينة
فيقول إن استطعتم أن تخرجوا إلى الجدد فاخرجوا فإن لم تقدروا فصلوا قياما فإن لم تستطيعوا
فصلوا قعودا وفي رواية علي بن إبراهيم ولا يصلي في السفينة وهو يقدر على الشط والأجود العمل
121

بهما وفاقا لابن إدريس وأبي الصلاح وغيرهما فإن الصحيحة ليست ناصة في المطلوب بل يحتمل أن يكون
السئول فيها عن نفس الصلاة في السفينة حيث تجوز هل فيها غضاضة فيرجح الخروج منها إلى الأرض
حيث يمكن أم لا فأجاب (ع) بأنه لا قصور فيها تأسيا بنوح (ع) وهذا لا يدل على الجواز مطلقا ولا يناسب
ما بنى عليه المصنف وغيره في الجمع من الكراهة وما عداها ظاهرة في بيان كيفية الصلاة حال جريان
السفينة ولا دلالة فيها على جواز ذلك مع الاختيار بوجه كما لا يخفى ويصلي النافلة أينما كان ولو في
السفينة وعلى الراحلة وماشيا مع الاختيار في السفر والحضر وقيل بالمنع في الحضر اختيارا والأول
أشهر وأصح دليلا ويؤمي برأسه ثم بالعينين مع الحركة للركوع والسجود إيماء ويجعل السجود أخفض
من الركوع والأولى أن يأتي بهما مع الامكان ويستقبل القبلة بالتحريمة وجوبا شرطيا وقيل استحبابا وفي
غيرها تسقط وظيفة الاستقبال وكذا الحكم في الفرايض الاضطرارية التي تؤدي مع الحركة و
المتأخرون أوجبوا الاستقبال فيها مهما أمكن وقربه في المفاتيح وأفضل مواضع الفرايض إلا
صلاة العيدين بغير مكة للرجال المساجد على تفاوتها في ذلك ففي المسجدين وبيت المقدس الركعة
بألف في غيرها وفي مسجد الكوفة الفريضة بحجة والصلاة في المسجد الأعظم تعدل مائة وفي مسجد
القبيلة خمسا وعشرين وفي مسجد السوق اثنتي عشرة وفي المنزل واحدة وأما النوافل فإن أمن على
نفسه الرياء ورجاء اقتداء الناس به ورغبتهم في الخير فكذلك وإلا فالمنزل أفضل وأفضلها للنساء
البيوت وروي أن صلاتها في بيتها أفضل منها في ضفتها وفي ضفتها أفضل منها في صحن دارها
وفي صحن دارها أفضل منها في سطح بيتها وتستحب طهارة المكان باطنا وظاهرا وتتحقق الأولى بكونه
مسجدا أو مملوكا أو مأذونا فيه ولو بالفحوى أو شاهد الحال والمشهور بين المتأخرين اشتراط
ذلك وفرعوا عليه بطلان الصلاة في المغصوب عالما اختيارا وللسيد قول بالصحة في الصحاري
مطلقا استصحابا لما كان قبل الغصب من شاهد الحال وربما يخص بغير الغاصب عملا بالظاهر
ومحل البحث صلاة من عدا المالك فإن ما يستدل به على أصل الحكم من تحريم التصرف في مال
الغير لا يجري فيه ومنهم من طرد الحكم إليه لصدق الصلاة في مكان مغصوب وهو مقطوع الفساد
وبإزائه ما نقله في الكافي عن الفضل بن شاذان من أصحاب الرضا والجواد (ع) على وجه يشعر
بأنه المشهور بين القدماء من اطلاق الصحة حتى من الغاصب وإن كان عاصيا ومال إليه جماعة
من اللاحقين منهم المصنف طاب ثراه ومن ثم لم يشترط إباحة المكان هنا أو لخروجه عن موضوع
الكتاب وهو من مواضع الريب فينبغي التحفظ فيه للدين والاحتياط والأخذ باليقين والثانية
بخلوه عن النجاسة الغير المتعدية ما عدا موضع الجبهة أما المتعدية فيشترط الخلو عنها ومحل
الجبهة يشترط خلوه عنهما كما يأتي في باب الهيئة وألحق به أبو الصلاح سائر المساجد السبعة
وقيل بل يشترط طهارة المكان مطلقا للنهي عن الصلاة في المزابل والمجازر والحمامات وهي مواطن
النجاسة وفي موثقة ابن بكير عن أبي عبد الله (ع) في الشاذ كونه يصيبها الاحتلام أيصلى عليها قال لا
وحملت على المشهور على الكراهة بما فيها واتخاذ السترة بالضم فالسكون وهي ما يستتر به المصلي ممن
يمر بين يديه وخصه بعضهم بغير مكة ويتحقق بالقرب من الحايط والسارية ونحو ذلك وبشئ
مرفوع من الأرض كالعنزة والرحل والقلنسوة والكومة من تراب وبخط يخطه بين يديه وينبغي
الدنو منها وقدر في صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) أقله بمربض عنز وأكثره بمربض فرس وينبغي
اجتناب المرور بين يدي المصلي لما فيه من شغل قلبه وتعريضه للدفع وفي الحديث النبوي
لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه
شك أحد الرواة بين اليوم والشهر والسنة واجتناب تخطي الرقاب ولو للانتهاء إلى الصف الأول
بل يقف حيث ينتهي به الموقف ويستحب اجتناب المواضع المكروهة وهي البيداء من ذات الجيش
إلى معرس النبي صلى الله عليه وآله كما في صحيحة البزنطي عن الرضا (ع) بينها وبين ميقات أهل المدينة وهو ذو الحليفة
ميل واحد يخسف فيه جيش السفياني وذات الصلاصل جمع صلصال وهي أرض لها صوت
ودوي وضجنان كسكران والثلاثة مروية من طرق القوم أيضا وهي مواضع مخصوصة في
طريق مكة بين الحرمين وزاد في المفاتيح وادي الشقرة وقال هي بادية من المدينة وروى بعض
أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) لا تصل في وادي الشقرة وزيد في بعضها فإن فيه منازل الجن قال العلامة
في المنتهى الشقرة بفتح الشين وكسر القاف واحدة الشقر وهي شقايق النعمان وكل موضع فيه ذلك
تكره الصلاة فيه وقيل موضع مخصوص بطريق مكة والأقرب الأول لما فيه من اشتغال القلب
بالنظر إليه انتهى ونقل ابن إدريس عن الكلبي النسابة أن زرود وشقرة بنتا يثرب بن قابية بن
مهلهل بن وأم بن عقيل بن عوص ابن آدم بن سام بن نوح فجعل زرود وشقرة موضعين
سميا باسم امرأتين والموسوم بهذا الاسم في جزيرة العرب الآن موضعان أحدهما قريب
المدينة على طريق الساير إليها من العراق بلدة فيها مساكن دور ونخيل والآخر بين البصرة و
مكة تسير إليها القوافل من البصرة في أربعة أيام مفازة ليس فيها إلا عدة آبار تردها الحجاج والأعراب ضيقة الرأس عميقة القرار جدا لا تشبه عمل الآدميين وتزعم أهل البادية أنها عمل الجن احتفروها
لسليمان بن داود (ع) فيشبه أن يكون هو المراد في الرواية وتكره الصلاة في جواد الطرق وهي
العظمى منها جمع جادة والأجود التعميم لموثقة ابن الجهم عن الرضا (ع) كل طريق يوطي فلا تصل عليه
وفي رواية أخرى كل طريق ويتطرق وكانت فيه جادة أو لم تكن فلا ينبغي الصلاة فيه وإن كانت
في الجواد أغلظ لصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) لا بأس بأن تصلي في الظواهر التي بين الجواد فأما الجواد
122

فلا تصل فيها وفي معناها غيرها وهذه المناهي ظاهرة في التحريم فيها كما هو ظاهر الصدوق والمفيد
ويقوى لو تعطلت المارة ولقد كان حذف الجار هنا وفيما يأتي أجود ومعاطن الإبل وهي مباركها
حول الماء أو مطلقا وقيل بالتحريم أيضا وفي صحيحة محمد بن مسلم إن تخوفت الضيعة على متاعك
فاكنسه وانضحه وصل ومرابض الخيل والبغال وهي أشد كراهة ومنهم من كره مرابض الحمير أيضا كما
في موقوفة سماعة وقيل بالتحريم في الجميع أيضا وروي في مرابض البقر والغنم إن نضحته بالماء
وقد كان يابسا فلا بأس بالصلاة فيها وفي أخرى لا بأس بالصلاة في مرابض الغنم وفي الحمام لأنه
مأوى الشياطين إلا إذا كان المحل نظيفا كما في صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (ع) وموثقة عمار عن أبي عبد الله (ع) وحملها المطلقون على المسلخ والمحرمون على نفي التحريم وفي بيت فيه خمر أو مسكر
للنهي المحمول على الكراهة فيهما في المشهور ومنع الصدوق من الصلاة في بيت فيه خمر محروز في
آنية ولا يستبعد بعد ذلك لقوله بجواز الصلاة في ثوب أصابه الخمر لأن العبرة عنده بالنص أو
مجوسي وإن لم يكن بيته دون اليهودي والنصراني وورد في البيع والكنايس وبيوت المجوس
رشه وصل وربما يقيد الرش بالجفاف واستحسنه في المعتصم أو كلب فإن الملائكة لا تدخله
وروي لا يصلي في دار تكون فيها كلب إلا أن يكون كلب الصيد وأغلقت دونه بابا فلا بأس
أو تمثال جسدا كان أو صورة انسانا أو غيره من الحيوان وقيل أو غيره مما له ممثل في الخارج ولا
ينافي ذلك تقييد بعض الأخبار بتمثال الجسد والانسان لوقوع التصريح بالتعميم فيما عداها
فيحمل التقييد على التغليظ وتخف الكراهة أو تزول بالقاء ستر عليه وكونه على غير جهة القبلة
وافساد رأسه أو عينيه أو أحدهما أو إناء يبال فيه فإنه من البيوت التي لا تدخلها الملائكة
وفيما اتخذ مبالا أو معدا للغائط وظاهر بعضهم التحريم في الأخيرة وفي ألفاظ الروايات ما
يدل على اشتراط الحكم بوقوع البول والغايط دون الاكتفاء بمجرد اعداد المواضع لذلك
أو نز حايط قبله من بالوعة يبال فيها كما في رواية البزنطي ويستفاد من بعض الأخبار زوال
الكراهة أو تخفيفها إذا ستر النز ببارية ونحوها وفي الطين والماء إذا لم يمنعا شيئا
من واجبات الصلاة كالاستقرار والسجود وإلا لم يجز وروي في حد الطين الذي
لا يسجد عليه إذا عزقت الجبهة ولم تثبت على الأرض ومجرى المياه وهو المكان المعتد لجريانها فيه ماء وظاهر الصدوق التحريم وعند قرى النمل لما يستلزمه غالبا من أذاها و
أذاه وقلة الاقبال على الصلاة وقد ورد النهي فيه بخصوصه وأرض السبخة بفتح الباء وإذا
كانت نعتا للأرض كقولك الأرض السبخة فبكسر الباء كذا نقل عن الخليل في العين وفي
بعض الأخبار اطلاق الكراهة ويستفاد من بعضها الاختصاص بما إذا لم تقع الجبهة مستوية
زيادة على قدر الواجب فلو دقت وسويت لم يكن به بأس كما ذكره الصدوق وصرح به
في صحيحة الحلبي وغيرها ولو تعذر القدر الواجب لم يجز وبهذا التفصيل يجتمع اطلاقات
المنع والرخصة وفي الثلج إلا مع الضرورة والتسوية فعن أبي الحسن (ع) إن أمكنك أن لا تسجد على الثلج فلا تسجد وإن لم يمكنك فسوه واسجد عليه ويكره أن يتوجه إلى حديد مصقولا
أو غيره أو نار مضرمة أو غيرها والمعلق كالقنديل أغلظ أو تماثيل ولو في البساط والوسادة
وفي مرسلة ابن أبي عمير وغيرها إن كان لها عين واحدة فلا بأس وفي الحاق المرآة بها وجه قوي
أو مصحف مفتوح وقيل بتحريم الثلاثة الأخيرة وربما يلحق بالمصحف كل مكتوب وزاد بعضهم الباب
المفتوح والانسان المواجه وعلل بالتشاغل واستحباب السترة والصلاة فيما بين المقابر وقيل
بالتحريم مع تصريح بعضهم بالبطلان لظواهر المناهي المحمولة في المشهور على الكراهة جمعا بينها و
بين ما يدل على الجواز سيما إذا اتخذ القبر قبلة كما في موثقة معمر بن خلاد عن الرضا (ع) لا بأس بالصلاة
بين المقابر ما لم يتخذ القبر قبلة إلا قبر الإمام المعصوم ففي صحيحة الحميري عن المهدي (ع) في زيارة
قبور الأئمة (ع) فأما الصلاة فإنها خلفه يجعله الإمام ولا يجوز أن يصلي بين يديه لأن الإمام لا
يتقدم عليه ويصلي عن يمينه وشماله أو مع بعد عشرة أذرع من كل جانب كما في موثقة الساباطي
عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن الرجل يصلي بين القبور قال لا يجوز ذلك إلا أن يجعل بينه و
بين القبور إذا صلى عشرة أذرع من بين يديه وعشرة أذرع من خلفه وعشرة أذرع عن يمينه
وعشرة أذرع عن يساره ثم يصلي إن شاء أو مع حايل بينهما كما ذكره الأصحاب ومنهم المصنف
في غير المفاتيح وصرح بعضهم بالاكتفاء فيه بقدر لبنة أو عنزة منصوبة أو ثوب موضوع ولم أقف
على ذلك في الروايات وأن يصلي كل من الرجل والمرأة إلى جنب الآخر مصليا ولو كانا محرمين
أو تصلي هي قدامه كذلك وقيل بالتحريم وبطلان الصلاتين جميعا مطلقا ومنهم من خص ذلك
بما إذا كانتا مقترنتين وإلا فالأخيرة خاصة إلا مع أحد الأمرين المذكورين من الحايل أو بعد
العشرة الأذرع وروي دون ذلك وحاول في المفاتيح التوفيق بالحمل على تفاوت مراتب الكراهة
في الشدة والضعف بحسب مراتب البعد بينهما فأشدها عدم الفصل ثم الشبر ثم الذراع وموضع
الرجل إلى أكثر من عشرة أذرع أو تقدم الرجل فتنتفي الكراهة رأسا وفي المقام بعد اشتباهات
لأن مبدأ المسافة لا يدرى أنه الموقف أو موضع السجود وأن الحايل يعتبر فيه أن يكون مانعا
من الرؤية أم لا وظاهر بعض الروايات الثاني وأن الظلمة أو العمى ينزلان منزلته أم لا وكذا
غض البصر وأنه يشترط بلوغهما لوقوع التعبير في النصوص والفتاوى بالرجل والمرأة أم لا و
النصوص مبنية على الغالب وهل يشترط في تعلق الحكم كراهة أو تحريما بصلاة كل منهما صحة
123

صلاة الآخر كما ذهب إليه الأكثر أم لا كما احتمله الشهيد الثاني وأن الحكم هل هو في عمومه كما في
أكثر الروايات أو مختص بغير مكة كما ورد في بعضها من أنها سميت بكة لأنها يبتك بها الرجال و
النساء والمرأة تصلي بين يديك وعن يمينك وعن شمالك ومعك ولا بأس بذلك وإنما يكره في سائر
البلدان والمحتاط لا يخرج عن اليقين في الجميع ما أمكن وأن تصلى الفريضة في جوف الكعبة أو على
سطحها على المشهور في الأول جمعا بين الأخبار والقول بالتحريم لابن البراج والشيخ في الخلاف
مدعيا عليه الاجماع ووافق المشهور في غيره أما النافلة فتجوز قولا واحدا ويستحب بناء المساجد
استحبابا مؤكدا وهو من ضروريات الدين وجعل الميضاة على أبوابها لمصلحة المترددين إليها
وعمارتها بالمرمة والعبادة وكثرة الاختلاف إليها وكنسها واخراج التراب منها ولو قدر ما
يذر في العين وتنويرها وبجميع ذلك فسرت العمارة في الآية الكريمة ويتأكد الكنس يوم الخميس و
ليلة الجمعة وتعاهد النعل عند أبوابها باستعلام حاله استظهارا للطهارة وألحق به ما كان
مظنة النجاسة كالعصا واحتمل بعضهم أن يراد بتعاهد النعل ايداعه عند أمين ونحوه لئلا
يشتغل قلبه به في حال الصلاة فيفوته الحضور ومسح ما به من أذى مما ينزه عنه المسجد
وربما وجب وتقديم الرجل اليمنى عند الدخول واليسرى عند الخروج عكس المكان الخسيس كما
سبق والدعاء عند الأمرين بالمأثور ففي موثقة سماعة إذا دخلت المسجد فقل بسم الله و
بالله والسلم على رسول الله صلى الله وملكته على محمد وآل محمد والسلام عليهم ورحمة الله و
بركاته رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك وإذا خرجت فقل مثل ذلك وروي غير
ذلك والتحية بركعتين قبل الجلوس وتتأدى بالفرايض والرواتب وغيرها وإن لم يصل
جلس مستقبل القبلة وحمد الله وصلى على النبي ودعا الله وسأله حاجته ويكره زخرفتها
وهي تزيينها بالزخرف أي الذهب وتصويرها به أو بغيره وقيل بتحريمهما لأنهما من محدثات
الأمور وتظليلها بالتسقيف وغيره إلا أن يجعل عريشا ففي حسنة ابن سنان أنه لما اشتد عليهم
الحر قالوا يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فظلل فقال نعم فأمر به فأقيمت فيه سواري من جذوع
النخل ثم طرحت عليه العوارض والخصف والإذخر فعاشوا فيه حتى أصابتهم الأمطار فجعل
المسجد يكف عليهم فقالوا يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فطين فقال لا عريش كعريش موسى و
روي أن ما يبدأ به القائم سقوف المساجد فيكسرها ويأمر بها فتجعل عريشا كعريش موسى
وتطويل المنارة زيادة على سطح المسجد كما في حديث أمير المؤمنين (ع) والمشهور كراهة جعلها
في الوسط وعلل بما فيه من الضيق والحجاب بين المصلين وقيل بتحريمه والروايات خالية عنه
وتعليتها لمخالفتها سنة النبي صلى الله عليه وآله في مسجده فقد روي أنه كان قامة وكانوا يقيسون به الظل و
لأن فيه كان اطلاعا على عورات المجاورين له كذا في المعتصم وتشريفها بل تبنى جماء كما ورد و
اخراج الحصى منها فإن فعل رد فعن أبي جعفر (ع) إذا أخرج أحدكم الحصاة من المسجد فليردها إلى مكانها
أو في مسجد آخر فإنها تسبح وربما يقال بالتحريم لظاهر الأمر بالرد وقيده جماعة بما إذا كانت تعد
من أجزاء المسجد أو آلاته أما القمامات المشوهة ومثل بيت الأرضة والعنكبوت فيستحب اخراجها
فإنه من العمارة وانشاد الشعر فيها وهو الكلام المنظوم فيقال له فض الله فاك إنما نصبت المساجد
للقرآن إلا ما لا بأس به كأشعار حسان التي كان يمدح بها رسول الله صلى الله عليه وآله بمسمع منه في المسجد من
غير نكير والأشعار التي تمثل بها أمير المؤمنين (ع) في خطبه على المنبر وألحق بذلك ما تكثر منفعته كبيت
حكمة أو شاهد على لغة في الكتاب أو السنة ومدائح أهل البيت ومراثي الحسين (ع) وشبه ذلك
فيخص المنع بالشعر الباطل كما في صحيحة علي بن يقطين أنه سأل أبا الحسن (ع) عن انشاد الشعر في الطواف
فقال ما كان من الشعر لا بأس به فلا بأس به والبيع والشراء فيها ما لم يزاحم المصلين أو يتضمن
تغيير هيئة المسجد وإلا حرم وتمكين المجانين والصبيان من دخولها مطلقا كما هو ظاهر الروايات
وفي كلام بعضهم تقييد الأخير بالذين لا يوثق بهم في التحفظ من النجاسات أما الموثوقون فالأولى
حضورهم واحضارهم فيها تمرينا على الخير وإقامة الحدود فيها وإن أمن التلويث بالنجاسة لعموم
النواهي ورفع الصوت المتجاوز عن المعتاد مطلقا في المشهور وفي حديث أبي ذر يا رسول الله
كيف يعمر مساجد الله قال لا ترفع فيها الأصوات ولا يخاض فيها بالباطل وقيد في بعض الروايات
بما عدا ذكر الله كما في كلام ابن الجنيد فلا بأس به في مثل الأذان والتكبير وقراءة القرآن والأولى
الاقتصار على المصلحة المقصودة وانشاد الضالة تعريفا لها أو سؤالا عنها قال في القاموس أنشد
الضالة عرفها واسترشد عنها ضد انتهى ويقال للمسترشد لا رد الله ضالتك لغير هذا بنيت
وحديث الدنيا الملعونة كما سبق وعمل الصنايع والمنصوص برئ النبل وكشف العورة وزاد
في المعتصم السرة والفخذ والركبة وقيل بالتحريم والاتكاء ففي الحديث النبوي للاتكاء في المسجد
رهبانية العرب والرهبانية في هذه الأمة مذمومة فيكون الحديث ذما للاتكاء ويحتمل أن يكون مدحا له ويكون
المراد الاتكاء لانتظار الصلاة بلا نوم كما في حديث آخر الجلوس في المسجد
رهبانية العرب والمؤمن مجلسه مسجده وصومعته بيته وروت العامة أن عثمان بن مظعون
أتى النبي صلى الله عليه وآله وقال ائذن لنا في الترهب فقال إن ترهب أمتي الجلوس في المساجد انتظار الصلاة
والنوم مطلقا على المشهور وخصه في الكتابين بالمسجدين لحسنة زرارة عن أبي جعفر (ع) قال قلت
له ما تقول في النوم في المساجد قال لا بأس إلا في المسجدين مسجد النبي والمسجد الحرام قال وكان
يأخذ بيدي في بعض الليالي فيتنحى ناحية ثم يجلس فيتحدث في المسجد الحرام فربما نام فقلت له في
124

ذلك فقال إنما يكره في المسجد الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فأما الذي في هذا الموضع فليس
به بأس إلا للضرورة فإن المساكين كانوا يبيتون في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله كما في رواية
أبي البختري وروى إسماعيل بن عبد الخالق قال سألت أبا عبد الله (ع) عن النوم في المسجد الحرام
فقال هل بد للناس من أن يناموا في المسجد الحرام لا بأس به قلت الريح تخرج من الانسان قال لا
بأس وبها استدل من ذهب إلى عدم كراهة خروج الريح فيه وفيه احتمال حملها على النائم غير بعيد
والدخول فيها مع رائحة كريهة لفحوى قول أمير المؤمنين (ع) من أكل شيئا من هذه المؤذيات ريحها
فلا يقربن المسجد والتبصق وورد أنه خطيئة وكفارتها دفنه وألحق به التنخم وعن النبي صلى الله عليه وآله إن المسجد
لينزوي من النخامة كما تنزوي الجلدة من النار إذ انقبضت واجتمعت وكذا قتل القمل لما فيه من
الاستقذار المنافي لتعظيم المسجد وأن يجعل طريقا بغير صلاة ولو ركعتي التحية في الحديث النبوي
قال صاحب النهاية الرطانة بكسر الراء وفتحها والتراطن كلام لا يفهمه الجمهور وإنما هو مواضعة بين
اثنين أو جماعة والعرب يخص بها غالبا كلام العجم والوضوء فيها من البول والغايط لصحيحة رفاعة قال
سألت أبا عبد الله (ع) عن الوضوء في المسجد فكرهه من البول والغايط وظاهر بعضهم التحريم ومنهم
من حملها على الاستنجاء منهما وليس ببعيد ويحرم ادخال النجاسة فيها وكذا إزالتها لقوله صلى الله عليه وآله جنبوا
مساجدكم النجاسة إلا مع عدم التعدي إليها وإلى شئ من آلاتها كما خصه المتأخرون للاجماع
على جواز دخول الصبيان فيها وكذا الحايض والمجنون اجتيازا مع عدم انفكاكهم غالبا عن النجاسة
وفي حديث المستحاضة توضأت ودخلت المسجد وصلت وتجنيبها النجاسة يتحقق بعدم تعديها
إليها فلا تتحقق المخالفة بادخال غير المتعدية وهو قوي إلا أن الاجتناب مطلقا كما عليه المتقدمون
أحوط ويحرم دخولها جنبا أو حايضا أو نفساء ولو بغير نجاسة إلا اختيارا على كراهة فيه إلا
في المسجدين الحرميين فيحرم مطلقا لاشتراطه بالطهارة عن الأحداث المذكورة وكذا وضع شئ
فيها للثلاثة كما سبق في باب الغسل
باب اللباس مصدر بمعنى المفعول كسماع أو كقتال بمعنى
الفاعل أو المفعول لا بد من ستر العورة في الصلاة وهي في الرجل القبل والدبر والأنثيان أو
من السرة إلى الركبة أو نصف الساق كما سبق ويجب شرطيا مع الاختيار فتبطل مع الاخلال به
عمدا فإن أصاب ولو حشيشا أو وحلا على تردد فيه وإلا يومي برأسه إيماء عن الركوع والسجود
قائما مطلقا عند جماعة وجالسا كذلك عند آخرين وقيل بل قائما إن لم يره أحد وجالسا إن
رآه أحد وقد نطق بهذا التفصيل حديث ابن مسكان عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يخرج عريانا فيدركه
الصلاة قال يصلي عريانا قائما إن لم يره أحد فإن رآه أحد صلى جالسا وهو أجود ما تلتئم به
اطلاقات القيام والجلوس ومنهم من جمع بينهما بالتخيير وقيل في الجماعة يومئ الإمام خاصة و
أما من خلفه فيركعون ويسجدون لموثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) في صلاة العراة
يتقدمهم إمامهم فيجلس ويجلسون خلفه يومئ الإمام بالركوع والسجود وهم يركعون ويسجدون
خلفه على وجوههم وأما المرأة فالحرة البالغة كلها عورة سوى وجهها وكفيها وقدميها ظاهرا
وباطنا وقيل ظاهر القدمين دون باطنهما فيجب ستر الباطن ومنهم من اقتصر في الاستثناء
على الوجه والكفين وعلى الوجه فقط ومنهم من لم يستثن شيئا رأسا وجعل جميع جسدها
واجب الستر وهو بإزاء من جعلها كالرجل وأن الذي يجب ستره منها هو ما يجب ستره منه
لا غير والأمة والصبية تجوز لهما الصلاة مكشوفتي الرأس على المشهور بل نقل عليه اجماع
العلماء إلا الحسن البصري فإنه أوجب على الأمة الخمار إذا تزوجت أو تسرى به المولى
وتجتنب فيها وجوبا ملابسته جلد الميتة مطلقا سواء دبغ أو لم يدبغ وسواء كان ساترا
للعورة أم لا اجماعا قيل وسواء كانت ذات نفس أم لا لاطلاق المنع ونظر فيه المصنف في
الكتابين بانصراف الاطلاق إلى الفرد المتبادر وكذا غير الجلد من أجزائها إلا العشرة
الفقيدة الحياة كما تقدم وكذا جلد ما لا يؤكل لحمه من الحيوانات المذكاة دبغ أم لا وما
لا تحله الحياة منها كالشعر والوبر على المشهور سوى وبر الخز الخالص اجماعا دون الممتزج
بوبر الأرانب على المشهور بل نفى فيه الخلاف أيضا لكن لا فائدة مهمة في تحقيق ذلك إذ
في حقيقته اشتباه لا يكاد يرتفع يقينا في هذه الأعصار ففي بعض الروايات أنه كلب يصاد
من الماء فإذا فقده مات وأنه يكفي في تزكيته خروجه منه حيا كما في السمك والمنقول عن التجار
المزاولين له أنه يعيش في البر وأنه ذو نفس سائلة فيشكل الحكم بالاكتفاء في تذكيته بما ذكر وحكى
المحقق عن جماعة منهم أنه القندس وهو على ما في كتاب حياة الحيوان كلب الماء وهو من ذوات
الشعر كالمعز وذوات الصوف كالضان وذوات الوبر كالإبل والمفهوم من كلام اللغويين و
علماء الحيوان وتتبع مواقع استعمال لفظ الخز في منظوم البلغاء ومنثورهم أن الخز في الصدر
السالف كان اسما للثوب المعمول من الوبر الناعم وهو ما يسمى الآن شال ترمه وربما يطلق
على المعمول من الصوف والإبريسم وعلى المعمول من الإبريسم المحض وأن أنعم الأوبار المعمولة
إذ ذاك كان وبر القندس فسمي باسمه ثم لما كثرت الأوبار المعزية في بلاد كرمان ما بين فارس
والسند اتخذت الخزوز منها وتركت البحرية فليست مجهولة ولا مغيرة الاسم ولا موهومته كما
قيل وقد سمعت بعض بوادي أهل الحجاز يسمون الترمة خزا أما السنجاب والثعلب فقد
تعارضت فيهما الأخبار وإن كان المشهور الحاق السنجاب بالخز وربما يلحق الأخير أيضا على
كراهة وكذا غير الملابس من شعر ما لا يؤكل لحمه كالشعرات الملقاة على الثوب والجواز قوي
125

في شعر الانسان نفسه خاصة وكذا ما لا تتم الصلاة فيه منفردا نحو التكة والقلنسوة المعمولتين
من وبر غير المأكول ومورد رواية الجواز التكة من وبر الأرانب والقلنسوة التي علمها وبر ما
لا يؤكل لحمه إذا كان الوبر زكيا والرخص محتملة كلها للتقية فالأخذ بها خروج عن اليقين و
استفاد المصنف في الوافي والمفاتيح من بعضها أن النهي مختص باللباس وما يلاقيه اللباس ويتلطخ
به دون ما يستصحبه المصلي من دون لبس وهو حسن واحتج في المختلف للجواز بأن الملزوم
للمدعى وجودا وعدما إن كان ثابتا ثبت المطلوب وكذا إن كان منفيا ويمكن الاحتجاج به للمنع
أيضا فإن الشبهة جارية في اثبات أي حكم أريد وفي نقيضه من الأحكام الشرعية والعقلية
الممكنة والمستحيلة وأصلها ما في كتب المعقول من أن ما يستلزم وجوده وعدمه حمارية زيد
فهل هو موجود أو معدوم وعلى التقديرين يلزم المحال والجواب أن لزوم المحال إنما هو على تقدير
أن يتصف شئ في نفس الأمر بالاستلزامين ثم يكون موجودا أو معدوما وأما إذا لم يتصف
شئ بذلك فلا يلزم محال فإنا نختار أن الشئ المستلزم لها كذلك معدوم وعدمه بعدم الاستلزام
لا بالعدم مع الاتصاف بالاستلزام فلا يلزم المحال وإلى هذا أشار بقوله والجواب
المنع من استلزام نفي الملزوم حالتي وجوده وعدمه المطلوب لجواز كون النفي راجعا إلى الذات
لا إلى وجودها مع فرض استلزامها وجودا وعدما ويجتنب الرجل في الصلاة وغيرها لبس
المذهب وفي بطلان الصلاة به اشكال سيما إذا تحقق الستر الواجب بغيره وكذا التزين به
بمثل الخاتم وجفن السكين أما المستصحب في الصرة والهميان ونحوهما فلا يوجب البطلان
قطعا على خلاف ضعيف فيه وكذا يجتنب الحرير المحض من غير ضرورة وتبطل به الصلاة ولو كان
مما لا تتم فيه منفردا كما صرح به في غيره خلافا للمشهور فيه وفيه قول بالكراهة وقد وردت
الرخصة في خصوص الزر في صحيحة يوسف بن إبراهيم وكذا المرأة في الصلاة إذا أرادت اليقين
فإن الأخبار الدالة على جواز لبسها للحرير ليست ناصة في جواز صلاتها فيه فتبقى العمومات
الناهية عن الصلاة في الحرير المحض شاملة لها كما قاله الصدوق وهو من مواقع الافراط
والتفريط من تجويزه للرجل ومنعه للمرأة ويجتنبان فيها النجاسة فيه وفي البدن شرطا
فتبطل معها في شئ منهما مع الاختيار والعمد أية نجاسة كانت عدا ما عفي عنه منها وهي أربع
أحدها نجاسة ما لا تتم الصلاة فيه منفردا مطلقا وقيده بعضهم بكونه في محله ومنهم من خصه
بالملابس وحصره الراوندي في خمسة التكة والقلنسوة والخف والجورب والنعل واستثنى
المشهور من ذلك قطنة المستحاضة فأوجبوا ابدالها لكل صلاة والروايات خالية عن جميع
ذلك كله وثانيها ما نقص في الثوب عن سعة الدرهم من الدم مطلقا وقطع الأصحاب بالحاق
البدن بالثوب وباستثناء دم الحيض وربما يزاد دم الاستحاضة والنفاس ونجس العين
وقيدوا الدرهم بالوافي والبغلي وقدروا وزنه بثمانية دوانيق وسعته تارة بالعقد الأعلى
من الإبهام وأخرى بما يقرب من أخمص الراحة واختلفوا في مقدار الدرهم وكذا فيما لو كان
متفرقا في أنه هل يعتبر النصاب في كل واحد أو المجموع أو التفصيل بالتفاحش وعدمه ثم في
معنى التفاحش وأن المرجع فيه إلى العرف أو غيره وليس في النصوص شئ من ذلك ومن
ثم سكت عنها المصنف وثالثها دم القروح والجروح التي لا ترقى وإن سال مطلقا وقيده
بعضهم بما يشق إزالته وهو شاذ ويستحب غسل الثوب منه كل يوم مرة ورابعها بول المولود
في ثوب مربيته إذا غسلته كل يوم وليس لها غيره على المشهور لرواية أبي حفص عن أبي
عبد الله (ع) في امرأة ليس لها إلا قميص ولها مولود فيبول عليها فكيف تصنع قال تغسل
القميص في اليوم مرة ولا عفو في غير المذكورات وتعاد عنه الصلاة إذا تلبس بها مع
العلم وإن تلبس بها جاهلا ولم يعلم بالنجاسة إلا بعد الفراغ منها فإن كان عالما بها قبلها
ولكنه نسي فالمشهور أنه يعيد مط وقيل لا يعيد كك والذي اختاره المصنف في المفاتيح
وغيره التفصيل ببقاء الوقت وخروجه جمعا بين الدليلين وإن لم يكن علمها مضى ما
صلى مطلقا وقيل يعيد في الوقت وإن علم بها في الأثناء نزع عنه النجاسة بنزع الثوب
أو تبديله أو تطهيره مع الامكان بغير مناف واستمر على صلاته مط وقيده في المفاتيح بما
إذا لم يستيقن سبقها على الصلاة ومعه يستأنف مطلقا سواء أمكنه النزع أم لا
وأن لا يمكنه ذلك أعاد مط ومنهم من قيده بسعة الوقت والروايات في الباب مختلفة
جدا واعتمد المصنف فيما اختاره على التوفيق بينها والمحتاط لا يخرج عن اليقين وتكره
الصلاة في الثوب الذي فيه تماثيل مطلقا على المشهور وخصه ابن إدريس بذوات
الأرواح ويؤيده ما نقل عن صاحب المغرب في الفرق بين الصورة والتمثال بالعموم
والخصوص والخاتم الذي فيه صورة وقيل بالتحريم فيهما وهو ضعيف ولو سترت
خفت الكراهة لصحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن الدراهم السود
التي فيها التماثيل أيصلي الرجل وهي معه قال لا بأس إذا كانت مواراة كذا في المعتصم و
فيه ما فيه ولو غيرت ولو بافساد رأسها أو عينها انتفت رأسا والوجه أنه كالستر
وفي الحديد سواء الخاتم وغيره حتى المفتاح إلا إذا كان مستورا أو حال ضرورة وحرمه
الشيخ لأنه نجس ممسوخ كما في بعض الأخبار وهو ممنوع كما سبق وفي ثوب لبسه من لا
يتوقى النجاسة للنهي المحمول على الكراهة جمعا وفي الجلد المأخوذ من يد من يستحل الميتة بالدبغ
126

فعن سيد الساجدين (ع) أنه كان يلقي فروة حال الصلاة وكان من فرى العراق فقيل له في ذلك
فقال إن أهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة ويزعمون أن دباغه ذكاته والثوب الذي
يلاصق وبر الأرانب والثعالب سواء كان فوقه أو تحته والرواية مختصة بالأخير وفي الثياب
السود حتى القلنسوة فإنها لباس أهل النار وعن أبي عبد الله (ع) يكره السواد إلا في ثلاثة
العمامة والخف والكساء وهي شاملة لغير حال الصلاة أيضا كما يأتي في كتاب المعيشة وروي
النهي عن الصلاة بالخصوص في الثوب الأسود مع استثناء الثلاثة في مرسلة في الكافي وفي
الثوب المشبع اللون أي لون كان ومنهم من خصه بالحمرة والرواية إنما وردت بكراهة
الثوب المفدم فمنهم من فسره بالشديد الحمرة ومنهم من عمم وكيف كان فتتأكد في المعصفر و
المزعفر لورود الكراهة فيهما بالخصوص والرقيق الغير الحاكي للعورة إذا كان وحده فإن كان
حاكيا حرم وإن كان معه غيره جاز من غير كراهة وفي المعتصم حكم بعدم الكراهة في الثوب
الواحد الكثيف وعول على أنه مقتضى النص وكلام الأصحاب وفي الصحيح عن زياد بن سوقه
عن أبي جعفر (ع) لا بأس أن يصلي أحدكم في الثوب الواحد وأزراره محلولة أن دين محمد صلى الله عليه وآله حنيف
وفي السراويل وحده وسائر البدن مكشوف إلا أن يجعل على عاتقه شيئا ولو جلا كما في صحيحة
محمد بن مسلم وفي صحيحة ابن سنان إن كان معه سيف فليقلد السيف وتكره الصلاة مع
الخضاب للرجل والمرأة وإن كان الخضاب والخرقة نظيفين واللثام للرجل وتخف حالة
الركوب وقيل بتحريمه وفي صحيحة الحلبي لا بأس بذلك إذا سمع الهمهمة ولا يبعد شموله
للمرأة أيضا كما في اللمعة والنقاب للمرأة إذا كشفت عن موضع السجود وإلا حرم ولا يبعد شموله
للرجل وخلو جيدهن عن القلائد ففي حديث أمير المؤمنين (ع) لا تصلي المرأة عطلا وفي
الخلاخل المصوتة لهن دون الصماء وظاهر القاضي التحريم والمستند صحيحة علي بن جعفر عن
أخيه (ع) أنه سأله عن الخلاخل هل تصلح للنساء والصبيان فقال إن كانت صماء فلا بأس وإن
كان لها صوت فلا تصلح وهي ظاهرة في عدم الاختصاص بالصلاة وكذا اشتمال الصماء ففي
صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) إياك والتحاف الصماء قلت وما التحاف الصماء قال إن تدخل
الثوب من تحت جناحك فتجعله على منكب واحد والقميص الذي ليس له رداء للإمام ففي صحيحة
سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (ع) في رجل أم قوما في قميص ليس عليه رداء قال لا ينبغي
أن لا يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي بها والظاهر أن جملة ليس عليه رداء صفة ثانية للرجل
والضمير المجرور عايد إليه لأنه أوفق بالجواب لا إلى القميص والجملة صفة له والمراد أنه ليس عليه
إلا قميص فكان عليه اشتراط انحصار اللباس في القميص في ترتب الحكم بكراهة ترك الرداء
للإمام ومن اجتنب في صلاته القباء المشدود وفي غير الحرب وما يستر ظهر القدم ولا يستر
شيئا من الساق كالشمشك ونحوه والنعال السندية فقد أخذ باليقين وخرج من خلاف
من حرمها من المتقدمين
باب القبلة وهي في الأصل الموضع الذي عليه الانسان بالنسبة
إلى ما يستقبله ثم نقلت إلى ما يجب استقباله في الصلاة وهي الكعبة للقريب وهو الذي
يتمكن من العلم بها من غير مشقة كثيرة عادة كالمصلي في بيوت مكة وجهتها للبعيد وقيل
الكعبة قبله لمن كان في المسجد والمسجد قبلة لم كان في الحرم والحرم قبلة لمن كان خارجا
عنه كما في رواية الحجال وغيره عن أبي عبد الله (ع) والخلاف قليل الجدوى والمراد بالكعبة
ليس نفس هذا البناء بل الفضاء المشغول به النازل في تخوم الأرض الصاعد أعنان السماء
ومن ثم صحت صلاة النازل في البئر والسرداب مثلا وكذا الصاعد على أبي قبيس كما ورد
فلو صلى على سطح البيت أبرز بين يديه ما يصلي إليه وقيل بل يستلقي على ظهره ويصلي موميا
إلى البيت المعمور كما في رواية عبد السلام عن أبي الحسن الرضا عليه السلام والحجر ليس من
الكعبة لصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن الحجر أمن البيت هو أو فيه شئ من
البيت قال لا ولا قلامة من ظفر ولكن إسماعيل دفن أمه فيه فكره أن توطأ فحجر عليها حجرا وفيه
قبور الأنبياء وقيل إنه منها فيجوز استقباله ونقل الشهيد في الذكرى أنه كان منها في زمن إبراهيم
وإسماعيل إلى أن بنت قريش فأعوزتهم الآلات فاختصروها بحذفه وكان كك في عهد النبي صلى الله عليه وآله
ونقل عنه الاهتمام بادخاله في بناء الكعبة وبذلك احتج ابن الزبير حين أدخله فيها ثم أخرجه
الحجاج ورده إلى ما كان وتعرف القبلة بالعلامات المذكورة في المطولات وكلها مأخوذة عن
فن الهيئة ومن جملتها العمل بالأسطرلاب والدائرة الهندية والشاقول واعتبار بعض الثوابت
المرصودة والمنصوصة منها الجدي وهو النجم المقارب للقطب الشمالي ففي رواية محمد بن مسلم
عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن القبلة فقال ضع الجدي في قفاك وصل وفي أخرى عنه (ع)
أتعرف الكوكب الذي يقال له الجدي قال نعم قال اجعله على يمينك فإذا كنت في طريق الحج فاجعله
بين الكتفين وفي الحديث النبوي في قوله عز وجل وعلامات وبالنجم هم يهتدون هو الجدي
لأنه نجم لا يزول وعليه بناء القبلة وبه يهتدي أهل البحر والبر والأخيرة مجملة جدا وكذا الأولتان
إذ من المعلوم أنه لا يمكن اجراؤهما في جميع بلدان الدنيا فلا بد من تخصيصهما ببعض
البلاد الممكنة والثانية تشتمل على تدافع ظاهر لا يرتفع إلا بنحو ذلك ولا طريق إلى ذلك أوثق
من الرجوع إلى قواعد الهيئة فإنها لمن عرفها محصلة للقطع بالجهة والمطابق لها الابتناء عليهما
في بعض بلاد العراق وما يساويها في الطول أي البعد عن مبدأ العمارة من جهة المغرب من بلاد
127

آذربايجان وما والاها من جهة الشمال إلى عرض التسعين والعراق يبتدي من موصل وطوله بحسب
ما رصد في الزيجات المعمولة سبع وسبعون درجة مساويا لطول مكة إلى عبادان قرية على شاطي
بحر البصرة ليس ورائها قرية وطولها أربع وثمانون درجة وثلاثون دقيقة مساويا لطول بلدتنا
تستر فامتداد العراق بين المشرق والمغرب سبع درجات ونصف فلكية وحصة كل درجة تقع
على سطح الأرض برصد بطليموس ومن في طبقته من الأوايل اثنين وعشرين فرسخا وتسع فرسخ
فطوله بين الخافقين مائة وستة وستون فرسخا وثلث فرسخ تقريبا وهذه المسافة المديدة لا
يمكن ابتناء قبلتها على وضع واحد وما تضمنته الأولتان من جعل الجدي على قفا المصلي وبين كتفيه أنما يناسب جانبه الغربي لمساواته لمكة في الطول وجعله على اليمين يناسب جانبه الشرقي و
المتوسط يأخذ منهما بحسب ما يليق ومن ثم قسم المحققون من المتأخرين العراق إلى ثلاثة أقسام
والبصرة تنقص عن عبادان بنصف درجة في الطول فيقل التيامن فيها عن تيامن عبادان بشئ
قليل لا يحس به وكلما كان البلد أكثر طولا إلى جهة المشرق كان التيامن فيه أكثر ومن هنا ظهر
ما في كلام المصنف في المفاتيح والمعتصم تبعا لبعض من تقدمه أن العلامة لأهل السند والهند
جعل الجدي على الأذن اليمنى ولأهل البصرة وفارس جعله على الخد الأيمن والصواب فيه العكس
كما في رسالة الشيخ المتقدم شاذان بن جبريل القمي فإن بلادهما المرصودة مثل منصورة قصبة
السند ودبيل ومولتان وقندهار وتبت وكشمير وغزنة وميمند وسومنات ولاهور و
دهلي الموسوم في هذه الأعصار بشاهجهان آباد كلها مما تنيف أطوالها على المائة درجة
فكيف يتصور أن يكون التيامن في البصرة أكثر منه فيها وهذا كله ظاهر وقد بلغني أن بعض
المعاصرين من سكنة الأهواز اغتر بكلام المصنف ذهولا عن حقيقة الحال فأفرط في التيامن
وصار ذلك فتنة لكثير من العوام وهو بإزاء التفريط المنقول عن المحقق الثاني حيث غير مساجد
عراق العجم وخراسان وحملهم على قبلة موصل وأوساط العراق والذي يهون الأمر جدا ما
يرشد إليه لوايح الشريعة السمحة من اتساع الجهة وأنه يكفي فيها التوجه إلى ما يتحقق معه الصدق
العرفي فإن الاكتفاء في الآية الكريمة بالشطر وخلو الأخبار عما زاد على ذلك مع أنه أعم ما يعم به
البلوى وتشتد إليه الحاجة وتتوفر عليه الدواعي من أقوى الشواهد وأعدل البينات على
توسعة عظيمة في الباب ومنه ينكشف قوة ما رجحه بعض المتأخرين من أنه لا تجب الاستعانة
فيه بعلم الهيئة وتعلم مسائله لا لما ذكره من أنه علم دقيق ومسائله مبتنية على مقدمات كثيرة
يحتاج إلى تحصيلها إلى زمان طويل وهمة عظيمة وفطرة سليمة وتكليف جمهور الناس بذلك
مباين لسهولة الشريعة إذ يرد عليه أن أكثر مسائل الفقه يتوقف ترجيحها وتحقيقها على
مقدمات كثيرة لا يحققها إلا أوحدي الناس وسائر الناس يرجعون إليه بالتقليد فيمكن أن يكون أمر القبلة كذلك ويعتمد على قبور المسلمين ومحاريب مساجدهم بل لا يجوز الاجتهاد
معها في الجهة لأن الخطأ فيها مع استمرار الخلق واتفاقهم ممتنع وأما في التيامن والتياسر فوجهان
واختار المصنف الجواز فإن لم يتمكن منها تحرى أي تعمد وطلب ما هو أحرى بالاستعمال والمراد
الاجتهاد في تحصيلها بالأمارات الممكنة فإن تمكن من العلم لم يجزه الظن كما لا يجزيه أضعف الظنين
مع امكان أقواهما وفي موثقة سماعة سألته عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم تر الشمس ولا القمر
ولا النجوم قال تجتهد رأيك وتعمد القبلة جهدك ومن الأمارات المعولة في الاجتهاد وهنا اخبار
من يحصل الظن باخباره سيما إذا كان عادلا بل يقوى وجوب تقليده إذا كان أقوى من الحاصل
باجتهاده بنفسه كما اختاره المحقق في الشرايع وإن خالفه في المعتبر فإن فقد جميع ذلك فهو متحير و
من زعم أن المتحير هو العاجز عن الاجتهاد بنفسه محجوج بحسنة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) في الأعمى
يؤم القوم وهو على غير القبلة قال يعيد ولا يعيدون فإنهم تحروا فإنها صريحة في أن مقلد
الإمام متحر وكيف كان فالمشهور المتحير يصلي إلى أربع جهات ولمرسلة حراش عن أبي عبد الله (ع)
إذا أطبقت أو اظلمت فلم نعرف السماء قال إذا كان ذلك فليصل إلى أربع وجوه هذا مع
السعة ومع الضيق تكتفي بالممكن ولو واحدة مخيرا والذي عليه المحققون من المتقدمين و
المتأخرين الاكتفاء بالواحدة مطلقا ويتخير في جهتها حيث يشاء كما في صحيحة زرارة ومحمد بن
مسلم عن أبي جعفر (ع) يجزي المتحير أبدا أينما توجه إذا لم يعلم أين وجه القبلة وعنه (ع) وقد سئل عن
قبلة المتحير قال يصلي حيث يشاء وفي معناه غيرهما فليس من مظان الاحتياط مع أنه يحصل
بثلاث صلوات إلى زوايا مثلث متساوي الأضلاع لأن ما بين المشرق والمغرب قبلة
كما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) وفيها نزلت هذه الآية في قبلة المتحير ولله المشرق
والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله فيقع من الثلاث واحدة أو اثنتان إلى القبلة لا محالة
والقرب والبعد عن الجهة الحقيقية بعد ثبوت الانحراف عنها لا يؤثران شيئا وفيه قول بالقرعة
فإن صلى متحريا أو متحيرا إلى جهة ثم تبين الخطأ فإن صلى إلى المشرق أعاد في الوقت خاصة دون
خارجه اجماعا وكذا إن صلى مستدبرا للقبلة عند المصنف ومن وافقه وقيل إنه يعيد مط
لموثقة عمار عن أبي عبد الله (ع) في رجل صلى على غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من
صلاته قال إن كان متوجها فيما بين المشرق والمغرب فليحول وجهه إلى القبلة ساعة يعلم وإن
كان متوجها إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة وفي دلالتها
على المطلوب منع لأنها مفروضة فيما إذا علم في أثناء الصلاة وهو ظاهر في بقاء الوقت والنزاع
128

إنما هو فيما إذا علم بعد خروجه وإن صلى بين المشرقين إلى جهة القبلة جاز له ترك الإعادة مطلقا
باجماع العلماء كما نقله في كتابه الكبير لكنه اشتبه عليه هنا فحكم بأنه خروج عن اليقين وإنما الخروج
عن اليقين ترك إعادة المستدبر خارج الوقت كما علمت ويسقط اشتراط القبلة في الفرايض
حال الاضطرار مطلقا سواء كان متحركا كالراكب وجالس السفينة كما مر أو مستقرا كالمحبوس و
في النوافل مطلقا سواء كان مضطرا ومختارا إلا مع الاستقرار وقيل مطلقا وضعف بأن العبادات
رسوم متلقاة من الشارع ولم ينقل عنه فعل النافلة إلى غير القبلة مع الاستقرار فيكون تشريعا
باب النداء ويطلق تارة على الأذان كما في قوله (تع) إذا نودي للصلاة وأخرى على الأذان والإقامة
وهو المراد هنا ويختص شرعيتهما باليومية الخمس أداء أو قضاء في السفر والحضر للرجال والنساء وصلاة
الجمعة ويستحبان في الجميع ويتأكد استحبابهما للرجال وسيما في الجماعة وفيهما قول بوجوبهما مطلقا
قواه في المفاتيح وآخر باشتراطهما كذلك وثالث بالوجوب في جماعة الرجال خاصة وأدلتها محمولة
في المشهور على التأكيد جمعا وفي صلاة الصبح والمغرب والجمعة آكد استحبابا وفيها أيضا قول بالوجوب
والإقامة في الجميع أشد تأكيدا من الأذان وفيها قول بالوجوب لا يخلو من قوة والمستيقن لا يتركها
منفردا ولا جماعة ولا يترك الأذان في الجماعة سيما الواجبة ولا سيما الرجل ويسقطان جميعا عن
السامع وفاقا للمشهور ولا سيما مع عدم التكلم وهل هو رخصة فيستحب التكرار أم عزيمة فلا يشرع
وجهان أظهرهما الأول أحوطهما الثاني سيما للمأموم إذ لا كلام في سقوط الاستحباب في حقه و
اطباق المسلمين على تركه كما قيل ويستحب للسامع أن يحكي سرا ما يسمع أذانا وإقامة كما صرح به
بعضهم وورد في بعض شواذ الأخبار والأكثر على تخصيصها بالأذان ويتم ما نقص المؤذن إن كان
يريد أن يصلي بأذانه كما في صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) وكذا يسقطان عمن جاء المسجد ولما
يتفرقوا القوم وإن فرغوا من صلاتهم فإنه يكتفي بأذانهم وإقامتهم ولم يفرق بعضهم بين المسجد و
غيره والأكثر بين المنفرد والجامع وخصه بعضهم بالأخير وهو أوجه وهل هو رخصة أو عزيمة
قولان واختار المصنف الأول حملا لمعارضه على التقية ويسقط الأذان خاصة عن الجامع بين
الفرضين في الثانية قضائين أو أدائين ولا سيما في عصر عرفه وعشاء مزدلفة وفي كونه رخصة
أو عزيمة الخلاف واختار هنا الثاني وفسر الجمع في الروايات بالاتيان بالثاني عقيب الأول
من دون تخلل النافلة بينهما ويقابله التفريق وكذا الجامع بين الفرايض المقضية فيكتفى
بالإقامة في غير الأولى والخلاف الخلاف ويسقط أيضا في السفر كما دلت عليه النصوص وهو
رخصة اجماعا وألحق بها في المشهور أذان العصر يوم الجمعة مطلقا لرواية حفص بن غياث
عن أبي عبد الله (ع) الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة وإذا اعتبر الأول أذان الصبح كان الثاني
أذان الجمعة فالثالث أذان العصر وخفي هذا على بعضهم فحمله على الأذان الذي أحدثه عثمان أو معاوية
بعد الخطبة قبل الجمعة وهو ثان بالنسبة إلى ما اعتبره أولا وإنما سمي لأن النبي صلى الله عليه وآله شرع لكل صلاة
أذانا وإقامة فالزايد ثالث وهو بدعة أو لأنه بدعة من الخليفة الثالث وفيهما من التعسف
ما لا يخفى على أن الأخير إنما يلايمه التركيب الإضافي دون التقييدي وخصه بعضهم بمن صلى
الجمعة دون الظهر والمحتاط يجمع يوم الجمعة بين صلاتيه بأذان واحد كما في غيره وهو وجه
قريب للسقوط وبه خصه في المفاتيح والمشهور أن فصول الأذان ثمانية عشر فصلا مترتبة
التكبير أربع وبعده الشهادة بالتوحيد بلفظ التهليل ثم الشهادة بالرسالة ثم بالحيعلات
الثلاث إلى الصلاة والفلاح وخير العمل ثم التكبير ثم التهليل كل واحد مرتان وفصول الإقامة
سبعة عشر يثني الكل فيها إلا التهليل في آخرها فمرة واحدة كما في رواية صريحة نقلها صاحب
البحار من كتاب دعايم الاسلام للصدوق ومن كتاب فقه الرضا كذلك ويزاد فيها قد
قامت الصلاة مثنى أي مرتين بعد الحيعلات قبل التكبير وبه سمي إقامة وأما شهادة
الولاية وما يجري مجراها بعد الرسالة مرة أو مرتين فيهما جميعا أو في الأذان خاصة فالنصوص قاصرة عن اثباتها وكذا العمومات المقبولة بل هي قائمة على نفيها والأقرب كونها
تشريعا وإن استمر العمل بها في بعض البلاد تقليدا لبعض من دخلت عليه الشبهة في الأعصار السابقة وقرر عليه من جاء بعده ومن هنا قيل زلة العالم زلة العالم ولو اقتصر
في أول الأذان على تكبيرتين جاز كما في كثير من النصوص وفي بعضها إيماء إلى أن الموظف
إنما هو تكبيرتان والأخريان من مقدمات الأذان ليستا داخلتين فيه ويجوز افراد الفصول
في السفر وعند العذر لكن الإقامة وحدها تامة أفضل منهما منفردين وروي في بعض
الأحوال الابتداء من قد قامت الصلاة إلى آخر الإقامة والأذان ينبغي التأني فيه و
قدر بأن يأتي كل فصل بنفس ورفع الصوت به للرجل فإنه يؤجر على مد صوته ويشهد
له كل شئ سمعه وأما المرأة فلا تجهر به بحيث يسمعها الأجانب وروي فيه الأمر بافصاح
الألف والهاء إما من الجلالة أو أشهد أو ألف الجلالة في أوله وهائها في آخره أو الأعم و
وضع الإصبعين في الأذنين كما يروى من فعل بلال وينبغي الحدر في الإقامة وهو أن يأتي
كل فصلين بنفس وأن يكون فيهما جميعا وفيها آكد على هيئة الصلاة من الطهارة والاستقبال
والقيام وترك الكلام في الأثناء وقيل بوجوبها شرطا فيها ويتأكد الاستقبال في الشهادتين
والوقوف على أواخر الفصول فيهما فورد أنهما موقوفان وفي أخرى مجزومان ويقصر الوقف
في الإقامة محافظة على وظيفة الحدر والفصل بينهما بركعتين ولو من الرواتب وربما يقيد
129

بما إذا لم يدخل وقت فضيلة الفريضة أو سجدة يقول فيها لا إله إلا أنت ربي سجدت لك
خاضعا خاشعا ذليلا كما نقله في الوافي من فلاح السائل ولم يطلع عليه في كتابه الكبير
أو جلوس ويخفف في المغرب أو تسبيح أو تحميد أو كلام أو سكتة والدعاء بينهما بالمأثور و
هو اللهم اجعل قلبي بارا وعيشي قارا ورزقي دارا وعملي سارا واجعل لي عند قبر نبيك
محمد مستقرا وقرارا وروى غيره وعن فقه الرضا إن أحببت أن تجلس بين الأذان و
الإقامة فافعل فإن فيه فضلا كثيرا وإنما ذلك على الإمام وأما المنفرد فيخطو تجاه القبلة
خطوة برجله اليمنى ثم يقول بالله أستفتح وبمحمد صلى الله عليه وآله أستنجح وأتوجه اللهم
صل على محمد وآل محمد واجعلني وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين وإعادة الإقامة
لمن تكلم بعدها فإنها كالجزء من الصلاة ويحرم الكلام بعد قول المقيم قد قامت الصلاة
في الجماعة كما في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) إذا أقيمت الصلاة حرم الكلام على الإمام وأهل
المسجد إلا في تقديم إمام وفي معناها صحيحة ابن أبي عمير وموثقة سماعة واستثنى في
الكتابين جميع ما يتعلق بالصلاة مثل تسوية الصفوف ونحو ذلك وهو خروج عن
المنصوص والمشهور في غير المستثنى الكراهة جمعا بين ما ذكر والعمومات الدالة على الجواز
مثل صحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن الرجل أيتكلم بعد ما يقيم الصلاة
قال نعم وخصها المصنف وما في معناها بالمتعلقات تارة وبغير الجماعة أخرى
باب
الهيئة والمراد بها ما يعم الوضع والفعل والفرض البين منها أن يقوم القادر عليه وحده
الانتصاب عرفا ويتحقق بنصب قفار الظهر فلا يخل به الاطراق ويخل الميل إلى أحد الجانبين
كما قيل ويشترط فيه الاستقرار والأكثر على وجوب الاستقلال مع القدرة ومنهم من استحبه
وكره الاستناد وقواه في المفاتيح وإن كان المشهور أحوط ويكون مستقبل القبلة كما سبق
فيحرم خالصا بتكبيرة صورتها الله أكبر قاطعا الهمزتين فإن لم يتمكن من اللفظ تعلم فإن
تعذر أو ضاق الوقت أحرم بترجمتها ثم يقرأ الإمام والمنفرد الحمد مع بسملتها فإنها آية
منها باجماعنا ثم يركع وهو أن ينحني بحيث يمكن أن تصل يداه إلى ركبتيه والعاجز يأتي
بما أمكن فيذكر الله بمسماه مطمئنا بقدره ثم ينتصب فيطمئن بمسماه ثم يسجد سجدتين
على الأعضاء السبعة الجبهة والكفين والركبتين وإبهامي الرجلين يضع شيئا من جبهته
على أرض أو نبات طاهرا وفي حكمه كالأرض والبارية والحصير المتنجسة إذا جفتها الشمس
مساويا لموقفه أو أعلى منه بما لا مزيد على لبنة غير مأكول ولا ملبوس عادة كالخبز والثوب
وكذا القطن والكتان ولو قبل العزل على المشهور والوجه الفرق وفاقا للعلامة في النهاية
والتذكرة جمعا بين الأخبار ويدل عليه صريحا ما رواه صاحب الوسائل من كتاب تحف العقول
لبعض متقدمي علمائنا عن أبي عبد الله (ع) في حديث قال وكل شئ يكون غذاء الانسان في مطعمه
أو مشربه أو ملبسه فلا يجوز الصلاة عليه ولا السجود إلا ما كان من نبات الأرض من غير
ثمر قبل أن يصير مغزولا فإذا صار غزلا لا يجوز الصلاة فيه إلا في حال ضرورة ولا معدن
كالذهب والفضة وفي الأراضي المستحيلة كالجص والنورة والخزف قولان والصحيح في الجص
الجواز كما يشعر به صحيحة الحسن بن محبوب ويجوز على القرطاس قولا واحدا وإن تركب مما
لا يصح عليه ويذكر الله فيهما بمسماه باطمئنان بقدره ويجلس بينهما مطمئنا بمسماه ويتشهد
بعدهما في الركعة الثانية من كل صلاة وكذا في الأخيرة من الثلاثية والرباعيات الشهادتين
بالتوحيد والرسالة ويصلى على النبي صلى الله عليه وآله بعد الأخيرة ويحلل بعد الفراغ مما ذكر
بتسليمة يقول السلام عليكم وأوجب بعضهم زيادة ورحمة الله والمشهور استحبابه أما وبركاته
فمستحب بالاجماع كما في المفاتيح وغيره وكان الأولى ذكره في السنن حيث حاول هنا الاقتصار على
أقل الواجب وفي الصلاة الآية يسجد السجدتين في كل ركعة بعد خمس ركوعات قبل كل واحد منها
قراءة تامة أو ناقصة كما يأتي ومن رفع يديه بالتحريمة حذاء وجهه كما فسر به النحر بطريق أهل البيت (ع)
وذهب إلى وجوبه جماعة فقد أتى بالفصل وكذا إن قرأ الإمام والمنفرد سورة كاملة مع بسملتها غير
عزيمة بعد الحمد في كل ركعة من الثنائية والأولتين من الثلاثية والرباعية من الفرايض مع السعة
والاختيار وامكان التعلم وأوجبه الأكثر وهو الأقوى لموافقة دليله لظاهر الكتاب و
الاحتياط وبعده عن مذاهب القوم وأما اشتراط كونه غير عزيمة فهو المشهور المنقول عليه
الاجماع وعلل في الرواية بأن السجود زيادة في المكتوبة ونظر فيه جماعة منهم المصنف لروايات
محمولة على النافلة أو التقية وكذا إن جهر الرجل بمسماه عرفا بالقراءة في صلاة الصبح وأولتي
كل من العشائين والمشهور وجوبه وفي صلاة الجمعة والعيدين والكسوفين والنوافل الليلية
فضلا واستحبابا وتفصيا عن صحيحة زرارة وأخفى في البواقي مطلقا فيما عدا البسملات فإن
فإن الجهر بها من علامات المؤمن مطلقا وقيل للإمام خاصة ومنهم من خصه بالأولتين
وجوبا أو استحبابا وفيمن عدا الإمام يتعارض الاحتياطان وكذا في الأخيرتين ولا مخلص
إلا بالتزام التسبيح وبركة الجماعة إلا أن التخصيص بالإمام ضعيف جدا فيسامح في احتياطه
عند التعسر ولم يعدل من سورتي الجحد والتوحيد إلى غيرهما مطلقا ولا من غيرهما بعد بلوغ
النصف وأتى بالتسبيح التام المعروف وهو في الركوع سبحان ربي العظيم وبحمده وفي السجود
سبحان ربي الأعلى وبحمده وثلثه في كل منهما كما في رواية الحضرمي عن أبي جعفر (ع) وأقام صلبه
130

بعد رفع الرأس من الركوع زيادة على ما يتحقق به الانتصاب وإلا فلا صلاة له كما في حديث
أبي بصير وقد ورد الأمر بها حين الركوع أيضا في صحيحة زرارة والمراد بها تسوية الظهر كما
في حديث حماد في وصف صلاة أبي عبد الله (ع) ويأتي وارغم بأنفه أي ألصقه بالرغام وهو
التراب في السجود فيكون قد سجد على ثمانية كما أوجبه الصدوق لموثقة عمار وسجد بتمام
الجبهة كما أوجبه ابن الجنيد لصحيحة علي بن جعفر من دون اكتفاء بالمسمى كما هو المشهور أو
بمقدار الدرهم كما قاله بعضهم وجلس بعد اكمال السجدتين قبل النهوض مطمئنا جلسة الاستراحة
التي أوجبها السيد وهي كالفصل بين الركعتين وقنت في كل ثانية من الفرايض سيما اليومية
فإن الصدوق أوجبه فيها وقيل بل يجب في الجهرية منها خاصة لبعض الظواهر ومحله فيها قبل
الركوع والمشهور أن في صلاة الجمعة قنوتين لكل ركعة قنوت ففي ثانيتها بعده وفي أولها
قبله والصدوق سوى بينها وبين غيرها في وحدته ومحله وكذا المفيد إلا أنه جعله في الأولى و
قواه في المفاتيح أنه عمل بالمشهور وفي ركعتي العيدين تسع مرات بعد تسع تكبيرات
قبل كل منها تكبيرة خمس في الأولى وأربع في الثانية والأكثر على وجوبها جميعا خلافا للخلاف
فاستحب القنوتات وللمقنعة فاستحب التكبيرات أيضا وجعلها الصدوق في الركعة الأولى
قبل القراءة لروايات محتملة للتقية وأتى بلفظ وحده لا شريك له بعد شهادة التهليل في التشهد
ومن أتى مع ذلك كله في التسليم بلفظ السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين قبل السلام
عليكم وببعض مما سيأتي فقد أخذ باليقين وخرج عن احتمال ترك شئ من فرايض الصلاة
التي هي عمود الدين والمشهور أنه يتخير المصلي مطلقا في أخيرة المغرب والأخيرتين من الرباعيات
بين القراءة والذكر وقيل إن ناسي القراءة في الأولتين يتعين عليه القراءة فيما عداهما لئلا
تخلو صلاته من فاتحة الكتاب وهو شاذ والروايات في تعيين المجزي من الذكر مختلفة جدا ومنها
تشعبت الأقوال في المسألة ففي صحيحة لزرارة عن أبي جعفر (ع) سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
ثلاث مرات تكمل تسع تسبيحات وفي أخرى له عنه (ع) تقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله و
الله أكبر وتكبر وتركع وفي ثالثة إنما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء وفي صحيحة الحلبي عن أبي
عبد الله (ع) الحمد لله وسبحان الله والله أكبر وفي صحيحة عبد الله بن زرارة عنه (ع) تسبح وتحمد
الله وتستغفر لذنبك وإن شئت فاتحة الكتاب فإنها تحميد ودعاء وفي رواية عبد الله بن
حنظلة عنه (ع) إن شئت فاقرء فاتحة الكتاب وإن شئت فاذكر الله ومنها استفاد المصنف في
غيره الاكتفاء بمطلق الذكر بعد ما اختار الاكتفاء بكل ما روي كما مال إليه الشهيد في الذكرى
وصرح به صاحب البحار وفي هذه الاستفادة نظر لاحتمال كون الغرض المسوق له الكلام بيان
التخيير بين الفردين لا بيان الفرد المخير فيه فلا يدل اجمال الذكر على الاكتفاء بمطلقه بل يؤخذ
بيانه من محل الكلام لا يخفى مع أن في سندها على مصطلحهم ضعفا وما اختاره هنا من الاتيان بمسمى
الذكر ثلاثا أقرب إلى أكثر الأخبار الصحيحة فإن ثلث التسبيحات الأربع بترتيبها المذكور مع ضم
الاستغفار إليها أخيرا ولو مرة واحدة فيكون المجموع خمسة عشر أو ثلاثة عشر فقد أخذ باليقين لاشتماله على
جميع الأخبار والأقوال وأما الدعاء فيتحقق الخروج عن عهدته بالاستغفار انشاء الله تعالى والعاجز
عن القيام ولو مع الاستناد يجلس كيف يشاء وأفضله التربع وفي موثقة حمران عن أحدهما (ع) كان أبي
إذا صلى جالسا تربع وإذا ركع ثنى رجليه وفسر بأن ينصب فخذيه وساقيه وهو أقرب إلى القيام من
غيره من أنواع الجلوس ثم إن عجز عن الجلوس بأنواعه يضطجع على جنبه الأيمن وجوبا أو استحبابا على
الخلاف كالملحود ثم على الأيسر ثم يستلقي إلى القبلة بحيث لو جلس كان مستقبلا لها والعاجز عن الر
كوع والسجود يؤمي بالرأس ثم بالعينين تغميضا وفتحا ويجعل إيماء السجود أخفض كما تقدم وإن تمكن
من رفع الموضع والسجود عليه قدمه على الايماء فضلا وأخذا باليقين ففي صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع)
في المريض يسجد على الأرض أو على مروحة أو سواك يرفعه إليه وهو أفضل من الايماء وفي رواية
إبراهيم الكرخي عن أبي عبد الله (ع) في شيخ لا يمكنه الركوع والسجود ليؤم برأسه إيماء وإن كان له
من يرفع الخمرة إليه فليسجد وإن لم يمكنه ذلك فليؤم برأسه نحو القبلة إيماء ولو عجز عن حالة
في الأثناء انتقل إلى ما دونها وبالعكس بلا خلاف ومعرفة العجز موكولة إليه فإن الانسان على
نفسه بصيرة وفي صحيحة جميل بن دراج قال سألت أبا عبد الله (ع) ما حد المرض الذي يصلي صاحبه
قاعدا قال إن الرجل ليوعك ويجرح ولكنه أعلم بنفسه ولكنه إذا قوي فليقم ويجوز التعويل في
ذلك على قول الأطباء كما يستفاد من صحيحة محمد بن مسلم عنه (ع) في الرجل والمرأة يذهب بصره
فيأتيه الأطباء فيقولون نداويك شهرا أو أربعين ليلة مستلقيا كذلك يصلي فرخص في
ذلك وقال فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه ومن أسباب العجز زيادة المرض وبطؤ
برئه وخوف التلف والعذر والمشقة الكثيرة وقصر السقف ونحو ذلك كما في المفاتيح وغيره
والعاجز عن القراءة للجهل بالفاتحة يتعلم فإن تعذر أو ضاق الوقت ائتم إن أمكنه أو قرأ
في المصحف إن أحسنه وإلا قرأ ما تيسر منها اجماعا فإن تعذر قرأ ما يحسن من غيرها ومن
تعذر عليه جميع ذلك يذكر الله بالتكبير والتسبيح ففي صحيحة عبد الله بن سنان عنه (ع)
لو أن رجلا دخل في الاسلام لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبر ويسبح ويصلي وفي
تقديره بقدر القراءة الواجبة أو الاكتفاء بمسماه وجهان والمشهور جواز الترجمة
مع التعذر والآتيان بترجمة القرآن أدخل في اليقين من ترجمة الذكر عند تيسرهما والأخرس
131

يأتي بالممكن ولا يجب عليه الائتمام فإن حرك لسانه وأشار بإصبعه كما في رواية السكوني فقد
أخذ باليقين ويجوز الجلوس في النافلة اختيارا بلا خلاف إلا ممن شذ والتضعيف حينئذ أو
القيام أو أخر القراءة ليركع عن قيام أفضل ففي رواية الصيقل عنه (ع) إذا صلى الرجل جالسا و
هو يستطيع القيام فليضعف وفي صحيحة حماد عن أبي الحسن (ع) إذا أردت أن تصلي وأنت جالس وتكتب لك صلاة القائم فاقرأ وأنت جالس فإذا كنت في آخر السورة فقم وأتمها واركع فتلك
تحتسب لك بصلاة القائم
باب الآداب والسنن وهي كثيرة رقاها بعضهم إلى الألف واستدرك
عليه بعض المتأخرين أمورا أخر والمذكور هنا التنظيف والتطييب كما قال سبحانه خذوا زينتكم
عند كل مسجد فإنها مثول بين يدي ملك الملوك لتقديم العبادة والتواضع وتقبيل الأرض فينبغي
تحسين الهيئة إذ ذاك والمبالغة في التجمل ظاهرا وباطنا فإن الباطن بالنسبة إلى الملك المقصود
بالخدمة ظاهر وورد ركعتان يصليهما متطيب أفضل من سبعين ركعة من غيره وتطييب
الباطن يتحقق بتصحيح النية وعقد القلب على الخير فتفوح منه روايح أطيب من المسك كما
تفوح الروايح الخبيثة عند فساد النية وقصد الشر وبذلك ينكشف على الملكين ما يضمره
المضمرون من خير وشر واحضار القلب بقطع الشواغل الموزعة عنه وهو روح العبادة و
أصلها والاقبال به على الله عز وجل وعبادته فعن أبي عبد الله (ع) إذا صليت فاقبل بقلبك على
الله عز وجل فإنه ليس من عبد مؤمن يقبل بقلبه على الله في صلاته ودعائه إلا أقبل الله عليه
بقلوب المؤمنين وفي حديث آخر إنما يحتسب للمصلي من صلاته ما أقبل عليه بقلبه واستصغار
ما سواه حال التكبير حتى يكون مؤمنا بقلبه ولسانه وإلا كان من الذين قالوا آمنا بأفواههم
ولم يؤمن قلوبهم وعن أبي عبد الله (ع) إذا كبرت فاستصغر ما بين العلى والثرى دون كبريائه
فإن الله إذا اطلع على قلب العبد وهو يكبر وفي قلبه عارض عن حقيقة تكبيره قال يا كاذب
أتخدعني وعزتي وجلالي لأحرمنك حلاوة ذكري ولأحجبنك عن قربي والمسارة بمناجاتي
الحديث والتعظيم له ليكون قيامه بين يديه بقدم الصدق ويلزمه السكون والهيبة والاستحياء منه والرجاء لمكارمه واعتبر ذلك بحالك في الوقوف بمحضر عظيم من عظماء الدنيا
فكلما تجده في نفسك حينئذ من الاستسلام والخشوع والرهبة والرغبة والانكسار والتحرز
عن سوء الأدب والحياء من المكاشفة بما لا يرضى من القول فليكن حالك في الصلاة على أضعاف
ذلك بحسب ما تراه من التفاوت بين العظمتين والتفهم للذكر باستيضاح الأسرار الدقيقة
والضراعات الأنيقة المنطوية عليها الكلمات الموظفة في الصلاة من أدعية التوجه والاستعاذة والقراءة وأذكار الركوع والسجود وما بينهما والقنوت والتشهد والتسليم فإن فيها
عجايب يتفاضل المصلون في ادراكها درجات وقد كشف الشهيد الثاني في رسالته جملة وافية
منها وكذلك المصنف في بعض مسفوراته والآتيان بالتكبيرات الست الافتتاحية غير تكبيرة
الاحرام سرا مع ادعيتها المأثورة الثلاث بينها والتوجه بعدها ويجزي ولاء كما في موثقة زرارة
وفي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) إذا افتتحت الصلاة فكبر إن شئت واحدة وإن شئت
ثلاثا وإن شئت خمسا وإن شئت سبعا كل ذلك مجز عنك ويتخير في التحريم بأي السبع شاء بلا
خلاف وإنما الخلاف في الفضل والمستفاد من حديث تكلم الحسين (ع) أنها الأولى والمنقول عن
فقه الرضا (ع) الأخيرة وظاهره كغيره استحبابها للمنفرد وغيره خلافا لبعض القدماء حيث خصها
بالمنفرد وفي جميع الصلوات فرضها ونفلها كما صرح به الشهيد وغيره خلافا لبعضهم حيث
خصها بالفرايض ومنهم من زاد ستا من النوافل أول ركعة من صلاة الليل ومن ركعتي الزوال
ومن نافلة المغرب ومن ركعتي الاحرام ومن الوتيرة ومفردة الوتر ولا يعرف مستنده بل المستفاد
من اطلاق الروايات العموم كما صرح به في المعتصم والتكبير قبل كل ركوع وقيل بوجوبه وقبل
الهوي إلى كل سجود أو في أثنائه وقبل كل قنوت وبعد رفع الرأس من كل سجود وأن يكون
رافعا يديه بالجميع فإنه زينة الصلاة كما في رواية زرارة عن أبي عبد الله (ع) وفي صحيحة ابن
مسكان عنه (ع) هي العبودية وهو مستحب أخر لا يتعلق بالتكبير كما في المفاتيح والقول بوجوبه في
تكبير الركوع شاذ ويتأكد للإمام وأما اختصاصه به أو به وبالمنفرد كما نفى عنه البعد في
المفاتيح فغير ثابت وأن لا يتجاوز بهما رأسه وأذنيه واستقبال القبلة ببطن الكفين والابتداء
بالرفع مع ابتدائها والانتهاء بانتهائها على المشهور والجهر بتكبيرة الاحرام على قول
والأشهر تخصيصه بالإمام والاستعاذة لأول قرائته في الركعة الأولى سرا مطلقا والقول
بوجوبها شاذ وصورتها المأثورة الراجحة أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
وقراءة مثل سورتي الشمس والأعلى في الطول في أولتي الظهر والعشاء كما في صحيحة محمد بن
مسلم عن أبي عبد الله (ع) ويستثنى ظهر الجمعة كما سيأتي وفي بعض نسخ الكتاب بعد الشمس و
الغاشية وهي مروية في حديث عيسى بن عبد الله القمي عنه (ع) في حكاية قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله
في الصلوات وأحصى منها نحو النصر والتكاثر والتوحيد وإذا زلزلت في أولتي العصر و
المغرب في غير يوم الجمعة وليلتها وما يقرب في الطول من النبأ والقيامة والغاشية والدهر في
أولى ركعتي الغداة مطلقا إلا ما يستثنى وفي الركعة الثانية سورة التوحيد في الكل لأن الدعاء
على أثرها مستجاب وهو القنوت كما ذكره الصدوق وكأنه الذي حدى المصنف على التقييد
بالأولى والأوليين وإلا فالروايتان خاليتان عن ذلك أو يقرأ التوحيد في الأولى والقدر
132

في الثانية كما في حديث المعراج الذي رواه عمر بن أذينة أو بالعكس في الجميع كما أفتى
به الصدوق وحكاه من فعل الرضا (ع) وأن يقرأ في الجمعة وهي الصلاة المخصوصة و
ضمير ظهرها يرجع إليها بالاستخدام بالجمعة في الركعة الأولى والمنافقين في
الثانية وأوجبها بعضهم فيهما ومنهم من أوجب في الجمعة خاصة وفي عصرها و
مغرب ليلتها وغداتها بالجمعة في الأولى والتوحيد في الثانية وفي أولتي عشائها
بالجمعة والأعلى ولو قدم الغداة على الليلة سلم من تشويش الضماير وفي أولى غداة
الخميس والاثنين بالدهر وفي ثانيتها بالغاشية كما حكاه الصدوق عن الرضا (ع) وقال من
قراهما وقاه الله شر اليومين وأن يقرأ بالشمس والغاشية وأشباههما كما في صحيحة جميل أو
الأعلى والشمس كما في رواية إسماعيل بن جابر في صلاة العيدين وقراءة الكهف والحجر في
صلاة الآيات إلا أن يكون أما ما يشق على من خلفه كما في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) وأن لا يدع سورتي التوحيد والجحد في سبعة مواطن كما في حسنة معاذ
عن أبي عبد الله (ع) في الركعتين قبل الفجر وركعتي الزوال والركعتين بعد المغرب والركعتين
من أول صلاة الليل وركعتي الاحرام والفجر إذا أصبح بها أي تجلل السماء وقرب طلوع
الشمس وركعتي الطواف قال الكليني وفي رواية أخرى أنه يبدأ في هذا كله بقل هو الله
أحد وفي الركعة الثانية بقل يا أيها الكافرون إلا في الركعتين قبل الفجر فإنه يبدأ بقل يا
أيها الكافرون ثم يقرأ في الركعة الثانية بقل هو الله أحد وقراءة سورتي الواقعة و
التوحيد في الوتيرة كما في صحيحة ابن أبي عمير والمعوذتين والتوحيد في ثلاث ركعات
الوتر كما في صحيحة يعقوب بن يقطين أو التوحيد وحده في ثلاثهن لأنه يعدل ثلث القرآن
فيكون قد قرأ القرآن كله كما في صحيحة النضري والترتيل في القراءة وهو حفظ الوقوف و
بيان الحروف كما في حديث أمير المؤمنين (ع) ويأتي والتدبر وسائر ما يأتي في باب القراءة
من آدابها وشغل النظر في حال القيام بموضع السجود وصف القدمين وهو أن لا تكون إحديهما
أقرب إلى القبلة من الأخرى في حال الركوع وأن لا يلصق إحديهما بالأخرى بل يكون بينهما
فصل قدر إصبع أقل ذلك إلى شبر أكثره وهو مما يستحب في حال القيام أيضا كالاستقبال
بأصابع الرجلين كما ذكره في غيره وغيره ووضع اليد اليمنى على الركبة اليمنى قبل وضع اليد اليسرى
على الركبة اليسرى وتمكين الراحتين من الركبتين بجعل أصول الأصابع في عين الركبة
وملاهما منهما منفرجات ورد الركبتين إلى الخلف فإنه أوفق بالإطالة وإقامة الصلب
كما في حديث زرارة والمراد بها تسوية الظهر بحيث لو صب عليه قطرة ماء أو دهن لم
تزل كما في حديث حماد وقد مرت الإشارة إليه ومد العنق استسلاما وتغميض
العينين كما حكاه حماد من فعل أبي عبد الله (ع) أو النظر إلى ما بين القدمين كما أمر به أبو
جعفر في حديث زرارة فيجمع بينهما بالتخيير وقيل بل التغميض مردود إلى النظر بحمله على تشبيه
أو اشتباه فإن الناظر إلى ما بين قدميه يقرب صورته من صورة المغمض خصوصا بالنسبة
إلى من يقابله والدعاء بالمأثور قبل التسبيح الموظف فيه وهو اللهم لك ركعت
ولك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وأنت ربي خشع لك قلبي وسمعي و
بصري وشعري وبشري ولحمي ودمي ومخي وعصبي وعظامي وما أقلته قدماي غير
مستنكف ولا مستحسر وفي السجود اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك
توكلت وأنت ربي سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره الحمد لله رب العالمين تبارك
الله أحسن الخالقين وروي غير ذلك فيهما وزيادة التسبيح على الثلاث إلى ما يتسع له الصدر
فيهما فقد عد للصادق (ع) ستون تسبيحة وفي أخرى خمسمائة وفي موثقة سماعة فليطول
ما استطاع إلا الإمام فإنه يخفف بهم وقيل بل لا يزاد على السبع وفي مستنده قصور
والتجافي وهو التفريج ما بين البطن والأرض وما بين العضدين والجنبين وقد عبر
عنه في الروايات بالتخوي والتفرج ووضع كفي اليدين على الأرض في السجود قبل الركبتين
كما ورد الأمر به في صحيحة زرارة وما ورد في تقديم الركبتين محمول على الرخصة والجواز
ووضعهما معا دون تقديم إحديهما كما في الركوع وأن يكون غير ملصق لهما بركبتيه ولا
مفترشا بذراعيه افتراس السبع ذراعه ولا محاذيا ركبتيه بكفيه بل محرفا لهما عن ركبتيه
إلى اليمين واليسار قليلا على وجه يصدق أنهما بين يدي ركبتيه وأن تكونا حيال وجهه
عرضا غير دان منه بل حيال منكبيه طولا والصواب تثنية الوصف وتأنيثه ومن وظيفة
المرفقين في السجود أن يكون مجنحا بهما بابعادهما عن البدن كالجناحين وهو مما يندرج
في التجافي على وجه والكفين للساجد مطلقا أو يكون باسطا لهما على الأرض مضمومتي
الأصابع وضمائر التثنية كلها راجعة في كلام المصنف إلى اليدين باعتبار اشتمالها
على الكفين والمرفقين اعتمادا على القرائن الخارجة فإن تمحل بإرادة الكفين من المرجع وإعادة
متعلق التجنيح إلى الذراعين لزم من التشويش ما لا يخفى وأن يكون ساجدا على الأرض
دون النبات لأنها أبلغ في الخشوع والتواضع ولرواية إسحاق بن الفضل بل على طين
قبر الحسين (ع) أو تربته فإنه أفضل فعن أبي عبد الله (ع) السجود على طين قبر الحسين ينور
إلى الأرضين السبع وعنه (ع) إن السجود على تربة أبي عبد الله (ع) يخرق الحجب وأن يخطر بباله
133

وقت مد العنق في الركوع آمنت بك ولو ضربت عنقي كما في حديث أمير المؤمنين (ع) و
يخطر بباله في السجدة الأولى اللهم منها خلقتني أي من الأرض وفي الرفع منها ومنها أخرجتني
وفي السجدة الثانية وإليها تعيدني وفي الرفع منها ومنها تخرجني تارة أخرى وفيها
تلميح إلى قوله عز وجل منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى وأن يكون
التكبير الأول بينهما بعد استقراره على الأرض كما في حديث حماد وأن يكون جلوسه بين
السجدتين توركا وهو أن يجعل أليتيه على الأرض معتمدا على فخذه الأيسر واضعا ظهر قدمه
الأيمن على بطن قدمه الأيسر وطرف إبهامه اليمنى على الأرض والقياس تأنيث الأوصاف الثلاثة
إلا أنه تبع لفظ حماد لاصقا ركبتيه على الأرض كذا فيما وجدناه من النسخ والصواب ملصقا
ركبتيه أو لاصقة ركبتاه وتعديته بعلى لتضمنه معنى الوضع ولفظا لرواية حرف الالصاق
وهو ألصق والمراد بالصاقهما بالأرض الصاق ما يتصل منهما بالساقين بها وأن يكون مفرجا
بينهما قدر ما يحصل به الارتفاق في جلوسه وأن يستغفر الله ويتوب إليه بينهما والمأثور
في ذلك أستغفر الله ربي وأتوب إليه وروي اللهم اغفر لي وارحمني وأجرني وادفع
عني إني لما أنزلت إلي من خير فقير تبارك الله رب العالمين وأن يكبر التكبيرة الأخرى
للسجدة الثانية وهو جالس كما في حديث حماد أو في حال الانكباب كما في حديث سيد
الساجدين (ع) وأن يرفع يديه في حال القنوت تلقاء وجهه مبسوطتين يحاذي ببطونهما
السماء وظهورهما الأرض قاله الأكثر وروى الشهيد في الذكرى عن عبد الله بن سنان
عن أبي عبد الله (ع) وترفع يديك حيال وجهك وإن شئت تحت ثوبك وتتلقى بباطنهما السماء
وحكي عن المفيد أنه يرفع يديه حيال صدره وعن المعتبر قولا بجعل باطنهما إلى الأرض وأن ينظر إلى
بطونهما قاله الجماعة ولم أقف على مستنده وأن يدعو بالمأثورات عموما وخصوصا وهي كثيرة
مطولة ومختصرة وروي أن أدناه خمس تسبيحات ومن قنت في صلاة العيد بقوله اللهم أهل الكبرياء
الدعاء المشهور فقد أخذ باليقين وخرج من خلاف موجبه وبأن يكون جهرا ولو في الصلوات
السرية وهو من المستثنيات من قاعدة الاسرار بالتطوع وروايات التخيير محمولة على الرخصة
وأن يكون مطولا فيه ما استطاع فورد أطولكم قنوتا في دار الدنيا أطولكم راحة يوم القيامة
في الموقف وأن يستغفر الله سبعين مرة في قنوت ثالثة الوتر وليتحفظ عن الزيادة و
النقصان فإن لكل عدد خاصة لا تتعداه وإن كانت الزيادة خيرا من وجه آخر كما يتحفظ على
ضبط مقادير الأدوية نظرا إلى الآثار المطلوبة منها وربما كانت الزيادة أبعد عن المطلوب
من النقيصة وهذا مما يجري في جميع النظاير وأن يجلس في حال التشهد متوركا كما جلس
بين السجدتين وأن يكون مخطرا بباله حال التورك فيه حين يرفع القدم اليمنى ويخفض
اليسرى اللهم أمت الباطل وأقم الحق كما في حديث أمير المؤمنين (ع) وأن يأتي
فيه بالأذكار المأثورة وذكر جماعة من الأصحاب أن أفضلها ما تضمنته موثقة أبي
بصير بطولها في الرابعة قال قال أبو عبد الله فإذا جلست في الركعة الثانية فقل بسم الله
وبالله والحمد لله وخير الأسماء لله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا
عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة أشهد أنك نعم الرب وأن محمدا نعم الرسول اللهم صل على محمد وآل محمد وتقبل شفاعته في أمته وارفع درجته ثم
تحمد الله مرتين أو ثلاثا ثم تقوم فإذا جلست في الرابعة فقل بسم الله وبالله والحمد
لله وخير الأسماء لله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة أشهد أنك نعم الرب وأن محمدا
نعم الرسول التحيات لله والصلوات الطاهرات الطيبات الزاكيات الغاديات الرايحات
السابغات الناعمات لله ما طاب وزكى وطهر وخلص وصفا فلله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أشهد أن ربي نعم الرب و
أن محمدا نعم الرسول وأشهد أن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور
الحمد لله الذي هدانا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله الحمد لله رب العالمين اللهم
صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد وسلم على محمد وآل محمد وترحم على محمد وآل
محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم صل على
محمد وآل محمد واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا
للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم اللهم صل على محمد وآل محمد وامنن علي بالجنة و
عافني من النار اللهم صل محمد وآل محمد واغفر للمؤمنين والمؤمنات ولمن دخل بيتي
مؤمنا ولا تزد الظالمين إلا تبارا ثم قل السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته
السلام على أنبياء الله ورسله السلام على جبريل وميكائيل والملائكة المقربين
السلام على محمد بن عبد الله خاتم النبيين لا نبي بعده والسلام علينا وعلى عباد
الله الصالحين ثم تسلم ويقول حين يقوم من التشهد الأول مطلقا بحول الله وقوته
أو بحولك وقوتك أقوم وأقعد ويقصد بتسليمه بضمير المخاطبين الأنبياء والأئمة
والحفظة سلام الله عليهم والإمام بقصد المأمومين أيضا والمأموم الرد على
الإمام ومن على جانبيه كذا قالوه وقيل بوجوب هذا الرد لعموم آية التحية ويسلم
134

المنفرد موميا بمؤخر عينه إلى يمينه مع الاستقبال والإمام بصفحة وجهه إلى يمينه و
كذا المأموم إلى يمينه ويساره كما يأتي وجميع ما ذكر من الآداب مما يشترك فيه
الرجل والمرأة إلا أنها إذا قامت في الصلاة جمعت بين قدميها ولا تفرج بينهما و
تضم يديها إلى صدرها لمكان ثدييها فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها
على فخذيها لئلا تطأطأ كثيرا فترتفع عجيزتها فإذا جلست فعلى أليتيها ليس كما يجلس
الرجل وإذا سقطت للسجود بدأت بالقعود بالركبتين قبل اليدين ثم تسجد لاطئة
بالأرض فإذا كانت في جلوسها ضمت فخذيها ورفعت ركبتيها من الأرض فإذا نهضت
انسلت انسلالا لا ترفع عجيزتها أولا كذا في حسنة زرارة وفي رواية ابن أبي يعفور
إذا سجدت بسطت ذراعيها وفي مرسلة ابن بكير تضممت والرجل إذا سجد تفتح
باب
المكروهات زيادة على ما تقدم التكاسل والتثاقل والتناعس فإنها من خلال
النفاق فإن الله نهى المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة وهم سكارى يعني سكر النوم و
قال للمنافقين وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤن الناس ولا يذكرون الله إلا
قليلا والتمطي وأصله التمطط وهو التمدد والتثأب بالهمز وهو تنفس ينفتح منه الفم من
الامتلاء وكدورة الحواس وورد أنهما من الشيطان والتنخم وهو اخراج النخامة أي البزقة
من الحلق والتلثم كما سبق والمكروه منه ما لا يمنع النطق بالواجب من الألفاظ وإلا حرم
والتبسم وهو ما لا صوت فيه من الضحك والتبصق وهو لفظ البصاق أي ماء الفم
والامتخاط وهو لفظ المخاط أي ماء الأنف والالتفات الغير الفاحش يمينا وشمالا
بالبصر أو الوجه أما الفاحش فحرام مبطل للصلاة كما يأتي وقيل إنه مبطل مطلقا والنظر
إلى السماء للنهي عنه مع منافاته الخشوع وكذا تحديده في شئ ولو كان حذاء الوجه وحديث
النفس كك والوسواس فإنه إطاعة الشيطان كما يضطر إلى الاذعان به صاحبه إذا حقق
عليه القول سواء كان في النية أو متعلقاتها أو اخراج الحروف من المخارج أو غير ذلك
وربما حرم على بعض الوجوه وهو وإن لم يكن أمرا اختياريا إلا أن مباديه أمور اختيارية
وكذا جملة من المذكورات واشباع الحركات بحيث تقارب الحروف وكذا اشباع السكنات
بحيث تقارب الحركات سيما في حروف القلقلة والتأمين وهو قول الأمين بعد الحمد
لغير تقية وهو من سنة النصارى وقد وردت الأخبار مصرحة في النهي عنه للمأموم
وغيره فالتحريم قوي والمعارض يحتمل التقية والمشهور تحريمه مطلقا وبطلان الصلاة
به ونقل عليه الاجماع وهو الحجة إن ثبت ومحل النظر إنما هو ما كان من كلام المصلي فلو
أتى في القنوت أو غيره بشئ من الأدعية المأثورة المشتملة على هذه الكلمة جاز ذلك قطعا
من غير مرية والقرآن بين سورتين تامتين فما زاد وكذا سورة تامة وأخرى ناقصة و
المحتاط يجتنبه في الفريضة أما النافلة فلا بأس إلا الضحى وألم نشرح فإنهما في حكم سورة
واحدة والاكتفاء بأحديهما خلاف الاحتياط وكذا الفيل والايلاف على المشهور والتكفير
وهو وضع اليمين على الشمال فإنما يفعل ذلك المجوس بل ينبغي في القيام إرسال اليدين و
وضع الكفين على الفخذين مستقبلا بظهورهما القبلة كما ذكره في غيره وذكر جماعة أنه لا فرق
بين وضع اليمين على الشمال والعكس ولا بين أن يكون الوضع فوق السرة أو تحتها وعلى الزند
أو على الساعد بينهما حايل أم لا والأكثر على تحريمه بل وبطلان الصلاة به ونقل عليه الاجماع
ويجوز للتقية بل قد يجب والحقن وهو حبس البول والحقب وهو حبس الغايط إذ لا صلاة
لحاقن ولا لحاقب وهو بمنزلة من هو في ثيابه والحزق بالحاء المهملة فالزاي وهو الصبر على الخف الضيق
قال في النهاية الحازق الذي ضاق عليه خفه فحزق رجله أي عصرها وضغطها وهو فاعل بمعنى مفعول
ومنه الحديث لا يصلي وهو حازق والصفن وهو رفع إحدى الرجلين وفي النهاية في حديث
النهي عن صلاة الصافن أي الذي يجمع بين قدميه وقيل هو الذي يثني قدمه إلى ورائه كما يفعل
الفرس إذا ثنى حافره انتهى والوجه الأول هو الصفد وهو اقتران القدمين معا كأنهما في قيد و
الصفد والصفاد القيد وبه فسر حديث النهي عن صلاة الصافد والاختصار وهو وضع يديه
على خاصرتيه والظاهر تحقق الكراهة بوضع إحدى اليدين على الخاصرة ففي القاموس اختصر
وضع يده على خاصرته وفي النهاية في الحديث أنه نهى أن يصلي الرجل متخصرا أو روي مختصرا أي
يصلي وهو واضع يده على خصره قال وعلى الرواية الثانية قيل هو من المخصرة وهي ما يختصر الانسان
بيده فيمسكه من عصى أو عكازة أو مقرعة أو قضيب وقد يتكئ عليه فالمعنى أن يتخذ بيده عصى
يتكئ عليها وقيل معناه أن يقرأ من آخر السورة آية أو آيتين ولا يقرأ السورة بتمامها في فرضه و
الصلب بفتح الصاد وهو ذلك مع التجافي بين عضديه وفي كلام ابن الأثير في تفسيره تدافع قال
فيه قال صليت إلى جنب عمرو فوضعت يدي على خاصرتي فلما صلى قال هذا الصلب في الصلاة
كان النبي صلى الله عليه وآله ينهى عنه أي شبه الصلب لأن المصلوب يمد باعه على الجذع وهيئة الصلب في الصلاة
أن يضع يديه على خاصرتيه ويجافي بين عضديه في القيام انتهى والسدل وهو ادخال اليدين
معا تحت الثوب مطلقا أو مماستين للبدن في الركوع والسجود وإن أدخل إحديهما وأخرج الأخرى
فلا بأس وكذا إذا كان عليه ثوب تحتهما على التقييد وكانت اليهود تفعله فنهوا عنه وقيل هو أن يضع
وسط الإزار على رأسه ويرسل طرفيه عن يمينه وشماله من غير أن يجعله على كتفيه ومنه حديث
135

علي (ع) أنه رأى قوما قد سدلوا ثيابهم فقال كأنهم اليهود قاله ابن الأثير والكف وهو عقص شعر
الرأس أي جمعه في وسطه وظفره ولبه وادخال أطرافه في أصوله ومنهم من ذهب إلى تحريمه في الصلاة
للرجال وبطلانها به لرواية مصادف عن أبي عبد الله (ع) في رجل صلى صلاة فريضة وهو معقوص الشعر
قال يعيد صلاته وهي أخص من المدعى والمشهور الكراهة ولا منع في النساء مطلقا اجماعا كما في
المدارك والتطبيق وقيل بتحريمه وهو وضع إحدى الكفين على الأخرى وادخالهما بين الفخذين
أو الركبتين كما في الذكرى في الركوع وفسره في القاموس بجعل اليدين بين الفخذين فيه وفي النهاية
هو أن يجمع بين أصابع يديه ويجعلهما بين ركبتيه في الركوع والتشهد والتصفيق إلا لضرورة و
مورد الرخصة المرأة ففي الحسن عن أبي عبد الله (ع) أنه سئل عن الرجل يريد الحاجة وهو يصلي فقال
يومي برأسه ويشير بيده ويسبح والمرأة إذا أرادت الحاجة وهي تصلي تصفق بيديها وهو ضرب إحديهما
على الأخرى ومنه سمي البيع صفقة والاحتفاز للرجل من الحفز بالحاء المهملة والفاء والزاي الموحدتين
وهو أن يتضام في ركوعه وسجوده وهو من آداب المرأة كما سبق والتبازخ في الركوع بالزاء والخاء
المعجمتين وهو تقويس الظهر إلى فوق مع اخراج الصدر من البزخ محركة وهو خروج الصدر ودخول الظهر
يقال رجل أبزخ وامرأة بزخاء والتدبيخ بالدال المهملة على أصح الروايتين والخاء المعجمة أو المهملة أخيرا
وهو تقويسه إلى فوق مع طأطأة الرأس روى الصدوق في معاني الأخبار عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى أن
يدبح الرجل في الصلاة كما يدبح الحمار قال ومعناه أن يطأطئ رأسه في الركوع حتى يكون أخفض
من ظهره ومثله في النهاية وزاد وقيل دبح يدبح تدبيحا إذا طأطأ رأسه ودبح ظهره إذا ثناه
فارتفع وسطه كأنه سنام انتهى ففيه خلط بين التفسيرين وهو قريب مما في الذكرى وتشبيك
الأصابع وفرقعتها للنهي عنه في صحيحتي زرارة ونفخ موضع السجود وقيد في بعض الأخبار بما إذا
أذى فيه من إلى جانبه وبه يتقيد اطلاقات المنع والرخصة وافتراش الذراعين فيه كما تقدم
والاقعاء في الجلوس مطلقا على الأظهر وقيده بعضهم ومنهم المصنف في المفاتيح بما بين السجدتين
وهو أن يجلس على ساقيه جاثيا عن الأرض وليس على الأرض إلا رؤس الأصابع والركبتين و
قيل هو أن يلصق أليتيه بالأرض وينصب ساقيه وفخذيه ويضع يديه على الأرض كما يقع
الكلب واختاره في النهاية والعجن باليدين أو إحديهما وهو أن يعتمد على ظهور الأصابع منضمة
إلى الكف عند النهوض كالذي يعجن العجين بل يبسطهما وأكثر المذكورات مما يستفاد كراهتها من
استحباب أضدادها الخاصة كما سبق وإنما خصها بالذكر لورودها بالخصوص في روايات الخاصة
والعامة
باب وظايف يوم الجمعة والخطبتين فيه أي الآداب المأثورة فيهما جمع وظيفة و
هي ما يقدر لك في اليوم من طعام أو رزق وهي كثيرة أفعال وتروك واجبة ومندوبة والمذكور
هنا حلق الرأس وغسله بالخطمي أو السدر كما تقدم وقص الأظفار أو حكها وأخذ الشارب فإنهما خير
ما استنزل به الرزق وتنظيف البدن عن سائر الأتفاث والتجنب عما ينفر كل شئ من المؤذيات
ريحها واتخاذه معه والتطيب لإقامة السنة وتعظيم اليوم ودفع الأذى وادخال السرور وغير ذلك
كما سبق ولبس أحسن الثياب ولفظ الرواية أنظفها والبكور إلى المسجد فعن أبي جعفر (ع) إذا كان يوم
الجمعة نزل الملائكة المقربون معهم قراطيس من فضة وأقلام من ذهب فيجلسون على أبواب المسجد على
كراسي من نور فيكتبون الناس على منازلهم الأول والثاني حتى يخرج الإمام وليكن ذلك
بعد تقديم ما ذكر قبله حتى لا يحتاج إلى الخروج من المسجد للاتيان بها وأن يكون في
يوم الجمعة على سكينة ووقار في النفس وفائدة الظرفين التنبيه على الفرق المشهور
بين متعلقيهما لورودهما معا في الأخبار ومنهم من فرق بالعكس وهو الصواب
كما يرشد إليه قوله سبحانه هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين وقوله عز وجل
وقرن في بيوتكن على أحد الوجهين وأن يكون داعيا أمام التوجه إلى المسجد بالمأثور
في صحيحة الثمالي عن أبي جعفر (ع) اللهم من تهيأ وتعبأ وأعد واستعد لوفادة إلى مخلوق
رجاء رفده وطلب نائله وجوائزه وفواضله ونوافله فإليك يا سيدي وفادتي و
تهيئتي واعدادي واستعدادي رجاء رفدك وجوائزك ونوافلك فلا تخيب
اليوم رجائي يا من لا يخيب عليه سايل ولا ينقصه نائل فإني لم ألك اليوم بعمل
صالح قدمته ولا شفاعة مخلوق رجوته ولكن أتيتك مقرا بالظلم والإساءة
لا حجة لي ولا عذر فأسئلك يا رب إن تعطيني مسألتي وتقلبني برغبتي ولا تردني
مجبوها ولا خائبا يا عظيم يا عظيم يا عظيم أرجوك للعظيم أسئلك يا عظيم أن تغفر
لي العظيم لا إله إلا أنت اللهم صل على محمد وآل محمد وارزقني خير هذا اليوم الذي
شرفته وعظمته وتغسلني فيه من جميع ذنوبي وخطاياي وزدني من فضلك إنك
أنت الوهاب وهذه كلها مسنونة بلا خلاف وأما ترك البيع وانشاء السفر
الموسع وسائر المعاملات كالهبة والإجارة لمن تجب عليه الجمعة قبل أداء الصلاة
ففيه تفصيل والمشهور في السفر وجوبه بعد النداء وكراهة فعله قبله بعد طلوع
الفجر واحتمل المصنف فيه التحريم أيضا لأنه مأمور بالسعي إلى الجمعة من فرسخين
فكيف يسعى عنها وأما في البيع فالذي ذكره هو وغيره إنما هو كونه من الواجبات
بعد النداء كما تدل عليه الآية الكريمة أما قبله فليس من الحكم عليه بالوجوب أو
الاستحباب أو كراهة الفعل عين ولا أثر وفي سائر المعاملات قولان ومختاره
136

في كتبه الحاقها بالبيع كما هنا سواء كانت شاغلة عن الصلاة أم لا وبما ذكرناه ظهر ما
في المتن من الخلل وكذا الخلاف فيما لو كان أحدهما ممن لا تجب عليه الجمعة هل يجوز
بالنسبة إليه أم لا وفيما لوقع البيع هل يصح وإن كان آثما أم لا والوجه العدم فيهما
على تردد في الأخير وتجب الطهارة للخطبتين مطلقا عند المصنف وموافقيه خلافا
لمن خصه بالطهارة عن الحدث مطلقا أو في غير المسجد وظاهره في المعتصم وجوبها
على المأمومين أيضا ومنهم من استحبها مطلقا والقيام فيهما للخطيب اجماعا كما في
التذكرة إلا مع العجز كما في المفاتيح والمستفاد من حديث معاوية اشتراطه ويستحب له
التعمم شاتيا وقائظا والتردي ببرد يمان أو عدني والاعتماد حال القيام على قوس
أو عصى كما ورد أو سيف كما ذكروه وذكروا أيضا استحباب بلاغة الخطيب بمعنى اقتداره
على القاء الكلام الفصيح المطابق لمقتضى الحال من الانذار والتبشير والوعد والوعيد
ووجوههما ونحو ذلك واتصافه بما يأمر به من الخيرات وانزجاره عما ينهي عنه من
الشرور زيادة على القدر المعتبر في العدالة وعللوا ذلك بكون وعظه أبلغ في القلوب
ومن السنن استقباله للناس واستقبالهم له لأن كل واعظ قبلة وكل موعوظ قبلة
للواعظ كما في الحديث النبوي وتسليمه عليهم أولا بعد أن يصعد المنبر ويجب رد واحد
منهم عليه كفاية كغيره وينبغي في الخطبتين اشتمال كل واحدة منهما على حمد الله و
الثناء عليه والشهادتين التهليل والرسالة والصلاة على النبي صلى الله عليه و
آله وسلم والوعظ بالتنفير عن الدنيا والترغيب إلى الآخرة والاستغفار للمؤمنين
وقراءة سورة خفيفة أو آية تامة الفائدة والمعروف من مذهب الأصحاب وجوب
الحمد والصلاة والوعظ بل والقراءة أيضا والقول باستحبابها شاذ كالقول بوجوب
شهادة الرسالة في الأولى والاستغفار للمؤمنين والدعاء لأئمة المسلمين في
الثانية والأولى أن يعمل فيهما بالمأثور سيما ما في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع)
وقد تضمنت قراءة إن الله يأمر بالعدل والاحسان إلى آخر الآية في أخرها
ويستفاد منها وما في معناها الاجتزاء في الأولى بآية تامة الفائدة غير جيد و
مقتضى موثقة سماعة عدم توظيف القراءة في الثانية واختصاصه بالأولى كما
اختاره في الكتاب الكبير والمشهور بين الأصحاب وجوب عربيتهما ورفع الصوت بهما
بحيث يسمع العدد والفصل بينهما بجلسة خفيفة وقدرت في بعض الروايات
بقدر قراءة التوحيد واصغاء الناس المأمورين لهما وتركهم الإمام والمأمومين
جميعا الكلام في أثناء الخطبتين وقيل باستحباب ذلك كله لكن الروايات الناهية
عن التكلم قاصرة عن العموم المطلوب بل هي ظاهرة في المأمومين خاصة وكذا ما ورد
في النهي عن الصلاة في أثنائهما مثل رواية علي بن جعفر لا تصلح الصلاة والإمام يخطب
إلا أن يكون قد صلى ركعة فيضيف إليها ركعة أخرى ولا يصلي حتى يفرغ من خطبته
ولا دلالة فيهما على المنع فيما بينهما ومن ثم اقتصر فيما عداه على الأثناء وفي شمولها
لمثل الأصم والأعجم وجهان إن لم يمنع من سماع غيره ومختار المصنف العدم والمراد
بالكلام ما يبطل بتعمده الصلاة وهو عند المصنف ما يسمى في العرف كلاما حتى مثل
صه ومه ونحوهما من الألفاظ المفهمة المركبة من حرفين والصواب أن اللفظ المفهم
كلام وإن كان حرفا واحدا مثل ق وع وفي حديث المناهي نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن
الكلام يوم الجمعة والإمام يخطب فمن فعل ذلك فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له
وروي كراهة رد السلام إذا حصلت الكفاية بغيره
باب آداب العيدين وسننهما
من الأفعال والتروك وكلها مندوبة إلا ما ننبه على وجوبه وهي الاصحار بالصلاة
بمعنى فعلها في الصحراء وروي في مكان بارز في غير مكة فإن أهلها يصلون في المسجد
الحرام والحاق المدينة بها قياس في مقابلة النص ومباشرة الأرض من دون وطاء
والسجود عليها دون غيرها مما يصح السجود عليه واطعامه كذا في النسخ والصواب
طعامه أو طعمه بفتح الفاء أي أكله أو طعمه بضمه أي ذوقه قبل خروجه إلى المصلى في
الفطر من الحلو والمروي تميرات وفي أخرى تمرات ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أقل
أو أكثر وفي أخرى قيل لأبي الحسن (ع) إني أفطرت يوم الفطر على طين القبر وتمر
فقال جمعت بركة وسنة وبعد عوده منه في الأضحى مما يضحي به والروايات ظاهرة
في الوجوب إلا ما نقله المصنف وغيره من الاجماع على الاستحباب وخروجه إليه
بعد التنظيف والغسل الراتب متطيبا غير العجايز فإنهن يخرجن تفلات لابسا
أحسن الثياب كما في الجمعة متعمما بما تيسر والأفضل اختيارها بيضاء من قطن
يلقي طرفا منها على صدره وطرفا بين كتفيه كفعل الرضا (ع) مترديا ببرد أو حلة وهو
للإمام آكد ماشيا مشمرا ثيابه والإمام خاصة سراويله إلى نصف الساق حافيا
إماما كان أو مأموما والتخصيص بالإمام لا وجه له على سكينة ووقار في النفس
والأعضاء ذاكرا لله (تع) في الطريق يقف في كل عشر خطوات ويكبر ثلاث مرات داعيا
بالمأثور أمام التوجه وهو دعاء الجمعة ذاهبا بطريق عائدا بآخر تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله
137

وفي العبارة تماوت من حيث ظهور كون المنصوبات المتتابعة أحوالا مترادفة
من فاعل الخروج وهو الضمير المجرور بالإضافة معمولات للمصدر فينحصر مدلولها
في استحباب المجموع والمطلوب استحباب كل منها برأسه وأيضا فلا بد من اقترانها معه
زمانا وهو غير متحقق بين الجميع إذ لا مقارنة بين الخروج والدعاء لأنه أمام التوجه
عند التهيؤ ولاستحالة الجمع بينه وبين الذكر ولا بينه وبين العود المتقابل مع الذهاب
تقابلهما ولا ينفع جعل الأخيرة مقدرة مع ما فيه من التشويش على أنه لا مدخل
لذكر الذهاب بوجه بل السنة أن يعود بغير طريق الذهاب وهذه العبارة في المفاتيح
أيضا وتقدم نظيرها فيما سبق كل ذلك بسبب ما هو بصدده من كمال الايجاز فكثر مثل
هذا الخلل في كلامه وصلاة ركعتين بمسجد النبي صلى الله عليه وآله لمن كان بالمدينة
قبل الخروج وقيل باستحبابهما في الرجوع أيضا وترك التنفل قبل صلاة العيد وبعدها
للإمام والمأموم إلى الزوال أداء وقضاء سواهما أين ما كان وقيل بوجوبه ومنهم من
استثنى أيضا ركعتي التحية لو صليت في المسجد وهو غير ثابت وترك حمل السلاح
وهو السيف أو ما يقاتل به مطلقا في الخروج إلا إذا كان عدو ظاهر كما في رواية السكوني
وفي بعض نسخ الكافي حاضر بدلا وقول المؤذن بأرفع صوته عند القيام إلى الصلاة
الصلاة منصوبا أو مرفوعا أو مرسلا ثلاثا أو ستا على الاحتمالين في صحيحة إسماعيل بن
جابر والتكبير بالمأثور وهو في الفطر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر
الله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا ومحله عقيب أربع صلوات
أولها مغرب ليلة الفطر وأخيرتها صلاة العيد واختلف فيه في الأضحى والذي اختاره
المصنف ما تضمنه صحيحة معاوية بن عمار وهو ما ذكر بزيادة الله أكبر على ما رزقنا من
بهيمة الأنعام والحمد لله على ما أولانا في آخره ومحله عقيب خمس عشرة صلاة يومية
أخيرتها غداة الثالث عشر لمن كان بمنى حاجا أو غيره وعقيب عشر صلوات أخيرتها
غداة الثاني عشر لغيره وأولها لهما ظهر يوم العيد والنساء لا يجهرن به وأوجبه
بعضهم مدعيا عليه الاجماع وله روايات تحمل على تأكد الاستحباب جمعا والاحتياط
لا يترك واحياء ليلتي العيد كلا أو بعضا بالصلاة والدعاء فإنهما من الليالي التي
يرجى فيها ما يرجى والغسل ليلة الفطر كما سبق وترك انشاء السفر المفوت للصلاة
بعد طلوع الفجر قبل طلوع الشمس احتياطا لأنه يحتمل التحريم أما بعد طلوع الشمس
قبل الصلاة فحرام قطعا لمن تجب عليه لاستلزامه الاخلال بالواجب كما في المفاتيح
وأن لا ينقل المنبر من الجامع إلى المصلى بل يعمل فيه شبه المنبر من الطين والفطرة
في الفطر على تفصيل يأتي في كتاب الزكاة وقد نقل على وجوبها اجماع العلماء كافة
إلا من شد من القوم وبه فسر قوله (تع) قد أفلح من تزكى في الصحيح والأضحية بضم الهمزة
وكسرها وسكون الضاد وكسر الحاء وفتح الياء المشددة في الأضحى وبها فسر قوله (تع)
فصل لربك وانحر في بعض الوجوه والمشهور المنقول عليه الاجماع استحبابها وقد يحكى
وجوبها عن بعض القدماء وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام الأضحية
واجبة على من وجد من صغير أو كبير وهي سنة وفي رواية العلا بن فضيل عن أبي عبد الله (ع) أنه سئل
عن الأضحى فقال هو واجب على كل مسلم إلا من لم يجد قيل فما ترى في العيال قال إن شئت فعلت
وإن شئت لم تفعل فأما أنت فلا تدعه ووقتها يوم العيد إلى ثلاثة بعده في منى وإلى يومين
في الأمصار كما في صحيحة علي بن جعفر وغيرها وما ورد أنه ثلاثة في منى ويوم واحد في البلدان
كما هو ظاهر الكليني فأجود محامله الأفضلية ويجزي الهدي الواجب عنها ومن لم يجد الأضحية
تصدق بثمنها فإن اختلفت أثمانها جمع الأعلى والأدنى والأوسط وتصدق بثلث الجميع
كما في واقعة هشام ويكره التضحية بما يربيه ويستحب الأضحية عن الميت وكلها صدقة وبقية
أحكامها في كتاب الحج ويجب زيادة على ما يجب في خطبة الجمعة اشتمال خطبة الفطر على ما يتعلق
بالفطرة من الشرايط والجنس والقدر والوقت والمصرف ونحو ذلك واشتمال خطبة الأضحى على ما
يتعلق بالأضحية منها وإذا اجتمع عيد وجمعة يستحب للإمام ايذانهم بالرخصة في خطبته الأولى
والأولى العمل بالمأثور من خطب أمير المؤمنين (ع)
باب آداب الآيات وسننها وهي الغسل
في الكسوفين مع استيعاب الاحتراق مطلقا وإن لم يشتهر بين الأصحاب إلا في القضاء خاصة
مطلقا عند قوم ومع تعمد الترك خاصة عند آخرين وأوجبه بعضهم حينئذ ومنهم من لم
يقيد بالاستيعاب والصلاة بارزا تحت السماء ومورد الرواية صلاة الكسوف فالتعميم لا يخلو
عن اشكال وكذا الكلام في إطالتها بقدر طول الآية كسوفا كانت أو غيره كما صرحوا به قال في
المعتصم وهذا إنما يتم مع العلم بذلك أو الظن الحاصل من أخبار الرصدي أو غيره أما بدونه
فربما كان التخفيف ثم الإعادة مع عدم الانجلاء أولى لما في التطويل من التعرض لخروج الوقت
قبل الاتمام انتهى والتعويل على أخبار الرصدي إن صح فإنما هو في الكسوفين خاصة كما
سبق التنبيه عليه وإعادتها إن فرغ منها قبل تمام الانجلاء أو ابتدائه على ما مر من الخلاف
أو ذكر الله والدعاء حتى ينجلي مخيرا بينهما جمعا بين دليلي الإعادة والدعاء وموردهما الكسوف و
الأحوط الوجوب كذلك وقيل بوجوب الإعادة عينا وقيل لا تعاد وجوبا ولا استحبابا بل
138

يستحب الدعاء والذكر وقراءة آية إمساك السماوات والأرض عند الزلزلة مع الدعاء بالمأثور
عن أبي عبد الله (ع) قال من أصابته زلزلة فليقرأ يا من يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن
زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا صل على محمد وآل محمد وامسك عنا
السوء إنك على كل شئ قدير وعن أمير المؤمنين (ع) إنه كان يقرأ إن الله يمسك السماوات والأرض
أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا يقولها عند الزلزلة
ويقول ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرؤف رحيم وكان المصنف
حاول الجمع بين الروايتين والتكبير عند الريح الشديدة رافعا صوته به فورد أنه يكسرها وفي
أخرى التكبير يرد الريح والدعاء بالمأثور وهو اللهم إنا نسألك خيرها وخير ما أرسلت له
ونعوذ بك من شرها وشر ما أرسلت له
باب الجماعة في الصلاة عن الرضا (ع) إنما جعلت
الجماعة لئلا يكون الاخلاص والتوحيد والإسلام والعبادة لله إلا ظاهرا مكشوفا مشهورا
لأن في إظهاره حجة على أهل المشرق والمغرب لله وحده ويكون المنافق والمستخف مؤديا
لما أقر به بظاهر الاسلام والمراقبة ولتكون شهادة الناس بالاسلام بعضهم لبعض جايزة
ممكنة مع ما فيه من المساعدة على البر والتقوى والزجر عن كثير من معاصي الله عز وجل الحديث
وهي مرغب فيها في الفرايض وصلاة الجنازة سيما اليومية غاية الترغيب حتى فسق تاركها من
غير علة وجوز بل أوجب غيبته وهجرانه به ففي صحيحة ابن أبي يعفور قال رسول الله صلى الله عليه وآله
لا صلاة لمن لا يصلي في المسجد مع المسلمين إلا من علة ولا غيبة إلا لمن صلى في بيته ورغب
عن جماعتنا ومن رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته وسقطت بينهم عدالته
ووجب هجرانه وإذا رفع إلى إمام المسلمين أنذره وحذره فإن حضر جماعة المسلمين وإلا أحرق
عليه بيته وفي صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) الصلاة في جماعة تفضل صلاة الفذ
أي الفرد بأربع وعشرين درجة تكون خمسة وعشرين درجة وتتأكد في الجهرية ولا سيما
الصبح والعشاء وعن النبي صلى الله عليه وآله لو علموا أي فضل فيهما لأتوهما ولو حبوا وأما النوافل فالمشهور عدم
جواز الجماعة في شئ منها عدا الاستسقاء والعيدين مع اختلال شرايط الوجوب وجوزها
أبو الصلاح في صلاة العذير ورواه ونقل المحقق في الشرايع قولا بجوازها في النافلة مطلقا
وإليه ميل المصنف في المفاتيح وهو من مظان الاحتياط ويشترط في الإمام الذي تصح به
الجماعة ما ذكرناه في إمام الجمعة من الشروط سوى القدرة على الخطبة فإنها غير مشروطة فيها
والذكورة إذا كانوا ذكورا وينبغي أن يكون إمام الجماعة أفضلهم في العلم بالسنة ففي الحديث
النبوي من أم قوما وفيهم من هو أعلم منه لم يزل أمرهم إلى سفال إلى يوم القيامة والقراءة ففيه
يتقدم القوم أقرأهم للقرآن وفسر الأقرأ بالأكثر جمعا للقرآن واحتمل المصنف أن يراد الأحسن
قراءة ومع تعارض الوصفين قيل يقدم الأقرأ وقيل الأعلم وهو مختار المصنف غير مكروه
لهم فإن من الثلاثة الذين لا تقبل لهم صلاة من تقدم قوما وهم له كارهون ولا عبدا أو
مقيدا أو مفلوجا أو أعمى في الصحراء إلا إذا كان له من يسدده أو متيمما أو مسبوقا أو مسافرا
أو حاضرا أو غير صاحب المنزل وكذا غير صاحب المسجد الراتب فيه بمقابليهم كل بمقابله كما روى
ذلك كله السكوني وغيره وإنما حملت على الكراهة لضعفها وقوة معارضاتها ومنهم من
منع في المتمم والمقصر وأن تسوى الصفوف أولا فإنها من تمام الصلاة ويتمم ما فيها من
الخلل والإمام يأمر بذلك وأفضلها مطلقا الصف الأول فالأول إلا في صلاة الجنائز
فالأخير أفضل وفي النبوي المشهور خير الصفوف في الصلاة المقدم وفي الجنائز المؤخر
قيل يا رسول الله ولم قال صار سترة للنساء والميامن من جانبي الإمام أفضلهما و
روي أن الرحمة تنزل على الإمام ثم تنتقل منه إلى الصف الأول يمينه ثم يساره إلى الصف
الثاني ومن ثم يكره تمكين الصبيان من الصف الأول سيما يمينه بل الأحرى أن يكون في
الأفضل الأفضل علما وعملا أو عقلا وضعا للشئ في موضعه وأن يلي الإمام أولو الأحلام
والنهى فعن أبي جعفر ليكن الذين يلون الإمام أولو الأحلام والنهى فإن نسي الإمام
أو تعايا قوموه والأحلام جمع حلم بالكسر وهو العقل والنهى بالضم جمع نهيه بالضم
أيضا وهي العقل أيضا ويرد مفردا بمعنى العقل أيضا فهو من عطف أحد المترادفين على
الآخر أو الأول جمع حلم بضمتين والمراد البالغون العقلاء وتعايا أي لم يهتد لوجه
مراده أو عجز عنه ولم يطق أحكامه والصبي يتقدم المرأة وإن كان عبدا كما في صحيحة الحلبي
وأن لا يقوم المأموم في الصف وحده وهو العثكل المنهي عنه في الحديث النبوي أو هو
تصحيف الفسكل وهو آخر الخيل في حلبة السباق كما يأتي وإنما حمل على الكراهة جمعا بينه
وبين ما يدل على الجواز إلا مع الامتلاء وتضايق الصف بأهله وهو وجه آخر للجمع فيقف
بإزاء الإمام وهذا وجه ثالث فليلتزم الاحتياط ما أمكن ويجب شرطيا أن لا يكون البعد بين
الإمام والمأموم كثيرا وكذا بين الصفوف وقدر في المشهور بالزايد على المعتاد وفي
صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) إن صلى قوم وبينهم وبين الإمام ما لا يتخطى فليس ذلك الإمام
لهم بإمام وأي صف كان أهله يصلون بصلاة أمام وبينهم وبين الصف الذي
يتقدمهم قدر ما لا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة وعليها ينبغي العمل وفاقا لبعض المتقدمين
ولا حاجة إلى حملها على الاستحباب أو أن المراد ما لا يتخطى من الحايل لا المسافة قال في
139

الكتاب الكبير وعلى التقديرين ينبغي للبعيد من الصفوف أن لا يحرم بالصلاة حتى
يحرم قبله من المتقدم من يزول معه التباعد وفي المفاتيح نسبه إلى القيل والمشهور
اشتراط أن لا يكون بينهم حايل يمنع مشاهدة المأمومين للإمام أو من يشاهده
ولو بوسايط منهم في جميع الأحوال وتكفي مشاهدة بعضه في بعضها ولا تحول الظلمة
ولا العمى والأصل في المسألة ما في تتمة الصحيحة فإن كان بينهم سترة أو جدار فليس تلك
لهم بصلاة إلا من كان حيال الباب قال ولم تكن هذه المقاصير في عهد أحد من
الناس وإنما أحدثها الجبارون وهي معارضة بموثقة الحسن بن الجهم عن الرضا (ع) في
الرجل يصلي بالقوم في مكان ضيق ويكون بينه وبينهم ستر أيجوز أن يصلي بهم قال
نعم وخالية فيما ذكر من التفاصيل ومن ثم سكت عنها المصنف مقتصرا على ما نقل عليه
الاجماع من شرط انتفاء ما يحول عن المشاهدة وحملوا الموثقة على ستر لا يمنع المشاهدة
أو التقية أو الأساطين كما في حسنة الحلبي لا أرى بالوقوف بين الأساطين بأسا
إلا بينهم وبين النساء فلا يمنع الحايل مطلقا مع علمهن بما تجب فيه المتابعة من أفعال
الإمام وفي المفاتيح والمعتصم إلا إذا كان المأموم امرأة والإمام رجلا وهو أوفق
بموثقة عمار التي هي مستند الاستثناء قلت فإن بينهن وبينه حائطا أو طريقا قال
لا بأس واختار في الأخير اطلاق المنع استضعافا لها وكذا اشتراط أن لا يكون الإمام
أعلى من المأموم بما يعتد به بغير انحدار مثل البناء في موثقة عمار التي رواها المحمدون الثلاثة
وفي متنها ركاكة ومن ثم تردد فيه المحقق وكرهه الشيخ في الخلاف وقواه المصنف و
الحازم يحتاط فيه أخذا باليقين أما إذا كان أسفل منه فلا بأس به قولا واحدا وفيه
رواية أيضا بالمنع والمأمومون لا يتقدمون عليه في شئ من الأفعال والأذكار والمكان
أما عدم جواز تقدمهم عليه في الأفعال إذا كان مرضيا فمما نقل عليه الاجماع بل إما يساوقونها
فيها أو يتأخرون عنه والتأخير أفضل لأنه شرط في ترتب الثواب كما قيل وفي
الحديث النبوي إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا
وإن سبقه أحد ولو إلى ركن أعاد مطلقا خلافا للمشهور حيث خصوا ذلك
بالنسيان وأوجبوا مع العمد الاستمرار جمعا بين اطلاقات الطرفين ولاستلزام الإعادة
زيادة الركن واستصوب في المفاتيح حملا الإعادة على الاستحباب والزيادة مع تسليم
ابطالها مفتقرة هنا بالنصوص المتضمنة لإعادة الركوع والسجود مثل صحيحة علي بن
يقطين وصحيحة ربعي بن عبد الله والفضيل بن يسار وموثقة ابن فضال وغيرها فأما
في الأذكار فأوجبه الشهيد لعموم الحديث المذكور خلافا للأكثر ولا ريب أنه أحوط
ويدل عليه في المكان التأسي والنصوص والاجماع المنقول أما التساوي في الموقف
فجوزه الأكثر خلافا لابن إدريس فاعتبر التأخر وهو مختاره في المفاتيح إن كانوا اثنين
فما زاد وإن كان واحد أقام بصفة عن يمينه كما في صحيحة محمد بن مسلم وحسنة زرارة
فإن كانت امرأة واحدة تأخرت مع ذلك لصحيحة الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله (ع)
قلت له أصلي المكتوبة بأم علي قال نعم تكون عن يمينك يكون سجودها بإزاء قدميك ومثلها
صحيحة هشام بن سالم ويستمعون صامتين قراءة الجهر خلف الإمام المرضي وروي أن
آية الاستماع نزلت فيه وفي وجوب ذلك واستحبابه خلاف فإن لم يسمعوا أصلا ولا
همهمة أو كان غير مرضي قرأوا استحبابا في الأولى جمعا بين ما تضمن الأمر بها وما دل على التسوية
بينها وبين الصمت ووجوبا في الثانية ولو بمثل حديث النفس والاقتصار على الحمد والأحوط
الجمع بين القراءة والانصات مهما أمكن للأمر بالانصات معهم في صحيحة معاوية بن وهب و
غيرها وفي الصلوات السرية إن شاؤوا ذكروا الله حين قراءة الإمام بالتسبيح ندبا وإن
صمتوا جاز ومنهم من أجاز القراءة أيضا وفي الحاق ما عدا الأولتين من الجهرية بأوليتها
أو بالسرية خلاف وظاهر الكتاب الأخير وهي أعظم الفقهيات اختلافا كما ذكره الشهيد
الثاني وحيث يقرأ المأموم فليفرغ قبل أن يفرغ الإمام فإنه في حصار فإن فرغ قبله
فليقطع القراءة وليركع وقيل يتم الفاتحة حيث تجب في الركوع وإن فرغ المأموم
قبل الإمام فليسبح الله ولا يقم كالحمار وفي رواية أمسك آية ومجد الله واثن عليه فإذا
فرغ فاقرأ الآية واركع وينبغي للإمام أن يسمعهم جميع الأذكار الواجبة والمندوبة بأن يرفع
صوته بها بحيث لا يؤدي إلى العلو المفرط ولا يسر بشئ منها سوى التكبيرات الست الافتتاحية
كما في رواية أبي بصير وإن كانت بالأصل جهرية وكذا أدعيتهما ولم يستثنهما في
المعتصم وللمأمومين أن لا يسمعوه هم شيئا منها ويتأكدان في التشهد والأول خاصة في
التسليم أيضا كما في صحيحة حفص وغيرها وأن يحمدوا عند فراغه من قراءة الفاتحة بقولهم الحمد لله
رب العالمين وروي مثل ذلك عند سمعلته ويخفضون أصواتهم وفي أخرى أنه يقول
عند ذلك ربنا لك الحمد وأن يقرأ الإمام دون أن يسبح في الركعة الأخيرة من المغرب وإلا
خيرتين من الرباعيات مع امكان لحوق المسبوق وقيل مطلقا ويقرأ المسبوق في الأوليين
من صلاته وإن كان الإمام مرضيا إن كانتا أخيرتيه روى زرارة في الصحيح عن أبي جعفر (ع)
إذا أدرك الرجل بعض صلاته وفاته بعض خلف إمام يحتسب بالصلاة خلفه جعل أول
140

ما أدرك أول صلاته إن أدرك من الظهر أو العصر أو العشاء ركعتين وفاتته ركعتان
قرأ في كل ركعة مما أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب وسورة فإن لم يدرك السورة
تامة أجزأته أم الكتاب فإذا سلم الإمام قام فصلى ركعتين لا يقرأ فيهما الحديث وهل القراءة
على الوجوب أو الاستحباب قولان أقربهما عند العلامة الثاني وإليه ميل المصنف في غير المفاتيح
وتدرك الركعة والفضيلة المقصودة بالجماعة بادراك الركوع بأجمعه بالاجماع ويتحقق في
في لحوقه في الهوي إليه وبادراك الإمام راكعا عند المصنف وموافقيه خلافا للشيخ في أحد
قوليه فيكبر ويدخل معه ويجعله أول صلاته فيتم ما بقي عليه مأموما أو منفردا أو بالتلفيق
فإن لحقه في سجدتي الركعة الأخيرة نال الفضل أيضا وإن فاتته الصلاة فيتبعه في السجدتين
وإن لم يعتد بهما في صلاته ويستأنف النية والتحريم بعدهما على المشهور لزيادة الركن وقيل
بل يعتد بهما ويأتي بما بعدهما من غير استيناف لاغتفارها في المتابعة وهو مختاره في الكتابين
وكذا الحكم لو أدركه وقد سجد واحدة وأدنى الفضيلة أن يلحقه في السجدة الأخيرة فينوي ويدخل و
يجلس معه ثم يقوم فيصلي وخيره في المعتبر بين الاتيان بالتشهد وعدمه وتفوته الفضيلة إن كان
لحوقه في التشهد الأخير أو قبله بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة وهذا أيضا يتبعه ناويا ويقوم
يصلي من غير استيناف لعدم الموجب له من زيادة الركن ولا يشترط في صحة الجماعة وحدة الصلاتين
نوعا فيجوز اقتداء المفترض بالمتنفل وبالعكس ولا صنفا فيجوز في الظهر بالعصر وبالعكس على المشهور
وخلاف الصدوق في خصوص الأخير عمدا شاذ غير معلوم المستند ولا اتفاقهما في العدد فيجوز في
كل من العشائين بالأخرى ويجتمعان إلى حيث يشتركان فيه وينفرد كل منهما بالتسليم إن فرغ من صلاته
قبل الآخر ويتم الآخر ما بقي عليه منفردا وينفرد المأموم عن الإمام بالتشهد فيأتي به خفيفا ثم
يلحقه قبل أن يركع إن وجب عليه دونه كما في ثانية المسبوق بركعة في الرباعية وفي عكسه وهو
ما لو وجب على الإمام دون المأموم كما في أولته وثالثته يتبعه المأموم فيه لأنه بركة فيجتمع
له في صلاته أربعة تشهدات ويستحب أن يأتي بالنافلتين متجافيا غير متمكن من الجلوس على
المشهور وللمصنف في المعتصم ميل إلى الوجوب ويجوز للإمام أن يستنيب أحدا من المأمومين
للاتمام بباقيهم إذا عرضته ضرورة محوجة إلى قطع صلاته ومن ثم استحب أن يكون أهل المزايا
أقربهم إليه فإن لم يستنب هو استنابوا هم تحريا لاستدامة فضيلة الجماعة وتكره استنابة المسبوق
ولو بالإقامة فإن فعل فعلى ذلك المسبوق بعد أن يتم بهم صلاتهم أن يجلس حتى إذا فرغوا من التشهد
أومأ بيده إليهم يمينا وشمالا أن يسلموا فكان الذي أومأ إليهم بيده التسليم وانقضاء صلاتهم و
أتم هو ما بقي عليه كما في صحيحة معاوية بن عمار وغيره وفي رواية طلحة بن زيد أنه يقدم رجلا منهم
ليسلم بهم وحملها العلامة على الاستحباب وجوز انتظارهم إلى فراغ الإمام ليسلم بهم ونفى عنهما
في المعتصم البأس والبعد وإن كان الاستنابة أولى ومن السنة أن لا يخرج الإمام من مصلاه
حتى يتم المسبوقون صلاتهم وهو من الأكيدات ففي حسنة أبي بصير أن ذلك على كل إمام واجب
إذا علم أن فيهم مسبوقا وفي صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق لا ينبغي أن يقوم وفي أخرى أن ينتقل و
كان التعبير بأحد اللفظين أجود وأن يصلي بصلاة الأضعف كذا في النسخ والصواب خذف الجار و
نصب المجرور مصدرا نوعيا كما في المعتصم والمفاتيح وفي الحديث النبوي صل صلاة أضعف من
خلفك واستثنى فيهما ما إذا علم منهم حب الاستطالة فاستحب التطويل كما قاله في الذكرى لكن بشرط
إحاطة علمه بهم وهو استثناء في غير محله وأن يعيد المنفرد صلاته إذا وجد من صلى والصواب
يصلي تلك الصلاة بالقدوة إماما أو مأموما ويجعلها الفريضة كما في صحيحة حفص فإن كان قد شرع
في صلاته منفردا وحضر القدوة في الأثناء عدل بنيته إلى النفل وأتم ركعتين ولحق الجماعة و
مورد الرواية حضور الإمام خاصة ولو خشي فوتها باتمام الركعتين فالذي مال إليه في الكتاب
الكبير جواز القطع وفاقا للمبسوط والذكرى لما فيه من تحصيل فضل الجماعة الذي هو أعظم من فضل
الأذان والتفاتا إلى أن العدول إلى النفل أيضا قطع للفريضة أو مستلزم لجوازه هذا كلامه و
هو كما ترى ولو لم يجده إلا بعد تجاوز الركعتين فالظاهر وجوب الاتمام ثم يلحق الجماعة إن شاء و
أن يقصد كل منهما بتسليمة الآخر مضيفا له إلى ما مر ذكره من قصد الأنبياء والأئمة والحفظة سلام
الله عليهم كما مر وأن يسلما مومين بصفحة وجههما إلى اليمين على المشهور والنصوص خالية عن
التصريح بذلك بل في رواية المفضل عمر ما يدل على أنه بالعين فإن كان المأموم على يساره أحد
استحب له أن يأتي بتسليم آخر إليه واكتفى الصدوقان في الاتيان بالتسليمتين بالحايط عن يساره
والذي تضمنته الرواية أن من لم يكن على يساره أحد لم يسلم على يساره إلا أن يكون يمينه إلى الحايط
ويساره إلى من صلى معه خلف الإمام فيسلم على يساره وفي بعض الروايات أنه يأتي بتسليمتين
مطلقا وفي بعضها الاكتفاء بالواحدة كذلك ولا يجب على الإمام بعد أداء الصلاة اعلام المأمومين
ما لم يعلموه فيه من خلل الشرايط المعتبرة في الجماعة أو الصلاة إن ظهر له بعدها وكذا لو كانت ظاهرة
له أولا ولا يعرف لهذا التفصيل وجه فيعيد هو دونهم ولو أعلمهم مطلقا وقيل بل تجب الإعادة كك
وقيل في السرية خاصة وإذا علم في الأثناء قيل يستأنف وقيل ينوي الانفراد واختاره في الكتابين
باب الخلل وتداركه وهو إما فعل أو ترك أو شك في نفس الصلاة أو في متعلقاتها وحملة
أحكامها أن من صلى بغير طهارة صحيحة أو ترك شيئا من الأركان كما لو أخل بالنية أو التحريمة أو
قيامها أو ما يتصل به الركوع أو نقص ركوعا أو سجدتين من ركعة واحدة أو زاد ركنا إلا ما
141

استثنى أو زاد ركعة ولم يذكرها قبل الركوع مطلقا فقد أبطل عمله وتجب عليه الإعادة ولو كان
ذلك سهوا إلا أن يتذكر نقيصة الركن قبل تجاوز محله فيأتي به حينئذ ولو سهى عن سجدة واحدة
فإن ذكرها في المحل أتي بها وإلا قضاها بعد الفراغ مع سجدتي السهو كما يأتي على المشهور وقيل
بل تبطل الصلاة بترك إحدى السجدتين إن كان من الركعتين الأولتين وقيل مطلقا ومنهم
من فصل في زائد الركعة بأنه إن جلس في الرابعة بقدر التشهد فلا إعادة عليه لصحيحتي زرارة و
جميل وهما موافقتان لبعض مذاهب القوم ومخالفتان للاحتياط وعلى القولين لو ذكرها قبل
الركوع هدم الزيادة وصحت صلاته بلا خلاف وإن نقص ركعة فما زاد سهوا كما لو سلم في
ثالثة الظهر أو ثانيتها أتم مطلقا متى ما ذكرها ولو بعد فعل المنافي مطلقا وفاقا للصدوق (ره)
للنصوص الصريحة كصحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) في رجل صلى بالكوفة ركعتين ثم ذكر وهو بمكة أو بالمدينة
أو بالبصرة أو ببلد من البلدان أنه صلى ركعتين قال يصلي ركعتين وموثقة الساباطي عن أبي عبد الله (ع)
في الرجل يذكر بعد ما قام ومضى في حوايجه أنه إنما صلى ركعتين من الظهر أو العصر والعتمة و
المغرب قال يبني على صلاته فيتمها ولو بلغ الصين وبعدة طرق صحيحة وغيرها أن رسول الله صلى الله عليه وآله
صلى ثم سلم ركعتين فسأله من خلفه أحدث في الصلاة شئ قال وما ذاك قالوا إنما صليت
ركعتين فقال أكذلك يا ذا اليدين وكان يدعى ذا الشمالين فقال نعم فبنى على صلاته فأتم أربعا
وذهب بعض المتقدمين إلى وجوب الاستيناف حينئذ وهو أولى وأحوط للعمل سيما لو كان
المنافي مما تبطل الصلاة عمدا وسهوا مما سيأتي بيانه كما عليه الأكثر واحتجوا على التفصيل بصحيحة
جميل عن أبي عبد الله (ع) في رجل صلى ركعتين ثم قام قال يستقبل قلت فما يروي الناس وذكر له
حديث الشمالين فقال إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يبرح من مكانه ولو برح استقبل وفي معناها موثقة
أبي بصير وغيرها وحملها على الاستحباب أقرب من حمل الأولة على النافلة أو على أنه لم يتيقن الترك
كما لا يخفى ومنهم من فصل بوجه آخر وهو وجوب الاستيناف في الفجر والمغرب خاصة لمرسلة يونس
ليس في الفجر والمغرب سهو والموثقة حجة عليه أما قبل فعل المنافي فيتم قولا واحدا وإن كانت
ثنائية ومن أحدث في الأثناء صغيرا أو كبيرا أو فعل فعلا كثيرا خارجا عنها وهو ما يمحي الهيئة و
يخرج عن كونه مصليا أعاد مطلقا بالاجماع في العامد فيهما كما في المفاتيح وغيره ولكن في صحيحة الفضيل
وغيرها أن من يجد أذى في بطنه أو غمزا أو ضربانا فلينصرف ثم ليتوضأ ويبن علي ما مضى من صلاته
وإليها استند الشيخ والسيد فيما خالفا به المشهور من حكم الساهي أنه يتطهر ويبني وهي بمراحل
عن المقصود وفي صحيحة محمد بن مسلم في رجل يأخذه الرعاف والقئ في الصلاة كيف يصنع قال
ينتقل فيغسل أنفه ويعود في صلاته وإن تكلم فليعد صلاته وفي رواية زكريا الأعور أنه
رأى الكاظم (ع) يصلي قائما وإلى جانبه رجل كبير يريد أن يقوم ومعه عصى له فأراد أن
يتناولها فانحط الكاظم (ع) وهو قائم في صلاته فناول الرجل العصى ثم عاد إلى صلاته وورد
جواز قتل الحية والعقرب والبقة والبرغوث والقملة والذباب وضم الجارية المارة إليه و
حمل الصبي الصغير وارضاعه والإشارة باليد والايماء بالرأس ورفع القلنسوة من الأرض
ووضعها على الرأس ورمي الغير بالحصى طلبا لاقباله وتصفيق المرأة عند الحاجة وحمل جميع
ذلك على القليل الذي لا تنمحي صورة الصلاة والروايات خالية عن ذكر القلة والكثرة رأسا و
الجماعة ومنهم المصنف أحالوهما على العرف تارة وعولوا فيهما على الوصف المذكور أخرى والروايات
خالية عنه أيضا وفي المفاتيح أبطل بالفعل الكثير عرفا مع العمد دون السهو بشرط عدم انمحاء الصورة
فتبطل معه وبالجملة فكلامهم فيه لا يخلو عن خلل ومع ذلك فلا بأس بمتابعتهم أخذا باليقين
واختلفوا في خصوص الأكل والشرب وفي الكتابين أنهما كساير الأفعال إنما يبطلان مع الكثرة
عرفا دون المسمى خلافا للمبسوط والخلاف فمطلقا إلا الشرب في النافلة لرواية سعد الأعرج
وربما خص بموردها وهو الوتر للعطشان المريد للصوم الخائف للاصباح القريب من
الماء وكذا البكاء لشئ من أمور الدنيا أو ذكر ميت قال وربما يلحق بالفعل الكثير السكوت
الطويل الذي يخرج به عن كونه مصليا وهو حسن وإن تكلم في أثنائها بما ليس بقران ولا
دعاء ولا ذكر أو تقهقه كذا في نسخ الكتاب والمفاتيح والصواب قهقه وهو الموافق للفظ
الرواية أي رجع في ضحكه أو اشتد ضحكه أو قال في ضحكه قه فإذا رجعه قيل قهقه كذا
في القاموس أو التفت فاحشا على المشهور وقيل مطلقا كما مر فكذلك يجب عليه الإعادة
في الجميع إن تعمد وإن غلبه الضحك بحيث لا يمكنه رفعه فليعد أخذا باليقين و
للإعادة على الناسي والساهي في شئ منها لكنه إن تكلم سهوا سجد سجدتي السهو وجوبا
اجماعا لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يتكلم في الصلاة يقول
أقيموا صفوفكم قال يتم صلاته ثم يسجد سجدتين قال في المعتصم وأما صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم فقال يتم ما بقي من صلاته تكلم أو لم يتكلم و
لا شئ عليه وصحيحة محمد بن مسلم عنه (ع) في رجل صلى ركعتين من المكتوبة وسلم وهو يرى
أنه قد أتم الصلاة وتكلم ثم ذكر أنه لم يصل غير الركعتين قال يتم ما بقي من صلاته ولا
شئ عليه فمحمولتان على نفي الإعادة أو الإثم جمعا بين الأدلة ولولا اتفاق الأصحاب
لأمكن حمل الأولى على الاستحباب ومثله في المفاتيح والأخيرة مفروضة في غير موضع البحث
والأولى ظاهرة فيه أيضا والمشهور أن محلهما بعد التسليم وقبل الكلام وقيل بل قبل التسليم
142

ومستنده يحتمل التقية وتسميان بالمرغمتين لأنه يرغم بهما الشيطان ولو اهملهما عمدا لم
تبطل الصلاة على المشهور وعليه الاتيان بهما وإن طالت المدة ويجب فيهما السجود على
الأعضاء السبعة ووضع الجبهة على ما يصح السجود عليه لأنه المعهود من الشرع فينصرف
الاطلاق إليه وفي وجوب الطهارة والستر والاستقبال خلاف وصورتهما على المشهور
أن ينوي ثم يكبر ندبا ثم يسجد ثم يرفع رأسه ثم يسجد ثانيا ثم يرفع رأسه ويتشهد
تشهدا خفيفا ثم يسلم وفي وجوب الذكر في السجدتين ثم في تعيين لفظه وجهان وفي
موثقة عمار إنما هما سجدتان فقط ليس عليه أن يسبح فيهما ولا فيهما تشهد بعد السجدتين
وبهما عمل في المختلف مع أنه نقل في غيره الاجماع على وجوب التشهد كما في صحيحة الحلبي و
التسليم كما في صحيحة ابن سنان فإن احتاط الورع لهما وذكر الله فيهما بالمأثور في صحيحة
الحلبي وهو بسم الله وبالله اللهم صل على محمد وآل محمد قال وسمعته مرة أخرى يقول
بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وتشهد بعدهما
خفيفا وهو أقل الواجب منه وسلم كذلك فقد أخذ باليقين ومن شك في شئ من
أفعال الصلاة مطلقا أو سها عن شئ منها غير ما ذكر من الأركان فإن جاوز محله
مضى في صلاته ولا شئ عليه وإلا أتى به وبما بعده ويتحقق التجاوز عن المحل في الشك
بالدخول فيما يلي المشكوك فيه من الواجبات مطلقا كمن شك في النية وهو في التكبير
أو في التكبير وهو في القراءة واختلف فيمن شك في الحمد وهو في السورة بناء على أنهما فعلان أو فعل واحد ومال في المفاتيح إلى الأخير وفي السهو بالدخول في ركن أو
ما يستلزم معه العود إلى المنسي زيادة ركن فمحل ذكر الركوع والسجود ينقضي برفع الرأس
منهما ومحل نفس السجود مطلقا والتشهد الأول باق في السهو ما لم يركع في الركعة
المستقبلة وإن قام لأن القيام لا يتمحض الركنية فإن نسي إحدى السجدتين وذكرها
الركوع سجد ثم قام كما سبق كما لو نسيهما معا وكذا لو نسي التشهد وجلس وتشهد وقام
فإن فاتاه مضى في صلاته وقضاهما بعد التسليم وأتى بالمرغمتين وفاقا للمشهور وقيل
لا يقضى التشهد اكتفاء عنه بما في المرغمتين وإليه ميله في الكتابين عملا ببعض الظواهر
وتخصيصا لصحيحة محمد بن مسلم المتضمنة لقضاء التشهد بالتشهد الأخير والأولى أن يأتي
بهما في كل زيادة ونقصان غير مبطلين لرواية سفيان بن السمط والظن في الباب كالعلم
على المشهور وخصه بعضهم بما عدا الأولتين فكالشك ومن شك في عدد ركعات الصلاة
الواجبة الثنائية كالفجر والرباعية المقصورة وصلاة الطواف أو الثلاثية أو الأوليين
من الرباعية التامة أو لم يدر كم صلى مطلقا أية صلاة كانت فقد أبطل صلاته
ووجبت عليه الإعادة عينا على المشهور خلافا للصدوق فخير بينهما وبين البناء على الأقل جمعا
بين ما يدل عليهما واختاره المصنف في المفاتيح وإن كان الأول أحوط والشاك في عدد الركعات
فيما زاد على الاثنتين من الرباعية إن شك بين الاتمام والزيادة كما لو كان شكه بين الرابعة و
الخامسة أتم صلاته وأتى بالمرغمتين تلافيا للزيادة المحتملة اجماعا لصحيحة عبد الله بن سنان
وإلا بنى على الأكثر مطلقا وأتم الصلاة ثم احتاط بالاتيان بما شك فيه من الركعات صلاة
مفردة على المشهور لعموم موثقة عمار أجمع لك السهو كله في كلمتين متى ما شككت فخذ بالأكثر فإذا سلمت فأتم ما ظننت أنك قد نقصت وخصوص غيرها وقيل إن الشك بين الاثنتين
والثلاث وبين الاثنتين والأربع مبطل ولو بعد اكمال السجدتين ومنهم من جوز البناء
على الأقل من دون احتياط للشاك بين الاثنين والثلاث وبين الثلاث والأربع وفي موثقة
ابن عمار وغيرها إذا شككت فابن علي اليقين قلت هذا أصل قال نعم وتأويل اليقين بالاحتياط
بعد الاتمام لا يخلو عن بعد والجمع بالتخيير أصوب كما في المفاتيح ثم المشكوك فيه المحتاط به إن
كانت اثنتين كما لو شك بين الاثنتين والأربع فالمتعين الاتيان بهما من قيام اجماعا
وإن كانت واحدة كما لو شك بين الاثنتين والثلاث أو بين الثلاث والأربع فالمشهور
التخيير بين ركعة من قيام وركعتين من جلوس تعدان بركعة من قيام لرواية جميل و
فيها قصور سند أو دلالة ومن ثم ذهب المصنف في كتبه إلى تعيين الثاني وفاقا لبعض
المتقدمين لصحة مستنده وفيه أيضا قصور دلالة وإن كان أحوط وقيل بل يتعين الأول
ولا يعرف مستنده وعلى المشهور لو كان المحتاط مريضا لا يستطيع القيام فالمتجه فيه جواز
الاكتفاء جالسا لأن اللايح من فحاوي الأخبار أن احتساب ركعتي الجلوس بواحدة القيام
إنما هو في حق القادر عليه فيضعف عليه الفرض بسبب انتقاله عن القيام الواجب عليه
بالأصالة إلى القعود اختيارا والعاجز فرضه القعود فلا يناسبه التضعيف كما في أصل
الفريضة ويدل عليه ما في كتاب علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سألته عن المريض إذا
كأن لا يستطيع القيام كيف يصلي قال يصلي النافلة وهو جالس ويحسب كل ركعتين
بركعة وأما الفريضة فيحسب كل ركعة بركعة وهو جالس إذا كان لا يستطيع القيام
ويحتمل تعيين الركعتين كما في غيره من مواضع التخيير التي يتعذر فيها أحد الفردين متعين
الفرد الممكن سيما والتعبد بركعة واحدة من جلوس غير معهود وعموم الحديث المنقول
بعد تسليمه بحيث يشمل المطلوب غير ظاهر فليؤخذ باليقين وإن كانت مرددة بينهما كما
143

لو شك بين الاثنين والثلاث والأربع أتى بالأمرين من ركعتي القيام وركعتي الجلوس
على المشهور خلافا لبعض المتقدمين فاكتفوا بالركعة من قيام واثنتين من جلوس و
احتمل المصنف حمل مستنده على الرخصة وركعتي الاحتياط يأتي فيهما بالتحريمة والفاتحة
والركوع والسجود والتشهد والتسليم ولا قنوت فيهما ولا سورة وقيل بل لا يتعين القراءة
ويجزي التسبيح كالمبدل والأحوط تعقيبهما بالأصل المحتاط له من غير تخلل مناف كما عليه
الأكثر وإن كان الأظهر عند المصنف عدم وجوب ذلك وفاقا لابن إدريس ويتخير الشاك
في النافلة بين البناء على الأقل والأكثر والأول أفضل سواء الراتبة وغيرها وليس فيها
صلاة احتياط ولا مرغمتان ولا فرق فيهما بين الأولتين والأخيرتين والأفعال والأعداد
ولو كانت ملتزمة بالنذر وشبهه فكذلك أيضا كما يستفاد من كلام جماعة منهم المصنف في كتابه
الكبير لصدق اسم النافلة عليها وإن كانت واجبة بالعرض فيشملها العمومات الدالة على حكم النافلة وما
يقال من أنها بالنذر أعطيت حكم الواجب إن أريد حكمه في وجوب الاتيان به فلا يجدي وإن أريد
الأعم فممنوع بل هو نفس الدعوى والخلاف يجري في جميع ما تفترق فيه الفريضة النافلة من الأمور
السبعة عشر المذكورة أكثرها في تضاعيف ما تقدم ومما ذكر يعلم حكم الفريضة المعروضة للنفل
كاليومية المعادة في باب الشك وغيره وفي صحيحة حفص ويجعلها الفريضة كما مر ولا شك
للمأمومين ولا المأموم الواحد مع حفظ الإمام مطلقا ولا له مع حفظهم كذلك والظاهر أنه
يجوز أن يرجع الظان منهما إلى المتيقن عملا بأقوى الدليلين فيما هو كالفعل الواحد وإن تعدد الفاعل
وكذا في رجوع الشاك منهما إليه بل أولى أو إلى الظان وأضعفهما ظنا إلى أقواهما ولو اشتركا في
الشك واتحد متعلقه فعلا كان أو عددا ألزمهما حكمه من التدارك والاحتياط كما ذكر وإن اختلف
متعلقه فإن جمعهما رابط رجعا إليه كما لو شك أحدهما بين الاثنين والثلاث والآخر بين الثلاث
والأربع فيرجعان إلى الثلاث ليتيقن الأول عدم الزيادة عليها والثاني عدم النقيصة عنها
وإلا انفرد أو لزم كل منهما حكم شكه كما لو شك أحدهما بين الاثنتين والثلاث والآخر بين الأربع و
الخمس وإن اختلف المأمومون لم يجز التعويل على أحدهم إلا إذا أفاد الظن وكان في موضع يسوغ التعويل
عليه كذا في الكتابين مع أنه سوغ التعويل عليه في كل تردد يقع في الصلاة وفي تحقق العلم بهذه الفروض
حتى يترتب عليها ما ذكر من الأحكام بدون تخلل المنافي اشكال ولو سها الإمام فزاد ركعة
لم يجز للمسبوق بركعة أن يأتم به في تلك الركعة لموثقة سماعة وكلما عرض لأحدهما ما يوجب سجدتي
السهو كان له حكم نفسه ولا يجب على الآخر متابعته فيه خلافا لمن نفاهما عن المأموم وإن عرض
له السبب ومن أوجب عليه متابعة الإمام فيهما وإن لم يعرض له السبب وكلاهما خروج عن الأمر
بين الأمرين ولا حكم للشك مع كثرته مطلقا فيبنى على وقوع المشكوك فيه مطلقا وإن كان في محله
ولا يلتفت إلى الشك فإن الشيطان خبيث معتاد لما عود وإذا عصى لم يعد كما في صحيح زرارة وغيره
واختلف في حد الكثرة على أقوال لا يقضى على شئ منها بقاطع فالرجوع إلى العرف أتقن كما هو ظاهر المصنف
وفي صحيحة محمد بن أبي حمزة عن أبي عبد الله (ع) إذا كان الرجل ممن يسهو في كل ثلاث فهو ممن يكثر عليه
السهو ولا دلالة فيها على التحديد كما ظن بل هي كالصريحة في خلافه والظاهر أنها بيان لبعض الأفراد العرفية
ومن فاتته صلاة فريضة لنوم أو نسيان أو تكاسل وارتداد مطلقا أو اغماء أو فقد طهور وجب
عليه قضاؤها لعموم قوله صلى الله عليه وآله من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها وفي رواية أخرى من
فاتته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته وهو فيما عدا الأخيرين من المجمع عليه وإنما الخلاف فيهما والذي
عليه الأكثر ومنهم المصنف في الكتابين في الأول الاستحباب جمعا بين ما يدل على ثبوته بالعموم والخصوص
من الروايات التي استدل بها الموجبون وما يدل على سقوطه ولم يذكر هنا حكم زوال العقل وفيهما
أوجبه فيه إذا كان بشئ من قبله كسرب المسكر وأما الأخير فمختاره فيه أحد القولين للعمومات وقيل
بالسقوط لأن وجوب القضاء تابع لوجوب الأداء وفيه منع ظاهر وفوائت السفر تقضى في الحضر
مقصورة وبالعكس تحقيقا للمماثلة المدلول عليها بأداة التشبيه وجميع الفرايض متشاركة في ذلك
سوى صلاتي الجمعة والعيد أما الجمعة فإنها إذا فاتت تؤدي أربعا ظهرا وأما العيدية فتسقط إذا
فاتت لا إلى بدل مطلقا على المشهور وفي بعض روايات عيد الفطر أنه إذا لم يثبت إلا بعد الزوال أمر
الإمام بالافطار في ذلك اليوم وأخر الصلاة إلى الغد فصلى بهم وفي بعضها فليخرجوا من الغد أول النهار
إلى عيدهم وبهما عمل بعض قدمائنا وهو من مواضع الأخذ باليقين فإن تعددت الفوائت رتبها بحسب
الفوات وجوبا على المشهور وقيل استحبابا إن ذكر الترتيب وفي المفاتيح مع العلم وهو أجود وإلا سقط
الترتيب فيهما على الأصح فيهما وايجابه مع الجهل بالتكرار المحصل له افراط بإزاء تفريط من أسقطه مع العلم
وإن كررها لتحصيله بالاتيان بجميع الشقوق المحتملة فقد أخذ باليقين وخرج عن الخلاف لكنه ليس
بحد غيره من مواضع الاحتياط ومن فاتته فريضة من الخمس غير معينة قضى ثنائية وثلاثية ورباعية
عما في ذمته مرددة بين الرباعيات يتخير في قرائتها بين الجهر والاخفات وإن كان مسافرا اكتفى بالأولتين
على المشهور وقيل بل يقضي الخمس كلها فإن بقيت الفايتة عليه إلى الموت قضاها عنه مطلقا أولى الناس
بميراثه من الرجال كما في صحيحة حفص وغيرها ويأتي في كتاب الجنائز أنه أكبر ولده الذكور وقيل إنما يقضى عنه
ما فاته لعذر لا ما تركه عمدا مع قدرته عليه وخصه في اللمعة بالفائت في مرض الموت ومثله القول في
الصيام والعمومات دالة على جواز التبرع به عن غيره وهل يجوز الاستيجار له المشهور نعم وبسط الكلام فيه
الشهيد في الذكرى وتردد فيه المصنف وهو في محله إلا مع الوصية كما يأتي في محله وفي وجوب قضاء
144

صلاة الكسوفين يشترط الاستيعاب فلا يجب بدونه مطلقا وفاقا للسيد والأكثر على الوجوب مع
العلم ومنهم من خصه بغير الناسي وكذا الخلاف في سائر الآيات ولا يجوز أن يتطوع من عليه فريضة
حاضره أو فاتته حتى يقضيها إلا ما استثنى على المشهور لظاهر بعض المناهي ومنهم من حكم بالكراهة
جمعا فليترك أخذا باليقين فإن ترك التطوع أهون من ارتكاب المحظور كما مر مرارا وفي قضاء الرواتب
الفائتة فضل كثير ويعجب الرب ملائكته منه وفيه تأكيد شديد إن فاتت من غير عذر كطلب معيشة
لا بد منها أو حاجة لأخ مؤمن ولا لقي الله وهو مستخف متهاون مضيع لحرمة رسول الله صلى الله عليه وآله كما في
رواية ابن سنان وفيها إن العاجز عن القضاء يتصدق لكل ركعتين بمد فإن لم يقدر فلكل أربع
ركعات من صلاة النهار مد فإن لم يقدر فمد إذن لصلاة الليل ومد لصلاة النهار والصلاة
أفضل والصلاة أفضل والصلاة أفضل
باب التعقيب وهو الجلوس بعد الصلاة لدعاء كذا في
القاموس وزاد الجوهري أو مسألة وقال بعض علمائنا أنه الاشتغال عقيب الصلاة بدعاء أو ذكر أو
ما أشبه ذلك وفضله عظيم ففي صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) التعقيب بعد الفريضة أفضل من الصلاة
تنفلا وفي رواية الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله (ع) التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب
في البلاد يعني بالتعقيب الدعاء بعقب الصلاة وفي أخرى عنه (ع) الجلوس بعد صلاة الغداة للتعقيب
والدعاء حتى تطلع الشمس أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الأرض وعنه (ع) من صلى صلاة فريضة ثم
عقب إلى أخرى فهو ضيف الله وحق على الله أن يكرم ضيفه والتقييد بالفريضة فيها وفي الصحيحة و
ما في معناها لا يدل على الاختصاص بحيث لا تحصل حقيقته بعد النافلة كما قد يتوهم بل الوجه العموم
كما هو ظاهر الرسمين اللغوي والشرعي والتفسير في رواية الوليد منه أو من غيره من رجال السند
وأكثرهم من أجلة أصحابنا ولعل التقييد لاشتراط الترتب الأثر الخاص كالتقييد بالتعقيب إلى أخرى
فيها أو التأكيد لكونه أفضل كما في صحيحة محمد بن مسلم وغيرها أن الدعاء دبر المكتوبة أفضل من
الدعاء دبر التطوع كفضل المكتوبة على التطوع أما عدم انفصاله عنها بالفصل الكثير فالظاهر اشتراطه
كما صرح به بعضهم بشهادة العرف وحقه أن يوزع على أذكار وأدعية وقراءة وتفكر حتى يكون مستجمعا
لأقسام الخير من طاعة القلب واللسان وأفضلها المأثورات وهي كثيرة يقتصر عند تعذر الجميع على
الأفضل مما أمكن منها فالأفضل سيما تسبيح الزهراء (ع) وكيفيته مشهورة بتوسيط التحميد وإن
ورد بعض الروايات بتأخيره عند النوم ويتفكر في عجايب المصنوعات وجزيل الآلاء وهو من التفكر
الذي ساعته خير من عبادة سنة كما مر ومحاسبة النفس بعد فريضة الصبح إن هذا يوم جديد من الفرصة
المغتنمة ولو كان قد توفي لكان يتمنى أن يرجعه الله ولو يوما واحدا إلى الدنيا لعله يعمل صالحا
فيما ترك فليحسب أنه مات ثم أعيد فليجتهد في الاستكمال وزيادة الخير ليكون يومه خيرا من أمسه
فإن من تساوى يوماه فهو مغبون ولينظر في وظائفه في نهاره ويحذف الفضول منها ويرتب
لكل مهم وقتا لا يتعداه ليفوز ببركة الأوقات فإن من ترك نفسه مهملا سدى إهمال البهائم لا
يدري بماذا يشتغل في كل وقت فتنقضي أكثر أوقاته ضايعة فإذا فرغ من صلاة الظهر حاسبها
فيما قدمت وأخرت فإن أوتي خيرا شكر الله على ذلك واجتهد في زيادته وإن تكن الأخرى بادر
إلى التدارك بما سبق في أبوابه وبعد العصر يحاسبها بما بين الصلاتين وكذا بعد المغرب ثم
يحاسبها بعد العشاء بالحساب التفصيلي عن جميع نهاره مع الفحص التام فلما عسى أن غرب عنه في
الحسابات المجملة النهارية ويعاتبها بما فرطت في جنب الله وأبطلته من أجزاء الوقت التي كان
متمكنا فيها من تحصيل السعادات العظيمة فإن تفويت المنافع والتقاعد عن تحصيل الأرباح
للقادر عليه خسران عظيم وغبن فاحش وحسرة كبرى وفي الحديث النبوي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وفيه لا يكون العبد مؤمنا حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك شريكه و
السيد عبده ولهذا تتمة تأتي في كتاب الجهاد وإن اجتنب المعقب فيه ما اجتنب في صلاته من
منافيات الصحة والكمال فقد أكمل تعقيبه فورد أن ما يضر بالصلاة يضر بالتعقيب وليختمه بسجود
الشكر فإنه من الأكيدات وفي صحيح مرازم عن أبي عبد الله (ع) إنه واجب على كل مسلم يتم الصلاة
ويرضي الرب ويعجب الملائكة وأدناه أن يقول شكرا لله ثلاثا ويستحب أن يطول ما استطاع
فعن أبي الحسن (ع) أنه كان يسجد بعد ما يصلي فلا يرفع رأسه حتى يتعالى النهار وأن يكون داعيا
فيه بالمأثور عنه (ع) في حسنة ابن جندب وهو اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبيائك
ورسلك وجميع خلقك إنك ربي والإسلام ديني ومحمد نبيي وعلي وفلان وفلان إلى
آخرهم أئمتي بهم أتولى ومن عدوهم أتبرأ اللهم إني أنشدك دم المظلوم ثلاثا اللهم إني
أنشدك بايوائك على نفسك لأوليائك لتظفرنهم بعدوك وعدوهم أن تصلي على محمد و
آل محمد وعلى المستحفظين من آل محمد ثم تقول اللهم إني أسئلك اليسر بعد العسر ثلاثا ثم ضع خدك الأيمن
بالأرض وتقول يا كهفي حين تعييني المذاهب وتضيق على الأرض بما رحبت ويا بارئ خلقي
رحمة وكنت عن خلقي غنيا صل على محمد وآل محمد وعلى المستحفظين من آل محمد ثم ضع خدك
الأيسر وتقول يا مذل كل جبار ويا معز كل ذليل قد وعزتك بلغ بي مجهودي ثلاثا ثم تقول يا حنان
يا منان يا كاشف الكرب العظام ثلاثا ثم تعود للسجود فتقول مائة مرة شكرا شكرا ثم تسأل الله
حاجتك انشاء الله وروي غيره أيضا وحقه أن يكون بخضوع مفترشا على الأرض بذراعيه
لاصقا والأجود ملصقا صدره وبطنه بالأرض كما في رواية يحيى بن عبد الرحمن عن الهادي (ع)
معفرا جبينه فإنه من علامات المؤمن وهو وضعه على العفر بفتحتين أي التراب ويستحب
145

تعفير خديه أيضا بين السجدتين داعيا بما ذكر أو غيره من المأثورات وبوضعهما على الأرض
بعد وضع الجبين أولا وإعادته يتثنى السجود فيقال سجدتا الشكر والذي ذكره غيره تحقق
التثنية بوضع الجبهة وتخلل وضع الجبينين وأما وضع الخدين فمستحب آخر لا مدخل له في
ذلك والجمع بينهما أبلغ وهو مندوب إليه عند تجدد كل نعمة أو دفع نقمة أو ذكرهما ولو بعد
حين وإذا كان في ملأ من الناس فليضع يده على أسفل بطنه وليحن ظهره تواضعا لله
يرى أن ذلك غمز وجده في أسفل بطنه كما ورد ومطلق السجود سنة على كل حال ومقرب
إلى الله بل أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد وذلك قوله (تع) واسجد واقترب
باب
الدعاء وهو في اللغة الندا وشرعا الرغبة إلى الله وطلب الحاجة منه على وجه الاستكانة
والخضوع وقد يطلق توسعا على مجرد التمجيد والثناء لما فيه من التعرض للطلب كما تقدم كثير
منه ومنه قوله صلى الله عليه وآله خير الدعاء دعائي ودعاء الأنبياء من قبلي وهو لا إله إلا الله وحده
لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ
قدير وفضله عظيم بل هو مخ العبادة وأفضلها كما تقدمت روايته في باب الرضا والإضافة
أولى من إضافة الجزء إلى كله كما في رأس الايمان والثانية من إضافة الجزئي إلى كليه كما في
خير الدعاء ففيه نوع استخدام وعن أمير المؤمنين (ع) أحب الأعمال إلى الله عز وجل في الأرض
الدعاء وعنه (ع) الدعاء ترس المؤمن وفي الحديث النبوي أنه سلاحه وعمود الدين ونور السماوات
والأرض وعن أبي عبد الله (ع) الدعاء يرد القضا بعد ما أبرم ابراما فأكثر من الدعاء فإنه
مفتاح كل رحمة ونجاح كل حاجة وعنه (ع) عليك بالدعاء فإن فيه شفاء من كل داء وعنه (ع)
الدعاء أنفذ من السنان الحديد وفي حديث أمير المؤمنين (ع) الدعاء مفاتيح النجاح ومقاليد
الفلاح وخيره ما صدر عن صدر نقي وقلب تقي وفي المناجاة سبب النجاة وبالإخلاص
يكون الخلاص فإذا اشتد الفزع فإلى الله المفزع وعنه (ع) وعن أبي عبد الله (ع) بألفاظ متقاربة
متى يكثر قرع الباب يفتح والحث عليه في الكتاب والسنة أكثر من أن يحصى وحقه أن يترصد
له الأوقات الشريفة فإنها مظان الإجابة كعرفة وهو اسم اليوم من السنة وشهر رمضان
من الشهور ويوم الجمعة وليلتها من الأسبوع وساعة الزوال من النهار وساعته من
الليل إلى أخرى بعدها تكون تمام السدس الرابع من الليل والسحر إلى طلوع الشمس فإنها
من الأوقات التي تفتح فيها أبواب السماء والأحوال الخاطفة المغتنمة كحال الرقة فعن أبي
عبد الله (ع) إذا رق أحدكم فليدع فإن القلب لا يرق حتى يخلص وعنه (ع) إذا اقشعر جلدك
ودمعت عينك فدونك دونك وقصد قصدك وحال الاضطرار كما قال (تع) أمن
يجيب المضطر إذا دعاه والتيقظ بالقلب بجلال الله عز وجل فإن الخضوع حينئذ أكثر والاقبال
أوفى والالتفات إلى المدعو والانقطاع عن غيره أتم وكلها من أسباب الإجابة وقراءة القرآن كما
في حديث أمير المؤمنين (ع) وهي تعم قراءة الداعي وغيره مع احتمال الاختصاص بكل منهما والسجود
فإنهما أقرب الحالات كما مر وعند الأذان وما بين الأذانين الأذان والإقامة وما بين أن
ينزل الإمام من المنبر يوم الجمعة إلى أن تقام الصلاة وعند نزول الغيث وهبوب الرياح
والتقاء الصفين للشهادة وأول قطرة من دم القتيل المؤمن وهذه ألفاظ الروايات بما
فيها من الاجمال وفي حال الغربة لما يلزمها غالبا من الانكسار الجالب للرحمة ومع الصوم
فإن دعوة الصائم لا ترد ووجدت في بعض أسفار المنجمين عن أبي عبد الله (ع) الأمر بالدعاء
وطلب الحوائج من الله (تع) في أوقات أربعة ثلاثة من المذكورات والرابع عند وصول كف
الخضيب إلى وسط الشماء وذكر ذلك صاحب التحفة أيضا وهو من صورة ذات الكرسي من
الصور الشمالية وهو يناسب المحكي عن بعض الحكماء الأقدمين في اختيار الساعات المسعودة
للدعاء من أن الشرط الأعظم ملاحظة حال كف الخضيب وأن من الأوقات التي لا يرد فيها الدعاء
البتة إلا ما كان مخالفا للشريعة وقت مقارنته للنيرين والسفليين سيما في الحادية والعشرين
من الحمل خصوصا للعاقبة وصحة البدن فإن كان للثروة والشجاعة فالمعتبر مقارنته للشمس و
للظفر على العدو مقارنة المشتري وللرزق مقارنة الزهرة والخلو عن مقارنة النحسين وذكروا
أنه بحمل القمر في القوس والحوت ناظرا إلى الزهرة للدعاء للجنة والمغفرة فإن كان للرزق والمقاصد
الدنيوية فليكن في الثور ناظرا إلى المشتري وللجاه وقوة الحال الشمس في الحمل والقمر في الأسد
أو بالعكس أو القمر في السرطان والمشتري في الثور أو بالعكس واحمدها على الاطلاق إذا كان
المشتري في شرفه أو بينه وبين القمر في شرفه أو شرف زحل وعن الشهيدان من الأوقات المختارة
للدعاء حال مقارنة المشتري للرأس وذلك في كل أربع عشرة سنة تقريبا وفيه أن من المقرر
في فنه أن المشتري يتم الدورة على توالي البروج في اثنتي عشرة سنة كل برج سنة والرأس
بسيره المعكوس في تسع عشرة سنة كل برج في تسعة عشر شهرا واللازم من ذلك حصول
المقارنة بينهما في كل سبع سنين وأربعة أشهر تقريبا كما لا يخفى وهذه أمور يسندون
بعضها إلى التجربة وبعضها إلى الأنبياء السالفين صلوات الله عليهم ويترصد أيضا الأمكنة
الشريفة كعرفات وهو منسك الحاج يوم عرفة والملتزم من الكعبة وسائر المشاهد المشرفة
سيما تحت قبة الحسين (ع) ثم المساجد الجامعة وأن يطيب الداعي أولا مكسبه فعن أبي عبد الله (ع)
من سره أن تستجاب دعوته فليطيب مكسبه وفي حديث آخر طب مكسبك تستجب دعوتك
146

فإن الرجل يرفع اللقمة إلى فيه من حرام فما تستجاب له دعوة أربعين يوما وأن يكون الدعاء
بعد التوبة فإن الاصرار على المآثم معرض للحرمان كما في المشاهد ورد المظالم فإنه من تتماتها
كما سبق وعن أمير المؤمنين (ع) فيما أوحى الله إلى عيسى قل لبني إسرائيل إني لا أستجيب لأحد منهم
دعوة ولأحد من خلقي لديهم مظلمة والاقبال على الله بكنه الهمة دون مجرد اللسان وعن أبي
عبد الله (ع) إن الله لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساه فإذا دعوت فاقبل بقلبك ثم استيقن الإجابة
والتخشع والتضرع وهو التذلل والبكاء أو التباكي ولو بمثل رأس الذباب والاعتراف بالذنب
والاستغفار منه قبل السئول وهما من جهة الدعاء كما سبق والتقدم في الدعاء قبل عروض
الحاجة ليعرف في الملأ الأعلى صوته فلا يلام فورد في أحاديث أهل البيت (ع) تقدموا
في الدعاء فإن العبد إذا كان دعاء فنزل به البلاء فدعا قيل صوت معروف وإذا لم يكن دعاء
فنزل به بلاء فدعا قيل أين كنت قبل اليوم وعن النبي صلى الله عليه وآله في حديث أبي ذر تعرف إلى الله
في الرخاء يعرفك في الشدة وأن لا يعتمد في قضاء حوائجه على غير الله فعن أبي عبد الله (ع) إذا
أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئا إلا أعطاه فلييأس من الناس كلهم ولا يكون له رجاء إلا
من عند الله فإذا علم الله ذلك من قلبه لم يسأله شيئا إلا أعطاه وأن يتصدق ويشم شيئا
من الطيب ثم يدعو مستقبل القبلة فإنه خير المجالس رافعا يديه بحيث يرى باطن إبطيه
ولو تقديرا وهو أحد الوجوه في الابتهال وفي التضرع ضاما بين كفيه فإن تعذر فليدع
باليمين جاعلا بطنهما نحو السماء سيما في دعاء الرزق وهو الرغبة ناظرا إليهما لا إلى السماء كما
في القنوت وورد في التعوذ أن يستقبل القبلة بباطن الكفين وفي دعاء الخيفة أن يحرك
إصبعه السبابة مما يلي وجهه وروي أيضا جعل ظهر الكفين إلى السماء وهو الرهبة وللدعاء
بإصبع واحدة يشير بها وهو التبتل وبالإصبعين يشير بهما ويحركهما وهو التضرع وفي
أخرى هو تحريك السبابة اليمنى يمينا وشمالا وفي ثالثة هو رفع اليدين والتضرع بهما
وورد تفسير هذه الإشارات على وجوه أخر تطلب من مظانها وهي تعبدات لا يعلم حقيقتها
إلا الراسخون في العلم ولا يردهما حتى يمسح بهما على وجهه ورأسه كما ورد عن أبي جعفر وأبي
عبد الله (ع) وفي رواية أخرى على وجهه وصدره فإن الله يستحيي أن يردهما صفرا حتى يجعل
فيهما من فضل رحمته ما يشاء وأن يتخافت به فدعوة واحدة سرا تعدل سبعين دعوة علانية
أو أفضل منها وأن يتيقن بالإجابة كما تقدم وأن يلح فيه فعن أبي جعفر (ع) والله لا يلح عبد
على الله إلا استجاب له وعن أبي عبد الله (ع) إن الله كره الحاح الناس بعضهم على بعض و
أحب ذلك لنفسه وأن لا يستبطئ الإجابة فربما يكون التأخير لكرامته على الله شوقا إلى
صوته ودعاءه ونحيبه وعن بعض المشايخ لا يتبرم الداعي من بطء إجابته فإن الدعاء البطئ
الإجابة أبقى أثرا وأطيب ثمرا كالنخلة تطعم كل خير بعد أمد بعيد في زمن مديد بخلاف السريع الإجابة
فإنه كشجرة اليقطين قريبة المنال سريعة الاضمحلال وأن يفتتح المسألة بالتمجيد والثناء
على الله وهو من جهة الدعاء أيضا وأفضله المأثورات وأدنى التمجيد الحمد لله الذي
علا فقهر والحمد لله الذي ملك فقدر والحمد لله الذي بطن فخبر والحمد لله الذي يحيى
الموتى ويميت الأحياء وهو على كل شئ قدير وروي غيره ومما ينبغي أن لا يترك في الابتداء
الصلاة على محمد وأهل بيته فبعدة طرق معتبرة لا يزال الدعاء محجوبا حتى يصلى على محمد وآل
محمد والأفضل أن يختتم بذلك أيضا لقبولهما فلا يرد ما في البين فعن أبي عبد الله (ع) من كانت
له إلى الله حاجة فليبدأ بالصلاة على محمد وآل محمد ثم يسأل حاجته ثم يختم بالصلاة على
محمد وآل محمد فإن الله أكرم من أن يقبل الطرفين ويدع الوسط وروى الأمر به في الوسط
أيضا وهو أكمل وينبغي رفع الصوت بها فإنها تذهب بالنفاق كما في النبوي وأن لا يبترها
فعن أبي عبد الله (ع) قال سمع أبي رجلا متعلقا بالبيت وهو يقول اللهم صل على محمد فقال له أبي
يا عبد الله لا تبترها لا تظلمنا حقنا قل اللهم صل على محمد وأهل بيته وتسمية الحاجة فإن الله
لا يخفى عليه خافية ولكنه يحب أن تبث إليه الحوائج والتعميم فيه فورد أنه أوجب للدعاء بل الأولى
أن يدعو لإخوانه المؤمنين بظهر الغيب وليكونوا أربعين سيما بعد الفراغ من صلاة الليل
ويلتمس منهم الدعاء كذلك حتى يكون داعيا بلسان غير مذنب فورد أن الله أوحى إلى موسى ادعني
على لسان لم تعصني به فقال يا رب أنى لي بذلك فقال ادعني على لسان غيرك وفي عدة أخبار
أن الداعي لأخيه بظهر الغيب يقال له من الملأ الأعلى ولك مثلاه وفي روايات أخر مائة ألف
ضعف مثله وفي الصحيح عن أبي عبد الله (ع) دعاء الرجل لأخيه بظهر الغيب يدر الرزق ويدفع المكروه
وهو متيقن الإجابة ومن ثم كان غير واحد من أكابر السلف إذا حضروا الموقف دعوا لإخوانهم
المؤمنين دون أنفسهم حتى يفيض الناس فلما عوتبوا في ذلك قالوا لا ندع مائة ألف مضمونة
لواحدة لا ندري تستجاب أم لا وأن يجتمعوا فيه ولو بالنساء والصبيان فيدعو المحتاج ويؤمنون
كما يروى من فعل أبي جعفر (ع) إذا حزنه أمر ومن المقررات أن لتوافق النفوس وتعاضدها
لا سيما إذا كانت قوية متهذبة مشابهة للمبادئ العالية مدخلا عظيما في استنزال الخيرات واستجلاب
البركات واستفتاح المقاصد المستبعدة الحصول وله وجوه معقولة من جهة الطبيعة مذكورة في
محالها فإن كانوا أربعين رجلا استجيب لهم وإلا فأربعة يدعون الله عشرا وإلا فواحد يدعو
أربعين مرة روى ذلك أبو خالد عن أبي عبد الله (ع) وفيها وفي نظائرها تنبيه على ما في هذا العدد
147

الخاص من السر المكنون الذي لا يوجد في غيره من الأعداد ولم يتنبه له إلا الراسخون في العلم ومن
ثم اختاروه لما اختاروه في سننهم وفي الصحيح عنه (ع) الداعي والمؤمن شريكان في الأجر وأن ينظر
من يدعو فيقدره حق قدره وكيف يدعو فإنه إن لم يكن يراه فإنه يراه ولما يدعو كما أمر به أبو عبد الله (ع)
في مصباح الشريعة فلا يدعو بشئ ليس فيه صلاحه كتولية البلاد وهو يضعف عن سياسة
أهله وعن أمير المؤمنين (ع) يا صاحب الدعاء لا تسأل ما لا يكون وما لا يحل والأول كان يحيى ميتة
أو يسيل واديه ذهبا والثاني كالتمكن من الفواحش ولا ما يتضمن قلة الحياء وإساءة الأدب
قال المفسرون في قوله عز وجل ادعوا ربكم تضرعا وخيفة إنه لا يحب المعتدين أي لا يتجاوز الحد في دعائه
كان يطلب منازل الأنبياء وعن أمير المؤمنين (ع) من سأل فوق قدره استحق الحرمان ونظيره في المشاهد
أن السوقي الخامل إذا سأل مصاهرة الملك مثلا والانخراط في سلك المقربين خاب أمله ولو كان الملك
كريما وأن يحافظ على لفظ الدعاء واعرابه بحيث لا يلحن فيه فإن الدعاء الملحون لا يصعد إلى الله ويتأكد
ذلك في الأدعية المأثورة ولا يتكلف السجع ولا غيره من المحسنات اللفظية فإنه يذهب بجزالة المعنى
غالبا وأن تأتي ذلك صفوا فلا بأس والأولى الاقتصار على المأثورات فإن في دعوات أهل البيت (ع)
لبلاغا لقوم عابدين وما من مقصد كلي ولا جزئي مما يحق أن يدعى له إلا وقد دون من بركاتهم صلوات
الله عليهم أجمعين فيه أوراد وأدعية مبسوطة ومختصرة يختار الداعي منها ما يقتضيه الحال سيما سيد الساجدين (ع)
في صحيفته المشهورة وأختيها وليبالغ في تصحيح ألفاظها وعباراتها والمحافظة على نظمها وآدابها من غير اخلال
بشئ من ذلك بزيادة ولا نقصان ولا تقديم ولا تأخير فإن في كلمات المعصومين صلوات الله عليهم و
تأليفاتها وإشارتها خواص ومقاصد لا توجد في غيرها وإن كانت المعاني متوافقة فإذا أتى الداعي
بما ذكر من الشرايط وأخلص سره لوجه الله فليبشر بإحدى ثلاثة أما يتعجل له ما سأل ولفظ الرواية يعجل
من باب التفعيل وهو أوفق وأما أن يدخر له ما هو أعظم منه وأما أن يصرف عنه ما لو أرسله عليه
لهلك كذا في مصباح الشريعة وفي الحديث النبوي ما يقرب منه وعن أبي عبد الله (ع) إن العبد ليكون له
الحاجة إلى الله فيبدء بالثناء على الله والصلاة على محمد وآل محمد حتى ينسي حاجته فيقضيها الله له من
غير أن يسأله إياها وعنه (ع) قال الله من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين
باب
فضل قراءة القرآن وآدابه عن علي بن الحسين (ع) وأبي عبد الله (ع) بتغييرات لفظية من استمع حرفا منه مثل
ألف ولام وميم لا أقول آية أو كلمة مثل ألم أو قراءة نظرا من غير صوت فله به حسنة ومحو سيئة ورفع
درجة ومن تعلم منه حرفا ظاهرا أو قرأه في غير صلاة فله به عشرة أمثال ذلك ومن قرأه في صلاته جالسا
فخمسون مثله وقائما فمائة ومن ختم كله فله دعوة مستجابة مؤخرة أو معجلة وروي أكثر من ذلك
وبتلاوته ينور البيت ففي الحديث النبوي نوروا بيوتكم بتلاوة القرآن وفيه وفي حديث أمير المؤمنين (ع)
البيت الذي يقرأ فيه القرآن ويذكر الله (تع) فيه يضئ لأهل السماء كما تضئ النجوم لأهل الأرض
وتكثر بركته ويحضره الملائكة ويهجره الشياطين الحديث وحقها أن يتأدب القاري بالآداب الباطنة
والظاهرة وذلك بأن ينوي بالقراءة إيناس السر بالله عن وحشة الدنيا وقضاء حق الشوق بالمناجات
معه عز وجل ومخاطبته واستماع خطابه وأن للمشتاقين بكتاب الحبيب الودود وترداد كلامه وما يجدون
في ذلك من الحلاوة والطلاوة لفرحا وشغلا شاغلا وضبط أحكام العبودية من الأوامر والنواهي
والحدود والبشارات والانذارات وغير ذلك وأن يتطهر فإن للمتطهر خمسا وعشرين حسنة ولغيره
عشر حسنات ويتطيب فإن الملائكة تحضره ويتأدب بأحسن الأدب وهو من جملة التعظيم ويجوز
الاضطجاع أحيانا رخصة سيما لذوي الأعذار وأن يتعوذ من الشيطان في ابتداء قرائته امتثالا لقوله (تع)
وإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم وقد تقدمت صورته والأفضل أن ينظر في المصحف
وإن كان حافظا عن ظهر قلبه لأن النظر فيه عبادة كما في رواية إسحاق بن عمار وورد أنه ليس شئ
أشد على الشيطان من القراءة في المصحف نظرا وأن القاري فيه يمتع ببصره ويخفف العذاب عن والديه
وإن كانا كافرين كذا في مرفوعة يعقوب بن زيد وغيرها وأن يقرأ في كل يوم لا أقل من خمسين آية
وليكن إذا أصبح بعد التعقيب ولا يختم في أقل من شهر لأن القرآن لا يقرأ هذرمة أي سرعة إلا في شهر
رمضان لأن له حقا وحرمة لا يشبهه شئ من الشهور فيكثر التلاوة فيه فيختم في كل ست ليال أو
ثلاث وأن يرتله ترتيلا كما ورد الأمر به في الآية الكريمة وفسر في حديث أمير المؤمنين (ع) بحفظ الوقوف
وبيان الحروف كما تقدم وفسر الأول بالوقف التام والحسن والثاني بالاتيان بصفاتها المعتبرة
من الجهر والهمس والاطباق والاستعلاء وغيرها وعن أبي عبد الله (ع) احذر أن تقع من إقامتك
حروفه في تضييع حدوده وأن يقرأ بصوت حسن فإنه حلية القرآن وعن أبي عبد الله (ع) في الترتيل
هو أن تمكث وتحسن به صوتك وعلى حزن لأنه نزل بالحزن ولا يهذه هذ الشعر ولا ينثره نثر
الدقل كما في حديث ابن مسعود والهذ سرعة القراءة أي لا يسرع فيه كما يسرع في قراءة الشعر ولا يفرق
بين كلماته بحيث لا تكاد تجتمع كالدقل وهو ردئ التمر ويابسه وما ليس له اسم خاص فتراه ليبسه
وردائته لا يجتمع ويكون منثورا وفي حديث أمير المؤمنين (ع) الرمل وهو أوضح وكان التعبير به
أولى ولا يكون همه آخر السورة للنهي عنه فيه وهو كناية عن العجلة والتبرم ويعظم القرآن فإنه من
أعظم شعائر الله وهو من الحقوق الواجبة على غير القاري أيضا والاستخفاف به ربما يكون كفرا
وقد أكثر عصبة من المتأخرين من الخوض في أنه أفضل أم الكعبة فذهب إلى كل فريق ورد بعضهم
على بعض ولجوا في الابرام والنقض وزاد الفضوليون من المعاصرين الخلاف في أنه أفضل أم
أهل البيت (ع) لأنهما ثقلان أحدهما أكبر من الآخر ووضعوا في ذلك رسائل عديدة بمقالات
148

واهية غير سديدة تحق أن تستر لا تسطر وتكتم لا تشهر وكله من القيل والقال الذي تواتر
النهي عنه من الثقلين كما سبق في المقدمة ومن تعظيمه تعظيم أهله وأن يحضر القلب ويترك
حديث النفس ويتدبره فعن أمير المؤمنين (ع) لا خير في قراءة لا تدبر فيها وهو أمر زائد على
حضور القلب فإن حاضر القلب ربما لا يتفكر في غير القرآن ولكنه يقتصر على سماع القرآن
من نفسه ولا يتدبره والمقصود من القراءة التدبر وهذه الأحوال الثلاثة مترتبة و
يتردده أحيانا إذا لم يثات له حق التدبر بدونه أو للرغبة أو الرهبة أو التذكر أو التذكير
أو التلذذ أو الاستعطاف أو التعوذ أو التضرع أو غير ذلك من الأحوال التي لا تكمل
إلا به وعن أبي ذر رضي الله عنه قام بنا رسول الله صلى الله عليه وآله فقام ليلة بآية يرددها إن تعذبهم
فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم وعن أبي عبد الله (ع) ما زلت أردد إياك
نعبد حتى سمعتها من قائلها ويتفهمه فيستوضح من كل آية ما يليق بها ويلتمس غرائبه كما وقع
الأمر به في حديث أمير المؤمنين (ع) فإن تحت كل كلمة منها أسرار مكتومة لا تنكشف إلا للطالبين
من الموفقين ويقدر أنه المراد بالخصوص بكل خطاب فيه فإذا مر بأمر أو نهي أو وعد أو ايعاد جعل
نفسه المأمور والمنهي والموعود والموعد وكذا عند كل قصة فإن السمر غير مقصود وإنما المقصود
الاعتبار وأخذ ما يحتاج إليه فما من بناء في القرآن من قصص الأولين إلا وفيه عبرة للمعتبرين
وأخلي القصص بحسب الظاهر من معنى الانذار والوعظ قصة يوسف بطولها حتى أن من أهل الاسلام
من زعم أن هذه السورة ليست من القرآن لأنها قصة امرأة فاجرة عشقت صبيا جميلا فراودته
والمتأمل يرى فيها وجوها من الاعتبار والفوائد مهمة ولنشر إلى جملة منها أ أن علم الرؤيا من العلوم
حقيقية وليست من المتخيلات المحضة كما زعمه بعض الحكماء ب النهي عن افشاء الأسرار عند من لا
يؤتمن شره ج مذمة ملكة الحسد وأنها إذا أطيعت انجرت بصاحبها إلى ما هو أكبر منها
كقتل النفس المحترمة والقائها في المهالك وربما يفتضح الحسود ويضطر إلى الاقرار بفضل المحسود د مذمة
الكذب وانتهاؤه إلى الخزي في الدنيا قبل الآخرة ه مدح الصبر وحلاوة ثمرته وأن في ابتلاء
أنبياء الله أسوة لسائر الناس إذا ابتلوا بالمصائب فيهون عليهم أمرها ويتسهل لهم الصبر عليها ز
إن البكاء والأسف لا يتنافيان الصبر الجميل والنهي عن اليأس من روح الله ومدح العفة
وحسن عاقبتها ومذمة الفجور وسوء عاقبته وجواز تحمل الضرر تحرزا عن الوقوع في المعصية
بأن التوسل بالمخلوقين أحيانا للخلاص عن الأسوأ لا ينافي التوكل لجواز طلب المناصب
العالية لمن يثق من نفسه بالقيام بحقوقها بأن مدح النفس أحيانا بما هو فيها ليس من
تزكية النفس المنهي عنها يه جواز ادخار الأقوات عند الحاجة وأنه لا ينافي التوكل أيضا لجواز
الاحتيال بالحيل المباحة للمقاصد المباحة ومن جملتها التورية في الكلام عند الحاجة
بحسن العفو عن المسيئين وقبول اعتذارهم لأن اللمعات القدسية ربما تبرق على قلب الولي
فيرى ما هو بعيد عنه وربما تطبق عليه فلا يرى ما هو قريب إليه يظهر أنه لا راد لقضاء الله
ولا معقب لحكمه فإذا سبقت عنايته (تع) لأحد بالحسنى لا يضره كيد الكائدين كان الاتيان
بهذه القصة العجيبة آية بينة للنبي صلى الله عليه وآله وفيها وجوه أخر تستنبط بالنظر وقد قال (تع) لقد
كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ومن ثم من الله على الكافة بإنزال الكتاب بقوله واذكروا
نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة لعموم فايدته الجميع وإذا قصد بالخطاب جميع
الناس قصد الآحاد فهذا الواحد القاري مقصود فما له ولسائر الناس فليقدر أنه المقصود
دون غيره وأن يتأثر بالقراءة وهو من فروع التدبر وذلك باختلاف حال القلب وظهور
الآثار المتغايرة فيه بحسب اختلاف المعنى فيكون له بحسب معنى كل آية حال ووجد ووجل
فيفرح ويشتاق ويخاف عند قراءة آية رحمة وجنة وعذاب ونحو ذلك فإن كلام الله تعالى
يشتمل على جميع ذلك وفيه السهل اللطيف والشديد العسوف والمرجو والمخوف وكيف
يكون حال المستمع واحدا والمسموع مختلف فتنوع وجوه الكلمات يستتبع تقلب القلب
في الحالات وبحسب كل حالة يستعد للمكاشفة بأمر يناسب تلك الحالة كما يأتي في وصف
المتقين والقرآن إنما يقرأ لاستجلاب هذه الأحوال وإلا فمؤنة تحريك اللسان بهجائه حفيفة
ويترقى في مقامات القراءة وهي ثلاث فالأدنى تقدير العبد أنه يقرأ بين يدي الله سبحانه بمرأى
منه ومسمع فيكون حاله عند هذا التقدير السؤل والتملق والتضرع والابتهال ثم إن يشهد
بقلبه أنه تعالى يخاطبه بألطافه ويناجيه بأنعامه واحسانه فمقامه الحياء والتعظيم والاصغاء
والفهم كذا في الحقايق ويمكن أن يكون كلام أبي عبد الله (ع) المنقول إشارة إليه أو المعنى تقدير
أن العبد يخاطب ربه ومقامه الحياء والتعظيم أيضا وحضور القلب وحسن الأدب ثم برؤية
المتكلم كذا في النسخ والصواب حذف الجار وصفاته وأفعاله في الكلام فلا ينظر إلى نفسه ولا إلى
قرائته ولا إلى تعلق الانعام به من حيث إنه منعم عليه بل يكون مقصور الهم على المتكلم موقوف
الفكر عليه كأنه مستغرق بمشاهدة المتكلم عن غيره وهذا المقام إنما هو للصادقين وهم المقربون
وعنه أخبر أبو عبد الله (ع) بقوله والله لقد تجلى الله لخلقه في كلامه ولكن لا يبصرون ويحتمل منه غير
ذلك قريبا مما قصده الشاعر بقوله - در سخن پنهان شدم چون بوي كل در برك كل - ميل ديدن
هر كه دارد در سخن بيند مرا - والمقامان الأولان لأصحاب اليمين على مراتبهم وغيرها من المراتب
المنحطة للغافلين على مراتبهم أيضا ويرى دخوله فيما يمر به من ذم العاصين والمقهورين وتوعيدهم دون
149

ما في بشارة المقربين وذوي اليقين فلا يشهد نفسه معهم بالفعل بل يتشوق أن يلحقه الله
بهم ويشهد نفسه مع العصاة بل يقدر أنه المخاطب خوفا واشفاقا كما سبق وفي كلام أمير المؤمنين (ع)
في وصف المتقين وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم وظنوا أن زفير جهنم في
آذانهم ويسأل الله المرجو ويتعوذ به عن المخوف إذا مر بآية فيها ذكرهما كالجنة والنار كما ورد عن أبي عبد الله (ع) ويبكي القاري حزنا أو يتباكى إن لم يأته البكاء ولو على فقدان البكاء فإنه مما يحق له
ذلك وكذا المستمع وأما التظاهر بالغشية بحيث لو أن أحدهم قطعت يداه ورجلاه لم يشعر بذلك
فذاك من الشيطان وما بهذا أمروا إنما هو اللين والرقة والدمعة والوجل كذا ورد عن أبي جعفر (ع)
ويسر بالقراءة إن خاف خاطر الرياء بالجهر أو تشويش المصلي أو المتفكر السامعين وإلا فيجهر لأنه
يجمع الهمة ويصرف السمع إليه وينفي النوم والكسل ويزيد في النشاط ويوقظ الراقد ويرغب
في العبادة ويبعد عنه لهب النار مد صوته ويشهد له كل ما سمعه ويسجد عند تلاوة كل آية
سجدة أو سماعها من السجدات الخمس عشرة المشهورة وهي في ألم تنزيل وحم فصلت والنجم واقرء و
الأعراف والرعد والنحل والاسراء ومريم والحج في موضعين والفرقان والنمل و ص والانشقاق
وجوبا في الأربع الأول وهي العزايم وندبا في البواقي والوجوب في العزايم مما نقل عليه الاجماع على
القاري والمستمع أما السامع فقولان نقل على كل منهما الاجماع ومستند العدم أصرح دلالة
لكن لا يخرج عن اليقين وهو فوري عند حصول سببه وهو التلفظ بموجب السجدة أو سماعه
ولا يخل به التأخير إلى الفراغ من الآية عند المصنف وشيخه البهائي خلافا للمعتبر ولو أخر بما يخرج
به عن الفورية أثم ووجب الاتيان بها بعد ذلك اجماعا وإنما الخلاف في أنها أداء أو قضاء والأولى
عدم التعرض في النية لذلك ولو سمعها وهو يصلي ففي رواية أنه لا يسجد لما سمع وفي أخرى أنه
يسجد ثم يقوم فيتم صلاته إلا أن يكون في فريضة فيومئ برأسه إيماء والمستيقن يأتي بها بعد
الانصراف ويتعدد السجود للسبب ولو في مقعد الواحد كما في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) ويستحب
أن يذكر فيها بالمأثور في صحيحة الحذاء عن أبي عبد الله (ع) وهو سجدت لك رب تعبدا ورقا لا مستكبرا
عن عبادتك ولا مستنكفا ولا مستعظما بل إنا عبد ذليل خائف مستجير وزيد في بعض الروايات
قبل ذلك لا إله إلا الله حقا حقا لا إله إلا الله ايمانا وتصديقا لا إله إلا الله عبودية ورقا وفي أخرى
إذا سجدت قلت ما تقول في السجود أو بما يناسب تلك الآية من مسألة وتذلل ونحو ذلك وإن
استقبل القبلة بها وسجد سجود الصلاة على الأعظم السبعة دون الاكتفاء بالجبهة ووضع جبهته
على ما يصح السجود عليه وكبر بعد رفع الرأس منه وكان متطهرا من الحدث فقد أخذ باليقين وخرج عن
مخالفة بعض الأقوال والروايات والوجوه المحتملة أما الطهارة عن الخبث فقد قطع المصنف وشيخه بعدم
اشتراطها
كتاب الزكاة بسم الله الرحمن الرحيم الزكاة حق يثبت في المال ابتداء وأما زكاة الجسد
فمذكورة بالتبع بتبعية الدعاء والقرآن للصلاة وعن الرضا (ع) أن علة الزكاة من أجل قوت الفقراء و
تحصين أموال الأغنياء مع ما في ذلك من أداء شكر نعم الله عز وجل وعن أبي عبد الله (ع) إن الله عز وجل
جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم ولولا ذلك لزادهم وإنما يؤتون من منع من منعهم
باب
التعداد والشرايط الزكاة زكاتان زكاة المال وزكاة الفطر والإضافة فيهما ليست على نسق واحد وكل
منهما واجبة ومندوبة وربما يخص اسم الزكاة بالواجبة منهما ولما حرمها الله على بني هاشم
كما يأتي لأنها من أوساخ أيدي الناس ومن ثم كان اخراجها تطهيرا لهم وتزكية فرض لهم الخمس في
الغنايم التي لم يفرض فيها الزكاة اكراما لهم وتعظيما وارفاقا بذوي الأموال من أن يجتمع عليهم
الفرضان فيجحف بهم والمبدو بالبيان زكاة المال وقد عرفت أنها واجبة ومستحبة والواجبة
إنما هي في تسعة أنواع من المال تندرج تحت ثلاثة أجناس قريبة النقدين الذهب و
الفضة المسكوكين بسكة المعاملة وإن هجرت ولا عبرة بغيرها من النقوش والأنعام
الثلاثة الإبل والبقر والغنم بأنواعها من عراب ونجاتي وبقر وجاموس وضأن ومعز
مطلقا خلافا لمن اشترط الأنوثة فيها وهو شاذ وإنما تجب منها في السائمة وهي الراعية
في المرعى من غير المملوك ويقابلها المعلوفة الغير العاملة مطلقا والمرجع فيها إلى العرف
وفاقا لأكثر المتأخرين لعدم نص فيه وخلافا لمن اعتبر في السوم الأغلبية والاستمرار
طول الحول فلو علفها ولو يوما واحدا انقطع والغلات الأربع الحنطة والشعير والتمر
والزبيب المملوكة بالحرث الزرع أو الغرس أو المنتقلة إليه مع الشجرة أو بدونها قبل انعقاد الحب في الكرم والزرع وبدو الصلاح وهو الاحمرار والاصفرار في النخل بشرط
بلوغ كل من الأنواع التسعة النصاب المعتبر فيه بالتفصيل الآتي وحول الحول على النصاب
في ملكه في الخمسة الأول وهو يتحقق بالدخول في الشهر الثاني عشر على المشهور لحسنة
زرارة قال قلت لأبي عبد الله (ع) رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده
أو أهله فرارا بها من الزكاة فعل ذلك قبل حلها بشهر فقال إذا حل الشهر الثاني عشر فقد حال
عليها الحول ووجبت عليه فيها الزكاة الحديث واختلفوا في احتسابه من الحول الأول
لأن الحول بحسب اللغة والعرف العام عبارة عن اثني عشر شهرا أو الثاني ادعاء منهم
أنه في الزكاة أحد عشر شهرا ولم يثبت ومن ثم عول المحققون على أن المحكوم بتحققه بمجرد
دخوله إنما هو الوجوب المتزلزل ولا يتحقق الاستقرار إلا بتمامه فيحسب من الحول الأول و
يبدأ الحول الثاني مما يليه ويسترد الزكاة إن اختل فيه شرط وفيه مخالفة لظاهر مستندهم
150

كما في المفاتيح ويشبه تخصيص الرواية بموردها كما قرره في الوافي ويكون المراد بوجوب الزكاة
وحول الحول برؤية الهلال الثاني عشر الوجوب والحول المريد الفرار يعني لا يجوز الفرار حينئذ
لا استقرار الزكاة في المال بذلك كيف والحول معناه معروف والأخبار باطلاقه مستفيضة
ولو حملناه على معنى استقرار الزكاة فلا يجوز تقييد ما ثبت بالضرورة من الدين بمثل هذا الخبر
الذي فيه ما فيه وإنما يستقيم بوجوه من التكلف وبشرط بلوغ المالك وعقله وحريته وتمكنه
من التصرف في النصاب في الجميع فهنا قيود ثلاثة أ التكليف فلا تجب على الصبي ولا المجنون مطلقا
خلافا لمن خصه بالمطبق وأوجب على ذي الأدوار حال إفاقته مطلقا ومنهم من اشترط الكمال
فيه طول الحول وهو مطالب بدليله ب الحرية فلا يجب على العبد مطلقا أما على القول بأنه
لا يملك فظاهر لأن الزكاة إنما تجب على المالك بل لا وجه لاشتراط الحرية حينئذ وأما على القول
بتملكه مطلقا أو على بعض الوجوه فلصحيحة عبد الله بن سنان وحسنته خلافا لمن أوجبها
حينئذ ولا فرق بين القن والمكاتب مطلقا مشروطا أو مطلقا مطلقا ومنهم من أوجب
عليه إذا تحرر منه شئ ويدفعه عموم ما ورد في السقوط عن مال المكاتب ج التمكن من
التصرف فلا زكاة في الممنوع منه شرعا كالمرهون أو قهرا كالمغصوب والمجحود إذا لم يمكن
تخليصه ولو ببعضه فيجب في الباقي وورد في أمر الزكاة من التشديد ما ورد ففي الحسن
عن أبي عبد الله (ع) ما من أحد يمنع من زكاة ماله شيئا إلا جعل الله عز وجل ذلك يوم القيامة
ثعبانا من نار مطوقا في عنقه ينهش من لحمه حتى يفرغ من الحساب ثم قال وهو قول الله تعالى
سيطوقون ما بخلو به يوم القيامة والإشارة إما إلى الشئ الممنوع أو إلى المنع وفي لوايح
الكتاب والسنة ما يؤيد الوجهين والآية محتملة لهما أيضا وليس في شئ منهما خروج
عن طور العقل كما حسبه من زعم أنه من باب انقلاب الحقايق الذي قام البرهان على
امتناعه فاضطر إلى الدخول في باب التأويل وقلب كثير من الظواهر السمعية عن حقايقها
إلى معنى التجوز والتمثيل والوجه أنه ليس إلا من باب تبدل الصور على الحقيقة الواحدة
الذي لا سبيل إلى انكاره لقيام البرهان على امكانه والاشتباه إنما نشاء من عدم
الفرق ولنقتصر في توضيح المرام على تلخيص الكلام لبعض الإلهيين وهو أن الحقيقة الواحدة
تظهر في البصر بالصورة المعينة المكتنفة بالعوارض المادية وملازمة وضع معين من
محاذاة وقرب وعدم حجاب إلى غير ذلك وهي بعينها تظهر في الحس المشترك بصورة تشابهها
من غير تلك الشرايط وهي في الحالتين تقبل التكثر بحسب الأشخاص كصورة زيد وعمرو وبكر
ثم تظهر تلك الحقيقة في العقل بحيث لا تقبل التكثر وتصير الأفراد المتكثرة في الصورة المبصرة
والمتخيلة متحدة في الصورة العقلية ثم الصور العقلية متفاوتة في قبول التكثر فإن
صور الأنواع من حيث خصوص نوعيتها متكثرة ومن حيث خصوص جنسيتها واحدة وهكذا
إلى جنس الأجناس تتحد في صورتها جميع أنواعها لكن تمتاز عن جنس آخر مقابله وإذا اعتبرت
من المفهومات ما يشمل جميع الحقايق والاعتبارات لتحد الكل في صورته كالشئ والممكن
العام فإذا تحققت ذلك تحددت أن الصورة ولو عقلية غير الحقيقة بل هي ملابسها المختلعة
عليها باختلاف المشاعر والمدارك ثم إن تلك الحقيقة مع وحدتها الذاتية قد تظهر في صور
متكثرة متخالفة الحكم كصور الأشخاص وقد تظهر في صورة واحدة كالصورة العقلية وكما
أن المختلفين بالصورة في موطن قد يتحدان فيها في موطن آخر فقد تتعاكس الصورتان في
الموطنين فيظهر هذا بالصورة التي كانت للآخر والآخر بالصورة التي كانت لهذا كالفرح
الظاهر في الرؤيا بصورة البكاء ونحو ذلك من الأمور المعلومة بممارسة التعبير ومحصل
هذا أن الحقيقة مغايرة لجميع الصور التي تتجلى فيها على المشاعر الظاهرة والباطنة
مغايرة من حيث الذات وأنها من حيث ذاتها قابلة للظهور بصور مختلفة الأحكام
وأن جميع الصور التي تظهر هي بها متساوية بالنسبة إليها وليس بعضها أولى بها من البعض
في حد ذاتها بل إنما يخصص تلك الصور وبعينها لها أحكام المواطن والمشاعر فالعلم حقيقة
واحدة تظهر في موطن اليقظة بصورة عرضية محتجبة عن الحس وهي بعينها تظهر في موطن
الرؤيا بصورة جوهرية محسوسة أعني صورة اللين وكما أن الظاهر على المدارك الباطنة
في اليقظة حقيقة العلم كذلك الظاهر على المشاعر في الرؤيا حقيقة العلم إلا أنه يتجلى في كل موطن
بصورة يعينها لها ذلك الموطن ثم إن المحجوب المنغمس في أحكام الطبيعة الذي لا يعرف
الحقايق إلا بصورها المألوفة للطبيعة ينكر الحقيقة عند تبدل الصورة ولا يعرفها لتحولها
في ملابسها لكن العارف الدراك الذي له نفس قوية لا يصير مغلوبا بأحكام خصوصيات
المواطن ولا يحجبه حكم موطن عن أحكام المواطن الأخر بل يعرفها في سائر ملابسها وهذه
النكتة مرقاة إلى الاطلاع على أسرار نفيسة من جملتها حقيقة الانطباق بين العوالم فإنها بأسرها
صور لحقيقة واحدة متخالفة من جهة تخالف أحكام المواطن التي تشترطها النفس في مدارج
صعودها وهبوطها والمدارك التي هي مقتضى تلك المواطن بل تطلع بها على حقيقة العوالم
فإنها صور تظهر على النفس في مواطنها وينكشف عليك أسرار غامضة من أحوال المبدأ و
المعاد من ظهور الواحد في الكثرات وظهور الأعمال والأخلاق الظاهرة في النشأة الدنيوية
بالصور الخاصة وفي النشأة الأخروية بالصور التي تقتضيها أحكام تلك النشأة كما فصل
151

في الشريعة الصادقة وتعرف حقيقة وزن الأعمال ومعنى قوله عز وجل وإن جهنم لمحيطة بالكافرين
فإنه يدل على إحاطتها بهم في الحال ولا حاجة إلى الصرف عن الظاهر فإن الأخلاق الرذيلة والعقايد الباطلة
التي هي محيطة بهم في هذه النشأة هي بعينها جهنم التي ستظهر بالصورة الموعودة عليهم كما أنذرهم
الشارع وقوله سبحانه الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وقوله صلى الله عليه وآله الذي يشرب
في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر أي يصب في بطنه نار جهنم وقوله عليه وآله السلام إن الجنة قيعان
وأن غراسها سبحان الله وبحمده وتعلم أن جميع ذلك على الحقيقة دون المجاز وكذلك قوله الدنيا مزرعة
الآخرة فإنه كما أن البذر هو مادة بل هو الذي يظهر بعينه بعد انبساطه بصورة الشجرة بأغصانها
وأوراقها وثمارها فكذا الأعمال والأخلاق المكتسبة في الدنيا هي مادة الجنة والنار وهي تظهر في ذلك
الموطن بصورتهما وصورة ما فيها من اللذائذ والمكاره فإن قلت كيف يكون العرض بعينه هو الجوهر
وكيف يكون المعنى واحدا والحال أن الحقايق مختلفة بذواتها قلت قد لوحنا إليك أن الحقيقة غير الصورة
فإنها في حد ذاتها وصرافة سذاجتها عارية عن جميع الصور التي تتجلى بها لكنها تظهر في صورة تارة
وفي غيرها أخرى والصورتان متغايرتان قطعا لكن الحقيقة المتجلية في الصورتين بحسب اختلاف
الموطنين شئ واحد وما أشبه ذلك بما يقول أهل الحكمة النظرية أن الجواهر باعتبار وجودها
في الذهن أعراض قائمة به محتاجة إليه ثم هي في الخارج قائمة بأنفسها مستغنية عن غيرها فإذا
اعتقدت أن حقيقة تظهر في موطن بصورة عرضية محتاجة وفي آخر بصورة مستغنية مستقلة
جوهرية فاجعل ذلك تأنيسا لك تكسر به صولة نبو طبعك عنه في بدو النظر حتى يأتيك اليقين
وتصعد الأفق المبين وترى بعين العيان ما يعجز عنه البيان وتشرف على حقيقة قوله (ص ع)
النوم أخو الموت وقول صاحب سره وباب مدينة علمه الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا إلى
آخر ما قال ولقد خرجنا به إلى الاطناب وعن موضوع الكتاب ولا حول ولا قوة إلا بالله وأما
الزكاة المستحبة فإنما تثبت في مواضع تسعة أيضا في الحصيد والصريم مطلقا وهي ما يخرج يوم الحصاد
والجذاذ بالمعجمات مثلثة الفاء أي قطع الثمرة من الضغث وهو الخرمة بعد الضغث والحفنة
وهي ملأ اليد بعد الحفنة وبها فسر قوله (تع) وآتوا حقه يوم حصاده في حسنة الفضلاء وغيرها
وأوجبها الشيخ في الخلاف والوجه الاستحباب وإن كان للصبي وبه يجمع بين ما يدل على نفي الزكاة
في أموال اليتيم وما يدل على ثبوت الصدقة في غلاته وفي كل ما سوى الغلات الأربع مما انبتت
الأرض سيحا أو بعلا أو عذبا أو غيرها مما يكال أو يوزن كالأرز والذرة والعدس والحمص و
غيرها مطلقا عدا الخضر من بقل وقثاء وبطيخ ونحوها مما يكون سريع الفساد على المشهور وأوجبها
ابن الجنيد بشرط بلوغه النصاب ففي الحسن عن أبي عبد الله (ع) كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه
الزكاة وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله الصدقة في كل شئ انبتت الأرض إلا ما كان من الخضر والبقول و
كل شئ يفسد من يومه وروي استثناء الفواكه أيضا ومقتضاها ثبوتها في مثل القطن والكتان
والقنب ونحوها وتقييد بعضهم بالحبوب لا دليل عليه وذكرها بالخصوص في بعض الأخبار لا يدل على
الاختصاص وفي دخول البصل اليابس وبذور الخضر في المستثنى أو المستثنى منه وجهان وفي مال
التجارة بشرط قيام رأس المال فصاعدا طول الحول فلو طلب المتاع بأنقص منه ولو قل في بعض
الحول فلا زكاة ويشترط أيضا بلوغ قيمته نصاب أحد النقدين أيهما كان إن كان أصله عروضا وإلا
فنصاب أصله وإن كان للصبي أو المجنون إذا اتجر لهما الولي وهو من إليه النظر في أمرهما وهو المخاطب بالاخراج
والمحتاط لا يمنعها لظهور كثير من الروايات في الوجوب كما نقل عن بعض علمائنا وإن كانت
محتملة للتقية وهي مسألة عثمان وأبي ذر وأكثرها صريحة في اشتراط التماس الفضل كما هو المشهور فإن كان على النقيصة أحوالا زكاه لسنة استحبابا وفيما قربه من الزكاة بتبديل الأعيان مطلقا على المشهور
وقيل بالوجوب فيه كك ومنهم من فصل بالتبديل بالجنس وغيره والروايات لا تخلو عن معارضة في
الجنس فليؤخذ فيه باليقين وكذا فيما شك في بلوغه النصاب استظهارا واحتياطا وفي ما غاب عنه
سنتين فصاعدا كذا في المفاتيح أيضا والروايات إنما وردت بلفظ السنين بحيث لا يتمكن من التصرف
فيه فيزكي بعد عوده لسنة وإن كان يدعه متعمدا وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مر به من
السنين كما في رواية زرارة وفي إناث الخيل السائمة عتاقا كانت أو برازين بشرط الحول واشترط بعضهم
أن يخلص للواحد رأس كامل ولو بالشركة كنصف من اثنين والنصوص قاصرة عن اثباته وفي نماء
العقار المتخذ له كالخان والحمام وشبههما على المشهور وفي اعتبار الحول والنصاب فيه قولان وفي
الحلي المحرم كالخلخال للرجل والمنطقة للمرأة وكالأواني المتخذة من الذهب والفضة وآلات اللهو المعمولة
منهما كما قاله الشيخ والمصنف لم يلتفت إليهما لعدم وقوفه فيهما على مستند كما ذكره في المفاتيح ولا ضير في
متابعة الجماعة المقتبسين من أنوار أهل البيت (ع) فيهما إذ المقام مما يتسامح فيه وقد سبق التنبيه عليه
وفي تضاعيف الكتاب من ذلك شئ كثير وزكاة الفطر إنما تجب على البالغ العاقل الحر الغني دون الصبي
والمجنون والمملوك والفقير وإن كان لهم من يعولهم وجبت عليه إن كان من أهلها والكلام في المبعض
كما تقدم والغني هو الذي يملك مؤنة سنته لنفسه ولعياله ومن جملتها الفطرة بالفعل أو بالقوة بأن يكون له عمل يفي دخله بها وبخرجه الضروري بحسب حاله ومروته كما يأتي ويجب أن يعطي عن نفسه وعن
جميع من يعوله من ولد وزوجة وضيف وذي رحم وغير ذلك ولو تبرعا وفيه كجملة من الأخبار
إشارة إلى أن المناط إنما هو صدق العيلولة عرفا وأن الوجوب تابع له لا لوجوب النفقة ولا لتكلف
التصدق بها عليه ولا الضيافة المحضة من دون عيلولة ووقته من غروب الشمس ليلة الفطر وقيل
152

من طلوع فجره إلى قبل صلاة العيد وقيل إلى الزوال بل إلى آخر النهار ولا يجوز التأخير إلا مع العزل و
انتظار المستحق وهل تسقط به بدون ذلك كما هو ظاهر بعض الروايات أم يستصحب وجوبها أداء
أم قضاء أقوال وليؤخذ بما هو أحوط للدين وأبرأ للذمة فإن استكمل الشرايط ببلوغ أو عقل أو غنى
أو حصول ولد أو مملوك قبل غروب الشمس ليلة الفطر ولو بلحظة يسيرة وجبت اجماعا وإن استكملها
بعده قبل الزوال وهو آخر وقت صلاة العيد استحبت وإن كان بعده سقطت اجماعا أيضا كما في المفاتيح
لكن على القول بامتداد وقتها إلى آخر النهار يتجه تعليق السقوط عليه إلا أنه لا يعهد منهم تصريح به
ومن وجبت فطرته على غيره سقطت عن نفسه مطلقا سواء أدى عنه أم لا وإن كان لو أنفرد عنه وجبت
عليه كالضيف والزوجة الغنيين وفاقا للأكثر إذ لا ثنيا في صدقة كما ورد في الحديث النبوي واختلفت
النقلة في لفظه فالأكثر على ضبط الثنيا بالثاء المثلثة المضمومة فالنون الساكنة فالياء المقصورة
كما هنا وفي المفاتيح وفي القاموس والنهاية ثنى بالكسر كإلى وهو أن يفعل الشئ مرتين وخالف ابن
إدريس في الضيف فأوجب عليه أيضا فإن ثنى الضيف فقد احتاط وفي الموسرة المعسر زوجها مع تكلفه
اعالتها اشكال ولو أعالت نفسها زال وكذا الكلام في نظائرها
باب المقادير المخرجة والنصب
جمع نصاب وهو الأصل والمرجع ومن المال الحد الذي ثبت فيه الزكاة إذا بلغه وهي متفاوتة في
الأجناس بالتناسب على الوجه اللائق حسبما اقتضته حكمة الشارع وكذا المقادير وهي في الذهب نصف
دينار في عشرين دينارا وهو نصابه الأول على الأشهر الأحوط وقيل بل هو أربعون دينارا وفيه
دينار كامل ومستنده محتمل للتقية مع مخالفته للاعتبار بنصاب الفضة على المعهود في الشرع ثم
قيراطان عراقيان هما عشر دينار في كل أربعة دنانير والنيف عفو وفي الفضة خمسة دراهم في مائتي
درهم وهو نصابه الأول بالاجماع ثم درهم واحد في كل أربعين درهما والضابط فيهما ربع العشر
اجماعا والدينار مثقال شرعي هو ثلاثة أرباع المثقال للصيرفي من هذه الدنانير الغالبة في بلاد
الاسلام وهو قدر درهم وثلاثة أسباع درهم فكل سبعة دنانير عشرة دراهم كما تقدم والدرهم
وزن ثمان وأربعين حبة شعير متوسط فإنه لا خلاف في أنه ستة دوانيق والدانق ثمان حبات
وأما رواية سليمان بن حفص أن الدانق وزن ست حبات والحبة وزن حبتي شعير من أوساط
الحبة فيبلغ الدرهم اثنتين وسبعين شعيرة فضعيفة مهجورة وإنما تجب الزكاة في النقود الخالصة
دون المغشوشة بغيرها إلا أن علم أن الصافي منها نصاب ومع الشك تستحب كما سبق و
الأحوط استعلام ذلك بالتصفية وإن صرح المحققون بعدم وجوبه ولو كانت دراهمه مغشوشة
بالذهب أو دنانيره بالفضة فإن لم يبلغ كل من الغش والمغشوش نصابه فكذلك وإلا
وجب في البالغ والاخراج من كل جنس بحسابه فإن علمه وإلا توصل إليه بالسبك هذا في النقدين
وأما في الأنعام فالمقدر شاة في كل خمس من الإبل حتى تبلغ خمسا وعشرين ففيها خمس شيات
فنصابها الأولى خمسة متفاضلة بخمسة والزيادات شنق إلى ست وعشرين وهو النصاب السادس
فبنت مخاض ومن المتقدمين من جعل غاية الشياة أربعا في عشرين وأوجب في الخمس وعشرين بنت
مخاض وأسقط النصاب السادس إلى ست وثلاثين فبنت لبون ومستنده يحتمل التقية إلى ست
وأربعين فحقة فعلى المشهور النصب الثانية المتفاضلة بعشر ثلاثة ثم لا شئ إلى إحدى وستين وهو
أول النصب الثلاثة الثالثة المتفاضلة بخمسة عشر فجذعة إلى ست وسبعين فبنتا لبون إلى
إحدى وتسعين فحقتان فهذه أحد عشر نصابا والزايد عفو أيضا إلى مائة وإحدى وعشرين فيستقر
النصاب والمقدار جميعا بحيث يشملهما الضابط ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت
لبون وليتحر في الحساب أقلهما عفوا استبراء للذمة وأخذا باليقين وربما يتطابقان فيتخير وتبيع
أو تبيعة مخيرا بينهما المالك في كل ثلاثين بقرة وهو أول نصابيها ومسنة لا مسن في كل أربعين
وهو أخيرهما وما بينهما وقص وفيما زاد يتحرى المطابق من العددين ويتخير في مطابقهما وقد تبع المصنف
والجماعة في التعبير عن أسنان الإبل والبقر ألفاظ الروايات وتفسير الأسماء فيهما بترتيبهما على ترتيب الحول
فبنت المخاض ما أكملت حولا واحدا ويتحقق ذلك بالدخول في الثاني وكذا التبيع وهو ما تبع قرنه أذنه
أو تبع أمه في المرعى ومن ثم وصف في حسنة الفضلاء الخمسة بالحولي وبنت اللبون ما أكملت
حولين وكذا المسنة والتسمية شرعية أو لطلوع سنها حينئذ ثم الحقة والجذعة كما سبق في باب
الجناية وشاة في أربعين من الغنم وهو أول نصبها الخمسة على المشهور المناسب لنصاب النقدين
وقيل بل هو إحدى وأربعون فالتفاضل بين الثلاثة الأولة يطرد على نسق واحد والزايد عفو
إلى مائة وإحدى وعشرين فشاتان إلى مأتين وواحدة فثلث شياه إلى ثلاثمائة وواحدة ففي كل
مائة شاة وفاقا لبعض المتقدمين لصحيحة محمد بن قيس عن أبي عبد الله (ع) وقيل فأربع إلى أربعمائة
فصاعدا ففي كل مائة شاة وهو أشهر وعلية الأكثر لحسنة الفضلاء والصحيحة تحتمل التقية والمراد
بعفو الزيادات في الجميع عدم تعلق الوجوب بها فلا يسقط بتلفها بعد الحول شئ ما دام النصاب
فأيما بخلاف تلف بعض النصاب بغير تفريط فإنه يسقط من الواجب بحسابه ومنه تظهر فائدة
النصابين الأخيرين من الغنم على القولين وقد يناقش في ذلك بأن مقتضى الإشاعة توزيع التالف
على الحقين فمن أين التخصيص وهو كما ترى فإن الإشاعة هنا ليست على حدها في سائر الأموال
المشاعة لتكون الخسارة على الجميع ومن ثم جاز للمالك الاخراج من غير النصاب والتصرف فيه
بمجرد الضمان ووجب عليه كل ما يتوقف عليه الدفع إلى المستحق من أجرة الكيال أو الوزان ونحو
ذلك مما ينبه على أن صرفة الفقراء هي الأهم في نظر الشارع من وجه وإن كان الارفاق بالمالك
153

أهم من وجه آخر فلا مانع من أن تكون هي المخصص مضافا إلى ما في العمل به من الأخذ باليقين و
يثبت الزكاة في ثلاثمائة صاع من الغلات وفي بعض الروايات خمسة أوساق كل وسق ستون
صاعا وقد علمت مقدار الصاع فيما سبق فنصابها بالحساب المعروف ثلاثمائة من وسبعة
أمنان وسبع من تبريزي فإذا بلغته فما زاد تعلق بها الزكاة وهي العشران سقيت من
السماء أو بجريان الماء بنفسه إلى المزرعة ولو قبل الزرع كما في بعض البلاد أو بقربه منها بجذب
العروق وإلا فنصف العشر باجماع العلماء والضابط عدم توقف ترقية الماء إلى الأرض على
آلة من دولاب ونحوه وتوقفه على ذلك وأما ما سقي بهما جميعا فإن كان مع تساوي السقيين
عددا أو زمانا أو نفعا على احتمالات فثلاثة الأرباع لأن الثابت في نصفه العشر وفي نصفه
نصفه فذلك ثلاثة أرباعه وإلا فالمقدر يتبع الأغلب فيما اعتبر فيه التساوي بينهما ولا يعتبر في
شئ منها شئ من المؤن كما هو مقتضى الاطلاق وحكى عليه الشيخ في الخلاف الاجماع ويشهد له
اطلاقات الروايات مع أنها من الأمور الظاهرة الشايعة وإنما ورد في بعضها استثناء حصة
مقاسمة السلطان وهو أمر خارج عنها والاستناد لوضعها إلى أنه مقتضى الإشاعة مما عرفت
ضعفه فإياك والخروج عن الاحتياط وفي كل عتيق من الخيل وهو ما أبواه عربيان كريمان
ديناران وفي كل برزون بكسر الفاء وهو الردي من أحدهما أو كليهما دينار كما في حسنة زرارة
ومحمد بن مسلم عنهما (ع) وزكاة الفطر صاع عن كل رأس وتنصيفه من الحنطة من بدع معاوية
من الغلات الأربع الزكوية لا غير عند قوم وبإضافة الأقط والأرز واللبن عند آخرين
ومن غالب القوت عند غيرهم أي قوت أهل ذلك القطر أو قوت المعطي على اختلاف بينهم
والروايات تدل على اجزاء الجميع والتمر أفضل من غيره فإنه أسرع منفعة وذلك أنه إذا وقع
في يد صاحبه أكل منه كذا في صحيحة هشام وفي أخرى لأن أعطى صاعا من تمر أحب إلي من أن أعطى صاعا من ذهب
باب المصرف وهو في القسمين جميعا الأصناف الثمانية الذين
ذكرهم الله تعالى في كتابه بقوله إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة
قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فالفقراء والمساكين هم الذين لا يملكون
مؤنة سنتهم بالفعل ولا يفي دخلهم بخرجهم الضروري بحسب حالهم وإن كان لهم ضيعة أو بضاعة
فإنهما لا يحسبان من المؤنة على المشهور بل ينظرون إلى ما يدخل منهما ولهم أخذ ما يعوزهم من الزكاة
كما في صحيحة معاوية بن وهب وموثقة سماعة وغيرهما واختلف في أنهما مترادفان أم متغايران
وعلى التغاير أيهما أسوء حالا وفي صحيحة محمد بن مسلم وحسنة ليث الفقير الذي لا يسأل و
المسكين الذي هو أجهد منه الذي يسأل والعاملون هم عمال الصدقات السعاة في تحصيلها أو
تحصيلها جباية وولاية وكتابة وحفظا وحسابا وقسمة ونحوها فيرزقون منها ما يراه
الحاكم ولو كانوا أغنياء ولا يشترط حريتهم على المشهور والمؤلفة قلوبهم هم الكفار المستمالون
إلى الجهاد بالاسهام لهم منها وقيل هم المنافقون وجوز جماعة كونهم مسلمين وفي الرقاب هم
المكاتبون الذين ليس لهم ما يصرفونهم في كتابتهم مع عجزهم عن تحصيله كما اعتبره الشهيدان و
هو مورد الرواية والعبيد الذين كانوا تحت شدة عند مولاهم أو من سلط عليهم فيشترون و
يعتقون منها ومع عدم الشدة قولان لتعارض النصوص إلا مع عدم مستحق غيره فيجوز قولا
واحدا وميراثهم لأربابها عند الأكثر وفي رواية عن العالم (ع) وفي الرقاب قوم لزمتهم كفارات
في قتل الخطأ وفي الظهار وفي الايمان وفي قتل الصيد في الحرم وليس عندهم ما يكفرون به و
هم مؤمنون فجعل الله لهم سهما في الصدقات ليكفر عنهم والغارمون هم المدينون في غير معصية
أو مع التوبة مع عدم تمكنهم من القضاء فهنا قيدان عدميان أ أن لا تكون استدانته في معصية
وإن كانت لا توجب الفسق كما هو المشهور المروي إلا أن يكون قد تاب وفاقا للمحقق وغيره ب
أن لا تكون متمكنا من القضاء ولو تمكن من قضاء البعض دون البعض استحق بالنسبة ومن الغارمين
من عنده ما يفي بدينه لكن لو دفعه يصير فقيرا كما في المفاتيح وفاقا للنهاية لعدم تمكنه من
القضاء عرفا ولا فائدة في أن يدفع ماله ثم يأخذ الزكاة للفقر والمروي أنه يقضى بما عنده
دينه ويقبل الصدقة ويجوز مقاصتهم بالقصد إلى اسقاط ما عليهم للمزكي من الدين على وجه
الزكاة اجماعا وكذا الدفع إلى أرباب الديون بدون إذنهم وبعد موتهم إذا قصرت التركة عن
الدين كما في المفاتيح وغيره وقيل مطلقا بناء على انتقال التركة إلى الوارث فيصير فقيرا وضعف
بتوقف تمكنه منها على قضاء الدين لو قيل به وفي سبيل الله ما يتوصل به إلى رضاه سبحانه
كالجهاد وتعمير مسجد وجسر ومدرسة ومعونة زائر محتاج ونحوها ومنهم من خصه بالجهاد
وفي تفسير العسكري (ع) في سبيل الله قوم يخرجون إلى الجهاد وليس عندهم ما يتقوون به أو
قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجون به وفي جميع سبل الخير والضابط كل قربة لا يتمكن
قاصدها من الاتيان بها بدونه وإن كان غنيا أما الغازي فيعطى قدر كفايته على حسب
حاله مطلقا قولا واحدا وابن السبيل هو الغريب المنقطع به في غير معصية اللهم إلا مع
التوبة وإرادة الأوبة وقيل في طاعة واجبة أو مندوبة وإن كان غنيا في بلده فيعطى من
الزكاة قدر بلغته إليه أو إلى محل يمكنه الاعتياض فيه عن ماله ببيع أو قرض أو نحوهما من مأكول
وملبوس ومركوب وأدوات بحسب حاله وألحق به الضيف وقيل إنه هو ويصدق مدعي
الفقر والمسكنة مطلقا بغير بينة ولا يمين ما لم يعلم كذبه وقيل إن ادعاه بتلف المال فبالبينة
154

أو اليمين والأحوط اعتبار الظن الغالب بصدقه وأقله انتفاء الظن الغالب بكذبه ولو دفع
إلى من ظاهره الاستحقاق ثم ظهر عدم الاستحقاق بانتفاء الفقر فإن كان قد فحص أو لا أجزأت
ولا يجب استردادها وإن أمكن وكانت العين باقية وإلا فلا تجزي ويجب الأداء ثانيا إلى
أهلها كما في حسنتي عبيد بن زرارة وأبيه ويجوز استردادها من القابض مع بقاء العين مطلقا
وتغريمه مع التلف إن علم بالحال دون ما لو جهل لأن الدفع إليه على الوجه المذكور إباحة فلا تستعقب
ضمانا بل يحتمل سقوط التغريم عنه مع العلم أيضا لاستناد التقصير إلى الدافع حيث لم
يفحص وإن قلنا بعدم وجوبه عليه وكيف كان فلا ريب في وجوب الغرم عليه لأنه على هذا الوجه
أكل للمال بالباطل فعليه استبراء ذمته عن ذلك وكذا الحكم لو ظهر عدم الاستحقاق بانتفاء شرط آخر
غير الفقر من الشروط الآتية وقد كان تأخير المسألة عنها جميعا أجود وإنما ذكرت في البين استطرادا
وفي سائر الأصناف لا بد أولا من الثبوت الشرعي لما يدعونه من جهة الاستحقاق بالبينة أو اليمين
أو تصديق المولى للمكاتب على قول فلا يصدقون بمجرده وثانيا صرف ما يأخذونه في الأغراض التي بها يسوغ
لهم الأخذ فإن صرفوا ما أخذوه في غير أغراضهم كالمكاتب يصرف ما يأخذه في غير جهة الكتابة والغازي في غير
التأهب للغزو استرد عنهم لانتفاء جهة الاستحقاق فيهم حينئذ ويشترط في الجميع أن لا يكونوا هاشميين
في الزكاة الواجب كما مر والحاق المطلبين بهم شاذ إلا في أحد وجهين إذا كان المزكي هاشميا وإن خالف
في النسب كالطالبي والعباسي والعلوي والعقيلي ويتخيرون بينها وبين الخمس مع وجودهما والخمس
أفضل لأن الزكاة أوساخ في الجملة أو قصر ما يصلهم من الخمس عن مؤنتهم فيجوز لهم حينئذ التناول من
الزكاة على وجه التتمة ومنهم من منع عن تجاوز قوت يوم وليلة وفي غير المؤلفة من الأصناف
السبعة شروط ثلاثة الأول والثاني أن يكون اثني عشريا غير متجاهر بالفسق وهما الايمان والعدالة
في زبر الآخرين ولهم في اشتراط الأخير أقوال فمن ناف له للأصل إلا في العاملين للاجماع ومن مثبت
له مطلقا مدع عليه الاجماع ومنعه المتأخرون ومنهم المصنف ومنهم من اكتفى هنا باجتناب الكباير
وإليه مال في المفاتيح وأما الأول فلا خلاف في اشتراطه في زكاة المال حتى أنه يمنعها أطفال المخالفين
ولو كانوا عدولا بخلاف أطفال المؤمنين وإن كانوا فساقا ولو كان المزكي مخالفا للحق وأعطى
زكاته أهل نحلته ثم استبصر وجب عليه إعادة الزكاة وإن لم يجب عليه إعادة سائر عباداته الصحيحة
بزعمه تخفيفا من الله سبحانه ورحمة وتسويغ الفطرة خاصة للمستضعفين مع عدم المؤمن كما
ذهب إليه بعضهم مما لا يخلو مستنده عن تشابه مع معارضة لما هو أقوى منه عموما وخصوصا
والثالث أن لا يكونوا واجبي نفقة له كالعمودين والزوجة الدائمة والمملوك وذلك أنهم عياله لازمون
له كما في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج إلا من يصرفه في غير النفقة الواجبة من الزيادات التي لا تجب
كالتوسع على نفسه من غير إسراف ونفقة زوجته أو توجد فيه حيثية أخرى غير الفقر كالغازي
لتأهبه للغزو والغارم والمكاتب لأداء ما عليهما من الدين ومال الكتابة وفي جواز أخذها
لمن وجبت نفقته على موسر باذل من غيره قولان واختار المصنف الجواز ثم احتمل المنع في الزوجة
خاصة لأن نفقتها كالعوض ويلحق بها المملوك للاشتراك في العلة ولو امتنع المنفق من الانفاق
جاز التناول للجميع قولا واحدا ولا يجب البسط على الأصناف عندنا وإن كان أولى واللام في الآية
للاختصاص دون الملك فلو خص بها شخصا واحدا من بعضها جاز مطلقا أما في زكاة المال
المال فبالاجماع كما في المفاتيح وغيره وأما في الفطرة فعلى المشهور من أن مصرفها مصرف المالية
لأنها من الصدقات وإن خص الفطرة بالمساكين كما هو ظاهر المفيد فقد أخذ باليقين وخرج
عن دغدغة مخالفة ظاهر صحيحة الحلبي بما فيها
باب الأداء وآدابه يشترط فيها أن يؤتيها ناويا لله عز
وجل كغيرها من العبادات ووقتها عند الدفع وينبغي أن لا يؤخر اخراجها بل يكون مبادرا
به عقيب حول الحول فيما يعتبر فيه أو الصرم أو الخرص في الغلات وجوبا في الواجبة وندبا في
المندوبة إلا أن ينتظر المستحق أو الأفضل أو البسط والأخير مما يمكن ادراجه في الثاني وإنما
أفرده بالذكر تنصيصا فيعزل في الثلاث استحبابا جميعه في الأوليين ويؤدى سهم الحاضرين
ويعزل الباقي في الأخير ولا ضمان عليه في الأولى خاصة وإن أخر الأداء في الواجب من غير
عذر ضمن فيغرم الزكاة إن تلف النصاب ولو من غير تفريط إلا أن ينتظر التصفية في الغلتين
كما في المفاتيح والزبيبية والتمرية في الثمرتين ويجوز الخرص فيهما على أصحاب النخيل والكرم
بأن تقدر الثمرة إذا صارت تمرا والعنب إذا صار زبيبا فإن بلغ الأوساق وجبت الزكاة
ثم يخيرهم بين تركه أمانة في يدهم لا يتصرفون فيهما بأكل وغيره وتضمينهم حصة المستحقين و
يتصرفون ما شاؤوا وضمان المصدق وهو عامل الصدقات من باب التفعيل لهم حقهم والمستند
فعل النبي صلى الله عليه وآله ولأن أرباب الثمار يحتاجون إلى الأكل والتصرف في ثمارهم فلو لم يشرع الخرص
لزم الضرر أما الزرع ففيه قولان من الاحتياج إلى الأكل منه قبل يبسه وتصفيته ومن أنه
نوع تخمين لم يثبت من الشارع ولندرة الحاجة إلى تناول الفريك بخلاف الرطب والعنب ولا
تقدم مطلقا على وقت الوجوب على المشهور وفي حسنة زرارة عن أبي جعفر (ع) قلت أيزكي الرجل
ماله إذا مضى ثلث السنة قال لا أتصلي الأولى قبل الزوال إلا على سبيل القرض والاحتساب بعده
مع بقائه في مال المعطي وبقاء الاستحقاق في القابض وقيل يجوز زكاة المال تمام السنة و
الفطرة تمام شهر رمضان ولهم روايات محمولة على القرض جمعا ويجوز دفع القيامة في زكاة النقدين
والغلات وكذا الفطرة بالاجماع في الجميع أما الأنعام فالمشهور فيها الجواز أيضا مطلقا بل ادعى في
155

الخلاف عليه الوفاق والأحوط الاخراج من العين إلا مع عدم الفرض وهو الأسنان المعينة فيها
مما ذكر ويأتي خروجا عن خلاف المفيد ومن وافقه من المتأخرين ويجزي ابن لبون ذكر عوضا عن
بنت مخاض حيث تجب مع فقدها اجماعا وليس يدفع معه شيئا كما في صحيحة زرارة وقيل مطلقا
ومع فقدهما يتخير المالك في ابتياع أيهما شاء وإن كان شراء بنت المخاض مع الامكان أولى و
من ليس عنده ما وجب عليه من الإبل وعنده ما هو أخفض أو أعلى منه فإن ابتاع الواجب وأدى
وإلا دفع الأخفض بسنة مثل بنت المخاض عن بنت اللبون أو بنت اللبون عن الحقة مع شاتين
أو عشرين درهما جبرا لنقيصة المؤدى مخيرا بينهما أو أعلى بسنة كبنت اللبون عن بنت المخاض أو الجذعة
عن الحقة وأخذ من المصدق ذلك الجبران مخيرا بينهما ولا التفات إلى القيامة السوقية عملا بالنص والاجماع
وفي جريانه فيما تفاوت بأزيد من درجة واحدة كبنت المخاض والحقة مع تضعيف الجبران بالنسبة
قولان وكذا فيما فوق الجذع من الأسنان العالية لخروجها عن مورد النص أما ما عدا أسنان الإبل
فلا يجري فيه ذلك بلا خلاف بل يرجع فيه إلى القيامة السوقية والأحوط في الشاة المخرجة في زكاة
الإبل والغنم الجذع من الضان وهو في اللغة ما له ستة أشهر وقيل سبعة فصاعدا والمشهور بين
الفقهاء أنه ما دخل في السنة الثانية أو الثني من المعز وهو ما دخل في السنة الثالثة وقيل الثانية
لا أقل خروجا عن خلاف الشيخ للخير العامي وإن كان الأظهر الاجتزاء بما يسمى شاة لاطلاق النصوص
وليس له أن يدفع في زكاة الأنعام مريضه أي مرض كان ولو يسيرا ولا هرمة وهي المسنة عرفا ولا
ذات عوار مثلثة الفاء أي عيب بلا خلاف وإن انحصر السن الواجب فيها إلا أن يشاء المصدق
كما في صحيحة محمد بن قيس وغيرها وإلا أن يكون كله كذلك فلا يكلف شراء الصحيح ويستحب للمصدق
وسم نعم الصدقة تمييزا لها عن غيرها وليكن في أقوى موضع منها وأكشفه كأصول الأذان في
الغنم وأفخاذ الإبل والبقر وزاد جماعة أن يكتب على الميسم ما أخذت له زكاة أو صدقة أو جزية
وللمتصدق دفع الأجود من كل مال كما يأتي في باب آداب المعطي والأحوط أن لا يتولى المزكي
بنفسه اخراجه إلى مصرفه بل يحمل إلى الإمام أو نائبه الخاص أو العام ليكون هو المتولي لذلك لأنه
أبصر بمواقعه وخروجا عن خلاف من أوجبه في المالية من المتقدمين وإن كان في دليلهم قصور
وأن لا ينقل من البلد الذي هو فيه مطلقا مع وجدان المستحق سيما الفطرة لأن العيون ممتدة
إليها وفي صرفها عنهم كسرا لقلوبهم ومنع منه جماعة إلا لعذر لأن فيه نوع خطر وتغرير به ورد بأنه
مندفع بالضمان فإنه إن فعل بدونه ضمن بلا خلاف أما الاجزاء فاجماعي ومع فقدان المستحق
لا ضمان ولا إثم إلا مع التفريط قولا واحدا وأن لا يعطى المقسم أحدا من المستحقين أقل مما يجب في
النصاب الأول وهو عشرة قراريط أو خمسة دراهم في النقدين إن كان المدفوع منهما ولو كان من
غيرهما ففي تقديره بأحدهما مع الامكان وجهان وفي كلام المصنف هنا وفي المفاتيح اطلاق غير مقصود
ولا أقل من صاع في زكاة الرأس والأكثر على المنع فيهما لظواهر كثير من المناهي إلا أنها في الأول مختصة بالخمسة
دراهم ومنهم من أوجب فيه ما يجب في الثاني وهو قيراطان ودرهم وذهب بعضهم إلى نفي التحديد و
مال إليه في المفاتيح للمكاتبتين الصحيحتين في جواز اعطاء الدرهمين والثلاثة ولا سيما إذا كثر الإخوان
وعدم الرجحان ولا حد لأكثره اجماعا فيجوز أن يعطيه دفعة ما يغنيه وكذا على التعاقب ما لم يبلغ مؤنة
سنته وقيل لا يعطى ذو الكسب القاصر زيادة على ما يتم به كفايته وهو شاذ والأولى أن يفضل بعض
المستحقين على بعض في الاسهام بحسب تفاوتهم في الفقه والديانة وأوجبه المفيد وفي رواية عبد الله
بن عجلان التفضيل بحسب العقل أيضا واقتصر في صحيحة ابن الحجاج على عدم السئول وأن يخص المتجملين الذين
يستحيون من الناس بالأنعام لأنها أجمل الأمرين وكل صدقة وغيرهم من الفقراء المدقعين أي الملصقين
بالأرض بغيرها كما في رواية عبد الله بن سنان
باب الخمس وهو عند المصنف على وجهين محكم بين فرضه
بالدليل الصريح السليم عن المعارض وآخر يتشابه فيه الأمر يؤتى به احتياطا وأخذا باليقين والأول إنما
يجب في أربعة أشياء أحدها فيما غنم المسلمون بإذن النبي أو الإمام من أموال أهل الحرب بغير سرقة
ولا غيلة قل أو كثر واشتراط بلوغه عشرين دينارا شاذ مدفوع بالعمومات وتقييده بكونه مما ينقل مخالف
لاطلاقه في المفاتيح وتصريح غيره للمفيد بالتعميم وفي حكمه ما غنم من مال البغاة عند الأكثر وفيما يسرق أو
يؤخذ غيلة قولان وقيل إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنيمتهم كلها له لمرسلة الوراق وهي معارضة
بحسنة الحلبي الصريحة في الاقتصار على الخمس والثاني في المعادن جمع معدن بكسر الدال وهو المحل المنطوي
على أجزاء أرضية مستحيلة بعظم الانتفاع بها سواء كانت مايعة كالقير والنفط والكبريت أو جامدة
منطبعة كالذهب والفضة وسائر الفلزات أو غير منطبعة كالياقوت والفيروزج والكحل والملح
وفي شموله لمثل طين الغسل وحجارة الرحى والجص والنورة اشكال لانتفاء النص والشك في اطلاق
الاسم عليها عرفا وجزم الشهيدان بالشمول وفي صحيحة الحسن بن محبوب المشعرة بجواز السجود على الجص
دلالة على أنه ليس منها وإنما يجب الخمس فيها إذا بلغت قيمتها عشرين دينارا لصحيحة البزنطي وقيل دينار
واحد لرواية مجهولة وفي الاكتفاء بمثله من الدراهم وجه مال إليه الشهيد في البيان ومنهم من لم يشترط
فيها نصابا للعمومات والثالث في الكنوز وهي الأموال المذخورة تحت الأرض التي وجدت في دار الحرب
مطلقا أو لا يعرف مالك أرضها من المسلمين أو لا يكون عليها أثر الاسلام كاسم النبي صلى الله عليه وآله أو أحد
ملوك الاسلام فلو عرف مالك الأرض بحيث يحتمل ولو بعيدا اسناد الملك إليه كان لقطة فليعرف
بها فإن عرفها فهي له بمجرد قوله بدون بينة ولا يمين وإلا فللواجد وكذا لو كان عليه أثر الاسلام كما عليه
أكثر المتأخرين وضعفه المصنف في لقطة المفاتيح وإنما يجب فيها إذا بلغت عينا أو قيمة نصاب الزكاة
156

مائتي درهم أو عشرين دينارا لصحيحة البزنطي والتخصيص بنصاب الذهب غير معروف الوجه و
الرابع فيما يخرج من البحر بالغوص كاللؤلؤ والمرجان والعنبر ولو أخذ شئ من ذلك من الساحل أو
عن وجه الماء لم يكن غوصا بل هو من المكاسب على خلاف فيه وفي الحاق صيد البحر بالغوص أو
المكاسب وجهان والتفصيل حسن الحاقا لكل بحقيقته وفاقا للشهيد الثاني وإنما يجب فيه إذا بلغ
ثمنه دينارا كما هو المروي وقيل عشرين دينارا والكلام في اعتبار الدرهم كما تقدم وأما ما يؤتي منه على الاحتياط
فالمذكور منه في أرباح التجارات والزراعات والصناعات وادعى جماعة عليه الاجماع لعموم ما
غنمتم والنصوص المتواترة الدالة على الوجوب بل في الفوايد كلها حتى الميراث والهبة والهدية كما
قاله أبو الصلاح والعسل الجبلي والصمغ والشيرخشت والمن وكل ما يجتنى كما قاله آخرون لأن
ذلك كله اكتساب وفي صحيحة علي بن مهزيار عن أبي جعفر (ع) فأما الغنايم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل
عام والغنايم والفوائد فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها والجائزة من الانسان للانسان
التي لها خطر والميراث التي لا يحتسب من غير أب ولا ابن ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله ومثل مال
يوجد ولا يعرف له صاحب الحديث وظاهر بعض المتقدمين العفو عن هذا النوع مطلقا وأنه لا
خمس فيه إلا أن يحتاط صاحبه ويستفاد من كثير من الروايات أنهم (ع) جعلوا شيعتهم منه في حل كصحيحة
الحارث النضري عن أبي عبد الله (ع) قال قلت له أن لنا أموالا من غلات وتجارات ونحو ذلك وقد
علمت أن لك فيها حقا فقال فلم أحللنا إذن لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم وكل من والى آبائي فهم في
حل مما في أيديهم من حقنا فليبلغ الشاهد الغائب وفي صحيحة الفضلاء الثلاثة عن أبي جعفر (ع) قال
قال أمير المؤمنين (ع) هلك الناس في بطونهم وفروجهم لأنهم لا يؤدون إلينا حقنا ألا وأن شيعتنا
من ذلك وأبنائهم في حل ورواية مسمع عن أبي عبد الله (ع) قال كل ما كان في أيدي شيعتنا من
الأرض فهم فيه محللون يحل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا ورواية عبد الله بن سنان عنه (ع) على
كل امرئ غنم واكتسب الخمس مما أصاب حتى الخياط يخيط قميصا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق
إلا من أحللناه من شيعتنا لتطيب لهم به الولادة وهذا ما قرره في المفاتيح وفيه أن المستفاد من
الروايات المذكورة إنما هو العفو عن الخمس مطلقا وسقوط فرضه عند غيبة الإمام كما هو أحد
الأقوال الشاذة في المسألة من دون اختصاص بالأرباح فإما أن تطرح لمصادمتها الروايات و
الاجماعات المنقولة على استمرار الفرض أو يعمل بها ويخص العفو والتحليل بحقهم عليهم السلام
منه دون حقوق الأصناف الباقية كما اختاره أخيرا فيه وفي الوافي وأما ايجابه تاما صريحا فيما
عدا الأرباح والتردد في خصوصها فمما لا يقتضيه النظر وزاد أكثر المتأخرين الأرض المنتقلة من
مسلم إلى ذمي لصحيحة الحذاء عن أبي جعفر (ع) أيما ذمي اشترى من مسلم أرضا فإن عليه الخمس والظاهر أن المراد أرض الزراعة دون المساكن وجزم بعضهم بالعموم وكثير من القدماء لم يذكروه
واحتمل المصنف وغيره أن يكون المراد من الحديث ليس أخذ الخمس لبني هاشم بل تضعيف
العشر على الذمي إذا كانت الأرض عشرية تقية أو موافقة لما ذهب إليه بعض العامة حيث
منع الذمي من شراء الأرض العشرية وأنه إن اشتراها ضوعف عليه العشر وفيه أن الذي ينقل
عنه هذا المذهب من الفقهاء الأربعة هو مالك وهو متأخر العصر عن أبي جعفر (ع) بكثير كما
ذكره المعتنون بهذه التواريخ فلا يحمل حديثه على التقية عنه اللهم إلا أن يثبت هذا مذهبا
لبعض متقدميهم ممن يتقى عنه أيضا فيحمل على التقية عنه والحلال المختلط بالحرام غير معلوم
الصاحب والقدر فإن اخراج خمسه حينئذ يطهره وإنما يعد مختلطا إذا لم يتميز الحرام بعينه فلو
تميز كان من الأموال المجهولة المالك ولا خمس وكذا إذا علم صاحبه ولو في جملة قوم محصورين
فيتخلص عنه ولو بالصلح ولو علم في الجملة زيادته على الخمس خمسه وتصدق بالزايد بما يغلب
على ظنه البراءة ويحتمل كون الجميع صدقة والمستند في اثبات الخمس في هذا النوع رواية
السكوني وغيره عن أبي عبد الله (ع) أن رجلا أتى أمير المؤمنين (ع) فقال له إني اكتسبت مالا
أغمضت في مطالبه حلالا وحراما وقد أردت التوبة ولا أدري الحلال منه من الحرام وقد اختلط على
فقال أمير المؤمنين (ع) تصدق بخمس مالك فإن الله رضي من الأشياء بالخمس وسائر المال لك حلال
وقد يطعن فيها بخلوها عن الدلالة على أن مصرف هذا الخمس هو مصرف خمس الغنائم بل ربما كان فيها
اشعارا بأن مصرفه مصرف الصدقات ومن ثم طواها المصنف هنا وقال في المفاتيح الأولى أن يتصدق
بما يتيقن انتفاؤه انتفاؤه عنه على الفقراء بعد اليأس من العلم بالمالك وله أن يتصدق بالخمس منه
لما ورد في مثله في عدة أخبار تصدق بخمس مالك الحديث وقريب منه في الوافي وفيه أن المصرف
مذكور صريحا فيما رواة الشيخ في الموثق عن عمار عن أبي عبد الله (ع) أنه سئل عن أعمال السلطان يخرج فيه
الرجل قال لا إلا أن لا يقدر على شئ ولا يأكل ولا يشرب ولا يقدر على حيلة فإن فعل فصار في يده شئ
فليبعث بخمسه إلى أهل البيت (ع) ووجوب الخمس إنما هو بعد وضع مؤنة التحصيل وهي ما يتوقف عليه من
الآلات والأدوات فيحسب ثمنها أو أرشها وأجرة الأجراء ونحو ذلك في المعدن والكنز بلا خلاف
يعرف لأنها وصلة إلى تحصيله فكانت من الجميع كالشريكين كذا في المفاتيح وفيه ما مرت الإشارة إليه
في الزكاة ومقتضاه إن تم وضعها في الجميع كما أطلقه هنا وفي صحيح ابن أبي نصر وغيره أن الخمس بعد
المؤنة وفيه اجمال ومقتضى الاطلاق احتساب خيل الغانم وسلاحه وخيمته وسائر ضرورياته و
الذي ذكره غيره أن المؤنة الموضوعة في الغنيمة إنما هي ما أنفق عليها بعد تحصيلها بحفظ وحمل ورعي
ونحوها وكذا الجعايل كما يأتي في باب الجهاد وبعد مؤنة نفسه وعياله موسعة وبعد اخراج السلطان كما
157

في رواية علي بن مهزيار في النوع المحتاط فيه وهو الأرباح والفوائد وفي كلام الأصحاب زيادة تفصيل
وهو مؤنة سنة له ولواجبي نفقته ومندوبيها حتى الضيف والنذر والكفارة ومأخوذ الظالم غصبا أو
مصانعا والهدية والصلة اللائقتان بحاله ومؤنة الحج الواجب عام الاكتساب وضروريات أسفار الطاعات
والتزويج وثمن الدابة والأمة كل ذلك على الاقتصاد والتوسط من دون إسراف ولا اقتار وهو المراد
بالتوسعة في كلام المصنف ولو كان له مال آخر لا خمس فيه ففي احتساب المؤنة منهما أو من الكسب أو منه
أوجه أعدلها الأول وأجودها الثاني وأحوطهما الأخير فليؤخذ به ولا مدخل للحول في شئ من الأنواع
اجماعا بل يجب فيها فورا بحصول الموجب وله أن يحتاط في الأرباح بالتأخير إلى كماله لاحتمال تجدد مؤنة
ويجب أن يحمل إلى الإمام مع حضوره فيقسمه ستة أسهم كما هو ظاهر الآية الكريمة ويأخذ نصفه ثلاثة
أسهم سهم الله وسهم الرسول وسهم ذي القربى فإنها جميعا حقه ويعطى النصف الآخر مستحقيه وقيل
بل يقسم خمسة أسهم باسقاط سهم الله وأنه إنما افتتح به باسمه سبحانه للتيمن دون الاسهام أو المعنى
أن الخمس لله ويكون ذكر الرسول أو ما عطف عليه تفصيلا بعد الاجمال بيانا لمصرفه والروايات
متعارضة والأول أشهر وكيف كان فما فضل عن حق الإمام فهو حق اليتامى وهم الأطفال الذين
لا أب لهم وفي اشتراط انتفاء الجد تأمل والمساكين والمراد بهم هنا ما يشمل الفقراء وكذا في كل موضع
يذكر كل منهما منفردا عن الآخر ومن ثم قيل الفقير والمسكين كالجار والمجرور إذا اجتمعا افترقا
وإذا افترقا اجتمعا وأبناء السبيل على الوجه المذكور في الزكاة الإماميين دون غيرهم على
المشهور وإن لم يكونوا عدولا بلا خلاف يعرف إلا إذا كان إعانة لهم على الإثم الهاشميين المنتسبين
إلى هاشم بن عبد مناف ولو بأحد الأبوين أما بالأب فظاهر وأما بالأم فعلى ما اختاره السيد
وابن حمزة ومن وافقهما من المتأخرين بناء منهم على أن ولد البنت ولد حقيقة فتصدق فيه النسبة
إذ لا خلاف في أن عيسى من بني آدم وأن الحسنين ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله وأن قوله (تع) حرمت عليكم
أمهاتكم وبناتكم يشمل بنات البنات كما يشمل بنات البنين وقوله عز وجل وحلائل أبنائكم الذين
من أصلابكم يشمل حليلة ابن البنت كما يشمل حليلة ابن الابن وقوله سبحانه ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم
يشمل منكوحة الجد الأمي كما يشمل منكوحة الأب وقد تظافرت الروايات في ذلك ويعزى إلى ابن
الجنيد إلغاء هذا الوصف لاطلاق الآية وصحيحة ربعي بن عبد الله وهو شاذ واختلف في
اشتراط الفقر في اليتامى ووجه العدم اطلاق اللفظ ومقابلة المساكين وكذا الخلاف في وجوب
بسط حصصهم عليهم أو جواز تخصيص صنف واحد بها كما في الزكاة أما استيعاب أشخاصهم فلا
خلاف في عدم وجوبه وأما في زمن الغيبة فعند المصنف يسقط النصف ويصرف النصف
إلى مستحقيه وهو الأصح أو لا يسقط شئ ويصرف الكل إلى الأصناف الثلاثة وهو الأحوط
الأحسن ولكن يتولى ذلك الفقيه المأمون بحق النيابة كما يتولى عن الغائب وأما القول بسقوط
الفرض رأسا فقد عرفت حاله ومثله القول بوجوب حفظ الكل أو النصف بالوصاية أو الدفن و
من اعتبر في العمل انتسابهم إلى هاشم من جهة الأب دون الاكتفاء بجهة الأم وحدها كما اشترط الأكثر
لمنع الحقيقة لقول القائل بنونا بنو أبنائنا وبنائنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد ومرسلة حماد
بن عيسى الصحيحة عن أبي الحسن (ع) ومن كانت أمه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإن الصدقة
تحل له وليس له من الخمس شئ لأن الله يقول ادعوهم لآبائهم هذا في الخمس وفي الزكاة عدم الانتساب
إليه من جهتها أيضا وفقر اليتيم لأنه لو كان له أب موسر لم يستحق شيئا فإذا كان موسرا بنفسه كان أولى
بالحرمان ولأن الخمس حبر ومساعدة كالزكاة فيختص به أهل الخصاصة والبسط عليهم جميعا إذ
لم يثبت نفي التشريك هنا كما ثبت في الزكاة فقد أخذ باليقين في هذه المتشابهات وورد في حديث
أمير المؤمنين (ع) كما سبق هلك الناس في بطونهم وفروجهم لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا ألا وإن شيعتنا
من ذلك وأباءهم وفي بعض نسخ التهذيب وأبنائهم في حل
باب المعروف وفضله عظيم والحث عليه
كثير ففي الحديث النبوي أول من يدخل الجنة المعروف وأهله وعن أبي عبد الله (ع) أن للجنة بابا يقال
له المعروف لا يدخله إلا أهل المعروف وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة وعنه (ع)
رأيت المعروف كاسمه وليس أفضل من المعروف إلا ثوابه قال في النهاية قد تكرر في الحديث ذكر المعروف
وهو اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله والتقرب إليه والاحسان إلى الناس وكل ما ندب إليه الشرع من
المحسنات وهو من الصفات الغالبة أي أمر معروف بين الناس إذا رأوه لا ينكرونه والمعروف النصفة
وحسن الصحبة مع الأهل وغيرهم من الناس والمنكر ضد ذلك جميعه انتهى والمقصود بالبيان هنا
قسمة المالي والمذكور مما عداه مذكور استطرادا وهو على درجات آكدها الانفاق على النفس مما يحفظ
قوتها ويذهب قرمها على وجه العدل والاقتصاد عن انتهاكها أو تضييع حقها والتوسع المخرج لها إلى
حد الأطراف والبطر ويليه الانفاق على العيال كذلك سواء كانوا واجبي نفقة أو مندوبيها لأنه أسراؤه
كما ورد وفي الحديث النبوي ملعون ملعون من ضيع من يعول ثم صلة من تجب صلته من الأرحام
النسبية والدينية ثم الحق المعلوم الذي يفرضه أي يوظفه الرجل في ماله يعطيه في اليوم أو الجمعة
أو الشهر دائما قل أو كثر غير أنه يدوم عليه وفيه ما ورد قوله (تع) وفي أموالهم حق معلوم كما فسر في
حديث أبي عبد الله (ع) ثم كل صدقة على فقير ولو ذميا فإن لكل كبد حراء أجر أو مروة إليه أو إلى غني
بالضيافة والهدية والإعانة باليد واللسان والوجه والمال ونحوها جلبا للخير وأقله التمرن على فضيلة
الفتوة وتقوية ملكتها أو دفعا للشر وأقله الآنفة عن رذيلة اللوم وتضعيف ملكتها دينيين كانا
كضيافة العلماء للاستفاضة من بركاتهم ومواعظهم أو تعلم ما يخرج به عن ذميمة الجهل المطلق
158

أو دنيويين كضيافة الشعراء لاستفادة البلاغة والفصاحة منهم أو التخلص من هجائهم أو كليهما كما
مثلنا بشرط أن يكونا سائغين شرعا فلا تجوز ضيافة الأجنبية أو الاهداء إليها استمالة لها للزنا
أو مصانعة الظالم بالأموال المتمكن من إيذاء الناس وادخال الضرر عليهم والمحتاج إلى هذا القيد
إنما هو الخير والشر الدنيوي دون الديني لأنه لا يكون إلا سائغا أو ايصال نفع عام إلى الناس ببناء مسجد
أو مدرسة أو وقف كتاب أو نحوه من الصدقات الجارية التي لا ينقطع العمل عنها بالموت أو خاص
كارشاد الضال ولو إلى الطريق والتعليم للعلوم الدينية لأهلها كما سبق وقربان المرأة بضم القاف
وكسرها مصدر قربه كعلمه إذا دنا منه والمعنى التحبب إليها بالمجامعة والمغازلة تطييبا لقلبها
بما لا يخرج به عن الوقار ويوجب جرأتها عليه للتعفف ابتداء واستدامة فإنه مما يوجبه ويزيد
فيه والعدل يعني استوائها على الطاعة والقيام بحقوق الزوجية من دون نشوز فهو غاية أخرى
للقربان أو هو معطوف عليه والمراد العدل معها بتوفية حقوقها من غير جور أو بينها وبين ضرتها
بالقسم وما يستطاع دون أن يميل كل الميل فإنها جميعا من المنافع الخاصة وقضاء حاجة المؤمن فورد
فيه من الحث ما ورد حتى أنه يقدم على كثير من الواجبات الموسعة كما تقدم ويأتي وفي بعض الروايات
إنه المعروف وانظار المديون المعسر إلى الميسرة وأفضل منه التحليل أي ابراؤه وجعله منه في حل
حيا كان أو ميتا وعفو ماله من سائر الحقوق مطلقا مثل حق الغيبة والقذف ونحوهما وقد وردت
فيه النصوص بالخصوص حتى أنه يستحب أن يقول في صباح كل يوم اللهم إني تصدقت بعرضي على عبادك
والقرض فإن فيه فضلا كثيرا وهو أفضل من الصدقة كما يأتي في كتاب البر والحمل على الدابة ما لم يجحف
بها وهو من المواساة وطيب الكلام سيما في القضاء والاقتضاء ومجادلة أهل الباطل عند الحاجة
والخطوة إلى الصلاة فإنها من أحب الخطى إلى الله عز وجل والتوسع على العيال زيادة على ما تقدم
فعن علي بن الحسين (ع) أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله وعن الرضا (ع) ينبغي للرجل أن يوسع على
عياله لئلا يتمنوا موته ويتأكد عند زيادة النعمة وإلا أوشك أن تزول وعن النبي صلى الله عليه وآله أن المؤمن
يأخذ بأدب الله إذا وسع عليه اتسع وإذا أمسك عليه أمسك والتبسم في وجه أخيه المؤمن
من غير دعابة وهو من محاسن العشرة سيما إذا كانت له حاجة إليه وإعارة المتاع وهو ما يتمتع
به من الأدوات حتى كتب العلم وفيها ورد قوله (تع) ويمنعون الماعون كما فسر في حديث أبي عبد الله (ع)
قال الراوي قلت إن لنا جيرانا إذا أعرناهم متاعا كسروه وأفسدوه فعلينا جناح أن نمنعهم قال لا
ليس عليك جناح أن تمنعهم إذا كانوا كذلك واطراق الفحل وهو إعارته للضرب ويكره شديدا
أخذ الأجرة عليه وتحليل الجارية خدمة أو وطئا لمن يحتاج إليها وغير ذلك من المكارم وقد
يسمى الكل بالصدقة سوى المروات المذكورة ومنه ما ورد في الحديث النبوي كل معروف صدقة
والبر يشمل الجميع فمن نذر مالا لوجوه البر جاز له صرفه فيما شاء منها فهو أعم مطلقا وربما
يخص بما سوى الصدقة فيتقابلان ومنه ما ورد في حديث أبي جعفر (ع) البر والصدقة ينفيان
الفقر ويزيدان في العمر ويدفعان عن صاحبهما سبعين ميتة سوء وميتة السوء بكسر الميم وفتح
السين الحالة التي يساء عليه الموت كالحرق والغرق وبغير وصية وقبل التوبة إلى غير ذلك مما لو
استقصى بلغ سبعين أو هو كناية عن الكثرة كما في غيره وورد عن أهل البيت (ع) صنايع المعروف
نفي مصارع السوء وهي أعم من ميتة السوء
باب آداب المعطي الشرعية والعقلية وهي كثيرة والمذكور
منها هو أن يعلم بالنظر أن الحكمة في تكليفه بالاعطاء أو الانفاق اشتماله على معاني كلها مصلحة له كما
تقدم اجمالا في باب السخاء أحدها أن الانفاق ابتلاء في دعوى حبه تعالى وترك الدنيا فإن أول
ما نطق به لسانه من ألفاظ الايمان كلمة الشهادة وهي التزام للتوحيد وشهادة بافراد المعبود ومن
شرط تمام الوفاء بذلك أن لا يبقى للموحد محبوب سوى الواحد الفرد فإن المحبة التامة لا تقبل الشركة
والتوحيد اللساني قليل الجدوى وإنما تمتحن درجة الحب بمفارقة المحبوبات والأموال أحد شطري
الدنيا التي هي محبوبة للخلق وبسببها يفرون من الموت الذي هو موعد لقاء المحبوب كما مر فامتحنوا
بتصديق دعويهم في ذلك وعن الرضا (ع) في قوله عز وجل لتبلون في أموالكم قال اخراج الزكاة وعن أبي عبد الله (ع) إنما وضعت الزكاة اختيارا للأغنياء ومعونة للفقراء والثاني أنه إزالة لصفة البخل
كما سبق فإن لله على عبده نعما في نفسه وماله فالعبادات البدنية شكر للنعم النفسانية والمالية
للمالية وبه يستحق المزيد ومن ثم سميت الزكاة زكاة لأنه نماء للمال فلا يقتصر على القدر الواجب
لأنه إنما وضع على حوصلة أضعف المكلفين بل الموفق من راقب مواقيت الحاجات ومواسم
الخيرات واغتنم الفرصة فصرف الفاضل عن قدر الحاجة إلى وجوه البر مهما ظهرت من غير تأخير بل
يداوم على الحق المعلوم الذي وصفناه في الباب السابق وروى المفضل بن عمر أنه سأل
الصادق (ع) وأنا عنده في كم تجب الزكاة من المال فقال للسائل الزكاة الظاهرة أم الباطنة تريد
فقال أريدهما جميعا فقال أما الظاهرة ففي كل ألف خمسة وعشرون وأما الباطنة فلا تستأثر
على أخيك بما هو أحوج إليه منك وأن يبتدئ بعطاء المحتاج بحيث لا يحوجه إلى السئول فورد في
العطاء بعد المسألة أنه مكافأة لوجهه المبذول وثمن لما أخذ منه وليس بمعروف روى ذلك
الذهلي مرفوعا عن أبي عبد الله (ع) قال المعروف ابتداء فأما من أعطيته بعد المسألة فإنما كافيته
بذلك ما بذل لك من وجهه يبيت ليلته أرقا متململا يمثل بين اليأس والرجاء لا يدري أين
يتوجه لحاجته ثم يغرم بالقصد لها فيأتيك وقلبه يرجف وفرائصه ترعد قد تراد دمه في وجهه
لا يدري أيرجع بكآبة أو فرح وفي حديث أمير المؤمنين (ع) إذا أنا لم أعط الذي يرجوني إلا
159

بعد المسألة فلم اعطه إلا ثمن ما أخذت منه وذلك أني عرضته أن يبذل وجهه الذي يعفره في
التراب لربي وربه وأن يعجل الأداء مبادرة في الائتمار واستباقا إلى الخير ومسرة للمستحق وصيانة
لحلاوة احسانه عن الشوب بمرارة الانتظار وعنه (ع) إن من الخصال الثلاث التي لا يصلح المعروف
إلا بها تعجيله فإنك إذا عجلته هناته وإلا محقته ونكدته وتحاميا عن طروق الآفات المانعة
التي يستلزمها التأخير غالبا ولو من نفسه فإن الانسان ربما تقوى فيه داعية الخير في الباطن
وهي لمة الملك والقلب سريع التقلب والشيطان يعد الفقر وله لمة عقيب لمة الملك فلا
يؤمن المؤخر أن تفتر رغبته ويحرم الفضل وأن يعين لغير الموقت شرعا وقتا فاضلا كساعة
العتمة ويوم الجمعة وشهر رمضان وسيما عشر آخره إذ فيها ليلة القدر وذي الحجة وسيما عشر
أوله وسيما عرفه ويوم الغدير فإن الحسنة فيه تتضاعف وأن يستر في الانفاق المستحب مبالغا
في ذلك بحيث لا يدري من في شماله ما يعطى من عن يمينه تبعيدا له عن الرياء وسترا على الفقير و
هو من الخصال الثلاث وبه يتم المعروف وفيه من التأكيد ما فيه فورد في حديث أبي عبد الله (ع)
الصدقة في السر والله أفضل من الصدقة في العلانية وفي الحديث النبوي هي تطفئ غضب الرب
وأن يظهر في الواجب ففي الحسن عن أبي عبد الله (ع) في قوله عز وجل إنما الصدقات للفقراء والمساكين
قال كل ما فرض الله عليك فاعلانه أفضل من اسراره وكل ما كان تطوعا فاسراره أفضل من اعلانه
ولو أن رجلا حمل زكاة ماله على عاتقه فقسمها علانية كان ذلك حسنا جميلا ويستثنى من اسرار
التطوع مواضع أحدها حيث سئل في ملأ من الناس وتحركت نفسه إلى الايتاء لله بحيث لا
يتفاوت حضور الحاضرين وغيبتهم لكنهم لو لم يعلموا باتيانه نسبوه إلى البخل فلا ضير في التظاهر به
حينئذ لا لأن يعتقد فيه الورع بل تحاميا عن أن يعتقد فيه اللوم فيذم بسبب ذلك والتألم
بالذم من المباحات كما عرفت وليكن معتصما عن الرياء فإنه من مظانه ومظان الغرور والثاني
حيث أمنه إما لتصحيح النية وضبطها وتهذيب النفس أو لأن الحاضرين ليسوا ممن يرائيهم ونحو ذلك
فلا مانع من التظاهر والثالث ما إذا كان مقتدى به وقصد الترغيب مع أمن الرياء أيضا فإن
الأفضل حينئذ الاظهار ليضاعف له الأجر وهذه صورة نادرة تستنبط مما تقدم في باب الاخلاص
ومن ثم لم يلتفت إليها في اطلاقات الكتاب والسنة شفقة على النيات الضعيفة أن تفسد بمخالطة
الرياء الخفي عند فتح باب الرخصة فورد عن أبي جعفر (ع) في قوله (تع) إن تبدوا الصدقات فنعما هي قال يعني
الزكاة المفروضة قال الراوي قلت وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم قال يعني النافلة أنهم
كانوا يستحبون إظهار الفرايض وكتمان النوافل وأن يعطي وهو صحيح شحيح مايل البقاء ويخشى الفاقة ولا
يمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قال لفلان كذا ولفلان كذا كذا في الحديث النبوي وقد سئل أي الصدقة
أفضل وأن يستصغر الاعطاء وهو من الخصال الثلاث أيضا ليعظم عنده (تع) كما قال (ع) فإنك إذا صغرته
عظمته عند من تصنعه إليه وهو يتيسر بذكر التوفيق الذي هو كالسبب الفاعلي والثواب الذي هو
الغاية فإذا تذكر ما يرجوه مما يزيد عليه أضعافا مضاعفة في فعل ليس هو بمستقل التأثير فيه
استصغره لا محالة وأن يعطي الأجود من كل مال والأحب إليه والأبعد عن الشبهة فورد في الأول
قوله (تع) ويجعلون لله ما يكرهون مذمة لهم على اختيار الردئ لله وفي الثاني قوله عز وجل لن تنالوا
البر حتى تنفقوا مما تحبون وكان أبو عبد الله (ع) يتصدق بالسكر فقيل له في ذلك فقال ليس شئ أحب
إلى منه فإنا أتصدق بأحب الأشياء إلي وفي الأخير قوله سبحانه انفقوا من طيبات ما كسبتم على أن يراد
بالطيب الحلال كما روي عنه (ع) في شأن نزولها قال كان القوم قد كسبوا مكاسب سوء في الجاهلية
فلما أسلموا أرادوا أن يخرجوها من أموالهم ليتصدقوا بها فأبى الله (تع) إلا أن يخرجوا من أطيب ما كسبوا
ولعل المراد بمكاسب السوء كما في الوافي نحو الربا والميسر وثمن الخمور والميتة وفي تتمة الآية ولا تيمموا
الخبيث منه تنفقون وروي أنه كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أمر بالنخل أن يزكى يجئ قوم بألوان من التمر
وهو من أردأ التمر يؤدونه من زكاتهم تمرة يقال لها الجعرور والمعافاراة قليلة اللحى عظيمة النوى
وكان بعضهم يجي بها عن التمر الجيد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لا تخرصوا هاتين التمرتين ولا تجيئوا منها
بشئ وفي ذلك نزل ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه والاغماض
أن يأخذ هاتين التمرتين فالمراد بالخبيث ليس ما يقابل الطيب في صدر الآية وكان الاستشهاد به
لاختيار الأجود أجود لأن سياق الأولى إنما هو في اثبات البنات لله سبحانه وإن كان اللفظ محتملا وبالجملة
فالفوائد المقصودة من الانفاق للفاعل والقابل جميعا لا يتم شئ منها إلا بانفاق الأجود الأحب الأطيب وأن
يسبغ عليه العطاء بحيث يغنيه إن قدر فورد في موثقة عمار عن أبي عبد الله (ع) أنه سئل كم يعطى الرجل من
الزكاة فقال إذا أعطيت فاغنه وفي المشهور خير الصدقة ما أبقت غنى وأن يقبل مناول السائل يده
بعد الاعطاء والضمير المضاف إليه يحتمل المضاف والمضاف إليه وورد تقبيل المتصدق به أيضا لأنه
يقع في يده (تع) أولا فعن أمير المؤمنين (ع) إذا ناولتم السائل شيئا فليرد الذي ناوله يده إلى فيه فليقبلها
فإن الله عز وجل يأخذه قبل أن يقع في يده كما قال تعالى ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده و
يأخذ الصدقات وعن أبي عبد الله (ع) إن الله يقول ما من شئ إلا وكلت به من يقبضه غيري إلا الصدقة
فإني أتلقفها بيدي تلقفا وعن السجاد (ع) أنه كان إذا أعطى السائل قبل يد السائل فقيل له لم تفعل ذلك
قال لأنها تقع في يد الله قبل يد العبد قال الراوي أظنه يقبل الخبز أو الدرهم وفي حديث آخر عن أبي عبد
الله (ع) كان أبي إذا تصدق بشئ وضعه في يد السائل ثم ارتده منه فقبله وشمه ثم رده في يد السائل و
أن يلتمس الدعاء من الأخذ لأن دعائه يستجاب فيه فعنه (ع) إذا أعطيتموهم فلقنوهم الدعاء فإنه يستجاب
160

لهم الدعاء فيكم ولا يستجاب لهم في أنفسهم وفي حديث أمير المؤمنين (ع) لأنهم يكذبون وأن يصرف العطاء
إلى من يكثر باعطائه الأجر بكونه متقيا عاملا صادقا متوكلا يرى النعمة منه (تع) لا من المعطي فإنما يراه
واسطة متعففا ساترا للحاجة محصورا في سبيل الله محبوسا في طريق الآخرة بمرض أو عيلة أو ضيق معيشة أو
اصلاح قلب أو سبب من الأسباب ولكن يرفع أهل العلم والايمان الخاص من الزكاة الواجبة والصدقات
لأنها أوساخ الأموال والعلماء ورثة الأنبياء وعلماء هذه الأمة خلفاء رسول الله صلى الله عليه وآله ومندرجون في
آل محمد بالنسبة الباطنة الروحانية وكما لا تليق هذه الأوساخ بمرتبته ومرتبة المنتسبين إليه بالنسبة الظاهرة
الجسمانية ومن ثم لم يرتضها الله لهم في ظاهر الشريعة احتشاما لهم وغيرة على مرتبتهم فكذا ورثته وخلفاؤه
والمنتسبون إليه بالنسبة الروحانية بل هم أولى بذلك في باطن الشريعة لأن نسبتهم إليه آكد وقد علمت أن الباطن
هو الأصل والأهم وإنما الظاهر عنوان له وعلامة عليه ويقرب منه القول في خواص المؤمنين فورد في
روايات أهل البيت (ع) أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله من يستحق الزكاة قال المستضعفين من شيعة محمد وآله الذين
لم تقو بصائرهم فأما من قويت بصيرته وحسنت بالولاية لأوليائهم والبراءة من أعدائهم معرفته فذاك
أخوكم في الدين أمس بكم رحما من الآباء والأمهات المخالفين فلا تعطوه زكاة ولا صدقة فإن موالينا و
شيعتنا منا وكلنا كالجسد الواحد يحرم على جماعتنا الزكاة والصدقة وليكن ما تعطونه إخوانكم البر و
ارفعوهم عن الزكاة والصدقات ونزهوهم عن أن تصبوا عليهم أوساخكم أيحب أحدكم أن يغسل يده
ثم يصبه على أخيه المؤمن أن وسخ الذنوب أعظم من وسخ البدن فلا توسخوا بها إخوانكم المؤمنين الحديث
فيوسع عليهم بالهدايا والصلات والكرامات وإن ساق إليهم المعروف أولا قرضا ثم أبرأهم منه فقد فاز
بالثوابين وأن يبدأ بمن يعول كما استفاض الأمر به في أخبار المعروف والصدقة ثم الأقرب فالأقرب
نسبا وجوارا والأهم فالأهم علما وورعا وحاجة وغير ذلك مما ذكر ولا يمنعه عن ذلك ما يوجد غالبا في
الأقارب من اضمار العداوة والحسد فإن ذلك مما يزيد الصدقة فضلا بل هي أفضلها على الاطلاق كما
ورد أنه سئل رسول الله صلى الله عليه وآله أي الصدقة أفضل قال على ذي الرحم الكاشح أي الذي يضمر لك العداوة في
كشحه أي باطنه وإنما كانت الصدقة عليه أفضل لمخالفة الهوى فيها زيادة على ما في غيرها من الصدقات
وهي الطريق إلى الله وورد في النبوي أيضا لا صدقة وذو رحم محتاج تجوزا بنفي الحقيقة عن نفي الكمال
وفيه والصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر وصلة الإخوان بعشرين وصلة الرحم بأربعة وعشرين وما
تركب منها فبحساب ذلك وأن يتصدق في كل يوم بما تيسر ليذهب الله عنه نحس ذلك اليوم ويباكر
بها ليبادر بها البلاء ففي النبوي وغيره باكروا بالصدقة فإن البلا لا يتخطاها وأن لا يرد السائل ولو
ظن غناه فورد عن أبي جعفر (ع) اعط السائل ولو كان على ظهر فرس ويتأكد في السائل الذكر بالليل فإن لم يجد شيئا فلا يرده إلا بلطف فورد فيما ناجى الله به موسى يا موسى أكرم السائل ببذل يسير أو برد
جميل لأنه لا يأتيك من ليس بإنس ولا جان ملائكة من ملائكة الرحمن يبلونك فيما خولتك ويسئلونك
عما تولتك فانظر كيف أنت صانع يا بن عمران وروي جواز الرد بعد اعطاء ثلاثة فعن أبي عبد الله عليه السلام
اطعموا ثلاثة وإن شئتم فازدادوا وإلا فقد أديتم حق يومكم وأن يغتنم السئول فإنه رحمة ساقها
الله إليه وفي كلام أمير المؤمنين (ع) إن حوائج الناس إليكم نعمة من الله عليكم فاغتنموها ولنعم ما
قيل - توشه برداريست بهر منزل فرادي تو - مغتنم دان چون بدر كاه توايد سائلي - سيما ممن
رق له القلب فهو علامة صدق السائل فعن أبي عبد الله (ع) أنه سئل عن السائل يسئل ولا يدري ما هو
فقال اعط من وقعت في قلبك له الرحمة ويسئ الظن بنفسه دون السائل عند فقده فلا يعده
علامة كذبه وليس في الرواية ما يشعر بالملازمة وجودا وعدما وأن لا يحتقر ما عنده فيمتنع
من اعطائه ويحرم الفضل فورد في حديث أمير المؤمنين (ع) لا تستحيوا من اعطاء القليل فإن الحرمان
أقل منه سيما إن كان مقلا فورد عن أحدهما (ع) أفضل الصدقة جهد المقل وأن لا يملك ما تصدق به اختيارا
زكاة أو غيرها ولا بأس إن رجع إليه بالإرث كما في صحيحة منصور بن حازم وغيرها وأن لا يمتنع إذا
اقترح عليه أن يقسم صدقة الغير فورد في حديث أبي عبد الله (ع) قيل له إذا وجبت زكاتي أخرجتها
فأدفعها إلى من أثق به يقسمها قال نعم لا بأس بذلك أما إنه أحد المعطين وفيه المعطون ثلاثة رب
العالمين وصاحب المال والذي يجري على يديه وفي آخر عد الساعي في ذلك وفي رواية لو أن
المعروف جرى على سبعين يدا وفي أخرى أربعين ألف انسان لأجروا كلهم من غير أن ينقص من
أجر صاحبه شئ وأن يجتنب المن والأذى بعد الصدقة فإنهما يحبطان الأجر فيذهب ماله في الدنيا
وثوابه في الآخرة فورد في التنزيل يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى بعد قوله
عز وجل قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم وفسر القول المعروف بالرد
الجميل والمغفرة بالتجاوز عن السائل الحاجة أو نيل المغفرة من الله بسبب الرد الجميل وإنما كانا خيرا
من الصدقة المتبوعة بالأذى لأن صاحب هذه الصدقة لا يرجع إلى خير في دنياه ولا في عقباه والمن أن يرى نفسه محسنا إلى من أنعم عليه لاعتداده بعطائه ويعرف ذلك بقوة استبعاد ما ربما يتفق
من جناية وسوء أدب من القابض بالنسبة إليه بعد العطاء بقدر تفاوت ما بينه وبين استبعادها
من أكفائه الذين لم تجر له عليهم نعمة والحال أن المحسن هو القابض لإيصاله تسبيبا إلى الثواب المستحق
بالبذل والانجاء من العقاب المستحق بالمنع وكونه نائبا عنه (تع) في القبض وهو حق له عز وجل من
بعض ما أنعم به عليه أحال عليه الفقير انجازا لما وعده من الرزق ووفاء بما ضمنه له والأذى التعيير
وهو كما سبق النسبة إلى العار وهو العيب كالعمى والنكد وسوء الحال والتوبيخ كاللوم بالسؤل
وترك التكسب والقول السيئ مثل خلصني الله منك ولا أراني وجهك ولا رزقك الله والقطوب
161

وهو العبوس والاستخدام بغير أجرة وهتك الستر كحكاية سؤله والحاجة لمن لا يرضى بعلمه بذلك
والاستخفاف به في المجلس والكلام وغيرهما وسببه استكثار العطاء والتكبر على القابض الناشئين
من الجهل هكذا في نسخ الكتاب والحقايق والصواب تثنية الضمير إلا أن يرجع إلى ما ذكر فإن الاستكثار
سبب المن كما قال (تع) ولا تمنن تستكثر والتكبر سبب الأذى وكلاهما ناشئان من ضعف اليقين برجحان
رضاه (تع) الحاصل بالبذل على اقتناء خسيس فإن من حطام الدنيا وهو ذلك القليل المبذول و
نسيان فضل الفقير عليه بالتسبب له إلى ما ذكر من الخير أو فضله مطلقا حيث إنه (تع) قلل له في الدنيا
توفيرا عليه في الآخرة بخلاف الغني فإنه أذهب طيباته في الحياة الدنيا وعن أمير المؤمنين (ع) من
علم أن ما صنع إنما صنع إلى نفسه لم يستبطئ الناس في شكرهم ولم يستردهم في مودتهم فلا تلتمس
من غيرك شكر ما أتيت إلى نفسك ووقيت به عرضك واعلم أن الطالب إليك الحاجة لم يكرم وجهه
عن وجهك فأكرم وجهك عن رده
باب آداب الآخذ بصيغة الفاعل وهو أن يعلم أن الله أوجب
على المعطي صرفه إليه وسلط عليه من الدواعي والإرادات ما أوجب صرفه إليه فإن الشئ ما لم يجب
لم يوجد ليكفي به مهمه فيتجرد للعبادة فينبغي أن يشكر الله (تع) أولا فإنه المنعم الأول ويشكر المعطي
ثانيا لأنه الواسطة والنعمة جارية على يده وإنما أعاد الفعل مع ما هو بصدده من الايجاز تنبيها
على تغاير الشاكرين فيدعو له كما أمر الله نبيه صلى الله عليه وآله بذلك بقوله خذ من أموالهم صدقة تطهرهم و
تزكيهم وصل عليهم وقد صلى على آل أبي أوفى ويثني عليه مع رؤية النعمة منه (تع) فورد في الحديث
النبوي من لم يشكر الناس لم يشكر الله وإن كان ما أتى إليه معروفا كافأه بما يستطيع من المعروف
ولو بالثناء والقول الجميل فعن النبي صلى الله عليه وآله من أتي إليه معروف فليكافئ به وإن عجز فليثن فإن لم يفعل فقد كفر النعمة وعن أبي عبد الله (ع) لعن الله قاطعي سبيل المعروف قيل ما قاطعوا سبيل
المعروف قال الرجل يصنع إليه المعروف فيكفره فيمنع صاحبه من أن يصنع ذلك إلى غيره وفي حديث
أمير المؤمنين (ع) من صنع مثل ما صنع إليه فإنما كافأه فإن ضعف كان شكورا ومن شكر كان كريما
ويستر ما انكشف له من عيوب صاحب العطاء فإنه فيه آكد ولا يحقره وإن كان عطاؤه حقيرا ولا
يذمه فإنه من أشد الكفر أو المعنى النهي عن تحقير العطاء ومذمته فإنهما من الآداب أيضا لكن فيه
تشويش الضماير ولا يعيره بالمنع إذا منع بل يعذره ومنع في القاموس من ادخال الباء في ثاني
مفعولي فعل التعيير ويفخم عند نفسه وعند الناس صنيعه الذي وفقه الله له بحيث لا يخرجه عن
كونه واسطة لئلا يكون مشركا فعن أبي عبد الله (ع) في قول الله عز وجل وما يؤمن أكثرهم بالله
إلا وهم مشركون قال هو قول الرجل لولا فلان لهلكت ولولا فلإن لما أصبت ولولا فلان
لضاع عيالي ألا ترى أنه جعل الله شريكا في ملكه يرزقه ويدفع عنه قيل فيقول لولا أن من الله
علي بفلان لهلكت قال نعم لا بأس بهذا ونحوه وأن لا يسأل من غير حاجة فورد عن السجاد (ع) أنه
يضطره يوما إلى السؤل من حاجة بل يستعفف من السؤال ما استطاع ففي النبوي وغيره من
فتح على نفسه بابا من مسألة فتح الله عليه بابا من فقر وعن أبي عبد الله (ع) إياكم والسؤل فإنه ذل في
الدنيا وفقر معجل وحساب طويل يوم القيامة وأن يتوقى مواقع الريبة والشبهة في أصله ومقداره
فلا يأخذ أصلا ممن لا يحل ماله غالبا في غالب ظاهر الشريعة وأما أموال السلطان فإن فيها حقوق
الفقراء ومن ثم وردت الرخصة في تناول جوائزهم وأن عليه الوزر ولك المهنى ولا الزيادة على
القدر المباح له وإن بذلت له جهلا بحاله أو بالحكم فالعزيمة التي لا ينبغي التعفف عنها قوت يوم
والرخصة التي لا ينبغي الزيادة عليها قوت سنة وفي بعض الآثار التحديد بأربعين يوما وستة أشهر
وغير ذلك ويمكن حملها على الغريمة والرخصة نظرا إلى اختلاف الأشخاص والأحوال في قوة التوكل
وضعفه وأن لا يسأل على رؤس الملأ لما فيه من افتضاح نفسه وسقوط مروته والتظاهر بالشكوى
من الله في قصور نعمته عليه وغير ذلك مما يأتي وفي الحديث النبوي لا تسألوا أمتي في مجالسها
فتبخلوها وسيما ممن يستحي من الرد في الملأ فيدعوه ذلك إلى التكلف البذل رياء فيحرم على الآخذ
ويأثمان جميعا وأن يتورع العالم من أخذ الزكاة لنفسه ما لم يضطر إليه فيقتصر على قدر الضرورة
تنزيها لنفسه عن الأوساخ كما تقدم وأن يستر الآخذ الأخذ ابتداء واستدامة بنية أنه أبقى لستر المروة
بكسر السين إضافة بيانية وذلك لأن التجاهر بالأخذ مما يهتك جلباب الحياء ويذهب بماء الوجه وربما
يفضي إلى التقاضي من غير ضرورة وكشف الحاجة أي ظهور كونه محتاجا فإن نفوس ذوي المروات المطلعين
على حاجته ما لم يعلموا أنه أخذ شيئا ربما تتحرك إلى صلته واعطائه وإذا علموا ذلك يكتفون به غالبا فيصير
سببا لحرمانه عن الفضل والتعفف وهو من الصفات المحمودة كما مر وأسلم لقلوب الناس وألسنتهم لا سيما
أكفاؤه المراقبين له من الطامعين أما قلوبهم فمن الانكسار الحاصل لها بسبب حرمانهم وفوزة ومن الحسد
له على ما أخذ وسوء الظن به حتى لو أظهر الحاجة بعد ذلك لم يصدق وأما ألسنتهم فمن الغيبة له وللمعطي
تشفيا لقلوبهم وإعانة للمعطي على ما ربما كان أصلح له من الاسرار وأصون لنفسه عن الاذلال لا سيما إذا كان
المأخوذ من أوساخ الأيدي وأبعد عن شبهة الشركة في العطية فإن الحضار شركاؤه فيها فورد أن الهدايا مشتركة
يعني بين المهدى إليه والحاضرين وفي أخرى جلساء الرجل شركاؤه في الهدية وكل هذه فوايد دينية
ودنيوية تتحقق في ضمن الستر ويسوغ قصدها كلا أو بعضا به فيرجح أو يظهر بنية الاخلاص بمعناه
اللغوي والصدق والسلامة عن تلبيس الحال بإرائة نفسه مليا وهو فقير واسقاط الجاه والمنزلة عن
القلوب حيث يرى ذلك أصلح لحاله واظهار العبودية والمسكنة باظهار الحاجة والتبري عن الكبر
اللازم للجاه والمال غالبا وإقامة سنة الثناء والشكر اللساني لله وللمعطي وغير ذلك مثل ترغيب
162

الغير في الاعطاء أو الأخذ حيث يكون أولى وهذه أيضا مقاصد راجحة لا ضير فيها وبها يرجح الاظهار فإنه يختلف الحكم في ذلك باختلاف النيات والأحوال والأشخاص المعطين والآخذين فليراقب
ذلك فإنه أزلق موضع من مواضع الغرور والاعتياد بالاسرار أسلم في الجملة باب زكاة الجسد
وهو نقصه لمزيد الخير والبركة كزكاة المال إما اضطرارا بأن يصاب بآفة كعثرة أو خدشة أو مرض
حتى اختلاج العين وفيه ورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال يوما لأصحابه ملعون كل مال لا يزكى ملعون كل
جسد لا يزكى ولو في كل أربعين يوما مرة قيل يا رسول الله أما زكاة المال فعرفناها فما زكاة الأجساد
فقال لهم أن تصاب بآفة فتغيرت وجوه الذين سمعوا ذلك منه فلما رآهم قد تغيرت ألوانهم قال هل
تدرون ما عنيت بقولي قالوا لا يا رسول الله قال إن الرجل يخدش الخدشة وينكب النكبة ويعثر العثرة
ويمرض المرضة ويشاك الشوكة وما أشبه هذا حتى ذكر في حديثه اختلاج العين وأما اختيارا
وهو الأكمل الأفضل بأن يصرف في الطاعة ويمنع عن المعصية وفيه ورد عن أبي عبد الله (ع) حديث
زكاة الأعضاء ومصارفها في مصباح الشريعة قال على كل جزء من أجزاء بدنك زكاة واجبة لله
عز وجل بل على كل منبت شعرك بل على كل لحظة فزكوة العين النظر بالعبر والغض عن الشهوات و
ما يضاهيها وزكاة الأذن استماع العلم والحكمة والقرآن وفوايد الدين من الموعظة والنصيحة
وما فيه نجاتك بالاعراض عما هو ضده من الكذب والغيبة وأشباههما وزكاة اللسان النصح للمؤمنين
والتيقظ للغافلين وكثرة التسبيح والذكر وغيره وزكاة اليد البذل والسخاء بما أنعم الله به عليك
وتحريكها بكتبة العلوم ومنافع ينتفع بها المسلمون في طاعة الله والقبض عن الشرور وزكاة الرجل
السعي في حقوق الله من زيارة الصالحين ومجالس الذكر واصلاح الناس وصلة الرحم والجهاد و
ما فيه صلاح قلبك وسلامة دينك الحديث وعن النبي صلى الله عليه وآله أن لكل شئ زكاة وزكاة الأبدان
الصيام وهو أعم من الأول وورد أن زكاة العلم بذله والحلي إعارته والبيت اعداد موضع منه للضيافة
كتاب الصيام بسم الله الرحمن الرحيم الصيام في اللغة الامساك وقيل السكون وشرعا الكف عن
المفطرات طول النهار مع النية ويرادفه الصوم وربما يخص بما اشتمل على الامساك عن الكلام أيضا
كما كان في الشرايع السابقة استيناسا بقوله سبحانه كتب عليكم الصيام وقوله (تع) نذرت للرحمن صوما
فلن أكلم اليوم أنسيا وهو من أفضل السكنات كما أن الصلاة من أفضل الحركات وفي عدة أخبار
إنما فرض الله الصيام ليستوي به الغني والفقير وذلك أن الغني لم يكن ليجد من الجوع فيرحم الفقير
مع ما فيه من الانكسار عن الشهوات باب التعداد الصيام أربعة أقسام فريضة ونافلة ومكروه
وحرام والثالث لا يخرج عن الأولين لأنه عبادة راجحة حيث لا يحرم فالمراد به ما يقارنه أمر يقل بسببه
ثوابه بالنسبة أي ما لا يقارنه ذلك الأمر وإنما يفرد بالبحث اهتماما افراد الأسار به بعد المطلق والمضاف
مع أنه ليس بخارج عنهما والفرائض الأصلية أربع صوم شهر رمضان وبعض الكفارات وبدل
الهدي للمتمتع العاجز عنه وثالث أيام الاعتكاف على المشهور والنوافل ثلاثة أقسام بحسب تفاوتها
في الفضل سنة واظب عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وهي أفضلها وتطوع وهو بعدها وقد يطلق عليهما جميعا
الترغيب والسنة والتطوع وتأديب وهو إمساك بعض اليوم مع النية تشبها بالصائمين و
ليس من الأقسام الحقيقية وإنما يعد منها تجوزا والسنة هي صوم الثلاثة الأيام من كل شهر كذا
في نسخ الكتاب والمفاتيح ومنع المعربون من ادخال اللام في المميز والمميز جميعا وعده الحريري في درة
الغواص من أوهام الخواص وأما وروده في بعض ألفاظ الروايات فلا حجة فيه إذ لا قطع بكونها منقولة
باللفظ وهي الأيام التي ورد في حديث أبي عبد الله (ع) أن رسول الله صلى الله عليه وآله قبض على صيامهن وقال إنهن
يعدلن صوم الدهر ويذهبن بوسوسة الصدر وفي موثقة زرارة أنها جميع ما جرت به السنة في
الصوم والمشهور في الفتاوى والروايات أنها أول خميس من الشهر وآخر خميس منه وأول أربعاء
من العشر الثاني ومنهم من خير بين أربعاء بين خميسين كما ذكر وخميس بين أربعائين لرواية ضعيفة
وقيل هكذا في شهر وهكذا في شهر دايما لأخرى مثلها ومنهم من جعل الأربعاء الوسط الأخير من العشر الثاني
والتطوع هو صوم سائر الأيام ما عدا الحرام فينطوي على بعض المكروه كما ذكرنا وورد في الحديث القدسي
برواية الفريقين الصوم لي وأنا أجزي عليه وقد قيل في وجه تخصيصه بتشريف الاختصاص مع أن
الأعمال الصالحة كلها لله أنه سر يبعد عن مخالطة الرياء ويشتمل على ترك الشهوتين وتضعيفهما وهما
أوسع مداخل الشيطان ومن ثم ورد أهلك الناس الأجوفان البطن والفرج ويوجب صفاء العقل
والفكر الموجب لانكشاف المعارف الإلهية وفيه التشبه بالملأ الأعلى والتخلق بخلق الصمدية وهذه
الخصايص ليست مجتمعة في غيره ويتأكد الاستحباب في الأيام الشريفة كشهري رجب وشعبان
كملا أو ما تيسر منهما فإن رجب شهر أمير المؤمنين (ع) وشعبان شهر رسول الله صلى الله عليه وآله كما أن شهر رمضان
شهر الله وأول تسع من ذي الحجة فيعدلن صوم الدهر والثامن عشر منه وهو يوم الغدير ويعدل
ستين شهرا وفي رواية ستين سنة وفي أخرى عمر الدنيا ويوم الدحو وهو الخامس والعشرون من
ذي القعدة دحيت فيه الأرض أي بسطت والمولد وهو السابع عشر من شهر ربيع الأول على المشهور
كما مر في باب الغسل وبه صرح في حديث الصوم وأما القول بأنه الثاني عشر منه كما ضبطه الشيخ الكليني
وهو المشهور بين القوم فهو أعلم بمأخذه ولا يستشكل بما ذكره من أن الحمل به صلى الله عليه وآله كان
في أيام التشريق عند الجمرة الوسطى فيلزم أن تكون مدة حمله أما ثلاثة أشهر أو خمسة عشر شهرا ولم يذكر
ذلك من خصايصه وذلك لأن العرب كانوا يحجون في الجاهلية موسم ادراك الغلات والثمرات ليوافق
ذلك حضور التجار واجتماع الخلق الكثير من الأطراف فكان حجهم يدور في شهورهم وهو النسيئ الذي
163

أبطله الله في الاسلام بقوله إنما النسيئ زيادة في الكفر وكانت حجة أبي بكر سنة تسع من الهجرة
في ذي القعدة كما نقله الطبرسي وغيره عن مجاهد وحجة الوداع بعدها في ذي الحجة فخطبهم بقوله صلى الله عليه وآله برواية الفريقين إلا أن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض الحديث
وأقر الحج في ذي الحجة وكان مدة عمره الشريف ثلاثا وستين سنة والحج في عام الحمل أما في جمادي الأولى
كما ذكره بعض الجمهور فمدته عشرة أشهر أو جمادى الآخرة كما روى بعض علمائنا أن الحمل به كان ليلة الجمعة
لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة فمدته على المشهور تسعة أشهر إلا يوما واحدا والمبعث
السابع والعشرين من رجب وهذه هي الأربعة التي يصام فيهن كما في رواية العريضي وأما صوم التأديب
فهو الامساك المندوب للمسافر إذا قدم في شهر رمضان أهله أي وطنه أو بلد يعزم فيه إقامة عشرة
أيام فما زاد بعد الزوال مطلقا أو قبله وقد أفطر وكذا المريض إذا برئ فإن كانا لم يفطرا وجب عليهما
الصوم شرعا ويعتدان به اجماعا والحايض والنفساء إذا طهرتا في أثناء النهار بعد الزوال أو قبله أفطرتا
أم لا ولا تعتدان به اجماعا وكذا الكافر إذا أسلم والصبي إذا بلغ والمجنون والمغمى عليه إذا أفاقا في أثنائه
مطلقا عند الأكثر وقيل الأولان إن زالت أعذارهما قبل الزوال والافطار وجب عليهما الصوم فينويانه و
يسري حكمهما إلى أول النهار كالأولين ويلحق بصوم التأديب تمرين الصبي لتسع سنين بما أطاق صيام
اليوم كما في حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) إنا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا
من صيام اليوم وإن كان إلى نصف النهار أو أكثر من ذلك أو أقل فإذا غلبهم العطش والغرث افطروا حتى
يتعودوا الصوم ويطيقوه فمروا صبيانكم إذا كانوا بني تسع سنين بما أطاقوا من صيام فإذا غلبهم العطش
افطروا وصوم يوم عاشورا تحزنا إلى ما بعد العصر لساعة فإنه في ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلت
الهيجاء عن آل رسول الله صلى الله عليه وآله وانكشف الملحمة عنهم والمكروه صوم يوم عرفة لمن يضعفه عن الدعاء فإنه
فيه أفضل ومع الشك في الهلال أول ذي الحجة كما في رواية سدير قال سألته عن صوم يوم عرفة فقال
كان أبي لا يصومه قلت ولم جعلت فداك قال يوم عرفه يوم دعاء ومسألة فأتخوف أن يضعفني عن
الدعاء وأكره أن أصومه أتخوف أن يكون يوم عرفة يوم الأضحى وليس بيوم صوم وتطوع كل من الضيف
والمضيف أي تنفله بالصوم فيشمله السنة بدون إذن صاحبه وعد الأول في النص جهلا وعلل بأنه لئلا
يعملوا شيئا فيفسدوا الأخير بأنه لئلا يحتشمهم ويشتهي ويتركه لهم وكذا تطوع الولد بغير إذن والديه وعد
بدون إذن الوالد عقوقا كما مر وصوم ثلاثة أيام بعد كل من العيدين الفطر والأضحى لمن لم يكن بمنى كما
يأتي لأنها أيام أكل وشراب والشيخ استحب صوم ستة أيام بعد الفطر لرواية ضعيفة وصوم يوم الشك
وهو اليوم الذي لا يدرى أنه من شعبان أو من شهر رمضان وإنما يكره على وجه الشك والترديد في النية
بأنه إن كان من شعبان فندبا وإن كان من شهر رمضان فوجوبا أما صومه من نية أنه من شعبان
إذ لم يثبت كونه من شهر رمضان فهو شرعا معدود من شعبان فلا بأس به وبهذا التفصيل تجتمع الأخبار
المتعارضة فيه ويجزي حينئذ من يوم شهر رمضان إن تبين كونه منه كما في موثقة سماعة وفيها أنه يوم
وفق له ولا قضاء عليه وفي المفاتيح أن الأولى ترك صومه مطلقا لموثقة عبد الكريم بن عمرو عن أبي عبد الله (ع)
لا تصم في السفر ولا العيدين ولا أيام التشريق ولا اليوم الذي يشك فيه فإنها تدل على اطلاق المنع من
صومه إلا أنه رجع عنه في الوافي والحرام العيدان بالضرورة من الدين وأيام التشريق وهي الأيام الثلاثة
بعد الأضحى تشرق فيها الشمس على دماء الأضاحي والتشريق أيضا تقديد اللحم أو لأن الهدي لا ينحر حتى تشرق
الشمس وإنما يحرم صومها لمن كان بمنى مطلقا ومنهم من قيده بالناسك وقيل مطلقا وهما خروج عن
الأمر بين الأمرين ويوم الشك على نية أنه من شهر رمضان ففي حديث أمير المؤمنين (ع) لأن أفطر يوما من
شهر رمضان أحب إلي من أصوم يوما من شعبان أزيده في شهر رمضان فيفسد ولا يجزي حينئذ من يوم
شهر رمضان إن تبين كونه منه ويجب قضاؤه وصوم الصمت وهو أن ينوي الصوم ساكتا كما في الشرايع
السابقة وفي رواية الزهري وصوم الصمت حرام وصوم الوصال حرام وهي صريحة في وقوع الصوم على
الوجهين فاسدا كما ظاهر أكثر الأصحاب واحتمل بعض المتأخرين صحة الصوم وتوجه النهي إلى الصمت و
الوصال المنويين وهما خارجان عن حقيقته وهو اجتهاد في مقابلة النص وفسر الوصال في بعض الأخبار
بأن يصوم يومين متواليين من غير افطار وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) هو أن يجعل عشاءه سحوره
وإنما يحرم ذلك إذا نوى كونه جزءا من الصوم أما لو اتفق تأخير العشاء إلى السحور من غير نية فالذي قطع به
الأصحاب أنه لا بأس والاحتياط لا يترك وصوم المرأة والمملوك تطوعا بغير إذن الزوج والمولى ولو نهيا عنه
فأولى حاضرين كانا أو غائبين دائمة كانت الزوجة أو منقطعة ضعفا بذلك عن حقهما أولا لاطلاق المناهي
وعد الأول في بعضها عصيانا والثاني فسقا والصوم في السفر لتظافر النواهي بذلك مطلقة إلا ثلاثة أيام
من العشرة الواجبة بدل الهدي الواجب على المتمتع لمن عجز عنه فيصومها في الحج كما نطقت به الآية الكريمة
وثمانية عشر يوما الواجبة بدل البدنة الواجبة على من أفاض من عرفات قبل الغروب عامدا عالما مع العجز عنها
ومن التطوع ثلاثة أيام لطلب الحاجة عند قبر النبي صلى الله عليه وآله في المسجد كما في صحيحة معاوية بن عمار
أما التطوع فيه بغيرها كما وردت الرخصة به مطلقا كما في مرسلتي إسماعيل بن سهل والحسن بن بسام
فخروج عن اليقين وكذا الحاق مشاهد الأئمة (ع) بقبر النبي صلى الله عليه وآله كما يحكى عن المفيد أو الاعتكاف في المساجد
الأربعة كما يحكى عن الصدوق وكلها من الشبهات التي يرجح فيها الترك لدوران أمرها بين الاستحباب و
التحريم ولكن يصعب الأمر في النذر المشروط سفرا وحضرا فإن المشهور استثناؤه أيضا من الاطلاقات
الناهية لصحيحة علي بن مهزيار قال كتب إليه بندار يا سيدي نذرت أن أصوم كل يوم سبت فإن
أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة فكتب وقرأته لا تتركه إلا من علة وليس عليك صومه في سفر ولا
164

مرض إلا أن تكون نويت ذلك الحديث وهي كما تدل على وجوبه في السفر بالاشتراط تدل عليه في المرض بذلك
وهو مما لا قائل به وهذا يورث ضعفا في الرواية فالتعلق بها مشكل وطرحها كذلك فيدور الأمر بين
الوجوب والتحريم وبذلك يضيق ذرع المحتاط إذ في الاتيان بالمنذور احتمال التحريم وفي تركه احتمال ترك
الواجب فالأحوط أن لا ينذر صوما فيه ولا يدخل على نفسه وسواسا ولا بأسا
باب الشرايط وهي البلوغ
والعقل فلا يجب على الصبي والمجنون والنائم والمغمى عليه والخلو عن الدمين الحيض والنفاس والصحة من
المرض المتضرر صاحبه به بزيادته أو بطؤ برئه أو حصول مشقة لا يتحمل مثلها عادة أو حدوث مرض آخر
ويرجع في ذلك كله إلى الظن سواء استند إلى أمارة أو تجربة أو قول عارف وإن كان فاسقا وفي صحيحة
حريز عن أبي عبد الله (ع) الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر وفي أخرى سئل عن حد المرض الذي
يترك الانسان فيه الصوم قال إذا لم يستطع أن يتسحر وفي موثقة زرارة وحسنة ابن أذنيه بل الانسان على نفسه بصيرة وهو أعلم بما يطيقه وذاك إليه هو أعلم بنفسه والحضور بالمعنى المتقدم في الصلاة
وفي صحيحة معاوية بن وهب هما واحد إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت ويستثنى من هذه الكلية
مواضع التخيير وهذه كما تشترط في وجوب الصوم تشترط في صحته فلا يصح بدونها إلا من الصبي المميز فيصح
منه مطلقا على الأصح لأن عبادته شرعية عند المصنف وفي مبناه ضعف إذ لا مانع من وصفها بالصحة
والفساد وإن كانت تمرينية إذ لا يعني بالصحة إلا وقوع الفعل على الوجه المأمور به ويقابلها الفساد وكذا
يصح مع النوم وإن استوعب النهار وكذا مع الاغماء والجنون مع سبق النية في الجميع اجماعا في الأول
وعند المصنف وموافقيه في الأخيرين خلافا للمشهور حيث ذهبوا إلى فساد الصوم بحصول أحد السببين
في جزء من النهار لأنهما في حكم الصائم بالنية والعزم كالنائم وسقوط التكليف عنهما لا يستلزم فساد
صومهما مع النية وإلا لانتقض بالنائم وسقوط القضاء لا ينافي صحة الأداء كما أن وجوبه لا ينافي عدم
وجوبه وذلك لأن القضاء فرض جديد فسقطت حججهم ويصح أيضا عند تحقق الشرايط في أثناء النهار
للتأديب كما ذكر وكذا فيما إذا سافر بعد الزوال فيصح منه صوم بقية نهاره مسافرا تغليبا واستتباعا
كما تصلى بعض ركعات العصر بعد الغروب أداء كذلك وعند المصنف أنه على الوجوب وهو تخصيص آخر
للكلية المذكورة وفاقا لبعض القدماء وغيرهم للصحاح المستفيضة كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) أنه سئل
عن الرجل يخرج من بيته يريد السفر وهو صائم قال إن خرج من قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقض
ذلك اليوم وإن خرج بعد الزوال فليتم صومه وصحيحة محمد بن مسلم عنه (ع) إذا سافر الرجل في شهر رمضان
فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم ويعتد به من شهر رمضان فإذا دخل أرضا قبل
طلوع الفجر وهو يريد الإقامة بها فعليه صوم ذلك اليوم فإذا دخل بعد طلوع الفجر فلا صيام عليه
وإن شاء صام وفي معناهما غيرهما وقيل بل يفطر ولو خرج قبل الغروب كما لو سافر قبله وقيل إن بيت
نية السفر أفطر مطلقا وإلا فلا ومنهم من قال إن المبيت الخارج بعد الزوال يستحب له اتمام الصوم
وفي صحيحة رفاعة بن موسى إذا أصبح في بلده ثم خرج فإن شاء صام وإن شاء أفطر وخصها بعضهم بما
بعد الزوال واستبعده المصنف في المفاتيح وظن جواز العمل بها وإن كان الأول أولى ولو حضر المسافر
أو برئ المريض قبله ولما يفطر صام وجوبا اجماعا كما سبق إلا أن صحيحة بن مسلم باطلاقها صريحة في
تخيير المسافر ومن ثم أتبعه بقوله أخذا باليقين ويفطر الشيخ والشيخة والرجل ذو العطاش بضم الفاء وهو
داء لا يروي ذووه والمرأة ذاته ومنع بعض المعربين من إضافتهما إلى الضمير وخطأ الشاعر في قوله إنما يعرف
ذا الفضل من الناذووه لكنها في كلام الفصحاء كثيرة والحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن والقياس
المرضع القليل اللبن لأنهما من الصفات المختصة أيضا إلا أنه كغيره تبع الألفاظ المروية هنا وفي المفاتيح
أو المراد المشغولة بالارضاع لا من من شأنها ذلك فيغلب فيها المعنى الفعلي فيؤنث كما في قوله (تع) يوم
تذهل كل مرضعة عما أرضعت وإنما يشرع لهما الافطار رخصة أو عزيمة إذا ظنتا الضرر بهما أو بولدهما
ولا فرق في المرضعة بين الأم وغيرها مستأجرة أم متبرعة لعموم النص وربما يقيد بما إذا لم يقم غيرها
مقامها بحيث لا يحصل على الطفل ضرر وإلا لم يجز لها الافطار لانتفاء الضرورة المسوغة وكل هؤلاء
يتصدقون عن كل يوم من شهر رمضان بمد من طعام ولا قضاء على الأولين لصحيحة محمد بن مسلم التي
رواها المحمدون الثلاثة عن أبي جعفر (ع) الشيخ الكبير والذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطر في شهر رمضان
ويتصدق كل واحد منهما في كل يوم بمد من طعام ولا قضاء عليهما فإن لم يقدرا فلا شئ عليهما وخص المفيد
وجماعة الفدية في الأولين بالمشقة وأسقطوها مع العجز المطلق لمفهوم قوله (تع) وعلى الذين يطيقونه
فدية فلا فدية على الذين لا يطيقونه والصحيحة تنطبق عليه وهو مختاره في المفاتيح وفي الصافي ما يقرب منه
بأن يكون المراد بالذين يطيقونه القادرين عليه مع المشقة الشديدة فهم مخيرون بين الفدية والصوم وأن
يصوموا خير لهم وأما العاجزون الذين لا يطيقونه فليسوا مكلفين بالصوم ولا بفديته إذ لا يكلف الله
نفسا إلا وسعها والوسع هو ما دون الطاقة كما فسر بطريق أهل البيت (ع) ومقتضاه سقوط القضاء و
الفدية جميعا عن ذي العطاش الميؤوس البرء كما قال بعضهم لأنه من العاجزين مع أنه في المفاتيح جعله
اجتهادا في مقابلة النص كالحاق غير الميؤوس بالمريض في القضاء دون الفدية والأخيرتان تقضيان مع ذلك
بعد زوال العذر النص والقول بسقوطه شاذ والمدان في الفدية للباقين أحوط فإن الشيخ روى في
صحيحتهم تارة أخرى بمدين من طعام وحملها تارة على الاستحباب وأخرى على اختلاف مراتب الناس
وفي بعض ما عندنا من نسخ الاستبصار في كل يومين بمدين فلا منافاة وكذا القضاء لهم مع تجدد الإطاقة
بعد ذلك كما هو المشهور إذ لم يثبت كون الفدية بدلا عن الصوم مع حدوث القدرة على قضائه بل يحتمل
أن يكون عوضا عن الافطار إلا أن فرضه في الشيخين لا يخلو عن ندور لأنهما في نقصان ومن شرايط
165

الصحة زيادة على ما ذكر تبييت النية لتعذر المقارنة إذ لا يعلم طلوع الفجر إلا بعد وقوعه فيلزم خلو
جزء منه عن النية فيفسد إذ لا عمل إلا بنية وبفساده يفسد الكل فلا بد من التقديم من باب المقدمة
وفي الحديث من لم يبيت منه الصوم من الليل فلا صيام له وتتسع طول الليل وهو وقتها الاختياري
فإن لم يتيسر لنسيان أو غيره فإلى الزوال وهو غاية الاضطراري ويسري حكمها إلى ما قبل وتسوية
بعضهم بين العامد والناسي في تحتم الليل شاذ كاطلاق آخرين إلى ما قبل الزوال هذا في الفرض
ورخص في النفل إلى الليل توسعة في السراية كما في موثقة أبي بصير قال سألت أبا عبد الله (ع) عن
الصائم المتطوع تعرض له الحاجة قال هو بالخيار ما بينه وبين العصر وإن مكث حتى العصر ثم بدا
له أن يصوم ولم يكن نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء الله وفي حديث أمير المؤمنين (ع)
إذا لم يفرض الرجل على نفسه صياما ثم ذكر الصيام قبل أن يطعم طعاما أو يشرب شرابا ولم يفطر
فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر وهو مطلق وفي معناه غيره مما يدل على التسوية
بين جميع أجزاء النهار لكن في صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه وإن نواه بعد الزوال حسب له من ذلك الوقت الذي نوى فيه
ولابن الجنيد قول بامتداد وقت النية مطلقا إلى الليل وقواه المصنف في المفاتيح لصحيحة عبد الرحمن
بن الحجاج عن أبي الحسن (ع) في الرجل يصبح ولم يطعم ولم يشرب ولم ينو صوما وكان عليه يوم عن
شهر رمضان أله أن يصوم ذلك اليوم وقد ذهب عامة النهار قال نعم له أن يصوم ويعتد به
وفي مرسلة البزنطي عن أبي عبد الله (ع) يصبح فلا يأكل إلى العصر أيجوز له أن يجعله قضاء من
شهر رمضان قال نعم واعلم أنه يترتب على ما ذكر في وجه اشتراط التبييت حكمان أحدهما فساد
صوم من أصبح بنية الافطار من غير عذر ثم نوى الصوم ولو قبل الزوال لخلو بعض صومه عن
النية وهو لا يتبعض وقد قطع بذلك كثير منهم في شهر رمضان والنذر المعين خاصة وبالصحة
في غيرهما فريضة كالقضاء والنذر المطلق أو نافلة نظرا إلى اطلاق الروايات السابقة واستشكل
ذلك المصنف في المفاتيح من حيث معارضة الروايات والدليل المذكور قال فينبغي أما أن تخصص
الروايات بما إذا خلا عن النيتين ويكتفى في الصحة بعدم نية الافطار في البعض ونية الصوم
في البعض وأما أن يقال بالصحة في رمضان والنذر المعين أيضا ويكتفى بنية البعض مط
الثاني فساد الصوم المعتقد صحيحا بمجرد نية الافطار من غير تناول فيجب فيه القضاء كما ذهب
إليه العلامة في المختلف ونقل عن أبي الصلاح وجوب الكفارة أيضا والمشهور فيه العدم إذ لا
يهدم الصوم المنوي إلا الافطار نفسه دون نيته وفيه نظر يظهر وجهه من النظر فيما تقدم
هنا وفي باب النية فتذكر ومنهم من فصل فأبطل الفريضة دون النافلة وأطال الكلام في الفرق
من غير طايل وفرق آخرون بين البقاء عليها والعدول إلى نية الصوم ولا وجه له أيضا وتجزي نية
واحدة لصيام شهر رمضان كله لأنه عبادة واحدة على وجه ونقل عليه الاجماع ولا بد فيه من العلم بدخول
الشهر بثبوت الهلال شرعا عند المكلف في الليلة الماضية وثبوته مطلقا على أحد وجوه إما رؤية
الهلال بنفسه ولو كان منفردا بها إذا لم يشك اجماعا وإن كانت في يومه قبل الزوال عند المصنف و
بعض القدماء خلافا للأكثر أو مضي ثلاثين يوما من شعبان في الصوم ومن رمضان في الفطر وكذا في
سائر الشهور بالضرورة من الدين أو شهادة عدلين متوافقين فيها مطلقا لاطلاق بعض الروايات
وفاقا لجماعة وقيل بشرط الغيم وأن يكونا من خارج البلد وإلا فلا بد من خمسين لرواية أبي أيوب عن أبي عبد الله (ع) ليس رؤية الهلال أن تقوم عدة فيقول واحد قد رأيته ويقول الآخرون لم نره إذا
رآه واحد رآه مائة وإذا رآه مائة رآه ألف ولا يجوز في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علة أقل
من شهادة خمسين وإذا كان في السماء علة قبلت شهادة رجلين يدخلان ويخرجان من مصر وفي
معناها غيرها ومال إليه في المفاتيح لأن المقيد يحكم على المطلق ومن القدماء من اكتفى فيه بعدل واحد
بالنسبة إلى الصوم خاصة وهو شاذ أو الشياع وهو اخبار جماعة تأمن النفس تواطئهم على الكذب و
يحصل بخبرهم العلم أو الظن المتاخم له على الخلاف ولا ينحصر في عدد نعم يشترط زيادتهم على اثنين ولا فرق
بين الصغير والكبير والذكر والأنثى والكافر والمسلم كما صرحوا به والنصوص خالية عن التعويل على الشياع
بهذا التفسير في هذا الباب كما اعترف به في المفاتيح ولكن الجماعة ذكروا ذلك قاطعين به ومنهم من نقل
عليه الاجماع فتبعهم المصنف ثم إنه إذا ثبت عند الحاكم بالعدلين أو الخمسين أو الشياع فهل يجب على غيره
من المكلفين التعويل على حكمه أم لا بد لكل منهم من الثبوت عنده كما ثبت عند الحاكم وجهان أقواهما الأول
وفاقا للشهيد وغيره استناد إلى عموم ما يدل على أنه إذا أقامت عنده البينة فحكم بها يجب على الرعية قبوله
وعليه العمل المستمر في الأعصار في أمصار المسلمين من غير نكير كما يشهد بذلك تتبع السير وفي صحيحة
محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) قال إذا شهد عند الإمام شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر
الإمام بالافطار في ذلك اليوم إذا كانوا شهدوا قبل الزوال فإن شهدوا بعد الزوال الشمس أمر الإمام
بالافطار في ذلك اليوم وأخر الصلاة إلى الغد فصلى بهم ولولا تعويلهم عليه لانتفت فايدة الأمر وخلافا
لبعض من عاصرناهم استنادا إلى أصالة عدم التكليف بالصوم والفطر وأصالة استصحاب جواز الفطر
والصوم وهو كما ترى وإلى الروايات الحاصرة للأمر بالصوم والفطر في المروية أو الشاهدين وحكم الحاكم
ليس شيئا منهما وهو ضعيف أيضا لظهور كون الحصر فيها إضافيا بالنسبة إلى الجدول والتقويم والعدد و
علو الهلال وتطوقه وغيبوبته بعد الشفق وشهادة الواحد والنساء وغير ذلك من الأمارات التي ربما
يركن إليها عامة الناس وقد ورد بعضها في شواذ الأخبار وعول عليها بعض القوم على أن الصوم
166

والفطر لقيام البينة المقبولة عند الحاكم صوم وفطر بالحقيقة للبينة وإنما حكم الحاكم كاشف عن قبولها
فليس خارجا عن الحصر وما حاوله من تضعيف الرواية بسبب اشتمالها على قضاء صلاة الفطر من الغد
وهو خلاف المشهور أو تخصيص الحكم بإمام الأصل دون نائبه فلا يخفى ضعفه وكذا الخلاف فيما لو كان
ثبوته عند الحاكم برؤيته بنفسه والشهيد أيضا على الأول لعموم ما يدل على أن للحاكم أن يحكم بعلمه فتأمل
وربما يقوى العدم هنا باطلاق قوله (ع) لا أجيز في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين وحاله معلوم
مما تقدم وفي ثبوته بالشهادة على الشهادة قولان والشهيد الثاني على الأول وهو ظاهر المصنف في باب
الشهادات في الكتاب والمفاتيح والعلامة على الأخير مؤذنا بدعوى الاجماع أما لو استند إلى الشياع المفيد
للعلم فالوجه القبول كما قطع به في المدارك وإذا ثبت في بلد ثبت فيما يليه من البلاد الغربية الناقصة
عنه طولا دون الشرقية إلا إذا تقاربت مثل بلادنا والبصرة والكوفة وبغداد وفي استحباب الاستهلال
عينا أو كفاية لكل شهر أو لشهري الصوم والفطرة خاصة أو للأخير خاصة أو الوجوب الكفائي كذلك
أو العدم مطلقا وجوه واحتمالات أضعفها الأخير واختار العلامة الاستحباب العيني مع الوجوب الكفائي
فيهما والأجود الوجوب الكفائي في الأخير خاصة وأما الفحص عن الشهود أو حكم الحاكم فالوجه وجوبه فيه
عينا للقطع بوقوع التكليف بأحد أمرين متنافيين فلا بد من التوصل إلى معرفته بعينه من باب المقدمة
واستدلال المعاصر لعدم وجوب شئ منهما بالأصل مما لا أصل له وإذا دخل الشهر كره السفر اختيارا و
القول بالتحريم شاذ إلا في حج أو عمرة أو مال يخاف تلفه أو أخ يخاف هلاكه فإذا مضت ليلة ثلاث وعشرين
زالت الكراهة فليخرج حيث يشاء كما في مرسلة علي بن أسباط ويكره للمسافر فيه التملي من الطعام والشراب
كما في صحيحة ابن سنان وغيرها أما الوقاع فحرمه بعضهم لصحيحة ابن سنان إن الله رخص للمسافر في الافطار
والتقصير رحمة وتخفيفا لموضع التعب والنصب ووعث الشفر ولم يرخص له في مجامعة النساء في السفر
بالنهار في شهر رمضان وفي معناها صحيحة محمد بن مسلم والمشهور حملهما على الكراهة المغلظة جمعا بينهما
وبين ما يدل على الجواز فإن تركه المسافر فقد أخذ باليقين والأكثر على التسوية بينه وبين غيره ممن يجوز
لهم الافطار وهو خروج عن مورد النصوص
باب الهيئة وهي أن يمسك المكلف ومن حكمه لله عز
وجل من طلوع الفجر الثاني المستطير إلى الغروب المتحقق باستتار القرص في الأفق كما مر عن الأكل و
الشرب المعتادين ومن أمسك عن غير المعتاد منهما أيضا فقد أخذ باليقين والوقاع في قبل المرأة ومن
اجتنب الدبر والدابة أيضا فقد أخذ باليقين والاستمناء المجنب وتعمد القئ والحقنة بالمايع على المشهور
فيهما وكذا الارتماس في الماء وهو غمس الرأس فيه دفعة عرفية وإن كان البدن خارج الماء والمحتاط يمسك
عنه على التعاقب أيضا والكذب على الله ورسوله والأئمة (ع) وهذا مما يجب أن يمسك عنه غير الصائم بل
الكذب مطلقا كذلك وإنما يخص بالبحث تأكيدا ولما يأتي وكلها مما يمسك عنه الصائم مطلقا في شهر رمضان
وغيره ويمسك عن تعمد البقاء على الجنابة إلى طلوع الفجر في شهر رمضان وقضائه خاصة على المشهور كما
تقدم وأما أنه هل يفسد الصوم به أم لا وعلى الأول فهل يتدارك بالقضاء وحده أو مع الكفارة فمطلب
آخر يأتي البحث عنه في باب الخلل وقد كان الاقتصار في بيان الهيئة على المفسدات وذكر باقي التروك
الواجبة بعنوان آخر أجود والأحوط أن يمسك مع ذلك عن ايصال الغبار والدخان سيما الغليظين
إلى الحلق مباحين أو محرمين كغبار الدقيق والتراب ودخان العود والبنج كما ذكره كثير ومنهم من ألحق بهما البخار
الغليظ كبخار القدر ومورد الرواية المانعة فيما وقفت عليه إنما هو الغبار وأما الدخان فليس له ذكر
في الأخبار الا في موثقة ابن فضال عن عمرو بن سعيد عن الرضا (ع) قال سئلته عن الصائم يتدخن بعود أو
غير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه فقال جايز لا بأس به وهي صريحة في الرخصة من غير معارض وشاملة بعمومها
لدخان الحشيشة المعروفة بالتتن المعمولة في هذه الأعصار وإن كانت من محدثات الأمور فما يحكى عن
بعض المعاصرين وغيرهم من الحكم بفساد الصوم به ووجوب القضاء والكفارة بذلك ليس من القول بغير
دليل بل قول بما قام الدليل الخاص على خلافه وعن ابتلاع النخامة بقسيميها الصدرية والدماغية
بعد وصولها إلى فضاء الفم كما ذكره الشهيدان ولا بأس قبل ذلك والرواية مطلقة وكذا ابتلاع الريق
المتغير الطعم بعلك ونحوه للنهي عنه في بعض الروايات والمشهور حمله على الكراهة جمعا وإنما يكره إذا لم
يدخله أجزاء متميزة عند الحس منه وإلا كان أكلا والحقنة بالجامد كالفتايل فإنها مندرجة في اطلاق
النهي عن الاحتقان إلا أن في رواية ابن فضال عن أبي الحسن (ع) لا بأس بالجامد ولولا ما فيها من قصور
السند عن معارضة الصحيحة الناهية لكان حمل المطلق على المقيد متعينا فليؤخذ بالأحوط والأولى التنزه
عن السعوط فإنه يكره للصائم كما رواه عياث بن إبراهيم وقيده في المفاتيح بما إذا لم يبلغ الحلق وهو
كصبور الدواء الذي يدخل في الأنف ومنهم من أفسد به الصوم مطلقا وأوجب القضاء وزاد بعضهم
الكفارة والاكتحال للنهي المحمول على الكراهة جمعا سيما بما فيه مسك أو يجد له طعما في حلقه كما في موثقة
سماعة قال سألته عن الكحل للصائم فقال إذا كان كحلا ليس فيه مسك وليس له طعم في الحلق فلا بأس
ويقال إن الصبر مما يوجد طعمه في الحلق إذا اكتحل به وشم الرايحة الغليظة خروجا عن خلاف من
أوجب به القضاء والكفارة لرواية قاصرة وشم الرياحين وهو ما طاب ريحه من النبات ويتأكد
في النرجس لأنه ريحان الأعاجم كما في رواية محمد بن العيص قال الكليني وأخبرني بعض أصحابنا إن الأعاجم
كانت تشمه إذا صامت وقال إنه يمسك الجوع والسواك بالعود الرطب للتصريح فيه بالكراهة في صحيحة
ابن سنان الجامعة بين صحيحة الحلبي المبيحة وصحيحة أبي بصير الناهية وهي حجة المانع والمضمضة في غير
وضوء ويجب بها القضاء إن دخل الماء حلقه كما يأتي واستدلال المصنف لجوازها بمرسلة حماد عن أبي عبد الله (ع) في الصائم يتمضمض ويستنشق قال نعم ولكن لا يبالغ لا يخلو عن ضعف إذ لا ظهور فيها
167

في الاطلاق بل من القريب أن يكون السئول عنهما في الوضوء حيث إن الصوم مظنة المنع والتقبيل
واللمس والملاعبة مع شرطين في الجميع أحدهما حركة الشهوة بها أو قبلها كما هو ظاهر الاطلاق
خلافا لمن أطلق الكراهة كالمحقق ومن وافقه ولمن قيدها بحركة الشهوة بها كالمصنف في المفاتيح و
غيره والآخر ظن عدم الامناء وإلا كان مستمنيا وفي الصحيح عن منصور بن حازم قال قلت لأبي
عبد الله (ع) ما تقول في الصائم يقبل الجارية أو المرأة فقال أما الشيخ الكبير مثلي ومثلك فلا بأس وأما
الشاب الشبق فلا لأنه لا يؤمن والقبلة إحدى الشهوتين وفيه عن الحلبي عنه (ع) أنه سئل عن رجل يمس
من المرأة شيئا أيفسد ذلك صومه أو ينقضه فقال إن ذلك يكره للرجل الشاب مخافة أن يسبقه
المني وفيه عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) أنه سئل هل يباشر الصائم أو يقبل في شهر رمضان
فقال إني أخاف عليه فليتنزه عن ذلك إلا أن يثق أن لا يسبقه منية وفعل ما يوجب الضعف من
دخول الحمام كما في صحيحة محمد بن مسلم واخراج الدم بالحجامة كما في صحاح الأعرج وابن سنان و
الحلبي والكراهة فيهما معلقة فيها منطوقا ومفهوما على خشية الضعف ومقتضى ذلك كونها المناط
فيعتبر فيهما التقييد ويطلق الحكم في كل مكان نحوهما في العلة المقتضية كالفصد وارتكاب المشقة
الشديدة والاسهال والافراط في الجوع وغير ذلك وبل الثوب على الجسد لتظافر الأخبار في النهي
عنه وانشاد الشعر في شهر رمضان ليلا أو نهارا وإن كان في أهل البيت (ع) كما في صحيحة حماد بن عثمان
ولا يبعد كراهته فيه لغير الصائم أيضا وقد عرفت معنى الشعر فيما سبق ومن الأولى الامساك عن المفطر
قبل مراعاة الوقت أولا وآخرا مع القدرة عليها تخلصا عن القضاء اللازم عليه يقينا أو احتياطا
لو أنكشف تناوله في غير محله بعد الفجر أو قبل الغروب كما يأتي وفي نسخ ههنا اختلاف وأحسنها
ما ذكر ولا بأس بمص الخاتم تسكينا للعطش وتطييبا للفم ويعدان من خواص الياقوت وفي صحيحة
عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يعطش في شهر رمضان قال لا بأس بأن يمص الخاتم
وورد في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) أنه لا بأس بذوق المرق ومضغ الطعام للصبي وزق الطاير
أي اطعامه بالفم والشيخ خص الرخصة بصاحبة الصبي أو الطباخ الذي يخاف فساد طعامه أو من
عنده طاير إن لم يذقه هلك فأما من هو مستغنى عن جميع ذلك فلا يجوز له أن يذوق الطعام
لرواية سعيد الأعرج عنه (ع) عن الصائم يذوق الشئ ولا يبلعه قال لا واستقرب المتأخرون
الجمع بحملها على الكراهة وقد وقع حصر ما يضر الصائم في غيره في صحيحة محمد بن مسلم وغيرها وكذا لا
يضر الاحتلام نهارا وروي أنه ليس له أن ينام حتى يغتسل ولا الطيب فإنه سنة وعن الحسن بن
راشد أنه كان أبو عبد الله (ع) إذا صام تطيب بالطيب ويقول الطيب تحفة الصائم ولا ينافيه كراهة
شم الرياحين فإن أحدهما غير الآخر وفي حديث أن عليا كره المسك أن يتطيب به الصائم ولا الاستنقاع
في الماء للرجل ويكره للمرأة لرواية حنان بن سدير عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن الصائم يستنقع
في الماء قال لا بأس ولكن لا يغمس رأسه والمرأة لا تستنقع في الماء لأنها تحمله بقبلها ومنهم من
أوجب به القضاء عليها وربما تزاد الكفارة والرواية قاصرة عنهما
باب الآداب المختصة والمشتركة
وهي أن يستعد لشهر رمضان من شعبان بتخلية النفس عما ينبغي التخلي عنه لتسهل تحليتها بما ينبغي التحلي
به كما تعد المقصود عمارتها بالزرع والغرس قبل الموسم بالتخليص والتنقية عن كل شوك وعشب وحصى
وخزف وجلمود وغير ذلك حتى يدخل عليها موسم المطر وهي صالحة لما يقصد منها وذلك بالتوبة القالعة
لآثار الذنوب وما يتبعها من رد المظالم واستحلال الخصوم والخروج عن التبعات وترك ما يمكن
تركه من الشواغل العائقة عن تمام الاقبال والتوجه إلى العبادة ويدعو عند رؤية هلاله
أول ليلة أو إلى ثلاث بشئ من المأثور وأوجب بعض المتقدمين الحمد لله الذي خلقني وخلقك
وقدر منازلك وجعلك مواقيت للناس اللهم أهله علينا اهلالا مباركا اللهم ادخله علينا بالسلامة
والإسلام واليقين والايمان والبر والتقوى والتوفيق لما تحب وترضى ويخصه عن سائر الشهور
بزيادة الصدقة والتلاوة والدعاء فإنه لا يشبه رمضان شئ من الشهور والتماس ادراك
فضايل ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر من قبول الأعمال وغفران الذنوب وإجابة الدعوات
والتوفيق للخيرات وغير ذلك والاعتكاف لا سيما العشر الأواخر منه فإنها أفضل أوقاته حتى ورد
أنه لا اعتكاف إلا في العشر الأواخر من شهر رمضان كما يأتي وأن يغض بصره فيه وفي كل صوم زيادة
على سائر الأوقات ولو عبر عنه وعن الأفعال المعطوفة عليه بصيغ المصدر لكان أجود عن الاتساع في النظر إلى كل ما يذم عقلا ويكره شرعا وإلى كل ما يشغل القلب ويلهي عن ذكر الله مما
متع الله به أزواجا زهرة الحياة الدنيا ويحفظ لسانه عن الكذب والغيبة والنميمة والشتم و
الفحش وهو التصريح بالذمائم والجفا وهو الغليظ من القول والخصومة وهي لجاج في الكلام
لاستيفاء حق ابتداء أو اعتراضا والمراء وهو الطعن في الكلام باظهار خلل أو طغيان والهذيان
ومنه الخوض فيما لا يعنى والسؤل عما لا يهم وعن سائر آفات اللسان كما يأتي ويلزمه السكوت وهي من
أحسن حالاته سيما إذا انضم إليه التفكر كما ورد في وصف أولياء الله أو يشغله بذكر الله و
تلاوة القرآن وتعليم العلوم ونحوها وفي الخبر أن امرأتين صامتا على عهد رسول الله (ص) فأجهدهما
الجوع والعطش من آخر النهار حتى كادتا أن تتلفا فبعثتا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله تستأذنانه في الافطار
فأرسل إليهما قدحا وقال لهما قيئا فيه ما أكلتما فقاءت أحدهما نصفه دما عبيطا ولحما غريضا وقائت
الأخرى مثل ذلك ملأتاه فتعجب الناس من ذلك فقال صلى الله عليه وآله هاتان صامتا عما أحل الله لهما و
أفطرتا على ما حرم الله عليهما قعدت إحديهما إلى الأخرى فجعلتا تغتابان الناس فهذا ما أكلتا
168

من لحومهم ويكف سمعه عن الاصغاء إلى الآفات المذكورات فإن المستمع شريك القائل ومن
اصغي إلى ناطق فقد عبده فإن كان الناطق يحكي عن الله فقد عبد الله وإن كان يحكي عن
الشيطان فقد عبد الشيطان ويمسك يده عن الضرب والبطش بغير حق والظلم وأذى الخادم
وغيره ممن تحت اليد وأخذ الحرام وفعله ولو إشارة ويشغلها بمناولة الفقراء وكتابة القرآن
والعلوم ومعاونة الضعفاء ورجله عن المشي إلى ما يكره ويذم بل يسعى بها إلى المساجد ومدارس
العلوم وزيارة الإخوان وقضاء الحقوق وكذلك سائر جوارحه يكفها عما يضره ويشغلها بما
ينفعه وعن أبي عبد الله (ع) إذا صمت فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك وعدد أشياء غير هذا
وقال لا يكون يوم صومك كيوم فطرك وعنه (ع) إن الصيام ليس من الطعام والشراب وحده ثم قال
قالت مريم إني نذرت للرحمن صوما أي صمتا وإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم وغضوا أبصاركم ولا
تنازعوا ولا تحاسدوا قال سمع رسول الله صلى الله عليه وآله امرأة تسب جارية لها وهي صائمة فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله
بطعام فقال لها كلي فقالت إني صائمة فقال كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك إن الصوم
ليس من الطعام والشراب فقط ثم قال أبو عبد الله (ع) إذا صمت فليصم سمعك وبصرك من الحرام والقبيح
ودع المراء وأذى الخادم وليكن عليك وقار الصيام ومن الآداب أيضا أن يتسحر الصائم مطلقا و
لا سيما في الواجب المعين وفي شهر رمضان آكد فورد في الحديث النبوي تسحروا ولو بجرع الماء ألا
صلوات الله على المتسحرين وعن سماعة قال سألته عن السحور لمن أراد الصوم فقال أما في شهر رمضان
فإن الفضل في السحور ولو بشربة من ماء وأما في التطوع فمن أحب أن يتسحر فليفعل ومن لم يفعل فلا
بأس ويستفاد منهما ومما في معناهما أن أقله الماء وأما أفضله ففي صحيحة حفص عن أبي عبد الله (ع) أفضل
سحوركم السويق والتمر وكلما قرب من الفجر كان أفضل والغرض المقصود منه أكمل ولا يجب الامساك
بمجرد الاحتمال والظن بل له أن يتسحر ويأتي بغيره من المفطرات إلى أن يستيقن طلوع الفجر روى سماعة
قال سألته عن رجلين قاما فنظرا إلى الفجر فقال أحدهما هو ذا وقال الآخر ما أرى شيئا فقال فليأكل
الذي لم يتبين له الفجر وليشرب وقد حرم الله على الذي زعم أنه رأى الفجر لأن الله يقول وكلوا واشربوا
حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر وفي رواية إسحاق بن عمار قلت لأبي عبد الله (ع)
أكل في شهر رمضان بالليل حتى أشك قال كل حتى لا تشك وأن يفطر على حلو وفي حديث أبي عبد الله (ع)
الحلواء فإن لم يجد فسكرة أو تميرات فإن أعوز ذلك كله فالماء الفاتر فإنه يغسل درن القلب والذنوب
غسلا وينقي المعدة والكبد ويطيب ريح النكهة والفم ويقوي الأضراس والأحداق ويجلو الناظر و
يسكن العروق الهايجة والمرة الغالبة ويقطع البلغم ويطفئ الحرارة عن المعدة ويذهب بالصداع وأن
يؤخره عن الصلاة ليؤديها صائما فيكون قد بدأ بأفضل الفرضين وتكتب صلاته وهو صائم إلا
أن ينتظر افطاره فلا يخالف عليهم كما في موثقة الفاضلين أو تنازعه نفسه للافطار كما ذكره غيره
لمرسلة المفيد قال وروي في ذلك أيضا أنك إن كنت ممن تنازعك نفسك للافطار وتشغلك شهوتك
عن الصلاة فابدأ بالافطار ليذهب عنك وسواس النفس اللوامة وقد تقدم في كتاب الصلاة ما
ينبه عليه أيضا واستدل في المفاتيح بمفهوم مرسلة ابن بكير يستحب للصائم إن قوي على ذلك أن يصلي
قبل أن يفطر وبما ذكرناه يتبين حال ما قيل إن الأولى تقديم الصلاة في هذه الصورة لاطلاق
النصوص ومخالفة النفس في الميل إلى خلافه فإن الخير عادة انتهى وكان الصلاة المقدمة هي المغرب
خاصة كما قاله في الوافي لأنهم كانوا يفرقون بين الصلاتين وأن يفطر الصائمين باطعامهم
ما يفطرون به ولو دون شبعهم ولو شق تمرة أو مذقة من لبن أو شربة من ماء فورد عن أبي الحسن (ع)
فطرك وفيما عندنا من نسخ الكافي والفقيه تفطيرك أخاك الصائم خير من صيامك وأن يجتنب تناول
الحرام البين والشبهة وقت الافطار لئلا يكون من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون
أنهم يحسنون صنعا فإن مثل من يكف نفسه عن الحلال ويفطر على الحرام أو الشبهة مثل من يبني
قصرا ويهدم مصرا فيكون إثمه أكبر من نفعه فإن الطعام الحلال يضر بكثرته لا بنوعه والصوم
لتقليله وتارك الاستكثار من الدولة خوفا من ضرره إذا عدل إلى تناول السم كان سفيها وأن لا
يستكثر فيه من الحلال بحيث يمتلئ فورد في النبوي ما من وعاء أبغض إلى الله من بطن ملئ من حلال
وكيف يستفاد من الصوم كسر الشهوة وتضعيف النفس البهيمية وقهر عدو الله إذا تدارك الصائم
عند فطره ما فاته ضحاة نهاره وربما يزيد عليه في ألوان الطعام كما استمرت العادات بادخار الأطعمة
الفاخرة لشهر رمضان فيؤكل فيه من الطيبات والمستلذات ما لا يؤكل في غيره وإذا مطلت المعدة
ضحاة النهار إلى العشاء حتى هاجت شهوتها وقويت رغبتها ثم أطعمت من اللذات وأشبعت
وملأت زادت لذتها وتضاعفت قوتها وانبعث فيها من الشهوات ما عساها كانت راكدة لو
تركت على عادتها ومقتصر الهم طول نهاره على ترتيب المتناولات وتهيئتها وطرفي ليله على تناولها
وقضاء الوطر منها وفي خلال ذلك بتهنئتها وهضمها واخراج أثقالها وتبعاتها فما أبعده عن
ادراك معنى الصوم وسره وحقيقته والحكمة الباعثة على شرعيته والحث عليه وادراك ليلة القدر
فإنها عبارة عن ليلتك التي ينكشف لك فيها شئ من الملكوت وعبيد البطون عن ذلك لمحجوبون
وأن يكون مع ذلك كله غير متكل على عمله وإن بالغ في تخليصه وتمحيصه بل يكون قلبه عند الافطار
معلقا مضطربا بين الخوف والرجاء لا يدري أيقبل صومه فيكون من المقربين الفائزين بجوائز
ليست كجوائز العباد أو يرد عليه فهو من الممقوتين الذين ليس لهم من صومهم إلا الجوع والظما كما ورد
باب الخلل وتداركه ليس على الناسي شئ من قضاء وكفارة وإثم في شئ من أنواع الصيام المسنونة
169

والواجبة المعينة وغيرها في اتيان شئ من المفطرات إذ لا مؤاخذة على الناسي وفي الصحيح عن أبي
عبد الله (ع) أنه سئل عن رجل نسي فأكل أو شرب ثم ذكر قال لا يفطر إنما هو شئ رزقه الله عز وجل
فليتم صومه وفي الموثق عن عمار أنه سأله (ع) عن الرجل نسي وهو صائم فجامع أهله قال يغتسل لا شئ
عليه ولا على الموجور في حلقه فإنه لا يسمى أكلا ولا على المكره بالتهديد بما يجحف به مع ظن الصدق لأنه
من التسعة المرفوعة ومنهم من أوجب عليه القضاء لأنه يتناول باختياره ليدفع الضرر عن نفسه
فيتناوله أدلة القضاء كالمريض وفيه أن عموم أدلة القضاء بحيث يقطع بتناولها له ممنوع وأما المريض
فقد قام الدليل القاطع فيه بوجوب القضاء فلا يقاس أحدهما بالآخر ولا المتقي مطلقا وقيده بعضهم بخائف
التلف وهو محجوج بعموم حسنة زرارة التقية في كل ضرورة وصاحبها أعلم بها حين تنزل به ولا خائف
التلف بالصوم إن اقتصر على سد الرمق كما في موثقة عمار بن موسى عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يصيبه
العطش حتى يخاف على نفسه قال يشرب بقدر ما يمسك رمقه ولا يشرب حتى يروي وعن مفضل بن عمر
قال قلت لأبي عبد الله (ع) إن لنا فتيات وشبانا لا يقدرون على الصيام من شدة ما يصيبهم من العطش قال
فليشربوا بقدر ما تروي به نفوسهم وما يحذرون والري في إحديهما غيره في الأخرى وهما صريحتان في تقدير
الرخصة بقدر الضرورة كما في أكل الميتة وكما في المكره والمتقي كما صرحوا به ومنهم المصنف في غيره وفي وجوب
الكفارة بالزايد قولان ولا من ذرعه القئ أي سبقه بغير اختيار ومن ثم اعتبرنا فيما يمسك عنه تعمده أو
غلبه النوم في ليله من شهر رمضان جنبا حتى أصبح إن كان عازما على الغسل قبل طلوع الفجر مطلقا وخصه
الأكثر بالنومة الأولى وأوجبوا القضاء بالثانية والكفارة أيضا بالثالثة ومنهم من شرط اعتياد الانتباه
وما اختاره المصنف من التفصيل بالعزم وغيره أوفى بالجمع بين الأخبار ولا الجاهل بالحكم لعموم صحيحة
عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله (ع) أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شئ عليه وغيرها مما يدل على عذر الجاهل
مطلقا وخصوص موثقة زرارة وأبي بصير عن أبي جعفر (ع) في رجل أتى أهله في شهر رمضان أو أتى أهله وهو
محرم وهو لا يرى إلا أن ذلك حلال له قال ليس عليه شئ خلافا للأكثر فيقضى لاطلاق الأمر بالقضاء عند
عروض أسباب الفساد ومنهم من أوجب الكفارة أيضا الحاقا له بالعالم العامد وما ذكرناه حجة عليهما وإن
قضى المتقي سيما إن أمن التلف وخاف التلف لأنه في حكم المريض والجاهل لأنه لا يخلو عن شوب تقصير
فقد أخذوا باليقين وكذا المكره خروجا عن الخلاف لكنه لم يلتفت إليه لضعفه فيه جدا أو غير هؤلاء
ممن تعمد الأكل أو الشرب أو الانزال بتعمد مقدماته أو الايلاج المجنب ولو اكتفى عنهما بالجنابة لكان أخصر
فسد صومه مطلقا لمنافاة هذه الأمور لهيئة الصوم وقضى إن كان صومه الذي أفطر فيه واجبا
مطلقا إلا أنه إن كان واجبا مطلقا لا يطلق عليه القضاء اصطلاحا ولا يحسن حمله على المعنى اللغوي
مطلقا لتحقق الاصطلاحي في غير المطلق فليحمل على عموم المجاز إن صح وكفر أيضا مع القضاء إن كان من
شهر رمضان أو النذر المعين وسيأتي بيان كفارة كل منهما أما صوم الاعتكاف فإنما يكفر فيه بالجماع
خاصة دون غيره من المفطرات لاختصاص ما يدل على ثبوتها به فيرجع في غيره إلى حكم الأصل وتسوية
بعضهم بين الجماع وغيره في ايجاب الكفارة مما لا يعرف دليله وسيأتي في بابه تقييده بالواجب ومقتضى
ما يتضمنه من الاطلاق عدم الفرق بين الواجب والمندوب ولا في الواجب بين المطلق والمعين كما
أفتى به بعض المتقدمين من الأصحاب ومنهم من فرق بين الواجب والمندوب فأثبتها في الواجب خاصة مطلقا
ولم يفرق بين الجماع وغيره فبين القولين عموم من وجه ومتعمد القئ في الواجب مطلقا والاصباح جنبا
في شهر رمضان وقضائه من غير أن يعزم على الاغتسال أو تركه يقتصران على القضاء ولا كفارة عليهما و
ايجابها على الأول افراط بإزاء تفريط من أسقط عنه القضاء أيضا وإن كان مخطئا آثما فإن كان قد عزم
المصبح جنبا على ترك الطهارة قبل الفجر كفر أيضا ولو كان نائما مطلقا وأما متعمد الحقنة بالمايع أو
الكذب على الله ورسوله والأئمة (ع) أو الارتماس في الماء فلا جبران عليه بكفارة ولا قضاء وإن كان
آثما خلافا لجماعة أوجبوا بها القضاء بل والكفارة أيضا وهو بإزاء الإباحة التي ذهب إليها بعضهم
فيما عدا الكذب مقتصرا على الكراهة فإن قضى في الجميع كان أقرب إلى اليقين ومن كفر معه فقد أخذ
باليقين وكذا لا جبران على المفطر بظن الغروب إذا تحقق بعد ذلك عدمه لصحيحة زرارة عن أبي
جعفر (ع) في رجل ظن أن الشمس قد غابت فأفطر ثم أبصر الشمس بعد ذلك فقال ليس عليه قضاء
وفي معناها روايات أخر تشمل باطلاقها القادر على المراعاة وغيره من غير فرق كعبارة الكتاب
والمفاتيح وغيرهما وهو مشكل جدا لمخالفته للأصول الشرعية من حيث الخروج عن اليقين إلى الظن
سيما في القادر لتمكنه من تحصيل اليقين بالمراعاة ومن ثم ذهب كثير من المحققين إلى وجوب القضاء
كما في رواية سماعة وأبي بصير عن أبي عبد الله (ع) في قوم صاموا شهر رمضان فغشيهم سحاب أسود عند
غروب الشمس فرأوا أنه الليل فقال على الذي أفطر صيام ذلك اليوم وقواه في المفاتيح فلا يترك القضاء
أخذا باليقين وكذا الموصل للدخان والغبار الغليظين إلى الحلق فإن الذي عليه المصنف وجماعة
أنه لا جبران عليهما مطلقا والمشهور أثبتوا القضاء والكفارة جميعا ومنهم من اقتصر على مورد الرواية
وهو الأخير من غير تقييد وقيل بالقضاء خاصة فالقاضي أقرب إلى اليقين والجامع بينه وبين
الكفارة أخذ به أما لو دخل الماء حلق المتمضمض لغير الفريضة في وقتها كما في بعض الروايات وفي
رواية سماعة إن كان في وضوئه فلا بأس كما سبق أو تبين تحقق الفجر لتارك المراعاة مع القدرة عليها
أو ظهر صدق المخبر به لمكذبه مطلقا فقد وجب القضاء بلا اشتباه ويقوى وجوب الكفارة أيضا في
الأخير إذا كان المخبر متعددا مقبول الشهادة لثبوته شرعا باخبارهما فيكون كمتعمد الافطار مع يقين
الطلوع ولا ينافيه السكوت عنها في الرواية التي هي مستند الحكم لأن موردها الواحد ويجوز افساد
170

صوم التطوع متى شاء مطلقا وكذا غير المعين من الواجبات الموسعة قبل الزوال مطلقا على المشهور
ويكره بعده في غير قضاء شهر رمضان عند الأكثر وفيه لا يجوز قولا واحدا لا يعرف فيه خلاف و
منهم من منع منه قبل الزوال أيضا مع تبييت النية لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سألته عن الرجل
يقضي رمضان أله أن يفطر بعد ما يصبح قبل الزوال إذا بدأ له قال إذا كان نوى ذلك من الليل وكان
من قضاء رمضان فلا يفطر وليتم صومه والمشهور حملها على الكراهة جمعا وترك افساد الواجب
مطلقا ولو غير قضاء رمضان قبل الزوال أو بعده مع التبييت أو بدونه كما حكاه الشهيد الثاني
عن أبي الصلاح أولى وأحوط والمحتاط يكفر في بعضها كما يأتي والمتطوع بصومه إذا دعي إلى طعام
فالأفضل له أن يفطر مطلقا ولو بعد الزوال فإن لم يعلم الداعي أنه صائم كان الأفضل أن لا يعلمه ذلك
روى جميل في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) من دخل على أخيه وهو صائم فأفطر عنده ولم يعلم أخاه
بصومه فيمن عليه كتب الله له صوم سنة والكفارة في افطار يوم من شهر رمضان بشئ من
المفطرات المذكورة مطلقا وكذا النذر المعين والاعتكاف والجماع أحد أمور ثلاثة مخيرا بينها
المكفر على المشهور في الجميع أما عتق رقبة مؤمنة على الأشهر الأحوط صغيرة أو كبيرة ولو
آبقا ما لم يعلم موته كما في حسنة الجعفري وفي لفظ آخر ما علم أنه حي مرزوق أو صيام
شهرين متتابعين بالمعنى المتقدم في كفارة القتل أو اطعام ستين مسكينا كل واحد
مدا أو مدين وفي صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) بعد تعدادها فإن لم يقدر
تصدق بما يطيق ومنهم من جعلها على الترتيب كما ذكر وهو أحوط وإن كان في مستنده قصور
والمشهور أنه إن عجز عن الصدقة اقتصر على الاستغفار وقال الشيخ في النهاية بل يصوم ثمانية
عشر يوما فإن لم يقدر صام ما يقدر عليه فإن عجز رأسا استغفر الله فإن أفطر في نهار
شهر رمضان على محرم كلحم الخنزير والخمر والزنا جمع بين الخصال الثلاث كما في قتل العمد أخذا
باليقين فإن رواية عبد السلم بن صالح الهروي صريحة في ذلك قال قلت للرضا (ع) قد روي
عن آبائك فيمن جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه ثلاث كفارات وروي عنهم أيضا كفارة واحدة
فبأي الحديثين نأخذ قال بهما جميعا فمتى جامع الرجل حراما أو أفطر على حرام في شهر رمضان
فعليه ثلاث كفارات عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين واطعام ستين مسكينا
وقضاء ذلك اليوم وإن كان نكح حلالا أو أفطر على حلال فكفارة واحدة وهي معتبرة سندا
وموافقة للاعتبار وبمضمونها أفتى الصدوق والشيخ في كتب الأخبار وإن كان المشهور خلافه
وإن اقتصر في افطار النذر المعين على كفارة اليمين كما قاله الصدوق في مطلق النذر ووافقه
المصنف في المفاتيح لصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) فإن قلت لله علي فكفارة يمين وهي اطعام
عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام
ثلاثة أيام بل على مد من حنطة أو تمر لكل يوم إن كان المنذور صومه يوما معينا من كل أسبوع
جاز لكنه خروج عن اليقين فإن صحيحة عبد الملك بن عمرو وما في معناها صريحة في المشهور و
المشهور في الجمع بينها تخصيص الأخيرة بنذر الصوم والأولة بنذر غيره والعلامة في المختلف حملها
على العجز لصحيحة جميل بن صالح عن أبي الحسن (ع) كل من عجز عن نذر نذره فكفارته كفارة يمين وأما
ما وقفت عليه من الأخبار المدية فرواية إبراهيم بن محمد مكاتبة عن الفقيه (ع) فيمن نذر إن فاته
صلاة الليل صام صبيحتها كم يجب عليه من الكفارة في صوم كل يوم تركه فكتب (ع) تصدق عن
كل يوم بمد من طعام كفارة ورواية محمد بن منصور عن الرضا (ع) في رجل نذر نذرا في صيام فعجز
فقال كان أبي يقول عليه مكان كل يوم مد ورواية البزنطي عنه (ع) في رجل نذر على نفسه إن هو سلم
من مرض أو تخلص من حبس أن يصوم كل يوم أربعاء وهو اليوم الذي تخلص فيه فعجز عن الصوم
لعلة أصابته أو غير ذلك فمد للرجل في عمره واجتمع عليه صوم كثير ما كفارة ذلك قال يتصدق لكل
يوم بمد من حنطة أو ثمن مد وفي معناها روايات أخر كلها مختصة بالعجز ولا يشبه شئ منها أن
تكون هي التي في نظر المصنف ولا يعرف القول بذلك عن أحد من الأصحاب رضوان الله عليهم
فهو أعلم بما قال والوجه حمل اطلاق المكاتبة على العجز المقيد به ما عداها وحملها جميعا على الاستحباب
وإن رتب المعتكف حيث يكفر بين الخصال الثلاث كما أوجبه الصدوق لصحيحة زرارة فقد أخذ
به لأن مستند المشهور في التخيير وهي موثقة سماعة قاصرة عنها وتكرر الكفارة بتكرر الموجب
في يومين من شهر رمضان اجماعا أما في اليوم الواحد ففي تكررها بتكرر الوطي أو مطلق المفطر
حتى الازدراد والنزع أو مع اختلاف الجنس أو مع تخللها أو العدم مطلقا أقوال أظهرها عند
المصنف الأخير لأن تعمد الافطار إنما يحصل بما به الفطر ويفسد به الصوم فيبقى ما عداه على
أصالة البراءة وإن حرم فعله ولعدم الاستفصال عن تكرر الموجب وعدمه في النصوص مع أن
الأغلب تكرره مع الافطار خصوصا على القول بتعدده بتعدد الازدراد والنزع ويدل على الأول
رواية الفتح بن يزيد عن أبي الحسن (ع) في رجل واقع امرأة في شهر رمضان من حرام أو حلال في يوم
عشر مرات قال عليه عشر كفارات لكل مرة كفارة فإن أكل أو شرب فكفارة يوم واحد ونسبها
في المفاتيح إلى الشذوذ وفيه ما فيه وتسقط الكفارة لو أنكشف كون الصوم من غير شهر رمضان
بلا خلاف إما في سقوطها بطريان مسقط الصوم كالحيض والسفر مطلقا أو الضروري أو
عدمه مطلقا وإن قصد الفرار فأقوال والأكثر ومنهم المصنف على عدم السقوط مطلقا و
المنصوص إنما هو عدم السقوط عن مريد الفرار بسفره خاصة ومن أتى امرأته وهو صائم
171

وهي صائمة قد استكرهها فعليه كفارتان كما في رواية المفضل بن عمرو عليه الأكثر بل نقل عليه
الاجماع وقيل بل ليس عليه إلا كفارة واحدة ونسبه في المفاتيح إلى الشذوذ وقواه في حواشيه
بما لا يخلو عن ضعف ولا تلحق بها الأجنبية لخروجها عن مورد النص والأولوية ممنوعة لأشدية
الانتقام والكفارة في افطار قضاء رمضان بعد العصر اطعام عشرة مساكين ثم مع العجز
صيام ثلاثة أيام كما في صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) رجل وقع على أهله وهو يقضي
شهر رمضان قال إن كان وقع عليها قبل صلاة العصر لا شئ عليه يصوم يوما بدل يوم وإن
فعل بعد العصر صام ذلك اليوم وأطعم عشرة مساكين فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيام كفارة لذلك
وإن اعتبر الزوال وكفر بعده كما هو المشهور فقد أخذ باليقين وخرج عن مخالفة رواية بريد الدالة
عليه وللأصحاب هنا اختلاف شديد ومنهم من خير بين الخصلتين ومنهم من أسقطها لرواية
عمار ومنهم من استحبها جمعا بين الأخبار والقاضي جعلها كفارة يمين ولا يعرف له مستند
كالمخير والصدوق كفارة شهر رمضان لموثقة زرارة عن أبي جعفر (ع) في رجل صام قضاء من
شهر رمضان فأتى النساء قال عليه من الكفارة ما على الذي أصاب في رمضان كان ذلك
اليوم عند الله من أيام رمضان وهي خالية عن التفصيل والصحيحة أقوى ما في الباب سندا
إلا أنها لا تخلو عن شذوذ لاعراضهم عنها كما اعترف به في المفاتيح ومن فاته صيام واجب
معين لعذر شرعي من مرض أو سفر أو حيض أو نفاس أو نوم أو سهو أو نسيان أو جهل أو غيره
من ارتداد أو عصيان فليقضه وجوبا إذا تيسر وأما الكفر الأصلي فالكلام فيه كما في الصلاة
فإن مات المريض قبل البرء بحيث يتيسر له القضاء لم يقض عنه وجوبا اجماعا واستحبه جماعة لأنه
طاعة فعلت عن الميت فيصل ثوابها إليه ورده في المفاتيح بأنه لا كلام في جواز التطوع عنه و
إنما الكلام في قضاء الفوائت والوظائف الشرعية إنما تستفاد من النقل ولم يرد التعبد
بذلك بل ورد في رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) خلافه صريحا قال سألته عن امرأة مرضت
في شهر رمضان وماتت في شوال فأوصتني أن أقضي عنها قال هل برئت من مرضها قلت لا
ماتت فيه قال لا يقضى عنها فإن الله لم يجعله عليها قلت فإني أشتهي أن أقضي عنها وقد
أوصتني بذلك قال وكيف تقضي شيئا لم يجعله الله عليها فإن اشتهيت أن تصوم لنفسك
فصم وإن استمر به المرض إلى شهر رمضان آخر قضاه بعده عند بعضهم لظاهر الآية وتصدق
عن كل يوم من السالف بمد من طعام من دون قضاء على المشهور لصحيحة زرارة وغيرها
الصريحة وإن قضاه مع ذلك كما هو المنقول عن بعض المتقدمين كان أولى لصراحة رواية
سماعة في الجمع إلا أنها ظاهرة في الاستحباب وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) صريحة
فيه قال من أفطر شيئا من رمضان في عذر ثم أدركه رمضان آخر وهو مريض فليتصدق بمد
لكل يوم وأما أنا فإني صمت وتصدقت وإن برئ من مرضه قبل الرمضان الثاني وأخر
القضاء إليه توانيا من غير عذر قضاه وجوبا وتصدق عن كل يوم بمد مطلقا وفاقا للصدوقين
والشهيدين وغيرهم وبعضهم أسقط الكفارة مطلقا أيضا ومنهم من فصل فأسقطها عمن
كان عازما على القضاء وأثبتها على غيره وفي مستنده قصور نعم إن مرض بعد مضي ما يمكنه القضاء
فيه من الوقت مع عزمه عليه فلا كفارة عليه كما في الوافي والمفاتيح لعدم تقصيره في فواته
لسعة الوقت والحاصل أن ههنا ثلاثة احتمالات أ عدم تمكنه من الصيام أصلا حتى أدركه الشهر
من قابل وحكمه ما تقدم ب تمكنه منه وتهاونه إلى أن يفوت وحكمه القضاء والتصدق معا ج
تمكنه منه وعزمه عليه مع سعة الوقت من غير تهاون حتى أدركه مرض آخر حال بينه وبين
القضاء حتى أدركه الشهر من قابل وحكمه القضاء خاصة دون التصدق وقد اشتمل هذا البيان
رواية أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (ع) وإن تمكن المريض من القضاء ولم يفعل حتى مات قضى
عنه وليه الذي يقضي عنه فوائت الصلاة وكذا الباقون مطلقا كما هو الظاهر أو من ذوي
الأعذار كما في المفاتيح يقضي عنهم أوليائهم ما تمكنوا من قضائه ولم يفعلوا أو الإشارة إلى ما
يشمل حكم الكفارة فإن مختار المصنف تعديه إلى ما فات بغير المرض من الأعذار خلافا للأكثر اقتصارا
على مورد الروايات أما القضاء فلا خلاف في وجوبه مطلقا ويقضي الولي عن المسافر وإن لم
يتمكن من القضاء على الأصح لصحيحة أبي حمزة عن أبي جعفر (ع) وموثقة محمد بن مسلم عن أبي
عبد الله (ع) وغيرهما خلافا لمن اعتبره ولو بالإقامة في أثناء السفر كغيره وكذا القول في المرتد و
العاصي على وجه ونقل عن المرتضى رضي الله عنه أنه اعتبر في وجوب القضاء على الولي أن لا يخلف
الميت ما يتصدق به عنه عن كل يوم بمد كما تضمنه صريحا ما رواه ثقة الاسلام والصدوق
عن أبي مريم الأنصاري عن أبي عبد الله عليه السلام ولا يقدح في ذلك رواية الشيخ لها في التهذيب
على وجه آخر فإن نقل الشيخين المتقدمين سيما الكليني أوثق وأثبت وأصلح للاعتماد كما هو
ظاهر وليس القضاء على الفور على الأشهر الأقوى بل على التراخي فإن نساء النبي صلى الله عليه وآله كن إذا كان
عليهن صيام أخرن ذلك إلى شعبان كراهة أن يمنعن رسول الله صلى الله عليه وآله حاجته كما في صحيحة
حفص وغيرها ولا التتابع وإن كان أفضل ففي صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) من
أفطر شيئا من شهر رمضان في عذر فإن قضاه متتابعا فهو أفضل وإن قضاه متفرقا فحسن
وقيل بل يستحب التفريق مطلقا وقيل يتابع في ستة ويفرق الباقي لرواية عمار عن أبي عبد
الله (ع) في القاضي ليس له أن يصوم أكثر من ستة أيام متوالية وفي رواية ثمانية أيام وبه
172

قال بعضهم ولا الترتيب بين الأيام الفايتة فلو نوى تقديم آخرها جاز وكذا لا ترتيب بين
أفراد الواجب كالقضاء والكفارة فله تقديم ما شاء منهما خلافا لبعضهم إذ منع من صوم
النذر والكفارة لمن عليه قضاء شهر رمضان لوجوبه بأصل المشرع فهو أولى بالتقديم وهو
كما ترى وللعلامة في المختلف تفصيل حسن وهو أن النذر إن كان معينا وجب تقديمه في
أيامه وإن كان مطلقا أو كان الصوم عن كفارة فإن تضيق القضاء قدم وإلا تخير ولا يتطوع
بالصوم من عليه صوم واجب من قضاء شهر رمضان حتى يقضيه ومنهم من أطلق المنع
وهو خروج عن مورد النص بإزاء من أطلق الجواز ولو لم يتمكن من الواجب جاز قطعا كصوم
شعبان ندبا لمن عليه كفارة كبيرة كما نبه عليه في الدروس ويستحب قضاء الثلاثة الأيام
السنة إن فاتت من غير عذر مطلقا كما هو الظاهر والمنصوص السفر والمرض فإن لم يفعل
مطلقا تصدق عن كل يوم بمد من طعام كما في صحيحة عيص بن القاسم وفي أخرى من قوت
أهله الذي يقوتهم به أو درهم كما في رواية عقبة وغيرها إلا أنها جميعا ظاهرة في العاجز
باب فوايد الجوع المنطوي عليها الصائم أوردها تنبيها على حكمة الشارع في التكليف به
وهي كثيرة والمذكور منها عدة مترتبة بعضها على بعض منها وهو الأصل الأول صفاء القلب
ورقته بتقليل دمه وذوبان شحمه فيصير كالمرأة المجلوة يلوح فيه جمال الحق كما سبق وقد تقدم
عن المسيح صلوات الله عليه عوجوا لعل قلوبكم ترى ربكم وهو أحد الوجهين في قوله صلى الله عليه وآله للصائم
فرحتان فرحة عند الافطار وفرحة عند لقاء الملك الجبار ومنها الاستلذاذ بالطاعة
والمناجاة فكم من عمل يعتني به الانسان وذكر يجريه على اللسان مع حضور القلب ولكن
لا يلتذ به القلب ولا يتأثر عنه حتى كان بينه وبينه حجابا من قساوة القلب وقد يرق
في بعض الأحوال فيعظم تأثره بالذكر وتلذذه بالمناجاة وخلو المعدة هو السبب الأظهر
فيه ومن ثم قال بعض السلف يجعل أحدهم بينه وبين الله مخلاة من الطعام ويريد أن
يجد حلاوة المناجاة ومنها الانكسار المانع عن المعصية والغفلة عن الله فإن
أقوى الأسباب فيهما طغيان النفس الأمارة وهي لا تذل بشئ كما تذل بالجوع فإذا ضعفت
منتها وضاقت حيلتها بلقمة طعام فاتتها واظلمت عليه الدنيا بشربة ماء تأخرت عنها
عرفت ذلها وعجزها وما لم تعرف ذلك من نفسها لا تعرف عزة مولاها وقهره فالانكسار
باب من أبواب الجنة إذا فتح على الانسان أغلق عنه الباب الذي بإزائه من أبواب النيران
ومنها ذكر جوع الفقراء ليحركه ذلك إلى صلتهم بالبر والاطعام فإن الشبعان في غفلة
من حال الجائع وعطش العرصات وجوع الذين ليس لهم طعام إلا من الزقوم والضريع
ولا شراب إلا من الحميم فإن تذكر عذاب الآخرة من أظهر الدواعي إلى الخوف وهو من المقامات
العالية كما مر ومنها كسر شهوة الفرج المستولية بالشبع فإن كثرة الغذاء مكثرة للمني فإذا
امتلأت أوعيته اقتضت الطبيعة دفعه وتفريغها وقامت الشهوة ولا علاج لذلك أنفع
من الجوع فإنها تشتغل بما يحسه من ألمه عن الحركة لاخراج المني ويتحلل ما اجتمع في أوعيته
منه بالقوة المحللة فتسكن الشهوة وتضعف ومن ثم ورد في الحديث النبوي وجاء أمتي الصوم
ومنها دفع فضول النوم الذي يلزمه الشبع غالبا بنفسه أو لما يلزمه من كثرة شرب الماء وهو
يكل الطبع ويبلد الذهن ويضيع العمر ويفوت القيام للاعتبار والتهجد ومن ثم كان يقول
بعض المشايخ لمن على سفرته لا تأكلوا كثيرا فترقدوا كثيرا فتخسروا كثيرا ومنها يسر المواظبة على
الطاعة سيما ما يشمل منها على الحركات الجسمانية لخفة البدن والفراغ عن الاهتمام في أمر
المأكول بالتحصيل والاعداد بالاصلاح والنضج وغيرهما فإن أكثر أغذية الانسان صناعية ليست
طبيعية لا بد فيها من أنواع العلاجات والتعملات وفي الخبر أن آدم (ع) لما هبط إلى الأرض
عمل ألف عمل حتى صلح له قرصة من خبز وزاد على الألف واحد وهو أنه صبر إلى أن تبرد فيأكلها
هذا كله قبل الأكل ونفس الأكل وما يتبعه من التبعات والطاوي إذا دخل المسجد ربما
يلبث فيه زمانا مديدا مشتغلا بالعبادة ولا يحتاج إلى الخروج لشرب الماء أو إراقته
والملآن بخلاف ذلك ودفع الأمراض الشاغلة عنها المهروب عنها بالذات أيضا ولولا
الوصف لأمكن رفع الدفع فائدة أخرى والأمراض إنما تتولد غالبا من التخمة والامتلاء
وهي أكثر أسباب الموت كما يشهد به العقل والنقل فورد في الحديث النبوي صوموا تصحوا
وفي حديث أمير المؤمنين (ع) المعدة بيت كل داء والحمية رأس كل دواء واعط كل بدن ما عودته
ومنها خفة المؤنة وسهولة الأمر فإن من تعود قلة الأكل أمكنه الاكتفاء بالقليل من المال
والذي تعود الامتلاء صار بطنه غريما متقاضيا له فيحتاج إلى أن يدخل المداخل ويرتكب
المشاق والأخطار للزيادات فطلب الزيادة يورث التعب والمذلة بالطمع مما في أيدي الناس
وربما يتعسر من حلال فينجر إلى تحصيل الحرام والشبهة وعن بعض الحكماء إذا أردت أن استقرض
من غيري لشهوة أو زيادة استقرضت من نفسي فتركت الزيادة ومنها امكان ايثار
الفاضل عما يقيم به صلبه من الأطعمة على المساكين ليكون في ظله يوم القيامة كما جاء في الخبر
أن المتصدقين يكونون في ظلال صدقاتهم وورد عن أبي عبد الله (ع) ما من شئ أضر لقلب
المؤمن من كثرة الأكل وهي مورثة شيئين قسوة القلب وهيجان الشهوة والجوع أدام للمؤمن
وغذاء للروح وطعام للقلب وصحة للبدن الحديث وإنما كان الجوع أداما للمؤمن لأنه إنما يأكل
173

في معاء واحد فاللذة الحاصلة له من الخبز الكفت تنوب مناب لذة الإدام لغيره بل ربما تربو عليها
وأما البواقي فمعلومة مما تقدم وقد قرع سمعك فيما سبق أن المقصود من مدح الجوع والاطراء
في بيان فوائده ليس دعوة النفوس إلى الافراط فيه فإن إثمه أكبر من نفعه بل الغرض التوقيف على
حد الاعتدال والتوسط الذي هو قوام جميع الأمور فإن كانت النفس المسترشدة متعودة
له فلتستقم على صراطها المستقيم وطريقتها المثلى وإن كانت مفرطة بالتقليل بحيث يتضرر البدن
وتضعف البنية ويخبط الدماغ ويقل نور البصر فليخرج عن ذلك قليلا ولتتناول من الطيبات
من الرزق إلى أن تقف على سواء السبيل وهذا أقل وجودا ومن ثم لم يلتفت إليه المصنف و
إن كانت مفرطة بالاكثار كما هو الأكثر فليعلل كما تعلل الدابة البطرة لا بنقلها دفعة من
الكثير إلى القليل فيجحف بها ذلك بل يمكن التقليل بالتدريج بحيث لا يحس بالبدن فمن كان
مأكله كل يوم على حسب عادته مدا أمكنه أن ينقص منه أولا مثقالا يومين أو ثلاثة ثم مثقالين
وهكذا إلى أن يبلغ ما يحصل به القوام المطلوب فيثبت عليه وإن لم يطق التقليل بسبب ضعف
في البنية أو طعن في السن أو اشتغال بعمل رياضي أو نحو ذلك فأجود التدبيرات الاقتصار
على الأكل بعد صدق الشهوة ومن علامته أن تشتهي النفس الخبر ولا تطلب الإدام وأن يبصق فلا
يقع عليه الذباب إذ لا دسومة فيه لخلو المعدة والكف عنه قبل تمام الشبع وهو الدواء الذي
لا داء فيه كما يحكى عن أطباء اجتمعوا عند الرشيد وكانوا أربعة فسألهم يوما عن الدواء الذي
لا داء فيه فقال أحدهم حب الرشاد الأبيض وقال هو الماء الفاتر وقال الثالث الإهليلج الأسود
فقال الرابع وكان أعلمهم حب الرشاد برق المعدة والماء الفاتر يرخي المعدة والاهليلج يعفص
المعدة قالوا فما عندك أن لا تأكل الطعام إلا وأنت تشتهيه وترفع يدك عنه وأنت تشتهيه فقالوا
صدقت وورد أنهما من الخصال التي من لزمها لا يعتل إلا علة الموت
باب الاعتكاف وهو في
اللغة الاحتباس وشرعا حبس النفس على العبادة لله صائما ثلاثة أيام فصاعدا متتابعة على الأصح في مسجد جامع فهنا قيود أ حبس النفس وهو لا يصدق إلا بالعزم على الإقامة فلو اتفق
لبثه في المسجد المدة المشروطة من دون قصد لم يكن اعتكافا والمراد منه استدامة اللبث في
المعتكف بحيث لا يخرج منه إلا لحاجة لا بد منها ضرورة أو شرعا كالغائط والجمعة المقامة في غيره و
الجنازة والعيادة وقضاء حاجة المؤمن وسائر حقوقه وإنما خص المذكورات بالذكر لأنها
منصوصة بالخصوص فلو خرج لغيرها بطل ثم إذا خرج حيث يجوز له الخروج لا يجوز له أن يجلس
لغير ضرورة وتتقدر الرخصة بقدرها كما في غيره وخصوصا تحت الظلال كما في رواية داود بن
سرحان عن أبي عبد الله (ع) في الاعتكاف لا تخرج عن المسجد إلا لحاجة لا بد منها ولا تقعد تحت
ظلال حتى تعود إلى مجلسك وبه قيد جماعة والأجود الاطلاق كما في صحيحة الحلبي ثم لا يجلس حتى يرجع
ومنهم من ضم إليه المشي تحته وهو مطالب بدليله وفي الصعود إلى سطح المسجد من داخله والخروج
ببعض بدنه قولان وكذا الخلاف فيما لو أخرج كرها أو خرج سهوا والمصنف نفى البأس عن الجميع
إلا إذا طال المكث في الأخيرين والأكثر على اطلاق الصحة ولا تجوز الصلاة خارج المعتكف إلا بمكة
كما في صحيحتي عبد الله بن سنان ومنصور بن حازم أو الجمعة كما ذكر ب أن يكون المقصود التفرغ
للعبادة من تلاوة القرآن والتنفل والتهجد وغير ذلك فلو قصد التخلص من الغريم أو أذى الأهل ونحو
ذلك لم يكن معتكفا ويترتب على اعتبار التفرغ للعبادة وجوب اجتناب المنافيات من اللذات و
غيرها وإن رخص في بعضها تخفيفا من الله ورحمة فما يجب أن يجتنب مباشرة النساء لقوله عز وجل
ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد وهي تشمل الجماع ويبطل به اجماعا واللمس والتقبيل بالشهوة
على خلاف في البطلان بهما وألحق بهما في التحريم الاستمناء والطيب وإن عد من السنن على وجه آخر
ومنعه بعضهم والمماراة وهي محرمة في غير الاعتكاف أيضا وفيه آكد والبيع والشراء اجماعا وفي صحيحة
أبي عبيدة عن أبي جعفر (ع) المعتكف لا يشم الطيب ولا يلتذ بالريحان ولا يماري ولا يشتري ولا يبيع ولا
بأس بالنظر في معاشه والخوض في المباح لكن الأولى الاقتصار من ذلك على قدر الضرورة كما في المفاتيح
ليندرج فيما لا بد منه المستثنى في الروايات وقيل يحرم ما يحرم على المحرم ومنع العلامة كل ما يقتضي
الاشتغال بالأمور الدنيوية من أصناف المعايش وزاد ابن إدريس جميع المباحات التي لا حاجة له إليها
وصرح بأنها مبطلة له لمنافاتها جميعا لحقيقته والحكمة في شرعيته ج القربة واشتراطها ظاهر ويحتمل
أن يكون الظرف لغوا صلة للعبادة بيانا للواقع إذ العبادة لا تكون إلا لله د الصوم فلا اعتكاف
في زمان لا يصح فيه كالعيدين ولا ممن لا يصح منه كالحايض والنفساء ولا يعتبر ايقاعه لأجله بل يكفي
وقوعه في أي صوم اتفق واجبا كان أو مندوبا بلا خلاف كما في المعتبر ه أن لا يكون أقل من ثلاثة
أيام كما نقل عليه الاجماع ولا حد لأكثره وفي دخول الليالي أقوال ثالثها دخول الليلتين الأخيرتين دون
الأولى واختاره في المفاتيح لأنه المتبادر من ثلاثة أيام وفي رواية عمر بن يزيد وغيرها لا يكون اعتكاف
أقل من ثلاثة أيام هذا خلف وأما خروج الليلة الأولى فلأن الليل لا يدخل في مسمى اليوم إلا
بقرينة أو دليل من خارج وهما مختصان بالأخيرتين وأما دخول الليلة المستقبلة في مسمى اليوم فلا
تنتهي الأيام الثلاثة إلا بدخول اليوم الرابع كما زعمه بعضهم فلا يعرف له وجه وأن يكون ذلك في
مسجد جامع كما في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) لا اعتكاف إلا بصوم في المسجد الجامع وفي حسنته
لا يصلح الاعتكاف إلا في المسجد الحرام أو مسجد الرسول أو مسجد الكوفة أو مسجد جماعة وقيل لا يصح إلا في
المساجد الثلاثة المذكورة ومسجد البصرة وبالجملة ما صلى فيه نبي أو وصي جماعة للاجماع وصحيحة
174

عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد الله (ع) ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مسجدها قال لا اعتكاف
إلا في مسجد جماعة صلى فيه إمام عدل بصلاة جماعة ولا بأس بأن يعتكف في مسجد الكوفة والبصرة ومسجد المدينة
ومسجد مكة وفي المفاتيح منع الاجماع ودلالة الحديث فإن الإمام العدل لا يختص بالمعصوم كالشاهد
العدل إلا أن يجعل ذكر هذه المساجد قرينة على إرادة المعصوم فيحمل على نفي الفضيلة ومنهم من
بدل البصرة بالمداين ومنهم من جمعهما فخمس المحل ومنهم من جعل الضابط ما صلى فيه المعصوم جمعة
وتظهر ثمرة الخلاف في المداين فإن المنقول أن الحسن (ع) صلى فيه جماعة لا جمعة وينبغي للمعتكف
إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يحرم كذا في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) والمراد اشتراطه
على ربه أولا وهو عند النية في المتبرع به والنذر في المنذور ومال في المفاتيح إلى جوازه فيه أيضا عند
النية إذا كان مطلقا أن يخرج من الاعتكاف إن بدا له في ذلك بأن يقول اللهم حلني حيث حبستني
فيخرج حينئذ متى شاء لعذر أو غيره وإن وجب مما سيأتي أو لم يكن ضرورة وفي اطلاق اشتراطه
الخروج إن بدا له موافقة للشهيد في الدروس ومقتضى تشبيهه في الصحيحة وغيرها بشرط المحرم تقييده
بالعارض كما في المفاتيح وهو أعم من الضرورة إذ معها يجوز الخروج مطلقا وإن لم يشترط وهو
في الأصل مستحب ولا يجب إلا بالالتزام بالنذر وأخويه أو مضي يومين فيجب اليوم الثالث فيصير
كالحج والعمرة لا يجوز قطعهما وإن كانا بالأصل مندوبين لصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) إذا
اعتكف يوما ولم يكن اشترط فله أن يخرج ويفسخ الاعتكاف وإن أقام يومين ولم يكن اشترط
فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام وكذا صحيحة أبي عبيدة عنه (ع) من اعتكف ثلاثة أيام فهو
اليوم الرابع بالخيار إن شاء زاد ثلاثة أيام أخر وإن شاء خرج من المسجد فإن أقام يومين بعد
الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أخر ومقتضاها وجوب كل ثالث كالسادس والتاسع فصاعدا
وإليه ذهب كثير من الأصحاب ومنهم من جعل الثوالث كالأولين في عدم الوجوب بل له الرجوع متى
شاء لأنه عبادة مندوبة فلا يجب بالشروع كالصلاة المندوبة وأما الحج والعمرة فقد خرجا بدليل
والجواب منع الكبرى لقيام الدليل هنا أيضا وبإزائه من أوجبه بالدخول فيه مطلقا كالحج والعمرة
وهو غير معلوم المستند فإن أبطل اعتكافه مع الوجوب بشئ من المبطلات المذكورة لزم القضاء
القضاء مطلقا فإن كان بالجماع لزمه مع ذلك الكفارة المذكورة ليلا كان أو نهارا والواجب كفارة
واحدة في غير نهار رمضان فإن جامع في نهار رمضان فكفارتان كفارة للاعتكاف وأخرى
لصوم رمضان كما في رواية عبد الأعلى بن أعين وربما يلحق بنهار رمضان في ذلك قضاؤه و
المعين بالنذر وشبهه ولو ليلا ولا يخلو من وجه وأما ايجاب الكفارتين في الواجب مطلقا
فغير ظاهر الوجه وقد سبق أن منهم من أوجب الكفارة على المبطل مطلقا ولو بغير الجماع وهو
مطالب بدليله وبعضهم أوجبها مع الندب أيضا ويدل عليه عمومات الكفارة في الاعتكاف
من غير استفصال مع أنه ليس الأفراد النادرة فليؤخذ فيه باليقين وإن استضعفه المصنف
في المفاتيح ويتأكد الاعتكاف في شهر رمضان وقد مر أن أفضل أوقاته العشر الأواخر منه و
ورد في رواية داود بن سرحان عن أبي عبد الله (ع) لا اعتكاف إلا في العشر الأواخر من شهر رمضان
وفي الحديث النبوي بطريق أهل البيت (ع) اعتكاف عشر في شهر رمضان يعدل حجتين و
عمرتين وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يعتكف العشر الأواخر إلى أن قبض
كتاب الحج بسم الله الرحمن الرحيم
الحج في اللغة القصد وشرعا اسم لمجموع المناسك المؤداة في المشاعر المخصوصة ويندرج فيه العمرة
على وجه وعن الرضا (ع) إنما أمروا بالحج لعلة الوفادة إلى الله وطلب الزيارة والخروج من كل ما اقترف
العبد تائبا مما مضى مستأنفا لما يستقبل مع ما فيه من اخراج الأموال وتعب الأبدان والاشتغال
عن الأهل والولد وحظر النفس عن اللذات شاخصا في الحر والبرد ما في ذلك لجميع الخلق من المنافع
ممن حج وممن لم يحج من بين تاجر وجالب وبايع ومشتر وكاسب ومسكين ومكار وغير ذلك و
عن أبي عبد الله (ع) جعل فيه الاجتماع من المشرق والمغرب ليتعارفوا ولينزع كل قوم من التجارات
من بلد إلى بلد ولتعرف آثار رسول الله صلى الله عليه وآله وأخباره فيذكر ولا ينسى باب التعداد وهو ثلاثة أنواع
باجماع العلماء تمتع وقران وافراد والتمتع أفضلها كما في صحيحتي زرارة وعبد الله بن سنان وغيرهما
عن أبي عبد الله (ع) مؤكدا بالحلف وتتقدم عمرته على حجته وإنما أظهر في موضع الاضمار تنبيها على أنها
ترتبط بها حتى كأنهما كالشئ الواحد وكل واحد منهما جزء من مجموعه ومع ذلك يتخلل بينهما التحلل الموجب
لجواز التمتع أي التلذذ بما حظره الاحرام ومن ثم سمي به وتسمى عمرته العمرة المتمتع بها إلى الحج وأما
ما سواها فعمرة مفردة لانفرادها عن الحج وما سوى التمتع افراد لانفراده عن العمرة فإن قرنه
سياق الهدي خص باسم القران والتمتع فرض من نأى عن مكة ثمانية وأربعين ميلا فصاعدا من
أي جهة كان وفاقا للأكثر كما في صحيحة زرارة وغيرها وفي رواية ثمانية عشر ميلا من كل جانب وهي شاذة
وربما يجمع بينهما بالتخيير بين التمتع وغيره لمن نأى ثمانية عشر فصاعدا إلى أن يبلغ ثمانية وأربعين
فيتعين التمتع وقيل اثنى عشر واعترف جماعة من المحققين منهم المصنف بعدم الوقوف له على مستند
إلا توزيع المشهور على الجهات الأربع وهو ضعيف وليس لهؤلاء غير التمتع إلا مع الاضطرار كضيق
الوقت وحصول الحيض ونحو ذلك والآخر إن فرض غيره من أهل مكة ونواحيها دون المسافة
المذكورة تخييرا بينهما ولا يجوز لهم العدول إلى التمتع على المشهور إلا مع الاضطرار كخوف الحيض المتأخر
عن النفر مع عدم امكان تأخير العمرة إلى أن تطهر أو خوف عدو بعده أو فوت الرفقة فيجوز قولا
واحدا ويتأخر عمرتهما عن الحج اجماعا كما قيل وفي رواية أمرتم بالحج والعمرة فلا تبالوا بأيهما بدأتم قال
175

في الفقيه يعني العمرة المفردة فلتؤخر أخذا باليقين والقران أفضلهما كما في صحيحة علي بن جعفر والمشهور
أنه لا يتميز عن الافراد إلا بسياق الهدي عند احرامه فيه دونه كما ذكر في وجه التسمية وقيل به و
بالجمع بين العبادتين فيه من غير تحلل بينهما وهذا وجه آخر وأن المتمتع لو ساق الهدي لم يجز له
التحلل من العمرة حتى يأتي بالحج وكان قارنا وفي مستنده قصور هذا في المفترض والمتطوع يتخير بين
الأنواع الثلاثة أينما كان إلا أن الأفضل له التمتع وكذا الناذر إذا لم يعين أحدها وكذا من له منزلان
بمكة وغيرها يتساويان في إقامته فيهما فإن غلب أحدهما لزمه فرضه كما في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع)
فيمن له أهل بالعراق وأهل بمكة قال فلينظر أيهما الغالب عليه فهو من أهله ومن أقام بمكة سنتين
فصاعدا فهو من أهلها كما في صحيحتي زرارة وعمر بن يزيد وفي صحيحة الحلبي وغيرها سنة وفي صحيحة حفص
ستة أشهر ويجمع بينهما بالتخيير وتحديد بعضهم بثلاث سنين مجهول المستند ومن دخل بعمرته المتمتع بها
إلى الحج إلى مكة وضاق الوقت عن أفعالها أو طرء الحيض فتعذر عليها اكمال العمرة وانشاء الاحرام للحج
لضيق الوقت عن التربص إلى الطهر أو نحو ذلك نقل النية عن التمتع إلى الافراد وأتم وكان عليه عمرة مفردة
بعد ذلك وإن كان ممن تعين عليه التمتع بلا خلاف في ذلك إلا موضعين أ حد الضيق فإن
الأقوال والأخبار فيه مختلفة وأحسنها عند المصنف ما في التهذيب من أن الضابط خشية فوات
الموفقين من غير تحديد بوقت إلا أن مراتب الناس تتفاضل في الفضل والثواب وعليه تحمل النصوص
المختلفة ب حكم الحايض فإن المنقول عن بعض المتقدمين أنها لا تنتقل عن عمرتها بل تكملها بلا طواف
وتحرم بالحج ثم تقضي طواف العمرة مع طواف الحج والأخبار به مستفيضة وربما يجمع بينها وبين مستند
المشهور بالتخيير وبالفرق بين طرء الحيض بعد التجاوز عن نصف الطواف وقبله وفي رواية المرأة
المتمتعة إذا أحرمت وهي طاهر ثم حاضت قبل أن تقضي متعتها سعت ولم تطف حتى تطهر ثم تقضي
طوافها وقد قضت عمرتها وإن هي أحرمت وهي حائض لم تسع ولم تطف حتى تطهر وهو جمع آخر
بين الأخبار واستحسنه في المفاتيح وكان في اعتبار طريان الحيض هنا إيماء إليه ويشترط في كل
من أنواع الحج الثلاثة وكذا في عمرة التمتع دون الآخرين اجماعا في الجميع وقوعه في أشهر الحج لأن الحج
أشهر معلومات وفي صحيحة عمر بن يزيد ليس يكون متعة إلا في أشهر الحج وهي شوال وذو القعدة
وذو الحجة وقيل بل عشر من ذي الحجة والنزاع لفظي ويحرم بحجة التمتع من بطن مكة إن شاء من رحله
وإن شاء من الكعبة وإن شاء من الطريق كذا في صحيحة عمر بن حريث وأفضلها المسجد وأفضله المقام
أو تحت الميزاب من الحجر وفي صحيحة معاوية بن عمار الحجر وبالبواقي من الافراد والقران والعمرتين من
الميقات الذي وقته أي عينه رسول الله صلى الله عليه وآله لكل قوم بحسب مسيرهم إليها وهو
مشهور وقد تضمنتها جميعا صحيحة الحلبي قال قال أبو عبد الله (ع) الاحرام من مواقيت خمسة وقتها
رسول الله صلى الله عليه وآله لا ينبغي لحاج ولا لمعتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها وقت لأهل المدينة ذو الحليفة
وهو مسجد الشجرة يصلي ويفرض الحج ووقت لأهل الشام الحجفة ووقت لأهل نجد العقيق ووقت
لأهل الطايف قرن المنازل ووقت لأهل اليمن يلملم ولا ينبغي لأحد أن يرغب عن مواقيت رسول
الله صلى الله عليه وآله ومثلها صحيحة معاوية بن عمار وزادت ومن كان منزله دون هذه المواقيت مما يلي
مكة فوقته منزله ويكفي في معرفتها سؤل الناس والاعراب كما ورد ولو مر على طريق لا يفضي إلى شئ
منها أحرم عند محاذاة أقر بها إلى طريقه كما في صحيحة عبد الله سنان عن أبي عبد الله (ع) قال فيمن أقام
بالمدينة وهو يريد الحج شهرا ونحوه ثم بدا له أن يخرج في غير طريق المدينة فإذا كان حذاء الشجرة مسيرة
ستة أميال من المدينة فليحرم منها وفيه قول آخر ولا يصح الاحرام قبل هذه المواقيت اختيارا
إلا لمن أراد العمرة المفردة في رجب وخشي تقضيه فيقدم اجماعا وكذا الناذر للتقديم على المشهور
ولا بعدها إلا مع الجهل بالحكم الشرعي أو الوضعي أو النسيان لهما أو ضرورة مانعة عنه أو أنه لم يرد
النسك حتى جاوزه وعدم امكان الرجوع بعد زوال العذر فيحرم حيثما أمكن من خارج الحرم
أو داخله وإن أمكن العود إلى ميقات أهل أرضه وجب كما في صحيحة ابن سنان وحسنة الحلبي وغيرهما
والمكي مط وكذا المعتمر منها وإن لم يكن من أهلها يخرج إلى أدنى الحل أي أقربه إلى الحرم وألصقه به
فيحرم منه والمشهور أنه إن أراد الحج أحرم من منزله ومستنده لا يخلو من قصور والأحوط أن
يأتي بالعبادتين الحج والعمرة معا في سنة واحدة أما في التمتع فلدلالة الأخبار على أنهما فيه كعبادة
واحدة وأما في الآخرين فمستنده غير واضح وإن اشترطه الشيخ في القران فليؤخذ باليقين
ولا تجبان بأصل الشرع في العمر إلا مرة واحدة وهو الوجه في تسمية العمرة وتنسبان إلى الاسلام
بالإضافة إليه إلا أن يفسدا بشئ من المفسدات الآتية فتجب إعادتهما من قابل وإن كانا مندوبين
أو يلتزم المكلف على نفسه باستيجار أو غيره من نذر وشبهه وما سوى ذلك فمستحب وما ورد
في وجوب الحج على أهل الجدة في كل عام وأفتى بمضمونها الصدوق في العلل فيشبه أن يكون المراد
بها الوجوب الكفائي حذرا عن تعطيل الكعبة كما في أخبار أخر وأنه يجب على الوالي اجبار الناس
على الحج لو تركوه ولا يبعد أن يكون هذا مراد الصدوق أيضا والموظف لكل سنة حجة ولكل شهر
عمرة كما في حديث أمير المؤمنين (ع) وغيره وقيل لا يجوز عمرتان في عام واحد لصحيحتي زرارة و
الحلبي وربما تحملان على عمرة التمتع جمعا وقيل أقل ما بينهما عشرة أيام لرواية علي بن حمزة وجوز
جماعة تواليهما مطلقا لاطلاق الأمر بها فالأقل من العشرة أو الشهر مكروه وكل من يدخل مكة
من خارج الحرم فعليه الاحرام بأحديهما وجوبا شرطيا مطلقا بشرط مضي المدة المذكورة من وقت
احلاله من الاحرام المتقدم إن كان معاودا وعدم تكرار الدخول منه كثيرا رفعا للحرج وفي صحيحة
176

رفاعة بن موسى عن أبي عبد الله (ع) إن الحطابة المجتلبة أتوا النبي صلى الله عليه وآله فسألوه فأذن لهم أن يدخلوا حلالا
وفي بعض نسخ التهذيب المختلفة بدل المجتلبة وهو أوفق بالمقصود ويشترط أيضا فقد العذر
من مرض وغيره والمنصوص إنما هو رخصة المريض والمبطون وما يخالفه محمول على الاستحباب جمعا
والأفضل للمريض أن يحرم عنه كما في صحيحة رفاعة وهو جمع آخر حسن وورد في صحيحة ذريح المحاربي
عن أبي عبد الله (ع) من مات ولم يحج حجة الاسلام لم يمنعه ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق
فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهوديا أو نصرانيا وفي صحيحة معاوية بن عمار عنه (ع) قال قال رسول
الله صلى الله عليه وآله الحج والعمرة ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد قلت حجة أفضل أو عتق رقبة قال
حجة أفضل قلت فثنتين قال حجة أفضل فلم أزل أزيد ويقول حجة أفضل حتى بلغت ثلاثين رقبة
فقال حجة أفضل يعني من عتق ثلاثين رقبة
باب الشرايط إنما يجبان على كل مكلف بالبلوغ و
العقل حر يكون له بالملك أو البذل ما ينفق فيهما في ضروري المآكل والمشرب والملبس وليكن ذهابا
وإيابا إلى بلده وإن لم يكن له بأهل ولا ملك إذا شق عليه مفارقته والراحلة بحسب حاله مع
الحاجة إليها كذلك وكذا ما يضطر إليه من الآلات كأوعية الماء والسفرة وشبهها كل ذلك بعد
وضع الضروري من مؤنة واجبي نفقته بحسب حالهم برءا من المرض المانع والعضب بشيخوخة مانعة
أو قطع عضو مثلا ظانا إلا من على نفسه وبضعه وماله ولو بدفع مال مقدور لمن يخافه غير
ضائق وقته عن السير العادي بحيث يحتاج إلى سير عنيف لا يتحمل مثله عادة فالمعتبر أمور ستة
أ ب التكليف والحرية فلا يجبان على الصبي مطلقا ولا المجنون كذلك ولا العبد بالاجماع ولكن
يصحان من الصبي المميز والعبد بإذن الولي في الصبي والمولى في العبد وكذا يصحان من غير
المميز بأن يجعله الولي محرما ويأتي المناسك نيابة عنه سواء كان هو محلا أم محرما والنصوص
مختصة بالصبي والصبية في معناه وألحقوا به المجنون لأنه ليس أخفض حالا منه وهو قياس مع
الفارق والولي هنا عند المصنف هو الأولى به رحما والأشد به علاقة كما هو المتبادر منه
بحسب اللغة والعرف فإن اشتقاقه من الولي وهو القرب وقيل بل هو من له ولاية المال خاصة
كالأب والجد للأب والوصي والحاكم وقيل للأم أيضا ولاية الحج خاصة لصحيحة عبد الله بن
سنان عن أبي عبد الله (ع) قال مر رسول الله صلى الله عليه وآله برويثة وهو حاج فقامت إليه امرأة ومعها
صبي لها فقالت يا رسول الله أنحج عن مثل هذا قال نعم فلك أجره ولا دلالة فيها على تخصيص
الأم لأن السؤال ليس بمختص وهؤلاء لا يحتسبون شيئا منهما من فريضة اسلامهم بل عليهم
الإعادة مع كمال الشرايط اجماعا إلا إذا بلغ الصبي أو أعتق العبد قبل أحد الموقفين عرفه ومشعر
فأدركه كاملا ولو قال قبل المشعر لكان أخصر ولكنه تبع لفظ الرواية وموردها العبد ومن
ثم اقتصر في المفاتيح عليه وجعل الحاق الصبي والمجنون كما فعله بعضهم به قياسا مع الفارق
وهذا من المصنف غريب ج الجدة واشتراطها على الوجه المذكور مما لا ريب فيه ولا يبيع
خادمه ولا دار سكناه اجماعا ويلحق بهما ما تدعو الحاجة الشديدة إليه من الثياب اللايقة بحاله و
فرس الركوب وكتب العلم وأثاث البيت وفي اشتراط الرجوع إلى كفاية من صناعة أو مال قولان و
المصنف على العدم واشترط بعضهم تمليك المبذول وآخرون ايجابه بنذر وشبهه وضعفهما
المصنف بأنا نعتبر في استمرار الوجوب استمرار البذل نعم يعتبر الوثوق بالباذل دفعا للحرج والمشقة
الزايدة ولو وهب له مال فالمشهور عدم وجوب القبول لعدم وجوب تحصيل الشرط واشتماله
على المنة التي لا يجب تحملها والفارق بينه وبين بذل الزاد النص الموجب على المبذول له د ه
الصحة والأمان واشتراطهما مقطوع به لعموم أدلة نفي الحرج وكذا سعة الوقت ولقد كان
التعبير عنها جميعا بالتمكن من المسير كما في الشرايع واللمعة وغيرهما أولى وأخصر وربما يعبر
عما عدا التكليف بالاستطاعة كما في الآية الكريمة وظاهره هنا وفي المفاتيح وجوب دفع
المال لمن يخافه إذا توقف مسيره عليه وهو أحد القولين في المسألة والخلاف فيها محكي
عن الشيخ وجماعة ولا يخلو من قوة لما علمت من عدم وجوب تحصيل الشرط والاحتياط لا
يترك ولو تكلف العاجز فالمشهور عدم احتسابه بفريضة اسلامه بل تجب عليه الإعادة
عند القدرة خلافا للشهيد واستحسنه في المفاتيح إذ الاستطاعة لا تعتبر من البلد لأن الواجب
إنما هو المناسك المخصوصة وقطع المسافة ليس جزءا منه بل ولا واجبا لذاته وإنما وجب لتوقف
الواجب عليه فإذا انتفى التوقف انتفى الوجوب قطعا قال ويؤيده ما ورد في اجزاء الحج من البصرة
إذا استنيب ليحج من الكوفة فحصول الاستطاعة قبل التلبس بالاحرام مثبت للوجوب والاجزاء
جميعا لصدق الاستطاعة أما من حج بالبذل فالأكثر على احتسابه بها لصحيحة معاوية بن عمار
وحجة المخالف محمول على الاستحباب ومثله القول في المخالف ولو حج عن غيره ثم أيسر ففي صحيحتي
معاوية وجميل وغيرهما أنه يجزيه ذلك عن حجة الاسلام خلافا للمشهور لرواية آدم بن
علي عن أبي الحسن (ع) أنها تجزيه حتى يرزقه الله ما يحج به ويجب عليه الحج وهو أحوط ومن
مات بعد الاحرام ودخول الحرم برئت ذمته بالنص والاجماع وربما يكتفي بالاحرام وإن
مات قبل ذلك قضي عنه مطلقا عند جماعة ويشترط استقراره عليه عند آخرين وفي اجزاء
المنذور عن حجة الاسلام قولان والمشهور العدم لاقتضاء تعدد السبب تعدد المسبب فيقتصر
في التداخل على مواضع النص خلافا لجماعة منهم المصنف في المفاتيح لصحيحة محمد بن مسلم عن أبي
جعفر (ع) في رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام فمشى هل تجزيه عن حجة الاسلام قال نعم
177

ومثلها صحيحة رفاعة بن موسى عن أبي عبد الله (ع) وزاد قلت أرأيت إن حج عن غيره ولم يكن
له مال وقد نذر أن يحج ماشيا أيجزي ذلك عنه عن مشيه قال نعم وتأويلهما بنذر المشي في الحج
دون الحج والمشي قريب فليؤخذ باليقين وقريب منه القول في اجزاء حجة الاسلام عن
المنذور ويستناب في الحج والعمرة للميت وإن لم يوص وذي المال الميؤوس منهما بنفسه
لمرض أو همم أو عدو غير مرجو الزوال بعد الاستقرار عليهما مطلقا وفاقا للأكثر وخلافا لمن
خصه بما إذا استقر الوجوب في ذمة الميؤوس قبل العذر فلو تأخر المال عن العذر أو تقارنا
لم يجب شئ لفقد الاستطاعة وأجيب بأنها شرط وجوب المباشرة دون الاستنابة مع اليأس
ويكتفي فيها بالاتيان بهما عن المنوب عنه بالتماسه أو التماس الولي سواء كان باستيجار أو تبرع
ولو زال عذر الميؤوس عاد الوجوب عند الأكثر بل كاد يكون اجماعا لاطلاق الأمر بالحج والعمرة
وما فعله كان واجبا في ماله وربما يحتمل العدم لأنه أدى حجة الاسلام بأمر الشارع واستضعفه
في المفاتيح ويشترط في النايب الايمان بالمعنى الخاص وكمال العقل والتمييز لو كان طفلا بناء على
جواز نيابته مطلقا أو مع الوثوق باخباره كما اختاره في المفاتيح بل الأجود اشتراط البلوغ كما
عليه الأكثر وإن قلنا إن عبادته شرعيا أخذا باليقين وأن لا يكون عليه حج واجب في ذلك
العام مطلقا لنفسه أو لغيره قيل فإن فعل لم يجز عن شئ منهما ومقتضى النظر الاجزاء عن
الأول إذا نواه لسبق موجبه صحيحا والروايات فيه لا يخلو عن تشابه والقدرة على أقل الواجب
من العمل والتفقه فيه اجتهادا أو تقليدا وأقله أن يكون مع مرشد يحصل الوثوق بخبره و
منهم من اشترط فيه العدالة وكذا البحث في النايب نفسه فمن ذاهب إلى اشتراطها لأن الاتيان
بالحج الصحيح إنما يعلم بخبره والفاسق غير مأمون الكذب ومن مكتف بظن صدقه واستحسنه المصنف
والروايات خالية عن ذلك وإن مات النائب قبل الاكمال فإن كان بعد الاحرام ودخول
الحرم برئت ذمة المنوب عنه بلا خلاف وربما يكتفى فيه بالاحرام أيضا وإن كان قبل ذلك
في الطريق استنيب آخر والمشهور أنه إن كان مستأجرا ارتجع حينئذ عن الأجرة بنسبة ما
تخلف وقيل هذا إنما يتجه إذا تعلق الاستيجار بقطع المسافة والحج أما لو تعلق بالحج خاصة
فالمتجه ارتجاعها بتمامها إذ لم يأت بشئ من العمل المستأجر عليه وإن أتى بشئ من مقدمته
وتكره استنابة الصرورة وهو بفتح الفاء من لم يحج من الرجال والنساء كأنه كان مصرورا
أي مربوطا على أهله لم يفارقهم وكذا استنابة المرأة مطلقا عن الرجل مطلقا لموثقة عبيد بن
زرارة فإن كانت صرورة فآكد ومنهم من خص بها ولا وجه له ومنع بعضهم نيابتها مطلقا
ومنهم من خص بها عن الرجل ولا بأس باستنابة العبد مع إذن مولاه لأن الحرية ليست
مشروطة بالنائب قولا واحدا
باب الهيئة للحاج والمعتمر يأتي الميقات الموقت له وينزع العمامة
بكسر العين وتخفيف الميم والمخيط الذي عليه كائنا ما كان ويتزر ويرتدي بثوبين طاهرين أو
أو كثر من غيره مما يجوز فيه الصلاة من القطن أو الكتان أو غيرهما مما تقدم وفي جواز الحرير للنساء قولان
أحوطهما المنع فيحرم بالعبادة المعينة من حجة أو عمرة مفردة أو متمتع بها بالأصالة أو بالنذر أو بالافساد
لنفسه أو لغيره أداء أو قضاء لله والأولى للمتمتع أن يجمع بين العبادتين في النية فينوي فعل العمرة
أولا ثم الحج بعدها باعتبار دخولها في حج التمتع ومن ثم يجمعان في التلبية فعن أمير المؤمنين (ع)
أنه كان يقول فيها لبيك بحجة وعمرة معا لبيك وفي صحيحة حماد بن عثمان وغيرها عن أبي عبد الله (ع)
تقول اللهم إني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك ثم يلبي بالتلبيات الأربع المأثورة
وهي لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك وهي إجابة دعوة إبراهيم (ع) هلم إلى الحج وبها يلزم
احرامه ويحرم عليه ما يأتي من تروك الاحرام وقبل ذلك كان متزلزلا له فسخه ولا كفارة عليه
بارتكاب شئ منها هذا للمعتمر والمفرد والقارن يتخير في عقد احرامه بينها وبين الاشعار والتقليد
على المشهور لصحيحة معاوية عمار وغيره يوجب الاحرام ثلاثة أشياء التلبية والاشعار فإذا فعل
شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم ومنهم من اقتصر على التلبية في الجميع والاشعار من الشعار وهو
العلامة والمراد اشعار الإبل المسوق للهدي بالطعن في يمين سنامه بحديدة حتى يدميه كما في
صحيحة الحلبي وزاد بعضهم تلطيخ صفحة السنام بدمه وإن تعددت دخل بينها وأشعرها يمينا وشمالا
كما في صحيحة حريز والتقليد من القلادة والمراد تقليد البقر أو الغنم نعلا قد صلى فيه في رقبتهما
علامة للهدي لضعفهما عن الاشعار بالطعن ثم إن كان المحرم معتمرا بعمرة التمتع أو غيرها أتى مكة
أولا فيطوف بالبيت سبعا بعد الطهارة عن الحدث ولو ترابية على الأصح عند المصنف وموافقيه
وهو مما لا ريب فيه وأما اشتراطها عن الخبث في الثوب والبدن فعليه الأكثر مع تصريحهم بعدم
العفو هنا عما يعفى في الصلاة والأدلة من الطرفين متعارضة فليؤخذ باليقين ويشترط طهارة
المطاف وهو المحل الذي من المسجد أو جدران البيت فإنه إن وجد فيهما نجاسة وجب عليه إزالتها أولا وستر العورة خلافا للمشهور والختان للرجل كما سبق والنية عند الشروع فيه مبتدئا بالحجر
الأسود ومختتما به كل دورة شوط ويكفي البدئة العرفية وتتحقق القيام على الصخرة الصفراء المفروشة
الآن على الأرض بإزاء الحجر والمتأخرون أوجبوا جعل أول جزء منه محاذيا لأول جزء من مقاديم بدنه بحيث
يمر عليه بعد النية بجميع بدنه علما أو ظنا والروايات خالية عن هذا التدقيق جاعلا للبيت على يساره
في أثناء الطواف مدخلا للحجر في طوافه فإن اختصر بعض الأشواط في الحجر أعاد ذلك الشوط طائفا البيت
والمقام حال كونه إذ ذاك مراعيا قدر ما بينهما من جميع الجهات إلا مع الضرورة فيجوز ادخال المقام حينئذ
178

في الطواف وفاقا لبعض المتقدمين لموثقة محمد الحلبي قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الطواف خلف
المقام قال ما أحب ذلك وما أرى به بأسا فلا تفعله إلا أن لا تجد منه بدا ورواية محمد بن مسلم ظاهرة
في المنع مطلقا وفي وجوب مراعاة ما بينهما كذلك وإنما تخص بغير الضرورة بالعمومات ثم بعد اكمال
الأشواط السبعة يأتي خلف المقام فيصلي فيه ركعتين ووجوبهما كاد يكون اجماعا والقول باستحبابهما
شاذ فإن لم يتيسر ثمة فحيث شاء من المسجد مع مراعاة الخلف أو أحد الجانبين مع الامكان كما في
المفاتيح وجوز جماعة أحد جانبيه مطلقا وآخرون تمام المسجد كذلك وهما محجوجان بالآية والنصوص
ثم يأتي الصفا وهو مبدأ السعي فينوي ويسعى بينه وبين المروة بالطريق المعهود وهو أقرب
الطرق ويكمله سبعا ذهابه إلى المروة شوط وعوده إلى الصفا شوط آخر ويستحب أن يكون مقتصدا
في سعيه بين العجلة والفتور طرفيه مهر ولا بين المشي والعدو ما بين المنارة وزقاق العطارين
وعليها الآن منارة ولو نسي الهرولة رجع القهقري وهرول موضعها وأن يكون ماشيا ويجوز
الركوب فيه اجماعا ويسرع ما بين المنارتين وكذا الجلوس في أثنائه للراحة على المشهور وإن
كره بغير اعياء وعليها تحمل حجة المانعين ويجوز أيضا أن يقطع السعي ويبني على ما مضى منه من دون
استيناف لحضور فريضة موسعة أو حاجة أخ مؤمن كذلك وفي بعض الأخبار يقضي حق الله
عز وجل أحب إلي من أن يقضي حق صاحبه وإن كانت مضيقة استحب القطع وربما وجب ويجب
للفريضة المضيقة أو تذكر نقصان في الطواف فيقطع ويرجع إلى طوافه ويركع ركعتيه ثم يعود
إلى ما بقي من سعيه أو نسيان لركعتيه فيرجع كذلك وبما ذكرناه ظهر انقسام القطع إلى الأحكام الخمسة ولا فرق في جواز البناء حيث يشرع بين تجاوز النصف وعدمه على المشهور خلافا لمن قيده
فيما عدا الأخير بالأول وأوجب الاستيناف في الأخير كالطواف كما يأتي ثم يقصر بمسماه ولو يسيرا
على المشهور من أخذ شعر أو قلم ظفر وهو آخر أفعال العمرة فيحل به عما أحرم منه ولا يحلق بدله
فلو حلق لم يجزه ولزمه على المشهور خلافا للخلاف فجعله أفضل وللمنتهى فجعل الحلق مجزيا وإن
حرم إلا المعتمر بالمفردة فيتخير دم بينهما كالحاج هذا في الرجال وأما النساء فعليهن التقصير حتما
في الجميع وإن كان حاجا مطلقا أتى أولا بعد احرامه عرفات يوم عرفة وهو التاسع فيقف بها
نفسها لا بحدودها كبطن عرفة وثوية وذي المجاز وتحت الأراك فإنها غير مجزية اجماعا والمراد
بالوقوف بها الكون ثمة ناويا من الزوال إلى الغروب إن أمكنه ذلك وهو اختياري عرفة و
إلا فالواجب مسمى الوقوف بها ولو ليلا قبل طلوع فجر يوم النحر وهو اضطراريها ولو تردد في
امكان ادراكه قبل الفجر لضيق الوقت وتعارض الأمارات لم يجب عليه اتيانه ويكتفي بالمشعر
الحرام وقد تم حجه ثم بعد قضاء نسكه من عرفات يفيض منها إلى المشعر فيبيت بها ليلة العيد والصواب تذكير
الضمير إلا بتأويل ويقف كما يقف بعرفات ما بين الطلوعين طلوع الفجر وطلوع الشمس ناويا إن أمكنه
ذلك وهو الاختياري وإلا فالواجب مسماه قبل الزوال يوم العيد وهو الاضطراري ثم يأتي منى
فيرمي بنفسه مع الامكان ويرمي عنه مع التعذر الجمرة القصوى وهي العقبة فيه يوم العيد بسبع
حصيات حرمية يصيبها بكل واحدة منها ويذبح بها الهدي وجوبا إن كان متمتعا مع النية مطلقا و
منهم من قيده بغير المكي وأسقطه عنه مطلقا وفصل بعضهم فأوجبه عليه لو تمتع ابتداء لا عدولا وأن لا يكن متمتعا أهدى ندبا اجماعا وإن ساقه القارن في عمرته نحره بمكة بفناء الكعبة بالحزورة بالحاء المهملة
والزاي والواو والراء كقسورة موضع عند باب الحناطين بين الصفا والمروة ويجب أن يكون من النعم
الثلاثة اجماعا وأفضله البدنة محركة وهي ما يضحى من الإبل ثم البقرة ثم الشاة كما في صحيحة زرارة والضان
خير من المعز ولا بد في الهدي أن يكون ثنيا وذلك في البدنة باكمالها خمس سنين ودخولها في السادسة
وفي الأخيرين البقرة والشاة بالدخول في الثالثة على المشهور وقيل الثانية وبه رواية مرسلة إلا
الضأن فيكفي منه الجذع وهو ما له ستة أشهر وقيل سبعة كما تقدم في الزكاة والمشهور أنه ما دخل
في الثانية وفي المرسلة دلالة عليه وأن يكون وأن يكون تامة فلا يجزي العوراء مطلقا كما في صحيحة
علي بن جعفر وقيدت في رواية السكوني بما يبين عورها ولا العرجاء البين عرجها كما قاله الأكثر
للتقييد فيها والاطلاق كما هنا وفي المفاتيح لا وجه له ولا دلالة في الصحيحة عليه كما ظن وفسر البين بالمتفاحش
الذي يمنعها السير مع النعم ومشاركتهن في الماء والكلاء فتهزل وهو يومئ إلى أن العلة في المنع إنما
هي الهزال وهو ممنوع فالرجوع إلى العرف أولى ولا المقطوعة الأذن كلا أو بعضا إلا أن يكون مشقوقة
أو مثقوبة لم يذهب منه شئ كما في صحيحة البزنطي وورد النهي عن الخرقاء والشرقاء مطلقا وفسرت
الأولى بما في أذنها خرق مستدير والثانية بالمشقوقة الأذنين وفي حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (ع)
في الضحية تكون مثقوبة الأذن قال إن كان شقها وسما فلا بأس وإن كان شقا فلا تصلح ولا المهزولة
وهي التي ليس على كليتيها شحم كما يستفاد من رواية فضيل وقيل المرجع إلى العرف لضعف الرواية إلا
أن يزعمها عند الشراء سمينة فيجدها بعد الذبح مهزولة ففي صحيحة منصور عن أبي عبد الله (ع) إن اشترى
الرجل هديا وهو يرى أنه سمين أجزأ عنه وإن اشتراه وهو يعلم أنه مهزول لم يجز عنه ولا الخصي و
هو المسلول الخصية من الفحول إلا مع الضرورة بأن لا يجد غيره كما في رواية أبي بصير وغيرها ويحتمل
ارجاع الاستثناء إلى الجميع كما اختاره في المفاتيح وقيل إن لم يجد إلا فاقد الشرايط انتقل إلى الصوم و
اعلم أن في المراد من التمام المشروط في كلام المصنف وغيره ممن عبر هذا التعبير خفاء لأنهم إن أرادوا
تمام الأعضاء كما هو الظاهر كان ترتيب حكم العرجاء والمهزولة عليه غير مستقيم وكذا العوراء فإنها
ربما تكون تامة العضو إلا أن يريدوا اتمام الأعضاء والقوى جميعا وهو مع بعده لا يجري في العرجاء
179

ولا في المهزولة كما لا يخفى وما في المفاتيح أسد في الجملة حيث اعتبر نفي الهزال شرطا برأسه ولم يفرعه على
اشتراط التمام على أن من مشترطيه من قطع بأجزاء الجماء وهي التي لم يخلق لها قرن والصمعاء وهي
التي لم يخلق لها أذن والبتراء وهي المقطوعة الذنب معللا بأن فقد هذه الأعضاء لا يوجب نقصا
في قيمة الشاة ولا لحمها ومقتضى ذلك أنهم يريدون باشتراط التمام الاحتراز عما يوجب النقص في القيامة
واللحم سواء كان في الأعضاء أو في القوى دون ما لا يوجبه في شئ منهما وهذا يقتضي اجزاء الخصي بطريق
أولى فإن الخصي مما يوجب الزيادة فيهما فإن عول في حكمه على الروايات فليعول ابتداء عليها ويشترط انتفاء
النقص كما في صحيحة علي بن جعفر ويجعل ذلك ضابطة لمثل الجماء والصمعاء والبتراء ونحوها مما لا نص
فيه بالخصوص ويحكم عليها جميعا بعدم الاجزاء بسبب اندراجها في الضابطة وأما العرجاء والمهزولة
والعوراء فيحكم عليها أيضا بعدم الاجزاء للنصوص الخاصة لا تفريعا على اشتراط التمام وهو أوفق
بطريقة المقتصدين ويأكل منه المتمتع وجوبا على المشهور والمتبرع سائقا أو غيره ندبا شيئا ويطعمان
القانع والمعتر شيئا كما ورد الأمر به في الآية الكريمة وفي الأخرى البائس للفقير وفي رواية معاوية بن
عمار عن أبي عبد الله (ع) إذا ذبحت أو نحرت فكل وأطعم كما قال الله (تع) فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر
وفي صحيحة سيف التمار في السايق أطعم أهلك ثلثا وأطعم القانع والمعتر ثلثا وأطعم المساكين ثلثا
قلت المساكين هم السئول قال نعم والقانع الذي يقنع بما أرسلت إليه من البضعة فما فوقها والمعتر
ينبغي أكثر من ذلك هو أغنى من القانع يعتريك فلا يسألك ولا يأكل غيرهما كالناذر والمكفر منه
شيئا ولا يعطى منه الجزار شيئا إلا تصدقا إن كان من أهله ولا يخرج شئ منه من منى بل يصرف
فيه وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال سألته عن اللحم أيخرج به من الحرم فقال لا يخرج منه
شئ إلا السنام بعد ثلاثة أيام ونزلها المصنف وغيره على أن المراد بالحرم منى فأشكل عليهم
التوفيق بينها وبين حسنتيه عن أبي عبد الله (ع) قال سألته من اخراج لحوم الأضاحي من منى
فقال كنا نقول لا يخرج شئ لحاجة الناس إليه فأما اليوم فقد كثر الناس فلا بأس باخراجه و
المصنف حملها على الرخصة بقرينة ما ورد بعدة متون وأسانيد عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع)
وجابر بن عبد الله إن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث ثم أذن فيها فقال كلوا
من لحوم الأضاحي بعد ثلاث وادخروا والمشهور أقرب إلى اليقين ومن فقده وثمنه صام بدلا
عنه عشرة أيام كما في الآية الكريمة ثلاثة في الحج أي شهر ذي الحجة متوالية وسبعة إذا رجع إلى أهله
تلك عشرة كاملة ولو أقام بمكة انتظر مدة وصوله إلى أهله تقديرا ما لم يزد على شهر فإن أدت
كفى مضي الشهر ومبدؤه انقضام أيام التشريق واشتراط التوالي في الثلاثة منقول عليه الاجماع
وإنما الخلاف فيما إذا كان الثالث هو العيد أو عرفة وقد أفطر لضعفه عن الدعاء فهل يأتي
بالثالث بعد النفر أو يستأنفها على وجه تتحقق الموالاة والأجود اعتبار الموالاة فيها أخذا باليقين و
كذلك في السبعة على الأحوط كما في صحيحة علي بن جعفر وإن كان المشهور فيها جواز التفريق لرواية
إسحاق بن عمار ومن فقده ووجد ثمنه خلفه بمكة عند من يثق به ويليه أمره أن يشتريه ويذبحه
عنه طول بقية ذي الحجة فإن تعذر ففي ذي الحجة من العام القابل أو صام العشرة أيام مخيرا بينهما
على الظاهر جمعا بين ما يدل من الروايات على تعيين الأول كما عليه الأكثر وظاهر الآية الدال
على الثاني كما عليه المحقق وابن إدريس والتخيير على الوجه المذكور غير معلوم القائل ممن قبله
وإن أسنده في المفاتيح إلى ابن الجنيد فإن المنقول عنه في غيره التخيير بينهما وبين التصدق بالثمن
وإن جمع بينهما في العمل فقد أخذ باليقين وخرج عن وسوسة مخالفة الكتاب والسنة ولو خرج
ذو الحجة ولم يصمها يعني الأيام الثلاثة ولو ناسيا كما في صحيحة الحلبي تعين عليه الهدي اجماعا ثم بعد
ذبح الهدي يحلق الحاج أو يقصر وجوبا مخيرا بينهما والقول باستحبابه شاذ وهو أول مواطن التحلل
فيحل عما أحرم منه إلا النساء فلا يتحلل عنهن إلا بطوافهن والطيب فلا يتحلل عنه إلا بالسعي بل يبقى
على اجتناب الصيد الاحرامي أيضا إلى أن يستحل النساء على الأحوط كما عليه الأكثر لظاهر قوله عز وجل
لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم والاحرام يتحقق بتحريم النساء وإن حل ما عداهن ثم بعد الفراغ
من مناسك منى يوم العيد يأتي مكة من يومه أو غده والأول أفضل ويجوز تأخيره اختيار أطول
بقية ذي الحجة إلا للمتمتع الأخذ باليقين فإن الأقوال والأخبار فيه متعارضة وإن أمكن حمل
المانعة منها على الكراهة واستشهد في المفاتيح أخذا من المدارك بقول أبي عبد الله (ع) في صحيحة
معاوية بن عمار يكره للمتمتع أن يؤخر وفي صحيحة الحلبي ينبغي أن يزور البيت يوم النحر وفيه أن الأولى على ما وقفنا عليه في الكافي والتهذيب هكذا في زيارة البيت يوم النحر قال زره فإن
شغلت فلا يضرك أن تزور البيت من الغد ولا تؤخر أن تزور من يومك فإنه يكره للمتمتع
أن يؤخر وموسع للمفرد والقارن أن يؤخر والثانية ينبغي للمتمتع أن يزور البيت يوم
النحر أو من ليلته ولا يؤخر ذلك اليوم فهما ظاهرتان في كراهة تأخيره إلى الغد لا جوازه طول
ذي الحجة أما القارن والمفرد فلا خلاف في جواز التأخير لهما فيطوف للزيارة وهو طواف الحج و
وجوبه من ضروريات الدين ويسمى طواف الزيارة لأن الحاج يأتي من منى فيزور البيت ولا يقيم
بمكة بل يرجع إلى منى ويصلي بعد الطواف ركعتيه ويسعى بين الصفا والمروة وهو أوسط مواطن
التحلل فيحل عن الطيب كما ذكر ثم يطوف للنساء ووجوبه من ضروريات المذهب وهو أخرها وآخر
أفعال الحج فيحل منهن ومن الصيد الاحرامي يقينا لتقييد النهي عنه في الآية بحالة الاحرام وهو
لازم للرجال والنساء والصبيان الذين يحج بهم والخصيان وكذا غيره من الأفعال والتروك المذكورة
180

وإنما يخص بالذكر دفعا لتوهم اختصاصه بمن يباشر النساء ولو أحل به الصبي حرمت عليه النساء بعد
البلوغ ومن لم يتمكن من الطواف بنفسه مطلقا لمرض ونحوه طيف به محمولا يخط الأرض برجليه
حتى تمس الأرض قدميه كما في صحيحة صفوان عن أبي الحسن (ع) فإن لم يتمكن لتعذر تحريكه أو عدم استمساك
طهارته كالمبطون ونحو ذلك طيف عنه بلا خلاف فيهما إلا الحايض فلا يطاف عنها لجواز عدولها
إلى نوع آخر كما سبق فلا رخصة لها في الاستنابة إلا أن هذا إنما يجري في طواف العمرة التمتعية وقد
ورد في طواف النساء جواز تركها له مع الضرورة الشديدة روى ذلك للصدوق في الصحيح عن أبي أيوب
الخزان قال كنت عند أبي عبد الله (ع) فدخل عليه رجل فقال أصلحك الله إن معنا امرأة حايضا ولم تطف
بالبيت طواف النساء ويأبى الجمال أن يقيم عليها إلى أن قال تمضي فقد تم حجها قالوا وإذا جاز لها الترك
رأسا جازت الاستنابة بطريق أولى ويجوز تقديم الطوافين طواف الزيارة والنساء والسعي على
مناسك يوم النحر وهي الرمي والهدي والحلق والتقصير إلا للمتمتع فإنه ينفرد عن القارن والمفرد
بوجوب تأخيره لها عنها غير المريض والشيخ الكبير الخائفين من الرحام بعد العود والمرأة الخائفة
من طرء الحيض بعده على المشهور بل نقل عليه الاجماع ومستنده من الأخبار لا يخلو عن قصور في السند و
يعارضه روايات نقية صريحة في الجواز وفي صحيحة حفص بن البختري عن أبي الحسن الرضا (ع) هما سواء
أخر ذلك أو قدمه والاجماع غير ثابت لكن العمل على المشهور أخذا باليقين والروايات محمولة فيه على
ذوي الأعذار المذكورين كما ذكره الشيخ وغيره واستدلوا لهذا التأويل برواية إسحاق بن عمار قال
سألت أبا الحسن (ع) عن المتمتع إذا كان شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض يعجل طواف الحج قبل أن
يأتي منى قال نعم من كان هكذا يعجل وفي صحيحة صفوان في المتمتعة إذا خافت أن تضطر إلى ذلك
فعلت وفي معناهما غيرهما ونقلوا الاجماع أيضا على جوازه فيهم كالقارن والمفرد وعن ابن إدريس
المنع مطلقا مدعيا عليه الاجماع أيضا وحيث يقدم الطواف فليجدد التلبية بعد ركعتين أخذا
باليقين ثم يرجع إلى منى فيبيت بها وجوبا ليالي التشريق الثلاث أو الليلتين الأولتين خاصة
كما يأتي والقول باستحبابه شاذ ويرمي كل يوم من أيامه جمرات الثلاث سبعا سبعا كما ذكر
مبتدئا بالأولى ثم الوسطى ثم العقبة القصوى ولو رماها منكوسة أعاد بما يحصل به الترتيب و
ظاهره أن وقت الرمي ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس لأنه اليوم الشرعي عند الأكثر ومنهم المصنف
وإن كان فيه كلام والصحيح ما في المفاتيح أنه ما بين طلوع الشمس إلى غروبها كما في حسنة زرارة
وصحيحة منصور وأبي بصير خلافا للخلاف فبعد الزوال وللفقيه فإلى الزوال ويجوز لذي العذر أن يرمي
ليلا كالخائف والمريض والرعاة والعبيد كما في صحيحة ابن سنان وحسنة زرارة ومحمد بن مسلم
وموثقة سماعة وغيرها وفي المدارك أن الظاهر أن المراد بالرمي ليلا رمي جمرات كل يوم وليلته
ولو لم يتمكن من ذلك لم يبعد جواز رمي الجميع في ليلة واحدة لأنه أولى من الترك والتأخير
وربما كان في اطلاق بعض الروايات دلالة عليه وفيه نظر ويجوز لذي العذر مريضا أو غيره أن يرمى
عنه مع العجز عن المباشرة وفي استفادة هذا الاطلاق من الرواة نظر والأولى أن يحمل المريض
إلى الجمار فإن قدر على أن يرمي وإلا فارم عنه وهو حاضر كما في رواية أبي بصير وفي رواية إسحاق بن
عمار قلت فإنه لا يطيق ذلك قال لا يترك في منزله ويرمي عنه ثم بعد مبيت ليلتين بمنى من اتقى في احرامه
الصيد والنساء تخير في النفر منها بين اليوم الثاني عشر وهو النفر الأول والثالث عشر وهو النفر
الأخير بالكتاب والسنة والاجماع ومن لم يتقهما أو أحدهما يتعين عليه الأخير ومنهم من ألحق بهما كل محظور
يوجب الكفارة وفي رواية سلام بن المستنير عن أبي جعفر (ع) لمن اتقى الرفث والفسوق والجدال و
ما حرم الله عليه في احرامه إلا أنه لم يجز في الأول إلا بعد الزوال والرمي اجماعا ويسقط عنه الرمي
الثالث فيدفن حصياته ثمة إن كان قد التقطها ندبا وإنما يجوز قبل الغروب فلو غربت عليه الشمس
ولو بمنى وجب عليه المبيت بها والرمي يومه اجماعا ويجب الترتيب بين المناسك كما ذكر إلا في
مناسك منى مطلقا عند بعضهم في تقديم الذبح على الحلق خاصة عند آخرين فإن الذبح ربما يجوز
طول ذي الحجة اختيارا كما في مصباح الشيخ وإن كان خلاف الأفضل كما صرح به والأحوط لمنافاته
التأسي وفقد ما يدل عليه صريحا
باب المحرمات وبعض المكروهات في الاحرام وهي صيد البر
بالضرورة من الدين قال الله (تع) وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما وهو كل حيوان ممتنع بالأصالة مطلقا وربما يقيد بالمحلل وقد استفاضت النصوص مصرحة بشمول الحكم لجميع وجوهه حيازة
باثبات اليد عليه ولو بالاغلاق وذبحا ولو صاده محللا وأكلا ولو ذبحه محللا ودلالة بالقول
والكتابة ونحوهما وإشارة باليد أو غيرها من الأعضاء وتسبيبا ولو بإعارة سلاح وكذا يحرم
بيضه وفرخه أما صيد البحر فلا يحرم شئ منه بالضرورة قال الله سبحانه أحل لكم صيد البحر و
طعامه وهو كل ما يبيض ويفرخ في الماء فالبط والإوز بريان وكذا الجراد كما نقل عليه الاجماع
والنساء جماعا وهو الرفث كما فسر في الصحيح واستمناء بهن بملامسة أو غيرها بل يحرم الاستمناء
مطلقا ولو بغيرهن وتقبيلا ولمسا وشما ونظرا بشهوة وعقدا لنفسه ولغيره وشهادة عليه
تحملا اجماعا وإقامة مطلقا على المشهور خلافا للشيخ فيما إذا تحملها محللا وخصه في التذكرة بما
إذا وقع بين محرمين أو محرم ومحل ونفى عنه البأس في المفاتيح وكذا الرجال بالنسبة إليهن في
جميع ذلك وتجوز مراجعة المطلقة الرجعية قولا واحدا وكذا شراء الإماء مطلقا وقيل بشرط
أن لا يقصد المباشرة عند الشراء وهو تقييد للنص من غير دليل والطيب وهو كل ذي رائحة طيبة
يتخذ للشم عرفا سواء كان سواء سواء كان حيوانيا كالمسك والزباد أو نباتيا كالصندل والعود
181

وربما يخص التحريم بما تضمنته صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) إنما يحرم من الطيب أربعة
أشياء المسك والعنبر والزعفران والورش غير أنه يكره للمحرم الأدهان الطيبة الريح وفي صحيحة
ابن أبي يعفور العود مكان الورش ومنهم من أضاف إليها الكافور لتحريمه على الميت فالحي أولى
ولا بأس بخلوق الكعبة وإلا العطر في المسعى وكذا الفواكه كالأترج والتفاح والسفرجل وفي تحريم
النباتات الرطبة كالورد والبنفسج وكراهتها قولان وفي صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله (ع)
لا تمس الريحان وأنت محرم وفي صحيحة ابن عمار عنه (ع) لا بأس أن تشم الإذخر والقيصوم والخزامي
والشثح وأشباهه وأنت محرم وكيف كان فالحكم في المحظور منه يشمل جميع وجوهه شما وسعوطا
في الأنف وأكلا واطلاء وحقنة بلا خلاف وادهانا ولو قبل الاحرام إذا بقيت رايحته إليه و
القول بالكراهة شاذ واكتحالا وعلى المشهور فإن اضطر إلى شئ منه جاز مطلقا وقبض على أنفه
كما في صحيحة الحلبي ومحمد بن مسلم وصحيحة ابن عمار والتخصيص بالأكل واللمس كما يوجد في بعض كلماتهم
مدفوع باطلاقهما ولا يقبض عليه من الرايحة الكريهة أخذا باليقين للنهي عنه فيهما وصرح في الدروس
بالتحريم وترك الأدهان مطلقا أحوط أما المطيبة فكما ذكروا ما غيرها فلاندراجها تحت
الاطلاقات الناهية وإن أمكن تخصيصها بالأولى كما فعله جماعة والاكتحال بالسواد والنظر
في المرأة لأنهما من الزينة كما ورد والقول بكراهتهما شاذ وإزالة الشعر قليله وكثيره بالحلق أو
النتف أو النورة أو غيرها ولا فرق في ذلك بين اللحية والجسد والرأس ولو بحلق رأس غيره
مطلقا والتخصيص بالمحرم خروج عن اليقين وتقليم الأظفار أو بعضها والمحرم إزالتها مطلقا
واخراج الدم بالفصد والحجامة وحك الجسد وغيرها أخذا باليقين لتعارض الروايات فيه و
إن أمكن حمل المانعة على الكراهة كحمل المبيحة على الضرورة لجوازه حينئذ اجماعا ولم يذكره في المفاتيح
وقتل هوام الجسد على المشهور وهي بتشديد الميم جمع هامة كدابة لفظا ومعنى ومورد
الروايات القملة خاصة ومن ثم فسره بها في المفاتيح وإن عمم غيره لعموم صحيحة معاوية بن عمار
إذا أحرمت فاتق قتل الدواب كلها إلا الأفعى والعقرب والفأرة وصحيحة زرارة في المحرم
يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة وفيه ما فيه ويجوز نقلها من مكان إلى آخر من جسده مط
والتقييد بالمساوي أو الأحرز تقييد للنص من غير دليل والقاء الحلم بفتحتين وهو القراد
العظيم عن البعير خلافا للمشهور ولا يحرم القاء القراد عنه لصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد
الله (ع) ألقي عن المحرم القراد عن بعيره فلا بأس ولا يلقى الحلمة وفي حسنة حريز عنه (ع) إن القراد
ليس من البعير والحلمة من البعير بمنزلة القملة من جسدك فلا تلقها والق القراد وفي معناهما
غيرهما ويجوز القاؤهما عن نفسه وصغار لهما لأنهما رقيا في غير مرقاهما كذا في صحيحة ابن سنان
والفسوق والجدال كما في الآية وفسر الأول في صحيحة ابن عمار بالكذب والسباب وفي صحيحة علي بن
جعفر بالكذب والتفاخر وجمع بينهما في المختلف بأن التفاخر لا يغني عن السباب لأنه لا يتم إلا
بذكر فضائل له وسلبها عن خصمه أو سلب ذمائم عن نفسه واثباتها لخصمه وخصه بعضهم بالكذب على الله ورسوله والأئمة (ع) وعممه بعضهم لكل لفظ قبيح وأما الثاني ففسر في عدة من
الصحاح بقول الرجل لا والله وبلى والله وهل هو مجموع اللفظين أو يصدق على أحدهما قولان
أظهرهما الثاني وفاقا للمنتهى وكذا الخلاف في أنه هل ينحصر في الصيغتين أو يشمل مطلق اليمين
واختار ثانيهما في الدروس فإن كان مستنده صحيحة ابن عمار عن أبي عبد الله (ع) أن الرجل إذا
حلف ثلاثة أيمان في مقام ولاء وهو محرم فقد جادل وعليه حد الجدال دم يهريقه ويتصدق
به ففيه من الضعف ما لا يخفى وفي صحيحة أبي بصير عنه (ع) إنما ذلك يعني الجدال المتقى فيما كان
فيه معصية ولبس الخاتم للزينة للنهي عنه في رواية مسمع ولا يحرم للسنة وبه يجمع بينها وبين
ما يدل على الجواز وكذا لبس ما لا تعتاده المرأة من الحلي مطلقا أما للزينة فبالاجماع وأما لغيرها
فعلى المشهور وكذا المعتاد منه للزينة وكذا إظهاره للزوج مطلقا ولبس القميص للرجل دون
المرأة على الأصح الأشهر وكذا القبا والسراويل والثوب المزرور والثوب المدرع ففي صحيحة ابن
عمار إذا لبست قميصا وأنت محرم فشقه وأخرجه من تحت قدميك وفي صحيحة الحلبي إذا
اضطر المحرم فشقه وأخرجه من تحت قدميك وفي صحيحة الحلبي إذا اضطر المحرم إلى القباء و
لم يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا ولا يدخل يديه في يدي القبا وفي أخرى لابن عمار لا تلبس
ثوبا له إزرار وأنت محرم إلا أن تنكسه ولا ثوبا تتدرعه ولا سراويل إلا أن لا يكون لك إزرار
ولا خفين إلا أن لا يكون لك نعل وأما تحريم المخيط مطلقا كما تكرر في كلام الأصحاب و
يومي إليه ما سبق في باب الهيئة ونقلوا عليه الاجماع فقد اعترف الشهيد ومن تأخر عنه بخلو
الأخبار عنه وفي الصحيح عن زرارة عن أحدهما (ع) قال سألته عما يكره للمحرم أن يلبسه فقال
يلبس كل ثوب إلا ثوبا يتدرعه والمفهوم منها ومما قبلها أن المناط في غير ما ورد النهي عنه بالخصوص إنما هو الادراع والتزرير فلا حرج لو اشتمل بما لا يصدق عليه الادراع أو لبس
طيلسانا لم يزره عليه وقد ورد الإذن فيه بخصوصه في عدة من الأخبار وتقييده بالضرورة
كما في الإرشاد شاذ وهو كما قيل ثوب منسوج مخيط بالبدن أو خفا أو جوربا مع الضرورة
كما في صحيحتي الحلبي ورفاعة والحاق ما يشبهها مما يستر ظهر القدم كلا أو بعضا بهما خروج
عن المنصوص وشق ظهر قدميهما حينئذ أحوط عملا بما تضمن الأمر بذلك وإن كان في سنده
قصور وفي عبارة المتن من الحزازة ما لا يخفى فإن عطف لبس الطيلسان والخف والجورب
182

على ما يستثنى من لبس القميص وما عطف عليه مما لا يكاد يفرض له وجه استقامة إلا
بتعسف شديد والحرير والقفازين للمرأة على الاحتياط ففي صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد
الله (ع) المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفازين والمشهور في الأول
الكراهة وهو قرينة لها في الأخير أيضا لكن المشهور فيه التحريم وظاهر التذكرة والمنتهى
الاجماع والقفاز كرمان شئ يعمل لليدين يحشى بقطن تلبسهما المرأة للبرد وتغطية الرأس
للرجل اجماعا وكذا الأذن كما في المفاتيح وغيره لصحيحة عبد الرحمن قال سألت أبا الحسن (ع)
عن المحرم يجد البرد في أذنيه يغطيهما قالا لا وتغطية الوجه للمرأة لأن احرامها في وجهها كما أن
احرام الرجل في رأسه كما في النبوي وغيره وقد نقلوا الاجماع على جواز سدل ثوبها من فوق رأسها
على وجهها إلى طرف أنفها وفي بعض الصحاح إلى الذقن وفي بعضها إلى نحرها مطلقا أو إذا كانت راكبة
ومنهم من أوجب المجافات بخشبة ونحوها لئلا يصيب البشرة والنصوص خالية عنه والتظليل
راكبا له على المشهور وخلاف ابن الجنيد شاذ ويجوز للمرأة والصبي وحالة النزول والمشي وقيل
لا ينصب ثوبا فوق رأسه سايرا مطلقا والارتماس في الماء لهما أما إفاضة الماء على الرأس
فجايز لهما كما ورد ويجوز اتيان هذه المحرمات كلها مع الاضطرار فإنها حينئذ من التسعة
المرفوعة كما سبق وكلما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر وإنما يخص بعضها باستثناء حال الضرورة
تبعا للنصوص ويكره استعمال الحناء للزينة وقيل بتحريمه ولا يخلو من قوة ودخول الحمام وبها يجمع
فيه بين ما دل على المنع والجواز ودلك الجسد فيه وفي غيره وفي صحيحة ابن عمار لا بأس أن يدخل المحرم
الحمام ولكن لا يتدلك وفي صحيحة يعقوب بن شعيب يفيض الماء على رأسه ولا يدلكه وفي معنا
هما غيرهما من دون معارض فالتحريم قوي كما هو ظاهر بعض المتأخرين باب الآداب وأكثرها
من السنن وهي أمور كثيرة والأصل الأول اخلاص النية لله عز وجل عن كل شوب خصوصا
عن الرياء والسمعة فإنهما فيه أقوى فعن أبي عبد الله (ع) من حج يريد به الله لا يريد به رياء وسمعة
غفر الله له البتة وعنه (ع) الحج حجان حج لله وحج للناس فمن حج لله كان ثوابه على الله الجنة ومن
حج للناس كان ثوابه على الناس يوم القيامة والتأدب بآداب السفر كما يأتي في باب السفر من كتاب
المعيشة ولا سيما توسع الزاد وتطييبه وفي الحديث النبوي ما من نفقة أحب إلى الله من نفقة
قصد ويبغض الاسراف إلا في حج أو عمرة وعن علي بن الحسين (ع) أنه كان إذا سافر إلى مكة للحج أو العمرة
تزود من أطيب الزاد من اللوز والسكر والسويق المحمض والمحلى وطيب الكلام ولينه وخفض الجناح
مع الرفقة والصبر على أذى الجمال والمكاري ما استطاع فورد عن النبي صلى الله عليه وآله بر الحج طيب الكلام واطعام
الطعام وليس للحج المبرور جزاء إلا الجنة وعدم المماكسة في الكري وفي ثمن الأضحية وهما من الأربعة
التي لا يماكس فيها ولا الاغتنام بالانفاق بالجزيل وبما أصيبه في المال فدرهم منه بعد سبعمائة درهم
في غيره من وجوه سبيل الله وفي رواية مائة ألف وفي أخرى ألفي ألف وأن تكون النفقة حلالا فورد
أن من حج بمال حرام نودي عند التلبية لا لبيك عبدي ولا سعديك وفي آخر خطبة خطبها رسول
الله صلى الله عليه وآله من اكتسب مالا حراما لم يقبل الله منه صدقة ولا عتقا ولا حجا ولا اعتمارا وأن تكون اليد خالية
عن تجارة تشغل القلب وتفرق الهم وما ورد في اجزاء حج المتاجر موجه إما بالتقييد باعتبار الوصف
إن اعتبر تقييديا أو أن الاجزاء في ظاهر الشريعة كثيرا ما يتحقق مع فوات الكمال المستلزم للقبول كما تقدم
نظيره وأن يكون القلب مطمئنا عن ذكر الأهل والأولاد وكل شاغل منصرفا عن جميع ذلك إلى ذكر
الله وتعظيم ما يشاهد من شعائره فإنه من تقوى القلوب محضرا عند كل حركة وسكون من الأفعال
والتروك الموظفة متذكرا به أمرا أخرويا يناسبه كما في مصباح الشريعة قال أبو عبد الله (ع) إذا أردت
الحج فجرد قلبك لله (تع) من كل شاغل وحجاب حاجب وفوض أمورك كلها إلى خالقك وتوكل
عليه في جميع ما تظهر من حركاتك وسكناتك وسلم لقضائه وحكمه وقدره وودع الدنيا والراحة
والخلق وأخرج من حقوق تلزمك من جهة المخلوقين ولا تعتمد على زادك وراحلتك وأصحابك
وقوتك وشبابك ومالك مخافة أن يصير ذلك عدوا ووبالا فإن من ادعى رضا الله واعتمد على
ما سواه صيره عليه وبالا وعدوا ليعلم أنه ليس له قوة ولا حيلة ولا لأحد إلا بعصمة الله وتوفيقه
فاستعد استعداد من لا يرجو الرجوع وأحسن الصحبة وراع أوقات فرايض الله وسنن نبيه صلى الله عليه وآله
وما يجب عليك من الأدب والاحتمال والصبر والشكر والشفقة والسخاوة وايثار الزاد على دوام
الأوقات ثم اغسل بماء التوبة الخالصة ذنوبك والبس كسوة الصدق والصفا والخضوع والخشوع
وأحرم من كل شئ يمنعك عن ذكر الله ويحجبك عن طاعته ولب بمعنى إجابة صادقة صافية
خالصة زاكية لله سبحانه في دعوتك متمسكا بالعروة الوثقى وطف بقلبك مع الملائكة حول العرش
كطوافك مع المسلمين بنفسك حول البيت وهرول هربا من هواك وتبرأ من حولك وقوتك وأخرج
من غفلتك وزلاتك بخروجك إلى منى ولا تتمن ما لا يحل لك ولا تستحقه واعترف بالخطايا بعرفات
وجدد عهدك عند الله بوحدانيته وتقرب إليه واتقه بمزدلفة واصعد بروحك إلى الملأ الأعلى
بصعودك على الجبل واذبح حنجرة الهوى والطمع عنك عند الذبيحة وارم الشهوات والخساسة والدنائة
والذميمة عند رمي الجمار واحلق العيوب الظاهرة والباطنة بحلق شعرك وادخل في أمان الله وكنفه
وستره وكلائته من متابعة مرادك بدخول الحرم ودر حول البيت متحققا لتعظيم صاحبه ومعرفة
جلاله وسلطانه واستلم الحجر رضا بقسمته وخضوعا لعزته وودع ما سواه بطواف الوداع واصف
سرك وروحك للقائه يوم تلقاه بوقوفك على الصفا وكن بمرأى من الله تقيا عند المروة واستقم على
183

شرط حجتك هذه ووفاء عهدك الذي عاهدت به مع ربك وأوجبته له إلى يوم القيامة واعلم أن
الله لم يقرض الحج ولم يخصه مع جميع الطاعات بالإضافة إلى نفسه بقوله (تع) ولله على الناس حج
البيت من استطاع إليه سبيلا ولا شرع نبيه سنته في خلال المناسك على ترتيب ما شرعه إلا للاستعداد والإشارة إلى الموت والقبر والبعث والقيامة والجنة والنار بمشاهدة مناسك الحج من أولها
إلى أخرها لأولي الألباب انتهى كلامه صلوات الله عليه وسلامه ووجدت في عدة مواضع أوثقها بخط
بعض المشايخ الذين عاصرناهم مرسلا أنه لما رجع مولينا زين العابدين (ع) من الحج استقبله الشبلي
فقال له (ع) حججت يا شبلي قال نعم يا بن رسول الله فقال له أنزلت الميقات وتجردت عن مخيط الثياب و
اغتسلت قال نعم قال فحين نزلت الميقات نويت أنك خلعت ثوب المعصية ولبست ثوب الطاعة
قال لا قال فحين تجردت عن مخيط ثيابك نويت أنك تجردت من الرياء والنفاق والدخول في الشبهات
قال لا قال فحين اغتسلت نويت أنك اغتسلت من الخطايا والذنوب قال لا قال فما نزلت الميقات
ولا تجردت عن مخيط الثياب ولا اغتسلت ثم قال تنظفت وأحرمت وعقدت الحج قال نعم قال فحين
تنظفت وأحرمت وعقدت الحج نويت أنك تنظفت بنورة التوبة الخالصة لله (تع) قال لا قال فحين
أحرمت نويت أنك حرمت على نفسك كل محرم حرمه الله عز وجل قال لا قال فحين عقدت الحج نويت
أنك قد حللت كل عقد لغير الله عز وجل قال لا قال له (ع) ما تنظفت ولا أحرمت ولا عقدت الحج قال له
أدخلت الميقات وصليت ركعتي الاحرام ولبيت قال نعم قال فحين دخلت الميقات نويت أنك
دخلت بنية الزيارة قال لا قال فحين صليت ركعتين نويت أنك تقربت إلى الله بخير الأعمال من
الصلاة وأكبر حسنات العباد قال لا قال فحين لبيت نويت أنك نطقت لله سبحانه بكل طاعة وصمت
عن كل معصية قال لا قال له (ع) ما دخلت الميقات ولا صليت ولا لبيت ثم قال له أدخلت الحرم ورأيت
الكعبة وصليت قال نعم قال فحين دخلت الحرم نويت أنك حرمت على نفسك كل غيبة تستغيبها المسلمين
من أهل ملة الاسلام قال لا قال فحين وصلت مكة نويت بقلبك أنك قصدت الله سبحانه قال
لا قال (ع) فما دخلت الحرم ولا رأيت الكعبة ولا صليت ثم قال طفت بالبيت ومسست الأركان وسعيت
قال نعم قال فحين سعيت نويت أنك هربت إلى الله وعرف ذلك منك علام الغيوب قال لا قال فما
طفت بالبيت ولا مسست الأركان ولا سعيت ثم قال له صافحت الحجر ووقفت بمقام إبراهيم (ع) و
صليت به ركعتين قال نعم فصاح (ع) صيحة كاد يفارق الدنيا ثم قال آه آه ثم قال من صافح الحجر الأسود
فقد صافح الله سبحانه فانظر يا مسكين لا تضيع أجر ما عظم حرمته وتنقض المصافحة بالمخالفة و
قبض الحرام ونظر أهل الآثام ثم قال (ع) نويت حين وقفت عند مقام إبراهيم أنك وقفت على كل
طاعة وتخلفت عن كل معصية قال لا قال فحين صليت فيه ركعتين نويت أنك اتصلت بصلاة إبراهيم
وأرغمت أنف الشيطان لعنة الله قال لا قال له (ع) فما صافحت الحجر الأسود ولا وقفت عند المقام ولا
صليت فيه ركعتين ثم قال له أشرفت على بئر زمزم وشربت من مائها قال نعم قال أنويت أنك أشرفت
على الطاعة وغضضت طرفك عن المعصية قال لا قال فما أشرفت عليها ولا شربت من مائها ثم قال له
أسعيت بين الصفا والمروة ومشيت وترددت بينهما قال نعم قال نويت أنك بين الرجاء والخوف
قال لا قال فما سعيت ولا مشيت ولا ترددت بين الصفا والمروة ثم قال أخرجت إلى منى قال نعم
قال نويت أنك أمنت الناس من لسانك وقلبك ويدك قال لا قال فما خرجت إلى منى ثم قال أوقفت
الوقفة بعرفة وطلعت جبل الرحمة وعرفت وادي غرة ودعوت الله سبحانه عند الميل والجمرات قال
نعم قال هل عرفت بموقفك بعرفة معرفة الله سبحانه أمر المعارف والعلوم وعرفت قبض الله على
صحيفتك واطلاعه على سريرتك وقلبك قال لا قال فنويت بطلوعك جبل الرحمة إن الله يرحم
كل مؤمن ومؤمنة ويتوالى كل مسلم ومسلمة قال لا قال فنويت عند نمرة أنك لا تأمر حتى تأتمر ولا
تزجر حتى تنزجر قال لا قال فعندما وقفت عند العلم والنمرات نويت أنها شاهدة لك على الطاعات
حافظه لك مع الحفظة بأمر رب السماوات قال لا قال فما وقفت بعرفة ولا طلعت جبل الرحمة و
لا عرفت نمرة ولا دعوت ولا وقفت عند النمرات ثم قال مررت بين العلمين وصليت قبل مرورك
ركعتين ومشيت بمزدلفة ولقطت فيها الحصى ومررت بالمشعر الحرام قال نعم قال فحين صليت
ركعتين نويت أنها صلاة الشكر في ليلة عشر تنفي كل عسر وتيسر كل يسر قال لا قال فعندما مشيت
بين العالمين ولم تعدل عنهما يمينا وشمالا نويت أن لا تعدل عن دين الحق يمينا وشمالا لا بقلبك
ولا بلسانك ولا بجوارحك قال لا قال فعندما مشيت بمزدلفة ولقطت منها الحصى نويت أنك رفعت
عنك كل معصية وجهل وثبتت كل علم وعمل قال لا قال فعندما مررت بالمشعر الحرام نويت أنك
أشعرت قلبك شعار أهل التقوى والخوف لله عز وجل قال لا قال فما مررت بالعلمين ولا صليت
ركعتين ولا مشيت بالمزدلفة ولا رفعت منها الحصى ولا مررت بالمشعر الحرام ثم قال له وصلت
منى ورميت الجمرة وحلقت رأسك وذبحت هديك وصليت في مسجد الخيف ورجعت إلى مكة
وطفت طواف الإفاضة قال نعم قال فنويت عندما وصلت منى ورميت الجمار أنك بلغت إلى
مطلبك وقد قضى لك ربك كل حاجتك قال لا قال فعندما رميت الجمار نويت أنك رميت عدوك
إبليس وغضبته بتمام حجك النفيس قال لا قال فعندما حلقت رأسك نويت أنك تطهرت من الأدناس ومن تبعة بني آدم وخرجت من الذنوب كما ولدتك أمك قال لا قال فعندما صليت في
مسجد الخيف نويت أنك لا تخاف إلا الله عز وجل وذنبك ولا ترجو إلا رحمة الله (تع) قال لا قال
فعندما ذبحت هديك نويت أنك ذبحت حنجرة الطمع بما تمسكت به من حقيقة الورع وأنك
184

اتبعت سنة إبراهيم بذبح ولده وثمرة فؤاده وريحان قلبه وحاجة سنة لمن بعده وقربة إلى الله تعالى
لمن خلفه قال لا قال فعندما رجعت إلى مكة وطفت طواف الإفاضة نويت أنك أفضت من رحمة
الله تعالى ورجعت إلى طاعته وتمسكت بوده وأديت فرايضه وتقربت إلى الله تعالى قال لا قال له زين
العابدين (ع) فما وصلت منى ولا رميت الجمار ولا حلقت رأسك ولا ذبحت نسكك ولا صليت في مسجد
الخيف ولا طفت طواف الإفاضة ارجع فإنك لم تحج فطفق الشبلي يبكي على ما فرطه في حجه وما زال يتعلم
حتى حج من قابل من قابل بمعرفة ويقين انتهى وكان الشبلي هذا إن صحت الرواية رجل من أهل شبله غير
الشيخ المتأله الكبير أبي بكر المعروف بين المشايخ بالشبلي لأنه متأخر العهد عن زين العابدين (ع)
بكثير وأما احتمال أن يكون المراد بزين العابدين أحد العلويين غير علي بن الحسين (ع) ففي غاية البعد
ومما يضعفه وجود لفظة عليه السلام في جميع ما وجدناه من النسخ ومن الأدب أن يكون أشعث
أغبر غير متزين كما في حديث أمير المؤمنين (ع) وغيره فإنه أبلغ في التذلل ومخالفة النفس وأن يمشي إن قدر
على المشي خصوصا بين المشاعر من الميقات إلى عرفات إلى مكة فورد عن أبي عبد الله (ع) بعدة طرق و
متون ما عبد الله بشئ أفضل من المشي وزيد في بعضها إلى بيته الحرام وعن أبي جعفر (ع) قال رسول
الله صلى الله عليه وآله من حج بيت الله ماشيا كتب الله له سبعة آلاف حسنة من حسنات الحرم قيل وما حسنات الحرم
قال حسنة ألف ألف حسنة وقال فضل المشاة في الحج كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم وإنما يفضل المشي إذا
كان على وجه التواضع لله سبحانه والتعبد وتحرى أحمز الأعمال واختيار أشق الطاعتين على النفس لا لتقليل
النفقة والضنة بمؤنة الركوب مع اليسار فإن الركوب حينئذ أفضل كما ورد عن أبي عبد الله (ع) أنه سئل
عن المشي أفضل أو الركوب فقال إذا كان الرجل موسرا فمشى ليكون أقل لنفقته فالركوب أفضل سيما
لمن ضعف وساء خلقه بالمشي وقصر في العمل فورد أنه سئل (ع) عن الركوب فقال إن الناس يحجون مشاة و
يركبون فقيل أي شئ أحب إليك نمشي أو نركب فقال تركبون أحب إلى فإن ذلك أقوى على الدعاء والعبادة
وبعدة أسانيد أنه قيل له (ع) تريد الخروج إلى فقال لا تمشوا واركبوا فقيل له بلغنا أن الحسن بن علي (ع) حج
عشرين حجا ماشيا فقال كان الحسن بن علي (ع) يمشي وتساق معه المحامل والرحال وبهذا التفصيل تجتمع
اطلاقات تفضيل المشي والركوب وكان اعتبارهما وجهين كما فعله غيره أجود وأن يوفر الحاج شعر
رأسه من أول ذي القعدة ومن أراد العمرة وفر شعره شهرا كذا في صحيحة ابن عمار وغيرها وظاهر النهاية
وجوبه على المتمتع وفي رواية جميل عن أبي عبد الله (ع) في متمتع حلق رأسه بمكة أن تعمد بعد الثلاثين التي
يوفر فيها الشعر فإن عليه دما يهريقه وهي قريبة مما في المقنعة فإذا بلغ الميقات نظف بدنه بإزالة غيره
من التفث باطلائه سيما العانة والإبطين وغسله ودلكه وتقليم الأظفار والأخذ من الشارب واغتسل
غسل الاحرام وقيل بوجوبه كما مر ولم يذكره المصنف في الأغسال المسنونة اكتفاء بما هنا ويعيد لو أكل
أو لبس ما ليس له أو تطيب أو حدث قبله ويجوز تقديمه على الميقات إن خاف عوز الماء ويعيد إن وجده
ولبس ثوبيه مرتديا بأحدهما مؤتزرا بالآخر ويجوز أكثر من ثوبين يتقي بها الحر والبرد كما ورد وليكونا
من الكرسف تأسيا نظيفين غير وسخين ولا أسودين ولا مقدمين مشهورين ومن السنن أن لا يغسلهما
قبل الاحلال وإن توسخ إلا لنجاسة فلا يلبسه حتى يغسله ولا يبيعهما بل يعدهما ليكفن فيهما فيكره اخراجهما
من الملك مطلقا وأن يصلي فريضة ليحرم عقيبها وأفضلها صلاة الظهر أن اتفقت وإلا صلى ست ركعات
نافلة وأحرم في دبرها كما في رواية أبي بصير أو ركعتين كما في صحيحتي معاوية بن عمار ويقرء في الأولى التوحيد
وفي الثانية الجحد وإذا انفتل من صلاته يحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله ويدعو بالمأثور وهو اللهم إني أسئلك أن تجعلني ممن استجاب لك وآمن بوعدك واتبع أمرك فإني عبدك وفي قبضتك لا أوقى إلا ما وقيت
ولا آخذ إلا ما أعطيت وقد ذكرت الحج فأسئلك أن تغرمني عليه على كتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وآله
وتقويني على ما ضعفت عنه وتسلم مني مناسكي في يسر منك وعافية واجعلني من وفدك الذين رضيت
وارتضيت وسميت وكتبت اللهم فتمم لي حجتي وعمرتي اللهم إني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة
نبيك صلى الله عليه وآله فإن عرض لي عارض يحبسني فحلني حيث حبستني بقدرك الذي قدرت علي اللهم إن لم
حجة فعمرة أحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي وعظامي ومخي وعصبي من النساء والثياب والطيب أبتغي بذلك
وجهك وإن لم يتفق له ذلك فلا يترك أن يشترط على ربه أن يحله حيث حبسه وإن لم تكن حجة فعمرة وهو
مما لا خلاف في استحبابه وإنما اختلفوا في فائدته على أقوال أ التحلل عند الحبس بمجرد النية من دون هدي كما هو
ظاهر صحيحة ذريح إلا لمن ساقه كما نقل عليه الاجماع ب تعجيل التحلل من دون تربص إلى أن يبلغ الهدي محله وهو أحوط
سيما مع الاحصار كما في المفاتيح فإن ظاهر قوله (تع) فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ثبوت الهدي على المحصور
مطلقا والتخصيص بغير المشترط خلاف الظاهر ج سقوط التربص عن المحصور وسقوط الهدي عن المصدود
وهو قريب جدا د سقوط الحج من قابل لما في صحيحة ضريس بن أعين عن أبي جعفر (ع) فإن لم يكن قد اشترط فإن
عليه الحج من قابل واستشكله في المنتهى بأن الواجب المستقر في الذمة لا يسقط بالشرط وغيره غير واجب
التدارك وإن لم يشترط فالوجه حمل إلزام الحج في القابل مع ترك الاشتراط على شدة الاستحباب واستحسنه في
المدارك والمفاتيح مع أن في موضع آخر من المنتهى الاشتراط لا يفيد سقوط فرض الحج في القابل لو فاته الحج
ولا نعلم فيه خلافا ه استحقاق الثواب بذكر الاشتراط في عقد الاحرام لأنه دعاء مأمور به وإن لم يكن
له حكم مخالف لحكم غير المشترط وأن ينوي الاحرام بخصوصياته المعينة بقلبه ولسانه معا وفي صحيحة حماد بن
بن عثمان عن أبي عبد الله (ع) تقول اللهم إني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك وإن شئت
أضمرت الذي تريد وأن يضيف إلى التلبيات الواجبة وهي الأربع المذكورة الزيادات المأثورة وهي أن
الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك والقول بوجوبها قوي لبيك ذا المعارج لبيك لبيك داعيا
185

داعيا إلى دار السلام لبيك لبيك غفار الذنوب لبيك لبيك أهل لبيك لبيك ذا الجلال والاكرام
لبيك لبيك تبدئ والمعاد إليك لبيك لبيك تستغني ويفتقر إليك لبيك لبيك مرهوبا ومرغوبا
إليك لبيك لبيك إله الحق لبيك لبيك ذا النعماء والفضل الحسن الجميل لبيك لبيك كشاف الكرب
العظام لبيك لبيك عبدك وابن عبديك لبيك لبيك يا كريم لبيك ويكررها في دوام الاحرام وخصوصا
قوله لبيك ذا المعارج لبيك فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يكثر منها ويجددها كلما لقي راكبا أو علا أكمة أي شرفا أو
هبط واديا ومن آخر الليل بالأسحار وعند الاستيقاظ من النوم وفي ادبار الصلوات مكتوبة أو نافلة
وعند كل ركوب وحين ينهض به بعيره وعند كل نزول رافعا بها صوته كما في صحيحتي ابن عمار وابن يزيد ولا تجهر
بها المرأة فإنها من الأربعة التي وضعها الله عنهن ولا المحرم من مسجد الشجرة ميقات أهل المدينة إن كان راكبا
حتى يعلو البيداء فإذا علت راحلته البيداء جهر بها لصحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع) إن كنت ماشيا فاجهر
باهلالك وتلبيتك من المسجد وإن كنت راكبا فإذا علت راحلتك البيداء وهي نص في الباب فلا وجه
لنسبته إلى القيل في المفاتيح وفي حسنة معاوية بن عمار وغيرها اخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى أول البيداء إلى
أول ميل عن يسارك فإذا استوت بك الأرض راكبا كنت أو ماشيا فلب الحديث ولا يلبي المحرم من مكة
حتى ينتهي إلى الرقطاء دون الردم فإذا أشرف على الأبطح رفع بها صوته كما في صحيحة ابن عمار وغيرها وفي رواية
إن كنت ماشيا فلب عند المقام وإن كنت راكبا فإذا نهض بعيرك ويجب قطعها عند زوال الشمس من يوم
عرفه إن كان حاجا للأمر به في صحيحتي معاوية بن عمار وعمر بن يزيد وغيرهما وإذا شاهد بيوت مكة وحدت من
طريق المدينة بعقبة المدنيين حيال القصارين ومن طريق العراق بعقبة ذي طوي إن كان معتمرا بمتعة كما
في حسنة الحلبي وعند مشاهدة الكعبة إن كان معتمرا بمفردة وقد خرج من مكة للاحرام كما في صحيحة عمر بن
يزيد وإن أحرم بها من خارج فعند دخول الحرم كما في حديث مرازم وبهذا التفصيل يجمع بين اطلاقات الروايات
وربما يجمع بينهما بالتخيير وكلامه في المفاتيح أيضا صريح في وجوب القطع على الوجه المذكور في الجميع والمشهور
بين الأصحاب الاستحباب وإنما نقل القول بالوجوب عن شذاذ من المتقدمين في الأول خاصة واستحسنه
في المدارك ويغتسل من بئر ميمون الحضرمي في الأبطح للقادم إليها من العراق أو من فخ وهو على فرسخ من مكة
للقادم من المدينة ويدعو عند دخول الحرم بالمأثور وهو اللهم إنك قلت في كتابك وقولك الحق وأذن
في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق اللهم إني أرجو أن أكون ممن أجاب دعوتك
وقد جئت من شقة بعيدة ومن فج عميق سامعا لنداءك ومستجيبا لك مطيعا لأمرك وكل ذلك
بفضلك علي واحسانك إلى فلك الحمد على ما وفقتني له ابتغى بذلك الزلفة عندك والقربة إليك والمنزلة
لديك والمغفرة لذنوبي والتوبة علي منها بمنك اللهم صلى على محمد وآل محمد وحرم بدني على النار وآمني
من عذابك وعقابك برحمتك يا رحيم ويدخل مكة على غسل ويجزي غسله السابق إن كان لم ينتقض
ولو بنوم ونحوه كما يستفاد من الروايات واثبات غسل على حده لذلك غير مفهوم منها ولا ينافي هذا ما تقدم
في باب الأغسال كما يظهر بالتأمل وليكن بسكينة ووقار وفسرت السكينة هنا بالتواضع من جانب
من جانب الأبطح من الثنية العليا مطلقا كما هو الظاهر وفاقا للشهيد الثاني وخصه في المفاتيح
تبعا للتذكرة بالقادم من المدينة أو الشام فأما الذين يجيئون من سائر الأقطار فلا يؤمرون
أن يدوروا ليدخلوا من تلك الثنية واستحسنه في المدارك ويدخل المسجد الحرام كذلك على غسل و
لو مستصحبا بسكينة ووقار من باب بني شيبة تأسيا وورد أن هبل مدفون ثمة فالداخل منه واطي
له وهو الآن داخل المسجد بسبب الزيادات التي لحقت به بإزاء باب السلام ويستحب أن يكون حافيا
للأمر به في صحيحة ابن عمار وموردها دخول المسجد كما هنا دون مكة كما في المفاتيح وورد عند دخول الحرم
أيضا مقدما لليمين من الرجلين كما سبق داخلا بخشوع فإن من دخله بخشوع غفر له انشاء الله آتيا
بالمأثور عنده وعند النظر إلى الكعبة ففي الصحيحة إذا انتهيت إلى باب المسجد فقم وقل السلام عليك أيها
النبي ورحمة الله وبركاته بسم الله وبالله وما شاء الله والسلام على أنبياء الله ورسله والسلام
على رسول الله والسلام على إبراهيم والحمد لله رب العالمين فإذا دخلت المسجد فارفع يديك واستقبل
البيت وقل اللهم إني أسئلك في مقامي هذا في أول مناسكي أن تقبل توبتي وأن تجاوز عن خطيئتي
وتضع عني وزري الحمد لله الذي بلغني بيته الحرام اللهم إني أشهد أن هذا بيتك الحرام الذي جعلته
مثابة للناس وأمنا مباركا وهدى للعالمين اللهم إن العبد عبدك والبلد بلد لك والبيت بيتك
جئت أطلب رحمتك وأؤم طاعتك مطيعا لأمرك راضيا بقدرك أسألك مسألة الفقير إليك
الخائف لعقوبتك اللهم افتح لي أبواب رحمتك واستعملني بطاعتك ومرضاتك وإذا دنى من الحجر
الأسود رفع يديه وحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي وسأل أن يتقبل منه ويستلمه بالصاق بطنه
به كما في صحيحة يعقوب بن شعيب وقيل بوجوبه ويقبله فإن لم يقدر فيمسه بيده ويقبلها إن قدر
وإلا فيشير إليه بيده ويقبلها ويذكر الله بالمأثور وهو اللهم أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته ليشهد
علي بالموافاة اللهم تصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و
أن محمدا عبده ورسوله آمنت بالله وكفرت بالجبت والطاغوت وباللات والعزى وعبادة الشيطان
وعبادة كل ند يدعي من دون الله فإن لم يستطع أن يقول هذا فبعضه ويقول اللهم إليك بسطت
يدي وفيما عندك عظمت رغبتي فاقبل سبحتي واغفر لي وارحمني اللهم إني أعوذ بك من الفقر والكفر
ومواقف الخزي في الدنيا والآخرة ويطوف على سكينة ووقار يقصد في مشيه ويقارب بين خطاه
لتكثر فإن له بكل خطوة سبعين حسنة سواء في الأشواط الأولة والأخيرة وطواف القدوم وغيره و
ويدعو بالمأثور يقول اللهم إني أسئلك باسمك الذي يمشي به على طلل الماء كما يمشي به على جدد الأرض
186

وأسئلك باسمك الذي يهتز به عرشك وأسئلك باسمك الذي تهتز له أقدام ملائكتك وأسئلك
باسمك الذي دعاك به موسى من جانب الطور فاستجبت له وألقيت عليه محبة منك وأسئلك
باسمك الذي غفرت لمحمد صلى الله عليه وآله ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأتممت عليه نعمتك وأن تفعل بي كذا وكذا
فإذا انتهى إلى باب الكعبة صلى على النبي ويقول فيما بين الركن اليماني والحجر الأسود ربنا آتنا في الدنيا
حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ويقول في الطواف اللهم إني إليك فقير وإني خائف مستجير
فلا تغير جسمي ولا تبدل اسمي ويدنو من البيت دون الشاذروان وهو ما خرج من جدرانه إلى المسجد
وأصله بالدال المهملة فارسي ويجري عليه حكم البيت فإنه منه ويتفرع على ذلك عدم جواز مس الجدار حال
المشي بيده بل يقف حال المس ثم يخرجها عن الشاذروان ويمشي ويقبل الحجر الأسود في كل شوط إن قدر
وإلا فكما تقدم ويلتزم الأركان الأربعة كلها وأقله أن ينالها بيده سيما الركن اليماني والعراقي الذي
فيه الحجر تأسيا وايجاب سلار استلام اليماني شاذ كمنع ابن الجنيد استلام الشامي ويدعو عند بلوغ
الباب بالمأثور وهو سائلك فقيرك مسكينك ببابك فتصدق عليه بالجنة اللهم البيت بيتك والحرم
حرمك والعبد عبدك وهذا مقام العايذ المستجير بك من النار فاعتقني ووالدي وأهلي وولدي وإخواني
المؤمنين من النار يا جواد يا كريم ثم يصلي على النبي وآله وكلما بلغ الباب صلى عليهم وإذا بلغ حجر إسماعيل
رفع رأسه إلى الميزاب ودعا بالمأثور وهو اللهم أدخلني الجنة وأجرني من النار برحمتك وعافني من
السقم وأوسع علي من رزق الحلال وأدر عني شر فسقة الجن والإنس وشر فسقة العرب والعجم وفي
الشوط السابع يقف بالمستجار وهو بحذاء الباب من خلف قريب الركن اليماني ويسمي الملتزم والمتعوذ
أيضا فيبسط يديه على حايط البيت ويلزق به خده وبطنه يدعو بالمأثور وهو اللهم البيت بيتك
والعبد عبدك وهذا مكان العايذ بك من النار ويذكر ذنوبه مقرا بها مستغفرا منها فإنه مكان لم يقر عبد لربه بذنوبه ثم استغفر إلا غفر الله له فإذا أكمل شوطه صلى ركعتي الطواف وينبغي أن
يجتهد في الدعاء والاستجارة من النار بعد الصلاة ثم يأتي الحجر الأسود فيستلمه ويقبله أو يمسه بيده
ويدعو كما ذكر وهو من مقدمات السعي ثم يأتي زمزم ويستقي منها بيده بالدلو الذي يلي الحجر ويشرب
منه ويروي ويصب عليه ويدعو حين يشرب بالمأثور وهو اللهم اجعله علما نافعا ورزقا واسعا و
شفاء من كل داء وسقم ثم يخرج إلى الصفا من بابه المقابل ويصعده ويقوم عليه بقدر قراءة سورة
البقرة بترتيل وفي صحيحة معاوية بن عمار فاصعد إلى الصفا حتى تنظر إلى البيت وتستقبل الركن الذي
فيه الحجر الأسود والظاهر كما قيل إن المراد الأمر بالصعود والنظر إلى البيت واستقبال الركن لا
الصعود إلى أن ترى البيت لأن رؤية البيت لا تتوقف على الصعود ويحمد الله ويثني عليه ويذكر
من آلائه وحسن ما صنع إليه ما قدر على ذكره ثم يكبر ويحمد ويهلل سبعا سبعا ويدعو بما يسنح
وورد أنه ليس فيه شئ موقت وأفضله المأثورات وأخصرها اللهم إني أسئلك حسن الظن بك
في كل حال وصدق النية في التوكل عليك ثم ينحدر من أعلاه ويقف على المرقاة الرابعة حيال الكعبة
ويدعو بقوله اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وفتنته وغربته ووحشته وظلمته وضيقه وضنكه
اللهم أظلني في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك ثم ينحدر إلى السعي كاشفا عن ظهره ويدعو بقوله يا رب العفو
يا من أمر بالعفو يا من هو أولى بالعفو يا من يثيب على العفو العفو العفو يا جواد يا كريم يا قريب يا بعيد
أردد علي نعمك واستعملني بطاعتك ومرضاتك ثم يمشي متوجها إلى المروة والمسجد على يساره وعليه
السكينة والوقار إلى المنارة الأولى فيسعى ملأ فروجه كما في حديث ابن عمار أي مبلغ قدرته وهي
الهرولة وإنما تستحب للرجل دون المرأة وهي من الأربعة داعيا بقوله بسم الله والله أكبر وصل على محمد و
أهل بيته اللهم اغفر لي وارحم وتجاوز عما تعلم وأنت الأعز الأكرم إلى المنارة الأخيرة عند زقاق العطارين
فيقطع الهرولة ويمشي على سكون داعيا بقوله يا ذا المن والفضل والكرم والنعماء والجود اغفر لي ذنوبي
إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ويصعد المروة ويقوم عليها حتى يبدو له البيت ويطيله أيضا فورد عن أبي عبد الله (ع) من أراد أن يكثر ماله فليطل الوقوف على الصفا والمروة ويدعو كما في الصفا ويتضرع إلى الله
ويبكي ولو مثل رأس الذباب ويجتهد في الدعاء فهذا شوط كامل ثم ينحدر من المروة متوجها إلى الصفا
والمسجد على يمينه وهو الشوط الثاني فيتم سبعة أشواط كذلك فإذا أتمها قصر وخرج عن العمرة وتحلل
عما أحرم منه كما تقدم ثم إذا أحرم من بطن مكة بالحج توجه إلى منى يوم التروية قبل أن يصلي الظهرين أو
بعد على التخيير إلا الإمام فقيل لأن عليه ايقاعهما بمنى استحبابا مؤكدا وظاهر الشيخ وجوبه عليه وللمضطر و
المريض وخائف الضغاط والزحام أن يتعجلوا بيوم أو يومين كما في المفاتيح وفي موثقة ابن عمار أو
ثلاثة أيام ويستحب أن يكون حال توجهه على سكينة ووقار ذاكرا لله سبحانه داعيا بالمأثور وهو اللهم
إياك أرجو وإياك أدعو فبلغني أملي وأصلح لي عملي فإذا أتاها دعا بقوله الحمد لله الذي أقدمنيها صالحا
في عافية وبلغني هذا المكان اللهم إن هذه منى وهي مما مننت به علينا من المناسك فأسئلك أن
تمن علي بما مننت به على أوليائك فإنما أنا عبدك وفي قبضتك وصل العشائين ليلة عرفة بها في
مسجد الخيف وأفضله ما كان مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله في عهده منه وهو عند المنارة التي في وسطه
إلى ثلاثين ذراعا من جوانبها والزيادة من الإلحاقات وفي الصحيح عن أبي عبد الله (ع) أن حد منى من
العقبة إلى وادي محسر ويبيت بها إلى طلوع الفجر من يوم عرفة ويصليها بها ولا يخرج منها قبله إلا
لضرورة كالمريض والخائف والمشهور فيه الكراهة وحرمه بعضهم ولا يجوز وادي محسر وهو حدها
مما يلي المشعر إلا بعد طلوع الشمس وعلى الإمام أن يقيم بمنى إلى طلوع الشمس كما في صحيحة جميل و
غيرها ويدعو عند توجهه إلى عرفات بالمأثور وهو اللهم إليك صمدت وإياك اعتمدت ووجهك
187

أردت فأسئلك أن تبارك لي في رحلي وأن تقضي لي حاجتي وأن تجعلني ممن تباهي به اليوم من هو أفضل مني فإذا أتى عرفات ضرب خبائه بنمرة بفتح النون فكسر الميم وهي بطن عرنة بضم
الفاء ففتح العين بحيال الأراك قريبا من المسجد فإذا زالت الشمس قطع التلبية وجوبا واغتسل
ندبا وصل الظهرين أول الوقت يجمع بينهما بأذان واحد وإقامتين وعن أبي عبد الله (ع) إنما تعجل
بالصلاة وتجمع بينهما للتفرغ للدعاء فإنه يوم دعاء ومسألة وهو من الأوقات المرصودة فيأتي
سفح الجبل وهو أسفله الذي يسفح فيه سيله ويكره أعلاه وحرمه بعضهم في ميسرته وهو ميمنة
الجبل أو الضمير راجع إلى الجبل أي بالنسبة إلى القادم إليه من مكة على سكينة ووقار
متطهر فيقف بالكون فيه ثمة مطلقا والمشهور أن أفضل أفراده القيام لأنه أحمزها مطلقا ومنهم
من قيده بما إذا لم يناف الخشوع لشدة التعب فتسقط وظيفته حينئذ وليكن ذلك بعد جمع
رحله وضم أمتعته بعضها إلى بعض ليأمن عليه الذهاب فلا يفوته الاقبال والتوجه بقلبه إلى ما
به من الدعاء والضراعة والذكر ويدعو بدعاء الموقف والمأثورات فيه كثيرة أعلاها دعاء سيد
الشهداء (ع) ثم دعاء سيد الساجدين (ع) في الصحيفة ويدعوا لأبويه كثيرا ويستوهبهما من ربه ويؤثر
الدعاء لإخوانه المؤمنين على الدعاء لنفسه ويجتهد في الدعاء غاية الجهد ولا يمل منه ومن التضرع و
المسألة كما في موثقة أبي بصير ومنهم من أوجب صرف زمان الوقوف كله في ذلك ثم يفيض
إلى المشعر وهو المزدلفة بعد الغروب بعرفات مشتغلا بالاستغفار فإن الله يقول ثم أفيضوا
من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم وعليه السكينة والوقار كما في صحيحة
ابن عمار داعيا عند التوجه إلى المشعر بقوله اللهم إني أعوذ بك من أن أظلم أو أظلم أو أقطع رحما أو
أو ذي جارا وروي غيره وعند انتهائه إلى الكثيب الأحمر عن يمين الطريق بقوله اللهم ارحم موقفي
وزد في عملي وسلم لي ديني وتقبل مناسكي وينزل في بطن الوادي دون أن يرتفع على الجبل وفي
صحيحة الحلبي وغيره انزل ببطن الوادي عن يمين الطريق قريبا من المشعر وهو هنا أخص من المزدلفة
فقيل إنه ما قرب إلى المنارة وقيل جبل هناك يسمى قرخا وقيل إنه المسجد الموجود الآن فإن لم
يجد موضعا فيه فلا بأس بالصعود على المازمين أو الجبل لكن لا يجاوز الحياض للنهي عنه في حسنة
الحلبي وغيره ويصلي العشائين بأذان وإقامتين من غير نافلة بينهما ويؤخر نوافل المغرب بعد العشاء
جمعا بين فضيلتي الجمع والنافلة ولا يصلي المغرب إلا بها وإن ذهب ربع الليل إلى ثلثه كما في صحيحة محمد
بن مسلم وإن استطاع أن لا ينام تلك الليلة بل يحييها فليفعل فإن أبواب السماء لا تغلق تلك الليلة
لأصوات المؤمنين لهم دوي كدوي النحل كذا ويأخذ حصى الجمار التي يرميها بمنى من جمع وهو
بصيغة المصدر المزدلفة سمي بذلك لما ورد أن آدم جمع بين العشائين فيه أو لاجتماع الناس
به وإنما أظهر في موضع الاضمار محافظة على لفظ المأثور وإن شاء فمن رحله بمنى كما في حسنتي
معاوية وربعي أو حيث شاء من الحرم كما في حسنة زرارة إن أخذته من الحرم أجزأك وإن أخذته
من غير الحرم لم يجزك إلا المساجد مطلقا كما في المفاتيح وغيره بناء على تحريم خروج الحصى منها واقتصر
جماعة في الاستثناء على ما في رواية حنان عن أبي عبد الله (ع) يجوز أخذ حصى الجمار من جميع الحرم إلا
من المسجد الحرام أو مسجد الخيف ولا يأخذ الحصاة المرمية وهو المراد باشتراط البكارة في كلام
الأصحاب ولا يكسرها للنهي عنه في رواية أبي بصير وأما النهي عن المكسرة كما في كلام الأصحاب
فلا دلالة له عليها ولتكن رخوة منقطة وهي المراد بالبرش في بعض الروايات كحلية لا سوداء
ولا بيضاء ولا حمراء مثل الأنملة كما في رواية البزنطي ويغسلها وفي اشتراط طهارتها قولان ويشدها
في طرف ثوبه معدة لوقت الحاجة ويقف متطهرا بعد فريضة الصبح إلى طلوع الشمس للمختار وإلى
الزوال للمضطر اجماعا بسفح الجبل ويجوز ارتفاعه مع الزحام وقيل مطلقا ويدعو بالمأثور وهو اللهم
رب المشعر الحرام فك رقبتي من النار وأوسع على من رزقك الحلال وأدر عني شر فسقة
الجن والإنس اللهم أنت خير مطلوب إليه وخير مرغوب وخير مسؤول ولكل وافد جايزة فاجعل
جائزتي في موطني هذا أن تقيلني عثرتي وتقبل معذرتي وأن تجاوز عن خطيئتي ثم اجعل
التقوى من الدنيا زادي وإن كان الحاج صرورة استحب له أن يطأ المشعر بالمعنى
الأخص برجله كما في صحيحة الحلبي وغيره والظاهر صدقه مع الخف والحفاء وزاد الصدوق أو
براحلته إن كان راكبا ويجتهد في الدعاء ويعترف بذنوبه بعد طلوع الشمس واشراق ثبير
سبع مرات ويتوب إلى ربه سبعا ثم بعد الطلوع يفيض منها إلى منى ولا يفيض قبله مطلقا
أخذا باليقين والمشهور توقيتها لغير الإمام بما قبل طلوع الشمس بقليل وله بما بعده وكيف
كان فلا يجوز لأحد أن يجوز وادي محسر قبله قولا واحدا كما في المفاتيح وليكن في توجهه ملتبسا
بسكينة خلاف ما كان يفعل في الجاهلية وذكر واستغفار كما في صحيحة ابن عمار إلى أن يبلغ
وادي محسر ثم يسعى فيه إلى أن يتجاوزه كما ورد وفي بعضها مقدار مائة ذراع ومائة خطوة و
يحمل على تأكد الاستحباب وإن كان راحلا يحرك راحلته قليلا كما في هرولة ما بين الصفا والمروة
ويدعو بما دعا به رسول الله صلى الله عليه وآله وهو اللهم سلم لي عهدي واقبل توبتي واجب دعوتي واخلفني فيمن
تركت بعدي فإن ترك السعي رجع ولو من مكة وسعى وإن كان لا يعرفه سأل الناس كما في حديث
حفص وغيره ثم يمضي إلى منى وهو الموضع الذي تمنى فيه إبراهيم في نفسه أن يجعل الله مكان ابنه
إسماعيل كبشا يأمره بذبحه فداء له فأعطاه مناه كما روى عن أبي الحسن (ع) ويأتي الحمرة القصوى و
هي العقبة فيه كما سبق ويستحب أن يكون متطهرا وأوجبه بعض القدماء لصحيحة محمد بن مسلم
188

عن أبي جعفر (ع) لا ترم الجمار إلا وأنت على طهر والمشهور حملها على الكراهة جمعا ويقف في وسط
الوادي مستدبر القبلة مستقبل الجمرة يكون بينها وبينه عشر خطوات وفي المفاتيح وغيره
عشرة أذرع إلى خمسة عشر ذراعا كما في حسنة معاوية بن عمار ويدعو والحصى في كفه اليسرى
بقوله اللهم هؤلاء حصياتي فاحصهن لي وارفعهن في عملي والحسنة إنما تضمنت كون الدعاء
في يديه دون خصوص اليسرى وإنما تضمنته رواية أبي بصير وهي ظاهرة في حال الرمي
دون الدعاء والأمر هين ثم يتناول منها بيمناه واحدة واحدة ويرمي ولو رمى بها دفعة فالمحسوب واحدة كما قالوه وفي الحسنة ائت الجمرة فارمها من قبل وجهها ولا ترمها من أعلاها
ويرميها خذفا كما في المفاتيح وغيره وأوجبه بعض المتقدمين وفي صحيحة البزنطي عن أبي
الحسن (ع) في حصى الجمار تخذفهن خذفا وتضعها على الإبهام وتدفعها بظفر السبابة ويكبر
الله مع كل رمي ويدعو بالمأثور وهو اللهم ادحر عني الشيطان اللهم تصديقا بكتابك
وعلى سنة نبيك صلى الله عليه وآله اللهم اجعله حجا مبرورا وعملا مقبولا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا
فإن سقط من حصياته شئ لم يصب الجمرة أخذ مكانها من تحت رجليه إن لم يكن معه زيادة
ولا يقف عندها بعد الرمي بل ينصرف فإنه من السنة بخلاف الجمرتين الأخيرتين الأولى و
الوسطى فإن من السنة فيهما الوقوف بعد الرمي عندهما وإذا أتى رحله ورجع من الرمي قال
اللهم بك وثقت وعليك توكلت فنعم الرب ونعم المولى ونعم النصير ويشتري غير السايق
هديا عرف به أي أحضر عشية عرفة بعرفات وأوجبه المفيد لبعض الظواهر المحمولة في المشهور
على تأكد الاستحباب جمعا وربما يحمل عليه كلام المفيد أيضا ويصدق فيه البايع كما في صحيحة
سعيد بن يسار ويستحب أن يكون بدنه أو بقرة أنثيين أو كبشا ضائنا أو ماعزا فحلا ويجوز
العكس فيهما بلا خلاف يعرف كما في المنتهى وأن يكون كبش الأضحية سمينا ينظر في سواد ويمشي
في سواد ويأكل في سواد كما ورد في وصف أضحية رسول الله صلى الله عليه وآله وفي بعضها ويبول ويبعر في
سواد وأما يبرك في سواد كما في بعض عبارات الأصحاب فلم أقف على مأخذه والمراد إما كون
هذه الأعضاء منه سوداء فيكون وصفا برأسه لا ارتباط له بالسمن أو المبالغة فيه بعظم
الجثة وكثرة اللحم والشحم أو الماء أو المرعى والخضرة فإنها قد تسمى سوادا وفي روايات معاوية بن
عمار إذا رميت بالجمرة فاشتر هديك إن كان من البدن أو البقر وإلا فاجعله كبشا سمينا فحلا
فإن لم تجد فموجوء من الضأن فإن لم تجد فتيسا فحلا فإن لم تجد فما تيسر عليك وعظم شعائر
الله وفي بعضها فإن لم تجد من فحولة المعز فنعجة فإن لم تجد فما استيسر من الهدي وهي صريحة
في اجزاء فاقد الشرايط عند العوز كما اختاره المصنف ومن وافقه دون الانتقال إلى الصوم كما
قاله آخرون وبما ذكرناه ظهر ما في قوله فإن لم تجد فموجوء من الضأن وإلا فما تيسر من الخلل
وفسر قوله تعالى ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب باستحسان الذبايح واستسمانها
والمغالات في أثمانها واتخاذها بدنا فإنها أعظم ما يكون وكل ذلك مما يصيب رضاه سبحانه
ويقع منه موقع القبول من حيث إنه من علائم الاخلاص وصدق النية لا من حيث إنها لحوم سمينة ودماء مهراقة كما قال عز وجل لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى
منكم لما أراد المسلمون أن يلطخوا حائط البيت بدماء القرابين كما كانوا يفعلون في الجاهلية
ويدعو عند الذبح بالمأثور وهواية التوجه وما يليها إلى وأنا من المسلمين ثم يقول اللهم
منك ولك بسم الله والله أكبر اللهم تقبل مني ثم يمر السكين وينوي فداء نفسه بالهدي
اقتداء بالذبيح (ع) فإنه أصل هذه السنة الحسنة والمشهور أنه إسماعيل وقيل إسحاق وينحر الإبل
قائمة قد ربطت يداها بين الحف والركبة ويطعنها الناحر من الجانب الأيمن كما في صحيحة ابن سنان
ورواية الكناني ويتولى الذبح إذا أحسن ذلك تأسيا برسول الله صلى الله عليه وآله وإلا استناب فيه و
وضع يده مع يد الذابح كما في المفاتيح وغيره واستدلوا بحسنة ابن عمار عن أبي عبد الله (ع)
كان علي بن الحسين (ع) يجعل السكين في يد الصبي ثم يقبض الرجل على يد الصبي فيذبح وهي
أخص من المدعى ويأكل منها هو وأهله ثلثا ويهدي إلى إخوانه ولو أغنياء ثلثا ويتصدق
على البائس الفقير بثلث وقيل بوجوب التقسيم على الوجه المذكور ثم يحلق رأسه بنفسه أو بغيره
مستقبل القبلة كما في غيره مبتدئا بالناصية فإن بدأ بأحد شقيها فلتكن اليمنى داعيا بالمأثور
وهو اللهم أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة وإن شاء أن لا يحلق قصر بدلا عنه كالمرأة
فإنها تقصر كما سبق والحلق للصرورة والمعقص وهو من نسج شعره بعضه ببعض والملبد
وهو من ألزقه بعسل أو صمغ لئلا يقمل ويلشخ أولى بل يتعين عند الشيخ لظواهر كثير من الروايات
سيما للأخيرين فإن دلالتها عليه فيهما أوضح ومن ثم كان الخلاف فيهما أقوى وفاقد الشعر
برأسه يسقط عنه الحلق اجماعا وهل يجب عليه امرار الموسى على رأسه كما في حديث الحاج الخراساني
أم يستحب أقوال ثالثها الوجوب على من حلق في احرام العمرة والاستحباب على الأقرع وهو مورد
الحديث والأولى أن يقصر أخذا باليقين ويحتمل ارتباط المصدر بفعل التعين وما يليه فإن
الحكم في جميعها احتياطي والأحوط للصرورة والمحلق في احرام العمرة مع التقصير امرار الموسى
على رأسه أيضا فإن جهتي الاحتياط متحققتان فيه وهو أول مواطن التحلل كما تقدم فيتحلل
عما أحرم منه إلا النساء والطيب والصيد ويكره لبس المخيط وتغطية الرأس ولو بالارتماس إلى أن يسعى وهو ثانيها ويكره الطيب إلى أن يطوف للنساء لأنه من مقدماتهن كما ورد وبعد قضاء
189

مناسكه يفيض إلى مكة لوداع البيت مهللا ممجدا لله داعيا على سكينته والمراد بها ما يعم الوقار
فإذا بلغ مسجد الحصباء دخله واستلقى فيه على قفاه ساعة بقدر ما يستريح من غير أن ينام وهذا هو
التحصيب على ما فسره الشيخ في مصباحه وغيره إلا أن هذا المسجد غير معروف الآن لاندراسه وقيل إنه النزول بالمحصب وهو الشعب الذي مخرجه إلى الأبطح وفي موثقة أبي مريم عن أبي عبد الله (ع)
أنه سئل عن الحصبة فقال كان أبي ينزل بالأبطح ثم يدخل البيوت من غير أن ينام بالأبطح قلت أرأيت
من تعجل في يومين عليه أن يحصب قال لا وهي ظاهرة في أنه النزول بالأبطح أو تؤدى السنة بذلك و
كيف كان فاستحبابه مما نقل عليه الاجماع إلا أن ينفر النفر الأول وهو بعد زوال الثاني عشر فلا تحصيب
عليه حينئذ كما هو صريح الرواية فإذا دخل مكة ابتاع قبل أن يخرج منها بدرهم تمر أو تصدق به قبضة
قبضة يكون كفارة لما دخل عليه في احرامه من حك أو قملة سقطت أو نحو ذلك وما كان منه
بمكة مما لم يعلم به ولو تصدق ثم انكشف له موجبه ففي الاجزاء وجهان والشهيدان على الأول
ثم إن كان صرورة اغتسل لدخول البيت أو اجتزأ بغسل دخول المسجد لو كان مستصحبا ودخل
الكعبة حافيا بلا حذاء داعيا بالمأثور وهو اللهم إنك قلت ومن دخله كان آمنا فآمني من
عذاب النار فيصلي بين الأسطوانتين على البلاطة الحمراء وهي الرخامة وكان التعبير بها أجود
ركعتين يقرأ بعد الحمد في الأولى بحم السجدة وفي الثانية عدد أيها وهي أربع وخمسون من غيرها
ويصلي في زاواياه ويدعو بقوله اللهم من تهيأ وتعبأ الدعاء المذكور في الجمعة والعيدين وأن لا
يكن صرورة لم يتأكد في حقه استحباب الدخول فإن أحب دخلها من غير تحريم وبهذا يجمع بين اطلاقات
الأمر والنهي فإن دخل فليدخل بما ذكر من الآداب من الغسل والحفاء والدعاء وغيرها ولا يبزق فيها
ولا يمتخط ويستلم الأركان سيما اليماني ويدعو عند الخروج بعد التكبير ثلاثا بقوله اللهم لا تجهد بلائنا
ربنا ولا تشمت بنا أعدائنا فإنك أنت الضار النافع ثم يطوف أسبوعا لوداع البيت ويستلم الحجر
الأسود والركن اليماني في كل شوط إن استطاع وإلا فليفتتح به وليختتم فإن لم يستطع ذلك فموسع عليه
ويصلي ركعتيه حيث أحب من الحرم وأفضله خلف المقام ويأتي الحطيم وهو ما بين الحجر والباب فيتعلق
بأستار الكعبة كاللائذ وهو قائم ويتخير لنفسه من الدعاء ثم يستلم الحجر الأسود ثم يكشف الثوب عن بطنه
ويلصقه بالبيت ويحمد الله ويثني عليه ويصلي على محمد وآل محمد ويدعو بقوله اللهم صل على محمد عبدك
ورسولك ونبيك وأمينك وحبيبك ونجيك وخيرتك من خلقك اللهم كما بلغ رسالتك وجاهد في
سبيلك وصدع بأمرك وأوذي فيك وفي جنبك وعبدك حتى أتاه اليقين اللهم اقلبني مفلحا منجحا
مستجابا لي بأفضل ما يرجع به أحد من وفدك من المغفرة والبركة والرضوان والعافية اللهم إن
أمتني فاغفر لي وإن أحييتني فارزقنيه من قابل اللهم لا تجعله آخر العهد من بيتك اللهم إني عبدك
وابن عبدك وابن أمتك حملتني على دابتك وسيرتني في بلادك حتى أدخلتني حرمك وأمنك
وقد كان في حسن ظني بك أن تغفر لي ذنوبي فإن كنت قد غفرت لي ذنوبي فازدد عني رضا وقربني
إليك زلفى ولا تباعدني وإن كنت لم تغفر لي فمن الآن فاغفر لي قبل أن تنأى عن بيتك داري
وهذا أوان انصرافي أن كنت أذنت لي غير راغب عنك ولا عن بيتك ولا متبدل بك ولا به اللهم
احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي حتى تبلغني أهلي واكفني مؤنة عبادك وعيالي
فإنك ولي ذلك من خلقك ومني ثم يأتي زمزم ويشرب من مائها ولا يصب على رأسه ويخرج قائلا
آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون إلى ربنا راغبون إلى ربنا راجعون وليكن خروجه من
باب الحناطين وهو غير معروف أيضا بسبب الزيادة في المسجد إلا أنه في الدروس أنه بإزاء الركن
الشامي فينبغي أن يتحرى محاذاته إلى أن يخرج ويخر ساجدا عنده طويلا قبل الخروج مستقبلا للكعبة
حتى حين الخروج فيخرج قهقري قائلا اللهم إني أنقلب على أن لا إله إلا الله وسائلا من الله أن يتقبله
منه ولا يجعله آخر العهد من حجه بل يوفقه العود وينبغي العزم على ذلك كما سيأتي وروى ثقة
الاسلام في الحسن والصدوق في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) قال يستحب أن تطوف ثلاثمائة وستين
أسبوعا عدد أيام السنة فإن لم تستطع فثلثمائة وستين شوطا فإن لم تستطع فما قدرت
عليه من الطواف وتقدير أيام السنة بالعدد المذكور تقريبي لا تحقيقي لأن الشمسية تزيد عليه
بخمسة أيام أو ستة والقمرية ينقص عنه بمثل ذلك وعن بعض الحلبيين زيادة أربعة أشواط لتكميل
الأخير حذرا من كراهة القران وليوافق عدد أيام السنة الشمسية لا توافقه بزيادة أربعة على أن
اثبات الأحكام الشرعية بمثل هذه المناسبات القاصرة مشكل جدا والطواف للزائر وهو القادم
إلى مكة لأداء الفريضة مع العزم على الخروج بعد قضاء الوطر أفضل من الصلاة نافلة مطلقا ومنهم
من خصها بما عدا الرواتب وللمجاور وهو هنا المقيم الساكن بها بالعكس كما في صحيحة حريز وفي صحيحة
وغيره إذا أقام الرجل بمكة سنة فالطواف أفضل وإذا أقام سنتين خلط من هذا ومن هذا فإذا
أقام ثلاث سنين فالصلاة أفضل ويصلي ركعتي الطواف النافلة حيث شاء من المسجد ولا
يتعين خلف المقام اجماعا ومن السنن أن يعزم بعد قضاء نسكه على العود ليزيد في عمره كما في
رواية ابن سنان فإن لم يرده اقترب أجله ودنا عذابه كما في رواية ابن عثمان وفي معناهما
غيرهما وينزل بالمعرس وهو بضم الميم ففتح العين والراء المشددة أو فتح الميم وسكون العين
وتخفيف الراء على طريق المدينة مسجد بقرب مسجد الشجرة بإزائه مما يلي القبلة ويصلي فيه
ركعتين تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله وفي رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) إنما المعرس إذا رجعت
إلى المدينة ليس إذا بدأت
باب الخلل وتداركه إذا اصطاد المحرم شيئا من حيوان البر
190

من الدواب والطيور ولو بإصابة بيضها كفر وجوبا ببدنة في قتل النعامة وبقرة أهلية في بقرة
الوحش وحماره وشاة في الظبي والثعلب والأرنب وما لم يوجد من ذلك فض ثمنه على الطعام و
تصدق به على المساكين وفي تقديره بمد أو مدين روايتان وورد أنه يفض على الأول على ستين
مسكينا وفي الثاني على ثلاثين وفي الثالث على عشرة وما فضل فهو له ولا يجب عليه الاكمال لو نقص
عنه ومع العجز يصوم ثمانية عشر يوما في الأول وتسعة في الثاني وثلاثة في الثالث ومنهم من
ذهب إلى التخيير بين الخصال الثلاث وقواه في المفاتيح حملا لمستند الترتيب على الأفضلية إلا أنه
أحوط وفي قتل الحمام أيضا شاة وهو كل مطوق وفي القطاة حمل قد فطم ورعى وكذا الحجل والدراج
وفي العصفور والقبرة والصعوة مد من طعام وقيل في كل طير شاة فإن كان فرخا فجدي أو
حمل صغير من الضأن وقواه في المفاتيح وفي القنفذ والضب واليربوع جدي أو حمل فطيم على الخلاف
وكذا في الجراد تمرة أو كف من طعام وخير بينهما في المفاتيح جمعا بين مستنديهما وإن كان كثيرا فشاة
وإن شق التحرز عنه فلا شئ وورد كف الطعام في القاء القملة أيضا وفي الصحيح في قتلها لا شئ عليه
ولا يتعمد وفي كسر بيضة النعامة إذا تحرك فيها الفرخ بكرة من الإبل وقبل التحرك إرسال فحولة الإبل
في إناث منها بعدد البيض فما نتج فهو هدي سواء كسرها بنفسه أو بدابته فإن عجز ففي كل بيضة شاة و
مع العجز فإطعام عشرة مساكين فإن عجز صام ثلاثة أيام وفي بيضة القطاة مع التحرك بكرة من الغنم
وقبله إرسال فحولة في إناث منها بعدد البيض فما نتج فهو هدي ومع العجز فكبيض النعامة وفي بيض
الحمام المتحرك فرخه حمل أو جدي وقبله درهم يشتري به علفا لحمام الحرم إن كان حرميا أو يتصدق
به عند المصنف ومن وافقه وبيض القبج كبيض القطاة على المشهور وقيل الحمام واختاره في المفاتيح
لأنه صنف منه وكل ما لا تقدير فيه فقيمته وورد أن من كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين
فمن لم يجد صام ثلاثة أيام ومحل فداء الصيد للحاج منى وللمعتمر مكة على المشهور وروي أنه يفدي
حيث صاد وفيه رواية أخرى فكذا في جملة مما ذكر ومنها تشعب الأقوال والاختلافات طويناها
اكتفاء بما ذكر في المبسوطات وتثبت الكفارة بفعلها ابتداء عامدا كان أو خاطئا أو جاهلا أو ناسيا
أو ساهيا ويتكرر بتكرره في الأخيرة اجماعا فيهما أما الأول فالذي اختاره في المفاتيح عدم التكرر فيه
حوالة على الانتقام وظاهر اطلاقه هنا التكرر في الجميع وهو أحوط وإن واقع امرأته أو أمته أو أتى
بما دون الفرج وإن لم ينزل أو استمنى بعضو منه أو منها أو غيره أو قبل بشهوة أو غيرها أنزل معه
أم لا أو عقد لمحرم على امرأة ودخل بها فعليه بدنة في الجميع وكذا لو نظر إلى امرأته بشهوة فأمنى على المشهور
أو إلى غيرها فأمنى وكان موسرا فإن كان معسرا فشاة أو متوسطا فبقرة وقيل إن القبلة إن خلت من الشهوة
فشاة وفي جميع ذلك إذا كفر وأتم مناسكه صح حجه وعمرته وأجزأ عن فرضه إلا بالمواقعة فإنه مع التكفير
يفسد عبادته أيضا فيتمها وجوبا ويعيدها من قابل مطلقا فإن كان حجا ففي العام القابل قطعا وإن كان
عمرة فالذي ذكره المحقق وغيره أن الأفضل أن يكون في الشهر الداخل ومقتضى صحيحة بريد وروايتي مسمع و
علي وهي الأصل في الباب تعين ذلك ولا يبعد المصير إليه وإن قلنا بجواز توالي العمرتين أو الاكتفاء
بفصل العشرة في غير هذه الصورة إلا أن موردها جميعا العمرة المفردة ومن ثم خصه في التهذيب بها و
ما في المفاتيح وغيره من أن الأظهر شموله للمتمتع بها غير ظاهر الوجه وليس فيهما وجوب الاتمام بل ربما تشعر
بعدمه وعلى الوجوب لو كانت الفاسدة عمرة تمتع فالظاهر أنه يكفي اتمامها وحدها وإعادتها والآتيان
بالحج بعد ذلك مع سعة الوقت ولا يجب اتمامهما معا وإعادتهما في العام القابل والركون إلى ذلك بسبب
ما بينهما من الارتباط ضعيف جدا فإنه لا يخرجهما عن كونهما عبادتين ولو سلم فالارتباط إنما هو بين الصحيح
منهما والصحيح لا الصحيح والفاسد وقيل إن كان الوطي في الدبر فلا إعادة ودفعه في المفاتيح بتناول المواقعة
المنوط بها الإعادة في الروايات للأمرين وألحق بها في المنتهى الزنا ووطي الغلام لأنهما أبلغ في هتك
الحرمة فكانت العقوبة عليهما أولى بالوجوب وفي ظاهر العبارة موافقة لابن إدريس فيما ذهب إليه
من أن الفريضة من العبادتين المبراة للذمة إنما هي الثانية وأما اتمام الأولى فعقوبة والصواب
العكس كما ذهب الشيخ ومن وافقه لحسنة زرارة في محرم غشي امرأته وهي محرمة أن عليهما الحج من
قابل قلت فأي الحجتين لهما قال الأولى التي أحدثا فيها ما أحدثا والأخرى عليهما عقوبة وتظهر الفائدة
في النيابة والنذر المعينين وشبه ذلك وموردها وإن كان الحج لكن لا يعهد منهم الفرق بينه و
بين العمرة في ذلك كما لم يفرقوا بينهما في وجوب الاتمام والإعادة بالوقاع إلا أن يكون ذلك بعد وقوف
المشعر في الحج وبعد السعي في العمرة فلا إعادة حينئذ بل يكتفيان بالكفارة كما في غيره من التروك و
يلزمها مثل ذلك في الجميع لو طاوعته ولا يخلو أن في ذلك المكان الذي أصابا فيه الخطيئة إلا ومعهما
ثالث وهو معنى التفرقة المأمور به في كثير من الروايات حتى يفرغا من النسك في الأولى والثانية
جميعا وفي صحيحة معاوية بن عمار حتى يبلغ الهدي محله وقيل إنما يجب ذلك في الثانية خاصة دون الأولى
وعن ابن الجنيد أنه يفرق بينهما في الأولى من مكان الخطيئة إلى أن يعود إليه وربما يحمل مستنده على الاستحباب
جمعا وإن لبس ما ليس له لبسه من الثياب المفصلة والمخيط كما تقدم أو أكل طعاما لا ينبغي
له أكله كالمطيب والصيد أو غطى رأسه ولو بالارتماس في الماء أو التطين أو غطت وجهها حيث لا يجوز
ذلك أو أزال الشعر ولو شعرة قاصدا بالحلق أو النتف أو غيرهما أو قلم مجموع أظافير يديه أو رجليه أو كليهما
في مجلس واحدا وأفتاه بتقليم ظفره فأدماه كما في رواية الصيرفي أو حلف صادقا ثلاثا في مقام ولاء كما في
صحيحة معاوية وبها يتقيد بعض الاطلاقات أو جادل مصيبا كذلك أي ثلاثا فما زاد كما في صحيحة الحلبي
ومحمد بن مسلم وأما اشتراط كونها ولاء فمما لم أقف على مأخذه فعليه دم شاة في الجميع وكذا إذا ظلل
191

حيث يحرم عند الأكثر أو قلع ضرسه عند الشيخ وإن جادل مخطئا ولو مرة ومنه الحالف الكاذب فعليه
بقرة وفي بعض الروايات جزور وخصه بعضهم بالثلث لو قلم بعض أظفاره كان عليه في كل ظفر مد من
طعام كما في صحيحة أبي بصير وروي قبضه من طعام وفي وقوع شعر من رأسه أو لحيته بمس اليد كف منه
اجماعا وفي صحيحة هشام كف منه أو من سويق وفي الصحيح عن معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله (ع) المحرم
يعبث بلحيته فيسقط منه الشعرة والثنتان قال يطعم شيئا وفي حسنة الحلبي عنه (ع) إن نتف المحرم من شعر
لحيته وغيرها شيئا فعليه أن يطعم مسكينا في يده ومقتضاهما جواز الاكتفاء بما دون الكف إلا أن يكون
ذلك في الوضوء وربما يلحق به الغسل وإزالة النجاسة والحك الضروري والأصل رواية التميمي عن أبي
عبد الله (ع) في المحرم يريد إسباغ الوضوء فيسقط من لحيته الشعرة والشعرتان فقال ليس بشئ ما جعل
عليكم في الدين من حرج وجميع ما ذكر من تروك الاحرام إنما يحرم اتيانها اختيارا ولو اضطر إلى
شئ منها جاز اتيانه لكن لا تسقط الكفارة مع الاضطرار وإن جاز الفعل بلا خلاف فالفرق إنما هو
في الإثم وعدمه ويختص وجوب الكفارة في جميع ما ذكر إلا الصيد بالعالم العامد وأما الجاهل و
الناسي والساهي فلا شئ عليهم ويستغفرون الله عن التقصير في التعلم والتحفظ في الجميع وفي صحيحة
ابن عمار ليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلا الصيد فإن عليك الفداء فيه بجهل كان أو بعمد ومن
ترك شيئا من أركان الحج وهو ما يبطل بتركه عمدا لا سهوا إما الاحرام أو التلبية أو أحد الموقفين
بعرفة والمشعر أو طواف الزيارة أو السعي بين الصفا والمروة بعده أو الترتيب بينهما أو الترتيب
بين السعي وطواف النساء فقد أبطل حجه والمشترك منها بينه وبين العمرة ركن فيها أيضا تبطل بترك
شئ منه عمدا وكذا يبطل حج من سها عن الوقوفين فتركهما جميعا بالنص والاجماع فإن أدركهما كليهما
أو أدرك أحدهما خاصة فأقسامه بالنسبة إلى الاختياري والاضطراري ثمانية أربعة منها مفردة
وهي كل من الاختياريين والاضطراريين وأربعة مركبة وهي الاختياريان والاضطراريان واختياري
عرفة مع اضطراري المشعر وبالعكس ولا يجزي منها من المفردات صورتان هما ادراك عرفة وحدها
بقسيميها أما الاضطراري فقولا واحدا كما في الدروس وغيره وأما الاختياري فما اختاره المصنف
أوجه القولين في المسألة وعليه العلامة في المنتهى وإن كان المشهور خلافه بل نقل عليه الاجماع و
يجزي الست البواقي الأربعة المركبة والأخريان من المفردات بلا خلاف كما في المفاتيح إلا في صورتين
واحدة من صورة التركيب وأخرى من صورة الافراد وهما الاضطراريان واضطراري المشعر وحده
فإن المشهور فيهما عدم الاجزاء سيما الأخيرة فإن القول بالاجزاء فيها من شوذ الأقوال التي نقل في المنتهى
على خلافها الاجماع والروايات الدالة على ادراك الحج بذلك محمولة في المشهور على ادراك الفضيلة و
الثواب دون الفرض جمعا ومن ثم مال إلى التردد هنا فيما جزم به ثمة فحكم بأن من لم يكتف باضطراري
المشعر وحده وبالاضطراريين بل أعاد الحج من قابل فقد أخذ باليقين ومن أفاض من عرفات قبل الغروب
عالما أي عالما بالحكم وقت الاتيان بالفعل فيقابله الجاهل والناسي جبره بدنة ينحرها يوم النحر
فإن عجز صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في أهله كما في صحيحة ضريس وغيرها والقول بالشاة
مجهول المستند ولو كان جاهلا أو ناسيا ولم يرتفع عذره إلا بعد الغروب أو أعاد قبله فلا شئ
عليه بلا خلاف في الأولين وفي صحيحة مسمع بن عبد الملك إن كان جاهلا فلا شئ عليه وإن كان
متعمدا فعليه بدنة ولو ارتفع قبله فالوجه وجوب العود مع الامكان والدم مع عدمه وأما
الأخير فالخلاف فيه منقول عن بعض العامة لحصول الإفاضة المحرمة المقتضية للجبران فلا يسقط
إلا بدليل وهو غير بعيد وإن كان الأقرب السقوط كما في المدارك ومن أفاض من المشعر قبل الفجر
من غير ضرورة عامدا جبره بشاة وصح حجه عند الأكثر والأحوط البطلان كما ذهب إليه ابن
إدريس لفوات الركن الذي هو الوقوف بين الطلوعين كما سبق بدون ضرورة ومعها جايز
من غير جبران كما في الخائف والمستفاد من فحاوي الأخبار تحققها بحصول أدنى عذر من الأعذار
وكذا لا جبران على الناسي بلا خلاف وفي الحاق الجاهل بالعامد أو الناسي وجهان اختار أخيرهما
في المفاتيح واعلم أن البحث عن هذه المسألة على هذا الوجه إنما يلايم مذهب الجماعة من الاجتزاء
باختياري عرفة وحده دون ما اختاره المصنف من عدم الاجتزاء لأن المفيض من المشعر قبل
الفجر قد فاته وقوف المشعر بناء على ما سبق منه غير مرة من توقيته بما بين الطلوعين فيبطل
حجه البتة ولا ينجبر بالجبران إلا أن نمنع الكلية لاحتمال الرجوع وادراك أقل الوقوف ولو اضطراريا
فالمبحوث عنه هو حكم الإفاضة في هذا الوقت خاصة لا على وجه يستلزم تفويت المشعر واحتمال
الاجزاء بالمبيت كما اختاره العلامة في المنتهى وأشار إليه المحقق في الشرايع وإن كان للبحث
فيه مجال متسع فتأمل ومن أخر الحلق أو التقصير عن الطواف في الحج أعاد الطواف تحصيلا للترتيب
مطلقا لاطلاق صحيحة ابن يقطين عن أبي الحسن (ع) في المرأة رمت وذبحت ولم تقصر حتى زارت
البيت فطافت وسعت من الليل ما حالها وحال الرجل إذا فعل ذلك قال لا بأس به يقصر ويطوف للحج
ثم يطوف للزيارة ثم قد أحل من كل شئ وهو في العامد مما نقل عليه الاجماع وإن نقل في الدروس عن
ظاهر الأصحاب عدم الإعادة عليه وأما في الناسي فهو المعروف بينهم من غير تحقق خلاف إلا ما يؤذن
به كلام الشرايع وفي صحيحة جميل في الرجل يطوف البيت قبل أن يحلق قال لا ينبغي إلا أن يكون ناسيا
وهي غير صريحة في خلاف المشهور وإن كانت ظاهرة فيه واختلفوا في الجاهل والمشهور أنه كالأولين ويعزى إلى ظاهر الصدوق عدم وجوب الإعادة عليه وله عموم ما في الصحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وآله
أتاه أناس يوم النحر فقال بعضهم يا رسول الله حلقت قبل أن أذبح وقال بعضهم حلقت قبل أن أرمي
192

فلم يتركوا شيئا كان ينبغي لهم أن يقدموه إلا أخروه ولا شيئا كان ينبغي أن يؤخره إلا قدموه فقال
لا حرج والمشهور أولى وأحوط فإن تعمد ذلك جبره مع الإعادة بشاة ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع)
إن كان زار البيت قبل أن يحلق وهو عالم أن ذلك لا ينبغي كان عليه دم شاة ومن رحل من منى قبل
الحلق أو التقصير رجع إليها مع التمكن وقضى نسكه بها اجماعا كما هو ظاهر المنتهى والتذكرة وصريح
المفاتيح وأن لا يتمكن من الرجوع أتى به حيث يمكن في الطريق أو مكة وعليه يحمل اطلاق رواية مسمع
جمعا بين الأخبار ويبعث بشعره إليها ليدفن بها وجوبا عند قوم مطلقا وندبا عند آخرين كذلك
وفصل ثالث فأوجب على العامد دون غيره وله وجه كما في المفاتيح ومن ترك في الحج أو العمرة طواف
النساء عامدا أو نسي أحد الطوافين الزيارة والنساء أو نسي السعي أتى به وجوبا ولو بعد المناسك
فإن رجع إلى أهله استناب فيه بلا خلاف إلا أنهم اشترطوا في الاستنابة تعذر العود وفسره بعضهم
بمشقته ومنهم من خصه بما عدا طواف النساء والفرق خروجه عنهما كما يشعر به صحيحة الخزار المتقدمة
وغيرها وإن كان أخص من المدعى والمستفاد من كثير منها جوازها مطلقا ومتى كان المتروك طواف
طواف الزيارة وجب إعادة السعي عند المصنف ومن وافقه لصحيحة منصور بن حازم وحرمن عليه
إلى أن يطوف بنفسه أو بنائبه فإن واقع قبله فعليه بدنة مطلقا لصحيحة علي بن جعفر عن أخيه (ع)
قال سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده واقع النساء كيف يصنع قال يبعث بهدي
إن تركه في حج يبعث به في حج فإن كان تركه في عمرة بعث به في عمرة ووكل من يطوف عنه ما تركه من
طوافه والهدي محمول على البدنة وفي مستنده خفاء والمشهور سقوط الكفارة عن الناسي وتخصيص
بمن واقع بعد الذكر واستبعده في المفاتيح أخذا من المدارك بالتصريح فيها باستمرار النسيان إلى بعد
المواقعة وكأنه ابتناء على أن يكون قوله واقع النساء مدخولا لحتى معطوفا على قدم بلاده وفيه
منع ظاهر لاحتماله قريبا أن يكون صفة لرجل معطوفا على نسي على أن دخول ما بعد حتى في حكم ما قبلها
ليس بمعلوم الاطراد ومن زاد في طواف الفريضة أو السعي على الأشواط السبعة ولو خطوة فإن كان
متعمدا فقد أثم وأبطل على المشهور وفي مستنده قصور لكن لا بأس بمتابعتهم أخذا باليقين والاحتياط
أما في طواف النافلة فتكره الزيادة قولا واحدا ولو كان ساهيا أكمل أسبوعين وصلى للطواف أربعا
لكل أسبوع ركعتان وجعل أحدهما الأصل والآخر نافلة فإن كان السعي فهي الثاني كما في المفاتيح و
لا يشرع استحباب السعي إلا هنا وإن كان الطواف فالمستفاد من حديث سهو أمير المؤمنين (ع)
أنه الأول كما هو المنقول عن بعض القدماء وأنه تصلى ركعتاه بعد السعي وحمل على الأفضلية
لاطلاق الأمر بالاكمال وصلاة أربع ركعات في صحيحة أبي أيوب وغيرها وقيل إن هذا الاكمال على
سبيل الاستحباب فيكون الأول هو الفريضة وكيف كان فالمشهور أنه إنما يفعل ذلك بشرط اكمال
الشوط الثامن فيهما فلو ذكر قبل ذلك قطع ولا شئ عليه وقد نظر في المفاتيح في مستند هذا الاشتراط في الطواف ومن ثم لم يشترطه هنا إلا في السعي وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع)
أن في كتاب علي (ع) إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة واستيقن ثمانية أضاف
إليه ستا وكذلك إذا استيقن أنه سعى ثمانية أضاف إليه ستا وله طرحها فيه بل هو الأولى
والأحوط مطلقا سواء بلغت شوطا أم لا بل في صحيحة جميل حججنا ونحن صرورة فسعينا بين الصفا
والمروة أربعة عشر شوطا فسألنا أبا عبد الله (ع) عن ذلك فقال لا بأس سبعة لك وسبعة تطرح ومن
نقص فيه أتى به وجوبا ولو خطوة فإن رجع إلى بلده رجع مع المكنة وأتم ما نقص من دون استيناف
لعدم وجوب الموالاة فيه اجماعا وإن تعذر استناب ولا يتحلل إلا بعد القضاء عنه ومن نقص في الطواف
لعذر من نسيان أو حاجة أو مرض أو حدث أو لدخول البيت أو نحو ذلك على وجه يقوت به الموالاة
فالمشهور أنه إن تجاوز النصف عاد إلى طوافه وبنى على ما أتى به منه وإلا استأنف وإن خرج إلى أهله
استناب وفسر تجاوز النصف باكمال الأربع لا مطلق المجاوزة ومستنده غير واضح كأصل الحكم
نعم في رواية إسحاق بن عمار بطريق اللؤلؤي عن أبي الحسن (ع) فيمن اعتل علة لا يقدر معها على تمام طوافه
قال إذا طاف أربعة أشواط أمر من يطوف عنه ثلاثة أشواط وقد تم طوافه وفي مرسلة جميل عن أحدهما (ع)
في الرجل يحدث في طواف الفريضة وقد طاف بعضه قال يخرج ويتوضأ فإن كان قد جاوز النصف بنى
على طوافه وإن كان أقل من النصف أعاد الطواف وفي الصحيح عن ابن عطية عن أبي عبد الله (ع) في رجل
طاف بالبيت ستة أشواط قال وكيف طاف ستة أشواط قال استقبل الحجر وقال الله أكبر وعقد
واحد فقال (ع) يطوف شوطا وهو محتمل للجهل والنسيان وفي كثير من النصوص المعتبرة اطلاق الاستيناف
لحدوث المرض ودخول البيت وقضاء حاجة أخيه وفي حسنة أبان في رجل طاف شوطا
أو شوطين ثم خرج مع رجل في حاجة قال إن كان طواف نافلة بنى عليه فإن كان طواف فريضة لم
يبن عليه وفي بعضها اطلاق البناء لحضور صلاة الفريضة والوتر وبما ذكرناه ظهر أن الاستيناف
مطلقا في غير الأخيرين أولى وأحوط والفرق بينه وبين السعي وجوب الموالاة فيه في الجملة دونه
ومن شك في عددهما فإن كان بعد انصرافه لم يلتفت مطلقا بلا خلاف بينهم إلا أن ما استدلوا
به من عموم صحيحة زرارة إذا خرجت من شئ ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشئ لا يخلو من قصور
وإن كان في الأثناء فإن كان لم يدر كم سعى أو طاف مطلقا أعاد أما لو شك بين عددين معينين
أو أعداد معينة قطع في ما لو دار شكه بين التمام والزيادة كما إذا شك بين السبعة والثمانية
في الطواف كما في صحيحة الحلبي والتقييد بما إذا كان الشك على منتهى الشوط دون أثنائه فيبطل حينئذ
لتردده بين محذورين الاكمال المحتمل للزيادة عمدا والقطع المحتمل للنقيصة غير ظاهر الوجه لعدم ثبوت
193

البطلان بمجرد احتمال الزيادة أو شك في السعي بين السبعة والتسعة وهو على المروة دون ما إذا
كان على الصفا فإنه بعيد حينئذ لفوات البداة به ولو شك بين السبعة والثمانية مثلا مع حفظ
البداة بالصفا خرج بالتروي عن مسألة الشك وبنى على الأقل المتيقن في صور النقصان سواء
دار بينه وبين التمام كالشك بين الست والسبع في الطواف أو بين عددين أو أعداد ناقصة
فيه كالخمسة والستة أو هما والأربعة أو بين التمام والنقصان والزيادة كالستة والسبعة والثمانية
فإنه يأخذ في الجميع باليقين مطلقا خلافا للمشهور حيث أوجبوا الاستيناف في الفريضة لأخبار
محمولة عند المصنف وموافقيه على الاستحباب جمعا ومثله الكلام في السعي إن لم يستفد من التروي
حكما آخر وإن كان ظاهر المفاتيح وجوب الإعادة فيه والاستيناف فيهما مطلقا أولى وأحوط ولو نسي
الركعتين بعد الطواف الواجب أو جهل وجوبهما فلم يأت بهما حتى خرج من محلهما رجع إليه للاتيان
بهما مع الامكان بدون مشقة كما في المفاتيح وغيره وإلا قضاهما مطلقا حيث ذكر ومنهم من قيده
بتعذر الرجوع إلى الحرم ولا يعرف مستنده وزاد بعضهم وقوع ذلك في أشهر الحج وهو أحوط في الجملة
أو استناب من يقضيهما عنه عند المقام مخيرا في ذلك كما نطقت به صحيحة عمر بن يزيد وبه يجمع بين ما
يدل على الأول وحده كما اقتصر عليه الأكثر وما يدل على الثاني كما يحكى عن المبسوط ومن لم يبت بمنى
ليالي أيام التشريق الثلاث سواء بات بمكة أو بغيرها فعليه عن كل ليلة من الأولتين شاة أخذا
باليقين وإن نقل عليه الاجماع وكذا الأخيرة عند بعضهم وربما يحمل مستنده على من غربت عليه الشمس
فيها وهو بمنى أو لم يتق الصيد والنساء في احرامه فوجب عليه مبيت الليلة الثالثة بها كما سبق إلا أن يكون بائتا بمكة مشتغلا بالعبادة كما في صحيحة معاوية بن عمار خلافا لابن إدريس حيث أوجب عليه
الكفارة أيضا أو يكون قد خرج من منى بعد نصف الليل مطلقا خلافا للشيخ إن دخل مكة قبل الفجر
أو كان مضطرا إلى الخروج منها لخوف على النفس أو المال المضر فوته أو لتمريض مريض أو نحو ذلك فإن
المتجه سقوط الكفارة عنه التفاتا إلى انتفاء العموم في أخبار الفدية بحيث تشمل المضطر فإن الظاهر
كون الفدية كفارة عن ترك الواجب وهو منتف هنا وألحق به في الرخصة الرعاة ما لم تغرب عليهم
الشمس بمنى وأهل سقاية العباس مطلقا ولو نسي رمي يوم أو يومين من أيام الجمار قضاه من الغد
مقدما على الحاضر ولو ولاء بلا خلاف وفي رواية يفصل بين كل رميتين بساعة والأفضل ايقاعه
قبل الزوال وايقاع الآخر بعده وفي صحيحة ابن سنان إحديهما بكرة وهي للأمس والأخرى عند زوال
الشمس وهي ليومه ولو نسيه أو نسيها جميعا حتى دخل مكة رجع ورمى مطلقا كما هو ظاهر النص و
الفتوى ولو فاته ذلك وخرج فلا حرج عليه وربما يقيد وجوب الرجوع ببقاء أيام التشريق وإلا
قضاه في القابل فإن لم يحج استناب كما في رواية عمر بن يزيد حملا للمطلق على المقيد وحملها المحقق وغيره
على الاستحباب وقضاؤه في القابل مباشرة أو استنابة أولى وأحوط ومن فاته وقت اكمال الحج
بعد تلبسه بالاحرام تحلل بعمرة مفردة يعدل بنيته إليها وفي اجزائها عن عمرة الاسلام نظر ويستحب
له الإقامة بمنى أيام التشريق ثم الاتيان بالعمرة إن تمكن من دخول مكة وأداء مناسكها وإلا يتمكن منهما
فليتحلل بهدي مما ساقه أو غيره على المشهور واحتجاج المخالف لوجوب هدي مفرد للتحلل غير هدي السياق
بأن اختلاف الأسباب يقتضي اختلاف المسببات منقوض في الشرعيات بما يوافقون فيه من
مواقع التداخل كما في الطهارات وغيرها مما ينبه على أنها معرفات لا علل تامة إن تم الحكم فيها والأكثر على
وجوبه على الحاج عند تعذر العمرة عليه وتوقف تحلله عليه مطلقا كالمعتمر الممنوع من اكمالها بعد الاحرام
بها كذلك إذ نصوا أنه مما يشترك فيه المصدر والمحصور خلافا لابن إدريس حيث أسقطه عن الأول
وخصه الأخيرة كما في ظاهر الآية الكريمة وفيه ما سيأتي الإشارة إليه ثم إن كان الحاج أو المعتمر
مصدودا وهو الممنوع بعد ولا يندفع بمال مقدور وألحق به من قصرت به النفقة من غير مساعد
ذبحه حيث صد كما ذبح رسول الله صلى الله عليه وآله في الحديبية وتحلل وإن كان محصرا وهو الممنوع بمرض مقعد
عن الفرض وهذا الفرق مما لا أصل له في اللغة والظاهر أنه من الشرعيات الطارية تخير مطلقا بين
ذبحه حيث أحصر وبين بعثه أو بعث ثمنه بيد ثقة ينوب عنه وتربصه بالتحلل إلى أن يبلغ الهدي
محله وفاقا لابن الجنيد جمعا بين ما يدل على كل منهما من الأخبار المستفيضة وهو مما يفترق فيه المحصور
والمصدود ويفترق الحاج والمعتمر في محله وهو منى للحاج ومكة بفناء الكعبة للمعتمر كما تقدم والبعث
والتربص كما عليه الأكثر أحوط سيما لمن ساق الهدي كما يحكى عن الجعفي من قدمائنا حيث خص الذبح
مكانه بمن عداه وللمفترض كما يحكى عن سلار حيث خصه بالمتطوع ولو بان للباعث أن هديه لم
يذبح لم يبطل تحلله بلا خلاف وكان عليه هدي في القابل يبعثه مع ثقة والأحوط أن يمسك من
وقت احرامه عما يمسك عنه المحرم إلى أن يبلغ محله وقد تقدم في فائدة الاحرام بعض ما يتعلق
بهذا المقام ولا تسقط العبادتان الحج والعمرة بذلك أن وجبتا واستقرتا في الذمة بل عليه الاتيان بهما من قابل باجماع العلماء ولا يجب عليه الهدي على المشهور واعلم أن كلامه هنا ظاهر في
عموم التحلل بالهدي عن جميع ما يحرم على المحرم في الحج والعمرة بالنسبة إلى المحصور والمصدود جميعا
والروايات ناطقة ببقاء المحصور على تحريم النساء إلى أن يحج أو يعتمر كما حكم به المحقق وغيره وإليه
ميله في المفاتيح وذكروا ذلك من جملة الفروق بينهما إلا أنهم خصوه بالواجب واكتفوا بالاستنابة
في طواف النساء في المندوب لعدم وجوب العود لاستدراك المستحب والضرر العظيم في البقاء على
تحريم النساء وألحق بعضهم بالمندوب الواجب الغير المستقر بأن استطاع له في عامه وفي القواعد بالحج المندوب الحج الواجب مع العجز عنه وفي ذلك كله خروج عن اليقين وإن كان القول بالجواز غير بعيد
194

كما في المدارك دفعا للعسر والحرج
باب حرمة الحرم زيادة على ما ذكر في تضاعيف الآداب والسنن
يحرم من الصيد على المحل في الحرم ما يحرم على المحرم في الحل مما سبق في المحرمات باجماع العلماء كما في
المنتهى وغيره ويلزمه ما يلزمه من الكفارة مما تقدم بيانه والمشهور فيه القيامة كما استفاضت
به الروايات وحكم به في المفاتيح بلا خلاف يعتد به تعريضا بما يحكى عن الشيخ من وجوب دم عليه فلو
فعله المحرم فيه تضاعفت عليه الكفارة وفاقا لابن الجنيد فلو قتل حمامة كان عليه شاتان وهكذا
لحسنة معاوية بن عمار إن أصبت الصيد وأنت حرام في الحرم فالفداء مضاعف عليك والمشهور
أن المراد بالتضاعف هو وجوب المثل للمنصوص والقيمة مجازا وربما يحمل عليه كلام ابن الجنيد أيضا و
يمكن تنزيل عبارة الأصل عليه أيضا على بعد حتى ينتهي إلى البدنة فواحدة وفاقا للشيخ ومن وافقه لرواية
الحسن بن علي إنما يكون الجزاء مضاعفا قيما دون البدنة حتى يبلغ البدنة فإذا بلغ البدنة فلا تضاعف
لأنه أعظم ما يكون وخلافا للمشهور حيث أطلقوا القول بالتضعيف من غير غاية وابن إدريس نص عليه مع
بلوغها وإن كان الصايد في أحدهما والصيد في الآخر أو كان الصيد فيهما مبعضا أو على شجرة أصلها في أحدهما
وفرعها في الآخر غلب جانب الحرم وفي صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) شجرة أصلها في الحرم وفرعها
في الحل قال حرم فرعها لمكان أصلها قلت أصلها في الحل وفرعها في الحرم قال حرم أصلها لمكان
فرعها ومن أدخل صيدا من الحل إلى الحرم زال عنه ملكه ووجب عليه إرساله وحرم ذبحه وامساكه
فلو أمسكه حتى مات فعليه الفداء كما في رواية بكير وكذا لو أخرجه عن يده فتلف قبل بلوغ الحل سواء
كان بسببه أو بغيره وقوله أو صيدا آخر منه معطوف على ضمير المفعول والمراد بيان حكم صورة العكس
وهي ما لو أخرج صيدا من الحرم إلى الحل فإنه يجب عليه إعادته فلو تلف قبل ذلك ضمن قيمته للتصدق
لكن ادراجه فيما يتفرع على وجوب الارسال المترتب على ادخاله من الحل إلى الحرم غير ملايم وهو من
الايجازات المخلة ولو كان مقصوصا طايرا وجب حفظه والقيام بمؤنته حتى يكمل ريشه فيرسله سواء
كان هو القاص أو غيره ولو ضاق وقته أودعه ثقة يقوم بذلك وصيد الحرم ميتة بالاجماع على
المحل والمحرم سواء صاده محرم أو محل أما لو صاده محل في الحل وذبحه ثم أدخله الحرم فهو حلال
للمحل ولا بأس للمحل بقتل البراغيث والقمل والبق والنمل فيه بالاجماع والنصوص ويكره الاصطياد
فيما بينه وبين أطرافه إلى بريد من كل جانب وهو حرم الحرم فإن من رتع حول الحمى أو شك أن
يقع فيه والمفيد ألزم به الفداء وله صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) إذا كنت محلا في الحل فقتلت صيدا
فيما بينك وبين البريد إلى الحرم فإن عليك جزاؤه وحملت في المشهور على الاستحباب والبريد أربعة فراسخ
وأصله أنهم كانوا ينصبون على الطريق أعلاما إذا بلغها الراكب نزل فسكن ما به من حر وتعب ببرده في
ذلك الموضع أو نام ليستريح والنوم يسمى بردا أو إذا بلغها البريد وهو الرسول سلم ما معه من الكتب
إلى غيره ليوصلها والأصل فيه أنهم كانوا يربون لمنفذي الأخبار والسوانح بغالا مخذوفة إلا ذباب
يقال لها يريده دم يزعمون أنها أخف سيرا أو علامة لها ثم خففت وعربت فقيل البريد ثم توسع
باطلاقه على دابة الرسول بغلا كانت أو غيره ثم على الرسول راكبا كان أو راجلا ثم سميت المسافة
بريدا وأما ما في حديث سليما بن حفظ المروزي عن الفقيه (ع) في مسافة التقصير أن البريد ستة
أميال وهو فرسخان فيحتمل الحمل على الأميال والفراسخ الخراسانية التي هي ضعف العرفية العامة بقرينة
الراوي سواء كان من كلامه أو كلام الفقيه وهو أولى من الحمل على خطأ الراوي كما استصوبه في
الوافي ويحرم قطع شجر الحرم وحشيشه من البقول والزروع والرياحين المأكول وغيره إلا ما
أنبته فيجوز له قطعه بنفسه وبغيره وربما يلحق به ما نبت في ملكه واستضعف مستنده في
المفاتيح وشجر الفواكه ومنها النخل وعودي المحالة بفتح الميم وهي البكرة التي يستقي بها وشجر الإذخر بكسر الهمزة وما يرعاه الإبل كما في صحيحة حريز يخلى عن البعير في الحرم يأكل ما شاء وفي
الصحيح عن أبي عبد الله (ع) أما شئ يأكله الإبل فليس به بأس أن تنزعه واليابس لتعلق النهي بالخلا
وهو الرطب من النبات بنص أهل اللغة فيرجع فيه إلى الأصل فإن قلع غير ذلك إثم ولا كفارة
وإن تصدق بثمنه احتياطا خرج من خلاف من أوجبه وإن كان في الأخير غير معروف المستند و
أحوط منه ما نقل عن الشيخ مدعيا عليه الاجماع وهو بقرة في الشجرة الكبيرة وشاة في الشجرة الصغيرة
والقيمة في الأبعاض والمرجع فيهما إلى العرف وفي مستنده قصور سند أو دلالة ومن جنى ما
يوجب حدا أو تعزيرا أو قصاصا في النفس أو الأطراف أو ثبت عليه حق يؤاخذ به ولجأ إلى الحرم
خوفا من المؤاخذة لا يطعم ولا يسقى ولا يكلم ولا يبايع ولا يؤوى حتى يضطر إلى أن يخرج منه فيؤاخذ
به إلا أن يفعل ذلك فيه فيؤاخذ وهو صاغر لأنه لم ير للحرم حرمة وقد قال الله عز وجل فمن
اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم يعني في الحرم ولا عدوان إلا على الظالمين كذا
في صحيحة ابن عمار وغيرها وموردها جميعا الحدود والجنايات دون ثبوت الحق مطلقا ومن ثم اقتصر
في دين المفاتيح على نقله عن الجماعة مشعرا بتمريضه وربما يلحق بالحرم في ذلك مسجد الرسول ومشاهد الأئمة (ع) لاطلاق اسم الحرم عليها في بعض الروايات ولمناسبة التعظيم ولقطة الحرم لا نملك و
إن قل عن الدرهم احتياطا لتعارض الروايات فيها فتعرف سنة كما يأتي في باب اللقطة ثم إن
لم يعرف صاحبها يتصدق بها عنه فإن جاء ورضي بالأجر وإلا غرمها الملتقط والأجر له و
قيل بل لا ضمان عليه أو يجعل أمانة شرعية في يده أو يد من يأتمنه هو أو الحاكم وفي تحريم أخذه
أو كراهته قولان والمستيقن لا يأخذها فإن أخذها تصدق بها بعد التعريف وعن أبي
عبد الله (ع) اللقطة لقطتان لقطة الحرم تعرف سنة فإن وجدت لها طالبا وإلا تصدقت بها
195

ولقطة غيرها تعرف سنة فإن لم تجد صاحبها فهي كسبيل مالك وهي نص في الفرق ونفي
التسوية خلافا للمصنف في المفاتيح وقد انتشرت الأقوال في المسألة جدا حتى من المصنف
الواحد في الكتاب الواحد وورد عن أبي عبد الله (ع) أحب الأرض إلى الله مكة وما تربة أحب
إلى الله عز وجل من تربتها ولا حجر أحب إلى الله من حجرها ولا شجر أحب إلى الله من شجرها ولا جبال
أحب إلى الله من جبالها ولا ماء أحب إلى الله من مائها إلا أنه تكره المجاورة بها إلى سنة ففي صحيحة
محمد بن مسلم لا ينبغي للرجل أن يقيم بمكة سنة قلت كيف يصنع قال يتحول عنها الحديث وإنما كرهت
خوفا من الملالة وقلة الاحترام وملابسة الذنب فإنه فيها أعظم وورد أنه الحاد حتى ضرب الخادم
من غير ذنب كما روي في تفسير قوله (تع) ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب السعير ولأنها
تقسي القلب ولأن من خرج منها دام شوقه إليها فكان أدعى له الرجوع كل ذلك مروي كذا في
المدارك والذي وقفت عليه إنما هو روايات الثلاثة الأخيرة فما ورد بخلافه عن أبي الحسن (ع)
من أن المقام عند بيت الله أفضل فمحمول على ما إذا أمن مما ذكر من المحاذير أو مجاورة ما دون
السنة كما يرشد إليه الصحيحة وغيرها
باب الزيارات وهي من مرغبات السنن وتتأكد زيارة
المعصومين سيما للحاج وبها فسر قضاء التفث في بعض البطون وعن أبي عبد الله (ع) إذا حج أحدكم
فليختم بزيارتنا لأن ذلك من تمام الحج سيما زيارة النبي صلى الله عليه وآله لأن تركها جفاء كما في حديثه وحديث
أمير المؤمنين (ع) ولو تركها الناس أجبروا عليها فإن لم يكن عندهم ما ينفقون أنفق عليهم من بيت
المال والمحتاط من الحاج لا يتركها لايذان الجفاء والاجبار بالتحريم وفي زيارة قبور الأئمة (ع) فضل
كثير فعن الرضا (ع) أن لكل إمام عهدا في عنق أوليائه وشيعته وأن من تمام الوفاء بالعهد زيارة
قبورهم فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقا بما رغبوا فيه كانت أئمتهم شفعاؤهم يوم القيامة وخصوصا
الحسين (ع) فورد عن أبي جعفر (ع) أن زيارته فرض على كل مؤمن وأن تركها عقوق رسول الله صلى الله عليه وآله وكذا
الرضا (ع) فورد عن أبي الحسن (ع) أنها كسبعين حجة قال الراوي قلت سبعين حجة قال نعم وسبعين
ألف حجة قلت سبعين ألف حجة فقال رب حجة لا تقبل من زاره وبات عنده ليلة كان كمن زار
الله في عرشه وفي رواية ألف ألف حجة لمن زاره عارفا بحقه وعن الجواد (ع) أنه سئل أزيارة الرضا (ع)
أفضل أم زيارة الحسين (ع) قال زيارة أبي أفضل وذلك أن أبا عبد الله (ع) تزوره الناس وأبي لا
يزوره إلا الخواص من الشيعة والبعيد من قبورهم يستحب له أن يبرز إلى الصحراء أو يصعد سطح داره
ويرفع رأسه إلى السماء ويتوجه إلى جهات قبورهم وفي رواية أنه يستقبل القبلة ويومي إلى القبر
ويصلي ركعتين وفي أخرى أربع ركعات ويسلم عليهم يكتب له زورة وزورة حجة وعمرة كما ورد إلا
أن موردها خصوص زيارة الحسين (ع) كما في المفاتيح ويستحب زيارة الأنبياء (ع) ومنتخبي الصحابة و
التابعين رضي الله عنهم ولو اجمالا من بعيد حيث كانوا كأن يقول السلام على أنبياء الله ورسله
والسلام على رسول الله وعلى أصحابه الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه من المهاجرين والأنصار و
الذين اتبعوهم باحسان ونحو ذلك واتيان مقاماتهم مثل آدم ونوح وإبراهيم ويونس وصالح
وإسحاق وذي الكفل وهود ويهودا بالكوفة ودانيال بشوش وسام بن نوح بقرية معروفة من
بلاد الجبل وقيدار بقرية أخرى منها وحمزة بأحد وأبي طالب وخديجة بمكة وفاطمة بنت أسد
من البقيع وسلمان وحذيفة بالمداين وأبي ذر بالربذة والعباس بكربلاء وفاطمة بنت موسى (ع)
وعمها علي بن جعفر بقم وعبد العظيم بالري والمراد بزيارتهم زيارة قبورهم وبمقاماتهم مساجدهم
ومنازلهم تبركا بها إلا أن في ثبوت استحباب ذلك نظر أو الظاهر الاكتفاء في ذلك بالتسامع
والاشتهار بين الناس ما لم يعلم كذبه واتيان المسجد الأقصى بالشام والصلاة فيه وكذا مسجد
الكوفة فورد في فضلهما ما ورد أنهما من قصور الجنة في الدنيا فورد في فضل زيارة الصالحين
عن أبي الحسن والرضا عليهما السلام من لم يقدر أن يزورنا فليزر صالحي إخوانه يكتب له ثواب
زيارتنا ومن لم يقدر أن يصلنا فليصل صالحي إخوانه يكتب له ثواب صلتنا وهذا الحديث
يشمل زيارة الأحياء منهم أيضا وزيارتهم وفي زيارة قبر الأبوين أنه من البر حتى أنه ربما يكون
الولد عاقا في حياتهما فيكتب بذلك من الأبرار ومن آداب زيارتهم قراءة شئ من القرآن ثمة
سيما الفاتحة والاخلاص والقدر والتطوع بشئ من البر واهداء ثواب ذلك إليهم كما يأتي
وآدابها للمعصوم من قريب كثيرة مفصلة في كتب المزار وبالإجمال أن يغتسل وإنما لم يذكره
في الأغسال المسنونة اكتفاء بما هنا كغسل الاحرام وإذا أحدث بعده ولا يأت بها أعاده أيضا
كما في المفاتيح وليغتسل لزيارة الحسين (ع) من الفرات وأن يلبس أنظف ثيابه ويمشي حافيا على
سكينة ووقار ويدخل الحريم بخضوع وخشوع ويقف عند باب الروضة يستأذن لدخولها
بالمأثور وهو في زيارة الحسين (ع) بعد السلم عبدك وابن عبدك وابن أمتك المقر بالرق لكم و
التارك للخلاف عليكم والموالي لوليكم والمعادي لعدوكم قصد حرمك واستجار بمشهدك و
تقرب إليك بقصدك أأدخل يا رسول الله أأدخل يا نبي الله أأدخل يا أمير المؤمنين أأدخل
سيد الوصيين أأدخل يا فاطمة سيدة نساء العالمين أأدخل يا مولاي يا أبا عبد الله أأدخل
يا مولاي يا بن رسول الله وفي الباقين نحو ذلك فإن وجد من قلبه رقة دمعت لها عينه
دخل الروضة فإنها علامة الإذن وإلا رجع متحريا لحصولها في وقت آخر وأن يقف عند الضريح
المقدس مستقبلا وجهه (ع) وإن استلزم ذلك كونه مستدبرا للقبلة لأن مواجهته (ع) حينئذ
أهم وفي مسجد النبي صلى الله عليه وآله بالمدينة يدخل من باب جبرائيل وهو أول الأبواب الغربية وكان يأتيه صلى الله عليه وآله
196

منه فسمي به ويستقبل أولا حجرته الشريفة مما يلي الرأس فيقوم عند الأسطوانة المقدمة من جانب
القبر الأيمن وهو مستقبل القبلة ومنكبه الأيسر إلى جانب القبر والأيمن مما يلي المنبر ويدعو كما
في صحيحة معاوية بن عمار وغيرها ثم يأتي جانب الحجرة القبلي فيستقبل وجهه صلى الله عليه وآله ويدعو كما ذكره المفيد
وغيره كل ذلك بخضوع وحسن أدب وتقصير من الخطى لأن له بكل خطوة حسنة وأن يقبل
الضريح إن لم يكن تقية فإن القوم يكرهونه وروي في بعضهم تقبيل القبر وكذا تقبيل الأعتاب كما رواه
ابن طاوس في مصباح الزاير في زيارة أمير المؤمنين (ع) وغيره على ما نقله صاحب البحار وفي الدروس
لم نقف فيه على نص نتعبد به ولكن عليه الإمامية وهو في تعظيم الشعاير وأن يزور بالمأثور وهي
كثيرة جدا سيما الزيارات الجامعة التي تصلح أن يزار بها كل منهم (ع) فإنها وقد دون المتأخرون منها
بضعة عشر زيارة أخصرها ما روي عن الرضا (ع) وهي السلام على أولياء الله وأصفيائه السلام
على أمناء الله وأحبائه السلام على أنصار الله وخلفائه السلام على محال معرفة الله السلام على
مساكن ذكر الله السلام على مظهري أمر الله ونهيه السلام على الدعاة إلى الله السلام على المستقرين
في مرضات الله السلام على المخلصين في طاعة الله السلام على الأدلاء على الله السلام على الذين من
والاهم فقد والى الله ومن عاداهم فقد عاد الله ومن عرفهم فقد عرف الله ومن جهلهم فقد جهل الله ومن
اعتصم بهم فقد اعتصم بالله ومن تخلى منهم فقد تخلى من الله أشهد الله أني سلم لمن سالمكم وحرب لمن
حاربكم مؤمن بسركم وعلانيتكم مفوض في ذلك كله إليكم لعن الله عدو آل محمد من الجن والإنس من
الأولين والآخرين وأبرأ إلى الله منهم وصلى الله على محمد وآله الطاهرين قال يجزي هذا في الزيارات
كلها وتكثر من الصلاة على محمد وآل محمد والأئمة تسمي واحدا واحدا بأسمائهم وتبرء من أعدائهم و
تخير ما شئت من الدعاء لنفسك والمؤمنين والمؤمنات ويكفي في صدق الزيارة القريبة وترتب
ثوابها الحضور والتسليم وإن كان بغير المأثور ويضع عليه خده الأيمن بعد الفراغ من الزيارة داعيا
بالمأثور أو غيره متضرعا ثم خده الأيسر على الضريح أيضا سائلا من الله بحقه وحق القرآن أن يجعله من
أهل شفاعته واعلم أن القياس تانيت وصفى الخدين ولكنه تبع بعض ألفاظ الروايات ووري وضعهما
على القبر أيضا وفي أخرى على الأرض وأن يصلي ركعتي زيارة النبي صلى الله عليه وآله وفاطمة (ع) عند الروضة وهي ما بين
القبر والمنبر سميت بذلك لما استفاض عنه صلوات الله برواية الفريقين ما بين قبري ومنبري روضة
من رياض الجنة وفي الحديث لو كشف لكم لرأيتم وفي أكثرها لفظ بيتي بدل قبري وكان التعبير به أجود و
يقال إن فاطمة (ع) مدفونة ثمة فيستحب أن يزورها فيها ويزورها في بيتها أيضا لما صح من طرقنا أنها
مدفونة فيه وأن بني أمية لما زادوا في المسجد صارت فيه وصححه بعض الناقدين من علماء القوم وفي
البقيع أيضا كما قاله شاذ من علمائنا وهو المشهور بينهم وإنما دفنها أمير المؤمنين (ع) وأبهم قبرها بوصية منها
إليه اختفاء عن العصابة التي منعتها حقها كما نقله عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي وغيره ويصلى صلاة
الزيارة لغيرهما عند رأسه وفي بعض الروايات خلفه يجعل القبر أمامه تجاه القبلة ويدعو بعدها
بالمأثور أو بما سنح له في وقته لمهماته وليعم في الدعاء فإنه أقرب إلى الإجابة كما تقدم في بابه والظاهر أنه لا
يخرج بابدال الضمير المتكلم بالمتكلمين ونحوه عن المأثور وأن يتلو بعد ذلك شيئا من القرآن ويهديه للمزور
تعظيما له وقضاء لحقه ويودع عند إرادة الانصراف إلى أهله بالمأثور فإن لم يتفق فبغيره مما يتضمن
مسألة القبول والاعتذار عن التباعد والمهاجرة عن الجوار وسؤال توفيق العود من الله وأن لا
يجعله آخر العهد من زيارته ونحو ذلك ثم يخرج قهقري من غير استدبار حتى يتوارى عنه الضريح وهكذا
يفعل كلما قضى وطره من الزيارة وأراد الخروج من القبة لحاجته ومن الآداب أن يكرم خدام تلك البقعة
المقدسة وسدنتها ومجاوريها بصلتهم ومفاتحتهم بالسلام والاستشفاء بسؤرهم والتبرك بهم والتماس
الدعاء منهم وغير ذلك من أنواع التعظيم فإنه يرجع إلى تعظيم صاحبها كما في المشاهد ويستحب مؤكدا أن
يكثر الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله فإن الصلاة فيه بألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام سيما الروضة
فإنها أفضل بقاعه ويجوز للمسافر أن يصوم بالمدينة ثلاثة أيام للحاجة كما سبق معتكفا في المسجد
أولها يوم الأربعاء مصليا كل يوم وليلة عند أسطوانة مبتدئا بأسطوانة أبي لبابة الأنصاري
وهي أسطوانة التوبة التي كان ربط نفسه إليها حتى نزل عذره من السماء فيصلي عندها ليلة الأربعاء
ويقعد عندها يومه ثم يأتي ليلة الخميس ما يليها إلى مقام النبي فيقعد عندها ليله ويومه ثم يأتي
ليلة الجمعة ما يلي المقام كذا في صحيحة ابن عمار وفي حسنة الحلبي الابتداء بالأسطوانة التي عند القبر
التي يلي رأس النبي صلى الله عليه وآله والتثنية بأسطوانة أبي لبابة والختم بالتي المقام وكلها خالية عن ذكر الاعتكاف
ويستحب أن يأتي المساجد بها كمسجد قبا وهو المسجد الذي أسس على التقوى وعن عقبة بن خالد
قال سألت أبا عبد الله (ع) إنا نأتي المساجد التي حول المدينة بأيها أبدأ فقال أبدأ بقبا فصل فيه
فإنه أول مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله في هذه العرصة الحديث ومسجد الأحزاب وهو مسجد الفتح
كما في صحيحة ابن عمار وهو الذي دعا فيه رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الأحزاب فاستجاب الله له وحصل أعظم
فتوح الاسلام على يد أمير المؤمنين (ع) بقتله عمرو بن عبد الله بن عبد ود مضر بن مالك بن جبل بن
عامر بن لوي فارس العرب وأوحدها ومسجد الفضيخ بالفاء والضاد والخاء المعجمتين وهو شراب يتخذ
من بسر مفضوخ أي مشدوخ وكانوا في الجاهلية يفضخون فيه التمر لذلك فسمي به وفي رواية سمي به
لنخل يسمى الفضيخ والظاهر أنه كان اسما لنخلة مخصوصة ثمة فبادت وذهب اسمها ومن ثم ليس له ذكر
فيما رأيناه من كتب اللغة ومشربة أم إبراهيم وهي مسكن رسول الله صلى الله عليه وآله ومصلاه لما اعتزل نساءه
وقبور الشهداء بأحد خصوصا قبر حمزة وخصوصا الاثنين والخميس تأسيا بفاطمة (ع) وتتأكد أعمال البر
197

بالمدينة وتستحب المحاورة بها والتبرك بآبارها والصبر على لأوائها وهي الشدة وضيق العيش فورد
عن أبي عبد الله (ع) من مات في المدينة بعثه الله من الآمنين يوم القيامة وحرمها من عاير إلى وعير
مكبرا أو مصغرا وهما جبلان يكتنفانها من المشرق والمغرب والمشهور أنه يحرم صيد ما بين حرتيها
وهما موضعان أدخل من الجبلين نحو البلد حرة ليلى وحرة وأقم والجرة في الأصل الأرض التي
فيها حجارة سود وكذا قطع شجرها وحشيشها إلا ما استثنى في حرم مكة وفي صحيحة زرارة حرم رسول
الله المدينة ما بين لابتيها صيدها وحرم ما حولها بريدا في بريدان يختلى خلاها أو يعضد شجرها
إلا عودي اللاضح واللابة الحرة وقيل بكراهة ذلك ومنهم من كره الأول وحرم الثاني وكلاهما
خروج عن اليقين
كتاب الحسبة بسم الله الرحمن الرحيم الحسبة بكسر الفاء وسكون العين اسم
ما يحتسب من القربات التي تعم مصالحها ويقوم بها نظام المسلمين وأظهرها الأمور الثمانية
التي أفرد لكل منها بابا الأهم فالأهم
باب الجهاد الجهاد جهادان أحدهما أكبر من الآخر جهاد الكفار
وجهاد النفس الكفور والأول يجب على الكفاية بمعنى وجوبه على الجميع إلى أن يقوم به منهم من يحصل
به المطلوب فيسقط عن الباقين سقوطا مراعا باستمراره إلى كماله فإن تقاعدوا عنه أثموا جميعا
وتختلف الكفاية بحسب الحاجة بسبب قوة المجاهدين وضعفهم وإنما يجب بأمر الإمام المعصوم
أو نائبه المنصوب بالنصب الخاص للجهاد أو لما هو أعم منه ولا يسوغ بدون إذنهما أو هجوم عدو
كافر يخشى منه على بيضة الاسلام وهي أصله ومجتمعه فيجب حينئذ من غير توقف على أمر ولا إذن
خاص بخلاف ما لو كان مسلما لانتفاء الوصف المعتبر قيدا ولو كان مبدعا ولو خيف على بعض المسلمين
وجب عليهم خاصة فإن عجزوا فعلى من يليهم أيضا الأقرب فالأقرب إلى أن تحصل الكفاية بشرط البلوغ
والعقل والذكورة والحرية والبصر والسلامة من المرض المضعف عن القصد والعرج وألحق به الشيخوخة
المضعفة والفقر المعجز عن جهازه ونفقة عياله قال الله (تع) ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين
لا يجدون ما ينفقون حرج ويرتفع الأخير ببذل المؤنة له من الزكاة أو غيرها ومن الشرايط إذن
الوالدين ما دام الوجوب على الكفاية وربما يلحق بهما الأجداد وكذا إذن المدين بضم الميم وهو مستحق
الدين إذا حل أجله على الموسر القادر ويتأكد عليه وجوب الوفاء رفعا للمانع وقد يقال إن لهم المنع
لا أن إذنهم شرط وربما تسقط هذه الشروط رأسا ما عدا التكليف عند هجوم العدو لصيرورة الوجوب
عينيا وقدر الجهاد مع المشركين وهم الفرق المحكوم بكفرهم من غير المنتسبين إلى الاسلام والبغاة
وهم الخارجون على الخليفة العدل منهم حتى يسلموا أو يقتلوا قال الله عز وجل اقتلوا المشركين حيث
وجدتموهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم و
في موضع أخر فإخوانكم في الدين وقال سبحانه وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن
انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين وقال سبحانه وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما
فإن بغت إحديهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله وقد استفاضت الأخبار بأنه
لا يقبل من هؤلاء إلا القتل أو الدخول في الاسلام إلا أن يلتزم الكتابي بشرايط الذمة فيكف عنه و
يقر على دينه قال الله عز وجل قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله
ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون قال
العلامة في المنتهى اللام في الكتاب للعهد اجماعا والمراد به التورية والإنجيل خاصة وبالذين أوتوه
اليهود والنصارى ويلحق بهم المجوس لقوله صلى الله عليه وآله سنوا بهم سنة أهل الكتاب دون من عداهم من الفرق
وإن زعموا أن لهم كتابا كصحف آدم وإدريس وإبراهيم وزبور داود خلافا لابن الجنيد في الصائبين
وشرايط الذمة بذل الجزية والتزام أحكامنا والكف عن إيذاء المسلمين بسرقة أموالهم وقطع الطريق
عليهم والزنا بنسائهم واللواط بصبيانهم وفتنة ضعفائهم عن الدين وايواء عين المشركين وإعانة
أعدائهم والدلالة على عوراتهم والتظاهر بالمنكرات في شريعة الاسلام كشرب الخمر ونكاح المحارم
وأكل الربا ونحوها كذا ذكرها الشهيد وغيره فيكون ذكر الأولين من عطف الخاص على العام تأكيدا
وقيل إنهما لا بد منهما في عقد الذمة ويخرجون بمخالفتهما عنها وإن لم يشترطا فيها وأما البواقي فلا يخرجون
بمخالفتها إلا مع الاشتراط فالمراد بشرايط الذمة ما يشترط الخليفة عليهم حين عقدها من المذكورات
وغيرها وهو أظهر الوجهين وفي صحيحة زرارة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قبل الجزية من أهل الذمة على أن
لا يأكلوا الربا ولا يأكلوا اللحم الخنزير ولا ينكحوا الأخوات ولا بنات الأخ ولا بنات الأخت فمن فعل
ذلك منهم برئت منه ذمة الله وذمة رسوله وتقدير الجزية موكول إلى رأي الإمام كما في حسنة
زرارة وغيرها وقدرها أمير المؤمنين (ع) على الفقير اثنا عشر درهما وعلى المتوسط أربعة وعشرين
وعلى الغني ثمانية وأربعين وكذلك صنع عمر بن الخطاب قبله وإنما صنعه بمشورته (ع) كما في المقنعة
وليكن التقدير يوم الجباية لا قبله فإنه أنسب بالصغار وتؤخذ منه صاغرا كما في الآية وفسر بعدم
تقديرها حال القبض أيضا بل يؤخذ منه إلى أن ينتهي إلى ما يراه صلاحا ويأخذها منه قائما والمستوفي
جالس وبأن يخرج الذمي قائما يده من جيبه ويحني ظهره ويطأطئ رأسه ويصيب ما معه في كفة الميزان
ويأخذ بلحيته ويضعفه في لهزمتيه ويبدء بقتال الأقرب إلى الخليفة فالأقرب إلا مع مهادنته أو
الخطر في البعيد فيبدء بقتاله ولا يجوز الفرار اختيارا إذا كان العدو ضعفا أو أقل وقد كان الحكم
في صدر الاسلام مقابلة الواحد بالعشرة ثم خفف الله عنهم وعلم أن فيهم ضعفا فنسخ ذلك بالمثلين
كما نطق به الكتاب إلا لمتحرف لقتال أو متحيزا إلى فئة كما في الآية الكريمة وفسر الأول بالمخيل عدوه
أنه منهزم ليجره إلى حالة أمكن من حالته التي هو عليها كاستدبار الشمس والريح والسعة وتبعيد
198

العدو عن فئته ونحو ذلك فيكر عليه والثاني بالمنحاز إلى عصبة يستنجد بهم في القتال أما المضطر
كمن عرض له مرض أو نفد سلاحه فالوجه جواز انصرافه كما قالوه وكذا لا يجوز اختيارا قتل الصبيان
والنساء والمجانين وإن عاونوا لعموم النهي والشيوخ الفانية كذلك ومنهم من قيده بما إذا لم يعاونوا
برأي أو قتال ولو تترسوا بهم أو بمن عندهم من المسلمين وتعذر الوصول إليهم إلا بمناولتهم جاز
لمكان الضرورة فيتقدر بقدرها وعليه تحمل رواية حفص بن غياث عن أبي عبد الله (ع) في مدينة من
مداين أهل الحرب هل يجوز أن يرسل عليها الماء أو تحرق بالنار أو ترمى بالمجانيق حتى يقتلوا
وفيهم النساء والصبيان والشيخ الكبير والأسارى من المسلمين والتجار فقال يفعل ذلك بهم ولا يمسك
عنهم لهؤلاء ولا دية عليهم للمسلمين ولا كفارة وكذا لا يجوز الغدر كنقض العهد وخفر الهدنة ولا
الغلول وهو الخيانة في المغنم كما سبق ولا التمثيل بالحي ولا بالميت منهم وهو قطع الأنف والأذن ونحو
ذلك وفي الصحيح وغيره عن أبي عبد الله (ع) قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا بعث سرية دعا بأميرها فأجلسه
إلى جنبه وأجلس أصحابه بين يديه ثم قال سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله
لا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقطعوا شجرة إلا أن تضطروا إليها ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا صبيا
ولا امرأة ويكره القتال قبل الزوال فعن أمير المؤمنين (ع) أنه كان لا يقاتل حتى تزول الشمس ويقول
تفتح أبواب السماء ويقبل الرحمة النصر وهو أقرب إلى الليل وأجدر أن يقل القتل ويرجع الطالب و
يفلت المهزوم والتبييت وهو الايقاع بالعدو ليلا لما ورد أنه ما بيت رسول الله (ص) عدوا
قط وفيه قصور وتعرقب الدابة أي قطع عرقوبها وهو عضب غليظ في رجلها بمنزلة الركبة في
يدها والفعل منه عرقب وأما المزيد فيه فلا ذكر له في اللغة وإنما يكره إذا وقفت به أو أشرف
على القتل والمحاربة بطرق الفتح كهدم الحصون ورمي المنجنيق وقطع الشجر مطلقا كما سبق وقيد في
بعض الروايات بالمثمرة واحراق الزرع إذ لعلهم يحتاجون إليه كما ورد وارسال الماء عليهم ومنعهم
عنه بصرفه عنهم أو غلبتهم على الشريعة وكذا إرسال النار والقاء ألستم لنهي النبي (ص) عنه كما في رواية
السكوني وظاهره التحريم كما مال إليه في الدروس ونزول الكراهة في الكل عند المصلحة كما عرقب الطيار
جواده بمؤتة حذرا أن يتقوى بها الكفارة وهو أول من فعل ذلك في الاسلام وكما قطع رسول الله صلى الله عليه وآله
أشجار الطائف وأحرق دور بني النظير لتوقف الفتح على ذلك أو لبيان الجواز وكذا تكره المبارزة
بين الصفين بدون إذن الإمام أو نائبه وقيل تحرم وتحرم قولا واحدا إن منع منها وتجب كذلك أن ألزم بها فإن كان معينا فعينا أو مبهما فكفاية ويجوز لكل أحد من آحاد المسلمين ولو كان أدناهم
الأمان لآحاد الكفار بلفظ أو كتابة أو إشارة تدل على سلامة النفس والمال وما يتبعهما ويجب
على أفضلهم الوفاء به لأن المؤمنين يد واحدة على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم كما في المشهور
وفسروا الآحاد بالعدد اليسير وهو هنا العشرة فما دون عملا بجمع القلة وهذا فرع ورود هذا
اللفظ في الروايات مع أن في رواية مسعدة بن صدقة أن عليا (ع) أجاز أمان عبد مملوك
لأهل حصن من الحصون وقال هو من المؤمنين وإنما يجوز مع عدم المفسدة كما في أمان
العين وقيل لا يكفي ذلك بل يشترط وجود المصلحة كاستمالته ليرغب في الاسلام وترقية
الجند ويشترط أيضا أن يكون ذلك قبل الأسر فلو كان بعده لم ينفذ إلا من الإمام وللإمام
أو نائبه بذل الأمان للبلد وما هو أعم منه ويجوز لهما أيضا المهادنة وهي المعاقدة على ترك الحرب
مدة معينة بعوض أو غيره وحدت في الكثرة بعشر سنين وإنما يجوز مع المصلحة الغير
المحوجة وربما يجب معها وتملك نساء الحربيين من الكفار ولو كتابيين غير ملتزمين بشرايط
الذمة وكذا أطفالهم حتى الملتقط في ديارهم تبعا للدار إذا لم يكن فيها مسلم يمكن تولده منه
عادة بالسبي مطلقا وبكل سبب يتوصل به إلى اثبات اليد عليهم في بلادهم أو بلاد الاسلام
ولو بسرقة أو غيله أو شراء من ذي رحم أو غيره ممن له عليه يد بل ولو من زوج المرأة سواء
كان نكاحها صحيحا أو فاسدا لأنهم فئ في الحقيقة وفي رواية عبد الله اللحام عن أبي عبد الله (ع)
في رجل يشتري من رجل من أهل الشرك ابنته قال لا بأس إلا أن الداخلين منهم في بلاد الاسلام
بأمان ولو من آحاد المسلمين المطيعين لأحكامه كالموجودين في بلادنا الآن من الصائبة
والهنود ولا يجوز التعرض لهم على وجه المكابرة والمغالبة ولا لأموالهم كذلك وإن جاز أخذ الربا
عنهم على وجه المراضاة لعموم قوله صلى الله عليه وآله يسعى بذمتهم أدناهم كما سبق وفي هذا الشراء بيعا في الحقيقة
وعدمه وجهان اختار ثانيهما في المفاتيح فلا تلحقه أحكامه أما الذكور البالغون ويستعلم ذلك فيهم
بالانبات كما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله ببني قريظة ولتعذر العلم بغيره من العلامات غالبا فيقتلون
إن أخذوا والحرب قائمة ولم يسلموا أو يعجزوا عن المشي إلى محضر الإمام وفي رواية طلحة بن زيد عن أبي عبد الله (ع) إذا كانت الحرب قائمة لم تضع أوزارها ولم يثخن أهلها فكل أسير أخذ في تلك الحال
فالإمام فيه بالخيار إن شاء ضرب عنقه وإن شاء قطع يده ورجله من خلاف بغير حسم وتركه
يتشحط في دمه حتى يموت وأن لا يكن كذلك بأن أخذوا بعد أن تضع الحرب أوزارها أو أسلموا
تخير الإمام فيهم بين المن عليهم بالتخلية مجانا وأخذ الفداء منهم وقدره موكول إلى نظره والاسترقاق
ويختار بحسب المصلحة فإن اختار أحد الأخيرين دخل في الغنيمة كما يدخل فيها الأطفال والنساء
ولا قتل عليهم كما لا قتل عليهم وكذا لو عجزوا عن المشي إلى الإمام فإن أمكن حملهم وإلا تركوا كما في رواية
الزهري عن علي بن الحسين (ع) إذا أخذت أسيرا فعجز عن المشي وليس لك محمل فأرسله ولا تقتله
فإنك لا تدري ما حكم الإمام فيه وأما أحكام الغنايم وهي ما غلبت عليه فئة المجاهدة من أموال
199

المجاهدين فما لا ينقل من الغنيمة كالدور والأراضي والأشجار فهو لجميع المسلمين على العموم
المجاهدين وغيرهم يليه الإمام ويصرف خراجه في مصالحهم وله اقطاعه لبعضهم حسب ما
حسب ما يراه والمشهور ثبوت الخمس فيه كما هو ظاهر الآية وإن كان كلام المصنف هنا وفيما
سبق مؤذنا بنفيه وأما المنقول منها كالنقود والدواب والأثاث فيختص بحاضري القتال بعد وضع
موضوعاته وهي الجعايل التي يجعلها الإمام للمصالح كالدليل والعين وألحق بها ما يستتبعه الغنيمة
من مؤنة الحراس ورعاة الدواب ونحو ذلك والخمس كما مضى والنفل بالتحريك وأصله الزيادة
والمراد هنا زيادة الإمام لبعض الغانمين على نصيبه شيئا من الغنيمة لمصلحة كتهجم على قرن وافتتاح
لحصن ونحوهما وما يصطفيه الإمام لنفسه من فرس فارة وجارية سرية وسيف ونحوها والجعائل
قبل الخمس كما مر وكذا الصفايا كما في مرسلة حماد وتقسيم الباقي بين المقاتلة ومن حضر القتال
ليقاتل وإن لم يقاتل حتى الابن المولود بعد الحيازة قبل القسمة من أولاد المقاتلين دون الحاضرين
لغيره كالصناع والتجار وكذا المدد الآتي ليقاتل معهم الواصل إليهم حينئذ وإن لم يدركوا القتال
وأما كيفية القسمة ففي رواية حفص بن غياث للفارس سهمان وللراجل سهم ولو لم يركبوا
ولم يقاتلوا على أفراسهم أو قاتلوا في السفن وعليه الأكثر سهم له وسهم لفرسه وفي غيرها للفارس
ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه وهو المشتهر بين القوم رواية عن أمير المؤمنين (ع) وأن أبا
حنيفة رده عليه بأنه كيف يجعل سهم بهيمة أكثر من سهم مؤمن وهو فاسد لأن السهمين ليسا للبهيمة
وإنما هو للمؤمن الذي هو صاحب البهيمة بما جاهد بماله وبنفسه على وجه انبل وأقوى وأدخل في
شوكة الاسلام من جهاد الراجل فتثليث قسمته ليس خارجا عن مقتضى الرأي ومستند المشهور
يحتمل التقية هذا في الفرس الواحد وأما ما زاد فعن أمير المؤمنين إذا كان مع رجل أفراس في
الغزو لم يسهم إلا لفرسين منها فعلى المشهور يسهم لذي الأفراس ثلاثة أسهم وعلى الأخير خمسة
وحق الجهاد أن ينوي بها نصرة الدين واعلاء كلمة الله وبذل النفس وهي أحب المحبوبات في
رضاه (تع) دون الفوز بالغنيمة والظفر على العدو والمحمدة بالشجاعة والحمية ونحوها وإن كانت
من اللوازم وأن لا يغتم بما يصيب في نفس أو طرف أو مال ثقة منه بأن ثواب الله خير وأن ما
ناله أكثر مما فاته ويكثر ذكر الله تثبيتا لعزمه وتسكينا لقلبه إذ بذكر الله تطمئن القلوب وافحاما
للشيطان المثبط عنه وينسي علايق الدنيا بترك تحديث النفس بها سيما النساء والأولاد و
الأموال والمساكن فإن ذكرها يهيج الشوق إليها ويكره فراقها ويسأل الله الثبات عنده وهو
من الصبر على الطاعة كما سبق ولا تيسر إلا بتوفيقه (تع) وامداده فإنه من أحمز الأعمال وأصعبها على
النفس ومن ثم عظم فيه الأجر وفضل الله المجاهدين على القاعدين فورد في الحديث النبوي
فوق كل ذي بربر حتى يقتل في سبيل الله فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه بر والبر الأول
بكسر الباء والثاني بفتحه والثالث كالأول إن أعيد البارز قبله إلى الفعل والثاني إن أعيد
إلى ما يعود إليه مستكنه والجهاد الأعظم جهاد النفس وورد عن أمير المؤمنين (ع) أنه بعث
رسول الله صلى الله عليه وآله سرية فلما رجعوا قال مرحبا بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر
قيل يا رسول الله وما الجهاد الأكبر قال جهاد النفس ثم قال (ع) أفضل الجهاد من جاهد نفسه
التي بين جنبيه وعن أبي عبد الله (ع) في حديث وجوه الجهاد جهادان فرض فأما أحد الفرضين
فمجاهدة الرجل نفسه عن معاصي الله (تع) وهو أعظم الجهاد ومجاهدة الذين يلونكم من الكفار
فرض وإنما كان هذا أكبر وأفضل وأعظم لأن فتنة النفس على المكلف أشد من فتنة العدو الظاهر
والاحتراز عنها أهم فإن مطاوعتها محبوبة بالطبع ومكايدها خفية جدا والبلوى بها أعم
للأوقات والاستمرار على مشاقتها ومخالفتها عسر يضيق الذرع عنه ومضرتها أخروية
باقية بخلافه وهذا يجب على الأعيان على ممر الأوقات وهو بالمراقبة والمحاسبة فإن حال
الحازم في مرابطته مع نفسه ينبغي أن يكون كحاله مع عامله إذا سلم إليه مالا ليتجر به ويربح فالعقل هو التاجر وربحه المطلوب تزكية النفس إذ به فلاحها كما قال (تع) قد أفلح من زكيها وهو
بالنفس إذ يستخرجها في الأعمال الصالحة كما يستعين التاجر بأجيره وكما أنه ربما يصير خصما منازعا
يجاذبه في وجوه التصرف والاسترباح ويخرج عن صلاحه ورضاه فلا بد أن يشارطه أولا ويراقبه
ثانيا ويحاسبه ثالثا ويشكره أو يعاقبه أخيرا كذلك لا بد مع نفسه المشارطة وقد كفاه الله سبحانه
أقل ما يجب من ذلك بما وظف عليه من الأعمال والتكاليف ثم المراقبة بأن لا يغفل عنها ويتعاهدها
ويتطلع عليها وقتا فوقتا عند خوضها في الأعمال فإن الانسان لو أهمل نفسه طرفة عين لوجد منها
ما يجد من الوكيل الخائن من تضييع رأس المال وصرفه في شهواته إذا انفرد بالأمر وإلى مقام
المراقبة وقعت الإشارة إليه بقوله عز وجل والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين
هم بشهاداتهم قائمون والذين هم لفروجهم حافظون ثم المحاسبة كل يوم كما روي عن أبي الحسن (ع)
ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم فإن عمل حسنا استزاد الله وإن عمل سيئا استغفر
الله منه وتاب إليه وعن أمير المؤمنين (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله أكيس الكيسين من حاسب
نفسه وعمل لما بعد الموت فقيل يا أمير المؤمنين كيف يحاسب نفسه قال إذا أصبح ثم أمسى
رجع إلى نفسه وقال يا نفس إن هذا يوم مضى عليك لا يعود إليك أبدا والله يسألك عنه بما
أفنيته فما الذي عملت فيه أذكرت الله أم حمدتيه أقضيت حوائج مؤمن فيه أنفست عنه كربة
أحفظتيه بظهر الغيب في أهله وولده أحفظتيه بعد الموت في مخلفيه أكففت عن غيبته أخ مؤمن
200

أأعنت مسلما ما الذي صنعت فيه فيذكر ما كان منه فإن ذكر أنه جرى منه خير حمد الله
وكبر على توفيقه وإن ذكر معصية أو تقصيرا استغفر الله وعزم على ترك معاودته وقد سبق
في باب التعقيب المحاسبة دبر كل صلاة وتدارك ما وقع من الخلل بما مر في محله كل ذلك لتمرينها
على الخيرات الباقية الشريفة وضدها عن الحظوظ الفانية الدنية وإذا أحطت خبرا بما ذكر ظهر لك
الجواب عما أورد هنا وهو أن في الجهاد الظاهر تعريضا للنفس لمفارقة الدنيا وزهوق الحياة
وهي أعظم الحظوظ الدنيوية وتنفر النفس عنه أشد منه من غيره من التكاليف فمجاهدة النفس
حاصلة في ضمنه بل لا يكاد يتحقق إلا بها فكيف يستقيم تفضيلها عليه وقد يجاب بأن جهاد النفس
في حال الجهاد العدو ربما يكون أسهل وذلك أن القوة الغضبية تثور عند مناجزة العدو طلبا
لدفعه وتصير النفس منقادة للمكلف فيما يريده من نصرة الدين خصوصا إذا خطر له بعض المقاصد
الآخر من لذة الظفر والغنيمة وغيرهما وإن كان الباعث الأصلي هو الأول فلا يكون عليه كثير كلفة
في صرف النفس إلى ما يخالف هويها بخلاف سائر العبادات فإن هذا المعنى مفقود فيها فمن ثم كان
جهادها في سائر الحالات أصعب وأكبر من جهادها في حال وتلخص من ذلك أن التكاليف الشرعية
كلها مجاهدات فكل ما كان القيام به منها أشق على النفس وأسخط لهواها كان أحق باطلاق اسم
الجهاد عليه ومن ثم ورد أن جهاد المرأة حسن التبعل إذ قيامها بتوفية ما له عليها من الحقوق من
أصعب الأمور وأشدها عليها وعن أمير المؤمنين (ع) جهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها
وغيرته
باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمراد بالمعروف هنا ما يعم الواجب والمندوب
أو الأول خاصة ويضاده المنكر وبالأمر والنهي طلب الفعل والترك بلفظ أو غيره ويجبان شرعا
في الواجب والحرام بالضرورة من الدين وأما وجوبهما العقلي فأثبته قوم ونفاه الآخرون وحجة
المثبتين أثبت واشتراطهم انتفاء المفسدة كما يأتي على دليل النافين فإن بطلان التكليف من
أعظم المفاسد ويستحبان في المندوب والمكروه والنشران على ترتيب اللف والضابط أن الأمر بالشئ
يتبعه في الحكم مطلقا ويعاكسه النهي في المذكورات خاصة ويشترطان بشروط أربعة بعضها للوجوب
وبعضها للجواز العلم الشرعي بالحكم ليأمن الغلط وإلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح كما ورد وتجويز
التأثير بأن لا يكون التأثير عنده ممتنعا بل ممكنا بحسب ما يظهر له من أمارات حاله فلا يسقطان بظن
عدم التأثير لأن التجويز قائم معه ومنهم من اكتفى في سقوطهما به ومنهم المصنف في المفاتيح وعن أبي عبد الله (ع) إنما يؤمر بالمعروف وينهي عن المنكر مؤمن فيتعظ أو جاهل فليتعلم فإما صاحب
سوط أو سيف فلا واصرار الفاعل أو التارك فلو ظهر منه أمارة الاقلاع سقط الوجوب ومنهم
من اشترط العلم به وجعله من شروط كالأول والأمن من الضرر عليه وعلى أحد من المسلمين
بسببه والمذكور في المفاتيح وغيره انتفاء المفسدة ومن أفرادها الضرر وهو أجود وأما ائتمار
الأمر بما يأمر به وانزجار الناهي عما ينهي عنه فالوجه عدم اشتراطهما كما عليه المتأخرون
لاطلاق الأدلة فالواجب على فاعل الحرام المشاهد فعله أمران تركه وانكاره ولا يسقط بالاخلال
بأحدهما وجوب الآخر قالوا وأما الانكار في قوله عز وجل أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم
وقوله سبحانه لم تقولون ما لا تفعلون فإنما هو على عدم العمل بما يأمر به ويقوله لا على الأمر
والقول وكذا ما في حديث الاسراء أنه صلى الله عليه وآله قال مررت بقوم تقرض شفاههم
بمقاريض من نار فقلت من أنتم قالوا كنا نأمر بالخير ولا نأتيه وننهي عن الشر ونأتيه كيف لا
ولو شرط ذلك لاقتضى عدم وجوب ذلك إلا على المعصوم فينسد باب الحسبة بالكلية انتهى
وهو ناظر إلى أن المشترط يشترطهما في الوجوب وظاهر أدلته لو تمت اشتراطهما في الجواز وأيضا
اقتضاء ذلك عدم وجوب الحسبة على غير المعصوم إنما يتم لو اشترط في الأمر انتفاء المعصية رأسا
وظاهر كلام المشترط انتفاء تلك المعصية المعينة التي تنهى عنها خاصة فلا مانع للابس الحرير
عن النهي عن الغيبة مثلا ولا يلزم انسداد باب الحسبة بالكلية كما لا يخفى ثم إن اجتمعت الشرايط
وكان المطلع على حال تارك المعروف أو فاعلي المنكر منفردا تعين عليه الأمر والنهي والوجوب
عيني بلا كلام وأن لا يكن منفردا بل معه غيره ففي وجوب الانذار على كل واحد منهم عينا أو
كفاية قولان واستدل للأول بالعمومات مثل قوله صلى الله عليه وآله إن الله ليبغض المؤمن الضعيف الذي
لا دين له قيل وما المؤمن الذي لا دين له يا رسول الله قال الذي لا ينهى عن المنكر وعن
أمير المؤمنين (ع) من ترك انكار المنكر بقلبه ويده ولسانه فهو ميت في الأحياء ونحوهما
للأخير بقوله عز وجل ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
ورواية مسعدة عن أبي عبد الله (ع) أنه سئل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو أجب هو
على الأمة جميعا فقال لا إنما هو على القوي المطاع العالم بالمعروف من المنكر لا على الضعفة
الذين لا يهتدون سبيلا وبأن الغرض من الانذار وقوع المعروف وارتفاع المنكر فإذا حصلا
بفعل واحد كان الانذار من غيره عبثا وفي جميع هذه الأدلة من القصور ما لا يخفى فإن القدر
المسلم من دلالة العمومات إنما هو الوجوب في الجملة والمطلوب أخص من ذلك والآية بعد تسليم
كون الجار فيها للتبعيض وما يليها إنما يدلان على وجوبهما على كل واحد من آحاد الأمة وهو كذلك
إذ ليس كل منهم مستجمعا لشرايط الوجوب لا على محل النزاع وهو السقوط عن بعض المستجمعين
لها بقيام بعض منهم قبل ترتب الأثر والسقوط عن غير المستجمع لها لا يقتضي الوجوب الكفائي
كالحج والزكاة وغيرهما من الواجبات المشروطة والانذار الأخير إنما يسلم كونه عبثا مطلقا
201

بعد حصول المطلوب بالفعل وهو غير محل النزاع وقبله ممنوع الاطلاق فالوجه التفصيل بأنه
إن شرع أحدهم فيه وظن الآخر أو جوز تأثير مشاركته له المنذر بسرعة البعث أو الردع أو
رسوخهما في نفسه وجب عليه أيضا لتحقق الفايدة والوجوب عيني وإلا فلا لكونه عبثا حينئذ فكفائي
ولا يجوز التجسس ولو في مواقع الريبة لاطلاق النهي عنه في الآية كوضع الإذن والأنف لاحساس
الصوت والريح أو تشخيصهما وطلب إراءة ما تحت الثوب والسؤل عن العورات ونحو ذلك و
للانكار مراتب ظاهرة وباطنة أولها ما كان بالقلب وحده وهو أن يبغضه عليه وهو البغض
في الله المأمور به في السنة المتواترة وهو مشروط بعلم الناهي بالحكم واصرار المنهي على المنكر
خاصة دون الشرطين الآخرين إذ لا يعقل فيه تأثير ولا ضرر لأن مرتبته الباطنة ثم باظهار
الكراهة قولا أو فعلا متدرجا في مراتبه مع الايذان بأن ذلك لأجل ارتكاب المعصية وعن
أمير المؤمنين (ع) أدنى الانكار أن تلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرة فإن ارتدع المرتكب اكتفى
به وإلا أعرض عنه وهجره بقطع مخالطته ومكالمته ومواصلته وإن ارتدع اكتفى به وإلا أهانه
باستحقاره والاستخفاف به والحط عن مرتبته بين الناس فإن ارتدع وإلا أنكره باللسان
بالوعظ في الزجر مرتبا الأيسر فالأيسر فيبتدئ بالقول اللين ثم الغليظ ثم الأغلظ وغيره باليد
ككسر الملاهي وإراقة الخمر وطم حفر القمار من غير ضمان مع التهديد بالمعاقبة إن عاد إليها ولو
لم ينزجر إلا بالضرب وشبهه كالحبس والنفي فعل مع القدرة ولو تعذر إلا بالاستعانة بمن
يتقوى به على ذلك وجبت من باب المقدمة ولو افتقر إلى الجراح جاز عند جماعة وتوقف على اخبار
الحاكم وإذنه عند آخرين وهو أحوط أما القتل فالذي يقتضيه النظر عدم جوازه لفوات معنى الأمر و
النهي معه إذ الغرض ارتكاب المأمور وترك المنهي وشرطه تجويز التأثير وهما منتفيان معه والأكثر
سووا بينه وبين الجراح في الحكم من الجواز مطلقا أو بإذن الحاكم وكأنهم اعتبروا الفائدة بالنسبة إلى
غيره إلا أن يتعرض لنفسه أو حريمه والمنصوص الجارية والامرأة والأم والبنت وابنة العم والقرابة
فيجب عقلا وشرعا الدفاع عنهما بما أمكن من الصياح والضرب والجرح والقتل متدرجا من دون
توقف على إذن قولا واحدا فإن قتل المدفوع حيث يتوقف الدفع كان دمه في نفس الأمر هدرا
لا دية له ولا كفارة وإن كان مؤمنا وإن قتل الدافع كان شهيدا كما ورد أي مثله في الأجر دون
بقية الأحكام ولأوليائه مطالبة القاتل وعليه الكفارة وكذا يهدر دم المقتول إذا رأى
القاتل مع امرأته رجلا يزني بها فقتلهما أو واحدا منهما فإن له قتلهما من غير إثم رخصة من
الشارع بالنص سواء كان الفعل مما يوجب الرجم أو الجلد حرين كان الزوجان أو عبدين أو
مختلفين قد دخل الزوج بها أو لا دائما أو متعة عملا بالعموم كذا في المفاتيح وغيره ومن المتقدمين
من قيد باحصانها ومن المتأخرين بما إذا علم مطاوعتها له ولم يفصحوا عن وجه القتل
فيهما أنه حده لمصلحة العامة أو دفاع لمصلحة الدافع أو نهي عن المنكر لمصلحة النهي والاحتمالات
الممكنة ستة مع مخالفته على الوجه المذكور للمعهود من أحكام كل منها فإن الأول لا يوافقه التعميمات
المذكورة وفي الأخيرة لا قتل ابتداء وفي الجميع حيث يشرع يجب فيكون عزيمة لا رخصة
وبما ذكرناه ظهر أن الخلط بين الدفاع والنهي عن المنكر من الايجازات المخلة وأن كلامهم في المسألة
لا يخلو من اجمال والنظر فيها على وجهه متوقف على تحقيق النص المعول عليه ولم أظفر إلا على
ما أورده الشهيد في الدروس قال روي أن من رأى زوجته تزني فله قتلهما ويبعد جدا أن يكون هو المشار إليه لكن الجماعة قاطعون بالحكم في الجملة من غير تردد وكيف كان فهو أيضا رخصة
له فيما بينه وبين الله دون ظاهر الشرع إذ في الظاهر يجب عليه القود في الصورتين إذا أقر
بالقتل أو قامت عليه البينة به إلا أن يأتي ببينة تشهد بمشاهدة الفاحشة في الثانية ودخوله
شاهرا سلاحه مقبلا على رب المنزل أو متحرشا بحريمه ناعظا يناقشها في حل إزارها ونحو ذلك
من الأمارات مع عدم الانتفاع بما دون القتل في الأولى أو يصدقه الولي أو لا يكذبه وروى المحمدون
الثلاثة في الصحيح عن داود بن فرقد قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول إن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله قالوا لسعد
بن عبادة أرأيت لو وجدت على بطن امرأتك رجلا ما كنت تصنع به قال كنت أضربه بالسيف
قال فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فقال ماذا يا سعد فذكر له ما قالوا وما أجاب به فقال رسول الله يا سعد فكيف
بالأربعة الشهود فقال يا رسول الله بعد رأي عيني وعلم الله أنه قد فعل قال أي والله بعد
رأي عينك وعلم الله أنه قد فعل لأن الله عز وجل جعل لكل شئ حدا وجعل لمن تعدى ذلك الحد
حدا وعن أمير المؤمنين (ع) في جواب ما كتبه معاوية إلى أبي موسى الأشعري فيمن وجد مع امرأته
رجلا فقتله إن جاء بأربعة يشهدون على ما شهد وإلا رفع برمته وله فيهما مع القتل باطنا
الانكار ظاهرا أو الحلف عليه إن حلف مع التورية بما يخرجه عن الكذب إن أحسنها وإلا فبدونها
لأنه محق في نفس الأمر ولا يجوز الاستسلام في الصورة الأولى فورد عن أبي جعفر (ع) إن الله (تع)
ليمقت العبد يدخل عليه في بيته فلا يقاتل وهو من الانظلام المذموم المعدود في مقابلة الظلم
فإن عجز عن المقاومة ورجى السلامة بالكف أو الهرب وجب ما أمكن منهما عينا أو تخييرا فإنها
حينئذ من التهور المذموم وقد قال (تع) ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وهذه من أوضح صورها
وعليه يحمل ما حكاه الله من استسلام هابيل وقوله لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط
يدي إليك لا قتلك إذا رأى من نفسه العجز عن الدفاع والهرب ورجى السلامة بالانقياد وفيه أن قوله بعد ذلك أني أخاف الله يؤذن بأن المانع له إنما كان الخوف من الله دون العجز
202

والأوجه أنه حمل قول قابيل لأقتلك على مجرد التهديد والايعاد دون الحقيقة فقال ما قال
على وجه الاستعطاف والاستمالة ودرء السيئة بالحسنة لا على وجه الاستسلام للقتل
أو أنه إنما نفى عن نفسه إرادة القتل دون إرادة المدافعة ومن ثم قال ما أنا بباسط يدي
إليك لأقتلك ولم يقل لأدفعك على أن فعل هابيل لا يوجب حجة والتقرير غير ثابت وأما
ما قيل من أنه إنما استسلم لأن الدفع لم يبح بعد أو تحريا لما هو الأفضل فقد مرت الإشارة
إلى ما فيه أما المدافعة عن المال فلا يحكم فيها بالوجوب مطلقا كما في النفس والعرض إذ يتسامح
فيه ما لا يتسامح فيهما بل بالتفصيل فإن كان مضطرا إليه أو كان لغيره أمانة في يده وإن
قل وغلب على ظنه السلامة وجب لوجوب دفع الضرر وحفظ الأمانة وإلا فلا يجب وإن
كثر وإن جاز مع ظنها بل يستفاد من بعض الأخبار رجحانه فورد في الحديث النبوي بعدة روايات
من قتل دون ماله وفي بعضها مظلمته فهو شهيد لكن في حديث أبي عبد الله قيل أيقاتل أفضل
أو لا يقاتل فقال إن لم يقاتل فلا بأس أما أنا لو كنت لم أقاتل وتركته وإنما يجب أو يجوز الدفع
وتهدد الجناية ما دام اللص مقبلا لم يندفع فإذا ولى وضر به المدخول عليه كان ضامنا لما
يجنيه لأنها إنما لمصلحة وقد زالت فلو قطع يده مقبلا ورجله مدبرا ضمن رجله وأهدرت
يده ويجوز له بل ربما يجب زجر المطلع على داره بالنهي والتهديد فلو زجره وأصر فرماه بما
جنى عليه كانت الجناية هدرا فعن أبي عبد الله (ع) أيما رجل اطلع على قوم في دارهم لينظر في
عوراتهم فرموه ففقأوا عينه أو جرحوه فلا دية له وعنه (ع) اطلع رجل على النبي صلى الله عليه وآله من الجريد فقال
له النبي صلى الله عليه وآله لو أعلم أنك تثبت لي لقمت إليك بالمشقص حتى أفقأ به عينك وفي رواية قلت نفعل
نحن مثل هذا إن فعل مثله بنا قال إن خفي لك فافعله إلا أن يكون المطلع رحما لنسائه فيقتصر فيه
على الزجر ويضمن لو رماه إلا أن يكون من النساء مجردة فإنه حينئذ كالأجنبي وورد في الحث
على الأمر بالمعروف والتهديد على تركه ما ورد فعن أبي الحسن (ع) لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر
أو ليستعملن عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم وليستعملن أي يجعل عاملا حاكما
وفي بعض نسخ الكافي والتهذيب ليستعلين وهو أوضح
باب إقامة الحدود والتعزيرات
وهي إما واجبة أو محرمة لا ثالث لهما وذلك بحسب حال المتصدي لها في الأهلية وعدمها وإنما
تجب على الإمام المعصوم أو نايبه المنصوب بالنصب الخاص للحدود أو لما هو أعم منها وفي قصر
الوجوب عليهما جواب عن شبهة من أوجب نصب الإمام على الرعية ركونا منه على أن إقامة
الحدود واجبة على الناس وهي متوقفة على نصب الإمام فيجب عليهم من باب المقدمة وذلك أن
وجوب إقامة الحدود على اجماله غير مقبول بل لا بد من بيان محله أعني من يجب عليه فإن كان
هو الإمام فلا معنى لوجوب مقدمته على غيره وإن كان الرعية فلم يبق لهم حاجة إليه وأيضا
كونها من الواجبات المطلقة التي يحكم بوجوب مقدماتها ممنوع لم لا يجوز أن تكون من الواجبات
المقيدة كالحج والزكاة وأمثالهما فيكون وجوبها مختصا بالإمام أو نائبه اختصاص وجوب الحج
بالمستطيع والزكاة بمالك النصاب وهذا هو الذي اعتمد عليه السيد في الشافي أما النايب
العام وهو الناظر في الحلال والحرام العارف بالأحكام كما في حديث ابن حنظلة المتقدمة
وهو المسمى في عرف الأخيرين بالفقيه والمجتهد والمراد به القادر على رد جميع الفروع أو أكثرها
أو القدر المعتد به منها إلى الأصول الصحيحة كما سبق بعد تحصيله الايمان الخاص والرواية
لحديثهم (ع) والعدالة ظاهرا وباطنا على خلاف في اشتراط الأخير ففيه قولان والذي اختاره
المصنف (ره) مساواته للخاص في ذلك لأنه مأذون من قبلهم (ع) في أمثالها كالقضاء والافتاء
وغيرهما ولاطلاق أدلة وجوبها وعدم دليل على توقفها على حضوره (ع) ويرد على الأول أن
الإذن في أمثالها لا يقتضي الإذن فيها إلا بطريق القياس المردود وعلى الثاني ما مرت الإشارة
إليه والأجود الاستدلال بحديث حفص بن غياث عن أبي عبد الله (ع) إقامة الحدود إلى من إليه
الحكم وفيه أيضا ما فيه ويحتمل الفرق بين ما يبلغ النفس وما لا يبلغها وتخصيص الحظر بالأول
والحق أنه أدرى بما له مما عليه فيحتاط هو لنفسه بالنظر إذا ابتلى بها في زمن الغيبة ويختار
ما هو أدنى إلى اليقين ولو تعددوا وكفى واحد منهم سقط عن الباقين ويشترط في وجوبها
عليهم قدرتهم عليها وأمنهم من الضرر على أنفسهم أو أحد من المسلمين كما في غيرها من الواجبات
وليس يجوز لغير هؤلاء الثلاثة التعدي لها مطلقا ولبعض علمائنا رضوان الله عليهم قول في
المسألة لا يعمل به إلا غير المحتاط وهو الجواز زمن الغيبة لغيرهم إذا كان زوجا للمحدود أي
مستحق الحد دواما أو متعة مدخولا بها أو غيرها حرين أو عبدين أو بالتفريق أو والدا وإن
علا أو مولى والظاهر أن مرادهم بالجواز الوجوب وسووا في ذلك بين الجلد والرجم والقطع مع
العلم بموجبه بالمشاهدة أو الاقرار دون البينة فإنها من وظايف الحاكم وقيل يكفي كونها
مما يثبت به ذلك عنده ومورد الروايات إنما هو الأخير لا غير ومن ثم اقتصر بعضهم عليه و
أما الأولان فلم أقف على ما يدل عليه على مساواتهما له في ذلك والحكم به ليس بذلك المشهور وإن
قال به القاضي والشهيد في اللمعة وشذاذ غيرهما وايراده في الكتاب خروج عن موضوعه وقد ذكرنا
شرايط الحدود والتعزيرات وتقادير المقدرات منها في المقصد الأول من كتاب الطهارة فلا
نعيدها ويجب على الحاكم والمراد من يتولي الإقامة الحدود أن يدرأها بالشبهات وهذا أيضا من
المذكورات ثمة وإنما أعاده توطئة لما بعده فإذا أقر المكلف بنفسه بحد ولم يبينه أي حد هو
203

لم يكلف البيان بل يستحب أن يعرض عنه كما يستفاد من الأخبار وعن أمير المؤمنين (ع) أنه
أمر أن يجلد حتى يكون هو الذي ينهي عن نفسه الحد وما لم يكمل النصاب الذي تثبت به
الفاحشة من الاقرار والشهادة المعتبرة كما تقدم لم يجب الحد وإن دلت القرائن على
موجبه وإن شهد دون ما تثبت به حد الشهود للفرية كما إذا شهد ثلاثة وقالوا سيجئ الرابع
كما سبق من قضية أمير المؤمنين (ع) وكما إذا ردت الشهادات أو بعضها مطلقا لتحقق القذف
العاري عن البينة فيحدون جميعا عند المصنف على خلاف في الأخير إلا في بعض الصور
كما إذا شهد العدد المعتبر أولا ثم رجع أحدهم من شهادته بعد شهادة الجميع فيحد الراجع
خاصة مؤاخذة له باقراره دون الباقين لانتفاء موجبه فيهم كالمشهود عليه وقيده
بعضهم بما بعد الحكم أما قبله فيحد الجميع وكما إذا ردت بعض الشهادات بأمر خفي عند بعضهم
ولا يقام الحد مطلقا على الحامل ولو من زنا حتى تضع الحمل وترضع الولد وتكفله حتى يعقل
أن يأكل ويشرب ولا يتردى من سطح ولا يتهور في بئر إن لم تكن له مرضع ولا كافل غيرها
فإن كان له كافل فبعد الرضاع كما في قضية أمير المؤمنين (ع) في الزانية التي كفل ولدها
عمرو بن حريث المخزومي وإن كان مرضع فبعد الوضع بلا فصل فيما يراد فيه القتل أو بعد انقضاء أيام النفاس في الجلد لأنها مريضة ولا يحد المريض توقيا من السراية إلى نفسه و
يتوقع به البرء فيما يتوقع فيه إلا مع المصلحة في التعجيل فيضرب ضربة واحدة بالضغث
المشتمل على العدد المطلوب فعن أبي عبد الله (ع) في مريض زنا بمريضة فأمر رسول الله بعذق
فيه مائة شمراخ فضرب به الرجل ضربة وضرب به المرأة ضربة ثم خلى سبيلهما ثم قرأ
وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث وكذا لا يجلد في وقت شدة الحر والبرد خشية الهلاك
بل إذا كان في البرد ضرب في حر النهار وإذا كان في الحر ضرب في برد النهار كما في حديث أبي
الحسن (ع) وغيره ولا تقام الحدود في أرض العدو مخافة أن تحمله الحمية على الالتحاق به كما ورد
عن أمير المؤمنين (ع) ولا في الحرم على من استوجبها خارجه والتجأ إليه لحرمته فإن من دخله
كان آمنا كما مر ولا يسقط الحد باعتراض الجنون بل إن كان أوجبه على نفسه وهو صحيح لا علة به
من ذهاب عقله أقيم عليه الحد كائنا ما كان كما في صحيحة أبي عبيدة ولا الارتداد وربما يجتمع به
عليه القتل سببان ولا كفالة فيه كما في الحديث النبوي ولا شفاعة في اسقاطه أو التخفيف منه
ولا تأخير مع الامكان إلا ما استثني مما ذكر وإذا اجتمعت على الواحد حدود متعددة فإن كانت كلها قتلا تداخلت وإلا فإن أمكن الجمع بينها فالذي ذكرها الأصحاب تخيير المستوفي
في البدأة بأيها شاء وفي تقديم ما كان منها حق الآدمي وجه فلو تعددت حقوق الآدميين
ففي تقديم ما سبق موجبه أو دعواه أو ثبوته أوجه وإلا بدئ بما لا يفوت معه الآخر جمعا بين
الحقين وعن أبي عبد الله (ع) في الرجل يؤخذ وعليه حدود أحدها القتل فقال كان علي (ع)
يقيم الحدود ثم يقتله ولا نخالف عليا ويدفن المرجوم قبل رجمه دفنا ناقصا تواري أسافله في
حفيرة تثبيتا له عن الفرار واكتفاء بإصابة ألم الحجارة أعاليه فالرجل إلى حقويه والمرأة إلى وسطها
كما ورد وفي كلام الأصحاب إلى صدرها وفي وجوب ذلك أو استحبابه وجهان واحتمل في المفاتيح
ايكال الأمر فيه إلى الحاكم وإن فر أعيد إن ثبت زناه بالبينة دون ما إذا ثبت بالاقرار لأنه رجوع و
الرجوع مسقط للرجم وفي رواية الحسين بن خالد عن أبي عبد الله (ع) إذا كان هو المقر على نفسه ثم
هرب من الحفيرة بعد ما يصيبه شئ من الحجار لم يرد وروى الشيخ عن أبي بصير وغيره عنه (ع) قال
قلت له المرجوم يفر من الحفيرة فيطلب قال إن كان أصابه حجر واحد لم يطلب فإن هرب قبل أن تصيبه
الأحجار رد حتى يصيبه ألم العذاب وروى الصدوق مثله وبها فصل الشيخ في النهاية مطلقا
والشهيد الثاني اقتصر في النظر على الرواية الأولى فاستدل له بالمفهوم وتبعه المصنف في المفاتيح
ثم حاول الجمع باعتبار القيدين جميعا وهو أوجه ومن آداب الحدود أن تستشهد عند إقامتها
طائفة من المؤمنين كما في الآية للاعتبار والانزجار كما يقتضيه حكمة الحدود واختلف في تفسير
الطائفة فقيل عشرة وقيل ثلاثة والمروي عن أمير المؤمنين (ع) الطائفة واحد وأن لا يرجم من لله
قبله حد كما ورد عن أمير المؤمنين (ع) في حديث المرأة أن الله عهد إلى نبيه عهدا عهده إلى أنه لا
يقيم الحد من لله عليه حد فمن كان لله عليه حد مثل ما له عليها فلا يقيم عليها الحد فتأمل والظاهر أن الأمرين على سبيل الوجوب وربما يحتمل الاستحباب ويجلد الرجل قائما والمرأة جالسة ويفرق على
جسده كله إلا الرأس والوجه والمذاكير وورد في السكران والزاني بين الكتفين ويضرب بين
ضربين وورد في الأخير أشد الضرب وفي تجريده أو ضربه على الحالة التي يوجد عليها كاسيا أم
عاريا مع ستر عورته قولان مرويان أشهرهما الأول وفي مضمرة أبي بصير تجريد السكران أيضا
أما المفتري فالمروي فيه فوق ثيابه وفي رواية طلحة بن زيد لا يجرد في حد وورد عن النبي صلى
الله عليه وآله بعدة أسانيد ومتون إقامة حد خير من مطر أربعين صباحا وذلك لأن نفعها
في النفوس أعظم من نفعه في وجه الأرض وينبغي أن لا يزاد في تأدب الصبي والمملوك على عشرة أسواط
وروي خمسة أو ستة وأرفق وفي أخرى لم يأذن في الأخير زيادة على خمسة والأحوط أن لا يزاد في
الأول على ثلاثة فعن أمير المؤمنين (ع) لما ألقى صبيان الكتاب ألواحهم بين يديه ليخاير بينهم أبلغوا
معلمكم إن ضربكم فوق ضربات في الأدب أني أقتص منه ومن ضرب عبده أو جاريته حدا من
غير ايجابه على نفسه باتيان شئ من موجباته المذكورة فكفارته عتقه كما في الصحيح وغيره وفي وجوبه
204

واستحبابه قولان
باب الفتيا بضم الفاء مقصورا وهي الحكم في المسائل الكلية وتطبيقها على الوقايع
الجزئية هو القضاء فكل قاض مفت ولا عكس وهي كإقامة الحدود ولا تزيد على قسمين وإنما هي للإمام أو
نائبه الخاص أو العام وإن تعدد تعلق بهما الوجوب على الكفاية كما مر ولها جلالة فإن المفتي وارث
الأنبياء وقائم بفرض الكفاية فيما يتوقف عليه نظام الدنيا والدين وفيه خطر عظيم فإن أجرأكم على
الفتيا أجرأكم على الله كما في الحديث النبوي وورد عن أبي عبد الله (ع) كل مفت ضامن وفي حديث
آخر لا تحل الفتيا في الحلال والحرام بين الخلق إلا لمن كان اتبع الخلق من أهل زمانه وبلده وناحيته
بالنبي صلى الله عليه وآله وفي آخر لا تحل الفتيا لمن لا يستفتي من الله بصفاء سره واخلاص عمله وعلانيته وبرهان
من ربه في كل حال ويجب السعي في تحصيل مرتبتها كفاية على جميع المستأهلين لها فإن أخلوا
جميعا اشتركوا في الإثم فإذا شرع بعضهم في الاشتغال لم يسقط وجوبه عن الباقين ما لم يبلغ
المرتبة المطلوبة بخلاف صلاة الجنازة مثلا ونحوها من الكفائيات التي يحكم بسقوط السعي
إليها بمجرد شروع بعض المكلفين بها عن البعض الآخر لأنها أمور يسيرة إذا اشتغل بها الواحد
حصل الظن القوي بخروجه عن العهدة وكفايته الفرض في أدنى زمان فلا مانع عن سقوط
السعي عن الباقين سقوطا مراعى باستمرار الشارع إلى الغاية أما تحصيل مرتبة الفتيا فمن الأمور الصعبة البعيدة المنال التي لا تتأتى إلا بصرف أوقات مديدة وطي عقبات شديدة وكثيرا
ما تعوق عنها العوايق وتحجز دونها البوائق أو يسبق طالبيها الحين أو يرجع بخفي حنين ومن
ثم كثر الطالبون وقل الواصلون كما قيل خليلي قطاع الفيافي إلى الحمى كثير وأما الواصلون قليل
فلا يمكن الحكم بسقوط الوجوب عن أحد إلا بعد حصول الكفاية بغيره ومتى تحقق بالوصف المعتبر
وجب على الناس الرجوع إليه فإذا سئل عما يحتاج إليه وليس هناك غيره فمن يصلح للافتاء تعين
عليه الجواب إن علمه حذرا عن اللعن والالجام بلجام من نار الموعودين على كتمان العلم كما سبق في المقدمة
وإن كان ثمة غيره فالجواب في حقهما فرض كفاية وأن لا يعلمه بالفعل استفرع الوسع في تحصيله أو أرشده
إلى العالم به إن أمكن شئ منهما وإلا أرشده إلى الاحتياط إن وجد إليه سبيلا كما إذا دار اشتباه بين الوجوب
وما عدا التحريم من الأحكام الثلاثة أو التحريم وما عدا الوجوب أو فعلين وجوديين يعلم وجوب أحدهما
لكن لا بعينه فيقول في الأول الاحتياط في الفعل وفي الثاني في الترك وفي الأخير الجمع ونحو ذلك
وقد يتعارض الاحتياطان فيختار أقواهما دليلا وأوثقهما في نفسه وحقها أن لا يفتي في حال تغير
خلقه وشغل قلبه بما يمنعه من كمال التأمل في السؤال والجواب كغضب أو جوع أو نعاس أو حزن
أو فرح غالب أو نحو ذلك ما لم يتضيق وجوبه فليستحضر ذهنه ويكرر النظر حتى يطمئن ثم يجيب
وإن أفتى في بعض هذه الأحوال معتقدا أنه لم يمنعه ذلك من ادراك الصواب صحت فتواه على
كراهة كما قيل لما فيه من المخاطرة وأن يحسن التأمل في السئول فإن كان السائل قريبا راجعه
في مواقع الاحتمال والاشتباه وإن كان بعيدا استوفى في الجواب جميع الشقوق المحتملة وإن
اقتضى الحال الاقتصار على بعضها أفصح عنه بقوله إن كان المراد كذا فالجواب كذا ويرفق بالمستفتى
وإن أساء الأدب فإن الخرق ربما يوجب تلجلجه في السئول أو قصوره عن الافصاح به ويصبر على تفهم
سؤاله إذا كان معقد اللفظ ولا يتضجر بذلك وعلى تفهيم جوابه إذا كان بعيد الفهم فيكرر عليه
بالألفاظ المانوسة ويمثل له المعقول بالمحسوس وكان بعض مشايخنا رحمة الله عليه يستثفر
على ثيابه لتعليم المستحاضة ويرفع رجله إلى الحايط لتعليم استبراء الحائض ونحو ذلك ويبين الجواب
بيانا شافيا يزيل الاشكال على وفق ما يقتضيه حال السائل فإن كان عاميا محضا صرح له بالجواز
أو عدمه أو الوجوب ونحوه وإن كان من أهل المعرفة في الجملة أشار إلى الدليل والمعارض والتأويل
وأنه من مواقع الاجماع أو الخلاف فإن ذلك مما يوجب مزيد الوثوق بالفتوى كل ذلك بالعبارات
الصحيحة الفصيحة وإن كتب الجواب حيث تمس الحاجة إليها كتب بخط واضح عند المستفتي ولينقط
ويعرب مظان الاحتمال وعبارة صحيحة سلسة غير مغلقة ولا غريبة ولا مستهجنة وليتحرز
عن الألفاظ التي يمكن تصحيفها بسهولة إلى ما يغير المعنى وهذه كلها داخلة في التبيين وأن
يستعيذ عن الشيطان أولا ويسمي الله ويحمده ويصلي ويسلم على النبي صلى الله عليه وآله ويدعو بقوله
رب اشرح لي صدري الآية ونحو ذلك ويحولق بقوله لا حول ولا قوة إلا بالله وليحذر كل الحذر
إذا علم بالمواقعة أن يميل في فتواه إلى أحد الخصمين أو يخصه بحيل شرعية أو يأتي في جوابه بما هو
له دون ما هو عليه أو يعلمه ما يدفع به حجة صاحبه أو نحو ذلك وفي التحذير عن الميل غنى عما بعده
وإنما ذكره تأكيدا كيلا يتوصل بذلك إلى أن يبطل حقا أو يحق باطلا وربما يوجد من قوله وإن كتب
إلى هنا مخطوطا عليه في بعض النسخ المصححة ويلزم على المستفتي أن يبحث عمن له أهلية الافتاء
بحيث يحصل له العلم أو الظن الغالب بأهليته وذلك إما بالممارسة المطلعة على حاله إن كان من أهلها
أو بشهادة عدلين أو بشياع حاله بكونه متصفا بذلك أو باذعان جماعة من العلماء العالمين
بالطريق كما ذكره الشهيد الثاني وغيره وأن لا يرجع إلا إلى ثقة ناقل عن المعصوم على الوجه المعتبر
وفي اشتراط الأهلية غنى عن هذا وكأنه أراد تفصيل ما أجمله أولا مما تتحقق به الأهلية فإن اتحد
تعين ووجب قبول قوله والراد عليه كالراد على أهل البيت وهو كالراد على الله وهو على حد
الشرك بالله عز وجل وإن تعددوا وتوافقوا فكذلك بل أبلغ وإن اختلفوا فليرجع إلى الأعلم
الأتقى منهم لأن الظن به أقوى وأوثق فإن تعارض الوصفان بأن كان أحدهما أعلم والآخر أورع
فالأعلم وكذا إن تساويا في الورع وتفاضلا في العلم فإن تساويا في العلم وتفاضلا في الورع
205

فالأورع كما تقدم هذا إن علم الترجيح بينهما وإن جهل ذلك ولم يكن له طريق إليه أو تساووا تخير
في الرجوع إلى أيهما شاء ويجوز له الرجوع في بعض مسائله إلى أحدهما وفي غيرها إلى الآخر وهل يجوز
له الرجوع فيها بعينها إليه تارة أخرى قولان وإن لم يجد في البلد من يرجع إليه سافر إليه بنفسه
وجوبا أينما كان وإن بعد ما لم ينته إلى الحرج والعسر أو استناب من يصل إليه فيسأله عن مسئلته
أو كتب بها إليه وعول على ما يأتيه من الجواب مع الوثوق كما هو المعلوم من حال أصحاب الأئمة (ع)
من دون نكير وينبغي للمستفتى أن يغتنم صحبة المفتي ويتأدب معه ويبجله في خطابه وجوابه كما مضى
في المقدمة في حقوق العلم
باب القضاء ممدودا وهو الحكم بين الناس وإنما يسوغ لمن له الفتيا
من الإمام ونائبه الخاص والعام لا غيرهم وأمره أجل منها فإنه أدخل في النظام وأشد خطرا فورد عن
أمير المؤمنين (ع) في كلامه لشريح بن عبد الله الذي استقضاه عمر على الكوفة وعاش قاضيا فيها
إلى زمن الحجاج لم يعطل إلا سنتين عاف فيهما القضاء في فتنة ابن الزبير قد جلست مجلسا لا يجلس
فيه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي وعن أبي عبد الله (ع) اتقوا الحكومة فإن الحكومة إنما هي للإمام
العالم بالقضاء العادل بين المسلمين للنبي أو وصي نبي فإن قلت النائب الخاص أو العام من أي
هذه الأقسام قلت من القسم الثاني لأن العلماء ورثة الأنبياء وقد تقدم دعاؤه صلى الله
عليه لخلفائه وهم الذين يروون حديثه ويستنون بسنته وأما القسم الثالث فهم قضاة السوء
الذين يحكمون بآرائهم مثل قضاة العامة أو بفتاوي غيرهم تقليدا مثل أكثر قضاة هذا الزمان
من الجهلة الذين لا يحسنون التقليد فضلا عن الاجتهاد وجميع ما ورد في النهي عن القضاء و
مذمة القضاء مصروف إليهم وإذا وجد بالوصف المعتبر وجب على الناس الترافع إليه ووجب
عليه النظر في أمورهم فإن انحصر في واحد تعين وإن تعدد فالوجوب كفائي وإن روفع إليهما
في قضية واحدة فإن اتفقا في الحكم فذاك وإلا فالحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في
الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر كما سبق في المقبولة ويجب عليه التسوية بين
الخصمين في العدل في الحكم بلا خلاف وهل تجب في السلم والمجلس والنظر والانصات والكلام
وطلاقة الوجه وسائر أنواع الاكرام إذا كانا متساويين في الدين أم تستحب قولان أشهرهما
وأحوطهما الأول فورد في الحديث النبوي من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في لحظه
وإشارته ومقعده ولا يرفعن صوته على أحدهما إلا ويرفع على الآخر أما التسوية في الميل القلبي
فلا تجب قطعا ويحرم على القاضي أخذ الرشوة وعلى المستفتي بذلها إلا إذا توقف حقه عليه وبها فسر
السحت كما مضى وهي الجعالة على الحكم من أحد المتخاصمين على التعيين أما لو شرط عليهما أو على
أحدهما كالمحكوم له أو من يتوجه عليه اليمين أو تندفع عنه جعلا ليفصل الحكومة بينهما من غير
اعتبار الحكم لأحدهما بخصوصه بل من اتفق له الحكم منهما على الوجه المعتبر جاز عند بعضهم إذ
ليس فيه تهمة ولا ظهور غرض وفيه اشكال ويحرم عليه قبول الهدية في مواقع الريبة وفي حديث
النبوي هدايا العمال سحت وفيه أن القوم سيفتنون بأموالهم فيستحلون الخمر بالنبيذ والربا
بالبيع والسحت بالهدية وتلقين أحدهما حجته كأن يدعى عليه قرض فيقدم إليه أن يجيب بالانكار
دون الايفاء لئلا يصير مقرا ويتعسر عليه الاثبات أو ما فيه ضرر على الآخر كان يعلمه دعوى
صحيحة لم يكن من شأنه الاتيان بها وإنما حرم ذلك لأنه يفتح باب التنازع وقد نصب لسده ولقد كان
يمكن الغنى بأحد المتعاطفين عن الآخر ويستحب له قبل الحكم ترغيبهما في الصلح لأنه خير فإن أبيا إلا
النزاع وكان الحكم واضحا لزم القضاء وإن أشكل آخر حتى يتضح ويكره أن يشفع في اسقاط حق بعد
ثبوته أو ابطاله قبله والمستحب من الترغيب في الصلح ما لا يستلزم شيئا منهما أو يقال باستثناء الصلح
خاصة مما يحكم عليه بالكراهة وعلى هذا كان تأخيره أجود أو المستحب نصب من يتوسط الاصلاح
والمكروه شفاعته بنفسه أو يتخذ حاجبا لا يدخل عليه إلا بإذنه وقت القضاء وقيل بتحريمه لما فيه
من تعطيل الحقوق وتأخير الحوائج ولما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله قال من ولى شيئا من أموال
الناس فاحتجب دون حاجتهم وفاقتهم احتجب الله دون حاجته وفاقته وفقره وفي دلالته على المطلوب
نظرا ويقضي مع اشتغال القلب بنعاس أو هم وهو الحزن الذي لا يعرف سببه أو غم وهو ما يعرف سببه
أو غضب أو جوع أو مرض أو مدافعة لخصيم أو الأخبثين أو نحو ذلك ولقد كان عطف الفعلين بالواو
أجود وإذا حضر الخصم مجلس القضاء والتمس احضار خصمه فإن كان قريبا لا يشق احضاره أحضره
سواء حرر دعواه أم لا وإن كان بعيدا أمره أولا بتحرير الدعوى فإن وجدها فاسدة كما لو كانت من ثمن
خمرا وخنزيرا وربا أو مهر بغي لم يلتفت إليها وإن وجدها صحيحة أحضره فإذا حضرا فإن سكتا جاز
أن يسكت عنهما لأن الحق لهما فلا يطالبان به والأولى أن يأمر المدعي بالكلام وبعد تحرير دعوى
الصحيحة بمحضر المدعى عليه فإن بادر بالجواب فذاك وإن سكت فإن كان سكوته لدهش أو غباوة
توصل إلى ايناسه برفق إلى أن يسكن ويفهم وإن كان لآفة من صمم أو خرس أو عجمة توصل إلى تفهيمه
والاستفهام عنه ولو بالإشارة المفيدة وإن كان لعناد ومشاقة ففي إلزامه به أو توقف ذلك على التماس
المدعي قولان اقتصر في المفاتيح على نقلهما ومتى ألزم المدعى عليه بالجواب فإن أصر واستمر قيل يجلس
حتى يبين وقيل لا جلس بل يضرب ويبالغ في إهانته حتى يجيب وقيل يقول له الحاكم ثلاثا إن أجبت
وإلا جعلتك ناكلا ورددت اليمين على خصمك ومتى أجاب فليصغ له حتى ينهى وليس له أن يداخله
في كلامه أو يؤله ولا أن يوقف عزمه عن الاقرار إذا ظهرت منه مخايلة إلا في حقه (تع) لابتنائها على
التخفيف كما مر فإن أقر بالدعوى وكان من أهله حكم عليه فورا أو بعد التماس المقر له وإن أنكر فعلى
206

المدعي البينة فليعلمه بذلك فإن أقامها حاضرة والتمس الحكم حكم له بما تقتضيه بينته بعد الاجتهاد في
تعديلها إن لم تكن معدلة وسلامتها عن سائر ما يوجب الرد وإن استمهل احضارها لكونها غائبة
بزعمه أمهل ولم يلزم باحلاف الخصم والأجود أنه لا تقدير له لأن الحق له يثبته متى شاء وإن لم
يقم البينة العادلة سواء لم يقمها أصلا أو على وجه القبول والتمس احلاف الخصم حيث يصح له ذلك
أحلفه وإن امتنع كان ناكلا وأن لا يلتمس يمينه توقف الأمر ولم تتنجز الدعوى فإن تبرع به هو من
غير أن يرده عليه المنكر أو تبرع به المنكر من غير أن يلتمسه المدعي لم يعتد بذلك اليمين ولم يترتب
عليه أثر في ثبوت الدعوى أو سقوطها أما الأول فلأن اليمين ليس من وظيفة المدعي ابتداء و
إنما يتوجه إليه برد المنكر فبدونه يقع لغوا وأما الثاني فلأن الاحلاف حق المدعي وربما يكون له
مصلحة في تأخير استيفائه فالمبادرة إليه قبل المطالبة غير لازمة القبول ويحتمل على بعد ارجاع المنفصل
إلى الحاكم كما هو ظاهر المفاتيح ويكون ويكون حكم تبرع المدعي باليمين مسكوتا عنه في الكلام لكنه
لا يخلو من خلل لفظا ومعنى فإن حلف المنكر للمدعي بالتماسه سقطت دعواه وتلغو لو أعادها وحرمت
مطالبته به ومقاصته فيما يجده من ماله كما كان له ذلك قبل التحليف وما ورد بجواز المقاصة بعد الحلف فمحمول على
ما إذا حلف تبرعا من دون استحلاف كما قاله الصدوق ولا تسمع بينته بعده مطلقا على الأصح
ففي الصحيح وغيره عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) قال إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر لحقه فاستحلفه
فحلف أن لا حق له قبله ذهبت اليمين بحق المدعي فلا دعوى له قلت وإن كانت عليه بينة عادلة قال نعم
فإن أقام بعد ما استحلفه بالله خمسين قسامة ما كان له حق وكانت اليمين قد أبطلت كل ما ادعاه قبله
مما استحلفه عليه وقيل تسمع مطلقا وقيل إلا أن يشترط المنكر سقوط الحق باليمين وقيل إن نسيها
أو لم يعلم بها وكلها اجتهادات في مقابلة النص نعم يجوز المطالبة والمقاصة في صورة واحدة هي أن
يكذب الحالف نفسه ويقر بالدعوى كلا أو بعضا لتصادقهما حينئذ على بقاء الحق فلا وجه لسقوطه و
بهذا ظهر ما في العبارة من الخلل إلا أن يعتبر المستثنى منه مجموع ما تقدم على الاستثناء وفيه من البعد و
الابهام ما لا يخفى وإن أبى المنكر أن يحلف ورد اليمين على المدعي حلف المدعي لثبوت دعواه
إلا في بعض المواضع كما إذا كان غير جازم في الدعوى بل قال أظن ونحو ذلك لدلالة بعض القرائن مثل
إن وجد صورة الدعوى بخط مورثه على القول بسماع هذه الدعوى أو كان من ما لا يستحق له بخصوصه
كما إذا ادعى أن الميت أوصى بالخمس أو الزكاة أو نحو ذلك وأنكر الوارث فإنه يلزم باليمين أو الاقرار
ولا يستحلف المدعي أو ادعى الوصي مالا لليتيم على آخر فأنكر المدعى عليه وينبغي تقييده بما إذا لم يدع
الوصي أنه المباشر للاقراض مثلا فإن المتجه توجه اليمين عليه حينئذ لأنه على فعله وإن كان الحق لغيره
فإن امتنع المدعي عن اليمين حيث ترد عليه سئل عن سبب امتناعه فإن علل باحضار بينة ينتظرها
أو نظر في حساب ونحوه ترك ولم يبطل حقه وإلا يعلل بشئ أو قال ما أريد أن أحلف سقط حقه مطلقا
لأنه نكول وليس له مطالبة الخصم بعد ذلك كما لو أحلف المدعى عليه لصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما
عليهما السلام وغيره في الرجل يدعي ولا بينة له قال يستحلف فإن رد اليمين على صاحب الحق
فلم يحلف فلا حق له وقيل إنما يسقط حقه في ذلك المجلس وله استيناف الدعوى في مجلس آخر وفي
المفاتيح أن الأصح الأول إلا أن يأتي ببينة وإن نكل المنكر بأن لا يحلف ولا يرد الحلف على المدعي ألزمه
الحاكم بأحدهما لا بعينه بأن يقول له إن حلفت وإلا جعلتك ناكلا ويكرر ذلك ثلاثا استظهارا
لا فرضا فإن حلف فذاك وإن أصر على النكول قضى عليه بمجرده وفاقا للمحقق وغيره لظاهر صحيحة
محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) أن أمير المؤمنين (ع) يكتب للأخرس اليمين وغسلها وأمره بشربها
فامتنع فألزمه الدين ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الشيخ عليه السلام في الرجل يدعي
قبل الرجل الحق فلا يكون له البينة بماله قال فيمين المدعى عليه فإن حلف فلا حق له وإن لم يحلف
فعليه الحديث وإن أحلف الحاكم حينئذ المدعي كما نقل عن الخلاف مدعيا عليه الوفاق فقد أخذ
باليقين لظهور حسنة هشام وغيرها في ذلك ويجوز أن يقضي على الغائب عن المجلس سواء كان
مسافرا أو حاضرا مطلقا على المشهور وقيل يعتبر في الحاضر تعذر حضوره في مجلس الحكم لأنه للضرورة
فيقتصر على محلها وقواه في المفاتيح وفي رواية جميل الغائب يقضي عليه إذا قامت عليه البينة و
يباع ماله ويقضي عنه دينه وهو غائب ويكون الغائب على حجته إذا قدم وظاهرها المسافر وكيف
كان فهو في حقوق الناس خاصة كالديون والعقود دون حقوق الله كالزنا واللواط مطلقا لأنها
على التخفيف ولو اشتمل على الحقين كالسرقة فلكل حكمه ولا يمين مع البينة مطلقا أما على المنكر فلأن
توجه اليمين إليه مشروط بفقد البينة وأما على المدعي فلأن وظيفته البينة وقد أقامها فلا يكلف
بوظيفة المنكر والنصوص بذلك مستفيضة وفي حديث أمير المؤمنين (ع) لشريح ورد اليمين على
المدعي مع بينته فإن ذلك أجلى للعمى وأثبت للقضاء وحمل على ما إذا اشتبه عليه صدق البينة كما ينبه
عليه التعليل إلا أن تكون الشهادة على ميت بدين فيستحلف المدعي على بقاء الحق في ذمته استظهارا
بلا خالف وفي تتمة رواية عبد الرحمن وإن كان المطلوب بالحق قد مات فأقيمت عليه البينة فعلى
المدعي اليمين بالله الذي لا إله إلا هو لقد مات فلان وإن حقه لعليه فإن حلف وإلا فلا حق له
لأنا لا ندري لعله أوفاه ببينة لا نعلم موضعها أو بغير بينة قبل الموت فمن صارت عليه اليمين
مع البينة فإن ادعى ولا بينة له فلا حق له لأن المدعى عليه ليس بحي ولو كان حيا لألزم اليمين أو الحق
أو يرد اليمين عليه فمن ثم لم يثبت له عليه حق وفي الحاق الغائب والصبي والمجنون بالميت قولان من
اشتراك العلة المومي إليها في النص وهو أنه ليس للمدعى عليه لسان يجيب ومن كونه قياسا مع أنه
207

يمكن الفرق بأنه قد انتفى جوابه مطلقا بخلافهم إذ لهم لسان يرتقب جوابه وهم باقون على حجتهم كما تقدم
في رواية الغائب فيحتاط بتكفيل القابض استظهارا وكذا مع القول باليمين إذا تعذرت كما لو كان
مدعى الغائب وكيل المستحق فإنه لا يجوز احلافه فيستظهر بالكفيل وفي تتمة الرواية ولا يدفع المال
إلى الذي أقام البينة إلا بكفلاء إذا لم يكن مليا ويقضى بالشاهد الواحد واليمين في حقوق الناس
المالية خاصة سواء كان مالا كالدين أو متضمنة له كالغصب وعقود المعاوضات والجناية الموجبة
للدية دون حقوق الله (تع) كالحدود ودون ما لا يتضمن مالا من حقوق الآدميين كالطلاق والنسب
والوكالة والوصاية وعيوب النساء والرجال ونحوها بلا خلاف فيهما وعن أبي عبد الله (ع) قضى رسول
الله صلى الله عليه وآله بشهادة رجل مع يمين الطالب في الدين وحده وعن أبي جعفر (ع) لو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادة
الرجل الواحد إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس فأما ما كان من حقوق الله أو رؤية
الهلال فلا وفي النكاح والخلع والوقف والعتق خلاف وفي المفاتيح أن الأظهر ثبوت النكاح بهما
إن ادعته الزوجة خاصة لتضمنه المال حينئذ وإن كان الغرض الأصلي فيه الاحصان والتناسل
وكذا الخلع إن ادعاه الزوجة خاصة لعين ذلك وفي الوقف يبنى على أنه هل ينتقل إلى الموقوف عليه
أم الله أم الأول مع الانحصار والثاني مع عدمه أو يبقى على ملك الواقف وبالجملة فالثبوت بهما يتبع
المالية والأولى تقديم الشاهد حتى إذا قبلت شهادته حلف المدعي تتميما لها كما يلوح من فحاوي
الروايات دون تقديم اليمين إذ ربما ترد الشهادة فتلغوا اليمين وبهذا ظهر ما في كلام بعضهم
أن اليمين بمنزلة الشاهد ولا ترتيب بين الشاهدين فكذا ما ينوب منابه ولا ينعقد في اسقاط
دعوى أو ايجابها يمين إلا بالله عز وجل بلفظ الجلالة أو غيرها من أسمائه الخاصة كالرحمن وخالق
الخلق والمبدئ المعيد والمحيي المميت ونحوها دون المشتركة كالحكيم واللطيف والسميع والبصير أو غيرها
كالكتب المنزلة والرسل المعظمة والأماكن المشرفة كما يأتي في باب اليمين وإن رضي بها المستحلف مسلما
كان الحالف أم كافرا مطلقا على المشهور فورد عن أبي جعفر (ع) في قول الله (تع) والليل إذا يغشى والنجم
إذا هوى وما أشبه ذلك قال إن الله عز وجل أن يقسم من خلقه بما يشاء وليس لخلقه أن يقسموا
إلا به وفي الصحيح عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (ع) لا يحلف اليهودي ولا النصراني ولا المجوسي
بغير الله إن الله عز وجل يقول فاحكم بينهم بما أنزل الله وفي معناه غيره وقيل لو رأى الحاكم احلاف
الذمي بما يقتضيه دينه أردع جاز كما في رواية السكوني أن أمير المؤمنين (ع) استحلف يهوديا بالتورية
التي أنزل على موسى وربما يقال إن المجوسي يعتقد أن النور إله فيحتمل إرادته له من الإله المحلوف به
فينبغي أن يضم إليه بما يزيل الاحتمال مثل قوله خالق النور وهما ضعيفان فالمشهور في حلف الأخرس
أنه بالإشارة وقيل إنه يوضع يده مع ذلك على اسم الله المكتوب في مصحف أو غيره والمروي ما
تقدم من قضية أمير المؤمنين (ع) ولو كانوا الذين يتوجه عليهم اليمين أصالة أو ردا جماعة اثنين فما
زاد فعلى كل واحد منهم يمين لاسقاط نصيبه من الدعوى أو اثباته ولا يغني بعضهم عن بعض وإن كانت
الدعوى ولو نكل واحد وأجاب آخر فلكل واحد حكمه ويستحب للحاكم تهويل اليمين وتقديم العظة
عليها والتخويف من عاقبتها كاذبة أم صادقة بذكر ما ورد في ذلك من الروايات والحكايات سيما
ما قرب عهده فإن لها في إنذار النفوس العامية أثرا بينا وهو أقوى ما ينزجر به الحالف ويبالغ
في التشديد عليه فإن كاذبتها حرام تدع الديار بلاقع من أهلها وهي اليمين الغموس التي
تقدم عدها من الكباير وصادقتها مكروهة فعن أبي عبد الله (ع) لا تحلفوا بالله صادقين ولا
كاذبين فإنه (تع) قد نهى عن ذلك وعنه (ع) من حلف بالله كاذبا كفر ومن حلف بالله صادقا أثم
ولا سيما إذا كثرت فورد في بعض الوجوه في قوله (تع) ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن العرضة هو
المعرض للأمور والمعنى لا تجعلوه معرضا لليمين فتبتذلوه بكثرة الحلف عليه أو كانت على قليل
من المال فإن الامتناع والخسارة أولى من الحلف وفي الحديث النبوي من أجل الله أن يحلف به
أعطاه الله خيرا مما ذهب منه وورد في تقديره ثلاثون درهما فما دون روى ذلك علي بن الحكم
عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال إذا ادعى عليك مال ولم يكن له عليك فأراد أن يحلفك
فإن بلغ مقدار ثلاثين درهما فاعطه ولا تحلف وإن كان أكثر من ذلك فاحلف ولا تعطه ومثل
هذا التعبير إنما كان يحسن لو ورد شئ من الروايات بلفظ قليل ولم نتحققه وفي رواية أن السجاد (ع)
تحمل للخارجية أربعمائة دينار ولم يحلف والأجود اختلاف ذلك باختلاف الأحوال وقد ورد استحباب
تعظيم الله للمستحلفين أيضا ففي الحديث النبوي من قدم غريما إلى السلطان يستحلفه وهو يعلم أنه
يحلف ثم تركه لم يرض الله (تع) له بمنزلة يوم القيامة إلا بمنزلة خليل الرحمن وقد تباحان الكاذبة
من غير إثم والصادقة من غير كراهة للضرورة كالتقية والخلاص من الأذى ففي حديث الكناني عن أبي عبد الله (ع) ما صنعتم من شئ أو حلفتم عليه من يمين في تقية فأنتم منه في سعة وعن زرارة
قلت لأبي جعفر (ع) نمر بالمال على العشار فيطلبون منا أن نحلف لهم ويخلون سبيلنا ولا يرضون
منا إلا بذلك قال فاحلف لهم فهو أحلى من التمر والزبد بل ربما تجبان إذا توقفت المصلحة المقصودة
عليهما كانقاذ مؤمن من ظالم فعن النبي صلى الله عليه وآله احلف بالله كاذبا وانج أخاك من القتل
ويوري إن كذبت ويكون المعتبر نيته لأنه المظلوم وهو على البت أبدا مثبتا كان أو نافيا إلا إذا
حلف على نفي فعل الغير والضابط أنه إن كان يحلف على نفسه فعلى القطع سواء كان لاثباته أو نفيه
لأنه يعرف حال نفسه وإن كان على فعل الغير فإن كان لاثباته فعلى البت أيضا لأنه يسهل الوقوف
على الاثبات كما أنه يشهد به وإن كان لنفيه فعلى نفي العلم لتعسر الوقوف على النفي المطلق ومن ثم لا
208

تجوز الشهادة عليه كما لو ادعى على أبيه الميت ولا بينة فإنه يكفيه الحلف بعدم العلم ولا يمين في حد
بل إن قامت بينته الحسبة حكم بمقتضاها وإلا سقطت الدعوى بل ربما يحد المدعي أو يعزر
باب
الشهادة وهي من المصالح الكلية التي يتوقف عليها النظام ويرتبط به أمور الخاص والعام و
المشهور أنه يجب تحملها لكفاية حسما لمادة المنازعات الثائرة من تركه ولقوله عز وجل ولا يأب
الشهداء إذا ما دعوا على ما فسر في طريق أهل البيت (ع) من أن المراد بالشهداء المدعوون للشهادة
وتسميتهم شهداء من مجاز المشارفة مثل من قتل قتيلا والمخالف في ذلك ابن إدريس عملا بالأصل
وطعنا في الأخبار ومنعا لدلالة الآية لظهورها في الأداء فإن اطلاق الشهيد حقيقة إنما هو بعد
التحمل وأجيب بأنها في معرض الإرشاد بالاشهاد للأمر بالكتابة حال التداين بقوله إذا تداينتم بدين
إلى أجل مسمى فاكتبوه ونهى الكاتب عن الإباء بقوله ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب
ثم الأمر بالاشهاد بقوله واستشهدوا شهيدين من رجالكم ونهى الشاهد عن الإباء بقوله ولا يأب
الشهداء إذا ما دعوا فالسياق يقتضي إرادة التحمل وأما الأمر بالأداء فإنما هو في آخر الآية أعني قوله
ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه فلو حمل هذا أيضا على ذلك لزم التأكيد والتأسيس
خير منه وأداءها كذلك يجب كفاية إن زاد عدد الشهود على العدد المعتبر في اثبات الحق المتنازع
وأن لا يزد بل يساويه أو ينقص عنه بما ينجبر باليمين فعينا كلاهما مع الاستدعاء أي إذا كان قد
استشهد بالالتماس بالكتاب والسنة والاجماع كما في المفاتيح أما بدونه فاحتياطا فالمشهور الوجوب
أيضا لعموم الأدلة ولأنها أمانة جعلت عنده فوجب عليه الخروج منها كما أن الأمانات المالية
تارة تحصل عنده بقبولها وأخرى بغيره كإطارة الريح ونحوها خلافا للشيخ وغيره للروايات
المستفيضة كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) إذا سمع الرجل الشهادة ولم يشهد عليها فهو بالخيار
فإن شاء شهد وإن شاء سكت وفي آخرها لأنهما لم يشهداه وخصه الصدوق بما إذا كان على
الحق غيره من الشهود فمتى علم أن صاحب الحق المظلوم ولا يحيى حقه إلا بشهادته وجب عليه إقامتها
ولم يحل له كتمانها فقد قال الصادق (ع) العلم شهادة إذا كان صاحبها مظلوما فلو لم يعلم صاحب
الحق بشهادة الشهود لنسيان أو لكون الدعوى موروثة أو نحو ذلك وجب عليهم اعلامه ذلك
كفاية أو عينا هذا ما قرره في المفاتيح وما ذكره من التفصيل في الأداء بالعيني والكفائي واشتراط
القسمين جميعا بالاستدعاءات بعينه في التحمل وقد نص في الآية الكريمة على اشتراط الدعوة
ويمكن تنزيل عبارة الكتاب عليه على بعد وفي الأداء يشترط الاستدعاء بوجه آخر أيضا وهو
التماس من له الحق من الشاهد أن يحضر عند الحاكم لأداء الشهادة لأنه من الحقوق المتوقفة على
المطالبة فلا يجب الابتداء به وهو واضح وإنما يجب التحمل والأداء على الوجهين إذا أمكنا من
غير تحمل ضرورة ولا مؤنة بهما فإن تضرر الشاهد أو احتاج إلى سفر يفتقر فيه إلى المركوب وغيره
سقط الوجوب إلا أن يكفاه المشهود له ذلك ويشترط في قبول شهادة المؤدي دون المتحمل أمور
أحدها البلوغ فترد من الصبي مطلقا لعدم قبول قوله على نفسه فكيف على غيره ولقوله (تع) من
رجالكم إلا من المميز في الخروج خاصة على المشهور مطلقا عند قوم وما لم يبلغ النفس عند آخرين
وبشرط أن يكون اجتماعهم على مباح عند الشيخ وأن لا يتفرقوا قبل أداء الشهادة عند جماعة لرواية
طلحة بن زيد شهادة الصبيان جايزة بينهم ما لم يتفرقوا ويرجعوا إلى أهليهم وبشرط بلوغ العشر
سنين عند بعضهم وقيل بقبول شهادة ذي العشر مطلقا لرواية أبي أيوب عن إسماعيل بن جعفر
إذا كان للغلام عشر سنين جاز أمره وجازت شهادته وليست حجة ولم أقف على رواية متضمن
قبولها في الجروح مطلقا نعم روى ثقة الاسلام والشيخ في الحسن وغيره عن جميل بن دراج قال قلت لأبي عبد
الله (ع) تجوز شهادة الصبيان قال نعم في القتل ويؤخذ بأول كلامه ولا يؤخذ بالثاني منه وعن محمد بن
حمران مثله والتعويل على أن لفظ الروايتين وإن كان القتل إلا أنه يدخل فيه الحرج بطريق أولى مما لا
تعويل عليه فلا يلايمه التقييد بما لم تبلغ النفس بل إن يعمل بهما من غير تصرف أو تطرحا ويرجع إلى
الأصول الشرعية من عدم قبول شهادتهم مطلقا كما يحكى عن فخر المحققين حملا للروايتين على ما إذا
ثبت بها الاستفاضة بناء على الغالب من وقوع الجراح بينهم في اللعب حال اجتماعهم بكثرة يمكن أن
يثبت بها الاستفاضة والتهجم على الدماء بخير الواحد خطر وتقييد النص المعتبر أو طرحه من غير
ثبت أخطر والثاني كمال العقل ومن لوازمه التيقظ فترد من المجنون بلا خلاف مطلقا إلا إذا
كمل عقله في غير دوره واستحكمت فطنته فتقبل لزوال المانع ومثله المغفل الذي لا يحفظ ولا
يضبط ويدخل فيه التزوير والغلط وهو لا يشعر لعدم الوثوق بقوله وكذا من يكثر غلطه ونسيانه
ومن لم يتنبه لمزايا الأمور المتكررة وتفاصيلها إلا أن يعلم عدم غفلته عما يشهد به لكون المشهود
به مما لا يسهو فيه غالبا وعلى الحاكم أن يفتش عن حالة من هذه حاله إلى أن يغلب على ظنه علمه و
تيقظه والثالث الاسلام فترد من الكافر مطلقا إلا في الوصية بالمال فتقبل من الذمي العادل خاصة
مع فقد المسلم العادل عند الموت ولو وجد مسلمان فاسقان فالذميان العدلان أولى كما هو ظاهر
الآية وهل يشترط بالسفر أم يجري اشتراطه فيها مجرى الغالب الأكثر ومنهم المصنف على الثاني وأوجب
بعضهم تحليفهما بصورة الآية قائلين لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا
لمن الآثمين ونفى عنه البعد في المفاتيح والشيخ أجاز شهادة أهل كل ملة على مثله لمثله وابن الجنيد لغير
مثله أيضا وفي حديث سماعة سألت أبا عبد الله (ع) عن شهادة أهل الملة فقال لا تجوز إلا على أهل
ملتهم وفي صحيحة الحلبي عنه (ع) هل تجوز شهادة أهل ملة على غير أهل ملتهم قال نعم إذا لم يجد من أهل
209

ملتهم أنه لا يصلح ذهاب حق أحد وفي الحسن عنه (ع) تجوز شهادة المسلمين على جميع أهل الملل
ولا تجوز شهادة أهل الذمة على المسلمين والرابع الايمان الخاص فترد من المخالف في شئ من
الأصول الخمسة على وجه يخرج عن كونه إماميا على المشهور لأن غير المؤمن فاسق فيجب التثبت
عند بناءه وظالم فلا يركن إليه لاعتقاده الفاسد الذي هو من أكبر الكباير وفيه أن الفسق
إنما يتحقق بفعل المعصية مع اعتقاد كونه معصية لا مع اعتقاد كونه طاعة كما في المخالفين و
الظلم إنما يتحقق بمعاندة الحق مع العلم به وهذا لا يكاد يتفق وأن توهمه من لا علم له بالحال
نعم يستفاد من بعض الروايات رد شهادة بعض المخالفين وفي أصول العقايد كالخوارج والغلاة
والمجسمة أما المخالفة في فروع علم الكلام والمسائل الشرعية الفرعية ما لم يخالف ضرورة
المذهب فلا تقدح في قبول الشهادة قطعا كما في المفاتيح والخامس العدالة الظاهرة بمعنى كونه
معروفا في قبيلته ومحلته بالخير كما في صحيحة عبد الله بن أبي يعفور قلت لأبي عبد الله (ع) بم تعرف
عدالة الرجل من المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم فقال إن يعرفوه بالستر والعفاف و
كف البطن والفرج واليد واللسان وباجتناب الكباير التي أوعد الله (تع) عليها النار من شرب
الخمر والزنا والربا وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وغير ذلك والدليل عليه أن يكون
ساترا لعيوبه حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه ويجب عليهم تزكيته
واظهار عدالته في الناس وأن لا يتخلف عن جماعة المسلمين في مصلاهم إلا من علة فإذا سئل
عنه في قبيلته ومحلته قالوا ما رأينا منه إلا خيرا مواظبا على الصلوات متعاهدا لأوقاتها في مصلاه
الحديث فترد من الغير المعروف بالخير سواء كان معروفا بخلافه أم لا وفي بعض الروايات أقل
من ذلك وأن المسلمين عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا في حد لم يتب عنه أو معروفا بشهادة
زورا وظنينا وأنه إذا شهد من ليس يعرف بشهادة الزور أجيزت شهادته ويمكن تطبيق الصحيحة
عليها والمنقول من سيرة الأولين أن البحث عن عدالة الشهود لم يكن في الصدر السالف وإنما
هو شئ أحدثه شريك بن عبد الله القاضي ثم تبعه عليه من تبعه والسادس عدم التهمة مط
سواء كانت بجر نفع ولو بالولاية أو دفع ضرر كذلك أو عداوة دنيوية للمشهود عليه تبلغ حدا
يتمنى زوال نعمته ويفرح بمصيبته وإن لم توجب الفسق فترد من الشريك لشريكه في الحق المشترك
بينهما والولي والوصي للمولى عليه والوكيل لموكله ومن العاقلة بجرح شهود الجناية الموجبة للغرم
عليهم والولي وأخويه بجرح شهود مدعى ما في أيديهم ومن العدو للدنيا على خصمه دون عدو
الدين فإن المسلم تقبل شهادته على الكافر ومن ما يرد بالتهمة شهادة المبادر بها عند الحاكم
تبرعا قبل الاستنطاق حرصا عليها سواء كان بعد الدعوى المدعي أم قبله وفي الحديث النبوي
ثم يفشوا الكذب حتى يشهد الرجل قبل أن يستشهد والمشهور أن الراد إنما هو في حقوق الناس
وأما في حقوق الله المحضة كالزنا والمشتركة كالقذف والمصالح العامة فالذي اختاره المصنف
القبول كما يستفاد من الأخبار لعدم المدعي لها فلو لم يشرع التبرع فيها لتعطلت ولأنه نوع
من الحسبة وتقبل شهادة الصديق لصديقه وإن تأكدت الصحبة بينهما لأن العدالة تمنع
التسامح وكذا القريب لقريبه وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) تجوز شهادة الولد لوالده والوالد
لولده والأخ لأخيه واشترط بعضهم ضميمة عدل آخر مطلقا ومنهم من خص ذلك بالزوجة وعليه
مطلقا عند المصنف ومن وافقه خلافا للأكثر فيما إذا شهد الولد على والده وكذا تقبل شهادة
الضيف لمضيفه وفي الأجير قولان والمروي المنع وفي رواية أخرى تكره شهادة الأجير ولا حاجة
إلى تخصيصها بمثل ما لو شهد لمن استأجره على قصارة الثوب أو خياطته به وكذا الخلاف في
المستتر بالفسق إذا ردت شهادته ثم تاب فأعاد تلك الشهادة بعينها ووجه العدم تهمة دفع عذر
الكذب عن نفسه واهتمامه باصلاح الظاهر ومختار المصنف القبول مع ظهور صدق توبته
والمروي في السائل بكفه أنه لا تقبل شهادته وفي بعضها لأنه لا يؤتمن على الشهادة وذلك لأنه إن
أعطي رضي وإن منع سخط وقيده بعضهم بما إذا لم تدعه الضرورة إلى ذلك وفي اشتراط طهارة
المولد خلاف وظاهر الكتاب العدم وأما المملوك ففي قبول شهادته مطلقا أو على غير موليه
أو عليه خاصة أو على مثله والكافر خاصة أو لغير موليه خاصة مطلقا أو لا عليه أو العدم
مطلقا أقوال سبعة أصحها عند المصنف الأول للعمومات وخصوص المعتبرة ففي الحسن عن
أمير المؤمنين (ع) لا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلا وعن بريد عن أبي عبد الله (ع) قال سألته
عن المملوك تجوز شهادته قال نعم وأن أول من رد شهادة المملوك لفلان وفي رواية محمد بن
مسلم عمر وفيهما إيماء إلى الوجه فيما دل على المنع مطلقا ولا حاجة إلى تكلف الجمع بشئ من الأقوال
المذكورة مما لا دليل عليه ويعتبر في ثبوت الحق بالشاهد زيادة على ما ذكر أمور ثلاثة أحدها
كمال العدد المشروط شرعا وهو مختلف باختلاف الحقوق كما علم من تضاعيف ما تقدم فلا بد من أربعة رجال في الفواحش الثلاث الزنا واللواط والسحق كما مر أو ثلاثة رجال وامرأتين في
الزنا خاصة أو في الجميع كما نقلناه من مذهب الصدوق أو رجلين في غيرها مطلقا في حقوق
الله والآدميين والماليات وغيرها وهو الأصل في الشهادة أو رجل وامرأتين في الماليات
وفيما يعسر اطلاع الرجال عليه غالبا كما سيأتي خاصة وفي ثبوت العتق والطلاق والنكاح و
القتل به خلاف وقرب في المفاتيح المنع في الأولين لعدم تعلقهما بالمال والثبوت في الأخيرين
وإن اختلفت النصوص فيهما حملا لما دل على المنع على التقية أو على ما إذا كن منفردات جمعا وربما
210

يجمع بينها في النكاح بحمل أخبار المنع على ما إذا كان المدعي الزوج لأنه لا يدعي مالا وأخبار القبول
على ما إذا كان المرأة لأن دعوتها تتضمن المال من المهر والنفقة وفي القتل بحمل أخبار المنع على القود
والقبول على الدية كما تقدم أو رجل واحد ويمين يقوم مقام الآخر فيها من حقوق الناس
كما ذكر وهذا مذكور استطرادا استيفاء للشقوق وإلا فالواحد ليس من العدد وإن تألفت منه
الأعداد والمشهور أنه تنوب عنه في ذلك امرأتان فيثبت بهما مع اليمين ما يثبت به معها لحسنة
منصور بن حازم الصريحة السليمة عن المعارض وغيرها خلافا لابن إدريس والعلامة في
موضع من التحرير وهو ظاهر الكتاب والمفاتيح واللمعة أو أربع نسوة ينبن عن رجلين فيما يعسر
اطلاع الرجال عليه غالبا فإنه تقبل شهادتهن فيه منضمات إلى الرجال ومنفردات كالولادة
والاستهلال وهو تولد الولد حيا ليرث سمي بذلك للصوت الحاصل عادة حينئذ منه أو ممن
حضر كتصويت من رأى الهلال وعيوب النساء الباطنة التي ترد بها النكاح كما يأتي كالرتق و
القرن وكذا غيرها من أحوالهن الباطنة كالبكارة والثيوبة والحيض والاستحاضة ونحوها دون
الظاهرة كالجذام في الوجه والعرج وكونها جميلة أو ذميمة أو موصولة الشعر وفي الرضاع خلاف
ومختار المصنف القبول ولا تقبل شهادتهن منفردات أقل من أربع في شئ من الحقوق لما علم
من عادة الشرع في باب الشهادات من اعتبار المرأتين برحل إلا في ميراث المستهل والوصية بالمال
فتثبت بالحساب كالربع بالواحدة والنصف بالثنتين وهكذا مطلقا عملا بالعموم وقيده بعضهم
بتعذر الرجال وفي ثبوت النصف بشهادة رجل واحد من غير يمين لكونه بمنزلة امرأتين أو الربع
خاصة لأنه المتيقن حيث إنه لا يقصر عن امرأة أو سقوط شهادته رأسا وقوفا فيما خالف الأصل
على مورد النص لوجه وعن بعض القدماء قبول شهادة امرأتين مسلمتين في عيوبهن والاستهلال
والنفاس والحيض والولادة وفي صحيحة الحلبي سألته عن شهادة القابلة في الولادة قال تجوز شهادة
الواحدة وفي صحيحة عبد الله بن سنان تجوز شهادة القابلة وحدها في المنفوس وبهما عمل بعضهم و
المشهور حملهما على الربع والثاني موافقتها للدعوى فلو ادعى البيع وشهدت البينة بالهبة لم تقبل
لأن المشهود به غير المدعى وإن جمعتها رابطة والثالث توافقهم في المعنى الخاص وإن اختلفوا في اللفظ
كما لو قال أحدهما أنه غصب والآخر أنه انتزع ظلما وكذا لو شهد أحدهما باقراره بالعربية والآخر بالعجمية
وأطلقا وقته أو ذكراه مختلفا لأنه اخبار عن شئ واحد يمكن التعبير عنه بلغات متعددة في أوقات
كثيرة أما لو وحد الوقت فيه بحيث لا يمكن الاجتماع لم تسمع للتكاذب وتقبل شهادة الفرع وهي
الشهادة على الشهادة لمسيس الحاجة إليها أحيانا فاقتضت الحكمة شرعيتهما حذرا عن التعطيل و
لا بد من اثنين على كل واحد وإن لم يعتبر مغايرتهما عند أصحابنا بل يكفي اثنان عليهما جميعا أو
على أحدهما مع الآخر وإنما تقبل مع مشقة حضور شاهد الأصل عند الحاكم ولو كان في البلد
كما في رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) في الشهادة على شهادة الرجل وهو بالحضرة في البلد قال نعم ولو كان
خلف سارية يجوز ذلك إذا كان لا يمكنه أن يقيمها هو لعلة تمنعه عن أن يحضر ويقيمها فلا
بأس بإقامة الشهادة على الشهادة وفيما عدا الحدود مطلقا على المشهور فعن أمير المؤمنين (ع)
بعدة الطرق لا تجوز شهادة على شهادة في حد ومنهم من قيد بالمختصة بالله كالزنا والشرب وسمعها
في المشتركة بينه وبين الآدميين كالقذف والسرقة ترجيحا لحق الآدمي وخصت حيث تقبل بالمرة
الأولى بلا خلاف لرواية عمرو بن جميع عن أبي جعفر (ع) لا تسمع شهادة على شهادة على شهادة ومستند
الشهادة لا بد أن يكون العلم القطعي ولا يجوز الابتناء فيها على الظن إن الظن لا يغني عن الحق شيئا
فورد عن النبي صلى الله عليه وآله لمن سأله عن الشهادة هل ترى الشمس فقال نعم فقال على مثلها فاشهد أو دع و
أبي عبد الله (ع) لا تشهدن بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفك وقيل إن من الحقوق ما لا يحصل اليقين
فيه ولا يستغنى عن إقامة البينة عليه فأقيم الظن المؤكد فيه مقام اليقين وجوزت الشهادة بناء
على ذلك الظن كما سيأتي وبعضهم طرد الباب وفي بعض الروايات النهي عن التعويل على الخط و
الخاتم وأنه من شاء كتب كتابا ونقش خاتما وفي بعضها إذا كان صاحبك ثقة ومعك رجل ثقة
فأشهد له وقيد به الأول في الوافي وفاقا لبعضهم وحمله في المختلف على ما إذا حصل له من القرائن
ما استفاد به العلم وحينئذ فشهادته مستندة إلى العلم لا إلى خطه والحازم لا يخرج عن اليقين
فلا يشهد إلا بما تحققه بالمشاهدة أو السماع أو كليهما بحسب اختلاف الحقوق على من عرفه يقينا بنسبه
بساير مشخصاته أو عينه أو كليهما ويكفي في معرفته عند تحمل الشهادة عليه معرفان ثقتان لعموم ما
يدل على التعويل على الشاهدين إلا ما استثنى ويجوز أن تسفر المرأة عن ما يجب تغطيته من وجهها
لمن يشهد عليها أولا أو أخيرا إلا أن يعرف صوتها قطعا وما يقال إن الأصوات متشابهة ويتطرق
إليها التخييل والتلبيس ويفرع عليه عدم قبول شهادة الأعمى فمما يكذبه العيان والرواية بقبول
شهادته إذا أثبت ويثبت بعض الحقوق بالاستفاضة وهي استفعال من الفيض وهو الظهور و
الكثرة والمراد شياع الخبر إلى حد يفيد السامع العلم بمضمونه على الأول والظن المتاخم له على الثاني
وقيل يكفي مطلق الظن وضابطه ما يعسر إقامة البينة عليه غالبا كالنسب فإنه أمر لا مدخل للرؤية
فيه وغاية ما يمكن رؤيته الولادة على فراشه لكن النسب إلى الأجداد القديمة لا يتحقق فيه الرؤية
ومعرفة الفراش فدعت الحاجة إلى الاكتفاء بالتسامع والموت فإن من أسبابه ما يخفى ويعسر
الاطلاع عليه والملك المطلق دون المستند إلى سبب كالبيع والهبة ونحوهما فإنها لا تثبت بها
والوقف لأنه للتأبيد فلو لم نسمع فيه الإفاضة لبطلت الأوقاف بموت الشهود وكذا في النكاح
211

والعتق وكذا ولاية القاضي الخاص فإن نقل الشهود من محضر الإمام مما الغالب تعسره سيما إلى
البلاد البعيدة وقد استمر الناس على قبولها بذلك من زمن النبي صلى الله عليه وآله إلى زمننا هذا من دون نكير
بل بما دون كالكتاب مع أمن التزوير ويقوى أن يلحق به إمام الصلاة والمؤذن والقسام و
نحوهم
باب أخذ اللقيط وهو فعيل بمعنى المفعول ويسمى أيضا ملقوطا ومنبوذا وأجود ما يقال
في رسمه أنه الانسان الضايع الغير المستقل بنفسه الذي لا كافل له فإن الانسان بمنزلة الجنس
القريب يحترز به عن الحيوان ويسمى الضالة وغيره من الأموال الصامتة ويسمى اللقطة وباقي
القيود بمنزلة الفصول والضايع احتراز عن غير المنبوذ وغير المستقل عن البالغ العاقل الذي من شأنه
على ما يصلحه ويدفع عن نفسه المهلكات الممكن دفعها عادة فيشمل الصبي والمجنون والذي لا كافل
له عن معلوم الولي أو الملتقط والمشهور أنه يجب أخذه كفاية لما فيه من إعانة المضطر بل احياء
النفس وصيانتها عن الهلاك في كثير من أفرادها وقد قال (تع) وتعاونوا على البر والتقوى
ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا وقيل بالاستحباب عملا بالأصل وعند المصنف و
صاحب اللمعة يجب مع الخوف عليه من التلف كما يجب حفظ كل نفس محترمة عنه وإلا يستحب
أعمالا للدليلين وتجتمع هذه الأقوال في رجحان أخذ اللقيط من باب المعاونة على البر ومن ثم
حسن ايراده في كتاب الحسبة وأما الضالة واللقطة فالأوضح فيهما معنى الاكتساب فكانا بكتاب
الكسب أنسب وأما أحكامه فإن كان له أحد العمودين بأن كان صبيا له أب أو جد وإن علا أو أم
وإن علت أو مجنونا له أحد هؤلاء أو ولد وإن سفل أجبر على حصانته وانفاقه وخرج عن حكم الالتقاط
لوجود الكافل وكذا لو سبق إليه ملتقط ثم نبذه فإنه يلزم أخذه وإلا يكن له ولي ولا ملتقط
فإن كان معه مال يحكم له به شرعا أنفق عليه منه بالمعروف والأحوط استيذان الحاكم في ذلك مع
امكانه وإلا أنفق عليه الآخذ من ماله تبرعا أو قرضا ورجع عليه به إذا نواه بعد يساره والأولى
الاشهاد على ذلك دفعا للتخاصم ورفعا للتهمة أو من بيت المال لأنه معد للمصالح وهو من
جملتها أو سهم الفقراء أو المساكين أو سبيل الله من الزكاة أو الوجوه المترتبة للخيرات كالموقوفات
والوصايا العامة أو استعان بالمسلمين ويجب عليه مساعدته كفاية من باب وجوب إعانة
المحتاج وظاهر العبارة التخيير بين الشقوق المذكورة والمصرح به في المفاتيح وغيره تقديم بيت
المال والزكوات والخيرات من ترتيب ثم الاستعانة بالمسلمين ثم القرض وهو الوجه فإن كان اللقيط
مملوكا لزم على الملتقط حفظه وايصاله إلى مالكه أو وكيله مطلقا كغيره من الأمانات الشرعية ويرجع
بالنفقة عليه إذا نواه واستثنى في المفاتيح ما لو كان مميزا مراهقا لا يخاف تلفه فإنه لا يجوز التقاطه
كالبالغ كما صرح به في اللمعة لامتناعه بنفسه وظاهره هنا وثمة عدم جواز تملكه مطلقا كما في
التحرير والدروس وفي القواعد قطع بجواز تملك الصغير بعد التعريف حولا ولا يقضى في شئ
منها بنص قاطع ويشترط في الملتقط البلوغ والعقل والحرية فلا عبرة بالتقاط الصبي والمجنون و
المملوك بل لقيطهم باق على ما كان عليه قبل اليد ولو أذن المولى للمملوك ابتداء أو أقره عليه جاز
وكان المولى هو الملتقط بالحقيقة والمملوك نائبه فيلحقه أحكامه دونه وفي اشتراط الاسلام قولان
واستوجهه في المفاتيح لو كان اللقيط محكوما باسلامه لعدم الأمن من مخادعته في الدين ولأنه
سبيل له عليه ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا وفي المسالك أنه محل الخلاف أما
لو كان محكوما بكفره فلا اشكال في جواز التقاط الكافر له للأصل وانتفاء المانع وعموم والذين
كفروا بعضهم أولياء بعض وفي السكوت عن الرشد والعدالة والاستقرار في بلد واحد ايذان
بعدم اشتراط شئ منها كما هو أشهر القولين وحيث يتحقق الالتقاط الشرعي يجب على الملتقط تعهد
اللقيط وحراسته والقيام بمصالحه ولا ولاء له ولا لغيره من المسلمين عليه عند الأكثر بل هو سائبة
يتولى من يشاء فإن مات بغير وارث فميراثه للإمام ونقل الخلاف فيه عن الشيخ ويستحب لملتقط
اللقيط الاشهاد عليه عند الأخذ سيما للفاسق والمعسر كملتقط غيره لأنه أصون لدينه ومروته
وأحفظ لنسبه ونسبه وحريته واحتمال الخيانة فيهما أقوى ثم إن كان اللقيط في دار الاسلام أي
البلاد التي ينفذ فيها أحكام الاسلام ولو ملكها بالكفر بالاستيلاء على ثغورها وخراجها و
نصب عمالها حكم باسلامه تبعا للدار وإن كان فيها كافر يمكن تولده منه عادة والأصل حريته
إلا إذا ظهر رقيته ولو باقراره على نفسه بعد البلوغ والرشد ويمكن العلم بها قبل ذلك بأن رآه
قبل أن يضيع يباع في الأسواق مرارا أو لا يعلم مالكه وكذا بالاسلام والحرية في لقيط دار الحرب
وهي بإزاء دار الاسلام إذا كان فيها مسلم صالح للاستيلاد ولو واحد أسيرا أو تاجرا أو محبوسا
نظرا إلى الاحتمال وإن بعد وتغليبا لحكم الاسلام على حكم الكفر قيل ولا يكفي المارة من المسلمين
وأن لا يكن فيها مسلم بالوصف فهو رق لمن سباه بالالتقاط من المسلمين لأنه محكوم عليه
بالكفر ابتداء تبعا للدار وبعد ذلك يتبع السابي في الاسلام وأكثر ذلك مستفاد من العمومات
الشرعية
باب الحجر وهو في اللغة المنع والتضييق والمحجور شرعا هو الممنوع أو المضيق عليه في
التصرف مطلقا أو في الماليات خاصة ويرجع أمره إلى وليه لأحد أسباب خمسة بحسب
المذكور هنا الصبي والجنون والرق والسفه والفلس ويحجر على الصبي والمجنون مطلقا
فليس لهما التصرف في شئ من الأمور بلا خلاف إلا ما يستفاد من بعض الصحاح من صحة
وصية الصبي إذا بلغ عشرا وعليه جماعة وفي خبر آخر إذا بلغ خمسة أشبار وقد تقدمت الإشارة
إليه وولايتهما للأب والجد له وإن علا ثم الوصي إن لم يكونا ثم الحاكم الشرعي إن لم يكن وعن
212

بعض المتقدمين أن الولاية بعد الأب للأم الرشيدة وهو شاذ وفي تقديم الأب أو الجد عند
اجتماعهما خلاف والنصوص في النكاح مصرحة بتقديم الجد عند التعارض وعليه الأكثر وربما
يقيد ولاية من عدا الحاكم على المجنون بما إذا اتصل جنونه بصغره فتستصحب الولاية عليه أما من بلغ
عاقلا وارتفعت عنه فعودها عليه بتجدد الجنون غير معلوم ولا يحكم بشمول النص الموجب
لولايته لمثل هذا الفرد إلا بثبت فيليه الحاكم ابتداء وعلى المملوك الغير المأذون من المولى سواء
قلنا بتملكه أم لا كذلك في غير الطلاق فإن له ايقاعه وإن كره المولى لأنه بيد من أخذ بالساق كما
في المستفيض والولاية عليه للمولى ثم الحاكم وعلى السفيه وهو الذي لا يعتني بالمال فيتقاعد
عن حفظه أو يصرفه في غير الأغراض الصحيحة وقد نهى الله (تع) عن ايتائهم الأموال وشرط في دفعها
إلى اليتامى إيناس الرشد منهم وهو في مقابلة السفه وعبر عنه في بعض الروايات بمعرفة
الأخذ والاعطاء وفي بعضها إيناس الرشد حفظ المال وورد في اليتيمة أن لا تفسد ولا
تضيع وجميع ما ذكره الأصحاب في اختباره تفصيل لهذه الاجمالات أو بيان للعرف وفي
اشتراط العدالة فيه خلاف واستدلال المشترط بما ورد أن شارب الخمر سفيه مع عدم
القول بالفصل إنما يتم لو ثبت اتحاد معنى السفيه في الرواية بالمعنى المبحوث عنه وهو ممنوع
وعلى المفلس من باب الأفعال اللازم للصيرورة وهو في اللغة من ذهبت دراهمه وبقيت
فلوسه وفي العرف من ذهب خيار ماله وبقي رديه فإذا حجر عليه الحاكم فهو مفلس من باب
التفعيل للنسبة وإنما يحجر عليه وعلى السفيه في الماليات خاصة دون سائر التصرفات التي
لا تتضمن اخراج مال كالطلاق والخلع والوكالة في غير عقد أو ايقاع أو غير ذلك والولاية
عليهما مطلقا للحاكم ابتداء أو تستصحب للأب والجد ووصيهما في البالغ سفيها فإن لم يكونا فللحاكم
على الخلاف فيه والأشهر الأول وأنه لا فرق بينه وبين المفلس في رفع ولاية من عدا الحاكم عنهما
بالبلوغ والحجر على من عدا المفلس من المذكورين ثابت بأصل الشرع غير مشروط بشئ مطلقا
وشرطه في المفلس أمران أحدهما قصور أمواله مع معوضات الديون عن ديونه فلو كانت مساوية
لها أو أزيد لم يحجر عليه اجماعا منا يطالب بقضائها فإن قضى وإلا تخير الحاكم مع طلب أربابها بين
حبسه إلى أن يقضي وبيع متاعه والقضاء عنه والمناط الديون الحالة أما المؤجلة فلا حجر لها
وإن لم يف ماله بها لجواز وجدان الوفاء عند المطالبة ومن ثم لا يدخر لها شئ عند التقسيم
بل تقسم على الحالة خاصة والقول بحلول المؤجلة قياسا على الموت ضعيف والآخر التماس جميع
الغرماء وهم الطالبون أو بعضهم مطلقا أو المديون نفسه الحجر أما توقفه على التماس الغرماء
فلأنه حق لهم وإن شاؤوا طالبوه فلا يتبرع به الحاكم فإن التمسوه جميعا فلا كلام وكذا إن التمسه
بعضهم ثم يعم الحجر الجميع لثبوت الديون كلها واستحقاق أربابها المطالبة بها وقيده بعضهم بما
إذا بلغت ديونهم قدر ما يجوز به الحجر فلو قصرت عن ذلك فلا حجر اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع
اليقين وأما التماس المديون وحده فالمشهور أنه لا يؤثر شيئا لأن الحق إنما هو للغرماء دونه
ويمنع بأن فيه مصلحة له كما أن فيه مصلحة لهم ولحجر النبي صلى الله عليه وآله على معاذ بالتماسه خاصة فيمنع من
التصرف المالي المبتدأ دون الفسخ بالعيب والشرط ونحو ذلك إلا ما يفيد تحصيلا كالاحتطاب و
الاتهاب بغير عوض أو بعوض قاصر عن الموهوب فيملك بذلك وإن منع من التصرف فيه بعده
وينفق من ماله عليه وعلى واجبي نفقته من الزوجات والمماليك والعمودين ما يليق بحالهم في
افلاسه مدة الحجر إلى يوم القسمة وزوال الحجر وإن مات قدم كفنه على حقوق الغرماء وإن
استوعبها كما في صحيحة زرارة عن أبي عبد الله (ع) في رجل مات وعليه دين بقدر كفنه قال يكفن
بما ترك إلا أن يتجر عليه انسان فيكفنه ويقضي بما ترك دينه وفي الحديث النبوي أن أول ما
يبدء به من المال الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث ثم من وجد من الغرماء عين ماله الذي ثمنه
من جملة الديون تخير بين أخذه مقدما على سايرهم ومحاصتهم فيه وإن لم يكن سواها على المشهور
لصحيحة عمر بن يزيد عن أبي الحسن (ع) قال سألته عن الرجل يركبه الدين فيوجد متاع رجل عنده
بعينه قال لا يحاصه الغرماء وظاهر الأكثر أن له أخذه عوضا عن حقه من غير تقويم وبه صرح بعضهم
وفي اعتبار قيمة يوم الأخذ وجه لا ينافيه الرواية فليؤخذ بالاحتياط ومن شرط ذلك بالوفاء
من غيره بسبب ارتفاع القيامة السوقية أو تحليل بعض الغرماء قبل القسمة ونحو ذلك كما قاله الشيخ
فقد أخذ باليقين وجمع بين الأخبار بالقريب فإنها بين مطلقة في الاختصاص مثل ما تقدم
وصحيحة جميل عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) في رجل باع متاعا عن رجل فقبض المشتري المتاع
ولم يدفع الثمن ثم مات المشتري والمتاع قائم بعينه قال إذا كان المتاع قائما بعينه رد إلى صاحب
المتاع وليس للغرماء أن يحاصوه ومقيده بشرط الوفاء كصحيحة أبي ولاد عنه (ع) في رجل باع من
رجل متاعا إلى سنة فمات المشتري قبل أن يحل ماله وأصاب البايع متاعه بعينه أله أن يأخذه
إذا حقق له قال إن كان عليه دين وترك نحوا مما عليه فليأخذ إن حقق له فإن ذلك حلال له ولو
لم يترك نحوا من دينه فإن صاحب المتاع كواحد ممن له عليه شئ يأخذ بحصته ولا سبيل له
على المتاع فاشتراط الوفاء حمل للمطلق على المقيد والمشهور في الجمع اشتراطه في الميت خاصة كما هو
مورد الأخيرة دون المحجور عليه والفرق بينهما أن الميت لا يبقى له ذمة فلا يناسب الاختصاص
إلا مع الوفاء لئلا يتضرر الغرماء بخلاف الحي فإن ما يتخلف من الدين يتخلف بذمته وربما لا
يضيع وبما أوردناه ظهر ما فيه من القصور وأن التشابه إنما هو في اشتراط الاختصاص بالوفاء
213

في المفلس الحي أما في الميت فمشروطة قطعا وأن المحكي عن ابن الجنيد من التسوية بينهما في الاختصاص
مطلقا ضعيف وفي فورية هذا الخيار حيث يثبت قولان وظاهر الرواية مع الثاني ثم إن كان
أموال المفلس مجانسة لديونه فرقت عليها بالحصص وإلا قومت وعرضت على الغرماء فإن
قبلوها بيعت عليهم وإلا فعلى غيرهم وفض الثمن عليهم ولا يباع ما اضطر إليه من الدار و
الخادم اللائقين بحاله كما وكيفا وفي حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) لا تباع الدار ولا الجارية
في الدين وذلك أنه لا بد للرجل من ظل يسكنه وخادم يخدمه وفي بعض الروايات أعيدك بالله
أن تخرجه من ظل رأسه وفي حديث مسعدة بن صدقة عنه (ع) إن كان في داره ما يقضى به
دينه ويفضل منها ما يكفيه وعياله فليبع الدار وإلا فلا وألحق بهما دابة الركوب وكتب العلم
ودست ثياب للصيف والشتاء له ولعياله ومن أثاث البيت ما لا بد منه والمصنف اقتصر
على المنصوص هنا وفي المفاتيح قالوا ولا فرق بين كون المستثنيات عين مال بعض الغرماء و
عدمه وعلى المتصدي لبيع أمواله من أمناء الحاكم أن يحتاط في ذلك فيبدء بما يخشى تلفه عاجلا
كالفاكهة ثم الوهن والعبد الجاني لتعرف الزيادة والنقصان من القيامة فإن حق المرتهن والمجني عليه
متعلق برقيتهما على خلاف في الأول يأتي في باب الرهن ولا يجوز أن يسلم المبيع إلا بعد قبض
الثمن وإن تعاسرا تقابضا معا وحقه احضار كل متاع في سوقه سيما مع رجاء زيادة القيامة
بذلك لتتوفر الرغبة فإن طلابه فيه أكثر وحضور الغرماء بأنفسهم أو من يأتمنونه على ذلك
تعرضا للزيادة وفي وجوب ذلك أو استحبابه وجهان وحضوره نفسه أو وكيله لأنه أخبر
بالقيمة وبالمتاع وأطيب لنفسه ويعول على مناد للبيع يرضى به الجميع من الغرماء والمفلس
دفعا للتهمة وإن تعاسروا عينه الحاكم وأجرته من بيت المال أو مال المفلس مع التعدد ويقدم
المتبرع على الأجير وقليل الأجرة على كثيرها لأنه أصرف
كتاب البر بسم الله الرحمن الرحيم
البر اسم يجمع أنواع المعروف كلها كما سبق في كتاب الزكاة بعضها والمقصود بالذكر هنا
ما عدا ذلك
باب العطية وهي فعلية بمعنى المفعول تارة ومصدرا سماعيا أخرى وهو المراد
هنا وتشمل أنواعا كثيرة يفرد كل منها بالبحث والمذكور هنا ثلاثة عشر وإن تداخل بعضها ببعض
وبالقسمة الأولى قسمان لأنها إما بعين أي فات ويراد به هنا الجسم سواء كان منقولا
كالدابة أم كالدار أو منفعة وهي ما يقابلها من الأعراض التي ينتفع بها من الأعيان مع بقائها
كركوب الدابة وسكنى الدار وثمرة الشجرة وصوف الغنم ولبنه ونحو ذلك من الأعيان دون
المنافع والأولى وهي عطية العين إما أن تشترط شرعيتها بقصد القربة من المعطي أو لا
فإن اشترطت بالقربة فصدقة والمراد بها ما يشتمل الزكاة والخمس والكفارات المالية و
غيرها وإلا فإن حملت العين المعطاة من عند المعطي إلى حضرة المعطى له تعظيما له وكرامة فهدية
واهداء وتلك العين أيضا وتختص بالمنقولات فلا يقال أهدى إليه دارا ولا أرضا
بل يقال وهبه أو تصدق عليه فالنسبة بين الصدقة والهدية العموم من وجه وإلا فإما أن
تكون منجزة أو معلقة على موت المعطي فإن علقت بالموت فوصية وقد تتعلق الوصية بالمنفعة
كما في المفاتيح وغيره ويأتي وإلا فإن اعتاض المعطي من المعطى له عن تلك العين المعطاة مثلها
أو قيمتها التي وقع عليها التراضي في المثلي أو قيمتها في القيمي تقديرا فقرض ودين أو اعتاض
شيئا مطلقا أم معينا أعم منهما أي من المثل والقيمة تحقيقا أو تقديرا فهبة معوضة فإن لا
تكن بعوض مطلقا فإن كانت العطية لمن هي عليه ثابتة في ذمته فابراء ولا يشترط فيه وجودها
في الخارج بل يكتفى بوجودها الكلي في الذمة وإلا تكن لمن هي عليه بل لغيره فهبة غير معوضة و
نحلة فالهبة أعم من الصدقة والهبة مطلقا ولو نذر الهبة برئ بالهدية والصدقة دون
العكس مطلقا وعن الشيخ أنها ألفاظ مترادفة وما هنا أثبت والثانية وهي عطية المنفعة لم تحبس
فيها العين المنتفع بها على أن لا تباع ولا توهب ولا تورث على حد الأعيان
المطلقة فعارية بتشديد الياء وتخفيفها وإن حبست على الوجه المذكور فأما أن يكون مؤبدا
ما دامت العين باقية أم لا فإن حبست مؤبدا فوقف والعين موقوفة ووقف أيضا
وإن حبست إلى مدة معينة تمام التعيين فرقبى كأن يقول أرقبتك هذا المتاع أو هذه الدار
كذا من الارتقاب وهو الانتظار للأمد أو من رقبة الملك بمعنى اعطاء الرقبة للانتفاع
بها وإن كان الحبس إلى غاية عمر أحدهما كأن يقول أعمرتك هذه الأرض عمرك أو عمري فعمري
ففي جواز التعليق بعمر غيرهما قول للشهيد مال إليه المصنف في المفاتيح للأصل والعمومات و
وجه العدم اشتمال هذا العقد على جهالة فيقتصر في التجويز على محل الوفاق وإن كانت العين
المحبوسة مسكنا كالدار والبيت فسكنى سواء اقتت بمدة معينة أو عمر أحدهما أم لا فهي أخص
من العمرى والرقبى بحسب الموضوع لوقوعهما على ما لا يصلح للسكنى واعم منهما من حيث التوقيت
وعدمه وإن كان الحبس مطلقا من دون تقييد بالدوام ولا غيره فتحبيس بمعنى أنه لا يعتبر
في مفهومه التأبيد كالوقف ولا التوقيت بمدة معينة كالرقبى ولا بعمر أحدهما كالعمرى فهو
كالسكنى من حيث الاطلاق والرقبى والعمرى من حيث الموضوع ومحل الوقف والتحبيس إما
قرب ومصالح للمسلمين عامة كالمساجد والقناطر فيقف أو يحبس الضيعة لتصرف غلتها
في عمارتهما أو العبد أو الدابة لخدمتهما ونقل الآلات إليهما أو جهة معينة مفردا كإمام هذا
المسجد أو مجموعا كالفقراء وطلبة العلوم والقراء من دون التفات إلى الأشخاص أو شخص معين
214

مثل زيد أو أشخاص معينون مثل بني فلان وإن لم يوجد بعضهم بعد فيتبع المعدوم الموجود
ويشترط في صحة غير الواجب من الجميع أهلية المعطى للتصرف المالي برفع الحجر عنه وصدور ما يدل
صريحا على العقد الخاص من الطرفين من قول أو فعل لا يحتمل الخلاف وقد جرت العادة بتسمية
الصادر من طرف الفاعل ايجابا وإن كان في العقود الجايزة ومن طرف القابل قبولا والمشهور
اشتراط اللفظ فيهما وعدم الاكتفاء بالفعل بل كاد يكون اجماعا فإن ثبت فهو الحجة ودون ثبوته
خرط القتاد وإلا فللنظر فيه مجال متسع وتتبع العادات السايرة قديما وحديثا ينفيه وهو
من المواضع التي يصلح عدم الدليل فيها دليلا على العدم كما أشرنا إلى نظيره فيما مضى ويأتي في باب
البيع لعموم البلوى به وتوفر الدواعي على نقله بل ورد النهي عن اللفظ في بعضها صريحا في
بعض الروايات وكذا القول في اشتراط المقارنة بين الايجاب والقبول فإن الأدلة لا تنهض
باثباته فيصح العقد وإن تأخر القبول ومع ذلك فالعمل بما عليه جماهير الأصحاب في جميع ما ذكر
من أفراد العطية وغيره أقرب إلى اليقين إلا في الابراء فإنه لا يشترط فيه القبول قطعا لأنه
اسقاط حق لا نقل ملك فهو ايقاع لا عقد والخلاف فيه باشتماله على المنة فلا يجبر على قبولها
كهبة العين ضعيف وكذا الوقف على غير المعين سواء كانت جهة عامة أو معينة إما المعين
كالشخص أو الأشخاص المخصوصين ممن يمكن في حقهم القبول فلا يسقط اعتباره فيهم وبذلك
دخل الوقف في باب العقود لأنه ادخال شئ في ملك الغير كما عليه الأكثر وعليه يبتنى اندراجه في
العطية فيتوقف على رضاه وظاهر الأكثر سقوطه فيه مطلقا لأنه إزالة ملك كالعتق فيكتفى
فيه بالايجاب وقيل باشتراطه كذلك لأنه من العقود ويكتفى بقبول الحاكم في غير المعين وهو
ضعيف ومثله الكلام في التحبيس عليه فيسقط اشتراط القبول فيه عند من أسقطه ثمة
ويثبت عند من أثبت وحصول الثواب الأخروي مشروط بقصد القربة في الجميع وإن صحت و
ترتبت الأحكام الدنيوية عليها بدونه وقيل بل يشترط ذلك في صحة الوقف والتحبيس وفي المفاتيح
أنه لا دليل عليه والعمومات تنفيه والمحبس على القرب غير الآدمي المعين حيث يمكن الانتفاع به
فيها كالعقار لعمارة المسجد ومعونة الحاج والغزاة والكتب على طلبة العلوم لا يصح له الرجوع
فيه مطلقا سواء أطلق أم عين مدة مضبوطة أو عمر فلان على المشهور ونظر فيه في المفاتيح فإن كان نظره إلى ما روي من قضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين (ع) برد الحبيس وانفاذ المواريث
فالمشهور حمله على الانساني والمحبس على غير القرب كالآدمي المعين وإن قصد فيه القربة وكذا
المقرض إن لم يوقت أجلا جاز لهما الرجوع بالعين متى شاء أو إن أقبضاها فإن تلفت في الأخير
فبالعوض والأكثر على أنه ليس له ارتجاعها وإن كانت باقية ويتخير المقترض وكذا إن وقت فيه
بناء على جواز العقد كما هو المشهور بل ادعى عليه الاجماع فلو شرط التأجيل فيه لم يلزم إلا أن
يشترط في لازم كما لو باعه متاعا وشرط تأجيل ثمنه إلى ميقات معلوم لأن للأجل قسطا من
الثمن وبدون ذلك لا يلزم لأن القرض تبرع والمتبرع ينبغي أن يكون بالخيار في تبرعه و
إنما يلزم الأجل في المعاوضات ونظر فيه في المفاتيح مع أنه ينفيه عمومات الوفاء بالعقود
والتزام الشروط وخصوص من مات وقد اقترض إلى أجل يحل وأيضا ينافيه قول الأكثر بعدم جواز
الارتجاع كما مر إلا أن يقال المراد بالجواز تسلط المقرض على أخذ البدل متى شاء وفيه أنه لا فرق
بينه وبين اللازم حينئذ غير أنه لا يقع مؤجلا وهو كما ترى مع أن قوله تعالى إلى أجل والحديث المذكور
يناديان بخلافه مضافا إلى العمومات فإن كان اجماعا وإلا فالعمل على الظواهر هذا كلامه
وكذا المعير يجوز له الرجوع بالعين المعارة متى شاء وإن أقبض ووقت لجواز العقد اجماعا
إلا في إحدى ثلاث إذا أعارها للرهن فرهنها فإنه لا يجوز له مطالبتها إلا بعد الانفكاك أو حلول
الأجل رعاية لحق المرتهن كما يأتي وقد يحتمل جوازها حينئذ ووجوب السعي على الراهن في
تخليصها بما أمكن ووجوب المبادرة إلى ردها عند الفك على الفور بالمطالبة السابقة أو
أعار الأرض للدفن فدفن فيها مسلم أو من بحكمه لاستلزام الرجوع النبش المحرم وهتك
الحرمة أما قبله فيجوز قطعا أو حصل به ضرر على المستعير لا يستدرك كما لو أعاره لوحا ليرفع به
السفينة فرفعها ثم لجج في البحر فإن الرجوع حينئذ موجب لذهاب الأموال والنفوس واحتمل
بعضهم جوازه وثبوت المثل أو القيامة مع تعذره جمعا بين المصلحتين أو يقال بعدم وجوب
تعجيل التسليم حينئذ وتظهر الفائدة في وجوب المبادرة إلى الرد بعد زوال الضرر من غير
مطالبة جديدة كما ذكر وربما يلحق بها ما لو أعار حائطا ليضع عليه أطراف خشبة وكان
طرفه الآخر في ملك المستعير لأداء الرجوع إلى قلع جذوعه من ملكه جبرا أو أرضا للزرع ولما
يدرك أو البناء أو الغرس مدة معلومة ولما تنقض وقيل بجواز مطالبة المعير بالإزالة في هذه
الثلاثة مع دفع الأرش جمعا بين المصلحتين ولو بذل المعير قيمة الغرس والزرع والبناء فالأقوى
عدم وجوب إجابته كما لا يجب إجابة المستعير لو بذل قيمة الأرض أو الأجرة وحيث يجب الابقاء
ففي كونه مجانا أو بأجرة قولان وفي المفاتيح اختار الثاني وفاقا للشهيد الثاني وما ذكر من التحبيس
والقرض والعارية على الوجوه المذكورة هي جملة ما يجوز فيه العقد من الأنواع الثلاثة عشر وما
سوى ذلك يلزم فلا يصح فيه الرجوع وإنما يلزم ما عدا الابراء بالقبض من المعطى له على العين
المعطاة رقبتها أو منفعتها عن إذن المعطي ولو مستصحبا فلا يكفي مجرد التلفظ بالصيغة ولا
القبض سرقة أو غصبا ولو أعطاه ما في يده لم يحتج إلى قبض جديد وكذا لو أعطى ما في يده لمن له الولاية
215

عليه وفي الاكتفاء باستصحاب فاسدة وجهان أظهرهما ذلك والأولى تجديده بالنية في الجميع
ويشترط في المبتدأ كونه على الوجه المعقود فلا يكفي على وجه العارية في الهبة أو الوقف مثلا ولا
يلزم شئ منها بدونه إلا الوصية فإنها لا تتوقف عليه بل تلزم بالموت من طرف الموصي والقبول
من طرف الموصى له وليس للورثة نقضها ولا يجوز إلا الهبة الغير المعوضة ولا المقصود بها القربة
فإنها لا تلزم بالقبض وحده بل مع الاتلاف للعين من المتهب أو غيره وما دامت باقية يجوز فيها الرجوع
على المشهور بل كاد يكون اجماعا لحسنة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) إذا كانت الهبة قائمة بعينها فله أن
يرجع وإلا فليس له ودعوى العلامة الاجماع على اللزوم مع بقاء العين تقابل دعوى السيد الاجماع
على الجواز مع تلفها أو مع كون الموهوب له ذا رحم من الواهب كما عليه الأكثر أيضا لصحيحة محمد بن
مسلم وغيره خلافا للسيد مطلقا مدعيا الوفاق أيضا ولجماعة في غير الأبوين لأخبار استضعفها
في المفاتيح وقد مضى معنى الرحم في كتاب الطهارة أو كونه زوجا أو زوجة لصحيحة زرارة عن أبي
عبد الله (ع) خلافا للأكثر حيث حملوها على الكراهة الشديدة جمعا بينها وبين عمومات الجواز وفيه
ما تكررت الإشارة إليه أو مع التصرف مطلقا عند الأكثر وفي مستنده قصور وخصه بعضهم
بالتصرف المزيل للملك كالبيع والعتق أو المغير للعين كطحن الحنطة ونجارة الخشب واستحسنه في المفاتيح
جمعا ومن ثم بناه هنا على الاحتياط وهو المبني في الصور المتقدمة أيضا لما علم مما ذكر من عدم
خروجها عن التشابه يقينا غير صورة الاتلاف لقوة مستندها جدا حتى أنه في المختلف والتذكرة و
الدروس وشرح المحقق الثاني على القواعد موصوف بالصحة ورواية إبراهيم بن هاشم ممن استدرك
اللاحقون على السابقين توثيقه واستحوا من اخراج رواياته من عداد الصحاح والوجه التسوية
بينها وبين صورة الأبوين لاستوائهما في المستند بعد التسليم كما تبين مما تقدم وبدون أحد
هذه الأسباب الملزمة للهبة يكره الرجوع فيها بعد القبض وورد أنه بمنزلة الرجوع في القئ ففي الصحيح
النبوي مثل الذي يرجع في هبته كالذي يرجع في قيئه وإن رجع حيث يجوز له الرجوع وقد عابت
العين فليس له أرش العيب لأنه سلطه على اتلافه مجانا فلم تكن مضمونة عليه سواء كان العيب
بفعله أم لا وإن زادت فالمتصلة كالسمن وتعلم الصنعة تابعة للعين لأنها داخلة في مسماها
أو جزء لها لغة وعرفا فالرجوع في العين يستتبعها دون المنفصلة لأنها نماء حدث في ملك المتهب
فيختص به ولا فرق بين الزيادة المنفصلة حسا وشرعا كالولد الناتج واللبن المحلوب والثمرة المقطوفة
والمنفصلة شرعا وإن كان متصلة حسا كالحمد المتجدد بعد القبض واللبن كذلك قبل أن يحلب والثمرة
قبل قطافها على خلاف في الأخير والهبة المطلقة ليست مشروطة بالعوض عند جماعة خلافا لظاهر الشيخ
مطلقا ولبعضهم في هبة الأدنى للأعلى حيث أوجب العوض فيها حتى أنه لم يجوز التصرف فيها قبل
التعويض وإنما يتحقق بقبول الواهب لا ببذله خاصة فلو أراد الرجوع فبذل له المتهب العوض ليلزم عليه
الهبة لم يجب عليه القبول لأنه بمنزلة هبة جديدة فله الامتناع ابقاء على تسلطه على الرجوع في هبته كان
شرط العوض كان له الرجوع ما لم يدفع إليه ما شرط كما في المفاتيح وغيره فالمراد بالمعوضة اللازمة ما
دفع عوضها وبالمعوضة فيما تقدم ما شرط فيها العوض مطلقا أو معينا كما سبق وفي المعوضة بهذا المعنى
إن عين العوض عند العقد تعين وكذا إن أطلق واتفقا عند الأداء بالتراضي على شئ وإن لم يعين
العوض ولم يتفقا على شئ وجب دفع مقدار الموهوب ولو قيمة لا أزيد وفي المفاتيح أنه يتخير الواهب
في جميع هذه الصورة بين الرجوع وقبول العوض لجوازه من طرفه ما لم يقبضه وكذا يتخير المتهب بين
الرد والتعويض على قول ولو تلفت في يده قبل التعويض أو عابت ففي ضمانه له قولان من أنه حدث
في ملكه ومن أنه لم يدخل في ملكه مجانا بل بشرط العوض ولعله الأقوى ويجوز للواقف أن يجعل
النظر في العين الموقوفة مطلقا لنفسه مطلقا وقيل بشرط العدالة ولغيره من العدول وإن لم يوجد
تبعا للموجود وكان يجعله لزيد الموجود حين العقد ثم لأولاده الذين سيولد دون أن يجعله لهم
ابتداء فإن أطلق ولم يعين ناظرا بنى على تحقيق المالك فقيل إنه الواقف وإن منع عن بعض لوازمه
استصحابا لقوله صلى الله عليه وآله حبس الأصل وسبل الثمرة والمشهور خروجه عن ملكه إلى
الموقوف عليه لأن فائدة الملك موجودة له وقيل إلى الله سبحانه بمعنى انفكاكه عن ملك الآدميين و
اختصاصهم لا كونه مباحا كغيره مما يملكه الله تعالى ومنهم من فصل بالموقوف عليه المعين المنحصر و
الجهات العامة ففي الأول الأول وفي الثاني الثاني فإن جعلناه له أو للموقوف عليه فالنظر كذلك
وإن جعلناه لله سبحانه فللحاكم الشرعي لأنه الناظر العام حيث لا يوجد خاص ويصير الواقف
في ذلك بعد العقد كالأجنبي وإن قلنا بالتفصيل ففي الخاص للموقوف عليه وفي العام للحاكم و
هو مختاره في المفاتيح وفي القرض المقصود به القربة فضل كثير فورد عن أبي عبد الله (ع) لأن أقرض قرضا
أحب إلي من أن أتصدق بمثله وفي رواية أخرى الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر وفي أخرى إن القرض
أفضل من الصدقة بمثله في الثواب ولا منافاة إذ بالرد ينقص اثنان وقد قيل في وجه التفضيل إن
الصدقة تقع في يد المحتاج وغيره بخلاف القرض وأن مال القرض يعود إلى صاحبه فيقرض ثانيا ويتكرر
به قضاء الحوائج وكشف الكرب والتعاون على البر بخلاف الصدقة ولا يجوز للمقرض أن يسترد زيادة
عما أقرض بل يجب عليه الاقتصار على المساوي فما دون فلو شرط النفع حرم وكان ربا ولم يقد الملك
عينا كان كما لو أقرض درهما بدرهمان أو منفعة كمكسر بصحيح وغلة بطازج ربويا كما ذكر أو غيره كجوزة
بجوزتين أو ردية بجيدة لاطلاق قوله صلى الله عليه وآله كل قرض يجر منفعة فهو حرام ولو تبرع
به المقترض من غير اشتراط جاز قبوله اجماعا سواء كان ذلك من نيتهما أو معتادا أو لا لاطلاق ما استفاض
216

عن الصادقين (ع) أن خير القرض ما جر المنفعة وفي حديث إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم (ع) لا بأس بذلك
إذا لم يكونا شرطا وبه يجمع بين الاطلاقات وعليه تحمل صحيحة يعقوب بن شعيب في جواز أخذ الدراهم
الطازجية عن الدراهم الغلة فلا يمكن الاحتجاج بها للمطلقين والمراد بالمساوي المثل في المثلي فإن تعذر
فقيمته وقت المطالبة عند المصنف وقيل وقت التعذر وقيل وقت القرض وهو ضعيف والقيمة
وقت للقرض في القيمي مطلقا على المشهور وقيل بوجوب رد المثل فيه أيضا كذلك ومنهم من فرق بين
ما ينضبط بالوصف كالحيوان والثياب وما لا ينضبط به كالجواهر وأوجب القيامة في الأخير خاصة و
الأحوط أن لا يقترض ما لا ينضبط بالوصف خروجا عن خلاف من أطلق وجوب رد المثل فإن العلم
بالمماثلة فيه متعذر وذلك ينجر إلى التشاح والتجاذب أما على القول بوجوب القيامة مطلقا أو فيه خاصة
فالوجه الجواز ويغتفر التفاوت اليسير بين العوضين المتسامح بمثله عادة كما يرشد إليه ما ورد في
جواز اقتراض الخبز عددا وإن كان المردود أصغر أو أكبر وتأتي بقية أحكام القرض في كتاب المعيشة
في باب الدين وبقية أحكام الوصية في كتاب الجنائز في باب الوصية
باب العتق وهو لغة الخلوص
واصطلاحا خروج الآدمي عن الرق منجزا فهو عتيق وعاتق وأعتقه فهو معتق وعتيق وينقسم إلى اختياري
وقهري والأول مستحب أكيد فورد في الحديث النبوي وغيره بعدة طرق ومتون فيمن أعتق مملوكا أنه
يعتق بكل عضو منه عضو منه من النار وقيد في بعضها بالمسلم وفي بعضها بالمؤمن وزيد فإن كانت
أنثى أعتق الله العزيز الجبار بكل عضوين منها عضوا من النار لأن المرأة نصف الرجل ويتأكد في
المملوك المؤمن الذي ملكه سبع سنين فصاعدا فعن أبي عبد الله (ع) من كان فقد أعتق بعد سبع
سنين أعتقه صاحبه أم لم يعتقه ولا تحل خدمة من كان مؤمنا بعد سبع سنين وفي رواية زرارة
إذا أتى المملوك قيمة ثمنه بعد سبع سنين فعليه أن يقبله ويكره عتق المخالف فعن أبي عبد الله (ع)
لا يجوز لكم أن تعتقوا إلا عارفا والعاجز عن القيام بكفايته إلا أن يعينه في الانفاق فعن الرضا (ع)
من أعتق مملوكا لا حيلة له فإن عليه أن يعوله حتى يستغني عنه وفي عدة روايات أعتق من أغنى
نفسه وشرطه في المعتق أهلية التصرف المالي برفع الحجر عنه وايقاع الضيعة والصريح منها
لفظ التحرير والاعتاق على خلاف في الأخير لا يعبأ به والقصد إلى العتق كما في غيره من الايقاعات
وقصد التقرب به إلى الله تعالى فلا يصح بدونه كما في صحيحة عبد الأعلى لا طلاق إلا على كتاب الله
ولا عتق إلا لوجه الله وفي المفاتيح جعله شرط حصول الثواب واستدل بالرواية حملا لها على نفي
الكمال وما هنا أثبت والمشهور اشتراط خلوصه عن الشرط وهو ما جاز وقوعه في الحال وعدمه
كمجئ زيد والوصف وهو ما لا يحتمل وقوعه في الحال كطلوع الشمس بل ادعى في المختلف عليه الاجماع
وللمصنف في ذلك مناقشة أخذها من شرح الشرايع وكأنه الوجه في طيه هنا أما لو شرط عليه في
متن الصيغة شرطا سايغا كالخدمة مدة معينة متصلة بالعتق أو منفصلة أو متفرقة مع
الضبط جاز مطلقا وعليه الوفاء لأنه عتق وشرط لا عتق معلق على شرط ولأن منافعه المتجددة
ورقبته ملك للمولى فإذا أعتقه بالشرط فقد فك رقبته وغير المشترط من المنافع وأبقى المشترط
على ملكه فيبقى استصحابا للملك وفي الصحيح عن أبي عبد الله (ع) في رجل قال غلامي حر وعليه عمالة
كذا وكذا سنة قال هو حر وعليه العمالة وعنه (ع) أن أمير المؤمنين (ع) أوصى بعتق بعض مماليكه على أن
يعملوا في المال خمس سنين وأما الاستدلال بعموم المؤمنون عند شروطهم فيتجه في صورة قبول
الملك خاصة وفي اشتراطه أقوال ثالثها الفرق بين المال والخدمة لأن الخدمة مستحقة عليه
بالأصالة فيجب ابقاء شرطها وإن لم يقبل بخلاف المال فإنه غير مستحق عليه وإن وجب عليه بذل
العمل لو أمره المولى لكونه من جملة الخدمة المستحقة ولو لم يف بالشرط لم يعد في الرق ويستقر
في ذمته وهل يلزم بأجرة مثل الخدمة قولان أما قضاؤها فلا لصحيحة يعقوب بن شعيب
عن أبي عبد الله (ع) في رجل أعتق جارية وشرط عليها أن تخدمه خمس سنين فأبقت ثم مات الرجل
فوجدها ورثته ألهم أن يستخدموها قال لا وإذا استكملت الشرايط لزم العتق ولا يجوز الرجوع فيه
ولو شرط إعادته في الرق إن خالف الشرط ففي صحتهما وبطلانهما وصحة العتق خاصة أقوال وفي موثقة
إسحاق بن عمار عنه (ع) في الرجل يعتق مملوكه ويزوجه ابنته ويشترط عليه إن هو أغاره أن يرده إلى الرق
قال له شرطه والثاني إما بالسراية أو القرابة أو العوارض أما السراية فالمشهور أنه إذا أعتق صاحب
المملوك شقصا بكسر المثلثة أي جزء منه وإن قل سرى العتق فيه فينعتق كله مطلقا لرواية غياث
بن إبراهيم وغيره عنه (ع) في رجل أعتق بعض غلامه هو حر كله ليس لله شريك فإن كان جميعه له انعتق
في الحال وإن لم يملك سواه إلا أن يكون في مرض الموت فيتوقف الزايد على الثلاث على إجازة الورثة على
المشهور كما يأتي وإن كان مشتركا قوم عليه العبد واغرم نصيب الشريك تلافيا لما أدخله عليه من الضرر
ففي الصحيح وغيره عنه (ع) في المملوك بين شركاء فيعتق أحدهم نصيبه قال إن ذلك فساد على أصحابه
لا يقدرون على بيعه ولا مواجرته يقوم قيمته فيجعل على الذي أعتقه عقوبة وإنما جعل ذلك عليه
عقوبة لما أفسده وإنما يؤاخذ بذلك مع يساره كما في صحيحة الحلبي عنه (ع) في جارية كانت بين اثنين
فأعتق أحدهما نصيبه قال إن كان موسرا كلف أن يضمن وإن كان معسرا خدمت بالحصص وفي حسنة
محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) من كان شريكا في عبد أو أمة قليل أو كثير فأعتق حصته وله سعة فليشتره من
صاحبه فيعتقه كله وإن لم يكن له سعة من مال نظر قيمته يوم أعتق منه ما أعتق ثم يسعى العبد
بحساب ما بقي حتى يعتق وفي معناهما غيرهما وفسر اليسار بأن يكون مالكا قدر قيمته فاضلا عن
قوت يوم وليلة أو إرادة أضراره كما في حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) إن كان مضارا كلف أن يعتقه
217

كله وإلا استسعى العبد في النصف الآخر فإن قلت العتق مشروط بالتقرب وقصد المضارة ينافيه
قلت أما أن جعل شرط الثواب فلا منافاة وأما أن جعل شرط الصحة فالمراد بالاضرار اخراجه عن
عن ملك الشريك قهرا أو اعتاقه لله ومثل هذا لا ينافي القربة وإنما ينافيها تمحض القصد للاضرار و
أن لا يكن موسرا ولا مضارا أسعى العبد الباقي كما في الحسنتين فالصور أربع أ اليسار مع الاضرار
ب اليسار مع عدم الاضرار ج الاضرار مع عدم اليسار د عدمهما جميعا ويقوم في الثلاث الأولة و
يسعى في الأخير خاصة هذا ما يقتضيه عبارة الكتاب وعن الشيخ اعتبار اليسار والاضرار معا في التقويم
ومال إليه في المفاتيح فيختص التقويم بالأولى خاصة وهو أوفق بالنظر فإن غير المضار الخالص عتقا لوجه
الله (تع) لا يناسبه العقوبة بالتغريم ولو كان موسرا ولا فائدة للشريك المقصود تلافي ضرره في التقويم
على المعسر ولو كان مضارا ولولا أن كلامه في الوافي مطابق لما هنا لأشبه أن تكون لفظة أو من
تصرفات النساخ والصواب بدلها الواو فينطبق على مذهب الشيخ من اختصاص التقويم بالصورة
الأخرى ومقتضى النظر في الأخريين وفي خبر محمد بن مسلم عنه (ع) في رجل ورث غلاما وله فيه شركاء
فأعتق لوجه الله نصيبه قال إذا أعتق نصيبه مضارة وهو موسر ضمن للورثة وإذا أعتق لوجه
الله كان الغلام قد أعتق منه حصة من أعتق ويستعملونه على قدر ما أعتق له ولهم فإن كان نصفه
عمل لهم يوما وله يوم وإن أعتق الشريك مضارا وهو معسر فلا عتق له لأنه أراد أن يفسد على القوم
ويرجع على حصتهم وهو حجة للشيخ فيما تقدم عنه وفي أنه يبطل العتق مع اعساره واضراره كما نقل
عنه في المفاتيح وتجتمع الأخبار كلها وتنافيها في بقاء بقيته على الرق أو السعي حيث لا تقويم يرتفع
بتخصيص الأول بتعذر الأخير أو تخيير المملوك كما أشار إليه في الوافي والشركاء كما أشير إليه في صحيحة
ابن سنان عنه (ع) في امرأة أعتقت ثلاث خادمها بعد موتها أعلى أهلها أن يكاتبوها شاؤوا أم أبوا
قال لا ولكن لها من نفسها ثلثها وللوارث ثلثاها يستخدمونها بحساب الذي لهم منها ويكون لها
من نفسها بحساب ما أعتق منها ولا دلالة فيها على نفي السراية مطلقا كما زعمه من استدل بها لابن
طاوس واحتاج إلى تأويلها بالبعيد لأن الغرض المسوغ له السئول ليس نفي السراية حتى يستدل بنفيه مطلقا
على انتفائه مطلقا بل تعيين الكتابة حيث لا سراية فنفيه أنما يدل على انتفائه خاصة باثبات شق
آخر هو الاستخدام بالحصص نعم فيه دلالة على نفي عموم السراية وهو غير المطلوب لأن عموم
نفيها ورفع الايجاب الكلي لا يستلزم السلب الكلي كما لا يخفى وهل يسري عتق الحامل إلى الحمل وبالعكس
المشهور لا لأن السراية في الأشقاص لا في الأشخاص خلافا للنهاية في الأول وإن استثناه لرواية
السكوني عنه (ع) في رجل أعتق أمته وهي حبلى فاستثنى ما في بطنه قال الأمة حرة وما في بطنها حر
لأن ما في بطنها منها وهي على ضعفها محتملة للتقية وأما القرابة فمن ملك أحد من أقاربه النسبيين
أحد أصوله وإن علا أو فروعه وإن نزل مطلقا أو ملك الرجل أحد محارمه من النساء كالأخت وبنتها والعمة و
الخالة انعتق عليه في الحال اجماعا سواء كان بسبب اختياري كالشراء أو غيره كالإرث وكذا لو كان رضاعيا
على الأحوط الأشهر لصحيحة عبد الله بن سنان في امرأة ترضع غلاما لها من مملوكة حتى تفطمه هل يحل لها
بيعه قال لا حرم عليها ثمنه أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وآله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب أليس قد
صار ابنها وفي معناها غيرها وفي موثقة الحلبي في بيع الأم من الرضاعة قال لا بأس بذلك إذا احتاج
وهي وما في معناها حجة المخالف وفي إناطة الحكم بالرجل موافقة لألفاظ الروايات وايذان بمخالفة
الصبي له في ذلك اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع اليقين ومورد النصوص وإن كان خطاب
خطاب الوضع غير مقصور على المكلفين ويكره الاستمرار على تملك من سواهم من ذوي القرابة كالأخ
والعم والخال وأولادهم سيما إذا لم يكن له وارث سواه وأما العوارض فهي إما من فعل الله (تع) أو
الآدميين المولى أو المملوك أو غيرهما أو ما تركب منها وجملة أحكامها أنه إذا أعمي المملوك أو أقعد أو
أجزم كلها من باب الأفعال معلوما للصيرورة أو نكل به مولاه انعتق في الحال ففي الحديث النبوي
إذا أعمى المملوك فلا رق عليه والعبد إذا جذم فلا رق عليه وفي قضايا أمير المؤمنين (ع) فيمن نكل
بمملوكه أنه حر ولا سبيل له عليه وأما الاقعاد فلم أقف له على ذكر في الأخبار إلا رواية أبي البختري عن أبي عبد الله (ع) لا يجوز في العتاق الأعمى والمقعد وهي على ضعفها غير صريحة في المقصود ومثلها رواية
غياث ومن ثم لم يستندوا إليهما في الحكم وإنما عللوه في الاجماع وفي تنكيل غير المولى قولان وظاهر
المصنف في الوافي العموم وله مرسلة جعفر بن محبوب عن أبي عبد الله (ع) كل عبد مثل به فهو حر وصريحه
في المفاتيح العدم لعدم الاعتماد على السند وهو إنما يحسن بعد وجود المعارض وفسر التمثيل بأن
ينكل به ما يزيله عن هيئته والتنكيل بفعل الأمر الفظيع بالغير من النكال كقطع الأنف والإذن ومنه جب
المذاكير كما روي من طريق القوم أنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله صارخا فقال له مالك فقال سيدي رآني أقبل
جارية له فجب مذاكيري فقال النبي صلى الله عليه وآله اذهب فأنت حر ويترتب عليه عدم صحة شراء الخصيان مطلقا
أو إذا علم أن مولاه فعل به ذلك ومع عدم العلم يبنى على أصالة الملك وقد ورد في رواتنا جواز شرائهم
مع العلم بأن الفاعل هو المولى فعن رفاعة النخاس قال قلت لأبي الحسن (ع) إن الروم يغزون على الصقالية
والنوبة فيسرقون أولادهم من الجواري والغلمان فيعمدون إلى الغلمان فيخصونهم ثم يبعثون بهم إلى
بغداد إلى التجار فما ترى في شرائهم ونحن نعلم أنهم قد سرقوا وإنما أغاروا عليهم من غير حرب كانت بينهم
فقال لا بأس بشرائهم إنما أخرجوهم من الشرك إلى دار الاسلام فيمكن الاستناد إليه في منع كون
جب المذاكير منه لعدم الاعتماد في السند وأقوى ما يختلج بالبال في الجمع اختلاف الحكم في ذلك
بحسب اختلاف القصد الداعي إليه فإن كان المقصود التعذيب كان تنكيلا معتقا وإلا فلا
218

ومما يؤيد هذا الفرق أنه لو أصاب أنف المملوك أو غيره من أطرافه مثلا آفة مسرية إلى نفسه لا
تندفع عنه إلا بقطع العضو فقطعه المولى استصلاحا لحاله وابقاء عليه فإن الظاهر أن ذلك
لا يعد تنكيلا وإن كان لو قطع ذلك العضو منه لمجرد الايلام والمضارة كان من أوضح أفراده
والعرف من أعدل الشهود وكذا ينعتق المملوك إذا أسلم في دار الحرب سابقا على مولاه الكافر وخرج
إلينا معاشر المسلمين قبله كما في حديث حصار الطائف ومنهم من لم يشترط سبق الخروج اكتفاء
في إزالة الرق عنه بمجرد سبق اسلامه إذ لم يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا والإسلام يعلو
ولا يعلى عليه وعلى المشهور يباع من المسلمين إن لم يغنم والمملوكة إذا استولدها المولى بأن علقت
منه على وجه يثبت به النسب تشبثت بالحرية ومنع من نقل ملكها إلى غيره ما دام ولدها حيا على
المشهور إلا فيما استثنى وجعلت بعد موته موسرا في نصيب ولدها من ميراث أبيه إن وسعها و
عتقت عليه بالقرابة ومن ثم أدرج بعضهم الاستيلاد في القرابة فإن زادت قيمتها عن نصيبه عتق
منها بقدر نصيبه وسعته هي في الباقي على المشهور ولو كان الولد موسرا من غير جهة الإرث لأن
عتقها عليه قهري فلا يسري وإن قوم عليه الباقي وعزمه لسائر الورثة مع يساره كما أوجهه الشيخ
في النهاية وإن عدل عنه في غيره كان أولى وأحوط ففي موثقة أبي بصير إن كان لها ولد قومت
على ابنها من نصيبه وإن كان ابنها صغيرا انتظر حتى يكبر ثم يجبر على ثمنها والأخبار تؤذن
بحصول السراية بمطلق الملك وفيه أنه لا وجه للانتظار حينئذ واللازم التقويم عليه بمجرد اليسار
وإن كان صغيرا فهو قرينة الاستحباب كما هو المشهور في توجيه الرواية من تخصيص الانتظار بما
إذا كان ثمة دين من ثمنها فإن عتقها موقوف على أدائه ويستحب لولدها أن يؤديه وتنعتق
باب التدبير وهو في اللغة النظر في عواقب الأمور وادبارها وشرعا تعليق العتق على الوفاة
كأنه دبر أمر دنياه باسترقاقه زمن حياته وأمر آخرته باعتاقه بعد وفاته وهل هو عتق معلق
أم وصية بالعتق أم مستقل أقوال أشهرها الثاني وإن اختص عن سائر الوصايا ببعض
الأحكام ويقع مطلقا كقوله هو حر بعد وفاتي أو هو مدبر على خلاف في الأخير من بعضهم مطلقا
لأنه من الكنايات وفيه منع لصراحته شرعا وبشرط خلوة عن نيته من آخرين وفي كلامه في المفاتيح
تشابه فليراجع ومقيدا بمرض خاص أو سفر أو سنة خاصين كقوله إن مت في مرضي أو سفري أو
سنتي هذا أو نحو ذلك عند الأكثر لرواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع) في رجل قال إن
حدث بي حدث في مرضي هذا فغلامي فلان حر قال يرد من وصيته ما يشاء ويجيز ما يشاء خلافا
لمن ألحقه بالتعليق على الشرط والوصف المشهور عدم جوازه وفي جواز تعليقه على وفاة غير المولى
أقوال واحتج المانعون مطلقا بأن التدبير شرعا تعليق العتق بوفاة المولى فلا يتعدى إلى غيره وهو
نفس الدعوى والمجوزون مطلقا ومنهم المصنف في المفاتيح برواية محمد بن حكيم عن أبي الحسن (ع) في
رجل زوج أمته من رجل حر ثم قال إذا مات زوجك فأنت حر فمات الزوج قال إذا مات الزوج
فهي حرة وهي أخص منها وأفرط قوم فجوزوا على وفاة غير الآدمي لاشتراك الجميع في معنى التعليق على
الوفاة واقتصر هنا على من جعل خدمته له كما في صحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (ع)
في رجل يكون له الخادم فيقول هي لفلان تخدمه ما عاش فإذا مات فهي حرة فتأبق الأمة قبل أن
يموت بخمس سنين أو ست سنين ثم يجدها ورثته ألهم أن يستخدموها بعد ما أبقت فقال لا إذا
مات الرجل فقد عتقت والمناسب لكونه وصية اطلاق المنع إلا على وفاة زوجها أو وفاة من
جعل خدمته له خاصة كما هو ظاهر الوسايل اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع النص وشرطه
شرط العتق من أهلية التصرف والصيغة الصريحة والقصد والتقرب على خلاف في الأخير والمشهور
أنه لا يسري مطلقا فلو دبر شقصا لم ينعتق عليه الباقي لا معجلا ولا بعد انعتاق شقص المدبر
ولا يكلف شراء حصة الشريك أما لو لم يكن عتقا فلأن السراية عند مثبتيها من خواص العتق و
أما على كونه عتقا فلأنه معلق لم يقع بعد فلا تشمله عمومات سراية العتق وبعد وقوعه قد خرج
المعتق عن اليسار لانتقال ماله عنه بالموت وفي سرايته من الحامل إلى الحمل أقوال والفاضلان على
العدم مطلقا كالعكس للأصل والانفصال وموثقة عثمان بن عيسى وفي حسنة الوشا في رجل دبر
جاريته وهي حبلى إن كان علم بحبل الجارية فما في بطنها بمنزلتها وإن كان لم يعلم فما في بطنها رق
وهي مستند المشهور في التفصيل بالعلم والجهل ويجوز الرجوع فيه كغيره من الوصايا قولا أو فعلا
ففي المستفيض أنه بمنزلة الوصية يرجع فيما شاء منها إلا أن في صحيحتي الحلبي ومحمد بن مسلم في الرجل يعتق
غلامه أو جاريته عن دبر منه ثم يحتاج إلى ثمنه أيبيعه قال لا إلا أن يشترط على الذي يبيعه إياه أن
يعتقه عند موته وبمضمونه عمل الصدوق وفي رواية في رجل أعتق جارية له عن دبر حياته قال إن أراد بيعها باع خدمتها حياته فإذا مات أعتقت الجارية وهي ظاهرة في الانعتاق بمجرد موت
البايع وإن لم يشترط وبها عمل المفيد وقيد جواز بيعه في بعضها برضى المملوك وباحتياج المولى و
في الوافي والمفاتيح جمع بين الأخبار بحمل التقييدات على الاستحباب والأولى للمحتاط أن لا يخرج عما
دلت عليه الصحيحتان فإنه يصلح مقيدا لاطلاقات الجواز فلا يبيعه ما لم يحتج إلى ثمنه وإن باعه
اشترط على المشتري عتقه بعد موته وإن كان ذلك برضا المملوك فأحوط ويبطل التدبير بالاباق
بلا خلاف إلا إذا علقه على موت الغير وهو من جعل له الخدمة كما في صحيحة يعقوب المذكورة وهو
رق أيام حياة من علق عتقه على وفاته فكسبه ومنافعه للمولى أو من جعلها له وله وطئها والتصرف
فيها فإن حملت منه لم يبطل التدبير بل اجتمع لعتقها سببان والأول أسبق فتنعتق به فإن لم يف
219

الثلث ضم إليه الثاني فيحتسب الباقي من نصيب ولدها وإن لم يف سعت كما تقدم ولو حملت
له من غيره بمملوك تبعها في التدبير سواء كان عن نكاح أو سفاح أو شبهة وليس له الرجوع فيه
وإن رجع في أمة وفاقا للشيخ لصحيحة أبان وخلافا للأكثر للعمومات ولأن تدبيره فرع تدبيرها
فلا يزيد على أصله وأجيب عن الأول بأنها مخصصة بالنص الصحيح وعن الثاني بأن الأصل اختياري
فجاز فيه الرجوع بخلاف الفرع فإنه قهري فلا رجوع فيه
باب الكتابة وهو تعليق عتق المملوك
على عوض معلوم عليه وفعلها كاتب ومن ثم عبر عنها في كتب الأصحاب بالمكاتبة وأصلها الكتب
وهو الجمع لانضمام بعض النجوم إلى بعض أو لأنها تكتب من حيث إنها مؤجلة فتستوثق بالكتابة وهي
مستحبة مع الأمانة وهي الديانة بحيث لا يضيع ما يحصل بل يصرفه إلى السيد فيعتق والقدرة على
الاكتساب ليتمكن من تحصيله ولا سيما مع سؤاله ذلك قال الله تعالى والذين يبتغون الكتاب
مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وفسر الخير في صحيحة الحلبي بالمال وفي أخرى بالدين و
المال ولبعض العامة قول بالوجوب مع الشروط لظاهر الأمر وفي كونها عتقا لوجود بعض أحكامه
فيها أو بيعا لمثل ذلك أو مستقلة لتخلفها عنهما في بقية الأحكام أقوال والأكثر ومنهم المصنف على
الأخير ولا يلزم من مشاركة عقد لآخر في بعض الأحكام لحوقه به مطلقا وشرطها أهلية الطرفين
للتصرف ببلوغهما وعقلهما ورفع الحجر عن المولى والصيغة الصريحة في الايجاب والمقبول منهما وتعيين
الأجل والعوض على وجه يرتفع عنهما الجهالة والغرر مثل كاتبتك بكذا درهما أو دينارا إلى كذا
شهرا أو سنة فإذا أديت فأنت حر ونحو ذلك وهي المطلقة فإن زاد فإن عجزت فأنت رد في الرق
فمشروطة ولا يصح القسمان من دون الأجل عند الأكثر اتباعا للسلف فإنهم كانوا لا يعقدون
الكتابة إلا على عوض مؤجل فكان اجماعا ولعجزه عن الأداء حالا لأن ما في يده لسيده وما ليس في
يده متوقع الحصول فلا بد من ضرب الأجل لئلا تتطرق الجهالة خلافا لما نقل عن الخلاف و
ابن إدريس للأصل والعموم ومنع الاجماع فإن المعتبر في مثل ذلك اتفاقهم على بطلان المتنازع
لا على عدم استعماله ولا يلزم من كون ما في يده في الحال لسيده عجزه عن الايفاء مطلقا لامكان
ملكه عاجلا ولو بالاقتراض ككثير ممن لا يملك شيئا من الأحرار ولا تشترط النجوم بل يكفي أجل
واحد ولا بد من وصف العوض بما ترتفع به الجهالة مالا كان أو منفعة كالبناء والخياطة ولا
تقدير له بل حده ما يقع عليه التراضي وما قيل من كراهة التجاوز عن قيمته فلا يعرف مستنده
وعن أبي عبد الله عليه السلام في رجل ملك مملوكا له مال فسأل صاحبه المكاتبة أله أن لا
يكاتبه إلا على الغلاء قال نعم ثم إن لمطلق العقد عتق منه الأول فالأول بقدر ما أدى من مال
الكتابة وإن شرط رده في الرق متى عجز فلا يعتق شئ منه إلا بأداء الجميع وهذا مفترق القسمين
والمستند النصوص الصحيحة والمراد بالعجز هنا مخالفة الشرط مطلقا سواء كان بسبب العجز عن التحصيل
أو المطل أو الغيبة بدون إذن المولى فإن شرط التعجيز عند تأخير نجم عن محله أو إلى نجم آخر أو إلى مدة
مضبوطة اتبع شرطة وإن أطلق ففي تحديده بتأخير نجم عن محله أو إلى نجم آخر وأن يعلم من حاله العجز
عن الفك أقوال لا يقضى على شئ منها بنص قاطع ولا اشعار في صحيحتي ابن وهب بالأولين كما زعمه
المصنف وغيره وله الفسخ مع العجز في القسمين عملا بمقتضى الشرط إلا أنه في المطلق لا يعود رقا إلا
ما بقي منه ويستحب التخفيف له والصبر عليه وحد في رواية جابر بثلاث سنين ولا يدخل الحمل
المملوك في كتابة أمة كالولد المنفصل وإن قصده لعدم الأهلية المشروطة فيها لأنها معاملة بخلاف
التدبير فإنه تبرع محض ولو حملت بعد الكتابة بمملوك له كان في حكمها فينعتق بعتقها بالأداء أو
الابراء لأنه من جملة كسبها فيتوقف أمره على أمرها من حيث الكتابة ولو فسحت كتابتها ثم أعتقت
لم ينعتق والمكاتب بين الرق والعتق فليس له الاستقلال بالتصرف في ماله إلا بما يتعلق بالاكتساب
لبقاء رقيته بعد ولا لسيده التصرف فيه إلا بما يتعلق بالاستيفاء لزوال سلطنته عنه وهو كالحر
في معظم التصرفات فيبيع ويشتري ويؤجر ويستأجر ويحتطب ويصطاد وغير ذلك مطلقة يده في
وجوه الاكتساب إذ الغرض من الكتابة حصول العتق الموقوف على أداء المال الموقوف على تحصيله وهو
لا يحصل إلا بذاك ولكن عليه أن يتوخى أي يختار ما فيه الغبطة منها ويتجنب ما فيه تبرع أو خطر
لأن حق السيد غير منقطع عما في يده بالكلية وقد يعجز ويعود إلى الرق فيبيع بالحال دون المؤجل إلا
أن يسمح المشتري بزيادة مؤجلة عن الثمن فيؤجلها خاصة ولسقوط أحكام الرقية تسقط نفقته عن
مولاه وتتعلق بكسبه وكذا تسقط عنه فطرته مطلقا للنفقة على خلاف من المشهور في المشروط وفي
صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (ع) في المكاتب هل عليه فطرة رمضان أم على من كاتبه قال الفطرة عليه
ولا تبطل الكتابة بموت المولى بل ينتقل الحق إلى وارثه أما لو مات المكاتب بطلت لفوات موضوعها
الذي هو الرقية وتعذر غايتها التي شرع لها العقد وهي العتق ويملك المولى ما وصل إليه من
المال وما تركه المكاتب إلا إذا كانت المكاتبة مطلقة وكان قد أدى شيئا وترك مالا
فإنه يتحرر منه بحساب ما أدى ويبطل في الزايد خاصة ويتحرر من أولاده بقدر حريته ويؤدي
الورثة الباقي من مال الكتابة من أصل التركة عند بعضهم ومن قدر حريته عند من أشرك الورثة
والمولى فيها وهم الأكثر فإن لم تكن تركة أو قصرت أو قصر نصيبهم سعوا فيما بقي فإذا أدوا في
الصورتين انعتقوا تاما وهل للمولى اجبارهم على الأداء وجهان وظاهر الروايات العدم
باب
النذر والعهد وهما في اللغة الوعد بخير أو شر بشرط أو غيره ومنهم من خص الأول بالأول ثم نقلا
في الشرع إلى معنى أخص وهو أن يجعل المكلف لله (تع) على نفسه طاعة مقدورة له بالفعل أو القوة
220

إن أنعم عليه بنعمة معينة دنيوية كالعافية والمال أو دينية كحفظ القرآن وتوفيق الفرايض أو دفع
عنه بلية كتخطي المكروه ويندرج في النعمة على وجه ومن ثم يصلح قوله شكرا له علة له أو ارتكب
مرجوحا محرما أو مكروها زجرا لنفسه عن ارتكابه مهما تذكر استتباعه كلفة المجعول أو عقوبة لها
عليه بأن تذوق مرارة الطاعة كما ذاقت حلاوة المعصية فهنا قيود أ أن يكون لله وهو غير القربة
المشروطة في مطلق العبادات فإن لم يجعلها لله لم ينعقد نذرا ولا عهدا سواء جعلها لغيره كما
لو جعل لزيد على نفسه مالا إن عوفي من مرضه قربة إلى الله أو لم يجعلها لأحد كما لو جعل على
نفسه أن يصوم أو يتصدق إذ المعتبر الوعد له (تع) وفي صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع)
إذا قال الرجل علي المشي إلى بيت الله أو علي هدي كذا وكذا فليس بشئ حتى يقول لله علي
المشي إلى بيته أو يقول لله علي هدي كذا وكذا إن لم أفعل كذا وكذا وفي أخرى إذا لم يقل
لله علي فليس بشئ ب أن يكون الملتزم طاعة وبه يندرج هذا الباب في كتاب البر و
الطاعة هي الفعلة الراجحة شرعا واجبة أو مندوبة والمراد بها ما يعم كف النفس عن المرجوحات
وفائدته في الواجب زيادة البعث والزجر لوجوب الكفارة بالمخالفة فسقطت حجة المخالف ثم إن
عينها ولو بوجه تعينت ولو أطلقها كما لو التزم طاعة أو قربة تخير وبر بأقل ما يصدق عليه الاسم
وفي حديث أمير المؤمنين (ع) في رجل نذر ولم يسم شيئا قال إن شاء صلى ركعتين وإن شاء صام
يوما وإن شاء تصدق برغيف وفي آخر بكف من بر أما لو قال على التزام أو نذر أو عهد لم ينعقد
كما في صحيحة الكناني وغيرها عن أبي عبد الله (ع) في رجل قال علي نذر قال ليس النذر شيئا حتى يسمى
لله (تع) صياما أو صدقة أو هديا أو حجا ولا منافاة بين الروايات ولا حاجة إلى حمل الأولتين
على الاستحباب كما في المفاتيح وغيره وتنقسم الطاعة إلى ما هي طاعة بأصل الشرع وما هي طاعة بالنية
والعزم كما سبق فالأول كالصلاة والزكاة وهي الطاعات المطلقة والثاني كالأكل للتقوى على
العبادة وهي الطاعات المنوية والقسمان يشتركان في صلوحهما متعلقا للنذر والعهد ومثله في
المرجوحات فلو التزم مرجوحا مطلقا كالزنا أو التزم مرجوحا منويا كالمصارعة والفروسية
للتلصص وقطع الطريق فلا ينعقد اجماعا ولا حنث في مخالفته أما نذر المباح المتساوي الطرفين
دينا ودنيا فكالمرجوع عند الأكثر ومنهم المصنف لاشتراط النذر بالقربة وهي منتفية فيه و
كالراجح عند بعضهم لرواية الحسن بن علي عن أبي الحسن (ع) في جارية قال لله علي أن لا أبيعها فقال
ف لله بنذرك وفي المفاتيح مع كونه غير راجح وكذا العهد خلافا لمن ألحقه باليمين فينتفي اشتراط
الرجحان فيه كما يأتي ج كونها مقدورة له فلا ينعقد نذر طواف بيت المعمور أو عهده ولو نذر
الفقير الصدقة بمال جزيل أو عهده انعقد مراعى بوقته المعين أو المطلق ولا حنث لو تعذر عليه د
التعليق فلا ينعقد المتبرع به وهو غير المعلق نذرا كان أو عهدا وفاقا للسيد مدعيا عليه الاجماع
في الأول لما سبق نقله من تخصيص بعض اللغويين وخلافا للشيخ مدعيا عليه الاجماع وتبعه
الأكثر ومنهم المصنف في المفاتيح لعموم الأدلة واطلاق النصوص ومعارضة للتخصيص بالتعميم
فإن قلت المخصص مثبت لما نفاه المعمم فيجب تقديمه عملا بالقاعدة المشهورة قلت لو قال
أحدهما أنه الوعد وقال الآخر أنه الوعد بشرط كان المخصص مثبتا أما لو قال أحدهما أنه الوعد بشرط و
الآخر أنه الوعد بشرط وبغير شرط أيضا كما هو المنقول فالمثبت هو المعمم دون المخصص على أن الحق
أن ما نحن فيه ليس من أفراد القاعدة بعد تسليمها إذ المراد بالمثبت فيها من يثبت نفيا وبالنافي
من ينفي اثباتا كما يتضح ذلك من النظر في مثالها المشهور وهو قول بلال أنه دخل صلى الله عليه وآله البيت وصلى وقال أسامة دخل ولم يصل والوجه أن عموم الأدلة واطلاق النصوص
بحيث يخرج بها عن الأصل وظاهر صحيحة منصور غير معلوم ومن ثم توقف الشهيد في الدروس
كما هو ظاهر الكتاب وهو في محله فايقاع غير المعلق خروج عن يقين الانعقاد ولا سيما في النذر
الذي هو محل تعارض الاجماعين وكلام اللغويين ومورد الصحيحة ومخالفته خروج عن يقين
الانعقاد ولا سيما في العهد لما عرفت من اختصاص أدلة اشتراط الاشتراط لو تمت بالنذر و
الحاقه به في ذلك دون اليمين في عدمه غير مقطوع به لشبهة الخلاف كما في المباح وفي اشتراط
الصيغة اللفظية فيهما أو الاكتفاء بعقد القلب قولان وظاهر ما تقدم من الصحيحتين وغيرهما
الأول وصيغة النذر لله علي كذا ويزيد في المعلق إن كان كذا أو لم يكن مقدما كما هو الأصل
مع الاتيان بالفاء الجزائية أو حذفها أو مؤخرا كما هو المأثور في الصحيحة للتوسط أيضا وجه
ظاهر وصيغة العهد عاهدت الله على كذا أو علي عهد الله وفي الاكتفاء بالترجمة مع الاتيان
بلفظ النذر والعهد وجه قوي ثم إن لم يوقت الاتيان بالطاعة الملتزمة فوقته تمام العمر و
لا يتضيق إلا عند غلبة الظن بالفوت فإن فات قبله فعله وكان مما يقضى عنه قضى عنه وربما
قيل بوجوب المبادرة ابتناء على أن الأمر للفور وهو ممنوع نعم لا بأس بالاستحباب استباقا إلى
الخير ومسارعة إلى المغفرة وأن وقته تعين فإن أتى بها فيه بر وإلا حنث فإن كان عامدا عالما
مختارا أثم وكفر وجوبا وأن لا يكن كذلك بل ناسيا أو ساهيا أو جاهلا أو مكرها فلا بأس
لرفع المؤاخذة عن هؤلاء وهل ينحل به الالتزام قولان والمصنف على العدم في النذر أما مع
العمد فالمشهور الانحلال مطلقا وربما يدعى عليه الاجماع لأن المخالفة لا تتكرر لاستحالة تحصيل
الحاصل كذا في المفاتيح ثم قال ومن المعاصرين من جزم بعدم الانحلال مع تعدد أفراد المخالفة
كما إذا نذر صوم كل خميس مثلا لجواز تكرر المخالفة حينئذ ولمكاتبة بندار مولى إدريس التي
221

رواها علي بن مهزيار في الصحيح فيمن نذر صوم كل يوم سبت قال وإن كنت أفطرت منه من غير
علة فتصدق بعدد كل يوم على سبعة مساكين وفيه أن هذا فدية وليس كفارة لحنث النذر إلا
أن يختص بمثله والصواب أن تحمل الرواية على من لم يرد الحنث وكان ثابتا على نذره دون من أبطل
نذره وكذا في كل مخالفة من غير علة انتهى وفيه أن السئول إنما هو صريح في الكفارة كما ذهب
إليه الشيخ في الاستبصار من أن العاجز عن العتق يطعم سبعة مساكين وقد نقل بعض الثقاة
عن بعض أنه وجد الرواية في بعض كتب الأخبار بلفظ العشرة بدل السبعة فتنطبق على المشهور
والتخصيص بمثله حسن وكذا التفصيل بالابطال وعدمه إن لم يستلزم شئ منهما خرقا للاجماع
المركب فتأمل وكفارته مثل كفارة اليمين في الخصال والتخيير كما يأتي إلا في افطار الصوم الملتزم
فإن الأولى للمحتاط أن يكفر كفارة افطار رمضان خروجا من خلاف من أوجبها فيه مطلقا أو فيه خاصة
كما مر في باب الخلل من كتاب الصيام
باب اليمين أي الحلف وأصله أن العرب كانوا إذا تحالفوا أخذ
كل واحد يمين الآخر فسمي الحلف يمينا وقيل لأنها تحفظ الشئ كما تحفظ اليد اليمنى الشئ وهي من
توابع النذر والمراد بها هنا ما يعده النحاة انشاء وإنما تنعقد على الأمر المستقبل المقدور للحالف
فعلا أو قوة الراجح دينا بوجوب أو ندب أو دنيا فيهما جميعا أو متساوي الطرفين فيهما ممن له
الأهلية بالبلوغ والعقل وإذن من إليه الأمر كما يأتي وفي أهلية الكافر أقوال ثالثها التفصيل
بالجحود بالله وعدمه وهو مختاره في المفاتيح وفاقا للمختلف والمناسب لما سبق نقله عنه في الصافي
من كون الكفار غير مكلفين بالفروع هو الثاني والأهلية مشروطة في النذر أيضا ولو اشترطها ثمة و
أجمل هنا اتكالا على ما سبق لكان أجود ويعتبر فيها القصد وهو أن يعقد بها قلبه كما في الآية ولو
ادعى عدمه قبل مطلقا لأن حق الله لا منازع فيه والقصد من الأمور الباطنة التي لا يطلع
عليها غيره ولكنه لو أتى باللفظ الصريح مثل أحلف بالله ونحوه يحكم عليه بها ظاهرا وإن لم يعلم
قصده إلى مدلوله بخلاف المحتمل فإنه لا يحكم به إلا مع تصريحه بإرادته وأن يكون باسم من أسماء
الله المختصة به سبحانه لغة أو عرفا كالجلالة والرحمن ورب العالمين ومالك يوم الدين أو الأسماء
المنصرفة إليه (تع) عند الاطلاق وإن استعملت في غيره بضرب من التقييد كالرب والرحيم والقادر
والقاهر ونحوها فإنها إن حملت على غيره أضيفت فيقال فلان رب المال ورحيم القلب وقادر على
الفعل وقاهر لفلان أو ما يفهم منه ذاته سبحانه ولا يحتمل غيره من غير أن يأتي باسم مفرد أو مضاف
من أسمائه الحسنى كالذي نفسي بيده كما في ايمان رسول الله صلى الله عليه وآله والذي فلق الحبة وبرئ النسمة كما في
ايمان أمير المؤمنين (ع) وإنما تنعقد بها اليمين إذا كانت مع الحروف الموضوعة لذلك لغة كالواو
والباء والتاء وهي منحصرة فيها بالاستقراء وأصلها الباء وهي صلة الحلف والقسم وتدخل على المظهر
والمضمر ويقصر عنها الواو بالاختصاص بالمظهر وأما التاء فتختص باسم الجلالة وربما يزاد إليها
الرحمن ورب الكعبة واختار في المفاتيح جواز حذفها لوروده في اللغة والحديث وكذا الاتيان
بهاء التنبيه بعد الواو وعند حذفها مع قطع همزة الجلالة ووصلها ومع اثبات الألف و
حذفها والذي نص عليه صاحب المغني وغيره الاتيان بها عند حذفها خاصة وأيم الله مخفف
أيمن الله بلغاته الإحدى والعشرين وهي على ما نقله المصنف في الحاشية والشهيد الثاني في
المسالك عن ابن بري في الاستدراك على الصحاح أربع في أيمن فتح الهمزة وكسرها مع ضم النون
وفتحها وأربع في ليمن باللام المكسورة والمفتوحة والنون المفتوحة والمضمومة ولغتان في يمن
فتح النون وضمها وثلاث في أيم فتح الهمزة وكسرها مع ضم الميم وفتح الهمزة مع فتح الميم ولغتان في أم
كسر الميم وضمها مع كسر الهمزة فيهما وثلاث لغات في من ضم الميم والنون وفتحهما وكسرهما و م بالحركات
الثلاث وبه يظهر ما في كلامه في المفاتيح من الخلل وهذا نصه وفي أيمن الله مرفوعا بالابتداء أو
مجرورا بحذف الحرف من اليمن أو جمع اليمين قولان والأقوى الانعقاد لأنه موضوع للقسم بالعرف
وفيه إحدى وعشرون لغة كما ذكره في الاستدراك على الصحاح انتهى والذي ذكره صاحب
القاموس اثنتان وعشرون لغة وكأنه أثبت وهي أيمن وأيم بفتح الهمزة وضم الميم وبكسر الهمزة
وضم الميم وأيمن بفتحهما وبكسر الهمزة وفتح الميم وأيم بكسرهما وهيم بفتح الهاء وضم الميم ونقل صاحب
المستطاب عن أبي حيان أنه أغرب لغاتها وأم بفتح الهمزة مثلثة الميم وبكسر الهمزة مع ضم الميم
وفتحها ومن بضم الميم وكسر النون ومثلثة الميم والنون و م مثلثة وليم وليمن وإذا جمعت
ما فيهما يبلغ ثلاث وثلاثين لغة وهي ثمان في أيمن أربع بفتح الهمزة ضم الميم والنون وفتحهما و
ضم الأولى مع فتح الأخيرة والعكس ومثلها أربع بكسر الهمزة وأربع في أيم فتح الهمزة والميم وكسرهما
وضم الميم مع فتح الهمزة وكسرها وست في أم تثليث الميم مع فتح الهمزة ومع كسرها ولغتان في يمن
وأربع في ليمن كما ذكرها المصنف والشهيد الثاني وأربع في من كما في القاموس وثلاث في الميم و
هيم وليم وإن جرى فيهما لغات أيم كما هو الظاهر زادت ست أخرى وإن جرى في ليمن جميع ما
ذكرناه في أيمن بلغ المجموع ثلاثا وأربعين والسبب في هذا كثرة الاستعمال وكلها مما يقسم به أو
ما يستعمل لذلك عرفا مثل لعمر الله بفتح اللام والعين مرفوعا بالابتداء والخبر محذوف وهو قسمي
بمعنى البقاء والحياة وهو قريب من العمر بالضم لكنه لا يستعمل في القسم إلا بالفتح وتنعقد به بلا
خلاف فجملة القيود المعتبرة في انعقاد اليمين على المستقبل التي هو موضوع الباب خمسة أما الحلف
على الماضي فخارج عنه وقد مضى حكمها في باب القضاء وأنها مرجوحة صادقة وكاذبة وأما الحلف
على غير المقدور له أما عقلا كالجمع بين المتناقضين أو عادة كالصعود إلى السماء والصدقة بمال جزيل
222

معجل وهو فقير أو شرعا كالاعتكاف جنبا فهي لغو لا يؤاخذ الله به كما في الآية الكريمة وكذا يلغو ما سبق
به لسانه من غير قصد إلى اليمين إما عادة أو سهوا أو غضبا أو لجاجا أو خجلة أو سكرا أو جبرا أو
اكراها كما ورد في تفسير الآية عن أبي عبد الله (ع) أنه قول الرجل لا والله وبلى والله ولا يعقد على شئ وعنه (ع)
لا يمين في غضب ولا في قطيعة رحم ولا في جبر ولا في اكراه قيل فما فرق بين الجبر والاكراه قال الجبر من
السلطان ويكون الاكراه من الزوجة والأم والأب وليس ذلك بشئ وقد وقع الاحتراز عنها جميعا
باشتراط القصد ولاشتراكها في جامع اللغو مع ما احترز عنه باشتراط القدرة حسن عطفها عليه
وإن اختل الترتيب وأما الحلف على المرجوح دينا أو دنيا فهي قسمان أحدهما يندرج في غير المقدور
وفي حكمه الآخر وكلاهما من خطوات الشيطان ففي الصحيح وغيره إذا حلف الرجل على شئ والذي حلف
اتيانه خير من تركه فليأت الذي هو خير ولا كفارة عليه وإنما ذلك من خطوات الشيطان ولو كان
المحلوف عليه مقدورا غير مرجوح وقت الحلف ثم تجدد العجز أو المرجوحية انحلت اليمين والنصوص
في الأخير مستفيضة وفي بعضها فليأت الذي هو خير وله حسنة ويشترط فيها إذن الوالد و
الزوج والمالك فتلغو يمين الولد والزوجة والمملوك بدون الإذن لأنهم ليسوا من أهلها ففي
الحديث النبوي لا طلاق قبل نكاح ولا عتق ملك ولا يمين لولد مع والده ولا للمملوك مع مولاه
ولا للمرأة مع زوجها ولا نذر في معصية ولا يمين في قطيعة والأكثر على أن نهيهم مانع ولهم
حلها لا أن إذنهم شرط لعمومات وجوب الوفاء باليمين وصرفا للنفي في الحديث إلى اللزوم وفيه أن اليمين ايقاع فلا يقع موقوفا ونفي الصحة أقرب المجازات فيتعين حيث تتعذر سيما وهي
محفوفة بالقرائن المكتنفة ولو سلم تطرق به القدح إلى العمومات إذ لا ريب في اختصاصها باليمين
اللازم وعدم شمولها للمتزلزل وإلا لم يكن متزلزلا هذا خلف وربما يلحق باليمين النذر في
اشتراط الإذن صحة أو لزوما الجامع تشابهها في كثير من الأحكام وتسميته يمينا في حديث من
حلف من جاريته بيمين فقال لله علي أن لا أبيعها والأول من القياس المردود والثاني شاذ لا
تثبت به الحقيقة ومن ثم ضعفه في المفاتيح وطواه هنا وقد يستثنى من الشرط ما لو كان في فعل
واجب أو ترك قبيح فيلزم مطلقا ويترتب على الشرايط المذكورة في المقسم به عدم انعقاد اليمين
بما لا يستعمل فيه عرفا ولا يكون من أسمائه (تع) المختصة ولا الغالبة كالموجود والحي والسميع والبصير
ونحوها وإن نوى به الحلف لأنه بسبب اشتراكه بين الخالق والمخلوق اطلاقا واحدا ليست له تلك
الحرمة ولا بشئ من مخلوقاته وإن كان معظما كالكعبة وأهل البيت أما مثل قدرة الله وعلمه و
كبريائه وجلاله ففي المفاتيح أنه إن قصد بها الذات انعقدت وإلا فلا وعن بعض القدماء الانعقاد
بحق الله وبكل ما عظم الله من الحقوق كحق النبي وحق القرآن وبالطلاق والعتاق وفي النصوص أنهما من
خطوات الشيطان ومن خواص اليمين على المشهور أنه يجوز تعليقها على شرط عقدا وحلا مشية
كان أو غيرها فتقف على العلم بالشرط ومع الجهل به فلا عقد في الأول فلو قال لأدخلن الدار إن
شاء زيد ولم يعلم مشيته لم تنعقد كما لو علم عدمها وكذا في الأخير لا تنحل إلا مع العلم بشرطه فلو قال
لا أدخلها إلا أن يشاء زيد ولم يعلم مشيته فليس له الدخول ولو علقه على مشية الله توقف مطلقا
لعدم حصول العلم بالشرط وعن أمير المؤمنين (ع) من استثنى في يمين فلا حنث عليه ولا كفارة وهي
وما في معناها شاملة لتعليق العقد والحل جميعا فإما أن تخص بالأول نظرا إلى العلة وعمومات
الوفاء باليمين أو تخصان بها والمذكور في المفاتيح وغيره توقف الانعقاد وأما الانحلال فمسكوت
عنه وعن العلامة الفرق بين ما يعلم فيه مشية الله كالواجب والندب وما لا يعلم كالمباح و
تخصيص كل بحكمه واستحسنه بعضهم لولا اطلاق النص وفيه أن مشية الله التي تعلق عليها الايمان
وغيرها مما يقال فيه أني فاعل ذلك غدا غير مشيته التي يعلم وجودها في فعل الواجب والمندوب
وترك المكروه والحرام والأخيرة منتفية في المباح قطعا وإلا لم يكن مباحا هذا خلف وإنما يشك
فيه فيها بالمعنى الأول وهي مشكوكة في الواجب والمندوب والحرام والمكروه أيضا بلا شك وإنما
المقطوع به فيها الأمر دون مشية المأمور به وعن أبي عبد الله (ع) أمر الله ولم يشأ وشاء ولم يأمر
أمر إبليس أن يسجد لآدم وشاء أن لا يسجد ولو شاء سجد ونهى آدم عن أكل الشجرة وشاء أن يأكل منها
ولو لم يشأ لم يأكل وعن أبي الحسن (ع) إن لله (تع) إرادتين ومشيتين إرادة حتم وإرادة عزم ينهى
وهو يشاء ويأمر وهو لا يشاء أو ما رأيت أنه نهى آدم وزوجته أن يأكلا من الشجرة وشاء ذلك
ولو لم يشاء أن يأكلا لما غلبت مشيتهما مشية الله وأمر إبراهيم أن يذبح إسحاق ولم يشأ أن
يذبحه ولو شاء أن يذبحه لما غلبت مشية إبراهيم مشيته وهما وما في معناهما صريحة في جواز
انفكاك الأمر والنهي عن المشية وأن مشيته (تع) في الأمور التكليفية لا تتعلق يقينا إلا بالأمر
بها دون وقوع نفس الأفعال فإنه قد تتعلق بها المشية فتقع كما في الأوامر التي كلف بها الطائعين
وقد لا تتعلق بها فلا تقع وإنما ذلك في الأمور التكوينية وهي ما تقتضي الحكمة صدورها بدون
تكليف على العباد فإن المشية تتعلق بها نفسها وتقارن حصولها من دون تخلف كما في قوله (ع)
ما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن والواجب وأخواته من التكليفيات والمعلوم من المشية المتعلقة
بها إنما هو مشية الأمر دون مشية الفعل والخلط بينهما عجيب جدا وإنما نشأ الاشتباه من اشتراك
اللفظ وأن مشية زيد إنما هو بمعنى المحبة والشوق إلى الفعل فيتبادر إلى الذهن مثلها في مشية الله
مطلقا وإذا حنث الحالف فخالف يمينه فإن كان ساهيا أو ناسيا أو جاهلا أو مكرها فلا بأس و
إن كان عامدا عالما مختارا أثم كما في النذر والكلام في الانحلال كما ثمة وكفر وجوبا بعتق رقبة
223

مؤمنة أو اطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله وفسر في رواية أبي بصير بالخل والزيت
والتمر والخبز وفي أخرى وأرفعه اللحم اشباعا مرة واحدة عند الأكثر وقيل مرتين غدوة وعشية أو
تسليم مد لكل واحد منهم على المشهور وزاد بعضهم حقنة لمؤنه أن توقف على ذلك كما في صحيحة هشام
مد من حنطة وحقنة لتكون الحقنة في طبخه وطحنه وخبزه وقيل مدين كما سبق والأحوط أن يكون
من الأجناس المنصوصة والمشهور الاكتفاء بالقوت الغالب واستحباب ضم الإدام أو كسوتهم وأقلها
ثوب واحد كما في صحيحة أبي بصير وغيرها وفي بعضها ثوب يواري عورته وفي صحيحة الحلبي لكل انسان
ثوبان ومنها تشعبت الأقوال في المسألة وجمع جماعة بينها بالتفصيل بالقدرة والعجز أو الاكتفاء
بالواحد المواري للعورة فإن لم يوارها فاثنان أو أجزأ ثوب للرجل يجزيه في مثله الصلاة وأما
المرأة فدرع وخمار حملا على عرف الشرع في الصلاة المرجع في الثوب إلى العرف فلا يعد منه الخف و
القلنسوة والمنطقة ونحوها ويتخير المكفر بين ما يستطيعه من الخصال المذكورة فإن لم يستطع إلا
واحدة تعينت وإن لم يستطع شيئا منها صام ثلاثة أيام فهي مخيرة مرتبة وتحرم اليمين بالبراءة من
الله ورسوله والأئمة المعصومين صلى الله عليه وعليهم صادقا كان أم كاذبا على الماضي والمستقبل
فورد في الحديث النبوي من برئ من الله صادقا كان أو كاذبا فقد برئ من الله وفي رواية يونس
بن ظبيان من حلف بالبراءة منا صادقا أو كاذبا فقد برئ منا وفي وجوب الكفارة بها قولان و
للمثبتين في ترتبها على الحنث أو مجرد التلفظ بذلك قولان وهي عند بعضهم كفارة قتل الخطأ فإن لم
يستطع فكفارة يمين وقيل هي كفارة النذر وعن الصدوق أنه صوم ثلاثة أيام والتصدق على عشرة
مساكين ولا معول في شئ منها على ثبت وفي صحيحة الصفار في مكاتبته إلى العسكري (ع) في رجل حلف
بالبراءة من الله ورسوله (ص) فحنث ما توبته وكفارته فوقع (ع) يطعم عشرة مساكين لكل مسكين مد
ويستغفر الله عز وجل وبمضمونها أفتى في المختلف واستحسنه في المفاتيح والمستفاد منها عدم انعقاد
هذا اليمين كما صرح به كثير منهم ويدل عليه عمومات عدم انعقاد اليمين إلا بالله وأن موجب
الاطعام والاستغفار إنما هو التلفظ بكلمة البراءة دون الحنث وإن كان مذكورا في السئول
وأما لزم أما تأخير البيان أو كون يمين البراءة أسهل أمرا من غيرها وكذا يحرم اليمين بما يؤدي
معنى البراءة ولو لم يشتمل على لفظها ففي موثقة إسحاق بن عمار وغيرها في رجل قال هو يهودي
أو نصراني إن فعل كذا وفي بعض النسخ إن لم يفعل بئس ما قال وليس عليه شئ يعني الكفارة
دون الإثم فورد في الحديث النبوي من حلف على يمين بملة غير الاسلام فهو كما قال كذا
نقله في المفاتيح أيضا والموجود في شرح الشرايع برواية ثابت بن الضحاك بعد لفظة الاسلام
كاذبا فتخرج عن المطلوب
كتاب الكسب بسم الله الرحمن الرحيم الكسب هو فعل ما يتسبب به
إلى الرزق وربما يستعمل بمعنى ذلك السبب وفي كلام المصنف خلط بينهما باب التعداد الكسب
يقسم تارة إلى الأحكام الخمسة ويمثل للواجب بما يضطر إليه لمؤنته أو مؤنة عياله وللمستحب بما يقصد
به التوسعة عليهم حيث تندفع الضرورة بدونه ولبقية الأقسام بما يأتي ويثلث القسمة
أخرى باسقاط الواجب والندب لأنهما من العوارض دون الذاتيات والمصنف ثلثها على وجه
آخر فمنه ما هو طيب في نفسه ويزيده طيبا استعمال الورع فيه وقصد الخير كالتجارة فورد
في الحديث النبوي وغيره أن فيها تسعة أعشار الرزق والجزء الباقي في السائمة يعني الغنم
وعن أبي عبد الله (ع) أنها تزيد في العقل وعنه (ع) إن تركها منقصة له وفي أخرى مذهبة له
والوجه فيه أن التاجر لا يزال يردد فكره ويجيل نظره في استجلاب المنافع والطرق الموصلة
إليها والاحتراز عن المضار وأسباب الخسار كل ذلك على وجه الكرامة والاحتشام بحيث
لا يلحقه تبعة من مؤاخذة أو لائمة كما تلحق اللصوص والمتغلبين فكلما دام اشتغاله بها قوي
تمرنه على جلب المنفعة ودفع المضرة ومتى تركها ضعف ذلك فالمراد بالعقل معناه العرفي أعني
الغريزة التي بها تميز الانسان ما يصلحه مما لا يصلحه وهو الرافع للحجر ويعبر عنه بالرشد المقابل
للسفه أو يراد به معناه الشرعي وهو ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان فإنه لا يزال يسلم
الخسيس في النفيس ويبذل النقد رجاء أن يعتاض عنه النسية فيقوى توكله ويهون عليه الزهد
فيما بيده من الدنيا الخسيسة لما يرجوه من فضل الله العظيم وثوابه الجسيم وكاحياء الأرض
الميتة بالبناء واجراء الماء والحرث وهو شقها للزرع والغرس وفي المفاتيح بالحرث وهو أوفق
من وجه فورد في الحديث النبوي من أحيى أرضا فله فيه أجر وما أكله العوافي فهو له صدقة والعوافي
جمع عافية وهي كل طالب رزق من انسان أو بهيمة أو طاير كذا في النهاية وفي عمارة الأرض اخراج
لها من خسة العطلة المتاخمة للعدم المطلق ومن ثم تسمى موتا إلى كمالها الممكن وتحقيق لحكمة خلقها
وتسخيرها وهي الانتفاع ومن ثم سمي احياء مضافا إلى ما فيه من مصلحة الانسان والحيوان
والنبات وقد اشتملت الرواية على الإشارة إلى الجزئين مقتصرة في الأخير على الأهم الأوضح و
كاتخاذ المواشي جمع ماشية وهي اسم يقع على الأنعام الثلاثة الزكوية وأكثر ما يستعمل في الغنم
والعفار بفتح الفاء وهو الضيعة والنخل والأرض ونحو ذلك فورد في الأول أن فيه البركة ففي
الحديث النبوي إن الله أنزل ثلاث بركات الماء والنار والشاة وفيه البركة شاة تحلب فإنه
من كان في منزله شاة تحلب أو نعجة أو بقرة فبركات كلهن وفي الأخير عن أبي عبد الله (ع) اتخذ
عقدة أو ضيعة فإن الرجل إذا نزلت به النازلة أو المصيبة فذكر أن وراء ظهره ما يقيم عياله
كان أسخى لنفسه وفي عقدة روايات أن ثمن العقار ممحوق إلا أن يجعل في عقار مثله وعنه (ع)
224

من باع الماء والطين ولم يجعل ماله في الماء والطين ذهب ماله هباء وكحرف الأنبياء والأوصياء
السلف مثل النجر حرفة نوح (ع) والخياطة حرفة إدريس (ع) والقصر حرفة الحواريين والرعي حرفة
موسى (ع) وورد أنه ما من نبي إلا وقد رعى الغنم تمرينا لهم من الله على رعاية العوام الذي كالأنعام
والكتابة حرفة أمير المؤمنين (ع) ومنه ما هو حرام كالرهانة في كل ما يقامر عليه كالنرد والشطرنج
والأربعة عشر وغيرها حتى الكعاب والجوز فإن ذلك كله من الميسر كما في الصحيح وغيره إلا في ثلاثة
فورد في الحديث النبوي وغيره لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر واختلف النقلة في فتح الباء و
اسكانها والذي صححه المصنف وغيره هو الأول بمعنى المال المجعول للسابق وعليه بناء الاستشهاد
وأما على الثاني فإنما يدل على عدم جواز المسابقة في غير الثلاثة وجوازها فيها من غير دلالة على
حكم المال المكسوب نفيا ولا اثباتا والربا فإنه من الكباير كما تقدم وورد في الصحيح عن أبي عبد الله (ع)
إن درهما منه أشد من سبعين زنية كلها بذات محرم فإن قلت لا ريب أن أمر الفروج أفحش
من الأموال والتشديد عليها في الشريعة المطهرة أكثر والمفاسد المترتبة عليها من اختلاط الأنساب
وذهاب الحياء وتقوية الشطر البهيمي من النفس وتضعيف الشطر الملكي وغير ذلك فظيعة جدا
والزاني بذات محرم حده القتل فكيف يعقل أن يربو على سبعين منه درهم واحد من الربا
قلت المتأمل في شدة احتياج الخلق إلى النقود والأجناس الربوية وأن معاش النوع الانساني
لا ينتظم إلا بالمعاملة والمعاوضة ينكشف له أن عناية الشارع الحكيم بضبط طرق المعاوضات
شديدة جدا ابقاء على الضعفاء عن أن يحطمهم الأقوياء فإن النفوس الانسانية بسبب
ما فيها من الطباع الربوي متشوقة إلى معنى الإحاطة والاتحاد الجمعي كما سبق سيما ما فاز منها
بحظ من ذلك وذاق من لذته ومذقه فإن ذلك مما يثير الأشواق التي ربما كانت كامنة قبل و
يقوى الداعي إلى الاستكمال وطلب الزيادة ومن ثم ترى الأغنياء غالبا أحرص على اكتساب الأموال
واستنمائها من الفقراء البائسين ولو أذن لهم في الشريعة في ذلك كيف ما اتفق لبقي دواعي
النفوس المشغوفة بالزيادة مطلقة في جهات التحصيل فيعظم الفساد وكذا لو سومح معهم في
المنع عن بعض أنواعه المحظورة فإنه بقدر قوة الداعي أو أكثر يجب تقوية المانع حتى يتعاوقا
ويندفع المحذور كما في الأمراض الطبيعية وهذه الضابطة مطردة كلية يعرفها الخائض في أسرار
الشريعة وقد أشرنا إليها فيما مضى أيضا فاقتضى النظر الإلهي التحذير التام والتوعيد العظيم على قليل
الربا وكثيره والتشديد في أمره بمقايسة إلى ما تقرر في النفوس قبحه وارتكز في العقول تفاحشه
من الزنا بذات محرم وبيان أنه يزيد عليه أضعافا مضاعفة لا من باب المبالغة الجزافية بل
على وجه الحقيقة والحكمة والمصلحة الراجحة الصائبة الصادقة فإن الذنوب كلها وإن كانت
مشتركة في تسويد القلب والتبعيد عن باب الرحمة والاخلال بمصالح الدارين إلا أن لكل منها
أثرا خاصا في تضعيف الايمان والتعريض لنوع من العقوبة ومن ثم قسمت في الأخبار إلى مغيرة
في النعم ومورثة للندم ومنزلة للنقم وحابسة للرزق وهاتكة للستر ومعجلة للفناء وهذا كما
كما أن السموم والأغذية المضرة وإن كانت كلها متشاركة في نهك البدن واستجلاب الضرر إلا
أنها متفاوتة في ذلك تفاوتا لا ينكر فإن منها ما يضر بالقلب أكثر من غيره ومنها ما يضر بالكبد
أكثر ومنها بالدماغ وبالعين وبآلات التناسل وسائر الأعضاء الشريفة ومنها ما يضر البشرة
أو يؤثر بالهزال وغير ذلك ومن ثم وقع تقسيمها إلى صغاير وكبائر ثم تعيين أكبر الكباير كل
ذلك بحسب آثارها وخواصها المختلفة وكما أنه يجب على المعتني بحفظ صحته اجتناب جميع السموم
والمضرات كذلك يجب على المؤمن المعتني بكمال ايمانه اجتناب الذنوب بأسرها ولأجل اختلافها
في الخواص والآثار يمكن الحكم تارة على السرقة مثلا بأنها أشد من الزنا أي بحسب أثرها المترتبة
عليها دونه وإن كان يترتب عليها أثر آخر من جنس آخر وتارة على الزنا بأنه أشد من السرقة أي
بحسب أثره الخاص كذلك أيضا كما أنه يصدق القول بأن سم العقرب مثلا أشد من الجرارة أي بحسب
شدة الوجع وآثاره القلق ويصدق أيضا القول بأن سم الجرارة أشد من العقرب أي بحسب
طول التعب وامتداد الأذى وبطؤ البرء ونحو ذلك من الاعتبارات المختلفة وأكثر ما ورد في
الأخبار من التفضيلات المختلفة بحسب الظاهر مبتنية على هذا الوجه في باب المعاصي وفي باب
الطاعات أيضا فإنها وإن كانت متشاركة في تنوير القلب وتكميل الايمان والتعريض للرحمة إلا
أنها متفاوتة في آثارها المختصة فيصدق أن الصلاة أفضل الأعمال والحج أفضل الأعمال وبر الوالدين
كذلك وأن فوق كل ذي بر بر حتى يقتل الرجل في سبيل الله فإذا قتل الرجل في سبيل الله فليس
فوقه بر ونحو ذلك كما يصدق أن الخبز خير الأغذية واللحم كذلك والفواكه كذلك وهكذا نظرا
إلى أن الأثر المقصود من كل منها في تقوية البدن لا يترتب على غيره وإن ترتب عليها أثر آخر و
لاختلاف الأشخاص والأحوال في ذلك مدخل عظيم فإن الدواعي والصوارف عن الطاعات و
المعاصي جميعا تختلف اختلافا عظيما وكلام الشارع الحكيم مما خوطب به عموم المكلفين فمقتضى
الحكمة القاء الكلام على وجه يكون للكل فيه نصيب والتشديد في أمر الربا جدا إذا تداعت الحال
الانذار عنه في بعض المقامات لا ينافي التشديد في أمر الزنا في مقام آخر بل كلاهما مطابقان
للحكمة والبلاغة التي هي رعاية مقتضى الحال وهذا أصل عظيم النفع ومن الكسب الحرام أخذ
ثمن الخمر والنبيذ المسكر والميتة والكلب إلا ما استثنى وأجور الفواحش كمهر البغي وأجر الكاهن
والاستجعال في المعصية والرشا في الحكم فإنها جميعا سحت كما تقدم وورد في بعض الأخبار
225

المتقدمة أيضا في الرشا أنه الكفر بالله العظيم وأعمال الولاة الظلمة مطلقا أو بالظلم خاصة على ما
سبق فورد في حديث زياد بن أبي سلمة عن أبي الحسن موسى (ع) إن أهون ما يصنع الله تعالى بمن
تولى لهم عملا أن يضرب عليه سرادق من نار إلى أن يفرغ من حساب الخلايق وهو مما يستدل به للاطلاق
إلا أن يريد أن يدفع بذلك الشر عن نفسه مع انحصار الحيلة فيه فيجب حينئذ أو يستحب أو يريد بذلك
نفع المؤمنين أو الدفع عنهم بأن يقضي حوائجهم ويواسيهم ويفرج كربتهم كما في مكاتبة أبي عبد الله (ع)
للنجاشي وإلى الأهواز من قبل المنصور وفي مكاتبة أبي الحسن (ع) لعلي بن يقطين وزير هارون
لما استأذنه (ع) في الهرب عن عمل السلطان لا إذن لك في الخروج من عملهم واتق الله وما يعاون
به على الإثم كعمل آلات اللهو والقمار كالعود وأجزاء الشطرنج سواء كانت من خشب أو عاج أو فلز
أو غير ذلك ولو كانت الآلة مما يفرض لها غاية أخرى مباحة كالبوق للاعلام والسهام لتكون سلاحا
لا أزلاما فالمتجه تعليق الحكم على قصد العامل وصياغة أواني الذهب والفضة مطلقا ومنهم
من قيد بما إذا كان المقصود استعمالها في الأكل والشرب دون ما إذا قصد به القنية أو التجمل وتزيين
المجالس فقط بناء على اختصاص التحريم بالأول وبقاء ما عداه على أصالة الإباحة لورود أكثر المناهي
والتوعيدات فيه خاصة فيقيد الاطلاقات الواردة بتعليق الحكم على العين مثل قوله (ع) أواني الذهب
والفضة متاع الذين لا يوقنون ونحوه مضافا إلى أنه أظهر المنافع فيكون هو المتبادر إلى الذهن
منها كما قالوه في قوله عز وجل حرمت عليكم أمهاتكم وحرمت عليكم الميتة والأواني جمع آنية جمع أناء
ولم يأت اللغويون فيه بما يقطع العذر والمستفاد من تتبع مواقع استعماله أنه أخص مطلقا
أو من وجه من مطلق الظرف فلا يشمل مثل الصندوق والحوض ويصدق على مواعين الأكل و
الشرب كالصحن والكاس والقدر والمغرفة وفي شموله لمثل المكحلة وما يوقد عليه الشمع والسراج
ويشرب فيه التتن على هذا النحو المعمول في هذه الأعصار نظر وليؤخذ في الجميع باليقين والمزمار
كمفتاح وهو الناي لأنه يزمر به أي يغني من جملة آلات اللهو وأفرد بالذكر اهتماما ونحو ذلك
صنعة الصنم والصليب ونسخ كتب الضلال لغير غرض صحيح فإن الكسب بجميع ذلك محظور ومنه ما
هو مكروه شرعا أو عقلا أما لأنه يضر الناس سواء كان ضرره مقصورا على من عدا الكاسب
عموما أو عليه نفسه فالأول كاحتكار الطعام وهو حبسه ليقل فيغلوا كذا في النهاية وهو يشمل
جميع أنواع الطعام سواء كانت من غلته أو اشتراها لذلك كما صرح به بعضهم وفي حسنة الحلبي
عن أبي عبد الله (ع) إنما الحكرة أن تشتري طعاما ليس في المصر غيره فتحتكره فأما إن كان في المصر
طعام أو بياع غيره فلا بأس بأن يلتمس بسلعتك الفضل وفي عدة أخبار نبوية وغيرها ليس الحكرة
إلا في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن وزيد في بعضها الزيت وفي الحديث النبوي الجالب
مرزوق والمحتكر ملعون ورخص في رواية السكوني عن أبي عبد الله (ع) في الحكرة في الخصب أربعون
يوما وفي الشدة والبلاء ثلاثة أيام قال فما زاد على الأربعين يوما في الخصب فصاحبه ملعون وما
زاد على ثلاثة أيام في العسرة فصاحبه ملعون وينبغي تقييد النواهي بما إذا لم يسع الناس كما يومئ إليه
الحسنة وأصرح منها ما في حسنته الأخرى إن كان الطعام كثيرا يسع الناس فلا بأس وإن كان
الطعام قليلا لا يسع الناس فإنه يكره أن يحتكر الطعام ويترك الناس ليس لهم طعام وهي ظاهرة
في كراهة الاحتكار كما عليه المصنف وموافقوه والمحتاط لا يفعله توقيا عن اللعن المذكور و
خروجا عن خلاف محرميه وفي الحديث النبوي أيما رجل اشترى طعاما فكبسه أربعين صباحا
يريد به غلاما المسلمين ثم باعه فتصدق بثمنه لم يكن كفارة لما صنع وفيه لأن يلقى الله العبد
سارقا أحب إلي من أن يلقاه قد احتكر الطعام أربعين يوما والثاني مثل ما يلوث صاحبها بالأدناس
فالموصولة أو الموصوفة معطوفة على الاحتكار مندرجة فيما يضر الناس ولو أبدلها والعاطف بأداة التقسيم
كما في نظائره الآتية فيخص ما يضر الناس بالشق الأول كما هو المتبادر لكان أسلس ثم الملوث إما أن يكون ملوثا للظاهر والباطن معا كالجزر وهو الذبح والنحر أو تسليخهما فهو يلوث الظاهر بالدم
والفرث ويقسي القلب وفي النبوي وغيره الجزار تسلب منه الرحمة أو الباطن فقط والمنصوص من
أفراده الصياغة فهي تزين الدنيا وفي النبوي وأما الصايغ فإنه يعالج زين أمتي أو الظاهر كالحجامة
والدباغة والزبالة والمنصوص هو الأول أو لأنه يستلزم غالبا المخالطة مع النساء والصبيان و
أمثالهم من الضعفاء العقول وهي مستلزمة غالبا لانتقاض العقل كالحياكة والغزل وتعليم الأطفال
وبيع اللحم والنصوص في النهي عنها خالية عن التعليل بما ذكر وإنما هو مذكور في كتب الأخلاق أو
المخالطة مع الأدنين والرواية بلفظ السفلة وفي الفقيه أنه فسر في الأخبار بمن لا يبالي بما قال ولا ما قيل
له وبمن يضرب بالطنبور وبمن لا يسره الاحسان ولا تسوءه الإساءة وبمن ادعى الإمامة وليس لها بأهل
وزاد غيره من يحاسب على الشئ الدون وذوي العاهات فإنهم أظلم شئ والأكراد جمع كرد وهم جبل معروف
من الناس في خراسان وارد لأن وما والاه من بلاد الجبل وجانبه الغربي تخالف لغتهم سائر اللغات
ينتسبون بأصلهم إلى العرب ويؤيده ما في القاموس وغيره أن جدهم كرد بن عمرو مزيقيا ابن منذر ماء السماء
وعن أبي عبد الله (ع) أنه حي من أحياء الجن كشف الله عنهم الغطاء فلا تخالطوهم ومن لم ينشأ في الخير
فعنه (ع) لا تخالطوا ولا تعاملوا إلا من أنشأ في الخير كالمعاملة معهم فإنها من ملزومات المخالطة وقد ورد
النهي عن معاملتهم بالخصوص بل هو في ذوي العاهات مختص بها أو لأنه يتاخم المحظور ويعسر فيه رعاية
الاحتياط فيشبه الرتاع حول الحمى كالصرف وهو بيع الأثمان فإنه قلما يسلم من الربا كما ورد والدلالة
فإنها قلما تسلم من الكذب كما يشاهد والنخس وهو بيع الرقيق فورد في النبوي شر الناس من باع
226

الناس وفي انطباقه على ما هو بصدده من تعسر الاحتياط فيه خفاء ولو مثل به لما يلوث الباطن كان أظهر
أو لأنه يكره فيه قضاؤه (تع) كشراء الحيوان للبيع أو الاكراء فإنه معرض لآفات كثيرة زيادة على غيره من
الأموال أو يكره فيه سلامة الناس كبيع الأدوية أو حياتهم كبيع الأكفان فإنه يسره الوباء أو لأنه
يؤذن بالضعة ومهانة النفس كالنداء والسقاية والسمسرة واكراء الدواب وهذا مما يختلف الحكم
في بعض أنواعه باختلاف الأشخاص والأحوال في درجات المروة وغيرها ولا ينافي الحكم بكراهة هذه
المكاسب وجوبها كفاية من حيث توقف النظام عليها لأنها مختصة بحال تأدى الفرض بقيام الغير
بها أو لأنه يستبدل معه الدنيا بالآخرة ويفوت الثواب الجزيل بالحطام القليل كأخذ الأجرة على تعليم
القرآن فورد أنه حظه يوم القيامة ومثله الأذان والإمامة والقضاء والشهادة بل كل عبادة بدنية
محضة كتغسيل الموتى وتكفينهم ودفنهم وتعليم المعارف والشرايع وقراءة القرآن ونحو ذلك مطلقا و
إنما خالف السياق تنصيصا على محل الكراهة عنده بالخصوص وهذا أحد الأقوال في المسألة وقيل بكراهة
التكسب بها مطلقا وقيل بالتحريم كذلك وفصل بعضهم بالمنع في الواجب منها مطلقا أو العيني خاصة
والجواز في غيره ومنهم من خص المنع بغير المحتاج وفصل آخرون بالشرط وعدمه إلى غير ذلك من
الأقوال التي يقصر عنها الدليل والذي مال إليه في المفاتيح أن ما يعتبر فيه نية التقرب لا يجوز أخذ الأجرة
عليه مطلقا لمنافاته الاخلاص نعم يجوز فيه الأخذ إن أعطى على وجه الاسترضاء أو الهدية أو الارتزاق من
بيت المال ونحو ذلك من غير تشارط وأما ما لا يعتبر فيه ذلك بل يكون الغرض منه صدور الفعل على
أي وجه اتفق فيجوز أخذ الأجرة عليه مع عدم الشرط فيما له صورة العبادة فيكون مسقطا للعقاب
عمن وجب عليه وإن لم يكن موجبا للثواب له وأما جواز الاستيجار للحج مع كونه من القسم الأول فلأنه
إنما يجب بعد الاستيجار وفيه تغليب لجهة المالية فإنه إنما يأخذ المال ليصرفه في الطريق حتى يتمكن من
الحج ولا فرق في صرف المال في الطريق بين أن يصدر من صاحب المال أو نائبه ثم إن النائب إذا وصل مكة
وتمكن من الحج أمكنه التقرب به كما لو لم يكن أخذ أجرة فهو كالمتطوع أو تقول إن ذلك أيضا على سبيل الاسترضاء للتبرع أما الصلاة والصوم فلم يثبت جواز الاستيجار لهما هذا كلامه زيد اكرامه وهو كما ترى
ويأتي للأخير تتمة في كتاب الجنائز والكسب سنة الأنبياء والأولياء وكان داود وسليمان بما اتهما الله (تع)
من الملك لا يأكلان إلا من كسب أيديهما وكذلك يحيى وزكريا (ع) وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وهو صغير في نفقة عمه
أبي طالب فلما ترعرع أنف عن ذلك وكسب لنفسه واتجر ببضاعة خديجة إلى أن تزوجها وكان أمير المؤمنين (ع)
يعمل بالبيل ويصلح المسناة ويغرس العذق بيده وقد روي من الطريقين أنه أعتق ألف مملوك من كد يمينه
وكذلك أولاده المعصومون صلوات الله عليهم والنهي عن العطلة والفراغ والكسل والاتكال على معونة
الناس بالسؤل أو غيره والتوبيخ على ذلك مستفيض عنهم عليهم السلام فورد في حديث أبي عبد الله (ع) أيعجز
أحدكم أن يكون مثل النملة فإن النملة تجر إلى حجرها وفيه لا تكسل عن معيشتك فتكون كلا على غيرك
وعن النبي صلى الله عليه وآله ملعون من ألقى كله على الناس وذلك أن الله (تع) خلق الانسان مدني الطبع لا يستقيم معاشه
إلا باجتماع جماعة من أبناء النوع يتعاونون على تقويم مصالحهم الضرورية من علاج المساكن واستنباط
المياه وزرع الحبوب وغرس الأشجار والحصاد والطحن والخبز واصلاح سائر الأقوات الصناعية والحياكة و
الخياطة وتهيئة الآلات وغير ذلك مما لا يخفى ومن المعلوم أنه لا يستقل كل واحد من الأفراد بجميع ذلك
بل لا بد من أن يشتغل بكل منها طائفة من الناس لينتظم أمر الجميع بالجميع فيكون قد كفى بعضهم بعضا فالزارع
يعين الحايك بزرعه والحايك يعينه بحياكته وهما يعينان الخياط وهو يعينهما وهكذا فكل واحد منهم
معين مستعين وينجبر دخوله في ذل الاستعانة بتلافيه بعز الإعانة والبطال الملقي كله على غيره مستعين
لا معين يطعم ولا يطعم ومن ثم كان من أذل الناس وأبعدهم عن الخير لانسلاخه عن الفطرة الانسانية و
قد ورد في ذم السؤال ما تقدمت الإشارة إليه وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يبايع المؤمنين على أن لا يسألوا الناس
شيئا فكان أحدهم إذا سقط سوطه ينزل لتناوله ولا يسأل من بحضرته من المشاة أن يناوله وعن أبي عبد الله (ع)
الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله وعن النبي صلى الله عليه وآله من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الهم بطلب المعيشة
وفي آخر أنه سئل أبو عبد الله (ع) عن رجل فقيل أصابته الحاجة قال فما يصنع اليوم قيل في البيت يعبد ربه فقال
من أين قوته قيل من عند بعض إخوانه فقال والله الذي يقوته أشد عبادة منه
باب الآداب المهمة
وهي أن ينوي به التعفف عن الناس والسعي على الأهل والتعطف على الجار ففي الصحيح عن أبي جعفر (ع) من
طلب الرزق في الدنيا استعفافا عن الناس وسعيا على أهله وتعطفا على جاره لقي الله عز وجل يوم القيامة و
وجهه مثل القمر ليلة البدر وإقامة فرض الكفاية في صناعات يتوقف عليها العيش كما مرت الإشارة إليه
وأن يتفقه أولا فيما يريد أن يتوليه من العمل بتعلم مسائله وأحكامه ولو تقليدا ليعرف صحيحه من فاسده و
في حديث أمير المؤمنين (ع) الفقه ثم المتجر وأن يجمل في الطلب ولا يحرص فيه كما سبق في النبوي المستفيض أنه لن تموت
نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء شئ من رزق الله أن تطلبوه
بشئ من معصية الله وعن أبي عبد الله (ع) ليكن طلبك المعيشة فوق كسب المضيع ودون طلب الحريص الراضي
بدنياه المطمئن إليها ولكن أنزل نفسك من ذلك منزلة المنصف المتعفف ترفع نفسك عن منزلة الواهن
الضعيف وتكسب ما لا بد للمؤمن منه وأن يحترز الطلب على وجوه مخصوصة فلا يشتغل به فيما بين الطلوعين
لأنه وقت دعاء ومسألة وروي أنه نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن النوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع
الشمس ولا كل الليل فعن أبي عبد الله (ع) من بات ساهرا في كسب ولم يعط العين حظها من النوم فكسبه ذلك حرام
وعنه (ع) الصناع إذا سهر والليل كله فهو سحت ولا يركب له البحر وإن ظن السلامة وفي النبوي وغيره ما أجمل في الطلب
من ركب البحر وعن أبي جعفر (ع) أنه يضر بدينك ولا يتجر إلى أرض لا يستطيع أن يصلي إلا على الثلج فإن فعل فلا يعود
227

إلى هذه الأرض التي توبق دينه كما في رواية الحسين بن أبي العلا وغيرها ولا يتلقى الركبان للشراء منهم
أو البيع عليهم إذا لم يكونوا عالمين بسعر البلد والنهي عنه ظاهر في التحريم كما قاله جماعة وحده أربعة فراسخ وما
زاد فتجارة وجلب ولا يدخل في سوم أخيه المسلم بأن يستميل البايع أو المشتري عنه إلى نفسه وقيل بتحريمه
أيضا وفي بعض النسخ ولا يربح على المؤمن وأصله ما روي عن أبي عبد الله (ع) قال ربح المؤمن على المؤمن ربا
إلا أن يشتري بأكثر من مائة درهم فاربح عليه قوت يومك أو يشتريه للتجارة فاربحوا عليهم وارفقوا بهم
وبهذا الاستثناء صرح في المفاتيح وفي حديث آخر سئل عن الخبر الذي روي أن ربح المؤمن على المؤمن ربا
فقال ذاك إذا ظهر الحق وقام قائمنا أهل البيت فأما اليوم فلا بأس أن تبيع من الأخ المؤمن وتربح عليه
وأن لا يعامل إلا متدينا فإن معاملته أسلم من الغبن والخيانة والمشاقة وماله أبرك وأبعد عن الشبهة
وأن يباكر في طلب الحاجة فإن في البكور والبركة إجابة لدعاء النبي صلى الله عليه وآله اللهم بارك لأمتي في بكورها ولا ينافي
هذا ما سبق من كراهة ما بين الطلوعين لأن العام يحمل على الخاص وأن يذكر الله عند دخول السوق
بالمأثور وهو اللهم إني أسئلك من خيرها وخير أهلها وأعوذ بك من شرها وشر أهلها اللهم إني أعوذ
بك من أظلم أو أظلم أو أبغي أو يبغي علي أو أعتدي أو يعتدى على اللهم إني أعوذ بك من شر إبليس و
جنوده وشر فسقة العرب والعجم وحسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم و
روي غير ذلك وأن يتشهد عند البيع الشهادتين كما في المفاتيح وظاهره استحباب ذلك للبايع
وأسنده فيه إلى الرواية وجعله صاحب اللمعة من آداب المشتري والذي وقفت عليه مما يتضمن
الشهادتين رواية أبي عبيدة عن أبي عبد الله (ع) من قال في السوق أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله كتب الله له ألف حسنة وأن يكبر المشتري للتجارة ثلاثا ويدعو بعد الشراء بالمأثور في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) إذا اشتريت متاعا فكبر الله ثلاثا ثم قل اللهم إني اشتريته
التمس فيه من فضلك فصل على محمد وآل محمد واجعل لي فيه فضلا اللهم إني اشتريته التمس فيه من رزقك
فاجعل لي فيه رزقا ثم أعد كل واحد ثلاث مرات وأن لا يبالغ البايع في مدح المبيع بوصفه بما يوجب مزيد
الرغبة فيه الموجب لزيادة القيامة ولا المشتري في ذم المشتري بوصفه بخلاف ذلك وتسميته مبيعا ومشترى
من مجاز المشارفة وإن أمكن الحكم بالكراهة بعد ذلك أيضا وإنما يكره ذلك إذا صدق الوصف أما لو كذب
فالتحريم لا يخلو من وجه سيما إذا استلزم ذلك غرورا أو ضرارا كما هو الغالب ومورد المناهي المدح والذم
كما في الشرايع وغيره دون المبالغة فيهما كما هنا وفي المفاتيح وأن لا يحلف على البيع والشراء فهو جعله (تع) عرضة
للأيمان المنهي عنه في قوله عز وجل ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم ومن سوء الأدب ابتذال اسمه (تع) لترويج
الدنيا الخسيسة وورد عن النبي صلى الله عليه وآله ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة عتل مستكبر ومنان بعطيته ومنفق
سلعته بيمينه وموضع الآداب الحلف صادقا أما الكاذب فعليه لعنة الله وأن يظهر البايع عيب
المبيع وقدره وسعر الوقت إن خفيت على المشتري ويظهر فيما عدا المساومة ما سومح به فيما اشتراه
في الصفقة الأولى فالاخفاء خيانة وغش وورد في النبوي وغيره بألفاظ متقاربة من غشنا فليس منا
وفي حديث هشام أن البيع في الظلال غش والغش لا يحل ولا يبخس في الميزان فإنه من أفحش الخيانة
كما سبق وورد في التنزيل ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم
يخسرون ولا يروج الزيف وهو النقد المغشوش بغير المعتاد بل يفلقه بنصفين ويلقيه في البئر كما
في رواية موسى بن بكر قال كنا عند أبي الحسن (ع) فإذا دنانير مصبوبة بين يديه فنظر إلى دينار فأخذه
بيده ثم فلقه بنصفين ثم قال لي القه في البالوعة حتى لا يباع شئ فيه غش وينبغي تقييده بما إذا تعذر
الانتفاع على وجه آخر ولا يشوب اللبن بالماء ولا يخلط التراب بالطعام ولا ما لا يعتاد باللحم ولا يندي
الموزون يلتمس به الزيادة إلا أن يعلمهم فهو وأمثاله حرام فكله من الغش وعن أبي جعفر (ع) مر رسول
الله صلى الله عليه وآله في سوق المدينة بطعام فقال لصاحبه ما أرى طعامك إلا طيبا وسأله عن سعره فأوحى الله
عز وجل إليه أن يدس يديه في الطعام ففعل فأخرج طعاما رديا فقال لصاحبه ما أراك إلا وقد
جمعت خيانة وغشا للمسلمين ولا يقدم على النجش وهو أن يساوم على شئ لا يزيده بما فوق ثمنه ترغيبا
للمشتري إليه والمصنف على تحريمه أيضا لأنه غش وخديعة وقيل بكراهته والأصل الجامع لما ذكر
وغيره أن لا يريد لغيره ما لا يريد لنفسه كما ينبه عليه عمومات النصيحة وقوله (تع) ولا تيمموا الخبيث منه
تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه وهو إنما يتأتى باعتقاد أمرين أحدهما أن الخيانة لا تزيد
في الرزق والديانة لا تنقص منه كما في النبوي المستفيض أن الله قسم الأرزاق بين خلقه حلالا ولم يقسمها
حراما فمن اتقى الله عز وجل وصبر أتاه الله رزقه من حله ومن هتك حجاب السر وعجل فأخذه من
غير حله قص به من رزقه الحلال وحوسب عليه يوم القيامة والآخر أن ربح الآخرة وغناها خير من
ربح الدنيا كما قال (تع) والآخرة خير وأبقى وفوائد الدنيا وأموالها تنقضي بانقضاء العمر وتبقى مظالمها
وأوزارها وكيف يستجيز العاقل أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير والخير كله في سلامة
الدين فورد عن النبي صلى الله عليه وآله لا يزال لا إله إلا الله يدفع عن الخلق سخط الله ما لم يؤثروا صفقة دنياهم
على آخرتهم وفي لفظ آخر ما لم ينالوا ما نقص من دنياهم بسلامة دينهم فإذا فعلوا ذلك وقالوا لا إله إلا الله قال الله كذبتم لستم بها صادقين وهو من مواضع الغرور فإن هذا الاعتقاد قد يظنه كل
أحد بنفسه عند تيسر الأمور وسعة الرزق واقبال الدنيا ويعرف صدقه من كذبه في أوقات الضيق
والشدة فإن وجد استنكافه عن الخيانة والغش فيها مثله في الحالة الأولى فهو صادق في دعواه
وأن يحسن في المعاملة مع الناس زيادة على ما ذكر بأن لا يغبن المعامل غبنا غير معتاد كالواحد بواحد
وإن أعطى المشتري أو البايع لرغبة إلى السلعة أو الثمن أو حاجة إليهما ويخبره بالغبن إذا كان لجهل وإذا
228

غبن فالأولى أن يحتمله إن كان من ضعيف أو فقير سيما إذا كان يسيرا فورد في الحديث النبوي
بألفاظ متقاربة رحم الله امرءا سهل البيع سهل الشراء ولا يحتمله إن كان من غنى ولو يسيرا إلا إذا
كان اقتضاؤه منافيا لمروته لأنه تضييع للمال بما لا ينفع في الدنيا ولا في الآخرة إذ لا حمد ولا أجر
كما ورد أن المغبون في بيعه وشرائه لا محمود ولا مأجور وبهذا التفصيل يجمع بين الاطلاقات وكان
بعض الحكماء يكثر المماكسة في المعاملة فقيل له أنت تهب الأموال الجزيلة وتضايق في الشئ الدون
فقال الكرم مسامحة بالمال والغبن مسامحة بالعقل ويسامح في قبض الثمن والمثمن والدين بنقص في
العين أو في الصفة وانظار وترك طلب وقبول عوض وحوالة ونحو ذلك مما يلتمسه المعامل سيما
إذا كان أهلا له فورد في تتمة الحديث المصدر بقوله رحم الله امرءا سهل القضا سهل الاقتضاء
وعنه صلى الله عليه وآله من أنظر معسرا أو ترك له حاسبه الله حسابا يسيرا روى ذلك أبو حامد وعن أهل البيت (ع)
ثلاثة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله أحدهم من أنظر معسرا أو ترك له من حقه ويبادر في الاستيجار
إلى مقاطعة الأجرة قبل استعمال الأجير كما يأتي وإلى اعطاء الأجرة بعد الفراغ من العمل قبل أن يجف عرقه
كما في حسنة هشام وغيرها وفي الاستدامة إلى قضاء الدين قبل حلول الأجل استباقا إلى الخير واغتناما
للفرصة ويكون بأحسن ما شرط أو أحسن منه وينوي القضاء كذلك أن عجز فورد أن الملائكة يدعون
له حتى يقضيه بل ورد أنهم يعينونه روى ذلك المحمدون الثلاثة عن أبي عبد الله (ع) قال من كان عليه
دين ينوي قضاءه كان معه من الله عز وجل حافظان يعينانه على الأداء من أمانته فإن قصرت
نيته عن الأداء قصرا عنه من المعونة بقدر ما قصر من نيته وأن يستدين متوكلا على الله تعالى
في ضعف حاله ما يكتسب به قوة في سبيله تعالى كتكفين ميت مقل وتزويد ابن سبيل ونكاح يتعفف
به عن الفاحشة فهو تعالى يقضيها بتسبيب أسباب غير محتسبة وأن يقيل المعاملة إن ندم المعامل
يقال أقاله إذا وافقه على نقض البيع وأجابه إليه فوعد عليه تعالى بصيغة المصدر والضمير المجرور
راجع إلى الله تعالى أو الماضي والضمير عايد إلى المذكور وإقالة عثرته مرفوع على الأول منصوب على
الأخير روى المحمدون الثلاثة عن أبي عبد الله (ع) أيما عبد أقال مسلما في بيع أقال الله عز وجل
عثرته يوم القيامة وأن يعامل الفقير نسية فإنه من حسن المعاملة والاقراض المأمور بهما فإن كان
على عزم الترك والابراء كلا أو بعضا لم يظهر غناه فأكمل وأن يكيل الطعام أخذا واعطاء وصرفا
في البيت ففيه البركة ففي النبوي كيلوا طعامكم فإن البركة في الطعام المكيل وفيه أنه شكا إليه
قوم سرعة نفاذ طعامهم فقال تكيلون أو تهيلون قالوا نهيل يا رسول الله يعني الجزاف قال كيلوا
فإنه أعظم للبركة وعن أبي عبد الله (ع) إذا أرادت الخادم أن تعمل الطعام فمرها فلتكله فإن البركة
فيما كيل وإن أعطى الراجح كما هو المندوب أعطاه بعد القسط فإنه أطيب لنفس المشتري وأن لا يتعرض
للكيل والوزن والحساب إذا لم يحسنه بايعا كان أو مشتريا أو غيرهما حذرا من الزيادة والنقصان
وقيل بتحريمه في الأولين وفي مرسلة الحناط رجل من نيته الوفاء وهو إذا كال لم يحسن أن يكيل
قال فما يقول الذين حوله قلت يقولون لا يوفي قال هذا لا ينبغي له أن يكيل وأن يسوي بين المبتاعين
في الانصاف زيادة على الواجب فلا يفرق بين المماكس وغيره ولا بين الشريف والوضيع نعم لو فاوت
بينهم بسبب فضيلة ودين فلا بأس لكن يكره للآخذ قبول ذلك ولقد كان السلف يوكلون في الشراء
ممن لا يعرف هربا من ذلك وذهب بعضهم إلى بقال ليشتري منه طعاما فقال البقال لولده هذا فلان
الزاهد يوصيه بحسن توفيته فاغتاظ وقال جئنا لنشتري بالأثمان دون الأديان وأن يتورع في كل
أموره بمعنى استعماله الورع فيها فورد في الحديث القدسي أما الورعون فإني أستحي أن أحاسبهم وفي
رواية أخرى أفتش الناس ولا أفتشهم وهو على مراتب أربع وأدنى رتبه الاحتراز عن الحرام على وجه
يخرج عن حد الفسق ويصحح قبول الشهادة وهو المسمى في العرف العام الورع المطلق وقد يضاف إلى
العدول والتائبين ثم الاحتراز عن الشبهة مخافة الوقوع في الحرام كتجنب طعام الظلمة وجوائزهم على
بعض الوجوه مخافة الوقوع في الركون إليهم وهو أول مراتب التقوى فإن من أخذ بالشبهات ارتكب
المحرمات وهلك من حيث لا يعلم كما تقدم وورد في النبوي المستفيض دع ما يريبك إلى ما لا يريبك
والشبهات حمى المحرمات ومن رتع حول الحمى أو شك أن يقع فيه وهذا ورع الصالحين ثم الاحتراز
عن الحلال الذي يتخوف أن ينجر إلى الحرام كالتوقي عن التحدث بأحوال الناس مخافة الانجرار إلى الغيبة
وامتناع القاضي عن قبول الهدايا حذرا عن الانجرار إلى الرشوة وفي الحديث النبوي لا يكون
الرجل من المتقين حتى يدع ما لا بأس به مخافة ما به بأس وهذا هو الصدق في التقوى ومن ثم
يضاف إلى المتقين ثم الاحتراز عن جميع ما ليس له تعالى مخافة صرف لحظة من العمر فأيما لا يثمر زيادة
القرب لديه عز وجل وإن كان معلوما أنه لا ينجر إلى حرام ولا شبهة البتة وهو الصدق المطلق
ويضاف إلى الصديقين الصادقين في قولهم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين
وعليه وقع الحث بما ورد أن من تساوى يوماه فهو مغبون كما مرت الإشارة إليه ولنذكر شروط
المعاملات المكتسب بها وفقهها في اثنين وعشرين بابا
باب البيع وهو في اللغة وضع اليد في يد
الغير ومنه البيعة وخص عرفا بالعقد الخاص لأنهم كانوا يبايعون فيه وهو من أنفع المصالح العامة
التي ترتبط بها عمارة الدنيا وإباحته في الجملة من المرتكزات في العقول وخصه الشرع الإلهي بشروط
وأحكام إذا روعيت أفادت الفايدة المقصودة منه وانسدت أبواب المفاسد المترتبة على الاسترسال
فيه وهي إما في طرفيه المتعاقدين أو المالين المعاوض بهما فما يشترط في كل من المتعاقدين أمور
ستة أحدها البلوغ فلا يصح من الصبي مطلقا وقيل بصحة بيعه إذا بلغ عشرا عاقلا وفي المفاتيح أن
229

الأظهر جواز بيعه وشرائه فيما جرت العادة به منه في الشئ الدون دفعا للحرج في بعض الأحيان وكذا
فيما كان فيه بمنزلة الآلة لمن له الأهلية وثانيها الرشد الرافع للحجر فيبطل من المجنون والمغمى عليه والسكران
والسفيه وثالثها الرضا فلا ينفذ من المكره بغير حق أما المكره بحق كمن توجه عليه بيع ماله لوفاء
دينه أو شراء مال أسلم إليه فيه فأكرهه الحاكم عليه أو نحو ذلك فينفذ منه بلا خلاف ورابعها المالكية
التامة للعوضين أو ما يقوم مقامها كالوكالة والولاية العامة والخاصة ومنها الوصاية وهذه
الأربعة مشروطة في المتابعين مطلقا ويستدرك فقد الأخيرين منهما بالإجازة اللاحقة للعقد
من المالك أو من يقوم مقامه دون الأولين فلو أكره بغير حق على بيع أو شراء ثم رضي بذلك و
أجازه صح ولزم وكذا لو باع أو اشترى فضوليا ثم أجاز المالك على المشهور خلافا لمن أبطله رأسا
والروايات من الطرفين عامية وفي أخبار تزويج العبد بدون إذن المولى ما يؤيد المشهور ولو لم يجز كان
له الرجوع على المشتري في عين ماله ومنافعه المتصلة والمنفصلة المستوفاة وغيرها عينا أو مثلا أو قيمة
وله الرجوع بجميع ما اغترم على البايع مع جهله بالحال لكونه مغرورا منه دون علمه بها لأنه الذي أدخل
الغرامة على نفسه بمعاملته الفضولية وهل يرجع حينئذ بالثمن فيه أقوال ثالثها الرجوع مع بقاء عينه
وعدمه مع عدمه أما الأول فلأنه ماله إذ لم يعرضه ما يخرجه عن ملكه فهو مسلط عليه وأما الأخير
فلأن دفعه إلى البايع على الوجه المفروض إذن له في اتلافه فيكون مباحا فلا يتعقبه ضمان وهو من
الأمر بين الأمرين ولو تعاقبت عليه الأيدي تخير المالك في تغريم من شاء منهم ويرجع المغرور على
غاره والغاصب فضولي وكذا السارق والخاين أما الصبي والسفيه ومن في حكمه فلا يؤثر رضاهم
بعد العقد في تصحيحه إذ لا قصد لهم ولا أهلية وفي المفاتيح نسبه إلى القيل مشعرا بتمريضه ويختص المشتري
للمصحف وأبعاضه والمملوك المسلم ومن في حكمه باشتراط الاسلام فيه فلا يصح بيع المصحف من الكافر
وفي الحاق كتب الحديث به وجه وكذا المسلم منه على المشهور لانتفاء السبيل له عليه بنص الكتاب إلا فيمن
ينعتق عليه بالعتق القهري من ذوي الأرحام المذكورين ومشروط العتق عليه في العقد ومن أقر
بحريته وهو في يد غيره وقيل يجوز مطلقا ويجيز على بيعه من مسلم إن كان ممن لا ينعتق عليه وكيف كان
فالظاهر أنه لا خلاف في أنه يجبر المولى الكافر على بيع مملوكه المسلم إن أسلم في ملكه ولم ينعتق عليه كما سبق
وخامسها أن يأتيا بما يدل على الايجاب من البايع والقبول من المشتري صريحا بحيث يرتفع الاشتباه ولا يبقى
لهما مجال التنازع في ذلك وهو قد يحصل بلفظ من الطرفين كبعت أو ملكت أو نحو ذلك في الايجاب و
اشتريت وقبلت ونحوهما في القبول وقد يحصل بغير ذلك كالفعل باليد أخذا وتسليما مع القرائن وفاقا
لشيخنا المفيد لاطلاق النصوص من الكتاب والسنة الدالة على حل البيع وانعقاده من غير تقييد بصيغة
خاصة مع عدم دليل آخر عليه وتكليف فهمه من لفظ البيع من قبيل الألغاز والتعمية الغير اللائق بالشارع
واللفظ لم يكن سببا للنقل لعينه بل لدلالته والفعل أيضا دال على المقصود دلالة مستمرة في العادة وانضم
إليه مسيس الحاجة وسيرة الأولين فإن المشتري كان يجئ إلى بياع الحنطة ويقول له بكم تبيع منها منا فيقول
بدرهم فيعطيه الدرهم ويأخذ منا من غير لفظ آخر يجري بينهما وقد يكون السعر معهودا بينهما فلا يحتاج
إلى السئول والجواب أيضا فإن مثل هذا الفعل صريح في البيع لا يحتمل غيره خصوصا إذا كان البياع إنما
جلس في دكانه للبيع لا للهبة والإعارة والايداع وغير ذلك والاحتمال البعيد لا يقدح في مثله فإنه وارد
في اللفظ أيضا هذا مع اطراد جميع العادات بقبول الهدايا من غير ايجاب وقبول لفظيين مع التصرف
فيها وأي فرق بين أن يكون فيه عوض أو لا إذا لم يرد به الشرع إذ الملك لا بد من نقله في الهبة أيضا و
كذلك القول في سائر العقود خلافا للمشهور بل كاد يكون اجماعا حيث أوجبوا في العقود جميعا لفظا
دالا على الايجاب وآخر على القبول بصيغة الماضي فيهما لأنها أقرب إلى الانشاء المقصود فيها حيث دل
على وقوع مدلوله في الماضي فإذا لم يكن ذلك هو المقصود كان وقوعه الآن حاصلا في ضمن ذلك الخبر
بخلاف المستقبل المحتمل للوعد والأمر الغير المقتضي انشاء البيع من جانب الأمر ومنهم من أوجب قصد الانشاء
به ومنهم من أوجب وقوعهما بالعربية إلا لمن شق له تعلمها ومنهم من أوجب تقديم الايجاب على القبول ومنهم من
أوجب مطابقتهما ومنهم من اشترط غير ذلك وعلى ما قالوه لو وقع الاتفاق بين المتبايعين على البيع وعرف
كل منهما رضا الآخر بما يصير إليه من العوض المعين الجامع لشرايط البيع غير اللفظ المخصوص لم يفد اللزوم
لكن هل يفيد إباحة تصرف كل منهما فيما صار إليه من العوض نظرا إلى إذن كل منهما للآخر في التصرف وإن جاز
له الرجوع ما دامت العين باقية أم يكون بيعا فاسدا من حيث اختلال شرط وهو الصيغة الخاصة المشهور
الأول والعلامة وجماعة على الثاني والأحوط الاتيان بالقول الصريح فيما له خطر ولا سيما مع اعتضاده
بأصالة بقاء ملكية كل واجد لماله إلى أن يعلم الناقل هذا ما قرره في المفاتيح وهو المدلول عليه بتتبع
الروايات على أن خلوها عن اشتراط اللفظ بشئ من القيود المذكورة في مثل هذا الأمر الشايع الذي هو
من أعم ما تعم به البلوى وتكثر إليه الحاجة وتتوفر الدواعي على تبليغ أحكامه ونقلها جدا مما يثبت
المطلوب أيضا بناء على أن عدم الدليل في مثله يصلح دليلا للعدم بحكم العادة السايرة كما أشرنا إليه
مرارا والاحتمالات العقلية البعيدة المثيرة للشكوك لو اصغي إليها لاختل أكثر الاستدلالات وانسدت
أبواب الأخذ بالظواهر إلا أن ما ادعاه من سيرة الأولين مما يعسر اثباته وما احتج به من قبول الهدايا
والتصرف فيها بغير لفظ إن ثبت فإنما يدل على إباحة التصرف كما هو المشهور دون فساد المعاملة
كما نقله عن العلامة ولا دلالة فيه على اللزوم كما هو المطلوب وما ذكره من الاحتياط فيما له خطر حسن جدا
حسما لمادة التنازع والتجاذب فيما لا يتسامح فيه ومثله ما لا يستدرك فائته كالفروج ولو قيل
باشتراط اللفظ في الجميع من غير تقييده بشئ مما ذكر إلا صراحة الدلالة في العقد المقصود كما نقله الشهيد
230

الثاني عن بعض مشايخه المعاصرين كان وجها فإن الروايات كما لا تدل على اشتراط اللفظ مطلقا لا
تدل على انتفائه كذلك فليؤخذ باليقين ما أمكن وسادسها أن لا يشترطا في متن العقد ما يخالف الشرع
كاسترقاق حرا وأن لا يطأ أحدهما زوجته فيبطل البيع على أشهر القولين ومنهم من أبطل الشرط وحده
لأنه المخالف فيختص بالبطلان دون نفس العقد ويضعف بعدم قصده منفردا وهو شرط الصحة و
بأن للشرط قسطا من الثمن فإذا بطل يجهل الثمن فيبطل لاشتراط المعلومية في العوضين كما يأتي ومن
المخالف اشتراط كل ما يؤدي إلى جهالة فيهما أو في أحدهما مثل تأجيل مدة مجهولة فإن للأجل قسطا من الثمن
وعد منه اشتراط أن لا يبيعه أو لا يعتقه أو لا يطأ أو لا يهب وبالجملة ما ينافي مقتضى العقد واستشكله في
المفاتيح باشتراط عدم الانتفاع زمانا معينا واسقاط الخيار والعتق والمكاتبة والتدبير وبالجملة ما أجمع
على صحة اشتراطه وفي حسنة ابن سنان وغيره عن أبي عبد الله (ع) عن الشرط في الإماء أن لا تباع ولا توهب
قال يجوز ذلك غير الميراث فإنها تورث وكل شرط خالف كتاب الله فهو رد وفي مرسلة جميل في الرجل يشتري
الجارية ويشترط لأهلها أن لا يبيع ولا يهب ولا يورث قال يفي ذلك إذا شرط لهم إلا الميراث وكذا اشتراط
أن يبيعه منه أو عدم الخسارة على المشتري عند الأكثر وفي صحيحة عبد الملك عن الرجل ابتاع منه طعاما
أو ابتاع منه متاعا على أن ليس منه وضيعة هل يستقيم هذا وكيف يستقيم وحد ذلك قال لا ينبغي وإذا
اشترط أن يقرضه شيئا أو يستقرضه أو يوجره أو يسلفه أو غير ذلك من العقود السائغة جاز مطلقا و
توقف بعضهم في الاقراض إذا باعه الشئ بأضعاف قيمته ومستنده محمول على الكراهة جمعا بين الأخبار
كما في المفاتيح وغيره وكما لا يجوز اشتراط غير السايغ شرعا لا يجوز اشتراط غير المقدور للمشروط عليه
كاشتراط حمل الدابة فيما بعد أو بلوغ الزرع السنبل والخلاف في بطلان الشرط وحده أو البيع أيضا الخلاف
وهو جار في سائر العقود أيضا وما يشترط في كل من المالين أمور ثمانية أ أن يكون عينا فلا يصح لو كانا
أو أحدهما منفعة خلافا للمبسوط في خدمة العبد وقد تقدم مستنده وهو شاذ ب أن يكون ذا نفع
مباح مقصود للعقلاء فلا يصح بيع ما لا منفعة مشروعة فيه ككلب الهراش وهو الذي يهارش مصدر
هارش أو هرش مشددا وهو مقاتلة الكلاب ومواثبة بعضها على بعض ومثله الميتة وأجزائها الميتة
بلا خلاف فيهما كما في المفاتيح إلا أنه في الوافي مال إلى جواز بيع الميتة مختلطا بالزكي ممن يستحلها وأكثرهم
أطلقوا المنع من بيع الأعيان النجسة والمايعات المتنجسة مما لا يقبل التطهير لاستخباثها ونجاستها سوى
كلب الصيد لمنفعة الاصطياد والأدهان لفائدة الاستصباح وبعضهم خص للكلب بالسلوقي ومنهم
من جوز بيع كلب الماشية والزرع والحايط والدار أيضا لمشاركتها كلب الصيد في المعنى المسوغ لبيعه
والروايات بين مطلقة في أن ثمن الكلب سحت ومقتصر فيها على استثناء كلب الصيد مطلقا ولا
ذكر فيها لما عداه إلا فيما نقل عن المبسوط مرسلا أن كلب الماشية والحايط مثل ذلك وقيد الأخير في بعضها
باعلام المشتري وكذلك أطلقوا المنع من بيع المسوخات بناء على عدم وقوع الذكاة عليها سوى
الفيل عند بعضهم وفي رواية عبد الحميد بن سعد عن أبي إبراهيم (ع) في عظام الفيل يحل بيعه أو شراؤه للذي
يجعل منه الأمشاط قال لا بأس قد كان لأبي منه مشط أو أمشاط ومن بيع الضفادع والسلاحف و
السباع كلها سوى الهر للنص لا بأس بثمن الهر والفهد على رأي لصلاحيته للصيد ومنهم من استثنى سباع
الطير أيضا وفي صحيحة العيص بن القاسم عن أبي عبد الله (ع) عن الفهود وسباع الطير هل نلتمس التجارة فيها
قال نعم وقيل بجواز السباع كلها تبعا للانتفاع بجلودها وريشها لوقوع الذكاة عليها وكونها طاهرة
منتفعا بها وفي رواية السراج عنه (ع) أبيع جلود النمر فقال مدبوغة هي قال نعم قال ليس به بأس ومنهم من
منع من بيع الأبوال والأرواث مطلقا طاهرها ونجسها للاستخباث إلا بول الإبل للاستشفاء
والأخبار في العذرة مع ضعفها مختلفة ويمكن الجمع بالجواز في البلاد التي جرت العادة فيها بالانتفاع
بها نفعا معتدا به في المزارع والمغارس والمنع في غيرها فينطبق حكمها على ما قرره المصنف من القاعدة
ولم يثبت كون النجاسة والاستخباث صالحين للمنع وعموم وأحل الله البيع وكل شئ مطلق حتى
يرد فيه نهي ينفيانها ج أن يكون مملوكا فلا يصح بيع ما لا يملك كالحر بالاتفاق د أن يكون تام
الملكية فلا يصح بيع ما يشترك فيه الناس كالصيد قبل اصطياده وإن أشرف عليه والكلاء والماء
قبل حيازتهما والوقف وإن كان خاصا وقلنا بانتقال ملكه إلى الموقوف عليهم وذلك لتعلق حق البطون
اللاحقة به إلا مع خرابه وتعطيله وفوات منفعته على الوجه المقصود بالوقف كما لو حلق حصير المسجد
أو جذعه بحيث لا يصلحان للانتفاع فيباع للوقود ونحوه لفوات مقصود الوقف حينئذ من تحبيس
الأصل وتسبيل المنفعة وأدلة المنع عامة كما اعترف به في المفاتيح وفي صحيحة علي بن مهزيار عن أبي جعفر
الثاني (ع) في ضيعة موقوفة على جماعة بينهم اختلاف شديد وأنه ليس يؤمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعد أن بيع الوقف أمثل فإنه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال والنفوس وفي رواية جعفر بن حنان
عن أبي عبد الله (ع) إذا احتاجوا ولم يكفهم ما يخرج من الغلة ورضوا كلهم وكان البيع خيرا لهم باعوا و
عمل بها بعضهم وفي اعتبار المالكية على الوجه المتقدم في المتعاقدين غنى عن اشتراط الأمرين ه
أن يكون معلوما فلا يصح بيع المجهول والمبهم حذرا من الغرر المنهي عنه وقطعا للنزاع ولكن
المعلومية لكل شئ بحسبه فما يكال أو يوزن أو يعد لا يجوز بيعه جزافا وإن شوهد مطلقا على
المشهور وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) ما كان من طعام سميت فيه كيلا فلا يصلح بيعه مجازفة
هذا مما يكره من بيع الطعام وخالف بعضهم فيما اختلف جنساهما من المشاهد إذ لا غرر فيه
بالمشاهدة ولا ربا بالاختلاف وورد في الجوز لا نستطيع أن نعده فيكال بمكيال ثم يعد ما فيه
ثم يكال ما بقي على حساب ذلك من العدد قال لا بأس به أما مثل الأرض والثوب والبساط ونحوها
231

مما يمسح فالمشهور أنه يكفي مشاهدتها جملة لانتفاء معظم الغرر بذلك ولو سابقا إلا أن يمضي مدة
يتغير فيها عادة وأما ما لا ينتفي غرره كالثمرة على الشجرة قبل ظهورها فلا يصح بيعه إلا على أحد وجهين
أما أكثر من سنة واحدة كما في صحيحة يعقوب بن شعيب عنه (ع) في الرجل يبتاع النخل والفاكهة قبل أن يطلع فيشتري سنتين أو ثلاث سنين أو أربعا قال لا بأس إنما يكره شراء سنة واحدة قبل أن
يطلع مخافة الآفة حتى يستبين أو مع ضميمة معلومة ولو بالمشاهدة كما في موثقة سماعة قال سألته (ع)
عن بيع الثمرة هل يصلح شراؤها قبل أن يخرج طلعها فقال لا إلا أن يشتري معها شيئا غيرها رطبة
أو بقلا فيقول أشتري منك هذه الرطبة وهذا النخل وهذا الشجر بكذا وكذا فإن لم تخرج الثمرة كان
رأس مال المشتري في الرطبة والبقل وأما بعد ظهورها فظاهر الكتاب وصريح المفاتيح جواز بيعها مطلقا
خلافا للمشهور فيها حيث أطلقوا المنع قبل الظهور وقيدوا الجواز بعده ببدو الصلاح كما في النبوي لا
تباع الثمرة حتى يبدو صلاحها وعن علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله (ع) في رجل اشترى بستانا فيه تمر بسر
أخضر فقال لا حتى يزهو قلت وما الزهو قال يتلون وفي رواية الوشا يحمر ويصفر وشبه ذلك وعنه (ع)
سئل عن النخل والتمر يبتاعهما الرجل عاما واحدا قبل أن يثمر قال لا حتى يثمر وتأمن ثمرتها من الآفة فإذا
أثمرت فابتعها أربعة أعوام إن شئت مع ذلك العام أو أكثر من ذلك أو أقل وفي الموثق عنه (ع) في الكرم
متى يحل بيعه فقال إذا عقد وصار عقودا أي حصر ما وفي عدة أخبار لا يشترى النخل حولا واحدا وفي
بعضها الفاكهة حتى يطعم وفي رواية في ثمر الشجر لا بأس بشراه إذا صلحت ثمرته قيل وما صلاح ثمرته قال إذا
عقد بعد سقوط ورده وعمل بها بعضهم والمصنف حمل هذه المناهي وما في معناها على الكراهة وفي صدر
الصحيحة كان أبي يكره شراء النخل قبل أن يطلع ثمرة السنة ولكن السنتين والثلث كأن يقول إن لم يحمل في
هذه السنة حمل في السنة الأخرى وأما صحيحة العجلي عن أبي جعفر (ع) أنه خرج رسول الله صلى الله عليه وآله فسمع ضوضاء فقال
ما هذا فقيل له تبايع الناس بالنخل فقعد النخل العام فقال صلوات الله عليه وأما إذا فعلوا فلا يشتروا
النخل العام حتى يطلع فيها شئ ولم يحرمه فالظاهر أن المراد بالطلع فيها البلوغ بقرينة صحيحة الحلبي في الرجل
يشتري الثمرة المسماة من أرض فتهلك ثمرات تلك الأرض كلها فقال قد اختصموا في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
وكانوا يذكرون ذلك فلما رآهم لا يدعون الخصومة نهاهم عن ذلك البيع حتى يبلغ الثمرة ولم يحرمه
ولكن فعل ذلك من أجل خصومتهم فتأمل والخلاف في بيع الزرع قبل أن يسنبل مثله في الثمرة قبل الظهور
وأن يكون مقدورا على تسليمه حسا وشرعا فلا يجوز بيع ما لا قدرة للبايع على تسليمه حسا كالآبق مطلقا
وقيده بعضهم بما إذا لم يكن المشتري قادرا على تحصيله إلا مع ضميمة مقدرة لصحيحة رفاعة عن أبي الحسن (ع)
أيصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة وأعطيهم الثمن وأطلبها أنا قال لا يصلح شراؤها إلا أن تشتري
منهم معها ثوبا أو متاعا فتقول لهم أشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا وكذا درهما فإن
ذلك جايز وموثقة سماعة عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يشتري العبد وهو آبق عن أهله قال لا يصلح إلا
أن يشتري معه شيئا آخر ويقول أشتري منك هذا الشئ وعبدك بكذا وكذا فإن لم يقدر على العبد
كان الذي نقده فيما اشترى منه ولا ما لا قدرة له عليه شرعا كالمرهون لأنه وثيقة المرتهن
فلا تخرج من يده وينقطع عنه تسلط المالك إلا إذا كان ذلك بإذن المرتهن لزوال المانع حينئذ
ز أن يكون مقبوضا يدا بيد قبل الافتراق إن كانا معا نقدين حيث يجوز ذلك كما لو باع الذهب
بالفضة فلو افترقا قبل التقابض بطل على المشهور للنصوص المستفيضة وما يخالفها يحتمل التقية
ح أن يكون غير مؤجل إن كانا في الذمة وهو على المشهور بيع الكالئ بالكالئ للنهي عنه في النبوي
العامي والأحوط أن لا يباع الدين بالدين مطلقا سواء كان مؤجلا أم لا وفي الخاصي لا يباع الدين
بالدين وبه فسر بعضهم وإذا كان أحدهما فحسب مؤجلا صح اجماعا لكن لا بد من قبض الآخر في
المجلس إذا كان سلفا كما يأتي ويختص كل منهما بشرط آخر فالمبيع وهو ما يتعدى إليه الفعل
بنفسه بأن يكون مقبوضا لهذا البايع من البايع السابق إن كان ملكه بالبيع وكان مكيلا
أو موزونا مطلقا وبيع ثانيا مرابحة بزيادة عن رأس المال منسوبة إليه أو مواضعة بنقيصة عنه
كذلك دون ما إذا باعه رأسا برأس المسمى بالتولية على المشهور ومنهم من أطلق المنع في التولية أيضا
وخصه بعضهم بالطعام مطلقا وقيل الحنطة والشعير خاصة ومنهم من كره مطلقا ومنشأ ذلك
اختلاف الروايات وجمع بينها بعضهم بكراهة ما عدا التولية وتشديدها في الطعام ومال المصنف
في الوافي والمفاتيح إلى الجمع بتخصيص أخبار الجواز بصورة التوكيل كما تضمنته رواية جميل بن
دراج عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يشتري الطعام ثم يبيعه قبل أن يقبضه قال لا بأس ويوكل الرجل
المشتري منه بقبضه وكيله قال لا بأس بذلك وفي المفاتيح جعله من شروط المالين وهو أجود ولو
ملكه بغير البيع كالميراث والصداق للمرأة ونحوهما جاز مطلقا للأصل وخروجه عن النواهي وكذا لو
كان برا أو متاعا أو غير ذلك من غير المكيل والموزون كما تظافرت به النصوص الصريحة والثمن وهو
ما يتعدى إليه بالباء بأن يكون معلوم الأصل لهما بجميع مشخصاته من نقد وعروض ونوعهما إن كان
مما تختلف فيه الرغبات وحال ومؤجل ومدة الأجل وما سومح به البايع قبل الصفقة وقدر الربح أو
الوضيعة المشروطين لو بيع مرابحة أو مواضعة والظاهر أن التولية كذلك يشترط فيها العلم بالأصل
وإنما أهمله اكتفاء بما سبق من اشتراط المعلومية ولو اكتفى به عما ذكره أيضا لكان أخصر وبالجملة
هو من شروط الثمن دون المبيع إلا بضرب من العناية ويختص النسيئة وهو الثمن المؤجل فعيلة بمعنى المفعول بشرط آخر
هو تعيين الأجل مضبوطا معلوما لهما بما لا يحتمل التقديم والتأخير كقدوم الحاج وادراك الثمرة
وكذا النيروز والمهرجان وعيد الصليب والحنكة وقلنداس والصوم الكبير ونحوها إذا لم يكونا
232

من أهل المعرفة بها ولا فرق بين القريب والبعيد على المشهور خلافا لمن منع أكثر من ثلاث سنين
مطلقا وأقل من ثلاثة أيام في السلم وهو شاذ والسلم وهو المثمن المؤجل مشروط به أيضا وبشروط
خمسة أخر أحدها تسليم الثمن في المجلس قبل الافتراق فيبطل لو أخلا به على المشهور والقول بجواز
القبض إلى ثلاثة شاذ وفي المفاتيح لم يجد لأحد القولين مستندا نعم لا يجوز تأجيل الثمن لئلا يكون
بيع الدين بالدين وثانيها كون المبيع مما يمكن وصفه مضبوطا فيبطل في مثل الجواهر واللئالي الكبار
مما لا ينضبط بالوصف للغرر وثالثها استقصاء الوصف عند الصفقة بحيث لا يبقى مبهما شئ مما يتفاوت
به القيامة تفاوتا لا يتغابن به ولا يقدح التفاوت اليسير المسامح به عادة كما يوجد في أفراد البيض و
الليمو والجوز إذا ذكر أنواعها الخاصة فيمكن الاكتفاء فيها بالعدد أما مثل البطيخ والباذنجان والرمان فلا بد من ضبطها بالوزن ورابعها القدرة على تسليمه في المحل المشروط فلا يصح اسلاف فاكهة الشتاء في
الصيف والصيف في الشتاء والبلاد الغير المعتادة وهذا مما كان يمكن الغنى عنه باشتراط القدرة على
التسليم فيما سبق وخامسها عدم تعليقه بعين مخصوصة كحنطة هذا الزرع وثمرة هذه النخلة إذ
لا يبعد عروض الآفة لهما إلا أن يسند إلى قرية كبيرة أو بستان كبير يبعد إحاطة الآفة بهما على وجه لا
يفي الباقي بالقدر المسلم فيه ولا ينفسح البيع بعد لزومه إلا بالتقايل من الطرفين فيرجع كل من المالين
إلى مالكه بنمائه المتصل دون المنفصل كالولد وإن كان حملا كما قالوه وبأرشه إن عيب سواء كان بفعل
من كان في يده أم لا وإن أحدث أحدهما فيه حدثا فإن كان عينيا رجع به وإن كان فعليا فبقيمته
ولو تلفا أو أحدهما فالرجوع بالمثل إن أمكن وإلا فبالقيمة وقبله ينفسح باختيار من له الخيار و
أقسامه المذكورة هنا سبعة أحدها خيار المجلس وهو يثبت في كل مبيع لكل منهما ما داما مصطحبين
سواء كانا جالسين أو سائرين وإنما يضاف إلى المجلس توسعا والأصل في خيار المجلس ما استفاض في
النبوي وغيره البايعان بالخيار ما لم يفترقان فإذا افترقا وجب البيع وثانيها خيار الحيوان ناطقا كان
أم صامتا ومدته ثلاثة أيام مطلقا مبدءها حين العقد على الأظهر وقيل الافتراق والقول بأن الخيار
في الأمة مدة استبرائها شاذ وهو للمشتري خاصة على المشهور بل نقل عليه الاجماع لمفهوم صحيحة الحلبي
عن أبي عبد الله (ع) الشرط في الحيوان كله ثلاثة أيام للمشتري وهو فيها بالخياران شرط أو لم يشترط و
قيل بل لهما جميعا ومستنده يحتمل التقية وثالثها خيار الشرط وهو ثابت لمن شرط له من المتبايعين
أحدهما أو كليهما أو أجنبي مع ضبط المدة بما يخرجها عن الغرر كما تقدم سواء كانت متصلة بالعقد
أو متراخية عنه ومبدئها حين العقد أو التفرق على الخلاف ورابعها خيار العيب السابق على القبض
وهو للمشتري كما في المفاتيح وغيره مع جهله به حين العقد ويمكن فرضه للبايع أيضا في الثمن المعين المعيب
وهو الناقص عن الخلق الطبيعي الذي جبل عليه النوع أو الزائد عليه ذاتا كان أو صفة أصليا أو عارضيا
بعلاج أو غيره مشروطا انتفاؤه أو مسكوتا عنه وإن زادت بسببه القيامة السوقية مثل خص العبد
وانحسار ركب الأمة كما في حديث ابن أبي ليلى مع محمد بن مسلم واستراتبها كما في رواية داود بن
فرقد ومقتضى ما ذكر كون مثل اللكنة في الكلام والفاقاة والتمتمة واللثغة وزيادة السن أو نقصانه
عيبا في الحيوان يترتب عليه أحكامه سواء كان متفاحشا أم لا وفيه توقف وما الثيوبة فهي
وإن كانت نقصا عن الطبيعي إلا أنه لا يثبت بها خيار ما لم تشترط البكارة لأنها الغالب في الإماء
فكانت بمنزلة الطبيعي فيهن ومنه كون العين مسلوب المنفعة للمتملك ولو في مدة يسيرة بإجارة
وصلح أو ارقاب أو نحو ذلك مما يمنع اطلاق يده فيها كيف شاء فيتخير بعد ظهور الإجارة ونحوها
وإن تطاولت المدة على المعروف من مذهب الأصحاب وإن كان الفور لا يخلو عن وجه وكذا لو ظهرت
متنجسة حيث يتعذر أو يتعسر تطهيرها أو تبعضت الصفقة لظهور بعضها مستحقا للغير أو
اختلال الشرط السايغ الملتزم في متن العقد فيتخير المشروط له مطلقا أو بشرط تعذر الوصول إلى
شرطه أو امتزجت قبل القبض بغيرها حيث يتعذر التمييز فإن ذلك كله مما يوجب التسلط على
الفسخ وكذا الحكم لو ظهرت مدلسة ككون الأمة محمرة الوجه موصولة الشعر أو الشاة مصراة ومنهم
من أفرد بعضها بالذكر وفي صحيحة أبي همام عن الرضا (ع) أن الإباق السابق عيب في المملوك وأنه يرد
من أحداث السنة من الجنون والجذام البرص وفي رواية ابن أسباط زيادة القرن وفي غيرها
الحدبة وخامسها خيار الرؤية للمشتري أولهما في المال المعامل بالوصف المخالف للموصوف عند
انكشاف المخالفة برؤية أو غيرها من طرق العلم وإنما يضاف إلى الرؤية تغليبا لأنها أقواها و
أكثرها شيوعا وفي صحيحة جميل عن أبي عبد الله (ع) فيمن اشترى ضيعة فاستقال صاحبه لو أنه فلت
منها أو نظر إلى تسعة وتسعين ثم بقي منها قطعة ولم يرها لكان له في ذلك خيار الرؤية وألحق به
ما لو عومل برؤية متقادمة العهد فظهر تغيره عما كان عليه إذ ذاك عند العقد بما لا يتسامح
به وكذا لو ظهر كون رأس المال أقل مما ابتنيا عليه حقيقة أو حكما في غير المساومة من أنواع البيع
وقيل يأخذه باسقاط الزيادة وكذا الخلاف لو اشترى الأرض على أنها جربان معينة فكانت أقل
وفي رواية عمر بن حنظلة عنه (ع) إن شاء استرجع فضل ماله وأخذ الأرض وإن شاء رد البيع و
أخذ ماله كله إلا أن يكون إلى جنب تلك الأرض له أيضا أرضون فليوفه ويكون البيع لازما له هذا كله
في ظهور النقيصة ولو ظهرت الزيادة كان الخيار للمالك والظاهر أن هذا الخيار على الفور كما في المفاتيح
وسادسها خيار الغبن للمغبون منهما إذا لم يكن من أهل الخبرة وغبن بما لم تجر العادة بالتغابن به
كما لو باع ما يسوى وقت العقد مائة بخمسين أو اشترى ما يسوى خمسين بمائة لعمومات وجوب
العدل ونفي الضرار وعن أبي عبد الله (ع) غبن المسترسل سحت ولا ذكر له في الأخبار بخصوصه إلا
233

ما في حديث تلقي الركبان ومخيرهم إذا غبنوا ومن ثم لم يذكره القدماء وهل هو على الفور أو التراخي
قولان وفي المفاتيح مال إلى الأول ولا يثبت به أرش بلا خلاف لكن لو بذله الغابن احتمل سقوط خيار
المغبون لزوال الضرر عنه بذلك وهو الأصل في اثباته والمشهور بين مثبتيه بقاؤه نعم لو تراضيا على
كون التفاوت في مقابلة الفسخ صح وكان معاوضة أخرى وسابعها خيار التأخير للبايع بعد مضي
ثلاثة أيام من العقد أو الافتراق إذا لم يقع التقابض ولا اشترطا في العقد تأخيره فيتخير حيث يصح بين
الفسخ والانتظار بالاجماع وفي الصحيح عن أبي جعفر (ع) في الرجل يشتري من الرجل المتاع ثم يدعه عنده يقول
حتى آتيك بثمنه قال إن جاء بثمنه فيما بينه وبين ثلاثة أيام وإلا فلا بيع له وخصه في الوافي بغير الجواري
فإن المدة فيها شهر لمرسلة ابن رباط عن أبي عبد الله (ع) فيمن اشترى جارية وقال للبايع أجيئك بالثمن
فإن جاء فيما بينه وبين شهر وإلا فلا بيع له ومثلها رواية علي بن يقطين عن أبي الحسن (ع) وبعد مضي
اليوم فيما يفسد بالمبيت ففي تتمة المرسلة العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول والبطيخ والفواكه
يوم إلى الليل وفيها إيماء إلى أن المراد بالفساد نقص الوصف وفوات الرغبة وإن لم يخرج عن المالية
وهل يلحق به فوات السوق فيه اشكال ولو كان مما يتسارع إليه الفساد قبل الليل فالذي قربه الشهيد
في الدروس ثبوت الخيار عند خوف الفساد وتسقط الأربعة الأول بالاسقاط في متن العقد أو بعده
كأن يقول من له الخيار أوجبت البيع واخترت امضائه وأسقطت الخيار ونحو ذلك ولو قال البايع تبرأت
من العيوب فقبل المشتري كان اسقاطا وإن كانت مجهولة لهما أو لأحدهما فيلزمه البيع وكذا التصرف من
كل منهما فيما صار إليه من العوض يسقطها من المتصرف لأنه إجارة ورضى سواء كان ناقلا أم لا فإن كان
في الثمن سقط خيار البايع ما لم يكن مشروطا عدم سقوطه بذلك وإن كان في المثمن سقط خيار
المشتري كذلك وفي صحيحة ابن رئاب عن أبي عبد الله (ع) في خيار الحيوان فإن أحدث المشتري فيما اشترى
حدثا قبل الثلاثة الأيام فذلك رضى منه ولا شرط له قيل وما الحدث قال إن لامس أو قبل أو نظر منها إلى
ما كان محرما عليه قبل الشراء ويسقط الرابع بحدوث عيب آخر في المبيع بعد القبض أيضا من جهة
المشتري أو غيره فإنه يمنع الرد بالعيب السابق لئلا يتضرر البايع بالتزام العيب المتجدد في ملك المشتري
فيثبت له الأرش الأول خاصة جمعا بين الحقين إلا أن يكون المبيع حيوانا وحدث فيه العيب في الأيام
الثلاثة من غير جهة المشتري فإنه لا يمنع من الرد ولا أرش لأنه مضمون على البايع ومن ثم يغرم
تلفه كما يأتي وكذا إن كان العيب حبلا في الأمة والتصرف الواقع من المشتري وطيا لم يمنع عن الرد
بعيب الحبل وإن كان الوطي تصرفا مانعا عن الرد بغيره من العيوب فيثبت الأرش خاصة كما في غيره من
التصرفات وإنما يستثنى وطي الحبلى بالنصوص الصحيحة ففي صحيحة ابن سنان عنه (ع) في رجل اشترى جارية
حبلى ولم يعلم بحبلها فوطئها قال يردها على الذي ابتاعها منه ويرد معها نصف عشر قيمتها لنكاحه
إياها قال الكليني وفي رواية أخرى إن كانت بكرا فعشر ثمنها وإن لم تكن بكرا فنصف عشر ثمنها و
عليه تحمل رواية عبد الملك بالعشر ولا يمتنع اجتماع الحبل والبكارة لامكان حصوله بالمساحقة وبالوطي
فيما دون الفرج وإن كان نادرا ومن ثم لم يلتفت إليها المصنف هنا ولا يسقط الخامس بالاسقاط وفي
المفاتيح أنه يسقط بالشرط وما هنا أثبت لعظم الغرر في غير المرئي ولا السادس بالتصرف من المغبون
بايعا كان أو مشتريا إذا لم يخرج المبيع عن الملك بالبيع أو العتق مثلا أو يمنع مانع شرعي عن رده
ولو كان باقيا في ملكه كالاستيلاد في الأمة والأخيران يسقطان بالأخيرين الاخراج عن الملك و
طريان المانع على المشهور لكن في بعض الصور يتضرر ذو الخيار بما لا ينجبر إلا باعتبار المثل أو القيامة
أو الأرش مع اعواز النص بل القائل فليستبرئ الذمة وليؤخذ باليقين ويسقط الأخير بالاسقاط
أيضا كما في المفاتيح وكله ينتقل إلى الوارث لأنه من الحقوق وتملك المشتري لا يتوقف على انقضاء
مدة الخيار على المشهور خلافا لابن الجنيد مطلقا وللشيخ مقيدا بما إذا كان للبايع أو لهما ويتفرع
على المشهور كون النماء الحاصل من المبيع في زمان الخيار للمشتري لأنه نماء ملكه إن انفسخ العقد بعد
ذلك لأنه نقل جديد لا رجوع إلى الملك الأول وفي موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) فيمن باع داره
واشترط خيار سنة قال لا بأس قلت لمن تكون الغلة قال الغلة للمشتري ألا ترى أنها لو احترقت لكانت
من ماله والتلف من غير تفريط ممن لا خيار له فيغرم لذي الخيار لو فسخ مثل المبيع أو قيمته وفي
صحيحة ابن سنان عنه (ع) في الرجل يشتري الدابة أو العبد ويشترط إلى يوم أو يومين فيموت العبد أو الدابة
أو يحدث فيه حدث على من ضمان ذلك فقال على البايع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام ويصير المبيع
للمشتري شرط البايع أو لم يشترط وإن كان بينهما شرط أيام معدودة فهلك في يد المشتري قبل أن يمضي
الشرط فهو من مال البايع وفي رواية يستحلف بالله ما رضيه ثم هو برئ من الضمان ولو كان
الخيار لهما شرعا أو شرطا فمن المشتري المستحق للغلة خلافا لمن جعله من البايع وتلفه قبل القبض عليه
من البايع مطلقا سواء كان فيه خيار لهما أو لأحدهما مطلقا أم لا فينفسخ العقد من حين التلف و
يرجع الثمن إلى ملك المشتري ولو تجدد للمبيع نماء بعد العقد قبل التلف كان له وفي رواية عقبة بن
خالد عنه (ع) في رجل اشترى متاعا من رجل وأوجبه له غير أنه ترك المتاع عنده ولم يقبضه وقال آتيك
غدا انشاء الله فسرق المتاع من مال من يكون قال من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى
يقبض المتاع ويخرجه من بيته فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد ماله إليه
باب الربا بالمقصورة مقلوبة عن الواو لتطرفها وانفتاح ما قبلها وربما يكتب بالواو أيضا تبعا
لرسم المصاحف وهي في اللغة الزيادة وفي الشرع معاملة تشتمل على زيادة في أحد العوضين على وجه
مخصوص بيعا كانت أو غيره على الأحوط خلافا لمن خصها به وربما تطلق على نفس تلك الزيادة وتحريمها
234

في الجملة من ضروريات الدين وإنما تحرم في المتجانسين من مكيل أو موزون في عهد الشارع إن علم
حاله إذ ذاك كالأجناس الأربعة الحنطة والشعير والتمر والملح أو في عادة البلدان جهل بزيادة معلومة
في مقدار أحدهما وإن كانت حكمية كحال بمؤجل فإن الحال يزيد على المؤجل حكما كما تقدم أو مع ابهام
قدره وإن كان باختلافهما رطبا ويابسا كالتمر بالرطب وهما قيدان أحدهما كونها مقدرين بالكيل أو
الوزن فلا ضير في الزيادة في غيرهما وفي الصحيح والموثق لا يكون الربا إلا فيما يكال أو يوزن وعليه الأكثر
والأحوط اجتنابها في المعدود أيضا خروجا عن خلاف من أثبتها فيه والمشهور حمل مستنده على الكراهة
جمعا وفي النسيئة أشد كراهة لمفهوم صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) البعير بالبعيرين والدابة بالدابتين
يدا بيد ليس به بأس والآخر اتحاد الجنس وهو الاشتراك في الحقيقة النوعية المنطقية كالحمراء والصفراء
في الحنطة ولا يختلف الجنس باختلاف العوارض الخارجة عن الحقيقة كما لا يختلف الجنس الرومي الأبيض
والزنجي الأسود فالدقيق أي دقيق الحنطة وحب الحنطة وخبزها من جنس واحد وهو الحقيقة الموضوع
بإزائها اسم الحنطة وما يرادفها وكذا كل أصل وفرعه كما نصوا عليه وإن اختص أحدهما بوصف مالي
لأنه غير ملتفت إليه في الباب تشديدا في الأمر مثل التمر ودبسه وخله والسمسم ودهنه وشيرجه
والعنب والزبيب واللبن الرائب والمخيض والحليب والزبد والسمن إلا أن ما ذكروه في ضابط
الجنس من شمول اللفظ الخاص لا ينطوي على هذا المقدار من التعميم وفي استفادة ذلك من الروايات
أيضا خفاء نعم هي ظاهرة الدلالة في اتحاد الجيد والردي من كل جنس وإن تفاوتت فيها الرغبات
وفايدة الفذلكة التنصيص على اتحاد المذكورات حيث إنها من أغلب الأجناس شيوعا وأكثرها حاجة
ليترتب عليه حكمه من عدم جواز بيعهما متفاضلا وجوازه متساويا لكن هذه الفايدة منتفية في
العنب والزبيب عند المصنف ومن وافقه في المنع عن معاوضة رطب أحد المتماثلين بيابسه
مطلقا لصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) لا يصلح التمر اليابس بالرطب من أجل أن اليابس يابس و
الرطب رطب فإذا يبس نقص وفي معناها غيرها واختصاص موردها بالرطب والتمر غير مضر
عندهم لأن الغلة منصوصة وإنما تتحقق عند المقتصرين على المنصوص حيث جوزوا متساويا
في غيره كالعنب والزبيب واللبن والأقط ومنهم من جوز التساوي في الجميع كما في موثقة سماعة عنه (ع)
في بيع العنب بالزبيب قال لا يصلح إلا مثلا بمثل والتمر بالرطب مثلا بمثل وفي رواية أبي الربيع
في التمر والبسر الأحمر مثلا بمثل قال لا بأس والفختج والعنب مثلا بمثل لا بأس وما التفاضل ففي
المفاتيح أنه لم يجوزه أحد وإن كان الفضل في جانب الرطب لابهامه والخلول تابعة لأصولها
فخل العنب مخالف لخل التمر وعلى هذا القياس وحكم الحنطة والشعير في هذا الباب حكم جنس واحد فلا يجوز
مبادلتهما إلا مثلا بمثل لأن أصل الشعير من الحنطة كما في النصوص المستفيضة وإن اختلفا في باب الزكاة
وغيرها أو المراد اختلافهما صورة وشكلا ولونا وطعما واسما وادراكا وحسا كما استند إليه بعض
القدماء في تجويزه المفاضلة بينهما وهو شاذ وقد نقل الشيخ على خلافه الاجماع وتختلف أجناس اللحوم
والألبان باختلاف أسماء الحيوانات المضافة إليها فلحم البقر مع لحم الغنم جنسان لأنهما جنسان
ومع لحم الجاموس واحد لدخوله تحت البقرة لغة وإن خرج عنه عرفا ولولا ما نقله في المفاتيح من الاجماع
لكان تقديم العرف أولى عملا بالقاعدة وكذلك اللبن يختلف من البقر والغنم بخلاف البقر والجاموس
وكل نوع من أنواع الحيوان ولحمه واحد على المشهور فلا يجوز التفاضل في لحم الغنم بالشاة خلافا
لابن إدريس لأن الحيوان غير مقدر بأحد الأمرين وقواه المصنف في المفاتيح وقبله الشهيد الثاني
بشرط كونه حيا وإلا فالمنع أقوى والظاهر أنه موضع النزاع وفي موثقة غياث بن إبراهيم أن
أمير المؤمنين (ع) كره اللحم بالحيوان وفي صحيحة سيف التمار ولم يكن علي (ع) يكره الحلال فليؤخذ فيه
باليقين والاحتياط ومع الاختلاف في الجنسين الربويين كالحنطة بالتمر جاز التفاضل يدا بيد
اجماعا كما في شرح اللمعة وغيره وأما نسية فالأكثر على الجواز أيضا والأحوط اجتنابه خروجا عن
خلاف الشيخ لرواية زياد بن أبي غياث عن أبي عبد الله (ع) ما كان من طعام مختلف أو متاع أو
شئ من الأشياء متفاضلا فلا بأس به مثلين بمثل يدا بيد فأما نسية فلا يصلح وفي معناها غيرها و
حملت في المشهور على الكراهة ولا ربا بين والد وولده فيجوز لكل منهما أخذ الفضل مطلقا على المشهور
خلافا لمن خصه بالوالد دون الولد واشترط أن لا يكون للولد وارث ولا عليه دين وهو محجوج باطلاق
الروايات ليس بين الرجل وولده ربا وفي انسحاب الحكم إلى الأم والرضاعي وولد الولد ثم ولد البنت
خروج عن اليقين وإن كان الأخيران لا يخلوان من قوة ولا بين زوج مع زوجته كما في مرسلة الفقيه
وهي تشمل الدائمة والمنقطعة ومنهم من خص بالأول وفي رواية زرارة بين أهله وهو أوضح عموما
ولا مسلم مع حربي ففي النبوي ليس بيننا وبين أهل حربنا ربا نأخذ منهم ألف درهم بدرهم ونأخذ
منهم ولا نعطيهم وفي المرسلة ليس بين المسلم والذمي ربا وبمضمونها أفتى السيد والصدوق بشرط أن يكون هو الباذل وبإزائها ما في رواية زرارة قلت المشركون بيني وبينهم ربا قال نعم والمشهور
حمل المشرك على الذمي والذمي على الحربي بخروجه عن شرايط الذمة وإنما لم يذكر السيد مع عبده
لانتفاء جدواه على أصله من أن العبد لا يملك وإنما أورده في المفاتيح تبعا للجماعة ولو رده في
الروايات واعلم أن ظاهر النصوص والفتاوي في أنه لا ربا بين المذكورين جواز أخذ الزيادة إذا
بذلها الباذل واستباحتها والتصرف فيها على حد غيرها من المتملكات التي يسوغ التصرف فيها كيف
شاء أما حصول الملك المستقر البات بذلك بحيث لا يجوز للباذل الرجوع فيها ما دامت العين
باقية فغير ظاهر منها ويقوى الاشكال فيما لو تشارطا بالزيادة ثم لم يف بها المشترط فهل تشتغل
235

ذمته بذلك ويكون دينا عليه بحيث يجوز للمشروط له مطالبته ومقاصته به على حد سائر الحقوق
الثابتة في الذمم لا يحضرني الآن كلام منقح لهم في ذلك وعموم المؤمنون عند شروطهم ونحوه من
العمومات بحيث يشمل ما نحن بصدده غير واضح فالاحتياط لا يترك سيما بعد ملاحظة ما
ورد في أمر الربا من التشديد مما سبق وغيره ومن تاب منه وانتهى فله ما سلف ففي الصحيح أنه
دخل رجل على أبي جعفر (ع) من أهل خراسان قد عمل بالربا حتى كثر ماله ثم إنه سأل الفقهاء فقالوا ليس
يقبل منك شئ إلا أن ترده إلى أصحابه فجاء إلى أبي جعفر (ع) فقص عليه قصته فقال له أبو جعفر (ع) مخرجك
من كتاب الله فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله والموعظة التوبة و
تفسير الموعظة بالتوبة مستفيض في الروايات وبعضها ظاهرة في اختصاص العفو بصورة الجهل
بالتحريم وقيد في بعضها بما إذا اختلط مال الربا بساير أمواله بحيث يتعذر التمييز أما إذا كان
معلوما بعينه فإنه يجب رده إلى أربابه كما أفتى به الفقهاء فيكون انكاره عليه السلام عليهم كما هو
الظاهر بسبب تعميمهم في ايجاب الرد لكون السائل جاهلا ولا يأخذ التائب من الباقي إلا رأس ماله كما
في الآية الكريمة وإن تبتم فلكم رؤس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وقد يحتال للتخلص عن الربا بأن يبيع
أحد المتبايعين سلعته من صاحبه بجنس غيرها ثم يشتري الأخرى بالثمن فيسقط اعتبار المساواة
وكذا لو وهبه سلعته ثم وهبه الآخر وأقرضه هو وتبارئا أو تبايعا ووهبه الزيادة أو نحو ذلك
ولكن من غير شرط في الكل ولا يقدح في ذلك كون هذه الأمور غير مقصودة بالذات والعقود تابعة
للقصود لأن القصد إلى عقد صحيح وغاية صحيحة كاف في ذلك ولا يشترط فيه قصد جميع الغايات المترتبة
عليه فإن شراء الدار المتواجر والتكسب مثلا كاف في صحته وإن كان له غايات أخر أقوى وأظهر في نظر
العقلاء كالسكنى وقد وردت النصوص بجواز هذه الحيلة وأمثالها بالخصوص وفي صحيحة عبد الرحمن
بن الحجاج فيمن اشترى ألف درهم ودينارا بألفي درهم أنه لا بأس بذلك وأن أهل المدينة يقولون
إنه الفرار ونعم الشئ الفرار من الحرام إلى الحلال وفي أخرى أنه فرار من باطل إلى حق ومع ذلك كله
فمنافاته لكمال الورع معلومة مما تقدم سيما بعد ملاحظة حديث استحلال الربا بالبيع فتذكر
باب الشفعة بضم الفاء من شفعه كمنعه إذا قواه وأيده ومنه الشفاعة ثم نقل في العرف العام إلى معنى
الضم والجمع لتقوى كل من المجتمعين بالآخر ومنه سمي الزوج شفعا وإلى معنى الزيادة كما قيل في قوله
سبحانه من يشفع شفاعة حسنة أي زاد عملا إلى عمل لانضمام المزيد إلى المزيد فيه وفي الخاص إلى
حق تملك الشقص قهرا على الشريك المتجدد فإن المستحق يضم شقصه إلى شقصه ويزيده فيه والأصل
فيها ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قضى بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن وقال لا ضرر ولا ضرار
وإنما يثبت يقينا في العقار المشترك بالفعل أصله أو مجازه أو شربه بكسر الشين وهو الماء والحظ
منه والمورد ووقت الشرب بين اثنين إذا باع أحدهما حصته منه لآخر فعلم به الشريك بعد ذلك
فإن له حينئذ التسلط على استخلاص المبيع لنفسه فورا وفي توقفه على انقضاء خيار البايع قولان
ولا تثبت بالجوار بلا خلاف منا ولا في المقسوم على المشهور للنصوص المستفيضة وتسقط بتأخير
مطالبتها من غير عذر عند الأكثر بل نقل عليه الاجماع خلافا لمن جعلها على التراخي ولم يسقطها إلا
بالتصريح مدعيا عليه الاجماع أيضا ولو ادعى العذر ففي تصديقه بغير يمين أو معها أو مع البينة أو
يكلف أولا البينة فإن عجز أحلف أو الرجوع إلى القرائن احتمالات وكذا الخلاف في سقوطها بعفوه
عنها قبل البيع أو إذنه للمشتري في الابتياع أو مباركته له أو للبايع والذي اختاره في المفاتيح عدم
سقوطها إلا بالتصريح به بعد ثبوتها أو اخلاله بالفورية وإنما تثبت للشريك حيث تثبت بشرط اسلامه
إذا كان المشتري مسلما لأنه تسلط قهري كما علمت ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا
ولا يشترط مع كفره بالاجماع واطلاق روايتي طلحة بن زيد والسكوني ليس لليهودي وإلا النصراني
شفعة مقيد به وبشرط قدرته على نقد الثمن بالفعل أو بالقوة ولو بالاقتراض غير مماطل ولا هارب
فيسقط حقه حينئذ فإن ادعي غيبته في بلد الواقعة أجل ثلاثة أيام فإن لم يحضره بطلت وإن
افتقر إلى نقله من بلد آخر زيد عليها زمان النقل ذهابا وإيابا كما في صحيحة علي بن مهزيار عن أبي جعفر الثاني (ع)
في رجل طلب شفعة أرض فذهب على أن يحضر المال فلم ينض فكيف يصنع صاحب الأرض إذا أراد بيعها
أيبيعها أو ينتظر مجئ شريكه صاحب الشفعة قال إن كان معه بالمصر فلينتظر به ثلاثة أيام فإن أتاه
بالمال وإلا فليبع وبطلت شفعته في الأرض وإن طلب الأجل إلى أن يحمل المال من بلد آخر فلينتظر به
مقدار ما يسافر الرجل إلى تلك البلدة وينصرف وزيادة ثلاثة أيام إذا قدم فإن واتاه وإلا فلا
شفعة له وربما تقيد بما إذا لم يستلزم ذلك تأخيرا كثيرا كالبصرة من الشام ونحوه حذرا من
الضرار على المشتري وهو الأصل في اثباتها كما تقدم والمراد بالثمن هو ما عقد عليه البيع خاصة
دون ما يتبعه من أجرة الدلال والوزان ونحوها كما صرحوا به سواء كان مساويا للقيمة السوقية
أم لا فيدفع الشفيع إن شاء مثله إن كان مثليا وإلا فقيمته يوم العقد على المشهور إلى المشتري
ويأخذ المبيع وقيل بل المعتبر وقت الأخذ وقيل أعلى القيم بينهما كالغاصب وهما شاذان ومنهم من
أسقط الشفعة هنا لتعذر الأخذ بالثمن وفي مستنده قصور وليس له تبعيضه عليه بل إما أن يأخذ
الجميع أو يدع لما مر واختلف في اجرائها في غير العقار من المشتركات فالعلامة في المختلف أثبتها
في العبد دون غيره من الحيوان المنقول لصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) في المملوك بين شركاء فيبيع
أحدهم نصيبه ويقول صاحبه أنا أحق به أله ذلك قال نعم إذا كان واحدا فقيل له في الحيوان شفعة
قال لا وأكثر القدماء على ثبوتها في مطلق الحيوان عبدا أو غيره بل كل مبيع منقولا أو غيره لعموم ما
236

يدل على الشفعة فيما لم تقسم وخصوص مرسلة يونس عنه (ع) الشفعة جايزة في كل شئ من حيوان أو
أرض أو متاع إذا كان الشئ بين شريكين لا غيرهما إذا باع أحدهما نصيبه فشريكه أحق به من غيره
وإن زاد على الاثنين فلا شفعة لأحد منهم ويعارضها الصحيحة وما في معناها من نفيها في الحيوان
ومرسلة الكافي أن الشفعة لا تكن إلا في الأرضين والدور فقط وكذا الخلاف في ثبوتها في المنتقل
بغير البيع من العقود الناقلة كما لو جعله صدقة أو صداقا أو هبة أو صلحا فنفاها الأكثر اقتصارا
فيما خالف الأصل على موضع الدلالة وأثبتها ابن الجنيد لعدم دليل على التخصيص مع اشتراك الجميع في
الحكمة الباعثة وهو دفع الضرر عن الشريك وتضمن النصوص ذكر البيع لا ينافي ثبوتها بغيره وقواه
في المفاتيح إن خصها بالمعاوضات المحضة ثم استدل بما تضمن نفيها عن المنقول بالصداق وهي
رواية أبي بصير عن أبي جعفر (ع) في رجل تزوج امرأة على بيت في دار له وله في تلك الدار شركاء قال جايز
له ولها ولا شفعة لأحد من الشركاء عليها وفيه أنها ظاهرة في اختصاص البيت وتعدد الشركاء
فلا دلالة فيها إلا على انتفاءها بالجوار مع التعدد وهو غير المطلوب والقول بثبوتها لغير الواحد محكي
عن ابن الجنيد أيضا وله بعض الظواهر الواردة بلفظ القوم والشركاء ووافقه الصدوق في الفقيه في
غير الحيوان خاصة إلا أن ابن الجنيد جعلها على قدر السهام وجوزها على عدد الرؤس واقتصر
الصدوق على الأخير خاصة وهو الموافق لما يعزى إلى الشعبي وكذا جملة ما يدل على ثبوتها في غير العقار
المبيع متوافقة لما يحكى من أقاويلهم فيمكن حملها على التقية أو تكون محمولة على وجه الاستحباب والاستصلاح
كما احتمله المصنف في بعضها في الوافي فالأخذ بها خروج عن اليقين كما أن اطراحها كذلك وإن كان المشهور
في الجميع أقوى وفي الكلام إيماء إليه أما اشتراط قبوله للقسمة الاجبارية كما عليه أكثر المتأخرين لرواية
السكوني لا شفعة في سفينة ولا في نهر ولا في طريق فلا وجه له لقصورها سندا ودلالة وموافقتها لمذهب
القوم والراوي منهم فلا يعارض بها العمومات المثبتة ومن ثم لم يشترطه أكثر المتقدمين بل الوجه اشتراط
عدمه عقلا إذ الضرر في قابل القسمة يندفع بها وهو الوجه في اثباتها فلا مقتضي لثبوتها فيه ولقد كان
الوجه تقديم القيد على الخبر سواء اعتبر بنزع الخافض أو مفعولا مطلقا ويتخلص من الشفعة بأن يبيع
الشقص المشفوع بزيادة عن الثمن أضعافا مضاعفة ويأخذ عرضا قيمته مثل الثمن الذي تراضيا عليه
عوضا عن القدر المجعول ثمنا فإن أخذ الشفيع بالشفعة لزمه الثمن الذي تضمنه العقد لا قيمة العرض
أو يبيعه بثمن زائد ويقبض بعضه ويبرئه من الباقي أو يبيعه بثمن قيمي ويبادر إلى اتلافه قبل العلم
بقيمته أو ينقله بغير البيع على المشهور كما تقدم
باب الشركة بفتح الشين وكسر الراء أو بالكسر فالسكون وهي
اجتماع حقوق المستحقين في شئ واحد على سبيل الشياع متساوية أو متفاوتة وإنما تحقق بعدم الامتياز
بينها في عين كانت كدار أو ضيعة أو في دين كقرض أو ثمن مبيع أو سلم أو نحو ذلك أو منفعة كسكنى دار
أو زراعة أرض أو غيرها من الحقوق كشفعة أو رهن أو خيار أو حد ونحوها فإنها أيضا من مواضع الشركة
وإن كانت غير مقصودة بالبيان هنا ومن ثم اهملها المصنف بالإرث حصلت الشركة بأن ورثا دارا
مملوكة أو مستأجرة لمورثهما أو مالا له في ذمة غريمه أو الحيازة بأن تعاونا في نصب الحبال واقتناص الصيد
المباح مثلا أو المزج بين ماليهما بحيث لا يتميزان فإن تميزا فلا شركة وإن عسر تخليص أحدهما من الآخر كالحنطة
بالشعير وهذا السبب قد يكون اختياريا كالثاني وغير اختياري كالأول أو العقد بأن اشتريا ضيعة أو استأجراها
بعقد واحد أو عقدين مثلا وبعد تحقق الشركة لا يجوز لأحدهما التصرف في المشترك إلا بإذن صاحبه
فإن كل جزء من أجزائه وإن قل مما تعلق حقه به وتوقف التصرف في حق الغير على إذنه من الضروريات
إلا إذا منعه من الانتفاع به بما لا يضره إذ لا ضرر ولا ضرار ومن الإذن انشاء عقد الشركة بينهما فإن
ثمرته جواز تصرف المالكين في المال المشترك والتعاون في التجارة وطلب الرزق واكتساب المعيشة و
ابتغاء الفضل كما أمر الله سبحانه وهي الموسومة بالعنانية فما ربحا في ماليهما بعملهما فهو لهما وما خسرا فعليهما
ويوزع الربح والخسران على قدر المالين متساويين أو متفاوتين إلا أن يشترط زيادة لأحدهما فيتبع
الشرط مطلقا وفاقا للعلامة والسيد مدعيا عليه الاجماع عملا بعمومات الوفاء بالعقود والشروط وبناء الشركة
على الارفاق ومنه موضع البحث وقيل بل يبطل الشرط والزيادة إباحة يجوز الرجوع فيها ما دامت العين
باقية ومنهم من ذهب إلى بطلان العقد أيضا تبعا لبطلان الشرط لأن الزيادة أكل مال بالباطل إذ ليس
في مقابلها عوض وهو إنما يتم مع عدم زيادة عمل من المشروط له الزيادة ومن ثم استوجه بعضهم التفصيل
والجواز حينئذ وحق المشاركة أن تكون مع من أقبل عليه الرزق فعن أمير المؤمنين (ع) شاركوا الذي
قد أقبل عليه الرزق فإنه أخلق للغنى وأجدر باقبال الحظ وتكره مع الكفار فإنها ربما تنجر إلى الركون
إليهم ولأن أموالهم ليست بطيبة يبيعون الخمر ويتعاملون بالربا وفي صحيحة ابن رئاب لا ينبغي للرجل
المسلم أن يشارك الذمي ولا يبضعه بضاعة ولا يودعه وديعة ولا يصافيه المودة وعن أمير المؤمنين (ع)
أنه كره مشاركة اليهودي والنصراني والمجوسي إلا أن تكون تجارة حاضرة لا يغيب عنها المسلم ولا تصح
المشاركة مع الأبدان بأن يكون بينهما ما يكسبان بأيديهما اختلف كسبهما كأن يكون أحدهما خياطا
والآخر نجارا أو اتفق لامتياز كل واحد ببدنه فيختص بمنافعه كما لو اشتركا في مالين متميزين ولا
بالمفاوضة بأن يكون بينهما كل ما يملكانه بالفعل وما يتجدد لهما من بعد من غنم وكل ما يلزم عليهما
من غرم فيتساهما ما يحصل لكل منهما من ميراث ونحلة ولقطة وغير ذلك وما يغرمه من أرش
جناية وضمان متكف ومصانعة ظالم ونحوها ومالاهما ممتازان فيكونا قد اشتركا بعقد لفظي
لا غير وهو مما لا يثمر الشركة الشرعية بوجه لأنها لا تتحقق إلا بسلب الامتياز كما مر ولو مزجاهما
صحت الشركة على وجه آخر وهو اشتراكهما في الربح والخسار فيما يتعلق بعملهما بالمال إن كان من أهله
237

دون المفاوضة بالتفسير المذكور فإنها لا تكاد يفرض لها وجه صحة فكان الأولى حذف القيد كما في
المفاتيح وغيره ولا بالوجوه بأن يكون لأحدهما دون الآخر شوكة وجاه عند الناس فيتشاركان على
أن يكون من جهته التنفيذ ومن صاحبه الخامل العمل والربح بينهما أو يكون العمل منهما جميعا ورأس
المال من الخامل أو يشتري الوجيه في الذمة ويفوض بيعه إلى الخامل أو يبيع الوجيه مال الخامل
بزيادة ربح ليكون بعض الربح له أو يكون العمل من الوجيه والمال من الخامل ويكون المال في يده
لا يسلمه إلى الوجيه أو أن يشترك وجيهان من غير مال ليشتريا في الذمة نسية على أن ما يبتاعه
كل منهما يكون بينهما فيبيعان ويؤديان الأثمان ويتقاسمان الفضل ولو تشاركا في الابتياع صحت و
خرجت عن شركة الوجوه بوجوهها وعلى ما عدا الأخير ففي الإضافة تغليب وتفسير المتن غريبان و
هي باطلة بجميع تفاسيرها لا تثمر اشتراكا شرعيا وكذا اللتان قبلها أعني شركة الأبدان والمفاوضة بل
لكل نفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت إلا إذا تتاركا وتحاللا في الثلاثة بإباحة أو ابراء أو تواهبا
أو اصطلحا بمال أو غيره حيث يصح وحينئذ تخرج عن موضوع البحث أو لم يأخذا باليقين فإن المشهور
بين الأصحاب بطلان الجميع وإن كانت النصوص قاصرة عن إفادته والعمومات من الطرفين متعارضة
فالمانع مفقود كما أن المقتضي كذلك وابتناء الشركة على الارفاق إن سلم رجح به جانب الصحة فليؤخذ
باليقين ثم إن الشركة مطلقا ليست لازمة على أحد من الشركاء بل هي جايزة من الطرفين يجوز لكل منهما
فسخها متى شاء لأن الناس مسلطون على أموالهم والاستبداد بالتصرف أكمل نفعا وأتم فائدة فمست
الحاجة إلى تسويغ القسمة وتوزيع المال المشترك على ملاكه بقدر سهامهم فلا يخلو إما أن يمكن تعديله
عليها من غير رد أي دفع عوض خارج عنه من أحد الجانبين أم لا وتسمى الردية وأيضا إما أن يتضمن
التقسيم ضررا أي نقصانا في قيمة كل سهم مطلقا أو متفاحشا أو فوات الانتفاع به مطلقا أو على الوجه
الذي كان مع الشركة على أقوال أوضحها الثاني أم لا والأول إما أن يكون فيهما معا أو في أحدهما خاصة
فمجموع فروض المسألة ستة وجملة أحكامها أنه إن أريدت القسمة ولم يكن في تعديله رد ولا ضرر
على أحدهما وجب القبول كالحبوب والأدهان المتماثلة والدار المتوافقة الأبنية والأرض المتشابهة الأجزاء
وكذا الدار المتخالفة الأبنية والأرض الغير المتشابهة الأجزاء عند المصنف ومن وافقه إذا أمكن تعديلها
بالقيمة وإن امتنع أجبر الممتنع وهي الاجبارية وإن تضمن أحدهما إما الرد أو ضرر الممتنع خاصة أو
كليهما لم يجبر وتوقفت القسمة على التراضي كما في الجوهر والسيف ونحوهما إذ الرد أخذا أو اعطاء معاوضة
محضة فلا تصح بدونه والضرر منفي بما تقدم وإن اختص الضرر بأحدهما أجبر الآخر دونه والمجبر هو
الحاكم الشرعي ومع تعذره ففي جواز استبداد الشريك بها وجه مال إليه الشهيد الثاني ولا تجوز القسمة
بدون القرعة إلا مع التراضي وفاقا للقواعد واللمعة ردية كانت أو غيرها وصورة القرعة أن تعدل
السهام أولا إن كانت متساوية بالأجزاء أو القيمة ثم تكتب أسماؤها أو أسماؤهم في رقاع وتجعل في ساتر
ويؤمر جاهل باخراجها عليهم في الأول وعليها في الثاني وإن تفاضلت عدلت على مخرج الكسور المفروضة
وهو قد يتوافق مع مخرج النصيب الأقل كما لو كانت الأنصباء نصفا وثلثا وسدسا فيعدل على الستة و
قد يتخالف كما لو كانت ثلثا وسدسا وربعا فيضرب وفق أحد مخرجي الربع والسدس في الآخر فيحصل
اثنا عشر ويعدل عليه ثم تجعل الرقاع بعدد الشركاء أو عدد السهام والأول أشهر فتخرج على السهام ويجعل
لها أول وثان وهكذا إلى الآخر يعينها القسام أو المتقاسمون فكل ما خرج له اسم أحد من الشركاء فهو له و
إن كان سهمه أزيد تبعه ما يليه من السهام حتى يستوفى نصيبه حذرا من الضرار بالتفريق والقرعة
بالرقاع هو المنصوص المشهور ومال في المفاتيح إلى جوازها بكل ما يحصل به الغرض من الأقلام والورق
والنوى والحصى والبعر وما يجري مجراها وفي اشتراط رضاهم بعد القرعة في لزومها مطلقا أو في الردية خاصة
إذا كانوا هم المتولين لها دون القسام خلاف والعمومات مع الثاني
باب القراض بكسر الفاء
مصدر قارض وهو أن يدفع إلى غيره مالا ليتجر به بحصة من ربحه والمالك مقارض بكسر العين والعامل
مقارض بفتحها من القرض وهو القطع فإن المالك اقتطع من ماله أو ربحه قطعة للعامل أو من
المقارضة وهي المساواة لتساويهما في قوام العقد أو استحقاق الربح وهو لغة حجازية وأهل العراق
يسمونه المضاربة لاشتمالها على الضرب في الأرض أي المسافرة فيها أو ضرب المال وتقليبه أو ضرب
كل منهما بسهم من الربح وشرعيته ثابتة بالنصوص المستفيضة واجماع العلماء على اختلاف مذاهبهم إلا
قليلا من أصحابنا كالمفيد والشيخ في النهاية ومن تبعهما حيث ذهبوا إلى أن الربح كله للمالك لأن
الخسران كله عليه ولأن النماء تابع للأصل والمعاملة فاسدة لجهالة العوض فللعامل الأجرة وهو
اجتهاد في مقابلة النصوص ويشترط فيه أمور أحدها أن يكون المال نقدا دراهم أو دنانير مسكوكة
فلا يصح بالعروض ولا الفلوس ولا الذهب والفضة الغير المسكوكين اجماعا في الجميع كما نقلوه وإن
تردد المحقق في الأخير لعدم ظهور قائل به والنصوص خالية عن ذلك كما اعترفوا به ومنهم المصنف
في المفاتيح ومن ثمة أسنده ثمة إلى القيل فلعل اشتراطه هنا من باب الاحتياط والحزم لأنه معاملة
مشتملة على جهالة وغرر فينبغي الاقتصار فيها على موضع اليقين والحق أن اشتراطه مما لا ينبغي أن
يستراب فيه مع قطع النظر عن الاجماع وأن التردد في ذلك ليس في محله وذلك لأن ما عداه من
المتمولات ليست بمضبوطة المالية بل ترتفع قيمتها وتنخفض وذلك يوجب الخلل في هذه المعاملة
المجهولة المشروعة للاسترباح فلو كان رأس المال عشرين قفيزا مثلا حنطة أو شعير أو قيمتها يومئذ
عشرين درهما فباعها العامل وأدارها في التجارة إلى أن بلغت مائة وهي قيمة العشرين قفيزا في هذا
الوقت لزم دخول الربح كله في رأس المال ولو انعكس الفرض دخل رأس المال في الربح وكلاهما مما
238

يحترز عنه في قوانين الشريعة لأن الأول ضرار على العامل والثاني على المالك فإن قلت يمكن أن
يحترز عن ذلك بتقويم المالك العروض حين التسليم إلى العامل فيرجع إلى النقد ولا يلزم شئ من المحذورين
لحصول الضبط المقصود قلت هذا التقويم لا وجه له لأنه إن كان بيعا فلا معنى لبيع المالك ماله على وكيله
فإن اعتبر شراؤه لنفسه لزم أن يكون تلفه وخسرانه قبل الدوران منه لأنه ماله اشتراه وأن يجوز له التصرف
كيف شاء وغير ذلك من لوازم الملكية وهي بأسرها ممنوعة اتفاقا وأيضا يلزم أن يكون رأس المال حقيقة
هو الثمن الذي وقع به التقويم دون نفس العروض فيكون القراض واقعا بالدين وهو فاسد بالنص
والاجماع كما يأتي وإن لم يكن بيعا والعروض مال المالك والتلف والخسران منه انتفت فائدة التقويم وكان
رأس المال هو الثمن الذي بيع به العروض وهو قد يزيد عن قدر تقويم المالك وقد ينقص عنه وكيف
كان فهو غير ما وقع عليه العقد فيكون فاسدا فتأمل وثانيها أن يكون مقداره معلوما عند العقد لترتفع
الجهالة عنه فلا تكفي المشاهدة على المشهور خلافا لمن اكتفى بها لزوال معظمها بها وثالثها أن يكون معينا ولو
مشاعا لأن المشاع معين في نفسه فلا يصح بالدين لأن الثابت في الذمة أمر كلي غير منضبط وفي رواية
السكوني عن أمير المؤمنين (ع) في رجل له على رجل مال فيتقاضاه ولا يكون عنده ما يقضيه فيقول هو
عندك مضاربة فقال لا يصلح حتى يقبضه منه واشتراطه مقطوع به في كلامهم ويحتمل أن يكون قد اكتفى
عنه المصنف بالشرط الأول بأن يريد بالنقد ما يعم معناه الآخر وهو المقابل بالنسيئة لكنه لا يسلم عن
عموم الاشتراك أو باشتراط المعلومية بأن يريد بها ما يعم المقدار والعين وإن كان بعيدا وهذا من
الايجازات المخلة ورابعها أن يكون سهم كل منهما من الربح معينا في العقد نصفا أو ثلثا ونحو ذلك فلا
يصح تفويض نصيب العامل إلى اختيار المالك أو العكس لما فيه من الجهالة العظيمة وفتح باب التنازع
وخامسها أن يكون الربح كله شايعا بينهما فلو شرط لأحدهما خمسون درهما مثلا والباقي بينهما فسد
لأن الربح ربما لا يزيد على القدر المشروط فيلزم أن يختص به واحد منهما ويحرم الآخر وهو خلاف الوضع
وفي صحيحة الحلبي وإن ربح فهو بينهما وفي صحيحة أبي بصير وموثقة إسحاق بن عمار والربح بينهما أما لو شرط
الربح كله للمالك أو للعامل احتمل كون الأول بضاعة والثاني قرضا وإن وقعا بلفظ القراض أو المضاربة
وسادسها أن يكون العمل بالمال على الوجه المقصود للمالك مقدورا للعامل فلا يصح مع عجزه عنه حين
العقد إلا مع علم المالك وبدونه يضمن العامل لأن قبضه حينئذ إنما وقع على غير الوجه المأذون فيكون
غارا عاديا وهل يضمن الجميع أو القدر الزايد عن مقدوره قولان وفصل ثالث بأنه إن قبض الجميع دفعة
فالجميع وإن قبض مقدوره أولا ثم الزايد فالزايد لا غير ولو تجدد عجزه وجب عليه رد الزايد أو اعلام
المالك ويجوز له مع اطلاق العقد تولى ما يتوليه المالك بنفسه في المعاملات من عرض القماش على
المشتري ونشره وطيه والاستيجار لما جرت العادة بالاستيجار له كالحمل ووزن الأثقال ونحو ذلك
بحسب حاله وابتياع المعيب والرد بالعيب وغيره كل ذلك مع الغبطة وعقد القراض ينطوي على
إباحة هذه التصرفات وأمثالها عموما لتوقف المطلوب عليها فلا حاجة فيها إلى الإذن بالخصوص
إما السفر به مع خوف الطريق أو أمنه والخلط بغيره من ماله أو مال غيره بحيث لا يتميز والقرض منه أو
بيعه قرضا والقراض به مع غيره ونحوها مما لا يتوقف عليه الاسترباح أو يشتمل على تعرير فيقف على
الإذن الخاص فلو فعل بدونه إثم وضمن الخسار والربح بينهما وإذا أذن له في شئ منها فإن أطلق تخير
وإن عين كالسفر إلى جهة مخصوصة أو بلد مخصوص تعين ولا يجوز له أن يتعدى المأذون وإن كان
أوفى بالمقصود وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يعطي الرجل المال فيقول له ائت أرض كذا وكذا
ولا تجاوزها واشتر منها فإن جاوزها وهلك المال فهو ضامن وإن اشترى متاعا فوضع فيه
فهو عليه وإن ربح فهو بينهما وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) في الرجل يعطي المال مضاربة وينهي
أن يخرج به قال يضمن المال والربح بينهما وينبغي أن يشتري بالعين المدفوعة إليه أو الحاصلة في يده
بالتقليب والأكثر على وجوبه لا الذمة إلا مع الإذن لما فيه من احتمال الضرر إذ ربما يتلف رأس المال
فتبقي عهدة الثمن متعلقة بالمالك ولأن الحاصل بالشراء في الذمة ليس ربح هذا المال وينفق
العامل في السفر على المشهور كمال نفقته مطلقا من مأكول وملبوس ومركوب ومسكن وغير
ذلك بحسب حاله من الجميع وإن لم يكن ربح كما هو ظاهر صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (ع) في المضارب
ما أنفق في سفره فهو من جميع المال فإذا قدم بلده فما أنفق فمن نصيبه وقيل بل الزايد على نفقة
الحضر خاصة لأنه الحاصل بالسفر وأما غيره فليس السفر علة له وقيل بل نفقة السفر كلها عليه
كنفقة الحضر للأصل وهو اجتهاد في مقابلة النص والأولى اشتراطها ثبوتا أو نفيا تباعدا عن
الغرر والتنازع والربح وقاية لرأس المال يجبر به نقصانه بخسران أو تلف مطلقا عند المصنف ومن وافقه
سواء كان في مرة واحدة وفي صفقة واحدة وفي سفرة واحدة أو أكثر إذ الربح هو الفاضل عن رأس المال
في ضمن ذلك العقد فإذا لم يفضل شئ فلا ربح وقيل لا يجبر بالربح ما تلف منه قبل دورانه في التجارة
بتصرف العامل فيه بالبيع والشراء وإن سافر به لعدم صدق مال القراض عليه بعد وضعف بأن
المقتضي لذلك هو العقد لا الدوران المذكور ومنهم من خص الحكم بما إذا كان الخسران أو التلف بانخفاض
سوق أو آفة سماوية أو نحوها مما لا يتعلق فيه الضمان بذمة الآدميين أو لو كان بغصب أو سرقة
أو نحوها مما يتحقق فيه الضمان كان ذلك بمنزلة الموجود فلا حاجة إلى جبره ولأنه نقصان لا يتعلق
بتصرف العامل وتجارته وهو كما ترى ولو أخذ المالك بعد الخسران شيئا ثم ربح بعد فلا يجبر به إلا
خسران ما عدا المأخوذ لأنه إنما يجبر خسران رأس المال الذي ربح لا مطلق الخسران فينسب المأخوذ
إلى الباقي بعد الخسار ويحسب له من الخسران بتلك النسبة فلو كان مال القراض مثلا مائة فخسر
239

عشرة وأخذ المالك عشرة ثم عمل بها الساعي فربح كان رأس المال تسعة وثمانين إلا تسعا فإن عشرة
الخسار إذا بسطت على التسعين الباقية كان نصيب كل واحد منها تسعا فإذا أخذ المالك عشرة تبعها
عشرة أتساع هي واحد وتسع والثمانين الباقية يتبعها ثمانون تسعا هي ثمانية وثمانية أتساع فكل
ما زاد بالعمل على التسعة والثمانين إلا تسعا تعلق به نصيب العامل وعلى هذا القياس والقراض من
العقود الجايزة من الطرفين فإنه وكالة أولا ثم ينضم إليها شركة وكلتاهما غير لازمتين فيجوز لكل منهما
الفسخ متى شاء بلا خلاف وإنما الخلاف في أنه لو كان من المالك قبل ظهور الربح فهل يستحق العامل
عليه أجرة لمثل ما عمل أم لا ولو كان من العامل فهل يستحق المالك عليه انضاض المال أم لا وأقاويل
الأصحاب في المسألتين وشقوقهما غير مستندة إلى ما يقطع العذر والوجه عرض جميع ما يفرض من
صورهما على قانون نفي الضرار والتعويل في حكمها عليه إن لم يستلزم خرقا للاجماع المركب وأنى
به ومهما فسد القراض فالربح كله للمالك لأنه نماء ماله وعليه الأجرة للعامل لاحترام عمله وهو أمين
يقبل قوله في التلف بدون يمين أو معها ولا يضمن التالف إلا عن تعد أو تفريط وقد وردت
الحيلة في تضمينه في روايات عبد الملك بن عتبة قلت إني لا أزال أدفع المال مضاربة إلى الرجل
فيقول هلك أو ذهب قال اعطه ألف درهم أقرضها إياه واعطه عشرين درهما يعمل بالمال كله تقول
هذا رأس مالي وهذا رأس مالك فما أصبت منهما جميعا فهو بيني وبينك
باب الجعالة مثلثة الفاء
وهي في اللغة ما يجعل على عمل وشرعا التزامه على وجه خاص ويشترط فيها أمور سبعة أحدها امكان
العمل المجعول عليه عقلا وعادة من العامل المعين فلا تنعقد على احياء ميتة ولا على رد الأعمى المقعد
آبقة من مصر إلى خراسان في عشرين يوما مثلا وثانيها جوازه والمراد به ما يعم المندوب والمكروه
فلا تصح على الزنا والقيادة وقد سبق أن الاستجعال في المعصية من السحت واشترط الأكثر كونه
مقصودا للعقلاء احترازا عما لا غاية له معتدا به عقلا كنزف ماء البئر والذهاب ليلا إلى بعض
المواضع الخطرة ونحوهما مما يقصده العابثون إلا أن الغرض به التمرن على الشجاعة واضعاف الوهم و
نحوهما من المقاصد الصحيحة وثالثها عدم وجوبه شرعا على العامل عينا ولا كفاية كالصلاة اليومية
وصلاة الميت ونحوهما من العبادات المشروطة بالنية فإن أخذ الأجرة ينافي القربة ورابعها استدعاء
الجاعل العمل من العامل فلو جعل الجعالة لواحد فعمل غيره لم يستحق شيئا لاختلاف الأغراض في ذلك
وخامسها تعين العوض المجعول فلا يصح جعله ثوبا أو دابة ونحوهما مما تختلف أفراده اختلافا عظيما
لتفاحش الغرر في ذلك وهل يكفي تعينه في حد ذاته وإن كان مجهولا عند العامل جهالة لا تمنع من
التسليم كسلب المقتول وهو ما معه من الثياب وغيره مما يسلب عنه بعد القتل ونصف العبد الآبق إذا
رده ونحو ذلك أو يشترط تعيينه بحيث لا تبقى فيه جهالة أصلا مثل كذا دينار أو درهم الأكثر على
الثاني لعدم الحاجة إلى احتمال الجهالة فيه ولأنه لا يكاد يرغب أحد في العمل إذا لم يعلم بالجعل فلا
يحصل المقصود ونوقش بأن مبنى الجعالة على احتمال الغرر وربما لا يراد بذل شئ آخر غير المجعول عليه
أو بعضه مع الجهل به وقد ورد في الحديث النبوي من قتل قتيلا فله سلبه ومن ثم ذهب المصنف
ومن وافقه من المحققين إلى اغتفار جهالة العوض من حيث لا تمنع من التسليم كما مثلنا لأنه أمر واحد
لا يقبل الاختلاف ولا يفضي إلى التنازع كالثوب والدابة وإن كان الأحوط المشهور وسادسها
عدم نية التبرع به فلا جعالة للمتبرع بعمله سواء سمع بالجعالة أم لا ولا يعلم ذلك في الأولى إلا من جهته
وسابعها أن لا يكون في مثل رد الآبق والضالة حصوله في يده قبل صدور الجعالة أو بعد صدورها
وقبل العلم بها أو من غير سعي مطلقا لوجوب التسليم حينئذ وانتفاء العمل في الأخير أما العلم بالعمل
بجميع خصوصياته من مدته والمؤنة المصروفة فيه وغير ذلك فلا يشترط قطعا لمسيس الحاجة إلى
الأعمال المجهولة مثل رد الآبق والضالة من الأماكن المجهولة فلو شرط معلومية العمل توقفت وفيه
اخلال بالحكمة وإذا اقتضت احتمال الجهالة في عمل القراض لتحصيل الزيادة فاحتمالها هنا لتحصيل أصل المال
أولى وكذا لا يشترط تعيين العامل فلو قال من رد ضالتي فله كذا صح ومن ثم ذهب بعضهم إلى كونها
ايقاعا لا عقدا ولو جعل مولى الآبق جعلا على رده من مسافة معينة كان يظنه على رأسها فرد من
بعضها فله منه بنسبة المسافة على المشهور لأنه لم يعمل جميع العمل المشروط فكان له من الجعل بمقابلة
عمله وسقط الباقي والمتجه أقل الأمرين من قدر النسبة وأجرة المثل ومن ثم عقبه بقوله احتياطا
تنبيها على فقد النص وعدم ثبوت الشهرة على وجه يثبت به الاجماع وإن كان لا يعرف فيه خلاف
والجعالة مطلقا من الأمور الجايزة من الطرفين بلا خلاف فيجوز لكل منهما فسخها والموجود في
النسخ تذكير الضمير والأمر سهل ولا فرق في ذلك بين ما قبل التلبيس بالعمل وما بعده وفي
الأول لا شئ للعامل مطلقا إذ لا عمل له وفي الثاني إن فسخ الجاعل فعليه له جعل ما عمل بالنسبة
لأنه إنما عمل بعوض لم يسلم له ولا تقصير من قبله والأصل في العمل المحترم الواقع بأمر المالك
أن يقابل بالعوض كذا قالوه وفيه أنه على تسليمة إنما يقتضي ثبوت أجرة ما للعامل لئلا يهدر
عمله وهو يتحقق بأجرة المثل كما هو أحد القولين في المسألة ولا دليل على اعتبار النسبة مع تعذره
فيما لو كان العمل مجهولا مثل رد الآبق الغير المعلوم المحل فلا محيص إذن عن الرجوع إلى أجرة المثل
والمتجه في المعلوم أقل الأمرين منهما إن لم يستلزم خرقا للاجماع المركب كما تقدم نظيره وإلا
يكن الفسخ من الجاعل بل من قبل العامل مطلقا فلا شئ له إذ لم يجعل له العوض إلا في مقابلة
مجموع العمل ولعدم حصول الغرض المقصود للجاعل إلا فيما إذا كان العمل مركبا ذا أجزاء مترتبة
الحصول يتعلق الغرض بأبعاضها بالذات مثل خياطة بعض الثوب وكتابة بعض الكتاب
240

عشرة وأخذ المالك عشرة ثم عمل بها الساعي فربح كان رأس المال تسعة وثمانين إلا تسعا فإن عشرة
الخسار إذا بسطت على التسعين الباقية كان نصيب كل واحد منها تسعا فإذا أخذ المالك عشرة تبعها
عشرة أتساع هي واحد وتسع والثمانين الباقية يتبعها ثمانون تسعا هي ثمانية وثمانية أتساع فكل
ما زاد بالعمل على التسعة والثمانين إلا تسعا تعلق به نصيب العامل وعلى هذا القياس والقراض من
العقود الجايزة من الطرفين فإنه وكالة أولا ثم ينضم إليها شركة وكلتاهما غير لازمتين فيجوز لكل منهما
الفسخ متى شاء بلا خلاف وإنما الخلاف في أنه لو كان من المالك قبل ظهور الربح فهل يستحق العامل
عليه أجرة لمثل ما عمل أم لا ولو كان من العامل فهل يستحق المالك عليه انضاض المال أم لا وأقاويل
الأصحاب في المسألتين وشقوقهما غير مستندة إلى ما يقطع العذر والوجه عرض جميع ما يفرض من
صورهما على قانون نفي الضرار والتعويل في حكمها عليه إن لم يستلزم خرقا للاجماع المركب وأنى
به ومهما فسد القراض فالربح كله للمالك لأنه نماء ماله وعليه الأجرة للعامل لاحترام عمله وهو أمين
يقبل قوله في التلف بدون يمين أو معها ولا يضمن التالف إلا عن تعد أو تفريط وقد وردت
الحيلة في تضمينه في روايات عبد الملك بن عتبة قلت إني لا أزال أدفع المال مضاربة إلى الرجل
فيقول هلك أو ذهب قال اعطه ألف درهم أقرضها إياه واعطه عشرين درهما يعمل بالمال كله تقول
هذا رأس مالي وهذا رأس مالك فما أصبت منهما جميعا فهو بيني وبينك باب الجعالة مثلثة الفاء
وهي في اللغة ما يجعل على عمل وشرعا التزامه على وجه خاص ويشترط فيها أمور سبعة أحدها امكان
العمل المجعول عليه عقلا وعادة من العامل المعين فلا تنعقد على احياء ميتة ولا على رد الأعمى المقعد
آبقة من مصر إلى خراسان في عشرين يوما مثلا وثانيها جوازه والمراد به ما يعم المندوب والمكروه
فلا تصح على الزنا والقيادة وقد سبق أن الاستجعال في المعصية من السحت واشترط الأكثر كونه
مقصودا للعقلاء احترازا عما لا غاية له معتدا به عقلا كنزف ماء البئر والذهاب ليلا إلى بعض
المواضع الخطرة ونحوهما مما يقصده العابثون إلا أن الغرض به التمرن على الشجاعة واضعاف الوهم و
نحوهما من المقاصد الصحيحة وثالثها عدم وجوبه شرعا على العامل عينا ولا كفاية كالصلاة اليومية
وصلاة الميت ونحوهما من العبادات المشروطة بالنية فإن أخذ الأجرة ينافي القربة ورابعها استدعاء
الجاعل العمل من العامل فلو جعل الجعالة لواحد فعمل غيره لم يستحق شيئا لاختلاف الأغراض في ذلك
وخامسها تعين العوض المجعول فلا يصح جعله ثوبا أو دابة ونحوهما مما تختلف أفراده اختلافا عظيما
لتفاحش الغرر في ذلك وهل يكفي تعينه في حد ذاته وإن كان مجهولا عند العامل جهالة لا تمنع من
التسليم كسلب المقتول وهو ما معه من الثياب وغيره مما يسلب عنه بعد القتل ونصف العبد الآبق إذا
رده ونحو ذلك أو يشترط تعيينه بحيث لا تبقى فيه جهالة أصلا مثل كذا دينار أو درهم الأكثر على
الثاني لعدم الحاجة إلى احتمال الجهالة فيه ولأنه لا يكاد يرغب أحد في العمل إذا لم يعلم بالجعل فلا
يحصل المقصود ونوقش بأن مبنى الجعالة على احتمال الغرر وربما لا يراد بذل شئ آخر غير المجعول عليه
أو بعضه مع الجهل به وقد ورد في الحديث النبوي من قتل قتيلا فله سلبه ومن ثم ذهب المصنف
ومن وافقه من المحققين إلى اغتفار جهالة العوض من حيث لا تمنع من التسليم كما مثلنا لأنه أمر واحد
لا يقبل الاختلاف ولا يفضي إلى التنازع كالثوب والدابة وإن كان الأحوط المشهور وسادسها
عدم نية التبرع به فلا جعالة للمتبرع بعمله سواء سمع بالجعالة أم لا ولا يعلم ذلك في الأولى إلا من جهته
وسابعها أن لا يكون في مثل رد الآبق والضالة حصوله في يده قبل صدور الجعالة أو بعد صدورها
وقبل العلم بها أو من غير سعي مطلقا لوجوب التسليم حينئذ وانتفاء العمل في الأخير أما العلم بالعمل
بجميع خصوصياته من مدته والمؤنة المصروفة فيه وغير ذلك فلا يشترط قطعا لمسيس الحاجة إلى
الأعمال المجهولة مثل رد الآبق والضالة من الأماكن المجهولة فلو شرط معلومية العمل توقفت وفيه
اخلال بالحكمة وإذا اقتضت احتمال الجهالة في عمل القراض لتحصيل الزيادة فاحتمالها هنا لتحصيل أصل المال
أولى وكذا لا يشترط تعيين العامل فلو قال من رد ضالتي فله كذا صح ومن ثم ذهب بعضهم إلى كونها
ايقاعا لا عقدا ولو جعل مولى الآبق جعلا على رده من مسافة معينة كان يظنه على رأسها فرد من
بعضها فله منه بنسبة المسافة على المشهور لأنه لم يعمل جميع العمل المشروط فكان له من الجعل بمقابلة
عمله وسقط الباقي والمتجه أقل الأمرين من قدر النسبة وأجرة المثل ومن ثم عقبه بقوله احتياطا
تنبيها على فقد النص وعدم ثبوت الشهرة على وجه يثبت به الاجماع وإن كان لا يعرف فيه خلاف
والجعالة مطلقا من الأمور الجايزة من الطرفين بلا خلاف فيجوز لكل منهما فسخها والموجود في
النسخ تذكير الضمير والأمر سهل ولا فرق في ذلك بين ما قبل التلبس بالعمل وما بعده وفي
الأول لا شئ للعامل مطلقا إذ لا عمل له وفي الثاني إن فسخ الجاعل فعليه له جعل ما عمل بالنسبة
لأنه إنما عمل بعوض لم يسلم له ولا تقصير من قبله والأصل في العمل المحترم الواقع بأمر المالك
أن يقابل بالعوض كذا قالوه وفيه أنه على تسليمة إنما يقتضي ثبوت أجرة ما للعامل لئلا يهدر
عمله وهو يتحقق بأجرة المثل كما هو أحد القولين في المسألة ولا دليل على اعتبار النسبة مع تعذره
فيما لو كان العمل مجهولا مثل رد الآبق الغير المعلوم المحل فلا محيص إذن عن الرجوع إلى أجرة المثل
والمتجه في المعلوم أقل الأمرين منهما إن لم يستلزم خرقا للاجماع المركب كما تقدم نظيره وإلا
يكن الفسخ من الجاعل بل من قبل العامل مطلقا فلا شئ له إذ لم يجعل له العوض إلا في مقابلة
مجموع العمل ولعدم حصول الغرض المقصود للجاعل إلا فيما إذا كان العمل مركبا ذا أجزاء مترتبة
الحصول يتعلق الغرض بأبعاضها بالذات مثل خياطة بعض الثوب وكتابة بعض الكتاب
241

وبناء بعض سافات الحايط ونحوها وكان المانع عن اتمامه غير اختياري كالعمى أو الموت
أو الظالم فإن اهدار مثل هذا العمل ضرار واضح وأوضح منه ما لو كان العمل خياطة عشرة
أثواب فأكمل منها تسعة ومن العاشر أكثره ثم مات وإنما يتجه الاهدار في مثل ما لو ذهب ليرد
ضالته من عشرة فراسخ فرجع خاليا من تسعة فراسخ اختيارا أو بغير اختيار فإنه أمر بسيط و
طي المسافة ليس مما يقصد بالذات فلا يتقسط عليه العوض وإذا أبهم العوض كما قال من
خاط ثوبي فله مال أو شئ لزمه أجرة المثل مطلقا وخرجت عن الجعالة بناء على ما سبق من
اشتراط معلوميته فيها وخص في المشهور بغير رد الآبق لرواية مسمع بن عبد الملك أن
النبي صلى الله عليه وآله جعل في الآبق دينارا إذا أخذه في مصره وإن أخذه في غير مصره فأربعة دنانير وعن
المفيد أنه ألحق به البعير وقال إن بذلك ثبت السنة
باب الإجارة وهي بكسر الهمزة كري
الأجير أو مصدر ككتابة بمعنى المؤاجرة أو كإصابة وإقالة ثم نقلت إلى عقد يثمر تمليك منفعة
بأجرة ويشترط فيها العلم بكل من المنفعة والأجرة قدر أو صفة بحيث لا يبقى غرر فيه وتقدير
الأجرة بالوزن في الموزون والكيل في المكيل والعدد في المعدود مع ضبط الصفة في غير
المشاهد بما يرفع الجهالة ولا تكفي المشاهدة على الأحوط خلافا لمن اكتفى بها لزوال معظمها
بها وتقدير المنفعة على أحد وجهين بالعمل كخياطة الثوب المعين روميا أو عربيا وركوب
الدابة إلى موضع معين مع القافلة أو مسرعا إلا أن يكون هناك عادة معهودة فيكتفي
بها في الصفة أو الزمان المعين كخياطة يوم وركوب شهر وما لا يمكن ضبطه إلا بالزمان
فلا بد من تقديره به كسكنى الدار والارضاع ونحو ذلك وفي اشتراط اتصاله بالعقد قولان
ومختار المصنف العدم وفي الثاني لا يجوز له أن يعمل لغيره فيه إلا بإذنه كما يفهم من موثقة
إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم (ع) في الرجل يستأجر الرجل بأجر معين معلوم فيبعثه
في ضيعته فيعطيه رجل آخر دراهم ويقول اشتر بهذا كذا وكذا وما ربحت بيني وبينك فقال
إذا أذن له الذي استأجره فليس به بأس أو فيما لم تجر العادة بالعمل فيه للمستأجر كالليل إذا
لم يؤد إلى ضعف في العمل المستأجر عليه كما يومي إليه حديث ذكريا المتقدم فإن فعل فالمروي
أن ما أصاب فللمستأجر روى ثقة الاسلام عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله (ع) قال من آجر
نفسه فقد خطر على نفسه الرزق قال وفي رواية أخرى كيف لا يحظره وما أصاب فهو لربه الذي
آجره ولو استأجره ليحمل له متاعا إلى موضع معلوم بأجرة معلومة في وقت معين فإن قصر
عنه نقص من أجرته لكل يوم كذا وكذا ففي موثقة الحلبي عن أبي جعفر (ع) أن شرطه هذا جايز ما لم
يحط بكراه كله والقول بالبطلان مطلقا لعدم تعيين الأجرة كما لو باعه بثمنين مختلفين على
تقديرين اجتهاد في مقابلة للنص ولو قال كل شهر بكذا بطل مطلقا على قول وفيما عدا الشهر
الأول خاصة على آخر فيثبت فيه أجرة المثل مع استيفاء المنفعة ولا بد أن تكون كل واحدة منهما
مباحة فلو استأجره ليعصر له خمرا مثلا لم تنعقد كما لو كانت هي الأجرة وأما مكاتبة ابن أذينة
فيمن يواجر سفينته أو دابته ممن يحمل فيها أو عليها الخمر قال لا بأس فمحمولة على جهل المؤجر بفعل
المستأجر أو كون الحمل للتخليل وأن تكون العين المستأجرة للمؤجر مقدورا على تسليمها ولو
مشاعا للمستأجر ليستوفي منفعته والأجرة للمستأجر كذلك حسا وشرعا فيهما فلا تصح إجارة
الآبق مطلقا وقيل إلا مع الضميمة أو كون المستأجر قادرا على تحصيله كما في البيع ولا جعله
أجرة وكذا العين المرهونة لأنه محجور عنها إلا بإذن المرتهن وأن لا يكون العمل المستأجر له
واجبا على الأجير عينا أو كفاية كما تقدم ولا مما لا تجزي النيابة فيه كالقسم بين الزوجات
ويجوز للمولى إجارة أمته وكذا للحرة إجارة نفسها للارضاع وغيره من الأعمال المباحة وإن
كانت مزوجة مطلقا إن لم يمنع شيئا من حقوق الزوج خلافا لمن خصه بالإذن استنادا
إلى أنه مالك لمنافعها بالعقد ولا يجوز نقلها إلى غيره إلا بإذنه وهو ممنوع فإنه إنما يملك منافع
الاستمتاع خاصة فليس له المنع في غيرها وإلا توقف على الإجازة قولا واحدا ولو فرض تقدم
الاستيجار على النكاح ففي المفاتيح أنه لا اعتراض للزوج قطعا لسبق حق المستأجر وله الاستمتاع
بها فيما فضل عنه ويشترط في العين المؤجرة كونها مما يصح الانتفاع به على الوجه المقصود
مع بقائه كما ذكره الأكثر واكتفى بعضهم بكونها مما تصح إعادته وتظهر الفائدة في المنحة وأول
بما يرجع إلى المشهور ويعتبر في الانتفاع كونه مما يحسن مقابلته بالمال كائنا ما كان وإن
كان مثل التجمل بالدراهم والدنانير وشم التفاح والاستظلال بالأشجار ونحو ذلك واحترز
باشتراط بقاء العين عما يستهلكه الانتفاع المقصود كالثمرة للأكل والخشبة للاحراق فإنه لا
تصح إجارته على القولين كما لا تصح إجارة الأشجار لثمرها أو ورقها أو أغصانها كلها مختلف فيه
والأصول لفروعها والأرض لعلفها أو ملحمها والشاة لصوفها أو لبنها ونحو ذلك سواء كانت
موجودة أو مترقبة لأنها كلها أعيان لا منافع كما صرحوا به وأما بعض ما صرحوا فيه بالجواز
مما يندرج تحت هذه الضابطة مثل ماء البئر للاستقاء واللبن للارضاع والضبع للاصطباغ
فاعتذروا فيها بأحد وجوه أما النص وهو قوله (تع) فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن و
فعل النبي صلى الله عليه وآله ومن بعده من الأئمة (ع) من استيجار المرضعات وفيه أن تسمية جعل المرضعة
أجرا لا يستلزم المطلوب بوجه نظير تسمية مهر المتعة والأمة أجرا والثابت من فعل النبي صلى الله عليه وآله
والأئمة (ع) إنما هو اتخاذ المرضعات لا استيجار لبنهن ومع ذلك فهو أخص من المطلوب
242

أو اطراد العادات قديما وحديثا على ذلك من غير نكير فيكون اجماعا فعليا وهو كما ترى أو
انضمام أعمال مقصودة إلى التالف مثل حمل الولد في الارضاع ووضعه في الحجر والقامه الثدي
وغسله وتنظيفه ونحو ذلك مما تصح إجارته وتزيد قيمته على قيمة اللبن فتكون هي الأصل و
هو تابع وإن كان مقصودا من وجه آخر وكذا الكلام في بئر الاستقاء ووحل الاصطباع وفيه أنهما قد يتصوران مجردين من جميع الأعمال المفروضة مع اطلاقهم الحكم بالجواز فيهما أو هو من
قبيل المنافع لتجدده وتصرمه شيئا فشيئا فأشبه الأعراض الغير القارة فمن ثم ألحق بالمنافع و
إن كان من الأعيان وفيه أنه يلزم مثله في لبن الشاة ونحوه مما صرحوا بالمنع فيه من غير تردد
كما سبق والإجارة لازمة من الطرفين لا تنفسخ إلا بالتقايل منهما فإنه حق بينهما فلهما أن يتوافقا
على اسقاطه كساير الحقوق المحصورة أو فوات الانتفاع المقصود على المستأجر بأجمعه إما بتلف
العين أو غصبها أو نحو ذلك ولا تنفسخ بنقصانه لحدوث عيب في العين أو تلف بعضها فيوجب
الخيار للمستأجر إلا أنه في الأول يتخير بين الفسخ والامساك بتمام الأجرة لأنه بسبب العيب و
في الأخير بين الفسخ وامساك الباقي بقسطه من الأجرة لأنه بسبب تبعض الصفقة وقيل
تلزم عليه فيه وهو مختاره في المفاتيح ولا البيع لعدم المنافاة فيصبر المشتري إن لم يكن
المستأجر إلى انقضاء مدة الإجارة مع علمه بسبق الإجارة وفي حسنة الصحاف لا ينقض البيع
الإجارة ولا السكنى ولكن تبيعه على أن الذي اشتراه لا يملك ما اشترى حتى تنقضي السكنى كما شرط
وكذا الإجارة قلت فإن رد على المستأجر ماله وجميع ما لزمه من النفقة والعمارة فيما استأجر
قال على طيبة النفس ويرضى المستأجر بذلك لا بأس وفي مكاتبة يونس إلى الرضا (ع) في رجل تقبل
من رجل أرضا أو غير ذلك سنين مسماة ثم إن المقبل أراد بيع أرضه التي قبلها قبل انقضاء السنين
المسماة هل للمتقبل أن يمنعه من البيع قبل انقضاء أجله قال له أن يبيع إذا اشترط على المشتري
أن للمتقبل من السنين ماله ويستفاد منها وجوب الاعلام لكن شرطا لا شرعا كما ذكره بعضهم والموقوف
على انقضاء الأجل إنما هو استحقاق المنفعة دون أصل الرقية فإنه بنفس العقد بتملكه المشتري و
له الخيار بين فسخ البيع وامضائه مجانا مسلوب المنفعة إلى الأجل مع جهله بالحال كما سبق ولا
العتق فيما لو كانت العين مملوكا فيستوفي المستأجر منفعته المستأجرة لسبق حقه ثم يصير
طلقا فإن العتق على هذا الوجه نظير شرط الخدمة مدة معلومة كما تقدم وقيل يرجع على مولاه
بأجرة مثل عمله في تلك المدة واستضعفه في المفاتيح ولا الموت مطلقا كما عليه المتأخرون
لأصالة الدوام والاستصحاب إلا في ثلث أما إذا شرط على المستأجر الانتفاع بنفسه فتبطل بموته
ب أن يكون المؤجر موقوفا عليه فتبطل بموته إلا أن يكون ناظرا على الوقف مؤجرا لمصلحة العين
لكن الصحة حينئذ ليست من حيث إنه موقوف عليه بل من حيث إنه ناظر ج أن يكون موصى
له بالمنفعة مدة حياته فتبطل بموته أيضا لانتهاء استحقاقه والمصنف لم يلتفت إلى الصورتين
لندورهما أو عدم ثبوت استثنائهما عنده فتندرجان تحت عموم النفي وفيه احتياط فعن الشيخ
أنها تبطل بالموت مطلقا استنادا إلى اجماع الفرقة وأخبارهم وأنه إذا استأجر امرأة لترضع
ولده فمات أحد الثلاثة بطلت الإجارة لعموم الأخبار التي وردت أن الإجارة تبطل بالموت
ورواية المسألة وهو حديث إبراهيم بن محمد الهمداني عن أبي الحسن (ع) مع قصورها سندا
متشابهة فليؤخذ فيها باليقين سيما مع موت المستأجر كما هو أحد قولي الشيخ سيما إذا كانت
على منفعة عين يتوقف استيفاؤها على كونها في يد المستوفي وربما يكون الوارد ممن لا
يأتمنه المؤجر عليها فإن اختلاف الأغراض في ذلك مما لا ينكر والمؤنة المتوقفة عليها توفية
المنفعة إن شرطت على المؤجر أو المستأجر تبعت الشرط مطلقا وإن لم تشترط على أحدهما قيل إنها على المؤجر لتوقف الايفاء الواجب بالعقد اللازم عليه عليها فتجب من باب المقدمة ومنها
الخيوط في الخياطة والمداد في الكتابة والصبغ في الصباغة وقيل بل الواجب عليه إنما هو العمل أما
الأعيان الذاهبة فلا تدخل في مفهوم الإجارة إلا في شواذ تثبت على خلاف الأصل كالاسترضاع
والاستجمام فالأولى أن يرجع فيها إلى العرف المطرد إن كان ومع عدمه ففي المفاتيح أنها على المستأجر
أما عمارة الحايط والباب ومجرى الماء ونحوها فقطع أنها على المؤجر تبعا للشهيد الثاني اخراجا لها
عن محل الخلاف كحبل الاستقاء ودلوه وتخصيصا له بما ذكر من الأعيان الذاهبة ففي عبارة الكتاب
ما فيها والصانع المستأجر لعمل في عين ضامن لما يتلف أو يفسد في يده وإن كان حاذقا غير مفرط
اجماعا كالقصار يحرق أو يخرق والحجام يجني في حجامته والختان يتجاوز حد الختان ولو احتاط و
اجتهد وفي صحيحة الحلبي وغيرها كل أجير يعطى الأجر على أن يصلح فيفسد فهو ضامن وعن يونس
عن الرضا (ع) في القصار والصانع أيضمنون قال لا يصلح الناس إلا أن يضمنوا إلا إذا تلف في
يده لا بسببه من غير تفريط ولا تعد كما لو أعطى ثوبا ليخيطه فسرق من صندوقه فلا ضمان لأصالة
البراءة ولأنه أمين وعليه يحمل اطلاق صحيحة ابن عمار وما في معناها قال سألت أبا عبد الله (ع)
عن الصباغ والقصار قال ليس يضمنان جمعا بينها وبين ما يدل على ضمانه مطلقا كما يحكى عن
السيد مدعيا عليه الاجماع وربما يجمع بينها بوجه آخر هو الفرق بين المأمون وغيره واستحباب
العفو عن المأمون كما يومي إليه صحيحة أبي بصير وما في معناها إن كان مأمونا فليس عليه شئ
وإن كان غير مأمون فهو ضامن وحسنة الحلبي وما في معناها عن أبي عبد الله (ع) كان أمير المؤمنين (ع)
يضمن القصار والصانع احتياطا للناس وكان أبي يتطول عليه إذا كان مأمونا والروايات
243

في قبول قوله في التلف مجردا عن البينة متخالفة ففي رواية بكر بن حبيب قلت لأبي عبد الله عليه السلام
أعطيت جبة إلى القصار فذهبت بزعمه قال إن اتهمته فاستحلفه وإن لم تتهمه فليس عليه شئ
وفي صحيحة الحلبي في الغسال والصباغ ما سرق منهما من شئ إن لم يقم البينة وزعم أنه قد ذهب الذي
ادعى عليه فقد ضمنه إن لم يكن له بينة على قوله ويستفاد من بعضها الفرق بين ما إذا ادعاه بسبب
ظاهر أو خفي ومن ثم اختلفت أقاويل الأصحاب وكذا الخلاف في المكاري والملاح والذي عليه المصنف
في الجميع الضمان إلا مع البينة والكلام في الافساد نظيره في التلف وكلما فسد العقد باختلال
شئ من شرايط الصحة ثبت عوض المنفعة أجرة المثل مع الاستيفاء كلا أو بعضا سواء زادت عن
المسمى أو نقصت عنه على ما يقتضيه الاطلاق ووقع مصرحا به في غيره وليس مستندا إلى نص فيتبع
ومن ثم أسنده في المفاتيح إلى القيل وإنما عللوه باقتضاء الفساد رجوع كل عوض إلى مالكه ومع استيفاء
المنفعة يمتنع ردها فيرجع إلى بدلها وهو أجرة مثلها والذي يقتضيه النظر إنما هو ثبوت أقل
الأمرين من أجرة المثل والمسمى كما تقدم نظيره وبالجملة ففي ذكره هنا خروج عن شرط الكتاب
واستثنى الشهيدان من ذلك ما لو كان الفساد باشتراط عدم الأجرة في العقد متضمنا له كما لو
لم يذكر أجرة فإنه حينئذ يقوى عدم وجوب الأجرة لدخول العامل على ذلك فترجع إلى العارية
أو ما ضاهاها والحق أنه لا حاجة إلى هذا الاستثناء لعدم اندراج الصورتين في مفهوم الإجارة كما
علم من الرسم فهما خارجتان عن موضوع البحث ابتداء وإن وقع العقد فيها بلفظ الإجارة توسعا
ويكره الاستعمال قبل المقاطعة كما تقدم فعن أبي عبد الله (ع) من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا
يستعملن أجيرا حتى يعلم ما أجرته ومثله في حديث المناهي وعن الرضا (ع) ما من أحد يعمل لك شيئا
بغير مقاطعة ثم زدته لذلك الشئ ثلاثة أضعاف على أجرته إلا ظن أنك قد نقصت أجرته وإذا قاطعته
ثم أعطيته أجرته حمدك على الوفاء وإن زدته حبة عرف ذلك لك ورأى أنك قد زدته وكذا يكره
للمستأجر إجارة الخان والمسكن والرحى والأجير حيث يجوز له ذلك بأكثر مما استأجر لمشابهته
الربا إلا أن يؤجر بغير الجنس الذي استأجر به كما لو استأجر بالدراهم وأجر بالدنانير أو يحدث في
العين ما يقابل التفاوت وفي الحسن عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يستأجر الأرض ثم يواجرها بأكثر
مما استأجرها قال لا بأس إن هذا ليس كالحانوت ولا الأجير إن فضل الحانوت والأجير حرام
وفي رواية أبي الربيع إن الأرض ليست مثل الأجير ولا مثل البيت إن فضل الأجير والبيت حرام
وفي حسنة الحلبي في الرجل يستأجر الدراهم يواجرها بأكثر مما استأجرها به قال لا يصلح ذلك إلا أن
يحدث فيها شيئا وفي حسنة سليمان بن خالد وغيرها إني لأكره أن أستأجر الرحى وحدها ثم
أو آجرها بأكثر مما استأجرتها إلا أن أحدث فيها حدثا أو أغرم فيها غرامة وكذا يكره له الاستيجار
للعمل بأقل مما استؤجر به له إلا أن يكون قد عمل فيه شيئا كما في صحيحة محمد بن مسلم وفي رواية مجمع
قلت لأبي عبد الله (ع) أتقبل الثياب أخيطها ثم اعطيها الغلمان بالثلثين فقال أليس تعمل فيها قلت
أقطعها وأشتري له الخيوط قال لا بأس وفي أخرى لا أزيد على أن أشقه قال لا بأس وكذا يكره إجارة
الأرض للزراعة بالحنطة أو الشعير لصحيحة الحلبي لا تستأجر الأرض بالحنطة ثم تزرعها حنطة وفي موثقة
أبي بصير لا تستأجر الأرض بالتمر ولا بالحنطة ولا بالشعير الحديث سيما ما يخرج منها بل تكر بطعامها
مطلقا فورد عن أبي عبد الله (ع) في إجارة الأرض المحدودة بالدراهم المعلومة قال لا بأس وفي إجارتها
بالطعام قال إن كان من طعامها فلا خير فيه وعن أبي جعفر (ع) مثله وترك ذلك كله أحوط خروجا عن
ظواهر الروايات المذكورة وما في معناها وخلاف عظماء الأصحاب فيما عدا الأول
باب المزارعة
وهي معاملة على الأرض بين مالكها وزارعها بحصة معينة مشاعة من حاصلها فالمفاعلة منسلخة
عن موضوعها أو فيها تغليب والأصل فيها أن يكون الزرع بمؤنه من البذر والعمل والعوامل والآلات
كلها من الزارع كما في صحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (ع) في المزارعة قال النفقة منك و
الأرض لصاحبها فما أخرج الله عز وجل منها من شئ قسم على الشرط وكذلك أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله
خيبر حين أتوه فأعطاهم إياها أن يعمروها ولهم النصف مما أخرجت ويجوز غير ذلك سواء كان كل
من البذر والآلات للمالك أو العامل أو مشتركا منهما وسواء كان كل من الأرض والعمل مختصا بأحدهما
أو مشتركا منهما بشرط إشاعة النماء كله بينهما على المشهور سواء تساويا فيه أو تفاضلا اقتصارا على
موضع النقل فلا يجوز جعل كله أو مقدار معين منه لأحدهما وإن كان الغالب حصول ما يزيد
عليه منها وفي صحيحة الحلبي وغيرها لا تقبل الأرض بحنطة مسماة ولكن بالنصف والثلث والربع
والخمس لا بأس به ومنهم من جوز استثناء البذر من جملة الحاصل وفي المختلف جواز استثناء شئ منه
مطلقا ويكون قراره مشروطا بالسلامة ويشترط امكان الانتفاع المقصود من الأرض بأن يكون
لها ماء يكفيها للسقي غالبا سواء كان من نهر أو بئر أو تسقيها الغيوث عادة فتبطل بدون ذلك و
إن رضي العامل ولو أنقطع الماء في الأثناء ففي انفساخها أو تخير العامل قولان إما تعيين الزرع
كما اشترطه العلامة في التذكرة وكذا تعيين المدة التي يدرك فيها الزرع علما أو ظنا بالأشهر
أو الأيام كما اشترطه كثير فاحتياط للضبط تنحسم به مادة التنازع والضرار وإن كانت النصوص
قاصرة عن إفادة الاشتراط وفي المفاتيح اختار في الأول العدم للاطلاق فيتخير من عليه البذر
في اختيار ما شاء لكن إن عين لم يجز التعدي مطلقا ولو فعل لزمه أجرة المثل لأنه غير المعقود
عليه عند جماعة ويتخير المالك بينه وبين أخذ المسمى مع الأرش عند آخرين ولا فرق بين كون المعين
شخصيا كهذا الحب أو وصفيا كالشلب الأبيض أو الأحمر أو نوعيا أو غيره لاختلاف الأغراض في ذلك
244

وقيل يجوز مع التعيين للزارع زرع ما هو أقل ضررا على الأرض كما لو عين له القطن فزرع الريحان لأن إذنه في زرع الأضر يقتضى الإذن في زرع الأخف بطريق أولى وفيه أن انحصار غرض المالك
في مصلحة الأرض ممنوع بل ربما يتعلق غرضه بالمنفعة الحاصلة من الزرع ومن ثم لو فرض كون
الأصلح للأرض تركها غير مزروعة لم يكن ذلك كافيا في جواز ترك الزارع للعمل نعم هذا إنما يتجه في
الإجارة حيث إن غرض المالك منحصر في مال الإجارة وهو حاصل له على التقديرين ومال في الثاني
إلى الاشتراط فلو لم يعين مدة أو عين أقل من ذلك بطل لأن مقتضى العقد اللازم ضبط أجله
والأجل الناقص خلاف وضع المزارعة وتفويت للغرض منها لأن المقصود الحصة من النماء فإذا لم
يتحقق في المدة عادة بقي العقد بلا عوض واحتجاج النافين بأن لكل زرع أمدا فيبنى على العادة
كالقراض وجواز التراضي بعد المدة الناقصة على ايفائه مزيف بأن القراض لجوازه لا فائدة لضبط
أجله بخلاف المزارعة فكانت أشبه بالإجارة منها بالقراض والتراضي غير لازم فلا يعلق عليه
شرط اللازم وفي رواية أبي الربيع وغيره سئل أبو عبد الله (ع) عن أرض يريد رجل أن يتقبلها
فأي وجوه القبالة أحل قال يتقبل الأرض من أربابها بشئ معلوم إلى سنين مسماة فيعمر الحديث
وهي من العقود اللازمة من الطرفين لا تنفسخ إلا بالتقايل منهما أو فوات الانتفاع بالأرض قبل
المدة ولو كان في الأثناء فكما تقدم لا الموت مطلقا لأصالة الدوام والاستصحاب فإن كان المالك
أتم العامل عمله وإن كان العامل قام من وارثه مقامه إلا إذا كان مشروطا عمله بنفسه ومات قبل
ظهور الحاصل دون ما إذا مات بعده لسبق ملكه له والخراج الموضوع على الأرض وما لا يتكرر
كل سنة غالبا من المؤن التي يتوقف عليها العمل ولا تتعلق بنفس العمل كاصلاح فوهة النهر
ومرمة سده وإقامة الدولاب واصلاح الحايط ونحو ذلك كلها على المالك لأنها من متممات
الأرض وما يتكرر كل سنة مما فيه صلاح الزرع وبقاؤه كنتقية النهر واخراج السواقي والحرث
والسقي وآلاتهما وحفظ الزرع وحصاده على العامل لأنها من جملة العمل إلا إذا شرط خلافه في
القسمين جميعا أو في الأخير خاصة كما في المفاتيح وقد ورد في الإجارة جواز اشتراط الخراج على
المستأجر وفي أهل قرية ضعفوا عن القيام بخراجها فدفعوها إلى من يكفيهم السلطان بما قل أو
كثر أنه لا بأس بذلك وله ما كان من فضل وكلما فسد العقد كان الحاصل لمالك البذر لأنه نماء
ملكه مالكا كان أو عاملا ولو كان منهما جميعا فالحاصل بينهما على نسبته ولكل منهما على الآخر أجرة
مثل ما يخصه من الأرض والعمل والآلات بقدر حرمانه من الحاصل فلو كان جميعه للمالك كان
عليه جميع أجرة العامل أو للعامل فعليه أجرة الأرض للمالك أو بينهما بالنصف رجع المالك
بنصف أجرة أرضه والعامل بنصف أجرة عمله وعلى هذا القياس ولو كان من ثالث كان الحاصل
له وعليه لهما جميع أجرة الأرض والعمل
باب المساقاة وهي معاملة على أصول ثابتة بين مالكها
والذي يقوم بسقيها وتعهدها بما يستزاد به الثمرة بحصة من حاصلها فهي منسلخة أيضا مع
تغليب أو فيها تغليبان وفي صحيحة يعقوب بن شعيب في الرجل يعطي الرجل أرضه وفيها الرمان
والنخل والفاكهة ويقول اسق هذا من الماء واعمره ولك النصف مما خرج قال لا بأس ويشترط
امكان الانتفاع من الأشجار بأن يكون لها ماء يكفيها للسقي غالبا سواء كان الماء من المالك
أو العامل وتبطل بدون ذلك وإن رضي العامل كما في المزارعة ولو كانت الأشجار مما يثمر من
غير ماء كالسدر والزيتون والبلوط في بعض البلاد والكرم والتين في بعضها صحت المعاملة
عليها لما عدا السقي من الأعمال جعالة والصلح يأتي على الجميع وإنما تصح المساقاة حيث تصح بشرط
إشاعة النماء كله بينهما متساويا أو متفاضلا كما مر سواء كان كله من نوع واحد أو أنواع متعددة
كما في الصحيح أو افراد كل نوع منها بحصة كالنصف من العنب والثلث من الرطب مع علمهما
بمقدار النوع ولو بالمشاهدة حذرا من وقوع أقل الجزئين لأكثر الجنسين مع الجهل به وضبط
المدة بما يدرك فيه الثمرة غالبا من الأيام أو الأشهر أحوط من ضبطها بالادراك فإنه قد يتقدم
ويتأخر ولا ينضبط فيحصل الغرر وفي باقي أحكامها من اللزوم والانفساخ بما ذكر واختصاص كل
منهما ببعض المؤن وغير ذلك كالمزارعة ومن ثم أوردهما أكثر الأصحاب ومنهم المصنف في المفاتيح
جملة واحدة إلا في أمرين أحدهما ما نقل عن الشيخ في المبسوط من بطلان المساقاة بموت
أحدهما مطلقا ونسبه المصنف وغيره إلى الشذوذ والآخر أنه ليس للعامل هنا أن يساقي غيره
من دون إذن المالك سواء كان مشروطا عليه العمل بنفسه أم لا لأنه لا يملك شيئا إلا الحصة
من الثمرة بعد ظهورها والأصول إنما هي للمالك فلا يجوز له اثبات يد الغير عليها بدون إذنه
بخلافه هناك فإن له أن يزارع على الأرض غيره ما لم يكن مشروطا عمله بنفسه لانتقال منفعتها إليه
بالعقد اللازم فيجوز له نقلها إلى من يشاء إذ الناس مسلطون على أموالهم وقيل لا يجوز له تسليم
الأرض إلا بإذن المالك وقيد بعضهم الجواز بما إذا كان البذر منه فإن كان من المالك فكالمساقاة
ويجوز فيهما الخرص على العامل بعد الادراك ففي صحيحة الحلبي وغيرها أن رسول الله صلى الله عليه وآله أعطى خيبر
بالنصف أرضها ونخلها فلما أدركت الثمرة بعث عبد الله بن رواحة فقال ما يقول هؤلاء
فقال قد خرصت عليهم بشئ فإن شاؤوا يأخذون بما خرصنا وإن شاؤوا أخذنا فقال رجل من
اليهود بهذا قامت السماوات والأرض
باب احياء الموات الأرض أما ميتة أو عامرة والمراد
بالميتة البايرة التي لا منفعة مهمة فيها والعامرة بخلافها والموات كلها للإمام (ع) وهي من الأنفال
بالنصوص والاجماع والناس كافة في زمن الغيبة مأذونون من قبله (ع) في احيائها بالعمارة وتملكها بذلك
245

تبعا لما أحدثوه من الآثار سواء كانت قد ملكت وقتا ما ثم ماتت أم لا للصحاح المستفيضة فيه
بالعموم والخصوص كصحيحة الفضلاء وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وآله من أحيى أرضا مواتا فهو له وصحيحة عبد الله
بن سنان عن أبي عبد الله (ع) في رجل أحيى أرضا مواتا فكري فيها نهرا وبنى بيوتا وغرس نخلا وشجرا
فقال هي له وله أجر بيوتها الحديث وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض
وعمروها فهم أحق بها وهي لهم وصحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (ع) أيما رجل أتى خربة بايرة
فاستخرجها وكرى أنهارها وعمرها فإن عليه فيها الصدقة فإن كانت أرضا لرجل قبله فغاب عنها
وتركها وأخربها ثم جاء بعد يطلبها فإن الأرض لله عز وجل ولمن عمرها وصحيحة عمر بن يزيد عنه (ع)
في رجل أخذ أرضا مواتا تركها أهلها فعمرها وكرى أنهارها وبنى فيها بيوتا وغرس فيها نخلا و
شجرا فقال كان أمير المؤمنين (ع) يقول من أحيى أرضا من المؤمنين فهي له الحديث وصحيحة أبي خالد
الكابلي عن أبي جعفر (ع) وجدنا في كتاب على أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده فمن أحيى
أرضا من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها إلى الإمام وله ما أكل منها وإن تركها أو أخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها فهو أحق بها من الذي تركها فليؤد خراجها
إلى الإمام والحديث مختصر وفي معناها غيرها وهي بعمومها شاملة لما إذا كان صاحبها الأول
قد تملكها بالاحياء أو بغيره من أسباب الملك ولما إذا كان معروفا أو مجهولا بل صحيحة ابن وهب
صريحة في كونه معروفا إلا أن العلامة في التذكرة نقل اجماع أهل العلم على أنه إن كان قد تملك
بغير الاحياء وكان صاحبها معروفا لم يزل ملكه عنها فالاحتياط حينئذ أن تكون له واختلفوا
فيما إذا كان قد تملكها المعروف بالاحياء فقيل إنه كذلك أيضا لصحيحة الحلبي وسليمان بن خالد
عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يأتي الأرض الميتة فيستخرجها ويجري أنهارها ويعمرها ويزرعها
ماذا عليه قال عليه الصدقة قلت فإن كان يعرف صاحبها قال فليرد إليه حقه وقيل إنه يزول
ملكه عنها لأن العلة في تملكها إنما كانت الاحياء والعمارة وزوال العلة ملزوم لزوال المعلول
كما لو أخذ ماء من دجلة ثم رده إليها وليس من مواقع الاجماع ليخرج به عن مدلول الصحاح الأولة
ويجمع بينها وبين الأخيرة بحمل هذه على صورة الاجماع وهو أقرب من حمل تلك على صورة الجهل
سيما صحيحة ابن وهب إلا أن يراد بمعرفته معرفته في أول الأمر وربما يجمع بينها بوجه آخر هو
أن الملك للأول والثاني أحق بمنافعها وعليه النطق للمالك ويؤيده ما وجدناه في النسخ المصححة
من الفقيه والتهذيب فليؤد بدل فليرد وهكذا نقله الشهيد الثاني في شرحي الشرايع واللمعة
وقد تواتر بين المتأخرين أن نسخة الأصل من التهذيب كانت موجودة عنده إلا أن ما ذكره
من ضعف رواية سليمان بالقطع غير ظاهر الوجه وأما العمران فما ملكت منها من الحربيين
بغير قتال فهي للإمام أيضا سواء انجلى أهلها عنها أو سلموها طوعا لأنها من الأنفال أيضا
وما ملكت منها منهم بقتال وهي المفتوحة عنوة كمكة وشام وأكثر بلاد الاسلام فهي للمسلمين قاطبة
ومنهم المقاتلون والنظر فيها إلى الإمام أو نائبه يصرف خراجها في مصالحهم مثل سد الثغور و
معونة العلماء والغزاة وبناء القناطر ونحو ذلك وليس لواحد منهم التسلط عليها بتصرف ناقل
للعين كالبيع أو المنفعة كالإجارة لتوقف ذلك على الملك الخاص ولا غيره كالزرع والغرس و
الرعي إلا بإذن الإمام قبول أداء ما يرسمه من الخراج فيقتصر على القدر المأذون إن لم يكن
مطلقا ولو كان لأحدهم فيها بناء أو زرع أو شجر جاز له بيعه لأنه مملوك وكونه في أرض الغير لا
يمنع من التصرف في ملكه فيبيعه خاصة دون الأرض لاختصاص المقتضي بالآثار المذكورة وقيل
يجوز بيعها حينئذ تبعا لها لا منفردة وفي رواية أبي بردة بن رجا قلت لأبي عبد الله (ع) كيف ترى
شراء أرض الخراج قال ومن يبيع ذلك وهي أرض المسلمين قلت يبيعها الذي هي في يده قال ويصنع
بخراج المسلمين ماذا ثم قال لا بأس أن يشتري حقه منها ويحول حق المسلمين عليه ولعله يكون أقوى
عليها وأملي بخراجها منه والظاهر كما في الاستبصار أن المراد بحقه ما له من التصرف دون رقبة
الأرض فلا يمكن الاستدلال بها للأخير وما أسلم أهلها طوعا كالمدينة والبحرين فهي لهم يملكونها بالخصوص
وليس عليهم فيها شئ سوى الزكاة فإن تركوها إلى أن صارت خرابا فهي للمسلمين قاطبة كساير
الموات ففي صحيحة البزنطي وغيرها عن الرضا (ع) من أسلم طوعا تركت أرضه في يده وأخذ منه
العشر ونصف العشر فيما عمر منها وما لم يعمر منها أخذه الوالي فقبله ممن يعمره وكان للمسلمين الحديث
وما عليه الأكثر من أن على الإمام لأربابها حق الرقبة من القبالة خلاف الظاهر من الرواية وما في معناها
وكأنه مراد من ذهب إلى أنها باقية على ملك الأول وإلا فهي صريحة في خلافه وما صالح أهلها
المسلمين على أنها تكون لهم وعليهم ما صالحهم الإمام عليه عملا بمقتضى الشرط أو على أنها تكون
للمسلمين كأرض خيبر فهي على ما صولح عليه عملا بمقتضى الشرط والماء والنار والكلاء مباحة
بالأصل الناس فيها سواء وعن أبي الحسن (ع) إن المسلمين شركاء في الماء والنار والكلأ قال المصنف
في الوافي أي ليس لمسلم أن يمنع أخاه المسلم ماء الوادي ولا كلاء البوادي ولا اقتباس النار والمروي
بلفظ الناس من طريق القوم وهو أبلغ في سبوغ الفضل وسعة الرحمة لأنها من المرافق العامة
لا يملكها أحدهم إلا بالحيازة كاحراز الماء في آنيته اجماعا أو اخراجه من الوادي إلى نهره على المشهور
أو الاستنباط له من الأرض باحتفار بئر أو قناة بقصد التملك في الجميع فيملكه المحرز والمخرج والمستنبط
وله منع الغير عنه كساير الأملاك وعن الشيخ أنه أوجب على مالك البئر والعين بذل الفاضل عن
حاجته لشربه وشرب ماشيته وزرعه بغير عوض لمن يحتاج إليه لشربه وشرب ماشيته لا لسقي
246

الزرع والشجر ونحوه والفرق أن الحيوان محترم لروحه بخلاف غيره واحتج له بما ورد في النهي عن
بيع فضل الماء كرواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن النطاف
والأربعاء قال الأربعاء أن تسني مسناة فتحمل الماء فتسقي به الأرض ثم تستغني عنه قال فلا تبعه
ولكن أعره جارك والنطاف أن يكون له أن يشرب فيستغني عنه يقول لا تبعه أعره جارك وأخاك وفي
معناها غيرها وهي ظاهرة في الكراهة دون التحريم وروى سعيد الأعرج عنه (ع) في الرجل يكون له الشرب
مع قوم في قناة له فيها شركاء فيستغني بعضهم عن شربه أيبيع بشربه قال نعم إن شاء باعه بورق وإن
شاء باعه بكيل حنطة وفي حسنة الكاهلي عنه (ع) يبيعه بما شاء هذا مما ليس فيه شئ وكذا المعادن
مباحة بالأصل عند الأكثر والناس فيها شرع فمن سبق إلى شئ منها فله أن يأخذ منها ما يشاء سواء
الظاهرة منها كالملح والنفط وبعض الجواهر والفلزات والباطنة كالذهب والفضة ونحوهما مما
لا يحصل إلا بالعمل وقيل كلها للإمام وشيعتهم في حل منها وهو المدلول عليه بالروايات ومنهم من خص
به (ع) ما كان في أرضه كالموات وأما ما في العمران فلأربابها ولا يجوز صرف الماء عن النهر المملوك
إذا كان عليه رحى لغير صاحب النهر إلا بإذن صاحب الرحى لاشتماله على ضرره وفي المكاتبة الصحيحة
إلى العسكري (ع) رجل كانت له رحى على نهر قرية والقرية لرجل فأراد صاحب القرية أن يسوق إلى
قريته الماء في غير هذا النهر ويعطل هذه الرحى أله ذلك أم لا فوقع (ع) يتق الله ويعمل في ذلك
بالمعروف ولا يضر أخاه المؤمن ويشترط في جواز الاحياء شروط أربعة أحدها أن لا يكون عليها يد
محترمة من مسلم أو مسالم سواء كانت معلومة السبب أو مجهولته ولو بالتحجير وهو الشروع في الاحياء
قبل اتمامه فإنه يفيد الأولوية للمحجر على المشهور كمن سبق إلى مكان من المسجد أو السوق أو الرباط
فإنه أحق به من غيره ما دام فيه كما يأتي وقيل إنه يفيد الملك وكيف كان فلا يصح رفع يده عنها قهرا
فإن أهمل صاحبه اتمامه أجبره الحاكم إن شاء أو بشرط استدعاء غيره على الاتمام أو التخلية له فإن
امتنع أذن له وإن اعتذر بشاغل مرجو الزوال أمهله بقدره وثانيها أن لا يكون حريما لعامرة
لأن صاحبها يستحقه إذ هو من مرافقها وهل هو على وجه الملك أو محض الألوية قولان أشهرهما
الأول وأظهرهما الأخير وإن كانت النصوص قاصرة عنهما وتظهر الفائدة في بيعه منفردا ولو وقع
بلفظ الصلح عما يستحقه منه كان أقرب إلى اليقين وإنما يثبت إذا كانت العمارة مبكرة في الموات
أما الأملاك المعمورة المتلاصقة فلا حريم لشئ منها على الآخر لأنها متعارضة وليس جعل موضع
حريما لدار أو غيرها أولى من جعله حريما للأخرى فلكل من الملاك التصرف في ملكه كيف يشاء و
ثالثها أن لا يكون مشعرا أي محلا للعبادة شرعا كعرفة وجمع بصيغة المصدر وهو المشعر الحرام
يجتمع فيها الحاج ومنى لما في تسويغ احيائها من تفويت الغرض ومنافاته البغية منها إلا ما لا
يضر بها ولا يؤدي إلى الضيق كما استثناه المحقق وهو المناسب لما ذكر من التعليل وإن نسب
إلى الندور ورابعها أن لا يقطعه الإمام لأحد المسلمين أو يحماه كذا في نسخ الكتاب والمفاتيح والصواب
يحميه كيرميه ولا فرق بين أن يحميه لنفسه أو لغيره وقد أقطع النبي صلى الله عليه وآله ابن مسعود الدور وبلال بن
الحارث العقيق ووائل بن حجر أرضا بحضرموت والزبير بن العوام حضر فرسه وحمى البقيع لإبل
الصدقة ونعم الجزية وخيل المجاهدين في سبيل الله وكل ذلك وإن لم يفد ملكا إلا أنه يفيد أولوية
واختصاصا إلا أن تزول المصلحة التي وقع لأجلها فإن الظاهر جواز تعرضه حينئذ من دون استيذان
وليس لغيره من المسلمين ذلك اجماعا لتعلق حق الجميع به فلا يختص به أحدهم وفي الحديث النبوي
لا حمى إلا لله ولرسوله ويختلف حكم الاحياء والتحجير والحريم باختلاف المقصود من العمارة أما إلا
ولأن فقد اعترفوا فيهما بعدم النص لغة وشرعا فيرجع إلى العرف فلا بد في الاحياء للسكنى مثلا من
الحايط بالآجر أو الصخر أو اللبن أو الطين أو القصب أو نحوها بحسب العادة وللزراعة اجراء الماء
عليها بساقية أو دولاب أو نحو ذلك وإن كانت مما يعتادها الغيث فلا أقل من أن يجعل حولها
شوكا أو قصبا أو ترابا ونحوه لتنفصل المحياة عن غيرها وعلى هذا القياس وأما الأخير فالمنقول في
المفاتيح أن للقرى ما حواليها من محل اجتماع الناس ومربض الخيل ومناخ الإبل ومطرح الرماد والسماد
وسائر ما يعد من مرافقها وفي مرعى البهائم اشكال وللدار مطرح ترابها والرماد والكناسة والثلج و
قمامة المنزل ومسيل المياه والممر في الصوب الذي يفتح فيه الباب ولو بانعطاف لمسيس الحاجة
إلى ذلك وقيل لا حريم للدار لعدم دليل عليه بل لو أراد المحيى أن يبني بجنبها لم يلزمه أن يبعد عن
بنائها نعم له منع ما يضر بالحيطان كحفر بئر بقربها ويشهد له فعل الناس في البلدان إذ يبعد اتفاقهم
على الاحياء دفعة والأول أشهر وللحايط مطرح آلاته لأن الحاجة تمس إليه عند سقوطه ولمجرى الماء
ما يطرح فيه ترابه ويمشي على حافتيه للانتفاع والاصلاح وللشجر ما تبرز إليه أغصانه وتسري إليه
عروقه عادة ولو بعد حين والمروي بعدة ألفاظ أن حريم النخلة طول سعفها ولبئر المطعن وهي ما يستقي
منها لشرب الإبل أربعون ذراعا ولبئر الناضح وهي التي يستقي منها للزرع وغيره ستون كما في رواية
السكوني وفي رواية حماد بن عثمان وغيرها حريم البئر العادية أربعون ذراعا حولها والعادية القديمة نسبة
إلى عاد وفي رواية أخرى وهي رواية وهب بن وهب خمسون ذراعا إلا أن يكون إلى عطن أو إلى الطريق
فيكون أقل من ذلك إلى خمسة وعشرين ذراعا وزيد في بعضها وحريم البئر المحدثة خمسة وعشرون ذراعا
وقيل ما يحتاج إليه في الانتفاع المقصود منها واختاره المصنف تنزيلا للروايات على ذلك وللقناة ألف
ذراع في الرخوة وخمسمائة في الصلبة على المشهور بمعنى عدم جواز احداث قناة أخرى في ذلك المقدار
لئلا ينتقل ماء الأولى إليها وإن جازت التصرفات الأخر لمرسلة الصدوق وروى مثل ذلك بين البئرين
247

وفي رواية السكوني ما بين العين إلى العين خمسمائة ذراع وحده بعض القدماء بما ينتفي معه الضرر
واعتمده المصنف للمكاتبة الصحيحة عن العسكري (ع) في رجل كانت له قناة في قرية فأراد رجل أن يحفر
قناة أخرى إلى قرية أخرى له كم يكون بينهما من البعد حتى لا تضر بالأخرى في الأرض إذا كانت صلبة
أو رخوة فوقع (ع) على حسب أن لا تضر إحديهما بالأخرى انشاء الله وروى الصدوق مرسلا أن حريم
المسجد أربعون ذراعا من كل ناحية وحريم المؤمن في الصيف باع قال وروي عظم ذراع وورد في
بعض الروايات تحديد الطريق بخمسة أذرع وفي بعضها بسبع وربما يجمع بالحمل على اختلاف الطرق
في حاجة المرور كالتي للقوافل والتي للأملاك ولا يجوز الانتفاع بالطرق بغير الاستطراق وإن زادت
على السبع لأنها من الحقوق العامة للناس فلا يختص بها أحدهم إلا ما لا يضر به كالوقوف للحاجة
والجلوس للاستراحة والمعاملة ونحوها من غير تضييق على المارة وفي المفاتيح أنه لا بأس بالتظليل
بما لا يضر وبناء الدكة والجلوس للبيع والشراء وسائر الحرف في الرحاب المتسعة بحيث يؤمن من
تضرر المارة به نظرا إلى العادة وإلا فلا وقيل بالمنع من ذلك مطلقا والأول أشهر وإنما الممنوع
في الرواية مطلقا الأخذ منه وليس للنساء في وسط الطريق حق ففي النبوي وغيره بأسانيد صحيحة
وغيرها ليس للنساء من سراة الطريق شئ ولكن جنبيه وسراة الطريق وسطه كما فسر به في بعضها
وعن أبي الحسن (ع) لا ينبغي للمرأة أن تمشي في وسط الطريق ولكن تمشي في جانب الحايط ومن سبق
إلى مكان منه فاتخذه محلا حيث يسوغ ذلك أو من السوق أو المسجد فهو أحق به ما دام فيه سواء
كان مشتغلا بما أعد له أم كان ذلك من نيته وعن أمير المؤمنين (ع) سوق المسلمين كمسجدهم فمن
سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل فلو فارقه بطل حقه لأنه إنما استحقه بالكون فيه فيزول بزواله
إلا إذا كانت مفارقته بنية العود ويعرف ذلك باخباره أولا أو بقاء الرحل فإنه من أوضح القرائن
على إرادة العود فيستصحب حقه إلا إذا أدى إلى التعطيل كطول المفارقة وحضور الجماعة في المسجد
واستلزام تجنب موضعه وجود خلل في الصف وكذا المدارس والربط بضمتين جمع رباط وهي
المنازل المرصودة للواردين لمن له فيها حق السكنى بحسب شرط الواقف فإن السابق فيها أحق وإن
تطاولت المدة ولا يبطل حقه بالخروج للحاجة إلا إذا أدى إلى التعطيل ويجوز فتح الأبواب المستجدة إلى
الطرق النافذة وإن لم يأذن الجار أو كان للدار باب آخر بلا خلاف دون الطرق المرفوعة فلا يجوز
إليها إلا بإذن أهلها سواء كانت مضرة أم لا لاختصاصها بهم وكذا يجوز في النافذة دون المرفوعة
اخراج الرواشن جمع روشنة وهي الخشب الممتدة من الحايط على الطريق بحيث لا تصل إلى الحايط المقابل
فإن وصلته فساباط ومثلها الأجنحة وهي التي يعمد لها في الطريق والجائز منهما العالية الغير الضارة
بالمارة الذين يعتاد سلوكهم فيها وإن تضرر غيرهم أو عارض فيها مسلم وقيل بل يشترط انتفاء الضرر
مطلقا لأن الهواء ليس ملكا له بل لجميع المسلمين فيشترط انتفاء الضرر عنهم جميعا وبمثله احتج
من اشترط انتفاء المعارض وأجيب بمنع كونه ملكا لجميع المسلمين بل للمستطرقين خاصة
فالمشروط انتفاء ما ينافي الاستطراق خاصة والمعارض الغير المتضرر معاند فلا عبرة به
ولو سقط ما وضعه من الروشن أو الجناح فسبق جاره قبل تجديده إلى مثله بحيث لم يبق له
محلا لم يكن للأول منعه لأنهما فيه شرع كالسبق إلى القعود في المسجد ولم يكن له بذلك إلا الأولوية
فإذا زال زالت أما الروازن والشبابيك في النافذة والمرفوعة فيجوز فتحها إليهما مطلقا أذن
أهلها أم لا كما يجوز إلى سائر الأملاك والدور الخالصة وإن أشرف على عورة الجار وكذا
تعلية سمك الدار من غير حاجز والصعود على سطحه لأن الناس مسلطون على أموالهم كما في النبوي
المستفيض فلهم التصرف فيها كيف شاؤوا ولا يعارض ذلك بحرمة التطلع على عورات الجار
وأنه من الضرر المنفي لأنه إنما يحرم التطلع وليس شئ مما ذكر مستلزما له ولو تطلع كان له منعه عنه
لا من التصرف في الملك فيستفيد بذلك الضوء والنسيم في بيته وللجار وضع شئ في ملكه يمنع
الاشراف وإن منع الضوء والهواء أيضا لعين ما ذكر ولو خرجت أغصان شجرته أو عروقها إلى ملك
الجار وجب عليه قطعها من حد ملكه أو عطفها على المشهور لأنه تصرف في ملك الغير وشغل به وهو غير
جايز فإن لم يفعل ولم يرض الجار جاز له قطعها أو عطفها مخيرا بينهما كما هو ظاهر العبارة والأظهر ما
في المفاتيح وغيره من تقديم العطف إن أمكن ولا يتوقف شئ منهما على إذن الحاكم وفي وجوب مراجعة
المالك أولا قولان أحوطها الأول سدا لباب التنازع وما احتج به للأخير من أنه عدوان عليه وتوقفه
على إذن الغير ضرر فهو كاخراج البهيمة وأنه لو وقف عليها لتوقف على إذن الحاكم مع امتناعه وليس
فليس مقدوح أما الأول فلأن قضية العدوان معارضة بمثلها بل أفحش سيما إذا كان المالك
جاهلا بذلك والضرر في الإزالة من دون إذن أقوى والتنظير بالبهيمة قياس مع الفارق فإن البهيمة
حيوان يمكن أن يحدث منه في زمن الاستيذان مفسدة لا تستدرك فمست الحاجة إلى جواز
المبادرة إلى اخراجها بخلاف أغصان الشجرة وعروقها فإنه لا يعقل منها في مثل هذا الوقت اليسير
مفسدة البتة وأيضا خروج البهيمة إلى بيت الجار مما يمكن اسناد التقصير فيه إلى المالك أو وكيله
إذ فرطا في ضبطها بخلاف خروج الأغصان فإنه ليس من فعله ولا مستندا إليه ومن ثم بعضهم في
ظاهر كلامه إلى عدم وجوب الإزالة عليه وإن جاز لصاحب الأرض وأما الثاني فلمنع الملازمة
إذ ليست بينة ولا مبينة ولم لا يجوز أن يكون مثل التقاص عند من لم يوقفه على إذن الحاكم
كما سبق
باب الغصب والاتلاف الغصب في اللغة أخذ الشئ ظلما مطلقا وقيل جهارا وهو حرام
عقلا وشرعا بالضرورة من الدين ويتحقق باثبات اليد على حق الغير بغير حق ففيه قيود آ
248

اثبات اليد والمراد به الاستيلاء فلا يتحقق بوضع اليد على ثوبه الذي هو لابسه أو فرسه الذي
هو راكبه كما لا يتحقق بمجرد رفع يد المالك عنه ما لم يثبت يده عليه وإن أثم ولو شاركه في حقه
كان غاصبا وكذا لو تشارك اثنان فصاعدا في غصب كان كل منهما ومنهم من أبدله بالاستقلال
فيخرجان وإن أمكن تطبيقه على ما ذكر بضرب من التأويل ب أن يكون على حق الغير وهو يشمل
العين والمنفعة والمال وغيره كحق المدرسة والمسجد والرباط وكذا لو غصب ماله المرهون من
يد المرتهن ومن أبدله بمال الغير أخرجهما ويندرج فيهما خنزير الذمي حيث يقر عليه ولا يجوز مزاحمته
فيه وفي رواية غياث أن عليا (ع) ضمن رجلا مسلما أصاب خنزير نصراني قيمته وألحق به خمره
ج أن يكون لغير حق فيخرج المرتهن والوكيل والمستأجر والمودع والمستعير ويدخل الجاهل والمخطئ
وإن عذرا في الإثم بسبب الجهل والخطأ وأبدله بعضهم بقوله عدوانا فيخرجان وإن ضمنا فتأمل
والغصب يوجب على الغاصب للمالك ضمان العين المغصوبة والمنافع المستوفاة وغيرها لتفويتها
عليه وإن كانت من فعل الغاصب كتعليم الصنعة ورياضة الدابة ويجب عليه رده إليه فورا ما دام
باقيا مع الامكان وإن تعسر كالخشبة المستدخلة في البناء واللوح في السفينة والخيط في الثوب
والممزوج الشاق تمييزه كالحنطة بالشعير لعموم على اليد ما أخذت حتى تؤدي والغصب مردود
كله ونحوهما ومؤنة التخليص على الغاصب لأنها من مقدمات الرد الواجب عليه وكذا المنقول إلى
بلد آخر ولو رضي المالك به هناك لم يكن للغاصب قهره على الإعادة أما لو طلب الأجرة عنها لم
يلزم إجابته وإن نقص المغصوب أو حدث فيه عيب عند الغاصب بفعله أو غيره حيوانا كان أو غيره كما
هو ظاهر الاطلاق رده مع الأرش وإن استوعب القيمة والقول بأن الواجب حينئذ دفع القيامة خاصة
دون العين الناقصة أو المعيبة كما لو تلفت لئلا يلزم الجمع بين العوض والمعوض عنه ضعيف بأن
المدفوع إنما هو عوض الفائت والباقي عين مال المالك ولم يصدر منه ما يوجب نقله عنه فيجب
رده إليه وعن الشيخ في الخلاف في أعضاء الدابة أن كل ما في البدن منه اثنان ففيهما جميعا القيامة
وفي أحدهما نصفها محتجا بالاجماع وبما ورد في دية الانسان وكلاهما ممنوعان وفي الصحيح وغيره
عن أبي عبد الله (ع) أن من فقأ عين دابة فعليه ربع ثمنها وفي أخريين أن عليا (ع) قضى بذلك ولم
يلتفت إليها الأكثر وأرش المملوك يقاس إلى قيمته كما مر في باب الجناية سواء زاد عن الأرش السوقي
أو نقص وقيل إن كان النقص بفعل الغاصب ألزم أكثر الأمرين من المقدر والأرش السوقي تغليبا
لجانب المالية ومؤاخذة له بالأشق وإن كان بفعل غيره فالمقدر على الجاني والزايد على الغاصب
وإن تلف مطلقا فالواجب غرامة المثل إن أمكن وإن تعذر فاعلي القيم من يوم الغصب إلى يوم
التلف على خلاف قد سبق ثمة وورد في الكلب السلوقي أربعون درهما وعليه الأكثر وقيل قيمته
ما لم يتجاوز الأربعين وفي كلب الغنم كبش وفي أخرى عشرون درهما وفي كلب الزرع قفيز من طعام
وايجاب عشرين درهما في كلب الحايط غير معلوم المستند بل الذي تضمنته رواية السكوني الرجوع إلى القيامة
فيه وفي كلب الصيد والغنم وقيمة المملوك مقدرة بما لا يتجاوز دية الحر وقيل إن قتله الغاصب كان
عليه قيمته وإن تجاوزتها تغليظا وإن اختلفا في القيمة فالقول قول المالك مع يمينه إلا أن ير اليمين
على الغاصب كما في صحيحة أبي ولاد وقيل بل قول الغاصب لأنه المنكر للزيادة إلا أن يدعي ما يعلم كذبه
كالدرهم قيمة للعبد وإن زادت عين المغصوب عند الغاصب بفعله فإن كانت أثرا كتعليم الصنعة
ونسج الغزل وتزويق البيت رده ولا شئ له لتعديه بل يجب عليه رده إلى الحالة الأولى مع المطالبة
من المالك مع الامكان والأرش مع النقصان في العين عما كان قبل تلك الزيادة وإن كانت
عينا محضة كما إذا خلط الزيت بمثله فالذي عليه المصنف وغيره أنهما شريكان بالنسبة إلا مع
الخلط بالأردأ فيتخير المالك بين أخذ حقه من العين مع الأرش وبين طلب المثل وقيل
بل ينتقل إلى المثل مطلقا لاستهلاك العين أما لو خلط بغير جنسه واستهلك كدقيق
الحنطة بدقيق الشعير والزيت بالدبس ضمن المثل وفيه وجه بثبوت الشركة أيضا ولو كانت
أرضا وزرعها أو غرسا الغاصب ببذره وشجره فالزرع والغرس ونماؤهما له وعليه الأجرة
بالمثل للأرض والإزالة بأسرع ما يمكن من أفراد القلع وإن لم يبلغ أوانه لأن فعله عدوان فلا
حرمة له وعليه أيضا طم الحفر الحادثة بفعله والأرش إن نقصت الأرض بذلك وكذا لو بنى فيها بناء و
لا يجب على أحدهما إجابة الآخر إلى تملك ما يملكه بعوض ولا غيره وقيل يتخير المالك بين أن يدفع إلى
الغاصب نفقته على العين التي يجدها ويأخذها وبين أن يتركها له وعن عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (ع)
في رجل أتى أرض رجل فزرعها بغير إذنه حتى إذا بلغ الزرع جاء صاحب الأرض فقال زرعت
بغير إذني فزرعك لي وعلي ما أنفقت أله ذلك أم لا فقال للزارع زرعه ولصاحب الأرض كري
أرضه وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) في رجل اكترى دارا وفيها بستان فزرع في البستان وغرس
نخلا وأشجارا وفواكه وغير ذلك ولم يستأمر صاحب الدار في ذلك فقال عليه الكري ويقوم
صاحب الدار الزرع والغرس قيمة عدل ويعطيه الغارس إن كان استأمره في ذلك وإن كان لم
يستأمره في ذلك فعليه الكري وله الزرع والغرس ويقلعه ويذهب به حيث شاء وفي حديث
آخر عن أبي عبد الله (ع) فيمن أخذ أرضا بغير حقها وبنى فيها قال يرفع بنائه وتسلم التربة إلى صاحبها
ليس لعرق ظالم حق وأما الاتلاف فهو أيضا موجب للضمان سواء كان المتلف نفسا أو غيره عينا
أو منفعة وقد يكون بالمباشرة وقد يكون بالتسبيب والضابط أن ما له مدخل في تلف الشئ
أما أن يكون بحيث يضاف إليه التلف في العادة إضافة حقيقية أو لا والأول يسمى علة والآتيان
249

به مباشرة والثاني إن كان من شأنه أن يقصد بتحصيله العلة سمي سببا والآتيان به تسبيبا
وإذا اجتمع المباشر والسبب في الاتلاف قدم المباشر كالسارق الذي دله غيره على مال محترم أو فتح
له الباب فأخذه فإن الغارم المقطوع هو المباشر للأخذ دون الدال وفاتح الباب والظالم الذي
سعى إليه بمظلوم فأخذ ماله أو جنى عليه فإن الحق على الآخذ الجاني دون الساعي وإن كان آثما
وهذه من الضوابط المطردة إلا مع قوة السبب كالمكره في غير القتل ومقدم الطعام إلى الضيف
لو أكله والملقي للحيوان في المسبعة لو قتله السبع وفاك القيد عن الدابة لو شردت أو القفص عن
الطاير لو طار فإن المباشر في الأولين ضعيف بالاكراه والغرور وفيما عداهما بكونه حيوانا
غير مكلف ولو تعاقبت الأيدي على المغصوب تخير المالك في إلزام جميعهم أو بعضهم أيهم شاء
واحدا أو أكثر بدلا واحدا سواء علموا جميعا بالغصب أم جهلوا أم بالتفريق ويرجع الجاهل منهم
بما اغترم على من غره وإن تلفت في يد من يده ضمان كالعارية المضمونة استقر الضمان عليه
فإن أغرمه المالك لم يرجع على غيره وإن أغرم غيره رجع عليه
باب اللقطة بضم الفاء وفتح
العين اسم المال الملقوط دون الملتقط ويجوز تسكين العين أيضا وأطلقها الأكثر على ما
يشمل اللقيط تغليبا والمصنف اقتصر فيها على الحقيقة فبحث عنه فيما مضى من كتاب الحسبة
كما بحث عن لقطة الحرم في كتاب الحج وخص ما عداهما بكتاب الكسب رعاية للمناسبة التامة كما مر
ويعتبر فيه كونه ضايعا لا يد عليه وهو إما حيوان أو غيره والأخير يسمى صامتا وربما يخص باسم
اللقطة والأول ناطقا أما الصامت فيكره أخذه فورد في الصحيح أنه ذكر لأبي عبد الله عليه السلام
اللقطة فقال لا تعرض لها فإن الناس لو تركوها لجاء صاحبها حتى يأخذها وعن أمير المؤمنين (ع)
إياكم واللقطة فإنها ضالة المؤمن وهي من حريق النار هكذا في نسخ الكتاب والمفاتيح والموجود
من طرق الأصحاب في الفقيه وهي حريق من حريق جهنم وهكذا نقله في الوافي ويملك من الفضة ما كان
وزنه ومن غيرها قيمته دون الدرهم بمجرد الالتقاط من المباح من غير تعريف إذا لم يعرف صاحبه
ولو في جماعة محصورين بلا خلاف وهذا التملك في معنى الإباحة فلو ظهر مالكه وعينه باقية وجب
رده عليه على المشهور وفي وجوب عوضه مع تلفه قولان ويعرف ما سواه درهما فما زاد حولا من حين
الالتقاط ولو آخره فمن حين الشروع ويأثم لو كان اختيارا عند الأكثر ولا يجب استيعاب الحول به
ولا كل يوم اتفاقا بل يكفي ما يعد تعريفا عرفا إذ لم يرد له حقيقة في الشرع وفي المفاتيح أن الظاهر
تحققه في الابتداء في كل يوم مرة أو مرتين ثم في كل أسبوع أو في كل شهر كذلك وليكن في مجمع
الناس ويكره في المساجد على وجه كما تقدم وبأوصاف مشترك كيلا يدعيه كاذب وكلما أو غل
في الابهام كان أحوط ومن ثم كان من الجزم للملتقط أن لا يريها أحدا ولو كان ثقة وللمالك أن لا
يخبر بضياع ماله سيما من له الخبرة بأخص أوصافه ويجوز للمعرف أن يستنيب فيه ويستأجر أمينا
والأجرة عليه وهي أمانة شرعية مدة الحول لا يضمنها إلا بالتفريط والتعدي فإن جاء أي عرف
صاحبها في حق التعريف فهو أولى بها ويعرف بالبينة وإن أخبر بالعلامات الخاصة التي لا يعرفها
إلا المالك غالبا جاز الدفع إليه لكونه من القرائن الواضحة ولظاهر رواية سعيد الجعفي وأن لا يعرف ملكها الملتقط إن شاء ضمانا لمالكها إن جاء بعد اتلافها كما في بعض الروايات أو استبقاها
أمانة في يده يجري عليها ما يجري على ماله حتى يجئ لها طالب فإن لم يجئ لها طالب فليوص بها في وصيته
كما في حسنة محمد بن مسلم وغيرها أو تصدق بها عنه فإن جاء ورضي فالأجر له وإن لم يرض أغرمها
الملتقط والأجر له كما في صحيحة علي بن جعفر وغيرها وإن كان الملقوط مما لا يبقى إلى سنة كالطعام قومه
على نفسه أو باعه على غيره وحفظ الثمن وعرف مدة الحول ثم بعد الحول والتعريف يعمل بالقيمة ما يعمل
بالعين من التملك والاستيمان والتصدق وعن أبي عبد الله (ع) إن وجدت طعاما في مفازة فقومه
على نفسك لصاحبه ثم كله فإن جاء صاحبه فرد عليه القيامة وعن أمير المؤمنين (ع) في سفرة وجدت
في الطريق مطروحة كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها وفيها سكين فقال يقوم ما فيها ثم يؤكل
لأنه يفسد وليس له بقاء فإن جاء طالبها غرموا له الثمن فقيل لا يدرى سفرة مسلم أو سفرة مجوسي
قال هم في سعة حتى يعلموا ويجوز له أن يدفع اللقطة إلى الحاكم ابتداء سواء كانت مما يبقى أو يفسد
من دون ضمان فيهما لأنه ولي الغائب وإليه النظر في ماله فكان كما لو دفع مال الطفل إلى وليه الخاص
وما يوجد موفونا أو بارزا في بقعة خربة قد جلا عنها أهلها بحيث لا يعرفون أو مفازة وهي البرية
القفر التي تكون مظنة العطب وسميت بذلك تسمية الزنجي كافورا أو تفالا أو دار الحرب بالتفسير
المتقدم أو يوجد مدفونا فيما لا مالك معروفا لها من الأراضي البايرة أو العامرة عدا المفاوز أو يوجد
في جوف حيوان مباح فالواجد أحق به في الحال من غير تعريف سواء كان قليلا أو كثيرا وسواء كان
عليه أثر الاسلام كالشهادتين أو اسم أحد من ملوك الاسلام أو لا ومنهم من جعل ما عليه الأثر
لقطة لدلالته على سبق يد المسلم فيستصحب وبه جمع بين صحيحتي محمد بن مسلم المطلقتين في أن
الواجد أحق بما يجد في الخربة ورواية محمد بن قيس أن عليا (ع) قضى فيه بالتعريف وضعفه
المصنف بضعف الرواية وبعد التأويل ووهن التعليل أما لو وجده في أرض غير مملوكة
بارزا كان لقطة يترتب عليها ما سبق من الأحكام كما لو وجده في أرض مملوكة ولم يعرفه المالك
وإن وجد شيئا ولو قليلا مخبيا في المملوكة لغيره أو المنتقلة إليه بالبيع أو نحوه عرفه المالك أو البايع
إن احتمل كونه منه كما في المفاتيح وإلا سقط التعريف وكان كالموجود في المباح مثل ما يوجد في جوف
السمكة التي يبيعها الصياد ثم إن عرفه فهو أحق به ويصدق بغير بينة ولا وصف وإلا فهو أحق
250

به فهو متوسط الحكم بين الكنز واللقطة يملك قبل الحول بعد تعريف خاص أرضا كانت المملوكة
الموجود فيها أو دابة أهلية كما في صحيحتي عبد الله بن جعفر فيمن اشترى جزورا أو بقرة للأضاحي
فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم أو دنانير أو جواهر لمن يكون ذلك فوقع (ع) عرفها البايع
فإن لم يكن يعرفها فالشئ لك رزقك الله إياه أما الوحشية فليست من مظان الاحتمال واطلاق
النص والفتوى يقتضي أيضا عدم الفرق بين ما عليه أثر الاسلام وغيره والخلاف الخلاف و
ما يوجد في الدار المعمورة المسكونة فهو لأهلها كما في صحيحتي محمد بن مسلم ولأن يدهم عليه فلا يجوز
التعرض له وإذا كانت الدار قد انتقلت إليهم بالبيع أو نحوه من بايع معروف ووجد فيها شيئا لم
يعرفوه وجب على واجده تعريف البايع مع الاحتمال فإن عرفه أخذه وإن كان لا يعرفه البايع أيضا
فهو للواجد مطلقا أو بشرط انتفاء الأثر وأما الناطق ويسمى الضالة فينقسم إلى ما يمتنع من السباع
بنفسه وما لا يمتنع والمنصوص من الأول البعير والدابة وألحق بهما البغل لاحتفاظه بقوته وكذا الغزلان
واليحامير المملوكة لامتناعهما بسرعة العدو ومن الأخير الشاة وقد يلحق بهما الدجاج وأطفال الإبل و
الخيل وفي البقر والحمار خلاف ومنهم من ألحق الأول بالأول والثاني بالثاني والنصوص خالية عن
هذا العنوان ولقد كان الاقتصار على ألفاظها أجود وأوفق بطريقة المصنف سيما في الكتاب و
بالجملة الممتنع من السباع منها إذا وجد في فلاة عند ماء وكلاء لا يجوز أخذه لأنه مصون عن التلف
والغالب أن من أضل شيئا طلبه حيث ضيعه فإذا أخذ ضاع عنه وورد في النبوي وغيره لا يأخذ
الضالة إلا الضالون إلا أن الوارد من طرقنا لفظة لا يأكل ولا يؤوى وفي المفاتيح مثل ما هنا وعنه صلى الله عليه وآله
البعير الضال مالك وله بطنه ووعاؤه وخفه حذاؤه وكرشه سقاؤه خل عنه فإن أخذه ضمنه
لأنه غاصب ولا يبرء إلا بايصاله إلى المالك أو الحاكم مع فقده لا بالارسال ولا بإعادته إلى مكانه
الأول واستثنى في المفاتيح ما إذا أخذه ليرده إلى مالكه وعن أمير المؤمنين (ع) في الضالة يجدها الرجل
فينوي أن يأخذ لها جعلا فتنفق قال هو ضامن فإن لم ينو أن يأخذ لها جعلا فنفقت فلا ضمان
عليه وكذا لا يجوز أخذ ما يوجد في العمران وفسرت بالمساكن المأهولة وما هو قريب منها بحيث
لا يخاف عليها من السباع غالبا وإن لم يمتنع على المشهور لعموم النواهي وأن في شمولها لغير الممتنع
خفاء فهو من مظان الاحتياط والأخذ باليقين وغير ذلك مما هو في معرض التلف كالصغير والكبير
في غير ماء وكلاء يجوز أن يأخذه الواجد على كراهة لانتفاء الفايدة للمالك في تركه ويملكه إن شاء
وفي ضمانه للمالك إذا ظهر قولان وإن شاء حبسها أمانة للمالك أو دفعها إلى الحاكم من غير ضمان
فيهما وورد عنه صلى الله عليه وآله في الشاة الضالة في الفلاة هي لك أو لأخيك أو للذئب وما أحب
أن أمسها وعن أبي عبد الله (ع) من أصاب مالا أو بعيرا في فلاة من الأرض قد كلت وقامت وسيبها
صاحبها مما لم يتبعه فأخذها غيره فأقام عليها وأنفق نفقة حتى أحباها من الكلال ومن الموت
فهي له ولا سبيل له عليها وإنما هي مثل الشئ المباح وعن أمير المؤمنين (ع) في الدابة إذ استرحها أهلها
أو عجزوا عن علفها ونفقتها فهي للذي أحياها وقضى في رجل ترك دابته بمضيعة فقال إن كان تركها
في كلاء وماء وأمن فهي له يأخذها متى شاء وإن تركها في غير كلاء وماء فهي لمن أحياها
باب السبق
بسكون الباء مصدر سبق إذا غلب في السباق مطلقا وخص في الشرع بالعقد المخصوص ويندرج
فيه الرماية ومنهم من أفردها بالذكر والأصل فيه ما ورد من طرق أصحابنا وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وآله
وأهل البيت (ع) لا سبق أي لا يصح إلا في نصل أو خف أو حافر وقد سبق اختلاف النقلة في تحريك
الباء وتسكينه ويترتب على الأول بقاء المسابقة بنحو الاقدام ورمي الحجار ورفعها والمصارعة والآلات
التي لا تشتمل على نصل والطيور ونحو ذلك بغير عوض على أصالة الجواز والترك أحوط ويدخل في النصل
السهم والسيف والسكين والرمح وفي الخف الإبل والفيل وفي الحافر الفرس والبغل والحمار وحقه أن يقصد
به التمرن على البطش والفروسية لاعداد النفس للجهاد الذي هو من أعظم أركان الاسلام وتمرين الدواب
على الجري والعدو ومعرفة أكملهما في ذلك وبهذه الفائدة يخرج عن اللهو واللعب والقمار وشرطه أهلية
المتسابقين بالبلوغ والعقل وباذل العوض للتصرف المالي وتعيين جميع ما في إبهامه غرر من خصوصيات العقد
وهي في المسابقة بالسهام أمور سبعة أحدها ما يتفقان عليه من أقسام المراماة الثلاثة المبادرة
وهي أن يبادر أحدهما بإصابة عدد معين كخمسة من رمي عدد معين كعشرين والمحاطة بتشديد الطاء
وهي أن يقابل إصابتهما من العدد المشروط ويطرح المشترك منهما فمن زاد فيها بعدد معين كخمسة مثلا
فهو السابق والجواب وهو اسقاط الأقرب من الغرض في الهدف ما هو الأبعد عنه وهذا القسم
قل من ذكره وقيل لا يشترط التعيين وأن المطلق ينصرف إلى المحاطة ومنهم من صرفه إلى المبادرة
وثانيها عدد الرمي الذي يتفقان عليه كعشرين مثلا مطلقا ومنهم من اشترطه في المحاطة خاصة
دون المبادرة وثالثها عدد الإصابة كعشرة منها إذ بها يتبين حذق الرامي وجودة رميه وأكثر
ما يجوز اشتراطه ما ينقص عن عدد الرمي بشئ وإن قل ليكون تلافيا للخطأ الذي يندر أن يسلم
منه الرماة وأحذقهم في العرف من أصاب تسعة من عشرة فلو شرطاها كذلك جاز لبقاء سهم للخطأ
وربما قيل بعدمه لندوره وأقله ما يحصل بالتفاضل وهو ما زاد على الواحد وربما يكون في كلام
المصنف إشارة إليه بناء على أن الواحد ليس بعدد ورابعها أوصافها التسعة عشر الموضوع لها
أسماء مخصوصة استقصاها صاحب فقه اللغة على ما ذكره الشهيد الثاني ويمكن فرض ما عداها
والمنقول في كتب الأصحاب أقل من ذلك بما فيها من التحريف والتصحيف وهي مقاصد لغوية لا فقهية
وأوثقها ما في شرح اللمعة وهي المارق وهو الذي يخرج من الغرض نافذا ويقع من ورائه والخاسق
251

بالمعجمة والمهملة وهو الذي يثقب الغرض ويقف فيه والخازق بالمعجمة والزاي وهو ما خدشه
ولم يثقبه وقيل ثقبه ولم يثبت فيه والخاصل بالخاء المعجمة والصاد المهملة وهو يطلق على القارع
وهو ما أصاب الغرض ولم يؤثر فيه وعلى الخازق وعلى الخاسق وعلى المصيب له كيف كان والخاصر
وهو ما أصاب أحد جانبيه والخارم وهو الذي يخرم حاشيته والحابي وهو الواقع دونه ثم يحبو إليه
مأخوذ من حبو الصبي ويقال على ما وقع بين يدي الغرض ثم وثب إليه فأصابه وهو المزدلف والقارع
وهو الذي يصيبه بلا خدش وقيل بعدم اشتراطه وأن المطلق ينصرف إلى المصيب كيف كان وخامسها
قدر المسافة التي يرميان فيها وهي ما بين موقف الرامي والهدف إما بالمشاهدة أو التقدير كمائة
ذراع لاختلاف الإصابة بالقرب والبعد وربما يحتمل الاكتفاء بالاطلاق وحمله على العادة الغالبة
للرماة في ذلك الموضع إن كانت ولو عينا مسافة بعيدة لا يحتمل إصابتهما منها بطل لمنافاته لوضع
العقد وسادسها الغرض وهو ما يقصد إصابته من قرطاس أو جلد أو غيرهما لأنه المقصود بالإصابة
وقد كان الغالب جعله قرطاسا ومن ثم سمي الغرض كائنا ما كان قرطاسا والسهم المصيب مقرطسا
وسابعها العوض المبذول للسابق إن كان جنسا وقدرا سواء كان دينا أو عينا حالا أو مؤجلا
وسواء بذله أحدهما بأن يقول للآخر إن نضلتني فلك علي عشرة وإن نضلتك فلا شئ لي عليك أو
كلاهما بأن يلتزم كل منهما عشرة للناضل أو ثالث سواء كان هو الحاكم أو غيره وسواء بذله من بيت
المال لأن فيه مصلحة أو من غيره وإن تناضلا بغير عوض جاز أيضا وسقط هذا الشرط والمشروط
تعيينه في المسابقة بالخف والحافر أمور ثلاثة قدر المسافة التي يجريان فيها ابتداء وغاية والعوض
كما مر والدابتين بالمشاهدة ولا يكفي الوصف لاختلاف الأغراض في ذلك كثير أو يشترط فيها زيادة
على ما ذكر في الدابتين وغيرهما أيضا أمور سبعة أحدها اتحاد جنسهما فلا يسابق بين الفرس والفيل
لأن المقصود من أحدهما غير المقصود من الآخر ولو اختلفا صنفا كالعربي والبرذون والنجاتي والعرابي
جاز لحصول الشرط وهو اتحاد الجنس وفيه وجه بتنزيلهما منزلة الجنسين بعيد وثانيهما احتمالهما
قطع المسافة فلو عيناها مديدة يعلم انقطاعهما عنها بطل لمنافاته ما هو المقصود من تمرين الدابة
وثالثها عدم تيقن قصور أحدهما عن الأخرى بأن يحتمل سبق كل منهما ولو مرجوحا في إحديهما فتستعلم
الحقيقة بالمجاراة ورابعها ارسالهما دفعة من موقف واحد وانضباط الموقف الذي إذا بلغته الأولى
أرسلت الأخيرة وفيه قول بالمنع قصرا للجواز على صورة التساوي لانتفاء معرفة جودة عدو الفرس
وفروسية الفارس مع عدمها إذ ربما يكون عدم السبق مستندا إليه وأيضا استعلام ادراك الآخر
للأول غير استعلام السبق المخصوص بالعقد عليه فتأمل وخامسها أن يكون الاستباق بهما بالركوب
عليهما فلو عقدا على ارسالهما ليجريا بأنفسهما أو بمن يسوقهما بطل وسادسها أن يكونا من أهل القتال
ليكتسبا بذلك القدرة عليه فلا يصح من الإناث لانتفاء الغاية فيهن وسابعها أن يجعل العوض
للسابق منهما ويحرم المسبوق أو يجعل القسط الأوفر منه للسابق ويحرم عن الفضل حثا له على الاستكمال
والأخيران مشروطان في سباق النصل أيضا ولو كانوا ثلاثة فما زاد كان الأول سابقا والأخير مسبوقا
ومن عداهما سابقا مسبوقا فإما أن يخص كله بالسابق أو يقسط متفاضلا عليهم كلا أو بعضا ويجعل
القسط الأوفر فالأوفر للسابق فالسابق إلى آخر من شرط له منهم وقد جرت العادة بتسمية اثني عشر من
خيل السباق لا أظنها إلا بأسماء ذويها أول يوم وهي المجلي وهو السابق ثم المصلي ثم المسلي بصيغة
الفاعل من باب التفعيل في الجميع ثم التالي ثم المرتاح ثم العاطف ثم الخطي بالحاء المهملة والظاء المعجمة وتشديد
الياء ثم المؤمل بصيغة الفاعل أو المفعول مشددا ثم اللطيم كأمين ثم السكيت ككميت ويشدد ثم
القاشور ويقال القاشر ثم الفسكل كقنفذ وزبرج وزنبور وبرذون فلا يجعل للمجلي أقل مما للمصلي
أو مساويا له ولا للمصلي أقل مما للمسلي أو مساويا له وهكذا إلى الثاني عشر المسمى بالفسكل وقيل الفسكل
هو الذي يجري في آخر الحلبة كائنا ما كان وكيف كان فهو إما محروم أو أقلهم نصيبا ومن ثم ورد في
بعض الروايات لا تكونوا الفسكل كما تقدم وقد ذكر في أسماء الخيل غير ذلك وما ذكرناه هو الموافق
لسياق الأصل ولما ذكره الميداني في كتابه السامي وإن خالف في ترتيب بعضها وزاد بعض القدماء
شرطا آخر فيما إذا كان العوض منهما جميعا هو وجود المحلل بأن يكون بينهما ثالث في السباق إن سبق
أخذ العوضين معا وإن سبق لم يغرم وفي مستنده قصور
باب الدين وهو ما ثبت في الذمة
من مال الغير مؤجلا كان أم لا ومن ثم قيد بالأجل في قوله عز وجل إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى
فاكتبوه تكره الاستدانة من غير ضرورة فعن النبي صلى الله عليه وآله إياكم والدين فإنه شين الدين وعن أمير
المؤمنين (ع) إياكم والدين فإنه هم بالليل وذل بالنهار وفي آخر أنه يؤتى يوم القيامة بصاحب الدين
يشكو الوحشة فإن كان له حسنات أخذ منه لصاحب الدين وإن لم يكن له حسنات ألقى عليه من
سيئات صاحب الدين والأحوط تركها إذا لم يكن له ما يقضيه به خروجا عن خلاف من حرمها
حينئذ لأنها خديعة سيما مع عدم اطلاع المدين على حاله فإن التحريم حينئذ قوي إلا إذا كان له من
يثق به أنه يقضيه عنه كما في حديث أبي عبد الله (ع) لا يستقرض على ظهره إلا وعنده وفاء ولو طاف
على أبواب الناس فردوه باللقمة واللقمتين والتمرة والتمرتين إلا أن يكون له ولي يقضي دينه من بعده
وليس منا من ميت إلا جعل الله له وليا يقوم في عدته ودينه ويقضي عدته ودينه ولو خاف التلف
بدونها وجبت وقد تقدم استحبابها في بعض الصور فانقسمت إلى الأحكام الخمسة ويجب على المديون
نية القضاء مع العجز عنه سواء كان من له الحق غائبا أو حاضرا وإلا فهو بمنزلة السارق كما ورد وفي
آخر فذلك اللص العادي والمبادرة إليه مع الحلول والتمكن والمطالبة إن كان من له الحق عالما به
252

وإلا فالمشروط هو الأولان لا غير إلا أن يعلمه وإلا كان ظالما ففي الحديث النبوي مطل الغنى ظلم وفيه
من مطل على ذي حق حقه وهو يقدر على أداء حقه فعليه كل يوم خطيئة عشار وإن رفعه إلى الحاكم
أمره بالأداء فإن أبى حبسه الحاكم وفي الموثق وغيره كان أمير المؤمنين (ع) يحبس الرجل إذا التوى على
غرمائه ثم يأمر فينقسم ماله بينهم بالحصص فإن أبى باعه فيقسم بينهم يعني ماله ولا تحل لذي الحق مطالبة
المديون المعسر ولا حبسه في بيته ولا ملازمته في بيته ولا مواجرته ولا استعماله بل ينظر إلى ميسرة
مطلقا على المشهور وعن أبي عبد الله (ع) خلوا سبيل المعسر كما خلاه الله وقيل إلا فيما أنفقه في المعاصي
فيضيق عليه أشد التضييق وعن أمير المؤمنين (ع) أنه كان يحبس في الدين ثم ينظر فإن كان له مال أعطاه
الغرماء وإن لم يكن له مال دفعه إلى الغرماء فيقول اصنعوا به ما شئتم إن شئتم واجروه وإن شئتم استعملوه
وبها عمل بعضهم وكذا لا يحل الجاؤه إلى بيع ما يضطر إليه من الدار والخادم كما سبق في باب الحجر بل يستحب
ابراؤه كما في الآية الكريمة ولو من الزكاة وسيما إذا مات المديون فورد في الموثق وغيره أنه قيل لأبي عبد الله (ع)
إن لعبد الرحمن بن سيابة دينا على رجل قد مات وكلمناه أن يحلله فأبى فقال ويحه أما يعلم أن له بكل درهم
عشرة إذا حلله فإن لم يحلل فإنما له بدل درهم درهم وينبغي لصاحب الدين الارفاق بالمديون كما تقدم
من قوله صلى الله عليه وآله رحم الله امرءا سهل الاقتضاء وورد الأمر بإطالة الجلوس وملازمة السكوت
عند المماطل وترك الاستقصاء في مطالبته ومحاسبته فإنه من سوء الحساب كما ورد وترك النزول ضيفا
عليه لصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) أنه كره للرجل أن ينزل على غريمه قال لا يأكل من طعامه ولا يشرب من
شرابه ولا يعتلف من علفه فإن فعل فلا يزيد على ثلاثة أيام كما في موثقة سماعة وغيرها يأكل من طعامه
ثلاثة أيام ثم لا يأكل بعد ذلك شيئا وظاهره التحريم كما يحكى عن أبي الصلاح والمشهور تغليظ الكراهة
وينبغي أن يحسب هداياه من دينه لموثقة غياث إن رجلا أتى عليا (ع) فقال إن لي على رجل دينا فأهدى
إلي هدية قال أحسبه من دينك عليه سيما إذا لم تكن معتادة قبل الدين لمفهوم رواية هذيل قلت
لأبي عبد الله (ع) إني دفعت إلى أخي مالا فهو يعطيني ما أنفقه وأحج منه وأتصدق فقال إن كان يصلك
قبل أن تدفع إليه مالك قلت نعم قال خذ منه ما يعطيك فكل منه واشرب وحج وتصدق وإذا
دفع إليه من غير ما عليه على أنه قضاء ولم يساعره احتسب بقيمته يوم القبض سواء كانا قيميين أو
مثليين أو مختلفين ومن استقرض دراهم فسقطت تلك الدراهم أو تغيرت فلا يباع بها شئ ففي
صحيحة صفوان إن لصاحب الدراهم الدراهم الأولى وفي الصحيح عن يونس قال كتبت إلى الرضا (ع) أنه كان لي
على رجل دراهم وأن السلطان أسقط تلك الدراهم وجائت دراهم أعلى من تلك الدراهم الأولى ولها
اليوم وضيعة فأي شئ لي عليه الأولى التي أسقطها أو الدراهم التي أجازها السلطان فكتب لك الدراهم
الأولى وبمضمونها عمل الأكثر وقيل بل له النافقة لمكاتبة محمد بن عيسى لك أن تأخذ منه ما ينفق بين الناس
كما أعطيته ما ينفق بين الناس وربما يجمع بينها بوجوه آ التأويل بالقيمة مع التحرز عن الربا ب
أنه متى كان للرجل على الرجل دراهم بنقد معروف فليس له إلا ذلك النقد ومتى كان له دراهم بوزن
معلوم بغير نقد معروف فإنما له الدراهم التي تجوز بين الناس قاله الصدوق ج إن الدراهم إن
كانت قرضا فله الأولى وإن كان ثمن مبيع أو نحوه كان له الثانية لأن المطلق ينصرف إلى الرايج وهذا
أوفق في الجملة د إن له الأولى إذا كان وزن الثانية أكثر والثانية إذا تساويا وكان العلو في الكيفية و
كيف كان ففي تعدية الحكم إلى الدنانير والفلوس خروج عن موارد النصوص ويقوى الاشكال في الأخير
ومن مات حل ما عليه من الديون دون ماله على المشهور فيهما بل لم يظن المصنف في الأول مخالفا
والنصوص فيه متواردة والمخالف في الأخير جماعة من القدماء والمتأخرين منهم ظاهر المصنف في
الوافي لرواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) إذا مات الرجل حل ماله وما عليه من الدين ومرسلة الفقيه
عنه (ع) إذا مات الميت حل ماله وما عليه واحتجاج المشهور بأن الأصل بقاء الأجل وأن الوارث إنما يرث
مال مورثه وهو مال مؤجل فلا يرث حالا اجتهاد في مقابلة النص والقدح في السند إنما يحسن بعد
وجود المعارض كما نبهنا عليه فيما سبق وهذا مما خولف فيه شرط الكتاب
باب الرهن وهو في
اللغة الحبس وشرعا ما يحبس وثيقة للدين ليستوفى منه عند الحاجة فهو بمعنى المفعول وقد يستعمل
مصدرا بمعنى العقد المخصوص وفي اعتبار كون الموثوق له دينا تنبيه على عدم جوازه على العين
وهو في الأمانات الغير المضمونة موضع وفاق وكذا إن كانت مضمونة عند جماعة لامتناع استيفائها
بعينها من شئ آخر كما هو مقتضى الرهن ورد بأن مكان التوثق بالرهن لأخذ عوضها عند تلفها
مع أن اطلاق أدلة جواز الرهن على الحقوق من النصوص المعتبرة وغيرها يتناولها منها صحيحة
محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) عن السلم في الحيوان والطعام ويؤخذ الرهن قال نعم استوثق من مالك
ما استطعت وفي معناها موثقة سماعة ورواية ابن عمار وغيرهما وشرطه أن يكون عينا مقبوضة
فلا يصح رهن المنافع كسكنى الدار وخدمة العبد اجماعا ولا الدين لأن الثابت في الذمة أمر كلي
لا وجود له في الأعيان ومنهم من أخرجه باشتراط المقبوضية كما عليه الأكثر لأن الذي ثبت اعتباره
بنص الكتاب هو المقبوض فلا يتحقق المطلوب شرعا بدونه كما اشترط التراضي في التجارة والعدالة
في الشهادة حيث قرنا بهما وما عداه يتوقف على دليل ولرواية محمد بن قيس الصحيحة على الظاهر لا
رهن إلا مقبوضا فسقط احتجاج المخالف بالأصل والعمومات زعما منه أن الوصف في الآية للارشاد
كما يرشد إليه اشتراطه بالسفر وعدم الكاتب إذ هو خلاف الظاهر وهذا السياق ظاهر في اشتراطه في
الصحة ومنهم من زعم أنه إنما يشترط عند مشترطيه في اللزوم فلا يقع العقد باطلا بدونه وحمل مرامهم
على ذلك وعليه فللراهن الامتناع من الاقباض والتصرف في المرهون بالبيع وغيره لعدم لزومه
253

وكيف كان فلا خلاف في أنه لا يشترط استدامة القبض بل يكفي تحققه ولو لحظة يسيرة فلو عاد
إلى الراهن أو تصرف فيه لم يخرج عن الرهانة لعدم دلالة الآية والحديث على أكثر من القبض بل
ربما قيل لا يدلان إلا على وجوب كونه مما يقبض وإن لم يقبض وإن كان غير سديد وفائدته
المتجددة بعده للراهن كالمتقدمة عليه اجماعا لأنه نماء ملكه واحتباسه لحق المرتهن لا يخرجه عن
الملك وفي موثقة إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم (ع) في رجل ارتهن دارا لها غلة لمن الغلة قال لصاحب
الدار وفي حسنة ابن سنان وغيرها أنه قضى أمير المؤمنين (ع) في كل رهن له غلة أن غلته تحتسب
لصاحب الرهن مما عليه وفي أخرى أنه (ع) قال في الأرض البور يرتهنها الرجل فليس فيها ثمرة فزرعها وأنفق
فيها ماله أنه يحتسب له نفقته وعمله خالصا ثم ينظر نصيب الأرض فيحسبه من ماله الذي ارتهن به الأرض
حتى يستوفى ماله فإذا استوفى ماله فليدفع الأرض إلى صاحبها وعن أبي عبد الله (ع) إن على الذي الأرض و
الدار بماله أن يحسب لصاحب الأرض والدار ما أخذ من الغلة ويطرحه منه من الدين له والأخيرة وما
في معناها متوافقة الفحوى في إباحة تصرف المرتهن في الفائدة من حساب ماله وظاهر الفتاوى المنع إلا
بالإذن وهو أحوط والمتصلة منها كالسمن والطول داخلة في الرهن اجماعا وكذا المنفصلة كالثمرة المجذوذة
والولد والقابلة له كالشعر والصوف والثمرة قبل الجذاذ على المشهور بل نقل عليه الاجماع أيضا لتبعية الأصل
خلافا لمن احتج بالأصل والتبعية إنما هي في الملك لا في مطلق الحكم ولو شرط المرتهن دخولها أو الراهن خروجها
كان أقوم وأحزم ولا يبطل بالموت مطلقا لأنه لازم من جهة الراهن وحق للمرتهن ولا يجوز أن يتصرف
أحدهما فيه إلا بإذن الآخر اجماعا أما المرتهن فلأنه ليس مالكا وأما الراهن فلمنافات تصرفه ما هو
المقصود من مصلحة المرتهن ولا فرق بين التصرف الناقل للملك وغيره إلا تصرفا يعود نفعه عليه
كمداواة المريض وتأبير النخل وعمارة الدار ونحوها بل كل تصرف غير مضر به إذا كان من جهة الراهن
المالك كالوطي لصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) في رجل رهن جاريته قوما أيحل له أن يطأها قال فقال إن الذين ارتهنوها يحولون بينه وبينها قلت أرأيت إن قدر عليها خاليا قال نعم لا أرى به بأسا
ومثلها حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) إلا أنهما قاصرتان عن إفادة التعميم المقصود والمناسب للأصول
الشرعية تعميم المنع واستثناء الوطي خاصة بالروايتين إن لم يستلزم خرقا للاجماع المركب وأنى
به وهو لازم من طرف الراهن وإلا لانتفت فائدته وجايز من طرف المرتهن لأنه لمصلحته فإذا
حل الدين المرتهن عليه وكان الراهن معسرا أو موسرا مماطلا باعه المرتهن إن كان وكيلا ويجوز اشتراط
ذلك في العقد والأقوى أنه يلزم على الراهن ليس له عزله عنه وإن كان بحسب الأصل جايزا وكما يجوز
اشتراطه للمرتهن يجوز لغيره فيكون هو البايع وإلا طلب المرتهن من مالكه الراهن البيع أو
الإذن فيه لأداء حقه فإن لم يفعل دفع أمره إلى الحاكم ليجبره على أحد الثلاثة أو يبيع عليه لأنه
ولي الممتنع وكذا الحكم لو كان مالكه غير الراهن وقد أذنه فيه لأن رهن مال الغير بإذنه صحيح
اجماعا فتلحقه أحكامه فللمرتهن الوكيل بيعه وكذا الحاكم عند اعساره وإن لم يرض المالك لأن
الإذن في الرهن إذن في لوازمها التي من جملتها البيع لايفاء حق المرتهن ولو تعذر ذلك لفقد
الحاكم أو البينة المثبتة عنده ففي جواز استقلال المرتهن بالبيع والاستيفاء وجه قريب
وأولى من ذلك ما لو خاف جحود الوارث كما في مكاتبة سليمان بن حفص عن أبي الحسن (ع) في رجل
مات وله ورثة فجاء رجل فادعى عليه مالا وأن عنده رهنا فكتب (ع) إن كان له على الميت مال ولا
بينة له فليأخذ ماله مما في يده وليرد الباقي على ورثته ومتى أقر بما عنده أخذ به وطولب بالبينة
على دعواه وألحق بها ما لو غاب الراهن غيبته لا يطمع في رجوعه لكن المروي الصبر حينئذ
كما في موثقة ابن بكير عن أبي عبد الله (ع) في رجل رهن رهنا ثم انطلق فلا يقدر عليه أيباع
الرهن قال لا حتى يجئ صاحبه وقريب منها موثقة عبيد بن زرارة عنه (ع) والأولى رفع الأمر
إلى الحاكم إن أمكن وإذا فلس الراهن قدم المرتهن على سائر الغرماء ولو قصر رهنه عن دينه
شاركهم بالباقي سواء كان الراهن حيا كما سبق التنبيه عليه أو ميتا عند الأكثر حتى أنه عد من
الاجماعيات وذلك لسبق تعلق حقه بالعين والصدوق ومن وافقه على أنه وسائر غرماء
الميت سواء يوزعونه بينهم بالحصص وهو المروي ومنهم من أثبت التسوية في غرماء الحي أيضا
وهو من مقابلة التفريط بالافراط والعين المرهونة أمانة لا يضمنها المرتهن إلا بالتفريط
أو التعدي بالاجماع والنصوص وما ورد من الاطلاقات في ضمان الرهن محمول على أحد الصورتين
ولا فرق في ذلك بين أن يكون من مال الراهن أو من مال غيره مهما كان الرهن بإذن مالكه لو تلف
حينئذ ضمنه الراهن للمالك وإن لم يفرط ولم يتعد على المشهور لأنه بالرهن عرضه للاتلاف
فكان مضمونا عليه وفي استفادة ذلك من الروايات اشكال ومن ثم نسبه في المفاتيح إلى القيل
اشعارا بتمريضه وهذا أيضا من مواضع مخالفة الشرط ومتى أذن المالك للراهن إلى أجل
أو مطلقا فرهنه إلى أجل كان له اجباره على الافتكاك بعد الحلول ورفع الأمر إلى الحاكم مع العجز
ليجبره على ذلك مع اليسار ولا يجوز قبله موسرا كان أو معسرا للزومه بالرهن بإذنه
باب
الضمان وهو من الكفالات التي ورد التحذير عنها وأنها أهلكت القرون الأولى واشتقاقه
من الضمن فإن الضامن يجعل الحق المضمون في ضمن ذمته ويطلق تارة على ما يقابل الحوالة و
الكفالة وأخرى على ما يعمهما أيضا والمتبادر هو الأول وهو موضوع الباب وشرط صحته
أهلية الضامن للتبرع المالي برفع الحجر عنه ورضاه كما يشترط ذلك في غيره من العقود ورضى
المضمون له على المشهور لأن حقه ينتقل من ذمة إلى أخرى والناس يختلفون في حسن
254

المعاملة وسهولة القضاء فلو لم يعتبر رضاه لزم الضرر والغرر ولصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي
عبد الله (ع) في رجل يموت وعليه دين فيضمنه ضامن للغرماء فقال إذا رضي به الغرماء فقد برئت ذمة الميت
خلافا لمن احتج بما ورد أن رجلا من الأنصار مات وعليه ديناران فلم يصل عليه النبي صلى الله عليه وآله وقال صلوا
على صاحبكم حتى ضمنها بعض قرابته وفي أخرى علي وفي ثالثة أبو قتادة حيث لم يسأل صلى الله عليه وآله عن رضا المضمون له وفيه أن عدم الذكر لا يدل على عدم الوقوع والغرض المسوغ له الكلام
أمر آخر وبعد التسليم فالنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم فيحتمل الاكتفاء برضاه عن رضا المضمون له
ولمن جعله شرط اللزوم أن يقول بعد التسليم أنه إنما يدل على صحته بدونه دون لزومه وأما رضا
المضمون عنه فلا يشترط اجماعا لجواز أداء الدين بغير إذن المديون فالتزامه في الذمة أولى ولا
حياته فيصح عن الميت كما ذكر سواء خلف وفاء أم لا اجماعا ولا معرفته ولا معرفة المضمون له فيصح
عمن لا يعرفه الضامن ولمن لا يعرفه لأن الواجب إنما هو أداء الحق وهو غير موقوف على ذلك خلافا
لمن اشترطهما معا أو الأول خاصة وكذا العلم بكمية المال عند الأكثر ومنهم المصنف في المفاتيح فيصح
عما في الذمة للأصل والعمومات وظاهر آية الضمان وهو قوله عز وجل ولمن جاء به حمل بعير وأنا
به زعيم فإن كمية الحمل مختلفة ولأن الضمان لا ينافيه الغرر لأنه ليس معاوضة لجوازه من المتبرع
وجواز ضمان العهدة كما يأتي فاللازم حينئذ ما تقوم به البينة بتاريخ سابق عليه دون المتجدد
بعده وفي لزوم ما أقر به الغريم أو ما يحلف عليه المضمون له مطلقا أو مع رضا الضامن أقوال
وللزوم ما أقر به على الضامن المأذون دون غيره وجه قريب أما ما يوجد في كتاب ودفتر فلا
لعدم ثبوته في ذمته ظاهرا وإنما يلزم الثابت وتشترط صحته زيادة على ما ذكر بأمرين أحدهما
عدم التعليق فلا يصح الضمان المعلق شرطا كان المعلق عليه أو وصفا على المشهور بل الاجماع
ظاهرا إلا إذا علق على رضا المضمون له لأنه من جملة الشروط كما عرفت فالضمان معلق عليه ذكر
أو لم يذكر لكن في رواية البقباق عن أبي عبد الله (ع) في رجل تكفل لرجل بنفس رجل فإن قال علي
خمسمائة درهم إن لم أدفعه قال يلزمه الدراهم إن لم يدفعه إليه والآخر ثبوت المال المضمون في
الذمة وإن لم يستقر بعد كالثمن زمن الخيار أما الأمانة كمال المضاربة والوديعة ففي المفاتيح
أنه لا يصح ضمانها لأنها لا تنتقل إلى الذمة ولأن الثابت فيها وجوب الرد وهو ليس بمال وفيما عداها
من الأعيان المضمونة كالمغصوب والمقبوض بالبيع الفاسد قولان للصحة الأصل ووجود سبب
الضمان للعين والقيمة وهو القبض المخصوص وللمنع أما رد العين فلما مر وأما القيمة فلأنه ضمان
ما لم يجب وإن وجد سببه لأن القيامة لا تجب إلا بالتلف ولم يحصل وليس في النصوص ما يقطع
العذر فتصحيح ضمانها خروج عن اليقين كما أن ابطاله كذلك إلا ضمان العهدة فإن يصح بالنص و
الاجماع كضمان الثمن عن المشتري للبايع وضمان المبيع عن البايع للمشتري وإن قبضا حالة الضمان لامكان خروجهما بعد ذلك مستحقين للغير ويلزمه حينئذ الدرك ومن ثم يسمى ضمان الدرك
أي التبعة أو لأنه يغرم عند ادراك المستحق عين ماله ولا بد من ثبوته في ذمة المضمون عنه حالة الضمان و
لو في نفس الأمر كما إذا ظهر فساد البيع بعد ذلك وكان القبض بغير استحقاق أما لو تجدد الفسخ
بالتقايل أو تلف المبيع قبل القبض لم يلزم الضامن وشرط لزومه ملاءة الضامن بحيث يفضل
ما يملكه وقت الضمان عن مستثنيات الدين بمقدار المال المضمون أو العلم باعساره إذ ذاك
حذرا عن الضرر والغرر ولو بان بعده كان المضمون له بالخيار بين فسخه والرجوع إلى المضمون عنه
وامضائه والنظر إلى ميسرة الضامن أما المتجدد فالمتعين فيه الأخير لسبق اللزوم وينتقل المال
المضمون إلى ذمته ويبرء ذمة المضمون عنه عن حق المضمون له وليس له مطالبته سواء أوفاه الضامن
أم لا اجماعا إلا في ضمان الأعيان المضمونة حيث يصح فيطالب المضمون له أيهما شاء أما الضامن فللضمان
وأما المضمون عنه فلوجود العين في يده أو تلفها فيها فيفيد هذا الضمان ضم ذمة إلى أخرى كما عليه
القوم في مطلقه وألحق به ضمان العهدة لأن المقصود منه التوثيق لا غير والمصنف فيه كالمتوقف
وهو في محله ثم إن كان الضامن قد ضمن عن المضمون عنه بإذنه رجع عليه اجماعا وإن دفع بغير
إذنه وإنما يرجع بأقل الأمرين مما ضمنه وما دفعه على الأحوط الأشهر لأنه وضع للارفاق و
لموثقة عمر بن يزيد وغيره عن أبي عبد الله (ع) في رجل ضمن عن رجل ضمانا ثم صالح عليه قال ليس
له إلا الذي صالح عليه خلافا لبعض المتقدمين حيث عين الذي ضمنه إن وقعت المصالحة بعد
وجوب أدائه عليه لأنه الثابت في ذمته وإلا يكن ضمن بإذنه فلا رجوع عليه قولا واحدا وإن
دفع بإذنه ويصح الضمان عن الضامن وهكذا لوجود الشرط وهو ثبوت المال في الذمة وعدم
المانع فيرجع كل ضامن مع الإذن بما دفعه على مضمونه لا على الأصل ويصح الدور أيضا على المشهور
بأن يضمن اثنان كل ما على صاحبه أو يضمن الأصل ضامنه بما يضمنه عنه بعينه أو ضامن ضامنه
وهكذا لما ذكر فيسقط بذلك الضمان ويرجع الحق كما كان نعم يترتب عليه أحكامه كظهور اعسار
الأصل الذي صار ضامنا فإن له الفسخ والرجوع إلى الضامن السابق وكالاختلاف بالحلول و
التأجيل وككون أحدهما متبرعا والآخر مأذونا ومنعه بعضهم لاستلزامه صيرورة الفرع أصلا
والأصل فرعا ولعدم الفائدة ورد بأن الأول لا يصلح للمانعية والفائدة موجودة كما ذكر ومن
جعله ضم ذمة إلى أخرى فالفائدة عنده واضحة جدا
باب الحوالة وهي بفتح الفاء اسم من أحال
الغريمة إذا رجاه عنه إلى غريم آخر كذا في القاموس وهو قريب من معناها الشرعي أو هو هو
وتتقوم بالمحيل والمحتال والمحال عليه وشرط صحتها يقينا أمور ثلاثة أحدها رضا الثلاثة إلا أن
255

والمنزل عادة ولو بذل ما عليه قيل يجب القبول ويسقط التكليف بالاحضار لحصول الغرض من الكفالة
وقال آخرون هذا فيما يمكن أخذه من الكفيل كالمال أما ما لا يمكن كالقصاص وزوجية المرأة فلا بد من
الاحضار مع الامكان وإلا فإن كان له بدل كالدية في القتل وإن كان عمدا ومهر مثل الزوجة وجب البدل
والمصنف ومن وافقه على أنه لا يتعين على المكفول له قبل الحق بل له إلزامه بالاحضار مطلقا لعدم انحصار
الأغراض في أداء الحق كيف اتفق خصوصا فيما بدله اضطراري وفي عدة روايات أنه أتى أمير المؤمنين (ع)
رجل تكفل بنفس رجل فحبسه وقال اطلب صاحبك وإن تعذر تسليمه إلى المكفول له لضعف الكفيل
أو بعد المسافة ونحو ذلك أو رضيا بأداء الكفيل عن المكفول ما عليه من الحق أو بدله أداه وبرأ ثم إن
كان الأداء المتعقب عن رضا المكفول له أو الكفالة مع تعذر الاحضار بإذن المكفول عنه رجع إليه
بما أداه عنه في الصورتين وإن كان في الأولى قد كفل بغير إذنه لو لم تشترطه فإنه لا يقصر عن الأجنبي
الذي يؤدي دين المديون بإذنه وهذا بخلاف الضامن الغير المأذون إذا أدى فإنه لا يرجع على
المضمون عنه كما مر وإن أدى بإذنه لانتقال المال إلى ذمته بالضمان فلا ينفعه بعده الإذن في الأداء
لأنه كإذن البرئ للمديون في أداء دينه وأما في الثانية فلأن ذلك من لوازم الكفالة والإذن
فيها إذن في لوازمها وإلا فلا رجوع به عليه لأن الكفالة لم تتعلق بالمال بالذات وإنما يؤدي الكفيل
لمصلحة نفسه فلا يرجع على غيره وكل من أطلق غريما أي مأخوذا بحق من يد صاحب الحق قهرا أو غيلة
فهو بمنزلة الكفيل يلزمه احضاره أو أداء ما عليه وعلل بأنه أزال اليد المستولية المستحقة من صاحبها
فكان عليه إعادتها أو أداء الحق الذي بسببه ثبتت اليد عليه ولا يرجع بما يؤدي على المطلق إذا
لم يأمره بدفعه إذ لم يحصل من الاطلاق ما يقتضي الرجوع كذا قالوه ولو قيل بجواز الرجوع عليه
إذا كان الاطلاق عن إذنه كان حسنا ووجهه معلوم مما تقدم والمأثور في الباب صحيحة حريز
عن أبي عبد الله (ع) في رجل قتل رجلا عمدا فرفع إلى الوالي فدفعه الوالي إلى أولياء المقتول ليقتلوه فوثب
عليهم قوم فخلصوا القاتل من أيدي الأولياء قال أرى أن يحبس الذين خلصوا القاتل من أيدي الأولياء
حتى يأتوا بالقاتل قيل فإن مات القاتل وهم في السجن قال فإن مات فعليهم الدية يؤدونها
جميعا إلى أولياء المقتول فتأمل
باب الوكالة بفتح الواو وكسرها وهي استنابة في التصرف
بالذات فإن الوكيل نايب عن الموكل وشرطها أهليتهما بالبلوغ والعقل وجواز تصرف الموكل
فيما وكل فيه وصدور ما يدل عليها ايجابا وقبولا منهما ولو إشارة مفهمة في الايجاب وفعلا دالا
على الرضا في القبول بلا خلاف ولا يلزم فيهما الاقتران ومن شرطها أيضا أمور ثلاثة أحدها
عدم التعليق احتياطا عن مخالفة المشهور وأما تعليق التصرف فقد صرحوا بجوازه ما لو كانت
الوكالة منجزة فلو قال أنت وكيلي في شراء دار زيد في الشهر القابل صح بلا خلاف بخلاف ما لو
قال إن أهل الشهر القابل فأنت وكيلي واعتذروا للفرق مع اشتراكهما في معنى التعليق
بأن العقود المتلقاة من الشارع منوطة بضوابط مرعية فلا تقع بدونها وإن أفاد فائدتها
وهو إنما يقبل مع وجود نص صريح في اشتراطه تنجيز الوكالة ومغايرته لتنجيز التصرف ولم أقف
على شئ منهما وثانيها خلوها عن الغرر فلو وكله مطلقا في التصرف في ماله كيف شاء أو في
شراء عبد أو دابة أو نحوهما مما يتوغل في الابهام ويصدق اسمه على أصناف كثيرة تختلف
فيها الرغبات لم يكن ذلك كافيا بل لا بد من التحديد والوصف ولو على بعض الوجوه بحيث
يخرج الجهالة المطلقة وقيل إن فعل الوكيل لما كان مقيدا بالمصلحة فالجهالة منتفية بالرجوع
إلى المتعارف المناسب لحال الموكل وقد وقع الاجماع في القراض على جواز أن يأمر المالك بشراء شئ
مع أن الشئ أشد توغلا في الابهام وهو متجه مع علم الوكيل بدخيلة رأي الموكل وإن كان البيان
مطلقا أحوط وثالثها أن يكون الفعل الموكل فيه مما للموكل أن يليه بنفسه وتصح النيابة فيه بأن
لا يتعلق غرض بايقاعه منه مباشرة لا شرعا ولا عقلا كالعتق والطلاق فإن الغرض فيهما
مقصور على فلك الملك والزوجية سواء انشاءه المالك أو غيره والخلاف في وكالة الطلاق
عن الحاضر شاذ أما ما تعلق الغرض فيه بمباشرة الفعل من المباشر المعين إما شرعا أو شرعا وعقلا
كالعبادة ومضاجعة الزوجة ووطئها وقسم ما بين الزوجات فلا تصح الوكالة
فيه وهي جايزة من الطرفين إلا أن تكون مشروطة في الرهن فتلزم من الموكل كما سبق أو في غيره من
العقود اللازمة فمن المشروط عليه على الخلاف وفيما عدا ذلك لكل منهما الفسخ في حضور الآخر و
غيبته فإن فسخ الوكيل انعزل مطلقا وإن فسخ الموكل فعليه الاعلام بمشافهته بذلك أو ابلاغه الخبر
وإلا لم ينعزل وكانت تصرفاته ممضاة على الموكل مطلقا على أصح الأقوال وأشهرها ولو ادعى الموكل
اعلام الوكيل وأنكر ولا بينة فالقول قول الوكيل مع يمينه لصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع)
في رجل وكل آخر على وكالة في أمر من الأمور وأشهد له بذلك شاهدين فقام الوكيل فخرج لامضاء
الأمر فقال اشهدوا أني قد عزلت فلانا عن الوكالة فقال إن كان الوكيل أمضى الأمر الذي وكل فيه
قبل العزل فإن الأمر واقع ماض على ما أمضاه الوكيل كره الموكل أم رضي قلت فإن الوكيل أمضى
الأمر قبل أن يعلم العزل أو يبلغه أنه قد عزل عن الوكالة فالأمر على ما أمضاه قال نعم قلت له فإن بلغه
العزل قبل أن يمضي الأمر ثم ذهب حتى أمضاه لم يكن ذلك بشئ قال نعم إن الوكيل إذا وكل ثم قام عن
المجلس فأمره ماض أبدا والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلغه أو يشافه بالعزل
عن الوكالة وعن معاوية بن وهب عنه (ع) من وكل رجلا على امضاء أمر من الأمور فالوكالة ثابتة
أبدا حتى يعلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها وفي حديث العلاء بن سيابة أن أمير المؤمنين (ع)
256

اشتراط رضا المحيل والمحتال من مواقع الاجماع ومن عليه الحق مخير في جهات القضاء فلا يتعين
عليه بعض الجهات قهرا والمحتال حقه ثابت في ذمة المحيل فلا يلزم نقله من ذمة إلى أخرى إلا برضاه
وأما اشتراط رضا المحال عليه فمجرد احتياط عن مخالفة المشهور بل الاجماع الذي حكاه الشيخ إذ
الروايات خالية عنه وما استدلوا له به من اختلاف الناس في الاقتضاء والاستيفاء مردود بأنه
لا يمنع من مطالبة المستحق ومن ينصبه وقبض المحتال كقبض وكيل المحيل فلا وجه لاعتبار رضا من
عليه الحق سيما مع توافق الحقين جنسا ووصفا نعم لو كانا مختلفين وكان الغرض استيفاء مثل حق
المحتال على القول بجوازه توجه اعتبار رضاه لأن ذلك بمنزلة معاوضة جديدة فلا بد من رضا
المتعاوضين ومع ذلك لو رضي المحتال بأخذ جنس ما على المحال عليه زال المحذور ومع اعتبار رضاه
جاز عدم مقارنته العقد بل يكفي وقوعه كيف اتفق ولو متقدما أو متأخرا عنه بخلاف رضى الآخرين
فإنه لا بد فيهما من المقارنة لأنهما من لوازم صحة العقد كما قاله الشهيد الثاني إلا أنه لا يلايم طريقة
المصنف ولا شرط كتابه هذا مع شغل ذمة المحال عليه للمحيل أما الحوالة على البرئ على القول بجوازها
فمشروطة به قولا واحدا وهو بالضمان أشبه وثانيها علم المحيل بقدر المال المحال به فلو أحاله بماله عليه من
الدين مع جهله بمقداره لم يصح للغرور بما يحتمل الصحة ولزوم ما تقوم به البينة كالضمان وهو
إنما يتجه على القول بكونها استيفاء دون القول بكونها اعتياضا إذ لا يصح على المجهول كما علم مما تقدم
وثالثها ثبوته في ذمته ولو متزلزلا كما في الضمان مثليا كان أو قيميا خلافا لجماعة حيث منعوا من
الحوالة بالقيمي لجهالته ورد بانضباطه بالوصف وانضباط قيمته تبعا له وهي الواجب فيه فالمانع
مفقود وعموم الأدلة يشمله وفيه منع انضباط القيمي مطلقا بالوصف فالوجه تخصيص الجواز
بما يصح السلم فيه إن لم يستلزم خرقا للاجماع المركب كما سبق نظيره وشرط لزومها ملأه المحال
عليه وقت الحوالة أو العلم باعساره وإلا كان له الفسخ كما في الضمان وعن أبي عبد الله (ع) في الرجل
يحيل على الرجل بدراهم أيرجع عليه قال لا يرجع عليه أبدا إلا أن يكون قد أفلس قبل ذلك واشترط بعضهم
أيضا قبل البعض للمحتال معللا بأن القبول إنما يتم بذلك ورد بالمنع والمحال عليه ينتقل الحق إلى
ذمته اجماعا ويبرء المحيل مطلقا فعن أبي الحسن (ع) في الرجل يحيل الرجل بمال على الصيرفي ثم يتغير
حال الصيرفي أيرجع على صاحبه إذا احتال ورضي قال لا خلافا لمن اشترط ابرائه لحسنة زرارة عن
أحدهما (ع) في الرجل يحيل الرجل بمال كان له على رجل آخر فيقول له الذي احتال برئت من مالي
عليك قال إذا أبرأه فليس له أن يرجع عليه وإن لم يبرأه فله أن يرجع على الذي أحاله وفيه احتمال
كون الابراء في الحديث مجازا عن قبول الحوالة تعبيرا عن الملزوم باللازم
باب الكفالة بكسر الفاء
وتطلق تارة على ما يعم الضمان وأخرى على ما يقابله أعني تعهد النفس وهو المراد هنا وقوامها
بالكافل ويقال الكفيل والمكفول له والمكفول عنه وشرطها أمور أربعة أحدها رضا الثلاثة أما الكفيل
والمكفول له فبلا خلاف كالحوالة وأما المكفول عنه فهو هنا كالمحال عليه هناك في اشتراط رضاه
احتياطا وأخذا باليقين إلا أن المشهور هنا العدم لوجوب الحضور عليه متى طلبه صاحب الحق بنفسه
أو وكيله اجماعا والكفيل بمنزلة الوكيل حيث يأمره باحضاره وغاية الكفالة هي حضور المكفول حيث
يطلب واحتج المشترط بأنه إذا لم يأذن فيها أو يرض بها لم يلزمه الحضور مع الكفيل فلم يتمكن من
احضاره فلا تصح كفالته لأنها كفالة بغير المقدور عليه وهذا بخلاف الضمان لامكان وفاء دينه
من مال غيره بغير إذنه ولا يمكن أن ينوب عنه في الحضور ورد بالمنع من عدم لزوم الحضور معه
وعلى اشتراط رضاه ليس على حد رضا الآخرين بل يكفي كيف اتفق كالمحال عليه وثانيها تعيين
المكفول فلا يصح الترديد فيه كان يكفل أحد هذين بلا خلاف وفي المفاتيح ما يؤذن بالتوقف فيه
وكذا تعيين الأجل بما لا يحتمل الزيادة والنقصان إن كانت مؤجلا فلا تصح المبهمة اجماعا للغرر و
لو سلمه قبله ففي المفاتيح أنه لا يجب القبول خلافا للشيخ فيما إذا انتفى الضرر وهل تصح الحالة قولان و
الأصل مع الأول وثالثها كون الحق المكفول عمن عليه مما يصح ضمانه بأن يكون مالا ثابتا في الذمة
ولو متزلزلا ولا يكون عقوبة على شئ من حقوق الله لأنها للتوثيق وهي مبتنية على التخفيف
فقبل الثبوت ينبغي السعي في درئها ما أمكن وبعده يجب إقامتها من غير نظرة ساعة كما تقدم
وفي الخبر المشهور لا كفالة في حد وفي اشتراط كونه مما يصح ضمانه غنى عن هذه التتمة وكأنه حاول
التنبيه على كونه منصوصا بخصوصه إلا أن مقتضاه عدم جوازها في مثل دعوى القصاص و
الزوجية ونحوهما وهو خلاف ما صرح به الجماعة وقرره عليهم في المفاتيح والنصوص خالية
عن ذلك كله ورابعها عدم التعليق كما في الضمان والحوالة وغيرهما من العقود اللازمة ويجب
على الكفيل احضار المكفول إن لم يحضر بنفسه إلى المكفول له وتسليمه إليه في المكان المعين في العقد
وبلده مع الاطلاق من غير أن يكون ثمة مانع له من تسلمه من حبس أو كونه بحيث لا يتمكن من وضع
يده عليه لقوة المكفول وضعف المكفول له ونحو ذلك مما يوجب النقص في التسليم ويصح ترامي الكفالات
دون دورها لأن حضور المكفول الأول يوجب براءة كفيله وقطع الدعوى ثم إن سلمه الكفيل
إلى المكفول له تسليما تاما كما ذكرنا أو سلم هو نفسه أو سلمه كفيل آخر من الفروع أو أجنبي متبرع أو
مجعول له أو مات المكفول أو غاب غيبته منقطعة فقد برأ الكفيل من حق المكفول له سواء استبرء
المكفول ذمته من حقه أم لا وإلا فإن أمكنه ذلك وامتنع حبس عليه المكفول له إن شاء أو الحاكم
حتى يحضره ويسلمه فإذا أحضره وسلمه خلى سبيله هذا إذا كان المكفول حاضرا في البلد فإن كان غائبا
غير منقطع الخبر أنظر الكفيل بعد الحلول والمطالبة بقدر الذهاب إليه والعود والإقامة في الطريق
257

أتته امرأة استعدته على أخيها فقال يا أمير المؤمنين إني وكلت أخي هذا أن يزوجني رجلا وأشهدت
له ثم عزلته من ساعته تلك فذهب فزوجني ولي بينة أني قد عزلته قبل أن يزوجني فأقامت البينة
فقال الأخ يا أمير المؤمنين أنها وكلتني ولم تعلمني أنها عزلتني عن الوكالة حتى زوجتها كما أمرتني
فقال لها ما تقولين قالت قد أعلمته يا أمير المؤمنين فقال لها ألك بينة بذلك فقالت هؤلاء شهودي
يشهدون أني قد عزلته فقال أمير المؤمنين (ع) تشهدون قالوا نشهد أنها قالت اشهدوا أنى قد
عزلت أخي فلانا عن الوكالة بتزويجي فلانا وأني مالكة لأمري قبل أن يزوجني فقال أشهدتكم على
ذلك بعلم منه ومحضر فقالوا لا فقال تشهدون أنها أعلمته العزل كما أعلمته الوكالة قالوا لا قال أرى
الوكالة ثابتة والنكاح واقعا أين الزوج فجاء فقال خذ بيدها بارك الله لك فيها فقالت يا أمير
المؤمنين أحلفه أني لم أعلمه العزل ولم يعلم بعزلي إياه قبل النكاح قال وتحلف قال نعم يا أمير
المؤمنين فحلف فأثبت وكالته وأجاز النكاح وقيل ينعزل بالعزل مطلقا ومنهم من عزله بالاشهاد مطلقا أو مع تعذر الاعلام وتبطل الوكالة بالموت مطلقا أما موت الوكيل فظاهر و
أما موت الموكل فلخروجه به عن أهلية التصرف فنائبه أولى ويبطل ما تصرفه بعده وإن لم يعلم به على مقتضى الأصل وإن خرجت مسألة العزل عنه بالنصوص وكذا الجنون والاغماء
من كل واحد منهما سواء كان الجنون مطبقا أم أدوارا وسواء طال زمان الاغماء أم قصر
دون النوم والسكر وإن تطاولا ما لم يؤديا إلى الاغماء وقد نقل على ذلك الاجماع فإن تم وإلا
فللنظر فيه مجال كما لوح إليه في المفاتيح وتبطل أيضا بالحجر على الموكل فيما وكل فيه واكتفى عنه هنا بما سبق
وتلف المتعلق كموت العبد الموكل في بيعه أو شرائه ومثله عتقه وفعل الموكل ذلك كما لو باعه بنفسه أو
اشتراه وينبغي لمن يحاول التوكيل أن يختار الثقة المركون إليه ذا البصيرة فيما يوكل فيه لئلا يناقض
غرضه عمدا أو جهلا ومنها معرفته باللغة التي يجاور بها ومنهم من أوجب ذلك ويستحب أن يوكل
ذو المروة المحتشم الذي لا يليق به الامتهان للخصومات من يكفيه إياه ولا يحضرها بنفسه كما وكل علي (ع)
أخاه عقيلا في خصومة وقال إن الخصومة قحما وإن الشيطان ليحضرها وإني لأكره أن أحضرها
قال في النهاية القحم هي الأمور العظيمة الشاقة واحدتها قحمة وينبغي لمن يتولى الوكالة أن لا يقبلها
للكافر على المسلم والمشهور فيه الكراهة والتحريم شاذ أما وكالة الكافر على المسلم فلا تجوز قطعا
لاستلزامها اثبات السبيل للكافر على المسلم المنفي بالآية
باب الوديعة فعيلة بمعنى المفعول
يقال أودعته مالا إذا دفعته إليه ليكون وديعة وإذا قبلته منه وشرعا استنابة في الحفظ بالذات
والمستنيب مودع بصيغة الفاعل والنايب مودع ومستودع بصيغتي المفعول وشرطها أهليتهما
وصدور ما يدل عليهما ايجابا وقبولا بالقول أو بالفعل منهما أو بالقول من أحدهما والفعل من الآخر
كما في الوكالة بل قيل إن القبول الفعلي هنا أقوى من القولي وقد يقال إن الايجاب إن كان بلفظ
أودعتك وشبهه مما هو من صيغ العقود وجب القبول لفظا وإن قال احفظه ونحوه لم يفتقر إلى
اللفظ مع تحقق العقد ويجب الحفظ بما جرت العادة به كالثوب في الصندوق المقفل أو البيت الذي
لا يشاركه فيه يد أخرى والدابة في الاصطبل للحرز والشاة في المراح وما جرى مجرى ذلك لعدم تعيين
الحفظ من قبل الشارع فيرجع إلى العرف ولو عين له المالك موضعا اقتصر المودع عليه مطلقا ولو نقلها
عنه ضمن مطلقا إلا مع خوف التلف فيجوز أو يجب نقلها إلى مكان أحرز منه أو مساو له والأكثر على
جواز النقل عن المعين إلى الأحرز مطلقا ما لم ينهه عن غيره بل نقل عليه الاجماع وتخطى بعضهم إلى المساوي
لتوافق المتساويين في النفع والضرر وهما ممنوعان والأغراض تختلف في مواضع الحفظ اختلافا كثيرا
من غير التفات إلى كون بعضها أحفظ من الآخر أو مساويا له فلا يخرج عن اليقين ولو كانت الوديعة
حيوانا يحتاج إلى نفقة أو شجرا أو زرعا يحتاج إلى سقي وجب ذلك على المودع سواء أمره به المالك أم لا
ويرجع مع نيته عليه بما غرم من الانفاق ومؤنة السقي وغير ذلك من المؤن اللازمة مع أمره وإن أطلق
توصل إلى إذنه وإذن وكيله فيه فإن تعذر رفع أمره إلى الحاكم ليأذنه إن شاء أو يستدين عليه أو يبيع
بعضه للنفقة أو ينصب أمينا عليه فإن تعذر الحاكم أنفق هو وأشهد عليه ولو تعذر الاشهاد اقتصر على
نية الرجوع فإن لم يفعل وتلفت العين بذلك أو نقصت ضمن وأثم وكذا لو نهاه عند بعضهم لوجوب
حفظ المال عن التلف ورد بأنه إنما يجب على المالك دون غيره والوجه أنه لا يجب مع النهي إلا القيام على الحيوان
المحترم كالعبد والدابة خاصة ويتلطف للرجوع إن أراده إلى إذنه أو إذن الحاكم أو الاشهاد يكتفي بنية
الرجوع على الترتيب المذكور ويأثم بالترك إلا أنه لا ضمان عليه لسقوطه بنهي المالك كما لو أمره بالقاء
ماله في البحر والمودع أمين كما في حسنة الحلبي وغيرها لا يضمن التلف ولا النقص إلا مع التفريط و
هو ترك ما يجب فعله أو التعدي وهو فعل ما يجب تركه فالأول كان يطرحهما فيما ليس بحرز أو يترك
الثوب الذي يفتقر إلى نشر أو يضع الكتب في المواضع التي تفسدها بالنداوة والأرضة ونحوهما أو
يهمل سقي الدابة أو علفها بحسب المعتاد في الوقت أو يودعها من غير ضرورة ولا إذن أو يسافر بها
كذلك ولو كان الطريق آمنا والثاني مثل أن يلبس الثوب أو يركب الدابة أو يجحد مع مطالبة المالك
أو يخلطها بمال آخر بحيث لا يتميز أو يفتح الختم إلا أن يكون لشئ من ذلك مدخل في الحفظ ولو طلبها
ظالم وجب الامتناع ما أمكن ومنه الانكار والحلف مع التورية إن أحسنها لو اندفع بذلك ولا يجب
تحمل الضرر الكثير كالجرح وأخذ المال وأكثر ذلك مستفاد من العمومات ويجب عليه الايصاء به إلى
عدل ولو من الورثة عند ظهور أمارة الموت عليه لتوقف الحفظ الواجب عليه أو الرد إلى المالك أو
وكيله مع الامكان لعجزه عن الحفظ حينئذ أو الاشهاد عليه فيعتبر ذوا عدل والترديد إما إشارة إلى
258

الأقوال الثلاثة في المسألة أو للتخيير كما في المفاتيح ولا يجوز قبول الوديعة للعاجز عن حفظها ابتداء
واستدامة إلا أن يكون المالك عالما بحاله حين الايداع وإلا وجب اعلامه أو ردها إليه أو إلى
وكيله من غير توقيف على المطالبة كالأمانات الشرعية ومع تعذر الرد إلى المالك أو الوكيل فإن أمكن
ايداعه عند ثقة أو دفعه إلى الحاكم جاز والأولى تقديم الدفع إلى الحاكم لأنه منصوب للمصالح وهذه
منها ووكيل عام للمالك فيدفع إليه عند تعذره ووكيله الخاص فإن تعذر فإلى الثقة والوجه
الوجوب حينئذ والضمان مع الترك وكذا إن عجز عن الحفظ ثانيا بعد القدرة وإلا يكن عاجزا أو يمكنه
الرد إلى المالك أو وكيله فلا يجوز له اخراجه من يده إلى غيرهما بلا خلاف فإن فعل أثم وضمن
وهي جايزة من الطرفين فلهما الفسخ متى شاءا إلا ما علم استثناؤه مما ذكر ويجب على المودع أن
يعجل الرد عند المطالبة من المالك فلو أخر من غير عذر ضمن ولا يجوز الخيانة فيه ولو بالتقاص
ولو كان صاحب الوديعة كافرا كما استفاضت به عمومات أداء الأمانة إلى البر والفاجر من
الكتاب والسنة مما تقدم وغيره ومنهم من أوجب في وديعة الحربي دفعها إلى سلطان الاسلام
وكذا وديعة الغاصب عند بعضهم ومع التعذر تبقى أمانة ثم يوصي بها إلى عدل إلى ظهور مستحقه
والمشهور أنه يمنع منها وتنكر وتعاد إلى مالكها إن عرف وإلا عرفت سنة ثم يجوز التصدق بها
مع الضمان لما رواه المحمدون الثلاثة عن أبي عبد الله (ع) أنه سئل عن رجل من المسلمين أودعه
رجل من اللصوص دراهم أو متاعا واللص مسلم هل يردها إليه قال لا يردها عليه وإن أمكنه أن
يرده إلى صاحبه فعل وإلا كان في يديه بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرفها حولا فإن أصاب صاحبها
ردها عليه وإلا تصدق بها فإن جاء صاحبها بعد ذلك خيره بين الأجر والغرم فإن اختار الأجر
فله الأجر وإن اختار الغرم غرم له وكان الأجر له وهي ظاهرة في تعين التصدق وتشبيهها
باللقطة لا يقتضي جواز تملكها بعد التعريف كما قد يترائى لاحتمال انحصار وجهه في تعريف
الحول فإنه من أخص أحوال المشبه به ولا يلزم فيه المشاركة في جميع الوجوه كما هو ظاهر
باب
الاقرار وهو لغة الاثبات وعرفا اخبار عن حق ثابت ويصح بغير العربية اختيارا واضطرارا
قولا واحدا وشرطه أهلية المقر للتصرف فلا يقبل من الصبي وإن أذن له الولي إلا بما له أن يفعله
إذا بلغ عشرا كالوصية والوقف والصدقة ولا المجنون ولا المكره ولا السكران خلافا لابن الجنيد
فيمن شرب مسكرا باختياره ولا المحجور عليه للسفه إن أقر بمال ويقبل فيما عداه ولا المملوك مطلقا
لأن اقراره إنما هو على غيره فلا يقبل معجلا نعم يتبع به بعد العتق إلا إذا كان مأذونا في التجارة فأقر بما
يتعلق بها على المشهور لأنه يملك التصرف فيملك الاقرار أما المفلس فيقبل اقراره فيما عدا الأموال
وبالدين في ذمته واقرار المريض قيل إنه من الأصل مطلقا وهو ظاهر المصنف في الكتاب وقيل
للوارث من الثلث مطلقا وقيل بل مع التهمة منه مطلقا وعليه الأكثر وهو أجمع للأخبار ومن شرطه
أهلية المقر له للتملك ولو كان حملا وعدم تكذيبه للمقر وإن لم يعتبر قبوله لفظا فإن كذبه فيما يفعل
بالمقر به أوجه أظهرها عند المصنف تخير الحاكم بين أخذه واقرار اليد المقر عليه إلى أن يظهر مالكه و
عدم تعليقه على شرط ولا صفة لمنافاة التعليق مقتضى الخبر واطلاق اللفظ يحمل على متفاهم العرف
الخاص أو العام فلو أقر بمن طعاما حمل على من البلد ولا يقبل تفسيره بما ينقص عنه وكذا لو أقر بدابة
لا يقبل تفسيرها بشاة أو سنور مثلا لكن في بعض روايات النكاح ما يؤذن بقبول الأخير فإن انتفى
العرفان فاللغة كما تقرر في الأصول والقول بتقديم اللغة على العرف العام متهافت وربما يعمل على القرائن
المعاندة للحقيقة حالية أو مقالية ويصرف المعنى عنها إلى المجازات المحتملة الأقرب فالأقرب ومع تعدد
الحقيقة اللغوية أو العرفية أو أفرادها وإن كانت مشككة وانتفاء القرنية الموجبة لرفع الابهام
عن مقصود المقر يرجع في تفسيره إليه لأنه أعرف بقصده ولو امتنع من التفسير حبس وعوقب عليه حتى
يفسره بما قل أو كثر ويقبل منه الأقل عملا بأصالة البراءة عن الزائد فلو أقر بمال وفسره بدرهم فما دون
قبل إلا أن يكون خلاف الأظهر بحسب القرائن كما لو أقر موسر البلد لمثله بمال عظيم ثم فسره بدرهم مثلا
لأنه عظيم خطره حيث يكفر مستحله فإن الأقوى عدم قبول هذا التفسير لدلالة العرف والقرائن على
بطلانه خلافا للمشهور حيث حكموا بقبوله مع تصريحهم بتقديم العرف على اللغة وقبول القرائن وقد
جرت العادات بايراد هذه الأحكام في كتاب الاقرار وهي جارية في الوصية والنذر وغيرهما وورد
في بعض الأخبار تفسير بعض الألفاظ المبهمة على وجوه مخصوصة وعمل بها بعضهم وأنكرها الأكثر كتفسير
الجزء بالعشر أو السبع والسهم والشئ بالسدس أو السهم بالثمن والكثير بثمانين والقديم بما مضى عليه
ستة أشهر ويلزم المقر باقراره لعموم اقرار العقلاء على أنفسهم جايز ولا يسمع انكاره بعده ولو اتصل
به إلا أن يكون متمما للكلام كأن يقول له علي عشرة إلا واحدا وعشرة زيف ونحو ذلك بخلاف ما
لو قال كان له علي عشرة فأوفيته فإنه يلزمه العشرة مع تكذيب المقر له ولا تقبل دعواه في السقوط
وإذا أشهد بالبيع وقبض الثمن ثم أنكر فيما بعد وادعى أنه أشهد تبعا للعادة ولم يقبض قيل لا
تسمع دعواه لأنه مكذب لإقراره وهو ظاهر المصنف هنا والأكثر على القبول لأنه ادعى أمرا معتادا
وقواه في المفاتيح لأنه ليس مكذبا للاقرار بل مدع شيئا آخر فيكون على المشتري اليمين
باب الصلح
وهو عقد شرع بالأصل لقطع التجاذب والتنازع لقد توسع فيه بحيث لا يشترط بسبق خصومة
عند أصحابنا وتمس إليه الحاجة كثيرا عند العلم باشتغال الذمة بحق مجهول القدر أو المستحق ونحو
ذلك والأكثر على أنه عقد لازم مستقل برأسه على حد سائر العقود وليس فرعا على غيره وإن أفاد
فائدته خلافا لمن فرعه على أحد عقود خمسة فإن أفاد نقل العين بعوض فالبيع أو بغيره فالهبة أو المنفعة
259

بعوض فالإجارة أو بغيره فالعارية وإن أفاد اسقاط ما في الذمة فالابراء فيتبع أصله في الجواز و
اللزوم وسائر الأحكام وكيف كان فهو من أعم العقود موردا وأوسعها دايرة ويصح ظاهرا مع الاقرار والمسالمة على العين والدين اجماعا وكذا مع الانكار والمخاصمة بأن يدعي أحد على آخر دينا أو عينا
فينكر المدعى عليه فيصالحه بمال آخر أو ببعض المدعى به أو بغير ذلك من منفعة أو غيرها سواء تحاللا
بعد ذلك أم ومع علم كل منهما بالحق المصالح عنه ومع جهله به ومع علم أحدهما وجهل الآخر لعمومات
شرعية الصلح من غير مخصص وفي الصحيح عن أبي جعفر (ع) في رجلين كان لكل واحد منهما طعام عند صاحبه
لا يدري كل واحد منهما كم له عند صاحبه فقال كل واحد منهما لصاحبه لك ما عندك ولي ما عندي
فقال لا بأس بذلك إذا تراضيا وطابت أنفسهما وظاهر النص والفتوى عدم الفرق في الجاهل بين
من يتعذر عليه تحصيل العلم بمقدار الحق وغيره وخص بعضهم بالأول وباطنا لا يصح أي لا يبرء به
الذمة إلا مع جهلهما معا بمقدار الحق وهو من المواضع التي لا تفصل الخصومة فيها إلا بالصلح أو
ايصال قدر الحق أو عينه صلحا إلى المستحق كما لو كان في ذمته خمسون وطولب بمائة فأنكر ثم
صولحت الدعوى بخمسين أو كانت عنده عين فطولب بغيرها ثم صولح بتلك العين والعبرة بوصول
الحق إلى مستحقه دون الصلح أو رضاه باطنا بما دونه وهو مقدار ما صولح به وعلى العالم بما عليه
اعلام الجاهل مهما كان الصلح بأقل من الحق وعن أبي الحسن عليه السلام في يهودي أو نصراني كان له
عند السائل أربعة آلاف درهم مات إلى أن صالح ورثته ولا أعلمهم كم كان قال لا يجوز حتى يخبرهم وقد
تقدمت صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع) أنه إذا كان للرجل على الرجل دين فمطله حتى مات ثم صالح
ورثته على شئ فالذي أخذه الورثة لهم وما بقي فهو للميت يستوفيه منه في الآخرة ولو أنكر العين
فصالح عنها بمال آخر فهي بأجمعها في يده مغصوبة ولا يستثنى له منها مقدار ما دفع لفساد المعاوضة
في نفس الأمر ويجوز الصلح على عين بعين كدار بدابة ومنفعة كثوب بذراعة أرض وعلى منفعة تعين
كسكنى دار بثوب ومنفعة كركوب دابة بسكنى دار وكذا ما تركب منها بشرط العلم بالعوض على وجه
ينتفي معه الجهالة المطلقة في الجميع فإنه بإفادته فائدة البيع يصح على العين وبإفادته فائدة الإجارة
يصح على المنفعة وعن أبي عبد الله (ع) في الرجل يكون له على الرجل الدين فيقول له قبل أن يحل الأجل
عجل إلى النصف من حقي على أن أضع عنك النصف أيحل ذلك لواحد منهما قال نعم بل صرح المصنف
بجوازه على مثل اسقاط خيار أو حق أولوية في تحجير أو سوق أو مسجد أيضا وفاقا للشهيد الثاني للعمومات
مثل قوله صلى الله عليه وآله الصلح جايز بين المسلمين إلا ما حرم حلالا أو حلل حراما وفسر الاستثناء بنحو استرقاق
الحر وعدم وطي الحليلة وإذا اصطلح الشريكان عند إرادة الفسخ على أن يكون لأحدهما مقدار رأس ماله
وللآخر الباقي ربحا كان أو خسارا صح لصحيحة أبي الصباح وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) في رجلين
اشتركا في مال فربحا فيه وكان من المال دين وعين فقال أحدهما لصاحبه أعطني رأس المال والربح
لك وما توى عليك فقال لا بأس إذا شرطا
كتاب النكاح بسم الله الرحمن الرحيم النكاح يطلق على
الوطي وعلى العقد المثمر لإباحته ويرجع في مواقع استعماله إلى القرائن
باب التعداد والجدوى والآفة
وبعض الآداب والمقسم مطلق السبب المبيح للوطي توسعا وهو للرجال ثلاثة دائم ومنقطع وملك يمين
وقد انطوى عليه قوله عز وجل والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإن المنقطعة
زوجة وإن حرمت عن الإرث بالسنة كالقاتل والأخير إما بتملك الرقبة من غير مانع أو بالتحليل من الغير
فإنه إذا حللها له فقد ملكه وطيها كما قاله الشيخ وربما يدرج في العقد وجدواه أمور دينية ودنيوية و
إن قل اجتماعهما في محل واحد منها حفظ النفس البهيمية من إطاعة الشيطان بالوقوع في الخنا ومن ثم ورد
في النبوي وغيره من تزوج فقد أحرز نصف دينه فليتق الله في النصف الآخر وكان النصف الآخر الاحتفاظ
من شهوة البطن وورد أهلك الناس الأجوفان البطن والفرج ومنها نفي العزوبة المنهي عنها شرعا و
عقلا فعن النبي صلى الله عليه وآله رذال موتاكم وفي لفظ آخر أكثر أهل النار العزاب وعن أبي عبد الله (ع) جاء رجل إلى أبي فقال له هل لك من زوجة فقال لا فقال أبي ما أحب أن الدنيا وما فيها لي وأني أبيت ليلة وليست
لي زوجة ثم قال لركعتان يصليهما رجل متزوج أفضل من رجل أعزب يقوم ليله ويصوم نهاره ثم أعطاه
أبي سبعة دنانير وقال تزوج بهذه ثم قال أبي قال رسول الله صلى الله عليه وآله اتخذوا الأهل فإنه أرزق لكم وورد أن
المتسري ليس بعزب وقد تقدم أن الانسان مدني بالطبع ولا يستقيم أمره إلا بالاجتماع بأبناء النوع سيما
بالزوجة الموافقة المعاونة في استصلاح أحوال الدارين ومنها رفع ملالة القلب الناشئة عن دوام
الاشتغال بالعبادة أو الكسب أو العطلة فإن التفكه بالنساء ومؤانستهن مما يرفعها وينعش النفس و
منها زيادة الرغبة في لذات الجنة بالوقاع الذي هو أعظم لذات الدنيا فإنه أنموذج منها يحث ذواقها
على العبادة الموصلة إليها بل ورد أن أهل الجنة ما يتلذذون بشئ من الجنة أشهى عندهم من النكاح لا
طعام ولا شراب واعلم أن من اللغويين من قال إن النموذج بفتح النون معرب نمونه والأنموذج لحن ومنها
فراغ القلب من تدبير محقرات أمور البيت بكفاية الزوجة والنساء أعرف بذلك غالبا وأقدر و
منها كثرة العشيرة بالأصهار ليدفع بهم الشر ويتقوى على الخير ومنها الرياضة المهذبة للنفس الجموح
بالقيام بحقوقهن واحتمال جفائهن والصبر على أذاهن وسوء أخلاقهن والاجتهاد في كسب الحلال
لأجلهن فإنه كالجهاد في سبيل الله كما سبق ومنها تحصيل حكمة النكاح وهي ابقاء النوع بالولد لامتناع
بقاء الأشخاص بسبب أن الرطوبة الأصلية التي خلقت منها البنية تتحلل بعمل الحرارة الغريزية وتفنى
على مر الزمان والرطوبات التي تنوب عما فنى منها من أجزاء الغذاء وإن ساوته في الكمية أو زادت عليه
إلا أنها تقصر عنه في الكيفية لأنها إنما نضجت وصلحت في أوعية الغذاء لا غير والرطوبة المنوية قد
260

صلحت ولطفت في أوعية الغذاء ثم في أوعية المني ثم في الرحم فالذاهب منها لا يستدرك بما لم ينضج
إلا في أوعية الغذاء فقط فهو نظير فتيلة مشتعلة في سراج فيه مقدار من الزيت كلما ذهب شئ من
الزيت صب بدله ماء حتى إذا فنى الزيت كله انطفت الفتيلة لا محالة وإن كان السراج مملوءا من الماء
وهذا هو الموت الطبيعي مضافا إلى ما يعرض أكثر الأفراد من الأعراض والأمراض المزيلة للحياة قبل
فناء الرطوبة الأصلية بأسرها وهي الآجال الاخترامية كما يكثر انطفاء المصباح مع بقاء زيته بسبب العواصف
وغيرها فاقتضت العناية الإلهية المطردة في ربط الأسباب بالمسببات استبقاء النوع بالتوالد لينوب
الخلف عن السلف في عمارة الدنيا إلى أن يبلغ الكتاب أجله وهو من أوضح الوجوه المعقولة في تسليط
الشهوة وركوزها في جبلة الانسان لئلا يتقاعد الوهن بالنفوس الضعيفة الفاترة عن القيام بجفاء
الأهل والولد عن التعرض لفضيلة الازدواج ويؤدي ذلك إلى انقطاع سلسلة الوجود المتصلة إليه
من آدم أبي البشر والحرمان من خير السببية للوجود ووجوه أخر من الشقاء والخلل لا تستدرك بغيره و
ومن فوائد الولد للوالد تحصيل بركة دعائه إن صلح وبقي في الدنيا بعده ففي عدة روايات أنه إذا مات
ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث أحدها ولد صالح يدعو له وتحصيل شفاعته في القيامة إن مات قبله
ولو سقطا ففي الحديث النبوي في أطفال المسلمين إن الله (تع) يقول للملائكة اذهبوا بهؤلاء إلى الجنة
فيقفون على باب الجنة فيقال لهم مرحبا بذراري المسلمين ادخلوا لا حساب عليكم فيقولون فأين آباؤنا
وأمهاتنا فيقول الخزنة إن آبائكم وأمهاتكم ليسوا مثلكم أنه كانت لهم ذنوب وسيئات فهم يحاسبون عليها
ويطالبون فيصائحون ويضجون فيقول الله سبحانه وهو أعلم بهم ما هذه الضجة فيقولون يا ربنا أطفال
المسلمين قالوا لا ندخل الجنة إلا مع آبائنا فيقول الله (تع) فخذوا بأيدي آبائهم فادخلوهم الجنة وفيه أن السقط
يجئ محبنطا على باب الجنة فيقال له ادخل فيقول لا حتى يدخل أبواي قبلي وهي وما في معناها خالية عن
الاشتراط وتكثير الأمة المحمدية فعن النبي صلى الله عليه وآله تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم غدا في القيامة ومنها الاستنان
بسنته النبوية فعنه صلى الله عليه وآله من أحب أن يتبع سنتي فإن من سنتي التزويج وعنه صلى الله عليه وآله النكاح سنتي فمن رغب
عن سنتي فليس مني ومن ضروريات الاسلام كراهية الرهبانية وأما مدح يحيى (ع) بالحصور وهو
من لا يشتهي النساء فليس بمناف ذلك بوجه كما لا يخفى ومنها التحرز عن تعطيل الأعضاء عن المقاصد
المخلوقة لأجلها فإن إهمال آلات التناسل تضييع للحكمة وابطال للمنفعة واعراض عن اكتساب الخير
وتعرض للأئمة فإن للسيد إذا سلم إلى عبده البذر وآلات الحرث وهيا له أرضا معدة للحراثة وكان العبد
قادرا على الحراثة ووكل به من يتقاضاه بها فإن تكاسل وعطل آلات الحرث وترك البذر ضايعا حتى
فسد ودفع الموكل من نفسه بضرب من الحيلة كان مستحقا للعتاب من سيده أو فوق ذلك والله خلق
الزوجين الذكر والأنثى وخلق النطفة في الفقار وهيا لها في الأنثيين عروقا ومجاري وخلق الرحم
قرارا ومستودعا للنطفة وسلط متقاضي الشهوة على كل واحد من الزوجين ومن نظر في علم
التشريح وما أعده الله بلطيف قدرته ودقيق صنعته في أوعية التوالد وقف على شئ من تفاصيل
هذا الاجمال وكلها السنة ناطقة بمراد بارئها الحكيم مفصحة عما أعدت له في أتقن نظام وأحسن
تقويم وآفاته كثيرة أيضا منها كثرة المؤنة المحوجة إلى كسب الحرام أو الشبهة للتوسع فإن الحلال
غزير الوجود عسر الحصول لا يفي باقتراحات الزوجة ومن تستتبعه من الولد والخادم وغيرهما سيما
في مثل هذا الزمان الذي صدق عليه قوله صلى الله عليه وآله سيأتي على أمتي زمان لا يسلم لذي دين دينه
إلا من فر من كهف إلى كهف أو من شاهق إلى شاهق كالثعلب بأشباله فعند ذلك حلت
العزوبة قالوا يا رسول الله أمرتنا بالتزويج قال نعم ولكن إذا كان ذلك الزمان كان هلاك
الرجل على يدي زوجته فإن لم يكن له زوجة فعلى يدي قرابته قالوا وكيف ذلك يا رسول الله
قال يعيرونه بضيق المعيشة حتى يوردوه موارد الهلكة ومنها فوات الحقوق الواجبة للنساء
فإن لهن مثل الذي عليهن والقيام بها على وجه الايفاء مما يضيق به ذرع الأكثرين والانسان
قد يعجز عن الوفاء بحق نفسه فكيف إذا انضافت إليها نفس أخرى تستتبع نفوسا أخر كلها
أمارة بالسوء أو المراد حقوق الايمان التي يمكنه القيام بها لإخوانه ما دام متجردا وينقطع
عنها بالتزويج لقلة الفرصة حينئذ وكثرة المؤنة من العيادة والزيارة والمواساة وغيرها مما
يأتي في محله ومنها الشغل عنه (تع) بتدبير المعيشة وتقويم المدخل والمصرف واصلاح المنزل لها
ولأولادها وجمع المال والادخار لأجلهم في حياته وبعد موته والتفاخر والتكاثر بهم وبالأموال
المجموعة بسببهم وقد يتعلق القلب بالزوجة الخطية سيما للشاب الفارغ الواجد ويؤدي ذلك
إلى الاستغراق بالتمتع والموانسة واغفال فكر الآخرة والاستعداد لها والشاغل عن الله (تع)
مذموم كما سبق فهذه مجامع فوائد النكاح وآفاته وبسبب تعارضها ربما يتردد الذهن في
ترجيح الراجح من فعله أو تركه والقول الفصل فيه أن الحكم بأحدهما على الاطلاق قصور عن الإحاطة بمجامع هذه الأمور بل ينبغي أن يتخذ ما ذكر من الفائدة والآفة معتبرا وأصلا يعرض عليه
حال الشخص فإن تحققت الفائدة في حقه وانتفت الآفة بأن كان مال حلال وخلق حسن وجد
تام في أمر الدين لا يشغله النكاح ولوازمه عن الله وهو مع ذلك شاب يحتاج إلى تسكين الشهوة
ومنفرد يحتاج إلى تدبير المنزل والتحصن بالعشيرة فهو أفضل له من التجرد وإن انعكس الحال بتحقق
الآفة وانتفاء الفائدة انعكس الترجيح وإن تقابلا بتحقق البعض وانتفاء البعض من كل منهما كما
هو الغالب وزن بالميزان القسط حظ الفائدة في الزيادة من دينه وحظ الآفة في النقصان منه
وأخذ بالراجح وأظهر الفوائد المتصورة في حق أكثر الناس تسكين الشهوة وتحصيل الولد وأظهر
261

الآفات كسب الحرام والاشتغال عن الله فمن لم يكن في أذية من الشهوة وكانت فائدته منحصرة
في الولد وآفته المتصورة كسب الحرام فالراجح في حقه الترك لأن فائدة الولد موهومة والآفة المفروضة
نقصان ناجز في الدين والولد ربح ورأس المال الدين فهو أولى بالاحتفاظ ولو فرضت الفائدة
تسكين الشهوة والآفة الاشتغال عن الله كان الراجح الفعل لأن اقتضاء الشهوة من غير مدفع
مما يشغل أيضا القلب عن الله ويزيد بالانجرار إلى معصية الله وطاعة الشيطان وعلى هذا القياس
وهذا أيضا من الأمر بين الأمرين وبه تنفصل الاطلاقات من الطرفين وحيث كانت مصلحة الفعل
أقوى غالبا وأظهر سيما في أمزجة العرب الذين نزل الدين القيم أولا عليهم وردت أكثر الاطلاقات
حاثة عليه حتى صار استحبابه في الجملة من ضروريات الدين وينبغي أن يجتهد المتجرد في إماتة شهوته
وتسكينها بتناول أغذية تضعف الباه وترك أغذية تقويه من المفردات والمركبات سيما المعاجين
والحبوب المصنوعة لذلك واجتناب الاكثار من التزين والتطيب سيما بالأطياب المبهية ومسامرة
البطالين الذين يخوضون في حديث النساء واستماع الأشعار والأقاصيص في ذلك ومطالعة
الكتب المشتملة عليه ونحو ذلك حتى النظر حتى النظر إلى سفاد الحيوانات فإن ذلك كله مما يحرك الشهوة
الساكنة وهو في ذلك أشبه شئ بمن ابتلي بسبع جايع نائم فيوقظه وهو أعزل لا سلاح معه
به يطيق الدفع فما أشد خطره وأبعد سلامته ويستحب له قطعها بالصوم فعن النبي صلى الله عليه وآله من استطاع
منكم الباه فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لا فليصم فإن الصوم له وجاء و
هو من الضمايم الراجحة نظير قصد الحمية كما مر في باب الاخلاص ويتأكد فيه غض البصر وقد أمر
الله (تع) به قبل الأمر بحفظ الفرج في قوله سبحانه قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا
فروجهم وأكمله ما كان بالاعتزال عن المتبرج سيما في مواقع الريب فإن النظر يهيج الوساوس
الكامنة في النفس ومن ثم ورد في عدة أخبار أنه سهم من سهام إبليس مسموم وكم من نظرة أورثت
حسرة طويلة وذلك أنه ربما يتعلق القلب بالمنظور بغير اختيار ويتعذر الوصول وقضاء الوطر
أو بتعسر لمانع في أحدهما أو كليهما فيفضي ذلك إلى التعب الشديد في مقاساة الشوق أو رفع المانع
ولا إثم في النظر الأول إن فقد القصد بل وقع اتفاقا فورد في النبوي وغيره لا تتبع النظرة النظرة
فإن لك الأولى وعليك الثانية والثالثة فيها الهلاك وعن أبي عبد الله (ع) النظرة بعد النظرة
تزرع في القلب الشهوة وأما صحيحة ابن سويد عن أبي الحسن (ع) قلت إني مبتلى بالنظر إلى المرأة الجميلة
فيعجبني النظر إليها فقال لا بأس إذا عرف الله من نيتك الصدق فيمكن حملها على النظرة الأولى الاتفاقية
أو على أن المراد نفي المؤاخذة من أصل الغريزة والشرطية متجهة على الوجهين والنظرة الواحدة المستطيلة
في حكم المتعددة والأمر في الأمرد الجميل أشد كما في رواية السكوني وذلك لتكشفه غالبا وسهولة
الإحاطة بمحاسنه وتأملها بتكرار النظر واشباعه وقربانه بالمحادثة والمفاكهة ونحوها مما لا يتيسر
غالبا في الأجنبية ويزيد رسوخ التعلق في القلب كل ذلك مع امتناع الوصول في الشرع بحيث لا مطمع
فيه بوجه من الوجوه فهو الداء العضال بخلافها فإنها ولو فرضت متعذرة الوصول عادة فليست متعذرة
عقلا فيمكن أن يرجى له الوصول بسبب غير محتسب وإن كان مستبعدا جدا كما يحكى في بعض النوادر ومقتضى
أشدية الأمر في الأمرد تحريم النظرة الثانية فما زاد إليه بطريق أولى وقد صرح بذلك بعض المحققين
ويؤيده ما رواه القوم عن النبي صلى الله عليه وآله قال لا تديموا النظر إلى المردان فإن فيهم لمحة من الحور العين وهو
متجه فيما إذا كان على وجه الشهوة وخيف منه الانجرار إلى الفاحشة أو الابتلاء بالعشق البهيمي
أما لو كان لمجرد الابتهاج والانتعاش كما يبتهج بالنظر إلى المياه الجارية والأراضي الخضرة والأشجار
الموزونة النضرة ونحو ذلك مما لا يلتمس لوطي ولا للمس ولا تقبيل بل يقضي الوطر منها بمحض النظر و
المشاهدة فإن ذلك من مقتضيات الطبع السليم ومن ادعى تحريمه فعليه البيان وأولى بالجواز
ما لو كان على وجه النظر في لطائف صنع الله والتفكر في بدايع قدرته إلا أنه من مواضع الغرور
والنفس الأمارة تتسلل إلى فتح باب الرخص بالخدايع والحازم يدع ما يريبه إلى ما لا يريبه وحسنات
الأبرار سيئات المقربين ويحكى عن بعض السالكين قال ترافقت مع الأدهم من خراسان إلى الحج
وكنا تعاهدنا أن لا نمشي إلا لله ولا ننظر إلا لله ولا نقوم ولا نقعد ولا نفعل ولا نترك إلا لله
قال فرأيت منه الوفاء بجميع ذلك وبينا نحن ذات يوم في الطواف إذ أقبل صبي جميل لم ير الراؤون
مثله فوقف عند المقام وانقطع الناس عن طوافهم ينظرون إليه قال فلما بلغته رأيت الأدهم
أيضا واقفا في زمرة الناظرين فقلت له خالفت شرطك فقال مهلا هذا ابني فقلت فلم لا تتعرف
إليه قال أخاف أن أفتن به ولكن أدن إليه أنت وسله بمسمع مني ما شأنه قال فدنوت إليه وقلت
يا هذا خف الله ولا تفتن الناس بجمالك في هذا الموقف فإن الله سائلك عن ذلك غدا قال كلا
ما أحب أن أكون فتنة ولكن أبي فارقني وأنا رضيع فلما ترعرعت طلبته في كل سهل وجبل فلم
ألحقه وبلغني أنه توجه إلى الحج فأتيت الموسم أتعرف أبي قلت من أبوك قال إبراهيم الأدهم قال فرجعت
إليه وهو يبكي ويقول:
هجرت الخلق طرا في هواكا * وأيتمت العيال لكي أراكا.
وينبغي أن يراعي
المتزوج والمتسري الاعتدال في الوقاع وذلك على وجهين آ تحري الأوقات الصالحة له فإنه
على الامتلاء يضعف الهضم ويوقع في القولنج وغيره من الأمراض التي يوجبها الحركة على الامتلاء
وعلى الخلاء يوجب الذوبان والجفاف وليكن بعد الهضم الثاني عند اعتدال البدن في حره وبرده
ورطوبته ويبوسته لئلا يزيد الجماع تلك الكيفيات إن كانت مائلة عن اعتدال فربما يحدث
مع الحرارة الحمى والدق ومع البرودة سيما مع اليبس دق الشيخوخة وربما أحدث الرعشة والرمد
262

وأحمد أوقاته إذا قويت الشهوة وحصل الانتشار التام لا عن تكلف ولا فكرة في مستحسن ولا نظر
إليه ولا كثرة رياح منعظة بلا شهوة بل بسبب كثرة المني وشدة الشبق ومن علامته حصول
الخفة عقيبه بسبب استفراغ الفضول وتنقية القلب والدماغ عن الأبخرة السمية التي يصعدها
إليهما احتباس المني إلى غير ذلك مما هو مذكور في محله ب ملازمة الاقتصاد فيه بحسب المزاج
والاحتراز عن الافراط والتفريط كما في سائر الأمور فالافراط يسقط القوة وينهك البدن ويضر
العصب ويوقع في الفالج والتشنج ويضعف البصر جدا ويوجب السهر بسبب شدة الاستفراغ و
خروج جوهر الروح مع المني بسبب اللذة ومن ثم كان أكثر المواقعين التذاذا أوقعهم في الضعف و
يقوى الشطر البهيمي من النفس ويقهر العقل بصرف الهمة إلى التمتع فيحرم عن المقصود وهو العبادة
الموصلة إلى لذات الجنة وفراغ القلب والرياضة كما مر وربما تنكسر شرة النفس بالاكثار منه سيما
للأمزجة الضعيفة ويفضي ذلك إلى تناول الأشياء المقوية وغيره من التدبيرات لتكون معاونة
للطبيعة فيما فرت عنه فيحتاج إلى تضييع الوقت في تحصيل أجزاء المعاجين والمغالات في أثمانها و
الاشتغال بتركيبها وتحمل التعب الشديد في ذلك وهو كتنبيه السبع الضاري ممن بلى به وهو نائم
اعتمادا على ما معه من السلاح الذي به يطيق الدفع بزعمه وهو غاية السفه والجهل فإن السلاح إنما
يحمل ليحترس به عن السبع لو تحرك بنفسه اتفاقا لا لأن يحرك بالقصد والعمد ويتكلف التعب و
الخطر الشديد أن في مغالبته وليس كل من حمل سلاحا قدر به على قهر السبع وسلم من غائلته يقينا
وأما ما روي عن النبي (ص) قال شكوت إلى جبرئيل ضعف الباه فأمرني بأكل الهريسة فالوجه فيه أنه (ص)
كان قواما على تسع من النساء فطلب ذلك لتحصينهن لا للتنعم ويؤيده ما ورد من طرق الأصحاب
شكوت كثرة الأزواج وربما يفضي افراط هذه الشهوة ببعض البطالين إلى العشق المرض الوسواسي
المبحوث عنه في الطب ويجعله أضل من الأنعام الهائمة لأن المتعشق ليس يقنع بإراقة شهوة الوقاع
وهي أقبح الشهوات وأجدرها بأن يستحي منها حيث ما اتفق حتى اعتقد أن الشهوة لا تنقضي إلا من محل
واحد والأنعام تقضي الشهوة أين اتفق فتكتفي به وهذا لا يكتفي إلا بواحد وفي الحديث أنه سئل أبو
عبد الله (ع) عن العشق فقال تلك قلوب خلت عن محبة الله فأذاقها الله حلاوة غيره وهذا العشق
إنما يعتري غالبا الرعاع وأصحاب النفوس العامية دون الأشراف وكبراء النفوس والمحتشمين و
الخواص الذين في سرهم لطف وإنما الذي يعتريهم كثيرا عشق الصور والشمائل الملائمة لطباع
أرواحهم من غير شهوة مجامعة ولا تخيل شئ من جنسها وقد ينتقلون منه بالرياضة وصفاء الأنفس
فيرتقون على مدارج العارفين البشاشين الذين لا التفات لهم إلى شئ من حظوظ النفس وشهواتها
بل قصوى همتهم وغاية نهمتهم معرفة الحق الأول تعالى شأنه كما تقدمت الإشارة إليه والتفريط
يوجب الدوار وظلمة البصر وثقل البدن وورم الخصية كل ذلك بسبب الاحتباس وإذا بولغ
فيه يضعف للقوة المولدة لأن الطبيعة تنسى حينئذ توليد المني كما تنسى الطبيعة الفاطمة توليد
اللبن وربما يفضي أيضا إلى العشق بل افضائه إليه أوضح من افضاء الافراط كما يشهد به العيان
فإن اعترائه للعزاب أكثر منه لغيرهم ويوافقه ما ذكره الأطباء في رسمه من أنه مرض ماليخولي يتولد
من الأطماع يزيد بالسماع وينقص بالجماع وبالجملة ففي كلام المصنف من التماوت ولا يخفى وربما
يوجد في بعض النسخ يضعف مضبوطا بالتشديد من باب التفعيل فالمراد بالقوة القوة البهيمية
وهو أجود في الجملة
باب المحارم وهي جمع محرم ويطلق تارة على من يحرم نكاحه مؤبدا وهو
الأكثر وأخرى مطلقا وهو المراد هنا وما زاد فمذكور استطرادا وأسبابه اثني عشر لكنها وقعت
في كلام المصنف مشوشة الترتيب والمراد أنها محرمة في الجملة لا أنها لا تكون إلا محرمة وربما يجتمع
اثنان منها فصاعدا وهي النسب والرضاع والمصاهرة والوطي والزنا واللواط والعقد والطلاق
واللعان والقذف واستيفاء العدد والكفر والمذكور في صريح الكتاب جملة منها والبواقي من
السنة قال الله (تع) ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف أنه كان فاحشة وساء سبيلا
حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم
اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي
دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن
تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما والمحصنات من النساء إلا ما ملكت
أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم وقال (تع) الطلاق مرتان فامساك بمعروف أو تسريح
باحسان إلى قوله فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره وقال سبحانه ولا تنكحوا المشركات
حتى يؤمن والمحارم من النسب منحصرة في السبع المذكورة والرضاع لحمة كلحمة النسب فيحرم منه
ما يحرم منه بالاجماع وإن وقع الاقتصار في الآية على بعضها والأم من النسب من ولدتك أو
ولدت من ولدك ولو بوسائط والبنت من ولدتها أو ولدت من ولدها ولو بوسائط والأخت
من ولدها من ولدك من غير واسطة وبنتها من ولدتها أو ولدت من ولدها ولو بوسائط وكذا
بنت الأخ والعمة أخت الأب وإن علا والخالة أخت الأم وإن علت فتشملان عمات الأب والأم والجد
والجدة وخالاتهم دون عمات العم والعمة وخالات الخال والخالة فإنهن لا يحرمن مطلقا بل بشرط
دخولهن في المذكورات فالضابط الكلي أنه يحرم الأصول وفروعهم وإن سفلوا وأخصر منه وأوضح
كل قريب عدا أولاد العمومة والخؤولة ومن الرضاع الأم من أرضعتك أو ولدت من أرضعتك أو من
ولدها وأرضعتها أو أرضعت من ولدها ولو بوسايط وكذا من ولدت فحل مرضعتك وهو أبوك
263

من الرضاعة أو أرضعته أو أرضعت من ولده ولو بوسائط والبنت من أرضعت بلبنك أو بلبن
من ولدته أو أرضعتها من ولدتها وكذا بناتها من النسب والرضاع والأخت من أرضعتها أمك
أو أرضعت بلبن أبيك وكذا كل بنت ولدتها المرضعة أو الفحل والعمات والخالات أخوات الفحل
والمرضعة وأخوات من ولداهما من النسب والرضاع وكذا كل من أرضعتها إحدى جداتك أو أرضعت
بلبن واحد من أجدادك من النسب والرضاع وبنات الأخ والأخت بنات أولاد المرضعة والفحل
من النسب والرضاع وكذا كل من أرضعتها أختك أو بناتها أو بنات أولادها من النسب والرضاع
وبنات من أرضعته أمك أو أرضع بلبن أخيك وبنات أولاده من النسب والرضاع فكلهن بنات
أختك وأخيك ولا بد في النسب من ثبوته بالنكاح الصحيح المستباح بالعقد أو الملك أو الشبهة
دون الزنا وإن صدق فيه النسبة عرفا ولغة لانتفائه شرعا اجماعا كما نقلوه ومن ثم صرحوا بانتفاء
لوازمه كإباحة النظر والعتق وسقوط القود ووجوب النفقة وغير ذلك قطعا إلا أنهم نقلوا الاجماع على تحريم النكاح وهو أحوط وإن كان في ثبوته اشكال كما في المفاتيح وفي الرضاع من أمور
ثلاثة أحدها أن يكون اللبن عن وطي صحيح ولو شبهة فلو در بنفسه أو كان عن زنا لم يؤثر
شيئا اجماعا وفي روايتي يونس بن يعقوب ويعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (ع) في امرأة
در لبنها من غير ولادة فأرضعت جارية وغلاما من ذلك اللبن هل يحرم بذلك اللبن ما يحرم
من الرضاع قال لا وفي اعتبار الولادة أو الاكتفاء بالحمل قولان أشهرهما الأول بل نقل عليه
الاجماع وله الأصل والروايتان من غير معارض وثانيها وقوعه في حولي المرتضع مطلقا فلا
يحرم بعدهما مطلقا بلا خلاف وما يخالفه يحتمل التقية وقيل إنما يحرم فيهما قبل فطامه لما
ورد في النبوي وغيره لا رضاع بعد فطام وفيه أنه فسر الفطام في رواية حماد عن أبي عبد الله (ع)
بالحولين الذين قال الله عز وجل وفي اشتراط وقوعه في حولي ولد المرضعة قولان واختار
المصنف العدم وثالثها أن ينبت به اللحم ويشد العظم كما في رواية عبد الله بن سنان وغيرها
لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وشد العظم وفي صحيحة علي بن رئاب قلت ما يحرم من الرضاع
قال ما أنبت اللحم وشد العظم قلت فيحرم عشر رضعات قال لا لأنه لا ينبت اللحم ولا يشد العظم عشر
رضعات ويتحقق ذلك برضاع يوم وليلة لا يتغذى فيهما الرضيع بغيره بلا خلاف أو خمس
عشرة رضعة على المشهور ويعتبر فيها وصفان آ أن تكون كل رضعة منها كاملة فلا عبرة بالمصة
والمصين والمشهور الرجوع في تفسير الكمال إلى العرف وفي مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله (ع)
الرضاع الذي ينبت اللحم والدم هو الذي يرضع حتى يتملى ويتضلع وينتهي نفسه قال في الوافي تضلع
امتلأ شبعا أو ريا حتى بلغ الماء أضلاعه وفي رواية ابن أبي يعفور إذا رضع حتى يمتلئ بطنه والحديثان
تفسير لكل رضعة رضعة من الرضعات التي مجموعها محرمة لأن ذلك وحده كاف في التحريم ب
أن تكون الرضعات متوالية كما في موثقة زياد بن سوقة عن أبي جعفر (ع) لا يحرم الرضاع أقل من
يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينها
رضعة غيرها ومقتضاها الاكتفاء في التحريم بتحقق أقل الأمرين من ارتضاع اليوم والليلة و
استيفاء العدد وفي التذكرة وغيرها أن الأصل إنما هو العدد والرجوع إلى اليوم والليلة مخصوص
بما إذا لم يضبط ومن اكتفى فيه بعشر رضعات بالوصفين وهم طائفة من المتقدمين فقد احتاط
عن طرح النصوص الدالة عليه وإن كانت معارضة بما هو أقوى منها مع ما تفوح منها من روايح
التقية مثل صحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (ع) ما الذي يحرم من الرضاع فقال ما أنبت
اللحم والدم فقلت ما الذي ينبت اللحم والدم فقال كان يقال عشر رضعات قلت فهل يحرم عشر
رضعات فقال دع ذا ثم قال ما يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع وطعن الشهيد الثاني وغيره
في سندها باشتماله على علي بن الحكم وهو مشترك بين الثقة وغيره غير سديد لأن الذي يثبته
ممارسة كتب الرجال وملاحظة الأسانيد والطبقات اتحاد الرجل وأنه وقع في كتب القدماء موصوفا
تارة بالأنباري وأخرى بالكوفي وثالثة بالنخعي ورابعة بالصيرفي فصار ذلك سببا لاشتباه من
توهم فيه التعدد من المتأخرين وقد تنبه لهذا جماعة من المحققين منهم المصنف في مقدمات
الوافي مع أنه تبع الشهيد الثاني هنا في المفاتيح وقد بينت ذلك في المسائل الجبلية وحواشي الوافي
والمسالك وغيرها ومن اقتصر في التحريم على رضعة واحدة كاملة كما يعزى إلى ابن الجنيد فقد بالغ
في الاحتياط إلا أنه أخذ بالشاذ الذي أعرض أكثر الأصحاب عن العمل به مثل ظاهر ما تقدم في
تفسير الكمال ومكاتبة علي بن مهزيار الصحيحة عن أبي الحسن (ع) فيما يحرم من الرضاع قليله وكثيره
حرام ورواية زيد بن علي الرضعة الواحدة كالمائة رضعه لا تحل له أبدا ويؤيده عمومات الرضاع
والوجه الغير المحتاط تخصيص العمومات بالمخصصات السابقة وحمل هذه على التقية لموافقتها بعض
مذاهب القوم وكأنه الوجه في اعراضهم عنها حتى شدت وإذا اجتمعت الشروط المذكورة ثبتت العلاقة المحرمة
وصارت المرضعة بالنسبة إلى الرضيع بمنزلة الأم وفحلها وهو صاحب اللبن الذي در عن وطئه بمنزلة
الأب والمرتضعان بمنزلة الأخوين وعلى هذا القياس ويحصل بينهم التحريم المؤبد المعبر عنه بالتحريم العيني
وغيره من اللوازم كما يحصل بالنسب سواء كان الارتضاع بالامتصاص من الثدي أو بالوجور في الحلق
وفاقا لبعض القدماء لأن الغاية المطلوبة إنما هو انبات اللحم وشد العظم كما هو ظاهر الفحاوي وصريح
مرسلة الصدوق عن أبي عبد الله (ع) وجور الصبي بمنزلة الرضاع ومن شرط الارتضاع من الثدي ولم
يعتبر بالوجور وهم الأكثر تحقيقا لمسمى الارتضاع فقد ترك الاحتياط وسواء كان الفحل واحدا أم متعددا
264

ما كانت المرضعة واحدة وفاقا للطبرسي في التفسير والراوندي في فقه القرآن لعموم قوله (تع) وأخواتكم
من الرضاعة ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وغيرهما وصريح رواية الهمداني قال قال الرضا (ع)
ما يقول أصحابك في الرضاع قلت كانوا يقولون اللبن للفحل حتى جائتهم الرواية عنك أنه يحرم من الرضاع
ما يحرم من النسب فرجعوا إلى قولك إلى أن قال (ع) رجل كانت له أمهات أولاد شئ فأرضعت واحدة
منهن بلبنها غلاما غريبا أليس كل شئ من ولد ذلك الرجل من أولاد الأمهات الشتى محرم على ذلك
الغلام قلت بلى فقال (ع) فما بال الرضاع يحرم من قبل الفحل ولا يحرم من قبل الأمهات وإنما حرم الله
الرضاع من قبل الأمهات وإن كان لبن الفحل أيضا يحرم ومن شرط اتحاد الفحل في تحريم أحد المرتضعين
على الآخر ولم يكتف باتحاد المرضعة وهم الأكثر أيضا بل ادعى عليه الاجماع لموثقة زياد بن سوقة
وما في معناها فقد ترك الاحتياط أيضا وعدل مما يوافق الكتاب والسنة إلى ما يخالفهما وعما يخالف
القوم إلى ما يوافقهم والشهرة لا تصلح معولا كما علمت فيما مضى وسواء كانت المرضعة واحدة أم
متعددة ما كان الفحل واحدا للعمومات وخصوص رواية الهمداني أيضا ومن شرط اتحاده أو لم يكتف
باتحاده وهم الأكثر أيضا للموثقة أيضا فقد ترك الاحتياط أيضا واعلم أن مقتضى العمومات المتقدمة
وغيرها في تسوية علاقة الرضاع لعلاقة النسب وتشبيه لحمته بلحمته انتفاء حكم التحريم بالرضاع
حيث لا ينهض به النسب فيرجع فيه إلى مقتضى الأصل والعمومات المبيحة لكن إن اجتنب أب المرتضع
أولاد الفحل ولادة ورضاعا فقد أخذ بالاحتياط والمشهور وجوبه لصحيحة علي بن مهزيار في مسألة
عيسى بن جعفر عن أبي جعفر الثاني (ع) أن امرأة أرضعت لي صبيا فهل يحل لي أن أتزوج ابنة زوجها
والجارية ليست ابنة المرأة التي أرضعت لي هي ابنة غيرها فقال لو كن عشرا متفرقات ما حل لك
منهن شئ وكن في موضع بناتك وكذا وجوب اجتنابه أولاد المرضعة ولادة لمكاتبة الحميري
إلى العسكري (ع) امرأة أرضعت ولد الرجل هل يحل لذلك الرجل أن يتزوج ابنة هذه المرضعة أم لا فوقع (ع)
لا تحل له ومكاتبة علي بن شعيب إلى أبي الحسن (ع) امرأة أرضعت بعض ولدي هل يجوز لي أن أتزوج
بعض ولدها فكتب لا يجوز ذلك لأن ولدها صار بمنزلة ولدك واحتج المحللون فيهما بأن أخت الابن
من النسب إنما حرمت لا لكونها أخت الابن بل لكونها بنت الزوجة المدخول بها فتحريمها بسبب الدخول
بأمها وهذا المعنى منتف هنا وإنما حرم بالرضاع ما حرم بالنسب لا بغيره من أسباب التحريم ثم كيف
يحرم بالرضاع ما ليس بمحرم في النسب وقواه المصنف في المفاتيح لولا صحة الروايات المنقولة المخرجة عن
حكم الأصل فالعمل على المشهور وإنما خصوا الحكم في الأخيرة بأولادها ولادة دون الرضاعيات
ابتناء على أصلهم المنقول من اشتراط التحريم باتحاد الفحل وأما على ما ذهب إليه المصنف من موافقة
الطبرسي فلا وجه لهذا التخصيص بل النسبيات والرضاعيات في مرتبة واحدة من الاحتياط فإن اجتنب
الجميع فقد أخذ به وظاهر المنزلة المعتبرة في المكاتبة الأخيرة تحريم أولاده الفحل ولادة ورضاعا على
سائر أولاد أبي المرتضع أعني إخوته نسبا كما ذهب إليه بعضهم فإنهم لما كانوا بمنزلة ولد الأب كانوا
إخوة لأولاده والأكثر على الجواز لأن أخوات الأخ إنما يحرمن لكونهن أخوات لا من حيث هن أخوات
الأخ ومن ثم لو كان له أخ من أبيه وأخت من أمه جاز لأخيه المذكور نكاح أخته إذ لا نسب بينهما يحرم
فكذلك هنا لا نسب بين إخوة الرضيع من النسب وأخته من الرضاع ومال المصنف إلى الكراهة كما في
النسب لموثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) في رجل تزوج أخت أخيه من الرضاعة فقال ما أحب
أن أتزوج أخت أخي من الرضاعة فإن اجتنب أولاده الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن في
هذه المرضعة مناكحة أولاده فقد بالغوا في النزاهة في محلها وكما يمنع الرضاع من النكاح سابقا
كذلك يبطله لاحقا فلو تزوج رضيعة فأرضعتها من يفسد نكاح الصغيرة بارضاعها كأمه فتصير
أخته أو جدته فتصير عمته أو خالته أو أخته فتصير بنت أخته أو زوجة أبيه أو أخيه فتصير أختا على الأول
وبنت أخ على الثاني إذا كان اللبن منهما والمحارم من المصاهرة وهي القرابة العارضة بالزواج أيضا
سبع أم الزوجة وإن علت لأب أو لأم وبناتها وهن الربائب وإن سفلن لابن أو لبنت تقدمت
ولادتهن أو تأخرت وإن لم يكن في حجره أو في حضانته والتقييد في الآية اخراج للكلام مجرى الغالب
أو لأن الربيبة في اللغة لا يختص بابنة الزوجة والمراد بالحجر القرابة والتقييد للتخصيص وأختها للأبوين
أو لأحدهما وتحريم الأولتين عيني كمحرمات النسب والرضاع وأما الأخيرة فإنما تحرم جمعا بينهما
لا عينا فلو فارقها حل له نكاح أختها وابنتا أخيها وأختها كذلك تحرمان معهما جمعا بدون رضاها
على الأشهر الأقوى لموثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) لا تزوج ابنة الأخ ولا ابنة الأخت على العمة
ولا على الخالة إلا بإذنهما ورواية الحذاء عنه (ع) لا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها إلا بإذن العمة والخالة
وفي رواية علي بن جعفر عن أخيه (ع) لا تزوج بنت الأخ والأخت على العمة والخالة إلا برضى منهما فمن
فعل فنكاحه باطل وفي معناها غيرها أما معه فالمشهور الجواز عملا بالاستثناءات وعموم و
أحل لكم ما وراء ذلكم ونحوه بل نقل عليه الاجماع اطراحا لخلاف الصدوق حيث أطلق المنع لاطلاق
صحيحة أبي عبيدة عن أبي عبد الله (ع) لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على أختها من الرضاعة
وصحيحة مالك بن عطية عنه (ع) لا تنكح المرأة على خالتها وتزوج الخالة على ابنة أختها وصحيحة أبي
الصباح عنه (ع) لا يحل للرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها وكلها مخالفة لظاهر
الكتاب موافقة لما أطبق عليه القوم كما قاله الشيخ طاب ثراه مع أن المطلق يحمل على المقيد وهو
بإزاء التفريط المحكي عن بعض القدماء حيث أطلق الجواز لعمومات الإباحة ومع ذلك فتركهما مطلقا احتياط
265

لا بأس به وهل يختص حكم تحريم الجمع هنا مطلقا أو بدون الإذن بالعقد أم يتعدى إلى الوطي بملك
اليمين قولان أما في الأختين فيشمله بالاجماع وإن لم يحرم الجمع بينهما في الملك بلا خلاف فإذا
وطأ إحديهما حرمت عليه الأخرى حتى يخرج الأولى عن ملكه وفي موثقة الحلبي في أختين مملوكتان
تكونان عند الرجل أحلتهما آية وحرمتهما أخرى وأنا أنهى عنهما نفسي وولدي وكذا يجوز الجمع بين
الأم والبنت في الملك لكن إذا وطأ إحديهما حرمت الأخرى مؤبدا كما يأتي فأخت السرية وأمها
وبنتها من محارم الوطي ومن محارم المصاهرة عينا زوجة الأب وإن علا لأب أو لأم وزوجة
الابن وإن سفل لابن أو لبنت والتقييد بالذين من أصلابكم في الآية إنما هو لاخراج المتبني
وكل هؤلاء السبع يحرمن بمجرد العقد عليهن لتحقق الملابسات المنوط بها التحريم في الآية و
في اشتراطه بلزومه مطلقا أو من طرفه أو عدمه مطلقا وجوه يرجح الأول بالأصل والأخير بالاحتياط
سوى الربيبة فإنها لا تحرم إلا بالدخول بأمها فهي مما يجتمع فيه سببان أو من محارم الوطء وتعد في
المصاهرة تجوزا وربما يلحق بها أمها تعليقا للدخول في الآية بالمعطوف والمعطوف عليه جميعا
وفيه منع مبين في الأصول بل قيل بوجوب تخصيصه هنا بالأخيرة وإلا لزم عموم الاشتراك لأن
من مع الأولى بيانية ومع الثانية ابتدائية وفي جوازه منع مبين أيضا فيه وأما صحيحة جميل عن أبي
عبد الله (ع) أن الأم والابنة في هذا سواء إذا لم يدخل بأحديهما حلت له الأخرى وما في معناها ففي
رواية منصور بن حازم عنه (ع) ما ينبه على أنها محمولة على التقية وعن بعض القدماء الاكتفاء في تحريم
الربيبة بنوعيها بأن يأتي من أمها بما يحرم على غيره كالقبلة والنظر إلى الفرج والمشهور حمل مستنده
على الكراهة جمعا كالأجنبية كما يأتي والزنا السابق على العقد ينشر الحرمة مؤبدة مطلقا كالوطي
الصحيح عند الأكثر فمن زنا بامرأة حرم عليه تزويج بنتها وأمها وعلى عموديه تزويجها بخلاف اللاحق
فإنه لا يحرم شيئا بالاجماع كما لو تزوج بامرأة ثم زنى بأمها أو بنتها أو زنى بزوجة ابنه أو أبيه وفي
عدة ما حرم حرام حلالا أبدا والخلاف في الأول في غير الزنا بالعمة والخالة بالنسبة إلى تحريم
ابنتيهما فالمحقق وبعض من تقدمه على العدم كاللاحق وهو من مظان الاحتياط وكذا الايقاب
ولو ببعض الحشفة على الأب والابن يؤثر كالزنا بتحريم البنت وإن سفلت والأم وإن علت مؤبدا
على الموقب والايقاب في الأخ يحرم عليه الأخت لكن دون بنتها بلا خلاف في الجميع إلا مع سبق
عقدهن فيستصحب الحل والمشهور أنه لا يحرم على المفعول بسببه شئ ونقل عن بعض الأصحاب
تعلق التحريم به كالفاعل وهو شاذ وتحرم على الابن وإن سفل والأب وإن علا مدخولة الأب
والابن المستباحة بالملك لرواية زرارة وغيرها واستدل في المفاتيح بدخولهما في الآيتين حينئذ
يعني قوله سبحانه ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم وقوله وحلائل أبنائكم والأول مبني على أن يكون المراد
بالنكاح الوطي دون العقد وهو ممنوع بل المأثور في شأن النزول ما يدل على الأخير والأخير
على أن يكون المراد بالحليلة المحللة دون الزوجة وهو أيضا ممنوع وإلا لزم تحريمها بمجرد الملك
ولا قائل به إلا أن يقال باستثناء بعض أفرادها بالاجماع بل الأحوط اجتناب ملموستهما ومنظورتهما
بعد الملك بشهوة أيضا الحاقا لهما بالمدخولة أخذا باليقين وخروجا عن خلاف الشيخ وأتباعه
لصحيحتي محمد بن إسماعيل وعبد الله بن سنان وغيرهما واستدل في المفاتيح بعموم الآيتين وهو سهو
وإنما استدل بعموم الآيتين المحللون ويعنون بهما قوله فأنكحوا ما طاب لكم من النساء وأحل لكم
ما وراء ذلكم ومنهم من حرم على الابن دون الأب لصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) إذا جرد
الرجل الجارية ووضع يده عليها فلا تحل لابنه وقريب منها حسنة الكاهلي ولا دلالة فيهما على الاختصاص
بوجه وتحرم ذات البعل دائما أو منقطعا على غيره وبها فسرت المحصنة في حديث أبي عبد الله (ع)
وتلحق بها ذات العدة رجعية كانت أو باينة أو عدة وفاة بالاجماع والنصوص فإن تزوج بأحديهما
عالما بالتحريم والحال معا أو جاهلا بهما أو بأحدهما ودخل بهما على جهله حرمتا عليه أبدا فهما على العالم
من محارم العقد وعلى الجاهل من محارم الوطي فإن لم يدخل كان له استيناف العقد عليها بعد
ارتفاع المانع والمستند في التفصيل بالعلم والجهل روايات أوضحها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج
عن أبي إبراهيم (ع) في الرجل يتزوج المرأة في عدتها بجهالة أهي ممن لا تحل له أبدا فقال لا أما إذا كان بجهالة
فليتزوجها بعد ما تنقضي عدتها وقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك فقلت بأي الجهالتين
أعذر أبجهالته أن ذلك محرم عليه أم بجهالته أنها في عدة فقال إحدى الجهالتين أهون من الأخرى
الجهالة بأن الله حرم ذلك عليه وذلك أنه لا يقدر على الاحتياط معها قلت فهو في الأخرى معذور
قال نعم إذا انقضت عدتها فهو معذور في أن يتزوجها قلت فإن كان أحدهما متعمدا والآخر بجهالة
فقال الذي تعمد لا يحل له أن يرجع إلى صاحبه أبدا وفي التفصيل بالدخول وعدمه أيضا روايات
أوضحها صحيحة الحلبي أو حسنته وموثقة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) في المرأة الحبلى يموت زوجها
فتضع وتتزوج قبل أن يمضي لها أربعة أشهر وعشر فقال إن كان دخل بها فرق بينهما ولم تحل له
أبدا واعتدت بما بقي عليها من الأول واستقبلت عدة من الآخر ثلاثة قروء وإن لم يكن دخل بها
واعتدت بما بقي عليها من الأول وهو خاطب من الخطاب وقد اشتمل على التفصيلين جميعا أيضا
روايات أوضحها ما رواه الحلبي أيضا بالسند المذكور عنه (ع) قال إذا تزوج الرجل المرأة في عدتها و
دخل بها لم تحل له أبدا عالما كان أو جاهلا وإن لم يدخل بها حلت للجاهل ولم تحل للآخر وهي
وما في معناها جميعا مختصة بالمعتدة وهي موضع وفاق وأما ذات البعل فرواياتها لا تخلو عن
قصور في سند أو دلالة ومن ثم أعرض عنها الأكثر وعولوا على الحاقها بذات العدة لمساواتها
266

لها في المعنى وزيادة علاقة الزوجية ومنهم من رجع فيها إلى حكم الأصل وتوقف آخرون وروى
عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) في رجل تزوج امرأة ولها زوج وهو لا يعلم فطلقها
الأول أو مات عنها ثم علم الأخير أيراجعها قال لا حتى تنقضي عدتها وفي صحيحته الأخرى ما أحب له
حتى تنكح زوجا غيره وكذا تحرمان عليه أبدا لو زنى بهما وإن جهل أخذا باليقين وعملا بالاجماع الذي
نقله السيد في الإنتصار والشهيد الثاني في شرح اللمعة وغيرهما وإن كان في كلام المحقق وغيره
حتى المصنف في المفاتيح ما يؤذن بالتوقف وقد استفاضت النقوض بأنه ما حرم حرام
حلالا أبدا كما تقدم وروى ثقة الاسلام في الكافي في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع)
في رجل فجر بامرأة ثم بدا له أن يتزوجها فقال حلال أوله سفاح وآخره نكاح أوله حرام وآخره حلال
وفي الصحيح عن الحلبي مثله وزاد ومثله مثل النخلة أصاب الرجل من ثمرها حراما ثم اشتراها بعد
فكانت له حلالا وفي الموثق عن عمار بن موسى وعن إسحاق بن جرير مثله وروى الصدوق في الفقيه
عن أبي جعفر (ع) مثل ذلك وكلها مطلقة لا تفصيل فيها ولا استفصال مع أن ذات البعل وذات
العدة ليستا من الفروض النادرة التي لا يلتفت إليها حتى يتعلل بأن الروايات محمولة على الفرد
الغالب أعني الخلية بل التشبيه بالنخلة مما يوذن ايذانا يعرفها الذكي بكونها غير خلية ولا يبعد أن يكون هذا مذهبا للشيخين المتقدمين حيث أورد الأخبار مطلقة من غير معارض ولم يتعرضا
لها بتوجيه ولا تقييد كما علم من عادتهما المصرح بها في أول الكتابين ومحل الاجماع المنقول في المعتدة
ما لو كانت العدة رجعية أما الباينة وعدة الوفاة فالمشهور العمل فيهما بالأصل واستقرب في التحرير
الحاقهما بالرجعية ومن المحارم عينا المرأة التي لاعنها زوجها فإنه لا تحل له أبدا بالنصوص و
الاجماع كما يأتي في باب اللعان أو قذفها بما يوجبه وهي صماء أو خرساء وهو قذفها بالزنا مع دعوى
المشاهدة وعدم البينة فإنه يجري فيهما مجرى اللعان عند الأكثر بل نقل عليه الاجماع لصحيحة أبي
قال سئل أبو عبد الله (ع) عن رجل قذف امرأته بالزنا وهي خرساء أو صماء لا تسمع ما قال قال إن
كان لها بينة تشهد عند الإمام جلد الحد وفرق بينه وبينها ولا تحل له أبدا وإن لم يكن لها بينة
في حرام عليه ما قام معها ولا إثم عليها منه هكذا رواها الشيخ في التهذيب ورواها ثقة والصدوق
بدون لفظة أو وهي كذلك في لعان التهذيب ومن ثم اعتبر بعضهم الصمم والخرس معا لكن ورد الخرس
وحده في حسنة الحلبي ومحمد بن مسلم عنه (ع) في رجل قذف امرأته وهي خرساء قال يفرق بينهما ومثلها
رواية محمد بن مروان وزاد ولا تحل له أبدا ومن ثم استشكل في التحرير حكم الصماء خاصة ولو قذفته
وهو أصم فالصدوق على التحريم أيضا وضعف في المشهور بأنه مع غرابته قياس لا نقول به وهو غريب
فقد روى الكليني والشيخ في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (ع) في امرأة
قذفت زوجها وهو أصم قال يفرق بينها وبينه ولا تحل له أبدا وضعفها المصنف في الوافي بجهالة
الراوي وهو أيضا غريب منه لأن الحسن بن محبوب ممن نقل اجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنه
إلا أن يمنع الاجماع المذكور أو دلالته على صحة مراسيلهم أو كونه منهم لأن منهم من ذكر مكانه الحسن
بن علي بن فضال كما بيناه في غير هذا الموضع وتحرم على الزوج مطلقا مطلقته الحرة ثلاثا بينها
رجعتان أو عقدان أو رجعة وعقدا والأمة ذات طلقتين بينهما رجعة أو عقد حتى تنكحا زوجا
غيره بالمنصوص والاجماع فيهما ونص الكتاب في الأول ويشترط فيه أن ينكحها بعقد دائم ووطئ
معهود فلا يكفي الوطي بالمنقطع ولا الملك ولا التحليل لقوله عز وجل بعد ذلك فإن طلقها و
الطلاق لا يكون إلا في الدائم والمراد بالوطي المعهود في الشرع الموجب للغسل في القبل وفي
الحديث النبوي خطابا لامرأة رفاعة القرضي لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك وفي
حديث أبي عبد الله (ع) مثله والمشهور أنه يقبل قولها في التحليل وأسبابه لأن منها ما لا يعلم إلا منها
وفي صحيحة حماد عنه (ع) في رجل طلق امرأته ثلاثا فبانت منه فأراد مراجعتها قال لها إني أريد مراجعتك
فتزوجي زوجا غيري قالت له قد تزوجت زوجا غيرك وحللت لك نفسي أيصدقها ويراجعها و
كيف يصنع قال إذا كانت المرأة ثقة صدقت في قولها وهل يهدم التحليل ما دون الثلاث المشهور
نعم والروايات في ذلك مختلفة وروى الشيخ مسندا عن عبد الله بن عقيل بن أبي طالب قال اختلف
رجلان في قضية علي وعمر في امرأة طلقها زوجها تطليقة أو اثنتين فتزوجها آخر فطلقها أو مات
عنها فلما انقضت عدتها تزوجها الأول فقال عمر هي على ما بقي من الطلاق وقال أمير المؤمنين (ع)
سبحان الله أيهدم ثلاثا ولا يهدم واحدة فيحمل ما يخالف المشهور على التقية كما استصوبه المصنف
في الوافي وكذا تحرم عليه مطلقته تسعا طلاقا عديا بأن يراجعها في العدة الرجعية ويواقعها ثم
يطلقها على الشرايط ثم يراجعها في العدة ويواقعها ويطلقها وهكذا إلى أن تستوفى العدد وقد نكحها
بينها رجلان محللان أو رجل واحد مرتين بعد الثالثة والسادسة كما ذكر حرة كانت أو أمة كما
هو ظاهر الاطلاق على اشكال في الأخيرة وفي تقييد الطلاق بالعدي احترازا عن السني في مقابله
بأن يتزوجها بعد انقضاء عدة كل طلاق بعقد جديد فإنها لا تحرم مؤبدا ولو بمائة طلقة وكأنه من مواضع
الوفاق واطلاقهم كون التسع للعدة مجاز كما نبه عليه العلامة في القواعد لأن الثالثة من كل ثلاث
ليست منها بل هي تابعة للأوليين والثابت به التحريم المؤبد قال بعض الحكماء الفرقة مبغوضة لله
سبحانه لأن الفوايد المقصودة من وجود الانسان لا تكاد تتحصل إلا بالمؤالفة والتوافق بين أبناء النوع
كما مرت الإشارة إليه ومن ثم أمر الله سبحانه بالتزاور والتهادي وصلة الأرحام والتواضع والنصيحة
والاجتماع في الصلوات ونهى عن الغيبة والغش والنميمة وغير ذلك من أسباب التباغض والافتراق
267

كل ذلك تأكيد وتثبيتا لمعنى الائتلاف الذي به تتم مصالح الدنيا والدين وأهم الائتلافات وأولاها
بالعناية ما كان بين الزوجين فإن الفوايد المترتبة عليه أعم وأقوى ومن ثم استعظم الله عز وجل من
مضرات السحر التفريق بينهما في قوله فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وقد ورد في النهي عن
الطلاق وكونه أبغض المباحات إلى الله (تع) كما يأتي ما ورد لكنه لما كان مما تمس الحاجة إليه أحيانا بسبب
حصول تنافر بينهما غير مرجو الزوال بحيث لولاه لتنغص العيش على كل منهما إلى غير ذلك من المحاذير التي لا
تخفى كما يمس الحاجة أحيانا إلى قطع العضو المؤف من البدن لا جرم اقتضت الحكمة الإلهية مشروعيته
في الجملة ليكون سبيلا إلى الخلاص مما لا يؤمن شره ولا يرجى خيره وحيث إنه ربما يستعقب أسفا بسبب
نسيان الأحقاد وتذكر الألف المعهود وما بينهما من الميثاق الغليظ وافضاء بعضهم إلى بعض شرعت العدة
أجلا مضروبا لتدارك ذلك كالخيار المشروع في بيع الحيوان إلى ميعاد معين ارفاقا بمن له الخيار ونظرا
لحاله فإن انقضت العدة ولم يراجع كان حكم الطلاق لازما عليه فيحتاج إلى تطييب نفسها واستمالتها
إليه كما بدأها بذلك أول مرة فإن ارتجعها وتجدد التحاقد والتنافر فلير رأيه ولما كانت بعض النفوس
المستولي عليها الطيش والعجلة ربما تتسرع إلى الطلاق وتقدم على هتك الحرمة بأدنى سبب اقتضت
الحكمة ايجاب المحلل بالشرايط المذكورة في المرة الثالثة حتى إذا علم المطلق مرتين أنه إن طلقها أخرى لا
يحل له مراجعتها إلا بعد أن ينهتك عرضه ويستباح حرمه ويتملك بضعه ويفرش حليلته غيره و
يضاجعها ويؤالفها ويذوق عسيلتها وإن أعجبته أمسكها ولا سبيل عليه كان هذا المعنى مانعا له عن
الاقدام على الطلاق إن كان ممن في طبعه غيرة وسروة إلا أن يكون له حاجة فيها بوجه من الوجوه فإن
اتفق ذلك سومح به مرتين فإن لم ينزجر عن غيه ولم يبال بهتك حرمته وركوب الفحل حليلته
مرتين وأصر على الطلاق المحرم ثالثة كان ذلك من أوضح الدلائل على خساسة نفسه وسقوط
مروته وقلة حيائه ودنائة فطرته ونقص غيرته ومثل هذا لا يبالي بحاله ولا يهتم بمصلحته ولا يلتفت
إلى تدارك أمره لو تندم أخيرا بل ينبغي الجامه بالتحريم المؤبد تغليبا للمصلحة الكلية المتحققة في ضمنه
للرجال والنساء على العموم وعن الرضا (ع) في جواب مسائل محمد بن سنان علة الطلاق ثلاثا لما فيه من
المهلة فيما بين الواحدة إلى الثلاث لرغبة تحدث أو سكون غضب إن كان وليكون ذلك تخويفا و
تأديبا للنساء وزحرا لهن عن معصية أزواجهن فاستحقت المرأة الفرقة والمباينة لدخولها فيما
لا ينبغي من ترك طاعة زوجها وعلة تحريم المرأة بعد تسع تطليقات فلا تحل له عقوبة لئلا يستخف
بالطلاق ولا يستضعف المرأة وليكون باظرا في أموره متيقظا معتبرا وليكون يأسا لهما من الاجتماع بعد تسع تطليقات والفطن إذا أيقن عنايته (تع) بأمر الايتلاف وما يلزمه من المحبة و
التوافق انكشف له السر في تحريم جملة من المحارم المذكورة فإن القرابة النسبية مثلا لما كانت موجبة
للمحبة الطبيعية كان ذلك مغنيا عن الحاصلة بالنكاح بل الواجب في الحكمة صرفها إلى غير الأقارب ليزداد
خيرا إلى خير ومن ثم إذا ضعفت المحبة الطبيعية بسبب بعد القرابة كما في أولاد العمومة والخؤولة حسن جبرها
بالنكاح ولما كانت المشاركة ملزومة للمزاحمة على مقصود واحد وهو مما ينجر إلى التباغض حرم الجمع بين
الأختين لما فيه من حصول نقيض المطلوب وتنغض العيش عليهما وعلى الرجل واللبن مما يؤثر في الطباع
كما هو المشاهد لا جرم كان حكم الرضاع في ذلك حكم النسب وأما محرمات الزنا واللواط فأظهر وجوهها
العقوبة والتشديد والمحافظة على الناموس الإلهي إلى غير ذلك مما لا يخفى على الخبير وكذا تحرم عليه مؤبدا
معقودته لنفسه إذا عقد عليها محرما بحج أو عمرة فرض أو نفل صحيح أو فاسد محرمة أو محلة دخل بها أم لا على
المشهور بشرط كونه عالما بالتحريم لما في رواية زرارة وغيره عن أبي عبد الله (ع) والمحرم إذا تزوج وهو يعلم
أنه حرام عليه لم تحل له أبدا ولو كان جاهلا فسد عقده ولم تحرم مطلقا للأصل وقيل تحرم أيضا إن
دخل وحكى عليه في الخلاف الاجماع وقيل تحرم مطلقا كالعالم وله اطلاق موثقة أديم عنه (ع) أن المحرم إذا تزوج
وهو محرم فرق بينهما ولا يتعاودان أبدا ولو عقد على المحرمة محللا لم تحرم مطلقا وإن فسد العقد خلافا
للشيخ للاجماع والأخبار ولم نتحققهما وكذا مدخولته قبل اكمال التسع سنين مطلقا كما في النهاية لرواية
يعقوب بن يزيد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل أن
تبلغ تسع سنين فرق بينهما ولم تحل له أبدا وقيده الأكثر بالافضاء وصرحوا بعدم خروجها عن حبالته
وتحرم باستيفاء العدد الخامسة لمن كان تحته أربع دائمات سواء كان حرا أو عبدا وسواء كن حراير
أو إماء حيث يجوز ذلك أو بالتلفيق وفي صحيحة محمد بن مسلم عنه (ع) لا يجمع الرجل مائه في خمس وكذا تحرم
ثالثة الإماء بالعقد الدائم للحر عند من يجوز له الاثنتين منهن والمحتاط لا يتجاوز الواحدة وأكثر من
حرتين أو حرة وأمتين دواما أيضا للعبد بالاجماع في الجميع ويجوز لهما الزيادة متعة في الصور الأربع
على المشهور بل ادعى عليه الاجماع وفي صحيحة زرارة ما يحل من المتعة قال كم شئت وفي صحيحة أبي بصير أهي
من الأربع فقال لا ولا من السبعين وفي حسنة ابن أذينة هن بمنزلة الإماء وتركه أحوط خروجا عن
خلاف من جعلها من الأربع لصحيحة البزنطي اجعلوهن من الأربع فقال له صفوان بن يحيى على الاحتياط
قال نعم ولعل المراد الاحتياط عن المخالفين المحرمين للمتعة وكذا يجوز لهما بملك اليمين ما شاءا اجماعا في
ملك الرقبة وأما في التحليل فيبتنى على لحوقه بالعقد أو بالملك كما تقدم ويحرم على المسلم نكاح الكوافر
مطلقا حتى الناصبية المعلنة بعداوة أهل البيت (ع) بالاجماع عدا الذمية مطلقا فإن للأصحاب فيها أقوالا
منتشرة بسبب اختلاف الظواهر من الكتاب والسنة واختلاف الأنظار في الجمع بينها وأشهرها المنع في
الدائم والجواز في المنقطع وكذا ملك اليمين ومنهم من أطلق المنع في المجوسية مدعيا عليه الاجماع والذي
اختاره المصنف الكراهة في الجميع وإن كانت في المجوسية أشد وفي الدائم آكد وبالجملة فتركها مطلقا أولى
268

والمحتاط لا يعقد عليها دائما سيما المجوسية ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) في الرجل المسلم أيتزوج
بالمجوسية قال لا ولكن إن كان له أمة مجوسية فلا بأس أن يطأها ويعزل عنها ولا يطلب ولدها هذا
كله في نكاحها ابتداء أما لو أسلم الكتابي وتحته كتابية لم تسلم استمر النكاح بينهما من غير انفساخ بلا خلاف
كما يأتي ويشترط في حل الأمة للحر بالعقد الدائم أو المنقطع الأمران المشروطان في قوله (تع) ومن لم يستطع
منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات إلى قوله ذلك لمن خشي العنت
منكم وإن تصبروا خير لكم وفسر فقد الطول بالعجز عن مؤنة الحرة من المهر والنفقة وخشية العنت بالخوف
من المشقة الشديدة بسبب الترك أو الوقوع في الزنا لغلبة الشهوة أو الجد المترتب عليه وأصل العنت
انكسار العظم بعد الجبر ثم استعير لكل مشقة وضرر ومقتضى الاشتراط عدم جوازه بدونهما كما عليه أكثر
المتقدمين وأكثر المتأخرين على الجواز مع الكراهة للأصل والعمومات وضعف دلالة المفهوم ومن ثم
عقبه بقوله احتياطا وفي مرسلة ابن بكير عن أبي عبد الله (ع) لا ينبغي أن يتزوج الحر المملوكة اليوم إنما كان
ذلك حيث قال الله ومن لم يستطع منكم طولا والطول المهر ومهر الحرة اليوم مثل مهر الأمة أو أقل ومنهم
من فصل بمن تحته حرة وغيره وربما قيل بالتحريم من دون بطلان وعلى الجواز فلو كان تحته حرة اشترط
إذن الحرة فإن لم يستأذنها وعقد على الأمة ففي بطلانه أو وقوفه على إجارتها أو تخيرها في فسخ أحد العقدين
أقوال وفي عدة روايات لا تزوج الأمة على الحرة ومن تزوج أمة على حرة فنكاحه باطل وفي رواية حذيفة
بن منصور فيمن تزوج أمة على حرة لم يستأذنها قال يفرق بينهما وعليه أدب اثنا عشر سوطا ونصف
ثمن حد الزاني وهو صاغر والصبر عنها مطلقا حتى يغنيه الله من فضله خير له كما في آخر الآية لسوء معاشرتها
والعار اللاحق به وبأولاده بسببها وفي الخبر الحراير صلاح البيت والإماء خراب البيت والمحتاط لا يتزوجها
على الحرة وإن أذنت لاطلاق ما سبق من المناهي وغيرها ويجتنب أيضا الزانية قبل أن تتوب سيما بالدوام
وإذا لم يمنعها من الفجور وإن كان المشهور الجواز مع الكراهة للنصوص المستفيضة خروجا عن خلاف
المحرمين من المتقدمين لقوله عز وجل الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين
وعدم ثبوت نسخها واستدل في المفاتيح للمشهور أخذا من المختلف بأنه لو منع ابتداء لمنع استدامة
لاشتراكهما في المقتضي وهو خوف اختلال الأنساب وقد ثبت أن الزوجة لا تحرم بالاصرار على الزنا وفيه
نظر يظهر وجهه من النظر فيما تقدم ويأتي ثم مال إلى تحريم المشهورات بالزنا مطلقا إلا مع توبتهن
أو إرادة تحصينهن بذلك وحمل الرخص على غير المشهورات ويعرف توبتهن عن الفجور بأن يدعوهن
إليه فلا يقبلن ويستغفرن ربهن كما في روايتي أبي بصير وعمار ويجتنب المحتاط أيضا نكاح قابلته
مطلقا وإن كان المشهور فيها الجواز أيضا خروجا عن خلاف الصدوق وظواهر النواهي وفي بعضها
هي كبعض أمهاته ولا سيما إذا رتبته وكفلته والمشهور فيها الكراهة وفي رواية ابن عمار عن أبي عبد الله (ع)
إن قبلت ومرت فالقوابل أكثر من ذلك وإن قبلت دربت حرمت عليه وفي موثقة إبراهيم بن عبد الحميد
عن أبي الحسن (ع) عن القابلة تقبل الرجل أله أن يتزوجها فقال إن كانت قد قبلته المرة والمرتين والثلاثة فلا
بأس وإن كانت قبلته وربته وكفلته فإني أنهى نفسي عنها وولدي وفي خبر آخر وصديقي وبنت القابلة
كالقابلة والأولى للمحتاط أن لا يتزوج ابنة من تزوجها أو ملكها ورأى منها ما يحرم على غيره وهو كما مر
ويأتي ما عدا الوجه والكفين والقدمين خروجا عن دغدغة التحريم الذي نقل الشيخ في الخلاف الاجماع
لكنه في موضع أخر منه خص التحريم بالنظر إلى الفرج وأما اجراء الخلاف إلى الأجنبية فمجهول القائل والمستند
وإن نقله فخر المحققين في شرح القواعد ومستند المنع صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) في رجل تزوج
امرأة فنظر إلى رأسها أو إلى بعض جسدها أيتزوج ابنتها قال لا إذا رأى منها ما يحرم على غيره فليس له أن يتزوج
ابنتها وفي معناها رواية أبي الربيع عن أبي عبد الله (ع) وإنما حملتا على الكراهة لاشتراط التحريم في الآية
بالدخول ولصحيحة عيص بن القاسم عنه (ع) في رجل باشر امرأته وقبل غير أنه لم يفض إليها ثم تزوج ابنتها
فقال إذا لم يكن أفضى إلى الأم فلا بأس وإن كان أفضى إليها فلا يتزوج ابنتها وموردهما وإن كان العقد
إلا أنهم لحقوا به الملك لعموم غيرهما من النصوص وعدم القائل بالفرق لا تحريما ولا كراهة لكن في بعض
نسخ الكافي في صحيحة العيص امرأة بدل امرأته فيصلح دليلا للعموم لكن لا يصلح الاستدلال به كما لا يخفى ويكره أن
يتزوج من كانت ضرة أمه عند غير أبيه سواء كان قبل أبيه أو بعده لاطلاق رواية زرارة عن أبي جعفر (ع) ما
أحب للرجل المسلم أن يتزوج ضرة كانت لأمه مع غير أبيه ومن ولدت من الزنا وإن عفت فإن فعل فلا
يطلب ولدها كما في صحيحة ابن سنان وغيرها والمملوكة أخف كراهة وعن أحدهما عليهما السلام فيمن قال
اشتريت جارية من غير رشدة فوقعت مني كل موقع فقال سل عن أمها لمن كانت فاسئله يحلل الفاعل بأمها
ما فعل ليطيب الولد والأولى أن لا يزوج ولده من ولد منكوحته من غيره إذا ولدتها منه بعد مفارقته
لرواية زيد بن الجهم عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يتزوج المرأة ولها ابنة من غيره أيتزوج ابنه ابنتها قال إن كانت من زوج قبل أن يتزوجها فلا بأس وإن كانت من زوج بعد ما تزوجها فلا ومثلها رواية
أبي همام عن أبي جعفر (ع) معللا بأن أباه بمنزلة أبيها ومنهم من اقتصر على لفظ الروايتين كما في الشرايع والنافع
واللمعة وغيرها فلم يرتضه المتأخرون لرواية الحسين بن خالد الصيرفي عن أبي الحسن (ع) قلت إنه كانت لي
جارية فلم ترزق مني ولدا فبعتها فولدت من غيري ولي ولد من غيرها فأزوج ولدي من غيرها ولدها
قال تزوج ما كان لها من ولد قبلك يقول قبل أن تكون لك ومن ثم عدل المصنف عن لفظ الزوجة إلى
المنكوحة وعن لفظتي الابن والبنت إلى لفظ الولد في الموضعين إلا أنه لا يلايمه تأنيث ضمير المفعول
فإنه وقوع فيما هرب عنه مضافا إلى ما ينطوي عليه من التعميم الذي يقصر عنه الدليل فما فعله الأولون
أصوب وكذا الأولى أن لا يتزوج ابنته من المخالف في أصل الإمامة لأن المرأة تأخذ من أدب زوجها
269

ويقهرها على دينه كما في روايتي زرارة وأبي بصير والتحريم عملا بظواهر النواهي ضعيف لمعارضتها بما
هو أقوى منها قولا وفعلا وقد استفاضت الأخبار بأن الاسلام يحقن به الدم وتستحل به الفروج
والثواب على الايمان وموضع الخلاف ما عدا الناصب المحكوم بكفره فإنه مما لا يجوز قطعا وقد سبق
بعض القول فيه فيما تقدم وأن لا يجمع بين فاطميتين لما رواه الصدوق في علل الشرايع بسند نقي عن
حماد عن أبي عبد الله (ع) والشيخ في التهذيب عن محمد بن أبي عمير رجل من أصحابنا قال سمعته يقول لا يحل
لأحد أن يجمع بين ثنتين من ولد فاطمة (ع) أن ذلك يبلغها فيشق عليها قلت يبلغها قال إي والله
وبظاهرها أفتى بعض المتأخرين وأيده بعض من عاصرناهم بموثقة معمر بن يحيى بن سالم قال سألت أبا جعفر (ع) عما يروي الناس عن أمير المؤمنين (ع) عن أشياء من الفروج لم يكن يأمر بها ولا ينهى عنها إلا
نفسه وولده فقلنا كيف يكون ذلك قال أحلتها آية وحرمتها آية أخرى فقلنا هل إلا أن تكون إحديهما
نسخت الأخرى أم هما محكمتان ينبغي بهما فقال قد بين لهم إذ نهى نفسه وولده قلنا ما منعه أن يبين ذلك
للناس قال خشي أن لا يطاع فلو أن أمير المؤمنين ثبتت قدماه أقام كتاب الله كله والحق كله فإنها صريحة
في أن شيئا من الفروج محظور ولم ينه عنه لعدم المكنة ولم نعرف شيئا من الفروج محظورا لم يشتهر
بين الناس غير الجمع بين فاطميتين ويؤيده أيضا أنه لم ينقل عن أحد من الأئمة (ع) وأولادهم وخواص
شيعتهم فعل ذلك ولو كان جايزا لفعلوه واشتهر نقله هذا كلامه وهو في غاية الضعف والسقوط
لظهور الموثقة في أن تلك الأشياء كانت متشابهة لتعارض الآيات فيها وأن أمير المؤمنين (ع) علم بآية
التحريم دون غيره ومن ثم امتنع عنها ومنع ولده وظاهر أن الجمع بين فاطميتين بالنسبة إليه وإلى
أولاد صلبه ليس من هذا القبيل لأنهن بناته وأخوات أولاده ولا اشتباه في تحريمهن عليهم
منفردات ومجتمعات بل الظاهر أن المراد بما في الموثقة ما تضمنته موثقة الحلبي المتقدمة وصحيحة رفاعة
بن موسى عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن الأمة الحبلى يشتريها الرجل قال سئل أبي عن ذلك فقال
أحلتها آية وحرمتها أخرى وأنا ناه عنها نفسي وولدي وصحيحة عبد الله بن سنان عنه (ع) في رجل كانت
تحته أمة فطلقها على السنة فبانت منه ثم اشتراها بعد ذلك قبل أن تنكح زوجا غيره قال أليس قد
قضى علي (ع) في هذا أحلتها آية وحرمتها أخرى وأنا أنهى عنها نفسي وولدي والتأييد بأنه لو كان جايزا
لفعلوه واشتهر مقلوب بأنه لو كان محظورا لنهوا عنه واشتهر فإن الدواعي على ضبط المحرمات أوفر منها
على ضبط المحللات ومن ثم وقع الحصر أينما وقع في الكتاب والسنة في جانب المحرمات وأحل ما وراء
ذلك والوجه حمل الرواية على الكراهة كما في قوله صلى الله عليه وآله لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تدع عانتها فوق عشرين يوما مع أن ذلك غير واجب بالاجماع كما نقله المعاصر ويكره تزويج
الفاسق فإنه ليس بكفو للمؤمن لقوله (تع) أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون وعن النبي صلى الله عليه وآله من
زوج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها وفي أخرى نزل عليه كل يوم ألف لعنة سيما شارب الخمر
ففي الحديث النبوي بعدة ألفاظ شارب الخمر لا يزوج إذا خطب وفي أخرى من زوج كريمته من
شارب الخمر فكأنما ساقها إلى الزنا ويستحب لمن يريد التزويج أن يتخير لنطفته ولا يضعها في غير
الكفؤ ممن دونه بحسب حاله ففي النبوي وغيره انكحوا الأكفاء وأنكحوا فيهم واختاروا لنطفكم وزيد في
بعضها فإن الخال أحد الضجيعين وفيه تخيروا لنطفكم فإن العرق نزاع وفيه إياكم وخضراء الدمن
فقيل وما خضراء الدمن قال المرأة الحسناء في المنبت السوء وأن يختار البكر الولود وهي التي من شأنها
أن تلد العفيفة الحسنة الخلق الخفيفة المهر فورد عن النبي صلى الله عليه وآله تزوجوا بكرا ولودا ولا تزوجوا حسناء جميلة
عاقرا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة ويعلم كون البكر ولودا باستقامة حيضها وعدم بلوغها سن
اليأس وعنه صلى الله عليه وآله خير نسائكم الولود الودود العفيفة العزيزة في أهلها الذليلة مع بعلها وعن أمير المؤمنين (ع)
خير نسائكم الخمس قيل وما الخمس فقال الهينة اللينة المواتية التي إذا غضب زوجها لم تكتحل بغمض حتى يرضى
فإذا غاب عنها زوجها حفظته في غيبته وعنه (ع) شر خصال الرجال خيار خصال النساء البخل والزهو والجبن
فإن المرأة إذا كانت بخيلة حفظت مالها ومال زوجها وإذا كانت مزهوة استنكفت أن تتكلم كل أحد بكلام
لين مريب وإذا كانت جبانة فرقت من كل شئ فلم تخرج من بيتها واتقت مواضع التهم خيفة من زوجها
وعنه (ع) يمن المرأة خفة مهرها ويسر نكاحها وفي الألفاظ وهل ادتها وحسن خلقها وأن يجتنب ما في
الحديث النبوي شرار نسائكم العقرة الدنسة اللجوجة العاصية الذليلة في قومها العزيزة في نفسها
الحصان على زوجها الهلوك على غيره والعقرة التي لا تلد وفي بعض النسخ العفرة بكسر العين وسكون
الفاء أي الخبيثة الداهية وفي بعض نسخ الكافي القفرة بالقاف ثم الفاء أي القليلة اللحم وفي بعضها
المقفرة أي الخالية والحضان بالفتح العفيفة والهلوك كصبور الفاجرة المتساقطة على الرجال وورد
مدح نساء قريش والنهي عن مناكحة الزنج والخزر والحوز والهند والسند والقند يعني القندهار
والأكراد والحمقاء والمجنونة لكن إن كان عنده أمة مجنونة فلا بأس أن يطأها ولا يطلب ولدها و
الظاهر أنها جميعا ارشادات لا توصف بكراهة ولا استحباب كما اتفق في كلام الجماعة ومنهم المصنف في
المفاتيح وكذا جملة مما تقدم وينبغي أن لا يقتصر على قصد الجمال والثروة فعنه صلى الله عليه وآله بألفاظ متقاربة من تزوج
امرأة لا يتزوجها إلا لجمالها لم ير فيها ما يحب ومن تزوجها لمالها لا يتزوجها إلا له وكله الله إليه وزيد في
بعضها ومن تزوجها لدينها جمع الله له ذلك ويستحب أن يصلي ركعتين ويحمد الله قبل التعيين واحتمل بعضهم
الاتساع إلى العقد ويدعو بعدهما بالمأثور في رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال إذا تزوج أحدكم
كيف يصنع قلت لا أدري قال إذ اهتم بذلك فليصل ركعتين ويحمد الله ثم يقول اللهم إني أريد أن أتزوج
فقدر لي من النساء أعفهن فرجا وأحفظهن في نفسها وفي مالي وأوسعهن رزقا وأعظمهن بركة وقدر
270

لي ولدا طيبا تجعله خلفا صالحا في حياتي وبعد مماتي
باب الولاية في النكاح وهي ثابتة للمولى
المالك بالاستقلال على من يملكه مطلقا صغيرا أو كبيرا سفيها أو رشيدا عاقلا أو مجنونا ذكرا أو أنثى بكرا
أو ثيبا بالوطي أو غيره وكذا للأب والجد له وإن علا مطلقا على المشهور خلافا لمن أسقط ولاية الجد ولمن
قيدها بحياة الأب على الصغير والسفيه والمجنون مطلقا ذكورا أو إناثا ومنهم من قيد ولايتهما على السفيه و
المجنون بما إذا استصحب الوصفان من الصغر أما إذا طرا أبعده فولايتهما للحاكم لزوالهما لهما بالبلوغ والرشد
وعودها غير معلوم الدليل وشمول النصوص الدالة على ولايتهما لهذا الفرد في مرتبة الاحتمال وقد تقدمت
الإشارة إليه وفي ثبوت ولايتهما على البكر والثيب التي زالت بكارتها بغير الوطي من الأسباب المزيلة لها
كالوثبة والدورة واللعب بالإصبع وغيرها ووصف الرشيدتين هنا وفي المفاتيح مستدرك استقلالا
أو تشريكا معهما أو تشريك الأب خاصة أو العدم مطلقا أو في الدائم خاصة أو في المنقطع خاصة أقوال
أقواها الأول ثم الرابع وهو المشهور بل ادعى عليه الاجماع والمحتاط يجمع بين دليلهما في العمل ولا يكتفي بأحدهما
أخذا باليقين ورعاية للمصلحة المناسبة فإن التي لم تمارس الرجال ضعيفة الرأي جدا قليلة الخبرة
بأحوالهم ولا يؤمن عليها المسارعة إلى إجابة كل خاطب وإن لم يكن كفوا فلا بد من انجبار ذلك بنظر
أشفق الخلق عليها وهو الأب والجد لئلا تنخدع في هذا الأمر الذي هو من أهم الأمور بالنسبة
إليها ويكون ذلك برضاها لأن لها في نفسها نصيبا وحظا كما في موثقة صفوان وموضع الخلاف
إنما هو ما إذا لم يعضلاهما بأن يمنعاهما التزويج من الكفؤ مع الرغبة أما مع العضل فتسقط ولايتهما
بلا خلاف لنفي الضرار فلهما أن تزوجا أنفسهما وإن كرها لكن هل لهما الاستقلال بذلك أم لا بد من مراجعة
الحاكم واثبات العضل عنده وجهان وظاهر الأكثر الأول وفي معنى العضل ما لو غابا عنهما بحيث يتعذر
استيذانهما أو يستلزم تفويت مصلحتهما والأحوط استيذان الحاكم إن أمكن ومن استمتع بالبكر
الرشيدة من غير إذن وليها إن قلنا بجواز ذلك فالأولى أن يقتصر على ما عدا الافتضاض من الاستمتاعات ولا يفتضها فيعاب عليها بذلك وإن رضيت فإنه عار على الأبكار كما في مرسلة أبي سعيد
بل الوجه كراهة ذلك مطلقا لاطلاق صحيحة زياد عن أبي عبد الله (ع) لا بأس أن يتمتع البكر ما لم يفض
إليها كراهية العيب على أهلها وغير هؤلاء المذكورين أمرهم بأيديهم ولا ولاية لأحد عليهم مطلقا على الأشهر
خلافا لمن أثبت الولاية على الموطوئة أيضا ولمن أثبتها للأم وأبيها على الصبية مطلقا أو مع فقد الأب و
الجد خاصة وتثبت الولاية للحاكم مطلقا أو مع فقد الأب والجد خاصة على الخلاف على من تجدد فساد عقله
بشرط الغبطة وفي ثبوتها له على من بلغ فاسد العقل وجهان وعلى الصغيرين احتمال قواه في المفاتيح وإن كان
ظاهرهم العدم للأصل فإن دليلهم في السفيه والمجنون جار فيه كالعمومات الدالة على ولايته في المصالح
وكصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) الذي بيده عقدة النكاح هو ولي أمرها وفي الحديث
النبوي السلطان ولي من لا ولي له نعم المصلحة في الكبير أوضح لكنها ليست منتفية في الصغيرين
سيما الصغيرة وفي ثبوت ولاية الوصي هنا مطلقا أو مع نص الموصي أو على من بلغ فاسد العقل
خاصة إذا كان به ضرورة على النكاح أو العدم مطلقا أقوال أشهرها الأخير وفي صحيحة محمد بن مسلم
وأبي بصير عن أبي جعفر (ع) الذي بيده عقدة النكاح هو الأب والأخ والموصى إليه وحمل استيذان
الأخ على الاستحباب مع فقد الأب إذ لا ولاية له بلا خلاف ولو اختلف الأب والجد في تزويجها
حيث لهما الولاية قدم اختيار الجد وكذا لو سبق عقده أو أوقعاه في حالة واحدة كما في موثقة عبيد
بن زرارة وصحيحة هشام وغيرهما أن الجد أولى بذلك وفي بعضها لأنها وأباها للجد ولو سبقه
الأب إلى تزويجها صح وإن كره الجد كما في رواية ابن العباس لكنه ترك الأولى كما علمت ولو زوجها
الولي حيث يستقل بتزويجها بالخصي أو المجنون أو زوجه بمن عليها أحد العيوب العشرة الموجبة
لتسلطه على الفسخ كما يأتي في بابه تخيرا بعد زوال الحجر عنهما بالبلوغ والرشد بين فسخ العقد وامضائه
لوقوعه إذ ذاك صحيحا لابتنائه على المصلحة والكفاءة ولأنها إن تزوجت به بنفسها وهي بالغة عاقلة
أو تزوج هو بها كذلك صح فكذا الولي والضرر ينجبر بالخيار وإلا فلا تخيير مطلقا على المشهور خلافا
لمن أثبت الخيار للصبي بعد كماله مطلقا لرواية يزيد الكناسي عن أبي جعفر (ع) أن الغلام إذا زوجه
أبوه ولم يدرك كان له الخيار إذا أدرك بل في صحيحة محمد بن مسلم عنه (ع) في الصبي يزوج الصبية
قال إذا كان أبواهما اللذين زوجاهما فنعم جايز ولكن لهما الخيار إذا أدركا إلا أنه لا عامل بها كما في
المفاتيح وأولهما الشيخ بأن لهما فسخ العقد بالطلاق أو مطالبته أو ما يجري مجرى ذلك وليس ببعيد
بأن يكون الغرض المسوغ له الكلام فيهما سلب الاختيار عنهما ما لم يدركا وأنهما لو لم يرضيا وهما غير
مدركين لم يلتفت إليهما بوجه فتأمل ويستحب للزوج أو وليه الخطبة منها أو من وليها فالخطبة
ثم الجواب هكذا فيما رأيناه من النسخ والظاهر أن فيه تقديما وتأخيرا وايجازا مخلا فإن المأثور استحبابه
في الروايات وكلمات الأصحاب تقديم الخطبة بالضم ثم الخطبة بالكسر أي التكلم بما يؤذن بالرغبة فيها
تأسيا وتطييبا لنفسها ونفوس أوليائها إما تصريحا كقوله إني أريد التزويج بك أو بكريمتكم أو
تعريضا كقوله رب راغب فيك أو فيها فإذا فرغ قدمت هي أو وليها الخطبة ثم الجواب بما يؤذن
بالرضا والقبول ويكفي في الخطبتين التحميد لله وإن أضاف إليه الصلاة على محمد وآله والاستغفار
كما في حديث علي بن الحسين (ع) كان أكمل وإذن البكر في التزويج صماتها عند استيذانها على المشهور
كما في صحيحة ابن أبي نصر وفي النبوي سكوتها اقرارها وهو مقيد بما إذا لم يلح عنها أمارة الكراهة
وقيل لا يكفي السكوت بل لا بد من التصريح بالإذن والثيب تكلف النطق مطلقا وقيل إن غير
الموطوئة ملحقة بالبكر حيث لم يذهب حياؤها بمخالطة الرجال وتجب إجابة الخاطب المرضي
271

دينا وخلقا ففي الصحيح النبوي إذا جاءكم ممن ترضون خلقه ودينه فزوجوه أن لا تفعلوه تكن فتنة
في الأرض وفساد كبير واعتبر في المفاتيح القدرة على النفقة واستثنى ما إذا قصد العدول إلى
الأعلى الموجود بالفعل أو بالقوة وفي الصحيح وغيره عن أبي عبد الله (ع) الكفؤ أن يكون عفيفا وعنده
يسار وتكره الخطبة على خطبة المؤمن بعد الإجابة فعن النبي صلى الله عليه وآله ألا لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه
وعن أمير المؤمنين وأبي عبد الله (ع) إنما هو مستام وقد تقدم النهي عن الدخول في السوم والاحتياط
تركها خروجا عن خلاف من حرمها أخذا بظاهر النهي ويجوز بعد الرد بلا كراهة قولا واحدا قيل وكذا
لو لم يوجد إجابة ولا رد وفيه أن النهي شامل له بلا مرية فلو حذف القيد لكان أجود وأوفق بالرواية
ويحرم التصريح بها للمعتدة مطلقا اجماعا إلا من الزوج المطلق في العدة التي يجوز له نكاحها بعدها
لبقاء عصمته فيها في الجملة دون غيرها كالعدة التاسعة أو الثالثة والسادسة لأنه فيها كالأجنبي
ويجوز التعريض بها من كل من يجوز له نكاحها بعد العدة وإن لم يجز له تزويجها حينئذ ما لم تحرم عليه
مؤبدا بشئ من الأسباب المقتضية له مما سبق إلا في العدة الرجعية فإنه لا خلاف بين العلماء على
ما نقله سيد المحققين وغيره في تحريم خطبتها لغير الزوج تعريضا وتصريحا بواسطة وغيرها وكأنه
لم يلتفت إلى استثنائها هنا وفي المفاتيح اعتمادا على ظهور أنها في حكم ذات البعل وتحريم خطبة
ذات البعل من ضروريات الدين ويباح النظر المشبع إلى وجه امرأة يريد تزويجها وكفيها من مفصل
الزند ظهرا وبطنا وإن لم يستأذنها باجماع المسلمين والنصوص المستفيضة وفي موثقة يونس بن يعقوب
وترقق له الثياب معللا بأنه يريد أن يشتريها بأعلى الثمن ويستفاد منه حكم الأمة التي يريد شراؤها
وهي منصوصة أيضا وفي كثير منها النظر إلى شعرها وإلى محاسنها وهي مواضع الزينة وهي أوسع دايرة
من الوجه والكفين وفي حسنة الفضلاء معاصمها وقيد في مرسلة الفضل بشرط عدم التلذذ وزاد
الأصحاب امكان الإجابة بالفعل شرعا وعادة فلا يجوز النظر إلى ذات البعل ولا المعتدة ليتزوجها عند
ارتفاع المانع ولا من يعلم عادة أنها لا تجيب وربما يقال إنه يستحب للأمر به في النبوي لكن الظاهر أنه
للإباحة لأنه بعد الحظر وينبغي أن يكون قبل الخطبة إذ لو كان بعدها وتركها لشق ذلك عليها وأوحشها
كذا في المفاتيح وهو إنما يتم فيما إذا علمت بالحال دون ما إذا لم تعلم كما لا يخفى وإن لم يتيسر له النظر أو لم
يكتف به بعث إليها امرأة بصيرة تتأملها وتصفها له تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله وأهل البيت (ع)
باب العقد و
شروطه لا بد فيه من بلوغ المتعاقدين وعقلهما كما في سائر العقود واتيانهما بما يدل على الايجاب والقبول
من اللفظ الدال على القصد الباطني صريحا كأنكحتك وزوجتك وهما من ألفاظ القرآن ومتعتك دائما و
منقطعا وأنت في حل من وطيها وحللتك في تحليل الأمة في الايجاب وقبلت وتزوجت ونحوهما في
القبول والأولان في الدائم أظهر كالثالث في المنقطع وفي لفظ الإباحة ونحوها في الأمة قولان مبنيان
على توقيفية العقود وعدمها وفي المفاتيح أن الحق عدم ثبوتها كما يستفاد من الأخبار وإنما اعتبرنا
اللفظ مع شمول اطلاق العبارة للفعل سيما بعدم ملاحظة ما سبق في باب البيع لمنع صراحة الفعل
في النكاح على الوجه المقصود لاشتماله على غرر كثير لا يندفع إلا بالقول بخلاف مثل البيع إذا كان السعر
معهودا أو بقرينة ما سيأتي من فرض العجز عن النطق وتصريحه في المفاتيح باعتباره اقتصارا على المتيقن
ووقوفا مع الأصحاب حيث لا قائل منهم بجوازه بدون ذلك أما الماضي والعربية والاقتران وتقديم
الايجاب فلم يقم الدليل على شئ منها بل الأصل وتتبع النصوص بنفي الكل وعن أبي عبد الله (ع) أنه جاءت
امرأة إلى عمر فقالت إني زنيت فطهرني فأمر بها أن ترجم فأخبر بذلك أمير المؤمنين (ع) فقال كيف زنيت
قالت مررت بالبادية فأصابني عطش شديد فاستسقيت أعرابيا فأبى أن يسقيني إلا أن أمكنه من
نفسي فلما أجهدني العطش وخفت على نفسي سقاني فأمكنته من نفسي فقال أمير المؤمنين (ع) تزوج و
رب الكعبة وفيه دلالة على توسعة عظيمة في الباب وفي حديث المرأة التي زوجها رسول الله صلى الله عليه وآله على تعليم
ما يحسنه الزوج من القرآن المروي صحيحا من الطريقين ما يدل على جواز تقديم القبول وعدم اشتراط
الاقتران ولا الماضي فيه خلا للمشهور في الأول وللأكثر في الثانيين ولمن شذ في الأخير ولا ريب أن المتفق
عليه أولى وأحوط مع الامكان وفي المفاتيح أن صراحة الماضي في الانشاء دون غيره ممنوع بل الأصل فيه الاخبار والأمر أظهر في الانشاء وفيه منع ظاهر لأن الانشاء الأظهر في الأمر غير الانشاء المقصود هنا وجمد
جماعة على النص فجوزوا الأمر والمستقبل أيضا دون غيرهما لورودهما فيه فاشترطوا قصد الانشاء بهما
ومنهم من جوز المستقبل في المنقطع خاصة دون الدائم لورود النصوص المستفيضة فيه بذلك واستحب
بعضهم العربية للقادر عليها ونفى عنه البأس في المفاتيح تأسيا أما العاجز عنها فيتكلم بما يحسنه ولا يجب
عليه التوكيل ولا التعلم خلافا للمشهور في الثاني إن لم يشق عادة ومن جوز بغير العربية جوز اللحن
في اللفظ العربي الذي لا يغير المعنى وأما مشترطوها فظاهر أكثرهم عدم اشتراط الاعراب لأن تركه لا يخل
بأصل اللفظ والأصل عدم اشتراط أمر آخر ومنهم من صرح باشتراطه مع القدرة لعين ما ذكروه في اشتراط
العربية من توظيفية العقود لأن المنقول عن الشارع غير ملحون قطعا واعلم أن ظاهر الاطلاق اشتراط
القبول في التحليل أيضا كما هو المشهور وفي دلالة الروايات عليه نظر بل ربما يلوح من بعضها العدم
إلا أنه لا مخرج عن الاحتياط ولا بد أيضا من تعيين الزوجين بالإشارة أو التسمية أو الصفة الرافعة
للجهالة فلو قال أنكحتك إحدى بناتي أو أنكحت ابنتي إحدى ابنيك بطل للغرر أما ذكر الصداق والأجل فإنما
يشترط في النكاح المنقطع خاصة دون غيره أما اشتراطهما فيه فمن مواقع الاجماع وفي صحيحة زرارة عن أبي
عبد الله (ع) لا يكون متعة إلا بأمرين بأجل مسمى وأجر مسمى وفي رواية الهاشمي عنه (ع) عن المتعة مهر معلوم
إلى أجل معلوم ويشترط تعيين الأجل على وجه لا يتطرق إليه الغرر كما في سائر المعاوضات الصرفة لشدة شبهه
272

بها كما ينبه عليه ما ورد أنهن مستأجرات ولا حد له قلة وكثرة وتحديد بعضهم أقله بنصف يوم
شاذ وورد جوازه بالعردة والعردتين وبه يوجه حديث المستسقية وفي اشتراط اتصاله بالعقد
خلاف والمصنف على العدم ويترتب عليه جواز اسلاف نفسها وهي في حبالة الغير ولو أخل بذكر
الصداق فيه بطل العقد بلا خلاف وكذا لو أخل بذكر الأجل عند المصنف ومن وافقه خلافا للمشهور
فينقلب دائما مطلقا لموثقة ابن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام إن سمي الأجل فهو متعة وإن لم يسم
الأجل فهو نكاح بات وفي حديث أبان إني أستحي أن أذكر شرط الأيام قال هو أضر عليك لأنك إن لم تشرط
كان تزويج مقام ولزمتك النفقة وكانت وارثا وفي الأولى احتمال أن يكون الغرض تشابه العقدين
في الجملة وتفارقهما بالأجل فلا تدل على أن قاصد المتعة إذا لم يسم الأجل انقلب عليه دائما مع ما
تقرر من أن العقود تابعة للقصود والأخيرة ظاهرة فيما إذا خطبها ولم يعلمها بالمتعة فأجابته إلى التزويج بظن الدوام لأنه الأظهر فإنه يلزم بالنفقة وغيرها من أحكام الدوام ولا يسمع منه ادعاء أنه
قصد المتعة وقريب منها رواية هشام وقيل إنما ينقلب دائما إذا وقع بلفظ التزويج أو النكاح لصلاحيتهما للدائم دون التمتع فيبطل وقيل إن تعمد الاخلال وإلا بطل والظاهر أن محل الخلاف ما إذا
صلح للدوام أما لو كانت خامسة فالوجه البطلان مطلقا وأما عدم اشتراطهما في غيره فالتحليل لا
صداق فيه ولا أجل كما يأتي والدائم لا أجل فيه أيضا وأما الصداق فلا يشترط ذكره فيه بلا خلاف
بل يصح النكاح بدونه ما لم يشترط انتفاؤه مطلقا ويسمى تفويض البضع ولو ذكر اجمالا وفوض تقديره
إلى المتعاقدين أو إلى أحدهما صح أيضا ويسمى تفويض المهر وسيأتي ولو عجزا عن النطق بصيغة النكاح
أصلا لخرس أصلي أو غيره اقتصرا على ما يحسنانه من الايماء المفهم لقيام إشارة الأخرس مقام عبارته
وفي وجوب التوكيل حيث يمكن وجه ولا يجزي التحليل في غير الأمة فلو حللت الحرة نفسها لم يجز والمشهور
جواز تحليل أمته لعبده وإن قلنا إنه تمليك والعبد لا يملك لأن معنى التمليك هنا ليس إلا الإباحة و
التسليط على استيفاء البضع ولا نسلم كون العبد فاقدا لهذا القدر من الأهلية نعم روى علي بن يقطين
في الصحيح عن أبي الحسن (ع) أنه سئل عن المملوك أيحل له أن يطأ الأمة من غير تزويج إذا أحل له مولاه قال لا
تحل له وبإزائها ما رواه الشيخ في باب زيادات التجارات في الصحيح عن محمد بن أبي عمير عن فضيل مولى راشد
قال قلت لأبي عبد الله (ع) لمولاي في يدي مال فسألته أن يحل لي ما أشتري من الجواري فقال إن كان يحل
لك أن أحل لك فهو حلال فسألت أبا عبد الله (ع) عن ذلك فقال إن أحل لك جارية بعينها فهي لك حلال
وإن قال اشتر منهن ما شئت فلا تطأ منهن شيئا إلا ما يأمرك إلا جارية يراها فيقول هي لك حلال
وكأنها التي أشار إليها صاحب الشرايع ولم يطلع عليها شارحه وقد أولت الأولى بوجوه أجودها الحمل
على التقية ويجب أن يقتصر المحلل له في تحليل الأمة على ما يتناوله اللفظ مما يدل عليه بإحدى الدلالات فما
دونه مما يشهد الحال بدخوله تحته فحسب فلو أحل له الخدمة أو النظر لم تحل القبلة ولا اللمس ولو أحل اللمس
حل النظر دون القبلة ولو أحل القبلة حل اللمس المتوقف عليه خاصة دون غيره عند بعضهم ومطلقا
بشاهد الحال عند آخرين وفي شهادة الحال بالاطلاق منع لشموله مس الفرج ونحوه مما يقصر عنه فالأولى
الاقتصار على قدرها وكيف كان فلا يتناول الوطي قطعا ولو أحل الوطي حل ما دونه من ضروب الاستمتاع
لأنها من مقدماته ما خلا الخدمة لانفكاك أحدهما عن الآخر وفي صحيحة فضيل بن يسار عن أبي عبد الله (ع)
ليس له إلا ما أحل له منها ولو أحل له قبلة لم يحل له سوى ذلك وزيد في رواية ابن عطية فإن أحل له
منها دون الفرج لم يحل له غيره وإن أحل له الفرج حل له جميعها ولا صداق فيه بلا خلاف ولا يشترط فيه
أجل للأصل والعمومات وصحيحة هشام بن سالم عن محمد بن مضارب قال قال أبو عبد الله (ع) يا محمد خذ
هذه الجارية إليك تخدمك وتصيب منها فإذا خرجت فردها إلينا ولم نقف للمخالف على حجة معتدة
بها وإن كان أضبط ولا يشترط في تزويج المولى أمته من عبده القبول من العبد بل يكفي ايجابه عن ايجابها
وقبوله كما في صحيحتي محمد بن مسلم والحلبي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) في الرجل كيف ينكح عبده أمته قال يجزيه
أن يقول قد أنكحتك فلانة ويعطيها شيئا خلافا للمشهور حيث اعتبروه كساير العقود لتسميته نكاحا فيفتقر
إلى القبول افتقاره إلى الايجاب وفيه منع الكبرى وفي الصحيح عن محمد بن مسلم أيضا عن أبي جعفر (ع) في
المملوك يكون لمولاه أو لمولاته أمة فيريد أن يجمع بينهما أينكحه نكاحا أو يجزيه أن يقول قد أنكحتك فلانة
ويعطيها من قبله شيئا أو من قبل العبد قال نعم ولو مدا ورأيته يعطي الدرهم وهو أوضح دلالة على
المقصود وإليه استند من ذهب إلى أنه إباحة وتحليل وليس نكاحا وإن وقع بلفظ النكاح ولانفساخه
بمجرد تفريقه بينهما وعدم احتياجه إلى الطلاق وبالجملة فهذه الجملة في قوة الاستثناء عن اطلاق ما
ذكره أولا من اشتراط القبول إلا أن يقال إنه ليس في هذه الصورة متعاقدان بل هو المولى فقط فتكون
خارجة عن موضوع الحكم ابتداء والعقد الفضولي يقف على الإجازة ولا يبطل رأسا وفاقا للأكثر ففي الحسن
عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده قال ذاك إلى سيده إن شاء أجازه
وإن شاء فرق بينهما قلت أصلحك الله إن الحكم بن عيينة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون إن أصل النكاح
فاسد ولا تحل إجازة السيد له فقال إنه لم يعص الله وإنما عصى سيده فإذا أجازه فهو له جايز وفي رواية أخرى
رجل تزوج عبده بغير إذنه قال ذاك لمولاه إن شاء فرق بينهما وإن شاء أجاز نكاحهما قلت فإن أصل النكاح كان
عاصيا قال إنما أتى شيئا حلالا وليس بعاص لله وإنما عصى سيده ولم يعص الله إن ذلك ليس كاتيان ما
حرم الله عليه من نكاح في عدة وأشباهه وفي أخرى رجل زوجته أمة وهو غايب قال النكاح جايز إن
شاء المتزوج قبل وإن شاء ترك وما احتج به المخالف روايات لا تخلو عن قصور في سند أو دلالة موافقة
لبعض مذاهب القوم كما علمت ولو وقع الفضولي على الصغيرين ولا مجيز لهما ففي المفاتيح وغيره أنه يقف على
273

إجازتهما بعد البلوغ فإن ماتا أو أحدهما بطل وإن بلغ أحدهما مع حياة الآخر فأجاز لزم من جهته فإن
مات وبلغ الآخر فأجازا حلف أنه لم يجز للرغبة في الميراث وورث وهو المستفاد من صحيحة أبي عبيدة
عن أبي جعفر (ع) وغيرها وعقد الشغار بكسر الشين وفتحها ويقال الممانحة من عقود الجاهلية باطل في الاسلام
بالنصوص والاجماع وفسر في رواية غياث بأن يزوج الرجل الرجل ابنته وأخته ويتزوج هو ابنة المتزوج
أو أخته ولا يكون بينهما مهر غير تزويج هذا هذا وهذا هذا وكذا يبطل الشرط المنافي للشرع دون غيره
فالأول مثل أن يكون عليها الصداق أو بيدها الجماع أو الطلاق أو لا يتزوج ولا يتسرى عليها ولا يبطل به
العقد ولا المهر على المشهور والثاني كالحرية فيهما أو في أحدهما وكونها بنت مهيرة فلو أنكشف خلاف
ذلك ثبت خيار الفسخ ولو بعد الدخول إلا إذا علم به قبله وظاهر الأخبار ثبوته إذا تزوجته على أنه حر
أو تزوجها على أنها حرة أو بنت مهيرة وإن لم يشترط ذلك في العقد ومثله بعينه الكلام في البكارة
لو بان أنها كانت قبل العقد ثيبة وكذا القبيلة لو بان من غيرها سواء كان أدنى كما لو انتسب إلى هاشم
فبان أمويا أو إلى العلويين فبان عباسيا أو أولى كالعكس أو مساويا كما لو انتسب إلى الأوس فبان
خزرجيا لتفاوت الأغراض في ذلك على اشكال في الأخيرين ولو شرطت أن لا يقتضها ففي لزومه مطلقا
أو في المنقطع وبطلان الدائم أو بطلانه خاصة مطلقا أو في الدائم أقوال ولو شرطها أن لا يخرجها من بلدها
فالمروي صحيحا عن أبي عبد الله عليه السلام أنه يفي لها بذلك أو قال يلزمه ذلك وبه أفتى جماعة ومنهم من
حملها على الاستحباب ابطالا للشرط وفي الحاق المنزل والمحلة بالبلد في ذلك وجهان ولو شرط الخيار في العقد
له أو لها فالمشهور بطلان العقد لترتبه على الشرط الفاسد خلافا لمن أبطل الشرط خاصة والمعتبر من الشرط
ما وقع في متن الصيغة دون ما تقدم أو تأخر وأما موثقة ابن بكير عن أبي عبد الله (ع) ما كان من
شرط قبل النكاح هدمه النكاح وما كان بعد النكاح فهو جايز فالظاهر أن المراد بالنكاح فيها الايجاب أو ايراد بالجواز ما يقابل اللزوم فتنطبق بجزئيها على المطلوب ويستحب في النكاح زيادة على ما تقدم
أمور وهي الاشهاد عليه لحفظ الأنساب والمواريث ويتأكد في الدائم وأوجبه بعض القدماء ومستنده
يحتمل التقية والاعلان أبلغ منه وفي النبوي أعلنوا النكاح والخطبة أمام العقد وأفضلها الخطب المأثورة
وأقلها التحميد كما سبق وايقاعه ليلا فعن الرضا (ع) من السنة التزويج بالليل لأن الله جعل الليل
سكنا والنساء هن سكن والزفاف فيه والتكبير عنده كما في حديث زفاف فاطمة (ع) وأن لا يكون
القمر في العقرب فعن أبي عبد الله (ع) من تزوج امرأة والقمر في العقرب لم ير الحسنى وفي المفاتيح عده
من المكروهات وهو أوفق بما فيه والظاهر أن المراد بالعقرب صورته المشاهدة بالعيان لا برجه
المتفاوت معها بسبب حركة الثوابت وانتقالها على توالي البروج من دهر التسمية إلى دهرنا هذا
قريبا من عشرين درجة لأن استخراج ذلك يتوقف على مقدمات غامضة من دقايق فن الرياضي
لا يعرفها إلا الأوحديون من أهل الرصد والحوالة إليها لا تلائم المعهود من طريقة الشارع في الأحكام التي يخاطب بها عموم الخلق كما تقدم نظيره ولأن أقوى ما يتعارف من وجوه مناحس العقرب
كونه مثال حيوان حقير الجثة ضعيف البنية قبيح الشكل واللون منتن الرايحة خسيس خبيث موذ
أعمى قليل الرزق كثير الخوف سريع الهلاك وهذه كلها أمور منوطة بصورته لا برجه وأما كونه
بيت هبوط القمر أو المريخ الذي هو النحس الأصغر فبعد التسليم مما ليس بذاك وقد جربنا النحوسة في
صورته مرارا فوجدناها أقوى منها في برجه والاحتراز عنهما جميعا لمن أمكنه ذلك أسلم وورد أيضا
أنه يكره التزويج في محاق الشهر وفيمن تزوج في ساعة حارة ما أراهما يتفقان فافترقا وتستحب الوليمة
عند العقد أو الزفاف ولو بمدين من شعير وفي النبوي وغيره أنها أول يوم حق والثاني معروف
وما زاد رياء وسمعة وأن يقصد به مجرد إقامة السنة واحراز الدين بكفاية شر الذبذب وغض البصر
عن مسمومة سهام إبليس وطلب الولد وسائر الفوايد الدينية المذكورة في الباب الأول وبهذا الوجه
يلحق النكاح بالعبادات والطريق إلى تحصيل هذه القصود قد تقدم بيانه في باب النية دون أن
يقصد المقاصد الدنيوية وإن كانت مباحة سواء اقتصر على مجرد الهوى والتمتع أو ضم بعضها إلى
بعض لخروجه بالشوب عن الاخلاص المطلق كما سبق
باب الصداق بفتح الصاد وكسرها وهو ما تراضيا
عليه كما في حسنة فضيل وغيرها بشرط أن يكون متمولا ويصح تملكه لا كالحبة والحبتين ولا الخمر والخنزير
للمسلم وإن قل وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قلت له ما أدنى ما يجزي من المهر قال تمثال
من سكر وفي رواية الأحول عنه (ع) ما أدنى ما يتزوج به الرجل المتعة قال كف من بر وفي حديث أمير المؤمنين (ع)
إني لأكره أن يكون المهر أقل من عشرة دراهم لئلا يشبه مهر البغي وهو ظاهر في الدائم عينا كان أو دينا
أو منفعة حتى منافع الحر كتعليم الصنعة والسورة من القرآن وكل عمل محلل بلا خلاف وكذا إجارة
الزوج نفسه مدة معينة عند الأكثر ومنهم من منع منه لحسنة البزنطي عن أبي الحسن (ع) في الرجل
يتزوج المرأة ويشترط لأبيها إجارة شهرين يجوز ذلك قال إن موسى بن عمران قد علم أنه سيتم شرطه فكيف
لهذا بأن يعلم أنه سيبقى حتى يفي وقد كان الرجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله يتزوج المرأة على السورة من القرآن
وعلى الدرهم وعلى القبضة من الحنطة وهي ليست صريحة في المطلوب بل ظاهرها النهي عن التعرض لتحمل ما
لا يوثق بايفائه على جهة الكراهة لا غير بدليل جريانه في كل مهر أجل ويستحب تقليله ويكره تكثيره بلا
خلاف وورد أن من شوم المرأة كثرة مهرها ومن يمنها خفة مهرها كما تقدم والأولى أن لا يتجاوز مهر
السنة التي أمهر بها رسول الله صلى الله عليه وآله نسائه وبناته وهي خمسمائة درهم شرعي تبلغ بالدراهم المعمولة في
بلاد العجم في هذه الأعصار التي وزن الواحد منها نصف مثقال صيرفي خمسة توامين تبريزية و
خمسا وعشرين درهما ومنع منه السيد مدعيا عليه الاجماع في الإنتصار لرواية المفضل بن عمر عن أبي
274

عبد الله (ع) عن مهر المرأة الذي لا يجوز للمؤمن تجاوزه قال فقال السنة المحمدية خمسمائة درهم فمن زاد
على ذلك رد إلى السنة ولا شئ عليه أكثر من الخمسمائة درهم والمشهور الكراهة لعمومات أن الصداق
ما تراضيا عليه قل أو كثر وحديث عمر مع المرأة في نهيه عن المغالاة بالمهور وغيرها وفي حديث الحسين
بن خالد عن أبي الحسن (ع) أن التكبير والتسبيح والتحميد والتصلية مائة مائة مهر الحور العين ومن ثم
سنت مهور المؤمنات خمسمائة درهم فإن خطب مؤمن إلى أخيه حرمته فبذلها له فلم يزوجها ولم يجب بها
أخاه فقد عفه واستحق أن لا يزوجه الله حوراء ولا بد من تعيينه بما يرفع الجهالة المطلقة كصنعة كذا و
سورة كذا وفي تعيين القراءة المخصوصة قولان ومختار المصنف العدم بل يتخير بين ما جاز منها
وإن لم يكن متواترا بل في حديث الامرأة فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله في المرة الثالثة
أتحسن من القرآن شيئا
قال نعم قال فقد زوجتكها على ما تحسن من القرآن فعلمها إياه وفيه دلالة واضحة على اغتفار الجهالة في
السورة فضلا عن القراءة وقد صرحوا بتحمله من الجهالة ما لا يتحمل في سائر المعاوضات لعدم ركنيته
في العقد فيكتفي في العين بالمشاهدة من غير اعتبار الكيل والوزن والعدد كما في غيره ولو ذكر في
العقد من غير تعيين بل فوض تقديره إلى أحدهما أو إليهما معا صح بلا خلاف منا فيهما كذا في المفاتيح
وفي كلام غيره تصريح بالخلاف في الأخير والنصوص قاصرة عنه أيضا وكذا الخلاف في جواز تفويضه
إلى الأجنبي فإن كان هو المفوض إليه عين ما شاء من قليل أو كثير مما يصح كونه مهرا وإن كانت
هي المفوض إليها لم تتجاوز مهر السنة فإن فعلت رد إليها ولها الاقتصار على الأقل والمستند رواية
زرارة عن أبي جعفر (ع) في رجل تزوج امرأة على حكمها قال لا يجوز حكمها مهر نساء آل محمد صلى الله عليه وآله اثني عشر
أوقية ونشا وهو وزن خمسمائة درهم من الفضة قلت أرأيت إن تزوجها على حكمه فرضيت
قال ما حكم به من شئ فهو جايز لها قليلا كان أو كثيرا قلت كيف لم تجز حكمها عليه وأجزت حكمها
عليها قال لأنه حكمها فلم يكن لها أن تجوز ما سن رسول الله صلى الله عليه وآله وتزوج عليه نساءه فرددتها إلى
السنة لأنها هي حكمته وجعلت الأمر في المهر إليه ورضيت بحكمه في ذلك فعليها أن تقبل حكمه قليلا
كان أو كثيرا وفي طريقها جهالة ويعارضها في حكمه رواية أبي بصير في الرجل يفوض إليه صداق
امرأته فينقص عن صداق نسائها قال تلحق بمهر نسائها ويوافقها في حكمها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) إذا طلقها وقد تزوجها على حكمها لم تجاوز حكمها عليه أكثر من وزن خمسمائة درهم مهور
نساء رسول الله صلى الله عليه وآله وكأنه من هنا اقتصر المصنف هنا على الأخير لكنه في المفاتيح قطع بالحكمين على
حد واحد وإن كانا معا فإن اتفقا على شئ فلا بحث وإن اختلفا فالذي ذكره الشيخ وتبعه عليه
الجماعة الوقف حتى يصطلحا وأنت خبير بأنه إنما يتجه لو كان ما حكم به كل منهما أقل من مهر السنة كما
لو حكم الزوج بمائة والزوجة بمأتين أما لو حكم الزوج بمهر السنة والزوجة بستمائة مثلا فالذي
يقتضيه النظر فيما تقدم الرجوع إلى حكم الزوج والغاء حكم الزوجة لأنها إذا كانت مستقلة بالحكم لا
تستحق الزيادة على مهر السنة ولا يلتفت إليها لو ادعت ذلك فكيف يلتفت إليها مع التشريك وأولى منه ما
لو حكم الزوج بأكثر من مهر السنة فإنها لا تستحق الزيادة مع الاستقلال فمع التشريك أولى فهو محسن ببذل الزيادة
وما على المحسنين من سبيل ولو لم يذكره في العقد رأسا أو شرط أن لا مهر عليه في الحال أو مطلقا صح بلا خلاف
وهو تفويض البضع أما لو صرح بنفيه في الحال والمال على وجه يشمل ما بعد الدخول فالمصنف على فساد العقد
لمنافاته مقتضى العقد وهو وجوب المهر في الجملة وفيه قول بالصحة ووجه بفساد الشرط خاصة كغيره من
الشروط المخالفة للشرع كما سبق فيرجع إلى مهر المثل وحيث يفوض البضع فإن اتفقا على شئ بعد العقد
صح سواء زاد عن مهر المثل أو نقص عنه علما بقدر مهر المثل أو أحدهما أو جهلا لأن الحق لهما وأن لا يتفقا فإن
دخل بها أي وطأها قبلا أو دبرا فمهر المثل مطلقا لاطلاق موثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (ع)
في رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا ثم دخل بها قال لها صداق نسائها ومثلها موثقة منصور بن
حازم وغيرها والأكثر على أن الواجب أقل الأمرين منه ومن مهر السنة لوروده في بعض الأخبار والذي
والذي وقفت عليه من ذلك موثقة أبي بصير أو صحيحته في رجل تزوج امرأة فوهم أن يسمي لها صداقا حتى
دخل بها قال السنة والسنة كثير وموثقة أسامة بن حفص أو حسنته في رجل يتزوج امرأة ولم يسم لها مهرا
وكان في الكلام أتزوجك على كتاب الله وسنة نبيه فمات عنها أو أراد أن يدخل بها فما لها من المهر
قال مهر السنة قلت يقولون مهر نسائها فقال مهر السنة فكلما قلت له شيئا قال مهر السنة وكلتاهما خارجتان
عن المبحث فإن الوهم أي النسيان غير التفويض وكذا التزوج على السنة كما هو المشهور وفيه قول آخر
بالسقوط إذا قدم إليها شيئا ولم تمتنع عن الدخول فيكون ذلك مهرها ومنهم من اطرده في غير المفوضة
أيضا كما يأتي هذا إن دخل وإلا فإن طلقها فالمتعة كما في الآية الكريمة لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما
لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا
على المحسنين والجناح المنفي الظاهر أنه المهر بقرينة اثباته في مقابله أعني صورة الفرض في الآية التالية
وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم والمسيس الدخول
وفرض الفريضة تعيين المهر واو يحتمل وجوها آ معنى الواو والمراد أن سقوط المهر مشروط بانتفاء الأمرين جميعا إذ لو ثبت الأقل كان لها مهر المثل أو الثاني كان لها نصف المسمى أو كلاهما كان لها المسمى
كلا ب أحد الأمرين على سبيل منع الخلق فقط ومن ثم صح اجتماعهما في هذا الحكم أعني سقوط المهر ولا يصح
ارتفاعهما فيه وعلى الوجهين فالفعل بعده مجزوم عطفا على مدخول لم ج معنى إلا أن والفعل منصوب
والأمر للوجوب عند أكثر العلماء وعن أبي عبد الله (ع) متعة المطلقة فريضة والموسع الغني والمقتر الفقير
وفي المفاتيح أن المرجع في المتعة إلى العرف والمروي في متاع المطلقات أنه خادم أو كسوة أو رزق وفي
275

أخرى إذا كان الرجل موسعا عليه متع امرأته بالعبد والأمة والمقتر يمتع بالحنطة والزبيب والثوب
والدراهم وورد أن أدناه إذا كان معسرا خمارا وشبهه وأن الغني يمتع بدار وخادم والوسط بثوب
والفقير بدرهم وخاتم وكان علي بن الحسين يمتع بالراحلة وإلا فلا شئ واجب لها وإن استحب لأنهن
يرجعن بكآبة وحزن وهم عظيم وشماتة من أعدائهن كما ورد عن أبي جعفر (ع) سواء فارقها بموت كما وردت
به النصوص أو بغيره من أقسام البينونة كالفسخ واللعان وفاقا للأكثر وخلافا في الأخير ممن ألحقه بالطلاق
مطلقا أو بشرط وقوعه من قبله أو قبلهما دون ما كان من قبلها خاصة وكلما فرض لها مهر وبانت قبل
الدخول بطلاق أو غيره فلها نصف ما فرض بالكتاب والسنة والاجماع في الأول فإن كانت قبضته كله أرجعت
نصفه إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وفسر في صحيحة رفاعة وغيرها بولي أمرها يأخذ
لها بعض النصف ويعفو عن بعضه وليس له أن يدع كله وفي أخرى بالزوج لا يرتجع منها شيئا من النصف
أو بعضه أو تكون الفرقة بأمر من قبلها فلا شئ لها بلا خلاف لتفويتها العوض بنفسها سواء كان بسبب
اسلامها مع كفر الزوج أو كفرها مع اسلامه أو ارضاعها ضرته الصغيرة مثلا أو لظهور عيب بها أو
بالزوج فسخت لأجله كما يأتي في بابه أو لغير ذلك إلا أن يكون عيبه العنن فلها النصف على المشهور لصحيحة
أبي حمزة عن أبي جعفر (ع) والحكمة فيه اشرافه على محارمها وخلوته بها سنة فناسب أن لا يخلو ذلك من عوض
ولم يجب الجميع لانتفاء الدخول خلافا لمن يوجبه بالخلوة وأما ما عدا الطلاق من أسباب البينونة قبل
الدخول فالمشهور أن اختلاف الدين أو هبة المدة أو انقضائها في المنقطع كالطلاق بل نقل عليه الاجماع
وأما الموت فموت الزوجة مما توافقت النصوص الصريحة على أنه كذلك أيضا وإنما اختلفت في موت
الزوج وهي من الطرفين معتبرة الأسانيد والذي رجحه الشيخ ومن تبعه من الجماعة تأويل ما يدل على
التنصيف بأنه يستحب لها الاقتصار على النصف والعفو عن النصف الآخر لمطابقة ما يعارضها لظاهر
القرآن يعني عموم قوله عز وجل وآتوا النساء صدقاتهن نحلة واعترضه المصنف بأن القرآن وإن كان قطعي
المتن إلا أن دلالته من حيث العموم ظنية والأخبار بالعكس من ذلك لأنها وإن كانت ظنية المتن إلا
أن دلالتها من حيث الخصوص قطعية فيتكافئان وفيه أن التكافؤ إنما يسلم إذا كانت المعارضة بين
ظاهر القرآن وصريح الأخبار فقط فأما إذا اعتضد ظاهر القرآن بصريح أخبار أخر فلا ريب أنه أقوى كما
لا يخفى إلا أن أخبار التنصيف أكثر وأوثق وأبعد عن التقية وهو ظاهر ثقة الاسلام والصدوق
حيث اقتصرا على نقلها من غير تقييد ولا تأويل وبالجملة فهو من مواضع الاحتياط واستبراء الذمة
بالتصالح والتتارك والتشابه فيه أقوى منه في كثير من المواضع التي أشار فيها المصنف إليه بالحث
على الأخذ باليقين ومحل النظر إنما موت من عدا المتزوج في مرضه فإن المشهور المنصوص أنه لا
يترتب على نكاحه أثر من مهر ولا ميراث كما صرح به في المفاتيح وغيره وحيث يحكم بتنصيف المهر فإن
كانت عينا منمية فهل يعاد نصف نمائها المتجدد بين العقد والفرقة كما في رواية أبي بصير وغيرها أم لا
كما في موثقة عبيد بن زرارة وغيرها والأصحاب بنوا ذلك على أن الصداق هل يملك نصفه بالعقد ونصفه
بالدخول أو يملك جميعه بالعقد وإن لم يستقر إلا بالدخول والمشهور بينهم الأخير ورتبوا عليه ما لو كان دينا
في ذمته فأبرأته ثم طلقها فإنه يرجع عليها بنصفه كما في مضمرة سماعة وغيرها ولم أقف في الروايات
على ما ينص على هذا الأصل وصداق زوجة الصغير المعسر إذا زوجه الولي وكذا نفقتها حيث تجب على
الولي سواء كان ولدا أم نافلة على ما يقتضيه الاطلاق وإن تردد بعضهم في الأخير وسواء ضمنه عنه
أم لا مطلقا لاطلاق النصوص خلافا لبعضهم فيما إذا صرح بنفي الضمان ولا يرجع به عليه على الأصح
كما علم مما تقدم ولو كان موسرا كان الصداق عليه في ماله ولو كان مالكا لبعضه دون بعض لزمه
قدر ما يملك ولزمه الباقي والمعتبر العسر واليسر حين العقد وكذا صداق زوجة المملوك المتزوج
بإذن المولى أو إجازته ونفقتها على الولي عند الأكثر لأنه لا يقدر على شئ وقيل بل هما في كسبه فيخليه
للتكسب نهارا والاستمتاع ليلا فما زاد عن النفقة صرف في المهر إن كان حالا وللمولى أن ينفق عليهما
ويستخدمه بقدرها وصداق أمته لو تزوجت وعقرها لو زنت أو وطئت بشبهة أو اكراه له لأنهما
عوض البضع المملوك له والعقر بضم الفاء هو ما تعطاه الأمة على الوطي الفاسد وأصله أن الزاني بالبكر
يعقرها أي يقطعها ثم استعمل فيها وفي الثيب وقدر في صحيحة الفضيل بن يسار وغيرها بعشر القيامة إن كانت بكرا
ونصف العشر إن كانت ثيبا وهو في الإماء بمنزلة مهر المثل في الحراير ومن ثم أسقطه بعضهم في الزنا كما يسقط
مهر المثل لعموم قوله صلى الله عليه وآله لا مهر لبغي وإن كان الحق فيها للمولى لأن مالية البضع ليست على حد الأموال الصرفة
ليكون مطلق الانتفاع بها موجبا للعوض وهذا إنما يتم في الثيب دون البكر كما لا يخفى وفي دخول أرش
البكارة فيه حيث يثبت وجهان وللاكتفاء بأكثر الأمرين منهما وجه وكلما وطئت الحرة بالشبهة أو
العقد الفاسد أو مكرهة فلها مهر المثل لأنه عوض البضع المحترم وينبغي للزوج أن لا يدخل بها حتى يقدم
مهرها أجمع أو شيئا منه ولو درهما واحدا أو هدية من غيره ولو سويقا أو زبيبا كما في رواية أبي بصير
وغيرها ولها أن تمتنع من تسليم نفسها حتى يسلم مهرها ما لم يكن مؤجلا موسرا كان أو معسرا
على خلاف في الأخير وكذا العكس كما في المفاتيح وغيره وإن سلمت نفسها فدخل بها قبل تسليمه كان دينا
عليه على المشهور خلافا لمن أسقطه بالدخول مطلقا وإذا قدم منه شيئا كما مر والروايات مع نقاوة أسانيد
أكثرها متخالفة والمسقطة منها مخالفة لعموم الكتاب موافقة لمذهب جماعة من القوم محمولة في المشهور
على المفوضة إذا ساق إليها شيئا ولم تعترض كما سبق أو على العادة القديمة في المدينة من تقديم المهر كله
يكون رضاها في قوة الابراء أو على عادة من يجعل منه عاجلا وآجلا ويقدم العاجل فيختص السقوط
بالعاجل كما وقع التقييد في بعضها وتحمل الاطلاقات عليه وأما الآجل فلا يسقط إلا بالأداء وهذا هو
276

الذي مال إليه في المفاتيح ومع ذلك فلا يخرج عن الاحتياط ما أمكن سيما إذا كان المهر أكثر من مهر السنة
كما علم مما تقدم
باب الخلوة بالزوجة والمذكور من آدابها المختصة باللقاء الأول أن يكون على طهر لأجل
الصلاة المندوبة أو للكون على الطهارة إذ ليس في الرواية ما يدل على كونه غاية من غاياتها ولا سبق له ذكر
فيما تقدم هنا ولا في المفاتيح وأن يصلي ركعتين بما شاء ويجهر فيهما ويأمر من يأمرها بذلك كما في الرواية
ثم يمجد الله ويصلي على محمد وآل محمد ويدعو بعدهما بحسن الاجتماع والائتلاف ويأمر من معها أن يؤمنوا
على دعائه يقول اللهم ارزقني إلفها وودها ورضاها وارضني بها واجمع بيننا بأحسن اجتماع وآنس
ائتلاف فإنك تحب الحلال وتكره الحرام وأن يضع يده وهو مستقبل القبلة على ناصيتها وهي مقدم
الرأس ما بين النزعتين ويدعو بالمأثور وهو اللهم على كتابك تزوجتها وفي أمانتك أخذتها وبكلماتك
استحللت فرجها فإن قضيت لي في رحمها شيئا فاجعله مسلما سويا ولا تجعله شرك شيطان وأن
يدخل عليها ليلا كما تقدم عدا ليلة الأربعاء لرواية عبيد بن زرارة وأبي العباس وإذا دخلت
العروس بيته فليخلع خفها حين تجلس ويغسل رجليها ويصب ذلك الماء في زوايا البيت من
باب الدار إلى أقصى الدار ليخرج منه سبعون ألف لونا من الفقر ويدخله سبعون ألف لونا من الغنى
وسبعون لونا من البركة وسبعون رحمة ترفرف على رأس العروس حتى تنال بركتها كل زاوية في
البيت وتأمن من الجنون والجذام والبرص ما دامت في تلك الدار وليمنعها في أسبوعها من الألبان والخل والكزبرة والتفاح الحامض لأن الرحم تعقم وتبرد من هذه الأربعة الأشياء عن الولد
كذا في رواية أبي سعيد الخدري ومن الآداب المشتركة بين الخلوة الأولى وغيرها أن ينوي بالمباشرة
تحصين الفرج عن الزنا وغض العين عن النظر وتنقية البدن عن الفضول المضرة بالاحتباس وتفريغ
القلب عن وسوسة الشهوة كل ذلك بالنسبة إليه وإليها فإن ضم إلى ذلك ادخال السرور إليها و
ما أمكن من فوايد النكاح المذكورة فيما سبق كان أكمل وأن يغلق الأبواب ويرخي الستور مبالغة
في الاستتار المأمور به ويسمي الله عند الوقاع ويتعوذ به من الشيطان كما في رواية الحلبي ويسأل الله أن يرزقه
ولدا ذكرا مسلما بارا تقيا ويجنبه الشيطان وشركه كما في رواية أبي بصير وأن يجنبه أيضا الشيطان كما
في حديث أمير المؤمنين (ع) إذا جامع أحدكم فليقل بسم الله وبالله اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان
ما رزقتني ويتجنب الوقاع أول ليلة من الشهر إلا شهر رمضان ووسطه وآخره فإن الجنون والجذام
والخبل يسرع إليها وإلى ولدها كما في رواية الخدري وفي أخرى أنه مظنة سقوط الولد وورد مثله في المحاق
وفي آخر يومين من شعبان أو الشهر مطلقا أن الولد يكون عشارا وعونا للظالمين ويكون هلاك
فئام من الناس على يده وما بين طلوعي الصبح والشمس وبين غروبي الشمس والشفق وعند حدوث
آية في السماء كسوف أو خسوف أو ريح سوداء أو حمراء أو صفراء أو زلزلة ليلا أو نهارا كما في حديث أبي جعفر (ع)
وعن الرضا (ع) في الذهبية في ذكر أمر الجماع اعلم أن جماعهن والقمر في برج الحمل أو في الدلو من
البروج أفضل وخير من ذلك أن يكون في برج الثور لأنه شرف القمر ويوافقه ما تقرر في فنه من
اختيار الحمل لطلب اللذة والدلو لطلب الولد والثور لهما جميعا ويكره الجماع عريانا ومستقبل القبلة ومستدبرها
وفي السفينة للنواهي المحمولة على الكراهة جمعا أو لضعف الأسانيد وحيث لا يتمكن من الغسل ما
لم يتضرر بالترك لفحوى موثقة عمار عن أبي إبراهيم (ع) في الرجل يكون معه في سفر ولا يجد الماء
أيأتي أهله قال ما أحب أن يفعل ذلك إلا أن يخاف على نفسه وهي ظاهرة في الكراهة وجمد المصنف
على النص وبعد الاحتلام قبل الغسل أو الوضوء فإن فعل فخرج الولد مجنونا فلا يلومن إلا نفسه كذا في
النبوي لكنه خال عن ذكر الوضوء وقد ذكره الأصحاب وهم أعلم بمأخذه وطواه في المفاتيح وإن أراد ذلك
فليغسل أولا فرجه كما ذكروه ويبول كما ذكره صاحب الاحياء وكذا تكره المباشرة بعد مباشرة أخرى قبل الغسل
إلا بعد الوضوء أو غسل الفرج والبول ولم يذكره الأكثر بل منهم من نص على الفرق بين المباشر والمحتلم في ذلك
لما ورد أن الاحتلام من الشيطان بخلافها وهو إنما يتم في الحلال دون الحرام لأنه من الشيطان أيضا والذي
وقفت عليه في ذلك رواية في زيادات النكاح التهذيب عن أبي الحسن (ع) إذا أتى الرجل جاريته ثم أراد أن
يأتي الأخرى توضأ وأخرى في كشف الغمة عن الرضا (ع) كان أبو عبد الله (ع) إذا جامع وأراد أن يعاود
توضأ وضوء الصلاة وليستا من المقصود في شئ والكلام عند ذلك من كل منهما بغير ذكر الله والدعاء سيما
من الرجل وخصوصا إذا كثر فإنه يورث خرس الولد وأن ينظر في فرجها فإنه يورث عماه وهو مما يكره
مطلقا وحرمه بعضهم حالة الجماع وضعفه المصنف بعموم إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم وفيه أنه إنما
يدل على عدم وجوب حفظ الفرج عنهن لا مطلقا وأن يواقع لا سيما الحرة وفي البيت مستيقظ يراهما و
يسمع كلامهما ولو صبيا لمنافاته كمال تمام الاستتار وقد ورد النهي عنه بالخصوص فإن كان مميزا يحسن
أن يصف حالهما كان الولد شهرة علما في الفسق والفجور كما في حديث جابر وأن ينام بين حرتين وعلل
بما فيه من الامتهان وعن أبي عبد الله (ع) لا بأس أن ينام الرجل بين الأمتين والحرتين إنما نساؤكم
بمنزلة اللعب وفي رواية ذريح لا بأس بمجامعة الإماء بين يدي الإماء والنهي عن ذلك في الحراير ومن
الأدب المأثور عن النبي صلى الله عليه وآله أن يغطي رأسه ويغض صوته بالرفث أو بما يتقدمه من الكلام يأمرها بهما
ويرسل أولا رسولا من قبله أو كلام رقيق يؤذن بالأمر أو استيناس بضم أو شتم أو مضاجعة أو نحوها
لتتحرك نفسها إلى ما تحركت إليه نفسه وتقوى اللذة وفي النبوي لا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة
ليكن بينهما رسول قيل وما الرسول قال القبلة والكلام ويأخذها بلطف ولا يعنف بها جماعا ولا
ضما فإن فعل فجنى عليها بذلك ضمن كما في رواية سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (ع) ولأنه شبيه عمد
وكذا لو أعنفت به وقيل إن كانا مأمونين فلا شئ عليهما وإن كانا متهمين فالدية وفي رواية مرسلة
277

إن اتهما لزمهما اليمين بالله أنهما لم يردا القتل وأن يكون عليها السكينة والوقار ويأمرها بذلك
فإذا قرب من الانزال قال في نفسه من تحريك الشفتين الحمد لله الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا
وفسر النسب بالأولاد والصهر بأزواج البنات وأن يلبث الرجل بعد الفراغ يسير حتى تتفرغ المرأة و
تقضي نهمتها منه كما قضى نهمته منها لئلا يورث التنافر ما يراد منه التحابب وذلك أن انزالها ربما
يتأخر عن إنزاله فيكون قد آثار شهوتها بفعله ولم يسكنها ومن ثم ورد الأمر بملاعبتها ومداعبتها
ودغدغة ثدييها ونحو ذلك مما يعين على سرعة الانزال وعنه صلى الله عليه وآله إذا أراد أحدكم أن يأتي أهله فلا يعجلها وعن أبي عبد الله (ع) إن أحدكم ليأتي أهله وتخرج من تحته فلو أصابت زنجيا لتشبثت به فإذا أتى أحدكم
أهله فليكن بينهما مداعبة فإنه أطيب للأمن وليحذر عن إطالة اللبث بعد الفراغ فإنها مما يرخي
العضو جدا ويبادر إلى البول تنقية للمجاري عما ربما تخلف فيها من بقايا المني سيما إذا كانت
عجوزا وأن يتخذ كل منهما خرقة على حدة لإزالة الأذى عنه بعد الفراغ ولا يتمسحان بخرقة واحدة فإنه
مما يورث التباغض إلا أن تكون كبيرة جدا بحيث يقضي كل منهما حاجته من طرف غير الآخر لا تقع
شهوة على شهوة وأن لا يعزل الماء لتقويته أعظم فوايد النكاح مضافا إلى ما فيه من المضرة الطيبة
إلا إذا كان بنية صحيحة كخوف حصول الولد من الفاجرة وولد الزنا ونحوهما الذمية كما تقدم
وعن أبي الحسن (ع) لا بأس بالعزل في ستة وجوه المرأة التي تيقنت أنها لا تلد والمسنة والمرأة السليطة
والبذية والمرأة التي لا ترضع ولدها وكاستبقاء السر على المتمتع بها سرا وكذا استبقاء الملك
في الجارية لئلا تصير أم ولد وتتشبث بالعتاق قهرا والحسن والسمانة في مطلق الحليلة للتمتع لئلا
تتغير بالحمل والوضع والحصانة واستبقاء الحياة بالتحرز عن خطر المخاض فإن هذه كلها مقاصد
مباحة كما ذكره صاحب الاحياء لا الخوف من ولادة الإناث لما في تزويجهن من المعرة كما كان عند
العرب في الجاهلية ولا إرادة المبالغة في نظافتها فتنجب من الطلق والنفاس والرضاع كما كانت عادة
الخوارج ونسائهم في زيادة التنظيف والوسواس حتى كن لا يدخلن الخلاء إلا عراة فإنه بدعة تخالف
السنة ونحو ذلك خوف الافتتان بالولد والاشتغال به عن الله أما الخوف من كثرة العيال وما
تستلزمه من الافضاء إلى الكسب الحرام فإنه وإن كان محمودا من حيث إنه خفة المؤنة مما يعين على الدين
إلا أنه ينافي الثقة بالله والتوكل عليه حيث ضمن الأرزاق ونهى عن قتل الأولاد خشية املاق وللنفوس
في ذلك أحوال ومقامات مختلفة هم أبصر بها وبالجملة فالأحوط لمن أراد ذلك ولم يشترطه في النكاح
أن يستأذن الحرة الدائمة فيه خروجا عن خلاف من حرمه فيها لأنه الواد الخفي كما ورد وإن كانت صحيحة
محمد بن مسلم وغيرها صريحة في أنه إلى الرجل يصرفه حيث يشاء أما الأمة والمتعة فيجوز العزل عنهما
بلا خلاف إلا أن النص مختص بالأمة ومن أراد اليقين فليتجنب الوطء في الدبر لتعارض الأقوال و
الروايات فيه وإن كان حمل المانعة منها على التقية أو الكراهة الغليظة أوجه وأما الآية الكريمة
فمقتضى تسميتهن فيها الحرث اختصاص الإباحة بالمبذر إلا أن ذلك معارض بالعموم الظاهر فيه
كلمة أنى كما فسر به في بعض الروايات إلا أنه فسر في أخرى بكيف وفي أخرى بمتى مع فيهما بأن المأتي
هو الفرج فهي متشابهة لا يصلح الاستدلال بها لشئ كما في المفاتيح والاستدلال بقوله سبحانه والذين هم
لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم حيث ذكر حفظ الفرج ثم رخص في الأزواج
والسرايا فيسقط التحفظ في طرفهن مطلقا ضعيف لاحتمال انصراف الرخصة إلى المعنى الظاهر المتعارف
وهو اتيان القبل نظير ما تقدم في تحريم الأمهات من أن المراد تحريم نكاحهن لا غير وكذا الاستدلال
للمنع بقوله صلى الله عليه وآله محاش النساء على أمتي حرام إذا لم تثبت الحقيقة الشرعية للحرام بحيث يحمل في كلام النبي صلى الله عليه وآله
مع كثرة المعارضات عليها مع أن احتمال النسخ غير مقطوع الانتفاء وقد سبق في المقدمة الأمر بالأخذ
بالأحدث فتذكر ويجوز لكل منهما الاستمناء من بدن الآخر مطلقا وللآخر إجابته إلى ذلك ومنع بعضهم
من استمنائه بيدها والأولى الوطي مع الامكان ولا يجوز لأحدهما الاستمناء بعضو من أعضاء نفسه
ولا شئ آخر فإنه الاستمناء المحرم كما سبق ويحرم وطئ الحايض بالضرورة من الدين وفي حكمها النفساء
وهو من الزنا بالحليلة ويعزر الواطي للحايض بربع حد الزاني كما في حدود المفاتيح وقد سبقت الإشارة
إلى مستنده في باب الحد والتعزير وفي نكاحه بما يراه الحاكم ثم قال وربما يقدر بثمن حد الزاني للخبر و
لم أقف إلا على رواية علي بن إبراهيم وهي غير منطبقة على اطلاق التقدير بالثمن كما عرفت ثمة ويكفر
في أوله بدينار وفي وسطه بنصف دينار وفي آخره بربع دينار احتياطا عن مخالفة الظواهر التي استدل
بها الموجبون والجمع بين الروايات يقتضي حملها على التقية كما يرشد إليه بعضها أو الاستحباب كما
عليه الأكثر فإن لم يكن عنده ما يكفر فليصدق على مسكين واحد وإلا استغفر الله ولا يعود كذا في
رواية داود بن فرقد وفي صحيحة الحلبي إن واقعها في استقبال الدم فليستغفر الله وليتصدق على سبعة
نفر من المؤمنين بقدر قوت كل رجل منهم ليومه وفي رواية من أتى حايضا فعليه نصف دينار يتصدق
به وفي أخرى فليتصدق على عشرة مساكين وفي أخرى فيمن يقع على امرأته وهي حايض يتصدق على
مسكين بقدر شبعه وفيمن أتى أمته وهي حايض تصدق بثلاثة أمداد من طعام وكل ذلك من
قراين الاستحباب ويكره وطيها بعد انقطاع الدم قبل الغسل للنهي عنه في روايتين موافقتين
لأشهر مذاهب القوم معارضتين بعدة روايات صريحة في نفي البأس وفي بعضها وبعد الغسل أحب
إلي وفي موثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) إذا أصاب زوجها شبق فليأمرها فلتغسل فرجها ثم يمسها
إن شاء قبل أن تغسل وبمضمونها أفتى بعض المتقدمين فيحتمل أن يكون مذهبه التفصيل بالشبق
وعدمه أو الجواز مطلقا كما هو المشهور ويكون اشتراط الشبق مبنيا على أنه بدونه لا يقدم عليه أحد
278

لتنفر الطبع عنه مع كراهية شرعا وبالجملة فالقول بالتحريم مطلقا غير معلوم وأما ما ذهب إليه الطبرسي
في التفسير من اشتراط إباحة وطئها بأن تتوضأ أو تغسل فرجها فهو أعلم به وكذا يكره الاستمتاع منها
ما بين السرة والركبة وحرمه بعضهم لصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) في الحايض ما يحل لزوجها منها قال
تتزر بإزار إلى الركبتين فخرج سرتها وفي رواية أبي بصير ساقها ثم له ما فوق الإزار وفي رواية الخشاب تلبس
درعا ثم تضطجع معه والمشهور حملها على التقية أو الكراهة جمعا بينها وبين صحيحة عمر بن يزيد عنه (ع)
ما للرجل من الحايض قال ما بين أليتيها ولا يوقب وفي رواية عبد الملك بن عمر وكل شئ ما عدا القبل تعينه
وفي روايات أخر ما دون الفرج وكل شئ دون الفرج إنما المرأة لعبة الرجل وحيث شاء ما اتقى موضع الدم
ونحو ذلك لا يكره ما عدا ذلك بالاجماع ويحرم على الزوج الاستمتاع بزوجته الموطوءة بالشبهة في عدتها
منه أي من ذلك الوطي فإن كانت في العدة الرجعية فله أن يراجعها بغير الاستمتاع ويصبر إلى انقضائها
كما في المفاتيح وغيره وعلى المولى وطي الأمة الغير المستبرأة سواء نقلت إليه ابتداء أو وطئت في ملكه
حيث يجب الاستبراء ومنهم من ألحق به سائر الاستمتاعات في التحريم وهو مدفوع بصحيحة حمران عن أبي جعفر (ع) وغيرها وكذا يحرم عليه وطئ الجارية المدخول بأمها وإن علت أو بنتها وإن سفلت كما تحرمان
بالمصاهرة وكذا المدخول بأختها قبل اخراج الأولى عن ملكه كما سبق في باب المحارم ولقد كان ذكرها
ثمة أنسب
باب الحقوق اللازمة لكل من الزوجين على الآخر أما حقه عليها فالصيانة والتستر بنفسها
وبأسراره وعيوبه والانكار على من يتحدث بها وسد الأبواب التي يدخل عليها العار من جهتها وترك
المطالبة بما وراء الحاجة من الفضول لئلا ينجر إلى أذاه أو اقتحامه موارد الهلكة وحفظ ماله عليه من
الضياع سواء كان ذلك موكولا إليها أم لا وسواء كان لها فيه مصلحة كما هو الغالب أم لا لأن الملحوظ
إنما هو مصلحة الزوج ومن ثم أتى بالظرف تنبيها على ذلك وأن تطيعه ولا تعصيه في غير المعصية و
تجتنب كل ما ينفر عنها الزوج من قول وفعل وهيئة بغير حق وتأتي بما يتوقف عليه الاستمتاع من
تزين وتطيب وغيرهما على وفق اقتراحه لأن ذلك كله من مقدمات الواجب ومن جملة ما عليهن
بالمعروف وتستأذنه في جميع أمورها الغير الواجبة المضيقة فإن أذن لها في شئ أتته مقتصرة على
قدر الإذن فما دون أو على ما تعلمه من عادته وسجيته وإلا تركته كائنا ما كان حتى الصيام تطوعا
مطلقا وإلا كانت عاصية كما تقدم وكذا الحج فعن أبي الحسن (ع) في المرأة الموسرة قد حجت حجة الاسلام
تقول لزوجها أحجني من مالي أله أن يمنعها قال نعم ويقول حقي عليك أعظم من حقك علي في هذا وعن أبي جعفر (ع)
لا يجوز للمرأة في مالها عتق ولا ابراء إلا بإذن زوجها وفي الحديث النبوي أعظم الناس حقا على الرجل والده
وعلى المرأة زوجها وفيه لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها وأما حقها عليه
فإن يسد جوعتها بضم الجيم ويستر عورتها كما في حديث شهاب عن أبي عبد الله (ع) وظاهره كغيره الاجتراء
بما يحصل به الغرض لكن في آخره التقدير بمد وثوبين للشتاء وآخرين للصيف والأظهر أنه على الاستحباب
أو بيان للحد العرفي ويقوم بما تحتاج إليه أمثالها من أهل البلد في سنها وشرفها دون شرفه من اسكان
واخدام وثياب تجمل وفرش ووقود وآلة تنظيف كالمشط والصابون ونحوهما ودهن غبا يوم ويوم
لا ولحم في كل ثلاثة أيام مرة وفواكه عامة في أوقاتها وفضل طعام في العيد زيادة على سائر الأيام و
المشهور أنها تملك نفقة يومها مع التمكين فلو استفضلت منها أو أنفقت على نفسها من غيرها كانت ملكا
لها هذا فيما يستهلكه الانتفاع كالمأكول والوقود أما ما يبقى بعده كالمسكن والخادم فإنها لا تملكه إلا على
جهة الامتاع خاصة دون الملك وأما ما يتردد بين الأمرين مما لا يستهلكه الانتفاع إلا في مدة مديدة
كالكسوة والفرش ففي كونه تمليكا أو امتاعا قولان أشهرهما وأجودهما الأخير فلو طلقها أو نشزت أو
مات أحدهما كان الموجود منها من ماله وفي الصحيح عن زرارة قال سألت أبا جعفر (ع) عن رجل سافر وترك
عند امرأته نفقة ستة أشهر أو نحوا من ذلك ثم مات بعد شهر أو اثنين فقال ترد ما فضل عندها في الميراث
وفي حديث شهاب من حقها عليه أن لا يقبح لها وجها وفيه وجهان آ أن يكون المراد طلاقة وجه الزوج
والوجه وجهه ب أن يكون الوجه وجهها ففي النهاية يقال قبحت فلانا إذا قلت له قبحك الله من القبح وهو
الابعاد ومنه الحديث لا تقبحوا الوجه أي لا تقولوا قبح الله وجه فلان وقيل لا تنسبوه إلى القبح ضد الحسن
لأن الله صوره وقد أحسن كل شئ خلقه ومن حقها عليه أن لا يترك وطئها في القبل أكثر من أربعة أشهر فإنها
غاية صبر النساء عن الرجال ومن ثم يؤاخذ المولي بعدها بالفئة أو الطلاق كما يأتي والمشهور تحريمه مطلقا
بل نقل عليه الاجماع وأما حسنة صفوان بن يحيى عن الرضا (ع) في الرجل تكون عنده المرأة الشابة فيمسك
عنها الأشهر والسنة لا يقربها ليس يريد الاضرار بها يكون لهم مصيبة أيكون في ذلك آثما قال إذا تركها أربعة
أشهر كان آثما بعد ذلك وزيد في بعض الروايات إلا أن يكون بإذنها فغير مقتضية للتخصيص بالشابة لأنه
في المسؤول وذو الزوجة الواحدة ينبغي أن لا يترك مضاجعتها أكثر من ثلاث ليال إلا لعذر أو بإذنها وإن
كان الأظهر جوازه مطلقا بناء على أن الحق في ذلك للزوج خاصة احتياطا عن مخالفة المشهور من أن
الحق لهما ابتداء بمجرد العقد والتمكين وكذا ذو العدد منهن اثنتين فما زاد وفيه إيماء إلى أن الواحد ليس
بعدد كما مر وإذا أبات عند كل واحدة منهما ليلتها فقد أدى حقها إلى الليلة الخامسة وله أن يبيت ليلته عند
من شاء منهما كما صرح به في صحيحة محمد بن مسلم في الرجل يكون عنده امرأتان إحديهما أحب إليه من الأخرى
قال له أن يأتيها ثلاث ليال والأخرى ليلة فإن شاء أن يتزوج أربع نسوة كان لكل امرأة ليلة فلذلك
كان له أن يفضل بعضهن على بعض ما لم يكن أربعا وفي معناها صحيحة الحلبي وغيرها لكن إن سوى
بينهن في القسمة مع ذلك فقد أخذا باليقين والعدل وخرج عن مخالفة الظواهر الناهية عن التفضيل
مثل صحيحة معمر بن خلاد عن أبي الحسن (ع) هل يفضل الرجل نساءه بعضهن على بعض قال لا ولكن
279

لا بأس به في الإماء وفي معناها غيرها ولا يجوز له ترك الأمرين معا بالاجماع إذ لا خلاف في وجوب
القسم بعد الشروع فيه حتى يتم الدور فإنه من المعاشرة بالمعروف وللنصوص فورد في المائل عن
النبي صلى الله عليه وآله من كانت له امرأتان فمال إلى إحديهما دون الأخرى جاء يوم القيامة واحد شقيه مايل وفي
رواية أخرى مغلولا مائلا شقه حتى يدخل النار ولو كان تحته حرة وأمة دائمتان حيث يجوز ذلك
كان للحرة من القسمة مثلا ما للأمة فلها ليلة من ثمان وللحرة ليلتان تفرقان بحيث لا يفوتها
أربع متوالية إلا إذا أرضيت بذلك والقول بسقوطها للأمة شاذ والذمية حيث تجوز كالأمة
وتختص الزوجة الجديدة مطلقا عند الدخول بثلاث ليال ولاء ويستحب السبع جمعا بين النصوص
والمشهور الجمع بينها بتخصيص السبع بالبكر والثلاث بالثيب كما صرح به في بعضها ومنهم
من جمع بينها بجعل الثلاث اختصاصا لها لا يقضيها للباقيات والأربع الأخر تقديما يقضيها
لهن وعليه أن يفضي النفقة للزوجة حيث تجب لو أخل بها في وقتها لأنها عوض عن البضع المبذول
له ويقوم الوارث مقامهما في ذلك لأنها حق مالي من الحقوق الموروثة وهذا بخلاف نفقة الأقارب
حيث تجب فإنها لا تقضي كما يأتي وكذا يجب عليه قضاء القسمة لها مع الاخلال بها في الوقت فيقضيها
في فاضل وقته ولو لم يفضل له وقت كما لو كن أربعا وبات ليلة خارجا منهن بقيت المظلمة
في ذمته إلى أن يتخلص منها بابراء أو وجدان وقت وفي جواز الصلح عنها بمال وجهان أجودهما
الجواز خلافا لمن منع ذلك وفي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (ع) عن رجل له امرأتان قالت إحديهما
ليلتي ويومي لك يوما أو شهرا أو ما كان أيجوز ذلك قال إذا طابت نفسها واشترى ذلك منها
لا بأس ولا نفقة واجبة للناشزة وهي الخارجة عن إطاعته فيما يجب له ولو بالخروج من بيته بغير
إذنه كما في النص سواء قلنا بوجوبها بمجرد العقد كما هو ظاهر ابن إدريس أو به وبالتمكين كما عليه
الأكثر ولا قسمة واجبة لها بل يجوز هجرها في المضجع بمجرد ظهور احازته قبل تحققه كما يأتي ولا لمملوكته
واحدة أو أكثر بالاجماع وكذا المتعة على المشهور ولا الصغيرة التي لم تبلغ التسع لانتفاء شرطها فيه
وهو التمكين وفي نفقتها مبتنيان على ما ذكر وكذا الخلاف لو كان الزوج صغيرا ولا المجنونة المطبقة
مطلقا كما هو الظاهر وربما تقيد بما إذا خاف أذاها ولم يكن لها شعور بالأنس به وإلا لم يسقط
حقها واستحسنه في المفاتيح ولا في السفر بمعنى أنه لا يقضي للمتخلفات مطلقا وقيل بل يقضي سفر
النقلة والإقامة دون سفر الغيبة واستحسنه في المفاتيح إن أريد قضاء مدة الإقامة خاصة دون
السفر واطلاق العبارة يشمل ما لو استصحبهن جميعا أو اثنتين منهن والظاهر أنه غير مراد بل
تجب التسوية كما في الحضر لأن سقوطها على القول به إنما هو لأجل غيبته والمفروض حاضر غير غايب
ولا يسقط وجوب القسمة عن الزوج لعنته مطلقا أو عنها ولا خصائه سواء قدر معه على الايلاج
أم لا ولا رقه فيخلي المولى بينه وبينها ليلا ولا جنونه فيحمله الولي عليها لاطلاق الأوامر الموجبة و
حصول الغرض معها من الايناس والعدل وعدم وجوب للوقاع ويجوز لها أن تهب ليلتها له فيضعها
حيث يشاء أو لبعضهن كما فعلت سوده بنت زمعة لما أراد النبي صلى الله عليه وآله أن يطلقها لما بها من الكبر
فسألته أن يتركها في أزواجه ووهبت ليلتها لعايشة لما علمت من مكانتها في قلبه فكان يقسم لعايشة
ليلتين ولا يقسم لها أو لجميعهن فتقسم عليهن وتكون كالمعدومة كل ذلك مع رضاه لا بدونه إذ القسم
حق مشترك بينهما أو مختص به كما سلف فله أن يبيت عندها في نوبتها وله الرجوع ما لم تمض لأنه هبة غير
مقبوضة أما بعد المضي فلا كما في المفاتيح وتستحب له مؤكدا التسوية بينهن في الانفاق وحسن العشرة
والمباشرة ومقدماتها لما فيه من رعاية العدل وتمام الانصاف ولأن النساء أشباه كما ورد إلا
أن يرى في بعضهن ما يستوجب التفاوت فيتبع المصلحة ولا تجب التسوية للأصل ولقوله سبحانه
ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل ومثل هذا ميل وليس كل
الميل وفي حديث هشام عن أبي عبد الله (ع) يعني في المودة وقوله (تع) فإن خفتم أن لا تعدلوا يعني في
النفقة وأن يظل عند صاحبة الليلة صبيحتها كما في رواية إبراهيم الكرخي عنه (ع) وظاهرها الوجوب
والصبيحة هي أول النهار وأوجب بعضهم القيلولة عندها فيها وأن يقرع في استصحاب من شاء
منهن في السفر كما كان يفعله النبي صلى الله عليه وآله فإنه أطيب لنفوسهن وفي جواز العدول عن خرج اسمها إلى
غيرها قولان وأن يأذن لها في قضاء الحقوق تأسيا مثل زيارة أهلها وعيادة مرضاهم وحضور
منيتهم كيلا يؤدي إلى الوحشة وقطيعة الرحم وأن يعتدل عن الافراط والتفريط في جملة الأحوال و
الأمور التي بينه وبينها والمهم منها ثلاث أحدها الانفاق فلا يبالغ في التضييق عليها لأنها ضعيفة
أسيرة وورد أحسنكم أحسنكم لعياله ولا في التوسعة لما تستلزمه من المفاسد والغوائل والخروج
من باب إلى باب إلى ما لا يقف على حد فيلتزم التوسط وقد مدح الله قوما بذلك في قوله والذين
إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما وقد سلف من الحث على الاقتصاد في جميع
الأمور ما فيه كفاية وتحمد التوسعة في الجملة إذا وسع الله عليه كما ينبه عليه قوله سبحانه لينفق
ذو سعة من سعته إلا إذا خاف الفتنة والضابط النظر في أخلاقها أولا ثم العمل بما تقتضيه المصلحة
في ذلك فإن من النساء من لا يصلحها إلا التقتير ولو وسع عليها لأفسدها ومنهن من لا يصلحها
إلا التوسعة ولو ضيق عليها لأفسدها وثانيها الغيرة فلا يتركها فتتجرأ عليه وورد أن الغيرة من
الايمان وجدع الله أنف من لا يغار وإذا لم يغر الرجل فهو منكوس القلب وعن أبي عبد الله (ع) إذا أغير
الرجل في أهله أو بعض مناكحه من مملوكته فلم يغر ولم يغير بعث الله إليه طايرا يقال له القفندر
حتى يسقط على عارضته بابه ثم يمهله أربعين يوما ثم يهتف به إن الله غيور ويحب كل غيور
280

فإن هو غار وغير وأنكر ذلك وإلا طار حتى يسقط على رأسه فيخفق بجناحيه على عينيه ثم يطير عنه
فينزع الله منه بعد ذلك روح الايمان وتسميه الملائكة الديوث وقد سلف بعض الروايات في باب
النصيحة ولا يبالغ فيها زيادة على ما يليق بل يتغافل عن بعض الأمور ولا يكثر في التفتيش وتجسس
البواطن فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن تتبع وفي لفظ آخر أن يبحث عن عورات النساء وفي حديث عيسى (ع)
لا تكثر الغيرة على أهلك فترمى بالسوء من أجلك وفي الحديث النبوي من الغيرة ما يحب الله ومنها ما يبغض
الله وأما التي يحبها الله فالغيرة في الريبة وأما التي يبغضها الله فالغيرة في غير الريبة وعن أمير
المؤمنين (ع) إياك والتغاير في غير موضع الغيرة فإن ذلك يدعو لصحيحة منهن إلى السقم ولكن أحكم أمرهن
فإن رأيت عيبا فعجل النكير على الصغير والكبير بأن تعاتب منهن البريئة فيعظم الذنب ويهون العتب
وثالثها حسن الخلق والمداعبة فإنها مجبولة على ضعف النفس وركاكة العقل وإجابة الهوى فينبغي الاقتصار
في ملاينتها والانبساط معها والنزول إلى درجة عقلها على قدر ما تطيب به نفسها ويدخل عليها السرور و
يحصل الالتذاذ المقصود من دون خروج إلى حد يسقط الوقار والهيبة ويؤدي إلى فساد السياسة
وفتح باب المساعدة على المناكير فإنهن سريعات الغلبة على الرجال مهما وجدن إلى ذلك سبيلا وعن
النبي صلى الله عليه وآله ما رأيت من ضعيفات الدين وناقصات العقول اسلب لذي لب منكن وقد جعل الله الرجال
قوامين على النساء وسمى الزوج سيدا ومن عكس القضية فقد خرج عن الحكمة وأطاع الشيطان في تغيير خلق الله
ونفس المرأة على مثال نفسك إن أرسلت عنانها قليلا جمحت بك طويلا ويستحب له أن يعلمها ما تحتاج إليه من
أمر الدين امتثالا لقوله (تع) قوا أنفسكم وأهليكم نارا كأحكام الحيض والنفاس والعبادات إن جهلت ذلك وعلمه
وإلا اطلع على حالها وناب عنها في السئول عن العلماء ولا يحوجها إلى الخروج بنفسها للمسألة وقد ورد الأمر بتعليمهن
سورة النور والنهي عن سورة يوسف وعن القراءة والخط وأن لا يطرقها عند المراجعة عن السفر ليلا فإن فعل
ورأى ما يكره فلا يلومن إلا نفسه وربما يخص بعدم الاعلام كما يأتي في باب السفر ويستحب لها أن لا تتفاخر
هي عليه بمالها أو جمالها أو شرفها أو غير ذلك مما يتفاخر به ولا تزدريه بشئ من فقر أو دمامة أو هجانة
أو نحو ذلك فإن ذلك ينافي ما أوجبه الله من تعظيم الزوج وتوفية احترامه وتوقيره وتفضيله حيث
جعله قواما عليها وجعلها أسيرة مذللة له ونهاها عن مشاقته والتعرض لأذاه بل ينبغي أن تعد مفاخرها
كلها نعما من الله سبحانه على الزوج فإن حظه منها وتمتعه بها سيما الجمال أعظم فهو أولى بها منها ومساويه
كلها عقوبات منه (تع) عليها فهي أولى بها منه وأن تلازم الانقباض ورثاثة الهيئة في غيبته فإنه أقرب
إلى السداد وأبعد عن الفساد والانبساط والتجمل في حضوره فإنه أدعى إلى نشاطه وارتياح باله وتسلية همه و
ملاله وأن تقوم بكل خدمة في البيت تقدر عليه وإن كان مهينة كما سلف من حال فاطمة (ع) وأن تقدم
حقه على حق الأقارب فلا تشتغل عنه بهم ولا تطلب رضاهم بسخطه لأنه أعظم حقا وينبغي لها أن تلزم قعر
البيت مشتغلة بالغزل أو غيره فلا تخرج عنه إلا لضرورة ولا ترفع عليه سيما للتطلع وقد ورد
النهي عن اسكانهن الغرف والظاهر تقييدها بالمشرفة أو هي أشد كراهة ولا تنظر إلى الخارج من
غير عذر سيما الرجال فنظرهن إلى الرجال سيما أهل الريبة فتنة لهن كنظر الرجال إليهن و
في الحديث أنه دخل ابن أم مكتوم على رسول الله صلى الله عليه وآله وعنده ميمونة وأم سلمة فأقامهما من
عنده فقالتا إنه أعمى فقال أوعمياوان أنتما ألستما تبصرانه وفي آخر أنه صلى الله عليه وآله قال لفاطمة أي
شئ خير للمرأة قالت أن لا ترى رجلا ولا يراها رجل فضمها إليه وقال ذرية بعضها من بعض
ولا بأس لها في الخروج في المهم إذا لم يكن لها من يكفيه كما يشهد به العمل المستمر في الأعصار من
دون نكير وليكن بأسوأ هيئة من الهيئات المعتادة وأخلى طريق مأمون الفتنة متنكرة
لمن يعرفها أو زوجها غير مسمعة صوتها لغير من إليه الحاجة من الأجانب فإن الحكم في سماع
الصوت كالحكم في النظر تحريما أو كراهة ولا يجوز لها أن يتصدق من بيته إلا بإذنه فإن
فعلت فعليها الوزر وله الأجر كما في النبوي إلا ببقية طعام يستحيل إلى الفساد إذا ترك
فيجوز بشاهد الحال إلا مع المنع
باب النشوز وهو في اللغة الارتفاع وشرعا خروج أحد
الزوجين عما يجب عليه للآخر كأنه برفع عن الانقياد لما عليه من الحق وإن خرجا جميعا عن الحق خص
باسم الشقاق بكسر الشين بمعنى المشاقة كان كل منهما في شق غير الآخر فإذا نشزت المرأة بأن امتنعت عن
حاجته له فيما يجب له أو ظهر منها أمارة النشوز مثل أن تتثاقل بحوائجه أو تغير عادتها في أدبها واقبالها
إليه بالطلاقة والبشر أدبها بما يرجو معه الصلاح من الموعظة والهجر في المضجع والضرب حتى أقود إلى
الطاعة كما قال سبحانه واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن
فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا وفسر الوعظ بالتخويف من الله والتحذير من نكاله وتذكيرها بما
ورد من التغليظ في حقوق الزوج على الزوجة في الكتاب والسنة وأن النشوز يسقط النفقة
وحق القسمة فقد تتأدب النساء بذلك والهجر في المضجع بأن يحول ظهره إليها في الفراش كما ورد أو
يعتزل فراشها أو يترك مواقعتها وهل الأمور الثلاثة على التخيير أو الجمع أو الترتيب بالتدرج من
الأخف إلى الأشد وكمراتب النهي عن المنكر وهل هي بمجرد ظهور أمارة النشوز كما هو ظاهر الآية أو بعد
تحققه على أن يكون المراد بالخوف أقوال ووجوه أوجهها عند المصنف ما نقله عن بعض العلماء ووافقه
العلامة في التحرير في تفسير الآية من ابقاء الخوف على ظاهره وتقديم الموعظة فإن نشزن فاهجروهن
في المضاجع فإن أصررن فاضربوهن وليكن الضرب خفيفا غير مبرح مراعى فيه الاصلاح كما يعزر
الصبيان على الذنب لا التشفي والانتقام وقيل إن الضرب يكون بمنديل ملفوف أو درة
ولا يكون بسياط ولا خشب وروي أنه الضرب بالسواك ولو نشز الزوج بأن منعها حقوقها الواجبة
281

أو أساء خلقه معها وآذاها بغير سبب مبيح ولم ينجع فيه وعظها فإن صبرت حتى يفئ إلى الصلاح كان
ذلك جهادها كما سلف وإن رفعت أمرها إلى الحاكم ألزمها الحاكم بايفاء حقها ومعاشرتها بالمعروف
بعد ثبوته عنده باطلاع أو اقرار أو شهود مطلعين على حالهما وإن أسند كل منهم النشوز إلى صاحبه
تعرف الحال بثقة في جوارهما ينصبه قيما عليهما وله تهديد الظالم منهما وتعزيره وليس لها هجره وإن رحب
بهما عوده إلى الحق لعدم الإذن الشرعي ولا لياقته بمقامها فإن كرهها لمرض أو كبر بها أو به فلم يدعها إلى فراشه
وأمهم بطلاقها فلا شئ عليه ما لم يقصر في حقها الواجب وإن تركت له بعض حقوقها الواجبة استمالة له
حل له قبول ذلك وإن أثم مع التقصير إذا لم يقهرها على بذله وورد أنه صلى الله عليه وآله لما هم بطلاق سوده لكبرها
فاستمالته بهبة ليلتها لعايشة نزل قوله سبحانه وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا فلا جناح
عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وفي الحسن وغيره عن أبي عبد الله (ع) هي المرأة تكون عند الرجل فيكرهها
فيقول لها إني أريد أن أطلقك فتقول له لا تفعل إني أكره أن يشمت بي ولكن انظر في ليلتي فاصنع بها
ما شئت وما كان سوى ذلك من شئ فهو لك ودعني على حالتي قال وهذا هو الصلح وفي روايتي أبي
بصير والشحام فتقول له أمسكني ولا تطلقني وأدع لك ما على ظهرك وأعطيك من مالي وأحلك من يومي
وليلتي فقد طاب ذلك له وأما الشقاق فالمرجع فيه إلى الحكمين كما قال الله سبحانه وإن خفتم شقاق
بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما وهل المخاطب بالبعث
هما أو أهلهما أو الحكام وعلى سبيل التحكيم أو التوكيل وبرضاهما أم وإن لم يرضيا وعلى الوجوب
أو الندب وكونهما من أهلهما على الارشاد أو الوجوب أقوال وعلى التحكيم كما عليه المصنف في المفاتيح يشترط
عدالتهما وحريتهما وينفذ حكمهما ولو على الفراق عند بعض القدماء والمشهور توقف الفراق على الإذن
لحسنة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) ورواية محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) ليس للحكمين أن يفرقا حتى يستأمرا
ولو رضيا أولا بما فعلا جاز كما في موثقة سماعة قلت أرأيت إن استأذن الحكمان فقالا للرجل و
المرأة أليس قد جعلتما أمركما إلينا في الاصلاح والتفريق فقال الرجل والمرأة نعم وأشهدا بذلك شهودا
عليهما أيجوز تفريقهما عليهما قال نعم وقال لا يجوز تفريق حتى يجتمعا جميعا التفريق وإن حكما بما لا
يسوغ شرعا كما لو شرطا عليها اسقاط بعض حقها من القسمة أو النفقة أو عليه أن لا يتسرى أو لا يتزوج
عليها كان لهما نقضه ويجب عليهما الاجتهاد في النظر والبحث عن حالهما والسبب الباعث على الشقاق والتآليف
بينهما ما أمكن وينبغي اخلاص النية في السعي وقصد الاصلاح وإن اختلفا بعث إليهما آخران حتى
يجتمعا أو يتفرقا
باب الفسخ وهو قسمان قهري واختياري والأول ربما يكون سببه اختياريا وقد
يحصل بالارضاع كما علم فيما سبق وقد يحصل بتملك أحدهما الآخر بسبب اختياري أو غيره فإن المالك وإن
كان هو الزوج استباحها بالملك ولم يبق نكاح وإن كان الزوجة لم يجز لها نكاح عبدها لاختصاص الوطي
بملك اليمين بالرجال وهو معنى ما ورد من أن المرأة تملك من قرابتها كل أحد إلا خمسة أبوها و
أمها وابنها وبنتها وزوجها يعني ما دام كونه زوجا وإلا فهي تملك زوجها كما أن زوجها يملكها اجماعا
وبهذا الوجه يعد من الحيل الشرعية ما لو أراد المولى نكاح الحرة التي تحت عبده فالطريق إليه أن
يملكها إياه بالبيع أو غيره من وجوه الانتقال فينفسخ النكاح وتعتد ويتزوجها المولى وقد يحصل بالانتقال
عن الدين أما إلى الكفر عن الاسلام بأن يرتدا معا أو يرتد أحدهما وكان ممن لا تقبل توبته بأن كان الزوج
فطريا أو كان الارتداد قبل الدخول فإنه تحصل البينونة في الحال في جميع هذه الصور أو كان الارتداد بعد
الدخول أو المرتد الزوجة أو الزوج مليا حيث يوسع عليه في التوبة لكنه لم يتب إلى انقضاء العدة فإنها
موقوفة على انقضائها وإن تاب في أثنائها استصحب النكاح من غير تجديد ويترتب على انفساخ النكاح
بارتداد الزوجة قاعدة بعضهم من الحيل فيما لو كرهت زوجها فارتدت لينفسخ النكاح بينهما فإنها تبين
منه في الحال إن كان قبل الدخول وبعد انقضاء العدة مع اصرارها إن كان بعده ونظر فيه في المفاتيح
بأن الارتداد إنما يكون بفسخ الاعتقاد ولا يتأتى ذلك بمثل هذه الأغراض وإنما يحكم بالكفر بالقول
أو الفعل لدلالتهما على الضمير وإلا فهما بمجردهما فسق لا كفر هذا كلامه وهو إنما يتجه مع تصريحها بأن تظاهرها
بالارتداد إنما هو لأجل انفساخ النكاح أما بدون ذلك فهي محكوم عليها بالكفر وتتم الحيلة في ظاهر
الشرع وإن حرم عليها في نفس الأمر التزويج بغيره ولو فرض فساد النكاح بينهما في نفس الأمر بما لا طريق لها
إلى اثباته وجبت الحيلة على الوجه المذكور عينا أو تخييرا وأما إلى الاسلام عن الكفر بأن يسلم أحد الزوجين
الحربيين ولم يسلم الآخر إلى انقضائها فإن أسلم في أثنائها استصحب أو كان اسلامه قبل الدخول فينفسخ في الحال
وبأن تسلم الزوجة الذمية دونه كذلك فقبل الدخول ينفسخ في الحال وبعده بعد انقضاء العدة على المشهور
بل نقل عليه في الخلاف الاجماع إذ لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ولصحيحة البزنطي عن الرضا (ع)
وصحيحتي عبد الله بن سنان وعبد الرحمن بن الحجاج وغيرها خلافا لمن أبقى نكاحها ومنع من دخوله عليها ليلا
والخلوة بها لأخبار قاصرة متشابهة أما لو أسلم الكافر دون زوجته الذمية فالعقد باق بلا خلاف
والخلاف إنما هو في ابتداء نكاحهن لا استدامته ولو كن أكثر من أربع دائمات فأسلم دونهن اختار
أربعا منهن يمسكهن من غير تجديد عقد وفارق سايرهن وكذا لو أسلمن معه كلا أو بعضا إذ كانوا
جميعا أحرارا وإلا اقتصر على اختيار نصابه وأطلق ما زاد من غير طلاق سواء تقدم عقد المختارات أو
تأخر أو اقترن لعموم رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (ع) في مجوسي أسلم وله سبع نسوة وأسلمن
معه كيف يصنع قال يمسك أربعا ويطلق ثلاثا واطلاق الثلاث على الوجوب وإن كان إمساك الأربع
على الإباحة واستدل في المفاتيح للعموم بعموم حديث غيلان الثقفي لما أسلم أنه قال له النبي صلى الله عليه وآله أمسك
أربعا وفارق سايرهن وفيه من القصور ما لا يخفى ولو كن حربيات وأسلم بعضهن معه تخير بين
282

اختيارهن على الفور وبين التربص للباقيات على الكفر إلى انقضاء العدة فإن أسلم أحد منهن في
أثنائها ساوت السابقات في جواز الاختيار ومقتضى الاطلاق أنه لا فرق في جواز التربص بين كون
المسلمات معه أربعا أو ما دون فلو أسلم معه أربع فما زاد لم يتعين عليه اختيارهن أو الاختيار منهن
بل له الصبر إلى أخير العدة انتظارا لمن تتخيرها من الباقيات وأما القسم الاختياري فقد يكون باختيار الزوج
وقد يكون باختيار الزوجة فيثبت له اختيار الفسخ بتقدم أحد من عيوب عشرة فيها على العقد وهي الجنون و
هو مرض دماغي يختل معه عقل التكليف سبعيا كان أو غيره والجذام بضم الجيم وهو مرض سوداوي يظهر
معه في العين كمودة إلى حمرة ويحصل في النفس ضيق وفي الصوت بحة ويتساقط الشعر وتتشقق الأظفار
وتغلظ الشفة ويسود اللون ويسقط الأنف والاطراق وهو من الأمراض المعدية ومن ثم ورد الأمر بالفرار
منه والبرص وهو نوعان أسود مادته السوداء يعرض معه البدن خشونة وتفليس وأبيض مادته البلغم و
لا يرجى برؤه ومن ثم كان ابراء الأبرص معجزة لعيسى (ع) والقرن بسكون الراء وفتحها وهو عظم كالسن تنبت
في فرج المرأة يمنع الوطي غالبا ولو لم يمنعه فالمشهور سقوط الخيار بل لا يعرف فيه خلاف ومال المحقق
إلى ثبوته وقواه الشهيد الثاني والمصنف في المفاتيح والعفل محركة وهو شئ مدور يخرج بالفرج كالأدرة
للرجل ولا يكون في الأبكار وإنما يصيب المرأة بعد ما تلد وفي صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله برواية من
عدا الصدوق القرن هو العفل والرتق بالتحريك أيضا وهو التحام الفرج على وجه لا يدخل فيه الذكر و
هو منصوص في رواية علي بن جعفر عن أخيه المروية في قرب الإسناد وقد قيل في تفسير الألفاظ الثلاثة
غير ذلك والافضاء وهو صيرورة مسلك البول والحيض واحدا بذهاب الحاجز بينهما وقيل صيرورة مسلك
البول والغايط واحدا واستبعد ببعد ما بين المسلكين وقوة الحاجز بينهما بحيث لا يكاد يتفق زواله بالجماع كما فرضه
الأصحاب فيمن جامع زوجته فأفضاها والعمى دون العور كما في صحيحتي الحلبي ومحمد بن مسلم والعرج مطلقا لاطلاق
صحيحتي داود بن سرحان ومحمد بن مسلم وقيده بعضهم بالبين وآخرون بما إذا بلغ حد الاقعاد والزمانة الظاهرة
كما في صحيحة أبي عبيدة وفي المفاتيح أن الظاهر أن الزمانة غير الأعرج وكل منهما برأسه موجب للخيار لورود كليهما في
الصحاح وفيه تعريض بما نقله الشهيد الثاني عن بعض الفضلاء وقطع بفساده من حمل العرج البين على الزمانة
وفيه أنه إنما يتم لو ثبت ورودهما معا في شئ من الصحاح على وجه يقتضي المغايرة والمعلوم بالممارسة
خلافه فإن الأولى مشتملة على العرج والزمانة وعلى وجه يشعر باتحادهما والثانية على العرج دون الزمانة
والأخيرة على الزمانة الظاهرة كما ذكرنا دون العرج وما عداها خالية عنهما جميعا وكأنه الوجه في تقييدهم
العرج بالبين أو بما إذا بلغ حد الاقعاد وفيما ذكره بعض الفضلاء استمداد في فهم الأخبار بعضها ببعض وإنما
يثبت له الخيار بهذه العيوب إذا كان جاهلا بها حين العقد فيتخير إذا علم ولو بعد الدخول بلا خلاف و
لو تجددت بعد الدخول فلا خيار على المشهور بل الاجماع أيضا فيما عدا الجنون أما لو تجددت بعد العقد
قبل الدخول فقولان أظهرهما عند المصنف ثبوت الرد لعموم ما يدل على الرد بهذه العيوب مطلقا
أو ما لم يقع عليها خلافا للمشهور لأصالة اللزوم واستصحاب حكم العقد وضعف دليل الخيار فليأخذ
المحتاط باليقين تحرزا عن الخلاف مع فقد ما يقطع العذر من النص فيفارقها إن شاء بالطلاق وتعفوه
قبل الدخول عن الصداق ويثبت لها خيار الفسخ بالجنون مطلقا سواء تقدم العقد أو تجدد بعده قبل الدخول
أو بعده دائما كان أو أدوارا وفي دليله قصور وخالف أكثر القدماء في المتجدد إذا عقل أوقات الصلاة و
رواه الصدوق مرسلا ومن ثم نسبه في المفاتيح إلى القيل مشعرا بتمريضه وكذا يثبت لها الخيار بالعنن المطلق و
هو استرخاء العضو عن النعوظ بحيث لا يقدر على الايلاج فيها ولا في غيرها ولو تجدد بعد الدخول على المشهور
لاطلاق النصوص فلو عجز عنها دون غيرها أو أحد الفرجين خاصة أو في بعض الأوقات دون بعض فلا خيار و
موثقة عمار إن كان لا يقدر على اتيان غيرها فلا يمسكها إلا برضاها وإن كان يقدر على غيرها فلا بأس بامساكها
وقيل لا خيار في المتجدد بعد الدخول لموثقة إسحاق بن عمار وغيرها وقواه في المفاتيح حملا للمطلق على المقيد واحترز
عنه هنا بقوله المتقدم على الدخول لكن فيه من الحزازة ما لا يخفى وحيث يثبت به الخيار فإنما يثبت بعد
رفع أمرها إلى الحاكم وتأجيلها سنة من حين المرافعة فإن عجز فيها أجمع تخيرت ولها الخيار بالخصي
عند الأكثر وهو بكسر الخاء مع القصر والمد سل الأنثيين وإن أمكن الوطي خلافا لبعضهم محتجا بأنه يولج و
يبالغ أكثر من الفحل وإن لم ينزل وعدم الانزال ليس بعيب وهو اجتهاد في مقابلة النصوص الكثيرة وفي
صحيحة ابن مسكان يفرق بينهما وبوجع ظهره وفي موثقة بكير رأسه وزيد في موثقة سماعة كما دلس
نفسه وفي حكمة الوجاء بكسر الواو والمد وهو رض الخصيين بحيث تبطل قوتهما بل قيل إنه من افواده
فيتناوله لفظه وكذا الجب على المشهور وهو قطع الذكر بحيث لا يبقى منه قدر الحشفة لأنه أقوى عيبا من
الخصي والعنن لما علمت من حال الخصي وامكان برء العنن بخلاف المجبوب فكان أولى بثبوت الخيار
ولأنه ضرر على المرأة فيشمله أدلة نفي الضرار ولعموم صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) في امرأة ابتلى زوجها
فلا يقدر على جماع أتفارقه قال نعم إن شاءت وفي معناها رواية الكناني ولو بقي له مقدار ما يمكن به الوطي
ولو قدر الحشفة فلا خيار وحيث تتخير فإنما تتخير بالخصي أو الجب السابقين على الدخول والعقد أما المتجددان
بعدهما فالذي اختاره المصنف فيهما العدم استصحابا للزوم العقد لانتفاء التدليس الذي هو مناط الفسخ
في الخصي لأنه لا يكاد يتحقق إلا قبل الدخول ويقوى الاشكال فيما تجدد بينهما لدلالة بعض الأخبار الضعيفة بالخيار
حينئذ كما عليه المفصلون وكذا في كون الجذام والبرص فيه عيبا يثبت لها الخيار من حيث عموم صحيحة الحلبي
أنه يرد النكاح من الجنون والبرص والجذام والعفل ومن حيث احتمال أن يراد عيوب المرأة خاصة والقرينتان
متعارضتان ففيها احتياط لا يتركه المستيقن وسبيله ما عرفت بل وكذا في العنن المتجددة بعد الدخول أيضا خروجا
عن مخالفة المشهور كما سبق وللأمة المعتقة لو كانت مزوجة خيار الفسخ سواء أعتقت بعد الدخول أو قبله
283

اجماعا من المسلمين في الجملة والأصل فيه حديث بريرة المروي بالطريقين وأنها كانت أمة اشترتها عايشة
فأعتقها فخيرها رسول الله (ص) بين المقام مع زوجها معيث وبين مفارقته واختلفت الروايات في أنه هل كان حرا أو عبدا والمأثور في روايات أصحابنا الأخير ومن ثم اختلفوا فيما لو كانت تحت حر
والأكثر على عدم الفرق للنصوص الصريحة في التسوية من غير معارض ويثبت الخيار في الأمة المبيعة المزوجة
للمشتري فله فسخ نكاحها وإن علم به حين العقد سواء كانت تحت حر أو عبد وكذا في العبد المبيع المتزوج
قطعا إلا إذا كانت تحته حرة ففيه احتياط لأن في ثبوت الخيار حينئذ تشابها والذي اختاره في المفاتيح
العدم تخصيصا له بما إذا كانت أمته وفاقا لابن إدريس والأوجه ما عليه الأكثر من التسوية بينهما لرواية
أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (ع) إذا بيعت الأمة ولها زوج فالذي اشتراها بالخيار إن شاء فرق
بينهما وإن شاء تركها معه فإن هو تركها معه فليس له أن يفرق بينهما بعد التراضي قال وإن بيع العبد فإن شاء مولاه الذي اشتراه أن يصنع مثل الذي صنع صاحب الجارية فذلك له وإن سلم فليس له أنه يفرق
بينهما بعد ما سلم فإنها بعمومها شاملة لمحل النزاع وما ذكروه من العلة المناسبة للخيار أثبتوه من أن ابقاء النكاح لازما على هذه الحالة مظنة لضرر المشتري إذ قد لا يوافقه بقاؤه فاقتضت الحكمة
انجبار ذلك بالخيار طريقا له إلى التخلص مشترك بينهما بل هو في الحرة أقوى منه في الأمة فكانت أولى
بذلك ولا أقل من التساوي ويترتب على ما ذكر ما يعد من الحيل وهي ما لو أراد الولي فسخ نكاح
مملوكه حيث لا يسوغ له الفسخ فالطريق إليه أن يبيعه فيفسخ المشتري النكاح ثم يشتريه منه إن شاء
والخيار في جميع ما ذكر على الفور عند أصحابنا والظاهر أنه لا خلاف فيه واحتمال المصنف التراخي
في بعضها تبعا لبعضهم مقدوح الدليل فلو أخر من له الخيار بعد علمه بالسبب سقط حقه سواء
الرجل والمرأة وقد ورد النص في بعضها وفي جاهل أصل الخيار أو الفورية وجهان وقطع المصنف
في الأول بعدم السقوط وتردد في الأخير وفي تزويج العبد والأمة يجوز لمولاهما الواحد فسخ نكاحهما
متى شاء وإن كان الطلاق بيد من أخذ الساق سواء كان هو المزوج أم غيره بالاجماع والنصوص
باب الطلاق بفتح الطاء وهو لغة الارسال والترك وشرعا إزالة قيد النكاح عن الزوجة على
الوجه المعهود وهو أبغض المباحات إلى الله ففي الحسن عن أبي عبد الله (ع) ما من شئ مما أحله الله
أبغض إليه من الطلاق وفي لفظ آخر ما من شئ أبغض إلى الله من الطلاق ويكره مع التيام الأخلاق وسلامة
الحال بالقدرة على الوطي والنفقة وخصوصا للمريض للنهي المحمول على الكراهة جمعا على المشهور واستصوب
في المفاتيح والوافي بقاء النهي على ظاهره والتخصيص بما إذا قصد الاضرار بها ومنعها من ميراثها فيحرم
ويقع لكن ترثه ما بينه وبين سنة ما لم يبرأ من مرضه أو تتزوج وتعتد منه عدة المتوفى عنها زوجها لمكان
إرثها منه وهو أوفق بمجموع الأخبار الواردة فيه ومن ثم حكم بأن الأحوط له تركه وقد يجب عينا عند خوف
الوقوع في المعصية بتركه كما قد يجب النكاح لذلك أو تخييرا كما للمولى والمظاهر وقد يستحب كطلاق سيئة
الخلق والتي لا يطيب العيش معها وإذا لم تكن عفيفة يخاف منها افساد الفراش وربما يعد من الواجب
ولا مباح فيه وأركانه الفاعل والقابل والصيغة ويختص كل من الثلاثة بشروط فالمطلق يشترط فيه
أمور خمسة أحدها البلوغ فلا يجوز طلاق الصبي مطلقا على المشهور لرواية أبي الصباح وما في
معناها ليس طلاق الصبي بشئ خلافا لجماعة من المتقدمين والمتأخرين فجوزوه من ذي العشر
لموثقة ابن بكير ومرسلة ابن أبي عمير يجوز طلاق الصبي إذا بلغ عشر سنين وفي رواية أخرى إذا كان
قد عقل وفي أخرى إذا طلق للسنة وهي ناظرة إلى ما سبق نقله عن المصنف طاب ثراه في معنى البلوغ
ومن ثم أضرب عن اشتراطه هنا ولا يطلق عنه الولي بلا خلاف وثانيها العقل فلا يجوز طلاق
المجنون المطبق ولا الأدواري حال جنونه بلا خلاف وفي جواز طلاق الولي عن المطبق قولان
نقل على كل منهما الاجماع واستدل الأكثر للجواز بصحيحة أبي خالد القماط قال قلت لأبي عبد الله (ع) الرجل
الأحمق الذاهب العقل يجوز طلاق وليه عنه قال ولم لا يطلق هو قلت لا يؤمن أن طلق هو أن يقول
غدا لم أطلق أو لا يحسن أن يطلق قال ما أرى وليه إلا بمنزلة السلطان كذا في الكافي والتهذيب
وفي الكافي أيضا والفقيه صحيحا أيضا عن أبي خالد القماط قال قلت لأبي عبد الله (ع) رجل يعرف رأيه مرة
وينكر أخرى يجوز طلاق وليه عنه قال ماله هو لا يطلق قلت لا يعرف حد الطلاق ولا يؤمن عليه
وإن طلق اليوم أن يقول غدا لم أطلق قال ما أراه إلا بمنزلة الإمام يعني الولي وفي الكافي أيضا عن أبي خالد القماط عن أبي عبد الله (ع) في طلاق المعتوه يطلق عنه وليه فإني أراه بمنزلة الإمام والمعتوه
الأحمق الذاهب العقل والظاهر أنها رواية واحدة وإن اختلفت بعض ألفاظها من جهة النقل بالمعنى
وبملاحظتها جميعا يتضح المطلوب ويندفع ما أورد هنا من وثالثها ورابعها الاختيار والقصد
فلا يصح طلاق المكره ولا السكران والمغمى عليه والساهي والنائم بلا خلاف وكذا الهازل
وإن حكم به عليه ظاهرا ولقد كان يمكن الاكتفاء عن الأول بالأخير لانتفاء القصد في المكره وخامسها
التلفظ بالصيغة وهو اللفظ الدال عليه فلا تكفي الإشارة ولو كانت مفهمة إلا مع العجز كما ورد في
الأخرس ومنها القاء القناع عليها كما في رواية السكوني وغيره ولا الكتابة مطلقا على المشهور لا
طلاق حسنة زرارة عن أبي جعفر (ع) رجل كتب بطلاق امرأته أو بعتق غلامه ثم بدا له فمحاه قال ليس
ذلك بطلاق ولا عتاق حتى يتكلم به وقيده المصنف وجماعة بالحاضر واكتفوا بها في الغائب
لصحيحة أبي حمزة عن أبي عبد الله (ع) عن رجل قال لرجل اكتب لي يا فلان إلى امرأتي بطلاقها أو اكتب إلى
عبدي بعتقه يكون ذلك طلاقا أو عتقا فقال لا يكون طلاق ولا عتق حتى ينطق به لسانه أو يخطه
بيده وهو يريد به الطلاق أو العتق ويكون ذلك منه بالأهلة والشهور ويكون غائبا عن أهله وفي
284

وقوعه بالتخيير والاختيار خلاف والظاهر حمل مستنده على التقية وأما ما يشترط فيه فالمشهور منه
أمور أربعة أحدها الصراحة فلا تكفي الكنايات وهي الألفاظ المحتملة للطلاق وغيره ومن الصريح
أنت أو فلانة أو هذه طالق وكذا طلقتك وما شاكله خلافا لمن منع منهما محتجا بأنهما اخبار
بوقوع الطلاق فيما مضى والاخبار غير الانشاء ورد بأن كونهما على صورة الأخبار مشترك الورود
وإنما الاعتبار بالقصد الانشائي كما في سائر العقود وفي وقوعه بانت مطلقة مع نية الطلاق
قول وبنعم في جواب من قال هل طلقت امرأتك روايتان وباعتدي رواية حسنة أو صحيحة
رواها ثقة الاسلام عن أبي عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) الطلاق أن يقول لها اعتدي أو يقول
لها أنت طالق وفي أخرى كذلك عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) مثله مع التقييد بالنية فلا حاجة
إلى حملها على التقية لعدم المعارض وأما ما قرره المصنف تبعا لغيره من امتناعه لاشتمال إحديهما
يعني الأخيرة على المنع من الكنايات التي جوز بها العامة طرا كانت حرام أو باينة أو بتة أو بتلة أو
خلية ففيه ما لوحنا إليه فيما سبق من أن للتقية مراتب ويمكن تأديتها بالموافقة في وجه وإن خولف
في وجه آخر وثانيها العربية مع الامكان خلافا للشيخ في النهاية وجماعة لرواية وهب كل طلاق بكل لسان
فهو طلاق وصرح باختياره في المفاتيح كما مر في نظايره أما مع العجز فيجوز بغيرها قولا واحدا وثالثها تجريده
عن التعليق بأمر على وجه اليمين أي الجزاء على فعل أو ترك للزجر أو البعث كقوله إن فعل كذا فهي طالق وإن لم يفعل فإن المقصود فيه ليس إلا مجردا تأكيد المحلوف عليه دون ايقاع الطلاق وللنصوص فورد في الحسن
الموثق عن أبي عبد الله (ع) لا طلاق إلا ما أريد به الطلاق ولا ظهار إلا ما أريد به الظهار والمشهور اشتراط
تجريده عن الشرط والصفة بل ادعى عليه الاجماع ومنعه في المفاتيح ورابعها حضور شاهدين عدلين
عند صدور الصيغة سامعين بها أو شاهدين الكتابة والإشارة من العاجز والأخرس بالاجماع
وآية واشهدوا ذوي عدل منكم فلا يقع بشاهد واحد ولو كان عدلا ولا الفساق ولا النساء منفردات
ولا منضمات ولا بد من اجتماعهما معا في سماع الانشاء الواحد وفي حسنة البزنطي عن أبي الحسن (ع)
عن رجل طلق امرأته على طهر من غير جماع وأشهد اليوم رجلا ثم مكث خمسة أيام ثم أشهد آخر فقال إنما
أمرا أن يشهدا جميعا وأما صحيحة ابن بزيع عن الرضا (ع) قال سألته عن تفريق الشاهدين في الطلاق فقال
نعم وتعتد من أول الشاهدين في الطلاق ولا يجوز حتى يشهدا جميعا فالتفريق المجوز فيها إنما هو في
الأداء دون التحمل وإلا لتناقض الكلام ولا يشترط استشهادهما بل يكفي اشهادهما كما في النصوص المعتبرة
وشروط القابل أيضا أربعة أحدها الزوجية بالفعل فلو طلق مملوكته أو أجنبية لغا وإن تزوجها
فيما بعد وثانيها دوام الزوجية فلا يقع بالمنقطعة والشرطان اجماعيان ويمكن اعتبارهما من
طرف الفاعل أيضا فإنها من الإضافات القائمة بالطرفين وثالثها تعينها كما في المنكوحة وقد
قطع باشتراطه في المفاتيح فلو قال إحدى زوجاتي طالق فإن نوى واحدة بخصوصها صح وقبل
تفسيره وإلا بطل وقيل يفتح ويستخرج بالقرعة ورابعها طهورها من الدمين الحيض والنفاس
من غير مواقعة فيه فلا يصح طلاق الحايض ولا النفساء ولا المواقعة في طهرها اجماعا وبه فسر قوله (تع)
فطلقوهن لعدتهن في الحديث النبوي والصحاح به مستفيضة وإنما يشترط الأخير إن كانت مستقيمة الحيض
مدخولا بها والحال أنه لم يستبن حملها بل كان في مرتبة الاحتمال مع امكان اطلاعه على ذلك لحضوره عندها
أو كون غيبته عنها على وجه يتمكن فيها من استعلام حالها فإنه في حكم الحاضر كما أن الحاضر كما أن
الحاضر الذي لا يتمكن من ذلك في حكم الغائب كما في صحيحة ابن الحجاج وأن لا يمكنه الاطلاع على حالها سقط
اعتبار هذا الشرط وبملاحظة هذه القيود ينكشف الغاؤه في خمس بل يطلقهن على كل حال التي لم تحض
والتي قد يئست من المحيض والتي لم يدخل بها زوجها والحامل المستبين حملها والغائب عنها زوجها
كما استفاضت به الصحاح وهي وما في معناها ظاهرة في أن للغايب أن يطلق من غير تربص كما
عليه أكثر القدماء فإن كان محتاطا تربص شهرا هلاليا من حين غيبته عنها احتياطا عن خلاف
من أوجب ذلك لصحيحة ابن الحجاج وموثقتي إسحاق بن عمار والأحوط العمل بصحيحة جميل بن دراج
عن أبي عبد الله (ع) الرجل إذا خرج من منزله إلى السفر فليس له أن يطلق حتى تمضي عليه ثلاثة أشهر و
بمضمونها أفتى ابن الجنيد والعلامة في المختلف وأحوط منه ما في موثقة إسحاق بن عمار قال قلت
لأبي إبراهيم (ع) الغائب الذي يطلق كم غيبته قال خمسة أشهر ستة أشهر قلت حد دون هذا قال
ثلاثة أشهر وقد جمع بين الأخبار من ذهب إلى أن أدناها شهر وأوسطها ثلاثة وأقصاها خمسة
أو ستة ومنهم من حملها على اختلاف عادات النساء وأوجب مدة يعلم انتقالها من طهر المواقعة
إلى آخر بحسب عادتها واستبعده في المفاتيح ثم قال وظني أن معنى الروايات الأولة وقوع الطلاق
من الغائب متى شاء وعلى كل حال أي وإن وقع في حالة الحيض وفي طهر المواقعة إذا لم يعلم به حين
الطلاق فإنه صحيح ولكن يشترط أن يتربص المدة المعتبرة للغايب كما ثبت من الأخبار الأخر والثانية
محمولة على ما إذا علم كونها تحيض في كل شهر مرة ولكن لا يعلم أيامها بخصوصها كما هو الغالب في الناس
والرواية الثالثة على ما إذا جهل حالها أصلا والأخيرة على الأولوية مع أنها ضعيفة فلا منافاة
ويتربص للمسترابة وهي التي لا تحيض وهي في سن من تحيض سواء كان لعارض من مرض أو ارضاع أو
خلقيا والتسمية شرعية ولو لم تكن استرابة بالجمل ثلاثة أشهر من حين المواقعة كما في مرسلة داود
العطار وهو ينقسم بوجه آخر إلى قسمين باين ورجعي فالباين ما لا يصح للزوج معه الرجوع عليها
إلا بعقد جديد برضاها إن صح وهو ستة للتي لم تبلغ المحيض وإن كانت مدخولة وفسرت في الرواية
وكلام الأصحاب بمن أتى لها أقل من تسع سنين واليائسة وهي التي لا تحيض ومثلها لا تحيض وغير
285

المدخولة بما يوجب الغسل وإن خلا بها خلوة تامة والمختلعة والمباراة ما لم ترجعا في أثناء العدة
في البذل فإن رجعتا انقلبت رجعيا كما يأتي وفي عدهما من أقسام الطلاق توسع والمطلقة ثلاثا بينها
رجعتان أو عقدان أو عقد ورجعة فإنها تحرم إلا بالمحلل كما سبق والرجعي ما يصح له معه الرجوع ما
دامت المطلقة في العدة من دون تجديد عقد سواء رضيت أم لا راجع أم لم يراجع وهو لمن
عداهن من المطلقات سواء كانت من ذوات الأقراء أو الشهور أو الوضع وينقسم إلى العدي و
السني فإنه بالمعنى الأخص من أقسام الرجعي وهذا أجود من جعلهما قسمين لمطلق الطلاق الشرعي
كما فعله آخرون فالعدي ما راجع في العدة الرجعية وواقع ثم طلق على الشرايط ثم راجع فيها وواقع ثم
طلق على الشرايط كذا في المفاتيح وغيره ومثله صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) في تفسير قوله (تع) فطلقوهن
لعدتهن واحصوا العدة وهي ظاهرة في أن مجموع الثلاث طلقات صورة طلاق العدة ولعل الأجود ما نص عليه جماعة من أنه الطلاق الذي يراجع في عدته والسني ما عداه بأن تركها حتى انقضت
عدتها ثم تزوجها بعقد جديد ثم طلقها على الشرايط ثم تزوجها ثم طلقها أو الذي لم يراجع في عدته
وربما يقسم مطلق الطلاق إلى السني بالمعنى الأعم وهو ما جمع الشرايط المعتبرة في السنة النبوية من
أي قسم كان والبدعي في مقابله وهو ما فقدها كلا أو بعضا كالطلاق في الحيض والنفاس و
طهر المواقعة مع الدخول وحضور الزوج أو ما في حكمه أو ما دون المدة المعتبرة في الغيبة أو الثلاثة
المرسلة مع اعتقاد وقوعها أجمع وذلك كله باطل عند أصحابنا وواقع عند القوم وإن حرم وأثم
صاحبه وتتحقق الرجعة حيث تشرع بالقول الصريح كقوله راجعتك أو رجعتك أو ارتجعتك إلى
نكاحي أو الفعل كالوطي والقبلة واللمس والنظر بشهوة بقصد الرجعة في الكل اجماعا فإنها صريحة أيضا
بل ربما كانت أقوى من القول ومنهم من اكتفى عن قصد الرجعة بعدم قصد غيرها وبالكناية مثل
رددتك وأمسكتك مع النية لاحتمالهما غيرها وقيل بل هما من الألفاظ الصريحة وقد نطق
بهما القرآن وبانكار الطلاق كما في صحيحة أبي ولاد الحناط عن أبي عبد الله (ع) وما يقال من أن الرجعة مترتبة على الطلاق وانكار الأصل انكار لفرعه فلا يكون رجعة وإلا لكان الشئ
سببا في النقيضين فاجتهاد في مقابلة النص والاجماع ويستحب للمراجع الاشهاد عليها و
ما ورد في الأمر به وأنه ينبغي لمن راجع أن يشهد على الرجعة كما شهد على الطلاق فمحمول على
الاستحباب أو الارشاد لحفظ الحقوق كما يلوح من بعضها ويكره طلاق الزوجة الحامل أزيد
من طلقة واحدة لا سيما قبل مضي شهر من المراجعة عن الأولى بل من المسيس الواقع فيها
جمعا بين الأخبار المختلفة فيها فإن منها ما يدل على الجواز مطلقا كغيرها كموثقتي إسحاق بن
عمار وغيرهما ومنها ما يدل على المنع مطلقا كرواية الكناني وغيرها ومنها ما يدل على النهي عن
الطلقة الثانية لو مسها بعد المراجعة حتى يمضي لها شهر كرواية يزيد الكناسي وأما
ما ذهب إليه بعض القدماء من اشتراط طلاقها ثانيا بمضي ثلاثة أشهر من المراجعة فهو
أعلم بمستنده
باب الخلع والمباراة الخلع بالضم من الخلع بالفتح وهو النزع وشرعا إزالة قيد
النكاح بفدية من الزوجة وكراهة منها خاصة كان كلا منهما ينزع لباسه وهو الآخر فإنهن
لباس لكم وأنتم لباس لهن والمباراة بالهمز وقد تقلب ألفا المفارقة وهي كالخلع إلا أن الكراهة
منهما جميعا كان كلا منهما يبرء من الآخر وكل منهما طلاق بعوض لازم للزوج ويشترط فيهما ما
يشترط فيه من كمال الزوج واختياره وقصده وطهر الزوجة من غير مواقعة فيه أن كانت مدخولة
غير مستبينة الحمل والزوج حاضرا أو في حكمه وتربص المدة المعتبرة للمسترابة وزوجة الغائب
والصيغة بقيودها المذكورة ويختصان بزيادة شروط ثلاثة في الزوجة يشتركان فيها
بكونها كاملة غير محجور عليها وبرضاها بالبذل وبكراهتها للزوج سواء قالت له والله
لا أبر لك قسما ولا أطيع لك أمرا ولا أغتسل لك من جنابة ولأوطئن فراشك من تكره و
لأؤذنن عليك بغير إذنك كما في صحيحة الحلبي وغيرها أو قالت جملة لا أطيع أمر لك أمرا كما في
حسنتي محمد بن مسلم أو لا أطيع الله فيك كما في موثقة سماعة أم لا على المشهور خلافا لمن
اشترط النطق ولو جملة وصب عبارات كثير من الأصحاب عليه ومنهم من اشترطه مفصلا
والعلم بارتكابها معناها بالفعل وإن لم تنطق وادعى عليه الاجماع وإلا لم يصحا كما لو كانت
سفيهة أو صغيرة أو أكرهها على الفدية أو كانت أخلاقهما ملتئمة ولم يملك العوض المبذول
ولو طلق به وقع من حيث البذل رجعيا وتختص المبارات بشرطين آخرين بكراهة لها أيضا
كما يقتضيه المفاعلة وعدم زيادة العوض على المهر بل يقتصر عليه أو على ما يساويه فما دون
على المشهور بل ظاهر المفاتيح الاجماع وعن بعض القدماء المنع من أخذ المثل في المبارات بل
يقتصر على ما دون كما في حسنة زرارة وصيغتهما الصريحة خلعتك أو خالعتك أو أنت أو
هي مختلعة بكذا أو على كذا وبارئتك بكذا أو على كذا وهل يعتبر قبول المرأة أو سبق سؤالها
والتطابق بينهما أو عدم تخلل زمان معتد به كما في كل ايجاب وقبول المشهور نعم لأنهما أشبه شئ
بالمعاوضات ومن ثم أدرجوهما في قسم العقود وإن بحثوا عنهما في الايقاعات تبعا للطلاق
أما تعين لفظ من جانبها فلا قولا واحدا بل كل ما دل على طلب الإبانة بعوض معلوم لجوازهما
من طرفها كما يأتي والأولى اتباع صيغتهما لا سيما المبارأة بالطلاق بأن يقال فأنت أو فهي
طالق خروجا عن خلاف من اشترط ذلك وإن كانت الصحاح صريحة في خلافه لا سيما إذا كنى
عنهما بقوله فاديتك أو فاسختك أو ابنتك أو قايلتك ونحوها مع النية وبدونها يشترط قطعا
286

والعبرة حينئذ بالطلاق بل لو اقتصر على قوله أنت طالق بكذا مع سبق سؤالها أو قبولها
صح بلا خلاف ويلحق بأحدهما مع شرطه ونيته ولو تجرد عن نيتهما بل أراد مجرد الطلاق
بعوض ففي صحته قولان أصحهما عند المصنف الصحة ولا يجوز له اكراهها على البذل ولا عضلها
وهو مضارتها وسوء العشرة معها لتضطر إليه لقوله سبحانه ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض
ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وهي الزنا كما فسرت به في الآية وقيل كل ما
يوجب الحد وقيل كل معصية ورواه في مجمع البيان عن أبي جعفر (ع) وإنما اقتصر على الأول لأنه
المتيقن وإذا صح العقدان فلا رجعة عليها بل تبين في الحال كما سبق وإن لم يتبع بلفظ الطلاق
ويعد كل منهما طلقة معدودة من الثلاث على المشهور سيما في الخلع للنصوص الصريحة وذات
العدة يجوز لها الرجوع في البذل مطلقا ما دامت في العدة فإنها لها كأيام الخيار في بيع
الحيوان ومع رجوعها يرجع الزوج إن شاء كما سبق وفي صحيحة ابن بزيع عن الرضا (ع) في المرأة
تباري زوجها أو تختلع منه هل تبين منه بذلك أو هي امرأته ما لم يتبعها الطلاق قال تبين
منه وإن شاءت أن يرد إليها ما أخذ منها وتكون امرأته فعلت وفي الموثق عن البقباق عن أبي
عبد الله (ع) المختلعة إن رجعت في شئ من الصلح يقول لأرجعن في بضعتك والأحوط لها أن لا ترجع في البذل له إلا مع امكان رجوعه في النكاح كما اشترطه الشهيد الثاني لأن ظاهر
الروايتين تلازم الحكمين فلو كانت الطلقة ثالثة أو كان قد تزوج بخامسة أو بأختها كما وردت
به النصوص تعذر رجوعه في البضع فيلزم من رجوعها تفويت ذلك عليه بغير عوض بل من الأحوط أن لا ترجع إلا مع رضاه كما اشترطه ابن حمزة لأنه عقد معاوضة فيعتبر في فسخه رضاهما
جميعا وبرجوعها حيث يصح تصير العدة رجعية وإن لم يرجع الزوج لكن في ترتب أحكام العدة
الرجعية عليها مطلقا كوجوب النفقة والاسكان وغير ذلك وجهان تردد فيهما المصنف وظاهر
الصحيحة ثبوت جميع ذلك وكلما صح أن يكون مهرا من قليل أو كثير صح أن يكون فداء ما لم يزد في
المبارات عن المهر كما سلف ولو منفعة كالارضاع والحضانة والاسكان ونحوها ويشترط فيه
أن يكون معلوما محروسا عن الزيادة والنقصان بحيث لا غرر فيه بمشاهدته أو ضبطه بالوصف
الرافع للجهالة
باب الظهار بكسر ألفا من الظهر واختص به الاشتقاق لأنه موضع الركوب و
الزوجة مركوب الزوج وكان في الجاهلية طلاقا يؤثر بالتحريم المؤبد فغير الشرع حكمه إلى العود
بالكفارة وهو أن يقول الرجل لامرأته أنت أو هذه أو فلانة أو نحو ذلك علي أو مني أو عندي أو
ما شابه ذلك كظهر أمي أو مثل ظهر أمي بلا خلاف أو حرام كظهر أمي وفاقا للمشهور لصحيحة زرارة
عن أبي جعفر (ع) في الظهار كيف يكون قال يقول الرجل لامرأته وهي طاهر في غير جماع أنت علي حرام
مثل ظهر أمي الحديث وحسنة حمران عنه (ع) أن امرأة من المسلمين أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وقالت إن فلانا زوجي وقد نثرت له بطني وأعنته على دنياه وآخرته فلم ير مني مكروها وأنا أشكوه
إلى الله عز وجل وإليك قال مما تشكينه فقالت أنه قال لي اليوم أنت علي حرام كظهر أمي وقد
أخرجني من منزلي فانظر في أمري فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ما أنزل الله علي كتابا أقضي به بينك و
بين زوجك وأنا أكره أن أكون من المتكلفين فجعلت تبكي وتشتكي ما بها إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وآله
وانصرفت فسمع الله مجادلتها لرسوله في زوجها وما شكت إليه فأنزل الله بذلك قرأنا بسم
الله الرحمن الرحيم قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما
يعني محاورتها لرسول الله صلى الله عليه وآله في زوجها إن الله سميع بصير الذين يظاهرون منكم من
نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا
وإن الله لعفو غفور فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المرأة فأتته فقال جيئيني بزوجك فأتته به
فقال له أقلت لامرأتك هذه أنت علي حرام كظهر أمي قال قد قلت لها ذلك فقال له رسول
الله صلى الله عليه وآله قد أنزل الله فيك وفي امرأتك قرأنا فقرأ عليه ما أنزل الله من قوله قد سمع الله إلى
قوله إن الله لعفو غفور فضم امرأتك إليك فإنك قد قلت منكرا من القول وزورا قد
عفى الله عنك وغفر لك فلا تعد فانصرف الرجل وهو نادم على ما قال لامرأته فكره الله
ذلك للمؤمنين بعد فأنزل الله الذين يظاهرون منكم من نسائهم ثم يعودون لما قالوا يعني
ما قال الرجل الأول لامرأته أنت علي حرام كظهر أمي قال فمن قالها بعد ما عفا الله وغفر للرجل
الأول فإن عليه تحرير رقبة من قبل أن يتماسا يعني مجامعتها ذلكم توعظون به والله بما تعملون
خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين
مسكينا فجعل الله عقوبة من ظاهر بعد النهي هذا وقال ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك
حدود الله فجعل الله هذا حد الظهار الحديث وفي صحيحة أبان وغيره إن الرجل أوس بن الصامت
وامرأته خولة بنت المنذر فقال لها ذات يوم أنت علي كظهر أمي وساق القصة وشأن النزول
قريبا مما في الحسنة وهذا ينبئك على أن العبارتين واحدة وأن هذه التدقيقات المحيرة للأذهان
من محدثات الأمور وهو حرام فإنه منكر من القول وزورا وإن وقع وترتبت عليه الأحكام
وإنما يقع إذا كان بشرائط الطلاق المذكورة اجماعا وعن أبي عبد الله (ع) لا يكون الظهار إلا
على مثل موضع الطلاق وكانت الزوجة مدخولا بها على المشهور للصحاح الصريحة السليمة
عن المعارض فيحرم عليه بالأصالة الوقاع يقينا اجماعا وكذا عليها من باب المعاونة على الإثم
وفي تحريم مقدماته الداخلة في مفهوم التماس كالقبلة واللمس بشهوة قولان للاختلاف
287

في تفسير المسيس ومقتضى الحسنة إباحتها والورع الذي يحترز عن الرتاع حول الحمى مخافة الوقوع فيه
يتركها احتياطا حتى يكفر بما ذكره الله في القرآن من الخصال المرتبة الثلاث فيحل بعد ذلك مطلقا
عند الأكثر فإن واقع قبل أن يكفر عالما عامدا كان عليه كفارة أخرى وجوبا أو استحبابا خلافا
لبعض المتقدمين في الاطعام لعدم اشتراط القبلية فيه في الآية بخلاف أخويه فيجوز تأخيره
وهو شاذ ولو عجز عنها أجمع ففي صحيحة أبي بصير يصوم ثمانية عشر يوما لكل عشرة مساكين
ثلاثة أيام فإن عجز ففي الاجتزاء بالاستغفار مع سقوط الكفارة رأسا أم مع وجوبها إذا وجد
أم تحريمها عليه حتى يجد أقوال أحوطها وأجودها الأخير لرواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) كل من
عجز عن الكفارة التي تجب عليه من صوم أو عتق أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك مما
يجب على صاحبه فيه الكفارة فالاستغفار له كفارة ما خلا يمين الظهار فإنه إذا لم يجد ما يكفر
به حرم عليه أن يجامعها وفرق بينهما إلى أن ترضى المرأة بأن يكون معها ولا يجامعها والأحوط وقوعه
من الزوجة المنقطعة كما عليه الأكثر لأنها امرأته ومن نسائهم وكذا من الأمة الموطوءة بالملك كما
في النصوص الصريحة الحرة والأمة في ذلك سواء وفي وقوعه بتشبيهها بظهر غير الأم النسبية من
المحارم المؤبدة نسبا أو سببا أقوال أ العدم مطلقا اقتصارا عليها وحدها ب تعديه إلى
الأم من الرضاع لا غير ج الحاق محارم النسب بها لا غير د الحاق محارم الرضاع ه الحاق محارم
المصاهرة أيضا وهو الأحوط لصحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) عن الظهار فقال هو من كل ذي محرم
أم أو أخت أو عمة أو خالة وفي مرسلة يونس إذا قال كبعض ذوات المحارم فقد لزمته الكفارة
وفي حسنة جميل فيمن قال كظهر عمته أو خالته هو الظهار بل وبغير الظهر من الأعضاء كما في المرسلة
إذ ظاهر امرأته فقال هي عليه كظهر أمه أو كيدها أو كرجلها أو كشعرها أو كشئ منها ينوي بذلك
التحريم فقد لزمته الكفارة في كل قليل منها أو كثير ورواية سدير في الرجل يقول لامرأته أنت علي
كشعر أمي أو كفها أو بطنها أو رجلها إن أراد به الظهار فهو الظهار وقد نقل عن الشيخ دعوى
الاجماع عليه وعن السيد خلافه وأولى بالوقوع ما لو شبهها بالكل كقوله أنت علي كأمي أو
كبدن أمي أو كجسمها ولو قال كظهر أبي أو أخي لم يكن شيئا وكذا لو قالته هي اجماعا وفي رواية
السكوني عن أمير المؤمنين (ع) إذا قالت المرأة زوجي علي حرام كظهر أمي فلا كفارة عليها ولو جعله
يمينا على فعل أو ترك قصدا للزجر أو البعث لم يقع كما تقدم في الطلاق وهل يقع مع تعليقه
بوصف أو شرط من دون قصد اليمين بل مجرد التعليق أكثر المتأخرين نعم للعمومات وخصوص
صحيحة حريز عن أبي عبد الله (ع) الظهار ظهاران فأحدهما أن يقول أنت علي كظهر أمي ثم يسكت
فذلك الذي يكفر قبل أن يواقع فإذا قال أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا وكذا ففعل وحنث
وجب عليه الكفارة حين الحنث وفي معناها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عنه (ع) إلا أنه قال والذي يكفر بعد المواقعة وهو الذي يقول أنت علي كظهر أمي إن قربتك
وخالف جماعة لما تقدم من أنه لا يكون الظهار إلا على مثل موقع الطلاق والطلاق
لا يقع معلقا ورواية القاسم بن محمد وغيرها فيمن قال لامرأته أنت علي كظهر أمي إن
فعلت كذا وكذا لا شئ عليك ولا تعد وفي المفاتيح مال إلى الجمع بين الأخبار بوقوعه
مع التعليق بالمقاربة والوقاع ونحوهما مما يدل على إرادة تحريم امرأته على نفسه دون
غير ذلك مما يدل على أن مقصوده ترك ذلك الفعل لا تحريم المرأة وجعله هنا أحوط
بشرط إرادة الظهار ثم بعد تحقق الظهار إن لم يرد المظاهر العود إلى الوقاع وصبرت
المرأة فلا بحث وإن لم يرد هو ولم تصبر هي بل رفعت أمرها إلى الحاكم ترك لينظر
نفسه ثلاثة أشهر من حين المرافعة مطلقا على المشهور ومال في المفاتيح إلى التقييد
بما إذا لم يفت شئ من حقوقها كما إذا رافعته عقيب الظهار بغير فصل بحيث لا يفوتها
الواجب من الوطي بعد المدة المضروبة وهو في غير محله فإن كفر وفاء إليها فلا بحث و
إلا أجبره الحاكم على ذلك أو الطلاق تخييرا له كما مر
باب الايلاء وهو مصدر إلى يؤلى
أي حلف وشرعا الحلف على ترك الوطي على وجه خاص من تخصيص اسم الجنس ببعض
أنواعه وما بعده بمنزلة الفصل المحترز به عن سايرها وقد كان في الجاهلية طلاقا أيضا
كالظهار ويعتبر أن يكون الترك مطلقا أو مقيدا بالدوام أو مقرونا بمدة أزيد من أربعة
أشهر إما بتقدير الزمان أو بالتعليق بأمر يعلم تأخره عن ذلك عادة وإلا لم ينعقد
إيلاء لرواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في رجل آلى أن لا يقرب امرأته ثلاثة أشهر
قال لا يكون إيلاء حتى يحلف أكثر من أربعة أشهر وأن يكون اضرارا بها فلو حلف لصلاح
اللبن أو مرض به أو بها لم يكن إيلاء بلا خلاف وفي حديث أمير المؤمنين (ع) ليس في الاصلاح إيلاء وكذا لو حلف أن لا يجامعها في الدبر لعدم الاضرار فيه إذ لا حق لها في ذلك
بل هو يمين كساير الايمان ومن هنا يعلم اشتراط كون المحلوف على تركه الوطي في القبل
أو مطلقا على وجه يشمله وهو حرام لما فيه من تضييع حقها ومن ثم يجبر على فسخه وإن
وقع كالظهار ولا يقع إلا بما يقع به اليمين من أسماء الله عز وجل كما سلف في بابه لأنه
ضرب منه وإن اختص عما عداه بجواز المخالفة بل وجوبها في الجملة وبعدم اشتراط رجحان
متعلقه أو تساوي طرفيه بل يشترط مرجوحيته كما علم من اشتراط الاضرار بها ولا تشترط
العربية بل ينعقد بأي لغة كانت مع النية والتلفظ ولا يكفي أحدهما عن الآخر ولفظه
288

الصريح لا جامعتك ولا جامعك ولا وطئتك ولا أدخلت فرجي في فرجك ونحو ذلك أما
لا جامع رأسي ورأسك مخدة وساقفتك من السقف مع النية فقولان والمشهور اشتراط
تجريده عن الشرط بل نقل عليه الاجماع والمصنف على العدم كما مضى في نظايره وإنما ينعقد
إذا كانت المرأة معقودة دائمة مدخولة فلا يقع بالموطوءة بالملك ولا المتمتع بها لصحيحة
ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) لا إيلاء على الرجل من المرأة التي تمتع بها ولا غير المدخولة
بالاجماع والنصوص وإذا تمت الشرايط فحكمه كما في الآية الكريمة تربص أربعة أشهر لأنها
أكثر مدة تصبر فيها المرأة عن الوطي وللزوج فيها تركه كما مضى ولا فرق فيه بين الحر والمملوك
ولا الحرة والأمة لأنه أمر جبلي لا تتفاوت فيه الطباع غالبا كمدة الحيض والحمل والمشهور أن
مبدأه الترافع لأنه حكم شرعي يتوقف على حكم الحاكم والمصنف وجماعة على أنه الايلاء منعا
لاحتياج المدة إلى الضرب بل هو مقتضى الحكم الثابت بنص الآية ولا دليل على توقفه
على المرافعة ثم المدة حق للزوج ليس للمرأة مطالبته فيها بالفئة فإذا انقضت فإن فاء وذلك
بالوطي الموجب للغسل في القبل مع القدرة بالفعل وباظهار العزم عليه عندها مع العذر فيه
كالمرض والصوم أو فيها كالحيض على خلاف فيه كفر لليمين على المشهور بل نقل عليه الاجماع
كما لو فاء قبل انقضائها لرواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع) في رجل آلى من امرأته فمرت
أربعة أشهر قال يوقف فإن عزم الطلاق بانت منه وعليها عدة المطلقة وإلا كفر يمينه و
أمسكها وقيل لا كفارة مع الفئة بعد المدة لأن المحلوف عليه إذا كان تركه أرجح لم تجب الكفارة
بالحنث فيه وقواه في المفاتيح إلا أنه شاذ وفيه أن جواز العدول إلى الراجح في سائر الأيمان
من غير كفارة لا يوجب ذلك في يمين الايلاء لمخالفته لها فيما عرفت من الأحكام فلا يحكم
فيه بسقوط الكفارة بمجرد ذلك وحاصله منع الكبرى سيما والرواية صريحة فيه فالعمل على
الأول أخذا باليقين وكيف كان فلا كلام في أنه إذا كفر انحل ايلاؤه فيما بعد وإلا يفئ بل
أصر على الامتناع أجبره الحاكم بذلك أو الطلاق تخييرا له كالمظاهر وله حبسه والتضييق
عليه في المطعم والمشرب إلى أن يختار
باب اللعان وهو بكسر اللام جمع لعن بمعنى الابعاد عن
الرحمة ومصدر لاعن وشرعا محاجة بين الزوجين مشتملة على لفظ اللعن وأصله ما روي
من الطريقين أن رجلا دخل منزله فوجد مع زوجته رجلا يجامعها فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبره
ولم يكن بينة فنزل قوله (تع) والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة
أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن
كان من الكاذبين ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين
والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فدعاهما رسول الله صلى الله عليه وآله وحكم بينهما
بذلك فهو إذن ليس أن يلعن كل منهما صاحبه بل إن يشهد الزوج أربع شهادات على صدق
نفسه فيما رماها به ثم يلعن نفسه إن كان كاذبا في الخامسة ثم تشهد الزوجة أربع شهادات
على كذبه ثم تدعو على نفسها في الخامسة بغضب الله عليها إن كان صادقا في ذلك ويشرع
لأحد أمرين إما لرميه إياها بالزنا قبلا أو دبرا مع دعوى المشاهدة للزنا وعدم البينة
كما هو مورد الآية أو لنفيه الولد المولود على فراشه مع امكان اللحوق به شرعا فلا لعان
لو رماها بالسحق قولا واحدا أو تعذر فيه المشاهدة كالأعمى وفي صحيحة الحلبي وحسنة
محمد بن مسلم لا يلاعنها حتى يقول رأيت بين رجليها رجل يزني بها وربما يلحق بالمشاهدة
ما إذا حصل له العلم بالقراين والنصوص حجة عليه وكذا لو كانت له بينة على المشهور لمفهوم
الآية خلافا لمن احتج بالأصل وضعف مفهوم الوصف وكذا لو امتنع لحوق الولد به
لكونها غير مدخولة أو والدة قبل أقل الحمل أو بعد أكثره ولو فعل الأمرين فقذفها ونفاه
فلعانان لأن تعدد السبب يقتضي تعدد المسبب حيث لا دليل على التداخل وفي الاكتفاء
بواحد وجه والمتلاعنان يشترط فيهما البلوغ والعقل بلا خلاف لعدم العبرة بعبارة
الصبي والمجنون ودوام العقد بلا خلاف أيضا في لعان النفي لانتفاء ولد المنعة بلا لعان
اجماعا كولد الأمة واحتج المخالف في لعان القذف بعموم الآية والمشهور تخصيصه بصحيحة
عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) لا يلاعن عن الرجل المرأة التي يمتع بها وفي اشتراط
الاسلام والحرية فيهما أو في الزوجة خاصة فيهما أو في لعان القذف خاصة أقوال والمصنف
على العدم وفاقا للأكثر ويشترط في لعان القذف خاصة في الزوجة عدم شهرتها بالزنا
ولو مرة واحدة وأن لا تكون صماء أو خرساء بلا خلاف في الثلاثة ومنهم من اشترط الأخيرين في
لعان النفي أيضا وفي المفاتيح مال إلى اشتراط الدخول في لعان القذف أيضا لدلالة الروايات
إلا أنها معارضة بعموم الآية وفي كونها شهادات أو أيمانا قولان وصورته كما تقدم
مقتصرا في ذلك على ألفاظ القرآن فلو أبدل لفظة الشهادة أو الجلالة كما لو قال أحلف بالله
أو أشهد بالخالق لم يقع وتعتبر العربية مع الامكان أخذا باليقين وإنما يقع عند الحاكم
فإنه ضرب من الحكم بل من أقوى أفراده لافتقاره إلى سماع الشهادة أو اليمين والحكم بالحد
ودرئه بعد ذلك أو بلحوق الولد ثم نفيه وبهذا يفرق بينه وبين الفرقة بغيره كالطلاق
حيث لا يتوقف على الحاكم ويجلس الإمام مستدبر القبلة ويقيمها بين يديه مستدبرا
مستقبلا كل منهما القبلة بحذائه كما في حسنة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) وفي صحيحة البزنطي
289

عن الرضا (ع) يجعل الرجل عن يمينه والمرأة عن يساره ويبدء بالرجل إلى أن ينهي وظيفته ويعظه
قبل الخامسة ويسقط به إذا أنهاه حد القذف عنه إن كان لذلك ثم تشهد المرأة شهاداتها
ويعظها أيضا الحاكم قبل الخامسة ويسقط به حد الزنا عنها ولو أقرت به بعد ذلك مطلقا
عند بعضهم وقيل إن أقرت أربعا حدت وهو الأشهر واللعان واللعان يزيل الفراش من غير
طلاق ويحرم كل منهما على الآخر مؤبدا كما سلف وإن كذب أحدهما نفسه بعد ذلك وينفي
الولد إن كان لذلك ولو كذب بعده نفسه لحق به الولد وورثه ولكن لا يرثه الأب ولا أقرباؤه
وفي ثبوت الحد عليه قولان والمصنف على العدم ولا يجبران عليه لو امتنعا عنه أو أحدهما
قبل الشروع أو في الأثناء بل يحد الممتنع بعد ثبوته عليه فلو امتنع الرجل بعد القذف حد له
ولو امتنعت المرأة بعد لعانه حدت للزنا وإن نكل إحديهما عن الانهاء لم ينتف الفراش
ولا الولد وفي صحيحة علي بن جعفر وغيرها في رجل لاعن امرأته فحلف أربع شهادات بالله
ثم نكل في الخامسة قال إن نكل في الخامسة فهي امرأته وجلد وإن نكلت المرأة عن ذلك إذا
كانت اليمين عليها فعليها مثل ذلك
باب العدد بكسر الفاء جمع عدة وهي مدة تربص
المرأة عن تجديد العصمة رعاية لعصمتها السابقة لا عدة على غير المدخولة مطلقا على
المشهور والقول بوجوبها بالخلوة شاذ دائمة كانت أو منقطعة مستقيمة الحيض أو غيرها
صغيرة أو كبيرة حرة أو أمة للحر ولا للعبد إلا للمتوفى فتعتد له تفجعا ويلحق به المرتد الفطري
والمفقود كما يأتي ولا المدخولة الغير البالغة تسعا واليائسة عن المحيض إلا له اجماعا أو احتياطا
عن مخالفة من أوجبها عليهما من القدماء وغيرها كما نقله ثقة الاسلام وغيره لما روي أنه
لما نزلت عدد القروء والوفاء قيل يا رسول الله إن عددا من عدد النساء لم يذكر في الكتاب
الصغار والكبار وأولات الأحمال فنزل قوله (تع) واللائي يئسن من المحيض من نساءكم إن ارتبتم
فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن الآية فالمعنى إن ارتبتم في حكمهن فلا تدروا ما عدتهن و
يؤيده موقوفة أبي بصير عدة التي لم تبلغ المحيض ثلاثة أشهر والتي قعدت عن المحيض ثلاثة
أشهر والأكثر على أن معنى الريبة في أنها تحيض أو لا تحيض فالمراد بهن المسترابات وقد فسرت
بطريق أهل البيت (ع) باللواتي أمثالهن يحضن لأنهن لو كن في سن من لا تحيض لم يكن للارتياب
معنى ويؤيده ما استفاض في صحاح الأخبار وغيرها من مساواتهما لغير المدخولة في سقوط
العدة وأنهن يتزوجن على كل حال ومن المتأخرين من مال إلى سقوط العدة عن الصبية التي
لم تحض ولا تحبل مثلها وإن كانت قد تجاوزت التسع وفي الروايات ما ينطبق عليه وإن كان
ما ذكره الأكثر أحوط وكذا لا عدة على الزانية الحامل للزاني بلا خلاف فيجوز لها التزويج قبل
الوضع إذ لا حرمة له أما الحايل فاعتدادها أحوط وإن كان المشهور فيها أيضا العدم وفي المفاتيح
إن الأحوط ثبوتها للزاني مطلقا عملا بالعمومات وحذرا عن اختلاط المياه وتشويش الأنساب
وتعتد الحرة المدخولة الحايل المستقيمة الحيض بانضباط عادتها وقتا من الطلاق والفسخ لغير
ارتداد الزوج الفطري كما سبق ووطي الشبهة بل العتق الطاري أيضا احتياطا لصحيحة أبي
بصير سواء كانت أم ولد أم لا بثلاثة قروء كما في الآية الكريمة أي أطهار كما عليه الأكثر بل نقل
عليه الاجماع بقرينة تذكير العدد وللنصوص المستفيضة إحديها طهر الفرقة ولو حاضت بعدها
بلحظة نعم يعتبر أن تكون كاملة الثالث اجماعا فلا تخرج عن العدة إلا بالدخول في الحيضة
الثالثة وتعتد الأمة بالوصفين من الثلاثة الأولة بطهرين لأنها على النصف والقرء لا
يتنصف وإنما يظهر نصفه إذا ظهر كله بعود الدم ولو أعتقت في العدة فإن كانت رجعية
أكملت عدة الحرة وإلا عدة المملوكة وقيل إن القرء هي الحيض وأقرب محامل مستنده التقية
وإن كان القوم أيضا ويؤيده الأول ما نقل عن بعض أهل اللغة من أن القرء بفتح القاف الطهر
وجمعه قروء كضرب وضروب وخصم وخصوم وبضمها الحيض وجمعه أقراء كقفل وأقفال و
به تخرج الآية عن التشابه إن صح وأما غير المستقيمة الحيض فالحرة تعتد مما ذكر بثلاثة أشهر هلالية
فإن الأهلة مواقيت للناس والأمة بشهر ونصف كذلك سواء كانت مبتدئة أو مضطربة
أو كانت لا تحيض وهي في سن من تحيض انقطع عنها الدم ثلاثة أشهر فصاعدا كما قد يتفق في
المريضة والمرضع أو لم تر حمرة قط وقيل بل ترجع المبتداة أولا إلى عادة نسائها كما في الحيض فإن
فقدت فالأشهر مكان الأخذ بالروايات ومنهم من الحق بها المضطربة بعد فقد التميز والحامل تعتد
بالوضع لا غير ولو بعد الفرقة بلا فصل على المشهور سواء وضعته حيا أو ميتا وسواء كانت حرة
أو أمة لعموم قوله سبحانه وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن وقيل بأقرب الأجلين منه
ومن الأشهر إلا أنها لا تحل للأزواج إلا بعد الوضع ومستنده ضعيف ولو كان متعددا قيل
يكتفي بوضع واحد وقيل بل المعتبر وضع الجميع ونقل في الخلاف الاجماع عليه وقيل إنها تبين
بالأول ولا تنكح إلا بعد وضع الأخير لرواية عبد الرحمن عن أبي عبد الله (ع) في رجل امرأته
وهي حبلى وكان في بطنها اثنان فوضعت واحدا وبقي واحد قال تبين بالأول ولا تحل للأزواج
حتى تضع ما في بطنها ولو ارتابت المطلقة بالحمل بوجدان علامة تؤذن به من غير جزم كثقل
وحركة وسوء مزاج يعرض الحبالى ونحوها صبرت سنة كما في رواية محمد بن حكيم عن العبد الصالح
عليه السلام في المرأة الشابة التي تحيض مثلها يطلقها زوجها فيرتفع طمثها ما عدتها قال ثلاثة
أشهر قلت فإنها تزوجت بعد ثلاثة أشهر فتبين لها بعد ما دخلت على زوجها أنها حامل قال
290

هيهات من ذلك يا بن حكيم رفع الطمث ضربان أما فساد من حيضة فقد حل لها الأزواج
وليس بحامل وأما حامل فهو يستبين في ثلاثة أشهر لأن الله قد جعله وقتا يستبين فيه الحمل
قلت فإنها ارتابت بعد ثلاثة أشهر قال ليس عليها ريبة وكذا لو لم تطمث في ثلاثة أشهر إلا
حيضة ثم ارتفع حيضها فلا تدري ما رفعها على المشهور كما في رواية سورة بن كليب وقيل إنها تعتد بثلاثة أشهر بعد السنة وظاهر النص والفتوى أن مبدأ السنة الفرقة ولو جعل
المواقعة الأخيرة كان وجها وتعتد المتمتع بها المدخولة الغير الحامل بعد انقضاء أجلها أو هبته
بحيضتين كاملتين إن كانت ممن تحيض على الأشهر الأحوط وقيل بطهرين وقيل بحيضة واحدة
وقيل بحيضة ونصف حرة كانت أو أمة وإن تفاضلتا في غيره وإن كانت لا تحيض ولم تياس
فعدتها عنهما خمسة وأربعون يوما بلياليها كما في رواية البزنطي ولو أخر التعميم عن الحكمين ليشملهما
كما في المفاتيح وغيره لكان أجود وأما الحامل ففي المفاتيح أنها تعتد بالوضع كالدائمة لعموم الآية
وأما ما هنا باعتدادها بأبعد الأجلين يعني من الأيام والوضع فلعل الوجه فيه أن لم يكن سهوا
الجمع بين عموم الآية وعموم الروايات المستفيضة في أن عدة المتعة خمسة وأربعون يوما احتياطا
في العمل وأخذا باليقين فإنهما متعارضان من وجه وتعتد الحرة المتوفى عنها زوجها الدائم أو المنقطع
بأربعة أشهر وعشر ليال من حين علمها بالوفاة أو بلوغها الخبر وإن لم يحصل لها العلم أو الوفاة على
أضعف الأقوال وهذا بخلاف المطلقة فإن الأقوى أنها تعتد من حين الطلاق وذلك لوجوب
الحداد عليها كما يأتي كائنة من كانت صغيرة أو كبيرة مدخولة أو غيرها لعموم الآية إلا الحامل فإنها
تعتد عن الوفاة بأبعد الأجلين من المدة والوضع عملا بالعمومين وقيل المتعة كالأمة والحكمة
في عدم اشتراط الدخول في هذه العدة عدم الأمن من انكارها له حرصا على الأزواج لأن هذه العدة
ليست لبراءة الرحم خاصة بل ولحفظ حق الزوج ورعاية حرمة النكاح وللتفجع واظهار الحزن
لفراقه ومن ثم يجب عليها الحداد بالنص والاجماع وهو ترك ما فيه الزينة من الثياب والأدهان
والحلي خاصة أو مطلقا والأولى الحوالة على العرف ويحرم عليها التبييت في غير بيتها وإن جاز لها
الخروج عنه ليلا أو نهارا لظاهر المناهي وربما تحمل على الكراهة جمعا وفي صحيحة ابن أبي يعفور
عن أبي عبد الله (ع) لا تكتحل للزينة ولا تطيب ولا تلبس ثوبا مصبوغا ولا تبيت عن بيتها وتقضي
الحقوق والأمة المعقودة تعتد عن الوفاة بشهرين وخمسة أيام نصف عدة الحرة لصحيحة محمد بن
مسلم وحسنة الحلبي وغيرهما إلا إذا كانت حاملا فبأبعد الأجلين منها ومن الوضع اجماعا
أو احتاطت عن مخالفة الصدوق في المقنع وابن إدريس فإنهما جعلاها كالحرة مطلقا لعموم
الآية وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) قان إن الأمة والحرة كلتيهما إذا مات عنهما زوجهما سواء في العدة إلا
أن الحرة تحد والأمة لا تحد وصحيحته الأخرى عنه (ع) كل النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة
حرة كانت أو أمة وعلى أي وجه كان النكاح متعة أو تزويجا أو ملك يمين فالعدة أربعة
أشهر وعشرا الحديث لا سيما إذا كانت أم ولد لمولاها من قبل تزويجها كما في صحيحة وهب
عن أبي عبد الله (ع) في رجل كانت له أم ولد فزوجها من رجل فأولدها غلاما ثم إن الرجل
مات فرجعت إلى سيدها أله أن يطأها قال تعتد من الزوج الميت أربعة أشهر وعشرة أيام
ثم يطأها بالملك بغير نكاح وصحيحة سليمان بن خالد عنه (ع) في عدة الأمة إذا توفي عنها زوجها
قال إن عليا قال في أمهات الأولاد لا يتزوجن حتى يعتددن أربعة أشهر وعشرا وهن
إماء وبهذا التفصيل تتلائم الأخبار وإليه ذهب الشيخ في النهاية والمحقق وجماعة وقواه
المصنف في المفاتيح إلا أن الروايتين لا دلالة فيهما على الفرق بين أم الولد وغيرها بل في قوله (ع)
وهن إماء إشارة خفية إلى عدم الفرق وأن روايات التنصيف محمولة على التقية وعلى
الفرق فلا يشترط حياة ولد المولى كما في صحيحة وهب برواية الصدوق ولا جداد عليها
لما ذكر خلافا لبعض المتقدمين للعمومات وتعتد الموطوءة بالملك من موت سيدها
أربعة أشهر وعشرا كالحرة سواء كانت مدبرة أم أم ولد أم لا إذا احتاطت عن مخالفة
الشيخ في كتابي الأخبار لما ذكر وغيره وإلا كفى الاستبراء كغيرها من الإماء المنتقلة وعليه
الأكثر مطلقا إلا أن تكون مدبرة لصحيحة داود الرقي عنه (ع) في المدبرة إذا مات عنها مولاها
أن عدتها أربعة أشهر وعشر من يوم يموت سيدها إذا كان سيدها يطأها والمفقود خبر
زوجها في سفر أو حضر أو ملحمة أو غير ذلك أن صبرت فلم ترفع أمرها إلى الحاكم فلا بحث
وكانت في حكم الغائب عنها زوجها المعلوم خبره تنفق من ماله إن كان والغير الصابرة إن
كان لزوجها مال أو كان لها من ينفق عليها ولو تبرعا تؤمر بالصبر وإلا تؤجل أربع سنين
يفحص فيها عنه في الجهة التي فقد فيها إن كانت معينة وإلا ففي الجهات المحتملة فيرسل الحاكم
رسولا للفحص أو لاعلام حاكمها ليفحص وينفق عليها تلك المدة من بيت المال إن كان فإن
وقع الفحص قبل المرافعة حسب من الأربع سنين وأكمل الباقي إلا لمن احتاط عن مخالفة المشهور
حيث لم يعتنوا بالفحص السابق وضربوا الأجل من حين المرافعة ثم إن لم يعرف خبره ولم يجد
الحاكم من ينفق عليها يطلقها الولي إن كان ثم الوالي إن لم يكن وتعتد عن الطلاق عدة
الوفاة على الاحتياط لكونها أطول زمانا عن عدة الطلاق أو يكون الظرف متعلقا بفعل
التطليق فإن من المتقدمين من ذهب إلى أمرها بالاعتداد من غير طلاق ولأن الظاهر من
حاله بعد الفحص المذكور كونه قد مات فيحكم الحاكم بموته ويأمرها بالاعتداد كما يحكم به بالشياع
291

لأن هذا البحث في معناه ولأن العدة عدة وفاة قولا واحدا فلا وجه للطلاق وكيف كان
فلا فرق بين المدخولة وغيرها ثم إن جاء زوجها قبل انقضاء العدة فهو أحق بها يراجعها إن شاء
اجماعا وإن كانت عدتها باينة لانكشاف خلاف الظاهر بحياته وزوال الضرر عنها وإن جاء
بعدما قضت العدة فلا سبيل له عليها مطلقا على المشهور وربما يقيد بما إذا تزوجت وقيل إن بانت بطلاق الولي فالأول وإن بانت بأمر الحاكم من غير طلاق فالثاني وفي بعض النسخ بعد
قوله تؤجل أربع سنين بدلا مما ذكر من حين المرافعة متفحصة ثم يطلقها الولي وتعتد وهو
من الايجازات المخلة وأكثر هذه الأحكام مخالفة للأصول الفقهية وإنما يصار إليها لدلالة
الروايات ففي الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال المفقود إذا مضى له أربع سنين بعث
الوالي أو يكتب إلى الناحية التي هو غايب فيها فإن لم يجد له أثرا أمر الوالي وليه أن ينفق
عليها فما أنفق عليها فهي امرأته قلت فإنها تقول إني أريد ما تريد النساء قال ليس ذلك لها ولا
كرامة فإن لم ينفق عليها وليه أو وكيله أمره أن يطلقها وكان ذلك طلاقا واجبا وفي الحسن
والصحيح عن يزيد بن معاوية قال سألت أبا عبد الله (ع) عن المفقود كيف يصنع بامرأته قال ما سكتت
عنه وصبرت يخلى عنها فإن هي رفعت أمرها إلى الوالي أجلها أربع سنين ثم يكتب إلى الصقع الذي
فقد فيه فيسأل عنه فإن خبر عنه بحياة صبرت وإن لم يخبر عنه بشئ حتى تمضي الأربع سنين دعى
ولي الزوج المفقود فقيل له هل للمفقود مال فإن كان له مال أنفق عليها حتى يعلم حياته من موته
وإن لم يكن له مال قيل للولي أنفق عليها فإن فعل فلا سبيل لها إلى أن تتزوج ما أنفق عليها وإن
أبى أن ينفق عليها أجبره الوالي على أن يطلق تطليقة في استقبال العدة وهي طاهر فيصير طلاق
الولي طلاق الزوج فإن جاء زوجها من قبل أن تنقضي عدتها من يوم طلقها الولي فبدا له أن يراجعها
فهي امرأته وهي عنده على تطليقتين فإن انقضت العدة قبل أن يجئ أو يراجع فقد حلت للأزواج
ولا سبيل للأول عليها وفي رواية أخرى أنه إن لم يكن للزوج ولي طلقها الوالي ويشهد شاهدين
عدلين فيكون طلاق الوالي طلاق الزوج وتعتد أربعة أشهر وعشرا ثم تزوج إن شاءت وعن أبي
الصباح الكناني عنه (ع) في امرأة غاب عنها زوجها أربع سنين ولم ينفق عليها ولا يدرى أحي هو
أم ميت أيجبر وليه على أن يطلقها قال نعم وإن لم يكن له ولي طلقها السلطان قلت فإن قال
الولي أنا أنفق عليها قال فلا يجبر على طلاقها قلت أرأيت إن أنا أريد ما تريد النساء ولا أصبر ولا أقعد
كما أنا قال ليس لها ذلك ولا كرامة إذا أنفق عليها وعن سماعة قال سألته عن المفقود قال إن علمت أنه في أرض فهي تنتظر له أبدا حتى يأتيها موته أو يأتيها طلاقه وإن لم تعلم أين هو من الأرض كلها
ولم يأتها منه كتاب ولا خبر فإنها تأتي الإمام فيأمرها أن تنتظر أربع سنين فيطلب في الأرض
فإن لم توجد له أثر حتى تمضي أربع سنين أمرها أن تعتد أربعة أشهر وعشرا ثم تحلل للرجال
فإن قدم زوجها بعدما تنقضي عدتها فليس له عليها رجعة وإن قدم وهي في عدتها أربعة
أشهر وعشرا فهو أملك برجعتها وفي رواية السكوني في المفقود لا تزوج امرأته حتى يبلغها
موته أو طلاق أو لحوق بأهل الشرك فهذه هي روايات المسألة بما فيها من التشابه والتخالف
وأجود ما تتلائم به ما قرره المصنف طاب ثراه في الوافي وهو أنه إذا فقد الرجل بحيث لم يوجد
له خبر أصلا فإن مضى عليه من حين فقد خبره أربع سنين ولم يوجد من ينفق على امرأته بعد
ذلك ولم تصبر هي على ذلك أجبر وليه على طلاقها بعد تحقق الفحص عنه سواء وقع الفحص قبل
مضي الأربع أو بعده وسواء وقع من الولي أو الوالي أو غيرهما وعدته عدة الوفاة غير أنه يجوز
له الرجعة فيها إن قدم قبل انقضائها فقوله (ع) في الخبر الأول إذا مضى له أربع سنين بعث
الوالي أو يكتب يعني به إذا لم يقع البحث عنه قبل ذلك وقوله في الخبر الثاني فإن هي رفعت
أمرها إلى الوالي أجلها أربع سنين يعني مع ما مضى من حين فقد خبره حتى تتم الأربع يدل
على الأول قوله (ع) في الخبر الثاني فإن لم يخبر عنه بشئ حتى تمضي الأربع وفي خبر سماعة فإن لم يوجد له أثر حتى تمضي أربع سنين فإن العبارتين صريحتان في ذلك وقوله (ع) ثم يكتب
بعني بعد ضرب الأجل لا بعد مضيه وإنما يحتاج إلى الكتابة إذا لم يقع الفحص قبل ذلك ويدل
على الثاني قوله (ع) في الخبر الأول المفقود إذا مضى له أربع سنين بعث الوالي وفي الخبر الثالث
غاب عنها أربع سنين من دون ذكر أن ذلك من حين المرافعة بل ظاهرهما أنه من حين
الفقد وقوله في الخبر الأخير أو طلاق يشمل طلاق الولي أيضا فلا تنافي بين الأخبار بوجه
ولا اشتباه فيها ولله الحمد هذا كلامه والأجود حمل رواية السكوني على التقية وبقي في
المسألة أمور ينبغي التنبه لها آ لو حضر المفقود كان لها مطالبته بنفقته ما قبل الطلاق
إن كانت في نفقة نفسها كما لو لم تطلق وهل لها نفقة الزمن الذي يصح له الرجوع فيه لو حضر قبل انقضائه وجهان وقطع في المسالك بالأخير ب لو أنفقت هي أو أنفق عليه الولي أو الوالي من
مال الزوج ثم انكشف تقدم موته فهل يترتب على هذا التصرف ضمان وجهان وقطع في
المسالك بالأخير أيضا ج الظاهر أن المراد بالولي هنا هو الولي الشرعي كما في أكثر الاطلاقات
واحتمل بعضهم أن يراد الأعم منه ومن متولي أمره كما في بعضها وليس ببعيد د المشهور أن الحكم
بموت المفقود على بعض الوجوه إنما هو بالنسبة إلى زوجته دون ميراثه وسائر ما يترتب على
موته بل توقف إلى مضي مدة لا يعيش إليها غالبا خلافا للصدوق والسيد فتقسم تركته أيضا
بعد فحص الأربع سنين لموثقة سماعة وغيرها ومال إليه في المفاتيح وإن كان المشهور أحوط
292

وفي موثقة ابن عمار إن كان ورثة الرجل ملاء بماله اقتسموه بينهم فإذا هو جاء ردوه إليه ه
الحكم بالرجعة وقع معلقا في روايتي بريد وسماعة على مجئ الزوج وقدومه وتبع ذلك المصنف
ومن عبر نحوه ونص آخرون على أنه لا فرق بين مجيئه وعدمه بل المعتبر ظهور حياته لأن حكم الشارع
باعتدادها للوفاة دليل على الالتفات إلى ظاهر حاله وأنه قد مات فإذا تبين خلاف ذلك انتفى
ويحتمل ضعيفا تعليق الحكم على مجيئه نظرا إلى ظاهر الرواية ولأن حكمته إزالة الضرر وعنها وهو لا يزول
بظهور حياته في بلاد بعيدة وصحيحة بريد صريحة في صحة الطلاق وتعليق عودها إلى الزوجية
على رجعته في العدة ورواية سماعة ظاهرة في ذلك أيضا ومثلها عبارة المتن وغيره وقيل تعود
الزوجة قهرا لتبين بطلان الطلاق والاعتداد بظهور حياته وهو اجتهاد في مقابلة النص ز
ظاهر الكتاب وصريح غيره أنه لا فرق في المفقود بين الآبق وغيره وعن بعض القدماء أن إباق العبد
طلاق امرأته وأنه بمنزلة الارتداد فإن رجع في العدة وإلا فلا سبيل له عليها ورواه عمار في الموثق
عن أبي عبد الله (ع) وهو باطلاقه شامل لغير المفقود أيضا وللصابرة وفي رواية داود الصرمي
تطلق امرأته من أجل إباقه إن أرادت ذلك هي وتتداخل العدد إذا اجتمعت فيدخل أقلها في
الأكثر لصحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) في امرأة تزوجت قبل أن تنقضي عدتها قال يفرق بينهما وتعتد
عدة واحدة منهما جميعا وفي معناها غيرها إلا إذا احتاطت عن مخالفة المشهور بل الاجماع ظاهرا
وإن كان يمكن حمل مستنده على الاستحباب أو التقية كما ينبه عليه مرسلة يونس في امرأة نعي
إليها زوجها فتزوجت ثم قدم زوجها الأول فطلقها وطلقها الآخر فقال إبراهيم النخعي عليها أن
تعتد عدتين فحملها زرارة إلى أبي جعفر (ع) فقال عليها عدة واحدة وفي رواية زرارة أن الناس
قالوا تعتد عدتين من واحدة عدة فأبى ذلك أبو جعفر (ع) وقال تعتد ثلاثة قروء فتحل للرجال
وتنقض العدة بالرجعة فلو طلقها ثانيا وخالعها لزمها استيناف عدة وإن لم يواقعها بعد
الرجعة لعودها بالرجعة إلى النكاح السابق المجامع للدخول خلافا للمبسوط فيما إذا خلعها ثانيا
بناء على أن الطلاق بطل ايجابه العدة بالرجعة ولم يمسها ثانيا وضعف بأنه لم يتجدد نكاح
لم يمسها فيه وإنما عاد النكاح الممسوس فيه ولا تسقط بتجديد العقد عليها في العدة الباينة
كما لو خالعها بعد الدخول ثم عقد عليها في العدة ثم طلقها قبل الدخول فإنه يجب عليها اكمال العدة
الأولى وفاقا لابن البراج لوجوبها عليها وإنما انقطعت بالفراش فيجب العود إليها بعد الطلاق
وخلافا للأكثر لبطلان العدة الأولى بالفراش المتجدد والعقد والعقد الثاني لم يحصل معه دخول
فيدخل تحت عموم من قبل أن تمسوهن وربما يترتب على ذلك حيلة فيما لو أراد جماعة وطي امرأة واحدة
في يوم واحد فيتمتع بها أحدهم ساعة أو أكثر ويدخل بها ثم تبين منه بانقضاء المدة أو هبة
بقيتها ثم يعقد عليها دائما ويطلقها قبل الدخول ويصح طلاقها لأنها غير مدخولة ولا عدة
عليها لذلك أيضا فيتمتع بها الثاني في الحال وهكذا وغلطه المصنف في المفاتيح وصاحب
الفوائد الطوسية وغيرهما بأن العدة الأولى لم تسقط إلا بالنسبة إلى الزوج الأول الذي هو
صاحب الفراش حيث لا يجب الاستبراء من مائه وأما بالنسبة إلى غيره فما العلة في سقوطها و
عموم من قبل أن تمسوهن بحيث يشمل مثل هذا الفرد غير معلوم وهو جيد جدا إلا أن تقرير
هم الحيلة بأن يتزوجها الأول ثم يطلقها بعد الدخول ثم يتزوجها ويطلقها قبله فتحل للثاني
مما لا يكاد يفرض له وجه استقامة لفساد الطلاق الأول بسبب وقوعه في طهر المواقعة بلا مرية
إلا أن يقرض كونها يائسة ويكون الفرض الاحتياط عن خلاف من أثبت عليها العدة كما سبق و
المعتدة البائنة تعتد حيث شاءت وللزوج اخراجها من بيته لانقطاع العصمة بينهما وليس له
اخراج الرجعية من بيته ولا يجوز لها نفسها الخروج منه اجماعا فيهما إلا في أحد وجوه أن تأتي
بفاحشة مبينة فيجوز الاخراج حينئذ كما في قوله سبحانه ولا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن
إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وهي الزنا أو ما يوجب الحد فتخرج لإقامة الحد عليها أو تطرد من بيته
أو ما هو أعم من ذلك حتى ايذائها أهله كما روي في شأن النزول وغيره أو مع الاضطرار إلى الخروج
كما في المفاتيح فيجوز الخروج حينئذ وفي مضمرة سماعة إن أرادت زيارة خرجت بعد نصف الليل
ولا تخرج نهارا أو مع الإذن وفاقا للعلامة في التحرير لحسنة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) لا ينبغي للمطلقة
أن تخرج إلا بإذن زوجها حتى تنقضي عدتها واحتجاج المانع بأنه حق لله لا الآدمي بخلاف زمن
النكاح اجتهاد في مقابلة النص على أن تفسير الأمر في قوله سبحانه في تتمة الآية لعل الله يحدث
بعد ذلك أمرا بالرجعة كما ورد مما ينبه على أن الحق للآدمي ونقل ثقة الاسلام عن الفضل بن
شاذان إن معنى الخروج والاخراج ليس هو أن تخرج المرأة إلى أبيها أو تخرج في حاجة لها أو
في حق بإذن زوجها مثل ما تم وما أشبه ذلك وإنما الخروج والاخراج أن تخرج مراغمة أو يخرجها
زوجها مراغمة فهذا الذي نهى الله عنه فلو أن امرأة استأذنت أن تخرج إلى أبويها أو تخرج إلى
حق لم يقل إنها خرجت من بيت زوجها ولا أنا فلانا أخرج زوجته من بيتها إنما يقال ذلك
إذا كان ذلك على الرغم والسخط وعلى أنها لا تريد العود إلى بيتها وامساكها على ذلك لأن المستعمل
في اللغة هذا الذي وصفناه انتهى ويجب عليه أن ينفق عليها بالشرايط المعتبرة قبل الطلاق
لأنها زوجة وكذا يجب عليه أن ينفق على الحامل في عدة الطلاق وإن كان بائنا لعموم قوله (تع)
وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ويسكنها ويكسوهما فإنهما من النفقة بوجه
ويجب أن تستبرئ الأمة المبتاعة وإن كانت معزولا عنها إذا كانت موطوئة بأن يتربص عن
293

وطئها إلى أن يعلم حال رحمها من براءة أو اشتغال للنصوص المستفيضة وكذا المسبية لرواية
الحسن بن صالح عن أبي عبد الله (ع) قال نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وآله في الناس يوم أوطاس أن
استبرأوا سباياكم بحيضة فكان الوجه في السكوت عنه فقد موضوعه في هذا العصر وأما
المنتقلة بالهبة أو الصلح أو الإرث أو غيرها فالأكثر على أنها كذلك للاشتراك في المقتضي خلافا
لابن إدريس للأصل وعموم أو ما ملكت أيمانهم واختصاص النصوص بالأولتين وضعفه
في المفاتيح وإن كان ظاهره هنا موافقته وأما مدته ففي المبسوط طهر وفي الخلاف طهران و
المشهور حيضة والحيضتان في المبتاعة أحوط لصحيحة ابن بزيع عن الرضا (ع) استبرئها بحيضتين
وفي رواية أخرى أهل المدينة يقولون حيضة وكان جعفر يقول حيضتان وحملتا على الاستحباب
والمراد بالحيضة هنا ما يراد بأول أطهار العدة على المشهور فلو كانت في المحيض وقت الانتقال
كان له أن يكتفي في استبرائها بالذي هي فيه ولو لحظة فهي أقل استبراء يفرض وقيل بل يجب
استيناف الاستبراء هذا كله إن كانت ممن تحيض وإن لم تحض ولم تياس منه فبخمسة و
أربعين يوما بلياليها على المشهور وهذا من مؤيدات الحيضتين وقيل ثلاثة أشهر وهو شاذ
ويسقط الاستبراء عن زوجته لو اشتراها لوحدة المائين وعن اليائسة كما تسقط عنها
العدة لصحيحة عبد الرحمن عن أبي عبد الله (ع) وغيرها وعن غير البالغة تسعا كما هو الظاهر
أو حد الطمث والحيل وإن تجاوزنها كما هو ظاهر المفاتيح وصحيحة الحلبي وحسنة ابن أبي
يعفور وما في معناهما من غير معارض وعن المعتدة عن زوجها بطلاق أو موت أو غيرهما
فيتداخلان وعن المستبرأة قبل البيع باخبار ثقة تسكن النفس إلى خبره والأحوط اشتراط
العدالة سواء كان البايع أو غيره كما هو ظاهر الاطلاق ومورد الروايات الأول وعن المنتقلة من المرأة
وإن أمكن تحليلها لرجل ما لم يثبت لصحيحتي رفاعة وحفص وغيرهما وقد يتحيل لاسقاطه
بذلك فيبيعها من امرأة ثم يشتريها منها ولا يلحق بها العنين ولا المجبوب ولا الخصي ولا
الصغير الذي لا يمكن في حقه الوطي اقتصارا على مورد النص ويحكى عن ابن إدريس الخلاف
في الأخيرين وهو شاذ وعن الحامل سواء كان عن وطي صحيح أو فاسد وسواء كانت ذات
أربعة أشهر وعشرة أيام فصاعدا أم لا فيجوز وطيها من غير استبراء للأمن من اختلاط
المائين عند جماعة منهم الشيخ في كتابي الأخبار والمحقق في نكاح الشرايع بل نقل عليه
الشيخ الاجماع حملا لأخبار النهي على الكراهة واستشهدوا بصحيحة رفاعة عن أبي عبد
الله (ع) في الأمة الحبلى يشتريها الرجل قال سئل أبي عن ذلك فقال أحلتها آية وحرمتها أخرى
وأنا ناه عنها نفسي وولدي الحديث فإنه ظاهر في الكراهة وفيه منع ظاهر وقد سبق مثل
هذا اللفظ بعينه في الجمع بين الأختين في الوطي بملك اليمين مع الاجماع على تحريمه وذهب جماعة
منهم الشيخ في النهاية والمحقق في تجارة الشرايع إلى التحريم قبل المدة المذكورة والكراهة بعدها لصحيحة
رفاعة أيضا لك ما دون الفرج إلى أن تبلغ حملها أربعة أشهر وعشرة أيام فإذا جاز حملها أربعة
أشهر وعشرة أيام فلا بأس بنكاحها في الفرج وفي المسألة قول بالتحريم مطلقا إذا كان الحمل عن زنا
إذ لا حرمة له فيجوز مطلقا والأحوط أن يصبر عنها مطلقا حتى تضع حملها ومن الحيل في اسقاطه
أن يزوجها من غيره ثم يطلقها الزوج قبل الدخول فيسقط الاستبراء بالتزويج والعدة بالطلاق قبل
المسيس والمنصوص في ذلك أن يعتقها ثم يتزوجها وقيد بعضهم بما إذا لم يعلم لها وطي محترم و
إلا لم يسقط
باب الولد وهو يتخلق من النطفة المتولدة من لطيف الغذاء بعد الهضم الرابع فتختزنها
الطبيعة في مجاري المني حتى إذا امتلأت هاجت إلى استفراغها وهي الشهوة وقد قدر الله تعالى
بلطيف حكمته القضيب مستطيلا ليوصل ذلك إلى رحم المرأة وتنفتح فمها عند المباضعة شوقا
إلى المني حتى إذا تدفق إليها انطبقت عليه أشد انطباق لئلا يزلق أو يدخل عليه ما يفسده
فلا تزال حاملة له مشتغلة بنضجه وتغذيته بالرطوبات المندفعة قبل ذلك بطريق الطمث إلى أن تشتد أعضاؤه في الجملة وتؤمن عليه الآفة من ضرب النسيم فتفر عنه القوة الماسكة وتخرجه
الدافعة وهو الولادة وتستحيل تلك الرطوبات لبنا خالصا تنفجر به عيون الثدي إلى أن يقوى
على الاغتذاء بغيره وأقل مدة الحمل للولد الحي الكامل ستة أشهر كما يشعر به قوله عز وجل وحمله و
فصاله ثلاثون شهرا مع قوله يرضعن أولادهن حولين كاملين وأقصاها سنة وفاقا لبعض
القدماء مدعيا عليه الاجماع والمشهور أنه تسعة أشهر لروايات محمولة عند الأولين على الغالب
ويأباه ما في بعضها لا يزيد لحظة ولو زاد ساعة لقتل أمه قبل أن يخرج ويوافقه ما ذكره المنجمون
من أن الجنين من ابتداء العلوق إلى تمام شهر في تدبير زحل وفي الشهر الثاني في تدبير المشتري وهكذا
مستسفلا إلى الشهر السابع في تدبير القمر ثم يعود في الشهر الثامن إلى تدبير زحل والتاسع إلى تدبير
المشتري وهو السعد الأكبر لما فيه من الحرارة والرطوبة المعتدلين وهما مادة الحياة التي هي أعظم
السعادات ومن ثم يخلص فيها الجنين من مطمورة الرحم إلى فضاء الوجود الخارجي وأجود محامل
ما دل على أزيد من التسعة أشهر التقية وأما القول بالعشرة أشهر فمجهول المستند من الروايات
لكن يوافقه التجربة ويقرب منه ما قرروه في كيفية تكون الجنين وتنقله في أطوار الرحم نطفة
ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما إلى أن يكتسى لحما وتكمل خلقته وضبط زمان كل منها بالأيام إلى أن يتولد فإنهم جعلوا المكث الأكبر أي أطول مدة طمثها الجنين في الرحم مائتين وثمانية وثمانين
يوما وخمس ساعات وعشرين دقيقة وهي بعد الرفع تسعة أشهر هلالية ونيف وعشرون يوما
294

وأما ما نقله المصنف في حواشي عين اليقين بأن الولادة في مائتين وعشرة أيام هي تسعة
أشهر فلا يخلو عن سهو ويتفرع على الخلاف مسائل في لحوق الولد وهو لصاحب الفراش
ظاهرا زوجا كان أم مالكا مع الاحتمال بأن لا تلد لأقل من أقله ولا أكثر من أكثره مع الدخول
ويجب عليه الاعتراف به حينئذ ظاهرا وفيما بينه وبين الله وإن احتمل أو ظن خلافه بأن زنى
بها من يشبهه الولد للاجماع على أن الولد للفراش وللعاهر الحجر ولو فرض له حصول العلم بانتفائه عنه
جاز بل وجب عليه نفيه ولم يجز له الاعتراف به حذرا عن اختلاط الأنساب لكن لا ينتفي في غير الأمة
ووطي الشبهة إلا باللعان أما فيهما فينتفي ظاهرا بمجرد النفي من دون لعان لاختصاصه بالزوجين
والمتعة كالأمة كما سلف وإن لم يحتمل كونه منه لفقد أحد الشرايط الثلاثة نفاه وجوبا كما ذكر
من دون قذف بالزنا لعدم افتقار نفي الولد إليه وربما يناقش في وجوب النفي اقتصارا
على تحريم التصريح باستلحاقه كذبا حذرا عن اقتحام الفضيحة باللعان الغير اللائق بذوي المروات
وهو أخص من المطلوب ويجب على من بلغه حال المرأة من النساء إعانتها عند المخاض كفاية
فيتولين أمرها وأمر الولد ومع فقدهن فالمحارم من الرجال إن وجدوا وإلا فالأجانب
ونظرهم إلى المرأة وسماع صوتها كنظر الطبيب ولمسه وقت الحاجة ولا بأس بالزوج وإن
وجدت النساء بل هو كواحدة منهن وأم الولد يتعين عليها ارضاعه إن لم توجد مرضعة
غيرها مطلقا أو وجدت ولكن لم يكن له ولا لأبيه إن كان مال يبذل لأجرتها ولا توجد
متبرعة وليس لها حينئذ الامتناع عنه وإن شق عليها ولها المطالبة بالأجرة إن كان ثمة
مال دون ما إذا لم يكن لأنه حينئذ ممن تجب نفقته على الأم كما يأتي وأن لا يكن كذلك بل
وجد غيرها بأجرة وكأن لأبيه مال لم يجب الارضاع على الأم الحرة ووجب على الأب بذل الأجرة
للمرضعة وإن زادت عن أجرة المثل وكذا إن كان له مال من إرث أو هبة أو نحوهما ويجوز حينئذ
بذل الأجرة منه ولا يجب من مال الأب وأولى بعدم الوجوب عليها أما لو وجدت متبرعة
ولو طلبت ارضاعه بأجرة حيث يوجد غيرها بأجرة أيضا فهي أحق به إن لم تزد على الغير في الأجرة
جمعا بين الحقوق ما أمكن بتخفيف المؤنة عن الأب وقرة عين الأم ومصلحة حال الولد لأنها
به أرفق ولبنها بطبعه أوفق كما ورد وأن لا تقنع بأجرة الغير فما دون سقط حقها وكان للأب
استرضاعها دونها لقوله (تع) وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى بل يجب إن كانت الأجرة من مال
الولد وأولى بذلك ما لو كانت متبرعة وقيل بل هي أحق مطلقا إذا لم تطلب أكثر من أجرة
المثل والتعاسر في أصل الارضاع لا في الأجرة ويستحب لمن يسترضع أخرى اختيارها بعدة
صفات آ كونها مسلمة فتكره الكافرة وظاهر كثير منهم التحريم إلا مع الاضطرار فإن فعل
فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير ولا يسلم إليها الولد لتحمله إلى منزلها والمجوسية أشد
من اليهودية والنصرانية وكذا الناصبية ب ج كونها عاقلة عفيفة فعن النبي صلى الله عليه وآله توقوا على
على أولادكم لبن البغية والمجنونة فإن اللبن يعدي وقد ورد النهي عن استرضاع الحمقاء
معللا بنحو ذلك والمولودة عن الزنا والوالدة عنه وورد فيهما زوال الكراهة أو تخفيفها بتحليل
المولى إن كانت أمة ويستنبط مما ذكر تأكد كراهة البغية في ارضاع البنت د كونها وضيئة
ففي الصحيح عن أبي جعفر (ع) عليكم بالوضاءة من الظئورة فإن اللبن يعدى وفي أخرى استرضع لولدك
بلبن الحسان إياك والقباح وأقصى مدته حولان كاملان لمن أراد أن يتم الرضاعة وقيل بجواز
الزيادة شهرا أو شهرين سيما مع حاجة الطفل إليه لمرض ونحوه وكيف كان فلا أجرة للأم في الزيادة
كما في روايتي أبي بصير والحلبي ويجوز الاقتصار على أحد وعشرين شهر الظاهر وحمله وفصاله
ثلاثون شهرا وأن الغالب في الحمل تسعة أشهر وإنما يشكل على تقدير أكثره بسنة أو عشرة أشهر إن لم يكن اجماع وفي رواية سماعة عن أبي عبد الله (ع) أن الرضاع أحد وعشرون شهرا وما دونه
جور عليه وعن ابن عباس إن من ولد لستة أشهر ففصاله في عامين ومن ولد لسبعة فمدة رضاعه
ثلاث وعشرون ومن ولد لتسعة فأحد وعشرون واستحسنه في المفاتيح وإنما لم يذكر حكم المولود
لثمانية لندرة بقائه جدا سيما في البلاد الصيفية كما يعلم وجهه من النظر فيما تقدم فإن كانت أنثى فأندر وحيث يقتصر الأم على الأقل من حولين فليكن برضى الأب ومشورته لمفهوم
الآية وغيره وكما أن الأم أحق بارضاعه وإن لم تعاسر كذلك هي أحق بحضانته تلك المدة مطلقا
كما هو ظاهر الاطلاق وفاقا لابن إدريس ومنهم من قيده بما إذا كانت هي المرضعة فلو أرضعته
غيرها سقط للزوم الحرج بتردد المرضعة إليها في وقت الحاجة وهو أخص من المطلوب لامكان
اجتماعهما في محل واحد بحيث تقوم كل واحدة منهما بوظيفتها من غير عسر فينبغي تقييده بما إذا تعذر
ذلك وعليه تحمل رواية داود بن الحصين لو سلم ظهورها في السقوط هذا في مدة الرضاع
وأما بعدها إلى أن يبلغ ففي مستحقها من الأبوين مع حياتهما أقوال آ ما يحكى عن الصدوق في
المقنع أنه الأم مطلقا ما لم تتزوج بغير الأب ب ما ذهب إليه الشيخ في النهاية وتبعه جماعة
أنه الأم بالبنت خاصة إلى تمام سبع سنين من سنها وأما الابن فالأب أحق به ج ما ذهب إليه
في الخلاف محتجا باجماع الفرقة وأخبارهم أنها أحق بالبنت ما لم تتزوج البنت وبالابن إلى سبع
سنين والاجماع ممنوع كما علمت وأما ما وقفنا عليه من الأخبار ففي كثير منها تقديم الأب مطلقا
وأما ما تضمن تقديم الأم فروايتان آ مرسلة سليمان بن داود المنقري عن أبي عبد الله (ع) في
رجل طلق امرأته وبينهما ولد أيهما أحق به قال المرأة ما لم وهي بما فيها من الارسال وضعف المرسل
295

موافقة لروايات القوم ب صحيحة أيوب بن نوح قال كتب إليه بعض أصحابنا أنه كانت لي امرأة
لي منها ولد وخليت سبيلها فكتب (ع) المرأة أحق بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين إلا أن تشاء المرأة
ولا تخدش بالاضمار لجلالة المضمر وللتصريح بأبي الحسن علي بن محمد (ع) في السرائر لابن إدريس فيتجه العمل
بها وأيضا الحضانة بالكسر أو الفتح ولاية تربية المولود من حفظه ووضعه في مهده ورفعه وكحله ودهنه
وتنظيفه وغسل ثيابه وخرقه ونحو ذلك من حضن الصبي في حضنه أو حضن الطاير بيضه إذا ضمه
إلى نفسه تحت جناحه وهذه الأمور بالمرأة أليق منها بالرجل وفي الوافي أن الأم أحق به إلى سبع سنين
ما لم تتزوج لأن هذه المدة مدة التربية البدنية وزمان اللعب والدعة والأمهات أحق بهم في
ذلك وفي آداب التربية يربي سبعا ويؤدب سبعا والتربية إنما تكون للأم والتأديب للأب و
بالجملة فلا وجه لتوقفه هنا وإنما يثبت لها حق الحضانة حيث يثبت بشرط حريتهما واسلامهما إن
كان الولد محكوما باسلامه وعقلهما اجماعا في الثلاثة إذ ليس من عداهم من أهل الولاية وزاد في المفاتيح
اشتراط الأمانة وفسرها بعدم ظهور الفسق والوجه ما يستفاد من كلام سائر مشترطيها من أن
المراد بها ما يؤمن معه من الخيانة في أمر الولد والتقصير في حفظه وهو مما يجامع ظهور الفسق
كما لا يخفى وزاد أيضا الحضر والسلامة من المرض المعدي كالجذام والجرب والجمرة والطاعون و
النصوص خالية عن ذلك كله والاحتجاج للأخير بما ورد في النبوي فر من المجذوم فرارك من الأسد
لا يخلو عن قصور مع معارضته بعموم لا عدوى ولا طيرة ويشترط في الأم خاصة عدم تزويجها
بالغير فإن فعلت سقطت حضانتها بلا خلاف فإن بانت عادت على المشهور والمراد اشتراط هذه
الشروط في الأم قبل السبع وفي الأب بعدها فإن فقدها أو بعضها أحدهما في وقته مع اجتماعها
في الآخر فالآخر أحق به مطلقا ولو فقداها كلا أو بعضا سقط حقهما على اشكال في بعضها و
كانا كما لو كانا مفقودين من الرجوع إلى آية أولي الأرحام إلا إذا فقدت الأخير خاصة فإن التزويج
لا يسقط حضانتها ما كانت بقية الشروط مجتمعة فيها دونه كما صرح به في المفاتيح وهذا أيضا من
الايجازات المخلة وإذا مات أحدهما انتقل الحق إلى الآخر مطلقا وحيث يحكم باستحقاق أحدهما فهل
يحكم عليه بالوجوب فيأثم ويجبر لو امتنع أم لا ظاهر صحيحة أيوب المتقدمة الثاني وأصرح منه ما في
السرائر حيث قال إذا صار له سبع سنين فإن أخذه فله وإن تركه فله وعليه فلو أسقط حقه فهل يحكم
بالوجوب على الآخر إذا كان موجودا أو على الأب خاصة أم لا يجب على أحدهما عينا بل يجب كفاية حيث
يستلزم تركها تضييع الولد عليهما خاصة أو على جميع المسلمين من باب إعانة المضطر وجوه والنصوص
خالية عن ذلك كله وإذا بلغ الولد رشيدا سقطت ولاية الأبوين عنه بلا خلاف مطلقا فيتخير في
الانضمام إلى من يشاء إلا أنه ينبغي للبنت أن لا تفارق أمها إن كانت مأمونة إلى أن تتزوج والولد
يتبع أبويه في الاسلام والحرية والرق والملكية وإن اختلفا في الأولين تبع المسلم منهما بلا خلاف
والحر على المشهور الحاقا بالأشرف للنصوص المستفيضة وفي عدة منها إذا تزوج العبد الحرة فولده
أحرار وإذا تزوج الحر الأمة فولده أحرار خلافا لبعض المتقدمين فجعله رقا تبعا للمملوك منهما إلا
مع اشتراط حريته تغليبا لحق الآدمي وهو معارض بتغليب العتق ومن ثم يجري فيه السرائر و
لرواية أبي بصير لو أن رجلا أتى قوما فتزوج إليهم مملوكتهم كان ما ولد لهم مماليك وفي رواية الحسن
بن زياد في جارية زوجها مولاها ما منزلة ولدها قال منزلتها إلا أن يشترط زوجها وهما وما في
معناهما مختصة برق الأم فيقرب حملها على التقية كما في الاستبصار لأن الولد عند بعضهم يتبع الأم
والأحوط اشتراط الحرية عند التزويج في مختلف الأبوين مطلقا خروجا عن شبهة الخلاف سيما إذا كان المملوك
هي الأم خروجا عن مخالفة الروايات أيضا وعلى المشهور فهل يجوز اشتراط الرقية المشهور نعم
لعمومات الوفاء بالشروط وتردد فيه المصنف وهو في محله لاشتراط المشروعية في الشرط وهي في
استرقاق من حكم الشارع بحريته غير معلومة وإن تعدد مالك الأبوين فالأكثر على أن الولد بينهما
نصفان لأنه نماء ملكهما بالسوية خلافا لمن أتبعه الأم إلا مع الشرط كغيره من الحيوانات ولو اشترط
أحدهما الانفراد به أو زيادة عن نصيبه صح ولزم والنصوص خالية عن ذلك فالأحوط تعيين المالك
بالانفراد أو الاشتراك مع ضبط السهام في المتعدد مالكهما قطعا للتجاذب ويلحق بولد المزوجة في
ذلك كله ولد المحللة ويقوى احتياط اشتراط الحرية فيه لتصريح موثقتي ضريس والعطار وغيرهما بأنه
لمولى الجارية إلا أن يكون قد اشترط عليه أنه حر مع بعد حملها على التقية فإن فقد الشرط في ولد المحللة فإن
عتقه مولى الجارية تبرعا فقد احتاط وإلا فكه أبوه بالقيمة احتياطا عن خلاف من أوجب ذلك
لموثقة إبراهيم بن عبد الحميد وما في معناها يقوم عليه الولد بقيمته وإن كان له مال اشتراه بالقيمة
ومن أولد أمة الغير بدون إذنه بأن وطأها فأتت بولد لا يمكن الحاقه بغيره فإن كان الوطي بشبهة أنها
حليلته فعليه قيمة الولد يوم سقط إن سقط حيا لمولاها عوضا عن منفعة ملكه وهو حر لحوقا بأشرف
أبويه ولا شئ له عن الولد إن سقط ميتا ولا فرق في ذلك بين ما لو سلمت نفسها مكرهة أو طائعة
مشتبهة أو زانية أما ولد الزانية أو المشبهة من الزاني فهو رق لمالك أمه وإن كان حرا جمعا بين الحقوق
المحترمة بذلك وولد الأمة المشتركة بين جماعة الموطوئة للجميع في طهر واحد ويقرع عليه بينهم لو تداعوه
كل منهم لنفسه ويغرم الخارج اسمه بالقرعة حصص الباقين بلا خلاف كما في قضية أمير المؤمنين (ع) العجيبة
في اليمن وغيرها وفي رواية ابن عمار من قرع كان الولد ولده يرد قيمة الولد على صاحب الجارية وليس في
شئ منها تعرض لقيمة الجارية إلا أن الأصحاب حكموا بضمان حصصهم من القيمتين فتبعهم المصنف وكذا الحكم
لو لم يدعه أحدهم ولو كان الواطي أو المدعي واحدا ألحق به وألزم ذلك كما في المفاتيح وغيره وحق المولود أن
296

يفرح به المولود له وإن كان الولد محزنة فورد في فضله أنه نور في الدنيا سرور في الآخرة وقد سبق
أنه من أعظم الفوايد وأن لا يغتم بالأنثى لأن الصلاح مستور فلعلها تكون أنفع لوالديها من الذكر
وعن أبي عبد الله (ع) فيمن قال له خانتني زوجتي فولدت جارية لعلك كرهتها إن الله (تع) يقول آباؤكم
وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا وعنه (ع) فيمن رآه متسخطا بتولد البنت أرأيت لو أن الله أوحى
إليك أن اختار لك أو تختار لنفسك ما كنت تقول قال كنت أقول يا رب تختار لي قال فإن الله قد اختار
لك ثم قال إن الغلام الذي قتله العالم مع موسى أبدلهما الله به جارية ولدت سبعين نبيا بل ينبغي
أن يزداد فرحا بالبنات لأهل الجاهلية إذا كانوا يؤدونهن وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا
وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ولا سيما إذا كانت
بكرا فورد في الحديث أن من بركة المرأة تبكيرها بالبنات يعني أن تلد أول ما تلد بنتا والبكر أول الولد
وفي حديث آخر هذه البنات من ابتلى بهن فأحسن إليهن كن له سترا من النار والستر بالكسر
ما يستتر به أي حاجزا بينه وبينها إما بشفاعتهن أو تكفير السيئات بسبب الابتلاء بهن والاحسان
إليهن وفي حديث آخر من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنة قيل يا رسول الله واثنتين
قال واثنتين قيل واحدة قال وواحدة وفي عدة روايات عن أبي عبد الله (ع) البنات حسنات والبنون
نعمة والحسنات يثاب عليها والنعم يسأل عنها ويحنك بالتمر بأن يمضغ ويجعل في فيه موصلا بالسبابة
إلى حنكه وهو أعلى داخل الفم حتى يتحلل في حلقه أو ماء الفرات وهو النهر الذي حفره هوشنج
بالعراق أو ماء المطر والمروي في هذا الباب عن أمير المؤمنين (ع) حنكوا أولادكم بالتمر فكذا فعل
رسول الله صلى الله عليه وآله بالحسنين وعن أبي جعفر (ع) يحنك المولود بماء الفرات وفي رواية أخرى حنكوا أولادكم
بماء الفرات وتربة قبر الحسين (ع) فإن لم يكن فبماء السماء وينكشف منها أن الترديد في كلام المصنف
ليس على وجهه وكذا تبديل ماء السماء بماء المطر وما ذكره بعضهم من الاجتزاء بماء فرات أي عذب
ولو بخلطه بالتمر أو العسل ليعذب إن لم يكن عذبا كذلك ويؤذن في إذنه اليمنى بأذان الصلاة و
يقيم في إذنه اليسرى فإنها عصمة من الشيطان الرجيم كما ورد وفي أخرى خذ عدسة جلوشير فدفه
أي أخلطه بماء ثم قطر في أنفه في المنخر الأيمن قطرتين وفي الأيسر قطرة واحدة وأذن في أذنه
اليمنى وأقم في اليسرى تفعل به كذلك قبل قطع سرته ليرفع عنه أم الصبيان والفزع وأم الصبيان
علة تعتريهم أو الشيطان الذي يصيبهم وفي رواية الكناسي يقيم الصلاة في أذنه اليمنى فلا يصيبه
لمم ولا تابعة أبدا واللمم محركة الجنون والتابعة الجنية التي مع الانسان تتبعه حيث ذهب كذا
في الوافي ويقطع سرته بقاطع دون أن يشدها بخيط لتسقط فإنه لا يخلو عن غائلة ويميط
عنه الأذى حين تولده بالغسل بفتح الفاء أو ضمها كما سلف في الطهارة ولا يسأم ببكائه
وإن أسهر فإنه ذكر أربعة أشهر شهادة أن لا إله إلا الله وأربعة أشهر الصلاة على النبي وآله وأربعة
أشهر الدعاء لوالديه وفي حديث آخر بكاؤه لا إله إلا الله إلى أن يأتي عليه سبع سنين فإذا جاز
السبع فاستغفار لوالديه ويختن بقطع غلفته ذكرا كان أو أنثى في يومه السابع وإن أخر فلا
بأس وفي رواية لا تخفض الجارية حتى تبلغ سبع سنين ولا يترك فهو واجب للذكر باجماع العلماء
فإن لم يختن إلى أن بلغ ختن نفسه وقد تقدم أنه شرط لصحة الإمامة وهو مكرمة للأنثى ينضر
وجهها ويفتر شهوتها ويلذ الوقاع ويحبب إلى الزوج إذا لم يجحف فيه ويسمى فيه أن لم يسم قبله
فهو آخر أوقات التسمية لا أفضلها كما في المفاتيح كما يأتي ويكنى بأبي فلان أو أم فلان مخافة التبز
أن يلحق به كما ورد أما استحباب كونه يوم التسمية فغير معلوم وورد تكنيته نفسه كبيرا إن لم
يكن في صغره وليكن باسم ابنه إن كان له ابن وأما التلقيب فلا يظهر استحبابه من الروايات
بل ورد عن أبي عبد الله (ع) لا خير في اللقب إن الله يقول ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق
بعد الايمان ويحسن الاسم فهو أول ما يبر به الرجل ولده وهو من حق الولد على والده وأنه يدعى
به يوم القيامة قم يا فلان بن فلان والتعبيد أصدق وأسماء الأنبياء أفضل فعن أبي جعفر (ع)
أصدق الأسماء ما سمي بالعبودية وأفضلها أسماء الأنبياء وعن النبي صلى الله عليه وآله ما من أهل بيت فيهم
اسم نبي إلا بعث الله إليهم ملكا يقدسهم بالغداة والعشي والأولى محمد أو أحمد أو على أو الحسن أو
الحسين أو جعفر أو طالب أو عبد الله أو فاطمة من النساء فورد عن أبي الحسن (ع) لا يدخل الفقر بيتا فيه
أحد هذه الأسماء أو حمزة فورد عن أبي عبد الله (ع) أنه أحب الأسماء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله أو عبد الرحمن
أو حارثة أو همام فورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنها من خير الأسماء والأحب أن يسمى المولود أولا بمحمد فإذا
جاء يومه السابع فإن شاء غير وإن شاء ترك تأسيا بأهل البيت (ع) فعن أبي عبد الله (ع) لا يولد لنا
ولد إلا سميناه محمدا فإذا مضى سبعة أيام فإن شئنا غيرنا وإلا تركنا ويكره تسمية الحكم والحكيم
وخالد ومالك فورد عنه (ع) أنها من الستة أو السبعة التي لا يجوز أن يسمى بها وحارث فورد عن أبي جعفر (ع) أنه من أبغض الأسماء إلى الله ويس فورد عن أحدهما (ع) انكار الأذن فيه وهو اسم
النبي صلى الله عليه وآله وضرار ومرة وحرب وظالم فورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنها شر الأسماء والتكنية والتكني بأبي
الحكم وأبي مالك وبأبي عيسى مطلقا وبأبي القاسم إذا كان الاسم محمدا فورد أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن ذلك
ويسمى السقط كما سمى رسول الله صلى الله عليه وآله محسنا فإن جهل صفته من الذكورة والأنوثة فبما يصلح لهما
من الأسماء فورد في حديث أمير المؤمنين (ع) سموا أولادكم قبل أن يولدوا فإن لم تدروا ذكر
أم أنثى فسموهم بالأسماء التي تكون للذكر والأنثى فإن أسقاطكم إذا لقوكم يوم القيامة ولم تسموهم
يقول السقط لأبيه إلا سميتني وفي النبوي مثله وزاد قالوا يا رسول الله هذا من عرفناه أنه ذكر
297

سميناه باسم الذكور ومن عرفناه أنه أنثى سميناه باسم الإناث أرأيت من لم يستبن خلقه كيف
نسميه قال بالأسماء المشتركة مثل زايدة وطلحة وعنبسة وحمزة ومن آداب السابع أن يحلق فيه
رأسه تطهيرا له من شعر الرحم وإذا مضى فليس عليه حلق كما ورد ووقته بعد التسمية وليكن بلا
قزع فعن أبي عبد الله (ع) لا تخلفوا الصبيان القزع والقزع أن يحلق موضعا ويدع موضعا وفي
الحسن (ع) أنه كان يكره القزع في رؤس الصبيان وذكر أن القزع أن يحلق الرأس إلا قليلا و
يترك وسط الرأس يسمى القزعة قال المصنف في الوافي القزع بالتحريك قطع من السحاب واحدتها
قزعة سمي حلق بعض رأس الصبي وترك بعضه في مواضع متفرقة القزع تشبيها لذلك بقطع السحاب
وربما يقال القنازع كما في حديث آخر أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله بصبي يدعو له وله قنازع فأبى أن يدعو له وأمر
أن يحلق رأسه وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله بحلق شعر البطن ثم قال وكان المنهي عنه القزع والقنازع كما
هو ظاهر الأخبار أعني المتعدد منها دون القزعة والقترعة أعني الواحدة في وسط الرأس لما روي
أن الحسنين (ع) كان لهما ذؤابتان في وسط الرأس قال في النهاية في الحديث أنه نهى عن القنازع و
هو أن يأخذ بعض الشعر ويترك منه مواضع متفرقة لا تؤخذ كالقزع وفي القاموس وأما نهي
النبي صلى الله عليه وآله عن القنازع فهي أن يؤخذ الشعر ويترك منه مواضع وعلى هذا ينبغي تأويل الحسنة بأن
المراد بقوله قليلا القليل في المواضع المتفرقة ويكون قوله ويترك كلاما مستأنفا يفيد جواز
ترك الواحدة في وسط الرأس وهذا التأويل وإن كان بعيدا ولا يلائمه ما يوجد في بعض النسخ
من حذف قوله ويترك إلا أنه يقتضيه الجمع بين الأخبار انتهى وفيه أن ظهور الأخبار في أن المنهي عنه المتعددة دون الواحدة ممنوع لاحتمال كون الجمعية في روايتي القزع بسبب
جمعية الصبيان كجمعية الوجوه والرؤس في آية الوضوء وأما حديث القنازع فمورده واقعة
خاصة ولا ينفي الكراهة من غيرها وقد بين شعر البطن في تتمته بالنابت على رأس الصبي
في بطن أمه فإن حلقه تطهير له كما مر وهذا يرشدك إلى ما هو الصواب في وجه الجمع من تخصيص
الكراهة بما كان من شعر الرحم سواء كانت واحدة أو متعددة وهو المناسب للمبحوث عنه
من حقوق المولود وآداب سابعه وذؤابتا الحسنين (ع) غير معلوم كونهما من شعر البطن لاحتمال
كونهما من الشعر الحادث بعد ذلك بل هو ظاهر الروايات الكثيرة المتضمنة لأحوال ولادتهما وأن
رسول الله صلى الله عليه وآله حلق رأسيهما من غير تعرض لابقاء قزعة أو ذوابة في اليوم السابع على أن الظاهر
من تفسير الحسنة أن القزعة هو الشعر المتروك في أعلى الرأس وأطرافه محلوقة وأما الذؤابتان
في وسط الرأس فالظاهر أن المراد بوسط الرأس هنا هو منتصف الرأس ما بين مقدمه و
مؤخره فوق الصدغين يرسل شعره إذا طال عليهما من الجانبين وما بينهما من الأعلى محلوق
كما هو المعتاد في أكثر البلاد لا في مقدم الرأس على الناصية كما يفعله بعض العرب ولا في مؤخره
كما يفعله بعض ويخصون كلا باسم وربما يطلق على المجموع اسم القنازع تغليبا وقد يجمع بتخصيص
النهي بما إذا ترعرع الصبي وكبر دون ما قبله وله وجه معقول وربما يجمع باحتمال النسخ وهو بعيد
ويوزن شعره ويتصدق عنه على وزن شعره ذهبا أو فضة وفي الاجتزاء بغيرهما بالقيمة وجه
ويعق عنه بعد الحلق قبل التصدق ببدنة أو بقرة أو شاة وهي من مؤكدات السنن فورد في
روايتي علي بن أبي حمزة وأبي بصير وغيرهما عن أبي الحسن وأبي عبد الله (ع) أنها واجبة وبظاهرها
أخذ السيد مدعيا عليه الاجماع والصحيح عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع) كل امرء مرتهن يوم
القيامة بعقيقته والعقيقة أوجب من الأضحية ولا يجزي التصدق بثمنها فإن عجز عنها أخرها حتى
يتمكن منها وإن مات الصبي في السابع فإن كان قبل الظهر سقط وإن كان بعده لم يسقط
ولو لم يعق الوالدان عق الولد عن نفسه إذا بلغ وكذا إن لم يعلم أنه عق عنه وتجزي عنها الأضحية والمشهور استحباب كونها عن الذكر ذكرا وعن الأنثى أنثى لرواية محمد بن مارد عن أبي
عبد الله (ع) في حديث قال إن كان ذكرا عق عنه ذكرا وإن كان أنثى عق عنه أنثى والمصنف
وجماعة على التسوية فيهما لصحيحة منصور بن حازم وموثقة سماعة عنه (ع) العقيقة في الغلام
والجارية سواء وفيه ما فيه وأما كونها بصفات الأضحية فليس بظاهر من الروايات بل
في بعضها إنما هي شاة لحم ليست بمنزلة الأضحية يجزي فيها كل شئ وفي أخرى العقيقة ليست
بمنزلة الهدي خيرها أسمنها نعم وفي رواية عمار كبش وإن لم يوجد كبش أجزأ عنه ما يجزي في
الأضحية وإلا فحمل أعظم ما يكون من حملان السنة وتعطي القابلة ربعها وإن لم تكن قابلة
فلأمه تعطيه من شاءت وغيرها أنها تعطى ثلثها وفي أخرى الرجل مع الورك وفي حديث
علي بن الحسين (ع) أن النبي صلى الله عليه وآله عق عن الحسن يوم سابعه بكبشين أملحين وأعطى القابلة فخذا
ودينارا وحلق رأسه وتصدق بوزن الشعر ورقا وطلى رأسه بالخلوق وكذلك فعل
للحسين وإن كانت القابلة يهودية لا تأكل ذبيحة المسلمين أعطيت القيامة وإن كانت أم
الرجل أو في عياله فليس لها شئ ويطعم منها عشرة أشخاص من أهل الولاية وفي رواية عمار
فإن زاد فهو أفضل وفي رواية حفص يدعى نفر من المسلمين فيأكلون ويدعون له ولا يأكل
منها الأب ولا أحد من عياله ويتأكد في الأم فإن فعلت فلا ترضعه ويذكر الله عند ذبحها
بالمأثور وهو بسم الله وبالله اللهم عقيقة عن فلان لحمها بلحمه ودمها بدمه وعظمها بعظمه
اللهم اجعله وقاء لآل محمد صلى الله عليهم وفي رواية أخرى إذا أردت أن تذبح العقيقة قلت يا قوم
إني برئ مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا
298

من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت
وأنا من المسلمين اللهم منك ولك بسم الله والله أكبر اللهم صل على محمد وآل محمد وتقبل من
فلان بن فلان وتسمي المولود باسمه ثم تذبح وفي أخرى يقال عند العقيقة اللهم منك ولك
ما وهبت وأنت أعطيت اللهم فتقبله منا على سنة نبيك صلى الله عليه وآله وتستعيذ بالله
من الشيطان الرجيم وتسمى وتذبح وتقول لك سفكت الدماء لا شريك لك الحمد لله رب العالمين
اللهم أخس الشيطان الرجيم وعن أبي جعفر (ع) إذا ذبحت فقل بسم الله وبالله والحمد لله والله أكبر
ايمانا بالله وثناء على رسول الله صلى الله عليه وآله والعظمة لأمره والشكر لرزقه والمعرفة بفضله علينا أهل البيت فإن كان ذكرا فقل اللهم إنك وهبت لنا ذكرا وأنت أعلم بما وهبت ومنك ما أعطيت
وكل ما صنعنا فتقبله منا على سنتك وسنة نبيك ورسولك صلى الله عليه وآله وأخس عنا
الشيطان الرجيم لك سفكت الدماء لا شريك لك والحمد لله رب العالمين وعن أبي عبد الله (ع)
مثله وزاد اللهم لحمها بلحمه ودمها بدمه وعظمها بعظمه وشعرها بشعره وجلدها بجلده اللهم
اجعله وقاء لفلان بن فلان ولا يكسر العظم بل تفصل أعضاؤها وتطبخ وروي أن أفضل ما
يطبخ به ماء وملح ولا دلالة فيها على الحصر فلو أضيف غيرهما كان زيادة خير ويحافظ الولد بمراقبته
في أحواله وتثبيطه عن المعاطيب الدنية والنفسانية ولو كره ذلك ولا يشتمه فإنه يذهب
بالحياء ويوجب الجرأة عليه لا سيما سمي الأنبياء والأئمة (ع) فيكرم لأجلهم ويصان عن الشتم لا
سيما بالاسم مثل لعن الله فلأن لا سيما سمي رسول الله صلى الله عليه وآله وعن أبي عبد الله (ع) فيمن سمى
ابنه محمدا لا تسبه ولا تضربه ولا تسئ إليه وفي حديث آخر إذا سميتم الولد محمدا فأكرموه و
أوسعوا له في المجلس ولا تقبحوا له وجها وفيمن سمى ابنته فاطمة فلا تسبها ولا تلعنها ولا تضربها
ويلقنه كلمة التوحيد في أول ما ينطق كما يلقن في آخر ما ينطق وعن عبد الله بن فضالة عن
أحدهما (ع) إذا بلغ الغلام ثلاث سنين يقال له سبع مرات قل لا إله إلا الله ثم يترك حتى يتم
له ثلاث سنين وسبعة أشهر وعشرون يوما فيقال له قل محمد رسول الله سبع مرات ويترك
حتى يتم له أربع سنين ثم يقال له سبع مرات قل صلى الله على محمد وآل محمد ثم يترك له خمس سنين
ثم يقال له أيهما يمينك وأيهما شمالك فإذا عرف ذلك حول وجهه إلى القبلة ويقال له اسجد ثم يترك حتى
يتم له ست سنين فإذا تم له ست سنين صلى وعلم الركوع والسجود حتى يتم له سبع سنين فإذا
تم له سبع سنين قيل له اغسل وجهك وكفيك وإذا غسلهما قيل له صل ثم يترك حتى يتم له تسع
سنين فإذا تمت له علم الوضوء وضرب عليه وعلم الصلاة وضرب عليها فإذا تعلم الوضوء والصلاة
غفر الله لوالديه ويترك سبع سنين يلعب ليقضي نهمته منه فيتفرغ لغيره مضافا إلى ما في
ذلك من تصحيح بدنه عن الرطوبات التي تتحلل باسراع الحركات في الملاعب وتفتيح ذهنه في
الجملة باستنباط الدقايق واستعمال الفكرة في ذلك ومن ثم كان من أعدل الناس مزاجا وأدقهم
فكرا أكثرهم لعبا في صباه ويؤدب بالأمر والنهي والتهديد واللطم والضرب بحسب اقتضاء الحال
وتعليم الصنعة إن كان من أهلها سبعا في بعض الروايات ويعلمه الكتاب فيه وهو يحتمل القرآن
والأعم وصنعة الكتابة وكيف كان فهو من حقوق الابن خاصة دون البنت كبعض ما سيأتي
ويلزمه نفسه وفي رواية ويستخدمه سبعا فيتطلع على غالب أحواله أكثر الأوقات ويعلمه
الحلال والحرام فيه كما ورد وهو موافق لما تقرر في فنه من أن المولود في الأسبوع الأول من عمره
يتولى تدبيره القمر ومن ثم تتوارد عليه الحالات المختلفة وتكثر فيه الرطوبات وتتسارع إليه
الانتقالات والحركات ثم ينتقل في الأسبوع الثاني إلى تدبير عطارد وهو كوكب الفهم والأدب
والكياسة ثم في الأسبوع الثالث إلى تدبير الزهرة وهو كوكب العشق والطرب والميل إلى
اللذات والشهوات وتبدو فيه في كل أسبوع الغريزة المناسبة المدبرة فيعامل في كل
واحد بما تقتضيه مصلحة الحال وعن أبي عبد الله (ع) دع ابنك يلعب سبع سنين ويؤدب سبع
وألزمه نفسك سبع سنين فإن أفلح وإلا فإنه ممن لا خير فيه ويؤدبه على حب علي بن أبي
طالب (ع) فيروي له من مناقبه وفضايله صلوات الله عليه ما يرسخ في قلبه قبل أن يسبق
إليه محبة أعدائه فإنما قلب الحديث كالأرض الخالية ما ألقى فيها من شئ قبلته فيبادره
بالأدب قبل أن يقفل قلبه ويشتغل لبه كما ورد عنه (ع) وفي حديث جابر أدبوا أولادكم على
حب علي فمن أبى فانظروا في شأن أمه ويعلمه السباحة والرماية كما ورد الأمر به في النبوي و
غيره وكذا الكتابة والفروسية وفي كلام الحكماء من لا يحسن السباحة فهو نصف رجل و
كذا في الباقيات وفيه أيضا من لا يحسن النحو فهو نصف رجل واعلم أن الأخبار والفتاوى
ظاهرة في أن المؤنة في جميع ما يتوقف عليها من حقوق المولود مما ذكر وغيره إنما هي على
وليه المخاطب بالقيام بها ولا ريب في ذلك لو لم يكن للصغير مال كما هو الغالب أما لو فرض
ذا مال احتمل جواز جعلها من ماله كأجرة الارضاع وسائر النفقة لا سيما في الختان والتعليم
وأمثالهما مما تعلم مصلحته للصبي ولا سيما إذا لم يكن الولي واجدا والاحتياط لا يترك ومن
المستحبات المذكورة في المفاتيح وغيره ثقب إذنه وفي الصحيح وغيره أن ثقب إذن الغلام من
السنة وأن جبرئيل أمر رسول الله صلى الله عليه وآله في اليوم السابع بثقب أذن الحسين (ع) وأن رسول الله صلى الله عليه وآله
أمر فاطمة بذلك خلافا لليهود وأنه كان الثقب في الإذن اليمنى في شحمة الأذن وفي اليسرى في
أعلاه ويستحب أن يسوي بين الأولاد في الاهداء واللطف مع استوائهم في المقتضي فإن التفضيل
299

مما يوجب الشحناء والشين وورد أنه نظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى رجل له ابنان فقبل أحدهما وترك الآخر
فقال له النبي صلى الله عليه وآله فهلا واسيت بينهما ويبدء في البر بالأطفال والبنات فإنهم أرق قلبا وقد ورد
الأمر به في الرواية
باب القرابة بفتح القاف وتطلق على القريب وعلى وصلته والمراد هنا
الأول يجب انفاق الغني من العمودين الوالدين والولد على فقير العمود الآخر بالنص والاجماع
والغني هنا من يملك ما يفضل عن مؤنة يومه لنفسه ولزوجته إن كان متزوجا واحدة أو
أكثر والفقير المحتاج العاجز عن الاكتساب على الأظهر لأنه معونة لسد الخلة والمكتسب قادر
فهو كالغني ومن ثم منع من الزكاة والكفارة المشروطة بالفقر وحصول الحاجة بالفعل لا
يوجب الاستحقاق نعم يعتبر في الكسب كونه لائقا بحاله عادة ومنه تزويج المرأة بكفؤها ولا
يشترط نقصان الخلقة كالعمى والاقعاد ولا الصغر أو الجنون خلافا لمن شذ ولو بلغ حدا يمكن
أن يتعلم حرفة أو يحمل على الاكتساب فللولي حمله عليه والانفاق عليه من كسبه لكن لو هرب
عن الحرفة وترك الاكتساب في بعض الأيام فعلى الأب الانفاق عليه بخلاف المكلف و
يسقط إذا كان مملوكا لوجوبه على المولى ولا يسقط بالفسق أو الكفر كما في المفاتيح ولا تقدير
فيه بل الواجب قدر كفايته من الطعام والكسوة والمسكن والخادم وما يحتاج إليه من زيادة
الكسوة في الشتاء للتدثر نوما ويقظة وفي وجوب تحصينه خلاف والأكثر على الاستحباب و
كذا الخلاف في نفقة زوجته ويدخل في العمودين آباء الأبوين وأمهاتها وولد الولد على
المشهور وهو المراد بقوله وإن علوا أو سفلوا ولقد كان يغني أحدهما عن الآخر وإذا تعدد
الأغنياء أو الفقراء فأما أن يكونوا من الأصول أو الفروع أو بالتلفيق مع اتحاد المرتبة من القرب أو اختلافها
فالصور اثنتا عشر وجملة ما قرره المصنف في أحكامها أنه مع اتحاد المرتبة وفرض التعدد في طرف المنفق
يشرك بينهم بالسوية سواء كانوا من الأصول كجد وجدة أبويين أو أميين أو الفروع كولدين غنيين ذكرين
أو أنثيين أو بالتفريق وقيل بل هو على حسب الميراث وقيل بل يختص به الذكر أو منهما جميعا كأب و
ابن وإن فرض التعدد في طرف المنفق عليه كأب وأم متعددين أو أبوين وأولاد مع عدم السعة
للوفاء بالجميع ففي الاقتسام أو القرعة أو ترجيح الأحوج لصغر أو كبر أو مرض أوجه ومع اختلاف المرتبة
يراعي الترتيب الأقرب فالأقرب في كل من الطرفين فيختص بوجوب الانفاق الأبوان والولد دون
الجد والنافلة كما يختصان بوجوب الانفاق عليهم مع عدم السعة وفي حديث أمير المؤمنين (ع) أنه أتي
بيتيم فقال خذوا بنفقته أقرب الناس إليه من العشيرة كما يأكل ميراثه والمشهور تقديم الجد للأب و
إن علا على الأم في وجوب الانفاق لأنه أب ولو كان القريب معسرا فأنفق البعيد ثم أيسر المعسر تعلق
به الوجوب حينئذ ولا يرجع عليه المنفق بما سلف ولا قضاء له لو فات لعذر أو غيره لأنه مواساة
لسد الخلة كما علمت لا تمليك فلا يستقر في الذمة ونفقة الزوجة حيث تجب مقدمة عليه لأنها
إنما تجب على وجه المعاوضة عن البضع المبذول ومن ثم لا تسقط بغناها ونفقة خادمها حيث
تجب من جملة نفقتها كما أن نفقة خادمه ودابته الضروريين فمتأخرة عن الجميع كما صرحوا به
ويستحب الانفاق لسائر الأقارب وإن وجب كفاية من وجه آخر ولا سيما للوارث وهو أقرب
أقاربه والذي يرثه لو مات وهو حي وربما قيل بوجوبه فيه عينا ومورد الرواية الوارث
الصغير ويجوز النظر إلى جسد المحارم ما خرج عن الثياب وما بطن فيها ما عدا العورة بالكتاب
والسنة والاجماع وكذا يجوز النظر إلى وجوه الأجنبيات وأكفهن وأقدامهن كما مر لرواية مروك
بن عبيدة عن أبي عبد الله (ع) قال قلت ما يحل للرجال من المرأة أن يرى إذا لم يكن محرما قال الوجه
والكفان والقدمان ومنهم من اقتصر على الأولين كما ورد في تفسير قوله (تع) ولا يبدين زينتهن إلا
ما ظهر منها وكذا سماع صوتهن والجواز في الجميع مشروط بكونه من غير تلذذ ولا ريبة ومع ذلك
فلا يقعان إلا من غير المحتاط ولدوران الأمر فيهما بين الكراهة والتحريم فلا فرق بين المرة و
المرتين فما زاد ومنهم من كره الأولى وحرم الثانية كما مرت الإشارة إليه في النظر والخلاف
مختص بالأعضاء الثلاثة دون شعورهن وسائر أبدانهن فإنه يحرم النظر إليها مطلقا بالاجماع
إلا لضرورة كشهادة أو معالجة أو معاملة ليعرفها إذا احتاج إليها أو نحو ذلك فيتخصص حينئذ
بما تندفع به الحاجة كساير الاضطراريات أو إذا كانت من القواعد من النساء اللاتي لا يرجون
نكاحا فلا جناح عليهن أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة كما في الآية وهن العجايز البالغات
حدا تنتفي الفتنة والتلذذ بنظرهن غالبا وفسرت الثياب في بعض الروايات بالجلباب وفي
بعضها بالجلباب والخمار فيجوز النظر إلى ما ينكشف منهن بوضعه وقد وقع التصريح بجواز النظر
إلى شعورهن وفي بعضها واستثنى في المفاتيح أيضا الصغيرة التي ليست مظنة الشهوة ووردت
الرخصة في النظر إلى شعور نساء أهل الذمة وأيديهن وفي أخرى لا بأس بالنظر إلى رؤس نساء
أهل تهامة والأعراب وأهل السواد والعلوج لأنهن لا ينتهين إذا نهين والمجنونة والمغلوبة
على عقلها ولا بأس بالنظر إلى شعرها وجسدها ما لم يتعمد ذلك وكذا نظر المملوك إلى شعر مولاته
وساقها والورع يحتاط عن الخلاف في الجميع وكذلك حكم المرأة في نظرها إلى الرجال وسماع أصواتهم
وليس لها أن تنظر إلى ما عدا ما ذكر من الخصي والمملوك وبالعكس بأن ينظر إليها مطلقا أخذا باليقين
وإن كان في أدلة التحريم من القصور ما يعرفه الناظر سيما في الخصي المقطوع الذكر والخصيين لدخوله
في غير أولي الإربة من الرجال
كتاب المعيشة بسم الله الرحمن الرحيم المعيشة ما يعيش به
الانسان من المطعم والمشرب وما به الحياة وتوسع فيها المصنف بأدراج بعض المناسبات أو استطرادها
300

تتميما للفائدة
باب الطعام وهو بفتح الطاء ما يؤكل والمراد هنا ما يعم المشروب وجميعه بأنواعه
كساير ما في الأرض مخلوق لمنافع العباد لتطيب نفوسهم بما يلائمهم ويحفظ عليهم الحياة و
كمالاتها من صحة البدن والعقل الذي هو أشرف الخواص الانسانية فإن الله خلق ابن آدم أجوف
لا بد له من الاغتذاء لولا ذلك لانتهك البدن بما فيه من القوة المحللة واختلت الحواس في أقرب
وقت والهمة دون سائر الحيوان علاج الأغذية الصناعية وتركيب بعض الأعيان ببعض توسعة
في النفع وتوفيرا في المصلحة قال الله سبحانه خلق لكم ما في الأرض جميعا وهو مما يستدل به على أصالة الإباحة
فما طاب منه عرفا بحيث لا يستكرهه نفوس أوساط الناس في حال الاختيار وطهر شرعا فهو حلال
بالأصل وإن عرضه التحريم أحيانا إلا ما ورد النص بحرمته سواء ورد النص بحله أم لا لعموم قوله تعالى
أحل لكم الطيبات وقوله يحل لكم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث وقول أبي عبد الله (ع) كل شئ مطلق
حتى يرد فيه نهي خلافا لمن جعل الأصل التحريم أو التوقف وهو أيضا قول بالتحريم من حيث لا يشعر
القائل وما خبث عرفا كالفضلات كالوسخ والمخاط ونحوهما أو أضر بشئ مما ذكر فهو حرام سواء
كان ضرره بالحياة كالسموم القاتلة وهي الأعيان المشتملة على كيفية ردية من حرارة أو برودة
مفرطتين أو صورة نوعية معاندة لجوهر الروح بحيث إذا خالطت البدن لا بد أن يستفرغ أحدهما
سواء كانت نباتية كالأفيون والبيش أو حيوانية كالذراريح والأرنب البحري أو معدنية كالزاج
والزرنيخ أو بالصحة كالطين فورد عن أبي جعفر (ع) أن أكله يورث السقم في الجسد ويهيج الداء وأنه يوقع
الحكة ويورث البواسير ويذهب بالقوة من الساقين والقدمين وما نقص من علمه فيما بينه وبين
صحته قبل أن يأكله حوسب عليه وعذب به وفي النبوي وغيره من أكل الطين فمات فقد أعان على نفسه
وفي حكمه المدر وإن كان أقل غائلة منه وقد ورد النهي عنه في بعض الأخبار والتراب يشاركه في
التأثير أو يربو عليه ومن ثم قطع بعضهم باشتراكه معه في الحكم فيلزم انسحابه إلى كثير من الأغذية
التي تترتب عليها آثار غير محمودة من المفردات والمركبات كما دونه المجربون ولا سيما على مساق
كلام المصنف حيث جعل مناط التحريم الاضرار بالصحة وذكر الطين بطريق التمثيل وهو مشكل
جدا إلا أن يقال بعد تسليم ما دونوه أن ما عداه وإن اشتمل على بعض أنواع الضرر إلا أنها
لا تخلو عن بعض أنواع النفع كما دونوه أيضا ولا أقل من اغتذاء البدن به حيث يصلح بدلا عما يتحلل
منه بخلاف الطين فمن ثم حرم دونها ولا فرق بين كثيره وقليله حسما لمادة الفساد كما هو
المعهود في مثله من محاسن الشرع إلا إلى قدر حمصة فما دون من طين قبر الحسين (ع) للاستشفاء
من غير شهوة لأكل الطين فإنه شفاء من كل داء وأمان من كل خوف كما ورد والروايات في ذلك
كلها واردة بلفظ الطين إلا مرسلة الشيخ في المصباح فبلفظ التربة وهي المتضمنة للتقدير بقدر
الحمصة وهو قرينة أن المراد به الطين أيضا فتعدية الرخصة إلى التراب كما فعله بعضهم خروج
عن اليقين والمراد بطين الحسين (ع) ما جاور قبره الشريف عرفا أو ما حوله إلى سبعين ذراعا
وروي أربعة أميال وأربعة فراسخ وثمانية وورد في الطين الأرمني جواز الاستفاف به
مقلبا للزحير وفي بعض الروايات أنه من طين قبر ذي القرنين وأن طين قبر الحسين (ع) خير
منه وروي الاستشفاء بطين قبر رسول الله صلى الله عليه وآله والحسن والسجاد والباقر (ع) لكنها خالية عن
رخصة الأكل محتملة لغيره من طرق الاستشفاء فليقتصر على مورد النص أو بالعقل الذي هو مناط
التكليف كالمسكر وهو كل ما اشتمل على كيفية توجب السكر في غالب الأمزجة والسكر كيفية نفسانية
موجبة لانبساط الروح تتبع استيلاء الأبخرة الحارة الرطبة المتصاعدة إلى الدماغ على بطونه
بسبب عروض ما يوجبه وربما يتعطل معه لشدته الحس والحركة الإرادية أيضا وقد يخص
الأخير باسم الاغماء والمعتبر في التحريم اسكار كثيره عادة فيحرم قليله ولو مستهلكا حسما للمادة
وقد استفاضت النصوص بأن ما أسكر كثيره فقليله حرام مايعا كان كالخمر أو جامدا
كالبنج وما ألحق به في الروايات كالفقاع فورد أنه خمر مجهول وأنه الخمر بعينها وأن حده حد شارب
الخمر وهو كرمان الشراب المتخذ من الشعير حتى يوجد فيه الغليان بأن يتحرك فينقلب أسفله
أعلاه ولا يحرم بدونه كما في صحيحة ابن أبي عمير عن مرازم قال كان يعمل لأبي الحسن (ع) الفقاع
في منزله قال ابن أبي عمير ولم يعمل فقاع يغلي وذكر بعض المعتنين بهذا الشأن أنه شراب يتخذ
من مياه الحبوب والأثمار الرطبة واليابسة إذا نقعت ويضاف عليها من الأبازير و
العقاقير ما يصلحها ويعدل مزاجها ولا يختص بالشعير ولا بالزبيب كما ذكره آخرون وأنه إن قصد
تسخينه كثيرا ترك حتى يغلي وربما زيد عليه العسل أو الأبلوج وإلا استعمل قبل ذلك ولا يكاد
يسكر إلا إذا غلى كثيرا وتقادم به العهد وأبردها وأقلها غائلة فقاع الشعير وكذا العصير العنبي إذا
غلى واشتد قبل أن يذهب ثلثاه فهو حرام إلا أن يستحيل خلا والعبارة باطلاقها شاملة للغليان
بالنار والشمس وغيرهما وكذا النصوص إلا أنها خالية عن اشتراط الاشتداد ومن ثم اقتصر في
المفاتيح على الأول ولا يبعد ادعاء التلازم بينهما فإن الحرارة المؤثرة فيه بالغليان لا بد أن تحلل
شيئا من أجزائه الرقيقة المائية وتصعدها أبخرة هوائية كما هو ظاهر وعن التقييد بالعنبي
بل موردها مطلق العصير كصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) كل عصير أصابته النار
فهو حرام حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه وحسنة حماد بن عثمان عنه (ع) لا يحرم العصير حتى يغلي و
نحوهما ومن ثم لم يقتصر بعض الأصحاب على العنبي بل أجرى الحكم في التمري والزبيبي أيضا وأما
بقية أنواع العصير كالربوبات والمياه المعتصرة من الفواكه والبقول فقد نقل رهط من المحققين
301

الاجماع على خروجها عن هذا الحكم وأن الغليان والاشتداد لا يخرجانها عن حكم الأصل كما نقلوا
الاجماع في العنبي على خروجه عنه بالأمرين وتوقف عوده إليه على أحد الأمرين فصارت أنواع
العصير بحسب البحث عنها ثلاثة أقسام آ ما أجمعوا على عروض التحريم والإباحة له بما ذكر وهو
العنبي ب ما أجمعوا على بقائه على الإباحة وعدم عروض التحريم له بما ذكر وهو ما عدا الأنواع
الثلاثة ج ما اختلفوا فيه وهو الزبيبي والتمري والخلاف في الزبيبي أقوى منه في التمري و
أسنده صاحب الدروس إلى بعض مشايخه المعاصرين له وبعض الفضلاء المتقدمين وقد توافق
كثير من المشايخ الذين عاصرناهم أو قاربناهم من العاملين بالأخبار على التصريح بتساويهما للعنبي
من غير فرق عملا بالعمومات المذكورة وخصوص حسنة زرارة عن أبي جعفر (ع) في حديث غرس النخلة و
مشارطة نوح (ع) ثلثيها لإبليس فإذا أخذت عصيرا فطبخته حتى يذهب ثلثاه نصيب الشيطان فكل و
اشرب وفي بعض نسخ الحديث بدل النخلة الحبلة أي الكرم وهكذا نقله المصنف في الوافي فتخرج عن
المقصود بل تقرب من الدلالة على خلافه وموثقة عمار عن أبي عبد الله (ع) عن النضوح المعتق كيف
يصنع حتى يحل قال خذ ماء التمر فاغله حتى يذهب ثلثاه وموثقته الأخرى عنه (ع) في الزبيب كيف يحل
طبخه حتى يشرب حلالا فأمره أن ينقع الزبيب إلى أن قال ثم توقد تحته النار حتى يذهب ثلثاه و
يبقى ثلثه وعن عمار أيضا قال وصف لي أبو عبد الله (ع) المطبوخ كيف يطبخ حتى يصير حلالا فقال تأخذ
ربعا من زبيب الحديث قريبا مما مر وعن علي بن جعفر عن أخيه (ع) قال سألته عن الزبيب هل يصلح أن
يطبخ حتى يخرج طعمه ثم يؤخذ ذلك الماء فيطبخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ثم يرفع ويشرب منه
السنة فقال لا بأس به وتعليق الحل والصلوح على ذهاب الثلثين وإن كان في كلام السائل
إلا أن الحجة في تقرير المعصوم وفي كتاب زيد الترسي وهو من الأصول القديمة أنه سأل أبو عبد
الله (ع) عن الزبيب يدق ويلقى في القدر ويصب عليه الماء ويوقد تحته فقال لا تأكله حتى يذهب الثلثان
ويبقى الثلث فإن النار قد أصابته قلت فالزبيب كما هو يلقى في القدر ويصب عليه ثم يطبخ ويصفى
منه الماء فقال كذلك هو سواء إذا أدى الحلاوة إلى الماء وصار حلوا بمنزلة العصير ثم نش من غير أن تصيبه النار فقد حرم وكذلك إذا أصابه النار فأغلاه فقد فسد ودعوى اختصاص العصير
بالعنبي فيحمل سور الرواية الأولى على عموم الأفراد دون الأنواع غير ثابتة والاحتجاج له بلزوم
التخصيص الكثير باخراج أكثر أنواع الموضوع لولا ذلك لاندارجها جميعا تحت الجنس فلا بد من التزام وضع خاص حذرا عن التزام ما منع منه أكثر المحققين بعد تسليمه ممنوع باحتمال أن يكون الوضع الخاص بإزاء الأنواع الثلاثة جميعا دون الأول خاصة والطعن في أسانيد الروايات
الخاصة أو ارتكاب التكلف في تأويلها موقوف على وجود المعارض الخاص وهو مفقود
فليؤخذ باليقين والاحتياط للدين وهل المعتبر من ذهاب الثلثين ما كان بحسب الكيل أو الوزن
كل محتمل والروايات في ذلك متعارضة والأحوط اعتبار الأخير ومن الحيل في الباب ما تضمنته
رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (ع) في رجل أخذ عشرة أرطال من عصير العنب فصب عليه عشرين
رطلا من ماء ثم طبخها حتى ذهب منه عشرون رطلا وبقي منه عشرة أرطال أيصلح شرب تلك العشرة
أم لا فقال ما طبخ على الثلث فهو حلال وما قيل من أن الأجزاء المائية بسبب لطافتها أسرع ذهابا
فيكون أكثر الذاهب منها ولا يتحقق ذهاب ثلثي العصير فينبغي صرف الحديث إلى معنى عدم حصول الحل
نظير ما لو سئل عن الماء القليل الملاقي النجاسة وأجيب بأنه إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ
لظهور خروج الصورة المسؤولة عما هو مناط الحكم في الجواب فتشكيك لا يلتفت إليه إذ بعد الخلط
المذكور إما أن يصدق على المجموع أنه عصير أم لا فعلى الأول يكفي فيه ذهاب الثلثين وهو نظير
ما لو سئل عن الماء الكثير الملاقي للنجاسة وأجيب بما ذكر في ظهور اندراج الصورة المسؤولة
في مناط الحكم وعلى الثاني لا يشترط فيه ذهاب الثلثين لأنه إنما يشترط في العصير خاصة وجميع
ما ذكر من المحرمات إنما يحرم حالة السعة والاختيار أما مع الاضطرار فيحل تناول ما تندفع
به الضرورة منها وربما قيل بوجوب ذلك واستثناء الاضطرار فيما عدا الطين والخمر موضع وفاق
وإنما الخلاف فيهما سيما الخمر فإن الروايات فيها متعارضة وقد ترجح التسوية بأن إباحة الميتة
والدم ولحم الخنزير للمضطر في الآيات الكريمة مع أن تحريمها أغلظ وأفحش من تحريمهما تقتضي ذلك
بطريق أولى وفيه منع الأولوية أولا سيما في الأخير والعمل بها ثانيا واختلفوا أيضا في الضرورة
المبيحة هل هي خوف التلف خاصة أو يندرج فيها التداوي لطلب العافية ونحوها والمصنف
على الأول وإن كان كلامه في المفاتيح متهافتا جدا وهذا أيضا من مواضع الافراط والتفريط
ومما ورد فيه النص بالرخصة ونقل عليه الاجماع الاستسقاء ببول الإبل وورد فيمن كان له
دواء فأمر بشرب البول إن كان مضطرا إلى شربه ولم يجد دواء لدائه فليشرب بوله أما بول غيره
فلا ومن أنواع الحيوان البري يحرم بالذات النجسان الكلب والخنزير وكل سبع حتى السنور أهليا
أو وحشيا وهو من الوحش والطير ماله ناب من أسنانه وهي التي تكتنف الرباعيات ولا تجتمع
مع القرن أو له مخلب بكسر الميم أي ظفر يفرس به قويا كان كالأسد والبازي أو ضعيفا كالثعلب
والنسر والنصوص بذلك مستفيضة وورد في الطير أيضا النهي عن الذي يصف أي يطير مبسوط
الجناحين من غير أن يحركهما دون ما يدف أي يحركهما حالته كأنه يضرب بهما دقه أي جنبه ففي عدة
روايات كل ما دف ولا تأكل ما صف وفي حديث إن كان يصف ويدف فكان دفيفه أكثر من
صفيفه أكل وإن كان صفيفه أكثر من دفيفه فلا يؤكل وفي حديث أمير المؤمنين (ع) تنزهوا
302

عن أكل الطير الذي ليس له قانصة ولا حوصلة ولا صيصية والقانصة واحدة القوانص وهي للطير
بمنزلة المصارين لغيره والحوصلة له بتشديد اللام وتخفيفها مكان المعدة لغيره يجتمع فيه الحب
وغيره من المأكول والصيصية بكسر أوله من غير همز هي الإصبع الزائدة في باطن رجل الطاير بمنزلة
الابهام في بني آدم لأنها شوكته ويقال للشوكة صيصية أيضا والمعتبر في التحريم انتفاء الجميع و
الظاهر تلازم العلامات الثلاث ومن ثم وردت في الرواية مفرقة فيصح الاكتفاء في الحكم بظهور
بعضها مع خفاء الباقي وفي موثقة سماعة كل ما صف فهو ذو مخلب وهو حرام وكل ما دف فهو
حلال والقانصة والحوصلة يمتحن بهما من الطير ما لا يعرف طيرانه وكل طير مجهول وجميع ما ورد
النص بتحريمه فهو داخل فيما ذكر أو المسوخات كما يأتي وجميع ما ورد النص بإباحته فهو خارج عنها
واختلفت النصوص بالخصوص في الغراب والشيخ في النهاية وكتابي الحديث على كراهته مطلقا
وفي الخلاف على تحريمه كذلك محتجا بالأخبار واجماع الفرقة وفي المبسوط على تحريم الأسود الكبير
والأبقع وإباحة الزاغ وهو غراب الزرع والغداف وهو الأغبر الرمادي وتبعه على كل منها
جماعة والاجتناب مطلقا أحوط لأنهما جميعا من ذوات المخلب كما قيل ويستوي فيما ذكر طير البر
والبحر وأما غير الطير من الحيوان الذي على صورة السمك من حيوان البحر فقد نقلوا الاجماع
على تحريمه مطلقا ولم يجد المصنف له مستندا ومن ثم نسبه في المفاتيح إلى القيل مع عمومات
الإباحة ومرسلة الصدوق عن أبي عبد الله (ع) كل ما كان في البحر مما يؤكل في البر مثله فجايز
أكله وكل ما كان في البحر مما لا يجوز أكله في البر لم يجز أكله وبمضمونها أفتى بعض المتأخرين و
فيما ليس له فلس من السمك لا أولا ولا آخرا قولان أشهرهما التحريم عملا بروايات المنع و
حملا لما يعارضها على التقية ومنهم من جمع بينها بحمل الأولة على الكراهة وإليه ميله في المفاتيح
ومن ثم بناه هنا على الاحتياط ولا سيما في الجرئ بكسر الجيم والراء المهملة وتشديدها والباء
أخيرا ويقال الحريث فإن تحريمه كاد يكون اجماعا بل نقل عليه السيد الاجماع والصحاح به مستفيضة
وفي بعض الأخبار أنه من المسوخات كما يأتي ويحتمل تعليق الجار إلى ما قبله أيضا وأما ما له الفلس أولا
وآخرا كالشبوط أو أولا فقط كالكنعت ويقال الكنعد فإن له فلسا ضعيفا ربما يحتك بالرمل
فيكشط عنه فحله من ضروريات الدين وتحرم الحشرات كلها وهي الدواب الصغار واحدها
حشرة بالتحريك سواء كانت من ذوات السموم كالحيات والعقاريب أو غيرها
كالخنافس والبراغيث والقمل والصراصر وبنات وردان والزنابير والبق ونحوها من
الخبائث بلا خلاف وكذا المسوخات كلها والمسوخ جمع مسخ بكسر الميم أو فتحها مثل فلوس
أو دروب يقال مسخه الله أي حول صورته إلى أخرى أقبح وجمعه بالألف والتاء من الألفاظ
العامية والمتحصل من الروايات في أنواعها ثلاثون الفيل وكان جبارا زانيا لوطيا ينكح البهائم
والذئب وكان أعرابيا ديوثا والدب وكان مخنثا يدعو الرجال إلى نفسه وفي رواية أخرى ديوثا
وفي أخرى سارقا يسرق الحاج والأرنب وكانت امرأة قذرة تخون زوجها ولا تغتسل من حيض
ولا جنابة والعقرب وكان همازا لا يسلم من لسانه أحد وفي بعض الروايات نماما يغري بين الناس
بالعداوة والعنكبوت وكانت امرأة سحرت زوجها وفي أخرى سيئة الخلق عاصية لزوجها
مولية عنه وفي أخرى خائنة له والدعموص بضم الدال وهو سمكة صغيرة كحية الماء وكان
نماما يقطع بين الأحبة وفي رواية أخرى كان رجلا إذا جامع النساء لم يغتسل من الجنابة
ويترك الصلاة فجعل الله قراره في الماء إلى يوم القيامة من جزعه عن البرد والجري وكان
ديوثا يجلب الرجال على حلائله وفي حديث آخر كان رجلا من التجار يبخس الناس في المكيال
والميزان والضب وكان أعرابيا يسرق الحاج بمحجنه وفي رواية أنه كان رجلا من الأعراب
خيمثه على ظهر الطريق وكان إذا مرت القافلة تقول له يا عبد الله كيف يؤخذ الطريق إلى
كذا وكذا فإن أراد القوم المشرق ردهم إلى المغرب وإن أرادوا المغرب ردهم إلى المشرق
تركهم يهيمون لم يرشدهم إلى سبيل الخير وفي رواية أخرى أن الجري والضب فرقة من بني
إسرائيل حين نزلت المائدة على عيسى (ع) لم يؤمنوا به فتاهوا فوقعت فرقة في البحر و
فرقة في البر والوطواط وهو الخفاش وكان سارقا يسرق الرطب من رؤس النخل و
في أخرى امرأة سحرت ضرة لها فمسخها الله خفاشا والقردة والخنازير وهم قوم من
بني إسرائيل اعتدوا في السبت وفي رواية الخنازير هم النصارى حين سألوا المائدة
فكانوا بعد نزولها أشد ما كانوا تكذيبا وسهيل والزهرة وهما دابتان من دواب البحر
المطيف بالدنيا وكان سهيل عشارا باليمن والزهرة امرأة نصرانية لبعض ملوك بني
إسرائيل وهي التي تقول الناس أنه افتتن بها هاروت وماروت والزنبور وكان لحاما
يسرق في الميزان والطاوس وكان رجلا جميلا فكابر امرأة رجل مؤمن تحبه فوقع بها ثم
راسلته بعد فمسخهما الله طاووسين أنثى وذكرا والبعوض وكان رجلا تستهزئ بالأنبياء
والقمل وكان نبي من أنبياء بني إسرائيل قائما يصلي إذ أقبل إليه سفيه من سفهاء بني
إسرائيل فجعل يهزء به ويكلح في وجهه فما برح من مكانه حتى مسخه الله قملة والوزغ وكان
سبط من أسباط بني إسرائيل يسبون أولاد الأنبياء ويبغضونهم فمسخهم الله أوزاغا والقنفذ وكان
سئ الخلق وفي أخرى أنه كان من صناديد العرب إذا نزل به الضيف رد الباب في وجهه ويقول
لجاريته أخرجي إلى الضيف فقولي له أن مولاي غايب عن المنزل فيبيت الضيف بالباب جوعانا
303

ويبيت أهل البيت شباعا محضبين والمار ما هي والزمير كسكيت ويقال الزمار بكسر الزاي
وتشديد الميم أيضا نوع من السمك وهما من طائفة بني إسرائيل التي أخذت البحر والوبر بفتح الواو
وسكون الباء دويبة أصغر من السنور طحلاء اللون تقيم في البيوت والورل بفتح الواو والراء و
اللام في آخره دابة على خلقة الضب إلا أنه أعظم منه وهما من التي أخذت البر والفأر وهو
من أسباط اليهود الذين غضب الله عليهم وهي الفويسقة والحية والخنفساء والعنقاء والكلب و
العظاية بكسر العين وهي دويبة أكبر من الوزغ تشبه السام أبرص وزاد الصدوق النعامة و
السرطان والسلحفات والثعلب واليربوع وغيره أشياء أخر ولم نقف على مأخذها وروى الصدوق
أن المسوخ لم يبق أكثر من ثلاثة أيام وهذه الحيوانات مثل لها وحرم الله لحومها لئلا يستخف
بعقوبته ويحرم من الحيوان بالعرض موطوء الانسان لحما ونسلا كما سلف في باب الحد والتعزير
وموضوع الحكم ثمة البهيمة وهو أوفق بالروايات لأن موردها الشاة والبقرة والناقة والبهيمة
ومرادفة البهيمة لمطلق الحيوان غير ثابت لنص كثير من أئمة الفقه واللغة على أنها ذات القوايم
الأربع خاصة كما مر فتخرج عنها الطيور والسموك ومع ذلك فهي إنما تضمنت تحريم خصوص اللحم و
اللبن والمصنف تبع الجماعة في تحريم النسل أيضا في الموضعين وهم أعلم بمأخذه وأعجب من
ذلك أنه نسبه في المفاتيح إلى النص وشارب لبن الخنزير المتقوي به بنبات اللحم واشتداد العظم
كذلك يحرم لحمه ونسله ولو فحلا والمستند رواية حنان وغيرها إلا أن موردها جميعا الحمل و
الجدي خاصة فإن استندوا في تعدية الحكم إلى غيرهما إلى المساواة في المعنى فبعد التسليم يلزمهم
مثله في لبن الكلب مع أنه خلاف ما صرحوا به من الاقتصار على مورد النص ويحرم الحيوان
الجلال وهو المغتذي بمحض عذرة الانسان خاصة عند الأكثر ومطلق النجاسة عند بعضهم
أو ما يكون أكثر طعامه ذلك حتى ينمو في بدنه أو يوما وليلة أو إلى أن يظهر نتنها في لحمه أو جلده
أو إلى أن يسمى في العرف جلالا على اختلاف الأقوال والمستفاد من الروايات إنما هو اعتبار تمحض
العذرة لا غير وتحريم الأول من هذه الثلاثة كالذاتيات ويحل الأخيران بالاستبراء أما
شارب لبن الخنزير فالمروي فيه عن أبي عبد الله (ع) أن أمير المؤمنين سئل عن حمل غذي
بلبن الخنزير خنزير فقال قيدوه وأعلفوه الكسب والنوى والشعير والخبز إن كان استغنى عن
اللبن وإن لم يكن استغنى عن اللبن فيلقى على ضرع شاة سبعة أيام والمشهور حملها على الاستحباب
وتخصيصها بغير المتقوي به ذهابا منهم إلى أن الاستبراء لا يجدي فيه لاطلاق الروايات الناهية
وبه جمعوا بين الأخبار ويمكن الجمع بحمل المناهي على ما قبل الاستبراء وتخصيصه بصورة التقوى أو
تعميمه وجوبا واستحبابا ويكون الحيوان قبله مع التقوي حراما ومع عدمه مكروها وكلامه في
المفاتيح ظاهر في موافقة الجماعة وإن كان لا يخلو عن تشابه وأما الأخير فالمروي في الإبل أربعون
يوما وفي البقرة عشرون وروي ثلاثون والشاة عشرة وروي سبعة وأربعة عشر وفي التهذيب
في رواية مسمع في البقرة أربعون وفي الشاة خمسة وكأنهما سهو والبطة ثلاثة وروي خمسة و
ستة وسبعة والدجاجة ثلاثة والسمكة يوم إلى الليل ويوم وليلة ومن اعتبر أكثر الأمرين
من المقدرات المذكورة وزوال الجلل عرفا فقد أخذ باليقين وتحرم الميتة وهو الحيوان الزاهق
روحه بغير التذكية المعتبرة شرعا وفي حكمها الأجزاء التي تحلها الحياة إذا أبينت من حي بلا خلاف
وكذا الدم إلا ما يتخلف في تضاعيف لحم المذبوح بعد القذف المعتاد كما سلف والطحال بكسر الطاء
في معنى الدم لأنه مجمع الدم الفاسد السوداوي والفرث بفتح الفاء وهو الروث في جوف الذبيحة
وهو من الخبائث وكذا القضيب والأنثيان بلا خلاف في الجميع والأحوط اجتناب المرارة بفتح
الميم مجمع الصفراء كأنه كيس معلق مع الكبد والحدق بكسر الحاء ففتح الدال جمع حدقة بالفتحات
وهو الناظر من العين لا جسم العين كله والمشيمة بفتح الميم بيت الولد والفرج الحياء ظاهره و
باطنه والمثانة بفتح الميم مجمع البول والنخاع مثلث النون الخيط الأبيض في وسط الفقار من العنق
إلى عجب الذنب ينظم الخرز وهو موضع الماء الدافق من كل ذكر وأنثى والعلباء بالمهملة المكسورة
فاللام الساكنة والألف الممدودة بعد الباء الموحدة تثنيتها علبا وإن وهما عصبتان عريضتان يضرب
لونهما إلى الصفرة ممدودتان بامتداد النخاع وقد ورد النهي عن جميعها في الروايات وفي رواية
إسماعيل بن مرار والغدد مع العروق والغدد بضم الغين جمع غدة وهي رطوبة مجتمعة متصلبة
في اللحم وتكثر في الشحم وعن أمير المؤمنين (ع) أنها تحرك عرق الجذام وعدها بعضهم من الخبائث و
أما العروق فالظاهر أن المراد منها العروق الظاهرة كالأوردة والشرايين دون المبثوثة في
البدن المملو خللها باللحم فإن الاحتراز عنها عسر جدا وقد تضمنت النهي عن الخرزة الدماغية
وهي المخ الكائن في وسط الدماغ شبه الدودة بقدر الحمصة تقريبا يخالف لونها لونه وهي
تميل إلى الغبرة وفي بعضها زيادة أذني القلب أيضا وكلها متشاركة في ضعف السند ومن ثم
اختلفت فيها الأقوال والذي اختاره في المفاتيح موافقة المحقق في تحريم المرارة والمشيمة و
المثانة لاستخباثها وكراهة البواقي ويحل ما وراء ذلك من الحيوانات وأجزائها وسائر الطيبات
الغير المضرة سواء كان مما ورد النص بخصوصه بحله أم لا بناء على أصالة الحل كما علمت ويكره
من الحيوان الحمول الثلاثة الخيل والبقال والحمير وفي التعبير بهذا العنوان إيماء إلى علة الحكم وهي
الحاجة إلى ظهورها وإلى اختصاصه بالأهلية فإن الوحشية ليست حمولة لا مركوبة ولا محمولة
والقول بتحريم البغل شاذ ومستنده محمول على شدة الكراهة وقيل الأشد كراهة الحمار
304

والخطاف بضم الخاء وتشديد الطاء وهو الصنونو وهو مما يدف وفي رواية عمار عن أبي عبد الله (ع)
هو مما يحل أكله ولكن كره أكله لأنه استجار بك وآوى في منزلك وكل طير يستجير بك فأجره و
حرمه بعضهم مدعيا عليه الاجماع وهو ممنوع إلا أن يثبت كونه من المسوخات كما سبق والهدهد
وقيل بتحريمه أيضا والقبرة بضم القاف وتشديد الباء مفتوحة بادغام النون بينهما وقد لا تدغم
والصرد بضم الصاد وفتح الراء وهو طاير ضخم الرأس يصطاد العصافير له برثن عظيم أبقع نصفه
أسود ونصفه أبيض لا يقدر عليه أحد وهو شرير النفس شديد النفرة غذاؤه من اللحم وله
صفير مختلف يصفر لكل طاير يريد صيده بلغته فيدعوه إلى التقرب منه فإذا اجتمعن إليه
شد على بعضهن وله منقار شديد فإذا نقر واحدا قده من ساعته وأكله وماويه الأشجار
وأعالي الحصون ورؤس التلاع وقيل بتحريمه أيضا والصوام بضم الصاد وتشديد الواو
طاير أغبر اللون طويل الرقبة أكثر ما يبيت في النخل كذا فسره الأصحاب والمفهوم من الروايات
وكلام أكثر اللغويين وعلماء الحيوان أنه الصرد وهو أول طير صام لله وفي رواية صام
يوم عاشورا والشقراق بفتح الشين وكسر القاف وتشديد الراء وبكسر الشين أيضا و
كقرطاس ويقال الشرقراق بالفتح والكسر والشرقرق كسفرجل طاير مرقط بخضرة وبياض
ويسمى الأخيل وفي استفادة الكراهة فيها أو التحريم في الهدهد والصرد من الروايات نظر
كما اعترف به في المفاتيح فإن ما استندوا إليه من النهي فيها عن قتلها لا دلالة فيه على كراهة
الأكل ولا تحريمه بوجه من وجوه الدلالة نعم روى الصدوق في العلل والعيون عن الرضا (ع) ما
يشتمل النهي عن أكل الصرد والخطاف وهو في الخطاف محمول على الكراهة جمعا وهو قرينة عليها
في الصرد أيضا وكأنه سامح هنا في مقام الكراهة تبعا للجماعة فإن الاقتداء بهم في مثله مما لا
ضير فيه كما مر فإن قلت جواز الاقتداء فيما يتسامح فيه بعد تسليمه مخصوص بما إذا لم يعلم خطأ المقتدي
به في اجتهاده أما إذا علم ذلك بالنظر في دليله ممنوع نظير ما لو وردت رواية ضعيفة في كراهة أو
استحباب فإنه يسوغ العمل بها ما لم يعلم كونها موضوعة ولو فرض حصول العلم بوضعها وجب طرحها
ولم يصح الالتفات إليها بوجه كما هو ظاهر قلت أما من ذكر من الأصحاب كراهة المذكورات مستدلا
بالنهي عن القتل فالحال في متابعته في الحكم بالكراهة كما ذكرت لظهور خطاه وأما من ذكرها في المتون
من غير استدلال من المشايخ المعظمين الذين تحسن الظنون فيهم كالفاضلين والشهيد وأضرابهم فلا مانع
من الاقتداء بهم في ذلك ومجرد استدلال من عداهم بدليل قاصر لا يوجب لنا العلم ولا الظن في انحصار
الدليل في نظرهم فيه كما لا يخفى لكن هذا وإن كان عذرا صالحا لا يصلح الاعتذار به للمصنف في هذا المقام
حيث أهمل كراهة الفاختة والحبارى كما ذكره الجماعة فإن الكلام في الجميع يجري مجري واحدا فتأمل
ومن الأجزاء يكره الكليان تثنية كلية ويقال كلوة بضم الكاف فيهما وورد أنهما مجمع البول و
البيض واللبن من كل حيوان تابعان له في الحل والحرمة والكراهة فتحل بيضة الدجاج ولبن الشاة
وتحرم بيضة البازي ولبن اللبوة وتكره بيضة الخطاف ولبن الأتان وهكذا ومقتضى اطلاق
العبارة بسوقها تبعية بيضة الميتة مطلقا ولبنها لها في الحكم وللأصحاب فيها أقوال مختلفة وقد
سبق من المصنف عبارة مجملة في الطهارة ومقتضى تعليله في المفاتيح طهارة ما لا تحله الحياة
من الميتة بعدم صدق الموت عليه إباحتهما وكذا انكاره على من حكم بنجاسة اللبن لملاقاته الميتة
بالرطوبة وللخبر بأن الأول اجتهاد في مقابلة النص والثاني ضعيف سندا ودلالة مع أن الشيخ
نقل على طهارته الاجماع فإما أن تخص التبعية هنا بالحيوان الحي أو يكون رجوعا عما ثمة أو ذهولا
عنه ومع الاشتباه يحل من البيض ما اختلف طرفاه فكان أحدهما حادا والآخر مفرطحا لا ما اتفقا
هكذا أطلق في المفاتيح أيضا كغيره والمستند روايات أكثرها فيمن دخل أجمة ووجد بيضا وفي بعضها
الرجل يدخل الأجمة فيجد فيها بيضا مختلفا لا يدرى بيض ما هو أبيض ما يكره من الطير أو يستحب فقال إن
فيه علما لا يخفى أنظر كل بيضة تعرف رأسها من أسفلها فكلها وما سوى ذلك فدعه وهي ظاهرة فيما
إذا اشتبه الحال ابتداء دون ما لو كان ثمة بيضان إحديهما من دجاجة والأخرى من صقر مثلا ثم
اشتبهتا فلا تعرف إحديهما من الأخرى فإنها من صور الاختلاط المبحوث عنه في أواخر الباب هذا
في بيض الطيور أما في بيض السمك فالمشهور أنه يؤكل ما كان خشنا لا ما كان أملس ولم يقيد الأكثر
بحال الاشتباه ومنهم من أنكره رأسا لعدم الدليل فيرجع إلى عمومات الإباحة ويشترط في التذكية
أمور أحدها اسلام المذكي بأن يكون مقرا بالشهادتين على الوجه المعتبر أو في حكمه كالصبي المتولد
من المسلم أو المسبي له فلا تحل ذبيحة الكافر مطلقا خلافا لبعض المتقدمين في أهل الكتاب وسياق
كلامه في المفاتيح يشعر بميل ما إليه فيحتمل ما هنا أن يكون رجوعا أو أخذا باليقين أو يندرج الكتابي
في حكم المسلم كالصبي ويؤيده ايراده بطريق التمثيل فإنه ظاهر في عدم الانحصار وقوله سبحانه و
طعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم أوضح موافقة به من قوله ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه
بالمشهور والروايات متعارضة يمكن حمل المحرمة منها على الكراهة والمبيح على التقية وهو أحوط علما
وعملا وتحل ذبيحة المسلم مطلقا خلافا لبعضهم في المخالفين لروايات منزلة على وجوه خاصة أوضحناها
في محله ومحل النظر من عدا الفرق المحكوم بنجاستهم فإنهم كفار وإن شملهم اسم الاسلام على بعض الوجوه
من حيث اقرارهم بالشهادتين في الجملة وثانيها ذكره اسم الله وحده عليه فلا يحل ما لم يذكر اسم
الله عليه وإنه لفسق سواء ذكر اسم غيره تعالى عليه أم لا وسواء ذكر غيره اسمه (تع) عليه أم لا ولا ما ذكر
عليه اسمه (تع) واسم غيره سواء كان من الأسماء الملعونة كاللات والعزى أو المعظمة كأسماء الأنبياء
305

والأئمة (ع) والمتبادر من صورة التسمية بسم الله وفي صحيحة محمد بن مسلم في رجل ذبح فسبح أو كبر
أو هلل أو حمد الله قال هذا كله من أسماء الله لا بأس به ولو قال الله وسكت أو اللهم اغفر لي
فاشكال وكذا في الاجتزاء بغير لفظ الجلالة ولو عربيا مثل بسم الرحمن والعالم ونحوهما ويغتفر
تركه مع النسيان فلا تحرم الذبيحة لكن يستحب قضاؤه في الأثناء فيقول عند الذكر بسم الله على أوله
وعلى آخره كما في حسنة محمد بن مسلم وفي الجاهل وجهان وثالثها استقبال القبلة بالمذبح أو المنحر
وبجميع مقاديم البدن أحوط ففي صحيحة محمد بن مسلم وحسنته استقبل بذبيحتك القبلة فتحرم
بدونه إلا مع الجهل بالحكم أو الجهة أو النسيان للاستقبال أو عدم الامكان كاستعصائه أو حصوله
في موضع لا يتمكن من ذلك ورابعها كون الآلة المذكى بها حديدا ففي حسنة ابن مسلم وغيرها
لا ذكاة إلا بحديد إلا مع الضرورة بتعذره والاضطرار إلى التذكية فيجزي كل ما يقطع الحلقوم
ويخرج الدم كما في صحيحة زيد الشحام عن أبي عبد الله (ع) في رجل لم يكن بحضرته سكين أيذبح
بقصبته قال اذبح بالحجر وبالعظم وبالعصبة وبالعود إذا لم تصب الحديدة إذا قطع الحلقوم و
خرج الدم فلا بأس وفي المفاتيح أنها أصح ما في الباب سندا وظاهرها الاجتزاء في الآلة بالسن
مطلقا لكونه عظما وقد اختلف فيه وفي الظفر واطلاق العبارة يشملهما والمخالف الشيخ في الخلاف
محتجا بالاجماع ورواية عامية محتملة للحمل على الكراهة أو كونهما متصلين لخروجه حينئذ عن مسمى
الذبح بل هو بالأكل والتقطيع أشبه وفي الذبح بقطع الحلقوم وهو بضم الحاء مجرى النفس والصوت
وذلك أن أقصى الفم يفضي إلى تجويفين متلاصقين أحدهما من قدام منه ينفذ الهواء إلى الجوف
ويخرج وينتهي إلى الرية ومن ثم يسميه المشرحون قصبة الرية والآخر موضوع من خلف على
حزز العنق يجري منه الغذاء إلى الجوف ويخرج القئ وينتهي إلى المعدة ويسمى المرء بفتح الميم و
الهمزة أخيرا وخزر العنق واقعة على طولهما كالوقاية لهما ويكتنفهما يمينا ويسارا عرقان غليظان
في صفحتي العنق يسميان الودجين وربما تسمى الأربعة بالأوداج تغليبا وبالاكتفاء بقطع الحلقوم
وحده نقل التصريح عن بعض القدماء وإليه ميل المحقق والشهيد الثاني وتبعهما المصنف في
المفاتيح والأحوط قطع الأوداج الأربعة كما عليه الأكثر واستدل له بما رواه المحمدون الثلاثة
في الحسن والصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا إبراهيم (ع) عن المروة والقصبة والعود
يذبح بها الانسان إذا لم يجد سكينا فقال إذا فرى الأوداج فلا بأس بذلك وحملوا الأولى على
الضرورة لأنها وردت في سياقها ولا وجه له لاتحاد السياقين على أن الفري هو الشق دون
القطع فكيف يستقيم الاستدلال به عليه ومنهم من حاول الجمع بين المضمونين وأوجب قطع
الحلقوم والودجين وقد علمت ما فيه هذا في تذكية غير الإبل والجراد والسمك والجنين و
الأخيرة يأتي حكمها وأما الإبل فيذكى بالنحر وهو الطعن بما يشد إليه زهوق حياته في وهذه
اللبة بفتح اللام وتشديد الباء وهو أسفل العنق بين أصله والصدر ولا يشرع فيه الذبح كما
لا يشرع النحر في غيره إلا مع عدم التمكن فيسقط اعتباره كما يسقط اعتبار استقبال القبلة وغيره
عند التعذر ومن اعتبر الحركة الحيوانية ولو يسيرا بعد الذبح أو النحر أو خروج الدم عنه معتدلا
لا متثاقلا فقد احتاط فإن الأول مدلول عليه بمفهوم صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) في الذبيحة
إذا تحرك الذنب أو الطرف أو الإذن فهو ذكي والأخير رواية الحسين بن مسلم عنه (ع) في رجل ضرب
بقرة بفاس فسقطت ثم ذبحها قال إن كان خرج الدم معتدلا فكلوا وأطعموا وإن كان خرج خروجا
متثاقلا فلا تقربوه ومنهم من اقتصر على الأول ولم يعتبر بالثاني وهو أحوط لصحيحة أبي بصير عنه (ع)
في الشاة تذبح فلا تتحرك ويهراق منه دم كثير عبيط قال لا تأكل إن عليا كان يقول إذا ركضت
الرجل أو طرفت العين فكل وأحوط منه اعتبارهما معا كما يحكى عن المفيد وابن الجنيد من
المتقدمين وأما استقرار الحياة قبل الذبح كما اشترطه كثير منهم ثم اختلفوا في تفسيره بكونه
بحيث يمكن أن يعيش أياما أو يوما أو نصف يوم فلم أقف على ما يدل على اعتباره بل في
ظواهر الكتاب والسنة ما ينفيه كاستثناء ما ذكيتم عن المنخنقة والموقوذة والمتردية
والنطيحة وما أكل السبع وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) وغيرها في تفسيرها إن أدركت شيئا
منها وعين تطرف أو قائمة تركض أو ذنب يمصع فقد أدركت ذكاته فكله ورواية أبان عن أبي عبد الله (ع) إذا شككت في حياة شاة فرأيتها تطرف عينها أو تحرك أذنيها أو تمصع بذنبها فاذبحها فإنها لك حلال وفي حديث أمير المؤمنين (ع) إذا طرفت العين أو ركضت الرجل أو تحرك
الذنب فأدركته فذكه وعن يحيى بن سعيد أن اعتبار استقرار الحياة ليس من المذهب و
استحسنه الشهيد الثاني وبعض من عاصرناهم ويستحب في ذبح الغنم اطلاق إحدى الرجلين
وربط سائر القوايم كما ذكروه وامساك الصوف في الضأن أو الشعر في المعز دون إمساك
اليد والرجل كما في رواية حمران بن أعين وفي ذبح البقر اعقال قوايمها جميعا واطلاق ذنبها كما في
الرواية وفي الإبل جمع يديه وربطهما فيما بين الخف والركبة واطلاق رجليه قائما من قبل
اليمين وإن شاء باركا وفي رواية أبي خديجة أنه رأى أبا عبد الله (ع) ينحر بدنته معقولة يدها
اليسرى وفي الطير خاصة إرساله بعد الذبح لا يمسك ولا يكتف وفي الكل مما ذكر وغيره تحديد
الشفرة بفتح الشين وهي الآلة وهو من احسان الذبح وعدم إراءتها له مطلقا ومورد الرواية
البهيمة وسرعة القطع في الذبح واستقبال الذابح القبلة وفي كلام بعضهم يعطي الوجوب وله
ما تقدم من حديث محمد بن مسلم فإن الاستقبال بالذبيحة يشتمل عليه على ما ذكره كثير من النحاة
306

في الفرق بين ذهبت بزيد وأذهبته وفي الجميع أيضا عدم تحريكه ولا غيره إياه ولو حذف
المنفصل لكان أجود ولا جره من مكان إلى آخر وهو من أفراد التحريك بل يستحب تركه ساكنا
في مذبحه إلى أن تفارقه الحياة ويبرد وأن يساق إلى المذبح برفق ويضجع به ويعرض عليه الماء
قبل الذبح وهو مما يعين على خروج الروح والدم ويسهل القطع والسلخ ويسمن اللحم ويمر
السكين على المذبح بقوة وتحامل أي تكلف ذهابا وعودا إن احتيج إليه ويجد في الاسراع ليكون
أوحى أي أسرع وأسهل للذابح والمذبوح ويكره إبانة الرأس وقيل بتحريمه لظاهر النهي وزاد
آخرون تحريم الذبيحة به عامدا وكذا ابلاغ السكين النخاع ولفظ الرواية لا تنخع وهو ظاهر في
قطعه كما فسره به غيره وكذا سلخه أو قطع شئ منه قبل برده لكونه تعذيبا ومورد الرواية الأول
ويتجه في الثاني تحريم المقطوع خاصة وتكره الذباحة ليلا لأن الله (تع) جعل الليل سكنا لكل شئ
ويوم الجمعة قبل الصلاة كما في رواية الحلبي والظاهر أن المراد قبل وقتها إلا مع الضرورة فيهما ومنها
خوف موت الحيوان وأن يقلب السكين ليدخلها تحت الحلقوم ويقطعه مع باقي الأعضاء إلى
خارج وحرمه بعضهم لظاهر النهي وأن يذبح حيوانا أو حيوان أخرى من جنسه ينظر إليه فعن أمير
المؤمنين (ع) أنه كان لا يذبح الشاة عند الشاة ولا الجزور عند الجزور وهو ينطر إليه والقول بتحريمه
ضعيف وذكاة السمك المأكول والجراد أخذهما باليد والآلة حيين سواء كان الأخذ مسلما أم كافرا
مسميا لله حين الأخذ أم لا مستقبلا للقبلة أم لا سواء أخرج السمك من الماء أم خرج بنفسه بشرط أن لا يموت أي إن لم يمت السمك في الماء واستقل الجراد بالطيران فهنا أحكام آ إن ذكاتهما اثبات اليد عليهما
قبل الموت فيحرمان بدون ذلك مثل ما يوجد منهما ميتا في الماء أو غيره أو يخرج من السمك من
الماء بنفسه حيا فيموت من غير أخذ خلافا لبعضهم في الأخير إذا لمحه المسلم بنظره تنزيلا له منزلة
الأخذ وهو ضعيف المأخذ ويحلان بمجرده وإن خرج السمك بنفسه ويباح أكلهما حيين كما
عليه الأكثر ب إنه لا يشترط اسلام الآخذ وخالف فيه جماعة استنادا إلى عمومات اشتراط الاسلام
في التذكية وهذا منه وفيه بعد التسليم أنها مخصصه بالنصوص إلا أن موردها جميعا المجوسي و
اليهودي فإن رأى المسلم أخذ الكافر لهما حيين فقد تحقق سبب الحل وإلا ففي قبول قوله في ذلك
اشكال وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) في صيد المجوسي للسمك قال ما كنت لآكله حتى أنظر إليه وفي
رواية عنه (ع) في صيد المجوسي لا بأس إذا أعطوكه حيا والسمك أيضا وإلا فلا تجوز شهادتهم إلا أن تشهده
فمن اجتنب ما لم يشهده فقد أخذ باليقين ج عدم اشتراط التسمية والنصوص به مستفيضة
د عدم اشتراط الاستقبال للأصل والتعذر غالبا ه اشتراط أن لا يموت السمك في الماء فلو أخذ
فيه ولم يخرج أو أخرج أو خرج وأخذ ثم عاد أو أعيد فيه إلى أن مات حرم ولو ناشبا في الآلة على
الأصح لصحيحة أبي أيوب وغيرها وفي رواية عبد الرحمن لا تأكله لأنه مات في الذي فيه حياته و
مستند من أباح المائت في الحظيرة مع قصور دلالته يحتمل التقية واشتراط استقلال الجراد
بالطيران فلا يحل الصغير منه ويسمى الدبا كعصى لصحيحة علي بن جعفر عن أخيه (ع) في الدبا من الجراد
أيؤكل قال لا حتى تستقل بالطيران وأما الجنين ففي النبوي ذكاة الجنين ذكاة أمه وفي أحاديث
أهل البيت (ع) مثله بشرط تمام خلقته وفي بعضها زيادة الاشعار وفي بعض الايبار أيضا وهما من
تمام الخلقة وفي المفاتيح وغيره أنه لا فرق بين أن ولجته الروح أم لا وهو مستدرك لأن تمام الخلقة
لا ينفك عن ولوج الروح كما تقرر في فنه وفي موثقة عمار إن هو جرج وهو حي فاذبحه وكل وإن
مات قبل أن تذبحه فلا تأكله ولو لم تتم خلقته حرم لحسنة الحلبي وغيرها ومن أسباب المعيشة
الاصطياد وهو اثبات الحيوان الممتنع عن اليد بشئ من آلاته الممكنة وهو إما بازهاق حياته بحيث
إذا سارع إليه وجده مائتا أو مات قبل أن يتمكن من ذكاته وأما بإزالة امتناعه مع بقاء حياته
وكلاهما يفيد الملك وآلته إما حيوان أو غيره والحيوان إما سبع من ذوات الأنياب كالكلب و
الفهد والنمر أو الطيور كالبازي والصقر والعقاب وغير الحيوان إما نصل أو غيره كالشرك والفخ
والبندق والمبلغ شقوق ثمانية وحملة أحكامها أن القاتل يقوم مقام الذكاة في إباحة الممتنع
بالفعل سواء كان ممتنعا بالأصالة أو بالاستعصاء بشرط اسلام الصايد أو حكمه كما مر والتسمية
عند الارسال وإلا كان فسقا وأن تكون الآلة الحيوانية سبعا عقورا معلما أما اشتراط التعليم
فيها فموضع وفاق والأصل فيه قوله (تع) وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا
مما أمسكن عليكم وفسر بأن يسترسل بارسال صاحبه وينزجر بزجره ويمسك عليه وقد يقيد
الزجر بما إذا لم يكن بعد اشرافه على الصيد لأنه لا يكاد ينكف عنه حينئذ وفسر الامساك عليه
بأن لا يأكل منه وإلا كان ممسكا على نفسه وفي الروايات ما يشعر بعدم اشتراطه كما عليه الصدوقان
وجماعة وأن ما يدل عليه محمول على التقية وربما يجمع بينها بالفرق بين أكله منه قبل موته وبعده
أو الغالب والنادر ويعد الأول قادحا في التعليم دون الثاني وأما اشتراط كونها سبعا عقورا
فيتضمن حكمين آ أنه لا يجوز كونها طيرا وهو مما نقل عليه الاجماع أيضا والجوارح وإن كانت عامة
إلا أن لفظة مكلبين الواقعة حالا من ضمير علمتم خصصتها بالكلاب فإن المكلب هو مؤدب
الكلب للصيد وفي حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) ما قتله الطير فلا تأكل منها إلا أن تذكيه وفي
معناها غيرها ويعارضها روايات صريحة في الجواز محمولة على التقية كما في صحيحته عنه (ع) كان
أبي يفتي وكان يتقي وكذا نحن نفتي ونخاف في صيد البزاة والصقور فأما الآن فأنا لا نخاف
ولا يحل صيدها إلا أن تدرك ذكاته فإنه لفي كتاب الله إن الله قال ما علمتم من الجوارح مكلبين
307

فسمى الكلاب وفي رواية أبان عنه (ع) كان أبي يفتي في زمن بني أمية أن ما قتل البازي والصقر
فهو حلال وكان يتقيهم وأنا لا أتقيهم وهو حرام ما قتل ب إنه يجوز كونها فهدا أو نمرا أو غيرهما
مما يعقر أي يجرح ويقتل ويفترس كما يحكى عن بعض المتقدمين استنادا إلى أن الكلب في الأصل
اسم لكل سبع عقور وإن غلب على هذا النابح وروايات صحيحة في أن الكلب والفهد سواء و
منهم من اقتصر عليها ومنع من النمر والأسد وغيرهما ومن خصها بهذا النابح وهم الأكثر فقد
أخذ باليقين لاحتمال روايات الفهد أيضا للتقية ومنهم من خصها بما عدا الأسود منه لرواية
السكوني في الكلب الأسود والبهيم أنه لا يؤكل صيده لأن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر بقتله
واستضعفها في المفاتيح ثم حملها على الكراهة وأما غير الحيوانية من الآلات القاتلة فيشترط فيه أحد أمرين
أما أن يكون مشتملا على نصل كالسيف والرمح والسهم فيحل مقتوله سواء جرحه أي خرق جلده ودخل فيه و
لو يسيرا ومات بجرحه ذلك أم أصابه معترضا فقتله بثقله من غير جرح أو يكون محددا قاتلا بخرقه بحده
فلا يجزي المعترض بغير نصل ولا المحدد القاتل بثقله من غير خرق كالمعراض وهو سهم بلا نصل غليظ الوسط
دقيق الطرفين وفي الصحيح عن أبي عبد الله (ع) إذا رميت بالمعرض فخرق فكل وإن لم يخرق واعترض فلا
تأكل وفي الخبر النبوي في المعراض إن قتل بحد فكل وإن قتل بثقله فلا تأكل وهما صريحان في أن المعراض
ربما يخرق وربما يعترض وأن آلة الاصطياد إنما هو الخارق دون المعترض فما في المفاتيح وغيره من أنه
يصيب بعرضه دون حده ليس بالوجه وفي عدة من الأخبار الصحيحة وغيرها أن المعراض إذا كان مرماته
أو صنعه لذلك أو لم يكن له نبل غيره فلا بأس بأكل ما قتل وأما غير القاتل من الاصطياد فإنما يفيد
الملك خاصة للمثبت مسلما كان أم كافرا مسميا أم لا واحدا أم متعددا كما لو أصاباه دفعة ولو كان
مما يمتنع بالعدو والطيران معا كالدراج والقبج فكسر أحدهما جناحه ثم الآخر رجله كان المثبت هو الأخير
على خلاف فيه بأية آلة كانت ولو باطعام سم للحيوان ولا فرق في الآلة بين المعتادة كالشبكة والفخ وغيرها
مع قصد التملك كما إذا اتخذ أرضا موحلة ليتوحل فيها الصيد أو بنى برجا ليعشش فيه الحمام على خلاف
في الأخير ولا في الحيوان بين حلال اللحم وحرامه إذا لم يكن ملكا للغير معروفا أو مجهولا ويقدم فيه الظاهر
على الأصل ومن ثم ورد النهي عن صيد الحمام بالأمصار وفي حكمه كل ما عليه أثر يدل على يد سابقة ككون
الطاير مقصوصا أو الغزال منقوب الأذنين دون ما لو وجده مشقوق الأذن أو مقطوعه ومال الغير لا
يحل أكله لقبح التصرف في حق الغير وهو أجلى أفراده إلا بطيب نفس منه كما في النبوي ويعلم ذلك بالإذن
الصريح والفحوى وشهادة الحال أو من بيوت من تضمنته الآية في سورة النور وهي ليس على الأعمى حرج
ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم
أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم
أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو اشتاتا وبيوتكم هي بيوت الأزواج
والعيال أو بيوت الأولاد أو هي على ظاهرها وإنما ذكر مع ظهوره تنبيها على المساواة بينه وبين ما
بعده وفي شمول الآباء والأمهات الأجداد والجدات كلام قد سلف وما ملكتم مفاتحه بيت العبد
أو المولى عليهم مطلقا أو هو الولد أو ما يجده الانسان في داره ولا يعلم به أو ما يكون تحت أيديكم من ضيعة
أو ماشية وكالة وحفظا فلا بأس بالأكل من ثمر الحايط أو الشرب من لبن الماشية وهو ما ورد في
مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله (ع) أنه الرجل يكون له وكيل يقوم في ماله ويأكل بغير إذنه وجميعا
أو اشتاتا يعني حضر أو لم يحضر والآية وإن كانت مطلقة إلا أنها مقيدة في المشهور بما إذا لم يعلم
منه الكراهة ولو بشاهد الحال فيجوز الأكل وإن لم يعلم منه عدمها وهذا هو الفرق وزاد بعضهم
التقييد بدخوله بالإذن وآخرون بما يخشى فساده وفي رواية زرارة عنه (ع) بالتمر والمأدوم و
أما ما خلا ذلك من الطعام فلا والرخصة في الآية مختصة بالأكل فلا يباح الحمل ولا غيره من التصرفات
إلا بالفحوى وروي جواز التصدق والاطعام ما لم يفسد وورد في رخصة الأكل من الزرع و
الفواكه للمارة اتفاقا روايات معارضة بمثلها قد عمل بكل منها طائفة منهم وقوى المصنف في
المفاتيح جانب المنع أخذا باليقين ومن ثم طواه هنا وتخصيص الرخص بالأكل من السواقط والنواهي
بغيرها لا يخلو عن وجه ومحل النظر ما لم يعلم فيه كراهة المالك وإلا لم يجز قطعا لأنه أكل مال
بالباطل وإذا علم الحل أو الحرمة في شئ مما يعتوران عليه في زمان سابق ثم شك في طريان الآخر في
زمان ثان كانقلاب العصير خمرا أو الخمر خلا استصحب الحكم المعلوم في الزمان الأول إلى أن يحصل العلم
بالثاني لتظافر النصوص الصحيحة بعدم انتقاض اليقين بالشك وبعضها صريحة في عدم وجوب
النظر لتحصيل العلم وهو الاستصحاب المقبول الذي نقل عليه اجماع المسلمين وعده بعضهم من ضروريات
الدين وإذا غلب على ظنه الطريان بسبب معتبر شرعا كاخبار المالك بل كل ذي عمل بعمله كما صرح به في
الأصول الأصيلة وشهادة العدلين أو الواحد حيث تسمع فهو شبهة كذا في المفاتيح أيضا وفيه اشتباه
والصواب أنه لا شبهة حينئذ فإن الحاصل بأحد هذه الأسباب علم شرعي يعمل به ويعول عليه وإلا
لما قام للمسلمين سوق كما ورد ومن تتبع الروايات وكلمات الأصحاب لم يختلجه ريب في ذلك وإنما
يكون شبهة إذا استند الظن إلى سبب غير معتبر كشهادة الفاسق أو مشاهدة الكلب مثلا عند الطعام
متلطخا به فوه من غير مشاهدة امساسه له ونحو ذلك من الأمارات وكذا إذا تعارضت الأسباب
أو الأمارات حيث لا ترجيح كما لو شهد عدلان أو فاسقان أن هذه اللحم ميتة ومثلهما أنه ذكي فإنه حينئذ
من الشبهات التي من تركها نجا وإذا اختلطا بأن اشتبه الحلال بالحرام بحيث لا يعرف أحدهما بعينه مع تميز
كل منهما عن الآخر في نفس الأمر فإن كان في غير محصور فهو له حلال كما في صحيحة عبد الله بن سنان وموثقة
308

مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (ع) كل شئ فيه حرام وحلال فهو لك حلال أبدا حتى تعرف الحرام منه
بعينه فتدعه وزاد في الموثقة وذلك مثل الثوب قد اشتريته وهو سرقة أو المملوك عندك ولعله
حر قد باع نفسه أو خدع فبيع أو قهرا أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك والأشياء كلها على هذا
حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة وإن كان في محصور وجب اجتناب الجميع عند الأكثر من
باب المقدمة ويؤيده صحيحتا الحلبي عنه (ع) في الميتة والمذكى اختلطا كيف يصنع قال يبيعه من مستحل
الميتة ويأكل ثمنه وفي رواية أخرى يرمي بهما جميعا وموثقة سماعة في إنائين وقع في أحدهما قذر لا
يدري أيهما هو قال يهريقهما ومقتضى النظر ما قربه بعض المحققين من جواز التناول إلى أن يبقى من المجموع
عدد المحرم إذ يصدق على ما عداه أنه معلوم الحل مشكوك الحرمة فيندرج في القاعدة الأولى وبالجملة
اجمال الحكم بالحل بمجرد الاختلاط غير سديد مع أن الرواية التي إليها نظره تحتمل الحمل على صورة الاحتمال
دون الاختلاط كما إذا وجد لحم لا يدري أذكي هو أم ميت كما حملها عليها في المفاتيح وقد ورد في شاة
موطوءة لم يعرفها مالكها في القطيع أنه يقسمها نصفين أبدا حتى يقع السهم بها فتذبح وتحرق وقد
نجت سايرها وقد عمل بها الأصحاب وهي رواية محمد بن عيسى العبيدي اليقطيني عن أبي الحسن الثالث (ع)
كما نقل عن تحف العقول وإن ظنت مقطوعة في التهذيب وروي عن أبي عبد الله (ع) في اللحم لا يدري ا
ذكي هو أم ميت اطرحه على النار فكل ما انقبض فهو ذكي وكل ما انبسط فهو ميت وفي السمك
أنه يطرح في الماء فإن طفا على الماء مستلقيا على ظهره فهو غير ذكي وإن كان على وجهه فهو ذكي
وفيمن وجد سمكا ولم يعلم أنه مما يؤكل أم لا أنه يشق عن أصل أذنه فإن ضرب إلى الخضرة فهو مما
لا يؤكل وإن ضرب إلى الحمرة فهو مما يؤكل وإذا وجد في بلاد المسلمين شئ مما يحتمل الغصب أو النجاسة
أو غيرهما من وجوه التحريم في يد من يبذله بثمن أو غيره وجهل حال مالكه الباذل حل تناوله ولم يجب
السئول لقرينة اليد والإسلام الظاهرتين في الحل بل ورد النهي عنه في النصوص المستفيضة وأن
الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم وأن الدين أوسع من ذلك وربما يصح الاكتفاء بقرينة اليد
وحدها كما في شراء الحبوب من الكفار ويندرج في هذا العموم جوايز الظلمة وفيها ورد عليه الوزر
ولك المهنا ودغدغة أن الظلم والفساد غالب على الناس من الوسواس المنهي عنه وإن كان الاجتناب
مع الارتياب أولى دعة لما يريب إلى ما لا يريب وما لا بأس به مخافة ما به بأس
باب الأكل وهو من
الست الضرورية إعانة للبدن إلى كمال نشوه وبدلا له عما يتحلل منه وحقه أن يكون الطعام بعد
كونه حلالا في نفسه غير حرام ولا مكروه طيبا في مكسبه من تجارة أو زراعة أو نحوهما دون النخاسة والاحتكار وأمثالهما ولقد كان هذا أحق بالتقديم سواء أعرب خبرا أولا للفعل أو ثانيا للمصدر وموافقا
للسنة والورع بأن يكون من الأطعمة المندوبة كالتمر واللبن واللحم والكراع وخبز الشعير والخل والزيت ونحوها
منزها عن ريب عروض النجاسة أو غيرها من أسباب التحريم وأن يغسل الآكل اليدين كلتيهما وإن
أكل بواحدة قبل الأكل وبعده تنظيفا عما قل ما تخلوان عنه من لوث في تعاطي الأعمال وتعظيما للنعمة
المتناولة بهما وورد في النبوي الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم وفي رواية أهل البيت (ع)
الهم وعن أمير المؤمنين (ع) وأبي عبد الله (ع) في عدة روايات أنهما زيادة في العمر وعيش في سعة وعافية
من بلوى الجسد وإماتة للغمر بفتحتين أي أثر الطعام عن الثياب وجلاء للبصر واكثار لخير البيت
وتثبيت للنعمة ويزيدان في الرزق وفي بعضها عن أبي عبد الله (ع) الوضوء ههنا غسل اليدين وأن لا يمسح بالمنديل بعد الغسل أولا ابقاء للبركة بالنداوة فإنه لا تزال البركة في الطعام ما دامت النداوة
في اليد روى ذلك عن أبي عبد الله (ع) وإذا غسل أخيرا مسح بهما وجهه وحاجبيه وعينيه كما يأتي ثم
بالمنديل وأن يفتتح طعامه بالملح ويختتم به كما في بعض الروايات أو يفتتح ويختتم بالخل كما في بعضها
فيجمع بينها بالتخيير كما يرشد إليه حديث الرضا (ع) هذا مثله يعني الخل مثل الملح أو يجمع بينهما ويحملان
في أحدهما على الإضافيين مع التخيير أو يفتتح بالملح ويختتم بالخل فإنه سنة أهل البيت (ع) دون العكس
فإنه سنة بني أمية وما ذكره المصنف من أن فيه مغفرة الذنوب كأنه من روايات القوم وما
ورد أن فيه دفع سبعين بلاء فمورده في روايات أصحابنا الافتتاح والاختتام بالملح وعد منها
الجنون والجذام والبرص وأن يأكل على السفرة الموضوعة على الأرض فهو أقرب إلى التواضع من
رفعه على المائدة متأدبا بتعظيم النعمة خالعا نعليه جالسا كجلسة العبد فلا يضعن إحدى رجليه
على الأخرى ويتربع فإنها جلسة يبغضها الله ويمقت صاحبها كما في حديث أمير المؤمنين (ع)
وعن أبي عبد الله (ع) أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأكل أكلة العبد ويجلس مجلسه العبد قال الراوي ولم
قال تواضعا لله عز وجل وفي رواية أنه صلى الله عليه وآله كان ربما جئ للأكل على ركبتيه وجلس على ظهر قدميه
وربما نصب رجله اليمنى وجلس على اليسرى وكأن يقول إنا لا آكل متكئا وقد تكرر في الأخبار كراهة
الاتكاء في الأكل وفي بعضها ما أكل رسول الله صلى الله عليه وآله متكئا على يمينه ولا على يساره وفي آخر الرجل
يأكل متكئا قال لا ولا منبطحا قال في النهاية المتكئ في العربية كل من استوى قاعدا على وطأ متمكنا و
العامة لا تعرف المتكئ إلا من مال في قعوده معتمدا على أحد شقيه ومن حمل الاتكاء على الميل إلى أحد
الشقين تأوله على مذهب الطب فإنه لا ينحدر في مجاري الطعام سهلا ولا يسيغه هنينا وربما
تأذى به انتهى ولا ضير في حمل الروايات على هذا المعنى العامي لاحتمال كونه منقولا بالغلبة أو بوضع
جديد وورد أيضا كراهة الأكل قائما وماشيا إلا ما ينتقل به من الحبوب أو مع الضرورة وأن ينوي به
القوة على الطاعة دون التلذذ وإن كان من اللوازم فيكون قد أوتي ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة
وهذا معنى ما تقدم نقله من وصية أبي ذر ليكن لك في كل شئ نية حتى في الأكل وهو من مواضع
309

الغرور ويعرف الصدق فيه بأن لا تمتد يده إلى الأكل إلا وهو جائع ولا تنقبض عنه إلا وهو جائع
لأن الشبع يفتر عن الطاعة ويحرك إلى المعصية وأن يقدمه على الصلاة إذا حضرا معا إن آمن فوتها
لئلا يبرد الطعام أو يتشوش أمره فتنتقص فيه الرغبة ولا يلتفت القلب إليه عند الأكل فإن
ذلك لا يخلو من ازراء بالنعمة وامتهان لها فالمحذور الأخير عدم الالتفات أو هو الالتفات
إليه في أثناء الصلاة إن قدمها فإن القلب لا يخلو عن الالتفات إلى الطعام الحاضر وإن لم يكن
الجوع غالبا فتكون لا زائدة والجملة معطوفة على الجملة المنفية أو هي معطوفة على جملة النفي وأن يرضى
بالموجود الحاضر من الرزق وأن لا يجتهد في التنعم وطلب الزيادة فكل ما يديم الرمق ويدفع أذى
الجوع ويقوى على العبادة فهو خير كثير ولا يكثر الأكل بل يمسك عنه قبل افراط الشبع فإنه الدواء الذي
لا داء فيه كما مر وعن أبي عبد الله (ع) إن البطن إذا شبع طغى وعن أبي جعفر (ع) ما من شئ أبغض إلى الله
عز وجل من بطن مملوء وقد تقدمت بزيادة من حلال ويقتصر على الغذاء والعشاء كما أمر به أبو عبد
الله (ع) من شكى إليه كثرة الأوجاع والتخم فقال تغذ وتعش ولا يأكل بينهما شيئا فإن فيه فساد البدن
أما سمعت الله تبارك و (تع) يقول لهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ويجوع نفسه من غير افراط كما مضى
في باب فوايد الجوع وفي الحديث النبوي جوعوا أنفسكم لوليمة الفردوس والوليمة طعام العرس
أو كل طعام صنع لدعوة أو الخمس المأثورة الآتية ولا يأكل وحده فإنه من موجبات اللعن بل
يكثر الأيدي على الطعام ولو من أهله وولده فورد عن النبي صلى الله عليه وآله اجتمعوا على طعامكم يبارك
لكم فيه وهو يتحقق مع اتحاد القصعة أي الماعون ومع تعددها فإن اتحدت القصعة فهو أحب
لتتزاحم الأيدي على الزاد وأبعد عن سيرة الجبابرة ولتكن كبيرة من خزف أو خشب فلا بركة
للصغيرة ولا في الأجساد المنطرقة نحو الصفر والنحاس لما فيها من الزهومة وأن يتحرى فيه تطييب
نفوس الرفقة ولا يطيل انتظارهم ولو بالصلاة كما تقدم في الصوم ولا يواكل الأشرار و
الجهال ولا يشاربهم فهو يورث القسوة بل يواكل ويشارب الأتقياء والعلماء فهو يورث الحكمة
والتأدب بحسن الأدب ويتبرك بأسآرهم فإنه يذهب درن القلب ويسمي الله (تع) في الابتداء
لئلا يرافقه الشيطان فعن أبي عبد الله (ع) إن العبد إذا سمى قبل أن يأكل لم يأكل معه الشيطان
وإذا لم يسم أكل معه الشيطان والأحب عند تعدد الألوان التسمية في كل لون لرواية داود بن
فرقد عن أمير المؤمنين (ع) ضمنت لمن سمى على طعام أن لا يشتكي منه فقال ابن الكوا يا أمير المؤمنين
لقد أكلت البارحة طعاما فسميت عليه فآذاني قال فلعلك أكلت ألوانا فسميت على بعضها
ولم تسم على بعض قال نعم قال من هنا أتيت يا لكع بل إذا اختلفت الآنية فليسم على كل إناء
وإن اتحد اللون وإعادة التسمية إذا قطعها بالكلام ثم عاد إلى الطعام وفي معنى الكلام سائر
القواطع إلا أنه مورد النص خاصة والأحب من الجميع أن يسمي في كل لقمة حتى لا يشغله الشره عن
ذكر الله وفي حديث أمير المؤمنين (ع) ما اتخمت قط لأني ما رفعت لقمة إلى فمي إلا سميت و
يجهر بها تذكيرا للغير أو يسر ايثارا لعبادة السر وإذا نسي التسمية في الابتداء قال عند الذكر بسم
الله على أوله وآخره وورد أنه إذا سمى واحدا أجزأ عن الجماعة ويدعو قبل الأكل بالمأثور وهو
اللهم إن هذا منك ومن فضلك وعطائك فبارك لنا فيه وسوغناه وارزقنا خلفا إذا أكلنا
ورب محتاج إليه رزقت فأحسنت اللهم اجعلنا من الشاكرين وروي غير ذلك ولا يعيب مأكولا
وإن كان غير موافق فإنه من كفران النعمة ويبغض على الحاضرين بل إن أعجبه أكله وإلا تركه
كما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله ولا يأكل من آنية ذهب ولا فضة ولا مفضضة للنهي المحمول على التحريم
في الأولين اجماعا وحيث يحرم الأكل يحرم المأكول إذ لا معنى لحرمة المأكول إلا حرمة أكله والأحوط
اجتنابهما مطلقا فورد في النبوي وغيره آنية الذهب والفضة متاع الذين لا يوقنون وعن أبي جعفر (ع)
أنه نهى عن آنية الذهب والفضة وأما الأخير فالمشهور فيه الكراهة ويأتي في الباب الآتي و
اعلم أن في عبارة الأصل تماوتا لأن الذهب والفضة جنسان يضاف إليهما الآنية مثل خاتم حديد
بخلاف المفضضة فإنها صفة وفي صحة الإضافة إليها منع معروف في فنه مع ما في الإضافات
من التفكيك وكذا لو أعربته صفة إلا أن تعرب كلها أوصافا وأيضا لو عبر بلفظ الإناء مفردا
لكان أجود ولا يجوز الأكل على مائدة يشرب عليها مسكر خمرا أو غيرها فورد في موثقة عمار عن أبي
عبد الله (ع) أنه يحرم به المائدة وإنما يحرم ما دام يشرب لا قبل الشرب ولا بعده ومن الحقوق أن
يأكل بيمينه وحدها لا شماله كما يأتي ولا كلتيهما إلا في العنب والرمان ولا الملعقة إلا مع العذر
وبثلث أصابع الإبهام والتي تليها والوسطى بل بأصابعه أجمع وهو الهرت أكلة أمير المؤمنين (ع)
لا باثنتين كما تفعله الجبابرة المستخفون بالنعمة وورد أنه أكل الشيطان ولا يتجاوز عما يليه إلا في
أكل الثمار ففي النبوي أنه كان يأكل الثريد ومعه أعرابي فجعل الأعرابي يأكل من هنا ومن هنا فأخذ صلى الله عليه وآله
بيده ووضعها أمامه وقال كل مما يليك فإنه طعام واحد ثم رفعت القصعة وأتى بطبق من
رطب فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله يلتقط منها ويجول في الطبق والأعرابي يأكل مما يليه فأخذ بيده و
أدارها في الطبق وقال التقط فإنه طعام مختلف ولا يأكل جنبا فهو يورث الفقر ولا من ذروة
القصعة فإن الذروة فيها البركة ولا من وسطها بل من جوانبها ولا بالشمال ويكره بها سائر التناولات
أيضا إلا مع الضرورة ويحضر على المائدة البقل فهو يحضر الملائكة ويطرد الشيطان وفي رواية لكل
شئ حلية وحلية الخوان البقل والخل فهو ينفي الفقر ويشد الذهن ويزيد في العقل ويسكن المرار
وينير القلب وكان أجب الأصباغ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وورد في النبوي وغيره ما أفقر بيت فيه الخل
310

واختلفت فيه النسخ وفي بعضها أفقر بتقديم الفاء أي صار ذا فقر كما ذكر أنه ينفي الفقر وصححه الأكثر
بتقديم القاف أي خلا من أدام وذلك لأنه نعم الإدام كما ورد ويتأكد الاستحباب في خل الخمر ويقر
الطعام الحار جدا حتى يبرد ويمكن فهو أعظم بركة وأكمل لذة وأصلح هضما وأقل غائلة سيما في أبان
الصيف وهو من السنة فورد أنه أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله طعام حار فأمر باقراره حتى يبرد وقال ما
كان الله ليطعمنا نارا ولا ينفخ فيه ليبرد أو في الطعام مطلقا سيما إذا كان معه غيره كراهية أن
يعافه كما يأتي ويكرم الخبز فورد في النبوي وغيره أكرموا الخبز وزيد في بعضها فإن الله أنزله من بركات
السماء وفي آخر فإنه قد عمل فيه ما بين العرش إلى الأرض ما فيها من كثير خلقها الحديث فلا يمسح به اليد
فإنه امتهان به وتنفير عنه وفسر في بعضها بأن لا يضع عليه القصعة وفي بعضها بأن لا ينتظر به الإدام
وينبغي أن يكسره باليد لا أن يقطعه بالسكين كفعل الأعاجم وبه فسر الاكرام أيضا وفي حديث آخر
كان أمير المؤمنين (ع) إذا لم يكن له أدام قطع الخبز بالسكين وفي آخر أنه أدنى الإدام وعن يعقوب بن
يقطين قال رأيت الرضا (ع) يكسر الرغيف إلى فوق وورد الأمر بتخمير الخمير فإنه أكثر للخبز وعن النبي صلى الله عليه وآله
صغروا رغفانكم فإن مع كل رغيف بركة ويقدم في الأكل المكسور فإن قنعه أبقى على الصحيح وإلا
كسره ولا يلتفت حين الأكل يمينا ولا شمالا ولا غيرها من الجهات ووجوه الناس بل يكون مقبلا
على طعامه فإنه أحضر للبال وأوفى باللذة ويأكل الشعير فورد عن الرضا (ع) ما من نبي إلا وقد دعا
لأكل الشعير وبارك عليه وما دخل جوفا إلا أخرج كل داء فيه أنه قوت الأنبياء وطعام الأبرار أبى
الله أن يجعل قوت أنبيائه إلا شعيرا وفي خبزه أن فضله على البر كفضلنا على الناس ويخلط بين
الحنطة والشعير سيما أوقات المجاعة فهو سبب البركة وقد فعله الأئمة (ع) ويجود الطعام عند
السعة فإنه ليس فيه سرف وورد برواية الحلبي عن أبي عبد الله (ع) ثلاثا لا يحاسب عليهن المؤمن
طعام يأكله وثوب يلبسه وزوجة صالحة تعاونه ويحصن بها فرجه وفي معناها غيرها و
يقدم في الأكل الفاكهة على غيرها سيما اللحوم إن كانت فهو أوفق بالطب لأنها أسرع استحالة فلا
يقدم عليها الأغذية الغليظة لئلا تستتبعها على فجاجتها مجاري الكبد وفي قوله سبحانه وفاكهة
مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون تنبيه على ذلك ولا يأكل الفاكهة إلا بعد أن يغسلها فعن أبي
عبد الله (ع) إن لكل فاكهة سما فإذا أتيتم بها فمسوها بالماء أو اغمسوها في الماء يعني اغسلوها ويتأكد ذلك
في غبار العنب ولا يقشرها بل يأكلها بقشرها فإنه أبعد من الاتراف وأقرب إلى التواضع وكأنه الوجه في
كراهة التقشير في حديث أبي عبد الله (ع) ويستقصي أكلها أو يعطيها من يستقصيها ولا يرميها ببقيتها
وورد أنه أكل غلمان أبي الحسن (ع) فاكهة فلم يستقصوا أكلها ورموها فقال (ع) سبحان الله إن كنتم
استغنيتم فإن أناسا لم يستغنوا أطعموه من يحتاج إليه ويأكل من نحو الزبيب والتمر الأوتار سبعا
أو إحدى عشر أو إحدى وعشرين أو ما اتفق كذا في الاحياء ويقدم الأفضل بحسب الدين في الغسل أولا وأخيرا
وفي الأكل والشرب إن لم يمكن التوارد إلا أن يكون التأخر أرفق به ويقبل الاكرام ممن يبديه إليه كتقديم
الطشت بالمعجمة والمهملة معا فالكرامة لا ينبغي أن ترد وورد أنه لا يردها إلا حمار ولا يسكت في أثناء الأكل
فهو من سيرة العجم وقد ورد النهي عنها سيما في الطعام بل يحمد الله ويتحدث بالمعروف وحكايات الصالحين
في الأطعمة وغيرها ويرافق الرفيق ولا سيما المحتشم ويتعهده باللطف وتقريب البعيد ونحوه فإن رأى منه
بسطة ورغبة في الأكل وإلا حثه عليه مرتين أو ثلاثا غير ملح فلا يزيد على ثلاث فإنه من الالحاح المذموم
ولا يحلف عليه بالأكل فورد عن الحسن بن علي (ع) الطعام أهون من أن يحلف عليه يعني أن الحلف أعظم
منه ولا يأكل شيئا من المؤذيات ريحها نحو الثوم والبصل والكراث إذا أراد المسجد أو المصلى لا سيما
يوم الجمعة والعيد لتنفر الملائكة والناس عن ريحه وفتح باب الغيبة ويصغر اللقمة ويجود المضغ وهما من
السنة والأخير مما يعين على حسن الهضم وتسويغ الغذاء والأول على الأخير ولا يقصد الأجود فهو من
الجشع المذموم ويجحف بالرفيق ويحمد الله في الأثناء كثيرا فورد في حديث سماعة عن أبي عبد الله (ع) أكلا
وحمدا لا أكلا وصمتا ولا ينهك العظام بالمبالغة في استخراج ما فيها فإن للجن فيها نصيبا وهي مما أطعمهم
رسول الله صلى الله عليه وآله لما استطعموه فإن فعل ذهب من البيت ما هو خير منه كذا في رواية أبي حمزة الثمالي عن
زين العابدين (ع) ولا يحتمى في الصحة فهو مذموم كتركه في المرض ينهك البدن ويهز له وعن النبي صلى الله عليه وآله اثنان لا يصحان الصحيح المحتمي والمريض المخلط بل يجمع الصحيح بين الأغذية المختلفة فيتدارك الحلو بالحامض و
التفه بالمالح والحار بالبارد وهكذا من غير افراط يجبز الطبيعة ويشوش الهضوم ويمقل الذباب
الواقع في الإناء ثم ينقل أي يغمسه فيه ثم يخرجه فورد في النبوي إذا وقع الذباب في أناء أحدكم فامقلوه
ثم انقلوه فإن في إحدى جناحيه داء وفي الأخرى دواء ويقدم الداء ويحسن الأكل عند أخيه المؤمن من غير
احتشام ففي عدة أنه بذلك يستبين محبته له وفي النبوي أشدكم حبا لنا أحسنكم أكلا عندنا ويحترز في
الأثناء عما يكرهه الرفيق وينغص عليه بالأكل قولا وفعلا مما يتعلق بالطعام وغيره كالنفخ في الطعام كما
سبق واكثار النظر إلى أكله سيما إذا كان نهما ونفض اليد في القصعة أو إلى ما يليه وتقريب الرأس إليه
وكثرة الطأطأة على الماعون عند تناول اللقمة وغيره والسعال والتبصق والتنخم فإن فعل صرف وجهه
وكذا اخراج شئ من الفم ممضوغا أو غيره متوجها وأخذه باليمنى الأكلة وجعل القطعة المعضوضة
من اللحم أو غيره في القصعة سيما فيما يليه والخلط بين الأطعمة على وجه يستقبح منظره مثل الدهن في
الخل وبالعكس والجمع بين التمر والنوى في الطبق والتكلم بما يذكر القاذورات والأهوال فهو يوجب انقباض
الطبيعة عن الأكل والاستيذان في التقدم فيما لا يتوارد عليه والامتناع عن الأكل قبل امتناعه إذا كان
ممن يحتشم الأكل بعده بل يمد اليد ويقبضها ويتناول قليلا قليلا إلى أن يستوفي فإن كان قليل الأكل
311

توقف في الابتداء وقلل الأكل حتى إذا توسع في الطعام أكل معه أخيرا ويحترز الرفع قبل استيفائه
إلا إذا كان أصلح لشأنه ويطيل الجلوس على المائدة مع الإخوان فعن أبي عبد الله (ع) إذا قعدتم مع
الإخوان على المائدة فأطيلوا الجلوس فإنه ساعة لا يحسب عليكم من العمر والظاهر اختصاصه بصاحب
المائدة وإن كان احتمال العموم غير بعيد أيضا والأمر بإطالة الجلوس لا ينافي النهي عن اكثار الأكل
لعدم الملازمة بينهما ولعل المراد بعدم احتساب تلك الساعة من العمر أنه وقت أنس ونعيم وتلذذ
وسرور سيما لصاحب المائدة فلا يقاس به سائر الساعات المنغصة غالبا بالكدورات وهذا هو
المتبادر من مثل هذا الكلام عرفا وقد ورد قريب منه في أيام زائري الحسين (ع) وتكلف المحدثون
فيه وجوها في غاية البعد مثل الحمل على أنه لا يكتب عليهم الذنوب أو لا يحتسب ما أكلوه من رزقهم المقدر
وغير ذلك مما لا حاجة إلى نقله ويجتنب الشرب في أثناء الأكل فهو مما يخالف بين الهضوم إلا لتعلق
لقمة بالحلق لا يسوغ إلا به أو صدق عطش دون الحاصل من بلغم مالح في فم المعدة كلما روعي بالشرب
ازداد وحيث يشرب لأحد الضرورتين فليقتصر على قدر الضرورة ولا يكثر أو المراد النهي عن اكثار
شرب الماء مطلقا فإنه منهي عنه لا سيما على الدسم فهو يقلل الهضم باطفائه الحرارة الفاعلة وعن أبي عبد الله (ع) أنه مادة لكل داء وأن الناس لو أقلوا من شرب الماء لاستقامت أبدانهم ولقد كانت
هذه الجملة بالباب الآتي أنسب ويمص أصابعه بعد الأكل فورد عن النبي صلى الله عليه وآله إذا أكل أحدكم طعاما
فمص أصابعه التي أكل بها يقول الله عز وجل بارك الله فيك وكان صلى الله عليه وآله يلعقها واحدة واحدة ويقول لا يدرى
في أي الأصابع البركة ويلعق القصعة فهو كعتق رقبة كما نقله في الاحياء والمروي أنه كما تصدق
بمثلها ويأكل السواقط من الخوان ولو مثل السمسمة من الطعام فهو مهور الحور العين كما في النبوي
وفي حديث أمير المؤمنين (ع) أنه شفاء من كل داء بإذن الله لمن أراد أن يستشفي به وعن أبي عبد الله (ع)
أنه ينفي الفقر ويكثر الولد إلا إذا كان في الصحراء فإن الأحب أن يدعها للطير والسبع ولو فخذ شاة كما في حديث
الجواد (ع) ويخلل الأسنان فهو من الثلاث التي نزل بها جبرئيل (ع) وليكن بغير عود الرمان وقضيب الريحان
فهما يهيجان عرق الجذام ولا الآس فهو يحرك عرق الأكلة ولا الحوض وهو ورق النخل ولا القصب فإن رسول
الله صلى الله عليه وآله كان يتخلل بكل ما أصاب ما خلاهما وورد في عدة روايات أن في الخلال تصحيحا للثة والنواجد
وتطييبا للفم عما يتغير فيه وجلبا للرزق ومسرة للملائكة والموجود في الرواية الملك الموكل ويخرج ما كان
بين الأسنان من بقايا الطعام فيلفظ ما استكرهه بالخلال دون ما أدار به اللسان في أطراف اللثة
وغيرها فإن له أن يبلعها ويمضمض الفم بعده أي بعد الخلال ففيه أثر عن أهل البيت (ع) كما في الاحياء أو
بعد الطعام كما في غيره وأكمله ما كان بالسعد وفي غسل الأيدي يجمع ماء الكل في طشت واحد ما أمكن
فلا يفرغ إلا بعد امتلائه فورد في النبوي أجمعوا وضوءكم جمع الله شملكم قيل إن المراد به هذا وفي
بعض الآثار أن تعدد الطشوت وتفريغها واحدا واحدا أو قبل أن تنظف من سير الأعاجم فإن أمكنهم
الاجتماع على الغسل معا في الطشت في حالة واحدة جميعا أو جماعة كان أقرب من التواضع وأبعد من طول
الانتظار وعن سيرة الأعاجم ويمسح وجهه وحاجبيه وعينيه بنداوة يديه بعد غسله من الغمر قبل مسحه بالمنديل
ويحمد الله بالمأثور وهو الحمد لله المحسن المجمل المنعم المفضل ثلاثا فورد أن في مسح الوجه بها اذهابا للكلف
وجلبا للرزق وفي مسح العينين أمانا من الرمد وفي مسح الحاجبين وللدعاء أمانا أو شفاء منه ولا
يؤوى مزيل الغمر وهو منديله بل الظاهر أنه تصحيفه ففي النبوي لا تؤوا منديل الغمر في البيت فإنه مربض
الشيطان ولا يقوم من مقعده قبل الرفع إلا أن يريد التوسعة على اللاحقين ويحمد الله بالمأثور وهو الحمد
لله الذي حملنا في البر والبحر ورزقنا من الطيبات وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا وفي رواية أخرى
الحمد لله الذي أشبعنا في جائعين وأروانا في ظمآنين وأوانا في ضاحين وحملنا في راجلين وآمننا في
خائفين وأخدمنا في عانين وروي غير ذلك ثم إن عرى الطعام من الشبهة وإلا يستغفر ويغتم ويبكي
ليطفئ بدموعه وغمه حر النار التي تعرض لها لما ورد أن كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به وليس
من يأكل ويبكي كمن يأكل ويلهو ويدعو في الحالتين بالمأثور فإن أكل حلالا قال الحمد لله الذي بنعمته تتم
الصالحات وتنزل البركات وإن أكل شبهة قال الحمد لله على كل حال اللهم لا تجعله قوة لنا على معاصيك و
روي غير ذلك ويشكر الله (تع) في قلبه على ما أطعمه فيرى الطعام نعمة منه سبحانه عليه قال الله تعالى
كلوا من الطيبات واشكروا لله ويدعو لصاحبه إن أكل طعام الغير يقول اللهم بارك له فيما ويسر له
أن يفعل منه خيرا وقنعه بما أعطيته واجعلنا وإياه من الشاكرين وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا طعم عند
أهل بيت قال طعم عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة الأخيار ويستلقي
على قفاه واضعا رجله اليمنى على اليسرى كما روي عن الرضا (ع) قولا وفعلا ولا يدع العشاء ولو بكعكة
أو لقمة من خبز أو حشفة أو شربة من ماء ففيه ورد في عدة روايات أنه مهرمة وأول خراب البدن
ولا سيما للكهل والشيخ فعن أبي عبد الله (ع) ينبغي للرجل إذا أسن أن لا يبيت إلا وجوفه ممتلئ من الطعام
وفي آخر لأنه أهدأ لنومه وأطيب لنكهته واعلم أن نسخ الأصل وجدناها في هذا الباب وما يليه
مختلفة جدا وجمعنا بينها في الشرح ما أمكن تكثيرا للفائدة وإن كان في ثبوت الاستحباب في بعضها
نظر والظاهر أنها ارشادات اقتفى فيها المصنف أثر أبي حامد كما هو المعلوم من عادته
باب الشرب وهو
أيضا من الضروريات بدرقة للغذاء إلى مجاريه الضيقة وحقه أن يأخذ الشارب الكوز باليمين إلا
لعذر ولا يشرب في نفس واحد وإن كان هو اللذة بل نفسين والأفضل ثلاثة أنفاس يقطعه ويتنفس
ثم يعود إليه وفي رواية إن كان الذي يناولك الماء مملوكا لك فاشرب في ثلاثة أنفاس وإن كان حرا
فاشربه بنفس واحد مفتتحا بالتسمية ومختتما بالتحميد في كل من الثلاث وهو من السنة فإنه شرب
312

رسول الله صلى الله عليه وآله وفي رواية أبي بصير وغيرها عن أبي عبد الله (ع) أن الرجل منكم يشرب الشربة من الماء فيوجب
له بها الجنة ثم فسرها بما ذكر وفي رواية عمر بن يزيد أنه يسبح ذلك الماء له ما دام في بطنه إلى أن يخرج
وورد في النبوي وغيره مصوا الماء مصا ولا تعبوه عبا فإن الكباد من العب والعب شرب الماء بغير مص
والكباد كغراب داء الكبد وهذا مما حذر عنه الأطباء أيضا سيما في الشتاء ولا يشرب في آنية الذهب والفضة
ولا المفضضة والمشهور أن حكمها في الشرب حكمها في الأكل وفي موثقة سماعة لا ينبغي الشرب في آنية الذهب
والفضة وروى المحمدون الثلاثة وصاحب المحاسن في الموثق عن بريد العجلي عن أبي عبد الله (ع) أنه كره الشرب
في الفضة وفي القدح المفضض وكره أن يدهن من مدهن مفضض والمشط كذلك وزاد الصدوق
فإن لم يجد بدا من الشرب في القدح المفضض عدل بفمه عن موضع الفضة وفي صحيحة عبد الله بن سنان لا بأس أن يشرب الرجل في القدح المفضض واعزل فمك عن موضع الفضة وهكذا ذكره الأصحاب أيضا
والمستفاد منها أن المراد بالمفضض ما أصله من خزف أو نحاس أو غيره ركب على حاشيته قطعات
من فضة مصمتة أو مشبكة أوصالا مفصولة بعضها عن بعض أو نقشت كذلك بفضة محلولة
أو سمرت بها وشموله لما علق عليه حلقة من فضة في غاية البعد وأما المموه سواء كانت طلاء
يتعذر تخليصها بالنار أو صفايح ممكنة فلا يبعد اندراجه في الفضة ولا سيما الأخير والأحوط اجتناب
الجميع واجتناب المذهب بطريق أولى وإن كان خارجا عن الروايات ويشرب من آنية الخشب والخزف
ولا سيما الأقداح الشامية ففي النبوي أنها أنظف آنيتكم وورد عن أبي عبد الله (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله
اشربوا الماء بأيديكم فإنها من خير أوانيكم حيث مر بقوم يشربون الماء بأفواههم في غزوة تبوك ويشرب
قائما بالنهار فإنه أقوى وأصح للبدن وأدر للعرق ويمرئ الطعام وجالسا بالليل فإن القيام فيه
يورث الماء الأصفر وينظر فيه قبل الشرب ليميط ما به من أذى إلا ينفخ فيه ولا يتنفس فيه بل ينحيه
عن فمه إذا أراد ذلك أو المراد النهي عن التنفس شاربا لأن الحجاب الموضوع على فم الحلقوم المنطبق
عليه حين الأكل والشرب ينكشف حين التنفس فيخاف أن يدخله شئ من المشروب فتتعب الطبيعة في
دفعه ومن ثم ورد النهي عنه حين ابتلاع اللقمة أيضا بل هي أعسر دفعا وكثيرا ما قتل صاحبه ولا يتجشأ
في الكوز بل ينحيه ويصرف وجهه ويحفظ أسفله عن الترشح عليه وتلويث ثيابه ويشرب من ما يقابل
العروة من شفته فإن كان له عروتان فمن إحدى شفتيه أو ثلاثة فمن شفته الوسطى ويجتنب الشرب من
فم السقاء واختناثه أي أن يكسر فاه فيشرب منه للنهي عنهما في النبوي وأذن الكوز وهو عند عروته
فإنه مجتمع الوسخ ومشرب الشيطان وموضع كسره فإنه مقعده وروي أيضا مشرب الشياطين ويدعو
بعد الشرب بالمأثور وهو الحمد لله الذي سقانا عذبا زلالا ولم يسقنا ملحا أجاجا ولم يؤاخذ بذنوبنا
وروي غيره ويذكر الحسين (ع) ويلعن قاتليه فعن أبي عبد الله (ع) ما من عبد شرب الماء فذكر الحسين (ع)
وأهل بيته ولعن قاتله إلا كتب الله له مائة ألف حسنة وحط عنه مائة ألف سيئة ورفع له
مائة ألف درجة وكأنما أعتق مائة ألف نسمة وحشره الله يوم القيامة ثلج الفؤاد ويتبرك بسؤر
المؤمنين ويستشفى به ولا سيما الكبار فإنهم أبرك وورد في المستفيض سؤر المؤمن شفاء وزيد
في بعضها من سبعين داء ولا يرد الماء إذا عرض عليه فإنه من رد الكرامة على وجه بل يشرب ولو
قليلا ولا يعرض عنه وكأنه مستدرك وإذا كانوا جماعة فشرب أولهم يدار الكوز على الباقين بالأيمن
فالأيمن وكذا كل ما يدار على قوم يدار يمته
باب الضيافة قال رسول الله صلى الله عليه وآله الضيف يجئ برزقه
ويذهب بذنوب أهله أما ذهابه بذنوب أهله فسبيله السمع وهو مناسب لقواعد الفضل و
الرحمة فإن الحسنات يذهبن السيئات فينبغي تقييده بما إذا كانت الضيافة عن سخاوة منهم و
طيب نفس لا كراهة أو رياء أو نحوهما وأما مجيئه برزقه فمما يعرف له سبب من جهة الطبيعة وذلك أن كل مولود يقدم إلى فضاء الدنيا فالجزء الواقع من الفلك الأعظم على الأفق الشرقي في بلاده
حينئذ وهو الطالع هو الذي يلي تربية نفسه وبدنه والذي يليه عليه التوالي تربية رزقه ومعاشه
وهكذا سائر أحواله في تدبير سائر أجزاء الفلك إلى تمام البروج الاثني عشر الذي يكمل بها الدورة
كما أن مدبر النفس والبدن يلي ايصال مدد الحياة إليه على الدوام من غير انقطاع إلى أن يبلغ الكتاب
أجله سواء كان في وطن أو سفر بر أو بحر كذلك مدبر المعاش وسياقه الرزق إليه مدة الحياة
أينما كان في بيته أو بيت غيره وهذا هو الرزق الذي وردت الرواية أنه يطلبك وربما يكون
مدبر الرزق في بعض الأشخاص مسعودا قوي التأثير فيسري فيضه إلى من يلابسه ويتصل به
ضرب اتصال ومن ثم ورد الأمر بمشاركة من أقبل عليه الرزق فإنه أجلب للرزق وأمر من
اشتكى الفقر بالتزويج رجاء لحصول السعة بمواصلة الزوجة كما قال (تع) أن يكونوا فقراء يغنهم
الله من فضله وقد شاهدنا كثيرا نزول الأضياف على من لا يملك بلغة يومه فتسهلت عليه
الأمور ما داموا على بساطه بأسباب غير محتسبة ثم لما ارتحلوا عنه انقطعت تلك الأسباب وعاد
إلى ما كان عليه من سوء الحال والنكد وفي حديث آخر لا خير فيمن لا يضيف من باب الأفعال
أو التفعيل وذلك لأن اطعام الطعام مما يقتضيه الطبع السليم ويستحسنه العقل الرزين وهو
من السنن المحبوبة لله عز وجل فالتارك له منسلخ عن حكم الطبع والعقل والشرع وفي الصحيح
عن أبي عبد الله (ع) أكلة يأكلها أخي المسلم عندي أحب إلي من أن أعتق رقبة وحقها أن يبتدئ
المضيف بوضع اليد في الطعام ويتأخر برفعها عنه وهما من السنة ولا يستخدم الضيف فعن أبي جعفر (ع) أنه من الجفاء
ولا يمكنه أن يخدم ولو باصلاح الفتيلة ويبتدئ بالغسل قبل الأكل لأنه يدعو الناس إلى كرمه
فحكمه أن يتقدم ليتبعوه وفي رواية ابن عجلان لئلا يحتشم أحد ثم من كان جالسا على يمينه إلى الباب
313

ثم من على يساره إلى آخرهم ويتأخر في الغسل بعده عن جميعهم انتظارا للداخل أن يدخل ويأكل معه
وتعظيما للضيف بتقديمه وفي بعض الروايات لأنه أولى بالصبر على الغمر فيبدأ بمن على يمين الباب
حرا كان أو عبدا كما في رواية ابن عجلان أو من على يسار المضيف كما في حديث آخر وأن لا يتكلف
له إذا أتاه دون ما إذا دعاه ففي الحسن عن أبي عبد الله (ع) إذا أتاك أخوك فاته بما عندك وإذا دعوته
فتكلف له وحيث يتكلف فلا يكن بالاستفراض أو تقديم ما يحتاج إليه العيال فورد أنه دعي أمير
المؤمنين (ع) إلى ضيافة فقال للداعي وهو الحارث الأعور على أن تضمن لي ثلاث خصال لا تدخل علينا
شيئا من خارج ولا تدخر عنا شيئا مما في البيت ولا تجحف بالعيال قال ذلك لك فأجابه (ع) وزيد في بعض
الروايات فأتى الحارث بكسر فجعل أمير المؤمنين يأكل فقال الحارث إن معي دراهم وأخرجها فإذا
هي في كمه فإن أذنت لي اشتريت فقال (ع) هذه مما في البيت أو تقديم ما لا تسامح النفس به بل يقتصر
على ما لا يبغض إليه الضيف فإنه يورث الانقطاع والوحشة سيما في النفوس الضعيفة المتقيدة بمحقرات
الأمور وربما يحسن ذلك من وجه آخر للمبتدئ في الرياضة المتحري مراغمة النفس وتعويدها بالخير كما
تقدم ولا يحتقر المضيف ما حضره ولا الضيف ما قدم إليه ففي الصحيح عن أبي عبد الله (ع) هلك لامرء احتقر
لأخيه ما يحضره وهلك لامرء احتقر لأخيه ما قدم إليه ويقدم ما يشتهي الضيف فإنه من ادخال السرور
والاكرام المأمور بهما وورد في النبوي أو غيره من صادف من أخيه شهوة فقضاها له غفر له ويقتصر على
قدر ما يكفي لا ينقص ولا يزيد فالنقص عن الكفاية ترك المروة بل هو اللوم والزيادة عليها رياء وتصنع
وإن كان ليس في الطعام سرف إلا أن ينوي بالتكثير التبرك بما يفضل من طعامهم أو يجيز لهم الذهاب
به سيما إذا كانوا فقراء ويميز أولا نصيب العيال تحاميا عن اهتمامهم به واجحافه بهم ولا يرفعه الضيف
إلا أن يعلم بسروره بذلك ولا أقل من عدم كراهته بلفظ صريح أو ما يقوم مقامه ولا يستتبع ولده
إذا دعي فإنه إن فعل أكل حراما ودخل عاصيا كذا في رواية السكوني وورد عن أبي عبد الله (ع) من أكل طعاما
لم يدع إليه فإنما أكل قطعة من النار وإذا بات الضيف في بيت المضيف يريه القبلة والمتوضي إن لم
يكن عارفا بهما وأن يكرمه فورد أن مما علم رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة (ع) أن قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه وهو باظهار الانبساط والسرور بقدمه وحسن الحديث والإعانة في النزول دون
الارتحال والخدمة بالنفس وصب الماء على اليد تأسيا بالسلف والتشييع إلى الباب فورد في النبوي
أن من سنة الضيف التشييع إلى باب الدار وأخذ الركاب للركوب وتسوية الثياب وينبغي أن يرجع الضيف
فرحا طيب النفس مثنيا وإن قصر المضيف أو ذووه في حقه فليعذر ولا يوغر الصدر ولا يخرج إلا برضا
المضيف وإذنه ولا يحركه التقصير إلى الخروج بدون إذن فهو من حسن الخلق وسعة الصدر ولا تكون
الضيافة أكثر من ثلاثة أيام ففي النبوي الضيافة أيام فما زاد فصدقة إلا أن يلح رب البيت عن خلوص
قلب في لبثه فله المقام إذ ذاك أو الضيف فيقيم زيادة على الحد الشرعي وهو حينئذ ممن لا يليق
اللطف بل هو كذلك في الثالثة ففيه الضيف يلطف ليلتين فإذا كان الليلة الثالثة فهو من أهل البيت يأكل ما أدرك ويستحب لأهل البلد ضيافة الواردين فورد في النبوي أيضا إذا دخل الرجل
بلدة فهو ضيف على من بها من إخوانه وأهل دينه حتى يرحل عنهم أو المعنى أن له عليهم حرمة الضيف
وإن كان في نفقة نفسه ومن حقه أن يعد فراشه وخلاله وقد تقدم في باب الصوم أنه ينبغي
أن يستأذن كل منهما صاحبه في صوم التطوع لئلا يحتشمه فلا يأكل أو يصنع طعاما فيفسده و
ورد عن أبي عبد الله (ع) إذا دخل عليك أخوك فأعرض عليه الطعام فإن لم يأكل فأعرض عليه الماء
فإن لم يشرب فأعرض عليه الوضوء وفي حديث آخر من زار أخاه ولم يذق عنده شيئا فكأنما زار
ميتا وأما الولايم الشرعية ففي الأخبار النبوية وغيرها أنها أربع عرس بضم الفاء وهو طعام النكاح
أو الزفاف وخرس بضمه أيضا وهو العقيقة أو طعام الولادة وعذار بكسره وهو الختان واياب
من غيبة مطلقا أو من مكة وهو من الركاز قال الكليني وزيد في رواية التوكير وهو بناء الدار
وغيره قال المصنف في الحاشية المراد بغير البناء الشراء وغيره من حقوق سكنى الدار وورد في النبوي النهي
عن وليمة يخص بها الأغنياء ويترك الفقراء والظاهر أنه على الكراهة أو قلة الثواب إلا إذا كان رياء كما
هو الغالب
باب اللباس غير ما تقدم في كتاب الصلاة وهو من نعم الله سبحانه على بني آدم يواري
سوآتهم ويقيهم الحر وهو من أحسن الزينة وحقه أن يختار الثياب من القطن فإنه لباس رسول
الله صلى الله عليه وآله وأهل البيت صلوات الله عليهم والكتان فإنه من لباس الأنبياء وهو ينبت اللحم دون
الصوف والشعر فإنها لا تلبس إلا لعلة كالبرد وفقد الأولين ولا ثياب الشهرة فإنه منهي عنه مبغوض
فعن أمير المؤمنين (ع) نهاني رسول الله صلى الله عليه وآله عن لبس ثياب الشهرة وعن أبي عبد الله (ع) إن الله تعالى
يبغض شهرة اللباس وورد في لبس ثوب الشهرة عن الحسين (ع) من لبس ثوبا يشهره كساه الله (تع)
يوم القيامة ثوبا من النار قال في النهاية فيه من لبس ثوب شهرة ألبسه الله (تع) ثوب مذلة يوم
القيامة الشهرة ظهور الشئ في شنعة حتى يشهره الناس ولا الثوب المذهب سواء تجمل به أم لا
فإنه حرام على الرجال مطلقا كما تقدم في كتاب الصلاة سواء كان طلاء أو منسوجا أو غيرهما
أمكن تخليصه أم لا وهو زينتهم في الجنة وكذا الحرير المحض لهم ومن أقسامه الديباج وهو المنقش
منه معرب زيبا وكأنهم كانوا ربما يخصون اسم الحرير بالأطلس الساذج ومن ثم جمع في بعض
الروايات كموثقة محمد بن مسلم لا يصلح لباس الحرير والديباج ومرسلة ابن بكير لا يلبس الرجل
الحرير والديباج إلا في الحرب فاقتصر المصنف على لفظ الرواية واعتذر في الحاشية بما لا يسمن ولا
يغني من جوع وأما المعمول من قطن هذا النبات البري الموسوم بالعشر كما كان متعارفا في بلادنا
314

في الدهور الغابرة وهو الديباج التستري المضروب به المثل في كلمات الأدباء فالظاهر أنها خارجة
عن هذه المناهي وإن كانت أنعم من الإبريسم وأغلى ثمنا وصدق عليها الاسم على بعض الوجوه
ولا الأسود فورد أنه كان رسول الله صلى الله عليه وآله يكره السواد إلا في ثلاث الخف والعماء والكساء فيخصص به
ما روي عن أبي عبد الله (ع) أنه لباس أهل النار بل يختار الأبيض فعن النبي صلى الله عليه وآله البسوا البياض
فإنه أطيب وأطهر والنظيف فإنه ورد عن أبي عبد الله (ع) الثوب النقي يكبت العدو وعن أمير المؤمنين (ع)
النظيف من الثياب يذهب الهم والحزن وهو طهور للصلاة ويقصر الثياب فورد أنه
نظر أمير المؤمنين (ع) إلى فتى مرخ إزاره فقال يا بني ارفع إزارك فإنه أبقى لثوبك وأنقى لقلبك وفي
اسباله إلى ما تحت الكعب وعيد بالنار رواه أبو عبد الله (ع) عن أبيه (ع) قال ما جاوز الكعبين ففي
النار بل المستحب للرجل أن يرفع ثيابه لا يجرها كما ورد عنه (ع) قال إن عليا كان عندكم فاشترى
ثلاثة أثواب بدينار القميص إلى فوق الكعب والإزار إلى نصف الساق والرداء من بين يديه إلى ثدييه
ومن خلفه إلى ألييه ثم قال هذا اللباس الذي ينبغي للمسلمين أن يلبسوه قال والله يقول وثيابك
فطهر قال وثيابك ارفعها ولا تجرها وينبغي أن ينوي بها ستر العورة كما ينوي بالأكل التقوي للعبادة
وإن ضم إليه التزين لتودد المسلمين وأن يرى نعمة الله عليه كان أكمل فعن أمير المؤمنين (ع) إن الله
جميل يحب الجمال ويحب أن يرى أثر النعمة على عبده وهو من التحديث الفعلي ويبدئ بالأيمن في لبس
كل شئ حتى الخف والنعل وبالأيسر في النزع وهما من السنة ويفتتح اللبس بالتسمية كما في كل مفتتح و
كيلا يكون للشيطان فيه شرك ويختتم بالتحميد وفي بعض النسخ ويدعو بالمأثور وهو بسم الله وبالله
اللهم اجعله ثوب يمن وتقوى وبركة اللهم ارزقني فيه حسن عبادتك وعملا بطاعتك وأداء شكر
نعمتك الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في الناس وروي غيره لكنها جميعا
عند لبس الجديد فيشبه أن يكون هو المراد بالافتتاح والظرف الأخير متعلقا بالأفعال الثلاثة
ويلبس السراويل قاعدا كيلا يصيبه آفة ولا غم ويوقي وجع الخاصرة ويبدء بلبس القميص قبل
السراويل فإنه لبس الأنبياء (ع) ويلبس الخشن فورد عن أمير المؤمنين (ع) في حديث الأربعمائة من
رق ثوبه رق دينه إلا إذا نسب إلى الرياء فمعتاد أهل الزمان فورد أنه قيل لأبي عبد الله (ع) إن عليا (ع)
كان يلبس الخشن ونرى عليك اللباس الجيد فقال إنه كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر ولو لبس مثل
ذلك اليوم لشهر به وفي أخرى لقال الناس أنه مراء فخير لباس كل زمان لباس أهله ويلبس أخشن
ثيابه إذا أراد الصلاة فعن أبي عبد الله (ع) إنا إذا أردنا أن نصلي لبسنا أخشن ثيابه وليكن ذلك
على البدن تحت الثياب التجمل جمعا بينه وبين ما ورد من لبس أجود الثياب في الصلاة وفي بعض
الأخبار ما يرشد إليه أو يكون الأول مختصا بالخلوات والأخير بالمحاضر ولا ينزع حتى يرقع و
وإن كان ذا سعة تأسيا بالأئمة (ع) وفي حديث عايشة فيما أوصاها رسول الله صلى الله عليه وآله عليك بعيش
الفقراء وإياك ومجالسة الأغنياء ولا تنزعي درعك حتى ترقعيه وهو من تقدير المعيشة وروافع
الكبر ويكسى المنزوع فقيرا ليكون في ضمان الله وحرزه وخيره تعالى ما واره حيا وميتا وفي
رواية أخرى ما دام عليه سلك ولا يبيع ما عبد الله (تع) فيه أخص عبادة كثوبي الاحرام بل يعدهما
لكفنه ولا بأس بتكثير الثياب يلبس كلا في محله اللائق ولا يبتذل ثوب صونه فإنه من السرف فعن
إسحاق بن عمار قلت لأبي عبد الله (ع) يكون للمؤمن عشرة أقمصة قال نعم قلت عشرون قال نعم قلت ثلاثون
قال نعم ليس هذا من السرف إنما السرف أن تجعل ثوب صونك ثوب بذلتك وفي غيرها أنه من أدناه
ويطوي الثياب إذا خلعها فإنه من إتقان المعيشة وعن أبي الحسن (ع) طي الثياب راحتها وهو أبقى
لها ولا سيما بالليل فعن أبي عبد الله (ع) اطووا ثيابكم بالليل فإنها إذا كانت منشورة لبسها الشياطين
بالليل ويتعمم ففي النبوي العمايم تيجان العرب وفيه الوقار ففي تتمته إذا وضعوا العمايم وضع الله
عزهم وفي آخر اعتموا تزدادوا حلما ويرسل ذيليه من بين يديه ومن خلفه إلا أنه يجعل للذيل بين الكتفين
أقصر مما يرسل إلى صدره قدر أربع أصابع كما عمم رسول الله صلى الله عليه وآله عليا (ع) بيده ثم قال هكذا تيجان
الملائكة ويستجد أي يلبس ثيابه الجديدة ليلة الجمعة أو يومه فإنه أبرك الأيام ويندب فيه التزين
وتجويد الثياب كما سلف ويلبس ما أصاب فهو من السنة ما لم يكن شهرة ويتختم فعن أبي عبد الله (ع)
من السنة لبس الخاتم وليكن في يمينه وورد في اليسار أيضا وفي أخرى إن شئت في اليمين وإن شئت
في اليسار وهما يحتملان التقية وبالفضة فإنه أيضا من السنة ففي الصحيح أنه كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وآله
من ورق دون الذهب للرجال والحديد مطلقا فإن الأول حرام عليهم في الدنيا وهو زينة المؤمنين
في الآخرة كما سبق والثاني لباس أهل النار وما طهرت كف فيها خاتم حديد وورد اختيار اليواقيت
والزمرد والعقيق والفيروزج والجزع اليماني وينفض الخف قبل اللبس توقيا عن آفة فيه وورد
أنه لبس رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم إحدى خفيه وقرب الأخرى ليلبسها فانقض عليها طائر فلقفها
فلما حلق بها ألقاها فانسابت منها حية وروي أنه كان شقراقا ويقعد في لبسه ونزعه فإنه
أروح لا سيما إذا كان ضيقا ويحتفي أحيانا تواضعا فيخص عمومات الأمر بالتنعل بغالب الأحوال
ويلبس النعل الأصفر فهو يوجب السرور حتى يبليه لأن الله (تع) يقول صفراء فاقع لونها تسر الناظرين
ويجلو البصر ويشد الذكر وهو من لباس النبيين دون الأسود فإنه يورث غما فيما مضى وهما فيما
يستقيل ويضعف البصر ويرخي الذكر وهو مع ذلك من لباس الجبابرة كما ورد بخلاف الخف فإن
السنة الهاشمية فيه الأسود ولا سيما في الحضر وورد في السفر رخصة الأحمر ويبدء في لبسه باليمين
وفي خلعه باليسار كما سبق وهو من السنة
باب الطيب بكسر الطاء وهو من السنة الوكيدة وثاني
315

الثلاث المحببات إلى رسول الله صلى الله عليه وآله من الدنيا وعن الرضا (ع) الطيب من أخلاق الأنبياء وعن أبي الحسن وأبيه (ع)
العطر من سنن المرسلين ولا سيما في الشارب فهو كرامة للكاتبين أيضا وفي عدة أخبار نبوية وغيرها
الطيب يقوي القلب ويحفظ العقل ومن تطيب أول النهار لم يزل عقله معه إلى الليل ويزيد في الرزق و
الباه وعن أبي عبد الله (ع) صلاة متطيب أفضل من سبعين صلاة بغير طيب وعن النبي صلى الله عليه وآله خطابا لعثمان
بن مظعون لا تدع الطيب فإن الملائكة تستنشق ريحه من المؤمن وفي رواية أخرى ما ينفق فيه ليس
بسرف وعن أبي عبد الله (ع) كان رسول الله صلى الله عليه وآله ينفق فيه أكثر مما ينفق في الطعام وعن أبي الحسن (ع)
قال لي حبيبي جبرئيل تطيب يوما ويوما لا ويوم الجمعة لا بد منه ولا يترك وفي رواية أخرى عنه (ع)
لا ينبغي للرجل أن يدع الطيب في كل يوم فإن لم يقدر أي الرجل على مسه كل يوم فيوم ويوم لا وإلا
ففي كل جمعة ولا يدع ذلك وأحبه ما في الحديث النبوي للرجال ما ظهر ريحه وخفى لونه وللنساء بالعكس
ما ظهر لونه وخفي ريحه وعن أبي عبد الله (ع) ينبغي للرجل أن يدخن ثيابه إذا قدر وعن النبي صلى الله عليه وآله إذا أتى
أحدكم بريحان فليشمه وليضعه على عينيه فإنه من الجنة وعن أبي عبد الله (ع) مثله فإن قبلها أولا ثم صلى
على النبي وآله كان له ما في رواية أبي هاشم عن العسكري (ع) من تناول وردة أو ريحانة فقبلها و
وضعها على عينيه ثم صلى على محمد والأئمة كتب الله له من الحسنات مثل رمل عالج ومحا عنه من السيئات
مثل ذلك والطيب مما يكره رده إذا عرض عليه لأنه من الكرامة وقد سلف حديث أمير المؤمنين (ع)
لا يرد الكرامة إلا حمار وفسر في حديث أبي الحسن (ع) بالطيب والوسادة وعد أشياء
باب المسكن و
هو من ضروريات الانسان في معاشه وحقه أن يكون واسعا ففي عدة روايات أن من سعادة المرء
وراحته وفضل عيشه في الدنيا سعة الدار وأن من شقاء العيش ضيق المنزل وأن من شوم الدار
ضيقها وأن يكون جيرانها أبرارا فإن جار السوء من القواصم إن رأى حسنة أخفاها وإن رأى
سيئة أفشاها كما ورد وتعوذ رسول الله صلى الله عليه وآله منه تراك عيناه ويرعاك قلبه إن رآك بخير ساءه
وإن رآك بشر سره فيبتدئ بالنظر في أمر الجار ثم يتخذ الدار كيلا يشق عليه التحول بعد الإقامة
وهذا معنى قوله صلى الله عليه وآله الجار ثم الدار ولا يجوز للمسلم أن يتوطن دار الحرب ابتداء ولا استدامة و
ينبغي أن لا يرفع سمك ما يبنى أكثر من ثمانية أذرع شرعية فورد فيه عن أبي عبد الله (ع) أن من
فعله نودي من الملك الموكل بالبناء أين تريد يا فاسق وفي بعض الروايات يا أفسق الفاسقين
والظاهر اختصاص كراهة الزيادة بمورد أكثرها وهي السقوف فإنها مظنة الرياء والمباهات
دون الجدران الحايطة ولا سيما إذا كان القصد بذلك الاحتفاظ ومزيد التستر وفي عدة أخبار
أن ما زاد على الثمانية محتضر يعني أنه يسكنه الجن والشياطين أنها ليست في الأرض ولا في السماء
وإنما تسكن الهواء فإن أراد دفعهم فليكتب آية الكرسي فيما بين الثمانية والزايد كما أمر به أبو عبد الله (ع)
من شكى عبث الجن بأهل بيته وعياله وأن يبدأ بالبناء يوم الأحد ففي الاختيارات المنسوبة إلى
أمير المؤمنين (ع) وفي الأحد البناء لأن فيه تبدى الله في خلق السماء ولا يستشكل بأن تعيين الأوقات
ووجود الليل والنهار موقوفان على حركة فلك الشمس فكيف يعقل قبل ذلك يوم الأحد أما للفرق
بين اليوم والنهار بأن الأول هو مطلق الزمان والثاني هو البياض الذي تفعله الشمس بطلوعها
وبين السماء والفلك بأن الأول هو مراكز السبع السيارة والثاني أعم يشمل الأطلس واليوم مقدار
دورة كاملة له وزيادة يسيرة هي مقدار سير الشمس بحركتها الخاصة المعكوسة فيصح تعيينه قبل
خلق فلك الشمس وإن لم يكن إذا نهارا والمعنى أنه لما تم خلق الأفلاك وتعينت الأوقات كان
تقدم ابتداء الخلق على ذلك بمقدار من الامتداد إذا وزع على مقتضى التعيين صادف يوم الأحد
فلا اشكال وأن ينوي به التعبد حيث أمر الله باتخاذ المساكن ودفع الحر والبرد فهما ضرران يجب
دفعهما عن النفس عقلا وشرعا ولا يبالغ فيه بالاشتغال به كثيرا فلم يضع رسول الله صلى الله عليه وآله لنفسه لبنة
على لبنة ولا قصبة على قصبة وأن لكم في رسول الله أسوة حسنة وورد الأمر باتقان البناء و
مدح الطين واللبن وذم الجص والأجر وإذا وجد جداره يريد أن ينقض إلى الطريق أو ملك الغير
فليبادر إلى اصلاحه فإن أخر من غير عذر ضمن ما يجنيه بسقوطه على المشهور وينبغي أن يتخذ في
الدار موضعا معدا للوضوء والغسل وموضعا معدا للبول والغايط وسائر النجاسات وموضعا
للضيافة فورد أنه زكاة البيت كما سبق وورد أيضا اعداد موضع للصلاة والظاهر أنها
تحديدات للأقل الذي لا غنى عنه فلا ينافيه اعداد موضع للدواب وآخر للأقوات والذخاير
ونحو ذلك من مرافق المعيشة لمن كان من أهله والضابط الاقتصار على قدر الكفاف فعن أبي عبد الله (ع) أن الزايد عليه وبال على صاحبه يوم القيامة وورد في النبوي من بنى بناء رياء وسمعة
حمله يوم القيامة من الأرض السابعة وهو نار يشتعل منه ثم يطوق في عنقه ويلقى في النار ولا يحبسه
منها شئ دون قعرها إلا أن يتوب قيل يا رسول الله كيف يبني رياء وسمعة قال يبني فضلا
على ما يكفيه استطالة به على جيرانه ومباهاة لإخوانه وعن أبي عبد الله (ع) من كسب مالا من غير
حله سلط عليه البناء والماء والطين وفي عدة روايات أن تلك البقاع تسمى المنتقمة ولا يكسوا
البيت خارجا ولا داخلا وهي من خصايص الكعبة وأما وضع الستر في بعض المواضع فالظاهر أنه ليس منها ولا يزخرف بالنقوش الملونة وأصل الزخرف الذهب وكمال حسن الشئ ولا يصور
التماثيل فورد في رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال جبرئيل يا محمد إن ربك ينهى عن تزويق
البيوت قلت وما تزويق البيوت قال تصاوير التماثيل وكما يكره ابتداء يكره استدامة في البناء
وغيره وعن النبي صلى الله عليه وآله لا يدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو تمثال جسد أو إناء يبال فيه و
316

إضافة التمثال إلى الجسد لا ينافي ثبوت الكراهة في غير ذوات الأجساد كما تقدم في كتاب الصلاة
فإذا غيرت رؤسها أو عيونها أو سترت أو كانت فيما يوطئ كالفراش أو غير ذوات الأرواح كالورد
والشجر وشبهه فلا بأس به بل هي أخف كراهة ويكنس البيت فعن أبي جعفر (ع) أنه ينفي الفقر والظاهر أن
المراد بالبيت ما يرادف الدار ولا يؤوى التراب خلف الباب فإنه مأوى الشياطين كذا في النبوي و
غيره وورد فيه أيضا بيت الشيطان من بيوتكم بيت العنكبوت وعن أمير المؤمنين (ع) أن تركه في البيت
يورث الفقر ويتخذ في الدار شيئا من الدواجن شاة أو دجاجة أو حمامة أو هرة ونحوها ليلتهي به
صبيان الجن فلا يعبثوا بصبيانه ولا يدخل بيتا مظلما إلا بسراج لنهي النبي صلى الله عليه وآله عنه وكراهته له
في حديث الوصية وغيره ليلا كان أو نهارا للاطلاق والتقييد في بعضها بالليل لا يقتضي التخصيص و
يسرج قبل الغروب فعن الرضا (ع) أسرج السراج قبل أن تغيب الشمس فإنه ينفي الفقر وينتقل من حر
الصيف إلى داخل ومن برد الشتاء إلى خارج ليلة الجمعة تأسيا برسول الله صلى الله عليه وآله كما في بعض الروايات
أو يومها كما في بعضها أو من الشتاء يوم الخميس ومن الصيف يوم الجمعة كما في بعض
آخر وأما الانتقال من الصيف يوم الخميس ومن الشتاء يوم الجمعة فهو أعرف بمأخذه ويشبه أن يكون سهوا وينظف الفناء وهو بكسر الفاء المتسع أمام الدار وفي النبوي وغيره اكنسوا أفنيتكم و
لا تشبهوا باليهود وعن الرضا (ع) كنس الفناء يجلب الرزق ويدعو عند دخول الدار والخروج عنها
بالمأثور وهو اللهم لك خرجت ولك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت اللهم بارك لي في يومي
هذا وارزقني فوزه وفتحه ونصره وطهوره وهداه وبركته واصرف عني شره وشر ما فيه بسم الله
وبالله والله أكبر والحمد لله رب العالمين اللهم إني خرجت فبارك لي في خروجي وانفعني به
إذا دخل منزله قال ذلك وروي في الخروج غير ذلك ويسرع في المشي إلى البيت عكس المشي إلى السوق
ولا يمشي الرجل بين المرأتين ولو كانتا محرمين فورد أنه نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن ذلك وما قيل إن المراد
المشي بينهما للتكبر كما كان عادة الجاهلية ففي غاية البعد ويترك الطريق إلى النساء لا يزاحمهن فيه
ويميط الأذى عن الطريق فهي من أبواب الايمان ولا يختال في مشيه بهز الأطراف والتبختر فهو من آثار
ذميمة الكبر وقد ورد النهي عنه بالخصوص في قوله (تع) لا تمش في الأرض مرحا والمرح هو الاختيال
ويأخذ العصي في الكبر فهو سنة الأنبياء وعن النبي صلى الله عليه وآله من بلغ أربعين ولم يأخذ العصي فقد عصى
وينصب بابا على الدار بل على كل بيت فهو أحرز ويغلق الباب ليلا ويخبئ المفتاح مسميا حين
الغلق ميامنا أي مبتدئا به من جانب يمين الباب أو المراد الغلق باليد اليمنى
باب المنام و
المعتدل منه يمكن القوة والطبيعة من أفعالها بسبب احتباس الحرارة في الباطن ومن ثم يهضم الطعام
هضومه الأربعة ويريح القوة النفسانية عما عرضها من اعياء وفرط تحلل وحقه أن يعرض نفسه أولا على الخلاء
ليلا أو نهارا ثم يكون نومه على طهارة فلا ينام جنبا ولا من غير وضوء لعمومات الكون على الطهارة وما
ورد عن أمير المؤمنين (ع) لا ينام المسلم وهو جنب ولا ينام إلا على طهور وأما التعليل بأن يبيت وفراشه
كمسجده كما في رواية حفص بن غياث وما في معناها فغير ظاهر الشمول للنوم نهارا ولتكون رؤياه صادقة
كما في رواية أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله (ع) الرؤيا الصادقة والكاذبة مخرجهما من موضع واحد قال صدقت
أما الكاذبة المختلفة فإن الرجل يراها في أول ليله في سلطان المردة والفسقة وإنما هو شئ يخيل إلى الرجل
وهي كاذبة مخالفة لا خير فيها وأما الصادقة إذا رآها بعد الثلثين من الليل مع حلول الملائكة وذلك قبل
السحر فهي صادقة لا تختلف انشاء الله إلا أن يكون جنبا أو يكون على غير طهور ولم يذكر الله عز وجل حقيقة
ذكره فإنها تختلف وتبطي على صاحبها فإن كان قد دخل فراشه وشق عليه الخروج للوضوء فليتيمم بغبار
بساطه والمروي من دثاره وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا آوى إلى فراشه يعد الطهور والسواك للقيام و
يكتحل ليلا قبل أن ينام بالأثمد بكسر الهمزة والميم وهو الكحل الأصبهاني ثلاثا في كل عين كما في بعض الروايات
أو ثلاثا في اليمنى واثنتين في اليسرى كما في بعضها أو أربعا في اليمنى وثلاثا في اليسرى كما في آخر وورد في حديثه صلى الله عليه وآله
عليكم بالأثمد عند مضجعكم فإنه يزيد مما في البصر وينبت الشعر أي في الجفن كما في حديث أبي عبد الله (ع)
وورد في الاكتحال بالأثمد أيضا عنه وعن أبيه (ع) أنه يطيب النكهة ويشد أشفار العين ويذهب بالدمعة
وفي مطلق الكحل أنه يعذب الريق ويزيد في المباضعة ويعين على طول السجود أما الأولان فلتقويته
الأرواح الدماغية وأما الأخير فلشدة أشفار العين كما ذكر فإنها إذا كانت ضعيفة تتضب إليها
الرطوبات عند السجود ويتأذى بذلك فيشق تطويله وعن أبي عبد الله (ع) أنه بالليل ينفع البدن
وفي بعض نسخ الكافي العين وهو بالنهار زينة وأن ينوي القيام ليلا للعبادة فإن وفق له وإلا
أثيب بنيته فلكل امرئ ما نوى كما مر وينبغي أن يجتهد له فإنه من مناجاة السر والخلوة بالحبيب وورد
في مدح المتهجدين والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما وعن النبي صلى الله عليه وآله ركعتان في جوف الليل خير من
الدنيا وما فيها ولولا أن أشق على أمتي لفرضتهما وطالب الدنيا إذا تقاعد عن تحصيل منافع يقدر على
تحصيلها بأهون سعي ايثار اللذة الراحة والكسل يعظم حسرته عليها إذا فاتته ولا سيما إذا رأى أكفائه
قد تسابقوا إليها فما أعظم حسرة من تقاصر عن مثل هذا الحظ العظيم يوم يرى السابقين إليه قد فازوا
بجوائزهم وقد ذهبت عنه لذته الناقصة البتراء وبقيت عينه العبراء ويده الصفراء والمعين عليه
أمور وجودية وعدمية بعضها رفع للمانع وبعضها ايجاد للمقتضي أحدها أن لا يكثر الأكل ولا سيما من
الأغذية الغليظة ليكثر شرب الماء بسبب الالتهاب فيكثر النوم بسبب غلبة الرطوبة واعياء الطبيعة
واستعانتها على الهضم بطول النوم وقد سبق نقل كلام بعض المشايخ لمن على سفرته لا تأكلوا كثيرا
فتشربوا كثيرا فترقدوا كثيرا فتحسروا كثيرا وثانيها أن لا يتكلف في أعماله بتعاطي أمور تعيي الأعضاء
317

وتضعف الأعصاب مثل ارتكاب المشاق البدنية واستعمال المحللات القوية فإن ذلك مما يستتبع كثرة
النوم كما مر وثالثها أن يقيل فإن القيلولة بما فيها من الفوايد البدنية تشبع النفس عن النوم فيتسهل عليها
القيام ليلا بنشاط وصدق رغبة وورد أنها تعيد الحافظة ورابعها أن لا يذنب فهو سبب الحرمان
كما سلف في حديث من قال لأمير المؤمنين (ع) قد حرمت صلاة الليل فقال (ع) أنت رجل قد قيدتك ذنوبك
وخامسها أن يفرغ قلبه عن هموم الدنيا حتى يتمكن فيه هم الدين والعبادة فإنهما متنافيان وكما أن المهتم
بالدنيا يتحرى لها الفرص ويتنبه لأوقاتها بنفسه من غير حاجة إلى منبه له في ذلك كذلك المهتم
بالقيام الصادق في نيته بل هو أولى لأن مقصوده أهم وأعظم وسادسها أن يلازم الخوف من الله (تع)
بمذاكرة جلاله سبحانه فإن الخائف قليل النوم كثير التملل وسابعها أن يقصر الأمل في الدنيا ليستضيق
وقت العبادة فيبادر إليها ويخلص من خطرات التسويف وثامنها أن يذكر ثواب القيام وما ورد في
فضله وما وعد عليه من فوايد الدارين مما مضى ويأتي وغيرهما فإن ذلك مما يحرك إليها الشوق لمن
كان صادقا في يقينه وايمانه ولكل منها مراتب متفاوتة بحسب قوة الداعي وضعفه والأصل في الجميع
محبته (تع) واستحكام الايمان واستقراره في القلب ليكون متغذيا به روحه فيقل التفاته إلى تغذية
البدن كما يشاهد ذلك في التعشقات الصورية إذا استحكمت في القلب كما مر وأن يذكر الله كلما
استيقظ من نومه ويستاك فإن عاود النوم يستاك ثانيا ويقرء الخمس آيات التي كان يقرءها رسول
الله صلى الله عليه وآله من سورة آل عمران إذا استيقظ ليلا وهي أن في خلق السماوات والأرض إلى لا تخلف الميعاد و
أن يضع وصيته مكتوبة تحاميا عن هجوم الموت دونها فعن النبي صلى الله عليه وآله لا ينبغي لامرء مسلم أن يبيت ليلا
إلا ووصيته تحت رأسه ويتوب عن الذنب لمثل ذلك وينوي الخير للمسلمين ليغفر له فورد أن من نام
ناويا الخير للمسلمين غفر الله له ولا يبسط تحته الفراش النعيم لغلبة النوم حينئذ والأنس بالترفه بضم الفاء
وسكون العين وكان رسول الله صلى الله عليه وآله ينام على الحصير ليس تحته شئ غيره وثني له ليلة عباءة فلما أصبح
قال لقد منعني الليلة الفراش الصلاة فأمر أن يجعل بطاق واحد ورخص للرجل في الافتراش للنوم وغيره
بالحرير والديباج والقيام عليهما في الصلاة لا السجود في صحيحة علي بن جعفر قال سألت أبا الحسن (ع) عن الفراش
الحرير ومثله من الديباج والمصلى الحرير هل يصلح للرجل النوم عليه والتكاة والصلاة قال يفترش ويقوم
عليه ولا يسجد عليه وورد أنه نظر أبو عبد الله (ع) إلى فراش في دار رجل فقال فراش للرجل وفراش لأهله
وفراش لضيفه وفراش للشيطان وينبغي لمن يأتي فراشه أن ينفضه قبل الاتيان توقيا عن الأذى و
في النبوي إذا آوى أحدكم إلى فراشه فليمسحه بطرف أزراره فإنه لا يدري ما حدث عليه ويضطجع على الشق
الأيمن فورد أنه نوم المؤمنين دون الأيسر فإنه نوم المنافقين والوجه فإنه نوم الشياطين وأما
القفاء فإنه نوم الأنبياء ويستقبل القبلة في مضجعه ووجهه وأخمصاه هما باطنا قدميه إليها أو يكون
مستقبلا لها بطوله كله كالملحود في القبر ويقرء آية الكرسي فعن النبي صلى الله عليه وآله أن من قرأها وهو آخذ مضجعه
آمنه الله على نفسه وجاره وجار جاره والأبيات حوله وآيتين من آمن الرسول إلى آخر سورة البقرة
وورد أن من قراهما بعد العشاء الآخرة أجزأتاه عن قيام الليل وآيتين أو آية من آخر سورة
الكهف فورد أن من قرأها عند منامه سطع له نور إلى المسجد الحرام حشو ذلك النور ملائكة
يستغفرون له حتى يصبح وتسبيح الزهراء (ع) وهو الأصل في شرعيته إلا أن الروايات مختلفة في
ترتيب التسبيح والتحميد وإن كان الواو لا تفيده والذكر المأثور وهو بسم الله اللهم إني أسلمت
نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك توكلت عليك
رهبة منك ورغبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبرسولك
الذي أرسلت وروي غير ذلك ويذكر بنومه الموت وبقيامه النشور فإنهما إخوان ومن ثم
استحب للمستيقظ أن يقول الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور وينام على حبه (تع)
وذكره كما يموت عليهما انشاء الله تعالى وورد اجعل كل نومك وآخر عهدك من الدنيا ويوكى السقاء
أي يشد رأسه بالوكاء بكسر الواو وهو الخيط الذي يشد به فم القربة والكيس ونحوهما ويغطى
الإناء لئلا يبزق فيه الشيطان ويأخذ منه ما يشاء وفي النبوي إن الشيطان لا يكشف غطاء ولا
يحل وكاء ويطفئ السراج من الفويسقة لا تحرق البيت وعن النبي صلى الله عليه وآله لا تتركوا النار في البيت
حين تنامون ويرخى الستر فإنه أستر وأصون ولا ينام في بيت وحده فإنه من موجبات
اللعن وأجرا ما يكون الشيطان على الانسان إلا مع الاضطرار فيكثر ذكر الله (تع) في منامه ما
استطاع ولا على سطح غير محجر للنهي عنه ومن فعل فأصابه شئ فلا يلومن إلا نفسه وفي
رواية أخرى فقد برئت منه الذمة وفي أخرى سألته عن ثلاثة حيطان فقال لا إلا أربعة
قلت كم طول الحايط قال أقصره ذراع وشبر وفي حديث آخر ذراعان وورد أن الرجل و
المرأة في ذلك سواء ولا فيما لا باب له فعن أبي عبد الله (ع) أنه كره أن ينام في بيت ليس عليه باب
ولا بين صلاة الليل والفجر فورد أن صاحبه لا يحمد على ما قدم من صلاته ولا بعد الصبح إلى طلوع
الشمس فورد أنه مشوم يمنع الرزق ويصفر اللون ويغيره وهو نوم كل مشوم إن الله (تع) يقسم
الأرزاق ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فمن نام فيما بينهما نام عن رزقه ولا بعد العصر وهو
الساعة الثامنة من النهار إذا قسم اثنتي عشر ساعة معوجة وقيل العاشرة فورد أن النوم بعد العصر
حمق وأنه يختلس به العقل وهو نوم الغفلة وفي حديث الأربعمائة ليس في البدن أقل شكرا من العين
فلا تعطوها سؤلها فتشغلكم عن ذكر الله عز وجل وفي آخر إن كثرة النوم مذهبة للدين والدنيا
وليكن النوم في مجموع الليل والنهار مقدار ثمان ساعات ثلث الليلة واليوم والنقيصة إجحاف بالبدن
318

والزيارة بالوقت ويجوز التوفير عليه قليلا كما مر وينبغي أن لا يقص الرؤيا وهي ما يراه في المنام
إلا على عالم يحسن التطبيق بين العوالم فإن الصور المرئية إنما هي من عالم المثال الذي أثبته
المصنف وغيره من حكماء الاشراق تتفرع النفس لادراكها في المنام بسبب ما يسنح لها حينئذ من
شوب تجرد وضعف تعلق بالمادة البدنية التي هي من عالم الأجسام الصرفة فتطلع على ما يناسب
جوهرها وتكثر فيه همتها من الصور المنبثة في ذلك العالم ثم تتصرف فيها المتخيلة وتخترع صورا
تناسبها ولو بالتضاد وتنتقل من الصورة المرئية إلى الصور المخترعة كما هو شأنها في عالم اليقظة
وربما تزول الصورة الأصلية عن النفس وتنسى عند الانتباه ولا تبقى في الحافظة إلا بعض الصور
المحكية فيحتاج المعبر إلى النظر في الصورة المحفوظة ومناسباتها والانتقال من كل منها إلى الأخرى
متصاعدا إلى أن يقف على الصورة الأصلية إن لم يخطئها فالتعبير هو تطبيق المثال المحفوظ على
الممثل وهو من المعلوم الحدسية التي يقل الحذق فيها إلا لمن وفقه الله وللخائضين في أسرار
الشريعة المقدسة الناظرين في بطون الكتاب المجيد الذي فيه تبيان كل شئ منه حظ عظيم وربما
تبقى الصورة الأصلية مخزونة في الحافظة سليمة من تصرفات المتخيلة وهي الرؤيا الصادقة المستغنية
عن التعبير وورد أنها جزء من أجزاء النبوة أو يقل تصرفات المتخيلة فيها كما إذا كانت عند قرب الانتباه
بحيث لا يكون في وقتها متسع لكثرة الانتقال والخروج عن تمام المناسبة فيسهل التعبير حينئذ
وربما تتشوش الحافظة فتأخذ من كل صورة ضغثا وتخلط بينها على وجه لا ينتزع منها شئ محصل
وهذا هو أضغاث الأحلام وتكثر أوائل النوم ولا سيما عند امتلاء المعدة بسبب ما يتصاعد إلى
الدماغ من الأبخرة المشوشة للقوى الادراكية ومن ثم ورد أن أكذب الرؤيا ما كان أول الليل و
أصدقها ما كان آخره كما مر في رواية أبي بصير وغيره ويقوى ذلك في مثل الشاعر والقصاص و
الكذوب لاعتيادهم كثرة التخيل وسرعة الانتقال في الصور المخترعة التي لا حقيقة لها كما سبق من
المصنف التنبيه عليه ثم إن المعبر إن أصاب في تعبيره فذاك وإلا فمهما عبر به من خير أو شر فلا يخلو
عن تأثير ما في نفس الرائي من باب الفال وانخداع القوة الواهمة ولا سيما في النفوس العامية
الضعيفة ومن ثم ورد النهي عن عرض الرؤيا إلا على ناصح سليم الصدر فعن النبي صلى الله عليه وآله لا تقص الرؤيا إلا
على مؤمن خلا من الحسد والبغي ولا ينبغي للرائي أن يقص بكل ما رأى ولا سيما ما فيه إيذاء للناس
وعزر أمير المؤمنين (ع) من قال لآخر احتلمت بأمك فإن رأى مكروها يتفل عن يساره ثلاثا وذلك بعد أن يتعوذ بقوله عذت بما عاذت به ملائكة الله المقربون وأنبيائه المرسلون وعباده الصالحون
من شر ما رأيت في ليلتي هذه أن يصيبني منه سوء أو شئ أكرهه وفي رواية أخرى من شر ما رأيت
ومن شر الشيطان الرجيم ويتحول عن جنبه الذي كان نائما عليه ويذكر الله بالمأثور وهو إنما النجوى من
الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله ويعيد الاستعاذة ويرد المعبر
إلى أحسن التأويل فورد أن رؤيا المؤمن ترف بين السماء والأرض على رأس صاحبها حتى يعبرها
لنفسه أو يعبرها له مثله فإذا عبرت لزمت الأرض فلا تقصوا رؤياكم إلا على من يعقل وفي أخرى
الرؤيا طاير إذا قص وقع
باب التحية وما يناسبها وهي تفعلة من الحياة وأصلها قول أحد المتلاقيين
للآخر حياك الله ثم استعملت في كل دعاء أول اللقاء ثم غلبت في الشرع في التسليم وورد أنه كانت تحية
عن قبلكم السجود وتسليم اليهود الإشارة بالأصابع والنصارى بالأكف فأعطى الله عز وجل هذه
الأمة السلام وهي تحية أهل الجنة وحقها أن يسلم على كل مسلم فإن الله يحب افشاء السلام ومن
التواضع أن تسلم على من لقيت حتى الصبيان وهو من السنة ولا يختص بأول اللقاء بل يندب
أول كل لقاء وإن لقيه مرارا سواء تخللتها غيبة أو حالت شجرة أو جدار أو أسطوانة بينهما وينبغي
البداءة به قبل الكلام وعن النبي صلى الله عليه وآله من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه وأن يكون المسلم ناويا
به تجديد عهد الاسلام فإنه من شعاره واستمالة القلوب وتطييب النفوس لئلا يؤذى في
عرضه وماله وربما وجب على هذا الوجه وورد أن أولى الناس بالله وبرسوله من بدأ بالسلام
وأن في السلام سبعين حسنة تسع وستون منها لمن كان مبتدئا به وواحدة للراد والأولى
بالبدأة الداخل يسلم على من في المجلس والماشي على القاعد والراكب مطلقا على الماشي وراكب
الفرس على راكب البغل وراكب البغل على راكب الحمار والصغير على الكبير والقليل على الكثير وورد
عن النبي صلى الله عليه وآله إذا سلم واحد من القوم أجزأ عنهم وكذا عن أبي عبد الله (ع) وورد عنه مثل ذلك في
الرد أيضا قال وإذا رد واحد أجزأ عنهم ويجب الرد فعن النبي صلى الله عليه وآله السلام تطوع والرد فريضة
والمأثور في الابتداء تقديم المبتدأ معرفا ومنكرا واختلف في الأفضل والثاني أوجه والأول
هو الأصل وفي الرد تأخيره معرفا مع العاطف وبدونه والأول أولى وقد قيل في وجه الترتيب
فيهما رعاية الافتتاح والاختتام بذكر الله فيطابق قوله عز وجل هو الأول والآخر وورد الاكتفاء
بالظرف مع العاطف والرد إما بالأحسن أو المثل مخيرا بينهما كما في ظاهر آية التحية وإذا حييتم
بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها فورد أن أوفى القرآن للتخيير كما مر والأحسن أن يزيد
الراد ما أمكن فإن اقتصر المسلم على قوله السلام عليك قال المجيب عليك السلام ورحمة الله
فإن قاله المسلم زاد المجيب وبركاته فإن زاد المسلم لم يترك للمجيب فضلا فله الاكتفاء بقوله وعليك
أو عليكم ولو كان المسلم ذميا ففي وجوب الرد عليه وجهان فإن رد اقتصر على ذلك مطلقا سواء
زاد المسلم أم لا كذا جرت السنة المروية بالطريقين وعن أمير المؤمنين (ع) أنه يرد على أهل الكباير
كما يرد على الذمي هذا كله في غير المصلي وأما المصلي فلا يبدأ بالسلام وفي كراهة التسليم عليه قولان
319

والمشهور العدم والروايات متعارضة والمانعة محتملة للتقية وليرد بلفظ المبتدئ فورا ولا
يحل التأخير إلى الفراغ من الجملة أو الآية فإن لم يفعل ففي صلاته أقوال أصحها الصحة وإن أثم ولو
قام غيره بالواجب من الرد ففي جوازه له قولان والأحوط الترك واستوجه بعض المتحققين الجواز
بقصد الدعاء إذا كان المسلم من أهله واعلم أن المشهور وجوب الاسماع ولو تقديرا مطلقا وما في
صحيحة منصور بن حازم ترد عليه خفيا وموثقة عمار رد عليه فيما بينك وبين نفسك ولا
ترفع صوتك فيحتمل التقية إذ المشهور بينهم عدم وجوب الرد مطلقا والصبي المميز يرد عليه كالبالغ
والذمي لا يسلم عليه ابتداء وعن أبي عبد الله (ع) لا تسلموا على اليهود ولا على النصارى ولا على المجوس
ولا على عابدي الوثن ولا على موائد شراب الخمر ولا على صاحب النرد والشطرنج ولا على المخنث ولا على
الشاعر الذي يقذف المحصنات ولا على أكل الربا ولا على الفاسق المعلن بفسقه ولا على المصلي لعدم تمكنه
من الرد ولا على الذي في الحمام وفي أخرى عنه (ع) أيضا وفي بيت الحمام وهما شاملتان لمن لا ميزر عليه
وغيره كما أطلق في المفاتيح والمقيدون حاولوا به الجمع بين الروايات ولا يسلم على جمع النساء ولا الواحدة
فعن أمير المؤمنين (ع) لا تبدأوا النساء بالسلام ولا تدعوهن إلى الطعام وعن أبي عبد الله (ع) لا تسلم
على المرأة وظاهرهما كعبارة الأصل عموم الكراهة بالنسبة إلى جميع المحارم وجميع الأجنبيات وفيه أن التسليم على الأم والجدة وأمثالهما مما لا ريب في دخوله في البر والمعروف وحملهما على الزوجة
والأجنبية غير بعيد وفي رواية أخرى كان رسول الله صلى الله عليه وآله يسلم على نساء ويردون عليه وكان أمير
المؤمنين (ع) يسلم على النساء وكان يكره أن يسلم على الشابة منهن ويقول أتخوف أن يعجبني صوتها
فيدخل علي أكثر مما طلبت من الأجر وللتفصيل بالريبة وعدمها وجه يومي إليه الرواية ومال إليه
بعض المحققين وظاهر العلامة في التذكرة تحريم التسليم على الأجنبيات مطلقا حيث أطلق الحكم بعدم
استحقاق الجواب وهو أحد الوجهين في المسألة والآخر ثبوته لعموم الآية ومنهم من أسقط الاسماع
خاصة ويرد عليهن وجوبا لو سلمن حيث يجوز والمشهور التحريم في الأجنبية وفي وجوب الرد عليها
الوجهان والعلامة على العدم أيضا ولا عند تلاوة القرآن والاشتغال بالدعاء والورد والأذان وقضاء
الحاجة ونحوه فلا تكلم فيها وورد أنه سلم على رسول الله صلى الله عليه وآله رجل وهو يبول فلم يجب حتى فرغ ولا يرد
السلام بالإشارة بالإصبع ولا الكف مكتفيا بذلك فهو عادة الكفار اليهود والنصارى كما ذكر
ولا يخص المعارف بابتداء السلام دون الخملة فهو من البخل ومناف للافشاء المحبوب المأمور به و
ورد أنه من أشراط الساعة وليساو بينهم فعن الرضا (ع) من لقي فقيرا مسلما فسلم عليه خلاف سلامه
على الغني لقي الله عز وجل يوم القيامة وهو عليه غضبان ولا يبدء بعليك السلام بتقديم الطرف فورد
أنه قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وآله فقال إن عليك السلام تحية الميت قاله ثلاثا ثم قال إذا لقي أحدكم أخاه
فليقل السلام عليكم ورحمة الله وأما سائر التحيات مثل صباح الخير وأهلا وسهلا ونحوهما ففي وجوب
ردها اشكال ويقوى إذا اتفقت في أثناء الصلاة وكذا ما يعتاد من التحية عند التوديع تسليما أو
غيره سيما إذا وقعت بغير العربية والتحيات الملحونة مثل سام إليك ونحوه أشد اشكالا وربما يستوجه
الرد في الجميع بقصد الدعاء إذا كان من أهله كما سبق ومن رد في غير الصلاة وأعاد صلاته في هذه
الفروض سواء رد أم لا وفي بعض ما تقدم فقد أخذ باليقين ويصافح بالصاق الكف واقبال الوجه
على الوجه لا سيما الكبراء في الدين كالمشايخ والأئمة فهو من السنة وعن أبي عبد الله (ع) إن من تمام التحية
للمقيم المصافحة وتمام التسليم على المسافر المعانقة وفي النبوي إذا التقيتم فتلاقوا بالتسليم والتصافح
وإذا تفرقتم فتفرقوا بالاستغفار وورد في روايات أهل البيت (ع) إن فيها قسمة مائة مغفرة أو رحمة
بين المتصافحين تسعة وتسعون لأشدهما حبا لصاحبه وفي رواية أخرى سبعون تسع وستون
لأحسنهما بشرا وفي حسنة أبي عبيدة وغيرها إن الله يقبل عليهما بوجهه وأن الذنوب تتساقط عنهما كما
تتساقط الورق عن الشجر ويجعل الأصابع في خلال الأصابع وهو التشبيك وأن لا يدع حتى يدع صاحبه
فهو من السنة فورد أنه ما صافح رسول الله صلى الله عليه وآله رجلا قط فنزع يده حتى يكون هو الذي ينزع يده منه
ولتكن اليدان بارزتين عند المصافحة والتشبيك لا من وراء الثوب فهو جفاء لايذانه بالتجنب وهو من
عادة الكفار ولا ينبغي التشبه بهم ويعانق القادم من السفر بأن يجعل يده في عنقه ويضمه إلى نفسه فإنه
من تمام التسليم عليه كما ذكر وورد أن المؤمنين إذا اعتنقا غمرتهما الرحمة ويأخذ ركاب العلماء للتوقير
كما يحكى عن فعل السلف ويوسع المجلس للداخل وهو من الاحسان ولا سيما لمن دعاه ويكرم الداخل عليه
كما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله فيبسط له الثوب يجلسه عليه ويؤثره بالوسادة التي تحته فإن أبى أن
يقبلها جزم عليه حتى يفعل ويخفف الصلاة إذا جلس عليه أحد ويقبل عليه ويقول لك حاجة ويشتغل
به ثم يعاود فيها إذا فرغ ويوقر الكبراء كالعلماء والصلحاء والشرفاء والشيوخ بأن يتأدب معهم بالكلام
ولا يسميهم بأسمائهم في محاضرهم بل بكناهم ويقدمهم في المشي والكلام والجلوس والطعام والشراب
ونحو ذلك فورد عن أبي عبد الله (ع) عظموا كبرائكم وعنه (ع) ليس منا من لم يوقر كبيرنا ولم يرحم صغيرنا
وعنه (ع) إن من اجلال الله عز وجل اجلال الشيخ الكبير وأوعد في التقدم على الكبير في المشي بنقص العمر و
بالفقر في خصال أخر ويراعي قلب الصغار بالتصابي معهم أحيانا والوفاء لهم إذا وعدهم شيئا فإنهم لا
يرون إلا إنكم ترزقونهم ويتكفل اليتيم كما يتكفل ولده فورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة
وهو يشير بإصبعيه أي المسبحة والوسطى ويظهر البشاشة في الوجه عند لقاء الإخوان ويكتم المساءة
في القلب فورد في النبوي أن الله يحب السهل المطلق وفيه الق أخاك بوجه منبسط ويستحب عينا كما
هو الظاهر أو كفاية كما في المفاتيح أن يسمت العاطس وهو من باب التفعيل بالمهملة والمعجمة معا أن يدعو
320

له بدعاء الرحمة ويرد العاطس وجوبا أخذا باليقين ولو في أثناء الصلاة وهل يسمت المصلي الذي
عليه المحققون ومنهم المصنف نعم والخلاف منا غير معلوم ورواية غياث يحتمل التقية وليكن الرد بدعاء
المغفرة أو الرحمة والمغفرة كلتيهما فعن أبي جعفر (ع) إذا سمت الرجل فليقل يرحمك الله وإذا رد فليقل يغفر الله
لك ولنا وعن أمير المؤمنين (ع) إذا عطس أحدكم فسمتوه قولوا يرحمكم الله وهو يقول يغفر الله لكم ويرحمكم
قال الله عز وجل وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها وله أن يجيب بدعاء الهداية والصلاح كما في حديث
أبي عبد الله (ع) في حقوق المسلم على المسلم يسمته إذا عطس ويقول رحمك الله فيجيب بقول يهديكم الله ويصلح
بالكم وعد التسميت في رواية أخرى عنه (ع) من فرض المؤمن على المؤمن وحملت على التأكيد ففيه فضل
كثير إلا إذا زاد على ثلاث عطسات ولاء فورد فيه أنه لا يسمت وأنه زكام وفي رواية قيل له شفاك الله
لأن ذلك من علة هذا كله في حق المسلم وأما تسميت الذمي فسيأتي في باب المعاشرة ورد جواب الكتاب
واجب كوجوب رد السلام كذا ورد عن أبي عبد الله (ع) في صحيحة ابن سنان ويفتتح في الكتاب بالتسمية ولو
بلفظ الجلالة لا سواه ثم يبتدي باسم المكتوب إليه قبل الكاتب فورد أن ذلك من الفضل يبدأ الرجل
بأخيه يكرمه أو يكتب اسم الكاتب على الظهر وإن كان الكتاب في حاجة استثنى بذكر المشية فعن مراز
بن حكيم أنه أمر أبو عبد الله (ع) بكتاب في حاجة فكتب ثم عرض عليه ولم يكن فيه استثناء فقال كيف رجوتم
أن يتم هذا وليس فيه استثناء انظروا كل موضع لا يكون فيه استثناء فاستثنوا فيه ويتربه بأن يجعل
عليه شيئا من التراب فهو سبب النجاح كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله أتربوا الكتاب فإنه أنجح للحاجة
باب الكلام
وهو من جلائل نعم الله سبحانه على الانسان فإن المعاني المخطورة بباله لا يفي بالافصاح عنها سوى النطق
فقدر بلطيف حكمته لذلك آلات سلسة مطاوعة يتصرف بها في الهواء الذي هو مادة التنفس
فتقطع الأصوات وتتميز الحروف وتنتظم الألفاظ التي هي علامات المعاني ويحصل التفهم والتفهيم
على غاية ما يتصور من خفة المؤنة وحقه أن يفتتح بالتسمية والتحميد لله والاستعاذة من الشيطان و
الصلاة والسلام على النبي وآله ويخفض الصوت فإن أنكر الأصوات لصوت الحمير وعن النبي صلى الله عليه وآله إن
الله يحب الصوت الخفيض ويبغض الصوت الرفيع وحد بأن لا يجاوز صوته مجلسه ولا يقصر عن
اسماع المخاطب ولا يكثر فقلما يسلم من العثار مكثار ومن كثر كلامه كثر ملامة ويهذب اللفظ عن الحشو
والزوايد ويبين المقصود من الكلام بتخليصه عن التعقيد والتشابه والايجاز المخل ويتفكر فيما يورده
من الحجة لئلا تدحض أو يورد عليه ليكلم على وفقه ويسكت عند الغضب فإنه لا يكاد يتكلم فيه بكلام
صالح ويذكر الله عند النسيان ويصلي على النبي وآله فهما مما يوجبان الذكر ويستثنى في محله وهو ما
يفعله غدا ولا يحلف عليه فهو اجتراء على الله وتحكم على قضائه ويراعى الأدب مع المخاطب ولا سيما
المحتشم ويتكلم بالقصير الجامع فخير الكلام ما قل ودل ويتوقف بين كل كلامين مما يقصد حفظه
ليحفظ السامع ولا يبحث على متكلم قبل تمام الكلام فهو بمنزلة خدش الوجه ويستأذن العالم
في السئول فإن أذن له سئل وإلا صبر إلى وقت آخر يكون له فيه انبساط ويحترز عن آفات اللسان
وهي كثيرة والمذكور منها عدة متعاطفة بعضها على بعض مصدرة بحرف المجاوزة أكثرها
وقوعا الخوض في ما لا يعني كالتحديث بأحوال الناس وسير الأولين لغير فائدة وقصة غرايب البلدان
وأحوال الأسفار وترجيح بعض الأطعمة والثمار على بعض ونحو ذلك من المباحات مما يولع به
أكثر الناس في مجامعهم ويشتغلون به عن خير كثير مثل ذكر الله والاستغفار والتفكر في آيات
الآفاق والأنفس ونحو ذلك مع ما يدخله غالبا من الآفات الأخر كالكذب والغيبة والنميمة
وغيرها ففيه تضييع الوقت منه ومن المستمعين بتفضيه من غير اكتساب فضل فيه مع امكانه
وقساوة القلب فورد في النبوي لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله
قسو القلب ووهن البدن بتجفيف الرطوبات التي يغتذي بها وتأخير الرزق بالاشتغال به
عن الكسب وايذاء الحفظة باكثار الاملاء عليهم من العبث وارسال كتب من اللغو إلى الله تعالى
فعن أمير المؤمنين (ع) كل كلام ليس فيه ذكر فهو لغو ومر (ع) برجل يتكلم فوقف عليه ثم قال يا هذا إنك
تملي على حافظيك كتابا إلى ربك فتكلم بما يعنيك ودع ما لا يعنيك وقرائته ذلك بين يديه عز وجل
يوم القيامة على رؤس الأشهاد حين يخرج له كتابا يلقيه منشورا اقرأ كتابك والحبس عن الجنة
واشتغالا بذلك وطول الحساب لتفريغه واللوم والتعيير من الملائكة وسائر الأشهاد كما مر فيما
سبق وايقاع الحجة على نفسه كما هو شأن للكثار وترك الحياء من الله سبحانه بالاشتغال بما ليس
أمر الدنيا ولا الدين وسببه الحرص على معرفة ما لا حاجة به إليه أو المباسطة بالكلام على سبيل التودد
أو ترجئة الوقت بحكايات بحكايات أحوال لا فائدة فيها وعلاجه العلم بالآفات المذكورة وأن الموت بين
يديه وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد وهو مسؤول عن كل كلمة وأن أنفاسه رأس ماله و
لسانه شبكة يقدر أن يقتنص بها الحور العين لاهمال ذلك من أفحش المغابن وأعظم الحسرات كما سبق
وأن يلزم نفسه السكوت عن بعض ما يعني ليستقيم اللسان على ترك ما لا يعني وهو في العزلة أسهل
وعن الفضول وهو زيادة الكلام على قدر الحاجة فيما يعني فإن من يتأدى مقصوده بكلمتين مثلا
فأداه بأربع كلمات كانت الأخيرتان فضولا وهو كالأول أو دونه وعن الخوض في الباطل وهو الكلام
في المعاصي كذكر أحوال النساء ومجالس الخمر ومقامات العاشقين وتنعم الأغنياء في تبذيراتهم و
تجبر الملوك ومراسمهم المذمومة وأنواع الباطل لا يمكن أن يحصى لكثرتها وتفننها ومنها حكايات
البدع والمذاهب الفاسدة وعن المراء ككتاب وهو الطعن في الكلام باظهار خلل فيه من جهة اللفظ
أو المعنى أو طغيان اللسان من غير أن يرتبط به غرض سوى تحقير المتكلم واظهار المزية في المعرفة عليه وورد
321

عن النبي صلى الله عليه وآله ذروا المراء فإنه لا تفهم حكمته ولا تؤمن فتنته وفي حديث آخر من ترك المراء و
محق بنى الله له بيتا في أعلى الجنة ومن ترك المراء وهو مبطل بنى الله له بيتا في ربض الجنة وفي
آخر لا يستكمل عبد حقيقة الايمان حتى يدع المراء وإن كان محقا ومن أقسامه الجدال وقد نهى عنه
بخصوصه قال الله سبحانه ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن وسبق بيان ذلك
في المقدمة وهو مراء يتعلق بالمذاهب خاصة فإن كل من سمع كلاما فإن وجده حقا كان عليه
التصديق به والتسليم له بضرورة العقل وإلا فالسكوت عنه من دون انكار إلا أن يكون في
أمور الديانة فإن أبهم عليه سأل إن كان من أهله وإن وجده باطلا اقتصر في بيان بطلانه
على قدر ما ينكشف به الشبهة من دون تعنيف أو تجهيل أو شتم أو سب أو تضليل فإنه مما يوجب
جرأة الجاهل وذهاب الحق بالباطل وهو من الجدال المذموم وربما تتعلل النفس فيه بأن الغرض
الذب عن دين الله ونصرة الحق وتنكيس الباطل وأهله كيلا يتبع وهو من مواضع الغرور
ويعرف الحال بكراهة إصابة الخصم وإرادة خطاه واظهار فضل النفس فمن وجد ذلك من نفسه
فليعلمها كاذبة في الاعتذار ويقرب منهما الخصومة وهي لجاج في الكلام لاستيفاء حق مالي
أو غيره سواء كان ابتداءا واعتراضا على كلام سبق بخلاف المراء فإنه لا يكون إلا اعتراضا
وقد مضى أن الخصومة تمحق الدين وأنها ممرضة للقلب إلا لمظلوم ينصر حجته بطريق الشرع من
دون إسراف وزيادة على الحاجة إلا أن ضبط اللسان في الخصومة على حد الاعتدال مما يكاد
يلحق بالممتنعات لأنها توغر الصدر وتهيج الغضب وإذا هاج الغضب نسي المتنازع فيه وبقي الحقد
بين المتنازعين وانطلق اللسان إلى تناول الخصم بأمور يجب الكف عنها وربما أدى الحال إلى انحصار المقصود في محض العناد واذلال الخصم فيأخذ المال المتخاصم فيه بعد هنات وهنات و
يرميه في البالوعة أو يعطيه لغير المستحق ومن ثم كره لذوي المروات تولي الخصومات وعن الفحش
وهو في الأصل الزيادة والكثرة ثم غلب في التعدي في القول والجواب والمراد التصريح بالذمائم
التي يستحي منها ويجري أكثر ذلك في ألفاظ الوقاع وما يتعلق به فإن للسفهاء عبارات قبيحة صريحة يستعملونها فيه وأهل الحياء والصلاح يستهجنونها ويكنون عن معانيها بعبارات أخر كما كنى الله عن مباضعة
النساء بملامستهن وليس يختص هذا بالوقاع بل الكناية بقضاء الحاجة عن البول والخرء من ذلك و
كذا من به عيوب يستحى منها كالبرص والجمرة والبواسير ونحوها ينبغي التأدية عنها بالكنايات مثل
العارض الذي بك ونحوه فالتصريح في ذلك من الفحش وسببه إما قصد الايذاء أو الاعتياد الحاصل
من مخالطة الأرذال ومن عادتهم أيضا السب وهو كالفحش وأفحش وورد أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله
الرجل من قومي يسبني وهو دوني هل علي بأس أن أنتصر منه فقال المتسابان شيطانان يتكاذبان و
يتهاتران وأنه نهى صلى الله عليه وآله أن يسب قتلى بدر من المشركين وقال لا تسبوا هؤلاء فإنه لا يخلص إليهم شئ
مما تقولون وتؤذون الأحياء إلا أن البذاء لوم وفي أخرى أنه قال له رجل أوصني فقال عليك
بتقوى الله وإن امرء عيرك بشئ يعلمه فيك فلا تغيره بشئ تعلمه فيه يكن وباله عليه وأجره لك
ولا تسبن شيئا من خلق الله ومن أفراده اللعن وأفرده بالذكر لتكرر لفظه في الكتاب والسنة
وأصله الطرد والابعاد فإذا قيل لعن الله فالمعنى الابعاد عن الخبر والرحمة وورد لا تكونوا لعانين و
أن اللعنة إذا خرجت من صاحبها ترددت فيما بينهما فإن وجدت مساغا وإلا رجعت على صاحبها بل
ورد النهي عن لعن الحيوانات والجمادات وأنه ينتصر الملعون ويقول لعن أعصانا لربه فالمتهذب
لا يطلق لسانه به بل بمطلق السب على غير من ثبت عنده أنه أهلهما كالفاسقين والكافرين والكاذبين
على وجه العموم كما لعنهم الله في كتابه أو من علم بالخصوص أنه مات على شئ من الصفات المذكورة كالذين
ثبت عن أهل العصمة صلوات الله عليهم لعنهم بأعيانهم واخبارهم بموتهم على ذلك دون من عداهم
ممن لا معرفة لنا بحالهم سيما الذين تقادم بهم العهد من أهل الاسلام بمجرد أنه ينسب إليهم بعض المناكير
مثل القول بالحلول والاتحاد ونحو ذلك لوجوه آ عدم ثبوت أكثر هذه النسب ب امكان تأويلها بما
يوافق ظاهر الشريعة وقد ورد الأمر بتصريف فعل من كان على ظاهر الاسلام وقوله على سبعين وجها
من الخير غاية الأمر الطعن عليهم في التعبير بهذه العبارات المتشابهة وهو مما لا يسوغ اللعن وقد ورد
لا تذكروا موتاكم إلا بخير ج عدم ثبوت استمرارهم على هذه العقايد الزائغة إذ الخاتمة مستورة كما سلف
فالاجتراء على لعنهم خروج عن يقين السلامة إلى الخطر بل الصواب الاقتصار على لعن الكافرين والفاسقين
والكاذبين فهؤلاء إن كانوا من جملتهم شملتهم اللعنة وإلا كان اللاعن في أمن من رجوعها إليه وقد عظم
الله سبحانه أمر اللعن جدا حتى أنه في آية المباهلة جعله وسيلة لاثبات أعظم الدعاوي وهي دعوى النبوة
وحجة على الجاحدين لها فانقطعوا ولم يجدوا إلى ترداد القول سبيلا وفي آية اللعان لنفي النسب الثابت
لولاه وأقامه مقام أربعة رجال عدول في ثبوت الرجم على المرأة لو نكلت عنه فلا يتساهل في مثله
ويقرب منه الدعاء على أحد بالشر كقوله لا عافاه الله وقصر من عمره ونحو ذلك فإنه مذموم ولا سيما
إذا أسرف فيه ولو كان ظالما فورد في الخبر أن المظلوم ليدعو على الظالم حتى يكافيه ثم يبقى للظالم عنده
فضلة يوم القيامة وعن التشدق وهو لي الشدق بتكلف السجع والتصنع فيه بالمحسنات اللفظية والمعنوية
كما يفعله المتقيدون بذلك إظهارا للفصاحة والبراعة ففي النبوي أنا والأتقياء من أمتي براء من
التكلف وفيه أن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا الثرثارون المتفيهقون المتشذقون والكلام
الجاري في المحاورات لقضاء الحاجات إنما يقصد به التفهم والتفهيم فاللائق فيه الاكتفاء بما يحصل
به الغرض وأما تحسين الألفاظ وترقيق المعاني في المواعظ والخطب للتأثير في القلوب بالتحريك و
322

التشويق والتنفير والقبض والبسط فلا بأس به وورد أن من البيان لسحرا وعن المبالغة في المزاح
بضم الميم مصدر مزح كمنع أو كقتال فإنها تولد كثيرا من الذنوب والعيوب في المازح أو الممزوح كحقد
العاقل وجرأة السفيه وسقوط الوقار وفي حديث أمير المؤمنين (ع) إياك والمزاح فإنه يجر السخيمة و
ويورث الضغينة وهو السب الأصغر وعن أبي عبد الله (ع) لا تمازح فيجترى عليك وعنه (ع) كثرة
المزاح تذهب بماء الوجه وزوال حلاوة المحبة بما فيها من الابتذال والامتهان والغفلة عن الله (تع)
وظلمة القلب بكثرة وورد في النبوي لا تمار أخاك ولا تمازحه وهو محمول على الاكثار منه كبعض ما تقدم
أما أصل المزاح في بعض الأوقات لتنشيط الطبيعة حيث يكون مطلوبا وتطييب قلب الصاحب مع
خلوه عن الرفث والكذب وسائر الآفات فمرغب فيه قولا وفعلا وورد عن الفضل بن قرة قال قال
أبو عبد الله (ع) ما من مؤمن إلا وفيه دعابة قلت وما الدعابة قال المزاح وعن أبي جعفر (ع) إن الله يحب
المداعب في الجماعة بلا رفث وعن يونس الشيباني قال قال أبو عبد الله (ع) كيف مداعبة بعضكم بعضا
قلت قليل قال فلا تفعلوا فإن المداعبة من حسن الخلق وأنك لتدخل بها السرور على أخيك ولقد
كان رسول الله صلى الله عليه وآله يداعب الرجل يريد أن يسره وسئل ابن عباس أكان رسول الله صلى الله عليه وآله يمزح قال نعم قيل
فما كان مزاحه قال إنه كسى ذات يوم امرأة من نسائه ثوبا واسعا فقال لها ألبسيه وجري منه ذيلا
كذيل العروس واتته عجوزة يدعو لها بالجنة فقال لها لا يدخل الجنة عجوز فبكت فقال لها لست يومئذ
بعجوز وقرأ إنا أنشأناهن انشاءا فجعلناهن أبكارا وجاءته امرأة فحدثت عن زوجها فقال الذي
بعينه بياض قالت لا ليس بعينه بياض قال بلى إن في عينه بياضا قالت لا والله ليس بعينه بياض
قال ما من أحد إلا وبعينه بياض أراد البياض المحيطة بالحدقة وأكل ذات يوم التمر ومعه علي وكان
يجمع النوى عند علي فلما فرغا قال يا علي إنك لأكول فقال يا رسول الله الأكول من أكل التمر ونواه وكان
يتصابى مع الحسنين ويحملهما على ظهره ويقول نعم البعير بعيركما وكان أمير المؤمنين (ع) يداعب أصحابه حتى
عيب بذلك لما لم يجدوا فيه مساغا للعيب سواه وعن الاستهزاء فإنه من فعل الجاهلين وهو السخرية
كالاستحقار للغير والتنبيه على نقائصه على وجه يضحك منه والمعدود من آفات اللسان ما كان منه
بالقول وربما يكون بالفعل وبالإشارة وبالضحك على كلامه مثلا إذا تخبط نظمه أو على خطه أو صنعته
أو هيئته وجميعه محظور منهي عنه إذا كان مؤذيا فورد في التنزيل لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا
منهم وعن النبي صلى الله عليه وآله إن المستهزئين بالناس يفتح لأحدهم باب من الجنة فيقال هلم هلم فيجئ بكربه وغمه فإذا
أتى أغلق دونه ثم يفتح له باب آخر فيقال هلم هلم فيجئ بكربه وغمه فإذا أتى أغلق دونه فما يزال كذلك حتى أن الرجل ليفتح له الباب فيقال هلم هلم فما يأتيه وعن افشاء السر حديثا كان أو غيره من العورات وهو
مما يذم في حال الرضا والغضب بل قال ذو النون إن الافشاء عند الغضب من لوم الطبع وأما عند الرضا
فالاخفاء مما تقتضيه الطباع السليمة كلها وورد عن النبي صلى الله عليه وآله المجالس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس مجلس يسفك
فيه دم حرام ومجلس يستحل فيه فرج حرام ومجلس يستحل فيه مال من غير حله إنما يتجالس المتجالسان
بالأمانة لا يحل لأحدهما أن يفشي على صاحبه ما يكره وعنه صلى الله عليه وآله إذا حدث الرجل الحديث ثم التفت فهو أمانة
وذلك أن التفاته علامة حذره عن اطلاع الغير وعن الوعد من غير وفاء سواء كان على عزم الخلف ابتداء أو
طرء له بعد ذلك فهو من ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله ثلاث هن من علامات النفاق ولفظ الرواية من كن فيه فهو
منافق وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان والواجب الوفاء
للموعود له في كل وعد فهم منه الجزم وإن استثنى بذكر المشية فإنه إنما يذكر غالبا بقصد التبرك دون التعليق
فلا ينافي انعقاد الوعد وورد في الكتاب المجيد أوفوا بالعقود وهو من الأوامر المحمولة على الوجوب عندهم و
في السياق إشارة إلى أن وجوب الوفاء ليس لكون الخلف كذبا فإن قول القائل آتيك غدا ليس من باب الأخبار
بل هو انشاء للوعد كساير العقود فلا يوصف بالصدق والكذب كما قرره بعض الفضلاء الذين عاصرناهم
وكيف كان فلا ريب في رجحان الوفاء إلا أن المشهور فيه الاستحباب للأصل وهو مدفوع بكثير من الظواهر
الموافقة للاحتياط غالبا ففي الحسن أو الصحيح عن أبي عبد الله (ع) عدة المؤمن أخاه نذر لا كفارة له فمن
أخلف فيخلف الله بدأ ولمقته تعرض وذلك قوله (تع) يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا
عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون وعنه (ع) قال رسول الله صلى الله عليه وآله من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليف إذا
وعد وفي نهج البلاغة الخلف يوجب المقت عند الله وعند الناس ثم تلا الآية وفي أدعية سيد الساجدين
اللهم إني أستغفرك لكل نذر نذرته ولكل وعد وعدته ولكل عهد عاهدته ثم لم أف به وعاب أمير المؤمنين (ع)
في غير واحدة من خطبه بأنه يعد ولا يفي وحاله أقبح من أن يعاب على ترك السنن وليس المراد من ايجاب
الوفاء اثبات حق للموعود له بحيث يجوز له المطالبة والمقاصة إذا كان الموعود ما لا كما قد يظن لعدم
الملازمة بينهما كما أشرنا إليه فيما سلف ويعذر إن ترك الوفاء لعذر لا يمكنه دفعه بغير ضرر فورد
فيه نفي الإثم إن كان في نيته الوفاء روى ذلك أبو حامد مرسلا قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ليس الخلف
أن يعد الرجل الرجل وفي نيته أن يفي وفي لفظ آخر إذا وعد الرجل أخاه وفي نيته أن يفي فلم يجد
فلا إثم عليه وعن الكذب وهو الأخبار بما لا يطاق الواقع على المشهور وورد أنه ينقص الرزق
وإن العبد ليكذب الكذبة فيتباعد الملك منه مسيرة ميل من نتن ما جاء به وهو من أمهات
المعاصي وفواحش العيوب وفيه تضييع للقوة الناطقة التي بها يمتاز الانسان من البهائم العجم فإن كان في اليمين فأفحش وهو الغموس الذي سبق أنه من الكباير إلا إذا وقع في تركه أمر أفحش منه فيباح
حينئذ وربما وجب لو كان فيه ابقاء على نفس معصومة تسفك بالصدق ونحوه والضابط أن
المفسدة المترتبة على الكذب الموجبة لانخراطه في سلك المعاصي هو تصوير غير الواقع واقعا في نفس
323

المخاطب فإذا فرض في بعض المواضع ترتب مفسدة على الصدق وجب عرض إحديهما على الأخرى
وملاحظة النسبة بينهما والأخذ بالأهون فيوري حينئذ إن أحسنها ويخلف إن لم تندفع الضرورة إلا
به وتقع على نيته دون نية المحلوف له فورد في الخبر أن في المعاريض لمندوحة من الكذب أي سعة وفسحة
وهو من الأخبار الجارية مجرى الأمثال وقد يقال إن أول من تكلم به عمران الحصين وقد سبق بيان ما
رخص فيه من الكذب في باب الصدق وعن الغيبة بكسر الفاء وهي ذكرك أخاك المعين في غيبته بما يكره
نسبته إليه من نقص موجود فيه والمراد بالذكر مطلق الاشعار سواء كان تصريحا بالقول أو الكتابة
أو تعريضا كقوله أنا لست بزان حيث تدل القرائن على المراد أو غمزا بالعين أو الحاجب أو اليد كما في حديث
عايشة دخلت علينا امرأة فلما ولت أو مات بيدي أي قصيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله اغتبتيها أو محاكاة
كان يمشي متعارجا كمشيته أو يتكلم متثاقلا كتكلمه فإن ذلك كله يجري مجرى التصريح بل بعضه أدخل في التصوير
والتفهيم وبالمعين ما يشمل المبهم من محصور كقولك أحد هذين فاسق والمعين بالقرينة كقولك مر بنا
اليوم رجل لئيم إذا كان يعلم المخاطب أنه لم يمر بك إلا زيد وبالغيبة ما يشمل حال النوم والغفلة و
بالنقص ما يشمل نقص بدنه ونسبه وخلقه وفعله وقوله ودينه ودنياه حتى ثوبه وداره ودابته
وزوجته واشتراط وجوده فيه احترازا عما لو انتقصه بما ليس موجودا فيه فإنه ليس غيبة بل بهتان كما ورد
وأمر الغيبة شديد جدا فورد في النبوي الغيبة أشد من ثلاثين زنية في الاسلام وزيد في بعضها كلها
بذات محرم ولا ينافي ذلك ثبوت المؤاخذة والنكال العاجل على الزاني اهتماما بأمر الناموس دون
المغتاب وذلك لأن المفسدة المترتبة على الزنا من حيث هو زنا جزئية حقيرة بالنسبة إلى ما يترتب
على الغيبة فإنها مؤدية إلى التحاقد والتباغض واختلاف الكلمة وافتراق الجماعة وينشأ من ذلك
ضروب الفتن المنجرة إلى سفك الدماء واستباحة الأموال والفروج ومن تأمل في قوانين الشريعة
المقدسة انكشف له أن عناية الشارع بتوافق أبناء نوع الانسان ومسالمة قلوبهم واجتماع هممهم على
أمر واجد شديدة جدا فإن ذلك مما يتوقف عليه عمارة الدارين والغيبة منافية له فمن ثم ورد فيها
من التشديد ما ورد قال الله (تع) ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا وعن النبي صلى الله عليه وآله
الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الأكلة في جوفه وعن أمير المؤمنين (ع) إياك والغيبة فإنها أدام كلاب
النار وعنه (ع) كذب من زعم أنه ولد حلال وإنه ليأكل لحوم الناس بالغيبة وقد تقدم في الربا ما ينفع
في هذا الموضع وسببها الحقد والحسد وموافقة الأقران وخبث النفس وعلاجها تهذيب الأخلاق
وقد تتسبب عن أمور أخر ويرخص فيها في عدة مواضع أحدها ما إذا ألقى الكلام على وجه الاجمال
التام بحيث لا يفهم المعين كما يروى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان إذا كره من أحد شيئا قال ما بال أقوام يفعلون
كذا وكذا وكأن لا يعين والحق أنه ليس بغيبة لخروجه عن الرسم وثانيها في التظلم وهو شكاية المظلوم
عن الظالم عند من يقدر بزعمه على الإنتصار له أخذا باليقين وإن كان ظاهر بعض العمومات
الجواز عند غيره أيضا فورد في التنزيل لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وعن النبي صلى الله عليه وآله
إن لصاحب الحق مقالا وعنه صلى الله عليه وآله لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته وثالثها الاستعانة على تغيير
المنكر واصلاح المعاصي ولها صورتان آ الشهادة بما يوجب الحد والتعزير على من ارتكبه عند الحاكم
فإن النبي والأئمة صلوات الله عليهم كانوا يقررون على شهود الحسبة كما هو مأثور عنهم (ع) ولم يرو عنهم
المنع عنها وكذا شهادة الغصب والخيانة ونحوهما وكيف يجب الكف عنها وفي ذلك تفويت الحدود و
الحقوق ب إن من الناس من يتحفظ على مروته أن تهتك وإن كان قليل المبالاة بالأوامر الشرعية
فإذا بلغ أحدهم تسامع الناس بقبايحه أداه ذلك إلى الارعواء عنها ابقاء على حشمته بينهم ففي ذكره
بالسوء رد له من الفساد إلى الصلاح وهذا غرض صحيح ولو علم أنه لا يرعوي إلا باطلاع والده أو
أستاذه أو وليه مثلا لم يجز غيبته عند غيره لأنها إنما أبيحت للضرورة فيقتصر منها على قدر الحاجة
ورابعها الاستفتاء كأن يقول للمفتي ظلمني شريكي فكيف طريقي في الخلاص فإن التعيين مباح بهذا
القدر فلم تمنع هند ذاكرة لرسول الله صلى الله عليه وآله بخل زوجها أبي سفيان تستفتيه لأخذ ماله بغير علمه حيث قالت إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطني ما يكفيني إياي وولدي فأخذ من غير علمه فقال خذي ما يكفيك و
ولدك بالمعروف والأولى التعريض كأن يقول ما تقول في رجل ظلمه شريكه أو زوجته وهو غير الأول
وخامسها التحذير عند خوف سراية الفسق أو الضرر إلى الغير كما لو رأى متعلما يشتغل على مبتدع
لحسن ظنه فيه فإن له أن ينبهه على بدعته حذرا أن تسري إليه ومنه نصح المستشير وجرح الشاهد
والراوي كما وضع الأصحاب الكتب في ذلك وربما تجب هذه كبعض ما تقدم فورد في النبوي
أترعوون عن ذكر الفاجر الذي لم يعرفه الناس اذكروا الفاجر بما فيه ليحذره الناس و
المشهور جواز لاستقصاء في جرح المبتدع والراوي تأكيدا في الحذر عنهما دون المستشار فيه
فإنه لو علم الانزجار عنه بمجرد قوله لا تفعل لم يجز الزيادة وكذا في الشاهد بل لو أمكن جرحه
بالشركة مثلا لم يجز بالفسق وسادسها اشتهار المذكور باسم العيب كالأعمش والأعرج فإن الغالب
عدم الكراهة حينئذ ويشترط أن لا يقصد مع تمييزه ذما أو احتقارا والعدول أولى ما وجد معدلا
ولا سيما مع انتفاء القطع بانتفاء الكراهة وسابعها إظهاره الفسق بالاتيان به جهارا أو التحديث
به بعد ذلك فيباح غيبته مطلقا فورد عن النبي صلى الله عليه وآله من ألقى جلباب الحياء عن وجهه فلا غيبة له
وعن أبي عبد الله (ع) إذا جاهر الفسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة والنفي مصروف إلى الحكم دون
الحقيقة ويحتمل قصر الرخصة على غيبته بما تظاهر به دون ما استتر فورد عن أبي الحسن (ع) من
ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه فما عرفه الناس لم يغتبه ومن ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه
324

الناس اغتابه ومن ذكره بما ليس فيه فقد بهته وهو أحوط ونحو ذلك من الغرض الصحيح المسوغة
للغيبة التنبيه على الخطأ في المسائل العلمية لئلا يتبع وتكذيب النمام لاصلاح ذات البين وتسكين
الفتنة فإن هذه كلها أسباب مبيحة لها فإن قلت فصارت الأنواع المباحة أكثر من المحظورة
فلم لم يجعل الضابط في طرف الإباحة والاستثناء في طرف الخطر كما هو المطرد في نظايره قلت
لأن الأفراد المحظورة أكثر وجودا في الخارج من الأفراد المباحة ومن ثم مال بعض المحققين إلى تفسيق
من اغتاب مؤمنا بمجرد سماع الغيبة منه جريا على ما هو الغالب وأيضا النفوس مايلة إلى الرخص
وجعل الضابط في جانب الرخصة تقوية لداعية السوء والاستثناء بعد ذلك مما لا يفي بتضعيفها
فاقتضت الحكمة الابتداء بالمنع والتحذير والجام العوام حتى يكون هو المتقرر الراسخ في أذهانهم ثم
بيان مواضع الرخصة بعد ذلك لوقوع الحاجة إليها أحيانا وهذا من رزانة الشريعة المقدسة
صلوات الله على الصادع بها وعن القول بالظن الغير المستند إلى سبب شرعي سواء كان في الأصول
أو الفروع الشرعية أو غيرها وقد ذم الله أقواما بمتابعتهم الظنون بل نفس الظن ربما يكون منهيا عنه
كظن السوء بالمسلم وإن ظهر بعض مخائله فعن أمير المؤمنين (ع) ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك
ما يقلبك منه ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوء وأنت تجد لها في الخير مجملا وعن أبي عبد الله (ع)
إذا اتهم المؤمن أخاه انماث الايمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء ولا عبرة بالخواطر وتحديثات
النفس ولا الشكوك بل المحذور هو ما تغير به القلب عما كان عليه من المودة له والمصافات فنفر منه
نفورا لم يعهده واستثقله وفتر عن اكرامه وتفقده ومهما أحس المؤمن بذلك من نفسه بادر إلى
مراغمتها بالتزام زيادة المراعاة والدعاء بالخير وذكر المحامد افحاما للشيطان فورد أنه المهيج لذلك وفي
التنزيل يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن أي كونوا منه على جانب وتنكير الكثير لإفادة المعنى
التبعيض المصرح به في قوله إن بعض الظن إثم أي ذنب يستحق به العقوبة وأما ما ورد من أن الحزم
مساءة الظن وأن من خصال الأحمق الثقة بكل أحد وإذا رأيتم الرجل قد تخاضع في حركاته وتماوت
في منطقه فرويدا لا يغرنكم ونحو ذلك فالظاهر أنها تحذيرات عن الافراط في حسن الظن مطلقا لا
أمر بسوء الظن مطلقا كما سلف نظايره كثيرا وعن أمير المؤمنين (ع) إذ استولى الصلاح على الزمان
وأهله ثم أساء رجل الظن برجل لم تظهر منه جزية فقد ظلم وإذا استولى الفساد على الزمان وأهله
ثم أحسن رجل الظن برجل فقد غرر ومن ثمرات سوء الظن التجسس وهو الفحص عن عورات المؤمنين
فهو هاتك الستر الذي أسدله الله على عباده حيث جبل الانسان على اخفاء قبائحه وأمره به و
نهى غيره من الطلع إليها فورد في تتمة الآية ولا تجسسوا فإنه ينكشف به ما لو كان مستورا لكان أسلم
في الدين والدنيا وعن النميمة وهو أنها كلام يقال في حق الغير إليه سواء كان بالقول أو الكتابة أو الايماء
وسببه إما إرادة السوء بالمنهى عنه أو إظهار الحب بالمنهى للمنهي إليه أو التفرج بالحديث والخوض
في الفضول وهو من افشاء السر فيشمله نواهيه مضافا إلى ما ورد فيه بالخصوص لتفاحشه جدا
وهو المقتضي لافراده بالذكر فورد في الكتاب ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم وعن النبي صلى الله عليه وآله ألا
أخبركم بشراركم قالوا بلى قال المشاؤون بالنميمة المفسدون بين الأحبة الباغون للبرعاء العيب و
عن التكلم مع كل من المتعاديين بما يوافقه من ثناء أو تصويب أو إظهار موافقة ونحو ذلك فهو نفاق
فإن نقل مع ذلك كلام أحدهما إلى الآخر فهو منافق نمام وورد في النبوي وغيره من كان له وجهان
في الدنيا كان له لسانان من نار في الآخرة وفيه يجئ يوم القيامة ذو الوجهين والعا لسانه في قفاه
وآخر من قدامه يلتهبان نارا حتى يلهبا جسده ثم يقال هذا الذي كان في الدنيا ذا وجهين و
لسانين يعرف بذلك يوم القيامة وعن المدح وهو الثناء على النفوس الناقصة بالكمال فإنه يشتمل
على الكذب وعلى إظهار الحب وقد لا يكون مضمرا له وهو النفاق وربما يكون الممدوح فاسقا وهو
الأغلب وورد عن النبي صلى الله عليه وآله إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق وربما يحدث في الممدوح عجبا وينشأ منه
الكبر والفتور عن الاستكال وورد أن رجلا مدح رجلا عند رسول الله صلى الله عليه وآله فقال ويحك قطعت غق
صاحبك لو سمعها ما أفلح ومن ثم كان الأولى كراهة المدح واذلال المادح فورد عنه صلى الله عليه وآله احثوا في
وجوه المداحين التراب وأما أصحاب النفوس الكاملة السليمة عن هذه الآفات فلا حرج في مدحهم
بالصدق ولا في فرحهم بذلك كما كانت المدايح تنشد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة صلوات الله عليهم
ويصلون الشعراء ويمدحون بنعمة الله وعن الحلف بالبراءة من الله أو رسوله صلى الله عليه وآله أو الأئمة (ع) صادقا
أم كاذبا كما مر في باب اليمين وورد في صحيحة الصفار أنه موجب للكفارة كما ذكرناه ثمة وعن السئول
عن القدر وأسرار الربوبية وغوامض صفات الله ونحوه إذا لم يكن عن أهله فهو كسؤول ساسة
الدواب عن أسرار الملوك سوء أدب يوجب العقوبة وكل كبيرة يرتكبها العامي فهو أسهل له وأقل ضررا
عليه من أن يتكلم في العلم ولا سيما ما يتعلق بالله وصفاته وإنما شأن العوام الاشتغال بالعبادات
والايمان المجمل بما ورد به القرآن والتسليم لما جاء به الرسل من غير بحث وكل من سأل عن علم غامض
ولم يبلغ فهمه تلك المرتبة فهو بالإضافة إليه عامي تشمله هذه المذمة فهذه سبع عشر آفة من آفات
اللسان ينبغي أن تحترز عنها وعن غير ذلك مما لا ينبغي وهي الكلمة الجامعة فيما لا يمكن حصره حتى
قولك جاء رمضان وذهب رمضان ولعمرك ومن يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد
غوى ونحو ذلك من دقائق الخطأ في الكلام مما لا يسلم منه إلا المتهذبون بالعلم والصمت وبالجملة
قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن أكثر خطايا ابن آدم في لسانه ففي الصمت خلوص عنها وفيه أي في حاله أو ملكته
الوقار واجتماع الهمة والفراغ للعبادة من الفكر والذكر وغيرهما والسلامة من آفات الكلام وتبعاته
325

في الدارين وعن أبي عبد الله (ع) السكوت راحة العقل وعنه (ع) الصمت الصمت كنز وافر وزين الحليم و
ستر الجاهل وعن الرضا (ع) إنه باب من أبواب الحكمة وأنه يكسب المحبة وأنه دليل على كل خير وقد سبق
أنه من علامات الفقه وأنه يلقح العقل ويقوي التقوى وبالجملة قال رسول الله صلى الله عليه وآله من صمت نجا فإن اللسان
مفتاح الشرور العاجلة والآجلة وفي حديث آخر البلايا موكلة بالمنطق وفي آخر إن لسان ابن آدم
يشرف على جوارحه كل صباح فيقول كيف أصبحتم فيقولون بخير إن تركتنا وأما آفات الصمت فالتقرير
على المنكرات وكتمان العلم واهمال القوة الناطقة وفوات التعلم وغير ذلك مما لا ينبغي وإن كانت دون
آفات الكلام وإذا سلما من الآفات فالكلام أفضل كما سلف في حديث السجاد (ع) وقد سبق أن المستمع
شريك القائل فله حظ من آفات كلامه إلا مستمع الغيبة للرد عند من أباحه كما يظهر من بعض الأخبار
وأقل ما فيه هيجان الوساوس وبقاؤها كلا أو بعضا في النفس فإن الكلام لا ينفك عن تأثير ما فيها
ومن ثم سمي كلاما من الكلم أي الجرح وورد في معرض المدح وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وأقل الاعراض
الكف عن الاستماع وحكم الشعر وهو الكلام المنظوم مطلقا حكم غيره من أنواع الكلام فحسنه كالمشتمل
على ذكر أو حكمة حسن انشاء وانشادا واستماعا بل هو أوقع في النفس وأقرب إلى الحفظ وقبيحه كالمشتمل
على هجو أو تشبيب وتغزل قبيح كذلك بل أفحش وأشنع على تفاوت أصنافه وأفراده وما ورد من ذم
الشعر وأهله في الكتاب والسنة فالمراد به الكلام التخييلي الذي لا حقيقة له منظوما أو منثورا كما
جرى عليه اصطلاح المنطقيين وبينهما عموم من وجه وورد في صحيحة الحلبي علي بن يقطين كما تقدم
ما لا بأس به فلا بأس به وسمع رسول الله صلى الله عليه وآله قائلا ينشد وكل ذي غيبة يؤب وغايب الموت لا يؤب
فقال إن من الشعر لحكمة وقد كانت تنشد الأشعار بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة (ع) من دون نكير بل
ربما أمروا بذلك
باب الإخاء أي التحابب وهو مما جبل عليه الانسان لانتظام أحواله وحقه أن يكون
في الله ولو اشتمل على بعض الحظوظ العاجلة للنفس ما لم تكن هي المقصودة فيحب عالما يستفاد من قوله
أو حاله ما ينتفع به الدين أو صالحا يتبرك به ويتقرب إلى الله بزيارته والنظر إلى وجهه أو امرأة
تفرغ قلبه للعبادة بتدبير أمر البيت وتحصن فرجه عن وساوس الشيطان وتلد له ولدا صالحا
يستعين به في أمور دينه ويدعو له بعد وفاته أو غنيا يعطيه مالا يصون الوقت عن الضياع في الطلب
والقلب عن التشويش والجوارح عن التعب أو متعبدا له (تع) من حيث إنه متعبد له (تع) لا لأمر آخر ولو
لم يره ولم يعلم به وهو أغلى أنواع الحب في الله وأخلصها عن الشوب وما من مؤمن إلا وله من
هذا الحب نصيب قل أو كثر ومن ثم إذا أخبر عن حال عالم صالح في أبعد البلاد يجد في نفسه ميلا إليه
وإن كان مأيوسا من لقائه والعلم به ومن هذا الباب محبة الأنبياء الماضين والسلف الصالحين
والسبب فيه محبة الله سبحانه فإنه (تع) يحبهم ويحبونه كما أخبر عنه التنزيل والمحب للشئ محب لمحبه ومحبوبه
كما يوجد ذلك في أحوال العاشقين من استهتارهم بكل ما يعتلق بالمعشوق نوع اعتلاق كما قال
رئيسهم أمر على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدار وذا الجدار أو ما هذى الديار شغفن قلبي ولكن
حب من سكن الديارا وكذا البغض حقه أن يكون في الله وأصدقها بغض العصاة من حيث إنهم عصاة
لا غير ويزدادان لقوة الطاعة والمعصية وينتقصان لضعفهما فإن قوة السبب سبب لقوة المسبب
وضعفه لضعفه فيتصور في كل منهما أحوال مترتبة فالأدنى من مراتب الحب يخص باسم الأخوة وهو
الارتباط بين المتحابين على وجه يمتازان به عن العامة ثم فوقها مرتبة المحبة من تخصيص اسم الجنس
ببعض أنواعه كتسمية ما يقابل التصديق تصورا وهي ما تمكن في حبة القلب وهي سويداؤه
التي تنشر منها الحرارة الغريزية إلى الأطراف وهي أول ما تحله الحياة وتتعلق بالروح من أعضاء الجنين
ثم الخلة بضم الخاء وهي ما تخلل في سره أي دخل خلال باطنه فحشاها بحيث لم يبق فيه محل الغير و
من ثم لا شركة فيها لامتناع مكنيين في مكان واحد وورد عن أبي عبد الله (ع) أن المتحابين في الله يوم
القيامة على منابر من نور أضاء نور وجوههم ونور أجسادهم ونور منابرهم كل شئ حتى يعرفوا به فيقال
هؤلاء المتحابون في الله وعن النبي صلى الله عليه وآله إن حول العرش منابر من نور عليها قوم لباسهم
نور ووجوههم نور يغبطهم النبيون والشهداء فقالوا يا رسول الله صفهم لنا فقال هم المتحابون
في الله والمتجالسون في الله والمتزاورون في الله وعن أبي عبد الله (ع) أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لأصحابه
أي عرى الايمان أوثق فقالوا الله ورسوله أعلم وقال بعضهم الصلاة وقال بعضهم الزكاة وقال بعضهم
الصيام وقال بعضهم الحج والعمرة وقال بعضهم الجهاد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لكل ما قلتم فضل وليس به و
لكن أوثق عرى الايمان الحب في الله والبغض في الله وتوالي أولياء الله والتبري من أعداء الله
وينبغي أن يصاحب خيار الناس دون شرارهم فإن الأخلاق مسرية ودون الخلط لذهاب إثمه
بنفعه بل إثمه أكبر من نفعه غالبا لأن النفس لدعوة الشر أطوع والمنصوص اختيار العاقل وهو الذي
يفهم الأمور على ما هي عليه بنفسه أو إذا فهم علم وهو الأصل الأول لسعادة الدارين والكريم فإنه إن لم ينتفع منه بكرم لم يتضرر منه بلوم والحسن الخلق فرب عاقل يدرك الأمور ولكن إذا غلبه غضب أو
شهوة أو حقد أطاع هواه وخالف ما هو المعلوم عنده لعجزه عن قهر صفاته وتقويم أخلاقه والقانع
والقانع فإنه يكسر سورة الحرص ويرضى بالحال والصالح فإنه لا يخون في الصداقة ولا يضيع الحقوق دون
الفاجر فإنه يزين له فعله ويحب أن يكون مثله ولا يعينه على أمر دنياه ولا أمر معاده ومدخله إليه ومخرجه
من عنده شين عليه وفي حديث آخر فإنه بايعك بأكلة وأقل من ذلك والأحمق فإنه لا يشير عليه
بخير ولا يرجى لصرف السوء عنه ولو أجهد نفسه وربما أراد منفعته فضره فبعده خير من قربه والكذاب
فإنه لا يهنئه معه عيش لينقل حديثه وينقل إليه الحديث كلما أفتى أحدوثة مطها بأخرى مثلها حتى أنه
326

يحدث بالصدق فما يصدق ويغري بين الناس بالعداوة وينبت الشحناء في الصدور وفي آخر أنه
بمنزلة السراب يقرب لك البعيد ويبعد لك القريب والناس في الإخاء على حدود أحدها الايثار
كما سبق وهو أن يقدم حاجته في المال على حاجة نفسه فيجوع ليشبع أخوه كما يروى من حال بعض
الصحابة أنه أهدي إليه رأس شاة وهو في غاية الضر فقال أخي فلان أحوج مني إليه فبعث به إليه
وبعث به ذاك إلى آخر حتى رجع إلى الأول بعد أن تداوله سبعة بل وفي النفس أيضا فيتحمل المشاق
لاستراحة أخيه كما قيل - إن أخاك الحر من يسعى معك - ومن يضر نفسه لينفعك - ومن إذا ريب
منون صدعك - شتت شمل نفسه ليجمعك - بل ويتلقى الأخطار لسلامته كما فعله أمير المؤمنين (ع)
لرسول الله صلى الله عليه وآله ليلة الغار ويوم أحد وهو الأولى ثم دونه المواساة وهي التسوية بينه وبين نفسه
فيشركه في نفسه حاله ويشاطره بماله وإليهما وقعت الإشارة في حديث الرضا عن أبي جعفر (ع) قال أرأيت
فيمن قبلكم إذا كان الرجل ليس عليه رداء وعند بعض إخوانه رداء يطرحه عليه قال قلت لا قال فإذا
كان ليس عنده إزار يوصل إليه بعض إخوانه بفضل إزاره حتى يجد له إزارا قال قلت لا فضرب بيده
على فخذه ثم ما هؤلاء بإخوة ثم دونهما التأخير وهو أن ينزله منزلة عياله فيقوم بحاجته من فضول ماله
وهو آخر المراتب فإن عدم هذا فلا إخاء بينهما في الواقع وإن لهجا بألفاظ ومخاطبات رسمية لا وقع لها
في العقل والدين وورد عن النبي صلى الله عليه وآله ما من صاحب يصحب صاحبا ولو ساعة من نهار إلا سئل عن صحبته
هل أقام فيه حق الله أو أضاعه قاله حين دخل غيضة مع بعض أصحابه فاجتنيا منها مسواكين أحدهما
معوج والآخر مستقيم وأعطى صلى الله عليه وآله أقوم المسواكين إلى المصاحب فامتنع من قبوله وقال أنت أحق به
يا رسول الله وعن بعض السلف إذا كان لك أخ في الله فلا تعامله في أمور دنياك أراد به من في
هذه المرتبة الرسمية وأما المرتبة العليا فهي التي وصف الله المؤمنين بها في قوله (تع) أمرهم شورى
بينهم وقوله عز وجل ومما رزقناهم ينفقون أي ينفق كل واحد مما رزقنا كل واحد وإخوان الصفا
من خيار السلف كانوا خلطاء في الأموال لا يميزون أملاكهم بعضها من بعض وعن السجاد (ع) أنه قال لرجل هل يدخل أحدكم يده في كم أخيه وكيسه فيأخذ ما يريد من غير إذن قال لا قال لستم بإخوان
وينبغي أن يظهر البشاشة في قضاء حاجته والسرور جبرا لخاطره فإن لصاحب الحاجة مقام ذل و
يقبل المنة فإنما هي رحمة ساقها الله إليه ويبتدئ بها إذا علمها ولا يحوج إلى السئول فهو تقصير و
معروفه حينئذ مكافأة لوجهه المبذول كما سلف وورد عن النبي صلى الله عليه وآله من سعى في حاجة أخيه المسلم
فكأنما عبد الله تسعة آلاف سنة صائما نهاره قائما ليله وعن أبي جعفر (ع) أوحى الله عز وجل إلى
موسى أن من عبادي من يتقرب إلي بالحسنة فأحكمه في الجنة فقال موسى يا رب وما تلك الحسنة
فقال يمشي مع أخيه المؤمن في حاجته قضيت أو لم تقض ويودد إلى أخيه والصواب من باب التفعيل
كما في النبوي وغيره التودد إلى الناس نصف العقل وينطق بوداده باللسان فورد أنه أثبت
للمودة بينهما وليس هذا من الرياء المذموم وإن كان الحب في الله ويتفقد الأحوال ويسأل
عن السوانح ويظهر المشاركة في السراء فيحمد الله على عافيته وتوسعة رزقه وحصول أمله وكذا
الضراء فيتحزن لمصيبته ويستبطئ زمان مرضه ويتوجع لمسائته ونحو ذلك ويدعوه بأحب
الأسماء إليه في غيبته وحضوره وورد تسميته في الغيبة وتكنيته في الحضور ويثني عليه
بما يعرف من محاسن أحواله ولا سيما عند من يؤثر هو الثناء عنده فإن ذلك من أعظم الأسباب في
جلب المحبة وكذلك الثناء على أولاده وأهله وصنعته وعقله وخلقه وشعره وتصنيفه وسائر
ما يفرح به صادقا في جميع ذلك مقتصدا من غير افراط وليكن ذلك في مغيبه دون محضره لكن
بحيث يبلغ إليه فهو يؤكد المحبة أكثر من الثناء في المحضر لأنه قليل الواقع وينبهه على ما فيه من العيوب
فورد في النبوي المؤمن مرآة المؤمن أي يرى منه ما لا يرى من نفسه فإنها ربما تكون مغفولا عنها
بسبب محبة كل أحد لنفسه وحب الشئ يعمى ويصم فيحتاج إلى من يقبح القبيح في عينه ويحسن الحسن
وهو من الحقوق اللازمة فإن من رأى تحت ذيل أخيه حية وهو لا يشعر بها فإنه يجب عليه بالعقل
الصراح اعلامه وإنذاره وإلا كان ممن شرك في دمه متلطفا بالتعريض ثم التصريح من غير
تعنيف يؤدي إلى الايحاش في الخلاء فإنه النصيحة والشفقة لا الملأ ففيه افضاح وتشييع
الفاحشة وفيه وعيد بالعقاب يوم القيامة قال الله (تع) إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة
في الذين آمنوا لهم عذاب أليم فإن نجعت فيه النصيحة وتخلى من عيبه وعاد إلى الصلاح فهو المطلوب
وإن بقي مصرا ففي البقاء على إخائه أو مقاطعته خلاف بين السالكين فقيل يبغضه من حيث أحبه
فهو من مقتضيات الحب في الله والبغض في الله ولأنه لا يجوز مواخاته ابتداء فكذا استدامة
وقيل بل لا يقطع الطمع عن صلاحه حينئذ لرجاء تأثير الصحبة الصالحة فيه فيما بعد فإن الأحوال
تتبذل وقلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن ومقتضى الحب في الله الاستمرار على
حق الإخاء الثابت ومقتضى البغض في الله اجتناب مواخاته ابتداء دون الانقطاع عنه
بعد سبق حقه فإن النسبة بينهما كنسبة الطلاق إلى ترك النكاح فإن الطلاق أبغض إلى الله (تع)
من ترك النكاح فظهر الفرق بين الابتداء والاستدامة هذا كله إذا كانت ذلته في حق نفسه
دينه أو دنياه وأما لو كان في حق الأخ فالأولى أن يتجاهل عن تقصيره إلا إذا أدى التجاهل إلى
استمراره عليه وكان الاستمرار مما يؤدي إلى القطع لثقله على القلب جدا فالأولى الاحتمال والاغضاء
ما أمكن فالتعرض لذلك ليس من النصح في شئ ثم العتاب فإنه خير من القطيعة وليكن في
السر فإنه أبقى للحياء والكتابة خير من القول والكناية من التصريح ثم التصريح بالكتابة ثم المشافهة
327

برفق ولطف إذ المقصود من الإخاء اصلاح النفس برعاية الحق للأخ وتحمل الأذى والتقصير منه
لا الاستعانة به والاسترفاق منه ويقبل المعذرة من المعتذر صادقا كان أم كاذبا فعلى من لم
يقبلها ما ورد في النبوي من اعتذر إليه أخوه فلم يقبل فعليه مثل إثم صاحب المكس بفتح الميم و
سكون الكاف يعني العشار لأنه يماكس كثيرا ويدعو له في حياته ومماته بالخير فيستجاب فيه ما لا
يستجاب لنفسه وله مثل ذلك وفي رواية مثلاه وفي غيرهما مائة ألف ضعف كما سلف ويحفظ
الوفاء بالثبات على المحبة والاحتراز عن القطيعة في حضوره وغيبته ولو بعد الموت معه ومع
أهله وإخوانه فإن مراعاتهم أوقع في قلب الصديق من مراعاته نفسه فإن فرحه بتفقد من يتعلق
به أعظم لدلالته على قوة الشفقة والحب حيث تعدى من المحبوب إلى من يتعلق به وورد عن النبي صلى الله عليه وآله
أنها كانت تأتينا أيام خديجة وأن كرم العهد من الايمان قال ذلك حين أكرم عجوزا أدخلت عليه
فقال لها من أنت قالت قال إنا حيامة المزنية فقال بل أنت حسانة المزنية كيف حالكم كيف كنتم
بعدنا قالت بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله فلما خرجت قالت عايشة يا رسول الله تقبل
على هذه العجوز هذا الاقبال فقال ذلك والأصل في الوفاء تسوية الظاهر والباطن والغيبة و
الحضور فلا يعطيه من لسانه ما لا يسخو به قلبه ولا يتودد في حضوره بما يقصر عنه في غيبته
أما زيادة الباطن على الظاهر والغيبة على الحضور فمن كماله ولا يغير الحال في التواضع والتودد إلى
الترفع والتعزز عند ارتفاع القدر واتساع الجاه فهو من اللوم بل من تمام الكرم الزيادة والاسهام من
الحال المتجدد ولا ينفرد عنه في أكل الطعام اللذيذ وحضور النزهة والسرور بل يتنغص لذلك لو اتفق
ويستوحش عند فراقه ويستبشر عند لقائه فإنها من مخايل صدق المودة ويساعده في مآربه جلب
نفع أو دفع ضرر إلا فيما يخالف الحق فالوفاء فيه الخلاف بالنصيحة والانذار ثم الخذلان ثم الممانعة
من باب النهي عن المنكر وسيأتي أنه من النصرة ويشاوره فيما يقصده من الأمر المتشابه كما أدب
الله به نبيه صلى الله عليه وآله وهو أعقل الأولين والآخرين ويقبل إشارته ولا يحفظ السر عنه مهما وجده أهلا
له فإنه من علامة الوثوق ولا يحب عدوه لئلا يكون شريكا في العداوة فعن بعض السلف إذا أحب
صديقك عدوك فقد اشتركا في عداوتك وقال الشاعر تود عدوي ثم تزعم أنني صديقك إن
الرأي عنك لعازب ويخفف بترك التكلف والتكليف في أداء الحقوق فعن أمير المؤمنين (ع) شر
الأصدقاء من تكلف لك ومن أحوجك إلى مداراة وألجأك إلى اعتذار وعن أبي عبد الله (ع) أثقل
إخواني علي من يتكلف لي وأتحفظ منه وأخفهم على قلبي من أكون معه كما أكون وحدي ومن
ترك التكليف أن لا يطلب منه ما يشق عليه بل يريحه من مهماته وحاجاته ولا يستمد منه من
مال ولا جاه ولا يكون متقيدا بالتواضع له والتفقد والقيام بالحقوق بل لا يقصد بمحبته إلا الله
وهذا التخفيف لا يختص بالحقوق بل يجري في غيرها كنوافل العبادة فلا يعترض فيها تركا ولا
اتيانا كما عن طائفة من السابقين أنهم كانوا يتصاحبون على شرط المساواة بين أربعة معان
إن أكل أحدهم النهار كله لم يقل له صاحبه صم وإن صام الدهر كله لم يقل له أفطر وإن أفطر وإن نام
الليل كله لم يقل له قم وإن صلى كله لم يقل له نم ويستوي حالاه عنده بلا مزيد ونقصان فإن ذلك أن تفاوت
حرك الطبع إلى الرياء والتحفظ لا محالة وكان تكلفا ينبغي التبري منه فورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنا وأتقياء أمتي برءاء
من التكلف كما سبق ويرفع بعض الآداب الظاهرة المرسومة بين الأجانب كالقيام والتأخر والاعتذار
والثناء عند تمام الاتحاد والخلوص فالمقصود من الصحبة صفاء القلب والأدب عنوانه الظاهرة ومهما
عرف حصول المقصود استغنى عن عنوانه بما فيه من شوب التكلف ويزور غبا لا كل يوم فإنه مما يورث
الملال وورد في النبوي زر غبا تزدد حبا والمشهور أن الغب يوم ويوم لا وقيل يوم بعد أيام وعن
الحسن في كل أسبوع إلا أن يا من الملال فلا بأس كل يوم ويحمل الحديث على تحديد الأقل وورد عن أبي
عبد الله (ع) ما زار أحد أخاه المسلم في الله ولله إلا ناداه الله عز وجل أيها الزائر طبت وطابت لك
الجنة وقد تقدم حديث أبي الحسن (ع) من لم يقدر على زيارتنا فليزر صالحي إخوانه يكتب له ثواب
زيارتنا وينبغي أن ينوي فيها الاستيناس باللقاء فإنهما من طينة واحدة والاستعانة على أمور الدين
فورد أن الأخوين كاليدين تغسل إحديهما الأخرى والتقرب إليه (تع) بإقامة الحق الواجب للأخ
المؤمن وتحمل المؤنة في ذلك وورد في حديث أبي عبد الله (ع) ما عبد الله بشئ مثل أفضل من أداء
حق المؤمن وفي الحديث النبوي برواية أهل البيت (ع) للمؤمن على أخيه ثلاثون حقا لا براءة له منها
إلا بأداء أو العفو يغفر زلته ويرحم غربته ويستر عورته ويقيل عثرته ويقبل معذرته ويرد غيبته
ويديم نصيحته ويحفظ خلته ويرعي ذمته ويعود مرضته ويشهد ميتته ويجيب دعوته ويقبل هديته
ويكافئ صلته ويشكر نعمته ويحسن نصرته ويحفظ حليلته ويقضي حاجته ويشفع مسئلته ويسمت
عطسته ويرشد ضالته ويرد سلامه ويطيب كلامه ويبر انعامه ويصدق أقسامه ويواليه و
لا يعاديه وينصره ظالما أو مظلوما فأما نصرته ظالما فيرده عن ظلمه وأما نصرته مظلوما فيعينه
على أخذ حقه ولا يسلمه ولا يخذله ويحب له من الخير ما يحب لنفسه ويكره له من الشر ما يكره لنفسه
والمعدودات تنيف على الثلاثين باثنين ولا ضير لاتحاد كل من ترك المعاداة والخذلان بسابقة ويمكن
فرض الاتحاد في غيرها أيضا وفي تتمة هذه الرواية أو رواية أخرى نبوية أيضا إن أحدكم ليدع
من حقوق أخيه شيئا فيطالبه به يوم القيامة فيقضى له عليه وفي حديث أمير المؤمنين (ع) لا تضيعن
حق أخيك اتكالا على ما بينك وبينه فإنه ليس لك بأخ من ضيعت حقه
باب المعاشرة و
هي من ضروريات الانسان أيضا والمراد بها ما يعم المعاشرة الخاصة التي مع العمودين والزوجة
328

والخادم وأضرابهم والعامة التي مع سائر الناس وحقها أن تكون بالمعروف وهو مع الأبوين
أن يبرهما بالاحسان عوضا عن عظيم حقهما عليه في الوجود وكمالاته فالعقوق من الكباير كما سلف
لا سيما عقوق الأم إذ حملته كرها ووضعته كرها فورد عن النبي صلى الله عليه وآله أن برها ضعفان على الوالد و
في رواية ثلاثة أضعاف وهو مما يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال غير أن حق الأب أقرب إلى
الروحانية فاللائق أن يكون أكثر بره التعظيم والتوقير والأم إلى الجسمانية فيكون أكثر برها العطاء
والمسامحة بالمال إلا أن يشاءا غير ذلك فيتبع رضاهما ويراعى مقدما على المندوبات عند التعارض
ابتداء واستدامة فلو دعواه لم يجز له التلبس بالنافلة ولو تلبس بها ثم دعواه قطعها وأجاب على
قول ولا حق لهما في الواجبات لا سيما المضيقة فلو منعا عنها لم يجز القبول فإن الله غالب على أمره قال
الله سبحانه وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وفي تقديمه على المندوبات
ايذان بأنه أفضل منها مطلقا فيحتمل أن يكون هو المراد بما ورد في النبوي وغيره أن بر الوالدين أفضل
من الصلاة والصوم والحج والعمرة والجهاد في سبيل الله أي من مندوباتها والأوجه ما أشرنا
إليه في حديث الربا فتذكر وينبغي أن يستأذن عند الدخول عليهما لا سيما في العورات الثلاث حذرا
عن سوء الأدب بالتهجم وعن أبي عبد الله (ع) يستأذن الرجل إذا دخل على أبيه ولا يستأذن الأب على
الابن ويستأذن الرجل على ابنته وأخته إذا كانتا متزوجتين وفي آخر أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وآله
استأذن على أمي قال نعم قال إنه ليس لها خادم غيري أفأستأذن عليها كلما دخلت قال أتحب أن تراها
عريانة قال الرجل لا قال فاستأذن عليها وورد إنما الإذن على البيوت ليس على الدار إذن ويصلي عليهما
بعد وفاتهما ويستغفر لهما وينفذ عهودهما ووصاياهما وديونهما ولو من ماله وعن أبي جعفر (ع) إن العبد
ليكون بارا بوالديه في حياتهما ثم يموتان فلا يقضي عنهما ولا يستغفر لهما فيكتبه الله (تع) عاقا وأنه
ليكون عاقا لهما في حياتهما غير بار بهما فإذا ماتا قضى دينهما واستغفر لهما فيكتبه الله بارا ويكرم
أصدقائهما فورد في النبوي أن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه ويتصدق لهما فورد فيه أيضا
ما على أحد إذا أراد أن يتصدق بصدقة أن يجعلها لوالديه إذا كانا مسلمين فيكون لوالديه أجرها ويكون
له مثل أجورهما من غير أن ينقص من أجورهما شئ ويزور كلا منهما حيا وميتا فورد في عدة أخبار
نبوية وغيرها أنهما يفرحان بذلك ويأنسان به وأن من زار قبر أبويه أو أحدهما في كل جمعة بتحريك العين
أو سكونه غفر له وكتب له براءة أي من النار أو من جميع الأهوال ويطلب حاجته ثمة كما يأتي ويقطع
لسان السفيه عنهما حيين وميتين ولو بماله فهو من البر المندوب إليه ويراعي حق المعلم كما يراعي
حق الأبوين ويقدم حق المعلم على حقهما عند التعارض فهما سبب وجود البدن وهو سبب حياة
الروح كما سبق ولا يناديه أو يقرع باب داره إذا أتاه فوجده مسدودا بل يمكث إلى أن يفتح ويؤذن له
فورد في التنزيل ولو أنهم صبروا حتى يخرج إليهم لكان خيرا لهم حين كانوا ينادونه صلى الله عليه وآله من رواء الحجرات و
في الحديث إنما مثل العالم مثل النخلة تنتظرها متى يسقط عليك منها شئ ويصل الرحم وهو المعروف بنسبه
ولو بعيدا بما أمكن في الوقت من عطاء مباشرة أو تسبيبا ودعاء وكف أذى ونحوها فورد في النبوي
أن أعجل الطاعة ثوابا صلة الرحم وفي حديث آخر من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه وفي
آخر بلوا الأرحام ولو بالسلام قال في النهاية أي ندوها بصلتها وهم يطلقون النداوة على الصلة كما
يطلقون اليبس على القطيعة ولأنهم رأوا بعض الأشياء يتصل ويختلط بالنداوة ويحصل بينهما التجافي
والتفرق باليبس فاستعاروا البل لمعنى الوصل واليبس لمعنى القطيعة وقد سبق بعض القول فيه في
كتاب الطهارة ولا يتجاور القريب فهو يوجب الملال ويرفع الحرمة ويورث إحاطة العلم بالأحوال
وربما يتحرك بذلك عرق الحسد المستكن في الأقارب والتوارد على المقاصد والتزاحم على الحقوق
وينجر ذلك إلى القطيعة وهي نقيض المطلوب ويزوره غبا كساير الإخوان ويراعى حق الكبير كحق الأبوين
في التوقير والبر والصغير كالولد في الرأفة والشفقة والمثل كالأخ في النصيحة والود ويشتريه إن كان
مملوكا ليعتق قهرا أو اختيارا فإن تخليصه من ذل الرق من أكمل الصلة لأنه ايجاد له كما سلف لا سيما
الوالدين فهو قضاء حقهما عليه بالايجاد وفي النبوي لن يجزي ولد والده حتى يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه
وزيد في غيره ويكون عليه دين فيقضيه عنه ويبالغ في استرضاء الجار بالتحرز عما يكرهه وإماطة
الغبار عن قلبه فورد عن النبي صلى الله عليه وآله ما زال جبرئيل يوصيني في الجار حتى ظننت أنه سيورثه وورد
في حده في الحسن عن أبي جعفر (ع) والصحيح عن أبي عبد الله (ع) حد الجوار أربعون دارا من كل جانب من بين
يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ولم يطلع عليها بعض الأصحاب فنسب القول بذلك إلى الشذوذ
وروايته إلى العامة واختار الرجوع إلى العرف وهو غير جيد كالقول بالأربعين ذراعا من كل
ناحية ويحترز عن النظر إلى بيته فإنه من الايذاء المنهي عنه وقد نهي عنه بالخصوص في مناهي النبي صلى الله عليه وآله
واجراء الميزاب إليه بدون إذنه وإن لم يتضرر بذلك ووضع السارية والجذع على حايطه كذلك
والقاء الكناسة في فنائه وقرب حايطه وعلى الجار أن لا يمنع شيئا من ذلك وعليه يحملها ما ورد في
النبوي لا يمنعن أحدكم جاره أن يضع خشبته في حايطه ولا يمنع عنه الريح والضوء بوقع البناء و
سد الشباك ونحوهما ولا حوائج البيت المستوهبة نحو الماء والملح والنار أو المستعارة نحو الماعون
ومنه كتب العلم ويرسل إليه سهما من ثمرة يشتريها أو تهدى إليه أو يخفيها عنه ولا يخرج بها ولده
ليغيظ بها ولده ولا يبلغه ريح القدر إلا أن يرسل له منه فإن كان لا يسعهم جميعا بدأ بالمقبل ببابه
عليه كما في حديث عايشة ويهذب أخلاق أهل البيت من النساء والأولاد والخدم ما أمكن بالرياضة
والتأديب والتعليم والتمرين بالخير لا سيما الولد المراهق فهو أحوج إليه وأيسر قبولا له بسبب استكمال
329

فطنته حينئذ وعدم رسوخ الملكات السيئة فيه بعد وقد سبق أن قلب الحديث كالأرض الخالية
ما ألقي فيها من شئ فبلته فليبادر بالأدب وورد في التنزيل قوا أنفسكم وأهليكم نارا وإنما تحصل
وقاية الأهلين بما ذكر وفي الحديث اضرب خادمك في معصية الله واعف عنه فيما يأتي إليك وبه
يجمع بين ما دل على الأمر بالتأديب والعفو ويحسن المعاشرة مع المرأة فإنها أسيرة وضعيفة خلقت
من ضعف ويصبر على سوء خلقها فإنها كالضلع المعوج إن تركته انتفعت به وإن أقمته كسرته كما في
النبوي وفيه من صبر على خلق امرأة سيئة الخلق واحتسب في ذلك الأجر أعطاه الله ثواب الشاكرين
ويبسط معها لعباته ومزاحا وهو من اللهو الحق الذي تحضره الملائكة ولا يدع مع ذلك الانقباض
والترمت فتجترء عليه بل يداعبها في وقار أو المراد الانبساط وقت المداعبة والانقباض سائر الأوقات
وقد مضى سائر أحكامها في كتاب النكاح ولا يطأ بقدمه حيوانا فإنه إن كان مؤذيا كالحية والعقرب
فقد تعرض لأذاه وإن كان غير موذ كالذر والخنفساء كان ذلك إيذاء له وورد أنه يسأل عنه يوم
القيامة ولا يضرب شيئا منها على الوجه للنهي عنه وعلل بأنها تسبح بحمد الله ولكل شئ حرمة وحرمة
البهائم في وجوهها وورد النهي عن وسمها أيضا فيها وما ورد من الرخصة فيهما محمول على نفي التحريم
ولا يعذب بالنار حتى المؤذيات مثل القمل والعقرب ونحوهما فورد لا يعذب بالنار إلا رب النار
ويصلح ذات البين من المسلمين ولو بالكذب فهو من موارد جوازه كما سلف عن النبي صلى الله عليه وآله أفضل
الصدقة اصلاح ذات البين وفي آخر ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة
قالوا بلى قال اصلاح ذات البين وسئل أبو عبد الله (ع) ما الاصلاح بين الناس قال تسمع من
الرجل كلاما يبلغه فتخبث نفسه فتقول سمعت من فلان قال فيك من الخير كذا وكذا خلاف
ما سمعت منه ويستر العيوب على المسلمين كما يسترها على نفسه فورد في النبوي من ستر على
مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة وقد سبق نبذ فيه ويتقى مواضع التهم كما في المشهور مثل
المرامزة مع زوجته في ظهر الطريق حيث يراه الناس ولا يعرفونها تحرزا عن سوء ظنهم به ووقوعهم
في الغيبة وورد عن أمير المؤمنين (ع) من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن وربما يكون
ذلك محمودا في بعض الأحوال لمن يريد اسقاط محله من القلوب حيث يرى ذلك أصلح لدينه
وعليه يحمل ما يحكى عن بعض السلف من تعريض أنفسهم للتهم تخلصا عن آفات كثيرة لم يزوا
محيصا عنها إلا بذلك فهو من ارتكاب أهون المفسدتين لأعظم المصلحتين مثل الكي وقطع
العضو المؤف بالآفة المعدية ونحوهما مما يأمر به الطبيب طلبا لسلامة النفس كما مرت الإشارة
إليه فيما مضى ويفرج عن المكروب وينصر المظلوم بماله أو جاهه أو لسانه أو بدنه فورد عن
النبي صلى الله عليه وآله من فرج عن مغموم أو أعان مظلوما غفر الله له ثلاثا وسبعين مغفرة وفي آخر من أعان
مؤمنا نفس الله عنه ثلاثا وسبعين كربة واحدة في الدنيا واثنتين وسبعين عند كربه العظمى
حيث تتشاغل الناس بأنفسهم ويسعى في حاجة أخيه فالمشي فيها ساعة من ليل أو نهار خير من
اعتكاف شهرين وإن لم تقض كذا في النبوي ويعظه إذا رأى منه منكرا إن توقع منه القبول
ورجى التأثير فإنه الشرط كما سبق قال الله (تع) فذكر إن نفعت الذكرى وإلا فلا يشتغل
بتضييع الوقت وتعليق الدر على أعناق الخنازير بل ربما نشأ منه العداوة والضرر وحيث
يعظ فليكن وعظه عرضا وأمثالا من غير تنصيص على الشخص إلا أن ينحصر التأثير فيه ويعين
الضعيف مطلقا ولا سيما المستعين بل صاحب الحاجة مطلقا فعن أبي عبد الله (ع) في حديث
إما أنك إن تعين أخاك المسلم أحب إلي من طواف أسبوع بالبيت أن رجلا أتى الحسن بن
علي فقال أعني على قضاء حاجة فانتعل وقام معه فمر على الحسين وهو قائم يصلي وقال أين
كنت عن أبي عبد الله تستعينه على حاجتك قال قد فعلت فذكر أنه معتكف فقال أما أنه
لو أعانك كان خيرا له من اعتكافه شهرا ويعين المحسن في احسانه من باب التعاون على البر
والتقوى ليشركه في أجره ويحب التائب لأنه حبيب الله ويستغفر للمذنب ولا سيما الميت
وإن كان ذنبه إليه فورد أنه يؤجر بسببه فلا يوزر بسببه وفي رواية الاستغفار للمذنب
صدقة ويفرح به الميت كما يفرح الحي بالهدية كما يأتي وفي النبوي من من حق المسلمين عليك
أن تعين محسنهم وأن تحب تائبهم وأن تستغفر لمذنبهم ويعامل كلا من الأصحاب على حسب
حاله الغالب حذرا عن النفرة ووضع الشئ في غير موضعه فعرض الفقه لأهل اللهو وعرض
البيان والبلاغة لثقيل اللسان إيذاء للنفسين أما العارض فلأن بلادة المخاطب عن المعنى
مما يبلد المتكلم ويحوجه إلى تكرار البيان وتمهيد المقدمات وتصوير المعقولات بالصور المحسوسة
وضرب الأمثال واجتهاد شديد في ذلك وأما المعروض عليه فلأنه في اصغائه إليه مكره نفسه
على الالتفات إلى ما لا أنس لها به ويتعسر عليها فهمه فتتألم بذلك وكان بعض المشايخ يوصي تلامذته
إذا جاءكم الأغنياء فسلوهم الأموال وإذا جاءكم العلماء فسلوهم عن الفقه والحلال والحرام وإذا
جاءكم الفقراء فأطعموهم وينتصف الناس من نفسه في الكلام والحقوق فهو من ثلاث خصال
يستكمل بها الايمان كما سلف في باب السخاء ولا يعلم أحدا مقدار ماله مطلقا وإن كان من الخواص
وأهل البيت فإنه إن كان قليلا فالعلم بالقلة يورث الإهانة لأن الأغلب لا يعرفون الشرف إلا
بالمال وإن كان كثيرا فالعلم بالكثرة يورث كثرة الطمع وعدم الرضا بالقدر المبذول وورد في وصايا
الحكماء استر ذهبك وذهابك ومذهبك ومرادهم بالذهب الشئ النفيس جوهرا أو عرضا حتى أسرار
العلوم والمعارف والذهاب إما مصدر ذهب والمراد به الخروج إلى طلب المقاصد على وجه
330

عام يندرج فيه العبادات والرياضات الشرعية التي يخرج بها السالك المهاجر إلى الله عز وجل
عن قرار طبعه أو جمعه ذهبه بالكسر وهو المطر اللين فالمراد رشحات المراحم الإلهية والألطاف الخفية
الفائضة على سر العبد أحيانا وعليه فالمذهب يحتمل المصدر الميمي واسم الزمان والمكان وعلى الأول
فالأخيرين خاصة ويطلق في الشرع على الطريقة التي يلتزمها العبد في الديانة وعلى الموضع الذي
يقصد لقضاء الحاجة ومنه الحديث كان إذا أراد الغايط أبعد المذهب وكل ذلك مما ينبغي الاستتار
به ووجهه معلوم مما تقدم وماج الحلاج في مقام الشطح ببعض ذلك فعوقب بما بلغك ولا
يستحقر أحدا من الأحياء أو الأموات وإن كان منكر الظاهر فالعاقبة وهي ملاك الأمر مستورة
فلعله يختم له بالصلاح وله بالسوء ولا يستعظم أحدا للدنيا فينظر إليه بعين التعظيم بما يرى عليه
من زينتها فهي حقيرة عند الله وما فيها معرض للزوال ومهما عظم أهلها فقد عظمها ولا يتكبر على
الفقير من حيث فقره وغناه بل يتكبر على المتكبر فإنه عبادة كما سلف ويجالس الفقير ويخالطه ويؤاكله
فهي من السنة التي داوم عليها النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته والأنبياء السلف صلى الله عليه وآله حتى أنه صلى الله عليه وآله كان يدعو أن
يحشره الله في زمرة المساكين وكان سليمان (ع) في ملكه إذا دخل المسجد فرأى مسكينا جلس إليه و
قال مسكين جالس مسكينا دون الغني من حيث غناه فورد عن النبي صلى الله عليه وآله إياكم ومجالسة الموتى قيل و
من الموتى قال الأغنياء وعنه صلى الله عليه وآله الجلوس مع الأغنياء يميت القلب وعن أبي جعفر (ع) لا تجالس الأغنياء
فإن العبد يجالسهم وهو يرى أن لله عليه نعمة فما يقوم حتى لا يرى أن لله عليه نعمة وعن بعض
السلف كنت أجالس الأغنياء فلم أزل مغموما كنت أرى ثوبا أحسن من ثوبي ودابة أفره من دابتي
فجالست الفقراء واسترحت ودون حبيب العافية مثل أحباب هذا الزمان يتحببون إليك ما دمت
في سعة وحسن حال فإن أصابك ضيق أو نكد أسلموك وشتموا بك وتقربوا إلى أعدائك بافشاء
أسرارك وعيوبك ودون العامي الغير المتهذب فإنها مما تميت القلب أيضا وإذا ابتلى بها
فأدبها أن لا يخوض في كلامه ويقل الاصغاء إلى أراجيفه ويتغافل عما يجري عليه من ركاكة ألفاظه
وسوء أدبه وليحذر كل الحذر عن مجالسة السلطان فإنها كركوب الأسد بينا هو فرسه إذ هو
فرسه وإذا ابتلي بها فأدبها أن يكثر الحذر عنه في القول والفعل والترك والهيئة وسائر الأحوال
وإن أظهر المحبة فلا يا من شره ولا يعتمد على صحبته فإنه لا وفاء للملوك يتغيرون على ندمائهم بأهون
سبب في أسرع حال ويذبحون أبنائهم بمجرد الظن والاحتمال ويرافقه مرافقة الطفل فيعلله بما
يوافق هواه ويستميله إلى ما يصلحه ويصرفه عما يفسده بلطف ولين ويتكلم على حسب إرادته
مع مراعاة المصلحة العامة والخاصة ما أمكن ولا يدخل بينه وبين أهل بيته وحشة فإنه مضر
من أحدهما البتة ولو بعد حين ويبالغ في حفظ الأدب في محضره ومغيبه فإن الوشاة عليه كثيرون
ويستعيذ بالله من شره عند الدخول إليه ومن المأثور فيه خيرك بين عينيك وشرك تحت قدميك
وبالله أستعين عليك اكفنيه بما شئت فإنه لا حول ولا قوة إلا بك يقوله سبعا وعلى الملك
إذا كان كريما الاحتمال والاغضاء عن المسيئين وقد كان الملوك الأوايل يتمدحون بالعفو و
يتفاخرون بذلك في مكاتباتهم ومعارضتهم وقصصهم في ذلك مشهورة إلا في جرائم ثلاث
كانوا يصرون في المؤاخذة عليها ولا يستحبون العفو عنها كشف السر وبه قتل السلطان العادل
وزيره الحكيم أبا ذر جهر بعد أن استفتاه في عقاب من أفشى أسرار الملوك فأفتاه بالقتل و
القدح في الملك فإنه يتضمن من شق العصا وتفريق الجماعة واذهاب الأموال والنفوس ما لا يسع
العفو والتعرض للحرم بأي سوء كان فإنه لا يليق عنه الاغضاء للخلة فكيف للملوك ولا يصادق
العامة بل يقلل المعارف ما أمكن فإن كثرتهم توجب تكاثر الحقوق عليه وتكاثر الأذى منهم
لفساد أهل الزمان على العموم وأهل زماننا أفسد كما في الحديث النبوي لا يزال الدهر في
سفال فإنهم لا يقيلون عثرة ولا يغفرون زلة ولا يسترون عورة ويحاسبون على النقير والقطمير
ويحسدون على القليل والكثير ينتصفون ولا ينصفون ويؤاخذون على الخطأ والنسيان ولا يعفون
ينطوون على الضغاين والذمائم ويفرقون بين الجماعات بالنمائم يقطعون بالظنون ويتغامزون
وراءك بالفنون ويتربصون بك ريب المنون ومن ثم قال أمير المؤمنين (ع) لبعض المسترشدين أقلل
معارفك قال ثم مه قال أنكر من عرفت منهم وفي حديث آخر أنه قام إليه (ع) رجل بالبصرة
فقال أخبرنا عن الإخوان فقال الإخوان صنفان إخوان الثقة وإخوان المكاشرة فأما إخوان
الثقة فهو كالكف والجناح والأهل والمال فإذا كنت من أخيك على ثقة فابذل له مالك ويدك
وصاف من صافاه وعاد من عاداه واكتم سره وأعنه وأظهر منه الحسن واعلم أيها السائل أنهم
أعز من الكبريت الأحمر وأما إخوان المكاشرة فإنك تصيب منهم لذتك فلا تقطعن ذلك
منهم ولا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه وحلاوة
اللسان وورد عن أبي عبد الله (ع) لا تفتش الناس فتبقى بلا صديق وفي حديث آخر خالطوا
الناس بأعمالهم وزايلوهم بالقلوب وهو من حسن العشرة دون النفاق المذموم ولا يعتمد
إلا على من جرب تحقيقا فوجد مستقيما على الإخاء في الأحوال المختلفة من اليسر والعسر والرضا و
الغضب والعزل والولاية والسفر والحضر والمعاملة وغير ذلك وعن بعض المشايخ إذا أردت أن تواخي رجلا فأغضبه ثم دس إليه من يسأله عنك وعن أسرارك فإن قال خيرا وكتم سرك
فأصحبه وعن أبي عبد الله (ع) من غضب عليك ثلاث مرات فلم يقل فيك شرا فاتخذه لنفسك صديقا
وأما الظواهر فلا تعويل عليها ولا على أهلها فلا يجد عند الحاجة جزءا واحدا من مائة ولا ألف جزء
331

مما يظهرونه فإن مؤنة النطق خفيفة فيتساهلون فيها ويكلف عليهم العمل ولا بطمع رعاية
الحقوق فإنه من الأطماع الكاذبة ولا مظفر بها وعن أبي عبد الله (ع) أنى لك بأخيك كله وأي الرجال
المهذب وعنه (ع) ليس من الانصاف مطالبة الإخوان بالانصاف ولا ما في أيديهم فيستعجلون
الذل ولا ينال الغرض وهما من التكليف ولا يعاتب من لم يقض حاجته وإلا لطال الأمر بكثرة
العتاب لأنه الغالب في أكثر من ترفع إليهم الحاجات أو المراد أن المعاتب يصير عدوا
فيطول الأمر في مقاساته أو استصلاحه ويحمد الله (تع) على تسخيرهم إن رأى منهم كرامة ولو كف
أذية ويكلهم إلى الله (تع) وإن رأى منهم مكروها ولا يشتغل بمكافأتهم فيضيع وقته عبثا ويستعيذ
بالله من شرهم ويتوقى عنه ما أمكن ويشارك في حقهم ويتغافل عن باطلهم ولا يصده الباطل
عن الحق وفي حسنة زرارة أنه حضر أبو جعفر (ع) جنازة رجل من قريش وأنا معه وكان فيها عطاء
فصرخت صارخة فقال عطاء لتسكتن أو لنرجعن فلم تسكت فرجع عطاء فقلت لأبي جعفر (ع) إن عطاء قد رجع
فقال امض بنا فلو أنا إذا رأينا شيئا من الباطل مع الحق تركنا له الحق لم نقض حق مسلم ويحسب الكبير
كالأب والصغير كالابن والمساوي كالأخ فيراعيهم مراعاتهم وهذه الجملة إما من تكرار النساخ أو الأولي
لأولي الأرحام وهذه لمن عداهم ويبالغ في الاحتمال وإن كان مقتدرا على الانتقام ما لم يبلغ حد الانظلام
المذموم وفي الاحسان إلى عموم الناس أهله وغير أهله ما لم يستلزم إساءة فإن لم يصب أهله فهو
من أهله فورد اصنع المعروف إلى أهله وغير أهله فإن لم تصب أهله فأنت أهله والأصل في حقوق
المعاشرة النصيحة وهي كما مضى أن يحب له ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه ولا يهجره فوق ثلاثة
أيام فورد في النبوي أنه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرها
الذي يبدأ بالسلم وفي آخر السابق يسبق إلى الجنة ويستأذن للدخول في بيوت الغير حتى الوالدين
كما سبق ثلاثا مستأنسا كما في الآية الكريمة من أنس الشئ إذا أبصره فإن المستأذن مستعلم للحال
مستكشف عن أن يراد دخوله أو من الاستيناس الذي هو خلاف الاستيحاش فإنه مستوحش خائف
أن لا يؤذن له وفسر الاستيناس بوقع النعل والتسليم على أهل البيت كما في حديث أبي عبد الله (ع) أو التسبيح
والتحميد والتكبير والتنحنح يبلغهم صوته كما في النبوي ويمكث بعد كل من الاستئذانات هنيئة قدر أن
يفرغ من نحو الأكل وقضاء الحاجة فورد عن النبي صلى الله عليه وآله الاستيذان ثلاث فالأولى يستضيئون أي
يستكشفون من هرو لما جاء والثانية يستصلحون أي يهيئون فراشهم وثيابهم والثالثة يأذنون أو
يردون وقد سبق أن الاستيذان إنما هو في البيوت دون الدور ولا يطلع على البيت من الروازن
أو فرج الباب لانتفاء فائدة الاستيذان حينئذ وبدقة دقا لينا لا يوحش أهل البيت فإذا سئل من
هذا يسمي نفسه ولا يقول إنا فورد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله من قال ذلك فأنكر عليه وقال أنا أنا يردده
مرارا وهل لمخلوق أن يقول إنا ولا يا غلام لما فيه من الاستحقار بل ينادى المدعو باسمه إن علمه
وإلا قال يا عبد الله ولا يدخل على الظلمة في منازلهم تحاميا عن استعمال دارهم بالكون فيها ومظلتهم بالاستظلال
بها وفراشهم بالجلوس عليه فكلها شبهات غالبا وعما يستلزمه لقاؤهم من التواضع معهم في الكلام و
المجلس وغيرهما والسكوت تقية أو مداهنة عن منكر لعله يراه عندهم وهو يعود على التقرير على
المناكير والدعاء لهم بالبقاء ومن أحب بقائهم ولو ساعة فهو منهم كما في رواية صفوان وإذا رأى
منهم كرامة واحسانا أدى ذلك إلى مدحهم بالكذب أو بما يوجب رسوخهم في باطلهم واغترارهم بأنفسهم
لا سيما إذا كان المادح من أهل الدين والمحبة بهم وهو من أعظم الركون المنهي عنه في الآية الكريمة ومن
أحب حجرا حشره الله معه ومما يترتب على استطلاع أحوالهم بل أحوال الأغنياء عموما كما سبق استحقار
نعمه (تع) على نفسه برؤية التوسع عليهم بما لم يوسع عليه ومن ثم ورد في النبوي الأمر بالنظر في أحوال
الدنيا إلى من دون ونهى عن النظر إلى من فوق قال فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم إلا لرعاية إطاعة
الرعية إذا كان الداخل مرموقا إليه بحيث يكون في دخوله على السلطان مدخل في انقياد الناس له و
مصلحة في نظام الكل أو المراد أن من حق السلطان على الرعية إطاعتهم له فإذا كان في الدخول عليه
إقامة لذلك الحق فلا ضير وإعانة مؤمن بقضاء حاجته أو دفع شر عنه أو عن غيره من المؤمنين
ويندرج فيه النهي عن المنكر وليس يشترط ذلك في كل دخلة بل الشرط أن يكون هي العلة الغائية
فيجوز الدخول عليهم في سائر الأوقات صيانة للحشمة والمنزلة عندهم مهما كان لذلك مدخل في قضاء
حوائج المؤمنين ودفع الشرور عنهم إذا سخت إلا أنه من مواضع الغرور وكثيرا ما يلتبس فيه الحق بالباطل
والأولى الاجتناب عنهم فإن إثمهم أكبر من نفعهم وكذا عن خواصهم فإنهم بمنزلتهم في أكثر ما ذكر من
المفاسد ومن رتع حول الحمى أوشك أن يقع فيه والتغافل عن أحوالهم فإن التحديث بها والاستطلاع
عليها مما يحرك النفس إليهم وينبغي أن يضطر الذمي إذا لقيه في الطريق إلى أضيق الطريق كما أمر به
في النبوي ولا يبدأ بالسلام عليه فإنه تحية الاسلام كما سلف وورد جوازه على الطبيب النصراني
عند الحاجة ولا يزيد في جوابه شيئا بل يوجز عن المثل يقول وعليك كما مر في باب التحية ويجوز أن
يدعو له في تسميته عند العطاس بالهداية دون الرحمة فعن أبي موسى الأشعري كان اليهود يتعاطسون
عند رسول الله صلى الله عليه وآله رجاء أن يقول يرحمكم الله فيقول يهديكم الله لكن روى ثقة الاسلام عن أبي عبد الله (ع)
أنه عطس عنده رجل نصراني فقال له القوم هداك الله فقال أبو عبد الله (ع) يرحمك الله فقالوا له أنه نصراني
فقال لا يهديه الله حتى يرحمه ولا يرشده إلى معبده إذا استرشده إليه فإنه من التعاون على الإثم بل يشير به
إلى طريق أبعد ولا يصافحه فإنها من حقوق الاسلام وورد النهي عنها بالخصوص وفي بعض الروايات
مصافحته من وراء الثوب كما هو عادتهم ولا يستقبل جنازته بالوجه بل يأخذ عن يمينها أو شمالها كما
332

في النبوي لكن مورده جنازة المشرك
باب العزلة بضم الفاء وسكون العين وهي الانقطاع عن
الناس والمراد بها ما يقابل المعاشرة العامة والاختلاف في ترجيح الراجح منها ومن المخالطة كالاختلاف
فيه من النكاح والعزوبة والقول للقول وجدواها إما التحلي بخيرات لا يتيسر تحصيلها إلا بالخلوة
أو التخلي عن شرور يتعرض لها بالمخالطة وكل منهما إما دينية أو دنيوية فهذه أربعة أقسام هي مجامع
ما ذكره المصنف وغيره من فوائدها منها الفراغ للعبادة والفكر والاستيناس بمناجاة الله و
استكشاف أسراره في ملكوت السماوات والأرض وآيات الآفاق والأنفس فإن ذلك يستدعي فراغا
ولا فراغ مع المعاشرة فالخلق شاغلون ومن ثم كان رسول الله صلى الله عليه وآله في ابتداء أمره يعتزل
في جبل حراء من جبال مكة حتى قوى فيه نور النبوة وصار بحيث لا يحجبه الخلق عن الله فإن الجمع
بين معاشرة الخلق ظاهرا والاقبال على الله باطنا متعذر إلا لمن استغرق باطنه به تعالى بحيث لا
يبقى لغيره فيه متسع فغاب عنهم قلبا وشهدهم لسانه وهم الذين صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة
بالملأ الأعلى كما سلف ومنها الخلاص عن المعاصي التي يتعرض لها بالمعاشرة ولا يسلم عنها إلا بالعزلة
كالرياء فقد عرفت أنه أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الملساء في الليلة الظلماء وكل من
خالط الناس داراهم ومن داراهم راءاهم ووقع فيما وقعوا وأقل ما يلزم فيه النفاق فإن الخصومات
بين الناس كثيرة فأنت لا تنفك عن مخالطة متخاصمين فإن لم تلق كلا منهما بوجه يوافقه صرت
بغيظا إليهما وإن جاملتهما جميعا كنت ذا وجهين وقد علمت قريبا حاله وأقل ما يعتاد في المخالطة إظهار
الشوق والمبالغة فيه ولا يخلو ذلك عن كذب أما في الأصل وأما في الزيادة واظهار الشفقة بالسؤول
عن الأحوال فقولك كيف أنت وكيف أهلك وأنت في الباطن فارغ القلب من همومه نفاق محض
ومن آية ذلك أنك ترى هذا يقول كيف أنت ويقول الآخر كيف أنت فالسائل لا ينتظر الجواب والمسؤول
يشتغل بالسؤول ولا يجيب وذلك لمعرفتهم بأن ذلك صادر عن رياء لا عن حقيقة والغيبة فإن من الأعراض
العامة التمضمض بالأعراض والتفكه بلحوم الناس وإن وافقت المعاشرين تعرضت لسخط الله وإن سكت
شريكا والمستمع أحد المغتابين وإن أنكرت أبغضوك واستنقلوك وتركوا أذاك ووقعوا فيك ومزقوا
اهابك وضيعوا حقك وحق الله فيك فإما أن تستوجب السخط بهم أو يستوجبوا السخط بك ومنها
الخلاص من غوائل البدع والمناكير الغالبة فإنه إن تشمر لرفعها أعياه ذلك وفتح عليه أبوابا من الضرر
بما يجره طلب الخلاص منها إلى معاصي أكثر وأكبر مما نهى عنه ابتداء ومن جرب النهي عن البدع ندم عليه
غالبا فإنه كجدار مايل يريد الانسان أن يقيمه فيوشك أن يسقط عليه فإذا سقط عليه يقول ليتني
تركته مائلا نعم لو وجد أعوانا يمسكون الحايط حتى يحكمه بدعامة استقام وأنت اليوم لا تجد الأعوان
والخطر عليك شديد وإن تغافل عنها واستمر على مشاهدتها والاغضاء عنها هان أمرها عليه وزال
وقعها في قلبه واستعظامها عنده فهي تورث الاستحقار وكلما كثرت وطالت كثر وقوي حتى يوشك
أن تنحل القوة الوازعة ويذعن الطبع للميل إليه أو لما دونه ومهما طالت مشاهدته للكبائر من غيره
استحقر الصغاير من نفسه كما أن الناظر إلى الأغنياء يستحقر نعمة الله على نفسه ومنها الخلاص عن الجليس
السوء فإن مسارقة الطبع لما يشاهده من أخلاق الناس وأعمالهم مما لا سبيل إلى انكاره وورد في
النبوي مثل الجليس السوء كمثل القين إن لم يحرقك بشرره علق بك من ريحه ومثل الجليس الصالح مثل
صاحب المسك ألا يهب لك منه تجد ريحه ومنها الخلاص عن الفتن والخصومات وصيانة النفس
والدين عن الخوض فيها والتعرض لأخطارها وقل ما يخلو الناس عنها ولا سلامة إلا بالاعتزال عنهم
فورد عن النبي صلى الله عليه وآله ألزم بيتك وأملك عليك لسانك وخذ ما تعرف ودع ما تنكر وعليك بأمر الخاصة
ودع عنك أمر العامة حين ذكر الفتنة ووصفها وقال إذا رأيت الناس مرجت عهودهم وضعفت
أماناتهم وكانوا هكذا وشبك بين أصابعه فقيل ماذا تأمرني في زمان الفتن يا رسول الله والقائل
عبد الله بن عمرو بن العاص ومنها الخلاص عن شر الناس وايذائهم بنحو الغيبة والنميمة والتهمة و
البهتان والحسد وطمعهم ما يتعسر الوفاء به فرعاية الحقوق شديدة وأيسرها التسليم والترحيب
وزيارة الإخوان وعيادة المرضى وحضور الجنائز والولائم وفيها ضياع الأوقات وفوات المهمات
وربما يعوق عن بعضها عائق ويستقبل فيها عذر ولا يمكن إظهار كل الأعذار فينفتح باب الملال و
العتاب وأنك قمت بحق فلان ولم تقم بحقي وينشأ منه ضروب العداوة والأذية ومن زعم الناس
كلهم بالحرمان سكتوا عنه وانقطع طمعهم منه وسلم من ذلك وكذا قطع الطمع عنهم فالنظر إلى زهرات
الدنيا يحرك رغبة الحريص فيتحرك للطلب ولا يقع إلا على الخيبة والحرمان في أكثر الأطماع فيتألم قلبه و
ينطلق لسانه بالوقيعة فيهم بما عرفت من أنواع الهذر ومهما اعتزل لم يشاهد فلم يرغب ومنها
الخلاص عن لقاء الثقيل والأحمق وغير المجانس ومقاساة خلقهم وأخلاقهم فهو من أشد البلايا على
الروح وورد أنه لما غضب سليمان (ع) على الهدهد وحلف ليعذبنه عذابا شديدا حبسه مع البومة
فكان ذلك عذابه الشديد والوجه في التأذي بصحبة الأحمق وغير المجانس ظاهر وأما الثقيل فإن كان
بسبب رداءة ظاهرة أو باطنة فكذلك أيضا وإلا كما يشاهد كثيرا فلعله تناكر الأرواح ومن ثم ترى
من تستثقله أنت وتتبرم عن مؤالفته يستخفه غيرك ويرغب إليه وسئل بعض الحكماء ما بال الحمل
الثقيل لا يتأذى به الانسان تأذيه عن الصاحب الثقيل فأجاب بأن الحمل الثقيل يتعاون في تحمله
الروح والجسد فيخف على كل منهما وأما الصاحب الثقيل فيستقل بتحمله الروح فمن ثم يكون تأذيه به
أكثر فهذه فوايد العزلة ومرجعها جميعا إلى الخلاص عن آفات المخالطة وأما آفاتها فهي أيضا أمور
دينية ودنيوية ومرجعها جميعا إلى فوات فوايد المخالطة والمذكور منها ست التعلم والتعليم والانتفاع
333

والنفع والتأدب والتأديب والموانسة ومناولة الثواب والتجارب على اطلاق في بعضها وتفصيل
في آخر أما التعلم فهو مقدم على العزلة لافتقار العبادة والتقوى المستفرغ لهما بها إليه فإن الانسان
مطبوع على الجهل ولا يستفيد العلم إلا بالمخالطة والتردد إلى مجالس المعلمين والمذاكرين والجاهل المعتزل
كالمريض إذا خلا بنفسه عن الطبيب قبل أن يتعلم الطب فإنه جدير بأن يتضاعف عليه المرض وقد سلف
أن العمل بغير علم ضلال وأن العامل على غير بصيرة كالساير على غير الطريق لا يزيده كثرة السير إلا
بعدا ومن ثم قيل تفقه ثم اعتزل وأما التعليم فهو أولى من العزلة أيضا إن كان في علم الآخرة دون
الدنيا وقد عرفتهما في المقدمة ورعى حقه تعالى فيه بالاحتراز عن الذمايم كالرياء وحب الجاه والاستيكال
بالعلم والمباهاة به ونحو ذلك مما سلف فإن العلماء الذين هم ورثة الأنبياء هم المرشدون الذين
ينتفع الناس بعلومهم ولا مرتبة فوقها بل ربما يجب نشر العلم وبثه فتجب المخالطة من باب المقدمة
فورد في التنزيل أن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس
في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون وعن النبي صلى الله عليه وآله من كتم علما نافعا ألجم بلجام من
نار وفي حديث آخر إذا ظهرت الفتن وسكت العالم فعليه لعنة الله والعالم الغير المنتفع به كالمصباح
المتوقد في بيت مغلق يحترق عبثا هذا كله بالشرطين وإلا فالعزلة أولى سواء كان في علم الدنيا أو
في علم الآخرة مع عدم رعاية حقوق الله فيه فإنه حينئذ يلتحق بعلم الدنيا كما في زماننا هذا لذهاب
علم الآخرة فإنك لا ترى مستفيدا يطلب فائدة لدينه أو يتسائل عن مسألة تنفعه في تهذيب أخلاقه
واصلاح باطنه وتقربه إلى ربه وافحامه لشيطانه أو يصغى إلى حديث يزهده في الدنيا ويرغبه إلى
الآخرة وإنما أقصى هممهم تعاطي بعض مسائل الفقه والخطابة ليتوسلوا به إلى اجتلاب العوام ويكون
إليهم المرجع في العقود والايقاعات والأحكام وولاية أموال الغيب والسفهاء والأيتام ولو التفت
أحدهم نادرا إلى شئ من علم الآخرة فإنما هو للتوسع في العلم إذ علموا أن العلم بكل شئ خير من الجهل به
دون العمل عليه والتقيد به وقد استولت الذمايم على الطباع وصارت رينا بحيث آل الأمر إلى
تعذر الاحتراز عنها ورعاية الحقوق ولم يبق لعلم الآخرة لو صودف قائم به وقع في النفوس ولا
تأثير في القلوب بل تحديثهم به فتنة لهم بها يزيد موج الفتن وتنفتح أبواب الشين وسوء الظن
وفوات النفع والانتفاع بالعزلة ظاهر لكنه لا يعد آفة مطلقا وتفصيله أن الانتفاع من الغير إما
أن يكون بالكسب الطيب كالتجارة والصناعة أو غيره كالسؤول والكاسب إما محتاج يكسب للكفاية
أو معه ما يكتفي به لو قنع وإنما يطلب الزيادة والأخير إما غرضه الادخار أو التوسع في فضول
العيش أو الصدقة على المحتاجين ثم شأنه في عزلته إما الاشتغال بالأعمال البدنية كنوافل الصلوات
وتلاوة القرآن والأوراد والأدعية أو الأعمال السرية كالذكر والفكر والنظر في ملكوت السماوات و
الأرض والسير من عالم الشهادة إلى عالم الغيب وجملة القول فيها أن العزلة مرجوحة لطالب الكفاية
مطلقا راجحة لطالب الادخار والتوسع كذلك وأما طالب الصدقة فإن كان كسبه طيبا
وهو من أصل الأعمال الظاهرة فالعزلة المفوتة للاكتساب آفة في حقه فهو أولى من عمل الظاهر
المقصود بالعزلة وإلا فآفته المخالطة وهو حكم النفع بالمال ومثله النفع بالبدن فإن النهوض
بقضاء حوائج المسلمين على الوجه المحمود حسنة فوق عمل الظاهر ودون عمل الباطن وفسر
التأدب بالارتياض بمقاساة الناس والمجاهدة في تحمل أذاهم كسرا للنفوس وقهرا لشهواتها
ورعوناتها وهو من الملكات المستفادة بالمخالطة وتفضل على العزلة في البداية لمن لم تتهذب
بعد أخلاقه ولم يبلغ أشده كالتعلم والتأديب بالرياضة وهو كالتعليم ويتطرق إليه من دقايق
الآفات وما يتطرق إليه إلا أن مخائل طلب الدنيا من طلبه الارتياض أبعد منها من طلبه
العلم ومن ثم ترى فيهم قلة وفي طلبة العلم كثرة وأما المؤانسة على الوجه المباح في الشريعة فهي
مستحبة إذا كانت لقطع الملالة المنفرة للنفس عن العبادة فإنها إذا أكرهت عميت ومهما كانت
في الوحدة وحشة وفي المجالسة أنس يروح القلب فهي أولى إذ الرفق في العبادة من الحزم في العبادة
وورد في الخبر إن الدين متين فأوغلوا فيه برفق فلا يستغني المعتزل إذن عن رفيق يستأنس به
ولو ساعة من النهار ولكن ليجتهد في طلب جليس صالح لا من يفسد عليه في تلك الساعة الواحدة
سائر ساعاته ومناولة الثواب هي نيل ثواب الحسنات التي لا تتقوم بالواحد مثل إقامة الجمعة
والجماعة والعيدين ونحوها وقضاء حقوق الإخوان كالعيادة والتشييع والتواضع والتبرك بزيارتهم
فإنها جميعا ملزومة للمخالطة أو هي هي بعينها والمعتزل لا ينالها ولا ينالها أحد من جهته وكذا
التجارب فإنه لا تستفاد إلا من جهة الناس ومعاشرتهم في مجاري أحوالهم ويتعلق بها كثير من مصالح
الدارين لا سبيل إلى معرفتها إلا بها لقصور العقل الغريزي عن ادراكها والغمر الذي لم تحنكه التجارب
لا خير في عزلته كالجاهل بل ينبغي تقديم شطر منها كالتعلم وتحصل بقيتها بسماع الأحوال ومن
أهم التجارب أن يجرب نفسه وأخلاقه وصفات باطنه وذلك لا يقدر عليه في الخلوة فإن كل
غضوب أو حقود أو حسود إذا خلا ونفسه لم يترشح منه خبثه وهذه الصفات مهلكات يجب
قلعها عن النفس ولا يكفي تسكينها بالتباعد عما يحركها ومثاله مثل دمل ممتل بالقيح والمدة وقد لا
يحس صاحبه بألمه ما لم يتحرك أو يمسه غيره فإذا لم يكن معه من يمسه ويحركه ربما ظن بنفسه
السلامة وإذا أصيب أو حرك بمشرط حجام انفجر وفار منه القيح المحتقن فيه فالقلب إنما ينفجر
منه خبائثه إذا حرك أو أصيب وهما من خصايص المخالطة فهذه مجامع فوائدها وفوائد العزلة
وآفات كل منهما وبسبب تعارضها لا يصح ترجيح إحديهما على الأخرى بالاطلاق بل ينبغي اعتبار حال
334

الشخص المعتزل في نفسه وفي وقته وفي خليطه وسائر خصوصياته وعرضها عليه فإن تحققت
الفوائد أو أكثرها في حقه وانتفت الآفات أو أكثرها فهي أولى له من المخالطة وإن انعكس انعكس و
هو أيضا من الأمر بين الأمرين وحقها نية الاحتراز عن ثوران شر النفس بسبب المخالطة
أو تعديه إلى الغير وتعدى شر الغير إليه والاحتراز عن التقصير في رعاية الحقوق فإنها جمة
يتعسر ابقاؤها فهي مظنة التقصير والتجرد بكنه الهمة للعبادة ومن أهمها تهذيب الأخلاق
والسلوك في طريقه (تع) وعلامة صدقه في هذه النية اجتنابه في عزلته عن كل ما يشوش وقته
مثل أن يكثر غشيانه وزيارته ويتحاكى في محضره بأحوال الناس وأراجيف البلد وما الناس
مشغولون به فإن كل ذلك ينغرس في القلب حتى ينبعث في أثناء الصلاة أو الفكر من حيث لا
يحتسب فوقوع الأخبار في السمع كوقوع البذر في الأرض لا بد أن ينبت وتتفرع عروقها
وأغصانها ويتداعى بعضها إلى بعض وتثمر الوساوس الشاغلة للقلب العائقة له عن السير إلى
وجهته فإنه أما بالمواظبة على ورد وذكر مع حضور قلب وأما بالفكر في جلال الله وصفاته
وأفعاله وملكوته وأما بالتأمل في دقايق الأعمال ومفسدات للقلوب وطلب طرق التخلص
منها وكل ذلك يستدعي الفراغ وانقطاع الالتفاف إلى ما عداه من الشواغل الواهية وأما
الحضور في محاضر الخير نحو الجمعة والجماعة والعيد والحج والزيارة ومجلس العلم وحلقة الذكر فليس
بمناف للعزلة بل هو من العبادة المقصودة بها ولا يجوز الترك إلا عند معارضة أمر أفحش منه يتحقق
في ضمن الحضور مثل التعرف إلى الطلمة بما يستتبعه من الآفات وكثرة الأتباع والمريدين المحركة
لدواعي العجب والرياء حيث لا يجد في نفسه الخلوص عنهما بالكلية ونحو ذلك والأحب حينئذ أن يسكن
موضعا يسقطها عنه عملا بظاهر الشرع وباطنه والطريق إليها الاستغراق بالعبادة ظاهرا وباطنا
لتصير ذاته محشوة بالفضايل فتطلب الوحدة والخلوة فإنما يطلب الانسان معاشرة الناس إذا
كانت نفسه خالية فيجب فحينئذ أن يتكثر بهم ويطرد عن نفسه الوحشة ومن ثم قيل الاستيناس
بالناس من علامة الافلاس وعن بعض السالكين قال وجدت في البادية عجوزا حدباء بيدها عكاز
فقلت أين تريدين فأشارت بعكازها إلى السماء فقلت أنت وحدك فقالت ويحك هل يوجد
مع الله وحدة وقطع الطمع عما في أيدي الناس فإنه الذي يحوج إليهم غالبا وهذا قلع للسبب و
ذكر الآفات المذكورة للمخالطة وايثار الخمولة فإنها من مقدماتها أو ضرب منها وقد مر فضلها في
كتاب الطهارة وعن أبي عبد الله (ع) صاحب العزلة متحصن بحصن الله ومحرس بحراسته فيا طوبى
لمن تفرد به سرا وعلانية وهو يحتاج إلى عشر خصال علم الحق والباطل وتحبب الفقر واختيار الشدة
والزهد واغتنام الخلوة والنظر في العواقب ورؤية التقصير في العبادة مع بذل المجهود وترك
العجب وكثرة الذكر بلا غفلة فإن الغفلة مصطاد الشيطان ورأس كل بلية وسبب كل حجاب وخلوة البيت
عما لا يحتاج إليه في الوقت قال عيسى بن مريم أخزن لسانك لعمارة قلبك وليسعك بيتك وفر من
الرياء وفضول معاشك وابك على خطيئتك وفر من الناس فرارك من الأسد والأفعى فإنهم كانوا دواء
فصاروا اليوم داء ثم الق الله متى شئت
باب الورد بكسر الواو وهو في الأصل النصيب من الماء والمراد
هنا الأعمال التي يوظفه الانسان على نفسه في أوقاته ضبطا لها عن الانتشار وحفظا عن الضياع إنما خلق
الانسان للعبادة كما قال (تع) وما خلقت الجن والإنس لا ليعبدون وغايتها تحصيل محبته (تع) له بحيث
يكون سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به كما سبق فينبغي له استغراق الأوقات بالعبادة
ظاهرا وباطنا توسعا إلى السعادة التي لا سعادة فوقها وذلك بأن يذكر الله في مجامع أحواله كلها
رجاء الفلاح كما قال (تع) في غير موضع من كتابه العزيز اذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ففي النهار يشتغل
بعد صلاة الفجر إلى الاشراق وهو ساعة طلوع الشمس بالأذكار والأدعية المأثورة عن أهل البيت (ع)
أفضل لازما هيئته في الصلاة ومكانه الذي أدى فيه الفرض في المسجد أو غيره إلا أن يخاف في المسجد مداخلة
الرياء فيبطل عمله أو التشويش فينقص بسبب ما يفوته من حضور القلب فالأولى حينئذ أن يرجع إلى بيته
ويلزم زاوية للخلوة بورده حذرا عن مراءات أهل البيت وتشويشهم وبهذا التفصيل يجمع بين ما يدل
على أن العبادة في المسجد أفضل وكذا التعقيب في محل الصلاة وبين ما يدل على أن الاسرار بالتطوعات
أفضل ولا يتكلم في أثناء تعقيبه لغير ضرورة فإنه يضر بالتعقيب ما يضر بالصلاة كما عرفت ويشغل
بها بعد العصر إلى المغرب كذلك فورد الأمر بالذكر في الوقتين قال الله (تع) واذكر اسم ربك بكرة
وأصيلا على أن المراد بالبكرة أول النهار دون الساعة التالية للاشراق والأصيل آخر النهار وقال
سبحانه وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وقال عز وجل وسبح بحمد ربك بالعشي والابكار
والعشي أيضا آخر النهار وفي الحديث القدسي يا بن آدم اذكرني بعد الفجر ساعة وبعد العصر ساعة
أكفك ما بينهما وعن النبي صلى الله عليه وآله أيما امرء مسلم جلس في مصلاه الذي صلى فيه الفجر يذكر الله حتى تطلع الشمس
كان له من الأجر كحاج بيت الله وفي رواية أخرى ستره الله من النار ثم بعد الفراغ من ذلك يشتغل أهل
الأشغال الراتبة بأشغالهم فالعالم والمتعلم المتجردان لهما بالعلم النافع وهو علم الآخرة ومقدماته فورد
أن طلبه فريضة على كل مسلم وأن الله يحب بغاته وأنه يرجح مداد أهله على دماء الشهداء وأن الملائكة
لتضع أجنحتها لطالبيه وأنه أفضل من صلاة ألف ركعة وشهود ألف جنازة وعيادة ألف مريض
وقراءة القرآن والمشتغل بأمور الناس كالقاضي والمفتي والوالي ومن يرتبط بهم كالكاتب والقسام
والمحتسب والمحاسب أو بأمور نفسه كالكاسب والأجير يشتغل بتلك الأمور ناويا بها القيام بالفرض
العيني أو الكفائي وغير ذلك من القصود الممكنة مراعيا شروطها المعتبرة في الشرع ذاكرا لله (تع) بقلبه في أثنائها
335

فإنه غير مناف لاشتغال الجوارح محضرا قلبه ما مدح الله به قوما من الصالحين بذلك بقوله رجال
لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله قاصرا في كسبه على قدر الحاجة أو إعانة المؤمن أو المؤمنين
بالخيرات العامة متفرغا في فاضل الوقت للعبادة والراحة وورد أن الساعي تفاخرا وتكاثرا في
سبيل الشيطان وغيرهم من الذين لا شغل راتبا لهم يشتغلون بغيرها من محاسن الأحوال
المعدودة من العبادات كعيادة المريض وتشييع الجنازة وقضاء حاجة المؤمن وحضور مجلس العلم
وزيارة القبور والمزارات المتبركة وقراءة القرآن وإماطة الأذى عن الطريق إلى غير ذلك وإياهم و
الاشتغال بالملاهي والمخازي التي يقود إليها الفراغ لا سيما إذا انضمت إليه الجدة فإن انضم إليهما
الشباب كان الداء العضال ومن وجد في نفسه من البطالين ضعفا عن الانضباط عنها فليكثر النوم
فإنه أحسن أحواله وورد الناس ثلاث غانم وسالم وخاسر فمن لم يكن غانما فلا يكن خاسرا ومن عجز
عن الغنيمة فليطلب السلامة بالهزيمة وفي يقظته يشتغل بنحو المشاعرة ومطالعة كتب التاريخ و
نحوهما مما يليه عن الكذب والغيبة والنميمة وغيرها مما امتلأت به مجالس هذا الزمان جعلنا الله (تع)
وإياكم من شرها في أمان وفي الليل يحافظ على وظائف ما بين العشائين من الأذكار والنوافل
الراتبة وغيرها وهو إحدى ساعتي الغفلة وعلى قيامه بالتهجد فقد مدح الله قوما بذلك في غير موضع
من القرآن كقوله عز وجل أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما وفسر في حديث أبي جعفر (ع) بصلاة
الليل وفي قوله سبحانه في الأخبار عن عباد الرحمن والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما وفي الحديث
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتن إلا بوتر وفيه الوتر في كتاب علي واجب والظاهر أن المراد به الركعات الثلاث كما هو الشايع في الأخبار وكلام المتقدمين ويعبرون عن الأخيرة
بمفردة الوتر وورد عن أبي عبد الله (ع) أن البيوت التي يصلى فيها بالليل بتلاوة القرآن يضئ لأهل
السماء كما يضئ النجوم لأهل الأرض وورد في فضل صلاة الليل عن أبي عبد الله (ع) أنها تبيض الوجه
وتطيب الريح وتجلب الرزق وفي حديث آخر عنه (ع) أيضا أنها تحسن الخلق وتقضي الدين وتذهب
بالهم وتجلو البصر وعن أمير المؤمنين (ع) قيام الليل مصحة للبدن ورضى للرب وتمسك بأخلاق النبيين
وتعرض للرحمة وبالجملة فضل قيام الليل من ضروريات الدين وأدناه القيام قبل طلوع الصبح وأداء
الثلاث عشر ركعة ثمان الليل وثلاث الشفع والوتر وركعتي الفجر الدساستين والأولى الاتيان بقراءاتها
الموظفة والاستغفار في قنوت مفردة الوتر سبعين مرة لنفسه ثم لأربعين من إخوانه فصاعدا
يسميهم بأسمائهم ثم يستغفر الله ويتوب إليه سبعين والمائة أكمل وليحفظ العدد كما سبق مع الأدعية
المأثورة قبل الشروع وفي الأثناء والقنوتات وهي كثيرة مذكورة في مظانها ولا يكابد أي يقاسي الكبد
بالفتح وهو الضيق والشدة بقيام كل الليل فيمنع العين حقها ففيه تعبد الملال المحذر عنه وورد في
الحديث أن إثمه أكبر من نفعه لأنه ينجر إلى الترك فإذا غلبه النوم فليرقد وإن لم يكمل ورده فإذا انكسرت
شرة النفس فليعد إليه فورد في النبوي بألفاظ متقاربة قد مر بعضها إن هذا الدين متين فأوغلوا
فيه برفق ولا تبغض إليك عبادة الله إن المنبت يعني المفرط لا ظهرا أبقى ولا أرضا قطع وفي آخر تكلفوا
في الدين ما تطيقون وإذا وجد في نفسه خفة في النهار فليقض ما فاته من نوافل الليل ولا يخرج من منزله
ليلا إلا لحاجة مهمة وليسرع العود ولا يطرق أحدا فيخرجه من منزله فإن فعل فهو له ضامن إلا أن يقيم
البينة أنه رده إلى منزله كذا في النبوي وغيره وقيده المصنف وغيره بما إذا وجد مقتولا ولا لوث واختلفوا
فيما لو فقد أو وجد ميتا ليس عليه أثر القتل أو كان اخراجه بالتماسه وكذا الخلاف في أن المضمون هل
هو القود مطلقا أو الدية كذلك أو التفصيل بالقود في المقتول والدية في غيره إلى غير ذلك من الوجوه
التي لا يقضى على شئ منها بنص قاطع أما الضمان في الجملة فمما نقل عليه الوفاق وينبغي أن يكثر
البكاء من خشية الله فورد عن النبي صلى الله عليه وآله برواية أبي حامد حرمت النار على ثلاث أعين وفي الكافي
والخصال كل عين باكية يوم القيامة إلا ثلاثة أعين عين سهرت في سبيل الله وعين غضت بضم
الغين عن محارم الله وعين بكت من خشية الله وعن أبي عبد الله (ع) ما من شئ إلا وله كيل و
وزن إلا الدموع فإن القطرة تطفئ بحارا من نار وعنه (ع) إن لم يجئك البكاء فتباك فإن خرج منك
مثل رأس الذباب فبخ فبخ دون أن يكثر الضحك فهو يميت القلب كما في حديث أبي عبد الله (ع) وفي
آخر الدين ويذهب بالنور وبماء الوجه ويمج الايمان مجا ويترك الرجل فقيرا يوم القيامة وورد
في التنزيل فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا وفي الخبر لا تبدين عن واضحة وقد عملت الأعمال الفاضحة
ويحمد الله ويصلي على النبي وآله صلى الله عليه وآله إذا عطس أو سمعه ولو في أثناء الصلاة وعن أبي عبد الله (ع) من عطس
ثم وضع يده على قصبة أنفه ثم قال الحمد لله رب العالمين كثيرا كما هو أهله وصلى الله على محمد وآله
وسلم خرج من منخره الأيسر طايرا أصغر من الجراد وأكبر من الذباب حتى يصير تحت العرش يستغفر الله
له إلى يوم القيامة ويخفض صوت العطاس ما أمكن فالتصريح به حمق وعن أبي عبد الله (ع) في قوله (تع)
إن أنكر الأصوات لصوت الحمير قال العطسة القبيحة وفي آخر كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا عطس يغض
صوته ويستتر بثوبه أو يده وروي خمز وجهه ويستر الفم باليد عند التثأب ففي النبوي التثأب
من الشيطان فإذا تثاب أحدكم فليضع يده على فيه فإذا قال آه آه فإنه الشيطان يضحك من جوفه
ويلقي البزاق في جهة اليسار أو تحت القدم اليسرى دون القبلة واليمين لمنافاته التعظيم وإذا
تعارض اليسار والقبلة تعين تحت القدم والقدام كالقبلة ويحتمل أن يكون هو المراد بها
ويستقبل القبلة في الجلوس فهو عبادة وهو من السنة وكذا في التوجه وفيه قوة البصر فإنها أضوأ
في البلاد الشمالية وهي معظم بلاد الاسلام ويجتنب الشمس ويقصد أن يجلس موضعا أقرب
336

إلى التواضع منه إلى التكبر أو من موضعه المرتب فيه عادة وإذا دخل على قوم فحيث يجد متسعا
ولا يفرق بين اثنين متلاصقين ولا سيما إذا كانا متحادثين ولا يقيم أحدا ليجلس مكانه فالسابق
أولى ويحيي بالسلام وغيره من يقربه في النادي ولو كان غريبا ويسأله عن اسمه وكنيته وإلا
فإنها معرفة حمق وهو من العجز وفي رواية من الجفاء ولا يمد الرجل في المحاضر لا سيما إلى الكبراء
ويلازم الوقار من دون تكبر وتزمت والتواضع المحمود ويجتنب كل مستهجن مثل الجلوس على القدمين
منتصب الساقين وعلى الركبة مرفوع الأليين ولما يستو قائما وبكل منهما فسر الاستيفاز المنهي عنه
وكلتاهما جلسة الواقر أي العجول واكثار النظر في الجلوس والمشي إلى الكاهل وهو مقدم الظهر
وإلى العقب وهو مؤخر القدم وكذا الالتفات إلى الأطراف والعبث باللحية والشارب والعصي و
الخاتم والأصابع وتشبيكها وفرقعتها وتخليل الأسنان وإزالة القلح عنها وادخال الإصبع في
الأنف والفم واخراج البزاق والنخامة والتثاؤب على الوجوه بل يتحول بشقه أو يتستر كما سبق
والجشاء كغراب وهو تنفس المعدة والإشارة باليد والعين والإصبع والرأس والحاجب وغيرها
حين التكلم وغيره ونحوهما مما يكرهه الناس فإنها توجب النفرة والاستثقال وقد ورد النهي
عن بعضها بالخصوص في النصوص والظاهر أنها للارشاد وإن حملها بعضهم على الكراهة ويستغفر
الله عند القيام من المجلس ويقرء الآيات سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين
والحمد لله رب العالمين فورد أنه كفارة المجلس ولا يقعد في السوق بلا حاجة فورد أنه مقعد
الشيطان ولا في الطريق ولا سيما المسلوك ولا سيما الضيق ولا سيما في وسطه ويؤدي الحقوق إن
حبس فيهما وهي غض البصر ونصرة المظلوم والضعيف وارشاد الضال واعطاء السائل والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ورد السلام والتنكب عن المارة ويتفاءل بالخير إذا عرض سببه فيفرح به
ويرجو فضل ربه ولا يتطير بالشر بل يتوكل على الله ويمضي على قصده بصدقة ويتعفف عن طلب
الحاجة إلى المخلوقين ما أمكن بل يتوقف في الجملة عن الدعاء والطلب إلى الله سبحانه فإن المبادرة
إليه بأدنى سبب مما لا يخلو عن ضرب من إساءة الأدب واعتبر ذلك بحال العبد المطيع مع مولاه
الشفيق وحقه أن يتوضأ ويصلي ركعتين يتم ركوعهما وسجودهما أي يطيلهما ثم يجلس ويثني على
الله عز وجل ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وآله وفي بعض الأخبار ويمد يديه إلى السماء ويرفعها إلى الله
عز وجل وفي بعضها توظيف الهيئة والقراءة والزمان والمكان وتقديم الغسل والصدقة و
الصوم وروي أربع ركعات وينبغي لطالب الحاجة أن يبكر به ففيه البركة ولا سيما يومي
السبت والخميس ويقصد الأتقياء والأكارم والسمحاء وهم الذين يسهل تناولهم فيعم سابقه
من وجه وحسان الوجوه والرحماء ولا ترتيب لعدم اجتماعهم ذكرا في رواية واحدة ومع التعدد
يخص به الأتقى والأكرم والأسمح والأحسن والأرحم ويتخير مع التساوي أو يستخير ولا يرتكب معصية
فإنه لا ينال ما عند الله إلا بطاعته كما سلف وإذا ورد عليه ما لا قبل له به فلا يستبد برأيه ويخاطر
بنفسه بل يشاور العاقل العالم بالأمر المستشار فيه الصالح فعن أبي عبد الله استشر العاقل
من الرجال الورع فإنه لا يأمر إلا بخير وعنه (ع) أن المشورة لا تكون إلا بحدودها فمن عرفها بحدودها
وإلا كانت مضرتها على المستشير أكثر من منفعتها له فأولها أن يكون الذي يشاوره عاقلا والثانية
أن يكون حرا متدينا والثالثة أن يكون صديقا مواخيا والرابعة أن تطلعه على سرك فيكون علمه
به كعلمك نفسك ثم يسر ذلك ويكتمه فإنه إذا كان عاقلا انتفعت بمشورته وإذا كان حرا متدينا
أجهد نفسه في النصيحة لك وإذا كان صديقا مواخيا كتم سرك إذا أطلعته عليه وإذا أطلعته على
سرك فكان علمه به كعلمك تمت المشورة وكملت النصيحة ومع التعدد يختار الملايم ذلك الأمر
كالسخي فيما يتعلق بالمال دون البخيل فإنه يبخل ولو كان عاقلا صالحا فإن الإناء يترشح بما فيه والشجاع
فيما يتعلق بالحرب دون الجبان فإنه يجبن بل ورد النهي عن مشاورتهما مطلقا ففي النبوي لا تشاورن
جبانا فإنه يضيق عليك المخرج ولا تشاورن بخيلا فإنه يقصر بك عن غايتك وفي المشاورة خير
كثير من تأليف القلوب واستخراج ما في الصدور ورزانة العقل بانضمامه إلى أمثاله فيكون أحرى
بالاهتداء إلى الصواب ومن ثم مدح الله بها الصحابة فورد في ذلك قوله سبحانه وأمرهم شورى
بينهم وأمر بها نبيه صلى الله عليه وآله وشاورهم في الأمر وفي النبوي الحزم مشاورة ذوي الرأي واتباعهم وفيه لا
مظاهرة أوثق من المشاورة ثم يشاور امرأته ويخالف رأيها فهو من السنة وورد عن أمير المؤمنين (ع)
أن فيه البركة ويقدم الاستخارة بالصلاة ودعاء الصحيفة ونحوهما ثم يستشير ليجري الله خيرته على
لسان المشير وأما الاستخارة بالرقاع وعد الجلالات وأول ما يقع عليه النظر من المصحف فلا مجال
للاستشارة بعدها وإذا اعترضه أمران من أمور دنياه يختار أهون الأمرين وهو أكثرهما مهانة
وأيسرهما وهو أسهلهما تناولا فبينهما عموم من وجه فإن كان من أمر دينه اختار اتبلهما وأشدهما
عليه كما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله ولا يحب المال أكثر من العرض بل يعكس فإنه من خير الفعال كما
سلف ولا يبذل الدين بالدنيا فيحرمهما جميعا كما هو الغالب وفي المشهور شر الناس من باع آخرته
بدنياه ولا يركب بقرة ولا يحرث على حمار فكل منهما خلق لعمل بصيغة الفعل خبر المبتدأ والظرف
لغوا والمصدر مضاف إليه والظرف مستقر وقد وصف الله البقرة بقوله تثير الأرض وقال
في الحمير لتركبوها وزينة فاستعمال أحدهما في عمل الآخر من غير ضرورة خروج عن الحكمة ووضع
للشئ في غير موضعه ولا يبعد اندراجه في تغيير خلق الله المذكور في قول إبليس ولآمرنهم فليغيرن
خلق الله ويركب ما أصاب قصرا للقصد على تخفيف طلب المشي بالأقدام دون البطر والنبل
337

فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يركب الحمار من غير أكاف ويردف الخادم والمرأة ولا يطلب الزايد على الكفاف
فإنه من الحرص المذموم إلا للصدقة وورد في كتب الحديث والسير أن النبي صلى الله عليه وآله كان لا يدخل البيت
حتى يتصدق بفاضل النفقة وأنه فضل ذات ليلة عنده مال فبات يتملل ولم يأخذه النوم حتى
أخرجه ويسعى في الحاجات المهمة فإنه من الحزم ولا يتقاعد عنها بالكسل فإنه مقرون بالحرمان و
يخصف النعل فهو من السنة ويخيط الثوب إذا انفتق ويرفعه إذا بلى وهذه من إتقان المعيشة كما
سبق ولا يرفع في بيته عن أن يقطع اللحم بيده ويشتغل بأمر البيت بنفسه مع النساء والخدم فإنها
جميعا من السنة ولا يتكلف بالتأنق في المأكل وغيره بالكلفة والمشقة ولا يحبه أن يفعل ذلك له
فقد سبق أن الأتقياء براء منه ولا يصيد بنفسه فإن الاصطياد من الصنايع المكروهة وكان رسول
الله صلى الله عليه وآله لا يتبع الصيد ويحبه أن يصاد له فيؤتى به فيأكله ويقبل الهدية من غير ريبة فإنها مفتاح
المحبة وفي النبوي تهادوا تحاببوا وفي قبولها ادخال السرور على المؤمن ويكافئ عليها ولو بالثناء عند المعجز
عن غيره وقد سبقتا في حديث الحقوق فإن كانت من الأدنى إلى الأعلى اشبهت المعاوضة و
جب الثواب أخذا باليقين وفاقا لبعض القدماء ويرد المقرونة بالمنة وإن قلت فإن المنة ضرر
لا يحسن تحمله وفي بعض النسخ وورد بالواو بدل الفاء فيحتمل أن تكون الضماير الأفعال التالية كلها راجعة إلى النبي
وهذا أولى واعلم أن كثيرا من مقاصد هذا الباب كانت بباب المعاشرة أنسب وقد وجدنا النسخ
مضطربة فيها جدا
باب السفر السفر سفران سفر بظاهر البدن عن دار إقامته يقطع فيه
الفلوات والفيافي إلى دار أخرى مثلها وسفر بسير القلب عن دار علائقه في أسفل السافلين
يطوي فيه ملكوت السماوات والأرض إلى دار فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب
بشر وسفر الباطن هو الأحمد الأربح فإن الواقف على الحالة التي نشأ عليها في مقر الطبيعة عند
الولادة الجامد على ما تلقنه تقليدا من أمه وأبيه لازم درجة القصور وقانع برتبة النقص
ومستبدل بجنة عرضها السماوات والأرض مظلمة الحرمان ومطمورة الجهل ذلك هو الخسران
المبين ولم في عيوب الناس عيبا كعيب القادرين على الكمال وهو من فروض الأعيان لمن
استطاع إليه سبيلا ولن تبلغ غايته إلا بشق الأنفس إذ الزاد الذي يتمتع به فيه التجرد و
الخلوص عن الأسباب والاعراض والجوع والصمت والسهر والارتياض وغير ذلك مما تقدم
كلها أمور مخالفة لما يهواه البدن والجزء الذي يلي تربيته من النفس وهو المركب الذي
لا يتم السير إلا به ومن ثم كلما صادف في أثناء السير غفلة أو فتورا في الجد انقلب على وجهته إلى
ما لو فاته كما كما قال القائل هوى ناقتي خلفي وقدامي الهوى وإني وإياها لمختلفان وهذا هو ما استعاذ
منه النبي صلى الله عليه وآله في دعائه رب لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا إشارة إلى أن بلوغ الغاية لا يتيسر
إلا بدوام التوفيق واتصال مدد العناية الرحمانية فإنهما بمنزلة القائد والسايق لايصال
النفوس إلى سعاداتها وفي لوايح الكتاب والسنة ارشادات إلى هذا السفر ومدح أهله
وهو السفر الذي لا تعسر فيه المناهل ولا تضيق الخانات والمنازل ولا يتصور التزاحم و
التوارد ولا يعقل التحاقد والتحاسد بل تزيد بكثرة المسافرين مغانمه وبركاته وتتضاعف خيراته
وفوائده وثمراته وأول مقام للمبتدئ بالسير من منازل النفس هو الأفق المبين فيحط
رحله ويقيم ريثما يستريح ويتأهب ويستأنف الحد والاجتهاد للوصول إلى الأفق الأعلى وهو
المقام الثاني فإن استأنف العمل وتواصلت إليه الجذبات الإلهية عرجت به إلى المقام الثالث
وهو مقام قاب قوسين أو أدنى فمكث ثمة ما شاء الله ثم يتراجع بشطر منه لدلالة الطالبين
وهداية المسترشدين والتحديث بما أنعم الله عليه في منزل قربه وما شاهده بعين اليقين
من عجايب الصنع وبدايع القدرة وأسرار الملكوت وهو مقام التكميل والبقاء بعد الفناء ولكل
من هذه المقامات مبادئ وأوساط وغايات ولم يبلغ غاياتها وخواتمها إلا من ختمت به مرتبة
النبوة صلى الله عليه وآله وأما من عداه من الأنبياء والأولياء والملائكة المقربين فهم كما حكى الله عنهم بقوله
وما منا إلا له مقام معلوم والمبحوث عنه هنا سفر الظاهر وهو إما طلب أو هرب وكل منهما
إما ديني واجب أو مندوب كالحج والعمرة والجهاد والزيارات والتبرك بالأمكنة الشريفة والدعاء
فيها وطلب العلم حيث يتعذر في دار الإقامة والتفكر في لطائف أفعاله تعالى الغريبة وعظيم
صفاته بمشاهدة آيات الآفاق وتحصيل التجارب لاصلاح الأخلاق فإن النفس في الوطن مع
مواتاة الأسباب قد لا تظهر ذمائمها لاستئناسها بما يوافق طبعها من المألوفات المعهودة فإنما
السفر يسفر عنها للبعد عن المألوفات والامتحان بمشاق الغربة وملاقات الكبراء للاستفادة من
مشاهدة أحوالهم وبركات أنفاسهم فإن فيها من تحريك الرغبة في الاقتداء بهم والتخلق بآدابهم ما ليس
في حكاية الناطقين عنهم إذ لسان الحال أفصح من لسان المقال ومن ثم ورد أن النظر إلى وجوه العلماء
والصلحاء عبادة والفرار عما يشوش العبادة أو يحرك إلى السوء في الوطن كالجاه والمال حيث لا مخلص
عنهما فيه والهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الاسلام من حيث لا يتمكن فيه من إقامة شعاير الشرع إلى
حيث يتمكن فورد في التنزيل إن الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين
في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها وطلب المال للتعفف عن السئول و
التعفف على العيال والجاه لقضاء حوائج المسلمين ودفع الأذى عنهم كما سبق وغير ذلك
من المقاصد الراجحة وكل ذلك ينسب إلى الدين بحسب مقصده الغالب كما علم مما مضى وأما
دنيوي مباح أو مكروه أو حرام والمقصود بالبيان الأولان أو الأول خاصة فالهرب كالفرار
338

من محل الفتنة والهرج إلى محل النظام ومن محل القحط إلى محل الرخص ولا حرج فيهما فقد كان من
عادة السلف مفارقة الوطن خيفة الفتن وعن بعضهم إذا بلغك أن قرية فيها رخص فاقصدها
فإنه أسلم لدينك وأقل لهمك وفي التنزيل ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا
وسعة بل ربما يجب الفرار في بعض المواضع ويستحب في بعض بحسب وجوب ما يترتب عليه
من الجدوى واستحبابه وكذا عن سائر الأحوال المبغوضة كالخوف والكساد والمهانة ونحوها
إلا عن الطاعون فإنه منهي عنه بخصوصه في روايات أسامة بن زيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله
إن هذا الوجع أو السقم رجز عذب به بعض الأمم قبلكم ثم بقي بعد في الأرض فيذهب المرة ويأتي
الأخرى فمن سمع به في أرض فلا يقدمن عليه ومن وقع بأرض وهو بها فلا يخرجنه الفرار منه
وفي رواية عايشة قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن من فناء أمتي بالطعن والطاعون فقلت هذا الطعن
قد عرفناه فما الطاعون قال غدة كغدة البعير تأخذهم في مراقهم المسلم الميت فيه شهيد و
المقيم عليه المحتسب كالمرابط في سبيل الله والفار منه كالفار من الزحف وعن أم أيمن قالت
في وصية رسول الله صلى الله عليه وآله لبعض أهل بيته إن أصاب الناس موتان وأنت فيهم فأثبت فيهم
والمصنف اقتفى في التعويل على هذه الروايات أثر أبي حامد إلا أنه مصرح بالكراهة وتخطى
بعض أصحابنا إلى التحريم وزاد بعضهم فامتنع عن الصلاة على الميت الفار منه وهو افراط بإزاء
تفريط من أوجب الفرار والعدل في ذلك العمل بما رواه الصدوق في معاني الأخبار في الصحيح عن
أبان الأحمر قال سأل بعض أصحابنا أبا الحسن (ع) عن الطاعون يقع في بلدة وأنا فيها أتحول عنها قال
نعم قال ففي القرية وأنا فيها أتحول عنها قال نعم قال ففي الدار وأنا فيها أتحول عنها قال نعم قلت فإنا
نتحدث أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال الفرار من الطاعون كالفرار من الزحف قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله إنما
قال هذا في قوم كانوا يكونون في الثغور في نحو العدو فيقع الطاعون فيخلون أماكنهم ويفرون
منها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك فيهم وفي العلل في الحسن عن علي بن المغيرة قال قلت لأبي عبد الله (ع)
القوم يكونون في البلد يقع فيها الموت ألهم أن يتحولوا عنها إلى غيرها قال نعم قلت بلغنا أن
رسول الله صلى الله عليه وآله عاب قوما بذلك فقال إن أولئك كانوا ربيئة بإزاء العدو فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله
أن يثبتوا في موضعهم ولا يتحولوا منه إلى غيره فلما وقع فيهم الموت تحولوا من ذلك المكان إلى
غيره فكان تحويلهم من ذلك المكان إلى غيره كالفرار من الزحف وما رواه ثقة الاسلام
في الصحيح أو الحسن عن الحلبي قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الوباء يكون في ناحية المصر فيتحول الرجل
إلى ناحية أخرى أو يكون في مصر فيخرج منه إلى غيره فقال لا بأس إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن ذلك
لمكان ربيئة كانت بحيال العدو فوقعت فيهم الوباء فهربوا منه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله الفار منه
كالفار من الزحف كراهية أن تخلو مراكزهم وروى علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سألته
عن الوباء يقع في الأرض هل يصلح للرجل أن يهرب منه قال يهرب منه ما لم يقع في مسجده
الذي فيه فإذا وقع في أهل مسجده الذي يصلي فيه فلا يصلح الهرب منه وكأنه الذي رواه
الصدوق بعد حديث الأحمر مرسلا ومن العجب قول الموجب إن هذه الأخبار تضمنت
الأمر بالفرار من الطاعون والأمر للوجوب عند المحققين على أن القرائن ظاهرة في الدلالة عليه إن
لم نقل بدلالة الأمر عليه وأما الندب فلا كلام في الدلالة عليه انتهى فإنها خالية عن
لفظ الأمر ومعناه صريحا وفحوى بل لو كانت مشتملة على أمر لكان ظاهره الإباحة دون الوجوب
والندب ثم استدل بقوله (تع) ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وفحوى قوله صلى الله عليه وآله فر من المجزوم فرارك
من الأسد ولا يورد ممرض على مصح وفيها من القصور ما لا يخفى وأما القدوم عليه فلا يبعد
تحريمه للنهي عنه في حديث أسامة لو صح والآية لو شملته ويأتي والطلب كطلب المال للتوسع
والرفاهية وحسن الحال مباحا كان أو مكروها وقد اختلفت الأنظار في ترجيح الراجح من السفر
والإقامة اختلافها في أمر العزلة والخلطة والقول القول فإن السفر ضرب من الخلطة مع زيادة
تعب يفرق الهم ويشتت القلب في حق الأكثرين والراجح هو الأصلح بحال الشخص الأعون له
على دينه بحسب ما يفرض فيه من الجدوى والآفة والمعين غالبا في البداية السفر للتعلم فإنه
فيه أسهل وأكثر من بلغنا أحوالهم من كبراء الدين من صدر الاسلام إلى عصرنا هذا فإنما قضوا
أيام شبابهم في الأسفار وظفروا بما ظفروا في الغربة إذ كانت قلوبهم خالية متمحضة للتحصيل ومنهم
المصنف طاب ثراه فإنه سافر من بلده إلى السيد ماجد الصادقي بشيراز واشتغل عليه ثم على
المولى صدر الدين الشيرازي بجميع الفنون العقلية والنقلية العلمية والعملية ولم يرجع إلى
وطنه إلا بعد أن برز وفاق وطار ذكره في الآفاق وحدثني والدي عن جدي وكان خصيصا
به جدا أنه لما استأذن والده في السفر توقف أولا في إذنه لحداثة سنه إذ ذاك ثم استخار بالقرآن
فجاءت الآية فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا
إليهم لعلهم يحذرون ثم بالديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين (ع) فجاءت الأبيات تغرب عن الأوطان
في طلب العلى وسافر ففي الأسفار خمس فوائد تفرج هم واكتساب معيشة وعلم وآداب
وصحبة ماجد ولقد حاز الفوائد الخمس بأسرها فالجة بها قداحه فائضة أقداحه وفي النهاية
الإقامة للعمل فإنه لا يتأتى في السفر غالبا ففيه شواغل من انصراف الهم والفكر والنظر والشوق
إلى المألوفات المفارقة وحفظ النفس والمتاع المستصحب عن الأخطار المشارفة في السفر و
احتمال الشدايد بالبدن والهموم بالقلب في الحل والرحال والسير والسهر وتعسر الأمور ومقاساة
339

الوعثاء والحر والبرد والارفاق المتناكرين وغير ذلك وورد السفر قطعة من العذاب فإن لم يكن واجبا أو مندوبا فالاقامة أحمد مطلقا وفي الحديث النبوي وحكمة آل داود بألفاظ
متقاربة لا ينبغي للعاقل أن يكون ظاعنا إلا في ثلاث مرمة لمعاش وتزود لمعاد أو لذة في
غير محرم وينبغي اختيار التوطن في أي موضع يراه أقرب إلى مصالحه العاجلة والآجلة
من الخمولة لمن يضره الجاه وسلامة الدين وفراغ القلب ويسر العبادة سواء كان موطنه
الذي نشاء فيه أم غيره فورد في الحديث البلاد بلاد الله والخلق عباده فأي موضع رأيت
فيه السلامة فأقم وأحمد الله وأما ما ورد أن حب الوطن من الايمان فلعل الوجه فيه أن
كان هو المراد بالوطن أن أكثر المصالح المذكورة أكثر تحققا فيه غالبا وكذا أولو الأرحام
وذوو الحقوق الذين يحمد حبهم على أن حبه غير الإقامة فيه وحق السفر أن يتوب مريده ولا
سيما عن حقوق الحاضرين ويستبري ذمته ويرد ما أمكن من المظالم والودايع والديون
وسائر الحقوق ويوصي ويشهد على ما عداها سيما إذا لم تكن مشهودا عليها ويؤدي
النفقات إلى أهلها أو يقيم عليهم من يقوم بها إلى الرجوع بحسب تخمينه والأحب أن يزيد
قدر ما يقرب احتماله ويأخذ معه الزاد الطيب كاللحم والحلوى واللوز والسكر وورد من
شرف الرجل أن يطيب زاده إذا خرج في سفره وفي عدة أخبار أنه من مروة السفر ويتأكد
في سفر الحج ويكره في زيارة الحسين (ع) بل يقتصر فيه على الخبز واللبن ويوسع فيه بالاكثار
والبذل لمن معه وهما من المروة أيضا ولا يبالغ بحيث يذل الرفقة فعن الحسين بن أبي
العلا قال خرجنا من مكة نيفا وعشرين رجلا فكنت أذبح لهم في كل منزل شاة فلما أردت أن أدخل على أبي عبد الله (ع) قال يا حسين وتذل المؤمنين قلت أعوذ بالله من ذلك فقال
بلغني أنك كنت تذبح لهم في كل منزل شاة قلت ما أردت إلا الله قال أما علمت أن منهم من
يحب أن يفعل مثل فعالك فلا تبلغ مقدرته فتقاصر إليه نفسه قلت أستغفر الله ولا أعود
ويطلب الرفيق ولا يخرج وحده لما فيه من الخطر وورد الرفيق ثم الطريق وأن شر الناس من سافر
وحده وأن الشيطان مع الواحد وفي بعضها أنه شيطان وهو ممن لعنه رسول الله صلى الله عليه وآله ويرتاد الصالح المعين
على الخير بقوله وفعله وحاله فإنه أحمد وأبرك ويحسن صحابته فإنه علامة مكارم الأخلاق ومن ثم
قيل إذا أثنى على الرجل معاملوه في الحضر ورفقاؤه في السفر فلا تشكوا في صلاحه وأقله مزاح ومطائبه
محمودة في بعض الأوقات شفاء للنفس عن ضجر السفر وشقائه ولا يكتفى بالواحد ففي النبوي أن الرجل إذا
سافر وحده فهو غاو والاثنان غاويان والثلاثة نفر وورد عن أبي عبد الله (ع) خير الرفقاء أربعة وقد قيل
في وجهه أن السفر لا ينفك عن رحل يحتاج إلى حفظه وعن حاجة يحتاج إلى التردد فيها والواحد لا يفي بهما
جميعا والاثنان إذا خرج أحدهما للحاجة كان وحيدا والوحدة وحشة للغريب وفي الثلاثة أحدهما
وحيد أيضا ولا يتم المطلوب إلا بالأربعة فيخرج اثنان ويحفظ اثنان وفي النبوي أحب الصحابة إلى الله
أربعة وما زاد قوم على سبعة إلا كثر لغطهم والظاهر أنه تحديد للرفاقة الخاصة دون العامة فإنه
لا ضير في كثرتهم غالبا ولا سيما في المخاوف وينبغي أن يتصدق المسافر قبل الخروج بما أمكن يشتري
به السلامة من الله عز وجل ويكون إذا وضع رجله في الركاب وروي استحباب الغسل أيضا ويصلي
ركعتين استخلافا لهما على أهله فعن النبي صلى الله عليه وآله ما استخلف رجل على أهله بخلافه أفضل من ركعتين
يركعهما إذا أراد الخروج إلى سفر ويقول اللهم إني أستودعك نفسي وأهلي ومالي وديني ودنياي وآخرتي
وأمانتي وخاتمة عملي إلا أعطاه الله ما سأل وروي أربع ركعات يقرأ فيها بالحمد والتوحيد وورد أنه
كان أبو جعفر (ع) إذا أراد سفرا جمع عياله في بيت ثم قال اللهم إني أستودعك الغداة نفسي وأهلي و
مالي وولدي الشاهد منا والغايب اللهم احفظنا واحفظ علينا اللهم اجعلنا في جوارك اللهم لا
تسلبنا نعمتك ولا تغير ما بنا من عافيتك وفضلك ويستخير في غير السفر الواجب لا سيما المضيق
ويودع الإخوان ويؤذنهم بخروجه ويتحالل منهم ويرغب في دعائهم فإن الله (تع) جاعل له في دعائهم
البركة ومن المأثور فيه أحسن الله لك الصحابة وأكمل لك المعونة وسهل لك الحزونة وقرب لك البعيد
وكفاك المهم وحفظ لك دينك وأمانتك وخواتيم عملك ووجهك لكل خير وأقله سلمك الله
وغنمك ويعرض الأشياء المحمولة على المكاري ويرضيه لحملها حذرا عن هذره ولجاجه والأحب
أن يقدرها بالوزن ويستأجر الدابة بعقد لازم ويخرج في عشية الجمعة وليلته وبكور الخميس و
السبت والثلاثاء فإن لم يتفق البكور فتمام اليوم دون نهار الجمعة قبل الصلاة الوسطى ظهرا أو
جمعة فورد أن الملك الموكل بالصلاة يقول لا ردك الله والمشهور التحريم بعد النداء للجمعة والكراهة
قبلها واحتمل في المفاتيح التحريم أيضا كما سبق ويحكى أن جماعة سافروا كذلك فخسف بهم وآخرون
اضطرم عليهم خيامهم من غير أن يروا نارا دون الأربعاء آخر الشهر إلا للموكل خلافا لأهل الطيرة و
الأخبار في الاثنين متعارضة ويمكن حمل المادحة على التقية كما يمكن حمل الذامة على قصد التبرك و
الاقتداء بسنة بني أمية والذي ذكره المنجمون اختياره فإنه يوم القمر وهو كوكب السفر بزعمهم و
يشهد لهم ما في المنظومة المنسوبة إلى أمير المؤمنين (ع) وفي الاثنين إن سافرت فيه ستظفر
بالنجاح وبالثراء وأما أيام الشهر فالمنصوص اختياره الأول والثاني والسادس والسابع والتاسع
والعاشر والحادي عشر والرابع عشر والخامس عشر والثامن عشر والتاسع عشر والعشرون والثاني
والعشرون والثالث والعشرون والسابع والعشرون والتاسع والعشرون وكراهة الثالث و
الرابع والثامن والسادس عشر والسابع عشر والحادي والعشرون والرابع والعشرون والخامس والعشرون
340

والمحاق واختلفت في السادس والعشرين والثامن والعشرين والثلثين وفي تعيينها من الأشهر
العربية أو الفارسية خلاف والمصنف حملها على الأخير كما يومي إليه بعض الروايات وفي بعضها
إيماء إلى الأول والأولى رعايتهما جميعا ما أمكن وورد أن من بدا له السفر في شئ من الأيام المكروهة
افتتح سفره بالصدقة وقراءة آية الكرسي وفي آخر إن التوكل والاعتصام بأهل البيت (ع) يدفع
كل سوء وعن أبي عبد الله (ع) من سافر أو تزوج والقمر في العقرب لم ير الحسنى ويشيعه أصحابه بالخروج
معه للتوديع والدعاء وأصل التشييع المتابعة ويتعمم عند الخروج من البيت بعمامة بيضاء و
يديرها تحت حنكه ليرجع سالما والمروي ترتب هذا الأثر على مجرد الاعتمام وإن كان التحنك
مندوبا مطلقا ويتعصى في سفره بعصى لوزمر فهو ينفي الفقر ولا يجاوره شيطان وتطوى له الأرض
كما في النبوي وفيه من خرج في سفر ومعه عصى لوزمر وتلا هذه الآية ولما توجه تلقاء مدين
إلى قوله والله على ما نقول وكيل آمنه الله من كل سبع ضار ومن كل لص عاد ومن كل ذات
حمة حتى يرجع إلى أهله ومنزله وكان معه سبعة وسبعون من المعقبات يستغفرن له
حتى يرجع ويضعها واللوز المرهو غير اللوز الجبلي ويقال البري الذي ربما يطبخ ثمره بماء وملح فتزول
مرارته ويؤكل وربما يتخذ منه الكافح والمر أكبر منه وأشبه بالحلو الذي يقال له البستاني وقد
تقلل مرارته بالعلاج صرح بذلك علماء الفن ويصاحب المصحف والتربة الحسينية و
العقيق والسيف والمرآة بكسر الميم والمكحلة وعاء الكحل وفي القاموس أنه أحد ما جاء بالضم من
الأدوات والسواك والمشط مثلث الفاء وككتف وعنق وعطل والمقلم وهو ما يقلم به الأظفار
وأما وعاء قلم الكتابة فبالهاء والمدرى مقصورا وهو شئ يعمل من حديد أو خشب على شكل
سن من أسنان المشط وأطول منه يسرح به الشعر الملبد ويستعمله من لا مشط له والموسى
وهو ما يحلق به ووزنه فعلى من الموس بفتح الميم أي الحلق أو مفعل من اوسيت رأسه أي
حلقته والركوة وهي مثلثة ذورق صغير والحبل والسقاء والإبرة بالكسر وخيطها والمخرز
وهو ما يخرز به السقاء والخف ونحوهما والمقراض ومن الأدوية ما ينتفع به هو ومن معه وما
عدا الركوة منصوص في رواة الخاصة والعامة ويدعو عند الهم بالخروج من منزله بقوله الله
أكبر ثلاثا بالله أخرج وبالله أدخل وعلى الله أتوكل ثلاث مرات اللهم لي في وجهي هذا بخير واختم
لي بخير وقني شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم وإذا حصل على باب الدار
فليقل بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله رب أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أظلم
أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي وعند الركوب بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله والله أكبر وعند استوائه
على الراحلة الحمد لله الذي هدانا للاسلام ومن علينا بمحمد صلى الله عليه وآله سبحان الله
سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وأنا إلى ربنا لمنقلبون والحمد لله رب العالمين
اللهم أنت الحامل على الظهر وأنت المستعان على الأمر اللهم بلغنا بلاغا يبلغ إلى خير بلاغا
يبلغ إلى رضوانك اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا حافظ غيرك وحين استصعابها
يقرأ في أذنها أو عليها أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا و
كرها وإليه يرجعون ومهما أشرف على المنزل فليقل اللهم رب السماوات السبع وما أظلت و
رب الأرضين السبع وما أقلت ورب الشياطين وما أظلت ورب الرياح وما ذرت و
رب البحار وما جرت أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأسئلك من خير هذه القرية و
خير ما فيها وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وفي رواية اللهم إني أسألك خيرها وأعوذ بك
من شرها اللهم وحببنا إلى أهلها وحبب صالحي أهلها إلينا ويقول عند النزول في المنزل اللهم أنزلني
منزلا مباركا وأنت خير المنزلين ومهما خاف الوحشة قال سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح
جللت السماوات بالعزة والجبروت وعن أبي عبد الله (ع) إذا كنت في سفر فخفت جنيا أو آدميا فضع
يمينك على أم رأسك واقرء برفيع صوتك أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات الآية
وإذا شاهد الأسد يقول ثلاثا أعوذ برب دانيال والجب من شر هذا الأسد وورد الاحتجاب
بآية الكرسي من جميع المخاوف وعند بلوغ الجسر حين يضع قدمه عليه بسم الله اللهم ادحر عني
الشيطان الرجيم وعن أبي عبد الله (ع) إن على ذروة كل جسر شيطانا فإذا انتهيت إليه فقل بسم الله يرحل
عنك وعند ركوب السفينة يقول ما قال الله عز وجل بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور
رحيم وإذا اضطرب به البحر اتكأ على جانبه الأيمن وقال بسم الله أسكن بسكينة الله وقر بقرار
الله واهدأ بإذن الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وروي في كل ذلك غير ما ذكر ولا بأس بالجمع
والزيادة بعد الاتيان بالمأثور ويكبر في كل صعود ويسبح في كل هبوط وهما من السنة وإذا
علا يقول اللهم لك الشرف على كل شرف ولك الحمد على كل حال وورد أنه ما هلل مهلل ولا كبر
مكبر على شرف من الأشراف إلا هلل الله ما خلفه وكبر ما بين يديه بتهليله وتكبيره حتى
يبلغ مقطع التراب ويصلي في كل منزل ركعتين عند النزول في المنزل ويقول اللهم ارزقنا خير
هذه البقعة وأعذنا من شرها اللهم أطعمنا من جناها وأعذنا من وباها وحببنا إلى أهلها و
حبب صالحي أهلها إلينا وركعتين عند إرادة الركوب منه ويدعو الله بالحفظ والكلاءة و
يودع الأرض التي حل بها فإنها من شهدائه يوم القيامة ويسلم عليها وعلى أهلها فإن لكل بقعة
أهلا من الملائكة كما في النبوي والمأثور فيه السلام على ملائكة الله الحافظين السلام علينا
وعلى عباد الله الصالحين ورحمة الله وبركاته ويقرأ القرآن ما دام راكبا تسكينا لهزته
341

المحركة إلى الغنى ويسبح ما دام عاملا فإن الاشتغال بالعمل يقطعه عن نظم القرآن والدعاء والتسبيح
من أفضل الأذكار المفصولة ويدعو ما دام خاليا بالمأثور أو غيره وإلا الغرض الاستغراق بالذكر
وورد الرخصة بغيره ففي النبوي زاد المسافر الحداء والشعر ما كان منه ليس فيه خناء أي فحش
وفي بعض النسخ حنان أي طرب ويرفق بالسير في الأرض الخصبة ويعجل في المجدبة ويكثر السير
في الليل وهو الدلجة بالفتح والذم كما في النهاية فورد في النبوي عليكم بالدلجة فإن الأرض
تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار وسئل أبو جعفر (ع) يقول الناس تطوى لنا الأرض
بالليل كيف تطوى قال هكذا ثم عطف ثوبه ووردت الأخبار مستفيضة في الحث على السير
آخر الليل والتحذير عنه أقله وأن الشيطان يبث عفاريته بعد العشاء يضلون الناس وهذا
مما جربنا كثيرا وفي نهج البلاغة لا تسر في أول الليل فإن الله جعله سكنا وقدره مقاما لا ظعنا فأرح
فيه بذلك وروح ظهرك فإذا وقفت حين يشطح السحر أو ينفجر الفجر فسر على بركة الله بل لا يبعد تخصيص
الدلجة بآخر الليل كما في رواية الكليني إياك والسير في أول الليل وعليك بالتعريس والدلجة من لدن
نصف الليل إلى آخره ومما ينسب ينسب إلى أمير المؤمنين (ع) - اصبر على السير والادلاج في السحر - فما في القاموس
من أنه السير أول الليل كأنه اشتباه ويسير البردين كما في حديث أمير المؤمنين (ع) ولا ينزل بكرة ما لم
يصر اليوم حارا فهو من السنة ويؤمر أحدا من الرفقة يكون إليه المرجع لالتزام الرأي في تعيين
الطرق والمنازل وتدبير مصالح السفر إذ لا تظام في كثرة الآراء وليكن الأمير أحسنهم خلقا ومواساة
وأوسعهم صدرا وأرفقهم بالأصحاب وأحفظهم للوفاء وورد في النبوي إذا كنتم ثلاثة فأمروا أحدكم
وله عليهم حق الوالي على الرعية وهو مسؤول عنهم يوم القيامة وليحذر كل الحذر عن تعدد الأمراء فإن
إثمه أكبر من نفعه ولو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ويعين الرفقة ببدنه ويواسيهم بماله وهما
من حسن الصحابة ولا ينفرد عنهم فإن في الاجتماع مصلحة له ولهم ويحرس متاعه ونفسه تحفظا عن
غوائل السفر فإذا كانوا جماعة تحارسوا بالنوبة إذا نام واحد حرس آخر وهو من السنة ويقيم على
المريض ثلاثا وهو من الحق ولا يصحب من يكفيه فورد عن أبي جعفر (ع) إذا صحبت نحوك ولا تصحبن
من يكفيك فإنه مذلة للمؤمن وهو يشمل الحضر أيضا وفي بعض النسخ ولا حرسا ولا شاعرا ولا ساحرا
ولا كاهنا ولا منجما ولا جلالة ولا كلبا والحرس بفتح الراء خدم السلطان المرتبون لحفظه وحراسته
والواحد حرسي منسوبا إليه وقد يستعمل الحرس اسم جنس كما في النهاية وهو المراد هنا والشاعر والساحر
قد عرفتهما فيما سبق والكاهن من يتعاطى الكهانة وهي الاستعانة على المغيبات بقوة النفس بعد تهييجها
بحركة نفسانية أو جسمانية وقطع التفاتها عن ما لو فاتها وتوجيهها برمتها نحو المطلوب والمنجم من
يقول بقدم الأفلاك والنجوم ولا يقول لها بمفلك ولا خالق وهم فرقة من الطبيعيين يستمطرون
بالأنواء معدودون من فرق الكفر في كثير من مسفورات الخاصة والعامة يعتقدون في الانسان
أنه كساير الحيوانات يأكل ويشرب وينكح ما دام حيا فإذا مات بطل واضمحل وينكرون جميع الأصول
الخمسة وأما هؤلاء الذين يستخرجون بعض أوضاع السيارات وربما يتخرصون عليها بأحكام مبهمة
متشابهة ينقلونها تقليدا من بعض ما وصل إليهم من كلمات الحكماء الأقدمين مع صحة عقايدهم
الاسلامية فغير معلوم دخولهم في المنجمين الذين ورد فيهم من المطاعن ما ورد والجلالة الدابة
المتغذية بالجلل وقد ورد كراهة الحج والعمرة على الإبل الجلالات وأما الكلب فالأسود البهيم منه
أشد كراهة والحكم في صحابة هؤلاء في السفر والحضر واحد وإن كان في السفر أشد ومن ثم ذكرت
بالخصوص بل ينبغي أن يصحب من يتزين به ومن يرى له من الفضل عليه كما يرى له عليه فورد
عن أبي عبد الله (ع) أصحاب من تتزين به ولا تصحب من يتزين بك وهو يشمل الحضر أيضا وعن
أمير المؤمنين (ع) لا تصحبن في سفر من لا يرى لك من الفضل عليه ما ترى له عليك ويرفق بالراحلة
وإلا فليستعد للخصومة غدا وقد سبق أن المنبت لا ظهرا أبقى ولا أرضا قطع ويتحفظ
عن جنايتها والمشهور ضمان الراكب ما تجنيه بيديها دون ما تجنيه برجلها وكذا القائد كما في
الصحيح وغيره وفي رواية إذا وقف فعليه ما أصابت بيدها ورجلها وإن كان يسوقها فعليه
ما أصابت بيدها ورجلها أيضا وفيما تجنيه برأسها قولان ولم يفرقوا في ذلك بين الأعمى
وغيره وهو لا يخلو عن وجه وحيث يحكم بالضمان ففي تعيينه عند الاجتماع وجوه متشابهة أشبهها
تقديم القائد فالراكب سيما في جناية الرأس ومنهم من قطع بالتشريك ومن الرفق بها أن ينزل
عنها أحيانا في أثناء السير ففيه خيرات حسان ففيه إقامة السنة النبوية وترفيه الدابة فلكل
كبد حرى أجر واتقان المعيشة إن كانت من ماله ومسرة المكاري إن كانت من ماله ورياضة
النفس بمشي الأقدام والتحرز عن ضعف الأعصاب وخدرها وهيجان البواسير وعرق النساء
بطول الركوب ولا ينام عليها فإنه يثقل بالنوم وتتأذى به الدابة وأكثر ما يكون الدبر منه و
يستعد للسقوط إلا نومة خفيفة وهي الغفوة أو إذا كان في محمل يمكنه الاحتفاظ والتمدد فهو
يوجب انتشار الثقل ويقل المحذور ولا يجلس عليها بجمع الرجلين متربعا أو غيره من هيئات
الجلوس ولو في حالة السير بل يمد رجليه على هيئة الراكب أو المراد الوقوف بها راكبا للتحدث
أو غيره وفي النبوي لا تتخذوا ظهور دوابكم كراسي وفيه لا تتوركوا على الدواب ولا تتخذوا ظهورها
مجالس وفي آخر لا يتخذ ظهرها مجلسا يتحدث عليها وفي آخر لا يقف على ظهرها إلا في سبيل الله ولا
يحملها فوق طاقتها ولا يكلفها من المشي ما لا تطيق ولا يرتدف عليها ثلاثة فإن أحدهم ملعون وسئل
أبو عبد الله (ع) متى أضرب دابتي تحتي قال إذا لم تمش تحتك كمشيها إلى مزودها أي مرتعها ولا يضرب
342

في وجهها فإنها تسبح بحمد الله ولكل شئ حرمة وحرمة البهائم في وجوهها كما سبق وفي عدة من
الروايات النبوية وغيرها اضربوها على النفار ولا تضربوها على العثار وفي عدة اضربوها على
العثار ولا تضربوها على النفار فإنها ترى ما لا ترون والظاهر أنها الصحيحة بمناسبة التعليل و
لا يسبها ولفظ الرواية يشتمها وورد أنه إذا عثرت فقيل لها تعست تقول تعس أعصانا للرب
وفي الحديث النبوي وغيره للدابة على صاحبها حقوق يبدأ بعلفها إذا نزل ويعرض عليها
الماء إذا مر به وفي بعض النسخ قربه الحديث ويسمي الله عند الجامها فورد أن على كل منخر من الدواب
شيطانا فإذا أراد أحدكم أن يلجمها فليسم الله ويجتنب وجوبا الجرس المصوت على
الدابة وهو الجلجل بضمتين والفضة المصمتة في السرج واللجام بكسر اللام إلا إذا كان غير محتاط
فيهما ففي الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سألته عن الرجل أيصلح أن يركب على
الدابة عليها الجلجل قال إن كان له صوت فلا وإن كان أصم فلا بأس وعنه قال سألته عن السرج
واللجام فيه الفضة أيركب به قال إن كان مموها لا يقدر على نزعه فلا بأس وإلا فلا يركب
به وفي شمول الحكم لسائر العدد كالصدار والمهماز والكلاليب والحلق التي تربط بها السيور وجه
لا يجاوزه المستيقن وإن كانت خارجة عن مورد النص وما ورد من أنه كانت برة ناقة رسول
الله صلى الله عليه وآله من فضة والبرة كثبة حلقة الأنف فضعيف سندا ودلالة وكذا في شموله للذهب و
يؤذن إن ضل الطريق ينادي يا صالح أو يا أبا صالح أرشدونا إلى الطريق يرحمكم الله وفي أخرى
من ضل منكم في سفر أو خاف على نفسه فليناد يا صالح أغثني فإن في إخوانكم من الجن جنيا يسمى
صالحا يسيح في البلاد لمكانكم محتسبا نفسه لكم فإذا سمع الصوت أجاب وأرشد الضال منكم
وحسب دابته وفي رواية إن البر موكل به صالح والبحر موكل به حمزة وإذا تحير فيه لفقد
الأمارات أو تعارضها في أثناء السير نزل إلى أن يهديه الله وإن شك في جهة القصد
كما لو أراد استقبال مسافر لا يدري من أي الطريقين يقدم وقف في الحد المشترك إلى أن يحصل له العلم بأحدهما وورد في النبوي إذا ظللتم عن الطريق فتيامنوا وفي آخر إذا اختلف
عليكم الطريق فعليكم بذات اليمين فإن عليها ملكا يسمى هاديا ولا يدخل لغير ضرورة بلدا
ليس فيها سلطان حذرا عن الهرج ولا سيما على الغريب ولا ما ليس فيه سائس وهو العسس أو
المحتسب والموجود منهما ضعيفا كالمعدوم ولا ما فيه طاعون ويحتمل التحريم كما سبق وفي
الحاق سائر الأمراض المعدية إذا كانت فاشية كالجمرة والحمى الوبائية ونحوهما وجه معقول
ويعجل الأوبة وهي الرجعة من السفر بعد قضاء الحاجة ففي النبوي السفر قطعة من العذاب
فإذا قضى أحدكم سفره فليسرع العود إلى أهله وكلما دخل أحدكم بلدة يأتي مساجدها و
يصلي فيها ويسئل عن ابرارها ويتبرك بزيارة الأحياء والأموات منهم وفي النبوي إذا دخلتم بلادا
فكلوا من بصلها يطرد عنكم وباؤها ويدعو في قفوله بالمأثور يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات
ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شئ قدير آئبون تائبون
عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده وإذا
أشرف على مدينته فليقل اللهم اجعل لنا بها قرارا ورزقا حسنا ويأتي بالتحفة لأهل البيت والأقارب
وسائر الأحباب من مطعوم أو غيره على قدر امكانه فإن الأعين تمتد إلى القادم والقلوب تفرح به
ويتضاعف سرورهم بالهدية واظهار التفات القلب في السفر إلى ذكرهم بما يستصحب في الطريق لهم
وعن النبي صلى الله عليه وآله إذا خرج أحدكم إلى سفر ثم قدم على أهله فليهدهم وليطرفهم ولو حجارة ولا يقدم على
أهله بغتة بل بعد أن يعلمهم ليلا كان أو نهارا ولا ليلا بغتة كان أو بعد الاعلام فالصور أربع والمختار
منها القدوم نهارا بعد الاعلام لا غير هذا ما تقتضيه عبارة الأصل ومثلها عبارة الاحياء والمروي
عن أبي عبد الله (ع) أنه يكره للرجل إذا قدم من سفره أن يطرق أهله ليلا حتى يصبح وعن جابر بن عبد الله
الأنصاري أنه نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يطرق المسافر أهله ليلا إذا جاء من الغيبة حتى يؤذنهم وموردهما
جميعا الليل وتصلح الأخيرة مقيدة للأولى كما سبق في النكاح والمكروه القدوم ليلا بغتة لا غير وورد
أنه كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا قدم من سفر يدخل المسجد أولا ويصلي ركعتين ثم يأتي البيت ولا
يحدث
لهم ما يلقى في سفره من خير أو شر ولا سيما حديث الأطعمة والثمار ونحوها مما لا يعني ويكتم على الرفقاء
أمرهم ولا سيما العورات والعيوب وهو من مروة السفر أما نشر أياديهم والثناء عليهم بالجميل فمما
ورد الأمر فيه بالعموم والخصوص ويقدم له عند قدومه الضحاء بفتح الضاد وهو ما يؤكل في الضحى
كتاب الجنائز بسم الله الرحمن الرحيم الجنائز بالهمزة بعد الألف جمع جنازة بفتح الجيم وكسرها وهي
الميت بسريره وقيل بالفتح الميت وبالكسر السرير
باب المرض قال الرضا (ع) المرض للمؤمن
تطهير ورحمة وللكافر تعذيب ولعنة وأن المرض لا يزال بالمؤمن حتى ما يكون عليه ذنب و
عن أحدهما (ع) سهر ليلة من مرض أو وجع أفضل وأعظم أجرا من عبادة سنة وفي النبوي وغيره
أن المؤمن إذا مرض كتب له في مرضه ما يكتب له من الخير في صحته وأن أنين المؤمن تسبيح و
صياحه تهليل ونومه على الفراش عبادة وتقلبه من جنب إلى جنب جهاد في سبيل الله فينبغي
للمريض أن يفرح به بعقله وإن كرهه بطبعه وللصحيح أن يغتم بطول السلامة فإن الذنوب تتكاثر
عليه ويحرم ثواب المرض وورد أن الله إذا أحب عبدا نظر إليه وإذا نظر إليه أتحفه بواحدة من ثلاث
أما صداع وأما حمي وإما رمد وأنه عرض على رسول الله صلى الله عليه وآله ابنة القوم ووصفت بكل جميل فقبلها
قيل وأخرى أنها ما تنكبت بصداع قط فقال لا حاجة لي فيها قال ولا خير فيمن لا يبتلى وفي آخر لا يخلو
343

المؤمن من علة أو ذلة أي غالبا والترديد لمنع الخلو فلا بد وأن يبتلى ولو في كل أربعين يوما بما
يزكيه ولو بعثرة أو اختلاج عين فإنه زكاة البدن كما مر في كتاب الزكاة ويسترجع في المصيبة فورد
وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات
من ربهم ورحمة ويذكر الله بالمأثور وهو الحمد لله الذي لم يجعل مصيبتي في ديني والحمد لله الذي
لو شاء أن تكون مصيبتي أعظم مما كانت لكانت والحمد لله على الأمر الذي شاء أن يكون فكان و
كذا كلما ذكرها فعن أبي عبد الله (ع) من ذكر مصيبته ولو بعد حين فقال إنا لله وإنا إليه راجعون
والحمد لله رب العالمين اللهم أجرني على مصيبتي واخلف علي أفضل منها كان له من الأجر مثل
ما كان أول صدمه ويئن المريض أنينا خفيفا يخف به بعض ما به وورد أن آه اسم من أسماء
الله وأن أنين المريض آه دعاء ويعصب الرأس أي يشده بالعصابة بكسر الفاء وهو مما يردع
المادة عن تصاعدها إلى الدماغ وينام أي يتمدد على الفراش استعانة على الصبر على ما به و
توقيا عن التشدد والتجلد للبلاء فإن فيه رائحة من مقاومة القهر الإلهي أو الأول علة
للنوم والثاني لاختيار الفراش والمعنى الاحتراز عن النوم على الأرض لأنه يوجب اشتداد البلاء
أي توجع الأعراض المريضة ويستشفى بالذكر ومن المأثور فيه يا رب يا رب عشر مرات والدعاء
فإنه شفاء من كل داء كما سبق في بابه والصلاة يصليها المريض أو أمه وقد روي عن الصادقين
صلوات الله عليهم أذكار وأدعية وصلوات كثيرة للعافية عموما وخصوصا مذكورة في مكارم
الأخلاق وطب الأئمة والمصباح وغيرها والقرآن قال الله (تع) وننزل من القرآن ما هو شفاء و
رحمة للمؤمنين وفي الحديث خذ ما شئت لما شئت لا سيما الفاتحة فورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنه شفاء
من كل داء إلا السام يعني الموت وعن العالم (ع) من نالته علة فليقرء في جيبه أم الكتاب سبع مرات
فإن سكنت وإلا فليقرءها سبعين مرة فإنها تسكن وعن أبي عبد الله (ع) لو قرأت الحمد على
ميت سبعين مرة ثم ردت فيه الروح ما كان عجبا وورد الاستشفاء بسورة الأنعام أيضا و
ببركات أنفاس المؤمنين ومس أيديهم ودعواتهم وأسئارهم من المشارب والمطاعم وبالتربة
الحسينية على مشرفها السلام أكلا وتعفيرا ويحتمي فإنه رأس كل دواء وعن أبي الحسن (ع) أنه ليس شئ
أنفع في البدن من إمساك اليد إلا عما يحتاج إليه وعن أبي عبد الله (ع) ليس الحمية من الشئ تركه إنما الحمية
من الشئ الاقلال منه ويداوى بالأدعية الشرعية والطبية المباحة ما أمكن فورد عن النبي صلى الله عليه وآله برواية
الفريقين تداووا عباد الله ما من داء إلا وله دواء إلا السام وورد في عدة روايات تقدم بعضها أن
نبيا من الأنبياء مرض فقال لا أتداوى حتى يكون الذي أمرضني هو الذي يشفيني فأوحى الله إليه لا
أشفيك حتى تتداوى فإن الشفاء مني وليكن بعد ظهور المرض فعن أبي عبد الله (ع) من ظهرت صحته
على سقمه فعالج نفسه بشئ فمات فأنا إلى الله منه برئ وعن أبي الحسن (ع) ادفعوا معالجة الأطباء ما
اندفع الداء عنكم فإنه بمنزلة البناء قليله يجر إلى كثيره وعن أمير المؤمنين (ع) امش بدائك ما مشى بك
وفي آخر تجنب الدواء ما احتمل بذلك الداء فإذا لم يحتمل الداء فالدواء وعلى الطبيب أن يحتاط في معالجة
المريض فيتثبت في تشخيص المرض والفحص عن السبب وسبر العلامات واختيار الدواء المجرب المناسب
للفصل والمزاج كل ذلك في حال سكون نفسه واجتماع باله ويستعين بالدعاء ويرى الشفاء من الله لا من
دوائه بل يعده سببا من الأسباب التي ربط بها المسببات في هذا العالم ويستبشر في وجه المريض ويمنيه
العافية انشاء الله (تع) وفي الحديث إنما سمي الطبيب طبيبا لأنه يطبب نفوس المرضى ولا يتساهل في
أمره فإنه إن أخطأ في علاجه وجنى بفعله ضمن في ماله وإن كان حاذقا مأذونا على المشهور بل نقل عليه
الاجماع لأنه شبيه عمد وإن لم يأثم ما لم يفرط كالضارب للتأديب وعن أمير المؤمنين (ع) من تطبب
أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه وإلا فهو ضامن وفي خر أنه (ع) ضمن ختانا قطع حشفة غلام و
من طب الأئمة (ع) ما رواه الفريقان عن أمير المؤمنين (ع) فيمن اشتكى إليه وجع بطنه أنه أمره أن يستوهب
من مهر امرأته أو يستقرض منه شيئا طيبة به نفسها ثم يشترى به العسل ويمزجه بماء السماء فيشربه
قال فإني سمعت الله يقول في كتابه وأنزلنا من السماء ماء مباركا وقال يخرج من بطونها شراب
مختلف ألوانه فيه شفاء للناس وقال إن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا وإذا اجتمعت
البركة والشفاء والهنيئ والمرئ شفيت انشاء الله ففعل فشفي ويحتجم عند الحاجة إليه فورد الأمر
بها أكثر من الفصد قال رسول الله صلى الله عليه وآله احتجموا فإن الدم ربما يتبيغ بصاحبه فقتله والأحب أن يكون في يوم السبت أو الأحد أو عشيته أو الاثنين أواخر النهار منه أو الثلاثاء فإنه صحة للبدن وهو
المريخ والدم ولكن ورد أنه أحرى أنه لا يهيجوه في يومه وفي منظومة أمير المؤمنين (ع) وإن رمت الحجامة
فالثلاثاء ففي ساعاته هرق الدماء أو الخميس لا سيما آخر خميس من الشهر أول النهار واختلفت الروايات
في الأربعاء وربما يجمع بينها بالرخصة لمن تبيغ به الدم لا سيما إذا فعل ذلك خلافا على أهل الطيرة كما في
بعضها وكذا الجمعة وورت الرخصة لمن قرأ آية الكرسي وعن أمير المؤمنين (ع) أن فيه ساعة لا يحتجم فيها
أحد إلا مات وروي أنها عند الزوال وأما أيام الشهر فمن يوم سبع عشرة إلى الهلال ففي كل يوم شفاء
وبركة كما ورد وأحبها يوم الثلاثاء سبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين لا سيما الثلاثاء سبع عشرة
فهو دواء لداء سنة كما في النبوي وورد فيه برواية أبي سعد الخدري مثله في كل من الأيام الثلاثة
مشروطا بمصادفته الثلاثاء كما قيدناه فلا يعرف لنفي التسوية وجه بل لا يحضرني اختيار الأيام الثلاثة
في غيرها فالوجه تقييدها جميعا بالثلاثاء ويكون نفي التسوية في السبع عشرة بسبب وقوعه في روايتين
إحديهما مختصة به والأخرى ثلاثية وبالجملة ما يوهمه العبارة من اختيار الثلاثة مطلقا هو أعرف
344

في فعل الكون وفيه ما أشرنا إليه في نظيره فيما سلف وإن احتمل كونها أخبارا متتالية ويدعو له بالشفاء
وأكمله سبع مرات ويأتي في دعائه بالمأثورات ولو بتكرار واحد منها العدد ومنها اللهم اشفه بشفائك
وداوه بدوائك وعافه من بلائك واجعل شكايته كفارة لما مضى من ذنوبه وما بقي ويرغب في التوبة
والوصية فإنه من أهم النصيحة ويخفف الجلوس عنده فورد في النبوي وغيره العيادة فواق ناقة والفواق
بفتح الفاء وضمها قدر ما بين الحلبتين من الراحة وعن أمير المؤمنين (ع) أن من أعظم العواد أجرا لمن
إذا عاد أخاه خفف الجلوس إلا أن يحب المريض الإطالة ويسأله ذلك ولا يغيظه ولا يضجره ولا يحدث
في محضره إلا بما يسره من مطايبة حسنة ووعد بالخير ونحو ذلك وما هو خير له في دينه أو دنياه من غير
معصية ويبشره بما له في بلواه من تكثير الحسنات وحط السيئات ورفع الدرجات وبطول العمر وسرعة
الصحة انشاء الله ويسأله الدعاء ويغتنم دعاءه فهو للعائد كدعاء الملائكة روى ذلك سيف بن عميرة
وغيره عن أبي عبد الله (ع) وهي مرة سنة يعير تاركها يوم القيامة كما ذكر والزيادة نفل وعن النبي صلى الله عليه وآله العيادة
ثلاثة ولا تكون ولاء بل ورد في النبوي أغبوا في العيادة أو اربعوا وعن أبي عبد الله (ع) لا تكون عيادة
أقل من ثلاثة أيام فإن وجبت فيوم ويوم لا ويومان لا فإذا طالت العلة ترك المريض وعياله
والظاهر أن المعنى أنه لا عيادة في أول ما يمرض المريض إلى ثلاثة أيام فإن برأ وإلا فغبا ويؤيده وجود
كلمة في قبل اسم التفضيل في بعض نسخ الكتاب والكافي والمكارم
باب الوصية وتستحب حال
الصحة احتياطا عن هجوم الموت وتتأكد للمريض لا سيما عند الظهور مخايل الموت عليه وهو المراد
بحضوره في الآية الكريمة وغيرها فورد في النبوي وغيره الوصية حق على كل مسلم وفي النبوي من
مات بغير وصية مات ميتة جاهلية وفيه أيضا لا ينبغي أن يبيت الانسان وفي بعض الروايات
المرء المسلم ليلة إلا ووصيته تحت رأسه وفيه من لم يحسن الوصية عند موته كان ذلك نقصا
في عقله ومروته ثم لما سئل يا رسول الله وكيف يوصي الميت فسرها باقراره بالعقائد الدينية
عند جماعة من المؤمنين قال إذا حضرته وفاته واجتمع الناس إليه قال اللهم فاطر السماوات والأرض
عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم اللهم إني أعهد إليك في دار الدنيا أني أشهد أن لا إله إلا أنت
وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك وأن الجنة حق وأن النار حق وأن البعث حق
والحساب حق والقدر حق والميزان حق وأن الدين كما وصفت وأن الاسلام كما شرعت وأن القول
كما حدثت وأن القرآن كما أنزلت وأنك أنت الله الحق المبين جزى الله محمدا خير الجزاء وحيى
محمدا وآل محمد بالسلام اللهم يا عدتي عند كربتي وصاحبي عند شدتي ويا ولي نعمتي إلهي وإله
آبائي لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا فإنك إن تكلني إلى نفسي كنت أقرب من الشر وأبعد من
الخير فآنس في القبر وحشتي واجعل لي عهدا يوم ألقاك منشورا ثم يوصي بحاجته الحديث ويجب
على من عليه حق واجب مالي أن يوصي بذلك الحق اجماعا لقبح تضييع الحقوق ووجوب دفع ضرر
العقاب سواء كان من حقوق الله أو الآدميين وسواء كان ماليا محضا كالزكاة والخمس والكفارات
ونذر المال والدين أو مشوبا بالبدن كالحج فإن جانب المالية فيه أغلب ويخرجان من أصل تركته وجوبا
بالاجماع والنصوص وإن لم يوص إذا علم اشتغال ذمته بهما وإن استوعبا أو أحدهما التركة فإنما هو بمنزلة
الدين كما ورد ولو قصرت عنها قسمت عليها بالحصص خلافا لمن قدم الحج وإن قصرت عنه بحيث لا يرغب
أخير قيل يعود ميراثا وقيل يصرف في سبيل الله ولو أمكن استنماؤه بالتجارة إلى أن يفي ففي جوازه وجه
مال إليه بعضهم ويستأجر لحجة الاسلام وعمرته من أقرب المواضع الممكنة إلى مكة ولو ميقاتا عند
الأكثر لأن قطع المسافة ليس معتبرا فيهما بالأصالة فلا يجب الاستيجار به ومنهم من أوجب الاستيجار
من بلده يعني محل موته مع السعة إذ المحجوج عنه كان يجب عليه نفقة الطريق فلا تسقط عنه بالموت
واستضعفه المصنف وغيره بالمنع وإن كان أحوط لا سيما إذا رضي الورثة وفي رواية محمد بن عبد الله
عن الرضا (ع) إن وسعه ماله فمن منزله وإن لم يسعه ماله من منزله فمن الكوفة فإن لم يسعه من
الكوفة فمن المدينة وهي صريحة في اعتبار المنزل ثم أقرب المواضع إليه وهذا مما لم يصرح به
الموجبون وإن لزمه دليلهم إلا أن موردها الوصية ولعل القرائن الحالية كانت دالة على إرادة
الحج من البلد كما هو الظاهر من اطلاق الوصية في زماننا هذا فلا يلزم مثله مع انتفائها ومقتضى
اعتبار المنزل عدم الاجزاء مما دونه ومن العجب أن منهم من صرح بأنه لو قضى من الميقات أجزأ
وإثم الوارث ومحل النظر في المسألة إنما هو مع السعة دون القصور لامتناع اعتبار المنزل له فتأمل
فإن عين الميت المنزل وجب قولا واحدا وعلى المشهور يعتبر التفاوت بين الأجرتين من الثلث وأما المنذورتان
من دون وصية ففي سقوطهما أو وجوبهما من الأصل أو الثلاث وجوه وفي المفاتيح مال إلى الأول إن لم ينعقد اجماع على خلافه فالأخير وأما البدني المحض كالصلاة والصوم الفائتين مطلقا أو لعذر مطلقا
أو في خصوص مرض الموت على الخلاف فإن كان له ولي أعلمه حتى يقضيه عنه بنفسه وجوبا وإن لم يوص ولو تركه
كان كما لو ترك عبادة نفسه ولا يسقط بتبرع غيره ولو بإذنه على الأحوط وهو أولى الناس بميراثه من الرجال كما سلف
في كتاب الصلاة وقيل أكبر ولده الذكور وكان المصنف لم يفرق بينهما ويتحقق الكبر بالتقدم في الميلاد
ولو لحظة يسيرة مطلقا وفي مرسلة ابن أشيم في التوأمين عن أبي عبد الله (ع) إن الذي خرج آخر هو أكبر أما
تعلم أنها حملت بذاك أولا وأن هذا دخل على ذاك ولا يمكنه أن يخرج حتى خرج هذا فالذي خرج آخر هو أكبرهما
وهي تنطبق على ما قرره الطبيعيون في كيفية الحمل وسبب التعدد وفيها دلالة على أن المناط إنما هو التقدم
في انعقاد النطفة وهو مشكل جدا وإلا لصح أن يكون المولود في شوال مثلا أكبر سنا من المولود في رجب
والعرف والفتاوي ظاهران في خلافه مع عدم ظهور عامل من الأصحاب بالرواية واحتمال أن يكون غرضه (ع)
345

بمأخذه وعن أبي الحسن (ع) لا تدع الحجامة في سبع من حزيران فإن فاتك فلأربع عشرة وسابع حزيران
في دهرنا هذا يصادف حلول الشمس الدرجة السابعة والعشرين من الجوزاء بحسب الزيج السمرقندي
الذي هو معول المتأخرين وورد أن الحجامة تزيد في العقل وتزيد الحافظ حفظا إلا في القفاء وهو نقرة
الرأس فورد أنه يورث النسيان وذلك لأنه يضعف روح القوة الحافظة لمجاورته لتجويفه ويجتنب
الكي سواء كان على الأعضاء الرئيسة أو غيرها ففيه مطلقا خوف السراية إلى النفس أو ضرر أعظم مما يعالج
منه وإن كان في الأول أقوى والرقية وهي كما تقدم ما يرقى به صاحب الآفة غير قرآن ولا دعاء و
نهى عنهما في بعض الروايات العامية وفي صفة أهل الجنة الذين يدخلونها بغير حساب هم الذين لا
يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون وفيه إيماء إلى أن علة النهي هي المنافاة لدرجة التوكل
وورد أيضا أنه كوى سعد بن معاذ لينقطع دم جرحه ومن طريق أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) في
الرجل يتكوى بالنار وربما تخلص قال قد اكتوى رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وهو قائم على رأسه و
في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر (ع) هل يعالج بالكي فقال نعم إن الله جعل في الدواء بركة
وشفاء وخيرا كثيرا وما على الرجل أن يتداوى ولا بأس به فتحمل المناهي إن صحت على ما كان متعارفا
بينهم من الاكتواء للاحتراز عن حدوث المرض قبل الحاجة إليه فإنه المنافي للتوكل والرخص إلى ما بعد
الاحتياج وأما خوف السراية مطلقا فممنوع وقد وردت الرخصة في الرقية أيضا وهي محمولة على ما
كان قرأنا أو دعاء فورد في النبوي فيمن رقى بالقرآن وأخذ عليه أجرا من أخذ برقية باطل فقد أخذت
برقية حق وفي حديث جابر أنه صلى الله عليه وآله قال أعرضوها علي فعرضناها فقال لا بأس بها إنما هي مواثيق وما
كان بغير العربية من الألفاظ التي لا يعرف ترجمتها فالوجه فيها التوقف وعلى المريض أن لا يكثر الشكوى
كأن يقول لقد ابتليت بما لم يبتل به أحد دون سهرت البارحة وحممت اليوم بل يتلقى بلواه بصبر
جميل وفسر في حديث جابر بصبر ليس فيه شكوى إلى الناس لينال الأجر الجزيل الموعود للصابرين
وينبغي أن يؤذن إخوانه بمرضه فيعودونه فيوجر فيهم ويؤجرون فيه ويأذن العائدين بالدخول
عليه فإنه ليس من أحد إلا وله دعوة مستجابة ويجب على المذنب أن يتوب وتقبل منه وإن بلغت
نفسه إلى حلقه مطلقا إلا أن يعاين ففي النبوي من تاب قبل موته بسنة قبل الله توبته ثم قال إن
السنة لكثير من تاب قبل موته بجمعة قبل الله توبته ثم قال إن الجمعة لكثير من تاب قبل موته بيوم قبل
الله توبته ثم قال إن اليوم لكثير من تاب قبل أن يعاين قبل الله توبته وفي أخرى من تاب قبل موته
بساعة قبل الله توبته ثم قال إن الساعة لكثيرة من تاب قبل أن يغرغر بها تاب الله عليه وفسرت
الغرغرة بتردد الروح في الحلق وقت النزع وفي أخرى من تاب وقد بلغت نفسه هذه وأهوى بيده
إلى حلقه تاب الله عليه ويستفاد منها أن المراد ببلوغ النفس الحلق قبيل الغرغرة وأن الغرغرة والمعاينة
متحدتان وقتا وعليه يحمل حضور الموت في الآية الكريمة إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء
بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما وليست التوبة
للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن وعن أبي عبد الله (ع) في تفسيرها
قال ذلك إذا عاين أمر الآخرة وعن ابن عباس أي يرى ملك الموت وأن ما قيل من احتمال أن يراد
بالمعاينة في الحديث العلم بحلول الموت وقطع الطمع من الحياة وتيقن ذلك كأنه يعاينه ليس بسديد
لاحتمال حصول هذا العلم قبل الموت بساعة بل يوم أو جمعة وفي بعض الروايات التفصيل بالعلم
والجهل فعن أبي جعفر (ع) إذا بلغت النفس هذه لم يكن للعالم توبة وكانت للجاهل توبة وعن أبي عبد الله (ع)
مثله ثم قرأ إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة لكن في أخرى كل ذنب عمله العبد وإن كان
عالما فهو جاهل حين خاطر بنفسه في معصية ربه فقد حكى الله سبحانه قول يوسف لإخوته هل علمتم ما فعلتم
بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون فنسبهم إلى الجهل لمخاطرتهم بأنفسهم في معصية الله عز وجل
باب العيادة
بكسر الفاء وهي تكرار الزيارة وكل من أتاك مرة بعد أخرى فهو عايد ثم غلبت في زيارة المريض ففيه
تعميم وتخصيص وهي من وكيد السنن فورد من عاد مريضا من المسلمين وكل الله به أبدا سبعين ألفا
من الملائكة يغشون رحله يسبحون فيه ويقدسون ويهللون ويكبرون إلى يوم القيامة نصف صلاتهم
لعائد المريض وفي النبوي من عاد مريضا فلكل خطوة خطاها حتى يرجع إلى منزله سبعون ألف ألف حسنة
ويمحى عنه سبعون ألف ألف سيئة ويرفع له سبعون ألف ألف درجة ووكل به سبعون ألف ألف ملك
يعودونه في قبره ويستغفرون له إلى يوم القيامة وفيه يعير الله عبدا يوم القيامة فيقول عبدي ما منعك
إذ مرضت أن تعودني فيقول سبحانك سبحانك أنت رب العباد لا تألم ولا تمرض فيقول مرض أخوك
المؤمن فلم تعده ولو عدته لوجدتني عنده وهي ثابتة في كل مرض ولو يسيرا إلا في وجع العين فورد عن أبي عبد الله (ع)
لا عيادة في وجع العين بالحمل على نفي الاستحباب لأنه أقرب المجازات أو على نفي التأكيد كما هو ظاهر العبارة
جمعا بينها وبين ما روي أن أمير المؤمنين (ع) اشتكى عينه فعاده النبي صلى الله عليه وآله فإذا هو يصيح وينبغي أن يكون
العايد في ثياب نظيفة وهيئة حسنة ووجه منبسط غير عابس انعاسا لنفس المريض مهديا إليه بتفاحة
أو سفرجلة أو لعقة من طيب ونحوها أترجة أو قطعة من عود بخور ليستريح إليه كما في رواية أبي زيد جالسا
عند ركبتيه مستقبلا لوجهه واضعا يده على المريض فإنه تمام العيادة كما في رواية أبي يحيى وفي أخرى
على ذراعه وفي النبوي تمام عيادة المريض أن يضع أحدكم يده على جبهته أو على يده ويسأل كيف
هو وظاهرها جبهة المريض ويده كما هو صريح الأولتين وفي رواية مسعدة بن صدقة من تمام
العيادة أن يضع العايد إحدى يديه على الأخرى أو على جبهته وهي صريحة في يد العايد ظاهرة في
جبهته وقوله سائلا كيف هو وكذا المنصوبات قبله الظاهر أنها أحوال مترادفة من الضمير المرفوع
346

بيان تقدم الأخير في الاستقرار في الرحم فإنه من غوامض العلم دون الكبر الذي هو مناط الأحكام الشرعية
وأن لا يكن له ولي تبرع به بعض إخوانه المؤمنين إن شاء بأن ينوي القضاء عنه أولا أو يهدي إليه ثوابه
أخيرا وله ضعف أجره فورد من عمل من المسلمين عن ميت عملا صالحا أضعف الله له أجره ونفع الله
به الميت ولا فرق في ذلك كله بين ما لو كان الميت رجلا وامرأة لاشتراكهما في الأحكام إلا ما ثبت فيه
الفرق خلافا لمن أسقط القضاء عنها استنادا إلى عدم الدليل ولا يجب القضاء على غير الولي للأصل إلا
مع الوصية إليه والقبول كساير الوصايا أما الاستيجار له فصحته كما عليه الأكثر خروج عن اليقين لفقد النص
وعدم حجية القياس حتى يقاس على الحج وإنما عولوا فيها على مقدمتين إحديهما جواز العبادة عن الميت
وهذه اجماعية والثانية أنه كلما جازت العبادة عن الميت جاز الاستيجار عنه وهذه داخلة في عموم
الاستيجار على الأعمال المباحة التي يمكن أن تقع للمستأجر ولا يخالف فيها أحد من أصحابنا ولا غيرهم لأن
المخالف من العامة إنما منع لزعمه أنه لا يمكن وقوعها للمستأجر عنه أما من يقول بامكان وقوعها له وهم
جميع أصحابنا فلا يمكنه القول بمنع الاستيجار إلا أن يخرق الاجماع في إحدى المقدمتين على أن هذا النوع
قد انعقد عليه اجماع الإمامية السلف والخلف إلى زماننا هذا كلامهم واعترضه المصنف ومن وافقه
بعدم ثبوت الاجماع بسيطا ولا مركبا إذ لم يثبت أن كل من قال بجواز العبادة للغير قال بجواز الاستيجار لها
ومنافاة أخذ الأجرة للقربة المشروطة في العبادة ظاهرة وإن كان أحوط من الترك وأحوط منه وقوع
ذلك على وجه المراضاة والتبرع من الجانبين وكيف كان فالقيام بالعبادات البدنية المحضة بالاستيجار
أو التبرع مع فقد الولي ليس بواجب إلا مع الوصية وبدونها تسقط لا إلى بدل وقيل بل يتصدق عن
صوم كل يوم بمد من تركته وفي مستنده قصور ولا يحسب من الأصل وإن أوصى به الميت بل يعتبر
ما يفي به الثلث وتلغو الزيادة إلا إذا وقعت الوصية بها بإذن الورثة ابتداء أو أجازوا بعدها على
المشهور لأن حجر الميت عما زاد على الثلث إنما هو للتوفير عليهم فإذا رضوا ارتفع المانع ولا فرق في
الإجازة بين كونها في حياة الموصي وبعد موته عند الأكثر والتخصيص بالأخير مدفوع بما رواه المحمدون
الثلاثة في الصحيح والحسن عن أبي عبد الله (ع) في رجل أوصى بوصية وورثته شهود فأجازوا ذلك فلما مات
الرجل نقضوا الوصية هل لهم أن يردوا ما أقروا به فقال ليس لهم ذلك والوصية جايزة عليهم إذا أقروا بها
في حياته ولو أجازوا بعضها دون بعض أو بعضهم دون بعض فلكل حكمه وكذا الوصايا المتبرعة تخرج من
الأصل مع الإذن أو الإجازة ومن الثلث مع عدمهما إلا أنها على التقديرين متأخرة عن الواجبة فإن لم يف المال أو الثلث بهما جميعا دخل النقص عليها وقول بعض القدماء بنفوذ الوصية مطلقا من
الأصل شاذ لا يعرف له موافق من المسلمين ومستنده قاصر سندا ودلالة معارض بما هو أقوى و
أوضح ولا فرق في اعتبار الوصية من الثلث إلا مع الإذن والإجازة بين ما إذا كانت بعين وغيرها
ولا في العين بين المتشخصة وغيرها ولا بين كونها من أعيان التركة وغيرها ولا في أعيان التركة بين كونها
متماثلة وغيرها ويعدل في أكثرها بالتقويم وقد يخفى كما لو كانت بنماء متجدد كغلة الشجرة أو الضيعة أو نصفها
أو قفيز منها كذا سنة أو عمر الموصى له أو غيره أو الطريق إليه أن يقوم الأصل بمنافعه تامة تارة ومسلوب
المنفعة الموصى بها أخرى فما نقصت القيامة الثانية عن الأولى هو القدر الموصى به فيعرض على الثلث فلا
يرد ما يترائى أن النماء إنما يتجدد في ملك الورثة دون الموصي لانقطاع مالكيته بالموت فكيف
يصح له الوصية به وذلك لأن متعلق الوصية بالحقيقة إنما هو تفاوت ما بين القيمتين وهو مما
لا مانع من الوصية به ولو نقصت الغلة عن القفيز أحيانا لم يكن للموصى له إلزام الوصي بتكميله مما
يفضل عنه فيما يتجدد من السنين ولا من غيره وكذا لو كانت مؤبدة على خلاف ومؤنة الأصل
على الورثة دون الموصى له وإن توقف عليها النماء الموصى به كل ذلك مستفاد من الأصول الشرعية
وروى الأحوص قال سألت أبا الحسن (ع) عن رجل أوصى إلى رجل أن يعطي قرابته من ضيعته كذا وكذا
جريبا من طعام فمرت عليه سنون لم يكن في ضيعته فضل بل احتاج لي السلف والعينة أيجري على
من أوصى له من السلف والعينة أم لا فإن أصابهم بعد ذلك فضل يجري عليهم لما فاتهم من السنين الماضية
الماضية أم لا فقال لا أبالي إن أعطاهم أو أخرهم ثم يقضي وكذلك كل تصرف معلق على الموت حكمه حكم
الوصية في اعتباره من الثلث إلا مع أحد الأمرين وإن لم يكن وصية كالتدبير أو وقع في حالة الصحة و
المعتبر في الجميع الثلث وقت الوفاة لا الوصية على المشهور أما التصرفات المنجزة وهي المعجلة حال
الحياة وإن لم تكن حاضرة محضا المشتملة على المحاباة وهي تفويت مال الورثة بغير عوض من الحياة و
هي العطية سواء في المعاوضات كالغبن في البيع وغيرها كالعتق والابراء للمريض مطلقا ولو بمثل
الصداع والرمد وحمى اليوم والربع كما أطلق الأكثر أو بالمرض المخوف خاصة كنفث الدم والاسهال
المنتن والحمى الغشية والضابط ما لا يؤمن معه الموت غالبا كما قيده الشيخ فنفوذها من الأصل الثلث
إلا مع أحد الأمرين من المتشابهات لاختلاف الروايات والأنظار فيه فلا بد من الاحتياط علما وعملا
وهو للوارث الامضاء من الأصل وللمحبو الاستحلال منه ولو بمال أو فسخ والمشهور بين المتأخرين
أنها من الثلاث وهو تفريط بإزاء افراط من أنفذ الوصية من الأصل ولو لم يجز الوارث كما ذكر و
استفاضة الروايات بأن الميت أحق بماله ما دام الروح فيه وعموم الناس مسلطون على أموالهم
المطابق لقضية العقول المتلقى بين طوائف الاسلام بالقبول مما يقطع العذر وأخبار المشهور
يقرر في بعضها احتمال الحمل على معنى الأولوية والاستحباب بأن لا يبغض الميت نفسه إلى الورثة
أو لا يجحف بهم بتفويت ما زاد على الثلث عليهم كما ينبه عليه رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال
قلت له الرجل له الولد أيسعه أن يجعل ماله لقرابته قال هو ماله يصنع به ما شاء إلى أن يأتيه الموت
347

أن لصاحب المال أن يعمل بماله ما شاء ما دام حيا إن شاء وهبه وإن شاء تصدق به وإن شاء تركه
إلى أن يأتيه الموت فإن أوصى به فليس له إلا الثلث إلا أن الفضل أن لا يضيع من يعول ولا يضر
بورثته وفي النبوي فيمن أعتق رقيقه عند موته وليس له مال غيرهم وله صبية صغار قال لو علمت
ما دفناه مع أهل الاسلام ترك ولده يتكففون الناس وفي بعضها الحمل على التقية لموافقتها أشهر
مذاهبهم ورواياتهم هذا كله إن مات في مرضه ذلك أما لو برأ لزمت مطلقا بلا خلاف و
ربما يلحق بالمرض كل حالة يغلب معها التلف مثل التحام الحرب وطلق المرأة واضطراب البحر بالسفينة
وهو شاذ لا جدوى له عندنا وعلى التقادير تقدم المنجزات على الوصايا مطلقا كما يستفاد من الأخبار
وإذا تعددت الوصايا ولم يجز الورثة الجميع حيث يقف على إجازتهم بدأ بالأول وهو ما قدمه
الموصي في الذكر ولم يعقبه بما ينافيه فالأول وهو ما ذكره بعده سواء عطفه بالفاء أو الواو أم
قطعه ولو قال ابدأوا بالأخير كان هو الأول حتى يستوفى الثلث ويلغو الباقي لرواية حمران فيمن أوصى
بعتق فلان وفلان حتى ذكر خمسة من مماليكه وفي أخرها وإن عجز الثلث كان ذلك في الذين
سماهم أخيرا لأنه أعتق بعد مبلغ الثلث ما لا يملك وما لا يجوز له والمشهور أنه لا فرق في ذلك
بين كون المتأخر عتقا أو غيره ولا بين وقوعه متصلا بما قبله أو بعد فصل خلافا لبعضهم في الأول
فقدم العتق على غيره من التبرعات وإن تأخر ذكره ولبعضهم في الأخير فجعل المنفصل عرفا رجوعا عن
الأول إلا أن يسعهما الثلث فينفذان جميعا ولو اشتبه الأول الحقيقي أو الإضافي أقرع لاخراجه إذ
هي لكل أمر مشتبه فيكتب في رقعة اسم أحدهما وأنه السابق وفي أخرى اسم الآخر وأنه السابق و
تخفيان ثم تخرج إحديهما فمن خرج اسمه فهو السابق ويمكن بأقسام أخر وبرقعة واحدة ولو ذكر
ما لا يدل على الترتيب كما لو قال أعطوا فلانا وفلانا مائة أو رتب باللفظ ثم نص على عدمه دخل النقص
على الجميع بالنسبة فيقسم الثلث عليهم على جهة العول فلو كان الثلث خمسين والوصايا لزيد خمسين
ولعمرو وبكر كليهما بالسوية خمسين كان لكل منهم نصف وصيته وهكذا ولا يحمل الأخير على الرجوع عن
الأول أبدا إلا مع القرينة المانعة على الجمع كما قال أعطوا ثلثي زيدا وأعطوا ثلثي عمروا فإن الثلث
المضاف إليه لا يتعدد أما لو قال أعطوا زيدا خمسين وأعطوا عمروا خمسين فقدم المقدم وإن كان
الخمسين ثلثه لأن الوصية بما زاد على الثلث صحيحة وإن توقفت على الإجازة ويجب على الوصي والورثة
العمل بما رسمه الموصي ما لم يناف الشرع كالوصية للمعصية كما يأتي فورد في الصحيح عن أحدهما (ع) أعط لمن
أوصى له وإن كان يهوديا أو نصرانيا إن الله يقول فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه
والوصية متأخرة عن الدين يعتبر الثلث بعد اخراجه وإنما قدمت في الآيات الكريمة عليه مبالغة
في تأكيد أمرها وتوصيا لنفوس الورثة على اخراجها كالدين حيث يضعف التقاضي بها غالبا ولأن
الدين مما يمكن التخلص منه باسقاط من له الحق بخلاف الوصية فكانت أشد من وجه وأما كونها متقدمة
على الميراث فمنطوقها الصراح وينبغي لمن حضره الموت أن يوصي بالولاية على أطفاله ومجانينه إلى أمين و
الأحوط اشتراط عدالته إن لم يكن لهم ولي بعده نظرا لهم وصيانة لأموالهم عن الضياع وتخفيفا على المؤمنين
مؤنتهم الواجب عليهم كفاية إن اضطروا ولو كان لهم ولي بطلت الوصية إلى الأجنبي على الأظهر لأن الثابت
بأصل الشرع أقوى ولعموم آية أولو الأرحام وقيل بل تصح فيما بعد انقضاء ولايته وهو ضعيف والوصية
جايزة من طرف الموصي له الرجوع عنها ما دام حيا بالقول كان أم بالفعل صريحا أو استلزاما كساير العقود
الجايزة سواء كانت بالولاية أو غيرها وكذا يجوز الرجوع عن القبول للوصي لكن رجوعه مشروط ببلوغه إلى
الموصي وإلا لم ينفسخ بلا خلاف لأنه إذا قبل فقد غره ومنعه من طلب غيره بل رده ابتداء أيضا مشروط به
على الأحوط ففي صحيحة منصور بن حازم أو موثقته عن أبي عبد الله (ع) إذا أوصى الرجل إلى أخيه وهو غائب
فليس له أن يرد وصيته لأنه لو كان شاهدا فأبى أن يقبلها طلب غيره وفي صحيحة الفضيل وغيره إذا بعث
بها إليه من بلد فليس له ردها وإن كان في مصر يوجد فيه غيره فذاك إليه وورد في رجل دعاه والده إلى
قبول وصيته هل له أن يمتنع من قبول وصيته أنه ليس له أن يمتنع أما بعد موت الموصي فليس له الفسخ
مع القبول بالاجماع وبدونه أيضا على المشهور فإن لم يوص بأولاده أو وصاياه إلى أحد أو مات الوصي
أو بطلت وصايته لاختلال شرطه فيه فعلى الحاكم النظر بنفسه أو من ينصبه لذلك بالولاية العامة فإن
فقد فعلى من يوثق به من المؤمنين كفاية على المشهور من باب الحسبة فورد في التنزيل تعاونوا على البر
وهذا من أوضح أفراده والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض خرج منه المجمع عليه فبقي الباقي
في العموم ويؤيده بعض الروايات فدحضت حجة المانع وهي انتفاء الإذن الشرعي أما ما يضطر إليه الأطفال
والدواب من المؤنة وصيانة الأموال المشرفة على التلف ونحو ذلك ففي المفاتيح أنه واجب على الكفاية
على جميع المسلمين العدول وغيرهم حتى لو فرض أنه لم يخلف مورثهم مالا فمؤنة العاجزين عن التكسب
منهم واجبة عليهم من أموالهم كإعانة كل محتاج واطعام كل مضطر ويستحب أن يوصي بشئ من ماله
لأقاربه فورد عن أبي عبد الله (ع) من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممن لا يرثه فقد ختم عمله بمعصية
وليخص به أو بأكثره المحتاجين منهم فيكون قد جمع بين الصلة والصدقة هذا أن فضل المال عن غنى
الورثة وإلا فلا يستحب لقوله (تع) إن ترك خيرا على أن يراد بالخير المال الكثير أو فلا يوصي لأن التوفير
عليهم حينئذ أهم والأفضل في الوصية المتبرعة أن تكون بما دون الثلث حتى أنها بالربع أفضل من
الثلث وبالخمس من الربع فورد عن أمير المؤمنين (ع) لأن أوصي بخمس مالي أحب إلي من أن أوصي بالربع
ولأن أوصي بالربع أحب إلي من أن أوصي بالثلث ومن أوصى بالثلث فلم يترك وفي لفظ آخر عن أبي عبد الله (ع) فقد أضر بالورثة وعن أمير المؤمنين (ع) الوصية بالخمس لأن الله عز وجل رضي لنفسه بالخمس
348

وقال الخمس اقتصاد والربع جهد والثلث حيف ولا تصح الوصية في معصية بلا خلاف كانتساخ
كتب الضلال والنياحة بالباطل ولا باخراج بعض الورثة من التركة على الأحوط الأشهر لمخالفتها
الكتاب والسنة وفي الحديث الحيف في الوصية من الكبائر وفيه ما أبالي أضررت ورثتي أو سرقتهم
ذلك المال إلا أن لا يكون غرضه من اخراج المخرج الانتقام منه والاضرار به ليكون حيفا بل الاحسان
إلى الغير بالتوفير عليه فيجري مجرى الوصية بالجميع لمن عداه وهي جايزة للأجنبي فضلا عن بعض
الورثة فإن أجاز المخرج مضى في الكل وإلا ففي الثلث وروى المحمدون الثلاثة عن وصي علي بن السري
أن ابنه جعفر أوقع على أم ولد له فأوصى إليه أن يخرجه من الميراث قال فسألت أبا الحسن (ع) عن ذلك فقال أخرجه
وإن كنت صادقا فيصيبه خبل فأخرجته وأصابه الخبل بعد ذلك قال الصدوق لو لم يحدث هذا الحدث
لم يجز للوصي إنفاذ وصيته وقال الشيخ هذا الحكم مقصور على هذه القضية ويكره تفضيل بعض الأولاد
على بعض لما فيه من إثارة الشحناء بينهم الموجبة للهجر والقطيعة ولا بأس بتخصيص بعضهم بزيادة مع
استحقاق لذلك بعجز أو صلاح أو علم أو كثرة عيال أو بر أو نحو ذلك من المزايا المحمودة عقلا أو شرعا ومن
قتل نفسه متعمدا كمن شرب سما أو تردى من شاهق أو جرح نفسه بما يهلكه فلا وصية له على المشهور
إلا أن يوصي قبل ذلك لصحيحة أبي ولاد قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول من قتل نفسه متعمدا فهو في
نار جهنم خالدا فيها قلت أرأيت إن كان أوصى بوصية ثم قتل نفسه من ساعته تنفذ وصيته قال فقال إن كان أوصى قبل أن يحدث حدثا في نفسه من جراحة أو قتل أجيزت وصيته من ثلثه وإن كان أوصى
بوصية بعد ما أحدث في نفسه من جراحة أو قتل لعله يموت لم تجز وصيته واحتج المخالف بعموم فمن بدله
بعد ما سمعه
باب الاحتضار يقال حضر فلان واحتضر علي بناء المفعول أي دنا موته سمى بذلك لحضور
الأقارب أو الملائكة أو عقله عنده ينبغي للمؤمن أن يغتنم الموت فإنه الخلاص من تبعات الدنيا و
الراحة من الفتنة وموعد اللقاء كما سبق ولا يشتغل عند حضوره بغير الله لا ظاهرا ولا باطنا كالعاشق
المشارف لوصال الحبيب لا هم له سواه ويحضر الصلحاء تبركا بأنفاسهم واستنزالا للرحمة بحضورهم ويطيب
ما حول البيت وينظفه لتحضر الملائكة ولا تنفر ولا يكره السكرات وإن صعبت على الطبع فإنها كعقبة
يرقى عنها إلى الوصال ويجتهد ما أمكن في هدوء الجوارح وسكونها عن القلق الطاري لها عند نزع
الروح منها وتكرار كلمة التوحيد باللسان معتقدا عليها قلبه وورد أنها أنس للمؤمن حين يموت
وفي قبره وحين يبعث وأنها تهدم الذنوب وأن من كان آخر كلامه دخل الجنة وحسن الظن بالله و
غلبة الرجاء والطمع في الرحمة ليموت على المحبة كما سبق فورد في الحديث القدسي أنا عند ظن عبدي بي
فليظن بي ما شاء وفي النبوي لا يموتن أحدكم حتى يحسن ظنه بالله عز وجل فإن حسن الظن بالله ثمن
الجنة ويجب كفاية على الحاضرين توجيهه إلى القبلة وقيل باستحبابه واختلف أيضا في أنه هل يسقط
بالموت أو يدام به بعده وفسر في رواية الشعيري بأن يلقى على ظهره ويجعل وجهه وباطن قدميه إليها
بحيث لو جلس لكان مستقبلا لكن موردها توجيه الميت وشمولها للمحتضر غير ظاهر وينبغي تلقينه
الشهادتين فورد أنه ما من أحد يحضره الموت إلا وكل به إبليس من شياطينه من يأمره بالكفر ويشككه
في دينه حتى تخرج نفسه فمن كان مؤمنا لم يقدر عليه فإذا حضرتم موتاكم فلقنوهم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حتى يموتوا والاقرار بالأئمة (ع) وتسميتهم واحدا بعد واحد حتى ينقطع عنه
الكلام وكلمات الفرج لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات
السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين
ونقله إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه أو عليه كما في حسنة زرارة مع تعسر النزع فإنه يسهل عليه انشاء
الله وقراءة سورة الصافات عليه فإنها لم تقرأ عند مكروب موت إلا عجل الله راحته أو يس فإنها ما
قرأت عند ميت إلا خفف الله عنه تلك الساعة وتغميض عينيه وشد لحييه وتغطيته بثوب بعد خروج
الروح ولا يمس ما دام في السوق فإنه يزداد ضعفا ومن مسه أعان عليه وعدم تركه وحده للنهي عنه و
علل بأن لا يلعب وفي بعض الروايات يعبث به الشيطان في جوفه ويحتمل أن يراد بلعب الشيطان وعبثه
وسوسته وتشكيكه فيكون من آداب المحتضر دون الميت وعدم حضور الجنب والحايض في الاحتضار
لأن الملائكة تتأذى بهما ولا بأس بعد ذلك وأن يليا غسله ولا إظهار الجزع عنده فإنه مما يذكره الدنيا
ويزيد قلقه بل يبشر برحمة الله لتسخو نفسه وينبغي تعجيل تجهيزه في غير المشتبه حاله فإنه كرامة له وفي
النبوي لا ألفين رجلا مات له ميت ليلا فانتظر به الصبح ولا رجلا مات له ميت نهارا فانتظر به الليل
لا تنظروا بموتاكم طلوع الشمس ولا غروبها عجلوا بهم إلى مضاجعهم يرحمكم الله وفيه إذا مات الميت
أول النهار فلا يقيل إلا في قبره وأما المشتبه فالمشهور أنه يصبر به ثلاثة أيام إلا أن يتغير قبل ذلك
لحسنة هشام وغيرها إلا أن موردها المصعوق والغريق وهي ظاهرة في أن الثلاثة غاية الصبر كما يحكى
عن جالينوس قال العلامة للعلم بأنه إذا لم يحصل منه أفعال الحياة من الحس والحركة في هذه المدة
فإنه يكون ميتا إلا أن كلام صاحب القانون يؤذن بخلاف ذلك قال في بحث السكتة وقد يعرض
أن يسكت الانسان فلا يفرق بينه وبين الميت ولا يظهر منه تنفس ولا شئ ثم إنه يعيش ويسلم وقد
رأينا منهم خلقا كثيرا كانت هذه حالهم لا يظهر فيهم التنفس ويسقط النبض تمام السقوط ويشبه
أن يكون الحار الغريزي فيهم ليس بشديد الافتقار في الترويح ونفض البخار والدخان عنه إلى نفس
كثير لما عرض له من البرد ولذلك يستحب أن يؤخر دفن المشكل من الموتى إلى أن يستبين حاله ولا أقل من
اثنتين وسبعين ساعة انتهى وورد أنه ينبغي لأولياء الميت ايذان المؤمنين بموته فيشهدون جنازته
ويصلون عليه ويستغفرون له فيكتب لهم الأجر ويكتب للميت الاستغفار ويكتسب هو الأجر فيهم وفيما
349

اكتسب له من الاستغفار
باب التغسيل وهو أيضا من فروض الكفاية وما ورد من أنه سنة محمول
على ما ثبت بالسنة دون الكتاب وعن الرضا (ع) إنما أمر بغسل الميت لأنه إذا مات كان الغالب عليه
النجاسة والآفة والأذى فأحب أن يكون طاهرا إذا باشر أهل الطهارة من الملائكة الذين يلقنونه
ويماسونه ويماسهم نظيفا موجها به إلى الله عز وجل وليس من ميت يموت إلا خرجت منه الجنابة فلذلك
أيضا وجب الغسل وفي عدة روايات تسيل النطفة التي خلق منها بعينها من عينه ومن فيه فمن ثم
يغسل غسل الجنابة وعن أمير المؤمنين (ع) يغسله أولى الناس به وهو إما أمسهم به رحما أي أولاهم
بميراثه كما فهمه الأكثر ومع تعدد الورثة أكثرهم نصيبا أو أشدهم به علاقة في الحياة وإن كان أجنبيا
كما احتمله بعضهم ورجحه في المفاتيح لأنه المتبادر وله أن يأمر غيره فيكون أولى ممن عداه كما في زيادة
الصدوق ويشترط في غير الزوجين المماثلة بين الميت والمغسل في الذكورة والأنوثة فإن كان الولي
مخالفا له إذن المماثل أو المحرمية بينهما ومقتضى الترديد الاكتفاء بأحد الأمرين مع تيسر الآخر فلكل
من الأخ والأخت تغسيل الآخر مع وجود الأخ والأخت وبهذا التعميم صرح بعضهم مطلقا أو في
خصوص الأخ ومقتضى استثناء الزوجين جواز تغسيل كل منهما الآخر مع وجود المماثل وهو
أيضا مصرح به في كلامهم والأحوط تقديم المثل مطلقا مع وجوده خروجا عن خلاف الأصحاب
فيهما والروايات الدالة عليه إلا مع كفره فإن فقد المماثل المسلم فالمحرم زوجا كان أو غيره إلا أن
للزوج أن يغسل مجردا على المشهور ومن عداه يغسل من وراء الثياب أو يلقى على عورته خرقة و
فرض التغسيل كساير الفروض الساقطة عند التعذر مطلقا ودفن من غير غسل وربما قيل بوجوب
التيمم حينئذ أو غسل مواضع الوضوء أو التيمم خاصة كما في بعض الأخبار الشاذة وقيل يغسله الذمي
المماثل بتعليم المسلم لرواية عمار وما في معناها واستشكل بأن الغسل مفتقر إلى النية والكافر
ليس من أهلها ومن ثم لم يلتفت إليه المصنف هنا وفي المفاتيح وإن كان في ثبوت هذا المبنى
اشكال وورد في الصبي تغسله النساء إلى ثلاث سنين وفي الجارية تموت مع الرجال في السفر
إذا كانت بنت أقل من خمس سنين غسلت والأفضل أن يكون التغسيل من وراء الثياب مطلقا
في المثل وغيره سيما في غير المثل مطلقا الزوج وغيره سيما غير الزوج وتجب إزالة النجاسة العينية عن
بدنه وثيابه التي يغسل من ورائها أو لا بما يزال به سائر النجاسات ولا يستبعد بأن اللازم منه طهارة
المحل الواحد من نجاسة دون نجاسة وهو غير معقول فإنه مما لا يصغى إليه في مقابلة النص والاجماع على أن
للمصنف في معنى نجاسة الميت كلاما ذكره في مطولاته ومحصوله الفرق بينه وبين سائر النجاسات
في كل ما يقم الدليل فيه على المساواة فلعل هذا من ذاك وأما على ما يحكى عن السيد من أن بدن الميت
الآدمي ليس بخبث وأن الموت من قبيل الأحداث كالجنابة فأوضح ثم تغسيله لإزالة النجاسة الحكمية ثلاثا
يبدأ بماء السدر ثم بماء الكافور أي المخلوطين على وجه يصدق معه كون الماء ماء سدر أو كافور فلو
كان السدر ورقا أو الكافور حبا لم يجز ما لم يطحن أو يمرس بحيث يتحقق الخلط وكذا لو كان قليلا جدا
واعتبر بعضهم في السدر سبع ورقات وفي اشتراط بقاء الماء على الاطلاق قولان وظاهر الأخبار العدم
ثم بماء القراح من إضافة الموصوف إلى صفته وفي بعض ألفاظ الروايات الماء القراح وماء قراح وماء بحت
وكان التعبير بها أجود ومنهم من اقتصر في الوجوب على الأخير واستحب الأولين ومستنده ضعيف جدا
ولو عدم الخليطان ففي سقوط غسيلهما والاقتصار على غسل القراح أو ايجاب الثلاثة بالقراح قولان
ويستحب أن يجعل بينه وبين السماء سترا ووضعه على ساجة أي لوحة والساج خشب مخصوص ولتكن
مرتفعة من الأرض للصيانة عن التلوث ويجعل مكان الرجلين منحدرا لئلا يجتمع الماء تحته وستر
عورته لتأمن من النظر المحرم منه أو من غيره ولحسنة الحلبي وغيره وغسل يده قبل كل غسلة ثلاثا إلى
نصف الذراع كما في رواية يونس وفي المفاتيح إلى الذراع وغسل يده أيضا بعد كل غسلة إلى المرفقين و
غسل فرج الميت وتليين مفاصله كما ذكره الأكثر وقيل بالمنع لظاهر النهي في بعض الروايات وحمل
على ما بعد الغسل جمعا وطواه المصنف هنا وفي المفاتيح أخذا باليقين والبداة بشق رأسه الأيمن في
كل من الغسلات وغسل كل عضو منه ثلاث مرات فيكون مجموع غسلاته تسعا ومسح بطنه رقيقا
في كل من الأوليين قبله تحفظا عن خروج شئ بعده لغير المحامل حذرا عن الاجهاض ولو أجهضت
بذلك قيل عليه عشر دية أمه ويكره جعله بين الرجلين بل يقف من جانبه إلا إذا خاف سقوطه جمعا
بين الأخبار وقص أظفاره وترجيل شعره وقيل بالتحريم فيهما لظاهر النهي ويدفن المنفصل منهما معه
وجوبا وارسال الماء في الكنيف وهو الموضع المعد لقضاء الحاجة ولا بأس بالبالوعة وهو المعد
لإراقة الماء ونحوه في المنزل ولو خيف من تغسيله تناثر جلده كالمجدور تيمم على المشهور بين العلماء
تيمما واحدا عن الأغسال الثلاثة وربما يحتمل التعدد بتعددها وإن كان بعيدا والمحكي عنه الخلاف
في وجوب التيمم الأوزاعي من العامة ويظهر من بعض متأخري أصحابنا الميل إليه لضعف المستند
ويجب اجماعا أن يمسح بعد الأغسال مساجده السبعة بما تيسر من الكافور المسحوق وزاد بعضهم
طرف الأنف الذي كان يرغم به في السجود وبعضهم الفم والآباط وأصول الأفخاذ والسمع والبصر
والمشهور كراهة الأخيرين وفي حسنة الحلبي زيادة الرأس واللحية والصدر ومفاصله كلها وأما
مقداره ففي رواية أقل ما يجزي من الكافور للميت مثقال وفي آخر مثقال ونصف وفي أخرى
الفضل القصد من ذلك أربعة مثاقيل وفي عدة منها السنة في الحنوط ثلاثة عشر درهما
وثلث أكثره وفي المفاتيح أن الكل حسن انشاء الله واختلف أيضا في مشاركة الغسل للحنوط
في هذه المقادير والروايات خالية عنه وإن كانت بعضها ظاهرة في التشريك ويجنب المحرم الكافور في
350

الغسل والتحنيط لأنه طيب والمقتول في سبيل الله يدفن في ثيابه ودمائه بلا غسل إلا أن يدرك
وبه رمق ثم يموت بعد فإنه يغسل ويكفن ويحنط كذا في حسنة أبان بن تغلب عن أبي عبد الله (ع)
وفي حسنة زرارة ورواية أبي مريم إناطة الحكم بالشهيد وخص في موقوفة أبي خالد بمن قتل
بين الصفين إن لم يكن به رمق وفي كلام بعض الأصحاب بالشهيد الذي قتل بين يدي الإمام
ومات في المعركة تحصيلا من مجموع هذه الروايات وهو واضح لا غبار عليه إلا أن اعتبار محضر
الإمام زيادة لا تعلم منها كما قاله المحقق في المعتبر فلو دهم المسلمين عدو يضطرون إلى دفاعه كان الحكم في
المقتول منهم ما ذكر وأما ما ورد من أن المطعون شهيد وكذا المبطون والغريب والمائت يوم الجمعة
والمقتول دون مظلمته فالظاهر أن المراد المماثلة في الثواب والدرجة دون الأحكام المذكورة وكأنه
مما لا خلاف فيه وواجب القتل بحد من الحدود الشرعية يؤمر بالاغتسال والحنوط قبل قتله ثم لا يغسل
بعده بل يصلى عليه ويدفن والظاهر أن المراد الأغسال الثلاث مع الحنوطين كما صرح به غيره والأصل
فيه رواية كردين وموردها المرجوم والمرجومة وفيها ويلبسان الكفن كما قاله جماعة وفي أخرها أن
المقتص بمنزلة ذلك وهو خارج عن الموضوع ولا يجب الغسل بمس هؤلاء بعد البرد كما لوح إليه فيما سبق
حيث اشترط في وجوبه وقوعه قبل الغسل إلا أن ظاهر كلامه يقتضي وجوبه بمس المعصوم وهو خلاف
ما صرح به الجماعة وذو الأربعة أشهر تامة فصاعدا من السقط المحكوم باسلامه يغسل الغسل المعهود
ويلف في خرقة عوضا عن الكفن ويدفن من غير صلاة فهنا أحكام آ وجوب التغسيل ويدل عليه
رواية زرارة عن أبي عبد الله (ع) السقط إذا تم له أربعة أشهر غسل وفي معناها غيرها ومكاتبة محمد
بن الفضيل عن أبي جعفر (ع) السقط يدفن بدمه في موضعه محمولة على ما دون الأربعة ب الاكتفاء
بالخرقة عن الكفن والمصنف تبع فيه المحقق وهو غير معروف المأخذ وفي موثقة سماعة عن أبي
عبد الله (ع) سألته عن السقط إذا استوت خلقته يجب عليه الغسل واللحد والكفن قال نعم كل ذلك
يجب عليه إذا استوى وهي ظاهرة في وجوب التكفين حيث يجب الغسل ومن ثم ذهب جماعة إلى وجوب
القطع الثلاث لذي الأربعة لأنها المعهود إلا أنهم زادوا التحنيط أيضا والرواية خالية عنه وبهذا
التقرير يندفع ما أورد هنا أن الحكم في الرواية وقع معلقا على استواء الخلقة لا على بلوغ الأربعة
اللهم إلا أن يدعى التلازم بين الأمرين واثباته مشكل انتهى ج د وجوب الدفن وسقوط الصلاة
ولا كلام فيهما ه إن الناقصة عن الأربعة لا يجري فيه مجموع الأحكام المذكورة وهو مفهوم من
تخصيصه ذا الأربعة بالبحث وهو كذلك فقد نقلوا اجماع العلماء خلا ابن سيرين أنه إن كان
للسقط أقل من أربعة أشهر لم يغسل ولم يكفن ولم يصل عليه بل يلف في خرقة ويدفن و
في المفاتيح صرح بعد حكم ذي الأربعة بأنه لا غسل للسقط إذا لم تلجه الروح لفقد الموت وفيه
إيماء إلى التلازم بين ولوج الروح واتمام الأربعة كما ورد في النبوي إذا بقي أربعة أشهر ينفخ فيه
الروح وهو ظاهر ما يحكى عن الشيخ في الخلاف إذ جعل تارة مناط وجوب الغسل الحياة وأخرى
اكمال الأربعة أشهر وما ورد في رواية يونس الشيباني عن أبي عبد الله (ع) إذا مضت خمسة أشهر
فقد صارت فيه الحياة محمول أما على أن المراد بمضي الخمسة مضي شئ منها أي الدخول فيها وهو عين
استكمال الأربعة ومثل هذا التجوز شايع في العرف أو إن مضى الخمسة علامة صيرورة الحياة فيه
وليست المقارنة ملحوظة في العلامة بل تحتمل أن تكون كاشفة عن سبق المعلم عليه كما ذكروا من
علامات بلوغ الأنثى الحمل لكونها مسبوقة بالانزال وفي التعبير في الجزاء بصيغة الماضي دون
الحال كما في النبوي تنبيه على ذلك فإن قلت الذي قرره الطبيعيون أن الحياة تتقدم على الأربعة
أشهر بل ذكر صاحب الكفاية أن جميع النساء يعرفن أنه إذا أتى على النطفة ثلاثة أشهر صارت متحركة
ونقل المصنف في حواشي عين اليقين عن بعضهم أنها تتحرك في سبعين يوما فكيف القول
في هذا قلت بعد تصحيح الرواية لا عبرة بأوهام الطبيعين فإنها ليست مستندة إلى ثبت على أنهم
يقولون إن ولوج الروح وحصول الحياة أمر تدريجي فلا مانع من أن يكون مبدأه كما قالوه واستكماله
كما في الرواية ويؤيده التعبير في رواية سماعة بالاستواء فإن الظاهر أن المراد به التمام والخروج
عن النقص كما في قوله (تع) ولما بلغ أشده واستوى ويكون حصول شئ منه ولو يسيرا مبدأ للحركة
التي حدث بها الحكيم عن نسائه فلا يصادم به الحديث النبوي وأيضا لا قطع بأنها حركة إرادية
حتى يستدل بها على الحياة بل تحتمل أن تكون حركة طبيعية بسبب تأثير حرارة الرحم والانتفاخ
الحاصل فيه كحركة اللحم في القدر على أن اتفاق الطبيعيين على ذلك ممنوع بل منهم من صرح بموافقة
الرواية كما نقل الكازروني في شرح موجز القانون عن الحكيم الفاضل كوشيار في كيفية خلقة الجنين
أحواله قبل الولادة وانتسابه في كل شهر إلى واحد من السيارات أن في الشهر الثالث يتوليه المريخ
ويتميز فيه الأعضاء الرئيسة وفي الشهر الرابع يتوليه الشمس فيظهر فيه رسوم سائر الأعضاء و
يقوى ويصلب ويجري فيه الروح ويتحرك إلى آخر ما قال وما قاله بعض الأفاضل الذين عاصرناهم
في التفصي عن هذا السؤل بحمل الحياة وولوج الروح في الأخبار على تعلق النفس الناطقة و
في كلام الحكماء على الحياة الحيوانية ففيه مع بعده أنه مخالف لما صرح به هؤلاء الذين هو في
صدد تصحيح كلامهم من أن تعلق النفس الناطقة لا يكون في الرحم بل إذا أتى على المولود أربع سنين
غالبا وبما ذكرناه يمكن أن يثبت التلازم الذي استشكله المورد
باب التكفين روى الفضل
بن شاذان عن الرضا (ع) إنما أمر أن يكفن الميت ليلقى ربه عز وجل طاهر الجسد ولئلا تبدو عورته
لمن يحمله أو يدفنه ولئلا يظهر الناس على بعض حاله وقبيح منظره ولئلا يقسو القلب بالنظر إلى مثل
351

ذلك للعاهة والفساد وليكون أطيب لأنفس الأحياء ولئلا يبغضه حميمه فيلغى ذكره ومودته
فلا يحفظه فيما خلف وأوصاه به الحديث يجب أن يكفن الميت في ثلاثة أثواب يلف بها كما
عليه الأكثر والاكتفاء باللفافة الواحدة اختيارا غير واضح المستند والأحوط أن يكون كل
واحدة منها شاملة للجسد من القرن إلى القدم وإن احتمل الاكتفاء بهذا الوصف في المجموع بالنظر
إلى الروايات أو قميص غير مزرور ولا مكفوف وذكروا أن حده نصف الساق وأفضله إلى القدم
ولفافتين شاملتين فوقه أو إزار وهو في الأصل الملحفة وخص في العرف بما يستر ما بين السرة
والركبة والأحب أن يكون بحيث يغطي الصدر والرجلين كما في موثقة عمار وقميص فوقه ولفافة شاملة
فوقهما ويتخير الولي بين هذه الشقوق الثلاثة إلا أن يكون الميت قد عين أحدها فيتعين وبعضهم
أوجب القميص وفي رواية سهل ومرسلة الصدوق أيكفن في ثلاثة أثواب بغير قميص قال لا بأس بذلك
والقميص أحب إلي وأما المئزر فلم أقف له على ذكر في الأخبار لكن الظاهر أن مراد من ذكره منه ما
ذكرناه في معنى الإزار ومراده بالإزار معه الملحفة وهي اللفافة فيتوافق مع الشق الأخير ويندفع
الطعن عن عظماء الأصحاب رضوان الله عليهم وأما الحبرة العبرية بكسر الحاء المهملة وفتح الموحدة
وهو ثوب يمني من التحبير وهو التحسين والتزيين منسوبة إلى العبر وهو بسكون العين جانب الوادي
فهي من ما استفاضت الأخبار بذكره وأن رسول الله صلى الله عليه وآله كفن بها ففي صحيحة أبي مريم الأنصاري كفن
رسول الله صلى الله عليه وآله في ثلاثة أثواب برد أحمر حبرة وثوبين أبيضين صحاريين وفي موثقة زرارة ثوبين
صحاريين وثوب يمنية عبري وفي رواية زيد الشحام عن أبي عبد الله (ع) بم كفن رسول الله صلى الله عليه وآله
قال في ثلاثة أثواب ثوبين صحاريين وحبرة ومثلها رواية سلام بن سعيد وروى الحلبي في الحسن
وغيره عنه (ع) أن أبي كتب في وصيته أن أكفنه في ثلاثة أثواب أحدها رداء له حبرة كان يصلي فيه
يوم الجمعة وثوب آخر وقميص فقلت لأبي لم تكتب هذا فقال أخاف أن يغلبك الناس فإن قالوا
كفنه في أربعة أو خمسة فلا تفعل وهي متوافقة في الدلالة على أن الحبرة إنما هي إحدى الأثواب الثلاثة
وحبرتيها مستحبة لا أنه ثوب رابع كما اشتهر بين المتأخرين مع ما اشتملت عليه الحسنة من النهي
عن الزيادة والايذان بأن ما يدل عليها محمول على التقية وأما ما ورد في الصحيح عنه (ع) البرد لا يلف و
لكن يطرح عليه طرحا وإذا أدخل القبر وضع تحت خده وتحت جنبه فالظاهر أن هذا البرد ليس من
الكفن لما في تتمة الحسنة إنما يعد من الكفن ما يلف به الجسد فالمعنى أنه لا يعتبر لفه ليكون من قطعات
الكفن المفروض بل تتأدى وظيفته بكونه مع الميت ولو بالطرح عليه كما قاله الصدوق وحيث يشرع
البرد فالظاهر انحصار الوظيفة فيه وما شرعه بعضهم من استحباب ثوب ملون بدله من الثياب
الابريسمية حيث لا يوجد البرد في هذه الأعصار فهو أعلم بمأخذه مع أن في موثقة عمار عنه (ع) الكفن
يكون بردا فإن لم يكن بردا فاجعله كله قطنا وبالجملة استحباب البرد وهو الحبرة في الجملة كأنه مما
لا خلاف فيه كأصل العمامة للرجل وتحنيكها والمشهور في كيفيتهما ما في رواية يونس يؤخذ وسط
العمامة ويثني على رأسه بالتدوير ثم يلقي فضل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن ويمد على صدره
وفي رواية وعمامة يعتم بها ويلقي فضلها على وجهه وفي أخرى خذ العمامة من وسطها وانشرها على
رأسه ثم ردها إلى خلفه واطرح طرفها على ظهره وفي بعض النسخ على صدره وفي صحيحة عبد الله بن
سنان وعمامة يعصب بها رأسه ويرد فضلها على رجليه وكذا الخرقة للفخذين يشد بها وركيه
لكيلا يبدو منه شئ كذا في رواية عبد الله بن سنان قال والخرقة والعمامة لا بد منهما وليستا من
الكفن يعني المفروض وتزاد للمرأة لفافة لثدييها تضم الثدي إلى الصدر وتشد إلى ظهرها وخمار بدل
العمامة وجوبا فيهما لظاهر مرسلة يونس وغيرها وإن كان المشهور الاستحباب وأما زيادة النمط لها
فلا يعرف مستنده ويحرم التكفين بالحرير المحض اجماعا ولو من كسوة البيت للرجل والمرأة وإن احتمل
بعضهم إباحته لها ويكره الكتان فورد لا يكفن الميت في الكتان وظاهر الصدوق التحريم ويستحب
القطن بالاجماع وورد الكتان كان لبني إسرائيل يكفنون به والقطن لأمة محمد صلى الله عليه وآله ومن الألوان الأبيض
ففي النبوي بعدة طرق ألبسوا البياض فإنه أطيب وأطهر وكفنوا فيه موتاكم إلا الحبرة فأحمر كما تقدم
في الصحيحة وأن ينثر الذريرة عليها جميعا وهي الطيب المسحوق وقيل طيب خاص معروف بهذا الاسم
في بغداد وما والاها ويكتب في حاشيته بغير سواد يشهد أن لا إله إلا الله كفعل أبي عبد الله (ع) وهو
الأصل في المسألة رواه أبو كهمس قال حضرت موت إسماعيل وأبو عبد الله جالس إلى أن قال فلما فرغ من
أمره دعا بكفنه فكتب في حاشية الكفن إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله وفي توقيع الحميري في كتاب
الاحتجاج جواز كتابة ذلك بطين القبر وأما الكتابة في جميع القطعات واشتراط كونها مؤثرة أو
أجزائها بالإصبع وزيادة سائر العقايد فلا يعلم شئ منها من الأخبار نعم استثناء السواد لا بأس به
ويوضع معه جريدتان خضراوان من سعف النخل بتحريك العين وهو غصنه مطلقا أو ما دام عليه
الخوص فإذا جرد عنه فهو جريد والواحد جريدة والمراد بالخضرة الرطوبة وورد أنه لا يجوز اليابس وأن آدم
لما هبط إلى الأرض استوحش فسأل الله أن يؤنسه بشئ من أشجار الجنة فأنزل الله النخلة فكان
يأنس بها في حياته فلما حضرته الوفاة قال لولده إني كنت آنس بها في حيوتي وأني لأرجو الأنس بها وفاتي
فإذا مت فخذوا منها جريدا وشقوه نصفين وضعوهما معي في أكفاني ففعل ولده ذلك وفعلته
الأنبياء بعده ثم اندرس ذلك في الجاهلية فأحياه النبي صلى الله عليه وآله وفعله وصار سنة متبعة فإن لم يوجد النخل
فمن عود السدر إن وجد وإلا فمن عود الخلاف كما في مرسلة سهل وفي رواية يجعل بدلها عود الرمان
وإلا فمن شجر آخر رطب كما في رواية علي بن بلال وهو مما ينفع الميت جدا فورد في الصحيح والحسن عن
352

زرارة قال قلت لأبي جعفر (ع) أرأيت الميت إذا مات لم يجعل معه الجريدة فقال يتجافى عنه العذاب والحساب
ما دام العود رطبا إنما الحساب والعذاب كله في يوم واحد في ساعة واحدة قدر ما يدخل القبر ويرجع
القوم وإنما جعلت السعفتان لذلك فلا يصيبه عذاب ولا حساب بعد جفوفهما انشاء الله ويكفي
وضعهما معه في كفنه أو قبره عملا بالعمومات وأخذا بالقدر المشترك بين الأخبار المختلفة في موضعهما
وهي مختلفة أيضا في مقدارهما وكيفية وضعهما والأولى أن تكون كل واحدة منهما قدر شبر وأن تجعل
إحديهما من جانبه الأيمن ملاصقة بجلده من عند الترقوة إلى ما بلغت والأخرى من الأيسر فوق القميص
كذلك من عند الترقوة إلى ما بلغت كما في حسنة جميل بن دراج فإنها أقواها سندا ودلالة وورد وضعهما
عند رأس القبر ورجليه بعد الدفن وينبغي إجادة الأكفان فإنها زينة الموتى يوم القيامة وأنهم يتباهون
بها والكفن الواجب يخرج من أصل التركة مقدما على الديون حتى حق المرتهن لاطلاق صحيحة زرارة عن أبي
عبد الله (ع) في رجل مات وعليه دين وخلف قدر ثمن كفنه قال يجعل ما ترك في ثمن كفنه إلا أن
يتجر عليه انسان يكفنه ويقضي دينه مما ترك ومقتضاها تقديمها على الوصايا المتبرعة وغيرها بطريق
أولى كما صرح به في النبوي المتقدم أن أول ما يبدأ به من المال الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث
أما المندوب فإن أوصى به كان كساير الوصايا ويجب لذات البعل من النساء مطلقا على بعلها مطلقا
وإن كانت موسرة لاطلاق صحيحة ابن سنان عنه (ع) عن أبي عبد الله (ع) كفن المرأة على زوجها إذا ماتت
ويحتمل قريبا اتباعه للنفقة إن لم ينعقد الاجماع على خلافه وخصه الأكثر بالبعل الموسر ولو أوصت
بالكفن حيث تنفذ سقط عنه ولا يثبت لغير الزوجة من واجبي النفقة إلا للمملوك فإن كفنه على مولاه
اجماعا مطلقا إلا أن يكون مكاتبا مطلقا قد تحرر منه شئ فبالنسبة وكذا بقية المؤن في الجميع من
الماء والسدر والكافور وغيرها على اشكال من فقد النص ومساواتها للكفن إلا أن يثبت على شئ
منها الاجماع ولو فقد ثمن شئ من ذلك سقط وجوبه ويستحب للمسلمين بذله وفي جواز تجهيزه حينئذ
من الزكاة قول مال إليه في المفاتيح لموثقة الفضل بن يونس ولجواز قضاء دينه منها مع عدم
وفاء التركة وهذا أولى
باب التشييع والتربيع التشييع المشي مع الجنازة وأما التربيع فيطلق على
معنيين آ حملها من جوانبها الأربعة بأربعة رجال خلافا للشافعية حيث جعلوا حملها بين العمودين
برجلين أفضل وذلك باخراج خشبتين طولا من رأس الجنازة وخشبتين من رجلها فيدخل الرجل
بين العمودين ويحملهما على عاتقيه ب حملها من جوانبها الأربعة لكل واحد منهم على التناوب وهذا
هو المبحوث عنه وفي المفاتيح خلط بينهما وكلاهما مستحبان مؤكدا فورد في الحديث القدسي من شيع
جنازة أوكل به ملائكة من ملائكتي معهم رايات يشيعونه من قبره إلى محشره ويأتي فضل التربيع
والأفضل في التشييع أن يمشي ورائها وهو السنة أو إلى أحد جانبيها وهو مشي الكرام الكاتبين وأما
التقدم فسنة أهل الكتاب وورد الأمر بمخالفتهم وما ورد من الرخص محمول على نفي التحريم وليكن خاشعا
بقلبه وجوارحه متفكرا في الموت الذي هو هادم اللذات والاستعداد له وفي النبوي كفى بالموت واعظا
ومن شيع جنازة فليتذكر مشي المشيعين لجنازته ووحدته في قبره وسيلان عينيه على خديه وتقطع
أوصاله وأكل الدود لحمه وبلاه وانقطاعه عن الدنيا فإن ذلك يحثه على العمل ويردعه عن كثير مما هو
فيه وورد إذا أنت حملت جنازة فكن كأنك أنت المحمول وقد سألت ربك الرجوع إلى الدنيا ففعل فانظر ما
ذا تستأنف مسترجعا باكيا أو كئيبا غير متكلم لا سيما بالفضول وحديث الدنيا ولا يرجع قبل أنهاء أمره وإن أذن
له الولي فبقدر ما يمشي مع الجنازة يؤجر الذي يتبعها وعن أمير المؤمنين (ع) من تبع جنازة كتب الله له أربع قراريط
من الأجر قيراطا باتباعه وقيراط بالصلاة عليها وقيراط بالانتظار حتى يفرغ من دفنها وقيراط للتعزية
والقيراط مثل جبل أحد والأفضل في التربيع كيفيته المشهورة وهو أن يبدأ الحامل بمقدم السرير الأيمن
وهو يسار الميت والحامل ثم يمر عليه قهقري إلى مؤخره وهو رجله اليسرى يحمله بيساره أيضا ثم يأخذ
بمؤخره الأيسر وهو رجله اليمنى يحمله بيمينه ويمر عليه مستقبلا إلى مقدمه وهو يمينه يحمله بيمينه أيضا
واستدلوا برواية العلا بن سيابة عن أبي عبد الله (ع) قال تبدء في حمل السرير من الجانب الأيمن ثم تمر
عليه من خلفه إلى الجانب الآخر ثم تمر حتى ترجع إلى المقدم كذلك دوران الرحى عليه ورواية الفضل
بن يونس تبدء باليد اليمنى ثم بالرجل اليمنى ثم بالرجل اليسرى ثم باليد اليسرى حتى تدور حولها ومن بدأ
في الترتيب بالمقدم الأيسر من السرير وثنى بمؤخره ثم المؤخر الأيمن ثم مقدمه عكس الدوران
المذكور وهو الشيخ في الخلاف مدعيا عليه الاجماع فلم يبعد لرواية علي بن يقطين عن أبي الحسن (ع)
تستقبل جانب السرير بشقك الأيمن فتلزم الأيسر بكفك الأيمن ثم تمر عليه إلى الجانب الآخر و
تدور من خلفه إلى الجانب الثالث من السرير ثم تمر عليه إلى الجانب الرابع مما يلي يسارك وهي أوضح
دلالة ومن ثم جعلها في المفاتيح نصا والعمل بها أصوب إذ به يجمع بين الأخبار بتأويل الأولتين إليها
فإن هناك أمورا ثلاثة لكل منها يمين ويسار الميت والسرير والحامل ولا تتميز هذه الميامن و
المياسر إلا بالإضافة والإضافة في مثلها قد تتعاكس وقد تتوافق فإن السرير والحامل متعاكسان
فيهما وكذا السرير والميت والميت والحامل متوافقان فيحمل الأيمن في الروايتين على أيمن الميت دون
السرير وفيه مع بعده فيهما لا سيما الثانية أنه روى صاحب السرائر في الصحيح عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) قال السنة أن تستقبل الجنازة من جانبها الأيمن وهو مما يلي يسارك ثم تصير إلى
مؤخره وتدور عليه حتى ترجع إلى مقدمه وهي نص في المشهور وللتخيير وجه والأمر هين إذ ليس الترتيب
شرطا في تأدي السنة فورد في الصحيح عن الرضا (ع) أنه كتب من أيها شاء في جواب الحسين بن سعيد
حيث كتب إليه يسأله عن سرير الميت يحمل أله جانب يبدأ به في الحمل من جوانبه الأربع أو ما خف على
353

الرجل يحمل من أي الجوانب شاء وليس فيه دناءة ولا سقوط مروة فقد فعله النبي صلى الله عليه وآله
بجنازة سعد بن معاذ والأئمة المعصومين عليهم السلام بأصحابهم لما فيه من البر والاكرام للمؤمن
وورد عن أبي جعفر (ع) من حمل جنازة من أربع جوانبها غفر له أربعون كبيرة وعن أبي عبد الله (ع) من
أخذ بقائمة السرير غفر الله له خمسا وعشرين كبيرة وإذا ربع خرج من الذنوب ويكره للمشيع الجلوس
إلى أن يوضع الميت في اللحد فإذا وضع في لحده فلا بأس بالجلوس فإن أحب أن يجلس تنحى ناحية فإذا أدخل
لحده قام فحثا عليه التراب
باب الصلاة على الميت وهو مجاز لغة وشرعا ومن ثم لا يستعمل إلا بالقرينة
فيهما وفي مرسلتي ابن أبي عمير والبزنطي أنه يصلي عليه أولى الناس بها أو يأمر من يحب وربما يخص بالجماعة
لأنه المتبادر ولا يتقدم غيره من غير إذنه وإن قلنا بجواز أصل الصلاة لهم فرادى إلا الموصى إليه بذلك لعموم
فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه ووجوبها كفائي كساير واجباته ولا ينافي ذلك اناطتها برأي الولي لأنه إن قام بها سقط الفرض عن غيره وكذا إن أذن لغيره وقام به ذلك الغير وإلا سقط
اعتباره وانعقدت الصلاة جماعة وفرادى بغير إذنه وهي خمس تكبيرات باجماعنا عدة الصلوات
افترضها الله على أمة محمد ولا تبطل بالزيادة وإن أثم باعتقاد شرعيتها ويجب بينها أربع دعوات على
الأحوط والمشهور أنه لا توظيف فيها للأصل ولاختلاف الأخبار فيه المؤذن بالاكتفاء بما سنح وورد
في الحسن عن أبي جعفر (ع) في الصلاة على الميت ليس فيها قراءة ولا دعاء موقت تدعو بما بدا لك والأولى
العمل بما أوجبه المتأخرون من اشتمالها على الشهادتين عقيب الأولى والصلاة على النبي وآله عقيب
الثانية والدعاء للمؤمنين عقيب الثالثة وللميت عقيب الرابعة وينصرف عقيب الخامسة كما في رواية
الصدوق عن أم سلمة وفي رواية ثقة الاسلام والشيخ الصلاة على الأنبياء بدل النبي وأولى منه العمل
بصحيحة أبي ولاد وحسنته المشتملة على شهادة التوحيد والصلاة على النبي وآله ودعاء الميت في كل تكبيرة
قال خمس تكبيرات تقول إذا كبرت أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له اللهم صل على محمد وآل محمد اللهم
إن هذا المسجى قدامنا عبدك وابن عبدك وقد قبضت روحه إليك وقد احتاج إلى رحمتك وأنت غني
عن عذابه إلا أنا لا نعلم من ظاهره إلا خيرا وأنت أعلم بسريرته اللهم إن كان محسنا فضاعف احسانه
وإن كان مسيئا فتجاوز عن إسائته ثم تكبر الثانية ثم تفعل ذلك في كل تكبيرة وفي حسنة الحلبي زيادة
الدعاء للمؤمنين وبعض القدماء جعل الأفضل جميع الأذكار الأربعة عقيب كل منها وله موثقة سماعة
المروية في الكافي والتهذيب والعمل بكل من هذه المأثورات حسن انشاء الله (تع) وألفاظها أحسن هذا
إن كان الميت مؤمنا وإن كان مخالفا اقتصر على أربع تكبيرات إدانة له بمقتضى مذهبه فإنهم يصلونها
أربعا مع اعتراف بعضهم بأن الزيادة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وإنما ترك الخمس لأنه صار علما للتشيع كما
نقله في الذكرى وورد في رواياتنا دينوهم بما دانوا به أنفسهم ومن دان بدين قوم لزمته أحكامهم لكن
الروايات خالية عن التنصيص على المخالف ومن نسبه في المفاتيح إلى الأصحاب وفي حسنة الحلبي إذا
صليت على عدو الله فقل اللهم إنا لا نعلم منه إلا أنه عدو لك ولرسولك اللهم فاحش قبره نارا واحش
جوفه نارا وعجل به إلى النار فإنه كان يوالي أعدائك ويعادي أوليائك ويبغض أهل بيت نبيك اللهم
ضيق عليه قبره فإذا رفع فقل اللهم لا ترفعه ولا تزكه وفي حسنة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) وإن كان جاحدا
للحق فقل اللهم املأ جوفه نارا وقبره نارا وسلط عليه الحيات والعقارب ويدعو للمستضعف وهو
من لا يعرف اختلافات الناس والضعيف العقل الذي لا يستطيع حيلة إلى الكفر ولا يهتدى سبيلا إلى
الايمان بما في حسنته الأخرى تقول ربنا وفي بعض الألفاظ اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم
عذاب الجحيم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت
العزيز الحكيم وكذا للمجهول حاله وفي غيرها الاقتصار على الآية الأولى للمستضعف ولمن لا يعرف مذهبه
احشره مع من يتولاه والمأثور فيه اللهم إن هذه النفس أنت أحييتها وأنت أمتها اللهم ولها ما تولت و
احشرها مع من أحبت وللطفل اللهم اجعله لأبويه ولنا سلفا وفرطا وأجرا والفرط بفتحتين المتقدم على القوم
ليصلح لهم ما يحتاجون إليه وتجب فيها النية بلا خلاف حتى من المخالف فيها في الغسل والقيام والاستقبال
للقبلة متأخرا عن الجنازة للمنفرد والإمام والمأموم وجعل رأس الجنازة إلى يمين المصلي في غير المأموم فإنه
ربما يطول به الصف فيقع على يساره ولو أنكشف كون رجليه في موضع رأسه سوى وأعيدت الصلاة
عليه ما لم يدفن كما في موثقة عمار وكون الميت مستلقيا على ظهره بحيث لو اضطجع على يمينه لكان وجهه
بإزاء القبلة كالملحود ولو تعذر سقط فورد أن أبا عبد الله (ع) صلى على عمه زيد مصلوبا وعدم التباعد الكثير
عرفا عن الجنازة ويغتفر للمأموم مثله وأن تكون الصلاة بعد التغسيل والتكفين حيث يجبان باجماع
العلماء كل ذلك للتلقي من الشارع وتستحب الطهارة عن الحدث ويكفي أحد البدلين ولو مع التمكن
من الآخر على المشهور كما سبق ونقل فيه الاجماع وإن لم يثبت ولا تجب اجماعا مطلقا وكذا عن الخبث للأصل
وظاهر ما ورد في جوازها من الحائض مع عدم انفكاكها عنه غالبا وتوقف بعضهم وفي سائر شروط الصلاة
اليومية نظرا إلى أنها صلاة فيعتبر فيها ما يعتبر في غيرها من الصلوات إلا ما ثبت استثناؤه وإلى منع
كون الاطلاق على الحقيقة كما علمت وورد لا صلاة إلا بطهور والصلاة ثلاثة أثلاث لاث طهور وثلث
ركوع وثلث سجود وتحليل الصلاة التسليم وأما الاستحباب فغير واضح ويستحب أيضا رفع اليدين في
كل تكبيرة ومنهم من خصه بالأولى ومستنده محمول على التقية جمعا وأن لا يبرح حتى يحمل السرير من بين
يديه ومنهم من خصه بالإمام وأن يتكاثر المصلون وأقله أن لا يكونوا أقل من أربعين رجلا ففي الصحيح عن أبي عبد الله (ع) إذا مات الميت فحضر جنازته أربعون رجلا من المؤمنين فقالوا اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا
وأنت أعلم به منا قال الله (تع) قد أجزت شهادتكم وغفرت له ما أعلم مما لا تعلمون ويحتمل تأدي السنة بمجرد
354

قولهم وإن لم يصلوا ووضع المرأة وراء الرجل إلى القبلة والرجل مما يلي الإمام إن اتفقا يصف بعضهم
على أثر بعض ولا يجب بلا خلاف ووضع الطفل ورائها على المشهور والمروي العكس كما عليه الصدوقان
ووقوف الإمام عند وسط الرجل وصدر المرأة على المشهور وقيل عند صدره ورأسها وقيل رأسه و
صدرها وإن اتفقا صفا بحيث يجمع بين الفضيلتين ويتقدم هنا الإمام الرجل ولو كان المأموم واحدا
بخلاف غيرها من الصلوات فإن المأموم الواحد يقف بجنبه عن يمينه وكذا المرأة تقف بينهن لا
تبرز كما في صحيحة زرارة وغيرها ولو كان فيهم حائض انفردت عن الصف لا تخالط الرجال كغيرها ولا
النساء ومن أدرك الإمام في الأثناء تابعه فيما أدرك وأتم بعد فراغه ما بقي كما في النصوص وفي صحيحة الحلبي
فليقض ما بقي متتابعا وظاهرها سقوط الدعوات مطلقا وقيده بعضهم بما إذا خاف فوت الجنازة
من محل الصلاة اختيارا وإلا أتى بما أمكن منها وفي رواية يتم التكبير وهو يمشي معها وفي أخرى يتم
ما بقي من تكبيره ويبادر به رفعه ويخفف وهما ظاهرتان في عدم السقوط ويجوز الصلاة الواحدة
على الجنائز المتعددة ابتداء كما علم مما ذكر بلا خلاف يعرف مع التشريك بينها في النية وتطبيق الضماير
وأسماء الإشارات في المشتركات وتخصيص كل بدعائه مع الاختلاف فإن صلى على الواحدة
أو المتعددة بعض الصلاة وحضرت في الأثناء أخرى لم يحتسب لها ما سلف من التكبيرات بل إن شاء أتم الصلاة الأولى من دون تشريك هذه الحاضرة ثم استأنف لها خمسا وإن شاء أشركها
فيما بقي من الأولى وأفردها بكمال عدتها بعد الفراغ منها وحينئذ إن شاءوا تركوا الأولى حتى يفرغوا
من التكبير على الأخيرة وإن شاؤوا رفعوا الأولى وأتموا ما بقي على الأخيرة كل ذلك لا بأس به كما في صحيحة
علي بن جعفر وأما جواز قطع الأولى واستيناف صلاة واحدة للجميع كما قاله جماعة فلم تتحققه من الرواية
والعكس وهو تعدد الصلاة على الجنازة الواحدة مكروه مع التعاقب أما مطلقا كما هو المشهور لما
ورد أن الجنازة لا يصلى عليها مرتين أو مقيدا بالجماعة كما قاله بعضهم جمعا بين ما ذكر وما ورد من
تكرار الصحابة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله فرادى من دون نكير أو اتحاد المصلي مطلقا كما قاله آخرون
جمعا بينه وبين ما ورد أن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج على جنازة امرأة من بني النجار فصلى عليها فوجد الحفرة
لم يمكنوا فوضعوا الجنازة فلم يجئ قوم إلا قال لهم صلوا عليها أو مقيدا بغير الإمام كما قاله آخرون جمعا
بينه وبين ما ورد أن أمير المؤمنين (ع) كبر على سهل بن حنيف خمسا وعشرين تكبيرة كبر خمسا خمسا كلما
أدركه الناس قالوا يا أمير المؤمنين لم ندرك الصلاة على سهل فيضعه فيكبر عليه خمسا حتى انتهى إلى قبره
خمس مرات ومنه يتبين حال القول بالاستحباب مطلقا لوقوعه عن علي (ع) على سهل بن حنيف على أنه يحتمل
الاختصاص إظهارا لفضله كتخصيص رسول الله صلى الله عليه وآله حمزة بسبعين تكبيرة كما يلوح إليه في رواية عقبة عن أبي عبد الله (ع) أنه بدري عقبي أحدي وكان من النقباء الذين اختارهم رسول الله صلى الله عليه وآله من الاثني عشر فكانت له
خمس مناقب فصلى عليه لكل منقبة صلاة وتجب الصلاة على المسلم وهو المظهر للشهادتين ما لم يعتقد
ما يخرجه عنه ولو كان فاسقا أو مخالفا ومن بحكمه كبعض المستضعفين وصبيان المسلمين ومجانينهم
ومسابيهم فورد في النبوي لا تدعوا أحدا من أمتي بلا صلاة وفي الصادقي صل على من مات من أهل القبلة
وحسابه على الله وهو فيما عدا المخالف والصبي بموضع وفاق وأما المخالف فمرجع الخلاف فيه إلى اخراجه عن
موضوع المسألة وهو ضعيف المبنى جدا كما أشرنا إليه فيما سبق وأما الصبي فقيل إنها تابعة لصلوته في
الوجوب فلا تجب عليه حتى يبلغ والمشهور استحبابها على من ولد حيا حتى يبلغ أول حدود التمرين بالصلاة وهو
الست سنين كما تقدم فتجب وجوبها تابع لشرعية صلاته والمصنف على أنها تابعة لصلوته في الشرعية والوجوب
جميعا فلا تشرع قبل الست وجوبا ولا استحبابا ولا تجب قبل البلوغ وهو مما لا تتلائم به الأخبار في الجملة لكن
فيه دغدغة خرق الاجماع المركب وأما ما يدل على وجوبها عليه مطلقا ففي صحيحة زرارة وغيرها تلويحات
كالتصريح إلى أنه محمول على التقية والأحوط أن لا تترك على ذي الست لصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) في الصبي
متى يصلى عليه فقال إذا عقل الصلاة قلت متى يعقل الصلاة وتجب عليه قال لست سنين وصدر الميت
كالميت في جميع أحكامه عند الأكثر والروايات قاصرة عنه سندا ودلالة وفي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (
ع)
في الرجل يأكله السبع والطير فتبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع به قال يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن فإذا
كان الميت نصفين صلى على النصف الذي فيه قلبه وفي حسنة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) أنه يصلى على العظم العاري
من اللحم دون العكس قال إذا قتل قتيل فلم يوجد إلا لحم بلا عظم لم يصل عليه فإن وجد عظم بلا لحم فصل عليه وفي
غيرها إن وجد عضو من أعضائه تام صلى عليه ودفن وإلا فلا وفي أخرى يصلى على الرأس إذا أفرد من الجسد
ونقل عن الشيخ الاجماع على أن غير الصدر إن كان فيه عظم يغسل ويلف في خرقة ويدفن
باب الدفن قال الرضا (ع)
إنما أمر بدفن الميت لئلا يظهر الناس على فساد جسده وقبيح منظره وتغير رايحته ولا يتأذى الأحياء بريحه وبما
يدخل عليه من الآفة والفساد وليكون مستورا عن الأولياء والأعداء فلا يشمت عدوه ولا يحزن صديقه والواجب
مع القدرة وضعه في حفيرة مكبرا أو مصغرا تستر عن الأنس ريحه وعن السباع بدنه بحيث يعسر نبشها غالبا لأنه
المتلقى من الشارع فلا يجزي التابوت وشبهه الكائنان على وجه الأرض وألحق بها البيوت المبنية تحت الأرض
كالسردابات المتعارفة لصدق الموارات في الأرض لكن ينبغي فيها وفي القبر أيضا اخراجه من التابوت لكراهة
الدفن به اجماعا كما في المبسوط والمشهور وجوب اضجاعه على جانبه الأيمن مستقبلا بوجهه القبلة للتأسي و
صحيحة معاوية بن عمار وفي دلالتها على وجوب الاستقبال ثم كيفيته نظر واستحبه بعضهم ويستثنى ما إذا كانت
ذمية حاملا من مسلم فيستدبر بها لمكان ولدها لأن الجنين متوجه إلى ظهر أمه ولو كان في البحر وشق التوصل
إلى البر فأما أن يعمل بصحيحة أيوب بن الحر عن أبي عبد الله (ع) في رجل مات وهو في السفينة في البحر كيف يصنع به
قال يوضع في خابية ويوكأ رأسها ويطرح في الماء أو بمرسلة أبان وما في معناها عنه (ع) في الرجل يموت مع القوم في البحر قال
355

يغسل ويكفن ويصلى عليه ويثقل ويرمى به في البحر وفي وجوب الاستقبال حين الالقاء قولان ويستحب الحفر
إلى الترقوة فعن أبي عبد الله (ع) خذ القبر إلى الترقوة وقال بعضهم إلى الثدي وقال بعضهم قامة الرجل حتى يمد
الثوب على رأس من في القبر والالحاد وهو أن يجعل له الحد وقدره ما يمكن فيه الجلوس وسعته ذراعان
وشبر ويكون مما يلي القبلة كما رواه صاحب البحار نقلا من كتاب دعايم الاسلام للصدوق وكون النازل
إليه لتناول الميت خافيا والمروي خلع النعلين والحذاء والخفين وفي بعض الروايات لا بأس بالخف في وقت
الضرورة والتقية وأن في خلع الخف شناعة وكذا استحباب كونه مكشوف الرأس غير ظاهر منها بل المروي
نزع العمامة والقلنسوة والطيلسان ويستحب كونه منزوع الرداء محلول الأزرار وما ورد أن أبا الحسن (ع) دخل
القبر ولم يحلل أزراره محمول إما على الجواز أو التقية محرما والزوج أحق بامرأته غير أب له لئلا يدخله من الجزع
ما يهبط أجره ولا بأس بالابن أو هو أخف كراهة ووضعه أولا دون القبر بذراعين أو ثلاثة والمكث به
هنيئة فإنه يأخذ أهبته للسؤل ثم سله من قبل رجليه إن كان رجلا والمرأة تؤخذ عرضا لأنه أستر مسميا
لله قاريا آية الكرسي داعيا له بالمأثور بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله اللهم إلى رحمتك لا إلى عذابك
اللهم افسح له في قبره ولقنه حجته وثبته بالقول الثابت وقنا وإياه عذاب القبر وروي غير ذلك و
أن يحل عقد كفنه من قبل رأسه ورجليه ولو حذف الظرف لكان أولى وأوفق بالروايات سواء
تعلق بالفعل أو المفعول ويكشف عن خده الأيمن وكأنه المراد بشق الكفن من عند رأسه ويلصقه
بالأرض تذللا واستعطافا وأن يوضع معه طين قبر الحسين (ع) لمكاتبة الحميري الصحيحة ولم يطلع
عليها في المفاتيح فنسب الحكم إلى الشيخين ويلقنه الملحد أي واضعه في اللحد الشهادتين والاقرار
بالأئمة (ع) واحدا واحدا وينضد اللبن بالطين وشبهه بحيث يمنع وصول التراب إليه وورد أن رسول
الله صلى الله عليه وآله لحد رجلا فرأى فرجة فسوتها بيده ثم قال إذا عمل أحدكم عملا فليتقن داعيا له عند ذلك بالمأثور
وهو اللهم صل وحدته وآنس وحشته وآمن روعته وأسكن إليه من رحمتك رحمة تغنيه بها عن
رحمة من سواك فإنما رحمتك للظالمين وورد أنه يدخل القبر من حيث يشاء ولا يخرج إلا من قبل رجليه
ويحثي عليه الحاضرون التراب غير ذي الرحم منه فإن ذلك يورث القسوة في القلب ومن قسا قلبه
بعد من ربه وليحث الحاثي بظهر كفه كما ورد من فعل أبي الحسن (ع) وفي بعض نسخ الحديث كفيه مسترجعا
كما قاله الصدوق أو يمسكه في يده قائلا ايمانا وتصديقا ببعثك هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق
الله ورسوله اللهم زدنا ايمانا وتسليما ثم يطرحه كما ورد عنه (ع) أيضا أنه كان يفعل ذلك ثلاثا لا يزيد
عليها وسئل عن ذلك فقال هكذا كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وبه جرت السنة ويربع القبر كما في رواية
محمد بن مسلم وغيرها ويسطحه دون أن يسنمه رافعا مقدار أربع أصابع كما في عدة منها وفي بعضها
منفرجات وهي أوثق وأكثر ومن ثم رجحها المصنف وربما يجمع بينهما بأن أقله المضمومة وأكثره المنفرجات
وإليه ينظر قوله لا أزيد وما ورد من أن قبر رسول الله صلى الله عليه وآله رفع شبرا من الأرض فيحتمل الاختصاص
إن صح ويرش عليه الماء مستقبلا للقبلة مبتدئا من عند الرأس فيدور عليه من الجانب الآخر
ثم يرش على الوسط أما أصل الرش فالأمر به مستفيض وفيه ورد عن أبي عبد الله (ع) يتجافى عنه
العذاب ما دام الندى في التراب وأما الكيفية المذكورة فرواها الشيخ عن أبي عبد الله (ع) وأنه السنة
فيه ويضع يده عليه وورد أن ذلك واجب على من لم يحضر الصلاة عليه وموضعه عند رأسه
بعد النضح باسط الكف مفرج الأصابع غامزا كفه عليه بحيث يبين أثره داعيا له بالرحمة و
من المأثور اللهم جاف الأرض عن جنبيه وأصعد إليك روحه ولقه منك رضوانا وأسكن قبره
من رحمتك ما تغنيه عن رحمة من سواك وورد قراءة القدر سبعا واهداؤها إليه ويلقنه
الولي بعد انصراف الناس يقبض على التراب بكفه ويضع فمه عند رأسه وينادي بأرفع صوته يا
فلان بن فلان هل أنت على العهد الذي عهدناك به من شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول
الله وأن عليا أمير المؤمنين إمامك وفلان وفلان حتى يأتي على آخرهم فإنه إذا فعل ذلك قال
أحد الملكين لصاحبه قد كفينا الوصول إليه ومسئلتنا إياه فإنه قد لقن فينصرفان عنه ولا يدخلان
إليه ويكره أن يجعل على القبر من غير ترابه فهو ثقل على الميت ودفن ميتين في قبر واحد فورد لا
يدفن في قبر واحد اثنان إلا مع الضرورة كيوم أحد أمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله أن يوسعوا ويجعلوا
الاثنين والثلاثة في القبر الواحد هذا لو دفنا معا وأما على التعاقب فالأحوط الترك ولا سيما
إذا توقف على النبش إلا في السرداب والنقل من بلد الموت إلى بلد آخر مطلقا حيث ينافي التعجيل
المأمور به فورد في النبوي عجلوهم إلى مضاجعهم وأنه لا ينتظر بهم ليل ولا نهار بل الميت أول النهار
لا يقيل إلا في قبره كما سلف وأما استثناء المشاهد المشرفة فلم أقف له على شاهد ولا نقل فعله
في أعصار النبي والأئمة صلوات الله عليهم قريبا من مائتين وسبعين سنة مع توفر الدواعي عليه
إلا ما رواه الديلمي مرسلا في ارشاده في الذي جاء بجنازة أبيه من اليمن ليدفنه في طرف الغري
بوصية منه فلم ينكر عليه أمير المؤمنين (ع) ويقال إنه المدفون في صفة الصفا على شاطئ البحر واثبات
مثل هذا الحكم بمثل هذه الرواية المذكورة مشكل جدا على أنها أخص من المدعى وأما ما ورد من أن
الميت بعرفات يحمل إلى الحرم ويدفن فهو أفضل فلا حجة فيه لقرب المسافة بحيث لا ينافي التعجيل لا سيما
وفي بعض نسخ الحديث منى بدل عرفات فلا يقاس به النقل البعيد الموجب لتغير الميت وانفساخه و
كذا ما ورد من أن إسماعيل بن جعفر مات بالعريض وحمل على رقاب الرجال إلى المدينة لقرب المسافة
جدا بحيث لم يحتاجوا إلى الدواب بل اكتفوا بالرجال ولأن غرضه (ع) كان الاشهاد على موته ومن ثم أمر
بوضع جنازته على الأرض مرارا يكشف في كل مرة عن وجهه ويريه الحاضرين ثم كتب على موته محضرا فيه شهادة
356

أعيان المدينة بخواتيمهم وكان الناس يلومونه بذلك إلى أن بلغ أبا الدوانيق أن إسماعيل بن جعفر ظهر
بالبصرة وأنه أحيى بقرة ميتة لعجوز ثمة وكاد الناس يفتتنون به فبعث إلى أبي عبد الله (ع) كتابا يستفسره
في ذلك ويعاتبه فيه وأرسل (ع) إليه بالمحضر وبرئ من التهمة وانقطعت الألسن عنه وورد أن الله (تع)
أوحى إلى موسى (ع) أن يحمل عظام يوسف من مصر إلى الأرض المقدسة فاستخرجه من شاطئ النيل في صندوق
مرمر وحمله إلى الشام لكن لا دلالة فيها على المطلوب بوجه ولا يصلح البناء عليه والجلوس التطيين والتجصيص
كما في رواية علي بن جعفر وغيرها وربما يخص الأخير مما بعد الاندراس لما روي أن الكاظم (ع) أمر بعض مواليه
بتجصيص قبر ابنة له ماتت بفند وهو قاصد إلى المدينة وهو والأول بل ما عدا الثاني بغير قبور
الأنبياء والأئمة (ع) لاطباق الناس في الأعصار على ذلك فيها من غير نكير ولاستفاضة الأخبار بالترغيب
في عمارة قبورهم ومزاراتهم وربما يلحق بها قبور العلماء والأولياء المشاهير في الدين استضعافا لعموم
المنع وتعظيما لشعائر الاسلام ونفى عنه البأس في المفاتيح ولا يجوز النبش اجماعا للمثلة والهتك
إلا مع الضرورة كغصبية الأرض أو الكفن أو الشهادة على عين الميت ونحو ذلك أو الرمم لارتفاع
المانع حينئذ لكن لا سبيل إلى القطع بذلك إلا بتقادم العهد به جدا ولا يمكن ضبطه بمدة معينة
لاختلاف البقاع والموتى في ذلك
باب التعزية وهي تفعلة من العزا بالقصر والمد أي الصبر
والمراد بها طلب التسلي من المصاب بقول أو فعل يوجب طيب نفسه وسلوة عن المصيبة وأحسنه
التكلم عنده باسناد الأمر إلى الله عز وجل وعدله وحكمته وأنه لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم وإن جهل
وجهه ظاهرا وذكر ما وعد الله (تع) على الصبر من جزيل الثواب ليسكن قلبه ويخف ما به وفضلها
عظيم فورد في النبوي التعزية يورث الجنة وفيه من عزى مصابا كان له مثل أجره من غير أن ينقص
من أجر المصاب شئ وعن أمير المؤمنين (ع) من عزى الثكلى أظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله و
ينبغي للمعزي إظهار الحزن والمشاركة في المصيبة وقلة التكلم وترك التبسم وذكر محاسن الميت و
الشهادة له بالخير والايمان وهي قبل الدفن وبعده والأخير أفضل ويجزي فيها الدعاء فورد عن أبي عبد الله (ع)
أنه عزى قوما فلم يزد على قوله جبر الله وهنكم وأحسن عزاكم ورحم متوفاكم وأقلها أن يراه المصاب
فعنه (ع) كفاك من التعزية أن يراك صاحب المصيبة ويكره له الجلوس لها أزيد من ثلاثة أيام و
أما الثلاثة فلا كراهة فيها وجعلها بعضهم من السنة ومنهم من كرهه مطلقا وورد أيضا النهي عن
الحداد أكثر من ثلاثة إلا المرأة على زوجها فتجلس حتى تنقضي عدتها وعليها الحداد كما مر في كتاب
النكاح ويستحب لأصدقاء الميت وفي بعض الروايات لجيران صاحب المصيبة اتخاذ طعام لأهله
ثلاثة أيام بيوم مات فيه والسنة البعث إليهم به ويكره الأكل عندهم فهو من عمل أهل الجاهلية ويجوز
النوح بالكلام الحسن وفسر في حديث أمير المؤمنين (ع) بالدعاء وتعداد الفضايل نظما ونثرا باعتماد الصدق
والتحفظ عن الهجر وما يسخط الرب كما ناحت فاطمة على أبيها والفاطميات على الحسين عليهم الصلاة و
السلام وندبت أم سلمة ابن عمها الوليد بن المغيرة بأبيات من الشعر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله فما عاب
ذلك ولا قال شيئا وما ورد من أنه يكره النوح على الميت محمول على معناها المتعارف أو النوح بالباطل
ويكره ليلا فإنه يؤذي الملائكة وكذا يجوز أخذ الأجرة عليه فورد أنه لا بأس به وأن أبا جعفر (ع) أوقف
من ماله كذا وكذا النوادب يندبنه عشر سنين بمنى وأنه تستحله بضرب إحدى يديها على الأخرى لكن
الاحتياط أن يكون من غير تشارط لما في موثقة حنان عن أبي عبد الله (ع) قل لها لا تشارط وتقبل ما أعطيت
وهذا أحد ما يجمع به بين الأخبار وتركه رأسا أولى وأحوط لاطلاق النهي عنه في حديث المناهي وغيره وهو
أوفق بقواعد الشريعة المطهرة إذ لا يؤمن على النائحة التخطي إلى الباطل وإن قصدت الاقتصار على الحق لتتاخم
حدودهما واللسان سباق إلى الهجر يعسر ضبطه إذا أطلق على مقدار الرخصة إلا لمثل فاطمة والفاطميات
أو الضمير عايد إلى الأخذ أو الأجرة بمعنى الأجر لما ورد من التسوية بين أجر المغنية والنايحة في بعض الروايات
ولا يجوز اللطم على الوجه أو الصدر والخدش وجز الشعر بالنص والاجماع ولما فيه من السخط لقضاء الله
كذا في المفاتيح وفي الجميع نظر ومن المتأخرين من ذهب إلى الكراهة في اللطم والجز ولا شق الثوب على غير الأب
والأخ على المشهور وربما يخص بالرجل وعن أبي عبد الله (ع) لا ينبغي الصياح على الميت ولا شق الثياب
وهي ظاهرة في الكراهة وروى خالد بن سدير عنه (ع) قال إذا شق زوج على امرأته أو والد على ولده فكفارته
كفارة حنث يمين ولا صلاة لهما حتى يكفرا ويتوبا من خدشت المرأة وجهها أو جزت شعرها أو نتفته
ففي جز الشعر عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا وفي خدش الوجه إذا أدمت و
في النتف كفارة حنث يمين والعمل بها مشهور إذ لا راد لها وإن كانت ضعيفة السند ومن ثم لم يثبت
بها بعضهم إلا الاستحباب ومنهم المصنف في المفاتيح وذهب بعضهم إلى أن كفارة الجز مرتبة مثل كفارة الظهار
وأما استثناء الأب والأخ فلما روي من فعل العسكري (ع)
باب الهدية للميت يستحب الاهداء إليه ليلة الدفن
بصلاة ركعتين يقرأ في الأولى بعد الحمد آية الكرسي وفي الثانية بعد الحمد القدر عشر مرات فإذا سلم قال
اللهم صل على محمد وآل محمد وابعث ثوابها إلى قبر فلان نقلهما الكفعمي في مصباحه وابن فهد في موجزه وأسندها
في المفاتيح إلى الخبر وفي القراءة روايتان أخريان ولم أقف منها إلا على ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله مرسلا قال لا
يأتي على الميت ساعة أشد من أول ليلة فارحموا موتاكم بالصدقة فإن لم تجدوا فليصل أحدكم ركعتين يقرأ
في الأولى بفاتحة الكتاب مرة وقل هو الله أحد مرتين وفي الثانية فاتحة الكتاب مرة والهيكم التكاثر عشر
مرات ويسلم ويقول الدعاء ونقل صاحب البحار عن بعض كتب أصحابنا أنه يقرأ في الأولى بعد الفاتحة آية
الكرسي مرة والتوحيد مرتين وفي الثانية بعد الحمد التكاثر عشرا ونقلها عن والده أيضا مع التصريح بأنه
ليس في شئ من هذه الصلوات خبر يعتمد عليه من طرق أصحابنا وأنه لو أتى بصلاة على الهيئات المنقولة
357

بالطرق المعتبرة ثم أهدى ثوابها إلى الميت فهو أحسن وورد أنه يصل إليه في قبره ثواب الصلاة والصيام والصدقة
والحج والبر وكل عمل صالح يتبرع به عنه أخوه المؤمن أو ولده الطيب بعد موته ويكتب أجره للذي يفعله
وللميت
وفي صحيحتي عمر بن يزيد وحماد بن عثمان عن أبي عبد الله (ع) أن الميت ينفعه كل عمل صالح حتى أنه يكون في ضيق
فيوسع عليه ويقال إن هذا بعمل ابنك فلان وبعمل أخيك فلان وفي رواية قلت فأشرك بين رجلين في
ركعتين قال نعم وعن هشام بن سالم عنه (ع) قال قلت يصل إلى الميت الدعاء والصدقة والصلاة ونحو هذا
قال نعم قلت أو يعلم من صنع ذلك قال نعم ثم قال يكون مسخوطا عليه فيرضى عنه وورد أيضا عنه (ع) كما سبق
من عمل من المسلمين عن ميت عملا صالحا أضعف الله له أجره ونفع الله به الميت وينبغي لمن يذكر
الميت أن يدعو له عند الذكر بالرحمة والمغفرة فورد أن الميت ليفرح بالترحم عليه والاستغفار له كما يفرح
الحي بالهدية تهدى إليه وأن يسكت عن عوراته ويفشي محاسنه فورد لا تذكروا موتاكم إلا بخير وتقدم
وعن النبي صلى الله عليه وآله اذكروا محاسن أمواتاكم وكفوا عن مساويهم
باب زيارة القبر وهي مستحبة للرجل
اجماعا فورد أنه كان رسول الله صلى الله عليه وآله يخرج في ملأ من الناس من أصحابه كل عشية خميس إلى بقيع المدنيين
فيقول السلام عليكم يا أهل الديار ثلاثا رحمكم الله ثلاثا وعنه صلى الله عليه وآله زوروا القبور فإنها تذكر الآخرة و
في رواية الموت وتدمع العين وترق القلب وأما للنساء ففي المعتبر والذكرى كراهتها لمنافاتها الستر و
الصيانة وأدائها إلى الجزع والسخط لقضاء الله لضعفهن عن الصبر إلا مع الأمن والصون وبه يجمع بين
ما ورد من أن فاطمة (ع) كانت تأتي قبور الشهداء في كل غداة سبت أو في كل جمعة مرتين والاثنين والخميس
فتأتي قبر حمزة فتترحم عليه وتستغفر له وما ورد من قوله صلى الله عليه وآله لعن الله زائرات القبور وليكن الزاير
في جلوسه عند القبر مستقبل القبلة واضعا يده على القبر داعيا بالمأثور اللهم ارحم غربته وصل وحدته و
آنس وحشته واسكن إليه من رحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك وألحقه بمن كان يتولاه
وروي غير ذلك فورد في حديث محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا (ع) من أتى قبر أخيه المؤمن من أي
ناحية كان فوضع يده عليه وقرء إنا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرات أمن من الفزع الأكبر وورد في
بعض رواياته اشتراط الاستقبال أيضا وعن أمير المؤمنين (ع) زوروا موتاكم فإنهم يفرحون بزيارتكم
وليطلب أحدكم حاجته عند قبر أبيه وعند قبر أمه بعد ما يدعو لها وظاهر تفكيك الأبوين ترتب
الأثر على الدعاء عند كل منهما إذا كانا متفرقين وقوله أبويه بعد الدعاء لهما ظاهر في اشتراط الاجتماع فهو
من الايجازات المخلة وورد عن النبي صلى الله عليه وآله من زار قبر أبويه أو أحدهما يوم الجمعة كتب الله له حجة مبرورة
ويتأكد ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وليلبث ثمة ساعة أي جزءا من الزمان ايناسا له فورد في عدة
روايات من الطريقين أن الميت يعلم بالزائر ويأنس إليه ويفرح به ويستوحش لانصرافه وأما ما ورد
من أن المؤمن لا يستوحش فالمنفي فيه الاستيحاش المطلق وهو لا ينافي ثبوته من حيثية خاصة وفي
كل هذه إشارات إلى بقاء النفوس الناطقة بعد خراب الأبدان وهو مذهب أكثر العقلاء من المليين
والفلاسفة ولم يحك الخلاف فيه إلا عن القائلين بأن النفس هي المزاج أو الدم وأمثالهم ممن لا يعبأ بهم
وأن لها في برزخها تلذذا وتألما وهذا أيضا مما نقل عليه اجماع أكثر أهل الملل في الجملة ولم ينكره من المسلمين
إلا شرذمة قليلون وفي شواهد الكتاب والسنة المتواترة في المقامين ما يقطع العذر وفي كثير منها
دلالة على معاودتها إلى هذه الأبدان أولا تامة أو ناقصة ثم تعلقها بأبدان مثالية مشابهة لها تسهل عليها
الحركات الصعودية والنزولية مع بقاء نوع التفات لها إلى الأبدان الأصلية وإن تفرقت أجزاؤها وليس في
شئ من ذلك ما يخالفه العقل ولا يتوقف القول به على القول بتجرد النفس بل يستقيم على عدمه أيضا كل
ذلك أن كان ممن محض الايمان محضا أو محض الكفر محضا وأما الباقون فيلهى عنهم كما استفاضت به الأخبار
كتاب الفرائض بسم الله الرحمن الرحيم الفرائض جمع فريضة من الفرض بمعنى القطع أو التقدير أو الايجاب
وورد في النبوي تعلموا الفرايض فإنها من دينكم وأنه نصف العلم
باب الأسباب الموجبة للإرث والطبقات
المرتبة للورثة سبب الإرث أمور ثلاثة بالضرورة من الدين النسب والزوجية الدائمة والولاء ومن عبر عن
الأسباب بالموجبات حصرها في قسمين النسب والسبب ثم فصل السبب بالزوجية والولاء وما هنا أثبت
لأن النسب أيضا من الأسباب واستعمال اللفظ الواحد في معنيين متغايرين مما يحترز عنه في مثل هذا المورد
والنسب هو الاتصال بالولادة شرعا بانتهاء أحدهما إلى الآخر كالعمودين أو بانتهائهما إلى ثالث كالأخوة
وفي تقييد الزوجية بالدائمة احترازا عن المنقطعة فإنها لا توجبه مطلقا في شئ من الطرفين على المشهور
وقيل إلا مع الشرط ولا يخلو من قوة وقيل بل يتوارثان مطلقا وقيل إلا مع الشرط والأكثر على أنه يشترط
فيها أيضا الدخول إن كانت منكوحة في مرض موته كما مر في النكاح والنصوص به مستفيضة سليمة عن المعارض
معتبرة الأسانيد كما اعترف به في المفاتيح واهماله في الكتاب في الموضعين عجيب وفي حكم الزوجة المطلقة
في مرض الموت ما بينه وبين سنة ما لم تتزوج كما سبق والولاء بفتح الواو أصله الدنو وهو علاقة بينهما
توجب الإرث بغير النسب ولا زوجية وذو النسب على طبقات مترتبة يتشارك أهل كل طبقة في الإرث
ولا يرث أحد من أهل الطبقة التالية إلا بعد فقد أهل الأولى جميعا أقر بها الأبوان من غير ارتفاع كما في
غيره والأولاد ذكورا أو إناثا واحدا أو متعددا وإن نزلوا بشرط الترتيب الأقرب إلى الميت فالأقرب إليه و
الصدوق قدم الأبوين على أولاد الأولاد فلم يورثهم معهما أو مع أحد منهما وهو شاذ ثم الأجداد والجدات
لأب أو لأم أو لهما وإن علوا مرتبين الأقرب فالأقرب الإخوة والأخوات كذلك وأولادهم مع فقدهم وإن
نزلوا كذلك مرتبين والصدوق أيضا شرك الجد مع أولاد الأولاد والجد للأب مع الأب والجد للأم مع الأم
وابن الجنيد الجدين والجدتين مع الأبوين والبنت وفي بعض الروايات أن رسول الله صلى الله عليه وآله أطعم الجدة
مع وجود ولدها السدس ولم يفرض الله لها شيئا ونقل ثقة الاسلام في الكافي اجماع العصابة أن منزلة الجد
358

منزلة الأخ من الأب وعن الفضل بن شاذان تشريك ابن الأخ للأب والأم مع الأخ للأم وابن ابن الأخ
للأبوين مع ابن الأخ للأم ثم إخوة الأب والأم وأخواتهما وهم الأعمام والعمات والأخوال والخالات
وأولادهم مع فقدهم وإن نزلوا كذلك مرتبين أيضا وعن يونس بن عبد الرحمن تشريك العم مع ابن
الأخ ثم إخوة أقرب الأجداد والجدات الأبيين أو الأميين وأخواتهم وهم أعمام الأبوين وعماتهما و
أخوالهما وخالاتهما وأولادهم مع فقدهم وإن نزلوا كذلك ثم إخوة أقرب الأجداد والجدات الذين يمكن
فرضهم للأب والأم معا وأخواتهم وهم عمام الجد والجده القريبين وعماتهما وأخوالهما وخالاتهما وأولادهم
مع فقدهم وإن نزلوا الأقرب فالأقرب وهكذا إلى سائر الطبقات المتصاعدة فعلى المشهور في كل من الطبقتين
الأولتين صنفان يتصل كل منهما إلى الميت بغير ما يتصل به الآخر فإن الأبوين في الطبقة الأولى يدليان
إليه بالتوليد بغير واسطة والأولاد بالتوالد والأجداد في الطبقة الثانية بالتوليد بالواسطة والإخوة
بالاشتراك في التولد من ثالث وفي البواقي صنف واحد لأنهم إخوة الأب أو الأم القريبين أو البعيدين كما
علمت وإنما يترتبون بحسب درجاتهم في القرب إلى الميت وهم طبقات أولي الأرحام ولا يحجب الأقرب من
كل صنف الأبعد من الصنف الآخر الذي في طبقته كالأب مع ولد الولد في الأولى والجد مع ولد الأخ
في الثانية بل يحجبه حجب الحرمان إذا كان من صنفه كالولد مع ولد الولد والأخ مع ولد الأخ والجد مع
أبي الجد والعم مع عم الأب كما علم من الترتيب والواحد من كل طبقة أو درجة من درجات أصناف
الطبقات وإن كان أنثى يحجب من ورائه من الطبقات والدرجات كالبنت تحجب الإخوة والأجداد
والجدات تحجب الأعمام والأخوال والعمة تحجب أولاد العم وكذا الخالة وهكذا إلا في صورة واحدة مخصوص
بها مشهورة بالاجماعية هي ابن العم للأب والأم يحجب العم للأب وحده ويأخذ نصيبه قال في الفقيه
للخبر الصحيح الوارد عن الأئمة (ع) والموجود رواية الحسن بن عمارة قال قال أبو عبد الله (ع) أيما أقرب ابن
عم لأب وأم أو عم لأب قلت حدثنا أبو إسحاق السبيعي عن الحارث الأعور عن أمير المؤمنين (ع) أنه كان
يقول أعيان بني الأم أقرب من بني العلات قال فاستوى جالسا ثم قال جئت بها من عين صافية إن
عبد الله أبا رسول الله أخو أبي طالب لأبيه وأمه وحديث أمير المؤمنين (ع) مما رواه عنه القوم أيضا
إلا أنهم اقتصروا فيه على الإخوة فإن الأعيان الإخوة لأب واحد وأم واحدة مأخوذ من عين الشئ
وهو النفس منه وبنو العلات الإخوة لأب واحد وأمهات شتى ومنه الحديث الأنبياء أولاد علات
أي ايمانهم واحد وشرايعهم مختلفة فإن كانوا لأم واحدة وآباء شتى فهم الأخياف وفي معناها غيرها
وكلها مشتركة في ضعف السند في مصطلح المتأخرين والعمدة عندهم الاجماع الذي نقله عصبة
منهم فيقتصر على محله ولا يعدي إلى غيرهما كما لو تعددا أو أحدهما أو دخل معهما أحد الزوجين أو
كان بدل العم عمة أو بدل الابن بنتا أو معهما عم لأم أو خال بل ينعكس الحجب ويعود إلى حكم القاعدة
وقوفا فيما خالف الأصل على موضع النص والوفاق ورجوعا في غيره إلى مقتضى آية أولي الأرحام
التي هي الأصل في الباب على خلاف واشكال في الجميع وإن كان في بعضها أقوى ولا سيما الأخيرين
فليؤخذ فيها باليقين ومن له قرابة من إخوة أو عمومة أو خؤولة من جهتي الأب والأم يحجب من له
تلك القرابة من جهة الأب وحده مطلقا من الفرض وهو مقدار ما عين له في صريح القرآن و
الرد وهو ما عداه المستحق في الأكثر بآية أولي الأرحام أو من جهة الأم وحدها من الرد دون
الفرض بشرط التساوي في القرب فإذا اجتمع أخ لأبوين مع أخ لأب كان المال كله للأول وإذا اجتمع
مع أخ لأم كانت الفريضة وهي السدس للأخير ويرد الباقي على الأول وإن اختلفا فيه كأخ لأب
مع ابن أخ لأب وأم اختص به الأخ جميعا لأن الأقرب ينفي الأبعد إما من قرابتان مختلفتان
أو أكثر فلا يحجب من له قرابة واحدة مساوية لقرابتيه لاتحادهما في الدرجة لكنه يتوفر نصيبه إذ
يأخذ بجهتي استحقاقه إذ استوتا في الرتبة فاجتماع القرابتين ككون العم خالا كما إذا تزوج أخوه لأبيه
أخته لأمه فإنه يصير لولدهما عما للأب خالا للأم فلو كان معه عم لأب أو لأم كان له نصيب الخؤولة
وساهم في نصيب العمومة أو خال لأب أو لأم كان له نصيب العمومة وساهم في نصيب الخوؤلة
أما لو كان معه عم لأب وأم حجب عن نصيب العمومة وله نصيب الخوؤلة أو خال لهما كان له نصيب
العمومة والفرض من نصيب الخوؤلة ويرد الباقي على الخال واجتماع القرابات كما لو كان لهذا العم
أخت كذلك وتزوج ابن أحدهما بنت الآخر فولدهما ولد ولد عم وولد ولد خال وولد ولد عمة
وولد ولد خالة ولو اختلفتا في الرتبة أخذ بالجهة القريبة خاصة كابن عم هو أخ لأم فيرث بالأخوة وتلغو العمومة ولقد كان اعتبار الاستواء وصفا للقرابتين كالاختلاف أخصر وأولى
من اعتباره شرطا أو ظرفا وفي المفاتيح استويا بتذكير الضمير فيكون قيدا لذوي القرابتين و
هو أولى لأن اشتراط استوائهما في الرتبة مما لا يسوغ اهماله والاتكال فيه على الظهور و
لا يبعد أن يكون ما هنا من تصرفات النساخ ويمكن فرض الاجتماع فيما عدا القرابتين من جهات
الاستحقاق كزوج هو معتق أو ابن عم أو ابن خالة أو كلاهما والزوجان يدخلان على جميع الطبقات
القريبة والبعيدة ويزاحمانهم في الميراث ولا يحجبهما عنه أحد منهم وإن قل نصيبهما بالولد والولاء لا
يوجب الإرث إلا بعد فقد ذوي النسب فمع وجود مناسب وإن بعد لا يرث ذو الولاء بالاجماع والمشهور
منه ولاء العتق وضمان الجريرة أي الجناية والإمامة وأقربه ولاء العتق وهو العلاقة الحاصلة بسببه
وظاهر قوله صلى الله عليه وآله الولاء لحمة كلحمة النسب ثبوت التوارث به من الجانبين مطلقا ثبوته في النسب إلا أن المشهور
أنه يختص الإرث به بالمنعم وهو المعتق المتبرع الغير المتبري من جريرة العتق والأول مما نقل عليه الاجماع
وخالف فيه بعض القدماء وله ظاهر الرواية ويرد بالضعف سندا ودلالة فإن التشبيه لا يقتضي التساوي
359

في جميع الأحكام وقد سبق نظيره في الرضاع بل يكتفي فيه بأقل ما تصدق به المشابهة عرفا لا سيما وفي تتمته
لا يباع ولا يوهب وهو قرينة انحصار وجه الشبه فيهما وبقوله صلى الله عليه وآله في حديث بريدة وغيره الولاء لمن أعتق
وفي بعض الألفاظ العامية إنما الولاء وهو أظهر دلالة على الحصر وبأن الإرث يحتاج ثبوته إلى سبب شرعي
وإنما ثبت في المنعم دون المنعم عليه فيرجع فيه إلى الأصل وهو عدم التوارث ومقتضى اشتراط التبرع
أنه لا يرث المكفر عتيقه في الكفارة كما في صحيحة ابن رئاب وغيرها ولا المنكل بمملوكه بحيث ينعتق عليه قهرا
كما في صحيحة أبي بصير ولا المكاتب كما في رواية عبد الله بن سنان ولا المستولد مورثه أمته لأن ثبوت الولاء
له فرع ثبوته له وظاهر الرواية قصر الولاء على مباشر العتق والمستولد ليس مباشرا بل سبب وإنما يحصل العتق
بعد موته وخروجه عن أهلية الولاء ونقل فيه الخلاف عن بعض القدماء مدعيا للاجماع وأما أنه لا يرث
المتبري من ضمان جريرته فمجمع عليه في الجملة وإنما الخلاف في أن المعتبر منه ما كان حين الاعتاق أم يعتبر به
فيما بعد أيضا والمصنف على الأول وفي أنه هل يشترط فيه الاشهاد أم لا وميله إلى الأخير وفي حسنة أبي الربيع سئل
أبو عبد الله (ع) عن السائبة فقال هو الرجل يعتق غلامه ثم يقول له اذهب حيث شئت ليس لي من ميراثك
شئ ولا علي من جريرتك شئ ويشهد على ذلك شاهدين فإن وجد المعتق بالوصفين فله الإرث مطلقا و
إن فقد وكان رجلا فلأولاده الذكور خاصة دون الإناث وفاقا للشيخ في النهاية وعتق الاستبصار ولصحيحتي
بريد بن معاوية ومحمد بن قيس وإن أشركوا الإناث واقتسموه كميراث أبيهم فقد أخذوا باليقين وخرجوا
عن خلافه في الخلاف وميراث الاستبصار واحتجاجه باجماع الفرقة وأخبارهم على التشريك وحمل
الصحيحتين وما في معناهما على التقية ثم إن لم يكن ولد ذكر على الأول أو مطلقا على الثاني كان الإرث
لعصبته الذين يعقلون عنه إذا أحدث حديثا من أبيه وإخوته وجدوده وعمومه وأبنائهم كما سلف
دون الأخوات والجدات وإن كن لأبيه وكذا من يتقرب بالأم من الإخوة والأخوات والأخوال والخالات والأجداد
والجدات وإن كان امرأة فلعصبتها ابتداء دون أولادها مطلقا بلا خلاف بين الطائفة كما قاله الشيخ و
يصادم هذه الاجماعات اشتهر من الخلاف في المسألة من المشايخ المتقدمين عليه كقول المفيد إن الولاء
للأولاد الذكور رجلا كان المعتق أو امرأة فإن لم يكن أولاد ذكور فالعصبة والصدوق أنه للأولاد مطلقا
وابن أبي عقيل يرثه من يرث المال كذلك وله عموم اللحمة وقد عرفت ما فيه وحيث يحكم بإرث الأولاد للولاء
فلو كان معهم أبوان أو أحدهما تشاركوا جميعا على المشهور للتساوي في الطبقة خلافا لمن خصه بالولد ومع فقد
القرابة الوارثين من أنساب المولى كائنين من كانوا يرثه مولى المولى فإنه منعم بالواسطة كالجد مع فقد الأب ثم
قرابته بالتفصيل المذكور ثم مولى مولى المولى ثم قرابته وهكذا متصاعدا فإن فقد الجميع ورثه معتق أبي المعتق
ثم قرابته ثم معتق هذا المعتق وقرابته ثم معتق هذا المعتق وقرابته وهكذا كالأول وكما يرث المولى ومواليه
عتيقه يرثون أولاد العتيق أيضا مع فقد الوارث من ذوي النسب وفي الصحيح ولاء ولده لمن أعتقه ولو تعدد
مولى الأب والأم فوارث الولد مولى الأب على مال إليه في المفاتيح لأنه أقوى وأولى ولأن الولاء تلو النسب و
النسب إلى الآباء دون الأمهات وبعده ولاء ضامن الجريرة والنصوص فيه مستفيضة وهذا الضمان
عقد مفتقر إلى ايجاب وقبول وبه كانوا يتوارثون في الجاهلية دون القرابة فأقروا في صدر الاسلام عليه
بآية والذين عقدت أيمانكم فأتوهم نصيبهم ثم نسخ بالاسلام والهجرة بآية والذين آمنوا ولم يهاجروا ما
لكم من ولايتهم من شئ ثم نسخ هذا بالتوارث بالرحم والقرابة بآية أولي الأرحام وبقي الإرث بضمان الجريرة
منسوخا عند الشافعي مطلقا وبقي عند أصحابنا على بعض الوجوه وصورة العقد أن يقول المضمون
عاقدتك على أن تنصرني وتدفع عني وتعقل عني وترثني فيقول الضامن قبلت فيرث المضمون ولا يرثه
المضمون فإن تعاكس الضمان بأن كان من الجانبين وصورته أن يقول على أن تنصرني وأنصرك إلى آخره
ورثا جميعا أي توارثا وإن شاء قال لحمك لحمي ودمك ودمي وإن أتى في الايجاب بأن تضمن جريرتي كان أصرح
ولا يضمن إلا سائبة لا وارث له ولا يتعدى الإرث من الضامن إلى الأقارب أو ضامن الضامن كما
في المعتق قصرا على موجب الشرط واليقين فلو مات الضامن في حياة المضمون بطل العقد وله أن
يتولى آخر فإن فقد فالميراث للإمام فإنه الضامن لجرائر المسلمين على العموم وهو آخر طبقات الولاء واعم
طبقات الإرث وورد عن أبي الحسن (ع) الإمام وارث من لا وارث له وقيل لبيت المال وهو شاذ ومستنده
يحتمل التقية على أن هذا الخلاف قليل الجدوى ومنهم من أثبت بين ولائي الضامن والإمام أقساما
آخر آ ولاء من التقط لقيطا في دار الاسلام فإن ولائه له كما سبق ب ولاء من أسلم على يده كافر فولاء
الكافر له وفي مستنده ضعف ج ولاء العبد المبتاع من مال الزكاة لفقد المستحق للفقراء المؤمنين
الذين يستحقون الزكاة لأنه إنما اشترى بمالهم كما في موثقة عبيد بن زرارة وفي رواية أيوب بن
الحر ميراثه لأهل الزكاة واستحسنه المصنف وغيره وما للإمام يحمل في حضوره إليه يصنع به ما شاء
وكان علي (ع) يعطيه فقراء بلده وضعفاء جيرانه وفي غيبته يصرف إلى الفقراء والمساكين من أهل النحلة العادلة
من بني هاشم كسهمه من الخمس وسائر حقوقه (ع) كما مر في كتاب الزكاة وفي صحيحتي محمد بن مسلم والحلبي أنه من
الأنفال
باب الموانع وهي أحوال يمنع بسببها عن الإرث من شأنه الاستحقاق والمذكور منها هنا خروج
الحمل ميتا سواء مات بنفسه أو بجناية جان وإن أوجبت الدية فإن إرثه مراعى بحياته حين الولادة وإن
مات بعدها بلا فصل ويعلم ذلك بصراخه والبكاء وامتصاص الثدي ونحوها من الحركات الحيوانية
ورواية عبد الله بن سنان لا يرث من الدية شيئا حتى يصيح ويسمع صوته محمولة إما على التمثيل أو
التقية أو مختصة بإرث الدية وفي صحيحة ربعي بن عبد الله وحسنته إذا تحرك ورث أنه ربما كان
أخرس وفي اشتراط استقرار الحياة قولان اقتصر في المفاتيح على نقلهما وظاهره هنا العدم فإن غير
مستقرها حي وإن كان مشرفا على الموت وكونه في حكم الميت لذلك عين الدعوى واقتران موت
360

المتوارثين نسبا أو سببا أو اشتباه المتقدم موته بالمتأخر مع العلم بالتعاقب أو اشتباههما فإن
ذلك كله يمنع التوارث بينهما بل يختص سائر ورثة كل منهما بميراثه سواء ماتا حتف أنفيهما أو بسبب باد
كائنا ما كان لانتفاء شرط الإرث في الجميع وهو العلم بحياة الوارث عند موت المورث إلا في الغرقى و
المهدوم عليهم مع الاشتباه على أحد الوجهين فإنه يرث كل واحد منهم صاحبه بأن يفرض موت أحدهما
أولا ويورث الآخر منه ثم يفرض موت الآخر أولا ويورث الأول منه إما مطلقا من قديم ماله وجديده
جميعا كما عليه المفيد وغيره أو من قديمه خاصة وهو ما لم يرث منه دون جديده كما عليه الأكثر لما رواه
المحمدون الثلاثة في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن بيت وقع على قوم
مجتمعين فلا يدرى أيهم مات قبل فقال يورث بعضهم من بعض قلت فإن أبا حنيفة أدخل فيها شيئا
قال وما أدخل قلت لو أن رجلين أخوين أحدهما مولاي والآخر مولى الرجل لأحدهما مائة ألف درهم و
الآخر ليس له شئ ركبا في السفينة فغرقا فلم يدر أيهما مات أولا كان الميراث لورثة الذي ليس له شئ
ولم يكن لورثة الذي له المال شئ قال فقال أبو عبد الله (ع) لقد سمعها وهو هكذا وفي رواية أخرى
ما أنكر ما أدخل فيها صدق وهي هكذا يدفع لي مولى الذي ليس له شئ ولو لم يكن للآخر مال
يرثه موالي الآخر فلا شئ لورثته ولو عمم التوارث لكان المال بينهما نصفين ومن الصريح فيه حديث
أمير المؤمنين (ع) في قوم غرقوا جميعا أهل بيت قال يورث هؤلاء من هؤلاء وهؤلاء من هؤلاء ولا يرث
هؤلاء مما ورثوا من هؤلاء شيئا ولا يورث هؤلاء مما ورثوا من هؤلاء شيئا واحتج المفيد بما ورد
من تقديم توريث الأقل نصيبا فيما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (ع) وعن عبيد بن زرارة
والصدوق عن الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله (ع) في رجل سقط عليه وعلى امرأته بيت قال تورث
المرأة من الرجل ثم يورث الرجل من المرأة ولولا ذلك لفقدت الفائدة في التقديم وفيه احتمال انسلاخ
ثم عن معنى الترتيب كما في قوله (تع) من تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى وقول الشاعر إن من ساد ثم ساد أبوه
ثم قد ساد قبل ذلك جده بقرينة ما رواه الشيخ أيضا وثقة الاسلام وهو أثبتهم في الصحيح عن محمد بن
مسلم أيضا عن أبي جعفر (ع) في رجل سقط عليه وعلى امرأته بيت قال تورث المرأة من الرجل ويورث الرجل
من المرأة معناه يورث بعضهم من بعض من صلب أموالهم لا يورثون مما يورث بعضهم بعضا شيئا و
الأجود التقديم تعبدا وأما القرعة في المهدوم عليهم بالخصوص فما ذكر لها في الأخبار وما ورد من أنه
يسهم فأيهما أصابه السهم ورث الآخر كما في بعض نسخ المفاتيح فمورده حرة وجارية ولدتا وسقط عليهما
البيت وبقي الولدان لا يعرف الحر منهما من المملوك وأن أبا حنيفة قضى بأن يعتق النصف من كل منهما
ويقسم المال بينهما نصفين وهذا المعنى مروي في روايات عديدة في الكتب الأربعة وغيرها وأن عليا (ع)
قضى بذلك والحاق الموتى بغير الغرق والهدم مما سوى حتف الأنف من الأسباب البادية الموجبة
للاشتباه كالحرق والصعق والقتل بهم في ذلك لجامع الاشتباه المستند إلى السبب البادي قياس مردود
فيقتصر فيه على مورد النص والاجماع ويرجع في الباقي إلى الأصول الشرعية ومقتضاها المنع من التوارث
مطلقا لانتفاء شرطه ومن الموانع الكفر فيحرم الكافر من الإرث ولو ذميا إلا في إحدى صورتين إذا أسلم
على ميراث قريبه المسلم أو الكافر قبل القسمة مع تعدد الآخرين المستحقين له قبل فإن كان المورث مسلما
شاركهم هذا الداخل إن ساواهم في الدرجة واختص به عنهم إن كان أقرب وكذا إن كان كافرا وورثته
مسلمون فإن كانوا كفارا انفرد به الداخل وإن كان بعيدا ومنع منه الآخرون بكفرهم ولا شئ له لو
كان اسلامه بعد القسمة ولو قسم بعضه دون بعض فلكل حكمه وكذا لا شئ له مع اتحاد المستحق مطلقا
مسلما كان المورث أو كافرا مطلقا وقيل إن كانت أعيان التركة باقية استحقها من الكافر وقيل إن كان
ذلك المستحق الواحد الإمام ورث هذا المسلم مطلقا لصحيحة أبي بصير عن أبي جعفر (ع) في رجل مسلم
مات وله نصرانية وله زوجة وولد مسلم فقال إن أسلمت أمه قبل أن يقسم ميراثه أعطيت السدس
قلت فإن لم يكن له امرأة ولا ولد ولا وارث له سهم في الكتاب من المسلمين وأمه نصرانية وله قرابة
نصارى ممن له سهم في الكتاب لو كانوا مسلمين لمن يكون ميراثه قال إن أسلمت أمه فإن جميع ميراثه
لها وإن لم تسلم أمه وأسلم بعض قرابته ممن له سهم في الكتاب فإن ميراثه له وإن لم يسلم من قرابته
أحد فإن ميراثه للإمام وقيل بشرط عدم نقل التركة إلى بيت المال تنزيلا له منزلة القسمة وربما
يلحق بالإمام الزوج بناء على الرد عليه كما يأتي وكذا الزوجة أو كان المورث كافرا ولا وارث له مسلم
وإن بعد سوى الإمام فإنهم يتوارثون حينئذ بمقتضى شرعهم أو شرع الاسلام وإلا انتفى التوارث بين
الكفار ولو كان له قريب مسلم ولو بعيدا ورثه دونه حتى من يتقرب إليه بسببه مثل ولده وولد ولده لوجود
المانع فيه دونه وإن كان المقتضي فيه أقوى وفي رواية مالك بن أعين عن أبي جعفر (ع) في نصراني مات
عن ابن أخ وابن أخت مسلمين وله ولد صغار أنهما يقتسمان التركة وينفقان عليهم منها حتى
يدركوا فإذا أدركوا قطعا النفقة عنهم فإن أسلموا وهم صغار انتظر بهم أن يدركوا فإن بقوا على
الاسلام ورثوا دونهما وإلا ورثا دونهم وهي متشابهة مخالفة للأصول الشرعية وليست بصحيحة السند كما ظن
ومن ثم لم يلتفت إليها أكثر المتأخرين ومنهم من حملها على الاستحباب ولو كان المورث مسلما أو من في
حكمه ولا وارث له ورثه الإمام ومنع الكافر الباقي على كفره ولو أقرب الأقارب كما في النصوص ورواية
إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي عبد الله (ع) في نصراني أسلم ثم رجع إلى النصرانية ثم مات قال ميراثه لولده النصارى
فشاذة وإن أفتى بها بعضهم ومنها الرق فيمنع المملوك اجماعا قنا كان أو مدبرا أو أم ولد أو مكاتبا
مطلقا إلا إذا كان مطلقا قد تحرر منه شئ فبالحساب كالمبعض إلا في إحدى صورتين أيضا إذا تعدد
الأقارب الأحرار وأعتق هذا المملوك قبل قسمتهم التركة فإنهم يشاركهم أو يختص بها عنهم كما في اسلام الكافر
361

قبلها مع التعدد سواء وفي الموثق عن أبي عبد الله (ع) من أعتق على ميراث قبل أن يقسم فله ميراثه وإن أعتق
بعد ما يقسم فلا ميراث له أو لا يكون للميت وارث ولو بعيدا سواه فيشترى من التركة بالقيمة السوقية
قهرا لو لم يرض المالك وفي صحيحة سليمان بن خالد وحسنة جميل ويعتق ويعطى البقية وظاهرهما توقف
انعتاقه على الاعتاق ومثله في المفاتيح واقتصر في غيرهما على الاشتراء والدفع كما هنا ومن القريب أن
يراد بالاعتاق اعلامه أنه حر لا انشاء العتق له ولا فرق في ذلك بين الأبوين والأولاد وسائر الأقارب
والزوجة للنصوص الصريحة في الجميع وإن اختص الاجماع بالأول ومتولي الشراء والاعطاء الحاكم فإن تعذر
فغيره من المحتسبين ومنها القتل فلا يرث القاتل مقتوله اجماعا وفي النبوي وغيره لا ميراث للقاتل و
علل بالجام مستعجل الإرث عن الاقدام على قتل مورثه بل ينصرف إلى غيره من الورثة حتى الإمام ومن
يتقرب به منصوص في صحيحة جميل عن أحدهما (ع) في رجل قتل أباه قال لا يرثه وإن كان للقاتل ولد ورث
الجد المقتول إلا في إحدى صورتين أيضا إذا كان القتل بحق فإنه لا يمنع بلا خلاف لرواية حفص عن أبي
عبد الله (ع) في طائفتين من المؤمنين إحديهما باغية والأخرى عادلة اقتتلوا فقتل رجل من أهل العراق
أباه أو ابنه أو أخاه أو حميمه وهو من أهل البغي وهو وارثه أيرثه قال نعم لأنه قتله بحق أو كان خطأ
فإنه ليس مانعا أيضا مطلقا وفاقا للمفيد والمحقق وغيرهما لصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) في
رجل قتل أمه قال إن كان خطأ ورثها وإن كان عمدا لم يرثها ومثلها رواية محمد بن قيس فيخص بها العموم السابق
وقيل بل يمنع مطلقا تسوية بينه وبين العمد وهو المحكي عن ابن أبي عقيل لروايتي الفضل لا يرث الرجل
أباه إذا قتله وإن كان خطأ والسيد وابن الجنيد والشيخ وأتباعه والعلامة وأكثر المتأخرين على أنه يمنع
من الدية دون غيره جمعا بين الأخبار وبه صريحا رواية عامية ولو لم يأخذ الخاطي شيئا من الإرث
كالعامد وخصوصا من الدية وعاف ذلك لسائر الورثة فقد أخذ باليقين لنفسه وخرج عن وسوسة
استبعاد المشهور أنه كيف يعقل استحقاقه على العاقلة لنفسه عوض ما جناه بنفسه ولو أعطوه
سهمه من الجميع فقد أخذوا باليقين لأنفسهم فإن مثل هذا الاستبعاد مما لا يلتفت إليه في الأحكام الشرعية
ولو وقع أيهما وقع بصلح أو ابراء أو نحوهما فقد أخذوا به لأجمعهم وفي الحاق شبيه العمد بالعمد
أو الخطأ قولان والدية في حكم مال المقتول يرثها كل مناسب ومسابب عند جماعة للعمومات وخصوص
ما في الرواية النبوية هي ميراث كساير الأموال وقيل لا يرث الدية المتقرب بالأم لصحيحتي عبد الله بن
سنان وسليمان بن خالد في قضاء أمير المؤمنين (ع) وغيرهما أن الدية يرثها الورثة على كتاب الله وسهامهم
إذا لم يكن على المقتول دين إلا الإخوة من الأم والأخوات من الأم فإنهم لا يرثون من الدية شيئا والأخوال وأولادهم أبعد
من الإخوة فكانوا أولى بالحرمان والمصنف اقتصر على النص وهو أجود باب التعداد والقسمة قال
الله (تع) يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما
ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن
له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين
آباؤكم
وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما ولكم نصف ما ترك أزواجكم
إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع
مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان
رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في
الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حكيم وقال سبحانه يستفتونك
قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرء هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن
لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين
يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شئ عليم والفرايض هي السهام المنصوصة في الآيتين وهي ستة
لخمسة عشر قبيلا وربما يزاد بعضهم عن سهمه ردا لا فرضا الثلثان وهو فرض ثلاثة البنتين فصاعدا
مع فقد الابن أما ما فوق الاثنتين فبنص الآية وأما البنتان فبالاجماع والنصوص وقد يقال إن الله (تع)
جعل للذكر مثل حظ الأنثيين وأقل ما يفرض من صور الاجتماع ذكر وأنثى وللذكر ثلثان فهو حظ الأنثيين
ومقتضاه أن الذكر من ذوي الفروض وهو خلاف ما صرح به الجماعة والأختين بنص الآية فصاعدا
بالاجماع ولنزول الآية في سبع أخوات لجابر لأب وأم أو لأب مع فقد الإخوة ولو واحدا ومع وجوده
فللذكر مثل حظ الأنثيين وأما الأميتان فصاعدا ففرضهما الثلث كما يأتي والنصف وهو فرض أربعة
البنت الواحدة مع فقد الابن والأخت الواحدة لأب وأم أو لأب مع فقده الإخوة كما ذكر والأمية فرضها
السدس والزوج مع عدم الولد للزوجة الذكر والأنثى وإن نزل بالاجماع هنا وإن خولف في غيره وفي
حديث زرارة الذي قال في أوله هذا مما ليس فيه اختلاف عند أصحابنا أن أولاد الأولاد يحجبون الأبوين
والزوجين عن سهمهم الأكثر وإن سفلوا ببطنين وثلاثة وأكثر يرثون ما يرث ولد الصلب ويحجبون ما
يحجب ولد الصلب والثلث وهو فرض اثنين الأم القريبة مع عدم من يحجبها حجب النقصان من ولد أو
أخوين فأزيد لأب وأم أو لأب أو أربع أخوات كذلك فهنا أحكام حجب الولد وشموله للنازل كما ذكر ب
حجب الإخوة وهو مختص بهم دون أولادهم ج اشتراك الأخوين للإخوة في ذلك إما لدخولهما في صيغة الجمع حقيقة
أو مجازا شايعا واقعا نظيره في القرآن وأما الاجماع والنصوص د إن في حكمها الأربع أخوات كما في الصحيح
عن أبي عبد الله (ع) لا يحجب الأم من الثلث إذا لم يكن ولد إلا أخوان أو أربع أخوات وفي الحسن عنه (ع) إذا كن
أربع أخوات حجبن الأم عن الثلث لأنهن بمنزلة الأخوين وإن كن ثلاثا لم يحجبن وأما أخ وأختان
فخارج عن المنصوص والحصر ينفيه ه اشتراط كونهم لأب وأم أو لأب فلا يحجب الإخوة من الأم كما في موثقة
362

عبيد بن زرارة وغيرها وهو من مواقع الاجماع فيه يخصص عموم الكتاب إن قصرت الروايات عنه
ويشترط مع ذلك أن يكونوا غير كفرة ولا أرقاء بالنص والاجماع أيضا فلا يحجب الكافر ولا المملوك روى
الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله (ع) عن المملوك والمشرك يحجبان إذا لم يرثا قال
لا و
في الموثق وغيره عن الفضل بن عبد الملك عنه (ع) في المملوك والمملوكة هل يحجبان إذا لم يرثا قال لا والصدوق
إن الكفار بمنزلة الموتى ولا يحجبون ولا يرثون والمحمدون الثلاثة إن الكافر لا يحجب المسلم ولا يرثه وفي معناها
غيرها وفي الحاق القاتل بهما وجه نقل عليه الاجماع من الخلاف وتوقف فيه جماعة منهم المصنف في
المفاتيح وإن كان ظاهره هنا موافقة الصدوقين وابن أبي عقيل في الحجب عملا بظاهر الكتاب واقتصارا
على المنصوص في السنة وهو أجود واعلم أن الصحيحة وما في معناها صريحة في اشتراط انتفاء الأمرين
في مطلق الحاجب لا في خصوص الإخوة كما اعتبره المصنف وغيره وفي المفاتيح توقف في اشتراطه في الولد
ولا يعرف وجهه بعد التعويل على هذه الروايات العامة من غير مخصص ولا يمكن حمل كلامه هنا على الاشتراط
في الجميع حيث ذكره بعد الولد والأخوين فأزيد لإباء ما بعده عن ذلك ويأباه أيضا أن الإخوة معطوفة
على الولد بأو كما في أكثر النسخ أو بالواو التي بمعناها كما في بعضها فيمتنع ايراد وصف واحد لهما جميعا ومن
ثم أولوا قول الراجز أن بها أكثل أو رزاما خوير بين ينفقان الهاما بأن خوير بين ليس نعتا
تابعا بل منصوب على الذم فتأمل وأيضا لو كان يرى اشتراطه في الولد لمكان الأولى ذكره في ذيل فرض
الزوج لأنه أول موضع ذكر فيه الولد ثم حوالة هذا الموضع إليه وفي اشتراط حجب الإخوة بكونهم منفصلين
لا حملا قولان والمشهور المنصوص الاشتراط وهذا بخلاف الولد فإنه لا يشترط فيه ذلك وإنما يحجب
الإخوة الأم عن فرضها الأعلى مع حياة الأب على المشهور فلو كان ميتا لم يكن حجب لرواية بكير و
غيرها ويومي إليه ما ورد في علته من التوفير على الأب لأجل نفقته وعياله وما في رواية إسحاق بن
عمار عن أبي عبد الله (ع) في رجل مات وترك أبويه وإخوة لأم قال الله أكرم من أن يزيدها في العيال
وينقصها في الميراث الثلث وهو أيضا فرض الزايد على الواحد من ولد الأم ذكورا أو إناثا أو مختلفين
باجماع الأمة وفي قراءة ابن مسعود وله أخ أو أخت من أم والربع وهو فرض اثنين أيضا الزوج مع
وجود الولد الوارث أو مطلقا كما علمت وإن نزل والزوجة الواحدة فأزيد مع فقده يقسم بينهن
مع التعدد وربما قسم على ثمان أو أكثر كما يظهر مما تقدم والسدس وهو فرض ثلاثة الأب القريب مع
وجود الولد وإن نزل والأم المحجوبة بمن ذكر من الولد والإخوة والواحد من ولد الأم وإن نزل ذكرا
أو أنثى والثمن وهو فرض الزوجة فأزيد مع وجود الولد لا غير ومن عدا هذه القبايل الخمسة عشر
من أولي الأرحام المعدودين في الطبقات المذكورة فإنما يرثون قرابة لا فرضا فمن الطبقة الأولى
للأب مع عدم الولد ما بقي بعد نصيب الوارثين معه من الأم واحد الزوجين فله من اثني عشر سبعة
أو خمسة أو أربعة أو اثنان وكذا الأولاد إذا كانوا ذكورا واحدا أو متعددا كان فيهم ذكر يرثون بالقرابة
ما بقي بعد نصيب الأبوين واحد الزوجين يقتسمه الذكور بالسوية والمختلفون بالتفاوت للذكر مثل حظ
الأنثيين وأولادهم يقومون مقامهم عند عدمهم والمشهور أن أولاد البنت يرثون ميراث أمهم وأولاد
الابن ميراث أبيهم ويقتسم كل من القبيلتين بالتفاوت خلافا للسيد وجماعة فيقتسمون اقتسام الأولاد
حتى لو خلف ابن بنت وبنت ابن فللذكر الثلثان وللأنثى الثلث لأنهم أولاد وقواه المصنف و
للقاضي ابن البراج فسوى بين أولاد البنت في القسمة وهو شاذ ومن سائر الطبقات للمتقرب إليه
بأحد الأبوين بغير واسطة أو معها ممن لا فرض له كالأعمام والأخوال وكأعمام الأبوين وأخوالهما نصيبه
أو نصيب من يتقرب به إليه كما في صحيحة أبي أيوب عن أبي عبد الله (ع) كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي
يجربه فللأعمام الثلثان نصيب الأب بعد نصيب الزوجية واحدا أو متعددا ذكرا أو أنثى أو مختلفين
وكذا أعمام الأب وأخواله وللأخوال ثلث الأصل على الأظهر نصيب الأم كذلك على المشهور وقيل إن كان
واحدا فالسدس وكذا أخوال الأم وأعمامها مع اتحاد القرابتين بأن يكونا جميعا لأب أو لأم أو لهما إلا
أن المتقربين بالأب مع التعدد والاختلاف في الذكورة والأنوثة يقتسمون ذلك النصيب للذكر ضعف
الأنثى والمتقربين بالأم يقتسمون بالسوية كذوي الفروض منهم وهم الإخوة والأخوات للأم كما علمت
فإنهم أيضا يقتسمون بالسوية وإن اختلفت إحدى القرابتين أو كلتاهما بأن يكون بعضها من جهة أم من
يتقربون به وبعضها من جهة أبيه خاصة أو أبيه وأمه كعم لأب أو لأب وأم مع عم لأم أو خالين كذلك
أو عمين وخالين كذلك كان للذي يتقرب بالأم خاصة السدس من نصيب الجماعة إن كان واحدا ذكرا
كان أو أنثى والثلث إن كان أكثر كذلك فللعم للأم سدس الثلثين اثنان من ثمانية عشر وللعمين لها
فما زاد ثلثهما أربعة وللخال للأم سدس الثلث واحد وللخالين لها فما زاد ثلاثة اثنان ويقتسمون بالسوية
والباقي لمن يتقرب بالأب أو الأبوين يقتسمونه بالتفاوت أعماما كانوا أو أخوالا على خلاف في الأخير و
الجد والجدة من كل جهة من جهتي الأبوين كالأخ والأخت من تلك الجهة فلو ترك جد الأم وأخا لأب
أو لأب وأم كان للجد السدس وفاقا للصدوق وابن زهرة لأنه لو كان أخ لأم لم يزد على ذلك وخلافا
للمشهور بين المتأخرين حيث جعلوا له الثلث لأنه إنما يتقرب بالأم فيأخذ نصيبها وهو أوفق بموثقة
محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) إذا لم يترك الميت إلا جده أبا أبيه وجدته أم أمه فإن للجدة الثلث
وللجد الباقي الحديث والأول أوفق باطلاق النصوص المستفيضة في أن منزلة الجد منزلة الأخ مثل
حسنة الفضلاء عن أحدهما (ع) إن الجد مع الإخوة من الأب يصير مثل واحد من الإخوة ما بلغوا قلت
رجل ترك جده وأخاه لأبيه وأمه قال المال بينهما وإن كانا أخوين أو مائة ألف فله مثل نصيب واحد
من الإخوة قلت رجل ترك جده وأخته فقال للذكر مثل حظ الأنثيين وإن كانتا أختين فالنصف للجد
363

والنصف الآخر للأختين وإن كن أكثر من ذلك فعلى هذا الحساب وإن ترك إخوة وأخوات لأب و
أم أو لأب وجدا فالجد أحد الإخوة والمال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين قال زرارة هذا مما لا يؤخذ
على فيه قد سمعته من أبيه ومنه قبل ذلك وليس عندنا في ذلك شك ولا اختلاف وصحيحة أبي عبيدة
عن أبي جعفر (ع) في رجل مات وترك امرأته وأخته وجده قال هذا من أربعة أسهم للمرأة الربع وللأخت
سهم وللجد سهمان وموثقة أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) في ستة إخوة وجد قال للجد السبع وهي وما في
معناها محمولة على الأخ للأب أو الأبوين فإن الإخوة للأم لهم نصيب مفروض فيكون الفاضل منه للجد و
القرينة وقوع التقييد في بعضها والتصريح في غيرها كصحيحة عبد الله بن سنان عنه (ع) إن كان مع الأخ
للأم جد قال يعطى الأخ للأم السدس ويعطى الجد الباقي قلت فإن كان أخ لأب وجد قال المال بينهما سواء
وصحيحة الحلبي عنه (ع) الإخوة من الأم فريضتهم الثلث مع الجد وفي معناهما غيرهما ثم إن الوارث إن كان
واحدا من أي طبقة أو درجة كان حاز المال كله بعضه بالفرض إن كان ذا فرض والباقي بالقرابة كالأم
لها الثلث فرضا والباقي ردا أو بالقرابة المحضة كالابن أو بالولاء على الترتيب المذكور ولو كان غير ذي
قرابة ولا ولاء كالزوجين ففي رد ما فضل عن فرضه عليه أقوال وظاهر المصنف في المفاتيح العدم مطلقا
فينتقل إلى الإمام لأنه وارث من لا وارث له والمشهور الرد على الزوج ونقل جماعة فيه الاجماع أما الزوجة
فثالث الأقوال للصدوق وغيره الرد عليها حال الغيبة دون الحضور والمشهور العدم مطلقا وإن تعدد
قسم بينهم على التفصيل السابق وقدم صاحب الفرض إن كان والباقي للباقي إن كان كأبوين وزوج وابن
فللأبوين السدسان وللزوج الربع والباقي للولد وإن كانوا جميعا أصحاب فروض فلا يخلو إما أن تكون
سهامهم مساوية للتركة كأختين أعني للأب أو الأبوين مع التعدد من ولد الأم أو بنتين مع أب و
أم أو زائدة عليها كما لو دخل في المثالين زوجة أو زوجة فإنه يعول بقدر نصيب الداخل أو ناقصة
عنها كزوج وبنت يفضل ربع فإن كانت زوجة فضل ثلاثة أثمان وكأبوين وبنت يفضل سدس فإن
تساوي المال والسهام قسم على ما فرض الله ولا بحث وإن نقص المال على السهام دخل النقص على
البنت أو البنات أو الأخت أو الأخوات خاصة دون الأبوين والزوجين وولد الأم فإنهم لا ينتقصون
عن فرضهم بحال ولا عول بتقسيم النقيصة على الجميع كما يراه القوم وعلى ذلك اجماع أهل البيت (ع) و
علماء شيعتهم حتى عد من ضروريات المذهب وإن فضل المال عن السهام رد الفضل على ذوي الأنساب
الوارثين دون الزوجين بقدر سهامهم ولا تعصيب باعطائه للعصبة مع وجود ذي الفرض القريب
بل العصبة في فيه التراب وعليه اجماع أهل البيت (ع) أيضا وأتباعهم وإن وقع الخلاف في توزيع الفضل
على السهام مطلقا فقيل إن البنتين فصاعدا تحجبان أحد الأبوين عن الرد لرواية أبي بصير وهو شاذ
وإذا اجتمع المتقرب بالأبوين مع المتقرب بالأم وحدها كأخت لأب وأم مع أخ لأم يفضل عنهما الثلث
اختص الأول وهو الأخت في المثال بالرد على المشهور بل كاد يكون اجماعا لجمعه بين السببين ولأن
النقص إنما يدخل عليه كما علمت فيكون الفاضل له خلافا لمن رده عليهما بالنسبة وكذا إذا اجتمع الأخت
للأب مع الأخت للأم اختص الأول بالرد عند الصدوق وجماعة لأن النقص إنما يدخل عليها ولموثقة
محمد بن مسلم وما في معناها في ابن أخت لأب وابن أخت لأم قال لابن الأخت للأم السدس والباقي
لابن الأخت للأب وموردها وإن كان الابن إلا أنها تستلزم كون الحكم في الأم كذلك لأنه إنما يرث
من جهتها خلافا لما ذهب إلى المشاركة لعموم آية أولي الأرحام واستواء النسبة والمستيقن فيهما يحتاط
فيه ولا يبرآن جميعا إلا بالتحالل ويستحب لكل من الأبوين مع وراثة نصيبهما الأعلى الثلث والثلثين فما
زاد أو ما فوق نصيبهما الأدنى كما في الشرايع مطلقا طعمة أبويهما لو كانا موجودين السدس سدس الأصل
كما هو ظاهر الأخبار أو نصيب المطعم كما قاله بعضهم والمتكرر في الروايات المعتبرة اطعام الجدة لا غير و
أما في الدروس واللمعة من تقييد الحكم بما إذا زاد نصيب المطعم بقدر السدس وفي القواعد من استحباب
أقل الأمرين من الزايد عن السدس ومنه حذرا عن تفضيل المطعم على المطعم فغير واضح من الروايات أيضا
ويخص الابن دون سائر الورثة من ميراث أبيه فإن تعدد البنون فابنه الأكبر بسيف أبيه ومصحفه
وثياب بدنه وخاتمه وتسمى الحبوة أما استحقاقا بحيث يجب على سائر الورثة بذلها إليه كما عليه
الأكثر أو استحبابا كما ذهب إليه بعضهم وكيف كان فهل هي من الأصل يأخذها مجانا أو تحتسب عليه من
نصيبه بالقيمة المشهور الأول لظواهر الروايات من غير معارض والمستيقن يحتاط فيه من الطرفين
وفي أشياء أخر غير ما ذكر مذكورة معه في الروايات المعتبرة وهي الكتب والرحل في صحيحة ربعي بن
عبد الله التي رواها المحمدون الثلاثة وعبر فيها عن الثياب بالكسوة وزيد فيما عدا رواية الصدوق
الراحلة وفي صحيحة أخرى له سيفه ومصحفه وخاتمه ودرعه ومثلها حسنة حريز وفي مرسلة ابن
أذينة ورواية الفضلاء السيف والسلاح وفي رواية شعيب العقرقوفي السيف والرحل والثياب
ثياب جلده ومثلها موثقة سماعة وزيد فيها السلاح وبهذا يتبين أن الاقتصار على الأربعة كما فعله
الأكثر غير جيد على أن الحكم من منفردات أصحابنا خلافا للقوم وفي تكثير الخلاف لهم تكثير للرشد كما سبق
والصدوق أضاف إليها سائر المنصوصات ما عدا الدرع ولم أقف على من استوجب الجميع إلا جدي
رضي الله عنه في شرح التهذيب وهو لازم على كل عامل بالأخبار والاستبعاد غير مسموع في مثله نعم يمكن
تخصيصها بما إذا لم يستلزم ذلك إجحافا على سائر الورثة كما هو الظاهر فيكون هذا الظاهر مقيدا
عقليا لا تدل عليه ألفاظ الروايات واطلاق الأخبار يقتضي أنه لا فرق في ذلك بين كون الولد
مكلفا أو غيره وتقييد بعضهم بما إذا كان بالغا والأكثر بما إذا لم يكن سفيها غير معروفي المستند و
كذا اشتراط بعضهم قضاؤه ما فات من صلاة وصيام كما مر لأن الحبوة عوض عنه إذ لم يثبت وإن
364

جاز أن تكون هي الحكمة في شرعيتها وكذا تخصيص بعضهم الثياب بثياب الصلاة بل ظاهر ثياب
جلده وكسوته الشمول لكل ما كان معدا للبسه بنفسه دون المعد للبيع أو الاهداء أو كسوة الغير
والأولى الاحتياط فيما لم يتحقق فيه اللبس وإن كان معدا له فإن في صدق الإضافة فيه خفاء و
في العرف دلالة ظاهرة على أن العمامة والسراويل والقلنسوة ونحوها منها دون مثل اللحاف و
الوسادة فيقتصر على مدلول اللفظ ويعمم فيها وإن تكثرت جدا لوقوع التعبير بصيغة الجمع وكذا في الكتب
عند مثبتيه وأما فيما عداها مما عبر عنه بلفظ المفرد فالأجود الاقتصار على واحد من كل منها مع التعدد
وليكن أقواها نسبة إلى الميت لوقوعها مضافة إلى ضميره في الصحيحتين فإن لم يكن تخير الوارث وإن
كان احتمال حملها على معنى الجنس غير مقطوع الانتفاء كما يحمل لفظ الكسوة عليه وهذا أيضا مما يحتاط فيه
والزوجة لا ترث زوجها من رقبة الأرض والعقار عينا ولا قيمة سواء كانت ذات ولد منه أم لا
وكذا لا ترث من أبنيتها وآلاتها الغير المنتقلة كالخشب والجذوع المثبتة عينا ولا تحرم عن هذه قيمة
بل تقوم وتعطي سهمها مطلقا أيضا لاطلاق النصوص المستفيضة كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع)
النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئا وحسنة الفضلاء الخمسة عنهما (ع) إن المرأة لا ترث
من تركة زوجها من تربة دار أو أرض إلا أن يقوم الطوب والخشب قيمة فتعطى ربعها أو ثمنها وحسنة
محمد بن مسلم لا ترث النساء من عقار الدور شيئا ولكن يقوم البناء والطوب وتعطى ثمنها أو ربعها و
إنما ذلك لئلا يتزوجن فيفسدن على أهل المواريث مواريثهم وفي بعضها قلت إن الناس لا يرضون
بهذا فقال إذا وليناهم ضربناهم بالسوط فإن انتهوا وإلا ضربناهم بالسيف عليه وما في صحيحته ترث
المرأة ولا ترث من الرباع شيئا محمول على وراثتها قيمة الطوب لا عينه وصحيحة الأحول صريحة في أن
النساء لا يرثن من عين الشجر والنخل بل من القيامة وألحق بالشجر المياه المملوكة بتبعية الأرض والتي
تكون في مثل البئر والقناة ومنهم من خص الحرمان بالمساكن والدور دون البساتين والضياع
فورثها منهما عينا ومن آلات المساكن والدور قيمة والسيد خصه مع ذلك بالعين دون القيامة
فورثها عين الضياع وقيمة المساكن وآلاتها ولا يعرف لهما حجة معتد بها والصدوق وأكثر المتأخرين
خصوه بغير ذات الولد جمعا بين ما تقدم وموثقة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن الرجل
هل يرث من دار امرأته أو أرضها من التربة شيئا أو يكون في ذلك بمنزلة المرأة فلا يرث من ذلك
شيئا فقال يرثها وترثه من كل شئ تركه وتركت بحملها على ذات الولد واستشهدوا بصحيحة ابن أذينة
في النساء إذا كان لهن ولد أعطين من الرباع وفيه أنها مقطوعة وفي السؤل في الموثقة دلالة على
اشتهار الحكم بين الطائفة فيقرب حمل الجواب على التقية كما يومي إليه بعض ما تقدم على أن صرف
لفظتي النساء والمرأة المتكررتين في النصوص المتقدمة وغيرها إلى الزوجة غير ذات الولد خاصة
يستلزم التخصيص الكثير الذي منع عنه كثير من الأصوليين ويصادم الاجماع الذي نقله
بعضهم على التسوية بينهما في الحرمان وإن لم يثبت وهو بإزاء الافراط المنقول عن بعض القدماء
من التسوية بينهما وبين سائر الورثة في عدم الحرمان مطلقا والمستيقن منهم يحتاط في أصل
الحكم فلا يمنعها شيئا لا سيما ذات الولد منه ثم إن لم يحتط في أصله فلا أقل من الاحتياط في
تفاصيله وكذا المستيقنة تحتاط فتمتنع مطلقا ثم لا أقل في التفاصيل لا سيما غير ذات الولد منه
كما علم مما ذكر وإذا كان في الورثة حمل ولم يصبروا إلى انفصاله وانكشاف حاله أعطيت الزوجة
نصيبها الأدنى وكذا الأبوان ويعزل مما بقي للحمل نصيب ذكرين فلو كان معه ابن أعطى منه
الثلث وأوقف للحمل الثلثان استظهارا أو بنت أعطيت الخمس وأوقف الباقي فإن خرج ميتا
أو فضل عن سهمه بعد ظهور أمره فضل رد على باقي الورثة والخنثى ذو الفرجين فرج الرجال
وفرج النساء يعتبر ببوله فإن بال من أحد فرجيه دون الآخر فالحكم له لظهور أنه الطبيعي و
الآخر زائد وورد أنه ينظر قوم عدول يأخذ كل واحد منهم مرآة ويقوم الخنثى خلفهم عريانا فينظرون
في المرأة فيرون شجا فيحكمون عليه وفيه إيماء إلى أن الابصار ليس بالانعكاس وإلا لم يكن
بين النظر إلى المرأة والبشرة فرق إلا أن يقال بإباحة هذا الفرد بخصوصه لكونه أقل تفاحشا لمكان
الضرورة وظاهر قوله شجا الانطباع وإن بال منهما جميعا فالاعتبار بالسبق فمن أيهما سبق
كان هو الأصلي سواء تقارنا في الانقطاع أم اختلفا وسواء كان الخارج من السابق أكثر من
الخارج من المتأخر أم أقل فإن استويا في ذلك فبتأخر الانقطاع والمنقطع أخيرا هو الأصلي و
قيل بل الأصلي المنقطع أولا وذهب جماعة من المتقدمين إلى عدم الاعتبار بالانقطاع و
منهم من اعتبر قبله الكثرة والغلبة ولا يخلو من قوة لمرسلة الكافي عن أبي عبد الله (ع) في
المولود له ما للرجال وما للنساء يبول عنهما جميعا قال من أيهما سبق قيل فإن خرج منهما جميعا
قال فمن أيهما استدر قيل فإن استدرا جميعا قال فمن أبعدهما وفي حسنة هشام بن سالم
عنه (ع) يورث من حيث سبق بوله فإن خرج منهما سواء فمن حيث ينبعث وبالجملة إن استبين
حاله بشئ مما ذكر حكم فيه بمقتضاه من اعطائه نصيب الذكر أو الأنثى وسائر اللوازم و
سمي واضحا وإلا سمي مشكلا وأعطي نصف النصيبين كما هو المعهود في الشرع عند تكافؤ
الدعويين وفي موثقة إسحاق بن عمار فإن مات ولم يبل فنصف عقل المرأة ونصف عقل
الرجل وفي رواية أبي البختري في قرب الإسناد فنصف ميراث المرأة ونصف ميراث الرجل
وعليه أكثر المتأخرين خلافا للخلاف فيعمل بالقرعة لأنها لكل أمر مشتبه مدعيا عليه الاجماع ولبعض المتقدمين فيستوضح أمره بأن تعد أضلاعه فإن استوى جنباه فهي امرأة وإن
365

اختلفا فهو ذكر والسيد ادعى عليه الاجماع أيضا وله ما رواه الصدوق عن جعفر عن أبيه عليهما
السلام أن علي بن أبي طالب كان يورث الخنثى فتعد أضلاعه فإن كانت أضلاعه ناقصة من
أضلاع النساء بضلع ورث ميراث الرجال لأن الرجل تنقص أضلاعه من أضلاع النساء بضلع لأن حواء
خلقت من ضلع آدم اليسرى القصوى فنقص من أضلاعه ضلع واحد وروي أيضا بسند نقي
كثيرا ما يصفه المصنف بالصحة عن أبي جعفر (ع) قال إن شريحا القاضي بينهما هو في مجلس القضاء
إذ أتته امرأة فقالت أيها القاضي اقض بيني وبين خصمي فقال لها من خصمك قالت أنت قال
أفرجوا لها ففرجوا لها فدخلت فقال لها وما ظلامتك قال إن لي ما للرجال وما للنساء قال شريح
فإن أمير المؤمنين يقضي على المبال قالت فإني أبول بهما جميعا ويسكنان معا قال شريح والله
ما سمعت بأعجب من هذا وأعجب من هذا قال وما هو جامعني زوجي فولدت منه وجامعت
جاريتي فولدت مني فضرب شريح إحدى يديه على الأخرى متعجبا ثم جاء إلى أمير المؤمنين (ع)
فقال يا أمير المؤمنين لقد ورد علي شئ ما سمعت بأعجب منه ثم قص عليه قصة المرأة فسألها أمير
المؤمنين (ع) عن ذلك فقالت هو كما ذكر فقال لها ومن زوجك قالت فلان فبعث إليه فدعاه فقال
أتعرف هذه قال نعم هي زوجتي فسأله عما قالت فقال هو كذلك فقال له لأنت أجرأ من راكب
الأسد حيث تقدم عليها بهذه الحال ثم قال يا قنبر ادخلها بيتا مع امرأة تعد أضلاعها فقال
زوجها يا أمير المؤمنين لا آمن عليها رجلا ولا ائتمن عليها امرأة فقال علي (ع) علي بدينار الخصي
وكان من صالحي أهل الكوفة وكان يثق به فقال له يا دينار ادخلها بيتا وعرها من ثيابها و
مرها أن تشد مئزرا وعد أضلاعها ففعل دينار ذلك وكان أضلاعها سبعة عشر تسعة في
اليمين وثمانية في اليسار فالبسها عليه السلام ثياب الرجال والقلنسوة والنعلين وألقى
عليها الرداء وألحقه بالرجال فقال زوجها يا أمير المؤمنين بنت عمي وقد ولدت مني تلحقها
بالرجال فقال إني حكمت عليها بحكم الله أن تبارك وتعالى خلق حواء من ضلع آدم الأيسر الأقصى
وأضلاع الرجال تنقص وأضلاع النساء تمام ورواه الشيخ بسند فيه جهالة وعلى هذا فلا خنثى مشكل
وللقسمة على الأول كيفيتان ذهب إلى كل قوم آ أن يعطى سهم أنثى ونصفه فلو اجتمع معه ابن كان له
أربعة وللخنثى ثلاثة والفريضة من سبعة أو بنت كان لها سهمان وله ثلاثة والفريضة من خمسة أو
كلاهما فكذلك والفريضة من تسعة ب أن يفرض مرة ذكرا وأخرى أنثى وتقسم الفريضة مرتين و
يعطى نصف النصيبين فلو اجتمع معه ابن فمسألتهما على تقدير الذكورة من اثنين وعلى تقدير
الأنوثة من ثلاثة فتضرب الاثنين في الثلاثة لتباينهما ثم الحاصل في الاثنين لأنه أقل مخارج النصف
يبلغ اثني عشر للخنثى خمسة وللابن سبعة فللخنثى خمسة وثلاثون من أربعة وثمانين وعلى القسمة
الأولى كان له ستة وثلاثون ولو كان بدل الابن بنت فالفريضة أيضا من اثني عشر للخنثى سبعة و
لها خمسة فللخنثى خمسة وثلاثون من ستين وعلى القسمة الأولى كان له ستة وثلاثون أيضا ابنين
وبنتا فالفريضة من خمسة ثم ابنا وبنتين فمن أربعة ومضروب أحدهما في الآخر عشرون و
مضروبه في الاثنين أربعون وللخنثى على تقدير الذكورة ستة عشر وعلى تقدير الأنوثة عشرة فله
نصفها ثلاثة عشر وللابن ثمانية عشر وللبنت تسعة فينقص سهم الخنثى عن الثلث ثلث وعلى القسمة
الأولى كان له الثلث كملا وبما ذكرناه ظهر أن الاختلاف بين القسمتين متحقق في جميع الصور
لا في بعضها كما في المفاتيح هذا فيمن له الفرجان وأما عديمهما فالمشهور أنه يورث بالقرعة يكتب
على سهم عبد الله وعلى سهم آخر أمة الله ثم يقول الإمام أو المقرع اللهم أنت الله لا إله إلا أنت
عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون بين لنا أمر هذا المولود
كيف يورث ما فرضت له في الكتاب ثم يطرح السهمان في سهام مبهمة ثم يجال السهام فأيهما
خرج ورث عليه وقيل إن نحى بوله عند خروجه من مباله فهو ذكر وإن بال على مباله فأنثى لمرسلة
ابن بكير عن أحدهما (ع) والشيخ قدمه على القرعة ولا يخلو من قوة وعن الحسن بن علي عليهما السلام
أنه سئل عن المؤنث فقال هو الذي لا يدرى ذكر هو أو أنثى فإنه ينظر فإن كان ذكرا احتلم وإن
كانت أنثى حاضت وبدا ثديها وإلا قيل له بل على الحايط فإن أصاب بوله الحايط فهو رجل وإن
نكص بوله كما ينكص بول البعير فهو امرأة وذو الراسين المتشابهين يعتبر بالانتباه عن النوم
كما رواه المحمدون الثلاثة عن أبي عبد الله (ع) قال ولد على عهد أمير المؤمنين (ع) مولود له رأسان
وصدران في حقو واحد فسئل أمير المؤمنين صلوات الله عليه يورث ميراث اثنين أو واحد
فقال يترك حتى ينام ثم يصاح به فإن انتبها جميعا معا كان له ميراث واحد وإن انتبه واحد
وبقي الآخر نايما ورث ميراث اثنين وفي ارشاد المفيد اعتبروه إذا نام ثم نبهوا أحد البدنين
والرأسين فإن تنبها جميعا معا في حالة واحدة فهما انسان واحد وإن استيقظ أحدهما و
الآخر نائم فهما اثنان وهو أوفق بما ذكره الأصحاب في التنبيه وفيه دلالة على ما اشتبه على كثير
منهم حيث قصروا النظر على الرواية الأولى منهم المصنف من حكمه في غير جهة الإرث وفرعوا
على ذلك تفريعات كثيرة في أبواب العبادات والعقود والايقاعات وغيرها لا حاجة إلى شئ
منها ونقل في الكافي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي جميلة قال رأيت بفارس امرأة لها
رأسان وصدران في حقو واحد متزوجة تغار هذه على هذه وهذه على هذه قال وحدثنا
غيره أنه رأى رجلا كذلك وكانا حائكين يعملان على حف واحد وأبو جميلة هو المفضل بن
صالح المشهود عليه بالضعف والكذب ووضع الحديث والأخيرة مرسلة وإن كان المرسل ممن
366

نقل اجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنه وأنه لا يرسل إلا عن ثقة مثل ابن أبي عمير وصفوان
بن يحيى لأن الظاهر أن ذلك أن صح فإنما هو في أحاديثهم دون حكاياتهم وسند الرواية
أيضا مشتمل على قصور ومع ذلك فلا مجال لانكار الوقوع وإن كان مستبعدا في العادة لأنه ليس
بممتنع من جهة الطبيعة وقد شوهد مثله في البقر والغنم غير مرة وشاهدناه في الحمار أيضا و
الكلام في زيادة الأنملة والإصبع واليد والفرج والرأس يجري مجرى واحد فإن الجزء من
المني الصالح لتخلق العضو إذا كان قوي المادة جدا بحسب الكم والكيف جميعا وعرض له قبل أن يقر في الرحم ما يوجب انقسامه وتفرق اتصاله ربما صار ذلك سببا لتعدد ذلك العضو
وإن كان بعضها أندر من بعض لا سيما من الرأس إلى الحقو لاشتماله على الأعضاء الرئيسة الشخصية
جميعا لا سيما مع بقائه حيا إلى أن يبلغ مبلغ الرجال أو النساء ودونه تعدد الفرج مع قوة
الفعل والانفعال كما في الخبر الشريحي وقلما تقع هذه الغرايب إلا في عهود النبوة والإمامة ليتسائل
الناس عن أمرهم ويتبين غزارة علوم الأنبياء والأئمة (ع) لا سيما أمير المؤمنين (ع) الذي هو باب
مدينة العلم ويقوم بذلك الحجة بهم على الخلق فإنهم صلوات الله عليهم حجج الله في الأرض والعلم
عند الله ثم عندهم هذا آخر ما أردنا ذكره في هذا الكتاب وأقصى ما قصدناه من رفع الحجاب
عن وجوه مقاصده العجاب وكشف النقاب عن خدود أبكاره العرب الأتراب مع الاحتراز
عن الايجاز المفضي إلى الألغاز واجتناب الاطناب المؤدي إلى الاسهاب قضاء لحق من إجابته
من أبرك الغنايم واسعافه من أوجب الغرايم وهو المولى الذي سبق في أم الكتاب ذكره و
شرح باسمه العلي صدره لا زال ضياءا للدين ومنارا للمهتدين موصوفا بالجميل في كل ناد مذكورا
بالخبر عند العاكف والباد فإن نسمت عليه من حضرته قبول القبول فهو غاية المأمول ونهاية
المسؤول وأنا أعتذر إلى الله وإليه من كل ما طغى به القلم أو زل فيه القدم أو قصر عنه الفهم
أو سبق إليه الوهم أو تهافت فيه العبارة أو تخافت فيه الإشارة أو بحت بما لا يليق افشاؤه
أو كتمت ما لا ينبغي اخفاؤه أو عدلت عن سنن السداد أو قصرت في نظر واجتهاد أو قبضت
أو بسطت في غير محل أو غير ذلك من وجوه الخلل فإنه أدام الله ظلاله وأنعم باله مطلع على
دخيلة أحوالي خبير بكثرة أشغالي وبلبالي وأرجو من مكارمه الزاهرة ومحاسنه الباهرة
أن لا يقطع عني حبل إخائه ولا يحرمني في الحياة والممات من صالح دعائه وقد ألف الأصل
في عام ألف وخمسين والشرح في عام ألف ومائة وثلاث وستين من الأعوام الهجرية المنسوبة
إلى هجرة الرسول صلى الله عليه وآله من مكة إلى المدينة قبل وفاته صلوات الله عليه وآله بعشر
سنين وهو التاريخ الذي ينسب إليه الوقايع الاسلامية بارشاد أمير المؤمنين عليه السلام
وأصله مأخوذ من الوحي الإلهي كما ينبه عليه ما في سند صحيفة سيد الساجدين صلوات
الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الأئمة الطاهرين وأنشد المصنف طاب ثراه في تاريخ ختم الكتاب
وهو النخبة من بحر المتقارب الممدود لخمسين تمت سوى الألف عام فختمي لتاريخ ختمي تمام
وذيله الشارح عفى الله عنه بقوله وفض خواتمها شرحها ووافق ذاك كمال الختام ولم يتأت
شئ منها على الوجه ففاتها جميعا حسن الانسجام فرغ من تسويده مؤلفه الفقير الحقير
المعترف على نفسه بالتفريط والتقصير عبد الله بن نور الدين بن نعمت الله بن عبد الله
الموسوي الجزايري التستري غفر الله له ولوالديه وجعل له نورا يسعى في عرصات القيامة بين
يديه أصيل يوم الأربعاء تاسع عشر شهر رجب المرجب من العام المذكور والحمد لله المنعم المشكور
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
وبعد فقد وفق الله سبحانه وله الحمد والمنة لمباحثة هذا الكتاب من بدايته إلى نهايته ومعاودة
النظر في أطراف معانيه من فاتحته إلى غايته مع جماعة من الفضلاء الكرام والعلماء الأعلام
والأذكياء الناقرين عن الطارف والنليد المتنبهين لدقائق الاجتهاد والتقليد الجامعين
للأصول والفروع الباحثين عن المعقول والمشروع عمدتهم المولى الأجل الأمين ضياء المسلمين
برهان الدين أسوة المهتدين قدوة السالكين عصمة الناسكين سناد الأحرار حجة الأبرار
الكامل الذي لا يوازن عيارا والفاضل الذي ما زيد اختبارا إلا زيدا اختيارا وهو الركن
الشديد المستند إليه هذا الضعيف الممتثل أمره بهد التصنيف ضاعف الله خيراته وسعاداته
ولا قطع عنا بركاته وإفاداته فلقد حشا مسامعي بالدرر الفريدة وأفاض علي من فوايده الجديدة
ما يقصر عن شكره لساني ويحسر عن حقه بياني وأخذت عنه أكثر مما أخذ عني واستفدت
منه أضعاف ما استفاد مني ونبهني على نكات فاتني لها الانتباه وأصلحت بتوفيقه كثيرا من
مواقع الاشتباه فجزاه الله عني أفضل الجزاء وأوفاه وأجزل له أهنأ ثوابه وأرضاه وحيث إنه
كان هو المقصود بهذا التحرير والخطاب فيه مقصورا على أمثاله من النحارير فلا ضير إن كانت
بعض إشاراته خفية على بعض الناظرين ولا غرو إن قصر عن سبر أغواره أفهام القاصرين فإن
لكل جواد مجالا وأن لكل مقام رجالا وليعلم أني لم آل جهدا في اقتفاء أخبار الصادقين عليهم
السلام والتعبير عنها بألفاظها في خلال الكلام من غير تحريف ولا تغيير ولا تصرف بزيادة
أو نقصان أو تقديم أو تأخير إلا في بعض المواضع النادرة لنكتة يراها الناظر ظاهرة فلا
يعجل بالهذر قبل أن يشبع النظر ولا يبادر إلى الانكار ولما تمعن الأفكار على أني معترف
بقصور الباع ممتحن بزمان أمسى فيه العلم أكسد المتاع مستول فيه الفتن الجايحة متوارد
367

فيه المصائب غادية رائحة فليعذرني من وقف فيه على خبط وزلل ولا يعذلني من تنبه
لخطأ وخلل وأن السهو والنسيان كالطبيعة الثانية للانسان وكان
الشروع في المباحثة أوائل الشروع في الشرح واختتامه
ضحاة يوم الاثنين السابع والعشرين من
شهر ربيع المولود من السنة السبعين
بعد المائة والألف
وكتب الفقير
عبد الله بن نور الدين بن نعمة الله بن عبد الله الحسيني الموسوي غفر الله ذنوبه وستر عوراته وعيوبه
في التاريخ المذكور
والحمد لله رب العالمين
تاريخ 5 شهر جمادى الأخرى 1312
ملاحظة شد
368