الكتاب: الحدائق الناضرة
المؤلف: المحقق البحراني
الجزء: ١٣
الوفاة: ١١٨٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق : محمد تقي الإيرواني
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية - قم المقدسة
ردمك:
ملاحظات: نهض بمشروعه الشيخ علي الآخوندي

الحدائق الناضرة
في
أحكام العترة الطاهرة
تأليف
العالم البارع الفقيه المحدث الشيخ يوسف البحراني قدس سره
المتوفى سنة 1186 هجرية
حققه وعلق عليه
محمد تقي الإيرواني
الجزء الثالث عشر
نهض بمشروعه الشيخ علي الآخوندي
منشورات
جماعة المدرسين في الحوزة العلمية
في قم المقدسة
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين
كتاب الصوم
وهنا فوائد ينبغي التنبيه عليها قبل الشروع في المقصود: الأولى الصوم لغة
الامساك، قال في القاموس: صام صوما وصياما واصطام: أمسك عن الطعام
والشراب والكلام والنكاح والسير. وقال في المصباح المنير: قيل هو مطلق الامساك
في اللغة ثم استعمل في الشرع في إمساك مخصوص. وقال أبو عبيدة كل ممسك عن طعام
أو كلام أو سير فهو صائم، قال خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وأخرى
تعلك اللجما. أي قيام بلا اعتلاف. انتهى. وقال ابن دريد: كل شئ سكنت حركته
فقد صام يصوم صوما. وفي الآية الشريفة حكاية عن مريم عليها السلام: " إني نذرت
للرحمان صوما " (1) أي صمتا. وكلماتهم متفقة على أنه حقيقة في الامساك وإن
كان عن كل شئ بنسبته. وأما في الشرع فإنه عبارة عن إمساك مخصوص يأتي بيانه.
الثانية قال العلامة في المنتهى: إن الصوم ينقسم إلى واجب وندب
ومكروه ومحظور، فالواجب ستة: صوم شهر رمضان و الكفارات ودم

(1) سورة مريم الآية 28
2

المتعة والنذر وما في معناه من اليمين والعهد والاعتكاف على بعض الوجوه وقضاء
الواجب، والندب جميع أيام السنة إلا العيدين وأيام التشريق لمن كان بمنى، والمؤكد
منه أربعة عشر: صوم ثلاثة أيام في كل شهر وأيام البيض والغدير ومولد النبي
صلى الله عليه وآله ومبعثه ودحو الأرض وعرفة لمن لا يضعفه عن الدعاء وعاشوراء على جهة
الحزن والمباهلة وكل خميس وكل جمعة وأول ذي الحجة ورجب وشعبان، والمكروه
أربعة: صوم عرفة لمن يضعفه عن الدعاء أو شك في الهلال والنافلة سفرا عدا
ثلاثة أيام الحاجة بالمدينة والضيف نافلة بغير إذن مضيفه وكذا الولد من غير إذن
الوالد والصوم ندبا لمن دعي إلى طعام، والمحظور تسعة: صوم العيدين وأيام
التشريق لمن كان بمنى ويوم الشك بنية الفرض وصوم نذر المعصية وصوم الصمت
وصوم الوصال وصوم المرأة والعبد ندبا من غير إذن الزوج و المالك وصوم
الواجب سفرا عدا ما استثنى. انتهى.
وروى ثقة الاسلام في الكافي والصدوق في الفقيه مسندا في الأول ومرسلا
في الثاني عن الزهري عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال (2): " قال لي يوما
يا زهري من أين جئت؟ فقلت من المسجد. قال فيم كنتم؟ قلت تذاكرنا أمر
الصوم فأجمع رأيي ورأي أصحابي على أنه ليس من الصوم شئ واجب إلا صوم
شهر رمضان. فقال: يا زهري ليس كما قلتم الصوم على أربعين وجها.. وفي
كتاب الفقه الرضوي (2) قال: " إعلم أن الصوم على أربعين وجها " ونحن
نسوق الحديث بالروايتين ونشير إلى مواضع الزيادة والنقصان من أحدهما متى
اتفق فعشرة أوجه منها واجبة كوجوب شهر رمضان وعشرة أوجه منها صيامهن
حرام وأربعة عشر وجها منها صاحبها بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر وصوم
الإذن على ثلاثة أوجه وصوم التأديب وصوم الإباحة وصوم السفر والمرض.

(1) الوسائل الباب 1 من بقية الصوم الواجب
(2) ص 23
3

ففي حديث الفقه بعد ذلك " أما الصوم الواجب " وفي حديث الزهري " قلت جعلت
فداك فسرهن لي " قال: إن ما الواجب فصيام شهر رمضان وصيام شهرين متتابعين
في كفارة الظهار لقول الله تعالى: والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا
فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا.. إلى قوله تعالى: فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين (1)
وصيام شهرين متتابعين في من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا، وصيام شهرين
متتابعين في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق واجب لقول الله تعالى: ومن قتل مؤمنا
خطأ فتحرير رقبه مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله.. إلى قوله تعالى: فمن لم يجد فصيام
شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما (2). وفي كتاب الفقه اقتصر على
قوله: " فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين " وصوم ثلاثة أيام في كفارة اليمين
واجب لمن لم يجد الاطعام قال الله تعالى: فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة
إيمانكم إذا حلفتم (3) كل ذلك متتابع وليس بمتفرق، وصيام أذى حلق الرأس
واجب قال الله تبارك وتعالى (4) أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو
نسك (5) فصاحبها فيها بالخيار فإن صام صام ثلاثة أيام، وصوم دم المتعة واجب
لمن لم يجد الهدي قال الله تبارك وتعالى: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج (6) إلى قوله فمن لم
يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة (7) وصوم جزاء
الصيد واجب قال الله تبارك وتعالى: ومن قتله منكم متعمدا (8) إلى قوله أو عدل ذلك

(1) سورة المجادلة الآية 5 و 6
(2) سورة النساء الآية 95
(3) سورة المائدة الآية 92
(4) " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه.. " هكذا في كتب الحديث.
(5) سورة البقرة الآية 193
(6) " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد.. " هكذا في
كتب الحديث
(7) سورة البقرة الآية 193
(8) في كتب الحديث هكذا: " من قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم
يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما "
4

صياما (1)، ففي حديث الزهري هنا " أو تدري كيف يكون عدل ذلك صياما
يا زهري؟ قال قلت لا أدري فقال يقوم الصيد قيمة عدل ثم تفض تلك القيمة على البر ثم يكال ذلك البر أصواعا فيصوم لكل نصف صاع يوما " وفي كتاب الفقه
الرضوي " وأروي عن العالم عليه السلام أنه قال: أتدرون كيف يكون عدل ذلك صياما؟
فقيل له لا. فقال يقوم الصيد قيمة ثم يشتري بتلك القيمة البر
ثم يكال ذلك البر أصواعا فيصوم لكل نصف صاع يوما " وصم النذر واجب وصوم الاعتكاف
واجب. وأما الصوم الحرام فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى وثلاثة أيام التشريق
وصوم يوم الشك أمرنا به ونهينا عنه: أمرنا أن نصومه من شعبان (2) ونهينا عنه
أن ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس. ففي كتاب الفقه " فإن لم يكن
صام من شعبان شيئا ينوي به ليلة الشك أنه صائم من شعبان " وفي حديث الزهري
" فقلت له جعلت فداك فإن لم يكن صام من شعبان شيئا كيف يصنع؟ قال ينوي
ليلة الشك أنه صائم من شعبان فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه وإن كان من
شعبان لم يضره " ففي حديث الزهري هنا " فقلت وكيف يجزئ صوم تطوع عن
فريضة؟ فقال لو أن رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوعا وهو لا يعلم أنه من
شهر رمضان ثم علم بعد ذلك لأجزأ عنه لأن الفرض إنما وقع على اليوم بعينه "
وفي كتاب الفقه. ولو أن رجلا صام شهرا تطوعا في بلد الكفر فلما أن عرف
كان شهر رمضان وهو لا يدري ولا يعلم أنه من شهر رمضان وصام بأنه من غيره
ثم علم بعد ذلك أجزأ عنه من رمضان لأن الفرض إنما وقع على الشهر بعينه "
وصوم الوصال حرام وصوم الصمت حرام وصوم نذر المعصية حرام وصوم
الدهر حرام. وأما صوم الذي صاحبه فيه بالخيار فصوم يوم الجمعة والخميس
والاثنين وصوم أيام البيض وصوم ستة أيام من شوال بعد الفطر بيوم. وفي

(1) سورة المائدة الآية 97
(2) في كتب الحديث هكذا: " مع صيام شعبان ".
5

حديث الزهري هنا " وصوم ستة أيام من شوال بعد شهر رمضان وصوم يوم عرفة وصوم
يوم عاشوراء " ولعل هذين اليومين سقط ذكرهما غلطا من النساخ (1) فإن الكتاب
غير خال من الغلط. فكل ذلك صاحبه فيه بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر. وأما
صوم الإذن فالمرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها والعبد لا يصوم تطوعا إلا
بإذن مولاه والضيف لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحب البيت (2) قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: من نزل على قوم فلا يصومن تطوعا إلا بإذنهم. وأما صوم التأديب فإنه
يؤمر (3) الصبي إذا بلغ سبع سنين بالصوم تأديبا وليس ذلك بفرض. وزاد في كتاب
الفقه هنا " وإن لم يقدر إلا نصف النهار يفطر إذا غلبه العطش " وكذلك من أفطر
لعلة من أول النهار ثم قوى بقية يومه أمر بالامساك عن الطعام بقية تأديبا وليس
بفرض، وكذلك المسافر إذا أكل من أول النهار ثم قدم أهله أمر بالامساك بقية يومه
تأديبا وليس بفرض. وزاد في رواية الزهري " وكذلك الحائض إذا طهرت أمسكت
بقية يومها " وأما صوم الإباحة فمن أكل أو شرب ناسيا أو قاء من غير تعمد فقد أباح
الله له ذلك وأجزأ عنه صومه. وأما صوم السفر والمرض فإن العامة قد اختلفت
في ذلك فقال قوم يصوم وقال آخرون لا يصوم وقال قوم إن شاء صام وإن شاء
أفطر (4) وأما نحن فنقول يفطر في الحالين جميعا فإن صام في السفر أو في حال المرض

(1) في الفقه الرضوي المطبوع هكذا: " وصوم ستة أيام من شوال بعد الفطر
بيوم ويوم عرفة ويوم عاشوراء وكل ذلك.
(2) هكذا في الفقه، وفي كتب الحديث الناقلة لحديث الزهري " إلا بإذن صاحبه "
(3) هكذا في الفقيه ج 2 ص 48، وفي الفروع ج 1 ص 186 والتهذيب ج 1
ص 435 " يؤخذ الصبي ". وفي الجميع " إذا راهق " بدل " إذا بلغ سبع سنين " نعم ذلك
في الفقه الرضوي
(4) المغني ج 3 ص 149 والمحلى ج 6 ص 247 ونيل الأوطار ج 4 ص 237
وبداية المجتهد ج 1 ص 285 ولم أقف ما في حضرني من كتب العامة على وجوب
الصوم في المرض نعم في الفقه على المذاهب الأربعة قسم العبادات ص 456 عن الشافعية
لا يجوز الفطر للصحيح الذي يظن بالصوم حصول المرض. إلا أن هذا يرجع إلى اعتبار
المرض بالفعل
6

فعليه القضاء فإن الله تعالى يقول: فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام
أخر (1) فهذا تفسير الصيام ". انتهى.
أقول: وسيأتي تحقيق القول في كل من هذه الأشياء المعدودة هنا في محله إن شاء الله
تعالى.
قال المحدث الكاشاني في كتاب الوافي بعد نقل حديث الزهري: بيان محمد
ابن مسلم بن شهاب الزهري راوي هذا الحديث وإن كان خصيصا بعلي بن الحسين
" عليهما السلام " وكان له ميل ومحبة إلا أنه لما كان من العامة وفقهائهم أجمل عليه السلام معه
في الكلام ولم يذكر له صيام السنة ولا صيام الترغيب لعدم اشتهار خصوصهما بين
العامة، وما زعمته العامة من صيام الترغيب والسنة سماه عليه السلام بالذي فيه الخيار
لصاحبه تنبيها له على عدم الترغيب فيه فإن أكثره من ما ترك صيامه أولى ولصيام
بعضه شرائط كما يأتي في الأخبار انشاء الله تعالى (2) قوله عليه السلام: " أن ينفرد الرجل
بصيامه " إضافة إلى الفاعل وانفراده به عبارة عن أفراده عن سائر أيام شعبان
بالصيام فإنه مظنة لاعتقاده وجوبه وكونه من شهر رمضان، أو المراد انفراده
من بين جمهور الناس بصيامه من شهر رمضان مع عدم ثبوت كونه منه، يدل على هذا
حديث الزهري الآتي في باب صيام يوم الشك في هذا المعنى فإنه نص فيه وهو بعينه
هذا الحديث إلا أنه أورده بابين من هذا، ويأتي تمام تحقيق هذا المقام في ذلك الباب
مع معنى قوله عليه السلام: " وأمرنا به أن نصومه مع صيام شعبان " إن شاء الله تعالى. انتهى.
أقول: والظاهر أن الرضا عليه السلام جرى على ذلك في الكتاب المذكور تقية.
الثالثة لا ريب أن الصوم من أفضل الطاعات وأشرف العبادات إذا وقع
على الوجه المأمور به، ولو لم يكن فيه إلا الارتقاء من حضيض حظوظ النفس

(1) سورة البقرة الآية 181
(2) ارجع إلى الاستدراكات في آخر الكتاب
7

البهيمية إلى ذروة التشبه بالملائكة الروحانية لكفى به فضلا ومنقبة، وقد استفاضت
الأخبار بفضله:
فروى ثقة الاسلام في الكافي في الصحيح أو الحسن بإبراهيم عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (1) قال: " بني الاسلام على خمسة أشياء. على الصلاة والزكاة والحج
والصوم والولاية " وبهذا المضمون أخبار عديدة (2).
وروى عمر وبن جميع (3) قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله
صلى الله عليه وآله في حديث طويل: الصيام جنة من النار ".
وروى حفص بن غياث (4) قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إن شهر
رمضان لم يفرض الله صيامه على أحد من الأمم قبلنا. فقلت له فقول الله عز وجل:
يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم (5)؟ قال إنما
فرض الله صيام شهر رمضان على الأنبياء دون الأمم ففضل به هذه الأمة وجعل
صيامه فرضا على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى أمته ".
وروى في الفقيه عن أبي عبد الله عليه السلام مرسلا وفي الكافي مسندا (6) قال:
" أوحى الله إلى موسى عليه السلام ما يمنعك من مناجاتي؟ فقال يا رب أجلك عن المناجاة
لخلوف فم الصائم. فأوحى الله إليه يا موسى لخلوف فم الصائم عندي أطيب من
ريح المسك ".
وروى في الفقيه أن أبي عبد الله عليه السلام (7) قال: " للصائم فرحتان: فرحة عند
افطاره وفرحة عند لقاء ربه ".
وروى فيه عن رسول الله صلى الله عليه وآله (8) قال: " قال الله الصوم لي وأنا
أجزى به ".

(1) الوسائل الباب 1 من الصوم المندوب
(2) الوسائل الباب 1 من مقدمة العبادات
(3) الوسائل الباب 1 من الصوم المندوب
(4) الوسائل الباب 1 من أحكام شهر رمضان
(5) سورة البقرة الآية 180
(6) الوسائل الباب 1 من الصوم المندوب
(7) الوسائل الباب 1 من الصوم المندوب
(8) الوسائل الباب 1 من الصوم المندوب
8

وروى في الكافي عن الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " إن الله تبارك
وتعالى يقول الصوم لي وأنا أجزي عليه ".
وروى الصدوق في الفقيه عن الصادق عليه السلام (2) قال: " نوم الصائم عبادة
وصمته تسبيح وعمله متقبل ودعاؤه مستجاب "
وروى في الكافي مسندا والفقيه مرسلا (3) قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام
من صام لله يوما في شدة الحر فأصابه ظمأ وكل الله به ألف ملك يمسحون وجهه
ويبشرونه حتى إذا أفطر قال الله تعالى: ما أطيب ريحك وروحك ملائكتي اشهدوا
أني قد غفرت له ".
وروى في الفقيه (4) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما من صائم يحضر قوما
يطعمون إلا سبحت له أعضاؤه وكانت صلاة الملائكة عليه وكانت صلاتهم
استغفارا " إلى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عن ذكرها المقام.
الرابعة قد أورد ههنا سؤال مشهور على حديثي الكناني والفقيه المتقدمين
المتضمنين للحديث القدسي وقوله عز وجل: " الصوم لي وأنا أجزي عليه " بأن كل الأعمال
الصالحة لله فما وجه تخصيص أنه له تبارك وتعالى؟
وأجيب بوجوه: الأول أنه اختص بترك الشهوات والملاذ في الفرج
والبطن وذلك أمر عظيم يوجب التشريف. وعورض بالجهاد فإن فيه ترك الحياة
فضلا عن الشهوات، وبالحج فإن فيه الاحرام ومحظوراته كثيرة.
الثاني أن الصوم يوجب صفاء العقل والفكر بواسطة ضعف القوى الشهوانية
بسبب الجوع ولذلك قال عليه السلام (5) " لا تدخل الحكمة جوفا ملئ طعاما " وصفاء العقل
والفكر يوجبان حصول المعارف الربانية التي هي أشرف أحوال النفس الانسانية.

(1) الوسائل الباب 1 من الصوم المندوب
(2) الوسائل الباب 1 من الصوم المندوب
(3) الوسائل الباب 3 من الصوم المندوب
(4) الوسائل الباب 9 من آداب الصائم.
(5) ارجع إلى الاستدراكات في آخر الكتاب
9

ورد بأن سائر العبادات إذا واظب عليها المكلف أورثت ذلك خصوصا الجهاد،
قال الله تعالى: " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " (1) وقال الله تعالى: " اتقوا
الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به " (2).
الثالث أن الصوم أمر خفي لا يمكن الاطلاع عليه فلذلك شرف بخلاف
الصلاة والحج والجهاد وغيرها من الأعمال. وعورض بأن الايمان والاخلاص
وأفعال القلوب خفية مع أن الحديث متناول لها، ويمكن دفعه بتخصيص الأعمال
بأفعال الجوارح لأنه المتبادر من اللفظ.
وقال بعض المحققين هب أن كل واحد من هذه الأجوبة مدخول بما ذكر فلم
لا يكون مجموعها هو الفارق فإن هذه الأمور لا تجتمع في غير الصوم. وهو جيد.
الخامسة في علة فرض الصوم، روى الصدوق في الصحيح عن هشام بن
الحكم (3) " أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن علة الصيام فقال إنما فرض الله الصيام
ليستوي به الغني والفقير وذلك أن الغني لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم الفقير لأن
الغني كلما أراد شيئا قدر عليه فأراد الله أن يسوي بين خلقه وأن يذيق الغني مس
الجوع والألم ليرق على الضعيف ويرحم الجائع " ورواه في كتاب العلل عن هشام
ابن الحكم (4) وزاد " ثم سألت أبا الحسن عليه السلام فأجابني بمثل جواب أبيه ".
وبإسناده عن صفوان بن يحيى عن موسى بن بكر عن زرارة عن الصادق
عليه السلام (5) قال: " لكل شئ زكاة وزكاة الأجسام الصيام ".
وبإسناده عن محمد بن سنان عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في ما كتب إليه من جواب
مسائله (6) " علة الصوم لعرفان مس الجوع والعطش ليكون ذليلا مستكينا مأجورا
محتسبا صابرا، ويكون ذلك دليلا له على شدائد الآخرة مع ما فيه من الانكسار له
عن الشهوات واعظا له في العاجل دليلا على الآجل ليعلم شدة مبلغ ذلك من أهل

(1) سورة العنكبوت الآية 70.
(2) سورة الحديد الآية 29
(3) الوسائل الباب 1 من وجوب الصوم ونيته
(4) الوسائل الباب 1 من وجوب الصوم ونيته
(5) الوسائل الباب 1 من وجوب الصوم ونيته
(6) الوسائل الباب 1 من وجوب الصوم ونيته
10

الفقر والمسكنة في الدنيا والآخرة ".
وبإسناده عن حمزة بن محمد (1) " أنه كتب إلى أبي محمد عليه السلام لم فرض الله
الصوم؟ فورد في الجواب ليجد الغني مس الجوع فيمن على الفقير " ورواه الكليني
مثله (2) إلا أنه قال: " ليجد الغني مضض الجوع فيحنو على الفقير ".
وروى في الفقيه عن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام (3) قال: " جاء نفر
من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسأله أعلمهم عن مسائل فكان في ما سأله أنه قال
له لأي شئ فرض الله عز وجل الصوم على أمتك بالنهار ثلاثين يوما وفرض الله على
الأمم أكثر من ذلك؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله إن آدم عليه السلام لما أكل من الشجرة بقي في بطنه
ثلاثين يوما ففرض الله على ذريته ثلاثين يوما الجوع والعطش والذي يأكلونه بالليل
تفضل من الله عليهم وكذلك كان على آدم ففرض الله ذلك على أمتي. ثم تلا هذه
الآية: " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما
معدودات " (4) قال اليهودي صدقت يا محمد صلى الله عليه وآله فما جزاء من صامها؟ فقال النبي
صلى الله عليه وآله ما من مؤمن يصوم شهر رمضان احتسابا إلا أوجب الله له سبع خصال:
أولاها يذوب الحرام في جسده، والثانية يقرب من رحمة الله، والثالثة يكون قد كفر
خطيئة أبيه آدم، والرابعة يهون الله عليه سكرات الموت، والخامسة أمان من الجوع
والعطش يوم القيامة، والسادسة يعطيه الله براءة من النار، والسابعة يطعمه الله من
طيبات الجنة. قال صدقت يا محمد صلى الله عليه وآله ".
السادسة في آداب الصائم، روى الكليني في الحسن عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (5) قال: " إذا صمت فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك.. وعدد

(1) الوسائل الباب 1 من وجوب الصوم ونيته.
(2) الوسائل الباب 1 من وجوب الصوم ونيته.
(3) الوسائل الباب 1 من أحكام شهر رمضان
(4) سورة البقرة الآية 180 و 181
(5) الوسائل الباب 11 من آداب الصائم
11

أشياء غير هذا. وقال لا يكون يوم صومك كيوم فطرك ".
وعن جراح المدائني عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " إن الصيام ليس من
الطعام والشراب وحده. ثم قال: قالت مريم " إني نذرت للرحمان صوما " (2)
أي صمتا فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم وغضوا أبصاركم ولا تنازعوا ولا تحاسدوا.
قال: وسمع رسول الله صلى الله عليه وآله امرأة تسب جارية لها وهي صائمة فدعا رسول الله
صلى الله عليه وآله بطعام فقال لها كلي فقالت إني صائمة فقال كيف تكونين صائمة وقد سببت
جاريتك؟ إن الصوم ليس من الطعام والشراب. قال: وقال أبو عبد الله عليه السلام إذا
صمت فليصم سمعك وبصرك من الحرام والقبيح ودع المراء وأذى الخادم وليكن
عليك وقار الصائم ولا تجعل يوم صومك كيوم فطرك ".
وعن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله لجابر بن
عبد الله الأنصاري يا جابر هذا شهر رمضان من صام نهاره وقام وردا من ليله
وعف بطنه وفرجه وكف لسانه خرج من ذنوبه كخروجه من الشهر. فقال جابر
يا رسول الله صلى الله عليه وآله ما أحسن هذا الحديث فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا جابر ما أشد
هذه الشروط.
وعن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عن آبائه (عليهم السلام) (4) قال:
" قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما من عبد صائم يشتم فيقول إني صائم سلام عليك لا أشتمك
كما تشتمني إلا قال الرب تبارك وتعالى استجار عبدي بالصوم من شر عبدي قد
أجرته من النار ".
وفي كتاب الفقه الرضوي (5): واعلم رحمك الله أن الصوم حجاب ضربه الله

(1) الوسائل 11 من آداب الصائم
(2) سورة مريم الآية 28
(3) الوسائل الباب 11 من آداب الصائم. والرواية عن أبي جعفر (ع)
(4) الفروع ج 1 ص 187 وفي الوسائل الباب 12 من آداب الصائم
(5) ص 23
12

عز وجل على الألسن والأسماع والأبصار وسائر الجوارح حتى يستر به من النار
وقد جعل الله على كل جارحة حقا للصائم فمن أدى حقها كان صائما ومن ترك شيئا
منها نقص من فضل صومه بحسب ما ترك منها.
السابعة قد اختلف في رمضان فقيل إنه علم للشهر كرجب وشعبان ومنع
من الصرف للعلمية والألف والنون، وقيل إنه اسم من أسماء الله تعالى، وعلى هذا
فمعنى شهر رمضان شهر الله.
ويدل عليه ما رواه في الكافي عن هشام بن سالم في الصحيح عن سعد عن أبي جعفر عليه السلام (1) قال: " كنا عنده ثمانية رجال فذكرنا رمضان فقال لا تقولوا هذا
رمضان ولا ذهب رمضان ولا جاء رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله عز وجل
لا يجئ ولا يذهب وإنما يجئ ويذهب الزائل ولكن قولوا شهر رمضان فإن الشهر مضاف
إلى الاسم والاسم اسم الله عز وجل وهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن جعله مثلا وعيدا "
ورواه الصدوق بإسناده عن البزنطي عن هشام بن سالم عن سعد الخفاف (2) ورواه
سعد بن عبد الله في كتاب بصائر الدرجات عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد
ابن أبي نصر عن هشام بن سالم عن سعد بن طريف مثله (3).
وروى في الكافي أيضا عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عن أبيه
(عليهما السلام) (4) قال: " قال أمير المؤمنين عليه السلام لا تقولوا رمضان ولكن قولوا
شهر رمضان فإنكم لا تدرون ما رمضان " ورواه الصدوق في الفقيه عن غياث
مثله (5) وكذا رواه في كتاب معاني الأخبار والذي قبله أيضا (6).
وقال الفيومي في كتاب المصباح المنير: قال بعض العلماء يكره أن يقال جاء
رمضان وشبهه إذا أريد به الشهر وليس معه قرينة تدل عليه وإنما يقال جاء شهر
رمضان، واستدل بحديث (7) " لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى

(1) الوسائل الباب 19 من أحكام شهر رمضان
(2) الوسائل الباب 19 من أحكام شهر رمضان
(3) الوسائل الباب 19 من أحكام شهر رمضان
(4) الوسائل الباب 19 من أحكام شهر رمضان
(5) الوسائل الباب 19 من أحكام شهر رمضان
(6) الوسائل الباب 19 من أحكام شهر رمضان
(7) سنن البيهقي ج 4 ص 201 و 202
13

ولكن قولوا شهر رمضان " وهذا الحديث ضعفه البيهقي وضعفه ظاهر لأنه لم ينقل
عن أحد من العلماء أن رمضان من أسماء الله تعالى فلا يعمل به. والظاهر جوازه
من غير كراهة كما ذهب إليه البخاري وجماعة من المحققين لأنه لم يصح في الكراهة
شئ وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة ما يدل على الجواز مطلقا كقوله (1) " إذا
جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين " وقال
القاضي عياض: وفي قوله: " إذا جاء رمضان " دليل على جواز استعماله من غير
لفظ شهر خلافا لمن كرهه من العلماء. انتهى.
وفيه دلالة على أن الحديث بذلك مروي من طرقهم أيضا ولكن بعضهم
حكم بضعفه. وكيف كان فهو مرغوب عنه بعد ورود الأخبار عندنا بذلك.
وما ورد في بعض أخبارنا أيضا من ذكره مجردا عن الشهر محمول على الجواز وهو
لا ينافي الكراهة.
ويؤيد ما قلناه ما نقله في كتاب مجمع البحرين عن الأزهري قال: العرب
تذكر الشهور كلها مجردة من لفظ شهر إلا شهري ربيع ورمضان.
قال شيخنا الشهيد (قدس سره) في كتاب نكت الإرشاد: فائدة نهي عن
التلفظ برمضان بل يقال شهر رمضان في أحاديث من أجودها ما أسنده بعض
الأفاضل إلى الكاظم عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) (2) قال: " لا تقولوا
رمضان فإنكم لا تدرون ما رمضان فمن قاله فليتصدق وليصم كفارة لقوله ولكن
قولوا كما قال الله عز وجل شهر رمضان " (3). انتهى.
أقول: ما نقله (قدس سره) من الخبر قد نقله السيد السعيد ذو المقامات

(1) سنن البيهقي ج 4 ص 202 واللفظ فيه وفي المصباح " إذا جاء " ولذا أوردناه
كذلك وإن كان الوارد في رواية " إذا دخل " كما ذكر ذلك في المجموع ج 6 ص 248
(2) الوسائل الباب 19 من أحكام شهر رمضان
(3) سورة البقرة الآية 182.
14

والكرامات رضي الدين بن طاووس في كتاب الاقبال عن كتاب الجعفريات وهي
ألف حديث باسناد واحد إلى مولانا موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام (1) والظاهر أن الكفارة فيه محمولة على الاستحباب وتغليظ الكراهة لما ثبت في كثير من
الأخبار من وروده مجردا عن لفظ شهر.
ثم إنه على تقدير ما هو المشهور من أنه اسم للشهر فقد اختلفوا في اشتقاقه
فعن الخليل (رحمه الله) أنه من الرمض بسكون الميم وهو مطر يأتي وقت الخريف
يطهر وجه الأرض من الغبار، سمي الشهر بذلك لأنه يظهر الأبدان عن أوضار
الأوزار. وقيل من الرمض بمعنى شدة الحر من وقع الشمس، قال الزمخشري في
الكشاف: رمضان مصدر رمض إذا احترق من الرمضاء. سمي بذلك إما لارتماضهم
فيه من حر الجوع كما سموه ناتقا لأنه كان ينتقهم أي يزعجهم لشدته عليهم أو لأن
الذنوب ترمض فيه أي تحترق. وقيل إنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة
سموها بالأزمنة التي وقعت فيها فوافق الشهر أيام رمض الحر فسمي بذلك.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن البحث في هذا الكتاب يقع في مقاصد ثلاثة:
المقصد الأول في بيان الصوم وما يتحقق به وما يفسده ومن يصح منه
والكفارة المترتبة على الافساد:
وفيه مطالب: المطلب الأول في النية والكلام فيها يقع في مواضع: الأول
لا ريب في وجوبها إذا لا عمل إلا بنية، والأمر فيها عندنا سهل كما قدمناه في كتاب
الطهارة، والكلام في كونها شرطا أو شطرا لا ثمرة فيه لأن القدر المطلوب هو اعتبار
النية في الصوم بحيث يبطل بتركها عمدا أو سهوا وهو ثابت على كل من التقديرين. ولم
يقم لنا دليل على اعتبار ما ذكروه من القيود في هذا المقام ولا غيره زائدا على
القربة له عز وجل للآيات والروايات الصريحة في توقف صحة العبادة على ذلك (2).

(1) الوسائل الباب 19 من أحكام شهر رمضان
(2) أما الآيات فكقوله تعالى في سورة البينة الآية 5: " وما أمروا إلا ليعبدوا
الله مخلصين له الدين " وقوله تعالى في سورة الزمر الآية 17: " قل الله أعبد مخلصا له ديني "
وأما الروايات فكالروايات الدالة على توقف العمل على النية وقد أوردها في الوسائل في
الباب 5 من مقدمة العبادات وفي أبواب متفرقة منها الباب 2 من وجوب الصوم ونيته.
15

وقد وقع الخلاف هنا في مواضع ثلاثة: أحدها أنه هل يكفي في شهر
رمضان نية أنه يصوم غدا متقربا من غير اعتبار نية التعيين بكونه من شهر رمضان
أم لا بد من نية التعيين؟ قولان أولهما منقول عن الشيخ وبه صرح جملة من الأصحاب:
منهم المحقق والعلامة في جملة من كتبه، ونقل عن بعض الأصحاب الثاني.
احتج المحقق على ما اختاره بأن المراد من نية التعيين وقوع الفعل بها على أحد
وجهيه فإذا لم يكن للفعل إلا وجه واحد استغنى عن نية التعيين كرد الوديعة وتسليم
الأمانات، قال ويمكن أن يحتج عليه بقوله تعالى: " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " (1)
فإذا حصل مع نية التقرب فقد حصل الامتثال وكان ما زاد منفيا.
واعترض عليه بما حاصله أن امتثال الأمر فرع تعقل المأمور أن الآمر
أمره بذلك الفعل فإذا لم يعتقد أن الصوم غدا من ما أمر الشارع بالاتيان به فيه لم
يكن ممتثلا للتكليف بالصوم غدا، ونحن لا نعني بالتعيين سوى هذا إذ به يتعين
كونه من رمضان.
أقول: وعندي في هذا الخلاف والبحث الذي أطالوا به الكلام من ما
ذكرنا وما أعرضنا عن نقله في هذا المقام من أصله - نظر فإنهم إن أرادوا بهذه
النية التي اختلفوا في اشتراط التعيين فيها وعدمه ما هو عبارة عن التصوير الفكري
والحديث النفسي الذي يترجمه قول الصائم " أصوم غدا من شهر رمضان قربة إلى
الله " كما ذكروه في الصلاة والطهارة ونحوهما من التصوير المشتمل على القيود التي
ذكروها فهذا ليس هو النية كما حققناه في كتاب الطهارة بما لا مزيد عليه، وإن
أريد بالنية هو المعنى الذي حققناه ثمة وأوضحناه من أنه القصد البسيط الذي لا يكاد

(1) سورة البقرة الآية 182
16

ينفك عنه عاقل عند إرادة الفعل وأنه أمر جبلي لو كلف الله بعدمه لكان تكليفا
بما لا يطاق فهذا الكلام لا معنى له، وذلك لأن التكليف بصيام شهر رمضان من
الضروريات الدينية، وحينئذ فكل مكلف دخل عليه هذا الشهر وبادر إلى صيامه
قربة إلى الله تعالى فإن تعين كونه من شهر رمضان أمر لا يتصور انفكاكه عنه ولا
خلوه منه حتى يصح أن يكون مطرحا للخلاف بأنه لو صام مع عدم تعيين كونه من
شهر رمضان هل يصح صومه أم لا من ما يؤذن بأنه يمكن الاتيان بالصيام مع عدم
اعتقاد كونه من شهر رمضان. نعم يمكن فرض ذلك نادرا ممن عرض له السهو
عن كونه في شهر رمضان وهو خارج عن محل المسألة وغير صالح المطرح الخلاف.
وثانيها أنهم اختلفوا أيضا في أنه هل يشترط في نية صوم النذر المعين قصد
التعيين أم لا؟ فنقل عن المرتضى وابن إدريس الثاني وقواه العلامة في المنتهى واعتمده
في المدارك، وقيل بالأول وهو منقول عن الشيخ وجماعة واختاره في المختلف.
حجة القول الثاني أنه زمان تعين بالنذر للصوم فكان كشهر رمضان،
واختلافهما بأصالة التعين وعرضيته لا يقتضي اختلافهما في هذا الحكم.
واحتج في المختلف على القول الأول بأنه زمان لم يعينه الشارع في الأصل
للصوم فافتقر إلى التعيين كالنذر المطلق. وبأن الأصل وجوب التعيين إذ الأفعال
إنما تقع على الوجوه المقصودة، ترك ذلك في شهر رمضان لأنه زمان لا يقع فيه
غيره فيبقى الباقي على الأصالة.
ورد الأول بأنه مصادرة على المطلوب وإلحاقه بالنذر المطلق قياس مع الفارق
والثاني بمنع أصالة الوجوب، ولأن الوجه الذي لأجله ترك العمل بالأصل الذي
ذكره في صوم شهر رمضان آت في النذر المعين، فإنه إن أريد بعدم وقوع غيره فيه
استحالته عقلا كان منفيا فيهما وإن أريد امتناعه شرعا كان ثابتا فيهما.
أقول: لا يخفى أيضا أن هذا الخلاف إنما يجري في النية التي هي عبارة عن
ذلك التصوير الفكري والحديث النفسي الذي أشرنا إليه وبينا أنه ليس هو النية
17

حقيقة، وأما النية بالمعنى الذي حققناه فإنه لا معنى لهذا الكلام بالكلية، فإن من نذر
صوما معينا ثم قصد الاتيان بذلك فإنه لا ريب في حصول التعيين عنده، بل لو
أراد الصوم على الوجه المذكور من غير التعيين لم يتيسر له ولهذا عد في تكليف
ما لا يطاق من حيث أنه جبلي لا يمكن الانفكاك عنه مع القصد المذكور إلا أن
يكون ساهيا أو ذاهلا وهو خارج عن محل البحث.
وثالثها أنه هل يعتبر نية الوجه من الوجوب أو الندب؟ قولان وظاهر
جماعة ممن قال باعتبار نية الوجه سقوطه هنا من حيث عدم إمكان وقوع شهر
رمضان بنية الندب للمكلف به فلا يحتاج إلى التمييز عنه. إلا أن يقال بوجوب
ايقاع الفعل بوجهه من وجوب أو ندب كما ذكره المتكلمون فيحب ذلك وإن لم
يكن مميزا.
قال في المسالك بعد ذكر ذلك: لا ريب أن إضافة الوجوب إلى القربة أحوط
وضم التعيين إليهما أفضل والتعرض للأداء مع ذلك أكمل. انتهى. وفيه نظر
وتحقيق البحث في المسألة قد مر مستوفى في كتاب الطهارة.
هذا في ما كان متعينا وأما غيره كالقضاء والنذر المطلق والكفارة والنافلة فقد
صرحوا بأنه لا بد من التعيين لوقوعه على وجوه متعددة فافتقر إلى نية التعيين
ليتميز المنوي عن غيره. قال في المعتبر: وعلى ذلك فتوى الأصحاب.
أقول: ما ذكروه هنا متجه لا إشكال فيه لأن الفعل الواحد الواقع على أنحاء متعددة لا ينصرف إلى أحدها إلا بقصده ونيته ولكن يكفي في ذلك تعينه
بأول القصد إلى ايقاعه ولا يحتاج بعده إلى تصوير ولا حديث في النفس كما هو النية
المشهورة بينهم.
الثاني المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لا بد من ايقاع النية
ليلا في أوله أو آخره، وبعبارة أخرى لا بد من حصولها عند أول جزء من الصوم
أو تبييتها، لأن الاخلال بكل من الأمرين يقتضي مضي جزء من الصوم بغير نية
18

فيفسد لفوات شرطه والصوم لا يتبعض. ولو نسيها ليلا جددها ما بينه وبين
الزوال فلو زالت الشمس زال محلها.
وقال ابن أبي عقيل: يجب على من كان صومه فرضا عند آل الرسول
(عليهم السلام) أن يقدم النية في اعتقاد صومه ذلك من الليل. وهو ظاهر في
وجوب تبييتها، ويمكن حمله على تعذر المقارنة بها فإن الطلوع لا يعلم إلا بعد وقوعه
فتقع النية بعده وهو يستلزم فوات جزء من النهار بغير نية.
وقال ابن الجنيد: ويستحب للصائم فرضا وغير فرض أن يبيت الصيام من
الليل لما يريد به، وجائز أن يبتدئ بالنية وقد بقي بعض النهار ويحتسب به من
واجب إذا لم يكن أحدث ما ينقض الصيام، ولو جعله تطوعا كان أحوط.
وظاهره جواز تجديد النية في الفرض وغيره بعد الزوال مع الذكر والنسيان،
وحمل كلامه على أن مراده بالفرض غير المعين وإلا فهو باطل.
وقال المرتضى (رضي الله عنه): ووقت النية في الصيام الواجب من قبل
طلوع الفجر إلى قبل زوال الشمس. فإن كان مراده بالامتداد إلى وقت الزوال
ما هو أعم من وقت الاختيار والاضطرار ليخص الامتداد إلى الزوال بالناسي
ونحوه فهو صحيح وإلا فهو مشكل. وظاهر الدليل الذي نقله عنه في المختلف هو أن
مراده الامتداد ولو للمختار حسبما سيأتي في قضاء شهر رمضان، وحينئذ فيكون
كلامه مخالفا لما عليه الأصحاب في المسألة.
وأما أن الناسي للنية ليلا يجددها ما بينه وبين الزوال فقال المحقق في المعتبر
والعلامة في التذكرة والمنتهى أنه موضع وفاق بين الأصحاب.
واستدلوا عليه بما روي (1) " أن ليلة الشك أصبح الناس فجاء أعرابي إلى النبي

(1) لم أقف حتى في كتب الحديث للعامة على حديث بهذا اللفظ والمضمون وقد نقل
البيهقي في السنن ج 4 ص 211 و 212 عدة أحاديث في هذا الموضوع: أولها عن عكرمة عن
ابن عباس وهو يتضمن شهادة الأعرابي الواحد وفي آخره قال صلى الله عليه وآله " يا بلال أذن في الناس أن يصوموا غدا " والثاني أيضا عن عكرمة عن ابن عباس وقد تضمن مجئ الأعرابي
ليلة هلال رمضان وفي آخره: فنادى أن صوموا. والثالث عن عكرمة " أنهم شكوا في هلال
رمضان مرة فأرادوا أن لا يقوموا ولا يصوموا فجاء أعرابي من الحرة فشهد أنه رأى الهلال
فأتى به النبي صلى الله عليه وآله.. إلى أن قال فأمر صلى الله عليه وآله بلا لا فنادى في الناس أن يقوموا وأن
يصوموا " ثم قال البيهقي: قال أبو داود: ورواه جماعة عن سماك عن عكرمة مرسلا ولم
يذكر القيام أحد إلا حماد بن سلمة. ثم نقل من كتاب المستدرك لأبي عبد الله الحافظ نفس
الحديث بطريق ينتهي إلى حماد بن سلمة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس. والرابع
يتضمن رؤية ابن عمر الهلال واخباره رسول الله صلى الله عليه وآله وأنه صام وأمر الناس بصيامه.
والخامس يتضمن رؤية الهلال بعد رسول الله صلى الله عليه وآله والسادس عن فاطمة بنت الحسين
يتضمن الشهادة عند علي عليه السلام. هذه أحاديث الباب. ولم يتعرض للحديث في كتبهم الفقهية
في مقام التعرض لوجوب الامساك وعدمه في يوم الشك لو ظهر أنه من شهر رمضان نهارا
والحديث المنقول في المتن من المعتبر يشبه أن يكون هو الحديث الثالث الذي نقلناه من
غير طريق حماد بن سلمة إلا أن الحديث من غير هذا الطريق مشعر أيضا بأن دعوى الرؤية
كانت في الليل إذ لم يشتمل على النداء بأن من لم يأكل فليصم ومن أكل فليمسك. فالحديث
المذكور بهذا المضمون لا وجود له في ما حضرني من كتب الحديث والفقه للعامة كما لا وجود
له في كتب الحديث للخاصة. نعم النداء بالنحو المذكور فيه وارد في صوم عاشوراء بطريق
العامة وقد نقل الأحاديث في هذا الموضوع في السنن ج 4 ص 288 باب (من زعم أن
صوم عاشوراء كان واجبا ثم نسخ وجوبه) وفي أحدها " أنه صلى الله عليه وآله أمر رجلا من أسلم أن
أذن في الناس أن من أكل فليصم بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم فإن اليوم يوم عاشوراء "
وفي آخر: أنه صلى الله عليه وآله أرسل صبيحة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة أن من كان
أصبح صائما فليتم صومه ومن كان أصبح مفطرا فليصم بقية يومه. وكيف كان فلا يخفى أن
الأحاديث الثلاثة الأول التي نقلناها من السنن في موضوع الشهادة بهلال شهر رمضان
تضمنت سؤال النبي صلى الله عليه وآله من الشاهد الشهادة بالتوحيد والنبوة وإجابة الشاهد بالاثبات.
19

صلى الله عليه وآله فشهد برؤية الهلال فأمر النبي صلى الله عليه وآله مناديا ينادي من لم يأكل فليصم ومن
أكل فليمسك " قال في المنتهى فإذا جاز مع العذر وهو الجهل بالهلال جاز مع النسيان
20

قال في المدارك: ويمكن أن يستدل عليه بفحوى ما دل على انعقاد الصوم من
المريض والمسافر إذا زال عذرهما قبل الزوال، وأصالة عدم اعتبار تبييت النية
مع النسيان.
وربما استدل على ذلك أيضا بحديث (1) " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان "
فإن ايجاب القضاء يقتضي عدم رفع النسيان.
أقول: لم أقف في هذا المقام على نص من الأخبار وهذه الأدلة كلها لا تخلو
من شوب الاشكال الموجب لعدم الاعتماد عليها في تأسيس حكم شرعي، أما
الرواية المذكورة فالظاهر أنها من طريق الجمهور فإني لم أقف عليها في شئ من
الأصول، ومع هذا فهي مختصة بالجاهل والمساواة ممنوعة، على أنها لا تقتضي تحديد
الحكم بالزوال كما هو المدعى بل هي أعم وهم لا يقولون به. وأما الاستدلال بفحوى
ما ذكر فهو متوقف على ثبوت العلة وأولويتها في الفرع وهو ممنوع، على أن الدليل
المشار إليه إنما ورد في المسافر وأما المريض فلم يرد فيه نص بذلك كما سيأتي بيانه في
محله وإنما ذكر الأصحاب ذلك واستدلوا عليه ببعض الأدلة الاعتبارية. وأما أصالة
عدم اعتبار تبييت النية ففيه أن الأصل يرتفع بما دل على اعتبار النية في صحة العبادة
كلا أو بعضا. وأما حديث " رفع عن أمتي " فالظاهر أن المراد منه رفع المؤاخذة
والعقاب ولا دلالة فيه على عدم القضاء. وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال
إذا عرفت ذلك فاعلم أن ما تقدم إنما هو بالنسبة إلى الواجب المعين وأما
الواجب الغير المعين كالقضاء والنذر المطلق فقد قطع الأصحاب بأن وقت النية فيه
يستمر من الليل إلى الزوال إذا لم يفعل المنافي نهارا.
ويدل عليه أخبار كثيرة: منها ما رواه الكليني في الصحيح عن عبد الرحمان
ابن الحجاج عن أبي الحسن عليه السلام (2) " في الرجل يبدو له بعد ما يصبح ويرتفع النهار

(1) الوسائل الباب 30 من الخلل الراقع في الصلاة والباب 56 من جهاد النفس
(2) الوسائل الباب 2 من وجوب الصوم ونيته
21

في صوم ذلك اليوم ليقضيه من شهر رمضان ولم يكن نوى ذلك من الليل؟ قال: نعم
ليصمه وليعتد به إذا لم يكن أحدث شيئا ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال:
" من أصبح وهو يريد الصيام ثم بدا له أن يفطر فله أن يفطر ما بينه وبين نصف
النهار ثم يقضي ذلك اليوم، فإن بدا له أن يصوم بعد ما ارتفع النهار فليصم فإنه يحسب
له من الساعة التي نوى فيها ".
وعن عبد الرحمان بن الحجاج في الصحيح (2) قال: " سألته عن الرجل يقضي
رمضان أله أن يفطر بعد ما يصبح قبل الزوال إذا بدا له؟ فقال إذا كان نوى ذلك
من الليل وكان من قضاء رمضان فلا يفطر ويتم صومه. قال: وسألته عن الرجل يبدو
له بعد ما يصبح ويرتفع النهار أن يصوم ذلك اليوم ويقضيه من رمضان وإن لم
يكن نوى ذلك من الليل؟ قال نعم يصومه ويعتد به إذا لم يحدث شيئا ".
وعن هشام بن سالم في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " قلت له
الرجل يصبح ولا ينوي الصوم فإذا تعالى النهار حدث له رأي في الصوم؟ فقال إن
هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه وإن نواه بعد الزوال حسب
له من الوقت الذي نوى ".
وعن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه السلام (4) قال: " سألته
عن الرجل يصبح وهو يريد الصيام ثم يبدو له فيفطر؟ قال هو بالخيار ما بينه وبين
نصف النهار. قلت هل يقضيه إذا أفطر؟ قال نعم لأنها حسنة أراد أن يعملها فليتمها
قلت: فإن رجلا أراد أن يصوم ارتفاع النهار أيصوم؟ قال نعم ".
وروى الشيخ في القوي عن صالح بن عبد الله عن أبي إبراهيم عليه السلام (5) قال:
" قلت له: رجل جعل لله عليه صيام شهر فيصبح وهو ينوي الصوم ثم يبدو له

(1) التهذيب ج 1 ص 405 وفي الوسائل الباب 4 و 2 من وجوب الصوم ونيته
(2) التهذيب ج 1 ص 405 وفي الوسائل الباب 4 و 2 من وجوب الصوم ونيته
(3) الوسائل الباب 2 من وجوب الصوم ونيته
(4) الوسائل الباب 4 من وجوب الصوم ونيته
(5) الوسائل الباب 2 من وجوب الصوم ونيته
22

فيفطر ويصبح وهو لا ينوي الصوم فيبدو له فيصوم؟ فقال هذا كله جائز ".
وعن عبد الرحمان بن الحجاج في الموثق والصحيح (1) قال: " سألت أبا الحسن
موسى عليه السلام عن الرجل يصبح ولم يطعم ولم يشرب ولم ينو صوما وكان عليه يوم
من شهر رمضان أله أن يصوم ذلك اليوم وقد ذهب عامة النهار؟ قال نعم له أن
يصوم ويعتد به من شهر رمضان ".
وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر في الصحيح عن من ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام (2)
قال: " قلت له الرجل يكون عليه القضاء من شهر رمضان ويصبح فلا يأكل إلى
العصر أيجوز أن يجعله قضاء من شهر رمضان؟ قال نعم ".
وعن ابن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: سئل عن رجل طلعت عليه
الشمس وهو جنب ثم أراد الصيام بعد ما اغتسل ومضى من النهار ما مضى؟ قال
يصوم إن شاء وهو بالخيار إلى نصف النهار ".
وفي الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام (4) " عن الرجل يكون
عليه أيام من شهر رمضان يريد أن يقضيها متى يريد أن ينوي الصيام؟ قال هو بالخيار
إلى أن تزول الشمس فإذا زالت الشمس فإن كان نوى الصوم فليصم وإن كان نوى
الافطار فليفطر. سئل فإن كان نوى الافطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت
الشمس؟ قال لا ".
وتنقيح الكلام في المقام يتوقف على رسم مسائل: الأولى المشهور بين
الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن منتهى وقت النية في القضاء والنذر المطلق هو
زوال الشمس فبعد زوالها يفوت الوقت، وظاهر كلام ابن الجنيد المتقدم استمرار
وقت النية ما بقي من النهار شئ، واختاره الفاضل الخراساني في الذخيرة.
ويدل على القول المشهور موثقة عمار ورواية عبد الله بن بكير، ويدل على

(1) الوسائل الباب 2 من وجوب الصوم ونيته.
(2) الوسائل الباب 2 من وجوب الصوم ونيته.
(3) الوسائل الباب 20 من ما يمسك عنه الصائم
(4) الوسائل الباب 2 من وجوب الصوم ونيته.
23

قول ابن الجنيد ظاهر موثقة عبد الرحمان بن الحجاج وصحيحته فإن المتبادر من عامة
النهار أي أكثره، ومرسلة أحمد بن محمد بن أبي نصر.
وأجاب العلامة في المختلف عن الرواية الأولى باحتمال أن يكون قد نوى
قبل الزوال ويصدق عليه أنه ذهب عامة النهار على سبيل المجاز. وعن الثانية
بالطعن بالارسال وباحتمال أن يكون قد نوى صوما مطلقا مع نسيان القضاء
فجاز صرفه إليه.
ورد الأول بأن المتبادر من ذهاب عامة النهار ذهاب أكثره وهو لا يحصل
بما قبل الزوال. والثاني بأنه ليس في شئ من الروايات دلالة على الاحتمال الذي
ذكره فلا يمكن المصير إليه.
والمحقق في المعتبر استدل للمشهور بأن الصوم الواجب يجب أن يؤتى به من
أول النهار أو بنية تقوم مقام الاتيان به من أوله، وقد روي " أن من صام قبل
الزوال حسب له يومه " ثم نقل رواية هشام بن سالم المتقدمة، قال وأيد ذلك بما
رواه عمار الساباطي.. ثم ساق موثقة عمار المذكورة.
وأنت خبير بأن صحيحة هشام المشار إليها لا دلالة فيها صريحا بل ولا ظاهرا
على ما ذكره بل الظاهر أن المراد منها إنما هو صوم النافلة لأن قوله في آخرها " وإن
نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى " لا ينطبق على الواجب وإنما يمكن
تطبيقه على النافلة بمعنى أن الفضل الكامل في صيامها يحصل بالنية قبل الزوال وأما
بعده فلا يثاب عليه إلا بمقدار ما بقي من النهار. نعم موثقة عمار ظاهرة في ما ذهب إليه. والظاهر أن بناء استدلال المحقق بصحيحة هشام المذكورة على حمل قوله:
" وإن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى " على بطلان الصيام فإنه إذا
لم يحسب له صيام اليوم كملا كان باطلا، وحساب هذا الجزء الباقي بمعنى إثابته عليه
لا يستلزم صحة صيام اليوم كملا. وبالجملة فالمسألة محل اشكال.
الثانية - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه يمتد وقت نية
24

النافلة أيضا إلى الزوال، ونقل عن المرتضى والشيخ وجماعة من الأصحاب امتداده
إلى الغروب، قال الشيخ (رحمه الله) وتحقيق ذلك أن يبقى بعد النية من الزمان
ما يمكن صومه إلا أن يكون انتهاء النية مع انتهاء النهار. وإليه مال الفاضل
الخراساني في الذخيرة.
واستدل العلامة على القول المشهور في المختلف بأنه عليه السلام " نفى العمل بغير
نية " (1) ومضى جزء من النهار بغير نية يستلزم نفي حكمه، ترك العمل به في صورة
ما إذا نوى قبل الزوال لمعنى يختص به وهو صيرورة عامة النهار منويا فيبقى الباقي
على الأصل. ولأنه عبادة مندوبة فيكون وقت نيتها وقت نية فرضها كالصلاة،
ويؤيده ما رواه هشام بن سالم في الصحيح.. ثم ساق الرواية كما قدمناها. ثم قال:
وترك الاستفصال عقيب اكمال السؤال يدل على تعميم المقال. انتهى.
ويدل على القول الثاني موثقة أبي بصير (2) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الصائم المتطوع تعرض له الحاجة؟ قال هو بالخيار ما بينه وبين العصر، وإن
مكث حتى العصر ثم بدا له أن يصوم ولم يكن نوى ذلك فله أن يصوم ذلك
اليوم إن شاء ".
ويدل على ذلك اطلاق صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام (3)
قال: " كان أمير المؤمنين عليه السلام يدخل إلى أهله فيقول عندكم شئ؟ وإلا صمت فإن كان
عندهم شئ أتوه به وإلا صام ".
وصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام (4) قال: " قال علي عليه السلام إذا لم
يفرض الرجل على نفسه صياما ثم ذكر الصيام قبل أن يطعم طعاما أو يشرب

(1) الوسائل الباب 5 من مقدمة العبادات والباب 2 من وجوب الصوم ونيته.
(2) الوسائل الباب 3 من وجوب الصوم ونيته.
(3) الوسائل الباب 2 من وجوب الصوم ونيته، والراوي هشام بن سالم
(4) الوسائل الباب 2 من وجوب الصوم ونيته
25

شرابا ولم يفطر فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر ".
ومن ذلك يعلم قوة هذا القول وضعف ما استدل به في المختلف للقول المشهور
الثالثة قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا يشترط في النية
من الليل الاستمرار على حكم الصوم بل يجوز أن ينوي ليلا ويفعل بعدها ما ينافي
الصوم إلى قبل الفجر، ولا فرق في ذلك بين الجماع وغيره، وتردد في البيان في
الجماع وما يوجب الغسل من أنه مؤثر في صيرورة المكلف غير قابل للصوم فيزيل
حكم النية، ومن حصول شروط الصحة وزوال المانع بالغسل. وضعف الوجه
الأول من وجهي الترديد ظاهر فإنه مجرد دعوى خالية من الدليل.
الرابعة لو أخل بالنية ليلا عمدا في الواجب المعين فسد صومه لفوات
الشرط ووجب القضاء، وهل تجب الكفارة؟ قيل نعم وحكاه الشهيد في البيان
عن بعض مشايخه نظرا إلى أن فوات الشرط والركن أشد من فوات متعلق الامساك.
وقيل لا وبه قطع في المنتهى لأصالة البراءة السالمة من المعارض. وهو جيد.
الخامسة لو جدد في أثناء النهار فهل يحكم له بالصوم الشرعي المثاب عليه
من وقت النية أو من ابتداء النهار أو يفرق بين ما إذا وقعت النية بعد الزوال
فيكون كالثاني وقبله فيكون كالأول؟ أوجه يدل على الأخير منها قوله في صحيحة
هشام بن سالم المتقدمة (1) " إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه
وإن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى " ويدل على الأول منها قوله في
صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة أيضا (2) " فإن بدا له أن يصوم بعد ما ارتفع النهار فليصم
فإنه يحسب له من الساعة التي نوى فيها " اللهم إلا أن يحمل ارتفاع النهار على وقت
الزوال ليصير ما بعده ما بعد الزوال، إلا أنه بعيد إذ المتبادر من ارتفاع النهار إنما هو
وقت الضحى. ويمكن الجمع بين الخبرين بأن الحساب الاستحقاقي إنما هو من وقت النية
التي هي شرط في صحة العمل إذ لا عمل إلا بالنية غاية الأمر أنها إذا وقعت قبل الظهر حسب

(1) ص 22
(2) ص 22
26

له ما تقدم عليها تفضلا.
الثالث المشهور بين الأصحاب المتأخرين أنه لا بد في كل يوم من شهر
رمضان من نية، ونقل عن الشيخين والمرتضى وأبي الصلاح وسلار (رضي الله عنهم) أن شهر رمضان يكفي فيه نية واحدة من أوله.
قال المرتضى (رضي الله عنه) في الإنتصار بعد الاحتجاج بالاجماع من
الطائفة: إن النية تؤثر في الشهر كله لأن حرمته حرمة واحدة كما أثرت في اليوم
الواحد لما وقعت في ابتدائه.
وقال (قدس سره) في المسائل الرسية على ما نقله عنه العلامة في المختلف:
تغني النية الواحدة في ابتداء شهر رمضان عن تجديدها في كل ليلة وهو المذهب
الصحيح الذي عليه اجماع الإمامية ولا خلاف بينهم فيه ولا رووا خلافه. ثم
اعترض نفسه بأنه كيف تؤثر النية في جميع الشهر وهي متقدمة في أول ليلة منه؟
وأجاب بأنها تؤثر في الشهر كله كما تؤثر في اليوم كله وإن وقعت في ابتداء ليلته،
ولو شرطت مقارنة النية للصوم لما جاز ذلك مع الاجماع على جوازه، ولو اشترط
في تروك الأفعال في زمان الصوم مقارنة النية لها لوجب تجديد النية في كل حال من
زمان كل يوم من شهر رمضان لأنه في هذه الأحوال كلها تارك لما يوجب كونه
مفطرا، وقد علمنا أن استمرار النية طول النهار غير واجب وأن النية قبل طلوع
الفجر كافية مؤثرة في كون تروكه المستمرة طول النهار صوما، فكذا القول في النية
الواحدة إذا فرضنا أنها لجميع شهر رمضان أنها مؤثرة شرعا في صيام جميع أيامه
وإن تقدمت. انتهى.
وأورد على ما ذكره منع أن حرمته حرمة واحدة بمعنى كون المجموع عبادة
واحدة بل صوم كل يوم أمر مستقل بنفسه غير متعلق بغيره ولهذا تتعدد الكفارات
بتعدد المفطر. ومنع ثبوت الاجماع.
ورد المحقق كلام المرتضى أيضا بأنه قياس محض لا يتمشى على أصولنا، قال
27

لكن علم الهدى ادعى على ذلك الاجماع وكذلك الشيخ أبو جعفر، والأولى تجديد
النية لكل يوم في ليلته لأنا لا نعلم ما ادعياه من الاجماع.
قال في الذخيرة بعد البحث في المقام: نعم لقائل أن يقول تحصيل العلم
بالبراءة من التكليف الثابت يقتضي وجوب تجديد النية بناء على ما ذكرنا سابقا من
عدم ثبوت كون النية شرطا خارجا وعدم ثبوت كون الصوم حقيقة شرعية في نفس
الامساك من غير اعتبار استجماع الشرائط المؤثرة في الصحة. إلا أن بهذا الوجه
لا يثبت وجوب القضاء عند الاخلال بالتجديد. وكيف ما كان فلا ريب في
أولوية التجديد.
وقال العلامة: إن قلنا بالاكتفاء بالنية الواحدة فإن الأولى تجديدها بلا خلاف.
واستشكل هذا الحكم شيخنا الشهيد الثاني بناء على أن القائل بالاكتفاء بنية واحدة
للشهر يجعله عبادة واحدة كما صرح به في دليله ومن شأن العبادة الواحدة المشتملة
على النية الواحدة أن لا يجوز تفريق النية على أجزائها كما هو المعلوم من حالها
وحينئذ يشكل أولوية تعدد النية بتعدد الأيام لاستلزامه تفريق النية على أجزاء
العبادة الواحدة التي تفتقر إلى النية الواحدة، قال والطريق المخرج من الاشكال الجمع
بين نية المجموع وبين النية لكل يوم. انتهى. واعترض عليه بما لا مزيد طائل
في ايراده بعد ما ستقف عليه إن شاء الله تعالى من التحقيق الرشيق.
ثم إنهم قد صرحوا أيضا بأنه لو فاتته النية في أول الشهر لعذر أو غيره هل
يكتفي بالنية في ثاني ليلة أو ثالث ليلة للباقي من الشهر؟ تردد فيه العلامة في المنتهى
واستوجه الشهيد في البيان عدم الاكتفاء بذلك.
أقول وبالله الهداية والتوفيق إلى سواء الطريق إنه لا بد من الكلام هنا في
تحقيق النية زيادة على ما قدمناه في كتاب الطهارة ليكون أنموذجا لك في كل
مقام ويتضح به ما في كلام هؤلاء الأعلام وإن كانوا هم القدوة والمعتمد في
النقض والابرام:
28

فنقول: ينبغي أن يعلم أنه لا ريب أن أفعال العقلاء كلها من عبادات وغيرها
لا تصدر إلا بعد تصور الدواعي الباعثة على الاتيان بها وهي المشار إليها في كلامهم
بالعلل الغائية، مثلا يتصور الانسان أن الاتيان بهذا الفعل يترتب عليه النفع الفلاني
فإذا تصورت النفس هذا الغرض انبعث منها شوق إلى جذبه وتحصيله، فقد يتزايد
هذا الشوق ويتأكد ويسمى بالإرادة، فإذا انضم إلى القدرة التي هي هيئة للقوة
الفاعلة انبعثت تلك القوة لتحريك الأعضاء إلى ايقاع ذلك الفعل وايراده و تحركت
إلى اصداره وايجاده لأجل غرضها الذي تصورته أولا، فانبعاث النفس و توجهها
وقصدها إلى ما فيه غرضها هو النية، نعم قد يحصل بسبب تكرر الفعل و الاعتياد
عليه نوع ذهول عن تلك العلة الغائية الحاملة على الفعل إلا أن النفس بأدنى توجه
والتفات تستحضر ذلك كما هو المشاهد في جملة أفعالنا المتكررة منا.
وحينئذ فليست النية بالنسبة إلى الصلاة والطهارة والصيام ونحو ذلك من
العبادات إلا كغيرها من سائر أفعال المكلف من قيامه وقعوده وأكله وشربه
و نكاحه ونومه ومغداه ومجيئه ونحو ذلك، ولا ريب أن كل عاقل غير ذاهل
لا يصدر عنه فعل فعل من هذه الأفعال ونحوها إلا بنية وقصد، مع أنه لا يتوقف شئ
من ذلك على هذه النية التي ذكروها والاختلافات التي سطروها.
ولا فرق بين ما ذكرنا من هذه الأفعال وبين العبادات إلا قصد القربة لله
سبحانه في العبادات، وهذا لا يوجب ما ذكروه في أمثال هذا المقام.
وحينئذ فإذا كان المكلف عالما بوجوب الصوم عليه وأنه عبارة عن الامساك
عن تلك الأمور المذكورة لله سبحانه كما هو الآن ضروري لعامة الناس فإنه برؤية
هلال الشهر المذكور يوطن نفسه على ذلك ويكف عن هذه الأشياء في كل يوم من
طلوع الفجر إلى غروب الشمس ومتى فعل ذلك فإن صومه صحيح شرعي، وهذا
هو الذي جرى عليه السلف زمن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة (عليهم السلام) وما بعدهم،
فإنه متى دخل عليهم الشهر اجتنبوا ما حرم الله عليهم في نهاره وكفوا عنه قاصدين
29

بذلك التقرب إليه سبحانه مراعين حرمته زيادة على غيره من الشهور ولم يقع
التكليف من الشارع بأزيد من هذا.
وإني لأعلم علما لا يخالجه الظن أن جميع هذه الأبحاث والمقالات والتدقيقات
التي ذكروها لم تخطر بخاطر أحد من الصحابة زمنه صلى الله عليه وآله ولا زمن أحد من الأئمة
(عليهم السلام) مع أنه لا ريب في صحة صومهم، على أنها من ما لم يقم عليها
دليل شرعي.
والأنسب بقواعد الشريعة المحمدية وسعتها الواضحة الجلية هو جعل ذلك من
قبيل ما ورد من السكوت عن ما سكت الله عنه وابهام ما أبهمه:
فروى الشيخ المفيد (عطر الله مرقده) في كتاب المجالس بسنده عن
أمير المؤمنين عليه السلام (1) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن الله تعالى حد لكم حدودا فلا
تعتدوها وفرض عليكم فرائض فلا تضيعوها وسن لكم سننا فاتبعوها وحرم عليكم
حرمات فلا تنتهكوها وعفا لكم عن أشياء رحمة منه من غير نسيان فلا تتكلفوها ".
وروى في كتاب عوالي اللئالي عن إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام (2) " أن
عليا عليه السلام كأن يقول: أبهموا ما أبهم الله ".
وروى الصدوق في الفقيه (3) من خطبة أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال:
" إن الله حد حدودا فلا تعتدوها وفرض فرائض فلا تنقصوها وسكت عن أشياء
لم يسكت عنها نسيانا فلا تتكلفوها رحمة من الله لكم فاقبلوها.. الحديث ".
ومن أراد مزيد تحقيق لما ذكرناه من هذا الكلام فليرجع إلى شرحنا على
كتاب مدارك الأحكام وما قدمناه في كتاب الطهارة من هذا الكتاب.

(1) البحار ج 2 ص 263 رقم 11 الطبع الحديث
(2) البحار ج 2 الباب 33 من كتاب العلم
(3) باب (نوادر الحدود) وفي الوسائل الباب 12 من صفات القاضي وما يجوز
أن يقضي به.
30

وبذلك يظهر أن جميع ما ذكروه من الأبحاث في النية في كتاب الصيام وكتاب
الصلاة وكتاب الطهارة و نحوها من ما لا أثر يترتب عليه ولا حاجة تلجئ إليه بل
هو من باب " اسكتوا عن ما سكت الله عنه " (1).
وكلامهم في جميع هذه المواضع كلها يدور على النية التي اصطلحوا عليها وهي
الكلام نفسي والتصوير الفكري الذي قدمنا ذكره وقد عرفت أنه ليس هو
النية حقيقة.
الرابع أنه لا يقع في شهر رمضان صوم غير الصوم الواجب فيه بالأصالة
فلو نوى غيره واجبا كان أو ندبا فإنه لا يقع، وهل يجزئ عن شهر رمضان أم لا؟
والخلاف هنا وقع في موضعين: أحدهما أنه هل يقع في شهر رمضان
صوم غيره أم لا؟ المشهور الثاني.
فعلى هذا لو أراد المسافر صومه ندبا بناء على جواز الصوم المندوب في السفر
أو واجبا بالنذر كما إذا قيده بالحضر والسفر لم يكن له ذلك:
أما أولا فلأن العبادات توقيفية متلقاة من الشارع فيتوقف جواز ذلك
على النقل وليس فليس فيكون فعله بدعة محرمة.
وأما ثانيا فما رواه الشيخ عن الحسن بن بسام الجمال عن رجل (2) قال:
" كنت مع أبي عبد الله عليه السلام في ما بين مكة والمدينة في شعبان وهو صائم ثم رأينا
هلال شهر رمضان فأفطر قلت له جعلت فداك أمس كان من شعبان وأنت صائم
واليوم من شهر رمضان وأنت مفطر؟ فقال: إن ذلك تطوع ولنا أن نفعل
ما شئنا وهذا فرض فليس لنا أن نفعل إلا ما أمرنا ".
وما رواه عن إسماعيل بن سهل عن رجل (3) قال: " خرج أبو عبد الله عليه السلام
من المدينة في أيام بقين من شهر شعبان وكان يصوم ثم دخل عليه شهر رمضان وهو

(1) أورده بهذا اللفظ القضاعي في الشهاب في حرف الألف
(2) الوسائل الباب 12 ممن يصح منه الصوم
(3) الوسائل الباب 12 ممن يصح منه الصوم
31

في السفر فأفطر فقيل له تصوم شعبان وتفطر شهر رمضان؟ فقال نعم شعبان إلي أن
شئت صمت وإن شئت لا وشهر رمضان عزم من الله على الافطار ".
ونقل عن الشيخ في المبسوط أنه جوز التطوع بالصوم من المسافر في شهر
رمضان، وهو ضعيف لما عرفت من انتفاء التوقيف مع أنه عبادة تتوقف على ذلك
وإلا لم تكن مشروعة، ولأن الرواية التي اعتمد عليها في جواز صيام النافلة في
السفر قد تضمنت لعدم وقوعه في شهر رمضان.
الموضع الثاني أنه مع نية غيره هل يجزئ عن شهر رمضان متى كان حاضرا
أم لا؟ قولان اختار أولهما جمع من الأصحاب: منهم الشيخ والمحقق والمرتضى
(رضي الله عنهم) وثانيهما جماعة من الأصحاب: منهم ابن إدريس والعلامة، وإليه
جنح في المدارك.
والظاهر أنه لا خلاف في الاجزاء مع الجهل بالشهر كما اعترف به الأصحاب
في صيام يوم الشك بنية الندب واجزائه عن شهر رمضان مع تبين كونه منه، إنما
الخلاف مع العلم.
حجة الأول كما استدل به في المعتبر أن النية المشروطة حاصلة في نية القربة
وما زاد لغو لا عبرة به فكان الصوم حاصلا بشرطه فيجزئ عنه.
وأورد عليه بأنه يشكل بأن من هذا شأنه لم ينو المطلق لينصرف إلى رمضان
وإنما هو نوى صوما معينا فما نواه لم يقع وغيره ليس بمنوي فيفسد لانتفاء شرطه.
حجة الثاني كما ذكره العلامة في المختلف التنافي بين نية صوم رمضان ونية
غيره، وبأنه منهي عن نية غيره والنهي مفسد، وبأن مطابقة النية للمنوي واجبة.
وأجيب: أما عن الأول فبأن التنافي مسلم لكن لم لا يجوز أن يكفي في صحة
صيام رمضان نية الامساك مع التقرب ولا يعتبر فيها نية خصوصية كونه صوم
رمضان؟ لا بد لنفي ذلك من دليل.
أقول: فيه أن الذي علم من الأخبار وهو الموافق للقواعد الشرعية من قولهم
32

(عليهم السلام) (1) " لكل امرئ ما نوى " و " لا عمل إلا بنية " (2) ونحوهما
والذي جرى عليه السلف من زمن التكليف إلى الآن هو نية الصيام المخصوص بهذا
الشهر، فهذا هو الذي علم صحته واثبات صحة ما عداه يحتاج إلى دليل لأن العبادات
توقيفية والذي علم من الأدلة هو ما ذكرناه، فلا بد لاثبات ما ذكره من دليل إذ
مقتضى الأصول عدمه لا أنه لا بد لنفيه من دليل كما ادعاه.
وأما عن الثاني فبأن النهي متعلق بخصوصية نية كونه غير صوم رمضان وهي
أمر خارجة عن حقيقة العبادة فلا يستلزم النهي عنها بطلان الصوم.
أقول: يمكن أن يكون مراد المستدل بما ذكره إنما هو أنه لما كان منهيا عن
هذه النية فالنهي عنها موجب لفسادها وحينئذ فتبقى العبادة التي أتى بها خالية من
النية. وقوله إن النية خارجة عن حقيقة العبادة فلا يستلزم النهي عنها بطلان الصوم
مردود بما اتفقوا عليه من أن النية لا تخرج عن كونها شرطا أو شطرا من العبادة،
وعلى أي منهما فالنهي عنها يوجب البطلان لما قرروه من أن النهي عن العبادة
أو شرطها أو جزئها موجب لفسادها.
وأما عن الثالث فبأن وجوب مطابقة النية بجميع أجزائها وخصوصياتها
للمنوي غير مسلم، وإن أراد المطابقة في الجملة فهي حاصلة في موضع البحث.
أقول: يلزم بمقتضى ما ذكره من الاكتفاء بهذه المطابقة الجملية في هذا المقام
صحة صلاة الظهر لو نوى بها العصر وبالعكس لاشتراكهما في كونهما صلاة كما اشترك
صوم رمضان وصوم ما نواه من غيره في كونهما صوما ولا أظنه يلتزمه.
وبالجملة فإن ما ذكره من هذه المناقشات ليس فيه مزيد فائدة.
وكيف كان فالمسألة لخلوها من النص لا تخلو من اشكال واثبات الأحكام الشرعية بمجرد هذه التعليلات مجازفة محضة والاحتياط لا يخفى.
الخامس لو نوى الوجوب بكونه من شهر رمضان في يوم الشك وهو آخر

(1) الوسائل الباب 5 من مقدمة العبادات والباب 2 من وجوب الصوم ونيته
(2) الوسائل الباب 5 من مقدمة العبادات والباب 2 من وجوب الصوم ونيته
33

يوم من شعبان فالمشهور أنه يكون فاسدا ولا يجزئ عن أحدهما، لا عن شهر
رمضان وإن ظهر كونه منه لوقوعه في شهر شعبان ظاهرا والأحكام الشرعية إنما
بنيت على الظاهر، ولا عن شعبان لعدم نيته، فما نواه غير واقع بحسب الظاهر
الذي هو مناط التكليف وما هو واقع غير منوي، وعلى ذلك تدل الأخبار الآتية.
وإلى هذا القول ذهب الشيخ والمرتضى والصدوقان وأبو الصلاح وسلار
وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس والفاضلان وغيرهم وهو المعتمد، وذهب ابن أبي عقيل وابن الجنيد. إلى أنه يجزئه عن شهر رمضان وإليه ذهب الشيخ في الخلاف.
واستدل على القول الأول بما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (1) " في الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان؟ فقال عليه السلام
عليه قضاؤه وإن كان كذلك ".
والاستدلال بهذا الخبر مبني على تعلق قوله " من رمضان " بقوله " يصوم "
بمعنى أنه لا يجوز صيام يوم الشك على أنه من شهر رمضان فلو صامه وظهر كونه
من شهر رمضان لم يجزئ عنه ووجب قضاؤه، وأما لو علق بقوله " يشك " فلا
دلالة فيه ويحمل الأمر فيه بالقضاء على التقية لاتفاق العامة على عدم الاجزاء عن
شهر رمضان لو ظهر كونه منه (2).

(1) الوسائل الباب 6 من وجوب الصوم ونيته
(2) في نيل الأوطار بعد ذكر أحاديث المنتقى بعنوان باب (ما جاء في يوم الغيم
والشك) ج 4 ص 201 قال ص 204: وقد استدل بهذه الأحاديث على المنع من صوم
يوم الشك، قال النووي وبه قال مالك والشافعي والجمهور. وحكى الحافظ في الفتح عن
مالك وأبي حنيفة أنه لا يجوز صومه عن فرض رمضان ويجوز عن ما سوى ذلك. قال ابن
الجوزي في التحقيق: ولا حمد في هذه المسألة وهي ما إذا حال دون مطلع الهلال غيم أو
غيره ليلة الثلاثين من شعبان ثلاثة أقوال: أحدها يجب صومه على أنه من رمضان.
وثانيها لا يجوز فرضا ولا نفلا مطلقا بل قضاء وكفارة ونذرا ونفلا يوافق عادة.
وثالثها المرجع إلى رأي الإمام في الصوم والفطر. وذهب جماعة من الصحابة إلى
صومه.. وعد قسما منهم ثم قال وجماعة من التابعين.. إلى أن قال: وقال جماعة من أهل
البيت باستحبابه وقد ادعى المؤيد بالله أنه أجمع على استحباب صومه أهل البيت. وفي
المجموع ج 6 ص 403 و 408 ذكر مذاهب العلماء في صوم يوم الشك بعد أن ذكر ص
319 أن الشافعية لا يجوز عندهم صوم يوم الشك عن رمضان. وفي المغني ج 3 ص 89
والمحلى ج 7 ص 23 وبدائع الصنائع ج 2 ص 78 ذكر الاختلاف فيه أيضا
34

ومثله في ذلك ما رواه الشيخ في التهذيب عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " أنه قال في يوم الشك: من صامه قضاه وإن كان كذلك. يعني من صامه
على أنه من شهر رمضان بغير رؤية قضاه وإن كان يوما من شهر رمضان لأن السنة
جاءت في صيامه على أنه من شعبان ومن خالفها كان عليه القضاء ".
وقوله: " يعني من صامه.. إلى آخره " يحتمل أن يكون من كلام الشيخ في
التهذيب ويحتمل أن يكون من كلام أحد الرواة تقييدا لاطلاق الخبر.
والاحتمال الذي قدمناه في الخبر الأول قائم أيضا هنا وبه صرح الشيخ في
الإستبصار أيضا.
والأظهر الاستدلال على ذلك بما رواه الكليني في الكافي في الموثق عن
سماعة (2) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل صام يوما وهو لا يدري أمن شهر
رمضان هو أم من غيره فجاء قوم فشهدوا أنه كان من شهر رمضان فقال بعض
الناس عندنا لا يعتد به فقال بلى فقلت إنهم قالوا صمت وأنت لا تدري أمن شهر
رمضان هذا أم من غيره؟ فقال بلى. فاعتد به فإنما هو شئ وفقك الله له إنما يصام
يوم الشك من شعبان ولا يصومه من شهر رمضان لأنه قد نهي أن ينفرد الانسان
بالصيام في يوم الشك وإنما ينوي من الليلة أنه يصوم من شعبان فإن كان من شهر
رمضان أجزأ عنه بتفضل الله تعالى وبما قد وسع على عباده ولولا ذلك
لهلك الناس ".

(1) الوسائل الباب 6 من وجوب الصوم ونيته
(2) الوسائل الباب 5 من وجوب الصوم ونيته
35

والظاهر أن معنى قوله " لأنه قد نهي أن ينفرد الانسان بالصيام في يوم
الشك " يعني بصيامه من شهر رمضان مع عدم ثبوته وكون الناس إنما يعدونه
من شعبان.
والظاهر أن معنى قوله " ولولا ذلك لهلك الناس " أي لولا التكليف بالظاهر
دون الواقع ونفس الأمر، إذ في وقوع التكليف بذلك لزوم تكليف ما لا يطاق
وهو موجب لما ذكره، فالتكليف إنما وقع بصيامه من شعبان بناء على ظاهر
الحال وإن كان في الواقع أنه من شهر رمضان والاجزاء بعد ذلك إنما هو بتفضل
منه سبحانه.
ويدل أيضا على ما ذكرناه من القول المشهور ما تقدم في أول الكتاب
من حديث الزهري وحديث كتاب الفقه الرضوي وقولهما (عليهما السلام) (1)
" وصوم يوم الشك أمرنا به ونهينا عنه: أمرنا أن نصومه من شعبان ونهينا عنه أن
ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس.. إلى آخر ما تقدم " وقوله:
" ونهينا أن ينفرد الرجل بصيامه " يعني ما قدمنا ذكره من أن المراد صيامه من
شهر رمضان.
والشيخ في التهذيب (2) قد روى عن الزهري قال: " سمعت علي بن الحسين
عليه السلام يقول يوم الشك أمرنا بصيامه ونهينا عنه: أمرنا أن يصومه الانسان على أنه من
شعبان ونهينا عن أن يصومه على أنه من شهر رمضان وهو لم ير الهلال " وهو ظاهر
الدلالة في المراد.

(1) ص 5 س 8
(2) ج 4 ص 164 و 183 الطبع الحديث، وفي الوسائل الباب 6 من وجوب
الصوم ونيته. والسند فيه يختلف عن سند الحديث الذي يرويه ص 296 وقد تقدم
ص 3 فإن ذلك يرويه عن الكليني وهذا يرويه بسند آخر مستقل.
36

واستدل السيد السند (قدس سره) في المدارك للقول المشهور أيضا بأن
ايقاع المكلف الصوم في الزمان المحكوم بكونه من شعبان على أنه من شهر رمضان
يتضمن إدخال ما ليس من الشرع فيه فيكون حراما لا محالة كالصلاة بغير طهارة فلا
يتحقق به الامتثال. وهو جيد.
وأما ما أجاب به الفاضل الخراساني في الذخيرة عن ذلك من أن غاية
ما يستفاد من هذا الدليل تحريم نية كونه من رمضان ولا يلزم من ذلك فساد العبادة
لأن النهي متعلق بأمر خارج عن العبادة
ففيه ما قدمنا ذكره قريبا من أن النية لا تخلو من أن تكون شرطا أو شطرا
من العبادة، وعلى أي منهما فتوجه النهي إليها موجب لبطلان العبادة إذ لا خلاف
بينهم في ما أعلم في أن توجه النهي إلى العبادة أو جزئها أو شرطها موجب لبطلانها
ولم نقف للقول الثاني على دليل إلا ما نقل عن الشيخ في الخلاف من أنه
احتج على ذلك باجماع الفرقة وأخبارهم على أنه من صام يوم الشك أجزأ عن شهر
رمضان ولم يفرقوا. وأورد عليه بأن الفرق في النص وكلام الأصحاب متحقق
كما تقدم.
قال السيد السند (قدس سره) في المدارك: ولا يخفى أن نية الوجوب مع الشك
إنما يتصور من الجاهل الذي يعتقد الوجوب لشبهة أما العالم بانتفائه شرعا فلا
يتصور منه ملاحظة الوجوب إلا على سبيل التصور وهو غير النية فإنها إنما تتحقق
مع الاعتقاد كما هو واضح. انتهى.
أقول: لا يخفى أن تخصيص محل الخلاف بما فرضه هنا من الجاهل الذي
يعتقد الوجوب لشبهة موجب للقدح في استدلاله الذي قدمنا نقله عنه من أن ايقاع
المكلف الصوم في الزمان المحكوم بكونه من شعبان على أنه من شهر رمضان
يتضمن إدخال ما ليس من الشرع فيه، فإن للقائل أن يقول إن هذا الكلام إنما
يتوجه إلى العالم إذ الجاهل من حيث الشبهة التي فرضها لا يكون الزمان عنده محكوما
37

بكونه من شهر شعبان فلا يتضمن إدخال ما ليس من الشرع فيه، وكون ذلك واقعا
كذلك لا مدخل له في المقام إذ الكلام بالنظر إلى ظاهر اعتقاد المكلف.
وبالجملة فإن الدليل المذكور لا يتم مع فرض المسألة كما ذكره ومع بطلان هذا
الدليل الذي هو معتمده في المسألة يصير اختياره للقول المشهور عاريا عن الدليل،
لأنه قد استدل بعد هذا الدليل بصحيحة محمد بن مسلم وقد قدمنا ما يرد عليها ثم
استدل بموثقة سماعة ورواية الزهري وهما باصطلاحه من الضعيف الذي لا يقوم
حجة ولا يثبت دليلا كما لا يخفى.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن بعض الأخبار المتعلقة بهذه المسألة زيادة على
ما ذكرنا لا تخلو من الاجمال وقيام الاحتمال:
ومنها صحيحة معاوية بن وهب أو حسنته (1) قال: " قلت لأبي عبد الله
عليه السلام الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان فيكون كذلك؟ فقال
هو شئ وفق له ".
فإن قوله: " من شهر رمضان " يحتمل تعلقه ب‍ " يصوم " يعني يصوم يوم
الشك بنية كونه من شهر رمضان، وحينئذ فقوله عليه السلام " هو شئ وفق له " دليل على
القول الثاني، وعلى هذا الاحتمال اعتمد في الذخيرة وجعل الخبر المذكور معارضا
لصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة بناء على استدلال الأصحاب بها. ويحتمل تعلقه
ب‍ " يشك فيه " وحينئذ فيكون الخبر موافقا لما ذكره الأصحاب ودلت عليه
الأخبار من استحباب صوم يوم الشك بنية كونه من شعبان وأنه يجزئ عن شهر
رمضان. والظاهر هو رجحان هذا الاحتمال لأن جملة الأحاديث المشتملة على أنه
يوم وفق له إنما وردت في صيامه بنية كونه من شعبان كما تقدم في موثقة سماعة
ومثلها غيرها من ما سيأتي إن شاء الله تعالى. وبه يظهر بطلان الاحتمال الأول
الذي عول عليه في الذخيرة.

(1) الوسائل الباب 5 من وجوب الصوم ونيته.
38

ومنها رواية سماعة (1) قال: " سألته عن اليوم الذي يشك فيه من شهر
رمضان لا يدري أهو من شعبان أو من رمضان فصامه من شهر رمضان؟ قال هو
يوم وفق له ولا قضاء عليه ".
وهذه الرواية رواها الشيخ في التهذيب (2) نقلا عن الكافي هكذا وهي
بظاهرها دالة على القول الثاني ومؤيدة للاحتمال الأول في صحيحة معاوية بن وهب
المتقدمة، إلا أن الرواية في الكافي (3) هكذا: " فصامه فكان من شهر رمضان "
وبذلك يظهر حصول الغلط في الخبر ونقصان " فكان " من رواية الشيخ كما هو
معلوم من طريقته في الكتاب المذكور وما جرى له فيه من التحريف والتغيير
والزيادة والنقصان في متون الأخبار وأسانيدها، وبذلك تكون الرواية موافقة
لما عليه الأصحاب والأخبار.
وبما حققناه في المقام يظهر قوة القول المشهور وأنه المؤيد المنصور وأن
ما ذكره في الذخيرة من الاستشكال في المسألة بناء على ما قدمنا نقله عنه لا يخلو
من القصور.
السادس - الظاهر أنه لا خلاف في أنه لو صام يوم الشك بنية الندب ثم
ظهر كونه من شهر رمضان فإنه يجزئ عنه ولا يجب عليه قضاؤه.
ويدل على ذلك الأخبار المتكاثرة ومنها ما تقدم من موثقة سماعة وروايته
الثانية بناء على رواية صاحب الكافي.
وما رواه الكليني والشيخ عنه في الصحيح عن سعيد الأعرج (4) قال: " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام إني صمت اليوم الذي يشك فيه فكان من شهر رمضان أفأقضيه؟
قال لا هو يوم وفقت له ".

(1) الوسائل الباب 5 من وجوب الصوم ونيته
(2) ج 1 ص 403
(3) الفروع ج 1 ص 185
(4) الوسائل الباب 5 من وجوب الصوم ونيته
39

وعن محمد بن حكيم (1) قال " سألت أبا الحسن عليه السلام عن اليوم الذي يشك
فيه فإن الناس يزعمون أن من صامه بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان؟ فقال
كذبوا إن كان من شهر رمضان فهو يوم وفق له وإن كان من غيره فهو بمنزلة
ما مضى من الأيام ".
وعن بشير النبال عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " سألته عن صوم يوم الشك
فقال صمه فإن يك من شعبان كان تطوعا وإن يك من شهر رمضان فيوم وفقت له ".
وعن الكاهلي في الحسن (3) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اليوم الذي يشك
فيه من شعبان قال لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلى من أن أفطر يوما
من شهر رمضان ".
ومعناه أن صيام هذا اليوم من شعبان أحب إلى من أن أفطر فيظهر كونه
من شهر رمضان فيكون بمنزلة من أفطر في شهر رمضان ووجب عليه القضاء.
وروى شيخنا المفيد (قدس سره) في المقنعة (4) قال: وروى أبو الصلت
عبد السلام بن صالح قال حدثني علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جده (عليهم
السلام) أنه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله من صام يوم الشك فرارا بدينه فكأنما
صام ألف يوم من أيام الآخرة غرا زهرا لا يشاكلن أيام الدنيا ".
قال (5) وروى أبو خالد عن زيد بن علي بن الحسين عن آبائه عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله صوموا سر الله. قالوا
يا رسول الله وما سر الله؟ قال يوم الشك ".
وأما ما دل بظاهره على خلاف ما دلت عليه هذه الأخبار من تحريم صوم
يوم الشك مثل ما رواه الشيخ في التهذيب عن قتيبة الأعشى (6) قال: " قال

(1) الوسائل الباب 5 من وجوب الصوم ونيته
(2) الوسائل الباب 5 من وجوب الصوم ونيته
(3) الوسائل الباب 5 من وجوب الصوم ونيته
(4) الوسائل الباب 16 من أحكام شهر رمضان
(5) الوسائل الباب 16 من أحكام شهر رمضان
(6) الوسائل الباب 6 من وجوب الصوم ونيته والباب 1 من الصوم المحرم والمكروه
40

أبو عبد الله عليه السلام نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن صوم ستة أيام: العيدين وأيام التشريق
واليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان ".
وما رواه فيه عن عبد الكريم بن عمرو (1) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام
إني جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم؟ فقال لا تصم في السفر ولا العيدين
ولا أيام التشريق ولا اليوم الذي يشك فيه " ورواه في الفقيه عن عبد الكريم
أيضا (2).
وما رواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن الفضيل (3) قال: " سألت أبا الحسن
الرضا عليه السلام عن اليوم الذي يشك فيه لا يدري أهو من شهر رمضان أو من شعبان؟
فقال: شهر رمضان شهر من الشهور يصيبه ما يصيب الشهور من الزيادة والنقصان
فصوموا للرؤية وافطروا للرؤية ولا يعجبني أن يتقدمه أحد بصيام يوم
وذكر الحديث ".
فقد حمله الشيخ على صومه بنية شهر رمضان واستدل بحديث الزهري
المتقدم والأقرب عندي حمل النهي عن صومه على التقية لما أشارت إليه جملة من
الأخبار المتقدمة من الرد على العامة في ما ذهبوا إليه من تحريم صومه (4).
تنبيهات
الأول ينبغي أن يعلم أن المراد بيوم الشك في هذه الأخبار ليس هو
مطلق الثلاثين من شعبان بل المراد به إنما هو في ما إذا حصل الاختلاف في رؤية
هلال شعبان على وجه لم تثبت الرؤية فإن اليوم الثلاثين بناء على دعوى الرؤية قبل
ذلك يكون أول شهر رمضان وعلى دعوى العدم يكون من شهر شعبان، أو حصل
الاختلاف في رؤية هلال شهر رمضان كذلك فإنه على تقدير دعوى الرؤية يكون

(1) الوسائل الباب 6 من وجوب الصوم ونيته.
(2) الوسائل الباب 6 من وجوب الصوم ونيته.
(3) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان
(4) ارجع إلى التعليقة 2 ص 34
41

من شهر رمضان وعلى تقدير عدمها يكون من شهر شعبان، وكذا في صورة ما إذا
علم هلال شعبان لكن اتفق حصول غيم مانع من الرؤية ليلة الثلاثين، فإنه في جميع
هذه الصور يكون يوم شك، وهذا هو الذي وردت الأخبار باستحباب صومه وأنه
إن ظهر من شهر رمضان فهو يوم وفق له. وأما لو كان هلال شعبان معلوما يقينا
ولم يدع أحد الرؤية ليلة الثلاثين منه ولم تكن في السماء علة مانعة من الرؤية فإن هذا
اليوم من شعبان قطعا وليس هو بيوم شك.
ويدل على ذلك من الأخبار ما رواه ثقة الاسلام في الكافي والشيخ في
التهذيب بسنديهما عن هارون بن خارجة (1) قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام عد شعبان
تسعة وعشرين يوما فإن كانت متغيمة فأصبح صائما وإن كانت صاحية وتبصرته ولم
تر شيئا فأصبح مفطرا ".
وما رواه الشيخ في التهذيب عن الربيع بن ولاد عن أبي عبد الله عليه السلام (2)
قال: " إذا رأيت هلال شعبان فعد تسعة وعشرين يوما فإن أصبحت فلم تره فلا
تصم وإن تغيمت فصم ".
وهما ظاهران في أن أمره عليه السلام بالصوم مع الغيم إنما هو من حيث كونه يوم
الشك الذي ورد فيه ما تقدم من أنه يوم وفق له وأما مع الصحو فليس هو كذلك.
ويدل على ذلك أيضا ما رواه الشيخ في التهذيب عن معمر بن خلاد عن أبي الحسن عليه السلام (3) قال: " كنت جالسا عنده آخر يوم من شعبان فلم أره صائما
فأتوه بمائدة فقال ادن. وكان ذلك بعد العصر قلت له جعلت فداك صمت اليوم.
فقال لي ولم؟ قلت جاء عن أبي عبد الله عليه السلام في اليوم الذي يشك فيه أنه قال يوم وفق له
فقال أليس تدرون إنما ذلك إذا كان لا يعلم أهو من شعبان أم من شهر رمضان
فصامه الرجل فكان من شهر رمضان فكان يوما وفق له؟ فأما وليس علة ولا شبهة

(1) الوسائل الباب 16 من أحكام شهر رمضان
(2) الوسائل الباب 16 من أحكام شهر رمضان
(3) الوسائل الباب 5 و 4 من وجوب الصوم ونيته
42

فلا. فقلت أفطر الآن؟ فقال لا. فقلت وكذلك في النوافل ليس لي أن أفطر بعد
الظهر؟ قال نعم ".
والظاهر أن ما دل عليه الخبران الأولان صريحا والثالث ظاهرا من عدم
صوم يوم الثلاثين مع عدم العلة والشبهة هو مستند الشيخ المفيد (قدس سره)
في ما نقل عنه من كراهية صوم هذا اليوم مع الصحو كما نقله عنه في البيان حيث
قال: ولا يكره صوم يوم الشك بنية شعبان وإن كانت الموانع من الرؤية منتفية،
وقال المفيد يكره مع الصحو إلا لمن كان صائما قبله. انتهى.
وما نقل هنا عن الشيخ المفيد (قدس سره) لعله من غير المقنعة لأن كلامه
في المقنعة صريح في الاستحباب مطلقا كما لا يخفى على من راجعه.
ثم لا يخفى عليك أن ظاهر كلام جملة من أصحابنا أن يوم الشك عندهم هو يوم
الثلاثين مطلقا كما لا يخفى على من راجع عباراتهم ومنها عبارة البيان المنقولة هنا.
وفيه ما عرفت من دلالة الأخبار التي قدمناها على أن يوم الثلاثين من شعبان مع
عدم العلة في السماء وعدم الاختلاف في الرؤية ليس بيوم شك ولا يستحب صومه
من حيث كونه يوم شك.
وربما سبق إلى بعض الأوهام من هذه الأخبار التي قدمناها دالة على عدم
استحباب صوم هذا اليوم مع عدم العلة هو تحريم صيامه نظرا إلى ظاهر النهي في
بعضها. وهو توهم ضعيف لما دل على استحباب الصوم مطلقا (1) وصوم شعبان
بخصوصه كلا أو بعضا (2) وما دل عليه آخر رواية معمر بن خلاد من النهي عن
الافطار والحال ذلك وقول الراوي " وكذلك في النوافل " يعني غير هذا المؤذن
بكونه من النوافل.
وأبعد من ذلك ما نقل أيضا عن بعض القاصرين من تحريم الافطار يوم الشك

(1) الوسائل 1 من الصوم المندوب
(2) الوسائل الباب 28 من الصوم المندوب
43

مطلقا فرضا ونفلا كما نقله بعض الأفاضل.
الثاني ألحق الشهيدان بشهر رمضان في الاكتفاء بنية الندب متى ظهر كونه
من شهر رمضان كل واجب معين فعل بنية الندب مع عدم العلم، ونفى عنه البأس
جملة ممن تأخر عنهما: منهم السيد السند في المدارك والمحدث الكاشاني في المفاتيح
والفاضل الخراساني في الذخيرة.
وعندي فيه توقف لأن الالحاق المذكور لا يخرج عن القياس إذ مورد الدليل
شهر رمضان خاصة واشتراك الصوم المعين مع شهر رمضان في التعين وكون الزمان
لا يصلح لغيره لا يوجب تعدي الحكم المذكور.
وبالجملة فالأحكام الشرعية مقصورة عندنا على الأدلة الواضحة خصوصا أو
عموما وأما تعديها بمجرد المشاركة والمناسبة ونحو ذلك فهو لا يطابق الأصول
الواردة عن أصحاب العصمة (صلوات الله عليهم).
وصرح الشهيد في الدروس بعد حكمه بتأدي رمضان بنية النفل مع عدم علمه
بتأديه وكذا تأدى كل معين بنية الفرض من غيره أيضا بطريق أولى، ونفى عنه
البعد في المدارك. وفيه ما عرفت.
الثالث - لو ردد في نيته بأن نوى إن كان غدا من شهر رمضان فهو صائم فرضا
وإن كان من شعبان فهو صائم نفلا فللشيخ في ذلك قولان: أحدهما الاجزاء
ذكره في المبسوط والخلاف، والثاني العدم ذكره في باقي كتبه، وبالأول قال ابن
حمزة وابن أبي عقيل والعلامة في المختلف وهو ظاهر الدروس والبيان وإليه يميل
كلام المحقق الأردبيلي والمحدث الكاشاني، وإلى الثاني ذهب المحقق وابن إدريس
والعلامة في الإرشاد واختاره في المدارك ونسبه إلى أكثر المتأخرين.
حجة القول الأول أنه نوى الواقع فوجب أن يجزئه، وأنه نوى العبادة على
وجهها فوجب أن يخرج من العهدة، أما المقدمة الأولى فلأن الصوم إن كان من
شهر رمضان كان واجبا وإن كان من شعبان كان مندوبا، وأما الثانية فظاهرة. وبأن
44

نية القربة كافية وقد نوى القربة.
وأجيب عن الأول والثاني بالمنع من كون النية مطابقة للواقع وكون العبادة
واقعة على وجهها، فإن الوجه المعتبر هنا هو الندب خاصة وإن فرض كون ذلك
اليوم في الواقع من شهر رمضان، فإن الوجوب إنما يتحقق إذا ثبت دخول الشهر
لا بدونه والوجوب في نفس الأمر لا معنى له.
وعن الثالث بأنه لا يلزم من الاكتفاء في صوم شهر رمضان بنية القربة
الصحة مع ايقاعه على خلاف الوجه المأمور به بل على الوجه المنهي عنه.
وأجاب عنه في المعتبر أيضا بأن نية التعيين تسقط في ما علم أنه من شهر
رمضان لا في ما لا يعلم.
حجة القول الثاني أن صوم يوم الشك إنما يقع على وجه الندب ففعله على
خلاف ذلك يكون تشريعا فلا يتحقق به الامتثال.
وأورد عليه أن غاية ما يستفاد من ذلك تحريم بعض خصوصيات النية فلا
يلزم فساد الصوم. وعندي أن هذا الجواب لا يخلو من نظر.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن المسألة ليس فيها نص في ما أعلم يدل على نفي أو اثبات
واثبات الأحكام الشرعية بمثل هذه التعليلات مع سلامتها من المناقض لا يخلو من
مجازفة فكيف والمناقشة فيها قائمة من الطرفين، وبذلك يظهر أن المسألة محل توقف
على أن حصول الترديد هنا لا يخلو من اشكال: أما بالنسبة إلى العالم بأن هذا
اليوم بحسب ظاهر الشرع إنما هو من شعبان وأنه إنما يصام ندبا من شعبان ولا
يجوز صيامه من شهر رمضان كما هو المعلوم من الأخبار المتقدمة وعليه كافة الفرقة
الناجية إلا الشاذ القائل بجواز صيامه من شهر رمضان فظاهر لأنه متى علم أن
الشارع إنما حكم به من شهر شعبان وإنما جوز صيامه بنية شعبان وحرم صيامه
بنية شهر رمضان وأعلمه بأنه مع صيامه بنية شعبان يجزئه متى ظهر كونه من شهر
رمضان فكيف يردد في نيته ولماذا يردد فيها وينوي ما منعه الشارع منه مع كونه
45

يحسب له وإن لم ينوه؟ وأما بالنسبة إلى الجاهل بالحكم الشرعي فهو وإن أمكن إلا أن حججهم وتعليلاتهم المذكورة لا تجتمع عليه فإن حجة القول الثاني لا تتم بالنسبة
إلى الجاهل كما لا يخفى.
الرابع صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو صام يوم الشك بنية
الندب ثم ظهر في أثناء النهار ولو قبل الغروب أنه من شهر رمضان وجب أن يجدد
نية الوجوب. وهو متجه على تقدير القول بوجوب نية الوجه في شهر رمضان
وقد عرفت من ما قدمناه في بحث النية من كتاب الطهارة أنه لم يقم دليل على اعتبار
نية الوجه في شئ من العبادات لا في هذا المقام ولا غيره وأن القربة كافية. نعم
نقل النية إلى التعيين بكونه من شهر رمضان حيث إن النية الأولى إنما تعلقت بغيره
من ما لا بد منه وإن كان صوم شهر رمضان لا يفتقر إلى تعيين لما علم من أن الزمان
لا يصلح لغيره، إلا أن هذا من ما يحصل للمكلف بعد العلم بذلك من غير
اعتمال ولا تكلف.
السابع قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو أصبح في يوم
الشك بنية الافطار ثم ظهر كونه من شهر رمضان فإن لم يتناول شيئا جدد نية الصوم
ما بينه وبين الزوال وأجزأه ولو زالت الشمس أمسك وقضاه عند الأكثر.
أما الحكم الأول فالظاهر أنه لا خلاف فيه بينهم، وظاهر المحقق في المعتبر
والعلامة في المنتهى والتذكرة أنه موضع وفاق بين العلماء.
واستدل عليه في المعتبر بما تقدم من حديث الأعرابي المنقول في الموضع
الثاني (1) واستدل عليه في المدارك أيضا بما تقدم ثمة من فحوى ما دل على انعقاد
الصوم من المريض والمسافر إذا زال عذرهما قبل الزوال.
وقد تقدم ما في هذه الأدلة ونحوها من عدم الصلوح لتأسيس الأحكام الشرعية والمسألة لذلك لا تخلو من توقف والعمل بالاحتياط فيها لازم.

(1) ص 19
46

وأما الحكم الثاني فهو المشهور وقد تقدم في الموضع المشار إليه نقل كلام ابن
الجنيد الدال على الاجتزاء بالنية بعد الزوال إذا بقي جزء من النهار.
ولم نقف على دليل لشئ من القولين المذكورين، والذي تضمن التحديد
بالزوال كموثقة عمار المتقدمة ورواية عبد الله بن بكير (1) مورده غير صيام شهر
رمضان، وكذا ما دل ظاهره على الامتداد إلى ما بعد الزوال إنما ورد في ما عدا
شهر رمضان، فالحكم هنا لا يخلو من توقف في الموضعين المذكورين.
نعم ربما أمكن الاستناد في ذلك إلى صحيحة هشام بن سالم المتقدمة ثمة (2)
قال: " قلت له الرجل يصبح ولا ينوي الصوم فإذا تعالى النهار حدث له رأي في
الصوم؟ فقال إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه وإن نواه بعد
الزوال حسب له من الوقت الذي نوى " بأن تحمل على ما هو أعم من شهر رمضان
وأن المعنى في قوله: " وإن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت " أنه متى نواه بعد
الزوال فهو غير مجزئ وإن كان يحسب له ثواب صومه من ذلك الوقت الذي بنى فيه
والمراد منه بطلان الصوم وإن أثيب بمقدار هذا الجزء الباقي.
ثم لا يخفى أن وجوب الامساك بعد العلم بكونه من الشهر بعد الزوال ليس
من حيث كونه صوما لحكمهم بايجاب قضائه وإنما هو لتحريم الأكل والشرب في
الشهر بغير شئ من الأعذار المنصوصة، وكذا وجوب الامساك عليه لو ظهر كونه
من الشهر بعد أن تناول المفطر.
الثامن لو نوى الافطار في يوم من شهر رمضان ثم جدد النية للصوم قبل
الزوال فالمشهور بل ظاهر كلام جملة منهم الاتفاق عليه هو عدم الانعقاد، لأن
الاخلال بالنية في جزء من الصوم يقتضي فوات ذلك الجزء لفوات شرطه ويلزم
منه فساد الكل لأن الصوم لا يتبعض فيجب قضاؤه، وفي وجوب الكفارة
بذلك قولان.

(1) ص 23
(2) الوسائل الباب 2 من وجوب الصوم ونيته
47

وقال المحقق في الشرائع: لو نوى الافطار في يوم من رمضان ثم جدد قبل
الزوال قيل لا ينعقد وعلى القضاء، ولو قيل بانعقاده كان أشبه.
وربما حكى القول بالانعقاد عن ظاهر كلام الشيخ، قيل: ولعله نظر إلى ظاهر
ما دلت عليه صحيحة هشام بن سالم المتقدمة في الموضع الثاني (1) باعتبار دلالتها على أنه بالنية قبل الزوال يحسب اليوم.
وفيه أنا لم نجد أحدا من الأصحاب نقل ذلك عن الشيخ صريحا ولا ظاهرا،
وعلى تقدير صحة النقل فالاستناد إلى الصحيحة المشار إليها لا يخلو من نظر فإن ظاهر
سياق الخبر يعطي أن ذلك إنما هو بالنسبة إلى النافلة أو الواجب الغير المعين.
وبالجملة فإن المسألة لما كانت عارية عن النص فالحكم فيها مشكل والاحتياط
فيها واجب وهو في جانب القول المشهور فيتعين العمل عليه، ويؤيده أنه الأوفق
أيضا بالأصول الشرعية والقواعد المرعية فإن من قام وقعد وركع وسجد لا بنية
الصلاة لم تحسب له صلاة فكذلك من أمسك لا بقصد الصيام بل بقصد الافطار
لا يسمى صياما، والاخلال بالصيام عمدا لغير عذر في بعض اليوم يقتضي بطلان
صيام ذلك اليوم البتة. وبذلك يظهر ضعف توقف صاحب الذخيرة في هذه المسألة
وأنه من جملة تشكيكاته الركيكة.
وقال شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) في المسالك بعد نقل قول المحقق:
" ولو قيل بالانعقاد كان أشبه ": هذا على القول بالاجتزاء بنية واحدة مع تقدمها
أو على القول بجواز تأخير النية إلى قبل الزوال اختيارا متوجه لحصول النية المعتبرة
والحاصل منها إنما ينافي الاستدامة الحكمية لا نفس النية، وشرطية الاستدامة أو
توقف صحة الصوم عليها غير معلوم وإن ثبت ذلك في الصلاة، وأما على القول
بوجوب ايقاع النية ليلا فأخل بها ثم جددها قبل الزوال ففي الصحة نظر لأن الفائت
هنا نفس النية في جزء من النهار وهي شرط في صحة الصوم نفسه فيفسد ذلك الجزء

(1) ص 22 وتقدمت أيضا ص 47
48

والصوم لا يتبعض، وحينئذ فيقوى عدم الانعقاد. انتهى.
واعترض صدر كلامه المؤذن ببيان وجه الصحة لهذا القول سبطه السيد السند
في المدارك فقال إنه غير جيد، لأن القول الثاني غير متحقق واللازم على الأول
عدم اعتبار تجديد النية مطلقا للاكتفاء بالنية السابقة. ثم قال: وكيف كان فلا ريب
في ضعف هذا القول. انتهى. وهو جيد.
التاسع المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لو نوى الافطار
في أثناء النهار بعد أن عقد الصوم ثم جدد نية الصوم بعد نية الافطار كان صومه
صحيحا، ذهب إليه الشيخ والمرتضى وأتباعهما.
واستدلوا على ذلك بأن النواقض محصورة وليست هذه النية من جملتها
فمن ادعى كونها ناقضة فعليه الدليل. وبأن نية الافطار إنما تنافي نية الصوم لا حكمها
الثابت بالانعقاد الذي لا ينافيه النوم والغروب اجماعا. وبأن النية لا يجب تجديدها
في كل أزمنة الصوم اجماعا. فلا تتحقق المنافاة.
ونقل عن أبي الصلاح أنه جزم بفساد الصوم بذلك وجعله موجبا
للقضاء والكفارة.
واختار العلامة في المختلف هذا القول أيضا ولكنه أوجب القضاء دون
الكفارة، فاستدل على انتفاء الكفارة بالأصل السالم من المعارض، وعلى أنه
مفسد للصوم بأنه عبادة مشروطة بالنية وقد فات شرطها فتبطل. وبأن الأصل
اعتبار النية في جميع أجزاء العبادة لكن لما كان منتفيا اعتبر حكمها وهو أن
لا يأتي بنية تخالفها ولا ينوي قطعها. فإذا نوى القطع زالت النية حقيقة وحكما،
فكان الصوم باطلا لفوات شرطه. وبأنه عمل خلا من النية حقيقة وحكما فلا يكون
معتبرا في نظر الشارع. وإذا فسد صوم جزء من النهار فسد صوم ذلك اليوم بأجمعه
لأن الصوم لا يتبعض.
وأجاب العلامة في المختلف عن احتجاج الشيخ المتقدم بأنا قد بينا الدليل على
49

أن هذه النية مبطلة للصوم من حيث إنها مبطلة لشرطه أعني نية الصوم ومبطل الشرط
مبطل للشروط، ولا نسلم حصول الشرط لأن إدامة النية شرط لما تقدم وقد فات
ونحن قد بينا كون الدوام شرطا. انتهى.
أقول: لا يخفى أن مرجع الخلاف في هذه المسألة عند التأمل في أدلة القولين
المذكورين إلى أنه هل يشترط استدامة النية في الصوم حقيقة أو حكما أم لا؟ وهبني
القول المشهور على الثاني ومبنى القول الآخر على الأول، وظاهر كلام شيخنا
الشهيد الثاني المتقدم في السابق هذا الموضوع هو عدم الاشتراط.
قال في المدارك: وقد قطع الشيخ والمرتضى والمصنف في المعتبر بعدم اشتراطها
ثم قال: ولا بأس به لأنه الأصل وليس له معارض يعتد به، ومع ذلك فالمسألة
محل تردد. انتهى.
وربما يقال إنه يمكن الاستدلال على وجوب الاستدامة بقوله عليه السلام (1)
" إنما الأعمال بالنيات " وفيه أنه يمكن أن يقال إن العمل هنا لم يقع إلا بنية فيدخل
تحت الخبر، وليس في الخبر المذكور أزيد من أنه يجب وقوعه عن نية وقصد وهو
كذلك وأما أنه يجب استمرار ذلك القصد فلا دلالة فيه عليه.
ويمكن الاستدلال على الصحة في موضع البحث بما رواه الشيخ في الصحيح
عن محمد بن مسلم (2) قال: " سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ما يضر الصائم ما صنع

(1) الوسائل الباب 5 من مقدمة العبادات والباب 2 من وجوب الصوم ونيته.
(2) الوسائل الباب 1 من ما يمسك عنه الصائم. وقد رواه في التهذيب ج 4 الطبع
الحديث عن محمد بن مسلم بطرق ثلاثة: الأول ص 189 عن علي بن مهزيار عن ابن أبي عمير، الثاني ص 202 عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير، الثالث ص 318 عن محمد
ابن علي بن محبوب عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير، وفي الأولين اللفظ هكذا:
" إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام والشراب والنساء والارتماس " نعم في الثاني في التعليقة
(1) إن في بعض المخطوطات " أربع " وفي الثالث " إذا اجتنب أربع خصال.. " كما في الفقيه ج 2 ص 67 واللفظ في الأولين " لا يضر " وفي الثالث " ما يضر " ولا يخفى أن
ابن أبي عمير يرويه عن حماد بن عثمان عن محمد بن مسلم وسيأتي التعرض من المصنف
(قدس سره) لذلك في المسألة الأولى من مسائل المطلب الثاني.
50

إذا اجتنب أربع خصال: الطعام والشراب والنساء والارتماس " إلا أنه يمكن تطرق
الاحتمال إلى تخصيص ذلك بأفعال الجوارح كما يشير إليه قوله " ما صنع " أو كون
الحصر إضافيا لا حقيقيا.
وبالجملة فالمسألة لعدم النص لا تخلو من الاشكال والاحتياط فيها مطلوب على
كل حال وهو في جانب القول الثاني.
بقي هنا شئ وهو أن ظاهر كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو أنه لا بد
في صحة الصوم بعد نية الافطار من تجديد نية الصوم وإلا كان باطلا، بل صرح
العلامة بذلك في المنتهى فقال: قد بينا أنه لو نوى الافطار بعد انعقاد الصوم لم يفطر
لأنه انعقد شرعا فلا يخرج عنه إلا بدليل شرعي. هذا إذا عاد ونوى الصوم أما لو
لم ينو بعد ذلك الصوم فالوجه وجوب القضاء.
واعترضه في المدارك بعد نقل ذلك عنه بأنه غير جيد لأن المقتضي للفساد
عند القائل به العزم على فعل المفطر فإن ثبت ذلك وجب الحكم بالبطلان مطلقا
وإلا وجب القول بالصحة كذلك كما أطلقه في المعتبر. انتهى.
وهو جيد وبه تزيد المسألة إشكالا فإن الحكم بصحة الصوم بعد النية أولا ثم
الرجوع عنها إلى نية الافطار والاستمرار على هذه النية إلى أن ينقضي النهار من ما
يكاد يقطع بعدمه.
والأقرب إلى التحقيق في هذا المقام أن يقال إن العبادات لما كانت توقيفية
والمعلوم من الشرع وهو الذي عليه جرى السلف من زمنه صلى الله عليه وآله هو وجوب النية
في الصوم بل غيره من العبادات واستصحاب تلك النية فعلا أو حكما إلى آخر
العبادة، فإنه لم يرد ولم ينقل صحته مع العدول عن تلك النية إلى نية تغايرها استمر
عليها أو لم يستمر، فالحكم بالصحة في هذه الصورة خارج عن التوقيف المعلوم من
51

الشرع، وحينئذ فقول المستدل ومن ادعى كونها ناقضة فعليه الدليل مردود بأن
الدليل على النقض خروجه عن التوقيف الواجب اعتباره في العبادات، فإن الحكم
بصحتها يتوقف على وقوعها على الوجه الذي علم من صاحب الشريعة والذي علم منه
يقينا هو اعتبار استمرار النية فعلا أو حكما ولم يعلم منه جواز تركها أو العدول عنها
إلى ما ينافيها، فالمدعى لصحة العبادة على هذا الوجه عليه الدليل. وبذلك يظهر أن
الأصح في المسألة ما ذهب إليه في المختلف مع تأيده بالاحتياط كما عرفت.
العاشر ذهب الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف إلى أنه يختص شهر
رمضان بجواز تقديم نيته عليه فلو سها عن النية وقت دخوله اكتفى بالنية الأولى،
ونقله في الخلاف عن الأصحاب وصرح بجواز تقديمها بيوم أو يومين.
قال المحقق في المعتبر بعد أن عزى ذلك إلى الشيخ وذكر أنه لم يذكر له
مستندا: ولعل ذلك لكون المقارنة غير مشروطة وكما جاز أن يتقدم من أول ليلة
الصوم وإن تعقبها النوم والأكل والشرب والجماع جاز أن يتقدم على تلك الليلة
بالزمان المقارب كاليومين والثلاثة. لكن هذه الحجة ضعيفة لأن تقديمها في أول
ليلة الصوم مستفاد من قوله صلى الله عليه وآله (1) " من لم يبيت نية الصوم من الليل فلا صيام
له " ولأن ايقاعها قبل الفجر بحيث يكون طلوعه عند اكمال النية عسر فينتفي،
وليس كذلك التقديم بالأيام ولأن الليلة متصلة باليوم اتصال اجزاء النهار بخلاف
الأيام. انتهى.
أقول: قد نقل العلامة في المختلف عن الشيخ أنه احتج بمضمون ما ذكره في
المعتبر ثم رده بنحو ما ذكره في المعتبر أيضا.
قال السيد السند في المدارك بعد أن استجود كلام المعتبر: والأصح عدم

(1) سنن البيهقي ج 4 ص 202 عن حفصة عن النبي صلى الله عليه وآله " من لم يبيت الصيام
من الليل فلا صيام له " وارجع في اختلاف لفظ الحديث باختلاف طرقه إلى المغني
ج 3 ص 91 أيضا.
52

الاكتفاء بالعزم المتقدم لأن من شرط النية المقارنة للمنوي، خرج من ذلك تقديم
نية الصوم من الليل بالنص والاجماع فيبقى الباقي. انتهى.
ثم إن الشيخ (رحمه الله) صرح في النهاية والمبسوط بأن العزم السابق إنما
يجزئ مع السهو عن تجديد النية عند دخول الشهر، بل قال الشهيد في البيان: ولو
ذكر عند دخول الشهر لم يجزئ العزم السابق قولا واحدا. ولا ريب أن هذا
التفصيل من ما يوجب ضعف القول المذكور بناء على أصولهم وقواعدهم، فإن
المقارنة إن كانت معتبرة كما هو المشهور في كلامهم والدائر على ألسنة أقلامهم لم يمكن
الاعتماد على العزم السابق مطلقا سها عن النية أو لم يسه وإن لم تكن معتبرة وجب
الاكتفاء بالعزم السابق مطلقا.
وأنت خبير بأن كلامهم هنا كله يدور على النية بالمعنى الذي قدمنا نقله عنهم
الذي هو عبارة عن الحديث النفسي والتصوير الفكري الذي يقارن به الفعل بحيث
يكون الفعل على آخره من غير فصل وزمان، وقد عرفت أن النية ليست هذه فإن
الأمر فيها أهون من ما ذكروه، وهذا البحث من أوله إلى آخره كسائر أبحاثهم
المتقدمة ساقط على المعنى الذي حققناه آنفا.
الحادي عشر المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن نية الصبي
المميز صحيحة وصومه شرعي وكذا جملة عباداته شرعية، بمعنى أنها مستندة إلى أمر
الشارع فيستحق عليها الثواب لا تمرينية، ذهب إليه الشيخ وجمع: منهم المحقق
وغيره لاطلاق الأمر، ولأن الأمر بالأمر بالشئ أمر بذلك الشئ، بمعنى أن الظاهر
من حال الآمر كونه مريدا لذلك الشئ.
وقال العلامة في المختلف بعد أن نقل القول المذكور عن الشيخ: وعندي في
ذلك اشكال والأقرب أنه على سبيل التمرين، وأما أنه تكليف مندوب إليه فالأقرب
المنع، لنا - أن التكليف مشروط بالبلوغ ومع انتفاء الشرط ينتفي المشروط. انتهى
ويمكن تطرق القدح إليه بأن اعتبار هذا الشرط على اطلاقه محل نظر، فإن
53

العقل لا يأبى توجيه الخطاب إلى المميز والمعلوم من الشرع أن التكليف المتوقف
على البلوغ إنما هو التكليف بالوجوب والتحريم لحديث رفع القلم (1) ونحوه أما
التكليف المندوب فلا مانع منه عقلا ولا شرعا.
ويعضد ما قلناه ما ورد في الأخبار من جواز عتق الصبي ابن عشر سنين
وصدقته ووصيته:
ففي رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (2) قال: " إذا أتى على الغلام عشر
سنين فإنه يجوز له في ماله ما أعتق وتصدق وأوصى على حد معروف وحق
فهو جائز ".
وفي رواية عبد الرحمان بن أبي عبد الله البصري (3) قال: " قال أبو عبد الله
عليه السلام إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيته " وبمضمون ذلك في الوصية أخبار
عديدة (4).
وفي موثقة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (5) قال: " يجوز
طلاق الغلام إذا كان قد عقل وصدقته ووصيته وإن لم يحتلم ".
وفي رواية أبي بصير (6) " فإذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله باليسير في
حق جازت وصيته ".
ومنها - الأخبار الدالة على جواز إمامته كموثقة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام (7) قال: " لا بأس بالغلام الذي لم يبلغ الحلم أن يؤم القوم وأن
يؤذن " ونحوها رواية طلحة بن زيد (8) وبمضمونهما عمل الشيخ وجمع من الأصحاب

(1) الوسائل الباب 4 من مقدمة العبادات، وسنن البيهقي ج 8 ص 264
(2) الوسائل الباب 44 من الوصايا
(3) الوسائل الباب 44 من الوصايا
(4) الوسائل الباب 44 من الوصايا
(5) التهذيب ج 7 ص 385 وفي الوسائل 15 من الوقوف والصدقات وفيه
" جميل من دراج عن أحدهما ع " وفي التهذيب " جميل عن محمد بن مسلم عن أحدهما ع ".
(6) الوسائل الباب 44 من الوصايا
(7) الوسائل الباب 14 من صلاة الجماعة
(8) الوسائل الباب 14 من صلاة الجماعة
54

ومن الظاهر أن إذن الشارع له في الصدقة والوقف والعتق والإمامة موجب
لترتب الثواب عليها فتكون شرعية ويدخل بها تحت الأوامر المطلقة بالعتق
والصدقة والإمامة ونحوها فيكون داخلا تحت الخطاب مستحقا للأجر والثواب.
وأصحابنا (رضوان الله عليهم) كما قدمنا النقل عنهم إنما استندوا إلى أمر
الشارع للولي بتكليف الصبي بالعبادة وإن الأمر بالأمر بالشئ أمر بذلك الشئ
وما ذكرناه من الأخبار أوضح في الاستدلال وأبعد من تطرق الاحتمال والنزاع
في هذا المجال.
وبالجملة فالخطاب باطلاقه في جميع أبواب العبادات شامل له والفهم الذي هو
شرط التكليف حاصل كما هو المفروض ومن ادعى زيادة على ذلك فعليه الدليل،
وتخرج الأخبار التي ذكرناها شاهدة على ذلك.
ويتفرع على الخلاف المذكور وصف العبادة الصادرة منه بالصحة وعدمها،
فإن قلنا أنها شرعية جاز وصفها بالصحة لأنها عبارة عن موافقة الأمر، وإن قلنا
أنها تمرينية لم توصف بصحة ولا فساد.
وقال شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) في كتاب المسالك - بعد قول المصنف:
نية الصبي المميز صحيحة وصومه شرعي ما صورته: أما صحة نيته وصومه فلا اشكال
فيه لأنها من باب خطاب الوضع وهو غير متوقف على التكليف، وأما كون صومه
شرعيا ففيه نظر لاختصاص خطاب الشرع بالمكلفين، والأصح أنه تمريني
لا شرعي. انتهى.
واعترضه سبطه السيد السند في المدارك بأنه غير جيد، قال: لأن الصحة
والبطلان اللذين هما موافقة الأمر ومخالفته لا يحتاج إلى توقيف من الشارع بل
يعرف بمجرد العقل ككونه مؤديا للصلاة وتاركا لها، فلا يكون من حكم الشرع في
شئ بل هو عقلي مجرد كما صرح به ابن الحاجب وغيره. انتهى.
أقول: مرجع كلام السيد السند إلى منع كون الصحة والبطلان من باب
55

خطاب الوضع وهو الذي صرح به ابن الحاجب في المختصر وشارحه في الشرح،
وهو ظاهر العلامة في النهاية لما ذكره هنا من أنه بعد ورود أمر الشارع بالفعل
فكون الفعل موافقا للأمر أو مخالفا وكون ما فعل تمام الواجب حتى يكون
مسقطا للقضاء وعدمه لا يحتاج إلى توقيف من الشارع بل يعرف بمجرد العقل، فهو
ككونه مؤديا للصلاة وتاركا لها سواء بسواء، فلا يكون حصوله في نفسه ولا حكمنا
به من حكم الشرع في شئ بل هو عقلي مجرد، وهذا بخلاف الأحكام الوضعية
التي هي عبارة عن الشرط والسبب والمانع الذي يكون حصوله في نفسه والحكم به
موقوفا على الشرع.
وأنت خبير بأن من رجع إلى الأخبار التي قدمناها لا يخفى عليه ضعف
ما ذهب إليه شيخنا المذكور وكل من تقدمه وتأخر عنه وقال بأن عبادة الصبي
تمرينية وليست بشرعية. وأما قول شيخنا المشار إليه في منع كون صومه شرعيا
لاختصاص خطاب الشرع بالمكلفين فقد عرفت جوابه.
المطلب الثاني
في ما يمسك عنه الصائم وفيه مسائل: الأولى يجب الامساك عن كل
مأكول ومشروب معتادا كان أو غير معتاد:
أما المعتاد فلا خلاف فيه بين الأصحاب ويدل عليه مضافا إلى الاجماع
الآية (1) والأخبار (2).
ولا خلاف أيضا في كون فعله موجبا للقضاء والكفارة، ويدل عليه مضافا
إلى الاجماع الأخبار الآتية الدالة على وجوب الكفارة بالافطار به (3).

(1) وهي قوله تعالى في سورة البقرة الآية 184: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم
الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل.
(2) الوسائل الباب 1 و 9 و 23 و 25 و 37 إلى 51 من ما يمسك عنه الصائم وغير ذلك
(3) الوسائل الباب 8 و 9 و 10 و 11 و 22 من ما يمسك عنه الصائم
56

وأما غير المعتاد كالتراب والحجر والفحم والخزف والحصى وماء الشجر
والفواكه وماء الورد ونحوها فالمشهور بين الأصحاب أنه كذلك، ونقل في المختلف عن السيد المرتضى وابن الجنيد أنه ينقص الصوم ولا يبطله، ونقل السيد (رضي الله عنه) عن بعض أصحابنا أنه يوجب القضاء خاصة.
حجة القول المشهور أن ما دل على تحريم الأكل والشرب يتناول المعتاد
وغيره وأن الصوم إمساك عن ما يصل إلى الجوف وتناول هذه الأشياء
ينافي الامساك.
حجة القول الآخر إن تحريم الأكل والشرب إنما ينصرف إلى المعتاد فيبقى
الباقي على أصل الإباحة.
وأجيب عنه بمنع الانصراف إلى المعتاد ودعوى العموم بالنسبة إلى
المعتاد وغيره.
وعندي أن هذا الجواب لا يخلو من نظر لما صرحوا به في غير موضع من
أن الأحكام المودعة في الأخبار إنما تنصرف إلى الأفراد المتكررة الشائعة دون
الأفراد النادرة فشمول الأخبار لغير المعتاد غير واضح.
ويؤيده ما رواه الشيخ عن مسعدة بن صدقة عن جعفر عن أبيه عن آبائه
(عليهم السلام) (1) " أن عليا عليه السلام سئل عن الذباب يدخل في حلق الصائم قال
ليس عليه قضاء أنه ليس بطعام ".
ونقل عن السيد (رضي الله عنه) في المسائل الناصرية ما يدل على خلاف
كلامه المتقدم حيث قال: لا خلاف في ما يصل إلى جوف الصائم من جهة فمه إذا
اعتمد أنه يفطره مثل الحصاة والخرزة وما لا يؤكل ولا يشرب وإنما خالف في ذلك
الحسن بن صالح وقال إنه لا يفطر وروى نحوه عن أبي طلحة (2) والاجماع متقدم

(1) التهذيب ج 4 ص 313 الطبع الحديث وفي الوسائل الباب 39 من ما يمسك عنه
الصائم
(2) المغني ج 3 ص 103
57

ومتأخر عن هذا الخلاف فسقط حكمه. انتهى.
ولا بأس بايراد جملة من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة العاضدة للآية الشريفة
وهي قوله عز وجل: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط
الأسود من الفجر (1).
ومنها صحيحة محمد بن مسلم (2) قال: " سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لا يضر
الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال: الطعام والشراب والنساء والارتماس في الماء ".
هكذا روى الحديث في الفقيه وموضع من التهذيب، وفي موضعين آخرين
منه بسندين آخرين أيضا (3) بلفظ " ثلاث خصال ".
قيل: ولعل الوجه في هذه النسخة إن صحت أنه عطف الارتماس على
الثلاث وأخرجه منها لأنه من ما يضر ولا يبطل، أو جعل الطعام والشراب خصلة
واحدة لاشتراكهما في إدخال شئ في الجوف ولهذا لم يذكر الحقنة بالمائع مع ايجابه
القضاء، والاخراج في حكم الادخال ولهذا عدل عن الأكل والشرب إلى الطعام
والشراب ليشمل القئ الاختياري أيضا. انتهى.
والظاهر أنه تكلف مستغنى عنه فإنه لا يخفى على من أحاط خبرا بطريقة
الشيخ في الكتاب وما وقع له من التغيير والتبديل والزيادة والنقصان في المتون
والأسانيد أن ما ذكره من نسخة " ثلاث " إنما هو سهو من قلمه وأن النسخة
الصحيحة هي " أربع " وقوله " أنه أخرج الارتماس منها لأنه يضر ولا يبطل " بناء
على ما هو أحد الأقوال في المسألة ممنوع بما سنوضحه إن شاء الله تعالى في المسألة
المذكورة، نعم ينبغي أن يقال إنه إنما اقتصر على هذه الأربعة مع أن غيرها كما

(1) سورة البقرة الآية 184
(2) الوسائل الباب 1 من ما يمسك عنه الصائم
(3) ارجع إلى التعليقة 2 ص 50
58

سيأتي إن شاء الله تعالى من المضرات بالصيام من حيث إنها هي المعتادة المتداولة
المتكررة دون غيرها من القئ والحقنة المختصة بالمرضى والكذب على الله ورسوله
صلى الله عليه وآله ونحوها.
ومنها رواية أبي بصير (1) قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام الصيام من الطعام
والشراب، والانسان ينبغي له أن يحفظ لسانه من اللغو والباطل في رمضان وغيره ".
ومنها ما رواه المرتضى في رسالة المحكم والمتشابه بإسناده عن علي عليه السلام (2)
قال: " وأما حدود الصوم فأربعة حدود: أولها اجتناب الأكل والشرب والثاني
اجتناب النكاح والثالث اجتناب القئ متعمدا. والرابع اجتناب الاغتماس في الماء
وما يتصل بها وما يجري مجراها ".
وما رواه في الكافي في الصحيح عندي والحسن على المشهور بإبراهيم بن هاشم
عن الحلبي (3) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الخيط الأبيض من الخيط
الأسود (4) فقال بياض النهار من سواد الليل، قال: وكان بلال يؤذن للنبي صلى الله عليه وآله
وابن أم مكتوم وكان أعمى يؤذن بليل ويؤذن بلال حين يطلع الفجر فقال النبي
صلى الله عليه وآله إذا سمعتم صوت بلال فدعوا الطعام والشراب فقد أصبحتم ".
وما رواه فيه في الصحيح عن أبي بصير (5) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
فقلت متى يحرم الطعام والشراب على الصائم وتحل الصلاة صلاة الفجر؟ فقال إذا
اعترض الفجر وكان كالقبطية البيضاء فثم يحرم الطعام ويحل الصيام وتحل الصلاة "
إلى غير ذلك من الأخبار الآتية في تضاعيف الأحكام.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه ينبغي أن يعلم أن ما ذكرنا من بطلان الصوم بالأكل

(1) الوسائل الباب 1 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 1 من ما يمسك عنه الصائم
(3) الوسائل الباب 42 من ما يمسك عنه الصائم
(4) سورة البقرة الآية 184.
(5) الوسائل الباب 42 من ما يمسك عنه الصائم
59

والشرب يجب تقييده بالعالم العامد وكذا كل ما يأتي من مفسدات الصوم فإنه لا ريب
ولا خلاف في فساد الصوم بذلك وأنه موجب للقضاء والكفارة.
أما لو لم يكن كذلك بأن كان جاهلا أو ناسيا أو مكرها فتحقيق الكلام فيه يقع
في مواضع ثلاثة:
أحدها أن يكون جاهلا والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
فساد صومه كالعالم، وقال ابن إدريس: لو جامع أو أفطر جاهلا بالتحريم فلا يجب
عليه شئ. ونحوه نقل عن الشيخ في موضع من التهذيب. واطلاق كلا منهما يقتضي
سقوط القضاء والكفارة، واحتمله في المنتهى الحاقا للجاهل بالناسي.
وقال المحقق في المعتبر: والذي يقوى عندي فساد صومه ووجوب القضاء
دون الكفارة.
قال في المدارك بعد نقله عنه: وإلى هذا القول ذهب أكثر المتأخرين وهو
المعتمد، لنا على الحكم الأول اطلاق الأمر بالقضاء عند عروض أحد الأسباب المقتضية
لفساد الأداء فإنه يتناول العالم والجاهل. ولنا على سقوط الكفارة التمسك بمقتضى
الأصل وما رواه الشيخ عن زرارة وأبي بصير (1) قالا: " سألنا أبا جعفر عليه السلام
عن رجل أتى أهله في شهر رمضان أو أتى أهله وهو محرم وهو لا يرى إلا أن ذلك
حلال له؟ قال ليس عليه شئ " (لا يقال) الأصل يرتفع بالروايات المتضمنة
لترتب الكفارة على الافطار المتناولة باطلاقها للعالم والجاهل كما اعترفتم به في
وجوب القضاء، والرواية قاصرة من حيث السند فلا تنهض حجة في اثبات هذا
الحكم (لأنا نقول) لا دلالة في شئ من الروايات التي وصلت إلينا من هذا الباب
على تعلق الكفارة بالجاهل إذ الحكم وقع فيها معلقا على تعمد الافطار وهو إنما
يتحقق مع العلم بكون ذلك الفعل مفسدا للصوم، فإن من أتى بالمفطر جاهلا كونه
كذلك لا يصدق عليه أنه تعمد الافطار وإن صدق عليه أنه متعمد لذلك الفعل،

(1) الوسائل الباب 9 من ما يمسك عنه الصائم والباب 2 من كفارات الاستمتاع
60

بل رواية ابن سنان (1) التي هي الأصل في هذا الباب إنما تضمنت تعلق الكفارة بمن أفطر
في شهر رمضان متعمدا من غير عذر، والجهل بالحكم من أقوى الأعذار كما يدل
عليه صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج المتضمنة لحكم تزويج المرأة في عدتها (2) حيث
قال فيها " قلت فبأي الجهالتين أعذر جهالته أن ذلك محرم عليه أم جهالته أنها في
عدة؟ فقال إحدى الجهالتين أهون من الأخرى: الجهالة بأن الله حرم ذلك عليه،
وذلك أنه لا يقدر على الاحتياط معها. فقلت فهو في الأخرى معذور؟ قال نعم "
وأما الرواية فهي وإن كانت لا تبلغ مرتبة الصحيح لكنها معتبرة الاسناد إذ ليس
في طريقها من قد يتوقف في شأنه سوى علي بن الحسن بن فضال، وقال النجاشي
إنه كان فقيه أصحابنا بالكوفة ووجههم وثقتهم وعارفهم بالحديث والمسموع قوله
فيه سمع منه شيئا كثيرا ولم يعثر له على زلة فيه ولا ما يشينه وقل ما يروي عن
ضعيف. ويمكن أن يستدل على هذا القول أيضا بقول الصادق عليه السلام في صحيحة
عبد الصمد بن بشير الواردة في من ليس قميصا في حال الاحرام (1) " أي رجل
ركب أمرا بجهالة فلا شئ عليه " وغير ذلك من العمومات المتضمنة لعذر الجاهل.
انتهى كلامه زيد اكرامه.
وفيه نظر من وجوه: الأول أن ما استدل به على وجوب القضاء من
اطلاق الأمر بالقضاء عند عروض أحد الأسباب المقتضية لفساد الأداء فإنه
يتناول العالم والجاهل
فيه أولا أنه لا يخفى أن جملة من الروايات المتضمنة للأمر بالقضاء قد
اشتملت على قيد التعمد وإن كان جملة أخرى مطلقة أيضا، وهو قد اعترف بأن
التعمد إنما يتحقق مع العلم بكون ذلك الفعل مفسدا للصوم والمفطر جاهلا لا يصدق

(1) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم وستأتي ص 63
(2) الوسائل الباب 17 من ما يحرم بالمصاهرة ونحوها
(3) الوسائل الباب 45 من تروك الاحرام
61

عليه أنه تعمد الافطار فلا يجب عليه القضاء كما لا يجب عليه الكفارة بالتقريب
الذي ذكره، وسيأتي لك نقل جملة من الأخبار التي تفصح عن صحة ما قلناه.
وثانيا أنه مع تسليم صحة ما ذكره من اطلاق الأمر من غير تقييد بالتعمد
فتناول الأمر للجاهل ممنوع فإنا لا نسلم تناول الأمر للجاهل لا في هذا الموضع ولا
غيره إلا ما خرج بدليل خاص لما صرحوا به في جاهل الأصل من امتناع تكليف
الغافل، وهو (قدس سره) قد صرح بذلك في كتاب الصلاة في مبحث المكان
واللباس حيث رجح صحة صلاة الجاهل بحكم الغصب كالجاهل بأصله، فإنه قال
في مبحث المكان بعد نقل الاتفاق على صحة صلاة الجاهل بالغصب معللا له بأن
البطلان تابع للنهي وهو إنما يتوجه إلى العالم ما لفظه: أما الجاهل بالحكم فقد قطع
الأصحاب بأنه غير معذور وقوى بعض مشايخنا المحققين إلحاقه بجاهل الغصب لعين ما ذكر
ولا يخلو من قوة. وقال في مبحث اللباس بعد أن ذكر عدم بطلان صلاة جاهل
الغصب ما لفظه: ولا يبعد اشتراط العلم بالحكم أيضا لامتناع تكليف الغافل فلا
يتوجه إليه النهي المقتضي للفساد. بل صرح بذلك قبل هذا المقام في مسألة الارتماس
أيضا حيث نقل عن جده (قدس سره) أن المرتمس ناسيا يرتفع حدثه لعدم
توجه النهي إليه وأن الجاهل عامد، ثم قال (قدس سره) وما ذكره (قدس سره) في
حكم الناسي جيد لكن الأظهر مساواة الجاهل له لاشتراكهما في عدم توجه النهي
إليهما. وحينئذ فكيف يدعى هنا أن الأمر بالقضاء يتناول العالم والجاهل مع فصله
بينهما في هذه المواضع؟.
وثالثا أن الرواية التي استند إليها في سقوط الكفارة دالة بعمومها على
سقوط القضاء أيضا كما هو ظاهر، مع تأيدها بالروايات المستفيضة الدالة على معذورية
الجاهل كما تقدم في المقدمة الخامسة من مقدمات الكتاب (1) ومنها الروايتان
المذكورتان هنا، وحينئذ فمع تسليم ما منعناه أولا نقول إنه معارض بما دلت عليه

(1) ج 1 ص 78
62

هذه الروايات، والنسبة بين المتعارضين العموم من وجه، وترجيح العمل بأحدهما
على الآخر لا يخلو من اشكال فلا يتم ما ذكره.
الثاني - قوله في الجواب عن الإيراد الذي أورده على نفسه أنه لا دلالة في
شئ من الروايات التي وصلت إلينا من هذا الباب على تعلق الكفارة بالجاهل إذ
الحكم وقع فيها معلقا على تعمد الافطار.. إلى آخره فإن فيه أنه لا ريب أنه وإن
ورد التقييد بالتعمد في جملة من الأخبار إلا أن جملة من الأخبار قد وردت مطلقة
خالية من قيد التعمد.
وبالجملة فإن الأخبار الواردة في هذا الباب بالنسبة إلى وجوب القضاء
والكفارة جملة منها قد اشتملت على قيد تعمد الافطار فيهما أو أحدهما وجملة قد
أطلق فيها الحكم كذلك، وظاهر كلام الأصحاب حمل مطلقها على مقيدها في الموضعين
وبه يزول الاشكال من البين.
ولا بأس بايراد بعض منها في المقام ليتبين به ما في كلام هؤلاء الأعلام:
فمنها موثقة عبد الرحمان بن أبي عبد الله البصري عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال:
" سألته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا؟ قال يتصدق بعشرين صاعا
ويقضي مكانه ".
وصحيحته أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " سألته عن رجل أفطر
يوما من شهر رمضان متعمدا؟ قال عليه خمسة عشر صاعا لكل مسكين مد بمد
النبي صلى الله عليه وآله أفضل ".
وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (3) " في رجل أفطر في شهر
رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر؟ قال يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين
أو يطعم ستين مسكينا فإن لم يقدر تصدق بما يطيق ".
ورواية أحمد بن محمد بن أبي نصر عن المشرقي عن أبي الحسن عليه السلام (4) قال:

(1) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم
(3) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم
(4) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم
63

" سألته عن رجل أفطر من شهر رمضان أياما متعمدا ما عليه من الكفارة؟ فكتب
عليه السلام من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا فعليه عتق رقبة مؤمنة ويصوم
يوما بدل يوم ".
وموثقة سماعة (1) قال: " سألته عن رجل أتى أهله في شهر رمضان متعمدا
فقال عليه عتق رقبة واطعام ستين مسكينا وصيام شهرين متتابعين وقضاء ذلك
اليوم، وأين له مثل ذلك اليوم؟ ".
وجعل الشيخ الواو في هذا الخبر بمعنى " أو " تارة وخصه أخرى بمن أتى أهله
في حال يحرم الوطئ فيها كالحيض أو الظهار قبل الكفارة كما دل عليه بعض الأخبار
إلا أن صاحب الوسائل نقل هذا الخبر من نوادر أحمد بن محمد بن عيسى بلفظ
" أو " عوض الواو في المواضع المذكورة.
فهذه جملة من الأخبار المشتملة على قيد التعمد في كل من القضاء والكفارة
وبه يظهر لك ما في صدر كلام صاحب المدارك من دعواه اطلاق الأمر بالقضاء
الشامل للجاهل مع اعترافه بأن تعمد الجاهل ليس بعمد لأنه إنما يتحقق مع العلم
بكون ذلك الفعل مفسدا للصوم كما تقدم.
ومنها صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج (2) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني؟ قال عليه من الكفارة مثل ما على
الذي يجامع ".
وما رواه في الفقيه عن محمد بن النعمان عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " سئل
عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان؟ فقال كفارته جريبان من طعام وهو
عشرون صاعا ".

(1) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 4 من ما يمسك عنه الصائم
(3) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم
64

وموثقة سماعة (1) قال: " سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل؟ قال عليه اطعام
ستين مسكينا أو يعتق رقبة ".
ورواية عبد السلام بن صالح الهروي (2) قال: " قلت للرضا عليه السلام يا ابن
رسول الله صلى الله عليه وآله قد روى عن آبائك (عليهم السلام) في من جامع في شهر رمضان
أو أفطر فيه ثلاث كفارات، وروى عنهم أيضا كفارة واحدة، فبأي الحديثين
نأخذ؟ قال بهما جميعا: متى جامع الرجل حراما أو أفطر على حرام في شهر
رمضان فعليه ثلاث كفارات: عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين واطعام ستين
مسكينا وقضاء ذلك اليوم، وإن كان نكح حلالا أو أفطر على حلال فعليه كفارة
واحدة وقضاء ذلك اليوم، وإن كان ناسيا فلا شئ عليه " إلى غير ذلك من الأخبار
التي يقف عليها المتتبع في الموضعين.
وبذلك يظهر لك أن الأخبار بالنسبة إلى القضاء كالأخبار الواردة بالكفارة
في التقييد في بعض منها بالتعمد والاطلاق في آخر ووجوب حمل مطلقها على
مقيدها، وبه يظهر لك ما في كلامه من الفرق بين المقامين.
الثالث قوله في الاعتذار عن مخالفة اصطلاحه في العمل برواية زرارة
وأبي بصير المذكورة بأنه ليس في طريقها من قد يتوقف في شأنه إلا علي بن الحسن
ابن فضال وقال النجاشي. إلى آخر ما ذكره فإن هذا من جملة المواضع التي
كررنا الإشارة إليها في شرحنا على الكتاب من ما حصل له فيه من المخالفة
والاضطراب، فإنه مع عده الموثق من قسم الضعيف وطعنه فيه ورميه بذلك متى
احتاج إلى العمل به تستر بهذه الأعذار الواهية، وقد مر له في كتاب الصلاة ما يدل

(1) الوسائل الباب 4 و 8 من ما يمسك عنه الصائم. وليس فيها " أو يعتق رقبة "
واللفظ هكذا: " قال عليه اطعام ستين مسكينا مد لكل مسكين " راجع التهذيب ج 4
ص 320 الطع الحديث والوافي باب (تعمد الافطار في شهر رمضان من غير عذر).
(2) الوسائل الباب 10 من ما يمسك عنه الصائم
65

على الطعن في علي بن الحسن المذكور في غير مقام ورد روايته ولكنه هنا حيث
احتاج إلى العمل بها اعتذر بما ذكره. والعجب أنه في المقالة المتقدمة على هذه
المقالة بلا فصل (1) نقل رواية عن علي بن الحسن المذكور عن أبيه ثم أجاب عنها
بأن علي بن الحسن وأباه فطحيان فلا يمكن التعويل على روايتهما، وليس بين الكلامين
إلا أسطر قليلة، مع أنه قد تقدم منه في كتاب الصلاة في مسألة ما لو أهوى
المأموم إلى الركوع والسجود قبل الإمام أنه استدل برواية منقولة عن الحسن بن
علي بن فضال ثم قال: وهذا الرواية لا تقصر عن الصحيح إذ ليس في رجالها من قد
يتوقف في شأنه إلا الحسن بن علي بن فضال وقد قال الشيخ إنه كان جليل القدر
عظيم المنزلة زاهدا ورعا ثقة في رواياته وكان خصيصا بالرضا عليه السلام وأثنى عليه
النجاشي وقال إنه كان فطحيا ثم رجع إلى الحق (رضي الله عنه) انتهى. فانظر
رحمك الله إلى هذا الكلام وما فيه من اختلال النظام الذي يبعد من مثله من
العلماء الأعلام وذوي النقض والابرام ولكن ضيق الخناق في هذا الاصطلاح
أوجب لهم الوقوع في مضيق الالزام في غير مقام.
وبما ذكرنا من التحقيق في المسألة يظهر أن أظهر الأقوال في المسألة ما نقل
عن ابن إدريس استنادا إلى الأدلة الدالة على معذورية الجاهل بالأحكام الشرعية
على التفصيل الذي ذكرناه في المقدمة الخامسة من مقدمات الكتاب (2).
وثانيها أن يكون ناسيا لكونه صائما، والظاهر أنه لا خلاف نصا وفتوى
في صحة صومه وأنه لا يجب عليه قضاء ولا كفارة:
ومن الأخبار في ذلك ما رواه ثقة الاسلام في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (3) " أنه سئل عن رجل نسي فأكل وشرب ثم ذكر؟ قال لا يفطر
إنما هو شئ رزقه الله فليتم صومه ".

(1) في مسألة الحقنة بالجامد
(2) ج 1 ص 78
(3) الوسائل الباب 9 من ما يمسك عنه الصائم
66

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام (1) قال:
" كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول من صام فنسي فأكل وشرب فلا يفطر من أجل أنه
نسي فإنما هو رزق الله فليتم صومه ".
وما رواه الصدوق في الموثق عن عمار بن موسى (2) " أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل ينسى وهو صائم فيجامع أهله؟ قال يغتسل ولا شئ عليه ".
وما رواه في الكافي عن داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام (3) " في الرجل
ينسى فيأكل في شهر رمضان؟ قال يتم صومه فإنما هو شئ أطعمه الله إياه ".
وما رواه الشيخ في التهذيب عن أبي بصير (4) قال: " قلت لأبي عبد الله
عليه السلام رجل صام يوما نافلة فأكل وشرب ناسيا؟ قال يتم يومه ذلك وليس عليه شئ "
وقد تقدم في رواية عبد السلام بن صالح الهروي نحو ذلك (5).
واطلاق الأخبار وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في ذلك بين الصوم
الواجب والمندوب ولا في الواجب بين المعين وغيره.
وأنت خبير بأن مورد هذه الروايات وإن كان الأكل والشرب والجماع
خاصة إلا أن الأصحاب قاطعون بعموم الحكم في جميع مفسدات الصيام الآتية
إن شاء الله تعالى، والظاهر أن وجهه هو عدم توجه النهي إلى الناسي كما صرحوا به
في بعض المواضع وهو كذلك. ويمكن الاستدلال على العموم بما في رواية
عبد السلام بن صالح (6) من التعبير بقوله " أفطر على حرام أو أفطر على حلال "
بحمل الافطار على ما يوجب الافطار، إلا أن مقابلته بالجماع ربما عين انصرافه إلى
الأكل والشرب خاصة. وبالجملة فالظاهر أنه لا اشكال في عموم الحكم لما ذكرناه كما
عليه الأصحاب في هذا الباب.
وثالثها أن يكون مكرها على الافطار، إما بأن يوجر في حلقه ويوضع في

(1) الوسائل الباب 9 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 9 من ما يمسك عنه الصائم
(3) الوسائل الباب 9 من ما يمسك عنه الصائم
(4) الوسائل الباب 9 من ما يمسك عنه الصائم
(5) ص 65
(6) ص 65
67

فيه بغير اختياره ولا اشكال ولا خلاف في أنه لا يفطر به قيل وفي معناه من بلغ
به الاكراه حدا رفع قصده أو بأن يتوعد على ترك الافطار بما يكون مضرا به
في نفسه أو من يجري مجراه بحسب حاله مع قدرة المتوعد على فعل ما توعد به
وشهادة القرائن بأنه يفعله به لو لم يفطر. ونقل عن الشيخ (قدس سره) في
المبسوط أنه مفسد لصومه.
واستدل على القول المشهور بالأصل السالم من المعارض، وقوله صلى الله عليه وآله
(1) " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " والمراد رفع حكمها ومن جملته
القضاء وسقوط الكفارة.
وقال المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد بعد قول المصنف: والاكراه على
الافطار غير مفسد ما صورته: دليله وواضح وهو عدم التكليف عقلا ونقلا مثل
" وعن ما استكرهوا " (2) ويؤيده ما يدل على وجوب الكفارة على المكره زوجته
دونها سواء قلنا عليه كفارتها أيضا أم لا.. إلى أن قال: ويدل عليه ما يدل على
جواز الأكل للتقية. ثم نقل جملة من الأحاديث الدالة على افطار الصادق عليه السلام تقية
مع أبي العباس (3).
قالوا: وفي معنى الاكراه الافطار في يوم يجب صومه للتقية والتناول قبل
الغروب لأجل ذلك.
احتج الشيخ على ما نقل عنه بأنه مع التوعد مختار للفعل فيصدق عليه أنه فعل
المفطر اختيارا فوجب عليه القضاء.
وإلى هذا القول مال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك حيث قال بعد نقل
الخلاف في المسألة: وأصحهما وجوب القضاء وإن ساغ له الفعل لصدق تناول المفطر
عليه باختياره.
ثم قال مجيبا عن الخبر المتقدم: وقد تقرر في الأصول أن المراد

(1) الوسائل الباب 30 من الخلل الواقع في الصلاة والباب 56 من جهاد النفس
(2) الوسائل الباب 30 من الخلل الواقع في الصلاة والباب 56 من جهاد النفس
(3) الوسائل الباب 57 من ما يمسك عنه الصائم.
68

برفع الخطأ وقسيميه في الحديث رفع المؤاخذة عليها لا رفع جميع أحكامها ومثله
الافطار في يوم يجب صومه للتقية.
أقول: والمسألة لا تخلو من الاشكال لعدم النص الكشاف عن حكمها
وتدافع التعليلات فيها وإن كان ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني هنا لا يخلو من قوة،
فإن مجرد تسويغ الشارع الافطار لدفع الضرر لا ينافي القضاء وإنما ينافي التأثيم
ولا ريب في عدمه.
ومن ما يؤيد ذلك أنهم جعلوا الافطار للتقية في معنى الافطار للاكراه فإنهما
في الحقيقة من باب واحد ومرجعهما إلى أمر واحد وهو الافطار لدفع الضرر.
مع أنه ورد في بعض الأخبار الواردة في جواز الافطار للتقية ذكر
القضاء وهو ما رواه ثقة الاسلام في الكافي بسنده عن رفاعة عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " دخلت على أبي العباس بالحيرة فقال يا أبا عبد الله عليه السلام
ما تقول في الصيام اليوم؟ فقلت ذاك إلى الإمام إن صمت صمنا وإن أفطرت أفطرنا
فقال يا غلام على بالمائدة فأكلت معه وأنا أعلم والله إنه يوم من شهر رمضان فكان
افطاري يوما وقضاؤه أيسر علي من أن يضرب عنقي ولا يعبد الله " ومنه يعلم
وجوب القضاء في محل الخلاف.
والأحوط عندي وجوب القضاء في صورة الوجور أيضا حيث إن المسألة
خالية من النص وإن كان ظاهرهم الاتفاق على صحة الصوم وعدم وجوب القضاء،
وهو الظاهر أيضا لأنه لا يصدق عليه أنه تناول المفطر. وقريب منه أيضا بلوغ
الاكراه به إلى وجه يرتفع القصد إلا أن الأحوط لخلو المسألة من النص هو القضاء
وبالجملة فالقدر المعلوم ثبوته في صورتي الاكراه بأي معنى كان والتقية هو
عدم المؤاخذة بذلك وأما وجوب القضاء فليس على نفيه دليل.
(فإن قيل) إن وجوبه يحتاج إلى دليل لا نفيه (قلت) لا ريب أن

(1) الوسائل الباب 57 من ما يمسك عنه الصائم
69

الأخبار المتضمنة لوجوب القضاء بالافطار اختيارا قد اشتملت على شيئين:
أحدهما ثبوت الإثم والذنب الموجب للمؤاخذة وهو الذي أمر بالكفارة لدفعه
في جملة من المواضع، وثانيهما قضاء ذلك اليوم، والمعلوم المقطوع به من
أخبار تسويغ الافطار للاكراه والتقية هو ارتفاع الإثم خاصة كما أشرنا إليه
إذ لا يجوز أن يسوغ له الشارع الافطار ثم يعاقبه عليه، وحينئذ فيبقى ما دل
على القضاء على حاله بلا معارض يوجب اخراجه عن ما هو عليه ويخرج مرسل
رفاعة شاهدا على ذلك.
ثم إن الظاهر من كلام الأصحاب وبه صرح جملة منهم أنه يكفي في جواز
الافطار ظن الضرر بالترك، وربما ظهر من عبارة الدروس أن ذلك إنما يسوغ
عند خوف التلف.
ولعله (قدس سره) اعتمد على أخبار الصادق عليه السلام مع أبي العباس حيث
تضمنت أن افطاره عليه السلام لخوف التلف والقتل، ومنها الخبر المتقدم.
ومنها أيضا ما رواه في الكافي في الصحيح عن داود بن الحصين عن رجل
من أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " أنه قال وهو بالحيرة في زمان أبي العباس
إني دخلت عليه وقد شك الناس في الصوم وهو والله من شهر رمضان فسلمت عليه
فقال يا أبا عبد الله عليه السلام أصمت اليوم؟ فقلت لا. والمائدة بين يديه فقال فادن فكل
قال فدنوت فأكلت. قال وقلت: الصوم معك والفطر معك؟ فقال الرجل لأبي عبد الله
عليه السلام تفطر يوما من شهر رمضان؟ فقال أي والله أفطر من شهر رمضان
أحب إلى من أن يضرب عنقي ".
والظاهر الاكتفاء بمجرد خوف الضرر كما هو المعلوم من الأخبار في جملة
من موارد التقية ولقوله عليه السلام في حسنة زرارة (2) " التقية في كل ضرورة وصاحبها

(1) الوسائل الباب 57 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 25 من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
70

أعلم بها حين تنزل به " وفي حسنة الفضلاء (1) " التقية في كل شئ يضطر إليه ابن
آدم فقد أحله الله " ولا دلالة في خبري الصادق عليه السلام المتقدمين بالتخصيص بما فيهما
ثم إن شيخنا الشهيد الثاني في المسالك قال بعد ذكر الكلام الذي قدمنا نقله
عنه: وحيث ساغ الافطار للاكراه والتقية يجب الاقتصار على ما تندفع به الحاجة
فلو زاد عليه كفر، ومثله ما لو تأدت بالأكل فشرب معه وبالعكس.
واعترضه سبطه السيد السند في المدارك بأنه يمكن المناقشة في وجوب
الكفارة بالزائد بناء على ما ذهب إليه من كون التناول على وجه الاكراه مفسدا
للصوم، لأن الكفارة تختص بما يحصل به الفطر ويفسد به الصوم وما حصل به
الفطر هنا كان مباحا فلا تتعلق به الكفارة وما زاد عليه لم يستند إليه الفساد فلا
تتعلق به الكفارة وإن كان محرما. انتهى.
أقول: فيه إن الظاهر من إيجاب الشارع الكفارة في جملة مواردها إنما هو
لتكفير الذنب المترتب على موجبها فهي حينئذ لمحو الذنب وتكفيره، وحينئذ
فالكفارة إنما تتحقق في موضع يحصل فيه الإثم والذنب، فقول السيد (قدس
سره) إن الكفارة تختص بما يحصل به الفطر ويفسد به الصوم ليس في محله، فإن
كثيرا من المواضع الآتية قد حكم فيها الشارع بفساد الصوم وايجاب القضاء مع أنه
لم يوجب بها كفارة، وحينئذ فإذا كانت الكفارة في الصوم وغيره دائرة مدار ما
أوجب الذنب والحال أن التناول زيادة على ما تندفع به الضرورة موجب
لذلك كان الحكم بالكفارة لا يخلو من قوة.
ويلحق بهذه المسألة من ما ينتظم في سلك نظامها وينخرط في سمط
نقضها وإبرامها مسائل.
الأولى من أكل ناسيا فظن فساد صومه فأفطر عامدا بطل صومه وعليه

(1) الوسائل الباب 25 من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
71

القضاء عند الأصحاب، وفي وجوب الكفارة عليه قولان.
أقول: وهذه المسألة من جزئيات المسألة المتقدمة في جاهل حكم الافطار وقد
تقدم ذكر الخلاف فيها وتحقيق القول فيها.
الثانية اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ايصال الغبار إلى الحلق
فذهب جمع: منهم الشيخ في أكثر كتبه إلى أن ايصال الغبار الغليظ إلى الحلق
متعمدا موجب للقضاء والكفارة، وإليه مال من أفاضل متأخري المتأخرين المحدث
الشيخ محمد بن الحسن الحر في كتاب الوسائل، وذهب جمع: منهم ابن إدريس والشيخ
المفيد على ما نقل عنه وأبو الصلاح وغيرهم والظاهر أنه المشهور إلى وجوب
القضاء خاصة متى كان متعمدا، وذهب جمع من متأخري المتأخرين إلى عدم الافساد
وعدم وجوب شئ من قضاء أو كفارة، وهو الأقرب.
واستدل على القول الأول بما رواه الشيخ في التهذيب عن سليمان بن حفص
المروزي (1) قال: " سمعته يقول إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق
متعمدا أو شم رائحة غليظة أو كنس بيتا فدخل في أنفه وحلقه غبار فعليه صوم
شهرين متتابعين فإن ذلك مفطر مثل الأكل والشرب والنكاح ".
أقول: لا يخفى أنه يمكن تطرق الطعن إلى هذه الرواية من وجوه: أحدها
جهالة السائل والمسؤول فلعل المسؤول غير إمام، وجهالة المسؤول كما في الاضمار
ونحوه إنما يتسامح بها مع معرفة السائل والوثوق به من كونه لا يعتمد في أمور دينه
وأحكامه على غير الإمام كما صرح به أصحابنا (رضوان الله عليهم) في قبول
المضمرات والمرسلات أما إذا كان مجهولا بالمرة كهذا الراوي فلا.
وثانيها المعارضة بموثقة عمرو بن سعيد عن الرضا عليه السلام (2) قال: " سألته
عن الصائم يتدخن بعود أو بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه؟ قال جائز لا بأس به.
قال: وسألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه؟ قال لا بأس ".

(1) الوسائل الباب 22 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 22 من ما يمسك عنه الصائم
72

والجمع بين هذا الخبر وبين الأول بحمل الأول على الغبار الغليظ والثاني على
ما ليس كذلك كما ذكره صاحب الوسائل مع كونه لا دليل عليه - مردود بأن الغبار
نوع من المتناولات فإن كان مفسدا للصوم فلا فرق بين قليله وكثيره وإلا فلا
وجه للافساد به.
وثالثها صحيحة محمد بن مسلم الدالة على أنه لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب
أربع خصال: الطعام والشراب والنساء والارتماس (1) وموثقة مسعدة بن صدقة
عن أبي عبد الله عن آبائه (عليهم السلام) (2) " أن عليا عليه السلام سئل عن الذباب
يدخل حلق الصائم؟ قال ليس عليه قضاء لأنه ليس بطعام ".
ورابعها أن الخبر المذكور قد دل على وجوب الكفارة بمجرد المضمضة
والاستنشاق ولا قائل به والأخبار ترده:
ففي صحيحة حماد عن من ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام (3) " في الصائم يستنشق
ويتمضمض؟ قال نعم ولكن لا يبالغ ".
وفي رواية زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام (4) " في الصائم يتمضمض؟
قال لا يبلع ريقه حتى يبزق ثلاث مرات " قال الشيخ في التهذيب بعد نقل الرواية:
وقد روي مرة واحدة (5).
وما أجاب به في الوسائل من حمل الخبر على تعمد ايصال الماء إلى الحلق
مردود أولا بأن تعمد ابتلاع الماء الموجب للقضاء والكفارة بلا خلاف
لا ترتب له على خصوصية المضمضة والاستنشاق ليرتبه عليه هنا بل في أي حال
فعل ذلك فإنه يجب عليه القضاء والكفارة بلا اشكال.
وثانيا أن تقديره تعمد إيصال الماء إلى الحلق في الخبر إما أن يستند فيه إلى

(1) الوسائل الباب 1 من ما يمسك عنه الصائم ارجع إلى التعليقة 2 ص 50
(2) الوسائل الباب 39 من ما يمسك عنه الصائم
(3) الوسائل الباب 23 من ما يمسك عنه الصائم
(4) الوسائل الباب 31 من ما يمسك عنه الصائم
(5) الوسائل الباب 31 من ما يمسك عنه الصائم
73

قوله " متعمدا " أي متعمدا ايصال الماء إلى الحلق، وفيه أن هذا يكون من قبيل
الألغاز الخارج عن الحقيقة والمجاز فإن " متعمدا " في الخبر قيد في المضمضة
والاستنشاق حيث إنه حال من الصائم الذي هو فاعل " يتمضمض ويستنشق " فصرفه
إلى ما ذكره يكون من قبيل ما ذكرناه وهو مناف لحكمة التعليم والأفهام بل مخل
بمعنى الكلام وموجب لانحلال الزمام واختلال النظام، وإما أن يقدره في الكلام
من خارج من غير أن يكون في ألفاظ الخبر دلالة عليه ولا إشارة إليه، وحينئذ يلغو
ذكر " متعمدا " في الخبر ويصير ذكره بغير فائدة، لأنه يصير حاصل المعنى حينئذ
إذا تمضمض الصائم أو استنشق وقصد إيصال الماء إلى الحلق فعليه الكفارة، إذ
الفرض أن هذا القائل قائل بجواز المضمضة والاستنشاق بقول مطلق وإنما يمنع
منهما إذا قصد بهما إيصال الماء إلى الحلق، فحاصل معنى الخبر على ما يقول به هو
ما ذكرناه وحينئذ فذكره عليه السلام " متعمدا " في الخبر يكون لغوا لا فائدة فيه ولا
أظنه يلتزمه. وبالجملة فما ذكره في الجواب لا أعرف له وجها من وجوه الصواب.
وغاية ما تدل عليه الأخبار هو أنه ربما سبق الماء إلى حلق الصائم لا عن
تعمد، وأنه إذا كان كذلك في وضوء النافلة فعليه القضاء خاصة وأما في وضوء
الفريضة فلا شئ عليه:
ففي صحيحة حماد عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " في الصائم يتوضأ للصلاة فيدخل
حلقه الماء؟ فقال إن كان وضوؤه لصلاة فريضة فليس عليه شئ وإن كان وضوؤه
لصلاة نافلة فعليه القضاء " ومثلها موثقة سماعة (2).
وبذلك يظهر لك أن الخبر من ما لا يصلح للاعتماد عليه ولا الاستناد في حكم
مخالف للأصل إليه، وبه يظهر قوة القول الأخير.

(1) الوسائل الباب 23 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 23 من ما يمسك عنه الصائم، وهي تفصل بين المضمضة من عطش
والمضمضة في الوضوء
74

وأما القول بوجوب القضاء خاصة فلا أعرف له وجها والمفهوم من كلام
ابن إدريس أن الحجة فيه إنما هو الاجماع، ولا ريب أن الاحتياط يقتضي
العمل عليه.
وألحق جملة من المتأخرين بالغبار الدخان الغليظ الذي يحصل منه أجزاء
تتعدى إلى الحلق كبخار القدر ونحوه، وأنكره بعض وهو الحق لما عرفت من حال
الملحق به وعدم الدليل عليه، ولما تقدم في موثقة عمرو بن سعيد (1) من نفي
البأس عنه.
الثالثة قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا بأس بمص الخاتم
ومضغ الطعام للصبي وزق الطائر وذوق المرق.
وهو كذلك للأخبار الدالة على ذلك، ومنها ما رواه ثقة الاسلام الكليني في
الكافي في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (2) " في الرجل يعطش
في شهر رمضان؟ قال لا بأس بأن يمص الخاتم ".
وما رواه في الكافي أيضا عن يونس بن يعقوب (3) قال: " سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول: الخاتم في فم الصائم ليس به بأس فأما النواة فلا ".
وما رواه الصدوق عن منصور بن حازم (4) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام
الرجل يجعل النواة في فيه وهو صائم؟ قال لا. قلت فيجعل الخاتم؟ فقال نعم " والظاهر أن المراد بالنواة في الخبرين المذكورين النواة التي عليها أثر التمر كما لا يخفى.
وما رواه الكليني في الصحيح عندي والحسن على المشهور عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) " أنه سئل عن المرأة الصائمة تطبخ القدر فتذوق
المرق تنظر إليه؟ فقال لا بأس. وسئل عن المرأة يكون لها الصبي وهي صائمة فتمضغ

(1) ص 72
(2) الوسائل الباب 40 من ما يمسك عنه الصائم
(3) الوسائل الباب 40 من ما يمسك عنه الصائم
(4) الوسائل الباب 40 من ما يمسك عنه الصائم
(5) الوسائل الباب 37 و 38 من ما يمسك عنه الصائم
75

له الخبز وتطعمه؟ قال لا بأس به والطير إن كان لها ".
وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن حماد بن عيسى (1) قال: " سأل
ابن أبي يعفور أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا أسمع عن الصائم يصب الدواء في أذنه؟
قال نعم ويذوق المرق ويزق الفرخ ".
وما رواه أيضا في الموثق عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (2)
قال: " لا بأس بأن يذوق الرجل الصائم القدر ".
وما رواه الكليني عن الحسين بن زياد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: " لا بأس للطباخ والطباخة أن يذوق المرق وهو صائم ".
وما رواه عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) " أن
فاطمة (عليها السلام) كانت تمضغ للحسن ثم للحسين (عليهما السلام) وهي صائمة
في شهر رمضان ".
وما رواه الشيخ معلقا عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) (5)
قال: " سألته عن الصائم يذوق الشراب والطعام يجد طعمه في حلقه؟ قال لا يفعل
قلت: فإن فعل فما عليه؟ قال لا شئ عليه ولا يعود ".
وأما ما رواه الكليني والشيخ عن سعيد الأعرج في الصحيح (6) قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصائم يذوق الشئ ولا يبلعه؟ قال لا "
فقد حمله جملة من الأصحاب على الكراهة. واحتمل بعضهم أن قوله (عليه
السلام) " لا " يعني لا يبلعه، قال: وهو غير بعيد.
وقال الشيخ: هذه الرواية محمولة على من لا يكون به حاجة إلى ذلك والرخصة
إنما وردت في ذلك لصاحبة الصبي أو الطباخ الذي يخاف على فساد طعامه أو من

(1) الوسائل الباب 37 من ما يمسك عنه الصائم، والراوي حماد بن عثمان
(2) الوسائل الباب 37 من ما يمسك عنه الصائم
(3) الوسائل الباب 37 من ما يمسك عنه الصائم
(4) الوسائل الباب 38 من ما يمسك عنه الصائم
(5) الوسائل الباب 37 من ما يمسك عنه الصائم
(6) الوسائل الباب 37 من ما يمسك عنه الصائم
76

عنده طائر إن لم يزقه يهلك فأما من هو مستغن عن جميع ذلك فلا يجوز له أن
يذوق الطعام.
ورده بعض أفاضل متأخري المتأخرين بالبعد، قال: إذ لا دلالة في الأخبار
المتقدمة على ما ذكره من التقييد. وهو كذلك.
ولو مضغ الصائم شيئا فسبق منه شئ إلى الحلق بغير اختياره فقد صرح جمع
بأن الأصح أن صومه لا يفسد بذلك للإذن فيه وعدم تعمد الازدراد. وقال في
المنتهى: لو أدخل في فمه شيئا فابتلعه سهوا فإن كان لغرض صحيح فلا قضاء عليه
وإلا وجب القضاء.
ويمكن الاستدلال للقول الأول بصحيحة أبي ولاد الحناط (1) قال: " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام إني أقبل بنتا لي صغيرة وأنا صائم فيدخل في جوفي من ريقها شئ؟
قال فقال لي لا بأس ليس عليك شئ " فإن الظاهر أن المراد من الخبر هو سبق الريق
إلى جوفه من غير تعمد وأما مع التعمد فالظاهر أنه لا خلاف في البطلان على
اشكال يأتي الكلام فيه.
بقي الكلام في مضغ العلك إذا تغير الريق بطعمه ولم تنفصل منه أجزاء فابتلع
الصائم الريق المتغير، وقد اختلف فيه كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) فحرمه
الشيخ في النهاية حيث قال لا يجوز للصائم مضغ العلك، وهو ظاهر ابن الجنيد حيث
قال لو استجلب الريق بطعام فوصل إلى جوفه أفطر وكان عليه القضاء، وفي بعض
الحديث فصيام شهرين متتابعين كالأكل. وقال الشيخ في المبسوط بالكراهة فإنه قال
يكره استجلاب الريق بما له طعم وجرى مجرى العلك كالكندر وما أشبهه، وليس
ذلك بمفطر في بعض الروايات وفي بعضها أنه يفطر وهو الاحتياط وإلى هذا القول
مال أكثر المتأخرين.
والذي وقفت عليه من الأخبار في ذلك ما رواه ثقة الاسلام في الصحيح

(1) الوسائل الباب 34 من ما يمسك عنه الصائم
77

عندي والحسن على المشهور عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " قلت الصائم
يمضغ العلك؟ قال لا ".
وما رواه أيضا (قدس سره) عن محمد بن مسلم (2) قال: " قال أبو جعفر
عليه السلام يا محمد إياك أن تمضغ علكا فإني مضغت اليوم علكا وأنا صائم فوجدت في
نفسي منه شيئا ".
وما رواه الشيخ في التهذيب عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال:
" سألته عن الصائم يمضغ العلك؟ قال نعم إن شاء ".
والذي يظهر من ضم هذه الأخبار بعضها إلى بعض هو القول بالجواز على
كراهة مؤكدة، فإن الظاهر من رواية محمد بن مسلم أنه عليه السلام إنما مضغ العلك وهو
صائم مع علمه بما فيه من تغير طعم الفم به لجواز ذلك لكنه بعد مضغه رأى زيادة
تغير الريق به على المظنون فنهى عنه تنزها.
والشيخ في التهذيب بعد نقله رواية أبي بصير قال: هذا الخبر غير معمول عليه.
مع أنه أفتى بمضمونه في المبسوط.
ونقل في المختلف عن الشيخ أنه استدل على التحريم بأن وجود الطعم في
الريق دليل على تخلل شئ من أجزاء ذي الطعم فيه لاستحالة انتقال الأعراض
فكان ابتلاعه مفطرا. ثم أجاب بالمنع من التخلل بل الريق ينفعل بكيفية ذي الطعم
وهو جيد لما علم من انفعال الماء والهواء بالروائح الذكية والنتنة بالمجاورة، وقد نقل
العلامة في المنتهى والتذكرة أن من لطخ باطن قدميه بالحنظل وجد طعمه ولا
يفطر اجماعا.
أقول: لو أن الشيخ استدل بصحيحة الحلبي المتقدمة لكان أظهر إلا أنها كما
عرفت لا بد من تأويلها جمعا بين الأخبار.
الرابعة قال العلامة في المنتهى: بقايا الغذاء المتخلفة بين أسنانه إذا ابتلعها

(1) الوسائل الباب 36 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 36 من ما يمسك عنه الصائم
(3) الوسائل الباب 36 من ما يمسك عنه الصائم
78

نهارا فسد صومه سواء أخرجها من فمه أو لم يخرجها. وقد صرح المحقق في
الشرائع هنا بوجوب القضاء والكفارة وهو المشهور على ما صرح به بعض
الأصحاب، والظاهر أنه لصدق تناول المفطر عمدا فساوى ما لو ازدرده من خارج
ونقل عن الشيخ في المبسوط والخلاف أنه صرح بوجوب القضاء ولم يتعرض
للكفارة.
قال في المدارك: ويمكن المناقشة في فساد الصوم بذلك لعدم تسميته أكلا ولما
رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (1) قال: " سئل أبو عبد الله (عليه
السلام) عن الرجل الصائم يقلس فيخرج منه الشئ من الطعام أيفطره ذلك؟ قال
لا. قلت فإن ازدرده بعد أن صار على لسانه؟ قال لا يفطر ذلك ".
هذا كله في ما لو ابتلعه عمدا وأما لو كان سهوا فقد صرح بعضهم بأنه لا شئ
عليه، وفصل بعض بين من قصر في التخليل فأوجب عليه القضاء لتفريطه وتعرضه
للافطار وإليه مال شيخنا الشهيد الثاني ومن لم يقصر فلا شئ عليه.
وما ذكره في المدارك لا يخلو من قرب وإن كان الأحوط القضاء، وأما ما جنح
إليه في المسالك فلا يخلو من ضعف.
الخامسة الظاهر أنه لا إشكال ولا خلاف في جواز ابتلاع الريق الذي
في الفم للأصل وعدم الدليل المخرج عنه، أما إذا أخرجه من فمه ثم رجعه وابتلعه
فقالوا إنه مفطر بل ربما يمكن أنه تجب به كفارة الافطار على المحرم لأن ظاهرهم
القول بتحريم ما يخرج من الفم، حتى أن بعض الفضلاء المعاصرين ادعى اجماع
الأصحاب على تحريم ابتلاع فضلات الانسان من ريقه وعرقه ودموعه ونحوها
وادعى اتفاق الأخبار على ذلك، وقد كتب في جواب سائل سأله عن العرق
المتساقط في مرق اللحم ونحوه ما صورته: فأما تحريم الانسان وكل شئ منه
أكلا وشربا فلا أعلم أحدا من المتقدمين والمتأخرين خالف في ذلك ومناطيق

(1) الوسائل الباب 29 من ما يمسك عنه الصائم
79

الأخبار مصرحة بذلك، ولا أعلم أحدا استثنى من ذلك العرق المختلط بالمرق على أن المستثنى عليه البيان وإقامة البرهان، ونحن باقون على عموم الحكم حتى يثبت المزيل
والله الهادي إلى سواء السبيل. وسيأتيك إن شاء الله بيان ما في هذا الكلام من انحلال الزمام واختلال النظام وإن كان خارجا عن المقام.
ثم إن ممن صرح بما قدمنا نقله عنهم من ابطال الصوم بابتلاع الريق بعد
اخراجه من الفم شيخنا العلامة أجزل الله تعالى اكرامه في المنتهى حيث قال:
لو ترك في فمه حصاة أو درهما فأخرجه وعليه لمعة من الريق ثم أعاده فيه فالوجه
الافطار قل أو كثر لابتلاعه البلل الذي على ذلك الجسم، وقال بعض الجمهور لا يفطر
إن كان قليلا (1). وقال (قدس سره) أيضا لو أخرجه من فيه إلى طرف ثوبه أو
بعض أصابعه ثم ابتلعه أفطر.
ولا أعرف لما ذكره (قدس سره) دليلا على الافطار بذلك إلا أن كان
ما يدعونه من تحريم فضلة الانسان وأنه بعد الخروج من الفم يكون فضلة فيتعلق
به الحكم دون ما إذا كان في الفم وإلا فالفرق بين ابتلاعه وهو في الفم وبعد
خروجه منه غير ظاهر، مع أن ما يدعونه من تحريم فضله الانسان لا دليل عليه
بل الدليل كما ستعرف إن شاء الله تعالى قائم على خلافه.
قال مولانا المحقق الأردبيلي (قدس سره) في شرح الإرشاد بعد أن نقل
عنهم أنهم حكموا بكونه مفطرا إذا خرج من الفم ثم ابتلعه ما صورته: كأنه
للصدق لأنه يقال أكل ريقه. ويمكن ايجاب كفارة الافطار بالمحرم لأنهم يقولون
أنه إذا خرج من الفم يحرم أكله وما نعرف دليلهم. ثم قال (قدس سره) بعد
نقل كلام المنتهى الأول: الظاهر عدم الافطار للأصل وعدم صدق الأدلة، ولهذا
مع قولهم بالتحريم جوزوا الأكل بالقاشوقة بادخالها في الفم وكذا أكل الفواكه
بعد العض مع بقاء الرطوبة في موضع العض وكذا في الشربة، نعم لو كان عليه

(1) المغني ج ص 106 و 107
80

الريق باقيا ظاهرا كثيرا بحيث يصدق عليه أكل الريق يمكن ذلك لا مجرد
البلة. انتهى. وظاهر كلامه (قدس سره) المناقشة من حيث عدم صدق الأكل
على بلع البلة فيكون مرجعه إلى ما نقله العلامة عن بعض الجمهور.
وأنت خبير بأنه إن كان المستند هو ما أشار إليه المحقق المذكور من صدق
الأكل فإنه لا فرق في ذلك بين ما كان باقيا في الفم أو بعد الاخراج منه مع أنهم
متفقون على جواز ابتلاع ما كان في الفم. ولو قيل بمنع صدق الأكل على ما كان في
الفم عارضناه بتحريم ابتلاع ما يخرجه بلسانه من بين أسنانه من بقية الغذاء فإنهم
قائلون بأنه موجب للافطار لصدق الأكل، إلا أن يجعل وجه الفرق بين الريق
الذي في الفم والذي أخرج منه لزوم المشقة والحرج في ما كان في الفم لو لم يجز
ابتلاعه وإن صدق عليه الأكل لأنه لو أنقطع عنه جف حلقه وضرره ظاهر.
وبالجملة فالظاهر عندي أن وجه الفرق الموجب عندهم لجواز ابتلاعه ما دام
في الفم والافطار به بعد الخروج من الفم إنما هو لما قدمنا ذكره من تحريم فضلة
الانسان من نفسه أو غيره والريق إنما يصدق عليه فضلة بعد انفصاله من
الفم وخروجه.
لا يقال: إنه يلزم على ما ذكرتم من وجه الفرق عدم فساد الصوم حيث إنه
ليس بأكل ولا شرب وإن حرم.
لأنا نقول: لا يلزم من عدم كونه مأكولا صحة الصوم فإنهم صرحوا ببطلان
الصوم بالغبار والدخان الغليظ مع أنه ليس بمأكول ونحوهما غيرهما فيجوز أن يكون
هذا من قبيله عندهم.
وبذلك يظهر لك ما في مناقشة المحقق الأردبيلي (قدس سره) للعلامة (قدس
سره) في عبارته الأولى من عدم التحريم في البلة لعدم صدق الأكل، فإن الظاهر أن كلام العلامة إنما ابتنى على ما ذكرناه من تحريم فضلة الانسان ولا ريب أنه مع
ثبوت التحريم فلا فرق بين قليلها وكثيرها، نعم ما أورد عليهم من تجويز الأكل
81

بالقاشوقة والفاكهة والشربة وارد عليهم ومناف لكلامهم المدعى في التحريم
وحينئذ فيرجع الكلام معهم إلى اثبات دعوى تحريم فضلة الانسان.
قال المحقق المشار إليه أيضا بعد الكلام في ريق الانسان نفسه: وأما ريق
غيره فقالوا أيضا إنه حرام وما أعرف دليلهم وما رأيت دليل تحريم فضلات الحيوان
أقول وبالله عز وجل الثقة لكل مأمول إن الذي ظهر لي من الأخبار
التي عثرت عليها من ما يتعلق بهذه المسألة هو حل ما ادعوا تحريمه، وها أنا أسوق
لك جملة ما وقفت عليه من الأخبار لتنظر فيها بعين التأمل والاعتبار:
فمنها ما رواه ثقة الاسلام في الكافي في الصحيح عن الحسن بن زياد
الصيقل (1) قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول مرت امرأة بذية برسول الله
صلى الله عليه وآله وهو يأكل وهو جالس على الحضيض فقالت يا محمد إنك لتأكل أكل العبد..
إلى أن قال عليه السلام قالت فناولني لقمة من طعامك فناولها فقالت لا والله إلا الذي في
فيك فأخرج رسول الله صلى الله عليه وآله اللقمة من فيه فناولها فأكلتها. قال أبو عبد الله (عليه
السلام) فما أصابها بذاء حتى فارقت الدنيا ".
وما رواه في الكتاب المذكور (2) في باب الإشارة والنص على أبي جعفر
الثاني عليه السلام في حديث طويل يتضمن طعن إخوة الرضا عليه السلام وعمومته في الجواد
عليه السلام بعد ولادته حيث إنه كان حائل اللون وطلب القافة ليلحقوه بأبيه، قال علي بن
جعفر راوي الحديث: " فقمت فمصصت ريق أبي جعفر عليه السلام ثم قلت له: أشهد أنك
إمامي عند الله.. الحديث " وفعل علي بن جعفر (رضي الله عنه) ذلك بمحضر الرضا
عليه السلام وتقريره له وعدم انكاره عليه أظهر ظاهر في الجواز.
وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن أبي ولاد الحناط (3) قال: " قلت

(1) الوسائل الباب 8 من آداب المائدة
(2) الأصول ج 1 ص 322 الطبع الحديث
(3) الوسائل الباب 34 من ما يمسك عنه الصائم.
82

لأبي عبد الله عليه السلام إني أقبل بنتا لي صغيرة وأنا صائم فيدخل في جوفي من ريقها
شئ؟ قال: فقال لي: لا بأس ليس عليك شئ ".
وروى أيضا في الكتاب المذكور في الموثق عن أبي بصير (1) قال: " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام الصائم يقبل امرأته؟ قال: نعم ويعطيها لسانه تمصه ".
وروى فيه أيضا عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (2) قال: " سألته
عن الرجل الصائم أله أن يمص لسان المرأة أو تفعل المرأة ذلك؟ قال: لا بأس ".
وروى السيد السعيد رضي الدين بن طاووس (قدس سره) في كتاب الملهوف
على قتلى الطفوف (3) عن الصادق عليه السلام " أن زين العابدين عليه السلام بكى على أبيه أربعين
سنة صائما نهاره قائما ليله فإذا كان وقت افطاره أتاه غلامه بطعامه وشرابه فيقول:
قتل أبو عبد الله عليه السلام جائعا قتل أبو عبد الله عليه السلام عطشان فلا يزال يبكي حتى يبل طعامه
بدموعه ويمزج شرابه بدموعه فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عز وجل " ولعل المتتبع
للأخبار يقف على أمثالها أيضا.
وبذلك يظهر لك ما في حكمهم بتحريم فضلات الانسان من الخروج عن
مقتضى هذه الأخبار الواضحة البيان.
نعم يبقى الكلام في ما دلت عليه الأخبار الثلاثة من عدم ابطال الصوم
بابتلاع ريق الغير، فإن ظاهر الأصحاب الابطال بذلك مع ظهور الروايات في
خلافه، إذ من المعلوم وصول ريق الغير إلى فم الصائم بالمص، وأظهر منه قوله في
صحيحة أبي ولاد " فيدخل في جوفي من ريقها شئ ".
وأما ما أجابوا به عن روايتي أبي بصير وعلي بن جعفر من أن المص
لا يستلزم الابتلاع، وعن صحيحة أبي ولاد من عدم الصراحة في تعمد الابتلاع
فجاز أن يبلع شيئا من ريقها من غير شعور وتعمد فلا يخفى ما فيه من البعد عن

(1) الوسائل الباب 34 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 34 من ما يمسك عنه الصائم
(3) ص 87 طبع المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف، وهو نقل بالمعنى
83

ظاهر الأخبار المذكورة. على أنه لو كان ما ذكروه في تأويل صحيحة أبي ولاد من
الحمل على عدم التعمد صحيحا للزم الابطال أيضا فإنه متى كان وصول الريق إلى
جوفه مبطلا فلا فرق فيه بين تعمده ولا وصوله من غير تعمد، كما صرحوا به من
أنه لو وضع في فمه شيئا من المفطرات عبثا ولعبا فابتلعه بغير اختيار فإنه يبطل
صومه، وسيأتيك في مسألة المضمضة عبثا ما يدل على ذلك.
وبالجملة فإن الأخبار المذكورة مع اتفاقها على الحكم المذكور لا معارض لها
من الأخبار، وإلى ما ذكرنا يميل كلام المحقق الأردبيلي أيضا في هذا المقام.
السادسة اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ابتلاع النخامة على
أقوال ثلاثة، إلا أنه يجب أولا بيان المعنى المراد من النخامة هنا: ظاهر كلام
المحقق في الشرائع والعلامة في الإرشاد أن النخامة مختصة بما يخرج من الصدر دون
ما ينزل من الدماغ حيث ذكر النخامة ثم عطفا عليها ما استرسل من الدماغ،
وأطلق جماعة من الأصحاب النخامة عليهما، قال الفيومي في المصباح: النخاعة
بالضم ما يخرجه الانسان من حلقه من مخرج الخاء المعجمة هكذا قيده ابن الأثير، وقال
المطرزي النخاعة هي النخامة، وهكذا قال في العباب، وزاد المطرزي: وهي ما يخرج
من الخيشوم عند التنخع، وكأنه مأخوذ من قولهم تنخع السحاب إذا قاء ما فيه من
المطر لأن القئ لا يكون إلا من الباطن، وتنخع رمى بنخاعته. انتهى. وقال في
مادة نخم: النخامة هي النخاعة وزنا ومعنى وتقدم. وقال في القاموس: والنخاعة
بالضم النخامة أو ما يخرج من الصدر أو ما يخرج من الخيشوم. وقال ابن الأثير في
النهاية: النخامة البزقة التي تخرج من أقصى الحلق ومن مخرج الخاء المعجمة.
وكلام الأصحاب هنا قد اختلف بما يرجع إلى أقوال ثلاثة: أحدها جواز
ابتلاع ما يخرج من الصدر ما لم ينفصل عن الفم والمنع من ابتلاع ما يسترسل من
الدماغ وإن لم يصل إلى الفم عمدا أما لو استرسل وتعدى إلى الحلق فلا بأس. وهو ظاهر
عبارتي الشرائع والارشاد.
84

وثانيها جواز ابتلاعهما ما لم يصلا إلى الفم والمنع منه متى وصلا إليه، ذهب
إليه الشهيدان.
وثالثها جواز اجتلاب النخامة من الصدر والرأس وابتلاعهما ما لم ينفصلا
عن فضاء الفم كالريق، وإليه ذهب الفاضلان في المعتبر والمنتهى واختاره في المدارك.
والذي وقفت عليه في هذه المسألة من الأخبار رواية غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " لا بأس بأن يزدرد الصائم نخامته " وكل من هؤلاء
على اختلافهم قد استندوا إلى الرواية.
وزاد في المدارك في الاستدلال على ما اختاره من القول الثالث، قال: لنا
إن ذلك لا يسمى أكلا ولا شربا فكان سائغا تمسكا بمقتضى الأصل السالم من
المعارض. ولنا أيضا أن النخامة مساوية للريق في عدم الوصول من خارج فوجب
مساواتها له في الحكم.
واستدل عليه في المعتبر أيضا بأن ذلك لا ينفك عنه الصائم إلا نادرا فوجب
العفو عنه لعموم البلوى به.
أقول: ويمكن تأييده أيضا بما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (2)
قال: " سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل الصائم يقلس فيخرج منه الشئ أيفطره
ذلك؟ قال لا. قلت فإن ازدرده بعد أن صار على لسانه؟ قال لا يفطر ذلك ".
والقلس على ما ذكره ابن إدريس في السرائر من أحد الأقوال فيه وهو الذي
اختاره أنه خروج الطعام والشراب إلى الفم من البطن أعاده صاحبه أو ألقاه، نقل
ذلك عن اليزيدي. ثم قال: وهذا أقوى من ما قاله الجوهري. لأنه قد نقل عن
الجوهري قبل ذلك أن القلس بفتح القاف واللام والسين غير المعجمة ما خرج من
الحلق ملء الفم أو دونه وليس بقئ فإن عاد فهو القئ.

(1) الوسائل الباب 39 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 29 من ما يمسك عنه الصائم
85

وحينئذ فإذا كان القلس الذي هو عبارة عن الطعام والشراب لا يكون
ازدراده مبطلا بعد خروجه إلى فضاء الفم فكيف النخامة؟ إلا أن المفهوم من
كلامهم كما صرح به في المعتبر أن القلس متى اشتمل على شئ من الغذاء فإنه يفطر
بابتلاعه، وهو تقييد لاطلاق الخبر بغير دليل.
نعم يبقى الكلام في دلالة خبر غياث على الفضلة المسترسلة من الدماغ وصدق
النخامة عليها، فإن ظاهر كلام أهل اللغة المذكور إنما ينطبق على الصاعد من الصدر
كما لا يخفى على المتأمل فيه، وحينئذ فتكون الرواية مؤيدة للقول الأول ويبقى حكم
ما ينزل من الدماغ خارجا عنها. إلا أنه يمكن الاستدلال عليه بما ذكره في المدارك
وما ذكرناه من صحيحة عبد الله بن سنان، ويعضد ذلك أصالة صحة الصيام حتى
يقوم الدليل على الابطال.
وكيف كان فالظاهر قوة القول الثالث والاحتياط لا يخفى.
قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بعد البحث في المسألة: إذا تقرر ذلك فإن
ابتلع النخامة حيث تحرم فإن كان من خارج الفم وجبت الكفارات الثلاث لتحريم
تناولها حينئذ على غير الصائم، وكذا لو تناول نخامة غيره أو ريقه وإن كان أحد
الزوجين. وما ورد من تجويز الامتصاص (1) لا يستلزم الازدراد. ولو كان
التناول من الفم حيث يحرم ففي وجوب الثلاث أو الواحدة نظر، منشأه الشك في
تحريم ذلك على غير الصائم، والمتيقن هو وجوب الواحدة. انتهى.
أقول: ما ذكره (قدس سره) من تحريم التناول من خارج الفم ووجوب
الكفارات الثلاث على الصائم مبني على ما قدمنا نقله عنهم من تحريم فضلات
الانسان، وقد عرفت ما فيه. وما ذكره من التأويل في حديثي امتصاص الصائم
لسان غيره (2) بعيد، وكأنه غفل عن صحيحة أبي ولاد (3) الصريحة في دخول ريق

(1) الوسائل الباب 34 من ما يمسك عنه الصائم
(2) ص 82 و 83
(3) ص 82 و 83
86

ابنته إلى جوفه فلم يجب عنها بشئ.
وأما ما ذكره من احتمال وجوب الكفارات الثلاث بناء على تحريم التناول
من الفم كما هو القول الأول بناء على تحريم ازدراد ذلك على غير الصائم فهو
مدفوع بالأصل وبما رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان (1) قال: " سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول: من تنخع في المسجد ثم ردها في جوفه لم تمر بداء في جوفه إلا أبرأته ".
السابعة لو تمضمض فدخل الماء حلقه فإن أدخله عمدا فلا خلاف ولا
اشكال في وجوب القضاء والكفارة، وإن سبقه لا عن تعمد فقد صرح الأصحاب
بأنه إن كان ذلك في المضمضة للصلاة أو للتداوي فلا شئ عليه وإن كان للتبرد
أو العبث فعليه القضاء خاصة، ونقل عن الشيخ في التهذيب أنه قال: المتمضمض
والمستنشق قد بينا حكمهما أنه إذا كان للصلاة فلا شئ عليه من ما يدخل حلقه وإن
كان لغير الصلاة فدخل حلقه فعليه القضاء والكفارة. ونقل عن طائفة من الأصحاب
الميل إلى أنه إن توضأ لنافلة أفطر وإن كان لفريضة فلا.
أقول: وايجاب الشيخ الكفارة هنا لرواية سليمان بن حفص المروزي المتقدمة
في صدر المسألة الثانية (2) وقد عرفت ما فيها، وظاهرها ترتب الكفارة على مجرد
المضمضة والاستنشاق وإن لم يسبق منهما شئ إلى حلقه فلا يوافق مدعاه.
وقال العلامة في المنتهى: أما لو تمضمض فدخل الماء إلى حلقه فإن تعمد
ابتلاع الماء وجب عليه القضاء والكفارة، ولو تمضمض للصلاة فلا قضاء عليه
ولا كفارة، وإن كان للتبرد أو العبث وجب عليه القضاء خاصة وهو قول علمائنا..
إلى أن قال: لنا أنه إذا توضأ للصلاة فعل فعلا مشروعا فلا يترتب عليه عقوبة
لعدم التفريط شرعا، ولأنه وصل إلى حلقه من غير قصد فأشبه ما لو طارت
ذبابة إلى حلقه، أما إذا كان متبردا أو عابثا فلأنه فرط بتعريض الصوم للافساد

(1) الوسائل الباب 20 من أحكام المساجد
(2) ص 72
87

فلزمته العقوبة للتفريط، ولأنه وصل بفعل منهي عنه فأشبه التعمد، ولا كفارة
لأنه غير قاصد للافساد والهتك. انتهى.
أقول: ما يظهر منه من تحريم المضمضة للتبرد والعبث حيث إنه استدل
على وجوب القضاء بالتحريم لا أعرف له وجها ولا عليه دليلا مع أنه في
الإرشاد جعل العبث في قرن المضمضة للصلاة والتداوي وخص القضاء
بالمضمضة للتبرد.
ثم إنه لا يخفى ما في تعليلاته لوجوب القضاء في الأخيرين وعدمه في الأول
من الوهن وعدم الصلوح لابتناء الأحكام الشرعية عليها وإن كانوا يزعمونها عللا
عقلية، فإن الأحكام إنما تبنى على النصوص الواضحة من الكتاب أو السنة لا على
أمثال هذه التخريجات.
قال المحقق الأردبيلي (قدس سره) بعد أن نقل عن العلامة وجوب القضاء
في صورتي التبرد والعبث: والذي يقتضيه الأصول عدم القضاء حينئذ وعدم التحريم
ولعله (قدس سره) أراد أنه من حيث سبقه إلى حلقه من غير اختيار فهو معذور
كالناسي. إلا أن هذا لا يطرد له فإن روايات المسألة قد صرح جملة منها بالقضاء في
الصورة المذكورة بل في صورة وضوء النافلة (1) وقد ورد في ناسي النجاسة في الصلاة
أنه يعيد عقوبة لنسيانه وعدم تحفظه (2).
أقول: والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه الشيخ في
الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (3) " في الصائم يتوضأ للصلاة فيدخل الماء
في حلقه؟ قال إن كان وضوؤه لصلاة فريضة فليس عليه قضاء وإن كان وضوؤه لصلاة
نافلة فعليه القضاء ".

(1) التهذيب ج 4 ص 324 الطبع الحديث وفي الوسائل الباب 23 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 42 من النجاسات
(3) التهذيب ج 4 ص 324 الطبع الحديث وفي الوسائل الباب 23 من ما يمسك عنه الصائم
88

وما رواه الكليني والشيخ عن يونس (1) قال: " الصائم في شهر رمضان
يستاك متى شاء " وإن تمضمض في وقت فريضة فدخل الماء حلقه فلا شئ عليه وقد
تم صومه، وإن تمضمض في غير وقت فريضة فدخل الماء حلقه فعليه الإعادة،
والأفضل للصائم أن لا يتمضمض ".
وما رواه الشيخ والصدوق عن سماعة في الموثق (2) قال: " سألته عن رجل
عبث بالماء يتمضمض به من عطش فدخل حلقه؟ قال عليه قضاؤه، وإن كان في
وضوء فلا بأس ".
وما رواه الكليني في الحسن أو الصحيح عن حماد عن من ذكره عن أبي عبد الله
عليه السلام (3) " في الصائم يتمضمض ويستنشق؟ قال نعم ولكن لا يبالغ ".
وما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي (4) قال: " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الرجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء وهو صائم؟ قال ليس عليه شئ إذا
لم يتعمد ذلك. قلت فإن تمضمض الثانية فدخل في حلقه الماء؟ قال ليس عليه شئ
قلت تمضمض الثالثة؟ قال فقال قد أساء وليس عليه شئ ولا قضاء ".
وما رواه الكليني عن زيد وهو زيد الشحام كما ذكره في التهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام (5) " في الصائم يتمضمض؟ قال لا يبلع ريقه حتى يبزق
ثلاث مرات ".
ومنها رواية سليمان بن حفص المروزي المتقدمة في المسألة الثانية (6) وبها
احتج من أوجب الكفارة.
أقول: وما دلت عليه صحيحة الحلبي من عدم القضاء لو كان في وضوء الفريضة
هو مستند الأصحاب في ما قدمنا نقله عنهم، ومثلها رواية يونس وقوله: " وإن

(1) الوسائل الباب 23 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 23 من ما يمسك عنه الصائم
(3) الوسائل الباب 23 من ما يمسك عنه الصائم
(4) الوسائل الباب 23 من ما يمسك عنه الصائم
(5) الوسائل الباب 31 من ما يمسك عنه الصائم
(6) ص 72
89

تمضمض في وقت فريضة " أي لأجل فريضة وهو من ما لا خلاف ولا اشكال
فيه. وما دلت عليه من القضاء في وضوء صلاة النافلة يدل بمفهوم الأولوية على
وجوب القضاء في التبرد والعبث. وقوله في رواية يونس " وإن تمضمض في غير
وقت فريضة " أي لغير فريضة وهو أعم من أن يكون لنافلة أو عبثا أو تبردا،
فهو صالح للدلالة على ما ذكره الأصحاب من وجوب القضاء في العبث والتبرد،
وأصرح منه في ذلك ما دلت عليه موثقة سماعة، وما دلت عليه الموثقة المذكورة
من قوله " وإن كان في وضوء فلا بأس " ينبغي حمل الوضوء هنا على وضوء الفريضة
جمعا بينها وبين صحيحة الحلبي.
بقي الكلام في موثقة عمار فإنها بظاهرها واطلاقها منافية للأخبار وكلام
الأصحاب، والواجب حملها على وضوء الفريضة جمعا بينها وبين الأخبار المذكورة.
تنبيهات
الأول لا يخفى أن المفهوم من كلام الأصحاب هو عدم القضاء في الوضوء
مطلقا لفريضة كان أو نافلة ولا سيما ما سمعت من تعليل صاحب المنتهى المتقدم بأنه فعل
فعللا مشروعا، مع أن صحيحة الحلبي صريحة في القضاء إذا كان في وضوء النافلة
ونحوها عموم رواية يونس كما أشرنا إليه آنفا، والجمع بين كلامهم (رضوان الله
عليهم) والأخبار لا يخلو من اشكال.
الثاني قد أضاف الاستنشاق إلى المضمضة هنا جملة من الأصحاب، وظاهر
العلامة في المنتهى التردد في ذلك حيث قال: حكم الاستنشاق حكم المضمضة في
ذلك على تردد لعدم النص فيه ونحن لا نقول بالقياس.
وأنت خبير بما فيه فإن مقتضى التردد في جميع المواضع هو تعارض الأدلة
لا عدم الدليل، وهو هنا إنما أورد ما يدل على العدم من عدم النص وبطلان
القياس على المضمضة، وحينئذ فما وجه التردد؟ بل الواجب الجزم بالعدم لا التردد
90

قال في المدارك: ولا يلحق بالمضمضة الاستنشاق في هذا الحكم قطعا فلا يجب
بما سبق منه قضاء ولا كفارة، بل لو قيل إن تعمد إدخال الماء من الأنف غير مفسد
للصوم لم يكن بعيدا. انتهى. وهو جيد.
الثالث ظاهر كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز المضمضة للصائم
وغيره، بل قال في المنتهى: ولو تمضمض لم يفطر بلا خلاف بين العلماء سواء
كان في الطهارة أو غيرها. وقد عرفت من ما قدمنا من عبارته المنقولة من المنتهى
ما يشعر بالتحريم لغير الوضوء ومثله ما صرح به الشيخ في الإستبصار فإنه بعد
أن نقل رواية زيد الشحام الدالة على أنه لا يبلع ريقه حتى يبزق ثلاث مرات
قال قال محمد بن الحسن: هذا الخبر مختص بالمضمضة إذا كانت لأجل الصلاة فأما
للتبرد فإنه لا يجوز على حال، يدل على ذلك ما رواه محمد بن يعقوب.. ثم أورد
رواية يونس المتقدمة، مع أن هذه الرواية كما ترى لا تدل على ما ذكره وإنما
تضمنت أن الأفضل للصائم أن لا يتمضمض وأين هذا من التحريم؟ وكيف كان
فالأظهر حمل رواية الشحام المذكورة على الاستحباب، ويعضدها قوله في رواية
يونس " والأفضل " يعني في غير وضوء الفريضة والنافلة، لأن ما دل من الأخبار
على استحباب المضمضة في الوضوء مطلقا أظهر من هذه الرواية فتحمل على
الوضوء للتبرد.
الرابع ظاهر جملة من الأصحاب: منهم - السيد السند في المدارك وغيره
إلحاق دخول الماء من المضمضة للتداوي أو لا زالة النجاسة بالمضمضة التي في الوضوء
الواجب وأنه لا يوجب القضاء، وزاد في التذكرة المضمضة من أكل الطعام.
والجميع لا يخلو من شوب الاشكال لدلالة صحيحة الحلبي على وجوب القضاء في
وضوء النافلة ففي هذه الأشياء ينبغي أن يكون بطريق أولى، ولدخول هذه الأمور
في عموم قوله في رواية يونس " وإن تمضمض في غير وقت فريضة فعليه الإعادة "
والمفهوم من كلامهم تعليل ذلك بأنه متى كان الوضع في الفم لغرض صحيح فإنه
91

مأذون في الفعل ومتى كان مأذونا في الفعل ولم يتعمد الابتلاع فلا شئ عليه. وفيه
ما عرفت من ظواهر الأخبار المشار إليها وأن غاية الإذن في الفعل عدم التأثيم
بذلك لا رفع القضاء أيضا. وقد تلخص من ما حققناه في المقام أن سقوط القضاء
إنما هو في ما إذا سبق الماء إلى حلقه من الوضوء الواجب وأما ما عداه
فالواجب القضاء.
الخامس ينبغي أن يعلم أن وجوب القضاء في بعض أفراد هذه المسألة أو مع
الكفارة إنما هو في ما إذا كان في واجب معين، لأن ما ليس بمعين متى فسد صومه
وجب الاتيان ببدله ولا يسمى ذلك قضاء، لأن القضاء عندهم اسم لفعل مثل المقضى
بعد خروج وقته وغير المتعين وقته متسع.
الثامنة من فعل المفطر قبل مراعاة الفجر متعمدا بمعنى أنه استصحب
بقاء الليل ففعل المفطر ولم يراجع الفجر مع إمكان ذلك فصادف فعله النهار فإنه
يجب عليه القضاء دون الكفارة متى كان ذلك في صوم الواجب المعين وإلا بطل
واستأنف يوما آخر غيره.
أما سقوط الكفارة فللأصل وعدم الدليل على ما يخرج عنه، ويعضده
إباحة الفعل كما ذكروه من أنه لا خلاف في جواز فعل المفطر مع الظن الحاصل
من استصحاب بقاء الليل مع الشك في طلوع الفجر فينتفي المقتضي للتفكير.
وأما وجوب القضاء فللأخبار، ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي
عن أبي عبد الله عليه السلام (1) ورواه الكليني أيضا في الصحيح عندي الحسن على المشهور
عنه عن أبي عبد الله عليه السلام (2) " أنه سئل عن رجل تسحر ثم خرج من بيته وقد
طلع الفجر أفطر. ثم قال: يتم صومه ذلك ثم ليقضه، وإن تسحر في غير شهر رمضان
بعد الفجر أفطر. ثم قال: إن أبي كان ليلة يصلي وأنا آكل فانصرف فقال أما جعفر
فقد أكل وشرب بعد الفجر فأمرني فأفطرت ذلك اليوم في غير شهر رمضان ".

(1) الوسائل الباب 44 و 45 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 44 و 45 من ما يمسك عنه الصائم
92

وما رواه الكليني والشيخ عنه في الموثق عن سماعة بن مهران (1) قال: " سألته
عن رجل أكل وشرب بعد ما طلع الفجر في شهر رمضان؟ فقال إن كان قام فنظر
فلم ير الفجر فأكل ثم عاد فرأى الفجر فليتم صومه ولا إعادة عليه، وإن كان قام
فأكل وشرب ثم نظر إلى الفجر فرأى أنه قد طلع فليتم صومه ويقضي يوما آخر لأنه
بدأ بالأكل قبل النظر فعليه الإعادة ".
وما رواه الكليني عن إسحاق بن عمار (2) قال: " قلت لأبي إبراهيم عليه السلام يكون
على اليوم واليومان من شهر رمضان فأتسحر مصبحا أفطر ذلك اليوم وأقضي مكان
ذلك يوما آخر أو أتم على صوم ذلك اليوم وأقضي يوما آخر؟ فقال لا بل تفطر ذلك
اليوم لأنك أكلت مصبحا وتقضي يوما آخر ".
وما رواه أيضا عن علي بن أبي حمزة عن أبي إبراهيم عليه السلام (3) قال: " سألته
عن رجل شرب بعد ما طلع الفجر وهو لا يعلم في شهر رمضان؟ قال يصوم يومه
ذلك ويقضي يوما آخر، وإن كان قضاء لرمضان في شوال أو غيره فشرب بعد
الفجر فليفطر يومه ذلك ويقضي ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن إبراهيم بن مهزيار (4) قال: " كتب الخليل
ابن هاشم إلى أبي الحسن عليه السلام: رجل سمع الوطئ والنداء في شهر رمضان فظن أن
النداء للسحور فجامع وخرج فإذا الصبح قد أسفر؟ فكتب بخطه عليه السلام: يقضي
ذلك اليوم إن شاء الله تعالى ".
فوائد
الأولى المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) تقييد الحكم المذكور
بصورة القدرة على المراعاة فينتفي عند عدمها وجوب القضاء، فلو ترك المراعاة
لعجزه عنها وتناول فصادف النهار فإنه لا يجب عليه القضاء للأصل واختصاص

(1) الوسائل الباب 44 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 45 من ما يمسك عنه الصائم
(3) الوسائل الباب 45 من ما يمسك عنه الصائم
(4) الوسائل الباب 44 من ما يمسك عنه الصائم
93

روايات القضاء بالقادر على المراعاة فيبقى ما عداه على حكم الأصل. وهو جيد إلا
أن الاحتياط في القضاء.
الثانية المستفاد من كلام جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) انتفاء القضاء
إذا تناول المفطر بعد المراعاة وإن ظهر كون تناوله بعد الصبح، وعليه تدل موثقة
سماعة المتقدمة.
ومثلها ما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار (1) قال: " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام آمر الجارية لتنظر إلى الفجر فتقول لم يطلع بعد فآكل ثم أنظر
فأجده قد كان طلع حين نظرت؟ قال اقضه أما أنك لو كنت أنت الذي نظرت
لم يكن عليك شئ " ومثله رواه الكليني عن معاوية بن عمار في الصحيح أو الحسن (2)
الثالثة قال الفاضل الخراساني في الذخيرة: واعلم أيضا أن مقتضى صحيحة
الحلبي المذكورة أن من تناول المفطر في غير شهر رمضان بعد طلوع الفجر أفسد
صومه سواء كان الصوم واجبا أو مندوبا وسواء تناول المفطر بعد المراعاة أم
قبلها. وبذلك صرح المصنف وغيره، ويدل عليه أيضا ما رواه الكليني.. ثم نقل
موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة ثم أردفها برواية علي بن أبي حمزة المتقدمة أيضا.
أقول: في شمول الروايات المذكورة للاطلاق الثاني نظر: أما رواية الحلبي
فإن صدرها ظاهر في عدم المراعاة لأن وجوب القضاء في شهر رمضان إنما يترتب
على عدم المراعاة كما عرفت في سابق هذه الفائدة، والكلام في عجزها جار على هذا
الوجه أيضا، فيكون الأمر بالافطار في غير شهر رمضان إنما هو في صورة عدم
المراعاة. ومثله الكلام في رواية علي بن أبي حمزة فإن صدرها متضمن لوجوب
القضاء في صوم شهر رمضان وهو لا يكون إلا مع عدم المراعاة، وعليه يبنى
عجزها لأن المسألة واحدة وإنما وقع الترديد في كون ذلك الصوم من شهر رمضان
أو من قضائه. وأما موثقة إسحاق بن عمار فظاهر سياقها أيضا هو الافطار مع عدم

(1) الوسائل الباب 46 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 46 من ما يمسك عنه الصائم
94

المراعاة أيضا فلو قيل بصحة الصوم مع المراعاة كما في شهر رمضان لم يكن بعيدا.
الرابعة استظهر السيد السند في المدارك الحاق الواجب المعين بصوم شهر
رمضان في الحكم المذكور، والظاهر أنه للاشتراك في التعيين، ونفى عنه البعد صاحب
الذخيرة، وهو مشكل لعدم الدليل وعدم جواز بناء الأحكام على المشابهة
والمشاركة، اللهم إلا أن يقال إنه من باب تنقيح المناط، وهو متوقف على عدم
الخصوصية لشهر رمضان بذلك وعدم العلم بالخصوصية لا يدل على العدم.
الخامسة - لو أفطر إخلادا إلى خبر الغير بعدم طلوع الفجر مع القدرة على
المراعاة ثم تبين أنه بعد الصبح فلا خلاف ولا اشكال في وجوب القضاء وهو معلوم
من ما تقدم، وعليه تدل صريحا صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ومثلها صحيحته
الثانية (1) واطلاق كلامهم يقتضي عدم الفرق في المخبر بين الواحد والمتعدد.
ونقل عن المحقق الشيخ على أنه استقرب سقوط القضاء لو كان المخبر عدلين
لأن أخبار العدلين حجة شرعية، ونفى عنه البأس شيخنا الشهيد الثاني، قال: والخبر
لا ينافيه لأنه فرض فيه كون المخبر واحدا. وإليه جنح سبطه السيد السند في
المدارك أيضا.
قال الفاضل الخراساني في الذخيرة بعد نقل ذلك عن المحقق المذكور: وهو
حسن، لا لما ذكره لعدم وضوح مستند حجية البينة مطلقا بحيث يشمل محل البحث
بل للأصل وعدم شمول ما هو مستند القضاء لهذا الموضع، فإن بعضها مختص بأخبار
الجارية والمتبادر من الباقي غير صورة أخبار الغير، بل اثبات القضاء في صورة
أخبار العدل الواحد أيضا محل اشكال. انتهى.
وفيه أنه لا يخلو إما أن يكون أخبار العدلين هنا حجة شرعية فيكون عدم
القضاء إنما هو لذلك ويكون بمنزلة ما لو راعى بنفسه، أو لا يكون حجة بل يكون
في حكم العدم وحينئذ فيرجع إلى استصحاب الليل كما تقدم فيجب القضاء البتة،

(1) ص 94
95

وبالجملة فإنه متى ألغى حجية أخبار العدلين فكيف يتمسك بالأصل وعدم وجود
الدليل على القضاء في صورة أخبار العدلين أو العدل والحال أن أخبار هما عنده ليس
بحجة بل هو في حكم العدم؟ ولا شك أنه متى ألغى أخبارهما رجع أكله إلى استصحاب
الليل وقد ثبت وجوب القضاء بذلك.
والأصح ما ذكره المحقق المذكور ومن تبعه من الاعتماد على أخبار العدلين
بل العدل الواحد أيضا، فإن المستفاد من الأخبار الاعتماد على خبر العدل الثقة في
الأمور المطلوب فيها العلم فليكن هذا منها.
ومن الأخبار المذكورة ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار (1) قال: " سألته
عن رجل كانت له عندي دنانير وكان مريضا فقال لي إن حدث بي حدث فاعط
فلانا عشرين دينارا واعط أخي بقية الدنانير. فمات ولم أشهد موته فأتاني رجل مسلم
صادق فقال لي إنه أمرني أن أقول لك: أنظر الدنانير التي أمرتك أن تدفعها إلى أخي
فتصدق منها بعشرة دنانير أقسمها في المسلمين. ولم يعلم أخوه أن عندي شيئا؟ فقال
أرى أن تصدق منها بعشرة دنانير كما قال " وفيه دلالة على ثبوت الوصية بقول الثقة.
وما رواه الشيخ في التهذيب بسند فيه العبيدي والصدوق بسنده إلى ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام (2) في حديث قال عليه السلام فيه " أن
الوكيل إذا وكل ثم قام عن المجلس فأمره ماض أبدا والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل
عن الوكالة بثقة يبلغه أو يشافه بالعزل عن الوكالة ".
والأصحاب (رضوان الله عليهم) قد صرحوا في هذا لموضع بأنه لا ينعزل
إلا مع العلم وحينئذ فالخبر مؤذن بأن أخبار الثقة مفيد للعلم.
ونحو ذلك أيضا ما ورد في الأخبار من جواز وطئ الأمة بغير استبراء إذا

(1) الوسائل الباب 97 من الوصايا، والرواية عن أبي عبد الله (ع)
(2) الوسائل الباب 2 من الوكالة
96

كان البائع عدلا مأمونا وأخبر بالاستبراء (1) والأخبار الدالة على الاعتماد في
الأوقات المشترط فيها العلم عندهم على أذان الثقة (2) ونحو ذلك من ما هو متكرر
في جملة من الأحكام التي لا تحضرني الآن على الخاطر، وبه يعلم إفادة قول
الثقة العلم فيكون الكلام في ما نحن فيه من ذلك القبيل.
السادسة لو أخبره مخبر بطلوع الفجر فظن كذبه وأكل ثم ظهر صدقه مع
القدرة على المراعاة فقد قطع الأصحاب بوجوب القضاء أيضا دون الكفارة، أما عدم
وجوب الكفارة فلما تقدم، ووجوب القضاء معلوم من ما سبق من حيث بنائه
على استصحاب الليل.
ويدل على خصوص المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص بن
القاسم (3) قال " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل خرج في شهر رمضان وأصحابه
يتسحرون في بيت فنظر إلى الفجر فناداهم فكف بعضهم وظن بعضهم أنه يسخر
فأكل؟ قال يتم صومه ويقضي ".
ونحوه ما في كتاب الفقه الرضوي (4) حيث قال: ولو أن قوما مجتمعين
سألوا أحدهم أن يخرج وينظر هل طلع الفجر؟ ثم قال قد طلع الفجر. فظن بعضهم
أنه يمزح فأكل وشرب كان عليه قضاء ذلك اليوم.
واستقرب العلامة في المنتهى والشهيدان وجوب القضاء والكفارة لو كان
المخبر عدلين للحكم بقولهما شرعا فيكون كتعمد الافطار بعد طلوع الفجر.
أقول: ولا يبعد أيضا القول بذلك في خبر العدل ما عرفت من الأخبار التي
قدمناها وإن كان المشهور بين أصحابنا عدمه.

(1) الوسائل الباب 11 من بيع الحيوان
(2) الوسائل الباب 3 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 47 من ما يمسك عنه الصائم
(4) مستدرك الوسائل الباب 32 من ما يمسك عنه الصائم
97

السابعة لو أفطر تقليدا أن الليل دخل ثم تبيين فساد الخبر فقد صرح
الأصحاب (رضوان الله عليهم) بوجوب القضاء عليه خاصة.
قال السيد السند في المدارك بعد ذكر ذلك: هذا الاطلاق مشكل لأن
المفطر إن كان ممن لا يسوغ له التقليد فينبغي أن يكون عليه القضاء والكفارة، وإن
كان ممن يسوغ له ذلك اتجه الحكم بسقوطهما لاستناد فعله إلى إذن الشارع على هذا.
التقدير. إلا أن يقال إن ذلك لا يقتضي سقوط القضاء كما في تناول المفطر قبل
مراعاة الفجر. وهو جيد لو ثبت دليل الوجوب هنا كما ثبت هناك. انتهى.
وهو جيد.
وما اعترضه به الفاضل الخراساني في الذخيرة حيث قال بعد نقله: وفيه
تأمل فإن مقتضى كون المفطر ممن لا يسوغ له التقليد ترتب الإثم على الافطار
لا القضاء والكفارة، ولا يبعد أن يقال إن حصل الظن بأخبار المخبر اتجه سقوط
القضاء والكفارة لصحيحة زرارة المذكورة في المسألة الآتية (1) ولا يبعد انتفاء
الإثم أيضا وإلا فالظاهر ترتب الإثم لقوله تعالى: ثم أتموا الصيام إلى الليل (2) فإن
مقتضاها وجوب تحصيل العلم أو الظن بالامتثال وهو منتف في الفرض المذكور،
وأما وجوب القضاء ففيه تأمل لعدم دليل دال عليه وعدم الاستلزام بين حصول
الإثم ووجوب القضاء. انتهى
فعندي فيه نظر وذلك فإن المعلوم من الأخبار وكلام الأصحاب أن وقت
الغروب الموجب للصلاة والافطار لا بد فيه من العلم واليقين بملاحظة السبب
الموجب للغروب الذي هو سقوط القرص أو زوال الحمرة، فلو صلى المكلف قبل
ذلك أو أفطر الصائم مع تمكنه من المراعاة وظهر كون ذلك قبل دخول الوقت
وجوب عليه إعادة الصلاة ووجب عليه القضاء والكفارة في افطاره لافطاره نهارا

(1) تأتي ص 102
(2) سورة البقرة الآية 184
98

مع إمكان المراعاة، فيدخل تحت الأخبار الدالة على أن من أفطر عامدا وجب
عليه القضاء والكفارة، ومنها صحيحة ابن سنان (1) " في رجل أفطر في شهر رمضان
متعمدا يوما واحدا من غير عذر؟ قال يعتق نسمة أو يصوم شهرين.. الحديث "
ونحوه غيره. نعم لو كان في السماء علة من غيم ونحوه تمنع من معرفة الوقت فإنه
يرجع إلى الظن لتعذر العلم حينئذ، وحينئذ فهذا المفطر بمجرد أخبار الغير مع
تمكنه من المراعاة وإن حصل له ظن بأخبار الغير متى ظهر كون افطاره نهارا
يجب عليه القضاء والكفارة، لما عرفت من أن الشارع قد حرم الافطار في الآية
الشريفة (2) حتى يدخل الليل يقينا أو ظنا مع تعذر اليقين.
ومبنى كلام هذا الفاضل على الاكتفاء بالظن مطلقا، وهو غلط محض فإن البناء
على الظن في جواز الصلاة والافطار إنما هو مع تعذر حصول العلم لغيم ونحوه فيبنى
على الظن لا أنه يكفي الظن مطلقا ولو بأخبار الغير مع التمكن من المراعاة. وصحيحة
زرارة التي استند إليها وتوهم منها هذا الوهم سيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق القول في
معناها بما يظهر منه فساد توهمه.
واعلم أن اطلاق كلام أكثر الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين كون المخبر
فاسقا أو عدلا ولا بين كونه واحدا أو متعددا.
وقطع المحقق الشيخ على بأنه لو شهد بالغروب عدلان ثم بأن كذبهما فلا شئ
على المفطر وإن كان ممن لا يجوز له التقليد لأن شهادتهما حجة شرعية.
واستشكله في المدارك بانتفاء ما يدل على جواز التعويل على البينة على وجه
العموم خصوصا في موضع يجب فيه تحصيل اليقين.
وقال الفاضل الخراساني في الذخيرة بعد نقل كلام المدارك: وهو حسن
إلا أن جعل محل البحث من ما يجب فيه تحصيل اليقين محل تأمل لما ذكرنا من دلالة

(1) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم
(2) وهي قوله تعالى في سورة البقرة الآية 184: ".. ثم أتموا الصيام إلى الليل ".
99

صحيحة زرارة على جواز الاكتفاء بالظن، وحينئذ فالظاهر جواز التعويل على
شهادة العدلين إلا إذا لم يحصل الظن بشهادتهما. انتهى.
أقول: كلامه هنا مبني على ما قدمنا نقله عنه وهو باطل بما عرفت وستعرف
إن شاء الله تعالى.
ثم أقول: لا يخفى أن كلام المحقق الشيخ على لا يخلو من قوة لتأيده بالأخبار
التي قدمناها دالة على الاكتفاء بقول العدل الواحد في مقام العلم، بل لو قيل
بالاكتفاء بالواحد لكان قويا لما عرفت.
الثامنة المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه يجوز الافطار
عند ظن الغروب إذا لم يكن للظان طريق إلى العلم.
ثم إن القائلين بالجواز هنا قد اختلفوا في وجوب القضاء وعدمه إذا
انكشف فساد الظن المذكور، فنقل عن الشيخ في جملة من كتبه وابن بابويه في
من لا يحضره الفقيه وجمع من الأصحاب القول بعدم الوجوب وهو اختيار السيد
السند في المدارك وغيره من متأخري المتأخرين، وعن الشيخ المفيد والمرتضى
وأبي الصلاح القول بالوجوب وهو اختيار المحقق في المعتبر وقواه العلامة في المنتهى
وتردد في المختلف، وقال ابن إدريس: ومن ظن أن الشمس قد غابت لعارض يعرض
في السماء من ظلمة أو قتام ولم يغلب على ظنه ذلك لم تبين الشمس بعد ذلك فالواجب
عليه القضاء دون الكفارة، وإن كان مع ظنه غلبة قوية فلا شئ عليه من قضاء
ولا كفارة لأن ذلك فرضه لأن الدليل قد فقد فصار تكليفه في عبادته غلبة ظنه
فإن أفطر لا عن أمارة ولا ظن فيجب عليه القضاء والكفارة.
والذي وقفت عليه من الأخبار في هذه المسألة روايات: منها ما رواه الكليني
والشيخ بسند فيه محمد بن عيسى عن يونس عن أبي بصير وسماعة وفي سند آخر عن
سماعة - عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " في قوم صاموا شهر رمضان فغشيهم سحاب أسود عند

(1) الوسائل الباب 50 من ما يمسك عنه الصائم
100

غروب الشمس فرأوا أنه الليل فأفطر بعضهم ثم إن السحاب انجلى فإذا الشمس؟
فقال على الذي أفطر صيام ذلك اليوم إن الله عز وجل يقول: ثم أتموا الصيام
إلى الليل (1) فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه لأنه أكل متعمدا، وبهذا
الخبر استدل من قال بوجوب القضاء في المسألة.
ومنها ما رواه الشيخ وابن بابويه عن زرارة في الصحيح (2) قال: " قال
أبو جعفر عليه السلام وقت المغرب إذا غاب القرص فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت
أعدت الصلاة ومضى صومك وتكف عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئا " وهي
ظاهرة الدلالة على القول الأول.
ويمكن أن تكون هذه الرواية هي التي أشار إليها الفاضل الخراساني في ما
تقدم من كلامه واستند إلى دلالتها على البناء على الظن.
وأنت خبير بأن قوله عليه السلام " إذا غاب القرص " إما أن يحمل على غيبوبته
عن النظر بالمشاهدة إليه، وهذا لا يصح ترتب الرؤية عليه بعد ذلك فلا يمكن حمل
الخبر عليه، وإما أن يحمل على مجرد احتمال الغيبوبة وظنها مع عدم الحائل في السماء
وعدم المشاهدة بالكلية، وهو مع كونه لا قائل به فالأخبار ترده لأن أخبار وقت
المغرب متفقة على كون الغروب المترتب عليه جواز الصلاة والافطار إنما هو عبارة
عن غيبوبة القرص عند النظر إليه كما هو أحد القولين أو زوال الحمرة المشرقية كما
هو القول الآخر، وحينئذ فمجرد ظن ذلك من غير مشاهدة ولا علة في السماء
مانعة من المشاهدة لا يجوز العمل عليه اتفاقا نصا وفتوى، وإما أن يحمل على حصول
المانع من المشاهدة لغيم ونحوه كما هو صريح الأخبار الباقية، وبه يتم معنى الخبر
المذكور وينتظم مع الأخبار الآتية ويتبين فساد ما توهمه الفاضل المتقدم ذكره.

(1) سورة البقرة الآية 184.
(2) الوسائل الباب 51 من ما يمسك عنه الصائم.
101

ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة (1) قال: " سألت أبا جعفر
عليه السلام عن وقت افطار الصائم قال حين تبدو ثلاثة أنجم. وقال لرجل ظن أن
الشمس قد غابت فأفطر ثم أبصر الشمس بعد ذلك قال: ليس عليه قضاء ".
ويحتمل - ولعله الأقرب أن هذه الرواية هي التي أشار إليها الفاضل المتقدم
ذكره حيث عبر فيها بلفظ الظن.
وفيه أنه يجب حملها على الظن المستند إلى العذر المانع من تحصيل العلم بدخول
الوقت لا مطلقا لما ذكرناه من التقريب في الرواية الأولى.
ويؤكد ذلك ما رواه في الكافي عن ابن أبي عمير عن من ذكره عن أبي عبد الله
عليه السلام (2) قال: " وقت سقوط القرص ووجوب الافطار من الصيام أن تقوم
بحذاء القبلة وتتفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق فإذا جازت قمة الرأس إلى ناحية
المغرب فقد وجب الافطار وسقط القرص ".
وما رواه في الفقيه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (3) قال:
" يحل لك الافطار إذا بدت لك ثلاثة أنجم وهي تطلع مع غروب الشمس ".
ألا ترى أنه عليه السلام جعل وقت الافطار وجوازه مترتبا على النظر إلى زوال
الحمرة في الأول وظهور الأنجم الثلاثة المقارنة لغروب الشمس في الثاني الراجع
ذلك في المعنى إلى زوال الحمرة أيضا، وهذا مبني على عدم المانع في السماء من غيم
ونحوه، فكيف يجوز البناء على الظن مطلقا وإن لم يكن مانع كما توهمه من الخبر
المذكور؟ وقد تقدم في أخبار أوقات الصلوات ما هو صريح في أنه مع عدم العذر
لا بد في الحكم بدخول الوقت من العلم بغيبوبة القرص أو زوال الحمرة.
وبالجملة فإن كلام هذا الفاضل مجرد توهم وغفلة نشأت عن عدم مراجعة
الأخبار والتأمل فيها.

(1) الوسائل الباب 52 و 51 من ما يمسك عنه الصائم.
(2) الوسائل الباب 52 من ما يمسك عنه الصائم.
(3) الوسائل الباب 52 من ما يمسك عنه الصائم.
102

ومنها رواية أبي الصباح الكناني (1) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل صام ثم ظن أن الشمس قد غابت وفي السماء غيم فأفطر ثم إن السحاب انجلى
فإذا الشمس لم تغب؟ فقال قد تم صومه ولا يقضيه ".
ورواية زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام (2) " في رجل صائم ظن أن الليل
قد كان وأن الشمس غابت وقد كان في السماء سحاب فأفطر ثم إن السحاب انجلى فإذا
الشمس لم تغب؟ فقال ثم صومه ولا يقضيه ".
وجملة هذه الأخبار ما عدا الرواية الأولى ظاهرة الدلالة على القول بعدم
وجوب القضاء في المسألة، ومن قال بوجوب القضاء رد صحيحة زرارة الأولى
بعدم الصراحة في المدعى وباقي الأخبار بالطعن في السند، ومن قال بالعدم رد
الرواية الأولى بضعف السند.
ومنهم من جمع بين الأخبار بحمل الرواية الدالة على وجوب القضاء على
الشك وتساوي الاعتقاد، قال الشيخ في الإستبصار بعد ذكر الرواية المذكورة (3)
الوجه في هذه الرواية أنه متى شك في دخول الليل عند العارض وتساوت ظنونه
ولم يكن لأحدهما مزية على الآخر لم يجز له أن يفطر حتى يتيقن دخول الليل أو
يغلب على ظنه، ومتى أفطر والأمر على ما وصفناه وجب عليه القضاء حسب ما تضمنه
هذا الخبر. انتهى.
ويشكل أولا بأن ظاهر قوله في الرواية " فرأوا أنه الليل " هو حصول الظن
بدخول الليل كما هو المتبادر من هذا اللفظ.
وثانيا بأن الظاهر أن من أفطر في هذه الصورة فعليه مع القضاء الكفارة أيضا
لأنه متى كان عالما بعدم جواز الافطار في الصورة المذكورة وأفطر فقد وجبت عليه
الكفارة لاقدامه على الافطار في نهار شهر رمضان عدوانا. إلا أن يقال إن ايجاب

(1) الوسائل الباب 51 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 51 من ما يمسك عنه الصائم
(3) ج 2 ص 116
103

القضاء في الخبر لا ينافي ايجاب الكفارة أيضا، ويؤيده قوله في الخبر " لأنه أكل
متعمدا " وقد صرح ابن إدريس في ما قدمنا من كلامه بوجوب القضاء والكفارة
في الصورة المذكورة.
ومنهم من جمع بين الأخبار بالتنزيل على مراتب الظن وجعل بعضها غالبا
على بعض، فأوجب القضاء بحصول الظن وحمل عليه الخبر الأول ونفاه مع غلبة
الظن وحمل عليه الأحاديث الأخر، وهو صريح كلام ابن إدريس المتقدم وتبعه فيه
المحدث الشيخ محمد بن الحسن العاملي في الوسائل.
وهو ضعيف كما صرح به جملة ممن تأخر عنه، قال شيخنا الشهيد الثاني في
المسالك بعد نقل ذلك عنه: ويشكل بعدم انضباط مراتب الظن حتى يجعل بعضها
غالبا وبعضها غير ذلك بل الظن كله غالب، وبأن الحكم في النصوص معلق على مطلق
الظن في الحالين.
أقول: والأظهر عندي العمل بالأخبار الدالة على عدم الوجوب وحمل الرواية
الدالة على الوجوب على التقية. فإن القول بالوجوب مذهب الجمهور (1) كما نقله في المنتهى،
ونقل من أخبارهم الدالة عليه ما رواه حنظلة (2) قال: " كنا في شهر رمضان وفي

(1) المغني ج 3 ص 136
(2) سنن البيهقي ج 4 ص 217 وقد رواه عنه بطريقين واللفظ في أحدهما هكذا:
كنا عند عمر فأتى بجفنة في شهر رمضان فقال المؤذن الشمس طالعة فقال أغنى الله عنا شرك
إنا لم نرسلك راعيا للشمس إنما أرسلناك داعيا إلى الصلاة. يا هؤلاء من كان منكم أفطر
فقضاء يوم يسير وإلا فليتم صومه. وفي الآخر قريب من ذلك وفيه قال عمر " من كان
أفطر فليصم يوما مكانه " وليس فيهما أن الظن بغياب الشمس لوجود السحاب. نعم ورد
ذلك في رواية خالد بن أسلم عن عمر وفيها أنه قال " الخطب يسير وقد اجتهدنا " وقد حمله
الشافعي ومالك على إرادة القضاء. وورد أيضا في رواية بشر بن قيس عن عمر وفيها
قال عمر " لا نبالي والله نقضي يوما مكانه " وورد أيضا في رواية زيد بن وهب وفيها قال
عمر " والله لا نقضيه وما تجانفنا لإثم " كل ذلك في سنن البيهقي ج 4 ص 217
104

السماء سحاب فظننا أن الشمس غابت فأفطر بعضنا فأمر عمر من كان أفطر أن
يصوم مكانه ".
وأما ما استدل به في المنتهى على هذا القول حيث اختاره من أنه تناول
ما ينافي الصوم عمدا فهو لا يخلو من المصادرة لأن الخصم ينكر كون ذلك ينافي
الصوم، وهو محل النزاع كما لا يخفى فإن الخصم يدعي أن الشارع كما جوز له الصلاة
بالبناء على ظن دخول الوقت مع تعذر العلم كما مر في كتاب الصلاة كذلك جوز له
الافطار بناء على ذلك، وحينئذ فما تناوله في حالة جوز الشارع الأكل فيها وكونه
بحسب الواقع ليس كذلك لظهور كونه قد تناول نهارا غير ضائر لأن الأحكام الشرعية
إنما تبنى على الظاهر في نظر المكلف لا الواقع، وبالجملة فإنه لما ثبت بالروايات
المذكورة هنا والمتقدمة في كتاب الصلاة أنه يجوز البناء على الظن في صورة عدم
إمكان العلم والمكلف هنا قد بنى على ذلك فلا يتعقبه نقض لأنه لم يخالف أمر
الشارع بوجه.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن جملة من المتأخرين كالمحقق في الشرائع والعلامة في
الإرشاد وغيره من مختصراته وغيرهما في غيرها قد عبروا في هذه المسألة في تعداد
ما يجب به القضاء خاصة دون الكفارة بهذه العبارة، قالوا: والافطار للظلمة الموهمة
دخول الليل فلو غلب على ظنه لم يفطر. وشراح كتبهم قد اضطربوا في تصحيح هذه
العبارة وبيان المعنى المراد من الوهم فيها بما لا مزيد فائدة في التطويل بالبحث عنه هنا
بعد عدم وجود ما يدل عليه في الأخبار، فإن الأخبار الواردة في المسألة هي ما قدمناه
وموردها كلها الظن خاصة وليس في شئ منها ما يدل على حكم الافطار في صورة الوهم أو
الشك ليحتاج إلى التفصي عنه والبحث عن المراد منه. وبذلك صرح شيخنا الشهيد
الثاني (قدس سره) في المسالك أيضا فقال: وأما الافطار مع الشك أو الوهم فليس
فيه نص في ما علمنا ولا ادعاه مدع.
بقي هنا شئ ينبغي التنبيه عليه وهو أن السيد السند (قدس سره) هنا في
105

المدارك بعد أن نقل عبارة المصنف في المسألة وهي ما قدمنا ذكره قال
ما صورته: الكلام في هذه المسألة يتوقف على بيان مقدمة وهي أنه لا خلاف بين
علمائنا ظاهرا في جواز الافطار عند ظن الغروب إذا لم يكن للظان طريق إلى العلم
وإنما اختلفوا في وجوب القضاء وعدمه إذا انكشف فساد الظن. ثم نقل الخلاف
في المسألة وبعض الأخبار المتعلقة بها. والعجب كل العجب منه (قدس سره) في
هذا المكان وإن كان لا عجب فإن المعصوم من عصمه الله تعالى من السهو والنسيان أنه
(قدس سره) في كتاب الصلاة بعد أن ذكر أن من لا طريق له إلى العلم يجوز له
الاجتهاد في الوقت بمعنى التعويل على الأمارات المفيدة للظن ولا يكلف الصبر
حتى يتيقن قال: وهو أحد القولين في المسألة وأشهرهما بل قيل إنه اجماع، وقال
ابن الجنيد: ليس للشاك في يوم الغيم ولا غيره أن يصلي إلا عند يقينه بالوقت، وصلاته
في آخر الوقت مع اليقين خير من صلاته مع الشك. ثم استدل القول المشهور
برواية أبي الصباح الكناني التي ذكرها في هذه المسألة وردها بضعف السند، ونقل
صحيحة زرارة وهي الأولى من صحيحتيه المتقدمتين وطعن في دلالتها بحمل قوله فيها
" ومضى صومك " يعني بالمضي الفساد. ثم قال: وبالجملة فالمسألة محل تردد وقول
ابن الجنيد لا يخلو من قوة.
فانظر أيدك الله إلى هذا السهو الظاهر من مثل هذا الحبر الماهر حيث إنه في
كتاب الصلاة ينقل عن ابن الجنيد عدم جواز البناء على الظن في مقام الاشتباه
ووجوب الأخذ باليقين ويختاره ويطعن في الروايات الدالة على خلافه، وفي هذه
المسألة يدعي الاجماع على عدمه ويختاره.
المسألة الثانية يجب الامساك عن الجماع في القبل اجماعا نصا وفتوى أنزل
أو لم ينزل فإن فعل وجب عليه القضاء والكفارة.
واستدل على ذلك بقوله تعالى: فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم
106

وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم.. الآية (1) والمستفاد منها بناء على كون الغاية غاية
للمجموع تحريم الجماع بعد التبين، ويضم إليه عدم القائل بالفصل حتى يتم الاستدلال
على الافساد المقتضي للقضاء والكفارة. كذا قالوا في تقرير الاستدلال بالآية.
أقول: من ما يدل على كون الغاية في الآية للجميع ما رواه الثقة الجليل على
ابن إبراهيم في التفسير (2) قال: حدثني أبي رفعه قال: قال الصادق عليه السلام كان
النكاح والأكل محرمين في شهر رمضان بالليل بعد النوم بمعنى كل من صلى العشاء
ونام ولم يفطر ثم انتبه حرم عليه الافطار وكان النكاح حراما بالليل والنهار في شهر
رمضان، وكان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله يقال له خوات بن جبير أخو عبد الله
ابن جبير وكان شيخا كبيرا ضعيفا وكان صائما، فأبطأت عليه أهله بالطعام فنام قبل أن
يفطر فلما انتبه قال لأهله قد حرم على الأكل في هذه الليلة، فلما أصبح حضر حفر الخندق
فأغمي عليه فرآه رسول الله صلى الله عليه وآله فرق له، وكان قوم من الشبان ينكحون بالليل
سرا في شهر رمضان، فأنزل الله: أحل لكم ليلة الصيام.. وساق الآية في التفسير
إلى قوله: ثم أتموا الصيام إلى الليل (3) قال فأحل الله تبارك وتعالى النكاح بالليل في شهر
رمضان والأكل بعد النوم إلى طلوع الفجر بقوله تعالى: حتى يتبين لكم الخيط الأبيض
من الخيط الأسود (4).
وروى السيد المرتضى (رضي الله عنه) في رسالة المحكم والمتشابه عن تفسير
النعماني بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام نحوه (5).
أقول: قد دلت الآية بمعونة تفسيرها بالخبرين المذكورين على التحريم.
وأما وجوب القضاء والكفارة فيرجع فيه إلى الأخبار، ويدل عليه من
الأخبار صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج (6) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن

(1) سورة البقرة الآية 184
(2) الوسائل الباب 43 من ما يمسك عنه الصائم
(3) سورة البقرة الآية 184
(4) سورة البقرة الآية 184
(5) الوسائل الباب 43 من ما يمسك عنه الصائم
(6) الوسائل الباب 4 من ما يمسك عنه الصائم
107

الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني؟ قال عليه من الكفارة مثل ما على
الذي يجامع ".
وصحيحة حفص بن سوقة عن من ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " في
الرجل يلاعب أهله أو جاريته وهو في قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل؟ قال
عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع في شهر رمضان ".
وصحيحة عبد الرحمان بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " سألته عن
رجل يعبث بامرأته وهو محرم من غير جماع أو يفعل ذلك في شهر رمضان؟ فقال
عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع ".
وصحيحة محمد بن مسلم (3) قال: " سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لا يضر
الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال: الطعام والشراب والنساء والارتماس في
الماء " ونحوها أخبار تأتي في الأحكام الآتية في توابع هذه المسألة.
وأما الجماع في الدبر فإن كان مع الانزال فظاهرهم الاتفاق على أنه كالأول،
ويدل عليه الأخبار المتقدمة من حيث دلالتها على وجوب الكفارة بالانزال الحاصل
بالملاعبة والعبث بأهله.
وأما مع عدم الانزال فالمعروف من مذهب الأصحاب أنه كذلك أيضا حتى
نقل الشيخ في الخلاف اجماع الفرقة عليه أيضا، وقال في المبسوط بعد أن حكم
بوجوب الكفارة في الجماع مطلقا: وقد روي أن الوطئ في الدبر لا يوجب نقض
الصوم إلا إذا أنزل معه وأن المفعول به لا ينقض صومه بحال (4) والأحوط
الأول. وربما أشعر كلامه هذا بنوع تردد في الحكم.

(1) الوسائل الباب 4 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 4 من ما يمسك عنه الصائم
(3) الوسائل الباب 1 من ما يمسك عنه الصائم. ارجع إلى التعليقة 2 ص 50
(4) راجع الأخبار ص 110
108

احتجوا على الحكم المذكور باطلاق النهي عن المباشرة في الآية الكريمة (1)
وهي لغة عبارة عن الصاق البشرة بالبشرة وهي ظاهر الجلد، خرج منه المباشرة بما
عدا الوطئ في القبل والدبر لعدم الدليل على التحريم فيه بل دلالة الأدلة على الجواز
فيبقى الباقي، ومتى ثبت التحريم كان مفسدا للصوم بالاجماع المركب فيثبت القضاء
والكفارة. ولا يخفى ما في هذا الاستدلال من الوهن والاختلال.
والتحقيق أن يقال: إن المباشرة وإن كانت لغة ما ذكر إلا أن المراد في الآية
إنما هو الجماع والجماع وإن صدق على الوطئ في الدبر إلا أن الفرد المتكرر الذي
ينصرف إليه الاطلاق إنما هو الجماع في القبل وصدقه في المقام على الوطئ في
الدبر محل اشكال. وأشكل من ذلك الاستناد إلى الاجماع المركب في تتمة
الاستدلال بالآية.
وبالجملة فإني لا أعرف لذلك دليلا بالنسبة إلى التحريم وإلى ايجاب القضاء
والكفارة إلا اتفاقهم على الحكم المذكور ولعله كاف مع عدم وجود دليل يناقضه
سيما مع موافقته للاحتياط.
وأيد بعضهم الاستدلال بالآية بالأخبار التي قدمناها (2) من حيث صدق
الجماع فيها على الوطئ في الدبر.
وفيه ما عرفت من أن الفرد الشائع المتكثر المأمور به في الأخبار إنما هو الجماع
في القبل وأما الآخر فهو مع كونه منهيا عنه نادر الوقوع والاطلاق إنما ينصرف
إلى الأفراد الشائعة المتكثرة.
ولعل منشأ تردد الشيخ في المبسوط في هذه المسألة هو عدم الدليل الصريح
على الحكم المذكور مع ما رواه في الصحيح عن أحمد بن محمد عن بعض الكوفيين

(1) وهي قوله تعالى في سورة البقرة الآية 84: " فالآن باشروهن وابتغوا
ما كتب الله لكم واشربوا حتى يتبين لكم.. "
(2) ص 107
109

يرفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام (1) " في الرجل يأتي المرأة في دبرها وهي صائمة؟ قال
لا ينقض صومها وليس عليها غسل ".
وعن علي بن الحكم في الصحيح عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " إذا
أتى الرجل المرأة في دبرها وهي صائمة لم ينقض صومها وليس عليها غسل ".
إلا أنه قال في التهذيب بعد نقل رواية علي بن الحكم: هذا خبر غير معمول
عليه وهو مقطوع الاسناد.
أقول: العجب منه إنه في باب غسل الجنابة في هذه المسألة اختار عدم
وجوب الغسل على الموطوءة في الدبر واستدل بهذه الرواية وكذا التي قبلها وفي
هذه المسألة ردها بأنها غير معمول عليها وأنها مقطوعة الاسناد، ومن الظاهر أن
كلا من الغسل ونقض الصوم تابع لحصول الجنابة بذلك.
وجملة من المتأخرين قد ردوا هاتين الروايتين بضعف الاسناد بناء على هذا
الاصطلاح وأما من لا يرى العمل به فيتحتم عليه القول بمضمونهما لعدم المعارض من
الأخبار لهما سوى اتفاق الأصحاب.
وبالجملة فالمسألة عندي لذلك محل اشكال والاحتياط فيها لازم على كل حال
وهو في جانب العمل بما عليه الأصحاب. والله العالم بحقيقة الحق والصواب.
وأما الوطئ في دبر الغلام والدابة فأما مع الانزال فإنه لا خلاف ولا اشكال
في فساد الصوم ووجوب القضاء والكفارة من حيث الانزال لما تقدم.
وأما مع عدمه فقد اختلف كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك
فقال الشيخ في الخلاف: إذا أدخل ذكره في دبر امرأة أو غلام كان عليه القضاء
والكفارة. وادعى الاجماع عليه. ثم قال: وإذا أتى بهيمة فأمنى كان عليه القضاء
والكفارة، فإن أولج ولم ينزل فليس لأصحابنا فيه نص لكن مقتضى المذهب أن
عليه القضاء لأنه لا خلاف فيه، أما الكفارة فلا تلزمه لأن الأصل براءة الذمة.

(1) الوسائل الباب 12 من الجنابة
(2) الوسائل الباب 12 من الجنابة
110

قال ابن إدريس: لما وقفت على كلامه كثر تعجبي والذي دفع به الكفارة
يدفع القضاء مع قوله " لا نص لأصحابنا فيه " وإذا لم يكن فيه نص مع قولهم (1)
" اسكتوا عن ما سكت الله عنه " فقد كلفه القضاء بغير دليل، وأي مذهب لنا يقتضي
وجوب القضاء؟ بل أصول المذهب تقتضي نفيه وهي براءة الذمة والخبر المجمع
عليه. أقول: ما ذكره ابن إدريس جيد لا غبار عليه.
وقال في المبسوط: يجب القضاء والكفارة بالجماع في الفرج أنزل أو لم ينزل
سواء كان قبلا أو دبرا فرج امرأة أو غلام أو ميتة أو بهيمة وعلى كل حال على
الظاهر من المذهب. وقد روي أن الوطئ في الدبر لا يوجب نقض الصوم..
إلى آخر ما قدمناه من عبارته.
وقد بينا سابقا أن الظاهر من قوله: " وقد روي.. إلى آخره " هو الإشارة
إلى الروايتين المتقدمتين من حيث دلالتهما على عدم نقض الصوم وموردهما كما
عرفت دبر المرأة، فيصير محل التردد في عبارته التي قدمناها مخصوصا بدبر المرأة
من حيث هاتين الروايتين، وحينئذ فيبقى ما عدا دبر المرأة من دبر الغلام والبهيمة
والميتة خاليا من التردد وموجبا عنده للقضاء والكفارة. وبهذا التقريب يكون
فيه منافاة بينه وبين كلامه في المبسوط من أنه مع عدم الانزال فإنما يجب
القضاء خاصة.
وظاهر جملة من المتأخرين: منهم المحقق في المعتبر والشرائع والعلامة
في جملة من كتبه أن افساد الصوم وايجاب القضاء والكفارة تابع لايجاب الغسل.
قال في المختلف: والأقرب أن افساد الصوم وايجاب القضاء والكفارة تابع
لايجاب الغسل وكل موضع قلنا بوجوب الغسل فيه وجبت الأحكام الثلاثة فيه
أيضا وإلا فلا.

(1) الشهاب في الحكم والآداب لمحمد بن سلامة القضاعي حرف الألف عن النبي (ص)
ويستفاد من الأخبار الواردة بهذا المضمون المتقدمة ص 30
111

وهذا الكلام منه (قدس سره) مبني على ما اختاره في باب الغسل من ايجاب
الغسل بذلك.
ثم قال هنا في الاستدلال على هذه المسألة: لنا أن الغسل معلول للجنابة
وهي علة للأحكام المذكورة فإذا حصل المعلول دل على وجود العلة فيلزم وجود
المعلول الآخر.
أقول: فيه أن مرجع هذا الاستدلال إلى ثبوت وجوب الغسل بالجماع في
دبر الغلام والبهيمة، وقد قدمنا في باب غسل الجنابة تحقيق الكلام في المسألة وإنا
لم نقف على دليل سوى ما يدعونه من الاجماع. وفيه ما عرفت في مقدمات
الكتاب ولا سيما في موضع النزاع.
مع أن ما يدعيه هنا أيضا من أن الجنابة علة في فساد الصوم من ما اعترضه
فيه بعض محققي متأخري المتأخرين بأنه ليس في الأخبار ما يدل على ذلك صريحا
لكن يلوح من بعضها ذلك.
أقول: لعله أشار بالأخبار التي يلوح منها ذلك إلى رواية حفص بن سوقة
المتقدمة في باب غسل الجنابة عن من أخبره عن أبي عبد الله عليه السلام (1) حيث سأله
عن الرجل يأتي المرأة من خلفها؟ قال هو أحد المأتيين فيه الغسل. وهو من ما يدل
على وجوب الغسل بالوطئ في دبر المرأة إلا أنه أخص من المدعى.
وبالجملة فذيل الكلام واسع في المقام وليس عندي هنا دليل يعتمد عليه في
أحد الجانبين سوى الاحتياط في البين المأمور بالوقوف عليه في مقام الشك
والارتياب. والله العالم بحقيقة الحق والصواب.
ويجب أن يلحق بالجماع في هذا المقام ما يتفرع على الجنابة من الأحكام
المتعلقة بالصيام، والبحث عن ذلك ينتظم في مطلبين:
المطلب الأول في البقاء على الجنابة عامدا حتى يطلع الفجر، والمشهور بين

(1) الوسائل الباب 12 من الجنابة
112

الأصحاب (رضوان الله عليهم) بطلان الصيام بذلك ووجوب القضاء والكفارة،
ذهب إليه الشيخان وعلي بن بابويه وابن الجنيد والسيد المرتضى وسلار وأبو الصلاح
وابن إدريس وهو قول جمهور المتأخرين. ونقل ابن إدريس اجماع الفرقة على أنه
يفسد الصوم ثم قال ولا يعتد بالشاذ الذي يخالف ذلك ونسبه في المنتهى والتذكرة
إلى علمائنا.
وقد وقع الخلاف هنا في موضعين: أحدهما في بطلان الصيام بذلك
وعدمه، والمشهور هو البطلان كما عرفت.
ونقل عن ابن بابويه القول بصحة الصيام حيث أنه قال في كتاب المقنع (1):
" سأل حماد بن عيسى أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل
وأخر الغسل إلى أن طلع الفجر فقال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يجامع نساءه من أول الليل
ثم يؤخر الغسل حتى يطلع الفجر، لا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب يقضي يوما
مكانه (2) " ومن عادته في الكتاب المذكور الافتاء بمتون الأخبار التي ينقلها فيه.
إلا أن ظاهر كلام المحقق الأردبيلي (قدس سره) في شرح الإرشاد قول
الصدوق بذلك صريحا حيث أسند إليه القول بعدم وجوب شئ وأنه لا يجب
الامساك عنه بل يجوز البقاء على الجنابة عمدا حتى يصبح ثم يغتسل للصلاة فيصح
الصوم والصلاة. إلا أن يكون هذا النقل بناء على فهمه ذلك من افتائه بالرواية
المذكورة وأن اللازم منها ذلك.

(1) الوسائل الباب 13 من ما يمسك عنه الصائم والسائل حماد بن عثمان كما فيه
وفي المقنع ص 16
(2) في بدائع الصنائع ج 2 ص 92 ونيل الأوطار ج 4 ص 225 أن الجمهور
ذهبوا إلى عدم بطلان الصوم بالاصباح جنبا وإنما ذهب إلى وجوب القضاء بعضهم كأبي
هريرة وعروة بن الزبير وطاووس والحسن البصري وسالم بن عبد الله وعطاء والحسن
ابن صالح بن حي كما يحكى.
113

والسيد السند في المدارك قد نسب هذا القول في كتاب الطهارة إلى شيخه
المعاصر، وهو إشارة إلى المحقق المذكور كما وقع منه في غير موضع من هذا الشرح
وقد صرح في بعض المواضع منها في حواشيه على الكتاب بأنه المراد.
إلا أن الذي يظهر من بحث المحقق المشار إليه في هذه المسألة في كتاب شرح
الإرشاد هو الاستشكال في المسألة، فإنه أطال الكلام فيها بنقل الخلاف والأخبار
ومع ذلك يشير إلى الاستشكال وإن كان يظهر من كلامه نوع ترجيح لما نقله
عن الصدوق.
نعم قد وقفت على كلام للمولى المحقق العماد مير محمد باقر الداماد (قدس
سره) في رسالة الرضاع صريح في اختيار هذا القول.
وكيف كان فالواجب التشاغل بذكر أدلة الطرفين وبيان ما هو الراجح
في البين:
فنقول: من ما استدلوا به على القول المشهور صحيحة معاوية بن عمار (1)
قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يجنب من أول الليل ثم ينام حتى يصبح في
شهر رمضان؟ قال ليس عليه شئ. قلت فإنه استيقظ ثم نام حتى أصبح؟ قال فليقض
ذلك اليوم عقوبة " ويستفاد من هذا الخبر تحريم النوم بعد التيقظ.
ومنها صحيحة عبد الله بن أبي يعفور (2) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام
الرجل يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتى يصبح؟ قال يتم صومه ويقضي
يوما آخر، وإن لم يستيقظ حتى يصبح أتم يومه وجاز له ".
ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (3) قال: " سألته
عن الرجل تصيبه الجنابة في شهر رمضان ثم ينام قبل أن يغتسل؟ قال يتم صومه
ويقضي ذلك اليوم إلا أن يستيقظ قبل أن يطلع الفجر فإن انتظر ماء يسخن أو
يستقي فطلع الفجر فلا يقضي يومه ".

(1) الوسائل الباب 15 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 15 من ما يمسك عنه الصائم
(3) الوسائل الباب 15 من ما يمسك عنه الصائم
114

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " أنه قال في رجل احتلم أول
الليل أو أصاب من أهله ثم نام متعمدا في شهر رمضان حتى أصبح؟ قال يتم
صومه ذلك ثم يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان ويستغفر ربه ".
وصحيحة أحمد بن محمد وهو ابن أبي نصر عن أبي الحسن عليه السلام (2) قال
" سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان أو أصابته جنابة ثم ينام حتى
يصبح متعمدا؟ قال يتم ذلك اليوم وعليه قضاؤه ".
وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " سألته عن رجل أجنب في
رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج رمضان؟ قال عليه قضاء الصلاة والصيام ".
ورواية إبراهيم بن ميمون المروية في الفقيه (4) قال: " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان ثم ينسى أن يغتسل حتى يمضي
لذلك جمعة أو يخرج شهر رمضان؟ قال عليه قضاء الصلاة والصوم ".
قال: وروي في خبر آخر (5) أن من جامع في أول شهر رمضان ثم نسي
الغسل حتى خرج شهر رمضان أن عليه أن يغتسل ويقضي صلاته وصومه إلا أن
يكون قد اغتسل للجمعة فإنه يقضي صلاته وصيامه إلى ذلك اليوم ولا يقضي
ما بعد ذلك.
ورواية إبراهيم بن ميمون أيضا (6) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الرجل يجنب في شهر رمضان فينسى ذلك جميعه حتى يخرج شهر رمضان؟ قال
يقضي الصلاة والصوم.

(1) الوسائل الباب 16 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 15 من ما يمسك عنه الصائم.
(3) الوسائل الباب 30 ممن يصح مئة الصوم. راجع التهذيب ج 4 ص 322
(4) الوسائل الباب 17 من ما يمسك عنه الصائم و 30 ممن يصح منه الصوم
(5) الوسائل الباب 30 ممن يصح مئة الصوم. راجع التهذيب ج 4 ص 322
(6) التهذيب ج 4 ص 332 الطبع الحديث، وفي الوسائل الباب 17 من ما يمسك
عنه الصائم والباب 30 ممن يصح منه الصوم
115

وموثقة سماعة (1) قال: " سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في
رمضان فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتى يدركه الفجر؟ فقال عليه أن يتم صومه
ويقضي يوما آخر. فقلت إذا كان ذلك من الرجل وهو يقضي رمضان؟ قال فليأكل
يومه ذلك وليقض فإنه لا يشبه رمضان شئ من الشهور ".
أقول: وهذا الأخبار ما بين مطلق في وجوب القضاء وما بين مقيد بالتعمد
فيجب حمل مطلقها على مقيدها جمعا وبذلك يتم الاستدلال بها كملا على المدعى.
وأما أخبار النسيان فإنها مطلقة في ما إذا كان النسيان بعد النوم متعمدا أو غير
متعمد أو قبل ذلك وحينئذ فتقبل التقييد بما ذكرناه. وأما صدر صحيحة معاوية بن
عمار وعجز صحيحة عبد الله بن أبي يعفور فسيأتي الكلام عليهما إن شاء الله تعالى.
والظاهر أن المراد من آخر موثقة سماعة أن شهر رمضان وإن فسد صوم
بعض أيامه ووجب قضاؤه إلا أنه لا يجوز افطاره، وأما غيره من قضائه ونحوه
فإنه يجوز افطاره ولا يجب عليه الامساك كما في أيام الشهر.
وأما ما ذكره بعضهم من أن معناه أن قضاء شهر رمضان ملحق بأدائه في
هذا الحكم وذلك لحرمة هذا الشهر بمعنى أن الابطال بذلك مختص بشهر رمضان
وقضائه ففرع عليه حينئذ أن له صوم النافلة وإن أصبح جنبا بل النذر المعين أيضا
من غير احتياج إلى القضاء فالظاهر أنه بعيد.
ومنها موثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (2) " في رجل أجنب في شهر
رمضان بالليل ثم ترك الغسل متعمدا حتى أصبح؟ قال يعتق رقبة أو يصوم شهرين
متتابعين أو يطعم ستين مسكينا. قال وقال إنه خليق أن لا أراه يدركه أبدا " قال
المحقق في المعتبر بعد نقل هذه الرواية: وبهذا أخذ علماؤنا إلا شاذا.
ورواية سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه عليه السلام (3) قال: " إذا أجنب

(1) الوسائل الباب 19 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 16 من ما يمسك عنه الصائم
(3) الوسائل الباب 16 من ما يمسك عنه الصائم
116

الرجل في شهر رمضان بليل ولا يغتسل حتى يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين
مع صوم ذلك اليوم ولا يدرك فضل يومه ".
ورواية إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض مواليه (1) قال: " سألته عن احتلام
الصائم قال فقال إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فليس له أن ينام حتى يغتسل، ومن
أجنب ليلا في شهر رمضان فلا ينام إلى ساعة حتى يغتسل، فمن أجنب في شهر رمضان
فنام حتى يصبح فعليه عتق رقبة أو اطعام ستين مسكينا وقضاء ذلك اليوم، ويتم
صيامه، ولن يدركه أبدا " وربما أشعر هذا الخبر أيضا بتحريم النومة الثانية.
وأما ما استدلوا به على القول الآخر فقوله تعالى: أحل لكم ليلة الصيام
الرفث إلى نسائكم (2) وقوله تعالى: فالآن باشروهن.. إلى قوله: حتى يتبين لكم
الخيط.. الآية (3).
والتقريب في الأولى أنها تقتضي جواز الرفث في كل جزء من أجزاء الليل
وإن كان الجزء الأخير منه. وفي الثانية أنها تقتضي جواز المباشرة في الجزء الأخير
من الليل وهو يقتضي عدم تحريم البقاء على الجنابة إلى الصبح، وبعبارة أخرى
وجوب تقديم الغسل على طلوع الفجر يقتضي تحريم الرفث والمباشرة في الجزء
الأخير من الليل وهو خلاف ما دل عليه اطلاق الآية.
وما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص بن القاسم (4) قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان في أول الليل فأخر الغسل حتى
طلع الفجر؟ قال يتم صومه ولا قضاء عليه ".
وما رواه الصدوق في الصحيح عنه (5) " أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
ينام في شهر رمضان فيحتلم ثم يستيقظ ثم ينام قبل أن يغتسل؟ قال لا بأس ".

(1) الوسائل الباب 16 من ما يمسك عنه الصائم. راجع التهذيب ج 4 ص 212
و 321 من الطبع الحديث
(2) سورة البقرة الآية 84.
(3) سورة البقرة الآية 84.
(4) الوسائل الباب 13 من ما يمسك عنه الصائم
(5) الوسائل الباب 13 من ما يمسك عنه الصائم
117

وما رواه الشيخ عن حبيب الخثعمي في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام (1)
قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي صلاة الليل في شهر رمضان ثم يجنب ثم يؤخر
الغسل متعمدا حتى يطلع الفجر ".
ورواية سليمان بن أبي زينبة (2) قال: " كتبت إلى أبي الحسن موسى بن
جعفر عليه السلام أسأله عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل فأخر الغسل حتى
طلع الفجر؟ فكتب إلى بخطة عليه السلام أعرفه مع مصادف: يغتسل من جنابته
ويتم صومه ولا شئ عليه ".
ورواية إسماعيل بن عيسى (3) قال: " سألت الرضا عليه السلام عن رجل أصابته
جنابة في شهر رمضان فنام حتى يصبح أي شئ عليه؟ قال لا يضره هذا ولا يفطر
فإن أبي عليه السلام قال قالت عائشة إن رسول الله صلى الله عليه وآله أصبح جنبا من جماع غير
احتلام (4) قال لا يفطر ولا يبالي. ورجل أصابته جنابة فبقي نائما حتى يصبح
أي شئ يجب عليه؟ قال لا شئ عليه يغتسل. ورجل أصابته جنابة في آخر الليل
فقال ليغتسل ولم يصب ماء فذهب يطلبه أو بعث من يأتيه بالماء فعسر عليه حتى أصبح
كيف يصنع؟ قال يغتسل إذا جاءه ثم يصلي ".
ورواية سعد بن إسماعيل بن عيسى عن أبيه (5) قال: " سألت الرضا عليه السلام
عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام عمدا حتى أصبح أي شئ عليه؟ قال
لا يضره هذا ولا يفطر ولا يبالي فإن أبي عليه السلام قال قالت عائشة إن رسول الله
صلى الله عليه وآله أصبح جنبا من جماع غير احتلام " (6).

(1) الوسائل الباب 16 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 13 من ما يمسك عنه الصائم
(3) التهذيب ج 4 ص 210 والاستبصار ج 2 ص 85 الطبع الحديث وفي الوسائل
الباب 13 و 14 من ما يمسك عنه الصائم
(4) سنن البيهقي ج 4 ص 213 و 214
(5) التهذيب ج 4 ص 23 والاستبصار ج 2 ص 88 وفي الوافي باب (الصائم
يصبح جنبا أو يحتلم نهارا)
(6) سنن البيهقي ج 4 ص 213 و 214
118

وصحيحة أبي سعيد القماط (1) وهو خالد بن سعيد ثقة وفي الذخيرة أنه غير
موثق في كتب الرجال ولا ممدوح وهو سهو منه (قدس سره) " أنه سئل أبو عبد الله
عليه السلام عن من أجنب في أول الليل في شهر رمضان فنام حتى أصبح؟ قال لا شئ عليه
وذلك أن جنابته كانت في وقت حلال ".
ومنها رواية حماد بن عيسى المتقدمة نقلا عن المقنع في أول البحث (2).
وأجيب عن هذه الأدلة: أما عن الآية فبأن اطلاقها مخصص
بالروايات المتقدمة.
وأما عن صحيحة العيص فبالحمل على أن التأخير لم يكن عن عمد أو بالحمل على التقية
لموافقتها لمذهب جمهور العامة (3). وأما عن صحيحته الثانية فبعدم دلالتها على جواز
التأخير إلى الفجر بل مقتضاها جواز النومة الأولى ونحن لا ننكر ذلك لكن
نقيده بما إذا كانت مع نية الغسل.
وأما عن صحيحة الخثعمي فبالحمل على التقية (4) لأن في ظاهرها اشعارا بمداومة
النبي صلى الله عليه وآله على هذا الفعل واكثاره منه ومداومته على الفعل المكروه بعيد.
وأما عن رواية سليمان بن حفص فيما تقدم عن صحيحة العيص الأولى. وأما
عن روايتي إسماعيل بن عيسى فبالحمل على التقية (5) وشاهده موجود في الخبرين. وأما
عن صحيحة أبي سعيد فبالحمل على النوم مع نية الغسل أو الحمل على التقية (6).
وأما عن رواية حماد بن عيسى فبالحمل على التقية (7) ونسبة القول بالقضاء
الذي استفاضت به الأخبار المتقدمة إلى الأقشاب لمزيد التأكيد في التقية.
أقول: ومن ما يوضح ذلك بأوضح بيان أن الرواية دلت على أنه صلى الله عليه وآله

(1) الفقيه ج 2 ص 74 الطبع الحديث، وفي الوسائل الباب 13 من ما يمسك
عنه الصائم (2) ص 113
(3) بدائع الصنائع ج 2 ص 92 والمغني ج 3 ص 109 ونيل الأوطار ج 4 ص 225
(4) بدائع الصنائع ج 2 ص 92 والمغني ج 3 ص 109 ونيل الأوطار ج 4 ص 225
(5) بدائع الصنائع ج 2 ص 92 والمغني ج 3 ص 109 ونيل الأوطار ج 4 ص 225
(6) بدائع الصنائع ج 2 ص 92 والمغني ج 3 ص 109 ونيل الأوطار ج 4 ص 225
(7) بدائع الصنائع ج 2 ص 92 والمغني ج 3 ص 109 ونيل الأوطار ج 4 ص 225
119

يجنب من أول الليل ويؤخر الغسل حتى يطلع الفجر مع وجوب صلاة الليل
عليه اتفاقا نصا وفتوى.
وبالجملة فإن ما كان من هذه الروايات صريحا في تعمد التأخير لا وجه له إلا
الحمل على التقية التي هي في الاختلاف في جملة الأحكام أصل كل بلية.
وثانيهما في أن الواجب على تقدير فساد الصوم هل هو القضاء والكفارة
أو القضاء خاصة؟ قولان المشهور الأول استنادا في القضاء إلى الروايات المتقدمة
في أدلة القول المشهور في المسألة المتقدمة (1) وفي الكفارة إلى الروايات الثلاث
الأخيرة منها.
ونقل في المختلف عن ابن أبي عقيل القول بوجوب القضاء خاصة، ونقله في
المدارك عن المرتضى أيضا، والظاهر أنه غفلة فإن المنقول عنه كما في المختلف وغيره
إنما هو القول المشهور حتى أنه نقل عنه في المختلف أنه قال في الإنتصار: من ما
انفردت به الإمامية ايجابهم على من أجنب في ليالي شهر رمضان وتعمد البقاء
إلى الصباح من غير اغتسال القضاء والكفارة، ومنهم من أوجب القضاء دون
الكفارة. ومراده أن الإمامية انفردت بايجاب الأمرين أو أحدهما، وهو إشارة
إلى مذهب العامة من عدم ايجاب شئ بالكلية كما تقدم ذكره (2) فلا يتوهم التناقض
في عبارته.
ويدل على القول المذكور الأخبار المتقدمة (3) ولصحة الأخبار المذكورة
وضعف الأخبار الدالة على الكفارة مال في المدارك إلى القول المذكور حيث قال بعد
نقل روايات الكفارة: وهذه الروايات كلها ضعيفة السند فيشكل التعويل عليها في
اثبات حكم مخالف للأصل ومن هنا يظهر رجحان ما ذهب إليه ابن أبي عقيل والمرتضى
(رضي الله عنهما) من أن الواجب بذلك القضاء دون الكفارة. انتهى.
وأصحاب هذا الاصطلاح من المتأخرين قد تلقوا هذه الأخبار بالقبول وإن

(1) ص 114
(2) ص 119
(3) ص 114
120

كانت ضعيفة لاعتضادها بعمل الطائفة قديما وحديثا كما هو أحد المرجحات عندهم
وشذوذ مذهب ابن أبي عقيل عندهم كما تقدم في عبارة المعتبر وبذلك يظهر ضعف
ما اختاره. وروايات وجوب القضاء لا دلالة فيها على عدم وجوب الكفارة حتى
تكون صحتها موجبا لطرح أخبار الكفارة وإنما غايتها أن تكون مطلقة في
الوجوب وعدمه. وبالجملة فالعمل على القول المشهور. والله العالم.
بقي في المقام أبحاث
الأول ظاهر المشهور من كلام الأصحاب هو عموم هذا الحكم لشهر رمضان
وغيره من الصوم الواجب والمستحب، حيث إنهم عدوا من جملة المفطرات تعمد
البقاء على الجنابة، وظاهر المحقق في المعتبر تخصيصه بشهر رمضان حيث قال:
ولقائل أن يخص هذا الحكم برمضان دون غيره من الصيام. وظاهر المنتهى التردد
في ذلك حيث قال: وهل يختص هذا الحكم برمضان؟ فيه تردد ينشأ من تنصيص
الأحاديث على رمضان من غير تعميم ولا قياس يدل عليه، ومن تعميم الأصحاب
وادراجه في المفطرات مطلقا.
أقول: والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذا الحكم إنما ورد في شهر
رمضان كما عرفت من الأخبار التي تقدمت أو قضائه كما تقدم في موثقة سماعة (1).
ومثلها في ذلك ما رواه الكليني في الصحيح عن ابن سنان وهو عبد الله (2)
قال: " كتب أبي إلى أبي عبد الله عليه السلام وكان يقضي شهر رمضان وقال إني أصبحت
بالغسل وأصابتني جنابة فلم أغتسل حتى طلع الفجر؟ فأجابه (عليه السلام): لا تصم
هذا اليوم وصم غدا ".
وما رواه الصدوق والشيخ عن عبد الله بن سنان في الصحيح (3) " أنه سأل
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقضي شهر رمضان فيجنب من أول الليل ولا يغتسل

(1) ص 114 إلى 117
(2) الوسائل الباب 19 من ما يمسك عنه الصائم.
(3) الوسائل الباب 19 من ما يمسك عنه الصائم.
121

حتى يجئ أخر الليل وهو يرى أن الفجر قد طلع؟ قال لا يصوم ذلك اليوم
ويصوم غيره ".
وما ذكره في الذخيرة من أن دلالة هذه الأخبار على البطلان وعدم
الانعقاد غير واضح - فهو من جملة تشكيكاته الركيكة.
وأما بالنسبة إلى الصوم المستحب فالذي ورد فيه يدل على عدم الابطال
بذلك كما رواه الصدوق في الصحيح عن حبيب الخثعمي (1) قال: " قلت لأبي عبد الله
عليه السلام أخبرني عن التطوع وعن هذه الثلاثة الأيام إذا أجنبت من أول الليل فاعلم
أني قد أجنبت فأنام متعمدا حتى ينفجر الفجر أصوم أو لا أصوم؟ قال صم ".
وما رواه ثقة الاسلام في الكافي في الموثق عن ابن بكير (2) قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يجنب ثم ينام حتى يصبح أيصوم ذلك اليوم تطوعا؟
فقال أليس هو بالخيار بينه وبين نصف النهار.. الحديث ".
وأما ما رواه الشيخ عن ابن بكير أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " سئل
عن رجل طلعت عليه الشمس وهو جنب ثم أراد الصيام بعد ما اغتسل ومضى
ما مضى من النهار؟ قال يصوم إن شاء وهو بالخيار إلى نصف النهار " فظاهر اطلاقه
هو جواز الصوم مطلقا كذلك لما عرفت سابقا من أن ما عدا الواجب المعين
كالواجب المطلق وقضاء شهر رمضان فإن النية فيه إلى الزوال. نعم خرج منه قضاء
شهر رمضان بما تقدم من الأخبار فبقي ما عداه.
وقال الشهيد في الدروس: وإن كان نفلا ففي رواية ابن بكير (4) صحته ولو
علم بالجنابة ليلا، وفي رواية كليب اطلاق الصحة إذا اغتسل. ويحمل على المعين أو
الندب للنهي عن قضاء الجنب في رواية عبد الله بن سنان. انتهى.
وما أسنده إلى رواية كليب هو مضمون رواية ابن بكير الثانية، والرواية التي

(1) الوسائل الباب 20 من ما يمسك عنه الصائم.
(2) الوسائل الباب 20 من ما يمسك عنه الصائم.
(3) الوسائل الباب 20 من ما يمسك عنه الصائم.
(4) الوسائل الباب 20 من ما يمسك عنه الصائم.
122

ذكرها لم أقف عليها في كتب الأخبار بعد الفحص والتتبع (1) وحمله الرواية على
ما ذكره يشعر بتجويز ذلك عنده.
وبالجملة فالمسألة في ما عدا ما ذكرناه من صوم شهر رمضان وقضائه وصوم
الندب محل اشكال، لعدم الدليل الواضح على ما ادعاه الأصحاب (رضوان الله
عليهم) من العموم وعدم دليل صريح يدل على الحكم فيه سوى ما ذكرنا من اطلاق
الخبر المذكور: وما ذكره في المدارك من أن المطابق لمقتضى الأصل عدم اعتبار
هذا الشرط والواجب المصير إليه إلى أن يثبت المخرج عنه لا يخلو من مجازفة فإنه لم
يقم لنا دليل على اعتبار هذا الأصل الذي يكرر التمسك به في الأحكام في غير مقام
بل قد تقدم في مقدمات الكتاب ما هو ظاهر في هدم بنيانه وتزعزع أركانه.
الثاني قال العلامة في المنتهى: لم أجد لأصحابنا نصا صريحا في حكم الحيض
في ذلك يعني أنها إذا انقطع دمها قبل الفجر هل يجب عليها الاغتسال ويبطل الصوم
لو أخلت به حتى يطلع الفجر؟ الأقرب ذلك لأن حدث الحيض يمنع الصوم
فكان أقوى من الجنابة. وتردد في ذلك المحقق في المعتبر وحكم العلامة في النهاية
بعدم الوجوب.
أقول: والأقرب هو ما ذكره في المنتهى وهو المشهور بين الأصحاب،
لكن لا لما ذكره من التعليل فإنه ضعيف بل لما رواه الشيخ في الموثق عن أبي بصير
عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " إن طهرت بليل من حيضتها ثم توانت أن تغتسل
في رمضان حتى أصبحت عليها قضاء ذلك اليوم ".
نعم يبقى الكلام في أنه على تقدير فساد الصوم بذلك هل الواجب القضاء
خاصة أو القضاء والكفارة؟ ظاهر الخبر المذكور وجوب القضاء خاصة وليس

(1) يمكن أن يكون ذلك تصحيفا من قلم النساخ وأن مراده رواية ابن بكير
الأخرى بقرينة اتحاد المضمون وعدم العثور على رواية أخرى في الباب.
(2) الوسائل الباب 21 من ما يسمك عنه الصائم
123

غيره في المسألة، وهو الذي نص عليه ابن أبي عقيل على ما نقله عنه في المختلف.
ثم استقرب في المختلف أن الحائض كالجنب إذا أخل بالغسل فإن أوجبنا
القضاء والكفارة عليه أوجبناهما عليها وإلا فالقضاء.
ثم استدل على ذلك باشتراك الجميع في كونه مفطرا للصوم لأن كل واحد منهما
حدث يرتفع بالغسل فيشترك في الأحكام.
وأنت خبير بما فيه وأنه من ما لا يحتاج إلى تنبيه، والقول بالكفارة في
الجنابة لوجود النصوص على ذلك كما تقدم وأما هنا فالذي دل عليه النص إنما هو
القضاء خاصة والقول بالكفارة يتوقف على النص. وما أبعد ما بين القول بوجوب
القضاء والكفارة كما يومئ إليه كلامه هنا وبين القول بصحة الصوم ولا شئ عليه
كما اختاره في النهاية، ولا ريب أن الاعتدال في الوقوف على الوسط.
الثالث أنه هل يجب التيمم للصوم على الجنب وذات الدم عند تعذر الماء؟
قولان: أحدهما العدم لاختصاص الأمر بالغسل فيسقط عند تعذره وينتفى التيمم
بالأصل. وثانيهما الوجوب والظاهر أنه المشهور لعموم " فلم تجدوا ماء
فتيمموا " (1) ولأن حدث الجنابة والحيض مانع فيستصحب إلى أن يثبت المزيل
وهو الغسل أو ما يقوم مقامه في الإباحة.
وفي التعليلات من الطرفين تأمل. نعم يمكن الاستدلال على وجوب التيمم
بالأخبار المتقدمة في باب التيمم وقولهم (عليهم السلام) في بعضها (2) " أن الله
جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا " وفي آخر (3) " هو بمنزلة الماء " وفي
ثالث (4) " يجزئك عشر سنين " ونحو ذلك من ما يقتضي وجوب التيمم مع فقد
الماء ونيابته عنه عند وجود ما لا يستباح إلا به.
إلا أن ظاهر صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة ورواية إسماعيل بن عيسى السابقة

(1) سورة النساء الآية 47 والمائدة الآية 10
(2) الوسائل الباب 23 من التيمم. واللفظ في الرقم (4) " يكفيك "
(3) الوسائل الباب 23 من التيمم. واللفظ في الرقم (4) " يكفيك "
(4) الوسائل الباب 23 من التيمم. واللفظ في الرقم (4) " يكفيك "
124

أيضا (1) ربما أشعر بخلاف ذلك حيث قال في الأولى: " فإن انتظر ماء يسخن أو
يستقي فطلع الفجر فلا يقضي يومه " وفي الثانية " رجل أصابته جنابة في آخر الليل
فقام ليغتسل فلم يصب ماء فذهب يطلبه أو بعث من يأتيه بالماء فعسر عليه حتى أصبح
كيف يصنع؟ قال يغتسل إذا جاءه ثم يصلي " فإنه لو كان التيمم هنا واجبا لأمره
بالتيمم قبل الفجر ولم يجوز له البقاء على جنابته لانتظار حصول الماء إلى
بعد الصبح.
وكيف كان فالمسألة عندي غير خالية من الاشكال والاحتياط فيها مطلوب
على كل حال.
الرابع المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) توقف صوم
المستحاضة على الأغسال كتوقف الصلاة عليها فلو أخلت بها وجب قضاء الصوم
بل الظاهر أنه لا خلاف فيه:
لما رواه الصدوق والكليني والشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار (2) قال:
" كتبت إليه امرأة طهرت من حيضها أو من دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان ثم
استحاضت فصلت وصامت من غير أن تعمل ما تعمل المستحاضة من الغسل لكل
صلاتين هل يجوز صومها وصلاتها أم لا؟ فكتب عليه السلام تقضي صومها ولا تقضي
صلاتها لأن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر فاطمة (عليها السلام) والمؤمنات من نسائه بذلك ".
وفي هذا الخبر إشكال من حيث تضمن ظاهره الأمر بقضاء الصوم دون
الصلاة مع استفاضة الأخبار والاتفاق على قضاء الصلاة في الصورة المذكورة
والعكس كان أولى.
وأجيب عن ذلك بأجوبة بعيدة الانطباق على السياق ولعله لذلك نسب
وجوب قضاء الصوم في المعتبر إلى الرواية ايذانا بنوع توقف في الحكم المذكور،
ونحوه نقل عن الشيخ في المبسوط أيضا.

(1) ص 114 و 118
(2) الوسائل الباب 18 من ما يمسك عنه الصائم
125

وبالجملة فحيث كان الحكم متفقا عليه بين الأصحاب وهو الأوفق بالاحتياط فلا
بأس بالمصير إليه.
الخامس المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن من أجنب ونام
ناويا للغسل حتى أصبح فلا قضاء عليه، ولو أنتبه ثم نام ثانيا ناويا أيضا حتى أصبح
فعليه القضاء خاصة، ولو أنتبه ثم نام كذلك حتى أصبح فعليه مع القضاء الكفارة.
أقول: أما الحكم الأول والثاني فيدل عليهما ما تقدم من صحيحتي معاوية بن
عمار وعبد الله بن أبي يعفور المتقدمتين (1) بحمل اطلاقهما على ذلك.
وأما ما دل عليه اطلاق بعض الأخبار المتقدمة ثمة من وجوب القضاء بأول
نومة فقد عرفت أنه محمول على تعمد البقاء على الجنابة كما صرح به في بعضها وقد
أشرنا إلى ذلك ثمة.
ثم إن ظاهر بعض الأصحاب تقييد النوم زيادة على نية الغسل بامكان الانتباه
واعتياده، وبعض الأصحاب صرح بتحريم النومة الثانية وإن عزم على الغسل
واعتاد الانتباه وإن لم يجب عليه مع المخالفة إلا القضاء خاصة، وفي بعض الأخبار
ما يشير إلى التحريم كما قدمنا الإشارة إليه.
وظاهر المعتبر والمنتهى انسحاب التحريم أيضا إلى النومة الأولى ولو مع
نية الغسل، حيث قال في المعتبر: ولو أجنب فنام ناويا للغسل حتى أصبح فسد صوم
ذلك اليوم وعليه قضاؤه وعليه أكثر علمائنا. مع أنه قال في موضع آخر من
الكتاب المذكور: من أجنب ونام ناويا للغسل حتى طلع الفجر فلا شئ عليه لأن
نومه سائغ ولا قصد له في بقائه والكفارة مرتبة على التفريط أو الإثم وليس
أحدهما مفروضا، أما لو أنتبه ثم نام ثانيا ناويا للغسل فطلع الفجر فعليه القضاء
لأنه فرط في الاغتسال مع القدرة ولا كذا المرة الأولى لأن في المنع منها تضييقا
على المكلف. انتهى.

(1) ص 114
126

وقال في المنتهى: لو أجنب ثم ناويا للغسل حتى يطلع الفجر ولم يستيقظ
فمفهوم ما تقدم من الأحاديث يدل على الافساد ووجوب القضاء لكن قد روى الشيخ
في الصحيح عن معاوية بن عمار.. ثم نقل الرواية التي أشرنا إليها ثم قال: وهو
الصحيح عندي وعمل الأصحاب عليه.
وما ذكره في المنتهى من دلالة مفهوم الأخبار التي أشار إليها على الافساد
قد عرفت أنها يجب تقييدها بما في صريح بعضها من تعمد البقاء على الجنابة إلى أن
يصبح فلا إشكال فيها.
وأما الحكم الثالث فاستدل عليه الشيخ في التهذيب بالروايات الثلاث التي في
آخر روايات القول المشهور المشار إليه آنفا (1).
وأنت خبير بأنه ليس في شئ من هذه الروايات الثلاث ما يدل على التفصيل
أو يشير إليه بالكلية وإنما هي ظاهرة في ترتب ذلك على أول نومة إلا أنه يجب
حملها على من نام متعمدا البقاء على الجنابة كما هو صريح بعضها.
والأصح ما اختاره المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى من سقوط الكفارة
مع تكرر النوم ناويا للغسل وإنما يجب القضاء خاصة.
وفي كتاب الفقه الرضوي (2) قال عليه السلام: وإن أصابتك جنابة في أول الليل
فلا بأس أن تنام متعمدا وفي نيتك أن تقوم وتغتسل قبل الفجر، فإن غلبك النوم
حتى تصبح فليس عليك شئ إلا أن تكون انتبهت في بعض الليل ثم نمت وتوانيت
ولم تغتسل وكسلت فعليك صوم ذلك اليوم وإعادة يوم آخر مكانه، وإن تعمدت
النوم إلى أن تصبح فعليك قضاء ذلك اليوم والكفارة وهو صوم شهرين متتابعين
أو عتق رقبة أو اطعام ستين مسكينا. انتهى. وقد كشف عليه السلام بهذا الكلام الاجمال
الذي في الروايات المتقدمة وأوضحه بأوضح بيان.
السادس لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما أعلم في أنه

(1) ص 116 و 117
(2) ص 24
127

لا يبطل الصيام بالاحتلام نهارا في شهر رمضان وغيره، وقال العلامة في المنتهى:
لو احتلم نهارا في رمضان نائما أو من غير قصد لم يفسد صومه ويجوز له تأخير الغسل
ولا نعلم فيه خلافا. انتهى.
أقول: ويدل على ذلك من الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح إلى عبد الله
ابن ميمون عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " ثلاثة لا يفطرن الصائم: القئ
والاحتلام والحجامة ".
وما رواه الكليني في الموثق عن ابن بكير في حديث (2) قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يحتلم بالنهار في شهر رمضان أيتم صومه كما هو؟ قال
لا بأس ".
وما رواه الصدوق في الصحيح عن العيص بن القاسم (3) " أنه سأل أبا عبد الله
عليه السلام عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثم يستيقظ ثم ينام قبل أن يغتسل؟ قال
لا بأس " ودلالة هذا الخبر من حيث الاطلاق إذ لا تصريح فيه بالنوم نهارا.
وما رواه الصدوق في كتاب العلل عن عمر بن يزيد (4) قال: " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام لأي علة لا يفطر الاحتلام الصائم والنكاح يفطر الصائم؟ قال
لأن النكاح فعله والاحتلام مفعول به ".
ورواية إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض مواليه المتقدمة (5) قال: " سألته عن
احتلام الصائم قال فقال: إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فليس له أن ينام حتى يغتسل ".
وحمل الأصحاب النهي عن النوم في هذا الخبر على الكراهة، ويؤيده
صحيحة العيص المذكورة بالنظر إلى دلالتها باطلاقها على الاحتلام في نهار
شهر رمضان.
السابع قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه يجوز الجماع في شهر

(1) الوسائل الباب 35 من ما يسمك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 35 من ما يسمك عنه الصائم
(3) الوسائل الباب 35 من ما يسمك عنه الصائم
(4) الوسائل الباب 35 من ما يسمك عنه الصائم
(5) ص 117
128

رمضان حتى يبقى لطلوع الفجر مقدار إيقاعه والغسل، فلو تيقن ضيق الوقت عن
ذلك وجامع فسد صومه ووجبت عليه الكفارة بناء على ما هو المشهور المنصور
كما تقدم تحقيقه من تحريم تعمد البقاء على الجنابة إلى أن يصبح، قالوا: ولو فعل ذلك
ظانا سعة الوقت فإن كان مع المراعاة لم يكن عليه شئ وإن كان لا معها فعليه القضاء
وهو ظاهر من ما قدمناه من الأخبار المتقدمة في الافطار مع المراعاة وعدمها.
المطلب الثاني في الانزال بالاستمناء ولمس المرأة، لا ريب أن الاستمناء في
حد ذاته وإن كان محرما إلا أنه لا يجب به شئ، ولمس المرأة أجنبية كانت أو محرما
لا يجب به شئ، وإنما يبطل الصوم بالانزال بذلك إما بطلبه كما في الاستمناء وهو
طلب الامناء بفعل غير الجماع أو بالمس والقبلة والملاعبة مع عدم وثوقه من نفسه
بعدم سبق الماء وهو ما لا خلاف فيه، وكذا لا خلاف في أنه يجب به القضاء
والكفارة، قال المحقق في المعتبر: ويفطر بإنزال الماء بالاستمناء والملامسة والقبلة
اتفاقا. ونحوه في المنتهى والتذكرة.
والذي يدل على ما ذكرنا من الأخبار ما رواه الشيخ والكليني في الصحيح
عن عبد الرحمان بن الحجاج (1) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يعبث
بأهله في شهر رمضان حتى يمني؟ قال: عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع "
وما رواه الشيخان المذكوران في الصحيح عن حفص بن سوقة عن من ذكره
عن أبي عبد الله عليه السلام (2) " في الرجل يلاعب أهله أو جاريته وهو في قضاء شهر
رمضان فيسبقه الماء فينزل؟ قال: عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع في
شهر رمضان ".
وما رواه الشيخ عن سماعة في الموثق (3) قال: " سألته عن رجل لزق بأهله
فأنزل؟ قال: عليه اطعام ستين مسكينا مد لكل مسكين ".
وما رواه عن أبي بصير (4) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل وضع

(1) الوسائل الباب 4 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 4 من ما يمسك عنه الصائم
(3) الوسائل الباب 4 من ما يمسك عنه الصائم
(4) الوسائل الباب 4 من ما يمسك عنه الصائم
129

يده على شئ من جسد امرأته فأدفق؟ فقال: كفارته أن يصوم شهرين متتابعين
أو يطعم ستين مسكينا أو يعتق رقبه ".
قال في كتاب الفقه الرضوي (1): " قال أمير المؤمنين عليه السلام: أما يستحي أحدكم
أن لا يصبر يوما إلى الليل، أنه كان يقال بدو القتال اللطام، ولو أن رجلا لصق
بأهله في شهر رمضان فأدفق كان عليه عتق رقبة ".
وهذه الرواية أوردها الصدوق في الفقيه (2) بصورتها المذكورة ومن الظاهر أنه أخذها عن الكتاب المذكور.
ويؤيد ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر
عليه السلام (3) " أنه سئل هل يباشر الصائم أو يقبل في شهر رمضان؟ فقال: إني أخاف
عليه فليتنزه عن ذلك إلا أن يثق أن لا يسبقه منيه ".
ويستفاد من مجموع هذه الأخبار أن كل شئ يفعله المكلف من ما يكون سببا
في خروج المني متعمدا بذلك اخراجه أم لا مع حصوله به عادة فإنه يكون موجبا
لفساد الصوم وايجاب القضاء والكفارة، وبذلك يجمع بين هذه الأخبار وبين ما
رواه في المقنع مرسلا عن علي عليه السلام (4) قال: " لو أن رجلا لصق بأهله في شهر
رمضان فأمنى لم يكن عليه شئ " بحمل هذا الخبر على من لم يكن قاصدا ولا معتادا
لذلك، ولولا هذا الخبر لأمكن القول باطلاق تلك الأخبار وهو أنه متى فعل شيئا
من تلك الأشياء وأمنى فسد صومه ووجب عليه القضاء والكفارة متعمدا لذلك
أم لا معتادا أم لا؟
إذا عرفت ذلك فاعلم أن السيد السند في المدارك استدل على فساد الصوم
بالاستمناء بصحيحة عبد الرحمان بن الحجاج المذكورة، ثم إنه استدل على فساده

(1) ص 26
(2) ج 2 ص 70 وفي الوسائل الباب 33 من ما يمسك عنه الصائم
(3) الوسائل الباب 33 من ما يمسك عنه الصائم
(4) الوسائل الباب 33 من ما يمسك عنه الصائم
130

بالامناء عقيب الملامسة بروايتي أبي بصير وحفص بن سوقة المذكورتين (1) وردهما
بضعف السند ثم قال: والأصح أن ذلك يفسد الصوم إذا تعمد الانزال بذلك. انتهى
أقول: فيه أولا إن الاستدلال بالصحيحة المذكورة على خصوص الاستمناء
مبني على كون " حتى " في الخبر تعليلية، وهو غير متعين وذلك فإن أهل العربية قد
صرحوا بأن ل‍ " حتى " الداخلة على المضارع المنصوب ثلاثة معان: أحدها أن تكون
بمعنى " إلى " فتكون لانتهاء الغاية نحو قوله عز وجل: لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع
إلينا موسى (2) وثانيها بمعنى " كي " التعليلية فتكون للتعليل كما في قوله عز وجل:
ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم (3) وقوله: الذين يقولون لا تنفقوا
على من عند رسول الله حتى ينفضوا (4) ومنه قولهم " أسلم حتى تدخل الجنة "
والثالث مرادفة " إلا " في الاستثناء، واستدلال السيد بالخبر مبني على المعنى الثاني
وهو غير متعين بل يحتمل البناء على المعنى الأول وهو الغاية، والمراد أنه عبث
بأهله إلى أن حصل منه المني، فيكون من قبيل خبري أبي بصير وحفص بن سوقة (5)
وبذلك يظهر أنه لو خص حكم الافساد بتعمد الانزال كما جنح إليه أخيرا بناء على
ما فهمه من الصحيحة المذكورة فإنه لا دليل عليه ظاهرا من الأخبار.
وثانيا أن الخبرين المذكورين وإن كانا كما ذكره ضعيفي السند بناء على
اصطلاحه إلا أن الحكم بما دلا عليه اجماعي لا خلف فيه، ولذلك عمل بهما من
عداه من أصحاب هذا الاصطلاح، وهو أيضا قد صرح في غير مقام من شرحه هذا
بقبول الأخبار الضعيفة المجبورة باتفاق الأصحاب على القول بمضامينها، ولكنه
(عطر الله مرقده) ليس له قاعدة يقف عليها ولا ضابطة يعتمد عليها.
تفريع
اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في من نظر إلى امرأة فأمنى فقال

(1) ص 129
(2) سورة طه الآية 94
(3) سورة البقرة الآية 215.
(4) سورة المنافقين الآية 8
(5) ص 129
131

الشيخ في الخلاف أنه يأثم ولا قضاء عليه ولا كفارة، وقال في المبسوط: من نظر
إلى من لا يحل له النظر إليه بشهوة فأمنى فعليه القضاء، وإن كان نظره إلى من يحل فأمنى
لم يكن عليه شئ. قال في المختلف: وهو اختيار الشيخ المفيد.
وقال سلار: من نظر إلى من يحرم عليه فأمنى فعليه القضاء.
ونقل في المختلف عن ابن أبي عقيل إن من أنزل بالنظر إلى امرأته من غير
أن يقبلها أو يفضي إليها بشئ منه إلى جسدها أو تفضي إليه لم يكن عليه شئ.
وعن ابن إدريس أنه قال: وإن أمني لنظر لم يكن عليه شئ ولا يعود إلى
ذلك، وقد ذهب بعض أصحابنا إلى أنه إن نظر إلى من يحرم عليه النظر إليه فأمنى كان
عليه القضاء دون الكفارة، قال: والصحيح أنه لا قضاء عليه لأنه لا دليل على ذلك.
وقال في المختلف: والأقرب أنه إن قصد الانزال وجب عليه القضاء
والكفارة مطلقا سواء كان النظر إلى من يحرم عليه أو لا، وإن لم يقصد الانزال
فأنزل لتكرر النظر من غير قصد بل كرر النظر فسبقه الماء وجب القضاء خاصة.
ثم قال: لنا على الأول أنه وجد منه الهتك وهو إنزال الماء متعمدا فوجب
عليه القضاء والكفارة كالعابث بأهله والمجامع. وعلى الثاني أنه وجد منه مقدمة
الافساد ولم يقصده وكان عليه القضاء كالمتضمض للتبرد إذا وصل الماء حلقه.
ثم نقل عن الشيخ أنه احتج بالاجماع وبعدم دليل على كون النظر مفطرا
والأصل براءة الذمة.
ثم أجاب بمنع الاجماع، قال: وقد بينا الدليل على ايجاب القضاء، والبراءة
معارضة بالاحتياط. انتهى.
وقال في المدارك: والأصح أن النظر غير مفسد إلا إذا كان من عادته الامناء
بذلك وفعله عامدا قاصدا به إلى حصول الانزال، وكذا القول في التخيل لو ترتب
عليه الانزال. انتهى. وكلامه هنا مبني على ما تقدم منه في تلك المسألة من تخصيصه
الافساد بتعمد الانزال بذلك الفعل.
132

أقول: والمسألة غير منصوصة على الخصوص إلا أنه لا يبعد القول بالافساد
بذلك بما إذا علم من عادته الانزال بذلك سواء قصد تعمد الانزال بذلك أم لا
جريا علي ظواهر الأخبار المتقدمة في ما دلت عليه من الافساد بما كان من الأفعال
موجبا لذلك.
نعم روى الشيخ في التهذيب (1) عن أبي بصير قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل كلم امرأته في شهر رمضان وهو صائم فأمنى؟ فقال: لا بأس " والظاهر
حمله على ما تقدم في خبر المقنع.
وبالجملة فالاحتياط في أمثال هذه المواضع من ما لا ينبغي تركه.
المسألة الثالثة يجب الامساك عن الارتماس على الأشهر الأظهر، وللأصحاب
(رضوان الله عليهم) في هذه المسألة اختلاف زائد فذهب جملة من الأصحاب:
منهم الشيخان والسيد المرتضى في الإنتصار والشيخ في النهاية والجمل والاقتصاد
وابن البراج إلى أنه موجب للقضاء والكفارة، قال العلامة في المختلف ورواه ابن
بابويه في كتابه. ونسبه في المبسوط إلى أظهر الروايات، ثم قال وفي أصحابنا من
قال إنه لا يفطر. وقال في الإستبصار: ولست أعرف حديثا في إيجاب القضاء
والكفارة أو ايجاب أحدهما على من ارتمس في الماء. ونقل عن أبي الصلاح أنه
يوجب القضاء خاصة، وذهب الشيخ في الإستبصار إلى أنه محرم لا يوجب قضاء
ولا كفارة، واختاره المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى والمختلف والسيد السند
في المدارك، ونقل في المختلف عن علي بن بابويه أنه عده من المفطرات، وذهب
ابن إدريس إلى أنه ينقص الصوم ولا يبطله ونقله عن السيد المرتضى، ونقله في
المختلف عن ابن أبي عقيل أيضا.
وقد تلخص من ذلك أن الأقوال في المسألة أربعة: أحدهما القول بابطال
الصوم ووجوب القضاء والكفارة، وثانيها القول بالتحريم خاصة مع صحة

(1) ج 4 ص 273 وفي الوافي باب (مس النساء وقبلتهن)
133

الصوم، وثالثها القول بالجواز على كراهة، ورابعها القول بوجوب
القضاء خاصة.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح
عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " الصائم يستنقع في الماء ولا يرمس رأسه "
وفي الصحيح عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " لا يرمس الصائم
ولا المحرم رأسه في الماء ".
وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (3) قال: " الصائم يستنقع
في الماء ويصب على رأسه ويتبرد بالثوب وينضح بالمروحة وينضح البوريا تحته ولا
يغمس رأسه في الماء ".
وفي الصحيح عن محمد بن مسلم (4) قال: " سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:
لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال: الطعام والشراب والنساء
والارتماس في الماء ".
ورواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال: " يكره
للصائم أن يرتمس في الماء ".
ورواية إسحاق بن عمار (6) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل صائم ارتمس
في الماء متعمدا عليه قضاء ذلك اليوم؟ قال ليس عليه قضاء ولا يعود ".
ورواية حنان بن سدير (7) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصائم يستنقع
في الماء؟ قال: لا بأس ولكن لا ينغمس فيه.. الحديث ".
ورواية مثنى الحناط والحسن الصيقل (8) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن

(1) الوسائل الباب 3 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 3 من ما يمسك عنه الصائم
(3) الوسائل الباب 3 من ما يمسك عنه الصائم
(4) الوسائل الباب 1 من ما يمسك عنه الصائم. ارجع إلى التعليقة 2 ص 50
(5) الوسائل الباب 3 من ما يمسك عنه الصائم
(6) الوسائل الباب 6 من ما يمسك عنه الصائم
(7) الفروع ج 1 ص 192 وفي الوسائل الباب 3 من ما يمسك عنه الصائم
(8) الوسائل الباب 3 من ما يمسك عنه الصائم
134

الصائم يرتمس في الماء؟ قال: لا ولا المحرم ".
وما رواه الصدوق في كتاب الخصال قال: حدثنا محمد بن الحسن (رضي الله عنه) قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن
أبيه محمد بن خالد باسناده رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: " خمسة أشياء تفطر الصائم:
الأكل والشرب والجماع والارتماس في الماء والكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وعلى
الأئمة عليهم السلام ".
وفي كتاب الفقه الرضوي (2): وأدنى ما يتم به فرض الصوم العزيمة وهي النية
وترك الكذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله ثم ترك الأكل والشرب والنكاح
والارتماس في الماء واستدعاء القذف، فإذا تم هذه الشروط على ما وصفناه كان
مؤديا لفرض الصوم مقبولا منه بمنة الله.
وقال في موضع آخر (3) أيضا: واتق في صومك خمسة أشياء تفطرك:
الأكل والشرب والجماع والارتماس في الماء والكذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله
وعلى الأئمة (عليهم السلام).
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لم ينقل الأصحاب دليلا لمن قال بوجوب القضاء
والكفارة وإنما نقلوا القول بذلك عن من قدمنا ذكره مجردا.
وأما القول بالتحريم فاستدلوا عليه بالروايات الدالة على النهي عنه والمنع
منه للصائم، فإن غاية النهي تحريم الفعل المذكور ولا يوجب فساد الصوم لأن النهي
هنا عن أمر خارج عن العبادة.
واستدلوا على نفي القضاء والكفارة برواية إسحاق بن عمار المذكورة (4) وأما
رواية عبد الله بن سنان (5) التي هي دليل السيد المرتضى ومن معه ممن ذهب إلى الجواز
على كراهة فقد أجيب عنها بحمل الكراهة فيها على التحريم كما ذكره في المدارك،

(1) الوسائل الباب 2 من ما يمسك عنه الصائم
(2) ص 23
(3) ص 24
(4) ص 134
(5) ص 134
135

قال: فإن كثيرا ما تستعمل بمعنى التحريم بل ربما ظهر من بعض الروايات كونها
حقيقة فيه.
وأما القول بوجوب القضاء خاصة فلا أعرف له دليلا واضحا، وذكر شيخنا
الشهيد في شرح نكت الإرشاد أن مستنده مفهوم حديث (1) " لا يضر الصائم " ثم
أجاب عنه بأنه يكفي في الاضرار فعل الحرام.
أقول: والذي يقرب عندي من هذه الأقوال هو القول الأول:
لنا النهي عنه في أكثر هذه الأخبار والظاهر أن النهي إنما هو من حيث
ما يترتب عليه من بطلان الصوم إذ لا يعقل للنهي علة سوى ذلك.
وأما ما ذكره في المعتبر واستحسنه في المدارك من أنه يمكن أن يكون الوجه
في التحريم الاحتياط في الصوم، فإن المرتمس في الأغلب لا ينفك أن يصل الماء
إلى جوفه فيحرم وإن لم يجب به قضاء ولا كفارة إلا مع اليقين بابتلاعه ما يوجب
المفطر. انتهى -
فلا يخفى ما فيه من التكلف والبعد، فإن هذا التوجيه إنما يصلح للكراهة لا للتحريم، على أن ما ذكره من دعوى أغلبية وصول الماء إلى جوف المرتمس ممنوع
وما دل عليه حديث الخصال وحديث كتاب الفقه الرضوي من التصريح
بابطاله الصيام وعده في قرن ما يوجب القضاء والكفارة اجماعا من الأكل
والشرب والجماع، وحينئذ فيكون مثلها.
وهو أيضا ظاهر مفهوم صحيحة محمد بن مسلم (2) الدالة على أنه لا يضر الصائم
ما صنع إذا اجتنب أربع خصال، فإن مفهومه الشرطي الذي هو حجه عند المحققين
وعليه دلت الأخبار أيضا أنه لو لم يجتنب ضره، واضراره إنما هو من حيث الصوم
لأن التعليق على الوصف يشعر بالعلية.
وإلى ما ذكرنا لمح في المدارك فقال بعد ما استدل على ما اختاره من مجرد

(1) ص 134
(2) ص 134
136

التحريم بما أشرنا إليه آنفا ونقل كلام الشيخ في الإستبصار المتقدم من أنه لم يجد
حديثا في ايجاب القضاء والكفارة.. إلى آخره ما صورته: وهو كذلك نعم في
رواية ابن مسلم (1) اشعار بمساواته للأكل والشرب والنساء لكنها غير صريحة. انتهى
وقال شيخنا الشهيد في كتاب شرح نكت الإرشاد بعد أن نقل القول
بالكفارة وأنهم لم ينقلوا عليه دليلا معتمدا ما صورته: ويمكن الاحتجاج
بعطفه على ما يوجب الكفارة في صحيح محمد بن مسلم المتقدم (2).
أقول: لا يخفى أن اجمال هذه الرواية قد أوضح في رواية الخصال ورواية
كتاب الفقه الرضوي (3).
وأما ما دلت عليه رواية إسحاق بن عمار من عدم القضاء فالأقرب عندي
فيها هو الحمل على التقية، فإن العامة في هذه المسألة على ما نقله في المعتبر والمنتهى
على قولين: فالجمهور منهم على الجواز بلا كراهة والقول الآخر الجواز على كراهة (4)
وظاهر هذا الخبر مؤذن بالجواز.
وبالجملة فإنه مع قطع النظر عن روايتي الخصال وكتاب الفقه الرضوي (5) فالقول
بما ذهب إليه المحقق ومن انتفاه من مجرد التحريم ظاهر، ولكنهم معذورون
حيث لم يقفوا على الروايتين المذكورتين، وأما مع وجود هاتين الروايتين وضمهما
إلى تلك الروايات فإنه لا مجال لانكار القول بوجوب القضاء والكفارة إلا بالطعن
في سند هاتين الروايتين بناء على هذا الاصطلاح المحدث وهو عندنا غير ملتفت إليه
ولا معول عليه. وكتاب الفقه وإن لم يكن مشهورا بينهم إلا أنك قد عرفت من ما
قدمنا في كتاب الصلاة وما بعده من هذه الكتب أنه معتمد عند الصدوقين كما
أوضحناه سابقا رأي العين.
وتمام الكلام في هذه المسألة يتوقف على بيان أمور: الأول قد ذكر

(1) ص 134
(2) ص 134
(3) ص 135
(4) المغني ج 3 ص 109 والمجموع ج 6 ص 347
(5) ص 135
137

جمع من الأصحاب أن المراد بالارتماس هنا غمس الرأس في الماء أعم من أن يكون
مع البدن أو وحده وإن كان البدن خارجا من الماء، ووجهه ظاهر من ما تقدم في
الأخبار حيث إن جملة منها تضمنت المنع من غمس الرأس في الماء وهو ظاهر في
أن النهي إنما تعلق برمس الرأس خاصة كيف اتفق.
والظاهر أن الرقبة غير داخلة فيه بل المراد منه ما فوق الرقبة،
ودخولها في أخبار الغسل لا يستلزم دخولها هنا لأنها عضو منفصل عن الرأس،
وإنما دخلت في الرأس في أخبار الغسل من حيث تثليث الأعضاء فيه بالرأس
والجانب الأيمن والجانب الأيسر وهي غير داخلة في أحد الجانبين اتفاقا فتدخل
في الرأس، ولهذا أن بعضهم كما تقدم في باب الغسل توقف في دخولها فيه أيضا
والحق دخولها كما أوضحناه ثمة.
ثم إن بعض الأصحاب اشترط في غمس الرأس الدفعة العرفية فلو غمسه على
التعاقب لم يتعلق به التحريم، وهو مبني على ما ذكروه في الغسل الارتماسي من
اشتراط الدفعة العرفية، وقد بينا في باب غسل الجنابة من كتاب الطهارة ضعفه وأنه
مجرد وهم نشأ من قولهم (عليهم السلام) في أخبار الغسل الارتماسي " ارتماسة واحدة "
فحملوا ذلك على الدفعة وأبطلوا الغسل بما إذا لم يكن كذلك، والأمر ليس كما ذكروه
كما بيناه ثمة. وبه يظهر أن ما فرعوا عليه في هذا الموضع لا وجه له ولا دليل عليه.
وحيث قد عرفت أن الرأس هو ما فوق الرقبة فيحب قصر الحكم عليه.
وأما ما ذكره في المدارك بعد أن فسر الرأس بما ذكرنا من أنه لا يبعد
تعلق التحريم بغمس المنافذ كلها دفعة وإن كانت منابت الشعر خارجة عن الماء - فهو
في غاية البعد لعدم صدق غمس الرأس والارتماس المعلق عليه الحكم في الأخبار
وكلام الأصحاب.
وكأنه بنى على أن النهي عن الارتماس إنما هو من حيث خوف دخول الماء
في شئ من هذه المنافذ فحكم بصدق الارتماس بمجرد غمسها في الماء.
138

وفيه أولا أن هذه علة مستنبطة إذ لا وجود لها في شئ من الأخبار.
وثانيا أنه مع فرض وجودها فإن علل الشرع ليست عللا حقيقية يدور المعلول
معها وجودا وعدما بل هي معرفات لبيان وجه الحكمة أو المناسبة أو نحو ذلك.
الثاني اطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي أن لا فرق في هذا الحكم بين
صوم الفريضة والنافلة. ثم إنه إن قلنا بأنه مفسد للصوم كما اخترناه فإنه يجوز فعله
في صوم النافلة كغيره من المفطرات، وإن قلنا بأنه محرم كما هو أحد الأقوال فقد
ذكروا أنه يحتمل التحريم في صوم النافلة كالتكفير في صلاة النافلة ويحتمل الإباحة
إما لقصور أخبار التحريم عن إفادة العموم أو لأنه إذا جاز تناول المفطر جاز
ما هو مظنة له بطريق أولى.
أقول: لا يخفى ما في تعليل احتمال الإباحة بالوجه الأول من الضعف، لأن
الكلام من أوله مبني على أن اطلاق النصوص يقتضي دخول الصوم المندوب.
نعم التعليل الثاني متجه بناء على كلامهم وحيث إن الظاهر عندنا هو الافساد به
فيجوز فعله في الصوم المندوب حينئذ ولا اشكال.
الثالث قد ذكر شيخنا الشهيد الثاني أن فائدة التحريم تظهر في ما لو ارتمس
في غسل مشروع فإنه يقع فاسدا للنهي عن بعض أجزائه المقتضي للفساد
في العبادة.
قال سبطه السيد السند في المدارك: وهو جيد إن وقع الغسل في حال الأخذ
في الارتماس أو الاستقرار في الماء لاستحالة اجتماع الواجب والحرام في الشئ
الواحد، أما لو وقع في حال الأخذ في رفع الرأس من الماء فإنه يجب الحكم بصحته
لأن ذلك واجب محض لم يتعلق به نهي أصلا فينتفي المقتضي للفساد. انتهى.
أقول: يمكن المناقشة في ما ذكره شيخنا المشار إليه بأن المعلوم من القاعدة
المشهورة وهو أن النهي إذا توجه إلى العبادة أو جزئها أو شرطها يكون مبطلا لها
إنما هو ما إذا توجه لها من حيث هي لا من حيث أمر خارج عنها كما حققنا ذلك بما
139

لا مزيد عليه في كتاب الصلاة في مسألة الصلاة في المكان والثوب المغصوبين،
والأمر هنا كما هو هناك فإن النهي هنا عن الارتماس إنما توجه للصائم من حيث الصوم
اغتسل أو لم يغتسل ولم يتوجه للمغتسل لكون الغسل منهيا عن بعض أجزائه كما
أن النهي في تلك المسألة إنما توجه من حيث المنع من التصرف في المغصوب بغير
إذن مالكه صلى فيه أو لم يصل. وبالجملة فالكلام في المسألتين من باب واحد.
ثم إنه بناء على الاغماض عن ما ذكرناه فكلام السيد (قدس سره) هنا لا يخلو
من شئ فإن الظاهر من كلامه أن الوجه في الفساد إنما هو لزوم اجتماع الواجب
والحرام في الشئ الواحد وهو مستحيل، وهو إنما يتحقق في ما إذا وقعت نية
الغسل في حال الأخذ في الارتماس، فإنه مأمور به وواجب لكونه غسل جنابة
مثلا ومنهي عنه من حيث النهي عن غمس الرأس فيبطل حينئذ، أما لو وقعت
نية الغسل بعد الدخول تحت الماء في حال الأخذ في رفع الرأس من الماء فإنه يجب
الحكم بصحته لانتهاء النهي الموجب للتحريم حينئذ باعتبار حصول الارتماس أولا
فيبقى الوجوب من غير معارض.
وفيه أولا أن ما ذكره أخيرا بعينه جار في حال الاستقرار في الماء إذا نوى
الغسل وحرك بدنه على وجه يحصل به الجريان عليه مع أنه حكم بالبطلان فيه وجعله
من قبيل الغسل حال الأخذ في الارتماس.
وثانيا أن الظاهر أن الارتماس المحرم إنما هو عبارة عن الأمر الكلي الحاصل
بأول دفعة فما زاد بعين ما قالوه في القيام الركني الذي هو عبارة عن ما يركع عنه
المصلي طال أو قصر وكذا الوقوف بعرفات ونحو ذلك، وحينئذ فيتوجه صدق
النهي عن الارتماس في الصورة الأخيرة ويصير من قبيل الصورة الأولى.
وثالثا أن ثبوت الغسل الارتماسي على الكيفية التي ذكرها من كونه في حال
الأخذ في رفع الرأس من الماء من ما يمكن تطرق المناقشة إليه كما ذكره الفاضل
الخراساني في كتاب الذخيرة، حيث قال بعد نقل كلامه: وهو حسن إن كان
140

الغسل يتحقق باخراج البدن من الماء، لكن لي في ذلك تأمل لأن المتبادر من الغسل
المأمور به في الأخبار غير ذلك، وبالجملة لا يحصل اليقين بامتثال التكليف بهذا
الفعل. انتهى.
الرابع ذكر شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) أيضا أن المرتمس ناسيا
يرتفع حدثه لعدم توجه النهي إليه، وأن الجاهل عامد.
قال سبطه في المدارك: وما ذكره (قدس سره) في حكم الناسي جيد، لكن
الأظهر مساواة الجاهل له في ذلك لاشتراكهما في عدم توجه النهي إليهما وإن أثم
الجاهل بتقصيره في التعلم على بعض الوجوه كما بيناه مرارا.
أقول: وما ذكره (قدس سره) من معذورية الجاهل جيد لكنه لم يقف
عليه في جميع الأحكام، وقد تقدم الكلام معه في المسألة الأولى في حكم المفطر
جاهلا حيث صرح ثمة بخلاف ما ذكره هنا.
المسألة الرابعة في بقية ما يجب الامساك عنه وبيان الخلاف فيه وهي ثلاثة
الأول الكذب على الله أو رسوله صلى الله عليه وآله أو الأئمة (عليهم السلام) وقد
اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك مع اتفاقهم على عدم الافساد بغيره من
أنواع الكذب، فنقل عن الشيخين والمرتضى في الإنتصار وأبي الصلاح وابن البراج
أنه يفسد الصوم ويوجب القضاء والكفارة، وعن المرتضى في الجمل وابن إدريس
وهو المشهور بين المتأخرين عدم فساد الصوم به وإن حرم، ونقل في المختلف عن
علي بن بابويه أنه عده في المفطرات.
احتج القائلون بعدم الافساد كما نقله في المدارك بالأصل والحصر المستفاد
من صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (1).
وفيه أن الأصل يجب الخروج عنه بالدليل الآتي، وصحيحة محمد بن مسلم
المذكورة لا يمكن حملها على الحصر الحقيقي لخروج جملة من المضرات بالصوم عن ذلك

(1) ص 134
141

فالاستناد إليها لا يخلو من مجازفة.
ويدل على القول الأول الأخبار: ومنها ما رواه الشيخ عن منصور بن
يونس عن أبي بصير (1) قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: الكذبة تنقض
الوضوء وتفطر الصائم. قال قلت هلكنا. قال ليس حيث تذهب إنما ذلك الكذب
على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وعلى الأئمة عليهم السلام ".
وما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة (2) قال: " سألته عن رجل كذب في
شهر رمضان؟ فقال قد أفطر وعليه قضاؤه وهو صائم يقضي صومه ووضوءه
إذا تعمد " ورواه الكليني (3) والصدوق في معاني الأخبار (4).
وما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة أيضا (5) قال: " سألته عن رجل
كذب في رمضان فقال قد أفطر وعليه قضاؤه. فقلت ما كذبته؟ فقال يكذب على
الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله.
وما رواه الصدوق عن منصور بن يونس عن أبي بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام (6) قال: " إن الكذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وعلى الأئمة (عليهم
السلام) يفطر الصائم ".
وما رواه أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن أبي بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام (7) قال: " من كذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وهو صائم نقض صومه
ووضوءه إذا تعمد ".
ومنها ما قدمناه في المسألة السابقة من روايتي الخصال وكتاب الفقه

(1) الوسائل الباب 2 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 2 من ما يمسك عنه الصائم
(3) هذا الحديث لم يروه الكليني وإنما روى في الفروع ج 1 ص 187 حديث أبي بصير المتقدم.
(4) هذا الحديث لم يروه في معاني الأخبار وإنما روى فيه ص 165 حديث أبي بصير المتقدم.
(5) الوسائل الباب 2 من ما يمسك عنه الصائم
(6) الوسائل الباب 2 من ما يمسك عنه الصائم
(7) الوسائل الباب 2 من ما يمسك عنه الصائم
142

الرضوي (1) الدالتين على أن ذلك يفطر الصائم.
والظاهر أن ما نقله في المختلف في مسألة الارتماس وفي هذه المسألة عن علي
ابن بابويه أنه عد ذلك من المفطرات إنما هو حيث نقل عبارة كتاب الفقه المذكورة
في رسالته جريا علي ما عرفته في غير مقام من ما قدمناه، ولكن العلامة لم ينقل
صورة عبارته وإنما نقل بهذا العنوان الذي ذكرناه.
وكيف كان فطرح هذه الأخبار - من غير معارض سوى الأصل الذي
ذكروه والحصر الذي في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة مع ما عرفت فيه لا يخلو من
جرأة ولكنهم (رضوان الله عليهم) لم يستوفوا روايات المسألة، والذي نقله
في المدارك منها رواية أبي بصير الأولى ورواية سماعة الأولى ثم ردهما بضعف
السند وأنهما متضمنان لما أجمع العلماء على خلافه وهو نقض الوضوء بذلك وهذا
من ما يضعف الخبر.
أقول: والطعن بضعف السند عندنا غير مسموع ولا معمول عليه، وأما
الطعن بتضمنهما ما أجمع العلماء على خلافه فقد صرح هو وغيره من المحققين بأن
طرح بعض الخبر لمعارض أقوى لا يستلزم طرح ما لا معارض له وأنه يصير من
قبيل العام المخصوص.
نعم يمكن أن يقال: إن ما دل على وجوب الكفارة بالافطار متعمدا المتبادر
من الافطار فيه إنما هو الافساد بالأكل والشرب كما ذكره السيد السند في المدارك
فيجب الحمل عليه خاصة لأن اللفظ إنما يحمل على حقيقته. وهو جيد إن ثبت ما ادعاه
من أن المعنى الحقيقي للفظ الافطار هو ما ذكره.
وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال والاحتياط في العمل
بالقول الأول.
الثاني الحقنة وقد اختلف الأصحاب فيها على أقوال: فقال الشيخ المفيد

(1) ص 135
143

إنها تفسد الصوم وأطلق وقال علي بن بابويه لا يجوز للصائم أن يحتقن وأطلق.
وقال السيد المرتضى في الجمل: وقد ألحق قوم من أصحابنا بما ذكرناه من وجوب
القضاء والكفارة.. إلى أن قال: والحقنة. ولم يفصل أيضا. ثم قال: وقال قوم
إن ذلك ينقص الصوم وإن لم يبطله وهو الأشبه. وقالوا في اعتماد الحقنة وما يتيقن
وصوله إلى الجوف من السعوط وفي اعتماد القئ وبلع الحصى أنه يوجب القضاء من
غير كفارة. وقال في المسائل الناصرية: فأما الحقنة فلم يختلف في أنها تفطر. وللشيخ
أقوال: قال في النهاية يكره الحقنة بالجامدات ويحرم بالمائعات. ولم يوجب بها قضاء
ولا كفارة. وكذا في الإستبصار. وأوجب في الجمل والاقتصاد القضاء بالمائعات
خاصة وكره الجامدات، وكذا في المبسوط، وهو قول ابن البراج، وقال في الخلاف
والحقنة بالمائعات تفطر. ولم يذكر ابن أبي عقيل الحقنة بالمائعات ولا بالجامدات
من المفطرات. وقال أبو الصلاح الحقنة يجب بها القضاء ولم يفصل. وقال ابن
الجنيد يستحب له الامتناع من الحقنة لأنها تصل إلى الجوف. وقال ابن إدريس
تحرم الحقنة بالمائعات ولا يجب بها قضاء ولا كفارة وتكره بالجامدات. كذا نقله
العلامة في المختلف، ثم اختار فيه أنها مفطرة مطلقا ويجب بها القضاء خاصة.
واستوجه المحقق في المعتبر تحريم الحقنة بالمائع والجامد دون الافساد، واختاره
في المدارك.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة منه ما رواه الكليني
في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (1) قال: " سألته عن الرجل
والمرأة هل يصلح لهما أن يستدخلا الدواء وهما صائمان؟ قال لا بأس " ورواه الشيخ
أيضا بإسناده عن علي بن جعفر (2) ورواه الحميري في قرب الإسناد عنه
أيضا مثله (3).
وما رواه الشيخ والصدوق عن أحمد بن محمد بن أبي نصر في الصحيح عن

(1) الوسائل الباب 5 من ما يمسك عنه الصائم.
(2) الوسائل الباب 5 من ما يمسك عنه الصائم.
(3) الوسائل الباب 5 من ما يمسك عنه الصائم.
144

أبي الحسن عليه السلام (1) " أنه سأله عن الرجل يحتقن تكون به العلة في شهر رمضان؟
فقال: الصائم لا يجوز له أن يحتقن ".
وما رواه الشيخ عن علي بن الحسن عن أبيه في الموثق (2) قال: " كتبت
إلى أبي الحسن عليه السلام ما تقول في التلطف من الأشياف يستدخله الانسان وهو
صائم؟ فكتب: لا بأس بالجامد ".
وقال في كتاب الفقه الرضوي (3): " ولا يجوز للصائم أن يقطر في أذنه
شيئا ولا يسعط ولا يحتقن " والظاهر أن عبارة علي بن بابويه مأخوذة من هنا،
والظاهر أنه إنما اقتصر على الحقنة لكون البحث فيها في كلامه.
هذا ما وقفت عليه من الأخبار في المسألة، والظاهر في وجه الجمع بينها هو حمل
اطلاق صحيحة علي بن جعفر على موثقة الحسن بن علي بن فضال، ومنه يعلم نفي
البأس عن الحقنة بالجامد وأنه غير مضر بالصوم، وحمل صحيحة البزنطي على الحقنة
بالمائع وأنه غير جائز، وكذا كلام الرضا عليه السلام في كتاب الفقه، وعلى هذا
تجتمع الأخبار.
وما ذكره في المدارك حيث اختار تحريم الحقنة مطلقا من رد موثقة
الحسن بن علي بن فضال بأن علي بن الحسن وأباه فطحيان فلا يمكن التعويل على
روايتهما فهو مردود بما قدمنا نقله عنه من قبولها حيث يحتاج إليها ومدحه لهما
واطرائه عليهما بما هو مذكور في كتب الرجال في شأنهما من المدح الزائد الذي
اعتمد عليه ثمة.
وأما ما ذكره الفاضل الخراساني في المقام من الاحتمالات الركيكة

(1) الوسائل الباب 5 من ما يمسك عنه الصائم ورواه الكليني بسند فيه سهل بن زياد
(2) الوسائل الباب 5 من ما يمسك عنه الصائم وفي التهذيب ج 4 ص 204 من
الطبع الحديث " التلطف بالاشياف ".
(3) ص 26
145

والتشكيكات الضعيفة فلا ينبغي الالتفات إليه، مع أنهما قد وافقا على ما ذكرناه
حيث قال في المدارك واقتفاه الفاضل المذكور فيه: نعم يمكن ترجيح هذا القول
وأشار به إلى جواز الحقنة بالجامد بأن المتبادر من الاحتقان ما كان بالمائع فينبغي
الحمل عليه ويبقى الاحتقان بالجامد على الإباحة. انتهى.
نعم يبقى الكلام في أنه لو احتقن بالمائع مع دلالة الخبر على عدم جوازه
فهل يكون موجبا للقضاء أو مجرد الإثم خاصة، إذ مع غاية مفاد عدم الجواز التحريم
وترتب القضاء عليه يحتاج إلى دليل؟ اشكال والاحتياط يقتضي القضاء.
فوائد
الأولى اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما لو صب الدواء في
إحليله فوصل إلى جوفه، فذهب في المبسوط إلى أنه يفطر واستقربه العلامة في
المختلف، والأكثر على عدم الافطار وبه صرح في الخلاف.
واحتج العلامة على الافطار بأنه قد أوصل إلى جوفه مفطرا بأحد المسلكين
فإن المثانة تنفذ إلى الجوف فكان موجبا للافطار كما في الحقنة. والظاهر ضعفه
لأن الأصل صحة الصوم وابطاله يتوقف على دليل واضح.
الثانية اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تقطير الدواء في الأذن
والمشهور أنه غير مفطر، وذهب أبو الصلاح إلى أنه مفطر.
والأظهر الأول لما رواه الكليني عن حماد بن عثمان في الصحيح عن أبي عبد الله
عليه السلام (1) قال: " سألته عن الصائم يشتكي أذنه يصب فيها الدواء؟ قال لا بأس به ".
وما رواه في الصحيح أو الحسن على المشهور عن حماد (2) قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الصائم يصب في أذنه الدهن؟ قال: لا بأس به ".
وما رواه في الموثق عن ليث المرادي (3) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام

(1) الوسائل الباب 24 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 24 من ما يمسك عنه الصائم
(3) الوسائل الباب 24 من ما يمسك عنه الصائم
146

عن الصائم يحتجم ويصب في أذنه الدهن؟ قال لا بأس به إلا السعوط فإنه يكره ".
وروى علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام (1) قال:
" سألته عن الصائم هل يصلح له أن يصب في أذنه الدهن؟ قال: إذا لم يدخل
حلقه فلا بأس ".
والجمع بين هذه الرواية وما تقدمها يقتضي الكراهة مع الوصول إلى الحلق
ولو كانت صريحة في التحريم لحملناه على التقية لأن القول بأن ذلك مفطر مذهب
الشافعي وأبي حنيفة ومالك وأحمد (2) كما نقله في المنتهى محتجين بأنه أوصل إلى
جوفه من ذكره للصوم مختارا فأفطر كالأكل. والعلامة أجاب عن ذلك في الكتاب
المذكور بأنه قد تقدم مرارا أنه ليس كل واصل إلى جوفه مفطرا. انتهى. وهو جيد
الثالثة قال الشيخ في المبسوط: لو طعنه غيره طعنة وصلت إلى جوفه لم
يفطر وإن أمره هو بذلك ففعل به أو فعل هو بنفسه أفطر.
واستقربه العلامة في المختلف وقال: لنا إنه أوصل إلى جوفه الجامد فكان
كالازدراد فوجب القضاء والأصل براءة الذمة من الكفارة. ولا يخفى ما فيه
من الوهن.
الثالث تعمد القئ وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في حكمه
فالأكثر على أنه موجب للقضاء خاصة، وقال ابن إدريس إنه لا يوجب قضاء
ولا كفارة إلا أنه محرم، وعن السيد المرتضى أنه حكى عن بعض علمائنا قولا بأنه
يوجب القضاء والكفارة، وعن بعضهم أنه ينقص الصوم ولا يبطله، قال
وهو الأشبه.

(1) الوسائل الباب 24 من ما يمسك عنه الصائم
(2) المغني ج 3 ص 105 وبدائع الصنائع ج 2 ص 93 وبداية المجتهد ج 1 ص
280 و 281 وقال في المجموع ج 6 ص 344: لو قطر في أذنه ماء أو دهنا أو غيرهما
فوصل إلى الدماغ فوجهان: أصحهما يفطر وبه قطع المصنف والجمهور.
147

والأظهر هو ما عليه الأكثر، ويدل عليه من الأخبار ما رواه الكليني والشيخ
عنه في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " إذا تقيأ الصائم فعليه.
قضاء ذلك اليوم فإن ذرعه من غير أن يتقيأ فليتم صومه ".
وما رواه عن الحلبي باسنادين صحيحين وفي أحدهما إبراهيم بن هاشم المعدود
حديثه في الحسن على المشهور عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " إذا تقيأ الصائم فقد
أفطر وإن ذرعه من غير أن يتقيأ فليتم صومه ".
وما رواه الشيخ عن عبد الله بن بكير في الموثق عن بعض أصحابنا عن
أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " من تقيأ متعمدا وهو صائم قضى يوما مكانه ".
وما رواه عن سماعة في الموثق (4) قال: سألته عن القئ في رمضان قال إن
كان شئ يبدره فلا بأس وإن كان شئ يبدره نفسه عليه أفطر وعليه القضاء "
وروى الصدوق عن سماعة في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام (5) نحوا منه.
وفي الموثق إلى مسعدة بن صدقة وهو عامي عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما
السلام) (6) أنه قال: " من تقيأ متعمدا وهو صائم فقد أفطر وعليه الإعادة فإن
شاء الله عذبه وإن شاء غفر له. وقال: من تقيأ وهو صائم فعليه القضاء ".
وربما قيل بأن مقتضى صحيحة الحلبي ورواية مسعدة أن القئ مفطر ومن تعمد
الافطار لزمته الكفارة على ما دلت عليه الأخبار الكثيرة.
وأجيب بأن المتبادر من الافطار إنما هو افساد الصوم بالأكل والشرب
فيجب الحمل عليه خاصة، لأن اللفظ إنما يحمل على حقيقته. وقد تقدم ما فيه.
والحق أن اشتمال هذه الأخبار على تعددها على القضاء خاصة من غير تعرض
لذكر الكفارة مع أن المقام مقام البيان من ما يفيد نفي الكفارة في المسألة.
احتج ابن إدريس والمرتضى بأصالة البراءة من وجوب القضاء، وبأن الصوم
إمساك عن ما يصل إلى الجوف لا عن ما ينفصل منه.

(1) الوسائل الباب 29 من ما يمسك عنه الصائم.
(2) الوسائل الباب 29 من ما يمسك عنه الصائم.
(3) الوسائل الباب 29 من ما يمسك عنه الصائم.
(4) الوسائل الباب 29 من ما يمسك عنه الصائم.
(5) الوسائل الباب 29 من ما يمسك عنه الصائم.
(6) الوسائل الباب 29 من ما يمسك عنه الصائم.
148

ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح إلى عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله
عليه السلام (1) قال: " ثلاثة لا يفطرن الصائم: القئ والاحتلام والحجامة ".
وأجيب عن الأول بأن الأصل يرتفع بما ذكرنا من الأدلة. وعن الثاني بأنه
اجتهاد في مقابلة النص فلا يكون مسموعا. وعن الرواية بالحمل على غير العامد
جمعا. وهو جيد.
وأما ما ذكره الذخيرة في هذا المقام من الاحتمالات حتى أنه ذكر
أن المسألة عنده محل اشكال فهو من جملة تشكيكاته الضعيفة وخيالاته السخيفة،
بل المسألة بحمد الله ظاهرة الدليل على القول المشهور بما لا يداخله القصور
ولا الفتور.
وهو إنما يصول في هذا الموضع ونحوه بصحيحة محمد بن مسلم (2) الدالة على
حصر المبطل للصيام في الأربعة المذكورة فيها الدالة على نفي الابطال والقضاء في
هذه المسألة ونحوها.
وليت شعري ما يقول في جملة من المواضع المتقدمة التي اتفقت فيها الأخبار
وكلمة الأصحاب على الافساد، فإن خصصها بها فللقائل أن يخصصها أيضا بأخبار
هذه المسألة ونحوها، وإلا فليقتصر في مبطلات الصوم على الأربعة المذكورة فيها.
والمشهور أنه لو ذرعه أي سبقه بغير اختياره فلا شئ فيه، وظاهر كلام
المدارك الاتفاق عليه.
ونقل في المختلف عن ابن الجنيد أن القئ يوجب القضاء خاصة إذا تعمد فإن
ذرعه لم يكن عليه شئ إلا أن يكون القئ من محرم فيكون فيه إذا ذرع القضاء وإذا
استكره القضاء والكفارة. ويدفعه ما تقدم من الأخبار.
المسألة الخامسة - في ما يستحب الامساك عنه وهو أمور:
الأول - النساء

(1) الوسائل الباب 29 من ما يمسك عنه الصائم. وأبو عبد الله (ع) يرويه عن
أبيه (ع) وقد تقدم ص 128
(2) ص 134
149

تقبيلا ولمسا وملاعبة، كذا أطلقه أكثر الأصحاب.
وخصه جماعة منهم كالمحقق في المعتبر والعلامة في التذكرة، وإليه مال في
المدارك والذخيرة بمن يحرك ذلك شهوته.
وهو الظاهر من الأخبار ومنها ما رواه الكليني في الصحيح عن الحلبي عن
أبي عبد الله عليه السلام (1) " أنه سئل عن رجل يمس من المرأة شيئا أيفسد ذلك صومه
أو ينقضه؟ فقال إن ذلك يكره للرجل الشاب مخافة أن يسبقه المني ".
وما رواه عن منصور بن حازم في الصحيح (2) قال: " قلت لأبي عبد الله
عليه السلام ما تقول في الصائم يقبل الجارية والمرأة؟ فقال أما الشيخ الكبير مثلي ومثلك
فلا بأس وأما الشاب الشبق فلا لأنه لا يؤمن والقبلة إحدى الشهوتين. قلت فما
ترى في مثلي تكون له الجارية فيلا عبها؟ فقال لي إنك لشبق يا أبا حازم كيف طعمك؟
قلت إن شبعت أضرني وإن جعت أضعفني. قال كذلك أنا. فكيف أنت والنساء؟
قلت ولا شئ. قال ولكني يا أبا حازم ما أشاء شيئا أن يكون ذلك مني إلا فعلت ".
وما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر عليه السلام (3) " أنه سئل
هل يباشر الصائم أو يقبل في شهر رمضان؟ فقال إني أخاف عليه فليتنزه عن ذلك
إلا أن يثق أن لا يسبقه منيه ".
وما رواه في الفقيه (4) قال: " سأل سماعة أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يلصق
بأهله في شهر رمضان؟ فقال ما لم يخف على نفسه فلا بأس " إلى غير ذلك من الأخبار
وفي جملة من الأخبار ما يدل على الرخصة في ذلك مثل ما رواه في الفقيه
مرسلا (5) قال: " سئل النبي صلى الله عليه وآله عن الرجل يقبل امرأته وهو صائم؟ قال هل
هي إلا ريحانة يشمها ".
وما رواه في التهذيب عن أبي بصير (6) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن

(1) الوسائل الباب 33 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الفروع ج 1 ص 191 وفي الوسائل الباب 33 من ما يمسك عنه الصائم
(3) الوسائل الباب 33 من ما يمسك عنه الصائم
(4) الوسائل الباب 33 من ما يمسك عنه الصائم
(5) الوسائل الباب 33 من ما يمسك عنه الصائم
(6) الوسائل الباب 33 من ما يمسك عنه الصائم
150

الرجل يضع يده على جسد امرأته وهو صائم؟ فقال: لا بأس وإن أمذى فلا يفطر "
وما رواه أيضا عن أبي بصير (1) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام الصائم يقبل امرأته؟ قال نعم ويعطيها لسانه تمصه ".
وما رواه عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (2) قال: " سألته عن
الرجل الصائم أله أن يمص لسان المرأة أو تفعل المرأة ذلك؟ قال لا بأس ".
والجمع بين هذه الأخبار وبين ما تقدمها ممكن بحمل هذه على ما إذا وثق بنفسه
كما تقدمت الإشارة إليه في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم فلا كراهة حينئذ، وأما
بالحمل على أصل الجواز وإن كره ذلك مطلقا كما هو ظاهر الأكثر أو بالنسبة إلى من
لا يثق بنفسه كما هو ظاهر الأخبار المتقدمة.
وفي بعض الأخبار ما يدل على المنع مطلقا ولعله الحجة لظاهر قول الأكثر
مثل ما رواه عبد الله بن جعفر في كتاب قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن
أخيه موسى عليه السلام (3) قال: " سألته عن الرجل هل يصلح له أن يقبل أو يلمس وهو
يقضي شهر رمضان؟ قال لا ".
ومثله روى علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام (4) قال:
" سألته عن المرأة هل يحل لها أن تعتنق الرجل في شهر رمضان وهي صائمة فتقبل
بعض جسده من غير شهرة؟ قال لا بأس. قال: وسألته عن الرجل هل يصلح له
وهو صائم في رمضان أن يقلب الجارية فيضرب على بطنها وفخذها وعجزها؟ قال إن
لم يفعل ذلك بشهوة فلا بأس به وأما بشهوة فلا يصلح ".
ويمكن الجمع بينهما وبين ما تقدم بحمل الأخبار المتقدمة على تأكد الكراهة
وإن كان أصل الكراهة يحصل بدون ذلك.

(1) الوسائل الباب 34 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 34 من ما يمسك عنه الصائم
(3) الوسائل الباب 33 من ما يمسك عنه الصائم
(4) الوسائل الباب 33 من ما يمسك عنه الصائم
151

وأما ما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن رفاعة (1) - قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل لامس جارية في شهر رمضان فأمذى؟ قال إن كان حراما
فليستغفر الله استغفار من لا يعود أبدا ويصوم يوما مكان يوم " وزاد في
التهذيب (2) " وإن كان من حلال فليستغفر الله ولا يعود ويصوم يوما مكان يوم "
فقد نسبه الشيخ في التهذيبين إلى الشذوذ ومخالفته لفتوى أصحابنا كلهم ثم إلى
وهم الراوي ثم حمله على الاستحباب. ولا يخفى ما في الوجهين الأخيرين والوجه
ارجاعه إلى قائله فهو أعلم بما قال.
الثاني الاكتحال بما فيه مسك أو يصل إلى الحلق، والروايات في هذه
المسألة مختلفة:
فمنها ما يدل على الترخص مطلقا مثل ما رواه الكليني والشيخ عنه عن محمد
ابن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام (3) " في الصائم يكتحل؟ قال: لا بأس
به ليس بطعام ولا شراب ".
ورواه الكليني في الحسن على المشهور والصحيح على المختار عن سليم الفراء
عن غير واحد عن أبي جعفر عليه السلام مثله (4).
وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبد الحميد بن أبي العلاء عن
أبي عبد الله عليه السلام (5) قال " لا بأس بالكحل للصائم ".
وما رواه عن ابن أبي يعفور (6) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الكحل

(1) الوسائل الباب 55 من ما يمسك عنه الصائم.
(2) ج 2 ص 272 و 320 من الطبع الحديث، وفي الوسائل الباب 55 من ما يمسك
عنه الصائم
(3) الوسائل الباب 25 من ما يمسك عنه الصائم. ويظهر منه أن الشيخ يرويه من
غير طريق الكليني أيضا كما يظهر ذلك أيضا من الإستبصار ج 2 ص 89
(4) الوسائل الباب 25 من ما يمسك عنه الصائم
(5) الوسائل الباب 25 من ما يمسك عنه الصائم
(6) الوسائل الباب 25 من ما يمسك عنه الصائم
152

للصائم؟ فقال: لا بأس به أنه ليس بطعام يؤكل ".
وما رواه عن الحسين بن أبي غندر (1) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام
اكتحل بكحل فيه مسك وأنا صائم؟ فقال: لا بأس به ".
وما رواه عن غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) (2)
قال: " لا بأس بالكحل للصائم وكره السعوط ".
ورواية عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام) (3) في
حديث " أنه كان لا يرى بأسا بالكحل للصائم ".
ومنها ما يدل على المنع مطلقا مثل ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن
أبي عبد الله عليه السلام (4) " أنه سئل عن الرجل يكتحل وهو صائم؟ فقال: لا إني أتخوف
عليه أن يدخل رأسه ".
وما رواه عن الحسن بن علي (5) قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن الصائم
إذا اشتكى عينه يكتحل بالذرور وما أشبهه أم لا يسوغ له ذلك؟ فقال لا يكتحل "
وما رواه الكليني عن سعد بن سعد الأشعري في الصحيح عن أبي الحسن
الرضا عليه السلام (6) قال: " سألته عن من يصيبه الرمد في شهر رمضان هل يذر عينه
بالنهار وهو صائم؟ قال يذرها إذا أفطر ولا يذرها وهو صائم ".
ومنها ما يدل على التفصيل: مثل ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في الصحيح
عن أحدهما (عليهما السلام) (7) " أنه سئل عن المرأة تكتحل وهي صائمة؟ فقال:
إذا لم يكن كحلا تجد له طعما في حلقها فلا بأس ".
وما رواه الكليني والشيخ عن سماعة في الموثق (8) قال: " سأته عن الكحل

(1) الوسائل الباب 25 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 7 و 25 من ما يمسك عنه الصائم. وفي الباب 7 أنهى الرواية إلى
علي (ع) وفي التهذيب ج 4 ص 214 كما هنا والباب 25.
(3) الوسائل الباب 25 من ما يمسك عنه الصائم
(4) الوسائل الباب 25 من ما يمسك عنه الصائم
(5) الوسائل الباب 25 من ما يمسك عنه الصائم
(6) الوسائل الباب 25 من ما يمسك عنه الصائم
(7) الوسائل الباب 25 من ما يمسك عنه الصائم
(8) الوسائل الباب 25 من ما يمسك عنه الصائم. والشيخ يرويه عن الكليني
153

للصائم؟ فقال: إذا كان كحلا ليس فيه مسك وليس له طعم في الحلق فليس به بأس "
وما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الإسناد عن الحسن بن ظريف
عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (1) " أن عليا عليه السلام كان
لا يرى بأسا بالكحل للصائم إذا لم يجد طعمه ".
وقال في كتاب الفقه الرضوي (2): ولا بأس بالكحل إذا لم يكن ممسكا،
وقد روي فيه رخصة فإنه يخرج على عكدة لسانه.
ونقل ابن إدريس في كتاب السرائر هذه العبارة عن علي بن بابويه في رسالته
فقال: وقال ابن بابويه في سألته: ولا بأس بالكحل ما لم يكن ممسكا، وقد روي
فيه رخصة لأنه يخرج على عكدة لسانه.
أقول: يمكن الجمع بين هذه الأخبار بالحكم بالقسم الثالث على القسمين الأولين
فتحمل أخبار الرخصة مطلقا على ما إذا لم يجد له طعما في الحلق ولم يكن ممسكا
ويكون ذلك جائزا من غير كراهة وأخبار المنع على ما إذا كان كذلك فيكون
مكروها.
وجمع بعضهم بينها بحمل أخبار الترخص على الجواز المطلق وحمل أخبار
المنع على الكراهة وحمل أخبار التفصيل على شدة الكراهة.
والظاهر أن ما ذكرناه أقرب لأن الجمع بين الأخبار بحمل مطلقها على مقيدها
هو الشائع الذائع وتكون أخبار التفصيل سندا لهذا الجمع.
وإنما حملنا ذلك على الكراهة مع كون ظاهر النهي فيها التحريم لما علل به
عليه السلام نفي البأس في بعض الأخبار الأولة من أنه ليس بطعام ولا شراب.
الثالث السعوط وقد قيده جملة من الأصحاب بما لا يتعدى إلى الحلق.
وقد اختلف كلام الأصحاب فيه فقال الشيخ في الخلاف والنهاية والجمل والاقتصاد:

(1) الوسائل الباب 25 من ما يمسك عنه الصائم
(2) ص 26
154

والسعوط مكروه. وأطلق وفصل في المبسوط فقال إنه مكروه سواء بلغ الدماغ أو
لم يبلغ إلا ما ينزل إلى الحلق فإنه يفطر ويوجب القضاء. وقال ابن الجنيد والصدوق
في المقنع لا بأس به. وقال في كتاب من لا يحضره الفقيه: ولا يجوز للصائم أن
يستعط. وأوجب المفيد وسلار فيه القضاء والكفارة. وقال السيد المرتضى:
وقد ألحق قوم من أصحابنا بما ذكرناه في وجوب القضاء والكفارة.. إلى أن قال:
والسعوط، وقال قوم إنه ينقص الصوم وإن لم يبطله وهو الأشبه. واختار ابن
إدريس أنه لا يوجب قضاء ولا كفارة، وقال أبو الصلاح وابن البراج أنه يوجب
القضاء خاصة.
كذا نقله العلامة في المختلف ثم قال: والأقرب عندي أنه إذا وصل إلى الحلق
متعمدا وجب القضاء والكفارة وإلا فلا، ثم استدل على ذلك فقال: لنا إنه
أوصل إلى حلقه المفطر متعمدا فكان عليه القضاء والكفارة كما لو أوصل إلى حلقه
لقمة، ولو لم يوصل لم يكن عليه شئ لأن الصوم عبادة شرعية انعقدت على الوجه
المأمور به شرعا فلا تبطل إلا بحكم شرعي ولم يثبت.
أقول: والدي وقفت عليه من الأخبار في هذه المسألة رواية غياث بن إبراهيم
المتقدمة قريبا (1) وقوله فيها: " وكره السعوط ".
ورواية ليث المرادي (2) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصائم يحتجم
ويصب في أذنه الدهن؟ قال: لا بأس إلا السعوط فإنه يكره ".
ورواية كتاب الفقه الرضوي المتقدمة في المسألة الرابعة (3) وقوله فيها:
" لا يجوز للصائم أن يقطر في أذنه شيئا ولا يسعط ".

(1) ص 153
(2) الوسائل الباب 24 من ما يمسك عنه الصائم
(3) ص 145
155

وظاهر هذه الأخبار إن حملنا الكراهة على المعنى المشهور وكذا عدم الجواز
في عبارة كتاب الفقه الرضوي على ذلك هو الكراهة مطلقا وصل إلى الحلق
أم لم يصل.
وما ذكره في المختلف تعليلا لايجاب القضاء والكفارة بأنه أوصل إلى حلقه
المفطر متعمدا، وكذا ظاهر كلام من قيد الكراهة بما لا يتعدى إلى الحلق الدال
بمفهومه على المنع من المتعدى
فيه أنه لم يقم دليل على كون مطلق الإيصال للحلق مفسدا، كيف وظاهر
كلامهم في مسألة الكحل الحكم بالكراهة في ما يجد له طعما في حلقه دون الافساد،
والحكم في المسألتين من باب واحد.
وإن حملنا الكراهة على معنى التحريم كما هو أحد معنييها في الأخبار فإنها بهذا
المعنى شائعة ذائعة في الأخبار ويؤيده ظاهر عبارة كتاب الفقه أشكل الأمر وكان
ذلك مؤيدا لمن قال ببطلان الصوم في المسألة وبالجملة فالمسألة غير واضحة الدليل كما لا يخفى.
الرابع السواك بالرطب نص عليه الشيخ والحسن بن أبي عقيل على ما نقله
في الدروس، والمشهور بين الأصحاب الجواز من غير كراهة.
ويدل على الأول ما رواه الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال:
" لا يستاك الصائم بعود رطب ".
وما رواه عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " يستاك الصائم أي
النهار شاء ولا يستاك بسواك رطب ".
وفي الصحيح أو الحسن على المشهور عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال:
" سألته عن الصائم أيستاك بالماء؟ قال: لا بأس به ولا يستاك بسواك رطب ".
وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (4) " أنه كره للصائم

(1) الوسائل الباب 28 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 28 من ما يمسك عنه الصائم
(3) الوسائل الباب 28 من ما يمسك عنه الصائم
(4) الوسائل الباب 28 من ما يمسك عنه الصائم
156

أن يستاك بسواك رطب. وقال: لا يضر أن يبل سواكه بالماء ثم ينفضه حتى
لا يبقى فيه شئ ".
وفي الموثق عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " في الصائم ينزع
ضرسه؟ قال: لا ولا يدمى فاه ولا يستاك بعود رطب ".
ومن ما يدل على الجواز ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (2) قال:
" سألت أبا عبد الله عليه السلام أيستاك الصائم بالماء وبالعود الرطب يجد طعمه؟ فقال:
لا بأس به ".
وما رواه عن موسى بن أبي الحسن الرازي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (3)
قال: " سأله بعض جلسائه عن السواك في شهر رمضان قال: جائز. فقال بعضهم إن
السواك تدخل رطوبته في الجوف. فقال ما تقول في السواك الرطب تدخل رطوبته
في الحلق؟ فقال الماء للمضمضة أرطب من السواك بالرطب. فإن قال قائل لا بد من الماء
للمضمضة من أجل السنة فلا بد من السواك من أجل السنة التي جاء بها جبرئيل إلى
النبي صلى الله عليه وآله.
وروى في كتاب قرب الإسناد بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما
السلام) (4) قال: " قال علي عليه السلام: لا بأس بأن يستاك الصائم بالسواك الرطب في
أول النهار وآخره. فقيل لعلي عليه السلام في رطوبة السواك فقال المضمضة بالماء أرطب
منه. فقال علي عليه السلام فإن قال قائل لا بد من المضمضة لسنة الوضوء قيل له فإنه لا بد
من السواك للسنة التي جاء بها جبرئيل عليه السلام ".
أقول: لا يخفى ما في هذه الأخبار من الاشعار بأن مجرد وصول الطعم إلى
الحلق من أي الأجسام كان فإنه غير مضر بالصوم، وفيه تأييد لما ذكرناه في مسألة
السعوط من أن وصول طعمه إلى الحلق غير مضر ولا مفسد للصيام.
هذا. وأما ما يدل على جواز السواك بقول مطلق فهو كثير لا حاجة إلى
التطويل بنقله.

(1) الوسائل الباب 28 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 28 من ما يمسك عنه الصائم
(3) الوسائل الباب 28 من ما يمسك عنه الصائم
(4) الوسائل الباب 28 من ما يمسك عنه الصائم
157

الخامس الحجامة مع خوف الضعف، ويدل على ذلك جملة من الأخبار:
منها ما رواه الشيخ في الصحيح عن سعيد الأعرج (1) قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصائم يحتجم؟ فقال لا بأس إلا أن يتخوف على
نفسه الضعف "
وفي الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " سألته
عن الصائم أيحتجم؟ فقال إني أتخوف عليه أما يتخوف على نفسه؟ قلت ماذا يتخوف
عليه؟ قال الغشيان أو تثور به مرة. قلت: أرأيت إن قوي على ذلك ولم يخش شيئا؟
قال نعم إن شاء ".
وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال:
" لا بأس بأن يحتجم الصائم إلا في رمضان فإني أكره أن يغرر بنفسه إلا أن لا يخاف
على نفسه، وأنا إذا أردنا الحجامة في شهر رمضان احتجمنا ليلا " إلى غير ذلك من
الأخبار التي على هذا النحو.
والأصحاب قد عبروا في هذه المسألة باخراج الدم المضعف وكأن التعدية إلى
غير الحجامة من باب تنقيح المناط نظرا إلى ظاهر التعليل، فإنه يقتضي تعدية الحكم
إلى غيرها من ما سواها في المعنى.
وفي حكمه أيضا دخول الحمام إذا خيف منه الضعف لما رواه الكليني في
الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (4) " أنه سئل عن الرجل
يدخل الحمام وهو صائم؟ فقال: لا بأس ما لم يخش ضعفا ".
السادس الريحان وهو لغة كل نبت طيب الريح خصوصا النرجس، وكراهة
شم الرياحين من ما ظاهرهم الاتفاق عليه، قال في المنتهى: وهو قول علمائنا أجمع.
ويدل عليه من الأخبار ما رواه الشيخ عن الحسن بن راشد عن أبي عبد الله

(1) الوسائل الباب 26 من ما يمسك عنه الصائم.
(2) الوسائل الباب 26 من ما يمسك عنه الصائم.
(3) الوسائل الباب 26 من ما يمسك عنه الصائم.
(4) الوسائل الباب 27 من ما يمسك عنه الصائم
158

(عليه السلام) (1) قال: " الصائم لا يشم الريحان ".
وعن الحسن الصيقل عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " سألته
عن الصائم يلبس الثوب المبلول؟ فقال: لا ولا يشم الريحان ".
وفي رواية أخرى للحسن بن راشد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قلت: " الصائم يشم الريحان؟ قال: لا لأنه لذة ويكره له أن يتلذذ ".
وقال الصدوق في الفقيه (4): " وكان الصادق عليه السلام إذا صام لا يشم الريحان
فسئل عن ذلك فقال إني أكره أن أخلط صومي بلذة " ورواه في كتاب
العلل مسندا (5).
وروى الصدوق مرسلا (6) قال: " سئل الصادق عليه السلام عن المحرم يشم
الريحان؟ قال لا. قيل والصائم؟ قال لا. قيل يشم الصائم الغالية والدخنة؟ قال
نعم. قيل كيف حل له أن يشم الطيب ولا يشم الريحان؟ قال: لأن الطيب سنة
والريحان بدعة للصائم ".
وأما ما يدل على تأكد ذلك في النرجس رواية محمد بن الفيض (7) قال:
" سمعت أبا عبد الله عليه السلام ينهى عن النرجس للصائم فقلت: جعلت فداك لم ذلك؟ فقال:
إنه ريحان الأعاجم ".
قال في الكافي (8) بعد نقل هذه الرواية: وأخبرني بعض أصحابنا أن الأعاجم
كانت تشمه إذا صاموا وقال إنه يمسك الجوع.
وذكر الشيخ المفيد أن ملوك العجم كان لهم يوم معين يصومونه ويكثرون
فيه شم النرجس فنهوا (عليهم السلام) عن ذلك خلافا لهم.
وألحق العلامة في المنتهى بالنرجس المسك لشدة رائحته، ولما رواه الشيخ
عن غياث عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (9) قال: " إن عليا عليه السلام كره المسك

(1) الوسائل الباب 32 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 32 من ما يمسك عنه الصائم
(3) الوسائل الباب 32 من ما يمسك عنه الصائم
(4) الوسائل الباب 32 من ما يمسك عنه الصائم
(5) الوسائل الباب 32 من ما يمسك عنه الصائم
(6) الوسائل الباب 32 من ما يمسك عنه الصائم
(7) الوسائل الباب 32 من ما يمسك عنه الصائم
(8) الوسائل الباب 32 من ما يمسك عنه الصائم
(9) الوسائل الباب 32 من ما يمسك عنه الصائم. والشيخ يرويه عن الكليني
159

أن يتطيب به الصائم ".
وأما ما يدل على الجواز فأخبار عديدة: منها ما رواه الشيخ عن عبد الرحمان
ابن الحجاج في الصحيح (1) قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن الصائم يشم الريحان
أم لا ترى ذلك له؟ فقال: لا بأس به ".
وما رواه الكليني والشيخ عنه في الصحيح عن محمد بن مسلم (2) قال: " قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): الصائم يشم الريحان والطيب؟ قال لا بأس به ".
قال في الكافي (3) وروي أنه لا يشم الريحان لأنه يكره له أن يتلذذ به.
وما رواه الشيخ عن سعد بن سعد (4) قال: " كتب رجل إلى أبي الحسن عليه السلام
هل يشم الصائم الريحان يتلذذ به؟ فقال عليه السلام: لا بأس به ".
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال: " الصائم يدهن
بالطيب ويشم الريحان ".
والظاهر أنه لا خلاف نصا وفتوى في استحباب الطيب للصائم عدا المسك
لما تقدم.
ويدل عليه ما رواه في الكافي عن الحسن بن راشد (6) قال: " كان أبو عبد الله
(عليه السلام) إذا صام يتطيب بالطيب ويقول الطيب تحفة الصائم " ورواه الصدوق
عن الحسن بن راشد مثله (7).
وروى الصدوق مرسلا (8) قال: " قال الصادق (عليه السلام) من تطيب
بطيب أول النهار وهو صائم لم يكد يفقد عقله " ورواه في كتاب ثواب الأعمال
مسندا (9).
والظاهر أن المراد من قوله (عليه السلام) " لم يكد يفقد عقله " أنه لقوة دماغه
لا يسفه على أحد للضعف الحاصل من الصوم.

(1) الوسائل الباب 32 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 32 من ما يمسك عنه الصائم
(3) الوسائل الباب 32 من ما يمسك عنه الصائم
(4) الوسائل الباب 32 من ما يمسك عنه الصائم
(5) الوسائل الباب 32 من ما يمسك عنه الصائم
(6) الوسائل الباب 32 من ما يمسك عنه الصائم
(7) الوسائل الباب 32 من ما يمسك عنه الصائم
(8) الوسائل الباب 32 من ما يمسك عنه الصائم
(9) الوسائل الباب 32 من ما يمسك عنه الصائم
160

وروى في الخصال عن الحسن بن علي عليه السلام (1) قال: " تحفة الصائم أن
يدهن لحيته ويجمر ثوبه وتحفة المرأة الصائمة أن تمشط رأسها وتجمر ثوبها وكان
أبو عبد الله الحسين عليه السلام إذا صام يتطيب وقول: الطيب تحفة الصائم " ونحوه
ما تقدم في الأخبار المتقدمة.
السابع بل الثوب على الجسد، ويدل عليه رواية الحسن بن راشد (2) قال:
" قلت لأبي عبد الله عليه السلام الحائض تقضي الصلاة؟ قال لا. قلت تقضي الصوم؟
قال نعم قلت من أين جاء هذا؟ قال إن أول من قاس إبليس. قلت: فالصائم يستنقع
في الماء؟ قال نعم. قلت فيبل ثوبا على جسده؟ قال لا. قلت من أين جاء هذا؟
فقال من ذاك ".
وعن الحسن الصيقل عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " سألته عن الصائم
يلبس الثوب المبلول؟ فقال: لا ".
وعن عبد الله بن سنان (4) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
لا تلزق ثوبك إلى جسدك وهو رطب وأنت صائم حتى تعصره ".
ومن ما يدل على أن ذلك على جهة الكراهة ما رواه الشيخ في الصحيح عن
محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال: " الصائم يستنقع في الماء
ويصب على رأسه ويتبرد بالثوب وينضح المروحة وينضح البوريا تحته ولا يغمس
رأسه في الماء ".
الثامن جلوس المرأة في الماء، ويدل عليه ما رواه الشيخ عن حنان بن سدير
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6) قال: " سألته عن الصائم يستنقع في الماء فقال

(1) الوسائل الباب 32 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 3 من ما يمسك عنه الصائم
(3) الوسائل الباب 3 من ما يمسك عنه الصائم
(4) الوسائل الباب 3 من ما يمسك عنه الصائم
(5) التهذيب ج 4 ص 26 وفي الوسائل الباب 3 من ما يمسك عن الصائم. وتراجع الاستدراكات.
(6) التهذيب ج 4 ص 263 الطبع الحديث، وفي الوسائل الباب 3 من ما يمسك
عنه الصائم. واللفظ " سألت أبا عبد الله (ع).. " والشيخ يرويه عن الكليني
161

لا بأس ولكن لا ينغمس فيه، والمرأة لا تستنقع في الماء لأنها تحمل الماء بفرجها ". قال في المعتبر: وحنان المذكور واقفي لكن روايته حسنة مشهورة فتحمل
على الكراهة كما اختاره الشيخان.
وقال أبو الصلاح: إذا جلست المرأة في الماء إلى وسطها لزمها القضاء. ونقل
عن ابن البراج أنه أوجب الكفارة أيضا بذلك. وهما ضعيفان.
وألحق الشهيد في اللمعة بالمرأة الخنثى والخصي الممسوح لمساواتهما لها في العلة.
وفيه تأمل.
التاسع الشعر ولم يذكره أكثر الأصحاب في مكروهات الصيام، ويدل عليه
ما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان (1) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه
السلام) يقول: تكره رواية الشعر للصائم والمحرم وفي الحرم وفي يوم الجمعة وأن
يروى بالليل. قال قلت: وإن كان شعر حق؟ قال وإن كان شعر حق ".
وبالإسناد عن حماد بن عثمان وغيره عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال:
" لا ينشد الشعر بالليل ولا ينشد الشعر في شهر رمضان بليل ولا نهار. فقال له
إسماعيل: يا أبتاه فإنه فينا قال وإن كان فينا " ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن
عن حماد مثله (3) ورواه الصدوق مرسلا عن الصادق (عليه السلام) (4).
أقول: لا يخفى أن بإزاء هذين الخبرين من الأخبار ما هو ظاهر في المدافعة
والمناقضة بالنسبة إلى ما كان شعر حق من ما كان متضمنا لحكمة أو وعظ أو مدح
أهل البيت (عليهم السلام) أو رثائهم، ولهذا إن أصحابنا (رضوان الله عليهم)
قد خصوا الكراهة بالنسبة إلى كراهة انشاد الشعر في المسجد أو يوم الجمعة أو
نحو ذلك من الأزمنة الشريفة والبقاع المنيفة بما كان من الأشعار الدنيوية الخارجة
عن ما ذكرناه، وممن صرح بذلك شيخنا الشهيد في الذكرى والشهيد الثاني في جملة من
شروحه والمحقق الشيخ على والسيد السند في المدارك.

(1) الوسائل الباب 13 من آداب الصائم
(2) الوسائل الباب 13 من آداب الصائم
(3) الوسائل الباب 13 من آداب الصائم
(4) الوسائل الباب 13 من آداب الصائم
162

ومن الأخبار الظاهرة في ما ذكرناه صحيحة علي بن يقطين (1) " أنه سأل
أبا الحسن (عليه السلام) عن انشاد الشعر في الطواف فقال: ما كان من الشعر
لا بأس به فلا بأس به " ومورد الخبر كما ترى في الطواف مع تصريح الخبر
الأول بمنع المحرم منه وفي الحرم.
وما رواه الصدوق في كتاب عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (2) في الصحيح
عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام): من قال فينا
بيت شعر بنى الله له بيتا في الجنة ".
وروى فيه أيضا (3) بسنده فيه عنه (عليه السلام) قال: " ما قال فينا قائل
بيتا من الشعر حتى يؤيد بروح القدس ".
وروى فيه أيضا (4) عن الحسن بن الجهم قال: " سمعت الرضا (عليه
السلام) يقول: " ما قال فينا مؤمن شعرا يمدحنا به إلا بنى الله تبارك وتعالى له
مدينة في الجنة أوسع من الدنيا سبع مرات يزوره فيها كل ملك مقرب ونبي مرسل "
ونحوها ما ورد في مراثي الحسين (عليه السلام) (5).
وهي كما ترى دالة على أن ذلك من أفضل الطاعات وأشرف العبادات.
وقد روى الصدوق أيضا في كتاب اكمال الدين واتمام النعمة (6) قال: حدثنا أبي (رحمه الله) قال: حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن
ابن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال
" بينا رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم بفناء الكعبة يوم افتتح مكة إذ أقبل إليه وقد
فسلموا عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله من القوم؟ قالوا وفد بكر بن وائل. قال فهل

(1) الوسائل الباب 54 من الطواف، وهو نقل بالمضمون
(2) ج 1 ص 7
(3) ج 1 ص 7
(4) ج 1 ص 7
(5) البحار ج 10 ص 166 وسفينة البحار ج 1 ص 509
(6) ص 99 و 100
163

عندكم علم من خبر قس بن ساعدة الأيادي؟ قالوا بلى يا رسول الله صلى الله عليه وآله قال فما
فعل؟ قالوا مات.. ثم ساق الحديث إلى أن قال: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله رحم
الله قسا يحشر يوم القيامة أمة واحدة، ثم قال: هل فيكم أحد يحسن من شعره شيئا؟
قال بعضهم سمعته يقول:
في الأولين الذاهبين * من القرون لنا بصائر
لما رأيت مواردا * للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها * تمضي الأصاغر والأكابر
لا يرجع الماضي إلى * ولا من الباقين غابر
أيقنت أني لا محالة * حيث صار القوم صائر.. الحديث
فانظر إلى هذا الخبر مع صحته صريح في جواز انشاد شعر هذا الحكيم
بين يديه صلى الله عليه وآله في المسجد الحرام وأمره صلى الله عليه وآله بذلك.
وروى أمين الاسلام الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي
في كتاب الآداب الدينية للخزانة المعينية (1) عن خلف بن حماد قال: " قلت للرضا
عليه السلام إن أصحابنا يروون عن آبائك (عليهم السلام) أن الشعر ليلة الجمعة ويوم الجمعة
وفي شهر رمضان وفي الليل مكروه وقد هممت أن أرثى أبا الحسن (عليه السلام)
وهذا شهر رمضان فقال ارث أبا الحسن (عليه السلام) في ليالي الجمع وفي شهر
رمضان وفي سائر الأيام فإن الله عز وجل يكافئك على ذلك ".
وبالجملة فالظاهر هو تخصيص الكراهة في جميع ما ورد فيه كرهة انشاد الشعر
من زمان شريف أو مكان منيف بما ذكرناه آنفا، ولا يبعد عندي حمل المبالغة في
الخبرين المتقدمين على التقية.
العاشر في جمل من المنهيات التي وردت بها الأخبار وإن لم يذكرها
أصحابنا (رضوان الله عليهم) في هذا المقام، وقد تقدم جملة منها في الفائدة

(1) ارجع إلى الاستدراكات في آخر الكتاب
164

السادسة من الفوائد المذكورة في صدر الكتاب:
ومنها أيضا الجدال والجهل والحلف لما رواه الشيخ في الصحيح في الفضيل
ابن يسار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " إذا صام أحدكم الثلاثة الأيام
في الشهر فلا يجادلن أحدا ولا يجهل ولا يسرع إلى الايمان والحلف بالله وإن جهل
عليه أحد فليتحمل " ورواه الكليني والصدوق مثله (2).
المطلب الثالث - في من يصح منه ومن لا يصح وفيه مسائل: الأولى إنما يجب
الصيام لو كان واجبا ويصح مطلقا من المكلف المسلم غير المتضرر به الظاهر من
الحيض والنفاس، فلا يجب ولا يصح من الصبي ولا المجنون ولا المغمى عليه ولا
الكافر ولا الحائض ولا النفساء ولا المريض.
أما أنه لا يجب ولا يصح من الصبي ولا المجنون فهو من ما لا خلاف فيه
نصا وفتوى، لأن التكليف يسقط مع عدم العقل، وقد نقل عن العلامة وغيره أن
الجنون إذا عرض في أثناء النهار لحظة واحدة أبطل صوم ذلك اليوم، ونقل عن
الشيخ أنه ساوى بينه وبين الاغماء في الصحة مع سبق النية، قال في المدارك: ولا
يخلو من قرب. والمسألة غير منصوصة والاحتياط في الوقوف على الأول.
وأما أنه لا يجب على الكافر فهو الظاهر عند جملة من محدثي متأخري
المتأخرين وهو الظاهر عندي، خلافا للمشهور من أن الكافر مخاطب بالفروع وإن
لم تصح منه إلا بالاسلام، ومرجعه إلى أن الاسلام عندهم شرط في الصحة
لا في الوجوب.
والمفهوم من الأخبار كما قدمنا تحقيقه في باب غسل الجنابة أنه شرط
في الوجوب.
ومن الأخبار الدالة على اشتراط الاسلام ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح

(1) الوسائل الباب 12 من آداب الصائم
(2) الوسائل الباب 12 من آداب الصائم
165

عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " أنه سئل عن رجل أسلم في النصف من شهر رمضان
ما عليه من صيامه؟ قال ليس عليه إلا ما أسلم فيه " وزاد في الفقيه (2) " وليس
على أن يقضي ما قد مضى منه ".
وما رواه في الكافي عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عن آبائه (عليهم
السلام) (3) " أن عليا عليه السلام كأن يقول في رجل أسلم في نصف شهر رمضان أنه
ليس عليه إلا ما يستقبل ".
وما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح من بعضهم عن العيص بن القاسم (4)
قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوم أسلموا في شهر رمضان وقد مضى منه أيام
هل عليهم أن يقضوا ما مضى منه أو يومهم الذي أسلموا فيه؟ فقال ليس عليهم
قضاء ولا يومهم الذي أسلموا فيه إلا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر ".
وأما ما رواه الشيخ في التهذيب عن الحلبي (5) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل أسلم بعد ما دخل في شهر رمضان أياما؟ فقال ليقض ما فاته "
فقد حمله الشيخ على ما إذا فاته بعد الاسلام لعارض من مرض أو جهل
بالوجوب أو غير ذلك، وحمله بعضهم على الاستحباب.
وكما دلت هذه الأخبار على سقوط الأداء دلت على سقوط القضاء أيضا. نعم
ذهب الشيخ (قدس سره) في المبسوط على ما نقل عنه إلى أنه متى أسلم قبل الزوال
يصوم وإن تركه قضاه وجوبا، وقواه المحقق في المعتبر لاطلاق الأمر بالصوم
وبقاء وقت النية على وجه يسري حكمها إلى أول النهار كالمريض والمسافر. وظاهر

(1) الوسائل الباب 22 من أحكام شهر رمضان، والراوي في الفروع والتهذيب
هو الحلبي وفي الفقيه ج 2 ص 80 هكذا: " سئل الصادق " ع " وقال في الوسائل: " ورواه
الصدوق مرسلا " ويمكن أن يكون وصف الطريق بالصحة في رواية الصدوق بلحاظ أن
نسبة السؤال والجواب إليه (ع) يكشف عن وصوله إليه بطريق صحيح.
(2) الوسائل الباب 22 من أحكام شهر رمضان
(3) الوسائل الباب 22 من أحكام شهر رمضان
(4) الوسائل الباب 22 من أحكام شهر رمضان
(5) الوسائل الباب 22 من أحكام شهر رمضان
166

صحيحة العيص المتقدمة يرده حيث قيد القضاء بالاسلام قبل الفجر.
وأما أنه لا يصح من المغمى عليه فهو المشهور بين الأصحاب لتصريحهم بأنه
يفسد بحصول الاغماء في جزء من أجزاء النهار كالجنون، وقال الشيخ المفيد في
المقنعة: فإن استهل الشهر عليه وهو يعقل فنوى صيامه وعزم عليه ثم أغمي عليه
وقد صام شيئا منه أو لم يصم ثم أفاق بعد ذلك فلا قضاء عليه لأنه في حكم الصائم
بالنية والعزيمة على أداء الفرض. ونحوه قال الشيخ في الخلاف.
احتج العلامة في المنتهى على ما اختاره من القول المشهور بأنه بزوال عقله
يسقط التكليف عنه وجوبا وندبا فلا يصح منه الصوم مع سقوطه، وبأن كل ما
أفسد الصوم إذا وجد في جميعه أفسده إذا وجد في بعضه كالجنون والحيض،
وبأن سقوط القضاء يستلزم سقوط الأداء في الصوم والأول ثابت على ما يأتي
فيتحقق الثاني.
ولا يخفى ما في هذه الأدلة من الوهن وعدم الصلوح لابتناء الأحكام الشرعية
لو كانت صحيحة فكيف ووجوه الطعن عليها متجهة.
أما الأول فبالمنع من الملازمة فإن النائم غير مكلف قطعا مع أن صومه
لا يفسد بذلك اجماعا.
وأما الثاني فبالمنع من كون الاغماء في جميع النهار مفسدا للصوم مع سبق النية
بل ذلك محل النزاع فكيف يجعل دليلا؟
وأما الثالث فبأن سقوط القضاء يجامع صحة الأداء وفساده كما أن وجوبه
يجامع وجوب الأداء وعدمه، لأنه فرض مستأنف منفك عن الأداء فيتوقف على
الدليل وينتفى بانتفائه، وحينئذ فلا يكون في سقوط القضاء دلالة على
سقوط الأداء.
والحق أنه مع قيام الأدلة كما سيأتي إن شاء الله تعالى في المقام على سقوط القضاء
عن المغمى عليه مطلقا فالنزاع في صحة صومه هنا وبطلانه مع تقديم النية لا ثمرة
167

فيه إلا باعتبار ترتب الثواب عليه عند الله تعالى وعدمه، فإن قلنا بأن الاغماء
لا يبطله في صورة تقديم النية كان مستحقا للثواب عليه وإن قلنا بالابطال فلا ثواب
وحينئذ فليس في النزاع هنا كثير فائدة. والله سبحانه العالم بصحته أو بطلانه يعامله
بما علم من ذلك.
قيل: والحق أن الصوم إن كان عبارة عن مجرد الامساك عن الأمور
المخصوصة مع النية كما هو المستفاد من العمومات وجب الحكم بصحة صوم المغمى
عليه إذا سبقت منه النية كما اختاره الشيخان، وإن اعتبر مع ذلك وقوعه بجميع
أجزائه على وجه الوجوب أو الندب بحيث يكون كل جزء من أجزائه موصوفا
بذلك اتجه القول بفساد ذلك الجزء الواقع في حال الاغماء، لأنه لا يوصف
بوجوب ولا ندب ويلزم من فساده فساد الكل لأن الصوم لا يتبعض. إلا أن
ذلك منفي بالأصل ومنقوض بالنائم فإنه غير مكلف قطعا مع أن صومه لا يفسد
بذلك اجماعا. كذا ذكره السيد السند في المدارك
أقول: لقائل أن يختار الشق الأخير وهو أن يعتبر مع ذلك وقوعه بجميع
أجزائه على وجه الوجوب أو الندب لكن لا مطلقا بل مع الامكان فلا ينافيه
حصول الغفلة أو النسيان عن ذلك ولا الاغماء ولا النوم ويصير حكم الاغماء كهذه
الأشياء المذكورة، وحينئذ فيمكن الحكم بالصحة في موضع البحث. وسيأتي في كلامه
(قدس سره) في مسألة ما يؤيد ما قلناه هنا.
وأما أنه لا يجب على الحائض والنفساء ولا يصح منهما سواء حصل العذر
قبل الغروب أو انقطع بعد الفجر فهو موضع وفاق بين الأصحاب كما ذكروه.
ويدل عليه روايات: منها ما رواه الشيخ في الصحيح عن عيص بن القاسم
البجلي عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " سألته عن امرأة طمثت في شهر رمضان
قبل أن تغيب الشمس؟ قال: تفطر حين تطمث ".

(1) التهذيب ج 1 ص 393 الطبع الحديث وفي الوسائل الباب 25 ممن يصح منه الصوم
168

وفي الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " سألته عن
امرأة أصبحت صائمة فلما ارتفع النهار أو كان العشاء حاضت أتفطر؟ قال نعم وإن
كان وقت المغرب فلتفطر. قال: وسألته عن امرأة رأت الطهر في أول النهار في
شهر رمضان فتغتسل ولم تطعم كيف تصنع في ذلك اليوم؟ قال: تفطر ذلك اليوم
فإنما افطارها من الدم ".
وما رواه ابن بابويه عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام (2) " في
امرأة أصبحت صائمة فلما ارتفع النهار أو كان العشاء حاضت انفطر؟ قال:
نعم وإن كان قبل المغرب فلتفطر. وعن امرأة ترى الطهر في أول النهار من شهر
رمضان ولم تغتسل ولم تطعم شيئا كيف تصنع بذلك اليوم؟ قال: إنما فطرها من الدم ".
وفي الصحيح عن عبد الرحمان بن الحجاج (3) " أنه سأل أبا الحسن عليه السلام عن
المرأة تلد بعد العصر أتتم ذلك اليوم أم تفطر؟ فقال: تفطر ثم تقضي ذلك اليوم ".
وأما أنه لا يصح من المريض مع التضرر به فهو من ما لا خلاف فيه نصا
وفتوى في ما أعلم، ويتحقق الضرر الموجب للافطار بزيادة المرض بسبب الصوم
أو بطؤ البرء أو حصول المشقة التي لا يتحمل مثلها عادة أو حدوث مرض آخر
والمرجع في ذلك كله إلى الظن الغالب سواء استند إلى أمارة أو تجربة أو قول
عارف وإن لم يكن عدلا.
ويدل على وجوب الافطار في هذه المسألة قوله عز وجل: " ومن كان
مريضا.. الآية " (4).
وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (5) قال:

(1) الوسائل الباب 5 ممن يصح منه الصوم والشيخ يرويه عن الكليني
(2) الفقيه ج 2 ص 94 وفي الوسائل الباب 25 ممن يصح منه الصوم
(3) الوسائل الباب 26 ممن يصح منه الصوم (4) سورة البقرة الآية 182
(5) الوسائل الباب 11 و 20 ممن يصح منه الصوم.
169

" الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر. وقال: كل ما أضر به الصوم فالافطار له واجب ".
وفي الصحيح عن بكر بن محمد الأزدي عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " سأله
أبي وأنا أسمع عن حد المرض الذي يترك الانسان فيه الصوم؟ قال: إذا لم يستطع
أن يتسحر ".
وفي الموثق عن ابن بكير عن زرارة (2) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
ما حد المرض الذي يفطر فيه الرجل ويدع الصلاة من قيام؟ فقال: بل الانسان على
نفسه بصيرة (3) هو أعلم بما يطيقه ".
وفي الموثق عن سماعة (4) قال: " سألته ما حد المرض الذي يجب على
صاحبه فيه الافطار كما يجب عليه في السفر " من كان مريضا أو على سفر "؟ قال: هو
مؤتمن عليه مفوض إليه فإن وجد ضعفا فليفطر وإن وجد قوة فليصمه كان
المرض ما كان ".
وفي الصحيح عن جميل بن دراج عن الوليد بن صبيح (5) قال: " حممت
بالمدينة في شهر رمضان فبعث إلي أبو عبد الله عليه السلام بقصعة فيها خل وزيت وقال:
أفطر وصل وأنت قاعد ".
وما رواه في الكافي والفقيه عن سليمان بن عمرو عن أبي عبد الله عليه السلام (6)

(1) الوسائل الباب 20 ممن يصح منه الصوم
(2) الفقيه ج 2 ص 83 وفي الوسائل الباب 20 ممن يصح منه الصوم
(3) قال الله تعالى في سورة القيامة الآية 15: بل الانسان على نفسه بصيرة
(4) الوسائل الباب 20 ممن يصح منه الصوم. والرواية للكليني في الفروع ج 1 ص
195 ويرويها الشيخ عنه في التهذيب ج 4 ص 256 من الطبع الحديث.
(5) الوسائل الباب 18 ممن يصح منه الصوم.
(6) الوسائل الباب 19 ممن يصح منه الصوم
170

قال: " اشتكت أم سلمة عينها في شهر رمضان فأمرها رسول الله صلى الله عليه وآله أن تفطر
وقال عشاء الليل لعينك ردئ "
وروى في الفقيه مرسلا (1) قال: وقال عليه السلام: " كل ما أضر به الصوم
فالافطار له واجب ".
وأما ما رواه الشيخ في التهذيب عن عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام (2)
" في رجل صام شهر رمضان وهو مريض؟ قال يتم صومه ولا يعيد " فحمله في
التهذيب على مرض لا يضر معه الصوم غير بالغ إلى حد وجوب الافطار.
تفريعان
الأول قال العلامة في المنتهى: الصحيح الذي يخشى المرض بالصيام هل
يباح له الافطار؟ فيه تردد ينشأ من وجوب الصوم بالعموم وسلامته عن معارضة
المرض، ومن كون المريض إنما أبيح له الفطر لأجل الضرر به وهو حاصل هنا
لأن الخوف من تجدد المرض في معنى الخوف من زيادته وتطاوله. انتهى.
ويمكن ترجيح الوجه الثاني بعموم قوله عز وجل: وما جعل عليكم في الدين
من حرج (3) وبقوله: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر (4) وقوله عليه السلام في
صحيحة حريز المتقدمة ورواية الفقيه (5) " كل ما أضربه الصوم فالافطار له واجب "
ويؤيده أيضا أن أصل المرض مع عدم بلوغه حد الاضرار لا يكون مبيحا

(1) الوسائل الباب 20 ممن يصح منه الصوم. وهو عين ما تقدم في ذيل صحيح حريز
وليس حديثا غيره.
(2) الوسائل الباب 22 ممن يصح منه الصوم
(3) سورة الحج الآية 78.
(4) سورة البقرة الآية 182
(5) ظاهره (قدس سره) أن هذا اللفظ أورده الصدوق في الفقيه بطريقين مع أن
الأمر ليس كذلك فإن ما ذكره في ذيل صحيحة حريز هو الذي ذكره بنحو الارسال
كما تقدم.
171

للافطار وإنما يبيح الافطار خوف التضرر بزيادته أو نحوها من ما قدمناه، فأصل
المرض والصحيح الذي ليس بمريض بالكلية أمر واحد، وبالجملة فإن أصل المرض لا
مدخل له حتى يتجه ما ذكره من وجوب الصوم بالعموم وسلامته من معارضة
المرض، فإن الذي أوجب الافطار إنما هو المتجدد بالصيام فهذا هو المعارض
وهو هنا حاصل.
الثاني لو صح من مرضه قبل الزوال ولم يتناول شيئا وجب عليه الصوم
وإن كان بعد الزوال أو كان تناول شيئا استحب له الامساك تأديبا على المشهور،
ونقل عن الشيخ المفيد الوجوب أيضا وإن وجب عليه القضاء.
أما وجوب الصوم في الصورة الأولى فاستدل عليه العلامة في المنتهى
والتذكرة وقبله المحقق في المعتبر بأنه قبل الزوال يتمكن من أداء الواجب على وجه
تؤثر النية في ابتدائه فوجب. ولا يخفى ما في هذا الاستدلال من الوهن والاختلال
وقال في المدارك: ويدل عليه فحوى ما دل على ثبوت ذلك في المسافر فإن
المريض أعذر منه. وفيه ما عرفت في ما تقدم في بحث النية.
وبالجملة فحيث كانت المسألة عارية من النص في هذا المجال فهي لا تخلو
من الاشكال.
وأما عدم الوجوب في الصورة الثانية فأما في صورة التناول فلا اشكال فيه
لبطلان الصوم بذلك، وأما في صورة ما بعد الزوال فعللوه بفوات وقت النية،
وهو محل إشكال أيضا فإنه قد تقدم النقل عن ابن الجنيد القول بجواز تجديد النية
ولو بعد الزوال، وعليه تدل ظواهر جملة من الأخبار المتقدمة ثمة.
وبالجملة فإن المسألة في كل من الطرفين غير خالية من شوب الاشكال.
احتج الشيخ المفيد على ما نقل عنه من وجوب الامساك وإن أفطر بأنه وقت
يجب فيه الامساك على غير المريض والتقدير برؤه فيه.
وأجاب عنه في المختلف بأنه إنما يجب الامساك على الصحيح لوجوب صوم
172

ابتدأ به أما على تقدير عدمه فلا.
الثانية الظاهر أنه لا خلاف في أن النائم إذا سبقت منه النية وإن استمر
نومه في جميع النهار فإن صومه صحيح لتحقق الصوم الذي هو عبارة عن الامساك
عن تعمد المفطر مع النية.
ويدل عليه الأخبار الكثيرة ومنها ما رواه الكليني بسنده عن الحسن بن
صدقة (1) قال: " قال أبو الحسن عليه السلام قيلوا فإن الله يطعم الصائم ويسقيه في منامه "
ورواه الصدوق مرسلا (2) وفي ثواب الأعمال مسندا (3).
وروى الشيخ المفيد في المقنعة (4) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله نوم الصائم
عبادة ونفسه تسبيح " قال: وقال الصادق عليه السلام (5) " الصائم في عبادة وإن كان
نائما على فراشه ما لم يغتب مسلما " ورواه الشيخ مرسلا (6) ورواهما الصدوق (7)
وقال ابن إدريس إن النائم غير مكلف بالصوم وليس صومه شرعيا. وغلطه
العلامة في المختلف قال: لأنه بحكم الصائم ولا تسقط عنه التكاليف بنومه لزوال
عذره سريعا. انتهى.
قيل: ومراد ابن إدريس أن الامساك في حال النوم لا يوصف بوجوب ولا
ندب ولا يوصف بالصحة لكنه بحكم الصحيح في استحقاق الثواب عليه للاجماع

(1) الوسائل الباب 2 من آداب الصائم
(2) الوسائل الباب 2 من آداب الصائم
(3) الوسائل الباب 2 من آداب الصائم
(4) الوسائل الباب 2 من آداب الصائم، وهو يرويه عن الصادق (ع) عن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) راجع المقنعة ص 49 ورواه الكليني في الفروع ج 1 ص 180
والشيخ في التهذيب ج 4 ص 190.
(5) الوسائل الباب 2 من آداب الصائم، وهو كسابقه يرويه عن الصادق " ع "
عن رسول الله " ص "
(6) الوسائل الباب 2 من آداب الصائم، وقد رواه وما قبله كما تقدم عن الكليني
راجع الفروع ج 1 ص 180 والتهذيب ج 1 ص 190.
(7) الوسائل الباب 2 من آداب الصائم
173

القطعي على أن النوم لا يبطل الصوم.
أقول: فيه أولا إنه لا يخفى بعد انطباق كلام ابن إدريس على هذا المذكور
وثانيا - إن ما ادعاه من أن يصوم النائم لا يوصف بالصحة وإنما هو بحكم
الصحيح مبني على تعريفهم الصوم بما ذكروه من أنه الامساك عن تعمد الافطار مع
النية، وهذا التعريف مجرد اصطلاح منهم (رضوان الله عليهم) ولا أثر له في
النصوص، ومن الجائز بناء على هذا التعريف أيضا اختصاص ذلك بغير الغافل
والساهي والنائم والمغمى عليه ونحوهم وهذا التعريف خرج بناء على الغالب
المتكثر فلا منافاة.
قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك إنه لا يعرف خلافا ممن يعتد به من
العامة (1) والخاصة في أن النوم غير مبطل للصوم ولا مانع منه، ولأنه لو أبطله
لحرم النوم على الصائم اختيارا حيث يجب المضي فيه وهو خلاف الاجماع
والنصوص الدالة على إباحته بل المجازاة عليه في الآخرة كما روي أن نوم الصائم
عبادة ونفسه تسبيح (2) ونقل عن ابن إدريس أن النائم غير مكلف بالصوم وليس
صومه شرعيا وقد عرفت فساده. ثم قال (فإن قيل) النائم غير مكلف لأنه غافل
ولقوله صلى الله عليه وآله (3) " رفع القلم عن ثلاثة.. " وعد منهم النائم حتى يستيقظ، وقد
أطبق المحققون في الأصول على استحالة تكليفه وذلك يقتضي عدم وقوع الجزء الحاصل
وقت النوم شرعيا لأنه غير مكلف به، ويلحقه باقي النهار لأن الصوم لا يقبل
التجزئة في اليوم الواحد، وهذا يؤيد ما ذكره ابن إدريس بل يقتضي عدم جواز
النوم اختيارا على الوجه المذكور (قلنا) تكليف النائم والغافل وغيرهما ممن يفقد
شروط التكليف قد ينظر فيه من حيث الابتداء بمعنى توجه الخطاب إلى المكلف
بالفعل وأمره بايقاعه على الوجه المأمور به بعد الخطاب، وقد ينظر فيه من حيث

(1) راجع المغني ج 3 ص 98 والمجموع ج 6 ص 345 (2) ص 173
(3) الوسائل الباب 4 من مقدمة العبادات وسنن البيهقي ج 8 ص 264
174

الاستدامة بمعنى أنه لو شرع في الفعل قبل النوم والغفلة وغيرهما ثم عرض له ذلك
في الأثناء، والقسم الأول لا اشكال في امتناع التكليف به عند المانع من تكليف
ما لا يطاق من غير فرق بين أنواع الغفلة، وهذا هو المعنى الذي أطلق الأكثر من
الأصوليين وغيرهم امتناعه كما يرشد إلى ذلك دليلهم عليه وإن أطلقوا الكلام فيه،
لأنهم احتجوا عليه بأن الاتيان بالفعل المعين لغرض امتثال الأمر يقتضي العلم به
المستلزم للعلم بتوجه الأمر ونحوه، فإن هذا الدليل غير قائم في أثناء العبادة في كثير
من الموارد اجماعا إذ لا تتوقف صحتها على توجه الذهن إليها فضلا عن إيقاعها على
الوجه المطلوب كما سنبينه. وأما الثاني فالعارض قد يكون مخرجا عن أهلية الخطاب
والتهيؤ له أصلا كالجنون والاغماء على أصح القولين وهذا يمنع استدامة التكليف كما
يمنع ابتداءه، وقد لا يخرج عن ذلك كالنوم والسهو والنسيان مع بقاء التعقل، وهذه
المعاني وإن منعت من ابتداء التكليف بالفعل لكن لا تمنع من استدامته إذا وقع
على وجهه. انتهى.
واعترضه سبطه السيد السند في المدارك بأنه غير جيد فإن كلام الأصوليين
مطلق في امتناع تكليف الغافل، وكذا الدليل الذي عولت عليه الإمامية في امتناع
ذلك من كونه قبيحا عقلا لجريانه مجرى تكليف البهائم والجمادات صريح في سقوط
التكاليف كلها عنه وكذا حديث رفع القلم. وبالجملة فالمستفاد من الأدلة العقلية
والنقلية عدم تكليف الغافل بوجه وأنه لا فرق بين المجنون والمغمى عليه والنائم
في ذلك، لاشتراك الجميع في تحقق الغفلة المقتضية لقبح التكليف معها سواء في ذلك
الابتداء والاستدامة. على أن اللازم من كون النائم مكلفا بالاستدامة كونه آثما
بالاخلال بها وهو باطل ضرورة. وكيف كان فلا ضرورة إلى ما ارتكبه الشارح
(قدس سره) من التكلف في هذا المقام بعد ثبوت عدم منافاة النوم للصوم بالنص
والاجماع. انتهى.
أقول: الظاهر أن ما ذكره (قدس سره) في الإيراد على جده (طاب ثراه)
175

لا يخلو من شئ، وذلك فإن مبنى كلام جده بالنسبة إلى القسم الثاني وهو عروض
هذه الأشياء في الاستدامة على الفرق بين ما يبطل به الصيام من الجنون والسكر
ونحوهما الاغماء على ما اختاره من حيث إنها مزيلة للعقل كما صرح به جده في صدر
كلامه في الكتاب المذكور، وكل ما كان مزيلا للعقل عندهم فهو مخرج عن أهلية
التكليف ومبطل للعبادة وبين ما لا يبطل به من النوم والسهو والنسيان فإنها غير
مزبلة للعقل وإنما تغطي الحواس الظاهرة وتعطلها وتبطل التمييز والعقل معها باق
على حاله، فهذه إن عرضت في الابتداء فلا إشكال عنده كما ذكره في حصول العذر
بها لامتناع التكليف بالفعل من حيث الغفلة والخطاب لا يتوجه إلى الغافل لامتناع
تكليفه لأنه من باب تكليف ما لا يطاق وهو منفي عقلا ونقلا، وإن عرضت بعد
أن انعقد الفعل وصح فلا وجه لبطلان الفعل إذ الابطال في الصورة السابقة إنما
هو من حيث زوال العقل والحال إن العقل هنا موجود، وليس هنا إلا توهم وجوب
الاستدامة والاستدامة الفعلية منفية إجماعا بل الحكمية في الصوم على ما صرح به
السيد وجده في ما تقدم، فلا موجب لبطلان الصوم بعد الحكم بصحته أو لا.
وأما ما ذكروه من ما قدمنا نقله عنهم قريبا من أنه يجب نية الوجوب أو
الندب في كل جزء جزء من نهار الصوم، وهنا يمتنع تكليفه بذلك من حيث الغفلة
لامتناع تكليف الغافل فيبطل هذا الجزء من اليوم ويبطل بذلك بقية اليوم لأن
الصوم لا يتبعض فلم يقم عليه دليل، وحينئذ فيكون صومه حال النوم والنسيان
بعد انعقاده بالنية السابقة صحيحا والقول ببطلانه يتوقف على الدليل وليس فليس.
الثالثة - لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أنه يستحب تمرين
الصبي على الصوم قبل البلوغ، قال الشيخ في النهاية:
ويستحب أن يؤخذ الصبيان بالصيام
إذا أطاقوه وبلغوا تسع سنين وإن لم يكن واجبا عليهم ولم يتعرض لما قبل التسع
وظاهره أن مبدأ الأمر لهم بذلك كما التسع، ونقل عنه في المختلف أنه قال في
المبسوط أن مبدأ ذلك بعد تمام سبع سنين، وعن الشيخ المفيد أنه يؤخذ بالصيام
176

إذا بلغ الحلم أو قدر على صيام ثلاثة أيام متتابعات قبل أن يبلغ الحلم، بذلك جاءت
الآثار. وقال ابن الجنيد يستحب أن يعود الصبيان وإن لم يبلغوا الصيام ويؤخذوا
إذا أطاقوا صيام ثلاثة أيام تباعا. وعن ابني بابويه يؤخذ بالصيام إذا بلغ
تسع سنين على قدر ما يطيقه فإن أطاق إلى الظهر أو بعده صام إلى ذلك الوقت وإذا
غلب عليه الجوع والعطش أفطر، وإذا صام ثلاثة أيام ولاء أخذ بصوم الشهر كله.
واستقرب في المختلف ما ذهب إليه في المبسوط.
أقول: والظاهر أن السبب في اختلاف هذه الأقوال هو اختلاف الأخبار
الواردة في هذه المسألة:
ومنها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: إنا نأمر صبياننا
بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم ما كان إلى نصف النهار
أو أكثر من ذلك أو أقل فإذا غلبهم العطش والغرث أفطروا حتى يتعودوا الصوم
ويطيقوه، فمروا صبيانكم إذا كانوا أبناء تسع سنين بما أطاقوا من صيام فإذا غلبهم
العطش أفطروا " أقول: والغرث بالغين المعجمة والراء المهملة والثاء
المثلثة: الجوع.
وروى هذا الخبر في الفقيه أيضا مرسلا عن أبي عبد الله عليه السلام (2).
وروى فيه أيضا مرسلا (3) قال: " قال الصادق عليه السلام الصبي يؤخذ بالصيام
إذا بلغ تسع سنين على قدر ما يطيقه فإن أطاق إلى الظهر أو بعده صام إلى ذلك
الوقت فإذا غلب عليه الجوع والعطش أفطر ".

(1) الوسائل الباب 29 ممن يصح منه الصوم. واللفظ فيه مطابق لما ورد في الوافي باب
(صيام الصبيان ومتى يؤخذون به وفيه هكذا: " إذا كانوا في سبع سنين " وحيث إن
الوارد في غيره من كتب الحديث " بني سبع " أوردناه كذلك.
(2) الوسائل الباب 29 ممن يصح منه الصوم.
(3) الوسائل الباب 29 ممن يصح منه الصوم.
177

وروى في الكافي والتهذيب عن السكوني عن أبي عبد الله عن أبيه عن علي
(عليهم السلام) (1) قال: " الصبي إذا أطاق أن يصوم أيام متتابعة فقد
وجب عليه صيام شهر رمضان ".
وروى في الكافي والفقيه في الموثق عن سماعة (2) قال: " سألته عن الصبي
متى يصوم؟ قال: إذا قوى على الصيام ".
وروى في التهذيب عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (3) " أنه سئل عن
الصبي متى يصوم؟ قال: إذا أطاقه ".
وروى الثلاثة في كتبهم الثلاثة في الصحيح عن معاوية بن وهب (4) قال:
" سألت أبا عبد الله عليه السلام في كم يؤخذ الصبي بالصيام؟ قال: ما بينه وبين خمس عشرة وأربع
عشرة سنة فإن هو صام قبل ذلك فدعه، ولقد صام ابني فلان قبل ذلك فتركته ".
قال في الفقيه: وهذه الأخبار كلها متفقة المعاني يؤخذ الصبي بالصيام إذا
بلغ تسع سنين إلى أربع عشرة سنة أو خمس عشرة سنة وإلى الاحتلام، وكذلك
المرأة إلى الحيض. ووجوب الصيام عليهما بعد الاحتلام والحيض وما قبل ذلك
تأديب. انتهى.
أقول: ولعل من جعل التمرين بعد السبع أخذ بصدر صحيحة الحلبي ومن
ناطه بالتسع أخذ بعجزها مع المرسلة المنقولة عن الفقيه، ولعله الأظهر لكثرة
الأخبار به زيادة على ما نقلناه، ولدلالة صحيحة الحلبي على أن الأمر بعد السبع إنما
هو لأولادهم (عليه السلام) والذي أمروا به شيعتهم إنما هو بعد التسع، ومن

(1) الوسائل الباب 29 ممن يصح منه الصوم، وقد رواه في الفروع ج 1 ص 197
عن أبي عبد الله " ع " وفي التهذيب ج 4 ص 281 الطبع الحديث عن أبي عبد الله عن أبيه
عن علي " ع " و ص 326 عن أبي عبد الله عن أبيه " ع " وفي الفقيه ج 2 ص 76 عن
إسماعيل بن مسلم عن الصادق " ع " واللفظ هنا مطابق لما ورد ص 281 من التهذيب.
(2) الوسائل الباب 29 ممن يصح منه الصوم
(3) الوسائل الباب 29 ممن يصح منه الصوم
(4) الوسائل الباب 29 ممن يصح منه الصوم
178

قيد بصيام ثلاثة أيام متتابعة أخذ برواية السكوني.
وأما ما نقله في المختلف عن ابني بابويه فهو عين عبارة كتاب الفقه الرضوي
حيث قال عليه السلام (1): واعلم أن الغلام يؤخذ بالصيام إذا بلغ تسع سنين على قدر
ما يطيقه فإن أطاق إلى الظهر أو بعده صام إلى ذلك الوقت، فإن غلب عليه الجوع
والعطش أفطر، وإذا صام ثلاثة أيام ولاء يأخذه بصيام الشهر كله. انتهى.
وأما ما ذكره المحقق في الشرائع من أنه يمرن الصبي والصبية على الصوم
قبل البلوغ ويشدد عليهما لسبع مع الطاقة
فلم نقف على دليل والروايات كما عرفت منها ما دل على السبع أو التسع
أو القدرة على ثلاثة أيام متواليات أو الإطاقة والقوة على الصيام، والذي يتلخص
من الجمع بينها وضم بعضها إلى بعض هو أن مراتب الأطفال في القوة والضعف
والإطاقة وعدمها متفاوتة وبلوغ التسع أعلى المراتب بمعنى إمكان ذلك وتيسره من
الجميع، وأما ما قبلها فالمراتب فيه متفاوتة فبعض يكلف قبل السبع لا طاقته ذلك
وبعض بوصولها وبعض بعدها وهكذا.
وما صرحت به رواية السكوني من الوجوب فهو محمول على تأكد الاستحباب
للاجماع نصا وفتوى على إناطة الوجوب الشرعي بالبلوغ، ومن المحتمل قريبا حمل
الخبر المذكور على التقية فإنه منقول عن أحمد محتجا بما روى عن النبي صلى الله عليه وآله (2)
قال: " إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيام وجب عليه صيام شهر رمضان ".
ثم لا يخفى أن مورد الأخبار المتقدمة إنما هو الصبي خاصة والأصحاب قد

(1) ص 25
(2) الانصاف ج 3 ص 281، وقال ابن قدامة الحنبلي في المغني ج 3 ص 154 بعد
أن ذكر عدم الوجوب حتى يبلغ: وذهب بعض أصحابنا إلى ايجابه على الغلام المطيق له
إذا بلغ عشر لما روي.. ثم نقل الرواية المذكورة في المتن وقال بعد ذلك: والمذهب الأول
واستدل لذلك بحديث رفع القلم. وارجع إلى نيل الأوطار ج 4 ص 211
179

عمموا الحكم في الصبي والصبية فذكروهما معا، وعللوه بأن المقتضي في الصبي موجود
في الصبية. ولا يخلو من توقف إذ من الجائز اختصاص الحكم بالصبي خاصة
كما لا يخفى.
وأما البحث في كون صوم الصبي هنا شرعيا يستحق عليه الثواب أو تمرينيا
فقد تقدم الكلام فيه في الموضع العاشر (1) من المطلب الأول.
بقي هنا شئ وهو أنه نقل في المختلف عن الشيخ في الخلاف أنه قال: الصبي
إذا نوى الصوم ثم بلغ في الأثناء وجب عليه الامساك. ونقل عنه أنه قال في كتاب
الصلاة منه: إذا دخل في الصوم ثم بلغ أمسك بقية النهار تأديبا وليس عليه قضاء. ثم
قال في المختلف: والوجه هو الثاني وهو اختيار ابن الجنيد وابن إدريس، لنا أن
الصوم عبادة لا تقبل التجزئة وهو في أول النهار لم يكن مكلفا به فلا يقع التكليف
به في باقيه.
احتج بأنه بالغ مكلف يصح منه الصوم وقد انعقد صومه شرعا في أول النهار
فيجب عليه إتمامه. والجواب المنع من شرعية صومه وانعقاده. انتهى.
أقول: قد صرح جملة من الأصحاب بأن من فروع الخلاف في صوم الصبي
بأنه تمريني أو شرعي الاتصاف بالصحة والبطلان فيتصف على الثاني دون الأول،
وترتب الثواب وعدمه فيترتب على الثاني دون الأول، والاجتزاء به لو بلغ في
أثناء النهار فإنه ينوي الوجوب ويصح صومه على الثاني دون الأول.
والظاهر أن الشيخ في كتاب صوم الخلاف إنما صرح بوجوب الامساك بناء
على كون الصوم عنده شرعيا والعلامة لما كان مذهبه في المختلف أنه تمريني ادعى
منافاة أول اليوم لآخره وادعى أنه في الأول غير مكلف فلا يقع التكليف به في
باقيه. وفيه نظر قد أوضحناه في ما تقدم في الموضع المشار إليه آنفا، مع أنه في
المنتهى اختار كون صومه صحيحا شرعيا فقال: ولا خلاف بين أهل العلم في شرعية
ذلك.. إلى أن قال: فكان صومه ثابتا في نظر الشرع، وإذا ثبت ذلك فإن صومه

(1) ص 53 الموضع الحادي عشر
180

صحيح شرعي ونيته صحيحة وينوي الندب لأنه الوجه الذي يقع عليه فعله فلا ينوي
غيره. ثم نقل عن أبي حنيفة أنه ليس بشرعي وإنما هو إمساك عن المفطرات
للتأديب (1) قال: وفيه قوة.
وبالجملة فالأحوط في صورة البلوغ في أثناء اليوم لو كان صائما أنه يتمه وجوبا
وكذا في الصلاة ثم يأتي بهما بعد ذلك أيضا أداء أو قضاء.
الرابعة - البلوغ الذي يترتب عليه التكليف وجوبا بالصوم وغيره إنما يعلم
بانبات الشعر الخشن على العانة أو خروج المني كيف كان يقظة أو نوما بجماع أو
غير جماع وهذا من ما يشترك فيه الذكور والإناث والحيض أو الحبل بالنسبة
إلى النساء، إلا أن هذين في الحقيقة إنما هما دليلان على سبق البلوغ وحصوله،
وقيل في الانبات إنه كذلك أيضا، وقيل إنه بنفسه دليل على البلوغ كالمني والسن وبلوغ التسع بمعنى كمالها في الأنثى على المشهور، ونقل عن الشيخ في كتاب الصوم
من المبسوط بلوغ العشر مع أنه في كتاب الحجر من الكتاب المذكور وافق المشهور،
وكذا نقل القول بالعشر عن ابن حمزة، والخمس عشرة كذلك في الذكر على المشهور
وعن ابن الجنيد بلوغ أربع عشرة سنة كما نقله عنه في المختلف ونقل عنه في المهذب
أنه من ثلاثة عشر إلى أربعة عشر. وفي المدارك أنه لا خلاف في تحقق البلوغ
باكمال الخمس عشرة وإنما الخلاف في ما دونه فقيل بالاكتفاء ببلوغ أربع عشرة
سنة، وقيل بالاكتفاء باتمام ثلاث عشرة سنة والدخول في الرابعة عشرة.
وحيث كان ما عدا التحديد بالسن من ما وقع عليه الاتفاق فلا ضرورة في
التطويل بذكر رواياته مع وجود ذلك في الأخبار التي نذكرها.
وأما ما ورد بالتحديد بالسن فمنها ما رواه في الكافي عن حمزة بن حمران

(1) لم أقف عليه في ما حضرني من كتبهم، وفي البحر الرائق لابن نحيم الحنفي ج 2
ص 277: وأما البلوغ فليس من شرط الصحة لصحته من الصبي العاقل ولهذا يثاب عليه.
كذا في البدائع.
181

عن حمران (1) قال: " سألت أبا جعفر عليه السلام قلت له: متى يجب على الغلام أن يؤخذ
بالحدود التامة وتقام عليه ويؤخذ بها؟ فقال: إذا خرج عنه اليتم وأدرك. قلت فلذلك
حد يعرف به؟ فقال: إذا احتلم أو بلغ خمس عشرة سنة أو أشعر أو أنبت قبل ذلك
أقيمت عليه الحدود التامة وأخذ بها وأخذت له. قلت: فالجارية متى تجب عليها
الحدود التامة وتؤخذ بها وتؤخذ لها؟ قال: إن الجارية ليست مثل الغلام إن الجارية
إذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ودفع إليها مالها وجاز أمرها
في الشراء والبيع وأقيمت عليها الحدود التامة وأخذ لها وبها. قال: والغلام لا يجوز
أمره في الشراء والبيع ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ عشرة سنة أو يحتمل أو يشعر
أو ينبت قبل ذلك ".
ورواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر (2) نقلا من كتاب المشيخة
للحسن بن محبوب عن حمزة بن حمران عن أبي جعفر عليه السلام بغير واسطة حمران.
وعن يزيد الكناسي عن أبي جعفر عليه السلام (3) قال: " الجارية إذا بلغت تسع
سنين ذهب عنها اليتم وزوجت وأقيمت عليها الحدود التامة عليها ولها ".
والأخبار ببلوغ الجارية بالتسع كثيرة لا حاجة إلى التطويل بنقلها، وأما
القول بالعشر فلم أقف له على دليل وإن وجد فهو شاذ مأول.
وفي الحسن على المشهور والصحيح عندي عن سليمان بن خالد عن أبي بصير
عن أبي عبد الله عليه السلام (4) في حديث " في غلام صغير لم يدرك ابن عشر سنين زنى بامرأة
محصنة؟ قال: لا ترجم لأن الذي زنى بها ليس بمدرك ولو كان مدركا رجمت ".
وصحيحة معاوية بن وهب المتقدمة (5) المتضمنة لأنه يؤخذ الصبي بالصيام ما بينه وبين خمس عشرة سنة وأربع عشرة سنة.

(1) الوسائل الباب 4 من مقدمة العبادات
(2) الوسائل الباب 4 من مقدمة العبادات
(3) الوسائل الباب 4 من مقدمة العبادات
(4) الوسائل الباب 4 من مقدمة العبادات والباب 9 من حد الزنا
(5) ص 178
182

ورواية أبي حمزة الثمالي عن الباقر عليه السلام (1) قال: " قلت له: جعلت فداك في
كم تجري الأحكام على الصبيان؟ قال: في ثلاث عشرة سنة أو أربع عشرة سنة.
قلت: فإن لم يحتلم فيها؟ قال: وإن لم يحتلم فيها فإن الأحكام تجري عليه ".
وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " إذا بلغ الغلام
أشده ثلاث عشرة سنة ودخل في الأربع عشرة وجب عليه ما وجب على المحتلمين
احتلم أو لم يحتلم وكتبت عليه السيئات وكتبت له الحسنات وجاز له كل شئ إلا أن
يكون ضعيفا أو سفيها ".
والظاهر أنه بظاهر هذين الخبرين أخذ ابن الجنيد، وفي المختلف نقل حديث
الثمالي حجة لابن الجنيد وطعن فيه بضعف السند.
وروى في الكافي والفقيه عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال:
" إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة وكتبت عليه السيئة وعوقب،
وإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك وذلك أنها تحيض لتسع سنين ".
وروى في التهذيب في الموثق عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (4)
قال: " سأله أبي وأنا حاضر عن قول الله تعالى: حتى إذا بلغ أشده (5) قال: الاحتلام
قال فقال يحتلم في ست عشرة وسبع عشرة سنة ونحوها. فقال إذا أتت عليه ثلاث
عشرة سنة ونحوها؟ فقال لا إذا أتت عليه ثلاث عشره سنة كتبت له الحسنات
وكتبت عليه السيئات وجاز أمره إلا أن يكون سفيها أو ضعيفا. فقال وما السفيه؟
قال: الذي يشتري الدرهم بأضعافه. قال: وما الضعيف؟ قال الأبله ".
وروى في الكافي والتهذيب عن عيسى بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام (6) قال:

(1) الوسائل الباب 45 من الوصايا
(2) الوسائل الباب 44 من الوصايا
(3) الوسائل الباب 44 من الوصايا. ولم تنقل الرواية عن الفقيه نعم وردت
في التهذيب أيضا ج 9 ص 184.
(4) الوسائل الباب 44 من الوصايا
(5) سورة الأحقاف الآية 15
(6) الوسائل الباب 44 من الوصايا
183

" قال أمير المؤمنين عليه السلام: يثغر الصبي لسبع سنين ويؤمر بالصلاة لتسع ويفرق بينهم
في المضاجع لعشر ويحتلم لأربع عشرة وينتهي طوله لإحدى وعشرين وينتهي عقله
لثمان وعشرين إلا التجارب ".
وروى في التهذيب في الموثق عن عمار بن موسى الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام (1)
قال: " سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ فقال: إذا أتى عليه ثلاث عشرة
سنة فإذا احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم، والجارية مثل
ذلك إذا أتى لها ثلاث عشرة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة وجرى
عليها القلم ".
أقول: لا يخفى ما بين هذه الأخبار من التدافع في تعيين البلوغ بالسن
بالنسبة إلى الغلام.
وقد وردت أيضا أخبار في باب الوصايا والعتق دالة على صحة وصية ابن
عشر سنين وعتقه وصدقته مع رشده وتمييزه (2).
وجعلها صاحب المفاتيح دالة على البلوغ بالنسبة إلى هذه الأشياء وجعل البلوغ
مراتب باعتبار التكليفات.
والظاهر بعده فإنه ليس في شئ منها ما يشير إلى حصول البلوغ بذلك فضلا
عن التصريح به ولا صرح بذلك أحد من أصحابنا، والظاهر منها إنما هو إرادة بيان
رفع الحجر عنه في أمور خاصة متى كان مميزا وإن لم يكن بالغا.
وأكثر الأخبار التي ذكرناها دال على البلوغ بكمال ثلاث عشرة والدخول
في الرابعة عشرة، وهي دالة على ما ذهب إليه ابن الجنيد.
ويمكن أن يحمل الاختلاف في هذه الأخبار على اختلاف الناس في الفهم والذكاء
وقوة العقل وقوة البدن، ولذا ردد في رواية الثمالي " في ثلاث عشرة أو أربع عشرة "

(1) الوسائل الباب 4 من مقدمة العبادات
(2) الوسائل الباب 15 من الوقوف والباب 44 من الوصايا والباب 56 من العتق
184

وفي صحيحة معاوية بن وهب " خمس عشرة وأربع عشرة " ولذا تراها أيضا اختلفت
في الاحتلام، فظاهر موثقة عبد الله بن سنان أن الاحتلام في ست عشرة وسبع
عشرة ونحوهما، وظاهر رواية عيسى بن زيد أنه يحتلم لأربع عشرة، وظاهر موثقة
عمار أنه يحتلم قبل ثلاث عشرة، إلا أنه لا يبعد أن يكون هذا من قبيل ما يقع في
رواياته من التهافتات والغرائب كما يفهم منها من أيضا من أن بلوغ الجارية إذا أتى لها
ثلاث عشرة سنة مع استفاضة الأخبار واتفاق العلماء على أنها تبلغ بتسع
سنين أو عشر.
ولا يبعد عندي في الجمع بين الأخبار المذكورة حمل ما دل على البلوغ بخمس
عشرة على الحدود والمعاملات كما هو مقتضى سياق رواية حمران وحمل ما دل على ما
دون ذلك على العبادات، ويحتمل خروج بعضها مخرج التقية إلا أنه لا يحضرني الآن
مذهب العامة (1) في هذه المسألة. وكيف كان فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال.
ثم إنه لا يخفى أن ظاهر عبارات الأصحاب وظاهر الأخبار أيضا أن بلوغ
الخمس عشرة موجب للبلوغ أعم من أن يكون بالدخول فيها أو باتمامها، إلا أن
شيخنا الشهيد الثاني في المسالك قال: ويعتبر اكمال السنة الخامسة عشرة والتاسعة في
الأنثى فلا يكفي الطعن فيها عملا بالاستصحاب وفتوى الأصحاب، ولأن الداخل
في السنة الأخيرة لا يسمى ابن خمس عشرة سنة لغة ولا عرفا. والاكتفاء بالطعن
فيها وجه للشافعية (2) انتهى.
الخامسة المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) عدم صحة الصوم
الواجب من المسافر الذي يلزمه التقصير إلا في ما يأتي استثناؤه، وحكى المحقق في
المعتبر والعلامة في المختلف عن الشيخ المفيد قولا بجواز صوم ما عدا شهر رمضان

(1) في المحلى ج ص 88 و 90 والمغني ج 4 ص 460 تحديد البلوغ في الذكر
والأنثى بالخمس عشرة سنة إلى التسع عشرة باختلاف الأقوال.
(2) لم أقف عليه في ما حضرني من كتبهم وفي المحلى ج 1 ص 90 والمهذب ج 1 ص 330
والفقه على المذاهب ج 2 ص 352 أنه باكمال خمس عشرة سنة عند الشافعي والشافعية.
185

من الواجبات في السفر، والظاهر أنه في غير المقنعة فإن مذهبه فيها مطابق للقول
المشهور. ونقل عن علي بن بابويه أنه جوز صوم جزاء الصيد في السفر.
ويدل على القول المشهور وهو المعتمد المنصور الأخبار المستفيضة كصحيحة
صفوان بن يحيى عن أبي الحسن عليه السلام (1) " أنه سئل عن الرجل يسافر في شهر
رمضان فيصوم؟ فقال: ليس من البر الصيام في السفر " والعبرة بعموم الجواب لا
بخصوص السؤال.
وصحيحة عمار بن مروان عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " سمعته يقول من
سافر قصر وأفطر إلا أن يكون رجلا سفره إلى صيد أو في معصية الله أو رسولا
لمن يعصي الله عز وجل أو في طلب شحناء أو سعاية أو ضرر على قوم مسلمين ".
و رواية أبان بن تغلب عن أبي جعفر عليه السلام (3) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله
خيار أمتي الذين إذا سافروا افطروا وقصروا وإذا أحسنوا استبشروا وإذا
أساؤوا استغفروا ".
وموثقة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (4) " أنه قال في من ظاهر في
شعبان فلم يجد ما يعتق: ينتظر حتى يصوم رمضان ثم يصوم شهرين متتابعين. وإن
ظاهر وهو مسافر أفطر حتى يقدم ".
وموثقة زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (5) قال: " سألته عن الظهار من الحرة

(1) التهذيب ج 4 ص 217 و 218 وفي الوسائل الباب 1 ممن يصح منه الصوم
(2) الوسائل الباب 8 من صلاة المسافر
(3) الوسائل الباب 1 ممن يصح منه الصوم
(4) الوسائل الباب 4 من بقية الصوم الواجب
(5) لم أقف على رواية لزرارة بهذا المضمون وإنما الوارد بهذا المضمون ثلاث
روايات لمحمد بن مسلم: إحداها رواها في الفروع ج 2 ص 117 عن محمد بن مسلم عن
أحدهما (ع) ورواها في التهذيب ج 8 ص 17 عن الكليني وهي تشتمل على عدة أسئلة
وفيها السؤال عن الظهار على الحرة والأمة ثم عن الظهار في شعبان لو لم يجد ما يعتق ثم
بيان حكم الظهار في السفر. ثانيها رواها الشيخ في التهذيب ج 8 ص 322 عن محمد
ابن مسلم عن أحدهما " ع " وهي تشتمل على حكم الظهار في شعبان لو لم يجد ما يعتق ثم حكم
الظهار في السفر. ثالثها رواها الشيخ في التهذيب ج 4 ص 232 عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله " ع " وهي تشتمل على السؤال عن الظهار على الحرة والأمة ثم الظهار في شعبان
لو لم يجد ما يعتق ثم الظهار في السفر. وبذلك بظهر لك أن ما نسبه إلى زرارة هو جزء من
موثقة محمد بن مسلم المتقدمة بلحاظ كونه عن أبي عبد الله " ع " راجع الوافي باب (كفارة
الظهار ما هي؟) والوسائل الباب 9 ممن يصح منه الصوم والباب 4 من بقية الصوم الواجب
والباب 11 من الظهار والباب 4 و 5 من الكفارات.
186

والأمة؟ قال نعم وإن ظاهر وهو مسافر أفطر حتى يقدم وإن صام فأصاب ما لا يملك
فليقض الذي ابتدأ فيه ".
وموثقته الأخرى (1) قال: " قلت لأبي جعفر عليه السلام إن أمي كانت جعلت
عليها نذرا إن رد الله عليها بعض ولدها من شئ كانت تخاف عليه أن تصوم ذلك
اليوم الذي يقدم فيه ما بقيت، فخرجت معنا مسافرة إلى مكة فأشكل علينا لمكان
النذر أتصوم أم تفطر؟ فقال لا تصوم وضع الله عز وجل عنها حقه وتصوم هي
ما جعلت على نفسها. قلت فما ترى إذا هي رجعت إلى المنزل أتقضيه؟ قال لا. قلت
أفتترك ذلك؟ قال: لا لأني أخاف أن ترى في الذي نذرت فيه ما تكره ".
والظاهر أن المراد من قوله عليه السلام " وتصوم هي ما جعلت على نفسها " يعني
من صوم مستحب تعتاده، ففيه إشارة إلى جواز الصوم المستحب في السفر كما
يأتي بيانه. وقوله: " أفتترك ذلك " يعني تنقض أصل النذر وتترك صيامه بعد
وجوعها إلى المنزل.
وموثقة عمار (2) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقول لله على
أن أصوم شهرا أو أكثر من ذلك أو أقل فعرض له أمر لا بد له من أن يسافر
أيصوم وهو مسافر؟ قال إذا سافر فليفطر لأنه لا يحل له الصوم في السفر فريضة

(1) الوسائل الباب 10 ممن يصح منه الصوم
(2) الوسائل الباب 10 ممن يصح منه الصوم
187

كان أو غيره والصوم في السفر معصية ".
ورواية علي بن أبي حمزة عن أبي إبراهيم عليه السلام (1) قال: " سألته عن رجل
جعل على نفسه صوم شهر بالكوفة وشهر بالمدينة وشهر بمكة من بلاء ابتلي به
فقضى له أنه صام بالكوفة شهرا ودخل المدينة فصام بها ثمانية عشر يوما ولم يقم
عليه الجمال؟ فقال: يصوم ما بقي عليه إذا انتهى إلى بلده ".
ورواية عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام (2) " في رجل مرض في شهر
رمضان فلما برئ أراد الحج كيف يصنع بقضاء الصوم؟ قال: إذا رجع فليقضه ".
ورواية سماعة (3) قال: " سألته عن الصيام في السفر فقال: لا صيام في
السفر قد صام أناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فسماهم العصاة فلا صيام في السفر
إلا الثلاثة الأيام التي قال الله عز وجل في الحج (4) ".
ورواية محمد بن حكيم (5) قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لو أن رجلا
مات صائما في السفر ما صليت عليه ".
وصحيحة زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (6) قال: " لم يكن رسول الله
صلى الله عليه وآله يصوم في السفر في شهر رمضان ولا غيره وكان يوم بدر في شهر رمضان
وكان الفتح في شهر رمضان ".
ورواية عبد الكريم بن عمرو (7) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام إني جعلت
على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم عليه السلام؟ فقال: صم ولا تصم في السفر ولا العيدين

(1) الوسائل الباب 10 ممن يصح منه الصوم
(2) الوسائل الباب 8 ممن يصح منه الصوم
(3) الوسائل الباب 11 ممن يصح منه الصوم
(4) وهو قوله تعالى في سورة البقرة الآية 193: فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج
(5) الوسائل الباب 1 ممن يصح منه الصوم.
(6) الوسائل الباب 11 ممن يصح منه الصوم
(7) الوسائل الباب 11 من بقية الصوم الواجب، والراوي كرام ويروي عنه ابن أبي عمير
188

ولا أيام التشريق ولا اليوم الذي تشك فيه من شهر رمضان ".
أقول: لعل النهي عن صوم اليوم الذي يشك فيه بنية النذر محمول على الكراهة
بل الأفضل صومه من شعبان ليكون مجزئا عن شهر رمضان متى ظهر كونه منه
بخلاف ما إذا صامه بنية النذر فإنه يحتاج إلى قضائه لو ظهر كونه من شهر رمضان.
ورواية القاسم بن أبي القاسم الصيقل (1) قال: " كتبت إليه يا سيدي رجل
نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي فوافق ذلك اليوم عيد فطر أو أضحى أو أيام
التشريق أو سفر أو مرض هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه أو كيف يصنع
يا سيدي؟ فكتب إليه: قد وضع الله عنك الصيام في هذه الأيام كلها وتصوم يوما
بدل يوم إن شاء الله تعالى ".
وفي معناها صحيحة علي بن مهزيار (2) قال: " كتب بندار مولى إدريس:
يا سيدي نذرت أن أصوم كل يوم سبت فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة؟
فكتب عليه السلام وقرأته: لا تتركه إلا من علة وليس عليك صومه في سفر ولا مرض
إلا أن تكون نويت ذلك.. الحديث ".
وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام (3) قال: " سألته عن الرجل يكون
عليه أيام من شهر رمضان وهو مسافر يقضي إذا أقام في المكان؟ قال: لا حتى يجمع
على مقام عشرة أيام " إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.
وإنما قيدنا في صدر المسألة عدم جواز الصوم بالمسافر الذي يلزمه التقصير
لأن من ليس كذلك فحكمه حكم المقيم مثل كثير السفر والعاصي بسفره ومن نوى
إقامة عشرة أيام في غير بلده أو مر بمنزل قد استوطنه أو مضى عليه ثلاثون يوما
مترددا، فإنه لا ريب في صحة الصوم من هؤلاء جميعا كما يجب عليهم إتمام الصلاة
ولا خلاف فيه نصا وفتوى.

(1) الوسائل الباب 10 ممن يصح منه الصوم
(2) الوسائل الباب 10 ممن يصح منه الصوم
(3) الوسائل الباب 8 ممن يصح منه الصوم
189

وفي صحيحة معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام (1) " هما يعني التقصير
والافطار واحد: إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت " والكلام في ذلك قد
تقدم مفصلا في كتاب الصلاة.
وقد استثنى الأصحاب من المنع من صوم الواجب في السفر مواضع:
أحدها صوم ثلاثة أيام بدل الهدي لاطلاق قوله عز وجل: " فمن لم يجد
فصيام ثلاثة أيام في الحج " (2).
وخصوص صحيحة رفاعة بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام الواردة في صوم
هذه الأيام (3) حيث قال فيها: " يصوم وهو مسافر؟ قال نعم أليس هو يوم عرفة
مسافرا إنا أهل بيت نقول ذلك لقول الله عز وجل: فصيام ثلاثة أيام في الحج " (4).
وموثقة الحسن بن الجهم (5) قال: " سألته عن رجل فاته صوم الثلاثة الأيام
في الحج قال: من فاته صيام ثلاثة أيام في الحج ما لم يكن عمدا تاركا فإنه يصوم بمكة
ما لم يخرج منها فإن أبى جماله أن يقيم عليه فليصم في الطريق ".
إلى غير ذلك من الروايات الآتية إن شاء الله في محلها من كتاب الحج.
ونقل عن ابن أبي عقيل المنع من ذلك في السفر.
وثانيها صوم ثمانية عشر يوما لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامدا
وعجز عن الفداء وهو بدنة:
لما رواه ثقة الاسلام في الصحيح عن ضريس عن أبي جعفر (عليه السلام) (6)
قال: " سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس؟ قال: عليه بدنة

(1) الوسائل الباب 15 من صلاة المسافر والباب 4 ممن يصح منه الصوم
(2) سورة البقرة الآية 193
(3) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح من كتاب الحج
(4) سورة البقرة الآية 193
(5) الوسائل الباب 11 ممن يصح منه الصوم
(6) الوسائل الباب 23 من احرام الحج والوقوف بعرفة
190

ينحرها يوم النحر فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في أهله "
وثالثها من نذر يوما معينا وشرط في نذره أن يصوم سفرا وحضرا، وقد
ذهب الشيخان وأتباعهما إلى أنه يصوم كذلك.
واستدل على ذلك بصحيحة علي بن مهزيار المتقدمة (1) وقوله فيها: " وليس
عليك صومه في سفر ولا مرض إلا أن تكون نويت ذلك ".
ويشكل ذلك بما دلت عليه من صحة صوم النذر في المرض إذا نوى ذلك مع
أنه لا قائل به والأخبار المتقدمة في عدم جواز صوم المريض صريحة في رده.
والظاهر أنه من أجل ذلك توقف المحقق في المعتبر فقال: ولمكان ضعف هذه
الرواية جعلناه قولا مشهورا.
واعترضه السيد السند في المدارك والفاضل الخراساني في الذخيرة وغيرهما
بأن الرواية صحيحة والاضمار الذي فيها غير ضائر وكذا جهالة الكاتب، قال في
الذخيرة بعد ذكر ذلك: وما أدري لأي سبب ضعفها المحقق؟
أقول: لا يخفى أن هذا الاصطلاح الذي نوعوا عليه الأخبار إنما وقع بعد عصر
المحقق في زمن العلامة (رضوان الله عليه) أو شيخه أحمد بن طاووس وإن كان قد
تحدثوا به في زمانه كما يشير إليه كلامه في المعتبر إلا أن مراد المحقق كثيرا كما يفهم
من عباراته من وصف الضعيف السند بأنه حسن والصحيح السند بأنه ضعيف
إنما هو باعتبار المتن جريا علي الاصطلاح القديم كما لا يخفى على من تأمل كلامه،
وقد أشرنا في مواضع من ما تقدم إلى ذلك، وهذه الرواية لما دلت على جواز صوم
النذر في السفر إذا نوى ذلك في نذره مع استفاضة الأخبار بالنهي عنه في السفر مطلقا
كما سيأتي إن شاء الله تعالى، ودلت على جواز صوم المريض كذلك مع الاتفاق نصا
وفتوى على عدم جوازه صار ذلك سببا في ضعفها وردها والتوقف فيها، إلا أن
الحكم اتفاقي عندهم ولا مخالف فيه ظاهرا إلا ما يظهر من كلام المحقق (قدس سره).

(1) ص 189
191

ونقل العلامة في المختلف عن علي بن بابويه في رسالته وابنه في مقنعه أنهما
استثنيا الصوم في كفارة صيد المحرم وصوم كفارة الاحلال من الاحرام، قال
وهو إشارة إلى بدل الهدي قال وإن كان به أذى من رأسه (1) وصوم الاعتكاف.
ثم نقل عنهما في مسألة الخلاف في صوم التطوع في السفر أنهما قالا: لا يصوم في
السفر تطوعا ولا فرضا واستثنى من التطوع صوم ثلاثة أيام للحاجة في مسجد النبي
صلى الله عليه وآله وصوم الاعتكاف في المساجد الأربعة.
وأنت خبير بأن ما نقله عن ابني بابويه هنا فهو مأخوذ من كتاب الفقه
الرضوي حيث قال (عليه السلام) (2) ولا يصوم في السفر شيئا من صوم الفرض
ولا السنة ولا تطوع إلا الصوم الذي ذكرناه في أول الباب من صوم كفارة صيد
الحرم وصوم كفارة الاحلال في الاحرام إن كان به أذى من رأسه وصوم ثلاثة أيام
لطلب الحاجة عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وهو يوم الأربعاء والخميس والجمعة وصوم الاعتكاف
في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله ومسجد الكوفة ومسجد المدائن. انتهى.
ومنه يعلم أن مستند الحكم المذكور عندهما إنما هو الكتاب المشار إليه وأن
من توهم عدم المستند لهما فهو ليس في محله.
ونقل عن السيد المرتضى (رضي الله عنه) أنه استثنى من الصوم الواجب
الممنوع في السفر مطلق الصوم المنذور إذا علق بوقت معين فاتفق في السفر.
ويدل عليه ما رواه الشيخ عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن (عليه
السلام) (3) قال: " سألته عن الرجل يجعل لله عليه صوم يوم مسمى؟ قال: يصومه
أبدا في السفر والحضر ".
والرواية مع ضعفها معارضة بما هو أصح وأصرح منها من ما دل على عدم
الجواز في السفر عموما وخصوصا كما تقدم، ومن الثاني موثقة زرارة المتقدمة

(1) سورة البقرة الآية 193: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه
(2) ص 26
(3) الوسائل الباب 10 ممن يصح منه الصوم
192

ورواية الصيقل وصحيحة علي بن مهزيار المتقدمات (1) والشيخ حمل هذه الرواية
على من نذر يوما وشرط على نفسه أن يصومه في السفر والحضر واستدل على ذلك
بصحيحة علي بن مهزيار المتقدمة (2).
وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال والأحوط أن لا يتعرض لايقاع
النذر على هذا الوجه.
السادسة لو نذر يوما معينا فاتفق أحد العيدين أو أيام التشريق في منى
لم يصح صومه.
وهل يجب عليه قضاؤه أم لا؟ قولان أولهما للشيخ في النهاية وموضع من
المبسوط وابن حمزة ونقل عن الصدوق أيضا، والثاني للشيخ أيضا في موضع آخر
من المبسوط واختاره ابن البراج وأبو الصلاح وابن إدريس والمحقق في الشرائع
والعلامة في المختلف، وظاهر الشهيد في الدروس التوقف في ذلك حيث قال بعد
ذكر تحريم صوم هذه الأيام: ولو وافقت نذره لم يصمها وفي صيام بدلها قولان
أحوطهما الوجوب.
ويدل على وجوب القضاء ما تقدم في سابق هذه المسألة من رواية الصيقل (3)
وصحيحة علي بن مهزيار (4) قال: " كتبت إليه يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما
من الجمعة دائما ما بقي فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو أيام التشريق أو
سفرا أو مرضا هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه أو كيف يصنع يا سيدي؟
فكتب (عليه السلام) إليه: قد وضع الله الصيام في هذه الأيام كلها ويصوم يوما
بدل يوم إن شاء الله تعالى ".
وهذه الرواية قد رواها السيد السند في المدارك بطريق صحيح عن محمد بن
يعقوب وزاد فيها بعد قوله " أو أضحى " " أو يوم جمعة " ثم طعن فيها باشتمالها على

(1) ص 187 و 189
(2) ص 187 و 189
(3) ص 187 و 189
(4) الوسائل الباب 10 من كتاب النذر والعهد. والمكتوب إليه هو أبو الحسن (ع)
193

ما أجمع الأصحاب على خلافه من مساواة يوم الجمعة ليومي العيدين في تحريم الصوم.
وهذه الزيادة إنما هي في رواية التهذيب (1) لا في رواية الكافي (2) مع أن الشيخ في
التهذيب (3) أيضا قد روى هذا المتن بعينه عن القاسم بن أبي القاسم الصيقل عنه
(عليه السلام) بغير هذه الزيادة كما قدمناه (4) والظاهر أن هذه الزيادة إنما هي سهو
من قلم الشيخ أو النساخ. وأما الرواية الأولى فردها بضعف السند من حيث جهالة
الكاتب والمكتوب إليه. ثم نقل عن فخر المحققين بأنه أجاب عن الروايتين بالحمل
على الاستحباب لأن القضاء لو كان واجبا لم يعلقه بالمشيئة بلفظ " إن " لأن " إن "
تختص بالمحتمل لا المتحقق. ثم رده بأنه ضعيف إذ من المعلوم أن هذا التعليق
للتبرك لا للشك مع أن المندوب مساو للواجب في مشيئة الله تعالى. ثم قال: والمسألة
محل تردد ولا ريب أن القضاء أولى وأحوط.
والعلامة في المختلف بعد أن اختار عدم وجوب القضاء كما قدمنا نقله عنه
قال: لنا إنه نذر صوم زمان لا ينعقد صومه فلا ينعقد نذره كما لو نذر صوم
الليل ولم يعلم به. ولأن صوم العيد حرام فلا يقع قربة فلا يصح نذره ووجوب
القضاء تابع للأداء. ثم نقل عن الشيخ أنه احتج على وجوب القضاء برواية القاسم
ابن أبي القاسم الصيقل ثم ساق الرواية. واستدل له أيضا بأنه نذر صوما على وجه
الطاعة ظاهرا ولم يسلم له الزمان فكان عليه القضاء لانعقاد نذره كالمسافر. ثم
أجاب عن الرواية بأنه لا يحضرني الآن حال رواتها ومع ذلك فهي مرسلة ولا تدل
على المطلوب لاحتمال أن يكون الأمر بالقضاء متوجها إلى المريض والمسافر أو
يكون للاستحباب ولا نزاع فيه. ثم قال: ونمنع كون النذر منعقدا لأنه تناول
ما لا يصح صومه وكان كما لو نذر الليل جاهلا به، والفرق بينه وبين المسافر ظاهر
لأن العيد زمان لا يقع فيه الصوم البتة وزمان السفر يصح فيه الصوم منه مع التقييد

(1) ج 8 ص 305
(2) ج 2 ص 373
(3) ج 4 ص 234
(4) ص 189
194

بالسفر ومن غيره من المقيمين فلهذا وجب قضاؤه لأن افطاره ليس باعتبار عدم
قبول الزمان ايقاع الصوم فيه بل للارفاق بالمسافر. انتهى.
أقول: لا يخفى ما في هذه التعليلات العليلة سيما في مقابلة الأخبار خصوصا
مع صحة السند في بعضها.
وقال في المنتهى: لو نذر صوم يوم بعينه فظهر أنه العيد أفطر إجماعا، وهل يجب
عليه قضاؤه أم لا؟ فيه تردد أقربه عدم الوجوب، لنا أنه زمان لا يصح صومه
فلا يتعلق النذر به ولا أثر للجهالة لأنه لا يخرج بذلك عن كونه عيدا، وإذا لم يجب
الأداء سقط القضاء: أما أولا فلأنه إنما يجب بأمر جديد ولم يوجد. وأما ثانيا
فلأنه يتبع وجوب الأداء والمتبوع منتف فيكون منتفيا. انتهى.
والجواب الحق أن أصل النذر لم يتعلق بالعيد وإن اتفق كونه كذلك واقعا
والمبطل إنما هو الأول فإن الأحكام الشرعية إنما تبنى على الظاهر لا الواقع، فقوله
إنه لا أثر للجهالة لأنه لا يخرج بذلك عن كونه عيدا ممنوع أشد المنع لما ذكرناه
وغاية ما يلزم من ذلك عدم جواز الصوم بعد اتفاق كونه يوم عيد وهو لا نزاع فيه
إذ الكلام إنما هو في وجوب القضاء. وقوله فلأنه إنما يجب بأمر جديد صحيح
والأمر موجود في الروايتين المتقدمتين. وأما قوله إنه يتبع وجوب الأداء فهو
مناف لما ذكره أولا من قوله إنه لا يجب إلا بأمر جديد. وهو من مثله (قدس
سره) بعيد فإن القول بتوقف القضاء على أمر جديد ولا تعلق له بالأداء مقابل
للقول بكون القضاء تابعا للأداء بمعنى أنه متى انتفى الأداء انتفى القضاء. اللهم إلا
أن يكون مراده هنا سقوط القضاء على كلا القولين.
قال شيخنا الشهيد الثاني في كتاب النذر من المسالك بعد أن أورد صحيحة
علي بن مهزيار حجة للشيخ ومن تبعه واستدل لهم أيضا بأن اليوم المعين من الأسبوع
كيوم الاثنين مثلا قد يتفق فيه العيد وقد لا يتفق فيتناوله النذر.. إلى أن قال:
وأجيب عن الرواية بحملها على الاستحباب لأنه لو كان واجبا لم يعلقه بالمشيئة
195

بلفظ " إن " لأن " إن " مختص بالمحتمل لا بالمتحقق. ثم قال: وفيه نظر لأن من
جملة المسؤول عنه ما يجب قضاؤه قطعا وهو أيام السفر والمرض والمشيئة كثيرا
ما تقع في كلامهم (صلوات الله عليهم) للتبرك. وهو اللائق بمقام الجواب عن
الحكم الشرعي، انتهى. وهو مؤيد لما ذكرناه وظاهر في ما اخترناه.
وكيف كان فإنه مع وجود الروايتين المذكورتين وصراحتهما في وجوب
القضاء سيما مع صحة أحداهما وعدم وجود المعارض فلا مجال للخروج عن ما دلتا عليه
نعم يبقى الاشكال في أنهما قد دلتا على وجوب القضاء مع اتفاق السفر في
ذلك اليوم.
ومثلهما في ذلك ما رواه في الكافي عن ابن جندب (1) قال: " سأل
عباد بن ميمون وأنا حاضر عن رجل جعل على نفسه نذر صوم وأراد الخروج
في الحج فقال ابن جندب سمعت من رواه عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سأله عن رجل
جعل على نفسه صوم يوم يصومه فحضرته نية في زيارة أبي عبد الله عليه السلام قال: يخرج
ولا يصوم في الطريق فإذا رجع قضى ذلك ".
وروى هذه الرواية في التهذيب عن ابن جندب (2) قال: سأل أبا عبد الله
عليه السلام ميمون وأنا حاضر.. إلى آخره.
وظاهر كلام العلامة في المختلف أنه لا نزاع في وجوب القضاء هنا، وبه
صرح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك في كتاب النذر كما سمعته من عبارته المتقدمة،
ومثله سبطه السيد السند في شرح النافع حيث صرح في شرح قول المصنف (قدس
سره) لو نذر يوما معينا فاتفق السفر أفطر وقضاه وكذا لو مرض أو حاضت
المرأة أو نفست بما صورته بعد كلام في المقام: وأما وجوب القضاء فمقطوع به
في كلام الأصحاب ولم نقف على مستند سوى ما رواه الكليني.. ثم ذكر رواية على
ابن مهزيار (3) بطريق فيه محمد بن جعفر الرزاز ثم طعن فيها به حيث إنه غير

(1) الوسائل الباب 10 ممن يصح منه الصوم. ارجع إلى الاستدراكات (3) ص 192
(2) الوسائل الباب 10 ممن يصح منه الصوم. ارجع إلى الاستدراكات
(3) ص 192
196

موثق وطعن في متنها بما تقدم عنه في كتاب الصوم.
وبالجملة فإن الظاهر هو العمل بالروايتين المتقدمتين في وجوب القضاء في المواضع
التي اشتملتا عليها من كون ذلك العيدين أو السفر أو المرض، والأصحاب إنما اختلفوا
في ما لو اتفق في العيدين وظاهرهم الاتفاق على وجوب القضاء في السفر والمرض
وهو في المرض من ما لا اشكال فيه حيث لم يرد لهما معارض في ذلك وإنما الاشكال
في السفر لما تقدم في موثقة زرارة الثانية من ما هو صريح في عدم وجوب القضاء.
ومثلها أيضا ما رواه الكليني والشيخ عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة
عن أبي عبد الله عن آبائه (عليهم السلام) (1) " في الرجل يجعل على نفسه أياما
معدودة مسماة في كل شهر ثم يسافر فتمر به الشهور: أنه لا يصوم في السفر ولا
يقضيها إذا شهد ".
ولعل الترجيح للروايتين المتقدمتين لاعتضادهما بعمل الأصحاب مع إمكان
التأويل في هذين الخبرين.
السابعة اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في صيام التطوع في
السفر فقال الشيخ المفيد (قدس الله روحه) لا يجوز ذلك إلا ثلاثة أيام للحاجة
عند قبر النبي صلى الله عليه وآله أو في مشهد من مشاهد الأئمة (عليهم السلام) قال (2) وقد روي
حديث في جواز التطوع في السفر بالصيام (3) وجاءت أخبار بكراهة ذلك وأنه
ليس من البر الصيام في السفر (4) وهي أكثر وعليها العمل عند فقهاء العصابة، فمن
أخذ بالحديث لم يأثم إذا أخذ به من جهة الاتباع ومن عمل على أكثر الروايات
واعتمد على المشهور منها في اجتناب الصوم في السفر على وجه سوى ما عددناه
كان أولى بالحق.

(1) الوسائل الباب 10 ممن يصح منه الصوم.
(2) الوسائل الباب 12 ممن يصح منه الصوم
(3) سيأتي ص 199
(4) الوسائل الباب 12 ممن يصح منه الصوم
197

وقال الشيخ: يكره صيام النوافل في السفر على كل حال وقد وردت رواية في
جواز ذلك (1) فمن عمل بها لم يكن مأثوما إلا أن الأحوط ما قدمناه.
وقال السيد المرتضى (رضي الله عنه) في الجمل: قد اختلفت الرواية في كراهة
صوم التطوع في السفر وجوازه. ولم يتعرض فيه لفتوى.
وقال ابنا بابويه: لا يصوم في السفر تطوعا ولا فرضا، واستثنى من التطوع
صوم ثلاثة أيام للحاجة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وصوم الاعتكاف في المساجد الأربعة
وقال سلار: ولا يصوم المسافر تطوعا ولا فرضا إلا ثلاثة أيام بدل المتعة
وصوم يوم النذر إذا علقه بوقت الحضر والسفر وصوم ثلاثة أيام للحاجة، وقد
روي جواز صوم التطوع في السفر (2).
وقال ابن حمزة: صيام النفل في السفر ضربان: مستحب وهو ثلاثة أيام
للحاجة عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وجائز وهو ما عدا ذلك، وروي كراهة صوم النافلة
في السفر (3) والأول أثبت.
وهذه الأقوال كما ترى دائرة بين الجواز من غير كراهة وهو قول ابن حمزة
وبين الجواز على الكراهة وهو المشهور وبين التحريم إلا ما استثنى وهو
قول الصدوقين.
وإلى القول بالتحريم يميل كلام السيد السند في المدارك حيث قال بعد نقل
جملة من الأقوال في المسألة ما لفظه: والأصح المنع من التطوع مطلقا إلا ثلاثة
أيام للحاجة عند قبر النبي صلى الله عليه وآله.. ثم أورد جملة من الأخبار الصحاح المتقدمة الدالة
على ذلك باطلاقها مثل صحيحة صفوان بن يحيى وصحيحة عمار بن مروان وصحيحة
زرارة (4) وصحيحة أحمد بن محمد (5) قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن الصيام

(1) ستأتي ص 199
(2) ستأتي ص 199
(3) الوسائل الباب 12 ممن يصح منه الصوم.
(4) ص 186 و 188
(5) الوسائل الباب 12 ممن يصح منه الصوم.
198

بمكة والمدينة ونحن في سفر؟ فقال فريضة؟ فقلت لا ولكنه تطوع كما يتطوع
بالصلاة. فقال تقول اليوم وغدا؟ قلت نعم. فقال: لا تصم، ثم قال: قال الشيخ
(قدس سره) في التهذيب بعد أن أورد هذه الروايات: ولو خلينا وظاهر هذه الأخبار لقلنا إن صوم التطوع في السفر محظور كما أن صوم الفريضة محظور غير أنه قد ورد فيه من الرخصة ما نقلنا عن الحظر إلى الكراهة. ثم أورد في ذلك
روايتين أحداهما بطريق فيه عدة من الضعفاء والمجاهيل عن إسماعيل بن سهل عن
رجل عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " خرج أبو عبد الله عليه السلام من المدينة في أيام
بقين من شعبان وكان يصوم ثم دخل عليه شهر رمضان وهو في السفر فأفطر فقيل
له أتصوم شعبان وتفطر شهر رمضان؟ فقال نعم شعبان إلي إن شئت صمته وإن
شئت لا وشهر رمضان عزم من الله عز وجل على الافطار " والثانية رواها بطريق
ضعيف جدا عن الحسن بن بسام الجمال عن رجل (2) قال: " كنت مع أبي عبد الله
عليه السلام في ما بين مكة والمدينة في شعبان وهو صائم ثم رأينا هلال شهر رمضان فأفطر
فقلت له جعلت فداك أمس كان من شعبان وأنت صائم واليوم من شهر رمضان
وأنت مفطر؟ فقال إن ذلك تطوع ولنا أن نفعل ما شئنا وهذا فرض وليس لنا أن
نفعل إلا ما أمرنا " ثم قال: ولا يخفى أن الخروج عن مقتضى الأخبار الصحيحة
المستفيضة بهاتين الروايتين الضعيفتين غير جيد.
أقول: لا يخفى أن كلامه هذا إنما يتجه بناء على ثبوت هذا الاصطلاح المحدث
وصحته وأما من لا يرى العمل به كأصحابنا المتقدمين وجملة من المتأخرين فلا معنى له
لأنهم يحكمون بصحة الأخبار كملا والضعف عندهم ليس باعتبار الأسانيد، وإنما هو
باعتبار متون الأخبار ومضامينها متى خالفت السنة المستفيضة أو القواعد المقررة
أو القرآن أو نحو ذلك من الوجوه التي قرروها، ولهذا ترى الشيخين وغيرهما من
المتقدمين تفادوا من طرح هذه الأخبار بحمل تلك الأخبار على الكراهة وهو

(1) الوسائل الباب 12 ممن يصح منه الصوم.
(2) الوسائل الباب 12 ممن يصح منه الصوم.
199

المشهور أيضا بين المتأخرين، على أن ما دل على الجواز ليس منحصرا في هذين
الخبرين بل هو ظاهر موثقة زرارة المتقدمة (1) لقوله عليه السلام: " لا تصوم وضع الله
عز وجل عنها حقه وتصوم هي ما جعلت على نفسها " فإنه منعها عن صوم النذر
الذي هو حق الله عز وجل ورخص لها في صيام المستحب وهو ما جعلته على نفسها
وروى الشيخ في الصحيح عن سليمان الجعفري (2) قال: " سمعت أبا الحسن
عليه السلام يقول كان أبي عليه السلام يصوم يوم عرفة في اليوم الحار في الموقف ويأمر بظل
مرتفع فيضرب له فيغتسل من ما يبلغ منه من الحر ".
ومن الأخبار الصريحة في المنع من الصوم المستحب موثقة عمار المتقدمة (3)
لقوله عليه السلام فيها " إذا سافر فليفطر لأنه لا يحل له الصوم في السفر فريضة كان أو
غيره والصوم في السفر معصية " ونحوها صحيحة زرارة المتقدمة (4).
ونقل الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب مجمع البيان (5) قال روى العياشي
بإسناده عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله يصوم
في السفر تطوعا ولا فريضة.
بقي الكلام في أن الجمع بين هذه الأخبار بحمل أخبار التحريم على الكراهة
كما ذكروه مشكل بما قدمنا ذكره في غير موضع من أن حمل اللفظ الدال على التحريم
على الكراهة واخراجه عن حقيقته مجاز لا يصار إليه إلا مع القرينة ووجود
المعارض من الأخبار ليس قرينة على ذلك. وأيضا فإن الكراهة حكم شرعي
لا يثبت إلا بالدليل الواضح واختلاف الأخبار ليس بدليل على ذلك. ولعل أخبار
الجواز إنما خرجت مخرج التقية كما هو الغالب في اختلاف الأخبار، فإن ذلك هو
المناسب لمذهب العامة (6) حيث إن أخبار المنع معتضدة بعمل الطائفة قديما وحديثا مع

(1) ص 187
(2) الوسائل الباب 23 من الصوم المندوب
(3) ص 187
(4) ص 188
(5) الوسائل الباب 12 ممن يصح منه الصوم
(6) لتجويزهم الصوم الواجب في السفر، ارجع إلى المغني ج 3 ص 149
200

صحتها وصراحتها وبعدها عن مذهب العامة، وهو من ما يؤذن بكون ذلك مذهب
أهل البيت (عليهم السلام). وكيف كان فطريق الاحتياط واضح.
وأما ما يدل على استثناء صوم ثلاثة أيام للحاجة بالمدينة فهو ما رواه الشيخ
في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " إن كان لك مقام
بالمدينة ثلاثة أيام صمت أول يوم الأربعاء، وتصلي ليلة الأربعاء عند أسطوانة
أبي لبابة وهي أسطوانة التوبة التي كان ربط نفسه إليها حين نزل عذره من السماء
وتقعد عندها يوم الأربعاء، ثم تأتي ليلة الخميس التي تليها من ما يلي مقام النبي صلى الله عليه وآله
ليلتك ويومك، وتصوم يوم الخميس، ثم تأتي الأسطوانة التي تلي مقام النبي صلى الله عليه وآله
ومصلاه ليلة الجمعة فتصلي عندها ليلتك ويومك، وتصوم يوم الجمعة، وإن استطعت
أن لا تتكلم بشئ في هذه الأيام إلا ما لا بد لك منه ولا تخرج من المسجد إلا لحاجة
ولا تنام في ليل ولا نهار فافعل فإن ذلك من ما يعد فيه الفضل، ثم احمد الله في يوم
الجمعة واثن عليه وصل على النبي صلى الله عليه وآله وسل حاجتك، وليكن في ما تقول " اللهم
ما كانت لي إليك من حاجة شرعت أنا في طلبها والتماسها أو لم أشرع سألتكها أو لم
أسألكها فإني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة صلى الله عليه وآله في قضاء حوائجي صغيرها
وكبيرها " فإنك حري أن تقضي حاجتك إن شاء الله تعالى ".
الثامنة قد ورد في الأخبار وبه صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم)
المنع من صيام التطوع للزوجة إلا بإذن زوجها والعبد إلا بإذن سيده والولد إلا بإذن
والده والضيف إلا بإذن مضيفه، وهل ذلك على وجه التحريم في الجميع أو الكراهة
في بعض والتحريم في بعض؟ قولان. وورد أيضا كراهة الصوم لمن دعي إلى طعام.
وتفصيل ذلك يقع في مواضع خمسة: الأول في حكم الضيف والمشهور
هو الكراهة وهو مذهب العلامة في المنتهى وجملة من كتبه والمحقق في الشرائع،
وزاد فيها أن الأظهر أنه لا ينعقد مع النهي. وذهب في المعتبر والنافع إلى أنه غير

(1) الوسائل الباب 12 ممن يصح منه الصوم والباب 11 من المزار
201

صحيح، وإلى ذلك ذهب العلامة في الإرشاد.
ومن الأخبار الواردة في ذلك رواية الزهري ورواية كتاب الفقه الرضوي
المتقدم نقلهما في أول الكتاب (1) وقولهما (عليهما السلام) فيهما: " وأما صوم
الإذن فالمرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها والعبد لا يصوم تطوعا إلا بإذن
مولاه والضيف لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحب البيت، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله
قال: من نزل على قوم فلا يصومن إلا بإذنهم ".
وفي وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام المروية في آخر كتاب الفقيه (2) " ولا
يصوم الضيف تطوعا إلا بإذن صاحبه ".
ومنها رواية هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " قال رسول الله
صلى الله عليه وآله من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه، ومن طاعة المرأة
لزوجها أن لا تصوم تطوعا إلا بإذنه وأمره، ومن صلاح العبد وطاعته ونصحه
لمولاه أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن مولاه وأمره، ومن بر الولد بأبويه أن لا يصوم
تطوعا إلا بإذن أبويه وأمرهما، وإلا كان الضيف جاهلا وكانت المرأة عاصية
وكان العبد فاسقا عاصيا وكان الولد عاقا ".
ومنها وما رواه في الكافي بسنده عن الفضيل بن يسار ورواه في الفقيه عن
الفضيل بن يسار وطريقه إليه قوي عن أبي جعفر عليه السلام (4) قال: " قال رسول الله
صلى الله عليه وآله إذا دخل رجل بلدة فهو ضيف على من بها من أهل دينه حتى يرحل عنهم،
ولا ينبغي للضيف أن يصوم إلا بإذنهم لئلا يعملوا الشئ فيفسد عليهم، ولا ينبغي
لهم أن يصوموا إلا بإذن الضيف لئلا يحتشمهم فيشتهي الطعام فيتركه لهم ".
احتج من قال بالكراهة بأن غاية ما تدل عليه رواية هشام هو أن الضيف

(1) ص 6
(2) الوسائل الباب 10 من الصوم المحرم والمكروه
(3) الوسائل الباب 10 من الصوم المحرم والمكروه
(4) الوسائل الباب 9 من الصوم المحرم والمكروه
202

متى صام كان جاهلا والجهل يتحقق بفعل المكروه فلا يدل على التحريم. وأما
رواية الفضيل فغاية ما تدل عليه أنه لا ينبغي له الصوم إلا بإذنهم ولفظ " لا ينبغي "
ظاهر في الكراهة.
ونقل في المدارك عن المحقق في المعتبر أنه استدل على التحريم برواية
الزهري ثم رده بضعف الرواية، قال: وهذه الرواية ضعيفة السند جدا فلا تنهض
حجة في اثبات التحريم.
أقول: والحق أن روايتي الزهري وكتاب الفقه الرضوي ظاهرتا الدلالة في
التحريم، ولفظ " لا ينبغي " في رواية الفضيل وإن كان ظاهرا في الكراهة بالنظر
إلى عرف الناس إلا أن هذا اللفظ في الأخبار من ما تكاثر استعماله في التحريم على
وجه لا يكاد يحيط به العد، وقد حققنا في غير موضع من زبرنا أنه من الألفاظ
المشتركة في الأخبار بين التحريم والكراهة بالمعنى العرفي وأنه لا يحمل على أحدهما
إلا مع القرينة. وأما نسبة الضيف إلى الجهل بصيامه بغير إذن فهو محتمل للأمرين
وبالجملة فالقول بالتحريم لا يخلو من ظهور وهو ظاهر المحدث الكاشاني في
الوافي كما يفهم من عنوانه الباب، حيث قال: " باب من لا يجوز له صيام التطوع " ثم
نقل أخبار الضيف في جملة أخبار الباب إلا أنه في المفاتيح صرح بالكراهة فعده
في ما يكره من الصيام، وهو منه غريب.
الثاني في حكم الولد والمشهور الكراهة وبه صرح في المفاتيح أيضا مع نقله
أخبار الولد في الباب الذي عنونه في الوافي بما عرفت، وذهب المحقق في النافع إلى
عدم الصحة وهو مذهب العلامة في الإرشاد واستقربه الشهيد في الدروس، وهو
المختار في المسألة لتصريح رواية هشام بعقوقه لو وقع بغير إذنهما والعقوق محرم
بلا خلاف ولا إشكال.
وجملة من متأخري المتأخرين إنما صاروا إلى الكراهة مع اعترافهم بدلالة
الرواية المذكورة على التحريم من جهة الطعن في سندها بناء على هذا الاصطلاح
203

مع أنها مروية في الكافي (1) والفقيه (2) وقد رواها في الفقيه عن نشيط بن صالح
عن هشام بن الحكم، قال في الذخيرة: وطريقه إليه في المشيخة غير مذكور وكأنه
من كتابه فيكون صحيحا. انتهى.
وصريح الخبر المذكور التوقف على إذن الوالدين فيجب العمل بما دل عليه
لعدم المعارض في البين.
وهذا الخبر أيضا رواه الصدوق في العلل (3) عن أبيه عن أحمد بن إدريس
عن محمد بن أحمد عن أحمد بن هلال عن مروك بن عبيد عن نشيط بن صالح عن
هشام كما تقدم، وفيه: " ومن بر الولد أن لا يصوم تطوعا ولا يحج تطوعا ولا يصلي
تطوعا إلا بإذن أبويه وأمرهما.. ثم ساق الخبر إلى أن قال: وكان الولد عاقا
قاطعا للرحم " إلا أن الصدوق قال بعد نقله: قال محمد بن علي مؤلف هذا الكتاب
جاء هذا الخبر هكذا: " ولكن ليس للوالدين على الولد طاعة في ترك الحج تطوعا
كان أو فريضة ولا في ترك الصلاة ولا في ترك الصوم تطوعا كان أو فريضة ولا
في شئ من ترك الطاعات " وظاهره حمل ذلك على الكراهة دون التحريم
كما هو المشهور.
الثالث في حكم العبد والظاهر أنه لا خلاف في توقف صحة صومه على إذن
سيده كما نقله في المنتهى، قال: لأنه مملوك له لا يصح له التصرف في نفسه ولا يملك
منافعه. ثم قال: ولا فرق بين كون المولى حاضرا أو غائبا.
وقد تقدم ما يدل على ذلك في حديثي الزهري وكتاب الفقه الرضوي (4)
وكذا رواية هشام.
وروى الصدوق في الفقيه (5) في وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: " يا علي
لا تصوم المرأة تطوعا إلا بإذن زوجها ولا يصوم العبد تطوعا إلا بإذن مولاه ولا
يصوم الضيف تطوعا إلا بإذن صاحبه ".

(1) الفروع ج 1 ص 204
(2) ج 2 ص 99
(3) الوسائل الباب 10 من الصوم المحرم والمكروه
(5) الوسائل الباب 10 من الصوم المحرم والمكروه
(4) ص 6
204

والعجب من صاحب الوسائل أنه عنون الباب الذي أورد فيه هذه الأخبار
بالكراهة فقال: (باب كراهة صوم العبد والولد تطوعا بغير إذن السيد
والوالدين) (1) مع ما عرفت من عدم الخلاف في التحريم هنا ودلالة الأخبار عليه
وهو من جملة غفلاته التي وقعت له في هذا الكتاب.
الرابع الزوجة والظاهر أنه لا خلاف في توقف صحة صومها على إذن
الزوج كما نقله في المعتبر فقال إنه موضع وفاق.
ويدل عليه الأخبار المتقدمة وما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن
مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (2) قال: " قال النبي صلى الله عليه وآله ليس للمرأة أن تصوم تطوعا
إلا بإذن زوجها ".
ورواية القاسم بن عروة عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال:
قال " لا يصلح للمرأة أن تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها ".
وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام (4) قال: " جاءت امرأة
إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالت يا رسول الله صلى الله عليه وآله ما حق الزوج على المرأة؟ فقال: أن تطيعه
ولا تعصيه ولا تصدق من بيته إلا بإذنه ولا تصوم تطوعا إلا بإذنه.. الحديث ".
إلا أنه قد روى علي بن جعفر في كتابه عن أخيه عليه السلام (5) قال: سألته
عن المرأة ألها أن تخرج بغير إذن زوجها؟ قال لا. قال: وسألته عن المرأة ألها
أن تصوم بغير إذن زوجها؟ قال: لا بأس " وظاهرها كما ترى جواز الصوم ندبا
بغير إذنه، ولعله محمول على الصوم الواجب جمعا بينه وبين ما دل من الأخبار
المذكورة على النهي.
وصاحب الوسائل قد اختار هنا الكراهة أيضا والظاهر أنه جعلها وجه

(1) الوسائل الباب 10 من الصوم المحرم والمكروه
(2) الوسائل الباب 8 من الصوم المحرم والمكروه
(3) الوسائل الباب 8 من الصوم المحرم والمكروه
(4) الوسائل الباب 8 من الصوم المحرم والمكروه
(5) الوسائل الباب 79 من مقدمات النكاح والباب 8 من الصوم المحرم والمكروه
205

جمع بين رواية علي بن جعفر المذكورة وبين الأخبار المتقدمة، وقد عرفت غير
مرة ما في هذا الجمع بين الأخبار وإن كان بالغا بينهم في الاشتهار إلى حد لا يقبل
عندهم الانكار إلا أنه من قبيل " رب مشهور لا أصل له ورب متأصل ليس بمشهور "
والوجه في الجمع إنما هو ما ذكرناه من حمل الرواية على الصوم الواجب فإن
الروايات المتقدمة صريحة أو كالصريحة في التحريم، ويؤيده أيضا ما صرح به
الأصحاب من أن منافع الاستمتاع بالزوجة مملوكة للزوج فلا يجوز لها أن تعرض
نفسها للتصرف بما يمنعه.
واطلاق النصوص وكلام الأصحاب يقتضي أنه لا فرق في الزوجة بين الدائم
ولا المتمتع بها ولا في الزوج بين الحاضر والغائب، ونقلوا عن الشافعي اشتراط
حضوره (1) وردوه باطلاق النصوص.
الخامس المدعو إلى الطعام والظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان
الله عليهم) في استحباب افطاره وأن الأفضل له عدم الاعلام بصومه.
ويدل على ذلك ما رواه الصدوق في الصحيح عن جميل بن دراج عنه - يعني
أبا عبد الله عليه السلام (2) أنه قال: " من دخل على أخيه وهو صائم فأفطر عنده ولم
يعلمه بصومه فيمن عليه كتب الله له صوم سنة " قال الصدوق (قدس سره) قال
مصنف هذا الكتاب: هذا في السنة والتطوع جمعيا.
وعن داود الرقي عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " لافطارك في منزل أخيك
المؤمن أفضل من صيامك سبعين ضعفا أو تسعين ضعفا ".

(1) المجموع ج 6 ص 392.
(2) الفقيه ج 2 ص 51 وفي الوسائل الباب 8 من آداب الصائم
(3) الفقيه ج 2 ص 51 وفي الوسائل الباب 8 من آداب الصائم، ورواه في الفروع
ج 1 ص 204.
206

وعن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " افطارك لأخيك
المؤمن أفضل من صيامك تطوعا ".
وعن نجم بن حطيم عن أبي جعفر عليه السلام (2) قال: " من نوى الصوم ثم دخل
على أخيه فسأله أن يفطر عنده فليفطر وليدخل عليه السرور فإنه يحتسب له بذلك
اليوم عشرة أيام وهو قول الله عز وجل: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها (3) ".
وعن جميل بن دراج (4) قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام من دخل على أخيه
وهو صائم فأفطر عنده ولم يعلمه بصومه فيمن عليه كتب الله له صوم سنة ".
وعن صالح بن عقبة (5) قال: " دخلت على جميل بن دراج وبين يديه خوان
عليه غسانية يأكل منها فقال ادن فكل فقلت إني صائم فتركني حتى إذا أكلها فلم
يبق منها إلا اليسير فعزم على إلا أفطرت فقلت له ألا كان هذا قبل الساعة فقال
أردت بذلك أدبك. ثم قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: أيما رجل مؤمن دخل
على أخيه وهو صائم فسأله الأكل فلم يخبره بصيامه فيمن عليه بافطاره كتب الله
(جل ثناؤه) له بذلك اليوم صيام سنة ".
وعن علي بن حديد (6) قال: " قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام أدخل على قوم
وهم يأكلون وقد صليت العصر وأنا صائم فيقولون أفطر؟ فقال أفطر فإنه أفضل ".
والمستفاد من هذه الأخبار تعليق الاستحباب على الدعوة إلى طعام، وأما ما
اشتهر في هذه الأوقات سيما في بلاد العجم من تعمد تفطير الصائم بشئ يدفع إليه

(1) الوسائل الباب 8 من آداب الصائم عن الفروع ج 1 ص 204
(2) الوسائل الباب 8 من آداب الصائم عن الفروع ج 1 ص 204
(3) سورة الأنعام الآية 162.
(4) الفروع ج 1 ص 204 وفي الوسائل الباب 8 من آداب الصائم رقم 4
(5) الفروع ج 1 ص 204 وفي الوسائل الباب 8 من آداب الصائم رقم 5
(6) الوسائل الباب 8 من آداب الصائم رقم 7، وعلي بن حديد يرويه عن عبد الله
بن جندب والمروي عنه أبو الحسن الماضي (ع).
207

من تمرة أو يسير من الحلواء أو نحو ذلك لأجل تحصيل الثواب بذلك فليس بداخل
تحت هذه الأخبار ولا هو من ما يترتب عليه الثواب المذكور فيها كما لا يخفى.
التاسعة الظاهر أنه لا خلاف في أن من عليه قضاء من شهر رمضان فلا
يجوز له التطوع بشئ من الصيام حتى يؤدي ما بذمته من القضاء إلا ما يفهم من
كلام السيد المرتضى في أجوبة المسائل الرسية حيث قال: ويجوز لمن عليه صيام
من شهر رمضان أن يصوم نذرا عليه أو يصوم كفارة لزمته، ولو صام نفلا أيضا
لجاز وإن كان مكروها. كذا نقله عنه في المختلف في كتاب الصلاة، ونقل عنه في كتاب
الصوم أنه احتج على ما ذكره من جواز صوم النافلة بالأصل الدال على الإباحة
ثم رده بأنه معارض بالأخبار. وبالجملة فإن ما ذكره شاذ نادر لا عبرة به.
ويدل على ما ذكرناه ما رواه الكليني في الصحيح عندي والحسن على المشهور
عن الحلبي (1) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل عليه من شهر رمضان
طائفة أيتطوع؟ فقال: لا حتى يقضي ما عليه من شهر رمضان ".
وما رواه فيه بسنده عن أبي الصباح الكناني (2) قال: " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل عليه من شهر رمضان أيام أيتطوع؟ فقال: لا حتى يقضي ما عليه
من شهر رمضان ".
قال في الفقيه (3): وردت الأخبار والآثار عن الأئمة (عليهم السلام) أنه
لا يجوز أن يتطوع الرجل بالصيام وعليه شئ من الفرض، وممن روى ذلك الحلبي
وأبو الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام.
وقال في المقنع: واعلم أنه لا يجوز أن يتطوع الرجل وعليه شئ من
الفرض، كذلك وجدته في كل الأحاديث. انتهى.
أقول: ويدل على ذلك صحيحة زرارة المتقدمة في باب الأوقات من كتاب

(1) الوسائل الباب 28 من أحكام شهر رمضان
(2) الوسائل الباب 28 من أحكام شهر رمضان
(3) ج 2 ص 87 وفي الوسائل الباب 28 من أحكام شهر رمضان
208

الصلاة عن أبي جعفر عليه السلام (1) قال: " سألته عن ركعتي الفجر؟ قال قبل
الفجر.. ثم ساق الخبر إلى أن قال عليه السلام: أتريد أن تقايس لو كان عليك من شهر
رمضان أكنت تتطوع؟ إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة ".
وبالجملة فالحكم في الصوم اتفاقي نصا وفتوى إلا ما عرفت من خلاف المرتضى
(رضي الله عنه) وإنما الخلاف في الصلاة كما تقدم. والله العالم.
المطلب الرابع
في الكفارة وفيه مسائل:
الأولى المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه تجب الكفارة في
صوم شهر رمضان وقضائه بعد الزوال والنذر المعين وصوم الاعتكاف إذا وجب،
وما عدا ذلك مثل صوم الكفارات والنذر الغير المعين والصوم المندوب فلا تجب
الكفارة فيه بالافساد.
والحكم الثاني اتفاقي كما يظهر من المنتهى، وقد نص العلامة وغيره على جواز
الافطار قبل الزوال وبعده، وربما قيل بتحريم الافساد في كل واجب لعموم
النهي عن إبطال العمل (2) وهو ضعيف.
وإنما الخلاف في الأول حيث إن المنقول عن ابن أبي عقيل أنه قال: من
جامع أو أكل أو شرب في قضاء شهر رمضان أو صوم كفارة أو نذر فقد أثم
وعليه القضاء ولا كفارة. وظاهر هذا الاطلاق عدم وجوب الكفارة في قضاء
شهر رمضان قبل الزوال وبعده وكذا في النذر مطلقا كان أو معينا، ونقل الشهيد
في الدروس عنه أنه لا كفارة في غير رمضان ثم قال: وهو شاذ.
وبه يظهر أن ما ذكره في المدارك في مسألة وجوب الكفارة في النذر

(1) الوسائل الباب 50 من مواقيت الصلاة والباب 28 من أحكام شهر رمضان
(2) في قوله تعالى في سورة محمد الآية 36: ولا تبطلوا أعمالكم
209

المعين - حيث قال: وأما وجوب الكفارة فلا خلاف فيه بين الأصحاب وإنما
الخلاف في قدرها غفلة عن الاطلاع على القول المذكور.
أقول: أما وجوب الكفارة في صوم شهر رمضان فهو من ما وقع عليه
الانفاق نصا وفتوى وإن وقع الخلاف في بعض الجزئيات وإلا فأصل الحكم
لا خلاف فيه، وقد تقدم من الأخبار في تضاعيف المباحث السابقة وسيأتي في
اللاحقة أيضا ما يدل عليه.
ويدل على ذلك من الأخبار زيادة على ما تقدم ويأتي ما رواه الكليني والشيخ
عنه في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " في رجل أفطر في
شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر؟ قال يعتق نسمة أو يصوم شهرين
متتابعين أو يطعم ستين يوما مسكينا فإن لم يقدر تصدق بما يطيق ".
وما رواه الكليني عن جميل بن دراج باسنادين أحدهما حسن على المشهور
صحيح على الأصح عن أبي عبد الله عليه السلام (2) " أنه سئل عن رجل أفطر يوما من
شهر رمضان متعمدا فقال إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال هلكت يا رسول الله
صلى الله عليه وآله فقال وما لك؟ فقال النار يا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال وما لك؟ قال وقعت
على أهلي. قال تصدق واستغفر. فقال الرجل فوالذي عظم حقك ما تركت في البيت
شيئا لا قليلا ولا كثيرا. قال فدخل رجل من الناس بمكتل من تمر فيه عشرون
صاعا يكون عشرة أصوع بصاعنا فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله خذ هذا التمر فتصدق
به فقال يا رسول الله صلى الله عليه وآله على من أتصدق به وقد أخبرتك أنه ليس في بيتي قليل
ولا كثير؟ قال فخذه وأطعمه عيالك واستغفر الله " إلى غير ذلك من الأخبار
التي لا حاجة إلى التطويل بنقلها بعد ما عرفت.
وأما وجوب الكفارة في صوم النذر فيدل عليه روايات: منها ما رواه

(1) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم. ورواه الشيخ بسند آخر أيضا
(2) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم. ويرويه الشيخ عنه أيضا
210

الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار (1) قال: " كتب بندار مولى إدريس: يا سيدي
نذرت أن أصوم كل يوم سبت فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب
عليه السلام وقرأته: لا تتركه إلا من علة وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلا
أن تكون نويت ذلك، فإن كنت أفطرت فيه من غير علة فتصدق بعدد كل يوم
على سبعة مساكين نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى ".
هذا على ما هو المشهور المنصور بالأدلة الواضحة، وقد عرفت من ما تقدم
نقله عن ابن أبي عقيل إنه لا كفارة عنده إلا في شهر رمضان وهو ضعيف مردود
بالأخبار المتكاثرة. وأما كونها كفارة يمين أو كفارة شهر رمضان فسيأتي الكلام
فيه محررا في كتاب النذر إن شاء الله تعالى.
وأما في صيام الاعتكاف فهو المشهور أيضا وظاهر كلام ابن أبي عقيل المتقدم
السقوط هنا.
ويدل على المشهور أخبار عديدة: منها ما رواه الكليني والشيخ عنه في
الموثق عن سماعة (2) قال: " سألت أبا عبد الله عليه الاسلام عن معتكف واقع أهله؟
قال: هو بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان ".
وعن زرارة (3) قال: " سألت أبا جعفر عليه السلام عن المعتكف يجامع أهله؟
فقال: إذا فعل فعليه ما على المظاهر ".
وعن عبد الأعلى بن أعين (4) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
وطأ امرأته وهو معتكف ليلا في شهر رمضان؟ قال عليه الكفارة. قال: قلت
فإن وطأها نهارا؟ قال عليه كفارتان ".
قيل: ولعل حجة ابن أبي عقيل ما رواه حماد في الحسن عن أبي عبد الله عليه السلام (5)

(1) الوسائل الباب 10 ممن يصح منه الصوم.
(2) الوسائل الباب 6 من الاعتكاف ورواهما في الفقيه ج 2 ص 122 و 123 أيضا
(3) الوسائل الباب 6 من الاعتكاف ورواهما في الفقيه ج 2 ص 122 و 123 أيضا
(4) الوسائل الباب 6 من الاعتكاف عن التهذيب والفقيه
(5) الوسائل الباب 5 من الاعتكاف، وحماد يرويه عن الحلبي
211

قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد وضربت
له قبة من شعر وشمر المئزر وطوى فراشه. فقال بعضهم: واعتزل النساء. فقال
أو عبد الله عليه السلام أما اعتزال النساء فلا " وحملها الشيخ على أن المراد محادثتهن
ومجالستهن دون الجماع لا غير. وهو جيد.
وأما قضاء شهر رمضان فقد عرفت الخلاف فيه أيضا.
ويدل على القول المشهور بالنسبة إلى قضاء شهر رمضان ما رواه ثقة الاسلام
في الكافي والصدوق في الفقيه عن بريد العجلي عن أبي جعفر عليه السلام (1) " في رجل
أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان؟ قال وإن كان أتى أهله قبل زوال الشمس فلا
شئ عليه إلا يوما مكان يوم، وإن كان أتى أهله بعد زوال الشمس فإن عليه أن
يتصدق على عشرة مساكين فإن لم يقدر عليه صام يوما مكان يوم وصام ثلاثة أيام
كفارة لما صنع ".
قال في الفقيه (2): وروي أنه إن أفطر قبل الزوال فلا شئ عليه وإن أفطر
بعد الزوال فعليه الكفارة مثل ما على من أفطر يوما من شهر رمضان.
وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن هشام بن سالم (3) قال: " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام رجل وقع على أهله وهو يقضي شهر رمضان؟ فقال إن كان وقع
عليها قبل صلاة العصر فلا شئ عليه يصوم يوما بدل يوم، وإن فعل بعد العصر صام
ذلك اليوم وأطعم عشرة مساكين فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيام كفارة لذلك ".
وما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة (4) قال: " سألت أبا جعفر عليه السلام عن
رجل صام قضاء من شهر رمضان فأتى النساء؟ قال عليه من الكفارة ما على الذي
أصاب في شهر رمضان لأن ذلك اليوم عند الله من أيام رمضان ".
وما رواه عن حفص بن سوقة عن من ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام (5) " في

(1) الوسائل الباب 29 من أحكام شهر رمضان
(2) الوسائل الباب 29 من أحكام شهر رمضان
(3) الوسائل الباب 29 من أحكام شهر رمضان
(4) الوسائل الباب 29 من أحكام شهر رمضان
(5) الوسائل الباب 4 من ما يمسك عنه الصائم
212

الرجل يلاعب أهله أو جاريته وهو في قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل؟
فقال: عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع في شهر رمضان ".
وقال في كتاب الفقه الرضوي (1) " إذا قضيت صوم شهر رمضان أو النذر
كنت بالخيار في الافطار إلى زوال الشمس فإن أفطرت بعد الزوال فعليك كفارة
مثل من أفطر يوما من شهر رمضان. وقد روي أن عليه إذا أفطر بعد الزوال
اطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد من طعام فإن لم يقدر صام يوما بدل
يوم وصام ثلاثة أيام كفارة لما فعل " وبهذه العبارة عبر ابنا بابويه في الرسالة
والمقنع كما نقله في المختلف.
وهل الحكم مختص بقضاء شهر رمضان عن نفسه أو يشمل ما كان عن غيره؟
اشكال ينشأ من اطلاق الأخبار فيمكن القول بالعموم ومن أن المتبادر منها ما كان
عن نفسه فيختص به. ولم أقف على من تعرض للتنبيه على ذلك من الأصحاب.
احتج ابن أبي عقيل على ما نقل بما رواه الشيخ في الموثق عن عمار
الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام (2) " في الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان
ويريد أن يقضيها متى يريد أن ينوي الصيام؟ قال: هو بالخيار إلى أن تزول الشمس
فإذا زالت الشمس فإن كان نوى الصوم فليصم وإن كان نوى الافطار فليفطر. سئل
فإن كان نوى الافطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟ قال لا.
سئل فإن نوى الصوم ثم أفطر بعد ما زالت الشمس؟ قال: قد أساء وليس عليه شئ
إلا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه ".
وأجاب عنه في المدارك بضعف السند باشتماله على جماعة من الفطحية. وفيه
ما عرفت مرارا من أن هذا الجواب لا يقوم حجة على المتقدمين الذين لا أثر لهذا
الاصطلاح عندهم ولا على من يعمل بالأخبار الموثقة من أصحاب هذا الاصطلاح.

(1) ص 26
(2) الوسائل الباب 2 من وجوب الصوم ونيته والباب 29 من أحكام شهر رمضان
213

وأجاب عنه الشيخ في الإستبصار بأن الوجه في قوله: " ليس عليه شئ " أن
نحمله على أنه ليس عليه شئ من العقاب لأن من أفطر في هذا اليوم لا يستحق
العقاب وإن أفطر بعد الزوال وإن لزمته الكفارة حسب ما قدمناه. ولا يخفى ما فيه
من البعد سيما مع اعترافه بجواز الافطار بعد الزوال فيبعد مجامعة الكفارة له.
وأجاب عنه المحدث الكاشاني في الوافي بأنه خبر شاذ لا يصلح لمعارضة تلك الأخبار المتفق عليها.
والأظهر عندي حمل الخبر المذكور على التقية لما صرح به العلامة (قدس
سره) في المنتهى من اطباق الجمهور على سقوط الكفارة في ما عدا رمضان
إلا قتادة (1).
قال (قدس سره): فرق علماؤنا بين الافطار في قضاء رمضان أول النهار
وبعد الزوال فأوجبوا الكفارة في الثاني دون الأول، والجمهور لم يفرقوا بينهما
بل قالوا بسقوط الكفارة في البابين إلا قتادة فإنه أوجبها فيهما معا، وابن أبي عقيل
من علمائنا اختار مذهب الجمهور في سقوط الكفارة. انتهى.
أقول: ومقتضى اطلاق عبارة ابن أبي عقيل التي قدمناه وكذا نقل الشهيد
في الدروس عنه أنه لا كفارة في غير رمضان هو موافقة الجمهور في سقوط
الكفارات من جميع أفراد الصوم عدا شهر رمضان كما حكاه في المنتهى عنهم،
حيث قال: وأطبق الجمهور كافة على سقوط الكفارة في ما عدا رمضان.
وأما ما جنح إليه صاحب الذخيرة من اختيار مذهب ابن أبي عقيل عملا
بموثقة عمار وحمل الروايات الأربع المتقدمة الدالة على وجوب الكفارة على
الاستحباب فهو من جملة تشكيكاته التي لا ينبغي أن يصغى إليها ولا يعرج عليها
بعد ما عرفت.
وتنقيح الكلام في المقام يتوقف على بيان أمور: الأول لا يخفى أن كلمة

(1) المغني ج 3 ص 125 والمجموع ج 6 ص 345
214

الأصحاب القائلين بوجوب الكفارة متفقة على التحديد بالزوال كما تقدم، وهو صريح
رواية بريد العجلي ورواية كتاب الفقه الرضوي، واجمال روايتي زرارة وحفص بن
سوقة المتقدمتين محمول على ذلك. وأما ما دل عليه صحيح هشام بن سالم من التحديد
بصلاة العصر فيجب تأويله بما يرجع به إلى تلك الأخبار وإلا فطرحه أو حمله على
التقية، لأن الأخبار قد تكاثرت كما ستأتي في المقام إن شاء الله تعالى بأن الزوال
هو الحد في جواز الافطار وعدمه فيجب أن يكون هو الحد في وجوب
الكفارة وعدمه.
وقال الشيخ في الإستبصار بعد ذكر خبري بريد وهشام أنه لا تنافي بين
الخبرين لأنه إذا كان وقت الصلاتين عند الزوال إلا أن الظهر قبل العصر على ما
بيناه في ما تقدم جاز أن يعبر عن ما قبل الزوال بأنه قبل العصر لقرب ما بين الوقتين
ويعبر عن ما بعد الزوال بأنه بعد العصر لمثل ذلك. ورده جملة من متأخري المتأخرين
بالبعد وهو وإن كان كذلك إلا أنه أولى من الطرح رأسا فإن العمل عليه بعد
ما عرفت غير ممكن.
ثم إن الشيخ أيضا جوز حمل خبر العصر على الوجوب وخبر الزوال على
الاستحباب، وهو غير جيد وإن استقر به في الذخيرة لاستفاضة الأخبار بالتحديد
بالزوال في تحريم الافطار وهو وقت تعلق الكفارة البتة، ولا معنى لكونه يحرم عليه
الافطار بعد الزوال ولا تجب عليه الكفارة إلا بعد العصر كما هو ظاهر لكل ذي فهم.
وليس ببعيد تطرق التحريف إلى هذا الخبر من قلم الشيخ بتبديل الظهر
بالعصر كما لا يخفى على من له أنس بطريقته وما وقع له في الأخبار متونا وأسنادا
من التبديل والتحريف والزيادة والنقصان.
وبالجملة فالعمل على القول المشهور المؤيد بالأخبار المذكورة.
الثاني اختلف أصحابنا (رضوان الله عليهم) في كفارة قضاء شهر رمضان
فالمشهور بينهم أنها اطعام عشرة مساكين فإن لم يتمكن صام ثلاثة أيام، ونقل في
215

المختلف عن ابني بابويه في الرسالة والمقنع أن عليه مثل ما على من أفطر يوما من
شهر رمضان، وقد روي أن عليه إذا أفطر.. إلى آخر ما تقدم من عبارة كتاب
الفقه الرضوي والظاهر أنه اقتطع من العبارة موضع الحاجة ولم ينقل عبارة الرسالة
من أولها. ونقل في المختلف عن ابن إدريس أنه قال بالقول المشهور وقال في
موضع آخر أنها كفارة يمين ونقله أيضا عن ابن البراج، وعن أبي الصلاح أنها صيام
ثلاثة أيام أو اطعام عشرة مساكين.
ويدل على القول المشهور ما تقدم من رواية بريد العجلي وصحيحة هشام (1)
وعلى قول ابني بابويه موثقة زرارة ورواية حفص بن سوقة (2) وإن كان معتمد هما
إنما هو على كتاب الفقه الذي نقلا عبارته كما هي قاعدتهم في غير مقام من ما أوضحنا
بيانه. وأما القولان الآخران فلم أقف لهما على دليل.
بقي الكلام في الجمع بين الأخبار المذكورة والشيخ بعد ذكر خبر زرارة حمله
على الشذوذ أولا ثم على من أفطر مستخفا بالفرض متهاونا به فيغلظ عليه ويعاقب
بذلك. ورده جملة من متأخري المتأخرين بالبعد وهو كذلك. وأما الخبر الثاني
فذكره في موضع آخر ولم يتعرض له. وجملة من متأخري المتأخرين حملوهما على
الاستحباب، وفيه ما عرفت في غير مقام. والمسألة عندي محل توقف
والاحتياط لا يخفى.
الثالث المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز الافطار قبل
الزوال حتى أن المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى لم ينقلا في ذلك خلافا، ونقل
في المختلف عن أبي الصلاح أن كلامه يشعر بتحريمه. وقال ابن أبي عقيل: ومن
أصبح صائما لقضاء ما كان عليه من رمضان وقد نوى الصوم من الليل فأراد أن
يفطر في بعض النهار لم يكن له ذلك. وهو ظاهر في ما نقل عن أبي الصلاح أيضا.
ويدل على القول المشهور وهو المختار جملة من الأخبار: ومنها رواية
بريد العجلي المتقدمة (3).

(1) ص 212
(2) ص 212
(3) ص 212
216

ومنها صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " أنه قال في الذي
يقضي شهر رمضان أنه بالخيار إلى زوال الشمس وإن كان تطوعا فإنه إلى الليل بالخيار "
وموثقة أبي بصير (2) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة تقضي شهر
رمضان فيكرهها زوجها على الافطار؟ فقال: لا ينبغي له أن يكرهها بعد الزوال ".
أقول: ولفظ " لا ينبغي " وإن استعمل في الأخبار بمعنى الكراهة تارة
والتحريم أخرى إلا أنه هنا بالمعنى الثاني للأخبار المتقدمة.
ورواية سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام (3) " في قوله: الصائم بالخيار
إلى زوال الشمس قال: ذلك في الفريضة فأما النافلة فله أن يفطر أي ساعة شاء
إلى غروب الشمس ".
وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (4) قال: " صوم النافلة لك
أن تفطر ما بينك وبين الليل متى ما شئت وصوم قضاء الفريضة لك أن تفطر إلى
زوال الشمس فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر ".
ورواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (5) قال: " الذي يقضي شهر
رمضان هو بالخيار في الافطار ما بينه وبين أن تزول الشمس وفي التطوع ما بينه
وبين أن تغيب الشمس ".
ولعل حجة المانعين ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمان بن الحجاج (6)
قال: " سألته عن الرجل يقضي رمضان أله أن يفطر بعد ما يصبح قبل الزوال
إذا بدا له؟ فقال: إذا كان نوى ذلك من الليل وكان من قضاء رمضان فلا يفطر
ويتم صومه.. الحديث ".
وأجيب عنه بالحمل على الاستحباب، وهو غير بعيد لورود مثل ذلك في الصوم
المستحب والواجب أولى.
وقد تقدم في رواية معمر بن خلاد عن أبي الحسن عليه السلام (7) قال: " كنت

(1) الوسائل الباب 4 من وجوب الصوم ونيته.
(2) الوسائل الباب 4 من وجوب الصوم ونيته.
(3) الوسائل الباب 4 من وجوب الصوم ونيته.
(4) الوسائل الباب 4 من وجوب الصوم ونيته.
(5) الوسائل الباب 4 من وجوب الصوم ونيته.
(6) الوسائل الباب 4 من وجوب الصوم ونيته.
(7) الوسائل الباب 4 من وجوب الصوم ونيته.
217

جالسا عنده آخر يوم من شعبان فلم أره صائما قلت جعلت فداك صمت اليوم؟ فقال
لي ولم.. إلى أن قال: فقلت أفطر الآن؟ فقال: لا فقلت: وكذلك في النوافل ليس
لي أن أفطر بعد الظهر؟ قال نعم ".
المسألة الثانية اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في كفارة شهر
رمضان فالمشهور التخيير بين الأنواع الثلاثة: عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين
أو اطعام ستين مسكينا، ذهب إليه الشيخان والمرتضى وابن الجنيد وأبو الصلاح
وسلار وابن البراج وابن إدريس وغيرهم، واختاره السيد السند في المدارك. وقال
ابن أبي عقيل على ما نقله عنه في المختلف: الكفارة عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين
متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا. قال: وهذا يدل على الترتيب. وقال
الشيخ في الخلاف أن فيه روايتين الترتيب والتخيير. ولم يرجح إحداهما. وفي المبسوط
اختار التخيير ثم قال: وقد روي أنها مرتبة. وذهب الصدوق في من لا يحضره الفقيه
إلى التفصيل وهو وجوب الثلاث إن أفطر على محرم ووجوب الواحدة في الافطار على
محلل، وهو قول الشيخ في كتابي الأخبار، واختار العلامة في القواعد والارشاد
وابنه فخر المحققين في الإيضاح ونقله عن ابن حمزة أيضا.
ويدل على القول الأول ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام.. وقد تقدم في المسألة الأولى (1).
وما رواه في التهذيب عن أبي بصير (2) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل وضع يده على شئ من جسد امرأته فأدفق؟ فقال: كفارته أن يصوم شهرين
متتابعين أو يطعم ستين مسكينا أو يعتق رقبة "
وروى في الوسائل نقلا من نوادر أحمد بن محمد بن عيسى عن عثمان بن

(1) ص 210
(2) الوسائل الباب 4 من ما يمسك عنه الصائم
218

عيسى عن سماعة (1) قال: سألته عن رجل أتى أهله في شهر رمضان متعمدا؟ قال:
عليه عتق رقبة أو اطعام ستين مسكينا أو صوم شهرين متتابعين وقضاء ذلك اليوم
ومن أين له مثل ذلك اليوم؟ " قال: ورواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن
عثمان بن عيسى.
ويدل على ذلك أيضا ما تقدم (2) في المسألة الأولى من حسنة جميل بن دراج
الدالة على أمر النبي صلى الله عليه وآله لذلك الرجل الذي شكى إليه أنه أتى أهله في شهر
رمضان - بالصدقة.
ونحوها صحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال:
" سألته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا؟ قال: عليه خمسة عشر صاعا
لكل مسكين مد ".
والتقريب في هذين الخبرين دلالتهما على الاجتزاء بالصدقة مطلقا ولو كانت
الكفارة مرتبة كما يدعى لكان مقام البيان يقتضي ذكرهما وأن الصيرورة إلى
الصدقة لتعذرهما.
وفي كتاب الفقه الرضوي (4): ومن جامع في شهر رمضان أو أفطر فعليه
عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد من
طعام، وعليه قضاء ذلك اليوم وأنى له بمثله؟.
احتج القائلون بالترتيب بما رواه الصدوق في الفقيه عن عبد المؤمن بن القاسم
الأنصاري عن أبي جعفر عليه السلام (5) " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال: هلكت
وأهلكت. فقال: وما أهلكك؟ قال: أتيت امرأتي في شهر رمضان وأنا صائم
فقال النبي صلى الله عليه وآله: أعتق رقبة. قال: لا أجد؟ قال: فصم شهرين متتابعين. قال:
لا أطيق؟ قال: تصدق على ستين مسكينا. قال: لا أجد؟ فأتى النبي صلى الله عليه وآله بعذق

(1) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم
(2) ص 210
(3) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم
(4) ص 25
(5) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم
219

في مكتل فيه خمسة عشر صاعا من تمر فقال النبي صلى الله عليه وآله: خذها فتصدق بها فقال
والذي بعثك بالحق نبيا ما بين لا بتيها أهل بيت أحوج إليه منا. فقال خذه فكله
أنت وأهلك فإنه كفارة لك ".
وأجاب عنه في المدارك أولا بالطعن في السند بجهالة الراوي فلا يعارض
الأخبار السليمة.
وثانيا بأن أمر النبي صلى الله عليه وآله بالشئ بعد الشئ ليس صريحا في الترتيب ولو
كان كذلك لوجب تنزيله على الاستحباب فنكون جامعين بين العمل بالروايتين وليس
كذلك لو أوجبنا الترتيب بل يلزم منه سقوط خبر التخيير.
أقول: وهذا الجواب من حيث عدم الصراحة في الدلالة على القول المذكور
جيد إلا أنه روى علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى عليه السلام (1) قال:
" سألته عن رجل نكح امرأته وهو صائم في رمضان ما عليه؟ قال: عليه القضاء
وعتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا
فإن لم يجد فليستغفر الله ".
وهذا الخبر كما ترى صحيح صريح في القول المذكور، وصاحب الوسائل بعد
نقله حمله على الاستحباب والأفضلية، وقد عرفت ما في هذا الحمل من الاشكال كما
أوضحناه في غير موضع من ما تقدم.
والأظهر عندي حمل هذه الرواية لصراحتها على التقية التي هي في اختلاف
الأحكام الشرعية أصل كل بلية، ولو كانت الرواية الأولى صريحة في القول المذكور
لوجب حملها على ذلك أيضا بأن تكون التقية في النقل فإن العامة قد رووا الحديث
المذكور كذلك (2) فيكون حكاية لما رووه، إلا أن الخبر غير صحيح كما عرفت.
ووجه الحمل على التقية ما نقله في المنتهى من أن الترتيب مذهب أبي حنيفة

(1) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم
(2) سنن البيهقي ج 4 ص 221.
220

والثوري والشافعي والأوزاعي (1) قال: وبه قال ابن أبي عقيل من علمائنا.
قال في المنتهى: احتج الجمهور بما رواه أبو هريرة (2) " أن رسول الله صلى الله عليه وآله
قال المواقع على أهله: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال لا. قال: هل تستطيع أن تصوم
شهرين متتابعين؟ قال لا. قال: فهل تجد اطعام ستين مسكينا؟ " فدل على أنها للترتيب.
ثم أجاب (قدس سره) عنها بأن أمره بشئ بعد آخر لا يدل على الترتيب
إذ ليس بصريح فيه.. إلى آخر ما قدمناه من الجواب المنقول عن المدارك.
وبذلك يظهر لك أن الأظهر في الجمع بين هذه الأخبار هو حمل ما دل على
الترتيب على التقية كما ذكرنا.
احتج من ذهب إلى التفصيل بما رواه الصدوق في الفقيه عن عبد السلام بن
صالح الهروي (3) قال " قلت للرضا عليه السلام يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله قد روي عن
آبائك في من جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه ثلاث كفارات، وروي عنهم أيضا
كفارة واحدة، فبأي الحديثين نأخذ؟ قال بهما جميعا: متى جامع الرجل حراما أو
أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفارات: عتق رقبة وصيام شهرين
متتابعين واطعام ستين مسكينا وقضاء ذلك اليوم، وإن كان نكح حلالا أو أفطر
على حلال فعليه كفارة واحدة وقضاء ذلك اليوم، وإن كان ناسيا فلا شئ عليه ".
وربما طعن بعضهم في سند الرواية وهو عندنا غير معول عليه، مع أنه بناء
على اصطلاحهم يمكن الجواب عنه بأن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس من مشايخ
الصدوق وقد أكثر الرواية عنه في كتبه، وعلي بن محمد بن قتيبة من مشايخ الكشي
وقد أكثر النقل عنه في كتابه، فهما من مشايخ الإجازة المتفق بينهم على عدم
احتياجهم إلى التوثيق، وأما حمدان بن سليمان فهو ثقة في كتب الرجال لا خلاف

(1) المغني ج 3 ص 127 و 128
(2) المغني ج 3 ص 127 و 128
(3) الوسائل الباب 10 من ما يمسك عنه الصائم
221

فيه، وأما عبد السلام بن صالح فقد وثقه النجاشي وقال إنه صحيح الحديث، وأما
ما ذكره الشيخ في كتاب الرجال من أنه عامي فالظاهر أنه وهم منه (قدس سره)
وقد أورد الكشي روايات تدل على أنه من فضلاء الشيعة الإمامية وهو المختار عند
جملة من أصحاب هذا الاصطلاح، فلا طعن في الرواية عند التحقيق.
على أنه من ما يعضده هذه الرواية ما صرح به في الفقيه حيث قال: وأما
الخبر الذي روي في من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا أن عليه ثلاث
كفارات فإني أفتي به في من أفطر بجماع محرم عليه أو بطعام محرم عليه لوجود
ذلك في روايات أبي الحسين الأسدي (رضي الله عنه) في ما ورد عليه من الشيخ
أبي جعفر محمد بن عثمان العمري. انتهى. والظاهر كما استظهره جملة من أصحابنا
اتصال ذلك بصاحب الأمر عليه السلام فإن الأسدي كان من الوكلاء الذين ترد عليهم
التوقيعات كما ذكره الشيخ في كتاب الغيبة والميرزا محمد في كتاب الرجال، وحينئذ
فهذا الكلام في قوة خبر مرسل.
وبالجملة فالحق أنه لا مجال للتوقف في ما دلت عليه هذه الرواية من التفصيل
وبها يخصص اطلاق الأخبار المتقدمة.
وأما ما ذكره في المعتبر حيث قال بعد أن أورد رواية عبد السلام: إن هذه
الرواية لم بظهر العمل بها بين الأصحاب ظهورا يوجب العمل بها وربما حملناها على
الاستحباب ليكون آكد في الزجر فلا يخفى ما فيه.
وعلى ما ذكرنا من التفصيل وأن الافطار على محرم موجب للجمع يجب أن
يحمل ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة (1) قال: " سألته عن رجل أتى أهله في
رمضان متعمدا؟ قال عليه عتق رقبة واطعام ستين مسكينا وصيام شهرين متتابعين
وقضاء ذلك اليوم، وأين له مثل ذلك اليوم؟ ".
والشيخ (رضي الله عنه) قد أولها بوجهين: أحدهما ما ذكرناه وثانيهما حمل

(1) الوسائل الباب 10 من ما يمسك عنه الصائم.
222

الواو على التخيير دون الجمع كما في قوله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء
مثنى وثلاث ورباع (1) أقول: والظاهر أن الأول أظهر.
وينبغي التنبيه هنا على أمور:
الأول المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن الذي يعطى لكل
فقير مد، ونقل عن الشيخ في المبسوط والخلاف الاطعام لكل مسكين مدان.
ويدل على المشهور جملة من الأخبار: منها صحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله
المتقدمة في هذه المسألة (2).
وموثقة سماعة (3) قال: " سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل؟ قال: عليه
اطعام ستين مسكينا مد لكل مسكين ".
وصحيحة عيص بن القاسم (4) قال: " سألته عن من لم يصم الثلاثة الأيام وهو
يشتد عليه الصيام هل فيه فداء؟ قال: مد من طعام في كل يوم).
احتج الشيخ على ما نقله في المختلف بأنه أحوط، وبأن المدين بدل عن اليوم
في كفارة صيد الاحرام. ثم أجاب في المختلف عن الأول بأنه معارض بالبراءة،
وعن الثاني بأنه معارض بما تقدم من الأخبار من أن المد بدل عن اليوم.
الثاني قد تقدم في صحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله أن الواجب في الاطعام
خمسة عشر صاعا لكل مسكين مد ومثلها حديث الأنصاري المتقدم، وهو المعمول
عليه بين الأصحاب لأن الصاع أربعة أمداد وقسمة الخمسة عشر لكل مسكين مد
يقتضي بسطها على ستين مسكينا وهو المأمور به في الأخبار المستفيضة.
إلا أنه قد تقدم في صحيحة جميل بن دراج المتقدمة في المسألة الأولى (5) في
حكاية الرجل المجامع الذي أتى النبي صلى الله عليه وآله قال: " فدخل رجل من الناس بمكتل

(1) سورة النساء الآية 4
(2) ص 219
(3) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم.
(4) التهذيب ج 4 ص 313 عن الكليني وفي الوسائل الباب 11 من الصوم المندوب
(5) ص 210
223

من تمر فيه عشرون صاعا يكون عشرة أصوع بصاعنا ".
ومثله ما رواه في الفقيه عن إدريس بن هلال عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " أنه
سئل عن رجل أتى أهله في شهر رمضان؟ قال: عليه عشرون صاعا من تمر فبذلك
أمر النبي صلى الله عليه وآله الرجل الذي أتاه فسأله عن ذلك ".
وما رواه في الفقيه أيضا عن محمد بن النعمان عن أبي عبد الله عليه السلام (2)
" أنه سئل عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان؟ فقال: كفارته جريبان من طعام
وهو عشرون صاعا ".
وما رواه في الكافي في الموثق عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله البصري عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " سألته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا؟
قال: يتصدق بعشرين صاعا ويقضي مكانه ".
ولا ريب في منافاة هذه الأخبار للخبرين المتقدمين اللذين عليهما عمل الأصحاب
والعلامة في المنتهى نقل من هذه الأخبار خبر جميل بن دراج وخبر محمد
بن النعمان، وحمل الأول على أنه فقير فإذا كفر بعشرة أصوع خرج عن العهدة
لأنه فقير متمكن من الصيام وإلا أمره عليه السلام به.
وظاهره أن صاحب هذه القضية التي في رواية جميل غير الذي في رواية
الأنصاري، والذي يظهر من الفقيه أنها قضية واحدة حيث إنه بعد نقل رواية
الأنصاري المشتملة على أن المكتل فيه خمسة عشر صاعا (4) قال: وفي رواية جميل
ابن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام (5) أن المكتل الذي أتى به النبي صلى الله عليه وآله كان فيه
عشرون صاعا من تمر، وعلى هذا يعظم الاشكال.
وحمل الثاني على صغر الصاع. وأنت خبير بما فيه من البعد سيما مع اعتضاد
هذا الخبر بخبر إدريس وموثقة عبد الرحمان.

(1) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم
(3) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم
(4) ص 219 و 220
(5) 210
224

وكيف كان فالظاهر أنه لا خروج عن ما عليه الأصحاب لاعتضاده بالأخبار
الدالة على التصدق على ستين مسكينا وأن الصدقة بمد وأن الصاع أربعة أمداد.
إلا أنه يبقى الاشكال في الجواب عن هذا الأخبار ويمكن حملها على التقية
وإن لم يعلم به قائل من العامة كما قدمناه في مقدمات الكتاب. ويحتمل ولعله الأقرب
الحمل على اختلاف الصاع وأن الخمسة عشر صارت في وقته عليه السلام بعشرين صاعا
باعتبار اختلاف الأوقات زيادة ونقيصة.
الثالث اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما لو عجز عن الخصال
الثلاث، فقيل إنه يصوم ثمانية عشر يوما وهو منقول عن الشيخ المفيد والمرتضى
وابن إدريس، وقيل إنه يتصدق بما يطيق وهو منقول عن الصدوق في المقنع
وابن الجنيد.
وقال في المنتهى: ولو عجز عن الأصناف الثلاثة صام ثمانية عشر يوما فإن
لم يقدر تصدق بما وجد أو صام ما استطاع فإن لم يتمكن استغفر الله تعالى ولا شئ
عليه ذهب إليه علماؤنا. ثم نقل اختلاف الجمهور وبحث معهم في المسألة (1) وفي
المختلف استقرب التخيير بين صوم ثمانية عشر يوما والتصدق بما يطيق.
ويدل على الأول ما رواه الشيخ عن أبي بصير وسماعة بن مهران (2) قالا:
" سألنا أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر على
الصيام ولم يقدر على العتق ولم يقدر على الصدقة؟ قال: فليصم ثمانية عشر يوما عن كل
عشرة مساكين ثلاثة أيام ".
وما رواه الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: سألته عن رجل
كان عليه صيام شهرين متتابعين.. إلى آخر الحديث المتقدم.
ويدل على الثاني صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة في المسألة الأولى حيث

(1) المنتهى ج 2 ص 575 والمغني ج 3 ص 132
(2) التهذيب ج 4 ص 207 و 208
(3) الوسائل الباب 9 من بقية الصوم الواجب
225

قال عليه السلام بعد التخيير بين الخصال الثلاث: " فإن لم يقدر تصدق بما يطيق ".
وصحيحة الأخرى الحسنة على المشهور عن أبي عبد الله عليه السلام (1): " في الرجل
وقع على أهله في شهر رمضان فلم يجد ما يتصدق به على ستين مسكينا؟ قال: يتصدق
بقدر ما يطيق ".
والجمع بين الأخبار بالتخيير كما رجحه في المختلف متعين وبه جمع الشهيد في
الدروس وبه قطع شيخنا الشهيد الثاني.
وجملة من المتصلبين في هذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد أقرب من الصلاح
كصاحب المدارك وصاحب الذخيرة اطرحوا الروايتين الدالتين على صوم الثمانية
عشر لضعف السند واختاروا ما دلت عليه أخبار التصدق بما يطيق محتجين بأن
الجمع بين الأخبار إنما يكون بعد التكافؤ في السند.
وظاهر عبائر جملة من الأصحاب أن هذا الحكم أعني الانتقال إلى صوم ثمانية
عشر يوما حكم من وجب عليه شهران متتابعان مطلقا بكفارة أو نذر أو ما في
معناه وما لو وجبا في كفارة تعيينا أو تخييرا. وفي استفادة هذا التعميم من الخبرين
المذكورين اشكال فإن ظاهرهما إنما هو الكفارة المشتملة على الخصال الثلاث.
ثم إنهم قد اختلفوا في اشتراط التتابع وعدمه في صوم الثمانية عشر (2).
الرابع الظاهر أنه لا خلاف في أن من عجز من الصوم أصلا فإنه يجزئه
الاستغفار والتوبة وهو كفارته، وهو مقطوع به في كلام الأصحاب.
ويدل عليه جملة من الأخبار: منها ما رواه الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " كل من عجز عن الكفارة التي تجب عليه من صوم أو عتق

(1) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم
(2) ورد في هامش الطبعة القديمة: هذه العبارة هكذا وقعت في النسخ ويحتمل
سقوط تتمة الكلام إذ من البعيد في عادة المصنف الاكتفاء بذكر الخلاف فقط. والله العالم
(3) الوسائل الباب 6 من الكفارات
226

أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك من ما يجب على صاحبه فيه الكفارة
فالاستغفار له كفارة ما خلا يمين الظهار ".
وعن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (1) قال: " سألته عن شئ من كفارة اليمين..
إلى أن قال: قلت فإن عجز عن ذلك؟ قال: فليستغفر الله ".
وقد تقدم (2) في حديث المجامع الذي أتى النبي صلى الله عليه وآله ما يدل على ذلك أيضا.
بقي الكلام في ما لو قدر على التكفير بعد الاستغفار وظاهر النصوص
المذكورة عدم الوجوب حيث إن بعضها صريح في أن الاستغفار كفارة له، وقال في
الدروس: ولو قدر بعد الاستغفار فاشكال إذ لا تجب الكفارة على الفور.
وفيه ما عرفت.
الخامس المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) اشتراط الايمان في
الرقبة في هذا الموضع وغيره من أفراد الكفارات التي يجب فيها عتق رقبة،
ونقل في المختلف عن السيد المرتضى وابن إدريس التصريح بالايمان في خصوص
هذا الموضع.
والآية أعني قوله عز وجل: فتحرير رقبة مؤمنة (3) وإن كان موردها قتل الخطأ
إلا أنهم حملوا عليها سائر الكفارات حملا للمطلق على المقيد وإن اختلف السبب،
ولما في رواية سيد بن عميرة " أيجوز للمسلم أن يعتق مملوكا مشركا؟ قال: لا " (4)
وقيل بعدم اشتراطه إلا في قتل الخطأ الذي هو مورد الآية، وهو منقول
عن ابن الجنيد والشيخ في المبسوط والخلاف.
ويدل على خصوص ما نحن فيه ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن
أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي الذي نقل في شأنه أنه ممن أجمعت العصابة على تصحيح

(1) الوسائل الباب 12 من الكفارات
(2) ص 210
(3) سورة النساء الآية 95
(4) الوسائل الباب 17 من العتق
227

ما يصح عنه عن المشرقي عن أبي الحسن عليه السلام (1) قال: " سألته عن رجل أفطر من
شهر رمضان أياما متعمدا ما عليه من الكفارة؟ فكتب عليه السلام: من أفطر يوما من
شهر رمضان متعمدا فعليه عتق رقبة مؤمنة ويصوم يوما بدل يوم ".
والقول الثاني في غير كفارة شهر رمضان لما عرفت من الخبر لا يخلو من
قوة. وسيجئ تحقيق المسألة في محلها إن شاء الله تعالى.
السادس الظاهر من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) الاتفاق على أنه
لا تجزئ القيمة في شئ من خصال الكفارة لاشتغال الذمة بها، والانتقال إلى
القيمة يحتاج إلى دليل وليس فليس.
السابع اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما لو تبرع أحد
بالكفارة عن الحي، فقيل إنه يجزئ ذلك عنه صوما كان أو غيره وهو قول الشيخ
في المبسوط واختاره العلامة في المختلف، وقيل إنه يجزئ ما عدا الصوم وأما
الصوم فإنه يراعى فيه الوفاة وهو مذهب المحقق في الشرائع، وقيل بالمنع مطلقا
واختاره جماعة من الأصحاب: منهم السيد السند في المدارك، وهو الأقرب لعدم
النص الدال عليه وتعلق التكليف بالحي وتوجه الخطاب إليه فلا يحصل الامتثال
بفعل غيره.
احتج العلامة في المختلف على ما ذهب إليه من القول الأول بأنه دين يقضى
عن المديون فوجب أن تبرأ ذمته كما لو كان لأجنبي بل هنا أولى لأن حق الله تعالى
مبني على التخفيف.
وهو من حيث الاعتبار جيد إلا أن الظاهر أن التكفير من جملة العبادات
التي من شأنها عدم قبول النيابة عن الحي إلا ما استثنى.
وبالجملة فالأحكام الشرعية يجب أن تكون دائرة مدار النصوص الظاهرة

(1) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم
228

والأدلة الباهرة وما ذكره من التعليل يصلح توجيها للنص لو وجد لا أن يكون
دليلا مستقلا.
وأما ما يظهر من الوسائل من الأجزاء حيث ذكر في باب (1) أن من
أفطر يوما من شهر رمضان عمدا وجب عليه مع القضاء كفارة مخيرة.. إلى أن
قال: وإن تبرع أحد بالتكفير عنه أجزأه. ثم أورد في الباب خبر المجامع الذي
أتى النبي صلى الله عليه وآله المشتمل على أنه صلى الله عليه وآله أتى بمكتل فيه خمسة عشر صاعا في أحد
الخبرين (2) أو عشرون كما في الخبر الآخر (3) فأعطاه ذلك الرجل وقال له تصدق به
ففيه أن محل الخلاف في المسألة من تبرع بالكفارة صدقة كان أو غيرها
عن الحي لا من أعطاه شيئا وملكه إياه وأمره بالتصدق عنه كما هو مورد الخبرين
وهذا من جملة غفلاته (طاب ثراه).
وأما التبرع عن الميت فالمشهور جوازه وهو ظاهر الأخبار الكثيرة
المتقدمة في كتاب الصلاة (4) المتضمنة لانتفاعه بما يلحقه من الطاعات:
كرواية حماد بن عثمان (5) قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام إن الصلاة والصوم
والصدقة والحج والعمرة وكل عمل صالح ينفع الميت حتى أن الميت يكون في ضيق
فيوسع عليه ويقال هذا بعمل ابنك فلان وبعمل أخيك فلان، أخوه في الدين ".
ورواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (6) قال: " يقضى عن الميت
الصوم والحج والعتق وفعله الحسن " إلى غير ذلك من الأخبار المتقدمة.
المسألة الثالثة الظاهر أنه لا خلاف نصا وفتوى في أن الكفارة تتكرر
بتكرر الموجب إذا كان في يومين.
إنما الخلاف في تكررها بتكرر الموجب في اليوم الوحد فقال الشيخ في

(1) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم.
(2) ص 219
(3) ص 210
(4) ج 11 ص 32
(5) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات
(6) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات
229

المبسوط أنه ليس لأصحابنا فيه نص والذي يقتضيه مذهبنا أنه لا تتكرر الكفارة،
واختاره ابن حمزة وجماعة: منهم المحقق في كتبه الثلاثة، وقال المرتضى بتكررها
بتكرر الوطئ، وقال ابن الجنيد إن كفر عن الأول كفر ثانيا وإلا كفر كفارة
واحدة عنهما. وقال العلامة في المختلف الأقرب عندي أنه إن تغاير جنس المفطر
تعددت الكفارة وإلا فلا. ورجح المحقق الشيخ على في حاشية الشرائع تكرر
الكفارة بتكرر السبب مطلقا.
وقال في المسالك بعد نقل عبارة المصنف: لا ريب في تكررها مع اختلاف
الأيام مطلقا وأما في اليوم الواحد فالأصح تكررها بتكرر الجماع. ومع تخلل
التكفير ومع اختلاف نوع الموجب، أما مع اتفاقه فقال في الدروس لا تتكرر
قطعا وفي المهذب اجماعا، واختار المحقق الشيخ على تكررها مطلقا وهو الأصح
إن لم يكن قد سبق الاجماع على خلافه. والأكل والشرب مختلفان ويتعددان بتعدد
الازدراد والجماع بالعود بعد النزع. انتهى.
أقول: والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه
الصدوق (قدس) في كتاب عيون أخبار الرضا وكتاب الخصال بسنده إلى الفتح
ابن يزيد الجرجاني (1) " أنه كتب إلى أبي الحسن عليه السلام يسأله عن رجل واقع امرأة
في شهر رمضان من حلال أو حرام في يوم عشر مرات؟ قال: عليه عشر كفارات
لكل مرة كفارة فإن أكل أو شرب فكفارة يوم واحد ".
ونقل العلامة في المختلف عن ابن أبي عقيل قال: ذكر أبو الحسن زكريا بن
يحيى صاحب كتاب شمس المذهب عنهم (عليهم السلام) (2) أن الرجل إذا جامع
في شهر رمضان عامدا فعليه القضاء والكفارة فإن عاود إلى المجامعة في يومه ذلك
مرة أخرى فعليه في كل مرة كفارة.
وقال في المختلف في أثناء البحث في هذه المسألة: ويؤيده ما روي عن

(1) الوسائل الباب 11 من ما يمسك عنه الصائم.
(2) الوسائل الباب 11 من ما يمسك عنه الصائم.
230

الرضا عليه السلام أن الكفارة تتكرر بتكرر الوطئ. ويمكن أن يكون هذا إشارة إلى
الرواية التي قدمناها أو إلى رواية أخرى غيرها.
وبالجملة فإن الظاهر عندي هو الوقوف على ما دلت عليه رواية الفتح المذكورة
إذ لا معارض لها في المسألة ولم يتعرض أحد من أصحابنا لنقلها وهي ظاهرة في ما
نقل عن السيد المرتضى (رضي الله عنه).
وما ذكره أصحاب هذه الأقوال من التعليلات لما ذهبوا إليه لا يمكن
الرجوع إليه ولا التعويل عليه ولولا وجود ما ذكرناه لكانت المسألة محل توقف
واشكال لعدم النص الذي هو العمدة في الاستدلال.
وقد أطال العلامة في المختلف في الاستدلال على ما ذهب إليه بما لا مزيد
فائدة في التعرض إلى نقله والكلام عليه بعد ما عرفت.
بقي الاشكال في أن ظاهر هذين الخبرين أن الواجب بالتعدد في الجماع كفارة
واحدة وإن كان الجماع لأجنبية مع أنه قد تقدم في سابق هذه المسألة أن الأصح في
هذه الصورة ثلاث كفارات للتوقيع المتقدم ورواية الهروي، والتنافي ظاهر.
ولا يحضرني الآن وجه جمع بين هذه الأخبار إلا أن يخص كل من هذه الأخبار المتنافية بمورده، فتحمل أخبار التعدد إذا جامع حراما على الجماع مرة
واحدة وهذان الخبران على تعدد الجماع كما هو موردهما فإنه ليس عليه إلا كفارة
واحدة، ولعله لمناسبة التخفيف عنه لأنه متى جامع عشر مرات حراما وقلنا بأن
الواجب في الحرام ثلاث كفارات كان الواجب ثلاثين كفارة وهو في غاية العسر
والحرج، فلعله لذلك لم يجب عليه إلا كفارة واحدة. والله العالم بحقائق الأمور.
المسألة الرابعة لو فعل ما تجب به الكفارة ثم سقط فرض الصوم بسفر أو
حيض أو شبهه فهل تسقط الكفارة أم لا؟ قولان ثانيهما للشيخ في الخلاف
وأكثر الأصحاب وادعى عليه في الخلاف اجماع الفرقة.
واستدل عليه بأنه أفسد صوما واجبا من رمضان فاستقرت عليه الكفارة
231

كما لو لم يطرأ العذر. وبأنه أوجد المقتضي وهو الهنك والافساد بالسبب الموجب
للكفارة فثبت الأثر، والمعارض وهو العذر المسقط لغرض الصوم لا يصلح
للمانعية عملا بالأصل.
والقول الأول حكاه المحقق وغيره واختاره العلامة في جملة من كتبه.
واستدل عليه بأن هذا اليوم غير واجب صومه عليه في علم الله تعالى وقد
انكشف لنا ذلك بتجدد العذر فلا تجب فيه الكفارة كما لو أنكشف أنه من
شوال بالبينة.
أقول: يمكن تطرق الطعن إلى هذا الاستدلال بأن الأحكام الشرعية
والتكاليف الواردة من الشارع إنما بنيت على الظاهر لا على نفس الأمر والواقع،
فإن الحلال والحرام والطاهر والنجس ليس إلا عبارة عن ما كان كذلك في نظر
المكلف لا عن ما كان لقولهم (عليهم السلام) (1): " كل شئ فيه حلال
وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه " وقولهم (2) " لك شئ طاهر حتى
تعلم أنه قذر " ونحو ذلك. وبه يظهر قوة ما ذكره الشيخ (قدس سره).
وأما القياس على انكشاف كونه من شوال فهو قياس مع الفارق لأنه بعد
انكشاف كونه من شوال لا يصدق عليه أنه أفطر يوما من شهر رمضان فلا تجب
عليه كفارة، وأما في ما نحن فيه فلا خلاف في أنه أفطر يوما من شهر رمضان
لغير عذر وإن طرأ العذر بعد ذلك فتتناوله الأخبار الدالة على وجوب الكفارة
على من كان كذلك.
وبالجملة فإن الأخبار الدالة على وجوب الكفارة على من أفطر يوما من
شهر رمضان متعمدا شاملة باطلاقها لهذه الصورة وتجدد العذر لا يصلح لاسقاطها

(1) الوسائل الباب 4 من ما يكتسب به والباب 64 من الأطعمة المحرمة والباب 61
من الأطعمة المباحة باختلاف في اللفظ.
(2) الوسائل الباب 37 من النجاسات واللفظ " كل شئ نظيف.. "
232

بعد ثبوتها، وقول ذلك القائل إنه غير واجب صومه في علم الله تعالى مدفوع
بأن الوجوب ليس مبنيا علي علم الله تعالى الذي هو عبارة عن الواقع ونفس الأمر
كما عرفت.
وذكر العلامة ومن تأخر عنه أن مبنى المسألة على قاعدة أصولية وهي أن
المكلف إذا علم فوات شرط الفعل هل يجوز أن يكلف به أم يمتنع؟ فعلى الأول
تجب الكفارة وعلى الثاني تسقط.
قال في المدارك بعد نقل ذلك: وعندي في هذا البناء نظر إذ لا منافاة بين
الحكم بامتناع التكليف بالفعل مع علم الآمر بانتفاء الشرط كما هو الظاهر وبين الحكم
بثبوت الكفارة هنا لتحقق الافطار في صوم واجب بحسب الظاهر كما هو واضح.
ومرجعه إلى عدم اندراج ما نحن فيه تحت القاعدة المذكورة لجواز أن يكون وجوب
الكفارة مبنيا علي وجوب الصيام بحسب الظاهر وإن قلنا إنه يمتنع التكليف في
الصورة المذكورة.
وفرق بعضهم بين ما لو كان المسقط باختياره كالسفر غير الضروري أو بغير
اختياره كالحيض والسفر الضروري فاسقط الكفارة بالثاني دون الأول.
قال في المدارك: ويظهر من العلامة في مطولاته الثلاثة والشارح
(قدس سره) أن سقوط الكفارة في هذه الصورة يعني صورة ظهور كونه من
شوال لا خلاف فيه، فإنهما استدلا على سقوط الكفارة مع سقوط الفرض
بسقوطها إذا انكشف كون ذلك اليوم من شوال بالبينة، ومقتضى ذلك كون
السقوط هنا مسلما عند الجميع. انتهى.
واعترضه بعض مشايخنا المتأخرين بأن هذا غير ظاهر بل الظاهر خلافه فإن
الشهيد الثاني نقل في سقوط الكفارة بالسفر أقوالا ثلاثة: الأول سقوط
الكفارة بالسفر مطلقا إذا كان موجبا للقصر لتبين عدم وجوب الصوم، الثاني
عدم السقوط بذلك مطلقا لصدق فعل موجب الكفارة في صوم واجب، الثالث
233

الفرق بين السفر الضروري وغيره، فظهر أن محل الخلاف أعم من ما ذكره
السيد (قدس سره). انتهى.
أقول: الظاهر أن ما نقله شيخنا المذكور عن الشهيد الثاني مأخوذ من كتاب
تمهيد القواعد فإنه غير موجود في كتاب المسالك ولا في كتاب الروضة.
وكيف كان فالظاهر أنه لو كان المكلف إنما فعل ذلك لأجل اسقاط الكفارة
بعد أن وجبت عليه فإنه لا يدخل في محل الخلاف وإلا لزم اسقاط الكفارة عن
كل مفطر باختياره ثم السفر لاسقاط الكفارة.
ويدل على ذلك صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم الحسنة على المشهور المتقدمة في
كتاب الزكاة في حديث طويل (1) قالا: " قال أبو عبد الله عليه السلام أيما رجل كان
له مال وحال عليه الحول فإنه يزكيه. قلت فإن وهبه قبل حله بشهر أو بيوم؟
قال ليس عليه شئ أبدا. قال وقال زرارة عنه: أنه قال إنما هذا بمنزلة رجل أفطر في
شهر رمضان يوما في إقامته ثم خرج في آخر النهار في سفر فأراد بسفره ذلك
ابطال الكفارة التي وجبت عليه. وقال إنه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه
الزكاة ولكنه لو كان وهبها قبل ذلك لجاز ولم يكن عليه شئ بمنزلة من خرج ثم أفطر "
المسألة الخامسة قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف
يعرف بأن من أكره زوجته على الجماع في نهار شهر رمضان وهما صائمان فإن عليه
كفارتين ولا كفارة عليها، ونقل المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى الاجماع
على ذلك.
والمستند فيه ما رواه ثقة الاسلام في الكافي بسنده عن المفضل بن عمر عن
أبي عبد الله عليه السلام (2) " في رجل أتى امرأته وهو صائم وهي صائمة؟ فقال: إن كان
استكرهها فعليه كفارتان، وإن كانت طاوعته فعليه كفارة وعليها كفارة، وإن

(1) الوسائل الباب 12 من زكاة الذهب والفضة
(2) الوسائل الباب 12 من ما يمسك عنه الصائم
234

كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطا نصف الحد، وإن كانت طاوعته ضرب
خمسة وعشرين سوطا وضربت خمسة وعشرين سوطا ".
ورواها الصدوق في الفقيه عن المفضل أيضا (1) وقال بعد نقلها: قال مصنف
هذا الكتاب (قدس سره) لم أجد ذلك في شئ من الأصول وإنما تفرد بروايته
علي بن إبراهيم بن هاشم.
وروى هذه الرواية أيضا الشيخ المفيد في المقنعة مرسلا (2).
قال المحقق في المعتبر بعد نقل الرواية المذكورة: وإبراهيم بن إسحاق هذا
ضعيف متهم والمفضل بن عمر ضعيف جدا كما ذكره النجاشي. وقال ابن بابويه:
لم يرو هذه الرواية غير المفضل. فإذا الرواية في غاية الضعف لكن علماءنا ادعوا
على ذلك اجماع الإمامية ومع ظهور القول بها ونسبة الفتوى إلى الأئمة (عليهم
السلام) يجب العمل بها، ويعلم نسبة الفتوى إلى الأئمة (عليهم السلام) باشتهارها
بين ناقلي مذهبهم كما يعلم أقوال أرباب المذاهب بنقل أتباع مذهبهم وإن استندت
في الأصل إلى الآحاد من الضعفاء والمجاهيل. انتهى.
قال في المدارك بعد نقل هذا الكلام: وهو جيد لو علم استناد الفتوى بذلك
إلى الأئمة (عليهم السلام) كما علم بعض أقوال أرباب المذاهب بنقل أتباعهم لكنه
غير معلوم وإنما يتفق حصول هذا العلم في آحاد المسائل كما يعلم بالوجدان. انتهى.
وعلى منواله نسج صاحب الذخيرة فقال بعد نقل كلام المحقق المذكور: وفي
ثبوت ما نقل اسناده إلى الأئمة (عليهم السلام) تأمل، وثبوت الاسناد في خصوص
بعض المسائل بنقل الأصحاب من ما لا ريب فيه لكن في كون هذه المسألة من ذلك
القبيل توقفا.
أقول: لا يخفى أن مراد المحقق (قدس سره) من هذا الكلام هو أن
الأصحاب قد ادعوا الاجماع على هذا الحكم، ومن الظاهر أن شهرة الفتوى بينهم بهذا

(1) الوسائل الباب 12 من ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل الباب 12 من ما يمسك عنه الصائم
235

الحكم وعدم ظهور المخالف فيه موجب للعلم بكون ذلك مذهب الأئمة (عليهم السلام)
الذي يفتون به، لأنه متى علم أن اعتماد الشيعة في الأحكام إنما هو على ما ورد عنهم
(عليهم السلام) وأنهم لا يفتون في الأحكام بآرائهم ولا يستندون في شئ منها إلى
عقولهم ولا يعتمدون على أحد غير أئمتهم (عليهم السلام) وأنهم في العدالة والتقوى
على حد يمنعهم من الافتراء والكذب على أئمتهم (عليهم السلام) فاللازم من ذلك هو
حصول العلم العادي البتة بكون هذا الحكم الذي أجمعوا عليه مذهب أئمتهم (عليهم
السلام) وإن الفتوى المستندة إليهم به صحيحة وإن كان نقلتها من المجاهيل و الضعفاء
كما يحصل العلم العادي من مقلدي أبي حنيفة وأتباعه بكون ما يتعاطونه و ينقلونه
بينهم هو مذهب أبي حنيفة وهكذا. ولكن هذا الكلام لما كان فيه نوع طعن علي
هذا الاصطلاح المحدث الذي اعتمده السيد السند وأمثاله من المتصلبين فيه أنكر
(قدس سره) ومن تبعه استناد الفتوى بذلك إلى الأئمة (عليهم السلام).
ونقل عن ظاهر ابن أبي عقيل إنه أوجب على الزوج مع الاكراه كفارة
واحدة كما في حال المطاوعة.
قال في المدارك: وهو غير بعيد خصوصا على ما ذهب إليه الأكثر من عدم
فساد صوم المرأة بذلك فينتفي المقتضي للتكفير.
أقول: لا يخفى أن نفيه البعد عن هذا القول مبني على اطراحه الخبر المتقدم
لضعفه باصطلاحه الذي يعتمده.
وأما اعتضاده بما ذهب إليه الأكثر من عدم فساد صوم المرأة بذلك - ففيه
أنه لا منافاة بين تعدد الكفارة على الزوج متى أكرهها وبين الحكم بصحة صومها.
لأن تحمله كفارتها إنما ترتب على اكراهها على هذا الفعل لا على بطلان صومها.
ونظيره ما سيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الحج من أنه متى جامع زوجته
وهما محرمان بالحج فإن طاوعته لزمها ما لزمه من فساد الحج ووجوب اتمامه والحج
من قابل والبدنة، وإن أكرهها فإن حجها صحيح مع تعدد الكفارة عليه.
236

وقد صرح هو نفسه ثمة بذلك فقال بعد قول المصنف ولو أكرهها كان
حجها ماضيا ما لفظه: لا ريب في صحة حج المرأة مع الاكراه للأصل ولأن المكره
أعذر من الجاهل، ويدل على تعدد الكفارة عليه مع الاكراه قوله عليه السلام في رواية
علي بن أبي حمزة (1) " إن كان استكرهها فعليه بدنتان ". انتهى.
أقول: ومثل رواية علي بن أبي حمزة صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
عليه السلام (2) في حديث قال فيه: " إن كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه
وإن كان استكرهها فعليه بدنتان ".
وبذلك يظهر لك أن تعدد الكفارة على المكره لا يترتب على فساد حج
المرأة أو صومها حتى أنه يجعل حكم الأصحاب هنا بصحة صوم المرأة مستندا
للكفارة الواحدة.
فوائد
الأولى قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا فرق في الزوجة
بين الدائمة والمستمتع بها عملا باطلاق النص، وهو كذلك.
الثانية ألحق الشيخ بالمكرهة النائمة، قال في المعتبر: ونحن نساعده على
المكرهة وقوفا على ما ادعاه من اجماع الإمامية، أما النائمة فلا لأن في الاكراه
نوعا من تهجم ليس موجودا في النائمة. ولأن ذلك ثبت على خلاف الأصل فلا
يلزم من ثبوت الحكم هناك لوجود الدلالة ثبوته هنا مع عدمها. انتهى. وهو جيد.
الثالثة لو أكره أجنبية فهل يتحمل عنها أم لا؟ قولان قرب الأول
منهما العلامة في القواعد، واختار الثاني منهما العلامة في المنتهى وابن
إدريس والمحقق.

(1) الوسائل الباب 4 من كفارات الاستمتاع.
(2) الوسائل الباب 7 من كفارات الاستمتاع.
237

واختاره في المدارك لاختصاص النص الوارد بالتحمل بالوطئ المحلل
فينتفي في غيره بل في غير الزوجة.
واستند القائل الأول إلى أن الزنى أغلظ حكما فيكون أولى بالمؤاخذة
والتكفير نوع منها.
ورد بأن الكفارة لتكفير الذنب ورفع عقابها فربما لا تناسب الذنب الشديد
لعدم تأثيرها في تخفيفه لشدته كما في تكرر قتل الصيد عمدا فإنه لا كفارة فيه مع
ثبوت الكفارة في الخطأ.
ووجه الشيخ فخر الدين في الإيضاح تقريب أبيه (قدس سرهما) في القواعد
بعموم النص وغير الرواية (1) فبدل لفظ " امرأته " في الخبر " بامرأة " بحذف
الضمير وكأنه (سهو منه) (قدس سره) لأن الموجود في كتب الأخبار (2) وكذا
في كتب الفروع اثبات الضمير كما نقلناه.
الرابعة قالوا: لو وطأ المجنون زوجته وهي صائمة فإن طاوعته لزمتها
الكفارة وإن أكرهها سقطت الكفارة عنهما، أما عنه فلعدم التكليف وأما
عنها فللاكراه.
ولو أكره المسافر زوجته قيل وجبت الكفارة عليه هنا عنها لا عنه،
واحتمل العلامة في القواعد السقوط مطلقا لكونه مباحا له غير مفطر لها.
قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه: وربما لاح من هذا التعليل إباحة الاكراه
على هذا الوجه، وكأن وجهه انتفاء المقتضي للتحريم وهو فساد الصوم إذ المفروض
أن صومها لا يفسد بذلك. أقول: قد عرفت ما فيه.
ثم قال: والأصح التحريم لأصالة عدم جواز اجبار المسلم على غير
الحق الواجب عليه.

(1) وهي رواية سليمان بن خالد الواردة في الوسائل الباب 4 من كفارات الاستمتاع
(2) الفروع ج 1 ص 268 والوافي باب (غشيان النساء للمحرم) من كتاب الحج
والوسائل الباب 4 من كفارات الاستمتاع
238

المسألة السادسة قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن من أفطر
عامدا في شهر رمضان فإن كان مستحلا غير معتقد لتحريم ذلك الفعل فهو مرتد
إن كان ممن بلغه أحكام الاسلام وقواعد الحلال والحرام، وإن لم يكن كذلك بل
كان معترفا بتحريمه فإنه يعزر فإن عاد عزر فإن عاد قتل في الثالثة على المشهور أو
عزر فإن عاد قتل في الرابعة على القول الآخر.
ومستند الأول ما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن بريد العجلي (1)
قال: " سئل أبو جعفر عليه السلام عن رجل شهد عليه شهود أنه أفطر من شهر رمضان
ثلاثة أيام؟ قال: يسئل هل عليك في افطارك في شهر رمضان إثم؟ فإن قال لا فإن
على الإمام أن يقتله وإن قال نعم فإن على الإمام أن ينهكه ضربا ".
وإن ادعى الشبهة قبل منه، وعلى ذلك تحمل رواية زرارة وأبي بصير (2)
قالا: " سألنا أبا جعفر عليه السلام عن رجل أتى أهله في شهر رمضان أو أتى أهله وهو
محرم وهو لا يرى إلا أن ذلك حلال له؟ قال: ليس عليه شئ ".
ومستند الثاني ما رواه الشيخ والصدوق عن سماعة في الموثق (3) قال: " سألته
عن رجل أخذ في شهر رمضان وقد أفطر ثلاث مرات وقد رفع إلى الإمام ثلاث
مرات؟ قال: فليقتل في الثالثة ".
وما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) في الصحيح عن يونس بن
عبد الرحمان عن أبي الحسن الماضي عليه السلام (4) قال: " أصحاب الكبائر كلها إذا أقيم
عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة ".
ومستند الثالث ما رواه الشيخ (قدس سره) عنهم (عليهم السلام)

(1) الوسائل الباب 2 من أحكام شهر رمضان
(2) الوسائل الباب 9 من ما يمسك عنه الصائم.
(3) الوسائل الباب 2 من أحكام شهر رمضان
(4) الوسائل الباب 5 من مقدمات الحدود
239

مرسلا (1) أن أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة.
وسيأتي إن شاء الله تعالى في المقصد الثاني تتمة الكلام في ما يتعلق بالكفارات.
المقصد الثاني
في أقسام الصوم وهو واجب ومندوب ومكروه وحرام، فالكلام في هذا
المقصد يقع في مطالب:
المطلب الأول في الواجب وهو ستة: شهر رمضان وقضاؤه والكفارات
ودم المتعة والنذر وما في معناه والاعتكاف على وجه فالكلام هنا يقع في فصول:
الفصل الأول في شهر رمضان وهو واجب بالكتاب والسنة واجماع
المسلمين ووجوبه من ضروريات الدين على جامع الشرائط المتقدمة.
ويعلم بأمور: أحدها رؤية الهلال سواء انفرد برؤيته أو شاركه غيره.
قال العلامة في التذكرة: ويلزم صوم رمضان من رأى الهلال وإن كان واحدا
انفرد برؤيته سواء كان عدلا أو غير عدل شهد عند الحاكم أو لم يشهد قبلت شهادته
أو ردت، ذهب إليه علماؤنا أجمع وهو قول أكثر العامة، وعند بعضهم أن المنفرد
لا يصوم (2).
أقول: ويدل على الحكم المذكور بعد قوله عز وجل: فمن شهد منكم الشهر
فليصمه (3) جملة من الأخبار:

(1) لم أقف في كتب الحديث على هذا المرسل في مظانه. نعم في التهذيب ج 10
ص 62 قال في ضمن كلام له: لأنا قد بينا أن أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة أو الرابعة.
ثم ذكر حديث يونس. ويمكن أن يكون الترديد بلحاظ ما ورد في الزنى من قتله في الرابعة
كما تقدم ذلك فيه ص 37. وقال في الإستبصار ج 4 ص 225 فإنه إذا صار كذلك ثلاث
دفعات قتل في الرابعة. ويمكن أن يكون نظر الفقهاء إلى كلامه المذكور.
(2) المغني ج 3 ص 156
(3) سورة البقرة الآية 182
240

منها ما رواه الكليني في الصحيح والحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله
عليه السلام (1) " أنه سئل عن الأهلة؟ فقال: هي أهلة الشهور فإذا رأيت الهلال فصم وإذا
رأيته فأفطر. قلت: أرأيت إن كان الشهر تسعة وعشرين يوما أقضي ذلك اليوم؟
فقال: لا إلا أن تشهد لك بينة عدول فإن شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلك
فاقض ذلك اليوم ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي الصباح والحلبي جميعا عن أبي عبد الله
عليه السلام (2) " أنه سئل عن الأهلة؟ فقال: هي أهلة الشهور فإذا رأيت الهلال فصم وإذا
رأيته فأفطر ".
وفي الصحيح عن المفضل وعن زيد الشحام جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام (3)
" أنه سئل عن الأهلة فقال: هي أهلة الشهور فإذا رأيت الهلال فصم وإذا رأيته فأفطر "
وما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن علي بن جعفر (4) " أنه سأل
أخاه موسى عليه السلام عن الرجل يرى الهلال في شهر رمضان وحده لا يبصره غيره أله
أن يصوم؟ قال: إذا لم يشك فيه فليصم وإلا فليصم مع الناس ".
وثانيها عد ثلاثين يوما من شعبان لو لم ير، وهو مجمع عليه بين العلماء من
الطرفين بل قيل إنه من ضروريات الدين.
ويدل عليه ما رواه الشيخ في التهذيب عن أبي خالد الواسطي (5) قال:

(1) الوسائل الباب 3 من أحكام شهر رمضان رقم (1) واللفظ ينتهي بقوله: " وإذا
رأيته فأفطر " نعم في رواية الحلبي الواردة في الباب 3 و 5 من أحكام شهر رمضان رقم 18
و 17 عن التهذيب اللفظ المذكور كله، وكذا في رواية أبي الصباح والحلبي ورواية المفضل
والشحام الآتيتين عن التهذيب.
(2) الوسائل الباب 3 و 5 من أحكام شهر رمضان رقم 7 و 9
(3) الوسائل الباب 3 و 5 من أحكام شهر رمضان رقم 3 و 4
(4) الوسائل الباب 4 من أحكام شهر رمضان
(5) الوسائل الباب 16 و 3 من أحكام شهر رمضان رقم 1 و 17
241

" أتينا أبا جعفر عليه السلام في يوم يشك فيه من رمضان فإذا مائدته موضوعة وهو يأكل
ونحن نريد أن نسأله فقال: ادنوا الغداء إذا كان مثل هذا اليوم ولم تجئكم فيه بينة رؤية
الهلال فلا تصوموا. ثم قال: حدثني أبي علي بن الحسين عن علي (عليهم السلام)
أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما ثقل في مرضه قال أيها الناس إن السنة اثنا عشر شهرا منها
أربعة حرم. قال ثم قال بيده: فذاك رجب مفرد وذو القعدة وذو الحجة والمحرم
ثلاثة متواليات، ألا وهذا الشهر المفروض رمضان فصوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته
فإذا خفي الشهر فأتموا العدة شعبان ثلاثين وصوموا الواحد وثلاثين.. الحديث ".
ولا اختصاص لهذا الحكم بهلال شهر رمضان بل كل شهر اشتبهت رؤية
هلاله يجب أن يعد ما قبله ثلاثين يوما.
ومن الأخبار زيادة على ما قدمنا قول أبي جعفر عليه السلام في صحيحة محمد بن
قيس (1) " أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول: وإن غم عليكم فعدوا ثلاثين ليلة
ثم افطروا ".
وقوله عليه السلام في صحيحة محمد بن مسلم (2) " وإذا كانت علة فأتم شعبان ثلاثين "
بقي الكلام لو غمت شهور السنة كلها أو أكثرها، قيل إنه يعد كل شهر منها
ثلاثين، وهو منقول عن الشيخ في المبسوط وجماعة واختاره المحقق في الشرائع،
وقيل ينقص منها لقضاء العادة بالنقيصة، وهذا القول مجهول القائل مع جهالة قدر
النقص أيضا، وقيل بالعمل في ذلك برواية الخمسة الآتية في الموضع السادس (3)
واختاره العلامة في جملة من كتبه، وذكر في المختلف أنه إنما اعتمد في ذلك على
العادة لا على الرواية. وقيل عليه إنه مشكل أيضا لعدم اطراد العادة بالنقيصة على
هذا الوجه. والمسألة محل توقف لعدم الدليل الواضح فيها.
هذا في ما ذكرناه من ما لو غمت شهور السنة كلها أو أكثرها، أما الشهران

(1) الوسائل الباب 5 و 8 من أحكام شهر رمضان
(2) الوسائل الباب 5 و 11 من أحكام شهر رمضان
(3) من مواضع التنبيه الخامس من التنبيهات الآتية
242

والثلاثة فقد قطع جملة من الأصحاب بعدها ثلاثين لامتناع الحكم بدخول الشهر
بمجرد الاحتمال، وعليه تدل ظواهر الأخبار المتقدمة.
وثالثها الشياع بأن يرى رؤية شائعة، قال المحقق في المعتبر والعلامة في
المنتهى إنه لا خلاف فيه بين العلماء. واستدل عليه في المنتهى بأنه نوع تواتر يفيد
العلم. ونحوه قال في التذكرة، ثم قال: ولو لم يحصل العلم بل حصل ظن غالب
بالرؤية فالأقوى التعويل عليه كالشاهدين، فإن الظن بشهادتهما حاصل مع الشياع.
ونحوه ذكر شيخنا الشهيد الثاني وغيره.
ونقل في المدارك عن جده (قدس سره) في موضع من الشرح اعتبار
زيادة الظن الحاصل من ذلك على ما يحصل منه بقول العدلين لتتحقق الأولوية
المعتبرة في مفهوم الموافقة. ثم قال بعد نقل ذلك: ويشكل بأن ذلك يتوقف
على كون الحكم بقبول شهادة العدلين معللا بإفادتهما الظن ليتعدى إلى ما يحصل به
ذلك وتحقق الأولوية المذكورة، وليس في النص ما يدل على هذا التعليل وإنما هو
مستنبط فلا عبرة به، مع أن اللازم من اعتباره الاكتفاء بالظن الحاصل من
القرائن إذا ساوى الظن الحاصل من شهادة العدلين أو كان أقوى وهو باطل اجماعا
ثم قال: والأصح اعتبار العلم كما اختاره العلامة في المنتهى وصرح به المصنف في
كتاب الشهادات من هذا الكتاب لانتفاء ما يدل على اعتبار الشياع بدون ذلك،
وعلى هذا فينبغي القطع بجريانه في جميع الموارد. وحيث كان المعتبر ما أفاد العلم
فلا ينحصر المخبرون في عدد ولا يفرق في ذلك بين خبر المسلم والكافر والصغير
والكبير والأنثى والذكر كما قرر في حكم التواتر. انتهى.
أقول: ظاهر كلام أصحابنا (رضوان الله عليهم) في هذا المقام بل صريح
بعضهم أنهم لم يقفوا على دليل لهذا الحكم من الأخبار، وأنا قد وقع لي تحقيق نفيس
في هذه المسألة في أجوبة مسائل بعض الأعلام أحببت ايراده في المقام وإن طال به
زمام الكلام لما اشتمل عليه من التحقيق الكاشف لنقاب الابهام وإزاحة ما عرض
243

فيها من الشكوك والأوهام، وهذه صورته:
ظاهر الكلام أصحابنا (رضوان الله عليهم) عدم الوقوف على نص يدل على
ذلك حيث لم يوردوا له دليلا من الأخبار وإنما بنوا الحكم فيه على نوع من الاعتبار
بل صرح المحدث الكاشاني في المفاتيح بعدم النص في ذلك، وحينئذ فإن حصل به العلم
واليقين وأثمر القطع دون التخمين فالظاهر أنه لا إشكال في اعتباره والعمل بمقتضاه
بل ربما يدعى استفادته بهذا المعنى من الأخبار، مثل الأخبار الدالة على أن
الصوم للرؤية والفطر للرؤية (1) بأن يكون المعنى فيها أن كلا من الصوم والفطر
مترتب على العلم بالرؤية أعم من أن يكون برؤية المكلف نفسه أو بالشياع
الموجب للعلم.
ويمكن أن يستدل على اعتبار الشياع من الأخبار بما رواه الشيخ في التهذيب
عن سماعة (2) " أنه سأله عن اليوم في شهر رمضان يختلف فيه؟ فقال: إذا اجتمع
أهل المصر على صيامه للرؤية فاقضه إذا كان أهل المصر خمسمائة انسان ".
إذا الظاهر أن ذكر الخمسمائة إنما هو على جهة التمثيل والكناية عن الكثرة
الموجبة للعلم، إذا لا ضرورة لهذا العدد مع وجود العدلين فيهم ولا خصوصية
له مع عدمهما.
وما رواه أيضا في الكتاب المذكور بسنده عن عبد الحميد الأزدي (3) قال:
" قلت لأبي عبد الله عليه السلام أكون في الجبل في القرية فيها خمسمائة من الناس؟ فقال: إذا
كان كذلك فصم بصيامهم وأفطر بفطرهم ".
وما رواه فيه عن أبي الجارود (4) قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول صم
حين يصوم الناس وأفطر حين يفطر الناس فإن الله عز وجل جعل الأهلة مواقيت (5)

(1) الوسائل الباب 3 من أحكام شهر رمضان
(2) الوسائل الباب 12 من أحكام شهر رمضان. والرواية رقم (2) للصدوق في الفقيه ج 2 ص 77 الشيخ
(3) الوسائل الباب 12 من أحكام شهر رمضان. والرواية رقم (2) للصدوق في الفقيه ج 2 ص 77 الشيخ
(4) الوسائل الباب 12 من أحكام شهر رمضان. والرواية رقم (2) للصدوق في الفقيه ج 2 ص 77 الشيخ
(5) في قوله تعالى في سورة البقرة الآية 186 " يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت.. "
244

وما رواه فيه أيضا عن أبي الجارود (1) قال: " شككنا سنة في عام من تلك
الأعوام في الأضحى فلما دخلت على أبي جعفر عليه السلام كان بعض أصحابنا يضحي فقال:
الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس والصوم يوم يصوم الناس ".
وهذه الأخبار كما ترى ظاهرة الدلالة بل صريحة المقالة على وجوب الصوم
والافطار متى شاعت الرؤية بين الناس واشتهرت بحيث صاموا وافطروا من غير
نظر إلى أن يكون فيهم عدلان أم لا، لأن الحكم فيها إنما علق على الكثرة
والاتفاق على ذلك.
قال الشيخ (قدس سره) في التهذيب بعد نقل رواية عبد الحميد: يريد عليه السلام بذلك
أن صومهم إنما يكون بالرؤية فإذا لم يستفض الخبر عندهم برؤية الهلال لم يصوموا
على ما جرت به العادة في بلاد الاسلام. انتهى. وهو مؤيد لما قلناه وظاهر
في ما ادعيناه.
ومن ما يمكن أن يستدل به في المقام وإن لم يتنبه له أحد من علمائنا الأعلام
صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (2) قال: " إذا رأيتم الهلال فصوموا
وإذا رأيتموه فأفطروا، وليس بالرأي ولا بالتظني ولكن بالرؤية، والرؤية ليس أن
يقوم عشرة فينظروا فيقول واحد هو ذا فينظر تسعة فلا يرونه، إذا رآه واحد
رآه عشرة وألف ".
فإن الظاهر أن المعنى فيها والله سبحانه وأولياؤه أعلم أنه متى كان الهلال
بحيث كل من نظر إليه رآه من غير علة هناك مانعة من ضعف بصر أو غيم
أو نحوهما واشتهر وشاع ذلك على هذه الكيفية بحيث لم يقل قائل خال من العذر
إني نظرت إليه فلم أره فإنه يجب على سائر الناس ممن لم ينظروا العمل بمقتضى ذلك
مع حصول العلم بأخبار أولئك، لأن مساق الخبر بالنسبة إلى من لم ينظر وهل

(1) الوسائل الباب 57 من ما يمسك عنه الصائم. واللفظ " سألت أبا جعفر (ع)
إنا.. "
(2) الوسائل الباب 11 من أحكام شهر رمضان
245

يجب عليه العمل بمقتضى تلك الرؤية أم لا؟ وإلا فلا خلاف ولا اشكال في العمل
بمقتضى الرؤية على الرائي نفسه.
وموثقة عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " صم للرؤية وافطر
للرؤية، وليس رؤية الهلال أن يجئ الرجل والرجلان فيقولان رأينا إنما الرؤية
أن يقول القائل رأيت فيقول القوم صدق ".
ورواية أبي العباس عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " الصوم للرؤية والفطر
للرؤية، وليس الرؤية أن يراه واحد ولا اثنان ولا خمسون ".
وصحيحة إبراهيم بن عثمان الخزاز عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " قلت له
كم يجزئ في رؤية الهلال؟ فقال: إن شهر رمضان فريضة من فرائض الله فلا تؤدوا
بالتظني، وليس رؤية الهلال أن يقوم عدة فيقول واحد قد رأيته ويقول
الآخرون لم نره، إذا رآه واحد رآه مائة وإذا رآه مائة رآه ألف، ولا يجوز في
رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علة أقل من شهادة خمسين، وإذا كانت في السماء
علة قبلت شهادة رجلين يدخلان ويخرجان من مصر ".
ومن هذه الأخبار يظهر صحة ما ذكرناه في معنى الصوم للرؤية والفطر للرؤية
من أن المراد العلم بالرؤية دون وقوع الرؤية من ذلك الرائي بخصوصه، فإن قوله
عليه السلام " وليس الرؤية.. إلى آخره " صريح في ذلك.
وحاصل المعنى في هذه الأخبار أنه عليه السلام جعل مناط الصوم والفطر العلم
بالرؤية، ثم فسر معنى الرؤية التي هي مناط ذلك بأنها ليست عبارة عن أن يدعيها بعض
ويخالفه آخر بل هي عبارة عن أن يخبر بها كل من تعمد النظر من غير مانع هناك
ولا علة لا من جهة السماء ولا من جهة الناظر فإنه متى كان كذلك وجب على العالم
بها العمل بمقتضاها، ولو كان المراد من قوله: " الصوم للرؤية والفطر للرؤية "
إنما هو بالنسبة إلى الرائي نفسه بمعنى أنه يجب على كل من رأى الهلال الصوم أو

(1) الوسائل الباب 11 من أحكام شهر رمضان
(2) الوسائل الباب 11 من أحكام شهر رمضان
(3) الوسائل الباب 11 من أحكام شهر رمضان
246

الفطر لكان لا معنى لبقية الكلام في هذه الأخبار ولا لتفسير الرؤية بما ذكر فيها
لأن حكم الرائي لا يتوقف على غيره كما لا يخفى.
وبالجملة فمساق هذه الأخبار وأمثالها إنما هو بالنسبة إلى بيان الرؤية التي
يترتب على العلم بها من لم ينظر وير العمل بمقتضاها.
ويؤيد ذلك أنه لم يرد في أخبار هذا الباب على كثرتها وانتشارها ما يدل على
وجوب الرؤية على كل فرد فرد من أفراد المكلفين مع وجوب ما يترتب على ذلك
من صيام وافطار المأخوذ فيهما البناء على العلم واليقين.
بقي في المقام اشكالان: أحدهما أن هذه الأخبار من حيث دلالتها على
عدم الاكتفاء في الرؤية بالاثنين والثلاثة بل لا بد أن تكون على تلك الكيفية
المتقدمة ربما نافى بظاهره ما دل على الاكتفاء في ثبوت الهلال بشهادة العدلين
من الأخبار المستفيضة.
والجواب عن ذلك من وجهين: أولهما أن تحمل هذه الأخبار على عدم وجود
العدلين في جملة أولئك الناظرين فلا بد حينئذ من الكثرة الموجبة للعلم.
الثاني ولعله الأقرب أن تحمل هذه الأخبار على أن الغرض منها بيان ثبوت
الرؤية بالشياع وتفسير معنى الرؤية التي يثبت بها الشياع من غير ملاحظة لوجود
العدلين وعدمه، بمعنى أنه متى شاعت الرؤية على هذه الكيفية بين الناس على وجه
أفاد السامع بها العلم وجب العمل بمقتضاها على نهج ما تقدم في الأخبار السالفة
الدالة على أمره عليه السلام بالصيام والافطار بصيام الناس وافطارهم، لأن اتفاقهم على
الصيام أو الافطار مؤذن بالاتفاق على الرؤية كلا أو بعضا، فيجب العمل بمقتضى
رؤيتهم من غير ملاحظة لوجود العدلين فيهم وعدمه، إذ متى رئي الهلال في بلد من
غير علة هناك فإنه لا يختص برؤيته ناظر دون ناظر، لأن الفرض عدم العلة
والمانع من جهة السماء ومن جهة الناظر فلا يختص ذلك بالعدلين ولا يتوقف عليهما
ولا يحتاج إليهما.
247

وأما أخبار العدلين فيمكن حملها على الرؤية التي لم تقع على هذا الوجه كما إذا
لم ير في البلد بالكلية لمانع أو لغير مانع أو رئي فيها ولكن ثمة مانع من رؤية الجميع
لوجود غيم واتفق وجود فرجة شاهده فيها عدلان مثلا فإنه يحكم بشهادتهما كما
دلت عليه الأخبار.
ويمكن حملها ولعله الأظهر على التخصيص بأن يكونا من خارج البلد كما دلت
عليه صحيحة الخزاز (1) فإنه متى لم ير في البلد على الوجه ذكرناه من الشياع
والانتشار أعم من أن يكون لعلة أو لعدم النظر إليه أو نحو ذلك فمتى شهد على
الرؤية عدلان من الخارج أو حصل الشياع بالرؤية في بلاد أخرى قريبة وجب
العمل بمقتضى ذلك.
والعلة في أظهرية هذا الوجه كما ذكرنا أن الأخبار المتضمنة لذكر العدلين
لا دلالة في شئ منها على كونهما من البلد بل شطر من تلك الأخبار مطلق مثل قوله
عليه السلام في صحيحة الحلبي (2) " لا أجيز في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين "
ونحوها من الأخبار الكثيرة (3) وشطر منها ظاهر الدلالة بل صريحها في المدعى مثل
صحيحة الخزاز المتقدمة (4) ومثل الأخبار المستفيضة الدالة على وجوب القضاء
بشهادة العدلين (5) فإن افطار ما يجب صومه حتى لزم من ذلك وجوب القضاء
بشهادتهما دليل على أنهما ليسا من البلد كما لا يخفى، وعلى هذا يحمل مطلق أخبار
العدلين على مقيدها ويختص الحكم بالعدلين في ذلك من خارج البلد. ولا ينافي ذلك
ما في الاحتمال الأول من فرض رؤية العدلين في البلد مع الغيم إذا حصلت فرجة
رأياه فيها، فإن الأحكام الشرعية التي هي بمنزلة القواعد الكلية إنما تبنى على الغالب
والأكثر دون الفروض النادرة كما لا يخفى على من غاص في لجج الأخبار والتقط
من خبايا تلك الأسرار.

(1) 246
(2) الوسائل الباب 11 من أحكام شهر رمضان
(3) الوسائل الباب 11 من أحكام شهر رمضان
(4) 246
(5) الوسائل الباب 3 و 5 و 11 من أحكام شهر رمضان
248

الاشكال الثاني ما تضمنته صحيحة الخزاز من ايجاب الخمسين مع عدم
العلة في السماء.
والجواب عن ذلك يقع من وجهين. أحدهما أن ما دل على خلاف هذا
الخبر وأكثر عددا وأقوى سندا وأوضح دلالة، وحينئذ فقضية الترجيح عند
التعارض هو المصير إلى ذلك دون ما دلت عليه هذه الصحيحة.
ولا يرد أن رد هذا الحكم منها يستلزم ردها كملا فلا تصلح للاستدلال بها
والاعتماد عليها في المقام.
لأنا نقول: قد صرح غير واحد من علمائنا الفحول (رضوان الله عليهم) بأن
رد بعض الخبر لمعارض أقوى لا يستلزم رد ما لا معارض له منه بل هو من قبيل
العام المخصوص في ذلك.
الثاني ارتكاب جادة التأويل فيها بالحمل على بيان العدد الذي يحصل به الشياع
غالبا ويكون كناية عن الكثرة التي يحصل بها العلم واليقين من غير خصوصية في
ذلك لخصوص الخمسين.
هذا. ولم أر من تنبه للاستدلال بهذه الأخبار على هذه المسألة من علمائنا
الأبرار (رضوان الله عليهم) ولا من كشف عنها نقاب الابهام في المقام ولا من
جمع بينهما وبين أخبار العدلين على وجه يزول به التنافي في البين.
ثم إنه لا يخفى أن من اكتفى من أصحابنا (رضوان الله عليهم) في معنى الشياع
بمجرد الظن إلحاقا له بالظن الحاصل من شهادة العدلين، أو اعتبر الزيادة في هذا
الظن على ما يحصل بقول العدلين لتتحقق الأولوية المعتبرة في مفهوم الموافقة كما
صرح به شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) -
فظني أنه لا يخلو من نظر: أما أولا فلعدم الدليل على كون اعتبار شهادة
العدلين والاعتماد عليها إنما هو لإفادتها الظن حتى يمكن القول بانسحاب الحكم منها
إلى ما يحصل به الظن أو يحتاج إلى اعتبار زيادة في هذا الظن ليتحقق بذلك مفهوم
249

الأولوية، ولهذا لا يكفي الظن الحاصل بالقرائن إذا كان مساويا للظن الحاصل
بشهادتهما أو أقوى منه.
والتحقيق في ذلك ما نقله في المعالم عن السيد المرتضى (رضي الله عنه) حيث
قال: وجوب الحكم على القاضي بعد شهادة العدلين ليس من حيث إنها توجب الظن
بل من حيث إن الشارع جعلها سببا لوجوب الحكم على القاضي كما جعل دخول
الوقت سببا لوجوب الصلاة. انتهى.
وقال بعض الأفاضل بعد نقل ذلك عن المرتضى: الحق ما أفاده علم الهدى
لأن كثيرا ما لا يحصل الظن بشهادتهما لمعارضة قرينة حالية مع وجوب الحكم على
القاضي حينئذ. انتهى.
وأما ثانيا فللأخبار الدالة في المقام على أنه لا يكفي البناء على الظن في الرؤية
بل لا بد من اليقين:
فمن ذلك صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (1) حيث قال فيها: " وليس بالرأي
ولا بالتظني ".
وصحيحة الخزاز المتقدمة (2) حيث قال فيها: " شهر رمضان فريضة من
فرائض الله فلا تؤدوا بالتظني ".
وموثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (3) " أنه قال: في كتاب علي عليه السلام
صم لرؤيته وافطر لرؤيته وإياك والشك والظن، فإن خفي عليكم فأتموا الشهر
الأول ثلاثين ".
ورواية علي بن محمد القاساني (4) قال: " كتبت إليه وأنا بالمدينة عن اليوم
الذي يشك فيه من شهر رمضان هل يصام أم لا؟ فكتب عليه السلام: اليقين لا يدخل فيه
الشك صم للرؤية وافطر للرؤية " إلى غير ذلك من الأخبار.

(1) ص 245
(2) ص 246
(3) الوسائل الباب 3 من أحكام شهر رمضان
(4) الوسائل الباب 3 من أحكام شهر رمضان
250

وربما يقال: إنه إذا كان الأمر مبنيا في الرؤية على اليقين من رؤية الانسان
نفسه أو حصول الشياع المفيد للعلم فمن المعلوم أن هذا لا يحصل من شهادة العدلين
سواء قلنا إن اعتبارها لإفادتها الظن أو لكونها سببا في الحكم.
لأنا نقول: يمكن أن يقال إن شهادة العدلين إنما يصار إليها مع تعذر الرؤية
القطعية المشار إليها في تلك الأخبار، فهي غير داخلة في ما دلت عليه تلك الأخبار
ويشير إلى ذلك قوله عليه السلام في صحيحة الخزاز المتقدمة: (1) " وإذا كانت في
السماء علة قبلت شهادة رجلين.. الحديث ".
ومثلها رواية حبيب الخزاعي عن أبي عبد الله عليه السلام (2) وفيها " وإنما تجوز
شهادة رجلين إذا كانا من خارج المصر وكان بالمصر علة فأخبرا أنهما رأياه ".
ومطلق الأخبار في ذلك يحمل عليهما.
ويمكن أن يقال أيضا في المقام وإن كان خلاف ما هو المشهور في كلام
علمائنا الأعلام إلا أنه معتضد بأخبار أهل الذكر (عليهم السلام) أن شهادة
العدلين تفيد العلم أيضا، فإن العلم لا يتقيد بحد ولا ينحصر في مقدار معين بل هو
من ما يقبل الشدة والضعف كما أوضحنا ذلك في محل أليق، فقد يحصل العلم في بعض
المقامات من أخبار الأطفال فضلا عن كمل الرجال.
وإن أبيت ذلك لكونه غير مشهور ونفرت منه لكونه في كتب القوم
غير مذكور فلنا أن نقول إن الشارع قد أجرى شهادة العدلين مجرى ما يفيد العلم
والقطع بل أجرى خبر العدل الواحد مجرى ذلك كما يستفاد من جملة من الأخبار:
منها صحيحة هشام بن الحكم الواردة في عدم انعزال الوكيل قبل العلم بالعزل (3)
قال عليه السلام: " والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلغه أو يشافه العزل ".
فانظر إلى جعله خبر الثقة قرينا للمشافهة وفي سياقها المؤذن بإفادته العلم كما

(1) ص 246
(2) الوسائل الباب 11 من أحكام شهر رمضان
(3) تقدمت ص 96 والراوي هشام بن سالم
251

ذكرنا أو تنزيله منزلته إن أبيت عن الأول، على أن المفهوم من كلام الأصحاب
ومن الأخبار أنه لا ينعزل الوكيل إلا بالعلم بالعزل، فلولا أن خبر الثقة عندهم
(عليهم السلام) مفيد للعلم لما حكم بالانعزال به.
ومنها رواية سماعة (1) قال: " سألته عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها
فحدثه رجل ثقة أو غير ثقة فقال إن هذه امرأتي وليست لي بينة؟ فقال: إن كان ثقة
فلا يقربها وإن كان غير ثقة فلا يقبل منه ".
ونحوها أيضا رواية إسحاق بن عمار الواردة في الدنانير (2) وغيرها من ما
قدمنا ذكره أيضا قريبا.
ورابعها - شهادة العدلين وقد اختلف في ذلك كلام الأصحاب (رضوان الله
عليهم) فذهب جملة من الأصحاب: منهم الشيخ المفيد والمرتضى والمحقق والعلامة
وابن إدريس وأكثر الأصحاب إلى أنه يثبت بشهادة عدلين ذكرين مطلقا سواء كان
صحوا أو غيما وسواء كان من داخل البلد أو خارجه، وقيل بقبول شهادة الواحد
في أوله وأنه يجب الصوم بها وهو قول سلار.
وعن الشيخ في المبسوط أنه إن كان في السماء علة وشهد عدلان من البلد أو
خارجه برؤيته وجب الصوم وإن لم يكن هنا لك علة لم تقبل إلا شهادة القسامة
خمسون رجلا من البلد أو خارجه.
وقال في النهاية: فإن كان في السماء علة ولم يره جميع أهل البلد ورآه خمسون
نفسا وجب الصوم، ولا يجب الصوم إذا رآه واحد واثنان بل يلزم فرضه لمن رآه
حسب وليس على غيره شئ، ومتى كان في السماء علة ولم يروا في البلد الهلال ورآه
خارج البلد شاهدان وجب أيضا الصوم، وإن لم يكن في السماء علة وطلب فلم ير
لم يجب الصوم إلا أن يشهد خمسون نفسا من خارج البلد أنهم رأوه. ونقله في

(1) الوسائل الباب 23 من عقد النكاح
(2) تقدمت ص 96
252

المختلف أيضا عن ابن البراج.
وقال الصدوق في المقنع: واعلم أنه لا يجوز الشهادة في رؤية الهلال دون
خمسين رجلا عدد القسامة ويجوز شهادة رجلين عدلين إذا كانا من خارج البلد أو
كان بالمصر علة.
وقال أبو الصلاح: يقوم مقام الرؤية شهادة رجلين عدلين في الغيم وغيره من
العوارض وفي الصحو وانتفائها أخبار خمسين رجلا.
أقول: ومنشأ اختلاف هذه الأقوال من اختلاف ظواهر الأخبار
في هذه المسألة:
ومنها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " أن عليا عليه السلام كأن يقول:
لا أجيز في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين ".
وصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (2) أنه قال: " صم لرؤية
الهلال وافطر لرؤيته فإن شهد عندكم شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه ".
وصحيحة زيد الشحام أبي عبد الله عليه السلام (3) " أنه سئل عن الأهلة فقال
هي أهلة الشهور فإذا رأيت الهلال فصم وإذا رأيته فأفطر. فقلت أرأيت إن كان
الشهر تسعة وعشرين يوما أقضي ذلك اليوم؟ فقال: لا إلا أن تشهد لك بينة عدول
فإن شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم ".
وصحيحة عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (4) قال: قال علي عليه السلام لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين ".
وبمضمون هذه الرواية روايات عديدة متفقة الدلالة على أنه لا تقبل شهادة
النساء في رؤية الهلال ولا يجوز إلا شهادة رجلين عدلين. وهذه الأخبار هي مستند

(1) الوسائل الباب 11 من أحكام شهر رمضان.
(2) الوسائل الباب 11 من أحكام شهر رمضان.
(3) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان وهي صحيحة المفضل والشحام
المتقدمة ص 241
(4) الوسائل الباب 11 من أحكام شهر رمضان.
253

أصحاب القول الأول.
ومنها صحيحة إبراهيم بن عثمان الخزاز عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال:
" قلت له: كم يجزئ في رؤية الهلال؟ فقال: إن شهر رمضان فريضة من فرائض الله
فلا تؤدوا بالتظني، وليس رؤية الهلال أن يقوم عدة فيقول واحد رأيته ويقول
الآخرون لم نره، إذا رآه واحد رآه مائة وإذا رآه مائة رآه ألف، ولا يجوز في رؤية
الهلال إذا لم يكن في السماء علة أقل من شهادة خمسين، وإذا كانت في السماء علة قبلت
شهادة رجلين يدخلان ويخرجان من مصر ".
ورواية حبيب الخزاعي (2) قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام لا تجوز الشهادة
في رؤية الهلال دون خمسين رجلا عدد القسامة وإنما تجوز شهادة رجلين إذا كانا
من خارج المصر وكان بالمصر علة فأخبرا أنهما رأياه وأخبرا عن قوم صاموا للرؤية "
وهاتان الروايتان هما حجتا الشيخ وابن بابويه وأبي الصلاح ونحوهم ممن اعتبر
هذا العدد في الصحو.
وأجاب عنهما المحقق في المعتبر بأن اشتراط الخمسين لم يوجد في حكم سوى
قسامة الدم ثم لا يفيد اليقين بل قوة الظن وهي تحصل بشهادة العدلين. ثم قال:
وبالجملة فإنه مخالف لما عليه عمل المسلمين كافة فكان ساقطا. انتهى.
وأجاب عنهما في المنتهى بالمنع من صحة السند. وأجاب عنهما في المختلف
بالحمل على عدم عدالة الشهود وحصول التهمة في أخبارهم.
قال في المدارك وهو ممن اختار القول المشهور بعد نقل ذلك عنه - وهو
غير بعيد.
أقول: لا يخفى ما في هذه الأجوبة من المجازفة الناشئة عن ضيق الخناق
في المقام.
ثم أقول وبالله التوفيق في الهداية إلى سواء الطريق - الذي يظهر لي في الجمع

(1) الوسائل الباب 11 من أحكام شهر رمضان
(2) الوسائل الباب 11 من أحكام شهر رمضان
254

بين هذه الأخبار هو أن ما استدل به على القول المشهور من الاكتفاء في ثبوت
الهلال بالعدلين مطلقا غير خال من الاجمال وقبول الاحتمال وليس بنص بل ولا
ظاهر في ما ذكروه، فإن غاية ما تدل عليه هذه الأخبار ثبوت الهلال بالشاهدين
في الجملة وهو من ما لا نزاع فيه.
وتفصيل هذه الجملة هو أن المستفاد من الأخبار الكثيرة التي قدمنا شطرا
منها في المسألة السابقة هو أنه متى كانت السماء صاحية خالية من العلة وتوجه الناس إلى
النظر إلى الهلال وكان ثمة هلال فإنه لا يختص بنظره واحد من عشرة ولا عشرة
من مائة بل إذا رآه واحد رآه ألف لأن المفروض سلامة الرائي من العلة والمرئي،
وهذا هو المراد من قولهم (عليهم السلام) في تلك الأخبار (1) " الصوم للرؤية والفطر
للرؤية وليس الرؤية أن يراه واحد ولا عشره ولا خمسون ".
وظاهر هذه الأخبار أنه لا بد أن تبلغ الرؤية إلى حد الشياع الموجب للعلم
فلا يكتفي فيها بالظن المنهي عنه في تلك الأخبار المستفيضة التي قدمنا بعضها في
المسألة السابقة، وشهادة العدلين غاية ما تفيده عندهم هو الظن والظن هنا من ما قد
منعت منه الأخبار للتمكن من العلم واليقين كما هو المفروض، وحينئذ فلا بد هنا
من ما يفيد العلم، وقد دل ظاهر خبري الخزاز وحبيب المتقدمين (2) على أن أقل
ما يحصل به خمسون، فذكر الخمسين هنا إنما خرج مخرج التمثيل والمبالغة في من يحصل
بخبرهم العلم، وسياق صحيحة الخزاز (3) ظاهر في ما ذكرناه من هذا التوجيه حيث إنه لما سأله السائل كم يجزئ في رؤية الهلال؟ أجابه بأن شهر رمضان فريضة واجبة
يقينا فلا تؤدى إلا بالعلم واليقين لا بالظن، وليس الرؤية الموجبة للعمل واليقين أن
يقوم عدة فيقول واحد رأيته ويقول آخرون لم نره لأن المفروض زوال العلة
من الرائي والمرئي وهو المبني عليه ذكر الرواية - بل إذا رآه واحد رآه ألف، وحينئذ
فلا يجوز في الرؤية المترتب عليها العلم واليقين أقل من خمسين. هذا مضمون سياق

(1) ص 245 و 246
(2) ص 254
(3) ص 254
255

الخبر المذكور وهو صحيح صريح عار عن النقص والقصور وأما إذا كان في السماء
علة مانعة من الرؤية فإنه يتعذر العلم واليقين في هذه الحال فيكتفي بالشاهدين.
بقي أن الخبرين المذكورين صرحا بكون الشاهدين من خارج البلد، والظاهر أن ذلك خرج مخرج الغالب من حيث عدم إمكان الرؤية في البلد إذ لو رآه عدلان
لرآه من يزيد على ذلك وأمكن حصول العلم، واحتمال أن تحصل فرجة يراه فيها
عدلان خاصة نادر، فمن أجل ذلك اعتبر العدلان من خارج، والأخبار السابقة التي
استند إليها الأصحاب منها ما هو مطلق يمكن أن يقيد بهذين الخبرين مثل قوله عليه السلام (1)
" لا أجيز في الهلال إلا شهادة رجلين عدلين " والحصر هنا إضافي بالنسبة إلى عدم
جواز شهادة النساء ويكون مخصوصا بالعلة المانعة من الرؤية الشائعة. وأما أخبار
القضاء فهي ظاهرة في كون الشاهدين من خارج البلد كما ذكرناه في المسألة السابقة.
وبالجملة فإن ظاهر كلام الأصحاب أن محل النزاع هو أنه هل يكتفى بالعدلين في
ثبوت الهلال أم لا؟ وليس الأمر كذلك إنما محل النزاع في أنه متى كانت السماء
خالية من العلة المانعة للرؤية وتوجه الناس إلى رؤيته فهل يكفي العدلان خاصة كما
يدعيه أصحاب القول المشهور أو لا بد من الرؤية اليقينية التي هي عبارة عن رؤية
المكلف نفسه أو حصول الشياع الموجب للعلم؟ والروايات قد استفاضت بأنه لا بد
من الرؤية اليقينية الموجبة للعلم لمن لم يره فإنه في صورة عدم العلة المانعة من الرؤية
في جانب الرائي والمرئي لا يختص به واحد أو مائة من ألف بل كل من نظر رأى.
وهذا هو الذي انصبت عليه الروايات، ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (2) قال: " إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فافطروا،
وليس بالرأي ولا بالتظني ولكن بالرؤية، والرؤية ليس أن يقوم عشرة فينظروا
فيقول واحد هو ذا وينظر تسعة فلا يرونه، إذا رآه واحد رآه عشرة وآلف.
وإذا كانت علة فأتم شعبان ثلاثين ".

(1) وهو صحيح الحلبي المتقدم ص 253
(2) الوسائل الباب 11 من أحكام شهر رمضان
256

وزاد حماد في روايته (1) " وليس أن يقول رجل هو ذا هو، لا أعلم إلا
قال ولا خمسون ".
وفي رواية أبي العباس عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " الصوم للرؤية
والفطر للرؤية، وليس الرؤية أن يراه واحد ولا اثنان ولا خمسون " إلى غير ذلك
من ما هو بهذا المعنى.
وحينئذ فإذا كانت الأخبار قد فسرت الرؤية في هذه الصورة بهذا المعنى ومنعت
من العمل على الظن وشهادة العدلين إنما تفيد عندهم الظن فكيف يكتفى بها هنا؟
وأما ما ذهب إليه سلار من الاكتفاء بالواحد فاحتج له في المختلف بما رواه
الشيخ في الصحيح عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام (3) قال: " قال أمير المؤمنين
عليه السلام إذا رأيتم الهلال فافطروا أو شهد عليه عدل من المسلمين، وإن لم تروا
الهلال إلا من وسط النهار أو آخره فأتموا الصيام إلى الليل، وإن غم عليكم فعدوا
ثلاثين ليلة ثم افطروا ".
وأجاب عنه العلامة في جملة من كتبه بأن لفظ العدل يصح اطلاقه على
الواحد فما زاد لأنه مصدر يصدق على القليل والكثير، تقول رجل عدل ورجلان
عدل ورجال عدل.
أقول: لا يخفى أن الشيخ قد روى هذه الرواية تارة بما نقلناه (4) ورواها
بسند آخر وفيها مكان " أو شهد عليه عدل " " واشهدوا عليه عدولا " هكذا في
التهذيب (5) وفي الإستبصار (6) هكذا " إذا رأيتم الهلال فافطروا أو يشهد عليه

(1) الوسائل الباب 11 من أحكام شهر رمضان
(2) الوسائل الباب 11 من أحكام شهر رمضان
(3) الوسائل الباب 8 من أحكام شهر رمضان
(4) التهذيب ج 4 ص 158
(5) ج 4 ص 177 وفي التعليقة (2) في هذه الطبعة هكذا: " نسخة في المخطوطات:
أو شهد عليه عدل ".
(6) ج 2 ص 64 وفيه " أو تشهد عليه بينة عدول من المسلمين " وفي ص 73
" أو يشهد عليه عدل من المسلمين ".
257

بينة عدل من المسلمين، وعلى هذا الاضطراب يسقط التعلق بالخبر المذكور سيما مع
معارضته بالأخبار المستفيضة بالشاهدين عموما وخصوصا.
وينبغي التنبيه هنا على أمور:
الأول قد صرح جملة من الأصحاب: منهم العلامة وغيره بأنه لا يعتبر
في ثبوت الهلال بالشاهدين في الصوم والفطر حكم الحاكم بل لو رآه عدلان ولم
يشهدا عند الحاكم وجب على من سمع شهادتهما وعرف عدالتهما الصوم أو الفطر.
وهو كذلك لقول الصادق عليه السلام في صحيحة منصور بن حازم (1) " فإن شهد
عندكم شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه).
وفي صحيحة الحلبي (2) وقد قال له: " أرأيت إن كان الشهر تسعة
وعشرين يوما أقضي ذلك اليوم؟ قال: لا إلا أن يشهد لك بينة عدول فإن شهدوا
أنهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم ".
أقول: والظاهر أن هذا الحكم لا ريب فيه ولا اشكال، وإنما الاشكال
في أنه هل يجب على المكلف بالعمل بحكم الحاكم الشرعي متى ثبت ذلك عنده وحكم به
أم لا بد من سماعه بنفسه من الشاهدين؟
ظاهر الأصحاب الأول بل زاد بعضهم كما سيأتي في المقام إن شاء الله تعالى
الاكتفاء برؤية الحاكم الشرعي.
ويظهر من بعض أفاضل متأخري المتأخرين العدم وأنه لا بد من سماعه من
الشاهدين، قال إنه لا يجب على المكلف العمل بما ثبت عند الحاكم الشرعي هنا بل إن
حصل الثبوت عنده وجب عليه العمل بمقتضى ذلك وإلا فلا، لأن الأدلة الدالة
على الفطر أو الصيام من الأخبار إما رؤية المكلف نفسه أو ثبوتها بالشياع أو

(1) الوسائل الباب 3 و 11 من أحكام شهر رمضان
(2) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان
258

السماع من رجلين عدلين أو مضى ثلاثين يوما من شعبان أو شهر رمضان وأما
ثبوت دليل خامس وهو حكم الحاكم فلم نجد له ما يعتمد عليه ويركن إليه.
وظاهر كلامه اجراء البحث في غير مسألة الرؤية أيضا حيث قال بعد كلام
في المقام: فلو ثبت عند الحاكم غصبية الماء فلا دليل على أنه يجب على المكلف
الاجتناب عنه وعدم التطهير به، قال وكذا لو حكم بأنه دخل الوقت في زمان
معين فلا حجة على أنه يصح للمكلف ايقاع الصلاة فيه وإن لم يلاحظه أو لاحظه
واستقر ظنه بعدم الدخول، ولهذا نظائر كثيرة لا تخفى على البصير المتتبع. انتهى.
والظاهر أن مستند من قال بوجوب العمل بحكم الحاكم في هذا المقام ونحوه
هو الأخبار الدالة بعمومها أو اطلاقها على وجوب الرجوع إلى ما يحكم به الفقيه
النائب عنهم (عليهم السلام):
مثل قول الصادق عليه السلام في مقبولة عمر بن حنظلة (1) " فإذا حكم بحكمنا فلم
يقبل منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد والراد علينا الراد على الله عز وجل ".
وقول صاحب الزمان (عجل الله فرجه) في توقيع إسحاق بن يعقوب (2)
" وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا
حجة الله " وأمثال ذلك من ما يدل على وجوب الرجوع إلى نوابهم (عليهم السلام)
وخصوص صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام (3) قال: " إذا شهد
عند الإمام شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بالافطار.. الحديث "
ويعضده أيضا الأخبار المطلقة بشهادة العدلين في الرؤية.
وأنت خبير بأن للمناقشة في ذلك مجالا: أما المقبولة المذكورة ونحوها فإن
المتبادر منها بقرينة السياق والمقام إنما هو الرجوع في ما يتعلق بالدعاوي والقضاء
بين الخصوم أو الفتوى في الأحكام الشرعية، وهو من ما لا نزاع فيه لاختصاص

(1) الوسائل الباب 11 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به
(2) الوسائل الباب 11 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به
(3) الوسائل الباب 6 من أحكام شهر رمضان
259

الحاكم به اجماعا نصا وفتوى.
وأما صحيحة محمد بن قيس فالظاهر من لفظ الإمام فيها إنما هو إمام الأصل
أو ما هو الأعم منه ومن أئمة الجور وخلفاء العامة المتولين لأمور المسلمين، فإن
الإمام إنما يحتمل انصرافه إلى من عدا من ذكرناه في مثل إمامة الجمعة والجماعة حيث
اشترط بالإمام، وأما في مثل هذا المقام فلا مجال لاحتمال غير من ذكرناه بحيث
يدخل فيه الفقيه. نعم للقائل أن يقول إذا ثبت ذلك لإمام الأصل ثبت لنائبه
لحق النيابة. إلا أنه لا يخلو أيضا من شوب الاشكال لعدم الوقوف على دليل لهذه
الكلية وظهور أفراد كثيرة يختص بها الإمام دون نائبه.
وأما باقي الأخبار الواردة في المسألة فهي وإن كانت مطلقة إلا أنه يمكن
حملها على ما ذكرناه من الأخبار المقيدة التي تقدم بعضها في صدر المسألة.
وبالجملة فالمسألة عندي موضع توقف واشكال لعدم الدليل الواضح في
وجوب الأخذ بحكم الحاكم بحيث يشمل موضع النزاع.
ثم أنت خبير أيضا بأن ما ذكروه من العموم أنه لو ثبت عند الحاكم بالبينة
نجاسة الماء وحرمة اللحم ولم يثبت عند المكلف لعدم سماعه من البينة مثلا فإن
تنجيس الأول وتحريم الثاني بالنسبة إليه بناء على وجوب الأخذ عليه بحكم الحاكم
ينافي الأخبار الدالة على أن " كل شئ طاهر حتى تعلم أنه قذر " (1) و " كل شئ
فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعلم الحرام بعينه فتدعه " (2) حيث إنهم لم
يجعلوا من طرق العلم في القاعدتين المذكورتين حكم الحاكم بذلك وإنما ذكروا أخبار
المالك وشهادة الشاهدين وعلى ذلك تدل الأخبار أيضا (3) وظاهر كلامهم هو شهادتهما

(1) الوسائل الباب 37 من النجاسات واللفظ " شئ نظيف "
(2) الوسائل الباب 4 من ما يكتسب به والباب 64 من الأطعمة المحرمة والباب 61
من الأطعمة المباحة باختلاف في اللفظ.
(3) الوسائل الباب 6 من ما يكتسب به والباب 61 من الأطعمة المباحة. وارجع إلى ج 5 ص 252
260

عند المكلف وسماعه منهما، ولهذا أن بعضهم اكتفى هنا بقول العدل الواحد كما
حققناه في صدر كتاب الدرر النجفية.
ومن ما يدل على أن المدار إنما هو على سماع المكلف من الشاهدين قول
الصادق عليه السلام في بعض أخبار الجبن (1) " كل شئ لك حلال حتى يجيئك شاهدان
يشهدان عندك أن فيه ميتة ".
وبالجملة فإن غاية ما يستفاد من الأخبار بالنسبة إلى الحاكم الشرعي هو
اختصاص الفتوى في الأحكام الشرعية والقضاء بين الخصوم به وكذا ما يتعلق
بالحقوق الإلهية. وجملة من الأخبار كما عرفت قد دلت على أنه يكفي في ثبوت
ما نحن فيه سماع المكلف من الشاهدين من غير توقف على حكم الحاكم، وحينئذ فلا
يكون ذلك من ما يختص بالحاكم مثل الأشياء المتقدمة، فوجوب رجوع المكلف
إلى حكم الحاكم في ما نحن فيه يحتاج إلى دليل ومجرد نيابته عنهم (عليهم السلام)
قد عرفت ما فيه.
نعم ربما يشكل بما إذا كان المكلف جاهلا لا يعرف معنى العدالة ليحصل
ثبوت الحكم عنده بشهادة العدلين كما يشير إليه كلام السيد السند في المدارك.
إلا أن فيه أن الظاهر أن هذا ليس بعذر شرعي يسوغ له وجوب الرجوع إلى
حكم الحاكم لاستناده إلى تقصيره بالبقاء على جهله وعدم تحصيل العلم الذي استفاضت
الأخبار بوجوبه عليه (2) على أن هذا الإيراد لا يختص بهذا المقام بل يجري في
الطلاق المشترط بالعدلين وصلاة الجماعة ونحو ذلك.
الثاني هل يثبت الهلال بالشهادة على الشهادة؟ قيل لا وبه قطع العلامة في
التذكرة على ما نقل عنه وأسنده إلى علمائنا، واستدل عليه بأصالة البراءة واختصاص
ورود القبول بالأموال وبحقوق الآدميين وقيل نعم وبه جزم شيخنا الشهيد الثاني

(1) الوسائل الباب 61 من الأطعمة المباحة.
(2) الوسائل الباب 4 من صفات القاضي وما يحوز أن يقضي به
261

من غير نقل خلاف أخذا بالعموم وانتفاء ما يصلح للتخصيص، والتفاتا إلى أن
الشهادة حق لازم الأداء فيجوز الشهادة عليه كسائر الحقوق. قال في المدارك بعد
نقل ذلك عنه: ولا بأس به.
أقول: لا يخفى أن ما عدا الأخذ بالعموم من التعليل الأخير لا يخلو من
نظر، وما ذكره من العموم جيد. وما ذكره العلامة (رحمه الله) من اختصاص
ورود القبول بالأموال وحقوق الآدميين ممنوع، فإن الأخبار الواردة في الشهادة
على الشهادة (1) مطلقة ليس في شئ منها تقييد بما ادعاه، نعم ذلك في كلام الأصحاب
حيث إنهم إنما أوردوا هذه الأخبار في المقامين المذكورين في كلامه.
وأما ما ذكره الفاضل الخراساني في الذخيرة حيث اختار مذهب العلامة
هنا فقال بعد نقل قول العلامة أولا ثم قول الشهيد الثاني: ولعل الترجيح
للأول للأصل السالم عن المعارض فإن المتبادر من النصوص شهادة الأصل. انتهى
أقول: الظاهر أن مراد شيخنا المشار إليه بالعموم إنما هو عموم أخبار الشهادة
على الشهادة وشمولها للشهادة على الهلال ونحوها لا عموم أخبار شهادة العدلين في رؤية
الهلال (2) كما يظهر من كلامه، فإن الظاهر أن شيخنا المذكور لا ينازع هنا في كون
المراد بالعدلين هنا شاهدي الأصل، كيف وشهود الفرع تزيد على هذا العدد فكيف
يظن به ما توهمه؟ وإنما أراد الأخبار الدالة على قبول الشهادة على الشهادة كما ذكرناه
ثم إنه قد صرح جملة من الأصحاب بأنه لو استند الشاهدان إلى الشياع المفيد
للعلم وجب القبول.
ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله
عليه السلام (3) أنه قال في من صام تسعة وعشرين قال: " إن كانت له بينة عادله على أهل

(1) الوسائل الباب 4 من كتاب الشهادات
(2) الوسائل الباب 11 من أحكام شهر رمضان
(3) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان
262

مصر أنهم صاموا ثلاثين على رؤيته قضى يوما ".
الثالث هل يكفي قول الحاكم الشرعي في ثبوت الهلال؟ وجهان:
أحدهما وهو خيرة الشهيد في الدروس نعم، حيث قال: وهل يكفي قول
الحاكم وحده في ثبوت الهلال؟ الأقرب نعم.
وعلله السيد السند في المدارك بعموم ما دل على أن للحاكم أن يحكم بعلمه
ولأنه لو قامت البينة عنده فحكم بذلك وجب الرجوع إلى حكمه كغيره من الأحكام
والعلم أقوى من البينة. ولأن المرجع. في الاكتفاء بشهادة العدلين وما تحقق به
العدالة إلى قوله فيكون مقبولا.
ويحتمل العدم لاطلاق قوله عليه السلام (1): " لا أجيز في رؤية الهلال إلا شهادة
رجلين عدلين ".
والفاضل الخراساني حيث اختار في الذخيرة ما ذهب إليه في الدروس
جمد على التعليل الأول ولم يذكر ما يدل على احتمال العدم. وأنت خبير بما فيه بعد
الإحاطة بما قدمنا تحقيقه.
وكلام السيد السند هنا ظاهر في ما أسلفنا نقله عنهم من حكمهم بوجوب
الأخذ بما يحكم به الحاكم كائنا ما كان، ولم يتوقف إلا في الاعتماد على قول الحاكم إذا
كان هو الرائي فاحتمل عدم العمل بقوله نظرا إلى اطلاق الخبر الذي نقله،
وبمضمونه أيضا أخبار أخر (2).
الرابع قد صرح جملة من الأصحاب بل الظاهر أنه المشهور بأن حكم البلاد
المتقاربة كبغداد والكوفة واحد فإذا رئي الهلال في أحدهما وجب الصوم على
ساكنيهما، أما لو كانت متباعدة كبغداد وخراسان والعراق والحجاز فإن لكل بلد
حكم نفسها. وهذا الفرق عندهم مبني على كروية الأرض.
قال المحقق الشيخ فخر الدين في شرح القواعد: ومبنى هذه المسألة على أن

(1) الوسائل الباب 11 من أحكام شهر رمضان
(2) الوسائل الباب 11 من أحكام شهر رمضان
263

الأرض هل هي كروية أو مسطحة؟ والأقرب الأول لأن الكواكب تطلع في
المساكن الشرقية قبل طلوعها في المساكن الغربية وكذا في الغروب، وكل بلد غربي
بعد عن الشرقي بألف ميل يتأخر غروبه عن غروب الشرقي ساعة واحدة، وإنما
عرفنا ذلك بارصاد الكسوفات القمرية حيث ابتدأت في ساعات أقل من ساعات
بلدنا في المساكن الغربية وأكثر من ساعات بلدنا في المساكن الشرقية، فعرفنا أن
غروب الشمس في المساكن الشرقية قبل غروبها في بلدنا وغروبها في المساكن
الغربية بعد غروبها في بلدنا، ولو كانت الأرض مسطحة لكان الطلوع والغروب
في جميع المواضع في وقت واحد. ولأن السائر على خط من خطوط نصف النهار
إلى الجانب الشمالي يزداد عليه ارتفاع الشمالي وانخفاض الجنوبي وبالعكس. انتهى.
ونقل العلامة في التذكرة عن بعض علمائنا قولا بأن حكم البلاد كلها واحد
فمتى رئي الهلال في بلد وحكم بأنه أول الشهر كان ذلك الحكم ماضيا في جميع أقطار
الأرض سواء تباعدت البلاد أو تقاربت اختلفت مطالعها أم لا.
ويظهر من العلامة في المنتهى الميل إلى هذا القول حيث قال: إذا رأى
الهلال أهل بلد وجب الصوم على جميع الناس سواء تباعدت البلاد أو تقاربت..
وقال الشيخ (قدس سره) إن كانت البلاد متقاربة لا تختلف في المطالع كبغداد
والبصرة كان حكمها واحدا وإن تباعدت كبغداد ومصر كان لكل بلد حكم نفسه..
إن كان بينهما هذه المسافة (1) لنا أنه يوم من شهر رمضان في بعض البلاد للرؤية
وفي الباقي بالشهادة فيجب صومه لقوله تعالى: " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " (2)..
ولأن البينة العادلة شهدت بالهلال فيجب الصوم كما لو تقاربت البلاد. ولأنه شهد
برؤيته من يقبل قوله فيجب القضاء لو فات، لما رواه الشيخ عن ابن مسكان والحلبي
جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال فيها: " إلا أن يشهد لك بينة عدول فإن شهدوا

(1) ارجع إلى الاستدراكات في آخر الكتاب
(2) سورة البقرة الآية 182
(3) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان
264

أنهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم " وفي رواية منصور بن حازم عنه
عليه السلام (1) " فإن شهد عندك شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه " وفي الحسن عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (2) " أنه سئل عن اليوم الذي يقضي من شهر
رمضان فقال لا تقضه إلا أن يشهد شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة متى كان
رأس الشهر. وقال لا تصم ذلك اليوم الذي يقضي إلا أن يقضي أهل الأمصار فإن فعلوا
فصمه " علق عليه السلام وجوب القضاء بشهادة العدلين من جميع المسلمين وهو نص في
التعميم قربا وبعدا، ثم عقبه بمساواته لغيره من أهل الأمصار ولم يعتبر عليه السلام
القرب في ذلك، وفي حديث عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عيه السلام (3)
" فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه " ولم يعتبر القرب أيضا، وفي الصحيح عن هشام
ابن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام (4) قال في من صام تسعة وعشرين قال: " إن كانت
له بينة عادلة على أهل مصر أنهم صاموا ثلاثين على رؤية الهلال قضى يوما " علق
عليه السلام قضاء اليوم على الشهادة على مصر وهو نكرة شائعة تتناول الجميع على البدل
فلا تخصيص في الصلاحية لبعض الأمصار إلا بدليل. والأحاديث كثيرة بوجوب
القضاء إذا شهدت البينة بالرؤية ولم يعتبروا قرب البلاد وبعدها. ثم نقل رواية
عامية (5) دليلا للقول الآخر إلى أن قال: ولو قالوا إن البلاد المتباعدة تختلف
عروضها فجاز أن يرى الهلال في بعضها دون بعض لكروية الأرض قلنا إن
المعمورة منها قدر يسير وهو الربع ولا اعتداد به عند السماء. وبالجملة أن علم طلوعه

(1) الوسائل الباب 3 و 11 من أحكام شهر رمضان
(2) الوسائل الباب 12 من أحكام شهر رمضان
(3) الوسائل الباب 12 من أحكام شهر رمضان
(4) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان
(5) وهي رواية كريب المتضمنة لرؤية هلال شهر رمضان في الشام ليلة الجمعة وفي
المدينة ليلة السبت، وأن ابن عباس لم يعتبر رؤيته في الشام استنادا إلى أمر رسول الله صلى الله عليه وآله
سنن البيهقي ج 4 ص 251
265

في بعض الأصقاع وعدم طلوعه في بعضها المتباعد عنه لكروية الأرض لم يتساو
حكماهما أما بدون ذلك فالتساوي هو الحق. انتهى.
أقول: وما ذكره (قدس سره) هو الحق المعتضد بالأخبار الصريحة
الصحيحة التي نقل بعضها.
وأما ما ذكره الفاضل الخراساني في الذخيرة من الأجوبة هنا عن كلامه فهو
من جملة تشكيكاته الركيكة واحتمالاته الواهية.
وأما قوله أخيرا وبالجملة.. إلى آخره فالظاهر أنه إشارة إلى منع ما
ادعوه من الطلوع في بعض وعدم الطلوع في بعض للتباعد وأنه غير الواقع، لما ذكره
أولا من أن المعمور من الأرض قدر يسير لا اعتداد به بالنسبة إلى سعة السماء،
وأنه لو فرض حصول العلم بذلك فالحكم عدم التساوي، فلا منافاة فيه لأول كلامه
كما استدركوه عليه.
وملخصه إنا نقول بوجوب الصوم أو القضاء مع الفوات متى ثبتت الرؤية
في بلد آخر قريبا أو بعيدا، وما ادعوه من الطلوع في بعض وعدم الطلوع في
آخر بناء على ما ذكروه من الكروية ممنوع.
أقول: ومن ما يبطل القول بالكروية (1) أنهم جعلوا من فروع ذلك أن يكون
يوم واحد خميسا عند قوم وجمعة عند آخرين وسبتا عند قوم وهكذا وهذا من ما
ترده الأخبار المستفيضة في جملة من المواضع، فإن المستفاد منها على وجه لا يزاحمه
الريب والشك أن كل يوم من أيام الأسبوع وكل شهر من شهور السنة أزمنة معينة
معلومة نفس أمرية، كالأخبار الدالة على فضل يوم الجمعة وما يعمل فيه واحترامه
وأنه سيد الأيام وسيد الأعياد وأن من مات فيه كان شهيدا ونحو ذلك (2) وما ورد

(1) ارجع إلى التعليقة 4 ص 267
(2) الوسائل الباب 6 إلى 12 من الأغسال المسنونة والباب 30 إلى 57 من صلاة الجمعة وآدابها.
266

في أيام الأعياد من الأعمال والفضل، وما ورد في يوم الغدير ونحوه من الأيام الشريفة (1)
وما ورد في شهر رمضان من الفضل والأعمال والاحترام ونحو ذلك (2) فإن ذلك
كله ظاهر في أنها عبارة عن أزمان معينة نفس أمرية واللازم على ما ادعوه من
الكروية أنها اعتبارية باعتبار قوم دون آخرين، ومثل الأخبار الواردة في زوال
الشمس وما يعمل بالشمس في وصولها إلى دائرة نصف النهار وما ورد في ذلك من
الأعمال (3) فإنه بمقتضى الكروية يكون ذلك من طلوع الشمس إلى غروبها
لا اختصاص به بزمان معين لأن دائرة نصف النهار بالنسبة إلى كل قوم غيرها
بالنسبة إلى آخرين.
وبالجملة فبطلان هذا القول بالنظر إلى الأدلة السمعية والأخبار النبوية أظهر
من أن يخفى (4) وما رتبوه عليه في هذه المسألة من هذا القبيل، وعسى إن ساعد
التوفيق أن أكتب رسالة شافية مشتملة على الأخبار الصحيحة الصريحة في دفع هذا
القول إن شاء الله تعالى.
وبذلك يظهر أن ما فرعوه على اختلاف الحكم في هذه المسألة ليس في محله،

(1) تجد ذلك كله في الوسائل في أبواب الأغسال المسنونة وأبواب صلاة العيد
وأبواب بقية لصلوات المندوبة وأبواب الصوم المندوب وأبواب المزار من كتاب الحج
(2) الوسائل أبواب الأغسال المسنونة وأبواب نافلة شهر رمضان وأبواب
أحكام شهر رمضان.
(3) الوسائل الباب 12 من مواقيت الصلاة
(4) إن كروية الأرض أصبحت في عصرنا هذا من الأمور الواضحة البديهية التي
ليس للنقاش فيها أي مجال، والذي يوضح ذلك أولا - اختلاف البلدان الشرقية والغربية في
الليل والنهار ففي الوقت الذي يكون النهار في الشرق يكون الليل في الغرب كما أصبح ذلك
واضحا من طريق الآلات الحديثة. وثانيا - أن السائر من أية نقطة من نقاط الأرض بنحو
الاستقامة إلى الشرق لا بد أن ينتهي إليها من طرف الغرب وبالعكس هذا وليس في الآيات
والأخبار ما ينافي ذلك بل فيها ما يدل على ذلك، راجع البيان لآية الله الخوئي ج 1 ص 55.
267

حيث إن جمعا منهم قالوا إنه يتفرع على اختلاف الحكم بالتباعد أن المكلف بالصوم
لو رأى الهلال في بلد وسافر إلى بلد آخر يخالفه في حكمه انتقل إليه، فلو
رأى الهلال في بلد ليلة الجمعة مثلا ثم سافر إلى بلدة بعيدة شرقية قد رئي فيها ليلة
السبت أو بالعكس صام في الأول أحدا وثلاثين ويفطر في الثاني على ثمانية وعشرين
ولو أصبح معيدا ثم انتقل ليومه ووصل قبل الزوال أمسك بالبينة وأجزأه، ولو
وصل بعد الزوال أمسك مع القضاء، ولو أصبح صائما للرؤية ثم انتقل احتمل
جواز الافطار لانتقال الحكم وعدمه لتحقق الرؤية وسبق التكليف بالصوم، فإنا
نمنع وقوع هذه الفروض.
قال في الدروس بعد ذكر ذلك: ولو روعي الاحتياط في هذه الفروض
كان أولى.
وقال في المسالك: والأولى مراعاة الاحتياط في هذه الفروض لعدم النص
وإنما هي أمور اجتهادية قد فرعها العلماء على هذه المسألة مختلفين فيها. انتهى.
أقول: بل الأظهر بناء على ما ذكروه من إمكان وقوع ذلك هو وجوب
الاحتياط لا استحبابه كما يظهر من كلامهم.
ثم إن ممن وافقنا على ما ذكرناه واختار في هذه المسألة ما اخترناه المحدث
الكاشاني في الوافي حيث قال بعد نقل جملة من الأخبار الدالة على القضاء بشهادة أهل
بلد أخرى: إنما قال عليه السلام فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه لأنه إذا رآه واحد في البلد
رآه ألف كما مر. والظاهر أنه لا فرق بين أن يكون ذلك البلد المشهود برؤيته
فيه من البلاد القريبة من هذا البلد أو البعيدة منه، لأن بناء التكليف على الرؤية
لا على جواز الرؤية، ولعدم انضباط القرب والبعد لجمهور الناس، ولاطلاق اللفظ
فما اشتهر بين متأخري أصحابنا من الفرق ثم اختلافهم في تفسير القرب والبعد
بالاجتهاد - لا وجه له. انتهى.
الخامس قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا اعتبار
268

بالجدول ولا بالعدد ولا بغيبوبة الهلال بعد الشفق ولا برؤيته يوم الثلاثين قبل
الزوال ولا بتطوقه ولا بعد خمسة أيام من أول الهلال من السنة الماضية.
والكلام في تفصيل هذه الجملة في مواضع: الأول في الجدول وهو
حساب مخصوص مأخوذ من سير القمر واجتماعه بالشمس، ولا ريب في عدم
اعتباره لاستفاضة الروايات بأن الطريق إلى ثبوت دخول الشهر أما الرؤية أو
مضى ثلاثين يوما من الشهر المتقدم. وأيضا فإن أكثر أحكام التنجيم مبنية على قواعد
كلية مستفادة من الحدس التي تخطئ أكثر من ما تصيب.
وحكى الشيخ في الخلاف عن شاذ منا العمل بالجدول، ونقله في المنتهى عن
بعض الجمهور (1) تمسكا بقوله تعالى: وبالنجم هم يهتدون (2) وبأن الكواكب
والمنازل يرجع إليها في القبلة والأوقات وهي أمور شرعية فكذا هنا.
والجواب أن الاهتداء بالنجم يتحقق بمعرفة الطرق ومسالك البلدان وتعرف
الأوقات، والذي يرجع إليه في الوقت والقبلة مشاهدة النجم لا ظنون أهل
التنجيم الكاذبة في كثير من الأوقات، قال في التذكرة: وقد شدد النبي صلى الله عليه وآله النهي
عن سماع كلام المنجم حتى قال صلى الله عليه وآله (3) من صدق كاهنا أو منجما فهو كافر بما أنزل
الله على محمد صلى الله عليه وآله.
أقول: ومن ما يستأنس به لذلك ما رواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن
الحسن الصفار عن محمد بن عيسى (4) قال: " كتب إليه أبو عمرو أخبرني يا مولاي
أنه ربما أشكل علينا هلال شهر رمضان فلا نراه ونرى السماء ليست فيها علة فيفطر
الناس ونفطر معهم، ويقول قوم من الحساب قبلنا أنه يرى في تلك الليلة بعينها في
بمصر وإفريقية والأندلس فهل يجوز يا مولاي ما قال الحساب في هذا الباب حتى

(1) المجموع ج 6 ص 79
(2) سورة النحل الآية 17
(3) الوسائل الباب 15 من أحكام شهر رمضان والباب 24 من ما يكتسب به
(4) الوسائل الباب 15 من أحكام شهر رمضان
269

يختلف الفرض على أهل الأمصار فيكون صومهم خلاف صومنا وفطرهم بخلاف
فطرنا؟ فوقع عليه السلام لا تصومن الشك أفطر لرؤيته وصم لرؤيته ".
قال في الوافي بعد ذكر هذا الخبر: بيان يعني لا تدخل في الشك بقول
الحساب واعمل على يقينك المستفاد من الرؤية، وهذا لا ينافي وجوب القضاء
لو ثبتت الرؤية في بلد آخر بشهود عدول، وإنما لم يجبه عليه السلام عن سؤاله عن جواز
اختلاف الفرض على أهل الأمصار صريحا لأنه قد فهم ذلك من ما أجابه ضمنا،
وذلك فإنه فهم من كلامه عليه السلام أن اختلاف الفرض إن كان لاختلاف الرؤية
فجائز وإن كان لجواز الرؤية بالحساب فغير جائز، ولا فرق في ذلك بين البلاد
المتقاربة والمتباعدة كما قلناه. انتهى. وأشار بقوله كما قلناه إلى ما قدمنا نقله عنه.
الثاني في العدد وهو عبارة عن عد شعبان ناقصا أبدا وشهر رمضان تاما
أبدا، وما ذكرناه من عدم الاعتبار به هو المشهور بين أصحابنا (رضوان الله
عليهم) وذهب الصدوق في الفقيه إلى العمل بذلك، وربما نقل عن الشيخ المفيد
في بعض كتبه.
قال في الفقيه بعد أن نقل فيه روايتي حذيفة بن منصور الآتيتين الدالتين
على أن شهر رمضان ثلاثون يوما لا ينقص والله أبدا ما صورته: قال مصنف
هذا الكتاب من خالف هذه الأخبار وذهب إلى الأخبار الموافقة للعامة في ضدها
اتقى كما يتقي العامة ولا يكلم إلا بالتقية (1) كائنا من كان إلا أن يكون مسترشدا
فيرشد ويبين له، فإن البدعة إنما تماث وتبطل بترك ذكرها ولا قوة إلا بالله. انتهى.
وقال المحقق في المعتبر: ولا بالعدد فإن قوما من الحشوية يزعمون أن شهور
السنة قسمان ثلاثون يوما وتسعة وعشرون يوما فرمضان لا ينقص أبدا وشعبان
لا يتم أبدا محتجين بأخبار منسوبة إلى أهل البيت (عليهم السلام) يصادمها عمل

(1) لما سيأتي ص 273 في بعض الروايات من رواية العامة أن رسول الله صلى الله عليه وآله
صام تسعة وعشرين أكثر من ما صام ثلاثين، وتكذيب ذلك في تلك الروايات
270

المسلمين في الأقطار بالرؤية وروايات صريحة لا يتطرق إليها الاحتمال فلا ضرورة
إلى ذكرها. انتهى.
أقول: ولا بد في المقام من ذكر أخبار الطرفين وبيان ما هو الحق في البين:
فنقول من الأخبار الدالة على القول المشهور ما رواه الشيخ في الصحيح عن
حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " أنه قال في شهر رمضان هو شهر من
الشهور يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان ".
وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (2) قال: " إذا كان علة
فأتم شعبان ثلاثين ".
وفي الصحيح عن عبد الله الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (3) " أنه سئل عن الأهلة
فقال هي أهلة الشهور فإذا رأيت الهلال فصم وإذا رأيته فأفطر. قال قلت: أرأيت
إن كان الشهر تسعة وعشرين يوما أقضي ذلك اليوم؟ فقال: لا إلا أن يشهد
بذلك بينة عدول فإن شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم " وبهذا
المضمون أخبار عديدة.
وما رواه في التهذيب عن هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد الله عليه السلام (4)
قال: " سمعته يقول إذا صمت لرؤية الهلال وأفطرت لرؤيته فقد أكملت صيام شهر
رمضان " ورواه بهذا الاسناد في موضع آخر (5) بدون لفظة " رمضان " وزاد
" وإن لم تصم إلا تسعة وعشرين يوما فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: الشهر هكذا وهكذا
وهكذا، وأشار بيده إلى عشرة وعشرة وتسعة ".
وما رواه في التهذيب عن صبار مولى أبي عبد الله عليه السلام (6) قال: " سألته عن
الرجل يصوم تسعة وعشرين يوما ويفطر للرؤية ويصوم للرؤية أيقضى يوما؟

(1) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان
(2) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان
(3) الوسائل الباب 3 و 5 من أحكام شهر رمضان رقم 18 و 17
(4) الوسائل الباب 3 من أحكام شهر رمضان
(5) الوسائل الباب 3 من أحكام شهر رمضان
(6) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان
271

قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول لا إلا أن يجئ شاهدان عدلان فيشهدا أنهما
رأياه قبل ذلك بليلة فيقضي يوما ".
وما رواه في الصحيح عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " أنه قال
في من صام تسعة وعشرين قال: إن كانت له بينة عادلة على أهل مصر أنهم صاموا
ثلاثين على رؤيته قضى يوما ".
وما رواه فيه عن أبي خالد الواسطي (2) قال: " أتينا أبا جعفر عليه السلام في
يوم يشك فيه من رمضان.. ثم ساق الخبر إلى أن قال: ثم حدثني أبي علي بن
الحسين عن علي (عليهم السلام) أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما ثقل في مرضه قال أيها
الناس إن السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم. قال: ثم قال بيده فذاك رجب
مفرد وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ثلاثة متواليات، ألا وهذا الشهر المفروض
رمضان فصوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته فإذا خفي الشهر فأتموا العدة شعبان ثلاثين
يوما وصوموا الواحد وثلاثين. وقال بيده الواحد واثنان وثلاثة واحد واثنان
وثلاثة ويزوي إبهامه. ثم قال أيها الناس شهر كذا وشهر كذا. وقال علي عليه السلام
صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله تسعة وعشرين ولم نقضه ورآه تاما. وقال علي عليه السلام قال
رسول الله صلى الله عليه وآله من الحق في رمضان يوما من غيره متعمدا فليس بمؤمن
بالله ولا بي ".
وما رواه في التهذيب عن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " سمعته يقول
ما أدري ما صمت ثلاثين أكثر أو ما صمت تسعة وعشرين يوما أن رسول الله
صلى الله عليه وآله قال شهر كذا وشهر كذا وشهر كذا يعقد بيده تسعة وعشرين يوما ".
إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على هذا القول، ويبلغ ما أعرضنا عن نقله

(1) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان
(2) التهذيب ج 4 ص 161 وفي الوسائل الباب 16 و 3 و 5 من أحكام شهر رمضان
رقم 1 و 17 و 16.
(3) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان
272

من الأخبار اختصارا برواية الشيخ في التهذيب ما يقرب من اثني عشر خبرا.
وقال في الفقه الرضوي (1): وشهر رمضان ثلاثون يوما وتسعة وعشرون
يوما يصيبه ما يصيب الشهور من التمام والنقصان، والفرض فيه تام أبدا لا ينقص
كما روي، ومعنى ذلك الفريضة فيه الواجبة قد تمت، وهو شهر قد يكون ثلاثين
يوما وتسعة وعشرين يوما.
وأما ما يدل على القول الآخر فهو ما رواه ثقة الاسلام في الكافي والصدوق
في الفقيه عن حذيفة بن منصور عن معاذ بن كثير عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال:
" شهر رمضان ثلاثون يوما لا ينقص والله أبدا ".
وما رواه في التهذيب عن حذيفة بن منصور عن معاذ بن كثير (3) قال:
" قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن الناس يقولون إن رسول الله صلى الله عليه وآله صام تسعة وعشرين
أكثر من ما صام ثلاثين؟ (4) فقال: كذبوا ما صام رسول الله صلى الله عليه وآله منذ بعثه الله
إلى أن قبضه أقل من ثلاثين يوما ولا نقص شهر رمضان منذ خلق الله السماوات
من ثلاثين يوما وليلة ".
وما رواه في التهذيب عن حذيفة عن معاذ بن كثير (5) قال: " قلت لأبي عبد الله
عليه السلام إن الناس يروون أن رسول الله صلى الله عليه وآله صام تسعة وعشرين يوما؟ (6) قال فقال
لي أبو عبد الله عليه السلام. لا والله ما نقص شهر رمضان منذ خلق الله السماوات والأرض
من ثلاثين يوما وثلاثين ليلة ".
وما رواه في التهذيب بهذا الاسناد (7) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن
الناس يروون عندنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله صام هكذا وهكذا وهكذا وحكى بيده
يطبق إحدى يديه على الأخرى عشرا وعشرا وتسعا أكثر من ما صام هكذا
وهكذا وهكذا يعني عشرا وعشرا وعشرا؟ (8) قال فقال أبو عبد الله عليه السلام: ما صام

(1) ص 24
(2) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان
(3) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان
(4) سنن البيهقي ج 4 ص 250.
(5) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان
(6) سنن البيهقي ج 4 ص 250.
(7) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان
(8) سنن البيهقي ج 4 ص 250.
273

رسول الله صلى الله عليه وآله أقل من ثلاثين يوما وما نقص شهر رمضان من ثلاثين يوما منذ
خلق الله السماوات والأرض ".
وما رواه في التهذيب عن حذيفة بن منصور (1) قال: " قال أبو عبد الله
عليه السلام: لا والله لا والله ما نقص شهر رمضان ولا ينقص أبدا من ثلاثين يوما وثلاثين
ليلة. فقلت لحذيفة لعله قال لك ثلاثين ليلة وثلاثين يوما كما يقول الناس الليل ليل
النهار؟ فقال لي حذيفة: هكذا سمعت ".
وما رواه في التهذيب عن محمد بن يعقوب بن شعيب عن أبيه (2) قال:
" قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن الناس يقولون إن رسول الله صلى الله عليه وآله صام تسعة وعشرين
يوما أكثر من ما صام ثلاثين يوما؟ (3) فقال: كذبوا ما صام رسول الله صلى الله عليه وآله إلا
تاما وذلك قول الله تعالى: ولتكملوا العدة (4) فشهر رمضان ثلاثون يوما وشوال
تسعة وعشرون يوما وذو القعدة ثلاثون يوما لا ينقص أبدا، لأن الله تعالى يقول:
وواعدنا موسى ثلاثين ليلة (5) وذو الحجة تسعة وعشرون يوما، ثم الشهور على مثل
ذلك شهر تام وشهر ناقص، وشعبان لا يتم أبدا ".
وما رواه في التهذيب والفقيه عن محمد بن يعقوب بن شعيب عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام (6) قال: " قلت له إن الناس يروون أن رسول الله صلى الله عليه وآله ما صام
من شهر رمضان تسعة وعشرين يوما أكثر من ما صام ثلاثين؟ (7) فقال: كذبوا
ما صام رسول الله صلى الله عليه وآله إلا تاما ولا تكون الفرائض ناقصة، إن الله تعالى خلق
السنة ثلاثمائة وستين يوما وخلق السماوات والأرض في ستة أيام فحجزها من
ثلاثمائة وستين يوما فالسنة ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما، وشهر رمضان ثلاثون

(1) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان
(2) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان
(3) سنن البيهقي ج 4 ص 250
(4) سورة البقرة الآية 182
(5) سورة الأعراف الآية 139.
(6) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان
(7) سنن البيهقي ج 4 ص 250
274

يوما.. وساق الحديث إلى آخره ".
وما رواه في الكافي عن العدة عن سهل عن محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابه
عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " إن الله عز وجل خلق الدنيا في ستة أيام ثم
اختزلها عن أيام السنة والسنة ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما، شعبان لا يتم أبدا
وشهر رمضان لا ينقص والله أبدا ولا تكون فريضة ناقصة إن الله تعالى يقول:
ولتكملوا العدة (2) وشوال تسعة وعشرون يوما وذو القعدة ثلاثون يوما، يقول
الله عز وجل: وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين
ليلة (3) وذو الحجة تسعة وعشرون يوما والمحرم ثلاثون يوما ثم الشهور بعد ذلك
شهر تام وشهر ناقص ".
وما رواه في التهذيب عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (4) " في قوله تعالى:
ولتكملوا العدة؟ قال: صوم ثلاثين يوما ".
وما رواه في الفقيه (5) قال " سأل أبو بصير أبا عبد الله عن قول الله تعالى:
ولتكملوا العدة (6) قال: ثلاثون يوما ".
وما رواه في الفقيه عن ياسر الخادم (7) قال: " قلت للرضا عليه السلام هل يكون
شهر رمضان تسعة وعشرين يوما؟ فقال: إن شهر رمضان لا ينقص من ثلاثين
يوما أبدا ".
أقول: قد ذكر أصحابنا (رضوان الله عليهم) في الجواب عن بعض هذه الأخبار حيث لم يأتوا عليها كملا في مقام الاستدلال أجوبة لا تشفي العليل ولا
تبرد الغليل.
ولم أقف لأحد منهم على كلام شاف أحسن من ما ذكره المحدث الكاشاني

(1) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان
(2) سورة البقرة الآية 182
(3) سورة الأعراف الآية 139
(4) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان
(5) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان
(6) سورة البقرة الآية 182
(7) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان
275

في الوافي ذيل هذه الأخبار وأنا أنقله بالتمام وإن طال به زمام الكلام لما فيه من
مزيد الفائدة في المقام:
قال (قدس سره) بعد نقل كلام صاحب الفقيه الذي قدمنا نقله: قال في
التهذيبين ما ملخصه: أن هذه الأخبار لا يجوز العمل بها من وجوه: منها أن
متنها لا يوجد في شئ من الأصول المصنفة وإنما هو موجود في الشواذ من الأخبار
ومنها أن كتاب حذيفة بن منصور عرى منها والكتاب معروف مشهور ولو
كان الحديث صحيحا عنه لضمنه كتابه. ومنها أنها مختلفة الألفاظ مضطربة المعاني
لروايتها تارة عن أبي عبد الله عليه السلام بلا واسطة وأخرى بواسطة وأخرى يفتي
الراوي بها من قبل نفسه فلا يسندها إلى أحد. ومنها أنها لو سلمت من ذلك كله
لكانت أخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا، وأخبار الآحاد لا يجوز الاعتراض
بها على ظاهر القرآن والأخبار المتواترة. ومنها تضمنها من التعليل ما يكشف
عن أنها لم تثبت عن إمام هدى، وذلك كالتعليل بوعد موسى عليه السلام فإن اتفاق تمام
ذي القعدة في أيام موسى عليه السلام لا يوجب تمامه في مستقبل الأوقات ولا دلالة على أنه لم
يزل كذلك في ما مضى، مع أنه ورد في جواز نقصانه حديث ابن وهب (1)
المتضمن أنه أكثر نقصانا من سائر الشهور كما يأتي، وكالتعليل باختزال الستة
الأيام من السنة فإنه لا يمنع من اتفاق النقصان في شهرين وثلاثة على التوالي،
وكالتعليل بكون الفرائض لا تكون ناقصة فإن نقصان الشهر عن ثلاثين لا يوجب
النقصان في فرض العمل فيه، فإن الله لم يتعبدنا بفعل الأيام وإنما تعبدنا بالفعل في
الأيام، وقد أجمع المسلمون على أن المطلقة في أول الشهر إذا اعتدت بثلاثة أشهر
ناقص بعضها أنها مؤدية لفرض الله من العدة على الكمال دون النقصان، وكذا
الناذر لله صيام شهر يلي قدومه من سفره فاتفق أن يكون ذلك الشهر ناقصا، وكذا
التعليل باكمال العدة فإن نقصان الشهر لا يوجب نقصان العدة في الفرض، مع أنه

(1) ص 278
276

إنما ورد في علة وجوب قضاء المريض والمسافر ما فاتهما في شهر رمضان حيث
يقول الله سبحانه: فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر
فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة (1) فأخبر
سبحانه أنه فرض عليهما القضاء لتكمل بذلك عدة شهر صيامهم كائنة ما كانت. ثم
أول تلك الأخبار بتأويلات لا تخلو من بعد مع اختصاص بعضها ببعض الحديث
كتأويله " ما صام رسول الله صلى الله عليه وآله أقل من ثلاثين يوما " بأنه تكذيب للراوي من
العامة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه صام تسعة وعشرين أكثر من ما صام ثلاثين (2) وأخبار
عن ما اتفق له من التمام على الدوام، فإن هذا لا يجري في تتمة الكلام من قوله
" ولا نقص شهر رمضان منذ خلق الله السماوات من ثلاثين يوما وليلة " وكتأويله
" شهر رمضان لا ينقص أبدا " بأنه لا يكون أبدا ناقصا بل قد يكون حينا تاما
وحينا ناقصا فإنه لا يجري في سائر ألفاظ هذه الخبر، وكتأويل " لم يصم رسول الله
صلى الله عليه وآله أقل من ثلاثين يوما " بأنه لم يصم أقل منه على أغلب أحواله كما ادعاه المخالفون
ولا نقص شهر رمضان أي لم يكن نقصانه أكثر من تمامه كما زعموه، فإنه أيضا
مع بعده لا يجري في غير هذا اللفظ من ما تضمن هذا المعنى. وبالجملة فالمسألة من ما
تعارض فيه الأخبار لامتناع الجمع بينها إلا بتعسف شديد، فالصواب أن يقال فيها
روايتان: إحداهما موافقة لقاعدة أهل الحساب وهي معتبرة إلا أنها إنما تعتبر إذا
تغيمت السماء وتعذرت الرؤية كما يأتي في باب العلامة عند تعذر الرؤية بيانه لا مطلقا
ومخالفة للعامة على ما قاله في الفقيه، وذلك من ما يوجب رجحانها إلا أنها غير
مطابقة للظواهر والعمومات القرآنية، ومع ذلك فهي متضمنة لتعليلات عليلة
تنبو عنها العقول السليمة والطباع المستقيمة ويبعد صدورها عن أئمة الهدى (عليهم
السلام) بل هي من ما يستشم منه رائحة الوضع، والأخرى موافقة للعامة (3) كما

(1) سورة البقرة الآية 182
(2) سنن البيهقي ج 4 ص 250
(3) سنن البيهقي ج 4 ص 250
277

قاله وذلك من ما يوجب ردها إلا أنها مطابقة للظواهر والعمومات القرآنية، ومع
ذلك فهي أكثر رواة وأوثق رجالا وأسد مقالا وأشبه بكلام أئمة الهدى (عليهم
السلام) وربما يشعر بعضها بذهاب بعض المخالفين إلى ما يخالفها، والخبر الآتي
آنفا كالصريح في ذلك. وفائدة الاختلاف إنما تظهر في صيام يوم الشك وقضائه
مع الفوات، وقد مضى تحقيق ذلك في أخبار الباب الذي تقدم هذا الباب وفيه
بلاغ وكفاية لرفع هذا الاختلاف والعلم عند الله. ثم روى عن التهذيب بسنده
إلى ابن وهب (1) قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام الشهر الذي يقال إنه لا ينقص
ذو القعدة ليس في شهور السنة أكثر نقصانا منه " وهذا الخبر هو الذي أشار إليه
بقوله: وربما يشعر بعضها.. إلى آخره. انتهى كلامه زيد مقامه.
أقول: والذي أقوله في هذا المقام ويقرب عندي وإن لم يتنبه له أحد
من علمائنا الأعلام هو أنه لا ريب في اختلاف روايات الطرفين وتقابلها في البين
ودلالة كل منها على ما استدل به من ذينك القولين، وما ذكروه من تكلف جمعها
على القول المشهور تكلف سحيق سخيف بعيد ظاهر القصور، وإن الأظهر من
ذينك القولين هو القول المشهور لرجحان أخباره بما ذكره المحدث المشار إليه آنفا،
ويزيده اعتضادها باجماع الفرقة الناجية سلفا وخلفا على القول بمضمونها وهو
مؤذن بكون ذلك هو مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وقول الصدوق نادر وإن
سجل عليه بما ذكره.
وأما أخبار القول الآخر فأظهر الوجوه فيها هو الحمل على التقية لكن
لا بالمعنى المشهور بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) لصراحتها في الرد على المخالفين
وأن ما دلت عليه خلاف ما هم عليه وإنما التقية المرادة هنا هي ما قدمنا ذكره في
المقدمة الأولى من مقدمات الكتاب (2) من ايقاعهم الاختلاف في الأحكام

(1) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان
(2) ج 1 ص 4 و 5
278

الشرعية تقية وإن لم يكن ثمة قائل من العامة، والأمر ههنا كذلك، وحيث إنه
قد استفاض عنهم القول بكون شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور واشتهر ذلك
عنهم (عليهم السلام) وإن كان ذلك مذهب العامة أيضا شددوا بإنكاره في هذه الأخبار لأجل ايقاع الاختلاف بتكذيب العامة والحلف على أنه ليس كذلك،
والاستدلال بتلك الأدلة الاقناعية ليتقوى عند الشيعة السامعين لذلك ضعف النقل
الأول والقول المشتهر عنهم في تلك الأخبار، فيحصل الاختلاف بين الشيعة
ويتأكد ذلك ليترتب ما ذكروه في تلك الأخبار المتقدمة ثمة عليه من قولهم (عليهم
السلام) (1) " لو اجتمعتم على أمر واحد لصدقكم الناس علينا ولكان أقل لبقائنا
وبقائكم " ونحو ذلك من ما تقدم تحقيقه مستوفى مبرهنا في المقدمة الأولى.
هذا ومظهر الخلاف في هذه المسألة إنما هو في صورة تعذر الرؤية كما تقدم في
كلام المحدث الكاشاني، وذلك فإن الصدوق مع تصلبه ومبالغته في العمل بأخبار
الحساب قد صرح بوجوب الصيام للرؤية وعقد لذلك بابا فقال (2) باب " الصوم
للرؤية والفطر للرؤية " وأورد فيه من الأخبار ما يدل بعضه على الرؤية المستندة
إلى الشياع وبعضه على الرؤية المستندة إلى شهادة العدلين، وحينئذ فلم يبق مظهر
للخلاف إلا في الصورة المذكورة، فعلى هذا لو غم الهلال في ليلة الثلاثين من
شعبان فعلى تقدير العمل بقاعدة الحساب يجب أن يصام هذا اليوم بنية شهر رمضان
لأن شعبان عندهم بهذه القاعدة تسعة وعشرون يوما فيكون هذا اليوم أول شهر
رمضان، وعلى القول المشهور يجب أن يحكم به من شعبان ولا يجوز صيامه من شهر
رمضان كما تقدمت الأخبار به الدالة على المنع من صيام يوم الشك بنية شهر رمضان
فتكون هذه الأخبار عاضدة لأخبار القول المشهور في هذه المسألة، وبه يظهر قوة
القول المذكور وأنه المؤيد المنصور وضعف ما عارضه وأنه بمحل من القصور.

(1) في حديث زرارة في أصول الكافي ج 1 ص 65 وقد تقدم ج 1 ص 5
(2) ج 2 ص 76 الطبع الحديث
279

إلا أن العجب هنا من الصدوق في الفقيه فإنه وافق الأصحاب في هذه المسألة
أيضا فقال باستحباب صومه بنية أنه من شعبان وأنه يجزئ عن شهر رمضان لو
ظهر أنه منه وحرم صومه بنية كونه من شهر رمضان كما لا يخفى على من راجع
كتابه، وحينئذ فما أدري ما مظهر الخلاف عنده في القول بهذه الأخبار التي ذهب
إلى العمل بها؟ فإنه مع الرؤية يوجب العمل بها ومع عدم الرؤية لحصول المانع
يمنع من الصيام بنية شهر رمضان، ففي أي موضع يتحقق الحكم عنده بكون شعبان
لا يكون إلا ناقصا ورمضان لا يكون إلا تاما؟ اللهم إلا أن يدعى أن الرؤية
لا تحصل على وجه يكون شعبان ثلاثين يوما وشهر رمضان تسعة وعشرين يوما،
وهو مع كونه خلاف ظاهر أخبار الرؤية مردود بالضرورة والعيان كما هو المشاهد
في جملة الأزمان في جميع البلدان.
(لا يقال): إنه يمكن ذلك بالنسبة إلى آخر الشهر (لأنا نقول): لا ريب
ولا خلاف في أنه متى علم أول الشهر بأحد العلامات المتقدمة فلا بد من اكمال
الثلاثين إلا أن تحصل الرؤية قبل ذلك بأحد الطريقين المتقدمين من الشياع والشاهدين
نعم تبقى هنا صورة نادرة الوقوع لعلها هي المظهر لهذا الخلاف وهو أن تغم
الأهلة الثلاثة من شعبان وشهر رمضان وشوال. والله العالم.
الثالث في غيبوبة الهلال بعد الشفق، والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله
عليهم) أنه لا عبرة به.
وقال الصدوق في كتاب المقنع: واعلم أن الهلال إذا غاب قبل الشفق فهو
لليلة وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين وإن رئي فيه ظل الرأس فهو لثلاث ليال.
والظاهر أن مستنده في ذلك ما رواه في الفقيه (1) عن حماد بن عيسى عن
إسماعيل بن الحر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة
وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين " ورواه الكليني بسنده عن الصلت الخزاز عن

(1) ج 2 ص 78 وفي الوسائل الباب 9 من أحكام شهر رمضان
280

أبي عبد الله عليه السلام مثله (1).
ويحتمل ولعله الأقرب أنه إنما أخذ ذلك من كتاب الفقه الرضوي حيث
قال فيه (2): وقد ذكرنا صوم يوم الشك في أول الباب ونفسره ثانية لتزداد به
بصيرة ويقينا: وإذا شككت في يوم لا تعلم أنه من شهر رمضان أو من شعبان
فصم من شعبان فإن كان منه لم يضرك وإن كان من شهر رمضان جاز لك في شهر
رمضان، وإلا فانظر أي يوم صمت عام الماضي وعد منه خمسة أيام وصم اليوم الخامس.
وقد روي إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين وإذا
رأيت ظل رأسك فيه فهو لثلاث ليال. انتهى.
وعن محمد بن مرازم عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " إذا تطوق الهلال
فهو لليلتين وإذا رأيت ظل رأسك فيه فهو لثلاث ليال ".
وقد أجاب الشيخ عن هذه الأخبار بحملها على ما إذا كانت السماء متغيمة
وتكون فيها علة مانعة من الرؤية فيعتبر حينئذ في الليلة المستقبلة الغيبوبة والتطوق
ورؤية الظل ونحوها دون أن تكون مصحية، كما أن الشاهدين من خارج البلد إنما
يعتبران مع العلة دون الصحو. انتهى ملخصا.
أقول: هذا الجواب على اطلاقه مشكل: أما أولا فلما استفاض من
الأخبار الدالة على تحريم صوم يوم الشك بنية أنه من شهر رمضان (4) وأنه لا يقضي
إلا مع قيام البينة بالرؤية فيه (5) فلو فرض أنه في تلك الليلة التي بعد ليلة الشك كان
متطوقا أو لم يغب إلا بعد الشفق فالحكم بوجوب قضاء اليوم السابق بناء على هاتين
الروايتين ينافي ما دل على المنع من القضاء إلا مع قيام البينة بالرؤية وهو روايات

(1) الوسائل الباب 9 من أحكام شهر رمضان
(2) ص 25
(3) الوسائل الباب 9 من أحكام شهر رمضان
(4) الوسائل الباب 6 من وجوب الصوم ونيته والباب 16 من أحكام شهر رمضان
(5) الوسائل الباب 3 و 5 و 1 " من أحكام شهر رمضان
281

عديدة مستفيضة فيها الصحيح وغيره وقد تقدم شطر وافر منها (1).
وثانيا ما ورد من الأخبار الدالة على أنه في الصورة المذكورة يعد شعبان
ثلاثين يوما ويصوم الحادي والثلاثين كائنا ما كان:
مثل رواية أبي خالد الواسطي وقد تقدمت (2) وفيها " فإذا خفي الشهر فأتموا
العدة شعبان ثلاثين يوما وصوموا الواحد وثلاثين.. الحديث ".
وموثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (3) أنه قال " في كتاب علي عليه السلام
صم لرؤيته وافطر لرؤيته وإياك والشك والظن، فإن خفي عليكم فأتموا الشهر
الأول ثلاثين ".
وثالثا أنه إن كانت هذه الأشياء المذكورة موجبة لكون الهلال لليلة الثانية
أو الثالثة فينبغي أن يكون مطلقا فلا معنى لتخصيصه ذلك بما إذا كانت السماء متغيمة
وإلا فلا معنى لاعتبارها بالكلية.
ورابعا خصوص ما رواه الشيخ بسند معتبر عن أبي علي بن راشد (4) قال:
" كتب إلى أبو الحسن العسكري عليه السلام كتابا وأرخه يوم الثلاثاء لليلة بقيت من
شعبان وذلك في سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وكان يوم الأربعاء يوم شك وصام
أهل بغداد يوم الخميس وأخبروني أنهم رأوا الهلال ليلة الخميس ولم يغب إلا بعد
الشفق بزمان طويل، قال فاعتقدت أن الصوم يوم الخميس وأن الشهر كان عندنا
ببغداد يوم الأربعاء، قال فكتب إلى: زادك الله توفيقا فقد صمت بصيامنا. قال
ثم لقيته بعد ذلك فسألته عن ما كتبت به إليه فقال لي: أو لم أكتب إليك إنما صمت
الخميس ولا تصمه إلا للرؤية ".
ورواه في الوافي (5) بلفظ " وأن الشك كان عندنا ببغداد يوم الأربعاء "

(1) راجع ص 264 إلى 272
(2) ص 241 و 272
(3) الوسائل الباب 3 من أحكام شهر رمضان
(4) الوسائل الباب 9 من أحكام شهر رمضان
(5) باب صيام يوم الشك
282

عوض " وأن الشهر " وهو الظاهر، وكأن ذلك اجتهاد منه (قدس سره) فإن الخبر
في التهذيب (1) إنما هو بلفظ الشهر والتحريف من الشيخ في أمثال ذلك غير بعيد،
فإن المعنى إنما يستقيم على ما ذكره في الوافي دون نسخة الشهر كما لا يخفى.
والتقريب في هذا الخبر أنه وإن كان ما كتبه إلى الإمام عليه السلام غير مصرح به
في الخبر إلا أن ظاهر السياق يدل على أنه كتب إليه بما ذكره هنا من وقوع الشك
في بغداد يوم الأربعاء.. إلى آخر ما هو مذكور في الخبر من حكاية تلك الحال.
ثم إنه مع قطع النظر عن معلومية ما كتب إليه وأن المسؤول عنه ما هو فإن
أخباره في صدر الخبر بكونه عليه السلام: كتب إليه كتابا أرخه بذلك التأريخ المشعر
بكون يوم الأربعاء من شهر شعبان المؤذن بكون أول شهر رمضان هو يوم الخميس
وكذا جوابه عليه السلام " صمت بصيامنا " وكان صيامه عليه السلام إنما هو يوم الخميس كما يدل
عليه قوله عليه السلام " أو لم أكتب إليك إنما صمت الخميس؟ " مع أخبار أبي علي بن راشد
أن الهلال ليلة الخميس لم يغب إلا بعد الشفق بزمان طويل ظاهر الدلالة في أن
مغيب الهلال بعد الشفق لا يستلزم أن يكون لليلتين كما ادعوه بل يجوز أن يكون
في أول ليلة أيضا كذلك.
وبذلك يظهر ما في كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة من قوله بعد نقل
رواية أبي علي بن راشد دليلا للقول المشهور: ولا دلالة في هذا الخبر يظهر ذلك
بالتأمل التام. انتهى. فهو من جملة تشكيكاته الركيكة.
ويظهر منه الميل إلى هذا القول حيث قال: وظاهر بعض المتأخرين العمل
بمدلول الخبرين ولا بأس به.
وكأنه غفل عن معارضة هذين الخبرين بالأخبار المستفيضة التي أشرنا إليها
آنفا إذ لا ريب في رجحانها على الخبرين المذكورين.
وأما ما رواه الصدوق في الصحيح عن عيص بن القاسم (2) - " أنه سأل

(1) ج 4 ص 167
(2) الوسائل الباب 12 من أحكام شهر رمضان
283

أبا عبد الله عليه السلام عن الهلال إذا رآه القوم جميعا فاتفقوا على أنه لليلتين أيجوز
ذلك؟ قال نعم "
فهو خبر شاذ لا يعارض ما قدمناه من الأخبار المستفيضة الدالة على أن
الاعتبار بالرؤية أو الشاهدين وأنه لا اعتبار بالظن وغاية ما يفيده اتفاق القوم هنا
هو الظن بذلك. والله العالم.
الرابع في رؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال، والمشهور بين الأصحاب (رضوان
الله عليهم) أنه لا اعتبار بذلك.
ونقل عن المرتضى في بعض مسائله أنه قال: إذا رئي قبل الزوال فهو لليلة
الماضية. ونقله في المختلف عن السيد (رضي الله عنه) في المسائل الناصرية حيث
قال الناصر: إذا رئي الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية. فقال السيد: هذا
صحيح وهو مذهبنا. وربما أشعرت هذا العبارة بدعواه الاجماع عليه.
وإليه مال المحدث الكاشاني في الوافي والمفاتيح والفاضل الخراساني في
الذخيرة، وقال العلامة في المختلف إن الأقرب اعتبار ذلك في الصوم دون الفطر.
وتردد المحقق في النافع والمعتبر.
وظاهر المحقق الشيخ حسن في المنتقى الميل إلى هذا القول أيضا حيث قال
بعد ايراد حسنة حماد بن عثمان الآتية بطريق الكافي (1) ما صورته: وروى الشيخ
هذا الخبر معلقا عن محمد بن يعقوب وأورد في معناه خبرا آخر من الموثق يرويه
بإسناده عن سعد بن عبد الله. ثم ساق السند إلى عبيد بن زرارة وعبد الله بن بكير
وأورد متنه كما يأتي (2) ثم قال: ولطريق هذا الخبر اعتبار ظاهر ومزية واضحة
وموافقة الحديث الحسن له تزيده اعتبارا وقد حملهما الشيخ على معنى بعيد. انتهى.
وظاهر صاحب المدارك التردد في المسألة فإنه بعد أن ذكر في صدر المسألة
أن المعتمد هو القول المشهور ثم ساق الروايات الدالة على القول المشهور ثم أورد

(1) ص 285
(2) ص 285
284

حسنة حماد وموثقة عبيد بن زرارة وابن بكير الآتيتين قال: والمسألة قوية
الاشكال فإن الروايتين المتضمنتين لاعتبار ذلك معتبرتا الاسناد.. إلى أن قال:
ومن ثم تردد المصنف في النافع والمعتبر وهو في محله. انتهى.
ويظهر ذلك أيضا من المحقق الأردبيلي (قدس سره) في شرح الإرشاد حيث
قال بعد تطويل البحث والكلام بابرام النقض ونقض الابرام: فتأمل واحفظ فإن
المسألة من المشكلات.
ويظهر من الصدوق أيضا القول به حيث قال في باب ما يجب على الناس إذا
صح عندهم بالرؤية يوم الفطر بعد ما أصبحوا صائمين (1) بعد نقل حديث
مرسل (2) يحتمل أن تكون هذه العبارة من جملته ويحتمل أن تكون من كلامه
(قدس سره) ما صورته: وإذا رئي هلال شوال بالنهار قبل الزوال فذلك
اليوم من شوال وإذا رئي بعد الزوال فذلك من شهر رمضان.
أقول: والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه
الكليني في الحسن على المشهور الصحيح على المختار عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله
عليه السلام (3) قال: " إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية وإذا رأوه بعد
الزوال فهو لليلة المستقبلة ".
وما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن عبيد بن زرارة وابن بكير (4)
قالا: " قال أبو عبد الله عليه السلام إذا رئي الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من شوال
وإذا رئي بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان " وبهذين الخبرين أخذ من
قال بالقول الثاني.
ومنها ما رواه الشيخ في التهذيب والصدوق في من لا يحضره الفقيه في

(1) ج 2 ص 109
(2) الوسائل الباب 6 من أحكام شهر رمضان رقم 2
(3) الوسائل الباب 8 من أحكام شهر رمضان
(4) الوسائل الباب 8 من أحكام شهر رمضان
285

الصحيح عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام (1) قال: " قال أمير المؤمنين عليه السلام
إذا رأيتم الهلال فافطروا أو شهد عليه عدل من المسلمين، وإن لم تروا الهلال إلا من
وسط النهار أو آخره فأتموا الصيام إلى الليل، وإن غم عليكم فعدوا ثلاثين ليلة
ثم افطروا ".
وما رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال:
" سألته عن هلال رمضان يغم علينا في تسع وعشرين من شعبان؟ فقال لا تصمه إلا
أن تراه فإن شهد أهل بلد آخر أنهم رأوه فاقضه، وإذا رأيته وسط النهار فأتم صومه
إلى الليل ".
وما رواه الشيخ في التهذيب عن جراح المدائني (3) قال: " قال أبو عبد الله
عليه السلام من رأى هلال شوال بنهار في شهر رمضان فليتم صيامه ".
وما رواه العياشي في تفسيره عن القاسم بن سليمان عن جراح عن أبي عبد الله
عليه السلام (4) قال: " قال الله: وأتموا الصيام إلى الليل (5) يعني صوم رمضان، فمن رأى
الهلال بالنهار فليتم صيامه ".
وما رواه الشيخ أيضا عن محمد بن عيسى (6) قال: " كتبت إليه: جعلت فداك
ربما غم علينا هلال شهر رمضان فنرى من الغد الهلال قبل الزوال وربما رأيناه بعد
الزوال فترى أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا؟ وكيف تأمرني في ذلك؟ فكتب
عليه السلام تتم إلى الليل فإنه إن كان تاما رئي قبل الزوال ".
وروى هذا الخبر في الإستبصار (7) " ربما غم علينا الهلال في شهر رمضان "

(1) الوسائل الباب 8 من أحكام شهر رمضان. ارجع في لفظ الحديث إلى ص 257
(2) الوسائل الباب 8 من أحكام شهر رمضان واللفظ " سألت أبا عبد الله ع ".
(3) الوسائل الباب 8 من أحكام شهر رمضان
(4) الوسائل الباب 8 من أحكام شهر رمضان
(5) سورة البقرة الآية 184، واللفظ " ثم أتموا.. " فالتغيير إما يكون من
النساخ أو للنقل بالمعنى
(6) الوسائل الباب 8 من أحكام شهر رمضان
(7) ج 2 ص 73
286

وهو أوضح، والظاهر أن ما وقع في التهذيب سهو من قلم الشيخ كما سيأتي إن شاء
الله تعالى تحقيقه.
وبهذه الأخبار أخذ من قال بالقول المشهور.
وأجاب العلامة في المنتهى عن الخبرين الأولين بعد الطعن في سند الثاني بأن
فيه ابن فضال وهو ضعيف بأنهما لا يصلحان لمعارضة الأحاديث الكثيرة الدالة
على انحصار الطريق في الرؤية ومضى ثلاثين لا غير (1).
أقول: ليس في شئ من تلك الأخبار ما يدل على الانحصار كما ذكره (قدس
سره) ليكون منافيا للخبرين المذكورين كما لا يخفى على من راجعها.
والحق أن الخبرين المذكورين صريحا الدلالة على القول المذكور وإنما يبقى
الكلام في ما عارضهما من الأخبار المذكورة بعدهما:
فأما صحيحة محمد بن قيس فموردها هلال شهر شوال كما هو ظاهر السياق حيث
أمر عليه السلام بالافطار برؤيته تلك الليلة أو شهادة عدول من المسلمين على الرؤية وأما
إذا رأوه من وسط النهار أو آخره فإنهم يتمون صيام ذلك اليوم يعني من شهر رمضان
والظاهر من لفظ " وسط النهار " هو الوسط المجازي لا الحقيقي الذي هو عبارة عن
وقوع الشمس على دائرة نصف النهار، والوسط بالمعنى المذكور شامل لما قبل الزوال
بيسير وما بعده بيسير.
وكيف كان فالأمر باتمام الصوم ظاهر في الدلالة على المعنى المشهور ويؤيده
التسوية بين وسط النهار وآخره في الحكم المذكور مع قول الخصم بأنه بعد الزوال
لليلة المستقبلة.
وأما ما حمل عليه الخبر في الوافي من أن المراد بوسط النهار ما بعد الزوال
فلا يخفى بعده. وأبعد منه ما تكلفه في الذخيرة من حمل الهلال على هلال شهر
رمضان، ثم ذكر معنى متعسفا متكلفا لا أعرف له وجه استقامة، بل كلامه في

(1) الوسائل الباب 3 و 5 من أحكام شهر رمضان
287

هذا البحث كله غث لا يعجبني النظر إليه ولا العروج عليه.
ثم قال عليه السلام (1) " وإن غم عليكم هلال شوال فعدوا ثلاثين ليلة ثم افطروا ".
وأما موثقة إسحاق بن عمار فهي صريحة في كون المسؤول عنه هلال شهر
رمضان وأنه لا يرى في تسع وعشرين من شعبان يعني بعد تسع وعشرين منه وهي
ليلة الثلاثين منه لغيم ونحوه فلا يرى الهلال، وهذا هو يوم الشك الذي تقدم
تحقيق القول فيه، فأمره عليه السلام بأن لا تصمه يعني بنية شهر رمضان إلا مع
رؤية الهلال، فإذا أفطرته فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه، وإذا صمته يعني بنية
شعبان ورأيت الهلال وسط النهار فأتم صومه إلى الليل.
والأمر باتمام الصوم هنا محتمل لأمرين: أما أن يكون على جهة الاستحباب
كما تأوله به الشيخ (قدس سره) ومرجعه إلى أن الرؤية في النهار لا عبرة بها فأتم
صومك وإنما العبرة برؤيته أول الليل. ويحتمل ما ذكره المحدث الكاشاني بناء
على ما اختاره من القول المتقدم إن المراد بوسط النهار يعني به قبل الزوال،
قال: ومعنى اتمام صومه إلى الليل أنه إن كان لم يفطر بعد نوي الصوم من شهر رمضان
واعتد به وإن كان قد أفطر أمسك بقية اليوم ثم قضاه. انتهى. ومرجعه إلى أنه
يحكم بكونه من شهر رمضان لرؤية الهلال قبل الزوال لأن ذلك موجب لكونه
لليلة الماضية كما دل عليه الخبران الأولان.
والاحتمالان متعارضان إلا أنه يبقى على تقدير كلام المحدث المذكور سؤال
الفرق بين وسط النهار في هذا الخبر وفي خبر محمد بن قيس حيث حمله ثمة على ما بعد
الزوال وحمله هنا على ما قبل الزوال.
وأما خبر جراح المدائني فهو ظاهر في القول المشهور لدلالته على أن الرؤية
في النهار في أي جزء منه غير معتبرة، فالواجب في ما إذا كان ذلك في اليوم الآخر

(1) في صحيحة محمد بن قيس المتقدمة ص 286، وليس فيها لفظ " هلال شوال "
إلا أن يكون مراده (قدس سره) النقل بالمعنى
288

من شهر رمضان أن يتم صيامه من شهر رمضان.
وأما ما تأوله به في الوافي من حمل النهار على ما بعد الزوال حملا للمطلق على
المقيد فهو جيد لو انحصرت المخالفة فيه، بل الظاهر أن مفاد هذا الخبر هو مفاد
صحيحة محمد بن قيس الدالة على أن وسط النهار وآخره سواء بالنسبة إلى وجوب
إتمام الصيام في اليوم الآخر من شهر رمضان وعدم الاعتداد بالرؤية النهارية.
وأما خبر جراح المنقول عن العياشي فهو في الدلالة على المشهور أظهر من
سابقه وعن قبول الاحتمال المذكور أبعد، لأنه ورد في تفسير الآية الدالة بغير
خلاف على وجوب الاتمام إلى الليل مطلقا فيجب أن يكون الاطلاق في الخبر
أيضا كذلك.
وأما رواية محمد بن عيسى فإنه على تقدير رواية التهذيب (1) فإن معناها غير
مستقيم كما لا يخفى على ذي الطبع القويم، لأنه إذا كان السؤال عن هلال شهر رمضان
وأنه ربما خفي بغيم ونحوه فكيف يرتب عليه الافطار من الغد بالرؤية قبل الزوال
وعدم ذلك؟
بل الحق أن الخبر إنما يتمشى الكلام فيه على تقدير رواية الإستبصار (2)
وهو ظاهر في القول المشهور على تقدير هذه الرواية.
وبذلك اعترف المحدث الكاشاني في الوافي أيضا فقال بعد نقل الخبر المذكور
برواية التهذيب ما صورته: بيان هكذا وجدنا الحديث في نسخ التهذيب (3)
وفي الإستبصار " ربما غم علينا الهلال في شهر رمضان " وهو الصواب لأنه على نسخة
التهذيب لا يستقيم المعنى إلا بتكلف، إلا أنه على نسخة الإستبصار (4) ينافي سائر
الأخبار التي وردت في هذا الباب، لأنه على ذلك يكون المراد بالهلال هلال شوال
ومعنى " يتم إلى الليل " يتم الصيام إلى الليل، وقوله عليه السلام: " إن كان تاما رئي قبل
الزوال " معناه إن كان الشهر الماضي ثلاثين يوما رئي هلال الشهر المستقبل قبل

(1) ج 4 ص 177
(2) ج 2 ص 73
(3) ج 4 ص 177
(4) ج 2 ص 73
289

الزوال في اليوم الثلاثين. انتهى.
وبالجملة فالمسألة لما ذكرناه محل تردد واشكال، ولا يبعد عندي خروج أخبار
أحد الطرفين مخرج التقية، إلا أن العامة هنا على قولين أيضا والقول المشهور بينهم
هو المشهور بين أصحابنا، نقله في المنتهى عن الشافعي ومالك وأبي حنيفة، وعن أحمد
فيه روايتان، ونقل القول الآخر عن الثوري وأبي يوسف (1).
الخامس في التطوق والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه
لا عبرة به، ونقل عن ظاهر الصدوق اعتبار ذلك حيث أورد في كتابه رواية محمد
ابن مرازم المتقدمة في الموضع الثالث (2) الدالة على أنه إذا تطوق الهلال فهو
لليلتين، بناء على قاعدته المذكورة في صدر كتابه.
وظاهر الفاضل الخراساني في الذخيرة الميل إلى ذلك حيث قال بعد أن نقل
عن الصدوق ما ذكرناه: ويدل على اعتبار ذلك الخبر المذكور وهو صحيح،
ونسبته إلى ما يعارضه نسبة المقيد إلى المطلق فمقتضى القواعد العمل بمقتضاه، فاندفع
ما قال المصنف في المنتهى بعد ايراد الخبر المذكور: وهذه الرواية لا تعارض
ما تلوناه من الأحاديث. انتهى.
وفيه أن المعارض لا ينحصر في ما ذكره من الأخبار المطلقة الدالة على
وجوب الصوم بالرؤية أو الشاهدين أو مضى ثلاثين يوما، بل المعارض هنا إنما هي
الأخبار الدالة على أنه مع افطاره اليوم المشكوك فيه لا يقضيه إلا مع قيام البينة
بالرؤية (3) وبمقتضى اعتبار التطوق أنه متى أفطر يوم الشك ورئى في الليلة الثانية
متطوقا فإنه يجب القضاء بمقتضى هذه الرواية، مع أن الروايات الصحاح الصراح
قد استفاضت بأنه لا يقضي إلا إذا قامت البينة بالرؤية وإلا فلا، ولا ريب في

(1) المغني ج 3 ص 168
(2) ص 281
(3) الوسائل الباب 3 و 5 و 11 من أحكام شهر رمضان
290

ضعف هذه الرواية عن معارضة تلك الأخبار المشار إليها.
السادس في عد خمسة أيام من أول الهلال من السنة الماضية فيجب صيام
يوم الخامس منها، والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لا اعتبار
بذلك بل الظاهر أنه لا خلاف فيه حيث إنه لم ينقل القائل بخلاف ما ذكرنا.
نعم ورد في الأخبار ما يدل على ذلك وهو ما رواه الكليني و الشيخ (طيب الله
مرقديهما) عن عمران الزعفراني (1) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام أن السماء
تطبق علينا بالعراق اليومين والثلاثة فأي يوم نصوم؟ قال. انظر اليوم الذي صمت
من السنة الماضية وصم يوم الخامس ".
وعن عمران الزعفراني أيضا (2) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام إنا نمكث
في الشتاء اليوم واليومين لا نرى شمسا ولا نجما فأي يوم نصوم؟ قال: انظر اليوم
الذي صمت من السنة الماضية وعد خمسة أيام وصم اليوم الخامس ".
وحملها الشيخ على أن السماء إذا كانت متغيمة فعلى الانسان أن يصوم اليوم
الخامس احتياطا فإن اتفق أنه يكون من شهر رمضان فقد أجزأ عنه وإن كان من
شعبان كتب له من النوافل، قال: وليس في الخبر أنه يصوم يوم الخامس على أنه
من شهر رمضان، وإذا لم يكن هذا في ظاهره واحتمل ما قلناه سقطت المعارضة
به ولم يناف ما ذكرناه من العمل على الأهلة. وقال إن راوي هاتين الروايتين
عمران الزعفراني وهو مجهول وفي اسناد الحديثين قوم ضعفاء لا نعمل بما
يختصون بروايته.
أقول: ومن ما وقفت عليه من الأخبار في هذه المسألة زيادة على الخبرين
ما قدمنا نقله عن كتاب الفقه الرضوي في الموضع الثالث (3).

(1) الوسائل الباب 10 من أحكام شهر رمضان، والشيخ يرويه عن الكليني
(2) الفرع ج 1 ص 184 و 185 وفي الوسائل الباب 10 من أحكام شهر رمضان
(3) ص 281
291

وما رواه في الكافي في الصحيح إلى صفوان بن يحيى عن محمد بن عثمان
الخدري عن بعض مشايخه عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " صم في العام المستقبل
اليوم الخامس من يوم صمت فيه عام أول ".
وما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا (2) قال: " قال عليه السلام إذا صمت شهر
رمضان في العام الماضي في يوم معلوم فعد في العام المستقبل من ذلك اليوم خمسة أيام
وصم اليوم الخامس ".
وما رواه ابن طاووس في كتاب الاقبال (3) نقلا من كتاب الحلال والحرام
لإسحاق بن إبراهيم بن محمد الثقفي عن أحمد بن عمران بن أبي ليلى عن عاصم بن حميد
عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: " عدوا اليوم الذي تصومون فيه وثلاثة
أيام بعده وصوموا يوم الخامس فإنكم لن تخطئوا ".
وعن أحمد عن غياث أظنه ابن أعين عن جعفر بن محمد (عليهما السلام)
مثله (4).
وكيف كان فاعراض الأصحاب قديما وحديثا عن الفتوى بمضمون هذه الأخبار أظهر ظاهر في طرحها.
وأنت خبير بأن أخبار هذه المواضع الستة التي ذكرناها لا تخلو من تعارض
وتناقض بعضها مع بعض، لأن العمل على بعض منها ربما ينافيه العمل على البعض
الآخر، فالأظهر هو طرح الجميع كما حققناه والرجوع إلى الأخبار المستفيضة
بالرؤية أو شهادة العدلين أو عد ثلاثين يوما من شعبان (5) كما عليه كافة العلماء
الأعيان. و الله العالم.
السابع قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن من لا يعلم الشهر
كالأسير في يد المشركين والمحبوس يتوخى وينظر ما غلب على ظنه فيصومه و يجزئه

(1) الوسائل الباب 10 من أحكام شهر رمضان
(2) الوسائل الباب 10 من أحكام شهر رمضان
(3) الوسائل الباب 10 من أحكام شهر رمضان
(4) الوسائل الباب 10 من أحكام شهر رمضان
(5) الوسائل الباب 3 و 5 و 11 من أحكام شهر رمضان
292

مع استمرار الاشتباه، وإن علم اتفاقه في شهر رمضان أو تأخر ما صامه عن
شهر رمضان أجزأه أيضا وإن ظهر تقدمه لم يجزئه. وهذه الأحكام كلها اجماعية
على ما نقله العلامة في التذكرة والمنتهى.
والأصل في هذه المسألة ما رواه الشيخ بسند فيه توقف والصدوق في الفقيه
بسند صحيح عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " قلت له
رجل أسرته الروم ولم يصم شهر رمضان ولم يدر أي شهر هو؟ قال يصوم شهرا
يتوخاه ويحسب فإن كان الشهر الذي صامه قبل شهر رمضان لم يجزئه وإن كان بعد
شهر رمضان أجزأه ".
وما رواه الشيخ المفيد في المقنعة عن الصادق عليه السلام مرسلا (2) " أنه سئل عن
رجل أسرته الروم فحبس ولم ير أحدا يسأله فاشتبهت عليه أمور الشهور كيف
يصنع في صوم شهر رمضان؟ فقال: يتحرى شهرا فيصومه يعني يصوم ثلاثين يوما ثم
يحفظ ذلك فمتى خرج أو تمكن من السؤال لأحد نظر، فإن كان الذي صامه كان
قبل شهر رمضان لم يجزئ عنه، وإن كان هو هو فقد وفق له، وإن كان بعده أجزأه "
ثم إن باقي أحكام شهر رمضان تعلم من ما تقدم ومن ما يأتي إن شاء الله تعالى
الفصل الثاني
في صوم القضاء
وفيه مسائل: الأولى قد تقدم في المطلب الثالث من المقصد الأول (3) سقوط
التكليف عن الصغير والمجنون والكافر والحائض والنفساء والمريض المتضرر به
والمغمى عليه والمسافر، إلا أن من هؤلاء من يسقط عنه الأداء والقضاء معا ومنهم
من يسقط عنه الأداء خاصة وهو الحائض والنفساء والمريض والمسافر.
فأما ما يدل على سقوط الأمرين عن الصغير والمجنون فحديث رفع القلم عن

(1) الوسائل الباب 7 من أحكام شهر رمضان
(2) الوسائل الباب 7 من أحكام شهر رمضان
(3) ص 165
293

الصبي حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق (1) وهو اتفاقي نصا وفتوى.
وأما ما يدل على سقوطهما عن الكافر فقد تقدم في المطلب المشار إليه نقل
الأخبار الدالة عليه.
وأما ما يدل على سقوط القضاء عن المخالف الذي هو عندنا من الكفار فيدل
عليه الأخبار المستفيضة:
منها صحيحة الفضلاء عنهما (عليهما السلام) (2) " في الرجل يكون في بعض
هذه الأهواء الحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية ثم يتوب ويعرف هذا الأمر
ويحسن رأيه أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج أوليس عليه إعادة
شئ من ذلك؟ قال: ليس عليه إعادة شئ من ذلك غير الزكاة لا بد أن يؤديها
لأنه وضع الزكاة في غير موضعها وإنما موضعها أهل الولاية " وبمضمونه
أخبار عديدة.
والمفهوم من الأخبار أن سقوط القضاء عنه بعد الايمان والاقرار بالولاية
ليس من حيث صحة أعماله كما يفهم من كلام جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم)
لتصريح الأخبار المستفيضة ببطلانها لاشتراط صحتها بالولاية وإنما هو تفضل من
الله عز وجل لدخوله في هذا الدين.
ومن ما يدل على ما قلناه بأوضح دلالة صحيحة محمد بن مسلم (3) وهي طويلة
حيث قال في آخرها: " وكذلك والله يا محمد من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله
ظاهر عادل أصبح ضالا تائها وإن مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق،
واعلم يا محمد أن أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضلوا وأضلوا
فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون من ما كسبوا

(1) الوسائل الباب 4 من مقدمة العبادات وسنن البيهقي ج 8 ص 264
(2) الوسائل الباب 3 من المستحقين للزكاة
(3) أصول الكافي ج 1 ص 183 وفي الوسائل الباب 29 من مقدمة العبادات
294

على شئ ذلك هو الضلال البعيد " (1).
وصحيحة أبي حمزة الثمالي (2) قال: " قال لنا علي بن الحسين (عليهما السلام):
أي البقاع أفضل؟ فقلنا: الله ورسوله وابن رسوله أعلم. فقال لنا: أفضل البقاع
ما بين الركن والمقام ولو أن رجلا عمر ما عمر نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما
يصوم النهار. ويقوم الليل في ذلك المكان ثم لقي الله بغير ولايتنا لم ينتفع
بذلك شيئا ".
وعن الصادق عليه السلام (3) " سواء على الناصب صلى أم زنى ".
وقد نظمه شيخنا الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني (قدس سره) فقال:
خلع النواصب ربقة الايمان * فصلاتهم وزناؤهم سيان
قد جاء ذا في واضح الآثار عن * آل النبي الصفوة الأعيان
وظاهر الأخبار أن ثواب تلك الأعمال الباطلة من صلاة وصيام ونحوهما
يكتب لهم بعد الايمان.
ومن الأخبار في ذلك صحيحة ابن أذينة (4) قال: " كتب إلى أبو عبد الله عليه السلام أن كل عمل عمله الناصب في حال ضلاله أو حال نصبه ثم من الله عليه وعرفه
هذا الأمر فإنه يؤجر عليه ويكتب له إلا الزكاة.. الحديث ".
أما لو ترك تلك العبادة بالكلية أو أتى بها باطلة في مذهبه فالظاهر أنه
لا خلاف بين الأصحاب في وجوب القضاء هنا استنادا إلى عموم ما دل على وجوب
القضاء في تلك العبادة من صلاة أو صيام أو حج، وهو كذلك فإن التارك لها مع
كونه مكلفا بها ومخاطبا باق تحت العهدة حتى يأتي بها، وغاية ما يستفاد من تلك الأخبار الدالة على عدم وجوب القضاء هو عدم وجوب قضاء ما أتوا به صحيحا

(1) اقتباس من قوله تعالى في سورة إبراهيم الآية 22
(2) الوسائل الباب 29 من مقدمة العبادات
(3) روضة الكافي ص 160 واللفظ " لا يبالي الناصب صلى أم زنى "
(4) الوسائل الباب 31 من مقدمة العبادات والباب 3 من المستحقين للزكاة
295

على مذهبهم من حيث بطلانه بترك الولاية لا ما لم يأتوا به بالكلية أو أتوا به
باطلا الذي هو في حكمه، وهؤلاء عندنا مكلفون بالأحكام وإن كانت لا تقبل
منهم إلا بالايمان والولاية، وحينئذ فمتى أتوا بها صحيحة على مذهبهم ولم يبق إلا شرط
قبولها فبعد حصول الشرط يتفضل الله عز وجل عليهم بالقبول بخلاف ما لو لم
يأتوا بها بالكلية وكذا ما في حكمه فإنهم باقون تحت عهدة الخطاب فيجب القضاء البتة
وأما ما يدل على وجوب القضاء على الحائض والنفساء زيادة على الاتفاق
على ذلك فهو ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (1) أنه قال:
" الحائض ليس عليها أن تقضي الصلاة وعليها أن تقضي صوم شهر رمضان ".
وفي الحسن إلى الحسن بن راشد (2) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام الحائض
تقضي الصلاة؟ قال لا. قلت تقضي الصوم قال نعم. قلت من أين جاء هذا؟
قال: إن أول من قاس إبليس ".
وأما ما يدل على القضاء على المريض فالأخبار المستفيضة (3) وستأتي
إن شاء الله تعالى.
وأما المغمى عليه فإنه لا ريب في سقوط الصوم عنه لخروجه بذلك عن
أهلية التكليف وإنما الخلاف في صحة صومه مع سبق النية، وقد تقدم الكلام
فيه في المطلب الثالث من المقصد الأول (4) وإنما يبقى الكلام هنا في وجوب
القضاء عليه بعد الإفاقة فالمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لا قضاء
عليه، وقيل عليه القضاء ما لم ينو قبل الاغماء، وهذا القول منقول عن الشيخين
والمرتضى (رضوان الله عليهم).
والأظهر هو القول الأول للأخبار المستفيضة ومنها صحيحة أيوب بن

(1) الوسائل الباب 41 من أبواب الحيض
(2) الوسائل الباب 41 من أبواب الحيض
(3) الوسائل الباب 25 من أحكام شهر رمضان
(4) ص 167
296

نوح (1) قال: " كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام أسأله عن المغمى عليه يوما أو
أكثر هل يقضي ما فاته أم لا؟ فكتب: لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة ".
وصحيحة علي بن مهزيار (2) قال: " سألته عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل
يقضي ما فاته من الصلاة أم لا؟ فكتب: لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة "
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.
ولم نقف للقول الآخر على دليل إلا ما ذكره في المختلف حيث احتج عليه
بأنه مريض فيلزمه القضاء تمسكا بعموم الآية (3) وأخبار وردت بقضاء الصلاة (4)
وأنه لا قائل بالفرق.
وأنت خبير بما فيه بعد ما عرفت: أما أولا فبالمنع من تسميته مريضا،
سلمنا لكن لا نسلم وجوب القضاء على المريض مطلقا، والسند ما تقدم من الأخبار.
وأما الروايات المتضمنة لقضاء الصلاة فهي مع كونها مختلفة تحتاج أولا إلى
الجمع بينها ليتم الاستدلال بها مختصة بالصلاة، وإلحاق الصوم بها قياس، وعدم
القائل بالفرق لا يدل على عدم الفرق، هذا مع ضعفها عن معارضة ما دل على
العدم من الأخبار الصحيحة الصريحة الكثيرة.
وأما المسافر فسيجئ الكلام فيه في المقصد الثالث إن شاء الله تعالى.
المسألة الثانية الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أن المرتد فطريا كان أو مليا يقضي زمان ردته استنادا إلى عموم الأدلة الدالة على
وجوب قضاء الفوائت من الصيام والصلاة الشاملة للمرتد وغيره. ولا ريب أنه
الأحوط لتطرق المناقشة إلى ما ادعوه من العموم لما صرحوا به في غير موضع من أن الأحكام المودعة في الأخبار إنما تحمل على الأفراد الشائعة الكثيرة التي يتبادر إليها
أن الأحكام المودعة في الأخبار إنما تحمل على الأفراد الشائعة الكثيرة التي يتبادر إليها
الاطلاق دون الفروض النادرة ولا إشكال في كون هذا المفروض من الأفراد النادرة.

(1) الوسائل الباب 24 ممن يصح منه الصوم.
(2) الوسائل الباب 24 ممن يصح منه الصوم.
(3) وهو قوله تعالى في سورة البقرة الآية 182: ومن كان مريضا أو على سفر فعدة
من أيام أخر.
(4) الوسائل الباب 3 من قضاء الصلوات
297

ثم إنه ربما أشكل القول بذلك في المرتد عن فطرة بناء على عدم قبول توبته
لوجوب قتله وقسمة أمواله وبينونة زوجته، والحق هو التفصيل في ذلك والقول
بوجوب قبولها باطنا وعدم قبولها ظاهرا، وأنه يجمع بين الأخبار الدالة على
وجوب التكاليف الشرعية عليه من صلاة وصيام وحج ونحوها وبين ما دل على
وجوب قتله وقسمة أمواله وبينونة زوجته (1).
نعم اختلف الأصحاب هنا في ما لو عقد الصوم مسلما ثم ارتد ثم عاد بقية
يومه، فذهب المحقق في المعتبر وقبله الشيخ وابن إدريس وجماعة إلى أنه لا يفسد
وقطع العلامة في جملة من كتبه والشهيد في الدروس بالفساد، لأن الاسلام شرط
وقد فات فيفوت مشروطه، ويلزم من فساد الجزء فساد الكل لأن الصوم عبادة
واحدة فلا يقبل التجزؤ. وقال في المدارك أنه لا يخلو من قوة. والمسألة عندي
محل توقف لعدم الوقوف على نص فيها.
المسألة الثالثة اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في من نسي غسل
الجنابة في شهر رمضان حتى مر عليه الشهر كله أو أيام منه فهل يجب عليه قضاء صوم
ما مضى من ذلك أم لا؟ ما اتفاقهم على وجوب قضاة الصلاة لمكان الحدث:
فالمشهور الوجوب لما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (2) قال: " سئل
أبو عبد الله عليه السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج
شهر رمضان؟ قال عليه أن يقضي الصلاة والصيام ".
وما رواه الصدوق في الصحيح إلى إبراهيم بن ميمون (3) قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان ثم ينسى أن يغتسل حتى

(1) الوسائل الباب 1 من حد المرتد
(2) الوسائل الباب 39 من الجنابة والباب 30 ممن يصح منه الصوم
(3) الوسائل الباب 17 من ما يمسك عنه الصائم و 30 ممن يصح منه الصوم. واللفظ
هكذا: ".. أو يخرج شهر رمضان؟ قال عليه قضاء الصلاة والصوم ".
298

يمضي لذلك جمعة أو يخرج الشهر ما عليه؟ قال يقضي الصلاة والصيام ".
قال ابن بابويه (قدس سره) بعد نقل الخبر: وفي خبر آخر (1) أن من جامع
في أول شهر رمضان ثم نسي الغسل حتى خرج شهر رمضان أن عليه أن يغتسل
ويقضي صلاته وصومه إلا أن يكون قد اغتسل للجمعة فإنه يقضي صلاته وصيامه
إلى ذلك اليوم ولا يقضي ما بعد ذلك.
وقال ابن إدريس لا يجب قضاء الصوم، لأن الأصل براءة الذمة، ولأن الصوم
ليس من شرطه الطهارة في الرجال إلا إذا تركها الانسان متعمدا من غير اضطرار
وهذا لم يتعمد تركها. انتهى.
وهو جيد على أصوله الغير الأصلية وقواعده الضعيفة العليلة. ووافقه المحقق
في الشرائع والنافع ونازعه في المعتبر.
وربما ظهر من كلام الصدوق في الفقيه قول ثالث في المسألة ولا بأس به إلا
أن فيه نوع اشكال من حيث عدم نية الغسل المنسي، والقول بتداخل الأغسال
كما هو الأظهر عندي إنما هو عبارة عن الاكتفاء بغسل واحد مع نية جملة من
الأغسال لا مع عدم النية والقصد بالكلية، وتحقيق الكلام في ذلك قد أودعناه
في شرحنا على المدارك، وقد تقدم في بحث نية الوضوء في كتاب الطهارة ما فيه
مزيد تحقيق للمسألة أيضا.
وكيف كان فالعمل على القول المشهور. والله العالم.
المسألة الرابعة من فاته شهر رمضان أو بعضه لمرض أو دم فإن مات قبل
البرء والطهر لم يقض عنه اجماعا نصا وفتوى.
ومن الأخبار الدالة على ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن
أحدهما (عليهما السلام) (2) قال: " سألته عن رجل أدركه شهر رمضان وهو مريض

(1) الوسائل الباب 30 ممن يصح منه الصوم
(2) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان
299

فتوفي قبل أن يبرأ؟ قال: ليس عليه شئ ولكن يقضي عن الذي يبرأ ثم يموت
قبل أن يقضي ".
وما رواه أيضا في التهذيب عن منصور بن حازم (1) قال: " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن المريض في شهر رمضان فلا يصح حتى يموت؟ قال: لا يقضي عنه
والحائض تموت في شهر رمضان؟ فقال: لا يقضي عنها ".
وما رواه في الموثق عن سماعة بن مهران (2) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل دخل عليه شهر رمضان وهو مريض لا يقدر على الصيام فمات في شهر
رمضان أو في شهر شوال؟ قال: لا صيام عليه ولا قضاء عنه. قلت: فامرأة نفساء
دخل عليها شهر رمضان ولم تقدر على الصوم فماتت في شهر رمضان أو في شوال؟
فقال: لا يقضي عنها ".
وما رواه الصدوق في الصحيح عن أبي مريم الأنصاري عن أبي عبد الله
عليه السلام (3) قال: " إذا صام الرجل شيئا من شهر رمضان ثم لم يزل مريضا حتى مات
فليس عليه شئ، وإن صح ثم مرض ثم مات وكان له مال تصدق عنه مكان كل يوم
بمد، وإن لم يكن له مال صام عنه وليه ".
وما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام (4)
قال: " سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل
خروج شهر رمضان هل يقضي عنها. قال: أما الطمث والمرض فلا وأما السفر
فنعم " إلى غير ذلك من الأخبار.
وقد ذكر جمع من الأصحاب أنه يستحب القضاء عنه وأسنده المنتهى إلى
الأصحاب مؤذنا بدعوى الاتفاق عليه.
واستدل عليه بأنه طاعة فعلت عن الميت فوصل إليه ثوابها.
وأورد عليه أنه ليس الكلام في جواز التطوع بالصوم واهداء ثوابه إلى

(1) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان
(2) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان
(3) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان
(4) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان
300

الميت بل في قضاء الفائت عنه، والحكم بشرعيته يتوقف على الدليل لأن الوظائف
الشرعية إنما تستفاد من النقل ولم يرد النقل بذلك، بل مقتضى الأخبار المتقدمة عدم
مشروعية القضاء.
ويدل على ذلك بأوضح دلالة ما رواه الكليني في الصحيح أو الموثق عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان
وماتت في شوال فأوصتني أن أقضي عنها؟ قال هل برئت تمن مرضها؟ قلت لا
ماتت فيه. قال لا يقضي عنها فإن الله لم يجعله عليها. قلت فإني أشتهي أن أقضي
عنها وقد أوصتني بذلك؟ قال كيف تقضي عنها شيئا لم يجعله الله عليها؟ فإن اشتهيت
أن تصوم لنفسك فصم ".
هذا بالنسبة إلى الفوات بغير السفر وأما ما يفوت بالسفر فالظاهر وجوب
القضاء بمجرد الفوات وإن لم يتمكن من القضاء، وسيأتي تحقيق المسألة قريبا.
المسألة الخامسة لو استمر مرضه من أول رمضان إلى رمضان آخر فالمشهور
بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) سقوط قضاء الأول وأنه يكفر عن كل يوم
منه بمد، وحكى الفاضلان في المعتبر والمنتهى عن أبي جعفر بن بابويه ايجاب
القضاء دون الصدقة، وحكاه في المختلف أيضا عن ابن أبي عقيل وأبي الصلاح
وابن إدريس، وقواه في المنتهى والتحرير، وحكى عن ابن الجنيد أنه احتاط بالجمع
بين القضاء والصدقة وقال إنه مروي، حكاه عنه في الدروس.
والمعتمد هو القول الأول لما رواه ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (2) " في الرجل يمرض فيدركه شهر رمضان ويخرج عنه وهو
مريض فلا يصح حتى يدركه شهر رمضان آخر؟ قال: يتصدق عن الأول ويصوم
الثاني، فإن كان صح في ما بينهما ولم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعا

(1) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان
(2) الوسائل الباب 25 من أحكام شهر رمضان
301

وتصدق عن الأول " ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن
زرارة مثله (1).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (2)
قال: " من أفطر شيئا من رمضان في عذر ثم أدرك رمضانا آخر وهو مريض
فليتصدق بمد لكل يوم، فأما أنا فإني صمت وتصدقت ".
وما رواه الكليني في الحسن بإبراهيم على المشهور الذي هو عندي من
الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما الاسلام) (3) قال:
" سألتهما عن رجل مرض فلم يصم حتى أدركه رمضان آخر؟ فقالا: إن كان برئ ثم
توانى قبل أن يدركه الرمضان الآخر صام الذي أدركه وتصدق عن كل يوم بمد من
طعام على مسكين وعليه قضاؤه، وإن كان لم يزل مريضا حتى أدركه رمضان آخر
صام الذي أدركه وتصدق عن الأول لكل يوم مدا على مسكين وليس عليه قضاؤه ".
وما رواه الحميري في كتاب قرب الإسناد بسنده عن علي بن جعفر عن أخيه
موسى عليه السلام (4) قال: " سألته عن رجل تتابع عليه رمضانان لم يصح فيهما ثم صح
بعد ذلك كيف يصنع؟ قال: يصوم الأخير ويتصدق عن الأول بصدقة لكل يوم
مد من طعام لكل مسكين ".
وما رواه عنه عن أخيه عليه السلام (5) قال: " سألته عن رجل مرض في شهر
رمضان فلم يزل مريضا حتى أدركه شهر رمضان آخر فبرئ فيه كيف يصنع؟ قال:
يصوم الذي يبرأ فيه ويتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام ".
وما رواه العياشي في تفسيره (6) عن سماعة عن أبي بصير قال: " سألته عن
رجل مرض من رمضان إلى رمضان قابل ولم يصح بينهما ولم يطق الصوم؟ قال:
يتصدق مكان كل يوم أفطر على مسكين بمد من طعام وإن لم يكن حنطة فمد من تمر

(1) الوسائل الباب 25 من أحكام شهر رمضان
(2) الوسائل الباب 25 من أحكام شهر رمضان
(3) الوسائل الباب 25 من أحكام شهر رمضان
(4) الوسائل الباب 25 من أحكام شهر رمضان
(5) الوسائل الباب 25 من أحكام شهر رمضان
(6) ج 1 ص 79 وفي الوسائل الباب 25 من أحكام شهر رمضان. ولم يذكر في السند إلا أبا بصير
302

وهو قول الله تعالى: فدية طعام مسكين (1) فإن استطاع أن يصوم الرمضان
الذي استقبل وإلا فليتربص إلى رمضان قابل فيقضيه، فإن لم يصح حتى رمضان
قابل فليتصدق كما تصدق مكان كل يوم أفطر مدا مدا، فإن صح في ما بين
الرمضانين فتوانى أن يقضيه حتى جاء الرمضان الآخر فإن عليه الصوم والصدقة
جميعا يقضي الصوم ويتصدق من أجل أنه ضيع ذلك الصيام ".
وقال في كتاب الفقه الرضوي (2): " وإذا مرض الرجل وفاته صوم شهر
رمضان كله ولم يصمه إلى أن يدخل عليه شهر رمضان من قابل فعليه أن يصوم هذا
الذي قد دخل عليه ويتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام، وليس عليه
القضاء إلا أن يكون قد صح في ما بين الرمضانين فإذا كان كذلك ولم يصم فعليه أن
يتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام ويصوم الثاني فإذا صام الثاني قضى الأول
بعده، فإن فاته شهر رمضان حتى دخل الشهر الثالث وهو مريض فعليه أن يصوم
الذي دخله ويتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام ويقضي الثاني ".
ورواية أبي الصباح الآتية في ثاني هذه المسألة ورواية أبي بصير الآتية أيضا
احتج العلامة في المنتهى على ما ذهب إليه من وجوب القضاء بعموم الآية
الدالة على وجوب قضاء أيام المرض (3) وأن الأحاديث المستدل بها على سقوط
القضاء المروية من طريق الآحاد لا تعارض الآية.
ورد بأنه مخالف لما قرره في الأصول من أن عموم الكتاب يخص
بخبر الواحد.
أقول: وبذلك صرح في المختلف حيث إنه اختار القول المشهور واحتج
للقول المخالف بعموم قوله تعالى: ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر. (4)

(1) سورة البقرة الآية 181.
(2) ص 25
(3) سورة البقرة الآية 182
(4) سورة البقرة الآية 182
303

ثم قال: والجواب العموم قد يخص بأخبار الآحاد خصوصا إذا استفاضت
واشتهرت واعتضدت بعمل أكثر الأصحاب.
واحتجوا أيضا بأن العبادة لا تسقط بفوات وقتها كالقرض والدين.
وبما رواه سماعة (1) قال: " سألته عن رجل أدركه رمضان وعليه رمضان
قبل ذلك ولم يصمه؟ فقال: يتصدق بدل كل يوم من الرمضان الذي كان عليه بمد من
طعام وليصم هذا الذي أدرك فإذا أفطر فليصم رمضان الذي كان عليه، فإني كنت
مريضا فمر على ثلاث رمضانات لم أصح فيهن ثم أدركت رمضانا فتصدقت بدل كل
يوم من ما مضى بمدين من طعام ثم عافاني الله فصمتهن ".
وأجيب عن الأول بأن وقت الأداء قد فات على ما بيناه والقضاء في العبادة
إنما يجب بأمر جديد على ما حقق في أصول الفقه بخلاف الدين فإنه لا وقت له.
وعن الرواية أولا بأنه لم يذكر فيها استمرار المرض في ما بين الرمضانين.
وثانيا بالحمل على الاستحباب ويؤيده صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة (2).
أقول: ولعل هذه الرواية هي التي أشار إليها ابن الجنيد في ما تقدم من النقل
عنه بأن الجمع بين القضاء والكفارة مروي.
وكيف كان فالقول المعتمد هو الأول لما عرفت من الأخبار وما يأتي.
أقول: ومن الأخبار الصريحة في الدلالة على القول المشهور ورد هذا
القول ما رواه الصدوق (قدس سره) في كتاب العلل وعيون الأخبار بسنده عن
الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام (3) قال: " إذا مرض الرجل أو سافر في شهر
رمضان فلم يخرج من سفره أو لم يفق من مرضه حتى يدخل عليه شهر رمضان آخر
وجب عليه الفداء للأول وسقط القضاء، وإذا أفاق بينهما أو أقام ولم يقضه وجب
عليه القضاء والفداء، لأن ذلك الصوم إنما وجب عليه في تلك السنة في هذا الشهر،

(1) الوسائل الباب 25 من أحكام شهر رمضان
(2) ص 302
(3) الوسائل الباب 25 من أحكام شهر رمضان
304

فأما الذي لم يفق فإنه لما مر عليه السنة كلها وقد غلب الله عليه ولم يجعل له السبيل
إلى أدائها سقطه عنه، وكذلك كل ما غلب الله عليه مثل المغمى عليه الذي يغمى عليه في يوم
وليلة، فلا يجب عليه قضاء الصلاة، كما قال الصادق عليه السلام " كل ما غلب الله على العبد فهو
أعذر له " لأنه دخل الشهر وهو مريض فلم يجب عليه الصوم في شهره ولا في سنته
للمرض الذي كان فيه، ووجب عليه الفداء لأنه بمنزلة من وجب عليه الصوم فلم
يستطع أداءه فوجب عليه الفداء، كما قال الله تعالى: فصيام شهرين متتابعين.. فمن
لم يستطع فإطعام ستين مسكينا (1) وكما قال: ففدية من صيام أو صدقة أو نسك (2)
فأقام الصدقة مقام الصيام إذا عسر عليه (فإن قال) فإن لم يستطع إذا ذاك فهو الآن
يستطيع (قيل) لأنه لما دخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للماضي،
لأنه كان بمنزلة من وجب عليه صوم في كفارة فلم يستطعه فوجب عليه الفداء وإذا
وجب عليه الفداء سقط الصوم والصوم ساقط والفداء لازم، فإن أفاق في ما بينهما ولم
يصمه وجب عليه الفداء لتضييعه الصوم لاستطاعته ".
ويلحق بهذه المسألة فوائد: الأولى المستفاد من الأخبار الدالة على سقوط
القضاء مع استمرار المرض إلى رمضان آخر مع الأخبار الأخر أن وقت القضاء الموظف
له شرعا هو ما بين الرمضانين، فإن صح في ما بينهما وأمكنه القضاء وجب عليه في هذه
المدة، ولو أخل به والحال هذه لزمه مع القضاء الكفارة، أما القضاء فبالدليل
الدال على وجوب القضاء هنا، وأما الكفارة فعقوبة لا خلاله بالواجب الذي
هو الاتيان به في تلك المدة. ولو لم يصح في ما بينهما فلا قضاء عليه بعد ذلك لأن
الوقت المعين للقضاء قد فات بالعذر الموجب لعدم توجه الخطاب الشرعي إليه فيه
والقضاء بعده والحال هذه يحتاج إلى دليل وليس فليس.
وبالجملة فالحكم في القضاء كالحكم في أصل الأداء، فإن أصل الأداء هنا وفي

(1) سورة المجادلة الآية 6
(2) سورة البقرة الآية 193
305

غيره لما كان فواته لا يستلزم القضاء إلا بدليل جديد كما هو أظهر القولين في المسألة
فكذلك قضاؤه المعين في هذا الوقت، فإن مجرد فوات ذلك الوقت لا يستلزم القضاء
مرة أخرى إلا بأمر جديد، وقد قام الدليل في صورة الترك عمدا مع التمكن
فوجب ووجبت الكفارة معه عقوبة، وأما في صورة استمرار العذر فلم يقم دليل
على ذلك فوجب الحكم بعدمه.
وبما ذكرنا صرح جملة من أصحابنا (رضوان الله عليهم): منهم العلامة في
المختلف حيث قال في الاستدلال على ما اختاره من القول المشهور: لنا إن العذر
قد استوعب وقت الأداء والقضاء فوجب أن يسقط عنه القضاء، أما استيعاب وقت
الأداء فظاهر، وأما استيعاب وقت القضاء فلأن وقته ما بين الرمضانين إذ لا يجوز
التأخير عنه.. إلى آخر كلامه زيد في مقامه.
وقال الشهيد في الدروس: لا يجوز تأخير قضاء رمضان عن عام الفوات
اختيارا وتجب المبادرة.
أقول: وعلى هذا فلو تمكن من القضاء وأخل به ثم عرض له سفر
لا يتمكن معه من القضاء في ذلك الوقت المعين، فإن كان سفرا مباحا أو مستحبا
فلا إشكال في وجب تقديم قضاء الصيام عليه وعدم مشروعية السفر والحال هذه،
وإن كان واجبا كالحج الواجب ونحوه فاشكال ينشأ من تعارض الواجبين ولا سيما
حجة الاسلام، وترجيح على الآخر يحتاج إلى دليل وإن كان مقتضى قواعد
الأصحاب تقديم ما سبق سبب وجوبه كما صرحوا به في جملة من المواضع.
الثانية إعلم أن العلامة في التحرير قال بعد أن قوى ما ذهب إليه ابن بابويه
من وجوب القضاء دون التكفير: ونقل عن الشيخين القول بوجوب التكفير
دون القضاء، وعلى قول الشيخين لو صام ولم يكفر فالوجه الاجزاء. وهو يؤذن
بكون مذهب الشيخين هو التخيير بين القضاء والتكفير والأمر ليس كذلك لأن
306

صريح كلامهما والأدلة التي تقدمت من ما استدلوا به إنما هو تعين التكفير
دون القضاء.
الثالثة الأشهر الأظهر أن الصدقة المذكورة عن كل يوم بمد، لما تقدم في
صحيحة عبد الله بن سنان وصحيحة محمد بن مسلم ونحوهما من الأخبار المتقدمة (1).
وقال الشيخ في النهاية: يتصدق عن كل يوم بمدين من طعام فإن لم يمكنه
فبمد، وبه قال ابن البراج وابن حمزة على ما نقله في المختلف.
ولم نقف له على مستند يعتمد عليه، ويمكن أن يكون مستنده رواية
سماعة (2) وقوله عليه السلام: " فتصدقت بدل كل يوم من ما مضى بمدين من طعام..
الحديث ".
والظاهر أن تصدقه وقع على سبيل الأفضل كما أن قضاءه كذلك حيث إنك
قد عرفت من الأخبار المتقدمة أنه لا قضاء مع استمرار المرض، ويؤيده أن صدر
الرواية إنما اشتمل على الأمر بالمد خاصة.
الرابعة هل يتعدى هذا الحكم أعني سقوط القضاء ولزوم الكفارة على
المشهور أو وجوب القضاء على القول الآخر إلى من فاته الصوم بغير المرض ثم
حصل له المرض المستمر أم لا؟
قيل نعم وهو ظاهر اختيار الشيخ في الخلاف، ويمكن أن يكون مستنده
صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة (3) لقوله عليه السلام فيها: " من أفطر شيئا من رمضان
في عذر ثم أدركه رمضان آخر وهو مريض فليتصدق.. الحديث " فإن العذر
يتناول المرض وغيره.
وقيل لا وبه قطع العلامة في المختلف تمسكا بعموم ما دل على وجوب القضاء
السالم من معارضة النصوص المسقطة لاختصاصها بالمرض.
وأجاب عن صحيحة ابن سنان بأنها لا تنهض حجة في معارضة عموم الأدلة

(1) ص 302
(2) ص 304
(3) ص 302 واللفظ " ثم أدرك رمضانا آخر "
307

على وجوب القضاء، لأن قوله عليه السلام: " من أفطر شيئا من رمضان في عذر " وإن
كان مطلقا إلا أن قوله عليه السلام: " ثم أدركه رمضان آخر (1) وهو مريض " يشعر بأن
هذا هو العذر.
قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه: وما ذكره (قدس سره) لا يخلو من
وجه وإن كان القول بالتسوية أوجه. انتهى.
أقول: لا يخفى أن رواية الفضل بن شاذان المنقولة من كتابي العلل وعيون
الأخبار عن الرضا عليه السلام (2) صريحة في السفر وأن حكمه حكم المرض فلا مجال
للتوقف في ذلك. وبه يظهر قوة ما ذهب إليه الشيخ في الخلاف.
الخامسة قال في المدارك: لو كان الفوات بالمرض والمانع من القضاء غيره
كالسفر الضروري فهل يتعدى إليه هذا الحكم أم لا؟ الأصح العدم لاختصاص
النقل بما إذا كان المانع من القضاء استمرار المرض. وأولى بوجوب القضاء ما لو
كان الفوات بغير المرض. انتهى.
أقول: قد عرفت أن رواية العلل والعيون ظاهرة بل صريحة في أن
السفر كالمرض في وجوب الكفارة خاصة مع استمرار السفر ووجوب القضاء
والكفارة مع الإقامة وترك القضاء. ولكن العذر له واضح حيث لم يقف على
الرواية المذكورة.
السادسة قد صرح في المنتهى بأنه يستحب لمن استمر به المرض القضاء عند
من قال بسقوطه لأنه طاعة فات وقتها فندب إلى قضائها. ثم أورد صحيحة عبد الله
ابن سنان المتقدمة (3) ورواية سماعة المتقدمة أيضا (4) وهو كذلك.
السابعة قد صرح الشيخ وغيره بأن حكم ما زاد على الرمضانين حكم الرمضانين
في ما تقدم، ونقل في الدروس عن ظاهر ابن بابويه أن الرمضان الثاني يقضي
بعد الثالث وإن استمر المرض.

(1) واللفظ كما تقدم " ثم أدرك رمضانا آخر "
(2) ص 304
(3) ص 302
(4) ص 304
308

أقول: قال العلامة في المختلف بعد أن نقل عن الشيخ وابن الجنيد أن حكم
ما زاد رمضانين حكم الرمضانين: وقال ابن بابويه في رسالته إذا مرض الرجل
وفاته صوم شهر رمضان كله ولم يصمه إلى أن يدخل عليه شهر رمضان قابل فعليه
أن يصوم هذا الذي قد دخل ويتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام، وليس
عليه القضاء إلا أن يكون صح في ما بين الرمضانين، فإن كان كذلك ولم يصم فعليه
أن يتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام ويصوم الثاني فإذا صام الثاني قضى
الأول بعده، فإن فاته شهرا رمضان حتى يدخل الثالث من مرضه فعليه أن يصوم
الذي دخل ويتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام ويقضي الثاني.
أقول: لا يخفى أن هذه العبارة عين عبارة كتاب الفقه الرضوي التي قدمناها
ثم قال العلامة في المختلف: وهذا الكلام كما يحتمل استمرار المرض فيه من
الرمضان الأول إلى الثالث يحتمل برؤه في ما بين الثاني والثالث، فحينئذ إن حمل على الثاني
فلا مخالف فيه كما ذهب إليه شيخنا أبو جعفر وشيخنا أبو علي بن الجنيد، وإن
حمل على الأول صارت المسألة خلافية، وابن إدريس حمله على الأول ثم جعله
دليلا على أن الواجب القضاء دون التصدق، وليس فيه دلالة على مطلوبه ولو كان
لتوجه المنع إلى هذا الكلام كما يتوجه إلى كلامه. انتهى.
أقول: والصدوق في الفقيه بعد أن نقل صحيحة زرارة المتقدمة قال: ومن
فاته شهر رمضان حتى يدخل الثالث من مرضه.. إلى آخر ما تقدم في عبارة أبيه
المأخوذة من الكتاب المذكور.
ويدل على الأول الرواية التي قدمنا نقلها عن تفسير العياشي (1).
الثامنة ذكر الشهيد في الدروس ومن تأخر عنه أن مستحق هذه الصدقة
مستحق الزكاة لحاجته، وأنت خبير بأن جملة من الروايات المتقدمة (2) قد عينت
اختصاصها بالمساكين، وقد عرفت في كتاب الزكاة أن المسكين أسوء حالا من

(1) ص 302
(2) ص 302
309

الفقير كما دلت عليه الأخبار المذكورة ثمة (1) وحينئذ فمغايرته للفقير ظاهرة.
والأصحاب قد نقلوا الاجماع على جواز اعطاء كل منهما حيثما يذكر أحدهما مع قولهم
بالمغايرة بينهما، والظاهر أن اجماعهم سلفا وخلفا على هذا الحكم يكون قرية على
التجوز في حمل أحدهما على الآخر حيثما يذكر.
المسألة السادسة المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لو برئ
بين الرمضانين وترك القضاء إلى الرمضان الثاني فإن كان تركه عن تهاون قضى الأول
وكفر وإن لم يكن عن تهاون قضى بغير كفارة.
وقد وقع الخلاف هنا في موضعين: أحدهما ما نقل عن ابن إدريس من أنه أوجب القضاء دون الكفارة مطلقا.
ويدل على المشهور ما تقدم في سابق هذه المسألة (2) من صحيحة زرارة
وصحيحة محمد بن مسلم ورواية أبي بصير المنقولة من تفسير العياشي ورواية الفضل
ابن شاذان المنقولة عن كتابي العلل والعيون ورواية كتاب الفقه الرضوي.
ورواية أبي صباح الكناني (3) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
كان عليه من شهر رمضان طائفة ثم أدركه شهر رمضان قابل؟ فقال: إن كان صح
في ما بين ذلك ثم لم يقضه حتى أدركه رمضان قابل فإن عليه أن يصوم وأن يطعم عن
كل يوم مسكينا، وإن كان مريضا في ما بين ذلك حتى أدركه شهر رمضان قابل
فليس عليه إلا الصيام إن صح فإن تتابع المرض عليه فلم يصح فعليه أن يطعم لكل
يوم مدا " (4) ورواية أبي بصير الآتية في المقام (5).
احتج ابن إدريس بأصالة البراءة وبأن أحدا من علمائنا لم يذكر هذه المسألة

(1) ج 12 ص 155
(2) ص 301 إلى 303
(3) الوسائل الباب 25 من أحكام شهر رمضان، واللفظ موافق للتهذيب ج 4 ص 251
(4) في التهذيب ج 4 ص 251 " فإن تتابع المرض عليه فعليه أن يطعم كل يوم مسكينا "
(5) ص 314
310

سوى الشيخين أو من قلد كتبهما أو تعلق بأخبار الآحاد التي ليست بحجة عند أهل
البيت (عليهم السلام).
وبما رواه سعد بن سعد عن رجل عن أبي الحسن عليه السلام (1) قال: " سألته
عن رجل يكون مريضا في شهر رمضان ثم يصح بعد ذلك فيؤخر القضاء سنة أو
أقل من ذلك أو أكثر ما عليه في ذلك؟ قال: أحب له تعجيل الصيام فإن كان
أخره فليس عليه شئ. "
وأجاب عنه العلامة في المختلف بأن البراءة إنما يصار إليها مع عدم دليل
الثبوت وشغل الذمة وقد بينا الأدلة، وعدم ذكر أحد من أصحابنا غير الشيخين
لهذه المسألة ليست حجة على العدم، مع أن الشيخين هما القيمان بالمذهب فكيف
يدعى ذلك؟ وابنا بابويه (قدس سرهما) قد سبقا الشيخين بذكر وجوب الصدقة
مطلقا ولم يفصلا إلى التواني وغيره وكذا ابن أبي عقيل وهو أسبق من الشيخين،
وهؤلاء عمدة المذهب. وأجاب عن الحديث باستضعاف السند والحمل على التأخير
مع العزم. انتهى. وهو جيد.
وبالغ المحقق أيضا في الرد عليه فقال: ولا عبرة بخلاف بعض المتأخرين
في عدم ايجاب الكفارة هنا فإنه ارتكب ما لم يذهب إليه أحد من فقهاء الإمامية
في ما علمت. ثم نقل رواية زرارة ورواية محمد بن مسلم ورواية أبي صباح الكناني
وقال: إن هؤلاء فضلاء السلف من الإمامية وليس لروايتهم معارض إلا ما يحتمل
رده إلى ما ذكرناه فالراد لذلك متكلف ما لا ضرورة إليه. انتهى.
وثانيهما ما نقله في المختلف عن ابني بابويه من أنهما لم يفصلا هذا التفصيل
بل قالا متى صح في ما بينهما ولم يقض وجب القضاء والصدقة، قال: وهو اختيار
ابن أبي عقيل.
ونقله في المدارك عن المحقق في المعتبر والشهيدين، قال (قدس سره) بعد

(1) الوسائل الباب 25 من أحكام شهر رمضان
311

قول المصنف: وإن برئ بينهما وآخره عازما على القضاء قضاه ولا كفارة عليه،
وإن تركه تهاونا قضى وكفر عن كل يوم من السالف بمد من طعام ما صورته:
يلوح من هذه العبارة أن المراد بالمتهاون غير العازم على القضاء فيكون غير المتهاون
العازم على القضاء وإن أخره لغير عذر، والعرف يأباه والأخبار لا تساعد عليه
والأصح ما أطلقه الصدوقان واختاره المصنف في المعتبر والشهيدان من وجوب
القضاء والفدية على من برئ مرضه وأخر القضاء توانيا من غير عذر حتى دخل
رمضان الثاني سواء عزم على القضاء أم لا، لقوله عليه السلام في صحيحة زرارة المتقدمة (1)
" فإن كان ضح في ما بينهما ولم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعا
وتصدق عن الأول " وفي رواية أبي الصباح الكناني (2) " إن كان صح في ما بين
ذلك ثم لم يقضه حتى أدركه رمضان قابل فإن عليه أن يصوم وأن يطعم لكل يوم
مسكينا " وفي حسنة محمد بن مسلم (3) " إن كان برئ ثم توانى قبل أن يدركه الرمضان
الآخر صام الذي وبهذه الرواية استدل العلامة في المختلف على القول بالفرق بين
العازم على القضاء وغيره، وهي لا تدل على ذلك بوجه بل مقتضى جعل دوام
المرض فيها قسيما للتواني أن المراد بالمتواني التارك للقضاء مع القدرة عليه كما دل
عليه اطلاق صحيحة زرارة المتقدمة (4) وغيرها. انتهى.
وقال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بعد ذكر العبارة المتقدمة: هذا
التفصيل هو المشهور خصوصا بين المتأخرين، وفسروا التهاون بعدم العزم على
القضاء سواء عزم على الترك أم لم يعزم على واحد من الأمرين، وغير المتهاون
هو الذي عزم على القضاء في حال السعة وآخر اعتمادا عليها فلما ضاق الوقت عرض
له المانع كالحيض والمرض والسفر الضروري. وفي استفادة هذا التفصيل من

(1) ص 301
(2) ص 310
(3) الوسائل الباب 25 من أحكام شهر رمضان
(4) ص 301
312

النصوص نظر، والذي ذهب إليه الصدوقان وقواه في الدروس ودلت عليه الأخبار
الصحيحة كخبر زرارة ومحمد بن مسلم وغيرهما وجوب القضاء مع الفدية على من قدر
على القضاء فلم يقض حتى دخل رمضان الثاني سواء عزم على القضاء أم لا، وهذا
هو الأقوى. انتهى.
أقول: وقد علم بذلك أن القائلين بعدم التفصيل وفاقا للصدوقين الشهيدان
والسيد السند في المدارك ومثله الفاضل الخراساني في الذخيرة وهو ظاهر المعتبر.
ثم أقول: لا ريب أن ما نقلوه عن الصدوقين هو ظاهر العبارة التي قدمنا نقلها
عنهما المأخوذة من كتاب الفقه.
وأما ما ذكروه من أن ظاهر صحيحة زرارة المذكورة ذلك فهو من ما لا ريب
فيه أيضا، وكذلك غيرها من ما قدمنا ذكره في سابق هذه المسألة.
إلا أنه لا يخفى أنه قد روى الشيخ في التهذيب عن أبي الصباح الكناني (1)
قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل كان عليه من شهر رمضان طائفة ثم أدركه
شهر رمضان قابل؟ فقال: إن كان صح في ما بين ذلك ثم لم يقضه حتى أدركه رمضان
قابل فإن عليه أن يصوم وأن يطعم عن كل مسكينا، وإن كان مريضا في ما بين
ذلك حتى أدركه شهر رمضان قابل ليس عليه إلا الصيام إن صح، فإن تتابع المرض
عليه فلم يصح فعليه أن يطعم لكل يوم مدا ".
قال المتحدث الكاشاني في الوافي: قوله " فإن كان مريضا في ما بين ذلك " لعل
المراد به حدوث مرضه بعد ما مضى ما يمكنه القضاء فيه من الوقت مع عزمه عليه
أي كان مريضا في ما بين عزمه على القضاء وبين شهر رمضان فليس عليه إلا الصيام
يعني دون التصدق، وذلك لاستقرار القضاء في ذمته وعدم تقصيره في فواته لسعة
الوقت، فقوله " إن صح " إشارة إلى ما قلناه من تمكنه من القضاء في ما مضى.

(1) الوسائل الباب 25 من أحكام شهر رمضان. واللفظ موافق للتهذيب ج 1 ص
251 وفي آخره هكذا " فإن تتابع المرض عليه فعليه أن يطعم كل يوم مسكينا ".
313

وقوله " فإن تتابع المرض عليه " في مقابلة ذلك يعني وإن لم يتمكن أولا من القضاء.
والحاصل أن ههنا ثلاثة احتمالات ولكل حكم غير حكم الآخر: أحدهما عدم
تمكنه من الصيام أصلا حتى أدركه الشهر من قابل، وحكمه التصدق خاصة دون
القضاء. والثاني تمكنه منه وتهاونه به إلى أن يفوت، وحكمه القضاء والتصدق
معا. والثالث تمكنه منه وعزمه عليه مع سعة الوقت من غير تهاون حتى أدركه
مرض آخر حال بينه وبين القضاء حتى أدركه الشهر من قابل. وحكمه القضاء خاصة
دون التصدق. وهذا الخبر مشتمل على الأحكام الثلاثة جميعا وكذا الذي يتلوه
بخلاف سائر أخبار هذا الباب حيث اقتصر فيها على بعض دون بعض. انتهى.
وبذلك يظهر لك ما في استدلال صاحب المدارك بخبر أبي الصباح الكناني المذكور
حيث أورد بعضه وسكت عن باقيه الذي هو موضع الاشكال منه.
وأشار في الوافي بالخبر الذي يتلوه إلى ما رواه الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام (1) قال: " إذا مرض الرجل من رمضان إلى رمضان ثم صبح فإنما عليه لكل
يوم أفطر فدية طعام وهو مد لكل مسكين قال: وكذلك أيضا في كفارة اليمين وكفارة
الظهار مدا مدا. وإن صح في ما بين الرمضانين فإنما عليه أن يقضي الصيام، فإن
تهاون به وقد صح فعليه الصدقة والصيام جميعا لكل يوم مد إذا فرغ من
ذلك الرمضان ".
أقول: ما ذكره (قدس سره) في رواية أبي الصباح الكناني لا يخلو من قرب
وأما رواية أبي بصير التي أشار إليها فظني أنها قاصرة عن ما ادعاه، فإن موضع
الدلالة على ما ذكره منها قوله " وإن صح في ما بين الرمضانين فإنما عليه أن يقضي
الصيام " بحمل القضاء على كونه بعد الرمضان الثاني، ومن المحتمل قريبا - بل الظاهر
أنه الأقرب أن المراد إنما هو قضاؤه في وقت الصحة بين الرمضانين، وحاصل معنى
الرواية حينئذ أنه إن استمر به المرض إلى الرمضان الآخر فإنما عليه الفدية عن

(1) الوسائل الباب 25 من أحكام شهر رمضان
314

الشهر الأول، وإن صح بينهما فإنما عليه القضاء خاصة في وقت الصحة من غير
فدية لعدم تفريطه، وإن ترك القضاء في وقت صحته وتهاون به والحال أنه قد
صح فعليه القضاء والفدية.
وكيف كان فالخروج عن ظواهر تلك الأخبار التي قدمناها بل صريحها من
وجوب القضاء والفدية متى أمكن الصيام وأخل به حتى دخل الشهر الثاني سواء
كان مع العزم عليه أو لا بمثل هذه الرواية أعني رواية أبي الصباح بناء على ما ذكره
المحدث المذكور مشكل لأنها لا تبلغ في الصراحة بل الظهور إلى حد يمكن به تقييد
تلك الأخبار. وبه يظهر أن الأظهر هو ما ذكره الصدوقان واختاره الجماعة المتقدم
ذكرهم، ويؤيده أنه الأوفق بالاحتياط.
ثم إعلم أن ظاهر كلام الأصحاب القائلين بالتفصيل مختلف في معنى التهاون
المقتضي لاجماع الكفارة مع القضاء، فظاهر كلام المحقق في الشرائع كما تقدم في
عبارته ومثله العلامة في القواعد وهو مقتضى كلام المختلف أنه عبارة عن عدم العزم
على الصوم أما لو عزم عليه لم يكن متهاونا وإن لم يحصل العذر المقتضي للتأخير،
والذي صرح به في الدروس أن المقتضي لوجوب الكفارة عدم العزم على الصوم
أو العزم على العدم أو الافطار عند تضيق وقت القضاء أما إذا عزم على الفعل في
سعة الوقت مع القدرة ثم حصل العذر عند ضيقه لم تجب الكفارة بل الواجب
القضاء حسب. وفي فهم ذلك بأي المعنيين كان من الأخبار تأمل وغاية ما دل عليه
بعضها كحسنة محمد بن مسلم ومثلها رواية أبي بصير المتقدم نقلها عن تفسير العياشي
التعبير عن ترك القضاء مع الصحة بين الرمضانين بالتواني، والتواني وإن كان لغة
بمعنى ترك شئ لعدم الاهتمام به كما هو مدلول رواية أبي بصير المذكورة هنا إلا أن
الظاهر كما تقدم في كلام السيد السند أن المراد به مطلق الترك، ويعضده أنه لو كان
هذا المفهوم مرادا لذكر حكمه في شئ من تلك الروايات، وما تقدم في بعض
الأخبار من تعليل وجوب الكفارة بالتضييع فإنه شامل لما نحن فيه حيث إنه صح
315

ولم يصم فقد ثبت التضييع وإن كان بانيا علي سعة الوقت ثم تجدد المانع وقت
الضيق. والله العالم.
وفي المقام فوائد: الأولى المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
استحباب الموالاة في القضاء، وقيل باستحباب التفريق حكاه ابن إدريس في سرائره
عن بعض الأصحاب، ويظهر من كلام الشيخ المفيد (قدس سره) الميل إليه حيث
قال بعد أن حكم بالتخيير بين التتابع والتفريق: وقد روي عن الصادق عليه السلام (1)
أنه قال: " إذا كان عليه يومان فصل بينهما بيوم، وكذلك إذا كان عليه خمسة أيام
وما زاد، فإن كان عليه عشرة أيام أو أكثر من ذلك تابع بين الثمانية الأيام إن شاء
ثم فرق الباقي " والوجه في ذلك كله أنه إن تابع بين الصيام في القضاء لم يكن فرق
بين الشهر في صومه وبين القضاء فأوجبت السنة الفصل بين الأيام بالافطار ليقع
الفرق بين الأمرين كما وصفناه. انتهى.
والذي يدل على الأول ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله
عليه السلام (1) قال: " إذا كان على الرجل شئ من صوم شهر رمضان فليقضه في أي
الشهور شاء أياما متتابعة، فإن لم يستطع فليقضه كيف شاء وليحص الأيام فإن فرق
فحسن وإن تابع فحسن قال قلت: أرأيت إن بقي عليه شئ من صوم رمضان أيقضيه
في ذي الحجة؟ قال: نعم ".
وفي الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " من أفطر شيئا
من شهر رمضان في عذر فإن قضاه متتابعا فهو أفضل وإن قضاه متفرقا فحسن ".
وروى الصدوق في كتاب الخصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمد
(عليهما السلام) في حديث شرائع الدين (4) قال: " والفائت من شهر رمضان

(1) سيأتي استظهاراته موثق عمار الآتي 317
(2) التهذيب ج 4 ص 274 وفي الوسائل الباب 26 و 27 من أحكام شهر رمضان
(3) الوسائل الباب 26 من أحكام شهر رمضان
(4) الوسائل الباب 26 من أحكام شهر رمضان
316

إن قضاه متفرقا جاز وإن قضاه متتابعا كان أفضل ".
وهذه الأخبار كما ترى صريحة في المدعى.
والظاهر أن ما ذكره في المقنعة وأسنده إلى الصادق عليه السلام هو ما رواه الشيخ
في الموثق عن عمار بن موسى الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " سألته عن
الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان كيف يقضيها؟ فقال: إن كان عليه يومان
فليفطر بينهما يوما وإن كان عليه خمسة فليفطر بينها أياما، وليس له أن يصوم أكثر
من ستة أيام متوالية، وإن كان عليه ثمانية أيام أو عشرة أفطر بينها يوما "
ورواه الشيخ أيضا بسند آخر مثله (2) إلا أنه قال: " فإن كان عليه خمسة أيام
فليفطر بينها يومين وإن كان عليه شهر فليفطر بينها أياما، وليس له أن يصوم أكثر
من ثمانية أيام يعني متوالية.. " وذكر بقية الحديث.
والشيخ (قدس سره) حمل هذا الخبر على التخيير ونفي وجوب التتابع وإن
كان أفضل، ولا يخفى أن قوله عليه السلام في الخبر " وليس له أن يصوم.. إلى آخره "
من ما يدافع ذلك.
ومن ما يؤيد الأخبار المتقدمة في جواز التفريق مطلقا صحيحة سليمان بن
جعفر الجعفري (3) قال. " سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يكون عليه أيام من
شهر رمضان أيقضيها متفرقة؟ قال: لا بأس بتفرقة قضاء شهر رمضان إنما
الصيام الذي لا يفرق كفارة الظهار وكفارة الدم وكفارة اليمين " ونحوها غيرها أيضا
وكيف كان فإن هذا الخبر لا يعارض الأخبار المذكورة سيما مع غرابة
ما اشتمل عليه كما هو في كثير من أخبار عمار، واعتضاد تلك الأخبار بموافقة ظاهر
الكتاب العزيز.

(1) الوسائل الباب 26 من أحكام شهر رمضان عن التهذيب ج 4 ص 275
(2) الوسائل الباب 26 من أحكام شهر رمضان عن التهذيب ج 4 ص 328 و 329
(3) التهذيب ج 4 ص 274 وفي الوسائل الباب 26 من أحكام شهر رمضان
317

الثانية المعروف من مذهب الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو وجوب
القضاء على التراخي لا على الفور، ونقل عن أبي الصلاح أنه قال يلزم من يتعين
عليه فرض القضاء لشئ من شهر رمضان أن يبادر به في أول أحوال الامكان.
ويظهر من هذه العبارة القول بوجوب الفورية، وهو مردود بالأخبار
كصحيحتي الحلبي وابن سنان المتقدمتين (1).
وأظهر منهما ما رواه الشيخ في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله
عليه السلام (2) قال: " كن نساء النبي صلى الله عليه وآله إذا كان عليهن صيام أخرن ذلك إلى شعبان
كراهة أن يمنعن رسول الله صلى الله عليه وآله حاجته فإذا كان شعبان صمن وصام.. الحديث ".
الثالثة قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم): منهم العلامة
في التذكرة وغيره بأنه لا يجب الترتيب في قضاء الصوم بأن ينوي الأول فالأول.
نعم يستحب ذلك.
واستشكله الشهيد في الدروس فقال: وهل يستحب نية الأول فالأول؟
اشكال.
قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه: وربما كان منشأ الاشكال من تساوي
الأيام في التعلق بالذمة مع انتفاء النص على تقديم بعضها على بعض، ومن سبق
الأول في الذمة فكان أولى بالمبادرة. ثم قال: ولا يخفى ضعف الوجه الثاني من
وجهي الاشكال إلا أن الأمر في ذلك هين.
أقول: والأظهر أن يقال إن هذا من باب " اسكتوا عن ما سكت الله عنه " (3)
وهل يعتبر الترتيب بين أفراد الواجب كالقضاء والكفارة ونحوهما؟ ظاهر
المشهور العدم، ونقل عن ابن أبي عقيل أنه قال: لا يجوز صوم عن نذر أو كفارة لمن

(1) ص 316
(2) الوسائل الباب 27 من أحكام شهر رمضان والباب 28 من الصوم المندوب
(3) الشهاب في الحكم والآداب حرف الألف، وارجع إلى الصفحة 30
318

عليه قضاء عن شهر رمضان حتى يقضيه. ولم نقف له على مستند.
الرابعة قد تقدم في آخر المطلب الثالث من المقصد الأول (1) أنه لا يجوز
التطوع بالصيام لمن في ذمته قضاء شهر رمضان وأنه لا خلاف فيه بين الأصحاب
إلا ما تقدم نقله عن المرتضى (رضي الله عنه).
بقي الكلام هنا في أنه هل يجوز لمن في ذمته واجب غير القضاء من نذر أو
كفارة أو نحوهما أم لا؟ ظاهر الأكثر الثاني ونقل عن المرتضى (رضي الله عنه)
الجواز وإليه مال السيد السند في المدارك محتجا بالتمسك بمقتضى الأصل، وهو
كذلك فإنا لم نقف له على دليل يدل على المنع إلا في ما إذا كان ذلك الواجب قضاء
شهر رمضان كما دلت عليه الأخبار التي قدمناها ثمة. وهو ظاهر الكليني والصدوق
أيضا حيث ذكرا الحكم المذكور ولم يوردا إلا خبري الحلبي والكناني الواردين في
قضاء شهر رمضان (2).
قال في المدارك: والظاهر أن المنع من التطوع مع اشتغال الذمة بالصوم
الواجب عند من قال به إنما يتحقق حيث يمكن فعله فلو كان بحيث لا يمكن كصوم
شعبان ندبا لمن عليه كفارة كبيرة جاز صومه كما نبه عليه في الدروس. انتهى.
المسألة السابعة المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لو مات
المريض وقد فاته الشهر أو بعضه بمرض فإن برئ بعد فواته وتمكن من القضاء
ولم يقضه وجب على وليه القضاء عنه إن لم يوص به، ذهب إليه الشيخان وابنا
بابويه والسيد المرتضى وابن الجنيد وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس.
وقد وقع الخلاف هنا في مواضع: الأول ما نقل عن ابن أبي عقيل من
أن الواجب هنا إنما هو الصدقة عنه عن كل يوم بمد من طعام.
قال (قدس سره): وقد روي عنهم (عليهم السلام) في بعض الأحاديث
أن من مات وعليه قضاء من شهر رمضان صام عنه أقرب الناس إليه من أوليائه

(1) ص 208
(2) ص 316 و 313
319

كما يقضي عنه، وكذلك من مات وعليه صلاة قد فاتته وزكاة قد لزمته وحج قد
وجب عليه قضاه عنه وليه، بذلك كله جاء نص الأخبار بالتوقيف عن آل الرسول
(عليهم السلام).. إلى أن قال: وقد روي أن من مات وعليه صوم من شهر
رمضان تصدق عنه عن كل يوم بمد من طعام. وبهذا تواترت الأخبار عنهم (عليهم
السلام) والقول الأول مطرح لأنه شاذ. انتهى.
أقول: ويدل على القول المشهور وهو المؤيد المنصور الأخبار الكثيرة:
ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (1) قال: " سألته
عن رجل أدركه رمضان وهو مريض فتوفي قبل أن يبرأ؟ قال: ليس عليه شئ ولكن
يقضي عن الذي يبرأ ثم يموت قبل أن يقضي ".
وموثقة ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام (2) " في الرجل يموت
في شهر رمضان؟ قال: ليس على وليه أن يقضي عنه.. إلى أن قال: فإن مرض فلم
يصم شهر رمضان ثم صح بعد ذلك فلم يقضه ثم مرض فمات فعلى وليه أن يقضي عنه
لأنه قد صح فلم يقض ووجب عليه ".
وموثقة أبي بصير (3) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل سافر في
رمضان فأدركه الموت قبل أن يقضيه؟ قال: يقضيه أفضل أهل بيته ".
وما رواه في الفقيه مرسلا (4) قال: وقد روي عن الصادق عليه السلام أنه قال:
" إذا مات الرجل وعليه صوم شهر رمضان فليقض عنه من شاء من أهله ".
وصحيحة حفص بن البختري وحسنة حماد ومكاتبة الصفار الآتيات في المقام
إلى غير ذلك من الأخبار.
احتج العلامة في المختلف لابن أبي عقيل بصحيحة أبي مريم الأنصاري عن أبي عبد الله عليه السلام (5) قال: " إذا صام الرجل شيئا من شهر رمضان ثم لم يزل
مريضا حتى مات فليس عليه شئ، وإن صح ثم مرض ثم مات وكان له مال تصدق

(1) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان
(2) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان
(3) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان
(4) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان
(5) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان
320

عنه مكان كل يوم بمد. وإن لم يكن له مال صام عنه وليه " كذا في روايتي الكليني
والصدوق لهذا الخبر وفي رواية الشيخ له في التهذيب (1) " وإن لم يكن له مال
تصدق عنه وليه ".
أقول: ومثل هذه الرواية أيضا ما رواه في الفقيه (2) في الصحيح عن محمد
ابن إسماعيل بن بزيع عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال: " قلت له رجل مات وعليه
صوم يصام عنه أو يتصدق؟ قال: يتصدق عنه فإنه أفضل ".
وأجاب في المختلف عن الرواية الأولى بالحمل على ما إذا لم يكن له ولي من
الأولاد الذكور.
أقول: وهذا الحمل بعيد في الرواية المذكورة لأنه قد صرح فيها بأنه إن لم
يكن له مال صام عنه وليه. وهو أيضا بعيد في الرواية الثانية التي ذكرناها.
والأظهر عندي هو حمل الروايتين على التقية حيث إن العلامة في المنتهى قد
نسب هذا القول إلى جمهور الجمهور، قال بعد نقل القول بالقضاء عن الشافعي في
القديم وأبي ثور: وقال الشافعي في الجديد ويطعم عنه عن كل يوم مدا وبه قال
أبو حنيفة ومالك والثوري (3). وبالجملة فالأظهر هو القول المشهور لما عرفت.
الثاني المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو وجوب القضاء
على الولي مطلقا، وعليه يدل اطلاق الأخبار المتقدمة والآتية في الموضع الثالث.
ونقل عن المرتضى (رضي الله عنه) أنه اعتبر في وجوب القضاء على الولي
أن لا يخلف الميت ما يتصدق به عنه عن كل يوم بمد، ويدل على ما ذهب إليه
صحيحة أبي مريم المذكورة على روايتي الكليني والصدوق.

(1) ج 4 ص 248 وفي الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان
(2) ج 3 ص 236 والوافي باب من مات وعليه صيام
(3) المغني ج 3 ص 142 و 143، والمجموع ج 6 ص 367، وبدائع الصنائع
ج 2 ص 103.
321

قال في المدارك بعد نقل الرواية المذكورة بطريق الشيخين المذكورين ثم
رواية الشيخ في التهذيب: وبمضمون هذه الرواية أفتى ابن أبي عقيل وادعى فيه
تواتر الأخبار، والمسألة قوية الاشكال لاختلاف متن الرواية وإن كان الظاهر
ترجيح ما في الكافي ومن لا يحضره الفقيه كما يعرفه من يقف عليه حقيقة هذه
الكتب. انتهى.
وفيه إشارة إلى الطعن علي الشيخ وما وقع له في التهذيب من ما أشرنا إليه
آنفا في غير موضع.
ويظهر منه الميل إلى هذه الرواية بناء على رواية الشيخين المتقدمين لصحة
سندها. وفيه ما عرفت من أن الأمر بالصدقة إنما خرج مخرج التقية (1) وبذلك
يظهر أن الأصح ما هو المشهور بين الأصحاب من وجوب القضاء مطلقا عملا
باطلاق الروايات المتقدمة.
الثالث المشهور سيما في كلام المتأخرين أن الولي الذي يجب عليه القضاء هو
الولد الأكبر، قال في المختلف: ظاهر كلام الشيخ أن الولي هو أكبر أولاده الذكور
خاصة فإن فقد فالصدقة. قال في المبسوط: والولي هو أكبر أولاده الذكور، فإن
كانوا جماعة في سن واحد وجب القضاء بالحصص أو يقوم به بعض فيقسط عن
الباقين، وإن كانوا إناثا لم يلزمهن القضاء وكان الواجب الفدية.
وقال الشيخ المفيد: فإن لم يكن له ولد من الرجال قضى عنه أكبر أوليائه
من أهله وأولاهم به وإن لم يكن إلا من النساء.
وقال في الدروس بعد نقل ذلك عن الشيخ المفيد: وهو ظاهر القدماء
والأخبار والمختار.
وقال في المختلف بعد نقل ذلك عن الشيخ المفيد: وفي هذا الكلام حكمان:

(1) ارجع إلى الصفحة 321 والتعليقة 3 فيها
322

الأول أن الولاية لا تختص بالأولاد. الثاني أن مع فقد الرجال يكون الولي هو
الأكبر من النساء.
وقال ابن الجنيد: وأولى الناس بالقضاء عن الميت أكبر ولده الذكور وأقرب
أوليائه إليه إن لم يكن له ولد.
وقال علي بن بابويه: من مات وعليه صوم شهر رمضان فعلى وليه أن يقضي
عنه، فإن كان للميت وليان فعلى أكبرهما من الرجال، فإن لم يكن له ولي من الرجال
قضى عنه وليه من النساء. وكذا قال ابنه أبو جعفر في المقنع.
قال في المختلف بعد نقل ذلك: وهذه الأقوال مناسبة لقول المفيد.
وقال ابن البراج: على ولده الأكبر من الذكور أن يقضي عنه ما فاته من ذلك
الصوم ومن الصلاة أيضا، فإن لم يكن له ذكر فالأولى به من النساء. وهو يوافق
الحكم الثاني من حكمي المفيد.
واختار في المختلف مذهب الشيخ الذي هو المشهور كما أشرنا إليه، وقال
في الاحتجاج عليه: لنا الأصل براءة الذمة، خالفناه في الولد الأكبر للنقل
والاجماع عليه ولاختصاصه بالحباء من التركة فيبقى الباقي على أصل الدليل. ثم نقل
رواية حماد بن عثمان الآتية (1).
واحتج في المعتبر على ما ذهب إليه من مذهب الشيخ أيضا بأن الأصل براءة
ذمة الوارث إلا ما حصل الاتفاق عليه.
أقول: لا يخفى ما في هذه الأدلة من النظر الظاهر لكل ناظر:
فأما ما ذكره في المختلف من النقل فهو غير مختص بالولد فضلا عن الذكور بل
عن الأكبر منهم كما سيظهر لك في المقام إن شاء الله تعالى. والاختصاص بالحباء غير
مقتض لما ذكره لجواز أن تكون العلة في ايجاب القضاء غير ذلك. ورواية حماد غير
دال على ما ادعاه كما ستعرف إن شاء الله تعالى. والاجماع المدعى إن ثبت فهو غير
دال على التخصيص إلا أن يقولوا باطراح الأخبار الآتية من البين وهم لا يقولونه.

(1) ص 324
323

والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه ثقة الاسلام في
الكافي في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " في الرجل
يموت وعليه صلاة أو صيام؟ قال: يقضي عنه أولى الناس بميراثه. قلت: إن كان
أولى الناس به امرأة؟ فقال: لا إلا الرجال ".
وما رواه أيضا في الحسن عن حماد بن عثمان عن من ذكره عن أبي عبد الله
عليه السلام (2) قال: " سألته عن الرجل يموت وعليه دين من شهر رمضان من يقضي عنه؟
قال: أولى الناس به. قلت: فإن كان أولى الناس به امرأة؟ قال: لا إلا الرجال ".
وما رواه الشيخ في التهذيب عن الصفار (3) قال: كتبت إلى الأخير عليه السلام
وفي الفقيه (4) قال: كتب محمد بن الحسن الصفار إلى أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام
" في رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام وله وليان هل يجوز لهما أن
يقضيا عنه جميعا خمسة أيام أحد الوليين وخمسة أيام الآخر؟ فوقع عليه السلام: يقضي
عنه أكبر ولييه عشرة أيام ولاء إن شاء الله ".
قال في الفقيه: وهذا التوقيع عندي مع توقيعاته إلى الصفار بخطه عليه السلام.
وما رواه الشيخ في الموثق عن عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام (5) " في الرجل يموت في شهر رمضان؟ قال: ليس على وليه
أن يقضي عنه.. إلى أن قال: فإن مرض ولم يصم شهر رمضان ثم صح بعد ذلك
فلم يقضه ثم مرض فمات فعلى وليه أن يقضي عنه لأنه قد صح فلم يقض ووجب عليه "
وما رواه أيضا بسنده إلى محمد بن أبي عمير عن رجاله عن الصادق عليه السلام (6):

(1) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان
(2) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان
(3) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان
(4) ج 2 ص 98 وفي الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان
(5) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان
(6) لم أقف على هذه الرواية في كتب الحديث عن الشيخ وإنما نقلها الشهيد في
الذكرى عن كتاب غياث سلطان الورى منسوبة إلى الشيخ في المبحث السادس من المطلب الثالث
في توابع أحكام الميت، وقد نقلها في الوسائل في الباب 12 من قضاء الصلوات عن غياث
سلطان الورى عن الشيخ، وتقدم نقلها كذلك ج 11 ص 33.
324

" الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام؟ قال: يقضيه أولى الناس به ".
وقد تقدم في الموضع الأول (1) نقل رواية أبي بصير الدالة على أنه يقضي
عنه أفضل أهل بيته، ومرسلة الفقيه الدالة على أنه يقضي عنه من شاء من أهله.
وقال في كتاب الفقه الرضوي (2) " وإذا مات الرجل وعليه من صوم شهر
رمضان فعلى وليه أن يقضي عنه وكذلك إذا فاته في السفر " إلا أن يكون مات في
مرضه من قبل أن يصح فلا قضاء عليه. وإذا كان للميت وليان فعلى أكبرهما من
الرجال أن يقضي عنه فإن لم يكن له ولي من الرجال قضى عنه وليه من النساء ".
وهذه عين عبارتي الصدوقين المتقدمتين لكنهما اختصراها وفي الفقيه
ذكرها بطولها.
وهذه الأخبار كما ترى كلها إنما دلت على إناطة القضاء بالولي الذي هو عبارة
عن أولى الناس بميراثه كما فسره به في صحيحة حفص بن البختري، ولا اختصاص
لذلك بالولد الأكبر ولا بالولد بقول مطلق بل إنما هو عبارة عن الأولى بالميراث
كائنا من كان.
والعجب من صاحب الوسائل حيث تبع المشهور من تخصيص القضاء بأكبر
الأولاد الذكور كما عنون به الباب (3) ثم أورد مكاتبة الصفار وبدل " ولييه "
به " ولديه " في قوله في التوقيع " يقضي عنه أكبر ولييه عشرة أيام ولاء " فكتب
" ولديه " ولا أدري أهذا من غلط النسخة التي عندي أو أن هذا منشأ وهم المصنف
فيكون الغلط منه، ونسخ الحديث كلها متفقة على لفظ " ولييه " (4).
وبذلك يظهر لك أنه لا مستند لما اشتهر بينهم من التخصيص بالولد الأكبر
وبالجملة فإن الظاهر من الأخبار هو أن الولي هنا هو الولي في أحكام الميت وهو
الأولى بالميراث، وليس في الأقوال المتقدمة ما ينطبق على القول بهذه الروايات
التي ذكرناها إلا قول الصدوقين ويقرب منه قول ابن الجنيد، وإلى هذا القول مال

(1) ص 320
(2) ص 25
(3) 23 من أحكام شهر رمضان
(4) وفي نسخ الوسائل كذلك
325

السيد السند في المدارك، وهو الحق الحقيق بالاتباع وإن كان قليل الاتباع.
فوائد
الأولى قد دلت صحيحة حفص بن البختري وكذا مرسلة حماد المتقدمتان (1)
على أنه لو لم يكن ولي إلا من النساء فإنه لا قضاء، وصرحت عبارة كتاب الفقه
الرضوي (2) بوجوب قضاء الولي من النساء، وبمدلول الروايتين صرح الشيخ وغيره
فأسقطوا القضاء عن الولي من النساء، وبمدلول الرواية الأخرى صرح الصدوقان
والشيخ المفيد وابن البراج، والظاهر أن مستندهم إنما هو عبارة الكتاب أو فتوى
الصدوقين بذلك المستند إلى الكتاب المذكور. والجمع بين الأخبار هنا لا يخلو
من اشكال.
الثانية الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في وجوب القضاء على الولي عند
من عين القضاء دون الصدقة، وعلى ذلك تدل الأخبار المتقدمة.
وأما ما تقدم في رواية أبي بصير من أنه يقضي عنه أفضل أهل بيته، ومرسلة
الفقيه: يقضي عنه من شاء من أهله (3) وفي رواية لعمار تقدمت في كتاب الصلاة (4)
أنه يقضي الصلاة والصوم رجل عارف فيجب ارتكاب التأويل فيها بالحمل على
التبرع بذلك العدم الولي أو صغره أو نحو ذلك.
الثالثة هل يشترط في تعلق الوجوب بالولي بلوغه حين يموت مورثه أم
يراعي الوجوب ببلوغه فيتعلق به حينئذ؟ قولان ولم نقف على نص في المقام.
الرابعة قد صرح جملة من الأصحاب بأنه لو كان للميت وليان أو أولياء
متساوون في السن تساووا في القضاء.
واستدل عليه بعموم الأمر بالقضاء وبقوله عليه السلام في صحيحة حفص (5)
" يقضي عنه أولى الناس بميراثه " ونحوها من ما تقدم، فإن ذلك شامل باطلاقه

(1) ص 324
(2) ص 325
(3) ص 320
(4) ج 11 ص 33 وفي الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات
(5) ص 324
326

للمتحد والمتعدد، وإذا وجب القضاء عليهم تساووا فيه لامتناع الترجيح بلا مرجح.
وقال ابن البراج يقرع بينهم.
وقال ابن إدريس إنه لا قضاء لأن التكليف بذلك يتعلق بالولد الأكبر
وليس هنا ولد أكبر.
وضعفه ظاهر فإنه مع تسليم ما ذكره من اختصاص الوجوب بالولد الأكبر
إنما هو لو كان ثمة ولد أكبر لا مطلقا.
ولم أقف على نص واضح في المقام إلا أن القول المشهور لا يخلو من قرب
نظرا إلى اطلاق الأخبار المشار إليها. ولعل حجة من ذهب إلى القرعة عموم ما دل
على أنها لكل أمر مشكل (1).
ثم إن جملة منهم قد صرحوا بوجوب القضاء على الجميع وإن اتحد الزمان
بمعنى أنه لا يشترط الترتيب في قضاء الصوم وإن صرحوا باشتراطه في قضاء الصلاة
وقالوا بناء على ذلك أن يوم الكسر واجب على الكفاية وإن تبرع به أحد سقط.
الخامسة قد أطلق جملة من الأصحاب أنه لو تبرع بعض بالقضاء سقط.
وحمل على تبرع بعض الأولياء المتساوين في السن بقضاء الصيام عن البعض الآخر
فإنه يسقط الفرض بفعل ذلك البعض المتبرع.
قال شيخنا الشهيد الثاني: ووجه السقوط حصول المقتضي وهو براءة ذمة
الميت من الصوم.
قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه: ويتوجه عليه أن الوجوب تعلق بالولي
وسقوطه بفعل غيره يحتاج إلى دليل، ومن ثم ذهب ابن إدريس والعلامة في المنتهى
إلى عدم الاجتزاء بفعل المتبرع وإن وقع بإذن من تعلق به الوجوب لأصالة عدم
سقوط الفرض عن المكلف بفعل غيره. وقوته ظاهرة. انتهى.
السادسة قد تقدم في كلام الشيخ أنه لو لم يكن إلا النساء لم يلزمهن القضاء

(1) الوسائل الباب 13 من كيفية واللفظ " كل مجهول فقيه القرعة "
327

وكان الواجب الفدية، وبذلك صرح من تبعه أيضا، وهو مبني على ما هو المشهور
بينهم من عدم وجوب القضاء على الأنثى وإن انحصرت الولاية فيها.
وأما ما ذكره من التصدق فلم نقف له على مستند وإنما استدل له برواية
أبي مريم الأنصاري (1) وقد عرفت من ما قدمنا سابقا أن هذه الرواية إنما خرجت
مخرج التقية (2) ومع الاغماض عن ذلك فإن مقتضى الرواية على ما في الكافي
والفقيه هو وجوب الصوم على الولي إذا لم يخلف الميت ما يتصدق به عنه وعلى
رواية التهذيب وجوب التصدق على الولي أيضا، وشئ منهما لا ينطبق على ما ذكره
هنا لأنه إنما أوجب الفدية مع تعذر الولي والولي على كل من الوجهين
الأولين موجود.
السابعة حكى الشهيد في الذكرى عن المحقق (قدس سره) أنه قال في مسائله
البغدادية المنسوبة إلى سؤال جمال الدين بن حاتم المشغري: الذي ظهر لي أن الولد
يلزم قضاء ما فات الميت من صيام وصلاة لعذر كالسفر والمرض والحيض لا ما تركه
عمدا مع قدرته عليه. ثم قال الشهيد: وقد كان شيخنا عميد الدين ينصر هذا
القول، ولا بأس به فإن الروايات تحمل على الغالب من الترك وهو إنما يكون
على هذا الوجه. انتهى.
وإليه مال جملة من متأخري المتأخرين كالسيد السند في المدارك والفاضل
الخراساني في الذخيرة، وهو جيد.
ويمكن تأييده أيضا بأن روايات وجوب القضاء منها ما صرح فيه بالسبب
الموجب للترك من الأعذار التي هي الحيض أو المرض أو السفر ومنها ما هو مطلق
ومقتضى القاعدة حمل مطلقها على مقيدها في ذلك.
الرابع اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في وجوب القضاء عن

(1) ص 320
(2) ارجع إلى الصفحة 321 والتعليقة 3 فيها
328

المرأة، فعن الشيخ في النهاية قال: والمرأة حكمها ما ذكرناه في أن ما يفوتها من
الصيام بمرض أو طمث لا يجب على أحد القضاء عنها إلا أن يكون قد تمكنت من
الصيام فلم تقضه فإنه يجب القضاء عنها. ويجب أيضا القضاء عنها ما يفوتها بالسفر
حسبما قدمناه في حكم الرجال. وإلى هذا القول مال جملة من الأصحاب: منهم
العلامة في المنتهى والمختلف، وتردد المحقق في الشرائع.
وقال ابن إدريس: الصحيح من المذهب والأقوال إن إلحاق المرأة في هذا
الحكم بالرجال يحتاج إلى دليل وإنما اجماعنا منعقد على أن الوالد يتحمل ولده الأكبر
ما فرط فيه من الصيام ويصير ذلك تكليفا للولد، وليس هذا مذهبا لأحد من أصحابنا
وإنما أورده الشيخ ايرادا لا اعتقادا.
قال في المختلف بعد نقل ذلك عن ابن إدريس والاستدلال على ما ذهب إليه
الشيخ بموثقة محمد بن مسلم وموثقة أبي بصير في المرأة التي أوصته أن يصوم عنها (1)
ما صورته: وقول ابن إدريس " الاجماع على الوالد " ليس حجة إذ دلالة دليل
على حكم ليس دليلا على انتفاء ذلك الحكم في صورة أخرى. قوله " وليس هذا مذهبا
لأحد من أصحابنا " جهل منه وأي أحد أعظم من الشيخ (قدس سره) خصوصا مع
اعتضاد قوله بالروايات والأدلة العقلية. على أن جماعة قالوا بذلك كابن البراج.
ونسبة قول الشيخ إلى أنه ايراد لا اعتقاد غلط منه وما يدريه بذلك، مع أنه لم يقتصر
على قوله بذلك في النهاية بل وفي المبسوط أيضا. انتهى.
أقول: والأصح ما ذهب إليه الشيخ (رضوان الله عليهم) ويدل عليه ما يأتي
في المسألة الآتية من روايتي أبي حمزة ومحمد بن مسلم (2).
الخامس الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أن
وجوب القضاء على الولي في غير ما فات بالسفر مشروط بتمكن المكلف من القضاء
وتفريطه حتى استقر في ذمته.
وعلى ذلك يدل جملة من الأخبار المتقدمة، ويعضدها أيضا ما رواه الشيخ

(1) ص 330
(2) ص 330
329

في الموثق عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " سألته عن امرأة مرضت
في شهر رمضان وماتت في شوال فأوصتني أن أقضي عنها؟ قال هل برئت من مرضها؟
قلت لا ماتت فيه. قال لا يقضي عنها فإن الله لم يجعله عليها. قلت فإني أشتهي أن
أقضي عنها وقد أوصتني بذلك؟ قال كيف تقضي عنها شيئا لم يجعله الله عليها؟
فإن اشتهيت أن تصوم لنفسك فصم ".
أما في السفر فظاهر الأكثر أيضا أنه كذلك. فلو لم يتمكن من القضاء لم يجب
القضاء عنه، ونقله في المهذب عن الشيخ في النهاية والمحقق والعلامة، لدخوله تحت
قسم المعذورين لعدم التمكن فيسقط عنه لاستحالة التكليف بما لا يطاق.
وبه صرح شيخنا الشهيد في اللمعة حيث قال: وفي القضاء عن المسافر
خلاف أقربه مراعاة تمكنه من المقام والقضاء. وبه صرح شيخنا الشهيد الثاني
في الشرح حيث قال بعد ذكر العبارة المذكورة: ولو بالإقامة في أثناء السفر
كالمريض، وقيل يقضي عنه مطلقا لاطلاق النص وتمكنه من الأداء بخلاف المريض.
وهو ممنوع لجواز كونه ضروريا كالسفر الواجب فالتفصيل أجود. انتهى ونحوه
كلامه في المسالك أيضا.
أقول: والظاهر عندي هو القول بالوجوب مطلقا وإن لم يتمكن من
الإقامة ولم يمض عليه زمان يمكن فيه القضاء للأخبار الظاهرة الدلالة في ذلك:
ومنها ما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن أبي حمزة عن أبي جعفر
عليه السلام (2) قال: " سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت
فماتت قبل خروج شهر رمضان هل يقضي عنها؟ قال: أما الطمث والمرض فلا،
وأما السفر فنعم ".
وما رواه الشيخ في الموثق عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (3) " في
امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل أن يخرج رمضان
هل يقضي عنها؟ قال: أما الطمث والمرض فلا، وأما السفر فنعم).

(1) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان
(2) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان
(3) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان
330

وما رواه في الموثق عن أبي بصير (1) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل سافر في رمضان فأدركه الموت قبل أن يقضيه؟ قال: يقضيه أفضل أهل بيته "
وعن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (2) " في الرجل يسافر في شهر
رمضان فيموت؟ قال: يقضي عنه. وإن امرأة حاضت في رمضان فماتت لم يقض
عنها. والمريض في رمضان ولم يصح حتى مات لا يقضي عنه ".
وأنت خبير بما في هذه الأخبار من الصراحة في الدلالة، والظاهر أن من
ذهب من أصحابنا إلى المشهور لم يقف على هذه الأخبار كملا، ولذلك أن شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك بعد أن نقل عبارة المصنف وهي قوله: ولا يقضي الولي
إلا ما تمكن الميت من قضائه فأهمله إلا ما يفوت بالسفر فإنه يقضي ولو مات
مسافرا على رواية قال: هي رواية منصور بن حازم.. ثم ساق الرواية ثم قال بعد
ما اختار القول المشهور: والرواية مع عدم صحة سندها يمكن حملها على الاستحباب
أو الوجوب لكون السفر معصية وإن بعد. ولا يخفى ما فيه بعد ما عرفت.
وبالجملة فإن ظواهر الأخبار المذكورة هو وجوب القضاء عن المسافر مطلقا
وتقييدها بالتمكن من القضاء مع كونه لا دليل عليه ينافيه ظاهر روايتي أبي حمزة
ومحمد بن مسلم المشتملتين على السفر والطمث والمرض وأنه يقضي ما فات بالسفر
خاصة دون ما فات بذينك الآخرين، وليس ذلك إلا مع عدم التمكن من القضاء
إذ لا خلاف في أنه مع التمكن يجب القضاء في الطمث والمرض.
والظاهر أن بناء الحكم المذكور في الفرق بين الفائت بالسفر وغيره إنما هو
من حيث إن عذر المرض والطمث من جهة الله (عز وجل) وهو أعذر لعبده كما ورد
في جملة من أخبار الاغماء (3) وغيرها، وعذر السفر من قبل المكلف ويمكنه
تركه والاتيان بالأداء فوجب القضاء عنه لذلك.

(1) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان
(2) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان
(3) الوسائل الباب 3 من قضاء الصلوات والباب 24 ممن يصح منه الصوم
331

وما استشكله شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) من أنه ربما يكون السفر
ضروريا أو واجبا فالظاهر أنه لا وجه له، فإن بناء الأحكام على الأفراد الغالبة
المتكررة، والعلل الشرعية لا يجب اطرادها بل يكفي وجودها في أكثر الأفراد
كما لا يخفى.
السادس قال الشيخ في النهاية: المريض إذا كان قد وجب عليه صيام شهرين
متتابعين ثم مات تصدق عنه عن شهر وقضى عنه وليه شهرا آخر. وكذا قال
ابن البراج على ما نقله في المختلف، وبذلك قال أكثر المتأخرين.
ويدل على هذا القول ما رواه الشيخ عن الوشاء بطريق فيه سهل بن زياد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (1) قال: " سمعته يقول إذا مات رجل وعليه صيام شهرين
متتابعين من علة فعليه أن يتصدق عن الشهر الأول ويقضي الثاني ".
قال في المسالك: لا فرق في الشهرين اللذين على الميت بين كونهما واجبين عليه
على التعيين كالمنذورين وكفارة الظهار مع قدرته على الصوم في حال الحياة وعجزه
عن العتق أو على التخيير ككفارة رمضان على تقدير اختيار الولي الصوم، فإن
التخيير ينتقل إليه كما كان للميت. وهذا الحكم تخفيف على الولي بالصدقة عن أحد
الشهرين من مال الميت مع أن النصوص تقتضي وجوب قضاء الجميع عليه، ومستند
هذا الحكم المستثنى من صور القضاء رواية الوشاء.. ثم ساق الخبر كما نقلناه.
واستشكل ذلك جملة من متأخري المتأخرين من حيث ضعف سند الرواية
أولا، ومن دلالة الأخبار المستفيضة على وجوب القضاء على الولي كما قدمنا نقل
كثير منها (2) ولأن صوم هذين الشهرين لا يخلو إما أن يكون متعينا على الميت
أو مخيرا فيه، فإن كان الأول فمقتضى الأخبار المشار إليها هو وجوب الكل على
الولي، وإن كان الثاني فالأمر فيه مشكل، حيث إن ظاهر الخبر المذكور غير
المخير فيه.

(1) الوسائل الباب 24 من أحكام شهر رمضان
(2) ص 320 و 324
332

وقال الشيخ أيضا في المبسوط والجمل والاقتصاد على ما نقله في المختلف: كل
صوم كان واجبا عليه بأحد الأسباب الموجبة له فمتى مات وكان متمكنا منه فلم يصمه
فإنه يتصدق عنه أو يصوم عنه وليه. وهو يرجع إلى ما ذكره في النهاية أيضا.
وفيه ما عرفت من دلالة الأخبار المستفيضة على وجوب القضاء خاصة
مضافا إلى ما ذكره.
ومن هنا ذهب ابن إدريس والعلامة في المختلف إلى وجوب القضاء خاصة،
وهو أيضا ظاهر الشيخ المفيد حيث قال: يجب على وليه أن يقضي عنه كل صيام
فرط فيه من نذر أو كفارة أو قضاء رمضان.
أقول: والمسألة غير خالية من شوب الاشكال، فإن الخروج عن مقتضى
تلك الأخبار المستفيضة بهذا الخبر مع احتماله للتقية فإن القول بالتصدق مذهب
أكثر العامة (1) وإن لم ينقل في خصوص هذه الصورة مشكل، والأظهر
الوقوف على ما دلت عليه تلك الأخبار المشار إليها وهو الأوفق بالاحتياط المطلوب
في جميع المقامات.
فإن قيل: إن جملة الأخبار المتقدمة إنما وردت في قضاء شهر رمضان فلا
تتعدى إلى غيره، لأنه قياس مع الفارق فإن شهر رمضان آكد من غيره
وكذا قضاؤه.
لأنا نقول: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو المصرح به في
الأصول والدائر في كلامهم في غير مقام، إذ المفهوم من أجوبتهم (عليهم السلام)
في تلك الأخبار إنما هو ترتب القضاء على استقرار الأداء في الذمة كائنا ما كان سيما
صحيحة حفص بن البختري (2) فإن السؤال فيها عن الصوم بقول مطلق، ورواية
أبي بصير المتقدمة (3) في حكاية المرأة التي أوصته أن يصوم عنها وقوله عليه السلام

(1) ارجع إلى الصفحة 321 والتعليقة 3 فيها
(2) ص 324 (3) ص 230
333

" لا يقضي عنها فإن الله لم يجعله عليها " فإنه علل عدم القضاء بعدم وجوب الأداء
عليها المؤذن بثبوته مع ثبوته، وقوله عليه السلام في موثقة ابن بكير المتقدمة في الموضع
الثالث (1) " لأنه قد صح فلم يقض ووجب عليه " وهو مشعر بوجوب القضاء من
حيث إن الأداء كان واجبا عليه، إلى غير ذلك من الأخبار المتقدمة، وما نحن فيه
كذلك عملا بالعلة المذكورة. والله العالم.
الفصل الثالث
في صوم الكفارات
وتنحل إلى أقسام أربعة: الأول ما يجب فيه الصوم مع غيره، وهي
كفارة قتل المؤمن عمدا فإنه تجب فيها الخصال الثلاث للأخبار المستفيضة:
ومنها ما رواه ثقة الاسلام في الكافي في الصحيح عن عبد الله بن سنان وابن
بكير جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمدا
هل له توبة؟ فقال: إن كان قتله لايمانه فلا توبة له وإن كان قتله لغضب أو لسبب
من أمر الدنيا فإن توبته أن يقاد منه، وإن لم يكن علم به انطلق إلى أولياء
المقتول فأقر عندهم بقتل صاحبهم فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية وأعتق
نسمة وصام شهرين متتابعين وأطعم ستين مسكينا.. ".
ومثلها كفارة من أفطر شهر رمضان على محرم عند من قال بذلك كما تقدم
تحقيقه وأنه الأظهر لما قدمنا من الأدلة.
القسم الثاني ما يجب فيه الصوم بعد العجز عن غيره وهي ستة:
أحدها كفارة قتل الخطأ قال الله تعالى: ومن قتل مؤمنا خطأ.. إلى

(1) ص 324
(2) الوسائل الباب 28 من الكفارات والباب 9 من القصاص في النفس
334

قوله: فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين (1) وفي معناها أخبار كثيرة (2).
وثانيها الظهار قال الله تعالى: والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما
قالوا فتحرير رقبة.. إلى قوله. فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن
يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا (3).
وثالثها قضاء شهر رمضان بناء على المشهور من أنها اطعام عشرة مساكين
فإن لم يتمكن صام ثلاثة أيام، وقيل إنها كفارة شهر رمضان، وقد تقدم
الكلام في ذلك.
ورابعها كفارة اليمين قال الله عز وجل: لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم
ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته اطعام عشرة مساكين من أوسط
ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة
أيمانكم إذا حلفتم (4).
وخامسها كفارة الإفاضة من عرفات عامدا قبل الغروب فإن عليه بدنة
ومع العجز صيام ثمانية عشر يوما.
ويدل عليه ما رواه الشيخ عن يونس في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام (5) قال:
" سألته عن من أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس؟ قال: عليه بدنة ينحرها يوم
النحر فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما ".
وسادسها كفارة الصيد الذي هو عبارة عن النعامة والبقرة الوحشية والظبي
وما ألحق بها على تردد، ويأتي تحقيق القول فيه إن شاء الله تعالى في كتاب الحج.
وألحق بذلك كفارة شق الرجل ثوبه على زوجته أو ولده وكفارة خدش
المرأة وجهها ونتفها شعر رأسها:

(1) سورة النساء الآية 95
(2) الوسائل الباب 10 من الكفارات والباب 11 و 38 من القصاص في النفس
(3) سورة المجادلة الآية 6
(4) سورة المائدة الآية 92.
(5) الوسائل الباب 23 من احرام الحج. والراوي ضريس. والشيخ يرويه عن الكليني
335

لرواية خالد بن سدير عن الصادق عليه السلام (1) قال: " وإذا شق زوج على
امرأته أو والد على ولده فكفارته كفارة حنث يمين، ولا صلاة لهما حتى يكفرا أو
يتوبا من ذلك، وإذا خدشت المرأة وجهها أو جزت شعرها أو نتفته ففي جز
الشعر عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا، وفي خدش الوجه
إذا أدمت وفي النتف كفارة حنث يمين ".
قيل: ووجه الالحاق ضعف الرواية المذكورة بالراوي المذكور فقد قال
الصدوق إن كتابه موضوع. وقال ابن إدريس باستحبابها، وسيأتي تحقيق الكلام
إن شاء الله تعالى في ذلك في كتاب الكفارات.
القسم الثالث ما يكون الصوم فيه مخيرا بينه وبين غيره وهو خمسة:
منها كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان عامدا، وقد تقدم الكلام فيها.
ومنها كفارة النذر بناء على المشهور من أنها كفارة كبرى مخيرة، والأصح
أنها كفارة يمين، وسيأتي تحقيق القول في ذلك في كتاب النذر إن شاء الله تعالى.
ومنها كفارة العهد بناء على المشهور من أنها كفارة كبرى مخيرة وهو الأصح
وقيل إنها كفارة يمين، وسيأتي تحقيق البحث في ذلك في محله.
ومنها كفارة الاعتكاف الواجب بناء على ما هو المشهور من أنها كفارة
كبرى مخيرة، وقيل إنها مرتبة، وسيأتي بيان ذلك في كتاب الاعتكاف
إن شاء الله تعالى.
ومنها كفارة حلق الرأس في الاحرام وهي منصوصة في القرآن المجيد،
قال الله تعالى: ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به
أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك (2) ولفظ " أو " صريح في
التخيير، وسيأتي تحقيق ذلك في كتاب الحج إن شاء الله تعالى.

(1) الوسائل الباب 31 من الكفارات
(2) سورة البقرة الآية 193
336

وألحق بذلك كفارة جز المرأة رأسها في المصاب لرواية خالد بن سدير المتقدمة
القسم الرابع ما يجب مرتبا على غيره مخيرا بينه وبين غيره وهو كفارة
الواطئ أمته المحرمة بإذنه، وسيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الحج أن هذه
الكفارة بدنة أو بقرة أو شاة فإن عجز عن الأولين فشاة أو صيام ثلاثة أيام،
فالصيام فيها مرتب على غيره وهو البدنة والبقرة مخير بينه وبين غيره وهو الشاة.
وإنما أجملنا الكلام في هذه المسائل ولم نتعرض لتحقيق البحث فيها بنقل
الأدلة وتحقيق الكلام فيها لأن الغرض هنا إنما هو استيفاء أقسام الصوم وسيجئ
تحقيق كل مسألة إن شاء الله تعالى في محلها اللائق بها.
بقي الكلام هنا في مقامات: المقام الأول قد صرح جملة من الأصحاب بل
الظاهر أنه المشهور أن كل الصوم يلزم فيه التتابع إلا أربعة: صوم النذر المجرد
عن التتابع وما في معناه من يمين وعهد، وصوم القضاء عن رمضان أو غيره، وصوم
جزاء الصيد، والسبعة في بدل الهدي.
وقد نقل الخلاف في كل من هذه الأربعة، أما الأول فحكى الشهيد في الدروس
عن ظاهر الشاميين وجوب المتابعة في النذر المطلق، والظاهر هو المشهور لحصول
الوفاء بالنذر بدون التتابع وعدم الدليل على ما ذكروه.
وأما الثاني فقد استقرب الشهيد في الدروس وجوب التتابع في قضاء النذر
المشروط فيه التتابع. ورد بأنه لا دليل عليه. وهو كذلك. ووجوب التتابع في أصل
النذر باعتبار الشرط لا يستلزم وجوبه في قضائه.
وأما الثالث فنقل عن المفيد وسلار والمرتضى أنهم أوجبوا المتابعة في صيام
الستين يوما بدل النعامة.
وأما الرابع فنقل عن ابن أبي عقيل وأبي الصلاح أنهما أوجبا المتابعة في
صيام السبعة بدل الهدي.
337

قال في المدارك بعد ذكر ذلك: والأصح عدم وجوب المتابعة في جميع ذلك
عملا بالاطلاق.
وفيه أنه قد روى ثقة الاسلام في الكافي في الحسن إلى الحسين بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " السبعة الأيام والثلاثة الأيام في الحج لا تفرق إنما
هي بمنزلة الثلاثة الأيام في اليمين " وهو ظاهر في وجوب المتابعة في السبعة كما ذكره
الفاضلان المذكوران.
ومثله ما رواه في التهذيب عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (2) قال
" سألته عن صوم ثلاثة أيام في الحج والسبعة أيصومها متوالية أو يفرق بينها؟ قال
يصوم الثلاثة لا يفرق بينها والسبعة لا يفرق بينها ولا يجمع السبعة والثلاثة جميعا "
نعم في بعض الأخبار ما يدل على التفريق.
وسيجئ الكلام في جميع هذه المسائل في مواضعها منقحا إن شاء الله تعالى.
ويندرج في كلية ما يجب فيه التتابع صوم رمضان والاعتكاف وكفارة رمضان
وكفارة قضائه وكفارة خلف النذر وما في معناه وكفارة الظهار والقتل وكفارة
حلق الرأس في حال الاحرام وصوم الثلاثة الأيام في بدل الهدي وصوم الثمانية
عشر بدل البدنة وبدل الشهرين عند العجز عنهما.
قال في المدارك: ويمكن المناقشة في وجوب المتابعة في صيام كفارة قضاء
رمضان وحلق الرأس وصوم الثمانية عشر في الموضعين، لاطلاق الأمر بالصوم في
جميع هذه الموارد فيحصل الامتثال مع التتابع وبدونه. انتهى.
وهو جيد إلا بالنسبة إلى كفارة قضاء شهر رمضان، لما تقدم في صدر
المطلب الرابع من المقصد الأول (3) من الأخبار الدالة على أنها كفارة شهر
رمضان، وكفارة شهر رمضان من ما لا خلاف في وجوب التتابع في الشهرين فيها
نعم يمكن ذلك بالنسبة إلى القول الآخر وهو صوم ثلاثة أيام حيث إنه لم يصرح

(1) الوسائل الباب 10 من بقية الصوم الواجب
(2) الوسائل الباب 10 من بقية الصوم الواجب
(3) ص 212
338

فيها بالتتابع، إلا أن الأصحاب ذكروا أنها كفارة يمين من ما يجب
التتابع فيها، فإن تم ما ذكروه لزم الاشكال في ما ذكره هنا وإلا فلا. وأما على القول
الأول فالاشكال لازم البتة، إلا أن الظاهر أن كلامه (قدس سره) مبني على ما هو
المشهور من أنها اطعام عشرة مساكين إن أمكن وإلا فصيام ثلاثة أيام وهذه الثلاثة
لا دليل على وجوب التتابع فيها. وأما القول بأنها كفارة شهر رمضان فهو وإن
قال به الصدوقان ودل عليه بعض الأخبار المتقدمة في المطلب المتقدم إلا أنه مطرح
بينهم وغير معمول عليه ولا على أخباره كما تقدم تحقيق ذلك في المطلب المذكور
وأضعف منه غيره من القولين الآخرين في المسألة كما تقدم ثمة.
المقام الثاني قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن كل ما
يشترط فيه التتابع من أفراد الصوم إذا أفطر في أثنائه لعذر بنى بعد زواله.
واطلاق كلامهم يقتضي عدم الفرق في هذا الحكم بين صوم الشهرين وصوم الثمانية
عشر في الموضعين المتقدمين وصوم الثلاثة.
وفيه أنه قد جزم جماعة: منهم المحقق والعلامة في القواعد والشهيدان في
الدروس والمسالك بوجوب الاستئناف مع الاخلال بالمتابعة في كل ثلاثة لعذر
كان أو لا لعذر إلا ثلاثة الهدي لمن صام يومين وكان الثالث العيد فإنه يبني على
اليومين الأولين بعد انقضاء أيام التشريق.
قال في المدارك بعد نقل ذلك عنهم: وهو جيد بل الأجود اختصاص
البناء مع الاخلال بالتتابع للعذر بصيام الشهرين المتتابعين والاستئناف في غيره،
أما الاستئناف في ما عدا صيام الشهرين فلأن الاخلال بالمتابعة يقتضي عدم الاتيان
بالمأمور به على وجهه فيبقى المكلف تحت العهدة إلى أن يتحقق الامتثال.
أقول: لا يخفى أن مقتضى كلامه هنا هو وجوب المتابعة في الثمانية عشر حيث إنه قد صرح بها في صدر الكلام وأنها داخلة تحت اطلاق كلامهم وأنه لو حصل
العذر الموجب لانقطاع المتابعة وجب عليه الإعادة من رأس، مع أنه قد صرح
339

سابقا في ما قدمنا نقله عنه في المقام الأول بأنه لا تجب المتابعة فيها عنده بل يحصل
الامتثال مع التتابع وعدمه، اللهم إلا أن يحمل كلامه هنا على طريق المماشاة مع
الأصحاب وأنه على تقدير ثبوت وجوب التتابع فيها في ما ذكروه فاللازم هو
الوجوب وإن حصل العذر المانع من ذلك فإنه يجب الإعادة من رأس بعد زواله.
ثم قال (قدس سره): وأما البناء في صيام الشهرين فيدل عليه ما رواه الشيخ
في الصحيح عن رفاعة (1) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل عليه صيام
شهرين متتابعين فصام شهرا ومرض؟ قال: يبني عليه الله حبسه. قلت امرأة كان
عليها صيام شهرين متتابعين فصامت وأفطرت أيام حيضها؟ قال: تقضيها.
قلت فإنها قضتها ثم يئست من المحيض؟ قال لا تعيدها أجزأها ذلك " وفي الصحيح
عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (2) نحو ذلك، وعن سليمان بن خالد (3) قال:
" سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فصام خمسة
وعشرين يوما ثم مرض فإذا برئ أيبني على صومه أم يعيد صومه كله؟ قال: يبني
على ما كان صام. ثم قال: هذا من ما غلب الله عليه وليس على ما غلب الله عز وجل
عليه شئ " انتهى.
وقال في كتاب الفقه الرضوي (4): ومتى وجب على الانسان صوم شهرين
متتابعين فصام شهرا وصام من الشهر الثاني أياما ثم أفطر فعليه أن يبني عليه فلا بأس،
وإن صام شهرا أو أقل منه ولم يصم من الشهر الثاني شيئا فعليه أن يعيد صومه إلا أن
يكون قد أفطر لمرض فله أن يبني على ما صام لأن الله حبسه.
أقول: لا يخفى أن ظاهر التعليل في هذه الروايات يقتضي وجوب البناء في
كل ما ثبت فيه وجوب التتابع إذا كان العذر من جهته (عز وجل)، وخصوص
السؤال في هذه الأخبار لا يوجب التخصيص إذ العبرة بعموم الجواب والعلة

(1) الوسائل الباب 3 من بقية الصوم الواجب
(2) الوسائل الباب 3 من بقية الصوم الواجب
(3) الوسائل الباب 3 من بقية الصوم الواجب
(4) ص 26
340

المذكورة، فإن قوله عليه السلام: " هذا من ما غلب الله عليه وليس على ما غلب الله عليه
شئ " في قوة صغرى وكبرى من مقدمتي الشكل الأول، فكأنه قيل: الافطار في
هذه الصورة من ما غلب الله عليه وكل ما غلب الله عليه فليس عليه شئ، ينتج
أن الافطار في هذه الصورة ليس عليه شئ من الإعادة. وبه يظهر أن كل موضع
ثبت فيه وجوب المتابعة فليس عليه الإعادة إذا كان العذر من جهة الله عز وجل.
وعلى هذا يجب تخصيص أخبار وجوب المتابعة في الثلاثة بهذه الأخبار فلا
تجب الإعادة فيها بالعذر الحاصل من جهته عز وجل.
وحينئذ فما ذكره أولئك الفضلاء (رضوان الله عليهم) من وجوب
الاستئناف في كل ثلاثة لعذر كان أو لغير عذر مشكل، وقصر الحكم كما ذكره السيد
السند على الشهرين أشكل.
والذي وقفت عليه من الأخبار زيادة على ما نقله (قدس سره) ما رواه ثقة
الاسلام في الكافي في الصحيح إلى علي بن أحمد بن أشيم (1) قال: " كتب الحسين
إلى الرضا عليه السلام جعلت فداك رجل نذر أن يصوم أياما معلومة فصام بعضها ثم اعتل
فأفطر أيبتدئ في صومه أم يحتسب بما مضى؟ فكتب إليه يحتسب بما مضى " وهو
كما ترى مؤيد لما ذكرناه من وجوب البناء في الصوم المتتابع وإن كان غير الشهرين.
وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (2) قال:
" سألته عن امرأة تجعل لله عليها صوم شهرين متتابعين فتحيض؟ قال: تصوم
ما حاضت فهو يجزئها ".
وما رواه في الكافي في الحسن عن رفاعة بن موسى (3) قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة تنذر عليها صوم شهرين متتابعين؟ قال: تصوم وتستأنف
أيامها التي قعدت حتى تتم الشهرين. قلت: أرأيت إن يئست من المحيض أتقضيه؟
قال: لا تقضي يجزئها الأول ".

(1) الوسائل الباب 3 من بقية الصوم الواجب
(2) الوسائل الباب 3 من بقية الصوم الواجب
(3) الوسائل الباب 3 من بقية الصوم الواجب
341

ثم قال (قدس سره): ويستفاد من التعليل المستفاد من قوله عليه السلام: " الله
حبسه " وقوله: " وهذا من ما غلب الله عليه " عدم الفرق بين أن يكون العذر
مرضا أو سفرا ضروريا أو حيضا أو اغماء أو غير ذلك.
أقول: جعل السفر الضروري من قبيل ما غلب الله عليه محل نظر. فإن
الظاهر من هذا اللفظ أن المراد به ما كان من فعل الله تعالى به بحيث إنه ليس للعبد
في ايقاعه صنع ولا مدخل بالكلية وأنه من ما فعله الله تعالى به من غير اختيار
منه، والسفر وإن كان ضروريا ليس كذلك كما هو ظاهر.
ثم قال (قدس سره) لا يقال: قد روى الشيخ في الصحيح عن جميل ومحمد
ابن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " في الرجل الحر يلزمه صوم شهرين متتابعين
في ظهار فيصوم شهرا ثم يمرض؟ قال يستقبل فإن زاد على الشهر الآخر يوما
أو يومين بنى على ما بقي " وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " إن كان
على الرجل صيام شهرين متتابعين فأفطر أو مرض في الشهر الأول فإن عليه أن
يعيد الصيام، وإن صام الشهر الأول وصام من الشهر الثاني شيئا فإنما عليه أن
يقضي " لأنا نجيب عنهما بالحمل على الاستحباب جمعا بين الأدلة، وتأولهما الشيخ
في الإستبصار أيضا بالحمل على المرض الذي لا يكون مانعا من الصوم وهو
بعيد. انتهى.
أقول: لا ريب في بعد حمل الشيخ كما ذكره، وأبعد منه الحمل على الاستحباب
كما هي القاعدة الجارية في كلامه وكلام غيره لما عرفت في غير موضع من ما سبق.
والأظهر عندي إنما هو الحمل على التقية التي هي السبب التام في اختلاف
الأخبار وإن لم يعلم القائل بذلك من العامة كما تقدم تحقيقه في المقدمة الأولى من مقدمات
الكتاب. على أن العلامة في المنتهى بعد نقل اجماع علمائنا على الحكم المذكور نقل

(1) الوسائل الباب 3 من بقية الصوم الواجب.
(2) الوسائل الباب 3 من بقية الصوم الواجب رقم (6)
342

عن الشافعي في أحد قوليه الفرق بين الحيض والمرض فأوجب الإعادة بالمرض
والبناء على ما مضى بالحيض (1) ومورد هذين الخبرين المرض.
وبالجملة فإن المفهوم من جملة من الأخبار أن منشأ الاختلاف في أخبارنا إنما
هو التقية فالحمل عليها متعين في المقام، لاتفاق علمائنا قديما وحديثا على القول بالأخبار
المتقدمة وهو مؤذن بكونه مذهبهم (عليهم السلام) فتكون التقية في الأخبار الأخر
ثم إنه على تقدير البناء على العذر فهل تجب المبادرة إلى ذلك بعد زوال العذر
بلا فصل؟ قيل نعم لأنه بتعمد الافطار بعد زوال العذر يصير مخلا بالتتابع
اختيارا. وقطع الشهيد في الدروس بعدم الوجوب. والمسألة لا تخلو من تردد
لعدم النص فيها وإن كان القول الأول لا يخلو من قرب والاحتياط يقتضي العمل
به، ولو ثبت لأمكن حمل صحيحة جميل ومحمد بن حمران ورواية أبي بصير عليه
بأن يحمل إعادة الصيام فيهما على ما إذا أفطر بعد زوال العذر عامدا.
قال في المدارك: ولو نسي النية في بعض أيام الشهر حتى فات محلها فسد
صوم ذلك اليوم، وهل ينقطع التتابع بذلك؟ قيل نعم لأن فساد الصوم يقتضي
عدم تحقق التتابع، وقيل لا لحديث رفع القلم (2) وظاهر التعليل المستفاد من
قوله عليه السلام (3) " الله حبسه " وقوله عليه السلام " ليس على ما غلب الله عليه شئ " وبه قطع
الشارح (قدس سره) ولا يخلو من قوة.
أقول: فيه إن ظاهر حديث رفع القلم إنما هو بالنسبة إلى عدم المؤاخذة
وترتب العقاب على ذلك لا صحة العبادة، وظاهر التعليل المذكور في الخبرين
لا يشمل مثل هذا كما أشرنا إليه آنفا، فإن النسيان إنما هو من الشيطان كما يدل عليه قوله
عز وجل: فأنساه الشيطان ذكر ربه " (4) وقوله: " وأما ينسينك الشيطان فلا

(1) المهذب ج 2 ص 117
(2) في المدارك هكذا: لحديث " رفع ". ورواه في الوسائل في الباب 56 من جهاد النفس.
(3) ص 340
(4) سورة يوسف الآية 43
343

تقعد بعد الذكرى.. الآية " (1) وقوله " وما أنسانيه إلا الشيطان " (2) لا من الله عز
وجل. ويؤيده ما هو المشهور من وجوب القضاء على ناسي النجاسة كما تكاثرت
به الأخبار الصريحة. وبه يظهر أن ما اختاره لا يخلو من ضعف.
المقام الثالث الظاهر أنه لا خلاف في أنه لو أفطر في ما يجب عليه التتابع
فيه لا لعذر فإنه يجب عليه الإعادة من رأس.
واستثنى من ذلك مواضع ثلاثة: الأول من وجب عليه صوم شهرين متتابعين
فصام منهما شهرا ومن الثاني يوما فإنه يبني على ما تقدم، وقال العلامة في التذكرة
وابنه في الشرح إنه قول علمائنا.
ويدل عليه جملة من الأخبار: منها صحيحة جميل ومحمد بن حمران ورواية
أبي بصير المتقدمتان (3).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (4) قال: " صيام
كفارة اليمين في الظهار شهران متتابعان، والتتابع أن يصوم شهرا ويصوم من الآخر
أياما أو شيئا منه فإن عرض له شئ يفطر منه أفطر ثم قضى ما بقي عليه، وإن
صام شهرا ثم عرض له شئ فأفطر قبل أن يصوم من الآخر شيئا فلم يتابع فليعد
الصوم كله. وقال: صيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين متتابعات ولا يفصل بينهن ".
وفي الصحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (5) أنه قال: " في
رجل صام في ظهار شعبان ثم أدركه شهر رمضان؟ قال: يصوم شهر رمضان
ويستأنف الصوم، فإن صام في الظهار فزاد في النصف يوما قضى بقيته ".

(1) سورة الأنعام الآية 68.
(2) سورة الكهف الآية 63
(3) ص 342
(4) التهذيب ج 4 ص 283 وفي الوسائل الباب 3 و 10 من بقية الصوم الواجب
(5) الوسائل الباب 4 من بقية الصوم الواجب
344

وموثقة سماعة بن (1) مهران قال: " سألته عن الرجل يكون عليه صوم
شهرين متتابعين أيفرق بين الأيام؟ فقال: إذا صام أكثر من شهر فوصله ثم عرض
له أمر فأفطر فلا بأس، وإن كان أقل من شهر أو شهرا فعليه أن يعيد الصيام ".
وما رواه الصدوق عن أبي أيوب في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام (2) " في
رجل كان عليه صوم شهرين متتابعين في ظهار فصام ذا القعدة ودخل عليه
ذو الحجة؟ قال: يصوم ذا الحجة كله إلا أيام التشريق ثم يقضيها في أول يوم من
المحرم حتى يتم له ثلاثة أيام فيكون قد صام شهرين متتابعين. قال: ولا ينبغي له
أن يقرب أهله حتى يقضي ثلاثة أيام التشريق التي لم يصمها. ولا بأس إن صام
شهرا ثم صام من الشهر الذي يليه أياما ثم عرضت له علة أن يقطعه ثم يقضي بعد
تمام الشهرين ".
نعم اختلف الأصحاب في أنه بعد البناء على ما تقدم في الصورة المذكورة
لحصول التتابع بذلك هل يجوز له التفريق اختيارا وإن كان قد حصل ما تحقق به
التتابع؟ فالمشهور الجواز للأصل وظاهر وقوله عليه السلام في صحيحة الحلبي " والتتابع أن
يصوم شهرا ويصوم من الآخر أياما أو شيئا منه " وقوله في صحيحة منصور " وإن
صام في الظهار فزاد في النصف يوما قضى بقيته " وقوله في موثقة سماعة " إذا صام
أكثر من شهر فوصله ثم عرض له أمر فأفطر فلا بأس ".
ونقل عن الشيخ المفيد (عطر الله مرقده) أنه قال: لو تعمد الافطار بعد
إن صام من الشهر الثاني شيئا فقد أخطأ وإن جاز له الاتمام. وبذلك صرح السيد
المرتضى، وصرح أبو الصلاح وابن إدريس بالإثم.
واحتج ابن إدريس بأن التتابع أن يصوم الشهرين كملا ولم يحصل فتحقق
الإثم، ولا استبعاد في الاجزاء مع الإثم.
وأجيب بالمنع من أن التتابع إنما يحصل باكمالهما. وهو كذلك لما صرحت به

(1) الوسائل الباب 3 من بقية الصوم الواجب
(2) الوسائل الباب 3 من بقية الصوم الواجب
345

صحيحة الحلبي من أن التتابع الواجب إنما هو عبارة عن أن يصوم شهرا ومن الآخر
شيئا، وهو ظاهر الروايتين الأخيرتين. وبالجملة فالقول المشهور هو المعتمد.
الثاني من وجب عليه صوم شهر متتابع بنذر ونحوه فصام خمسة عشر يوما
ثم أفطر فإنه يصومه ويبني عليه ما تقدم وإن كان قبل ذلك استأنف.
والمستند في هذا التفصيل ما رواه الشيخ عن موسى بن بكر عن الفضيل بن
يسار عن أبي جعفر عليه السلام (1) قال: " قال في رجل جعل على نفسه صوم شهر
فصام خمسة عشر يوما ثم عرض له أمر؟ فقال: جائز له أن يقضي ما بقي عليه،
وإن كان أقل من خمسة عشر يوما لم يجز له حتى يصوم شهرا تاما ".
وما رواه في الكافي والفقيه عن موسى بن بكر عن الفضيل عن أبي عبد الله
عليه السلام (2): " في رجل جعل عليه صوم شهر فصام منه خمسة عشر يوما ثم عرض له
أمر؟ فقال: إن كان صام خمسة عشر يوما فله أن يقضي ما بقي وإن كان صام أقل
من خمسة عشر يوما لم يجزئه حتى يصوم شهرا تاما ".
ولا أعلم في ذلك خلافا بين الأصحاب إلا ما يظهر من السيد السند في المدارك
قال فيه بعد نقل الخبرين المذكورين: وضعف الروايتين يمنع من العمل بهما.
وعلى نحوه حذا الفاضل الخراساني في الذخيرة.
أقول: لا ريب أن الخبرين المذكورين وإن كانا ضعيفين بهذا الاصطلاح
المحدث إلا أنهما مجبوران باتفاق الأصحاب على العمل بمضمونهما فإنه لا راد لهما ولا
مخالف في هذا الحكم غيرهما، مع أنهما في غير موضع من كتابيهما قد وافقا الأصحاب
في هذه القاعدة كما لا يخفى على من تتبع كتابيهما، وقد نبهنا على مواضع من ذلك
في شرحنا على المدارك، ولكنهما ليس لهما قاعدة يقفان عليها كما أشبعنا الكلام
عليه في غير موضع من شرحنا المشار إليه.

(1) التهذيب ج 4 ص 285 وفي الوسائل الباب 5 من بقية الصوم الواجب
(2) الوسائل الباب 5 من بقية الصوم الواجب
346

وألحق الشيخ في المبسوط والجمل بشهر النذر في هذا الحكم من وجب عليه
شهر في كفارة قتل الخطأ والظهار لكونه مملوكا، واختاره في المختلف ومنعه ابن
إدريس، وأكثر الأصحاب لم يتعرضوا في هذه المسألة إلا لحكم النذر خاصة،
وتردد فيه المحقق للمشاركة في المعنى.
واحتج العلامة باندراجه تحت الجعل في قوله: " جعل عليه " قال: فإن
العبد إذا ظاهر فقد جعل عليه صوم شهر. وأجاب عن ما ذكره ابن إدريس من أن حمله على النذر قياس باطل لا يجوز العمل به بالمنع من كون ذلك قياسا، قال بل
هو من باب الأولى.
وأنت خبير بما في كلامه (قدس سره) من الضعف الذي لا يخفى على الناظر
والأظهر الوقوف على مورد النص. وما أبعد ما بين من رد النصوص المذكورة
وبين من قاس عليها مع أنه هو المقرر لهذا الاصطلاح.
الثالث من صام ثلاثة أيام بدل الهدي يوم التروية وعرفة ثم أفطر يوم
النحر فإنه يجوز له أن يبني بعد انقضاء أيام التشريق، والروايات هنا مختلفة، وسيجئ
تحقيق القول في ذلك في محله من كتاب الحج إن شاء الله تعالى.
وباقي أفراد الصوم الواجب من النذر ونحوه والاعتكاف تأتي في أبوابها إن
شاء الله تعالى.
المطلب الثاني في الصوم المندوب
لا ريب ولا خلاف في استحباب الصوم في جميع أيام السنة إلا ما استثني،
وقد تقدم في صدر الكتاب من الأخبار ما يدل عليه.
والكلام هنا إنما هو في ما يختص وقتا بعينه وذلك في مواضع: منها وهو
أوكدها صوم ثلاثة أيام من كل شهر وهي أول خميس منه وآخر خميس وأول
أربعاء من العشر الثانية.
فمن الأخبار الواردة بذلك ما رواه الصدوق في الصحيح عن حماد بن عثمان
347

عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " صام رسول الله صلى الله عليه وآله حتى قيل ما يفطر ثم أفطر
حتى قيل ما يصوم، ثم صام صوم داود عليه السلام يوما ويوما لا، ثم قبض صلى الله عليه وآله على صيام
ثلاثة أيام في الشهر، وقال يعدلن صوم الدهر ويذهبن بوحر الصدر وقال حماد
الوحر الوسوسة قال حماد فقلت وأي الأيام هي؟ قال أول خميس في الشهر
وأول أربعاء بعد العشر منه وآخر خميس فيه. فقلت وكيف صارت هذه الأيام
التي تصام؟ فقال لأن من قبلنا من الأمم كانوا إذا نزل على أحدهم العذاب نزل في
هذه الأيام فصام رسول الله صلى الله عليه وآله هذه الأيام لأنها الأيام المخوفة ".
وما رواه الكليني عن محمد بن مسلم في الصحيح أو الحسن على المشهور عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله أول ما بعث يصوم حتى يقال
ما يفطر ويفطر حتى يقال ما يصوم، ثم ترك ذلك وصام يوما وأفطر يوما وهو
صوم داود عليه السلام ثم ترك ذلك وصام الثلاثة الأيام الغر، ثم ترك ذلك وفرقها في كل
عشرة يوما: خميسين بينهما أربعاء، فقبض صلى الله عليه وآله وهو يعمل ذلك ".
وعن معاوية بن عمار في الصحيح (3) قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول كان
في وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام أن قال: يا علي أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها
عني. ثم قال اللهم أعنه. وذكر جملة من الخصال إلى أن قال: والسادسة الأخذ
بسنتي في صلاتي وصومي وصدقتي، أما الصلاة فالخمسون ركعة وأما الصيام فثلاثة
أيام في الشهر: الخميس في أوله والأربعاء في وسطه والخميس في آخره، وأما الصدقة
فجهدك حتى تقول قد أسرفت ولم تسرف ".
وروى الصدوق عن الحسن بن محبوب في الصحيح عن جميل بن صالح عن
محمد بن مروان (4) قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول كان رسول الله صلى الله عليه وآله
يصوم حتى يقال لا يفطر ويفطر حتى يقال لا يصوم، ثم صام يوما وأفطر يوما، ثم

(1) الوسائل الباب 7 من الصوم المندوب
(2) الوسائل الباب 7 من الصوم المندوب
(3) الوسائل الباب 4 من جهاد النفس
(4) الوسائل الباب 7 من الصوم المندوب
348

صام الاثنين والخميس، ثم آل من ذلك إلى صيام ثلاثة أيام في الشهر: الخميس في أول
الشهر وأربعاء في وسط الشهر وخميس في آخر الشهر. وكان صلى الله عليه وآله يقول ذلك
صوم الدهر. وقد كان أبي عليه السلام يقول ما من أحد أبغض إلى الله (عز وجل) من
رجل يقال له كان رسول الله صلى الله عليه وآله يفعل كذا وكذا فيقول لا يعذبني الله على أن
أجتهد في الصلاة والصوم، كأنه يرى أن رسول الله صلى الله عليه وآله ترك شيئا من الفضل
عجزا عنه ".
وروى الصدوق عن زرارة في الموثق (1) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام
بم جرت السنة من الصوم؟ فقال: ثلاثة أيام من كل شهر: الخميس في العشر
الأول والأربعاء في العشر الأوسط والخميس في العشر الأخير. قال قلت هذا
جميع ما جرت به السنة في الصوم؟ قال: نعم ".
ورواه الكليني عن زرارة (2) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أفضل
ما جرت به السنة في التطوع من الصوم.. إلى آخره " وهو أوضح، وعلى الأول
فالمراد ما جرت به السنة المؤكدة ".
وروى الشيخ بإسناده عن أبي بصير (3) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
صوم السنة فقال صيام ثلاثة أيام من كل شهر: الخميس والأربعاء والخميس، يذهب
ببلابل القلب ووحر الصدر الخميس والأربعاء والخميس، وإن شاء الاثنين والأربعاء
والخميس، وإن شاء صام في كل عشرة أيام يوما فإن ذلك ثلاثون حسنة، وإن
أحب أن يزيد على ذلك فليزد ".
وروى في الكافي في الصحيح ومثله في الفقيه عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (4) " أن رسول الله صلى الله عليه وآله سئل عن صوم خميسين بينهما أربعاء
فقال: أما الخميس فيوم تعرض فيه الأعمال وأما الأربعاء فيوم خلقت فيه النار، وأما
الصوم فجنة ".

(1) الوسائل الباب 7 من الصوم المندوب
(2) الوسائل الباب 7 من الصوم المندوب
(3) الوسائل الباب 7 من الصوم المندوب
(4) الوسائل الباب 7 من الصوم المندوب
349

وروى عبد الله بن جعفر في قرب الإسناد عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن
صدقة عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم السلام) (1) " أن النبي صلى الله عليه وآله قال دخلت
الجنة فوجدت أكثر أهلها البلة. يعني بالبله المتغافل عن الشر العاقل في الخير الذين
يصومون ثلاثة أيام من كل شهر ".
ورواه الصدوق في معاني الأخبار عن أبيه عن عبد الله بن جعفر الحميري
مثله (2) إلا أنه قال: " قلت ما البله؟ قال: العاقل في الخير الغافل عن الشر الذي
يصوم في كل شهر ثلاثة أيام ".
وروى الشيخ المفيد في المقنعة مرسلا عن النبي صلى الله عليه وآله (3) أنه قال: " عرضت
على أعمال أمتي فوجدت في أكثرها خللا ونقصانا فجعلت مع كل فريضة مثليها نافلة
ليكون من أتى بذلك قد حصلت له الفريضة، لأن الله تعالى يستحي أن يعمل له العبد
عملا فلا يقبل منه الثلث ففرض الله الصلاة في كل يوم وليلة سبع عشرة ركعة
وسن رسول الله صلى الله عليه وآله أربعا وثلاثين ركعة، وفرض الله صيام شهر رمضان في
كل سنة وسن رسول الله صلى الله عليه وآله صيام ستين يوما في السنة ليكمل فرض الصوم،
فجعل في كل شهر ثلاثة أيام خميسا في العشر الأول منه وهو أول خميس في العشر
وأربعاء في العشر الأوسط منه وهو أقرب إلى النصف من الشهر وربما كان النصف
بعينه وآخر خميس في الشهر " إلى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عن نقلها المقام
تنبيهات
الأول ما ذكرناه من صوم الثلاثة المذكورة هو المشهور فتوى ورواية،
ونقل عن الشيخ التخيير بين صوم أربعاء بين خميسين أو خميس بين أربعائين، وعن
ابن أبي عقيل تخصيص الأربعاء بالأخيرة من العشر الأوسط مع موافقته في
الخميسين، وعن ابن الجنيد أنه يصوم شهرا أربعاء بين خميسين والآخر خميسا
بين أربعائين.

(1) الوسائل الباب 7 من الصوم المندوب
(2) الوسائل الباب 7 من الصوم المندوب
(3) الوسائل الباب 7 من الصوم المندوب
350

ويدل على ما ذهب إليه ابن الجنيد رواية أبي بصير (1) قال: " سألته عن
صوم ثلاثة أيام في الشهر؟ فقال: في كل عشرة أيام يوم خميس وأربعاء وخميس
والشهر الذي يليه أربعاء وخميس وأربعاء ".
وظاهر هذه الرواية دال على ما ذهب إليه ابن الجنيد والشيخ حملها على التخيير
في كل شهر استنادا إلى ما رواه عن إبراهيم بن إسماعيل بن داود (2) قال: سألت
الرضا عليه السلام عن الصيام فقال ثلاثة أيام في الشهر: الأربعاء والخميس والجمعة. فقلت
إن أصحابنا يصومون أربعاء بين خميسين؟ فقال لا بأس بذلك، ولا بأس بخميس
بين أربعائين " ومن أجل هذا نسب إليه القول المتقدم.
وكيف كان فالفضل المؤكد إنما هو في الصورة المشهورة التي استفاضت بها
الأخبار وكان عليها عمل الرسول صلى الله عليه وآله في حياته إلى أن مات والأئمة (عليهم
السلام) من بعده وإن جاز العمل بما دل عليه الخبران المذكوران، بل ظاهر
رواية أبي بصير الأخرى المتقدمة أنه يجزئ الاتيان في كل عشرة بيوم كائنا ما كان
الثاني أن من أخرها استحب له قضاؤها كما صرح به بعض الأصحاب.
ويدل عليه ما رواه الكليني عن عبد الله بن سنان (3) قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصوم صوما قد وقته على نفسه أو يصوم من أشهر
الحرم فيمر به الشهر والشهران لا يقضيه؟ فقال: لا يصوم في السفر ولا يقضي
شيئا من صوم التطوع إلا الثلاثة الأيام التي كان يصومها من كل شهر، ولا يجعلها
بمنزلة الواجب إلا أني أحب لك أن تدوم على العمل الصالح. قال: وصاحب الحرم
الذي كان يصومها يجزئه أن يصوم مكان كل شهر من أشهر الحرم ثلاثة أيام ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن داود بن فرقد عن أبيه (4) قال " كتب حفص

(1) الوسائل الباب 8 من الصوم المندوب
(2) الوسائل الباب 8 من الصوم المندوب
(3) الوسائل الباب 10 ممن يصح منه الصوم
(4) التهذيب ج 4 ص 229 وفي الوسائل الباب 21 ممن يصح منه الصوم والباب 10
من الصوم المندوب. واللفظ الذي أورده هو لفظ النوادر
351

الأعور إلى سل أبا عبد الله عليه السلام عن ثلاث مسائل فقال أبو عبد الله عليه السلام ما هي؟
قال: من ترك صيام ثلاثة أيام في كل شهر؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام من مرض
أو كبر أو عطش؟ قال ما سمى شيئا. فقال إن كان من مرض فإذا برئ فليقضه
وإن كان من كبر أو عطش فبدل كل يوم مد " وروى هذه الرواية أحمد بن محمد بن
عيسى في نوادره عن فضالة عن داود بن فرقد مثله (1).
وما رواه الكليني في الموثق عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال:
" سألته عن الرجل يكون عليه من الثلاثة أيام الشهر هل يصلح أن يؤخرها أو يصومها
في آخر الشهر؟ قال: لا بأس. فقلت يصومها متوالية أو يفرق بينها؟ فقال:
ما أحب، إن شاء متوالية وإن شاء فرق بينها " ونحوها روايات علي بن جعفر الثلاث
عن أخيه موسى عليه السلام (3).
قال السيد السند في المدارك: ولو كان الفوات لمرض أو سفر لم يستحب
قضاؤها لما رواه الكليني في الصحيح عن سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن
الرضا عليه السلام (4) قال: " سألته عن صوم ثلاثة أيام في الشهر هل فيه قضاء على
المسافر؟ قال لا " وإذا سقط القضاء عن المسافر سقط عن المريض بطريق
أولى لأنه أعذر.
أقول: لا يخفى ما في هذه التعليل العليل من الوهن وعدم الصلوح لبناء
الأحكام الشرعية عليه لو لم يرد ما ينافيه، كيف ورواية داود بن فرقد المتقدم
نقلها عن الشيخ وعن كتاب النوادر صريحة في القضاء نعم الرواية المذكورة ظاهرة
في سقوط القضاء عن المسافر.

(1) الوسائل الباب 11 من الصوم المندوب، وفيه كما في الفقه الرضوي ص 62
" عن داود بن فرقد عن أخيه ".
(2) الوسائل الباب 9 من الصوم المندوب
(3) الوسائل الباب 9 من الصوم المندوب
(4) الوسائل الباب 21 ممن يصح منه الصوم
352

ونحوها ما رواه الكليني عن المرزبان بن عمران (1) قال: " قلت للرضا
عليه السلام أريد السفر فأصوم لشهري الذي أسافر فيه؟ قال: لا. قلت فإذا قدمت
أقضيه؟ قال: لا، كما لا تصوم كذلك لا تقضي " إلا أنه ربما ظهر من رواية عبد الله
ابن سنان المتقدمة القضاء.
وأظهر منها ما رواه الكليني عن عذافر (2) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام
أصوم هذه الثلاثة الأيام في الشهر فربما سافرت وربما أصابتني علة فيجب على قضاؤها؟
قال فقال لي: إنما يجب الفرض فأما غير الفرض فأنت فيه بالخيار. قلت بالخيار
في السفر والمرض؟ قال فقال: المرض قد وضعه الله (عز وجل) عنك والسفر
إن شئت فاقضه وإن لم تقضه فلا جناح عليك ".
وصاحب المدارك قد نقل هذه الرواية وطعن فيها بضعف السند.
والجمع بين الأخبار يقتضي القول بالقضاء وإن لم يتأكد ذلك كغيره من
الترك لا لعذر، وربما لاح من هذه الرواية أيضا سقوط القضاء عن المريض وينبغي
حملها على ما ذكر أيضا.
الثالث قد ذكر جملة من الأصحاب أنه يجوز تأخيرها اختيارا من الصيف
إلى الشتاء ويكون مؤديا للسنة متى أتى بها كذلك.
ويدل عليه ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن الحسن
ابن أبي حمزة (3) قال: " قلت لأبي جعفر أو لأبي عبد الله (عليهما السلام) إني
قد اشتد على صيام ثلاثة أيام في كل شهر أؤخره في الصيف إلى الشتاء فإني أجده
أهون على؟ فقال: نعم فاحفظها ".
وما رواه الكليني عن الحسين بن أبي حمزة في الصحيح (4) قال: " قلت

(1) الوسائل الباب 21 ممن يصح منه الصوم
(2) الوسائل الباب 21 ممن يصح منه الصوم
(3) الوسائل الباب 9 من الصوم المندوب. ارجع إلى الاستدراكات
(4) الوسائل الباب 9 من الصوم المندوب. وفي كتب الحديث الحسين بن أبي حمزة
عن أبي حمزة.
353

لأبي جعفر عليه السلام صوم ثلاثة أيام من كل شهر أؤخره إلى الشتاء ثم أصومها؟ قال:
لا بأس بذلك ".
الرابع إن من عجز عن الاتيان بها استحب له أن يتصدق عن كل يوم
بدرهم أو بمد.
ويدل عليه ما رواه الكليني في الصحيح عن عيص بن القاسم (1) قال: " سألته
عن من لم يصم الثلاثة الأيام من كل شهر وهو يشتد عليه الصيام هل فيه فداء؟
قال: مد من طعام في كل يوم ".
وعن عقبة (2) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك إني قد كبرت
وضعفت عن الصيام فكيف أصنع بهذه الثلاثة الأيام في كل شهر؟ فقال يا عقبة
تصدق بدرهم عن كل يوم؟ قال قلت درهم واحد؟ قال لعلها كثرت عندك وأنت
تستقل الدرهم. قال قلت إن نعم الله على لسابغة. فقال يا عقبة لاطعام مسلم خير
من صيام شهر ".
وروى الكليني عن عمر بن يزيد (3) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن الصوم
يشتد على؟ فقال لي لدرهم تصدق به أفضل من صيام يوم. ثم قال: وما أحب
أن تدعه ".
وعن صفوان بن يحيى في الصحيح عن يزيد بن خليفة (4) قال " شكوت إلى أبي عبد الله عليه السلام فقلت إني أصدع إذا صمت هذه الثلاثة الأيام ويشق على؟ قال فاصنع
كما أصنع فإني إذا سافرت تصدقت عن كل يوم بمد من قوت أهلي الذي أقوتهم به ".
وروى في الخصال عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث (5) قال: " فمن لم يقدر
عليها لضعف فصدقة درهم أفضل له من صيام يوم ".
وروى في المقنعة مرسلا (6) قال " سئل عليه السلام عن رجل يشتد عليه أن
يصوم في كل شهر ثلاثة أيام كيف يصنع حتى لا يفوته ثواب ذلك؟ فقال:

(1) الوسائل الباب 11 من الصوم المندوب
(2) الوسائل الباب 11 من الصوم المندوب
(3) الوسائل الباب 11 من الصوم المندوب
(4) الوسائل الباب 11 من الصوم المندوب
(5) الوسائل الباب 11 من الصوم المندوب
(6) الوسائل الباب 11 من الصوم المندوب
354

يتصدق عن كل يوم بمد من طعام على مسكين ".
وقد تقدم في حديث داود بن فرقد عن أبيه (1) ما يدل على أنه إذا كان
الترك لمرض قضاه بعد البرء وإن كان لكبر أو عطش فبدل كل يوم مد.
ويستفاد من أكثر هذه الأخبار أن الفدية في ما إذا عجز عن الصوم أو شق
عليه، وليس فيها ما يخالف ذلك إلا قوله عليه السلام في حديث يزيد بن خليفة " فإني إذا
سافرت تصدقت " ولعل الحكم في السفر التخيير بين القضاء كما تقدم والصدقة كما في
هذا الخبر وفي غيره من أفراد العجز والمشقة هو الصدقة.
الخامس قال السيد السند في المدارك: قال علي بن بابويه (قدس سره) في
رسالته إلى ولده: إذا أردت سفرا وأردت أن تقدم من صوم السنة شيئا فصم
ثلاثة أيام للشهر الذي تريد الخروج فيه. ولم نقف له في ذلك على مستند بل قد
روى الكليني ما ينافيه فإنه قد روى عن المرزبان بن عمران.. ثم نقل الرواية وقد
تقدمت في التنبيه الثاني (2).
أقول: أما مستند الشيخ علي بن بابويه في ما نقل عنه فليس إلا كتاب الفقه
الرضوي كما هي عادته الجارية في ما عرفت في غير موضع من ما تقدم ويأتي إن شاء
الله مثله من أخذه عبارات الكتاب المذكور والافتاء بها، والمتأخرون حيث
لم يصل إليهم الكتاب ولم يصل لهم في الأخبار ما يدل على ما ذكره ربما طعنوا عليه
بعدم المستند كما في هذا الموضع وغيره.
قال عليه السلام في الكتاب المذكور (3): فإن أردت سفرا وأردت أن تقدم من
السنة شيئا فصم ثلاثة أيام للشهر الذي تريد الخروج فيه. وهو عين العبارة المنقولة
وأما ما ذكره من منافاة الرواية لهذا الكلام فيمكن الجواب عنه بحمل النهي في
الرواية المذكورة على النهي عن الصيام في السفر لا عن تقديمه، وهذا الكلام صريح
في الرخصة في التقديم فلا منافاة، ولعله كما رخص في القضاء رخص في التقديم.
والله العالم.

(1) ص 351 و 352
(2) ص 353
(3) ص 25
355

السادس روى الصدوق في الفقيه مرسلا (1) قال: روي أنه سئل العالم
عليه السلام عن خميسين يتفقان في آخر الشهر؟ فقال: صم الأول فلعلك لا تلحق الثاني.
قال في الوافي: الآخر في نفسه أفضل والأول يصير بهذه النية أفضل فأفضلية
كل منهما من جهة غير جهة الآخر. انتهى.
أقول: ويمكن أن يكون الخبر محمولا على ما إذا كان الخميس الثاني يوم
الثلاثين من الشهر فيجوز أن يكون ناقصا فيكون الخميس أول الشهر الذي بعد هذا
الشهر فإنه لا يلحقه، وإليه يشير قوله: " فلعلك لا تلحق الثاني " وأما حمل عدم
لحوق الثاني على الموت قبله فالظاهر بعده.
وروى فيه أيضا عن الفضيل بن يسار في القوي عن أبي عبد الله عليه السلام (2)
قال: " إذا صام أحدكم الثلاثة أيام من الشهر فلا يجادلن أحدا ولا يجهل ولا يسرع
إلى الحلف والايمان بالله وإن جهل عليه أحد فليحتمل ".
ومنها صوم أيام البيض كما ذكره جملة من أصحابنا بل ظاهر العلامة في المنتهى
أنه مذهب العلماء كافة.
قال السيد السند (قدس سره) في المدارك: ولم أقف فيه على رواية من طرق
الأصحاب سوى ما رواه الصدوق في كتاب العلل (3) باسناده إلى ابن مسعود قال:
" سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول إن آدم لما عصى ربه (عز وجل) ناداه من لدن العرش
يا آدم اخرج من جواري فإنه لا يجاورني أحد عصاني، فبكى وبكت الملائكة
فبعث الله (عز وجل) جبرئيل فأهبطه إلى الأرض مسودا، فلما رأته الملائكة
ضجت وبكت وانتحبت وقالت يا رب خلقا خلقته ونفخت فيه من روحك
وأسجدت له ملائكتك بذنب واحد حولت بياضه سوادا، فناداه مناد من السماء

(1) الوسائل الباب 7 من الصوم المندوب
(2) الوسائل الباب 12 من آداب الصائم
(3) ص 133 وفي الوسائل الباب 12 من الصوم المندوب
356

صم لربك فصام فوافق يوم ثلاثة عشر من الشهر فذهب ثلث السواد، ثم نودي يوم
الرابع عشر أن صم لربك اليوم فصام فذهب ثلثا السواد، ثم نودي يوم خمسة عشر
بالصيام فصام فأصبح وقد ذهب السواد كله، فسميت أيام البيض للذي رد الله (عز
وجل) فيه على آدم بياضه. ثم نادى مناد من السماء يا آدم هذه الثلاثة الأيام جعلتها
لك ولولدك فمن صامها في كل شهر فكأنما صام الدهر ".
ثم قال الصدوق (قدس سره) بعد أن أورد هذا الخبر: قال مصنف هذا
الكتاب هذا الخبر صحيح ولكن الله تبارك وتعالى فرض إلى نبيه محمد صلى الله عليه وآله أمر
دينه فقال عز وجل: ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا (1) فسن
رسول الله صلى الله عليه وآله مكان أيام البيض خميسا في أول الشهر وأربعاء في وسط الشهر
وخميسا في آخر الشهر وذلك صوم السنة من صامها كان كمن صام الدهر لقول الله
عز وجل: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها (2) وإنما ذكرت الحديث لما فيه من ذكر
العلة وليعلم السبب في ذلك لأن الناس أكثرهم يقولون إن أيام البيض إنما سميت
بيضا لأن لياليها مقمرة من أولها إلى آخرها (3) انتهى كلامه زيد مقامه.
ومقتضاه أن صوم هذه الأيام كان أولا فنسخ بصوم الخميسين بينهما أربعاء،
وهو الظاهر من قوله عليه السلام في صحيحة محمد بن مسلم أو حسنته المتقدمة (4) بعد أن
ذكر صومه صلى الله عليه وآله صوم داود عليه السلام " ثم ترك ذلك وصام الثلاثة الأيام الغر ثم ترك
ذلك وفرقها في كل عشرة يوما.. الحديث " فإن المراد بالأيام الغر هي أيام هذه
الليالي، ووصفها بذلك باعتبار لياليها لأن اليوم يطلق على ما يشمل النهار والليل.
وأنت خبير بأن ما ذكره شيخنا الصدوق من أن هذا الخبر صحيح مع كونه

(1) سورة الحشر الآية 8.
(2) سورة الأنعام الآية 162
(3) المغني ج 3 ص 178
(4) ص 348
357

من طريق العامة (1) ورواته كلهم منهم لا أعرف له وجها " وما تضمنه من العلة
خلاف ما عليه أصحابنا قاطبة كما لا يخفى على من راجع كلامهم فإنهم إنما عللوا كونها
بيضا بهذا الوجه الذي رده، وهو ظاهر صحيحة محمد بن مسلم المذكورة كما ذكرنا
فإن وصفها بكونها غرا إنما يكون باعتبار لياليها لا باعتبار هذه العلة التي في هذا
الخبر، وهذه العلة التي تضمنها هذا الخبر مصرح بها في كلام العامة خاصة (2)
لكون خبرها من طرقهم. وبالجملة فإن ايراده (قدس سره) لهذا الخبر وحكمه
بصحته لأجل هذه العلة لا يخلو من مجازفة.
هذا. وقد استدل جملة من الأصحاب: منهم العلامة في المنتهى بحديث
الزهري المتقدم في أول الكتاب (3) وسيأتي ما في ذلك.
نعم روى الحميري في كتاب قرب الإسناد على ما نقله في الوسائل عن الحسن
ابن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (4) " أن
عليا عليه السلام كان ينعت صيام رسول الله صلى الله عليه وآله قال: صام رسول الله صلى الله عليه وآله الدهر كله
ما شاء الله ثم ترك ذلك وصام صيام داود عليه السلام يوما لله ويوما له ما شاء الله ثم ترك
ذلك فصام الاثنين والخميس ما شاء الله ثم ترك ذلك وصام البيض ثلاثة أيام من كل
شهر فلم يزل ذلك صيامه حتى قبضه الله إليه ".
ونقل في الوسائل عن علي بن موسى بن طاووس في الدروع الواقية نقلا من

(1) لم أقف على الحديث بلفظه في كتبهم نعم في عمدة القارئ ج 4 ص 322 " روى
عن ابن عباس قال إنما سمي بأيام البيض لأن آدم لما أهبط إلى الأرض أحرقته الشمس فاسود
فأوحى الله إليه أن صم أيام البيض فصام أول يوم فابيض ثلث جسده فلما صام اليوم الثاني
فابيض ثلثا جسده فلما صام اليوم الثالث ابيض جسده كله ولم نجده في مسند ابن مسعود في مسند
أحمد ولا في سنن البيهقي ولا في كنز العمال.
(2) في المغني ج 3 ص 178 في وجه تسميتها بأيام البيض قال وقيل إن الله تاب على
آدم فيها وبيض صحيفته. ذكره أبو الحسن التميمي.
(3) ص 3 إلى 7
(4) الوسائل الباب 12 من الصوم المندوب
358

كتاب تحفة المؤمن تأليف عبد الرحمان بن محمد بن علي الحلواني عن علي بن أبي طالب
عليه السلام (1) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله أتاني جبرئيل فقال قل لعلى صم من كل
شهر ثلاثة أيام يكتب لك بأول يوم تصومه عشرة آلاف سنة وبالثاني ثلاثون
ألف سنة وبالثالث مائة ألف سنة. قلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله إلى ذلك خاصة أم
للناس عامة؟ فقال يعطيك الله ذلك ولمن عمل مثل ذلك. فقلت ما هي يا رسول الله
صلى الله عليه وآله؟ قال. الأيام البيض من كل شهر وهي الثالث عشر والرابع عشر
والخامس عشر ".
قال ابن طاووس (2) ووجدت في تأريخ نيسابور في ترجمة الحسن بن محمد
ابن جعفر باسناده إلى الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام قال " سئل رسول الله صلى الله عليه وآله
عن صوم أيام البيض فقال: صيام مقبول غير مردود ".
وظاهر المحدث المذكور في كتابه الحكم بالاستحباب في هذه الأيام تبعا للقول
المشهور حيث قال - بعد نقل كلام الصدوق المتقدم ما صورته: أقول لا منافاة
بين استحباب هذه الثلاثة وتلك الثلاثة وكان مراده بيان تأكد الاستحباب. انتهى
أقول: التحقيق عندي في هذا المقام هو حمل هذه الأخبار على التقية (3)
أما حديث قرب الإسناد فإن رواية عامي (4) والخبر ظاهر في أنه صلى الله عليه وآله كان هذا
صيامه حتى قبضه الله عليه بعد تلك الأفراد المتقدمة مع أن الروايات مستفيضة
ما ذكرنا منها وما لم نذكر في أن صيامه الذي قبضه الله عليه إنما هو صيام خميسين
بينهما أربعاء. وتأويل صاحب الوسائل بالحمل على جمعهما ضعيف، لأن ظاهر

(1) الوسائل الباب 12 من الصوم المندوب
(2) الوسائل الباب 12 من الصوم المندوب
(3) المغني ج 3 ص 177
(4) راجع رجال النجاشي والخلاصة. وفي رجال الكشي ص 247 أنه من العامة الذين
لهم ميل إلى الأئمة (ع) وفي ميزان الاعتدال للذهبي ج 1 ص 254 عن جماعة أنه ضعيف
كذاب متروك الحديث.
359

هذا الخبران صيام السنة الذي استقر عليه صلى الله عليه وآله بعد تلك الصيامات إنما هو هذا
خاصة أعني صوم أيام البيض، مع أن صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (1) دلت على أنه بعد أن صامها مدة من الزمان ترك ذلك وفرقها في كل عشرة يوما.. إلى أن
قال " فقبض صلى الله عليه وآله وهو يعمل ذلك " فكيف يتم ما ذكره؟ وأما الرواية الثانية فإن
صاحب هذا الكتاب غير معروف فلعله من العامة وهو الأقرب وهو مجهول
وحديثه مثله. والحديث الثالث كذلك بل أظهر.
وأما استناده في الوسائل أيضا إلى حديث الزهري تبعا لما نقلناه عن العلامة
في المنتهى ففيه أن صريح كلام الإمام عليه السلام إنما هو عد الأفراد التي خير فيها بين
الصوم وعدمه، حيث قال عليه السلام (2) بعد أن ذكر أولا أن أربعة عشر وجها
صاحبها بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر: وأما الصوم الذي صاحبه بالخيار
فصوم يوم الجمعة والخميس والاثنين وصوم أيام البيض وصوم ستة أيام من شوال
بعد شهر رمضان.. الحديث.
والوجه في ذلك هو ما قدمنا نقله عن المحدث الكاشاني من أن هذه الأيام لما
كانت من ما يستحب فيها الصيام عند العامة وأنه صيام الترغيب والسنة عندهم ذكره
عليه السلام وعبر عنه بالتخيير بين صومه وعدمه ردا عليهم في ما زعموا من استحباب
صومها، ولم يذكر عليه السلام في هذه الخبر شيئا من صيام السنة والترغيب الذي نحن
بصدد الكلام عليه (3) لكونه من خصوصيات مذهبهم (عليهم السلام) الذي
لا يفضونه إلا إلى شيعتهم.
والعلامة في المنتهى إنما استدل بروايات العامة (4) ثم قال: ومن طريق

(1) ص 348
(2) الوسائل الباب 5 من الصوم المندوب
(3) ارجع إلى الاستدراكات في آخر الكتاب.
(4) وهي حديث أبي ذر وحديث الأعرابي وحديث ملحان القيسي، راجع سنن البيهقي
ج 4 ص 294 والمغني ج 3 ص 77.
360

الأصحاب.. ثم أشار إلى رواية الزهري.
وبالجملة فإن هذا الفرد اتفقوا عليه إلا أنه لا دليل عليه بل الأدلة ترده.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن المشهور في كلام الأصحاب أن أيام البيض هي اليوم
الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، ونقل في المختلف عن ابن أبي عقيل إنه
الأيام الثلاثة المتقدمة.
قال في المختلف: صيام أيام البيض مستحب اجماعا والمشهور في تفسيرها
الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر، سميت بيضا بأسماء لياليها
من حيث إن القمر يطلع مع غروب الشمس ويغرب مع طلوعها، قاله الشيخان
والسيد المرتضى وأكثر علمائنا، وقال ابن أبي عقيل: فأما السنة من الصيام فصوم
شعبان وصيام البيض وهي ثلاثة أيام في كل شهر متفرقة أربعاء بين خميسين الخميس
الأول من العشر الأول والأربعاء الأخير من العشر الأوسط وخميس من العشر
الأخير. لنا أن العلة ما ذكرناها ولا تتم إلا في الأيام المذكورة. انتهى كلامه والله العالم.
ومنها صوم الغدير والعيد الكبير وقد تكاثرت الأخبار بذلك:
ومنها ما رواه في الكافي ومن لا يحضره الفقيه عن الحسن بن راشد عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " قلت له جعلت فداك هل للمسلمين عيد غير العيدين؟
قال نعم يا حسن أعظمهما وأشرفهما. قلت وأي يوم هو؟ قال هو يوم نصب
أمير المؤمنين عليه السلام علما للناس. قلت جعلت فداك وما ينبغي لنا أن نصنع فيه؟
قال تصومه يا حسن وتكثر الصلاة على محمد وآله صلى الله عليه وآله وتبرأ إلى الله ممن ظلمهم
حقهم، فإن الأنبياء (عليهم السلام) كانت تأمر الأوصياء باليوم الذي كان يقام فيه
الوصي أن يتخذ عيدا. قال قلت فما لمن صامه؟ قال صيام ستين شهرا. ولا تدع
صيام يوم سبع وعشرين من رجب فإنه اليوم الذي نزلت فيه النبوة على محمد صلى الله عليه وآله
وثوابه مثل ستين شهرا لكم ".

(1) الوسائل الباب 14 و 15 من الصوم المندوب.
361

وروى في الكافي عن عبد الرحمان بن سالم عن أبيه (1) قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والأضحى والفطر؟ قال: نعم
أعظمها حرمة. قلت وأي عيد هو جعلت فداك؟ قال اليوم الذي نصب فيه
رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام وقال من كنت مولاه فعلى مولاه. قلت أي
يوم هو؟ قال وما تصنع باليوم إن السنة تدور ولكنه يوم ثمانية عشر من
ذي الحجة. فقلت وما ينبغي لنا أن نفعل في ذلك اليوم؟ فقال تذكرون الله تعالى
فيه بالصيام والعبادة والذكر لمحمد وآل محمد فإن رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى أمير المؤمنين
عليه السلام أن يتخذ ذلك اليوم عيدا وكذلك كانت الأنبياء تفعل كانوا يوصون أوصياءهم
بذلك فيتخذونه عيدا ".
قوله عليه السلام: " وما تصنع باليوم " في جواب سؤال الراوي عن أي يوم هو
يعطي أنه عليه السلام فهم من سؤاله أن مراده السؤال عن كونه أي يوم من أيام الأسبوع
فأجابه عليه السلام بما ذكره من أن أيام الأسبوع تدور ولا تبقى على زمان توافق ذلك
الزمان بل المعتبر تعيينه بالأشهر.
وروى الشيخ في التهذيب عن علي بن الحسين العبدي (2) قال: " سمعت
أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول: صيام يوم غدير خم يعدل صيام عمر الدنيا لو عاش
انسان ثم صام ما عمرت الدنيا لكان له ثواب ذلك، وصيامه يعدل عند الله (عز
وجل) في كل عام مائة حجة ومائة عمرة مبرورات متقبلات وهو عيد الله الأكبر..
الحديث " إلى غير ذلك من الأخبار المتواترة.
ومنها صوم يوم المبعث وهو اليوم السابع والعشرون من رجب.
ويدل عليه جملة من الأخبار: منها رواية الحسن بن راشد المتقدمة.
وما رواه الصدوق عن الحسن بن بكار الصيقل عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (3)
قال: " بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله لثلاث ليال مضين من رجب وصوم ذلك اليوم

(1) الوسائل الباب 14 من الصوم المندوب
(2) الوسائل الباب 14 من الصوم المندوب
(3) الوسائل الباب 15 من الصوم المندوب
362

كصوم سبعين عاما " قال سعد (1) كان مشايخنا يقولون إن ذلك غلط من الكاتب
وإنه لثلاث بقين من رجب. إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.
ومنها صوم يوم النصف من رجب أيضا.
ويدل عليه ما رواه الشيخ في المصباح عن الريان بن الصلت (2) قال: " صام
أبو جعفر الثاني عليه السلام لما كان ببغداد صام يوم النصف من رجب ويوم السابع
والعشرين منه وصام معه جميع حشمه.. الحديث ".
ومنها صوم يوم دحو الأرض وهو اليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة
ويدل عليه ما رواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن راشد (3) قال: " كنت
مع أبي وأنا غلام فتعشينا عند الرضا عليه السلام ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة فقال
له ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة ولد فيها إبراهيم عليه السلام وولد فيها عيسى بن مريم
عليه السلام وفيها دحيت الأرض من تحت الكعبة فمن صام ذلك اليوم كان كمن صام ستين
شهرا " إلى غير ذلك من الأخبار.
قال في المدارك: ومقتضى ذلك عد الشهور قبل الدحو واستشكله جدي
(قدس سره) في فوائد القواعد بما علم من أنه تعالى خلق السماوات والأرض وما بينهما
في ستة أيام، وأن المراد من اليوم دوران الشمس في فلكها دورة واحدة وهو
يقتضي عدم خلق السماوات قبل ذلك (4) فلا يتم عد الأشهر في تلك المدة. ثم قال:
ويمكن دفعه بأن الكتاب العزيز ناطق بتأخر الدحو عن خلق السماوات والأرض
والليل والنهار، حيث قال عز وجل: أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها
فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها (5) وعلى هذا
فيمكن تحقق الأهلة وعد الأيام قبل ذلك. انتهى.

(1) الوسائل الباب 15 من الصوم المندوب
(2) الوسائل الباب 15 من الصوم المندوب
(3) الوسائل الباب 16 من الصوم المندوب، والراوي الحسن بن علي الوشاء
(4) ارجع إلى الاستدراكات
(5) سورة النازعات الآية 28 و 29 و 30 و 31.
363

ومنها صوم أول يوم من ذي الحجة وصوم يوم التروية بل صيام التسعة:
فروى ثقة الاسلام في الكافي عن سهل بن زياد عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن الأول عليه السلام في حديث (1) قال: " وفي أول يوم من ذي الحجة ولد
إبراهيم خليل الرحمان عليه السلام فمن صام ذلك اليوم كتب الله له صيام ستين شهرا ".
وروى الشيخ في كتاب المصباح مرسلا عن أبي الحسن موسى بن جعفر
عليه السلام (2) أنه قال: " من صام أول يوم من العشر عشر ذي الحجة كتب الله له
صوم ثمانين شهرا ".
وروى الصدوق مثله (3) وزاد " فإن صام التسع كتب الله له صوم الدهر ".
ورواه في كتاب ثواب الأعمال مثله (4).
قال (5): وقال الصادق عليه السلام " صوم يوم التروية كفارة سنة ويوم عرفة
كفارة سنتين ".
وقال في الكتاب المذكور (6) وروي أن في أول يوم من ذي الحجة ولد
إبراهيم خليل الرحمان (على نبينا وآله وعليه السلام) فمن صام ذلك اليوم كان
كفارة ستين سنة، وفي تسع من ذي الحجة أنزلت توبة داود (على نبينا وآله
وعليه السلام) فمن صام ذلك اليوم كان كفارة تسعين سنة:
ومنها صوم اليوم التاسع من ذي الحجة وهو يوم عرفة بشرط تحقق الهلال
وعدم الشك فيه لئلا يكوم يوم العيد وأن لا يضعفه عن الدعاء.
فروى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (7) قال:
" سألته عن صوم يوم عرفة فقال من قوى عليه فحسن إن لم يمنعك من الدعاء فإنه
يوم دعاء ومسألة فصمه، وإن خشيت أن تضعف عن ذلك فلا تصمه ".
وروى بسنده عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام (8) قال:

(1) الوسائل الباب 18 من الصوم المندوب
(2) الوسائل الباب 18 من الصوم المندوب
(3) الوسائل الباب 18 من الصوم المندوب
(4) الوسائل الباب 18 من الصوم المندوب
(5) الوسائل الباب 18 من الصوم المندوب
(6) الوسائل الباب 18 من الصوم المندوب
(7) الوسائل الباب 23 من الصوم المندوب
(8) الوسائل الباب 23 من الصوم المندوب
364

" سألته عن صوم يوم عرفة فقلت جعلت فداك إنهم يزعمون أنه يعدل صوم سنة (1)
فقال كان أبي لا يصومه. فقلت ولم ذاك؟ قال إن يوم عرفة يوم دعاء ومسألة
وأتخوف أن يضعفني عن الدعاء وأكره أن أصومه وأتخوف أن يكون يوم عرفة
يوم أضحى وليس بيوم صوم ".
وروى ثقة الاسلام في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما
السلام) (2) " أنه سئل عن صوم يوم عرفة فقال أنا أصومه اليوم وهو يوم
دعاء ومسألة ".
وروى في الموثق عن محمد بن مسلم (3) قال: " سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يصم يوم عرفة منذ نزل صيام شهر رمضان " ورواه الشيخ
في الموثق عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام مثله (4).
وروى الصدوق في الفقيه بإسناده عن يعقوب بن شعيب (5) قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن صوم يوم عرفة فقال إن شئت صمت وإن شئت لم تصم ".
قال (6) وذكر أن رجلا أتى الحسن والحسين (عليهما السلام) فوجد أحدهما
صائما والآخر مفطرا فسألهما فقالا إن صمت فحسن وإن لم تصم فجائز.
وروى الصدوق بإسناده عن عبد الله بن المغيرة عن سالم عن أبي عبد الله
عليه السلام (7) قال: " أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى علي عليه السلام وحده وأوصى علي إلى
الحسن والحسين (عليهما السلام) جميعا وكان الحسن إمامه، فدخل رجل يوم عرفة
على الحسن عليه السلام وهو يتغدى والحسين عليه السلام صائم ثم جاء بعد ما قبض الحسن عليه السلام
فدخل على الحسين عليه السلام يوم عرفة وهو يتغدى وعلي بن الحسين عليه السلام صائم، فقال
له الرجل إني دخلت على الحسن عليه السلام وهو يتغدى وأنت صائم ثم دخلت عليك وأنت
مفطر وعلي بن الحسين عليه السلام صائم؟ فقال إن الحسن عليه السلام كان إماما فأفطر لئلا يتخذ

(1) المغني ج 3 ص 174 و 175 أنه كفارة سنتين
(2) الوسائل الباب 23 من الصوم المندوب
(3) الوسائل الباب 23 من الصوم المندوب
(4) الوسائل الباب 23 من الصوم المندوب
(5) الوسائل الباب 23 من الصوم المندوب
(6) الوسائل الباب 23 من الصوم المندوب
(7) الوسائل الباب 23 من الصوم المندوب
365

صومه سنة وليتأسى به الناس فلما أن قبض كنت أنا الإمام فأردت أن لا يتخذ صومي
سنة فيتأسى الناس بي ".
وروى في الكافي عن زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) (1)
قالا: " لا تصم في يوم عاشوراء ولا عرفة بمكة ولا في المدينة ولا في وطنك ولا
في مصر من الأمصار ".
والذي يقرب عندي من التأمل في هذه الأخبار بعين الفكر والاعتبار أنها
إلى الدلالة على عدم الاستحباب كما في سائر الأيام المذكورة في المقام أقرب وإن كان
الصيام في حد ذاته مستحبا مطلقا.
ويدل على ذلك أولا الخبران الدالان على أن الرسول صلى الله عليه وآله بعد نزول شهر
رمضان لم يصمها مع ما علم من ملازمته صلى الله عليه وآله على صيام السنة.
وثانيا قول الحسين عليه السلام في حديث سالم المذكور: أن الحسن عليه السلام في وقت
إمامته وكذلك هو عليه السلام إنما لم يصوما لئلا يتخذ الناس صومه سنة وليتأسى الناس
بهما في ترك صومه، فإنه ظاهر كما ترى في عدم الاستحباب على الوجه المذكور.
وأما ما ذكره في الوسائل - من أن المقصود دفع توهم الناس وجوب صوم
يوم عرفة لا استحبابه فبعيد عن ظاهر الخبر كما لا يخفى على المتأمل فيه.
وثالثا ما صرح به عليه السلام في حديث يعقوب بن شعيب من التخيير بين الصوم
وعدمه، ومن الظاهر منافاته للترغيب المذكور في هذه الأيام المعدودة في المقام.
والسؤال ليس عن وجوبه حتى يحمل الكلام على دفع الوجوب بل السؤال عن
استحبابه على وجه الترغيب كغيره من الأيام المعدودة.
ورابعا - النهي المؤكد في رواية زرارة الأخيرة.
والأصحاب (رضوان الله عليهم) حيث قالوا باستحبابه جمعوا بين روايات
النهي وروايات الاستحباب بحمل أخبار النهي على ما إذا لزم منه الضعف عن الدعاء

(1) الوسائل الباب 21 من الصوم المندوب.
366

أو خوف الوقوع في صيام العيد استنادا إلى الخبرين الأولين، وفي دلالتهما على
ذلك تأمل سيما الخبر الثاني.
وبالجملة فإن عده في حديث الزهري المتقدم (1) في الأيام التي يتخير بين صومها
وعدمه بالتقريب الذي قدمنا بيانه يدل على أن استحباب صومه على جهة الترغيب
إنما هو عند العامة (2) كما في تلك الأفراد المعدودة معه، وما دل من الأخبار هنا
صريحا على كون صيامه يعدل سنة أو نحو ذلك فيجوز خروجه مخرج التقية، وإليه
يشير قول سدير لأبي جعفر عليه السلام: " أنهم يزعمون أنه يعدل صوم سنة " يعني العامة
فأجاب (عليه السلام) بأن أبي كان لا يصومه. بمعنى أنه لو كان كما يدعونه لكان
أبي أولى بالمحافظة على صيامه لما علم من تهالكه (عليه السلام) على الوظائف
المؤكدة. ثم إن الراوي لما سأله عن الوجه في عدم صيامه أجابه بهذا الوجه
الاقناعي من أنه يتخوف أن يضعفه عن الدعاء أو يتخوف أنه ربما يكون يوم عيد.
وهذا الجواب وقع عن عدم صومه مطلقا، فهو من قبيل العلل الشرعية التي لا يشترط
اطرادها ولا دوران المعلول مدارها بل يكفي وجودها في الجملة ولو في مادة لا بمعنى
أنه إن أضعفه عن الدعاء لم يصمه وإن لم يضعفه استحب له، وكذلك بالنسبة إلى
الهلال. وبالجملة فالأقرب عندي هو أن صومه ليس إلا مثل غيره من الأيام لا مثل
هذه الأيام المرغب فيها.
ومنها صوم مولد النبي صلى الله عليه وآله وهو اليوم السابع عشر من ربيع الأول على
المشهور، وقال الكليني إنه اليوم الثاني شعر منه وهو مذهب الجمهور (3) ونقل في

(1) ص 6
(2) المغني ج 3 ص 174 و 175 وقد استثنى ص 176 منه صومه لمن كان بعرفة
ليتقوى على الدعاء.
(3) في مرآة العقول ج 1 ص 349: اتفقت الإمامية إلا من شذ منهم أن
ولادته صلى الله عليه وآله في سابع عشر ربيع الأول. وذهب أكثر المخالفين إلى أنها في الثاني عشر منه
واختاره المصنف أما اختيارا أو تقية والأخير أظهر. راجع الإمتاع للمقريزي ج 1
ص 3 وعيون الأثر لابن سيد الناس ج 1 ص 26 والسيرة الحلبية ج 1 ص 67 وتاريخ
الطبري ج 2 ص 125.
367

المدرك عن جده في فوائد القواعد الميل إليه.
ثم قال في المدارك: وليس في الباب رواية تصلح لاثبات أحد القولين.
ثم قال: ويدل على استحباب صوم السابع عشر من شهر ربيع الأول والسابع
والعشرين من رجب ما رواه الشيخ بسند مشتمل على عدة من الضعفاء والمجاهيل
عن إسحاق بن عبد الله العلوي العريضي عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) (1)
" أنه قال له يا أبا إسحاق جئت تسألني عن الأيام التي يصام فيهن وهي أربعة: أولهن
يوم السابع والعشرين من رجب يوم بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله إلى خلقه رحمة للعالمين،
ويوم مولده وهو السابع عشر من شهر ربيع الأول، ويوم الخامس والعشرين من
ذي القعدة فيه دحيت الكعبة، ويوم الغدير فيه أقام رسول الله صلى الله عليه وآله أخاه عليا
(عليه السلام) علما للناس وإماما من بعده ".
أقول: وهذا الحديث وإن ضعف سنده بهذا الاصطلاح المحدث إلا أنه
صحيح بالاصطلاح القديم لاجماع الطائفة على العمل به قديما وحديثا وهو جابر
لضعف الخبر بتصريح أرباب هذا الاصطلاح فإنه لا راد له بل الكل قائل به ".
ورواه الراوندي سعيد بن هبة الله في كتاب الخرائج والجرائح عن إسحاق بن
عبد الله العلوي العريضي (2) قال: ركب أبي وعمومتي إلى أبي الحسن (عليه السلام)
وقد اختلفوا في الأيام التي تصام في السنة وهو مقيم في قرية قبل سيره إلى سر من رأى
فقال لهم جئتم تسألوني عن الأيام التي تصام في السنة فقالوا ما جئناك إلا لهذا
فقال.. ثم ساق الخبر على نحو ما تقدم.

(1) التهذيب ج 4 ص 305 وفي الوسائل الباب 14 من الصوم المندوب
(2) الوسائل الباب 19 من الصوم المندوب
368

ويؤيد هذا الخبر ما ذكره الشيخ في المصباح (1) قال: روي عنهم (عليهم
السلام) أنهم قالوا: من صام يوم سابع عشر من شهر ربيع الأول كتب الله له
صيام سنة.
وقال شيخنا المفيد (قدس سره) في كتاب مسار الشيعة (2): في اليوم السابع
عشر من ربيع الأول كان مولد رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يزل الصالحون من آل محمد
صلى الله عليه وآله على قديم الأوقات يعظمونه ويعرفون حقه ويرعون حرمته ويتطوعون
بصيامه. قال: وقد روي عن أئمة الهدى (عليهم السلام) أنهم قالوا: من صام
يوم السابع عشر من شهر ربيع الوأل وهو مولد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله كتب
الله له صيام سنة.
وقال في المقنعة (3) قد ورد الخبر عن الصادقين (عليهم السلام) بفضل صيام
أربعة أيام في السنة.. إلى أن قال: يوم السابع عشر من ربيع الأول.. ثم ساق الكلام
وذكر ثواب صوم كل يوم من تلك الأيام. وظاهر عبارته تكاثر الأخبار عنده بذلك.
وقال محمد بن علي الفتال الفارسي في كتاب روضة الواعظين (4): روي
أن يوم السابع عشر من ربيع الأول هو يوم مولد النبي صلى الله عليه وآله فمن صامه كتب الله
له صيام ستين سنة.
وبذلك يظهر أن ما ذكره من المناقشة في سند الخبر المتقدم من
المناقشات الواهية.
وأما ما يدل على أن مولده صلى الله عليه وآله الثاني عشر من الشهر المذكور فلم أقف عليه في
أخبارنا ولعل ما ورد بذلك أنما هو من طرق العامة حيث إن هذا هو المختار عندهم (5)
ومنها صوم يوم عاشوراء على وجه الحزن، كذا قيده جملة من الأصحاب

(1) الوسائل الباب 19 من الصوم المندوب
(2) الوسائل الباب 19 من الصوم المندوب
(3) الوسائل الباب 19 من الصوم المندوب
(4) الوسائل الباب 19 من الصوم المندوب
(5) ارجع إلى الصفحة 367
369

وكأنهم جعلوا ذلك وجه جمع بين الأخبار الواردة في صومه أمرا ونهيا (1).
وبهذا جمع الشيخ بين الأخبار في الإستبصار فقال: إن من صام يوم عاشوراء
على طريق الحزن بمصاب آل محمد صلى الله عليه وآله والجزع لما حل بعترته صلى الله عليه وآله فقد أصاب
ومن صامه على ما يعتقده مخالفونا من الفضل في صومه والتبرك به والاعتقاد
ببركته وسعادته (2) فقد أثم وأخطأ.
ونقل هذا الجمع عن شيخه المفيد (قدس سره) قال في المدارك بعد ذكر
ذلك: وهو جيد. أقول: بل الظاهر بعده لما سيظهر لك إن شاء الله تعالى بعد نقل
الأخبار الواردة في هذا المقام:
فأما ما يدل على استحباب صومه فمنها ما رواه في التهذيب عن أبي همام
عن أبي الحسن (عليه السلام) (3) قال: " صام رسول الله صلى الله عليه وآله يوم عاشوراء "

(1) الوسائل الباب 20 و 21 من الصوم المندوب
(2) لم نقف في أخبار العامة على ما يرجح الصوم يوم عاشوراء للتبرك والسعادة إلا
على حديث أبي موسى في صحيح مسلم باب (صوم يوم عاشوراء) وفيه أن أهل خيبر كانوا يصومون
يوم عاشوراء ويتخذونه عيدا ويلبسون فيه نساءهم الحلي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله فصوموه
أنتم. وللأحاديث الواردة في صومه المشتملة على الأباضية والمرجئة والضعفاء أفتى فقهاء
أهل السنة باستحباب صومه، قال العيني في عمدة القارئ ج 5 ص 347 اتفق العلماء على أن صوم يوم عاشوراء سنة وليس بواجب. نعم اختلق أعداء أهل البيت (ع) أحاديث
في استحباب التوسعة على العيال يوم عشوراء والاغتسال والخضاب والاكتحال، وفيها
يقول ابن كثير الحنبلي كان النواصب من أهل الشام يعاكسون الشيعة فيتطيبون ويغتسلون
ويطبخون الحبوب ويلبسون افخر الثياب ويتخذون ذلك اليوم عيدا يظهرون فيه السرور
عنادا للروافض وقد رد هذه الأحاديث السيوطي في اللئالي المصنوعة ج 2 ص 108 إلى
113 والذهبي في الميزان ج 1 ص 116 وابن حجر في مجمع الزوائد ج 3 ص 189 وفي
الصواعق المحرقة ص 109.
(3) الوسائل الباب 20 من الصوم المندوب
370

وما رواه عن عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر عن أبيه (عليهما
السلام) (1) قال: " صيام يوم عاشوراء كفارة سنة ".
وما رواه الشيخ عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما
السلام) (2) " أن عليا (صلوات الله وسلامه عليه وآله) قال: صوموا العاشوراء
التاسع والعاشر فإنه يكفر ذنوب سنة ".
وما رواه عن كثير النواء عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) قال: " لزقت
السفينة يوم عاشوراء على الجودي فأمر نوح (عليه السلام) من معه من الجن والإنس أن يصوموا ذلك اليوم. وقال أبو جعفر (عليه السلام) أتدرون ما هذا
اليوم؟ هذا اليوم الذي تاب الله فيه على آدم وحواء (عليهما السلام) وهذا اليوم
الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل فأغرق فرعون ومن معه، وهذا اليوم الذي
غلب فيه موسى عليه السلام فرعون، وهذا اليوم الذي ولد فيه إبراهيم عليه السلام، وهذا اليوم
الذي تاب الله فيه على قوم يونس (عليه السلام) وهذا اليوم الذي ولد فيه عيسى
بن مريم (عليه السلام) وهذا اليوم الذي يقوم فيه القائم عليه السلام ".
وأما ما يدل على عدم جواز صومه، فمنه ما رواه الصدوق في الفقيه في
الصحيح عن زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم جميعا (4) " أنهما سألا أبا جعفر الباقر
عليه السلام عن صوم يوم عاشوراء فقال: كان صومه قبل شهر رمضان فلما نزل
شهر رمضان ترك (5) ".
وما رواه ثقة الاسلام في الكافي بسنده عن عبد الملك (6) قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن صوم تاسوعاء وعاشوراء من شهر المحرم فقال
تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسين (عليه السلام) وأصحابه (رضوان الله عليهم)

(1) الوسائل الباب 20 من الصوم المندوب
(2) الوسائل الباب 20 من الصوم المندوب
(3) الوسائل الباب 20 من الصوم المندوب
(4) الوسائل الباب 21 من الصوم المندوب
(5) سنن البيهقي ج 4 ص 288
(6) الوسائل الباب 21 من الصوم المندوب
371

بكربلاء واجتمع عليه خيل أهل الشام وأناخوا عليه وفرح ابن مرجانة وعمر بن
سعد بتوافر الخيل وكثرتها واستضعفوا فيه الحسين وأصحابه (كرم الله وجوههم)
وأيقنوا أن لا يأتي الحسين (عليه السلام) ناصر ولا يمده أهل العراق، بأبي
المستضعف الغريب. ثم قال: وأما يوم عاشوراء فيوم أصيب فيه الحسين عليه السلام
صريعا بين أصحابه وأصحابه صرعى حوله، أفصوم يكون في ذلك اليوم؟ كلا ورب
البيت الحرام ما هو يوم صوم وما هو إلا يوم حزن ومصيبة دخلت على أهل السماء
وأهل الأرض وجميع المؤمنين ويوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل
الشام (غضب الله عليهم وعلى ذرياتهم) وذلك يوم بكت عليه جميع بقاع الأرض
خلا بقعة، فمن صامه أو تبرك به حشره الله مع آل زياد ممسوخ القلب
مسخوطا عليه، ومن ادخر فيه إلى منزله ذخيرة أعقبه الله تعالى نفاقا في قلبه
إلى يوم يلقاه وانتزع البركة عنه وعن أهل بيته وولده وشاركه الشيطان في
جميع ذلك ".
وما رواه فيه عن محمد بن عيسى بن عبيد عن جعفر بن عيسى أخيه (1) قال:
" سألت الرضا (عليه السلام) عن صوم يوم عاشوراء وما يقول الناس فيه فقال
عن صوم ابن مرجانة تسألني ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين
(عليه السلام) وهو يوم يتشاءم به آل محمد صلى الله عليه وآله ويتشاءم به أهل الاسلام واليوم
الذي يتشاءم به أهل الاسلام لا يصام ولا يتبرك به، ويوم الاثنين يوم نحس قبض الله
فيه نبيه صلى الله عليه وآله وما أصيب آل محمد صلى الله عليه وآله إلا في يوم الاثنين فتشاءمنا به وتبرك به
عدونا، ويوم عاشوراء قتل فيه الحسين (عليه السلام) وتبرك به ابن مرجانة
وتشاءم به آل محمد صلى الله عليه وآله فمن صامهما أو تبرك بهما لقي الله تبارك وتعالى ممسوخ
القلب وكان محشره مع الذين سنوا صومهما والتبرك بهما ".
وما رواه فيه عن زيد النرسي (2) قال: " سمعت عبيد بن زرارة يسأل

(1) الوسائل الباب 21 من الصوم المندوب
(2) الوسائل الباب 21 من الصوم المندوب
372

أبا عبد الله (عليه السلام) عن صوم يوم عاشوراء فقال: من صامه كان حظه من
صيام ذلك اليوم حظ ابن مرجانة وآل زياد. قال قلت: وما كان حظهم من ذلك
اليوم؟ قال: النار، أعاذنا الله من النار ومن عمل يقرب من النار ".
وما رواه عن نجية بن الحارث العطار (1) قال: " سألت أبا جفر عليه السلام
عن صوم يوم عاشوراء فقال صوم متروك بنزول شهر رمضان (2) والمتروك بدعة
قال نجية فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) من بعد أبيه (عليه السلام) عن ذلك
فأجابني بمثل جواب أبيه، ثم قال أما إنه صوم يوم ما نزل به كتاب ولا جرت به
سنة إلا سنة آل زياد بقتل الحسين بن علي عليهما السلام ".
وما رواه عن زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) (3) قالا:
لا تصم في يوم عاشوراء ولا عرفة بمكة.. الحديث وقد تقدم في صوم عرفة.
وما رواه الصدوق في كتاب المجالس عن الحسين بن أبي غندر عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: " سألته عن صوم يوم عرفة فقال عيد من أعياد
المسلمين ويوم دعاء ومسألة. قلت فصوم يوم عاشوراء؟ قال ذلك يوم قتل فيه الحسين
(عليه السلام) فإن كنت شامتا فصم. ثم قال إن آل أمية نذروا نذرا إن قتل
الحسين عليه السلام أن يتخذوا ذلك اليوم عيدا لهم يصومون فيه شكرا ويفرحون أولادهم
فصارت في آل أبي سفيان سنة إلى اليوم فلذلك يصومونه ويدخلون على عيالاتهم
وأهاليهم الفرح ذلك اليوم. ثم قال: إن الصوم لا يكون للمصيبة ولا يكون إلا
شكرا للسلامة وإن الحسين (عليه السلام) أصيب يوم عاشوراء فإن كنت في من
أصيب به فلا تصم وإن كنت شامتا ممن سره سلامة بني أمية فصم شكرا لله تعالى ".
وما رواه في كتاب المجالس أيضا باسناده إلى جبلة المكية (5) قال: " سمعت

(1) الوسائل الباب 21 من الصوم المندوب
(2) سنن البيهقي ج 4 ص 288
(3) الوسائل الباب 21 من الصوم المندوب
(4) الوسائل الباب 21 من الصوم المندوب، والرواية في مجالس الشيخ لا مجالس الصدوق
(5) الوافي باب صيام يوم عاشوراء والاثنين
373

ميثم التمار يقول والله لتقتلن هذه الأمة ابن نبيها في المحرم لعشر مضين منه وليتخذن
أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة، وإن ذلك لكائن قد سبق في علم الله (تعالى ذكره) أعلم
ذلك بعهد عهده إلي مولاي أمير المؤمنين (عليه السلام) ولقد أخبرني أنه يبكي عليه
كل شئ حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار والطير في جو السماء وتبكي
عليه الشمس والقمر والنجوم والسماء والأرض ومؤمنو الإنس والجن وجميع ملائكة
السماوات ورضوان ومالك وحملة العرش، وتمطر السماء دما ورمادا. ثم قال وجبت
لعنة الله على قتلة الحسين (عليه السلام) كما وجبت على المشركين الذين يجعلون مع
الله إلها آخر وكما وجبت على اليهود والنصارى والمجوس. قالت جبلة فقلت له يا ميثم
وكيف يتخذ الناس ذلك اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي (عليهما السلام) يوم
بركة؟ فبكى ميثم (رحمه الله) ثم قال سيزعمون بحديث يضعونه أنه اليوم الذي تاب الله فيه
على آدم عليه السلام وإنما تاب الله على آدم في ذي الحجة، ويزعمون أنه اليوم الذي قبل الله
فيه توبة داود عليه السلام وإنما قبل الله توبته في ذي الحجة، ويزعمون أنه اليوم الذي
أخرج الله فيه يونس عليه السلام من بطن الحوت وإنما أخرجه الله من بطن الحوت في ذي القعدة
ويزعمون أنه اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح عليه السلام على الجودي وإنما استوت على
الجودي يوم الثامن عشر من ذي الحجة، ويزعمون أنه اليوم الذي فلق الله فيه
البحر لبني إسرائيل وإنما كان ذلك في ربيع الأول. ثم قال ميثم يا جبلة اعلمي أن
الحسين بن علي (عليهما السلام) سيد الشهداء يوم القيامة ولأصحابه على سائر الشهداء
درجة، يا جبلة إذا نظرت إلى الشمس حمراء كأنها دم عبيط فاعلمي أن سيدك الحسين
عليه السلام قد قتل. قالت جبلة فخرجت ذات يوم فرأيت الشمس على الحيطان كأنها
الملاحف المعصفرة فصحت حينئذ وبكيت وقلت قد والله قتل الحسين عليه السلام.
أقول: وميثم التمار (رضي الله عنه) كان من حواري أمير المؤمنين عليه السلام
وخواصه كما هو مصرح به في الأخبار وكلام علمائنا الأبرار فقول (رضي الله عنه) مقتبس من قوله عليه السلام.
374

ثم أقول: لا يخفى عليك ما في دلالة هذه الأخبار من الظهور والصراحة في
تحريم صوم هذا اليوم مطلقا وأن صومه إنما كان في صدر الاسلام ثم نسخ بنزول
صوم شهر رمضان (1) وعلى هذا يحمل خبر صوم رسول الله صلى الله عليه وآله (2).
وأما خبر القداح وخبر مسعدة بن صدقة الدال كل منهما على أن صومه كفارة
سنة والأمر بصومه كما في ثانيهما فسبيلها الحمل على التقية (3) لا على ما ذكروه من
استحباب صومه على سبيل الحزن والجزع، كيف وخبر الحسين بن أبي غندر عن
أبيه (4) ظاهر في أن الصوم لا يكون للمصيبة وإنما يكون شكرا للسلامة، مع دلالة
الأخبار الباقية على النهي الصريح عن صومه مطلقا سيما خبر نجية وقولهما (عليهما
السلام) فيه أنه متروك بصيام شهر رمضان والمتروك بدعة. وبالجملة فتحريم صيامه
مطلقا من هذه الأخبار أظهر ظاهر.
وأما خبر كثير النواء مع كون راوية المذكور بتريا عاميا (5) قد وردت فيه
الذموم الكثيرة مثل قول الصادق عليه السلام (6) " اللهم إني إليك من كثير النوا برئ في
الدنيا والآخرة " وقوله أيضا (7) " إن الحكم بن عتيبة وسلمة وكثير النواء وأبا
المقدام والتمار يعني سالما أضلوا كثيرا ممن ضل من هؤلاء وأنهم ممن قال الله تعالى:
ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين " (8) معارض بخبر
ميثم المذكور

(1) سنن البيهقي ج 4 ص 288
(2) ص 370
(3) المغني ج 3 ص 174
(4) ص 373
(5) فرق الشيعة النوبختي ص 13 والتبصير للاسفراييني ص 33 ورجال الشيخ
الطوسي ورجال البرقي.
(6) رجال الكشي ص 208 الطبع الحديث في النجف الأشرف.
(7) رجال الكشي ص 208 الطبع الحديث في النجف الأشرف والرواية عن أبي جعفر (ع)
(8) سورة البقرة الآية 8
375

وبالجملة فإن دلالة هذه الأخبار على التحريم مطلقا أظهر ظاهر ولكن العذر
لأصحابنا في ما ذكروه من حيث عدم تتبع الأخبار كملا والتأمل فيها.
نعم قد روى الشيخ (رضي الله عنه) في كتاب مصباح المتهجد (1) عن عبد الله
ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " دخلت عليه يوم عاشوراء فألفيته كاسف
اللون ظاهر الحزن ودموعه تنحدر من عينيه كاللؤلؤ المتساقط، فقلت يا ابن رسول الله
صلى الله عليه وآله مم بكاؤك لا أبكى الله عينيك؟ فقال لي أو في غفلة أنت أما علمت أن الحسين
ابن علي (عليهما السلام) أصيب في مثل هذا اليوم؟ فقلت يا سيدي فما قولك في
صومه؟ فقال لي صمه من غير تبييت وأفطره من غير تشميت ولا تجعله يوم صوم كملا
وليكن افطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء فإنه في مثل ذلك الوقت من ذلك
اليوم تجلت الهيجاء عن آل رسول الله صلى الله عليه وآله وانكشفت الملحمة عنهم.. الحديث "
وهذه الرواية هي التي ينبغي العمل عليها وهي دالة على مجرد الامساك إلى الوقت
المذكور. والمفهوم من كلام شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) في المسالك حمل
كلام الأصحاب باستحباب صوم يوم عاشوراء على وجه الحزن هو صومه على هذا
الوجه المذكور في هذه الرواية. وهو بعيد فإن كلامهم صريح أو كالصريح في أن
مرادهم صيام اليوم كملا كما في جملة أفراد الصيام. والله العالم.
ومنها صوم أول يوم من المحرم بل الشهر كملا:
روى الصدوق (عطر الله مرقده) مرسلا (2) قال: " روي أن في أول
يوم من المحرم دعا زكريا ربه (عز وجل) فمن صام ذلك اليوم استجاب الله له كما
استجاب لزكريا عليه السلام ".
وروى في كتاب المجالس وعيون الأخبار في الصحيح عن الريان بن شبيب (3)
قال: " دخلت على الرضا عليه السلام في أول يوم من المحرم فقال لي يا ابن شبيب أصائم أنت؟

(1) ص 547 وفي الوسائل الباب 20 من الصوم المندوب
(2) الوسائل الباب 25 من الصوم المندوب
(3) الوسائل الباب 25 من الصوم المندوب
376

فقلت لا. فقال إن هذا اليوم هو اليوم الذي دعا فيه زكريا ربه فقال: رب هب لي
من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء (1) فاستجاب الله له وأمر الملائكة فنادت
زكريا وهو قائم يصلي في المحراب: إن الله يبشرك بيحيى (2) فمن صام هذا اليوم ثم
دعا الله (عز وجل) استجاب الله له كما استجاب لزكريا عليه السلام ".
وروى الشيخ المفيد (قدس سره) في المقنعة (3) عن النعمان بن سعد عن علي عليه السلام أنه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله لرجل إن كنت صائما بعد شهر رمضان
فصم المحرم فإنه شهر تاب الله (عز وجل) فيه على قوم ويتوب الله فيه على آخرين "
وروى ابن طاووس (طاب ثراه) في كتاب الاقبال (4) عن النبي صلى الله عليه وآله
قال " من صام يوما من المحرم فله بكل يوم ثلاثون يوما ".
قال (5) وروي من طرقهم (عليهم السلام) " أن من صام يوما من المحرم
محتسبا جعل الله تعالى بينه وبين جهنم جنة كما بين السماء والأرض ".
وبإسناده عن الشيخ المفيد (قدس سره) في كتاب حدائق الرياض (6) عن
الصادق عليه السلام قال: " من أمكنه صوم المحرم فإنه يعصم صائمه من كل سيئة ".
وعن النبي صلى الله عليه وآله (7) " أن أفضل الصلاة بعد الصلاة الفريضة الصلاة في جوف
الليل، وأن أفضل الصوم من بعد شهر رمضان صوم شهر الله الذي يدعونه المحرم "
ومنها صيام الخميس والجمعة والسبت، روى الشيخ المفيد في المقنعة (8) عن
راشد بن محمد عن أنس قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله من صام من شهر حرام الخميس
والجمعة والسبت كتب الله له عبادة تسعمائة سنة ".
وفي رواية أسامة بن زيد (9) " أن النبي صلى الله عليه وآله كان يصوم الاثنين والخميس
فسئل عن ذلك فقال إن أعمال الناس تعرض يوم الاثنين والخميس ".

(1) سورة آل عمران الآية 34.
(2) سورة آل عمران الآية 35
(3) الوسائل الباب 25 من الصوم المندوب
(4) الوسائل الباب 25 من الصوم المندوب
(5) الوسائل الباب 25 من الصوم المندوب
(6) الوسائل الباب 25 من الصوم المندوب
(7) الوسائل الباب 25 من الصوم المندوب
(8) الوسائل الباب 25 من الصوم المندوب
(9) سنن البيهقي ج 4 ص 293
377

ورواية ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " رأيته صائما يوم الجمعة
فقلت له جعلت فداك إن الناس يزعمون أنه يوم عيد (2)؟ فقال: كلا إنه يوم
خفض ودعة ".
وروى الصدوق في الفقيه في الصحيح عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام (3)
" في الرجل يريد أن يعمل شيئا من الخير مثل الصدقة والصوم ونحو هذا؟ قال: يستحب
أن يكون ذلك يوم الجمعة فإن العمل يوم الجمعة يضاعف ".
وروى في كتاب عيون الأخبار بسنده عن الرضا عليه السلام (4) قال: " قال
رسول الله صلى الله عليه وآله من صام يوم الجمعة صبرا واحتسابا أعطي ثواب صيام عشرة أيام
غر زهر لا تشاكل أيام الدنيا " ورواه الطبرسي في صحيفة الرضا عليه السلام (5).
وروى الصدوق عن دارم بن قبيصة عن الرضا عن آبائه (عليهم السلام) (6)
قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا تفردوا الجمعة بصوم ".
وروى الشيخ بسنده عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله (7) قال:
" لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا قبله أو بعده ".
قال الشيخ: هذا الخبر طريقه رجال العامة (8) لا يعمل به. وقال إن المعمول
عليه هو رواية ابن سنان. يعني الرواية المتقدمة (9).
أقول: قال العلامة في المختلف قال ابن الجنيد لا يستحب افراد يوم الجمعة
بصيام فإن تلا به ما قبله أو استفتح به ما بعده جاز. والمشهور الاستحباب مطلقا
لنا إن الصوم عبادة في نفسه وقد روي زيادة ثواب الطاعة يوم الجمعة وأن الحسنات
تتضاعف فيه، وما رواه ابن سنان في الصحيح.. ثم نقلها كما قدمناه ثم قال احتج ابن

(1) الوسائل الباب 5 من الصوم المندوب
(2) عمدة القارئ ج 5 ص 333
(3) الوسائل الباب 5 من الصوم المندوب
(4) الوسائل الباب 5 من الصوم المندوب
(5) الوسائل الباب 5 من الصوم المندوب
(6) الوسائل الباب 5 من الصوم المندوب
(7) الوسائل الباب 5 من الصوم المندوب رقم 6
(8) المغني ج 3 ص 165
(9) الوسائل الباب 5 من الصوم المندوب
378

الجنيد بما رواه عبد الملك بن عمير (1) قال: " سمعت رجلا من بني الحارث بن
كعب قال: سمعت أبا هريرة يقول ليس أنا أنهى عن صوم يوم الجمعة ولكن
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله قال " لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا قبله أو بعده "
والجواب ما ذكره الشيخ أن طريقه رجال العامة لا يعمل به بل الأول هو المعمول
به. ثم قال (قدس سره) مسألة: قال ابن الجنيد وصوم الاثنين والخميس منسوخ
وصوم يوم السبت منهي عنه عن النبي صلى الله عليه وآله. ولم يثبت عندي شئ من ذلك ولم
يذكر المشهورون من علمائنا ذلك. نعم روى جعفر بن عيسى عن الرضا عليه السلام..
ثم ساق الرواية كما قدمناها في صيام عاشوراء (2) ثم قال: فإن صح هذا السند كان
صوم يوم الاثنين مكروها وإلا فلا.
أقول: والذي يقرب عندي أن صيام هذه الثلاثة الأيام أعني الجمعة والخميس
والاثنين وإن جاز من حيث استحباب الصوم مطلقا إلا أنه ليس من قبيل صيام
الترغيب الذي نحن في صدد عد أفراده، فإن رواية الزهري مع رواية كتاب الفقه
الرضوي المتقدمتين في أول الكتاب (3) قد عد فيهما هذه الأيام الثلاثة من قبيل
ما يتخير بين صومه وتركه، وهو مؤذن كما قدمنا بيانه سابقا بعدم الاستحباب
فيها على الوجه المذكور في صيام الترغيب.
ويؤيده ما تقدم في رواية محمد بن مروان (4) المنقولة في صيام ثلاثة أيام
السنة أنه كان صلى الله عليه وآله يصوم الاثنين والخميس أولا ثم تحول عنه إلى صيام الثلاثة
المذكورة. وهو مشعر بنسخها.
وما تقدم (5) في رواية جعفر بن عيسى أخي محمد بن عيسى بن عبيد من الدلالة
على كراهة صوم الاثنين.

(1) التهذيب ج 4 ص 315 وفي الوسائل الباب 5 من الصوم المندوب، وهي نفس
الرواية رقم 7 ص 378
(2) ص 372
(3) ص 5
(4) ص 348
(5) ص 372
379

وما ورد في صحيحة علي بن مهزيار (1) الواردة في من نذر أن يصوم يوما
دائما ما بقي فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو يوم جمعة أو أيام
التشريق أو سفر أو مرض؟ فكتب عليه السلام في جوابه " قد وضع الله الصيام في هذه
الأيام كلها ".
وما رواه في الخصال عن عقبة بن بشير الأزدي (2) قال: " جئت إلى أبي جعفر عليه السلام يوم الاثنين فقال كل. فقلت إني صائم. فقال وكيف صمت؟ قال قلت
لأن رسول الله صلى الله عليه وآله ولد فيه. فقال: أما ما ولد فيه فلا يعلمون وأما ما قبض فيه
فنعم. ثم قال: فلا تصم ولا تسافر فيه ".
ويمكن استثناء يوم الجمعة من هذه الثلاثة لصحة ما ورد في صيامه ورجحانه
على ما عارضه. والله العالم.
ومنها صوم يوم المباهلة وهو الرابع والعشرون من شهر ذي الحجة، ولم
أقف فيه على نص.
وعلله العلامة في المنتهى بأنه يوم شريف قد أظهر الله فيه نبينا صلى الله عليه وآله على
خصمه وحصل فيه من التنبيه على قرب علي عليه السلام من ربه واختصاصه به وعظم
منزلته وثبوت ولايته واستجابة الدعاء به ما لم يحصل لغيره، وذلك من أعظم
الكرامات الموجبة لأخبار الله تعالى أن نفسه نفس رسول الله صلى الله عليه وآله فيستحب صومه
شكرا لهذه النعم الجسيمة.
ومنها صوم يوم النيروز لما رواه الشيخ في المصباح عن المعلي بن خنيس عن
الصادق عليه السلام (3) قال: " إذا كان يوم النيروز فاغتسل والبس أنظف ثيابك وتطيب
بأطيب طيبك وتكون ذلك اليوم صائما.. الحديث ".

(1) الوسائل الباب 10 من كتاب النذر والعهد وفيه " يوما من الجمعة دائما "
(2) الوسائل الباب 22 من الصوم المندوب
(3) الوسائل الباب 24 من الصوم المندوب.
380

ومنها صوم شهر رجب كلا أو بعضا، روى الشيخ والصدوق (قدس
سرهما) عن أبان بن عثمان قال: حدثنا كثير بياع النوى عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال:
" إن نوحا ركب في السفينة أول يوم من رجب فأمر من معه أن يصوموا ذلك اليوم
وقال من صام ذلك اليوم تباعدت عنه النار مسيرة سنة، ومن صام سبعة أيام منه
أغلقت عنه أبواب النيران السبعة، ومن صام ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنان
الثمانية، ومن صام عشرة أيام منه أعطى مسألته، ومن صام خمسة وعشرين يوما
منه قيل له استأنف العمل فقد غفر لك، ومن زاد زاده الله ".
وقال الصدوق (2) " قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام: رجب نهر في
الجنة أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل فمن صام يوما من رجب سقاه الله
من ذلك النهر ".
وروى الصدوق في كتاب المجالس (3) عن سلام الخثعمي عن أبي جعفر محمد
ابن علي الباقر (عليه السلام) قال: " من صام من رجل يوما واحدا من أوله
أو وسطه أو آخره أوجب الله له الجنة وجعله معنا في درجتنا يوم القيامة، ومن
صام يومين من رجب قيل له استأنف العمل فقد غفر لك ما مضى، ومن صام
ثلاثة أيام قيل له قد غفر لك ما مضى وما بقي فاشفع لمن شئت من مذنبي إخوانك
وأهل معرفتك، ومن صام سبعة أيام من رجب أغلقت عنه أبواب النيران
السبعة، ومن صام ثمانية أيام من رجب فتحت له أبواب الجنة الثمانية فيدخلها
من أيها شاء ".
وروى الشيخ المفيد في كتاب مسار الشيعة (4) قال: " روي عن أمير المؤمنين
(عليه السلام) أنه كان يصوم رجبا كله ويقول رجب شهري وشعبان شهر رسول الله
صلى الله عليه وآله وشهر رمضان شهر الله عز وجل " إلى غير ذلك من الأخبار التي يضيق
عن نقلها المقام.

(1) الوسائل الباب 26 من الصوم المندوب رقم 1 و 2
(2) الوسائل الباب 26 من الصوم المندوب
(3) الوسائل الباب 26 من الصوم المندوب
(4) الوسائل الباب 26 من الصوم المندوب
381

ومنها صوم شعبان كلا أو بعضا، وروى ثقة الاسلام في الكافي في الصحيح
عن الحلبي (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) هل صام أحد من آبائك
شعبان قط؟ قال: صامه خير آبائي رسول الله صلى الله عليه وآله ".
وروى فيه في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام (2)
قال: " كن نساء النبي صلى الله عليه وآله إذا كان عليهن صيام أخرن ذلك إلى شعبان كراهة أن
يمنعن رسول الله صلى الله عليه وآله حاجته فإذا كان شعبان صمن وصام معهن، وكان رسول الله
صلى الله عليه وآله يقول شعبان شهري ".
وروى فيه أيضا عن عنبسة العابد (3) قال: " قبض النبي صلى الله عليه وآله على صوم
شعبان ورمضان وثلاثة أيام في كل شهر، أول خميس وأوسط أربعاء وآخر خميس
وكان أبو جعفر وأبو عبد الله (عليهما السلام) يصومان ذلك ".
وروى فيه أيضا في الصحيح عن الفضيل بن يسار (4) قال: " سمعت أبا عبد الله
(عليه السلام) يقول.. وذكر حديثا إلى أن قال: وفرض الله تعالى في السنة
صوم شهر رمضان وسن رسول الله صلى الله عليه وآله صوم شعبان وثلاثة أيام في كل شهر
مثلي الفريضة فأجاز الله (عز وجل) له ذلك ".
وروى أيضا بسنده عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عن أبيه (عليهما
السلام) (5) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله من صام شعبان كان له طهرا من كل زلة
ووصمة وبادرة. قال أبو حمزة قلت لأبي جعفر عليه السلام ما الوصمة؟ قال اليمين في المعصية
والنذر في المعصية. قلت فما البادرة؟ قال اليمين عند الغضب والتوبة منها الندم عليها ".
وروى في الفقيه عن عبد الله بن مرحوم الأزدي (6) قال: " سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول من صام أول يوم من شعبان وجبت له الجنة البتة، ومن صام يومين نظر الله
إليه في كل يوم وليلة في دار الدنيا ودام نظره إليه في الجنة، ومن صام ثلاثة أيام زار
الله في عرشه من جنته في كل يوم ".

(1) الوسائل الباب 28 من الصوم المندوب
(2) الوسائل الباب 28 من الصوم المندوب
(3) الوسائل الباب 28 من الصوم المندوب
(4) الوسائل الباب 28 من الصوم المندوب
(5) الوسائل الباب 28 من الصوم المندوب
(6) الوسائل الباب 28 من الصوم المندوب
382

وروى الشيخ المفيد (عطر الله مرقده) في المقنعة (1) عن محمد بن سنان عن
زيد الشحام قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام هل صام أحد من آبائك شعبان؟ فقال
نعم كان آبائي يصومونه وأنا أصومه وآمر شيعتي بصومه، فمن صام منكم شعبان
حتى يصله بشهر رمضان كان حقا على الله أن يعطيه جنتين ويناديه ملك من بطنان
العرش عند افطاره كل ليلة يا فلان طبت وطابت لك الجنة وكفى بك أنك سررت
رسول الله صلى الله عليه وآله بعد موته ".
قال الكليني (2): وجاء في صوم شعبان أنه سئل عليه السلام عنه فقال: ما صامه
رسول الله صلى الله عليه وآله ولا أحد من آبائي. وحمله (قدس سره) على نفي الفرض
والوجوب وأنهم ما صاموا على ذلك الوجه بل على الاستحباب، قال: وذلك أن
قوما قالوا إن صومه فرض مثل صيام شهر رمضان وأن من أفطر يوما من شعبان
وجبت عليه الكفارة.
وقال الشيخ (قدس سره) (3) بعد أن أورد جملة من الأخبار المتضمنة للترغيب
في صوم شعبان ما صورته: فأما الأخبار التي وردت في النهي عن صوم شعبان
وأنه ما صامه أحد من الأئمة (عليهم السلام) فالمراد بها أنه لم يصمه أحد من الأئمة
(عليهم السلام) على أن صومه يجري مجرى شهر رمضان في الفرض والوجوب لأن
قوما قالوا إن صومه فريضة وكان أبو الخطاب (لعنه الله) وأصحابه يذهبون إليه
ويقولون إن من أفطر يوما منه لزمه من الكفارة ما يلزم من أفطر يوما من شهر
رمضان فورد عنهم (عليهم السلام) الانكار لذلك وأنه لم يصمه أحد منهم على هذا
الوجه. انتهى.
وروى في الكافي مسندا عن أبي الصباح الكناني ومن لا يحضره الفقيه مرسلا عن

(1) الوسائل الباب 29 من الصوم المندوب.
(2) الوسائل الباب 28 من الصوم المندوب
(3) التهذيب ج 4 ص 309
383

أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " صوم شعبان وشهر رمضان متتابعين توبة من الله والله ".
قال في الوافي: التوبة من العبد أن يتوب إلى الله تعالى والتوبة من الله أن يقيم
من العبد عبادة مقام توبته فيطهره بها من ذنوبه. وروى في من لا يحضره الفقيه عن المفضل بن عمر عن الصادق عليه السلام (2) قال:
" كان أبي يفصل ما بين شعبان وشهر رمضان بيوم وكان علي بن الحسين عليه السلام يصل
ما بينهما ويقول: صوم شهرين متتابعين توبة من الله ".
قال (قدس سره): وقد صامه رسول الله صلى الله عليه وآله ووصله بشهر رمضان
وصامه وفصل بينهما، ولم يصمه كله في جميع سنيه إلا أن أكثر صيامه كان فيه.
قال في الوافي بعد نقل ذلك: هذا من ما يدل على أن صيام شعبان ليس من
صيام السنة وإنما هو من صيام الترغيب. انتهى.
أقول: الظاهر من أكثر الأخبار أنه كان يحافظ على صيامه كملا وكذا
الثلاثة المتقدمة ليكون ذلك مع صوم شهر رمضان صوم الدهر، وكذا أصحابه مثل
سلمان وأبي ذر ونحوهما كما وردت به الأخبار التي وصلت إلينا، وهو أعرف بما ذكره
وروى في الكافي والفقيه عن عمرو بن خالد عن أبي جعفر عليه السلام (3) قال: " كان
رسول الله صلى الله عليه وآله يصوم شعبان وشهر رمضان يصلهما وينهى الناس أن يصلوهما
وكأن يقول صلى الله عليه وآله هما شهرا الله تعالى وهما كفارة لما قبلهما ولما بعدهما من الذنوب ".
وروى في الفقيه مرسلا قال قال الصادق عليه السلام (4): " من صام ثلاثة أيام من
آخر شعبان ووصلها بشهر رمضان كتب الله له صوم شهرين متتابعين ".
وروى في الكافي عن محمد بن سليمان عن أبيه (5) قال " قلت لأبي عبد الله عليه السلام
ما تقول في الرجل يصوم شعبان وشهر رمضان؟ قال هما الشهران اللذان قال الله
تعالى: شهرين متتابعين توبة من الله (6) قلت: فلا يفصل بينهما؟ قال إذا أفطر من

(1) الوسائل الباب 29 من الصوم المندوب
(2) الوسائل الباب 29 من الصوم المندوب
(3) الوسائل الباب 29 من الصوم المندوب
(4) الوسائل الباب 29 من الصوم المندوب
(5) الوسائل الباب 29 من الصوم المندوب
(6) سورة النساء الآية 95
384

الليل فهو فصل، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا وصال في صيام. يعني لا يصوم الرجل
يومين متواليين من غير افطار، وقد يستحب للعبد أن لا يدع السحور ".
أقول: ظاهر هذه الأخبار الاختلاف في أفضلية الفصل والوصل ولكن
أكثرها ظاهر في استحباب الوصل، وذكر الشيخ أن الأخبار التي تضمنت الفصل
بين شهر شعبان وشهر رمضان فالمراد بها النهي عن الوصال الذي بينا في ما مضى
أنه محرم، واستدل على هذا التأويل برواية محمد بن سليمان عن أبيه المذكورة.
وفيه أن الرواية الدالة على الفصل وهي رواية المفضل بن عمر صريحة في كون
الباقر عليه السلام كان يفصل بينهما بيوم يفطر فيه لا بمعنى ما ذكره من أن المراد الفصل الذي
هو عدم الوصل المحرم، ومثلها كلام الصدوق المأخوذ من النصوص البتة وقوله
فيه " وصامه وفصل بينهما ولم يصمه كله في جميع سنيه " فإنه ظاهر في افطار يوم أو
أيام من آخره يتحقق بها الفصل.
وأما رواية محمد بن سليمان المذكورة فالظاهر أن السائل فهم من التتابع الذي
ذكره عليه السلام لزوم الوصل من غير افطار وكان قد سمع النهي عن الوصال فأشكل الأمر
عليه، فاستفهم عن ذلك فأجابه بالفرق بين الأمرين وأن التتابع في هذين الشهرين
يحصل من الفصل بينهما بالافطار ليلا وليس هو من قبيل قوله صلى الله عليه وآله " لا وصال في
صيام " المنهي عنه الذي هو عبارة عن أن يصوم يومين من غير افطار.
بقي الكلام في ما دلت عليه رواية عمرو بن خالد من أنه صلى الله عليه وآله كان يصل الشهرين
وينهى الناس أن يصلوهما، والصدوق بعد ذكر هذه الرواية حمل النهي في قوله:
" وينهى الناس أن يصلوهما " على الانكار والحكاية دون الأخبار، يعني من شاء
وصل ومن شاء فصل، واستدل عليه بخبر المفضل.
وقال المحدث الكاشاني في الوافي بعد نقل ذلك عنه ما لفظه: أقول بل
الأولى أن يجعل الوصل هنا بمعنى ترك الافطار إلى السحر حتى يصير صوم وصال
385

ليكون موافقا لما رواه في الفقيه (1) أيضا: أنه نهى صلى الله عليه وآله عن الوصال في الصيام
وكان يواصل.. الحديث كما يأتي في الباب الآتي ولخبر سليمان الآتي في هذا الباب.
وما ذكره بعيد عن سياق الكلام وما بعده جدا، مع أن ذلك ليس من ما يتعجب
منه ويستنكر إذا كان له صلى الله عليه وآله خصائص ليست لأمته كما يدل عليه الخبر الآتي
وغيره من الأخبار. انتهى.
أقول: ما ذكره (قدس سره) وإن كان محتملا إلا أن حمل الخبر عليه لا يخلو
من بعد، لأن أحاديث هذا الباب قد تضمن جملة منها الأمر بالوصل والندب إليه
وليس هو إلا عبارة عن عدم الفصل بافطار آخر الشهر فاخراج هذا الخبر من بينها
بالحمل على ما ذكره من حيث تضمنه نهي الناس عن الوصل بعيد. والظاهر أن كلام
الصدوق هنا في تأويل الخبر أقرب.
وقد عد الأصحاب جملة من الأيام التي يستحب صومها لما فيها من المزايا
الشريفة، وحيث لم نجد لها دليلا من الأخبار لم نتعرض لذكرها.
وذكر بعضهم أيضا استحباب صوم ستة أيام من شوال بعد يوم الفطر ولم
أقف له على دليل، وقد تقدم في روايتي الزهري والفقه الرضوي (2) أنه من
الأفراد المخير بين صومها وتركه وهو مؤذن بعدم الاستحباب كما بينا آنفا.
والعلامة في المنتهى استدل على ذلك بخبر من طريق الجمهور عن أبي أيوب (3)
قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله من صام شهر رمضان واتبعه بست من شوال فكأنما
صام الدهر " ثم قال: ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في حديث الزهري عن
علي بن الحسين عليه السلام في وجوه الصيام (4).
وأنت خبير بما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، مع أنه قد روى الشيخ بسنده

(1) الوسائل الباب 4 من الصوم المحرم والمكروه (2) ص 5
(3) سنن البيهقي ج 4 ص 292
(4) الوسائل الباب 5 من الصوم المندوب
386

عن زياد بن أبي الحلال (1) قال: " قال لنا أبو عبد الله عليه السلام لا صيام بعد الأضحى
ثلاثة أيام ولا بعد الفطر ثلاثة أيام إنها أيام أكل وشرب ".
ومثله روى في الكافي في الصحيح عن عبد الرحمان بن الحجاج (2) قال:
" سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اليومين اللذين بعد الفطر أيصامان أم لا؟ فقال: أكره
لك أن تصومهما ".
وروى الشيخ في الموثق عن حريز عنهم (عليهم السلام) (3) قال: " إذا
أفطرت من رمضان فلا تصومن بعد الفطر تطوعا إلا بعد ثلاث يمضين ".
وبذلك يظهر أن الحكم في هذه الأيام هو الكراهة إن لم نقل بالتحريم
لا الاستحباب.
المطلب الثالث
في المنهي عنه تحريما أو كراهة
فالكلام في مقامين: الأول الصيام المحرم وهو أفراد:
أحدها وثانيها
صوم العيدين وأيام التشريق، قال في المعتبر والتذكرة: وعليه اجماع
علماء الاسلام.
والروايات بذلك متظافرة منها ما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة (4)
قال: " سألته عن صيام يوم الفطر؟ فقال لا ينبغي صيامه ولا صيام أيام التشريق "
وما رواه الشيخ في التهذيب عن قتيبة الأعشى (5) قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام
نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن صوم ستة أيام: العيدين وأيام التشريق واليوم الذي
يشك فيه من شهر رمضان ".

(1) الوسائل الباب 3 من الصوم المحرم والمكروه
(2) الوسائل الباب 3 من الصوم المحرم والمكروه. وفي الفروع ج 1 ص 203
" سألت أبا الحسن ع "
(3) الوسائل الباب 3 من الصوم المحرم والمكروه
(4) الوسائل الباب 1 من الصوم المحرم والمكروه
(5) الوسائل الباب 1 من الصوم المحرم والمكروه
387

وما رواه في الفقيه والتهذيب عن عبد الكريم بن عمرو (1) قال: " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام إني جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم (عجل الله فرجه)؟
فقال: لا تصم في السفر ولا العيدين ولا أيام التشريق ولا اليوم يشك فيه ".
واستثنى الشيخ من تحريم صوم العيدين وأيام التشريق حكم القاتل في أشهر الحرم
فإنه يجب عليه صوم شهرين من أشهر الحرم وإن دخل فيها العيد وأيام التشريق:
لما رواه عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (2) قال: " سألته عن رجل قتل رجلا
خطأ في الشهر الحرام؟ قال: تغلظ عليه الدية وعليه عتق رقبة أو صيام شهرين
متتابعين من أشهر الحرم. قلت فإنه يدخل في هذا شئ؟ فقال وما هو؟ قلت
يوم العيد وأيام التشريق. قال يصوم فإنه حق لزمه ".
والمشهور بين الأصحاب هو عموم التحريم، قال الشيخ بعد ايراد هذا الخبر أنه
ليس بمناف لما تضمنه الخبر الأول من تحريم صوم العيدين لأن التحريم إنما وقع
على من يصومهما مختارا مبتدئا فأما إذا لزمه شهران متتابعان على حسب ما تضمنه
الخبر فيلزمه صوم هذه الأيام لادخاله نفسه في ذلك.
ورد العلامة في التذكرة هذا الخبر بأن في طريقه سهل بن زياد ومع ذلك
فهو مخالف للاجماع. وقال في المختلف إنه قاصر عن إفادة المطلوب إذ ليس فيه
أنه يصوم العيد وإنما أمره بصوم أشهر الحرم وليس في ذلك دلالة على صوم العيد
وأيام التشريق يجوز صومها في غير منى.

(1) الوسائل الباب 6 من وجوب الصوم ونيته. وقد تقدمت هذه الرواية ص 188
باللفظ الذي يرويها به في الفروع ج 1 ص 201 عن كرام، وقد ذكرت في التعليقة 7 هناك
أن الراوي كرام ويروي عنه ابن أبي عمير حيث إن رواية عبد الكريم بن عمرو المروية
في التهذيب ج 4 ص 183 والفقيه ج 2 ص 79 إنما هي باللفظ المذكور هنا.
(2) الوسائل الباب 8 من بقية الصوم الواجب، والرواية للكليني في الفروع ج 1
ص 201 والشيخ يرويها عنه في التهذيب ج 4 ص 297. وفيه " تغلظ عليه العقوبة "
388

ولا يخفى ما فيه مع أنه قد روى في الحسن بإبراهيم بن هاشم على المشهور
الصحيح على المختار عن زرارة (1) قال: " قلت لأبي جعفر عليه السلام رجل قتل رجلا
في الحرم؟ قال عليه دية وثلث ويصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم ويعتق
رقبة ويطعم ستين مسكينا. قال قلت يدخل في هذا شئ؟ قال وما يدخل؟
قلت العيدان وأيام التشريق. قال يصوم فإنه حق لزمه ".
قال المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى ونعم ما قال بعد أن نقل هذه
الرواية وأشار إلى الرواية السابقة ما لفظه: وأورده الشيخ في الكتابين مصرحا
بالاعتماد عليه في اثبات هذا الحكم، وأنكره جماعة من الأصحاب استضعافا لطريق
الخبر عن النهوض لتخصيص عموم ما دل على المنع من صوم هذه الأيام. وللنظر
في ذلك مجال فإن دليل المنع هنا منحصر في الاجماع والأخبار، وظاهر أن مصير.
الشيخ إلى العمل بحديث التخصيص يبعد احتمال النظر في العموم إلى الاجماع، وأما
الأخبار فما هي بمقام إباء لقوة دلالة أو طريق عن قبول هذا التخصيص، على أن
الشيخ روى صوم هذه الأيام في كتاب الديات من طريقين: أحدهما من واضح الصحيح
والآخر مشهوري (2) والصدوق أورد المشهوري في كتاب من لا يحضره الفقيه أيضا (3)
فالعجب من قصور تتبع الجماعة حتى حسبوا انحصار المأخذ في الخبر الضعيف. انتهى.
وبذلك يظهر لك ما في كلام السيد السند في المدارك حيث إنه بعد أن أورد حسنة
زرارة المذكورة قال: وهذه الرواية وإن كانت معتبرة الاسناد إلا أن الخروج بها
عن مقتضى الأخبار الصحيحة المتضمنة لتحريم صوم هذه الأيام مشكل، وكيف
كان فالمعتمد التحريم مطلقا. انتهى.
أقول: فيه أن الأخبار الواردة بتحريم صوم العيدين ليس فيها ما هو صحيح
باصطلاحه كما لا يخفى على من راجعها، ومع تسليم ذلك فالتخصيص باب معمول

(1) الوسائل الباب 8 من بقية الصوم الواجب
(2) الوسائل الباب 3 من ديات النفس
(3) الوسائل الباب 3 من ديات النفس
389

عليه عندهم في غير موضع فأي مانع من تخصيص تلك الأخبار وإن كانت صحيحة
بهذه الأخبار. وبالجملة فالأصح هو العمل بما دل عليه الخبران المذكوران.
وينبغي أن يعلم أن تحريم صيام أيام التشريق إنما هو لمن كان بمنى كما يدل عليه
ما رواه في الفقيه في الصحيح عن معاوية بن عمار (1) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن صيام أيام التشريق قال إنما نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن صيامها
بمنى فأما بغيرها فلا بأس ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار أيضا (2) قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن صيام أيام التشريق فقال أما بالأمصار فلا بأس وأما بمنى فلا ".
والظاهر أنه من ما لا خلاف فيه وإن كان بعضهم أطلق فمراده التقييد كما
صرح به العلامة في المختلف، نعم في جملة من العبارات التقييد بمن كان ناسكا، والأخبار
خالية من هذا القيد ولعل من قيد بذلك بنى على ما هو الغالب وحمل الروايات على
ذلك. وهو جيد.
وقال الشهيد في الدروس: روى إسحاق بن عمار أيضا عن الصادق عليه السلام صيام
أيام التشريق بدلا عن الهدي (3) ثم استقرب المنع. وسيأتي تحقيق المسألة في محلها
إن شاء الله تعالى.
ومنها صوم يوم الثلاثين مع شعبان وهو يوم الشك بنية الفرض وقد تقدم
تحقيق الكلام فيه، وعلى ذلك تحمل الأخبار المتقدمة في تحريم صوم العيدين.
ومنها صوم الصمت وهو أن ينوي الصوم ساكتا، وقد أجمع الأصحاب
على تحريمه لأنه غير مشروع في الملة المحمدية فيكون بدعة.
وما تقدم في أول الكتاب من حديث الزهري وكتاب الفقه الرضوي (4)
من قولهما: " وصوم الوصال حرام وصوم الصمت حرام ".

(1) الوسائل الباب 2 من الصوم المحرم والمكروه
(2) الوسائل الباب 2 من الصوم المحرم والمكروه
(3) الوسائل الباب 51 من أبواب الذبح
(4) ص 5
390

وما رواه في الفقيه (1) في الصحيح عن زرارة قال: " سأل زرارة أبا عبد الله
عليه السلام عن صوم الدهر فقال لم يزل مكروها. وقال لا وصال في صيام ولا صمت يوما
إلى الليل ".
وروى في الفقيه بسنده عن حماد بن عمرو وأنس بن محمد عن جعفر بن محمد
عن آبائه (عليهم السلام) في وصية النبي صلى الله عليه وآله المذكورة في آخر الكتاب (2) قال:
" ولا صمت يوما إلى الليل.. إلى أن قال: وصوم الصمت حرام ".
والمفهوم من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن هذا الصوم يقع فاسدا
لمكان النهي.
قال في المدارك بعد نقل ذلك عنهم: ويحتمل الصحة لصدق الامتثال
بالامساك عن المفطرات مع النية وتوجه النهي إلى الصمت المنوي ونيته وهو خارج
عن حقيقة العبادة.
أقول: لا يخفى أن جملة من هذه الأخبار قد صرحت بأن صوم الصمت
حرام، ومرجعه إلى تحريم الامساك على هذا الوجه، فكيف يحتمل الصحة
لصدق الامتثال كما ذكره؟ والنهي ليس متوجها إلى الصمت المنوي كما ذكره بل
متوجه إلى الصوم المقترن بالصمت، فإن المراد بقوله عليه السلام في صحيحة زرارة " ولا صمت
يوما إلى الليل " ليس هو النهي عن الصمت مطلقا وإنما المراد الصيام صامتا وإلا لم
يكن لا يراد هذا الخبر في باب الصوم وجه. ومع الاغماض عن ذلك فإنا نقول أن
النهي وإن كان متوجها إلى أمر خارج عن الصيام لكن هذا الأمر مأخوذ في النية التي
هي شرط في الصحة وليس الصوم مقصودا إلا بهذا القيد المحرم، وحينئذ فلا
يمكن قصد القربة به مع كونه منهيا عنه ومتى بطلت النية التي هي شرط أو شطر
بطل المشروط الكل.

(1) ج 2 ص 112 وفي الوسائل الباب 7 و 4 و 5 من الصوم المحرم والمكروه
(2) الوسائل الباب 5 من الصوم المحرم والمكروه
391

ومنها صوم الوصال، والظاهر أنه لا خلاف بينهم في تحريمه.
وعليه يدل ما تقدم من خبري الزهري وكتاب الفقه وما تقدم من
صحيحة زرارة.
وما رواه في الفقيه (1) باسناده إلى منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام في
حديث قال: " لا وصال في صيام ولا صمت يوما إلى الليل ".
وما رواه في وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام (2) المتقدمة قال: " لا وصال في
صيام.. إلى أن قال: وصوم الوصال حرام ".
قال الصدوق (رضي الله عنه) (3) " ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الوصال في
الصيام وكان يواصل فقيل له في ذلك؟ فقال إني لست كأحدكم إني لست كأحدكم إني أظل عند ربي
فيطعمني ويسقيني ".
قال: وقال الصادق عليه السلام (4) " الوصال الذي نهى عنه أن يجعل الرجل
عشاءه سحوره ".
أقول: لا اشكال ولا خلاف في تحريم صوم الوصال وإنما الخلاف
والاشكال في معناه وأنه عبارة عن ماذا؟ وقد دل الخبر المنقول عن الصادق عليه السلام
على أنه عبارة عن أن يجعل الرجل عشاءه سحوره.
وعلى ذلك دل ما رواه الكليني في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (5)
قال: " الوصال في الصيام أن يجعل عشاءه سحوره ".
وفي الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام (6) قال " المواصل
في الصيام يصوم يوما وليلة ويفطر في السحر ".
وبمضمون هذه الروايات أفتى الشيخ في النهاية وأكثر الأصحاب.
وعن الشيخ في الإقتصاد وابن إدريس أنه عبارة عن أن يصوم يومين بليلة

(1) الوسائل الباب 4 من الصوم المحرم والمكروه.
(2) الوسائل الباب 4 من الصوم المحرم والمكروه.
(3) الوسائل الباب 4 من الصوم المحرم والمكروه.
(4) الوسائل الباب 4 من الصوم المحرم والمكروه.
(5) الوسائل الباب 4 من الصوم المحرم والمكروه.
(6) الوسائل الباب 4 من الصوم المحرم والمكروه.
392

بينهما وعليه تدل رواية محمد بن سليمان عن أبيه المتقدمة في صوم شعبان (1) وجعل
في المعتبر هذا هو الأولى.
قال في المدارك: وكأن وجهه الاقتصار في ما خالف الأصل على موضع
الوفاق. ثم قال: لكن الرواية بذلك ضعيفة جدا فكان المصير إلى الأول
متعينا لصحة مستنده.
أقول: ولعل الوجه الجمع بين الأخبار هنا بتفسير الوصال بكل من
الأمرين وأنه محرم بكل منهما. والظاهر أنه إنما يتحقق الوصال بكل من الأمرين
المذكورين بنية الصوم كذلك لا بوقوعه كيف اتفق، لأن العبادات صحة وبطلانا
وثوابا وعقابا وتحليلا وتحريما دائرة مدار النيات والقصود، فلو أخر عشاءه إلى
وقت السحور لا بهذا القصد أو ترك الأكل يومين بليلة بينهما لا كذلك فالظاهر
عدم دخوله في الوصال وإن كان الأولى ترك ذلك لما يستفاد من ظاهر الأخبار بأن
الوصال عبارة عن مجرد التأخير.
قال في المدارك في هذه المسألة: والكلام في بطلان الصوم هنا كما سبق
في صوم الصمت.
أقول: قد عرفت أن الأظهر ثمة هو البطلان كما عليه الأصحاب من غير
خلاف يعرف إلا منه ومن تبعه فكذا هنا أيضا بالتقريب المتقدم.
ومنها صوم نذر المعصية وهو أن ينذر الصوم إن تمكن من المعصية
ويقصد بذلك الشكر على تيسرها لا الزجر عنها.
ولا ريب في عدم انعقاد هذا النذر وتحريم الصوم على هذا الوجه لأنه لا بد
فيه من القربة ولا يصح إلا بها وهذا من ما لا يمكن التقرب به.
ولما تقدم (2) في حديثي الزهري وكتاب الفقه الرضوي من قولهما (عليهما
السلام): " وصوم نذر المعصية حرام ".

(1) ص 384
(2) ص 5
393

وما في حديث وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام المروي في آخر الفقيه (1)
حيث قال: " وصوم نذر المعصية حرام ".
وقد تقدم في حديث الثمالي في صوم شعبان (2) " من صام شعبان كان له
طهرا من كل زلة ووصمة. قلت وما الوصمة؟ قال اليمين في المعصية والنذر
في المعصية ".
ومنها صوم الواجب في السفر إلا ما استثنى، وقد تقدم تحقيق ذلك (3).
ومنها الصوم في المرض إن تضرر به،
وصوم المرأة بغير إذن زوجها،
وصوم العبد بغير إذن سيده، وقد تقدم الكلام فيه (4).
ومنها صوم الدهر، ويدل عليه ما تقدم في حديثي الزهري والفقه
الرضوي (5) حيث قالا: " وصوم الدهر حرام ".
وما رواه الصدوق في الصحيح (6) قال: " سأل زرارة أبا عبد الله عليه السلام عن
صوم الدهر فقال: لم يزل مكروها ".
وما رواه في الفقيه في وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام (7) قال: " وصوم الدهر
حرام ".
وما رواه في الكافي عن زرارة (8) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
صوم الدهر فقال: لم نزل نكرهه ".
وما رواه في الموثق عن سماعة (9) قال: " سألته عن صوم الدهر فكرهه
وقال: لا بأس أن يصوم يوما ويفطر يوما ".
وظاهر الأصحاب أن التحريم الوارد في هذه الأخبار إنما هو من حيث
اشتمال السنة على صوم محرم وهو صوم يومي العيدين، وأما صومه بدون هذه الأيام

(1) الوسائل الباب 6 من الصوم المحرم والمكروه
(2) ص 382
(3) ص 185
(4) ص 169 و 204 و 205
(5) الوسائل الباب 7 من الصوم المحرم والمكروه.
(6) الوسائل الباب 7 من الصوم المحرم والمكروه.
(7) الوسائل الباب 7 من الصوم المحرم والمكروه.
(8) الوسائل الباب 7 من الصوم المحرم والمكروه.
(9) الوسائل الباب 7 من الصوم المحرم والمكروه.
394

المحرمة فليس بمحرم بل مكروه.
أقول: لا يخفى أن ظاهر الأخبار المذكورة أن التحريم إنما نشأ من حيث
كونه صوم الدهر كما يشير إليه قوله في موثقة سماعة بعد أن وكرهه " لا بأس أن يصوم
يوما ويفطر يوما " ولا ريب في أن الكراهة في هذه الأخبار إنما هي بمعنى التحريم
فلو كان منشأ التحريم إنما هو صوم يومي العيدين كما ذكروا لكان ينبغي أن يقول:
" لا بأس إن أفطر العيدين " كما لا يخفى. إلا أني لم أقف على من قال بالتحريم مع
افطار يومي العيدين. وكيف كان فلا ريب أن الأحوط اجتنابه.
المقام الثاني الصيام المكروه وهو أيضا أفراد:
منها ما تقدم من صوم
الضيف بدون إذن مضيفه
والولد بغير إذن والده
والمدعو إلى طعام، وقد تقدم (1)
نقل الخلاف في ذلك وتحقيق القول في ذلك كما هو حقه.
ومنها الصيام المستحب في السفر وقد تقدم (2) بيان القول فيه.
قالوا: ومن ذلك صوم عرفة لمن يضعفه عن الدعاء لقوله عليه السلام في صحيحة
محمد بن مسلم (3) " وإن خشيت أن تضعف عن ذلك فلا تصمه) أو مع الشك في
الهلال كما يدل عليه قوله عليه السلام في رواية سدير (4) " وأكره أن أصومه وأتخوف أن
يكون يوم عرفة يوم أضحى وليس بيوم صوم " وقد تقدم (5) تحقيق الكلام في المقام
بما لا يحوم حوله النقض والابرام.
ومن ذلك صوم ثلاثة أيام بعد يوم الفطر وإن كان جملة من الأصحاب صرحوا
باستحباب صوم ستة أيام بعد عيد الفطر، وإلا أن المفهوم من الأخبار الكراهة
وقد تقدم (6) نقل الدليل على ذلك.

(1) ص 201 إلى 207
(2) ص 197
(3) الوسائل الباب 23 من الصوم المندوب.
(4) الوسائل الباب 23 من الصوم المندوب.
(5) ص 364
(6) ص 386
395

المقصد الثالث
في اللواحق
وفيه مسائل: الأولى لا خلاف نصا وفتوى في أنه يشترط في صوم شهر
رمضان الإقامة فلا يصح صومه في سفر يجب فيه التقصير.
ويدل عليه من الأخبار ما رواه ثقة الاسلام في الصحيح عن محمد بن مسلم
عن أحدهما (عليهما السلام) (1) " في الرجل يشيع أخاه مسيرة يوم أو يومين أو
ثلاثة؟ قال إن كان في شهر رمضان فليفطر. قلت أيهما أفضل يصوم أو يشيعه؟
قال يشيعه إن الله (عز وجل) قد وضعه عنه ".
وفي الصحيح عن عيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " إذا خرج
الرجل في شهر رمضان مسافرا أفطر. وقال إن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج من المدينة
إلى مكة في شهر رمضان ومعه الناس وفيهم المشاة فلما انتهى إلى كراع الغميم دعا بقدح
من ماء في ما بين الظهر والعصر فشربه وأفطر ثم أفطر الناس معه وتم ناس على
صومهم فسماهم العصاة، وإنما يؤخذ بآخر أمر رسول الله صلى الله عليه وآله ".
وروى الصدوق في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (3) قال: " سمى
رسول الله صلى الله عليه وآله قوما صاموا حين أفطر وقصر عصاة وقال هم العصاة إلى يوم القيامة.
وإنا لنعرف أبناءهم وأبناء أبنائهم إلى يومنا هذا ".
وعن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (4) " في قول الله عز وجل: فمن
شهد منكم الشهر فليصمه (5) قال ما أبينها، من شهد فليصمه ومن سافر فلا يصمه ".
وما رواه الكليني في الصحيح عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله

(1) الفروع ج 1 ص 198 وفي الوسائل الباب 10 من صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 1 ممن يصح منه الصوم
(3) الوسائل الباب 1 ممن يصح منه الصوم
(4) الوسائل الباب 1 ممن يصح منه الصوم
(5) سورة البقرة الآية 182
396

عليه السلام (1) قال: " سمعته يقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن الله (عز وجل) تصدق على
مرضى أمتي ومسافريهم بالتقصير والافطار، أيسر أحدكم إذا تصدق بصدقة أن ترد
عليه؟ " إلى غير ذلك من الأخبار.
وحينئذ فلو صام عالما بالحكم كان صيامه باطلا ولم يجزئه بل يجب عليه القضاء
لعدم الامتثال، وعليه تدل صحيحة الحلبي الآتية، وهو ظاهر.
ولو كان جاهلا أجزأه اتفاقا، ويدل عليه ما رواه ثقة الاسلام في الصحيح
عن عيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " من صام في السفر بجهالة
لم يقضه ".
وعن الحلبي في الحسن على المشهور والصحيح على الأظهر عن أبي عبد الله
عليه السلام (3) قال: " قلت له رجل صام في السفر؟ فقال إن كان بلغه أن رسول الله
صلى الله عليه وآله نهى عن ذلك فعليه القضاء وإن لم يكن بلغه فلا شئ عليه ".
ورواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي عنه عليه السلام مثله (4).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله
عليه السلام (5) قال: " سألته عن رجل صام شهر رمضان في السفر فقال إن كان لم يبلغه
أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن ذلك فليس عليه القضاء وقد أجزأ عنه الصوم ".
وهل يلحق الناسي بالجاهل هنا؟ قولان: أحدهما نعم لاشتراكهما في العذر
وثانيهما لا قصرا لما خالف الأصل على موضع النص. وهو الأصح.
ولو صام المريض الذي لا يشرع له الصيام جاهلا فقيل بوجوب الإعادة
عليه لأنه أتى بخلاف ما هو فرضه، والحاقه بالمسافر قياس لا نقول به.

(1) الوسائل الباب 1 ممن يصح منه الصوم
(2) الوسائل الباب 2 ممن يصح منه الصوم
(3) الفروع ج 1 ص 198 وفي الوسائل الباب 2 ممن يصح منه الصوم
(4) الفقيه ج 2 ص 93 وفي الوسائل الباب 2 ممن يصح منه الصوم
(5) الوسائل الباب 2 ممن يصح منه الصوم
397

أقول: هذا القول إنما يتجه على ما هو المشهور من عدم معذورية الجاهل
إلا في الموضعين المشهورين وأما من قال المعذورية من حيث الجهل كما هو مستفاد
من الأخبار المتكاثرة فالأظهر صحة صومه، وليس الاستناد هنا إلى الحاقه بالمسافر
الجاهل في هذه المسألة بل إلى تلك الأخبار المستفيضة كما بسطنا الكلام فيه في
مقدمات الكتاب.
المسألة الثانية الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
في أن من قدم بلده أو بلدا يعزم على الإقامة فيه قبل الزوال ولم يتناول شيئا فإنه
يجب عليه الصوم ويجزئه، وإن تناول قبل ذلك أو قدم بعد الزوال وإن لم يتناول
استحب له الامساك ووجب عليه القضاء.
أما الحكم الأول فيدل عليه جملة من الأخبار: منها موثقة أبي بصير (1)
قال: " سألته عن الرجل يقدم من سفره في شهر رمضان؟ فقال: إن قدم قبل زوال
الشمس فعليه صيام ذلك اليوم ".
ورواية أحمد بن محمد (2) قال " سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل قدم من
سفر في شهر رمضان ولم يطعم شيئا قبل الزوال؟ قال يصوم ".
ورواية يونس (3) قال وقال: " في المسافر يدخل أهله وهو جنب قبل الزوال
ولم يكن أكل فعليه أن يتم صومه ولا قضاء عليه. يعني إذا كانت جنابته من احتلام "
والظاهر أن قوله " يعني " من كلام يونس.
ورواه في الفقيه عن يونس بن عبد الرحمان عن موسى بن جعفر عليه السلام (4)
أنه قال: في المسافر.. الحديث مثله.
وموثقة سماعة (5) قال: " سألته عن الرجل كيف يصنع إذا أراد السفر؟.. إلى

(1) الوسائل الباب 6 ممن يصح منه الصوم. وآخره هكذا " فعليه صيام ذلك
اليوم ويعتد به ".
(2) الوسائل الباب 6 ممن يصح منه الصوم
(3) الوسائل الباب 6 ممن يصح منه الصوم
(4) الوسائل الباب 6 ممن يصح منه الصوم
(5) الوسائل الباب 6 ممن يصح منه الصوم
398

أن قال: إن قدم بعد زوال الشمس أفطر ولا يأكل ظاهرا وإن قدم من سفره قبل
زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم إن شاء ".
إلا أنه قد روى الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم (1) قال: " سألت
أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يقدم من سفره في شهر رمضان فيدخل أهله حين يصبح
أو ارتفاع النهار؟ قال: إذا طلع الفجر وهو خارج ولم يدخل أهله فهو بالخيار
إن شاء صام وإن شاء أفطر ".
وعن رفاعة بن موسى في الحسن (2) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الرجل يقدم في شهر رمضان من سفر فيرى أنه سيدخل أهله ضحوة أو ارتفاع
النهار؟ فقال: إذا طلع الفجر وهو خارج ولم يدخل أهله فهو بالخيار إن شاء صام
وإن شاء أفطر ".
وظاهر هذين الخبرين أن المدار في وجوب الصوم وعدمه في هذه الصورة على
دخول البلد قبل الفجر وعدمه فإن دخل قبل الفجر وجب عليه الصوم وإن دخل
بعد الفجر كان بالخيار بين الصوم وعدمه.
وأصرح منهما في ذلك صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (3) في حديث
قال: " فإذا أرضا قبل طلوع الفجر وهو يريد الإقامة بها فعليه صوم ذلك
اليوم وإن دخل بعد طلوع الفجر فلا صيام وإن شاء صام ".
ولم أقف على قائل بذلك بل ظاهر أصحابنا الاتفاق على ما قدمنا ذكره من
الاعتبار في الوجوب وعدمه بالزوال لا بطلوع الفجر، وظاهر ما نقله في المنتهى عن
العامة أيضا ذلك (4).
وجملة من أصحابنا قد نقلوا الخبرين الأولين وحملوهما على التخيير خارج البلد

(1) الوسائل الباب 6 ممن يصح منه الصوم
(2) الوسائل الباب 6 ممن يصح منه الصوم
(3) الوسائل الباب 6 ممن يصح منه الصوم
(4) نقل في المغني ج 3 ص 100 عن أحمد قولين في جواز الافطار في اليوم الذي
يسافر فيه من دون تفصيل بين الزوال وعدمه.
399

بمعنى أن من علم أنه يصل البلد قبل الظهر فهو بالخيار إن شاء أفطر قبل الدخول
وإن شاء أمسك حتى يدخل فيجب عليه الصيام. وهو جيد. واحتمال التخيير
إلى بعد الدخول وإن أمكن نظرا إلى الاطلاق إلا أنه يجب العمل على ما ذكروه
جمعا بين هذين الخبرين وبين ما تقدم من الأخبار. إلا أن اعتبار هذا المعنى بعيد في
الرواية الثالثة فإنها كالصريحة في التخيير بعد الدخول، ويمكن ارتكاب التأويل
فيها أيضا وإن بعد بحمل قوله " وإن دخل بعد طلوع الفجر " على معنى " وإن أراد
الدخول " مثل قوله عز وجل: إذا قمتم إلى الصلاة (1) أي إذا أردتم القيام، وقوله
سبحانه: فإذا قرأت القرآن (2).
وكيف كان فلا يخفى أن الترجيح ثابت للأخبار الأولة من وجوه: أحدها
كونها نصا في المطلوب وما قابلها ممكن الحمل عليها بما ذكرناه وإن تفاوت في بعضها
قربا وبعدا. وثانيها اعتضادها بعمل الطائفة بل عمل جميع العلماء من الطرفين كما
أشرنا إليه. وثالثها - أنه مع العمل بالأخبار الأولة يمكن حمل هذه الأخبار عليها
ومع العمل بهذه الأخبار يلزم طرح الأخبار الأولة مع صراحتها، والعمل
بالدليلين مهما أمكن أولى من طرح أحدهما. ورابعها أنها أوفق بالاحتياط الذي
هو أحد المرجحات الشرعية عند اختلاف الأخبار فيجب المصير إلى العمل بها.
ثم إنه ينبغي أن يعلم أن المراد بالقدوم المبني عليه الحكم المذكور هو تجاوز
محل الترخص داخلا على القول المشهور ودخول المنزل على القول الآخر وهو
الأشهر من الروايات.
وأما الحكم الثاني فيدل عليه جملة من الأخبار: منها موثقة سماعة (3) قال:
" سألته عن مسافر دخل أهله قبل زوال الشمس وقد أكل؟ قال: لا ينبغي له أن يأكل
يومه ذلك شيئا ولا يواقع في شهر رمضان إن كان له أهل ".

(1) سورة المائدة الآية 9.
(2) سورة النحل الآية 101
(3) الوسائل الباب 7 ممن يصح منه الصوم.
400

ورواية يونس (1) قال قال: " في المسافر الذي يدخل أهله في شهر رمضان
وقد أكل قبل دخوله؟ قال: يكف عن الأكل بقية يومه وعليه القضاء.. الحديث ".
وما تقدم في حديثي الزهري والفقه الرضوي (2) حيث قالا (عليهما السلام)
" وأما صوم التأديب.. إلى أن قالا. وكذلك المسافر إذا أكل أول النهار ثم قدم
أهله أمر بالامساك بقية يومه تأديبا وليس بفرض ".
وهذه الأخبار وإن اختصت بمن أكل قبل دخوله ولم يذكر فيها حكم من
دخل بعد الزوال ولم يتناول إلا أنه مفهوم منها بطريق الأولوية، لأنه قد علم
بالأخبار المتقدمة أن من دخل بعد الزوال فهو مفطر يجب عليه القضاء فإذا استحب
له الامساك تشبها بالصائمين لمن أكل فمن لم يأكل أولى بذلك البتة، وهذه الأخبار
خرجت مخرج الغالب في أن المفطر لا يبقى بلا أكل إلى ما بعد الزوال غالبا.
وأما ما ورد في موثقة محمد بن مسلم (3) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الرجل يقدم من سفره بعد العصر في شهر رمضان فيصيب امرأته حين طهرت
من الحيض أيواقعها؟ قال: لا بأس به " فهو غير مناف لاستحباب
الامساك.
المسألة الثالثة - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الوقت الموجب
للقصر على المسافر، فقال الشيخ المفيد: إن خرج من منزله قبل الزوال وجب عليه
الافطار والقصر في الصلاة وإن خرج بعد الزوال وجب عليه الاتمام في الصيام
والقصر في الصلاة. وهو اختيار ابن الجنيد وإليه ذهب العلامة في المختلف وبه صرح
أيضا في كتاب المنتهى.
وقال في المقنع: وإذا سافر قبل الزوال فليقصر وإذا خرج بعد الزوال
فليصم، وروي أن من خرج بعد الزوال فليقصر وليقض ذلك اليوم، وهو

(1) الوسائل الباب 7 ممن يصح منه الصوم
(2) ص 6 وفي الوسائل الباب 7 ممن يصح منه الصوم
(3) الوسائل الباب 7 ممن يصح منه الصوم
401

راجع إلى كلام الشيخ المفيد.
وقال الشيخ في النهاية: إذا خرج إلى السفر بعد طلوع الفجر أي وقت كان من
النهار وكان بيت نيته من الليل للسفر وجب عليه الافطار، وإن لم يكن قد بيت نيته
من الليل ثم خرج بعد طلوع الفجر كان عليه اتمام ذلك اليوم وليس عليه قضاؤه، وإن
خرج قبل طلوع الفجر وجب عليه الافطار على كل حال وكان عليه القضاء، ومتى بيت
نية السفر من الليل ولم يتفق له الخروج إلا بعد الزوال كان عليه أن يمسك بقية
النهار وكان عليه القضاء. وإلى ذلك مال ابن البراج.
والمستفاد من كلام النهاية أن المعتبر في جواز الافطار تبييت نية السفر
والخروج قبل الزوال وأنه مع تبييت النية والخروج بعد الزوال يجب عليه
الامساك والقضاء.
وذهب المرتضى وقبله علي بن بابويه في رسالته وابن أبي عقيل وابن إدريس
إلى أن شرائط قصر الصلاة والصوم واحد فمن سافر في جزء من أجزاء النهار
وإن كان يسيرا لزمه الافطار كما يلزمه تقصير الصلاة، قال ابن بابويه. في رسالته
على ما نقله في المختلف: إذا خرجت في سفر وعليك بقية يوم فأفطر. وقال المرتضى:
شروط السفر التي توجب الافطار ولا يجوز معها صوم شهر رمضان في المسافة
والصفة وغير ذلك هي الشروط التي ذكرناها في كتاب الصلاة الموجبة لقصرها.
ونحوه عبارة ابن أبي عقيل وابن إدريس.
فتلخص أن في المسألة أقوالا ثلاثة: أحدها الاعتبار بالزوال فإن خرج
قبله وجب الافطار وإن كان بعده وجب الصيام. وثانيها الاعتبار بتبييت النية
وعدمه. وثالثها أنه كالصلاة فيجب الافطار في أي جزء خرج من النهار.
والسبب في اختلاف هذه الأقوال هو اختلاف الأخبار في المسألة وها أنا
أذكر جميعها لتحصيل الإحاطة:
402

فمنها - صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " أنه سئل عن الرجل يخرج
من بيته يريد السفر وهو صائم؟ فقال: إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر
وليقض ذلك اليوم وإن خرج بعد الزوال فليتم يومه ".
وموثقة عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " إذا خرج الرجل
في شهر رمضان بعد الزوال أتم الصيام، وإذا خرج قبل الزوال أفطر ".
وحسنة عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (3) " في الرجل يسافر في شهر
رمضان يصوم أو يفطر؟ قال: إن خرج قبل الزوال فليفطر وإن خرج بعد الزوال
فليصم. قال ويعرف ذلك بقول علي عليه السلام: أصوم وأفطر حتى إذا زالت الشمس
عزم علي. يعني الصيام ".
وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (4) قال: " إذا سافر الرجل في شهر
رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم ويعتد به من شهر رمضان ".
وهذه الأخبار كما ترى صريحة في مذهب الشيخ المفيد ومن تبعه وإن كانت
الأخيرة إنما دلت بمنطوقها على بعض المدعى إلا أنها تدل بالمفهوم على البعض الآخر.
ومنها رواية عبد الأعلى مولى آل سام (5) " في الرجل يريد السفر في شهر
رمضان؟ قال يفطر وإن خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل ".
وما رواه في المقنع مرسلا (6) قال: " وروي أن من خرج بعد الزوال
فليفطر وليقض ذلك اليوم ".
وما في الفقه الرضوي (7) حيث قال عليه السلام: فإذا قدمت من السفر وعليك بقية
يومك فامسك من الطعام والشراب إلى الليل، فإن خرجت في سفر وعليك بقية يوم
فأفطر، وكل من وجب عليه التقصير في السفر فعليه الافطار وكل من وجب عليه
التمام في الصلاة فعليه الصيام، متى ما أتم صام ومتى ما قصر أفطر. انتهى.

(1) الوسائل الباب 5 ممن يصح منه الصوم
(2) الوسائل الباب 5 ممن يصح منه الصوم
(3) الوسائل الباب 5 ممن يصح منه الصوم
(4) الوسائل الباب 5 ممن يصح منه الصوم
(5) الوسائل الباب 5 ممن يصح منه الصوم
(6) الوسائل الباب 5 ممن يصح منه الصوم
(7) ص 25
403

وهذه الأخبار صريحة في مذهب الشيخ علي بن بابويه ومن تبعه ولا سيما عبارة
كتاب الفقه لتكرر هذا الحكم في كلامه، ومنه أخذ الشيخ علي بن بابويه عبارته
في الرسالة على عادته المتكررة كما نبهت عليه في غير مقام.
ويؤيد هذه الأخبار ظاهر الآية وهي قوله عز وجل: ومن كان مريضا أو
على سفر فعدة من أيام أخر (1) لصدقه على من خرج ولو قبل المغرب بشئ يسير.
ويؤيده أيضا قول الصادق عليه السلام في صحيحة معاوية بن وهب (2) " إذا قصرت
أفطرت وإذا أفطرت قصرت ".
وقوله عليه السلام في موثقة سماعة (3) في حديث " وليس يفترق التقصير والافطار
فمن قصر فليفطر ".
وما رواه الفضل بن الحسن الطبرسي في مجمع البيان مرسلا عن أبي عبد الله
عليه السلام (4) قال: " من سافر قصر وأفطر إلا أن يكون رجلا سفره إلى صيد أو في
معصية الله " وروى هذه الرواية أيضا المشايخ الثلاثة كما هنا وزيادة (5).
ومنها رواية علي بن يقطين عن أبي الحسن موسى عليه السلام (6) " في الرجل
يسافر في شهر رمضان أيفطر في منزله؟ قال: إذا حدث نفسه في الليل بالسفر
أفطر إذا خرج من منزله وإن لم يحدث نفسه من الليل ثم بدا له في السفر من
يومه أتم صومه ".
ورواية أبي بصير (7) قال: " إذا خرجت بعد طلوع الفجر ولم تنو السفر
من الليل فأتم الصوم واعتد به من شهر رمضان ".
ورواية أبي بصير أيضا (8) قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إذا
أردت السفر في شهر رمضان فنويت الخروج من الليل فإن خرجت قبل الفجر أو

(1) سورة البقرة الآية 182
(2) الوسائل الباب 4 ممن يصح منه الصوم
(3) الوسائل الباب 4 ممن يصح منه الصوم
(4) الوسائل الباب 4 ممن يصح منه الصوم
(5) الوسائل الباب 8 من صلاة المسافر
(6) الوسائل الباب 5 ممن يصح منه الصوم
(7) الوسائل الباب 5 ممن يصح منه الصوم
(8) الوسائل الباب 5 ممن يصح منه الصوم
404

بعده فأنت مفطر وعليك قضاء ذلك اليوم ".
ورواية سليمان بن جعفر الجعفري (1) قال: " سألت أبا الحسن الرضا
عليه السلام عن الرجل ينوي السفر في شهر رمضان فيخرج من أهله بعد ما يصبح؟ قال
إذا أصبح في أهله فقد وجب عليه صيام ذلك اليوم إلا أن يدلج دلجة ".
وصحيحة صفوان عن الرضا عليه السلام (2) في حديث قال: " ولو أنه خرج من منزله
يريد النهروان ذاهبا وجائيا لكان عليه أن ينوى من الليل سفرا والافطار، فإن هو
أصبح ولم ينو السفر فبدا له من بعد أن أصبح في السفر قصر ولم يفطر يومه ذلك ".
وبهذه الأخبار أخذ الشيخ وأفتى في النهاية ومثله في التهذيب حيث قال:
ومتى خرج الانسان إلى السفر بعد ما أصبح فإن كان قد نوى السفر من الليل لزمه
الافطار وإن لم يكن نواه من الليل وجب عليه صوم ذلك اليوم، وإن خرج قبل
طلوع الفجر وجب عليه أيضا الافطار وإن لم يكن قد نوى السفر من الليل. ثم قال
بعد نقل حسنة الحلبي وصحيحة محمد بن مسلم الدالتين على مذهب الشيخ المفيد: الوجه
في هذين الخبرين وما يجري مجراهما أنه إذا خرج قبل الزوال وجب عليه الافطار إن
كان قد نوى من الليل السفر وإذا خرج بعد الزوال فإنه يستحب له أن يتم صومه
ذلك فإن أفطر فليس عليه شئ، وإن لم يكن قد نوى السفر من الليل فلا يجوز له
الافطار على وجه. وحاصل جوابه عن الروايات المذكورة تقييد وجوب الافطار
فيها بالخروج قبل الزوال بتبييت النية ليلا وحمل الوجوب بالخروج بعد الزوال
على الاستحباب.
ومنها موثقة رفاعة (3) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان حين يصبح؟ قال: يتم صومه ذلك ".
وموثقة سماعة (4) قال: " سألته عن الرجل كيف يصنع إذا أراد السفر؟ قال:
إذا طلع الفجر ولم يشخص فعليه صيام ذلك اليوم، وإن خرج من أهله قبل طلوع

(1) الوسائل الباب 5 ممن يصح منه الصوم
(2) الوسائل الباب 5 ممن يصح منه الصوم
(3) الوسائل الباب 5 ممن يصح منه الصوم
(4) الوسائل الباب 5 ممن يصح منه الصوم
405

الفجر فليفطر ولا صيام عليه ".
وروايته أيضا (1) قال " قال أبو عبد الله عليه السلام: من أراد السفر في
رمضان فطلع الفجر وهو في أهله فعليه صيام ذلك اليوم وإذا سافر لا ينبغي أن
يفطر ذلك اليوم وحده، وليس يفترق التقصير والافطار فمن قصر فليفطر ".
وهذه الروايات الثلاث يمكن حملها على مذهب الشيخ لقوله بوجوب الصوم
على من لم يبيت نية السفر بحمل اطلاقها على عدم تبييت نية السفر.
إلا أنه ينافيها في ذلك صحيحة رفاعة (2) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يريد السفر في رمضان؟ قال: إذا أصبح في بلده ثم خرج فإن شاء صام
وإن شاء أفطر ".
هذا ما وقفت عليه من روايات المسألة ولا يخفى ما هي عليه من التدافع
والتنافي، والسيد السند في المدارك اعتمد على مذهب الشيخ المفيد لصحة رواياته
باصطلاحهم لأنه (قدس سره) كما عرفت يدور مدار صحة الأسانيد. ثم إنه
لما كانت صحيحة رفاعة دالة على التخيير مطلقا قال: ولو قيل بالتخيير مطلقا كما هو
ظاهر الرواية لم يكن بعيدا وبذلك يحصل الجمع بين الأخبار.
وبالجملة فإن من يقتصر في العمل على الأخبار الصحيحة فلا ريب في ترجيح
مذهب الشيخ المفيد عنده وأما من يحكم بصحة الأخبار كملا فالجمع بينها عنده
لا يخلو من الاشكال.
إلا أنه يمكن أن يقال بتوفيق الملك المتعال إن ما دل على مذهب الشيخ في
النهاية من الأخبار التي أوردناها لا يبعد حملها على التقية التي هي في اختلاف الأحكام
أصل كل بلية، وذلك أن العلامة في المنتهى بعد أن نقل خلاف علمائنا (رضوان
الله عليهم) في المسألة قال ما صورته: أما الجمهور فقد قال الشافعي إذا نوى المقيم
الصوم قبل الفجر ثم خرج بعد الفجر مسافرا لم يفطر يومه، وبه قال أبو حنيفة

(1) الوسائل الباب 5 ممن يصح منه الصوم
(2) الوسائل الباب 5 ممن يصح منه الصوم
406

ومالك والأوزاعي وأبو ثور واختاره النخعي ومكحول والزهري (1) انتهى. وهذا
الكلام ظاهر في اشتراط تبييت نية الصوم في وجوب الافطار كما هو قول الشيخ
وايجاب الصوم على من لم يكن كذلك وإنما كان في نيته صوم ذلك اليوم فإنه إذا
أصبح بهذه النية وجب عليه الصوم وإن سافر وهذا هو الذي صرح به الشيخ كما
تقدم نقله عنه. ثم نقل في المختلف (2) عن الشافعي أنه احتج بأن الصوم عبادة تختلف
بالسفر والحضر فإذا اجتمع فيها السفر والحضر غلب حكم الحضر (3) انتهى. وهو
يشير إلى أنه مع نية الصيام ليلا والاصباح على تلك النية غالب على حصول السفر
بعد ذلك فيجب عليه الصيام وإن سافر بخلاف ما إذا نوى السفر ليلا وأصبح بهذه
النية فإنه في حكم المسافر.
وبالجملة فالحمل على التقية في هذه الأخبار ظاهر وإن لم يتعرض إليه أحد في ما
أعلم لاعراضهم (رضوان الله عليهم) عن الترجيح بين الأخبار بالقواعد المروية
عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) كما عرفته في غير موضع من ما تقدم.
بقي الكلام في أدلة القولين الآخرين والظاهر هو ترجيح أدلة شيخنا المفيد
لصحتها كما عرفت وصراحتها، وأما أدلة قول الشيخ علي بن بابويه ومن تبعه فهو
ما بين عام وخاص، أما العام فيمكن تقييده وتخصيصه بهذه الأدلة، وأما الخاص فهو
لا يبلغ قوة في معارضة تلك الأخبار لما عرفت من صحتها وصراحتها وكثرتها
الموجب لترجيحها.
وكيف كان فالاحتياط من ما لا ينبغي تركه في أمثال هذه المقامات وهو هنا
يحصل بتبييت النية ثم الخروج قبل الزوال فإنه يجب الافطار على جميع الأقوال
وعليه تجتمع الأخبار الواردة في هذا المجال. والله العالم.
المسألة الرابعة قال ابن أبي عقيل على ما نقل عنه في المختلف: إن خرج
متنزها أو متلذذا أو في شئ من أبواب المعاصي يصوم وليس له أن يفطر وعلى القضاء

(1) المغني ج 3 ص 100
(2) الصحيح (المنتهى)
(3) المغني ج 3 ص 100
407

إذا رجع إلى الحضر، لأن صومه في السفر ليس بصوم وإنما أمر بالامساك عن
الافطار لئلا يكون مفطرا في شهر رمضان في غير الوجه الذي أباح الله (عز وجل)
له الافطار فيه كما أن المفطر في يوم من شهر رمضان عامدا قد أفسد صومه وعليه
أن يتم صومه ذلك إلى الليل لئلا يكون مفطرا في غير الوجه الذي أمر الله (عز
وجل) فيه بالافطار. ونحوه قال ابن الجنيد وهو غريب.
قال في المختلف: والمشهور أنه يجب عليه الصوم إذا كان سفره معصية ولا
يجب عليه القضاء. ثم استدل بالأمر بالصوم وقد امتثل فيخرج عن العهدة وأن
القضاء إنما يجب بأمر جديد. وهو جيد.
ثم إنه نقل عن ابن الجنيد في مقام آخر أنه قال: ولا استحب لمن دخل عليه
شهر رمضان وهو مقيم أن يخرج إلى سفر إلا أن يكون لفرض حج أو عمرة
أو ما يتقرب به إلى الله (عز وجل) أو منفعة نفسه وماله لا في تكاثر وتفاخر
فإن خرج في ذلك أو في معصية الله (عز وجل) لم يفطر في سفره وكان عليه مع
صيامه فيه القضاء.
ثم قال في المختلف: وقد بينا أن المشهور وجوب الصيام في المعصية وعدم
وجوب القضاء، وأما الخروج للتنزه والتلذذ فإن كان مباحا وجب الافطار والقضاء
وإلا وجب الصوم دون القضاء، لنا الأصل إباحة السفر في المباح فيجب القصر في
الصوم. ثم نقل عنهما الاحتجاج برواية أبي بصير الدالة على المنع من السفر في شهر
رمضان وستأتي في المسألة الآتية (1) وأجاب عنها بعد الطعن في السند بالحمل
على الاستحباب.
المسألة الخامسة المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز السفر
في شهر رمضان وإن كان على كراهة إلى أن يمضي من الشهر ثلاثة وعشرون يوما،
ونقل عن أبي الصلاح أنه قال إذا دخل الشهر على حاضر لم يحل له السفر مختارا.

(1) ص 411
408

والمعتمد القول المشهور للأخبار الكثيرة، إلا أن ظاهرها الاختلاف في
الأفضلية في بعض المواضع وأن السفر في بعضها أفضل من الصيام فاطلاق القول
بأفضلية الصيام وكراهة السفر من ما لا وجه له.
فمن الأخبار المشار إليها ما رواه الصدوق في الصحيح عن العلاء عن محمد بن
مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (1) " أنه سئل عن الرجل يعرض له السفر في شهر
رمضان وهو مقيم وقد مضى منه أيام؟ فقال: لا بأس بأن يسافر ويفطر ولا يصوم "
قال ابن بابويه: وقد روى ذلك أبان بن عثمان عن الصادق عليه السلام (2). وطريقه
إلى أبان في المشيخة صحيح فيكون الخبر صحيحا.
وما رواه الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (3)
" في الرجل يشيع أخاه مسيرة يوم أو يومين أو ثلاثة؟ قال: إن كان في شهر رمضان
فليفطر. قلت أيما أفضل يصوم أو يشيعه؟ قال: يشيعه إن الله (عز وجل) قد وضعه
عنه " وروى الصدوق مرسلا نحوا منه (4).
وما رواه الصدوق عن الوشاء عن حماد بن عثمان في الحسن (5) قال: " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام رجل من أصحابي قد جاءني خبره من الأعوص وذلك في شهر
رمضان أتلقاه وأفطر؟ قال نعم. قلت أتلقاه وأفطر أو أقيم وأصوم؟ قال
تلقاه وأفطر ".
وما رواه الكليني في الموثق عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (6) قال: " قلت
الرجل يشيع أخاه في شهر رمضان اليوم واليومين؟ قال يفطر ويقضي. قيل له
فذلك أفضل أو يقيم ولا يشيعه؟ قال يشيعه ويفطر فإن ذلك حق عليه ".

(1) الوسائل الباب 3 ممن يصح منه الصوم.
(2) الوسائل الباب 3 ممن يصح منه الصوم.
(3) الفروع ج 1 ص 198 وفي الوسائل الباب 10 من صلاة المسافر
(4) الوسائل الباب 10 من صلاة المسافر
(5) الوسائل الباب 10 من صلاة المسافر
(6) الوسائل الباب 10 من صلاة المسافر
409

وما رواه في المقنع مرسلا (1) قال: " سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل يشيع
أخاه مسيرة يومين أو ثلاثة؟ فقال إن كان في شهر رمضان فليفطر. قلت أيهما
أفضل يصوم أو يشيعه؟ قال يشيعه إن الله قد وضع عنه الصوم إذا شيعه ".
وقد ورد بإزاء هذه الأخبار ما يدل على أفضلية الإقامة: ومنها ما رواه
الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " سألته عن الرجل
يدخل شهر رمضان وهو مقيم لا يريد براحا ثم يبدو له بعد ما يدخل شهر رمضان
أن يسافر؟ فسكت فسألته غير مرة فقال يقيم أفضل إلا أن تكون له حاجة لا بد له
من الخروج فيها أو يتخوف على ماله ".
وما رواه الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " قلت له
جعلت فداك يدخل على شهر رمضان فأصوم بعضه فتحضرني نية زيارة قبر
أبي عبد الله عليه السلام فأزوره وأفطر ذاهبا وجائيا أو أقيم حتى أفطر وأزوره بعد ما أفطر
بيوم أو يومين؟ فقال أقم حتى تفطر. قلت له جعلت فداك فهو أفضل؟ قال نعم
أما تقرأ في كتاب الله عز وجل: فمن شهد منكم الشهر فليصمه (4) ".
وما رواه أيضا في التهذيب عن محمد بن الفضل البغدادي (5) قال: " كتبت
إلى أبي الحسن العسكري عليه السلام جعلت فداك يدخل شهر رمضان على الرجل فيقع
بقلبه زيارة الحسين عليه السلام وزيارة أبيك ببغداد فيقيم في منزله حتى يخرج عنه شهر
رمضان ثم يزورهم أو يخرج في شهر رمضان ويفطر؟ فكتب عليه السلام: لشهر رمضان
من الفضل والأجر ما ليس لغيرة من الشهور فإذا دخل فهو المأثور ".
وروى ابن إدريس في آخر السرائر نقلا من كتاب مسائل الرجل ومكاتباتهم

(1) الوسائل الباب 10 من صلاة المسافر والباب 3 ممن يصح منه الصوم
(2) الوسائل الباب 3 ممن يصح منه الصوم
(3) الوسائل الباب 3 ممن يصح منه الصوم
(4) سورة البقرة الآية 182
(5) الوسائل الباب 91 من أبواب المزار
410

إلى مولانا أبي الحسن علي بن محمد (عليهما السلام) من مسائل داود الصرمي (1) قال:
" سألته عن زيارة الحسين وزيارة آبائه (عليهم السلام) في شهر رمضان نزورهم؟
فقال: لرمضان من الفضل وعظيم الأجر ما ليس لغيره فإذا دخل فهو المأثور والصيام
فيه أفضل من قضائه، وإذا حضر فهو مأثور ينبغي أن يكون مأثورا ".
وما رواه الشيخ عن الحسين بن المختار في القوي عن أبي عبد الله عليه السلام (2)
قال " لا تخرج في رمضان إلا للحج أو العمرة أو مال تخاف عليه الفوت أو لزرع
يحين حصاده ".
وما رواه المشايخ الثلاثة عن أبي بصير (3) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الخروج إذا دخل شهر رمضان فقال لا إلا في ما أخبرك به: خروج إلى مكة
أو غزو في سبيل الله أو مال تخاف هلاكه أو أخ تريد وداعه، وأنه ليس أخا من
الأب والأم " وفي التهذيب والفقيه (4) " أو أخ تخاف هلاكه ".
ويمكن أن يكون هذا الخبر هو مستند أبي الصلاح في ما تقدم نقله عنه من
القول بالتحريم إلا أنه لم يستثن ما استثناه عليه السلام في الخبر المذكور.
وما رواه الشيخ عن علي بن أسباط عن رجل عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (5) قال: " إذا دخل شهر رمضان فلله فيه شرط قال الله تعالى: فمن شهد
منكم الشهر فليصمه (6) فليس للرجل إذا دخل شهر رمضان أن يخرج إلا في حج
أو عمرة أو مال يخاف تلفه أو أخ يخاف هلاكه، وليس له أن يخرج في اتلاف مال
أخيه، فإذا مضت ليلة ثلاث وعشرين فليخرج حيث شاء ".
وهذا الخبر هو المستند في ما تقدم من انتفاء الكراهة بعد ليلة ثلاث
وعشرين كما ذكروه.

(1) الوسائل الباب 91 من أبواب المزار
(2) الوسائل الباب 3 ممن يصح منه الصوم
(3) الوسائل الباب 3 ممن يصح منه الصوم
(4) الوسائل الباب 3 ممن يصح منه الصوم
(5) الوسائل الباب 3 ممن يصح منه الصوم
(6) سورة البقرة الآية 182
411

والذي يتلخص من مجموع هذه الأخبار وضم بعضها إلى بعض هو جواز
السفر على كراهة إلا في المواضع المستثناة. إلا أن في عدم استثناء زيارة الحسين
(عليه السلام) كما دل عليه خبر أبي بصير وخبر محمد بن الفضل وخبر السرائر
إشكالا، إذ لا تقصر عن بعض هذه المستثنيات إن لم تزد عليها. ولا يبعد حمل
الأخبار المذكورة على التقية.
والعجب من جمود صاحب الوسائل على العمل بخبري محمد بن الفضل والسرائر
حيث لم يذكر غيرهما مع معلومية رجحان زيارة الحسين (عليه السلام) على
استحباب التشييع الذي تكاثرت به الأخبار المتقدمة من ما لا يخفى على
العارف. والله العالم.
المسألة السادسة قد تقدم في المسألة الثالثة من الأخبار ما يدل على التلازم
بين قصر الصوم والصلاة مثل قوله (عليه السلام) في صحيحة معاوية بن وهب (1)
" هما واحد إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت " ونحوها من الأخبار المتقدمة
وبذلك صرح الأصحاب من غير خلاف يعرف إلا من الشيخ في النهاية والمبسوط
حيث نقل عنه أن من سافر لصيد التجارة قصر صومه وأتم صلاته، قال في المعتبر:
ونحن نطالبه بدلالة الفرق ونقول إن كان مباحا قصر فيهما وإلا أتم فيهما.
أقول: ما ذكره الشيخ (قدس سره) من الحكم المذكور وإن لم يصل إلينا
دليله في الأخبار الواردة في الكتب المشهورة إلا أنه مذكور في الفقه الرضوي في
كتاب الصلاة حيث قال (عليه السلام) (2) " وإذا كان صيده للتجارة فعليه التمام في
الصلاة والقصر في الصوم " إلا أنه (عليه السلام) في كتاب الصوم نسب ذلك إلى
الرواية حيث قال (3) والذي يلزمه التمام للصلاة والصوم في السفر المكارى والبريد
والراعي والملاح لأنه عملهم، وصاحب الصيد إن كان صيده بطرا فعليه التمام في

(1) الوسائل الباب 4 ممن يصح منه الصوم
(2) ص 16
(3) ص 25
412

الصلاة والصوم وإن كان صيده للتجارة فعليه التمام في الصلاة والصوم، وروي
أن عليه الافطار في الصوم، وإذا كان صيده من ما يعود به على عياله فعليه التقصير
في الصلاد والصوم لقول النبي صلى الله عليه وآله الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله. انتهى.
وأنت خبير بأن أصحابنا (رضوان الله عليهم) قد أعادوا الكلام بالنسبة
إلى ما ذكروه في كتاب الصلاة من الأحكام الموجبة للتقصير على المسافر في الصلاة
في كتاب الصوم مثل اشتراط المسافة وبيان مقدارها وبيان محل الترخص وأحكام
كثير السفر ونحو ذلك، ونحن لم نتعرض لذلك في الكتاب اعتمادا على ما تقدم
في كتاب الصلاة.
المسألة السابعة اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في حكم الجماع
لمن ساغ له الافطار في نهار شهر رمضان فالمشهور بين الأصحاب هو الجواز على كراهة
وذهب الشيخ (قدس سره) إلى التحريم.
ويدل على الأول صحيحة عمر بن يزيد (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن الرجل يسافر في شهر رمضان أله أن يصيب من النساء؟ قال: نعم ".
ورواية عبد الملك بن عتبة الهاشمي (2) قال: " سألت أبا الحسن يعني موسى
(عليه السلام) عن الرجل يجامع أهله في السفر وهو في شهر رمضان قال
لا بأس به ".
وصحيحة علي بن الحكم (3) قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يجامع
أهله في السفر في شهر رمضان؟ فقال: لا بأس به ".
ورواية محمد بن سهل عن أبيه (4) قال: " سألت أبا الحسن (عليه السلام)
عن رجل أتى أهله في شهر رمضان وهو مسافر؟ قال: لا بأس ".
ورواية محمد بن مسلم (5) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
الرجل يقدم من سفر بعد العصر في شهر رمضان فيصيب امرأته حين طهرت من

(1) الوسائل الباب 13 ممن يصح منه الصوم
(2) الوسائل الباب 13 ممن يصح منه الصوم
(3) الوسائل الباب 13 ممن يصح منه الصوم
(4) الوسائل الباب 13 ممن يصح منه الصوم
(5) الوسائل الباب 13 ممن يصح منه الصوم
413

الحيض أيواقعها؟ قال: لا بأس به ".
وموثقة داود بن الحصين (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
الرجل يسافر في شهر رمضان ومعه جارية أيقع عليها؟ قال نعم ".
ورواية أبي العباس عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) " في الرجل يسافر
ومعه جارية في شهر رمضان هل يقع عليها؟ قال: نعم ".
ويدل على ما ذهب إليه الشيخ صحيحة ابن سنان (3) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يسافر في شهر رمضان ومعه جارية له فله أن يصيب منها بالنهار؟ فقال
سبحان الله أما يعرف حرمة شهر رمضان؟ إن له في الليل سبحا طويلا (4) قلت
أليس له أن يأكل ويشرب؟ فقال إن الله تعالى قد رخص للمسافر في الافطار
والتقصير رحمة وتخفيفا لموضع التعب والنصب ووعث السفر ولم يرخص له في
مجامعة النساء في السفر بالنهار في شهر رمضان، وأوجب عليه قضاء الصيام ولم
يوجب عليه قضاء تمام الصلاة إذا آب من سفره. ثم قال: والسنة لا تقاس وأني إذا
سافرت في شهر رمضان ما آكل إلا القوت وما أشرب كل الري ".
ورواية عبد الله بن سنان (5) قال: " سألته عن الرجل يأتي جاريته في شهر
رمضان بالنهار في السفر؟ فقال: أما عرف هذا حق شهر رمضان؟ أن له في الليل
سبحا طويلا (6).
ورواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (7) قال: " إذا سافر
الرجل في شهر رمضان فلا يقرب النساء بالنهار في شهر رمضان فإن ذلك محرم عليه "
وجمع الشيخ بين الأخبار بحمل ما تضمن الإذن في الوطئ على من غلبته الشهوة
ولم يتمكن من الصبر عليها ويخاف على نفسه الدخول في محظور فأما من يقدر على
الصبر فليس له ذلك. ثم قال: إن حديث عمر بن يزيد ونحوه ليس فيه تعرض

(1) الوسائل الباب 13 ممن يصح منه الصوم
(2) الوسائل الباب 13 ممن يصح منه الصوم
(3) الوسائل الباب 13 ممن يصح منه الصوم
(4) اقتباس من قوله تعالى في سورة المزمل الآية 8: إن لك في النهار سبحا طويلا
(5) الوسائل الباب 13 ممن يصح منه الصوم
(6) اقتباس من قوله تعالى في سورة المزمل الآية 8: إن لك في النهار سبحا طويلا
(7) الوسائل الباب 13 ممن يصح منه الصوم
414

لذكر النهار فيحمل على إرادة الليل. ورد المتأخرون كلامه بالبعد.
والأصحاب قد جمعوا بين الأخبار بحمل أدلة الشيخ على الكراهة المغلظة:
قال في الكافي: الفضل عندي أن يوقر الرجل شهر رمضان ويمسك عن النساء
في السفر بالنهار إلا أن يكون يغلبه الشبق ويخاف على نفسه، وقد رخص له أن يأتي
الحلال كما رخص للمسافر الذي لا يجد الماء إذا غلبه الشبق أن يأتي الحلال، قال:
ويؤجر في ذلك كما أنه إذا أتى الحرام أثم. وقال في الفقيه: النهي عن الجماع للمقصر
في السفر إنما هو نهي كراهة لا نهي تحريم. قال في الوافي: ويشبه أن يكون الحكم
بالجواز ورد مورد التقية والاحتياط هنا من ما لا ينبغي تركه. انتهى.
أقول: قد عرفت بما قدمنا في غير موضع ما في الجمع بين الأخبار بالحمل
على الكراهة والاستحباب وإن اشتهر ذلك وصار قاعدة كلية بين الأصحاب،
ولا سيما صحيحة ابن سنان المذكورة ورواية محمد بن مسلم فإنهما صريحتان في التحريم
خصوصا صحيحة ابن سنان من نسبته عليه السلام حمل الجماع على الأكل والشرب على
القياس وقوله عليه السلام: " إن السنة لا تقاس " بمعنى أن تحليل الأكل والشرب
لا يستلزم تحليل الجماع كما أن الشارع أوجب على المسافر قضاء الصوم ولم يوجب
عليه قضاء تمام الصلاة مع اشتراكهما في الفوات بالسفر.
والأظهر عندي حمل هذه الأخبار التي استدل بها الشيخ على التقية، والعامة
وإن كانوا هنا على قولين أيضا فمذهب الشافعي كما نقله في المنتهى موافق للقول المشهور
ومذهب أحمد موافق لمذهب الشيخ (1) إلا أنه لما كان أصحابنا (رضوان الله عليهم)
متقدموهم ومتأخروهم عدا الشيخ على القول بالجواز عملا بالأخبار المتقدمة فإن
ذلك يوجب العلم أو الظن المتاخم له بأن ذلك هو مذهب الأئمة (عليهم السلام) فإن
مذهبهم إنما يعلم بنقل شيعتهم وأتباعهم كما أن مذهب كل إمام من أئمة الضلال إنما
يعلم ينقل أتباعه وتدينهم به. وأما ما ذكره في الوافي من اختيار حمل أخبار الجواز

(1) المغني ج 3 ص 101 و 102 و 134
415

على التقية فالظاهر بعده لما عرفت. وكيف كان فالاحتياط من ما ينبغي المحافظة عليه.
وقد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) أيضا بأنه يكره التملي لمن ساغ
له الافطار في شهر رمضان واستدلوا عليه بأن فيه تشبها بالصائمين وامتناعا من الملاذ
طاعة لله تعالى. والأولى الاستدلال عليه بما تقدم في صحيحة ابن سنان من قوله
عليه السلام: " إني إذا سافرت في شهر رمضان ما آكل إلا القوت " وفي رواية الفقيه (1)
" كل القوت وما أشرب كل الري ". والله العالم
المسألة الثامنة قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يستحب
الامساك تأديبا وإن لم يكن ذلك صياما في مواطن: المسافر إذا قدم أهله أو بلدا
يعزم الإقامة فيها بعد الزوال أو قبله وقد أفطر، والمريض إذا برئ بعد الزوال،
والحائض والنفساء إذا طهرتا في أثناء النهار، وكذا الكافر إذا أسلم والصبي إذا
بلغ والمجنون والمغمى عليه إذا أفاقا.
ويدل على بعض ذلك ما تقدم في حديثي الزهري وكتاب الفقه المذكور في
صدر الكتاب (2) حيث قالا (عليهما السلام): " وأما صوم التأديب فإنه يؤمر الصبي
إذا بلغ سبع سنين بالصوم تأديبا وليس بفرض، وكذلك من أفطر لعلة أول النهار ثم
قوي بقية يومه أمر بالامساك بقية يومه تأديبا وليس يفرض، وكذلك المسافر إذا
أكل من أول النهار ثم قدم أهله بقية يومه أمر بالامساك تأديبا وليس بفرض،
وكذلك الحائض إذا طهرت أمسكت بقية يومها ".
وفي موثقة سماعة (3) قال سألته عن مسافر دخل أهله قبل زوال الشمس
وقد أكل؟ قال: لا ينبغي له أن يأكل يومه ذلك شيئا ولا يواقع في شهر رمضان إن
كان له أهل ".
وفي رواية محمد بن عيسى عن يونس (4) قال قال " في المسافر الذي يدخل أهله في

(1) ج 2 ص 93
(2) ص 6 وفي الوسائل الباب 7 ممن يصح منه الصوم
(3) الوسائل الباب 7 ممن يصح منه الصوم.
(4) الوسائل الباب 7 ممن يصح منه الصوم.
416

شهر رمضان وقد أكل قبل دخوله؟ قال: يكف عن الأكل بقية يومه وعليه القضاء "
إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في المقام.
المسألة التاسعة اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في حكم الشيخ
والشيخة إذا عجزا عن الصيام أو أطاقاه بمشقة شديدة، فقيل بأنهما يفطران
ويتصدقان عن كل يوم بمد من طعام، ذهب إليه الشيخ وجماعة من الأصحاب وبه
صرح العلامة في المنتهى والمحقق في المعتبر واختاره السيد السند في المدارك، لكنه
في النهاية أوجب مدين فإن عجز فمد. وقيل بأنهما إذا عجزا عن الصوم فلا كفارة
كما أنه لا يجب عليهما الصيام فكذا لا تجب الكفارة وإن أطاقاه بمشقة وجبت
الكفارة وسقط الصيام، ذهب إليه الشيخ المفيد والسيد المرتضى ونسبه في المنتهى
إلى أكثر علمائنا وهو مختار العلامة في المختلف والشهيد الثاني. ومرجع الخلاف إلى
وجوب الكفارة في صورة العجز وعدمه لاتفاق الجميع على الوجوب في صورة
المشقة الشديدة.
واستدل على القول الأول بما رواه الكليني والصدوق في الصحيح عن محمد بن
مسلم (1) قال: " سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: الشيخ الكبير والذي به العطاش
لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان، ويتصدق كل واحد منهما في كل يوم بمد
من طعام، ولا قضاء عليهما ".
ورواية عبد الملك بن عتبة الهاشمي (2) قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن
الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة التي تضعف عن الصوم في شهر رمضان؟ قال:
تصدق عن كل يوم بمد من حنطة ".
وهذه الرواية وصفها في المدارك بالصحة تبعا للعلامة في المختلف وهو غفلة منهما
فإن عبد الملك المذكور مهمل في الرجال لم ينص أحد على توثيقه ولا مدحه وإنما
الثقة عبد الملك بن عتبة النخعي.

(1) الوسائل الباب 15 ممن يصح منه الصوم
(2) الوسائل الباب 15 ممن يصح منه الصوم
417

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " سألته عن رجل كبير
يضعف عن صوم شهر رمضان؟ فقال: يتصدق بما يجزئ عنه طعام مسكين لكل يوم "
قال في المدارك بعد نقل هذه الأخبار: ولم نقف للمفيد وأتباعه على رواية
تدل على ما ذكروه من التفصيل، وقد اعترف بذلك الشيخ في التهذيب فقال بعد
أن أورد عبادة المفيد: هذا الذي فصل به بين من يطيق الصيام بمشقة وبين من
لا يطيقه أصلا لم أجد به حديثا مفصلا والأحاديث كلها على أنه متى عجزا كفرا
عنه. والذي حمله على هذا التفصيل هو أنه ذهب إلى أن الكفارة فرع على
وجوب الصوم، ومن ضعف عن الصيام ضعفا لا يقدر عليه جملة فإنه يسقط
عنه وجوبه جملة لأنه لا يحسن تكليفه بالصيام وحاله هذه وقد قال الله تعالى:
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها (2) قال: وهذا ليس بصحيح لأن وجوب الكفارة
ليس بمبنى على وجوب الصوم، إذ لا يمتنع أن يقول الله عز وجل: متى لم تطيقوا
الصوم صارت مصلحتكم في الكفارة وسقط وجوب الصوم عنكم. وليس لأحدهما
تعلق بالآخر.
قال في المدارك: هذا كلامه (قدس سره) وهو جيد لكن ما وجه به كلام
المفيد لا وجه له فإن التكليف بالصيام كما يسقط مع العجز عنه لإناطة التكليف
بالوسع كذا يسقط مع المشقة الشديدة لأن العسر غير مراد لله تعالى. وأيضا فإنه
لا خلاف في جواز الافطار مع المشقة الشديدة وإنما الكلام في وجوب التكفير
معه كما هو واضح. انتهى.
أقول: ما ذكره (قدس سره) من الاستدلال على كلام الشيخ جيد لكن
قوله أخيرا - إنما الكلام في وجوب التكفير مع جواز الافطار في صورة المشقة
الشديدة ليس بجيد فإنه لا كلام هنا ولا خلاف في وجوب الكفارة في هذه

(1) الوسائل الباب 15 ممن يصح منه الصوم
(2) سورة البقرة الآية 287
418

الصورة إنما الكلام والخلاف في صورة العجز كما أشرنا إليه في صدر الكلام.
ثم نقل (قدس سره) عن العلامة في المختلف أنه استدل على هذه التفصيل
بقول الله تعالى: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين (1) فإنه يدل بمفهومه على
سقوط الفدية عن الذين لا يطيقونه. وبأصالة البراءة من وجوب التكفير مع
العجز ومنع دلالة الروايات على الوجوب: أما رواية محمد بن مسلم فلاقتضائها
نفي الحرج عنهما على الافطار ونفي الحرج يفهم منه ثبوت التكليف وإنما يتم مع
القدرة، وأما روايتا الحلبي وعبد الملك الهاشمي فلأن موردهما من ضعف عن الصوم
والضعف لا يستلزم العجز.
ثم قال (قدس سره): ويتوجه عليه أن الآية الشريفة غير محمولة على ظاهرها
بل إما منسوخة كما هو قول بعض المفسرين (2) أو محمولة على أن المراد " وعلى الذين
كان يطيقونه ثم عجزوا عنه " كما هو مروي في أخبارنا (3) وأما الروايات فهي باطلاقها
متناولة للحالين فإن الضعف عن الصوم يتحقق بالعجز عنه وبالمشقة اللازمة منه
وكذا نفي الحرج يتحقق مع الوصفين، وبالجملة فالأحاديث مطلقة فيجب حملها على
اطلاقها. انتهى.
أقول: تحقيق الكلام في المقام يرجع إلى تحقيق معنى الآية أولا ثم بيان الكلام
في الأخبار المذكورة: أما الآية فما ذكره فيها من النسخ مبني على ما قاله بعضهم من أنه كان القادر على
الصيام الذي لا عذر له في تركه مخيرا بين الصيام وبين الفدية لكل يوم نصف صاع
وقيل مد، وكان ذلك في صدر الاسلام حين فرض عليهم الصيام ولم يتعودا
فرخص لهم في الافطار والفدية، ثم نسخ ذلك بقوله عز وجل: فمن شهد منكم

(1) سورة البقرة الآية 181.
(2) ارجع إلى البيان لآية الله الخوئي ج 1 ص 207
(3) ص 420 رقم 3
419

الشهر فليصمه (1). وهذا مع عدم الدليل عليه في أخبارنا مردود بظواهر الأخبار
الواردة في تفسير الآية المذكورة كما ستقف عليه في المقام إن شاء الله تعالى.
وأما المعنى الآخر الذي ذكره فهو وإن ورد في موثقة ابن بكير على رواية
الفقيه وابن فضال عن بعض أصحابنا على رواية الكافي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام (3) " في
قول الله عز وجل: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين؟ (4) قال: الذين كانوا
يطيقون الصوم فأصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك فعليهم لكل يوم مد ".
إلا أنه قد روى ثقة الاسلام والشيخ في كتابيهما في الصحيح عن محمد بن
مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (5) " في قول الله عز وجل: وعلى الذين يطيقونه فدية
طعام مسكين (6)؟ قال: الشيخ الكبير والذي يأخذه العطاش.. الحديث ".
وروى العياشي في تفسيره (7) عن سماعة عن أبي بصير قال: " سألته عن
قول الله عز وجل: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين (8)؟ قال: هو الشيخ
الكبير الذي لا يستطيع والمريض ".
وروى (9) عن رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام " في قول الله عز وجل: وعلى
الذين يطيقونه فدية طعام مسكين (10)؟ قال: المرأة تخاف على ولدها والشيخ الكبير "
وهذه الأخبار كما ترى قد فسرت " الذين يطيقونه " في الآية بالشيخ الكبير
والمريض والمرضع التي تخاف على ولدها قلة اللبن من الصيام، وهي أرجح سندا
وعددا ودلالة من الرواية التي اعتمدها.
ويؤيد العمل بظاهر هذه الأخبار أيضا أولا أنه مع الحمل على المعنى الذي
دلت عليه تلك الرواية يستلزم الحذف والتقدير في الآية كما دلت عليه الخبر المذكور
والأصل عدمه وأما على ما نقلناه من الأخبار فلا.
وثانيا أنه يلزم فصل ما ظاهره الوصل في الآية وهو قوله عز وجل: وإن

(1) سورة البقرة الآية 182
(2) السند فيه: ابن فضال عن ابن بكير عن بعض أصحابنا
(3) الوسائل الباب 15 ممن يصح منه الصوم
(4) سورة البقرة الآية 181
(5) الوسائل الباب 15 ممن يصح منه الصوم
(6) سورة البقرة الآية 181
(7) الوسائل الباب 15 ممن يصح منه الصوم
(8) سورة البقرة الآية 181
(9) الوسائل الباب 15 ممن يصح منه الصوم
(10) سورة البقرة الآية 181
420

تصوموا خير لكم (1) بأن يكون كلاما مستأنفا ليس له ربط بما تقدمه أي أن
صومكم خير عظيم لكم وظاهر الآية أنه مرتبط بما تقدمه.
وتفصيل هذه الجملة هو أنه لا يخفى أن المعلوم من الأدلة العقلية والنقلية أنه
(عز وجل) لا يكلف نفسا إلا وسعها والوسع لغة دون الطاقة كما صرح به في
مجمع البيان وغيره.
وفي التوحيد (2) عن الصادق عليه السلام في حديث طويل قال: " ما أمر الناس
إلا بدون سعتهم وكل شئ أمر الناس بأخذه فهم متسعون له وما لا يتسعون له فهو
موضوع عنهم ولكن الناس لا خير فيهم ".
وفي كتاب الاعتقادات للصدوق (3) مرسلا عن الصادق عليه السلام قال: " ما كلف
الله العباد إلا دون ما يطيقون ".
وحينئذ فلا تكلف نفس بما هو على قدر طاقتها أي ما يشق عليها تحمله عادة
ويعسر عليها، فالآية دلت على أن الذين يطيقون الصوم كالشيخ والشيخة وذي
العطاش يعني من يكون الصوم على قدر طاقتهم ويكونون معه على مشقة وعسر لم
يكلفهم الله تعالى حتما بل خيرهم بينه وبين الفدية توسعة لهم ثم جعل الصوم خيرا
لهم من الفدية في الأجر والثواب إذا اختاروه كما قال في مجمع البيان: قوله " وإن
تصوموا خير لكم " يعني من الافطار والفدية.
وبما أوضحناه يظهر أن المراد من الآية هو أن من أمكنه الصوم بمشقة فإنه
قد جوز له الافطار والفدية ولا تعرض فيها للعاجز عنه بالكلية إلا أن كان كما ذكره
في المختلف من الدلالة بالمفهوم.
وأما الأخبار التي ادعى دلالتها على ذلك باطلاقها فالظاهر أن المنساق منها

(1) سورة البقرة الآية 181.
(2) باب الاستطاعة ص 358 وفيه " ما أمر العباد ".
(3) باب الاعتقاد في التكليف
421

إلى الذهن إنما هو خلاف ما ادعاه إذ المنساق من قوله: " يضعف عن صوم شهر
رمضان " في رواية عبد الملك وصحيحة الحلبي إنما هو حصول المشقة بذلك مع إمكان
تحمله لا العجز، والحرج المنفي في صحيحة محمد بن مسلم هو إمكان الفعل مع المشقة
كما في قوله تعالى: وما جعل عليكم في الدين من حرج (1) أي مشقة وعسر.
وقد وافقنا في المقام الفاضل الخراساني مع اقتفائه أثره غالبا فقال هنا مشيرا
إليه: واستدل بعض الأصحاب على القول بوجوب الكفارة بصحيحة محمد بن
مسلم والحلبي ورواية عبد الملك. وفيه نظر لأن المتبادر من هذه الروايات غير
العاجز بالكلية كما لا يخفى على المتأمل فيها، على أن قوله: " فإن لم يقدرا " في الخبر
الأول يحتمل أن يكون المراد به إن لم يقدرا على الصوم أصلا، وعلى هذا المعنى يوافق
قول المفيد ومن تبعه. انتهى. ثم نقل كلام المختلف واعترضه بما قدمنا نقله عن
صاحب المدارك واقتفى أثره فيه كما هي عادته وقد عرفت ما فيه. وبالجملة فإن
كلام العلامة في المختلف كما قدمنا لا يخلو من قوة.
وقد ظهر من ما حققناه أن مورد الآية والأخبار إنما هو بالنسبة إلى من يمكنه
الصوم بمشقة فإنه يفطر ويفدي وهذا هو المتفق عليه، ويبقى وجوب الفدية على
العاجز بالكلية عاريا عن الدليل وبه يتأيد قول الشيخ المفيد.
ولم أر من تنبه لما قلناه في معنى الآية إلا المحدث الكاشاني في الصافي والمفاتيح
ولا يخفى أنه إذا لم يترجح هذا المعنى الذي ذكرناه فلا أقل أن يكون مساويا
في الاحتمال لما ذكره وبه يسقط الاستدلال بالأخبار المذكورة. وبذلك صرح في
المختلف فقال: ومع قبول الروايات للتأويل يسقط الاستدلال بها فإن الدليل متى
تطرق إليه الاحتمال سقطت دلالته. انتهى.
إلا أنه قد روى الشيخ في التهذيب والصدوق في الفقيه عن إبراهيم بن أبي
.

(1) سورة الحج الآية 78
422

زياد الكرخي (1) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى
الخلاء لضعفه ولا يمكنه الركوع والسجود؟ فقال ليومئ برأسه إيماء.. إلى أن قال:
قلت فالصيام؟ قال إذا كان في ذلك الحد فقد وضع الله عنه فإن كانت له مقدرة فصدقة
مد من طعام بدل كل يوم أحب إلي وإن لم يكن له يسار ذلك فلا شئ عليه " وهو
ظاهر الدلالة على القول المشهور إلا أن تحمل الصدقة في الخبر على الاستحباب
بقرينة قوله عليه السلام " أحب إلي " وفيه ما فيه.
وكيف كان فالاحتياط العمل على القول المشهور.
فوائد
الأولى روى الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي في تفسيره (2) بسنده عن
الصادق عليه السلام في تفسير الآية المتقدمة: " وعلى الذين يطيقونه فدية " قال من مرض
في شهر رمضان فأفطر ثم صح فلم يقض ما فاته حتى جاء شهر رمضان آخر فعليه أن
يقضي ويتصدق لكل يوم بمد من طعام. وهذا تفسير ثالث للآية المذكورة. وقد
تقدم تحقيق الكلام في ما دل عليه هذا الخبر.
الثانية قد روى الشيخ صحيحة محمد بن مسلم الأولى بلفظ " مدين من طعام "
وحمله في الإستبصار على الاستحباب، وقال في التهذيب إن هذا الخبر ليس بمضاد
للأحاديث التي تضمنت مدا من طعام أو اطعام مسكين لأن هذا الحكم يختلف
بحسب اختلاف أحوال المكلفين فمن أطاق اطعام مدين يلزمه ذلك ومن لم يطق
إلا اطعام مد فعليه ذلك ومن لم يقدر على شئ منه فليس عليه شئ حسبما قدمناه.
والأظهر وجوب المد مطلقا كما هو المشهور ومع عدم الامكان فلا شئ عليه.
الثالثة - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وجوب القضاء عند

(1) الوسائل الباب 15 ممن يصح منه الصوم
(2) سورة البقرة الآية 181 ص 56
423

التمكن منه، ونقل عن الشيخ علي بن الحسين بن بابويه عدم الوجوب، وسيأتي نقل
عبارته قريبا.
ويدل على ما ذهب إليه ما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم التي في صدر المسألة (1)
برواية الشيخين المذكورين من قوله عليه السلام: " ولا قضاء عليهما ".
وعلى ذلك أيضا يدل كلامه عليه السلام في الفقه الرضوي (2) حيث قال عليه السلام: وإذا
لم يتهيأ للشيخ أو الشاب المعلول أو المرأة الحامل أن يصوم من العطش أو الجوع
أو تخاف المرأة أن يضر بولدها فعليهم جميعا الافطار، ويتصدق كل واحد عن كل
يوم بمد من طعام وليس عليه القضاء. انتهى.
وهذه العبارة هي مستند الشيخ علي بن بابويه إذ هي نفس عبارته الآتية وإن
كانت الرواية المتقدمة دالة أيضا على ذلك.
قال في المدارك: ومقتضى العبارة وجوب القضاء عليهما مع التمكن كما في
ذي العطاش وهو مشكل لاطلاق الرواية المتضمنة للسقوط. انتهى.
أقول: العجب منه (قدس سره) أنه قدم صحيحة محمد بن مسلم المشتملة على
نفي القضاء عنهما وغفل عن الاستدلال بها وإنما استند إلى اطلاق الروايات بالسقوط
والرواية صحيحة صريحة في ما يريده. وأعجب من ذلك أنه في مسألة ذي العطاش
استند إليها في سقوط القضاء ورد على الأصحاب في ايجاب القضاء عليه وهو بعد
العبارة الأولى بأربعة أسطر.
الرابعة روى الشيخ في التهذيب بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام (3) قال: " قلت له الشيخ الكبير لا يقدر أن يصوم؟ فقال يصوم عنه بعض
ولده. قلت فإن لم يكن له ولد؟ قال فأدنى قرابته. قلت فإن لم يكن له قرابة؟
قال يتصدق بمد في كل يوم فإن لم يكن عنده شئ فليس عليه ".

(1) ص 417
(2) ص 25
(3) الوسائل الباب 15 ممن يصح منه الصوم
424

وحمل في الإستبصار صوم الولد والقرابة على الاستحباب وبذلك صرح في
المنتهى، ولولا اعراض الأصحاب عن العمل بالرواية واتفاقهم على العمل بتلك الأخبار لأمكن القول بتقييد الأخبار المتقدمة بها.
المسألة العاشرة اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في حكم ذي العطاش
وهو بالضم داء لا يروي صاحبه فقيل بأنه يجب عليه الافطار إذا شق عليه الصيام
ويجب عليه التفكير والقضاء مع البرء، واختاره المحقق في المعتبر والشرائع.
أما وجوب الافطار فظاهر لأن التكليف منوط بالوسع كما عرفت لقوله عز
وجل: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها (1).
وأما وجوب الصدقة فلقوله عليه السلام في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة في صدر
المسألة السابقة (2) " يتصدق كل واحد منهما يعني الشيخ الكبير والذي به العطاش
عن كل يوم بمد من طعام ".
وأما وجوب القضاء فاستدل عليه في المعتبر بأنه مرض وقد زال فيقضي
كغيره من الأمراض. أقول: ويؤيده ظاهر الآية: فعدة من أيام أخر (3) إلا أن
اطلاق صحيحة محمد بن مسلم المشار إليها ينافي ذلك لقوله عليه السلام: " ولا قضاء عليهما ".
وقيل إنه إن كان مرجو الزوال يجب على صاحبه القضاء بعد البرء ولا كفارة
وإن كان من ما لا يرجى زواله وجبت الكفارة خاصة دون القضاء. اختاره العلامة
في جملة من كتبه.
قال في المختلف: ذو العطاش الذي يرجى برؤه ويتوقع زواله يفطر ويقضي
مع البرء، وهل تجب الكفارة؟ قال الشيخ: نعم، وبه قال سلار وابن البراج
وابن حمزة، وقال المفيد والسيد المرتضى وابن إدريس لا تجب وهو الأقرب، لنا

(1) سورة البقرة الآية 287
(2) ص 417 واللفظ مطابق للفقيه ج 2 ص 84
(3) سورة البقرة الآية 182
425

الأصل براءة الذمة، ولأنه مريض فلا تجب عليه كفارة مع القضاء كغيره.. إلى أن
قال: ولو كان العطاش من ما لا يرجى برؤه قال الشيخ يفطر ولا قضاء عليه وتجب
الكفارة، وبه قال ابن بابويه والسيد المرتضى وابن الجنيد والمفيد وابن إدريس
وابن البراج، وقال سلار لا تجب الكفارة. انتهى.
ومنه يعلم أن ما قدمنا نقله عن العلامة في جملة من كتبه هو مذهب الشيخ المفيد
والسيد المرتضى وابن إدريس وأن ما نقل عن الشيخ في كلا الشقين هو مذهب المحقق
الذي قدمنا نقله عنه، ومحل الاختلاف بين القولين في وجوب الكفارة مع
البرء فأثبتها فالشيخ والمحقق ومن معهما ونفاها العلامة ومن تبعه ".
وقيل إنه متى كان غير مرجو الزوال فلا كفارة ولا قضاء ولو حصل البرء
على خلاف الغالب، اختاره المحقق الشيخ على، وهو ظاهر المنقول عن سلار.
واطلاق الخبر المتقدم مدافع لكل من القولين المذكورين فإنه دال على وجوب
التكفير مطلقا أعم من أن يرجى برؤه أم لا ونفي القضاء مطلقا أعم من أن يرجى
برؤه أم لا، ولا ريب أن الوقوف على ظاهر الخبر هو الأظهر والاحتياط لا يخفى.
وهل يجب على ذي العطاش الاقتصار من الشرب على ما تندفع به الضرورة
أم يجوز له التملي من الشرب وغيره؟
قيل بالأول لرواية عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " في الرجل يصيبه العطش
حتى يخاف على نفسه؟ قال: يشرب بقدر ما يمسك رمقه ولا يشرب حتى يروي "
وقيل بالثاني وهو خيرة الأكثر لاطلاق صحيحة محمد بن مسلم (2) وقوله عليه السلام: " الشيخ
الكبير والذي به العطاش يفطران ".
ويمكن ترجيح الثاني بأن مورد الرواية الأولى غير مورد الرواية الثانية.
وكيف كان فالاحتياط في الوقوف على القول الأول.

(1) الوسائل الباب 16 ممن يصح منه الصوم
(2) ص 417 وهو نقل بالمعنى
426

وأما ما رواه الشيخ عن المفضل بن عمر (1) قال " قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن
لنا فتيانا وشبانا لا يقدرون على الصيام من شدة ما يصيبهم من العطش؟ قال: فليشربوا
بقدر ما تروى به نفوسهم وما يحذرون " فالظاهر حمله على الصغار الصائمين تمرينا
فهو خارج عن محل البحث وإن ذكره المحدثون في ضمن أخبار هذه المسألة. والله العالم.
المسألة الحادية عشرة - المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم)
هو التفصيل بالنسبة إلى الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن بأنهما إن خافا على أنفسهما أفطرتا وعليهما القضاء ولا كفارة كالمريض وكل من خاف على نفسه، وإن
خافا على الولد أفطرا وقضيا وكفرا.
قال العلامة في المنتهى: مسألة الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن إذا خافتا
على أنفسهما أفطرتا وعليهما القضاء، وهو قول فقهاء الاسلام ولا كفارة عليهما..
إلى أن قال: مسألة ولو خافتا على الولد من الصوم فلهما الافطار أيضا وهو قول علماء
الاسلام.. ويجب عليهما القضاء اجماعا إلا من سلار من علمائنا، ويجب عليهما
الصدقة عن كل يوم بمد من طعام، ذهب إليه علماؤنا.
وقال شيخنا الشهيد في الدروس: وتجب الفدية على الحامل المقرب والمرضعة
القليلة اللبن إذا خافتا على الولد مع القضاء. ثم قال في الفروع: الثاني لو خافت المرأة
على نفسها دون ولدها ففي وجوب الفدية وجهان والرواية مطلقة ولكن الأصحاب
قيدوا بالولد.
وقال المحقق الشيخ علي بن عبد العالي في حواشي الإرشاد عند قول المصنف:
الحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن وذو العطاش الذي يرجوا زواله يفطرون
ويقضون مع الصدقة. فكتب المحقق المذكور في الحاشية: أما الحامل المقرب وهي التي
قرب زمان وضع حملها والمرضعة القليلة اللبن فإنهما يفطران ويقضيان مع الصدقة
عن كل يوم بمد إذا خافتا على الولد فقط أما إذا خافتا على أنفسهما فإنهما يفطران

(1) التهذيب ج 4 ص 240 وفي الوسائل الباب 16 ممن يصح منه الصوم. وفي اللفظ
تغيير لا يخل.
427

ويقضيان ولا كفارة كالمريض وكل من خاف على نفسه. انتهى.
وظاهر المحقق في الشرائع وهو صريحه في المعتبر أنهما يفطران ويقضيان
ويفديان مطلقا وهو ظاهر عبارة الإرشاد المتقدمة.
وبذلك يظهر لك ما في اعتراض صاحب المدارك هنا على جده (قدس
سره) حيث قال بعد قول المصنف: الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن بجوز لهما
الافطار في رمضان وتقضيان مع الصدقة عن كل يوم بمد من طعام ما لفظه:
اطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين أن تخاف الحامل والمرضع على أنفسهما
وعلى الولد، وبهذا التعميم صرح المصنف في المعتبر واستدل عليه بما رواه الشيخ وابن
بابويه في الصحيح عن محمد بن مسلم (1) قال: " سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول الحامل
المقرب والمرضع القليلة اللبن لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان لأنهما
لا تطيقان الصوم، وعليهما أن تتصدق كل واحدة منهما في كل يوم تفطران فيه بمد من
طعام، وعليهما قضاء كل يوم أفطرتا فيه تقضيانه بعد " ثم نقل عن الشافعي قولا
بأنهما إذا خافتا على أنفسهما أفطرتا وقضيتا ولا كفارة (2) ثم قال: وما ذكره الشافعي
لا وجه له مع وجود الأحاديث المطلقة وهو كذلك. ومن العجب أن الشارح
(قدس سره) جعل هذه التفصيل هو المشهور مع أنا لم نقف على مصرح به سوى
فخر الدين وبعض من تأخر عنه.. إلى آخره:
فإن فيه ما عرفت من أن ما ذكره جده صحيح لا تعجب منه كما سمعت من
كلام من قدمنا ذكره منهم وهو ظاهر لمن تتبع كلامهم في المقام.
نعم عبائر المتقدمين كالشيخ في المقنعة والشيخ في المبسوط وابن إدريس
في السرائر إنما صرحت بالخوف على الولد خاصة فأوجبوا الافطار والقضاء والفدية
في ذلك وأما الخوف على أنفسهما فلم يذكروا حكمه، وكأنهم حملوا الرواية المذكورة

(1) الوسائل الباب 17 ممن يصح منه الصوم.
(2) المغني ج 3 ص 139
428

على ذلك وجعلوا حكم الخوف على أنفسهما من قبيل سائر الأمراض كما صرحت به
عبائر جملة من المتأخرين وقد تقدم فاستندوا في حكمه إلى عموم أخبار المرض
مطلقا من وجوب الافطار والقضاء خاصة.
ويدل على خصوص ذلك ما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر (1)
نقلا من كتاب مسائل الرجال رواية أحمد بن محمد الجوهري وعبد الله بن جعفر
الحميري عن علي بن مهزيار قال: " كتبت إليه يعني علي بن محمد عليه السلام أسأله عن
امرأة ترضع ولدها وغير ولدها في شهر رمضان فيشتد عليها الصوم وهي ترضع
حتى يغشى عليها ولا تقدر على الصيام أترضع وتفطر وتقضي صيامها إذا أمكنها أو
تدع الرضاع وتصوم؟ فإن كانت ممن لا يمكنها اتخاذ من يرضع ولدها فكيف تصنع؟
فكتب: إن كانت من يمكنها اتخاذ ظئر استرضعت لولدها وأتمت صيامها وإن كان
ذلك لا يمكنها أفطرت وأرضعت ولدها وقضت صيامها متى ما أمكنها ".
وبالجملة فإن الصحيحة المتقدمة وإن كانت مطلقة إلا أنه يمكن تقييد اطلاقها
بهذه الرواية لأنها ظاهرة في أن الخوف على نفس المرأة لا على الولد وهي إنما
تضمنت القضاء خاصة فتخص تلك الصحيحة بالخوف على الولد. ولا ينافيه قوله
عليه السلام فيها " لأنهما لا تطيقان الصوم " حيث إنه ظاهر في أن الخوف على أنفسهما
لامكان الحمل على المجاز باعتبار تضرر الولد به.
بقي في المقام فوائد
الأولى قد نقل العلامة في المختلف عن الشيخ علي بن الحسين بن بابويه أنه قال
في الرسالة: وإذا لم يتهيأ للشيخ أو الشاب أو المرأة الحامل أن تصوم من العطش أو
الجوع أو تخاف المرأة أن يضر بولدها فعليهم جميعا الافطار وتصدق عن كل يوم
بمد من طعام وليس عليه القضاء.
ثم قال (قدس سره) بعد نقل ذلك: وهذا الكلام يشعر بسقوط القضاء

(1) الوسائل الباب 17 ممن يصح منه الصوم
429

في حق الحامل والمرضع والمشهور بين علمائنا وجوب القضاء عليهما. ثم استدل
ببعض الأدلة التخريجية ثم بصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (1).
ثم قال: احتج بأن الأصل براءة الذمة من القضاء، ولأن القضاء إنما يجب
بأمر جديد، ولأنهما أفطرتا بالعذر فأشبهتا الشيخ الفاني. والجواب أصالة البراءة
إنما تعتبر مع عدم دليل يخالفها والقضاء يجب بالآية (2) والحديث (3) وعمل
الأصحاب. والفرق بينهما وبين الشيخ ظاهر فإن الشيخ عاجز عن الأداء والقضاء
فلو أوجبنا عليه القضاء لوجب عليه الأداء. انتهى.
أقول: الظاهر أن هذا الاحتجاج الذي نقله إنما هو تكلف منه (قدس
سره) حيث لم يجد دليلا من الأخبار الواصلة إليه، والحجة الحقيقية للشيخ المشار
إليه إنما هو كتاب الفقه الرضوي فإن هذه العبارة عين عبارة الفقه الرضوي التي
قدمناها في الفائدة الثالثة من المسألة التاسعة (4) وهذه عادته كما نبهنا عليه في غير
موضع من ما تقدم من أنه يأخذ عبارة الكتاب ويفتي بها، وربما كان الحكم فيها
غريبا كما في هذا الموضع فيطعنون عليه بعدم الدليل أو يزيفون له دليلا كما هنا، وكل
ذلك ناشئ من عدم اطلاعهم على هذا الكتاب وأنه معتمد الشيخ المذكور في
جميع الأبواب.
الثانية - قال في الدروس: لو قام غير الأم مقامها روعي صلاح الطفل فإن
تم بالأجنبية فالأقرب عدم جواز الافطار، هذا مع التبرع أو تساوي الأجرتين
ولو طلبت الأجنبية زيادة لم يجب تسليمه إليها وجاز الافطار.
أقول: أما ما اختاره من عدم جواز الافطار في ما لو تم صلاح الطفل
بالأجنبية فهو صريح صحيحة علي بن مهزيار المتقدمة (5) لقوله عليه السلام: " إن كانت ممن

(1) ص 428
(2) وهو قوله تعالى في سورة البقرة الآية 182: فعدة من أيام أخر
(3) الوسائل الباب 17 ممن يصح منه الصوم
(4) ص 424
(5) ص 429
430

يمكنها اتخاذ ظئر استرضعت لولدها وأتمت صيامها " وأما تقييد ذلك بالتبرع أو
تساوي الأجرتين - فلو طلبت الأجنبية زيادة لم يجب تسليمه إليها وجاز الافطار
فهو خلاف ظاهر الخبر المذكور لأنه عليه السلام ناط ذلك بالمكنة فمتى أمكنها اتخاذ
الظئر - بأجرة أو بغير أجرة زادت الأجرة على أجرة المثل أم لا وجب عليها اتخاذ
الظئر ووجب عليها الصيام.
الثالثة - قال في الدروس: هذه الفدية من ما لها وإن كانت ذات بعل، ومثله
صرح في المدارك، والوجه فيه ظاهر صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة وقوله عليه السلام
فيها " وعليهما أن تتصدق كل واحدة منهما " ولأن هذه الفدية ترتبت على افطارهما
فتكون لازمة لهما.
الرابعة قال في المدارك: واعلم أن اطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي
عدم الفرق في المرضع بين الأم وغيرها ولا بين المتبرعة والمستأجرة. وهو كذلك
خاتمة الكتاب
وهي تشتمل على نوادر ما تقدم فيه من الأبواب
روى في الكافي عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام (2) قال: " كان رسول الله
صلى الله عليه وآله إذا أهل هلال شهر رمضان استقبل القبلة ورفع يديه فقال: اللهم أهله علينا
بالأمن والايمان والسلامة والإسلام والعافية المجللة والرزق الواسع ودفع الأسقام
اللهم ارزقنا صيامه وقيامه وتلاوة القرآن فيه، اللهم سلمه لنا وتسلمه منا وسلمنا فيه ".
وفي خبر آخر (3) " استقبل القبلة وكبر ثم قال: اللهم أهله علينا بيمن
وايمان وسلامة واسلام وهدى ومغفرة وعافية مجللة ورزق واسع إنك على كل
شئ قدير ".

(1) ص 428
(2) الوسائل الباب 20 من أحكام شهر رمضان
(3) الوسائل الباب 20 من أحكام شهر رمضان
431

وعن الصادق عليه السلام (1) " إذا رأيت هلال شهر رمضان فلا تشر إليه واستقبل
القبلة وارفع يديك إلى الله تعالى وتخاطب الهلال وتقول: ربي وربك الله رب
العالمين اللهم أهله علينا بالأمن والايمان والسلامة والإسلام والمسارعة إلى ما تحب
وترضى اللهم بارك لنا في شهرنا هذا وارزقنا خيره وعونه واصرف عنا ضره
وشره وبلاءه وفتنته ".
وعن ابن أبي عقيل أوجب قراءة هذا الدعاء وقت رؤية هلال شهر
رمضان وهو هذا: الحمد لله الذي خلقني وخلقك وقد منازلك وجعلك مواقيت
للناس، اللهم أهله علينا اهلالا مباركا، اللهم ادخله علينا بالسلامة والإسلام
واليقين والايمان والبر والتقوى والتوفيق لما تحب وترضى ".
وروى ثقة الاسلام بسنده عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " من كتم
صومه قال الله (عن وجل) لملائكته عبدي استجار من عذابي فأجيروه. ووكل الله
(عز وجل) ملائكته بالدعاء للصائمين ولم يأمرهم بالدعاء لأحد إلا استحباب لهم فيه ".
وروى عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " الرجل يكون
صائما فيقال له أصائم أنت؟ فقال: لا، فقال أبو عبد الله عليه السلام هذا كذب ".
أقول: يستفاد من هذين الخبرين استحباب كتمان الصيام إلا إذا سئل فلا
يجوز له الكذب.
وروى عن الحسن بن صدقة (4) قال: " قال أبو الحسن عليه السلام قيلوا فإن الله
يطعم الصائم ويسقيه في منامه ".

(1) مستدرك الوسائل الباب 13 من أحكام شهر رمضان والاقبال ص 251 عن
الصدوق في الفقيه عن الصادق (ع). ولكن في الفقيه ج 2 ص 62 نسبه إلى أبيه في رسالته
ولم نجده فيه مرويا عن الصادق (ع)
(2) الوسائل الباب 1 من آداب الصائم
(3) الوسائل الباب 1 من آداب الصائم
(4) الوسائل الباب 2 من آداب الصائم
432

وروى في الكافي والتهذيب في الموثق عن سماعة (1) قال: " سألته عن
السحور لمن أراد الصوم؟ فقال: أما في شهر رمضان فإن الفضل في السحور ولو بشربة
من ماء وأما في التطوع فمن أحب أن يتسحر فليفعل ومن لم يفعل فلا بأس ".
وروى في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " سألته
عن السحور لمن أراد الصوم أو أجب هو عليه؟ فقال: لا بأس بأن لا يتسحر إن شاء
وأما في شهر رمضان فإنه أفضل أن يتسحر نحب أن لا يترك في شهر رمضان ".
وروى في التهذيب عن عمرو بن جميع عن أبي عبد الله عليه السلام (3) عن أبيه عليه السلام
قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) تسحروا ولو بجرع الماء ألا صلوات
الله على المتسحرين ".
وروى في الفقيه مرسلا عن رسول الله صلى الله عليه وآله والتهذيب مسندا عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام) (4) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله تعاونوا
بأكل السحور على صيام النهار وبالنوم عند القيلولة على قيام الليل ".
وروى في الفقيه عن أمير المؤمنين عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله (5) قال: " إن الله
وملائكته يصلون على المستغفرين والمتسحرين بالأسحار فليتسحر أحدكم ولو
بشربة من ماء ".
وروى في التهذيب عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام (6) " أفضل
سحوركم السويق والتمر ".
وروى ثقة الاسلام والصدوق في الصحيح والحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله
عليه السلام (7) قال: " سئل عن الافطار قبل الصلاة أبعدها؟ قال: إن كان معه قوم
يخشى أو يحبسهم عن عشائهم فليفطر معهم وإن كان غير ذلك فليصل وليفطر ".

(1) الوسائل الباب 4 من آداب الصائم
(2) الوسائل الباب 4 من آداب الصائم
(3) الوسائل الباب 4 من آداب الصائم
(4) الوسائل الباب 4 من آداب الصائم
(5) الوسائل الباب 4 من آداب الصائم
(6) الوسائل الباب 5 من آداب الصائم
(7) الوسائل الباب 7 من آداب الصائم
433

وروى في التهذيب في الموثق عن زرارة وفضيل عن أبي جعفر عليه السلام (1)
" في رمضان تصلي ثم تفطر إلا أن تكون مع قوم ينتظرون الافطار فإن كنت
معهم فلا تخالف عليهم وأفطر ثم صل وإلا فابدأ بالصلاة. قلت ولم ذلك؟ قال
لأنه قد حضرك فرضان: الافطار والصلاة فابدأ بأفضلهما وأفضلهما الصلاة. ثم
قال تصلي الفرض وأنت صائم فتكتب صلاتك تلك فتختم بالصوم أحب إلى ".
أقول: لعل المعنى في قوله " فتكتب صلاتك.. إلى آخره " أنه تكتب
صلاتك مختومة بالصوم بمعنى أنه تكتب صلاة الصائمين.
وروى الشيخ المفيد في المقنعة (2) عن الفضيل بن يسار وزرارة بن أعين جميعا
عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: " تقدم الصلاة على الافطار إلا أن تكون مع قوم يبتدئون
بالافطار فلا تخالف عليهم وافطر معهم وإلا فابدأ بالصلاة فإنها أفضل من الافطار،
وتكتب صلاتك وأنت صائم أحب إلى ".
قال (3) وروى أيضا في ذلك أنك إذا كنت تتمكن من الصلاة وتعقلها وتأتي بها
على حدودها قبل أن تفطر فالأفضل أن تصلي قبل الافطار، وإن كنت ممن تنازعك
نفسك للافطار وتشغلك شهوتك عن الصلاة فابدأ بالافطار ليذهب عنك وسواس
النفس اللوامة غير أن ذلك مشروط بأن لا تشتغل بالافطار قبل الصلاة إلى أن
يخرج وقت الصلاة.
أقول: يعني وقت فضيلتها. والظاهر أن المراد بالصلاة المأمور بتقديمها في
هذه الأخبار هي صلاة المغرب وحدها محافظة على وقت فضيلتها لضيقه فيكفي في
تأدية السنة تقديمها خاصة.
وروى في الكافي عن السكوني عن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) (4)
" أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا إذا أفطر قال: اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبله

(1) الوسائل الباب 7 من آداب الصائم
(2) الوسائل الباب 7 من آداب الصائم
(3) الوسائل الباب 7 من آداب الصائم
(4) الوسائل الباب 6 من آداب الصائم
434

منا، ذهب الظمأ وابتلت العروق وبقي الأجر ".
وروى فيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " يقول في كل ليلة
من شهر رمضان عند الافطار إلى آخره: الحمد لله الذي أعاننا فصمنا ورزقنا فأفطرنا
اللهم تقبل منا وأعنا عليه وسلمنا فيه وتسلمه منا في يسر منك وعافية، الحمد لله الذي
قضى عنا يوما من شهر رمضان ".
وروى في التهذيب عن عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله عن أبيه
(عليهما السلام) (2) قال: " جاء قنبر مولى علي عليه السلام بفطره إليه قال فجاء بجراب
فيه سويق عليه خاتم، قال فقال له رجل يا أمير المؤمنين إن هذا لهو البخل تختم على
طعامك. قال فضحك علي عليه السلام قال ثم قال أو غير ذلك؟ لا أحب أن يدخل بطني
شئ لا أعرف سبيله. قال ثم كسر الخاتم فأخرج سويقا فجعل منه في قدح فأعطاه
إياه فأخذ القدح فلما أراد أن يشرب قال: بسم الله اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا
فتقبل منا إنك أنت السميع العليم ".
أقول: المراد بالفطر ما يفطر عليه. وقوله عليه السلام " أو غير ذلك " يعني
غير البخل، وكأنه استفهام لذلك القائل بمعنى هل عندك غير ما قلت من الحمل على
البخل؟ ثم بين له السبب في ما يفعله من ختم طعامه لئلا يضع عياله فيه شيئا لا يعلم به.
وروى ابن طاووس في كتاب الاقبال (3) عن مولانا زين العابدين عليه السلام أنه قال: " من قرأ إنا أنزلناه.. عند فطوره وعند سحوره كان في ما بينهما كالمتشحط
بدمه في سبيل الله ".
وروى فيه (4) عن محمد بن أبي قرة في كتاب عمل شهر رمضان عن موسى
ابن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) " أن لكل صائم عند فطره دعوة مستجابة
فإذا كان أول لقمة فقل: بسم الله يا واسع المغفرة اغفر لي قال (5): وفي رواية

(1) الوسائل الباب 6 من آداب الصائم
(2) الوسائل الباب 6 و 10 من آداب الصائم
(3) الوسائل الباب 6 من آداب الصائم
(4) الوسائل الباب 6 من آداب الصائم
(5) الوسائل الباب 6 من آداب الصائم
435

أخرى: بسم الله الرحمان الرحيم يا واسع المغفرة اغفر لي فإنه من قالها عند
افطاره غفر له ".
وروى في الكافي بسنده عن ابن القداح عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " كان
رسول الله صلى الله عليه وآله أول ما يفطر عليه في زمن الرطب الرطب وفي زمن التمر التمر ".
وروى فيه عن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (2) قال:
" كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صام فلم يجد الحلو أفطر على الماء ".
وروى فيه عن ابن أبي عمير عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " إذا
أفطر الرجل على الماء الفاتر نقى كبده وغسل الذنوب من القلب وقوي البصر
والحدق ".
وينبغي حمل اطلاق هذا الخبر على سابقه في الافطار على الماء مطلقا كما هو
صريح الخبر الآتي.
وروى فيه عن عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام (4) قال: " كان
رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أفطر بدأ بحلواء يفطر عليها فإن لم يجد فسكرة أو تمرات فإذا
أعوز ذلك كله فماء فاتر، وكأن يقول ينقي المعدة والكبد ويطيب النكهة والفم
ويقوي الأضراس ويقوي الحدق ويجلو الناظر ويغسل الذنوب غسلا ويسكن
العروق الهائجة والمرة الغالبة ويقطع البلغم ويطفئ الحرارة عن المعدة ويذهب
بالصداع " ورواه في المقنعة مرسلا (5) إلا أنه لم يذكر السكر والتمرات.
وروى في الكافي أيضا بسنده عن سلمة السمان عن أبي عبد الله عليه السلام (6) قال
" إذا رأى الصائم قوما يأكلون أو رجلا يأكل سبحت كل شعرة منه ".
وروى الصدوق مرسلا (7) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما من صائم

(1) الوسائل الباب 10 من آداب الصائم
(2) الوسائل الباب 10 من آداب الصائم
(3) الوسائل الباب 10 من آداب الصائم
(4) الوسائل الباب 10 من آداب الصائم
(5) الوسائل الباب 10 من آداب الصائم
(6) الوسائل الباب 9 من آداب الصائم
(7) الوسائل الباب 9 من آداب الصائم
436

يحضر قوما يطعمون إلا سبحت له أعضاؤه وكانت صلاة الملائكة عليه وكانت
صلاتهم استغفارا ".
وروى في كتاب ثواب الأعمال مسندا عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (1)
قال: " دخل سدير على أبي في شهر رمضان فقال يا سدير هل تدري أي الليالي
هذه؟ فقال نعم فداك أبي هذه ليالي شهر رمضان فما ذاك؟ فقال له أتقدر على أن تعتق كل ليلة من هذه الليالي عشر رقبات من ولد إسماعيل؟ فقال له سدير بأبي
أنت وأمي لا يبلغ ما لي ذلك. فما زال ينقص حتى بلغ رقبة واحدة في كل ذلك يقول
لا أقدر عليه. فقال له أفما تقدر أن تفطر في كل ليلة رجلا مسلما؟ فقال له بلى وعشرة
فقال له أبي فذاك الذي أردت يا سدير إن افطارك أخاك المسلم يعدل عتق رقبة
من ولد إسماعيل ".
وروى الشيخ المفيد في المقنعة (2) عن الصادق عليه السلام مرسلا قال: " فطرك
لأخيك وادخالك السرور عليه أعظم أجرا من صيامك ".
قال (3) وقال الباقر عليه السلام " أيما مؤمن فطر مؤمنا ليلة من شهر رمضان كتب الله
له بذلك مثل أجر من أعتق نسمة ".
قال (4) " ومن فطره شهر رمضان كله كتب الله له بذلك أجر من أعتق
ثلاثين نسمة مؤمنة وكان له بذلك عند الله دعوة مستجابة ".
ورواه البرقي في المحاسن عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن أبي بصير
عن أبي جعفر عليه السلام (5) مثله (5) وكذا الصدوق في ثواب الأعمال (6).
وروى ثقة الاسلام في الكافي بسنده عن أبي الورد عن أبي جعفر عليه السلام في حديث (7)
قال: " إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال ومن فطر فيه يعني في شهر رمضان مؤمنا صائما
كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لذنوبه في ما مضى. قيل يا رسول الله
صلى الله عليه وآله ليس كلنا يقدر على أن يفطر صائما؟ فقال إن الله كريم يعطي هذا الثواب لمن

(1) ارجع إلى الاستدراكات في آخر الكتاب.
(2) الوسائل الباب 3 من آداب الصائم
(3) الوسائل الباب 3 من آداب الصائم
(4) الوسائل الباب 3 من آداب الصائم
(5) الوسائل الباب 3 من آداب الصائم
(6) الوسائل الباب 3 من آداب الصائم
(7) الوسائل الباب 3 من آداب الصائم
437

لا يقدر إلا على مذقة من لبن يفطر بها صائما أو شربة من ماء عذب أو تمرات
لا يقدر على أكثر من ذلك ".
أقول: يستفاد من هذا الخبر أن المراد بالتفطير الذي ذكر في الأخبار
المتقدمة ونحوها ما يترتب عليه من الثواب ليس هو مجرد اعطاء الصائم ما يفطر
عليه كما هو مشهور الآن بين العامة وإنما المراد به الأكل عنده كما هو الجاري في سنة
الضيافة إلا أن يعجز عن ذلك، وأن كرم الله واسع يرتب له ذلك على ما تسع قدرته
ولو شربة ماء.
ويؤيد ما ذكرناه ما رواه البرقي في المحاسن بسنده عن مالك بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام (1) قال: " لأن أفطر رجلا مؤمنا في بيتي أحب إلى من أن أعتق
كذا وكذا نسمة من ولد إسماعيل ".
وروى ثقة الاسلام والصدوق وغيرهما عن حمزة بن حمران عن أبي عبد الله
عليه السلام (2) قال: " كان علي بن الحسين عليه السلام إذا كان اليوم الذي يصوم فيه أمر بشاة
فتذبح وتقطع أعضاؤه وتطبخ فإذا كان عند المساء أكب على القدور حتى يجد ريح المرق
وهو صائم ثم يقول: هاتوا القصاع اغرفوا لآل فلان اغرفوا لآل فلان. ثم يؤتى
بخبز وتمر فيكون ذلك عشاؤه ".
وروى في الكافي وفي الفقيه بسنديهما عن حمران (3) " أنه سأل أبا جعفر
عليه السلام عن قول الله تعالى: إنا أنزلناه في ليلة مباركة (4)؟ قال هي ليلة القدر وهي في
كل سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر ولم ينزل القرآن إلا في ليلة القدر. قال
الله تعالى: فيها يفرق كل أمر حكيم (5)؟ قال يقدر في ليلة القدر كل شئ يكون في تلك

(1) الوسائل الباب 3 من آداب الصائم.
(2) الوسائل الباب 3 من آداب الصائم.
(3) الوسائل الباب 31 من أحكام شهر رمضان
(4) سورة الدخان الآية 3
(5) سورة الدخان الآية 4.
438

السنة إلى مثلها من قابل من خير أو شر أو طاعة أو معصية أو مولود أو أجل
أو رزق، فما قدر في تلك الليلة وقضى فهو المحتوم ولله تعالى فيه المشيئة. قال قلت
ليلة القدر خير من ألف شهر (1) أي شئ عني بذلك؟ فقال: العمل الصالح فيها
من الصلاة والزكاة وأنواع الخير خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر
ولولا ما يضاعف الله تبارك وتعالى للمؤمنين ما بلغوا ولكن الله يضاعف
لهم الحسنات ".
وروى الشيخان المذكوران أيضا في كتابيهما (2) مسندا في الكافي عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: " أرى رسول الله صلى الله عليه وآله وفي الفقيه أرى رسول الله صلى الله عليه وآله في
منامه بني أمية يصعدون منبره من بعده يضلون الناس عن الصراط القهقرى فأصبح
كئيبا حزينا قال فهبط عليه جبرئيل عليه السلام فقال يا رسول الله صلى الله عليه وآله ما لي أراك كئيبا
حزينا؟ فقال: يا جبرئيل إني رأيت بني أمية في ليلتي هذه يصعدون منبري من
بعدي يضلون الناس عن الصراط القهقرى. فقال والذي بعثك بالحق نبيا إن هذا
لشئ ما اطلعت عليه. ثم عرج إلى السماء فلم يلبث أن نزل عليه بآي من القرآن يؤنسه
بها قال: أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم
ما كانوا يمتعون (3) وأنزل عليه: إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر
ليلة القدر خير من ألف شهر (4) جعل الله تعالى ليلة القدر لنبيه صلى الله عليه وآله خيرا من
ألف شهر ملك بني أمية ".
ورويا أيضا في كتابيهما عن يعقوب (5) قال: " سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله

(1) سورة القدر الآية 4.
(2) الفروع ج 1 ص 207 والفقيه ج 2 ص 101 وفي الوسائل الباب 31 من أحكام
شهر رمضان (3) سورة الشعراء الآية 206 و 207 و 208.
(4) سورة القدر الآية 4
(5) الوسائل الباب 32 من أحكام شهر رمضان
439

عليه السلام عن ليلة القدر فقال أخبرني عن ليلة القدر كانت أو تكون في كل عام؟ فقال له
أبو عبد الله عليه السلام: لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن ".
ورويا أيضا بسنديهما عن رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: ليلة القدر
هي أول السنة وهي آخرها (2) وذلك لأن باقبال تلك الليلة يتحقق الأمران معا.
ورويا أيضا بسنديهما عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (3)
قال: " سألته عن علامة ليلة القدر فقال: علامتها أن يطيب ريحها وإن كانت في برد
دفئت وإن كانت في حر بردت وطابت. قال: وسئل عن ليلة القدر فقال تنزل فيها
الملائكة والكتبة إلى السماء الدنيا فيكتبون ما يكون في أمر السنة وما يصيب العباد
وأمر عنده موقوف له فيه المشيئة فيقدم منه ما يشاء ويؤخر منه ما يشاء ويمحو
ويثبت وعنده أم الكتاب ".
وروى في الكافي بسنده عن أبي حمزة الثمالي (4) قال: " كنت عند أبي عبد الله
(عليه السلام) فقال له أبو بصير جعلت فداك الليلة التي يرجى فيها ما يرجى؟
فقال في إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين. قال فإن لم أقو على كلتيهما. فقال
ما أيسر ليلتين في ما تطلب. قال قلت فربما رأينا الهلال عندنا وجاءنا من يخبرنا بخلاف
ذلك من أرض أخرى؟ فقال ما أيسر أربع ليال تطلبها فيها. قلت جعلت فداك
ليلة ثلاث وعشرين ليلة الجهني؟ فقال إن ذلك ليقال. قال قلت جعلت فداك إن
سليمان بن خالد روى أن في تسع عشرة يكتب وفد الحاج؟ فقال (عليه السلام)
يا أبا محمد وفد الحاج يكتب في ليلة القدر والمنايا والبلايا والأرزاق وما يكون إلى مثلها في
قابل فاطلبها في ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين وصل في كل واحدة منهما مائة ركعة

(1) الوسائل الباب 31 من أحكام شهر رمضان
(2) هذا آخر الحديث وما بعده جاء في النسخ متصلا به وقد أورده في الوافي بعنوان
البيان فيجوز ايراده هنا كذلك وقد سقط من العبارة شئ.
(3) الوسائل الباب 31 من أحكام شهر رمضان
(4) الفروع ج 1 ص 206 وفي الوسائل الباب 32 من أحكام شهر رمضان
440

واحيهما إن استطعت إلى النور واغتسل فيهما. قال قلت فإن لم أقدر على ذلك وأنا
قائم؟ قال فصل وأنت جالس. قلت فإن لم أستطع؟ قال فعلى فراشك ".
وزاد في الفقيه (1) قلت فإن لم أستطع؟ فقال ثم اشتركوا في الرواية لا عليك
أن تكتحل أول الليل بشئ من النوم، إن أبواب السماء تفتح في شهر رمضان وتصفد
الشياطين وتقبل أعمال المؤمنين. نعم الشهر رمضان كان يسمى في عهد رسول الله
(صلى الله عليه وآله) المرزوق.
وروى في الفقيه عن محمد بن حمران عن سفيان بن السمط (2) قال: " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام الليالي التي يرجى فيها من شهر رمضان؟ فقال تسع عشرة
وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين. قلت فإن أخذت انسانا الفترة أو علة ما المعتمد
عليه من ذلك؟ فقال ثلاث وعشرين ".
وروى في الكافي بسنده عن الفضيل بن يسار (3) قال: " كان أبو جعفر
عليه السلام إذا كانت ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين أخذ في الدعاء حتى يزول
الليل فإذا زال الليل صلى ".
وروى ثقة الاسلام في كتابه بسنده عن حسان بن مهران عن أبي عبد الله
عليه السلام (4) قال: " سألته عن ليلة القدر فقال: التمسها في ليلة إحدى وعشرين أو ليلة
ثلاث وعشرين " ورواه الصدوق في الخصال بسنده مثله (5) ثم قال: اتفق مشايخنا
على أنها ليلة ثلاث وعشرين.
وروى في التهذيب في الموثق عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (6) قال:
" سألته عن ليلة القدر فقال هي ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين. قلت
أليس إنما هي ليلة؟ فقال بلى. قلت فأخبرني بها قال وما عليك أن تفعل خيرا
في ليلتين ".

(1) ج 2 ص 102 و 103
(2) الوسائل الباب 32 من أحكام شهر رمضان
(3) الوسائل الباب 32 من أحكام شهر رمضان
(4) الوسائل الباب 32 من أحكام شهر رمضان
(5) الوسائل الباب 32 من أحكام شهر رمضان
(6) الوسائل الباب 32 من أحكام شهر رمضان
441

وروى بإسناده عن حماد بن عيسى عن محمد بن يوسف عن أبيه (1) قال:
" سمعت أبا جعفر الله عليه السلام يقول إن الجهني أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله صلى الله عليه وآله إن
لي إبلا وغنما وغلمة فأحب أن تأمرني بليلة أدخل فيها فأشهد الصلاة وذلك في شهر
رمضان فدعاه رسول الله صلى الله عليه وآله فساره في أذنه فكان الجهني إذا كان ليله ثلاث
وعشرين دخل بإبله وغنمه وأهله إلى المدينة ".
وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب موسى بن بكر
الواسطي عن حمران (2) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن ليلة القدر فقال هي
ليلة ثلاث أو أربع. قلت أفرد لي إحداهما فقال وما عليك أن تعمل في الليلتين
وهي إحداهما ".
وعن زرارة عن عبد الواحد الأنصاري (3) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن ليلة القدر فقال إني أخبرك بها لا أعمى عليك هي ليلة أول السبع وقد كانت
تلتبس عليه ليلة أربع وعشرين ".
وروى في الكافي عن إسحاق بن عمار (4) قال: " سمعته يقول وناس
يسألونه يقولون الأرزاق تقسم ليلة النصف من شعبان؟ قال فقال لا والله ما ذلك إلا
في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين، فإن في
تسع عشرة يلتقي الجمعان وفي ليلة إحدى وعشرين يفرق كل أمر حكيم وفي ليلة
ثلاث وعشرين يمضي ما أراد الله (عز وجل) من ذلك وهي ليلة القدر التي قال الله تعالى
خير من ألف شهر (5) قال قلت ما معنى قوله يلتقي الجمعان؟ قال يجمع الله فيها ما أراد
من تقديمه وتأخيره وإرادته وقضائه. قال قلت فما معنى يمضيه في ثلاث وعشرين؟
قال إنه يفرقه في ليلة إحدى وعشرين ويكون له فيه البداء، فإذا كان ليلة ثلاث وعشرين
أمضاه فيكون من المحتوم الذي لا يبدوا له فيه ".

(1) الوسائل الباب 32 من أحكام شهر رمضان
(2) الوسائل الباب 32 من أحكام شهر رمضان
(3) الوسائل الباب 32 من أحكام شهر رمضان
(4) الوسائل الباب 32 من أحكام شهر رمضان
(5) سورة القدر الآية 4
442

وروى العياشي عن حماد بن عيسى عن حسان بن أبي على (1) قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن ليلة القدر فقال اطلبها في تسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث
وعشرين ".
وروى الصدوق في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (2) " أن النبي
صلى الله عليه وآله سئل عن ليلة القدر فقام خطيبا فقال بعد الثناء على الله (عز وجل):
أما بعد فإنكم سألتموني عن ليلة القدر ولم أطوها عنكم لأني لم أكن عالما بها، اعلموا
أيها الناس أنه من ورد عليه شهر رمضان وهو صحيح سوى فصام نهاره وقام
وردا من ليله وواظب على صلاته وهجر إلى جمعته وغدا إلى عيده فقد أدرك ليلة
القدر وفاز بجائزة الرب (عز وجل) وقال أبو عبد الله عليه السلام فازوا والله بجوائز ليست
كجوائز العباد ".
أقول: في هذه الأخبار المتعلقة بليلة القدر فوائد شريفة ينبغي التنبيه عليها:
الأولى لا يخفى أن هذا الخبر الأخير قد اشتمل على إخفاء ليلة القدر
بالكلية وعدم الاعلام بها مع السؤال عنها، وجملة من الأخبار المتقدمة قد اشتملت
على اخفائها في ليلتين أو ثلاث، وجملة قد صرحت بها.
ولعل الوجه في ذلك أن السبب في اخفائها بالمرة ليستوعب الشهر كله بالأعمال
الصالحة، وهذا هو الأنسب بسائر الناس فإنهم متى علموها على الخصوص فلربما
رغبوا عن العمل في غيرها ايثارا لها بذلك. وأما من عرف حرمة الشهر ووفاه
أعماله فهؤلاء الخواص وقد أخفيت لهم في ليلتين أو ثلاث ليوفوا هذه الليالي
الشريفة أعمالها لأن بعضها وإن لم يكن ليلة القدر إلا أنه من القريب من مرتبتها.
وأما من بينت له بالخصوص فهم خواص الخواص الذين يعلم منهم القيام بأعمال
تلك الليالي الشريفة وإن علموا أنها ليست بليلة القدر، وإليه يشير مسارة الرسول
صلى الله عليه وآله الجهني في أذنه. ولا ينافي ذلك حديث زرارة المتقدم وعدم اعلام الباقر

(1) الوسائل الباب 32 من أحكام شهر رمضان. ارجع إلى الاستدراكات
(2) الوسائل الباب 18 من أحكام شهر رمضان
443

عليه السلام له بها وأمره بالعمل في تلك الليلتين مع أنه من خواص الخواص لأنه يمكن حمله
على أن ذلك وقع من حيث الحاضرين وقت السؤال.
الثانية ما تضمنه الحديث الأول (1) من أن العمل في ليلة القدر خير من
ألف شهر ليس فيها ليلة القدر فالمراد بهذه الألف شهر هي ملك بني أمية كما دل عليه
الخبر الذي بعده، وبذلك صرح الصادق عليه السلام في الحديث المروي عنه في صدر
الصحيفة السجادية (2) حيث قال فيه: " وأنزل الله في ذلك: إنا أنزلناه في ليلة
القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر (3) تملكها بنو أمية
ليس فيها ليلة القدر ".
بقي الكلام في معنى عدم ليلة القدر في هذه الألف شهر هل هو بمعنى رفعها
منها بالكلية كما هو ظاهر الأخبار الدالة على تنزل الملائكة فيها على الإمام عليه السلام من
كل سنة بما يتجدد من الحوادث والقضايا (4) وإليه يشير خبر يعقوب المتقدم (5)
وقوله عليه السلام: " لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن؟ اشكال من دلالة الأخبار على
هذا المعنى الأخير، ومن أنه متى كان التفضيل على ما عدا ليلة القدر فإنه لا وجه
لخصوصية هذه آلاف شهر التي يملكها بنو أمية بذلك كما هو ظاهر إطلاق الخبر
الأول متى قطع النظر عن تأيده بما قدمناه.
ومثله ما رواه في الكافي (6) عن الحسن بن العباس بن الحريش عن أبي جعفر
الثاني عليه السلام قال: قال أبو عبد الله عليه السلام كان علي بن الحسين عليه السلام يقول: " إنا أنزلناه في
ليلة القدر " (7) صدق الله (عز وجل) أنزل الله القرآن في ليلة القدر " وما أدراك

(1) ص 438 و 439
(2) ص 13 طبع النجف الأشرف
(3) سورة القدر الآية 2 و 3 و 4
(4) أصول الكافي ج 1 ص 242 إلى 253
(5) ص 439 و 440
(6) الأصول ج 1 ص 248 رقم 4
(7) سورة القدر الآية 2 و 3 و 4
444

ما ليلة القدر " قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا أدري. قال الله (عز وجل) " ليلة القدر خير
من ألف شهر " ليس فيها ليلة القدر.
ومثله ما رواه فيه عن المسمعي (1) ومن جملته " وفيه ليلة العمل فيها خير من
العمل في ألف شهر " وبمضمونها أخبار أخر.
وعلى هذا المعنى اعتمد المفسرون كأمين الاسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان
وغيره، قال في مجمع البيان: ثم فسر سبحانه تعظيمه وحرمته فقال: " ليلة
القدر خير من ألف شهر " ليس فيه ليلة القدر وصيامه. ثم نقل ذلك عن مقاتل
وقتادة. ثم نقل عن عطاء عن ابن عباس معنى آخر يتضمن أن المفضل عليه ألف
شهر كان رجل من بني إسرائيل يحمل السلاح فيها على عاتقه في سبيل الله فتمنى النبي
صلى الله عليه وآله ذلك في أمته فأنزل الله تعالى " ليلة القدر خير من ألف شهر " الذي حمل
الإسرائيلي فيها السلاح في سبيل الله (2).
ومن ما يؤيد التقييد الذي أشرنا إليه زيادة على أشرنا إليه من الروايات
ما رواه في روضة الكافي (3) في حديث عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " وأنزل الله
(جل ذكره) إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من
ألف شهر للقوم.. الحديث ".
ومثله في الإحتجاج (4) عن الحسن بن علي (عليهما السلام) في حديث طويل
مع معاوية ذكر فيه رؤيا رسول الله صلى الله عليه وآله وأن الله تعالى أنزل عليه في كتابه " ليلة
القدر خير من ألف شهر " ثم قال عليه السلام: فأشهد لكم وأشهد عليكم ما سلطانكم بعد
علي عليه السلام إلا الألف شهر التي أجلها الله (عز وجل) في كتابه.
وأما كون مدة ملك بني أمية ألف شهر فبيانه أن المستفاد من كتب السير

(1) الوسائل الباب 18 من أحكام شهر رمضان
(2) سنن البيهقي ج 4 ص 306
(3) ص 222 و 223 (4) ص 154
445

والأخبار أن أول انفراد بني أمية بالأمر بعد ما صالح الحسن عليه السلام معاوية وهو سنة
أربعين من الهجرة وكان انقضاء دولتهم على يد أبي مسلم الخراساني سنة اثنين
وثلاثين ومائة من الهجرة فكانت مدة دولتهم اثنين وتسعين سنة، رفع منها مدة
خلافة عبد الله بن الزبير وهي ثمان سنين وثمانية أشهر بقي ثلاث وثمانون سنة
وأربعة أشهر بلا زيادة ولا نقصان وهي ألف شهر (1).
الثالثة اختلفت أقوال العامة في تعيين ليلة القدر بل في بقائها فذهب بعضهم
إلى أنها رفعت بعد موت الرسول صلى الله عليه وآله وهو قول شذوذ منهم والمشهور بقاؤها،
إلا أن القائلين ببقائها اختلفوا في تعيينها، فقال بعضهم إنها مشتبهة في السنة كما ذهب
إليه أبو حنيفة، ومنهم من قال في شعبان والأكثر على أنها في شهر رمضان،
وذهب بعضهم إلى أنها أول ليلة منه، وقيل في ليلة سبع عشرة منه عن الحسن
البصري، والصحيح عندهم أنها في العشر الأواخر وهو مذهب الشافعي، وروي
مرفوعا (2) " التمسوها في العشر الأواخر ". ثم اختلفوا في أنها أية ليلة من العشر
فقيل إنها ليلة إحدى وعشرين وهو مذهب أبي سعيد الخدري واختاره الشافعي،
وقيل هي ليلة ثلاث وعشرين منه عن عبد الله بن عمر، وقيل ليلة سبع وعشرين
عن أبي بن كعب، وقيل إنها ليلة تسع وعشرين (3) ولكل من هذه الأقوال
رواية يعتمدها (4).

(1) ذكر ذلك السيوطي في الخصائص الكبرى ج 2 ص 118 طبع حيدر آباد، وابن
دحلان في السيرة النبوية على هامش السيرة الحلبية ج 1 ص 231 والحلبي في السيرة الحلبية
ج 1 ص 421 في فصل الاسراء.
(2) سنن البيهقي ج 4 ص 307 و 308
(3) ذكر في عمدة القارئ ج 5 ص 362 الأقوال كلها إلا أنه نسب إلى الشيعة
القول بأنها رفعت، وأخبارهم وكلماتهم تنادي بأنها لم ترفع ولا سيما خبر يعقوب المتقدم
ص 439.
(4) سنن البيهقي ج 4 ص 307 إلى 313
446

قال بعض الأصحاب: ولا خلاف بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) في انحصارها في هذه الليالي الثلاث: ليلة تسع عشرة وليلة إحدى وعشرين وليلة
ثلاث وعشرين إلا من الشيخ في التبيان فإنه نقل الاجماع على أنها في فرادى
العشر الأواخر.
أقول: الظاهر من كلام العلامة في المنتهى كونها في العشر الأواخر
من غير تعيين، فإنه قال أولا بعد نقل جملة من أقوال العامة ما صورته: إذا
ثبت هذا فإنه يستحب طلبها في جميع ليالي شهر رمضان وفي العشر الأواخر آكد
وفي ليالي الوتر منه أوكد. ثم نقل جملة من كلامهم ونقل جملة من الأخبار التي قدمنا
نقلها من ما دل على الانحصار في ثلاث أو اثنتين أو أنها ليلة الجهني، وقال بعد
ذلك: فرع لو نذر أن يعتق عبده بعد مضي ليلة القدر فإن كان قاله قبل العشر
صح النذر ووجب عليه العتق بعد انسلاخ الشهر لأنه يتفق حصولها إذا مضت الليلة
الأخيرة، وإن كان قاله وقد مضى ليلة من العشر لم يتعلق النذر بتلك السنة لأنه
لا يتحقق وجودها بعد النذر فيقع في السنة الثانية إذا مضى جميع العشر. انتهى.
وهو مؤذن بتوقفه في التعيين وجزمه بأنها في العشر الأخيرة وقد عرفت من
ما قدمنا نقله عن الصدوق أن المشهور هو كونها ليلة ثلاث وعشرين وهو الظاهر
من الأخبار كما قدمنا ذكره.
قال أمين الاسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (قدس سره) في كتاب مجمع
البيان: والفائدة في إخفاء هذه الليلة أن يجتهد الناس في العبادة ويحيوا جميع ليالي شهر
رمضان طمعا في ادراكها كما أن الله سبحانه أخفى الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس
واسمه الأعظم في الأسماء وساعة الإجابة في ساعات الجمعة. انتهى.
الرابعة اختلف العلماء في معنى هذه التسمية، فقيل سميت ليلة القدر لأنها
الليلة التي يحكم الله فيها ويقضي بما يكون في السنة بأجمعها من كل أمر وهي الليلة
447

المباركة في قوله تعالى: " إنا أنزلناه في ليلة مباركة " (1) لأن الله تعالى ينزل فيها الخير
والبركة والمغفرة، وفي الخبر عن ابن عباس (2) أنه قال: " تقضي القضايا في ليلة
النصف من شعبان ثم يسلمها إلى أربابها في ليلة القدر ". وقيل ليلة القدر أي ليلة
الشرف والخطر وعظم الشأن من قولهم رجل له قدر عند الناس أي منزلة وشرف
ومنه " وما قدروا الله حق قدره " (3) أي ما عظموه حق عظمته. وقيل سميت ليلة
القدر لأنه أنزل فيها كتاب ذو قدر إلى رسول ذي قدر لأجل أمة ذات قدر على يدي
ملك ذي قدر. وقيل سميت بذلك لأن الأرض تضيق فيها بالملائكة من قوله تعالى
" ومن قدر عليه رزقه " (4) وهو منقول عن الخليل بن أحمد.
أقول: والظاهر أن أظهر هذه الأقوال هو الأول وهو المناسب لتفضيلها
على ألف شهر.
الخامسة اختلف العلماء في معنى " أنزل القرآن في ليلة القدر " مع أنه إنما
أنزل على الرسول صلى الله عليه وآله نجوما مدة حياته، فقيل إنه أنزل الله تعالى القرآن جملة
واحدة في اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ثم كان ينزله جبرئيل عليه السلام
على النبي صلى الله عليه وآله نجوما وكان من أوله إلى آخره ثلاث وعشرون سنة. وقيل معناه إنا
ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر. وقيل أنزله الله من اللوح المحفوظ إلى السفرة وهم
الكتبة من الملائكة في السماء الدنيا وكان ينزل ليلة القدر من الوحي على قدر ما ينزل
به جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله في السنة كلها إلى مثلها من القابل.
وقيل إن معناه إنا أنزلنا
القرآن في شأن ليلة القدر وهو قوله تعالى: " ليلة القدر خير من ألف شهر "

(1) سورة الدخان الآية 3.
(2) قال الآلوسي في روح المعاني ج 25 ص 113 في قوله تعالى " يفرق فيها كل
أمر حكيم " في سورة الدخان: روي عن ابن عباس: تقضى الأقضية كلها في ليلة النصف من
شعبان وتسلم إلى أربابها ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان.
(3) سورة الأنعام والزمر الآية 92 و 68
(4) سورة الطلاق الآية 8
(5) سورة القدر الآية 4
448

وذهب المحدث الكاشاني في أصول الوافي إلى أن معنى إنزاله في ليلة القدر إنزال
بيانه بتفصيل مجمله وتأويل متشابهه وتقييد مطلقه وتفريق محكمه من متشابهه،
قال: وبالجملة تتميم إنزاله بحيث يكون هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان. انتهى
أقول: والظاهر هو القول الأول ويدل عليه ما رواه ثقة الاسلام في
الكافي بسنده عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " سألته عن
قول الله تعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن (2) وإنما أنزل القرآن في
عشرين سنة بين أوله وآخره؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام نزل القرآن جملة واحدة في
شهر رمضان إلى البيت المعمور ثم أنزل في طول عشرين سنة. ثم قال قال النبي
صلى الله عليه وآله: نزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من شهر رمضان وأنزلت التوراة لست
مضين من شهر رمضان وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر رمضان
وأنزل الزبور لثمان عشرة خلون من شهر رمضان وأنزل القرآن في ليلة ثلاث
وعشرين من شهر رمضان ".
أقول: في هذا الخبر دلالة على أن ليلة القدر هي ليلة ثلاث وعشرين من
شهر رمضان لاخباره صلى الله عليه وآله بإنزال القرآن فيها.
بقي أنه قد روى في التهذيب في باب فضل شهر رمضان من كتاب الصيام
خبرا في أول الباب (3) فيه " أنه نزل القرآن في أول ليلة من شهر رمضان
فاستقبل الشهر بالقرآن " ثم روى في آخر الباب حديثا عن أبي بصير (4) يتضمن أنزال الكتب المذكورة في هذا الخبر وانزال القرآن في ليلة القدر.
ولا يخفى مدافعة الخبر الأول من هذين الخبرين لما دل على النزول ليلة القدر

(1) الأصول ج 2 ص 628
(2) سورة البقرة الآية 182.
(3) وهو حديث عمرو الشامي الذي أورده في الوسائل الباب 18 من أحكام شهر رمضان
(4) الوسائل الباب 18 من أحكام شهر رمضان رقم 16
449

وبعضهم جمع بين الخبرين بحمل النزول في ليلة القدر يعني إلى الأرض والخبر
الآخر على نزوله إلى السماء. ويدفعه صدر الخبر المذكور من أن نزوله إلى الأرض
كان نجوما في عشرين سنة. والأقرب في الجمع بينهما حمل النزول في أول ليلة من
شهر رمضان على أول النزول وإن كان الأكثر إنما نزل في ليلة القدر. وأما ما نقلناه
عن المحدث الكاشاني فاستند فيه إلى حديث إلياس المذكور في كتاب الحجة (1)
وفي الدلالة نظر.
السادسة ما تضمنه الخبر الأول (2) من قوله عليه السلام: فهو المحتوم ولله فيه
المشيئة لا يخلو من اشكال ولعله سقط من البين شئ، لأن المحتوم لا تدخله المشيئة
كما دلت عليه الأخبار ومنها قوله عليه السلام في خبر محمد بن مسلم المتقدم (3) " وأمر عنده
موقوف له فيه المشيئة " وأظهر منه ما تقدم (4) في آخر رواية إسحاق بن عمار.
ويؤيده ما ورد في الأخبار (5) من أن العلم المخزون عنده هو الذي يكون فيه
البداء وله فيه المشيئة بالتقديم والتأخير والزيادة والنقصان ونحو ذلك وما اطلع
عليه ملائكته ورسله فإنه محتوم لا يداخله البداء، ولا ريب أن ما تكتبه
الملائكة في هذه الليلة وتنزل به إلى النبي صلى الله عليه وآله والإمام القائم بعده من أحوال تلك
السنة وما يتجدد فيها إنما هو من الثاني فكيف تكون فيه المشيئة كما دل عليه الخبر
المذكور.
ومن الأخبار المشار إليها ما رواه في الكافي (6) عن الفضيل بن يسار في
الصحيح قال: " سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول العلم علمان: فعلم عند الله مخزون
لم يطلع عليه أحدا من خلقه وعلم علمه ملائكته ورسله، فما علمه ملائكته ورسله فإنه
سيكون لا يكذب نفسه ولا ملائكته ولا رسله، وعلم عنده مخزون يقدم منه

(1) باب الاضطرار إلى الحجة ج 2 ص 8 وقد ذكر التوجيه ص 11.
(2) وهو حديث حمران المتقدم ص 438
(3) ص 440
(4) ص 442
(5) الأصول ج 1 كتاب التوحيد باب البداء
(6) الأصول ج 1 كتاب التوحيد باب البداء
450

ما يشاء ويؤخر منه ما يشاء ويثبت ما يشاء " ومثله غيره.
السابعة ما تضمنه حديث إسحاق بن عمار المتقدم (1) من قوله: " قال في
ليلة تسع عشرة يلتقي الجمعان.. إلى آخره " لعل المعنى فيه والله تعالى وأولياؤه؟ أعلم
بباطنه وخافيه أن في ليلة تسع عشرة يجمع بين طرفي كل حكم بالايقاع واللا ايقاع
وفي ليلة إحدى وعشرين يفرق بينهما بالمشيئة لأحدهما دون الآخر لكن لا على
جهة الحتم بل على وجه يدخله البداء وفي ليلة ثلاث وعشرين يمضي ذلك حتما على
وجه لا يدخله البداء.
وفي معنى هذا الخبر وإن كان بألفاظ أخر ما رواه في الكافي في الموثق عن
زرارة (2) قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام التقدير في ليلة تسع عشرة والابرام في ليلة
إحدى وعشرين والامضاء في ليلة ثلاث وعشرين "
وما رواه فيه عن ربيع المسلي وزياد بن أبي الحلال ذكراه عن رجل عن
أبي عبد الله عليه السلام ورواه في الفقيه عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " في ليلة تسع
عشرة من شهر رمضان التقدير وفي ليلة إحدى وعشرين القضاء وفي ليلة ثلاث
وعشرين ابرام ما يكون في السنة إلى مثلها، ولله تبارك وتعالى أن يفعل ما يشاء
في خلقه ".
فالتقدير المذكور في هذين الخبرين عبارة عن استحضاره بكميته وكيفيته مع
عدم الترجيح بين ما في الوجود والعدم وهي المرتبة الأولى المشار إليها في الخبر
المتقدم بالتقاء الجمعين، والمرتبة الثانية التي تقع في ليلة إحدى وعشرين ترجيح أحد
الطرفين وهي المعبر عنها في أول هذين الخبرين بالابرام وفي ثانيهما بالقضاء،
واطلاق الابرام هنا وقع تجوزا باعتبار الترجيح، والمرتبة الثالثة في ليلة ثلاث
وعشرين وهي الامضاء والابرام الحقيقي الذي لا يدخله البداء.

(1) ص 442
(2) الوسائل الباب 32 من أحكام شهر رمضان
(3) الوسائل الباب 32 من أحكام شهر رمضان
451

والمفهوم من الأخبار أن هذه المراتب في أفعاله (عز وجل) مطلقا وأنه
لا يكون فعل إلا بها وربما زيد عليها أيضا:
ففي الكافي (1) عن علي بن إبراهيم الهاشمي قال: " سمعت أبا الحسن موسى
ابن جعفر عليه السلام يقول: لا يكون شئ إلا ما شاء الله وأراد وقدر وقضى. قلت ما معنى
شاء؟ قال ابتداء الفعل. قلت ما معنى أراد؟ قال الثبوت عليه. قلت ما معنى
قدر؟ قال تقدير الشئ من طوله وعرضه. قلت ما معنى قضى؟ قال إذا قضى
أمضاه فذلك الذي لا مرد له ".
ولتحقيق القول في ذلك محل آخر.
وروى الشيخ والصدوق عن الحسن بن علي بن فضال (2) قال: " كتبت
إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام أسأله عن قوم عندنا يصلون ولا يصومون شهر رمضان
وربما احتجت إليهم يحصدون لي فإذا دعوتهم إلى الحصاد لم يجيبوني حتى أطعمهم وهم
يجدون من يطعمهم فيذهبون إليه ويدعوني وأنا أضيق من اطعامهم في شهر رمضان؟
فكتب عليه السلام بخطه أعرفه: أطعمهم ".
وروى في الكافي عن عمر بن يزيد (3) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن
المغيرية يزعمون أن هذا اليوم لهذه الليلة المستقبلة؟ فقال كذبوا هذا اليوم لليلة
الماضية، أن أهل بطن نخلة حيث رأوا الهلال قالوا قد دخل الشهر الحرام ".
أقول: بطن نخلة موضع بين مكة والطائف، والمغيرية أتباع المغيرة بن سعيد
العجلي وقد تكاثرت الأخبار بذمه وأنه كان من الكاذبين على أبي جعفر عليه السلام (4)

(1) الأصول ج 1 ص 150 باب المشيئة والإرادة، وقوله: " قلت ما معنى أراد؟
قال الثبوت عليه " ليس فيه وإنما هو في الوافي ج 1 ص 114 باب أسباب الفعل من أبواب
معرفة مخلوقاته وأفعاله من كتاب العقل والعلم والتوحيد.
(2) الوسائل الباب 36 من أحكام شهر رمضان
(3) الوسائل الباب 8 من أحكام شهر رمضان
(4) ارجع إلى الاستدراكات
452

وروي أنه كان يدعو إلى محمد بن عبد الله بن الحسن ولقبه الأبتر وهو زيدي وإليه
تنسب البترية الذين هم أحد فرق الزيدية.
وروى ثقة الاسلام في الكافي مسندا عن أبي عبد الله عن أبيه عن جده
(عليهم السلام) أن عليا عليه السلام ورواه الصدوق في الفقيه مرسلا (1) " أن عليا
عليه السلام قال يستحب للرجل أن يأتي أهله أول ليلة من شهر رمضان لقول الله (عز
وجل): أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " (2) وزاد في الكافي (3):
" والرفث الجماع ".
قال في الوافي: إنما قال يستحب وليس في الآية أزيد من الحل لأن الله
سبحانه أحب أن يؤخذ برخصه.
وروى أحمد بن محمد بن أحمد بن عيسى في نوادره عن فضالة عن إسماعيل بن أبي زياد عن أبي عبد الله عليه السلام (4) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله.. ثم ساق الخبر
إلى أن قال: وسمي شعبان شهر الشفاعة لأن رسولكم يشفع لكل من يصلي عليه
فيه، وسمي شهر رجب الأصب لأن الرحمة تصب على أمتي فيه صبا. ويقال الأصم
لأنه نهى فيه عن قتال المشركين وهو من الشهور الحرام ".
وروى الطبرسي في كتاب الاحتجاج (5) عن محمد بن عبد الله بن جعفر
الحميري في مكاتباته لصاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه) " أنه كتب إليه أن قبلنا
مشايخ وعجائز يصومون رجبا منذ ثلاثين سنة وأكثر ويصلون شعبان بشهر رمضان

(1) الوسائل الباب 30 من أحكام شهر رمضان. وفي الفروع ج 1 ص 213
" حدثني أبي عن جدي عن آبائه ".
(2) سورة البقرة الآية 184
(3) الفروع ج 1 ص 213 وفيه هكذا " والرفث المجامعة ".
(4) الوسائل الباب 30 من الصوم المندوب
(5) الوسائل الباب 26 من الصوم المندوب
453

وروى لهم بعض أصحابنا أن صومه معصية؟ فأجاب: قال الفقيه يصوم منه أياما
إلى خمسة عشرة يوما ثم يفطر إلا أن يصومه عن الثلاثة الأيام الفائتة للحديث: أن
نعم شهر للقضاء رجب ".
أقول: يشم من هذا الخبر رائحة التقية ولعل في عدوله عليه السلام عن الجواب
من نفسه إلى النقل عن الفقيه إيماء إلى ذلك، والعلامة قد نقل القول بكراهة صوم
شهر رجب كله عن أحمد (1) ونقل عنه أنه احتج بما رواه خرشة بن الحر قال:
" رأيت عمر يضرب أكف المترجبين حتى يضعوها في الطعام ويقول كلوا فإنما هو
شهر كانت تعظمه الجاهلية " وعن ابن عمر " أنه كان إذا رأى الناس وما يعدون
لرجل كرهه وقال صوموا منه وافطروا " " ودخل أبو بكر على أهله وعندهم سلال
جدد وكيزان فقال ما هذا؟ فقالوا رجب نصومه. قال أجعلتم رجبا رمضان
فأكفأ السلال وكسر الكيزان " (2).
قال العلامة في المنتهى بعد نقل ذلك عن أحمد ونقل جملة من الأخبار الدالة
على استحباب صيامه: ونقل أحمد عن عمر أنه إنما كان تعظمه الجاهلية يقتضي عدم
العرفان بفضل هذا الشهر الشريف في الشريعة المحمدية، وكذا أمر ابن عمر وأبي بكر
بترك صومه يدل على قلة معرفتهما بفضل هذا الشهر، وبالجملة لا اعتداد بفعل
هؤلاء مع ما نقلناه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته.
أقول: بل الظاهر أن الوجه في منع القوم إنما هو ما سمعوه من أن هذا الشهر
شهر علي عليه السلام كما ورد في بعض أخبارنا وأنه مأمور بصومه لذلك (3) كما أن شعبان
شهر النبي صلى الله عليه وآله وشهر رمضان شهر الله تعالى (4) فيكون عليه السلام قرينا لهما في هذا

(1) المغني ج 3 ص 166
(2) المغني ج 3 ص 167 والمروي عنه فيه " أبو بكرة " لا " أبو بكر " كما في المتن
(3) الوسائل الباب 26 من الصوم المندوب رقم 16 والباب 28 منه رقم 13.
(4) الوسائل الباب 26 من الصوم المندوب رقم 16 والباب 28 منه رقم 10 و 12
و 18 و 23 و 24.
454

الموضع كما في غيره فحملتهم العداوة الجبلية على المنع من صومه حسدا وبغضا، إذ
يبعد كل البعد عدم سماعهم من الرسول صلى الله عليه وآله ما ورد في فضله مع صومه صلى الله عليه وآله
كلا أو بعضا.
ثم أقول: لا يخفى أنه متى كانت الأخبار قد وردت من هذين الخليفتين اللذين
هما معتمدا أهل السنة في دينهما زيادة على الرسول صلى الله عليه وآله كما يعلم من تصلبهم على
القيام ببدعهم في الدين فإن هذا القول لا يختص بأحمد من بينهم إلا أنه لم ينقل.
والله العالم.
كتاب الاعتكاف
وهو لغة الاحتباس والإقامة على شئ بالمكان، قال الجوهري عكفه أي
حبسه ووقفه يعكفه ويعكفه عكفا، ومنه قوله تعالى: " والهدي معكوفا " (1) ومنه
الاعتكاف في المسجد وهو الاحتباس، وعكف على الشئ يعكف ويعكف عكوفا أي
أقبل عليه مواظبا قال الله تعالى: " يعكفون على أصنام لهم " (2) وعكفوا حول الشئ
أي استداروا. ونحوه في القاموس. وفي النهاية الاعتكاف والعكوف هو الإقامة على
الشئ بالمكان. ونقل في الشرع إلى معنى أخص من ذلك وهو ما يأتي الكلام فيه
إن شاء الله تعالى. وعرفه الأصحاب بتعريفات لا يكاد يسلم أكثرها من الإيراد كما
هو مذكور في كلامهم ولا ثمرة في التعرض لذلك.
ومشروعيته ثابتة بالكتاب والسنة والاجماع، أما الأول فقوله (عز
وجل): طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود (3) وقوله عز شأنه:
ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد (4).
وأما الثاني فالأخبار المستفيضة ومنها ما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي

(1) سورة الفتح الآية 26
(2) سورة الأعراف الآية 135
(3) سورة البقرة الآية 120 وارجع إلى الاستدراكات
(4) سورة البقرة الآية 184
455

عن أبي عبد الله عليه السلام (1) أنه قال: " لا اعتكاف إلا بصوم في المسجد الجامع. قال
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد وضربت له قبة
من شعر وشمر المئزر وطوى فراشه. فقال بعضهم: واعتزل النساء. فقال أبو عبد الله
عليه السلام: أما اعتزال النساء فلا ".
قال الصدوق (رحمه الله) بعد ايراد هذا الخبر: المراد من نفيه عليه السلام
لاعتزال النساء أنه لم يمنعهن من خدمته والجلوس معه وأما المجامعة فإنه امتنع منها،
قال ومعلوم من قوله: " طوى فراشه " ترك المجامعة.
وروى هذا الخبر الكليني في الصحيح أو الحسن على المشهور (2) من قوله
" كان رسول الله صلى الله عليه وآله.. إلى آخره ".
وروى في الكافي أيضا في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال:
" كانت بدر في شهر رمضان فلم يعتكف رسول الله صلى الله عليه وآله فلما إن كان من قابل
اعتكف عشرين: عشرا لعامه وعشرا قضاء لما فاته ".
وروى في الكافي أيضا عن أبي العباس عن أبي عبد الله عليه السلام (4) قال:
" اعتكف رسول الله صلى الله عليه وآله في شهر رمضان في العشر الأولى ثم اعتكف في الثانية
في العشر الوسطى ثم اعتكف في الثالثة في العشر الأواخر ثم لم يزل يعتكف في
العشر الأواخر " إلى غير ذلك من الأخبار.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الكلام في هذا المقام يقع في فصلين:
الفصل الأول في شرائط الاعتكاف وهي أمور:
الأول الصوم فلا يصح إلا في زمان يصح فيه الصوم ممن يصح منه الصوم،

(1) الفقيه ج 2 ص 119 و 120 وفي الوسائل الباب 3 و 1 و 5 من الاعتكاف
(2) الوسائل الباب 5 من الاعتكاف
(3) الوسائل الباب 1 من الاعتكاف.
(4) الوسائل الباب 1 من الاعتكاف.
456

فلا يصح الاعتكاف في العيدين ولا يصح من الحائض والنفساء. وهذا الشرط
مجمع عليه نصا وفتوى.
ومن الأخبار الدالة على ذلك ما تقدم في صحيحة الحلبي برواية الصدوق
من قوله (عليه السلام) " لا اعتكاف إلا بصوم في المسجد الجامع ".
وما رواه الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم (1) قال: " قال أبو عبد الله
(عليه السلام) لا اعتكاف إلا بصوم ".
وما رواه في الكافي أيضا عن أبي العباس عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: " لا اعتكاف إلا بصوم ".
وما رواه أيضا عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث (3)
قال: " ومن اعتكف صام ".
وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في
حديث (4) قال فيه " وتصوم ما دمت معتكفا ".
وما رواه الشيخ في الموثق عن عبيد بن زرارة (5) قال: " قال أبو عبد الله
(عليه السلام) لا يكون الاعتكاف إلا بصوم " إلى غير ذلك من الأخبار.
واطلاق هذه الأخبار وغيرها يقتضي الاكتفاء بالصيام كيف اتفق بمعنى
أنه لا يشترط في الصيام أن يكون لأجل الاعتكاف، وبذلك صرح المحقق في المعتبر
أيضا وغيره في غيره فقالوا بأنه لا يعتبر ايقاع الصوم لأجل الاعتكاف بل يكفي
وقوعه في أي صوم اتفق واجبا كان أو ندبا رمضان كان أو غيره، قال في المعتبر:
وعليه فتوى الأصحاب.
قال العلامة في التذكرة بعد أن ذكر نحو ذلك: فلو نذر اعتكاف ثلاثة أيام
مثلا وجب الصوم بالنذر لأن ما لا يتم الواجب إلا به يكون واجبا.
قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه: وهو مشكل على اطلاقه لأن المنذور المطلق

(1) الوسائل الباب 2 من الاعتكاف
(2) الوسائل الباب 2 من الاعتكاف
(3) الوسائل الباب 2 من الاعتكاف
(4) الوسائل الباب 2 من الاعتكاف: ارجع إلى الاستدراكات
(5) الوسائل الباب 2 من الاعتكاف
457

يصح ايقاعه في صوم شهر رمضان أو واجب غيره فلا يكون نذر الاعتكاف مقتضيا
لوجوب الصوم، كما أن من نذر الصلاة فاتفق كونه متطهرا في الوقت الذي تعلق به
النذر لم يفتقر إلى طهارة مستأنفة، نعم لو كان الوقت معينا ولم يكن صومه واجبا
اتجه وجوب صومه لكن لا يتعين صومه للنذر أيضا فلو نذر المعتكف صياما
وصام تلك الأيام عن النذر أجزأ. انتهى
أقول: الظاهر أن مراد العلامة أنه لو نذر اعتكاف ثلاثة أيام مثلا وأراد
الوفاء بنذره ولم يكن عليه صيام واجب فإن الصيام يجب للاعتكاف بالنذر المذكور
والعبارة خرجت مخرج التوسع بناء على ما هو الغالب.
ثم نقل عنه في المدارك أيضا أنه قال في التذكرة أيضا: وكذا لو نذر اعتكافا
وأطلق فاعتكف في أيام أراد صومها مستحبا جاز. ثم اعترض عليه بأن هذا
الكلام بظاهره مناف لما ذكره أولا من أن نذر الاعتكاف يقتضي وجوب الصوم.
وهو كذلك.
ثم نقل عن جده (قدس سرهما) أنه جزم بالمنع من جعل صوم الاعتكاف
المنذور مندوبا للتنافي بين وجوب المضي على الاعتكاف الواجب وجواز قطع
الصوم المندوب. ثم قال: وهو جيد إن ثبت وجوب المضي في الاعتكاف الواجب
وإن كان مطلقا لكنه غير واضح كما ستقف عليه، أما بدون ذلك فيتجه جواز
ايقاع المنذور المطلق في الصوم المستحب، أما المعين فلا ريب في امتناع وقوعه
كذلك لما ذكره الشارح من التنافي بين وجوب المضي فيه وجواز قطع الصوم. انتهى
أقول: وسيأتي ما به يتضح تحقيق المسألة إن شاء الله تعالى.
الثاني اللبث ثلاثة أيام فصاعدا لا أقل، وهذا الشرط أيضا من ما
لا خلاف فيه نصا وفتوى، قال العلامة في التذكرة إنه قول علمائنا أجمع. وقال
المحقق في المعتبر: قد أجمع علماؤنا على أنه لا يجوز أقل من ثلاثة أيام
458

بليلتين وأطبق الجمهور على خلاف ذلك (1).
ويدل على ذلك من الأخبار ما رواه في الكافي (2) عن أبي بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: " لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام. ومن اعتكف صام.
وينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يحرم ".
وما رواه الشيخ في التهذيب (3) عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه
السلام) " إذا اعتكف العبد فليصم. وقال لا يكون الاعتكاف أقل من
ثلاثة أيام.. الحديث ".
وما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح في بعض والموثق في آخر عن محمد بن
مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (4) قال: " إذا اعتكف يوما ولم يكن اشترط
فله أن يخرج ويفسخ الاعتكاف وإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يخرج
ويفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام ".
وما رواه المشايخ الثلاثة أيضا في الصحيح والموثق عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر (عليه السلام) (5) قال: " ومن اعتكف ثلاثة أيام فهو يوم الرابع
بالخيار إن شاء زاد ثلاثة أيام أخر وإن شاء خرج من المسجد، فإن أقام يومين بعد
الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أيام أخر ".
وما رواه الكليني عن داود بن سرحان (6) قال: " بدأني أبو عبد الله (عليه السلام)
من غير أن أسأله فقال الاعتكاف ثلاثة أيام يعني السنة إن شاء الله تعالى ".
بقي الكلام هنا في مواضع: الأول لا خلاف في دخول ليلتي اليوم الثاني
والثالث في الاعتكاف في الثلاثة الأيام لا من حيث الدخول في لفظ الأيام بل
بدليل من خارج.

(1) المغني ج 3 ص 186 و 189 و 213 و 214 و 216
(2) الفروع ج 1 ص 212 وفي الوسائل الباب 4 و 2 و 9 من الاعتكاف
(3) ج 4 ص 289 وفي الوسائل الباب 2 و 4 من الاعتكاف
(4) الوسائل الباب 4 من الاعتكاف
(5) الوسائل الباب 4 من الاعتكاف
(6) الوسائل الباب 4 من الاعتكاف
459

وإنما الخلاف في دخول الليلة الأولى فقيل بعدم دخولها وبه صرح المحقق
في المعتبر حيث قال في مقام الرد على أبي حنيفة (1): ولا تدخل الليالي بل ليلتان
من كل ثلاث لما قررناه من الأصل، وحجته ضعيفة لأن دخول الأيام في الليالي
وبالعكس لا يستفاد من مجرد اللفظ بل بالقرائن وإلا فاليوم حقيقة في ما بين الفجر
إلى غروب الشمس والليلة ما عدا ذلك، واستعمال أحدهما في مسماه منضما لا يعلم
بمجرد اللفظ. انتهى. وبه صرح الشهيد في الدروس.
وقيل بدخولها وهو منقول عن العلامة وإليه جنح شيخنا الشهيد الثاني في
المسالك حيث قال: لا خلاف عندنا في أن أقل الاعتكاف ثلاثة أيام إنما الكلام
في مسمى هذه الأيام هل هو النهار لأنه المعروف منها عند الاطلاق لغة واستعمالا
حتى في القرآن الكريم لقوله تعالى: سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما (2)
أم المركب منه ومن الليل لاستعماله شرعا فيهما أيضا في بعض الموارد، ولدخوله في
اليومين الأخيرين؟ فعلى الأول فمبدأ الثلاثة طلوع الفجر وعلى الثاني الغروب
والنصوص مطلقة وكذا كثير من عبارات الأصحاب، واختار المصنف في المعتبر
والشهيد في الدروس الأول ورجح العلامة وجماعة الثاني وهو أولى، وأكمل منه
أن يجمع بين النية عند الغروب وقبل الفجر. انتهى.
والسيد السند في المدارك حيث اختار الأول قال بعد نقل كلام جده
واستدلاله: وهو استدلال ضعيف فإن الاستعمال أعم من الحقيقة ودخول الليل
في اليومين الأخيرين إنما استفيد من دليل من خارج، وكيف كان فالترجيح
للقول الأول لما عرفت.
ونقل في المدارك عن بعض الأصحاب أنه احتمل دخول الليلة المستقبلة في
مسمى اليوم، قال: وعلى هذا فلا تنتهي الأيام الثلاثة إلا بانتهاء الليلة الرابعة.
ثم قال: وهو بعيد جدا بل مقطوع بفساده.

(1) المغني ج 3 ص 213
(2) سورة الحاقة الآية 8.
460

أقول: ويرده صريحا ما تقدم قريبا في آخر نوادر كتاب الصيام (1) من
حديث عمر بن يزيد المشتمل على نسبة هذا القول للمغيرية وتكذيب الصادق (عليه
السلام) لهم في ذلك.
الثاني أنهم قد فرعوا على هذا الشرط أنه لو نذر اعتكافا مطلقا انصرف
إلى ثلاثة أيام لأنها أقل ما يمكن جعله اعتكافا، ومبدأها طلوع الفجر أو غروب
الشمس بناء على القولين المتقدمين. ويعتبر كون الأيام تامة فلا يجرئ الملفق من
الأول والرابع لأن نصف اليومين لا يصدق عليهما أنهما يوم.
ومن ما يتفرع على ذلك أيضا أنه لو وجب عليه قضاء يوم من اعتكاف
اعتكف ثلاثة ليصح. وكذا لو نذر اعتكاف أربعة أيام فاعتكف ثلاثة ثم قطع
أو نذر اعتكاف يوم ولم يقيده بعدم الزائد. ويتخير في جميع هذه المواضع بين
تقديم الزائد وتأخيره وتوسيطه.
إلا أن جملة من المتأخرين ذكروا أن الزائد على الواجب أصالة إن تأخر
عن الواجب لم يقع إلا واجبا وأن تقدم جاز أن ينوي به الوجوب من باب مقدمة
الواجب والندب لعدم تعين الزمان له.
وربما أشكل ذلك بما إذا كان الواجب يوما واحدا فإن اعتكاف اليومين بنية
الندب يوجب الثالث فلا يكون مجزئا عن ما في ذمته.
وفيه أنه لا منافاة بين كونه واجبا سابقا وعروض الوجوب له من جهة
أخرى، وهل هو إلا من قبيل نذر الواجب على القول به.
الثالث لو ابتدأ بالاعتكاف في مدة لا تسلم فيها الثلاثة كأن يبتدئ قبل
العيد بيوم أو بيومين لم يصح اعتكافه لأن أقله ثلاثة أيام وهو مشروط بالصوم
والعيد لا يجوز صومه فيبطل اعتكافه البتة من غير اشكال ولا خلاف، نعم يمكن
ذلك بناء على جواز صوم العيد في كفارة القاتل في الأشهر الحرم بناء على القول
بذلك كما تقدم ذكره في كتاب الصيام في المطلب الثالث من مطالب المقصد الثاني

(1) ص 452
461

من الكتاب المذكور (1).
الرابع لو نذر الاعتكاف عشرين يوما أو عشرة أيام مثلا فإن اشترط
التتابع لفظا أو كان التتابع حاصلا معنى والمراد بالتتابع لفظا أن يكون مدلولا
عليه بلفظ التتابع أو ما أدى مؤداه، والتتابع معنى ما كان مدلولا عليه بالالتزام
كنذر اعتكاف شهر رجب الذي لا يتحقق الاتيان به إلا بالتتابع فإن الشهر اسم
مركب من الأيام المعدودة فلا ريب في وجوب التتابع، وإن انتفى الأمران
فالمشهور جواز التتابع والتفريق لتحقق الامتثال بكل منهما، لكن ليس له أن
ينقص عن ثلاثة أيام لأنها أقل مدة يسوغ الاعتكاف فيها. واستقرب العلامة في
التذكرة والمنتهى عدم تعين ذلك وجوز له اعتكاف يوم عن النذر وضم يومين
مندوبين إليه أو واجبين بغير النذر كما لو نذر أن يعتكف يوما وسكت عن
الزائد، وهو جيد.
الخامس المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لو نذر اعتكاف
ثلاثة أيام من دون لياليها لم يصح، لأن الليالي إذا لم تدخل في الاعتكاف يحصل
الخروج منه بدخول الليل فيجوز له فعل ما ينافيه فينقطع اعتكاف ذلك اليوم
عن ما قبله ويصير منفردا، ويلزم من ذلك صحة اعتكاف أقل من ثلاثة أيام، وهو
معلوم البطلان كما عرفت من الأخبار الدالة على أن أقله ثلاثة أيام.
وقال الشيخ في الخلاف: إذا قال لله على أن اعتكف ثلاثة أيام يلزمه ذلك فإن
قال متتابعة لزم بينها ليلتان وإن لم يشترط المتابعة جاز أن يعتكف نهار ثلاثة أيام
بلا لياليهن. مع أنه قال في هذا الكتاب: لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة
أيام وليلتين. إلا أن يحمل على التقييد بالمتابعة.
وقال في المبسوط: إن نذر أياما بعينها لم يدخل فيها لياليها إلا أن يقول العشر
الأواخر وما يجري مجراه فيلزمه حينئذ الليالي لأن الاسم يقع عليه. ثم قال في

(1) ص 388
462

موضع آخر منه: ولو نذر اعتكاف ثلاثة أيام وجب عليه أن يدخل فيه قبل
طلوع الفجر من أول يومه إلى بعد الغروب من ذلك اليوم وكذلك اليوم الثاني
والثالث، هذا إن أطلقه وإن شرط التتابع لزمه الثلاثة الأيام بينها ليلتان.
قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه: والمعتمد دخول الليالي، لنا أن
الاعتكاف لا يكون أقل من ثلاثة أيام ومفهوم ذلك دخول الليالي. انتهى.
أقول: كأن الشيخ (رحمه الله) بنى على أن اليوم إنما هو عبارة عن ما بعد
طلوع الفجر إلى غروب الشمس والثلاثة الأيام المذكورة في الأخبار عبارة عن ذلك
فالليل مع عدم قيد التتابع غير داخل فيها. وفيه أن الحكم على الثلاثة بكونها أقل
ما يقع فيه الاعتكاف ولا يصح في أقل منها ظاهر في إدخال الليلتين بالتقريب
المتقدم، ويعضده الأخبار الدالة على وجوب الكفارة على من جامع ليلا وهو
معتكف (1) كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وتقييدها بالمتابعة لا دليل عليه ولا داعي إليه.
الثالث المكان ولا بد أن يكون مسجدا اتفاقا وإنما اختلفوا في تعيينه فقال
الشيخ والمرتضى أنه لا يصح الاعتكاف إلا في أربعة مساجد: المسجد الحرام
ومسجد النبي صلى الله عليه وآله ومسجد الكوفة ومسجد البصرة، وبه قال أبو جعفر بن بابويه
في كتاب من لا يحضره الفقيه وسلار وأبو الصلاح وابن البراج وابن حمزة
وابن إدريس.
وقال علي بن بابويه: لا يجوز الاعتكاف إلا في المسجد الحرام ومسجد النبي
صلى الله عليه وآله ومسجد الكوفة ومسجد المدائن، والعلة في ذلك أنه لا يعتكف إلا في
مسجد جمع فيه إمام عدل وقد جمع النبي صلى الله عليه وآله بمكة وجمع أمير المؤمنين عليه السلام في
هذه المواضع، وقد روى في مسجد البصرة رواية.
وقال ابن إدريس في السرائر: وقد ذهب بعض أصحابنا وهو ابن بابويه إلى أن
أحد الأربعة مسجد المدائن وجعل مسجد البصرة رواية، ويحسن في هذا الموضع

(1) الوسائل الباب 6 من الاعتكاف
463

قول: " أقلب تصب " لأن الأظهر بين الطائفة ما قلناه أولا فإن كانت قد رويت
لمسجد المدائن رواية فهي من أخبار الآحاد.
قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه - ونعم ما قال وهذا تهجم في القول على
مثل هذا الشيخ وتهكم بكلامه، ولا يليق بمن له أدنى فطانة مخاطبة مثل هذا الشيخ
الأعظم السابق في الفضل الجامع بين العلم والعمل الذي راسله الإمام ودعا له بما
طلب منه (1) بمثل هذا الكلام.
ثم نقل عن ابنه أبي جعفر في المقنع أنه قال: ولا يجوز الاعتكاف إلا في
خمسة مساجد: في المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وآله ومسجد الكوفة ومسجد
المدائن ومسجد البصرة، وعلل بأن الاعتكاف إنما يكون في مسجد جمع فيه إمام
عدل والنبي (صلى الله عليه وآله) جمع بمكة والمدينة وجمع أمير المؤمنين عليه السلام في
الثلاثة الباقية.
وقال المفيد: لا يكون الاعتكاف إلا في مسجد الأعظم، وقد روي أنه
لا يكون إلا في مسجد جمع فيه النبي (صلى الله عليه وآله) أو وصي نبي.. ثم عد
المسجد الحرام ومسجد المدينة ومسجد الكوفة ومسجد البصرة.
وقال ابن أبي عقيل (2) الاعتكاف عند آل الرسول (صلى الله عليه وآله)
لا يكون إلا في المساجد وأفضل الاعتكاف في المسجد الحرام ومسجد الرسول
(صلى الله عليه وآله) ومسجد الكوفة وسائر الأمصار مساجد الجماعات.
أقول: والظاهر أن مرجع القول الأول والثاني المنقول عن علي بن بابويه
إلى أمر واحد وهو أن يكون مسجدا قد جمع فيه نبي أو وصي نبي أعم من أن يكون
جماعة أو جمعة وإن كان قد صرح الشيخ في المبسوط والمرتضى في الإنتصار بأن

(1) رجال النجاشي في ترجمة الشيخ الصدوق وغيبة الشيخ الطوسي ص 201 طبع
تبريز واكمال الدين ص 276.
(2) الوسائل الباب 3 من الاعتكاف
464

المعتبر في ذلك صلاة الجمعة وأنه لا يكفي مطلق الجماعة، ونقله في المختلف عن الشيخ
المفيد أيضا وابن حمزة وابن إدريس، وظاهر ابني بابويه الاكتفاء بمطلق الجماعة.
وقال في المختلف: ولا أرى لهذا الخلاف فائدة إلا أن يثبت زيادة مسجد
صلى فيه بعض الأئمة (عليهم السلام) جماعة لا جمعة. وقال ابنه في الشرح إن
فائدة الخلاف تظهر في مسجد المدائن فإن المروي أن الحسن عليه السلام صلى فيه
جماعة لا جمعة.
أقول: قد تقدم في عبارة الشيخ علي بن بابويه أن مسجد المدائن قد جمع فيه
أمير المؤمنين عليه السلام وهو المذكور في الفقه الرضوي (1) وإلى هذا القول ذهب في
المنتهى والمختلف ونسبه في المنتهى إلى المشهور بين علمائنا.
وأما ما ذهب إليه الشيخ المفيد (قدس سره) فالظاهر أن مراده بالمسجد الأعظم
يعني جامع البلد، وإليه ذهب المحقق في كتبه وأكثر المتأخرين، وظاهر جملة من
الأصحاب حمل عبارة ابن أبي عقيل على ذلك وهو بعيد عن ظاهرها وأن ظاهرها
مطلق المسجد.
وأما الأخبار الواردة في هذا الباب فمنها ما رواه الصدوق في الصحيح عن
عمر بن يزيد (2) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول في الاعتكاف ببغداد في
بعض مساجدها؟ فقال: لا يعتكف إلا في مسجد جماعة قد صلى فيه إمام عدل جماعة
ولا بأس بأن يعتكف في مسجد الكوفة والبصرة ومسجد المدينة ومسجد مكة "
ورواه الشيخان ثقة الاسلام وشيخ الطائفة بسند غير نقي (3).
وقال في الفقيه (4): وقد روى في مسجد المدائن.
وما رواه المشايخ الثلاثة أيضا في الصحيح في بعضها عن داود بن سرحان عن

(1) ص 26
(2) الفقيه ج 2 ص 120 وفي الوسائل الباب 3 من الاعتكاف
(3) الوسائل الباب 3 من الاعتكاف
(4) الوسائل الباب 3 من الاعتكاف
465

أبي عبد الله عليه السلام (1) قال " إن عليا عليه السلام كأن يقول: لا أرى الاعتكاف إلا في المسجد
الحرام أو مسجد الرسول صلى الله عليه وآله أو مسجد جامع ".
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (2)
قال: " سئل عن الاعتكاف فقال: لا يصلح الاعتكاف إلا في المسجد الحرام أو
مسجد الرسول صلى الله عليه وآله أو مسجد الكوفة أو مسجد جماعة. وتصوم ما دمت معتكفا "
وما رواه الشيخ في الموثق عن الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " سئل عن
الاعتكاف في شهر رمضان قال إن عليا عليه السلام كأن يقول لا أرى الاعتكاف إلا في
المسجد الحرام أو في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله أو في مسجد جامع ".
وما رواه عن علي بن عمران الرازي عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما
السلام) (4) قال: " المعتكف يعتكف في المسجد الجامع ".
وما رواه أيضا عن يحيى بن العلاء الرازي عن أبي عبد الله (5) قال:
" لا يكون الاعتكاف إلا في مسجد جماعة ".
وما تقدم في صدر الكتاب في صحيحة الحلبي برواية الصدوق (6) من قوله
عليه السلام: " لا اعتكاف إلا بصوم في المسجد الجامع ".
وما رواه الشيخ في القوي عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام في
حديث (7) قال: " لا يصلح العكوف في غيرها - يعني مكة - إلا أن يكون في مسجد
رسول الله صلى الله عليه وآله أو في مسجد من مساجد الجماعة ".
وما رواه أيضا عن علي بن غراب عن أبي عبد الله عليه السلام (8) قال: " المعتكف

(1) الوسائل الباب 3 من الاعتكاف
(2) الوسائل الباب 3 من الاعتكاف
(3) الوسائل الباب 3 من الاعتكاف، وفي التهذيب ج 4 ص 291 هكذا " سئل
عن الاعتكاف في رمضان في العشر. "
(4) التهذيب ج 4 ص 290 وفي الوسائل الباب 3 من الاعتكاف
(5) الوسائل الباب 3 من الاعتكاف. ارجع فيهما إلى الاستدراكات
(6) ص 455 و 456
(7) الوسائل الباب 3 من الاعتكاف
(8) الوسائل الباب 3 من الاعتكاف. ارجع فيهما إلى الاستدراكات
466

يعتكف في المسجد الجامع ".
ونقل في المختلف عن ابن الجنيد (1) أنه روى عن ابن سعيد عن أبي عبد الله
عليه السلام جوازه في كل مسجد صلى فيه إمام عدل صلاة جمعة وفي المسجد الذي يصلي
فيه الجمعة بإمام وخطبة.
وفي هذا الحديث دلالة على ما ذكره الشيخ والمرتضى ونحوهما ممن قدمنا
ذكره من أن الاعتبار بصلاة الجمعة وأنه لا يكفي مطلق الجماعة.
وقال في الفقه الرضوي (2): وصوم الاعتكاف في المسجد الحرام
ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله ومسجد الكوفة ومسجد المدائن، ولا يجوز الاعتكاف في
غير هؤلاء المساجد الأربعة، والعلة في ذلك أنه لا يعتكف إلا في مسجد جمع
فيه إمام عدل، وجمع رسول الله صلى الله عليه وآله بمكة والمدينة وأمير المؤمنين عليه السلام في هذه
الثلاثة المساجد، وقد روى في مسجد البصرة. انتهى.
ومن هذه العبارة أخذ الشيخ علي بن بابويه عبارة الرسالة المتقدمة كما هي قاعدته
التي أشرنا إليها في غير موضع من ما تقدم، وإليها يرجع كلام ابنه في المقنع أيضا
كما لا يخفى.
أقول: ليس في هذه الأخبار ما يمكن أن يستدل للقولين المتقدمين إلا عبارة
كتاب الفقه الرضوي وصحيحة عمر بن يزيد التي هي أول الأخبار المنقولة هنا.
وما تأولها به بعضهم من حمل الإمام العدل على معنى العادل فيشمل إمام الجماعة لا
يخفى بعده سيما مع قوله بعد هذا الكلام: " ولا بأس بأن يعتكف.. إلى آخره " فإن
الظاهر أن تخصيص هذه المساجد بالذكر قرينة على إرادة المعصوم حيث إنها من ما
صلى فيها المعصوم عليه السلام. ومن ذلك يظهر قوة القول الأخير وهو الاكتفاء بالمسجد
الجامع. بقي الكلام في ما يحمل عليه الخبران المذكوران.

(1) الوسائل الباب 3 من الاعتكاف. واللفظ فيه هكذا: صلى فيه إمام عدل صلاة جماعة
(2) ص 26
467

والعلامة في المختلف والمنتهى حيث اختار الأول استدل له بصحيحة عمر بن
يزيد المذكورة.
وأجيب عن ذلك بحملها على عدم اختصاص الإمام العدل بالمعصوم بل
المراد ما هو أعم، وأنه مع تسليم الاختصاص محمول على ضرب من الكراهة جمعا.
وفي الجوابين ما لا يخفى كما نبهت عليه.
وأما عبارة كتاب الفقه الرضوي فلم يطلعوا عليها.
والعلامة في المنتهى قد أجاب عن الأخبار التي استدل بها على القول الثاني
بضعف السند أولا وتقييد اطلاقها بالصحيحة المتقدمة، قال بعد نقل جملة منها:
هذه أحاديث مطلقه وما قلناه مقيد فيحمل عليه جمعا بين الأدلة. وفيه من البعد
ما لا يخفى فإن عد مسجد الجماعة مع جملة من هذه المساجد في جملة من الأخبار المتقدمة
لا يلائم ذلك كما هو ظاهر.
والأظهر عندي أن روايات كل من الطرفين ظاهرة في كل من القولين وأن
أخبار أحد الطرفين إنما خرج مخرج التقية، والظاهر أنها في أخبار القول بالمسجد
الجامع وذلك فإن مذهب الشافعي أنه يصح في كل مسجد كما هو ظاهر عبارة ابن أبي عقيل وبه قال مالك أيضا، وقال أحمد لا يجوز إلا في مسجد يجمع فيه وبه قال
أبو حنيفة (1) وهو قول الشيخ المفيد ومن تبعه، وأما القول بالمساجد الأربعة المتقدمة
فلم يسند إلى أحد منهم (2) وبذلك يظهر قوة القول الأول. والله العالم.
ولا فرق في اعتبار هذه الشرائط بين الرجل والمرأة اتفاقا.
ويدل عليه قوله عليه السلام في صحيحة الحلبي (3): " لا ينبغي للمعتكف أن يخرج

(1) عمدة القارئ ج 5 ص 373 والمجموع ج 6 ص 483 والمهذب ج 1 ص 190
وبدائع الصنائع ج 2 ص 113.
(2) في المغني ج 3 ص 188 و 189 حكى عن حذيفة أن الاعتكاف لا يصح إلا في
أحد المساجد الثلاثة: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجد رسول الله صلى الله عليه وآله
(3) الوسائل الباب 7 من الاعتكاف
468

من المسجد.. إلى أن قال: واعتكاف المرأة مثل ذلك ".
وقوله عليه السلام في صحيحة داود بن سرحان (1): " ولا ينبغي للمعتكف أن
يخرج من المسجد الجامع إلا لحاجة لا بد منها ثم لا يجلس حتى يرجع، والمرأة
مثل ذلك ".
الرابع إذن من له الولاية كالمولى لعبده والزوج لزوجته، أما العبد فلأن
خدمته مستحقة للمولى، وأما الزوجة فلأن الاستمتاع بها حق الزوج.
والظاهر أنه لا خلاف فيه ولا اشكال وإن لم يرد بخصوصه نص في هذا
المجال، إنما الكلام في أذن الوالد لولده والمضيف لضيفه والحق في ذلك كما ذكره
في المسالك أنه إن وقع الاعتكاف في صوم مندوب بني على ما تقدم في كتاب الصوم
من توقف صومهما على الإذن وعدمه وإن وقع في غيره كصوم شهر رمضان
مثلا فالأظهر عدم الاشتراط لعدم الدليل.
وأطلق الشهيد في الدروس اشتراط إذن الأب فقال في ضمن تعداد الشروط:
ويشترط الاسلام.. إلى أن قال: وإذن الزوج والمولى والوالد.. إلى أن قال:
والأقرب أن الأجير والضيف يستأذنان في الاعتكاف. وهو على اطلاقه مشكل لما
عرفت من عدم الدليل في المسألة وإنما صرنا إليه في الصوم المندوب من حيث الصوم
بناء على اشتراط الإذن فيه لا من حيث خصوصية الاعتكاف. وأما ما ذكره من
الأجير فالحكم فيه كما تقدم في العبد حيث إن منافعه مستحقة للمستأجر.
وقد صرح جملة من الأصحاب تفريعا على هذه المسألة بأن المملوك إذا هاياه
مولاه جاز له الاعتكاف في أيامه وإن لم يأذن له مولاه، وأنه لو أعتق في أثناء
الاعتكاف لم يلزمه المضي فيه إلا أن يكون شرع فيه بإذن المولى فيلزمه المضي.
وأورد على الأول بأنه على اطلاقه ممنوع بل إنما يجوز له الاعتكاف في أيامه

(1) الوسائل الباب 7 من الاعتكاف
469

إذا كانت المهاياة تفي بأقل مدة الاعتكاف ولم يضعفه عن الخدمة في نوبة المولى ولم
يكن الاعتكاف في صوم مندوب إن منعنا المبعض من الصوم بغير إذن المولى وإلا
لم يجز إلا بالإذن كما هو واضح. وعلى الثاني أنه إنما يتم عند هذا القائل مع وجوب
الاعتكاف بنذر أو شبهه أو بعد مضي يومين لا مطلقا.
الخامس استدامة اللبث في المسجد فلو خرج بغير الأسباب المبيحة بطل
اعتكافه، وهو اجماع منهم كما صرح به غير واحد منهم.
ويدل عليه الأخبار: ومنها ما رواه ثقة الاسلام في الصحيح عن عبد الله
بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " ليس للمعتكف أن يخرج من المسجد إلا
إلى الجمعة أو جنازة أو غائط ".
وما رواه ثقة الاسلام في الحسن على المشهور والصحيح على الأصح وابن
بابويه في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " لا ينبغي للمعتكف
أن يخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها ثم لا يجلس حتى يرجع ولا يخرج في شئ
إلا لجنازة أو يعود مريضا ولا يجلس حتى يرجع. قال واعتكاف المرأة مثل ذلك ".
وما رواه في الكافي والفقيه عن داود بن سرحان في الصحيح بطريق الثاني (3)
قال: " كنت بالمدينة في شهر رمضان فقلت لأبي عبد الله عليه السلام إني أريد أن أعتكف
فماذا أقول وماذا أفرض على نفسي؟ فقال: لا تخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها
ولا تقعد تحت الظلال حتى تعود إلى مجلسك ".
وما تقدم من رواية داود بن سرحان الأخرى.
ويستفاد من هذه الأخبار أمور: أحدها أن الظاهر منها هو أن المراد
بالخروج منها هو الخروج بجميع بدنه لا بعضو من أعضائه، وبه قطع المحقق في
المعتبر من غير نقل خلاف، قال: لأن المنافي للاعتكاف خروجه لا خروج
بعضه. وجزم في المسالك بتحقق الخروج من المسجد بخروج جزء من بدن المعتكف
وهو بعيد جدا.

(1) الوسائل الباب 7 من الاعتكاف
(2) الوسائل الباب 7 من الاعتكاف
(3) الوسائل الباب 7 من الاعتكاف
470

وثانيها أن المتبادر من الخروج المنهي عنه فيها هو الخروج من نفسه
اختيارا فلو أخرج منها مكرها فالظاهر أنه غير مبطل إلا أن يطول الزمان على وجه
يخرج عن كونه معتكفا.
وبذلك فصل العلامة (قدس سره) في التذكرة فقال إن الاعتكاف إنما يبطل
بمطلق الخروج المحرم إذا وقع اختيارا أما إذا خرج كرها فإنه لا يبطل إلا مع
طول الزمان بحيث يخرج عن كونه معتكفا.
قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه: ولا بأس به تمسكا بمقتضى الأصل وحديث
رفع القلم (1) والتفاتا إلى عدم توجه النهي إلى هذا الفعل.
وجملة من الأصحاب قد صرحوا بأن الخروج مبطل طوعا خرج أو كرها.
واستدل عليه في المعتبر بأن الاعتكاف لبث في المسجد فيكون الخروج
منافيا له.
وفيه ما عرفت من أن المنافي له إنما هو الخروج الاختياري كما هو ظاهر
الأخبار المذكورة وأما الاخراج منها كرها فلا دليل على ابطاله، وليس كل مناف
لللبث موجبا للابطال لعدم الدليل عليه بل قيام الدليل على خلافه في المواضع المشار
إليها في الأخبار المتقدمة.
وثالثها - أنه هل يتحقق الخروج بالصعود إلى سطح المسجد من داخله؟
قيل نعم وبه قطع في الدروس لعدم دخوله في مسماه، وقيل لا وبه قطع في المنتهى
من غير نقل خلاف، قال لأنه من جملته. واستحسنه في المدارك. ونقله في المنتهى
عن الفقهاء الأربعة وأنه يجوز أن يبيت فيه (2).
والمسألة لا تخلو من اشكال ينشأ من حيث إنه مسجد أيضا فلهذا حرم على
الجنب اللبث فيه، ومن أن المتبادر هو ما جرت به العادة وعمل الناس من المكان
الأسفل منه والأحكام الشرعية إنما تبنى على الأفراد الغالبة.

(1) في المدارك: حديث " رفع " وقد أورده في الوسائل الباب 56 من جهاد النفس
(2) المغني ج 3 ص 197
471

ورابعها أن ظاهر النهي في الأخبار المتقدمة إنما يتوجه إلى الخروج عمدا
فلو خرج ساهيا لم يبطل اعتكافه، وبذلك أطلق الأكثر، واستدلوا عليه بالأصل
وحديث رفع (1) وقيده بعضهم بما إذا لم يطل زمن الخروج بحيث يخرج عن كونه
معتكفا وإلا لبطل وإن انتفى الإثم. و يجب العود عند الذكر فلو أخر اختيارا بطل
وخامسها أنه بعد الخروج للحاجة لا يجوز له الجلوس تحت الظلال كما
تضمنته صحيحة الحلبي المتقدمة وصحيحة داود بن سرحان (2) والأولى وإن كانت
مطلقة إلا أن الثانية مقيدة فيحكم بها على الأولى، وبذلك صرح الشيخ في المبسوط
فخصص التحريم بالجلوس تحت الظلال، وكذا المفيد وسلار والمحقق في المعتبر وعليه
أكثر المتأخرين.
وجملة من الأصحاب كالشيخ في أكثر كتبه والمرتضى وأبي الصلاح وابن
إدريس والمحقق في الشرائع والعلامة في بعض كتبه زادوا المشي تحت الظلال،
ولم نقف على مستنده وبذلك اعترف جملة من أصحابنا المتأخرين.
وسادسها أنه قد اشتملت هذه الأخبار على أنه لا يجوز الخروج إلا
للأمور الضرورية.
وعد منها في الأخبار المذكورة قضاء الحاجة من بول أو غائط، وعلى ذلك
دلت صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة (3).
ولا اشكال ولا خلاف في ذلك إلا أن الأصحاب ذكروا أنه يجب أن يتحرى
أقرب الطرق إلى موضع قضاء الحاجة.
وقال في المنتهى: لو كان إلى جانب المسجد سقاية خرج إليها إلا أن يجد بها
غضاضة بأن يكون من أهل الاحتشام فيجد المشقة بدخولها لأجل الناس فعندي
هاهنا يجوز أن يعدل عنها إلى منزله وإن كان أبعد. ثم قال: ولو بذل له صديق منزله

(1) الوسائل الباب 56 من جهاد النفس
(2) ص 470
(3) ص 470
472

وهو قريب من المسجد لقضاء حاجته لم يلزمه الإجابة لما فيه من المشقة بالاحتشام
بل يمضي إلى منزله. وظاهر جماعة ممن نقل ذلك عنه تلقيه بالقبول.
وعندي فيه اشكال وأنه تقييد لاطلاق النص بغير دليل. وما ذكروه من
التعليل ليس من ما يصلح لتأسيس الأحكام الشرعية.
ومنها شهادة الجنازة كما تضمنته صحيحة الحلبي وصحيحة عبد الله بن سنان (1)
والمراد حضورها لتشييعها والصلاة عليها أعم من أن يكون ذلك متعينا عليه أم لا
لاطلاق النص.
ومنها عيادة المريض كما تضمنته صحيحة الحلبي (2) أيضا.
ومنها الجمعة ولو كانت تقام في غير ذلك المسجد.
وقد ذكر الأصحاب أيضا جملة زائدة على ما ذكر بناء على أن ما ذكر إنما خرج
مخرج التمثيل:
منها إقامة الشهادة وقيده بعض الأصحاب بما إذا تعينت عليه ولم يمكن
أداؤها بدون الخروج.
وقال في المنتهى: يجوز الخروج لها تعين عليه التحمل والأداء أو لم يتعين عليه
أحدهما إذا دعى إليها لأنها من ما لا بد منه فصار ضروريا كقضاء الحاجة، وإذا
دعى إليها مع عدم التعيين تجب الإجابة. انتهى. وفيه اشكال والأول أحوط.
ومنها الغسل لو احتلم فلا يجوز الخروج للغسل المندوب. وفي معنى غسل
الجنابة غسل المرأة للاستحاضة.
ولو أمكن الغسل في المسجد بحيث لا تتعدى النجاسة إلى المسجد أو آلاته فقد
أطلق جماعة المنع لمنافاته لاحترام المسجد. واحتمل في المدارك الجواز كما في الوضوء
والغسل المندوب.

(1) ص 470
(2) ص 470
473

ومنها تحصيل المأكول والمشروب إذا لم يكن من يأتيه بهما، ولا اشكال
في الجواز لذلك.
وجوز العلامة في التذكرة والشهيد الثاني في المسالك الخروج للأكل أيضا
إذا كان في فعله في المسجد غضاضة عليه بخلاف الشرب إذ لا غضاضة فيه ولا يعد
تركه من المروة. قال في المدارك: وهو غير بعيد.
أقول: بل الظاهر أنه بعيد كما أشرنا إليه آنفا فإن جميع ما ذكروه من
الغضاضة في هذه الأمور مبني على منافاتها المروة التي اعتبروها في تعريف العدالة كما
أشير إليه في هذا الكلام، وقد ثبت في الأخبار عن النبي صلى الله عليه وآله جملة من الأشياء
التي جعلوها موجبة للغضاضة ومنافية للمروة، وقد روى عنه صلى الله عليه وآله (1) أنه كان
يركب الحمار العاري ويردف عليا عليه السلام خلفه وأنه كان يحلب الشاة وأنه كان يأكل
ماشيا إلى الصلاة في المسجد ونحو ذلك.
ومنها السعي في حاجة المؤمن، ويدل عليه ما رواه ابن بابويه في الفقيه
عن ميمون بن مهران (2) قال: " كنت جالسا عند الحسن بن علي عليه السلام فأتاه رجل
فقال له يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله إن فلانا له علي مال ويريد أن يحبسني فقال والله
ما عندي مال فأقضي عنك. قال فكلمه قال فلبس عليه السلام نعله فقلت له يا ابن رسول الله
صلى الله عليه وآله أنسيت اعتكافك؟ فقال له لم أنس ولكني سمعت أبي يحدث عن جدي
رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: من سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنما عبد الله (عز وجل)
تسعة آلاف سنة صائما نهاره قائما ليله ".
ومنها تشييع المؤمن، ذكره جملة من الأصحاب ولم أقف له على دليل
والأحوط تركه.
ومنها ما ذكره في المنتهى قال: ويجوز أن يخرج لزيارة الوالدين لأنه طاعة

(1) ارجع التعليقة 2 ص 16 ج 10 من الحدائق. وارجع إلى الاستدراكات
(2) الوسائل الباب 7 من الاعتكاف
474

فلا يكون الاعتكاف مانعا منها. انتهى. وفيه توقف. والله العالم.
فروع
الأول لا يجوز الصلاة خارج المسجد لمن خرج لضرورة إلا بمكة إلا مع
ضيق الوقت.
ويدل عليه ما رواه الكليني وابن بابويه في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " سمعته يقول المعتكف بمكة يصلي في أي بيوتها شاء
سواء عليه صلى في المسجد أو في بيوتها.. إلى أن قال: ولا يصلي المعتكف في بيت
غير المسجد الذي اعتكف فيه إلا بمكة فإنه يعتكف بمكة حيث شاء لأنها كلها
حرم الله.. الحديث ".
قال الشيخ: " قوله عليه السلام يعتكف بمكة حيث شاء " إنما يريد به يصلي صلاة
الاعتكاف. واستشهد بسياق الكلام وبالأحاديث السابقة.
وما رواه الصدوق في الصحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (2)
قال: " المعتكف بمكة يصلي في أي بيوتها شاء والمعتكف بغيرها لا يصلي إلا في
المسجد الذي سماه ".
وما رواه في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال:

(1) الوسائل الباب 8 من الاعتكاف رقم 3 وهي رواية الشيخ في التهذيب ج 4
ص 293 وأما رواية الكليني والصدوق فهي إلى قوله " أو في بيوتها " كما في الوسائل
الباب 8 من الاعتكاف رقم 1.
(2) الوسائل الباب 8 من الاعتكاف
(3) الوسائل الباب 8 من الاعتكاف رقم 1، وهذه الرواية مكررة حسب عبارة
المصنف (قدس سره) إلا أن يكون مقصوده من الرواية المتقدمة رواية الشيخ والنسبة إلى
الكليني وابن بابويه من سبق القلم أو اشتباه النساخ كما يشهد به قوله " قال الشيخ.. " بعد تمام الرواية
475

" المعتكف بمكة يصلي في أي بيوتها شاء سواء عليه صلى في المسجد أو في بيوتها ".
واستثنى من المنع الخروج لصلاة الجمعة إذا أقيمت في غير مسجده الذي
اعتكف فيه.
الثاني نقل في المنتهى عن الشيخ (قدس سره) أنه إذا طلقت المعتكفة أو
مات زوجها فخرجت واعتدت في بيتها استقبلت الاعتكاف. ثم نقل عنه أنه قال:
وبالجملة فللمرأة الخروج إذا طلقت للعدة في بيتها ويجب عليها ذلك. ولم ينقل فيه
خلافا إلا من العامة حيث ذهب جمع منهم إلى وجوب المضي في الاعتكاف حتى
تفرغ منه ثم ترجع إلى بيت زوجها لتعتد فيه (1) ثم رده بظاهر الآية وهي قوله تعالى:
لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن (2).. إلى أن قال: وأما استئناف الاعتكاف
فإنه يصح له على تقدير أن يكون الاعتكاف واجبا ولم يشترط الرجوع.
وفصل في المسالك فقال بعد نقل عبارة المصنف الدالة على وجوب الخروج
إلى منزلها لتعين الاعتداد عليها فيه ما صورته هذا يتم مع كون الاعتكاف
مندوبا أو واجبا غير معين أو مع شرط الحل عند العارض ولو كان معينا من غير
شرط فالأقوى اعتدادها في المسجد زمن الاعتكاف فإن دين الله أحق أن يقضى (3).
قال في المدارك بعد نقل ذلك: وهو حسن.
أقول: للتوقف في ما ذكره (قدس سره) مجال لعدم الدليل على ذلك فإنه
قد تعارض هنا واجبان: اللبث في المسجد من حيث التعيين وعدم الشرط، والاعتداد

(1) المغني ج 3 ص 207
(2) سورة الطلاق الآية 2
(3) في مسند أحمد ج 1 ص 227 عن ابن عباس أن امرأة قالت يا رسول الله صلى الله عليه وآله
إنه كان علي أمي صوم شهر فماتت أفأصومه عنها؟ قال: لو كان على أمك دين أكنت
قاضيته؟ قالت نعم. قال: فدين الله عز وجل أحق أن يقضى. ونحوه ص 258 منه.
ولا يخفى أن حديث الخثعمية المتقدم ج 11 ص 39 واستدركناه برقم (1) إنما كان في الحج
476

في البيت من حيث الأدلة الدالة على وجوب ذلك، وترجيح أحد الطرفين على الآخر
يحتاج إلى دليل وليس فليس.
الثالث صرح في المنتهى بأنه لو أخرجه السلطان فإن كان ظالما مثل أن
يطالبه بما ليس عليه لم يبطل اعتكافه وإذا عاد بنى لحديث رفع القلم (1) وإن أخرجه
بحق مثل إقامة حد واستيفاء دين بطل اعتكافه واستأنف.
أقول: يجب تقييد الحكم الأول بما إذا لم يطل الزمان بحيث يخرج عن كونه
معتكفا كما ذكره في غير هذه الصورة، ويجب تقييد الحكم الثاني بما إذا كان واجبا
كما استدركه على الشيخ في سابق هذه المسألة.
الرابع إذا حاضت المرأة خرجت من المسجد إلى بيتها وهكذا المريض.
ثم إن كان الاعتكاف واجبا وجب الرجوع لقضائه وإعادته وإلا فلا، وأطلق
بعض الأصحاب العود في الاعتكاف والظاهر التفصيل.
ويدل على ذلك من الأخبار ما رواه الصدوق في الصحيح عن صفوان بن
يحيى عن عبد الرحمان بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " إذا مرض المعتكف
أو طمثت المرأة المعتكفة فإنه يأتي بيته ثم يعيد إذا برئ ويصوم " ورواه
الكليني (3) ثم قال: وفي رواية أخرى عنه عليه السلام ليس على المريض ذلك.
وبإسناده عن ابن محبوب عن أبي أيوب عن أبي بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام (4) " في المعتكفة إذا طمثت؟ قال: ترجع إلى بيتها فإذا طهرت رجعت فقضت
ما عليها ".
واطلاق هذين الخبرين محمول على ما قدمناه لما يأتي من الأدلة الدالة على

(1) عبارة المنتهى ج 2 ص 636 لم تنقل بلفظها تماما وقد أسقط بعضها والمراد
بحديث رفع القلم هو حديث الرفع المعروف كما هو نص عبارة المنتهى وقد أورده في
الوسائل الباب 56 من جهاد النفس
(2) الوسائل الباب 11 من الاعتكاف
(3) الوسائل الباب 11 من الاعتكاف
(4) الوسائل الباب 11 من الاعتكاف
477

عدم وجوب الاعتكاف بمجرد الشروع وإنما يجب بالنذر أو مضى يومين فيجب
الثالث (1).
وينبغي أن يعلم أن المقضى في هذه المسألة وفي سابقتها هو جميع زمان الاعتكاف
متى كان واجبا ولم يمض منه ثلاثة أيام وإلا فالمتروك خاصة، نعم لو كان المتروك ثالث
المندوب وجب قضاؤه بإضافة يومين إليه لأن الاعتكاف لا يكون أقل من ثلاثة.
وتردد في المنتهى من حيث عموم الحديث الدال على الاستئناف ومن حيث
حصول العارض المقتضي للضرورة فكان كالخروج للحاجة. ثم قال: والأقرب
عدم الاستئناف.
الخامس قد صرح الشيخ في المبسوط وجملة ممن تأخر عنه بأنه لو نذر
اعتكاف أيام معينة كالعشر الأواخر من شهر رمضان مثلا أو نحوها من ما يكون
متتابعا معنى أو قيده بالتتابع لفظا ثم خرج قبل اكمالها فإنه يبطل الجميع ويجب
الاستئناف.
واستدل له في المختلف بفوات المتابعة المشروطة ثم قال: ولقائل أن يقول
لا يجب الاستئناف وإن وجب عليه الاتمام متتابعا وكفارة خلف النذر، لأن
الأيام التي اعتكفها متتابعة وقعت على الوجه المأمور به فيخرج بها عن العهدة ولا
يجب عليه استئنافها لأن غيرها لم يتناوله النذر، بخلاف ما إذا أطلق النذر وشرط التتابع
فإنه هنا يجب عليه الاستئناف لأنه أخل بصفة النذر فوجب عليه استئنافه من رأس
بخلاف صورة النزاع، والفرق بينهما تعين الزمان هناك واطلاقه هنا فكل صوم
متتابع في أي زمان كان مع الاطلاق يصح أن يجعله المنذور أما مع التعيين فلا
يمكنه البدلية.
وقال في المدارك بعد نقل ذلك عنه: وهو جيد. ثم قال: لا يخفى أن عدم
الاستئناف إنما يتجه إذا كان ما أتى به ثلاثة فصاعدا وهو واضح.

(1) الوسائل الباب 4 من الاعتكاف
478

أقول: والظاهر أنه إلى ذلك يشير قول العلامة: " لأن الأيام التي اعتكفها
متتابعة وقعت على الوجه المأمور به " يعني وقع اعتكافا صحيحا وما دون الثلاثة
ليس كذلك.
الفصل الثاني في جملة من الأحكام وفي هذا الفصل مسائل:
المسألة الأولى قد يجب الاعتكاف بالنذر وشبهه ويجب بالشروع فيه على
المشهور بين الأصحاب بخلاف المندوب كما يأتي ذكر الخلاف فيه وأن الأظهر وجوبه
بعد اليومين المتقدمين.
وظاهر المدارك التفصيل بين ما كان معينا فيجب بالشروع فيه ومطلقا فلا يجب
إلا بمضي يومين كما في المندوب، قال: لكن الظاهر من قول المصنف إن الأول وهو
ما وجب بنذر وشبهه يجب بالشروع أنه يجب المضي فيه بمجرد الشروع. وهو جيد
مع تعين الزمان أما مع اطلاقه فمشكل، ولو قيل بمساواته للمندوب في عدم وجوب
المضي فيه قبل مضي اليومين لم يكن بعيدا. انتهى.
والظاهر أن منشأ ذلك الاطلاق في النذر المقتضي للتوسعة فيكون كالمندوب
لا يجب إلا بمضي اليومين.
المسألة الثانية - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في وجوب الاعتكاف
المندوب بالدخول فيه وعدمه على أقوال:
أحدها أنه يجب بالدخول فيه كالحج وهو قول الشيخ في المبسوط
وأبي الصلاح الحلبي، قال في المبسوط: ومتى شرط المعتكف على ربه أنه متى عرض
له عارض رجع فيه كان له الرجوع فيه أي وقت شاء ما لم يمض به يومان فإن
مضى به يومان وجب عليه اتمام الثالث، وإن لم يشترط وجب عليه بالدخول فيه تمام
ثلاثة أيام، لأن الاعتكاف لا يكون أقل من ثلاثة أيام.
وثانيها أنه لا يجب بل يجوز له الابطال والفسخ متى شاء، نقله في التذكرة
عن المرتضى وابن إدريس واختاره العلامة في المختلف والمنتهى، وقال المحقق في
479

المعتبر أنه الأشبه بالمذهب.
وثالثها وجوب اليوم الثالث بعد مضي يومين، نقله في التذكرة عن ابن
الجنيد وابن البراج وظاهر الشيخ في النهاية واختاره المحقق في الشرائع وجمع من
المتأخرين ومتأخريهم: منهم السيد السند في المدارك.
ورابعها موافقة مذهب السيد مع الشرط ومذهب الشيخ في النهاية مع عدمه
نقله في المختلف عن ابن حمزة، قال وقال ابن حمزة إن شرط وعرض له ذلك جاز له
الخروج على كل حال وإن لم يشترط وقد صام يوما فكذلك وإن صام يومين لم يجز
له الخروج حتى يتم.
أقول: أما القول الأول فلم نقف له على دليل وبذلك اعترف في المعتبر فقال:
أما القائلون بوجوبه بالدخول فيه فلم نقف لهم على مستند. ثم قال: ويمكن أن يستدل
الشيخ على وجوبه بالشروع باطلاق وجوب الكفارة على المعتكف، وقد روى
ذلك من طرق (1) ثم قال: والجواب عنه أن هذه مطلقة فلا عموم لها وتصدق
بالجزء والكل فيكفي في العمل بها تحققها في بعض الصور فلا تكون حجة في
الوجوب. انتهى.
قال في المدارك بعد نقله: وهو جيد مع أنا لو سلمنا عمومها لم يلزم من ذلك
الوجوب لاختصاصها بجماع المعتكف كما ستقف عليه، ولا امتناع في وجوب
الكفارة بذلك في الاعتكاف المستحب. انتهى.
أقول: فيه إن الكفارة على ما عهد من الشرع إنما تجب في مقام الوجوب
المستلزم مخالفته للعقوبة فتكون الكفارة لدفع تلك العقوبة، وهذا لا يعقل في
المستحب الذي لا يترتب على تركه عقوبة وإنما غاية ذلك عدم الثواب عليه فكيف
يمكن القول بوجوب الكفارة في الاعتكاف المستحب؟ وبالجملة فإن اطلاق الخبر
بوجوب الكفارة لما كان مخالفا للأصول المقررة والضوابط المعتبرة فلا بد من

(1) الوسائل الباب 6 من الاعتكاف
480

تأويله بالحمل على الاعتكاف الواجب كما صرح به المحقق وغيره.
أقول: ويمكن أيضا أن يستند الشيخ في ذلك إلى اطلاق روايتي عبد الرحمان
ابن الحجاج وأبي بصير المتقدمتين (1) من حيث دلالتهما على وجوب القضاء على
الحائض بعد الطهر والمريض بعد البرء، فإن هذا الاطلاق إنما يتجه بناء على
الوجوب بمجرد الشروع، إلا أن قضية الجمع بينهما وبين صحيحتي محمد بن مسلم (2)
وأبي عبيدة (3) الآتيتين تخصيص هذا الاطلاق بالصحيحتين المذكورتين.
وأما القول الثاني فاستدل عليه في المختلف بأصالة عدم الوجوب وبراءة الذمة
وبأنها عبادة مندوبة فلا تجب بالشروع فيها كغيرها من التطوعات. وفارقت الحج
لورود الأمر فيه دون صورة النزاع، ولأن اليوم الأول والثاني متساويان فلو
اقتضى الثاني وجوب الاتمام لاقتضاه الأول.
وفيه أن ما ذكره يتجه في الرد على القول الأول حيث لا دليل عليه دون
القول الثالث لأن الدليل عليه موجود، وحينئذ فما ذكره من الاستدلال بالأصل
مردود بأن الأصل يجب الخروج عنه بالدليل وسيأتي إن شاء الله تعالى. وباقي
ما استدل به لا معنى له في مقابلة النص الصحيح الصريح في ذلك.
وأما القول الثالث فيدل عليه ما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم
عن أبي جعفر عليه السلام (4) قال: " إذا اعتكف يوما ولم يكن اشترط فله أن يخرج ويفسخ
الاعتكاف، وإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى
تمضي ثلاثة أيام ".
وما رواه في الصحيح عن أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث (5) قال
" من اعتكف ثلاثة أيام فهو يوم الرابع بالخيار إن شاء زاد ثلاثة أيام أخر وإن شاء

(1) ص 477
(2) الوسائل الباب 4 من الاعتكاف
(3) الوسائل الباب 4 من الاعتكاف
(4) الوسائل الباب 4 من الاعتكاف
(5) الوسائل الباب 4 من الاعتكاف
481

خرج من المسجد، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة
أيام أخر ".
وأجاب العلامة عن هذين الخبرين بالطعن في السند بأن فيه علي بن الحسن بن
فضال ثم حملها على الاستحباب.
وفيه أن ما ذكره من الطعن مبني على رواية الشيخ في التهذيب (1) وأما على
رواية الكافي (2) فهما في أعلى مراتب الصحة. وبه يظهر أن هذا القول أقوى
الأقوال المذكورة في المسألة.
وأما القول الرابع فالظاهر رجوعه إلى القول الثالث ولهذا لم يعده أصحابنا
قولا في المسألة لما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في مسألة الاشتراط.
وأما ما ذكره في الذخيرة حيث رجح القول الثاني فقال بعد نقل الصحيحتين
المتقدمتين: ودلالتهما على الوجوب غير واضحة لجواز أن يكون المراد شدة
تأكد الاستحباب. ثم قال بعد نقل حجة القول الثاني بأنه عبادة مندوبة فلا يجب
بالشروع كالصلاة المندوبة: ولعل غرضه أن الأصل في العبادات المندوبة أن لا تجب
إلا بدليل ولا دليل على الوجوب في ما نحن فيه فيكون مندوبا. وهذا القول
لا يخلو من قوة
فهو من جملة تشكيكاته الواهية وذلك فإنه إن أريد بوضوح الدلالة في
الخبرين المذكورين عدم قبول الاحتمال بالكلية وإن بعد فهو ممنوع إذ على تقدير هذا
لا تقوم حجة على مطلب من المطالب، لأن مفاهيم الألفاظ لا تنبو عن قبول
الاحتمالات والحمل على المجازات فلا لفظ إلا وهو قابل للاحتمال، وحينئذ فلا
حجة إلا وللمنازع فيها مجال وبذلك ينسد باب الاستدلال، فكيف له باثبات
أدلة الإمامة على المخالفين وأدلة النبوة والتوحيد على الكفار والمشركين؟

(1) ج 4 ص 288 و 289
(2) ج 1 ص 212
482

بل التحقيق الذي عليه المحققون أنه ينظر إلى ما يتسارع إلى الذهن من اللفظ
وما يتبادر إلى الفهم منه وما عضدته قرائن المقام فيؤخذ به وعليه يبني الاستدلال
ولا يلتفت إلى ما يعارضه من الاحتمال.
وما اشتهر في كلامهم ودار على السنة أقلامهم من قوله: إذا قام الاحتمال
بطل الاستدلال فكلام شعري وتمويه جدلي لما عرفت.
نعم متى حصل المعارض الراجح يمكن الرجوع إلى التأويل لضرورة الجمع
بين الدليلين، وأي ظاهر في التحريم أظهر من قوله عليه السلام في الرواية الأولى (1)
" فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام " وقوله في الثانية (2) " فلا
يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أيام أخر ".
وليت شعري إذا كانت الأوامر الواردة في الأخبار لا تدل على الوجوب
و النواهي لا تدل على التحريم كما تكرر منه في كتابه وأمثال هذه العبارات لا تدل
على وجوب ولا تحريم فلأي شئ أخرجت هذه الأخبار، وهل هذا الكلام إلا
موجب لرفع التكليف بالكلية وابطال الشريعة، إذ لا وجوب عنده ولا تحريم في
حكم من الأحكام الشرعية لطعنه في الأخبار بعدم الدلالة على ذلك في جميع الموارد
واللازم منه ما ذكرناه نعوذ بالله من زيغ الأفهام وطغيان الأقلام.
المسألة الثالثة قد اتفقت كلمة الأصحاب والأخبار على أنه يستحب للمعتكف
أن يشترط على ربه في الاعتكاف أنه إذا عرض له عارض أن يخرج من الاعتكاف،
ومن الأخبار في ذلك ما رواه الشيخ عن عمر بن يزيد في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " إذا اعتكف العبد فليصم، وقال: لا يكون اعتكاف
أقل من ثلاثة أيام، واشترط على ربك في اعتكافك كما تشترط في احرامك أن
يحلك من اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علة تنزل بك من أمر الله ".

(1) ص 481 و 482
(2) ص 481 و 482
(3) التهذيب ج 4 ص 289 وفي
الوسائل الباب 2 و 4 و 9 من الاعتكاف، ارجع إلى الاستدراكات
483

وما رواه الكليني والصدوق في القوي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (1)
قال: " لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام، ومن اعتكف صام، وينبغي
للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يحرم ".
وما رواه الكليني والصدوق في الصحيح عن أبي ولاد (2) قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة كان زوجها غائبا فقدم وهي معتكفة بإذن زوجها فخرجت
حين بلغها قدومه من المسجد إلى بيتها فتهيأت لزوجها حتى واقعها؟ فقال: إن كانت
خرجت من المسجد قبل أن تمضي ثلاثة أيام ولم يكن اشترطت في اعتكافها فإن
عليها ما على المظاهر ".
وما رواه الشيخان المذكوران في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر
عليه السلام (3) قال: " إذا اعتكف يوما ولم يكن اشترط فله أن يخرج ويفسخ
الاعتكاف، وإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى تمضي
ثلاثة أيام ".
أقول: والكلام في هذه الأخبار يقع في مواضع:
الأول ظاهر قوله عليه السلام في رواية عمر بن يزيد " واشترط على ربك في
اعتكافك " وقوله في رواية أبي بصير " وينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط "
وقوله في صحيحة أبي ولاد " ولم يكن اشترطت في اعتكافها " أن محل هذا الاشتراط
وقت الدخول في الاعتكاف ونيته أعم من أن يكون متبرعا به أو منذورا.
إلا أن المفهوم من كلام جملة من الأصحاب كالعلامة في المنتهى والمحقق في
المعتبر والشهيد في الدروس أن محل هذا الشرط في الاعتكاف المنذور إنما هو النذر
دون الاعتكاف.

(1) الفروع ج 1 ص 212 والفقيه ج 2 ص 121 وفي الوسائل الباب 4 و 2 و 9
من الاعتكاف
(2) الوسائل الباب 6 من الاعتكاف
(3) الوسائل الباب 4 من الاعتكاف
484

قال في المنتهى: تفريع الاشتراط إنما يصح في عقد النذر أما إذا أطلقه من
الاشتراط على ربه فلا يصح له الاشتراط عند ايقاع الاعتكاف. وقال في المعتبر:
أما إذا أطلقه من الاشتراط على ربه فلا يصح له الاشتراط عند ايقاع الاعتكاف وإنما
يصح في ما يبدأ به من الاعتكاف لا غير. ونحوه في الدروس وغيره.
وهو مشكل لأن المستند في هذا الاشتراط إنما هو الأخبار المذكورة وهي
كما عرفت إنما دلت على أن محله الاعتكاف والاعتكاف على وجه النذر لم يرد به
خبر بالكلية فضلا عن خبر يدل على ايقاع هذا الشرط فيه وإنما أخذوا أحكامه
من هذه الأخبار المطلقة في الاعتكاف.
ولم أر من تنبه لذلك إلا السيد في المدارك حيث قال بعد نقل ذلك عنهم:
ولم أقف على رواية تدل على ما ذكروه من مشروعية اشتراط ذلك في عقد النذر
وإنما يستفاد من النصوص أن محل ذلك نية الاعتكاف مطلقا، ولو قيل بجواز
اشتراطه في نية الاعتكاف المنذور إذا كان مطلقا لم يكن بعيدا خصوصا على ما
أشرنا إليه سابقا من مساواته للمندوب في عدم وجوب المضي فيه إلا بمضي يومين.
ولو قلنا إن اشتراط الخروج إنما يسوغ عند العارض وفسرناه بالأمر الضروري
جاز اشتراطه في المنذور المعين أيضا. انتهى.
أقول: كأن مبنى ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه متى لم يذكر
الشرط في النذر فإنه يجب الاعتكاف بالنذر البتة، ولا أثر لهذا الشرط بعد
وجوبه بل يجب الاتيان به كيف كان إلا أن يحصل العذر الضروري المانع من اتمامه
وهو مجوز للخروج منه وإن لم يشترط بلا خلاف ولا اشكال، وأما اشتراط
الخروج اقتراحا كما هو أحد القولين فإنه لا يجري هنا لوجوب الاعتكاف بالنذر
فلا يجوز الخروج منه بلا عذر شرعي.
ثم إنه على تقدير حصول الشرط في المندوب فمقتضى ما قدمناه من عبارة
الشيخ في المبسوط في أول المسألة الثانية أنه يرجع ما لم يمض يومان وهو مبني على
485

وجوب الاعتكاف عنده بمجرد الشروع كما تقدم. واحتج على عدم الرجوع بعد
مضي يومين بأن الشرط إنما يؤثر في ما يوجبه الانسان على نفسه والثالث واجب
بأصل الشرع وسببه مضي اليومين. وعلى المشهور وهو قوله في النهاية أنه يرجع ولو
بعد مضي يومين عملا بمقتضى الشرط.
الثاني المستفاد من رواية عمر بن يزيد (1) وقوله عليه السلام: " واشترط على
ربك في اعتكافك كما تشترط في احرامك " ومثلها رواية أبي بصير هو تقييد ذلك
بالعارض كما في الحج فلا يجوز اشتراط ذلك اقتراحا بأن يقول: ولي الرجوع إذا شئت.
والمفهوم من عبائر كثير من الأصحاب هو جواز اشتراط الخروج مطلقا،
قال المحقق في الشرائع: ولو شرط في حال فعله (2) الرجوع إذا شاء كان له ذلك
أي وقت شاء. وبه قطع في الدروس فقال بعد أن ذكر أنه يستحب أن يشترط
في اعتكافه الرجوع مع العارض كالمحرم فيرجع عند العارض وإن مضى يومان على
الأقرب وفاقا للنهاية - ولو شرط الرجوع متى شاء اتبع ولم يتقيد بالعارض.
وظاهر جملة من الأصحاب عدم جواز ذلك وتخصيص الجواز باشتراط
الرجوع مع العارض كما ذكرناه، قال العلامة في التذكرة: إنما يصح اشتراط
الرجوع مع العارض فلو شرط الجماع في اعتكافه أو الفرجة أو التنزه أو البيع أو
الشراء للتجارة أو التكسب بالصناعة في المسجد لم يجز. وبذلك قطع في المسالك.
وهذا هو الظاهر من الأخبار كما عرفت. وأما ما ذكروه من جواز اشتراط
الرجوع مطلقا فلا أعرف له دليلا.
الثالث ما تضمنته صحيحة أبي ولاد (3) من قوله عليه السلام: " إن كانت خرجت
من المسجد قبل أن تمضي ثلاثة أيام.. إلى آخر الخبر " يمكن أن يستدل به للشيخ
في ما ذهب إليه من الوجوب بالشروع في المندوب، فإن ترتب الكفارة مع عدم

(1) ص 483
(2) في الشرائع " ولو شرط في حال نذره "
(3) ص 484
486

الاشتراط على الخروج قبل مضي الثلاثة ظاهر في ذلك لصدقه بمضي يوم أو في
اليوم الثاني، فلو لم يكن واجبا لما ظهر لترتب الكفارة وجه.
ويمكن أن يجاب بتخصيصه بما تقدم من الخبرين الدالين على جواز الخروج
في اليومين فيحمل على الخروج في الثالث، أو يقال إن معنى قوله: " قبل أن تمضي
ثلاثة أيام " يعني قبل اتمام الثالث، أو يحمل على أن اعتكافها كان واجبا مطلقا.
الرابع ظاهر ما تقدم من الأخبار الدالة على أنه يشترط في اعتكافه كما
يشترط في احرامه هو أن يقول: " إن تحلني حيث حبستني " ومقتضى ذلك أن هذا
الشرط إنما هو بالنسبة إلى الأعذار المانعة من الاتمام من جهته (عز وجل) ويؤيد
ذلك قوله عليه السلام في رواية عمر بن يزيد " عند عارض إن عرض لك من علة تنزل بك من
أمر الله تعالى " وظاهر صحيحة أبي ولاد وكذا صحيحة محمد بن مسلم ما هو أعم
من ذلك، أما صحيحة أبي ولاد فإنها قد دلت على سقوط الكفارة عن المرأة في
تلك الحال مع الاشتراط مع أن حضور الزوج ليس من الأعذار التي من جهته
(عز وجل) حتى يسوغ الخروج بها من الاعتكاف، وأما صحيحة محمد بن مسلم
فإنها تدل بمفهومها على أن للمعتكف أن يفسخ الاعتكاف بعد اليومين مع الاشتراط
لا بدونه، وظاهر ذلك أنه يسوغ له الخروج بمجرد الشرط وإن لم يكن بعذر
ضروري، والمنافاة بين هذين الخبرين والخبرين الأولين ظاهرة ولعل من جوز
شرط الرجوع متى شاء إنما استند إلى ظاهر هذين الخبرين. والجمع بين الأخبار هنا
لا يخلو من اشكال.
وأما ما ذكره في المدارك من أن المراد بالعارض هنا ما هو أعم من العارض
المشترط في الحج باعتبار كون ذلك لا بد أن يكون من الأعذار المانعة من الاتمام وهنا
يكفي مسمى العارض كحضور الزوج من السفر
ففيه أولا ما قدمناه من أن المستفاد من خبري عمر بن يزيد وأبي بصير
المشتملين على تشبيه هذا الشرط بشرط المحرم وشرط المحرم هو أن يحله حيث
487

حبسه المؤيد بقوله في آخر رواية عمر بن يزيد " من علة تنزل بك من أمر الله " إنه
لا يكفي مجرد العارض.
وثانيا أن رواية محمد بن مسلم (1) قد دلت على جواز الخروج بمجرد
الشرط وإن لم يكن ثم عارض بل ليس إلا مجرد فسخ الاعتكاف والخروج منه.
على أن مجرد حضور الزوج ليس بعارض يجوز أن يترتب عليه الخروج بل لو
أرادت الخروج لأمر إرادته فإن ظاهر الخبر الجواز وحضور الزوج إنما جرى
مجرى التمثيل فلا خصوصية له، وبالجملة فظاهر الخبر ترتب جواز الخروج على الشرط
لأي غرض كان.
الخامس لا يخفى أن فائدة هذا الشرط تدور مدار الشرط المذكور، فإن كان
شرطا في جواز الرجوع عند العارض أو متى شاء كما هو أحد الأقوال المتقدمة فإنه
يجوز له الرجوع وإن مضى اليومان في المندوب أو كان واجبا بالنذر وشبهه، وإن
خصصنا الشرط بالعذر الذي يكون من جهته (عز وجل) كالمرض والحيض
والخوف ونحو ذلك فإنه يسوغ له الخروج أيضا.
لكن لا يخفى أنه في هذه الصورة يسوغ له الخروج وإن لم يشترط فلا يظهر
لهذا الشرط ثمرة ولا يترتب عليه أثر، إلا أن يقال بأن فائدة هذا الشرط مجرد
التعبد وترتب الثواب عليه كما هو أحد الاحتمالات في شرطه في الاحرام.
وقد ذكر بعض الأصحاب أن فائدته على هذا القول سقوط القضاء لو رجع
من الاعتكاف في الواجب المعين، أما الواجب المطلق أعني ما لم يعين في وقت ففي
وجوب الاتيان به بعد ذلك قولان فعن المعتبر والدروس والمسالك وجوب
الاتيان به.
قال الشيخ في النهاية: متى شرط جاز له الرجوع فيه أي وقت شاء فإن لم يشترط
لم يكن له الرجوع فيه إلا أن يكون أقل من يومين فإن مضى عليه يومان وجب

(1) ص 481
488

عليه اتمام ثلاثة أيام. وقد تقدم في صدر المسألة الثانية أنه قال: إذا شرط المعتكف
على ربه أنه إن عرض له عارض رجع فيه فله الرجوع أي وقت شاء ما لم يمض له
يومان فإن مضى له يومان وجب عليه اتمام الثالث.. إلى آخره.
والقول الأول هو المطابق لصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (1).
وفصل شيخنا الشهيد الثاني في المسالك وقبله المحقق في المعتبر والعلامة في
المنتهى في الاعتكاف المنذور تفصيلا ينتهي إلى ثمانية أقسام:
قال في المسالك: ثم الاعتكاف المنذور ينقسم باعتبار الشرط وعدمه إلى
ثمانية أقسام، لأنه إما أن يكون معينا بزمان أو لا، وعلى التقديرين إما أن يشترط
فيه التتابع لفظا أو لا، وعلى التقادير الأربعة إما أن يشترط على ربه الرجوع إن
عرض له عارض أو لا، فالأقسام ثمانية، وقد عرفت حكم الأربعة التي لم يشترط
فيها وأما مع الشرط فله الرجوع مع العارض. ثم إن كان الزمان معينا لم يجب قضاء
ما فات في زمن العارض سواء اشترط التتابع أم لا، وإن كان مطلقا ولم يشترط
التتابع ففي وجوب قضاء ما فات أو الجميع إن نقص ما فعله من ثلاثة قولان أجودهما
القضاء وفاقا للمصنف في المعتبر، ولو شرط التتابع فالوجهان. انتهى.
أقول: إن أردت تفصيل الكلام في هذه الوجوه الثمانية على وجه أظهر
فنقول: أما الأربع التي أشار إليها بأنه تقدم حكمها وهي الخالية عن ذكر الاشتراط
على ربه فأحدها أن يعين ويشترط التتابع ولا يشترط على ربه، والحكم فيها
ما تقدم في الفرع الخامس من فروع الشرط الخامس من الخلاف في إعادة الجميع أو
البناء على ما فعل إن كان ثلاثة فصاعدا. الثانية - أن يعين ولا يشترط التتابع ولا
يشترط على ربه، والحكم فيها أنه بعد عروض العارض يخرج ويبني على ما فعل
بعد زوال العارض ويأتي بالباقي إن كان ما فعله ثلاثة فصاعدا وإلا أعاد الجميع.
الثالثة أن يطلق ويشترط التتابع ولا يشترط على ربه، والحكم فيها القضاء متتابعا

(1) ص 459 و 481 و 484
489

بعد زوال العارض كما تقدم في الفرع المشار إليه آنفا عن العلامة في المختلف وبه
صرح المحقق في المعتبر أيضا، واستشكله العلامة في التذكرة على ما نقله في المهذب
بأنه بالشروع فيه صار واجبا فيكون كالمعين فيبني على ما مضى منه كما تقدم في المعين.
والظاهر ضعفه. الرابعة أن يطلق ولا يشترط التتابع ولا يشترط على ربه،
والحكم فيها أنه يخرج للعارض المذكور ويستأنف بعد زواله إن لم يكن حصل له
ثلاثة أيام وإلا أتم ما بقي. الخامسة أن يعين ويشترط التتابع ويشترط على ربه،
والحكم فيها أنه يخرج ولا يجب عليه الاتمام للعارض المذكور ولا القضاء لعدم
الدليل عليه. السادسة أن يعين ولا يشترط التتابع ويشترط على ربه، والحكم
فيها كما في سابقتها.
السابعة أن يطلق ويشترط التتابع ويشترط على ربه،
والحكم فيها أنه بعد زوال العارض يرجع ويستأنف إلا أن يكون قد أتى بثلاثة أيام فيأتي
بما بقي. الثامنة أن يطلق ولا يشترط التتابع. ويشترط على ربه، والحكم فيها
كما في سابقتها. وقد تقدم في كلام شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ما يؤذن بالخلاف
في هذه الصورة وسابقتها وإليه أشرنا قبل ذلك، والمسألة محل تردد ينشأ من حيث إن مقتضى الشرط السقوط ومن حيث اتساع الوقت لكون النذر مطلقا وأنه من
حيث ذلك فكل زمام صالح لايقاع النذر فيه.
وينبغي التنبيه هنا على أمور ثلاثة:
الأول قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن اشتراط التتابع إنما
هو في النذر ليكون لازما لا في الاعتكاف على قياس ما تقدم نقله عنهم من الشرط
في الاعتكاف أن يحله حيث حبسه فإنهم أو جبوه في صيغة النذر.
الثاني ما تقدم من البحث كله في ما لو خرج لعارض وهو المانع من اتمام
الاعتكاف كالمرض ونحوه ولو كان لا لذلك وجبت الكفارة في جميع الصور
المذكورة.
490

الثالث وجوب التتابع بعد زوال العارض متى نذره متتابعا إنما يجب لو
وقع في الوقت المنذور كأن ينذر شهرا متتابعا فيحصل العارض في أثنائه ثم يزول
وقد بقي منه بقية، أما لو كان بعد خروج الشهر فإنه لا يجب التتابع لأنه إنما وجب
بالنذر في أصل الفعل وأدائه لا في قضائه.
المسألة الرابعة قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه يحرم على
المعتكف أمور:
منها مباشرة النساء جماعا ولمسا وتقبيلا بشهوة في الأخيرين فلو لم يكونا عن
شهوة لم يحرم ذلك.
واستندوا في ذلك إلى عموم قوله تعالى: ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في
المساجد (1) فإنه يتناول الجميع.
ويظهر من كلام الشيخ في التهذيب تخصيص التحريم بالجماع دون الفردين
الأخيرين، والظاهر أنه لا خلاف في فساد الاعتكاف بالجماع، وفي فساده
بالأخيرين قولان نقل أولهما في المختلف عن ابن الجنيد والشيخ في المبسوط، وزاد
ابن الجنيد النظر إلى محرم بشهوة، واختار في المختلف عدم الافساد. ونقل في المختلف
عن الشيخ في المبسوط الاحتجاج على ذلك بالنهي في الآية عن المباشرة، قال: وهو
عام في كل مباشرة أنزل أولا والنهي يدل على فساد المنهي عنه (2).
أقول: والمسألة عندي بالنسبة إلى ابطال الاعتكاف بالمباشرة والتقبيل
بشهوة محل توقف أما التحريم فلا ريب فيه لظاهر الآية.
وأما تحريم الجماع والافساد به فيدل عليه ما رواه في الكافي في الموثق عن
الحسن بن الجهم عن أبي الحسن عليه السلام (3) قال: " سألته عن المعتكف يأتي أهله؟

(1) سورة البقرة الآية 184
(2) لا يخفى أن القول المنقول في المختلف عن الشيخ والاحتجاج عليه إنما نسبه فيه
إلى الخلاف، راجع المختلف ج 2 ص 83 من كتاب الصوم.
(3) الوسائل الباب 5 من الاعتكاف
491

فقال: لا يأتي امرأته ليلا ولا نهارا وهو معتكف ".
وما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة (1) قال: " سألت أبا جعفر عليه السلام
عن المعتكف يجامع؟ قال: إذا فعل ذلك فعليه ما على المظاهر " ورواه الكليني
والشيخ مثله (2).
وما رواه في الموثق عن سماعة (3) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن معتكف
واقع أهله؟ قال: هو بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان ".
قال الصدوق (4): وقد روي أنه إن جامع بالليل فعليه كفارة واحدة وإن
جامع بالنهار فعليه كفارتان.
وبإسناده عن محمد بن سنان عن عبد الأعلى بن أعين (5) قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل وطأ امرأته وهو معتكف ليلا في شهر رمضان؟ قال: عليه
الكفارة. قال: قلت فإن وطأها نهارا؟ قال عليه كفارتان ".
وما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام (6) قال:
" سألته عن معتكف واقع أهله؟ قال: عليه ما على الذي أفطر يوما من شهر رمضان
متعمدا: عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا ".
وقد تقدمت (7) صحيحة أبي ولاد الواردة في خروج المرأة التي بلغها قدوم
زوجها وتهيأت لزوجها حتى واقعها وأن عليها من الكفارة ما على المظاهر إن
خرجت قبل أن تنقضي أيامها ولم يكن قد اشترطت.
ومنها شم الطيب على المشهور وخالف فيه الشيخ في المبسوط فحكم بعدم تحريمه
والأظهر القول المشهور لما رواه الكليني في الصحيح عن أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام (8) قال: " المعتكف لا يشم الطيب ولا يتلذذ بالريحان ولا يماري
ولا يشتري ولا يبيع ".

(1) الوسائل الباب 6 من الاعتكاف
(2) الوسائل الباب 6 من الاعتكاف
(3) الوسائل الباب 6 من الاعتكاف
(4) الوسائل الباب 6 من الاعتكاف
(5) الوسائل الباب 6 من الاعتكاف
(6) الوسائل الباب 6 من الاعتكاف
(7) ص 484
(8) الوسائل الباب 10 من الاعتكاف
492

ومنها البيع والشراء، ويدل عليه صحيحة أبي عبيدة المتقدمة.
والقول بالتحريم من ما لا خلاف فيه وإنما الخلاف في فساد الاعتكاف
بذلك فقال الشيخ في المبسوط: لا يفسد الاعتكاف جدال ولا خصومة ولا سباب
ولا بيع ولا شراء وإن كان لا يجوز له فعل ذلك أجمع.
وقال ابن إدريس: الأولى عندي أن جميع ما يفعله المعتكف من القبائح
ويتشاغل به من المعاصي والسيئات يفسد اعتكافه وأما ما يضطر إليه من أمور الدنيا
من الأفعال المباحات فلا يفسد به اعتكافه، لأن حقيقة الاعتكاف في عرف الشرع
هو اللبث للعبادة والمعتكف اللابث للعبادة إذا فعل قبائح ومباحات لا حاجة إليها
فما لبث للعبادة. وظاهر هذا الكلام بطلان الاعتكاف بفعل جميع المباحات التي
لا حاجة إليها.
واعترضه العلامة في المختلف فقال: ونحن نطالبه بوجه ما قاله، واحتجاجه
أضعف من أن يكون شبهة فضلا من كونه حجة، فإن الاعتكاف لو شرط فيه
دوام العبادة بطل حالة النوم والسكوت واهمال العبادة وليس كذلك بالاجماع.
وقال في المنتهى: كل ما يقتضي الاشتغال بالأمور الدنيوية من أصناف المعايش
ينبغي القول بالمنع منه عملا بمفهوم النهي عن البيع والشراء.
واعترضه في المدارك بأنه غير جيد لأن النهي عن البيع والشراء لا يقتضي
النهي عن ما ذكره بمنطوق ولا بمفهوم، نعم ربما دل عليه بالعلة المستنبطة وهي غير
معتبرة عندنا.
ثم قال في المنتهى: الوجه تحريم الصنائع المشغلة عن العبادة كالخياطة
وشبهها إلا ما لا بد منه.
وما ما أورده عليه في المدارك جار هنا أيضا إذ لا دليل على ما ذكره (قدس
سره) في المقامين. وما أبعد ما بين كلامه هنا وكلامه في المختلف على ابن إدريس
كما لا يخفى.
493

وكيف كان فالظاهر أنه يجب أن يستثنى من البيع والشراء ما تدعو الحاجة
إليه كشراء ما يضطر إليه من المأكول والملبوس وبيع ما يكون وصلة إلى شراء ذلك.
ومنها المماراة وعليه تدل صحيحة أبي عبيدة المتقدمة (1).
قال شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) في المسالك: المراء لغة الجدال
والمماراة المجادلة. والمراد به هنا المجادلة على أمر دنيوي أو ديني لمجرد اثبات الغلبة
أو الفضيلة كما يتفق لكثير من المتسمين بالعلم، وهذا النوع محرم في غير الاعتكاف
وقد ورد التأكيد في تحريمه في النصوص (2). وادخاله في محرمات الاعتكاف إما
بسبب عموم مفهومه أو لزيادة تحريمه في هذه العبادة كما ورد في تحريم الكذب على
الله ورسوله صلى الله عليه وآله في الصيام، وعلى القول بفساد الاعتكاف بكل ما حرم فيه
تتضح فائدته. ولو كان الغرض من الجدال في المسألة العلمية مجرد إظهار الحق ورد
الخصم عن الخطأ كان من أفضل الطاعات. والمائز بين ما يحرم منه وما يجب أو
يستحب النية فليحترز المكلف من تحويل الشئ من كونه واجبا إلى جعله من كبائر
القبائح. انتهى.
وهو حسن إلا أن في تنظيره بتحريم الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وآله في
الصيام نظرا بناء على أن المستفاد من الأخبار وإن أعرض عن القول به جمهور
الأصحاب هو ابطال الصيام بذلك كما مر بيانه. نعم ما ذكره يتجه بناء على قولهم
بمجرد التحريم دون الابطال.
هذا ما اطلعت عليه من المحرمات التي دلت عليها الأخبار.
وفي المقام فوائد
الأولى نقل العلامة في المختلف عن الشيخ في الجمل وابن البراج وابن حمزة
أنه يجب على المعتكف تجنب ما يجب على المحرم تجنبه، والمشهور العدم، ونسبه

(1) ص 492
(2) سفينة البحار ج 2 ص 532
494

في المبسوط بعد أن أفتى بالقول المشهور إلى الرواية.
وقال في التذكرة إن الشيخ لا يريد بذلك العموم لأنه لا يحرم على المعتكف
لبس المخيط اجماعا ولا إزالة الشعر ولا أكل الصيد ولا عقد النكاح. انتهى.
وهو جيد.
وكيف كان فلا ريب في ضعف هذا القول لعدم الدليل عليه وما ادعاه من
الرواية فلم تصل إلينا وهو أعلم.
الثانية يجب أن يعلم أنه لا فرق في تحريم هذه الأشياء بين الليل والنهار إذ
منشأ التحريم هو الاعتكاف وهو ثابت ليلا ونهارا.
وهل تختص هذه المحرمات بالاعتكاف الواجب أو تتناول المندوب أيضا؟
اطلاق النصوص وكلام الأصحاب يقتضي الثاني. وقد تقدم نظيره في التكفير في صلاة
النافلة والارتماس في الصوم المندوب.
الثالثة قد صرح الأصحاب بأنه يجوز له النظر في معاشه والخوض في المباح،
وينبغي الاقتصار من ذلك على ما يضطر إليه والاشتغال بما هو وظيفة المعتكف من
العبادات كالصلاة والذكر وقراءة القرآن.
قال في المنتهى: يستحب له دراسة العلم والمناظرة فيه وتعلمه وتعليمه في
الاعتكاف بل هو أفضل من الصلاة المندوبة. انتهى.
الرابعة لا ريب في أن كل ما أفسد الصوم فإنه يفسد به الاعتكاف لأن
الصوم شرط فيه فيبطل ببطلان شرطه.
وأما وجوب الكفارة بفعل المفطر في الاعتكاف الواجب فهو مذهب جملة
من أصحابنا: منهم الشيخ المفيد والمرتضى (رحمهما الله تعالى).
قال في المعتبر: فإن كانا أرادا الاعتكاف المنذور بزمان معين كان حسنا
وإن أرادا الاطلاق فلا أعرف المستند. وهو كذلك.
والشيخ وأكثر المتأخرين على اختصاص الكفارة بالجماع دون ما عداه من
495

المفطرات فإن فسد به الصوم (1) ووجب به القضاء خاصة متى كان واجبا. وقد
تقدم ما يدل وجوب الكفارة بالجماع في ما قدمناه من الأخبار وأما غير الجماع
فلم نقف له على دليل.
الخامسة - اطلاق الأخبار المتقدمة بوجوب الكفارة على المعتكف إذا
جامع شامل للواجب والندب والمطلق من الواجب المنذور والمعين، وبمضمونها
أفتى الشيخان (قدس سرهما).
قال في المعتبر: ولو خصا ذلك باليوم الثالث أو بالاعتكاف اللازم كان أليق
بمذهبهما، لأنا بينا أن الشيخ ذكر في النهاية والخلاف أن للمعتكف الرجوع في
اليومين الأولين من اعتكافه وأنه إذا اعتكفهما وجب الثالث، وإذا كان له الرجوع
لم يكن لايجاب الكفارة مع جواز الرجوع وجه. لكن يصح هذا على كلام
الشيخ في المبسوط فإنه يرى وجوب الاعتكاف بالدخول فيه.
قال في المدارك بعد نقله: وما ذكره (قدس سره) غير بعيد لأن المطلق
لا عموم له فيكفي في العمل به اجراؤه في الواجب. انتهى.
وهو جيد إلا أنه مناف لما قدمنا نقله عنه في المسألة الثانية من قوله " ولا
امتناع في وجوب الكفارة بذلك في الاعتكاف المستحب " فإن هذا الكلام مؤذن
بموافقة الشيخين في ما أطلقاه تبعا لاطلاق الأخبار والخروج عن ما ذكره المحقق
(قدس سره) هنا كما لا يخفى.
وربما قيل باختصاص الكفارة بالواجب المعين.
وبالجملة ففي المسألة أقوال ثلاثة: العموم للواجب والمندوب والتخصيص
بالواجب أو بالمعين منه خاصة.
السادسة المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن كفارة الجماع في
الاعتكاف مخيرة لموثقتي سماعة المتقدمتين (2) وقيل بكونها مرتبة ككفارة الظهار ونقله

(1) هكذا ورد في النسخ والظاهر هكذا " فإن فسد به الصوم وجب به القضاء خاصة "
(2) ص 492
496

في المختلف عن ظاهر ابن بابويه، وإليه مال في المدارك لصحة مستنده وهو ما تقدم
من صحيحة زرارة (1) وصحيحة أبي ولاد (2).
وجمع بعض بين الأخبار بحمل الصحيحتين المذكورتين على الأفضلية
والاستحباب كما هي قاعدتهم في جميع الأبواب.
وحمل العلامة في المنتهى الصحيحتين المذكورتين حيث أختار القول
المشهور على أن المراد التشبيه في المقدار دون الكيفية. وبعده ظاهر.
السابعة قال السيد المرتضى: إذا جامع المعتكف نهارا كان عليه كفارتان
وإذا جامع ليلا كان عليه كفارة واحدة. وأطلق القول في ذلك، والمشهور بين
الأصحاب أن وجوب الكفارتين بالجماع نهارا مخصوص بشهر رمضان لا غير
فتكون إحداهما للاعتكاف والأخرى للشهر المذكور، وعلى ذلك دلت رواية
عبد الأعلى بن أعين المتقدمة (3) وأما وجوبهما نهارا في غير شهر رمضان كما يفهم
من اطلاق السيد (قدس سره) فلا وجه له.
واستقرب الشهيد (قدس سره) في الدروس هذا الاطلاق، قال: لأن في
النهار صوما واعتكافا. ورد بأن مطلق الصوم لا يترتب على افساده الكفارة
كما هو واضح.
قال في التذكرة: والظاهر أن مراده يعني مراد السيد (رضي الله عنه) رمضان.
وهو غير بعيد فإنهم كثيرا ما يتوسعون في التعبير بناء على ظهور الحكم
ومعلوميته، وهذه الدقة في العبارات والقيود للاحترازات إنما وقعت في كلام المتأخرين
وبالجملة فإن الجماع في غير شهر رمضان إنما يوجب كفارة واحدة ليلا أو
نهارا من حيث الاعتكاف.
وينبغي أن يعلم أنه في معنى نهار شهر رمضان في وجوب الكفارتين نهار
صوم قضائه وكذا نهار صوم النذر المعين فإن كلا منهما موجب للكفارة في حد
ذاته كما في شهر رمضان فتعدد في الاعتكاف.

(1) ص 492
(2) ص 484
(3) ص 492
497

الثامنة قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه على المطاوعة
المعتكفة الكفارة مثل ما تقدم على الزوج للاشتراك بينهما في الأحكام.
أما لو أكرهها في شهر رمضان فقيل يلزمه أربع كفارات نهارا وكفارتان
ليلا وهو قول الشيخ في المبسوط والمرتضى وابن الجنيد وابن إدريس وابن البراج
وابن حمزة واختاره في المختلف، وقيل تلزمه كفارتان وهو اختيار جماعة: منهم
المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى.
احتج العلامة في المختلف قال: لنا إنه فعل موجب الكفارة على اثنين فتتضاعف
على المكره لصدور الفعل عنه أجمع في الحقيقة، لأنه عبادة توجب الكفارة بفعل
الوطء على الزوجين فتتضاعف على الزوج بالاكراه كرمضان.
ولا يخفى ما في هذا الاستدلال ولهذا قال في المعتبر بعد نقل القول الأول
عن المرتضى (رضي الله عنه): وهذا ليس بصواب إذ لا مستند له. وجعله كالاكراه
في صوم رمضان قياس. وتضعيف الكفارتين بالاعتكاف ضعيف أيضا، لأن
ايجاب الكفارتين على المكره امرأته في شهر رمضان وإن لم يكن معتكفا ثبت
على خلاف مقتضى الدليل لأن المكرهة لم تفطر فلا كفارة عليها، كما لو ضرب
انسان غيره حتى أفطر بأكل أو شرب لم يجب على المكره كفارة عن المكره
وإذا كان ثبوت الكفارتين في رمضان ثبت على خلاف الأصل فلا يتعدى الحكم،
مع أن ثبوت ذلك الحكم في رمضان مستنده رواية المفضل بن عمر (1) وهو مطعون فيه
ضعيف جدا ولم يرد من غير طريقه لكن رأينا جماعة من الأصحاب قائلين به
فقويت الرواية بذلك، فلا يتعدى الحكم عن موضع النص. انتهى. وهو جيد.
التاسعة قال الشيخ في المبسوط: من مات قبل انقضاء مدة اعتكافه في أصحابنا
من يقول يقضي عنه وليه أو يخرج من ماله إلى من ينوب عنه قدر كفايته لعموم

(1) ارجع إلى الصفحة 234
498

ما روي (1) أن من مات وعليه صوم واجب وجب على وليه أن يقضي عنه أو
يتصدق عنه.
وقال المحقق في الشرائع: ومن مات قبل انقضاء اعتكافه الواجب قيل يجب
على الولي القيام به وقيل يستأجر من يقوم به. والأول أشبه.
وظاهره اختيار القول بالوجوب على الولي مع أنه اعترض على الشيخ في
المعتبر فقال بعد نقل ذلك عنه: وما ذكره إنما يدل على وجوب قضاء الصوم أما
الاعتكاف فلا. ويعضده ما سبق من أن الصوم لا يجب لأجل الاعتكاف لجواز
ايقاعه في صوم واجب قبل ذلك كرمضان أو النذر، وحينئذ فلا يكون وجوب
الاعتكاف مقتضيا لوجوب الصوم ليجب على الولي القيام به.
وبذلك يظهر الجواب عن ما احتج به في المختلف للقول المذكور حيث قال:
حجة الآخرين أنه قد ورد ورودا مشهورا وجوب القضاء عن الميت ولا يمكن
الاتيان بمثل هذا الصوم إلا بمثل هيئته وهو هيئة الاعتكاف فكان الاعتكاف
واجبا. انتهى فإنه متى ثبت أن الصوم غير واجب للاعتكاف كما أشرنا إليه فلا
وجه لهذا الكلام.
وبالجملة فالوجه أن يقال إن الحكم بوجوب شئ موقوف على الدليل الواضح
وأمثال هذه التعليلات لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية. والله العالم.
هذا آخر الكلام في الجزء الرابع (2) من كتاب الحدائق الناضرة في أحكام
العترة الطاهرة، وفق الله تعالى لاتمامه والفوز بسعادة ختامه، ويتلوه إن شاء الله
تعالى كتاب الحج.
وقد وقع الفراغ (3) من هذا الجزء بتاريخ اليوم التاسع عشر شهر جمادى

(1) ارجع إلى الصفحة 320 و 321 والصفحة 332 و 333
(2) هذا على تقسيمه (قدس سره) وعلى تقسيمنا فهو آخر الجزء الثالث عشر
(3) من هنا إلى الآخر منقول من النسخة الخطية.
499

الثاني من السنة السابعة والسبعين بعد المائة والألف من الهجرة النبوية (على
مهاجرها وآله أفضل الصلاة والسلام والتحية) في الأرض المقدسة كربلاء المعلى في
جوار سيد الشهداء وخامس أهل العباء (عليه وعلى آبائه وأبنائه أفضل الصلوات
ذي العلى) وأسأل الله تعالى ببركة جوارهم أن يكون عنده وعندهم بمحل من القبول
في انجاح السؤل وبلوغ المأمول.
وكتب مؤلفه تراب أقدام العلماء العاملين وخادم الفضلاء الصالحين الفقير إلى
الله الكريم يوسف بن أحمد بن إبراهيم البحراني، عاملهم الله تعالى باحسانه وأفاض
عليهم من رواشح جوده وامتنانه، حامدا مصليا مسلما مستغفرا آمين آمين آمين
بمحمد وآله أجمعين.
500

الاستدراكات
نستدرك هنا ما فاتنا التنبيه عليه في محله والترتيب بحسب أرقام الصفحات
(1) وعدنا في الصفحة 7 بالرجوع إلى الاستدراكات فنقول: أورد في الوافي
الصوم المندوب بعنوان صيام السنة وصيام الترغيب، ولم يرد هذان العنوانان في
الوسائل كما لم أجدهما في ما حضرني من كتب العامة. وما ذكره - من أن ما زعمه
العامة من صيام الترغيب والسنة هو الذي سماه عليه السلام بالذي فيه الخيار - فهو
متوجه في صوم يوم الجمعة والخميس والاثنين وصوم أيام البيض والستة الأيام من
شوال وصوم يوم عاشوراء كما في سنن البيهقي ج 4 ص 292 و 294 و 295 والمجموع
ج 6 ص 382 و 384 و 385. إلا أنهم يقيدون استحباب صوم يوم عرفة بأن
لا يكون في عرفة كما في المغني ج م ص 176 ويحكمون بكراهة تخصيص يوم الجمعة
بالصوم كما في سنن البيهقي ج 4 ص 301 والمغني ج 3 ص 165. وقد أورد في
الوسائل جميع ما أورده في الوافي بعنوان صيام السنة والترغيب في ضمن الصوم
المندوب، فأورد صيام السنة في الباب 7 و 8 و 9 منه وصيام الترغيب في الباب 14 و 15
و 16 و 17 و 18 و 26 و 28 و 29 منه.
(2) وعدنا في الصفحة 9 بالرجوع في مصدر حديث " لا تدخل الحكمة جوفا
ملئ طعاما " إلى الاستدراكات فنقول: لم نقف على الحديث بهذا اللفظ إلا في
كتاب غوالي اللئالي في المسلك الثالث من مسالك الباب الأول منه في الأحاديث
المتعلقة بأبواب الفقه في أحاديث رواها الشهيد ورواها صاحب الكتاب عنه.
وقد وجدت النسخة الخطية من الكتاب في مكتبة مقبرة المرحوم آية الله الأصفهاني
في الصحن الشريف في النجف الأشرف. وقد أورد المصنف (قدس سره) الحديث
في ضمن البحث عن مفاد الحديث المذكور هنا في كشكوله ج 1 ص 336 و 337 من
الطبع الحديث في النجف الأشرف.
501

(3) جاء في الصفحة 19 أن حديث الأعرابي لم أقف عليه حتى في كتب
الحديث للعامة، وقد عثرت عليه بعد ذلك في المبسوط للسرخسي ج 3 ص 62 باللفظ
المذكور عن عكرمة عن ابن عباس، إلا أني لم أقف عليه في كتب أحاديثهم مرويا
باللفظ المذكور عن عكرمة ولا عن غيره.
(4) جاء في التعليقة 1 ص 31 " الشهاب الثاقب " والصحيح " الشهاب " مجردا
(5) جاء حديث عبد الله بن ميمون في الصفحة 128 هكذا: " عن أبي عبد الله " كما في الوسائل في الباب المذكور في التعليقة، إلا أنه في التهذيب ج 4
ص 260 - والوافي باب الحجامة ودخول الحمام من نواقص الصيام وفي الباب 25
و 26 و 29 من ما يمسك عنه الصائم من الوسائل - ورد هكذا: " عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام " وفي الإستبصار ج 2 ص 90 أنه ورد كذلك في بعض النسخ.
(6) جاء ص 139 س 21 " والأمر هنا كما هو هناك فإن النهي هنا عن الارتماس "
وفي المطبوعة القديمة " كما هناك فإن النهي عن الارتماس " وقد أضفنا الكلمتين
تبعا للخطية.
(8) ورد ص 140 س 10 " من حيث النهي عن غمس الرأس " وفي المطبوعة
القديمة " من حيث إنه منهي عن غمس الرأس " وقد غيرنا العبارة تبعا للخطية.
وكذا أبدلنا كلمة " الانتفاء " في المطبوعة القديمة بكلمة " الانتهاء " في السطر 12
تبعا للخطية.
(9) ورد ص 141 س 11 " حيث صرح ثمة بخلاف ما ذكره هنا " وفي
المطبوعة القديمة هكذا: " حيث صرح به ثمة " وقد أسقطنا كلمة " به " تبعا للخطية
لزيادتها.
(10) ورد ص 157 في رواية الرازي رقم (3) " فإن قال قائل.. " جزء
502

من الرواية كما في النسخ والوسائل، وفي الوافي (باب السواك وادماء الفم) لم ينقله.
وظاهر التهذيب ج 4 ص 263 أنه جزء من الرواية.
(11) ورد ص 161 في رواية عبد الله بن سنان " لا تلزق ثوبك إلى جسدك
وهو رطب " وفي نسخ الحدائق " لا تلبس ثوبك وهو رطب " وقد غيرنا العبارة إلى
ما ذكرنا تبعا للفروع ج 1 ص 192 والوافي (باب الارتماس وبل الثوب على
الجسد) والوسائل.
(12) جاء ص 161 في رواية عبد الله بن سنان عن الشيخ باللفظ المذكور هناك
وهو اللفظ الوارد في رواية الكليني في الفروع ج 1 ص 192، وأما اللفظ الوارد
في التهذيب ج 4 ص 262 فهو هكذا: " يستاك الصائم أي النهار شاء ولا يستاك
بعود رطب ويستنقع في الماء.. " ورواية عن أبي عبد الله عليه السلام وأما رواية الكافي
فهي عن أبي جعفر عليه السلام.
(13) جاء حديث حنان ص 161 باللفظ المذكور هناك تبعا للتهذيب ج 4
ص 263 والوسائل، ولذا غير عن ما جاء في نسخ الحدائق.
(14) وعدنا ص 164 بالرجوع في مصدر حديث خلف بن حماد إلى
الاستدراكات، وقد وقفنا عليه في الوسائل في الباب 105 من أبواب المزار.
(15) ورد ص 169 حديث الحلبي مطابقا للتهذيب ج 4 ص 311، وكذا
حديث الكناني طبقناه على الفقيه ج 2 ص 94
(16) ورد ص 183 في رواية الثمالي " في ثلاث عشرة سنة أو أربع عشرة
سنة " وكذا ص 184 س 21، وفي الوسائل والتهذيب ج 2 ص 94 الطبع القديم
العطف بالواو لا بنحو الترديد.
(17) ورد ص 184 س 21 " وقوة البدن " تبعا للخطية.
(18) ورد ص 188 " ورواية عبد الكريم بن عمرو " وجاء في التعليقة 7
أن الراوي كرام ويروي عنه ابن أبي عمير. ونقول هنا إن الكليني في الفروع ج 1
503

ص 201 يرويها عن ابن أبي عمير عن كرام والشيخ في التهذيب ج 4 ص 183 عن
عبد الكريم بن عمرو، وفي ص 233 عن الكليني عن كرام، والصدوق في الفقيه ج 2
ص 79 عن عبد الكريم بن عمرو. والفرق بين رواية الكليني وبين رواية الشيخ
والصدوق أن في رواية الكليني كلمة " من شهر رمضان " في آخر الرواية دون رواية
الشيخ والصدوق، وقد نسبها ص 188 إلى عبد الكريم بن عمرو وذكر الإضافة في
آخرها. ونقلها عن الفقيه والتهذيب عن عبد الكريم بن عمرو من دون زيادة
الكافي ص 388.
(19) جاء ص 189 في رواية الصيقل: " كتب إليه " كما في الوسائل
والاستبصار ج 2 ص 101، وفي التهذيب ج 4 ص 234 والوافي باب نذر الصيام
وباب كفارة النذر من أبواب النذور والأيمان " كتب إليه ". وقد سقط لفظ " اليوم "
هنا في الطبع والصحيح " فوافق ذلك اليوم يوم.. ".
(20) جاء ص 193 في رواية علي بن مهزيار " كتبت إليه " كما في الوسائل
إلا أن في الفروع ج 2 ص 373 والتهذيب ج 8 ص 305 " وكتب إليه " وفي الوافي
باب نذر الصيام وباب كفارة النذر من أبواب النذور والأيمان " أنه كتب إليه ".
(21) جاء ص 196 حديث ابن جندب عن الكافي واللفظ فيه يوافق ما جاء
في الوافي (باب نذر صيام من أبواب النذور والأيمان) وهو يختلف عن ما جاء في
الفروع ج 2 ص 373 وما جاء في التهذيب ج 8 ص 306 وهو رواية الشيخ
الحديث عن الكليني.
(22) جاء ص 196 في حديث ابن جندب عن التهذيب " سأل أبا عبد الله
عليه السلام ميمون " وهو يوافق ما جاء في الوافي (باب نذر الصيام من أبواب النذور
والأيمان) وفي التهذيب ج 4 ص 333 " سأله عباد بن ميمون " واللفظ في كل منها يختلف عنه في الآخرين
(23) جاء ص 224 في رواية إدريس بن هلال: " فبذلك " كما في الوسائل
504

وفي الفقيه ج 2 ص 72 " بذلك ". (24) جاء ص 224 حديث البصري مسندا إلى أبي عبد الله عليه السلام كما في الوافي
(باب من تعمد الافطار في شهر رمضان من غير عذر) إلا أنه جاء في الفروع ج 1
ص 191 والوسائل مضمرا.
(25) جاء ص 227 في رواية زرارة " قلت فإن عجز عن ذلك " كما في نسخ
الحدائق، وفي الفروع ج 2 ص 372 والتهذيب ج 8 ص 298 والوافي (باب كفارة
اليمين من أبواب النذور والأيمان) والوسائل هكذا " قلت إنه عجز عن ذلك ".
(26) جاء ص 245 في رواية أبي الجارود " كان بعض أصحابنا " كما في نسخ
الحدائق، وفي التهذيب ج 4 ص 317 والوسائل " وكان.. ".
(27) جاء ص 245 في كلام الشيخ " في بلاد الاسلام " كما في النسخ، وفي
التهذيب ج 4 ص 164 " في باب الاسلام ".
(28) جاء ص 264 في كلام العلامة في المنتهى س 14 " أو تقاربت.. "
وقد أسقط من عبارته هنا قوله " وبه قال أحمد والليث بن سعد وبعض أصحاب
الشافعي " وجاء س 16 " لكل بلد حكم نفسه.. " وقد أسقط هنا قوله " وهو القول
الآخر للشافعي. واعترض بعض الشافعية في التباعد مسافة التقصير وهو ثمانية
وأربعون ميلا فاعتبر لكل بلد حكم نفسه إن كان بينهما هذه المسافة " وبهذا ينسجم
قوله " إن كان بينهما.. " مع ما قبله
(29) جاء ص 269 س 4 " من سير القمر " وفي نسخ الحدائق " من تسيير
القمر " وقد جعلناه كذلك للاستحسان والاعتبار.
(30) أوردنا سند رواية الاقبال ص 292 س 8 كما في الاقبال ص 15
والوسائل، إلا أن الوارد فيهما هكذا: إسحاق بن إبراهيم الثقفي الثقة.
(31) جاء ص 293 في رواية عبد الرحمان " ولم يصم " وهو موافق لما جاء
في التهذيب ج 4 ص 310، وفي الفقيه ج 2 ص 78 " ولم يصح له ".
505

(32) أوردنا صحيحة أبي حمزة ص 295 على طبق لفظ الوسائل فجاء فيها
بعض التغيير عن ما جاء نسخ الحدائق.
(33) جاء ص 300 في صحيحة أبي مريم " فليس عليه شئ " كما في النسخ والوافي
باب من مات وفاته صيام عن الفقيه، وفي الفقيه ج 2 ص 98 " فليس عليه قضاء "
(34) غيرنا بعض اللفظ عن النسخ في صحيحة محمد بن مسلم ص 302 تبعا
لكتب الحديث
(35) جاء ص 303 س 9 في عبارة الفقه الرضوي " إلا أن يكون قد صح
في ما بين الرمضانين " وفي الفقه الرضوي هكذا: " في ما بين شهرين رمضانين " وكذا في المستدرك الباب 17 من أحكام شهر رمضان. وكذا س 11 هكذا: " فإن
فاته شهر رمضان " وفيهما " فإن فاته شهرين رمضانين ".
(36) جاء ص 304 في رواية العلل والعيون " أو لم يفق من مرضه " كما في
النسخ، وفي الوسائل " أو لم يقو ".
(37) جاء ص 353 في رواية الحسن بن أبي حمزة " قلت لأبي جعفر أو
لأبي عبد الله (ع) إني قد اشتد على صيام ثلاثة أيام في كل شهر أؤخره.. "
والوارد في الفقيه ج 2 ص 51 والوسائل " قلت لأبي جعفر أو لأبي عبد الله (ع)
صوم ثلاثة أيام في الشهر أؤخره.. " وقد ورد اللفظ المتقدم في رواية إبراهيم
ابن المثنى الواردة في الفقيه ص 50 وفي الوسائل الباب 11 من الصوم المندوب رقم 5
ولم يوردها المصنف (قدس سره).
(38) وعدنا ص 360 بالرجوع إلى الاستدراكات في صيام السنة والترغيب
وقد تقدم بيان ذلك في الاستدراكات (1).
(39) جاء ص 363 س 16 " يقتضي عدم خلق السماوات " وفي المدارك
المطبوعة " يقتضى خلق السماوات " ويمكن سقوط كلمة " عدم " من الناسخ.
(40) جاء ص 404 س 4 " ويؤيد هذه الأخبار ظاهر الآية " وحذفت
506

كلمة " أيضا " تبعا للنسخة الخطية.
(41) ورد ص 423 ذكر صحيحة محمد بن مسلم التي يرويها الشيخ بلفظ
" مدين من طعام " وغفلنا عن تخريجها وهي في الوسائل في الباب 15 ممن يصح منه
الصوم رقم 2.
(42) وردت ص 437 رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام عن ثواب
الأعمال وهي مروية في الفروع ج 1 ص 181 والفقيه ج 2 ص 85 والتهذيب
ج 4 ص 201 عن مسعدة عن أبي عبد الله عن أبيه (ع) ولم نقف على نقلها عن
ثواب الأعمال عن السكوني. راجع الوسائل الباب 3 من آداب الصائم رقم 3.
(43) ورد ص 439 " ورويا أيضا في كتابيهما عن يعقوب " يريد الكليني
والصدوق، مع أن الصدوق رواها في الفقيه ج 2 ص 101 مرسلا.
(44) جاء ص 440 س 23 في تخرج حديث أبي حمزة الباب 31 والصحيح 32
(45) جاء ص 443 س 1 " حسان أبي علي " والصحيح " حسان بن أبي علي "
(46) وعدنا في التعليقة (4) ص 452 بالرجوع إلى الاستدراكات في حال
المغيرة بن سعيد فنقول أما أنه من الكاذبين على أبي جعفر عليه السلام فقد روى الكشي
ذلك في كتابه ص 194 طبع النجف الأشرف وأما أنه كان يدعو إلى محمد بن عبد الله
ابن الحسن فذكره العلامة في الخلاصة طبع النجف الأشرف ص 261 وباقي ما ذكره
(قدس سره) لم نقف على مصدره.
(47) جاء ص 455 س 18 " طهرا.. " وفي النسخ " وطهر " أو الحسن عن أبي عبد الله عليه السلام " كما في النسخ، وحيث إن عادته (قدس سره) ذكر الراوي فيجوز
أن يكون عدم ذكر الراوي هنا وهو الحلبي لسقوطه من قلم النساخ.
(49) ورد ص 457 صحيح الحلبي برواية الصدوق كما في الوسائل الباب 2
507

من الاعتكاف رقم 1 ولم نجده في الفقيه في مظانه نعم رواه الكليني في الفروع
ج 1 ص 212.
(50) جاء ص 466 في الرواية (5) " يحيى بن العلاء " وفي التهذيب ج 4
ص 290 والاستبصار ج 2 ص 127 والوافي باب الاعتكاف والوسائل " يحيى بن أبي العلاء ".
(51) وردت الرواية (4) ص 466 عن علي بن عمران والرواية (8)
عن علي بن غراب كما في النسخ والوسائل، إلا أن الوارد في التهذيب ج 4 ص 290
هي الرواية عن علي بن عمران فقط وفي الإستبصار ج 2 ص 127 ابداله بعلي بن غراب
(52) جاء ص 474 س 10 " ويردف عليا عليه السلام خلفه " وقد علقنا بالرجوع
إلى التعليقة 2 ص 476 س 21 " أنه كان على أمي " وفي مسند أحمد " أنه كان
على أمها ".
(54) جاء ص 483 في رواية عمر بن يزيد " أن يحلك من اعتكافك " كما في
النسخ والوسائل، وفي التهذيب ج 4 ص 289 والوافي باب الاعتكاف " أن ذلك
في اعتكافك ".
(55) جاء ص 489 س 1 كلام الشيخ في المبسوط ولفظه يوافق ما نقله في
المنتهى، وقد نقله أيضا ص 479 س 18 وهو يوافق ما في المبسوط.
توجيه
يرجى تصحيح ما جاء ج 10 ص 140 التعليقة (1) هكذا: راجع الوسائل
الباب 49 من الجماعة.
508