الكتاب: رياض المسائل
المؤلف: السيد علي الطباطبائي
الجزء: ٧
الوفاة: ١٢٣١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: شعبان المعظم ١٤١٥
المطبعة:
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك:
ملاحظات:

رياض المسائل
تأليف
الفقيه المدقق
السيد علي الطباطبائي
المتوفى سنة 1231 ه‍ ق
الجزء السابع
تحقيق
مؤسسة النشر الاسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة
1

رياض المسائل
في بيان
أحكام الشرع بالدلائل
(ج 7)
المؤلف: الفقيه المدقق السيد علي الطباطبائي
الموضوع: فقه
تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: الأولى
المطبوع: 1000 نسخة
التاريخ: شعبان المعظم 1415 ه‍. ق
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
2

متن
المختصر النافع (1)

(1) خدمة للقارئ الكريم ننقل متن كتاب (المختصر النافع) للمحقق الحلي قدس سره - وهي
النسخة المطبوعة المتداولة - بقدر ما جاء في هذا الجزء من (رياض المسائل) لآية الله
السيد علي الطباطبائي رحمه الله، ولا يخفى أن بين النسخة المذكورة والنسخ المتعددة من
الرياض اختلافات لم نذكر مواردها بل تركناها للقاري العزيز.
4

بسم الله الرحمن الرحيم
ومندوبه: الوقوف عند الحجر والدعاء، واستلامه، وتقبيله، فإن لم
يقدر أشار بيده، ولو كانت مقطوعة فبموضع القطع، ولو لم يكن له يد
أشار، وأن يقتصد في مشيه، ويذكر الله سبحانه في طوافه، ويلتزم
المستجار - وهو بحذاء الباب من وراء الكعبة - ويبسط يديه وخده على
حائطه، ويلصق بطنه به، ويذكر ذنوبه، ولو جاوز المستجار رجع
والتزم.
وكذا يستلم الأركان، وآكدها ركن الحجر واليماني.
ويتطوع بثلاثمائة وستين طوافا، فإن لم يتمكن جعل العدة أشواطا،
ويقرأ في ركعتي الطواف بالحمد والصمد في الأولى، وبالحمد والجحد
في الثانية.
ويكره الكلام فيه، بغير الدعاء والقراءة.
وأما أحكامه فثمانية:
(الأول) الطواف ركن، ولو تركه عامدا بطل حجه، ولو كان
ناسيا أتى به.
5

ولو تعذر العود استناب فيه.
وفي رواية، لو على وجه جهالة أعاد وعليه بدنة.
(الثاني) من شك في عدده بعد الانصراف، فلا إعادة عليه، ولو
كان في أثنائه وكان بين السبعة وما زاد قطع ولا إعادة، ولو كان في
النقيصة أعاد في الفريضة، وبنى على الأقل في النافلة، ولو تجاوز الحجر
في الثامن وذكر قبل بلوغ الركن قطع ولم يعد.
(الثالث) لو ذكر أنه لم يتطهر أعاد طواف الفريضة وصلاته، ولا
يعيد طواف النافلة، ويعيد صلاته استحبابا.
ولو نسي طواف الزيارة حتى رجع إلى أهله وواقع عاد وأتى به،
ومع التعذر يستنيب فيه، وفي الكفارة تردد، أشبهه أنها لا تجب إلا مع
الذكر.
ولو نسي طواف النساء استناب، ولو مات قضاه الولي.
(الرابع) من طاف فالأفضل له تعجيل السعي، ولا يجوز تأخيره إلى
غده.
(الخامس) لا يجوز للمتمتع تقديم طواف حجه وسعيه على الوقوف
وقضاء المناسك، إلا لامرأة تخاف الحيض أو مريض أو هم.
وفي جواز تقديم طواف النساء مع الضرورة روايتان، أشهرهما
الجواز.
ويجوز للقارن والمفرد تقديم الطواف اختيارا، ولا يجوز تقديم طواف
النساء لمتمتع ولا لغيره، ويجوز مع الضرورة والخوف من الحيض.
ولا يقدم على السعي، ولو قدمه عليه ساهيا لم يعد.
6

(السادس) قيل: لا يجوز الطواف وعليه برطلة، والكراهية أشبه،
ما لم يكن الستر محرما.
(السابع) كل محرم يلزمه طواف النساء، رجلا كان أو امرأة، أو
صبيا، أو خصيا، إلا في العمرة المتمتع بها.
(الثامن) من نذر أن يطوف على أربع.
قيل: يجب عليه طوافان.
وروي ذلك في امرأة نذرت.
وقيل: لا ينعقد، لأنه لا يتعبد بصورة النذر.
القول في السعي
والنظر في مقدمته، وكيفيته، وأحكامه.
أما المقدمة فمندوبات عشرة: الطهارة، واستلام الحجر، والشرب من
زمزم، والاغتسال من الدلو المقابل، للحجر، والخروج من باب الصفا،
وصعود الصفا، واستقبال ركن الحجر، والتكبيرة، والتهليل سبعا،
والدعاء بالمأثور.
وأما الكيفية، ففيها الواجب والندب.
فالواجب أربعة: النية، والبداءة بالصفا، والختم بالمروة، والسعي
سبعا.
يعد ذهابه شوطا، وعوده آخر.
والمندوبة أربعة أشياء: المشي طرفيه، والاسراع بين المنارة إلى زقاق
العطارين، ولو نسي الهرولة رجع القهقري وتدارك، والدعاء، وأن
7

يسعى ماشيا، ويجوز الجلوس في خلاله للراحة،
وأما الأحكام فأربعة:
(الأول) السعي ركن، يبطل الحج بتركه عمدا، ولا يبطل سهوا،
ويعود لتداركه، فإن تعذر العود استناب فيه.
(الثاني) يبطل، السعي بالزيادة عمدا، ولا يبطل بالزيادة سهوا.
ومن تيقن عدد الأشواط وشك فيما بدأ به، فإن كان في الفرد على
الصفا أعاد، ولو كان على المروة لم يعد.
وبالعكس لو كان سعيه زوجا، ولو لم يحصل العدد أعاد، ولو تيقن
النقصان أتى به.
(الثالث) لو قطع سعيه لصلاة أو لحاجة أو لتدارك ركعتي الطواف
أو غير ذلك أتم ولو كان شوطا.
(الرابع) لو ظن إتمام سعيه فأحل وواقع أهله، أو قلم أظفاره ثم
ذكر أنه نسي شوطا أتم.
وفي الروايات يلزمه دم بقرة.
القول في أحكام منى بعد العود
يجب المبيت بمنى ليلة الحادي عشر والثاني عشر، ولو بات بغيرها
كان عليه شاتان، إلا أن يبيت بمكة مشتغلا بالعبادة، ولو كان ممن
يجب عليه المبيت الليالي الثلاث لزمه ثلاث شياه.
وحد المبيت أن يكون بها ليلا حتى تجاوز نصف الليل.
وقيل: لا يدخل مكة حتى يطلع الفجر.
8

ويجب رمي الجمار في الأيام التي يقيم بها، كل جمرة بسبع حصيات
مرتبا، يبدأ بالأولى، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة.
ولو نكس أعاد على الوسطى وجمرة العقبة.
ويحصل الترتيب بأربع حصيات على الوسطى وجمرة العقبة.
ووقت الرمي ما بين طلوع الشمس إلى غروبها، ولو نسي رمي يوم
قضاه من الغد مرتبا.
ويستحب أن يكون ما لا مسه غدوة، وما ليومه بعد الزوال، ولا يجوز
الرمي ليلا إلا لعذر كالخائف والرعاة والعبيد.
ويرمى عن المعذور كالمريض.
ولو نسي جمرة وجهل موضعها رمى على كل جمرة حصاة.
ويستحب الوقوف عند كل جمرة، ورميها عن يسارها مستقبل
القبلة ويقف داعيا، عدا جمرة العقبة فإنه يستدبر القبلة ويرميها عن
يمينها ولا يقف.
ولو نسي الرمي حتى دخل مكة رجع تتدارك، ولو خرج فلا
حرج.
ولو حج في القابل استحب القضاء، ولو استناب جاز.
ويستحب الإقامة بمنى أيام التشريق، ويجوز النفر في الأول وهو
الثاني عشر من ذي الحجة لمن اتقى الصيد والنساء، وإن شاء في الثاني
وهو الثالث عشر، ولو لم يتق تعين عليه الإقامة إن النفر الأخير.
وكذا لو غربت الشمس ليلة الثالث عشر.
ومن نفر في الأول، لا ينفر إلا بعد الزوال.
9

وفي الأخير يجوز قبله، ويستحب للإمام أن يخطب ويعلمهم ذلك.
والتكبير بمنى مستحب، وقيل: يجب.
ومن قضى مناسكه فله الخيرة في العود إلى مكة، والأفضل العود
لوداع البيت، ودخول الكعبة خصوصا للصرورة.
ومع عوده يستحب الصلاة في زوايا البيت وعلى الرخامة الحمراء
والطواف بالبيت واستلام الأركان والمستجار والشرب من زمزم
والخروج من باب الحناطين والدعاء والسجود مستقبل القبلة والدعاء في
السجود والصدقة بتمر يشتريه بدرهم.
ومن المستحب التحصيب والنزول بالمعرس على طريق المدينة
وصلاة ركعتين به والعزم على العود.
ومن المكروهات: المجاورة بمكة، والحج على الإبل الجلالة ومنع دور
مكة من السكنى، وأن يرفع بناء فوق الكعبة، والطواف للمجاور بمكة
أفضل من الصلاة وللمقيم بالعكس.
واللواحق أربعة:
(الأول) من أحدث ولجأ إلى الحرم لم يقم عليه حد بجنايته ولا
تعزير، ويضيق عليه في المطعم والمشرب ليخرج، ولو أحدث في الحرم
قوبل بما تقتضيه جنايته.
(الثاني) لو ترك الحجاج زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
أجبروا على ذلك، وإن كان ندبا لأنه جفاء.
(الثالث) للمدينة حرم، وحده من عائر إلى وعير، لا يعضد شجره،
ولا بأس بصيده، إلا ما صيد بين الحرتين.
10

(الرابع) يستحب الغسل لدخولها، وزيارة النبي صلى الله عليه وآله
وسلم استحبابا مؤكدا، وزيارة فاطمة عليها السلام في الروضة، والأئمة
عليهم السلام بالبقيع، والصلاة بين المنبر والقبر وهو الروضة، أن يصام
بها الأربعاء ويومان بعده للحاجة، وأن يصلي ليلة الأربعاء عند أسطوانة
أيي لبابة، وليلة الخميس عند الأسطوانة التي تلي مقام الرسول صلى الله
عليه وآله وسلم، والصلاة في المساجد، وإتيان قبور الشهداء خصوصا قبر
حمزة عليه السلام.
(المقصد الثاني) في العمرة:
وهي واجبة في العمر مرة على كل مكلف بالشرائط المعتبرة في
الحج، وقد تجب بالنذر وشبهه، والاستيجار، والافساد، والفوات،
وبدخول مكة عدا من يتكرر والمريض.
وأفعالها ثمانية: النية، والاحرام، والطواف، وركعتاه، والسعي،
وطواف النساء، وركعتاه، والتقصير أو الحلق.
وتصح في جميع أيام السنة وأفضلها رجب، ومن أحرم بها في أشهر
الحج ودخل مكة جاز أن ينوي بها التمتع، ويلزمه الدم.
ويصح الاتباع إذا كان بين العمرتين شهر.
وقيل: عشرة أيام.
وقيل: لا يكون في السنة إلا عمرة واحدة، ولم يقدر علم الهدى
بينهما حدا.
والتمتع بها يجزئ عن المفردة، وتلزم من ليس من حاضري المسجد
الحرام، ولا تصح إلا أشهر الحج، ويتعين فيها التقصير، ولو حلق قبله لزمه
11

شاة، وليس فيها طواف النساء، وإذا دخل مكة متمتعا كره له الخروج
لأنه مرتبط بالحج، ولو خرج وعاد في شهره فلا حرج، وكذا لو أحرم
بالحج وخرج بحيث إذا أزف الوقوف عدل إلى عرفات، ولو خرج لا
كذلك وعاد في غير الشهر جدد عمرة وجوبا ويتمتع بالأخيرة دون
الأولى.
(المقصد الثالث) في اللواحق، وهي ثلاثة:
(الأول) في الاحصار والصد، المصدود من منعه العدو، فإذا تلبس
بالاحرام فصد، نحر هديه وأحل من كل شئ أحرم منه، ويتحقق
الصد مع عدم التمكن من الوصول إلى مكة أو الموقفين بحيث لا طريق غير
موضع الصد، أو كان لكن لا نفقة.
ولا يسقط الحج الواجب مع. الصد، ويسقط المندوب.
وفي وجوب الهدي على المصدود قولان، أشبههما الوجوب، فلا يصح
التحلل إلا بالهدي ونية التحلل.
وهل يسقط الهدي لو شرط حله حيث حبسه؟ فيه قولان، أظهرهما
أنه لا يسقط.
وفائدة الاشتراط جواز التحلل من غير توقع.
وفي إجزاء هدي السياق عن هدي التحلل قولان، أشبههما أنه
يجزئ، والبحث في المعتمر إذا صد عن مكة كالبحث في الحاج.
والمحصر هو الذي يمنعه المرض، وهو يبعث هديه لو لم يكن ساق، ولو
ساق اقتصر على هدي السياق، ولا يحل حتى يبلغ الهدي محله وهي منى
إن كان حاجا، ومكة إن كان معتمرا، فهناك يقصر ويحل إلا من
12

النساء، حتى يحج في القابل إن كان واجبا، أو يطاف عنه للنساء إن
كان ندبا.
ولو بان أن هديه لم يذبح، لم يبطل تحلله، ويذبح في القابل.
وهل يمسك عما يمسك عنه المحرم؟ الوجه: لا.
ولو أحصر فبعث ثم زال العارض التحق، فإن أدرك أحد الموقفين
صح حجه.
وإن كان فاتاه، تحلل بعمرة، ويقضي الحج إن كان واجبا، ولا ندبا
والمعتمر يقضي عمرته عند زوال المنع.
وقيل: في الشهر الداخل.
وقيل: لو أحصر القارن حج في القابل قارنا، وهو على الأفضل إلا
أن يكون القران متعينا بوجه.
وروي استحباب بعث الهدي، والمواعدة لاشعاره وتقليده،
واجتناب ما يجتنبه المحرم وقت المواعدة حتى يبلغ محله، ولا يلبي لكن
يكفر لو أتى بما يكفر له المحرم استحبابا.
(الثاني) في الصيد، وهو الحيوان المحلل الممتنع، ولا يحرم صيد البحر
وهو ما يبيض ويفرخ فيه، ولا الدجاج الحبشي.
ولا بأس بقتل الحية والعقرب والفأرة، ورمي الغراب والحدأة، ولا
كفارة في قتل السباع.
وروي في الأسد كبش إذا لم يرده، وفيها ضعف.
ولا كفارة في قتل الزنبور خطأ، وفي قتله عمدا صدقة بشئ من
طعام.
13

ويجوز شراء القماري والدباسي، وإخراجها من مكة ليذبحها،
وإنما يحرم على المحرم صيد البر، وينقسم قسمين:
الأول: ما لكفارتها بدل على الخصوص، وهو خمسة:
(الأول) النعامة، وفي قتلها بدنة، فإن لم يجد فض ثمن البدنة على
البر وأطعم ستين مسكينا كل مسكين مدين، ولا يلزمه ما زاد عن
ستين، ولا ما زاد عن قيمتها، فإن لم يجد صام عن كل مدين يوما، فإن
عجز صام ثمانية عشر يوما.
(الثاني) في بقرة الوحش، بقرة أهلية، فإن لم يجد أطعم ثلاثين
مسكينا، كل مسكين مدين، ولو كانت قيمة البقرة أقل اقتصر على
قيمتها، فإن لم يجد صام عن كل مسكين يوما، فإن عجز صام تسعة
أيام.
وكذا الحكم في حمار الوحش على الأشهر.
(الثالث) الظبي، وفيه شاة، فإن لم يجد فض ثمن الشاة على البر
وأطعم عشرة مساكين، كل مسكين مدين. ولو قصرت قيمتها اقتصر
عليها، فإن لم يجد صام عن كل مسكين يوما، فإن عجز صام ثلاثة أيام.
والابدال في الأقسام الثلاثة على التخيير، وقيل: على الترتيب وهو
أظهر.
وفي الثعلب والأرنب شاة.
وقيل: البدل فيهما كالظبي.
(الرابع) في بيض النعام، إذا تحرك الفرخ فلكل بيضة بكرة، وإن
لم يحرك أرسل فحولة الإبل في إناث بعدد البيض، فما نتج كان هديا
14

للبيت، فإن عجز فعن كل بيضة شاة، فإن عجز فإطعام عشرة مساكين،
فإن عجز صام ثلاثة أيام.
(الخامس) في بيض القطاة والقبج إذا تحرك الفرخ، من صغار
الغنم.
وفي رواية، عن البيضة مخاض من الغنم.
وإن لم يتحرك أرسل فحولة الغنم في إناث بعدد البيض، فما نتج
كان هديا، ولو عجز كان فيه ما في بيض النعام.
الثاني: ما لا بدل لفديته، وهو خمسة:
الحمام، وهو كل طائر يهدر ويعب الماء.
وقيل: كل مطوق، ويلزم المحرم في قتل الواحدة شاة، وفي فرخها
حمل، وفي بيضها درهم، وعلى المحل فيها درهم، وفي فرخها نصف
درهم، وفي بيضها ربع درهم، ولو كان محرما في الحرم اجتمع عليه
الأمران، ويستوي فيه الأهلي وحمام الحرم، غير أن حمام الحرم يشترى
بقيمته علفا لحمامه.
وفي القطاة حمل قد فطم ورعى الشجر.
وكذا في الدراج وشبههما.
وفي رواية دم.
وفي الضب جدي.
وكذا في القنفذ واليربوع.
وفي العصفور مد من طعام.
وكذا في القنبرة والصعوة.
15

وفي الجراد كف من طعام.
وكذا في القملة يلقيها من جسده.
وكذا قيل في قتل (الشاة)، ولو كان الجراد كثيرا فدم شاة، ولو لم
يمكن التحرز منه فلا إثم ولا كفارة.
ثم أسباب الضمان إما مباشرة، وأما إمساك، وإما تسبيب.
أما المباشرة، فمن قتل صيدا ضمنه، ولو أكله أو شيئا منه لزمه فداء
آخر.
وكذا لو أكل ما ذبح في الحل، ولو ذبحه المحل، ولو أصابه ولم يؤثر فيه
فلا فدية.
وفي يديه كمال القيمة، وكذا في رجليه، وفي قرنيه نصف قيمة.
ولو جرحه أو كسر رجله أو يده ورآه سويا فربع الفداء.
ولو جهل حاله ففداء كامل.
قيل: وكذا لو لم يعلم حاله أثر فيه أم لا.
وقيل في كسر يد الغزال نصف قيمته، وفي يديه كمال القيمة.
وكذا في رجليه، وفي قرنيه نصف قيمته، وفي كل واحدة ربع.
وفي المستند ضعف.
ولو اشترك جماعة في قتله لزم كل واحدة منهم فداء.
ولو ضرب طيرا على الأرض ففتح له لزمه ثلاث قيم.
وقال الشيخ: دم وقيمتان.
ولو شرب لبن. ظبية لزمه دم وقيمة اللبن.
وأما اليد: فإذا أحرم ومعه صيد زال عنه ملكه ووجب إرساله، ولو
16

تلف قبل الارسال في يده ضمنه، ولو كان الصيد نائيا عنه لم يخرج عن
ملكه، ولو أمسكه محرم في الحل وذبحه لزم كلا منهما فداء، ولو كان
أحدهما محلا ضمنه المحرم، وما يصيده المحرم في الحل، لا يحرم على
المحل.
وأما التسبب: فإذا أغلق كل حمام وفراخ وبيض ضمن بالاغلاق،
الحمامة بشاة، والفرخ بحمل، والبيضة بدرهم.
ولو أغلق قبل إحرامه ضمن الحمامة بدرهم، والفرخ بنصف،
والبيضة بربع.
وشرط الشيخ مع الاغلاق الهلاك.
وقيل: إذا نفر حمام الحرم ولم يعد فعن كل طير شاة.
ولو عاد فعن الجميع شاة.
ولو رمى اثنان فأصاب أحدهما ضمن كل واحد منهما فداء.
ولو أوقد جماعة نارا فاحترق فيها حمامة أو شبهها لزمهم فداء، ولو
قصدوا ذلك لزم كل واحد فداء.
ولو دل على صيد، أو أغرى كلبه فقتل، ضمنه.
ومن أحكام الصيد مسائل:
(الأولى) ما يلزم المحرم في الحل، والمحل في الحرم، يجتمعان على
المحرم في الحرم ما لم يبلغ بدنة.
(الثانية) يضمن الصيد بقتله عمدا أو سهوا أو جهلا، وإذا تكرر خطأ
دائما ضمن.
ولو تكرر عمدا، ففي ضمانه في الثانية روايتان، أشهرهما أنه لا يضمن.
17

(الثالثة) لو اشترى محل بيض نعام لمحرم فأكله المحرم ضمن كل
بيضة بشاة، وضمن المحل عن كل بيضة درهما.
(الرابعة) لا يملك المحرم صيدا معه، ويملك ما ليس معه.
(الخامسة) لو اضطر إلى أكل صيد وميتة، فيه روايتان، أشهرهما
يأكل الصيد ويفديه.
وقيل: إن لم يمكنه الفداء أكل الميتة.
(السادسة) إذا كان الصيد مملوكا ففداؤه للمالك، ولو لم يكن مملوكا
تصدق به، وحمام الحرم يشترى بقيمته علفا لحمامه.
(السابعة) ما يلزم المحرم يذبحه أو ينحره بمنى، ولو كان معتمرا
فبمكة.
(الثامنة) من أصاب صيدا فداؤه شاة، وإن لم يجد أطعم عشرة
مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام في الحج.
ويلحق بهذا الباب:
صيد الحرم، وهو بريد في بريد، من قتل فيه صيدا ضمنه ولو كان
محلا.
وهل يحرم وهو يؤم الحرم؟ الأشهر الكراهية.
ولو أصابه فدخل الحرم ومات لم يضمن على أشهر الروايتين.
ويكره الصيد بين البريد والحرم.
ويستحب الصدقة بشئ لو كسر قرنه أو فقأ عينه.
والصيد المربوط في الحل يحرم إخراجه لو دخل الحرم، ويضمن
المحل لو رمى الصيد من الحرم فقتله في الحل.
18

وكذا لو رماه من الحل فقتله في الحرم.
ولو كان الصيد على غصن في الحل وأصله في الحرم ضمنه القاتل.
ومن أدخل الحرم صيدا وجب عليه إرساله، ولو تلف في يده ضمنه.
وكذا لو أخرجه فتلف قبل الارسال.
ولو كان طائرا مقصوصا حفظه حتى يكمل ريشه ثم أرسله.
وفي تحريم حمام الحرم في الحل تردد، أشبهه الكراهية.
ومن نتف ريشة من حمام الحرم فعليه صدقة يسلمها بتلك اليد.
وما يذبح من الصيد في الحرم ميتة، ولا بأس بما يذبح المحل في
الحل.
وهل يملك المحل صيدا في الحرم؟ الأشبه أنه يملك، ويجب إرسال ما
يكون معه.
(الثالث) في باقي المحظورات: وهي تسعة:
الاستمتاع بالنساء، فمن جامع أهله قبل أحد الموقفين، قبلا أو دبرا،
عامدا عالما بالتحريم أتم حجه ولزمه بدنة والحج من قابل فرضا كان
حجه أو نفلا.
وهل الثانية عقوبة؟ قيل: نعم، والأولى فرضه، وقيل: الأولى
فاسدة والثانية فرضه، والأول هو المروي.
ولو أكرهها وهي محرمة حمل عنها الكفارة ولا حج عليها في القابل،
ولو طاوعته لزمها ما يلزمه، ولم يتحمل عنها كفارة، وعليهما الافتراق إذا
وصلا موضع الخطيئة حتى يقضيا المناسك، ومعناه ألا يخلو إلا مع
ثالث، ولو كان ذلك بعد الوقوف بالمشعر لم يلزمه الحج من قابل وجبره ببدنة.
19

ولو استمنى بيده لزمته البدنة حسب.
وفي رواية: والحج من قابل.
ولو جامع أمته المحرمة بإذنه محلا لزمه بدنة أو بقرة أو شاة، ولو كان
معسرا فشاة أو صيام ثلاثة أيام.
ولو جامع قبل طواف الزيارة لزمه بدنة، فإن عجز فبقرة أو شاة.
ولو طاف من طواف النساء خمسة أشواط ثم واقع لم تلزمه الكفارة
وأتم طوافه.
وقيل: يكفي في البناء مجاوزة النصف.
ولو عقد المحرم لمحرم على امرأة ودخل، فعلى كل واحد منهما كفارة.
وكذا لو كان العاقد محلا على رواية سماعة.
ومن جامع في إحرام العمرة. قبل السعي فعليه بدنة وقضاء العمرة.
ولو أمنى بنظره إلى غير أهله فبدنة إن كان موسرا، وبقرة إن كان
متوسطا، أو شاة إن كان معسرا.
ولو نظر إلى أهله لم يلزمه شئ إلا أن ينظر إليها بشهوة فيمني فعليه
بدنة.
ولو مسها بشهوة فشاة، أمنى أو لم يمن.
ولو قبلها بشهوة كان عليه جزور.
وكذا لو أمنى عن ملاعبة.
ولو كان عن تسمع على مجامع، أو استماع إلى كلام امرأة من غير
نظر، لم يلزمه شئ.
والطيب: يلزم باستعماله شاة، صبغا، وإطلاء، وبخورا، وفي الطعام،
20

ولا بأس بخلوق الكعبة وإن مازجه الزعفران.
والقلم: وفي كل ظفر مد من طعام.
وفي يديه ورجليه شاة إذا كانا في مجلس واحد، ولو كل واحد منهما
في مجلس فدمان، ولو أفتاه بالقلم فأدمى ظفره فعلى المفتي شاة.
والمخيط: يلزم به دم، ولو اضطر جاز، ولو لبس عدة في مكان.
وحلق الشعر وفيه شاة أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين مدان، أو
عشرة لكل مسكين مد، أو صيام ثلاثة أيام مختارا أو مضطرا.
وفي نتف الإبطين شاة. وفي أحدهما إطعام ثلاثة مساكين، ولو مس
لحيته أو رأسه وسقط من رأسه شعر تصدق بكف من طعام، ولو كان
بسبب الوضوء للصلاة فلا كفارة.
والتظليل: فيه سائرا شاة.
وكذا في تغطية الرأس ولو بالطين أو الارتماس أو حمل ما يستره.
والجدال: ولا كفارة فيما دون الثلاث صادقا، وفي الثلاث شاة.
وفي المرة كذبا شاة وفي المرتين بقرة، وفي الثلاث بدنة.
وقيل: في دهن للتطييب شاة.
وكذا قيل في قلع الضرس.
مسائل ثلاث
(الأولى) في قلع الشجر من الحرم، الإثم عدا ما استثنى، سواء كان
أصلها في الحرم أو فرعها.
وقيل: فيها بقرة.
21

وقيل: في الصغيرة شاة، وفي الكبيرة بقرة.
(الثانية) لو تكرر الوطئ تكررت الكفارة، ولو كرر اللبس، فإن
اتحد اللبس لم تتكرر.
وكذا لو كرر الطيب، ويتكرر مع اختلاف المجلس.
(الثالثة) إذا أكل المحرم أو لبس ما يحرم عليه لزمه دم شاة، وتسقط
الكفارة عن الناسي والجاهل إلا في الصيد.
22

كتاب الجهاد
والنظر في أمور ثلاثة:
(الأول) من يجب عليه:
وهو فرض على كل من استكمل شروطا ثمانية: البلوغ، والعقل،
والحرية، والذكورة، وألا يكون هما، ولا مقعدا، ولا أعمى، ولا مريضا
يعجز عنه.
وإنما يجب مع وجود الإمام العادل، أو من نصبه لذلك، ودعائه
إليه، ولا يجوز مع الجائر إلا أن يدهم المسلمين من يخشى منه على بيضة
الاسلام أو يكون بين قوم ويغشاهم عدو فيقصد الدفع من نفسه في
الحالين لا معاونة الجائر.
ومن عجز بنفسه وقدر على الاستنابة وجبت، وعليه القيام بما يحتاج
إليه النائب، ولو استناب مع القدرة جاز أيضا.
والمرابطة: إرصاد لحفظ الثغر، وهي مستحبة، ولو كان الإمام
مفقودا، لأنها لا تتضمن جهادا، بل حفظا وإعلاما، ولو عجز جاز أن
يربط فرسه هناك.
23

ولو نذر المرابطة وجبت مع وجود الإمام وفقده.
وكذا لو نذر أن يصرف شيئا إلى المرابطة وإن لم ينذره ظاهرا ولم
يخف الشنعة، ولا يجوز صرف ذلك في غيرها من وجوه البر على الأشبه.
وكذا لو أخذ من غيره شيئا ليرابط به لم يجب عليه إعادته وإن
وجده، وجاز له المرابطة أو وجبت.
(النظر الثاني) فيمن يجب جهادهم:
وهم ثلاثة:
(الأول) البغاة: يجب قتال من خرج على إمام عادل إذا دعا إليه
هو أو من نصبه، والتأخر عنه كبيرة، ويسقط بقيام من فيه غنى ما
لم يستنهضه الإمام على التعيين، والفرار منه في حربهم كالفرار في حرب
المشركين.
ويجب مصابرتهم حتى يفيئوا أو يقتلوا، ومن كان له فئة أجهز على
جريحهم وتبع مدبرهم، وقتل أسيرهم، ومن لا فئة اقتصر على تفريقهم،
ولا يذفف على جريحهم ولا يتبع مدبرهم ولا يقتل أسيرهم ولا يسترق
ذريتهم ولا نساءهم.
ولا تؤخذ أموالهم التي ليست في العسكر، وهل يؤخذ ما حواه
العسكر مما ينقل؟ فيه قولان، أظهرهما الجواز.
وتقسم كما تقسم أموال الحرب.
(الثاني) أهل الكتاب: والبحث فيمن تؤخذ الجزية منه وكميتها
وشرائط الذمة.
وهي تؤخذ من اليهود والنصارى، وممن له شبهة كتاب، وهم
24

المجوس، ويقاتل هؤلاء كما يقاتل أهل الحرب حتى ينقادوا لشرائط
الذمة، فهناك يقرون على معتقدهم.
ولا تؤخذ الجزية من الصبيان والمجانين والنساء والبله والهم على
الأظهر.
ومن بلغ منهم، أمر بالاسلام أو التزام الشرائط، فإن امتنع صار
حربيا.
والأولى أن لا يقدر الجزية فإنه أنسب بالصغار، وكان علي عليه
السلام يأخذ من الغني ثمانية وأربعين درهما، ومن المتوسط أربعة
وعشرين، ومن الفقير اثني عشر درهما، لاقتضاء المصلحة، لا توظيفا
لازما.
ويجوز وضع الجزية كل الرؤوس أو الأرض.
وفي جواز الجمع قولان، أشبههما الجواز.
وإذا أسلم الذمي قبل الحول سقطت الجزية، ولو كان بعده وقبل
الأداء فقولان، أشبههما السقوط.
وتؤخذ من تركته، لو مات بعد الحول ذميا.
أما الشروط فخمسة: قبول الجزية، وألا يؤذوا المسلمين، كالزنا
بنسائهم أو السرقة لأموالهم.
وأن لا يتظاهروا بالمحرمات كشرب الخمر، والزنا، ونكاح المحارم،
وأن لا يحدثوا كنيسة ولا يضربوا ناقوسا، وأن يجرى عليهم أحكام
الاسلام.
ويلحق بذلك: البحث في الكنائس والمساجد والمساكن.
25

فلا يجوز استئناف البيع والكنائس في بلاد الاسلام، وتزال
لو استجدت، ولا بأس بما كان عاديا قبل الفتح، وبما أحدثوه في أرض
الصلح، ويجوز رمتها.
ولا يعلو الذمي بنيانه فوق المسلم، ويقر ما ابتاعه من مسلم على
حاله، ولو انهدم لم يعل به.
ولا يجوز لأحدهم دخول المسجد الحرام ولا غيره، ولو أذن له
المسلم.
مسألتان
الأولى: يجوز أخذ الجزية من أثمان المحرمات كالخمر.
الثانية: يستحق الجزية من قام مقام المهاجرين في الذب عن
الاسلام من المسلمين.
(الثالث) من ليس لهم كتاب: ويبدأ بقتال من يليه إلا مع
اختصاص الأبعد بالخطر، ولا يبدأون إلا بعد الدعوة إلى الاسلام، فإن
امتنعوا حل جهادهم، ويختص بدعائهم الإمام، أو من يأمره، وتسقط
الدعوة عمن قوبل بها وعرفها، فإن اقتضت المصلحة المهادنة جازت،
لكن لا يتولاها إلا الإمام أو من يأذن له.
ويذم الواحد من المسلمين للواحد، ويمضي ذمامه عك الجماعة ولو
كان أدونهم، ومن دخل بشبهة الأمان فهو آمن حتى يرد إلى مأمنه.
لو استذم فقيل: لا نذم، فظن أنهم أذنوا فدخل وجب إعادته إلى
مأمنه نظرا في الشبهة.
26

ولا يجوز الفرار إذا كان العدو على الضعف أو أقل، إلا لمتحرف أو
متحيز إلى فئة ولو غلب على الظن العطب على الأظهر، ولو كان أكثر
جاز.
ويجوز المحاربة بكل ما يرجى به الفتح كهدم الحصون، ورمي
المناجيق، ولا يضمن ما يتلف بذلك المسلمين بينهم.
ويكره بإلقاء النار.
ويحرم بالقاء السم.
وقيل: يكره.
ولو تترسوا بالصبيان والمجانين أو النساء ولم يمكن الفتح إلا بقتلهم
جاز.
وكذا لو تترسوا بالأسارى من المسلمين فلا دية.
وفي الكفارة قولان، ولا تقتل نساؤهم ولو عاون، إلا مع الاضطرار.
ويحرم التمثيل بأهل الحرب والغدر والغلول منهم.
ويقاتل في أشهر الحرم من لا يرى لها حرمة، ويكف عمن يرى
حرمتها.
ويكره القتال قبل الزوال، والتبييت، وأن تعرقب الدابة، والمبارزة
بين الصفين بغير إذن الإمام.
(النظر الثالث) في التوابع:
وهي أربعة:
(الأول) في قسمة الفئ: يجب إخراج ما شرطه الإمام أولا كالجعائل، ثم
بما تحتاج إليه الغنيمة كأجرة الحافظ والراعي، وبما يرضخ لمن لا قسمة
27

له كالنساء والكفار والعبيد، ثم يخرج الخمس، ويقسم الباقي بين
المقاتلة ومن حضر القتال وإن لم يقاتل حتى الطفل، ولو ولد بعد الحيازة
قبل القسمة. وكذا من يلتحق بهم من المدد.
للراجل سهم، وللفارس سهمان.
وقيل: للفارس ثلاثة.
ولو كان معه أفراس أسهم للفرسين دون ما زاد.
وكذا يقسم لو قاتلوا في السفن وإن استغنوا عن الخيل، ولا سهم لغير
الخيل، ويكون راكبها في الغنيمة كالراجل.
والاعتبار بكونه فارسا عند الحيازة لا بدخول المعركة.
والجيش يشارك سريته ولا يشاركها عسكر البلد.
وصالح النبي صلى الله عليه وآله الأعراب عن ترك المهاجرة بأن
يساعدوا إذا استنفر بهم ولا نصيب لهم في الغنيمة.
ولو غنم المشركون أموال المسلمين وذرار يهم ثم ارتجعوها لم تدخل في
الغنيمة.
ولو عرفت بعد القسمة فقولان، أشبههما ردها على المالك.
ويرجع الغانم على الإمام عليه السلام بقيمتها مع التفرق، وإلى فعلى
الغنيمة.
(الثاني) في الأسارى: والإناث منهم والأطفال يسترقون ولا يقتلون، ولو
اشتبه الطفل بالبالغ، اعتبر بالانبات.
والذكور البالغون يقتلون حتما، إن أخذوا والحرب قائمة ما لم
يسلموا، والإمام مخير بين ضرب أعناقهم وقطع أيديهم وأرجلهم من
28

خلاف وتركهم لينزفوا.
وإن أخذوا بعد انقضائها لم يقتلوا، وكان الإمام مخيرا بين المن
والفداء والاسترقاق، ولا يسقط هذا الحكم لو أسلموا.
ولا يقتل الأسير لو عجز عن المشي ولا يعد الذمام له.
ويكره أن يصبر على القتل.
ولا يجوز دفن الحربي.
ويجب دفن المسلم.
ولو اشتبهوا قيل: يوارى من كان كميشا كما أمر النبي صلى الله
عليه وآله في قتلي بدر.
وحكم الطفل حكم أبويه، فإن أسلما أو أسلم أحدهما لحق بحكمه.
ولو أسلم حربي في دار الحرب حقن دمه وماله مما ينقل دون
العقارات والأرضين ولحق به ولده الأصاغر.
ولو أسلم عبد في دار الحرب قبل مولاه ملك نفسه.
وفي اشتراط خروجه تردد، المروي: أنه يشترط.
(الثالث) في أحكام الأرضين: وكل أرض فتحت عنوة وكانت محياة
فهي للمسلمين كافة، والغانمون في الجملة لاتباع ولا توقف ولا توهب
ولا تملك على الخصوص، والنظر فيها إلى الإمام، يصرف حاصلها في
المصالح.
وما كان مواتا وقت الفتح فهو للإمام لا يتصرف فيه إلا بإذنه.
وكل أرض فتحت صلحا على أن الأرض لأهلها، والجزية فيها،
فهي لأربابها ولهم التصرف فيها، ولو باعها المالك صح، وانتقل ما كان
29

عليها من الجزية إلى ذمة البائع، ولو أسلم سقط ما على أرضه أيضا، لأنه
جزية، ولو شرطت الأرض للمسلمين كانت كالمفتوحة عنوة، والجزية
على رقابهم.
وكل أرض أسلم أهلها طوعا فهي لهم، وليس عليهم سوى الزكاة في
حاصلها، مما تجب فيه الزكاة.
وكل أرض ترك أهلها عمارتها فللإمام تسليمها إلى من يعمرها،
وعليه طسقها لأربابها.
وكل أرض موات سبق إليها سابق فأحياها فهو أحق بها، وإن كان
لها مالك فعليه طسقها له.
30

تتمة
كتاب الحج
32

بسم الله الرحمن الرحيم
(وسننها) أمور:
(الوقوف عند الحجر) الأسود، كما في الخبر: إذا
دخلت المسجد الحرام فامش حتى تدنو من الحجر الأسود فتستقبله، وتقول:
الحمد لله، الحديث (1).
(والدعاء) بعد الحمد والصلاة رافعا يديه، كما في الصحيح: إذا
دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك واحمد الله واثن عليه وصل على النبي،
واسأل الله تعالى أن يتقبل منك، ثم استلم الحجر وقبله، فإن لم تستطع أن
تقبله فاستلمه بيدك.
فإن لم تستطع أن تستلمه بيدك فأشر إليه، وقل: اللهم أمانتي أديتها
وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة، اللهم تصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، آمنت
بالله، وكفرت بالجبت والطاغوت، وباللات والعزى، وعبادة الشيطان،
وعبادة كل ند يدعى من دون الله.
فإن لم تستطع أن تقول هذا كله فبعضه، وقل: اللهم إليك بسطت
يدي، وفيما عندك عظمت رغبتي، فاقبل سبحتي واغفر لي وارحمني، اللهم
إني أعوذ بك من الكفر، ومواقف الخزي في الدنيا والآخرة (2).
وفي الخبر السابق بعد ما مر: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي

(1) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب الطواف ح 3 ج 9 ص 401.
() وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 400 وفيه (فاقبل مستي) وفي نسخة بدل
(مسبحتي).
33

لولا أن هدانا الله سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، الله
أكبر من خلقه وأكبر مما أخشى وأحذر، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له،
له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت ويميت ويحيي، بيده الخير، وهو على
كل شئ قدير، وتصلي على النبي وتسلم على المرسلين، كما فعلت حين
دخلت المسجد (1).
قيل: وزاد الحلبيان بعد شهادة الرسالة: وأن الأئمة من ذريته، وليسميهم
حججه في أرضه وشهداء على عباده صلى الله عليه وعليهم (2). ولا بأس به.
(واستلامه)، قبل الطواف، كما في الصحيح المتقدم وغيره.
وفيه - كما في الخبر كنت أطوف مع أبي وكان إذا انتهى إلى الحجر
مسحه بيده وقبله (3).
وظاهر الحسن أو الصحيح: كان رسول الله - صلى الله عليه وآله -
يستلمه في كل طواف فريضة ونافلة (4). وأخبار مطلقة كثيرة جدا.
قيل: بل في كل شوط، كما في الاقتصاد والجمل والعقود والوسيلة
والمهذب والغنية والجامع والمنتهى والتذكرة، وفي الفقيه والهداية يحتملان
الوجوب، وذلك لثبوت أصل الرجحان بلا مخصص، قال الصدوق في
الكتابين: إن لم تقدر فافتح به واختم به.
قلت: يوافقه الخبر: كنا نقول: لا بد أن يستفتح بالحجر ويختم به، فأما
اليوم فقد كثر الناس. وما في قرب الإسناد للحميري من خبر سعدان بن

(1) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب الطواف ح 3 ج 9 ص 401.
(2) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج ج 1 ص 341 س 20.
(3) الكافي: كتاب الحج باب الطواف واستلام الحجر ح 10 ج 4 ص 408 وفيه (كنت أطوف مع
أبي عبد الله - عليه السلام -).
(4) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الطواف ح 2 ج 9 ص 402.
34

مسلم قال: رأيت أبا الحسن موسى - عليه السلام - استلم الحجر، ثم طاف
حتى إذا كان أسبوع التزم وسط البيت، وترك الملتزم الذي يلتزمه
أصحابنا، وبسط يده على الكعبة ثم مكث ما شاء الله، ثم مضى إلى
الحجر فاستلمه، وصلى ركعتين خلف مقام إبراهيم - عليه السلام -، ثم عاد
إلى الحجر واستلمه، ثم مضى حتى إذا بلغ الملتزم في آخر أسبوع التزم وسط
البيت، وبسط يده، ثم استلم الحجر، ثم صلى ركعتين خلف مقام
إبراهيم - عليه السلام -، ثم عاد إلى الحجر واستلم ما بين الحجر إلى الباب.
واستلام الحجر - كما في العين وغيره - تناوله باليد أو القبلة، قال
الجوهري: ولا يهمز، لأنه مأخوذ من السلام، وهو الحجر، كما تقول:
استنوق الجمل، وبعضهم يهمزه، وقال الزمخشري ونظيره: استهم القوم إذا
جالوا السهام، واهتجم الحالب إذا حلب في الهجم، وهو القدح الضخم.
قلت: وأقرب من ذلك اكتحلت وادهنت إذا تناول الكحل والدهن
وأصاب منهما.
وكان التمسح بالوجه والصدر والبطن وغيرها أيضا استلام، كما يعطيه
كلام الفاضل في القواعد.
وفي الخلاصة: أنه التقبيل، قال ابن سيده: استلم الحجر واستلامه قبله
واعتنقه، وليس أصله الهمزة، وقال ابن السكيت: همزته العرب على غير
قياس، لأنه من السلام، وهي الحجارة.
وفي السرائر والتحرير والتذكرة والمنتهى عن تغلب: أنه بالهمزة من
اللامة أي الدرع، بمعنى اتخاذه جنة وسلاحا، وقال ابن الأعرابي: إن
الأصل الهمز، وأنه من الملامة، أي الاجتماع
وقال الأزهري: إنه افتعال من السلام، وهو التحية، واستلامه لمسه
باليد تحريا لقبول السلام منه تبركا به، قال: وهذا كما يقال اقترأت منه
35

السلام، قال: وقد أملي على أعرابي كتابا إلى بعض أهاليه، فقال في
آخره: اقترئ مني السلام، قال: ومما يدل على صحة هذا القول أن أهل
اليمن يسمون الركن الأسود المحيي معناه أن الناس يحيونه بالسلام (1) انتهى.
وفي المنتهى (2) والتذكرة (3): أنه مأخوذ من السلام، يعني أنه يحيي نفسه
عن الحجر، إذ ليس الحجر ممن يحييه، كما يقال: اختدم إذا لم يكن له
خادم، وإنما خدم نفسه.
وفي الصحيح: عن استلام الركن؟ قال: استلامه أن تلصق بطنك،
والمسح أن تمسحه بيدك (4).
وهو يحتمل الهمز من الالتلام المنبئ عن الاعتناق، أو التلبس به
كالتلبس باللامة.
ثم الركن غير الحجر وإن كان يطلق عليه توسعا. ويحتمل ركنه وغيره.
واستحب الفاضل في القواعد (5) - وفاقا للمبسوط (6) والخلاف (7) -
استلامه. ببدنه أجمع، لأن أصله مشروع للتبرك والتحبب.
فالتعميم أولى، لكن لما يناسب التعظيم والتبرك والتحبب، وهو المراد
بالجميع، أو المراد به الاعتناق والالتزام، فهو تناول له بجميع البدن وتلبس
والتئام به.

(1) القائل هو الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في الطواف ودخول المسجد الحرام ج 1
ص 341 س 22.
(2) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 694 س 15.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 363 س 29.
(4) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الطواف ح 2 ج 9 ص 408.
(5) قواعد الأحكام: كتاب الحج ج 1 ص 83 س 20.
(6) المبسوط: كتاب الحج في دخول مكة والطواف بالبيت ج 1 ص 356.
(7) الخلاف: كتاب الحج م 124 ج 2 ص 320.
36

(و) يستحب (تقبيله) بخصوصه وإن دخل في الاستلام، للنصوص
بالخصوص (1).
قيل: ولم يذكر الحلبي سواه، وأوجبه سلار، ولعله لأن الأخبار بين أمر
به أو بالاستلام، ومقيد لتركه بالعذر، وأمر للمعذور بالاستلام باليد أو
بالإشارة أو الايماء، ولا يعارض ذلك أصل البراءة (2).
أقول: سيما إذا اعتضد بالمعتبرة الناصة باستثناء المرأة، وأنه ليس عليها
استلام (3)، فإنها كالصريحة في الوجوب على الرجل.
لكن يضعفها وسائر ما ورد الأمر فيه بالاستلام كونه أعم من التقبيل،
ولا قائل بوجوبه.
وخلوها أجمع عن الأمر بالتقبيل ربما كان قرينة على كون الأمر به حيثما
ورد للاستحباب، سيما مع اقترانه في مواضع بكثير من الأوامر التي هي له
باجماع الأصحاب.
هذا مع أن الظاهر انعقاد الاجماع على الاستحباب، كما صرح به في
المنتهى (4).
ولا يضر خروج الديلمي (5)، لمعروفية نسبه، فيكون شاذا، ولكن
مراعاته أحوط وأولى.
ثم في القواعد (6): فإن تعذر - يعني الاستلام - بجميع البدن فبعضه، أي

(1) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الطواف أحاديث الباب ج 9 ص 402 - 406.
(2) قال الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في الطواف ودخول المسجد الحرام ج 1 ص 341 س 36
(3) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الطواف أحاديث الباب ج 9 ص 412 - 413.
(4) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 693 س 36.
(5) المراسم: كتاب الحج ص 110.
(6) قواعد الأحكام: كتاب الحج ج 1 ص 83 س 21.
37

بما تيسر منه. وقيل كما في المبسوط والخلاف، وفيه الاجماع عليه، وأن
الشافعي لم يجتزئ به.
ثم فيه: فإن تعذر فبيده (1). قيل كما في الصحيح وغيره، وفي الفقيه
والمقنع والمقنعة والاقتصاد والكافي والجامع والتحرير والتذكرة والمنتهى
والدروس: أنه يقبل يده.
ويؤيده أنه المناسب للتبرك والتعظيم والتحبب، وأنه روي أن النبي
- صلى الله عليه وآله - كان يستلم الحجر وقبل الحجر (2).
(فإن لم يقدر)، من الاستلام باليد (أشار) إلى الحجر (بيده)
قيل كما نص عليه الأصحاب والخبر: عن الحجر ومقابلة الناس عليه؟
فقال: إذا كان كذلك فأوم إليه إيماء بيدك، وفي الفقيه والمقنع والجامع:
ويقبل اليد (3).
(ولو كانت) اليد (مقطوعة ف‍) ليستلم (بموضع القطع) كما في
الخبر: أن عليا - عليه السلام - سئل كيف يستلم الأقطع؟ قال: قال: يستلم
الحجر من حيث القطع، فإن كانت مقطوع من المرفق استلم الحجر
بشماله (4).
(ولو لم يكن له يد) أصلا (أشار إليه بوجهه، كما في القواعد (5).
قيل: ونص عليه المحقق، ويشمله إطلاق الأكثر، والصحيح: فإن لم تستطع
أن تستلمه بيدك فأشر إليه، بل والصحيح: إن وجدته خاليا، وإلا فسلم

(1) قاله الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج في الطواف ودخول المسجد الحرام ج 1
ص 341 س 38 - 39.
(2) قاله الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج في الطواف ودخول المسجد الحرام ج 1
ص 341 س 38 - 39.
(3) قاله الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 342 س 1.
(4) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 422.
(5) قواعد الأحكام: كتاب الحج ج 1 ص 83 س 21.
38

من بعيد (1).
(وأن يقتصد في مشيه) بأن لا يسرع ولا يبطئ مطلقا، وفاقا
للقديمين (2) والشيخ في النهاية (3) والحلي (4) وغيرهم.
وبالجملة: الأكثر على الظاهر المصرح به في كلام جمع (5)، للنصوص.
منها: عن الطواف أسرع وأكثر أو أمشي وأبطئ؟ فقال: مشي بين
المشيين (6). وقريب منه ما سيأتي.
خلافا للشيخ في المبسوط فقال: يرمل ثلاثا ويمشي أربعا في طواف
القدوم خاصة (7)، وتبعه الفاضل في التحرير (8) والارشاد (9)، وابن حمزة
فاستحب الرمل في الثلاثة الأشواط الأول والمشي في الباقي بين السرع
والابطاء، وخاصة في طواف الزيارة (10)
وحجتهما غير واضحة، عدا ما في المبسوط من قوله: اقتداء بالنبي، لأنه
كذلك فعل، رواه جعفر بن محمد عن جابر (11).
وفيه: أولا: أن الرواية مرسلة غير مستندة.

(1) قاله الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 342 س 2.
(2) نقله عنهما الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 342 س 9.
(3) النهاية ونكتها: كتاب الحج في طواف البيت ج 1 ص 503.
(4) السرائر: كتاب الحج باب دخول مكة والطواف بالبيت ج 1 ص 572.
(5) كالسيد السند في المدارك: كتاب الحج في مندوبات الطواف ج 8 ص 161، والمحدث البحراني
في الحدائق: كتاب الحج في آداب الطواف ج 16 ص 125.
(6) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب الطواف ح 4 ج 9 ص 428.
(7) المبسوط: كتاب الحج في آداب دخول مكة والطواف بالبيت ج 1 ص 356.
(8) تحرير الأحكام: كتاب الحج في أحكام الطواف ج 1 ص 98 س 28.
(9) إرشاد الأذهان: كتاب الحج ج 1 ص 325.
(10) الوسيلة: كتاب الحج فصل في دخول مكة والطواف ص 172.
(11) المبسوط: كتاب الحج في آداب دخول مكة والطواف في البيت ج 1 ص 356.
39

وثانيا: إن الذي يظهر من جملة من الروايات أن فعله - صلى الله عليه
وآله ذلك، وكذلك أصحابه كان لمصلحة سنحت لهم يومئذ، ولذا أنهم
- عليهم السلام - بعد نقلهم ذلك عنه - صلى الله عليه وآله - أظهروا له الخالفة.
فمنها مروي الصدوق في العلل: عن الطواف أيرمل فيه الرجل؟ فقال:
أن رسول الله - صلى الله عليه وآله - لما أن قدم مكة وكان بينه وبين
المشركين الكتاب الذي قد علمهم أمر الناس أن يتجلدوا، وقال: أخرجوا
أعضادكم وأخرج رسول الله - صلى الله عليه وآله -، ثم رمل بالبيت ليريهم
أنه لم يصبهم جهده، فمن أجل ذلك يرمل الناس وإني لامشي مشيا، وكان
علي بن الحسين - عليه السلام - يمشي مشيا (1).
ونحوه مرويه الآخر صحيحا في الكتاب المسطور (2)، غير أنه لم يتضمن
لنقل فعله، ولا فعل علي بن الحسين - عليه السلام -.
وهما صريحان في أن فعله - صلى الله عليه وآله - في خصوص ذلك اليوم
كان لاظهار التجلد والقوة لمشركي قريش.
والمفهوم من الخبر الأول أن العامة اتخذوا ذلك سنة على الاطلاق
بسبب هذه القضية، وأنهم - عليهم السلام - كانوا يمشون مشيا، وهو ظاهر في
قصر الرمل على ذلك اليوم، للغرض المشار إليه. ومع ذلك فلا تخصيص فيه
بالثلاثة الأول.
ويؤكد ذلك - وإن دل على تخصيص الرمل بالثلاث الأول - ما رواه أحمد
بن محمد بن عيسى في نوادره عن أبيه قال: سئل ابن عباس فقيل له: إن
قوما يروون أن رسول الله - صلى الله عليه وآله - أمر بالرمل حول الكعبة؟

(1) علل الشرائع: ب 152 علة الرمل بالبيت ح 1 ج 2 ص 412 وفيه (قد علمتم...، لم يصبهم
جهد).
(2) علل الشرائع: ب 152 علة الرمل بالبيت ح 2 ج 2 ص 412.
40

فقال: كذبوا وصدقوا، فقلت: وكيف ذلك؟ فقال: إن رسول الله - صلى
الله عليه وآله - دخل مكة في عمرة القضاء وأهلها مشركون فبلغهم أن
أصحاب محمد - صلى الله عليه وآله - مجهودون، فقال رسول الله - صلى الله
عليه وآله -: رحم الله امرء أراهم من نفسه جلدا، فأمرهم فحسروا عن
أعضادهم، ورملوا بالبيت ثلاثة أشواط، ورسول الله - صلى الله. عليه وآله
على ناقته، وعبد الله بن رواحة أخذ بزمامها، والمشركون بحيال الميزاب
ينظرون إليهم، ثم حج رسول الله - صلى الله عليه وآله - بعد ذلك، فلم
يرمل ولم يأمرهم بذلك، فصدقوا في ذلك، وكذبوا في هذا.
وعن أبيه عن جده عن أبيه قال: رأيت علي بن الحسين - عليه السلام -
يمشي ولا يرمل (1).
ومما ذكر يظهر أن الرمل مذهب العامة، وبه صرح العماني (2) من
قدماء الطائفة.
ولا يجب شئ من الطريقين بغير خلاف ظاهر مصرح به في بعض
العبائر، للأصل، والنص: عن المسرع والمبطي في الطواف؟ فقال: كل
واسع ما لم يؤذ أحدا (3).
(و) أن (يذكر الله سبحانه) ويدعوه بالمأثور وغيره. ويقرأ القرآن
(في) حال (طوافه) كل ذلك للنصوص بالعموم والخصوص.
وفي المرسل كالصحيح: ما من طائف يطوف بهذا البيت حين تزول
الشمس، حاسرا عن رأسه، حافيا، يقارب خطاه، ويغض بصره،

(1) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب الطواف ح 5 و 6 ج 9 ص 429.
(2) نقله عنه العلامة في المختلف: كتاب الحج في الطواف ج 1 ص 288 س 20.
(3) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 428.
41

ويستلم الحجر الأسود في كل طواف، من غير أن يؤذي أحدا، فلا يقطع
ذكر الله تعالى عن لسانه، إلا كتب الله له بكل خطوة سبعين ألف
حسنة، ومحى عنه سبعين ألف سيئة، ورفع له سبعين ألف درجة، واعتق
عنه سبعين ألف رقبة، ثمن كل رقبة عشرة آلاف درهم، وشفع في سبعين
من أهل بيته، وقضيت له سبعون ألف حاجة، إن شاء فعاجلة، وإن شاء
فآجلة (1).
وفي الخبر: دخلت الطواف فلم يفتح لي شئ من الدعاء إلا الصلاة
على محمد وال محمد - صلى الله عليه وآله - وسعيت فكان ذلك فقال - صلى
الله عليه وآله -: ما أعطي أحد ممن سأل أفضل مما أعطيت (2).
وفي ثالث: القراءة وأنا أطوف أفضل أو أذكر الله تبارك وتعالى؟ قال:
القراءة أفضل (3).
قيل: والقراءة مكروهة عند مالك (4).
(و) أن (يلتزم المستجار وهو بحذاء الباب من وراء الكعبة)
دون الركن اليماني بقليل.
قيل: وقد يطلق على الباب، كما في الصحيح: إذا فرغت من طوافك
وبلغت مؤخر الكعبة - وهو بحذاء المستجار دون الركن اليماني - فابسط يديك،
الخبر (5).
(ويبسط يديه وخده على حائطه، ويلصق بطنه، ويذكر

(1) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 395.
(2) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 417.
(3) وسائل الشيعة: ب ه ه من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 465.
(4) القائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في الطواف ج 1 ص 342 س 7.
(5) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الطواف ح 4 ج 9 ص 424، والقائل هو صاحب كشف
اللثام: كتاب الحج في الطواف ج 1 ص 342 س 25.
42

ذنوبه) ويعددها عنده مفصلة، فليس من مؤمن يقر لربه بذنوبه فيه إلا
غفر له إن شاء الله، كما في الصحيح، ويدعو حينئذ بالمغفرة والإعاذة من
النار وغيرهما بالمأثور، كل ذلك للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
ففي الصحيح: إذا كنت في الطواف السابع فائت المتعوذ، وهو إذا
قمت في دبر الكعبة حذاء الباب، فقل: اللهم البيت بيتك والعبد عبدك
وهذا مقام العائذ بك من النار، اللهم من قبلك الروح والفرج، ثم استلم
الركن اليماني، ثم ائت الحجر فاختم به (1).
وفي تتمة الصحيح المتقدم: فابسط يديك على البيت والصق بطنك
ويديك وخدك بالبيت، وقل: اللهم البيت بيتك (2)، إلى آخر ما قدمناه.
وفيه بعده: ثم أقر لربك بما عملت فإنه ليس من عبد مؤمن، إلى آخر
ما قدمنا.
ثم قال: وتقول: من قبلك الروح والفرج والعافية، اللهم إن عملي
ضعيف فضاعفه لي، واغفر لي ما اطلعت عليه مني وخفي على خلقك، ثم
تستجير بالله من النار وتخير لنفسك من الدعاء، ثم استلم الركن اليماني،
ثم استلم الحجر الأسود.
وهما كغيرهما نصان في اختصاص استحباب الالتزام بالمستجار وما بعده
بالشوط السابع، كما قيده به الأصحاب.
فما أطلقه العبارة لا وجه له، عدا إطلاق بعض الأخبار، وينبغي
تقييده به حملا للمطلق على المقيد.
(ولو) نسي الالتزام حتى (جاز المستجار رجع والتزم) قيل:

(1) وسائل الشجعة: ب 26 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 23 4.
(2) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الطواف ح 4 ج 9 ص 4 42.
43

لعموم جملة من النصوص ومنها الصحيحان المتقدمان، ولا يلزم زيادة في
الطواف، لأنه لا ينوي بما بعده ذلك إلى موضع الرجوع طوافا، وإنما
الأعمال بالنيات، ولذا لم ينه عنه الأصحاب، وإنما ذكروا أنه ليس
عليه (1) انتهى.
وفيه نظر، لمنع العموم لفقد اللفظ الدال عليه، وإنما غاية ما في
النصوص الاطلاق الغير المعلوم انصرافه إلى محل النزاع.
قوله: (ولا يلزم زيادة في الطواف).
قلنا: ممنوع، لتوقف ذلك على اعتبار النية في البطلان بالزيادة، وليس
كذلك، فإن النص والفتوى بالبطلان بها مطلقة، لا تقييد في شئ منها
بالنية، بل صرح الشهيدان في الدروس (2) والروضة (3) في المسألة بما يعرب
عن الاطلاق، فإنهما قالا: ومتى استلم أو التزم حفظ موضعه بأن يثبت
رجليه فيه، ولا يتقدم بهما حالته حذرا من الزيادة في الطواف والنقصان.
ولو اختص البطلان بالزيادة بصورة نية كونها من الطواف لما كان
لكلامهما ذلك مزيد فائدة، بل كان الأولى الأمر بالاحتياط، وترك نية
كون الزيادة من الطواف لو كانت موجودة. ونحو كلامهما النصوص الآمرة
بحفظ موضع القطع حيث يجوز الخروج من الطواف والبناء.
قوله: " ولذا لم ينه عنه الأصحاب ".
قلنا: ممنوع، فقد نهى عنه الماتن في الشرائع (4)، وحكاه الشهيد في

(1) قاله الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج في الطواف ج 1 ص 342 س 27.
(2) الدروس الشرعية: كتاب الحج ص ه 11 س 22.
(3) الروضة البهية: كتاب الحج ج 2 ص 200.
(4) شرائع الاسلام: كتاب الحج ج 1 ص 269.
44

الدروس، فقال: وقيل: لا يرجع مطلقا (1)، وهو نهي أو نفي راجع إليه،
وإنما الذي قال ليس عليه هو الشيخ في النهاية (2) والفاضل في التحرير (3)
خاصة.
ولو سلم، فغايته عدم النهي عنه هنا، وهو لا يستلزم عدم النهي عنه
مطلقا، فقد يكون إطلاق نهيهم عن الزيادة (جاريا هنا.
ومما ذكرنا ظهر أنه لا دليل على الرجوع مطلقا، بل وجود الدليل على
المنع كذلك، وهو نهيهم عن الزيادة) (4) في الطواف على الاطلاق، مضافا
إلى الصحيح: عمن نسي أن يلتزم في آخر طوافه حتى جاز الركن اليماني
أيصلح أن يلتزم بين الركن اليماني وبين الحجر، أو يدع ذلك؟ قال: يترك
اللزوم ويمضي (5).
قوله: (ويمضي) أمر بالمضي، فيكون واجبا، والرجوع له مضاد قطعا،
فيكون منهيا عنه.
مع أنه لو كان الرجوع إلى المستجار مستحبا لأمر به ولو كان المسؤول
عنه غيره، وهو صلوح الالتزام بين الركن اليماني وبين الحجر، فإن المقام
كان يقتضيه لو كان مستحبا.
وبالجملة: فهذا الصحيح صريح في المنع عن الرجوع إذا جاز الركن
اليماني، ولذا خص الشهيد استحباب الرجوع بما إذا لم يبلغه (6).

(1) الدروس الشرعية: كتاب الحج ص ه 11 س 23.
(2) النهاية ونكتها: كتاب الحج في طواف البيت ج 1 ص 502.
(3) تحرير الأحكام: كتاب الحج في أحكام الطواف ج 1 ص 98 س 25.
(4) ما بين القوسين غير موجودة في (مش) و (ق).
(5) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 426.
(6) الدروس الشرعية: كتاب الحج ص 115 س 22.
45

وهو حسن، ولكن لا دليل على استحباب الرجوع مع عدم البلوغ، إلا
أن يكون ما مر.
ولكن جوابه قد ظهر.
فإذا القول بالمنع عن الرجوع مطلقا - كما عليه الماتن في الشرائع (1) -
أظهر. ومع ذلك فهو أولى وأحوط.
(و) كذا يستحب أن (يستلم الأركان) الأربعة كلها، للصحيح
الفعلي الآتي، وفي آخر: يستلم اليماني والشامي والغربي؟ قال: نعم (2).
وهما نصان على من منع عن استلام ما عدا الركن العراقي واليماني،
كالإسكافي (3) 1؟ مضافا إلى الأصل والاجماع المحكي عن الخلاف (4)
والمنتهى (5)، مع عدم وضوح دليل على المنع أصح، سوى النصوص (6) بأن
النبي - صلى الله عليه وآله - استلمهما ولم يستلم غيرهما، وهي محمولة على
كون ذلك لتأكده فيهما دون غيرهما، كما أفتى به الأصحاب أيضا (7) ومنهم
الماتن هنا، لقوله: (وآكدها) استحبابا (ركن الحجر) يعني العراقي
(واليماني).
وبهذا الجمع صرح في الاستبصار، حيث قال بعد نقل الصحيح الثاني:

(1) شرائع الاسلام: كتاب الحج ج 1 ص 269.
(2) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب الطواف ح 2 ج 9 ص 423.
(3) نقله عنه في المختلف: كتاب الحج في الطواف ج 1 ص. 29 س 17.
(4) الخلاف: كتاب الحج م 125 ج 2 ص 320.
(5) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 694 س 27.
(6) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب الطواف ح 2 ج 9 ص 418.
(7) كالشيخ في الاستبصار: ب 141 استلام الأركان كلها ج 2 ص 217، والمحدث البحراني في
الحدائق الناضرة: كتاب الحج ج 16 ص 132.
46

ومعارضه من الموثق: كان رسول الله - صلى الله عليه وآله - لا يستلم إلا
الركن الأسود واليماني، ويقبلهما، ويضع خده عليهما، ورأيت أبي يفعله.
والصحيح: كنت أطوف بالبيت وإذا رجل يقول: ما بال هذين
الركنين يستلمان ولا يستلم هذان؟ فقلت: إن رسول الله - صلى الله عليه وآله - استلم هذين ولم يتعرض لهذين، فلا يتعرض لهما إذ لم يتعرض لهما
رسول الله - صلى الله عليه وآله -.
قال جميل: رأيت أبا عبد الله - عليه السلام - يستلم الأركان كلها.
فلا تنافي بين هذين الخبرين والخبر الأول، لأنهما حكاية ما فعل
رسول الله - صلى الله عليه وآله -.
ويجوز أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وآله - لم يستلمهما، لأنه ليس
في استلامهما من الفضل والترغيب في الثواب ما في استلام الركن العراقي
واليماني، ولم يقل: إن الاستلام محظور ومكروه.
ولأجل ما قلناه قال جميل: " رأيت أبا عبد الله - عليه السلام - يستلم
الأركان كلها " فلو لم يكن جائزا لما فعله - عليه السلام - (1) انتهى.
وبالجملة: فالقول بالمنع نادر ضعيف لا دليل عليه، بل الأدلة حجة
عليه.
ومثله في الضعف والشذوذ قول الديلمي بوجوب استلام الركن اليماني
لا استحبابه (2)، للأصل، وعدم دليل عليه، سوى ما قيل: من الأمر به في
الأخبار من غير معارض (3).
وهو كما ترى، إذ لم نر من الأخبار المعتبرة ما يتضمن الأمر به أصلا،

(1) الاستبصار: ب 141 استلام الأركان كلها ج 2 ص 217.
(2) المراسم: كتاب الحج ذكر الطواف ص 110.
(3) القائل هر صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في الطواف ج 1 ص 342 س 40.
47

وإنما غايتها بيان فعلهم - عليهم السلام -، وهو أعم من الوجوب، بل هو
بالنسبة إلى العراقي الذي تضمنه أيضا للاستحباب إجماعا، فليكن بالنسبة
إلى اليماني كذلك أيضا. فتأمل.
ثم إن الموجود في العبارة وغيرها (والنصوص المتقدمة وغيرها) (1) إنما
هو الاستلام.
ولكن في الصحيح: عن استلام الركن؟ فقال: استلامه أن تلصق
بطنك به، والمسح أن تمسحه بيدك (2).
وفي المرفوع: كنت أطوف مع أبي وكان إذا انتهى إلى الحجر مسحه بيده
وقبله، وإذا انتهى إلى الركن اليماني التزمه، فقلت: جعلت فداك تمسح
الحجر بيدك وتلتزم اليماني؟ فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله -: ما
أتيت الركن اليماني إلا وجدت جبرئيل - عليه السلام - قد سبقني إليه
يلتزمه (3).
وظاهرهما أن المستحب الالتزام، بل ظاهر الأول أنه المراد من الاستلام
للركن حيث يطلق في الأخبار. ولعله لذا بدل الاستلام في الشرائع (4)
والقواعد (5) بالالتزام. ولا بأس به.
(و) أن (يتطوع بثلاثمائة وستين طوافا) كل طواف سبعة أشواط،
فيكون مجموعها ألفين وخمسمائة وعشرين شوطا، بلا خلاف.
للصحيح: يستحب أن يطوف ثلاثمائة وستين أسبوعا عدد أيام السنة،

(1) ما بين المعقوفتين غير موجود في (م).
(2) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب الطواف ح 4 ج 9 ص 419.
(3) وسائل الشيعة: ب 22 س أبواب الطواف ح 3 ج 9 ص 419.
(4) شرائع الاسلام: كتاب الحج ج 1 ص 269.
(5) قواعد الأحكام: كتاب الحج ج 1 ص 83 س 23.
48

فإن لم يستطع فثلاثمائة وستين شوطا، فإن لم تستطع فما قدرت عليه من
الطواف (1).
وهو كعبارات الأصحاب مطلق.
لكن في الرضوي: ويستحب أن يطوف الرجل بمقامه مكة ثلاثمائة
وستين أسبوعا بعدد أيام السنة، فإن لم يقدر عليه طاف ثلاثمائة وستين
شوطا (2).
وظاهره التقييد بمدة مقامه بمكة، ولعله المتبادر من إطلاق الرواية
السابقة.
قيل: والظاهر استحبابها لمن أراد الخروج في عامه أو في كل عام وما في
الأخبار من كونها بعدد أيام السنة قرينة عليه (3).
ومن الخبرين يظهر المستند في قوله: " كباقي الأصحاب ".
(فإن لم يتمكن جعل العدة أشواطا) فيكون جميع الأشواط أحدا
وخمسين طوافا وثلاثة أشواط، وينوي بكل سبعة أشواط طوافا، فإذا طاف
خمسين طوافا حصل ثلاثمائة وخمسين شوطا ويبقى عليه عشرة.
وظاهر الأصحاب - إلا النادر أنه يجعلها كلها طوافا واحدا فينوي:
أطوف بالبيت عشرة أشواط لندبه قربة إلى الله تعالى.
قالوا: وهو مستثنى من كراهة القران في النافلة، للنصوص المزبورة.
خلافا لابن زهرة فلم يستثن، وقال: يجعل السبعة من العشرة طوافا،
ويضم إلى الثلاثة الباقية أربعة أخرى ليصير طوافا آخر، والمجموع على هذا

(1) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 396.
(2) فقه الرضا - عليه السلام -: ب 31 في الحج وما يستعمل فيه ص 220.
(3) قاله الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 342 س 41.
49

اثنان وخمسون طوافا، وجعله رواية (1).
قال الشهيد في الدروس: رواه البزنطي، قال في حاشية الكتاب: إن
في جامعه الإشارة إليه، لأنه ذكره في سياق أحاديثه، عن الصادق
- عليه السلام -: اثنان وخمسون طوافا. وزاد الشهيد: أنها توافق أيام السنة
الشمسية (2).
أقول: روى هذه الرواية الشيخ في التهذيب في الصحيح عن البزنطي
عن علي عن أبي بصير عن أيا عبد الله - عليه السلام - قال: يستحب أن
يطاف بالبيت عدد أيام السنة كل أسبوع بسبعة أيام فذلك اثنان وخمسون
أسبوعا (3) (4).
وضعف السند بالبطائني مجبور في المشهور بكونه ممن روى عنه البزنطي،
الذي نقل إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنه من أحاديثه.
ويدفع التدافع بين صدر الخبر بأنه يطاف عدد أيام السنة، وذيله
المتضمن لأن ذلك اثنان وخمسون أسبوعا، مع أنه بمقتضى الصدر أحد
وخمسون وثلاثة أشواط، كما مر بأن المراد عدد السنة الشمسية، كما ذكره
الشهيد - رحمه الله - (5).
ويجاب عن الروايات السابقة بأن استحباب ما فيها من العدد لا ينفي
الزيادة، فيزاد على الثلاثة أربعة.

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 577.
(2) الدروس الشرعية: كتاب الحج ص 116 س 1.
(3) تهذيب الأحكام: ب 26 من الزيادات في فقه الحج ح 301 ج 5 ص 471.
(4) توجد جملة في المطبوع من الشرح ونحن حذفناها، لعدم وجودها في المخطوطات، ولتكرارها،
وهي: " وجعله رواية، وقال الشهيد في الدروس: رواه البزنطي ".
(5) الدروس الشرعية: كتاب الحج ص 116 س 1.
50

ولعله لذا نفى عن هذا القول البأس في المختلف (1)، واستحسنه شيخنا
في الروضة (2)، لكن لم يأب عما عليه الأصحاب، فجعله مستحبا أيضا.
(و) أن (يقرأ في ركعتي الطواف، ب‍ " الحمد " و " الصمد " في
الركعة الأولى، وب‍ " الحمد " و " الجحد " في الثانية) على الأظهر
الأشهر، لصريح الصحيح (3) وغيره. ويعضده الترتيب الذكري في كثير من
الأخبار المرغبة في قراءة السورتين هنا، وفي باقي المواضع السبعة المشهورة.
خلافا للشيخ في النهاية (4) في كتاب الصلاة، فقال: بالجحد في
الأولى، والتوحيد في الثانية، وجعله الشهيد (5) وجماعة (6) رواية ولم أقف
عليها، مع أن الشيخ قد رجع عنها في النهاية في المسألة فأفتى بعين ما في
العبارة، ومع ذلك فقد نفى البأس عنه أيضا في كتاب الصلاة من
النهاية (7).
(ويكره الكلام فيه، بغير)، الذكر و (الدعاء والقراءة) للخبر:
طواف الفريضة لا ينبغي أن يتكلم فيه إلا بالدعاء وذكر الله تعالى وتلاوة
القرآن، (قال:) والنافلة يلقى الرجل أخاه فيسلم عليه ويحدثه بالشئ من
أمر الآخرة والدنيا لا بأس به (8).

(1) مختلف الشيعة: كتاب الحج في الطواف ج 1 ص 292 س 9.
(2) الروضة البهية: كتاب الحج ج 2 ص 261.
(3) وسائل الشيعة: ب 71 من أبواب الطواف ح 3 ج 9 ص 479.
(4) النهاية ونكتها: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 305.
(5) الدروس الشرعية: كتاب الحج ص 115 س 23.
(6) كالعلامة في القواعد: كتاب الصلاة ج 1 ص 33 س 2 2.
(7) النهاية ونكتها: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 305 - 306.
(8) وسائل الشيعة: ب 54 من أبواب الطواف ح 2 ج 9 ص 465.
51

و (لا ينبغي) ليس فيه للتحريم، للاجماع على الجواز، على الظاهر
المصرح به في التحرير (1) والمنتهى (2).
مضافا إلى الصحيح: عن الكلام في الطواف وانشاد الشعر، والضحك
في الفريضة أو غير الفريضة أيستقيم ذلك؟ قال: لا بأس به، والشعر ما
كان لا بأس به منه (3).
ونفي البأس فيه محمول على نفي التحريم جمعا.
فلا ينافي المرجوحية المستفادة من صريح الرواية السابقة، لكن ظاهرها
اختصاصها بالفريضة.
لكن قيل في توجيه فتوى الأصحاب بالكراهة على الاطلاق: أن الخبر
وإن اختص بالفريضة، لكن العقل يحكم بمساواة النافلة لها في أصل
الكراهة وإن كان أخف، بل والنهي عن كلام الدنيا في المسجد
معروف. (4)
وهو كما ترى، قال الشهيد - رحمه الله -: تتأكد الكراهة في الشعر (5).
ولعله لورود النهي عن إنشاده في المسجد مطلقا، فني الطواف أولى، إلا ما
كان منه دعاء أو حمدا أو مدحا، لنبي أو إمام أو موعظة.
وزاد الشهيد كراهية الأكل والشرب والتثاؤب والتمطي والفرقعة
والعبث ومدافعة الأخبثين وكل ما يكره في الصلاة غالبا (6).

(1) تحرير الأحكام: كتاب الحج في أحكام الطواف ج 1 ص 99 س 29.
(2) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 702 س 14.
(3) وسائل الشيعة: ب 54 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 464.
(4) القائل هو كشف اللثام: كتاب الحج في الطواف ج 1 ص 343 س 9.
(5) الدروس الشرعية: كتاب الحج درس 104 في مستحبات الطواف ج 1 ص 402.
(6) الدروس الشرعية: كتاب الحج درس 104 في مستحبات الطواف ج 1 ص 402.
52

ولعله للنبوي المشهور: الطواف بالبيت صلاة (1)، ولعله المستند في فتوى
الأصحاب بكراهية الكلام في الطواف على الاطلاق، كما يفهم من
المنتهى (2)، لا التوجيه المتقدم عن بعض الأصحاب.
(وأما أحكامه فثمانية):
(الأول: الطواف ركن، فلو تركه عامدا) عالما بأن لا يأتي به في
وقته، وهو في طواف الحج قبل انقضاء ذي الحجة، وفي طواف عمرة التمتع قبل
أن يضيق الوقت عنها وعن الحج، وفي طواف العمرة الجامعة لحج الافراد
والقران قبل خروج السنة، بناء على وجوب إيقاعها فيها، وفي المجردة قبل
الخروج عن مكة بنية الاعراض عن فعله بلا إشكال.
(بطل حجه) أو عمرته، بلا خلاف ولا إشكال، لعدم الاتيان
بالمأمور به على وجهه، فيبقى تحت عهدة التكليف، ولفحوى الرواية الآتية
في تركه على وجه الجهالة، لكن فيها وجوب البدنة.
قال الشهيد - رحمه الله -: وفي وجوب هذه البدنة على العالم نظر، من
الأولوية (3).
قلت: ومن عدم النص وجواز منع الأولوية كمن عاد إلى تعمد
الصيد. وقيل: يجوز كون الكفارة للتقصير بعدم التعلم (4).
ثم إن هذا في غير طواف النساء، فإنه ليس بركن يبطل بتركه النسك،
من غير خلاف، كما في السرائر (5) معربا عن الاجماع، كما في صريح
.

(1) عوالي اللآلي: ح 3 ج 2 ص 167.
(2) منتهى المطلب: كتاب الحج في الطواف ج 2 ص 702.
(3) الدروس الشرعية: كتاب الحج ص 116 س 9.
(4) قاله السيد السند في المدارك: كتاب الحج أحكام الطواف ج 8 ص 174.
(5) السرائر: كتاب الحج باب تفصيل فرائض الحج ج 1 ص 617.
53

المسالك (1) وغيره.
وهو الحجة؟ مضافا إلى أصالة خروجه عن حقيقة النسك، والصحاح
الظاهرة في ذلك.
منها: على المفرد طواف بالبيت، وصلاة ركعتين، وسعي واحد بين
الصفا والمروة، وطواف بالبيت بعد الحج (2).
وهو طواف النساء، كما في الصحيح (3) الآخر الوارد بهذا النهج في
القارن.
ومنها: إن معنا امرأة حائضا ولم تطف طواف النساء، ويأبى الجمال أن
يقيم عليها؟ قال: فأطرق وهو يقول: لا تستطيع أن تتخلف عن أصحابها
ولا يقيم عليها جمالها، ثم رفع رأسه إليه قال: تمضي فقد تم حجها (4).
وقوله: (فقد تم حجها) ظاهر في خروجه عن النسك مطلقا ولو في حال
الاختيار.
ولا يختص بحال الاضطرار، وإن كانت مورده فإن العبرة بعموم الجواب
لا خصوص المحل.
(ولو كان) تركه (ناسيا أتى به) مع القدرة، وقضاه متى ذكره،
ولا يبطل النسك ولو كان طواف الركن وذكره بعد المناسك وانقضاء
الوقت، بلا خلاف في كل من الحكم بالصحة ووجوب القضاء عليه بنفسه
مع إمكان المباشرة.
إلا من الشيخ في كتابي الحديث في الأول فأبطل الحج بنسيان

(1) المسالك: كتاب الحج في أحكام الطواف ج 1 ص 123 س 19.
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب أقسام الحج ح 6 ج 8 ص 154.
(3) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب أقسام الحج ح 12 ج 8 ص 156.
(4) من لا يحضره الفقيه: باب حكم من نسي طواف النساء 2787 ج 2 ص 390.
54

طوافه (1)، ومثله الحلبي (2).
وهما نادران، بل على خلافهما الاجماع في صريح الغنية (3)
والخلاف (4). وظاهر غيرهما، مع أن الشيخ رجع عنه في كتبه المتأخرة،
كالخلاف (5) والمبسوط (6) والنهاية (7).
فلا ريب في ضعفه، للاجماع على خلافه؟ مضافا إلى لزومه الحرج
المنفي.
ويدفعه عموم رفع الخطأ والنسيان في النبوي (8) وغيره، والصحيح:
عمن نسي زيارة البيت حتى يرجع إلى أهله، فقال: لا يضره إذا كان قد
قضى مناسكه (9)، والصحيح الآتي في الحكم الآتي.
وحمل الطواف الأول على طواف الوداع وفي الثاني على طواف النساء
لا وجه له، بعد عمومها لهما وغيرهما مما نحن فيه، سوى الأصل المتقدم في
العامد، وما سيأتي من الخبرين في الجاهل. ولا دخل له بما نحن فيه، إذ
الجاهل غير الناسي، ولذا يقابل أحدهما بالآخر عرفا ولغة والأصل مخصص
بما عرفته من الأدلة في المسألة.

(1) الاستبصار: ب 149 من نسي طواف الحج حتى يرجع إلى أهله ج 2 ص 228، وتهذيب
الأحكام: كتاب الحج ب 9 في الطواف ج 5 ص 128.
(2) الكافي في الفقه: باب الحج وأحكامه وشروطه 195.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الحج، ص 516 س 3.
(4) الخلاف: كتاب الحج م 131 ج 2 ص 324.
(5) نفس المصدر السابق.
(6) المبسوط: كتاب الحج في ذكر مكة والطواف بالبيت ج 1 ص 359.
(7) النهاية ونكتها: كتاب الحج في طواف البيت ج 1 ص 506.
(8) عوالي اللآلي: ح 131 ج 1 ص 232.
(9) من لا يحضره الفقيه: باب تأخير الزيارة ح 2784 ج 2 ص 389.
55

ومن بعض المتأخرين في الثاني فجوز الاستنابة مطلقا ولو مع القدرة على
المباشرة (1)، لاطلاق الصحيحة الآتية في الاستنابة.
وفيه: أنه محمول على صورة التعذر والمشقة، كما هو الغالب من أفراده
إجماعا، كما في الغنية (2) وشرح الشرائع للصيمري (3)، لفحوى ما دل على
وجوب المباشرة مع القدرة في نسيان طواف النساء - إن قلنا به - فهنا أولى.
وقريب منها فحوى ما مر من الأدلة على وجوب قضاء ركعتي الطواف
بنفسه مع القدرة لو نسيهما فهنا أولى، لكونهما فرع الطواف، ومن توابعه
جدا، كما مضى.
(ولو تعذر العود استناب فيه) بلا خلاف من القائل بصحة الحج
وعدم بطلانه، وعليه الاجماع في الغنية (4)، وللحرج، وللصحيح: عن رجل
نسي طواف الفريضة حتى يقدم بلاده وواقع النساء كيف يصنع؟ قال:
يبعث بهدي إن كان تركه في حج يبعث به في حج، وإن كان تركه في
عمرة تبعث به في عمرة، ويوكل من يطوف عنه ما تركه من طواف
الحج (5).
وهو نص في تساوي الحج والعمرة، كما يقتضيه إطلاق العبارة هنا وفي
كلام جماعة. ولكن عن الأكثر الاقتصار عليه في طواف الحج، ولا وجه له
بعد عموم الحجة.
والمراد بتعذر العود امتناعه أو اشتماله على مشقة لا تتحمل عادة.

(1) كالمولى الكاشاني في مفاتيحه: كتاب مفاتيح الحج حكم من ترك الطواف ج 1 ص 365.
(2) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 516 س 3.
(3) غاية المرام: كتاب الحج ص 99 (مخطوط).
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 516 س 3.
(5) وسائل الشيعة: ب 58 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 467.
56

قيل: ويحتمل أن يراد بالقدرة استطاعة الحج المعهودة (ا). وهو ضعيف
في الغاية.
قيل: والصحيح يعطي أن العود إلى بلاده يكفيه عذرا، ولكن
الأصحاب اعتبروا العذر احتياطا (2).
أقول: ولعله لكون صورة العذر هو الغالب المتيقن من إطلاق الصحيح،
فلا يسلم إعطاؤه أن العود إلى بلاده يكفيه عذرا مطلقا، بل يعطي ذلك في
الفرد الغالب المتيقن منه خاصة، ومتى وجب قضاء طواف العمرة أو الحج.
فالأقرب وجوب إعادة السعي أيضا، كما عليه الشيخ (3) وجمع (4)،
للصحيح: رجل طاف بين الصفا والمروة قبل أن يطوف بالبيت، قال:
يطوف بالبيت ثم يعود إلى الصفا والمروة فيطوف بينهما (5).
ويحتمل العدم، للسكوت عنه في خبر الاستنابة المتقدم. واحتمال
اختصاص ذلك بما قبل فوات الوقت، كما يفهم من خبر آخر لراوي
الصحيح المتقدم.
وفيه: عن رجل بدأ بالسعي بين الصفا والمروة؟ قال: يرجع فيطوف
بالبيت أسبوعا ثم يستأنف السعي، قلت: إنه فاته، قال: عليه دم ألا ترى
إنك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك أن تعيد على شمالك؟ (6).

(1) قاله الشهيد في الدروس: كتاب الحج ص 116 س 11.
(2) قاله الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج في الطواف ج 1 ص 343 س 35.
(3) الخلاف: كتاب الحج م 257 ج 2 ص 395 - 396.
(4) كالشهيد في الدروس: كتاب الحج ص 116 س 23، والمحقق الكركي في جامع المقاصد:
كتاب الحج ج 3 ص 203، واستقر به السيد في المدارك: كتاب الحج في أحكام الطواف ج 8
ص 177.
(5) وسائل الشيعة: ب 63 من أبواب الطواف ح 2 ج 9 ص 472.
(6) وسائل الشيعة: ب 63 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 472.
57

وهو ظاهر في أن وجوب إعادة السعي إنما هو مع الحضور وبقاء الوقت،
وأما مع فوات وقته فليس عليه إلا الدم دون إعادة السعي، وإلا لأمر بها.
وعليه، ففي الرواية دلالة على عدم وجوب الإعادة، عكس ما عليه
الجماعة، ولذا أن الأكثر لم يذكروا قضاء السعي، كما عن شيخنا الشهيد
الثاني (1).
هذا والمسألة محل نظر. ولا ريب أن الاحتياط يقتضي إعادة السعي.
وإنما يحصل التحلل مما يتوقف على الطواف والسعي بالاتيان بهما،
ولا يحصل بدون فعلهما.
ولو عاد لاستدراكهما بعد الخروج على وجه يستدعي وحوب الاحرام
لدخول مكة، فهل يكتفي بذلك، أو يتعين عليه الاحرام، ثم يقضي الفائت
قبل الاتيان بأفعال العمرة أو بعده؟ وجهان، ولعل الأول أرجح، تمسكا
بمقتضى أصل، والتفاتا إلى أن من نسي الطواف يصدق عليه أنه محرم في
الجملة، والاحرام لا يقع إلا من محل.
ثم إن ما مر إنما هو حكم من ترك الطواف عالما عامدا أو ناسيا، وأما
لو تركه جاهلا فلم يذكر حكمه الماتن هنا صريحا، وإنما أشار إليه بقوله:
(وفي رواية) بل روايات (إن كان) تركه (على كل وجه جهالة أعاد)
الحج، (وعليه بدنة).
ففي الصحيح: عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة؟
قال: إن كان على وجه الجهالة أعاد الحج، وعليه بدنة (3).

(1) نقله عن حواشي الشهيد في جامع المقاصد: كتاب الحج ج 3 ص 203، والظاهر أن هذه
الحواشي هي للشهيد الأول (قدس سره).
(2) وسائل الشيعة: ب 56 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 466.
58

والخبر: عن رجل جهل - كما في نسخة، أو سهى كما في أخرى - أن
يطوف بالبيت حتى رجع إلى أهله؟ قال: إذا كان على وجه الجهالة أعاد
الحج، وعليه بدنة (1).
وفي نسبة الحكم إلى الرواية إشعار بتردده فيه.
ولا وجه له قطعا إن تعلق بوجوب إعادة الحج لموافقته الأصل المتقدم في
العامد، مضافا إلى صحة سند الرواية واعتضادها بغيرها، مع سلامتها عن
المعارض. فتعين تعلقه بما فيها من إيجاب البدنة.
ولا وجه له فيه أيضا، إلا ما في التنقيح من أصالة عدم الوجوب أولا،
ومن هجران الروايتين ثانيا، لعدم القائل بهما، ومن ضعفهما ثالثا (2).
وفي هذه الأوجه الثلاثة ما ترى، لوجوب الخروج عن الأصل بالدليل،
وهو الصحيح وتاليه.
ودعوى ضعفهما معا سندا فاسدة جزما، لما بين في الرجال مستقصى.
وكذا دعوى شذوذهما وعدم قائل بهما فإنها غريبة جدا.
فقد حكي القول بمضمونهما عن الشيخ والأكثر (3)، وبه أفتى صريحا جمع
ممن تأخر (4). وهو أظهر، قالوا: وهذه البدنة عقوبة محضة لا جبران، لأن
النسك باطل من أصله، فلا يتعلق به الجبران.
(الثاني: من شك في عدده) أي عدد أشواط الطواف (بعد
الانصراف فلا إعادة) كسائر العبادات بلا خلاف، لاشتراك العلة،

(1) وسائل الشيعة: ب 56 من أبواب الطواف ح 2 ج 9 ص 466.
(2) التنقيح الرائع: كتاب الحج ج 1 ص 558.
(3) حكاه، السيد السند في المدارك: كتاب الحج ج 8 ص 174.
(4) منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد: كتاب الحج ج 3 ص 201، والسيد السند في المدارك:
كتاب الحج ج 8 ص 174، والمحدث البحراني في حدائقه: كتاب الحج ج 16 ص 163.
59

أعني الحرج المنفي في الشريعة، وقوله: " كل ما شككت فيه مما مضى
فامضه " (1).
وللصحاح: فيمن طاف طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة؟
قال: فليعد طوافه، قال: ففاته، قال: لا أرى عليه شيئا. وفي بعضها
الإعادة أحب إلي وأفضل (2).
والتقريب فيهما عدم إمكان حملهما على الشك في الأثناء، لوجوب
التدارك فيه، إما بالاستئناف، أو إتيان شوط آخر، على ما سيأتي من
الخلاف.
ولا قائل بعدم وجوب شئ مطلقا ولو مع الفوات، إذ هو إما عن
عمد، أو جهل، أو نسيان، ولكل موجب مضى تفصيله إذ هو كترك
الطواف كلا أو بعضا، فتأتي فيه الأحوال الثلاث، مع ما يترتب عليها من
الأحكام، وليس منها أنه لا شئ عليه أصلا.
فالحكم به صريحا في الروايات - بعد مراعاة الاجماع - أوضح دليل على
إرادة صورة الشك بعد الانصراف.
ولا ينافيها الحكم بالاستئناف، بناء على عدم ظهور قائل به أيضا
مطلقا، وذلك لظهورها في استحبابه، ولا يشترط فيه ظهور قائل به.
والظاهر أن العبرة في الانصراف بالنية، فإذا اعتقد أنه أتم الطواف فهو
منصرف عنه، وإن كان في المطاف ولم يفعل المنافي، خصوصا إذا تجاوز
الحجر، أما قبل اعتقاد الاتمام فهو غير منصرف، كان عند الحجر، أو
بعده، أو خارجا عن المطاف، أو فعل المنافي.

(1) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3 ج 5 ص 336.
(2) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب الطواف ح 8 ج 9 ص 435.
60

(ولو كان) الشك المزبور (في أثنائه وكان بين السبعة) أشواط
(وما زاد) فقط، كما أن شك فيها أنه سبعة أو ثمانية (قطع) طوافه
وصح (ولا إعادة) عليه، بلا خلاف، للأصلين عدم الزيادة والبراءة من
الإعادة، وعموم نحو الصحيح الشامل لما سبق.
وما نحن فيه: عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر سبعة
طاف، أم ثمانية؟ فقال - عليه السلام -: أما السبعة فقد استيقن، وإنما وقع
وهمه على الثامن، فليصل ركعتين (1).
ثم إنه إنما يقطع مع شك الزيادة إذا كان على منتهى الشوط، أما لو
كان في الأثناء بطل طوافه، لتردده بين محذورين، الاكمال المحتمل
للزيادة عمدا، والقطع المحتمل للنقيصة، صرح بذلك شيخنا في المسالك (2)
والروضة (3)، وتبعه جماعة (4)، وسبقهم في ذلك ابن زهرة في الغنية (5).
(ولو كان) الشك في الأثناء (في النقيصة) كأن شك فيما طافه
أنه سبعة أو ستة مثلا (أعاد) الطواف وجوبا (في الفريضة) على
الأظهر الأشهر، بل عليه الاجماع في الغنية (6).
وهو الحجة، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة.
منها - زيادة على ما يأتي - الصحيح المروي في الكافي: عن رجل لم يدر
ستة طاف أو سبعة؟ قال: يستقبل (7). ونحوه الخبر المروي في التهذيب بسند

(1) وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 439.
(2) مسالك الأفهام: كتاب الحج ج 1 ص 123 س 30.
(3) الروضة البهية: كتاب الحج ج 2 ص 252،
(4) قواه المحدث البحراني في حدائقه: كتاب الحج ج 16 ص 230 - 231.
(5) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 517 س 6.
(6) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 517 لص س 5.
(7) الكافي: كتاب الحج باب السهو في الطواف ح 2 ج 4 ص 416.
61

فيه اشتراك، وربما وصف أيضا بالصحة.
والخبر المروي في التهذيب في أواخر باب الزيادات من فقه الحج عن
إبراهيم بن هاشم عن صفوان، قال: سألت أبا الحسن - عليه السلام - عن
ثلاثة نفر دخلوا في الطواف؟ فقال كل منهم لصاحبه: تحفظ الطواف فلما ظنوا
أنهم فرغوا، قال واحد: معي سبعة أشواط، وقال الآخر: معي ستة أشواط،
وقال الثالث: معي خمسة أشواط؟ قال: إن شكوا كلهم فليستأنفوا، وإن لم
يشكو أو استيقن كل واحد منهم على ما في يده فليبنوا (1). وعد هذا الحديث
حسنا.
والخبر: عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم
سبعة أم ثمانية؟ قال: يعيد طوافه حتى يحفظ (2).
وقصور السند أو ضعفه مجبور بالعمل.
وقال المفيد: من طاف بالبيت فلم يدر ستا طاف، أم سبعا؟ فليطف
طوافا آخر، ليستيقن أنه طاف سبعا (3)، وفهم منه الفاضل البناء على
الأقل (4)، على أن مراده بطوف - آخر شوط آخر، وتبعه من المتأخرين
جماعة، وعزوه إلى والد الصدوق والإسكافي والحلبي (5).
واستدل له بأصل البراءة، وعدم الزيادة، وبالصحيح: إني طفت فلم
أدر ستة طفت، أم سبعة فطفت طوافا آخر؟ فقال: هلا استأنفت، قال:

(1) تهذيب الأحكام ب 26 من الزيادات في فقه الحج ح 291 ج 5 ص 469.
(2) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب الطواف ح 11 ج 9 ص 345.
(3) المقنعة: كتاب الحج باب 29 من الزيادات في فقه الحج ص 440.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الحج في الطواف ج 1 ص 289 س 12.
(5) كالسيد السند في المدارك: كتاب الحج في أحكام الطواف ج 8 ص 179، والسبزواري في ذخيرة المعاد: كتاب الحج في الطواف ص 639 س 39.
62

قلت: قد طفت وذهبت، قال: ليس عليك شئ (1)، فلو كان الشك
موجبا للإعادة لأوجبها عليه.
وأجاب عن الأولين بالأخبار والاحتياط، وعن الصحيح باحتماله
النافلة، وكون الشك بعد الانصراف. واحتمال قوله: (قد طفت)
الإعادة، أي فعلت الأمرين الاكمال والإعادة (2).
وزاد غيره الاستدلال (3) بما مر من الصحاح في حكم الشك بعد
الفراغ، وهي محمولة على موضوع تلك المسألة، كما عرفته، فلا دخل له
بالمسألة وبالصحيح: في رجل لا يدري ستة طاف أو سبعة؟ قال: يبني على
يقينه (4).
وهو ليس بصريح، لاحتماله النقل، وكون الشك بعد الانصراف
والبناء على اليقين، بمعنى أنه حين انصرف أقرب إلى اليقين مما بعده،
فلا يلتفت إلى الشك بعده وإرادة الإعادة، أي يأتي بطواف يتيقن عدده.
(ويبني على الأقل في النافلة) بلا خلاف، للمستفيضة.
منها الموثق: فيمن طاف فأوهم فقال: طفت أربعة أو طفت ثلاثة، إن
كان طواف فريضة فليلق ما في يديه وليستأنف، وإن كان طواف نافلة
فاستيقن ثلاثة وهو في شك من الرابع أنه طاف فليبن على الثلاثة، فإنه
يجوز له (5).

(1) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب الطواف ح 3 ج 9 ص 434.
(2) المستدل والمجيب هو مختلف الشيعة: كتاب الحج في الطواف ج 1 ص 289 س 27.
(3) لم نعثر على المستدل الثاني، ولكن الاستدلال بأكمله منقول، في كشف اللثام: كتاب الحج في
الطواف ج 1 ص 339 س 2، فراجع.
(4) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب الطواف ح 5 ج 9 ص 434.
(5) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب الطواف ح 7 ج 9 ص 434. مع اختلاف يسير.
63

والخبر: رجل شك في طوافه فلم يدر ستة طاف، أم سبعة؟ فقال: إن
كان في فريضة أعاد كل ما شك فيه، وإن كان نافلة بنى على ما هو
أقل (1). ونحوه أخرى (2).
وفي التذكرة (3) والمنتهى (4) والتحرير (5) وغيرها جواز بنائه على الأكثر
إذا لم يستلزم الزيادة على سبعة، للمرسل في الفقيه والمقنع: عن رجل
لا يدري ثلاثة طاف أم أربعة؟ قال: طواف فريضة أو نافلة؟ قال: أجبني
فيهما جميعا، فقال - عليه السلام -: إن كان طواف نافلة فابن على ما شئت،
وإن كان طواف فريضة فأعد (6).
وفي التذكرة (7) والمنتهى (8) أنه من تتمة بعض الصحاح المروي في
الفقيه، فيكون صحيحا. ولكنه غير معلوم، كما نبه عليه جمع (9).
(ولو) زاد على السبع ناسيا ف‍ (تجاوز الحجر) ودخل (في) الشوط
(الثامن وذكر قبل بلوغ الركن) أنه زاد (قطع) الشوط (ولم يعد)
الطواف، وهذه المسألة كالمقيدة، لقوله فيما سبق.
ومن زاد على السبعة سهوا أكمل أسبوعين، فإن الزيادة عليها تتحقق

(1) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب الطواف ح 4 ج 9 ص 434.
(2) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب الطواف ح 12 ج 9 ص 435.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 365 س 4.
(4) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 699 س 30.
(5) تحرير الأحكام: كتاب الحج في أحكام الطواف ج 1 ص 99 س 15.
(6) من لا يحضره الفقيه: باب السهو من الطواف ح 4805 ج 2 ص 397، والمقنع: كتاب الحج
ص 22 السطر الأخير.
(7) نفس المصدر السابق.
(8) نفس المصدر السابق.
(9) كالفاضل الهندي في كشفه:. كتاب الحج ج 1 ص 338 السطر قبل الأخير.
64

ولو بخطوة، مع عدم ثبوت ذلك الحكم على الأظهر، كما مر.
(الثالث: لو) طاف و (ذكر أنه لم يتطهر أعاد) وجوبا إن كان
(طواف الفريضة، و) كذا يعيد (صلاته).
(ولا يعيد) إن كان (طواف النافلة، و) لكن (يعيد صلاته
استحبابا) كل ذلك للنصوص المتقدم إليها الإشارة في بحث اشتراط
الطواف.
ومنها الصحيح: عن رجل طاف طواف الفريضة وهو على غير طهر؟
قال: يتوضأ، ويعيد طوافه، فإن كان تطوعا توضأ وصلى ركعتين (1).
(ولو نسي طواف الزيارة) أي طواف الحج (حتى رجع إلى أهله
وواقع عاد وأتى به، ومع التعذر يستنيب فيه) كما مر.
وإنما أعاده هنا لبيان حكم الكفارة المشار إليه بقوله: (وفي وجوب
الكفارة تردد) واختلاف بين الأصحاب.
فبين موجب لها، كالشيخ في النهاية (2) والمبسوط (3) وعن المهذب (4)
والجامع (5)، للصحاح.
منها - زيادة على ما مر في أول بحث وجوب الاستنابة مع التعذر: عن
رجل واقع أهله حين ضحى قبل أن يزور البيت؟ قال: يهريق دما (6).
ومنها: عن متمتع وقع على أهله ولم يزر؟ قال: ينحر جزورا وقد خشيت

(1) وسائل الشيعة: ب 38 من أبواب الطواف ح 3 ج 9 ص 444. مع اختلاف يسير.
(2) النهاية ونكتها: كتاب الحج في طواف المبيت ج 1 ص 506.
(3) المبسوط: كتاب الحج فصل في دخول مكة والطواف بالبيت ج 1 ص 359.
(4) المهذب: كتاب الحج ج 1 ص 223.
(5) الجامع للشرائع: كتاب الحج ص 198.
(6) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 2 ج 9 ص 264.
65

أن يكون ثلم حجه إن كان عالما، وإن كان جاهلا فلا بأس عليه (1).
ومانع عن وجوبها، كالحلي في السرائر (2) وجماعة (3)، وعزي إلى الأكثر
ومنهم الفاضل في التذكرة (4) والمختلف (5) والمنتهى (6) والشهيدان (7) و
غيرهم، واختاره الماتن في الشرائع (8) وهنا أيضا، لقوله: (أشبهه أنها
لا تجب إلا مع) المواقعة بعد (الذكر)
ولعله الأقوى، للأصل ورفع النسيان، مع عدم صراحة تلك الصحاح،
واحتمالها الحمل على المواقعة بعد الذكر أو الاستحباب، جمعا بينها، وبين
ما دل على عدم الكفارة على المحرم الواطي - ناسيا أو جاهلا - من النص
والفتوى.
ففي الصحيح المروي في العلل: في المحرم يأتي أهله ناسيا، قال:
لا شئ عليه، إنما هو بمنزلة من أهل شهر رمضان وهو ناس (9).
والمرسل المروي في الفقيه: إن جامعت وانحت محرم - إلى أن قال: - وإن
كنت ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شئ عليك (10).

(1) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الاستمتاع ح 1 ج 9 ص 264.
(2) السرائر كتاب الحج باب دخول مكة والطواف بالبيت ج 1 ص 574.
(3) كالسيد السند في المدارك: كتاب الحج ج 8 ص 183، والمولى الكاشاني في المفاتيح: كتاب
مفاتيح الحج ج 1 ص 365.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 366 س 3.
(5) مختلف الشيعة: كتاب الحج ج 1 ص 292 س 18.
(6) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 703 س 11.
(7) الشهيد الأول في الدروس: كتاب الحج ص 116 س 25، والشهيد الثاني في المسالك: كتاب
الحج ج 1 ص 123 س 35.
(8) شرائع الاسلام: كتاب الحج ج 1 ص 270.
(9) علل الشرائع: ب 210 نوادر علل الحج ح 14 ص 455.
(10) من لا يحضره الفقيه: باب ما يجب على المحرم اجتنابه... ح 2588 ج 2 ص 331.
66

والأخبار بنفيها عن الجاهل مستفيضة، بل متواترة، فإن عممنا الجهل
للنسيان شملت المسألة.
والجمع بين الأخبار بتقييد هذه على ما عدا المسألة - كما اتفق
لجماعة (1) - لا وجه له بعد رجحان أخبارنا بالأصول والشهرة، مع أن من
تلك الصحاح ما يعم طواف العمرة، ولم يذكر أكثر الجماعة، بل اقتصروا
على طواف الزيارة، كما في العبارة.
نعم عن الجامع الاطلاق والصحيحة الأخيرة قد جعلها للمختار بعض
الأصحاب حجة، بتعميم البأس المنفي للكفارة، لا خصوص الثلم والإثم
والمؤاخذة، وجعله العلم المشترط شرطا لجميع ما تقدمه، ومنه إيجاب
الكفارة (2).
ولكنه بعيد في الغاية، لظهور كون العدل قيدا لثلم الحج خاصة والبأس
المنفي هو الإثم والثلم لا الكفارة، كما صرح بذلك جماعة.
نعم لا بأس بما ذكره، دفعا للصراحة، التي هي المناط في تخصيص
الأدلة.
هذا ولا ريب أن الايجاب أحوط وإن كان العدم أظهر.
(ولو نسي طواف النساء) إلى أن رجع إلى أهله (استناب) مطلقا
ولو مع القدرة على المباشرة، كما في ظاهر إطلاق العبارة، بل صريح
سياقها، وعليه الأكثر، وجعله في الدروس أشهر (3)، بل لا خلاف فيه بين

(1) كالشيخ في التهذيب: ب 9 في الطواف ج 5 ص 127، والشهيد الثاني في المسالك: كتاب الحج
ج 1 ص 123 س 27، والسيد السند في المدارك: كتاب الحج ج 8 ص 174.
(2) كالفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج ج 1 ص 344 س 5.
(3) الدروس الشرعية: كتاب الحج ص 116 س 19.
67

القدماء والمتأخرين يظهر.
إلا عن الشيخ في التهذيب (1)، والفاضل في المنتهى (2) فاشترطا فيه
التعذر، وقد رجع الأول عنه في النهاية (3)، وقال الثاني في أكثر كتبه بما في
العبارة، كالتحرير (4) والارشاد (5) والتلخيص (6) والتذكرة (7)، للصحاح.
المروي أحدهما في مستطرفات السرائر: عن رجل نسي طواف النساء
حتى يرجع إلى أهله؟ قال: يرسل فيطاف عنه (8).
وزيد في اثنين منها: فإن مات قبل أن يطاف عنه فليطف عنه وليه (9).
وإطلاقها، بل عمومها بترك الاستفصال يعم محل النزاع.
وقريب منه الصحيح: رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله،
لا تحل له النساء حتى يزور البيت، وقال: يأمر أن يقضي عنه إن لم يحج،
فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليطف عنه وليه أو غيره (10).
والتقريب: أن الظاهر أن المراد بقوله: " يأمر من يقضي عنه إن لم
يحج "، والله يعلم أنه يستنيب إن لم يرد العود بنفسه، وهو أعم من صورة
التعذر وغيره، بل لعله ظاهر في الثاني، وإلا لقيل: يأمر من يقضي عنه إن

(1) تهذيب الأحكام: ب 18 زيارة البيت ج 5 ص 256.
(2) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 769 س 10.
(3) النهاية ونكتها: كتاب الحج في طواف النساء ج 1 ص 506.
(4) تحرير الأحكام: كتاب الحج ج 1 ص 100 س 3.
(5) إرشاد الأذهان: كتاب الحج ج 1 ص 326.
(6) نقله الفاضل الهندي عن التلخيص في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 344 س 7.
(7) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 366.
(8) السرائر: المستطرفات ج 3 ص 562، وفيه (وإن مات أن يطاف عنه طاف عنه وليه).
(9) وسائل الشيعة: ب 58 من أبواب الطواف ح 3 ج 9 ص 468.
(10) وسائل الشيعة: ب 58 من أبواب الطواف ح 6 ج 9 ص 468.
68

لم يقدر على الحج.
وحينئذ، فيكون هذا قرينة على أن المراد بقوله - عليه السلام - في صدره:
" لا تحل له النساء حتى يزور البيت) لا تحل له حتى يحصل زيارته بنفسه
أو بغيره.
وأظهر منه في ذلك ما سيأتي من رواية صحيحة، بل لعلها فيه صريحة،
كما ستعرفه.
ومنه يظهر الجواب عن الصحيح المستدل به للقول الثاني، المتضمن
لقوله - عليه السلام -: (لا تحل له النساء حتى يزور البيت، فإن هو مات
فليقض عنه وليه أو غيره) بحمله على ما ذكرنا.
ولا ينافيه ما في ذيله من قوله - عليه السلام -: (فأما ما دام حيا
فلا يصلح أن يقضي عنه) الحديث، إذ غايته نفي الصلاحية الذي هو أعم
من الكراهة والحرمة.
فلعل المراد به الكراهة إن لم نقل بظهوره فيها، كما عليه المتأخرون
كافة، تبعا لما صرح به الشيخ في مواضع عديدة، ومنها ما في الاستبصار في
بحث صلاة الفريضة في جوف الكعبة، حيث صرح ثمة بأن (لا يصلح)
صريح في الكراهة (1). ونحن نقول بها في المسألة.
وعلى هذا فيكون هذه الصحيحة دليلا آخر على الاطلاق، لا على
خلافه حجة وإن توهمه جماعة (2).
وأما الصحيح المتضمن لنحو ما مر في صدر الصحيح الأخير، وقول
الراوي بعده قلت: فإن لم يقدر، قال - عليه السلام -: يأمر من يطوف

(1) الاستبصار: ب 162 الصلاة في جوف الكعبة ج 1 ص 299.
(2) منهم الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 344 س 12، والمحدث البحراني في
الحدائق: كتاب الحج ج 16 ص 181.
69

عنه (1)، فليس فيه دلالة على التقييد إذ الشرط إنما هو في كلام الراوي،
فلا يفيد التقييد.
وإنما يستفاد من قوله - عليه السلام -: (حتى يزور البيت) الظاهر في
وجوب طوافه عليه ومباشرته له بنفسه، لكن قد عرفت بما مر أن المراد منه
المعنى الأعم، الشامل له ولنائبه.
وعلى هذا فلم يبق حجة على القول الثاني، عدا أصالتي بقاء حرمة
النساء، وعدم الانتقال إلى الغير، وهما مخصصان بما مر.
فإذا القول الأول أظهر، سيما مع كونه أشهر وأوفق بما دل على نفي
العسر والحرج.
ولكن الثاني أحوط، بل لا يترك، لامكان المناقشة في إطلاق الصحاح
بقوة احتمال ورودها مورد الغالب، وهو صورة التعذر أو التعسر في العود،
وعدم صراحة قوله - عليه السلام - في الحديث الذي يفيدها: (يأمر أن يقضي
عنه إن لم يحج " (2) فيما مر، بل هو مطلق أيضا يحتمل الحمل على الغالب
من صورة التعذر، فلعله الباعث على عدم إرادة الحج.
وعلى هذا فيبقى الأوامر بطوافه بنفسه المستفادة من قوله: (لا حتى
يطوف بالبيت) وغيره باقية على ظاهرها، من لزوم المباشرة، خرج منه
صورة التعذر خاصة، اتفاقا فتوى ورواية وبقي الباقي.
وحينئذ فلا مخصص يطمأن إليه للأصلين المتقدم إليهما الإشارة.
وبالجملة: فالمسألة محل إشكال وريبة، لامكان الجيع بين الروايات بما
يوافق كلا القولين، مع عدم وضوح دليل صالح للترجيح في البين، سوى

(1) وسائل الشيعة: ب 58 س أبواب الطواف ح 4 ج 9 ص 468.
(2) وسائل الشيعة: ب 58 كل ت أبواب الطواف مقطع من ح 6 ج 9 ص 468.
70

الشهرة للأول، لكنها معارضة بالأصول للثاني.
فالمصير إلى الاحتياط أجود وإن كان في تعيينه نظر، لقوة الشهرة على
الأصول، سيما مثل هذه الشهرة القريبة من الاجماع المعتضدة بلفظ
" لا يصلح " الظاهر في الكراهة إن لم نقل بصراحتها فيها؟ مضافا إلى ظهور
بعض الصحاح في أن المراد بالأوامر المستفادة من قوله: (لا تحل له النساء
حتى يطوف بالبيت) وغيره ما قدمنا من تحصيل الطواف ولو بالاستنابة
لا المباشرة خاصة.
ففيه: قلت: رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله؟ قال: يأمر
من يقضي عنه إن لم يحج، فإنه لا يحل له النساء حتى يطوف بالبيت (1).
فإن تعليل الأمر بالاستنابة بهذه العلة أوضح قرينة على أن المراد بها ما
عرفته لا طوافه بنفسه خاصة، وإلا لما ارتبط العلة بمعلولها، وما كان بينهما
مناسبة.
وحينئذ فيرتفع الأوامر بالمباشرة، ولا موجب لاعتبارها بالكلية،
وحينئذ فتنعكس الأصول في المسألة.
وعلى القول يشترط عدم العود بنفسه في الاستنابة، لما عرفته من الأخبار الصحيحة.
(ولو مات) ولم يطف ولو استنابة (قضاه) عنه (الولي) أو غيره،
لما عرفته من الروايات المتقدمة.
(الرابع: من طاف فالأفضل له تعجيل السعي) في يوم الطواف،
لآيتي المسارعة والاستباق.
(ولا يجوز تأخيره إلى غده) للصحيحين: رجل طاف بالبيت فأعيى

(1) وسائل الشيعة: ب 58 من أبواب الطواف ح 8 ج 9 ص 469.
71

أيؤخر الطواف بين الصفا والمروة إلى غد؟ قال: لا (1).
ولا خلاف فيه، إلا من الماتن في الشرائع فجوزه إليه (2)، وهو مع
رجوعه عنه في الكتاب نادر، ومستنده مع ذلك غير واضح.
عدا الأصل وإطلاق الصحيح عن رجل طاف بالبيت فأعيى أيؤخر
الطواف بين الصفا والمروة؟ قال: نعم (3).
وهما مقيدان بما مر.
هذا مع أن عبارته في الشرائع غير صريحة في المخالفة، كما فهمها
الجماعة، فإنها هكذا: من طاف كان بالخيار في تأخير السعي إلى الغد، ثم
لا يجوز مع القدرة (4).
والنزاع في دخول الغاية في المغيى وعدمه معروف، والمخالفة تظهر من
هذه العبارة على التقدير الأول دون الثاني، بل هي ظاهر عليه في الموافقة.
ومستند جواز التأخير إلى الغد بهذا التقدير زيادة على الأصل وإطلاق
الصحيحة المتقدمة رواية أخرى صحيحة: عن الرجل يقدم مكة وقد اشتد
عليه الحر فيطوف بالكعبة ويؤخر السعي إلى أن يبرد؟ فقال: لا بأس به،
قال: وربما رأيته يؤخر السعي إلى الليل (5).
وكيف كان، فلا ريب في المنع، إلا لعذر، فيجوز التأخير حينئذ
بلا خلاف، لاستحالة التكليف بما لا يطاق، ويجزئ مع التأخير الجائز
والمحرم ما كان في الوقت، للأصل من غير معارض
(الخامس: لا يجوز

(1) وسائل الشيعة: ب 60 من أبواب الطواف ح 3 ج 9 ص 471.
(2) شرائع الاسلام: كتاب الحج ج 1 ص 270.
(3) وسائل الشيعة: ب 60 من أبواب الطواف ح 2 ج 9 ص 471.
(4) نفس المصدر السابق.
(5) وسائل الشيعة: ب 60 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 470.
72

للمتمتع تقديم طواف حجه وسعيه على الوقوفين (1) وقضاء المناسك)
في منى يوم النحر، باجماع العلماء كافة، كما عن المعتبر (2) والمنتهى (3)
والتذكرة (4)، وفي الغنية (5) الاجماع، للمعتبرة.
منها - زيادة على ما سيأتي - الخبر - المنجبر ضعف سنده بالعمل -: رجل
كان متمتعا وأهل بالحج، قال: لا يطوف بال بيت حتى يأتي عرفات، فإن
هو طاف قبل أن يأتي منى من غير علة فلا يعتد بذلك الطواف (6).
وهذا الحكم ثابت مطلقا (إلا ل‍) معذور ك‍ (امرأة تخاف الحيض)
المتأخر (أو مريض) يضعف عن العود (أو هم) وشيخ عاجز يخاف على
نفسه الزحام، فيجوز لهم التقديم حينئذ بلا خلاف، إلا من الحلي (7) فمنع
عنه أيضا، للأصل، واندفاع الحرج (8) بحكم الاحصار. وهو نادر، بل في
الغنية على خلافه الاجماع (9).
وهو الحجة المخصصة لما مر من الأدلة؟ مضافا إلى الصحاح المستفيضة
وغيرها من المعتبرة، وهي ما بين مطلقة لجواز التقديم (حينئذ بلا خلاف
إلا من الحلي) (10) وهي صحاح مستفيضة، ومقيدة له بالضرورة، وهي

(1) في المتن من المطبوع: الوقوف.
(2) المعتبر: كتاب الحج ج 2 ص 794.
(3) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 708 س 26.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 367 س 40.
(5) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 516 س 5.
(6) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب أقسام الحج ح 5 ج 8 ص 203.
(7) السرائر: كتاب الحج باب دخول مكة والطواف بالبيت ج 1 ص 575.
(8) في (مش): واندفاع الجزع.
(9) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 516 س 5.
(10) ما بين القوسين أثبتناه من نسخة (مش) ولوجوده في الشرح الصغير.
73

أيضا مستفيضة.
منها الموثق كالصحيح - بل الصحيح كما قيل (1) -: عن المتمتع إذا كان
شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض يعجل طواف الحج قبل أن يأتي منى؟
فقال: نعم من كان هكذا يعجل (2).
ومنها الخبر كالصحيح: عن امرأة تمتعت بالعمرة إلى الحج ففرغت من
طواف العمرة وخافت الطمث قبل يوم النحر أيصلح لها أن تعجل طوافها
طواف الحج قبل أن تأتي منى؟ قال: إذا خافت قبل أن تضطر إلى منى
فعلت (3).
وقريب منها الصحيح: لا بأس أن يعجل الشيخ الكبير والمريض والمرأة
والمعلول طواف الحج قبل أن يخرج إلى منى (4).
والجمع بين هذه الأخبار بحمل مطلقها على مقيدها أولى من ابقاء
المطلقة بحالها وحمل المقيدة على الندب، لرجحان التخصيص على المجاز حيثما
تعارضا، مع حصول شرائط التكافؤ لحجية نحو الموثق وغيره بعد الانجبار
بعمل الأصحاب، فإنه أقوى من الصحيح المخالف له جدا.
فما يوجد في كلمات جملة من متأخري المتأخرين من الميل إلى الجواز
مطلقا (5) لولا الاجماع، عملا بالصحاح وحملا للمفصلة على الاستحباب،

(1) قاله المحدث البحراني في الحدائق: كتاب الحج ج 16 ص 213.
(2) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب أقسام الحج ح 7 ج 8 ص 203.
(3) وسائل الشيعة: ب 64 من أبواب الطواف ح 2 ج 9 ص 473، وفيه (... أن تضطر إلى ذلك).
(4) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب أقسام الحج ح 6 ج 8 ص 203.
(5) منهم السيد السند في المدارك: كتاب الحج ج 8 ص 188، والشيخ حسن في منتقى الجمان:
كتاب الحج ج 3 ص 284.
74

ليس بصواب وإن ظهر الميل إليه من الفاضل في التحرير (1) والتذكرة (2).
وأظهر منه الشيخ في الخلاف حيث قال: وروى أصحابنا رخصة في
تقديم الطواف والسعي قبل الخروج إلى منى وعرفات، والأفضل أن
لا يطوف طواف الحج إلى يوم النحر إن كان متمتعا (3).
لندورهما جدا، مع عدم ظهور فتواهما بذلك ظهورا كاملا، إذ ليس في
التحرير إلا روي ساكتا عليها، وفي التذكرة بعد نقل الرخصة في ذلك وأنه
رأي الشافعي وما ذكر رواية عامية مرخصة وخاصة مفصلة: والأولى التقييد
للجواز بالعذر.
والسكوت ليس علامة الرضا، ويأتي الأول مرادفا للأقوى كثيرا. وما
في الخلاف وإن كان ظاهرا، لكن يحتمل الاختصاص بحال الضرورة.
قيل: كما فهمه الحلي، أي الأفضل مع العذر التأخير (4).
(وفي جواز تقديم طواف النساء) على الوقوفين (مع الضرورة
روايتان أشهرهما) كما في الكتاب وغيره (الجواز).
وفيها: لا بأس بتعجيل طواف الحج وطواف النساء قبل الحج يوم
التروية قبل خروجه إلى منى، وكذلك من خاف أمرا لا يتهيأ له الانصراف
إلى مكة أن يطوف ويودع البيت، ثم يمر كما هو من منى إذا كان
خائفا (5).
وقصور السند إن كان مجبورا بالعمل، مع أنه قيل: صحيح (6)،

(1) تحرير الأحكام: كتاب الحج ج 1 ص 109 س 24.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 391 س 27.
(3) الخلاف: كتاب الحج م 175 ج 2 ص 350.
(4) قاله الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 345 س 10.
(5) وسائل الشيعة: ب 4 6 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 73 4.
(6) قال الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 345 س 15.
75

وإطلاقه الشامل لحال الاختيار مقيد بما سيأتي من النص والاجماع على عدم
الجواز فيها.
والرواية الثانية لم أر عاملا بها، عدا الحلي خاصة (1). وهو نادر جدا.
ولا يمكنه التمسك بها، لأنها من الآحاد التي لا يفيد عنده علما
ولا عملا، ومع ذلك فضعيفة الاسناد، متضمنة لما لا يقول به من جواز
تقديم طواف الحج وسعيه مع الضرورة إن كان المراد بها رواية علي بن
حمزة، كما يظهر من جماعة.
وفيها: عن رجل يدخل مكة ومعه نساؤه، وقد أمرهن فتمتعن قبل
التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة، فخشي على بعضهن من الحيض، فقال:
إذا فرغن من متعتهن وأحللن فلينظر إلى التي يخاف عليها الحيض فيأمرها فتغتسل
وتهل بالحج من مكانها ثم تطوف بالبيت وبالصفا والمروة، فإن حدث بها
شئ قضت بقية المناسك وهي طامث قال: فقلت: أليس قد بقي طواف
النساء؟ قال: بلى، قلت: فهي مرتهنة حتى تفرغ منه، قال: نعم، قلت:
فلم لا يتركها حتى تقضي مناسكها؟ قال: يبقى عليها منسك واحد أهون
عليها من أن يبقى عليها المناسك كلها مخافة الحدثان، قلت: أبى الجمال أن
يقيم عليها والرفقة؟ قال: ليس لهم ذلك، تستدعي عليهم حتى يقيم عليها
حتى تطهر وتقضي مناسكها (2).
وإن كان المراد بها الرواية الآتية في المنع عن تقديمه اختيارا - كما يفهم
من التنقيح (3) وغيره (4) - فهي وإن كانت موثقة، إلا أنها أيضا عنده

(1) السرائر: كتاب الحج باب دخول مكة والطواف بالبيت ج 1 ص 575.
(2) وسائل الشيعة: ب 64 من أبواب الطواف ح 5 ج 9 ص 474.
(3) التنقيح الرائع: كتاب الحج ج 1 ص 511.
(4) كالفاضل الآبي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 379 - 380.
76

ضعيفة، ومع ذلك ليس فيها تصريح لحال الضرورة، بل هي مطلقة تقبل
التقييد بحال الاختيار، والمنع فيها محل وفاق.
وكما لا يمكن العمل بهما، كذا لا يمكننا لقصورهما عن مقاومة الرواية
الأولى، لشهرتها، مضافا إلى ضعف الأولى منهما سندا، كما مضى.
بل ومتنا، لظهورها في قدرتها على الاتيان بطواف النساء بعد الوقوفين
ولو بالاستعداد على الجمال ورفقتها.
مع أن ما فيها من إطلاق الاستعداد عليهم مخالف للأصول، والصحيح
الموارد في مثل القضية المتضمن لقوله - عليه السلام -: (تمضي وقد تم
حجها) (1)، بعد أن سئل عن التي لم تطف طواف النساء ولا يقيم عليها
جمالها حيث لم يأمرها بالاستعداد، بل أمرها بالمضي معهم، وقد حكم
بأنها تم حجها.
فلم يبق للحلي دليل على قوله، سوى ما قيل من الأصل واتساع
وقته، والرخصة في الاستنابة فيه (2).
والأصل مخصص عندنا بما مر، واتساع الوقت مخالف للفرض،
والرخصة إنما هي في صورة النسيان خاصة.
وإلحاق الضرورة به قياس فاسد في الشريعة.
(ويجوز للقارن والمفرد تقديم الطواف) (3) طواف الحج وسعيه على
الوقوفين، بلا خلاف إلا من الحلي (4)، وهو نادر، بل على خلافه الاجماع

(1) وسائل الشيعة: ب 84 من أبواب الطواف ح 13 ج 9 ص 500.
(2) قاله الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 345 س 16.
(3) في المتن المطبوع والشرح الصغير: اختيارا.
(4) السرائر: كتاب الحج باب دخول مكة والطواف بالبيت ج 1 ص 575.
77

في صريح الغنية (1)، وظاهر المعتبر (2) وغيره وعن الشيخ (3).
وهو الحجة، مضافا إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
منها - زيادة على الأخبار الصحيحة الواردة بذلك في حجة الوداع -
الصحيح: عن مفرد الحج يقدم طوافه ويؤخره؟ فقال: هو والله سواء عجله
أو أخره (4). ونحوه أخبار أخر موثقة (5).
واعترض الفاضلان في المعتبر (6) والمنتهى (7) والمختلف (8) على هذه الأخبار الأخيرة، باحتمال إرادة التعجيل بعد مناسك منى، قبل انقضاء
أيام التشريق وبعده.
وأجابا بجملة من الأخبار الغير المحتملة لذلك.
منها - زيادة على الموثقة الآتية قريبا -: إن كنت أحرمت بالمتعة فقدمت
يوم التروية، فلا متعة لك، فاجعلها حجة مفردة تطوف بالبيت وتسعى
بين الصفا والمروة ثم تخرج إلى منى، ولا هدي عليك (9).
ونحوها أخبار حجة الوداع، فإنها صريحة في ذلك، وظاهرها عدم
الكراهة أيضا، كما هو ظاهر العبارة.

(1) لم نعثر عليه في الغنية ونقله عنه في كشف اللثام: كتاب الحج ج 1 ص 345 س 17.
(2) المعتبر: كتاب الحج ج 2 ص 793.
(3) الخلاف: كتاب الحج م 175 ج 2 ص 350 - 351.
(4) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب أقسام الحج ح 1 ج 8 ص 204.
(5) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب أقسام الحج ح 2، 3 ج 8 ص 204.
(6) المعتبر: كتاب الحج ج 2 ص 794.
(7) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 709 س 10.
(8) مختلف الشيعة: كتاب الحج ج 1 ص 292 س 33، وفيه ذكر المسألة من دون التعرض لما نقله
عنه من الاحتمال.
(9) لم نعثر عليه في كتب الأخبار وأورده المحقق في المعتبر: كتاب الحج ج 2 ص 794.
78

خلافا للفاضلين في الشرائع (1) والقواعد (2) فحكما بها.
ولعلها إما للشبهة الناشئة من خلاف الحلي، ولكنه ضعيف في الغاية،
فلا يصلح لمعارضته أخبار حجة الوداع، التي عليها بناء المناسك.
وفيها: قال - عليه السلام -: خذوا عني مناسككم (3)، المؤيدة بظاهر
الأخبار المتقدمة المصرحة بالتسوية.
وللموثق: عن مفرد الحج يقدم طوافه، أو يؤخره؟ قال: يقدمه، فقال
رجل إلى جنبه: لكن شيخي لم يفعل ذلك إذا كان قدم أقام بفخ حتى إذا
رجع الناس إلى منى راح معهم، فقلت له: من شيخك، فقال: علي
بن الحسين - عليه السلام -، فسألت عن الرجل فإذا هو أخو علي بن الحسين
- عليه السلام - لأمه (4).
والاحتجاج به مع قصور السند والمكافأة - لما مر على عدم الكراهية -
أوجه منه على الكراهية.
وحيث يقدمان يجددان التلبية عقيب صلاة كل طواف، كما مر في
صدر الكتاب في بيان أنواع الحج.
(ولا يجوز تقديم طواف النساء) على الوقوفين (لمتمتع ولا لغيره)
اختيارا، بلا خلاف، للأصل، والموثق كالصحيح، بل الصحيح كما
قيل (5) -: عن المفرد بالحج إذا طاف بالبيت والصفا والمروة أيعجل طواف
النساء؟ قال: لا إنما طواف النساء بعد أن يأتي منى (6).

(1) شرائع الاسلام: كتاب الحج ج 1 ص 271.
(2) قواعد الأحكام: كتاب الحج ج 1 ص 84 س 10.
(3) عوالي اللآلي: ح 118 ج 4 ص 34.
(4) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب أقسام الحج ح 3 ج 8 ص 204.
(5) قاله المقدس الأردبيلي في المجمع: كتاب الحج ج 7 ص 142.
(6) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب أقسام الحج ح 4 ج 8 ص 205.
79

وهو وإن اختص بالمفرد، إلا أن قوله: (إنما) يعقه والآخرين، مضافا
إلى عدم القائل بالفرق.
(ويجوز) تقديمه عليهما (مع الضرورة والخوف من) نحو (الحيض)
على الأشهر الأظهر، كما مر.
(ولا) يجوز لمتمتع ولا غيره أن (يقدم) في طواف النساء (على
السعي) لتأخره عنه بأصل الشرع بالنص والاجماع.
ففي المرسل: متمتع زار البيت وطاف طواف الحج ثم طاف طواف
النساء ثم سعى؟ قال: لا يكون السعي، إلا من قبل طواف النساء،
فقلت: أفعليه شئ؟ فقال: لا يكون السعي، إلا قبل طواف النساء (1).
(ولو قدمه عليه ساهيا) أو ناسيا (لم يعد) وأجزأه، للموثق: عن
رجل طاف طواف الحج وطواف النساء قبل أن يسعى بين الصفا والمروة؟
قال: لا يضره، يطوف بين الصفا والمروة وقد فرغ من حجه (2).
ونفي الضرر على الاطلاق مع السكوت عن الأمر بالإعادة مع كون المقام
مقام الحاجة ظاهر في الاجزاء، مضافا إلى فهم الأصحاب.
وهو وإن عم العالم والجاهل، لكنهما خارجان، أما الأول فلأنه
لا يتصور منه التعبد والتقرب به، وأما الجاهل فلأنه في حكمه عند أكثر
الأصحاب.
مضافا إلى الأصل، وعموم المنص المتقدم لهما، بل وللساهي أيضا،
لكنه خرج بالنص والاجماع ظاهرا، فيبقيان.
فلا يجزئ التقدم فيهما، إلا مع الضرورة، كالمرض وخوف الحيض

(1) وسائل الشيعة: ب 65 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 475.
(2) وسائل الشيعة: ب 65 من أبواب الطواف ح 2 ج 9 ص 475.
80

فيجزئ حينئذ، كما في كلام جماعة، لاطلاق الموثق ج مضافا إلى انتفاء
العسر والحرج، المؤيد بجواز تقديمه على الموقفين.
قيل: ويحتمل العدم، لأصول عدم الاجزاء، مع مخالفة الترتيب،
وبقائه على الذمة، وبقائهن على الحرمة واندفاع الحرج بالاستنابة،
وسكوت أكثر الأصحاب عنه (1).
وفيه نظر، سيما وقد قال جماعة: إن جواز التقديم مع النسيان والضرورة
مقطوع به في كلام الأصحاب (2)، مشعرين بدعوى الاجماع.
وربما أيد بفحوى الصحيح الوارد في التي لم تطف طواف النساء ويأبى
الجمال أن يقيم عليها، الدال على أنها تمضي وقد تم حجها (3)، فإنه إذا
جاز ترك الطواف من أصله فتقديمه أولى. وفيه نظر جدا.
(السادس: قيل): في النهاية (لا يجوز الطواف وعليه برطلة) (4)
بضم الموحدة والطاء المهملة وسكون الراء المهملة بينهما ولأم خفيفة أو
شديدة، وفسرها جماعة بأنها قلنسوة طويلة كانت تلبس قديما (5).
للخبر: لا تطوفن بالبيت وعليك برطلة (6).
وفي آخرها: لا تلبسها حول الكعبة، فإنها من زي اليهود (7).

(1) قاله الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 345 س 2.
(2) منهم السيد السند في المدارك: كتاب الحج ج 8 ص 191.
(3) وسائل الشيعة: ب 84 من أبواب الطواف ح 13 ج 9 ص 500.
(4) النهاية ونكتها: كتاب الحج ج 1 ص 508.
(5) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد: كتاب الحج ج 3 ص 205، والشهيد الثاني في المسالك:
كتاب الحج ج 1 ص 124 س 9، والمحدث البحراني في حدائقه: كتاب الحج ج 6 1 ص 242.
(6) وسائل الشيعة: ب 67 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 477.
(7) وسائل الشيعة: ب 67 من أبواب الطواف مقطع من ح 2 ج 9 ص 477.
81

والتعليل فيه ظاهر في الكراهة، ولذا استدل به عليها في التنقيح (1).
وربما استدل به على التحريم.
وهو ضعيف، سيما مع ضعف السند، فلا يخصص الأصل.
(و) لذا كانت (الكراهية أشبه) لكن لا مطلقا، كما في
التهذيب (2)، بل (ما لم يكن الستر) على الطائف المزبور (محرما) كما
إذا كان في طواف الحج بعد الوقوفين.
وأما إذا كان محرما، كما إذا كان في طوافه قبل الوقوفين أو في طواف
العمرة مطلقا فيحرم قطعا، كما عليه الحلي (3) وأكثر المتأخرين عنه (4).
والحق الكراهة مطلقا، لخصوصية البأس في الطواف.
ولا ينافيه عروض التحريم أحيانا، وذلك لظهور الخصوصية من الفتوى
والرواية، وإلا فالتحريم مع الستر حيث يحرم لا خصوصية له بالبر طلة، بل
يظهر من الرواية الأخيرة أن الكراهية من حيث اللبس حول الكعبة، سواء
كان هناك طواف، أم لا.
بل وربما اشعر التعليل فيها بأنها من حيث اللبس خاصة، كما قيل (5)،
للصحيح: أنه كره لبس البرطلة (6).
ولكن يستفاد من الرواية الأولى وفتوى الأصحاب أن للطواف بها

(1) التنقيح الرائع: كتاب الحج ج 1 ص 512.
(2) تهذيب الأحكام: ب 9 الطواف ج 5 ص 134.
(3) السرائر: كتاب الحج باب دخول مكة والطواف بالبيت ج 1 ص 576.
(4) منهم العلامة الحلي في القواعد: كتاب الحج ج 1 ص 84 س 11، والمحقق الثاني في جامع
المقاصد: كتاب الحج ج 3 ص 205.
(5) قاله المحدث البحراني في الحدائق: كتاب الحج ج 16 ص 243.
(6) وسائل الشيعة: ب 42 من أبواب لباس المصلي ح 1 ج 3 وفيه (.. لباس البرطلة).
82

خصوصية في الكراهية.
والجمع بينها وبين الصحيح يقتضي حمل الرواية على تأكد الكراهة.
وعلى الأقوال فحيث طاف معها كان طوافه صحيحا، أما عندنا
فواضح، وأما عند المحرم فقيل: لتعلق النهي بالخارج (1).
وفيه نظر، لتصريح الرواية الأولى بالنهي عن نفس الطواف، فيكون
البطلان متوجها.
(السابع: كل محرم يلزمه طواف النساء، رجلا كان أو امرأة أو
صبيا أو خصيا) في حج كان بجميع أنواعه، أو عمرة بأنواعها (إلا
العمرة المتمتع بها).
أما وجوبه في الحج بأنواعه فمجمع عليه عندنا، على الظاهر المصرح به
في كلام جماعة مستفيضا، كالغنية (2) والتذكرة (3) والمنتهى (4) وغيرها،
والصحاح به مع ذلك مستفيضة كغيرها.
ففي الصحيح: على المتمتع بالعمرة إلى الحج ثلاثة أطواف بالبيت،
ويصلي لكل طواف ركعتين وسعيان بين الصفا والمروة (5).
وفيه: لا يكون القارن إلا بسياق الهدي، وعليه طوافان بالبيت وسعي
بين الصفا والمروة، كما يفعل المفرد، وليس بأفضل من المفرد إلا بسياق
الهدي (6).

(1) قاله الأردبيلي في المجمع: كتاب الحج ج 7 ص 145.
(2) غنية النزوع (الجوامع الفقهي ة): كتاب الحج ص 516 س 6.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 391 السطر الأخير.
(4) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 768 س 27.
(5) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب أقسام الحج ح 9 ج 8 ص 156.
(6) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب أقسام الحج ح 10 ج 8 ص 156.
83

وأما وجوبه في العمرة المبتولة مطلقا فهو الأظهر الأشهر، بل كاد أن
يكون إجماعا، بل عليه إجماعنا في الغنية (1) وعن التذكرة (2) والمنتهى (3)،
والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة أيضا.
ففي الصحيح: عن العمرة المبتولة هل على صاحبها طواف النساء وعن
التي يتمتع بها إلى الحج؟ فكتب: أما العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف
النساء، وأما التي يتمتع بها إلى الحج فليس على صاحبها طواف النساء (4).
وفيه: عن العمرة المفردة على صاحبها طواف النساء؟ فجاء الجواب:
نعم، وهو واجب لا بد منه (5). ونحوه الخبر كالصحيح بابن أبي عمير (6)،
الذي لا يروي إلا عن ثقة، فلا يضر جهالة من بعده.
وفي المرسل: المعتمر يطوف ويسعى ويحلق؟ قال: ولا بد له بعد الحلق
من طواف آخر (7).
وهو يعم المفردة والمتمتع بها، والأخيرة خارجة بما سيأتي من الأدلة،
والمبتولة لا مخرج لها، كما ستعرفه.
وضعف السند فيه وقصوره في سابقه مجبور بالعمل.
خلافا للمحكي في الدروس عن الجعفي فأسقطه هنا (8)، للأصل.
ويخصص بما مر، وللصحيح: عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج وطاف
وسعى وقصر هل عليه طواف النساء؟ قال: إنما طواف النساء بعد الرجوع

(1) نفس المصدر السابق.
(2) نفس المصدر السابق.
(3) نفس المصدر السابق.
(4) وسائل الشيعة: ب 82 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 493.
(5) وسائل الشيعة: ب 82 من أبواب الطواف ح 5 ج 9 ص 494.
(6) وسائل الشيعة: ب 82 من أبواب الطواف ح 8 ج 9 ص 495.
(7) وسائل الشيعة: ب 82 من أبواب الطواف ح 2 ج 9 ص 493.
(8) الدروس الشرعية: كتاب الحج ص 1 9 س 10.
84

إلى منى (1).
وفيه: أنه يجوز أن يكون المراد (إنما طواف النساء) عليه لا مطلقا.
ولآخر: إذا دخل المعتمر مكة من غير تمتع وطاف بالبيت وصلى
ركعتين عند مقام إبراهيم وسعى بين الصفا والمروة فليلحق بأهله إن شاء (2).
وفيه: أنه ليس نصا في وحدة الطواف، فيحتمل إرادة طاف ما يجب
عليه، بل قيل: إن ظاهره ذلك (3).
ولخبرين ضعف سندهما، مع قصورهما عن المكافأة لما مض من وجوه
شتى، يمنع عن العمل بهما.
وأما عدم وجوبه في المتمتع بها فبالأصل والاجماع، الظاهر المصرح به في
بعض العبائر ()، والصحاح () المستفيضة المتقدم إلى جملة منها الإشارة.
وعن بعض (6) الأصحاب وجوبه فيها، لاطلاق بعض ما مر من
الصحاح، وتقيد بالمبتولة، لما عرفته من الأدلة، وللخبر (7)، وفي سنده
ضعف بالجهالة، وفي متنه قصور في الدلالة، ومع ذلك قاصر عن المقاومة،
لما عرفته من الأدلة.
وأما عموم وجوبه لمن مر فللاجماع، كما عن المنتهى (8) والتذكرة (9)،

(1) وسائل الشيعة: ب 82 من أبواب الطواف ح 6 ج 9 ص 494. وفيه (.. قال: لا..).
(2) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب العمرة ح 2 ج 10 ص 255.
(3) قاله الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 4 34 س 25.
(4) كعبارة المدارك: كتاب الحج ج 8 ص 198.
(5) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب أقسام الحج انظر أحاديث الباب ج 8 ص 149 - 56 1.
(6) حكاه الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 4 34 س 28.
(7) وسائل الشيعة: ب 82 من أبواب الطواف ح 7 ج 9 ص 494.
(8) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 768 س 27.
(9) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 391 السطر الأخير.
85

والصحيح: عن الخصيان والمرأة الكبيرة أعليهم طواف النساء؟ قال: نعم
عليهم الطواف كلهم (1).
وفي الموثق: لولا ما من الله تعالى به على الناس من طواف الوداع
لرجعوا إلى منازلهم، ولا ينبغي لهم أن يمسوا نساءهم، يعني لا تحل لهم
النساء حتى يرجع فيطوف بالبيت أسبوعا آخر بعد ما يسعى بين الصفا
والمروة، وذلك على النساء والرجال واجب (2).
قال الشهيد - رحمه الله -: وليس طواف النساء مخصوصا بمن يغشي النساء
إجماعا، فيجب على الخصي والمرأة والهم وعلى من لا أربة له في النساء (3).
وقيل: إن وجوبه غير معلل بإمكان الاستمتاع، ولذا يجب قضاؤه عن
الميت، كما مر (4).
والمراد بالخصي ما يعم المجبوب، بل المقصود أولا من عبارات
الأصحاب والسائل في الصحيح المتقدم هو الذي لا يتمكن من الوطئ
وبوجوبه على الصبي أن على الولي أمر المميز به والطواف بغير المميز، فإن
لم يفعلوه حر من عليهم إذا بلغوا حتى يفعلوه أو يستنيبوا فيه استصحابا
لحرمتهن، المستفادة من عموم نحو قوله تعالى: (فلا رفث ولا فسوق)
الآية (5).
(الثامن: لو نذر) أحد (أن يطوف على أربع، قيل:) كما في

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 389.
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الطواف ح 3 ج 9 ص 389.
(3) الدروس الشرعية: كتاب الحج ص 134 س 8.
(4) قاله الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 344 س 36.
(5) البقرة: 197.
86

النهاية (1) واللمعة (2) وعن المبسوط (3) والتهذيب (4) والمهذب (5) والجامع (6)
(يجب عليه طوافان) على النهج المعهود: طواف ليديها وطواف لرجليها.
(وروي ذلك) في خبرين (7)، أحدهما: القوي بالسكوني وصاحبه،
لكن موردهما (في امرأة نذرت) ذلك خاصة.
(وقيل): في السرائر (8) (لا ينعقد) هذا النذر (لأنه لا يتعبد بصورة
النذر) إجماعا.
وإيجاب ما في الخبرين بدله يحتاج إلى دلالة، وهي في المقام مفقودة،
إذ ليس إلا الخبرين.
وفي الاعتماد عليهما في تخصيص الأصل مناقشة، لقصورهما عن
الصحة، ومع ذلك فهما مختصان بالمرأة، فالتعدية إلى الرجل تحتاج إلى دلالة
هي في المقام مفقودة، ولا إجماع مركب في المسألة، فقد حكي القول
بالتفصيل بينهما (9)، فالقول الثاني في الرجل، والأول في المرأة، وهو
أحوط، لاعتبار أحد الخبرين بالقوة، واعتضاده مع ذلك بالموافقة للخبر
الآخر، والشهرة المحكية في الروضة (10).

(1) النهاية ونكتها: كتاب الحج ج 1 ص 508.
(2) اللمعة الدمشقية: كتاب الحج ج 2 ص 259.
(3) المبسوط: كتاب الحج في دخول مكة والطواف بالبيت ج 1 ص 360.
(4) تهذيب الأحكام.: ب 9 الطواف ج 5 ص 135.
(5) المهذب: كتاب الحج باب الطواف وما يتعلق به ج 1 ص 231.
(6) الجامع للشرائع: كتاب الحج ص 200.
(7) وسائل الشيعة: ب 70 من أبواب الطواف ح 1، 2 ج 9 ص 478.
(8) السرائر: كتاب الحج باب دخول مكة والطواف بالبيت ج 1 ص 576.
(9) حكاه الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 6 34 س 6 2.
(10) الروضة البهية: كتاب الحج ج 2 ص 259.
87

وأحوط منه القول الأول، وإن كان الثاني لعله أظهر، وبين المتأخرين
أشهر.
وعليه، فهل الباطل الهيئة خاصة كما عن المنتهى (1) فيجب عليه طواف
واحد إلا أن ينوي عند النذر ألا يطوف إلا على هذه الهيئة رأسا، أو
الطواف رأسا؟ وجهان، والأول أحوط، وإن كان في تعيينه نظر.
(القول: في السعي)
(والنظر في مقدمته، وكيفيته، وأحكامه):
(أما المقدمة: فمندوبات عشرة:).
(الطهارة) من الأحداث بلا خلاف، إلا من العماني (2) فأوجبها،
للنهي عن السعي بدونها في الصحيح (3) وغيره (4)، وهو نادر، بل على
خلافه الاجماع، على الظاهر المصرح المنقول عن ظاهر المنتهى، حيث أسند
الاستحباب إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الاجماع عليه (5).
وهو الحجة، مضافا إلى الأصل والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة
الصريحة في عدم الوجوب. وبها يحمل الخبران الأولان على الكراهة، جمعا
بين الأدلة ومن الأخباث، كما في كلام جماعة (6)، ولم أقف لهم على رواية

(1) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 703 س 2.
(2) نقله عنه في المختلف: كتاب الحج ج 1 ص 293 س 19.
(3) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب السعي ح 3 ج 9 ص 530.
(4) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب السعي ح 7 ج 9 ص 531.
(5) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 703 س 23، والناقل هو صاحب مدارك الأحكام: كتاب
الحج في السعي ج 8 ص 200.
(6) منهم السيد في المدارك: كتاب الحج ج 8 ص 202، والمولى الكاشاني في المفاتيح: كتاب مفاتيح
الحج ج 1 ص 374.
88

وحجة، عدا ما قيل (1): من أنه للتعظيم.
(واستلام الحجر) وتقبيله له مع الامكان والإشارة إليه مع العدم إذا
أراد الخروج للسعي.
(والشرب من زمزم) بسد إتيانه (والاغتسال)، بل الصب على
الرأس والجسد (من الدلو المقابل للحجر) إن أمكن وإلا فمن غيره.
والأفضل استقاؤه بنفسه، ويقول عند الشرب والصب: اللهم اجعله
علما نافعا، ورزقا واسعا، وشفاء من كل داء وسقم.
(والخروج) للسعي (من باب الصفا) المقابل للحجر. قيل: وهو
الآن داخل في المسجد، كباب بني شيبة، إلا أنه معلم بأسطوانتين فليخرج
من بينهما (2). وفي الدروس: الظاهر استحباب الخروج. من الباب الموازي
لهما على سكينة ووقار (3).
(وصعود الصفا) إلى حيث يرى الكعبة من بابه.
قيل: ويكفي فيه الصعود على الدرجة الرابعة، التي كانت تحت التراب
وظهرت الآن حيث أزالوا التراب (4).
والوقوف عليه بقدر قراءة سورة البقرة بتأن.
(واستقبال الركن) العراقي الذي فيه (الحجر)
والتحميد (والتكبير والتهليل سبعا) والصلاة على النبي - صلى الله
عليه وآله -.
(والدعاء بالمأثور) كل ذلك بالاجماع، والصحاح المستفيضة وغيرها

(1) قاله الكاشاني في المفاتيح: كتاب مفاتيح الحج ج 1 ص 374.
(2) قاله الشهيد الثاني في المسالك: كتاب الحج ج 1 ص 134 س 22.
(3) الدروس الشرعية: كتاب الحج ص 118 س 5.
(4) قاله الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 347 س 26.
89

من المعتبرة.
ففي الصحيح: إذا فرغت من الركعتين فائت الحجر الأسود فقبله
واستلمه وأشر إليه، فإنه لا بد منه، وقال: إن قدرت أن تشرب من ماء
زمزم قبل أن تخرج إلى الصفا فافعل (1).
وفيه: يستحب أن يستسقى من ماء زمزم دلوا أو دلوين، وتصب على
رأسك وجسدك، وليكن ذلك من الدلو الذي بحذاء الحجر (2).
وفيه: ثم اخرج إلى الصفا من الباب الذي خرج منه رسول الله - صلى
الله عليه وآله -، وهو الباب الذي يقابل الحجر الأسود حتى تقطع الوادي،
وعليك السكينة والوقار (3).
وفيه: فاصعد على الصفا حتى تنظر إلى البيت وتستقبل الركن الذي
فيه الحجر الأسود فاحمد الله تعالى واثن عليه. ثم أذكر من آلائه وبلائه
وحسن ما صنع إليك ما قدرت على ذكره.
ثم كبر الله تعالى سبعا واحمده سبعا وهلله سبعا، وقل: لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو حي
لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير، ثلاث مرات، ثم صل على
النبي - صلى الله عليه وآله -، وقل: الله أكبر الحمد لله على ما هدانا والحمد
لله على ما أولانا والحمد لله الحي القيوم والحمد لله الحي الدائم، ثلاث
مرات.
وقل: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله لا نعبد إلا

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب السعي ح 1 ج 9 ص 514.
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب السعي ح 4 ج 9 ص 515. وفيه (... فتشرب منه و...).
(3) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب السعي ح 2 ج 9 ص 517.
90

إياه مخلصين له الدين ولو كره المشركون، ثلاث مرات.
اللهم إني أسألك العفو والعافية واليقين في الدنيا والآخرة، ثلاث
مرات. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار،
ثلاث مرات.
ثم كبر الله مائة مرة وهلل الله مائة مرة، واحمد الله مائة مرة، وتسبح
مائة مرة، وتقول: لا إله إلا الله وحده وحده أنجز وعده ونصر عبده وغلب
الأحزاب وحده فله الملك وله الحمد وحده وحده.
اللهم بارك لي في الموت وفيما بعد الموت، اللهم إني أعوذ بك من ظلمة
القبر ووحشته، اللهم أظلني في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، وأكثر من
أن تستودع ربك دينك ونفسك وأهلك.
ثم تقول استودع الله الرحمن الرحيم الذي لا يضيع ودائعه ديني ونفسي
وأهلي، اللهم استعملني على كتابك وسنة نبيك وتوفني على ملته وأعذني من
الفتنة. ثم تكبر ثلاثا، ثم تعيدها مرتين ثم تكبر واحدة ثم تعيدها، فإن لم
تستطع هذا فبعضه (1).
وروي (2) غير ذلك وأنه ليس فيه شئ موقت.
(وأما الكيفية، ففيها الواجب والندب، والواجب أربعة:
النية) المشتملة على الفعل، أعني به السعي المخصوص فلا بد من تصور
مغناه المتضمن للذهاب من الصفا إلى المروة والعود، وهكذا سبعا، وعلى
وجهه من الوجوب والندب إن وجب، وكونه سعي حج الاسلام أو غيره

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب السعي ح 1 ج 9 ص 517 - 518.
(2) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب السعي ح 3، 4 ج 9 ص 520.
91

من عمرة الاسلام، أو غيرها، والتقرب به إلى الله تعالى مقارنة لا وله.
ويجب استدامة حكمها حتى الفراغ إن أتى به متصلا إلى الآخر، فإن
فصل جددها ثانيا فما بعده.
(والبدأة بالصفا والختم بالمروة) فلو عكس بطل مطلقا ولو سهوا أو
جهلا.
(والسعي) بينهما (سبعا، يعد ذهابه) إلى المروة (شوطا وعوده)
منها إلى الصفا (آخر). وهكذا إلى أن يكملها سبعا، كل ذلك بالاجماع
الظاهر المصرح به في جملة من العبائر مستفيضا (ا)، والصحاح المستفيضة
وغيرها من المعتبرة، التي كادت تكون متواترة، بل متواترة.
ففي الصحيح: طف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة (2).
وفيه: أن رسول الله - صلى الله عليه وآله - حين فرغ من طوافه، قال:
ابدؤا بما بدأ الله به من اتيان الصفا، إن الله عز وجل يقول: (إن الصفا
والمروة من شعائر الله) (3).
وفيه: من بدأ بالمروة قبل الصفا، فليطرح ما سعى يبدأ بالصفا قبل
المروة (4). ونحوه غيره (5).
وظاهر إطلاقها وجوب الإعادة لو عكس في كل ما قدمناه من الأحوال
الثلاثة. ويعضده الأصول، لعدم الاتيان بالمأمور به على وجهه.

(1) منها عبارة منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 705 س 6، والمدارك كتاب الحج ج 8
ص 207.
(2) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب السعي ح 1 ج 9 ص 521.
(3) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب السعي ح 7 ج 9 ص 522.
(4) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب السعي ح 1 ج 9 ص 525.
(5) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب السعي ح 2 ج 9 ص 525.
92

وفي الصحيح: سعيت بين الصفا والمروة أنا وعبد الله بن راشد فقلت له:
تحفظ علي فجعل يعد ذاهبا وجائيا شوطا واحدا - إلى أن قال: - فأتممنا أربعة
عشر شوطا فذكرنا ذلك لأبي عبد الله - عليه السلام - فقال: قد زادوا على ما
عليهم، ليس عليهم شئ (1).
ويحصل البدأة بالصفا والختم بالمروة، إما بالصعود عليهما، أو يجعل عقبه
وكعبه، أعني ما بين الساق والقدم ملاصقا للصفا، وأصابع قدميه جميعا
ملاصقة للمروة.
ولا يجب صعودهما إجماعا، على الظاهر المصرح به في عبائر جماعة ومنهم
الشيخ في الخلاف (2) والقاضي (3) فيما حكي، وعن الفاضل في المنتهى (4)
والتذكرة (5) أيضا، للأصل، والصحيح: عن النساء يطفن على الإبل
والدواب أيجزيهن أن يقفن تحت الصفا حيث يرين؟ فقال: نعم (6).
وعن التذكرة والمنتهى أن من أوجب الصعود أوجبه من باب المقدمة،
لأنه لا يمكن استيفاء ما بينهما إلا به، كغسل جزء من الرأس في الوضوء
وصيام جزء من الليل.
قال: وهذا ليس بصحيح، لأن الواجبات هنا لا تنفصل بمفصل حتى
يمكن معه استيفاء الواجب دون فعل بعضه، فلهذا أوجبنا غسل جزء من
الرأس وصيام جزء من الليل، بخلاف صورة النزاع فإنه يمكنه فيه أن يجعل

(1) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب السعي ح 1 ج 9 ص 527.
(2) الخلاف: كتاب الحج م 142 ج 2 ص 329.
(3) جواهر الفقه: كتاب الحج م 147 ص 42.
(4) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 704 س 11.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 366 س 15.
(6) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب السعي ح 1 ج 9 ص 533.
93

عقبه ملاصقا للصفا (1) انتهى.
وهو حسن، بل لولا اتفاق الأصحاب في الظاهر على وجوب الصاق
العقب بالصفا والأصابع بالمروة لكان القول بعدم لزوم هذه الدقة،
والاكتفاء بأقل من ذلك مما يصدق معه السعي بين الصفا والمروة عرفا
وعادة - كما اختاره بعض المعاصرين - لا يخلو عن قوة.
لما ذكره: من أن المفهوم من الأخبار أن الأمر أوسع من ذلك، فإن
السعي على الإبل الذي دلت عليه الأخبار وأن النبي - صلى الله عليه وآله -
كان يسعى على ناقته لا يتفق فيه هذا التضييق، من جعل عقبه يلصقه
بالصفا في الابتداء وأصابعه يلصقها بالصفا موضع العقب بعد العود، فضلا
عن ركوب الدرج، بل يكفي فيه الأمر العرفي (2).
ولكن الأحوط ما ذكروه، وفي الدروس: الأحوط الترقي إلى الدرج
ويكفي الرابعة (3).
قيل: لما روي أنه - صلى الله عليه وآله - صعده في حجة الوداع مع
قوله - صلى الله عليه وآله -: خذوا عني مناسككم، وأما كفاية الرابعة فلما
روي أنه - صلى الله عليه وآله - رقى قدر قامته حتى رأى الكعبة (4).
وزيد في الدروس وغيره على الأربعة وجوب الذهاب بالطريق المعهود
واستقبال المطلوب بوجهه، فلو اقتحم المسجد الحرام ثم خرج من باب آخر
لم يجز. وكذا لو سلك سوق الليل، وكذا لو أعرض أو مشى القهقري لم

(1) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 366 س 16، ومنتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 704
س 12.
(2) هو المحدث البحراني في الحدائق: كتاب الحج ج 16 ص ه 26 - 266.
(3) الدروس الشرعية: كتاب الحج ص 118 س 14.
(4) قاله الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 347 س 2.
94

يجز (1). قيل (2): لأنهما المعهود من الشارع. ولا بأس به.
(والمندوب) أيضا أمور (أربعة: المشي طرفيه) أي طرفي السعي،
أي في أوله وآخره. أو طرفي المشي من البطء والاسراع، ويعبر عنه
بالاقتصاد.
(والاسراع) يعني الهرولة، ويقال له: الرمل أيضا (ما بين المنارة
وزقاق العطارين) للرجل خاصة، بلا خلاف ظاهر ولا محكي، إلا عن
الحلبي (3) في الاسراع فأوجبه.
وعبارته المحكية عن إفادة الوجوب قاصرة، ومع ذلك فهو نادر، بل على
خلافه الاجماع في الغنية (4) وغيرها، والمعتبرة بفضيلة الأمرين قولا وفعلا
مستفيضة.
ففي الصحيح: ثم انحدر ماشيا وعليك السكينة والوقار حتى تأتي
المنارة، وهي طرف السعي فاسع ملأ فروجك، وقل: بسم الله وبالله والله
أكبر وصلى الله على محمد وآله، وقل: اللهم اغفر وارحم واعف عما تعلم
إنك أنت الأعز الأكرم، حتى تبلغ المنارة الأخرى، فإذا جاوزتها فقل:
يا ذا المن والفضل والكرم والنعماء والجود واغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب
إلا أنت، ثم امش وعليك السكينة والوقار - ونحوه غيره إلى قوله: - حتى
تبلغ المنارة الأخرى - إلى أن قال: - ثم امش وعليك السكينة والوقار حتى
تأتي المروة (5).

(1) الدروس الشرعية: كتاب الحج ص 118 س 17.
(2) قاله السيد السند في المدارك: كتاب الحج ج 8 ص 207، والعبارة هكذا لأنه خلاف المعهود،
والظاهر سقوط كلمة خلاف من نسخة الرياض.
(3) الكافي في الفقه: باب الحج وأحكامه ص 196.
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 517 س 29.
(5) الكافي: كتاب الحج باب السعي بين الصفا والمروة ح 6 ج 4 ص 434.
95

وفي الموثق: إنما السعي على الرجال وليس على النساء سعي (1). ونحوه
غيره. والمراد بالسعي فيهما الهرولة والاسراع في المشي دون العدو، وهو المشار
إليه في الصحيح المتقدم بقوله: اسع ملأ فروجك (2).
هذا إذا كان راجلا، وإذا كان راكبا حرك دابته بسرعة في موضع
الرمل إجماعا، كما عن التذكرة (3) وللصحيح: وليس على الراكب رمل،
ولكن ليسرع شيئا (4). وفي الدروس: ما لم يؤذ أحدا (5).
(ولو نسي الهرولة رجع القهقرى) إلى خلف استحبابا
(وتداركها) موضعها، للمرسل: من سها عن السعي حتى يصير من
المسعى على بعضه أو كله ثم ذكر فلا يصرف وجهه منصرفا، لكن يرجع
القهقرى إلى المكان الذي يجب فيه السعي (6).
وقيل: وهو إن سلم فينبغي الاقتصار على القهقرى، وأطلق القاضي
العود والتخصيص بما إذا ذكر في شوطه أنه ترك الرمل فيه، فلا يرجع بعد
الانتقال إلى شوط آخر. والأحوط أن لا يرجع، مطلقا، ولذا نسبه إلى الشيخ
في المنتهى (7) انتهى. ولا بأس به.
وإذا تركه اختيارا لم يكن عليه شئ، للأصل، والصحيح (8).

(1) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب السعي ح 4 ج 9 ص 522.
(2) المصدر السابق.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 66 س 36.
(4) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب السعي ح 2 ج 9 ص 533.
(5) الدروس الشرعية: كتاب الحج ص 119 س 4.
(6) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب السعي ح 2 ج 9 ص 525.
(7) قاله الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 348 س 27.
(8) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب السعي ح 1 ج 9 ص 525.
96

(والدعاء) في موضع الهرولة بما مر في الصحيح وغيره.
(وأن يسعى ماشيا) فإن أفضل الأعمال أحمزها. ولأنه أدخل في
الخضوع، وقد ورد أن السعي أحب الأراضي إلى الله تعالى، لأنه يذل فيه
الجبابرة (1). وللصحيح: والمشي أفضل (2).
ويجوز راكبا بالاجماع، الظاهر المصرح به في الغنية (3) وغيرها،
والصحاح.
منها - زيادة على ما مضى -: عن الرجل يسعى بين الصفا والمروة على
الدابة؟ قال: نعم، وعلى الجمل (4).
(ويجوز الجلوس في خلاله للراحة) على الأشهر الأظهر، بل
لا خلاف فيه يظهر، إلا من الحلبيين (5) فمنعا عنه مطلقا، حتى مع العجز
والاعياء، وجوزا فيه الوقوف خاصة. وهما نادران، بل على خلافهما الاجماع
الآن، للصحاح.
منها: عن الرجل يطوف بين الصفا والمروة أيستريح؟ قال: نعم إن شاء
جلس على الصفا والمروة أو بينهما فيجلس (6). ونحوه (10) آخر، لكن في صورة
الاعياء خاصة.

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب السعي ح 2 ج 9 ص 511، نقلا بالمضمون.
(2) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب السعي ح 4 ج 9 ص 532.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 517 س 29.
(4) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب السعي ح 1 ج 9 ص 532، مع اختلاف يسير.
(5) أبو الصلاح في الكافي في الفقه: باب الحج وأحكامه ص 196 والسيد ابن زهرة في غنية النزوع
(الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 517 س 28.
(6) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب السعي ح 1 ج 9 ص 535.
(7) وسائل الشيعة: ب 46، من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 454.
97

وفي ثالث: اشتراطه والنهي عنه من دونه (1).
ومقتضى الجمع تقييد الجواز بصورة الاعياء خاصة، ولعله ظاهر نحو
العبارة حيث قيد الجواز بقوله: للاستراحة.
ويمكن الجمع بحمل النهي في الأخير على الكراهة، للأصل، وقوة
الاطلاق، واعتضاده بما دل على جواز السعي راكبا، فإنه ملازم للجلوس
غالبا، وهو عام لحالتي الاختيار والاضطرار إجماعا.
وإليه الإشارة في الصحيح: عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا
والمروة يجلس عليهما؟ قال: أو ليس هو ذا يسعى على الدواب (2).
وهو وإن كان مورده جوازه على المروة والصفا، ولا خلاف فيه حتى
فيهما، إلا أن قوله - عليه السلام -: (أو ليس إلى آخره) في قوة الجواب له
بنعم، مع تعليله بما يعم الجلوس بينهما، بل التعليل أنسب بهذا، كما لا يخفى.
وكيف كان، فهذه الصحاح مع صحتها واستفاضتها واعتضادها
بالأصل والشهرة بين الأصحاب صريحة في ردهما، بل ظاهر الأخير جوازه
بينهما مطلقا ولو لغير الاستراحة، كما في السعي بينهما راكبا.
نعم يكره لغيرها، لما مضى.
(وأما الأحكام فأربعة):
(الأول: السعي)، عندنا (ركن يبطل الحج) والعمرة (بتركه)
فيهما (عمدا) بإجماعنا الظاهر المصرح به في جملة من العبائر مستفيضا،
كالغنية (3) والتذكرة (4) والمنتهى (5) وغيرها (6)، لعدم الاتيان بالمأمور به على

(1) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب السعي ح 4 ج 9 ص 536.
(2) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب الصيد ح 2 ج 9 ص 536.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 517 س 12.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 366 السطر الأخير.
(5) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 706 س 8. (6) كالمدارك: كتاب الحج ج 8 ص 211.
98

وجهه، وللصحاح.
منها: من ترك السعي متعمدا فعليه الحج من قابل (1).
والكلام في وقت الترك والفوات، كما تقدم في الطواف.
(ولا يبطل) كل منهما بتركه (سهوا) بلا خلاف فيه هنا، للأصل،
ورفع الخطأ والنسيان، والعسر والحرج، ولما سيأتي من الأخبار.
(و) لكن (يعود لتداركه، فإن تعذر العود) أو شق (استناب
فيه) بلا خلاف فيهما، بل عليهما الاجماع في الغنية (2).
وهو الحجة الجامعة بين المعتبرة الواردة بعضها بإطلاق العود بنفسه،
كالصحيح: في رجل نسي السعي بين الصفا والمروة؟ قال: يعيد السعي،
قلت: فإنه خرج؟ قال: يرجع فيعيد السعي، الخبر (3).
وآخر بأنه يطاف عنه بقول مطلق، كالصحيح وغيره: عن رجل نسي
أن يطوف بين الصفا والمروة حتى يرجع إلى أهله؟ قال: يطاف عنه (4).
بحمل الأول على صورة التمكن من غير مشقة والأخيرين على غيرهما،
جمعا، والجامع ما مر، مضافا إلى الأصول، الموجب بعضها العود على نفسه
مع عدم المشقة وبقاء الوقت لبقاء الأمر.
وآخر منها عدم وجوبه على نفسه مع المشقة، لنفي العسر والحرج في
الشريعة، وجاء وجوب الاستنابة حينئذ من الخارج من النص والاجماع.
فتأمل.
(الثاني: يبطل السعي بالزيادة) فيه (عمدا) كالطواف

(1) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب السعي ح 2 ج 9 ص 23 5.
(2) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 517 س 12.
(3) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب السعي ح 1 ج 9 ص 524.
(4) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب السعي ح 2 ج 9 ص 524.
99

بلا خلاف، لما مر ثمة، مع تأمل فيما دلت عليه إطلاق العبارة، وأن الوجه
التفصيل على ما ذكر ثمة.
(ولا يبطل بالزيادة سهوا) إجماعا، للأصل، والصحاح المستفيضة
وإن اختلفت في الدلالة على اطراح الزائد والاجتزاء بالسبعة، كما في
أكثرها.
منها - زيادة على ما مر في بحث وجوب عد الذهاب شوطا والإياب آخر
الصحيح: حججنا ونحن صرورة فسعينا بين الصفا والمروة أربعة عشر شوطا
فسألت أبا عبد الله - عليه السلام - عن ذلك؟ فقال: لا بأس سبعة لك
وسبعة تطرح (1).
والصحيح: من طاف بين الصفا والمروة خمسة عشر شوطا أطرح ثمانية
واعتد بسبعة (2).
وهذه الأخبار وإن عمت صورة العمد، لكنها مقيدة بغيرها إجماعا،
وللصحيح: في رجل سعى بين الصفا والمروة ثمانية أشواط ما عليه؟ فقال:
إن كان خطأ أطرح واحدا واعتد بسبعة (3).
مضافا إلى ظهور جملة منها، في الزيادة جهلا وباقيها فيها نسيانا، حملا
لأفعال المسلمين على الصحة أو اكمال أسبوعين، كالصحيح: إذا استيقن
أنه طاف بين الصفا والمروة ثمانية فليضف إليها ستا (4).
وجمع بينها أكثر الأصحاب بالتخيير بين الأمرين (5).

(1) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب السعي ح 5 ج 9 ص 529.
(2) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب السعي ح 4 ج 9 ص 528.
(3) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب السعي ح 3 ج 9 ص 528.
(4) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب السعي ح 2 ج 9 ص 528.
(5) منهم السيد في المدارك: كتاب الحج ج 8 ص 214، والفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج
ج 1 ص 348 س 34 والمحدث البحراني في الحدائق: كتاب الحج ج 16 ص 280.
100

خلافا لابن زهرة (1) فاقتصر على الثاني.
والأولى والأحوط الاقتصار على الأول، كما هو ظاهر المتن، لكثرة ما دل
عليه من الأخبار، وصراحتها، وعدم ترتب إشكال عليها.
بخلاف الثاني فإن الصحيح الدال عليه مع وحدته واحتماله ما سيأتي
مما يخرجه عما نحن فيه يتطرق إليه الاشكال لو أبقي على ظاهره، من كون
ابتداء الأشواط الثمانية من الصفا والختم بها أن الأسبوع الثاني المنضمة إلى
الأولى يكون مبدؤها المروة دون الصفا، وقد مر الحكم بفسادها مطلقا ولو
نسيانا أو جهلا.
وتقييده ثمة بالسعي المبتدأ دون المنضم - كما هنا - ليس بأولى من حمل
الصحيح هنا على كون مبدأ الأشواط فيها المروة دون الصفا، ويكون الأمر
بإضافة الست إنما هو لبطلان السبعة الأولى، لوقوع البدأة فيها بها، بخلاف
الشوط الثامن لوقوع البدأة فيه من الصفا.
وقيل: لا بعد في الصحة حينئذ إذا نوى في ابتداء الثامن أنه يسعى من
الصفا إلى المروة، سعي الحج أو العمرة قربة إلى الله تعالى مع الغفلة عن
العدد أو مع تذكر أنه الثامن أو زعمه السابع فلا مانع من مقارنة النية لكل
شوط، بل لا يخلو منها المكلف غالبا، ولذا أطلق إضافة الست إليها، فلم
يبق في المسألة مستندا (2) انتهى.
أقول: فيما ذكره بعد، والأولى السكوت عن أمر النية، فإن الاشكال
الوارد من جهتها، وهو عدم تحققها في الابتداء ومقارنتها مشترك الورود بين
الاحتمالين.
هذا ولكن الانصاف بعد الاحتمال الثاني جدا.

(1) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 517 س 7.
(2) قاله الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 348 س 39.
101

وكون الجمع الأول أولى، سيما مع اشتهاره بين أصحابنا، لكن ينبغي
الاقتصار حينئذ في إضافة الست على مورد النص، وهو إكمال الشوط
الثامن، كما صرح به ابن زهرة (1)، وشيخنا الشهيد الثاني (2) وغيرهما، لما
عرفت من مخالفة الأصل من وجهين.
فتعين إطراح الزائد إن كان بعضا، والاعتداد بالسبعة المزيد عليها.
والأخبار بالصحة وإن اختصت بمن زاد شوطا كاملا أو شوطين أو
أشواطا كاملة، لكن إذا لم يبطل بزيادتها سهوا قليلا يبطل بزيادة بعض
شوط أولى.
واعلم أن هنا رواية صحيحة مفصلة بين زيادة شوط على السبعة
فالبطلان رأسا، ووجوب الإعادة وزيادة شوطين عليها فبطلان ثمانية،
والبناء على واحد وإضافة ستة (3)، ولم أر عاملا بها، كما في المنتهى (4)،
ولذا اختلف في تنزيلها على صورة العمد.
وفقهها حينئذ أنه إذا طاف تسعة عامدا - كما هو المفروض - فقد بطلت
السبعة بالزيادة عليها شوطا ثامنا.
والشوط الثامن لا يمكن أن يتعبد به مبدأ لسعي جديد، لأن ابتداءه
يكون من المروة فيبطل أيضا.
وأما التاسع فهو لخروجه من الأشواط الباطلة يهون مبدئه من الصفا
يمكن أن يتعبد به، ويبني عليه سعيا جديدا، ولهذا قال: فليسع على واحد
ويطرح ثمانية وإن طاف ثمانية خاصة. فقد عرفت وجه البطلان في

(1) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 517 س 7.
(2) مسالك الأفهام: كتاب الحج ج 1 ص 125 س 1.
(3) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب السعي ح 1 ج 9 ص 527.
(4) لم نعثر عليه في المنتهى، وإن نقله عنه في مجمع الفائدة: كتاب الحج في السعي ج 7 ص 165.
102

الجميع، ولذا أمر باطراحها والاستئناف، أو إبقائها على ظاهرها من وقوع
ذلك نسيانا، وحملها على من استيقن الزيادة وهو على المروة لا الصفا.
فيبطل سعيه على الأول لابتدائه من المروة، دون الثاني لابتداء التاسع
من الصفا، وعلى هذ الصدوق في الفقيه (1) والشيخ في الاستبصار (2)،
والأول ظاهره في التهذيب (3)، وتبعه جماعة (4).
ولعله الأولى إن لم يكن الحكم بالصحة في موردها مشكلا، لاطلاق
الأصحاب، كالنص بكون الزيادة عمدا مبطلا، واعتبارهم النية في كل
عبادة في ابتدائها، ونية العامد في أول الأسبوع الثاني نية جعلها جزء من
الأولى، لا عبادة مستقلة برأسها وأسبوعا مبتدئا بها، كما هو الفرض في
الزيادة عمدا.
وإلا فلو نواها عبادة أخرى مستقلة عن الأولى لم يصح أن يقال: إنه زاد
على العبادة عمدا، بل يقال: إنه أتى بعبادة أخرى، فيكون الأسبوعان
عبادتين صحيحتين إن شرع ثانيتهما، بأن ثبت استحباب السعي مطلقا،
وإلا كما هو ظاهر الأصحاب حيث صرحوا بأنه لم يشرع السعي مندوبا
مطلقا إلا فيما قدمنا.
فالثانية فاسدة (دون الأولى عكس ما حكمت به الرواية كما
ترى) (5)، مع أن الموجود فيها زيادة شوط أو شوطين ونيتهما بمجردهما سعيا

(1) من لا يحضره الفقيه: باب السهو في السعي بين الصفا والمروة ج 2 ص 414.
(2) الاستبصار: كتاب الحج ب 160 في حكم من سعى أكثر من سبعة أشواط ذيل حديث 5 ج 2
ص 240.
(3) تهذيب الأحكام: ب 10 في الخروج إلى الصفا ج 5 ص 153.
(4) منهم المحقق الأردبيلي في المجمع: كتاب الحج ج 7 ص 163 - 164، والمحدث البحراني في
الحدائق: كتاب الحج ج 16 ص 279.
(5) ما بين القوسين غير موجود في (م) و (ق).
103

ولو في ابتدائهما باطل قطعا، إذ لا ريب في عدم مشروعية السعي بشوط أو
شوطين.
فهذا أوضح قرينة على أن الشوط والشوطين لم يقرنا بنية كونهما عبادة
مستقلة، بل بنية الزيادة على أنها جزء من الأسبوع الأولى مزيدة عليها.
وكيف كان، فالعمل بهذه الرواية مشكل، والمعمول عليه ما قدمنا.
(ومن تيقن عدد الأشواط وشك) في الأثناء (فيما بدأ به) أهو
المروة أو الصفا؟ (فإن كان في الفرد على الصفا) أو متوجها إليه
(أعاد) السعي من أوله، لأنه يقتضي ابتداؤه بالمروة.
(ولو كان) فيه (على المروة) أو متوجها إليها (لم يعد) وصح
سعيه، لأنه يقتضي ابتداؤه بالصفا (و) يكون الحكم (بالعكس لو كان
سعيه زوجا) فيصح لو كان فيه على الصفا، ويعيد لو كان فيه على
المروة.
فالوجه في الجميع واضح مما قدمنا، من وجوب البدأة بالصفا، وأن
البدأة بالمروة مبطل للسعي عندنا. وعن العامة ألهم بين من يجوز الابتداء
بها، ومن يهدر الشوط الأول ويبني على ما بعده (1). وهو ضعيف جدا.
واعلم إن الشك هنا إنما هو باعتبار الذهول أولا، وإلا فبعد ظهور الأمر
بما مضى يحصل العلم بما ابتدأ، صحيحا كان أو فاسدا.
(ولو لم يحصل العدد) وشك فيه في الأثناء فلم يدر ما سعى شوطا
أو شوطين فصاعدا (أعاد) السعي قطعا، لتردده بين محذورين الزيادة
والنقصان المبطل كل منهما، وللصحيح: وإن لم يكن حفظ أنه سعى ستا
فليعد، فليبتدئ السعي حتى يكل سبعة أشواط (2).

(1) حكاه الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 349 س 16.
(2) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب السعي ح 1 ج 9 ص 529.
104

ويستثنى منه ما لو شك بين الاكمال والزيادة على وجه لا ينافي البدأة
بالصفا، كما إذا شك بين السبعة والتسعة وهو على المروة فإنه لا يعيد،
لتحقق الاكمال، وإصالة. عدم الزيادة، مع أنها نسيانا - كما مر مغتفرة،
ولو كان على الصفا أعاد.
(ولو تيقن النقصان أتى به) أي بالناقص المدلول عليه بالعبادة نسي
شوطا أو أقل أو أكثر وإن كان أكثر من النصف، كما يقتضيه إطلاق المتن
وجمع، وصريح آخرين ومنهم شيخنا في المسالك (1) والروضة (2) قائلا: أنه
أشهر القولين في المسألة. قيل: للأصل وما سيأتي من القطع للصلاة بعد
شوط وللحاجة بعد ثلاثة (3).
هذا فيما نقص عن النصف الذي هو محل المشاجرة. وأما فيما زاد فالمعتبرة
به مستفيضه.
منها - مضافا إلى ما سيأتي في المسألة الرابعة - الصحيح: فإن سعى
الرجل أقل من سبعة أشواط ثم رجع إلى أهله فعليه أن يرجع فيسعى
تمامه، وليس عليه شئ، وإن كان لا يعلم ما نقص فعليه أن يسعى سبعا (4).
خلافا للمحكي عن المفيد (5) والديلمي (6) والحلبيين (7) فاعتبروا في

(1) مسالك الأفهام: كتاب الحج ج 1 ص 125 س 12.
(2) الروضة البهية: كتاب الحج ج 2 ص 264.
(3) قاله الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 349 س 18.
(4) تهذيب الأحكام: ب 10 الخروج إلى الصفا ج 5 ص 153، ولم يروه في الوسائل في ب 14 من
أبواب السعي ولا في غيره، ولعله لاعتبار كونه من كلام الشيخ على ما يظهر، خلافا لصاحب
الوافي باب ترك السعي والسهو فيه حيث اعتبره من تتمة الحديث.
(5) المقنعة: كتاب الحج ب 29 الزيادات في فقه الحج ص 440 - 441.
(6) المراسم: كتاب الحج ص 123.
(7) الكافي في الفقه: باب الحج وأحكامه وشروطه ص 195، غنية النزوع (الجوامع الفقهية):
كتاب الحج ص 517 س 4.
105

البناء مجاوزة النصف، للخبر: إذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت أو
بالصفا والمروة وجاوزت النصف علمت ذلك الموضع الذي بلغت، فإذا
هي قطعت طوافها أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله (1).
ونحوه آخر (2).
وفي سندهما ضعف، فلا يعارضان ما مر، سيما مع اعتضاده - زيادة على
الأصل والكثرة - بعمل الأكثر.
لكن في الغنية (3) الاجماع عليهما، والأكثر عملوا بمضمون الخبرين في
الطواف، كما عرفته في صدر الكتاب. فالاحتياط لا يترك.
(الثالث: لو قطع سعيه لصلاة) فريضة حاضرة وجوبا فيما إذا
ضاق وقتها، أو استحبابا في غيره (أو لحاجة) مؤمن استحبابا (أو
لتدارك ركعتي الطواف) بعد أن نسيهما وجوبا أو جوازا (أو غير ذلك)
من نسيان بعض الطواف، كما مر (أتم) السعي بعد قضاء الوطر مطلقا
(ولو كان) ما سعى قبل القطع (شوطا) واحدا على الأشهر الأقوى،
للمعتبرة المستفيضة.
ففي الصحيح: الرجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة فيدخل وقت
الصلاة أيخفف، أو يقطع ويصلي ثم يعود، أو يثبت كما هو على حاله
حتى يفرغ؟ قال: لا، بل يصلي ثم يعود (4).
وأظهر منه في البناء على الشوط الواحد الموثق وغيره: سعيت شوطا ثم

(1) وسائل الشيعة: ب 85 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 501.
(2) وسائل الشيعة: ب 85 من أبواب الطواف ح 2 ج 9 ص 501.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 517 س 5.
(4) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب السعي ح 1 ج 9 ص 534.
106

طلع الفجر، قال: صل ثم عد فأتم سعيك (1).
وعن التذكرة (2) والمنتهى (3) أنه لا نعلم فيه خلافا.
وفي الصحيح: عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة فيسعى
ثلاثة أشواط أو أربعة ثم يلقاه الصديق فيدعوه إلى الحاجة أو إلى الطعام؟
قال: إن أجابه فلا بأس (4).
وفي الفقيه والتهذيب زيادة قوله: (ولكن يقضي حق الله تعالى أحب
إلي من أن يقضي حق صاحبه) (5). قيل: ولذا قال القاضي: ولا يقطعه إذا
عرضه حاجة، بل يؤخرها حتى يفرغ منه إذا تمكن من تأخيرها، ومر في
الطواف الأمر بالقطع، فلعل الاختلاف لاختلاف الحاجات (6).
وفيه: عن الرجل يطوف بالبيت ثم ينسى أن يصلي الركعتين حتى
يسعى بين الصفا والمروة خمسة أشواط أو أقل من ذلك؟ قال: ينصرف
حتى يصلي، ثم يصلي الركعتين، ثم يأتي مكانه الذي كان فيه فيتم
سعيه (7). ونحوها آخر (8).
والمرسل كالصحيح، إلا أنه ليس فيهما ذكر الخمسة أشواط أو أقل،

(1) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب السعي ح 2 ج 9 ص 534.
(2.) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 367 س 25.
(3) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 707 س 27.
(4) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب السعي ح 1 ج 9 ص 535.
(5) من لا يحضره الفقيه: باب حكم من قطع عليه السعي لصلاة ح 2856 ج 2 ص 417، وتهذيب
الأحكام: كتاب الحج ب 10 في الخروج إلى الصفا ح 45 ج 5 ص 157.
(6) قال الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 350 س 1.
(7) وسائل الشيعة: ب 77، من أبواب الطواف ح 3 ج 9 ص 490.
(8) وسائل الشيعة: ب 77 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 489.
107

ولا التصريح باتمام السعي بعد العود إلى المكان الذي خرج منه (1).
وهذه النصوص مع استفاضتها وصحة أكثرها وصراحة (2) بعضها في
جواز البناء ولو على شوط معتضدة بالأصل، والشهرة العظيمة التي كادت
تكون إجماعا، بل من المتأخرين إجماع حقيقة.
مضافا إلى حكاية عدم الخلاف المتقدمة، المؤيدة بالاجماع على عدم
وجوب الموالاة في السعي، المنقول عن التذكرة (3).
خلافا للمفيد (4) ومن تبعه في المسألة السابقة (5 فجعلوا السعي
كالطواف، واعتبروا فيه للبناء المجاوزة عن النصف، وأوجبوا الاستئناف
بدونها.
فيلزمهم اعتبارها له هنا في هذه الصور كلها، إلا أن الحلبيين (6) حيث
نصا في الطواف أنه إذا قطع الفريضة بنى بعد الفراغ ولو على شوط،
فيوافقان الأصحاب في القطع للفريضة.
بخلاف المفيد (7) والديلمي (8) فأطلقا افتراق مجاوزة النصف وعدمها في
الطواف، ومشابهة السعي له.
ومستندهم ما مر من الخبرين (9) مع الجواب عنه، لا حمل السعي على

(1) وسائل الشيعة: ب 77 من أبواب الطواف ح 4 ج 9 ص 490.
(2) في نسخة (مش) أكثرها.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 367 س 2 1.
(4) المقنعة: كتاب الحج ب 29 الزيادات في فقه الحج ص 440 - 441.
(5) كالديلمي في المراسم: كتاب الحج ص 123.
(6) أبو الصلاح في الكافي: باب حقيقة الحج وأحكامه ص 195، وابن زهرة في الغنية (الجوامع
الفقهية): كتاب الحج ص 517 س 3.
(7) المقنعة: كتاب الحج ب 29 الزيادات في فقه الحج ص 440 - 441.
(8) المراسم: كتاب الحج ص 123.
(9) وسائل الشيعة: ب 85 من أبواب الطواف ح 1، 2 ج 9 ص 501.
108

الطواف، كما في المختلف (1)، ليرد أنه قياس مع الفارق، لأن حرمة
الطواف أكثر من حرمة السعي.
وهل يجوز القطع من غير داع حيث لا يخاف الفوت؟ وجهان، والمحكي
عن الجامع (2).
نعم وعليه جمع (3)، للأصل، وما مر من نقل الاجماع على عدم وجوب
الموالاة. ولكن الأحوط العدم، أخذا بمقتضي التأسي والمتيقن.
هذا، ولولا اتفاق المتأخرين على عدم اعتبار المجاوزة عن النصف في
هذه الصور كلها وجواز البناء مطلقا. ولو كان ما سعى شوطا واحدا لكان
القول بما قاله الحلبيان قويا، للتأسي، وما بعده السالمين عن المعارض
صريحا، بل وظاهرا ظهورا يعتد به، إلا الموثق (4) وغيره (5)، الواردين في
القطع للصلاة، فإنهما صريحان في البناء ولو على شوط. ونحن نقول فيه
بمضمونهما، بل مر نقل عدم الخلاف فيه عن التذكرة (6) والمنتهى (7).
ولا موجب للتعدي إلى ما عداه من الصور، سوى الأخبار الباقية،
والاجماع على عدم وجوب الموالاة.
والأخبار ليست بواضحة الدلالة، إلا على الأمر بالعود إلى المكان الذي
.

(1) مختلف الشيعة: كتاب الحج في السعي ج 1 ص 294 س 15.
(2) الجامع للشرائع: كتاب الحج ص 202 - 203.
(3) منهم الشهيد الأول في اللمعة الدمشقية: كتاب الحج ج 2 ص 266، والفاضل الهندي في
الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 350 س 8.
(4) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب السعي ح 2 ج 9 ص 534.
(5) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب السعي ح 1 ج 9 ص 534.
(6) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 367 س 25.
(7) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 707 س 27.
109

فيه قطعه خاصة، كما في بعضها، أو مع الأمر باتمام السعي، كما في آخر
منها. وربما خلا بعضها عن الأمر بالعود أيضا، وإنما فيه رخصة القطع
خاصة.
فأوضحها دلالة الرواية الثانية، وليس فيها تصريح بالبناء على الأول،
بل ظاهرها الاطلاق، ولما سبق لبيان حكم آخر غير ما نحن فيه صار فيه
مجملا، وإنما ذكر الحكم فيه تبعا.
فيشكل التعويل على مثل هذا الاطلاق جدا في الخروج عن مقتضى
الدليلين اللذين قدمناهما، سيما بعد اعتضادهما بالخبرين اللذين ذكرا سابقا
للمفيد ومن تبعه مستندا.
والاجماع المنقول على عدم وجوب الموالاة، غايته نفي الوجوب الشرعي،
بمعنى أنه لا يؤاخذ بتركها شرعا لا الشرطي، فلا ينافي وجوا شرطا في محل
النزاع، بمعنى أنه لو لم يوال يفسد سعيه، ويتوقف صحته على إعادته وإن لم
يكن بترك الموالاة آثما.
وبالجملة: التمسك بنحو هذا الاجماع المنقول والأخبار لا تخلو عن
إشكال.
وكيف كان، فالاحتياط لا يترك على حال بحصل بالاتمام ثم
الاستئناف.
(الرابع: لو) سعى ستة أشواط، ثم (ظن إتمام سعيه، فأحل
وواقع أهله، أو قلم أظفاره، ثم ذكر أنه نسي شوطا) واحدا (أتم)
سعيه بلا خلاف، لما مر من وجوب الاتمام مع تيقن النقصان.
(وفي) بعض (الروايات) أنه (يلزمه دم بقرة).
ففي الصحيح: رجل متمتع سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط ثم رجع
110

إلى منزله وهو يرى أنه قد فرغ منه وقلم أظفاره وأحل ثم ذكر أنه سعى ستة
أشواط؟ فقال - عليه السلام -: يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط فإن كان
يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط فليعد، وليتم شوطا وليرق دما، سأله: دم
ماذا؟ فقال: دم بقرة الخبر (1).
وفي آخر: عن رجل طاف بين الصفا والمروة ستة أشواط وهو يظن أنها
سبعة فذكر بعد ما أحل وواقع النساء أنه إنها طاف ستة أشواط؟ فقال:
عليه بقرة يذبحها ويطوف شوطا (2).
وفي سند هذا ضعف، وفي متنه كالأول مخالفة للأصول المقررة
عندهم، من وجوب الكفارة على الناسي في غير الصيد، ووجوب البقرة في
تقليم الأظفار.
مع أن الواجب بمجموعها شاة، ووجوبها في الجماع مطلقا، مع أن
الواجب به مع العلم بدنة، ولا شئ مع النسيان ومساواة القالم للجماع،
والحال أنهما مفترقان في الحكم في غير هذه المسألة.
ولعله لهذا أطرحهما القاضي والشيخ في كفارة النهاية والمبسوط، كما
حكي (3)، وحملهما بعض الأصحاب على الاستحباب (4)، ولم يفت الماتن
بها هنا ولا في الشرائع، بل عزاه إلى القيل وبعض الروايات (5)، مشعرا
بتردده فيه من ذلك، ومن صحة الرواية الأولى، وإمكان جبر ضعف

(1) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب السعي ح 1 ج 9 ص 529، مع اختلاف يسير.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 1 من أبواب السعي ح 2 ج 9 ص 529.
(3) حكاه الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 349 س 25.
(4) كالأردبيلي في المجمع: كتاب الحج ج 7 ص 172، والسيد في المدارك: كتاب الحج ج 8
ص 217.
(5) شرائع الاسلام: كتاب الحج ج 1 ص 274.
111

الثانية بفتوى الشيخين (1) والحلي (2) بها وجماعة (3).
فيمكن تخصيص القواعد بهما، كما صرح به جماعة، قائلين: بأن العقل
لا يأباها بعد ورود النص بها (4)، مع إمكان توجيه الحكم فيهما بنحو
لا يخالفها.
أما بما ذكره الحلي من أن الكفارة لأجل أنه خرج من السعي غير قاطع
به ولا متيقن بإتمامه، بل خرج عن ظن منه، وهاهنا لا يجوز له أن يخرج
مع الظن، بل مع القطع واليقين، وقال: هذا ليس بحكم الناسي (5).
أو بما ذكره شيخنا في المسالك من أن الناسي وإن كان معذورا، لكن
قد قصر حيث لم يلحظ النقص، قال: فإن من قطع السعي على ستة أشواط
يكون قد ختم بالصفا، وهو واضح الفساد فلم يعذر، بخلاف الناسي غيره
فإنه معذور (6) انتهى.
ولعل هذا أقوى، لكن يجب القصر على مورد النص، وهو المتمتع، كما
في الرواية الأولى جزما، وكذا في الثانية، على ما يفهم من جماعة ومنهم
الماتن في الشرائع (7) والفاضل في القواعد (8) تبعا للحلي، حيث قال - بعد

(1) المفيد في المقنعة: كتاب الحج ب 28 الكفارة عن خطأ المحرم... ص 434، والطوسي في النهاية
ونكتها: ب 8 السعي بين الصفا والمروة ج ص 513.
(2) السرائر: كتاب الحج باب ما يلزم المحرم من جناياته... ج 1 ص 551.
(3) منهم العلامة الحلي في التحرير: كتاب الحج ج 1 ص 100 س 19، والمحدث البحراني في
حدائقه: كتاب الحج ج 16 ص 284.
(4) مدارك الأحكام: كتاب الحج في السعي ج 8 ص 217.
(5) السرائر: كتاب الحج باب ما يلزم المحرم من جناياته ج 1 ص 551.
(6) مسالك الأفهام: كتاب الحج ج 1 ص 125 س 22.
(7) شرائع الاسلام: كتاب الحج ج 1 ص 274.
(8) قواعد الأحكام: كتاب الحج ج 1 ص 84 س 23.
112

الفتوى بمضمونها وتوجيهه بما مضى -: وهذا يكون في سعي العمرة المتمتع بها
إلى الحج (1). فإنه في غيرها قاطع بوجوب طواف النساء عليه وقد جامع قبله
متذكرا، فعليه لذلك بدنة.
ولكن اعترض عليه بأن الرواية مطلقة، بل عامة (2).
وما ادعاه من القبلية والتذكر ممنوعة، ولذا احتمل المحقق في النكت أن
يكون طاف طواف النساء ثم واقع (3)، لظنه إتمام السعي، والفاضل في
المختلف أن يكون قدم طواف النساء على السعي لعذر (4).
أقول: ويرد عليه أيضا منافاة ما ذكره هنا لما ذكره في توجيه الرواية
سابقا، من أن الكفارة إنما هي لتقصيره في الاكتفاء بالظن وعدم مراعاته
العلم مع وجوب مراعاته عليه، وهذا لا يختلف فيه الحال بين أن يكون في
سعي العمرة المتمتع بها أو غيرها.
وما ذكره هنا ظاهر، بل صريح في أن الكفارة إنما هي من حيث
الموافقة لا ما ذكره. فتأمل.
(القول في أحكام منى بعد العود) من مكة إليها
إعلم أن الحاج إذا قضى مناسكه بمكة - شرفها الله تعالى - من طواف
الزيارة والسعي وطواف النساء (يجب) عليه العود ل‍ (المبيت بمنى ليلة
الحادي عشر والثاني عشر) مطلقا، والثالث عشر على تفصيل سيذكر إن
شاء الله تعالى بإجماعنا، ووافقنا عليه أكثر من خالفنا، كما عن المنتهى (5).

(1) نفس المصدر السابق.
(2) المعترض هو الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 349 س 24.
(3) النهاية ونكتها: كتاب الحج ج 1 ص 495.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الحج ج 1 ص 284 س 14.
(5) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 769 س 27.
113

وهو الحجة؟ مضافا إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة، التي
كادت تبلغ التواتر، بل لعلها متواترة.
وعن الشيخ في التبيان (1) القول باستحبابه. وهو شاذ.
قيل: ولا ينافيه ما في بعض الكتب من جعله من السنة، أو حصر
واجبات الحج في غيره، أو الحكم بأنه إذا طاف للنساء تمت مناسكه ب‍، أو
حجه لجواز خروجه عنه وإن وجب، ونص الحلبي على كونه من مناسكه،
ولذا اتفقوا على وجوب الفداء على من أخل، وتجب النية، كما في
الدروس، وفي اللمعة الجلية يستحب، فينوي كما في الفخرية أنه: أبيت هذه
الليلة بمنى لحج التمتع حج الاسلام مثلا، لوجوبه قربة إلى الله تعالى، فإن
أخل بالنية عمدا أثم، وفي الفدية وجهان، كما في المسالك (2).
أقول: ونفى فيه البعد عن العدم (3)، ولا بأس به، للأصل، وعدم
معلومية شمول إطلاق ما دل على لزوم الفدية بترك المبيت لمثله، لانصرافه
بحكم التبادر إلى الترك الحقيقي لا الحكمي.
(ولو بات بغيرها) ليلة (كان عليه) شاة أو الليلتين ف (شاتان)
إجماعا، كما في صريح الغنية (4) والخلاف (5) وغيرهما، وظاهر المنتهى (6)
وغيره، وللصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
ففي الصحيح: من زار فنام في الطريق فإن بات بمكة فعليه دم (7).

(1) تفسير التبيان: ج 2 ص 154 في تفسير الآية 196 من سورة البقرة.
(2) كما في المسالك: كتاب الحج ج 1 ص 125 س 31.
(3) قاله الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 378 س 1.
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 519 س 8.
(5) لم نعثر عليه في الخلاف ونقله الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 378 س 16.
(6) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 770 س 3.
(7) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العود إلى منى ح 16 ج 10 ص 209.
114

وفيه: عن أبي الحسن - عليه السلام - سألني بعضهم عن رجل بات ليلة
من ليالي منى بمكة؟ فقلت: لا أدري، قال صفوان: فقلت له: جعلت
فداك ما تقول فيها؟ قال: عليه دم إذا بات (1).
وفيه: عن رجل بات بمكة في ليالي منى حتى أصبح؟ فقال: إن كان
أتاها نهارا فبات حتى أصبح فعليه دم يهريقه (2).
وفيه: لا تبت ليالي التشريق إلا بمنى، فإن بت في غيرها فعليك
دم. (3).
والاستدلال بهذين إنما هو لأن إطلاقهما يفيد شاة لليلة، فلليلتين
شاتان، كذا قيل (4). ولا يخلو عن إشكال.
نعم لا بأس به، جمعا بينهما وبين الأخبار المتقدمة، الصريح بعضها في
وجوب الدم بترك المبيت ليلة، مضافا إلى الاجماعات المنقولة، وصراحة
الروايات الآتية بثلاثة لثلاث، وظاهر غيرهما مما سيأتي إليها الإشارة.
فلا إشكال في المسألة وإن حكي التعبير بأن من بات ليالي منى بغيرها
وما بلفظ الجمع عن المقنعة والهداية والمراسم والكافي وجمل العلم والعمل،
لما قيل (5)، من احتماله الوفاق لما عليه الأصحاب وإن احتمل الخلاف،
إما بالتسوية بين ليلة وليلتين وثلاث، أو بأن لا يجب الدم إلا بثلاثة،
لاجماله واحتماله كلا من الاحتمالات على السواء، بل قيل: الأول
أظهرها (6).

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العود إلى منى ح 5 ج 10 ص 207.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العود إلى منى ح 23 ج 10 ص 210.
(3) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العود إلى منى ح 8 ج 10 ص 207.
(4) قاله الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 378 س 15.
(5) قاله الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 378 س 16 - 17.
(6) قاله الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 378 س 16 - 17.
115

وإطلاق النصوص والفتاوى شمل الجاهل والمضطر والناسي، فيكون
جبرانا لا كفارة.
خلافا للمحكي (1) عن الشهيد في بعض الحواشي فاستثنى الجاهل.
ووجهه غير واضح.
وفي الصحيح: عن رجل فاتته ليلة من ليالي منى؟ قال: ليس عليه
شئ، وقد أساء (2).
وهو يحتمل الجهل، وهو الليلة الثالثة، وما في التهذيبين (3) من الخروج
بعد انتصاف الليل، أو الاشتغال بالطاعة في مكة.
وفي آخر: فاتتني ليلة المبيت بمنى في شغل؟ فقال: لا بأس (4).
وهو يحتمل ما فيهما والنسيان والضرورة والليلة الثالثة.
ويحتملان أيضا الحمل على التقية، كما ربما يفهم من الصحيحة المتقدمة
المروية عن أبي الحسن - عليه السلام -، وقيل: أنه مذهب أي حنيفة (5). أو
على أن يكون غلبته عينه بمكة، أو في الطريق بعد ما خرج منها إلى منى،
كالمروي في قرب الإسناد: في رجل أفاض إلى البيت فغلبته عيناه حتى
أصبح؟ قال: لا بأس عليه، ويستغفر الله تعالى، ولا يعود (6). وهو
ضعيف.

(1) حكاه المحقق الكركي في جامعه: كتاب الحج ج 3 ص 263.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العود إلى منى ح 7 ج 10 ص 257.
(3) الاستبصار: ب 201 من بات ليالي منى بمكة ج 2 ص 293، وتهذيب الأحكام: ب 18 زيارة
البيت ج 5 ص 258.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العود ح 12 ج 10 ص 208.
(5) قاله المحدث البحراني في حدائقه: كتاب الحج ج 17 ص 298.
(6) قرب الإسناد: ص 65.
116

نعم هنا أخبار صحيحة بجواز النوم في الطريق اختيارا.
منها: من زار فنام في الطريق، فإن بات بمكة فعليه دم، وإن خرج
منها فليس عليه شئ وإن أصبح دون منى (1).
ومنها: إذا زار الحاج من منى فخرج من مكة فجاوز بيوت مكة فنام ثم
أصبح قبل أن يأتي منى؟ فلا شئ عليه (2).
ومنها: إذا جاز عقبة المدنيين فلا بأس أن ينام (3).
قيل: وبه أفتى الإسكافي والشيخ في التهذيبين (4).
أقول: ولا يخلو عن قوة إن لم ينعقد الاجماع على خلافه، لوضوح
دلالتها، مضافا إلى صحتها وكثرتها وموافقتها الأصل، مع عدم وضوح
معارض لها، إلا إطلاق بعض الصحاح المتقدمة، ويقبل التقييد بها.
والخبر: عن رجل زار البيت فطاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم رجع
فغلبته عينه في الطريق فنام حتى أصبح؟ قال: عليه شاة (5).
وفي سنده ضعف. ويحتمل تقييد الطريق فيه بطريق في حدود مكة
لا خارجها.
ولا بعد فيه، سيما بعد ملاحظة الصحيحة الأولى المتقدمة في صدر
المسألة.
هذا، ولكن الأحوط ما عليه الأصحاب، والحكم بوجوب الدم لترك
المبيت مطلق.
(إلا أن يبيت بمكة متشاغلا (6) بالعبادة) فلا يجب على الأظهر

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العود إلى منى ح 16 - 17 ج 10 ص 209.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العود إلى منى ح 16 - 17 ج 10 ص 209.
(3) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العود إلى منى ح 15 ج 10 ص 259.
(4) قاله الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 378 س 24.
(5) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العود إلى منى ح 10 ج 10 ص 208.
(6) في المتن من المطبوع: مشتغلا.
117

الأشهر، بل عليه عامة من (1) تأخر، للصحيحين.
في أحدهما: عن رجل زار البيت فلم يزل في طوافه ودعائه والسعي
والدعاء حتى طلع الفجر؟ فقال: ليس عليه شئ كان في طاعة الله
عز وجل (2).
وهو يفيد العموم لكل عبادة واجبة أو مندوبة، ومورده استيعاب الليل بها.
فينبغي الاقتصار فيما خالف الأصل، الدال على لزوم الدم بترك المبيت
عليه.
نعم يستثنى منه ما يضطر إليه من غذاء وشراب، كما ذكره
الشهيدان (3)، ولكن زادا: ونوم يغلب عليه.
وفيه نظر، إذ ليس في الخبر ما يرشد إليه، بل ولا إلى الأولين، وإنما
استثنيا حملا لاطلاق النص على الغالب، وليس في الخبر ما يخالف في
النوم، لظهوره في عدمه.
قيل: ويحتمل أن القدر الواجب هو ما كان يجب عليه بمنى، وهو أن
يتجاوز نصف الليل (4). وهو ضعيف.
نعم له المضي إلى منى، لاطلاق الصحاح المتقدمة في النوم في الطريق،
بل ظهورها فيه خاصة، بل تظافرت الصحاح حينئذ بالأمر به.

(1) منهم العلامة في الارشاد: كتاب الحج ج 1 ص 335، والمحقق الثاني في جامع المقاصد: كتاب
الحج ج 3 ص 263 - 264، والسيد في المدارك: كتاب الحج ج 8 ص 225.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العود إلى منى ح 13 ج 10 ص 208.
(3) الشهيد الأول في الدروس: كتاب الحج ص 134 س 20، والشهيد الثاني في المسالك: كتاب
الحج ج 1 ص 125 س 35.
(4) قاله الشهيد الأول في الدروس: كتاب الحج ص 134 س 22.
118

منها: إذا خرجت من منى قبل غروب الشمس فلا تصبح إلا بمنى (1).
ومنها: إن زار بالنهار أو عشاء فلا ينفجر الصبح إلا وهو بمنى (2).
ومنها: إن خرجت أول الليل فلا ينتصف الليل إلا وأنت بمنى، إلا أن
يكون شغلك نسكك وقد خرجت من مكة (3). إلى غير ذلك من الصحيح
وغيره.
وخالف الحلي (4) في أصل الاستثناء، فاستظهر أن عليه الدم وإن بات
بمكة مشتغلا بالعبادة، عملا بالعمومات والتفاتا إلى أن الصحيح من
الآحاد. وهو مع وهن أصله شاذ.
(ولو كان ممن يجب عليه المبيت في الليالي الثلاث) وترك
المبيت بها أجمع (لزمه ثلاث شياه) لكل ليلة شاة إجماعا، كما في
الغنية (5)، لاطلاق بعض الروايات المتقدمة.
مضافا إلى رواية أخرى ضعف سندها بالشهرة منجبرة: عمن بات ليالي
منى بمكة؟ قال: ثلاث من الغنم يذبحهن (6).
والمراد بمن يجب عليه المبيت في الليالي الثلاث هو من لم يتق في إحرامه
الصيد والنساء، أو موجبات الكفارة، أو مطلق المحرمات على اختلاف
الأقوال، الآتي ذكرها إن شاء الله تعالى.
فإن قلنا بالأخيرين كان على من أخل بالمبيت في الثلاث ثلاث من
الشياه، كما عن النهاية (7) والسرائر (8) وإن اتقى عن سائر المحرمات، وإلا

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العود إلى منى ح 3، 4، 8 ج 10 ص 206 - 207.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العود إلى منى ح 3، 4، 8 ج 10 ص 206 - 207.
(3) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العود إلى منى ح 3، 4، 8 ج 10 ص 206 - 207.
(4) السرائر: كتاب الحج باب زيارة البيت ج 1 ص 604.
(5) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 519 س 9.
(6) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العود إلى منى ح 6 ج 10 ص 207.
(7) النهاية ونكتها: كتاب الحج ج 1 ص 536.
(8) السرائر: كتاب الحج باب زيارة البيت و... ج 1 ص 604.
119

فشاتان، كما عن المبسوط (1) والجواهر (2).
وحد المبيت بها - أي القدر الواجب منه - أن يكون بها ليلا حتى يتجاوز
نصف الليل بمكة، فله الخروج منها بعد الانتصاف ولو إلى مكة شرفها الله
تعالى، للمعتبرة المستفيضة.
ففي الصحيح: فإن خرجت أول الليل فلا ينتصف الليل إلا وأنت في
منى، إلا أن يكون شغلك نسكك، أوقد خرجت من مكة، وإن خرجت
بعد نصف الليل فلا يضرك أن تصبح في غيرها (3).
وفيه: إن زار بالنهار أو عشاء فلا ينفجر الصبح إلا وهو بمنى، وإن زار
بعد نصف الليل! والسحر فلا بأس عليه أن ينفجر الصبح وهو بمكة (4).
وفي الخبر: فإن خرج من منى بعد نصف الليل لم يضره شئ (5).
وفي آخر: إذا خرج الرجل من منى أول الليل فلا ينتصف له الليل إلا
وهو بمنى، وإذا خرج بعد نصف الليل فلا بأس أن يصبح بغيرها (6).
ويستفاد منه ومن الصحيح الثاني تساوي نصف الليل في تحصيل
الامتثال، كما عن الحلبي (7)، إلا أن ظاهر الأصحاب انحصاره في النصف
الأول، فأوجبوا عليه الكون بها قبل الغروب إلى النصف الثاني.
وصريح شيخنا في المسالك (8) والروضة (9) بذلك، وزاد فأوجب مقارنة

(1) المبسوط: كتاب الحج في نزول منى... ج 1 ص 378.
(2) جواهر الفقه: كتاب الحج ص 48.
(3) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العود إلى منى ح 8 ج 10 ص 207.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العود إلى منى ح 4 ج 10 ص 206.
(5) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العود إلى منى ح 14 ج 10 ص 209.
(6) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العود إلى منى ح 20 ج 10 ص 210.
(7) الكافي في الفقه: باب حقيقة الحج وأحكامه وشروطه ص 198.
(8) مسالك الأفهام: كتاب الحج ج 1 ص 125 السطر قبل الأخير.
(9) الروضة البهية: كتاب الحج ج 2 ص 315، 318.
120

النية لأول الليل، فإن تم إجماعا، وإلا فاستفادة ذلك من الأخبار بعد ضم
بعضها إلى بعض مشكل.
ولذا صرح سبطه بأن أقصى ما يستفاد منها ترتب الدم على مبيت
الليالي المذكورة في غير منى، بحيث يكون خارجا عنها من أول الليل إلى
آخره (1)
وهو حسن، وإن كان ما ذكره شيخنا في المسالك أحوط، أخذا
بالمتيقن.
والكون بها إلى الفجر أفضل، كما في النهاية (2) والسرائر (3) وعن
المبسوط (4) والكافي (5) والجامع (6)، للصحيح: عن الدلجة إلى مكة أيام منى
وهو يريد أن يزور؟ قال: لا حتى ينشق الفجر، كراهية أن يبيت الرجل
بغير منى. (7)
ويستفاد منه كراهية الخروج، كما عن ابن حمزة (8).
وعن المختلف أن الخبر الجازي - وأشار به إلى ما قدمناه من الخبر الثالث
بعد الصحيحين - ينفيها وإن كان الأفضل المبيت بها إلى الفجر (9).

(1) مدارك الأحكام: كتاب الحج ج 8 ص 224.
(2) النهاية ونكتها: كتاب الحج ج 1 ص 536.
(3) السرائر: كتاب الحج باب زيارة البيت و... ج 1 ص 604.
(4) المبسوط: كتاب الحج في نزول منى ج 1 ص 378.
(5) الكافي في الفقه: باب حقيقة الحج وأحكامه وشروطه ص 198.
(6) الجامع للشرائع: كتاب الحج ص 217.
(7) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العود إلى منى ح 11 ج 10 ص 208.
(8) الوسيلة: كتاب الحج ص 187 - 188.
(9) مختلف الشيعة: كتاب الحج ج ص 310 س 32، ونقل المصنف عبارة الفاضل الهندي في
الكشف عن المختلف مع شئ من التصرف راجع كشف اللثام: كتاب الحج ج 1 ص 379
س 1.
121

وفيه نظر، فإن الموجود فيه نفي الضرر، وهو يجامع الكراهة، فإنها
ليست بضرر قطعا.
ثم أن ظاهر إطلاق جملة من الأخبار المتقدمة وصريح بعضها ما
قدمناه، من جواز الخروج بعد الانتصاف ولو إلى مكة شرفها الله تعالى،
وعليه الأكثر.
(وقيل: لا يدخل مكة حتى يطلع الفجر) والقائل الشيخ في
النهاية (1) والحلي في السرائر (2)، وحكي أيضا عن المبسوط (3) والوسيلة (4)
والجامع (5)، وفي الدروس (6) أنه لم يقف على مأخذه.
قيل: ولعلهم استندوا إلى ما مر من الأخبار الناطقة - بأن الخارج من
مكة ليلا إلى منى يجوز له النوم في الطريق إذا جاز بيوت مكة، لدلالتها على
أن الطريق في حكم منى، فيجوز أن يريدوا الفضل، لما مر من أن الأفضل
الكون إلى الفجر لا الوجوب، اقتصارا على اليقين، وهو جواز الخروج من
منى بعد الانتصاف لا من حكمه (7).
وهو كما ترى، مع ضعفه - كما لا يخفى - اجتهاد في مقابلة النص الصحيح
المتقدم، المعتضد - زيادة على الأصل والاطلاقات - بصريح الخبر المروي عن
قرب الإسناد.

(1) النهاية ونكتها: كتاب الحج ج 1 ص 536.
(2) السرائر: كتاب الحج باب زيارة البيت و... ج 1 ص 604.
(3) المبسوط: كتاب الحج في نزول منى ج 1 ص 378.
(4) الوسيلة: كتاب الحج ص 188.
(5) الجامع للشرائع: كتاب الحج ج 1 ص 217.
(6) الدروس الشرعية: كتاب الحج ص 134 س 24.
(7) قال الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 379 س 2.
122

ففيه: وإن كان خرج من منى بعد نصف الليل فأصبح بمكة فليس
عليه شئ (1).
وضعف السند ينجبر بفتوى الأكثر.
فما اختاروه أقوى، وإن كان ما قاله الشيخ أحوط.
واعلم أنه يجوز لذوي الأعذار المبيت حيث يضطرون إليه، إذ لا حرج
في الدين.
وفي وجوب الدم نظر، من التردد في كونه كفارة، أو جبرانا، وظاهر
الغنية العدم (2)، كما هو مقتضى الأصل.
قيل: ومنهم الرعاة وأهل، السقاية، فروى العامة ترخيصهم، ونفى عنه
الخلاف في الخلاف والمنتهى، وخصص مالك وأبو حنيفة الرخصة للسقاية
بأولاد عباس، وفي التذكرة والمنتهى أنه قيل: للرعاة ترك المبيت ما لم تغرب
الشمس عليهم بمنى، فإن غربت وجب عليهم بخلاف السقاية لاختصاص
شغل الرعاة بالنهار بخلاف السقاية، وأفتى بهذا الفرق في التحرير
والدروس. وهو حسن.
وفي الخلاف: وأما من له مريض يخاف عليه، أو مال يخاف ضياعه
فعندنا يجوز له ذلك، لقوله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج)،
وإلزام المبيت، والحال ما وصفناه حرج، وللشافعي فيه وجهان، ونحوه
المنتهى، وهو فتوى التحرير والدروس، ومقرب التذكرة، وفي الدروس.
وكذا لو منع من المبيت عاما أو خاصا، كنفر الحجيج ليلا، قال: ولا إثم
في هذه المواضع.

(1) قرب الإسناد: ص 106 - 107.
(2) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 519 س 10.
123

وتسقط الفدية في هذه المواضع من أهل السقاية والرعاة. وفي سقوطها
عن الباقين نظر. قلت: وجه الفرق بعض العامة بأن شغل الأولين ينفع
الحجيج عامة، وشغل الباقين يخصهم (1).
(ويجب رمي الجمار) الثلاث (في الأيام التي يقيم بها، كل جمرة
بسبع حصيات) بلا خلاف في شئ من ذلك، حتى الوجوب، كما في
السرائر (2) وغيره، وعن التذكرة (3) والمنتهى (4) أنه لا نعلم فيه خلافا، وعن
الخلاف (5) الاجماع على وجوب الترتيب بين رمي الجمار الثلاث ووجوب
القضاء.
قيل: وعد في التبيان من المسنونات، ولعل المراد ما ثبت وجوبه
بالسنة، وفي الجمل والعقود في الكلام في رمي جمرة العقبة يوم النحر أن
الرمي مسنون فيحتمله، والاختصاص برمي جمرة العقبة، وحمل على الأول
في السرائر والمنتهى (6).
أقول: وظاهر التهذيبين (7) أيضا الاستحباب. ولكنه شاذ، على خلافه
الآن قطعا الاجماع.
وهو الحجة ج مضافا إلى المعتبرة المستفيضة، بل المتواترة، كما في

(1) قاله الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 379 س 14.
(2) السرائر: كتاب الحج باب زيارة البيت و... ج 1 ص 605.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 392 س 35.
(4) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 771 س 4 1.
(5) الخلاف: كتاب الحج م 177 ج 2 ص 351.
(6) قاله الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 379 س 28
(7) الاستبصار: باب من نسي رمي الجمار حتى يأتي مكة ج 2 ص 297، تهذيب الأحكام: باب
تفصيل فرائض الحج ج 5 ص 283.
124

السرائر (1).
وفي الصحيح: الحج الأكبر الوقوف بعرفة ورمي الجمار (2).
وفي الخبر: من ترك رمي الجمار متعمدا لم تحل له النساء، وعليه الحج
من قابل (3).
ولكنه شاذ، لم يعمل به أحد من الأصحاب، كما في الذخيرة (4).
ويزيد هنا على ما مضى من شرائط الرمي أن يكون (مرتبا يبدأ
بالأولى ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة) بالاجماع الظاهر، المصرح به في
جملة من العبائر مستفيضا، كالخلاف (5) والغنية (6) وغيرهما صريحا، وفي
التذكرة (7) والمنتهى (8) وغيرهما ظاهرا، وللتأسي، والصحاح المستفيضة.
(و) عليه ف (لو نكس أعاد على
بلا خلاف، وللصحاح المستفيضة.
منها: قلت له: الرجل يرمي الجمار منكوسة؟ قال: يعيدها على
الوسطى وجمرة العقبة (9).

(1) السرائر: كتاب الحج باب زيارة البيت و... ج 1 ص 606، ولكنه لم يدع التواتر. نعم في العبارة
التي نقلها الفاضل الهندي عنه (قدس سره) راجع كشف اللثام: كتاب الحج ج 1 ص 379
س 27.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب العود إلى منى ح 1 ج 10 ص 313 - 214.
(3) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب العود إلى منى ح 5 ج 10 ص 214.
(4) ذخيرة المعاد: كتاب الحج ص 689 س 8.
(5) الخلاف: كتاب الحج م 177 ج 2 ص 351 - 352.
(6) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 519 س 23.
(7) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 377 السطر قبل الأخير، لكنه صرح بالاجماع.
(8) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 772 س 15.
(9) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب العود إلى منى ح 1 ج 10 ص 215.
125

(ويحصل الترتيب بأربع حصيات) فلو رمى اللاحقة بعد أربع
حصيات على السابقة حصل الرمي بالترتيب، وإلا فلا، بلا خلاف، بل
عن صريح الخلاف (1) وظاهر التذكرة (2) والمنتهى (3) الاجماع، للمعتبرين.
أحدهما الصحيح: في رجل رمى الجمرة الأولى بثلاثة والثانية بسبع؟
قال: يعيد رميهن بسبع سبع، قلت: فإن رمى الأولى بأربع والثانية بثلاث
والثالثة بسبع؟ قال: يرمي الجمرة الأولى بثلاث والثانية بسبع ويرمي
جمرة العقبة بسبع، قلت: فإنه رمى الجمرة الأولى بأربع والثانية بأربع
والثالثة بسبع؟ قال: يعيد فيرمي الأولى بثلاث والثانية بثلاث، ولا يعيد
على الثالثة (4).
وإطلاقه كغيره يقتضي البناء على الأربع مع العمد والجهل والنسيان،
وهو أيضا ظاهر المتن والشرائع (5)، والمحكي عن المبسوط (6) والخلاف (7)
والسرائر (8) والجامع (9) والتحرير (10) والتلخيص (11) واللمعة (12)

(1) الخلاف: كتاب الحج م 177 ج 2 ص 351 - 352.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الحح ج 1 ص 393 س 13.
(3) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 772 س 33.
(4) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب العود إلى منى ح 2 ج 10 ص 217.
(5) الشرائع: كتاب الحج ج 1 ص 275.
(6) المبسوط: كتاب الحج في نزول منى ج 1 ص 379.
(7) الخلاف: كتاب الحج م 177 ج 2 ص 351.
(8) السرائر: كتاب الحج باب زيارة البيت و... ج 1 ص 610.
(9) الجامع للشرائع: كتاب الحج ص 218.
(10) هذه الكلمة أثبتناها من جميع المخطوطات.
(11) حكاه الفاضل الهندي، في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 379 س 33.
(12) اللمعة الدمشقية: كتاب الحج ج 2 ص 319.
126

خلافا للفاضل في القواعد (1) والتذكرة (2) والمنتهى (3)، والشهيدين
في الدروس (4) والروضة (5)، وربما عزي إلى الشيخ والأكثر (6)، وربما
جعل أشهر، فقيدوه بالناسي.
وألحق الشهيدان به الجاهل (7).
ومستندهم غير واضح، عدا ما عن الفاضل في الكتابين: من أن الأكثر
إنما يقوم مقام الكل في النسيان. وهو إعادة للمدعى (8).
وفي الروضة: بأنه منهي عن رمي الجمرة اللاحقة قبل إكمال السابقة
فيفسد (9).
ويضعف بأن المعلوم إنما هو النهي عنه قبل أربع لا مطلقا.
ولو سلم، فهو اجتهاد في مقابلة إطلاق النص، إلا أن يمنع شموله
للعامد، لندرته، فلا ينصرف إليه السؤال المعلق عليه الجواب، مضافا إلى
حمل فعل المسلم على الصحة، كما مر غير مرة.
ثم النص صريح في وجوب استئناف الناقصة عن الأربع، وما بعدها

(1) قواعد الأحكام: كتاب الحج ج 1 ص 90 س 14.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 393 س 13.
(3) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 772 س 33.
(4) الدروس الشرعية: كتاب الحج ص 124 س 21.
(5) الروضة البهية: كتاب الحج ج 2 ص 320.
(6) عزاه السبزواري في الذخيرة: كتاب الحج ص 690 س 3.
(7) الشهيد الأول في الدروس: كتاب الحج ص 124 س 21 والشهيد الثاني في في الروضة: كتاب
الحج ج 2 ص 320.
(8) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 393 س 14، والمنتهى كتاب الحج ج 2 ص 772
س 36.
(9) الروضة البهية: كتاب الحج ج 2 ص 320.
127

مطلقا ولو كانت الثانية أو الأولى.
خلافا للحلي فاكتفى بإكمالها، وأوجب استئناف ما بعدها خاصة (1).
قيل: لعدم وجوب الموالاة في الرمي، للأصل، ويدفع بالنص (2).
(ووقت الرمي ما بين طلوع الشمس إلى غروبها) على الأشهر
الأقوى، للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
ففي الصحيح: رمي الجمار من طلوع الشمس إلى غروبها (3). ونحوه
آخر 4)، مؤكدا بالقسم.
خلافا للمحكي عن الوسيلة (5) والإشارة (6) ووالد الصدوق في
مبدئة (7) فجعلوه أول النهار.
ويرده صريح الصحيح: لا ترم الجمرة يوم النحر حتى تطلع
الشمس (8).
ويحتمل أن يريدوا به طلوع الشمس، كما عن بعض كتب اللغة (9)
والغنية (10) والاصباح (11) والجواهر (12) والخلاف (13)، كما حكي فيه أيضا،

(1) السرائر: كتاب الحج باب زيارة البيت و... ج 1 ص 610.
(2) قاله السيد في المدارك: كتاب الحج ج 8 ص 235.
(3) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب رمي جمرة العقبة ح 6 ج 10 ص 79.
(4) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب رمي جمرة العقبة ح 4 ج 10 ص 79.
(5) الوسيلة: كتاب الحج ص 188.
(6) إشارة السبق (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 131 س 4.
(7) نقله عنه العلامة في المختلف: كتاب الحج ج 1 ص 310 س 35.
(8) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب رمي جمرة العقبة ح 7 ج 10 ص 79.
(9) منها القاموس المحيط: مادة (النهر) ج 2 ص 150.
(10) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 519 س 20.
(11) حكاه الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 379 س 39.
(12) جواهر الفقه: كتاب الحج ص 43. (13) الخلاف: كتاب الحج م 176 ج 2 ص 351.
128

فجعلوه بعد الزوال، مدعين عليه الاجماع، عدا الاصباح.
وفي المختلف: أنه شاذ لم يعمل به أحد من علمائنا، حتى أن الشيخ
المخالف وافق أصحابه، فيكون إجماعا، لأن الخلاف إن وقع منه قبل
الوفاق فقد حصل الاجماع، وإن وقع بعده لم يعتد به، إذ لا اعتبار بخلاف
من يخالف الاجماع (1).
قلت: وعلى تقدير عدم شذوذه، فغايته أنه إجماع منقول لا يعارض ما
قدمناه من الصحاح، المعتضدة بعمل الأصحاب.
وأما الصحيح: ارم في كل يوم عند الزوال (2)، فمحمول على
الاستحباب، لعدم قائل به إن أريد به قبل الزوال، وكذا إن أريد به
بعده، جمعا بين الأدلة.
مع احتماله حينئذ الحمل على التقية، فقد حكاه في الخلاف عن
الشافعي وأبي حنيفة (3)، وللصدوقين في آخره فوقتاه إلى الزوال، إلا أن في
الرسالة: وقد روي من أول النهار إلى آخره (4)، وفي الفقيه: وقد رويت
رخصة من أول النهار إلى آخره (5).
(ولو نسي) بل ترك مطلقا (رمي يوم قضاه من الغد) وجوبا
بلا خلاف، بل قيل: بالاجماع، كما في الغنية (6)، وللشافعي قول
بالسقوط، وآخر بأنه في الغد أيضا أداء. وكذا إن فاته رمي يومين قضاهما

(1) مختلف الشيعة: كتاب الحج ج 1 ص 311 س 3.
(2) وسائل الشيعة: ب 12 من أبوب رمي جمرة العقبة ح 1 ج 10 ص 78.
(3) الخلاف: كتاب الحج م 176 ص 351.
(4) حكاه الفاضل في المختلف: كتاب الحج ج 1 ص 310 س 35.
(5) من لا يحضره الفقيه: باب رمي الجمار ج 2 ص 554.
(6) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 519 س 22.
129

في الثالث، وإن فاته يوم النحر قضاه بعده، ولا شئ عليه غير القضاء
عندنا في شئ من الصور، للأصل (1).
أقول: ولظاهر الصحاح الواردة في المسألة حيث لم يؤمر في شئ منها
بغير القضاء.
فمنها - زيادة على ما يأتي -: في رجل نسي رمي الجمار حتى أتى مكة؟
قال: يرجع فيرمي متفرقا، ويفصل بين كل رميتين بساعة، الخبر (2).
وفي آخر: قلت: الرجل ينكس في رمي الجمار فيبدأ بجمرة العقبة ثم
الوسطى ثم العظمى؟ قال: يعود فيرمي الوسطى، ثم يرمي جمرة العقبة
وإن كان من الغد (3).
ويجب أن يكون (مرتبا) بينه وبين الأداء فيؤخره عن القضاء، بل لو
فاته رمي يومين قدم الأول على الثاني وختم بالأداء بلا خلاف، بل عليه
الاجماع عن الخلاف (4).
وهو الحجة عليه، دون ما قيل من تقدم السبب والأخبار
والاحتياط (5)، إذ لا دليل على أن تقديم السبب يقتضي وجوب تقديم
المسبب، والأخبار المفيدة لوجوب التقديم لم نجدها، لأنها ما بين مطلقة
للأمر بالقضاء وهي ما قدمناه قريبا، وبين مصرحة بالأمر بالتقديم لكنها
مقيدا بقيد هو للاستحباب.
ويفصح عنه قوله: (ويستحب أن يكون ما لامسه غدوة) أي بعد

(1) قاله الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 380 س 11.
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب العود إلى منى ح 2 ج 10 ص 213.
(3) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب العود إلى منى ح 4 ج 10 ص 216.
(4) الخلاف: كتاب الحج م 186 ج 2 ص 356.
(5) قاله الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 380 س 13.
130

طلوع الشمس (وما ليومه بعد الزوال).
ففي الصحيح: رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى فعرض له
عارض فلم يرم الجمرة حتى غابت الشمس؟ قال: يرمي إذا أصبح مرتين
إحداهما بكرة وهي للأمس، والأخرى عند زوال الشمس (1).
وظاهرهم عدم الخلاف في الاستحباب وإن أشعر بوجوده عبارة
الدروس (2)، حيث جعله أظهر، وهو كذلك، جمعا بينه وبين الصحيح
المتقدم الأمر بالفصل بينهما بساعة، المنافي لما في هذا الصحيح قطعا، والجمع
بالجمل على تفاوت مراتب الاستحباب، فأدناها ما سبق وأعلاها ما هنا،
لكن ظاهر الأصحاب الاعراض عن الحديث السابق، فيلحق بالشواذ.
ويتوجه حينئذ وجوب ما في هذا الصحيح إن لم ينعقد الاجماع على جواز
الاتيان بهما في وقت واحد وإن انعقد، كما صرح به بعض الأصحاب،
حيث قال بعد الحكم بجوازه: بلا خلاف بشرط الترتيب (3). فالوجه
الاستحباب.
ومما ذكرنا ظهر أنه لا مستند لوجوب الترتيب سوى الاجماع، وأما
الاحتياط فليس بدليل شرعي بعد وجود ما قدمناه من الاطلاق بلا خلاف.
وهل يجوز القضاء قبل طلوع الشمس، أم يتعين بعده كالأداء؟
وجهان، بل قولان أحوطهما الثاني، لعموم ما دل على أن وقت الرمي بعد
طلوع الشمس، مع النهي عنه قبله في بعض ما مر من الصحاح وإن أمكن
الذب عنه بالمعارضة بإطلاق أخبار المسألة.

(1) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب رمى جمرة العقبة ح 1 ج 10 ص 81 مع اختلاف يسير.
(2) الدروس الشرعية: كتاب الحج ص 126 س 3.
(3) وهو الكاشاني في المفاتيح: كتاب مفاتيح الحج ج 1 ص 379.
131

ويرجحها على السابقة أصالة البراءة، وضعف إطلاقها بعدم تبادر
القضاء منه، بل الأداء خاصة.
ويجب نية القضاء فيه، دون الأداء وإن كانت فيه أيضا أولى. والفرق
وقوع ما في ذمته أولا على وجهين، فيحتاج إلى نية التعيين إجماعا، دون
الثاني، حيث لم يكن مشغول الذمة بالقضاء.
وإنما كانت مع ذلك أولى تفصيا عن خلاف من أوجبها مطلقا.
(ولا يجوز الرمي ليلا) كما مضى من توقيته بما بين طلوع الشمس إلى
غروبها (إلا لعذر كالخائف والرعاة والعبيد) ونحوهم، فيجوز لهم ليلا
أداء وقضاء بلا خلاف على الظاهر المصرح به في بعض العبائر، للحرج،
وللمعتبرة المستفيضة، وفيها الصحيحان والموثقان، وفيها التنصيص على
خصوص من ذكر، وزيد في بعضها الحاطبة والمدين والمريض (1).
ولا فرق في الليل بين المتقدم والمتأخر، لعموم النصوص والفتاوى.
قيل: والظاهر أن المراد بالرمي ليلا رمي جمرات كل يوم في ليلته ولو لم
يتمكن من ذلك لم يبعد جواز رمي الجميع في ليلة واحدة، لأنه أولى من
الترك أو التأخير انتهى (2). ولا بأس به.
(و) يجوز أن (يرمى عن المعذور كالمريض) وإن لم يكن مأيوسا
من برئه، وعن الصبي الغير المميز والمغمى عليه بلا خلاف أعرفه، للصحاح
المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
وفي الموثق: إن المريض يحمل إلى الجمرة ويرمى عنه قال: لا يطيق
ذلك، قال: يترك في منزله ويرمى عنه (3).

(1) وسائل الشيعة: ب 14 س أبواب رمي جمرة العقبة انظر أخبار الباب ج 10 ص 80.
(2) قاله السيد في المدارك: كتاب الحج ج 8 ص 233.
(3) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب رمي جمرة العقبة ح 2 ج 10 ص 83.
132

وحمل الحمل فيه على الاستحباب (1).
قيل: وفي المبسوط لا بد من إذنه إذا كان عقله ثابتا، وعن المنتهى
والتحرير استحباب استئذان النائب عن غير المغمى عليه، قال في المنتهى:
إن زال عقله قبل الإذن جاز له أن يرمى عنه عندنا، عملا بالعمومات،
وفي الدروس: لو أغمي عليه قبل الاستنابة وخيف فوت الرمي فالأقرب رمي
الولي عنه، فإن تعذر فبعض المؤمنين، لرواية رفاعة عن الصادق
- عليه السلام -: يرمى عمن أغمي عليه، قلت: فقه المسألة أن المعذور تجب
عليه الاستنابة.
وهو واضح، ولكن إن رمي عنه بدون إذنه فالظاهر الاجزاء، لاطلاق
الأخبار والفتاوى، وعدم اعتباره في المغمى عليه، وإجزاء الحج عن الميت
تبرعا، من غير استنابة. ويستحب الاستئذان إغناء له عن الاستنابة الواجبة
عليه وابراء الذمة عنها (2) انتهى. وهو حسن.
ولو زال العذر والوقت باق لم يجب عليه فعله، لسقوطه عنه بفعل النائب
بمقتضى إطلاق النص والفتوى، لأن امتثال الأمر يقتضي الاجزاء.
ولو استناب المعذور ثم أغمي عليه قبل الرمي لم ينعزل نائبه.، كما
ينعزل الوكيل، وفاقا للأكثر، لأنه إنها جازت النيابة لعجزه لا للتوكيل،
ولذا جازت بدون إذنه، والاغماء زيادة في العجز.
(ولو نسي) من حصى (جمرة) حصاة فصاعدا إلى الثلاث (وجهل
موضعها) من الجمرات الثلاث (رمى على كل جمرة حصاة) مخيرا بين
الابتداء بكل منها.

(1) حمله المقدس الأردبيلي في المجمع: كتاب الحج ج 7 ص 359.
(2) قاله الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 380 س 34.
133

ولا، يجب الترتيب، لأن الفائت من واحدة، ووجوب الباقي من باب
المقدمة، ولاطلاق الصحيح: رجل أخذ إحدى وعشرين حصاة فرمى بها
فزادت واحدة فلم يدر أيهن نقص؟ قال: فليرجع فليرم كل واحدة بحصاة،
الخبر (1)، وعن الجواهر الاجماع (2).
ولو فاته جمرة وجهل تعيينها أعاد على الثلاث مرتبا فيها، لامكان كونها
الأولى فيبطل الأخيرتان بعدها. وكذا لو فاته أربع حصيات فصاعدا
وجهلها.
ولو فاته من كل جمرة واحدة أو اثنتان أو ثلاث وجب الترتيب لتعدد
الفائت بالأصالة.
ولو فاته ثلاث وشك في كونها من واحدة أو أكثر رماها عن كل واحدة
مرتبا، لجواز التعدد.
ولو كان الفائت أربعا استأنف.
(ويستحب الوقوف عند كل جمرة ورميها عن يسارها) من بطن
المسيل حال كونه (مستقبل القبلة. ويقف) عندها (داعيا) بالمأثور
(عدا جمرة العقبة فإنه يستدبر القبلة ويرميها عن يمينها ولا يقف)
عندها كل ذلك خلاف الاستدبار.
للصحيح: وابدأ بالجمرة الأولى فارمها عن يسارها من بطن المسيل، وقل
كما قلت يوم النحر، ثم قم عن يسار الطريق فاستقبل القبلة واحمد الله تعالى
واثن عليه وصل على النبي - صلى الله عليه وآله - ثم تقدم قليلا فتدعو
وتسأله أن يتقبل منك، ثم تقدم أيضا، ثم افعل ذلك عند الثانية واصنع

(1) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب العود إلى منى ح 1 ج 10 ص 217.
(2) جواهر الفقه: كتاب الحج ص 44.
134

كما صنعت بالأولى، وتقف وتدعو الله كما دعوت، ثم تمضي إلى الثالثة
وعليك السكينة والوقار فارم ولا تقف عندها (1).
والصحاح (2) وغيرها بعدم الوقوف عند الثالثة مستفيضة جدا.
وأما الاستدبار للقبلة في رمي جمرة العقبة فقد مضى الكلام فيه في
بحثها مستوفى.
(ولو نسي) بل ترك (الرمي) كلا أو بعضا مطلقا (حتى دخل
مكة) شرفها الله سبحانه وجب عليه أن (يرجع فيها) أي في منى
(ويتدارك) ما ترك وجوبا، للصحاح وغيرها.
ففي الصحيح: في امرأة جهلت أن ترمي الجمار حتى نفرت إلى مكة؟
قال: فلترم الجمار كما كانت ترمي، والرجل كذلك (3).
وفيه: قلت له: رجل نسي أن يرمي الجمار حتى أتى مكة؟ قال:
يرجع فيرميها يفصل بين كل رميتين بساعة، قلت: فإنه إذا فاته ذلك
وخرج؟ قال: ليس عليه شئ (4). ونحوه آخر، لكن فيه بدل (ليس عليه
شئ) (ليس عليه أن يعيد) (5).
وهي كما ترى كالعبارة ونحوها مطلقة، شاملة لصورتي بقاء أيام
التشريق وعدمه.
لكن قيدها الأكثر بالأولى، ولعله الأظهر، جمعا بينها وبين الخبر: من
أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى يمضي أيام التشريق فعليه أن يرميها من

(1) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب رمي جمرة العقبة ح 2 ج 10 ص 75.
(2) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب رمي جمرة العقبة أحاديث الباب ج 10 ص 75 - 76.
(3) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب العود إلى منى ح 1 ج 10 ص 212.
(4) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب العود إلى منى ح 2 ج 10 ص 213.
(5) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب العود إلى منى ح 3 ج 10 ص 213.
135

قابل، فإن لم يحج رمى عنه وليه، فإن لم يكن له ولي استعان برجل من
المسلمين يرمي عنه، وأنه لا يكون رمي الجمار إلا أيام التشريق (1).
وفي سنده وإن كان ضعف بالجهالة، إلا أنه مجبور بالشهرة الظاهرة
والمحكية (2)، بل عليه الاجماع في الغنية (3)، مضافا إلى ضعف الاطلاق في
الأخبار السابقة وعدم معلومية انصرافه إلى الصورة الثانية فإن المتبادر منها
الأولى خاصة.
(ولو خرج) من مكة ولم يتدارك الرمي (فلا حرج) عليه
ولا شئ - كما مر في الصحيحين - إن مضت أيام التشريق، كما هو الغالب
في الخروج.
وعليه يحمل إطلاقهما والعبارة، مضافا إلى مفهوم الرواية السابقة، كما
عرفته.
ولا ريب في الحكم إن أريد من الحرج والشئ المنفي الكفارة،
لانتفائها بالأصل.
قيل: هذا عندنا، وأوجب الشافعية عليه هديا، ولا يختل بذلك إحلاله
عندنا وإن كان في ترك الرمي عامدا (4).
وأما ما مر من بعض الأخبار بأنه من ترك رمي الجمار متعمدا لم يحل
له النساء وعليه الحج من قابل (5)، فمع ضعف سنده وشذوذه - وإن حكي

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب العود إلى منى ح 4 ج 10 ص 213
(2) حكاها المحقق الأردبيلي في المجمع: كتاب الحج ج 7 ص 357.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 519 س 22.
(4) قال الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 380 س 20.
(5) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب العود إلى منى ح 5 ج 10 ص 214.
136

نحوه عن الإسكافي (1)، وأشعر عبارة التهذيب (2) بقبوله - غير صريح.
لاحتماله الحمل على تعمد الترك لزعمه عندما أحرم أو بعده أنه لغو
لا عبرة به، فإنه حينئذ كافر لا عبرة بحجه وإحلاله.
أو على أن يكون المراد إيجاب الحج من قابل لقضاء الرمي فيه فيكون
بمعنى ما في الخبر المتقدم، كما قيل (3).،
أو على الاستحباب، كما في الاستبصار (4) والمختلف () والدروس.
وفيه: أنه لم نقف على قائل به (6)، وكذا إن أريد منه وجوب العود
لتدارك الرمي في عامه، لاتفاق الأخبار المتقدمة عليه.
ويشكل لو أريد منه ذلك مطلقا، كما هو ظاهره في الشرائع (7) وصريحه
هنا لقوله:
(ولو حج في القابل استحب) له (القضاء ولو استناب) ولم
يباشره (جاز) لعدم وضوح دليل عليه، سوى الأصل، وعموم الصحيحين
المتقدمين بنفي الشئ والإعادة، السالمين عما يصلح للمعارضة، سوى
الرواية المتقدمة، وهي ضعيفة السند، كما عرفته.
وقد عرفت الجواب عن ضعف السند بالشهرة العظيمة، إذ لم نر مصرحا
بالاستحباب، عدا الماتن والفاضل فيما حكي عنه من التبصرة (8)، وأما

(1) حكاه عنه العلامة في المختلف: كتاب الحج ج 1 ص 302 س 5.
(2) تهذيب الأحكام: ب 9 1 الرجوع إلى منى ج 5 ص 264.
(3) قاله الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 380 س 23.
(4) الاستبصار: ب 203 رمي الجمار ج 2 ص 297.
(5) مختلف الشيعة: كتاب الحج ج 1 ص 302 س 14.
(6) الدروس الشرعية: كتاب الحج ص 126 س 10.
(7) شرائع الاسلام: كتاب الحج ج 1 ص 276.
(8) تبصرة المتعلمين: كتاب الحج ص 76.
137

باقي الأصحاب فهم بين مصرح بالوجوب، كالشيخ في التهذيبين (1)
والخلاف (3) والشهيدين في الدروس (3) والمسالك (4) والروضة (5).
وبالملزوم، كالحلي (6) فيما حكي، أو أمر به كالشيخ في النهاية (7) والحلي
في السرائر (8) والفاضل في التحرير (9) والقواعد (10) وابن زهرة في الغنية
مدعيا عليه إجماع الطائفة (11).
وحينئذ فتكون الرواية حجة، ويقيد بها الأصل والصحيحان، بحمل
الشئ والإعادة فيهما على ما يجامع الرواية، بأن يراد بالشئ نحو الكفارة،
أو الإعادة في هذه السنة.
وعليها يحمل الإعادة المنفية في الرواية الثانية، مضافا إلى احتمالها
الحمل على ما ذكره بعض الأجلة.
فقال: ويحتمل أن يكون إنها أراد السائل أنه نسي التفريق، ويؤيده

(1) الاستبصار: ب 204 من نسي رمي الجمار حتى يأتي مكة ج 2 ص 297، تهذيب الأحكام:
ب 19 الرجوع إلى منى ورمي الجمار ج 5 ص 264.
(2) الخلاف: كتاب الحج م 189 ج 2 ص 358.
(3) الدروس الشرعية: كتاب الحج ص 126 س 8.
(4) مسالك الأفهام: كتاب الحج ج 1 ص 126 س 21.
(5) الروضة البهية: كتاب الحج ج 2 ص 325.
(6) الكافي في الفقه: باب حقيقة الحج وأحكامه ص 199، وحكى اللزوم عنه في كشف اللثام:
كتاب الحج ج 1 ص 380 س 26.
(7) النهاية ونكتها: كتاب الحج ج 1 ص 537 - 538.
(8) السرائر: كتاب الحج باب زيارة البيت و... ج 1 ص 609.
(9) تحرير الأحكام: كتاب الحج ج 1 ص 110 س 21.
(10) قواعد الأحكام: كتاب الحج ج 1 ص 90 س 19.
(11) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 519 س 21.
138

لفظ (يعيد) مع أن في طريقها النخعي فإنما يكون صحيحا إن كان أيوب
بن نوح ولا يقطع به (1).
(ويستحب الإقامة بمنى أيام التشريق) للصحيح: عن رجل يأتي
مكة أيام منى بعد فراغه من زيارة البيت فيطوف بالبيت تطوعا؟ فقال:
المقام بمنى أفضل وأحب إلي (2).
ولا يجب للأصل. ونحوه الصحيحين: لا بأس أن يأتي الرجل مكة
فيطوف في أيام منى، ولا يبيت بها (3).
وفي الموثق: رجل زار فقضى طواف حجه كله أيطوف بالبيت أحب
إليك، أم يمضي على وجهه إلى منى؟ فقال: أي ذلك شاء فعل ما لم
يبت (4).
(ويجوز) للحاج إذا فرغ من رميه الجمار في اليومين الأولين من أيام
التشريق (النفر في الأول، وهو الثاني عشر من ذي الحجة لمن اتقى
الصيد) بأن ترك قتله وأخذه (والنساء) بأن ترك وطأهن، وربما قيل:
الاستمتاع بهن مطلقا (5)، وهو أحوط وأولى في إحرامه في الحج.
وربما الحق به عمرة التمتع، لارتباطها به (6)، وهو أحوط.
ويسقط عنه رمي الجمار في اليوم الثالث حينئذ بلا خلاف، كما عن
المنتهى (7).

(1) هو الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 380 س 31.
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب العود إلى منى ح 5 ج 10 ص 211.
(3) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب العود إلى منى ح 1 ج 10 ص 211.
(4) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب العود إلى منى ح 4 ج 10 ص 211.
(5) لعله أشار إلى وجه الالحاق الذي ذكره الشهيد الثاني في الروضة: كتاب الحج ج 2 ص 323.
(6) أشار إلى ما قواه، الشهيد الثاني في المسالك: كتاب الحج ج 1 ص 126 س 9.
(7) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 775 س 31.
139

(وإن شاء) نفر (في الثاني وهو الثالث عشر) من الشهر بالكتاب
والسنة والاجماع الظاهر، المصرح به في جملة من العبائر، وعن المنتهى أنه
مذهب العلماء كافة (1).
ولكن اختلف الفتاوى والنصوص في المراد بالمتقي أهو من الصيد
والنساء خاصة؟ كما هو الأشهر (2)، أو سائر ما يوجب الكفارة كذلك؟
كما عن الحلي (3) وغيره، أو كل ما حرم عليه في إحرامه؟ كما عن ابن
سعيد (4). والأظهر الأول، للخبرين.
أحدهما: إذا أصاب المحرم الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأول،
ومن نفر في النفر الأول فليس له أن يصيب الصيد حتى ينفر الناس، وهو
قول الله عز وجل: (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه... لمن اتق) الصيد (5).
ومفهومه وإن دل على جواز نفر المتقي للصيد في النفر الأول مطلقا ولو لم
يتق النساء، لكنه مقيد بما إذا اتقاهن أيضا بالاجماع.
وفي الثاني: ومن أتى النساء في إحرامه لم يكن له أن ينفر في النفر
الأول (6).
وضعف سندهما منجبر بالعمل، ولا دليل على الأخيرين، عدا الخبر
الأخير.
وفيه: لمن اتقى الرفث والفسوق والجدال وما حرم الله تعالى في إحرامه.

(1) نفس المصدر السابق.
(2) كما في المفاتيح: كتاب الحج ج 1 ص 380.
(3) نقله السيد في المدارك: كتاب الحج ج 8 ص 248.
(4) الجامع للشرائع: كتاب الحج ص 218.
(5) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب العود إلى منى ح 3 ج 10 ص 225، وفيه اختلاف.
(6) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب العود إلى منى ح 1 ج 10 ص 225.
140

وفي سنده ضعف، مضافا إلى عدم مقاومته، لما مر من وجوه، وهو وإن
وافقه ظاهر إطلاق الآية، إلا أنها - كما قيل - محتملة لمعان متعددة رويت في
تفسيرها (1). وفيه نظر.
وكيف كان، فلا ريب أن هذا القول أحوط، فلا يترك العمل به مهما
أمكن.
(ولو لم يتق تعين عليه الإقامة إلى النفر الأخير) إجماعا لما مر
قريبا.
(وكذا) يتعين عليه الإقامة إلى النفر الأخير (لو غربت الشمس)
وهو بمنى (ليلة الثالث عشر) وإن اتقى بالاجماع، والمعتبرة المستفيضة.
ففي الصحيح: إذا جاء الليل بعد النفر الأول فبت بمنى فليس لك أن
تخرج منها حتى تصبح (2).
وفيه: فإن أدركه المساء بات ولم ينفر (3).
(ومن نفر في الأول لا) يجوز أن (ينفر إلا بعد الزوال) إلا
لضرورة (و) من نفر (في الأخير يجوز) له (قبله) بلا خلاف هنا،
حتى من القائل بأن وقت الرمي بعد الزوال، بل في الغنية (4) والتذكرة (5)
عليه الاجماع، وعن المنتهى (6) بلا خلاف، ولا في الأول، إلا ما يحكى
عن التذكرة فقرب فيها أن التأخير مستحب (7).

(1) قال المحدث الكاشاني في مفاتيح الشرائع: كتاب الحج ج 1 ص 380.
(2) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب العود إلى منى ح 2 ج 10 ص 224.
(3) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب العود إلى منى ح 1 ج 10 ص 224.
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 519 س 14.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 394 س 21.
(6) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 776 س 22.
(7) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 394 س 22.
141

ووجهه بعض: بأن الواجب إنما هو الرمي والبيتوتة والإقامة في اليوم
مستحبة، كما مر، فإذا رمى جاز النفر متى شاء، قال: يمكن حمل كثير من
العبارات عليه. ويؤيده الخبر: لا بأس أن ينفر الرجل في النفر الأول قبل
الزوال، وإن حمل على الضرورة والحاجة انتهى (1).
وفيه: أنه اجتهاد صرف في مقابلة الصحاح المستفيضة وغيرها من
المعتبرة.
ففي الصحيح: إذا أردت أن تنفر في يومين فليس لك أن تنفر حتى
تزول الشمس، وإن أخرت إلى آخر أيام التشريق وهو يوم النفر الأخير
فلا عليك أي ساعة نفرت ورميت من قبل الزوال أو بعده (2).
وفيه: أما اليوم الثاني فلا تنفر حتى تزول الشمس، فأما اليوم الثالث
فإذا ابيضت الشمس فانفر على كتاب الله تعالى، الخبر (3).
وفيه: عن الرجل ينفر في النفر الأول قبل أن تزول الشمس؟ فقال:
لا، ولكن يخرج ثقله، ولا يخرج هو حتى تزول الشمس (4).
مع أن الخبر الذي ذكره ضعيف السند بالجهالة والدلالة، باحتماله
التقييد بما ذكره، وهو أقوى من حمل الصحاح على الاستحباب أو الكراهة،
من وجوه عديدة.
ودعوى انحصار الواجب في الرمي والبيتوتة أول النزاع والمشاجرة.
واستحباب الإقامة في اليوم كله لا يستلزم استحبابها في أجزائه.
وبعبارة أخرى: الموصوف بالاستحباب إنما هو الإقامة بعد الزوال إلى

(1) هو الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 381 س 20.
(2) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب العود إلى منى ح 3 ج 10 ص 221.
(3) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب العود إلى منى ح 4 ج 10 ص 222.
(4) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب العود إلى منى ح 6 ج 10 ص 223.
142

الليل، لا الإقامة إلى الزوال وأحدهما غير الآخر، والمؤيد هو الثاني دون
الأول.
ثم اعلم أن إطلاق الأدلة كالعبارة ونحوها بجواز النفر في الثاني قبل
الزوال أو بعده مخيرا بينهما يعم الإمام وغيره.
خلافا للمحكي عن النهاية (1) والمبسوط (2) والمهذب (3) والسرائر (4)
والغنية (5) والاصباح (6) فخصوه بغير الإمام، وقالوا: عليه أن يصلي الظهر
بمكة. وعن المنتهى (7) والتحرير (8) والتذكرة (9) استحباب ذلك له.
ولا بأس به، للصحيح: يصلي الإمام الظهر يوم النفر بمكة (10).
وفي الخبر: إن أصحابنا قد اختلفوا علينا فقال بعضهم: إن النفر يوم
الأخير بعد زوال الشمس أفضل، وقال بعضهم: قبل الزوال؟ فكتب: أما
علمت أن رسول الله صلى الظهر والعصر بمكة، فلا يكون ذلك إلا وقد نفر
قبل الزوال (11).
وربما يفهم منه رجحانه لغير الإمام أيضا.

(1) النهاية ونكتها: كتاب الحج ج 1 ص 541.
(2) المبسوط: كتاب الحج في ذكر النفر... ج 1 ص 380.
(3) المهذب: كتاب الحج ج 1 ص 263.
(4) السرائر: كتاب الحج باب النفر من منى ج 1 ص 613.
(5) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 519 س 13.
(6) حكاه عنه الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 381 س 23.
(7) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 777 س 8.
(8) تحرير الأحكام: كتاب الحج ج 1 ص 111 س 3.
(9) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 394 س 29.
(10) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب العود إلى منى ح 1 ج 10 ص 227.
(11) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب العود إلى منى ح 2 ج 10 ص 227.
143

(ويستحب للإمام) كما هنا وفي الشرائع (1) والقواعد (2) (أن
يخطب) الناس بعد صلاة الظهر، كما في التحرير (3)، وعن المنتهى (4)
بدل الظهر بعد صلاة العصر من اليوم الثاني من أيام التشريق.
(ويعلمهم ذلك) أي وقت النفر الأول والثاني.
وفي الدروس وغيره: ينبغي أن يعلمهم أيضا كيفية النفر والتوديع،
ويحثهم على طاعة الله تعالى، وعلى أن يختموا حجهم بالاستقامة، والثبات
على طاعة الله تعالى، وأن يكونوا بعد الحج خيرا منهم قبله، وأن يذكروا ما
عاهدوا الله تعالى عليه من خير (5).
وفي الدروس حكم بالوجوب (6) ولم أعرف مستنده. وله وجه إن علم
الإمام جهلهم بما يجب عليهم، وفي التحرير (7) عبر بالجواز، ولا بأس به،
بل ولا بالاستحباب.
(والتكبير بمنى) عقيب خمس عشرة صلاة أولها ظهر النحر وفي البلدان
عقيب عشر صلوات أولها ظهره أيضا (مستحب، وقيل (8): يجب) وقد
مر التحقيق فيه وفي كيفيته في بحث صلاة العيد، فلا نعيده.
(ومن قضى) أي أدى (مناسكه) بمنى، فإن كان بقي عليه شئ

(1) شرائع الاسلام: كتاب الحج ج 1 ص 276.
(2) قواعد الأحكام: كتاب الحج ج 1 ص 91 س 1.
(3) تحرير الأحكام: كتاب الحج ج 1 ص 110 س 27.
(4) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 1 ص 775 س 21، وعبارته لا تتحمل ذلك وإن حكاه السيد في
المدارك: كتاب الحج ج 8 ص 253.
(5) الدروس الشرعية: كتاب الحج ص 135 س 19.
(6) الدروس الشرعية: كتاب الحج ص 120 س 19.
(7) تحرير الأحكام: كتاب الحج في أحكام منى ج 1 ص 111 س 2.
(8) قاله ابن حمزة في الوسيلة: كتاب الحج ص 188.
144

عن مناسك مكة، كطواف أو بعضه أو سعي عاد إليها، لفعله وجوبا،
وإلا (فله الخيرة في العود إلى مكة) وغيرها، لعدم وجوبه عليه عندنا،
كما في الروضة (1) وغيرها، للأصل، والنصوص.
منها: ما ترى في المقام بمنى بعد ما ينفر الناس؟ فقال: إذا كان قد
قضى مناسكه فليقم ما شاء، وليذهب حيث شاء (2).
ومنها: لو كان لي طريق إلى منزلي من منى ما دخلت مكة (3).
(و) لكن (الأفضل العود) إليها (لوداع البيت ودخول الكعبة،
خصوصا للصرورة) لاستحبابهما بالاجماع، والنصوص المستفيضة.
ففي الصحيح: إذا أردت أن تخرج من مكة وتأتي أهلك فودع البيت
وطف أسبوعا الخبر (4).
وفي الموثق: عن الدخول في الكعبة؟ فقال: الدخول فيها دخول في رحمة
الله تعالى، والخروج منها خروج من الذنوب معصوم فيما بقي من عمره،
مغفور له ما سلف من ذنوبه (5).
ولا ينافيه الصحيح: عن دخول البيت؟ فقال: أما الصرورة فيدخله،
وأما من قد حج فلا (6).
لأنه محمول على أن المنفي تأكد الاستحباب الثابت للصرورة، كما في
الصحيح: لا بد للصرورة أن يدخل البيت قبل أن يرجع (7).

(1) الروضة البهية: كتاب الحج ج 2 ص 325.
(2) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب العود إلى منى ح 1 ج 10 ص 228.
(3) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب العود إلى منى ح 1 ج 10 ص 228.
(4) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب العود إلى منى ح 1 ج 10 ص 231.
(5) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب العود إلى منى ح 1 ج 10 ص 230.
(6) وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب مقدمات الطواف ح 3 ج 9 ص 371.
(7) وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب مقدمات الطواف ح 1 ج 9 ص 371.
145

وظاهره وإن كان وجوبه على الصرورة كما وقع التصريح بلفظه في
غيره (1)، لكن وقع التصريح بالاستحباب في جملة من المعتبرة.
منها: أحب للصرورة أن يدخل الكعبة وأن يطأ المشعر الحرام (2).
ومنها: كيف صار الصرورة يستحب له دخول الكعبة دون من قد
حج؟ قال: لأن الصرورة قاضي فرض مدعو إلى حج بيت الله تعالى،
فيجب أن يدخل البيت الذي دعي إليه، ليكرم فيه (3).
ويستحب أن يكون الدخول بلا حذاء، وبعد الغسل، كما مر في بحثه،
والدعاء إذا دخل بالمأثور على سكينة ووقار، وأن لا يبزق ولا يمتخط فيها.
(ومع عوده) إلى مكة ودخوله في الكعبة (استحب) له (الصلاة
في زوايا الكعبة) (4) الأربع، في كل زاوية ركعتين يبدأ بالزاوية التي فيها
الدرجة، ثم الغربية، ثم التي فيها الركن اليماني، ثم التي فيها الحجر
الأسود، كما عن القاضي (5)، داعيا بالمأثور.
(وعلى الرخامة الحمراء) التي بين الأسطوانتين اللتين تليان الباب،
وهي مولد مولانا أمير المؤمنين - عليه السلام - كما قيل (6)، ركعتين يقرأ في
الأولى بعد الحمد حم السجدة ويسجد لها، ثم يقوم فيقرأ الباقي، وفي
الثانية بقدرها من الآيات، لا الحروف والكلمات.
(والطواف بالبيت) للوداع، وهو كغيره سبعة أشواط.
(واستلام الأركان) كلها، وخصوصا اليماني والذي فيه الحجر في

(1) وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب مقدمات الطواف ح 5 ج 9 ص 372.
(2) وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب مقدمات الطواف ح 6، 4 ج 9 ص 372 و 371.
(3) وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب مقدمات الطواف ح 6، 4 ج 9 ص 372 و 371.
(4) في المتن المطبوع: البيت.
(5) المهذب: كتاب الحج ج 1 ص 264.
(6) قاله الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 382 س 13.
146

كل شوط، وأقله أن يفتح به ويختم.
(و) اتيان (المستجار) والدعاء عنده في الشوط السابع، أو بعد
الفراغ منه ومن صلاته.
(والشرب من زمزم، والخروج من باب الحناطين) قيل: وهو
باب بني جمح، وهي قبيلة من قبائل قريش، وهو بإزاء الركن الشامي على
التقريب (1).
(والدعاء) عند الخروج بالمأثور (والسجود) عند الباب، وهو
(مستقبل القبلة والدعاء) بقوله: اللهم إني انقلب على لا إله إلا الله.
قيل: وزاد القاضي قبله الحمد والصلاة (2)، وفي المقنعة مكان ذلك: اللهم
لا تجعله آخر العهد من زيارة بيت الحرام (3).
(والصدقة بتمر يشتريه بدرهم) كفارة لما لعله في الاحرام أو
الحرم، وعن الجعفي: يتصدق بدرهم (4)، وفي الدروس: لو تصدق ثم ظهر
له موجب يتأدى بالصدقة أجزأ على الأقرب (5)، كل ذلك للصحاح
المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
ففي الصحيح: إذا أردت دخول الكعبة فاغتسل قبل أن تدخلها
ولا تدخلها بحذاء وتقول إذا دخلت اللهم إنك قلت: (ومن دخله كان
آمنا) فآمني من عذاب النار.
ثم تصلي ركعتين بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء، تقرأ في الركعة

(1) قال ابن إدريس في السرائر: كتاب الحج ج 1 ص 616.
(2) قاله الفاضل الهندي في الكشف: كتاب الحج ج 1 ص 383 س 6.
(3) المقنعة: كتاب الحج ب 25 الصلاة نحو الأركان ص 430.
(4) نقله عنه الشهيد في دروسه: كتاب الحج درس 117 ج 1 ص 469.
(5) الدروس الشرعية: كتاب الحج درس 117 ج 1 ص 469.
147

الأولى حم السجدة، وفي الثانية عدد آياتها من القرآن، وتصلي في زواياه،
وتقول: اللهم من تهيأ أو تعبأ أو أعد أو استعد لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده
وجائزته ونوافله وفواضله، فإليك يا سيدي تهيئتي وتعبئتي واعدادي
واستعدادي رجاء رفدك ونوافلك وجائزتك فلا تخيب اليوم رجائي، يا من
لا يخيب عليه سائل ولا ينقصه نائل، فإني لم آتك اليوم بعمل صالح قدمته
ولا شفاعة مخلوق رجوته، ولكني أتيتك مقرا بالظلم والإساءة على نفسي،
فإنه لا حجة لي ولا عذر.
فأسألك يا من هو كذلك أن تصلي على محمد وآل محمد، وتعطيني
مسألتي وتقلني عثرتي، ولا تردني مجبوها ممنوعا ولا خائبا يا عظيم (ثلاثا)
أرجوك للعظيم، أسألك يا عظيم أن تغفر لي الذنب العظيم لا إله إلا أنت،
قال: ولا تدخلها بحذاء، ولا تبزق فيها، ولا تمتخط فيها، الحديث (1).
وفيه: إذا دخلته فادخل بسكينة ووقار (2).
وفيه: إذا أردت أن تخرج من مكة وتأتي أهلك فودع البيت وطف
أسبوعا، وإن استطعت أن تستلم الحجر الأسود والركن اليماني في كل شوط
فافعل، وإلا فافتح به واختم، وإن لم تستطع ذلك فموسع عليك، ثم تأتي
المستجار فتصنع عنده ما صنعت يوم قدمت مكة، ثم تختر لنفسك من
الدعاء - إلى أن قال -:
ثم ائت زمزم واشرب من مائها، ثم اخرج وقل: آئبون تائبون
عابدون، لربنا حامدون إلى ربنا منقلبون راغبون إلى الله تعالى راجعون إن
شاء الله تعالى، قال: وإن أبا عبد الله - عليه السلام - لما ودعها وأراد أن

(1) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب مقدمات الطواف ح 1 ج 9 ص 372.
(2) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب مقدمات الطواف مقطع من ح 6 ج 9 ص 374.
148

يخرج من المسجد خر ساجدا عند باب المسجد طويلا، ثم قام وخرج (1).
وفيه: رأيت أبا جعفر الثاني - عليه السلام - في سنة خمس عشرة ومائتين
بعد ارتفاع الشمس وطاف بالبيت يستلم الركن اليماني في كل شوط فلما
كان الشوط السابع استلمه واستلم الحجر ومسح بيده ثم مسح وجهه بيده،
ثم أتى المقام فصلى خلفه ركعتين، ثم خرج إلى دبر الكعبة إلى الملتزم،
فالتزم البيت وكشف الثوب عن بطنه، ثم وقف عليه طويلا يدعو، ثم
خرج من باب الحناطين وتوجه.
قال: فرأيته في سنة تسع عشرة ومائتين ودع البيت ليلا يستلم الركن
اليماني والحجر الأسود في كل شوط، فلما كان الشوط السابع التزم البيت
في دبر الكعبة قريبا من الركن اليماني وفوق الحجر المستطيل، وشف الثوب
عن بطنه، ثم أتى الحجر فقبله ومسحه، وخرج إلى المقام فصلى خلفه، ثم
مضى ولم يعد إلى البيت، وكان وقوفه على الملتزم بقدر ما طاف بعض
أصابنا سبعة أشواط وبعضهم ثمانية (2).
وفي الخبر: يأتي المستجار بين الحجر والباب فتودعه، ثم تخرج فتشرب
من زمزم، ثم تمضي، فقلت: أصب على رأسي؟ فقال: لا تقرب
الصب (3).
وفيه: رأيت أبا الحسن - عليه السلام - ودع البيت فلما أراد أن يخرج من
باب المسجد خر ساجدا، ثم قام فاستقبل القبلة فقال: اللهم إني انقلب
على لا إله إلا الله (4).

(1) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب العود إلى منى ح 1 ج 10 ص 231، مع اختلاف يسير.
(2) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب العود إلى منى ح 3 ج 10 ص 232 مع اختلاف يسير.
(3) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب العود إلى منى ح 5 ج 10 ص 233.
(4) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب العرد إلى منى ح 2 ج 10 ص 232.
149

وفيه: سمعت أبا عبد الله - عليه السلام - وهو خارج من الكعبة وهو
يقول: الله أكبر حتى قالها ثلاثا، ثم قال: اللهم لا تجهد بلانا، ربنا
ولا تشمت بنا أعداءنا، فإنك أنت الضار النافع (1).
وفيه: ينبغي للحاج إذا قضى مناسكه وأراد أن يخرج أن يبتاع بدرهم
تمرا يتصدق به، فيكون كفارة لما لعله دخل عليه من حك أو قملة سقطت
أو نحو ذلك (2).
(ومن المستحب التحصيب) للنافر في الأخير إجماعا، كما عن
التذكرة (3) والمنتهى (4).
وفي المدارك وغيره: للصحيح: إذا نفرت وانتهيت إلى الحصباء - وهي
البطحاء - فشئت أن تنزل قليلا فإن أبا عبد الله - عليه السلام - قال: كان أبي
ينزلها ثم يحمل فيدخل مكة من غير أن ينام بها، والموثق كالصحيح: عن
الحصبة؟ فقال: كان أبي ينزل الأبطح قليلا، ثم يجئ فيدخل البيوت،
من غير أن ينام بالأبطح، الخبر (5).
وظاهره أنه النزول بالأبطح من غير أن ينام. وقيل (6) في تفسيره غير
ذلك.
وظاهر إطلاق العبارة استحبابه مطلقا ولو في النفر الأول، وهو خلاف
الاجماع الظاهر المصرح به في بعض العبائر (7)، وفي ذيل الموثق السابق

(1) وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب مقدمات الطواف ح 1 ج 9 ص 377.
(2) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب العود إلى منى ح 2 ج 10 ص 234
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 394 س 35.
(4) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 777 س 34.
(5) مدارك الأحكام: كتاب الحج ج 8 ص 263.
(6) قاله الفيروزآبادي في القاموس: مادة (الحصبة) ج 2 ص 55.
(7) كعبارة التذكرة: كتاب الحج ج 1 ص 394 س 33.
150

أرأيت من يعجل في يومين عليه أن يحصب؟ قال: لا (1).
(والنزول بالمعرس) معرس النبي - صلى الله عليه وآله - (على طريق
المدينة) بذي الحليفة (وصلاة ركعتين فيه) وهو بضم الميم وفتح العين
وتشديد الراء المفتوحة، ويقال: بفتح الميم وسكون العين وتخفيف الراء،
مسجد بقرب مسجد الشجرة، وبإزائه مما يلي القبلة، كما في كلام
جماعة (2). واستحباب نزوله والصلاة فيه مجمع عليه، كما في كلام
جماعة (3)، للصحاح والموثقات.
ففي الصحيح: إذا انصرفت من مكة إلى المدينة فانتهيت إلى ذي الحليفة
وأنت راجع من مكة فأت معرس النبي - صلى الله عليه وآله -، فإن كنت
في وقت صلاة مكتوبة أو نافلة فصل فيه، فإن كان في غير وقت صلاة
فأنزل فيه قليلا، فإن رسول الله - صلى الله عليه وآله - قد كان يعرس فيه
ويصلي (4).
وفيه: والتعريس هو أن تصلي فيه وتضطجع ليلا مر به أو نهارا (5).
ويستفاد منه أنه لا فرق في استحباب التعريس والنزول به، بين أن
يحصل المرور به ليلا أو نهارا، وبه صرح جماعة (6).

(1) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب العود إلى منى ح 3 ج 10 ص 229.
(2) منهم مدارك الأحكام: كتاب الحج في أحكام مكة ج 8 ص 273، وذخيرة المعاد: كتاب الحج
في أحكام مكة ص 695 س 23.
(3) منهم مدارك الأحكام: كتاب الحج في أحكام مكة ج 8 ص 273، وذخيرة المعاد: كتاب الحج
في أحكام مكة من 695 س 23.
(4) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب المزار ح 1 ج 10 ص 289.
(5) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب المزار ح 2 ج 10 ص 289.
(6) منهم مدارك الأحكام: كتاب الحج في أحكام مكة ج 8 ص 4 27، وذخيرة المعاد: كتاب الحج
في أحكام مكة ص 695 س 39.
151

وأظهر منه الموثق: إن مررت به ليلا أو نهارا فعرس فيه ج وإنما التعريس
في الليل؟ فقال: نعم إن مررت به ليلا أو نهارا فعرس فيه، فإن رسول الله
- صلى الله عليه وآله - كان يفعل ذلك (1).
وقوله: " إنما التعريس في الليل " إشارة إلى معناه اللغوي أو ما فعله
النبي - صلى الله عليه وآله -، وهو كذلك، كما يظهر من المحكي عن
القاموس (2) والجوهري (3).
ففي الأول: أعرس القوم: نزلوا في آخر الليل للاستراحة كعرس، وليلة
التعريس الليلة التي نام فيها النبي - صلى الله عليه وآله -.
وعن الثاني: المعرس محل نزول القوم في السفر آخر الليل.
ويستفاد من الصحيح الأول أن التعريس إنما يستحب في العود من
مكة إلى المدينة لا في المضي إلى مكة، وهو صريح الموثق: وإنها المعرس إذا
رجعت إلى المدينة، ليس إذا بدأت (4).
ويستفاد من جملة من المعتبرة وفيها الصحيح والموثق تأكد استحباب
التعريس، حتى لو جاوز المعرس بلا تعريس رجع فعرس.
(والعزم على العود) فإن العزم على الطاعات من قضايا الايمان.
وأخبار الدعاء بأن لا يجعله آخر العهد ناطقة به، مضافا إلى خصوص
النصوص.
منها: من خرج من مكة وهو ينوي الحج من قابل زيد في عمره (5).

(1) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب المزار ح 4 ج 10 ص 290.
(2) قاله الفيروزآبادي في القاموس: ج 2 ص 230.
(3) الصحاح: ج 3 ص 948 مادة عرس.
(4) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب المزار ح 3 ج 10 ص 290.
(5) وسائل الشيعة: ب 57 من أبواب وجوب الحج ح 1 ج 8 ص 107.
152

ومنها: من خرج من مكة وهو لا يريد العود إليها فقد اقترب أجله ودنا
عذابه (1).
وفي ثالث: كنا مع أبي عبد الله - عليه السلام - وقد نزلنا الطريق،
فقال: ترون هذا الجبل ثافلا أن يزيد بن معاوية عليهما اللعنة لما رجع من
حجه مرتحلا إلى الشام، ثم أنشأ يقول:
إذا تركنا ثافلا يمينا * فلن نعود بعده سنينا
للحج والعمرة ما بقينا
فأماته الله قبل أجله (2).
(ومن المكروهات: المجاورة بمكة) بلا خلاف وإن اختلفت
العبارات بالاطلاق، كما هنا وفي الشرائع (3) والنهاية (4) وغيرها من عبائر
كثير، وفي الدروس (5) وغيره أنه المشهور، وجعله في المدارك (6) هو
المعروف بين الأصحاب، مشعرا بالاجماع.
أو التقييد بسنة كاملة، سواء وثق من نفسه - لعدم المحذورات الآتية - أم
لا، كما في الجامع (7) وغيره.
أو التقييد بما إذا أوثق من نفسه عدمها مطلقا، كما في الدروس (8).

(1) وسائل الشيعة: ب 57 من أبواب وجوب الحج ح 2 ج 8 ص 107.
(2) وسائل الشيعة: ب 57 من أبواب وجوب الحج ح 6 ج 8 ص 108.
(3) شرائع الاسلام: كتاب الحج ج 1 ص 278.
(4) النهاية - كما في المخطوطات كلها -: كتاب الحج في فقه الحج ج 1 ص 559، وفي المطبوع من
الشرح: والمنتهى.
(5) الدروس الشرعية: كتاب الحج ص 139 س 12.
(6) مدارك الأحكام: كتاب الحج ج 8 ص 271.
(7) الجامع للشرائع: كتاب الحج ص 230.
(8) الدروس الشرعية: كتاب الحج ص 139 س 16.
153

أو التقييد بهما معا، كما في المدارك (1) وغيره.
ومنشأ الاختلافات اختلاف الأنظار في الجمع بين الأخبار المختلفة،
فمما يدل على المشهور النصوص المستفيضة، وفيها التعليل بأن كل ظلم فيه
إلحاد (2)، وفي المقام خوف ظلم منه وممن معه، كما في الصحاح.
وفي جملة منها: فلذلك كان الفقهاء يكرهون سكنى مكة، كما في
أحدهما (3)، أو كان ينتهي أو يتقي أن يسكن الحرم، كما في غيره (4)، أو
بأن من خرج منها زاد شوقه إليها، كما في المرسل كالصحيح وغيره (5)، أو
بأن المجاورة بها يقسي القلوب، كما في المراسيل المستفيضة (6).
وعلى الثاني الصحيح: لا ينبغي للرجل أن يقيم بمكة سنة، قلت:
كيف يصنع؟ قال: يتحول عنها الخبر (7).
ومما يدل على استحباب المجاورة مطلقا أو سنة ما أشار إليه بعض
الأصحاب جامعا بينه وبين ما سبق.
فقال بعده: ولا ينافيه استحبابها، لما ورد من الفضل فيما يوقع فيها من
العبادات، وهو ظاهر، ولا ما في الفقيه عن علي بن الحسين - عليه السلام -
عن قوله: (الطاعم بمكة كالصائم فيما سواها والماشي بمكة في عبادة الله

(1) مدارك الأحكام: كتاب الحج ج 8 ص 272.
(2) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب مقدمات الطواف ح 1 ج 9 ص 340.
(3) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب مقدمات الطواف ح 1 ج 9 ص 341، والظاهر أن هذه الجملة
من كلام الشيخ - رحمه الله -، كما لا يخفى على من راجع هذه الرواية.
(4) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب مقدمات الطواف ح 3 ج 9 ص 341.
(5) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب مقدمات الطواف ح 7 ج 9 ص 342
(6) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب مقدمات الطواف ح 6 و 8 و 9 و 10 و 11 ج 9 ص 342 و 343.
(7) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب مقدمات الطواف ح 5 ج 9 ص 342.
154

عز وجل " (1)، إذ الطاعم بها إنما هو كالصائم والماشي في العبادة، لكونهما
نويا بكونهما للتقرب إلى الله تعالى بأداء المناسك أو غيرها من العبادات.
وهو لا ينافي أن يكون الخارج منها لتشويق نفسه إليها، والتحرز من
الالحاد والقسوة أيضا كذلك.
ولا ما فيه عن أبي جعفر الباقر - عليه السلام - من قوله: من جاور بمكة
سنة غفر الله تعالى له ذنوبه، ولأهل، بيته، ولكل من استغفر له ولعشيرته
ولجيرانه ذنوب تسع سنين قد مضت، وعصموا من كل سوء أربعين سنة
ومائة سنة (2).
إذ ليس نصا في التوالي جمع جواز كون الارتحال لأحد مما ذكر أفضل
من المجاورة، التي لها الفضل المذكور، كما في مكروهات العبادات، ولذا
قيل بعد ما ذكر بلا فصل: والانصراف والرجوع أفضل من المجاورة، وهو
يحتمل الحديث، وكلام الصدوق (3) انتهى.
وهو حسن، مع أن الخبرين ضعيفا السند بالارسال، فلا يقاومان ما
سبق من وجوه.
فلا إشكال من جهتهما وإنما الاشكال من جهة الرواية المقيدة بالسنة
الظاهرة في عدم الكراهة فيما دونه.
ومقتضى الأصول وإن كان لزوم تقييد إطلاق ما سبقها بها، إلا أن
التعليلات فيها كادت تلحقها بالنص على الكراهة مطلقا، سيما التعليل
بايراثها قساوة القلب، وأنه أمر غير اختياري. فيكون التعارض بينهما من
قبيل تعارض النصين.

(1) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب مقدمات الطواف ح 1 ج 9 ص 340.
(2) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب مقدمات الطواف ح 2 ج 9 ص 340.
(3) وهو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في توابع الحج ج 1 ص 385 س 4.
155

ولا ريب أن الأخذ بما هو المشهور أولى، وخصوصا مع كونه أحوط
وأولى، للمسامحة في أدلة السنن بما لا يتسامح في غيرها، بناء على أنه ليس
المفهوم من الرواية استحباب الإقامة فيما دون السنة، وإنما غايتها كسائر
الفتاوى المقيدة عدم الكراهة فيه، وهو أعم من الاستحباب.
فالكراهة لا معارض لها من قبيله فصاعدا، ليتوقف في الفتوى بها
مسامحة.
نعم المرسلان قد أفادا الاستحباب، ولكن قد عرفت الجواب عنهما.
(والحج) والعمرة (على الإبل الجلالة) كما في بعض المعتبرة.
(ومنع) الحاج (دور مكة) جمع دار (من السكنى) بها، كما في
الصحاح وغيرها: ليس ينبغي لأهل مكة أن يمنعوا الحاج شيئا من الدور
ينزلونها، كما في بعضها (1)، وبمعناه الباقي (2).
وفي الخبر: أن عليا - عليه السلام - كره إجارة بيوت مكة وقرأ: (سواء
العاكف فيه والباد) (3).
وبمعناه في تفسير الآية به أحد الصحاح والحسان وغيرهما.
وفي أحدهما: ليس لأحد أن يمنع الحاج شيئا من الدور ومنازلها (4).
قيل: وبه عبر القاضي (5)، وظاهره التحريم، كما عن صريح
الشيخ (6)، وظاهر الإسكافي (7).

(1) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب مقدمات الطواف ح 8 ج 9 ص 369.
(2) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب مقدمات الطواف ح 3 و 4 و 5 ج 9 ص 368.
(3) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب مقدمات الطواف ح 7 ج 9 ص 368.
(4) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب مقدمات الطواف ح 4 ج 9 ص 368.
(5) والقائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في توابع الحج ج 1 ص 384 س 22.
(6) المبسوط: كتاب الحج ج 1 ص 384.
(7) كما في كشف اللثام: كتاب الحج في توابع الحج ج 1 ص 384 س 22.
156

وهو ضعيف، لشذوذ القول به، ودعوى الاجماع القطعي في السرائر (1)
والمدارك (2) على خلافه، مضافا إلى الأصل، وأظهرية دلالة الصحاح على
الكراهة من الحسنة على الحرمة.
قيل: وهي وإن فتحت عنوة فهو لا يمنع من الأولوية واختصاص الآثار
بمن فعلها (3).
(وأن يرفع بناء فوق الكعبة) للصحيح: لا ينبغي أن يرفع بناء فوق
الكعبة (4).
ولا يحرم على الأشهر الأظهر، للأصل، ودلالة الصحيح على الكراهة،
كما مر.
خلافا للمحكي عن الشيخ والحلي (5) فحرماه، وعن القاضي (6) النهي
عنه. وهو ضعيف.
والبناء يشمل الدار وغيرها، حتى حيطان المسجد. قيل: وظاهر رفعه
أن يكون ارتفاعه أكثر من ارتفاع الكعبة، فلا يكره البناء على الجبال
حولها، مع احتمالها (7).
(والطواف للمجاور بمكة أفضل من الصلاة، وللمقيم) بها
(بالعكس) كما في الصحيح (8).

(1) السرائر: كتاب الحج ج 1 ص 644.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الحج ج 8 ص 255.
(3) والقائل هو كشف اللثام: كتاب الحج ج 1 ص 384 س 23.
(4) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب مقدمات الطواف ح 1 ج 9 ص 343.
(5) والحاكي هو كشف اللثام: كتاب الحج ج 1 ص 384 س 17.
(6) المهذب: كتاب الحج ج 1 ص 273.
(7) القائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في توابع الحج ج 1 ص 384 س 18.
(8) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الطواف ح 4 ج 9 ص 398.
157

وفي آخر: الطواف لغير أهل مكة أفضل من الصلاة، والصلاة لأهل
مكة والقاطنين أفضل من الطواف (1).
وفي ثالث: عن المقيم بمكة الطواف أفضل له أو الصلاة؟ قال:
الصلاة (2).
وفي رابع: من أقام بمكة سنة فالطواف أفضل من الصلاة، ومن أقام
سنتين خلط من ذا ومن ذا، ومن أقام ثلاث سنين كانت الصلاة له أفضل
من الطواف (3).
وينبغي حمل إطلاق ما مر عليه، وفاقا لبعض المحدثين (4).
والظاهر أن المراد بالصلاة النوافل المطلقة غير الرواتب، - إذ ليس في
الروايات المزبورة تصريح بأفضلية الطواف على كل صلاة، وينبه عليه ما
مر من الصحيح المتضمن للأمر بقطع الطواف لخوف فوات الوتر والبدأة
بالوتر ثم إتمام الطواف، وبذلك صرح بعض الأصحاب.
قال: وبالجملة فلا يمكن الخروج بهاتين الروايتين - وأشار بهما إلى الأولى
والأخيرة - عن مقتضى الأخبار الصحيحة المستفيضة المتضمنة للحث الأكيد
على النوافل المرتبة، وأنها مقتضية لتكميل ما نقص من الفرائض بترك
الاقبال (5)، إلى آخر ما قال.
وهو حسن، ومرجعه إلى أن التعارض بين هذه الأخبار وأخبار الحث
تعارض العموم والخصوص من وجه.

(1) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الطواف ح 3 ج 9 ص 398.
(2) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الطواف ح 5 ج 9 ص 398.
(3) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 397.
(4) لم نعثر عليه.
(5) وهو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الحج في أحكام مكة ج 8 ص 271.
158

ويمكن تقييد كل منهما بالآخر.
وعليه، فينبغي أن يصار إلى الترجيح، وهو أخبار الحث للتواتر الموجب
لقطعيتها، بخلاف هذه، لأنها من الآحاد المفيدة للظن، فلا يترجح على
القطع، سيما مع تأيدها بما مر من قطع الطواف للوتر مع خوف الفوات.
(و) أما (اللواحق) للكتاب أمور (أربعة):
(الأول: من أحدث) شيئا مما يوجب الحد أو التعزير أو القصاص
(ولجأ إلى الحرم لم يقم عليه) فيه (حد بجنايته ولا تعزير) ولا قصاص
(و) لكنه (يضيق عليه في المطعم والمشرب) والمسكن، فلا يطعم
ولا يسقى ولا يباع ولا يؤوى (ليخرج) من الحرم، فيقام عليه.
(ولو أحدث) ذلك (في الحرم قوبل بما يقتضيه جنايته) من حد
أو تعزير أو قصاص، كل ذلك بالكتاب والسنة المستفيضة، بل المتواترة.
ففي الصحيح: عن رجل قتل رجلا في الحل ثم دخل الحرم؟ فقال:
لا يقتل ولا يطعم ولا يسقى ولا يباع ولا يؤوى حتى يخرج من الحرم فيقام
عليه الحد، قلت: فما تقول في رجل قتل في الحرم أو سرق؟ قال: يقام عليه
الحد في الحرم صاغرا، لأنه لم ير للحرم حرمة، وقد قال الله عز وجل: (فمن
اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)، فقال: هذا هو في
الحرم، وقال: " لا عدوان إلا على الظالمين) (1).
ونحوه آخران وغيرهما، إلا أنه ليس فيها الاستشهاد بآية الاعتداد،
وزيد فيها النهي عن التكلم، وأطلق الحديث فيها من التكلم (2).
ولا خلاف في شئ من ذلك، على الظاهر المصرح به في كلام جماعة.

(1) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب مقدمات الطواف ح 1 ج 9 ص 336.
(2) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب مقدمات الطواف ح 2 و 5 ج 9 ص 337.
159

ولا إشكال، إلا في تفسير الضيق بما قدمناه، فمن الأصحاب من فسره
بأن لا يمكن من ماله إلا ما يسد به الرمق، أو ما لا يحتمله مثله عادة،
ولا يطعم ولا يسقى سواء (1).
ولا وجه له أصلا، سيما مع اتفاق النصوص على ما قدمناه.،
اللهم إلا أن يقال: إن في العمل بمقتضاها من ترك الاطعام والسعي مطلقا
قد يوجب، تلف النفس المحترمة حيث لا تكون جنايته لنفسه مستغرقة، بل مطلقا
ولو كانت مستغرقة، فإن إمساك الطعام عنه والشراب إتلاف له من هذا الوجه
فقد حصل في الحرم ما أريد الهرب عنه.
وفيه نظر، لعدم استناد الاتلاف إلى الممسك، بل هو المتلف حيث
أمسك عن الخروج. فتأمل.
(الثاني: لو ترك الحاج زيارة النبي - صلى الله عليه وآله - أجبروا
على ذلك) على الأشهر الأظهر (وإن كانت) على الآحاد (ندبا،
لأنه) أي إطباقهم على تركها (جفاء) له - صلى الله عليه وآله -.
ولا ريب أنه حرام، فيجب على الوالي إجبارهم على تركه.
وفي كلام جماعة أن التعليل إشارة إلى ما في النبوي: من أتى مكة حاجا
ولم يزرني إلى المدينة فقد جفاني (2).
وفيه نظر، لعدم مطابقته للمدعى المفروض في العبارة ونحوها من عبارة
الشيخ (3)، ومن تأخر عنه من الفقهاء (4)، وهو اتفاق الحاج على تركها.

(1) لم نعثر عليه ونقله في كشف اللثام: كتاب الحج ج 1 ص 385 س 15.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الحج ج 8 ص 260، وكشف اللثام: كتاب الحج في المضي إلى المدينة
ج 1 ص 383 س 13.
(3) النهاية ونكتها: كتاب الحج ج 1 ص 559.
(4) السرائر: كتاب الحج ج 1 ص 651.
160

والرواية لو صحت تفيد وجوبها على الآحاد وإن ترك كل منهم جفاء،
سواء زار الباقون، أم لا، وهذا لا يجامع مع كونها ندبا، ولذا أنكر
الحلي (1) وجوب الاجبار عليها رأسا، معللا بما ذكرنا.
وعلى هذا، فالظاهر أن مراد من علل الحكم بهذا، كالماتن هنا وفي
الشرائع (2)، والفاضل في التذكرة والمنتهى (3) على ما يحكى وغيرهما، مما
ذكرنا.
والأجود ترك هذا التعليل، الذي قد يتراءى في النظر أنه عليل.
والاستدلال للحكم بالصحيح الصريح: أن الناس لو تركوا زيارة
النبي - صلى الله عليه وآله - لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك، فإن لم
يكن لهم أموال أنفق عليهم من أمول المسلمين (4)، واجتهاد الحلي مدفوع
بهذا النص الجلي عندنا، وإن كان عنده غير بعيد، بناء على أصله في
حجية الآحاد، ولكنه ليس بأصيل.
ولا بعد في الجبر على عدم ترك الكل المندوب، بعد ورود النص
الصحيح المعتضد بالعمل، سيما بعد وجود النظير، وهو ما ذكره الشهيدان
من الأذان (5).
قال ثانيهما: وقد اتفقوا على إجبار أهل البلد على الأذان، بل على قتالهم
إذا أطبقوا على تركه (6) انتهى.

(1) السرائر: كتاب الحج ج 1 ص 651.
(2) شرائع الاسلام: كتاب الحج ج 1 ص 277.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 402 س 32، ومنتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 880.
(4) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب وجوب الحج ح 2 ج 8 ص 16.
(5) الدروس الشرعية: كتاب الحج ج 1 ص 473.
(6) مسالك الأفهام: كتاب الحج ج 1 ص 127 س 3.
161

فلا يحتاج إلى ما ذكره أخيرا بقوله: والجبر وإن كان عقابا لا يدل على
الوجوب، لأنه دنيوي وإنما يستحق بترك الواجب العقاب الأخروي (1)،
سيما مع تطرق القدح إليه بما ذكره سبطه بقوله بعد ذكره فضعيف، لأن
المعاقبة الدنيوية إنما تستحق على الاخلال بواجب أو فعل محرم لا على ترك
ما أذن الشارع في تركه، كما هو واضح (2).
(الثالث: للمدينة) المنورة على مشرفها ألف صلاة وسلام وتحية
(حرم، وحده) كما في الصحيحين (3) (من) ظل (عائر إلى) ظل
(وعير) ضبطه الشهيد الأول بفتح الواو (4).
والثاني: عن بعض بضمها وفتح العين المهملة، وحكاه سبطه وغيره عن
المحقق الثاني، قال: أنه وجدها كذلك في مواضع معتمدة (5).
وقيل أيضا: كذا وجدته مضبوطا بخط بعض الفضلاء (6)، وذكر
الشهيد الثاني: أنهما جبلان يكتنفان المدينة شرقا وغربا (7)، وحكاه سبطه
عن جماعة (8).
قيل: وفي خلاصة الوفاء عير، ويقال: عائر جبل مشهور في قبلة المدينة
قرب ذي الحليفة، ولعل المراد بظل وعير فيئه، كما في مرسلة الصدوق،

(1) مسالك الأفهام: كتاب الحج ج 1 ص 127 س 11.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الحج في أحكام مكة ج 8 ص 260.
(3) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب المزار ح 5 و 9 ج 10 ص 285.
(4) الدروس الشرعية: كتاب الحج ص 157 س 1.
(5) مدارك الأحكام: كتاب الحج في أحكام المدينة ج 8 ص 274.
(6) القائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في المضي إلى المدينة ج 1 ص 384 س 40.
(7) ذكر الشهيد الثاني في المسالك: كتاب الحج ج 1 ص 128 س 9.
(8) مدارك الأحكام: كتاب الحج ج 8 ص 274.
162

والتعبير بظلهما للتنبيه على أن الحرم داخلهما، بل بعضه، وفي الخبر القريب
من الصحيح: من عير إلى وعير، وروت العامة: من عير إلى ثور ومن عير إلى
أحد، وفي آخر: من ذباب إلى وأقم والعريض والنقيب من قبل مكة،
وذباب كغراب وكتاب جبل شامي المدينة.
يقال: كان مضرب قبة النبي - صلى الله عليه وآله - يوم الأحزاب،
والعريض مصغرا: واد في شرقي الحرة، قرب قناة، وهي أيضا واد، والنقب:
الطريق في الجبل، وفي الصحيحين أنه بريد في بريد (1).
(ولا يعضد) ولا يقطع (شجره) للصحاح المستفيضة وغيرها من
المعتبرة، وفي بعضها: ولا يختلى خلاها (2).
وظاهرها التحريم. كالعبارة، وهو الأظهر، وفاقا للأكثر، كما في كلام
جماعة، وعن التذكرة أنه المشهور (4)، بل عزاه في المنتهى إلى
علمائنا (5)، مؤذنا بدعوى الاجماع.
وهو حجة أخرى بم مضافا إلى الأخبار السليمة مع ذلك عن المعارض
بالكلية، سوى الأصل، ويجب الخروج عنه بعد قيام الأدلة.
فالقول بالكراهة، كما عليه الفاضلان في الشرائع (6) والقواعد (7)
وغيرهما، بل في المسالك أنه المشهور (8)، لا وجه له.

(1) والقائل هو كشف اللثام: كتاب الحج في المضي إلى المدينة ج 1 ص 384 س 41.
(2) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب المزار ح 5 ج 10 ص 285.
(3) قواعد الأحكام: كتاب الحج ج 1 ص 91.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 340.
(5) منتهى المطلب، كتاب الحج ج 2 ص 797 س 13.
(6) شرائع الاسلام: كتاب الحج ج 1 ص 278.
(7) قواعد الأحكام: كتاب الحج ج 1 ص 91 س 19.
(8) مسالك الأفهام: كتاب الحج ج 1 ص 128 س 8.
163

قيل: واستثنى الفاضل في الكتابين والتحرير ما يحتاج إليه من الحشيش
للعلف، لخبر عامي، ولأن بقرب المدينة أشجارا وزروعا كثيرة، فلو منع
من الاحتشاش للحاجة لزم الحرج المنفي في الشريعة، بخلاف حرم مكة،
واستثنى ابن سعيد - يعني في الجامع - عودي الناضح (1)، كما في الصحيح:
حرم رسول الله - صلى الله عليه وآله - ما بين لابتيها صيدها وحرم ما حولها
بريد في بريد، أن يختلى خلاها أو يعضد شجرها، إلا عودي الناضح (2).
أقول: واللابة الحرة، كما عن الجوهري (3)، والخلا الرطب من
النبات، واختلائه جزه، كما عن نص أهل اللغة.
(ولا بأس بصيده، إلا ما صيد بين الحرتين) قيل: حرة وأقم،
وهي شرقية المدينة، وحرة ليلى، وهي غربيتها، وهي حرة العقيق، ولها
حرتان أخريان جنوبا وشمالا يتصلان بهما، فكان الأربع حرتان، فلذلك
اكتفي بهما، وهما حرتا قبا وحرة الرجلى ككسرى ويمد، يترجل فيها لكثرة
حجارتها (4).
وما اختاره الماتن من التفصيل بين ما صيد في الحرتين فيحرم، وما
صيد في غيرهما فلا، هو الأقوى، وعزاه جمع إلى أكثر علمائنا، بل عليه
الاجماع، كما عن صريح الخلاف (5) وظاهر المنتهى (6)، للصحيح: يحرم
صيد المدينة وما صيد بين الحرتين (7).

(1) القائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في المضي إلى المدينة ج 1 ص 384 س 38.
(2) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب المزار ح 5 ج 10 ص 285.
(3) الصحاح: ج 1 ص 220.
(4) القائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في المضي إلى المدينة ج 1 ص 384 س 28.
(5) الخلاف: كتاب الحج م 309 ج 2 ص 422.
(6) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 799 س 12.
(7) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب المزار ح 9 ج 10 ص 285.
164

وبهما يقيد ما أطلق فيه الجواز من الصحاح وغيرها، بحمله على ما صيد
في غيرهما.
وهذا الجمع أولى من الجمع بالكراهة وإن اعتضد بالأصل، كما مر غير
مرة.
وعليه، فيضعف القول بهما في الجملة أو مطلقا، كما عليه الفاضلان في
كتابيهما المتقدم إليهما الإشارة وغيرهما، وادعى في المسالك هنا أيضا
الشهرة (1).
وظاهر العبارة أنه لا كراهة فيما صيد في غير الحرمين، ولا بأس به، لأنه
أيضا ظاهر الأخبار أجمع.
فلا وجه للقول بكراهيته أيضا، لكن لا بأس به بعد وجود قائل به،
مسامحة في أدلة السنن، فيحمل الأخبار على أن المراد عدم الحرمة
والرخصة، لا نفي الكراهة.
(الرابع: يستحب الغسل لدخولها) كما في بحث الأغسال من
كتاب الطهارة قد مضى.
(وزيارة النبي - صلى الله عليه وآله -) وهو بالرفع عطف على
الغسل، لا على الدخول وإن صح، لما مر ثمة من استحبابه لها أيضا،
فالتقدير يستحب زيارته - صلى الله عليه وآله - (استحبابا مؤكدا) ولذا
جاز أن يجبر الإمام الناس عليها لو تركوها، كما مضى، وخصوصا للحاج.
فقد ورد: من أتى مكة حاجا ولم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة،
ومن أتاني زائرا وجبت له شفاعتي، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له
الجنة (2). ونحوه ذيله الصحيح المروي بأسانيد كثيرة وألفاظ مختلفة.

(1) مسالك الأفهام: كتاب الحج ج 1 ص 128 س 12.
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب المزار ح 3 ج 1 ص 261.
165

منها: ما لمن زار رسول الله - صلى الله عليه وآله - قاصدا؟ قال: الجنة (1).
(وزيارة) علي و (فاطمة - عليهما السلام - من عند الروضة) بناء
على أن قبرها - عليها السلام - هناك، كما هو ظاهر المتن هنا وفي
الشرائع (2)، وفاقا للنهاية (3)، لرواية، وفي أخرى أنها روضة من رياض
الجنة (4).
وقيل: في البقيع، لرواية أخرى، واستبعدها جماعة، كالشيخ في
التهذيب والنهاية والمبسوط، والفاضل في التحرير والمنتهى والحلي وابن سعيد
في الجامع (5).
والأصح وفاقا للصدوق (6) وجماعة (7) أنها دفنت في بيتها، وهو الآن
لا داخل في المسجد، للصحيح: عن قبر فاطمة - عليها السلام -؟ فقال: دفنت في
بيتها، فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد (8).
وحملت الروايتان السابقتان على التقية، مع عدم وضوح سندهما.
ولكن الأحوط زيارتها في المواضع الثلاثة، كما في القواعد (9)
والدروس (10) وغيرهما، وخصوصا في بيتها، ومن عند الروضة، وهي بين

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب المزار ح 1 ج 10 ص 260.
(2) شرائع الاسلام: كتاب الحج ج 1 ص 278.
(3) النهاية ونكتها: كتاب الحج ج 1 ص 561.
(4) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب المزار ح 3، 5 ج 10 ص 288.
(5) القائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في المضي إلى المدينة ج 1 ص 383 س 26.
(6) من لا يحضره الفقيه: كتاب الحج في ما يقال عند زيارة فاطمة - عليها السلام - ج 2 ص 572.
(7) مدارك الأحكام: كتاب الحج في أحكام المدينة ج 8 ص 278.
(8) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب المزار ح 3 ج 10 ص 288.
(9) قواعد الأحكام: كتاب الحج ج 1 ص 91 س 14.
(10) الدروس الشرعية: كتاب المزار ص 151 س 15.
166

القبر والمنبر، كما ذكره (1) الشيخ (2) وغيره.
(والأئمة) الأربعة (في البقيع) والسبعة الباقين في مشاهدهم المشرفة
المعروفة مع الامكان، وإلا فمن البعيد.
والنصوص الواردة في فضل زيارتهم - عليهم السلام - أكثر من أن تحصى.
وتتأكد في الحسين - عليه السلام -، بل ورد أن زيارته فرض على كل
مؤمن (3). وإن تركها ترك حق الله تعالى، وإن تركها عقوق رسول الله
- صلى الله عليه وآله - (4).
وانتقاص في الايمان والدين (5).
وأنه حق على الغني زيارته في السنة مرتين والفقير مرة (6)، وأن من أتى
عليه حول ولم يأت قبره نقص من عمره حول (7)، وأنها تطيل العمر (8)،
وأن أيام زيارته لا تعد من الأجل (9)، وتفرج الغم (10)، وتمحص الذنوب،
ولكل خطوة حج مبرور له (11)، وبزيارته أجر عتق ألف نسمة، وحمل على
ألف فرس في سبيل الله ورسوله (12)، ولمه بكل درهم أنفقه عشرة آلاف

(1) في نسخة (مش ": كما في التذكرة وذكره... الخ.
(2) التهذيب: كتاب الحج ج 6 ص 9.
(3) وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب المزار ح 1 ج 10 ص 346.
(4) وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب المزار ح 3 ج 10 ص 346.
(5) وسائل الشيعة: ب 38 من أبواب المزار ح 10 ج 10 ص 336.
(6) وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب المزار ح 1 ج 10 ص 340.
(7) وسائل الشيعة: ب 38 من أبواب المزار ح 4 ج 10 ص 334.
(8) وسائل الشيعة: ب 38 و 44 من أبواب المزار ح 8 و 4 ج 10 ص 335 و 346.
(9) لم نعثر عليه.
(10) وسائل الشيعة: ب 25 و 43 من أبواب المزار ح 2 و 1 ج 10 ص 297 و 345.
(11) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب المزار ح 2 ج 10 ص 347.
(12) وسائل الشيعة: ب 46 من أبواب المزار ح 1 ج 10 ص 355.
167

درهم (1).
ومن أتى بقبره عارفا بحقه غفر الله تعالى له ما تقدم من ذنوبه وما
تأخر (2).
وأن زيارته خير من عشرين حجة (3)، وأن زيارته يوم عرفة مع المعرفة
بحقه ألف حجة، وألف عمرة متقبلات، وألف غزوة مع نبي أو وصي (4)،
وأن زيارته أول رجب مغفرة الذنوب البتة (5)، ونصف شعبان يصافحه مائة
ألف ني وعشرون ألف نبي (6)، وليلة القدر مغفرة الذنوب (7)، وأن لمن
جمع في السنة الواحدة بين زيارته ليلة عرفة والفطر وليلة النصف من شعبان
ثواب ألف حجة مبرورة، وألف عمرة متقبلة، وقضاء ألف حاجة في
الدنيا والآخرة (8).
ومن زاره يوم عاشوراء عارفا بحقه كمن زار الله تعالى في فوق عرشه (9)،
ومن بعد عنه وصعد على سطحه ثم رفع رأسه إلى السماء، ثم توجه إلى قبره
وقال: السلام عليك يا أبا عبد الله السلام عليك ورحمة الله وبركاته كتب له
زورة، والزورة حجة وعمرة، ولو فعل ذلك كل يوم خمس مرات كتب الله
تعالى له ذلك.

(1) وسائل الشيعة: ب 58 من أبواب المزار ح 2 ج 10 ص 375.
(2) وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب المزار ح 6 ج 10 ص 320.
(3) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب المزار ح 5 ج 10 ص 348.
(4) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب المزار ح 1 ج 10 ص 358.
(5) وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب المزار ح 1 و 3 ج 10 ص 363 و 364.
(6) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب المزار ح 1 ج 10 ص 365.
(7) وسائل الشيعة: ب 52 من أبواب المزار ح 1 ج 10 ص 369.
(8) وسائل الشيعة: ب 54 من أبواب المزار ح 6 ج 10 ص 371.
(9) وسائل الشيعة: ب 55 من أبواب المزار ح 1 ج 10 ص 372.
168

وكذلك زيارة الرضا - عليه السلام -، فقد ورد أنها كسبعين ألف حجة.
وسئل الجواد - عليه السلام -: زيارة الرضا - عليه السلام - أفضل أم زيارة
الحسين - عليه السلام؟ قال: زيارة أبي أفضل، لأنه لا يزوره إلا الخواص
من شيعته (1).
وعنه - عليه السلام - أن أفضله رجب. وعنه - عليه السلام - أنها تعدل
ألف ألف حجة لمن يزوره عارفا بحقه (2).
وعن الرضا - عليه السلام - من زارني على بعد داري ومزاري أتيت يوم
القيامة في ثلاثة مواطن حتى أخلصه من أهوالها إذا تطايرت الكتب يمينا
وشمالا وعند الصراط وعند الميزان (3).
(والصلاة). في مسجد النبي - صلى الله عليه وآله -، وخصوصا (بين
القبر) الشريف (والمنبر، وهو الروضة) لأنها أشرف بقاع المسجد، وفي
جملة من المعتبرة.
ومنها الصحيح وغيرها: أنها روضة من رياض الجنة (4).
ولعلها كافية في استحباب الصلاة فيها بخصوصها، وإن لم نقف فيه
على رواية بخصوصها.
(وأن يصام بها) أي بالمدينة (الأربعاء ويومان بعده) يعني
الخميس والجمعة (للحاجة) والاعتكاف فيها بالمسجد.
(وأن يصلي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة) وهي أسطوانة
التوبة قيل: وهي الرابعة من المنبر إلى المشرق على ما في خلاصة الوفاء،

(1) وسائل الشيعة: ب 85 و 87 من أبوب المزار ح 1 ج 10 ص 442 و 443.
(2) وسائل الشيعة: ب 87 من أبواب المزار ح 3 ج 10 ص 445.
(3) وسائل الشيعة: ب 82 من أبواب المزار ح 2 ج 10 ص 433.
(4) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب المزار ح 1 - 2 ج 10 ص 270.
169

والقعود عندها يومه (1).
(و) الصلاة (ليلة الخميس عند الأسطوانة التي تلي مقام الرسول
- صلى الله عليه وآله -) أي المحراب، والكون عندها يومه.
(والصلاة في المساجد) التي بها، كمسجد الأحزاب، وهو مسجد
الفتح، ومسجد الفضيخ، ومشربة أم إبراهيم - عليها السلام -.
(واتيان قبور الشهداء) بأحد (خصوصا قبر حمزة - عليه السلام -).
كل ذلك للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
ففي الصحيح: إذا فرغت من الدعاء عند قبر النبي - صلى الله عليه وآله -
فائت المنبر فامسحه بيدك وخذ برمانتيه وهما السفلاوان وامسح عينيك
ووجهك به، فإنه يقال أنه شفاء للعين، وقم عنده فاحمد الله تعالى واثن
عليه وسل حاجتك، فإن رسول الله - صلى الله عليه وآله - قال: ما بين
قبري ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على ترعة من ترع الجنة،
والترعة هي الباب الصغيرة، ثم تأتي مقام النبي - صلى الله عليه وآله -
فتصلي فيه ما بدا لك، فإذا دخلت المسجد فصل على النبي - صلى الله عليه
وآله -، فإذا خرجت فاصنع مثل ذلك، وأكثر من الصلاة في مسجد الرسول
- صلى الله عليه وآله - (2).
وفيه: إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام صمت أول يوم الأربعاء
وتصلي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة، وهي أسطوانة التوبة التي ربط
فيها نفسه حتى نزل عذره من السماء، ويقعد عندها يوم الأربعاء، ثم تأتي
ليلة الخميس التي تليها مما يلي مقام النبي - صلى الله عليه وآله - ليلتك

(1) كشف اللثام: كتاب الحج في المضي إلى المدينة ج 1 ص 383 س 30.
(2) وسائل الشيعة: ب 7 و 5 من أبواب المزار ح 1 و 2 ج 10 ص 270 و 266.
170

ويومك، وتصوم يوم الخميس، ثم تأتي الأسطوانة التي تلي مقام النبي
- صلى الله عليه وآله - ومصلاه ليلة الجمعة فتصلي عندها ليلتك ويومك،
وتصوم يوم الجمعة.
فإن استطعت ألا تتكلم بشئ في هذه الأيام فافعل، إلا ما لا بد لك
منه، ولا تخرج من المسجد إلا لحاجة، ولا تنام في ليل ولا في نهار فافعل
فإن ذلك مما يعد فيه الفضل.
ثم احمد الله تعالى في يوم الجمعة واثن عليه وصل على النبي - صلى الله
عليه وآله - وسل حاجتك، وليكن فيما تقول: اللهم ما كانت لي إليك من
حاجة شرعت لنا في طلبها والتماسها أو لم تشرع سألتكها أو لم أسألكها،
فإني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة في قضاء حوائجي، صغيرها
وكبيرها، فإنك حري أن تقضى حاجتك إن شاء الله (1).
وفي الصحيح: صم الأربعاء والخميس والجمعة، وصل ليلة الأربعاء
ويوم الأربعاء عند الأسطوانة التي تلي رأس رسول الله - صلى الله عليه
وآله -، وليلة الخميس ويوم الخميس عند أسطوانة أبي لبابة، وليلة الجمعة
ويوم الجمعة عند الأسطوانة التي تلي مقام النبي - صلى الله عليه وآله -،
وادع هذا الدعاء لحاجتك وهو: اللهم إني أسألك بعزتك وقوتك وقدرتك
وجميع ما أحاط به علمك أن تصلي على محمد وآل محمد، وعلى أهل بيته،
وأن تفعل بي كذا وكذا (2).
ونحوه آخر، إلا أنه ليس فيه ذكر الليل ولا هذا الدعاء، وفيه: الصلاة
يوم الجمعة عند مقام النبي - صلى الله عليه وآله - مقابل الأسطوانة الكثيرة

(1) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب المزار ح 1 ج 10 ص 274.
(2) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب المزار ح 4 ج 10 ص 275.
171

الخلوق والدعاء عندهن جميعا لكل حاجة (1).
وفيهما مخالفة لما سبقهما في الصلاة عند أسطوانة الكثيرة الخلوق
وأبي لبابة، ففيهما: أنهما في ليلة الخميس، وفيما سبقهما: أنها ليلة الأربعاء.
وللتخيير وجه، إلا أن الأشهر الثاني، فالأخذ به أحوط.
وفيه: لا تدع اتيان المشاهد كلها مسجد قبا، فإنه المسجد الذي أسس
على التقوى من أول يوم، ومشربة أم إبراهيم - عليها السلام -، ومسجد
الفضيخ، وقبور الشهداء، ومسجد الأحزاب وهو مسجد الفتح، قال:
وبلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وآله - كان إذا أتى قبور الشهداء قال:
السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار، وليكن فيما تقول عند مسجد
الفتح: يا صريخ المكروبين ويا مجيب دعوة المضطرين اكشف همي وغمي
وكربي، كما كشفت عن نبيك همه وغمه وكربه، وكفيته هول عدوه في
هذا المكان (2).

(1) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب المزار ح 3 ج 10 ص 274.
(2) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب المزار ح 1 ج 10 ص 276.
172

(المقصد الثاني)
(في) بيان حقيقة (العمرة) وحكمها
وهي لغة: الزيارة. وشرعا: المناسك المخصوصة الواقعة في الميقات
ومكة.
(وهي واجبة في العمر) بأصل الشرع (مرة) كالحج (على كل
مكلف بالشرائط المعتبرة في الحج) بالكتاب والسنة والاجماع.
ففي الصحيح: العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج، لأن الله تعالى
يقول: (وأتموا الحج والعمرة لله)، وإنما نزلت العمرة بالمدينة (1).
ونحوه آخر بزيادة قوله: قلت: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج أيجزي عنه؟
قال: نعم (2).
وفيه: عن قول الله عز وجل: (ولله على الناس حج البيت من استطاع
إليه سبيلا)، يعني به الحج دون العمرة، قال: لا، ولكنه يعني الحج
والعمرة جميعا، لأنهما مفروضان (3).
وربما ظهر من إطلاقها كالعبارة ونحوها أنه لا يشترط في وجوبها

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العمرة ح 2 ج 10 ص 235.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العمرة ح 3 ج 10 ص 236 و 235.
(3) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العمرة ح 7 ج 10 ص 236.
173

الاستطاعة للحج معها، بل لو استطاع لها خاصة وجبت، كما أنه لو
استطاع للحج خاصة وجبت دون العمرة.
وهو أصح الأقوال في المسألة وأشهرها، إذ لم نجد من الأدلة ما يدل على
ارتباط أحدهما بالآخر في الوجوب وإن حكي قولا، ولا على ارتباط العمرة
بالحج خاصة فلا يجب، إلا بوجوبه دون الحج وإن اختاره في الدروس (1).
هذا في العمرة المفردة، كما هو المفروض من المقصد في العبارة.
أما عمرة التمتع فلا ريب في توقف وجوبها على الاستطاعة لها وللحج،
لدخولها فيه وارتباطها به، وكونها بمنزلة الجزء منه، وهو موضع وفاق.
ويجب فورا كالحج بلا خلاف، كما عن السرائر (2)، بل عن التذكرة
الاجماع عليه (3).
(وقد تجب) كالحج (بالنذر وشبهه) من العهد واليمين (والاستئجار
والافساد) لها على ما قطع به الأصحاب (والفوات) أي فوات ألح ج،
فإنه يجب التحلل منه بعمرة مفردة، كما سبق إليه الإشارة في بحث من فاته
الحج في أواخر القول في الوقوف بالمشعر.
(وبدخول مكة) بل الحرم لمن قصدهما كائنا من كان (عدا من
يتكرر) منه الدخول فيها، كالحطاب والحشاش (والمريض) ومن أحل
ولما يمضي شهر، فإنه لا تجب على هؤلاء كما سبق في الاحرام مفصلا.
والمراد بالوجوب هنا الوجوب الشرطي لا الشرعي، فيترتب الإثم
والمؤاخذة على الدخول بغير إحرام، لا على تركها، كالطهارة لصلاة النافلة.

(1) الدروس: كتاب الحج ج 1 ص 333.
(2) السرائر: كتاب الحج ج 1 ص 633.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 401 س 23.
174

ولا فرق في ذلك بين ما إذا وجب الدخول شرعا، أم لا، إلا على
القول بوجوب ما لا يتم الواجب إلا به، فتجب العمرة شرعا في الأول،
وشرطا في الثاني.
وإنما تجب الاحرام بها للدخول تخييرا بينه وبين احرام الحج لا عينا، لما
مضى.
(وأفعالها ثمانية: النية، والاحرام، والطواف، وركعتاه،
والسعي) بعده (وطواف النساء وركعتاه، والتقصير أو الحلق)
بلا خلاف في شئ من ذلك فتوى ونصا، إلا في وجوب طواف النساء،
فقد اختلف في وجوبه فيها. والأظهر الأشهر الوجوب، كما مر في أواخر
بحث الطواف مستوفى.
ومما يدل عك التخيير فيما بين الحلق والتقصير - وإن اقتصر في الشرائع
على الأخير (1) - الصحيح: في الرجل يجئ معتمرا عمرة مبتولة؟ قال: يجزئه
إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وحلق أن يطوف طوافا واحدا
بالبيت، ومن شاء أن يقصر قصر (2).
(وتصح) العمرة المفردة (في جميع أيام السنة) للاطلاقات؟ مضافا
إلى ما سيأتي من الروايات في صحة الاتباع، وصريح الصحيح: المعتمر
يعتمر في أي شهور السنة شاء، وأفضل العمرة عمرة رجب (3). وعن المنتهى
أنه لا يعرف فيه خلافا (4).

(1) شرائع الاسلام: كتاب الحج ج 1 ص 303.
(2) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب العمرة ح 1 ج 10 ص 250.
(3) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب العمرة ح 13 ج 10 ص 240.
(4) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 665.
175

(وأفضلها) أي أيام السنة (رجب) بلا خلاف، لما عرفته من
الصحيحة، مضافا إلى الصحاح الأخر المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
ففي الصحيح: أي العمرة أفضل عمرة في رجب، أو عمرة في شهر
رمضان؟ فقال: لا، بل عمرة في رجب أفضل (1).
ويرشد إليه ما مر في أحكام المواقيت من جواز الاحرام به قبل الميقات
للعمرة في رجب.
ويتحقق العمرة فيه بالاهلال فيه وإن أكملها في غيره، للصحيح: إذا
أحرمت وعليك من رجب يوم وليلة فعمرتك رجبية (2).
(ومن أحرم بها) أي بالعمرة المبتولة (في أشهر الحج ودخل مكة
جاز أن ينوي بها) عمرة (التمتع، ويلزمه الدم) أي الهدي.
للصحيح: من دخل مكة معتمرا مفردا للعمرة فقضى عمرته ثم خرج
كان ذلك له، وإن أقام إلى أن يدركه الحج كانت عمرته متعة، وقال:
ليس يكون متعة إلا في أشهر الحج (3).
ومقتضاه جواز التمتع بالعمرة المفردة في أشهر الحج، بمعنى ايقاع حج
التمتع بعدها وإن لم ينوبها التمتع.
وعلى هذا، فلا وجه لتقييد العمرة المفردة بما إذا لم تكن متعينة بنذر وما
شابهه، كما ذكره في المسالك (4) وغيره، ونبه - على ما ذكرنا - سبطه (5).
ثم إن مقتضى اطلاق صدره جواز الخروج بعد فعل العمرة إلى حيث

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب المزار ح 3 ج 10 ص 239.
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب المزار ح 4 ج 10 ص 239.
(3) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب العمرة ح 5 ج 10 ص 247.
مسالك الأفهام: كتاب الحج ج 1 ص 147.
(5) مدارك الأحكام: كتاب الحج في العمرة ج 8 ص 464.
176

شاء، سواء بقي إلى يوم التروية، أم لا. ونحوه - في ذلك آخر صحيحة
وغيرها.
ففي الصحيح: لا بأس بالعمرة المفردة في أشهر الحج ثم يرجع إلى
أهله (1).
وفيه: عن رجل خرج في أشهر الحج معتمرا ثم رجع إلى بلده؟ قال:
لا بأس، وإن حج في عامه ذلك وأفرد الحج فليس عليه دم (2).
خلافا للمحكي عن القاضي (3) فأوجب الحج على من أدرك التروية،
للصحيح: من اعتمر عمرة مفردة فله أن يخرج إلى أهله متى شاء، إلا أن
يدركه خروج الناس يوم التروية (4). وقريب منه ذيل الصحيحة المتقدمة.
وحملها الأصحاب على الاستحباب، جمعا بينهما، وبين ما مر من
الأخبار المرخصة للرجوع إلى أهله متى شاء.
وفي بعضها: إن الحسين بن علي - عليهما السلام - خرج يوم التروية إلى
العراق وكان معتمرا (5). لكنه يحتمل الضرورة.
والجمع بتقييد الأخبار المطلقة في الرخصة بما إذا لم يدرك يوم التروية
أولى من الجمع بالحمل على الاستحباب، كما مر غير مرة.
فقوله في غاية القوة لولا الشذوذ والندرة، وبعد حمل فعل الحسين
- عليه السلام - على الضرورة، نظرا إلى سياق الرواية المتضمنة له. فتدبر.

(1) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب العمرة ح 1 ج 10 ص 246.
(2) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب العمرة ح 2 ج 10 ص 246.
(3) المهذب: كتاب الحج ج 1 ص 272.
(4) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب العمرة ح 9 ج 10 ص 248.
(5) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب العمرة ح 2 ج 10 ص 246.
177

واعتضاد الاستحباب باختلاف أخبار الباب في الرخصة على
الاطلاق، أو التقييد بما عرفته في الصحيحة، أو بما إذا لم يدرك هلال
ذي الحجة.
وإلا فعمرته متعة، كما في الصحيح: إن كان اعتمر في ذي القعدة
فحسن، وإن كان في ذي الحجة فلا يصلح إلا الحج (1).
وأظهر منه الخبر: من دخل مكة بعمرة فأقام إلى هلال ذي الحجة فليس
له أن يخرج حتى يحج مع الناس (2).
والحكم بأنها في أشهر الحج متعة على الاطلاق، كما في الصحيح: عن
المعتمر في أشهر الحج؟ قال: هي متعة (3).
وأظهر منه المرسل: سأل بعض أصحابنا أبا جعفر - عليه السلام - في عشر
من شوال، فقال: إني أريد أن أفرد عمرة هذا الشهر؟ فقال له: أنت
مرتهن بالحج (4).
والجمع بين هذه الأخبار بعد ذلك يتحقق بحمل الاختلاف على تفاوت
مراتب الاستحباب، كما صرح به بعض الأصحاب.
فقال: ولو اعتمر مفردة في أشهر الحج استحب له الإقامة ليحج ويجعلها
متعة، خصوصا إذا أقام إلى هلال ذي الحجة، ولا سيما إذا أقام إلى
التروية، للأخبار وإن خلت عما قبل هلال ذي الحجة، ولا يجب للأصل
والأخبار، لكن الأخبار الأول تعطي الانتقال إلى المتعة وإن لم ينوه (5) انتهى.

(1) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب العمرة ح 11 ج 10 ص 248.
(2) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب العمرة ح 6 ج 10 ص 247.
(3) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب العمرة ح 4 ج 10 ص 247.
(4) وسائل الشيعة: ب 7 من أبوب العمرة ح 8 ج 10 ص 248.
(5) وهو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في توابع الحج ج 1 ص 386 س 32.
178

وهو حسن، إلا أن قوله: (ون خلت عما قبل هلال ذي الحجة)
المناقشة فيه واضحة، لما عرفت من ورود الروايات به أيضا، وهي
الصحيح الأخير مع ما بعده.
ويستفاد من مفهوم العبارة أنه لو أحرم في غير أشهر الحج يجز له أن
ينوي بها المتعة، وهو كذلك، ووجهه واضح.
وفي الخبر: من أين افترق المتمتع والمعتمر؟ فقال: إن المتمتع مرتبط
بالحج، والمعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء، وقد اعتمر الحسين
- عليه السلام - في ذي الحجة ثم راح يوم التروية إلى العراق والناس يروحون
إلى منى، ولا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج (1).
(ويصح الاتباع) أي اتباع العمرة بأخرى (إذا كان بينهما شهر)
وفاقا لجماعة ومنهم الشيخ (2) في أحد قوليه وابن حمزة (3) والحلبي (4) وابن
زهرة (5)، لكنهما قالا: في كل شهر، أو في كل سنة مرة، وهو يحتمل
التردد والتوقف في جوازها في كل شهر.
ولا ريب في ضعفه، للصحاح المستفيضة وغيرها بأن لكل شهر
عمرة، (6) كما في جملة منها، وفي حملة أخرى أن في كل شهر عمرة (7).
ولا معارض لها سوى الصحيحين بأن العمرة في كل سنة (8)، كما في

(1) وسائل الشيعة: كتاب الحج ب 7 من أبواب العمرة ح 3 ج 10 ص 247.
(2) النهاية ونكتها: كتاب الحج ج 1 ص 554.
(3) الوسيلة: كتاب الحج ج 1 ص 196.
(4) الكافي في الفقه: كتاب الحج ص 221.
(5) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 521 س 29.
(6) وسائل الشيعة ب 6 من أبواب العمرة ح 4 ج 10 ص 245.
(7) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب العمرة ح 5 ج 10 ص 245.
(8) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب العمرة ح 6 ج 10 ص 245.
179

أحدهما، ولا يكون عمرتان في سنة، كما في ثانيهما (1).
ولقصورهما عن المقاومة، لما مضى من وجوه شتى، أعظمها كثرتها
عددا، واشتهارها فتوى، حتى كاد أن يكون الفتوى بها ولو في الجملة
اجماعا ممن عدا العماني، على الظاهر المصرح به في المختلف (2) دونهما، مع
عدم صراحتهما في العمرة المفردة.
وقوة احتمال اختصاصهما بالمتمتع بها أوجب حملهما عليها دون المفردة،
جمعا بين الأدلة وتفاديا من طرحهما بالكلية، وعلى هذا الجمع اتفاق من عدا
العماني (3)، كما قيل.
وربما حملا على التقية، لأنه رأي بعض العامة، أو على أن المراد فيهما
إني لا اعتمر في كل سنة إلا مرة. وفي الأول تأكد استحباب الاعتمار في
كل سنة، ولا بأس بهما وإن بعدت غايته.
وبالجملة: لا اشكال في جواز الاعتمار في كل شهر مرة، وإنما هو في
المنع عن الزيادة فيه عنها، كما هو ظاهر العبارة وباقي الجماعة (4)، لعدم
وضوح دليل عليه من الأخبار السابقة، إذ غايتها الدلالة على جواز الاعتماد
في كل شهر، وإن لكل شهر عمرة.
وهو لا يدل على النهي عن الزيادة، وقد اعترف بذلك من
المتأخرين (5) جماعة، ويعضده الخبر: لكل شهر عمرة، قال: فقلت: له

(1) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب العمرة ح 7، 8 ج 10 ص 245.
(2) المختلف: كتاب الحج ج 2 ص 319.
(3) المختلف: كتاب الحج ج 2 ص 319.
(4) الوسيلة: كتاب الحج ص 196.
(5) المختلف: كتاب الحج ج 2 ص 320.
180

يكون أقل من ذلك؟ قال: لكل عشرة أيام عمرة (1).
فإنه مع التصريح في صدره بأن لكل شهر عمرة لم يفهم الراوي المنع
عن الزيادة، بل سئل عنها على حدة، وهو - عليه السلام - قد قرره على
فهمه، ومع ذلك فقد أجاب في الذيل بأن لكل عشرة عمرة.
(و) لأجله (قيل): بصحة الاتباع إذا كان بينهما (عشرة أيام)
والقائل جماعة، كالشيخ في قوله الثاني، بل في جميع كتبه، كما
قيل (2)، والمهذب (3) والجامع (4) والاصباح (5)، وهو خيرة الفاضل في
التحرير (6) والتذكرة (7) والمنتهى (8) والارشاد (9).
ولا بأس به لو صح السند، لكن ليس فيه دلالة على المنع عن الاعتمار
فيما دون العشرة، بل سبيله سبيل الأخبار السابقة.
إلا أن يقال: إن سوق السؤال والجواب فيه يقتضيه، وهو غير بعيد،
إلا أن السند ضعيف.
(وقيل): كما عن العماني خاصة (10) إنه (لا يكون في السنة إلا
عمرة واحدة) لما عرفته مع الجواب عنه مفصلا، فلا نعيدهما.

(1) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب العمرة ح 9 ج 10 ص 245.
(2) قال الفاضل الهندي في كشف اللثام: كتاب الحج ج 1 ص 387 س 4
(3) المهذب: كتاب الحج ص 272.
(4) الجامع للشرائع: كتاب الحج ص 179.
(5) كما في كشف اللثام: كتاب الحج في توابع الحج ج 1 ص 387 س 5.
(6) تحرير الأحكام: كتاب الحج في العمرة ج 1 ص 129 س 16.
(7) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 401 س 39.
(8) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 879 س 3.
(9) إرشاد الأذهان: كتاب الحج ج 1 ص 338.
(10) المختلف: كتاب الحج ج 2 ص 320 س 5.
181

وهنا قول رابع أشار إليه بقوله: (ولم يقدر علم الهدى بينهما حدا)
من الحدود الثلاثة ولا غيرها، بل جوز الاعتمار في كل يوم مرة
فصاعدا (1)، ووافقه الديلمي (2) والحلي (3) وكثير من المتأخرين، وعزاه في
الناصريات إلى أصحابنا، مؤذنا بدعوى الاجماع عليه (4).
واستدل عليه بالنبوي: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما (5)، قال: ولم
يفصل - عليه السلام - بين أن يكون ذلك لسنة أو سنتين أو شهر أو شهرين.
وفيه: بعد الاغماض عن السند أنه بالنسبة إلى تحديد المدة بينهما بحمل
غير واضح الدلالة، فإن اطلاقه مسوق لبيان الفضيلة لا لتحديد المدة،
وبذلك أجاب عنه جماعة.
وبه يمكن الجواب عن الاطلاقات الأخر في الندب إليها إن وجدت.
ومما ذكر ظهر أن المسألة محل إشكال، لعدم وضوح دليل على شئ
مما فيها من الأقوال. فلا يترك فيها الاحتياط على حال.
نعم ينبغي القطع بجوازها في كل شهر، ويبقى الكلام في العشر فما
دونها، لضعف المستند فيهما، فتركها فيهما أحوط وأولى.
ولا يجوز المسامحة هنا في الفتوى باستحبابها فيهما، لوجود القول بالتحريم
والمنع عنهما.
(و) العمرة (المتمتع بها يجزئ من المفردة) المفروضة، اجماعا فتوى

(1) جمل العلم والعمل (المجموعة الثالثة): كتاب الحج ص 63.
(2) المراسم: ص 104.
(3) السرائر: كتاب الحج ج 1 ص 463.
(4) الناصريات (ضمن الجوامع الفقهية): ص 244 س 25.
(5) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب العمرة ح 6 ج 10 ص 240.
182

ورواية، وهي صحاح مستفيضة وغيرها من المعتبرة (1).
(وتلزم) أي التمتع بها مرة كل (من ليس من حاضري المسجد
الحرام) (2) وإن كان نائبا عنه.
(ولا يصح إلا في أشهر الحج) لارتباطها به، كما مر الكلام في
جميع ذلك مفصلا (3).
(ويتعين فيها التقصير) وهو إبانة الشعر أو الظفر بحديد ونتف وقرض
وغيرها. ويكفي فيه المسمى، وهو ما يصدق عليه أنه أخذ من شعر أو ظفر،
كل ذلك للصحاح المستفيضة (4) وغيرها من المعتبرة.
وأما ما في الصحيح: إذا فرغت من سعيك وأنت متمتع فقصر من
شعرك من جوانبه ولحيتك، وخذ من شاربك، وقلم أظفارك، وابق منها
لحجك، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شئ، ويحل منه المحرم (5).
فمحمول على الاستحباب، إلا قوله - عليه السلام -: (وابق منها لحجك)
فباق على ظاهره من الوجوب.
ولذا تعين التقصير على الأظهر الأشهر، بل لا يكاد فيه خلاف يظهر
إلا من الخلاف، فجعله أفضل من الحلق، وهو نادر.
يرده مضافا إلى الصحيح السابق الصحيح: وليس في المتعة إلا
التقصير (6)، وظاهر الأول حرمة الحلق مطلقا ولو بعد التقصير.

(1) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب العمرة ح 6 ج 10 ص 243.
(2) نقله عنه في تذكرة الفقهاء: ج 1 ص 318 س 34.
(3) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب العمرة ح 5 ج 10 ص 247.
(4) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب العمرة ح 12 ج 10 ص 180.
(5) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب التقصير ح 1 و 4 ج 10 ص 178.
(6) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الحلق والتقصير ح 15 ج 10 ص 188.
183

قيل: وصرح بها الشهيد وفاقا لابني حمزة والبراج، لايجابها الكفارة
بالحلق قبل الحج، فيختص الاحلال بغيره، ولعله لأنه لو لم يحرم بعده لم
يحرم أصلا، لأن أوله تقصير، إلا أن يلحظ النية وإنما حرم في النافع
قبله (1).
أقول: لقوله: (ولو حلق قبله لزمه شاة) لكن ليس فيه نفي التحريم
بعده، وإنما خص لزوم الشاة بالحلق قبله اقتصارا على مورد النص الوارد به.
ففي الخبر: عن المتمتع أراد أن يقصر فحلق رأسه؟ قال: عليه دم
يهريقه، فإذا كان يوم النحر أمر الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق (2).
وفيه: أن النص غير منحصر في هذا، بل استدل على الحكم أيضا
بالصحيح: في متمتع حلق رأسه بمكة إن كان جاهلا فليس عليه شئ،
وإن تعمد ذلك في أول شهور الحج بثلاثين يوما فليس عليه شئ، وإن
تعمد بعد الثلاثين يوما التي يوفر فيها الشعر للحج فإن عليه دما يهريقه (3).
بل الظاهر انحصارا يستند في الدم من الأخبار في هذا الخبر دون ما مر،
إذ هو مع قصور سنده، بل ضعفه ظاهر في الجاهل والساهي والناسي، دون
العامد، وقد أجمعوا عدا الماتن على اختصاص الحكم بالعامد، وأنه لا شئ
على من عداه، للأصل، وضعف الخبر، وخصوص الصحيح الذي مر.
والمرسل - القريب منه في السند والمتن -: إن كان ناسيا أو جاهلا فليس
عليه شئ، وإن كان متمتعا في أول شهور الحج فليس عليه شئ إذا كان
قد أعفاه شهرا (4).

(1) والقائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في احرام الحج ج 1 ص 350 س 24.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب التقصير ح 2 ج 9 ص 542.
(3) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب التقصير ح 5 ج 9 ص 542.
(4) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب التقصير ح 1 ج 9 ص 541.
184

ولكن في التمسك للحكم بهذا الصحيح أيضا نظر، لعدم ظهوره في الحلق
بعد الاحرام، واحتمال كون الدم للاخلال بتوفير الشعر قبل الاحرام،
المستحب عند الأصحاب، والواجب عند الشيخين (1)، وأفتى بوجوب الدم
فيه المفيد (2)، كما مر في بحث الاحرام، وبه استدل له هناك، ولكن قد
مر الجواب عنه ثمة.
وبالجملة: فالخبر للاحتمال المزبور مجمل لا يمكن التمسك به في محل
البحث: مضافا إلى أن ما فيه من التفصيل في صورة العمد لا يوافق فتوى
الأصحاب على الاطلاق بلزوم الدم.
وهذا من أكثر الشواهد على تعيين ما مر من الاحتمال، وإلا فهو شاذ.
وكذا الخبر الأول، لما مر.
وعليه، فيشكل الحكم بوجوب الدم، إلا أن يكون اجماعا، ولا ريب
أنه أحوط.
وكيف كان، فينبغي القطع باختصاصه بصورة العمد، لا كما أطلقه
الماتن هنا وفي الشرائع (3)، وبما إذا حلق الرأس أجمع.
فلو حلق جملة منه وأبقى منه بعضا فلا دم ولا تحريم، كما قطع به
جمع (4)، وبثبوت تحريم الحلق مطلقا ولو بعد التقصير، لورود الأمر به في
الصحيح الماضي، وهو يستلزم النهي عن ضده العام اجماعا.
فلا وجه لتأمل بعض المتأخرين فيه (5)، ولا لتأمله في أجزائه من

(1) المقنعة: كتاب الحج ص 434، والنهاية ونكتها: كتاب الحج ج 1 ص 533.
(2) المقنعة: كتاب الحج ص 434.
(3) شرائع الاسلام: كتاب الحج ج 1 ص 302.
(4) قواعد الأحكام: كتاب الحج ج 1 ص 89.
(5) الظاهر أنه هو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الحج في العمرة ج 8 ص 461.
185

التقصير ولو على القول بتحريمه، كما عن المنتهى، حيث إنه مع قوله بتحريمه
قال: بالاجزاء، لتوجهه بأن أول الحلق تقصير، فبعد ما بدأ به حصل
الامتثال، وإنما النهي عن الحلق تعلق بالخارج عنه فيأثم بفعله خاصة (1).
وبهذا وجه فتوى الشيخ في الخلاف بالجواز، فقيل: إنه إذا أحل من
العمرة حل له ما كان حرمه الاحرام، ومنه إزالة الشعر بجميع أنواعها،
فيجوز له الحلق بعد التقصير، وأول الحلق تقصير (2).
ولكن يضعفه أن النهي عن الحلق في الصحيح المتقدم في قوة تخصيص
الاحلال بما عداه، كما صرح به بعض المحدثين، فقال: إنه يتحلل بالتقصير
كل ما حرم عليه بالاحرام إلا الحلق، وهو ظاهر الأصحاب أيضا (3).
بقي الكلام فيما وجهنا به الاجزاء فإنه على اطلاقه مشكل.
نعم لو قصد بأول الحلق التقصير ثم حلق أجزأ وإن أثم.
وإن قصد أولا الحلق دون التقصير أشكل، بل ظاهر قوله - عليه السلام -
في الصحيح المتقدم: (فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شئ) عدم
الاحلال مع الحلق، لأن المشار إليه بقوله: (ذلك) ما أمر به سابقا، ومن
جملته قوله: (وابق منها لحجك) فيعتبر في الاحلال. فتأمل.
وكيف كان، فالأحوط عدم الاجزاء بالحلق مطلقا.
ثم إن ظاهر قوله - عليه السلام - في الخبر المتقدم: (فإذا كان يوم النحر
أمر الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق) الوجوب، كما صرح به في
السرائر (4) والقواعد (5).

(1) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 763.
(2) القائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في احرام الحج ج 1 ص 350 س 26.
(3) لم نعثر عليه.
(4) السرائر: كتاب الحج ج 1 ص 600. (5) قواعد الأحكام: كتاب الحج ج 1 ص 89 س 16.
186

ولكن الأظهر الاستحباب، للأصل، وضعف الخبر سندا ودلالة، كما
مر، مع عدم موجب له.
كيف لا (وإنما يجب يوم النحر أحد الأمرين من التقصير أو الحلق،
والموجود في الخبر ليس إلا الأمر بامرار الموسى حين يريد الحلق، وقد
لا يريده.
فتعين حمله على الوجوب التخييري، إذ لا يخلو غالبا عن شعر يحلقه
الموسى، وإنما تعرض له بالخصوص لأفضلية الحلق من التقصير، كما مر.
(وليس فيها طواف النساء) فإنما هو في الحج مطلقا والعمرة المفردة
خاصة، على الأشهر الأقوى، كما مر في آخر بحث الطواف مفصلا.
(وإذا دخل) المحرم (مكة متمتعا) بالعمرة إلى الحج وفرغ من
أفعالها (كره له الخروج) منها (لأنه) أي ما أتى به من الاحرام للعمرة
(مرتبط بالحج) وجزئه، كما مر.
مضافا إلى خصوص الصحيح هنا: أو ليس مرتبطا بالحج لا يخرج حتى
يقضيه. ونحوه في النهي عن الخروج قبل القضاء الصحاح: ليس له أن
يخرج من مكة حتى يحج. والخبر: أن لا يخرج حتى يحرم بالحج.
وظاهرها التحريم، كما عن الوسيلة (1) والمهذب (2) والاصباح (3) وموضع
من النهاية (4) والمبسوط (5) وعزى إلى المشهور.

(1) الوسيلة: كتاب الحج ص 158.
(2) المهذب: كتاب الحج ج 1 ص 272.
(3) كما في كشف اللثام: كتاب الحج في حج التمتع ج 1 ص 281 س 34.
(4) النهاية ونكتها: كتاب الحج ج 1 ص 554.
(5) المبسوط: كتاب الحج ج 1 ص 304.
187

خلافا للحلي (1) والشيخ في التهذيب وموضع آخر من الكتابين
فيكره (2)، وتبعهما الفاضلان هنا وفي التذكرة (3) والمنتهى (4) وموضع من
التحرير (5).
ولعله للأصل، وظاهر الصحيح: في متمتع يريد الخروج إلى الطائف،
قال: يحل بالحج من مكة، وما أحب أن يخرج منها إلا محرما ولا يجاوز
الطائف أنها قريبة من مكة (6).
فإن: (لا أحب) كالصريح في الكراهة، أو أظهر دلالة عليها من ليس
له على التحريم في الأخبار السابقة، مع أنه صريح في عدم جواز الخروج بعد
الاحرام قبل قضاء الحج. ونحوه في ذلك صحيحان آخران.
في أحدهما: رجل قضى متعته وعرضت له حاجة أراد أن يمضي إليها؟
قال: فليغتسل وليهل بالاحرام بالحج وليمض في حاجته، فإن لم يقدر على
الرجوع إلى مكة مضى إلى عرفات (7).
وفي الثاني: من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج
حتى يقضي الحج، فإن عرضت له حاجة إلى عسفان أو إلى الطائف أو إلى
ذات عرق خرج محرما ودخل ملبيا، فلا يزال على احرامه، فإن رجع إلى

(1) السرائر: كتاب الحج ج 1 ص 633.
(2) التهذيب: كتاب الحج في حج التمتع ج 5 ص 163، والنهاية ونكتها: كتاب الحج باب السعي
بين الصفا والمروة ج 1 ص 514، والمبسوط: كتاب الحج في السعي وأحكامه ج 1 ص 363.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج في حج التمتع ج 1 ص 319 س 22.
(4) منتهى المطلب: كتاب الحج في حج التمتع ج 2 ص 664 س 13.
(5) تحرير الأحكام: كتاب الحج في احرام الحج ج 1 ص 101 س 4.
(6) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أقسام الحج ح 7 ج 8 ص 220.
(7) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أقسام الحج ح 4 ج 8 ص 218.
188

مكة رجع محرما ولم يقرب البيت حتى يخرج جمع الناس إلى منى (1) الخبر.
وتلك الصحاح ظاهرة في المنع إلى أن يقضي الحج ويكمله، ومقتضاه
عدم الاكتفاء بالخروج محرما، فينصرف ظاهرها إلى صريح هذه.
إلا أن يجمع بينهما بحمل القضاء في الصحاح على ما يعم الدخول في
الاحرام، كما في الخبرين بعدهما، لكنهما قاصرا السند.
ومع ذلك فيتعين تقييد اطلاقهما بحال الضرورة، كما فصلته الصحيحة
الأخيرة.
وحمل القضاء في الصحاح على ذلك في غاية البعد، بل الأظهر في
الجمع بينهما أن يبقى القضاء فيها على حاله، ويقيد اطلاقها بصورة
الاختيار.
وبحمل الاكتفاء بالاحرام في هذه الصحاح على حال الضرورة،
وحصول الحاجة، كما هو مورد أكثرها.
والمطلق منها يقبل التقييد بها، للصحيحة المفصلة المتقدمة، وهي أوضح
شاهد على هذا الجمع، حيث اشترط فيها - في جواز الخروج ولو محرما عروض
الحاجة، وصرح قبله بالمنع عن الخروج حتى يقضي الحج ويكمله،
كالصحاح السابقة.
وقريب منها المرسل: المتمتع محتبس لا يخرج من مكة حتى يخرج إلى
الحج، إلا أن يأبق غلامه أو تضل راحلته فيخرج محرما، ولا يجاوز، إلا
على قدر ما لا يفوته عرفة (2).

(1) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أقسام الحج ح 6 ج 8 ص 219.
(2) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أقسام الحج ح 9 ج 8 ص 220.
189

وبالجملة: فمقتضى الجمع بين هذه الأخبار المعتبرة بعد ضم بعضها
ببعض المنع عن الخروج عن مكة اختيارا، حتى يقضي الحج ويكمله، إلا
مع الضرورة فيخرج محرما إلى ما لا يفوت معه عرفة، كما في المرسلة ونحوها
الأخبار المرخصة للخروج محرما، لاختصاصها بالأماكن القريبة منها، بل
اشترط ذلك في الصحيحة الأخيرة.
وكل هذه الأخبار متفقة في المنع مطلقا، أو من غير ضرورة من غير
تفصيل فيها بين ما إذا خرج ودخل في الشهر الذي أحرم فيه للعمرة، أو
غيره.
فما ذكره الماتن هنا وفي الشرائع (1) وتبعه الفاضل في القواعد (2) وغيره
من الجواز في الأول مطلقا ولو من غير كراهة، لقوله:
(ولو خرج وعاد في شهره) الذي اعتمر فيه (فلا حرج) مطلقا
ولو من غير ضرورة منظور فيه، لمخالفته الأخبار المتقدمة أجمع، من عدم
وضوح شاهد عليه.
عدا المرسل: سأل أبا جعفر - عليه السلام - في عشر من شوال، فقال:
إني أريد أن أفرد عمرة هذا الشهر؟ فقال: أنت مرتهن بالحج، فقال له
الرجل: إن المدينة منزلي ومكة منزلي ولي بينهما أهل وبينهما أموال؟ فقال:
أنت مرتهن بالحج، فقال له الرجل: فإن لي ضياعا حول مكة وأريد
الخروج إليها؟ فقال: تخرج حلالا وترجع حلالا إلى الحج (3).
واطلاقه بجواز الدخول حلالا وإن شمل ما لو دخل في غير الشهر الذي

(1) شرائع الاسلام: كتاب الحج ج 1 ص 238.
(2) قواعد الأحكام: كتاب الحج ج 1 ص 92 س 8.
(3) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أقسام الحج ح 3 ج 8 ص 218.
190

اعتمر فيه، إلا أنه لما علم بالدليل أنه لا بد من الاحرام إذا مضى شهر قيد
بما إذا دخل في غير الشهر الذي اعتمر فيه.
وعليه ينص الموثق كالصحيح: عن المتمتع يجئ فيقضي متعته ثم يبدو
له الحاجة فيخرج إلى المدينة وإلى ذات عرق وإلى بعض المعادن؟ قال:
يرجع إلى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، لأن لكل شهر
عمرة وهو مرتهن بالحج (1).
والمرسل والرضوي: إذا أراد المتمتع الخروج من مكة إلى بعض المواضع
فليس له ذلك، لأنه مرتهن بالحج حتى يقضيه، إلا أن يعلم أنه لا يفوته
الحج، وإن علم وخرج وعاد في الشهر الذي خرج فيه دخل مكة محلا،
وإن دخلها في غير ذلك الشهر دخل محرما (2). ونحوهما الصحيح الآتي.
وعلى هذا، فيكون قوله - عليه السلام -: (ويرجع حلالا) كناية عن
وجوب الرجوع في الشهر الذي اعتمر فيه وتهيأ له عن افراد العمرة وإن سئل
الرخصة فيه.
وإنما خص - عليه السلام - الرخصة له في ذلك بمورد السؤال الأخير دون
الأول، لكونه مما يمكن فيه الرجوع إلى مكة في الشهر الذي اعتمر فيه،
لقربه منها.
وكونه في حواليها دون مورد الأول، لكونه بين مكة والمدينة، ويبعد فيه
ذلك غايته.
ويؤيده ما قيل: من أن الظاهر أن المنع عن الخروج، لارتباط العمرة

(1) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أقسام الحج ح 8 ج 8 ص 220.
(2) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أقسام الحج ح 10 ج 8 ص 220، وفقه الرضا - عليه السلام -:
ب 31 من باب الحج وما يستعمل فيه ص 230.
191

بالحج واتصالها به من غير تخلل، عمرة أخرى بينهما، فإذا لم يفتقر إليه لم يمنع
عنه (1).
وفيه نظر. أما أولا: فلضعف المرسل من وجوه.
وأما ثانيا: فلاختصاصه كالأخبار بعده على تقدير دلالتها على الرخصة
في الخروج من غير احرام بحال الضرورة، أو صورة العلم بأنه لا يفوته
الحج، وشئ منهما غير مذكور في العبارة، بل ظاهرها جواز الخروج في
الصورة المفروضة فيها ولو مع الاختيار وعدم العلم بالرجوع إلى مكة في الشهر
الذي أحرم فيه.
وبالجملة: فهذه الأخبار وما قبلها الواردة بالجواز كلها مختصة بحال
الضرورة، عدا الرضوي وما طابقه فإنهما مطلقان، لكن ينبغي تقييدهما
بالضرورة، للصحيحة المفصلة المتقدمة.
ومع ذلك صحاحها مشترطة في الخروج معها الاحرام، وظاهر أكثرها
التحريم من دونه.
إلا أن ما تضمن منها لفظة الكراهة في الخروج من دونه تصرفها عن
ظاهرها إلى الجواز مع الكراهة، لأنها صريحة، أو كالصريحة في الجواز من
غير احرام، لكن مع الكراهة. وبها تجبر المرسلة المتقدمة المجوزة للخروج في
ا لضرورة.
فما ذكره الماتن لا بأس به، إلا أنه ينبغي تقييدها بحال الضرورة.
والقول (بأن الظاهر أن المنع عن الخروج لارتباط العمرة بالحج واتصالها
به من غير تخلل عمرة مفردة بينهما... إلى آخره) لا يمنع تقييد الجواز بالضرورة

(1) القائل هو كشف اللثام: كتاب الحج ج 1 ص 282 س 1.
192

والكراهة، بعد ما دلت عليهما الأخبار المعتبرة.
وربما كان الوجه في اعتبارهما احتمال أن لا يمكنه - بعد الخروج - العود إلى
مكة.
ومما ذكر يظهر تطرق النظر أيضا في إطلاق ما ذكره الماتن بقوله:
(وكذا) لا حرج (لو أحرم بالحج وخرج بحيث إذا أزف) وقرب
(الوقوف عدل إلى عرفات) بل ينبغي تقييده بحال الضرورة، لما عرفت
من اتفاق الأخبار كلها بعد ضم بعضها إلى بعض على اعتبارها.
وبالجملة: فالذي يظهر من الجمع بين الأخبار المنع عن الخروج اختيارا
مطلقا، وجوازه إلى ما لا يفوت معه الوقوف بعرفة مع الكراهة، من غير
احرام، وبدونها معه.
وإطلاقها كالعبارة والفتاوى يعم صورتي كون العمرة المتمتع بها إلى
الحج واجبة أو مندوبة. ولذا قال جماعة: بأن في هذه الأخبار دلالة على
وجوب إتمام الحج المندوب بالشروع فيه (1).
أقول: مضافا إلى قوله سبحانه: (وأتموا الحج والعمرة لله) الآية.
(ولو خرج لا كذلك) بأن خرج غير محرم بالحج (وعاد في غير
الشهر) الذي اعتمر فيه (جدد عمرة) أخرى (وجوبا) لما مضى من
الأخبار.
مضافا إلى الصحيح: فإن جهل فخرج إلى المدينة أو إلى نحوها بغير
احرام، ثم رجع في أبان الحج في أشهر الحج يريد الحج فيدخلها محرما، أو
بغير احرام؟ فقال: إن رجع في شهره دخل مكة بغير احرام، وإن دخل في

(1) ومنهم صاحب مدارك الأحكام: كتاب الحج ج 7 ص 175.
193

غير الشهر دخل محرما، قال: فأي الاحرامين والمتعتين متعته الأولى، أو
الأخيرة؟ قال: الأخيرة هي عمرته، وهي المحتبس بها التي وصلت
بحجته (1).
ومنه يظهر المستند في قوله: (ويتمتع بالأخيرة دون الأولى) مضافا
إلى عدم الخلاف فيه، ولا في سابقه وإن اختلفوا في حصول الإثم بالخروج
في الجملة، أو مطلقا، أو عدمه مع الكراهة، أو بدونها، والمختار ما قدمنا.
وفي احتياج العمرة الأولى حيث صارت مبتولة إلى طواف النساء
وعدمه قولان، أحوطهما الأول، وإن كان الثاني بظاهر إطلاق النص
والفتاوى أوفق.
مضافا إلى الأصل، وعدم دليل صالح على وجوبه هنا، عدا الاطلاق،
والمتبادر منه العمرة المبتولة ابتداء، لا المنقلبة إليها قهرا شرعا.
وحيث خرج ودخل في الشهر الذي اعتمر فيه فلا ريب في جواز
الدخول من غير احرام، لما عرفت من الأخبار المستفيضة، بل في أكثرها
بالدخول إلى مكة محلا، وظاهرها الوجوب.
لكن في الموثق كالصحيح المتقدم بعد ما مر: قلت: فإنه دخل في الشهر
الذي خرج فيه، قال - عليه السلام -: كان أبي - عليه السلام - مجاورا فيها
فخرج يتلق بعض هؤلاء، فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق
بالحج، ودخل وهو محرم بالحج (2).
وظاهره جواز الاحرام بالحج من غير مكة.
وباستحبابه صرح جماعة منهم الفاضل في المنتهى والتذكرة والشهيد في

(1) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أقسام الحج ح 6 ج 8 ص 219.
(2) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أقسام الحج ح 8 ج 8 ص 220.
194

الدروس، كما قيل، لكن ظاهره التردد فيه كالمنتهى، وفيه بعد الفتوى
بالاستحباب ونقل الرواية: هذا قول الشيخ واستدلاله، وفيه اشكال، إذ
قد بينا أنه لا يجوز احرام الحج للمتمتع إلا بمكة (1).
أقول: مضافا إلى عدم بلوغه قوة المعارضة، للأخبار في المسألة، الظاهرة
في الوجوب، كما عرفت.
مع أنه تضمن نقل فعل عنه - عليه السلام -، وهو يحتمل وجوها، منها
التقية، كما ربما يشعر به سياقها، كما لا يخفى على من تأمله وتدبره.
فإذا المتوجه عدم الجواز.

(1) والقائل هو المحدث البحراني في حدائقه: كتاب الحج في تحديد الشهر الذي تجدد العمرة بالرجوع
بعده ج 14 ص 366.
195

(المقصد الثالث)
(في اللواحق، وهي ثلاثة)
(الأول: في) أحكام (الاحصار والصد) قدم الحصر ه‍، للنص
عليه في القرآن العزيز (1). قيل: ولعمومه لغة، وأخره بعد لكثرة مسألة
الصد (2).
(فالمصدود) هو (من منعه العدو) وما في معناه خاصة،
بلا خلاف عندنا فيه، ولا فيما سيأتي من أن المحصور من منعه المرض
خاصة، وبالاجماع منا صرح جماعة مستفيضا.
ومنهم شيخنا في المسالك، فقال: هو الذي استقر عليه رأي أصحابنا، ب‍
ووردت به نصوصهم (3).
أقول: ومنها الصحيح: المحصور هو المريض، والمصدود هو الذي يرده
المشركون، كما ردوا رسول الله - صلى الله عليه وآله - ليس من مرض،
والمصدود تحل له النساء، والمحصور لا تحل له النساء (4).

(1) البقرة: 196.
(2) والقائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في الحصر والصد ج 1 ص 387 س 14.
(3) مسالك الأفهام: كتاب الحج في الصد ج 1 ص 128 س 31.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الاحصار والصد ح 1 ج 9 ص 303.
196

ثم قال: وهو مطابق أيضا للغة، قال في الصحاح: أحصر الرجل على
ما لم يسم فاعله، قال ابن السكيت: أحصره المرض إذا منعه من السفر أو
من حاجة يريدها، قال الله تعالى: " فإن أحصرتم " إلى آخر ما قال، وما
نقله عن ابن السكيت قد نقله أيضا في المصباح المنير عنه، وعن تغلب وعن
الفراء: إن هذا هو كلام العرب، وعليه أهل اللغة (1).
أقول: لكن المحكي عن أكثرهم اتحاد الحصر والصد، وإنهما بمعنى المنع
من عدو كان أو مرض، وهذا هو الذي عليه عامة فقهاء الجمهور.
وكيف كان، فلا ريب فيما ذكرنا بعد ورود النص بذلك عن أهل
العصمة سلام الله عليهم.
واعلم أنهما مشتركان في ثبوت أصل التحلل بهما في الجملة. ويفترقان في
عموم التحلل، فإن المصدود يحل له بالمحلل كلما حرم الاحرام، والمحصر ما
عدا النساء.
وفي مكان ذبح هدي التحلل، فالمصدود يذبحه أو ينحره حيث صد،
والمحصر يبعثه إلى محله بمكة ومنى.
وفي إفادة الاشتراط تعجيل التحلل للمحصر دون الآخر، لجوازه له
بدون الشرط.
وقد يجتمعان على المكلف، بأن يمرض ويصده العدو فيتخير في أخذ
حكم ما شاء منهما وأخذ الأخف من أحكامهما، لصدق الوصفين الموجب
للأخذ بالحكم، سواء عرضا دفعة أو متعاقبين، وفاقا لجماعة (2).
خلافا للشهيد في الدروس فاستقرب ترجيح السابق إذا كان عروض

(1) مسالك الأفهام: كتاب الحج في الصد ج 1 ص 128 س 31.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الحج ج 1 ص 317 س 30.
197

الصد بعد بعث الهدي للحصر والاحصار بعد ذبح المصدود لما يقصر (1)،
ولا يخلو عن وجه، ومع ذلك فلا ريب أنه أحوط.
وإذا قد تمهد هذا (فإذا تلبس بالاحرام)، لحج أو عمرة وجب عليه
الاكمال، اجماعا (2) فتوى ودليلا كتابا وسنة.
(ف‍) إن (صد نحر هديه) في مكانه (وأحل من كل شئ)
أحرم منه، حتى النساء على الأشهر الأظهر، بل لا يكاد يظهر خلاف في
شئ من ذلك.
إلا من الحلي فلم يوجب الهدي (3)، وهو محجوج بما يأتي، ومن الحلبي
فأوجب انفاذ الهدي كالمحصور، ويبقى على احرامه إلى أن يبلغ الهدي
محله (4)، وقريب منه الإسكافي فيما حكي عنه، ففصل في البدنة بين امكان
ارسالها فيجب، وعدمه فينحرها مكانه (5). وتردهما المعتبرة المستفيضة.
ففي الموثق: المصدود يذبح حيث صد فيرجع صاحبه فيأتي النساء،
والمحصور يبعث بهديه (6).
وفي الصحيح: أن رسول الله - صلى الله عليه وآله - حيث صده المشركون
عام الحديبية نحر بدنة ورجع إلى المدينة (7).
ونحوه الخبر إلا أن فيه: قصر وأحل ونحر، ثم انصرف منها، ولم يجب

(1) الدروس الشرعية: كتاب الحج درس 119 ج 1 ص 476.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 395 س 30.
(3) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 847 س 27.
(4) الكافي في الفقه: كتاب الحج ص 218.
(5) مختلف الشيعة: كتاب الحج ج 1 ص 317 س 1.
(6) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الاحصار والصد ح 5 ج 9 ص 304.
(7) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الاحصار والصد ح 5 ج 9 ص 313.
198

عليه الحلق حتى يقضي المناسك، فأما المحصور فإنما يكون عليه التقصير (1).
وفي المرسل: المحصور بالمرض إن كان ساق هديا أقام على احرامه
حتى يبلغ الهدي محله ثم يحل، ولا يقرب النساء حتى يقضي المناسك من
قابل، هذا إذا كان حجة الاسلام، فأما حجة التطوع فإنه ينحر هديه
وأحل مما كان أحرم منه، فإن شاء حج من قابل، وإن شاء لا يجب عليه
الحج.
والمصدود بالعدو ينحر هديه الذي ساقه مكانه، ويقصر من شعر رأسه
ويحل، وليس عليه اجتناب النساء، سواء كان حجته فريضة، أو سنة (2).
وهل الأمر بذبح الهدي مكان الصد للوجوب هو الأصل فيه، أم
للرخصة، لقوة احتمال وروده مورد توهم وجوب البعث كالحصر؟
وجهان، بل قولان، فظاهر الخبر الأخير - كالخبر المتقدم عليه - توقف
الاحلال على التقصير، كما في القواعد (3) وعن المراسم (4) وفي الغنية (5)
وعن الكافي (6)، إلا أن فيهما (الحلق) بدل (التقصير)، واختاره
الشهيدان (7)، لكن مخيرين بينهما.
ولا وجه له ولا لما سبقه من اعتبار الحلق، لعدم دليل عليه، عدا رواية

(1) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الاحصار والصد ح 1 ج 9 ص 309.
(2) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الاحصار والصد ح 6 ج 9 ص 304.
(3) قواعد الأحكام: كتاب الحج ج 1 ص 93 س 21.
(4) المراسم: كتاب الحج ذكر أقسام الحج ص 118.
(5) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): كتاب الحج 521 س 7.
(6) الكافي في الفقه: كتاب الحج ص 218.
(7) الدروس الشرعية: كتاب الحج درس 119 ج 1 479، والشهيد الثاني في المسالك: كتاب
الحج ج 1 ص 129 س 2.
199

عامية بحلقه - صلى الله عليه وآله - يوم الحديبية (1)، والرواية المتقدمة
بتقصيره - صلى الله عليه وآله - ترده، لكن في سنده كالمرسلة ضعف.
ولا دليل على التقصير بعدهما، عدا ما قيل: من ثبوته أصالة، ولم يظهر
أن الصد أسقطه، فالاحرام يستصحب إليه (3).
وفيه نظر، لمنع ثبوته أصالة هنا، وإنما هو في محل قد فات بالصد
جزما، والاستصحاب إنما يتوجه في مقام الشك، ولا شك هنا، بعد
اطلاق الأدلة من الكتاب والسنة بجواز الاحلال بالصد، من غير اشتراط
بالتقصير.
نعم هو أحوط، وإن كان عدم الوجوب لعله أظهر، وفاقا لظاهر المتن
والأكثر.
ثم إن ظاهر اطلاق النص والفتوى جواز الاحلال بالصد مطلقا ولو مع
رجاء زوال المانع، بل قيل: وهو ظاهر الأصحاب، حيث صرحوا بجوازه مع
ظن انكشاف العذر قبل الفوات (3)، فإن تم اجماعا، وإلا كما هو الظاهر.
فالأظهر اختصاصه بصورة عدم الرجاء قطعا أو ظنا، اقتصارا فيما خالف
الأصل على المتيقن، من إطلاق النص والفتوى، وليس بحكم التبادر
وغيره، إلا ما ذكرنا، دون صورة الرجاء قطعا. ثم إن الأمر بالاحلال في
النص والفتوى وإن أفاد الوجوب أصلا.
إلا أن الظاهر أن المراد به هنا الإباحة والترخيص دون الوجوب،
فيجوز له في احرام الحج والعمرة المتمتع بها البقاء على احرامه إلى أن يتحقق

(1) سنن البيهقي: كتاب الحج في أبواب الاحصار ج 5 ص 214 - 215.
(2) القائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في الحصر والصد ج 1 ص 387 س 9 1.
(3) مسالك الأفهام: كتاب الحج ج 1 ص 130 س 26.
200

الفوات، فيتحلل بالعمرة، كما هو شأن من فاته الحج، وعزي أيضا إلى
الأصحاب.
بل زاد بعضهم فقال: إنه أفضل من الاحلال، فيجب عليه اكمال
أفعال العمرة إن تمكن، وإلا تحلل بهدي، ولو كان احرامه بعمرة مفردة لم
يتحقق الفوات، بل يتحلل منها عند تعذر الاكمال، ولو أخر التحلل كان
جائزا، فإن آيس من زوال العذر تحلل بالهدي حينئذ (1).
(و) إنما (يتحقق الصد مع عدم التمكن من الوصول إلى مكة)
بل عن مناسكها.
ولو قال: من مكة، تنزل عليه بلا تكلف مع الايجاز إن كان معتمرا.
(أو الموقفين) أو أحدهما مع فوات الآخر إن كان حاجا (بحيث
لا طريق) له (غير موضع الصد، أو كان) له طريق آخر (لكن
لا نفقة) له في سلوكه، ولا خلاف في حصول الصد بذلك، بل قيل:
اتفاقا (2).
وكذا إذا صد المعتمر عن الطواف أو السعي خاصه، لعموم الآية (3)،
واستصحاب حكم الاحرام إلى الاتيان بما مر على المصدود.
وأما حصول الاحلال به فبطريق أولى مع العموم.
ولا يتحقق بالمنع من العود إلى منى لرمي الجمار والمبيت بها. قيل:
إجماعا، كما نقله جماعة من الأصحاب، بل يحكم بصحة حجه،
ويستنيب في الرمي إن أمكن، وإلا قضاه في القابل (4).

(1) وهو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الحج في الاحصار والصد ج 8 ص 287.
(2) القائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في الحصر والصد ج 1 ص 387 س 16.
(3) البقرة: 196.
(4) والقائل هو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الحج في الاحصار والصد ج 8 ص 293.
201

وإن منع من مناسك منى يوم النحر استناب، وقد تم نسكه بمنى،
بلا خلاف، فإن تعذر الاستنابة قيل: احتمل البقاء على إحرامه مطلقا،
للأصل (1). وكذا لو كان المنع عن مكة ومنى جميعا.
ولو منع عن مكة خاصة بعد التحلل بمنى يبقى على إحرامه بالنسبة إلى
الطيب والنساء والصيد خاصة.
وقيل: إن لم يمكنه الاستنابة في الرمي فهو مصدود، لعموم نصوصه،
وأولوية تحلله من المصدود عن الكل في الذبح، فهو لا يستطيع الهدي،
فعليه الصيام بدله إن لم يمكنه إيداع الثمن ممن يذبح بقية ذي الحجة (2).
وهذا القول أظهر، لقوة دليله، مع ما في الأول من لزوم البقاء إلى
القابل العسر والحرج.
ومنه مضافا إلى الأولوية المتقدم إليها الإشارة يظهر الجواب عما قيل
على عموم الكتاب والسنة باختصاص إطلاقهما بحكم التبادر وغيره، بحيث
لا يدانيه شبهة بما إذا صد عما يفوت به الحج أو العمرة بالكلية، لا بعض
أفعالهما المتأخرة (3).
فإنه على تقدير تسليمه، ربما يمنع بأن منطوقهما وإن اختص بذلك،
إلا أن فحواهما يعمه وغيره، حتى ما يمكن فيه الاستنابة، إلا أنه خرج
اتفاقا فتوى ورواية.
ومن ثمرات الصد وإن كان قضاء الحج من قابل وجوبا أو استحبابا،
إلا أنه في صورة فواته بالصد ونحوه لا مطلقا، فإنه ليس من لوازمه التي

(1) قاله المولى الكاشاني في مفاتيحه: كتاب الحج م 434 في الممنوع من مناسك منى ج 1 ص 387.
(2) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في الحصر والصد ج 1 ص 388 س 33.
(3) لم نعثر عليه.
202

لا تنفك منه إجماعا، وإنما ثمرته اللازمة له جواز الاحلال من الاحرام
ووجوب الهدى.
ونحن نقول بهما هنا، لكن على إشكال في الأخير، لفقد العموم فيه،
وعدم مساعدة الفحوى لايجابه، بعد فرض اختصاصه بصورة الصد عن الحج
أو العمرة من أصله، فإن غاية الأولوية إفادة جواز الاحلال، لا وجوبه،
لاحتمال خصوصيته في الصد عن كل الحج في إيجابه لا يوجد في الصد
عن أبعاضه، لكن غاية ذلك الشك وأصالة البقاء على الاحرام ربما يحكم
بإيجابه، فإيجابه للأصل لا للفحوى. وهو كاف في ذلك.
وتلخص مما ذكرنا تحقق الصد الموجب للتحلل، والهدي بالمنع عن
الحج والعمرة بتمامهما أو أبعاضهما، وسقوط ما صد عنه بعد التحلل في
عامه، إلا ما تقبل النيابة، فيجب.
ولا ثمرة للصد فيه، إلا إفادة جواز التحلل فيما لا تحلل إلا بفعله أو
بالصد.
(ولا يسقط الحج الواجب) المستقر في ذمته قبل عام الصد،
ولا المستمر إليه وإلى العام المقبل (مع الصد) فيقضيه وجوبا في القابل.
(ويسقط المندوب) أي لا يجب، كما أوجبه أبو حنيفة وأحمد في
رواية (1)، للأصل والاجماع، كما هو ظاهر التذكرة (2) والمنتهى (3)
وإنما يقضيه ندبا، وفي بعض الأخبار المتقدمة والآتية في الحصر دلالة
عليه.

(1) المغني لابن قدامة: كتاب الحج في أحكام الاحصار ج 3 ص 372.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج في الحصر والصد ج 1 ص 399 س 1.
(3) منتهى المطلب: كتاب الحج في الحصر والصد ج 2 ص 846 س 36.
203

(وفي وجوب الهدي على المصدود قولان، أشبههما: الوجوب)
وفاقا للمشهور، بل ظاهر الغنية (1) والمحكي عن المنتهى (2) وغيرهما
إجماعنا عليه.
وهو الحجة، مضافا إلى استصحاب بقاء حكم الاحرام إلى أن يعلم
حصول المحلل، وخصوص ما مر من النصوص وغيرها، كالمرسل: المحصور
والمضطر يذبحان بدنتيهما في المكان الذي يضطران فيه (3).
وقصور السند أو ضعفه حيث كان مجبور بالعمل وموافقة الكتاب، بناء
على أن المراد بالحصر فيه المنع مطلقا ولو بالعدو، لموافقته لأهل اللغة،
كما عرفته، وإجماع المفسرين على نزول الآية في حصر الحديبية، كما
صرح به جماعة، كالشافعي (4) والنيشابوري () وغيرهما، ويظهر أيضا من
الغنية.
وروى تفسيرها بها الشيخ في التبيان (6) والطبرسي في المجمع (7) عن
الأئمة - عليهم السلام -، فيما حكي عنهما، ويشعر بذلك أيضا ذيل الآية،
وهو قوله سبحانه: (فإذا أمنتم) (8)، لظهوره في الأمن من العدو، دون
المرض والعلة، ولذا قال بعض العامة: باختصاص الآية بالصد دون

(1) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 521 س 7.
(2) منتهى المطلب: كتاب الحج في الاحصار والصد ج 2 ص 846 س 27.
(3) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الاحصار والصد ح 2 ج 9 ص 303.
(4) المجموع: كتاب الحج باب الفوات والاحصار ج 8 ص 355.
(5) تفسير النيشابوري بهامش تفسير الطبري: ج 2 ص 242.
(6) التبيان: في تفسير الآية 96 1 من سورة البقرة ج 2 ص 158.
(7) مجمع البيان: في تفسير الآية 196 من سورة البقرة ج 2 ص 152.
(8) البقرة: 196.
204

المرض (1).
وإن كان المناقشة فيه أيضا واضحة.
لأن الورود في قضية خاصة، لا ينافي عموم اللفظ إذا ثبت لغة. وكذا
تخصيص بعض أفراده بحكم غير ما علق عليه أولا لا يفيد تخصيص الحكم
الأول بذلك الفرد أيضا.
والقول الثاني للحلي، فلم يوجبه (2)، للأصل، وتخصيص الحصر بما
مر، ومنع عموم الآية، للمنع بالعدو، لاختصاصه بالحصر بالمرض. وفيه ما
مر.
ولا ينافيه الاجماع فتوى ونصا وآية (3) بتخصيص الحصر بالمرض والصد
بالعدو، لاحتمال كونه اصطلاحا خاصا لما بعد النزول. ولا بعد فيه بعد
وجود الدليل، كما قيل (4).
ولو سلم فغايته اختصاص الآية بالمرض، لكن لا دلالة فيها، ولا في
الأخبار على نفي الوجوب في الصد.
وإنما الدليل عليه حتى في كلامه إنما هو أصالة البراءة، وهو معارضة
بالاستصحاب المتقدم إليه الإشارة، ولا حجة لأصالة البراءة في مقابلته إلا
بعد وجود عموم أو إطلاق يمكن دفع الشك بهما، ولم أر وجودا لهما هنا
كما مضى.
وبالجملة: فأصالة البراءة مخصصة بما دل على لزوم أحكام الاحرام،

(1) وهو مالك والشافعي كما نقله عنهما الكشاف: في تفسير الآية 196 من سورة البقرة ج 1
ص 240.
(2) السرائر: كتاب الحج باب في حكم المحصور والصدود ج 1 ص 637.
(3) هذه الكلمة غير موجودة في نسخة (مش).
(4) لم نعثر عليه.
205

والأصل بقاؤها في موضع الشك إلى أن يثبت الرافع لها ولو عموما أو إطلاقا
نافعا، وقد عرفت فقدهما.
(و) على المختار ف (لا يصح التحلل) مطلقا (إلا بالهدي) لما
مر (ونية التحلل) كما صرح به جماعة (1)، من غير خلاف بينهم أجده،
لأن الذبح يقع على وجوه: أحدها التحلل فلا ينصرف إليه دون غيره إلا
بمخصص وهو النية، كما في كل عبادة مشتركة.
قيل: لا يقال: نية التحلل غير معتبرة في غير المصدود فكيف اعتبرت
هنا؟ أليس إذا رمى أحل من بعض الأشياء وإن لم ينو التحلل؟
لأنا نقول: من أتى بأفعال النسك فقد خرج عن العهدة وأتى بما عليه،
فيحل باتمام الأفعال، ولا يحتاج إلى نية، بخلاف المصدود لأنا قد بينا إن
الذبح لا يتخصص إلا بنية التحلل، فاحتيج إليها، دون الرمي الذي
لا يكون إلا النسك فلم يحتج إلى قصد (2) انتهى.
قيل: وإن قيل: كما أن غير المصدود يخرج عن العهدة بإتمام المناسك
فكذا المصدود بإتمام ما عليه.
قلنا: الفرق أن للمصدود أن يبقى على إحرامه وإن ذبح سبعين مرة إذا
لم ينو التحلل.
لا يقال: وكذا الرمي يقع على وجوه وبين أنه إذا نوى به اللغو ونحوه لم
يفد التحلل.

(1) منتهى المطلب: كتاب الحج في الاحصار والصد ج 2 ص 46 8 س 26، ومدارك الأحكام:
كتاب الحج في الاحصار والصد ج 8 ص 289، وكشف اللثام: كتاب الحج في الحصر والصد
ج 1 ص 387 س 24.
(2) قاله العلامة الحلي في المنتهى: كتاب الحج في الاحصار والصد ج 2 ص 846 س 27.
206

لأنه مسلم، ولكن يكفيه ما عليه من الرمي في الحج كسائر المناسك
إنما ينوي بها فعل ما عليه منها، لوجوبه، وأما هدي التحلل فلا يتعين إلا
بنية التحلل، فإذا لم ينو كان كاللغو من الرمي، ولذا يشترط وقوعها عند
الذبح، ولا يكفي وجوب الهدي للسياق عن هذه النية، لأن الأصل فيما
ساقه الذبح بمنى أو بمكة، فهذا الذبح قبل مكانه وزمانه (1). انتهى.
وهو حسن، إلا أن قوله: (ولا يكفي وجوبه للسياق عن هذه النية)
محل مناقشة، لاحتمال الاكتفاء عنها بقصد القربة وامتثال الأمر، إذ لا أمر
مشتركا بذبح الهدي المساق في الواقعة، بل الأمر به إنما هو للتحلل خاصة،
ونية التعيين إنما يحتاج إليها في الأوامر المتعددة المشتركة، ولا تعدد في
الأمر هنا، كما عرفته.
وقوله: (لأن الأصل فيما ساقه إلى آخره) لا يفيد الاحتياج إلى هذه
النية، كما لا يخفى على من تدبره.
(وهل يسقط الهدي لو شرط) في إحرامه (حله) من (حيث
حبسه؟ فيه) أي في السقوط به (قولان) مضيا في أواخر بحث أحكام
الاحرام، ومر أن الأقوى القول بالسقوط، وفاقا للمرتضى (2) والحلي (3)،
مدعيين الاجماع عليه و (أظهرهما) عند آخرين (أنه لا يسقط).
(و) جعلوا (فائدة الاشتراط جواز التحلل من غير توقع) وتربص
لبلوغ الهدي محله.
وفيه: أن هذه الفائدة مختصة بالمحصور، وأما المصدود فلا تظهر فيه،

(1) والقائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في الحصر والصد ج 1 ص 387 س 28.
(2) الإنتصار: كتاب الحج ص 105.
(3) السرائر: كتاب الحج باب الحصر والصد ج 1 ص 640.
207

لما مر من جواز تحلله من غير تربص، بناء على جواز ذبح هديه مكان
الصد، كما هو الأظهر الأشهر، ولذا خصها الماتن في بحث الاحرام
بالمحصور، لا لما توهم من اختصاص جواز التحلل من أصله به دون
المصدود، وحينئذ فلا فائدة لهذا الشرط في المصدود.
وأضعف منه سائر ما قيل في توجيه هذا الشرط غير سقوط الهدي، من
أراد تفصيل ذلك فعليه بمراجعة ذلك البحث.
(وفي إجزاء هدي السياق عن هدي التحلل قولان) بل أقوال
(أشبههما) عند الماتن هنا، وفاقا للصدوقين (أنه لا يجزئ (1)) مطلقا،
سواء وجب الهدي المسوق ولو بالاشعار أو التقليد، أم لا (2).
وفصل الإسكافي بين الواجب فلا يجزئ وغيره فنعم (3)، واختاره
جماعة منهم شيخنا الشهيد الثاني.
فقال: والأقوى عدم التداخل إن كان السياق واجبا ولو بالاشعار أو
التقليد، لاختلاف الأسباب المقتضية لتعدد المسببات، نعم لو لم يتعين
ذبحه كفى، إلا أن إطلاق هدي السياق عليه مجاز (4) انتهى.
وربما يظهر من قوله: (إلا أن إطلاق هدي السياق عليه مجاز) رجوع
قول الإسكافي إلى قول الصدوقين، كما صرح به غيره.
ولم نقف لهما على دليل، سوى ما مر، والرضوي: فإن قرن الرجل

(1) في المطبوع من المتن: أنه يجزئ.
(2) نقله عنه في مختلف الشيعة: كتاب الحج في المحصور والمصدود ج 2 ص 317 س 28، ومن
لا يحضره الفقيه: باب الرجل يبعث بالهدي ح 3109 ج 2 ص 517.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الحج في المحصور والمصدود ج 2 ص 317 س 29.
(4) مسالك الأفهام: كتاب الحج في الاحصار والصد ج 1 ص 129 س 21.
208

الحج والعمرة فأحصر بعث هديا مع هديه، ولا يحل حتى يبلغ الهدي محله،
فإذا بلغ الهدي محله أحل وانصرف إلى منزله، وعليه الحج من قابل،
ولا يقرب النساء حتى يحج من قابل (1).
وفيهما نظر، أما الأول: فلأنا لم نقف على دليل يدل على إيجاب
الحصر أو الصد هديا مستقلا، وإنما المستفاد من الأدلة كتابا وسنة إنما هو
ما استيسر من الهدي، كما في الأول، أو هديه، كما في الثاني، كما
عرفت، ولا ريب في صدقهما على المسوق مطلقا في محل البحث، ولعله
لهذا استدل بالأول في المنتهى على ما اختاره من القول الثاني (2).
وأما الثاني: فلقصوره عن معارضة ما دل على القول الثاني، وهو
الاجزاء مطلقا، كما عليه الأكثر، بل المشهور على الظاهر المصرح به في
كلام جمع، بل ظاهر الغنية الاجماع عليه مطلقا (3)، وكذا الحلي (4)، إلا
من الصدوق، كما حكي عنه.
وهو الأظهر، للأصل، وإطلاق الكتاب والسنة - على ما مر والاجماع
المحكي، وظاهر الصحيح: القارن يحصر، وقد قال: واشترط فحلني حيث
حبستني، قال: يبعث بهديه، قلت: هل يتمتع من قابل؟ قال: لا، ولكن
يدخل في مثل ما خرج منه (5). ونحوه الخبر (6).
وضعف سنده بسهل سهل، ومع ذلك منجبر بالعمل والموافقة، لما مر،

(1) فقه الرضا - عليه السلام -: ب 31 في الحج وما يستعمل فيه ص 229.
(2) منتهى المطلب: كتاب الحج قي الاحصار والصد ج 2 ص 847 س 10.
(3) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 521 س 18.
(4) السرائر: كتاب الحج باب حكم المحصور والمصدود ج 1 ص 640.
(5) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الاحصار والصد ح 1 ج 9 ص 307.
(6) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الاحصار والصد ح 2 ج 9 ص 308.
209

فليحمل الرضوي على الاستحباب، مضافا إلى قصوره في نفسه.
ولكن العمل به أحوط، سيما مع إمكان التأمل في أكثر أدلة الأكثر،
بمعارضة الأصل، واستصحاب بقاء حكم الاحرام، وهو أخص، كما مر،
فليقدم.
وعدم وضوح دليل نقل الاجماع، سيما من الحلي، وقصور دلالة
الصحيح وغيره عن التصريح بسقوط هدي التحلل.
وعلى تقديره فلعله لما فيهما من الاشتراط، أي قوله: (فحلني من حيث
حبستني)، بناء على أن المختار من أن فائدته سقوطه، كما مر.
ونحوهما في قصور الدلالة ما قيل من الصحيح (1): خرج الحسين
- عليه السلام - معتمرا وقد ساق بدنة، حتى انتهى إلى السقيا فبرسم فحلق
شعر رأسه ونحرها، ثم أقبل فجاء فضرب الباب (2).
لعدم وضوح ظهوره في الاكتفاء بما ساقه، مضافا إلى ما قيل: من
احتمال أن لا يكون أحرم (3). فتأمل.
وفي الدروس قول بعدم التداخل إن وجب بنذر أو كفارة أو شبههما (4).
يعني لا إن وجب بالاشعار أو التقليد.
ولعل الفرق لأنه وجب بالاحرام فاتحد السبب، ولظهور فتاوى
الأصحاب ببعث هديه أو ذبحه فيه وفيما يجب للصد أو الحصر، لا الواجب
بنذر أو شبهه.

(1) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في الحصر والصد ج 1 ص 387 س 40.
(2) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الاحصار والصد ح 2 ج 9 ص 309.
(3) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في الحصر والصد ج 1 ص 387 س 41.
(4) الدروس الشرعية: كتاب الحج درس 119 في الاحصار والصد ج 1 ص 477.
210

(والبحث في المعتمر إذا صد عن مكة) أو النسك فيها
(كالبحث في الحاج) إذا صد، كما مر.
واعلم أنه لم يتقدم في كلامه ما يدل على اختصاص الأحكام المتقدمة
بإحرام الحج صريحا، حتى يلحق به احرام العمرة، إلا أن مقتضى السياق
لعله ذلك، وكان الأولى ذكر هذا الحكم عند التعرض لما يتحقق به الصد.
(والمحصور وهو الذي يمنعه المرض) عن مكة أو الموقفين، أو نحو
ذلك مما مر في الصد، كما مر.
(فهو يبعث هديه) للتحلل (لو لم يكن ساق، ولو ساق اقتصر
على) بعث (هدي السياق) على المختار من الاكتفاء به عن هدي
التحلل. ويأتي على القول الآخر عدم جواز الاقتصار عليه، كما مر في
المصدود.
وظاهر الأصحاب عدم الفرق في جواز الاقتصار وعدمه بين الصد
والاحصار، وصرح به جمع من الأصحاب إلا أن ظاهر الماتن هنا والفاضل
في القواعد الفرق، حيث صرحا بجواز الاقتصار هنا (1).
والأظهر عدمه في الصد، وهو ظاهر الأدلة إن لم نعتبر الأصل الأول
والاطلاقات كتابا وسنة وقلنا بأن اختلاف الأسباب يقتضي تعدد
المسببات، وذلك لاختصاص ما دل على جواز الاقتصار على هدي السياق
وعدمه من الأخبار بالاحصار دون الصد، فيرجع فيه إلى مقتضى الأصل
من لزوم تعدد الأسباب عند تعدد المسببات، فيتوجه الفرق.
إلا أن شبهة الاجماع المركب المنقول في عبائر الأصحاب أوجب العدم
مطلقا، سيما وإن بعض نسخ الكتاب في الصد بدل (لا يجزئ)

(1) قواعد الأحكام: كتاب الحج ج 1 ص 92 س 17.
211

" يجزئ "، كما في نسخ الشرائع (1)، واحتمال انسحاب ذلك في عبارة
القواعد، فإنها في الصد هكذا: وهل يكفي هدي السياق عن هدي
التحلل؟ الأقوى ذلك مع ندبه (2).
والضمير في (ندبه) كما يحتمل الرجوع إلى هدي السياق ويكون
مفادها حينئذ التفصيل بين السياق المندوب فيجزئ والواجب فلا، كذا
يحتمل رجوعه إلى هدي التحلل به ويكون مفادها حينئذ الاكتفاء بهدي
السياق عن هدي التحلل مطلقا ولو كان هدي السياق واجبا، ويكون
استحباب هدي التحلل من باب الاحتياط، كما قدمناه، خروجا عن شبهة
الخلاف، فينوي التحلل عند ذبح كل من الهديين، وحكي عن الايضاح
نقل هذا الاحتمال عن والده (3).
وعلى هذا، فيكون مختار الفاضلين في الكتابين جواز الاقتصار في
المقامين، فارتفع القائل بالفرق في البين.
وكيف كان، فالظاهر هنا الاكتفاء بهدي السياق.
(ولا يحل حتى يبلغ الهدي محله، وهو منى إن كان حاجا،
ومكة إن كان معتمرا) على اختلاف فيه بين الأصحاب، بعد اتفاقهم
- كغيرهم - على وجوب الهدي هنا للتحلل وإن اختلفوا فيه في المصدود.
وما في المتن من عدم جواز التحلل إلا ببلوغ الهدي محله مطلقا هو الأظهر
الأشهر بين الأصحاب، بل ظاهر الغنية الاجماع عليه (4)، للأصل، وظاهر

(1) شرائع الاسلام: كتاب الحج في الحصر والصد ج 1 ص 280.
(2) قواعد الأحكام: كتاب الحج في الاحصار والصد ج 1 ص 92 س 22.
(3) إيضاح الفوائد: كتاب الحج في الحصر والصد ج 1 ص 322.
(4) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 521 س 14.
212

الآية " ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله " (1)، والصحاح
المستفيضة وغيرها من المعتبرة..
ففي الصحيحين: القارن يحصر وقد قال واشترط فحلني حيث حبستني،
قال: يبعث بهديه (2).
وفي الموثق: عن رجل أحصر في الحج؟ قال: فليبعث بهديه إذا كان مع
أصحابه، ومحله أن يبلغ الهدي محله، ومحله منى يوم النحر إذا كان في الحج
وإن كان بعمرة نحر بمكة، الخبر (3).
خلافا للمحكي عن ظاهر المفيد (4) والديلمي () مفصلا بين الاحرام
بالحج الواجب فكالأول، والتطوع فيذبح في محل الحصر كالصد.
وللإسكافي: مخير مطلقا بين البعث والذبح محل الحصر، وجعل الأول
أولى (6).
وللمقنع: فالمحصر والمضطر ينحران بدنتهما في المكان الذي يضطران
فيه. (7)
ولعل مستندهم الصحيح: إن الحسين بن علي - عليهما السلام - خرج
معتمرا فمرض في الطريق، فبلغ عليا - عليه السلام - وهو بالمدينة، فخرج في
طلبه فأدركه بالسقيا وهو مريض، فقال: يا بني ما تشتكي؟ قال: أشتكي

(1) البقرة: 196.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الاحصار والصد ح 1 و 2 ج 9 ص 307 و 308.
(3) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الاحصار والصد ح 2 ج 9 ص 306.
(4) المقنعة: كتاب الحج ب 29 من الزيادات في فقه الحج ص 446.
(5) المراسم: كتاب الحج ص 118.
(6) مختلف الشيعة: كتاب الحج في الاحصار والصد ج 1 ص 317 س 14.
(7) المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 20 س 30.
213

رأسي، فدعا علي - عليه السلام - ببدنة فنحرها وحلق رأسه، ورده إلى
المدينة (1). ونحوه آخر مر في بحث إجزاء هدي السياق عن هدي التحلل في
الصد.
وظاهرهما الضرورة، ويحتملها عبارة المقنع المتقدمة، ويحتملان التطوع،
كما مر عن ظاهر المفيد وسلار، وأن لا يكون الحسين - عليه السلام - أحرم،
كما مر، وإنما نحرها هو وأبوه تطوعا، وخصوصا إذا كان قد ساق.
ويؤيده الصحيح: عن رجل أحصر فبعث الهدي؟ قال: يواعد أصحابه
ميعادا إن كان في الحج فمحل الهدي يوم النحر، فإذا كان يوم النحر
فليقصر من رأسه، ولا يجب عليه الحلق حتى يقضي المناسك، وإن كان
في عمرة فلينظر مقدار دخول أصحابه مكة والساعة التي يعدهم فيها، فإذا
كانت تلك الساعة قصر وأحل، وإن كان مرض في الطريق بعد ما يخرج
فأراد الرجوع رجع إلى أهله ونحر بدنة وأقام مكانه حتى يبرأ إذا كان في
عمرة، وإذا برئ فعليه العمرة واجبة، وإن كان عليه الحج رجع وأقام ففاته
الحج فإن عليه الحج من قابل، فإن الحسين بن علي - عليهما السلام - خرج
معتمرا إلى آخر ما مر في الصحيح الأول كذا في الكافي (2)، وإن كان في
التهذيب مكان (بعد ما يخرج) (بعد ما أحرم) (3.
والسياق يؤيد الأول وإن ظن عكسه، كما قيل قبل (4).
وحينئذ فالسقيا هي البئر التي كان النبي - صلى الله عليه وآله - يستعذب

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الاحصار والصد ح 2 ج 9 ص 303.
(2) الكافي: كتاب الحج باب المحصور والمصدود ح 3 ج 4 ص 369.
(3) تهذيب الأحكام: ب 26 من الزيادات في فقه الحج ح 111 ج 5 ص 422.
(4) لم نعثر عليه.
214

ماءها فيستقي له منها، واسم أرضها الفلجان بالضم، لا السقيا التي يقال:
بينها وبين المدينة يومان.
وللجعفي: فيذبح مكانه مطلقا ما لم يكن ساق (1). وهو خلاف ما فعله
الحسين - عليه السلام -، على ما تشهد به الصحيحة الثانية إن كان أحرم.
نعم له الصحيح: في المحصور ولم يسق الهدي، قال: ينسك ويرجع (2).
إلا أن في بلوغه قوة المعارضة لأدلة الأكثر نظر، سيما مع عدم صراحته
في الذبح محل الحصر، واحتماله الحمل على ما يوافق الأكثر وإن بعد.
وكيف كان، فلا ريب أن ما اختاروه أولى وأحوط إن لم نقل بكونه
أقوى وأظهر.
وقال الشهيد: وربما قيل: بجواز النحر مكانه إذا أضر به التأخير، وهو
في موضع المنع، لجواز التعجيل مع البعث (3).
يعني تعجيل الاحلال قبل بلوغ الهدي محله، فإنما فيه مخالفة واحدة
لأصل الشرع، وهو الحلق قبل بلوغه محله، مع ما مر من جواز ذلك في
منى، بخلاف ما إذا نحره مكانه ففيه مع ذلك مخالفة بأنه لم يبلغ الهدي محله
أصلا انتهى.
وإذا بلغ ميعاد بلوغ الهدي محله (فهناك) أي في ذلك الوقت الذي
واعد أصحابه للذبح أو النحر في المكان المعين، كما مر في الصحيح الأخير
والموثق (يقصر) كما في الأول والخبر المتقدم في الصد
(ويحل) من كل
شئ أحرم منه (إلا من النساء) بالنص والاجماع على كل من المستثنى

(1) نقله عنه في الدروس الشرعية: كتاب الحج ج 1 ص 477.
(2) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الاحصار والصد ح 1 ج 9 ص 310.
(3) الدروس الشرعية: كتاب الحج درس 119 في المحصر ج 1 ص 477.
215

منه والمستثنى.
قيل: ومن العامة من لا يرى الاحلال إلا بأن يأتي بالأفعال وإن فاته
الحج تحلل بالعمرة، ومنهم من يرى الاحلال من النساء أيضا (1).
وفي الدروس: ولو أحصر في عمرة التمتع فالظاهر حل النساء له، إذ
لا طواف لأجل النساء فيها (2).
قيل: وهو حسن (3) للصحيح: عن محرم انكسرت ساقه أي شئ يكون
حاله وأي شئ عليه؟ قال: هو حلال من كل شئ، قلت: من النساء
والثياب والطيب؟ فقال: نعم من جميع ما يحرم على المحرم الحديث (4).
وفيه نظر، إذ ليس فيه تصريح بالعمرة المتمتع بها، بل هو مطلق شامل
للعمرة المفردة والحج بأقسامه، ولا قائل به حينئذ.
وإخراج ما عدا العمرة المتمتع بها بالاجماع وإن أمكن جمعا، إلا أن
الجمع غير منحصر فيه، فيحتمل الحمل على التقية، لكون جواز الاحلال
مطلقا حتى من النساء مذهب بعض العامة، كما عرفته.
ويؤيده كون الإمام - عليه السلام - المروي عنه الرواية ممن كانت
التقية في زمانه في غاية الشدة، أو على ما إذا استنيب وطيف عنه، كما
ذكره بعض المحدثين (5).
ومع ذلك فهو معارض بالصحيح المجمع عليه، الوارد في قضية الحسين
- عليه السلام -.

(1) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في الحصر والصد ج 1 ص 390 س 11.
(2) الدروس الشرعية: كتاب الحج درس 119 في المحصر وأحكامه ج 1 ص 476.
(3) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في الحصر والصد ج 1 ص 390 س 12.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الاحصار والصد ح 4 ج 9 ص 304.
(5) لم نعثر عليه.
216

وفيه بعد نقلها: فقلت: أرأيت حين برئ من وجعه حل له النساء؟
قال: لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة،
فقلت: فما بال النبي - صلى الله عليه وآله - حين رجع إلى المدينة حل له
النساء ولم يطف بالبيت؟ فقال: ليس هذا مثل هذا، النبي - صلى الله عليه وآله - كان مصدودا، والحسين - عليه السلام - كان محصورا (1).
وهو كما ترى أيضا مطلق ليس فيه تقييد بما عدا عمرة التمتع، فيشملها
أيضا، كما صرح به جماعة ومنهم المحقق الثاني (2) وشيخنا الشهيد الثاني (3)،
معترضين به على ما في الدروس بعد نقله وميلهما إليه أولا فاستدركاه
بإطلاقه.
وهو في محله، ويعضده استصحاب بقاء الاحرام - بالإضافة إلى النساء -
على حاله إلى أن يتحقق المخرج عنه، وليس إلا ما مر، وضعفه قد ظهر.
وكذا التعليل في الدروس بقوله: إذ لا طواف لأجل النساء فيها (4)،
فإنه إنما يتم لو علق الاحلال منهن على طوافهن، وليس فيما وصل إلينا من
الروايات تعرض لذكر طواف النساء.
وإنما المستفاد من الصحيحة المتقدمة توقف حلهن على الطواف
والسعي، وهو متناول للحج بأقسامه والعمرتين. ونحوه الرضوي، لكن فيه:
لا يقرب النساء حتى يحج من قابل (5).

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الاحصار والصد ح 3 ج 9 ص 305.
(2) جامع المقاصد: كتاب الحج في أحكام المحصر ج 3 ص 296.
(3) مسالك الأفهام: كتاب الحج في الاحصار والصد ج 1 ص 131.
(4) الدروس الشرعية: كتاب الحج في المحصر درس 119 ج 1 ص 476.
(5) فقه الرضا - عليه السلام -: ب 31 في الحج وما يستعمل فيه ص 229.
217

لكن ربما يقال: إن سياق الصحيح لعله يشعر باختصاص مورده بغير
العمرة المتمتع بها، كما لا يخفى.
فلا إطلاق فيه لها، إلا أن هذا غير كاف في إخراجها، إذ غايته نفي
الاطلاق.
وحينئذ، فينبغي الرجوع فيما لم يشمله إلى مقتضى الأصول، وهو هنا
البقاء على الاحرام بالإضافة إليهن حتى يثبت المحلل، وليس إلا الطواف،
لانعقاد الاجماع على الاحلال به منهن دون غيره.
وبالجملة: فالأظهر مساواة العمرة المتمتع بها مع غيرها في أنه لا يحل
بالحصر من النساء (حتى يحج في القابل إن كان) أي الحج المحصر عنه
(واجبا) مستقرا في ذمته (أو يطاف عنه للنساء إن كان ندبا) لما
مضى.
لكن الصحيح والرضوي لا يفيد أن هذا التفصيل وإن كان مشهورا،
حتى عزاه في المنتهى إلى علمائنا (1)، مؤذنا بدعوى الاجماع عليه، بل
إطلاقهما يشمل الندب أيضا.
فلا يتحلل فيه أيضا عن النساء إلا بأن يطوف بالبيت، لكن الاجماع
المنقول المعتضد بالشهرة العظيمة، بل عدم ظهور مخالف معتد به في المسألة،
وبأن الحج المندوب لا يجب العود لاستدراكه، والبقاء على تحريم النساء
ضرر عظيم.
فالاكتفاء في الحل بالاستنابة لعله كاف، لا سيما مع ضعف دلالة نحو
هذا الحديث، لوروده لبيان حكم آخر، كما لا يخفى على من تدبره.
وظاهر المتن في الواجب إطلاق توقف حلهن على قضائه في القابل ولو

(1) منتهى المطلب: كتاب الحج في المحصور والمصدود ج 2 ص 850 س 33.
218

مع العجز عنه، وعدم كفاية الاستنابة مطلقا، كما هو مقتضى الأصل،
ونحوه الصحيح المتقدم، وحكي عن ظاهر النهاية (1) والمبسوط (2) والمهذب (3)
والوسيلة (4) والمراسم (5) والاصباح (6) والفاضلين في جملة من كتبهما (7)،
لكن لم يحك عنهم التعميم إلى صورة العجز، بل في القواعد التصريح
بالاكتفاء بالطواف عنه لهن إذا عجز (8)، ونسب في الدروس إلى القيل (9).
ولعل دليله الحرج لو لزم العمل بإطلاق ما مر من الصحيح، فيخص
بعموم ما دل على نفيه في الدين.
وإنما لزم الاستنابة اقتصارا فمخالفة الاطلاق على قدر ما يندفع به
الضرورة، مضافا إلى عدم قائل بالاحلال مع العجز من غير استنابة.
هذا، وعن الخلاف (10) والغنية (11) والتحرير (12): ولا يحللن للمحصور
حتى يطوف لهن في قابل، أو يطاف عنه من غير تفصيل بين الواجب

(1) النهاية ونكتها: كتاب الحج باب المحصور والمصدود ج 1 ص 555.
(2) المبسوط: كتاب الحج في حكم المحصور والمصدود ج 1 ص 335.
(3) المهذب: كتاب الحج باب الصد والاحصار ج 1 ص 271.
(4) الوسيلة: كتاب الحج ص 193.
(5) المراسم: كتاب الحج ص 118.
(6) كما في كشف اللثام: كتاب الحج في الحصر والصد ج 1 ص 390 س 18.
(7) شرائع الاسلام: كتاب الحج في الاحصار والصد ج 1 ص 282، ومنتهى المطلب: كتاب الحج في
المصدود والمحصور ج 2 ص 850 س 14.
(8) قواعد الأحكام: كتاب الحج في الحصر والصد ج 1 ص 93 س 18.
(9) الدروس الشرعية: كتاب الحج في الحصر وأحكامه ج 1 ص 476.
(10) الخلاف: كتاب الحج م 322 ج 2 ص 428.
(11) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): ص 521 س 5.
(12) تحرير الأحكام: كتاب الحج ج 1 ص 123 س 25.
219

وغيره، وعن الجامع إذا استناب المريض لطواف النساء وفعل النائب حلت
له النساء (1)، ولم يقيد بالقابل.
قيل: وكذا في السرائر أنهن لا يحللن له حتى يحج له في القابل أو يأمر
من يطوف عنه للنساء، وهذا أظهر في الاعتبار، والأول أحوط، وفي
الخلاف: لا يحللن له حتى يحج أو يحج عنه، ويجوز أن يريد أن يطاف
عنه (2) انتهى.
وفيما ذكره من أظهرية ما ذكره من الأقوال للاعتبار محل إشكال، بل
غاية الاعتبار ما مر من التفصيل بين الاختيار فقضاؤه المناسك بنفسه من
قابل، والاضطرار فجواز الاستنابة لا جوازها على الاطلاق.
واعلم أن ما نقل عن الخلاف ومن بعده من عدم التفصيل بين الواجب
وغيره يدافع دعوى الاجماع الظاهرة من المنتهى (3)، على التفصيل بينهما بما في
العبارة، مضافا إلى عدم صراحة لفظه فيها.
فيتوجه حينئذ القول بإطلاق الصحيح وتاليه في الحكم باتحاد الواجب
والندب في عدم جواز الاستنابة، ولزوم الطواف والسعي من قابل.
لكن الظاهر عدم قائل به، فإن الأصحاب ما بين مفصل بين الواجب
وغيره بما مر وفيه جواز الاستنابة في الندب، ومطلق لجوازها فيه وفي
الفرض،. كما مر عن الخلاف وغيره، وقائل بالتحلل في الندب من غير
توقف على شئ حتى الاستنابة، كما عن المفيد وغيره، ولهما المرسل في

(1) الجامع للشرائع: كتاب الحج في الاحصار والصد ص 223.
(2) والقائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في الاحصار والصد ج 1 ص 390 س 20، وفيه:
وفي الكافي لا يحللن... الخ بدل وفي الخلاف... الخ.
(3) منتهى المطلب: كتاب الحج في المصدود والمحصور ج 2 ص 850 س 14.
220

المقنعة: المحصور بالمرض إن كان ساق هديا أقام على احرامه حتى يبلغ الهدي
محله، ثم يحل ولا يقرب النساء حتى يقضي المناسك من قابل. هذا إذا
كان حجة الاسلام، فأما حجة التطوع فينحر هديه وقد أحل مما أحرم
عنه، فإن شاء حج من قابل، وإن شاء لا يجب عليه الحج الخبر (1).
فالقول بالندب بمساواته مع الواجب في عدم الاحلال من النساء إلا
بأداء المناسك خلاف ما اتفقت عليه الأقوال.
والمتجه منها بحسب الاحتياط الواجب في نحو المقام بحكم الاستصحاب
هو قول المشهور.
وقول المفيد مع ضعف سنده واحتمال كون محل البحث من المرسل من
عبارته نادر، كقول الخلاف ومن بعده من جواز الاستنابة في الجواب
مطلقا، فإنه نادر أيضا، مع عدم صراحة عبارتهم في التخيير لاحتمالها
التنويع، ويكون الشق الأول من فرديه في الواجب دون الثاني،
لاختصاصه بالندب. ولا بعد فيه.
ومع ذلك فلا مستند له، حتى يخرج به عن مقتضى الأصل، وإطلاق
نحو الصحيح المتقدم، المعتضد جميع ذلك بالشهرة والاجماع المنقول، الظاهر
من المنتهى (2)، كما مضى.
(ولو بان أن هديه لم يذبح) سواء بعثه أو بعث ثمنه (لم يبطل
تحلله) بمعنى عدم ترتب ضرر عليه من كفارة وغيرها بارتكاب ما يلزم المحرم
اجتنابه (و) لكن يبعثه ل (يذبح) له (في القابل) بلا خلاف في
شئ من ذلك ولا إشكال.

(1) المقنعة: كتاب الحج باب من الزيادات في فقه الحج ص 446.
(2) منتهى المطلب: كتاب الحج في المصدود والمحصور ج 2 ص 851 س 8.
221

للصحيح: فإن ردوا الدراهم عليه ولم يجدوا هديا ينحرونه وقد أحل لم
يكن عليه شئ، ولكن يبعث من قابل ويمسك أيضا (1).
وللموثق: إن ردوا عليه دراهمه ولم يذبحوا عنه وقد أحل فأتى النساء؟
قال: فليعد، وليس عليه شئ، وليمسك الآن عن النساء إذا بعث (2).
وفي آخر: وإن اختلفوا في الميعاد فلا يضره إن شاء الله تعالى (3).
(وهل) يحب أن (يمسك عما يجب) على (المحرم الامساك
عنه) إلى يوم الوعد، كما هو ظاهر الأمر في الخبرين والمشهور، كما في
المسالك والروضة (4) وغيرهما.
(الوجه) عند الماتن والفاضل في المختلف (5) والمقداد في شرح
الكتاب (6) وغيرهما من المتأخرين وفاقا للسرائر 7) أنه (لا) يجب،
للأصل، لأنه ليس بمحرم ولا في الحرم.
فلا وجه لوجوب الامساك عنه وإن ورد به الخبران، إما لكونهما من
الآحاد فلا يقومان حجة عند الحلي، لتخصيص الأصل، أو لعدم صراحتهما،
لاحتمالهما الحمل على الاستحباب، كما نزلهما عليه من عداه.

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الاحصار والصد ح 1 ج 9 ص 305.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الاحصار والصد ح 5 ج 9 ص 304.
(3) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الاحصار والصد ح 2 ج 9 ص 306.
(4) مسالك الأفهام: كتاب الحج في الاحصار ج 1 ص 131 س 37. والروضة البهية: كتاب الحج في
الاحصار والصد ج 2 ص 369.
(5) مختلف الشيعة: كتاب الحج في المحصور والمصدود ج 2 ص 317 س 25.
(6) التنقيح الرائع: كتاب الحج ج 1 ص 529، وجامع المقاصد: كتاب الحج في أحكام المحصر ج 3
ص 298.
(7) السرائر: كتاب الحج باب في حكم المحصور والمصدود ج 1 ص 639.
222

والأول لعله أظهر، لما مر من الخبرين، بناء على المختار من حجية
أخبار الآحاد، وأولوية تخصيص الأصل من حمل الأمر على الاستحباب،
لصراحته في الوجوب بالإضافة إلى الأصل.
هذا على تقدير تسليم جريان الأصل هنا، كما هو ظاهر أكثر
الأصحاب. وإلا فالظاهر أن الأصل بالعكس.
وذلك لأن مفاد الآية أنه يشترط في التحلل بلوغ الهدي محله في نفس
الأمر، فلو تحلل ولم يبلغ كان باطلا، ولا يستفاد من الخبرين المتقدمين
وغيرهما سوى أنه. لو تحلل يوم الوعد ولم يبلغ لم يكن عليه ضرر.
والظاهر أن المراد به الإثم والكفارة، ولا ريب فيه، لوقوع التحلل بإذن
الشرع، فلا معنى لأن يتعقبه ضرر. وانتفاء الضرر لا يستلزم حصول التحلل
في أصل الشرع ولو مع الانكشاف.
ولعل هذا هو الوجه في الأمر في الخبرين بالإمساك.
ولازم هذا التحقيق كون هذا الرجل محرما وإن اعتقد لجهله بالحال
كونه محلا.
وبهذا يتوجه المنع إلى قوله في تصحيح الأصل: بأنه ليس بمحرم، فإنه في
حيز المنع، إذ لا دليل عليه لا من نص ولا من إجماع، لوقوع الخلاف،
وتصريح بعض المتأخرين بكونه محرما، وأن وقت الامساك إنما هو حين
الانكشاف (1)، كما هو مقتضى هذا التحقيق، ولم يصرح من القائلين
بوجوب الامساك بخلافه، لسكوتهم عن بيان وقت الامساك، واحتمال
إرادتهم به ما ذكرناه كالأخبار.
ودعوى جماعة عدم الخلاف في صحة الاحلال أو عدم بطلانه (2) غير

(1) لم نعثر عليه.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الحج في الاحصار والصد ح 8 ص 306، وذخيرة المعاد: كتاب الحج
223

ظاهرة في إرادتهم عدم البطلان في نفس الأمر وأنه محل الآن وواقعا، لقوة
احتمال إرادتهم ما ذكرناه في تفسير المتن، ولا ريب أن عدم البطلان بذلك
المعنى مما لا خلاف فيه ولا شبهة تعتريه، كما قدمناه.
لا يقال: إن قوله - عليه السلام - في الموثق الأخير: وإن اختلفوا في الميعاد
فلا يضره بنفي الضرر على العموم، من غير تقييد بوجوب الامساك،
ولا ريب أن وجوبه ضرر.
لأنا نقول: الظاهر أن المراد أن الخلف لا يوجب ضررا عليه فيما فعله
مما يجتنبه المحرم، لا أنه لا يجب عليه الامساك، فإن وجوب الامساك لم
ينشأ من خلف الوعد، وإنما نشأ من الاحرام السابق.
نعم لما كان في ممكن الخطأ فتبين الخلف تبين البقاء، فوجوب
الامساك إنما نشأ منه لا من الخلف، إذ لا وجه لتوهم إيجابه بنفسه
الامساك والضرر من جهته، حتى يدفع بنفي الوجوب، الذي هو ضرر من
جهته.
ولو سلم عموم الضرر المنفي له نقول: إنه مخص بالأمر السابق، وهو
أولى من حمله على الاستصحاب.
نعم يمكن أن يقال: إن ظاهر الموثق الأول كون وقت الامساك حين
البعث لا حين الانكشاف، (فلو بعثه بعد حين لم يجب عليه الامساك قبل
البعث ولو بعد الانكشاف) (1)، وهذا ظاهر في تحقق الاحلال في الواقع،
وأن الأمر بالإمساك ليس للاحرام السابق، وهذا المفهوم معتبر في الأصل،

في الحصر والصد ص 703 س 34، وكشف اللثام: كتاب الحج في الحصر والصد ج 1 ص 390
(1) ما بين القوسين لا يوجد في نسخة " م " و " ق ".
224

مع اعتضاده هنا بالأصل وظاهر الأكثر.
وكيف كان، فالأظهر وجوب الامساك والأحوط وقوعه حين
الانكشاف وإن احتمل قويا الاكتفاء به حين البعث.
(ولو أحصر) أو صد الحاج أو المعتمر (فبعث به) أي بهديه (ثم
زال العارض) من المرض أو العدو (التحق) بأصحابه في العمرة مطلقا
وفي الحج إن لم يفت بلا خلاف، لزوال العذر وانحصار جهة الاحلال في
الاتيان بالمناسك.
وللصحيح: إذا أحصر بعث بهديه، فإذا أفاق ووجد من نفسه خفة
فليمض إن ظن أنه يدرك الناس، فإن قدم مكة قبل أن ينحر الهدي فليقم
على إحرامه حتى يفرغ من جميع المناسك وينحر هديه، ولا شئ عليه،
وإن قدم مكة وقد نحر هديه فإن عليه الحج من قابل أو العمرة، قلت: فإن
مات وهو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة؟ قال: يحج عنه إن كان حجة
الاسلام ويعتمر، إنما هو شئ عليه (1). ونحوه غيره في المصدود (2).
وحيث التحق (فإن) كان حاجا و (أدرك أحد الموقفين) على
وجه يجزئ (صح حجه) إجماعا (وإن فاتاه) معا، أو أحدهما مع عدم
إجزاء الآخر (تحلل بعمرة).،
(ويقضي الحج إن كان واجبا، وإلا (3)) يقضي (ندبا)
بلا خلاف ولا إشكال، إلا في إطلاق وجوب التحلل بعمرة، وعمومه لما
إذا تبين وقوع الذبح عنه وعدمه.

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الاحصار والصد ح 1 ج 9 ص 306.
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الاحصار والصد ح 2 ج 9 ص 307.
(3) في المطبوع من المتن: ولا.
225

فقد احتمل الشهيدان (1) وغيرهما في الأول العدم، لحصول التحلل به.
ومرجع الاشكال إلى تعارض عموم أدلة وجوب التحلل بالعمرة لمن فاته
الحج وأدلة حصول التحلل ببلوغ الهدي محله، ولكن ظاهر الأصحاب حتى
الشهيدين ترجيح الأول.
ولا ريب أنه أحوط إن لم نقل بأنه أظهر، للأصل، وعدم وضوح عموم
فيما دل على التحلل ببلوغ الهدي محله بحيث يشمل محل الفرض، إذ غايته
الاطلاق المنصرف بحكم التبادر إلى غيره..
هذا، وربما يستدل له بالصحيح المتقدم قريبا، بناء على أن في بعض
النسخ بعد قوله: (فإن عليه الحج من قابل) بدل قوله: (أو العمرة) بأو
(والعمرة) بالواو، وأن الظاهر أن المراد بهذه العمرة المأمور بها مع الحج إنما هو
عمرة التحلل.
وفيه نظر، مضافا إلى اختلاف النسخ مع عدم دليل على تعين الأخيرة.
ولعله لذا لم يستدل به الأكثر، مع أنه بمرأى منهم ومنظر. هذا حكم الحاج
إذا تحلل.
(و) أما (المعتمر) ف‍ (يقضي عمرته عند زوال المانع) من
الأمرين مطلقا ولو في الشهر الذي اعتمر فيه أولا، فتحلل إذا تحلل منها.
(وقيل): إنما يقضيها (في الشهر الداخل) والقائل الشيخ (2)،
وغيره، بل الأكثر، كما في عبائر جمع.
وظاهر الأصحاب الذين وصل إلينا كلامهم أن الخلاف هنا كالخلاف

(1) الدروس الشرعية: كتاب الحج درس 119 في المحصر وأحكامه ج 1 ص 478، ومسالك الأفهام: كتاب الحج في الاحصار ج 1 ص 131 س 25.
(2) المبسوط: كتاب الحج في المحصور والمصدود ج 1 ص 335.
226

في أصل المسألة في الزمان الذي يجب كونه بين العمرتين.
وفيه نظر، لعدم تحقق العمرة لتحلله منها، فلا يعتبر في جواز الثانية
تحلل الزمان المعتبر بين العمرتين، إلا أن يقال: باعتبار مضي الزمان بين
الاحرامين ولكن لا دليل عليه.
ولعله لذا أطلق الماتن هنا وجوب قضائها عند زوال المانع، مع أنه
اشترط في بحث العمرة مضي الشهر بين العمرتين، وعكس الحلي فوافق
الشيخ هنا (1) والمرتضى ثمة.
ولذا تعجب منه بعض الأصحاب، وهو في محله، ومنه يظهر ما في
البناء بحسب القول أيضا.
ثم إنما يجب قضاء العمرة مع استقرار وجوبها قبل ذلك كالحج وإلا
فيستحب، كما هو واضح.
واعلم أن مقتضى إطلاق ما مر من الصحاح وغيرها بقضاء الحج الذي
تحلل منه بالهدي قضاؤه بما شاء، حتى لو كان قارنا وتحلل جاز له أن
يقضي تمتعا مثلا، كما عليه الحلي مطلقا، كما في نقل (2)، أو على تفصيل
المتن، كما في آخر (3).
(وقيل: لو أحصر القارن حج في القابل قارنا) أيضا وجوبا
مطلقا، للصحيحين وغيرهما: في القارن إذا أحصر وتحلل هل يتمتع من
قابل؟ قال: لا، ولكن يدخل في مثل ما خرج منه (4).

(1) السرائر: كتاب الحج باب حكم المحصور والمصدود ج 1 ص 640.
(2) السرائر: كتاب الحج باب حكم المحصور والمصدود ج 1 ص 641.
(3) قواعد الأحكام: كتاب الحج في الحصر والصد ج 1 ص 456.
(4) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الاحصار والصد ح 1 و 2 ج 9 ص 307 و 308.
227

والقائل الشيخ (1) وابن حمزة (2)، بل الأكثر، كما في كلام جماعة، بل
المشهور، كما قيل، أخذا بظاهر الأمر، فإنه حقيقة في الوجوب والاطلاق،
لعدم إشعار في الأخبار بورودها في الواجب، وهو خيرة الماتن في
الشرائع (3)، ولكنه رجع عنه هنا فقال:
(وهو) أي اعتبار المماثلة في المقضي والأمر به في الأخبار محمول
(على الأفضل) والاستحباب (إلا أن يكون القران) الذي خرج منه
(متعينا) في حقه (بوجه) من الوجوه كالنذر وشبهه، وتبعه الفاضل في جملة
من كتبه (4) وكثير من المتأخرين.
ولا شبهة ولا إشكال في صورة التعيين ولزوم اعتبار المماثلة فيها، لتوافق
الأصول والنصوص فيها، بل والفتاوى أيضا، إذ لم ينقل القول بعدم اعتبار
المماثلة وجواز القضاء بما شاء مطلقا، إلا من الحلي (5). وهو مع ندرته،
محمول إطلاق كلامه المحكي على غير المتعين، لغاية بعد صدور مثل هذا
الاطلاق، مع مخالفته للأصول الشرعية من مثله، ولعله لذا أنزله كثير على
ما في المتن من التفصيل.
ويشكل الحكم في الصورة الأخرى، لمخالفته إطلاق النصوص المتقدمة،
المعتضدة بالشهرة المحكية في كلام جماعة، السليمة عما يصلح للمعارضة،

(1) المبسوط: كتاب الحج في حكم المحصور والمصدود ج 1 ص 335.
(2) الوسيلة: كتاب الحج ص 193.
(3) شرائع الاسلام: كتاب الحج في الاحصار والصد ج 1 ص 282.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الحج في المحصور والمصدود ج 2 ص 318 س 7، وقواعد الأحكام: كتاب
الحج في الحصر والصد ج 1 ص 456، ومنتهى المطلب: كتاب الحج في الحصر والصد ج 2
ص 851 س 35.
(5) السرائر: كتاب الحج باب المحصور والمصدود ج 1 ص 644.
228

سوى الاطلاق المتقدمة إليه الإشارة.
ولا ريب أن هذه النصوص أظهر دلالة منه، فلينزل عليها، ولا دليل
لصرفها عن ظاهرها بالحمل على الاستحباب، أو التقييد بالصورة الأولى،
عدا ما في المنتهى، من أن الحج إذا لم يكن قضاؤه واجبا فعدم وجوب
الكيفية أولى (1)، وغايته نفي الوجوب النفسي، وهو لا يلزم نفي الوجوب
الشرطي التقييدي، بمعنى أنه لا يجب عليه القضاء، ولكن إن قضى
فليقضه مماثلا، وهذا الوجوب أقرب إلى الحقيقة من الاستحباب والتقييد
السابقين. فتأمل.
وكيف كان، فالقول المزبور وإن لم نقل بكونه أظهر، فلا ريب أنه
أحوط، تحصيلا للبراءة اليقينية، وخروجا عن الشبهة.
ثم إن مفروض المتن وأكثر الجماعة، بل نصوص المسألة أيضا هو
خصوص من حج قارنا دون غيره، إلا أن بعض الأصحاب عمم، وجعل
فرض المسألة بين القوم أعم (2).
فإن تم الاجماع على ذلك، وإلا فينبغي القطع بالرجوع إلى تفصيل
المتن في غير القارن، لسلامة الأصول فيه عن المعارض، بناء على اختصاص
مورد النصوص والفتاوى الموجبة للتماثل بالقارن ولا موجب للتعدية، كما
هو الفرض، وذلك واضح بحمد الله سبحانه.
(و) اعلم أنه (روي) في الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة
(استحباب بعث هدي) من أي أفق من الآفاق كان (والمواعدة) مع
المبعوث معه (لاشعاره وتقليده واجتناب ما يجتنبه المحرم وقت المواعدة

(1) منتهى المطلب: كتاب الحج في الصد والحصر ج 2 ص 851 س 34.
(2) الظاهر أنه هو الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 390 س 37.
229

حتى يبلغ) الهدي (محله، و) أنه (لا يلبي).
أظهرها دلالة على ذلك، الصحيح: إن عليا - عليه السلام - وابن عباس
كانا يبعثان هديهما من المدينة، ثم ينحران إن بعثا بهما من أفق من الآفاق،
وأعدا أصحابهما بتقليدهما وإشعارهما يوما معلوما، ثم يمسكان يومئذ إلى يوم
النحر عن كل ما يمسك عنه المحرم ويجتنبان كل ما يجتنب المحرم، إلا أنه
لا يلبي إلا من كان حاجا أو معتمرا (1).
وقريب منه آخر: عن الرجل يرسل بالهدي تطوعا؟ قال: يواعد أصحابه
يوما يقلدون فيه، فإذا كان تلك الساعة من ذلك اليوم اجتنب ما يجتنبه
المحرم، فإذا كان يوم النحر أجزأ عنه، فإن رسول الله - صلى الله عليه وآله -
حيث صده المشركون يوم الحديبية نحر بدنة ورجع إلى المدينة (2).
لكنه كباقي الأخبار يحتمل الاختصاص بالمصدود والمحصور، لمكان
التعليل فيه، وإن بعد بالإضافة إلى قوله في الصدر: (تطوعا)، لقبوله
التنزيل على ما يوافق التعليل، ويلائمه من الاختصاص بالمصدود، ولا كلام
في الحكم فيه، ولا في المحصور.
لكن ظاهر متأخري الأصحاب الاتفاق على عمومها للمسألة، بل
اختصاصها بها حيث استدلوا بها للحكم فيها، مدعين اشتهارها بين
الأصحاب، رادين بذلك على الحلي، حيث أنكر الحكم في المسألة بعد أن
نقله عن الشيخ في النهاية.
قائلا: بأنها أخبار آحاد لا يلتفت إليها ولا يعرج عليها، وهذه أمور
شرعية يحتاج مثبتها ومدعيها إلى أدلة شرعية، ولا دلالة من كتاب ولا سنة

(1) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الاحصار والصد ح 3 ج 9 ص 312.
(2) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الاحصار والصد ح 5 ج 9 ص 313.
230

مقطوع بها ولا إجماع، فأصحابنا لا يوردون هذا في كتبهم ولا يودعونه في
تصانيفهم، وإنما أورده شيخنا أبو جعفر الطوسي في كتابه النهاية إيرادا
لا اعتقادا، لأن الكتاب المذكور كتاب خبر لا كتاب بحث ونظر، كثيرا
مما يورد في أشياء غير معمول عليها، والأصل براءة الذمة من التكاليف
الشرعية (1).
وأول من رده الفاضل في المختلف، فقال بعد نقل هذه الأخبار: وهذه الأخبار ظاهرة ومشهورة صحيحة السند عمل بها أكثر العلماء، فكيف يجعل
ذلك شاذا من غير دليل! وهل هذا إلا جهل منه بمواقع الأدلة ومدارك
أحكام الشرع (2)؟. وتبعه في ذلك جماعة من المتأخرين، معربين عن الأكثر
بأنهم الكليني والصدوق والقاضي والشيخ نفسه في المبسوط (3).
وهو حسن، إلا أن تعداد الكليني والصدوق منهم مبني على ظهور
الأخبار، عدا الصحيح الأول عندهما في محل البحث، وهو محل نظر، ولم
يرد بالصحيح الأول الذي هو ظاهر فيه.
وروايتهما للأخبار غير معلوم فهمهما منها ما يتعلق بالبحث، فلعلهما فهما
منها ما يختص ببحث الصد والحصر، كما مر.
ووافقنا على التأمل في دلالة ما عدا الأول على الحكم في محل البحث
بعض فضلاء المتأخرين.

(1) السرائر: كتاب الحج باب حكم المحصور والمصدود ج 1 ص 642.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الحج في المحصور والمصدود ج 2 ص 318 س 30.
(3) منهم: السيد السند في مداركه: كتاب الحج في الاحصار والصد ج 8 ص 310، والفاضل الهندي
في كشفه: كتاب الحج في الحصر والصد ج 1 ص 391 س 4 و 10، والعلامة السبزواري في
ذخيرته: كتاب الحج في الحصر والصد ص 704 س 2 و 8.
231

فقال بعد نقل القول بكون الاجتناب عما يجتنبه المحرم على الوجوب
- كما هو ظاهر الشيخ (1) والقاضي (2)، للأمر به في الخبر المتقدم، مع
التصريح بتحريمه عليه كما يحرم على المحرم في الصحيح الآخر، وقريب منه
في السند - ما لفظه: وربما ينازع فيه لعدم وضوح العموم في الروايتين بالنسبة
إلى التطوع (3) انتهى.
وهو حسن، إلا أنه يكفي في الوجوب تضمن الصحيح الأول، الذي هو
نص في محل البحث اجتناب علي - عليه السلام - ما يجتنبه المحرم، وهو وإن
لم يفد بنفسه الوجوب بالنسبة إلينا، بناء على عدم وجوب التأسي من
أصله، إلا أن بعد انضمام الأصل من توقيفية العبادة ولزوم الاقتصار فيها
على ما ورد به الشريعة يقتضي ذلك، لأن المعهود والمأثور في الصحيحة من
فعل علي - عليه السلام - هذه العبادة إنما هو على الكيفية المزبورة المتضمنة
لاجتنابه فيها ما يجتنبه المحرم بالكلية.
لكن مفاد هذا التحقيق الوجوب الشرطي، بمعنى أن هذه العبادة
لا تؤدى إلا بالكفية المزبورة، لا الشرعي الذي يترتب عليه الكفارة.
ومن هنا يظهر وجه النظر فيما يحكى عن ظاهر الشيخ (4) والقاضي (5) في
لزوم الكفارة لو فعل ما يحرم على المحرم، وتبعهما الفاضلان هنا وفي
الشرائع (6) والقواعد (7) (لكن) قالا: (يكفر لو أتي بما يكفر له المحرم

(1) المبسوط: كتاب الحج في المحصور والمصدود ج 1 ص 335.
(2) المهذب: كتاب الحج في الاحصار والصد ج 1 ص 271.
(3) وهو العلامة السبزواري في ذخيرته: كتاب الحج في الحصر والمصد ص 704 س 23.
(4، المبسوط: كتاب الحج في المحصور والمصدود ج 1 ص 335.
(5) المهذب: كتاب الحج في الاحصار والصد ج 1 ص 271.
(6) شرائع الاسلام: كتاب الحج في الاحصار والصد ج 1 ص 257.
(7) قواعد الأحكام: كتاب الحج في الاحصار والصد ج 1 ص 475.
232

استحبابا) ولا بأس بقولهما.
لا لما قيل: من الصحيح (1): أن أبا المراد بعث بدنة وأمر الذي بعثها
معه أن يقلد ويشعر في يوم كذا وكذا، فقلت له: أنه لا ينبغي لك أن
تلبس الثياب، فبعثني إلى أبي عبد الله - عليه السلام - وهو بالحيرة، فقلت
له: إن أبا المراد فعل كذا وكذا، وأنه لا يستطيع أن يدع الثياب لمكان
أبي جعفر - عليه السلام -، فقال: مره فليلبس الثياب. ولينحر بقرة يوم النحر
عن لبسه الثياب (2).
فإن غاية ما يستفاد منه على تقدير وروده في محل البحث أن من لبس
ثيابه للتقية كفر ببقرة، وهو مختص باللبس ومتضمن للتكفير فيه ببقرة،
ولا يقولون به، كما صرح به جماعة.
ومع ذلك فحمله على الاستحباب لا وجه له، بل للتسامح في أدلة
السنن، والخروج عن شبهة خلاف من أوجبها.
ثم إن مورد العبارة وأكثر الفتاوى وأخبار المسألة إنها هو استحباب بعث
الهدي لا ثمنه.
خلافا لشيخنا الشهيد الثاني فسوى بينهما في ذلك (3)، للمرسل: ما يمنع
أحدكم أن يحج كل سنة؟ فقيل له: لا يبلغ ذلك أموالنا، فقال: أما يقدر
أحدكم إذا خرج أخوه أن يبعث معه بثمن أضحيته ويأمره أن يطوف عنه
أسبوعا بالبيت ويذبح عنه، فإذا كان يوم عرفة لبس ثيابه وتهيأ للمسجد،
فلا يزال في الدعاء حتى تغرب الشمس (4).

(1) والقائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في الحصر والصد ج 1 ص 391 س 5.
(2) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الاحصار والصد ح 1 ج 9 ص 314.
(3) مسالك الأفهام: كتاب الحج في الاحصار والصد ج 1 ص 132 س 8.
(4) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الاحصار والصد ح 6 ج 9 ص 313.
233

وفيه نظر، إذ الظاهر أن ما تضمنه صورة أخرى غير مفروض العبارة
والنصوص والفتاوى، لعدم تضمنه ما تضمنته من المواعدة لأشعار الهدي،
ولا اجتناب ما يجتنبه المحرم.
والظاهر أن المراد بالثياب التي أمر فيه بلبسها يوم عرفة إنما هو ثياب
الزينة، كما ورد به في الخروج ليوم العيد والجمعة، وتقييده بذلك فرع
اتحاد الموضوع، وهو مختلف ففيها الهدي وفي هذا الثمن، وأحدهما غير الآخر،
ولذا أفرد الحكم فيه جماعة ممن تأخر عنه وأفتوا به زيادة على الأول (1).
ولا بأس به وإن ضعف السند، لما مر من جواز التسامح في أدلة
السنن، مضافا إلى موافقته العمومات، كما صرح به جمع.
ولذا أفتوا به من غير توقف فيه من جهة السند، مع أن ديدنهم المناقشة
في الحكم المخالف للأصل إذا لم يصح السند.
(الثاني: في) بيان (الصيد)
المحرم على المحرم والمحلل له
وجملة مما يتعلق به من أحكام الكفارات
(وهو) على ما عرفه الماتن هنا وفاقا للمحكي عن المبسوط (2)
وغيرهما، بل قيل: إنه مذهب الأكثر (3) (الحيوان المحلل الممتنع).
واعترض عليه أولا: بأن التقييد بالمحلل يفيد عدم تحريم المحرم عليه، وهو

(1) منهم السيد السند في مداركه: كتاب الحج في الاحصار والصد ج 8 ص 312، والعلامة السبزواري
في ذخيرته: كتاب الحج في الحصر والصد ص 704 س 29.
(2) المبسوط: كتاب الحج في المحصور والمصدود ج 1 ص 339.
(3) لم نعثر عليه.
234

خلاف ما ذكره من تحريم نحو الثعلب والأرنب والضب مما يأتي، بل
خلاف ما قال غيره، فإن الحلبي حرم قتل جميع الحيوان ما لم يكن حية أو
عقربا أو فأرة أو غرابا، ولم يذكر له فداء (1).
وثانيا: بأن إطلاق الممتنع يشمل الممتنع بالعرض، فيحرم النعم والخيل
المتوحشة، وليس كذلك إجماعا. فكان ينبغي تقييده بالأصالة، لئلا يلزم
ذلك، ولا يخرج منه ما استأنس من الحيوان البري، كالظبي، مع تحريم
قتله إجماعا. وهو حسن.
إلا أنه يمكن الجواب عن الأول: بأن حرمة المعدودات لا ينافي تقييد
الصيد بالمحلل، إلا على فرض أخذ تحريمها من عموم أدلة الصيد.
وليس بواضح، لاحتمال أخذه من الأدلة المخصوصة بها، كما يأتي إن
لم نقل بأنه الظاهر.
نعم يتوجه عليه أن الصيد لغة، بل وعرفا حقيقة في الأعم من المحلل
والمحرم، فلا وجه لتقييده بالأول.
فإطلاقه عن القيد - كما في الشرائع (2) وجملة من كتب الفاضل (3) -
أسد، إلا أن يوجه التقييد بأن الاطلاق يقتضي دخول نحو الذئب والنمر
والفهد من الحيوانات الممتنعة بالأصالة، مع أن قتلها غير محرم اتفاقا، كما
عن المبسوط (4) والتذكرة (5).

(1) الكافي في الفقه: كتاب الحج ص 203.
(2) شرائع الاسلام: كتاب الحج في أحكام الصيد ج 1 ص 283.
(3) قواعد الأحكام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 94 س 2.
(4) المبسوط: كتاب الحج في ما يلزم المحرم من الكفارة ج 1 ص 338.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج في تروك الاحرام ج ص 330 س 26، وفيه: لا كفارة - إلى أن
قال: - ونحوها النمر والفهد ونحوهما ذهب إليه علمائنا.
235

أو يقال: إن المتبادر من قوله تعالى: " حرم عليكم صيد البر ما دمتم
حرما) حرمة أكله.
ولا اختصاص لحرمة المحرم منه بالمحرم، وكذا قوله: (فجزاء مثل ما قتل
من النعم) (1) بأن المحرمات ليست كذلك، مع أصل الحل والبراءة.
وفي الوجهين نظر، أما الأول: فلأن خروج تلك الأفراد المعدودة من
المحرم بالاجماع المنقول المتقدم غايته خروجها خاصة، لا كل ما ليس
بمحلل، ولا التجوز بلفظ (الصيد) في خصوص المحلل، فإن التخصيص خير
من المجاز. ولا موجب لاخراج ما ليس لاخراجه دليل من نص أو إجماع،
لاختصاصهما فيما وصل إلينا بما مر من تلك الأفراد.
هذا، مع أن الاجماع المنقول عن المبسوط فيما وصل إلينا من عبارته إنما
هو على نفي الكفارة والجزاء في تلك الأفراد (2)، لا انتفاء التحريم وأحدهما
غير الآخر. ولا دليل على التلازم بينهما، كما لا تلازم بين لزوم الكفارة بقتل
حيوان، وكون وجهه كونه صيدا.
ومنه يظهر ما في تعريف بعضهم الصيد هنا بما في المتن وزيادة قوله:
ومن المحرم الثعلب والأرنب؟ الضب واليربوع والقنفذ والقمل والزنبور
والقطاة (3)، فإن حرمة قتل هذه المحرمات عليه لم يبين كونه من عموم أدلة
حرمة الصيد. ولا موجب لتوهم ذلك غير لزوم الكفارة على قتلها، وقد
عرفت أنه أعم من جهة الصيد.
وأما الثاني: فلمنع التبادر أولا، وإلا لاختصت الآية بإثبات تحريم

(1) المائدة: 95.
(2) المبسوط: كتاب الحج في ما يلزم المحرم من الكفارة ج 1 ص 338.
(3) مسالك الأفهام: كتاب الحج في أحكام الصيد ج 1 ص 133 س 15، والروضة البهية: كتاب
الحج في الصيد ج 2 ص 236.
236

أكل الصيد لا قتله. وهو بعيد جدا، بل مخالف لفهم الكل قطعا.
وثانيا: بأن غاية ذلك اختصاص تلك الآية بالمحلل، وهو لا يوجب
تقييد إطلاق الآية الأخرى (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) (1) وما ضاهاها
من إطلاق الأخبار وغيرها.
وبالجملة: فترك التقييد بالمحلل وفاقا لمن مر أسد.
ويؤيده الخبر في تفسير الآية الأخيرة عند قوله: (ومن عاد فينتقم الله
منه) (2)، قال: إن رجلا انطلق وهو محرم فأخذ ثعلبا فجعل يقرب النار إلى
وجهه وجعل الثعلب يصيح ويحدث من استه، وجعل أصحابه ينهونه عما
يصنع، ثم أرسله بعد ذلك، فبينما الرجل نائم إذ جاءته حية فدخلت في فيه
ولم تدعه حتى جعل يحدث، كما أحدث الثعلب، ثم خلت (3).
وهو كالنص (4) في عموم الآية للثعلب. ولا قائل بالفرق.
وأما قول الحلبي فلا دخل له بأحد التعريفين كأخباره إن أبقى على
ظاهره من تحريم مطلق الحيوان، بل هو قول شاذ، مخالف للنص والاجماع،
كما صرح به جماعة من الأصحاب.
وإن قيد بإرادته الحيوان البري - كالأخبار رجع إلى ما قلناه من عموم
الصيد للمحرم فيؤيده، مع أنه حكي عن الراوندي أنه مذهبنا (5)، معربا
عن دعوى الاجماع.
هذا، والانصاف أن ظاهر سياق الآية الأخيرة يفيد التلازم بين حرمة

(1) المائدة: 95.
(2) المائدة: 95.
(3) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب تروك الاحرام ح 1 ج 9 ص 84.
(4) في (مش): كالثعلب.
(5) فقه القرآن: كتاب الحج في أحكام الصيد ج 1 ص 306.
237

قتل الصيد ولزوم الكفارة، وأنه مسبب عنها، وكذلك ظاهر الأخبار
الكثيرة المعتبرة.
كالصحيح: لا تستحلن شيئا من الصيد وأنت حرام، ولا تدلن عليه
محلا، ولا محرما فيصطاده، ولا تشر إليه فيستحل من أجلك، فإن فيه
الفداء لمن تعمده (1).
والصحيح: المحرم لا يدل على الصيد، فإن دل عليه فعليه الفداء (2).
وهذا التلازم لا يتم إلا على تقدير تخصيص الصيد بالمحلل منه، فإنه
الذي وقع الاجماع نصا وفتوى على التلازم فيه كليا، دون غيره فلم يثبت
فيه التلازم كذلك، بل صرح الشيخ في المبسوط بأنه لا خلاف - يعني
بين العلماء - في عدم وجوب الجزاء في مثل الحية والعقرب والفأرة والغراب
والحدأة والذئب والكلب، وأنه لا يجب الجزاء عندنا في الجوارح من الطير،
كالبازي والصقر والشاهين والعقاب، ونحو ذلك، والسباع من البهائم،
كالأسد والنمر والفهد، وغير ذلك (3).
وقال: في مثل المتولد بين ما يجب الجزاء فيه وما لا يجب فيه ذلك
كالسبع وهو المتولد بين الضبع والذئب، والمتولد بين الحمار الأهلي وحمار
الوحش يجب الجزاء فيه عند من خالفنا، ولا نص لأصحابنا فيه، والأولى
أن نقول: لا جزاء فيه، لأنه لا دليل عليه، والأصل براءة الذمة (4) انتهى.
فلو كان صيد هذه الأنواع المحرمة محرما للزم فيه الفداء، بمقتضى ما مر
من التلازم الظاهر من الآية والأخبار، والتالي باطل، لما عرفت من

(1) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 208.
(2) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب كفارات الصيد ح 2 ج 9 ص 208.
(3) المبسوط: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 1 ص 339.
(4) المبسوط: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 1 ص 338.
238

الاجماع.
فتعين أن المراد بالصيد المحرم عليه إنما هو المحلل منه دون المحرم، وإلا
للزم إما الفداء فيه مطلقا، وهو خلاف الاجماع، كما مضى، أو رفع اليد
عن التلازم بين الأمرين الظاهر من الآية والأخبار، كما قدمنا.
ولا سبيل إليه أيضا، فإن تخصيص الصيد فيهما بالمحلل أولى من رفع اليد
عن التلازم المستفاد منهما، سيما وأن التخصيص - ولو في الجملة لو عمم
الصيد للمحرم لازم أيضا قطعا، كما ذكره الماتن من التعريف - هنا أقوى.
ولا يحتاج إلى إدخال نحو الثعلب والأرنب في الصيد، ولا إلى استثنائهما
من القصر المستفاد من التعريف وإن وقع في الدروس (1)، لابتنائهما على
كون تحريم قتلهما، لكونهما صيدا. وفيه ما مضى.
بقي الكلام في الخبر الذي مر في تفسير الآية وتضمنه الثعلب، وإشعار
عبارة الراوندي (2) بدعوى الاجماع على عموم الصيد للمحرم.
ويمكن الجواب عنهما، فالأول: بضعف السند، والثاني: بالوهن
بمعارضته، بدعوى كون التخصيص مذهب الأكثر، وبعد التعارض يبقى
دعوى العموم في الصيد للمحرم بعد ما قدمناه بلا مستند.
فإذن التخصيص بالمحلل هو المعتمد.
(و) إذا تمهد ذلك، فاعلم أنه (لا يحرم صيد البحر) بالكتاب
والسنة المستفيضة والاجماع (وهو ما يبيض ويفرخ) بضم حرف المضارعة
وكسر العين، أو فتح الفاء وتشديد الراء (في الماء) معا بالاجماع،
والصحاح.

(1) الدروس الشرعية: كتاب الحج درس 92 ج 1 ص 351.
(2) فقه القرآن: كتاب الحج في أحكام الصيد ج 1 ص 306.
239

منها: السمك لا بأس بأكله طرية ومالحة ويتزودوا، قال الله تعالى:
(أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة) قال: فليختر الذين
يأكلون، وقال: فصل ما بينهما كل طير يكون في الآجام يبيض في البر
ويفرخ في البر فهو من صيد البر، وما كان من الطير يكون في البحر ويفرخ
في البحر فهو من صيد البحر (1).
وفي حكم البيض والأفراخ التوالد.
ثم الاعتبار بذلك إنما يفتقر إليه فيما يعيش في البر والبحر معا، وإلا فما
يعيش في الأول منه البتة، كما في الصحيح: مر علي - عليه السلام - على قوم
يأكلون جرادا، فقال: سبحان الله وأنتم محرمون، فقالوا: إنما هو من صيد
البحر، فقال: ارموه في الماء إذا (2).
وما لا يعيش فيه من الثاني البتة.
والمراد بالبحر ما يعم النهر بلا خلاف، كما عن التبيان.
قال: لأن العرب تسمي النهر بحرا، ومنه قوله تعالى: (ظهر الفساد في
البر والبحر) (3)، والأغلب في البحر هو الذي يكون ماؤه مالحا، لكن إذا
أطلق دخل فيه الأنهار بلا خلاف (4).
(ولا الدجاج الحبشي) ويسمى السندي والغرغر بإجماعنا الظاهر،
المصرح به في عبائر جماعة (5)، للصحاح المستفيضة.

(1) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب تروك الاحرام ح 1 ج 9 ص 81.
(2) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب تروك الاحرام ح 1 ج 9 ص 83.
(3) الروم: 41.
(4) التبيان: في ذيل الآية 99 من سورة المائدة ج 4 ص 28.
(5) منهم صاحب مدارك الأحكام: كتاب الحج في أحكام الصيد ج 8 ص 314، وذخيرة المعاد:
كتاب الحج في الكفارات ص 609 س 34، ومفاتيح الشرائع: كتاب الحج م 354 في حرمة
الصيد ج 1 ص 320.
240

منها: أنه ليس من الصيد، إنما الطير ما طار بين الأرض السماء
وصف (1).
وفي بعضها: لأنها لا تستقل بالطيران (2).
قيل: وحرمه الشافعي، لأنه وحشي يمتنع، بالطيران وإن كان يألف
البيوت، وهو الدجاج البري، قريب من الأهلي في الشكل واللون، يسكن
في الغالب سواحل البحر، وهو كثير ببلاد المغرب، يأوي مواضع الطرفاء،
ويبيض فيها، ويخرج فراخه كيسة كاسبة، يلقط الحب من ساعتها،
كفرخ الأهلي.
وقال الأزهري: كانت بنو إسرائيل من أهل تهامة من أعلى الناس على
الله تعالى، فقالوا قولا لم يقله أحد، فعاقبهم الله تعالى بعقوبة ترونها الآن
بأعينكم، جعل رجالهم القردة، وبرهم الذرة، وكلابهم الأسود، ورمانهم
الحنظل، وعنبهم الأراك، وجوزهم السرو، ودجاجهم الغرغر، وهو دجاج
الحبش، لا ينتفع بلحمه، لرائحته، وقال في التهذيب: لاغتذائه
بالعذرة (3).
(ولا بأس بقتل الحية) بأقسامها (والعقرب والفأرة) إذا خاف
منها على نفسه. وكذا كل ما يخاف منه عليها إجماعا فتوى ونصا مستفيضا.
ففي الصحيح: كل ما يخاف المحرم على نفسه من السباع والحيات
وغيرها فليقتله، لو إن لم يردك فلا ترده) (4). ونحوه غيره: يقتل المحرم كل ما

(1) وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 234.
(2) وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب كفارات الصيد ح 2 و 3 ج 9 ص 235.
(3) القائل هو الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في الصيد ج 1 ص 323 س 28.
(4) وسائل الشيعة: ب 81 من أبواب تروك الاحرام ح 1 ج 9 ص 166.
241

خشيه على نفسه (1).
وفي آخر: كل شئ أرادك فاقتله (2).
وكذا إذا لم يخف منها على الأظهر الأشهر فتوى، بل عن المبسوط اتفاق
الأمة (3)، وعن الغنية إجماع الطائفة (4)، للأصل، بناء على اختصاص
الصيد المحرم عليه بالمحلل، كما هو المختار.
وإطلاق نحو الصحيح: يقتل في الحرم والاحرام الأفعى والأسود الغدر،
وكل حية سوء العقرب والفأرة - وهي الفويسقة - ويرجم الغراب والحدأة
رجما (5).
وأظهر منه الخبر: عن المحرم وما يقتل من الدواب؟ فقال: يقتل الأسود
والأفعى والفأرة والعقرب وكل حية، وإن أرادك السبع فاقتله، وإن لم
يردك فلا تقتله، والكلب العقور إذا أرادك فاقتله، ولا بأس للمحرم أن
يرمي الحدأة، وإن عرض له اللصوص امتنع منهم (6). وقريب منه آخر.
وضعف سندهما منجبر بعمل الأكثر، وهما كالنص في الاطلاق، وإلا
لما خص فيهما المنع عن القتل، مع عدم الإرادة بالسبع ونحوه، ويطلق فيما
عداه.
خلافا للمحكي عن السرائر فلم يجوز قتلها حينئذ (7).

(1) وسائل الشيعة: ب 81 من أبواب تروك الاحرام ح 7 ج 9 ص 167.
(2) وسائل الشيعة: ب 81 من أبواب تروك الاحرام ح 9 ج 9 ص 168.
(3) المبسوط: كتاب الحج ج 1 ص 339.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 513 س 25.
(5) وسائل الشيعة: ب 81 من أبواب تروك الاحرام ح 6 ج 9 ص 167.
(6) وسائل الشيعة: ب 81 من أبواب تروك الاحرام ح 10 ج 9 ص 168.
(7) السرائر: كتاب الحج في باب ما يلزم المحرم عن جناياته ج 1 ص 567.
242

ولعله لصحيح الأول، حيث جعل فيه الحيات كالسباع في المنع عن
قتلها إذا لم يرده. ونحوه الصحيح الآخر: اتق قتل الدواب كلها، إلا
الأفعى والعقرب والفأرة، فأما الفأرة فإنها توهي السقاء، وتضرم على أهل
البيت، وأما العقرب فإن رسول الله - صلى الله عليه وآله - مد يده إلى الحجر
فلسعته، فقال: لعنك الله لا برا تدعينه ولا فاجرا، والحية إن أرادتك
فاقتلها، وإن لم تردك فلا تردها، والأسود الغدر فاقتله على كل حال،
وارم الغراب والحدأة رميا على ظهر بعيرك (1).
وفيه نظر، لعدم مقاومتهما لما تقدم من وجوه شتى، فليطرحا، أو يؤولا
بإرجاع الضمير في قوله في الصحيح الأول: (فإن لم يردك فلا ترده) إلى
خصوص السباع دون الحيات، أو يحمل النهي على مطلق المرجوحية الشاملة
للكراهة، وكذلك الصحيحة الأخيرة.
وهذا الحمل فيها أقرب من تقييد إطلاق قتل هذه الأفراد في صدرها بما
إذا أرادته، لما مر، مضافا إلى أنها صريحة في جواز قتل الغدر الأسود على
كل حال.
وحيث أنه لم يقل بهذا التفصيل في الحيات أحد يلزم إما إطراحها رأسا
وليس بجائز، مع إمكان الحمل على الصحيح وأقرب المجازات.
فتعين حمل النهي فيما عدا الأسود الغدر على الكراهة، ولا ريب فيها
فتوى ونصا. فهذا الصحيح أقوى دليلا على الجواز ولو مع الكراهة، كما
قلنا.
(و) يستفاد منه ومن الصحيح السابق جواز (رمي الغراب)
بأقسامه (والحدأة) مطلقا في الحرم وغيره، مع الاحرام ولا معه، وعن

(1) وسائل الشيعة: ب 81 من أبواب تروك الاحرام ح 2 ج 9 ص 166.
243

ظهر البعير وغيره، كما هو مقتضى إطلاق الصحيح السابق والعبارة هنا وفي
الشرائع (1) وعن النهاية (2) والجامع (3).
ولكن الصحيح الأخير مختص بالرمي عن ظهر البعير، كما عن
المقنع (4)، فإن أراد تخصيص الجواز به فلا وجه له، لاطلاق الصحيح
السابق، وعدم إفادة غيره التخصيص، ليجمع بينهما به، وإلا فلا بأس به.
ثم إن مقتضى الروايتين عدم جواز قتلهما، إلا أن يفضي الرمي إليه.
خلافا للمحكي عن المبسوط فجوزه مطلقا (5). وهو ضعيف.
وجواز رمي الغراب مطلقا.
خلافا للمحقق الثاني فقيده بالمحرم منه
، الذي هو من الفواسق الخمس
دون المحلل، لأنه محرم لا يعد من الفواسق (6). ولا بأس به إن لم نقل بحرمته
مطلقا، لاطلاق ما دل على حرمة الصيد من الكتاب والسنة المتواترة،
الشامل لما حل من الغراب.
وتقييده بما عدا الغراب بهذين الصحيحين وإن أمكن، لكنه ليس بأولى
من تقييد إطلاقهما بما عدا المحلل، وذلك فإن التعارض بينهما وبين نحو
الكتاب تعارض العموم والخصوص من وجه، لأن نحو الكتاب وإن كان
عاما للغراب المحلل وغيره إلا أنه خاص بالإضافة إلى تحريم الصيد المحلل،
بناء على فرض اختصاصه بالمحلل، كما هو المختار، كما تقدم.

(1) شرائع الاسلام: كتاب الحج في أحكام الصيد ج 1 ص 284.
(2) النهاية ونكتها: كتاب الحج باب ما يجب على المحرم من الكفارة ج 1 ص 493.
(3) الجامع للشرائع: كتاب الحج في محرمات الاحرام ص 186.
(4) المقنع: كتاب الحج ص 77.
(5) نقله عنه في المسالك: كتاب الحج في أحكام الصيد ج 1 ص 133 س 17.
(6) جامع المقاصد: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 3 ص 303.
244

والروايتان وإن كانتا خاصتين بالغراب، لكنه فيهما أعم من المحلل منه
والمحرم، فكما يمكن تقييد إطلاق الصيد بما عدا الغراب مطلقا حتى المحلل،
كذا يمكن تقييد الغراب في الصحيحين بالمحرم منه والترجيح لهذا، لقطعية
الكتاب ونحوه، مضافا إلى إشعار التعليلين في الصحيحة الأخيرة لإباحة
القتل، وفي غيرها بالتقييد أيضا. فتدبر.
والجمع السابق فرث عدم القول بتحريم الغراب مطلقا، ولكنه - كما
سيأتي - خلاف التحقيق وأن الأصح تحريمه مطلقا.
وعليه، فالأظهر إباحة رمي الغراب مطلقا، لعدم التعارض بين الأدلة
السابقة، لأن النسبة بينها التبائن الكلي، فلا موجب لتقييد أحدهما
بالآخر.
هذا، مضافا إلى إمكان التأمل في دعوى كون التعارض بين الكتاب
والصحيحين تعارض العموم والخصوص من وجه، بل النسبة بينهما: إما
التبائن الكلي أو العموم والخصوص مطلقا، الأول في الكتاب، والثاني
فيهما. فتدبر وتأمل.
(ولا كفارة) واجبة (في قتل) شئ من (السباع) عدا الأسد
مطلقا بلا خلاف، وكذا فيه إذا أراده، وعن المنتهى (1) والشيخ (2) عليه
الاجماع، وفيما إذا لم يرده خلاف، والأصح العدم.
وفاقا للأكثر على الظاهر، المصرح به في كلام بعض من تأخر
للأصل (3) (مضافا إلى الاجماع المنقول عن صريح الخلاف (4) وظاهر

(1) منتهى المطلب: كتاب الحج في تحريم الصيد ج 2 ص 800 س 37.
(2) المبسوط: كتاب الحج في ما يلزم المحرم من الكفارة ج 1 ص 338.
(3) في نسخة (مش): المصرح في كلام بعض من تأخر، جميع ذلك، للأصل السليم.
(4) الخلاف: كتاب الحج م 229 ج 1 ص 417.
245

المبسوط (1) والتذكرة (2)، السليمة جميع ذلك) (3) عما يصلح للمعارضة،
حتى الكتاب والسنة المتواترة الدالة على حرمة قتل الصيد وإيجابه الكفارة،
بناء على المختار من اختصاصه بالمحلل، فلا يشمل محل الفرض.
ولا معارض له آخر غير ما أشار إليه بقوله: (وروي في) قتل
(الأسد كبش إذا لم يرده، و) هذه الرواية مع شهادته عليها بأنه (فيها
ضعف) لم نقف عليها في شئ من كتب الأخبار، ولا نقله ناقل في شئ
مما وقفت عليه من كتب الاستدلال.
نعم روى الكليني والشيخ عن أبي سعيد المكاري قال: قلت لأبي
عبد الله - عليه السلام -: رجل قتل أسدا في الحرم؟ فقال - عليه السلام -: عليه
كبش يذبحه (4).
وهو مع اختصاصه بالقتل بالحرم فيه ضعف أيضا سندا بما ترى،
فليطرح، أو يحمل على الاستحباب، ومع ذلك فهو مطلق لا تقييد فيه بعدم
الإرادة، ولا موجب لتقييده بها، عدا ما مر من الصحاح المفصلة بين صورة
الإرادة فجوز القتل وعدمها فنهى، لكنه مع عدم اختصاصه بالأسد،
وعمومه لباقي السباع، ولا قائل بحكمه فيها مطلقا مورده إباحة القتل والنهي.
ولا ملازمة بينه وبين الكفارة هنا، سيما خصوص نوع هذه الكفارة.
فالقول بمضمونه - كما عن والد الصدوق (5) وابن حمزة (6) لا وجه له،

(1) المبسوط: كتاب الحج في ما يلزم المحرم من الكفارة ج 1 ص 339.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج في أكل المحرم صيدا ج 1 ص 330 س 30.
(3) ما بين القوسين غير موجود في نسخة " مش ".
(4) الكافي: كتاب الحج باب صيد الحرم وما تجب فيه الكفارة ح 26 ج 4 ص 237، وتهذيب
الأحكام: كتاب الحج ب 25 في كفارة عن خطأ المحرم و... ح 188 ج 5 ص 366.
(5) نقله عنه في المختلف: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 2 ص 271 س 16.
(6) الوسيلة: كتاب الحج ص 164.
246

سيما وقد تعدوا عن مورده الذي هو القتل في الحرم إلى مسألتنا هنا. فتأمل
جدا.
نعم في الرضوي: ولا بأس للمحرم أن يقتل الحية والعقرب والفأرة،
ولا بأس برمي الحدأة، وإن كان الصيد أسدا ذبحت كبشا (1).
ولا ريب أنه أحوط.
بقي الكلام في حرمة قتله، ولا ريب فيها على القول بلزوم الكفارة،
ويشكل فيها على القول بالعدم من الأصل، بناء على المختار، من اختصاص
الصيد المحرم في الكتاب والسنة بالمحلل، ومن ورود النهي عن قتله إذا لم
يرده فيما مر من الصحيح وغيره.
لكنه فيهما يعم الأسد وغيره، ولم أعثر بقائله، مضافا إلى ورود مثله في
الحية، وقد عرفت أنه محمول على الكراهة.
فالقول بها أيضا هنا لا يخلو عن قوة، سيما وأن ظاهر جماعة التلازم هنا
بين نفي الكفارة وثبوت إباحة القتل، وبالعكس، كالفاضل في المنتهى (2)
والمختلف (3) وغيره.
وأما العبارة فمساقها يحتمل القول بالإباحة وبالحرمة، وكأنه في الأخير
أظهر دلالة، كما لا يخفى على من تدبره.
وتحتمل ثالثا: وهو التوقف بينهما، ولا ريب أنه بحسب العمل، بل
الفتوى، لعموم الصحيح السابق الناهي عن قتل الدواب إلا ما مضى
أحوط وأولى.

(1) فقه الرضا - عليه السلام -: ب 31 في الحج ص 228.
(2) منتهى المطلب: كتاب الحج في تحريم الصيد ج 2 ص 801 س 2.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 2 ص 271.
247

(ولا كفارة) واجبة أيضا (في قتل الزنبور) واحدا أو متعددا ولو
كثير إذا كان (خطأ) على الأقوى، وفاقا للماتن وجماعة (1)، للأصل،
مع اختصاص الصيد المتساوي عمده وخطؤه في لزوم الكفارة بالمحلل، كما
مر.
ولعله لهذا تعرض الماتن لنفي الكفارة هنا، تنبيها على أن لزومها في
العمد ليس لكونه صيدا.
خلافا لعبائر كثير من القدماء فأطلقوا التكفير في قتله بحيث يشمل
الخطأ، ولعله بناء على كونه صيدا.
ويضعفه - مضافا إلى ما مضى - خصوص الصحاح هنا فيها: عن محرم
قتل زنبورا؟ قال: إن كان خطأ فليس عليه شئ، قلت: فالعمد؟ قال:
يطعم شيئا من الطعام (2).
(و) يستفاد منها أن (في قتله عمدا شئ (3) من طعام) كما أفتى
به الماتن هنا وجماعة، وأطلق الشئ في النهاية (4)، وبدل في الشرائع
بصدقة ولو بكف من طعام (5)، وفي القواعد بكف من طعام وشبهه (6)،
وعن السرائر (7) والتلخيص بتمرة، واكتفي بكف من طعام في المحكي عن

(1) قواعد الأحكام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 94 س 5، والمبسوط: كتاب الحج فيما
يلزم المحرم من الكفارة ج 1 ص 349.
(2) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب كفارات الصيد ح 2 ج 9 ص 192.
(3) في المتن المطبوع والشرح الصغير: صدقة بشئ.
(4) النهاية ونكتها: كتاب الحج باب ما يجب على المحرم ج 1 ص 481.
(5) شرائع الاسلام: كتاب الحج في أحكام الصيد ج 1 ص 284.
(6) قواعد الأحكام: كتاب الحج ج 1 ص 94 س 5.
(7) السرائر: كتاب الحج باب ما يلزم المحرم عن جناياته ج 1 ص 558.
248

المقنع (1) والفقيه (2) والغنية (3) والكافي (4) والجامع (5)، للرضوي (6).
وفي مقاومته لما سبق ضعف. فالأصح ما في المتن، مع خلو ما عدا
الأخير من المستند.
إلا ما ربما يقال: من أن القول: (بتمر) لكونه من الطعام، وأنه ليس
جرادا.
وفيهما ضعف، سيما في مقابلة النص، ومورده كالمتن الزنبور الواحد،
فالمتعدد والكثير خال عن النص، فيجب الرجوع فيهما إلى الأصل.
ويحتمل إلحاقهما بالواحد في كفارته إن لم يثبت بالأصل الزيادة عليها.
وهنا أقوال أخر، منها لزوم صاع في المتعدد، كما عن الحلبي (7)، وشاة
في الكثير منه، كما عنه وعن الغنية (8) والمهذب (9) والتلخيص، أو مد
من طعام، أو تمر، كما عن المقنعة (10) وجمل العلم والعمل (11) والتحرير (12)،
ونحوه عن المراسم (13)، إلا في مد من طعام فلم يذكر فيه.

(1) المقنع: كتاب الحج ص 79.
(2) من لا يحضره الفقيه: باب ما يجب على المحرم ح 2732 ج 2 ص 372.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 514 س 9.
(4) الكافي في الفقه: كتاب الحج في الكفارات ص 206.
(5) الجامع للشرائع: كتاب الحج في باب كفارات محظور الاحرام ص 190.
(6) فقه الرضا - عليه السلام -: ب 31 في الحج ص 228.
(7) الكافي في الفقه: كتاب الحج في الكفارات ص 206.
(8) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 514 س 9.
(9) المهذب: كتاب الحج باب ما يلزم المحرم على جناياته ج 1 ص 226.
(10) المقنعة: كتاب الحج ب 28 الكفارة عن خطأ المحرم ص 438.
(11) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى): كتاب الحج في الصيد ج 3 ص 72.
(12) تحرير الأحكام: كتاب الحج في الكفارات الواجبة على المحرم ج 1 ص 116 س 28.
(13) المراسم: كتاب الحج ص 122.
249

ولا مستند لشئ من هذه الأقوال، إلا ما ربما يقال: من أن إيجاب
الشاة لكثيره للحمل على الجراد، وإيجاب المد أو الصاع لضم فداء بعضه
إلى بعض. وفيهما - كما ترى - ضعف.
ثم إن ظاهر وجوب التكفير تحريم تعمد القتل.
خلافا للمبسوط فصرح بالجواز وأنه يكفر بعد القتل بما استطاع (1).
ولعله للأصل، وكونه من المؤذيات، مضافا إلى الخبرين.
في أحدهما: يقتل المحرم الزنبور والنسر والأسود الغدر والذئب وما خاف
أن يعدو عليه.
وفي الثاني المروي عن قرب الإسناد للحميري:. يقتل المحرم ما عدا عليه
من سبع أو غيره، ويقتل الزنبور والعقرب والنسر والذئب والأسد، وما
خاف أن يعدو عليه من السباع والكلب العقور (2).
ولا ينافي الجواز وجوب الكفارة، كما في وجوبها في قتل الصيد خطأ.
وهو حسن إن منع ظهور لزوم الكفارة في الحرمة.
وهو مشكل، والتخلف في بعض الأفراد لا ينافي الظهور.
وحيث ثبت يمكن دفع الأصل بما مر من التكفير الظاهر في المنع، كما
مر. وعن الخبرين بضعف السند، مع احتمال تنزيلهما على جواز القتل في
صورة الخوف منه وإرادته له.
ولا ريب في الجواز حينئذ، كما مر، مضافا إلى خصوص الصحيح هنا.
وفيه بعد، نحو ما مر في الصحاح من الأمر بالتكفير بشئ من الطعام في
صورة العمد: قلت: إنه أرادني؟ قال: كل شئ أرادك فاقتله.

(1) المبسوط: كتاب الحج في ما يلزم المحرم من الكفارة ج 1 ص 339.
(2) قرب الإسناد: ص 66.
250

وكما يقيد إطلاق المتن ونحوه وما مر من النص بصورة عدم الإرادة
وانتفاء الخوف منه.
(ويجوز شراء القماري) جمع قمرية بالضم ضرب من الحمام، والقمرة
بالضم لون إلى الخضرة، أو الحمرة فيه كدرة (والدباسي) من الدبس
بالضم جمع أدبس، من الطير الذي لونه بين السواد والحمرة، ومنه الدبسي
لطائر أدكن يقرقر، كما عن القاموس (1).
(وإخراجها من مكة) شرفها الله سبحانه على كراهية (لاذبحها)
وأكلها، اتفاقا في الحكم الأخير فتوى ودليلا كتابا وسنة، من غير
معارض، وفاقا للنهاية (2) والمبسوط (3) في الأولين، للصحيح: عن شراء
القماري يخرج من مكة والمدينة؟ قال: ما أحب أن يخرج منها شئ (4).
وهو مع اختصاصه بالقماري غير صريح في الجواز، بل ظاهر جماعة
كالشيخ في التهذيب (5) وغيره دلالته على التحريم.
ولعله لدوران الأمر فيه بين إبقاء لفظ (لا أحب) على ظاهره من
الكراهة وتخصيص الشئ المنفي في سياق النفي بخصوص القماري أو
الدباسي أيضا، وبين إبقاء العموم بحاله، وصرف (لا أحب) عن ظاهره
إلى التحريم، أو الأعم منه ومن الكراهة.
والأول خلاف التحقيق وإن كان التخصيص أولى من المجاز، بناء
على اختصاص الأولوية بالتخصيص المقبول وهو ما بقي من العام بعده أكثر

(1) القاموس المحيط: ج 2 ص 213.
(2) النهاية ونكتها: كتاب الحج باب ما يجب على المحرم ج 1 ص 483.
(3) المبسوط: كتاب الحج في ما يلزم المحرم من الكفارة ج 1 ص 341.
(4) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب كفارات الصيد ح 3 ج 9 ص 204.
(5) تهذيب الأحكام: ب 25 من أبواب الكفارة عن خطأ المحرم ج 5 ص 349.
251

أفراده، وليس هنا كذلك. واختيار الثاني لازم.
هذا إن سلم ظهور (لا أحب) في الكراهة، وإلا فهو أعم منها ومن
الحرمة لغة، لكن مقتضى هذا عدم دلالته على التحريم أيضا.
والتحقيق أن هذه الرواية مجملة لا تصلح أن تتخذ لشئ من القولين
حجة.
وحينئذ، فالأصل في المسألة عدم الجواز، لعمومات حرمة الصيد كتابا
وسنة، كما عليه جماعة تبعا للحلي (1)، ولكن عبارته مورد المنع عن
الاخراج عن الحرم خاصة، ومورد النص الاخراج من مكة وأحدهما غير
الآخر فلا تنافي، كذا قيل (2).
وفيه نظر، لمنع اختصاص النص بمكة، فإن مورد السؤال الذي ينطبق
عليه الجواب هو الاخراج منها ومن المدينة، بمقتضى الواو المفيدة للحجية في
الحكم، الذي هو هنا الاخراج، والاخراج منهما معا يستلزم الاخراج من
الحرم.
ثم لو سلم نقول: إنه جوز فيه الاخراج عن مكة من غير تقييد بما إذا لم
يخرج عن الحرم، بعد عموم السؤال له، وانطباق الجواب عليه بقاعدة ترك
الاستفصال.
فالرواية وإن لم تكن ناصة بالجواز في الحرم، لكنها ظاهرة فيه أيضا،
فيتحقق التعارض والتنافي، كما فهمه سائر الأصحاب، حيث ذكروا
الحلي موافقا للشيخ هنا، وخالفوه أو وافقوه. وهو الأقوى.
(وإنما يحرم على المحرم صيد البر) دون البحر، كما مر.

(1) السرائر: كتاب الحج باب ما يلزم عن جناياته ج 1 ص 560.
(2) والقائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 392 س 3.
252

(وينقسم) باعتبار لزوم الكفارة وبدلها إلى (قسمين):
(الأول: ما لكفارته. بدل على الخصوص، وهو) على ما ذكروه
(خمسة):
(الأول: النعامة، وفي قتلها بدنة) بالتحريك، كما هو المشهور،
وفي صريح التذكرة (1) والمنتهى (2) وظاهر الغنية (3) الاجماع.
وهو الحجة، مضافا إلى الصحاح المستفيضة: وفي النعامة بدنة (4).
خلافا للنهاية (5) والمبسوط (6) والسرائر (7) فجزور، للخبر (8)، وفي سنده
اشتراك.
فإذن الأول أظهر.
مع أنه قيل: لا مخالفة بينه وبين الأدلة ولا بين القولين، كما يظهر من
المختلف، وفاقا للتذكرة والمنتهى وغيرهما، إذ لا فرق بين الجزور والبدنة،
غير أن البدنة ما تحرر للهدي، والجزور أعم، وهما يعمان الذكر والأنثى،
كما في العين والنهاية الأثيرية وتهذيب الأسماء للنووي (9)، وفي التحرير له
والمعرب والمغرب في البدنة، وخصت في الصحاح والديوان والمحيط وشمس

(1) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 344 س 31.
(2) منتهى المطلب: كتاب الحج في تحريم الصيد ج 2 ص 820 س 7.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 513 س 36.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 181.
(5) النهاية ونكتها: كتاب الحج باب ما يجب على المحرم من الكفارة ج 1 ص 480.
(6) المبسوط: كتاب الحج في ما يلزم المحرم من الكفارة ج 1 ص 339.
(7) السرائر: كتاب الحج باب ما يلزم المحرم عن جناياته عن كفارة و... ج 1 ص 556.
(8) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب كفارات الصيد ح 3 ج 9 ص 181.
(9) في المطبوع من الشرح والمخطوطات: للغروي، وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه، كما في
المصدر والمصادر الرجالية.
253

العلوم بالناقة والبقرة، لكن عبارة العين كذا: البدنة ناقة أو بقرة، الذكر
والأنثى فيه سواء يهدى إلى مكة، فهو مع تفسيره بالناقة والبقرة نص على
التعميم للذكر والأنثى، فقد يكون أولئك لا يخصونها بالأنثى، وإنما اقتصروا
على الناقة والبقرة تمثيلا، وإنما أرادوا تعميمها للجنسين ردا على من يخصها
بالإبل، وهو الوجه عندنا.
ويدل عليه قوله تعالى: (فإذا وجبت جنوبها) (1)، قال الزمخشري:
وهي الإبل خاصة، ولأن رسول الله - صلى الله عليه وآله - ألحق البقرة
بالإبل حين قال: البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة، فجعل البقرة في حكم
الإبل، صارت البدنة في الشريعة متناولة للجنسين عند أبي حنيفة
وأصحابه، وإلا فالبدن هي الإبل، وعليه تدل الآية، انتهى (2).
أقول: وجملة ما ذكر حسن، إلا أن ما ادعاه من ظهور الاتحاد وعدم
المخالفة بين الروايات والقولين من المختلف محل نظر، بل الذي وقفنا عليه
من عبارته يفيد العكس.
ويدل على ما ادعاه من كون التخصيص بالإبل هو الوجه عندنا،
مضافا إلى ما ذكره في مقابلة البقر للبدنة في أخبارنا.
ففي الصحيح: في قول الله عز وجل: (فجزاء بر مثل ما قتل من النعم)
قال: في النعامة بدنة، وفي الحمار الوحش بقرة، وفي الظبي شاة، وفي البقر
بقرة (3).
هذا، ويؤيد له عموم البدنة للذكر والأنثى، كما ذكره في المصباح المنير

(1) الحج: 36.
(2) والقائل هو الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 392 س 17.
(3) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 181.
254

من أنه قالوا: وإذا أطلقت البدنة في الفروع فالمراد البعير، الذكر كان أو
الأنثى (1).
وربما أشعرت هذه العبارة بأن هذا الاطلاق ليس من جهة الوضع
اللغوي، وإنها هو اصطلاح المتشرعة.
لكن في مجمع البحرين بعد ذكر البدنة: وإنما سميت بذلك لعظم
بدنها وسمنها، وتقع على الجمل والناقة عند جمهور أهل اللغة وبعض
الفقهاء (2).
أقول: ويعضده ما تقدم.
وكيف كان، فلا ريب إن اختيار الأنثى مع الامكان أحوط وأولى،
وإن كان إجزاء الذكر أيضا أقوى.
ثم لما كانت البدنة اسما لما تهدى اعتبر في مفهومها السن المعتبر في
الهدي.
ومقتضى إطلاق النصوص والفتاوى إجزاء البدنة مطلقا، سواء وافقت
النعامة وماثلته في الصغر والكبر وغيرهما، أم لا.
خلافا للمنقول عن التذكرة فاعتبر المماثلة بين الصيد وفدائه، ففي
الصغير إبل في سنة، وفي الكبير كذلك، وفي الذكر ذكر، وفي الأنثى
أنثى (3).
ولم نقف على دليله، سوى إطلاق الآية باعتبار المماثلة، ولا ريب أنه
أحوط، وإن كان في تعينه نظر.
(فإن لم يجد) البدنة وعجز عنها (فض الثمن البدنة) بعد تقويمها

(1) المصباح المنير: مادة " بدن " ج 1 ص 55.
(2) مجمع البحرين: مادة " بدن " ج 6 ص 212.
(3) نقله عنه في مسالك الأفهام: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 134 س 6.
255

قيامة عادلة (على البر) كما في عبائر جمع (1)، أو الطعام المطلق، كما في
عبائر آخرين (2) والنصوص. وهو الأظهر، وإن كان الأول أحوط أخذا
بالمتيقن.
(وأطعم ستين مسكينا لكل مسكين مدين) على الأشهر، كما في
كلام جمع (3) والصحيح (4)، أو مد، كما في كلام آخرين (5)، وكثير من
النصوص وفيها الصحيح (6) وغيره.
وهو أظهر، حملا للظاهر على النص، وعليه يحمل أيضا ما أطلق فيه
الاطعام من الفتاوى والنصوص، وإن كان فيها الصحيح وغيره حمل المطلق
على المقيد.
(ولا يلزمه) إنفاق (ما زاد) من قيمتها (عن ستين) مسكينا،
بل له الزائد (ولا ما يزاد عن قيمتها) إن نقصت عن الوفاء بالستين
بلا خلاف، إلا ممن أطلق إطعام ستين تبعا لاطلاق ما مر من النصوص.
وفيه: أنه يجب تقييده بنحو الصحيح: عليه بدنة، فإن لم يجد فإطعام

(1) الكافي في الفقه: كتاب الحج ص 205، وشرائع الاسلام: كتاب الحج في أحكام الصيد ج 1
ص 284، وقواعد الأحكام: كتاب الحج في الصيد ج 1 ص 94 س 6.
(2) مسالك الأفهام: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 134 س 7، ومجمع الفائدة: كتاب الحج في
الصيد ج 6 ص 362، ومفاتيح الشرائع: كتاب الحج م 357 في كفارات الصيد ج 1 ص 321.
(3) منهم الشيخ في المبسوط: كتاب الحج في ذكر ما يلزم المحرم من الكفارة... ج 1 ص 352،
والسرائر: كتاب الحج باب ما يلزم المحرم عن جناياته عن كفارة و... ج 1 ص 556، وقواعد
الاحكام: كتاب الحج في الصيد ج 1 ص 94 س 7.
(4) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 183.
(5) كابن أبي عقيل وعلي ابن بابويه كما في مختلف الشيعة: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 2
ص 272 س 1.
(6) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب كفارات الصيد ح 11 ج 9 ص 186.
256

ستين مسكينا، وإن كانت قيمة البدنة أكثر من إطعام ستين مسكينا لم يزد
على إطعام ستين مسكينا،. وإن كانت قيمة البدنة أقل من إطعام ستين
مسكينا لم يكن عليه إلا قيمة البدنة (1).
وعن الخلاف الاجماع على نفي وجوب الزائد (2)، ومن الحلبيين (3)
فأطلقا أن من لم يجد البدنة تصدق بقيمتها، للصحيح: عدل الهدي ما بلغ
يتصدق به (4). ويجوز تنزيله على الأول، كما في كلام جمع.
وأما الموثق: فيمن عليه بدنة واجبة في فداء إذا لم يجد بدنة فسبع
شياه (5)، فشاذ، لم أر قائلا به، وبه صرح بعض الأصحاب (6).
(فإن لم يجد) ثمنها ليطعم (صام عن كل مدين) أو مد (يوما)
على الأظهر الأشهر، بل في صريح الغنية (7) وظاهر التبيان (8) وكنز
العرفان (9) وغيرهما الاجماع عليه، للصحيحين وغيرهما: فإن لم يقدر على،
الطعام صام لكل نصف صاع يوما (10)، كما في أحدهما.
وفي الثاني: فإن لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ لكل طعام مسكين

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب كفارات الصيد ح 2 ج 9 ص 183.
(2) الخلاف: كتاب الحج م 310 في جزاء الصيد ج 2 ص 422.
(3) الكافي في الفقه: كتاب الحج في كفارات الصيد ص 205. والغنية (الجوامع الفقهية): كتاب
الحج في أحكام ما يقع من المحرم ص 513 س 36.
(4) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب كفارات الصيد ح 8 ج 9 ص 185.
(5) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب كفارات الصيد وتوابعها ح 4 ج 9 ص 184.
(6) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 392 س 31.
(7) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 513 س 36.
(8) التبيان: في تفسير سورة المائدة ج 4 ص 27.
(9) كنز العرفان: كتاب الحج ص 325.
(10) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 183.
257

يوما.
خلافا للعماني (1) والصدوق (2) فثمانية عشر يوما مطلقا، للصحاح
وغيرها: فإن لم يقدر على أن يتصدق فليصم ثمانية عشر يوما (3).
وهو حسن، لولا الأخبار الأولة المصرحة بصوم الستين بعد العجز عن
الصدقة، المعتضدة - زيادة على الشهرة - بالاجماعات المنقولة والاحتياط اللازم
في الشريعة، بناء على أن الجمع بين الأخبار يمكن بأحد وجهين، من حمل
الأخبار السابقة على الفضيلة والأخيرة على الاجزاء، أو تقييد هذه بما إذا
عجز عن صوم الستين والسابقة على ما إذا قدر عليه.
وبعد تعارض الحملين وتساويهما يجب الأخذ بما يحصل به البراءة
اليقينية، للاجماع على ثبوت اشتغال الذمة بشئ من الصوم في الجملة، بعد
العجز عن الصدقة.
هذا على تقدير القول بتساوي الحملين، وإلا فالظاهر رجحان الثاني،
لأنه من قبيل التقييد والأول من قبيل المجاز.
وإذا تعارضا فالأول أولى بالترجيح على الأشهر الأقوى، سيما مع
اعتضاده هنا بالشهرة وغيرها.
ومن هنا يتضح المستند، لقوله: (فإن عجز صام ثمانية عشر
يوما).
ومحصله الجمع بين النصوص، مضافا إلى أن في صريح الغنية (4) وظاهر

(1) مختلف الشيعة: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 2 ص 271 س 31.
(2) المقنع: كتاب الحج ص 78.
(3) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب كفارات الصيد ح 3 ج 9 ص 183.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 514 س 3.
258

الكنز (1) الاجماع.
واعلم أنه لو انكسر البر عن القدر الذي يجب دفعه إلى مسكين، دفع
ذلك إليه وصام عن الناقص يوما بلا خلاف يعلم، كما في التذكرة (2)
والمنتهى (3) مشعرين بدعوى الاجماع. وهو الحجة إن تم.
لا ما قيل: من أن صيام اليوم لا يتبعض، والسقوط غير ممكن بشغل
الذمة، فيجب إكمال اليوم (4) فإنه مع ما فيه من النظر يدفعه: أن مقتضى
النصوص أن صيام اليوم إنما يجب بدلا عن نصف الصاع، وهو غير متحقق
هنا.
ولا يصام عن الزائد على الشهرين لو كان، للأصل، والنص، فإذا
زادت الأمداد على الشهرين، فليس عليه أكثر منه، وفي الغنية الاجماع (5)،
ولا الناقص عنهما إن نقص البدل، وفاقا لظاهر الأكثر، وصريح جمع،
للأصل، وظاهر الأخبار.
خلافا لآخرين، فيصوم الستين مطلقا، وهو أحوط وأولى، وإن كان
الأول أقوى.
ولو عجز عن الستين فهل يجب الثمانية عشر ويكفي مطلقا، أم يشترط
العجز عن الزائد عنها، وإلا فيجب الزائد أيضا، وجهان، ولعل الأول
أقوى، وإن كان الثاني أحوط وأولى.
ولو عجز بعد صيام شهر عن الشهر الآخر، فأقوى الاحتمالات

(1) في (مش): وظاهر الكثير.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج في كفارة جزاء الصيد ج 1 ص 345 س 10.
(3) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 821 س 17.
(4) وهو العلامة في المنتهى: كتاب الحج ج 2 ص 821 س 17.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 514 س 3.
259

السقوط، وإن كان الأحوط وجوب ما قدر ولو زائدا عن التسعة، وبين
الاحتمالين صومها خاصة، وجعله في القواعد أقواها (1).
(الثاني: في بقرة الوحش بقرة أهلية) بلا خلاف فتوى ورواية،
وهي صحاح مستفيضة (2)، معتضدة بعد ظاهر الكتاب بأخبار أخر
معتبره (3).
(فإن لم يجد) ها فض ثمنها على الطعام و (أطعم ثلاثين مسكينا،
كل مسكين م دين) كما في الصحاح وإن اختلفت كالفتاوى في التقدير
بمد، كما في الصحيح (4)، أو مدين، كما في الصحيحين (5)، والأول
أقرب، ويحمل الثاني على الفضل، كما مر.
(وإن كانت قيمة البقرة أقل) من ذلك (اقتصر على قيمتها)
كما يستفاد من الصحيح (6). وكذا لو زادت عنه لم يجب عليه الزيادة، كما
يستفاد من غيره من الصحاح، ولا خلاف في شئ من ذلك أجده، إلا
فيما عرفته.
(فإن لم يجد صام عن كل مسكين يوما) للصحيحين وغيرهما
الآمرة بالصيام عن كل مسكين يوما بعد العجز عن الصدقة.
ففي أحدهما والمرسل كالموثق: عن قول الله تعالى: (أو عدل ذلك
صياما)، قال: عدل الهدي ما بلغ يتصدق به، فإن لم يكن عنده فليصم

(1) قواعد الأحكام: كتاب الحج ج 1 ص 458.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب كفارات الصيد ح 1 و 2 ج 9 ص 181.
(3) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب كفارات الصيد ح 3 و 10 ج 9 ص 183 و 185.
(4) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب كفارات الصيد ح 11 ج 9 ص 186.
(5) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 183.
(6) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب كفارات الصيد ح 7 ج 9 ص 185.
260

بقدر ما بلغ لكل طعام مسكين يوما (1).
وفي الثاني: فإن لم يقدر على الطعام صام لكل نصف صاع يوما (2).
(فإن عجز) عن الصيام كذلك (صام تسعة أيام) للصحاح
المستفيضة وغيرها من المعتبرة، لكن فيها الأمر بذلك بعد العجز عن
الصدقة، كما عليه جماعة (3).
ولكنها محمولة على ما ذكرناه من التفصيل، وفاقا للأكثر، وفي الغنية
الاجماع (4)، جمعا بين الأدلة، وإن أمكن الجمع بينها بحمل الأخبار الأولة
على الفضيلة.
ولكن ما اخترناه من الجمع أولى، لما عرفته في النعامة، ويأتي في هذه
المسألة ما قد عرفته ثمة من الفروعات المناسبة.
(وكذا الحكم في حمار الوحش)، فيلزم فيه البقرة، ومع العجز عنها
فإطعام ثلاثين مسكينا، ومع العجز عنه فالصوم كذلك، ومع العجز عنه
فصوم تسعة أيام (على) الأظهر (الأشهر) بل في الغنية الاجماع (5)،
للنصوص المستفيضة وفيها الصحيح وغيره.
خلافا للمقنع فبدنة (6)، للصحاح.
وللإسكافي فخير بينهما (7)، ووافقه جماعة من متأخري المتأخرين،

(1) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب كفارات الصيد ح 5 و 8 ج 9 ص 185.
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 183.
(3) المقنعة: كتاب الحج ب 28 الكفارة عن خطأ ص 435، وجمل العلم والعمل (رسائل المرتضى):
كتاب الحج ج 3 ص 71.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 514 س 3.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 513 س 36.
(6) المقنع: كتاب الحج ص 77.
(7) مختلف الشيعة: كتاب الحج ج 1 ص 272 س 35.
261

جمعا (1)
وفيه: أنه فرع التكافؤ، وليس لرجحان الأدلة بكثرة العدد والاعتضاد
بالشهرة وحكاية الاجماع المتقدمة، مضافا إلى ضعف دلالة الأخيرة باحتمال
البدنة فيها الحمل على البقرة، لما عرفته من عموم البدنة للبقرة عند جماعة
من اللغويين والحنفية كذا قيل (2). وفيه مناقشة.
(الثالث: الظبي، وفيه شاة) بالكتاب والسنة والاجماع (فإن لم
يجدها فض ثمن الشاة على البر) بل مطلق الطعام (وأطعم عشرة
مساكين لكل مسكين مدين) على الأشهر، ومدا على الأظهر.
(ولو قصرت قيمتها) عن إطعامهم (اقتصر عليها) ولو زادت عنه لم
يجب عليه الزائد.
(فإن لم يجد صام عن كل مسكين يوما، وإن عجز صام ثلاثة
أيام) كل ذلك لعين ما مر من الأدلة، فإن الكلام في هذه المسألة
كالكلام فيما تقدمها فتوى ودليلا وخلافا.
(والابدال في الأقسام الثلاثة على التخيير) عند جماعة ومنهم
الحلي، عازيا له كغيره إلى الشيخ في الجمل والعقود الخلاف (3)، وتبعهما
كثير من متأخري الأصحاب ومنهم الفاضل المقداد، لظاهر (أو) في الآية
المفيدة للتخيير، بناء على وضعها له لغة، كما صرح به هو وغيره، مبالغا في
ظهورها فيه، حتى ادعى أنها نص فيه.
فقال في الجواب عن جواب المرتضى عنها - بأنه يجوز العدول عن ظاهر

(1) مدارك الأحكام: كتاب الحج في أحكام الصيد ج 8 ص 326، وذخيرة المعاد: كتاب الحج في
الكفارات ص 605 س 8.
(2) قال الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 393 س 18.
(3) السرائر: كتاب الحج باب ما يلزم المحرم عن جناياته من كفارة ج 1 ص 557.
262

القرآن للدلالة، كما عدلنا في قوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من
النساء مثنى وثلاث ورباع) (1) عن مدلول الواو، وهو الجمعية إلى التخيير
ما صورته:
وفيه نظر، لأنا نمنع أنه عدول عن الظاهر، بل عدول عن النص، وهو
غير جائز، لأن لفظ (أو) يحتمل أمرين: أحدهما أظهر، وهو التخيير، بل
هو نص في التخيير، كما قال علماء العربية.
ثم قال: سلمنا، لكن نمنع وجود الدلالة الموجبة للعدول عن الظاهر،
لجواز أن يراد بالترتيب في الرواية الأفضلية لا الوجوب، والتخيير في الآية
لا ينافي أفضلية الترتيب (2).
وفيما ذكره من الجواب نظر.
أما الثاني: فلأن جواز إرادته الأفضلية من الترتيب الوارد في الروايات
لا ينافي ظهورها فيه.
نعم هو محتمل خلاف الظاهر.
وأما الأول: فلأن وضعها للتخيير لا يستلزم نصيته، إلا بعد ثبوت صحة
ما ذكره من عدم احتمالها أمرين أحدهما أظهر وهو التخيير، ولم يثبت، بل
الثابت خلافه، لظهور شيوع استعمالها فيما عدا التخيير من التنويع.
ولذا أن عامة متأخري الأصحاب، بل كافتهم عداه، لم يدعو سوى
ظهورها في التخيير لا صراحتها فيه.
بل زاد بعض متأخريهم فادعى إجمالها، وعدم ظهورها فيه، وإنما استدل
على هذا القول بالأصل، فقال: للأصل، مع احتمال (أو) للتخيير، أو

(1) النساء: 3.
(2) التنقيح الرائع: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 535.
263

التقسيم. ثم قال: وضعفه ظاهر، وأضعف منه ما يقال: أن ظاهر (أو)
للتخيير (1).
أقول: وفيه أيضا نظر، بل الحق فيها هو الظهور المطلق، كما هو ظاهر
من عداهما من الأصحاب.
وعليه، فيشكل الجمع بين ظاهر الآية وهو التخيير، والأخبار الكثيرة
القريبة من المتواتر، بل المتواتر، وهو الترتيب.
(و) لأجلها (قيل): في المسألة بأنها (على الترتيب) والقائل
الأكثر ومنهم السيدان (2)، مدعيا ثانيهما في ظاهر الغنية الاجماع،
والشيخان (3)، عازيا ثانيهما له في المبسوط إلى الأصحاب، مؤذنا بدعوى
الاجماع عليه، كما قيل (4).
(وهو) إن لم نقل بكونه (أظهر) فلا ريب في كونه أحوط، خروجا
عن شبهة الخلاف فتوى ودليلا، كتابا وسنة.
فإن الجمع بينهما وإن أمكن بحمل الروايات على الأفضلية، إلا أنه
ليس بأولى من حمل (أو) في الآية على ما عدا التخيير، والتكافؤ من جميع
الوجوه حاصل، فيدور الأمر بين التجوز في ظاهر الكتاب، والتجوز في
ظاهر الروايات، كل محتمل.

(1) كشف اللثام: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 1 ص 393 س 37.
(2) الإنتصار: كتاب الحج ص 101 مسألة 17 والغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 514
س 3.
(3) المقنعة: كتاب الحج في كفارات الصيد ص 435. والمبسوط: كتاب الحج في كفارات الصيد
ج 1 ص 340.
(4) الظاهر أن القائل هو المحدث البحراني في حدائقه: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 15
ص 190.
264

وترجيح الثاني بالصحيح: كل شئ في القران (أو) فصاحبه بالخيار يختار
ما يشاء، وكل شئ في القرآن، فمن لم يجد فعليه كذا، فالأول
بالخيار (1)، ليس بأولى من ترجيح الأول بظاهر دعوى الاجماع المتقدم في
كلام السيد ابن زهرة وشيخ الطائفة، سيما مع اعترافه بكون التخيير ظاهر
الآية.
وحيث دار الأمر بين مجازين لا مرجح لأحدهما على الآخر صار المكلف
به من قبيل المجمل، فيجب الأخذ فيه بالمتيقن، وإن احتمل على بعد
التخيير.
ثم ظاهر العبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة ثبوت التخيير على القول
به في جميع الأبدال الثلاثة..
خلافا لشيخنا الشهيد الثاني (2) وسبطه (3) فقالا: موضع الخلاف من
الثلاثة الثلاثة الأول، أعني الفرد من النعم، وفض ثمنه على المساكين،
وصيام قدرهم أياما.
أما الصوم الأخير في الثلاثة، وهو الثمانية عشر والتسعة والثلاثة
فلا خلاف في أنها مرتبة على المتقدم.
(وفي الثعلب والأرنب شاة) بلا خلاف، كما استفاض نقله في
عبائر جماعة من الأصحاب، مشعرين بدعوى الاجماع، كما في ظاهر الغنية
فيهما (4)، وعن التذكرة في الأرنب (5)، وكذا عن المنتهى (6)، للصحاح في

(1) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب بقية الكفارات ح 1 ج 9 ص 295.
(2) مسالك الأفهام: كتاب الحج في أحكام الصيد ج 1 ص 134 س 30.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الحج في أحكام الصيد ج 8 ص 330.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 513 س 37.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 1 ص 345 س 26.
(6) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 822 س 26.
265

الأول، وبعض المعتبرة المنجبرة بفتوى الجماعة، وحكايات الاجماع المتقدمة
في الثاني.
وفيه: عن رجل قتل ثعلبا قال: عليه دم قال: فأرنبا؟ قال: مثل ما في
الثعلب (1).
ويؤيده ما قيل: من أن الشاة مثله من النعم، وهو أولى بذلك من
الأرنب (2).
قيل: فإن عجز عن الشاة استغفر الله تعالى ولا بدل لها، وفاقا للمحقق
والصدوقين وابن الجنيد وابن أبي عقيل، للأصل من غير معارض (3).
وفيه نظر، لوجود المعارض، وهو الصحاح المتقدمة، المتضمنة بعضها
لقوله - عليه السلام -: إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفر من موضعه
الذي أصاب فيه الصيد قوم جزاؤه من النعم دراهم (4). فإن الجزاء متناول
للجميع.
وآخر منها قوله: ومن كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين،
فمن لم يجد صام ثلاثة أيام (5). فإنه متناول أيضا للجميع.
ونحوهما قوله - عليه السلام - في آخر منها: عدل الهدي ما بلغ يتصدق به،
فإن لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ لكل إطعام مسكين مدا (6).

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب كفارات الصيد ح 4 ج 9 ص 190.
(2) القائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 393 س 33.
(3) والقائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 1 ص 393 س 33.
(4) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 183.
(5) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب كفارات الصيد ح 11 ج 9 ص 186.
(6) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب كفارات الصيد ح 8 ج 9 ص 185، وفيه: لكل إطعام مسكين
يوما.
266

(و) لذا (قيل): إن (البدل فيهما كالظبي) والقائل به الأكثر
كالشيخين (1) والسيدين (2) والحلي (3) وغيرهم، وفي ظاهر الغنية (4)
الاجماع.
وهنا قول آخر ذهب إليه شيخنا في المسالك (5) والروضة (6) وغيره، وهو
العمل بإطلاق الصحيح الثاني، قال: والفرق بينه وبين إلحاقهما بالظبى،
- يعني القول الثاني - يظهر فيما لو نقصت قيمة الشاة عن إطعام عشرة مساكين،
فعلى الالحاق يقتصر على القيمة، وعلى الرواية يجب إطعام العشرة.
واعترضه سبطه بأنه يتوجه عليه بأن الصحيح الأول المتضمن للاقتصار
على التصدق بقيمة الجزاء متناول للجميع، فلا وجه لتسليم الحكم في الظبي
ومنعه هنا، مع أن اللازم مما ذكره زيادة فداء الثعلب عن فداء الظبي وهو
بعيد جدا (7) انتهى. وهو حسن.
(الرابع: في) كسر (بيض النعام إذا تحرك الفرخ) فيها وكان
حيا فتلف بالكسر (لكل بيضة بكرة) من الإبل. والمعروف في اللغة أنها
أنثى البكر وهو الفتى، وكأنهم أرادوا الوحدة، كما عن الحلي (8) وفي

(1) المبسوط: كتاب الحج ج 1 ص 340، والمقنعة: كتاب الحج ص 435.
(2) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الحج ص 113، والغنية (الجوامع الفقهية): كتاب
الحج ص 514 س 3.
(3) السرائر: كتاب الحج ج 1 ص 557.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 514.
(5) مسالك الأفهام: كتاب الحج ج 1 ص 134 س 32.
(6) الروضة البهية: كتاب الحج ج 2 ص 337.
(7) مدارك الأحكام: كتاب الحج ج 8 ص 330.
(8) السرائر: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 1 ص 561.
267

الشرائع (1) وغيره.
والمستند الصحيح: أن في كتاب علي - عليه السلام - في بيض القطاة
بكارة من الغنم إذا أصابه المحرم مثل ما في بيض النعام بكارة من الإبل (2).
وحمل عليه إطلاق البعير في الصحيح الآخر: عن رجل كسر بيض نعام
وفي البيض فراخ قد تحرك؟ فقال: لكل فرخ تحرك بعير ينحره في
المنحر (3).
كما قيد إطلاق البيض في الأول بالمتحرك فيه الفرخ لهذا الصحيح،
مضافا إلى الاجماع عليه، كما في صريح المختلف (4) والمدارك (5) وظاهر
الغنية (6).
وبهما يقيد إطلاق ما سيأتي من الأخبار بالارسال، وإن أفتى بظاهرها
جماعة من القدماء، كالإسكافي (7) والصدوق في بعض كتبه (8)، والمفيد (9)
والمرتضى (10) والديلمي (11)، جمعا، مع ضعف إطلاقها بظهور سياق جملة منها
في المجهول حاله، وهو الفرد المتبادر، والغالب الذي ينصرف إليه إطلاق

(1) شرائع الاسلام: كتاب الحج ج 1 ص 285.
(2) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب كفارات الصيد ج 9 ح 4 ص 217.
(3) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب كفارات الصيد ج 9 ح 1 ص 216.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الحج ج 2 ص 275 س 19.
(5) مدارك الأحكام: كتاب الحج في أحكام الصيد ج 8 ص 332.
(6) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 514 س 5.
(7) مختلف الشيعة: كتاب الحج ج 2 ص 276 س 4.
(8) المقنع: باب الحج ص 78.
(9) المقنعة: كتاب الحج ب 8 2 في الكفارات ص 436.
(10) الإنتصار: كتاب الحج ص 100.
(11) المراسم: كتاب الحج ص 120.
268

البواقي، وعبارات هؤلاء القدماء، ويؤيده ما مر من تعدد نقلة الاجماع على
التقييد.
نعم عن الصدوقين التصريح بالارسال إذا تحرك وأنه إذا لم يتحرك
فعن كل بيضة شاة (1). قيل: وكأنهما استندا إلى الجمع بين أخبار الارسال
وبعض الأخبار: بأن في بيض النعامة شاءت (2).
وفيه أنه فرع الشاهد عليه، وليس مضافا إلى ما مر من انصراف
الاطلاق إلى صورة الجهل دون العلم.
نعم في بعض الأخبار والرضوي: وإذا وطئ بيض نعام ففدغها وهو محرم
وفيها فراخ تتحرك فعليه أن يرسل فحولة من البدن على الإناث بقدر عدد
البيض، فما لقح وسلم حتى ينتج فهو هدي لبيت الله الحرام، وإن لم ينتج
شيئا فليس عليه شئ (3).
لكنهما غير مكافئين لما مضى سندا وعملا واشتهارا.
فالعمل به أولى، مضافا إلى أن ظاهر هذين الخبرين الفرق بين الكسر
بالوطئ.
فما مر والإصابة والأكل فشاة، كما في صدرهما، وهو معارض
للأخبار، بل والفتاوى جملة، إلا من الصدوق في المقنع فأفتى بمضمونهما (4).
وأما أبوه فصرح بالتسوية بينهما (5)، كظاهر سائر الأصحاب. فهو شاذ.

(1) نقله عنه في مختلف الشيعة: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 275 س 5، والمقنع: باب
الحج ص 78.
(2) قاله الفاضل الهندي: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 394 س 9.
(3) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب كفارات الصيد ح 2 ج 9 ص 215، وفقه الرضا (ع): ب 31 من
الحج ص 227.
(4) المقنع: باب الحج ص 78.
(5) نقله عنه في المختلف: كتاب الحج ج 1 ص 275 س 6.
269

وما في المتن هو المشهور والمختار.
(وإن لم يتحرك) قطعا أو احتمالا (أرسل فحولة الإبل في
الإناث بعدد البيض، فما نتج كان هديا لبيت الله الحرام)
بلا خلاف إلا ممن مر، وهو مع ضعف سنده - كما عرفت - نادر، بل على
خلافه الاجماع في ظاهر الغنية (1) وصريح المدارك (2).
وهو الحجة، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة وفيها الصحاح وغيرها.
منها: من أصاب بيض نعام وهو محرم فعليه أن يرسل الفحل في مثل
عدد البيض من الإبل، فإنه ربما فسد كله، وربما خلق كله، وربما صلح
بعضه وفسد بعضه، فما نتجت الإبل فهديا بالغ الكعبة (3).
ونحوه في ظهور السياق في المجهول الخبران.
أحدهما: المرسل، ومنها: في رجل وطئ بيض نعام ففدغها وهو محرم؟
قال: قضى فيه علي - عليه السلام - أن يرسل الفحل على عدد البيض من
الإبل فما لقح وسلم حتى ينتج كان الناتج هديا باك الكعبة (4) ونحوه في
الاطلاق آخر (5).
فظاهر إطلاقهما كفاية الفحل الواحد، وعدم اعتبار تعدده، كما صرح
به جماعة (6)، معربين عن عدم خلاف فيه وإن أوهمته ظاهر العبارة،
فظاهرها اعتبار تعدد الأنثى، وأنه لا يكفي مجرد الارسال، بل يشترط

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 514 س 5.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الحج في أحكام الصيد ج 8 ص 333.
(3) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 214.
(4) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب كفارات الصيد ح 6 ج 9 ص 215.
(5) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب كفارات الصيد ح 2 ج 9 ص 216.
(6) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 346 س 10.
270

مشاهدة كل واحدة منها قد طرقت بالفحل.
ثم قد عرفت أن ظاهرها جهالة البيض، فلو علم بأن فرخها ميت لم
يلزمه شئ، للأصل السالم عن المعارض. وكذا لو كانت فاسدة أو كسرها
فخرج منها فرخ فعاش، وصرح بذلك أيضا أجمع جمع.
وليس فيها، ولا في كلام أكثر الأصحاب تعيين لمصرف هذا الهدي. وقيل: أنه مساكين الحرم، كما في مطلق جزاء الصيد (1). وقيل: بالتخيير
بين صرفه في مصالح الكعبة ومعونة الحاج كغيره من أموال الكعبة (2).
والاحتياط لا يترك.
(فإن عجز فعن كل بيضة شاة، فإن عجز فإطعام عشرة
مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام) وفاقا للأكثر، للخبر - المنجبر
بالعمل -: فن لم يجد إبلا فعليه لكل بيضة شاة، فإن لم يجد فالصدقة على
عشرة مساكين لكل مسكين مد، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام (3).
وفي الصحيح.: من كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين، فمن
لم يجد فصيام ثلاثة أيام (4).
وعكس الصدوق في المقنع والفقيه، كما قيل (5)، فجعل على من لم يجد
شاة صيام ثلاثة أيام، فإن لم يقدر أطعم عشرة مساكين.
وللخبرين (6)، وفيهما ضعف عن المقاومة، لما مر سندا واشتهارا، حتى

(1) قاله السيد السند في مداركه: كتاب الحج في أحكام الصيد ج 8 ص 334.
(2) قاله الشهيد الثاني في روضته: كتاب الحج في الصيد ج 2 ص 337.
(3) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب كفارات الصيد ح 5 ج 9 ص 215.
(4) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب كفارات الصيد ح 11 ج 9 ص 186.
(5) والقائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 394 س 14.
(6) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب كفارات الصيد ح 3 و 5 ج 9 ص 215.
271

أن في صريح المدارك الاتفاق عليه (1).
ثم إن صريح الخبر أن لكل مسكين مدا (2)، وهو نص التحرير (3)
والتذكرة (4) والمنتهى (5) والمختلف (6) والدروس (7) وغيرهم. وهو الأقوى،
وللأصل.
خلافا للمحكي عن القاضي فأطلق أن من وجب عليه شاة فلم يقدر
عليها أطعم عشرة مساكين، لكل مسكين نصف صاع (8). ومستنده غير
وا ضح.
وحكى الحلي عن المقنعة أن على من عجز عن الارسال أطعم عن كل
بيض ستين مسكينا، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يقدر صام
ثمانية عشر يوما (9)، وقد صرح الفاضل في المختلف وغيره بأنهم لم يجدوه في
نسخها، ولا حكاه الشيخ في التهذيب (10)
(الخامس: في بيض القطاة والقبج إذا تحرك الفرخ) فيه (من
صغار الغنم) كما هنا وفي الشرائع (11) وعن الجامع، لكن بزيادة

(1) مدارك الأحكام: كتاب الحج ج 8 ص 335.
(2) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب كفارات الصيد ح 5 ج 9 ص 215.
(3) تحرير الأحكام: كتاب الحج ج 1 ص 116 س 13.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 346 س 8.
(5) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 823 س 31.
(6) المختلف: كتاب الحج ج 1 ص 273.
(7) الدروس الشرعية: كتاب الحج درس 93 ج 1 ص 355.
(8) المهذب: كتاب الحج باب ما يتعلق بذلك البدنة ج 1 ص 227.
(9) السرائر: كتاب الحج ج 1 ص 565.
(10) مختلف الشيعة: كتاب الحج في الصيد ج 2 ص 273، وتحرير الأحكام: كتاب الحج ج 1
ص 116 س 3.
(11) شرائع الاسلام: كتاب الحج ج 1 ص 286.
272

الدراج (1)، كما في القواعد (2).
قيل: وبمعناه ما في الخلاف من أن في بيض القطاة بكارة من الغنم،
وذلك للمماثلة المنصوصة في الآية، وما مر من الصحيح: وإن اختص
ببيض القطاة لتشابه الثلاثة، وما يأتي من أن فيها أنفسها حملا، ففي بيضها
أولى، وعن المهذب والاصباح أن في بيضة الحجل شاة (3).
(وفي رواية) ضعيفة بالاضمار وغيره: أن (في البيضة) من القطاة
(مخاض من الغنم) أي ما من شأنه أن يكون حاملا، كما عن الحلي (4).
ففيها: عن رجل وطئ بيض قطاة فشدخه؟ قال: يرسل الفحل في عدد
البيض من الغنم، كما يرسل الفحل في عدد البيض من الإبل، ومن
أصاب بيضة فعليه مخاض من الغنم (5).
وعمل بها في النهاية (6) والمبسوط (7) والوسيلة (8) في بيض القبج والقطاة.
قيل: ويوافقها التذكرة والمنتهى والتحرير والمختلف والدروس
والارشاد، وقال الماتن في النكت: أنه شئ انفرد به الشيخ لهذه الرواية
وتأويلها بما تحرك فيه الفرخ، قال: وفي التأويل ضعف، لأنه بعيد أن
يكون في القطاة حمل، وفي الفرخ عند تحركه مخاض فيجب إطراحه لوجوه:
أحدها: أن الخبر مرسل، لأنا لا ندري المسؤول من هو وثانيها: أنه ذكر في

(1) جامع الشرائع: كتاب الحج في كفارات الصيد ص 192.
(2) قواعد الأحكام: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 1 ص 94 س 20.
(3) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 394 س 19.
(4) السرائر: كتاب الحج باب كفارات الصيد ج 1 ص 565.
(5) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 218.
(6) النهاية ونكتها: كتاب الحج ج 1 ص 488.
(7) المبسوط: كتاب الحج ج 1 ص 345.
(8) الوسيلة: كتاب الحج باب كفارات الصيد ص 169.
273

البيضة، ولعله لا يريد بيض القطاة، بل بيضة النعام، لأن الكلام مطلق،
ثم يعارضه رواية سليمان بن خالد أيضا عن أبي عبد الله - عليه السلام -،
وذكر ما أشرنا إليه من الصحيحة (1).
أقول: التعارض بينهما تعارض العموم والخصوص المطلق إن قلنا بشمول
البكار من الغنم للصغير منه، وإلا - كما في الذخيرة (2) - فلا تعارض بينهما.
وعلى التقدير الأول يجب حمل العام على الخاص والمطلق على المقيد،
لكن لما ضعف الخاص سندا ومخالفة لما مر من القياس بالطريق الأولى تعين
طرحه، أو حمله على الاستحباب، جمعا.
(وإن لم يتحرك أرسل فحولة الغنم) أو فحلا منها (في إناث) ها
(بعدد) ما كسر من (البيض، فما نتج كان هديا) للبيت، بلا خلاف في هذا
الارسال، على الظاهر المصرح به في عبائه، للمستفيضة وفيها الصحاح.
منها: عن محرم وطئ بيض قطاة فشدخه؟ قال: يرسل الفحل في عدد
البيض من الغنم، كما يرسل الفحل في عدد البيض من النعام في الإبل (3).
ولكنه كغيره خلت عن كون الهدي لبيت الله وقد ذكره الشيخ (4)
وغيره، وعن التقييد بعدم التحرك، بل هي مطلقة له ولغيره، ولذا أطلق
الارسال جماعة من قدماء الأصحاب، كالمفيد (5) والديلمي (6) والحلبيين (7).

(1) النهاية ونكتها: كتاب الحج باب ما يجب على المحرم من الكفارة ج 1 ص 488.
(2) ذخيرة المعاد: كتاب الحج ص 606 س 17.
(3) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 218.
(4) النهاية ونكتها: كتاب الحج باب ما يجب على المحرم من الكفارة ج 1 ص 489.
(5) المقنعة: كتاب الحج في كفارات الصيد ص 436.
(6) المراسم: كتاب الحج ص 120.
(7) الكافي في الفقه: كتاب الحج ص 204، والغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج في كفارات
الصيد ص 514 س 5.
274

ولكن التفصيل جامع بينهما وبين ما مر، مضافا إلى عموم التشبيه
ببيض النعام في الصحيح في بيض القطاة كفارة مثل ما في بيض النعام من
الإبل (1)، وقريب منه الصحيح المتقدم وغيره.
قيل: وقيده علي بن بابويه بتحرك الفرخ (2)، وأوجب القيمة إن لم
يتحرك، للرضوي (3). وهو كمستنده مع قصوره شاذ.
(ولو عجز) عن الارسال (كان فيه ما في بيض النعام) كما هنا
وفي الشرائع (4) وعن النهاية (5) والمبسوط (6).
وظاهر العبارة - كما صرح به الحلي في السرائر والماتن في النكت، كما
حكي (7) - أنه يجب عن كل بيضة شاة، ثم إطعام عشرة مساكين، ثم
صيام ثلاثة أيام (8).
قال الحلي: ولا يمتنع ذلك إذا قام الدليل عليه، وظاهره الفتوى به،
كما هو نص المفيد، كما حكاه عنه جماعة منهم الماتن فيما حكي.
فإنه قال: إن وجوب الشاة عن كل بيضة إذا تعذر الارسال شئ
ذكره المفيد وتابعه عليه الشيخ، ولم أنقل به رواية على الصورة، بل رواية
سليمان ين خالد في كتاب علي - عليه السلام - في بيض القطاة كفارة مثل

(1) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب كفارات الصيد ح 2 ج 9 ص 218.
(2) والقائل هو صاحب الكشف: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 394 س 29.
(3) فقه الرضا - عليه السلام -: ب 31 في الحج وما يستعمل فيه ص 228.
(4) شرائع الاسلام: كتاب الحج ج 1 ص 286.
(5) النهاية ونكتها: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 1 ص 489.
(6) المبسوط: كتاب الحج ج 1 ص 345.
(7) والحاكي هو كاشف اللثام: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 394 س 30.
(8) السرائر: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 1 ص 565، والنهاية ونكتها: كتاب الحج في
كفارات الصيد ج 1 ص 489.
275

ما في بيض النعام، وهذا فيه احتمال (1).
أقول: وكذا المرسل: يصنع في الغنم كما يصنع في بيض النعام في الإبل،
ولكنه فيه أبعد.
وعن المنتهى: عندي في ذلك تردد، فإن الشاة تجب مع تحرك الفرخ
لا غير، بل ولا يجب الشاة كاملة، بل صغيرة على ما بيناه، فكيف تجب
الشاة الكاملة مع عدم التحرك وإمكان فساده وعدم خروج الفرخ منه.
قال: والأقرب أن مقصود الشيخ مساواته لبيض النعام في وجوب
الصدقة على عشرة مساكين، والصيام ثلاثة أيام إذا لم يتمكن من
الاطعام (2). ونحوه التحرير (3) والتذكرة (4) والمختلف (5).
وفيه القطع بأنه لا يجوز المصير إلى ما ذكره الحلي.
قال: وكيف يتوهم إيجاب الأقوى وهو الشاة التي لا تجب مع المكنة
حالة العجز، فإن ذلك غير معقول.
ثم لما كان ظاهر كلام الحلي أن الأخبار وردت به.
رده بأنها لم ترد بما قاله. نعم روى سليمان بن خالد، وذكر ما في
النكت.
قال: ولكن إيجاب الكفارة كما تجب في النعام لا يقتضي المساواة في
القدر.
أقول: وعلى منهاجه سلك المتأخرون، ومرجعه إلى الاستبعاد، ومنع

(1) النهاية ونكتها: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 1 ص 489.
(2) منتهى المطلب: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 2 ص 824 س 20.
(3) تحرير الأحكام: كتاب الحج من أبواب كفارات الصيد ج 1 ص 116 س 18.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 346 س 19.
(5) المختلف: كتاب الحج ج 1 ص 275.
276

دلالة رواية سليمان.
ولا حجة في الأول بعد قيام الدليل الظاهر، سيما مع ضعفه في نفسه
بمنع كون الشاة أقوى وأشق من الارسال، بل هي أسهل على أكثر الناس،
لتوقفه على تحصيل الإناث والذكور، وتحري زمن الحمل، ومراجعته إلى
حين النتاج، وصرفه إلى الكعبة وهذه أمور تعسر على الحاج غالبا أضعاف
الشاة، كما نبه عليه شيخنا في الروضة (1)، فمنع تفسير المتأخرين للعبارة من
هذه الجهة، لكن وافقهم في المذهب.
قال: لا لذلك، بل لأن الشاة تجب أن تكون مجزية هنا بطريق أولى،
لأنها أعلى قيمة وأكثر منفعة من النتاج، فيكون كبعض أفراد الواجب
والارسال أقله، ومتى تعذر الواجب انتقل إلى بدله، وهو هنا الأمران
الأخيران، يعني الاطعام، ثم الصيام من حيث البدل العام لا الخاص،
لقصوره عن الدلالة، لأن بدليتهما عن الشاة يقتضي بدليتهما عما هو دونها
قيمة بطريق أولى.
وفيه: أنه مبني على جواز الشاة مع التمكن عن الارسال، وفيه منع مع
مخالفته في الظاهر الاجماع فتوى ونصا، ومع ذلك فبدلية الأخيرين عن
الارسال بالبدل العام يتوقف على العجز عن أفراد الواجب كلها حتى
الشاة، كما فرضه، والفرض خلافه، وهو التمكن منها.
وحينئذ، فلا يتبدل الأخيران عن الارسال أيضا ولو بالبدل العام.
وبالجملة: المفروض بدليتهما عن الارسال مع التمكن من الشاة، وما
ذكره على فرض تماميته إنما تفيد بدليتهما عنه مع العجز عنها، وهو غير محل
النزاع.

(1) الروضة البهية: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 2 ص 340.
277

ثم ما ذكره من قصور دلالة الخاص - يعني رواية سليمان تبعا
للمتأخرين - إن أراد به القصور عن الصراحة، فمسلم، لكن الظهور كاف،
وإن أراد به القصور عنه أيضا فممنوع، ولذا اعترف بالظهور في صدر عبارته
التي لم ننقله هنا.
فقال بعد نقل نحو عبارة الماتن من اللمعة: كذا أطلق الشيخ تبعا لظاهر
الرواية وتبعه الجماعة، وظاهره أن في كل بيضة شاة، فإن عجز أطعم
عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام، ثم استشكل باستبعاد
المتأخرين (1).
وفيه ما عرفته من ضعفه في نفسه، مضافا إلى ما قاله مضافا إلى
ابتنائه إلى ضعف دلالة الرواية، وتوقفها على إرادة المشابه في المقدار
والكيفية، دون ثبوت أصل الكفارة خاصة، وهو قد اعترف بظهورها في ما
عدا الثاني.
وهو كاف، إذ لا يشترط في الدلالة الصراحة، ويعضده فهم الجماعة،
ولذا أفتوا بإطلاقها، كما ذكره، مشعرا بوفاقهم واتفاقهم، إلا النادر على
ثبوت البدلين الأخيرين.
مع أنه لا حجة لهم سوى الرواية والحكم ببدليتهما هنا، تبعا للرواية
العامة ببدليتهما عن الشاة حيث تعذرت، موقوف أولا: على كون المبدل منه
الشاة، وليس كذلك، بل هو الارسال، وثانيا: على تعذرها والفرض
إمكانها، كما عرفته.
ومما ذكرنا تبين أن الحق ما عليه المفيد (2) والحلي (3) وسائر الجماعة،

(1) الروضة البهية: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 2 ص 340.
(2) المقنعة: كتاب الحج ب 28 في الكفارة عن خطأ المحرم... ص 436.
(3) السرائر: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 1 ص 565.
278

وأن قول المتأخرين ضعيف في الغاية، كالمحكي عن ابن حمزة (1)، حيث
أوجب بعد العجز عن الارسال التصدق بدرهم عن كل بيضة، لعدم وضوح
دليل عليه ولا حجة، كما صرح به جماعة.
نعم قيل: قد يكون مستنده خبر سليمان مع ما يأتي من الصحيح في
محل اشترى لمحرم بيض نعام فأكله، إن على المحل قيمة البيض لكل بيض
درهما، أو حمله على بيض الحمام، وسيأتي إن شاء الله تعالى أن فيه
درهما (2) انتهى. وهو كما ترى.
القسم (الثاني: ما لا بدل لفديته) على الخصوص (وهو) أيضا
(خمسة):
(الحمام، وهو كل طائر يهدر) أي يرجع صوته ويواصله مرددا
(ويعب الماء) قيل: أي يشرب الماء كرعا أي يضع منقاره في الماء
ويشرب وهو واضع له فيه، لا بأن يأخذ الماء بمنقاره قطرة قطرة ويبلعها بعد
إخراجه كالدجاج (3).
وتفسير الحمام بذلك قد وقع في الشرائع (4) والتحرير (5) والتذكرة (6)
والمنتهى (7) والمبسوط (8)، كما حكي (9).

(1) الوسيلة: كتاب الحج ص 169.
(2) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 4 39 س 38.
(3) القائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 395 س 9.
(4) شرائع الاسلام: كتاب الحج ج 1 ص 286.
(5) تحرير الأحكام: كتاب الحج ج 1 ص 116 س 19.
(6) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 2 ص 346 س 24.
(7) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 824 س 23.
(8) المبسوط: كتاب الحج ج 1 ص 346.
(9) والحاكي هو الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 395 س 11.
279

ولعله يوافقه ما عن الأزهري أنه قال: أخبرني عبد الملك عن الربيع عن
الشافعي أنه قال: كل ما عب وهدر فهو حمام، يدخل فيه القماري
والدباسي والفواخت، سواء كانت مطوقة، أو غيرها، ألفة، أو وحشية.
ثم قال: والعرب تسمي كل مطوق حماما (1).
وجعله المحقق الثاني أعرف بين أهل اللغة (2)، مع أن المحكي عن
أكثرهم كالصحاح وفقه اللغة للثعالبي وشمس العلوم والسامي (3) وغيرها
ما أشار إليه بقول:
(وقيل: كل مطوق) قيل: وحكاه الأزهري عن أبي عبيدة عن
الأصمعي قال: مثل القمري والفاختة وأشباههما وقال الجوهري: من نحو
الفواخت والقماري وساق حر والقطاة والوراشين وأشباه ذلك، قال: وعند
العامة أنها الدواجن فقط (4).
وعن بعضهم المراد بالطوق: الخضرة، أو الحمرة، أو السواد المحيط
بعنق الحمامة (5).
نعم التفسير الأول أعرف بين الفقهاء، إذ لم أر مفسرا بهذا قبل الماتن
أصلا وبعده أيضا إلا الشهيد في الدروس، ففسره به حتما (6)، وفي اللمعة
مرددا بينه وبين التفسير الأول، فقال: وفي الحمامة وهي المطوقة أو ما يعب
الماء (7)، وكذا الفاضل في القواعد (8).

(1) الصحاح: ج 5 ص 1906. (2) جامع المقاصد: كتاب الحج في الكفارات ج 3 ص 310.
(3) والحاكي هو الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 395 س 1.
(4) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 395 س 1.
(5) وهو الدميري ذكره في حياة الحيوان الكبرى: مادة (حمام) ج 1 ص 366.
(6) الدروس الشرعية: كتاب الحج درس 94 في تروك الاحرام ج 1 ص 356.
(7) اللمعة الدمشقية: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 2 ص 341.
(8) قواعد الأحكام: كتاب الحج ج 1 ص 94 س 23.
280

قيل: و (أو) هنا يمكن كونه للتقسيم بمعنى كون كل واحد من النوعين
حماما، وكونه للترديد، لاختلاف الفقهاء وأهل اللغة في اختيار كل منهما،
والظاهر أن التفاوت بينهما قليل أو منتف، وهو يصلح لجعل المردد كلا
منهما معرفا (1).
أقول: ويحتمل أن يكون الترديد إشارة إلى ثبوت الحكم الآتي للحمامة
بأيهما فسرت، وذلك لعدم انحصار ما دل عليه من الأخبار فيما تضمنت
لفظها خاصة، بل فيها ما تضمن لفظ الطير بقول مطلق أو الفرخ أو البيض
كذلك.
وجميع هذه يعم الحمامة بالتفسيرين، فلا يحتاج هنا إلى الدقة في تعيين
أحدهما، ولا تعارض بين الأخبار ليحتاج إلى حمل مطلقها على مقيدها،
والحمد لله.
وعلى كل تقدير، فلا بد من إخراج القطاة - قيل: والحجل - من
التعريف لأن لهما كفارة معينة غير كفارة الحمام مع مشاركتهما له في
التعريف (2) كما صرح به جماعة (3).
(ويلزم المحرم) ولو في الحل (في قتل) الحمامة (الواحدة شاة)
بلا خلاف، إلا من نادر، وفي المنتهى (4) وعن الخلاف (5) والتذكرة (6)
الاجماع.

(1) والقائل هو الشهيد الثاني في الروضة البهية: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 2 ص 342.
(2) قاله الشهيد الثاني في مسالكه: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 136 س 30.
(3) جامع المقاصد: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 3 ص 310، وكشف اللثام: كتاب الحج في
كفارات الاحرام ج 1 ص 395 س 16.
(4) منتهى المطلب: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 2 ص 824 س 25.
(5) الخلاف: كتاب الحج م 287 ج 2 ص 411.
(6) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 346 س 26.
281

(وفي فرخها حمل) بالتحريك، من أولاد الضأن ما له أربعة أشهر
فصاعدا، على ما ذكره جماعة من الفقهاء (1)، ولكن الموجود في كلام بعض
أهل اللغة أنه الخروف إذا بلغ ستة أشهر 2). والأخذ به أحوط.
(وفي بيضها درهم) إذا لم يتحرك فيه الفرخ، وإلا فحمل، لما مر،
وللصحيح: عن رجل كسر بيض الحمام وفي البيض فراخ قد تحرك؟ قال:
عليه أن يتصدق عن كل فرخ قد تحرك بشاة، ويتصدق بلحومها إن كان
محرما، وإن كان الفراخ لم يتحرك تصدق بقيمته ورقا يشتري به علفا
يطرحه لحمام الحرم (3).
وعليه ينزل إطلاق الصحيح الآخر: عن غلام كسر بيضتين في الحرم
فقال: جديين أو حملين (4)، من جهتي شموله المحرم وغيره، والمتحرك من
البيض وغيره، بتقييد إطلاقيه بالأولين من القسمين، جمعا بينه وبين سابقه
وغيره، كما يقيد إطلاق الشاة في سابقه على الحمل جمعا وظاهر الأخير جواز
الجدي بدله.
وهو الأصح وفاقا لجمع لذلك، مضافا إلى الصحيح الآخر: في محرم
ذبح طيرا إن عليه دم شاة يهريقه، فإن كان فرخا فجدي أو حمل صغير من
الضأن (5).
(وعلى المحل) في الحرم (فيها) أي في قتل الواحدة من الحمام

(1) مدارك الأحكام: كتاب الحج في أحكام الصيد ج 8 ص 339، وذخيرة المعاد: كتاب الحج في
الكفارات ص 607 س 12، والحدائق الناظرة: كتاب الحج في الكفارات ج 15 ص 222.
(2) الصحاح مادة " خرف " ج 4 ص 1348.
(3) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 219.
(4) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب كفارات الصيد ح 2 ج 9 ص 219.
(5) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب كفارات الصيد ح 6 ج 9 ص 194.
282

(درهم، وفي فرخها نصف درهم، وفي بيضها) إذا لم يتحرك (ربع
درهم) وإلا فنصفه.
(ولو كان) الجاني على أحد هذه الثلاثة (محرما في الحرم اجتمع
عليه الأمران) فيجب عليه شاة ودرهم في الأول، وحمل ونصف درهم في
الثاني، ودرهم وربعه في الثالث، كل ذلك على المشهور، ولا سيما بين
المتأخرين.
والأصل فيها - زيادة على ما مر الصحيح: في المحرم إذا أصاب حمامة
ففيها شاة، وإن قتل فراخه ففيها حمل، وإن وطئ البيض فعليه درهم (1).
والصحيح: في الحمام درهم، وفي الفرخ نصف درهم، وفي البيضة
ربع درهم (2). ونحوه غيره (3).
ويقيدان بنحو الصحيح: من أصاب طيرا في الحرم وهو محل فعليه
القيمة، والقيمة درهم يشتري علفا لحمام الحرم (4).
والصحيح: عن فرخين مسرولين ذبحتهما وأنا بمكة محل - إلى أن قال: -
فقال: تصدق بثمنها، فقلت: فكم ثمنها؟ فقال: درهم خير من ثمنها ().
وظاهرهما كغيرهما وجوب التصدق بالقيمة، سواء زادت عن الدرهم،
أو نقصت، وأن سبب التنصيص على الدرهم كونه قيمة وقت السؤال.
ويؤيده الأخبار الكثيرة الآمرة بالقيمة على الاطلاق، كما في

(1) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 193.
(2) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب كفارات الصيد ح 5 ج 9 ص 196.
(3) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 195.
(4) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب كفارات الصيد ح 3 ج 9 ص 196.
(5) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب كفارات الصيد ح 7 ج 9 ص 196.
283

بعضها (1)، وبالثمن، كما في آخر (2)، وبمثله في ثالث (3)، وبأفضل منه في
رابع (4)، وبدرهم وشبهه في خامس (5).
والأحوط وجوب أكثر الأمرين من الدرهم ومن القيمة السوقية، وفاقا
للمنتهى (6) والتذكرة (7)، وإن كان في تعينه في وجوب الزائد نظر،
لاطلاق الأصحاب وجوب الدرهم، من غير التفات إلى القيمة السوقية.
ولعله لظهور أن تقويم الحمامة فيما مر من الأخبار ليس لأنه قيمتها
السوقية يومئذ، لبعد اتفاق تقويم الحمامة بجميع أنواعها وأصنافها وأفرادها به
عند جميع المقومين لها ولو بمكة خاصة وفي جميع أعصار الأئمة - عليهم السلام -
التي صدرت عنهم الأخبار، بل الظاهر أن تقويمها بذلك إنما هو تقويم شرعي
ليضبط المدار.
ويشهد لذلك سؤال بعض الرواة عن قيمة الحمامة وقدرها عنهم،
وجوابهم - عليهم السلام - له بذلك المقدار، ولو كان المراد القيمة السوقية لما
كان للسؤال عنهم - عليهم السلام - وجه ولا لجوابهم. فتأمل جدا.
وأما اجتماع الأمرين على المحرم في الحرم فلأصالة عدم تداخل
الأسباب، مضافا إلى خصوص المعتبرة المستفيضة.
منها الصحيح: إن قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة، وثمن الحمامة
درهم أو شبهه يتصدق به أو يطعم حمامة مكة، فإن قتلها في الحرم وليس

(1) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب كفارات الصيد ج 9 ص 195.
(2) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب كفارات الصيد ج 9 ص 195.
(3) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب كفارات الصيد ح 4 ج 9 ص 198.
(4) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب كفارات الصيد ح 5 ج 9 ص 193.
(5) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب كفارات الصيد ح 3 ج 9 ص 198.
(6) منتهى المطلب: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 2 ص 825 س 5.
(7) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 1 ص 346 س 34.
284

بمحرم فعليه ثمنها (1). وسيأتي تتمة الكلام في المسألة.
(ويستوي فيه) أي فيما على المحل من الدرهم ونصفه وربعه إذا جنى
في الحرم، كما صرح به في الشرائع (2) والفاضل في التحرير (3) والقواعد (4)
وغيرهما (الأهلي) أي المملوك من الحمام إن صح فرضه (وحمام
الحرم) الغير المملوكة في حرمة الجناية عليهما، ولزوم القيمة بها ومقدارها بغير
خلاف، على الظاهر المصرح به في عبائر، وفي المنتهى لا نعرف فيه خلافا
إلا من داود، حيث قال: لا جزاء في صيد الحرم (5)، والصحاح به مع
ذلك مستفيضة. فلا شبهة في الاستواء المزبور.
(غير أن حمام الحرم يشترى بقيمته علفا لحمامه) ويتصدق بقيمة
غيره، كما في الصحيح وغيره، وفيه الأمر بشراء القمح أي الحنطة.
وظاهره الوجوه، إلا أنه محمول على الفضل، للأصل، وضعف
السند (6)، بل الأصح - وفاقا لجمع - جواز التصدق بقيمة حمام الحرم أيضا
مخيرا بينه وبين العلف، لجملة من النصوص.
منها الصحيح: إن قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة، وثمن الحمامة
درهم أو شبهه يتصدق به أو يطعمه حمامة مكة، فإن قتلها في الحرم وليس
بمحرم فعليه ثمنها (7).

(1) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب كفارات الصيد ح 3 ج 9 ص 198.
(2) شرائع الاسلام: كتاب الحج ج 1 ص 286.
(3) تحرير الأحكام: كتاب الحج ج 1 ص 116 س 22.
(4) قواعد الأحكام: كتاب الحج ج 1 ص 95 س 6.
(5) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 824 س 33.
(6) لوقوع سهل بن زياد في طريقها، وضعفه معروف.
(7) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب كفارات الصيد ح 3 ج 9 ص 198.
285

ثم أنه لا ريب في الاستواء في ذلك مع إذن المالك في الاتلاف أو
كان المتلف هو المالك. أما لو كان غيرهما ففي ثبوت الاستواء أيضا
فلا تجب إلا الفداء، أو الفرق بوجوبه مع ضمان القيمة للمالك كما أفتى
به شيخنا في المسالك (1) إشكال، من الأصول، وإطلاق الفتاوى،
والنصوص بخصوص الفداء دون غيره. والاحتياط واضح.
وهل يختص الاستواء المزبور بالمحل، أم يعمه والمحرم حتى لو قتل المحرم
الحمام الأهلي في الحرم لم يكن عليه غير القيمة على الثاني ومع الفداء على
الأول؟ إشكال، من إطلاق النص والفتوى باجتماع الأمرين، إذ جنى
على الحمامة في الحرم، من غير فرق بين الأهلي منها أو الحرمي، ومن أن
ظاهر تعليلهم الاجتماع المزبور بهتكه حرمة الحرم والاحرام، فيلزمه الأمران
كل بسببه.
وهذا إنما يتوجه في الحرمي خاصة لكونه صيدا منع عنه المحرم. وأما
الأهلي منها فلا منع فيها إلا من جهة الحرم، لأن من دخله كان آمنا، ولم
أر من الأصحاب من تعرض لهذا الفرض، فضلا عن الحكم فيه بأحد
الطرفين، أو التوقف فيه والاشكال.
والأقرب من وجهي الاشكال الأول، لقوة دليله، مضافا إلى التصريح:
في حمامة الطير الأهلي من غير حمام الحرم من ذبح طيرا منه وهو غير محرم فعليه
أن يتصدق بصدقة أفضل من ثمنه فإن كان محرما فشاة عن كل طير (2)
وهو كما ترى صريح في الفرق بين المحرم والمحل في الحمام الأهلي إذا
قتلاه في الحرم، لا يجابه الشاة فيه على الأول، والقيمة على الثاني.
نعم ظاهره عدم وجوب القيمة على المحرم، إلا أن سبيله سبيل كثير من

(1) مسالك الأفهام: كتاب الحج ج 1 ص 137 س 7.
(2) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب كفارات الصيد ح 5 ج 9 ص 193.
286

الأخبار الواردة بلزوم الشاة عليه إذا قتلها في الحرم، من غير ذكر القيمة.
وذكر الأصحاب أن إيجاب الشاة لهتك حرمة الحرم، ولا ينافيه وجوب
القيمة أيضا، لهتك حرمة الحرم. وهو حسن.
وبالجملة: فما ذكرناه أظهر، ومع ذلك أحوط.
ويمكن استفادته من العبارة بجعل الضمير المجرور في (فيه) الأحكام
المذكورة بقوله: (وعلى المحل) إلى آخره. ومنها: اجتماع الأمرين على المحرم
في الحرم، فإن مقتضاه حينئذ أنه يستوي في هذا الحكم أيضا الأهلي
والحرمي، فأيهما قتل المحرم اجتمع عليه الأمران.
(وفي) قتل (القطاة حمل قد فطم) من اللبن (ورعى) من
(الشجر) كما في الصحيح (1) وغيره.
(وكذا في) قتل (الدراج وشبههما) من الحجل وغيره بلا خلاف
في شئ من ذلك على الظاهر المصرح به في عبائر، وهو الحجة فيها
لا الخبران لاختصاصهما بالأول.
(و) لا ما (في رواية) أخرى ثالثة وإن تضمنت الثلاثة
ونظيرهن، لأن المذكور فيها (دم) وهو أعم من المدعى، إلا أن يقيد به،
أو يحمل على الاستحباب.
واعلم أن الحمل قريب من صغير الغنم في فرخها، كما اخترناه.
ثم ولا بعد في تساوي الصغير والكبير في الفداء.
ويشكل على القول بوجوب المخاض هناك، إلا أن يدفع بابتناء شرعنا
على اختلاف المتفقات واتفاق المختلفات، فجاز أن يثبت في الصغير زيادة
على الكبير. ولا مانع من المصير إليه بعد الثبوت، كما هو الفرض، وهذا

(1) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 190.
287

أولى من دفعه بحمل المخاض، ثم على بنت المخاض، أو على أن فيها هنا
مخاضا بطريق أولى، لمخالفتها الاجماع على الظاهر المصرح به في الروضة (1)
والمسالك (2).
(وفي) قتل (الضب جدي، وكذا في القنفذ واليربوع) على
الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، للحسن.
وفيه: والجدي خير منه، وإنما جعل هذا لكي ينكل عن فعل غيره من
الصيد (3).
خلافا للمحكي عن الحلبيين فأوجبوا فيها حملا (4)، وفي الغنية
الاجماع (5).
والأول أظهر ومورد المتن والأكثر الثلاثة خاصة، تبعا لمورد النص.
وألحق بها المرتضى (6) والشيخان (7) وبنو إدريس (8) وحمزة (9) وغيرهم
- كما حكي - أشباهها. ومستندهم غير واضح.
وربما نظروا إلى التعليل في النص، وأنه إذا ثبت به أن في مثل هذه

(1) الروضة البهية: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 2 ص 345.
(2) مسالك الأفهام: كتاب الحج ج 1 ص 137 س 11.
(3) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 191.
(4) والحاكي هو الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 395 س 41.
(5) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 514 س 10.
(6) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الحج في ما يلزم المحرم عن جنايته من كفارة ج 3
ص 71.
(7) المفيد في المقنعة: كتاب الحج في كفارات الصيد ص 435، والمبسوط: كتاب الحج ج 1
ص 340.
(8) السرائر: كتاب الحج ج 1 ص 558.
(9) الوسيلة: كتاب الحج في كفارات الحج ص 168.
288

الثلاثة جدي، بل هو خير منه ثبت ذلك فيما أشبهه. ولا يخلو من وجه
ولذا مال إليه من المتأخرين المحقق الثاني في شرح القواعد، بل أفتى به
صريحا (1).
(وفي العصفور مد من طعام، وكذا في القبرة) بضم القاف ثم
الباء المشددة من غير نون بينهما (والصعوة) قيل: هو عصفور له ذنب
طويل يرمح به (2)، وفاقا للأكثر، للمرسل كالصحيح (3).
خلافا للصدوقين فأوجبا لكل طائر عدا النعامة شاة (4)، للصحيح: في محرم ذبح
طيرا إن عليه دم شاة يهريقه وإن كان فرخا فجدي أو حمل صغير من الضأن (5).
وفيه أنه لا عموم فيه لغة، وإنما غايته الاطلاق الغير المنصرف بحكم
التبادر إلى محل البحث.
ولو سلم، فغايته العموم وما مر خاص، فليقدم عليه لاعتبار سنده،
مضافا إلى اعتضاده أو انجباره بعمل الأصحاب.
وللإسكافي (6) فأوجب القيمة وفي الحرم قيمتين، للمرسل. وضعف
سنده يمنع عن العمل به، سيما في مقابلة ما مر من الخبر المنجبر بعمل
الأكثر، مع اعتباره في نفسه، كما مر.
(وفي) قتل (الجرادة) الوادة (كف من طعام) كما في الصحيح

(1) جامع المقاصد: كتاب الحج في كفارات الحج ج 3 ص 312.
(2) قاله السيد السند في مداركه: كتاب الحج في أحكام الصيد ج 8 ص 347.
(3) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 191.
(4) كما في مختلف الشيعة: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 273 س 36، والمقنع: باب
الحج ص 78.
(5) وسائل الشيعة: باب 9 من أبواب كفارات الصيد ح 6 ج 9 ص 194.
(6) مختلف الشيعة: كتاب الحج ج 1 ص 274 س 1.
289

وغيره، وفاقا للمحكي عن المقنعة (1) والغنية (2) وجمل العلم (3)
والمراسم (4)، وفي الصحاح: عليه تمرة، وتمرة خير من جرادة (5)، كما عن
الفقيه (6) والمقنع (7) والنهاية (8) والخلاف (9) والمهذب (10) والنزهة (11)
والجامع (12) ووالد الصدوق (13) والسرائر (14) وكفارات المقنعة (15) وللتخيير
بينهما وجه، كما عليه الشهيدان (16) وغيرهما من المتأخرين، وفاقا للمحكي
عن المبسوط (17) والتهذيب (18) والتحرير (19) والتذكرة (20) والمنتهى (21)، إلا

(1) المقنعة: كتاب الحج ص 438.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 514 س 9.
(3) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الحج ج 3 ص 72.
(4) المراسم: كتاب الحج ص 122.
(5) وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب كفارات الصيد ج 9 ص 231.
(6) من لا يحضره الفقيه: باب ما يجب على المحرم في... ح 2731 ج 2 ص 371.
(7) المقنع: كتاب الحج ص 79 س 8.
(8) النهاية ونكتها: كتاب الحج ج 1 ص 492.
(9) الخلاف: كتاب الحج م 294 ج 1 ص 414.
(10) المهذب: كتاب الحج ج 1 ص 227.
(11) نزهة الناظر: في مواضع تجب فيها الشاة ص 65.
(12) جامع الشرائع: في الحج ص 193 س 7.
(13) كما في كشف اللثام: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 396 س 10.
(14) السرائر: كتاب الحج ج 1 ص 566.
(15) المقنعة: كتاب الحج ب 28 في الكفارة عن خطأ المحرم و... ص 438.
(16) الدروس الشرعية: كتاب الحج ج 1 ص 457. ومسالك الأفهام: كتاب الحج ج 1 ص 137 س 28.
(17) المبسوط: كتاب الحج ج 1 ص 348.
(18) تهذيب الأحكام: كتاب الحج ح 173 ج 5 ص 363.
(19) تحرير الأحكام: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 116 س 30.
(20) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 347 س 14.
(21) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 826 س 22.
290

أن الأوجه الثاني. وأحوط منه الجمع بين الأمرين، وفي رواية دم، لكن
موردها الإصابة والأكل.
وحكي القول به حينئذ عن الإسكافي (1) ووالد الصدوق (2) والشيخ
في النهاية (3) والخلاف (4)، لكن قيده الأول بالعمد، دون الأخيرين
فأطلقاه. ولا بأس به لولا ضعف السند، وإن مال إلى العمل بمضمونها في
موردها بعض متأخري المتأخرين (5)، وفاقا للمحكي عن والد الصدوق،
ولا بأس به لو صح السند.
(وكذا) يجب كف من طعام (في القملة يلقيها من جسده) وفاقا
لمن مر في الجرادة غير الديلمي فلم يحك هنا عنه شيئا، وذكر بدله في
الحكاية المهذب بزيادة قوله: أو يقتلها (6)، كما عليه المحقق الثاني (7)
والشهيد الثاني أيضا (8) قالا: بطريق أولى.
والأصل في المسألة الصحيحان: عن المحرم ينزع القملة عن جسده
فيلقيها؟ قال: يطعم مكانها طعاما (9).
وإطلاق الطعام فيهما مقدر بما في المتن، للحسنين المقدرين له بقبضة
بيده، كما في أحدهما (10)، وبكف واحد، كما في الثاني (11).

(1) المختلف: كتاب الحج ج 1 ص 274.
(2) نفله عنه في مختلف الشيعة: كتاب الحج ج 2 ص 274 س 4.
(3) النهاية ونكتها: كتاب الحج ج 1 ص 492. (4) الخلاف: كتاب الحج م 294 ج 1 ص 414.
(5) وهو الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 396 س 16.
(6) المهذب: كتاب الحج ج 1 ص 226. (7) جامع المقاصد: كتاب الحج ج 3 ص 313.
(8) الدروس الشرعية: كتاب الحج درس 54 في تروك الاحرام ج 1 ص 358.
(9) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 1 و 2 ج 9 ص 297.
(10) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 3 ج 9 ص 297.
(11) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 4 ج 9 ص 297.
291

وبإزاء هذه الأخبار أخبار أخر مستفيضة أيضا النافية للكفارة فيها بقول
مطلق (1)، بل في بعضها الترخيص لالقائها (2)، لكن أكثرها قاصرة السند
ضعيفة التكافؤ هي والصحيح منها لما مضى، فلتطرح، أو تحمل على محامل
ذكره الشيخ في الكتابين (3)، وأجود منها حمل هذه على التقية، كما ذكره
بعض المعاصرين - رحمه الله -.
قال: فإنه مذهب جملة من العامة، ونقل ذلك في المنتهى والتذكرة عن
مالك في إحدى الروايتين وسعيد بن جبير وابن طاووس وأبي ثور وابن المنذر
وأصحاب الرأي، وقول مالك في الرواية الأخرى أنه يتصدق بما أمكن من
قليل أو كثير، ولم ينقل القول بكف من طعام - كما هو المروي في الروايات
الأول - إلا عن عطاء خاصة (4) انتهى. وهو حسن.
ومنه يظهر ضعف الجمع بينهما بحمل الأولة على الاستحباب، إذ هو فرع
التكافؤ المفقود هنا بوجوه شتى عرفتها.
(وكذا قيل: في قتل العظاية) كف من طعام، والقائل الصدوق
في الفقيه (5) والمقنع (6) والشيخ (7)، وتبعهما الفاضل في المختلف (8) والشهيد

(1) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 5 و 7 و 8 ج 9 ص 297 و 298.
(2) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 6 ج 9 ص 298.
(3) تهذيب الأحكام: ب 25 في الكفارة عن خطأ المحرم و... ج 5 ص 338 ذيل الحديث 79،
والاستبصار: كتاب الحج ب 123 من ألقى القمل من الجسد ج 2 ص 197 ذيل الحديث 6.
(4) وهو المحدث البحراني ذكره في حدائقه: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 15 ص 250.
(5) من لا يحضره الفقيه: كتاب الحج باب ما يجب على المحرم في أنواع ما يصب من الصيد ج 2
ص 372.
(6) المقنع: كتاب الحج ص 79.
(7) تهذيب الأحكام: ب 25 في الكفارة عن الخطأ المحرم و... ج 5 ص 344.
(8) مختلف الشيعة: كتاب الحج ج 1 ص 274 س 22.
292

في الدروس (1) وغيرهما من المتأخرين، للصحيح: محرم قتل عظاية؟ قال:
عليه كف من طعام (2)..
خلافا للمحكي في المختلف عن الإسكافي فخير بينه وبين كف من
تمر (3). ولا وجه له، كما لا وجه لتمريض المتن القول الأول، لنسبته إلى
القيل المشعر بالتمريض بعد ورود النص الصحيح، ولا لعدم ذكر كثير من
الأصحاب ممن تعرض لما سبق له بالكلية.
(ولو كان الجراد كثيرا) فقتلها جملة (ف‍) عليه (دم شاة)
بلا خلاف يعتد به، إلا ما عن المفيد في كفارات المقنعة من التكفير فيه بمد
من تمر (4). وهو نادر، مع قوله فيها هنا بما في المتن، وعليه الاجماع عن
الخلاف (5).
للصحيح: عن محرم قتل جرادة؟ قال: كف من طعام، وإن كان أكثر
فعليه دم شاة (6).
وظاهره أن المراد بالكثرة الزيادة على الوحدة، ولكنه خلاف ظاهر
الأصحاب، بل صريح جملة منهم الشهيد الثاني (7) والمحقق الثاني (8) فقالا:
إن المرجع في الكثرة إلى العرف، ويحتمل اللغة فتكون الثلاثة كثيرا،

(1) الدروس الشرعية: كتاب الحج درس 94 ج 1 ص 358.
(2) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب كفارات الصيد ح 3 ج 9 ص 192.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الحج ج 1 ص 274 س 22.
(4) المقنعة: كتاب الحج ب 28 في الكفارات ص 438.
(5) الخلاف: كتاب الحج م 294 ج 1 ص 414.
(6) وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب الكفارات ح 6 ج 9 ص 233.
(7) مسالك الأفهام: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 1 ص 137 س 28.
(8) جامع المقاصد: كتاب الحج ج 3 ص 313.
293

ويجب لما دونه في كل واحدة تمرة أو كف.
وهو حسن، للأصل، واختلاف نسخة الصحيح فنسخة بذا في كتابي
الحديث، وأخرى بما يوافق المتن في الكافي (1)، لكنه مروي فيه سند فيه
سهل، إلا أن ضعفه سهل، ومع ذلك منجبر بالموافقة، للأصل وفتوى
الأصحاب.
مع أن في كتابي الحديث نسخة ثالثة تحتمل التوفيق مع ما في المتن في
محل البحث، وهو فيهما بتبديل جرادة بجراد أكثر، ولا يستلزم الأكثر منه
ثبوت الدم فيما زاد على الواحدة، بل فيما زاد على الكثير.
وكيف كان، فالعمدة الاجماع المنقول، والصحيح بنسخة الكافي،
لاضبطيته، وانطباقها بفتوى الأصحاب.
ثم إن هذا مع إمكان التحرز (ولو لم يمكن التحرز منه) بأن كان
على الطريق بحيث لا يمكن التحرز منه إلا بمشقة كثيرة لا تتحمل عادة،
لا الامكان الحقيقي (فلا إثم ولا كفارة) بغير خلاف ظاهر للصحاح
الصراح.
واعلم أن نفي البدل عن هذه الخمس الكفارات إنما هو على الخصوص،
وإلا فالعموم ثابت لها أجمع مع العجز عنها فما عدا الشاة منها بالتوبة
والاستغفار وفيها بإطعام عشرة مساكين أو صيام ثلاثة أيام، كما يأتي إن
شاء الله تعالى.
واعلم أن ما لا تقدير لفديته فقيمته بلا خلاف على الظاهر المصرح به
في جملة من العبائر مستفيضا، حتى زاد بعضهم فقال: لا خلاف فيه بين
العلماء، لتحقق الضمان الموجب لذلك عليه (2).

(1) الكافي: كتاب الحج ح 3 ج 4 ص 393.
(2) وهو السيد السند في مداركه: كتاب الحج في أحكام الصيد ج 8 ص 350.
294

فالصحيح في الظبي شاة وفي البقرة بقرة وفي الحمار بدنة وفي النعام بدنة
وفيما سوى ذلك قيمته (1).
والمعتبر القيمة السوقية بتقويم عدلين عارفين وإن كان الجاني أحدهما إذا
كان مخطئا أو تاب، كما صرح به جماعة من الأصحاب (2).
وقول الشيخ بأن في البطة والاوزة والكركي شاة (3)، شاذ غير واضح
المستند، إلا الصحيح في كل طير (4)، كما عليه والد الصدوق (5) وتبعه
جماعة من الأصحاب فيما لا نص فيه بالخصوص، ولا بأس به.
ويخص به عموم الصحيح السابق، مع قوة احتمال اختصاصه بحكم
السياق بغير الطير، إلا أنه لا خصوصية له بهذه الثلاثة المذكورة في كلام
الشيخ، فإن أرادها فلا ريب في ضعفه.
(وأسباب الضمان) ثلاثة:
(إما المباشرة) للاتلاف (وإما إمساك) للصيد وإثبات اليد عليه
(وإما تسبيب) للاتلاف، وفي جملة من كتب الفاضل أنها أمران
المباشرة والتسبيب (6)، ونص في جملة منها على دخول اليد في التسبيب (7)،

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب كفارات الصيد ح 2 ج 9 ص 181.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الحج في أحكام الصيد ج 8 ص 350.
(3) المبسوط: كتاب الحج ج 1 ص 346.
(4) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب كفارات الصيد ح 6 ج 9 ص 194.
(5) المقنع: باب الحج ص 79.
(6) منتهى المطلب: كتاب الحج في أسباب الضمان ج 2 ص 827 و 830 س 25 و 5، وتذكرة
الفقهاء: كتاب الحج في أسباب الضمان ج 1 ص 347 و 349 س 34 و 9، وتحرير الأحكام:
كتاب الحج في أسباب الضمان ج 1 ص 117 س 17.
(7) منتهى المطلب: كتاب الحج في أسباب الضمان ج 2 ص 830 س 18. وتذكرة الفقهاء: كتاب
الحج في أسباب الضمان ج 1 ص 350 س 35.
295

وفيه توسع فإنه أعم مما يستند إليه التلف.
(أما المباشرة فمن قتل صيدا ضمنه) بالقيمة أو الفداء على حسب
ما مضى (ولو) قتله ثم (أكله) جميعا (أو شيئا منه لزمه فداء آخر)
وفاقا للنهاية (1) والمبسوط (2) والسرائر (3) والاصباح (4) والتذكرة (5)
والمنتهى (6) والمختلف (7) وعليه الشهيدان في الدروس (8) والمسالك (9)
والمحقق الثاني (10).
وبالجملة الأكثر، لأن كلا منهما سبب له. أما القتل فبالكتاب والسنة
والاجماع، كما مر.
وأما الأكل صحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
منها - زيادة على الصحاح والموثقات وغيره الآتية في مسألة اضطرار المحرم
إلى الميتة والصيد أنه يأكله ويفديه، والصحيح الآتي في مسألة ما لو اشترى
محل لمحرم بيض نعام فأكله أن على المحرم الفداء - عموم الصحيح: من أكل
طعاما لا ينبغي أكله وهو محرم متعمدا فعليه دم شاة (11).

(1) النهاية ونكتها: كتاب الحج باب ما يجب على المحرم من الكفارة ج 1 ص 486.
(2) المبسوط: كتاب الحج ج 1 ص 342.
(3) السرائر: كتاب الحج باب ما يلزم المحرم عن جناياته ج 1 ص 564.
(4) كما في كشف اللثام: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 397 س 34.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج ج 1 ص 347 س 35.
(6) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 827 س 25.
(7) مختلف الشيعة: كتاب الحج ج 2 ص 278 س 13.
(8) الدروس الشرعية: كتاب الحج ج 1 ص 359.
(9) مسالك الأفهام: كتاب الحج ج 1 ص 139 س 36.
(10) جامع المقاصد: كتاب الحج ج 3 ص 321.
(11) وسائل الشيعة: ب 8 و 10 من أبواب بقية كفارات الاحرام ج 9 ص 289 و 291.
296

وخصوص آخر: عن قوم اشتروا ظبيا فأكلوا منه جميعا وهم حرم؟
فقال: على كل من أكل منهم فداء صيد، وعلى كل إنسان منهم على حدة
فداء صيد كامل (1).
والخبر: قلت لأبي عبد الله - عليه السلام -: صيد أكله قوم محرمون؟ قال:
عليهم شاة، وليس على الذي ذبحه إلا شاة (2). وقريب منهما آخر (3).
والاستدلال بهذه الأخبار ليس من جهة دلالتها عك تضاعف الفداء،
بل على لزومه بالأكل، وإنما التضاعف أتى من قبل الجمع بينهما وبين ما مر
من الأدلة على استلزام الأكل الفداء أيضا، بناء على اقتضاء تعدد
الأسباب تعدد المسببات، فإن الأصل عدم التداخل.
ويعضده - زيادة على الأصل - ما سيأتي من الأخبار في مسألة ما لو
ضرب طير على الأرض فقتله لزمه ثلاث قيم، بل بعضها ربما يكون دليلا في
المسألة من تضاعف الفداء، كمرسلة ابن أبي عمير كالصحيحة قلت له
- عليه السلام -: يصيد الصيد فيفديه أيطعمه أو يطرحه؟ قال: إذا يكون عليه
فداء آخر، قلت: فما يصنع به؟ قال: يفديه (4).
نعم في الصحيح: عن قوم أصابوا فراخ نعام فذبحوها وأكلوها؟ فقال:
عليهم مكان كل فرخ أصابوه وأكلوه بدنة (5).
وظاهره التداخل والاكتفاء بالبدنة، لكنه شاذ غير معلوم القائل، كما

(1) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الكفارات ح 2 ج 9 ص 209.
(2) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الكفارات ح 8 ج 9 ص 211.
(3) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الكفارات ح 5 ج 9 ص 210.
(4) وسائل الشيعة: ب 55 من أبواب كفارات الصيد ح 2 ج 9 ص 250، وفيه: (يدفنه) بدل
(يفديه).
(5) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب كفارات الصيد ح 4 ج 9 ص 210.
297

صرح به بعض الأصحاب (1).
وظاهر المحكي عن المنتهى الاجماع على خلافه (2)، وهو كذلك، فإن
الأصحاب ما بين قائلين بما مر في المتن، وبوجوب القيمة بالأكل دون
الفداء مع ثبوته بالقتل أيضا، كما عن الخلاف (3)، وتبعه الماتن في
الشرائع (4) والفاضل في القواعد (5) والارشاد (6).
استنادا إلى الأصل، والموثق: أي قوم اجتمعوا على صيد فأكلوا منه فإن
على كل إنسان منهم قيمة، فإن اجتمعوا في صيد فعليهم مثل ذلك (7).
وفيه نظر، لوجوب تخصيص الأول بما مر، وإن كان بينهما عموم
وخصوص مطلق، وإلا فقد يوافق المختار الأصل بأن يزيد القيمة عن
الشاة، لامكانه وإن بعد، وقصور سند الثاني وضعفه عن المقاومة لأدلة
المختار من وجوه منها ضعف الدلالة، باحتمال أن يكون المراد من القيمة
فيه الفداء، كما أريد منها في آخره.
ويعضده أنه مروي بطريق صحيح هكذا: إذا اجتمع قوم محرمون على
صيد في صيده أو أكلوا منه فعلى كل واحد منهم قيمة.
والمراد بالقيمة فيه بالإضافة إلى القتل الفداء قطعا، فكذا بالإضافة إلى
الأكل، كما هو واضح.

(1) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 398 س 4.
(2) منتهى المطلب: كتاب الحج ج 2 ص 827 س 24.
(3) الخلاف: كتاب الحج م 274 ج 2 ص 405.
(4) شرائع الاسلام: كتاب الحج ج 1 ص 288.
(5) قواعد الأحكام: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 1 ص 95 س 23.
(6) إرشاد الأذهان: كتاب الحج ج 1 ص 321.
(7) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب كفارات الصيد ح 3 ج 9 ص 209.
298

والفرق بينه وبين الموثق تأدية الجزاء في الصيد والأكل هنا بلفظ
الفداء، ولا كذلك الموثق، لذكر الفداء في خصوص الصيد بلفظه، وفي
الأكل بالإشارة بلفظة مثل ذلك، المحتملة لإرادة المماثلة في نفس الجزاء
لا خصوص الفداء.
فيحتمل حينئذ إرادة القيمة، وهو وإن بعد أيضا، فإن الظاهر من
المماثلة ثبوتها في الأمرين، إلا أنها ليست نصا فيه، بخلاف الصحيح فإنه
نص فيه، وبعد ضمه إلى الموثق يجعله كالنص، فإن أخبارهم
عليهم السلام - سيما مع اتحاد الراوي والمروي عنه، كما هنا - يكشف بعض
عن بعض.
وحينئذ، فسبيل هذين الخبرين سبيل الأخبار المتقدمة للمختار بلزوم
الفداء بالأكل وهي لنا لا علينا، وكذلك الصحيحة السابقة بالتداخل فهي
وإن دلت عليه بالمتن المتقدم، إلا أنه مروي في الفقيه - كما قيل - بمتن آخر،
وهو هذا: في قوم حاج محرمين أصابوا أفراخ نعام فأكلوا جميعا؟ فقال: عليهم
مكان كل فرخ أكلوه بدنة يشتركون فيها، فيشترونها على عدد الفراخ وعدد
الرجال (1).
وهو كما ترى ليس فيه ذكر ذبحوها، وإنما فيه أكلوها خاصة، فتكون
من أخبار المسألة دليلا للمختار، كالأخبار السابقة.
وأما الصحيح: أهدي لنا طائر مذبوح بمكة فأكله بعض أهلنا؟ فقال:
لا يرى به أهل مكة بأسا، قلت: فأي شئ تقول أنت؟ قال: عليهم
ثمنه (2). فليس بصريح في محل النزاع من كون الأكل محرما، فيحتمل كونه

(1) والقائل هو صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الحج في موجبات الضمان ج 15 ص 264.
(2) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب كفارات الصيد ح 2 ج 9 ص 195.
299

محلا، كما نص عليه الصحيح الآخر: عن رجل أهدي إليه حمام أهلي جئ
به وهو في الحرم محل؟ قال: إن أصاب منه شيئا فليتصدق مكانه بنحو من
ثمنه (1).
وربما يرشد إليه قوله - عليه السلام -: (لا يرى به أهل مكة بأسا)، لما
قيل: من أنه ظاهر أن أهل مكة لا يرون به بأسا إن كان الآكلون
محلين (2).
وبما ذكرناه ارتفع التعارض بين الأخبار، وتوافقت على المختار.
ولعله لذا لم يستدل للقول الثاني بالأخبار أكثر الأصحاب، وإنما
استندوا له ببعض الاعتبارات الغير المسموع في مقابلة ما قدمناه من
الروايات، والحمد لله تعالى.
واعلم أن موضوع المسألة على ما صرح به بعض الأصحاب كون القتل
والأكل في الحل لا في الحرم وإلا فيتضاعف الجزاء لو كان في الحرم وهو
محرم (3).
وهو حسن، لما قيل في القتل من هتكه لكل من حرمتي الاحرام
والحرم، فيتضاعف الجزاء (4).
(وكذا) يجب الفداء بالأكل على المحرم (لو أكل ما) أي صيدا
(ذبح في الحل) مطلقا (ولو ذبحه المحل) لعموم الأدلة المتقدمة، وعدم
اختصاصها بغير هذه الصورة ونحوها العبارة.
فلا يحتاج إلى التصريح بحكم هذه الصورة، إلا على تقدير اختصاص ما

(1) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب كفارات الصيد ح 10 ج 9 ص 197.
(2) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 397 س 40.
(3) الظاهر أنه العلامة الحلي في المنتهى: كتاب الحج في الكفارة ج 2 ص 830 السطر الأخير.
(4) لم نعثر عليه.
300

ما سبق بغيرها من وقوع الذبح في الحرم، أو كون الذابح هو المحرم، مع أنه
ليس فيه ما يشعر بأحد الأمرين.
نعم ربما يتبادر منه الأخير خاصة، فيتوجه تعميم الحكم لما ذبحه المحل،
لكن من غير احتياج إلى ذكر الذبح في الحل.
ولعل الوجه في تخصيص هذه الصورة بالذكر هو ورود الصحاح
المستفيضة بتحريم صيد ذبحه المحل ولو في الحل على المحرم.
ولكن لا كلام فيه، وإنما الكلام في لزوم الفدية بالأكل، ولا دليل
فيه، سوى ما مر من عموم الأدلة، ولعل لذا لم يذكر الماتن في الشرائع،
ولا غيره من الأصحاب التصريح بالحكم في هذا الفرد، واكتفوا بعموم
الكلام السابق، والأمر سهل بعد وضوح الدليل على المطلب بعنوان العموم
والخصوص.
(ولو) رمي صيدا و (أصابه و) تحقق أنه (لم يؤثر فيه) رميته
بقتل ولا جرح ولا كسر (فلا فدية) فيه، وليستغفر الله سبحانه،
بلا خلاف ظاهر، بل ظاهر جماعة الاجماع، للأصل، والنص المنجبر: عن
محرم رمى صيدا فأصابت يده فعرج؟ فقال: إن كان مشى عليها ورعى وهو
ينظر إليه فلا شئ (1).
وفي قوله: (وهو ينظر إليه) إشارة إلى التحقق، كما ذكرنا، احترازا
عن صورة الشك، فإن فيه - كما يأتي - الفداء كاملا.
والمتبادر من النص والفتوى انفراد الرامي بالرمي، فلا ينافيهما ما سيأتي.
من أنه لو رمى اثنان فأصاب أحدهما ضمن كل منهما.
(ولو جرحه أو كسر رجله أو يده ورآه) بعد ذلك (سويا) أي

(1) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب كفارات الصيد ح 3 ج 9 ص 221 وفيه اختلاف يسير.
301

صحيحا بلا عيب أو مطلقا (ف‍) يجب عليه (ربع الفداء) كما عن
النهاية (1) والمبسوط (2) والمهذب (3) والسرائر (4) والاصباح (5) والجامع (6).
قيل: للنصوص (7) منها الصحيح: عن رجل رمى صيدا وهو محرم فكسر
يده أو رجله فمضى الصيد على وجهه فلم يدر الرجل ما صنع الصيد؟ قال:
عليه الفداء كاملا إذا لم يدر ما صنع، فإن رآه بعد أن كسر يده ورجله وقد
رعى وانصلح فعليه ربع قيمته (8).
وبه عبر في الشرائع (9) والارشاد (10) ونحوه آخر، ولعله المراد من ربع
الفداء في المتن وصحيح آخر، إذ الفداء بنفسه لا يوجب تربيعه، بل قيمته.
فعلى هذا المراد ربع قيمة الفداء لا ربع قيمة الصيد، كما ربما يتوهم من
نحو الصحيحين، لأن مرجع الضمير المجرور فيهما إنها هو الفداء المذكور فيهما
بعد الصيد قبل الضمير، لا الصيد وإن احتمله لبعده وقرب المرجع الأول.
لكن ظاهر بعض الأخبار الرجوع إلى الصيد لكنه قاصر السند.
خلافا للمحكي عن والد الصدوق والمفيد والحلبي والديلمي وابن حمزة

(1) النهاية ونكتها: كتاب الحج باب ما يجب على المحرم الكفارة ج 1 ص 490.
(2) - المبسوط: كتاب الحج فيما يلزم المحرم من الكفارة ج 1 ص 343.
(3) المهذب: كتاب الحج باب ما يلزم المحرم على جناياته ج 1 ص 228.
(4) السرائر: كتاب الحج باب ما يلزم المحرم عن جناياته ج 1 ص 566.
(5) كما في كشف اللثام: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 399 س 17.
(6) جامع الشرائع: كتاب الحج باب كفارات محظور الاحرام ص 192.
(7) لم نعثر عليه.
(8) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 221، وفيه: جزء من الحديث،
وكامله موجود في التهذيب: ب 25 في الكفارة عن خطأ ح 159 ج 5 ص 359.
(9) شرائع الاسلام: كتاب الحج في موجبات الضمان ج 1 ص 288.
(10) إرشاد الأذهان: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 1 ص 320.
302

فيتصدق بشئ وهو خيرة المختلف في الادماء قال لأنه جناية لا تقدير
فيها (1).
وفيه نظر، لأن مقتضى الدليل لزوم الأرش إن أوجبنا في إجزاء الصيد
الضمان، كما في المنتهى (2) مدعيا عليه الوفاق، لا التصدق بشئ الذي هو
أعم من الأرش، إلا أن يقيد به فيراد به الأرش، كما في الشرائع (3)
والقواعد (4)، وكلام غير واحد من متأخري الأصحاب.
وكلامهم في خصوص الجرح ولزوم الأرش فيه مذهب المعظم، كما في
المسالك (5)، ولعله قيد إطلاق الشئ في كلام المفيد (6) ومن حذى حذوه
بالأرش.
وفيه نظر، لتصريح المفيد فيما حكي عنه بالتصدق بشئ إذا انتفى
العيب، وإلا فالأرش (7).
وكيف كان، القول بلزوم الأرش في الادماء هو حسن، للدليل المتقدم
السالم عن المعارض، سوى الأخبار المتقدمة، وموردها كسر اليد والرجل،
ونحن نقول بربع الفدية فيهما.
وإلحاق الجرح قياس لا نقول به، إلا أن يقال: بعدم فارق بين الكسر
والجرح بين القدماء، بل ولا المتأخرين صريحا.

(1) الحاكي هو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 399 س 18.
(2) منتهى المطلب: كتاب الحج في أسباب الضمان ج 2 ص 28 8 س 21.
(3) شرائع الاسلام: كتاب الحج في موجبات الضمان ج 1 ص 288.
(4) قواعد الأحكام: كتاب الحج فيما يتحقق به الضمان ج 1 ص 96 س 5.
(5) مسالك الأفهام: كتاب الحج في الضمانات ج 1 ص 138 س 26.
(6) المقنعة: كتاب الحج باب الكفارة عن خطأ ص 437.
(7) الحاكي هو صاحب الكشف: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 399 س 19.
303

فلا بد من العمل بالأصل وطرحه الأخبار، أو العمل بها وتخصيص
الأصل، وهو الوجه إن تم الاجماع المركب، كما ربما يفهم من المسالك (1).
ولكن فيه نظر. وظاهر عبائر كثير اختصاص إلحاق الجرح بالكسر
بالشيخ.
فإذا الوجه عدم الالحاق، ولزوم الأرش في الجرح وربع الفداء في
الكسر.
ويعضده الرضوي: فإن رميت ظبيا فكسرت يده أو رجله فذهب على
وجهه لا تدري ما صنع فعليك فداؤه، فإن رأيته بعد ذلك يرعى ويمشي
فعليك ربع قيمته، وإن كسرت قرنه أو جرحته تصدق بشئ من طعام (2).
ويحمل الشئ فيه على الأرش، جمعا بينه وبين الأصل.
(ولو جهل حاله) أي الصيد الذي جرحه أو كسر يده أو رجله فلم
يدر هلك أم عاش (ففداء كامل) بلا خلاف ظاهر، بل عليه الاجماع
في ظاهر المنتهى (3) وصريح الانتصار (4) والخلاف (5) وشرح الجمل
للقاضي (6)، كما حكي، لما مر من الأخبار، ونحوها الموثق (7) وغيرها
بزيادة التعليل فيهما بقوله: لأنه لا يدري لعله قد هلك).
فلا يضر اختصاص موردها بالكسر دون الجرح، لجريان التعليل فيهما،

(1) مسالك الأفهام: كتاب الحج في الضمانات ج 1 ص 138 س 26.
(2) فقه الرضا - عليه السلام -: ب 31 في الحج وما يستعمل فيه ص 228.
(3) منتهى المطلب: كتاب الحج في الصيد ج 2 ص 828 س 30.
(4) الإنتصار: كتاب الحج ص 104.
(5) الخلاف: كتاب الحج م 267 ج 2 ص 401.
(6) شرح جمل العلم والعمل: كتاب الحج في الكفارات ص 233.
(7) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب كفارات الصيد ح 4 ج 9 ص 221.
304

مضافا إلى التأيد بالقوي الوارد في خصوص الجرح والادماء بأن عليه
جزاؤه (1)، بناء على أن المتبادر منه جزاء الصيد كاملا، وهو المعبر عنه
بالفداء.
فالكسر بتلك الأخبار والادماء بهذا. مضافا إلى عدم القول بالفرق
بينهما والاجماعات المنقولة مطلقا.
فالمناقشة في الروايات أجمع، بالأخصية من المدعى - كما اتفق لجماعة من
متأخري المتأخرين (2) - لا وجه له أصلا ولا وقع له بعد ذلك جدا.
قيل: (وكذا) يجب الفداء كاملا فيما (لو) رماه و (لم يعلم
حاله) أنه (أثر فيه أم لا) والقائل الشيخ في النهاية (3) والحلي في
السرائر (4) ويحيى بن سعيد في (5) الجامع. قيل: ويحتمله كلام الحلبيين
والجواهر (6)، عملا بالأغلب وهو التأثير مع الإصابة، فإذا بنى على التأثير
وجهل الحال رجع إلى المسألة الأولى.
وفيه نظر، فإن أغلبية التأثير غايتها إفادة الظن به، واعتباره في نحو
المقام من موضوعات الأحكام يحتاج إلى دليل، وليس موضع المسألة الأولى
في ظاهر النصوص والفتاوى صورة القطع به لا الظن.
فالتعميم يحتاج إلى دليل، ولعله لهذا عزاه الماتن والفاضل في التحرير (7)

(1) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب كفارات الصيد ح 5 ج 9 ص 222.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الحج في موجبات ضمان الصيد ج 8 ص 357، وذخيرة المعاد: كتاب
الحج في كفارات الصيد ص 612 س 3.
(3) النهاية ونكتها: كتاب الحج باب ما يلزم على المحرم من الكفارة ج 1 ص 490.
(4) السرائر: كتاب الحج باب ما يلزم المحرم عن جنايات ه ج 1 ص 566.
(5) جامع الشرائع: كتاب الحج باب كفارات محظور الاحرام ص 192.
(6) القائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 399 س 20.
(7) تحرير الأحكام: كتاب الحج في أسباب الضمان ج 1 ص 117 س 18.
305

إلى قول، مشعرين بتمريضه، ومرجعه إلى البناء على أصل عدم التأثير
وأصل البراءة، مع انتفاء نص فيه.
ولولا النصوص في الأول لم يتجه ضمان كمال الفداء فيه أيضا. وهو
قوي متين إن لم ينعقد الاجماع على خلافه، كما يفهم من بعض شراح
الكتاب (1)، ويحتمله ما عن الغنية من الاجماع على أنه إذا أصاب فغاب
الصيد فلم يعلم له حالا فداه (2)، وعن الجواهر الاجماع على وجوب
الجزاء (3).
وبالجملة: فالمسألة محل إشكال فلا يترك فيها الاحتياط بحال.
ثم إن صور المسألة خمس تعرض الماتن لحكم أربع منها بقي الخامسة،
وهي ما إذا رماه فلم يدر أصابه أم لا فالحكم فيها البراءة بلا خلاف
أجده، إلا من القاضي فضمنه الجزاء (4)، وهو ضعيف جدا.
(و) اعلم أنه قد اختلف الأصحاب في إمضاء ما يجب في أعضاء
الصيد ف‍ (قيل:) إن (في كسر يد الغزال نصف قيمته، وفي يديه
كمال القيمة، وكذا في رجليه) في كل منهما نصف قيمته مطلقا، وكذا
في عينيه (وفي قرنيه) معا (نصف قيمته، وفي كل واحد) منهما
(ربع) قيمته.
والقائل النهاية والمبسوط والوسيلة والمهذب والسرائر والجامع، كما
حكي (5)، وتبعهم من المتأخرين والفاضل في المختلف في العين خاصة (6)،

(1) هو المقداد السيوري في تنقيحه: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 1 ص 542.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج في الصيد ص 514 س 7.
(3) جواهر الفقه: كتاب الحج رقم 166 ص 46.
(4) المهذب: كتاب الحج ما يلزم المحرم... ج 1 ص 228.
(5) الحاكي هو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في الصيد ج 1 ص 398 س 24.
(6) مختلف الشيعة: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 2 ص 280 س 27.
306

وفي القواعد (1) والارشاد (2) والمحقق (3) الثاني في الجميع، وظاهر الأخير أنه
المشهور، كالشهيد الثاني فقال: إن عليه المعظم (4)، ومستندهم رواية
سماعة الضعيفة بأبي جميلة، ولذا قال الماتن هنا وفي الشرائع (5):
(وفي المستند ضعف) إلا أن يجبر بالشهرة المحكية فيما عرفت من
كلام ثاني المحققين وثاني الشهيدين، وعمل نحو الحلي ممن لا يجوز العمل
بأخبار الآحاد، سيما الضعيف منها، إلا بعد احتفافها بالقرائن القطعية.
وفيهما نظر، لمعارضتهما بالمثل، فقد ادعى جماعة كون ذلك خلاف
مذهب الأكثر من تعين الأرش، كما هو مقتضى الأصل، بناء على ما
ظاهره الاتفاق عليه من ضمان أجزاء الصيد، كما مر.
وقيل: هو ظاهر الخلاف والنهاية قال المفيد والديلمي والحلبيان: في
الكسر، وزاد عدا ابن زهرة منهم أنه إن رآه بعد ذلك سليما تصدق
بشئ (6).
وهؤلاء أيضا لا يعملون بالآحاد، والرواية بمرأى منهم ومنظر، بل رواها
في الغنية بعد الفتوى بالأرش (7)، فهو مما يوهنها زيادة على ما فيها من
الضعف. فالأصح الأرش.
وهنا أخبار نادرة تقبل التأويل والتنزيل على كل من القولين.

(1) قواعد الأحكام: كتاب الحج فيما يتحقق به الضمان ج 1 ص 96 س 4.
(2) إرشاد الأذهان: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 1 ص 320.
(3) جامع المقاصد: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 3 ص 324.
(4) مسالك الأفهام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 138 س 26.
(5) شرائع الاسلام: كتاب الحج في موجبات الضمان ج 1 ص 288.
(6) القائل هو صاحب كشف اللثام: في كفارات الاحرام ج 1 ص 398 س 28.
(7) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 514 س 8.
307

(ولو اشترك جماعة في قتله) أي الصيد مطلقا (لزم كل واحد
منهم فداء) كامل بإجماعنا ظاهرا ومنقولا في عبائر جماعة مستفيضا،
والصحاح به مضافا إليه مستفيضة أيضا، وموردها وإن كان جماعة محرمين،
إلا أن إطلاق الفتاوى يشملهم وغيرهم من المحلين في الحرم والمتفرقين.
وبه صرح جماعة ومنهم الشهيدان في الدروس (1) والمسالك (2) تبعا
للعلامة في التحرير (3) والمنتهى (4)، وظاهرهم وسيما الأخير أنه لا خلاف فيه
بيننا، إلا من الشيخ في التهذيب في المحل والمحرم إذا اشتركا في صيد حرمي
فأوجب على المحرم الفداء كاملا وعلى المحل نصف الفداء (5)، ومن بعض
العامة فيه أيضا فأوجب فداء واحدا عليهما (6).
ومستند الشيخ القوي في محرم ومحل قتلا صيدا؟ فقال: على المحرم
الفداء كاملا، وعلى المحل نصف الفداء (7).
وفيه مضافا إلى قصور السند أنه أعم من المدعى.
ثم على تقدير العموم للمحلين في الحرم والمفترقين - كما هو مقتضى
الفتاوى - ينبغي تعميم الفداء فيهما لما يشمل القيمة أيضا، كما وقع التصريح
بها في عبارة المصرحين بالعموم.
اللهم إلا أن يقال: إن ذلك مجاز يصار إليه إلا بقرينة، وهي

(1) الدروس الشرعية: كتاب الحج درس 95 في تروك الاحرام ج 1 ص 360.
(2) مسالك الأفهام: كتاب الحج في الضمانات ج 1 ص 141 س 36.
(3) تحرير الأحكام: كتاب الحج في أسباب الضمان ج 1 ص 117 س 20.
(4) منتهى المطلب: كتاب الحج في كفارة الصيد ج 2 ص 829 س 1.
(5) تهذيب الأحكام: كتاب الحج ب 25 في الكفارة عن خطأ ج 5 ص 352، ذيل الحديث 136.
(6) المغني لابن قدامة: كتاب الحج في حكم الصيد ج 3 ص 289.
(7) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 212.
308

مفقودة في كلامهم، إلا من حيث إطلاق الجماعة.
وتقييده بالمحرمين أولى من حمل الفداء على الأعم، بناء على الأصح من
تقديم التخصيص على المجاز حيثما تعارضا، وخصوصا هنا، لانصراف
الاطلاق في كلامهم، المنساق في بيان ما يجب على المحرم من أن الكفارات
إليه دون المحل ولو في الحرم.
وإنما ذكر سابقا تبعا له، ولذا توقف في التعميم بعض المتأخرين (1)،
وهو في محله إن لم يثبت الاجماع على خلافه.
(ولو ضرب طيرا على الأرض فقتله لزمه ثلاث قيم) للخبر: في
محرم اصطاد طيرا في الحرم فضرب به الأرض فقتله قال عليه ثلاث قيمات:
قيمه لاحرامه، وقيمة للحرم، وقيمة لاستصغاره إياه (2).
وفي سنده ضعف، وفي متنه مخالفة للأصول، لاقتضائها التفصيل بين
أفراد الطير.
وإيجاب النصوص فيما ورد به من بدنة كما في النعامة، وكف من طعام
كما في العصفور، وشاة كما في الحمامة أو في الطير مطلقا على حسب ما مر،
لا إيجاب القيمة مطلقا ولو كان منصوصا بدونها من بدنة أو تمرة أو غيرهما،
كما في الرواية، ونفيها الزائد عن القيمة للحرم والجزاء للقتل ولو مع
الاستصغار، إذ لا دليل على إيجابه الكفارة، وإنما غايته الحرمة، ولا تلازم
بينها وبين الكفارة.
فالتعويل على هذه الرواية مشكل، إلا أن تجبر بالاتفاق بالعمل عليها
في إيجابها ثلاث كفارات في الظاهر، إذ لم نر مخالفا في ذلك من

(1) مدارك الأحكام: كتاب الحج في موجبات ضمان الصيد ج 8 ص 360.
(2) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 242.
309

الأصحاب، حتى نحو الحلي الذي لا يعمل بأخبار الآحاد الخالية عن قرينة
الصدق، وإن اختلفوا في الجمود على ظاهرها، كما اختاره الماتن هنا.
(وقال الشيخ) في النهاية (1) والمبسوط (2) والحلي في السرائر (3) وابن
عم الماتن في الجامع (4) وابن حمزة في الوسيلة (5) والقاضي في المهذب (6)
والفاضلان في كتبهما حتى الماتن في الشرائع (7) وغيرهم من المتأخرين أن
عليه (دم وقيمتان) وزاد من عدا الماتن والوسيلة التعزير، كما عن
المنتهى (8) والتحرير (9) والتذكرة (10).
والطير فيه وإن كان مطلقا، لكن المتبادر منه المنصرف إليه الاطلاق
هو خصوص ما عدا النعامة والعصفور والجرادة، وهو الحمامة. فلا عموم فيه
قطعا يحتاج إلى التفصيل، توفيقا بينه وبين الأصول.
ولو سلم فقوله في التعليل: (قيمة لاحرامه) كالصريح، بل صريح في
أنها موجبة عن الجناية من حيث الاحرام، وأنها كفارته.
وحينئذ، فيجعل المراد من القيمة ما يرادف الجزاء على حسبه.

(1) النهاية ونكتها: كتاب الحج في ما يجب على المحرم من كفارة ج 1 ص 485.
(2) المبسوط: كتاب الحج في ما يلزم المحرم من الكفارة ج 1 ص 342.
(3) السرائر: كتاب الحج باب ما يلزم المحرم عن جناياته ج 1 ص 562.
(4) الجامع للشرائع: كتاب الحج باب كفارات الاحرام ص 191.
(5) الوسيلة: كتاب الحج ص 165.
(6) المهذب: كتاب الحج في ما يلزم المحرم... ج 1 ص 228.
(7) شرائع الاسلام. كتاب الحج في موجبات الضمان ج 1 ص 288، وقواعد الأحكام: كتاب الحج
في موجبات الضمان ج 1 ص 96 س 2.
(8) منتهى المطلب: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 2 ص 826 س 29.
(9) تحرير الأحكام: كتاب الحج في أسباب الضمان ج 1 ص 117 س 25.
(10) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج في أسباب الضمان ج 1 ص 349 س 5.
310

ولا ريب في شيوع إطلاق القيمة على الفداء مثلا أو الجزاء، ولذا
حكي التعبير بلفظ " الجزاء " دون (الدم) عن الوسيلة والمهذب (1)، وذكر
الدم في عبائر الأكثر، أما مثال، أو مقصور على الحمامة التي فيها الدم،
وهي المتبادر من إطلاق الطير، كما مر.
وبالجملة: التعليل المزبور أوضح قرينة على أن المراد بالقيمة الجزاء،
كما في عبائر هؤلاء.
وحينئذ، فاندفع الاشكال عن الرواية بحذافيره، وتبين أن الأقرب من
في عبارة الوسيلة والمهذب، بل من ما عدا الماتن، وأن ما اختاره من
إطلاق القيمة جمودا على ظاهر لفظ الرواية محل مناقشة.
ففي الحقيقة مختاره خال عن الدليل، إلا ما ذكره الشيخ والجماعة،
فإن مستندهم الرواية على حسب ما فيها من التعليل وإن عكس جماعة.
وحيث كان الداعي إلى العمل بالرواية، ومخالفة الأصل هو الاجماع أو
الشهرة، فيجب الاقتصار على موردها، وليس إلا الطير المضروب به الأرض في الحرم.
وضاربه المحرم وقاتله الضرب وإن عمت العبارة بعض ما ليس فيها فإنه
ليس بمعتمد، بل اللازم في غير المنصوص المصير إلى حكم الأصول.
(ولو شرب لبن ظبية) في الحرم (فعليه دم وقيمة اللبن) كما عن
النهاية (2) والمبسوط (3) والمهذب (4) والجامع () وفي الشرائع (6) والقواعد (7)

(1) الحاكي هو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 398 س 10.
(2) النهاية ونكتها: كتاب الحج باب ما يجب على المحرم ج 1 ص 485.
(3) المبسوط: كتاب الحج في ما يلزم المحرم من الكفارة ج 1 ص 342.
(4) المهذب: كتاب الحج باب ما ينبغي للمحرم اجتنابه ج 1 ص 230.
(5) الجامع للشرائع: كتاب الحج في كفارات محظور الاحرام ص 191.
(6) شرائع الاسلام: كتاب الحج في أسباب الضمان ج 1 ص 288.
(7) قواعد الأحكام: كتاب الحج فيما يتحقق به الضمان ج 1 ص 96 س 1.
311

والارشاد (1)، لكن بدون لفظ في الحرم، كما هنا وعن الوسيلة (2)، للخبر:
في رجل مر وهو محرم في الحرم فأخذ عشر ظبية فاحلبها وشرب لبنها؟ قال:
عليه دم وجزاء للحرم عن اللبن (3).
وهو مع الضعف اشترط فيه الاحرام والحرم جميعا وأخذ الشارب
واحتلابه، ولقد أغفلها الأصحاب جملة أو بعضا.
ولضعفه أو وحدته، قال الحلي بعد الفتوى به: على ما روي في بعض
الأخبار (4).
وهو حسن على أصله، بل على أصلنا أيضا إن لم ينجبر الضعف بعمل
الأصحاب، والظاهر فيه الجبر، لعدم خلاف فيه بينهم يعتد به، وإن
اختلفوا في التعبير عنه بقيوده كلا أو بعضا.
والمتجه العمل به بقيوده جملة لحصول الجبر فيه حينئذ قطعا، مضافا إلى
التأيد بما عن التذكرة والمنتهى من الاستدلال - زيادة على الخبر بأنه شرب
ما لا يحل شربه، إذ اللبن كالجزء من الصيد، فكان ممنوعا منه، فيكون
كأكل ما لا يحل أكله، فيدخل في عموم قوله - عليه السلام - من أكل طعاما
لا ينبغي له أكله وهو محرم ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شئ
ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة، إذ لا فرق بين الأكل والشرب قال وأما
وجوب القيمة فلأنه جزاء صيد فكان عليه قيمته (5).

(1) إرشاد الأذهان: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 1 ص 320.
(2) الوسيلة: كتاب الحج في بيان موجبات الكفارة ص 168.
(3) وسائل الشيعة: ب 54 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 249، وفيه: فأخذ عنز ظبية
فاحتلبها.
(4) السرائر: كتاب الحج باب ما يلزم المحرم عن جناياته ج 1 ص 562.
(5) تذكرة الفقهاء. كتاب الحج في أسباب الضمان ج 1 ص 349 س 7، ومنتهى المطلب: كتاب
الحج في أسباب الضمان ج 2 ص 829 س 34.
312

ولا يخلو عن نظر، ولكن لا بأس به للتأييد، سيما بعد عمل
الأصحاب. قيل: واحتمل الشهيد - رحمه الله - وجوب القيمة على المحل في
الحرم والدم على المحرم في الحل (1)
(وأما الامساك، فإذا أحرم ومعه
صيد) مملوك له قبل الاحرام بأحد الأسباب المملكة (زال ملكه عنه)
فيما قطع به الأصحاب، على الظاهر المصرح به في كلام جماعة، مؤذنين
بدعوى إجماعنا عليه، كما عن ظاهر المنتهى (2)، وصريح الخلاف (3)
والجواهر (4)، فإن تم الاجماع، وإلا فمقتضى الأصل بقاء الملك وإن حرم
بعض التصرفات.
ولا مخرج عنه واضحا، سوى ما قيل: من أنه لم لا يملكه ابتداء فكذا
استدامة (5)، ولعموم الآية، بناء على أن صيد البر فيها ليس مصدرا.
(و) لأنه (وجب) عليه (إرساله) بعد الاحرام إجماعا، كما في
ظاهر الغنية، وللخبر: لا يحرم أحد ومعه شئ من الصيد حتى يخرج
عن ملكه، فإن أدخله الحرم وجب عليه أن يخليه، فإن لم يفعل حتى
يدخل ومات لزم الفداء (7).
ولو كان بقي على ملكه كان له تصرف الملاك في أملاكهم.

(1) القائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 398 س 20.
(2) منتهى المطلب: كتاب الحج في أسباب الضمان ج 2 ص 380 س 6.
(3) الخلاف: كتاب الحج م 292 ج 2 ص 413.
(4) جواهر الفقه: كتاب الحج م 169 ص 47.
(5) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 401 س 10.
(6) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج في أحكام ما يقع من المحرم ص 513 س 27.
(7) وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب كفارات الصيد ح 3 ج 9 ص 230، ولكن فيه جزء من
الحديث، وتمامه موجود في التهذيب: كتاب الحج ب 25 في كفارة الخطأ ح 170 ج 5 ص 362.
313

وفي الجميع نظر، فالأول بمنع الأصل وإن اشتهر، ثم الفرع، إذ
لا دليل عليه سوى القياس، مع أن ظاهر جملة من النصوص الآتية في
مسألة اضطرار المحرم إلى الصيد والميتة، الآمرة بأكل الصيد بملك المحرم
الصيد ولو في الضرورة، لتعليلها بأنه يأكل من ماله، فلولا أنه يملكه لما
صح التعليل بالكلية.
ومنع الثاني، أولا: بمنع كون الصيد فيه اسما، لعدم وضوح دليل
عليه.
وثانيا: بأن المتبادر منه على تقدير الإسمية غير التملك من سائر
التصرفات، كالاصطياد والذبح والأكل ونحوها.
وثالثا: بأنه إن تم فإنما مفاده حرمة التملك والاستبقاء، فلا يفيد
فسادا، إلا إذا اقتضى النهي الفساد وكان ذاكرا، وبمنع الاقتضاء.
ولو سلم، فالدليل أخص من المدعى فإنه قد ينسى.
والثالث: بمنع الاجماع، لعدم ظهوره من الكتاب ظهورا يعتد به يعتمد
عليه.
والخبر ضعيف السند، ومع ذلك فمفاده وجوب الارسال بعد دخول
الحرم لا بعد الاحرام.
قيل: وعليه اقتصر في النهاية (1)، ومع ذلك فكل من الملازمة وبطلان
اللازم ممنوع.
فانحصر الدليل في الاجماع المنقول المعتضد بالشهرة العظيمة، ولعله
كاف في المسألة، ولولاه لكان القول ببقاء الملك - وإن وجب الارسال،

(1) القائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 401 س 13.
314

كما عن الإسكافي (1) والشيخ (3)، وقواه جماعة من المتأخرين (3) - في غاية
القوة.
وتظهر الفائدة بين القولين فيما لو أخذه آخذ أو جنى عليه جان فإن له
انتزاعه في الأول، والمطالبة بالعوض في الثاني.
(ولو) أهمل في الارسال ف‍ (تلف قبل الارسال ضمنه) ولو حتف
أنفه إجماعا منا ومن القائلين بوجوب الارسال، كما عن المنتهى، قال: لأنه
تلف تحت اليد العارية فلزمه الضمان كمال الآدمي (4).
وظاهر إطلاقه - كالمتن ونحوه - يشمل صورتي وقوع التلف قبل دخول
الحرم وبعده، فإن تم إجماعا - كما نقله - وإلى فالمستفاد من النصوص ليس
إلا الحكم في الصورة الثانية.
ففي الحسن: عن رجل أصاب ظبيا فأدخله الحرم فمات الظبي في الحرم؟
فقال: إن كان حين أدخله الحرم خلى سبيله فلا شئ عليه، وإن أمسكه
حتى مات فعليه الفداء ().
بل المستفاد من الرواية المتقدمة اختصاصها بها، لكنها ضعيفة السند.
فالعمدة في الاطلاق هو ما مر من الاجماع في المنتهى.
ثم فيه بعد ما مر. أما لو لم يمكنه الارسال وتلف قبل إمكانه فالوجه عدم
الضمان، لأنه ليس بمفرط ولا متعد (6).

(1) كما في مدارك الأحكام: كتاب الحج في موجبات الضمان ج 8 ص 363.
(2) تهذيب الأحكام: كتاب الحج ب 25 في الكفارة عن خطأ المحرم ج 5 ص 362 ذيل الحديث 169.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الحج في موجبات الضمان ج 8 ص 363.
(4) منتهى المطلب: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 2 ص 830 س 18
(5) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب كفارات الصيد ح 3 ج 9 ص 231.
(6) منتهى المطلب: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 2 ص 830 س 18.
315

أقول: وهو الأظهر، وفاقا لجمع ممن تأخر عنه، من غير خلاف بينهم
يظهر.
وليس فيه منافاة لما مر من إطلاق النص، لعدم انصرافه بحكم التبادر
إلى محل الفرض، ثم قالوا لو لم يرسله حتى أحل فلا شئ عليه سوى الإثم.
وفي وجوب إرساله بعد إحلاله وجهان، أظهرهما العدم. ولا بأس
بالأول.
وأما الثاني فمشكل على إطلاقه، سيما على القول بخروجه بالاحرام عن
ملكه وحجية الاستصحاب، فإن مقتضاه وجوب الارسال إذا وجب عليه
حال الاحرام، بأن كان متذكرا أو أهمل ولم يرسل، مع امكانه. فالأحوط
الارسال في هذه الصورة، بل مطلقا.
ثم إن كل ذا إذا كان الصيد معه (ولو كان الصيد (1) نائيا عنه لم
يخرج عن ملكه) بلا خلاف يعرف، كما في كلام جماعة (2)، للأصل،
والصحيحين (3). والظاهر تحقق النائي، بأن لا يكون مصاحبا له في
الاحرام.
وكما لا يمنع الاحرام استدامة " ملك البعيد لا يمنع ابتدائه، فلو اشترى
المحرم صيدا نائيا عنه أو اتهبه انتقل إلى ملكه، للأصل السليم عما يصلح
للمعارضة.
وحيث لا يزول ملكه عنه، فله بيعه وهبته وغيرهما، كما عن التحرير

(1) هذه الكلمة أثبتناها من المتن المطبوع.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الحج في موجبات الضمان ص 365، وذخيرة المعاد: كتاب الحج في
كفارات الصيد ص 612 س 44.
(3) وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب كفارات الصيد ح 1 و 4 ج 9 ص 229 و 230.
316

والمنتهى (1)، قيل: وقيل بالمنع (2).
وفي الخبر: عن رجل خرج إلى مكة وله في منزله حمام طيارة فألفها طير
من الصيد وكان مع حمامه؟ قال: فلينظر أهله في المقدار، أي الوقت الذي
يظنون أنه يحرم فيه، ولا يعرضون لذلك الطير، ولا يفزعونه، ويطعمونه
حتى يوم النحر، ويحل صاحبهم من إحرامه (3).
ولقصور سنده حمله جماعة على الاستحباب (4) ولا بأس.
(ولو أمسكه محرم في الحل وذبحه) محرم آخر (مثله) فيه (لزم
كل منهما فداء) أما الذابح فلما مر، وأما الممسك فلفحوى ما سيأتي من
لزومه على الدال والمشارك في الرمي من غير إصابة، فهنا أولى.
ولا خلاف فيه أيضا ظاهرا، وحكي عن الخلاف والتذكرة صريحا (5).
قيل: وللشافعية وجهان أحدهما أن الفداء على القاتل، والآخر أنه بينهما (6).
(ولو كان أحدهما) أي الذابح والممسك (محلا) والآخر محرما
(ضمنه المحرم) خاصة، لما مر دون المحل، للأصل، مع عدم هتكه حرمة
الاحرام والحرم.
(وما يصيده المحرم في الحل لا يحرم على المحل) إذا ذبحه هو أو محل
آخر، للأصل، والصحاح المستفيضة، بل يستفاد منها إباحته له مطلقا وإن

(1) تحرير الأحكام: كتاب الحج في أسباب الضمان ج 1 ص 117 س 31، ومنتهى المطلب: كتاب
الحج في كفارات الصيد ص 830 س 22.
(2) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 401 س 19.
(3) وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب كفارات الصيد ح 2 ج 9 ص 229.
(4) كالفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 401 س 20.
(5) الحاكي هو كاشف اللثام: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 401 س 40.
(6 قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 401 س 40.
317

ذبحه محرم في الحل.
ولكن الأظهر الأشهر تحريمه حينئذ عليه، كما مر في أول بحث التروك.
(وأما التسبيب: فإذا أغلق) بابا (على حمام) الحرم (وفراخ
وبيض ضمن بالاغلاق الحمامة بشاة، والفرخ بحمل، والبيضة
بدرهم).
هذا إن أغلق وهو محرم (وإن أغلق قبل إحرامه ضمن الحمامة
بدرهم، والفرخ بنصف) درهم (والبيض بربع) درهم، كما في
الخبر، بل قيل: الموثق (1) وزيد فيه أنه إن لم يتحرك الفرخ ففيه على المحرم
درهم (2).
ونحوه في الحمام الصحيح: في رجل أغلق بابه على طائر؟ فقال: إن
أغلق الباب بعد ما أحرم فعليه شاة، وإن كان أغلق الباب قبل أن يحرم فعليه ثمنه (3).
وعليه ينزل إطلاق الصحيحين في أحدهما: عن رجل أغلق باب بيته
على طائر من حمام الحرم فمات؟ قال: يتصدق بدرهم أو يطعم به حمام
الحرم (4).
وفي الثاني: عن قوم غلقوا الباب على حمام الحرم؟ فقال: عليهم قيمة
كل طائر يشتري به علفا لحمام الحرم (5).
بحملهما على المحل دون المحرم، مضافا إلى الاجماع.

(1) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 400 س 31.
(2) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب كفارات الصيد ح 3 ج 9 ص 207.
(3) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب كفارات الصيد وتوابعها ح 2 ج 9 ص 207.
(4) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب كفارات الصيد وتوابعها ح 1 ج 9 ص 207.
(5) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب كفارات الصيد وتوابعها ح 4 ج 9 ص 207.
318

وإطلاق الرواية الأولى والأخيرة - بل الثالثة على رواية الشيخ في
التهذيب (1)، دون الفقيه، فإنها كالثانية مختصة بصورة الهلاك - يقتضي
عدم الفرق بينها وبين صورتي السلامة وجهل الحال. وهو ظاهر المتن هنا
وخيرة الفاضل في التلخيص، كما حكي، ونقلاه في الشرائع (2)
والمختلف (3) وجماعة قولا، ولكن لم نعرف به قائلا.
(وشرط الشيخ) (4) والحلي (5) ومن تأخر عنهما من الأصحاب،
حتى الفاضلين فيما عدا الكتابين (6) في ثبوت الضمان (مع الاغلاق (7)
الهلاك).
وزاد المتأخرون الجهل بالحال. وهو الأقوى، حملا للاطلاق كل صورة
الجهل بالحال، لفحوى ما دل على نفي الضمان برمي الصيد وإصابته مع
عدم التأثير فيه.
فعدم الضمان هنا أولى، إذ ليس الاغلاق مع عدم الهلاك أولى من
الأخذ ثم الارسال، بل هو أولى..
وعلى هذا فإن أرسله سليما فلا ضمان.
نعم ربما يؤيد الاطلاق أنه عند الهلاك يجتمع على المحرم في الحرم

(1) تهذيب الأحكام: ب 25 الكفارة عن خطأ المحرم ح 130 ج 5 ص 350.
(2) شرائع الاسلام: كتاب الحج في موجبات الضمان ج 1 ص 289.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 2 ص 281 س 21.
(4) النهاية ونكتها: كتاب الحج في ما يجب على المحرم ج 1 ص 483.
(5) السرائر: كتاب الحج كتاب ما يلزم على المحرم... ج 1 ص 560.
(6) النهاية ونكتها: كتاب الحج باب ما يجب على المحرم من الكفارة ج 1 ص 483، وتحرير
الأحكام: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 118 س 5.
(7) أثبتنا هذه أي " مع الاغلاق " من المتن المطبوع.
319

الأمران، كما في السرائر والتحرير والمنتهى فيما حكي، وظاهر الخبرين
والفتاوى أنه ليس عليه إلا شاة أو حمل أو درهم إلا أن يراد الاغلاق على
حمام الحرم في الحل (1).
وفيه بعد أو يقال: إن إيجاب الشاة فيهما إنما هو لأجل الاحرام،
فلا ينافي ثبوت درهم لأجل الحرم، كما قيل في نظائرهما من الأخبار الواردة
في الجناية على الحمامة وفرخها وبيضها حتى هذا. ولكن الأحوط العمل
بالاطلاق جدا.
(وقيل: إذا نفر حمام الحرم ولم يعد فعن كل طير شاة، ولو عاد
فعن الجميع شاة) والقائل الشيخان ووالد الصدوق والقاضي والديلمي
والحلي وابن حمزة فيما حكاه عنهم جماعة (2)، وتبعهم الفاضل في جملة من
كتبه (3) وغيره.
وقيل: ذكره أكثر الأصحاب، وفي التهذيب ذكر ذلك علي بن الحسين
بن بابويه في رسالته، ولم أجد به حديثا مسندا (4).
أقول: ولعله لذا عزاه الماتن إلى القيل مشعرا بتمريضه.
أقول: ولكن يفهم من عبارة التهذيب المزبورة وجود رواية مرسلة به
فهي تكفي بعد الانجبار بفتوى الأكثر، ولا سيما نحو الحلي الذي لا يعمل

(1) الحاكي هو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 400 س 35.
(2) منهم ابن فهد الحلي في مهذبه: يهاب الحج في كفارات الصيد ج 2 ص 252، والعلامة
السبزواري في ذخيرته: كتاب الحج في كفارات الصيد ص 613 س 24، والمحدث البحراني في
حدائقه: كتاب الحج في كفارات المصيد ج 15 ص 288.
(3) قواعد الأحكام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 463، ومنتهى المطلب: كتاب الحج
في أسباب الضمان ج 2 ص 831 س 13.
(4) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 400 س 4.
320

بأخبار الآحاد إلا بعد احتفافها بالقرائن القطعية.
هذا مضافا إلى صريح الرضوي فيما حكي، وفيه: وإن نفرت حمام الحرم
فرجعت فعليك في كلها شاة وإن لم ترها رجعت فعليك لكل طير دم
شاة (1).
قيل: وفي المنتهى لا بأس به، لأن التنفير حرام، لأنه سبب الاتلاف
غالبا، ولعدم العود، فكان عليه مع الرجوع دم لفعل المحرم، ومع عدم
الرجوع شاة، لما تقدم من أن من أخرج طيرا من الحرم وجب عليه أن
يعيده، فإن لم يفعل ضمنه. ونحوه التذكرة.
وفي المختلف عن الإسكافي من نفر طيور الحرم كان عليه لكل طائر ربع
قيمته، قال: والظاهر أن مقصوده ذلك إذا رجعت، إذ مع عدم الرجوع
يكون كالمتلف، فيجب عليه من كل واحد شاة.
والتنفير والعود يحتملان عن الحرم وإليه، وعن الوكر وإليه، وعن كل
مكان يكون فيه وإليه، والشاك في العدد يبني على الأقل، وفي العود على
العدم.
وهل يختص الحكم بالمحل، كما قيل، فإن كان محرما كان عليه
جزءان؟ وجهان أقواهما التساوي، للأصل من غير معارض.
والأقرب أنه لا شئ في الواحدة مع الرجوع، للأصل، واختصاص
الفتاوى بحكم التبادر والسياق بالجمع، قلنا إن الحمام جمع أم لا، ولأنه لو
وجب فيها شاة لم يكن فرق بين عودها وعدمه، بل ولا تلفها.
ويحتمل المساواة للكثير، كما يتساوى ثلاثة منها وألف، وكما يتساوى
حمامة وجزئها في الفداء عند الأكل، لتحصيل يقين البراءة، ومنع

(1) فقه الرضا - عليه السلام -: ب 31 في الحج ص 229.
321

اختصاص الفتاوى بالجمع، وإنما يعطيه ظاهر قولهم: فعن كل حمامة شاة،
وهو لا يعنيه.
وأما بحسب اللغة فالمحققون على أنها اسم جنس، ولا بعد في تساوي
التنفير والاتلاف (1)
((2) ولو أوقد جماعة نارا فاحترق فيها حمامة أو
شبهها) من الصيد (لزمهم فداء) واحد إذا لم يقصدوا بالايقاد وقوعها
فيها واصطيادها.
(ولو قصدوا) به (ذلك لزم كل واحد منهم فداء) كامل بغير
خلاف، للصحيح (3).
الايقاد حال الاحرام قبل دخول الحرم. وألحق جماعة بذلك المحل في
الحرم بالنسبة إلى لزوم القيمة، أعني الدرهم، وصرحوا باجتماع الأمرين
على المحرم في الحرم (4).
وهو جيد مع القصد إلى الاصطياد، ومشكل مع العدم، لانتفاء النص.
ولو اختلفوا في القصد وعدمه بأن قصد بعض دون بعض اختص كل
بحكمه، فيجب على كل من القاصدين فداء، وعلى من لم يقصد فداء
واحد. ولو كان غير القاصد واحدا فإشكال ينشأ من مساواته القاصد، مع
أنه أخف منه حكما.
واحتمل جماعة وفاقا للدروس مع اختلافهم أن يجب على من لم يقصد

(1) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 400 س 5.
(2) توجد هنا زيادة جملة مهمة في المتن من المطبوع وفي جميع المتون المشروحة المطبوعة وهي: ولو رمى
اثنان فأصاب ضمن كل منهما فداء.
(3) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 211.
(4) مدارك الأحكام: كتاب الحج في موجبات الضمان ج 8 ص 371، وذخيرة المعاد: كتاب الحج
في كفارات الصيد ص 613 س 37.
322

ما كان يلزمه مع عدم قصد الجميع، فلو كانا اثنين مختلفين فعلى القاصد شاة،
وعلى الآخر نصفها، وهكذا لو كان الواقع الحمامة (1). ولا بأس به.
(ولو دل) محرم (على صيد) في الحل أو الحرم محلا أو محرما (أو
أغرى كلبه) وأرسله إليه كذلك (فقتله ضمنه) للتسبيب فيهما، مضافا
إلى الاجماع المحكي فيه عن الخلاف والغنية والصحيحين في الأول.
ففي أحدهما: لا تستحلن شيئا من الصيد وأنت حرام ولا أنت حلال في
الحرم، ولا تدلن عليه محلا ولا محرما فيصطاده، ولا تشر إليه فيستحل من
أجلك، فإن فيه فداء لمن تعمده (2).
واحتمال كون ألف داء فيه على المستحل لا الدال بعيد عن ظاهر
سياقه، ولذا لم يحتمله أحد من الأصحاب، واستدلوا به هناك.
وفي الثاني: المحرم لا يدل على الصيد، فإن دل فقتل فعليه الفداء (3).
قيل: أما الاجماع إنما هو إذا قتل بالدلالة فلا شئ عليه إذا لم يأخذه
المدلول، أو أخذه ثم أرسله وإن أثم، للأصل، وأطلق الفداء جماعة من
الأصحاب.
وفي المختلف أنهم إن قصدوا الاطلاق فهو ممنوع، ثم استدل لهم
بالصحيح الثاني بحذف قوله: (فقتل)، وأجاب بحمله على القيد، وهو
موجود في نسخ الكافي والتهذيب، وكان القيد مرادا لهم. ولا ضمان إن رآه
المدلول قبل الدلالة، لعدم التسبيب والدلالة حقيقة مع الأصل، وكذا إن

(1) الدروس الشرعية: كتاب الحج درس 95 في تروك الاحرام ج 1 ص 360، ومدارك الأحكام:
كتاب الحج في موجبات الضمان ج 8 ص 371، وذخيرة المعاد: كتاب الحج في كفارات الصيد
ص 613 س 38، وكشف اللثام: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 40 س 20.
(2) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب تروك الاحرام ح 1 ج 9 ص 208.
(3) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب تروك الاحرام ح 2 ج 9 ص 208.
323

فعل ما فطن به غيره ولم يكن قصد به ذلك، لخروجه عن الدلالة.
ثم الدال إنما يضمن إذا كان محرما دل محرما أو محلا على صيد في
الحرم أو في الحل، وإن كان محلا دل محرما أو محلا على صيد في الحرم،
ففي المنتهى والتحرير إن في ضمانه نظر.
والصحيح الأول يفيد الضمان وإن دل محل محرما على الصيد في الحل لم
يضمن، وفاقا للتذكرة، لأنه لم يضمن بالمباشرة فبالتسبيب أولى، وتردد في
المنتهى، لأنه أعان على محرم، فكان كالمشارك، وضعفه ظاهر (1).
أقول: لأن غاية الإعانة إفادة الإثم لا الكفارة.
(ومن أحكام الصيد مسائل) ثمانية:
(الأولى: ما يلزم المحرم في الحل) من الفداء أو بدله في النصوص
والقيمة في غيره (والمحل في الحرم) كذلك (يجتمعان على المحرم في
الحرم) بلا خلاف أجده، ولا حكي، إلا عن العماني، فلم يوجب على
المحرم إذا قتل حمامة في الحرم إلا شاة (2). وهو نادر، بل على خلافه الاجماع
في جملة من العبائر، كالانتصار والغنية وشرح الجمل للقاضي، كما
حكي (3).
والنصوص به مع ذلك مستفيضة عموما وخصوصا فيما ذكره، وقد مر
من الثاني الصحيح في قتل الحمامة، والأخبار بمعناه في قتلها وفرخها
وبيضها مستفيضة.
ومن العموم الصحيح: أن الصيد أصبت وأنت حرام في الحرم فالفداء

(1) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 399 س 34.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 2 ص 278 س 3.
(3) الحاكي هو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 403 س 11 و 21 و 31.
324

مضاعف عليك، وإن أصبته وأنت حلال في الحرم فقيمته واحدة، وإن
أصبته وأنت حرام في الحل فإنما عليك فداء واحد (1).
والظاهر أن المراد من الفداء في قوله: (فالفداء مضاعف) ما يعم
القيمة، كما ربما يشعر به سياقه، ورواية أخرى موثقة لراوي هذه
الصحيحة، فإن فيها: ليس عليك فداء شئ أتيته وأنت محرم جاهلا به إذا
كنت محرما في حجك أو عمرتك، إلا الصيد فإن عليك الفداء بجهل كان
أو عمد (2).
ولأن الله تعالى قد أوجبه عليك، فإن أصبته وأنت حلال في الحرم
فعليك قيمة واحدة، وإن أصبته وأنت حرام في الحل فعليك القيمة، وإن
أصبته وأنت حرام في الحرم فعليك الفداء مضاعفا (3).
هذا مضافا إلى النصوص الواردة في الحمامة، فإنها صريحة في أن المجتمع
على المحرم في الحرم الفداء والقيمة، لا الفداء مضاعفا، فتكون صارفة
للفداء في هذه الصحيحة إلى ما يعم القيمة.
وارتكاب التجوز فيها بذلك جمعا أولى من الجمع بتخصيصها بما عدا
الحمامة، لما عرفت، مضافا إلى عدم قائل بهذا التخصيص، إذ الأصحاب
ما بين قائل بما ذكرناه وهم الأكثرون، وقائل بتضاعف الفداء مطلقا، كما
حكي عن الإسكافي (4) والمقنع (5) وأحد قولي المرتضى (6) مخير، أو مردد

(1) وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب كفارات الصيد ح 5 ج 9 ص 241، لكن فيه: إن أصبت الصيد.
(2) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب كفارات الصيد ح 4 ج 9 ص 227.
(3) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب كفارات الصيد ح 5 ج 9 ص 227.
(4) نقله عنه في مختلف الشيعة: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 2 ص 277 س 36.
(5) المقنع: كتاب الحج ص 78.
(6) الإنتصار: فيما يحرم على المحرم ص 99.
325

بينهما، كما عن المفيد (1) والديلمي (2) وابن زهرة (3).
والتخصيص المزبور لا يوافق شيئا من هذه الأقوال، كما ترى، فتعين
ما ذكرنا دليلا وفتوى، لعدم ما يدل على شئ من هذه الأقوال مع إمكان
إرجاعها إلى ما ذكرنا، كما احتمله جماعة من أصحابنا.
وأما الخبر: ما في القمري والدبسي والسمان والعصفور والبلبل؟ قال:
قيمته، فإن أصابه المحرم في الحرم فعليه قيمتان ليس عليه دم (4). فلعله لأنه
ليس لها مثل من النعم، كما عن التذكرة (5) والمنتهى (6).
نعم في بعض الأخبار عن مولانا الجواد في مسألة يحيى بن أكثم القاضي
أن المحرم إذا قتل صيدا في الحل وكان الصيد من ذوات الطير وكان الطير من
كبارها فعليه شاة، وإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا، وإذا قتل
فرخا فعليه حمل فطم من اللبن، وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة
الفرخ، وإن كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة، وإن كان
نعامة فعليه بدنة، وإن كان ظبيا فعليه شاة، وإن كان قتل من ذلك في
الحرم فعليه الجزاء مضاعفا (هديا بالغ الكعبة) (7).
وفيه مخالفة لما ذكرنا، لأن قوله تعالى (8): (هديا بالغ الكعبة) نص

(1) المقنعة: كتاب الحج ب 29 في الزيادات ص 452.
(2) المراسم: كتاب الحج في أحكام الخطأ ص 121.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 513 س 31.
(4) وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب كفارات الصيد ح 7 ج 9 ص 242.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج في أن المحرم يتضاعف عليه الجزاء ج 1 ص 352 س 16.
(6) منتهى المطلب: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 2 ص 833 س 31.
(7) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 187.
(8) في " م " و " مش ": قوله - عليه السلام -.
326

على معنى مضاعفة الجزاء.
قيل: ويجوز أن لا يكون حينئذ فرق بين الفداء والقيمة إلا في الفرخ،
فلذا فرق بينهما فيه دون غيره (1).
وفيه أنه بعد الاغماض عن السند وعدم المكافأة لما مرفوع وجود قائل
بما فيه ولم نجده، وهذه الرواية نص في المضاعفة ولو بلغ الفداء بدنة، كما
عليه الأكثر، وعزاه الحلي بعد اختياره إلى من عدا الشيخ من باقي
الأصحاب (2)، مؤذنا باتفاقهم عليه.
وهو الأظهر، لاطلاق ما مر في المسألة من النص، مؤيدا بصريح هذا
الخبر.
خلافا للماتن هنا وفي الشرائع فقيدها ب‍ (ما) إذا (لم يبلغ
بدنة) (3) وفاقا للشيخ وابن حمزة والقاضي، كما حكي (4)، وتبعهم
الفاضل في جملة من كتبه (5)، للأصل.
ويخصص بما مر، والخبر: إنما يكون الجزاء مضاعفا فيما دون البدنة حتى
يبلغ البدنة، فإذا بلغ البدنة فلا تضاعف (6).
وهو مع ضعفه بالارسال معارض بمثله الصريح المعتضد بإطلاق الصحيح
وغيره.
ودعوى المسالك شهرة هذا القول (7) موهونة، فلا يمكن أن يجبر بها

(1) القائل هو صاحب الكشف: كتاب الحج في كفارات الصيد ح 1 ص 403 س 21.
(2) السرائر: كتاب الحج باب ما يلزم المحرم ج 1 ص 563.
(3) شرائع الاسلام: كتاب الحج في موجبات الضمان ج 1 ص 292.
(4) الحاكي هو صاحب الكشف: كتاب الحج في كفارات الاحرام ص 403، س 36.
(5) منتهى المطلب: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 2 ص 833 س 26.
(6) وسائل الشيعة: ب 46 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 243.
(7) مسالك الأفهام: كتاب الحج في صيد الحرم ج 1 ص 142 س 29.
327

ضعف سند الرواية، مع أنها بدعوى الحلي المتقدمة معارضة، سيما إذا
اعتضدت بالشهرة المتحققة ومع ذلك فما اخترناه أحوط أيضا في المسألة.
(الثانية: يضمن الصيد بقتله عمدا) بأن يعلم أنه صيد فقتله ذاكرا
لاحرامه، كان عالما بالحكم أم لا، مختارا أو مضطرا، إلا في نحو ما مر من
الجراد مما يشق التحرز عنه (وسهوا) بأن يكون غافلا عن الاحرام أو عن
كونه صيدا (وجهلا) بالحكم وخطأ، بأن قصد شيئا فأخطأ إلى الصيد.
ويمكن إدخاله في الجهل، كل ذلك بالاجماع المستفيض النقل،
كالصحاح وغيرها، وظاهرها - كالفتاوى، بل صريح جملة في العمد منها -
تساوي العمد ونحوه الخطأ في وحدة الكفارة، وعدم تضاعفها ولو في العمد.
خلافا للمرتضى في الناصريات (1) والانتصار (2)، فقال: بالتضاعف
في العمد إما مطلقا، كما في الأخير، أو مع قصد نقض الاحرام، كما في
الأول، مستدلا عليه بالاجماع والاحتياط، وبأن عليه مع النسيان جزاء
والعمد أغلظ، فيجب له المضاعفة.
وفي الأول: وهن، إذ لم أر قائلا به سواه.
والثاني: ليس بدليل شرعي.
والثالث: بأنه اجتهاد في مقابلة النص، المصرح بأن الفارق بين العمد
وغيره ليس إلا الإثم (3) الموجب للعقاب، وبه ثبتت الاغلظية، فلا يحتاج
إلى تعدد الكفارة.
(وإذا تكرر) الجناية (خطأ) والمراد به ما عدا العمد (دائما

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الحج م 144 ص 245 س 13.
(2) الإنتصار: فيما يحرم على المحرم ص 99.
(3) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب كفارات الصيد ح 2 و 7 ج 9 ص 226 و 227.
328

ضمن) الكفارة بكل مرة، إجماعا مستفيض النقل، كالصحاح وغيرها،
وستعرف جملة منها إن شاء الله تعالى.
(ولو تكرر عمدا) عالما (ففي ضمانه) الكفارة (في) المرة
(الثانية) والثالثة وهكذا (روايتان) وقولان (أشهرهما:) كما هنا وفي
الشرائع (أنه لا يضمن) (1) وكان ممن ينتقم الله تعالى منه (2).
وعزاه في كنز العرفان إلى أكثر الأصحاب (3)، وعن التبيان أنه ظاهر
مذهب الأصحاب (4)، وعن المجمع أنه الظاهر في رواياتنا (5)، وعن
الخلاف أنه ظاهر كثير من الأخبار (6).
أقول: هي مع ذلك مستفيضة.
ففي الصحيح: فإن عاد فقتل صيدا آخر لم يكن عليه جزاء، وينتقم
الله تعالى منه، والنقمة في الآخرة (7).
وفي آخر: إذا أصاب آخر فليس عليه كفارة، وهو ممن قال الله
عز وجل: (ومن عاد فينتقم الله منه) (8). ونحوهما الخبر (9).
وأصرح منها المرسل - كالصحيح على الصحيح لابن أبي عمير المجمع على

(1) شرائع الاسلام: كتاب الحج في موجبات الضمان ج 1 ص 292.
(2) المائدة: 95.
(3) كنز العرفان: في تفسير الآية 95 من سورة المائدة ص 327.
(4) التبيان: في تفسير الآية 95 من سورة المائدة ج 4 ص 27.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: كتاب الحج في كفارات تروك الاحرام ج 6 ص 419.
(6) الخلاف: كتاب الحج م 278 الضمان في الصيد ج 2 ص 407.
(7) وسائل الشيعة: ب 48 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 244.
(8) وسائل الشيعة: ب 48 من أبواب كفارات الصيد ح 4 ج 9 ص 245.
(9) وسائل الشيعة: ب 48 من أبواب كفارات الصيد ح 5 ج 9 ص 245.
329

قبول مراسيله، كما قيل (1) -: فإن أصابه ثانية متعمدا، فهو ممن ينتقم الله
تعالى والنقمة في الآخرة، ولم يكن عليه الكفارة (2).
وهذه الأخبار صريحة الدلالة وإن لم يتضمن ما عدا الأخير منها التصريح
بالتعمد، إلا أن قوله: (وينتقم الله تعالى منه) صريح في الاختصاص
به، وهي مع ذلك مخالفة لما عليه العامة، إلا النادر منهم، كما صرح به
جماعة موافقة لظاهر الكتاب، فإنه جعل سبحانه جزاء العود الانتقام، بعد
أن جعل جزاء ابتدائه الفدية بمقتضى المقابلة.
والتفصيل قاطع للشركة، ولذا تمسك به في الرواية الأخيرة، بل
الروايات المزبورة كلها لنفي الكفارة عن متعمد العود، فتكون مفسرة للآية،
ومع ذلك معتضدة بالأصل، وسليمة عن المعارض بالكلية، عدا ما قيل:
من الآية، وفيها ما عرفته ومن الاحتياط.
وليس بدليل شرعي وإطلاقات الأخبار بالكفارات، لشمولها المرة
الثانية ولو عمدا.
وفيها منع، لاختصاصها بحكم التبادر بالمرة الأولى، وما عدا العمد
خاصة.
فهي إذن بالنسبة إلى التكرار والعمد بجملة لا حجة فيها بالكلية.
والرواية الثانية، وهي أيضا مستفيضة.
ففي الصحيح: عليه الكفارة في كل ما أصاب (3).
وفي آخر: كلما عاد عليه كفارة (4).

(1) قاله الفاضل المقداد في تنقيحه: كتاب الحج في أحكام الصيد ج 1 ص 547.
(2) وسائل الشيعة: ب 48 من أبواب كفارات الصيد ح 2 ج 9 ص 245.
(3) وسائل الشيعة: ب 47 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 243.
(4) وسائل الشيعة: ب 47 من أبواب كفارات الصيد ح 3 ج 9 ص 244.
330

وفي جملة من الأخبار الصحيحة أنه لا فرق في لزوم الكفارة بين العمد
والخطأ والجهل، وإنما الفارق بين العمد وغيره هو خصوص المؤاخذة.
ففي الصحيح: عن المحرم يصيب الصيد بجهالة أو خطأ أو عمد أهم فيه
سواء؟ قال: لا، قلت: جعلت فداك ما تقول في رجل أصاب الصيد
بجهالة وهو محرم؟ قال: عليه الكفارة، قال: فإن أصابه خطأ؟ قال: عليه
الكفارة، قال: فإن أخذ ظبيا متعمدا فذبحه؟ قال: عليه الكفارة، قال:
قلت جعلت فداك قلت: إن الخطأ والجهالة والعمد ليس سواء فبأي شئ
يفضل المتعمد الخاطئ؟ قال بأنه إثم ولعب بدينه (1).
ولو انفصل العامد عن غيره بشئ غير ذلك لوجب ذكره وبيانه في مقام
الحاجة، وهذه الأخبار ليس شئ منها صريحا، وإنما غايتها الاطلاق،
كالروايات الأخيرة، وقد عرفت عدم انصرافه إلى المرة الثانية.
والعموم كالصحيحين إن كان لفظة (ما) في أولها مصدرية، ويقبل
التخصيص بما عرفته، لحصول التكافؤي الخاص، وقوة الدلالة من وجوه
عديدة، مع أن لفظ (ما) في الرواية الأولى كما يحتمل المصدرية فيتعلق
بموضع المسألة كذا يحتمل كونها موصولة، فتخرج عنه وتصير بالنسبة إليه
مجملة، إذ الكلام فيها ليس في أفراد الصيد من حيث الفردية، بل الاجماع
منعقد على العموم في الافراد من هذه الحيثية.
ولا يلحظ في هذا خصوص المرة الأولى أو الثانية، وإنما الكلام فيها من
حيث الأحوال، من حيث التكرار والمرة.
وليس في الرواية على تقدير الموصولية إشارة إلى العموم من هذه الجهة،
بل هي بالنسبة إليها مجملة، فلا يمكن التمسك بها حينئذ لاثبات العموم من

(1) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب كفارات الصيد ح 3 ح 9 ص 226.
331

هذه الجهة.
وأما تأيد هذه الأخبار بالأولوية وجملة من الأمور الاعتبارية فلا وجه
له، بعد ضعف أصل الأخبار دلالة، ومعارضتها بأقوى منه من وجوه شتى.
فإذن القول الأول أقوى، وفاقا للصدوق في الفقيه والمقنع والتهذيبين
والمهذب والجامع، كما حكي (1)، والشهيدين في النكت (2) والمسالك (3)
وسبط الثاني في المدارك (4)، وكثير ممن تأخر عنه، بل قد عرفت دعوى
شهرته في المتن وغيره، بل أنه ظاهر الأصحاب.
خلافا للحلي (5) والسيدين (6) والحلبي (7) والفاضل في جملة من
كتبه (8)، والفاضل المقداد في الكنز والشرح (9) وغيرهم.
واعلم أن ظاهر الكتاب والروايات النافية للتكرار مع العمد إنما هو في
صيد الاحرام مطلقا، دون الحرم للمحل والعمد بعد العمد، وفي الاحرام
الواحد دون المتعدد، فتكرر الكفارة في صيد الحرم ولو للمحل مطلقا عمدا
على الأقوى، وفاقا للشهيد الثاني (10) وغيره، وفي العمد بعد الخطأ أو

(1) الحاكي هو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 404 س 14.
(2) لا يوجد لدينا كتابه.
(3) مسالك الأفهام: كتاب الحج في صيد الحرم ج 1 ص 143 س 2.
(4) مدارك الأحكام: كتاب الحج في موجبات الضمان ج 8 ص 395.
(5) السرائر: كتاب الحج في ما يلزم المحرم عن جناياته ج 1 ص 563.
(6) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج في أحكام ما يقع من المحرم ص 513 س 36،
والانتصار: فيما يحرم على المحرم ص 99.
(7) الكافي في الفقه: كتاب الحج ص 205.
(8) منتهى المطلب: كتاب الحج في الصيد ج 2 ص 819 س 2.
(9) كنز العرفان: في تفسير الآية 95 من سورة المائدة ص 327، والتنقيح الرائع: كتاب الحج في
أحكام الصيد ج 1 ص 547.
(10) مسالك الأفهام: كتاب الحج في الصيد الحرم ج 1 ص 142 س 31.
332

النسيان والعكس بلا خلاف، كما قيل (1).
وفي الاحرامين مطلقا لعامين مطلقا ولو قربت الجنايتان فيهما زمانا لعام
واحد لم يرتبط أحدهما بالآخر أو ارتبطا، كإحرام العمرة المتمتع بها مع
حجها، على إشكال في الأخير، ولكن الأحوط، بل الأقوى التكرار فيه
أيضا.
(الثالثة: لو اشترى محل بيض نعام لمحرم فأكله المحرم ضمن)
المحرم (كل بيضة) أكلها (بشاة، وضمن المحل عن كل بيضه
درهما) كما في الصحيح (2)، ولا خلاف فيه أجده، وفي المسالك الاتفاق
عليه (3).
ولم يفرق فيه ولا في الفتاوي بين كون المشتري أو الأكل في الحل أو
الحرم، وفي المسالك أنه في الحل (4).
فعلى الأكل في الحرم المضاعفة، وعلى المشتري فيه أكثر الأمرين من
الدرهم والقيمة، ولا بأس بالأخير احتياطا، وبالأول فتوى، وجمعا بين
الصحيح وما دل على المضاعفة على المحرم في الحرم، لعدم التعارض بينهما.
ومنه يتوجه ما قيل من أن الشاة فداء الأكل خاصة، فلو انضم إليه
الكسر لزم أيضا الارسال إن لم يتحرك الفرخ.
وهل الأخذ بغير شراء كالشراء احتمال قريب، وإن كان المشتري
أيضا محرما وكان مكسورا أو مطبوخا أو فاسدا لم يكن عليه إلا درهم،

(1) القائل هو الفاضل المقداد في تنقيحه: كتاب الحج في أحكام الصيد ج 1 ص 548.
(2) وسائل الشيعة: ب 57 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 252.
(3) مسالك الأفهام: كتاب الحج في توابع الصيد ج 1 ص 143 س 4.
(4) مسالك الأفهام: كتاب الحج في توابع الصيد ج 1 ص 143 س 8.
333

لإعانته؟ المحرم على أكله.
وفحوى ما دل على ثبوته على المحل وإن كان صحيحا فدفعه إلى المحرم
كذلك كان مسببا للكسر، فعليه ما عليه إن باشره، وإن كسره بنفسه
فعليه فداء الكسر.
قيل: وكان الطبخ مثله ثم عليه، لدفعه إلى الآكل الدرهم، وإن
اشتراه المحرم لنفسه لم يكن عليه للشراء شئ، كما لا شئ على من اشترى
غير البيض من صيد أو غيره، وإن أساء وأثم، للأصل، وبطلان القياس
ومنع الأولوية (1).
(الرابعة: لا يملك المحرم صيدا) باصطياد، ولا ابتياع، ولا اتهاب،
ولا غير ذلك من ميراث، ووصية، وصلح، ووقف، وشبهها إن كان
(معه) في الحل أو الحرم، على ما يقتضيه إطلاق العبارة هنا وفي
الشرائع (2) والقواعد (3) ونحوها.
قيل: لعموم الآية، ولما عرفت من زوال ملكه عنه بالاحرام، فعدم
التملك أولى، وضعفهما ظاهر مما مضى، نعم إن ثبت الاجماع على زوال
الملك قوي العدم (4).
(ويملك ما ليس معه) كما لا يزول ملكه عما ليس معه.
ولا يجب إرساله، للأصل من غير معارض، لكن عموم الآية معارض
إن استند إليه فيما معه.

(1) القائل هو صاحب الكشف: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 404 س 36.
(2) شرائع الاسلام: كتاب الحج في التوابع ج 1 ص 293.
(3) قواعد الأحكام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 98.
(4) القائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 401 س 25.
334

قيل: وفي التحرير والتذكرة والمنتهى إن ذلك في الحرم، أما في الحل
فالوجه التملك، لأن له استدامة الملك فيه فكذا ابتداؤه مع قطعه فيها بزوال
ملكه عنه باحرامه، فاحتجاجه له بأن استدامة الامساك كابتدائه، وهو
يعم المحرم في الحرم وفي الحل، وقيل: في المبسوط أنه لا يدخل بالاتهاب في
ملكه وأطلق.
ولا يجوز له شئ من الابتياع وغيره من أنواع التملك، وأن الأقوى أنه
يملك الميراث، ولكن إن كان معه وجب عليه إرساله، وإلا بقي على ملكه
ولم يجب إرساله، وهو قوي، لأن الملك هنا ليس بالاختيار ليدخل في عموم
الآية بالتحريم، فيرثه بعموم أدلة الإرث، وإنما الذي باختياره الاستدامة،
فلذا وجب الارسال إن كان معه، وهو مقرب التذكرة، وفيها وفي المنتهى
إن الشيخ قائل به في الجميع، والذي في المبسوط يختص بالإرث، وهو
المنقول في المختلف (1).
(الخامسة: لو اضطر) المحرم (إلى أكل الصيد) في مخمصة جاز له
أكله بقدر ما يمسك به الرمق، وضمن الفداء بالاجماع الظاهر المصرح به في
جملة من العبائر (2)، وبالنصوص، ومنها الأخبار الآتية المرخصة لأكلها مع
الميتة، فبدونها أولى.
ولو كان عنده مع الصيد (ميتة ففيه روايتان) باختلافهما اختلف
الأصحاب على أقوال، ولكن أصحهما و (أشهرهما) كما هنا وفي التنقيح
أنه (يأكل الصيد ويفديه) (3).

(1) نقله صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 401 س 27.
(2) منتهى المطلب: كتاب الحج في تحريم أكل الصيد ج 2 ص 805، ومدارك الأحكام: كتاب الحج
في توابع الصيد ج 8 ص 399.
(3) التنقيح الرائع: كتاب الحج في أسباب الضمان ج 1 ص 550.
335

وهي مع ذلك صحاح مستفيضة مؤيدة بغيرها من المعتبرة،
وباختصاص الميتة بالحرمة الأصلية، وبالخبث، وفساد المزاج (وإفساده
المزاج) (1) وبالمخالفة لما عليه أكثر العامة ورؤسائهم، ومنهم أصحاب الرأي
وهم أصحاب أبي حنيفة على ما حكاه عنهم جماعة (2)، وعمل بها المفيد (3)
والديلمي (4) والمرتضى، مدعيا عليه في الانتصار الاجماع (5).
وظاهر إطلاقها كالمتن ونحوه توقف الأكل على الفداء، ولا ريب فيه
مع إمكان الفداء.
ويشكل مع عدم إمكانه، إذ لم يذكروا كأكثر النصوص حكمه حينئذ.
وظاهر المتن عدم جواز أكل الميتة هنا أيضا لمقابلته هذا القول الذي
اختاره بقوله: (وقيل: إن لم يمكن الفداء أكل الميتة) ومفهومه أنه أكل
الصيد مع الفداء إن أمكنه.
ووجه الفرق بين القولين حينئذ أنه يأكل الميتة مع عدم التمكن من
الفداء على القول الثاني، ولا على الأول، بل يرجع فيه إلى القواعد المقررة،
كما في المهذب (6) وشرح الكتاب قال: وهي أن الصيد إن كان نعامة
انتقل إلى أبدالها حتى ينتهي إلى ما يلزم العاجز وهو الصوم، وكذا إن كان
ظبيا أو غيرهما، فهذا فرق ما بينهما فاعرفه (7).

(1) ما بين القوسين غير موجود في " م ".
(2) منهم مدارك الأحكام: كتاب الحج في توابع الصيد ج 8 ص 402، وذخيرة المعاد: كتاب الحج
في كفارات الصيد ص 615 س 24.
(3) المقنعة: كتاب الحج باب الكفارة عن خطأ ص 438.
(4) المراسم: كتاب الحج ص 121.
(5) الإنتصار: فيما يحرم على المحرم ص 100.
(6) المهذب: كتاب الحج في ما يلزم المحرم على جناياته ج 1 ص 230.
(7) المهذب البارع: كتاب الحج في الصيد ج 2 ص 261.
336

وفي التنقيح أن الفارق بينهما هو أن الأكل في القول الأول رخصة، وفي
الثاني عزيمة (1).
وظاهرهما، بل وغيرهما أن المعتبر من التمكن وعدمه إنما هو وقت
الاضطرار إلى الأكل، كما عن الإسكافي (2) الذي هو أحد القائلين بالقول
الثاني.
وفيه نظر، بل الأظهر أنه مع عدم التمكن من الفداء وقت الاضطرار
يأكل الصيد، ويقضي الفداء إذا رجع إلى ماله، كما في الموثق. ونحوه
الصحيح المروي عن المحاسن، والرواية الثانية تضمن الأمر بأكل الميتة مطلقا.
وهي روايتان قاصرتا السند، بل ضعيفتان فلا يعترض بهما الأخبار
السابقة مع ما هي عليه من المرجحات المزبورة، وإن رجحت هذه أيضا
بأمور اعتبارية، لكنها مع ضعفها في نفسها ومعارضتها بمثلها لا تقابل
المرجحات المزبورة، مع أنه لا قائل بإطلاقها، كما يستفاد من العبارة بل
وغيرها.
فهي إذن شاذة.
والجمع بينها وبين الأخبار الأولة بحملها على صورة التمكن من الفداء
وهاتين على العدم - كما ذهب إليه أرباب القول الثاني وهم الشيخ في
النهاية (3) والمبسوط (4) والقاضي في المهذب (5) والفاضلان في الشرائع (6)

(1) التنقيح الرائع: كتاب الحج في أسباب الضمان ج 1 ص 552.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 2 ص 279 س 22.
(3) النهاية ونكتها: كتاب الحج في ما يجب على المحرم... ج 1 ص 494.
(4) المبسوط: كتاب الحج فيما يلزم من الكفارة ج 1 ص 349.
(5) المهذب: كتاب الحج باب ما يلزم المحرم على جناياته ج 1 ص 228.
(6) الشرائع: كتاب الحج في التوابع ج 1 ص 293.
337

والقواعد (1) وغيرهما - لا وجه له. كما لا وجه للجمع بينهما بالتخيير، كما عن
الصدوق، إذ هو فرع التكافؤ المفقود في المقام، كما مر، مضافا إلى عدم
الشاهد عليهما.
وبالجملة: فما اختاره الماتن هنا أقوى.
(السادسة: إذا كان الصيد) الذي جنى عليه المحرم (مملوكا
ففداؤه) الذي لزمه بجنايته (للمالك) دون الله سبحانه، كما هنا وفي
الشرائع (2) والارشاد (3) والقواعد (4).
وفي المسالك هكذا أطلق الأكثر، والمفهوم من الفداء ما يلزم المحرم
بسبب الجناية على الصيد من مال أو صوم أو إرسال، وهو شامل أيضا لما
إذا زاد قيمة الصيد المملوك أو نقص، ولما إذا كانت الجناية غير موجبة
لضمان الأموال، كالدلالة على الصيد مع المباشرة، ولما كانت للمالك فيه
نفع وغيره كالارسال إذا لم ينتج شيئا والصوم، ولما إذا كانت الجناية من
المحرم في الحل أو من المحل في الحرم، فيشمل ما يجتمع فيه القيمة والجزاء،
ومقتضاه أنه لا يجب لله تعالى سوى ما يجب للمالك، مع أن القواعد
المستقرة ضمان الأموال بالمثل أو القيمة.
وكيف كان، وكما يقتضي الحال في هذه المسألة ضمان ما هو أزيد من
ذلك كما إذا زاد الجزاء عن القيمة أو اجتمع عليه الأمران قد يقتضي
ضمان ما هو أقل، بل ما لا ينتفع به المالك فلا يكون الاحرام موجبا

(1) قواعد الأحكام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 96 س 8.
(2) شرائع الاسلام: كتاب الحج في التوابع ج 1 ص 293.
(3) إرشاد الأذهان: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 1 ص 321.
(4) قواعد الأحكام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 98 س 8.
338

للتغليظ عليه زيادة على الاحلال، فيتحصل في هذه المسألة مخالفة في أمور.
ثم عدها وأنهاها إلى اثني عشر أمرا.
ثم قال: إلى غير ذلك من المخالفات، للأصل المتفق عليه من غير
موجب يقتضي المصير إليه، وقد ذهب جماعة من المحققين منهم العلامة في
التذكرة والتحرير والشهيد في الدروس والمحقق الشيخ علي إلى أن فداء
المملوك لله تعالى، وعليه القيمة لمالكه، وهذا هو الأقوى، لأنه قد اجتمع
في الصيد المملوك حقان لله تعالى باعتبار الاحرام والحرم، وللآدمي باعتبار
الملك، والأصل عدم التداخل.
فحينئذ ينزل الجاني منزلة الغاصب والقابض بالسوم، ففي كل موضع
يلزمه الضمان يلزمه هنا كيفية وكمية، فيضمن القيمي بقيمته، والمثلي
بمثله، والأرش في موضع يوجبه للمالك، وتجب عليه ما نص الشارع عليه
هنا لله تعالى، ولو كان دالا ضمن الفداء لله تعالى خاصة، انتهى (1).
وهو حسن، وما اختاره خيرة الشيخ في الخلاف (2) والمبسوط (3) أيضا،
كما حكاه عنه جماعة مختارين له أيضا، بل زاد بعضهم فقال: أنه مذهب
المتأخرين كافة، بل ذكروا أنه ظاهر المنتهى دعوى الاتفاق عليه منا (4).
(ولو لم يكن) الصيد الذي جنى عليه (مملوكا) لأحد (تصدق به)
إن لم يكن حيوانا، كما لو كان الواجب الأرش أو القيمة أو كف من
طعام، فلو كان حيوانا كالبدنة والبقرة وجب ذبحه أولا بنية الكفارة، ثم
التصدق به على الفقراء والمساكين بالحرم، ولا يجب التعدد.

(1) مسالك الأفهام: كتاب الحج في توابع الصيد ج 1 ص 143 س 34.
(2) الخلاف: كتاب الحج م 286 ج 2 ص 411.
(3) المبسوط: كتاب الحج في ما يلزم المحرم من الكفارة ج 1 ص 345،.
(4) منتهى المطلب: كتاب الحج في تحريم الصيد ج 2 ص 819 س 33.
339

ويجب الصدقة بجميع أجزائه مع اللحم والنية عند الصدقة أيضا ولا يجوز
الأكل منه، فلو أكل ضمن قيمة ما أكل على الأقوى، كما في
المسالك (1)، كل ذلك للنصوص والأصول.
(وحمام الحرم) إذا جنى عليه (يشتري بقيمته علف لحمامه)
للأمر به فيما مر من الصحيح وغيره، ولكن مر أن الأصح جواز التصدق
بقيمته أيضا مخيرا بينهما، وإن كان الأول أفضل وأحوط وأولى.
(السابعة): كل (ما يلزم المحرم) من فداء (يذبحه أو ينحره بمنى
إن كان حاجا وإن كان معتمرا فبمكة) كما هنا وفي الشرائع (2)
والقواعد (3) وعن الخلاف (4) والمراسم (5) والاصباح (6) والإشارة (7)
والفقيه (8) والمقنع (9) والغنية (10).
قيل: وفيه التنصيص على تساوي العمرة المبتولة والمتمتع بها (11)، لقول

(1) مسالك الأفهام: كتاب الحج في توابع الصيد ج 1 ص 144 س 14.
(2) شرائع الاسلام: كتاب الحج في التوابع ج 1 ص 293.
(3) قواعد الأحكام: كتاب الحج في كفارات الأحكام ج 1 ص 95 س 16.
(4) الخلاف: كتاب الحج م 344 ج 2 ص 444.
(5) المراسم: كتاب الحج ص 121.
(6) نقله عنه في كشف اللثام: كتاب الحج في أمكنة الهدايا والضحايا ج 1 ص 373 س 3.
(7) إشارة السبق (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 130 س 27.
(8) من لا يحضره الفقيه: كتاب الحج باب ما يجب على المحرم في أنواع ما يصيب من الصيد ج 2
ص 371.
(9) المقنع: كتاب الحج ص 79.
(10) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج في الذبح ص 520 س 2.
(11) قاله الفاضل الهندي في كشف اللثام: كتاب الحج في أمكنة الهدايا والضحايا ج 1 ص 373 س 4.
340

مولانا الجواد - عليه السلام - للمأمون فيما رواه المفيد في الارشاد عن الريان بن
شبيب عنه - عليه السلام -: وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه وكان
إحرامه بالحج نحره بمنى، وإن كان إحرامه بالعمرة نحره بمكة (1).
وفيما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن محمد بن الحسن عن محمد بن
عون النصيبي (2).
وفيما أرسله الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول: والمحرم بالحج ينحر
الفداء بمنى حيث ينحر الناس، والمحرم بالعمرة ينحر الفداء بمكة (3).
وفي جمل العلم والعمل (4) والمقنعة (5) والكافي (6) والمهذب (7) وروض
الجنان (8) والنهاية (9) والمبسوط (10) والوسيلة (11) والجامع (12 أن جزاء
الصيد يذبحه الحاج بمنى والمعتمر بمكة، ونص في الأربعة الأخيرة على إن
للمعتمر أن يذبح غير كفارة الصيد بمنى، وفي المهذب (13) على جوازه في

(1) الارشاد: باب طرف الأخبار عن مناقب أبي جعفر - عليه السلام - ص 322.
(2) تفسير القمي: في تفسير سورة المائدة ج 1 ص 184.
(3) تحف العقول: في ما روي عن الإمام محمد الجواد - عليه السلام - ص 453.
(4) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الحج فيما يلزم المحرم... ص 72.
(5) المقنعة: كتاب الحج باب الكفارة عن خطأ ص 438.
(6) الكافي في الفقه: كتاب الحج ص 206.
(7) المهذب: كتاب الحج باب ما يتعلق بذلك البدنة ج 1 ص 230.
(8) روض الجنان: في تفسير الآية 95 من سورة المائدة ج 4 ص 333.
(9) النهاية: كتاب الحج باب ما يجب على المحرم... ج 1 ص 485.
(10) المبسوط: كتاب الحج فيما يلزم المحرم من الكفارة ج 1 ص 345.
(11) الوسيلة: كتاب الحج في بيان الكفارات ص 171.
(12) الجامع للشرائع: كتاب الحج في باب كفارات الاحرام ص 196.
(13) المهذب: كتاب الحج باب ما يتعلق بذلك البدنة ج 1 ص 330.
341

العمرة المبتولة، وفي روض الجنان (1) على جوازه وأطلق، وفي الكافي (2) على
أن العمرة المتمتع بها كالمبتولة في ذبح جزاء الصيد بمكة، وفي السرائر (3)
والوسيلة (4) وفقه القرآن (5) للراوندي وظاهر الخلاف (6) أنها كالحج في ذبحه
بمنى.
ويدل على الحكم في جزاء الصيد مع ما سمعت الصحيح: من وجب
عليه فداء صيد أصابه محرما، فإن كان حاجا نحر هديه الذي يجب عليه
بمنى، وإن كان معتمرا نحره بمكة قبالة الكعبة (7).
والخبر: في المحرم إذا أصاب صيدا فوجب عليه الهدي فعليه أن ينحره إن
كان في الحج بمنى حيث ينحر الناس، وإن كان في عمرة نحر بمكة، وإن
شاء تركه إلى أن يقدم فيشتريه فإنه يجزي عنه (8).
يعني - وهو أعلم بما ذكره الشيخ - من أنه لا يجب الشراء من حيث
صادوا السياق إلى مكة أو منى، وإن كان أفضل.
وأوجبه الحلبيان (9)، للصحيح المقطوع: يفدي المحرم فداء الصيد من
حيث صاد (10).

(1) روض الجنان: في تفسير الآية 95 من سورة المائدة ج 4 ص 333.
(2) الكافي في الفقه: كتاب الحج ص 206.
(3) السرائر: كتاب الحج في باب ما يلزم المحرم عن جناياته ج 1 ص 564.
(4) الوسيلة: كتاب الحج في بيان الكفارات ص 171.
(5) فقه القرآن: كتاب الحج في ما يجب على المحرم ج 1 ص 309.
(6) الخلاف: كتاب الحج م 344 ج 2 ص 444.
(7) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 245.
(8) تهذيب الأحكام: ب 25 من أبواب الكفارة عن خطأ ح 213 ج 5 ص 373.
(9) الكافي في الفقه: كتاب الحج ص 206، والغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج في
الذبح ص 520 س 2.
(10) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 247.
342

وفي كفارة غير الصيد الصحيح: عن كفارة العمرة المفردة أين تكون؟
قال: بمكة، إلا أن يشاء صاحبها أن يؤخرها إلى منى، ويجعلها بمكة أحب
إلي (1).
ودليل اختصاصه بغير الصيد الآية، والمرسل: من وجب عليه هدي في
إحرامه فله أن ينحره حيث شاء إلا فداء الصيد، فإن الله تعالى يقول:
(هديا بالغ الكعبة) (2).
وفي المختلف وليس في هذه الروايات تصريح بالعمرة المتمتع بها،
والأولى إلحاق حكمها بالعمرة المبتولة، كما قاله الحلبي، لا بالحج، كما قاله
ابن حمزة والحلي، لنا: صدق عموم العمرة عليها (3)، انتهى.
وعن والد الصدوق جواز ذبح فداء الصيد في عمرة المتمتع (4).
أقول: قيل: للرضوي (5). وفي مقاومته لما مر ضعف ظاهر.
فإذن المتجه إلحاقها بالمفردة، وفاقا لمن مر.
ويتحصل من جملة ما سبق من الأقوال والأخبار أنه لا إشكال، بل
ولا خلاف فتوى في تعين منى لفداء الحاج مطلقا في جزاء الصيد أو غيره،
والأخبار متفقة عليه أيضا، إلا المرسلة المتقدمة فإنها شاملة لفدائه أيضا في
غير جزاء الصيد.
ولكنها لضعفها وإرسالها وعدم مقاومتها لشئ مما قابلها غير صالحة
للحجية، فضلا عن المعارضة، فلتكن مطرحة، أو مقيدة بالمعتمر، كما في

(1) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب كفارات الصيد ح 4 ج 9 ص 246.
(2) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب كفارات الصيد ح 3 ج 9 ص 246.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الحج في العمرة ج 2 ص 319.
(4) نقله عنه في مختلف الشيعة: كتاب الحج في العمرة ج 2 ص 319 س 16.
(5) فقه الرضا - عليه السلام -: باب 31 في الحج وما يستعمل فيه ص 229.
343

الصحيحة السابقة عليها وإن عمت جزاء الصيد لوجوب تخصيصها بغيره، لما
عرفت من الآية، مضافا إلى الصحيحة المتقدمة المسندة والرواية التي بعدها.
والجمع بينهما بذلك أولى من حمل الروايتين على الاستحباب لهذه
الصحيحة فلا إشكال أيضا في تعين مكة للمعتمر في فداء الصيد.
وفي تعينها له في غيره أيضا - كما هو ظاهر إطلاق المتن ومن مر، أم
لا إشكال ولا اختلاف، والأحوط الأول، وإن كان في تعينه نظر،
لاستلزامه طرح الصحيحة المجوزة لمنى، مع أفضلية مكة.
ولا كذلك لو لم يتعين، فإنه يجتمع بذلك الأخبار بعضها مع بعض،
بحمل، إطلاق الأخبار الأولة بأن محل فداء المعتمر مكة على فداء الصيد
لا غيره، جمعا بينها وبين صريح هذه الصحيحة، بل ربما كان سياق بعضها
ظاهرا فيه دون غيره، كسا صرح به بعض الأصحاب (1).
(الثامنة: من أصاب صيدا فداؤه شاة، فإن لم يجدها أطعم
عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام في الحج) كما في
الصحيح (2) وأفتى به الماتن هنا والفاضل في صريح التحرير وظاهر التذكرة
والمنتهى، كما قيل (3)، وشيخنا في المسالك (4) والقاضي فيما حكاه عنه
الصيمري (5).
وهو متوجه، لصحة الرواية، صراحتها، وعدم ظهور مخالفتها للأصول

(1) مدارك الأحكام: كتاب الحج في التوابع الصيد ج 8 ص 405.
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب كفارات الصيد وتوابعها ح 11 ج 9 ص 186.
(3) القائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 404 س 40.
(4) مسالك الأفهام: كتاب الحج في افساد الحج ص 144 س 14.
(5) غاية المرام: كتاب الحج ص 83 (مخطوط).
344

المقطوع بها، حتى ترد، أو يتردد فيها، كما هو ظاهر الماتن في الشرائع (1)
والفاضل في القواعد (2)، ولذا عدل الماتن عنه إلى الفتوى بها هنا.
وهو أولى، إلا أنه ليس فيها (إن صام الثلاثة أيام في الحج) في النسخ
المروية في التهذيب عنه، ولا ظفرنا بخبر آخر فيه ذلك، وبذلك صرح
جماعة (3)، ولكن ذكره الماتن في الكتابين والفاضل في القواعد والتذكرة
- كما قيل - وفي المنتهى والمختلف (4).
فالحكم بذلك مشكل، بل المتجه الاطلاق، كما في التحرير (5). ولكن
ما هنا من التقييد بالحج أحوط.
ثم إنه ليس في الرواية أيضا إضافة الكفارة إلى الصيد، بل هي
مطلقة، لكن سياقها ظاهر في كفارته خاصة، فإن فيها كل من أصاب
شيئا فداؤه بدنة، وإن عجز عنها أطعم ستين مسكينا، لكل مسكين مدا،
فإن عجز صام ثمانية عشر يوما، ومن كان عليه شئ من الصيد فداؤه بقرة
فعجز عنها أطعم ثلاثين مسكينا، فإن عجز صام تسعة أيام، ومن كان
عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام (6).
وبشهادة السياق بذلك صرح جماعة (7)، قال بعضهم: للنص على

(1) شرائع الاسلام: كتاب الحج في التوابع ج 1 ص 193.
(2) قواعد الأحكام: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 1 ص 98 س 12.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الحج في توابع الصيد ج 8 ص 406، وكشف اللثام: كتاب الحج في
كفارات الاحرام ج 1 ص 404 س 38.
(4) القائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 404 س 39.
(5) تحرير الأحكام: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 1 ص 119 س 4.
(6) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب كفارات الصيد ح 11 ج 9 ص 186.
(7) مدارك الأحكام: كتاب الحج في توابع الصيد ج 8 ص 406، وكشف اللثام: كتاب الحج في
كفارات الاحرام ج 1 ص 404 س 40.
345

الصيد في الأخيرين (1). وهو كما ترى.
ويمكن أن يمنع الشهادة، بناء على المختار من أن العبرة بعموم اللفظ.
والجواب: لا خصوص المحل والسؤال.
وعليه، فيدخل في عمومها الشاة الواجبة بغيره من المحظورات. فتأمل.
(ويلحق بهذا الباب مسائل):
الأولى: في بيان (صيد الحرم، وهو) أي الحرم (بريد) أربعة
فراسخ (في بريد) مثلها، بلا خلاف فيه بين المسلمين على الظاهر، كما
في الذخيرة.
وفيها: أنه محدود بعلامات هناك، وقد مر في بحث القبلة ما يدل
عليه، ورواه الشيخ في الموثق: حرم الله تعالى حرمة بريدا في بريدان يختلا
خلاه ويعضد (2)، وقد مر في بحث شجر الاحرام (3).
إذا عرفت ذلك (ف‍) اعلم أن (من قتل فيه صيدا ضمنه) بقيمته
مطلقا (ولو كان محلا) ويزيد عليه الفداء على التفصيل الذي مضى لو
كان محرما.
والمقصود بالبحث هنا المحل خاصة، وقد مر من الأخبار ما يدل عليه،
وهي صريحة في أن اللازم عليه إنما هو القيمة، كما ذكرنا، وفاقا للأكثر،
بل قيل: إنه اجماع، كما في المدارك (4).
خلافا للمحكي فيه، وفي غيره عن. الشيخ فقال: عليه دم (5). وهو

(1) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 404 س 40.
(2) ذخيرة المعاد: كتاب الحج في الكفارات ص 616.
(3) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب المزار وما يناسبه ح 5 ج 10 ص 285.
(4) مدارك الأحكام: كتاب الحج في صيد الحرم ج 8 ص 377.
(5) مختلف الشيعة: كتاب الحج في كفارات الاحرام ص 278 س 10.
346

ضعيف.
ولو اشترك جماعة محلون في قتله ففي وجوب القيمة على كل واحد منهم
وعلى جميعهم قيمة واحدة وجهان، أجودهما الثاني، وفاقا للمحكي عن
الشيخ (1) وغيره، لأصالة البراءة، وحرمة القياس على المحرمين.
خلافا لشيخنا في المسالك (2) فالأول، ولا ريب أنه أحوط.
ثم في المسالك وكما يحرم على المحل قتل الصيد في الحرم يحرم عليه
أسبابه من الدلالة والإعانة وغيرهما.
(وهل يحرم) على المحل رمي الصيد (وهو) أي الصيد (يؤم
الحرم) ويقصده؟ قولان، للشيخ في التهذيب (3) والنهاية (4) والمبسوط (5)
فالتحريم، وفي الاستبصار فالكراهة (6)، وحكي عن الحلي (7) والصدوق في
الفقيه (8)، وهو خيرة أكثر المتأخرين، بل عامتهم.
وفي قوله: (الأشهر الكراهة) ونحوه قول الفاضل المقداد (9) في الشرح
دلالة على شهرته بين القدماء أيضا، وبذلك يوهن الاجماع المنقول عن

(1) مدارك الأحكام: كتاب الحج، في صيد الحرم ج 8 ص 378، والمبسوط: كتاب الحج في ذكر ما
يلزم المحرم من الكفارة ج 1 ص 346.
(2) المسالك: كتاب الحج في الضمانات ج 1 ص 141.
(3) تهذيب الأحكام: ب 25 من أبواب الكفارة عن خطأ المحرم وتعديه ج 5 ص 359 ذيل حديث
161.
(4) النهاية ونكتها: كتاب الحج في كفارة الصيد ج 1 ص 490 - 491.
(5) المبسوط: كتاب الحج في ما يلزم المحرم من الكفارة ج 1 ص 343.
(6) الاستبصار: ب 132 في من رمى صيدا يؤم الحرم ذيل الحديث 4 ج 2 ص 206.
(7) السرائر: كتاب الحج في ما يلزم المحرم عن جناياته ج 1 ص 566.
(8) من لا يحضره الفقيه: باب تحريم صيد الحرم وحكمه ح 2361 ج 2 ص 260.
(9) التنقيح الرائع: كتاب الحج في أحكام الصيد ج 1 ص 553.
347

الخلاف (1) على التحريم.
فالكراهة أقوى، عملا بالأصل السليم عما يصلح للمعارضة، إذ ليس
سوى الاجماع المنقول، وقد عرفت جوابه.
وما استدل به في التهذيب على التحريم من المرسل كالصحيح: يكره أن
يرمى الصيد وهو يؤم الحرم (2).
والموثق: عمن استقبله صيدا قريبا من الحرم وهو متوجه إلى الحرم فرماه
فقتله ما عليه في ذلك؟ قال: يفديه على نحوه (3).
وهما مع قصور سندهما ودلالتهما، إذ لفظ الكراهة في الأول إن لم نقل
بظهوره في الجواز فلا ريب أنه أعم من التحريم، فحمله عليه يحتاج إلى دليل
وليس، بل الأصل يقتضي الحمل على الكراهة.
ووجوب الفداء في الثاني على تقدير تسليمه لا يدل على تحريم رميه،
ولذا قال به بعض من قال بكراهة رميه.
معارضان بأجود منهما سندا ودلالة، وهو الصحيح الآتي المتضمن لنفي
الجزاء، معللا بأنه نصب حيث نصب، وهو له حلال، ورمى حيث
رمى، وهو له حلال.
(ولو أصابه) المحل في الحل (فدخل الحرم فمات) فيه (لم يضمن
على أشهر الروايتين) وأصحهما وأظهرهما، وفاقا للحلي (4) والفاضل في
المختلف (5) وأكثر المتأخرين، وهو الصحيح المروي في الكتب الثلاثة (6)،

(1) نقله عنه صاحب الكشف: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 402.
(2) تهذيب الأحكام: ب 25 في الكفارة عن خطأ المحرم ح 162، 164 ج 5 ص 359 و 360.
(3) تهذيب الأحكام: ب 25 في الكفارة عن خطأ المحرم ح 162، 164 ج 5 ص 359 و 360.
(4) السرائر: كتاب الحج في ما يلزم المحرم عن جناياته ج 1 ص 566.
(5) مختلف الشيعة: كتاب الحج في كفارات الاحرام ص 278 س 24.
(6) تهذيب الأحكام: ب 25 في الكفارة عن خطأ المحرم... ح 165 ج 5 ص 359، والاستبصار:
ب 132 في من رمى صيدا ح 4 ج 2 ص 206، والكافي: كتاب الحج في صيد الحرم وما تجب
فيه الكفارة ح 14 ج 4 ص 235.
348

والعلل كذلك باختلاف ما يسير.
وفيه: عن رجل رمى صيدا في الحل وهو يؤم الحرم فيما بين البريد
والمسجد فأصابه في الحل فمضى برميته حتى دخل الحرم فمات من رميته هل
عليه جزاء؟ فقال: ليس عليه جزاء إنما مثل ذلك مثل من نصب شركا في
الحل إلى جانب الحرم فوقع فيه صيد فاضطرب حتى دخل الحرم فمات
فليس عليه جزاؤه، لأنه نصب حيث نصب، وهو له حلال، ورمى حيث
رمى، وهو له حلال، فليس عليه فيما كان بعد ذلك شئ (1).
والرواية الثانية الموثقة المتقدمة، وعمل بها الشيخ في الكتب المتقدمة،
وكذا المهذب (2) والاصباح (3) والجامع (4) فيما حكي عنهم، والفاضلان في
الشرائع (5) والقواعد (6)، لكن على تردد.
ولا وجه له، لفقد التكافؤ بين الروايتين سندا ودلالة، لاحتمال الموثقة
الحمل على الاستحباب، وهو أولى من حمل الصحيحة على نفي المؤاخذة،
كما في الاستبصار، قال: لأنه مكروه أو أنه ليس عليه عقاب، لكونه ناسيا
أو جاهلا (7)، وذلك لأن الموجود فيها على رواية الفقيه (8) والكافي (9) نفي

(1) العلل: ب 210 من نوادر العلل ح 8 ج 2 ص 454.
(2) المهذب: كتاب الحج ج 1 ص 228.
(3) كما في كشف اللثام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 402 س 8.
(4) الجامع للشرائع: كتاب الحج باب كفارات محظورات الاحرام ص 192 - 193.
(5) شرائع الاسلام: كتاب الحج في صيد الحرم ج 1 ص 291.
(6) قواعد الأحكام: كتاب الحج البحث في اللواحق ج 1 ص 97 س 20.
(7) الاستبصار: كتاب الحج ب 132 في من رمى صيدا يؤم الحرم ذيل الحديث 4 ص 207.
(8) الفقيه: باب تحريم صيد الحرم وحكمه ح 2361 ج 2 ص 260.
(9) الكافي: كتاب الحج في صيد الحرم وما تجب فيه الكفارة ح 12 ج 4 ص 234.
349

الجزاء صريحا، ولا يجزئ فيه شئ من ذلك.
نعم الموجود في التهذيب ليس عليه شئ (1)، وهو وإن قبل الحمل
بذلك، (2)، إلا أن رواية الشيخين السابقين لها - كما مضى من التصريح
بلفظ الجزاء - يعينان كونه المراد بالشئ هنا وليس في تحريم لحمه، كما في
الحسن (3)، وعن الشيخ في الكتب المتقدمة (4) والقاضي (5) وابن سعيد (6)،
بل في المسالك أنه ميتة على القولين (7).
وظاهره دعوى اتفاقهما عليه تأييد للقول بالحرمة في المسألة المتقدمة وإن
توهمه بعض الأجلة (8).
هذا مع أنه ليس في الموثقة ذكر موت الصيد في الحرم (9)، كما ذكره
الفاضلان (10)، بل هي مطلقة، كالتهذيب (11) والاستبصار (12).

(1) تهذيب الأحكام: ب 25 في الكفارة عن خطأ المحرم وتعديه ح 165 ج 5 ص 360.
(2) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 1 ص 402 س 16.
(3) تهذيب الأحكام: ب 25 في الكفارة عن خطأ المحرم وتعديه ح 163 ج 5 ص 359.
(4) تهذيب الأحكام: ب 25 في الكفارة عن خطأ المحرم ذيل حديث 161 ج 5 ص 359، والنهاية
ونكتها: كتاب الحج في كفارة الصيد ج 1 ص 491، والمبسوط: كتاب الحج فيما يلزم المحرم من
الكفارة ج 1 ص 343.
(5) المهذب: كتاب الحج ج 1 ص 228.
(6) الجامع للشرائع: كتاب الحج في كفارات ومحظورات الاحرام ص 192 - 193.
(7) مسالك الأفهام: كتاب الحج في صيد الحرم ج 1 ص 142 س 2.
(8) الحدائق الناضرة: كتاب الحج البحث الرابع في صيد الحرم ج 15 ص 304.
(9) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 224.
(10) شرائع الاسلام: كتاب الحج في صيد الحرم ج 1 ص 291، وقواعد الأحكام: كتاب الحج في
اللواحق ج 1 ص 97 س 20.
(11) تهذيب الأحكام: ب 25 في الكفارة عن خطأ المحرم ح 164 ج 5 ص 360.
(12) الاستبصار: كتاب الحج ب 132 في من رمى صيدا يؤم الحرم ح 3 ج 2 ص 206.
350

فإذن هي أعم من المدعى في كلامهما، ولا يقولان بعمومها، وبذلك
يجاب عما استدل به في الاستبصار، لوجوب الفداء مما يأتي قريبا من
الأخبار الدالة على ضمان الصيد بين البريد والحرم، وذلك لأنه أعم من
قصد الصيد الحرم، بل ومن موته فيه أيضا.
فلا دخل لتلك الأخبار هنا، بل هي تناسب مسألة أخرى اختلف فيها
أيضا أشار إليها بقوله: (ويكره الصيد بين) منتهى (البريد و) أول
(الحرم) أي خارج الحرم إلى بريد، ويسمى حرم الحرم على الأظهر
الأشهر، كما في كلام جمع (1) ممن تأخر وفاقا للحلي (2)، للأصل، وفحوى
الصحيح الذي مر السالمين عن المعارض، سوى الخبرين.
أحدهما الصحيح: إذا كنت محلا في الحل فقتلت صيدا فيما بينك وبين
البريد إلى الحرم فإن عليك جزاءه، فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه
تصدقت بصدقة (3).
وليس نصا في الوجوب، فليحمل على الاستحباب، جمعا.
خلافا للشيخين (4) والقاضي (5) وابن حمزة (6) فيما حكي، فمنعوا عنه
أخذا بالخبرين، وفيه ما عرفته في البين.

(1) الدروس الشرعية: كتاب الحج في صيد الحرم ج 1 ص 352، ومسالك الأفهام: كتاب الحج في
صيد الحرم ج 1 ص 142 س 6.
(2) السرائر: كتاب الحج ما يلزم المحرم من جناياته ج 1 ص 567.
(3) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب كفارات الصيد ح 1 و 2 ج 9 ص 228.
(4) النهاية ونكتها: كتاب الحج في كفارة الصيد ج 1 ص 491، والمقنعة: كتاب الحج في الكفارة عن
خطأ المحرم ص 439.
(5) المهذب: كتاب الحج باب ما يتعلق بذلك البدنة ج 1 ص 228.
(6) الوسيلة: كتاب الحج في كفارات الحرم ص 168.
351

والعجب من بعض المتأخرين، حيث مال إلى المنع هنا، لهذا
الصحيح، قائلا بعد أن نقل الجواب عنه بالحمل على الاستحباب عن
المتأخرين: وهو مشكل، لانتفاء المعارض (1).
مع أن المعارض - وهو الصحيح السابق الصريح في الجواز فحوى أو
إطلاقا، وأفتى به سابقا أيضا - موجود، وليس بعد ذلك إلا غفلته عنه هنا،
وإلا فالعمل بالصحيحين هنا وسابقا مما لا يجتمعان، بل لا بد من صرف
هذا إلى ذلك بما قدمنا، أو بالعكس بنحو ما ذكره الشيخ في كتابي
الحديث، وقد تقدم نقله عنه سابقا.
ولا ريب أن ما قدمنا أولى من وجوه شتى، سيما مع اعتضاده بقوله
تعالى: (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) (2).
فإن مفهومه عدم حرمة صيد البر ما دمتم محلين، خرج منه صيد الحرم
إجماعا فتوى ونصا، وبقي الباقي ومنه ما نحن فيه تحت العموم مندرجا،
والعام المخصص حجة في الباقي على الأشهر الأقوى، ولذا استدل به الفاضل
في المختلف على الجواز (3)، وهو في محله.
وعلى المختار يستحب الفداء والتصدق بصدقة لو فقأ عينه أو كسر قرنه،
للأمر به في الصحيح (4)، المحمول على الاستحباب، جمعا، كما مضى، لما
مضى، وإن كان الأحوط الوجوب، فعن الخلاف الاجماع عليه (5).

(1) مدارك الأحكام: كتاب الحج في كفارة الصيد ج 8 ص 381.
(2) المائدة: 96.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الحج المطلب الرابع في كفارات الاحرام ص 278.
(4) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب كفارات الصيد وتوابعها ح 1 ج 9 ص 228.
(5) الخلاف: كتاب الحج م 314 ج 2 ص 423.
352

ولكن الأظهر الأشهر الاستحباب، وهو خيرة الماتن هنا، لقوله:
(ويستحب الصدقة بشئ لو كسر قرنه أو فقأ عينه) وفاقا للحلي (1).
وليس في المتن ونحوه التعرض لغير الجنايتين، لعدم النص، وإصالة
البراءة تقتضي عدم ترتب الكفارة في غيرهما، وإن قلنا بحرمة الجناية، إذ
لا تلازم بينها وبين لزوم الكفارة.
(والصيد المربوط في الحل يحرم اخراجه لو دخل الحرم) لعموم
(ومن دخله كان آمنا) (2).
والمعتبرة المستفيضة عموما، كالصحيح: عن ظبي دخل الحرم؟ قال:
لا يؤخذ ولا يمس، لأن الله تعالى يقول: (ومن دخله كان آمنا) (ح 3).
وخصوصا كالخبر: عن رجل أصاب صيدا في الحل فربطه إلى جانب
الحرم فمشى الصيد بربطه حتى دخل الحرم والرباط في عنقه، فاجتره
الرجل بحبله حتى أخرجه - والرجل في الحل - من الحرم فقال: ثمنه ولحمه
حرام مثل الميتة (4).
(ويضمن لو رمى الصيد من الحرم فقتله في لحل، وكذا لو رماه
من الحل فقتله في الحرم) أو أصابه وبعضه في الحرم.
(و) كذا (لو كان الصيد على غصن في الحل وأصله في الحرم
ضمنه القاتل) وبالعكس، بلا خلاف في شئ من ذلك أجده، بل
عليه الاجماع، كما في كلام جماعة، كما ستعرفه.
أما الأول: فلعموم أدلة الجزاء على القاتل في الحرم، ولأن كونه في

(1) لم نعثر عليه، راجع السرائر: كتاب الحج في ما يلزم المحرم عن جناياته ج 1 ص 564.
(2) آل عمران: 97.
(3) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب كفارات الصيد ح 2 ج 9 ص 231.
(4) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 206.
353

الحرم هو الذي إفادة الحرمة والأمن، وللاجماع، كما في ظاهر المدارك (1)
والذخيرة (2)، وصريح المحكي عن المنتهى (3) والتذكرة (4).
قيل: وعن أحمد في رواية لا ضمان، ومنه أن يرميه وهما في الحل
ودخل الصيد في الحرم ثم أصابه السهم، كما في التذكرة (5).
وأما الثاني: فللاجماع، كما في الكتب المتقدمة، والحسن، بل
الصحيح: في ذلك فقال: عليه الجزاء، لأن الآفة جاءت الصيد من ناحية
الحرم (6).
قيل: ولم يضمن الشافعي والثوري وأبو ثور وابن المنذر وأحمد في
رواية (7).
وأما الثالث: فللاجماع، كما عن الخلاف (8) والجواهر (9)، وتغليب
الحرام.
وأما الباقيان: فللاجماع، كما عنهما في الأول، وعن التذكرة (10)
والمنتهى (11) في العكس، وتغليب الحرام.

(1) مدارك الأحكام: كتاب الحج موجبات الضمان ج 8 ص 382.
(2) ذخيرة المعاد: كتاب الحج في الكفارات ص 617 س 6.
(3) منتهى المطلب: كتاب الحج في تحريم أكل الصيد ج 2 ص 807 س 6.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 331 س 31.
(5) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 1 ص 402 س 28.
(6) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 229.
(7) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 1 ص 402 س 29.
(8) الخلاف: كتاب الحج م 289 ج 2 ص 412.
(9) جواهر الفقه: كتاب الحج م 168 ص 46.
(10) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 331 س 31.
(11) منتهى المطلب: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 2 ص 806 السطر الأخير.
354

والقوي: عن شجرة أصلها في الحرم وأغصانها في الحل على غصن منها
طير رماه رجل فصرعه، قال: عليه جزاؤه إذا كان أصلها في الحرم (1).
ويرشد إليه الصحيح: عن شجرة أصلها في الحل وفرعها في الحرم،
قال: حرام أصلها، لمكان فرعها (2).
(ومن أدخل صيدا في الحرم وجب عليه إرساله، ولو تلف في
يده ضمنه. وكذا لو أخرجه) من الحرم (فتلف قبل الارسال) كل
ذلك بالاجماع الظاهر المصرح به في بعض العبائر في الأول، والصحاح
المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
ففي الصحيح: عن الصيد يصاد في الحل ثم يجاء به إلى الحرم وهو
حي، قال: إذا أدخله الحرم فقد حرم عليه أكله وإمساكه، فلا يشترين في
الحرم إلا مذبوحا ذبح في الحل، ثم جئ به إلى الحرم مذبوحا، فلا بأس
به، للحلال (3).
وفيه: عن رجل أهدي له حمام أهلي جئ به وهو في الحرم، فقال: إن
هو أصاب منه شيئا فليتصدق بثمنه نحوا مما كان يسوى في القيمة (4).
وفي الحسن: عن رجل أصاب ظبيا فأدخله الحرم فمات الظبي في الحرم،
فقال: إن كان حين أدخله خلي سبيله فلا شئ عليه، فإن أمسكه حتى
مات فعليه الفداء (5).
وهو يعم ما لو تلف في يده في الحرم أو خارجه.

(1) وسائل الشيعة: ب 90 من أبواب تروك الاحرام ح 2 ج 9 ص 177.
(2) وسائل الشيعة: ب 90 من أبواب تروك الاحرام ح 1 ج 9 ص 177.
(3) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب كفارات الصيد ح 6 ج 9 ص 205.
(4) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب كفارات الصيد ح 5 ج 9 ص 200.
(5) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب كفارات الصيد ح 3 ج 9 ص 231.
355

وفي الخبر: إذا أدخلت الطير المدينة فجائز لك أن تخرجه منها ما
أدخلت، وإذا أدخلت مكة فليس لك أن تخرجه (1).
(ولو كان طائرا مقصوصا حفظه) وجوبا (حتى يكمل ريشه ثم
أرسله) بغير خلاف أجده، وبه صرح في الذخيرة (2)، للمعتبرة وفيها
الصحاح وغيرها.
ففي الصحيح: فيمن أصاب طيرا في الحرم إن كان مستوي الجناح
فليخل عنه، وإن كان غير مستو نتفه وأطعمه وأسقاه، فإذا استوى جناحه
خلي عنه (3).
وفيه: في رجل أهدي إليه حمام أهلي وهو في الحرم من غير الحرم،
فقال: إن كان مستويا خلت سبيله، وإن كان غير ذلك أحسنت إليه،
حتى إذا استوى ريشه خليت سبيله (4). ونحوهما آخر (5).
والخبران، ويستفاد منهما جواز إيداعه من مسلم ولو امرأة، كما في
أحدهما مع التقييد بلا بأس بها (6)، ولذا اعتبر الفاضل العدالة فيه في
المنتهى (7).
وذكر جماعة أنه لو أرسله قبل ذلك ضمنه مع تلفه أو اشتباه حاله، لأن
ذلك بمنزلة الاتلاف.
وهل يلحق بالطائر ما يشابهه كالفرخ؟ قيل: لا، لعدم النص (8)،

(1) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب كفارات الصيد ح 5 ج 9 ص 205.
(2) ذخيرة المعاد: كتاب الحج في الكفارات ص 617.
(3) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب كفارات الصيد ح 1 و 12 ج 9 ص 199 و 201.
(4) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب كفارات الصيد ح 1 و 12 ج 9 ص 199 و 201.
(5) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب كفارات الصيد ح 10 و 13 ج 9 ص 200 - 201.
(6) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب كفارات الصيد ح 10 و 13 ج 9 ص 200 - 201.
(7) منتهى المطلب: كتاب الحج في تحريم أكل الصيد ج 2 ص 806.
(8) مدارك الأحكام: كتاب الحج في موجبات الضمان ج 8 ص 386.
356

وقيل: نعم، لأن ارساله في معنى اتلافه (1).
وهو مشكل فيما إذا كان مأيوسا عن عوده إلى الصحة لما في حفظه ومؤنته
من الحرج البين وإن كان أحوط.
(وفي تحريم حمام الحرم)، على المحل (في الحل) كما عن النهاية (2)
والتهذيب (3) وحج المبسوط (4) والتحرير (5) والتذكرة (6) والمنتهى (7) وفي
المسالك (8) والمدارك (9) وغيرهما، أم العدم، كما عن صيد الخلاف (10)
والمبسوط (11) والسرائر (12).
(تردد) من عموم ما ورد في تحريم صيد الحرم.
وخصوص الصحيح: لا يصاد حمام الحرم حيث كان إذا علم أنه من
حمام الحرم (13).

(1) جامع المقاصد: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 183.
(2) النهاية ونكتها: كتاب الحج باب ما يجب على المحرم من الكفارة ج 1 ص 482.
(3) تهذيب الأحكام: ب 25 من أبواب الكفارة عن خطأ المحرم وتعديه ج 5 ذيل حديث 121
ص 348.
(4) المبسوط: كتاب الحج فيما يلزم المحرم من الكفارة ج 1 ص 341.
(5) تحرير الأحكام: كتاب الحج في تروك الاحرام ج 1 ص 112 س 20.
(6) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج في تروك الاحرام ج 1 ص 331 س 27.
(7) منتهى المطلب: كتاب الحج في تروك الاحرام ج 2 ص 806 س 25.
(8) مسالك الأفهام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 142 س 16.
(9) مدارك الأحكام: كتاب الحج في موجبات الضمان ج 8 ص 386.
(10) الخلاف: كتاب الصيد والذباحة م 29 ج 3 ص 251.
(11) المبسوط: كتاب الصيد والذبائح ج 6 ص 275.
(12) السرائر: كتاب الصيد والذبائح ج 3 ص 87.
(13) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب كفارات الصيد ح 4 ج 9 ص 203.
357

وقريب منه المروي عن قرب الإسناد وغيره: عن الرجل هل، يصلح له
أن يصيد حمام الحرم في الحل فيذبحه فيدخل الحرم فيأكله؟ قال: لا يصلح
أكل الحمام الحرم على كل حال (1).
ومن الأصل، ومنع عموم حمام الحرم، إذ المسلم منه الاطلاق،
والمتبادر منه ما كان في الحرم.
ومعارضة الصحيح بالصحيح: عن قول الله عز وجل: (ومن دخله كان
آمنا)، قال: من دخل الحرم مستجيرا به كان آمنا من سخط الله تعالى،
ومن دخله من الوحش والطير كان آمنا من أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج
من الحرم (2).
فإن مفهومه جواز الايذاء إذ خرج من الحرم،. وهو الموافق لما تقرر في
الانسان الملتجئ به أيضا.
وضعف دلالة لا يصلح فيما بعد الصحيح على المنع واحتمال الكراهة،
بل وظهوره فيها.
وبها يجمع بين الصحيح، بحمل النهي في أولها على الكراهة، والثاني
على الرخصة، فهو أولى من الجمع بينهما، بحمل النهي على الحرمة، وتقييد
مفهوم الصحيح الثاني بما عدا الحمام، لتضمنه الطير، والغالب فيه الحمام.
فيبعد غاية البعد تخصيصه أو تقييده بغيره. ولو سالم فغاية الأمر تعارض
الجمعين، ولا مرجح في البين، فيرجع إلى حكم الأصل، وهو البراءة.
فإذا (أشبهه) الجواز مع (الكراهة) أما الأول: فلما مر.
وأما الثاني: فللاحتياط، مع أنه أقل مراتب النهي، ولا يصلح

(1) قرب الإسناد: باب الصيد ص 117.
(2) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 202.
358

المتقدمين.
(ومن نتف ريشة) ثم أرسله (من حمام الحرم) بيده (فعليه
صدقة يسلمها بتلك اليد) الجانية التي نتفها بها إلى مسكين إن نتف
باليد، كما في النص المقطوع به بين الأصحاب، على الظاهر المصرح به في
الذخيرة (1) والمدارك (2)، وفي التحرير (3) وعن التذكرة (4) والمنتهى (5) أنه
إن تعدد الريش، فلو كان بالتفريق فالوجه تكرر الفدية، وإلا فالأرش.
قيل: لأنه في الأول نتف كل مرة ريشة، بخلاف الثاني، لكن
الأرش إنما يتم إن نقصت القيمة، وإلا؟ فكالأول، وخصوصا الخبر في
الكافي والفقيه: فيمن نتف حمامة لا في من نتف ريشه، واستظهر الشهيد
التكرر مطلقا، وعن مالك وأبي حنيفة جميع الجزاء إذا تعدد الريش، وفي
الدروس: ولو حدث بالنتف عيب ضمن الأرش مع الصدقة، قال:
والأقرب عدم وجوب تسليم الأرش باليد الجانية، قال: وفي التعدي إلى
غيرها - يعني الحمام - وإلى نتف الوبر نظر.
ويمكن هنا الأرش، قلت: إن حصل النقص، وحينئذ فالحمام
كذلك، وفي المقنعة والمراسم وجمل العلم والعمل نتف ريش طائر من طيور
الحرم، وفي الجامع نتف ريشة من طير الحرم، ولا يسقط الصدقة ولا الأرش
بالنبات، خلافا لبعض العامة (6).

(1) ذخيرة المعاد: كتاب الحج في الكفارات ص 617.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الحج في موجبات الضمان ج 8 ص 386.
(3) تحرير الأحكام: كتاب الحج في أسباب الضمان من المباشرة ص 117.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 1 ص 448.
(5) منتهى المطلب: كتاب الحج في كفارة الصيد ج 2 ص 828.
(6) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 402 السطر الأخير.
359

(وما يذبح من الصيد في الحرم ميتة) يحرم أكله على المحرم والمحل،
سواء ذبحه المحرم، أو المحل، أكلا في الحرم، أو في الحل، بلا خلاف، وقد
مر نقل الاجماع عليه في المحرم.
والمقصود هنا ذبح المحل في الحل للمحل، ولا ريب في تحريمه عليهما
مطلقا، بل في صريح المدارك (1)، وظاهر غيره الاجماع على كونه ميتة.
(ولا بأس بما) أي بصيد (يذبحه المحل في الحل) للمحل، فيحل
عليه وإن أكله في الحرم، دون المحرم فيحرم عليه مطلقا.
والأصل في الأحكام المزبورة الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
ومما يتضمن الأحكام الثلاثة الصحيح: في حمام ذبح في الحل، قال:
لا يأكله محرم، وإذا أدخل مكة أكله المحل بمكة، وإذا دخل الحرم حيا ثم
ذبح في الحرم فلا تأكله، لأنه ذبح بعد أن دخل مأمنه (2).
وتحريم الأكل وإن كان أعم من الحكم بكونه ميتة، إلا أنه هنا
يستلزمه بالاجماع، كما مر.
مضافا إلى صريح الخبر: إذا ذبح المحرم الصيد (لم يأكله الحلال
والحرام، وهو كالميتة، وإذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة حلال ذبحه أو
حرام (3).
ونحوه آخر: إذا ذبح المحرم الصيد) (4) في غير الحرم فهو ميتة لا يأكله محل
ولا محرم، وإذا ذبح المحل الصيد في جوف الحرم فهو ميتة لا يأكله محل ولا محرم (5).

(1) مدارك الأحكام: كتاب الحج في موجبات الضمان ج 8 ص 388.
(2) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب تروك الاحرام ح 4 ج 9 ص 80.
(3) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب تروك الاحرام ح 4 ج 9 ص 86.
(4) ما بين القوسين أثبتناه من نسخة " مش ".
(5) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب تروك الاحرام ح 5 ج 9 ص 86.
360

وقصور السند مجبور بالعمل.
(وهل يملك المحل صيدا في الحرم) أم لا؟ فيه تردد، وقولان
للماتن اختار الثاني في الشرائع (1)، والأول هنا.
فقال: (الأشبه: أنه يملك) وهو الأظهر، بل المشهور، كما في بعض
شروح الشرائع حاكيا له عن أبي العباس.
فقال: قال أبو العباس في شرحه - أي على الكتاب -: هذا هو المشهور،
ولا أعرف فيه مخالفا، وذهب المصنف في الشرائع إلى أنه لا يملك - إلى أن
قال -: أما ثبوت الملك ووجوب الارسال فهو المشهور، كما قاله أبو العباس،
إذ لا مانع منه، ووجوب الارسال لا ينافي الملك، وأما وجه اختيار
المصنف وهو عدم الملك، لأن ثبوت الملك يستلزم التصرف، فع وجوب
الارسال وعدم جواز التصرف فلا يظهر للملك فائدة، فلا يدخل في ملكه.
وهو ضعيف، لاجتماع الملك وعدم جواز التصرف، كما في أم الولد
والرهن، وتملك المحرمات نسبا، وخروجهم عن الملك في ثاني الحال.
وقد يجاب عن المصنف: بأن تملك هذه الأشياء لا يخلو عن الفائدة،
أما الرهن وأم الولد ففائدتهما ظاهرة، لأن الرهن مملوك، ويباع بدينه مع
الاعسار، ويفكه مع اليسار، ففائدته ظاهرة له، وأما أم الولد فهي مملوكة
يتصرف فيها بجميع أنواع التصرف عدا البيع ففائدتها ظاهرة أيضا، وأما
فائدة تملك المحرمات مع خروجهم عن الملك في ثاني الحال فهي أعظم
الفوائد وأجلها، وهي إنقاذ الرحم من الملكية، وإخراجه من ذل الرق إلى
عز الحرية، وأما تملك الصيد مع وجوب الارسال فلا يتصور فيه شئ من
الفوائد الدينية ولا الدنيوية، فوجب أن لا يدخل في الملكية.

(1) شرائع الاسلام: كتاب الحج في صيد الحرم ج 1 ص 292.
361

وقد يجاب عن منع فائدة تملك الصيد مع وجوب الارسال بأنه لا يخلو
عن الفائدة، ولو لم تكن حاضرة فهي مقدرة، وهي تتقدر بوجوه (1). وذكر
منها وجوها ثلاثة، وقد قدمنا سابقا إلى بعضها الإشارة.
وما ذكره - رحمه الله - في تحقيق المسألة قولا ودليلا لا مزيد عليه
ولا مزية، فلذا اكتفينا به في شرح العبارة.
ومنه يظهر ما في كلام بعض من نسب قول الشرائع هنا إلى الأكثر من
الضعف (2)، سيما ولم نر قائلا به سوى الماتن في الشرائع، ولم يحك إلا
عنه، وقد رجع عنه.
(و) أما أنه (يجب) عليه (إرسال ما يكون معه) من الصيد
فلا خلاف فيه نصا وفتوى، على الظاهر المصرح به في بعض العبائر (3)، بل
في بعضها الاجماع (4).
وفي قوله: " معه " إيماء إلى اختصاص وجوب الارسال المتوهم منه عدم
الملك بالصيد الحاضر دون النائي، وهو كذلك، وبه صرح جماعة، وإن
أوهم عبارة الماتن في الشرائع خلافه، وعموم القول بالمنع عن الملك للحاضر
معه والنائي عنه.
ولكن عبارته تقبل الانطباق لما هنا، كما صرح به في المسالك (5)،
وارتضاه منه سبطه معنى لا لفظا (6)، وهو كذلك.

(1) غاية المرام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ص 105، (مخطوط).
(2) نقل القول صاحب المدارك: كتاب الحج في موجبات الضمان ج 8 ص 390.
(3) التنقيح الرائع: كتاب الحج في أحكام صيد الحرم ج 1 ص 555.
(4) المهذب البارع: كتاب الحج في أحكام صيد الحرم ج 2 ص 272، ومفاتيح الشرائع كتاب الحج
في أحكام الصيد في الحل والحرم ج 1 ص 390.
(5) مسالك الأفهام: كتاب الحج في كفارات الصيد ج 1 ص 142 س 10.
(6) مدارك الأحكام: كتاب الحج في موجبات الضمان الصيد ج 8 ص 390.
362

(الثالث: في) بيان ما يترتب على (باقي المحظورات) التي يترتب
عليها الكفارة.
(وهي تسعة).
الأول: (الاستمتاع بالنساء) وما يلحق به.
(ف‍) اعلم أن (من جامع أهله قبل) إدراك (أحد الموقفين) من
عرفة ومشعر (قبلا أو دبرا عامدا) للجماع ذاكرا للاحرام (عالما
بالتحريم أتم حجه، ولزمه بدنة، والحج من قابل فرضا كان حجه)
أي الذي أفسده (أو نفلا) وجوبا في جميع ذلك، باجماع العلماء عليه في
الجملة، كما في كلام جماعة (1)، والصحاح به مع ذلك مستفيضة، ولكن
اختلفوا في أمور:
منها: ما في العبارة من تعميم الحكم للوقاع قبل المشعر بعد الاتفاق على
ثبوته له قبل عرفة، فالأكثر على العموم ومنهم السيدان في الرسية (2)
والانتصار (3) والغنية (4) والقاضي في الجواهر (5) وجمل العلم والعمل (6)،
مدعين الاجماع عليه، كالشيخ (7) فيما حكي.
وهو الأظهر، لاستفاضة نقل الاجماع عليه، مضافا إلى الصحاح

(1) منهم صاحب المدارك: كتاب الحج في باقي المحظورات ج 8 ص 407، ومفاتيح الشرائع: كتاب
الحج ج 365 في حكم من واقع في احرام الحج والعمرة ج 1 ص 327.
(2) المسائل الرسية (رسائل الشريف المرتضى): ج 3 ص 334.
(3) الإنتصار: كتاب الحج ص 96.
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 514 س 27.
(5) جواهر الفقه: كتاب الحج م 159 ص 45.
(6) الظاهر أنه شرح جمل العلم والعمل: كتاب الحج فيما يفسد الحج ص 235.
(7) الخلاف: كتاب الحج م 200 ج 2 ص 364.
363

المستفيضة وغيرها، الدالة عليه عموما وخصوصا.
ففي الصحيح: إذا وقع الرجل بامرأته دون مزدلفة أو قبل أن يأتي
مزدلفة فعليه الحج من قابل (1).
وفيه: عن رجل محرم وقع على أهله، فقال: إن كان جاهلا فليس عليه
شئ، وإن لم يكن جاهلا فإن عليه أن يسوق بدنة ويفرق بينهما، حتى
يقضيا المناسك ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، وعليهما الحج
من قابل (2).
خلافا للمفيد (3) والديلمي (4) والحلبي (5) فخصوه بمورد الوفاق، لحديث
أن الحج عرفة (6).
وهو ضعيف سندا ودلالة، ومعارض بأجود منه بحسبهما. فليحمل على
أن المراد كونه أعظم الأركان.
قيل: وكذا قوله - عليه السلام -: من وقف بعرفة فقد تم حجه إن سلم
يحتمل أنه يكفي إدراكه، ويفيد أنه قارب التمام، كقوله - عليه السلام -: إذا
رفع الإمام رأسه من السجدة الأخيرة فقد تمت صلاته (7).
ويمكن الحمل على التقية، لما عن التذكرة من قول العامة بفوت الحج
عمن فات عرفة مطلقا ولو وقف بمزدلفة (8).

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1 و 2 ج 9 ص 255.
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1 و 2 ج 9 ص 255.
(3) المقنعة: كتاب الحج باب الكفارة عن خطأ المحرم ص 433.
(4) المراسم: كتاب الحج في أحكام الحج ص 118.
(5) الكافي في الفقه: كتاب الحج في كفارة ما يأتيه المحرم ص 203.
(6) عوالي اللآلي: ح 5 ج 2 ص 236.
(7) قاله الفاضل الهندي في كشف اللثام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 405 س 23.
(8) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج في الوقوف بعرفات ج 1 ص 373 س 18.
364

ومنها: ما فيها من تعميمه للوقاع قبلا ودبرا، كما عليه الأكثر إطلاقا،
وجماعة تصريحا ومنهم الشيخ في المبسوط (1)، وإن جعل بعضهم هنا مخالفا،
فأوجب بالوطئ في الدبر البدنة دون الإعادة (2)، وعبارته المحكية صريحة في
الموافقة للعبارة، وأن الذي فيه البدنة خاصة إنما هو الوقاع فيما دون الفرج،
يعني القبل والدبر لا القبل خاصة، كما صرح به في صدر عبارته المحكية.
نعم حكي الخلاف في الخلاف عن بعض الأصحاب، محتجا بأصل
البراءة (3). ويعارضه العمومات المعتضدة بالشهرة العظيمة بين الأصحاب.
وزيد له في المختلف الموثق: عن رجل وقع على أهله فيما دون الفرج،
قال: عليه بدنة، وليس عليه الحج من قابل (4). وأجيب عنه بأنا نقول
بموجبه، فإن الدبر يسمى فرجا، لأنه مأخوذ من الانفراج، وهو متحقق
فيه (5).
وهو حسن ولو قلنا أن المتبادر من الفرج حيث يطلق هو القبل خاصة
لا الدبر، وذلك فإنه تبادر إطلاقي، فلا يقطع بسببه بنفي إرادة الدبر، بل
غايته الاجمال فيه، وهو لا يخصص العمومات الشاملة للدبر.
نعم لو كان التبادر تبادرا حقيقيا يكون بسببه غير المتبادر معنى مجازيا
أمكن التخصيص إن جوز تخصيص العمومات بالخاص مطلقا، ولو كانت
مشهورة دون الخاص.

(1) المبسوط: كتاب الحج في ما يلزم المحرم من الكفارة ج 1 ص 336.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الحج في باقي محظورات الاحرام ج 8 ص 407.
(3) الخلاف: كتاب الحج م 209 ج 2 ص 370.
(4) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1 ج 9 ص 262.
(5) مختلف الشيعة: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 282 س 36.
365

وإن خصصناه بما إذا لم يكن العمومات معتضدة بالشهرة منعنا
التخصيص على هذا التقدير أيضا، بناء على ما مر من كون التعميم للدبر
أشهر، سيما ونحو هذه الشهرة التي لا يكاد فيها مخالف يعتد به يظهر.
فإذا المعتمد ما عليه الأكثر.
ومنها: ما أشار إليه بقوله: (وهل) الحجة (الثانية عقوبة؟ قيل: نعم
والأول فرضه) والقائل الشيخ في النهاية (1) وتبعه جماعة.
(وقيل: الأولى فاسدة والثانية فرضه) والقائل الحلي (2) والشيخ في
الخلاف (3)، كما حكي، وتبعهما الفاضل في كثير من كتبه (4).
وربما يستفاد من قوله: (والأول: هو المروي) الميل إلى الأول،
وأشار به إلى الصحيح: قلت: فأي الحجتين لهما؟ قال: الأولى التي أحدثا
فيها ما أحدثا والأخرى عليهما عقوبة (5).
وأيد باستصحاب الصحة، وبأن الفرض لو كان القضاء لاشترط فيه
من الاستطاعة ما اشترط في الأداء.
ويضعف الأول بالقطع والاضمار، ولم يسنده الراوي إلى إمام، ومع
ذلك معارض بالصحيح الصريح: في أن في الرفث فساد الحج (6).
ومضمونه مشهور بين الأصحاب، حتى استدل به الحلي (7)

(1) النهاية ونكتها: كتاب الحج ب 6 ما يلزم المحرم من جنايته ج 1 ص 494.
(2) السرائر: كتاب الحج باب ما يلزم المحرم من جناياته ج 1 ص 550.
(3) الخلاف: كتاب الحج: م 200 ج 2 ص 364.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الحج في كفارات الاحرام ص 282 س 4.
(5) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 9 ج 9 ص 257.
(6) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 8 ج 9 ص 257.
(7) السرائر: كتاب الحج فيما يلزم المحرم من جناياته ج 1 ص 550.
366

والفاضل (1) في جملة من كتبه هنا، مؤذنين بدعوى الاجماع عليه، كما صرح
به الفاضل المقداد في شرح الكتاب.
فقال في دليل القول الثاني: لأن الأولى فاسدة، وكل ما كان فاسدا
لا يجزئ ولا يبرئ الذمة، والمقدمتان إجماعيتان.
ولا ينافيه نقله بعد ذلك عن بعض الفضلاء الجواب عن صغرى القياس
بالمنع، معللا بأنه لم يرد في حديث فساد حجه، وإن اشتهر في عبارات
الأصحاب، فإن ثبت حمل على نقصان فضله، لا فساد أصله وتجبره الكفارة
والحج من قابل عقوبة (2).
إذ الاجماع عندنا ليس إلا وفاق خاص، يكشف عن قول الإمام
- عليه السلام -، فلا يقدح فيه خروج بعض الفضلاء.
وبهذا الاجماع يرد كلام ذلك القائل مع خطائه لجماعة، كجماعة ممن
تبعه في الجواب بذلك بوجود ما مر من الصحيح بالفساد.
وحمل الفساد فيه وفي كلام الأصحاب على ما ذكره من النقص في
الفضل دون بطلان الأصل مجاز يحتاج إلى قرينة هي مفقودة، إذ ليس إلا
الاستصحاب وما بعده.
ويجب الخروج عنهما لهذا الصحيح.
وصحيح المتن لا يعارضه، لما عرفت من القطع والاضمار، المسقطين
للرواية عن الاعتبار.
فإذن القول الثاني هو المختار، مع تأيده برجوع الشيخ عن القول الأول
إليه في الخلاف (3).

(1) مختلف الشيعة: كتاب الحج في كفارات الاحرام ص 282 س 5.
(2) التنقيح الرائع: كتاب الحج في باقي محظورات الحج ج 1 ص 559.
(3) الخلاف: كتاب الحج المسألة 205 ج 2 ص 367.
367

لكن الانصاف أن المسألة بعد لا تخلو عن شوب الاشكال. فالاحتياط
فيها لا يترك على كل حال.
وتظهر الفائدة في النية، فينوي على الأول في الاحرام مثلا، وكذا باقي
الأفعال في الحجة الثانية أفعل هذا الذي وجب علي بالافساد، وعلى الثاني
حجة الاسلام، وفي الأخير للحج في سنة، وفي الناذر له فيها.
فعلى الأول يرجع على الأجير بالأجرة، ويجب على الناذر ومن في معناه
الكفارة، دون الثاني فلا شئ عليهما بالكلية.
وفي المفسد المصدود إذا تحلل وجب القضاء، فإن قلنا بالأول لم يكف
القضاء الواحد، لوجوب قضاء حجة الاسلام بالتحلل منها، وبقاء حجة
العقوبة في ذمته فيقدم حجة الاسلام في القضاء، وإن قلنا بالثاني كفى
القضاء الواحد، لسقوط حجة العقوبة بالتحلل منها وفي غير ذلك.
واعلم أن إطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق في المرأة التي وطئها
بين الدائم والمتمتع بها.
وفي إلحاق الأمة والأجنبية ووطئ الغلام والبهيمة إشكال، من صدق
المرأة، بل الأهل الواردين فيهما على الأمة وأولوية ثبوت الحكم في البواقي،
ومن تبادر من عدا الأمة من الاطلاق وانثلام الأولوية بأن مبناها أفحشية
الفعل. وربما تسقط معها الكفارة، كما مر في كفارة الصيد.
ولا ريب أن الالحاق في الجميع، ولا سيما الأول أحوط وإن لم يكن
متعينا، لضعف دليل المنع بأن في النص ما هو عام ينصرف إلى المتبادر
وغيره. وحجية الأولوية وعدم انثلامها في محل البحث يرفع اليد عنها في
بعض الموارد، لدليل مفقود في المقام.
واحترز ب‍ (العامد العالم) عن الناسي ولو للحكم والجاهل فلا شئ
368

عليهما، بلا خلاف ظاهر فتوى ونصا، بل قيل: إجماعا (1)، وعن
الخلاف (2) والغنية (3) الاجماع عليه في الناسي.
وعن المكره فلا شئ عليه بلا خلاف ولا إشكال، إلا في تحمل المكره
للزوج أولهما الكفارة عنه أو عنهما، ففيه إشكال، والأجود العدم، اقتصارا
فيما خالف الأصل على مورد النص والفتوى، وهو ما أشار إليه بقوله:
(ولو أكرهها) أي المرأة زوجها (وهي محرمة، حمل عنها
الكفارة) وهي البدنة خاصة دون الحج من قابل، لعدم فساد حجها
بالاكراه (و) لذا (لا) يكون (حج عليها في القابل) ليتحمله عنها.
(ولو طاوعته لزمها ما يلزمه) من إتمام الحج والبدنة والحج من قابل
(ولم يتحمل عنها كفارة، وعليهما) مطلقا (الافتراق) في القضاء (إذا
وصلا موضع الخطيئة، حتى يقضيا المناسك، ومعناه أن لا يخلو)
بأنفسهما (إلا مع ثالث) محترم عندهما، ليمنعهما الجماع.
فلا عبرة بأمته وزوجته وغير المميز إذا لم يمنعا عنه بهم، ولا خلاف في
شئ من ذلك أجده، وعن الخلاف الاجماع (4) في الجميع، والغنية (5) في
الأخير، وفيه وفي الثاني في المدارك. وهو الحجة (6)، مضافا إلى الصحاح
المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
ففي الصحيح: وإن كانت المرأة تابعة على الجماع فعليها مثل ما عليه،

(1) كشف اللثام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 405 س 36.
(2) الخلاف: كتاب الحج م 208 ج 2 ص 369.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 515 س 13.
(4) الخلاف: كتاب الحج م 200 ج 2 ص 363.
(5) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 515 س 1.
(6) مدارك الأحكام: كتاب الحج في باقي محظورات الاحرام ج 8 ص 409 و 410.
369

وإن استكرهها فعليه بدنتان، وعليه الحج من قابل (1).
ونحوه في تحمل البدنة عنها الخبر المنجبر بالعمل: في محرم واقع أهله،
قال: أتى عظيما، قال: استكرهها أو لم يستكرهها، قلت: افتني فيهما
جميعا، فقال: إن استكرهها فعليه بدنتان، وإن لم يكن استكرهها فعليه
بدنة وعليها بدنة، ويفترقان من المكان الذي كان فيه ما كان حتى ينتهيا
إلى مكة وعليهما الحج من قابل لا بد منه قال: قلت: فإذا انتهيا إلى مكة
فهي امرأته كما كانت؟ فقال: نعم هي امرأته كما هي، فإذا انتهيا إلى
المكان الذي كان بينهما ما كان افترقا حتى يحلا، فإذا أحلا فقد
انقضى عنهما، إن أبي كان يقول ذلك (2).
ونحوهما في ذلك الرضوي: وتلزم المرأة بدنة إذا جامعها الرجل، فإن
أكرهها لزمه بدنتان، ولم يلزم المرأة شئ (3).
وفيه أيضا الحكم بالتفريق بينهما، كالخبر المتقدم، والصحاح به زيادة
عليهما مستفيضة.
وإطلاقها كالفتاوى يشمل صورتي الاكراه والمطاوعة.
وربما يوجد في بعض الفتاوى تقييده بالمطاوعة. ولا وجه له.
نعم في الحسن: عن رجل غشي امرأته وهي محرمة، قال: جاهلين أو
عالمين؟ قلت: أجبني في الوجهين جميعا، قال: إن كانا جاهلين استغفرا
ربهما ومضيا على حجهما، وليس عليهما شئ، وإن كانا عالمين فرق بينهما
من المكان الذي أحدثا فيه وعليهما بدنة وعليهما الحج من قابل، فإذا بلغا

(1) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1 ج 9 ص 262.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 2 ج 9 ص 259.
(3) فقه الإمام الرضا - عليه السلام -: ب 31 في الحج وما يستعمل فيه ص 217.
370

المكان الذي أحدثا فيه فرق بينهما حتى يقضيا نسكهما، ويرجعا إلى المكان
الذي أصابا فيه ما أصابا (1).
وهي بمفهومه يدل على عدم الافتراق بينهما إذا لم يكونا عالمين، سواء
كانا جاهلين، كما في صدر الرواية، أو أحدهما عالما والآخر جاهلا.
والمكره بحكم الجاهل، لكنه مقطوع السند، فلا يقيد به إطلاق الأخبار
السابقة، إلا أن يقال: إن الغالب الذي ينصرف إليه الاطلاق إنما هو
صورة المطاوعة دون الاكراه، فليحمل عليها.
وبنحوه يمكن الجواب عن إطلاق الفتاوى، سيما نحو العبارة مما ذكر
فيه الحكم بالتفريق بعد حكم صورة المطاوعة دون المكرهة.
ولا يخلو عن وجه، إلا أن الاحتياط يقتضي التفريق مطلقا، سيما مع
عدم وضوح صحة دعوى الغلبة في ذلك.
ثم إن ظاهر النصوص ونحو العبارة وجوب التفريق، كما عليه الأكثر،
بل المشهور، كما قيل (2)، وفي المدارك الاجماع على الوجوب أيضا (3)، كما
في صريح الرضوي (4).
وربما يحكي عن النهاية (5) والمبسوط (6) والسرائر (7) والمهذب (8) التعبير

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 9 ج 9 ص 257.
(2) قاله العلامة السبزواري في ذخيرته: كتاب الحج في باقي المحذورات ص 618 س 22.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الحج في باقي محظورات الاحرام ج 8 ص 410.
(4) فقه الإمام الرضا - عليه السلام -: ب 31 في الحج وما يستعمل فيه ص 217.
(5) النهاية ونكتها: كتاب الحج فيما يلزم المحرم من الكفارة ج 1 ص 494.
(6) المبسوط: كتاب الحج فيما يلزم المحرم من الكفارة ج 1 ص 336.
(7) السرائر: كتاب الحج باب ما يلزم المحرم عن جناياته ج 1 ص 548.
(8) المهذب: كتاب الحج باب ما ينبغي للمحرم اجتنابه ج 1 ص 220.
371

ب‍ (ينبغي)، وليس صريحا في المخالفة، بل ولا ظاهرا، كما في المختلف (1)
قال: لاستعماله فيهما - أي في الوجوب والاستحباب - كثيرا، وفيه أيضا
الروايات تدل على الأمر بالتفريق، فإن قلنا الأمر للوجوب كان واجبا،
وإلا فلا (2).
أقول: وحيث قال: وقلنا بكونه للوجوب تعين الفتوى به، إذ
لا معارض له سوى الأصل، ويجب الخروج به عنه.
ثم إن هذا إن سلكا في القضاء ما سلكاه من الطريق في الأداء، وإلا
فلا افتراق، كما يستفاد من الشرائع (3) والتذكرة (4) فيما حكي عنه. قيل:
ونص عليه الصدوق والشهيد والتحرير والمنتهى، وهو قريب (5)، ويعضده
الصحيح والموثق الاتيان قريبا.
وأيده في المنتهى بأنهما إذا بلغا موضع الجماع تذكراه فربما دعاهما
ألية (6)، وليس ذلك في طريق آخر.
وا علم أن ظاهر العبارة اختصاص وجوب التفريق بالقضاء، وأن غايته
قضاء المناسك خاصة.
والأصح وفاقا لجماعة ومنهم ابن زهرة مدعيا عليه الاجماع عمومه له (7)،
وللأداء لذلك، ولاطلاق جملة من الصحاح المستفيضة وغيرها، بل ظهورها
في الأداء، وصريح بعضها فيه، وآخر منها فيه وفي القضاء.

(1) مختلف الشيعة: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 282 س 8 و 9.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 282 س 8 و 9.
(3) شرائع الاسلام: كتاب الحج في باقي المحظورات ج 1 ص 294.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج في المحرمة الموطوءة ج 1 ص 356.
(5) كشف اللثام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 406 س 8.
(6) منتهى المطلب: كتاب الحج في الكفارة ج 2 ص 837.
(7) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 514 - 515.
372

ففي الصحيح: ويفرق بينهما حتى يقضيا المناسك ويرجعا إلى المكان
الذي أصابا فيه ما أصابا وعليه الحج من قابل (1).
ومن الأخبار المتقدمة المتضمنة للتفريق فيهما، واختلفت هذه الأخبار
وغيرها في غاية التفريق.
ففي الصحيحين: حتى يبلغ الهدي محله أحدهما في الأداء، والآخر في
القضاء (2).
وفي آخرين: حتى يقضيا المناسك ويعودا إلى موضع الخطيئة (3).
وموردهما الاطلاق أو الأداء. ونحوهما الصحيحة المتقدمة، أعني المقطوعة
في القضاء. وفي بعض الأخبار المتقدمة حتى يبلغا مكة وموضع الخطيئة.
وفي الصحيح: يفرق بينهما حتى ينفر الناس ويرجعا إلى المكان الذي
أصابا فيه ما أصابا، قلت: أرأيت إن أخذا في غير ذلك الطريق إلى أرض
أخرى أيجتمعان؟ قال: نعم (4).
وفي الموثق المروي عن نوادر البزنطي: يفرق بينهما حتى يقضيا المناسك
وحتى يعودا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، قلت: إن أرادا أن
يرجعا في غير ذلك الطريق قال: فليجتمعا إذا قضيا المناسك (5).
والذي يقتضيه النظر في الجمع بين هذه الأخبار حمل تعدد هذه الغايات
على تفاوت مراتب الفضل والاستحباب، فأعلاها الرجوع إلى موضع
الخطيئة وإن أحلا وقضيا المناسك قبله، ثم قضاء المناسك، ثم بلوغ

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 2 ج 9 ص 255.
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 5 و 12 ج 9 ص 256 و 257.
(3) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 9 و 15 ج 9 ص 257 و 258.
(4) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 14 ج 9 ص 258.
(5) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 15 ج 9 ص 258.
373

الهدي محله، كما في الصحيحين، وهو كناية عن الاحلال بذبح الهدي،
كما وقع التصريح به في بعض الأخبار المتقدمة.
ولكن الاحتياط يقتضي المصير إلى المرتبة الأعلى ثم الوسطى، سيما في
الحجة الأولى، لكثرة أخبارها وشهرتها.
ولذا قيل: وقد أجاد الإسكافي حيث أفتى بالافتراق في الأداء إلى
بلوغهما محل الخطيئة وإن أحلا قبله، وفي القضاء إلى بلوغ الهدي محله،
وكذا ابن زهرة وإن لم ينص على الاحلال (1).
أقول: وفي الغنية عليه الاجماع (2).
(ولو كان ذلك) أي الجماع عامدا عالما منهما أو من أحدهما (بعد
الوقوف بالمشعر لم) يفسد به الحج فلا (يلزمه الحج من قابل و) لكن
(جبره ببدنة) بلا خلاف، بل على الحكمين الاجماع في الغنية (3)
والمنتهى (4) وغيرهما، للأصل ومفهوم الصحيح المتقدم في فساد الحج بالجماع
قبل الوقوف بالمشعر في الأول، مضافا إلى المرسل (5) والرضوي (6) فيهما،
وخصوص المعتبرة في لزوم البدنة.
ففي الصحيح: عن رجل وقع على امرأته قبل أن يطوف طواف النساء؟
قال: عليه جزور (7).
وفي آخر: قبل أن يزور البيت، قال: يهريق دما (8).

(1) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 406 س 21.
(2) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الحج في كفارات الاحرام ص 515 س 1.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الحج في كفارات الاحرام ص 514 س 27.
(4) منتهى المطلب: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 2 ص 835 س 20.
(5) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 2 ج 9 ص 261.
(6) فقه الرضا - عليه السلام -: ب 31 في الحج وما يستعمل فيه ص 217.
(7) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1 و 2 ج 9 ص 264.
(8) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1 و 2 ج 9 ص 264.
374

وفي الخبر: عن رجل وقع على أهله يوم النحر قبل أن يزور قال: إن
كان وقع عليها بشهوة فعليه بدنة، وإن كان غير ذلك فبقرة أو شاة (1). إلى
غير ذلك من الأخبار الآتية.
(ولو استمنى) أي طلب المني بعبث بيده أو بملاعبة زوجته أو غير
ذلك. والفرق بينه وبين الاستمتاع بغير الجماع مما يأتي مجرد الاستمتاع عن
قصد الامناء، بخلافه.
وقيده جماعة ومنهم الماتن هنا والفاضل في القواعد (2) وغيرهما بكونه
(بيده لزمته بدنة حسب) وفاقا للحلي (3) وجماعة، للأصل المؤيد بما في
الصحيحين من عدم القضاء على المجامع فيما دون الفرج مطلقا ولو أمنى (4).
وعليه الاجماع في الغنية (5)، بل وغيرها أيضا، بل جعل هذا فخر
الاسلام دليلا مستقلا على هذا القول بعد أن اختاره، فقال: لأن الجماع
في غير الفرج أشد من الاستمناء، لتعلق أحكام الزنا به دونه، وهو
لا يفسد (6).
(و) لكن (في رواية) موثقة - عمل بها الشيخ في النهاية (7)

(1) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 3 ج 9 ص 264.
(2) قواعد الأحكام: كتاب الحج في كفارة الاستمتاع ج 1 ص 98 س 20.
(3) السرائر: كتاب الحج باب ما يلزم المحرم عن جناياته ج 1 ص 552، ومدارك الأحكام: كتاب
الحج باب ما يلزم المحرم عن جناياته ج 8 ص 417.
(4) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1 و 2 ج 9 ص 262.
(5) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الحج كفارات الاستمتاع ص 514 سطر ما قبل الأخير.
(6) إيضاح الفوائد: كتاب الحج في حكم الاستمتاع ج 1 ص 345.
(7) النهاية ونكتها: كتاب الحج باب ما يجب على المحرم من الكفارة ج 1 ص 497.
375

والمبسوط (1) وجماعة، كالقاضي (2) وابن حمزة (3)، بل الأكثر، كما في
التنقيح - في محرم عبث بذكره فأمنى، قال: أرى عليه مثل ما على من أتى
أهله وهو محرم بدنة (وحج من قابل) (4) ومال إليها ثاني المحققين (5)
والشهيدان (6) قالوا: لعدم معارض لها، ونحوهم الفاضل المقداد في
التنقيح.
فقال: بعد الكلام في سندها: لكن قال الإسكافي: هي في حديث
الكليني عن مسمع بن عبد الملك عن الصادق - عليه السلام -، ومسمع ممدوح
مدحه الصادق - عليه السلام -، ملقب بكر دين بكسر الكاف، فانجبر ضعف
الرواية بهذه، مع أن القائل بها أكثر، والعمل بها أحوط (7)، انتهى.
وهو حسن، فيتعين الخروج بها عن الأصل وما بعده المتقدمين، سيما
مع تأيدها بما في المختلف من أن الاستمناء أقبح من إتيان أهله، فيكون
أولى بالتغليظ (8).
ومن الصحيح: عن الرجل يعبث بأهله وهو محرم حتى يمني من غير جماع
أن يفعل ذلك في شهر رمضان ماذا عليهما؟ قال: عليهما جميعا الكفارة مثل
ما على الذي جامع (9).

(1) المبسوط: كتاب الحج باب ما يجب على المحرم من الكفارة ج 1 ص 337.
(2) المهذب: كتاب الحج باب ما يجب على المحرم من الكفارة ج 1 ص 222.
(3) الوسيلة: كتاب الحج باب ما يجب على المحرم من الكفارة ص 116.
(4) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1 ج 9 ص 272.
(5) جامع المقاصد: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 3 ص 347.
(6) الدروس الشرعية: كتاب الحج ج 1 ص 371، ومسالك الأفهام: كتاب الحج ج 1 ص 144 س 33.
(7) التنقيح الرائع: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 561.
(8) مختلف الشيعة: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 283 س 3.
(9) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1 ج 9 ص 271.
376

وإن كان في الاستدلال بهما ولا سيما الثاني نظر.
هذا، والانصاف أن الموثقة التي هي الأصل في الباب لا دلالة لها على
حكم الاستمناء على الاطلاق، بل على الفعل المخصوص المذكور فيه المجامع
للاستمناء تارة، والمتخلف عنه أخرى، ولذا اقتصر على موردها الشيخ
الذي هو الأصل في القول بها، فعبر بمتنها. وهو الأقوى.
ولا موجب للتعدية هنا، حتى رواية مسمع المتقدمة فإن متنها، كما في
المختلف عن الإسكافي هكذا: إذا أنزل الماء أما بعبث بحرمته أو بذكره أو
بإدمان نظره مثل الذي جامع.
قال في المختلف بعد نقله: وليس هذا القول صريحا منه بالافساد،
لاحتمال المساواة في البدنة، فإن النظر لا يقتضي الافساد (1).
أقول: ولعله لهذا لم يتعرض أحد، سوى التنقيح، للاستدلال بهذه
الرواية في المسألة (2)، ومع ذلك فينبغي تقييده بما إذا وقع ذلك قبل أحد
الموقفين مع ما مر من الوصفين لا مطلقا اتفاقا.
(ولو جامع) المولى (أمته المحرمة بإذنه) حال كونه (محلا) عامدا
عالما بأنه لا ينبغي له ذلك مختارا (لزمه بدنة أو بقرة أو شاة) مخيرا بينها
إن كان قادرا عليها أجمع.
(ولو كان معسرا) ولم يقدر إلا على الشاة (فشاة أو صيام) فيما
قطع به الأصحاب، كما في كلام جماعة (3)، وفي الروضة بعد نقل نحو

(1) مختلف الشيعة: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 283 س 1.
(2) التنقيح الرائع: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 561.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 8 ص 417، وذخيرة المعاد: كتاب الحج
في كفارات الاحرام ص 619 س 35.
377

العبارة بزيادة (ثلاثة أيام) بعد الصيام: هكذا وردت به الرواية، وأفتى
به الأصحاب (1).
وظاهرهم - كما ترى - الاجماع، مع أنه لم ينقل في المختلف ولا غيره إلا
عن أبي العلامة والماتن وابن عمه (2). وسيأتي الخلاف فيه من الشيخ
والحلي.
نعم أفتى به في القواعد (3) والارشاد (4) والتحرير (5)، والشهيدان في
كتبهم (6) وغيرهم من المتأخرين، لما مر من الرواية، وهي موثقة، بل
قيل: صحيحة.
وفيها: عن رجل محل وقع على أمة له محرمة قال: موسرا أو معسرا؟
قلت: أجبني فيهما، قال: أمرها بالاحرام أو لم يأمرها أو أحرمت من قبل
نفسه ا؟ قلت: أجبني فيهما، فقال: إن كان موسرا وكان عالما أنه لا ينبغي
له وكان هو الذي أمرها بالاحرام فعليه بدنة، وإن شاء بقرة، وإن شاء
شاة، وإن لم يكن أمرها بالاحرام فلا شئ عليه موسرا كان أو معسرا،
فإن كان أمرها وهو معسر فعليه دم شاة أو صيام (7).
ورويت في المحاسن بزيادة (أو صدقة) (1)، وهي مع اعتبار سندها

(1) الروضة البهية: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 2 ص 356.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 4 ص 156، وشرائع الاسلام: كتاب الحج
في كفارات الاحرام ج 1 ص 294، والجامع للشرائع: كتاب الحج في كفارات الاحرام
ص 188.
(3) قواعد الأحكام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 99 س 2.
(4) إرشاد الأذهان: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 322.
(5) تحرير الأحكام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 120 س 4.
(6) الدروس الشرعية: كتاب الحج في كفارات الاحرام ص 105 س 18، ومسالك الأفهام: كتاب
الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 144 س 34.
(7) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 2 ج 9 ص 263.
(8) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 2 ج 9 ص 263.
378

وحجيتها مشهورة بين الأصحاب، فلا بأس بالعمل بها.
خلافا للنهاية، فعليه بدنة، وإن لم يقدر فشاة أو صيام ثلاثة أيام (1)،
وقريب منه عن المبسوط (2) والسرائر (3).
قيل: وكأنهما حملا الخبر على الاكراه، للأصل مع ضعفه ومعارضته
بالصحيح: عن رجل أمر جاريته أن تحرم من الوقت فأحرمت ولم يكن هو
أحرم فغشيها بعد ما أحرمت؟ قال: يأمرها فتغتسل، ثم تحرم، ولا شئ
عليه (4).
وحمله في كتابي الأخبار على أنها لم تكن لبت، وأما عدد الثلاثة الأيام
في الصيام فكأنه لكونها المعروفة بدل الشاة (5)، انتهى.
وفي الحكم بضعف الخبر ما مر، مع أنه على تقديره هو بفتوى الأصحاب
منجبر. والصحيح بإطلاقه شاذ.
ثم إن الخبر بإطلاقه شامل لما لو أكرهها أو طاوعته، لكن ذكر العلامة
ومن تبعه أن مع المطاوعة تجب عليها الكفارة أيضا بدنة وصامت عوضها
ثمانية عشر يوما مع علمها بالتحريم، وإلا فلا شئ عليها (6). ولو طاوعته
قبل المشعر فسد حجها أيضا.
ونظرهم في ذلك إلى عموم الأخبار والأدلة المتقدمة في المسائل السابقة
في جماع المحرم مع المحرمة، لما تقدم من عموم الأهل فيها والمرأة.

(1) النهاية ونكتها: كتاب الحج في كفارة الجماع ج 1 ص 495.
(2) المبسوط: كتاب الحج في ذكر ما يلزم المحرم من الكفارة بفعله ج 1 ص 337.
(3) السرائر: كتاب الحج في ذكر ما يلزم المحرم من الكفارة بفعله ج 1 ص 549.
(4) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 3 ج 9 ص 263.
(5) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 406 س 31.
(6) منتهى المطلب: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 2 ص 840 س 4.
379

فلا وجه لتأمل جماعة من المتأخرين فيما ذكروه، مع اعترافهم بعموم
تلك الأخبار للأمة (1).
ولا ينافيه إطلاق الرواية، فإنه بالنسبة إلى المولى خاصة، وأما بالنسبة
إلى حكم الأمة فالرواية مجملة، لا تعارض لها فيها بشئ بالكلية.
ولم يقيد بالفتوى والرواية الجماع بوقت، فيشمل سائر أوقات إحرامها
التي يحرم الجماع بالنسبة إليه، أما بالنسبة إليها فيختلف الحكم كالسابق،
فلو كان قبل الوقوف بالمشعر فسد حجها مع المطاوعة والعلم، كما مر.
واحترز ب‍ (المحرمة بإذنه) عما لو فعلته بغيره، فإنه يلغى، ولا شئ عليهما.
وفي إلحاق الغلام المحرم بإذنه بها وجهان، مضى وجهها مرارا.
(ولو جامع) المحرم عالما عامدا بعد المشعر (قبل طواف الزيارة لزمه
بدنة) لاطلاق ما مر من ثبوتها على من جامع بعد المشعر.
وإنما ذكر هنا هذا بالخصوص مع دخوله فيما مر للتنبيه على حكم
الابدال المشار إليه بقوله: (فإن عجز) عنها (فبقرة أو شاة) مخيرا
بينهما، كما هنا وفي الشرائع (2) والقواعد (3) وغيرهما، أو مرتبا، كما في
الارشاد (4) والتحرير (5) وعن النهاية (6) والمبسوط (7) والسرائر (8) والتذكرة (9)

(1) مدارك الأحكام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 8 ص 418. وذخيرة المعاد: كتاب الحج
في كفارات الاحرام ص 619 السطر الأخير.
(2) شرائع الاسلام: كتاب الحج في باقي المحظورات ج 1 ص 294.
(3) قواعد الأحكام: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 99 س 5.
(4) إرشاد الأذهان: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 322.
(5) تحرير الأحكام: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 119 س 30.
(6) النهاية ونكتها: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 495.
(7) المبسوط: كتاب الحج في كفارة الوطئ ج 1 ص 337.
(8) السرائر: كتاب الحج في كفارة الوطئ ج 1 ص 550.
(9) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج في كفارة الوطئ ج 1 ص 357 س 4.
380

والمنتهى (1) والتلخيص (2) والمهذب (3)، ولم أعثر على نص على أصل هذه
الابدال مطلقا، وبذلك اعترف جماعة (4).
وربما استدل لها على التخيير ببعض الصحاح المتقدمة في الوقاع بعد
المشعر، فإن فيه: إن عليه دما يهريقه، وهو بإطلاقه يشمل البقرة أيضا.
وفيه أنه في الأخبار ظاهر في الشاة، ولو يسلم فيشمل البدنة أيضا.
ومقتضى الاطلاق جواز العدول إلى الآخرين مطلقا، وليس كذلك
فإن الترتيب بينها وبين الآخرين ثابت بلا خلاف.
ولو سلم فمقتضى الأصول في الجمع بينه وبين الأدلة المتضمنة للبدنة
التقييد بها.
وأما الاستدلال عليه بالخبر المتقدم بعدهما ثمة المتضمن لقوله: (إن وقع
عليها بشهوة) إلى آخره فأوضح حالا في الفساد، غني وجهه عن البيان.
وربما استدل على ذلك بالخبر: عن رجل أتى أهله وعليه طواف النساء،
قال: عليه بدنة، ثم جاء آخر فسأله عنها؟ فقال: عليه بقرة، ثم جاء
آخر؟ فقال: عليك شاة، فقلت بعد ما قاموا: أصلحك الله تعالى كيف
قلت: عليه بدنة؟ فقال: أنت موسر عليك بدنة، وعلى الوسط بقرة، وعلى
الفقير شاة (5).
وهو بعد الاغماض عن ضعف السند بالجهالة وعدم انطباقه على القول

(1) منتهى المطلب: كتاب الحج في كفارة الوطئ ج 2 ص 839 س 4.
(2) كما في كشف اللثام: كتاب الحج في كفارة الوطئ ج 1 ص 406 س 38 نقلا عن التلخيص.
(3) المهذب: كتاب الحج في ما يلزم المحرم على جناياته ج 1 ص 222.
(4) مدارك الأحكام: كتاب الحج في ما يلزم المحرم على جناياته ج 8 ص 419، وذخيرة المعاد:
كتاب الحج في ما يلزم المحرم على جناياته ص 620 س 4.
(5) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1 ج 9 ص 265.
381

بالتخيير بين الشاة والبقرة مورده من طاف الزيارة، وعليه طواف النساء،
وهو غير مفروض المسألة، أعني من عليه طواف الزيارة.
وإلحاق أحدهما بالآخر من غير موجب قياس فاسد في الشريعة، ومع
ذلك لزوم الشاة على الفقير مثلا يتبع الاسم والصفة، وهو أعم من العجز
عن البدنة أو البقرة، فإن الفقير قد لا يعجز عنها مع فقره قطعا.
والأجود الاستدلال بعدم ظهور الخلاف، وهو حجة على المختار.
بقي الكلام في تعيين الترتيب والتخيير، ومقتضى الأصول الأول، مع
أن القائل به أكثر، والعمل به أحوط.
ولا فرق في وجوب الكفارة بين من لم يطف شيئا من الأشواط، أو
طاف أقل من النصف، أو أكثر، لعموم الأخبار والفتاوى، لصدق أنه
قبل الطواف، وأنه لم يزر، فإنه بمعنى لم يطف.
وخصوص الخبر: فإن كان طاف بالبيت طواف الفريضة فطاف أربعة
أشواط فغمزه بطنه فخرج فقضى حاجته، فغشي امرأته أفسد حجه وعليه
بدنة، ويغتسل ثم يرجع فيطوف أسبوعا (1).
وكان افساد الحج بمعنى نقصه، إذ لا قائل بفساده بذلك، أو الحج بمعنى
الطواف تسمية للجزء باسم الكل، كما عن المنتهى (2)، أو رجوعا إلى
اللغة.
(ولو طاف من طواف النساء خمسة أشواط ثم واقع) ولو عامدا
عالما (لم يلزمه الكفارة وأتم طوافه) على الأظهر الأشهر، بل لا خلاف
فيه إلا من الحلي (3).

(1) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 2 ج 9 ص 267.
(2) منتهى المطلب: كتاب الحج في كفارة الوطئ ج 2 ص 839 س 23.
(3) السرائر: كتاب الحج باب ما يلزم المحرم عن جناياته ج 1 ص 552.
382

وهو نادر، ومستنده مع ذلك غير واضح، عدا ما ادعاه من الاجماع على
لزومها على من واقع قبل طواف النساء، ومال إليه بعض متأخري
المتأخرين (1)، للأخبار المستفيضة المتضمنة للصحيح وغيره بذلك (2).
وفيهما نظر، لمنع الاجماع، وشموله لمحل النزاع فإن القدر المتحقق من
الفتاوى المتفقة عليه هو الوقاع قبل مجاورة النصف، وكذلك الأخبار، مع
ضعف سند أكثرها، بل المتبادر من إطلاقها إنما هو الوقاع قبل الشروع
لا بعده.
وإنما استفيد حكمه من الاجماع الظاهر، المستفاد من جملة من العبائر (3)
على نفي الكفارة بعد الخمسة الأشواط، وخصوص الحسن - كالصحيح، بل
قيل: صحيح (4) -: عن رجل كان عليه طواف النساء فطاف منه خمسة
أشواط ثم غمزه بطنه فخاف أن يبدره فخرج إلى منزل فنقض، ثم غشي
جاريته، قال: يغتسل ثم يرجع فيطوف بالبيت طوافين تمام ما كان بقي
عليه من طوافه ويستغفر ربه ولا يعد، وإن كان طاف طواف النساء فطاف
عنه ثلاثة أشواط ثم خرج فغشي فقد أفسد حجه، وعليه بدنة، ويغتسل،
ثم يعود فيطوف أسبوعا (5). وفحوى الخبر الآتي.
والقدح فيهما سندا بعدم الصحة - بل الضعف في الثاني ودلالة في الأول

(1) مدارك الأحكام: كتاب الحج في باقي محظورات الاحرام ج 8 ص 421، وذخيرة المعاد: كتاب
الحج في باقي محظورات الاحرام ص 620 س 27، والحدائق الناضرة: كتاب الحج في باقي
محظورات الاحرام ج 15 ص 387.
(2) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب كفارات الاستمتاع ج 9 ص 265.
(3) في (مش) و (ق) توجد زيادة: (هذا مضافا إلى الاجماع الظاهر من جملة من العبائر).
(4) قاله العلامة السبزواري في ذخيرة المعاد: كتاب الحج في كفارة الاستمتاع ص 620 س 13.
(5) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1 ج 9 ص 267.
383

بعدم نفيه الكفارة، بل غايته السكوت عنها، وهو أعم من نفيها - ليس في
محله، لكفاية الحسن في الحجية، ولا سيما مثله لرواية. المجمع على تصحيح ما
يصح عنه عن موجبه.
وعلى تقدير الضعف فهو مجبور بالشهرة المقطوع بها، ونفي الخلاف عن
لزوم الكفارة هنا في كلام جماعة (1).
والدلالة واضحة، فإن السكوت عنها في مقام الحاجة دليل على نفيها،
لقبح تأخير البيان عن وقت الحاجة، سيما مع انضمام القرينة إليه، وهو
إيجاب البدنة في الوقاع إذا طاف ثلاثة أشواط في الذيل، وتركها في
الصدر، مع التعرض لها في الذيل أوضح قرينة على النفي، ولذا لم يعترض
أحد من الأصحاب بضعف الدلالة.
نعم تأملوا في السند، وقد مر الجواب عنه أيضا، مضافا إلى الانجبار
بموافقة الأصل، بناء على ما مر من منع العموم على لزوم البدنة بالوقاع قبل
طواف النساء بنحو يشمل محل النزاع.
فإذن لا شبهة في ضعف قول الحلي، مع أنه لم يصرح بلزوم البدنة في
المسألة، وإنما صرح بلزومها قبل الخمسة الأشواط في مقابلة الشيخ، لكن
بدليل يعم المسألة.
ثم المستفاد من ذيل الحسنة عدم لزوم الكفارة بالوقاع بعد الثلاثة
الأشواط خرج منه ما لم يبلغ النصف بالاجماع، وبقي الباقي مندرجا تحت
عموم مفهوم الشرط.
ولا يعارضه مفهوم الخمسة في الصدر، لكونه في كلام الراوي.

(1) منتهى المطلب: كتاب الحج في الكفارات ج 2 ص 840 س 11، وكفاية الأحكام: كتاب الحج
في الكفارات ص 65 س 4، والحدائق الناضرة: كتاب الحج في الكفارات ج 15 ص 386.
384

والاقتصار في الجواب على بيان حكم المسؤول عنه لا يقتضي نفي الحكم
عما عداه.
(و) لذا (قيل: يكفي في البناء) الأولى في سقوط الكفارة ففي
العبارة تسامح (مجاوزة النصف) والقائل الشيخ وجماعة (1).
وهو في غاية القوة، لما عرفت، مضافا إلى تأيده بالخبر: في رجل نسي
طواف النساء قال: إذا زاد على النصف وخرج ناسيا أمر من يطوف عنه،
وله أن يقرب النساء إذا زاد على النصف (2).
فلا معنى للزوم الكفارة على الفعل المرخص فيه. وضعف الخبر منجبر
بموافقة الأصل، بناء على منع العموم المتقدم.
(ولو عقد محرم لمحرم على امرأة ودخل) بها (فعلى كل واحد)
منهما (كفارة) بدنة فيما قطع به الأصحاب من غير خلاف، وفي المدارك
أن ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه (3)، ونحوه غيره (4)، معربين عن دعوى
الاجماع عليه، كما عن صريح ابن زهرة (5). وهو الحجة، مضافا إلى فحوى
الرواية الآتية.
وإطلاق المتن وغيره، بل الأكثر - كما قيل (6) - يقتضي تساوي علمهما

(1) المبسوط: كتاب الحج في ما يلزم المحرم من الكفارة ج 1 ص 337، ومختلف الشيعة: كتاب الحج
في كفارة الاستمتاع ج 4 ص 161.
(2) وسائل الشيعة: ب 58 من أبواب الطواف ح 10 ج 9 ص 469.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الحج في باقي المحظورات ج 8 ص 421.
(4) ذخيرة المعاد: كتاب الحج في باقي المحظورات ص 621 س 24، وكفاية الأحكام: كتاب الحج
في باقي المحظورات ص 65 س 14.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 515 س 12.
(6) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في محظورات الاحرام ج 1 ص 408 س 11.
385

بالاحرام والحرمة والجهل ووجوب البدنة على العاقد، وإن كان دخول
المعقود له بعد الاحلال، فإن تم الاجماع عليه، وإلا فالاقتصار على القدر
المقطوع به - وهو العلم بالأمرين - لازم، كما استوجهه بعض الأصحاب ناقلا
له عن غيره (1).
(وكذا) عليهما البدنة (لو كان العاقد محلا على رواية سماعة)
الصحيحة إليه الموثقة به: لا ينبغي للرجل الحلال أن يزوج محرما وهو يعلم
أنه لا يحل له، قال سماعة: فإن دخل بها المحرم؟ قال: إن كانا عالمين فإن
على كل واحد منهما بدنة وعلى المرأة إن كانت محرمة بدنة، وإن لم تكن
محرمة فلا شئ عليها، إلا أن تكون قد علمت إن الذي تزوجها محرم، فإن
كانت قد علمت ثم تزوجته فعليها بدنة (2).
فظاهر المتن التوقف في العمل بها، ولعله لما في المنتهى من أن في سماعة
قول، وعندي في هذه الرواية توقف (3).
وفي الايضاح الأصح خلافه، للأصل، ولأنه مباح بالنسبة إليه،
وتحمل الرواية على الاستحباب (4).
وفيه نظر، فإن الراوي ثقة، وليس يقدح في قبول خبره فساد مذهبه إن
قلنا به، مع أنه قال جماعة: بحسن مذهبه (5). والموثق حجة، سيما وإذا
اعتضد بالشهرة العظيمة بين الأصحاب، على الظاهر المصرح به في عبائر،

(1) لم نعثر عليه.
(2) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1 ج 9 ص 279.
(3) منتهى المطلب: كتاب الحج في الكفارة ج 2 ص 842 س 13.
(4) إيضاح الفوائد: كتاب الحج في باقي المحظورات ج 1 ص 348.
(5) لم نعثر عليهم.
386

بل في التنقيح بعد القدح فيه بوقفه: لكن انجبر روايته بعمل الأصحاب (1).
وظاهره دعوى الاجماع ومقتضى الرواية لزوم البدنة للمرأة إذا كانت
محرمة عالمة بإحرام الزوج، وبمضمونها أفتى الشيخ - رحمه الله (2) - وجماعة.
وفي المدارك وهو أولى من العمل بها في الحكمين وإطراحها في الآخر،
كما فعله في الدروس. إلى آخر ما قال (3). وهو حسن.
(ومن جامع في إحرام العمرة) مطلقا (قبل السعي فعليه بدنة
وقضاء العمرة) للحسن: في الرجل يعتمر عمرة مفردة فيطوف بالبيت
طواف الفريضة ثم يغشي أهله قبل أن يسعى بين الصفا والمروة، قال: قد
أفسد عمرته، وعليه بدنة، وعليه أن يقيم بمكة محلا حتى يخرج الشهر الذي
اعتمر فيه ثم يخرج إلى الوقت الذي وقته رسول الله - صلى الله عليه وآله -
لأهل بلاده، فيحرم منه ويعتمر (4). ونحوه الصحيح وغيره (5)، لكن في
المجامع قبل الطواف والسعي معا..
وموردها أجمع العمرة المفردة، ولذا خصه في التهذيب بها (6).
خلافا للأكثر، فعمموا الحكم للعمرة المتمتع بها أيضا. واستشكل فيه
في القواعد (7).
قيل: من التساوي في الأركان وحرمتهن قبل الأداء، وإنما الاختلاف

(1) التنقيح الرائع: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 562.
(2) المبسوط: كتاب الحج فيما يجب على المحرم اجتنابه ج 1 ص 318.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الحج في باقي المحظورات ج 8 ص 422.
(4) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 2 ج 9 ص 268.
(5) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1 و 3 ص 268 - 269.
(6) تهذيب الأحكام: في الكفارات ح 25 ج 5 ص 324.
(7) قواعد الأحكام: في الكفارات ج 1 ص 99 س 7.
387

باستتباع الحج، ووجوب طواف النساء وعدمهما، ومن الأصل، والخروج
عن النصوص، ولزوم أحد الأمرين إذا لم يسع الوقت انشاء عمرة أخرى
قبل الحج، أما تأخير الحج إلى قابل والآتيان به مع فساد عمرته، وهو
يستلزم عدم فساده مع الاتيان بجميع أفعاله، والتجنب فيه عن المفسد، أو
انتقاله إلى الأفراد، وإذا انتقل إلى الأفراد سقط الهدي وانتقلت العمرة
مفردة، فيجب لها طواف النساء. وفي جميع ذلك إشكال (1)، انتهى.
ولكن ظاهر جماعة - كالمحقق الثاني (2) وفخر الاسلام حاكيا له عن
والده (3) - أنه لا إشكال في فساد العمرة المتمتع بها، وإنما هو في فساد حجها
بفسادها من ارتباطه بها ومن انفراده باحرام آخر، والأصل صحته، والبراءة
عن القضاء.
وكأن عدم إشكالهم في فسادها لعدم الخلاف فيه، وإلا فالنصوص
مختصة بالمفردة دونها، كما مضى.
وحينئذ فالتعميم أقوى، وفاقا للحلبيين (4) فيما حكي عنهما (5).
وحيث فسدت العمرة المتمتع بها، فالأظهر فساد حجها أيضا، لما مر
من الارتباط، وفساد الوجه الآخر، لأن حج المتمتع لا يعقل صحته مع
فساد العمرة المتقدمة عليه.

(1) قاله الفاضل الهندي في كشف اللثام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 407 س 22.
(2) جامع المقاصد: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 3 ص 350.
(3) إيضاح الفوائد: كتاب الحج في الاستمتاع بالنساء ج 1 ص 347.
(4) الكافي في الفقه: كتاب الحج في الكفارات ص 203، وغنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب
الحج ص 514 س 23.
(5) في (مش) توجد زيادة: قيل: وربما اشعر به الصحيح: عن رجل وقع على امرأة ولم يقصر،
قال: لينحر جزورا، وقد خشيت أن يكون يثلم حجه إن كان عالما، وإن كان جاهلا
فلا شئ عليه. (×) فإن الخوف من تطرق الفساد إلى الحج بالوقاع بعد السعي وقبل التقصير ربما
اقتضى تحقق الفساد بوقوع ذلك قبل السعي (× ×). وفيه نظر، فإن الوقاع بعد السعي وقبل
التقصير لا يوجب البدنة خاصة بمقتضى الصحيحة وغيرها فكيف ينثلم الفساد: بل الحج،
والفحوى لو تمسك بها إنما يكون حجة لو قلنا بحجية أصلها، وإلا كما هنا فلا. وكذا إن ادعي
إطلاقها لما إذا لم يسع المتبادر منه قبل القصر بعد السعي.
(×) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 4 ج 9 ص 270.
(× ×) قاله سيد السند في مداركه: كتاب الحج في باقي محظورات الاحرام ج 8 ص 423.
388

وليس في المتن وكلام الشيخ والأكثر - كما قيل (1) - تعرض لوجوب إتمام
العمرة الفاسدة، ولا وجوب التفريق.
وقطع الفاضل في القواعد والشهيدان - كما قيل (2) - بالوجوب.
ومستندهم غير واضح، لخلو الأخبار عنه، بل ربما أشعرت بالعدم،
للتصريح فيها بالفساد، وعدم التعرض فيها للأمرين بالكلية، مع كون
المقام مقام الحاجة.
وربما يستدل لهم بأنه لا يجوز انشاء إحرام آخر قبل إكمال الأول، كما مر.
وفيه نظر، لقوة احتمال اختصاص ذلك بالاحرام الصحيح دون
الفاسد.
ثم إن ظاهر الأخبار تعين القضاء في التداخل ولزوم الصبر إليه،
ولا ريب أنه أحوط، ولو قلنا بجواز توالي العمرتين أو الاكتفاء بالفرق بينهما
بعشرة أيام في غير المقام.
خلافا لجماعة فجعلوه أفضل (3).

(1) مدارك الأحكام: كتاب الحج في باقي المحظورات ج 8 ص 423.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الحج في باقي المحظورات ج 8 ص 423.
(3) قواعد الأحكام: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 99 س 8، ومدارك الأحكام: كتاب الحج
في الكفارات ج 8 ص 525، وذخيرة المعاد: كتاب الحج في الكفارات ص 621 س 4.
389

(ولو أمنى بنظره إلى غير أهله فبدنة إن كان موسرا، وبقرة إن
كان متوسطا، وشاة إن كان معسرا) كما في الموثق (10)، وعليه الأكثر.
خلافا للمقنع فجزور أو بقرة، وإن لم يجد فشاة (2)، للصحيح (3).
ولبعض المتأخرين فاحتمل الاكتفاء بالشاة مطلقا (4)، كما عن ابن حمزة،
حيث لم يذكر هنا إلا الشاة (5)، للحسن أو الصحيح: في محرم نظر إلى غيره
فأنزل؟ قال: عليه دم، لأنه نظر إلى غير ما يحل له، وإن لم يكن أنزل
فليتق، ولا يعد، وليس عليه شئ (6).
وفيهما نظر، لقبول الخبرين التنزيل على الموثق بحمل، أو غير التخيير
بنحو يجامع الترتيب، ويقيد الدم الذي هو عبارة عن الشاة بصورة الفقر، أو
يراد منه ما يعم كل من الثلاثة، وينزل على التفصيل المزبور في الرواية،
جمعا بينها وبين الموثق، لصراحته بالإضافة إليهما، وإن قصر سنده عنهما،
لانجباره، أو اعتضاده بالشهرة العظيمة، التي تجعلها أقوى من الصحيح
بمراتب شتى، سيما مع اعتضاده هنا بالاحتياط.
والمرجع في المفهومات الثلاثة إلى العرف. قيل: فينزل ذلك على
الترتيب فيجب البدنة على القادر عليها، فإن عجز عنها فالبقرة، وإن عجز

(1) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 2 ج 9 ص 272.
(2) المقنع والهداية: كتاب الحج في الكفارات ص 76.
(3) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1 ج 9 ص 272.
(4) مدارك الأحكام: كتاب الحج في باقي المحظورات ج 8 ص 425.
(5) نقول: بل لم يذكر الشاة أصلا، كما عند جماعة منهم كشف اللثام: كتاب الحج في كفارات
الاحرام ج 1 ص 407 س 31، راجع الوسيلة: كتاب الحج في كفارات الحج ص 166 و 167،
حيث ذكر البدنة والبقرة فقط.
(6) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب كفارات الاحرام ح 5 ج 9 ص 273.
390

عنها فالشاة (1)، وبه قطع الفاضل في الارشاد (2) والشهيد في الدروس (3)،
والرواية تدل على الأول.
ولعل وجه تنزيلها على ما ذكراه البناء على الغالب من أن شأن المتوسط
أن يعجز عن البدنة والفقير عن البقرة. ولا يخلو عن نظر.
ثم إن ظاهر الموثق كون الكفارة للنظر لا للامناء، لما فيه من تعليلها
بذلك، كما مر في الحسن، لكنه مع ذلك صريح في عدم الكفارة مع عدم
الامناء، وبه يصرف أيضا ظاهر التعليل في الموثق.
وإطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق في الحكم بين ما لو قصد
بالنظر الامناء أم لا، كان النظر بشهوة أم بدونها.
خلافا لشيخنا الشهيد الثاني فقيدهما بما إذا لم يقصد به الامناء،
ولا كان من عادته ذلك أيضا قال: وإلا فكالمستمني (4). وفيه نظر مر
وجهه.
فالعمل بإطلاق النص والفتوى هنا أولى.
ولم يذكر الماتن ولا الأكثر حكم ما لو عجز عن الشاة، والظاهر لزوم
الصيام ثلاثة أيام، كما مر من أنه أصل عام، وحكي القول به هنا عن
المفيد (5) والديلمي (6) وابن زهرة (7).

(1) نقلها في مسالك الأفهام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 145 س 15.
(2) إرشاد الأذهان: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 322.
(3) الدروس الشرعية: كتاب الحج درس 98 في تروك الاحرام
ج 1 ص 371.
(4) مسالك الأفهام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 145 س 17.
(5) المقنعة: كتاب الحج ب 28 في الكفارة عن خطأ المحرم ص 433.
(6) المراسم: كتاب الحج في أحكام الخطأ ص 119.
(10) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 514 س 23.
391

(ولو نظر إلى امرأته لم يلزمه شئ) وإن أمنى (إلا أن ينظر إليها
بشهوة فيمني فعليه بدنة) فيما قطع به الأصحاب، كما في كلام جماعة،
مؤذنين بدعوى الاجماع، كما حكوه عن المنتهى (1)، مع أنه حكي عن المفيد
والمرتضى - رحمهما الله - أنهما أطلقا نفي الكفارة عمن نظر إلى أهله (2).
ولعلهما نظر إلى إطلاق الصحيح أو عمومه: عن محرم نظر إلى امرأته
فأمنى أو أمذى وهو محرم؟ قال: لا شئ عليه (3).
وصريح الموثق: في محرم نظر إلى امرأته بشهوة؟ قال: ليس عليه
شئ (4)
وعن الحلبي أنه ذكر بدل البدنة شاة (5)، ولم أعرف مستنده.
وقول المفيد والمرتضى لا يخلو عن قوة لولا الاجماع المنقول المعتضد
بالشهرة، وخصوص الحسن: ومن نظر إلى امرأته بشهوة فأمنى فعليه
جزور (6)، فيقيد بهما إطلاق صحيحهما، مع أن في ذيله أيضا ما يوافق
الحسن فإن فيه قال: في المحرم ينظر إلى امرأته وينزلها بشهوة حتى ينزل؟
قال: عليه بدنة.
وقوله: (بشهوة) إن خص به الانزال، لتباين الصدر والذيل تباينا
كليا، فليرجع إلى النظر أيضا، ليمكن الجمع بينهما، أما بحمل الذيل على

(1) مدارك الأحكام: كتاب الحج في باقي محظورات الاحرام ج 8 ص 426، وذخيرة المعاد: كتاب
الحج في باقي المحظورات ص 621 س 8.
(2) الحاكي هو الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في محظورات الاحرام ج 1 ص 407 س 35.
(3) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1 ج 9 ص 274.
(4) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 7 ج 9 ص 276.
(5) الكافي في الفقه: كتاب الحج ص 203.
(6) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 3 ج 9 ص 274.
392

الاستحباب، أو تقييد الصدر بالنظر بغير شهوة، وهو الوجه لرجحان
التخصيص على المجاز، وإن وافق الأصل فلم يبق غير الموثق، ولا يكافئ ما
سبق، ولذا حمل على السهو.
ومن الأصحاب من ألحق نظر معتاد الامناء بالنظر بشهوة (1). ولا بأس
به، بل لا إلحاق، فإنه لا ينفك نظره عن الشهوة.
(ولو مسها) أي أهله بغير شهوة فلا شئ عليه وإن أمنى بلا خلاف
فتوى ونصا.
وإن مسها (بشهوة ف‍) عليه (شاة) مطلقا (أمنى أو لم يمن) وفاقا
للأكثر، للخبر: عن رجل حمل امرأته وهو محرم فأمنى أو أمذى، قال: إن
كان حملها أو مسها بشئ من الشهوة فأمنى أو لم يمن، أمذى أو لم يمذ
فعليه دم يهريقه، الخبر (2).
ويعضده إطلاق الصحيح: المحرم يضع يده بشهوة - يعني على امرأته؟
قال: يهريق دم شاة، قلت: فإن قبل؟ قال: هذا أشد ينحر بدنة (3).
ونحوه الحسن: من مس امرأته بيده وهو محرم على شهوة، فعليه دم
شاة (4).
خلافا للحلي فخص الشاة بما إذا لم يمن، وأوجب البدنة مع الامناء.
ويمكن الاستدلال له بأنه أفحش من النظر وفيه بدنة، فهو أولى بها،

(1) مسالك الأفهام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 145 س 18، ومدارك الأحكام:
كتاب الحج في محظورات الاحرام ج 8 ص 427.
(2) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 6 ج 9 ص 275.
(3) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1 ج 9 ص 276.
(4) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 3 ج 9 ص 275.
393

فليحمل الصحيحان على ما إذا لم يمن، كما هو الغالب في المس ولو بشهوة،
مضافا إلى الصحيح المتقدم الموجب للبدنة فيمن ينزل امرأته بشهوة حتى
ينزل، كالنظر بشهوة فيمني المذكور فيه أيضا.
والخبر المتقدم ضعيف، وهو قوي متين لولا جبر ضعف الخبر بالشهرة
العظيمة التي تكاد تبلغ الاجماع، فيترجح على الصحيحة، مع أن في العمل
بالخبر إبقاء بإطلاق الصحيحين، بل عموم أحدهما الناشئ عن ترك
الاستفصال على حاله.
فلتطرح الصحيحة، أو تحمل على الاستحباب، أو الاستمناء، وهو
الوجه. وربما يشعر به قوله: (ينزلها حتى ينزل) فتدبر.
(ولو قبلها بشهوة كان عليه جزور) للصحيح المتقدم المتضمن
لقوله: (قلت: فإن قبل، قال: هذا أشد ينحر بدنة).
وسياقه ظاهر في التقبيل بشهوة، مضافا إلى أنه الغالب المنصرف إليه
الاطلاق.
مضافا إلى الحسن: إن قبل امرأته على غير شهوة وهو محرم فعليه دم
شاة، وإن قبل امرأته على شهوة فأنزل فعليه جزور، ويستغفر (1).
وبه يقيد الصحيح على تقدير ثبوت إطلاقه، لكن ظاهره اشتراط
الانزال في الجزور، كما عليه الحلي (2) والديلمي (3) وابن زهرة (4) وغيرهم،
ولكن الأكثر لم يشترطوه.

(1) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 3 ج 9 ص 276.
(2) السرائر: كتاب الحج باب ما يلزم المحرم عن جناياته ج 1 ص 552.
(3) المراسم: كتاب الحج في أحكام الخطأ ص 119.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 514 س 22.
394

ولعله للخبر: في رجل قبل امرأته وهو محرم عليه بدنة وإن لم ينزل (1).
وإطلاقه ينزل على التقبيل بشهوة، لما مر، وهو صريح في لزوم البدنة
مع عدم الامناء.
والحسنة ظاهرة في اشتراطه بالمفهوم الضعيف، واللازم دفع الظاهر
بالنص.
وضعف السند لعله مجبور بعمل الأكثر، مع أن ضعفه بسهل - وهو سهل -
وبالبطائني، وقد ادعى الشيخ إجماع الطائفة على العمل بخبره (2).
هذا إن قبلها بشهوة، وإن قبلها بغير شهوة فشاة، للحسنة المتقدمة
السالمة عما يصلح للمعارضة، سوى إطلاق الصحيح وغيره، وقد مر
اختصاصه بحكم السياق وغيره بالتقبيل بشهوة.
فتلخص مما اخترناه في المسألة واستفدناه من الجمع بين أخبارها أنه لو
قبلها بغير شهوة فشاة مطلقا، وبشهوة جزور كذلك أمنى أو لا، وفاقا
للنهاية (3) والمبسوط (4) والشرائع (5) والقواعد (6) والتحرير (7) والدروس (8)،
وفيه التصريح بالتعميم للامناء، وعدمه في لزوم البدنة.
وفي المسألة أقوال أخر منها لزوم البدنة مطلقا، كما عن الصدوق (9)

(1) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 4 ج 9 ص 277.
(2) لم نعثر عليه في كتبه المتوفرة لدينا، ولعله في عدة الأصول من الجلد الثاني.
(3) النهاية ونكتها: كتاب الحج باب ما يجب على المحرم من الكفارة ج 1 ص 497.
(4) المبسوط: كتاب الحج في ما يلزم المحرم من الكفارة ج 1 ص 338.
(5) شرائع الاسلام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 295.
(6) قواعد الأحكام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 99 س 11.
(7) تحرير الأحكام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 120 س 20.
(8) الدروس الشرعية: كتاب الحج درس 98 في تروك الاحرام ج 1 ص 371.
(9) المقنع: كتاب الحج ص 76.
395

والمفيد (1) والمرتضى (2)، وإذا أنزل أما مطلقا، كما عن الديلمي (3)، أو
إذا كان بشهوة، كما عن ابن سعيد (4)، وآخر لزوم لشاة كذلك كما عن
الفقيه (5)، وقول الحلي قريب مما اخترناه، لكن مشترط في البدنة زيادة
على الشهوة الامناء، كما مضى.
(وكذا لو أمنى عن ملاعبة) فعليه جزور، وكذا على المرأة إن
طاوعت، كما في التهذيب (6) وغيره، للصحيح: عن الرجل يعبث بامرأته
حتى يمني وهو محرم من غير جماع، أو يفعل ذلك في شهر رمضان، فقال:
عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع (7).
ومقتضاه وجوب البدنة، لأنها الواجب بالجماع.
(ولو كان) الامناء (عن تسمع على مجامع أو استماع إلى كلام
امرأة) أو وصفها (من غير نظر) إليها (لم يلزمه شئ) من الكفارة
بلا خلاف أجده ولا حكي، إلا عن الحلبي في الاصغاء إليها مع الامناء،
فقال: عليه شاة (8).
ولم أعرف مستنده، ويدفعه الأصل، وهو الحجة في المسألة، مضافا إلى
المعتبرة.

(1) المقنعة: كتاب الحج ب 28 في الكفارة عن خطأ المحرم ص 434.
(2) جمل العلم والعمل (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ج 3 ص 70.
(3) المراسم: كتاب الحج في أحكام الخطأ ص 119.
(4) الجامع للشرائع: كتاب الحج باب كفارات محظور الاحرام ص 188.
(5) من لا يحضره الفقيه: باب ما يجب على المحرم اجتنابه ج 2 ص 332 ذيل الحديث 2589.
(6) تهذيب الأحكام: كتاب الحج ب 25 في الكفارة عن خطأ المحرم ج 5 ص 327.
(7) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1 ج 9 ص 271.
(8) الكافي في الفقه: كتاب الحج ص 203.
396

منها الموثق: في محرم استمع على رجل يجامع أهله فأمنى، قال: ليس
عليه شئ (1). ونحوه آخر مرسل (2).
وفي ثالث كالصحيح: في المحرم تنعت له المرأة الجميلة الخلقة فيمني،
قال: ليس عليه شئ (3).
واحترز بقوله: (من غير نظر) عما لو نظر فعليه الكفارة، ولا إشكال
فيه إذا كان النظر إليها. أما إذا كان النظر إلى المجامع خاصة فالظاهر
العدم. وكذا إذا نظر إلى المتجامعين وهما ذكران أو ذكر وبهيمة، للأصل.
وإطلاق المتن ونحوه شرط انتفاء النظر، لعل المراد به الاحتراز عن
خصوص الأول، بل هو الظاهر.
واستثنى جماعة ومنهم شيخنا الشهيد الثاني معتاد الامناء بذلك، قالوا،
فهو من الاستمناء، وقصدوا به إيجاب البدنة فيه (4)، كما سبق في بحثه.
وقد مر ثمة، وفي غيره ما فيه.
فيشكل الحكم بإيجابها هنا، سيما مع إطلاق النص بالعدم، وكذا
الفتوى، ولكنه أحوط وأولى.
(و) الثاني (الطيب، ويلزم باستعماله شاة) مطلقا (صبغا)
بالكسر أي اداما، أو بالفتح، قيل: وكأنه أولى لا غناء الأكل عن
الأول (5) (وإطلاء وبخورا) بفتح الباء، وهو ما يبخر به، قيل:

(1) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 4 ج 9 ص 278.
(2) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 2 ج 9 ص 278.
(3) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1 ج 9 ص 278.
(4) مسالك الأفهام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 145 س 17، ومدارك الأحكام:
كتاب الحج في باقي محظورات الاحرام ج 8 ص 429.
(5) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 409 س 3.
397

ولا يجئ مصدره بهذه الصورة، ولو قال: (وتبخر) كان أولى (1).
(و) أكلا (في الطعام) كما هنا وفي الشرائع (2) إجماعا، كما عن
المنتهى (3)، وزيد فيهما وفي الارشاد (4) والقواعد (5) بعد الاطلاق ابتداء
واستدامة.
وفي المنتهى لا نعلم فيه خلافا (6)، وزيد في التحرير (7) أيضا، وسواء
استعمله لعضو كامل أو بعضه، وسواء مست الطعام النار أم لا.
وحكي أيضا عن التذكرة بزيادة قوله: شما ومسا علق به بالبدن أو
علقت به الرائحة، واحتقانا واكتحالا واسعاطا لا لضرورة، ولبسا لثوب
مطيب وافتراشا له، بحيث يشم الريح أو يباشر به بدنه وثياب بدنه.
قال: ولو داس بنعله طيبا فعلق بنعله وإن تعمد ذلك وجبت الفدية (8).
قيل: واستدل على الجميع بالعمومات، ولم أظفر من الأخبار، إلا
بالصحيح: من أكل طعاما لا ينبغي له أكله وهو محرم ففعل ذلك ناسيا أو
جاهلا فليس عليه شئ، ومن فعله متعمدا فعليه شاة (9).
وما في قرب الإسناد للحميري من قول الكاظم - عليه السلام - لأخيه
علي - رحمه الله -: لكل شئ خرجت من حجك فعليك دم تهريقه حيث

(1) قاله الشهيد الثاني في مسالكه: كتاب الحج في كفارة الطيب ج 1 ص 145 س 23.
(2) شرائع الاسلام: كتاب الحج في باقي محظورات الاحرام ج 1 ص 295.
(3) منتهى المطلب: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 2 ص 786 س 20.
(4) إرشاد الأذهان: كتاب الحج في الكفارات ج 1 ص 323. (5) قواعد الأحكام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 99 س 18.
(6) منتهى المطلب: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 2 ص 786 السطر الأخير.
(7) تحرير الأحكام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 120 س 34.
(8) حكاه في كشف اللثام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 409 س 4.
(9) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 1 ج 9 ص 289.
398

شئت. (1)
والصحيح في الفقيه: من أكل زعفرانا متعمدا أو طعاما فيه طيب فعليه
دم، فإن كان ناسيا فلا شئ عليه، ويستغفر الله ويتوب إليه (2).
والصحيح المقطوع: في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج،
فقال: إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين، وإن كان تعمد فعليه دم
شاة يهريقه (3).
وأرسل المفيد عن الصادق - عليه السلام -: كفارة مس الطيب للمحرم
أن يستغفر الله تعالى، ولم يذكر له في باب الكفارات، ولا في باب الكفارة
عن خطأ المحرم كفارة، إلا ما ذكره من أنه إن أكل طعاما لا يحل له
متعمدا فعليه دم شاة (4). ونحوه ابن حمزة، ولم يذكر له سلار كفارة،
ولا السيد في الجمل.
ولكنه قال أخيرا: فأما إذا اختلفت النوع كالطيب واللبس فالكفارة
واجبة على كل نوع منه، ولا ابن سعيد إلا قوله: روي: فيمن داوى قرحة
له بدهن بنفسج بجهالة طعام مسكين، وقوله: في الدهن الطيب مختارا دم.
وفي الصحيح والمرسل: لا يمس المحرم شيئا من الطيب ولا الريحان
ولا يتلذذ به ولا بريح طيبة، فن ابتلى بشئ من ذلك فليتصدق بقدر ما
صنع قدر شبعه (5).

(1) قرب الإسناد: ص 104.
(2) من لا يحضره الفقيه: كتاب الحج باب الطيب للمحرم ح 2663 ج 2 ص 350.
(3) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 5 ج 9 ص 285.
(4) المقنعة: كتاب الحج ب 29 من الزيادات في فقه الحج ص 446.
(5) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب تروك الاحرام ح 11 و 7 ج 9 ص 95.
399

وفي الصحيح: واتق قتل الدواب كلها، ولا تمس شيئا من الطيب،
ولا من الدهن في إحرامك، واتق الطيب في زادك. وامسك على انفك من
الريح الطيبة، ولا تمسك من الريح المنتنة، فإنه لا ينبغي أن يتلذذ بريح
طيبة، فمن ابتلى بشئ من ذلك فعليك غسله، وليتصدق بقدر ما صنع (1).
وفي الخبر: قلت له أكلت خبيصا فيه زعفران حتى شبعت، قال: إذا
فرغت من مناسكك وأردت الخروج من مكة فاشتر تمرا ثم تصدق به يكون
كفارة لما أكلت، ولما دخلت عليك في إحرامك مما لا تعلم (2).
واقتصر في المقنع على الافتاء بمضمونها مع الصحيح الوارد فيمن أكل ما
لا ينبغي أكله متعمدا فعليه دم، وقد تقدم.
وحملت هذه الأخبار على السهو أو الضرورة، وأيدها بقوله - عليه السلام -:
فمن ابتلى بشئ من ذلك إلى آخره (3).
أقول: وفي المختلف بعد نقل ذلك عن المقنع: فإن قصد بالأول - يعني به
مضمون الخبر غير الصحيح - النسيان والصدقة بدرهم استحبابا - كما هو
المشهور فهو حق، وإن قصد العمد فهو في مقام المنع، ويجب عليه شاة على
ما هو متفق عليه بين الأصحاب (4).
وعن الخلاف لا خلاف في أن في الدهن الطيب الفدية، على أي وجه
استعمله، وإن ما عدا المسك والعنبر والكافور والزعفران والورس والعود
لا كفارة فيه عندنا، للاجماع، والأخبار، وأصل البراءة، وأن في أكل

(1) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب تروك الاحرام ح 9 ج 9 ص 95.
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 1 ج 9 ص 283.
(3) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 409 س 5.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 287 س 18.
400

طعام فيه طيب الفدية على جميع الأحوال، إلى آخر ما نقل عنه (1).
وعن الحلبي: في شم المسك والعنبر والزعفران والورس وأكل طعام فيه
شئ منها دم شاة، وفيما عدا ذلك من الطيب الإثم دون الكفارة (2).
وعن النزهة: إذا استعمل المحرم المسك أو العنبر أو العود أو الكافور أو
الزعفران مختارا وجب عليه شاة، ولم أقف في التهذيب على خبر يتضمن
وجوب الشاة في استعمال الكافور، والمعتمد في ذلك على عمل
أصحابنا (3)، انتهى.
والمقصود من التطويل بنقل هذه الكلمات والأقوال أن العمدة في
إثبات كفارة الطيب في جميع الأقوال الاجماع المنقول في ظاهر الخلاف،
وصريح المنتهى، وظاهر غيرهما، وأنه لا يظهر من فتاوى القوم ما يخالفه،
عدا سكوت بعضهم عنها مطلقا، أو في الجملة، وفتوى الصدوق بما عرفته.
وقد عرفت الكلام فيها، مع أنه على تقدير ظهور مخالفته فقوله مضعف
بالاجماعات المنقولة والأخبار الصحيحة، وأما السكوت عنها فعدم دلالته
على المخالفة أظهر من أن يخفى.
قيل: ولما حرمت الاستدامة وأوجبت الكفارة كالابتداء، فإن كان
عليه أو على ثوبه طيب وسها عن إزالته إلى أن أحرم، أو وقع عليه وهو
محرم أو سها فتطيب وجبت إزالته بنفسه أو بغيره، ولا كفارة عليه بغسله
بيده، لأنه بذلك تارك للطيب لا متطيب، كالماشي في الأرض المغصوبة،

(1) الخلاف: كتاب الحج م 90 ج 2 ص 303، ونقله عنه كاشف اللثام: كتاب الحج في كفارات
الاحرام ج 1 ص 409 س 19.
(2) الكافي في الفقه: كتاب الحج ص 204.
(3) نزهة الناظر: كتاب الحج في المواضع التي تجب فيها الشاة ص 68.
401

للخروج عنها، وقول النبي - صلى الله عليه وآله -: لمن رأى عليه طيبا اغسل
عنك الطيب. ويستحب الاستعانة فيه بحلال، كما في التذكرة والمنتهى
والمبسوط (1).
(ولا بأس بخلوق الكعبة وإن مازجه الزعفران) بلا خلاف
أجده، بل عن الخلاف (2) والمنتهى (3) الاجماع عليه، للصحاح المستفيضة
وغيرها من المعتبرة.
ففي الصحيح: عن خلوق الكعبة وخلوق القبر يكون في ثوب الاحرام؟
قال: لا بأس بهما هما طهوران (4).
وفيه: المحرم يصيب بثيابه الزعفران من الكعبة وخلوق القبر يكون في
ثوب الاحرام؟ فقال: لا بأس بهما هما طهوران (5). ونحوه الموثق من غير
زيادة خلوق القبر، وبزيادة: فلا تتقه إن تصيبك (6).
وظاهرها عدم البأس بزعفران الكعبة مطلقا، كما أفتى به جماعة ومنهم
الشيخ في التهذيب والنهاية (7) والحلي في السرائر (8) والفاضل في التحرير
والمنتهى والتذكرة (9).

(1) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 409 س 29.
(2) الخلاف: كتاب الحج م 95 ج 2 ص 306.
(3) منتهى المطلب: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 2 ص 785 س 1
(4) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب تروك الاحرام ح 3 ج 9 ص 98.
(5) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب تروك الاحرام ج 9 ص 98، ذيل الحديث 3.
(6) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب تروك الاحرام ح 4 ج 9 ص 99.
(7) تهذيب الأحكام: كتاب الحج ب 7 في صفة الاحرام ج 5 ص 69 ذيل حديث 32، والنهاية
ونكتها: كتاب الحج ب 5 في ما يجب صفة الاحرام ج 1 ص 475.
(8) السرائر: كتاب الحج باب في ما يجب صفة الاحرام ج 1 ص 543.
(9) تحرير الأحكام: كتاب الحج في كفارات الطيب ج 1 ص 120 السطر الأخير، ومنتهى المطلب:
كتاب الحج في كفارات الطيب ج 2 ص 813 س 22، وتذكرة الفقهاء: كتاب الحج في
كفارات الطيب ج 1 ص 353 س 27.
402

وظاهر الصحيحين عدم البأس بخلوق القبر أيضا، كما عن ابن
سعيد (1)، وتبعه جماعة ممن تأخر عنه قالوا: والظاهر أن المراد به قبر النبي
- صلى الله عليه وآله - (2).
ولا بأس به ولا بسابقة إن تم دلالة الروايات من أصلها على رفع المنع
عن الخلوق من حيث كونه طيبا. ولكن لا يخلو عن مناقشة، بل ظاهر
التعليل فيهما بأنه طهور.
وربما يفيد أن رفع المنع إنما هو من حيث احتمال النجاسة باحتمال
حصولها فيه بمشاورة الخاصة والعامة، ممن لا يتورع النجاسة.
وعلى هذا فلا دخل لها بمفروض المسألة، ولقد تنبه لذلك في الذخيرة،
إلا أنه جبرها بفهم الأصحاب.
فقال: لكن فهم الأصحاب واتفاقهم يكفي مؤنة هذه المناقشة (3)، انتهى.
وهو حسن.
قيل: والخلوق - كما في المغرب والمعرب - ضرب من الطيب مايع فيه
صفرة، وقال الجزري في نهايته: طيب معروف مركب من الزعفران وغيره
من أنواع الطيب، ويغلب عليه الحمرة والصفرة، وقال ابن جزلة في
المتطيب منهاجه: إن صنعته زعفران ثلاثة دراهم، وقصب الذريرة خمسة
دراهم واشنه ودرهمان قرنفل وقرفة عن كل واحد درهم يدق ناعما وينخل
ويعجن بماء الورد ودهن ورد حتى يصير كالرهشي في قوامه، والرهشي هو

(1) الجامع للشرائع: كتاب الحج في محرمات الاحرام ص 186.
(2) كشف اللثام: كتاب الحج في محظورات الحج ج 1 ص 326 س 28.
(3) ذخيرة المعاد: كتاب الحج في تروك الاحرام ص 591 س 43.
403

السمسم المطحون قبل أن يعصر ويستخرج دهنه.
وأجاز في التذكرة والمنتهى الجلوس عند الكعبة، وهي تجمر حملا على
الخلوق، وفي الدروس عن الشيخ: لو دخل الكعبة وهي تجمر أو تطيب لم
يكره له الشم، والذي ظفرت به حكايته له في الخلاف عن الشافعي.
وأجاد في المسالك حيث حرم غير الخلوق إذا طيبت به الكعبة بالتجمير أو
غيره اقتصارا على المنصوص، قال: لكن لا يحرم عليه الجلوس فيها وعندها
حينئذ، وإنما يحرم الشم ولا كذلك الجلوس في سوق العطارين وعند
المتطيب فإنه يحرم، انتهى.
وقيل في الاحتجاج: بجواز شم ما يجمر به الكعبة، أنه ورد في الصحيح
نفي البأس عن الرائحة الطيبة بين الصفا والمروة، وأن لا يمسك أنفه منها،
فرائحة الكعبة أولى.
قلت: ويمكن إدخال جميع ذلك، في الشم اضطرارا، وهو جائز اتفاقا،
لانتفاء العسر والحرج في الدين، وخصوص الصحيح الوارد في السعوط،
لكن يأتي أن عليه الفدية في الدهن الطيب (1)، انتهى كلام القائل إلى
هنا.
وإنما ذكرناه بطوله لتضمنه تحقيق الخلوق في المسألة، وتحقيق ما هو
الحق من الحكم، وذكر الأقوال فيما يتفرع عليها ويناسبها، ولكن الأقرب
جواز شم طيب الكعبة مطلقا، لفحوى الخطاب الذي مضى.
ومنه يظهر ما في دليل المسالك من لزوم الاقتصار على المنصوص، فإن
هذا أيضا منصوص، إد لا يشترط في النص الدلالة الصريحة بنحو من
التضمن أو المطابقة، بل لا يكفي الدلالة الالتزامية، سيما نحو الأولوية التي

(1) قاله الفاضل، الهندي في كشفه: كتاب الحج في تروك الاحرام ج 1 ص 326 س 28.
404

لا خلاف في حجيتها ولا شبهة.
(و) الثالث: (القلم، وفي قلم كل ظفر مد من طعام) إلى أن
يبلغ عشرة، بلا خلاف إلا من الحلبي فكف إلى أن تبلغ خسة فصاع (1)،
ومن الإسكافي ففي كل ظفر مد أو قيمته إلى أن يبلغ خمسة فدم شاة (2).
وهما نادران، بل على خلافهما الاجماع عن الخلاف (3) والغنية (4)
والمنتهى (5)، للمعتبرة.
ومنها الموثق - بل الصحيح، كما قيل (6) -: عن رجل قص ظفرا من
أظافيره وهو محرم، قال: عليه في كل ظفر مد من طعام حتى يبلغ عشرة،
فإن قلم أصابع يديه كلها فعليه دم شاة قلت: فإن قلم أظافير يديه ورجليه
جميعا؟ فقال: إن كان فعل ذلك في مجلس واحد فعليه دم، وإن كان فعله
متفرقا في مجلسين فعليه دمان (7).
لكن في نسخة أخرى بدل (مد من طعام) (قيمته)، ولعله لهذا خير
الإسكافي بينهما، إلا أن النسخة الأولى أرجح، للشهرة، والاجماعات
المنقولة؟ مضافا إلى الاحتياط، ولزوم الأخذ بالمتيقن، والموافقة للخبر المنجبر
ضعفه بالعمل: عن محرم قلم أظافيره؟ قال: عليه مد في كل إصبع، فإن

(1) الكافي في الفقه: كتاب الحج ص 204.
(2) كما في مختلف الشيعة: كتاب الحج في باقي المحظورات ج 1 ص 285 س 15.
(3) الخلاف: كتاب الحج م 100 ج 2 ص 309.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 515 س 4.
(5) منتهى المطلب: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 2 ص 794 س 34.
(6) قاله في مدارك الأحكام: كتاب الحج في باقي محظورات الاحرام ج 8 ص 434.
(7) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 1 ج 9 ص 293.
405

هو قلم أظافيره عشرتها فإن عليه دم شاة (1).
ولا يعارضها الصحيح: عن محرم تطول أظفاره أو ينكسر بعضها فيؤذيه؟
قال: لا يقص منها شيئا إن استطاع، فإن كانت تؤذيه فليقصها، وليطعم
مكان كل ظفر قبضة من طعام (2).
والصحيح: في المحرم ينسى فيقلم ظفرا من أظافيره؟ قال: يتصدق
بكف من الطعام قلت: فاثنين؟ قال: كفين، قلت: فثلاثة؟ قال: ثلاث
أكف كل ظفر كف حتى يصير خمسة، فإذا قلم خمسة فعليه دم واحد خمسة
كان أو عشرة أو ما كان (3).
والمرسل: في محرم قلم ظفرا؟ قال: يتصدق بكف من طعام، قلت:
ظفرين؟ قال: كفين، قلت: ثلاثة؟ قال: ثلاثة أكف، قلت: أربعة؟
قال: أربعة أكف، قلت: خمسة؟ قال: عليه دم يهريقه، فإن قص عشرة
أو أكثر من ذلك فليس عليه إلا دم يهريقه (4).
لشذوذها وعدم قائل بها، حتى الحلبي والإسكافي، وإن تضمنت ما
ربما يوهم الموافقة لهما، لشمول إطلاق الرواية الأولى (قلم الأظافير كلها)،
وهو موجب للدم إجماعا.
وتقييدها بما إذا لم يبلغ العشرة أو الخمسة وإن أمكن، إلا أنه ليس
بأولى من التقييد بحال الضرورة، كما هو صريح موردها، وتصريح الثانية
بثبوت ذلك مع النسيان وهو خلاف الاتفاق فتوى ونصا، على أنه لا شئ

(1) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 2 ج 9 ص 293.
(2) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 4 ج 9 ص 293.
(3) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 3 ج 9 ص 293.
(4) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 5 ج 9 ص 294.
406

على الناسي مطلقا.
فليحمل على الاستحباب جمعا، ومع ذلك فما فيها وفي الأخيرة مع
إرسالها من التفصيل بكف من طعام لكل ظفر إلى أن يبلغ خمسة فدم لم يقل
به الحلبي ولا الإسكافي، لايجاب الأول في الخمسة الصاع من الطعام
لا الدم، فلا ينفعه ما فيهما من (الكف لكل ظفر إلى الخمسة، وإيجاب
الثاني المد من الطعام لكل ظفر إلى الخمسة، فلا ينفعه ما فيهما من) (1) الدم
للخمسة، مع أن إيجابه لها يحتمل الورود مورد التقية، كما ذكره بعض
الأجلة، قال: لأنه مذهب أبي حنيفة (2).
ومن هنا يتوجه ما ذكره جماعة من أن مستندهما غير واضح في المسألة،
وهو كذلك، كما عرفته، وخصوصا الصاع في قول الحلبي للخمسة، فإن
أخبار المسألة خالية عنه بالكلية.
قيل: وقد يكون أراد بالصاع صاع النبي - صلى الله عليه وآله - الذي
هو خمسة أمداد (3).
أقول: فيوافق المختار في المسألة مستندا إلى الأخبار المتقدمة.
(و) يستفاد منها أن (في قلم أظفار يديه ورجليه شاة إذا كان في
مجلس واحد، و) أنه (لو كان كل واحد منهما، أي من قلم أظفار
يديه وقلم أظفار رجليه (في مجلس) غير مجلس الآخر (ف‍) عليه
(دمان) لكل مجلس دم ولا خلاف فيهما ظاهرا، بل عن الكتب المتقدمة
الاجماع على لزوم الشاة في قلم أظفار اليدين.

(1) ما بين القوسين أثبتناه من المخطوطات.
(2) وهو المحدث البحراني في حدائقه: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 15 ص 543.
(3) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 409 س 35.
407

وما مر في الأخبار مما تعارض ذلك شاذ.
وإنما يجب الدم أو الدمان بتقليم أصابع اليدين أو الرجلين إذا لم يتخلل
التكفير عن السابق قبل البلوغ إلى حد يوجب الشاة، لأنه المتبادر المتيقن
من إطلاق الفتوى والنص، وإلا تعدد المد خاصة بحسب تعدد الأصابع.
ولو كفر بشاة لليدين أو الرجلين ثم أكمل الباقي في المجلس وجب عليه
شاة أخرى، وإلا لزم خلو الباقي عن الكفارة مع تحريمه، وهو باطل قطعا.
ولا ينافيه إطلاق النص والفتوى، إذ المتبادر منه عدم تخلل التكفير،
ووقوعه بعد قلم أظفار اليدين أو الرجلين مطلقا في المجلس الواحد. فتأمل.
والظاهر أن بعض الظفر كالكل، وفاقا لجمع (1).
ولو قصه في دفعات مع اتحاد المجلس لم تتعدد الفدية، للأصل. وفي
التعدد مع الاختلاف نظر.
(ولو أفتاه) مفت (بالقلم) محرما أو محلا فقيها أو لا على الأقوى،
لاطلاق النص وأكثر الفتاوى (فأدمى ظفره فعلى المفتي شاة) كما في
النص (2) وإن ضعف السند، لأن الأصحاب عملوا به، كما في كلام جمع (3).
وأما الموثق: إن رجلا أفتاه أن يقلمها وأن يغتسل ويعيد إحرامه ففعل؟
قال: عليه دم (4). فيحتمل عود الضمير على المستفتي، وإن عاد على المفتي فإنه

(1) الشهيد الأول في دروسه: كتاب الحج درس 101 في تروك الاحرام ج 1 ص 381، ومدارك
الأحكام: كتاب الحج في باقي محظورات الاحرام ج 8 ص 535، وكشف اللثام: كتاب الحج في
كفارات الاحرام ج 1 ص 409 س 33.
(2) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 1 ج 9 ص 294.
(3) كشف اللثام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 410 س 4، والحدائق الناضرة: كتاب
الحج في كفارات الاحرام ج 15 ص 545.
(4) وسائل الشيعة. ب 13 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 2 ج 9 ص 295.
408

مطلق ينبغي تقييده بصورة الادماء، خصوصا ويخالف الأصل وظاهر جماعة
اعتبار الاجتهاد في المفتي، وفيه تقييد لاطلاق النص، إلا أن يدعى تبادر
المجتهد منه دون غيره.
وفي تعدد الشاة بتعدد المفتي مطلقا أو وحدتها موزعة عليهما كذلك مع
الافتاء دفعة، وإلا فعلى الأول خاصة أوجه أحوطها الأول، وأوجهها
الثالث، لاطلاق النص في المفتي الأول، لدخوله فيه بيقين، بخلاف
الثاني، لعدم وضوح دخوله فيه بعد اختصاصه بحكم التبادر بالمفتي الأول.
هذا إن قلنا بعدم اعتبار الاجتهاد في المفتي أو كان الأول مجتهدا. ولو
انعكس واعتبر بالاجتهاد فيه انعكس الأمر فتجب الشاة على الثاني دون
الأول.
(و) الرابع: (لبس المخيط يلزم به دم) مطلقا (ولو اضطر) إليه
بالاجماع والنصوص. وينتفي التحريم في حق المضطر خاصة، بل قد يجب.
قيل: واستثنى السراويل في الخلاف والمنتهى والتذكرة فنفى الفدية فيه
عند الضرورة، واستدل له الشيخ بأصل البراءة مع خلو الأخبار والفتاوى
عن ذكر فدائه، وفيه أنه روى في التهذيب في الصحيح: من نتف إبطه أو
قلم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه، أو أكل طعاما
لا ينبغي له أكله وهو محرم ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شئ،
ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة، إلا أن يقول: أنه عند الضرورة ينبغي له
لبسه. ويضعفه قوله: (ففعل ذلك ناسيا).
وفي الصحيح: عن المحرم يحتاج إلى ضروب من الثياب يلبسها، فقال
- عليه السلام -: لكل صنف منها فداء، لكن ظاهر التذكرة الاجماع عليه،
فإن تم كان هو الدليل انتهى (1). وهو حسن.

(1) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 408 س 36.
409

قيل: وكذا لو لبس الخفين أو الشمشك كان عليه شاة وإن كان
مضطرا، لكن ينتفي التحريم في حقه، لأن الأصل في تروك الاحرام الفداء
إلى أن يظهر السقوط، ولا دليل على سقوطه هنا، ولعموم الخبرين
المتقدمين، وفي الدليلين نظر، لعدم دليل على الأصل له ولا على ثبوته في
مطلق المخيط، كما صرح به جمع، والخبران في الثوب، ويمنع عمومه للخفين
والشمشك، وعن التهذيب والخلاف والتذكرة لا فدية إذا اضطر، لأصل
البراءة، وتجويز اللبس في الصحيح من غير إيجاب فداء (1).
قيل: وجعلهما ابن حمزة مما فيه الدم المطلق الذي جعله قسيما للشاة
والبقرة والمبدنة إذا لبسهما مختارا (2).
ولم أقف له على دليل أيضا.
واعلم أن قوله: (ولو لبس عدة) ثياب مثلا (في مكان) واحد يتعلق
بالسابق، أي ويلزم الدم باللبس اختيارا أو اضطرارا مطلقا ولو لبس عدة في
مكان، بلا خلاف إذا كان يلبس واحد وفي وقت واحد وإن اختلف أصناف
الثياب، إلا من الفاضل في المنتهى فيما إذا اختلف الأصناف، فجعل لكل
صنف فداء (3)، وتبعه جماعة، للصحيح المتقدم.
ولا ريب أنه أحوط لو إن كان في تعينه نظر، لقوة احتماله، كعبارة
الفاضل الاختصاص بصورة تعدد اللبس، كما هو الغالب، وعبارته المحكية
كالنص في ذلك، ومحل خلاف إذا تعدد اللبس وتعدد الوقت، فعن

(1) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 408 السطر الأخير.
(2) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 409 س 2.
(3) منتهى المطلب: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 2 ص 812.
410

الشيخ (1) وجماعة - بل الأكثر، كما في المسالك (2) - تعدد الفداء بتعدد
الوقت.
خلافا للماتن هنا وفي الشرائع، فجعل المناط في سقوط الكفارة
باللبس (3) المتعدد اتحاد المجلس، فتسقط معه وإن تعدد اللبس والوقت.
ولا ريب في ضعفه، لعدم وضوح دليل عليه، بل مقتضى النص
تعددها بتعدد اللبس، سواء اتحد المجلس، أو تعدد، اختلف الملبوس
صنفا، أو اتحد، كما نقله في المسالك عن التذكرة واختاره (4).
ولا فرق في ذلك بين أن يكون كفر على الأول أم لا، وهو الأقوى.
وسيأتي الكلام في المسألة مرة أخرى.
(و) الخامس: (حلق الرأس، وفيه شاة، أو إطعام ستة
مساكين لكل مسكين مدان، أو عشرة لكل مسكين مد أو صيام
ثلاثة أيام مختارا) كان في الحلق (أو مضطرا).
قيل: شعر الرأس كان أو غيره، بإجماع أهل العلم، خلا أهل
الظاهر، على ما في المنتهى والتذكرة، لكن من قبل الفاضلين إنما ذكروا
حلق الرأس. وعلى العموم فأما أقل مسمى الحلق حلق نحو شعر الإبطين
جميعا، كما في المنتهى، أو نتف الإبطين، مستثنى من هذا العموم، كما في
الروضة البهية، فإن المراد من الحلق هنا والنتف في الإبطين مطلق الإزالة،
كما في التذكرة وغيرها، وأما التكفير فللكتاب والسنة والاجماع، إلا في

(1) المبسوط: كتاب الحج في ما يلزم المحرم من الكفارة ج 1 ص 351.
(2) مسالك الأفهام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 146 س 23.
(3) شرائع الاسلام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 296.
(4) مسالك الأفهام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 146 س 25.
411

الصدقة فالأشهر في الرواية والفتوى أنها على ستة مساكين لكل منهم
مدان (1).
أقول: وهو الأقوى، لتعدد الرواية به، مع صحة بعضها وصراحتها،
وفي الغنية نفي الخلاف (2) عنه، لكنه لم يصرح بمد ولا مدين.
خلافا للفاضلين في الشرائع (3) والقواعد (4) وغيرهما فقال: إطعام عشرة
لكل مد، وفاقا لابن حمزة (5)، وللخبر (6).
وفيه ضعف سندا ومتنا ودلالة، لعدم تصريح فيه بالمد له، وإنما غايته
الاشباع، وهو أعم منه، ولكنه الغالب، فليحمل عليه.
وضعف السند لعله عندهم مجبور بالشهرة، كما حكاها شيخنا في
المسالك.
فقال: الأول - مشيرا إليه - هو المشهور، والثاني - وأشار به إلى المختار
مروي في الصحيح، ولا يبعد القول بالتخيير (7).
أقول: كما هو خيرة الماتن هنا والشهيد في الدروس (8) والشيخ في التهذيبين (9)

(1) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في محظورات الاحرام ج 1 ص 410 س 10.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 515 س 9.
(3) شرائع الاسلام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 296.
(4) قواعد الأحكام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 99 س 23.
(5) الوسيلة: كتاب الحج في الكفارات ص 169.
(6) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 2 ج 9 ص 296.
(7) مسالك الأفهام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 145 س 32.
(8) الدروس الشرعية: كتاب الحج درس 101 في تروك الاحرام ج 1 ص 382.
(9) تهذيب الأحكام: كتاب الحج ب 25 في الكفارة عن خطأ المحرم ج 5 ص 334 ذيل الحديث
61، والاستبصار: كتاب الحج ب 122 في ما يجب على من حلق رأسه ج 2 ص 196 ذيل
الحديث 2.
412

ويحيى بن السعيد في الجامع (1)، ولكنهما لم يذكرا المد، بل
الاشباع، لكن المرجع - بناء على ما عرفت من الغالب - واحد.
وفي الشهرة الجابرة نظر، والمنقولة معارضة بالمثل، بل وأكثر، فقد
ادعاها على المختار جماعة منهم زيادة على من مر السيد في المدارك (2).
هذا مضافا إلى التعدد والصراحة، ولذا احتاط به الفاضل في المختلف.
ومنه يظهر ضعف ما عن النهاية (3) والمبسوط (4) من الاحتياط بالعشر.
وهنا قول آخر عن الشيخين في المقنعة والمبسوط (5) والسرائر (6) من ستة
أمداد لستة. ولم أعرف مستنده، إلا مرسل الفقيه الصدقة على ستة مساكين
لكل مسكين صاع من تمر وروي مد من تمر (7). وهو معارض بمثله، بل
وأصح وأكثر.
هذا والمحكي عن المقنعة في التهذيب لكل مسكين مدان (8).
قيل: واقتصر سلار على قوله: من حلق رأسه من أذى فعليه دم، وفي
النزهة أن التخيير إنما هو لمن حلق رأسه من أذى، وإن حلقه من غير أذى
متعمدا وجب عليه شاة من غير تخيير، وهو قوي، لاختصاص نصوصه بذلك

(1) الجامع للشرائع: كتاب الحج باب كفارات محظور الاحرام ص 195.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الحج في باقي محظورات الاحرام ج 8 ص 439.
(3) النهاية ونكتها: كتاب الحج باب ما يجب على المحرم من الكفارة ج 1 ص 498.
(4) المبسوط: كتاب الحج في ما يلزم المحرم من الكفارة ج 1 ص 350.
(5) المقنعة: كتاب الحج ب 28 في الكفارة عن خطأ المحرم ص 434، والمبسوط: كتاب الحج في ما
يلزم المحرم من الكفارة ج 1 ص 350.
(6) السرائر: كتاب الحج في موجباته ج 1 ص 553.
(7) من لا يحضره الفقيه: في المحرم يقص ظفرا أو شعرا ح 2697 ج 2 ص 358.
(8) تهذيب الأحكام: كتاب الحج ب 25 في الكفارة عن خطأ المحرم ج 5 ص 333.
413

مع الصحيحين (1)، ومن نتف إبطه، أو قلم أظفاره، أو حلق رأسه، أو
لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه، أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله وهو محرم،
ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شئ، ومن فعله متعمدا فعليه دم
شاة (2)، انتهى.
وإلى ما قواه مال في المدارك، معللا بما ذكره، إلا أن فيه: لكن قال
في المنتهى: أن التخيير في هذه الكفارة لعذر أو غيره قول علمائنا أجمع (3).
أقول: وظاهره الاجماع، فيكفي في التعدي، ويصرف إليه الصحيح
الآمر بالشاة مع العمد، بحمله على الوجوب المطلق، المجامع للوجوب المخير.
(وفي نتف الإبطين) معا وهو السادس (شاة، وفي أحدهما إطعام
ثلاثة مساكين) للصحيح في الأول: إذا نتف الرجل إبطيه بعد الاحرام
فعليه دم شاة (4).
وللخبر في الثاني: في محرم نتف إبطه قال: يطعم ثلاثة مساكين (5).
ولا خلاف فيهما أجده، إلا من بعض المتأخرين في الثاني، لضعف
الخبر سندا، ومعارضة ببعض الصحاح المتقدمة أن من نتف إبطه متعمدا
فعليه دم شاة (6).
وفيه نظر، فإن الضعف منجبر بالعمل، سيما من نحو ابن زهرة (7)

(1) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 1 و 4 ج 9 ص 289 و 290.
(2) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في محظورات الاحرام ج 1 ص 410 س 16.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الحج في باقي محظورات الاحرام ج 8 ص 439.
(4) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 1 ج 9 ص 292.
(5) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 2 ج 9 ص 292.
(6) مدارك الأحكام: كتاب الحج في باقي محظورات الاحرام ج 8 ص 442.
(7) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 515 س 9.
414

والحلي (1) ممن لا يعمل بأخبار الآحاد الصحيحة فضلا عن الضعيفة إلا
بعد احتفافها بالقرائن القطعية.
فيترجح الرواية على الصحيحة، سيما مع اعتضادها بمفهوم الصحيحة
الأولى المشترطة في لزوم الشاة نتف الإبطين معا، ومقتضاه عدم لزومها
بنتف أحدهما.
فلا وجه لايجابها له أيضا إلا ما في الذخيرة من عدم العبرة بهذا المفهوم،
لورود الشرط مورد الغالب، إذ الغالب في نتف الإبطين نتفهما معا (2).
وهو حسن، إلا أن الغلبة، كما تدفع أثر المفهوم كذا تدفع أثر الاطلاق
وتمنع رجوعه إلى العموم لغير الغالب.
ولا ريب أن الموجود في الصحيح الموجب للشاة بنتف الابطة ليس إلا
نتف الابطة، وهو وإن كان مطلقا يصدق على نتف الإبط الواحدة، إلا
أنه لما كان الغالب من أفراده - كما هو الفرض نتفهما معا - تعين الحمل عليه
دون نتف الإبط الواحدة، فلا داعي لايجاب الشاة فيه من جهة الرواية
ولا من غيرها.
وهذا الوجه وإن جرى في الرواية الضعيفة أيضا فيخالف الاجماع
والصحيحين الصريحين في إيجاب الشاة بنتف الإبطين، إلا أنه لا ضير في
ذلك بعد الاجماع على لزوم شئ في نتف الابطة الواحدة أما الاطعام أو
الشاة، ولا دليل على الثاني، مع مخالفته لأصالة البراءة، فتعين الأول.
ويمكن جعل هذا الاجماع قرينة على رجوع الاطلاق في الرواية إلى
خصوص غير الغالب تخصيصا أو تجويزا، وهما شائعان. ولا بأس في المصير

(1) السرائر: كتاب الحج باب ما يلزم المحرم عن جناياته ج 1 ص 555.
(2) ذخيرة المعاد: كتاب الحج في كفارات الاحرام ص 623 س 21.
415

إليهما بعد تعذر الحقيقة.
وألحق جماعة بنتف الإبطين حلقهما (1)، وكذا نتف الابطة الواحدة.
وعلى هذا فيكون الحكم مستثنى مما قدمنا من أن في إزالة الشعر الشاة أو
الاطعام أو الصيام، كما قدمناه.
والأقرب أن بعض الإبط ليس ككله، للأصل وإرشاد الفرق بين
الواحدة منهما والاثنتين.
(ولو مس لحيته أو رأسه فسقط من شعره) شئ (تصدق بكف
من طعام) أو كف من سويق، كما في الصحيح (2)، وعليه الأكثر، بل
عن ظاهر المنتهى والتذكرة الاجماع (3)، والشئ يعم شعرة وأكثر.
قيل: وأطلق المرتضى والديلمي سقوط شئ من شعره بفعله، من غير
تخصيص بشعر اللحية والرأس (4).
أقول: وهو الوجه، لعموم بعض ما سيأتي من الصحيح.
وفي النهاية والمبسوط كف أو كفان (5)، للخبر: إذا مس لحيته فوقع
منها شعر، قال: يطعم كفا من طعام أو كفين (6).

(1) منهم الشهيد الأول في الدروس الشرعية: كتاب الحج درس 101 في تروك الاحرام ج 1
ص 382، ومسالك الأفهام: كتاب الحج في باقي المحظورات ج 1 ص 145 س 34.
(2) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 5 ج 9 ص 299.
(3) منتهى المطلب: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 2 ص 816 س 7، ولم يذكر الاجماع صريحا،
وتذكرة الفقهاء: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 354 س 19، ولم يذكر الاجماع
صريحا.
(4) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في محظورات الاحرام ج 1 ص 410 س 21.
(5) النهاية ونكتها: كتاب الحج ب 6 في ما يجب على المحرم من الكفارة ج 1 ص 499، والمبسوط:
كتاب الحج في ما يلزم المحرم من الكفارة ج 1 ص 350.
(6) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 1 ج 9 ص 299.
416

وفي الوسيلة (1) والمهذب (2) كفان أخذا بالأكثر واحتياطا في المقنع إذا
عبث المحرم بلحيته فسقط منها شعرة أو ثنتان فعليه أن يتصدق بكف أو
كفين من طعام (3).
وهو كما ترى يحتمل معنيين.
وفي الجامع صدقة (4) للصحيح: يطعم شيئا (5). وقريب منه آخر: إن
نتف المحرم من شعر لحيته وغيرها شيئا فعليه أن يطعم مسكينا في يده (6).
والخبر: سأله أنه مولى بلحيته وهو محرم فتسقط الشعرات؟ قال: إذا
فرغت من إحرامك فاشتر بدرهم تمرأ وتصدق به، فإن تمرة خير من
شعره (7).
أقول: وأصح هذه الأقوال هو الأول، الذي عليه الأكثر، إذ لا دليل
على الأقوال الأخر، سوى ما ذكر من الأخبار.
وإرجاعها إلى الصحيح ممكن، بحمل صحاحها وغيرها المطلقة على
المقيد، وما تضمن منها الكفين على الاستحباب، لتصريحه أيضا بجواز
الكف.
والتزام الكفين بعد ذلك لا وجه له، إلا احتمال كون الترديد من
الراوي فيحمل، فيجب الأخذ بالمتيقن.

(1) الوسيلة: كتاب الحج في الكفارات ص 171.
(2) المهذب: كتاب الحج باب ما يلزم المحرم على جناياته من الكفارة ج 1 ص 226.
(3) المقنع كتاب الحج ص 75.
(4) الجامع للشرائع: كتاب الحج باب كفارات محظور الاحرام ص 194.
(5) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 2 ج 9 ص 299.
(6) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 9 ج 9 ص 300.
(7) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 4 ج 9 ص 299.
417

وفيه نظر، لمخالفة الاحتمال الظاهر، مع أن الصحيح المتقدم للأكثر
يرفع الاجمال، فلا وجه للاحتياط.
وهنا أخبار أخر دالة على أنه لا شئ، لكنها مع ضعفها وشذوذها
محمولة على نفي المؤاخذة دون الكفارة.
(ولو كان) سقوط الشعر (بسبب) المس ل‍ (الوضوء للصلاة) أو
غيرها (فلا كفارة) واجبة، وفاقا للأكثر، للصحيح: عن المحرم يريد
إسباغ الوضوء فيسقط من لحيته الشعرة والشعرتان؟ فقال: ليس بشئ، ما
جعل عليكم في الدين من حرج (1).
وليس فيه تقييد الوضوء بكونه للصلاة، كما في المتن، بل هو مطلق يعم
الوضوء لها ولغيرها، بل التعليل فيه يقتضي عموم الحكم له وللغسل، كما
في الدروس (2)، تبعا لجملة من القدماء، كالخلاف (3) والمبسوط (4)
والغنية (5) والسرائر (6) وغيرها. ولا بأس به، بل ولا بالتيمم وإزالة
النجاسة، كما في المسالك (7) وغيره.
قيل: وأطلق الصدوق والمرتضى والديلمي التكفير من غير استثناء،
ونص المفيد على أن من أسبغ الوضوء فسقط شئ من شعره فعليه كف من
طعام، ولم يتعرض لغيره، قال: فإن كان الساقط من شعره كثيرا فعليه دم

(1) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 6 ج 9 ص 99 2.
(2) الدروس الشرعية: كتاب الحج درس 101 في تروك الاحرام ج 1 ص 382.
(3) الخلاف: كتاب الحج م 107 ج 2 ص 314.
(4) المبسوط: كتاب الحج في ما يلزم المحرم من الكفارة ج 1 ص 350.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 515 س 10.
(6) السرائر: كتاب الحج في ما يلزم المحرم عن جناياته ج 1 ص 554.
(7) مسالك الأفهام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 145 س 33.
418

شاة، وكذا قال الديلمي، وكأنهما ألحقاه بالحلق (1).
أقول: ولا ريب في ضعفه.
(و) السابع: (التظليل سائرا) و (فيه شاة) كما هنا وفي
الشرائع (2) والقواعد (3) وغيرها، وعن الكافي (4) والغنية (5) والمهذب (6)
والجامع (7)، لكن في الأولين تظليل المحمل وأن على المختار لكل يوم شاة،
وعلى المضطر لجملة الأيام، وعن المقنعة (8) وجمل العلم والعمل (9)
والمراسم (10) والنهاية (11) والمبسوط (12) والوسيلة (13) و السرائر (14) دم.
والأخبار بكل من الدم والشاة كثيرة، ولكن أكثرها تضمن الشاة،
وهي صحاح. وبها يقيد الدم المطلق في الصحيح وغيره حمل المطلق على
المقيد، سيما وأنها الظاهر منه عند الاطلاق.

(1) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في محظورات الاحرام ج 1 ص 410 س 30.
(3) شرائع الاسلام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 297.
(3) قواعد الأحكام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 99 السطر الأخير.
(4) الكافي في الفقه: كتاب الحج ص 204.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 515 س 3.
(6) المهذب: كتاب الحج باب ما يلزم المحرم على جناياته من الكفارة ج 1 ص 224.
(7) الجامع للشرائع: كتاب الحج باب كفارات محظور الاحرام ص 194.
(8) المقنعة: كتاب الحج ب 28 في الكفارة عن خطأ المحرم ص 434.
(9) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الحج ج 3 ص 70.
(10) المراسم: كتاب الحج في أحكام الخطأ ص 121.
(11) النهاية ونكتها: كتاب الحج ب 6 في ما يجب على المحرم من الكفارة ج 1 ص 498.
(12) المبسوط: كتاب الحج في ما يجب على المحرم اجتنابه ج 1 ص 321.
(13) الوسيلة: كتاب الحج في الكفارات ص 168.
(14) السرائر: كتاب الحج باب ما يلزم المحرم عن جناياته ج 1 ص 553.
419

وعلى جميع ذلك يقيد ما أطلق فيه الفداء، كالصحاح (1).
أو الكفارة، كما في صحيح علي بن جعفر سألت أخي - عليه السلام -
أظلل وأنا محرم؟ فقال: نعم، وعليك الكفارة، قال - أي الراوي عن علي
بن جعفر - عليه السلام -: فرأيت عليا - أي علي بن جعفر، كما فهمه الأكثر
إذا قدم مكة ينحر بدنة الكفارة الظل (2).
لكن فعل علي بن جعفر ربما يكشف عن فهمه من الكفارة البدنة، أو
ما يعمها وغيرها، وحمله جماعة من الأصحاب على الاستحباب (3).
والأحوط الشاة، للأمر بها في الصحاح (4)، مع تفسير الفداء بها في
الصحيح (5).
وفعل علي بن جعفر قضية في واقعة لا حجة فيها، سيما وأن فعل مثله.
وكذا فهمه ليس بحجة، سيما في مقابلة الأخبار المعتبرة.
ثم الأخبار جملة مختصة بحال الضرورة، كعبائر جملة من القدماء
المحكية، فلا يمكن التعدية إلى الأخبار بالاجماع ولا بالأولوية، لما مر في
بحث الصيد، وقد عرفته، وظاهرها عدم تكرر الكفارة بتكرر التظليل في
النسك الواحد من الحج أو العمرة، وبه صرح جماعة (6).

(1) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب بقية كفارات الاحرام ج 9 ص 286.
(2) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 2 ج 9 ص 287.
(3) منهم الحر العاملي في وسائله: ب 6 من أبواب بقية كفارات الاحرام ذيل الحديث 2 ج 9
ص 287، والحدائق الناضرة: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 15 ص 481.
(4) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب بقية كفارات الاحرام ج 9 ص 286.
(5) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 5 ج 9 ص 287.
(6) مدارك الأحكام: كتاب الحج في محظورات الاحرام ج 8 ص 443، وذخيرة المعاد: كتاب الحج
في كفارات الاحرام ص 623 س 27.
420

وأصرح منها على ذلك دلالة الصحيح: جعلت فداك إنه يشتد علي
كشف الظلال في الاحرام لأني محرور يشتد علي حر الشمس؟ فقال: ظل
وارق دما، فقلت له: دما أو دمين؟ قال: للعمرة، قلت: إنا نحرم وندخل
مكة فنحل ونحرم بالحج؟ قال: فارق دمين (1).
وموردها أجمع - كما ترى - المعذور.
وألحق به جماعة المختار فلم يكرروا عليه بتكرير التظليل في النسك
الواحد الكفارة كالمضطر (2).
ولا ريب فيه، للأصل، بل مقتضاه عدم لزوم التكفير في حقه من
أصله، لكن ظاهر الأصحاب عدم القول بالفرق بينهما في ذلك، بل مر عن
الحلبيين أنهما زادا عليه الكفارة، فجعلا عليه لكل يوم شاة.
ولكن لم نجد مستندا لهما في ذلك، مع ندرته، كالمحكي عن المقنع من
أن لكل يوم مدا من طعام، للخبر (3).
وعن العماني من إلحاق التظليل بالحلق لأذى، فلا يتعين الشاة، بل
يتخير بينها وبين أخويها (4)، لآخر (5).
وفي الخبرين ضعف سندا ومكافأة لما قدمناه من الأدلة من وجوه شتى.
(وكذا) تجب شاة (في تغطية الرأس) للرجل (ولو بالطين أو

(1) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 1 ج 9 ص 88 2.
(2) مسالك الأفهام: كتاب الحج في باقي المحظورات ج 1 ص 145 س 36، ومدارك الأحكام:
كتاب الحج في باقي محظورات الاحرام ج 8 ص 443، وذخيرة المعاد: كتاب الحج في باقي
المحظورات ص 623 س 28.
(3) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 8 ج 9 ص 288.
(4) كما في مختلف الشيعة: كتاب الحج في باقي المحظورات ج 1 ص 285 س 35.
(5) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 1 ج 9 ص 287.
421

الاغتماس) يعني الارتماس في الماء (أو حمل ما يستره) كما هنا وفي
الشرائع (1) والقواعد (2) والارشاد (3) وغيرها، وفي المدارك والذخيرة أنه
مقطوع بين الأصحاب (4)، وفيهما وفي غيرهما عن المنتهى أنه لا خلاف فيه،
ونقل عن المبسوط (5) والتذكرة أيضا (6)، وفي الغنية الاجماع صريحا (7).
وهو الحجة المعتضدة بعموم ما مر من الصحيح: (من لبس ما لا ينبغي
له لبسه متعمدا فعليه شاة)، لشموله للثوب الساتر للرأس، ويلحق به
غيره، لعدم القائل بالفرق.
وعن الخلاف ما يدل على وجود رواية بذلك فإنه قال: إذا حمل على
رأسه مكتلا أو غيره لزمه الفداء، دليلنا ما روي: فيمن غطى رأسه أن
عليه الفدية (8).
لكن لم نجد الرواية، وبه صرح جماعة، فهي إذن مرسلة، ومع ذلك
فلا دلالة فيها على الشاة.
فإذا العمدة في الدلالة هو الاجماع، كما عرفته في عبائر الجماعة، مع
عدم ظهور مخالف فيه لنا أيضا بالكلية.
وفي الغنية ذكر تغطية رأس الرجل ووجه المرأة جميعا، وذكر أن على

(1) شرائع الاسلام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 297.
(2) قواعد الأحكام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 99 السطر الأخير.
(3) إرشاد الأذهان: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 323.
(4) مدارك الأحكام: كتاب الحج في باقي محظورات الاحرام ج 8 ص 444، وذخيرة المعاد: كتاب
الحج في كفارات الاحرام ص 623 س 32.
(5) المبسوط: كتاب الحج في ما يلزم المحرم من الكفارة ج 1 ص 351.
(6) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 336 س 33.
(7) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 515 س 3.
(8) الخلاف: كتاب الحج م 82 ج 2 ص 299.
422

المختار لكل يوم شاة مدعيا الاجماع (1)، ونحوه عن الحلبي (2)، فإن تم
الاجماع، وإلا فالأصل يقتضي العدم.
والظاهر عدم الاجماع على التكرر لكل يوم وإن ادعاه، إذ لم نره إلا في
عبارته والحلبي فيما حكي.
وفي الدروس الأقرب عدم التكرر بتكرر تغطيته، نعم لو فعل ذلك
مختارا تعددت ولا يتعدد بتعدد الغطاء مطلقا (3)، ووافقه الشهيد الثاني في
جميع ذلك، إلا أنه حكم بعدم التكرر لو اتحد المجلس (4).
ولا ريب أن ما ذكراه من التكرر أحوط، وإن كان في تعينه نظر،
للأصل، وفقد الاجماع على ما ذكراه، وكذا النص، وإلى هذا يميل جمع (5).
وهذا هو الثامن.
(و) التاسع: (الجدال، ولا كفارة فيما دون الثلاث) مرات منه
إذا كان فيها (صادقا، وفي الثلاث منه) كذلك (شاة) على
المشهور، بل لا يكاد يتحقق فيه خلاف يعتد به، للصحاح المستفيضة
وغيرها من المعتبرة، الدالة على الحكمين منطوقا في أحدهما (6)، ومفهوما في
الآخر (7).

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 515 س 3.
(2) الكافي في الفقه: كتاب الحج ص 204.
(3) الدروس الشرعية: كتاب الحج درس 100 في تروك الاحرام ج 1 ص 376.
(4) مسالك الأفهام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 145 س 39.
(5) مدارك الأحكام: كتاب الحج في باقي محظورات الاحرام ج 8 ص 444، وذخيرة المعاد: كتاب
الحج في كفارات الاحرام ص 623 س 35.
(6) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 8 ج 9 ص 281.
(7) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 3 ج 9 ص 280.
423

لكنها مختلفة في تقييد الثلاث بالمتتابعات في مقام واحد، كما في
أكثرها (1)، أو إطلاقها (2)، أو خلوها عنه، كما في الصحيح وغيره (3).
ومقتض الأصول في الجمع بينهما وجوب حمل مطلقها على مقيدها، كما
يميل إليه بعض المتأخرين، حاكيا له عن العماني (4). ولا بأس به إن لم
ينعقد الاجماع على خلافه، ولكن الظاهر انعقاده، لشذوذ قول العماني
وندوره، مع أن إطلاق كلامه المحكي يعم الصادق والكاذب، والنصوص
المزبورة مصرحة بخلافه، واختصاصه بالأول دون الثاني.
وإن اختلفت في بيان ما يجب فيه فالنصوص المقيدة على هذا التقدير
لا قائل بها، وقول العماني لم نجد له دليلا على إطلاقه.
فإذن المتجه ما عليه الأكثر، ويتعين القول به.
وأما ما ورد بأن من جادل وهو صادق فلا شئ عليه (5) فمحمول على
ما دون الثلاث، حملا للمطلق على المقيد، مع أنه المتبادر من المطلق.
أو على ما لو اضطر إلى اليمين لاثبات حق له أو نفي باطل، ففي
الدروس أن الأقرب جوازه وانتفاء الكفارة فيه (6)، وتبعه جماعة من المتأخرين.
أو على ما إذا كان في طاعة الله تعالى وصلة الرحم ما لم يدأب في
ذلك، كما عن الإسكافي (7) والفاضل (8)، ولا دليل يعتد به على شئ من

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 3 و 4 و 5 ج 9 ص 280 و 281.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 2 و 6 و 7 ج 9 ص 280 و 281.
(3) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 1 و 9 ج 9 ص 280 و 282.
(4) مدارك الأحكام: كتاب الحج في باقي محظورات الاحرام ج 8 ص 446.
(5) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 8 ج 9 ص 281.
(6) الدروس الشرعية: كتاب الحج درس 101 في تروك الاحرام ج 1 ص 386.
(7) كما في مختلف الشيعة: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 271 س 7.
(8) مختلف الشيعة: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 271 س 8.
424

هذين القولين، فيتعين الأول، عملا بإطلاق الأدلة والفتاوى.
ثم إن إطلاقهما بنفي الشئ والكفارة فيما دون الثلاث يعم الدم وغيره
حتى الاستغفار.
خلافا للمحكي عن الشيخين وغيرهما فأوجبوا الاستغفار، قيل: لعموم
الكتاب والسنة (1).
وهو حسن لولا ظهور بعض الأخبار بأنه لا جدال بالواحدة الصادقة أو
الثنتين (2).
ففي الصحيح: إذا حلف بثلاثة أيمان ولاء في مقام واحد وهو محرم فقد
جادل، فعليه دم يهريقه، ويتصدق به، وإذا حلف يمينا واحدة كاذبة فقد
جادل، وعليه دم يهريقه، ويتصدق به، الخبر (3). ونحوه غيره (4).
ولكن الاستغفار أحوط إن لم نقل بكونه المتعين، بناء على أن الظاهر
أنه لا خلاف في صدق الجدال بالمرة مثلا حقيقة، كما هو ظاهر كثير من
الأخبار أيضا، فيتحقق به ذنب، وكفارته الاستغفار بلا خلاف.
ولا ينافيه إطلاقهم نفي الكفارة فيما دون الثلاث هنا، لأن الظاهر أن
مرادهم من الكفارة في أمثال المقام ما عدا الاستغفار (وفي المرة) من
الجدال كذبا (شاة، وفي المرتين بقرة، وفي الثلاث بدنة) على الأشهر
بل لا خلاف فيه يعتد به يظهر. ولا إشكال في الأول لما مر من الصحيح،
ونحوه الموثق وغيره، فإنها صريحة فيه.
وأما الأخيران فيشكل الحكم فيهما، لعدم وضوح دليلهما، مع أن في

(1) حكاه وقاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في محظورات الاحرام ج 1 ص 411 س 22.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 8 ج 9 ص 281.
(3) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 3 ج 9 ص 285.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 4 ج 9 ص 281.
425

الصحيح إذا جادل فوق مرتين فعلى المصيب دم يهريقه شاة، وعلى المخطئ
بقرة (1).
ومقتضاه وجوب البقرة في الزائد على المرتين. ونحوه آخر (2). ومال إلى
العمل بهما في المدارك.
فقال: وينبغي العمل بهما لصحة سندهما ووضوح دلالتهما (3). وهو
حسن إن وجد القائل بهما، وإلا فشاذان يجب طرحهما.
مع أنه يمكن الاستدلال للمشهور في البقرة بما رواه العياشي في تفسيره
- كما في الوسائل -: عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسى
- عليه السلام - قال: من جادل في الحج فعليه إطعام ستين مسكينا، لكل
مسكين نصف صاع إن كان صادقا أو كاذبا، فإن عاد مرتين فعلى
الصادق شاة، وعلى الكاذب بقرة (4)، الحديث.
وخروج صدره عن الحجية بالاجماع من وجهين لا يوجب خروج الباقي
عنها، كما قرر في محله وهو صريح في وجوب البقرة في المرتين من الجدال
كذبا.
وفي البدنة بالصحيح أو الموثق: إذا جادل الرجل وهو محرم فكذب
متعمدا فعليه جزور (5)
وهو وإن كان مطلقا يشمل المرة الأولى والثانية، لكنهما مخرجتان عنه
بالأخبار المتقدمة، فيتعين تقييده بالمرة الثالثة، وهو أولى من حمله على

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 2 ج 9 ص 280.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 6 ج 9 ص 281.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الحج في باقي محظورات الاحرام ج 8 ص 445.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 10 ج 9 ص 282.
(5) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 9 ج 9 ص 282.
426

الاستحباب، كما مر غير مرة.
هذا مع تأيد الحكم فيهما، بل في جملة الأحكام المتقدمة في الجدال
بأقسامه بالرضوي - فيما حكي - وفيه: واتق في إحرامك الكذب في اليمين
الكاذبة والصادقة، وهو الجدال الذي نهى الله سبحانه - إلى أن قال -: فإن
جادلت مرة أو مرتين وأنت صادق فلا شئ عليك، وإن جادلت ثلاثا
وأنت صادق فعليك دم شاة، وإن جادلت مرة وأنت كاذب فعليك دم
شاة، وإن جادلت مرتين كاذبا فعليك دم بقرة، وإن جادلت ثلاثا وأنت
كاذب فعليك بدنة (1).
فإذن المشهور في غاية القوة.
وعليه، فإنما تجب البقرة بالمرتين والبدنة بالثلاث إذا لم يكن كفر عن
السابق، فلو كفر عن كل واحدة فالشاة، أو اثنتين فالبقرة.
والضابط اعتبار العدد السابق ابتداء أو بعد التكفير، فللمرة شاة،
وللمرتين بقرة، وللثلاث بدنة، وبذلك أيضا صرح جماعة من غير خلاف
بينهم أجده.
واعلم أن ظاهر المتن هنا عدم وجوب الكفارة في غير ما مر، لقوله:
(وقيل: في) استعمال (الدهن الطيب) أي الذي فيه طيب (شاة)
والقائل الشيخ في النهاية (2) والمبسوط (3) والخلاف نافيا عنه الخلاف (4)،
كما مر في كفارة الطيب، والسرائر (5)، والفاضل مدعيا عليه في المنتهى على

(1) فقه الرضا - عليه السلام -: ب 31 في الحج وما يستعمل فيه ص 217.
(2) النهاية ونكتها: كتاب الحج ب 6 في ما يجب على المحرم من الكفارة ج 1 ص 500
(3) المبسوط: كتاب الحج في ما يلزم المحرم من الكفارة ج 1 ص 350 و 353.
(4) الخلاف: كتاب الحج م 90 ج 2 ص 303.
(5) السرائر: كتاب الحج باب ما يلزم المحرم عن جناياته ج 1 ص 555.
427

لزوم الفدية فيه الاجماع (1)، وتبعهم جماعة من غير خلاف فيه بينهم - بل
مطلقا - أجده، إلا من الماتن هنا في الشرائع (2) والكتاب، مع أنه أوجبها في
بحث كفارة الطيب وهو الوجه للاجماع المنقول الذي هو العمدة في إيجابها في
الطيب مطلقا فإنه شامل لما نحن فيه، بل إجماع الخلاف صريح فيه.
مضافا إلى تأيده بالصحيح المقطوع: في محرم كانت به قرحة فداواها
بدهن البنفسج، فقال: إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين، وإن كان
تعمد فعليه دم شاة يهريقه (3).
وإن كان في الاستدلال به نظر، لأنه مقطوع لا مضمر - كما قيل (4) -
ينجبر بعمل الأكثر، مع أخصيته من المدعى، واشتماله على وجوب الكفارة
على الجاهل، مع اتفاق الأصحاب والأخبار على أنه لا كفارة عليه إلا في
الصيد خاصة، كما يأتي، ومضى الإشارة إليه مرارا.
ولا فرق بين استعماله اختيارا واضطرارا، كما عن الأولين.
خلافا للمحكي عن ابن سعيد، فإنها أوجب الدم باستعماله
اختيارا (5).
(وكذا قيل: في قلع الضرس) يجب به شاة والقائل
الشيخ في النهاية (6) والمبسوط (7) والقاضي في المهذب (8) والحلبي (9)

(1) منتهى المطلب: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 2 ص 787 س 5.
(2) شرائع الاسلام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 297.
(3) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 5 ج 9 ص 285.
(4) قاله السيد السند في مداركه: كتاب الحج في باقي محظورات الاحرام ج 8 ص 448.
(5) الجامع للشرائع: كتاب الحج باب كفارات محظور الاحرام ص 194.
(6) النهاية ونكتها: كتاب الحج ب 6 في ما يجب على المحرم من الكفارة ج 1 ص 500.
(7) المبسوط: كتاب الحج في ما يلزم المحرم من الكفارة ج 1 ص 350.
(8) المهذب: كتاب الحج باب ما يلزم المحرم على جناياته من الكفارات ج 1 ص 224.
(9) الكافي في الفقه: كتاب الحج ص 204.
428

والجامع (1)، كما حكي، لكن الأخير خصه بالاختيار، للمرسل: محرم قلع
ضرسه، فكتب - عليه السلام -: يهريق دما (2).
خلافا لأكثر المتأخرين فردوه، لضعف السند، والدلالة باحتمال أن
يكون قد أدمي، كما هو الغالب، ويكون الدم لأجله.
قيل: وقد قيل: في الادماء شاة، وفي الكافي فيه طعام مسكين، وفي
الغنية مد من طعام، والمعنى واحد (3).
أقول: وهو الوجه، وإن كان الوجوب أحوط، سيما مع دعوى بعضهم
اشتهاره بين الأصحاب.
وهنا (مسائل ثلاث).
(الأولى: في قلع شجرة الحرم الإثم) في جميع أقسامه (عدا ما
استثني) مما مر ذكره في بحث تروك الاحرام، مع الدليل على كل من
حكمي المستثنى منه والمستثنى.
والحكم الأول مطلقا (سواء كان أصلها في الحرم أو فرعها) كما
صرح به جماعة من غير خلاف بينهم أجده، للصحيح: عن شجرة أصلها في
الحرم وفرعها في الحل، قال: حرم فرعها لمكان أصلها، قال: قلت: فإن
أصلها في الحل وفرعها في الحرم؟ قال: يحرم أصلها لمكان فرعها (4).
وظاهر المتن هنا وفي الشرائع أنه لا كفارة فيه أصلا (5)، كما عن ظاهر
الحلي (6)، أو تردده فيها.

(1) الجامع للشرائع: كتاب الحج باب كفارات محظور الاحرام ص 194.
(2) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 1 ج 9 ص 302.
(3) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في محظورات الاحرام ج 1 ص 412 س 2.
(4) وسائل الشيعة: ب 90 من أبواب تروك الاحرام ح 1 ج 9 ص 177.
(5) شرائع الاسلام: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 297.
(6) السرائر: كتاب الحج في موجبات الاحرام ج 1 ص 554.
429

وهو ضعيف جدا، لما ستقف عليه إن شاء الله، مع أن المشهور الذي
كاد أن يكون إجماعا ثبوتها في الجملة، وإن اختلفوا في بيانها، فالإسكافي
على أنها قيمتها وثمنها مطلقا (1)، واختاره الفاضل في المختلف (2)،
للموثق (3).
وروي في الفقيه بسند حسن، بل صحيح: عن الرجل يقطع من
الأراك الذي بمكة؟ قال: عليه ثمنه يتصدق به (4).
وقريب منه الصحيح المروي في الفقيه: عن الأراك يكون في الحرم
فاقطعه، قال: عليك فداؤه (5).
وفيه: أن الفداء أعم من الثمن.
فلا ينافي القول بوجوب البقرة مطلقا، أو مع الشاة على التفصيل الآتي،
ومع ذلك فمورده كالسابق إنما هو القطع من الأراك الظاهر في قطع بعض
أغصانه، لا قلع أصله، الذي هو المتنازع فيه.
ولا تلازم بينهما، لمصير الأكثر - كما سيظهر إلى الفرق بينهما، بإثبات
الثمن في الأولين، كما في الخبرين.
والبقرة أو الشاة في الثاني، وهذا القول كسابقه ضعيف.
(وقيل: فيها) أي في قلعها (بقرة) والقائل القاضي وأطلق، فلم

(1) كما في مختلف الشيعة: كتاب الحج في باقي المحظورات ج 4 ص 173.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الحج في باقي المحظورات ج 4 ص 175.
(3) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 2 ج 9 ص 301.
(4) من لا يحضره الفقيه: كتاب الحج باب ابتداء الكعبة وفضلها وفضل الحرم ح 2345 ج 2
ص 255.
(5) من لا يحضره الفقيه: كتاب الحج باب ابتداء الكعبة وفضلها وفضل الحرم ح 2348 ج 2
ص 256.
430

يفصل بين الصغيرة والكبيرة (1)، للمرسل: إذا كان في دار الرجل شجرة
من شجر الحرم لم تنزع فإن أراد نزعها كفر بذبح بقرة يتصدق بلحمها على
المساكين (2).
ورد بضعف السند، ومتروكية الظاهر (3).
وفيه نظر، لأن الارسال إنما هو بقول الراوي الثقة (روى أصحابنا)
بصيغة الجمع المضاف المفيد للعموم، ومثله يلحق بالصحيح على الصحيح،
مع أنه منجبر بشهرة العمل به في الجملة، مع نقل الاجماع عليه، كما
ستعرفه.
ومتروكية الظاهر أنه إنما هو من حيث دلالته على المنع عن قلع الرجل
الشجر في داره، مع أنه كما سبق من جملة ما استثني، وقد مر الكلام فيه.
وأن القدر الثابت منه إنما هو استثناء ما غرسه الانسان وأنبته، سواء
كان في ملكه، أو غيره، أو ما نبت في ملكه بعد ملكيته.
والخبر هنا ليس نصا فيهما، فيحتمل التقييد بغيرهما، والعام المخصص
والمطلق المقيد حجة في الباقي.
فهذا القول متوجه لولا الاجماع المنقول على التفصيل الآتي، المؤيد
بغيره.
(وقيل: في الصغيرة) منها (شاة، وفي الكبيرة بقرة) وفي
الأغصان القيمة، والقائل الشيخ وجماعة، كما في المدارك (4) وغيره، بل في

(1) المهذب: كتاب الحج باب ما يلزم المحرم على جناياته من الكفارة ج 1 ص 223.
(2) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 3 ج 9 ص 301.
(3) وهو السيد السند في مداركه: كتاب الحج في محظورات الاحرام ج 8 ص 47 4.
(4) مدارك الأحكام: كتاب الحج في باقي محظورات الاحرام ج 8 ص 447.
431

شرح القواعد للمحقق الثاني (1) والمسالك (2) والروضة (3) أن عليه الشهرة،
وفي الخلاف الاجماع عليه (4).
ولا يخلو عن قوة، للاجماع المنقول المعتضد بالشهرة المتأخرة، الظاهرة
والمطلقة، المحكية في عبائر هؤلاء الأجلة.
المؤيد زيادة على ذلك بما روي عن ابن عباس أنه قال: في الدوحة
بقرة وفي الجزنة شاة (5)، مضافا إلى الرواية السابقة بالبقرة وإن أطلقها،
لكنها مقيدة بالكبيرة، جمعا بين الأدلة.
وأما الأغصان فقد مر من الأخبار المعتبرة ما يدل على أن فيها القيمة.
فلا إشكال في المسألة بحمد الله سبحانه.
والمرجع في الصغيرة والكبيرة إلى العرف والعادة، والمتوسطة والمشكوك
في صغرها وكبرها شاة، لأصالة البراءة. ويحتمل الالحاق بالكبيرة احتياطا
من باب المقدمة. فتأمل.
(الثانية: لو تكرر الوطئ) الموجب للكفارة (تكررت) مطلقا
(الكفارة) على الأظهر الأشهر بين الطائفة على الظاهر المصرح به في عبائر
جماعة، بل عليه الاجماع في صريح الانتصار (6) والغنية (7)، وفيهما التصريح
بعدم الفرق بين وقوعه في مجلس واحد أو مجالس متعددة، وكفر عن الأول
أم لا.

(1) جامع المقاصد: كتاب الحج في محظورات الاحرام ج 3 ص 359.
(2) مسالك الأفهام: كتاب الحج في باقي المحظورات ج 1 ص 146 س 4.
(3) الروضة البهية: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 2 ص 361.
(4) الخلاف: كتاب الحج م 281 ج 2 ص 408.
(5) المصدر السابق.
(6) الإنتصار: كتاب الحج ص 101.
(7) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 514 س 35.
432

وهو الحجة المؤيدة بعموم النص الموجبة للكفارة، مضافا إلى الشهرة
العظيمة القريبة من الاجماع، لعدم ظهور مخالف عدا الشيخ في الخلاف (1)
وابن حمزة (2)، فقيد الأول بما إذا تكرر بعد تخلل التكفير دون غيره، والثاني
بما إذا كان غير مفسد للحج وتكرر بدفعات دون المفسد والمتكرر دفعة،
وقواه الفاضل في المختلف (3).
وحجتهما غير واضحة، عدا ما في المختلف، لقوله: من أن الأصل براءة
الذمة (4).
قيل: يعني أن النصوص إنما أفادت على المجامع بدنة، وهو أعم من
المجامع مرة ومرات، وأيد بأنها أفادت أن الجماع قبل الوقوف يوجب بدنة
والاتمام والحج من قابل، وبين أن الأمور الثلاثة إنما تترتب على الجماع
الأول، فالقول بترتب البدنة خاصة على كل جماع دون الباقين تحكم. وفيه
أن القائل بتكرر البدنة لا ينفي ترتب الباقين، لكنه يقول لا يتصور فيهما
التكرار، وإلا فهما أيضا مترتبان على كل جماع كالبدنة. نعم يحتمل البدنة
أن يكون مثلهما في أن تكون واحدة تترتب على الجماع مرة ومرات (5)،
انتهى.
والأجود الجواب عنه أولا: بالاجماع المنقول، الذي هو في حكم النص
الصحيح المؤيد بما عرفته، مع أنه في الخلاف قبيل تلك الفتوى أفتى

(1) الخلاف: كتاب الحج م 204 ج 2 ص 367.
(2) الوسيلة: كتاب الحج في الكفارات ص 165.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الحج في باقي المحظورات ج 4 ص 178.
(4) المختلف: كتاب الحج في باقي المحظورات ج 4 ص 178.
(5) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في محظورات الاحرام ج 1 ص 412 س 38.
433

بالتكرار مطلقا، كما عليه من عداه.
وثانيا: بأن ما ذكره على تقدير تماميته ينفي التكرر مطلقا، كفر عن
الأول أم لا. فالتفصيل بينهما غير متوجه على كل تقدير.
واعلم أنه يتحقق التكرر بتكرر الايلاج والنزع مطلقا، كما في عبائر
جمع، واستند بعضهم إلى العرف (1).
وفي إطلاق الصدق العرفي بذلك نظر، فإن من كرر الأمرين بامرأة
واحدة في حالة واحدة لا يصدق عليه في العرف أنه جامعها مرارا كثيرة،
بل يقال: إنه جامعها مرة.
نعم لو تعدد الموطوءة أو الحالات أمكن فيه ذلك. ولعل هذا هو الوجه
في نفي ابن حمزة الكفارة عن المتكرر دفعة.
وأما نفيه لها عن المفسد للحج فلما مر من التأييد في توجيه الخلاف،
ومرجعه إلى منع عموم ما يدل على وجوب الكفارة لمثله، لاختصاص النص
المثبت لها فيه بما يترتب عليه الأمور الثلاثة حقيقة، وهي لا تترتب إلا على
الأول منه، فالثاني مثلا غير داخل فيه.
فهذا القول في غاية المتانة لولا الاجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة
العظيمة.
إلا أن شمولها لمثل تكرر الايلاج والنزع دفعة بالموطوءة الواحدة في حالة
واحدة محل مناقشة، لما مر من المنع عن صدق التكرار العرفي الذي يجب
صرف الاطلاقات فتوى ونصا إليه، بل الاطلاقات الموجبة للبدنة وما بعدها
مرة، الغالب فيها الذي ينصرف إليه بحكم العادة والغلبة تكرر الأمرين فيه
مرارا عديدة، وإن أمكن فرض وقوعها مرة، ومع ذلك حكم فيها بوجوب

(1) الظاهر أنه هو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الحج في باقي محظورات الاحرام ج 8 ص 453.
434

البدنة مثلا مرة.
فالوجه عدم تكرر الكفارة في هذه الصورة، لا لمنع الحكم، بل لمنع
تكرر الموضوع والسبب عرفا، فليس فيه مخالفة للاجماعات المزبورة بوجه.
(ولو تكرر اللبس فإن اتحد) المجلس (لم يتكرر) عند المصنف
مطلقا، سواء اتحد الوقت أيضا أو تعدد، كما مر.
وفيه نظر، بل الوجه ما مر من التكرر بتكرر اللبس، سواء اتحد
المجلس أو تعدد، اختلف الملبوس صنفا أو اتحد، كفر عن الأول أم لا.
ووجهه - مع إشباع الكلام في المسألة - قد مر.
(وكذا لو تكرر الطيب ويتكرر) الكفارة فيهما (مع اختلاف
المجلس) ولا مع وحدته عند المصنف، ويتبدل المجلس بالوقت عند غيره.
وهو الوجه، كما مر.
وعن الخلاف نفي الخلاف عنه، حيث ذكر تكرر الكفارة بتكرر اللبس
والطيب إذا فعل ثم صبر ساعة وهكذا، كفر عن الأول أم لا. واستدل بأنه
لا خلاف أنه يلزمه بكل لبسة كفارة، فمن ادعى تداخلها فعليه الدلالة (1).
واعلم أن الماتن لم يذكر الأسباب الأخر هل يتكرر الكفارة فيها
بتكررها أم لا؟ وهو مما ينبغي تحقيقه في المقام، ويحمل الكلام فيه بنحو
يوافق الأصل والدليل ما أشار إليه بعض الأعلام.
فقال: ولو تعددت الأسباب مختلفة، كالصيد والوطئ والطيب واللبس
تعددت الكفارة اتفاقا، اتحد الوقت أو اختلف، كفر عن السابق أو لا،
لوجود المقتضي وانتفاء المسقط. ولو تكرر سبب واحد، فإن كان إتلافا
متضمنا للمثل أو القيمة تعددت بحسبه اتفاقا، لأن المثل إنما يتحقق

(1) الخلاف: كتاب الحج م 83 ج 2 ص 299.
435

بذلك، وإلا فإن لم يفصل العرف أو الشرع فيه بين مجلس واحد ومجلسين،
ووقت أو وقتين.
مثل الوطئ فإنه يتعدد بتعدد الايلاج حقيقة عرفا وشرعا، تعددت
الكفارة أيضا بتعدده ولو في مجلس واحد. وكذا اللبس إذا لبس ثيابا واحدا
أو ثوبا واحدا لبسا بعد نزع. وكذا التطيب إذا فعل مرة بعد أخرى،
والتقبيل إذا نزع فاه ثم أعاد فقبل، أما إذا كثر منه ولم ينزع فاه، فيمكن
أن يكون واحدا وكذا ستر الرأس والتظليل.
ولو تكرر ما يفصل فيه العرف أو الشرع بين مجلس ومجلسين أو وقت
ووقتين، مثل الحلق الذي يفصل فيه العرف. والقلم الذي يفصل فيه
الشرع تعددت الكفارة إن تغائر الوقت، كأن حلق بعض رأسه غدوة
وبعضه عشية، وإلا فلا، لعده في العرف حلقا واحدا، كما أن لبس ثياب
دفعة لبس واحد.
لكن في الصحيح: عن المحرم إذا احتاج إلى ضروب من الثياب؟
فقال: عليه لكل صنف منها فداء (1). وهو يعم لبسها دفعة ودفعات، وقد يمنع
كون لبسها دفعة لبسا واحدا، وعرفت الفرق بين القلم في مجلس
ومجلسين (2).
انتهى المقصود من كلامه، وهو في غاية الجودة، إلا أن في بعض
كلماته مناقشة، مثل دعواه صدق تكرر الجماع بتكرر الايلاج مطلقا عرفا،
فإن فيه ما مضى ومنع كون لبس الثياب دفعة لبسا واحدا، فإنه ليس في
محله.

(1) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 1 ج 9 ص 290.
(2) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في محظورات الاحرام ج 1 ص 412 س 24.
436

والأجود في الجواب عن الصحيح حمله على لبسها دفعات، كما هو
الغالب فيه، وقد قدمناه.
(الثالثة: إذا أكل المحرم أو لبس ما يحرم عليه) لبسه مما
لا تقدير فيه بالخصوص عامدا عالما (لزمه دم شاة) بلا خلاف أجده،
للصحيح المتقدم غير مرة: من نتف إبطه، أو قلم ظفره، أو حلق رأسه، أو
لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه، أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله وهو محرم،
ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شئ، ومن فعله متعمدا فعليه دم
شاة (1).
(و) يستفاد منه أنه (تسقط الكفارة عن الناسي والجاهل)
ولا خلاف فيه أيضا مطلقا، حتى في غير ما تضمنه الصحيح من جملة ما
يحرم على المحرم (إلا الصيد) والنصوص به مع ذلك مستفيضة جدا عموما
وخصوصا.
فقد ورد: أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شئ عليه (2).
وفي الصحيح: ليس عليك فداء ما أتيته بجهالة، إلا الصيد، فإن
عليك الفداء بجهل كان أو بعمد (3).
وفي آخر: واعلم أنه ليس عليك فداء شئ أتيت وأنت محرم جاهلا به
إذا كنت محرما أو عمرتك، إلا الصيد، فإن عليك الفداء بجهالة كان أو
عمد (4).

(1) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 1 ج 9 ص 289.
(2) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1 ج 5 ص 344.
(3) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 1 ج 9 ص 226.
(4) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 4 ج 9 ص 227.
437

وما ورد بمعناها في جملة من محرمات الاحرام بالخصوص، حيث
اشترطت في إيجابها العمد والعلم كثير.
ويستفاد من الصحيحين وما في معناهما عدم سقوطها عن الناسي
والجاهل في الصيد، كما دل عليه الاستثناء في المتن أيضا، ونحوه كلمة
الأصحاب جملة، حتى حكي الاجماع عليه عن الخلاف (1) والغنية (2)
والتذكرة (3) والمنتهى (4)، ولا مخالف فيه صريحا، بل ولا ظاهرا، إلا ما
يحكى عن العماني أنه حكي السقوط عن الناسي هنا أيضا قولا (5).
وهو ضعيف جدا، ولا مستند له، عدا حديث رفع القلم، وهو على
تقدير وضوح دلالته على رفع الكفارة، مع أن الظاهر المتبادر منه خصوص
رفع الإثم والمؤاخذة مخصوص أو - مقيد بما عرفته من الأدلة وذكر جماعة عدم
سقوطها في الصيد من المجنون والصبي أيضا.
قيل: والظاهر أن الكفارة على المجنون في ماله يخرجه بنفسه إن أفاق،
وإلا فالولي، وأما لو كان مجنونا أحرم به الولي وهو مجنون فالكفارة على
الولي، كما في الغنية كالصبي، ولم يذكر بعضهم الصبي، لأن كفارته
على الولي، كما سلف (6).

(1) الخلاف. كتاب الحج م 84 ج 2 ص 300.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الحج ص 514 س 19.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 351 س 16.
(4) منتهى المطلب: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 2 ص 818 س 20.
(5) كما في مختلف الشيعة: كتاب الحج في باقي المحظورات ج 4 ص 176.
(6) قاله الفاضل الهندي في كشفه: كتاب الحج في كفارات الاحرام ج 1 ص 412 س 23.
438

كتاب الجهاد
440

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام كل خير خلقه محمد وآله
الطاهرين.
(كتاب الجهاد)
فعال، وهو في اللغة، إما من الجهد بالفتح، وهو التعب والمشقة، أو
منه بالضم، وهو الوسع والطاقة.
وشرعا بذل الوسع بالنفس والمال في محاربة المشركين أو الباغين على
الوجه المخصوص. وقيل: إنه بذلهما في إعلاء كلمة الاسلام، وإقامة شعار
الايمان (1).
وأريد بالأول إدخال جهاد المشركين، وبالثاني جهاد الباغين.
ويرد عليه قتال الكفار للأمر بالمعروف، فإنه إعلاء كلمة الاسلام،
إلا أن يراد به الاقرار بالشهادة.
وقد يطلق على جهاد من يدهم على المسلمين من الكفار، بحيث يخافون

(1) القائل هو الشهيد الأول كما في مسالك الأفهام: كتاب الجهاد ج 1 ص 148 س 5.
441

استيلاءهم على بلادهم وأخذ مالهم أو ما أشبهه وإن قل. وجهاد من يريد
قتل نفس محترمة أو أخذ مال أو سبي حريم، ومنه جهاد الأسير بين
المشركين دافعا عن نفسه.
وربما أطلق على هذا القسم الدفاع لا الجهاد.
والبحث هنا عن الأول والثاني وذكر الثالث استطرادا وذكر الرابع في
كتاب الحدود.
وهو من أعظم أركان الاسلام بالكتاب والسنة والاجماع.
قال الله عز وجل: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم
الجنة، يقاتلون في سبيل الله) (1).
وعن النبي - صلى الله عليه وآله - فوق كل ذي بر بر حتى يقتل الرجل
في سبيل الله فليس فوقه بر (2).
وعن الفاخر أن الملائكة تصلي على المتقلد بسيفه في سبيل الله حتى
يضعه، ومن صدع رأسه في سبيل الله غفر الله له ما كان قبل ذلك من
الذنب (3).
(والنظر) في الكتاب يقع (في أمور ثلاثة):
(الأول): في بيان (في يجب عليه) الجهاد
(وهو) بالمعنى الأول (فرض) كفائي (على كل من استكمل
شروطا ثمانية) (4) بمعنى وجوبه على الجميع إلى أن يقوم به منهم من فيه

(1) التوبة: 111.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب جهاد العدو ح 21 ج 11 ص 10.
(3) كما في الدروس الشرعية: كتاب الجهاد ص 159 س 14.
(4) في المتن المطبوع من الشرح والمخطوطات كلها: شروطا سبعة، والصحيح ما أثبتناه من المتن
المطبوع.
442

الكفاية فيسقط عن الباقين، سقوطا مراعى باستمرار القائم به إلى أن يحصل
الفرض المطلوب به شرعا.
وقد يتعين بأمر الإمام لأحد على الخصوص وإن قام من فيه كفاية،
وتختلف بحسب الحاجة بسبب كثرة المسلمين وقلتهم وضعفهم وقوتهم.
ولا يجب عينا بلا خلاف، إلا من ابن المسيب، كما في الغنية (1) وكنز
العرفان (2) والمنتهى (3).
وفي الأولين الاستدلال بالاجماع، وقوله تعالى: (لا يستوي القاعدون
من المؤمنين غير أولي الضرر، والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم،
فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة، وكلا وعد الله
الحسنى) (4) الآية.
وزاد الثاني قوله: ولانتفاء المسبب عند انتفاء السبب، وذكر فيهما في
تقريب الاستدلال بالآية بما يرجع حاصله إلى أنه تعالى فاضل بين المجاهدين
والقاعدين غير أولي الضرر ووعد كلا منهم الحسنى، ولولا أن وجوبه على
الكفاية لما وعد القاعدين عنه الحسنى والمثوبة، ولما كان لهم فضيلة.
وحجة المخالف غير واضحة، عدا ما استدل به الثاني له من قوله
- عليه السلام -: من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من
نفاق، قال: وليس بدال على مطلوبهم. وهو كذلك.
وأشار إلى الشروط بقوله: (البلوغ، والعقل، والحرية، والذكورة،
وألا يكون هما) أي شيخا كبيرا عاجزا (ولا مقعدا) ذا عرج بالغ حد

(1) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الجهاد ص 522 س 2.
(2) كنز العرفان: كتاب الجهاد ص 341.
(3) منتهى المطلب: كتاب الجهاد ج 2 ص 898 س 8.
(4) النساء: 95.
443

الاقعاد (ولا أعمى، ولا مريضا) مرضا (يعجز) معه (عنه) أي عن
الجهاد.
فهذه شروط ثمانية إن جعلنا المنفي ب‍ (لا) كلا منها شرطا على حدة،
وإلا فخمسة، بجعل الخامس السلامة عن الأمور المذكورة.
وعلى التقديرين فليس الشروط سبعة كما ذكره. وكان عليه أن يذكر
السلامة من الفقر الموجب للعجز عن نفقته، أو نفقة عياله، أو طريقه، أو
ثمن سلاحه.
وبالجملة: ما يحتاج إليه في جهاده أيضا، إذ لا خلاف في اشتراطها،
كما لا خلاف في اشتراط البواقي اعلمه، وبه صرح - في الغنية في
الجميع (1)، وفي المنتهى في البلوغ والذكورة، بل صرح فيهما وفي الثاني
والثالث والعمى بالاجماع (2)، وظاهره انعقاده في البواقي أيضا، حيث لم
ينقل خلافا فيها أيضا.
وهو الحجة، مضافا إلى الأصول، وعدم عموم في أدلة الجهاد يعتد به
يشمل فاقدي الشروط كلا أو بعضا، عدا العبد فإنه داخل في العموم
فيجب عليه.
كما ربما يعزى إلى الإسكافي حيث لم يذكر الحرية في الشروط، بل زاد
فروى مرسلا أن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين - عليه السلام - ليبايعه، فقال:
يا أمير المؤمنين أبسط يدك أبايعك على أن أدعو لك بلساني وأنصحك بقلبي
وأجاهد معك بيدي، فقال - عليه السلام -: حر أنت أم عبد؟ فقال: عبد،
فصفق - عليه السلام - يده فبايعه (3)، ولذا جعل في المختلف اشتراط الحرية

(1) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الجهاد ص 522 س 1.
(2) منتهى المطلب: كتاب الجهاد ج 2 ص 899 س 7 و 12 و 20.
(3) كما في مختلف الشيعة: كتاب الجهاد ج 1 ص 324 س 11 و 15.
444

مشهورا لا إجماعا.
لكنه اختار اشتراطها، مستدلا عليه في المنتهى بالاجماع، وبأن النبي
- صلى الله عليه وآله - كان يبايع الحر على الاسلام والجهاد، والعبد على
الاسلام دون الجهاد، وبأنه عبادة يتعلق بها قطع مسافة، فلا يجب على
العبد كالحج. وفي الكتاب بقوله: (ليس على الضعفاء ولا على المرضى
ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج) (1)، مجيبا عن الرواية بحملها على
الجهاد معه على تقدير الحرية، وإذن المولى أو عموم الحاجة (2).
ولا بأس بالجواب عن الرواية، فإنها مع ضعف سندها غير صريحة في
الجهاد معه في غير الصور المزبورة، بل غايتها إفادة الجهاد معه في الجملة،
ونحن نقول به. ولا بالاستدلال بالآية إن جعل مناط الدلالة قوله: " ليس
على الضعفاء "، فإنه بعمومه شامل لكل من فاقدي الشروط حتى الحرية،
فإن المملوك ضعيف عاجز، لأنه لا يقدر على شئ، كما في نص الكتاب.
ويشكل إن جعل المناط قوله سبحانه: (ولا على الذين لا يجدون ما
ينفقون)، كما صرح به في المختلف (3) وتبعه المقداد في الكنز، قال: والعبد
لا يملك شيئا عندنا، فلم يحصل في حقه الشروط (4).
وفيه نظر، فإن عدم الملكية لا يستلزم عدم الوجدان، فقد يجد بالبذل له
وليس بمالك، فلا يدخل في الآية.
ويجب عليه الجهاد بعموم الأدلة، ولذا أن الأصحاب جعلوا الحرية

(1) التوبة: 91.
(2) منتهى المطلب: كتاب الجهاد ج 2 ص 899 س 15.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد ج 1 ص 324 س 14.
(4) كنز العرفان: كتاب الجهاد ج 1 ص 352.
445

شرطا آخر غير اشتراط السلامة من الفقر، ولو صح ما ذكراه من التلازم
لأغنى اشتراط السلامة من الفقر عن اشتراط الحرية، مع أنه موقوف على
القول بعدم مالكية العبد، كما هو الأشهر.
وأما على القول بالمالكية - كما هو رأى جماعة مطلقا، أو في الجملة
- فلا تلازم، مع أنهم اشترطوا الحرية أيضا.
فإذن العمدة على اشتراطها الاجماع المنقول، المؤيد بعدم ظهور خلاف
يعتد به، حتى من الإسكافي، لعدم تصريحه. بالمخالفة؟ مضافا إلى الآية
المتقدمة بالتقريب الذي عرفته. وفيها الدلالة على اعتبار سائر الشروط
أيضا، كما سبق إليه الإشارة، مضافا إلى الأخبار النبوية المروية في المنتهى
في كل من البلوغ والذكورة والحرية (1).
فلا يجب على الصبي مطلقا، ولا المجنون كذلك، ولا العبد بأنواعه حتى
من انعتق بعضه، ولا الكبير العاجز عن الجهاد، ولا المريض كذلك،
ويجب على القادر منها، ولا الأعمى وإن وجد قائدا، وكذا الأعرج المقعد،
دون من يمكنه الركوب والمشي فإنه يجب عليه الجهاد وإن تعذر عليه شدة
العذر، كما في المنتهى قال: لتمكنه منه (2).
أقول: مع عدم انصراف إطلاق الآية برفع الحرج عنه إلى مثله،
ويتحقق العمى بذهاب البصر من العينين معا، فيجب على الأعور
والأعشى وغيرهما.
(وإنما يجب) الجهاد بالمعنى الأول على من استجمع الشروط المزبورة
(مع وجود الإمام العادل، وهو المعصوم - عليه السلام -، أو من نصبه

(1) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في شرائط وجوب الجهاد ج 2 ص 899 س 6.
(2) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في شرائط وجوبه ج 2 ص 899 س 23.
446

لذلك) أي النائب الخاص، وهو المنصوب للجهاد، أو لما هو أعم.
أما العام كالفقيه، فلا يجوز له ولا معه حال الغيبة بلا خلاف أعلمه،
كما في ظاهر المنتهى (1) وصريح الغنية (2)، إلا من أحمد كما في الأول،
وظاهرهما الاجماع، وللنصوص به من طرقنا مستفيضة، بل متواترة.
منها: إن القتال مع غير الإمام المفترض طاعته حرام، مثل الميتة والدم
ولحم الخنزير (3).
ومنها: لا غزو إلا مع إمام عادل (4).
وفي جملة أخرى: الجهاد واجب مع إمام عادل (5).
(و) لا يكفي وجود الإمام، بل لا بد من (دعائه إليه).
(و) على هذا الشرط، ف‍ (لا يجوز الجهاد مع الجائر، إلا أن
يدهم المسلمون من) أي عدو (يخشى منه على بيضة الاسلام) أي
أصله ومجتمعه، فيجب حينئذ بغير إذن الإمام ونائبه، (أو يكون بين
قوم) مشركين (ويغشاهم عدو، ف‍) يجاهد حينئذ، و (يقصد الدفع
عن) الاسلام وعن (نفسه في الحالين لا معاونة الجائر)، كما في
الصحيح (6) وغيره، فيأثم ويضمن لو قصد معاونته بلا إشكال.
وهل يأثم ويضمن لو جاهد بغير قصد؟ قيل: نعم (7)، وهو أحوط إن لم

(1) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في شرائطه ج 2 ص 899 س 34.
(2) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الجهاد ص 521 السطر الأخير.
(3) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب جهاد العدو ح 1 ج 11 ص 32.
(4) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب جهاد العدو ح 2 ج 11 ص 30.
(5) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب جهاد العدو ح 9 و 10 ج 11 ص 35.
(6) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب جهاد العدو ج 3 ج 11 ص 20.
(7) مسالك الأفهام: كتاب الجهاد ج 1 ص 148 السطر الأخير.
447

نقل بأنه أظهر.
وهل يشترط في العدو الزاحم كونه كافرا، كما عن الشيخ (1)، أم
لا كما عن الأكثر؟ قولان.
ولا يخفى أن هذا الاستثناء منقطع، إذ الجهاد الذي يعتبر فيه إذن الإمام
وسائر الشروط إنما هو الجهاد بالمعنى الأول دون غيره، اتفاقا.
والجهاد المذكور بعد الاستثناء غيره، ولذا قال في الشرائع بعده:
ولا يكون جهادا (2)، وأشار به إلى أن حكم الشهيد من عدم تغسيله
وتكفينه لا يلحق المقتول هنا، وكذا حكم الجهاد من تحريم الفرار وقسمة
الغنيمة.
نعم هو بمنزلة الشهيد في الأجر، وإطلاق الأخبار بكونه شهيدا ينزل
عليه (ومن عجز) عن الجهاد (بنفسه وقدر على الاستنابة) لغيره ممن
لا يجب عليه، كالفقير (وجب) عليه الاستنابة، وفاقا للشيخ (3)
والقاضي (4) والحلي (5)، وعليه الفاضل المقداد في كنز العرفان (6) والمحقق
الثاني.
مستدلا عليه بقوله تعالى: (وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم)، وأن الميسور
لا يسقط بالمعسور، قال: وقوله سبحانه: (وليس على الضعفاء - إلى قوله -:
ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج) محمول على نفي الحرج عن جهاده

(1) المبسوط: كتاب الجهاد ج 2 ص 8.
(2) شرائع الاسلام: كتاب الجهاد ج 1 ص 307.
(3) النهاية ونكتها: كتاب الجهاد ج 2 ص 4.
(4) المهذب: كتاب الجهاد ج 1 ص 298.
(5) السرائر: كتاب الجهاد ج 2 ص 3.
(6) كنز العرفان: كتاب الجهاد ج 1 ص 352.
448

بنفسه، لكثرة الأوامر الدالة على الوجوب (1).
خلافا للفاضلين في الشرائع (2) والمنتهى (3) والمختلف (4) والشهيد
الثاني (5) والمفلح الصيمري فيستحب. ولعله الأظهر، للأصل، وفقد
المخصص له.
عدا ما مر، وما في الكنز من قوله تعالى: (وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم
وأنفسهم في سبيل الله) (6)، قال: ذمهم على عدم إنفاقهم أموالهم مع
القدرة عليها، وليس ذلك مع الجهاد بالنفس، وإلا لكان إنفاقه على
نفسه، فيكون لا معه، وهو المطلوب.
وفيهما نظر، فإن تقييد نفي الحرج بما مر ليس بأولى من تقييد الأمر
بالجهاد بالمال، بما إذا جاهد بالنفس. وكذا يمكن تخصيص عموم الميسور
بغير محل البحث، لآية نفي الحرج، كما يمكن العكس.
فاختياره ليس بأولى من اختيار مقابله، وكثرة الأوامر غير موجبة
للترجيح في نحو محل البحث مما التعارض فيه بين القطعين.
وبالجملة: التعارض بين الدليلين من الطرفين تعارض الظاهرين يمكن
صرف كل إلى الآخر.
وحيث لا مرجح - كما في محل البحث - وجب الرجوع إلى مقتضى
الأصل، وهو عدم الوجوب.

(1) جامع المقاصد: كتاب الجهاد ج 3 ص 372.
(2) شرائع الاسلام: كتاب الجهاد ج 1 ص 308.
(3) منتهى المطلب: كتاب الجهاد ج 2 ص 901 س 9.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد ج 1 ص 324 س 34.
(5) مسالك الأفهام: كتاب الجهاد ج 1 ص 149 س 32.
(6) التوبة: 81.
449

وآية الذم على ترك الانفاق ليست نصا في صورة العجز عن الجهاد
بالنفس، بل ولا ظاهرة فيها، إلا على تقدير كون الانفاق على نفسه مع
جهاده بنفسه ليس من الجهاد بالمال في سبيل الله تعالى. ولا ريب في
ضعفه، إذ الانفاق في سبيل الله تعالى أعم منه على نفسه وعلى غيره قطعا
لغة وعرفا.
هذا مع أن الجهاد بالمال أعم من الاستنابة، إذ يدخل فيه أيضا إعانة
المجاهدين في الخيل والسلاح والظهر والزاد وسد الثغر، كما حكي القول
بوجوبها في المختلف عن الحلبي (1). ولكن لم يقولا به.
ثم إن هذا إذا لم يحتج إلى الاستنابة، بأن يعجز القائمون بدونها، وإلا
فتجب قولا واحدا (2).
(ولو استناب مع القدرة) على الجهاد ووجوبه عليه (جاز) (3)
عندنا بغير خلاف ظاهر،. وعزاه في المنتهى إلى علمائنا (4)، مؤذنا بدعوى
الاجماع عليه، مستدلا عليه بالنبوي: من جهز غازيا كان له مثل أجره (5).
والمرتضوي: عن الاجعال للغزو؟ فقال: لا بأس به أن يغزو الرجل عن
الرجل ويأخذ منه الجعل (6).
وفيهما لولا الاجماع نظر، لضعف سندهما ودلالتهما، لأن غاية الأخير نفي

(1) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد ج 1 ص 324 س 30.
(2) توجد زيادة مهمة في المتن من المطبوع والمتون المشروحة وهي: وعليه القيام بما يحتاج إليه
النائب.
(3) في المتن المطبوع: أيضا.
(4) منتهى المطلب: كتاب الجهاد ج 2 ص 900 س 21.
(5) سنن البيهقي: كتاب السير ج 9 ص 172 وفيه اختلاف يسير.
(6) تهذيب الأحكام: كتاب الجهاد ب 79 النوادر ح 338 ج 6 ص 173.
450

البأس عن أخذ الجعل للنائب، وهو غير جواز الاستنابة للقادر، وغاية
الأول إفادة الثواب على تجهيز الغازي، وهو غير ما نحن فيه.
وربما يستدل عليه أيضا بأن الغرض من الواجب الكفائي، المقتضي
لسقوطه عمن زاد عمن فيه الكفاية، لحصول من فيه الكفاية تحصيله على
المكلف بالواجب بنفسه أو بغيره، ولا بأس به.
(والمرابطة إرصاد لحفظ الثغر) والمراد به الموضع الذي يكون
بأطراف بلاد الاسلام، للاعلام بأحوال المشركين، على تقدير هجومهم على
بلاد الاسلام، وكل موضع يخاف منه يقال له: ثغر لغة، وهي مستحبة
مطلقا.
(ولو كان الإمام مفقودا) أي غائبا، لكن يستحب مع حضور
الإمام مؤكدا، ومع غيبته غير مؤكد، كما، في التحرير (1) والمنتهى.
قال: (لأنها لا تتضمن جهادا، بل حفظا وإعلاما) فكانت
مشروعة حال الغيبة - إلى أن قال -: فإن رابط حال ظهور الإمام بإذنه وسوغ
له القتال جاز له ذلك، وإن كان مستترا أو لم يسوغ له المقاتلة لم يجز له
القتال ابتداء، بل يحفظ الكفار من الدخول إلى بلاد الاسلام، ويعلم
المسلمين بأحوالهم وإرادة دخولهم إليهم إن أرادوا ذلك ولم يبدأهم بالقتال،
فإن قاتلوه جاز له قتالهم، ويقصد بذلك الدفع عن نفسه وعن الاسلام،
ولا يقصد به الجهاد (3) انتهى.
والأصل في ذلك الصحيح: جعلت فداك إن رجلا من مواليك بلغه أن
رجلا يعطي سيفا وفرسا في سبيل الله فأتاه فأخذها منه ثم لقيه أصحابه

(1) تحرير الأحكام: كتاب الجهاد ج 1 ص 134 س 6.
(2) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في المرابطة ج 2 ص 902 س 31.
451

وأخبروه إن السبيل مع هؤلاء لا يجوز فأمروه بردهما؟ قال: فليفعل، قال:
قد طلب الرجل فلم يجده.
وقيل له: قد شخص الرجل؟ قال: فليرابطه، ولا يقاتل، قلت: مثل
قزوين وعسقلان والديلم وما أشبه هذه الثغور؟ قال: نعم.
قال: فإن جاء العدو إلى الموضع الذي هو فيه مرابط كيف يصنع؟
قال: يقاتل عن بيضة الاسلام. قال: يجاهد؟ قال: لا، إلا أن يخاف على
ذراري المسلمين.
أرأيتك لو أن الروم دخلوا على المسلمين لم ينبغ لهم أن يمنعوهم، قال:
يربط، ولا يقاتل، قال: فإن خاف على بيضة الاسلام والمسلمين قاتل،
فيكون قتاله لنفسه لا للسلطان، لأن في دروس الاسلام دروس ذكر
محمد - صلى الله عليه وآله - (1).
وهو صريح في جواز المرابطة في زمان عدم بسط يد الإمام والغيبة،
لتضمنه الأمر بها حينئذ، وأقله الجواز وإن لم نقل بالاستحباب.
وحيث ثبت الجواز ثبت الاستحباب، لفتوى أكثر الأصحاب، بناء
على التسامح في أدلة السنن حيث لا يحتمل فيها ضرر، كما هنا على ما
فرضناه.
ولا ينافيه الأمر برد المال في صدره، بناء على أن الظاهر أن الباذل له
من هؤلاء، كما صرح به في خبر آخر (2).
ومراده من سبيل الله الجهاد، الجائز عندهم مع حكامهم، فلذا أمر
بالرد، لعدم جواز الجهاد معهم عندنا. والمال لما كان مشروطا به لم يبح

(1) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب جهاد العدو ح 2 ج 11 ص 19.
(2) علل الشرائع: ب 385 في نوادر العلل! ح 72 ص 603.
452

إلا به، ولما لم يجز وجب الرد، ولما فرض السائل عدم إمكان الرد أباحه
له - عليه السلام - بشرط الرباط بدله، فإنه أقرب إلى مقصود الباذل من
صرفه في سائر وجوه البر.
فما يعزى إلى الشيخ (1) والقاضي (2) من عدم استحباب المرابطة زمن
لغيبة لا وجه له، مع أنهما أفتيا بمضمون الرواية، فلعلهما أرادا منها ما
ذكرنا في معناها، وإن زدا فذكرا لفظ (المرابطة)، بحملها على المرابطة
الغير المشروعة التي تتضمن القتال والجهاد مع هؤلاء الفجرة، كما هو
الغالب في زمن الغيبة.
ومن هنا يظهر وجه تفاوت استحبابها في زمن الحضور والغيبة بالتأكد في
الأول، لعدم الخلاف فيه حينئذ فتوى ورواية دون الثاني، لوجوده فيه، أو
احتماله فتوى، بل ورواية، مع أن عبارة السرائر صريحة في عدم جزمه
بالاستحباب، بل ظاهر مساق عبارته العدم.
ومن هنا يظهر ما في حكم جملة منهم يتأكد الاستحباب في الحالين.
(ولو عجز) عن المرابطة بنفسه (جاز أن يربط فرسه) أو غلامه
(هناك) أي في الثغر لينتفع به المرابطون وحاز بذلك الثواب، لإعانته
على البر، وهو في معنى الإباحة لهما على هذا.
وظاهر العبارة هنا وفي السرائر (3) والتحرير (4) والمنتهى (5) اشتراط العجز
عنها، ومقتضى الدليل العموم، كما في اللمعة وشرحها (6). وهو الأقوى.

(1) النهاية ونكتها: كتاب الجهاد ب 2 في قتال المشركين ج 2 ص 6.
(3) المهذب: كتاب الجهاد باب سيرة الحرب و... ج 1 ص 303.
(3) السرائر: كتاب الجهاد في المرابطة ج 2 ص 5.
(4) تحرير الأحكام: كتاب الجهاد في المرابطة ج 2 ص 134 س 9.
(5) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في المرابطة ج 2 ص 903 س 5.
(6) اللمعة الدمشقية: كتاب الجهاد في المرابطة ج 2 ص 385.
453

(ولو نذر المرابطة وجبت مع وجود الإمام - عليه السلام -) اتفاقا
(و) كذا مع (فقده) عندنا، كما في السرائر (1)، مؤذنا بدعوى الاجماع
عليه، لأنه طاعة - كما مضى - وقد نذرها، فيجب عليه الوفاء، لعموم الأدلة
بلزوم الوفاء بالنذر كتابا وسنة.
(وكذا لو نذر أن يصرف شيئا إلى المرابطين (2)) لإعانتهم وجب
عليه الوفاء به مطلقا (وإن لم ينذره ظاهرا أو لم يخف الشنعة) بتركه،
لعلم المخالف بالنذر ونحوه.
(ولا يجوز صرف ذلك) أي المنذور (في غيرها) أي غير المرابطة
(من وجوه البر) إجماعا مع ظهور الإمام وبسط يده، كما في المختلف (3).
وكذا مع غيبته وخوف الشنعة بتركه اتفاقا.
وفي غيرهما كذلك أيضا (على الأشبه) الأشهر، بل عليه عامة من
تأخر وفاقا للحلي (4)، لما مر من عموم لزوم الوفاء بالنذر، بناء على صحته
هنا، كما مر.
ويقابل الأشبه قول الشيخ (5) والقاضي (6) بجواز صرفه في وجوه البر
حينئذ، للخبر: إن كان سمع منك نذرك أحد من المخالفين، فالوفاء به إن
كنت تخاف شنعته، وإلا فاصرف ما نويت من ذلك في أبواب البر (7).

(1) السرائر: كتاب الجهاد في المرابطة ج 2 ص 5.
(2) في المتن من المطبوع: المرابطة.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد، في المرابطة ج 1 ص 324 س 34.
(4) السرائر: كتاب الجهاد في المرابطة ج 2 ص 5.
(5) المبسوط: كتاب الجهاد في المرابطة ج 2 ص 9.
(6) المهذب: كتاب الجهاد في المرابطة ج 1 ص 303.
(7) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب جهاد العدو ح 1 ج 11 ص 21.
454

ويضعف أولا: بأنها مكاتبة وذلك موجب لضعفها، وثانيا: بجهالة
السائل، وثالثا: بمخالفة الأصول، لأن النذر إن كان صحيحا وجب الوفاء
به، وإلا كان باطلا، لا أنه يصرف في وجوه البر.
أقول: ولولا الشهرة العظيمة بين الأصحاب المرجحة، لعموم أدلة النذر
لأمكن الجواب عن جميع ذلك، ولكن بعدها، فلتطرح، أو تحمل على
مرابط لا يسوغ صرف النذر إليه، كما هو الغالب زمن الغيبة، لا مطلق
المرابط، أو على نذر بغير لفظ، بل بمجرد نية وقصد، كما هو الغالب في نذر
العوام فيما نشاهد في زماننا الآن، وربما يشير إليه قوله - عليه السلام -:
(اصرف ما نويت من ذلك)، ولم يقل ما نذرت. فتدبر.
(ويحمل الأمر فيه بصرفه في وجوه البر على التقديرين على
الاستحباب) (1).
(وكذا من أخذ من غيره شيئا) على وجه الجعالة أو الإجارة
(ليرابط له لم يجب عليه) أي على الآخذ (إعادته) أي الشئ على
ذلك الغير (وإن وجده) أي ذلك الغير (جاز له المرابطة) فيما إذا كان
الأخذ على جهة الجعالة (أو وجبت) فيما إذا كان على جهة الإجارة مطلقا
ولو كان الإمام غائبا على الأشهر الأقوى، لنحو ما مضى في المسألة
السابقة.
خلافا للشيخ (2) والقاضي (3) فأوجبا عليه الرد على باذله إجارة أو
جعالة مع إمكانه، وإلا فليرابط.

(1) ما بين القوسين غير موجود في نسخة (مش).
(2) المبسوط: كتاب الجهاد ج 2 ص 9.
(3) المهذب: كتاب الجهاد ج 1 ص 303.
455

ولعل مستندهما نحو الصحيح الماضي هو مع الجواب، ولا وجه لإعادته.
(النظر الثاني: في) بيان (من يجب جهاده)
(وهم ثلاثة).
(الأول: البغاة) جمع باغ، وهو من خرج على المعصوم من الأئمة،
كما يستفاد من النص وكلمات القوم.
ومنها قوله: (يجب قتال من خرج على إمام عادل (1)) بالاجماع
الظاهر المصرح به في عبائر بعد الكتاب والسنة.
قال الله سبحانه: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما،
فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله،
فإن فائت فأصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا إن الله يحب المقسطين " (2).
وفي النبوي: من أعطى إماما صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع
فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنقه (3).
وفي الخاص الصادق - عليه السلام -: بعث الله تعالى محمدا - صلى الله
عليه وآله - بخمسة أسياف: ثلاثة منها شاهرة لا تعمد حتى تضع الحرب
أوزارها - إلى أن قال -: سيف منها مكفوف، وسيف منها مغمور سله إلى
غيرنا وحكمه إلينا - إلى أن قال -: وأما السيف المكفوف على أهل البغي
والتأويل قال الله تعالى، وذكر الآية.

(1) توجد هنا تكملة مهمة موجودة في المتن من المطبوع، وفي جميع المتون المشروحة وهي: إذا دعا إليه
هو أو من نصبه، والتأخر عنه كبيرة.
(2) الحجرات: 9.
(3) سنن ابن ماجة: كتاب الفتن ح 3956 ج 2 ص 1306، مع تفاوت يسير.
456

ثم قال: فلما نزلت قال رسول الله - صلى الله عليه وآله -: إن منكم من
يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل، فسئل - عليه السلام - من
هو؟ قال: هو خاصف النعل، يعني أمير المؤمنين - عليه السلام -.
قال عمار بن ياسر: قاتلت بهذه الراية مع رسول الله - صلى الله عليه وآله - ثلاثا وهذه الرابعة، والله لو ضربونا حتى يبلغونا السعفات من هجر
لعلمنا إنا على الحق وأنهم على الباطل، وكانت السيرة من أمير المؤمنين
- عليه السلام - ما كان من رسول الله - صلى الله عليه وآله - إلى أهل مكة يوم
فتح مكة، فإنه لم يسب لهم ذرية.
وقال: من أغلق بابه وألقى سلاحه أو دخل دار أبي سفيان فهو آمن،
وكذلك قال أمير المؤمنين - عليه السلام - فيهم: لا تسبوا لهم ذرية، ولا تتموا
على جريح، ولا تتبعوا مدبرا، ومن أغلق بابه وألقى سلاحه فهو آمن (1).
وفي آخر: القتال قتالان: قتال الفئة الكافرة حتى يسلموا، وقتال الفئة
الباغية حتى يفيئوا (2).
وفي ثالث: ذكرت الحرورية عند علي - عليه السلام - قال: إن خرجوا
على إمام عادل أو جماعة فقاتلوهم، وإن خرجوا على إمام جائر
فلا تقاتلوهم، فإن لهم في ذلك مقالا (3).
والرواية السابقة ناصة بإرادة هذه الطائفة من الآية المتقدمة، ولذا
استدل بها هنا جماعة، كالشهيد في الدروس (4) تبعا للفاضل في المنتهى (5)،

(1) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب جهاد العدو ح 2 ج 11 ص 16، مع تفاوت يسير.
(2) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب جهاد العدو ح 5 ج 11 ص 19.
(3) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب جهاد العدو ح 3 ج 11 ص 60.
(4) الدروس الشرعية: كتاب الجهاد ص 160.
(5) منتهى المطلب: كتاب الجهاد ج 2 ص 982 س 30.
457

لكن خطأه الفاضل المقداد في كنز العرفان.
قال: فإن الباغي هو من خرج على الإمام العادل بتأويل باطل
وحاربه، وهو عندنا أفر، لقوله - صلى الله عليه وآله - لعلي - عليه السلام -.
يا علي حربك حربي وسلمك سلمي، فكيف يكون الباغي المذكور مؤمنا
حتى يكون داخلا في الآية؟
ولا يلزم من ذكر لفظ (البغي) في الآية أن يكون المراد بذلك البغاة
المعهودين عند أهل الفقه، كما قال الشافعي: ما عرفنا أحكام البغاة إلا
من فعل علي - عليه السلام -، يريد فعله في حرب البصرة والشام والخوارج،
من أنه لم يتبع مدبر أهل البصرة والخوارج، ولم يجهز على جريحهم، لأنهم
ليس لهم فئة ويتبع مدبري أهل الشام وأجهز على جريحهم.
ولذا لم يجعلها الراوندي حجة على قتال البغاة، بل جعلها في قسم من
يكون من المسلمين أو المؤمنين فيقع بينهم قتال وتعدى بعض على بعض،
فيكون البغي بمعنى التعدي فيقاتل المتعدي حتى يرجع عن تعديه إلى طاعة
الله وامتثال أوامره (1) انتهى.
وأجاب عنه في المنتهى بعد تخطئة من استفاد من الآية أن البغاة
مؤمنين (لأن الله تعالى سماهم المؤمنين) (2) بنحو مما ذكره من أنهم كفار
عندنا.؟
فقال: التسمية على سبيل المجاز، بناء على الظاهر أو على ما كانوا عليه
أو على ما يعتقدونه، كما في قوله: (وإن فريقا من المؤمنين لكارهون،
يجادلونك في الحق بعد ما تبين، كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون)،

(1) كنز العرفان: كتاب الجهاد، في أنواع آخر من الجهاد ج 1 ص 386.
(2) ما بين القوسين غير موجود في نسخة (م).
458

وهذه صفة المنافقين إجماعا (1) إنتهى.
وهو حسن، وإن خالف المجاز الأصل، لوجوب المصير إليه بعد قيام
الدليل عليه، وهو الرواية السابقة وإن ضعف سندها، لاشتهارها فتوى
ورواية، حتى أنه روتها المشائخ الثلاثة بطرق عديدة.
وفي ظاهر الغنية (2) وصريح المنتهى (3) لا خلاف بين المسلمين كافة في
وجوب جهاد البغاة، بل في صريح الأخير أيضا الاجماع.
وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الخارج بين القليل والكثير،
حتى الواحد، كابن ملجم - لعنه الله -، وصرح في المنتهى (4) والتذكرة (5)،
كما في المسالك واستحسنه (6)، وصرح به أيضا في الروضة (7).
وفيه مناقشة، لاختصاص الأدلة كتابا وسنة.
وبالجملة: كيفية قتال البغاة مثل قتال المشركين في جميع ما مر،
بلا خلاف يظهر فيه.
((8) و) لا في أنه (يجب مصابرتهم) من الصبر، وهو الحبس،
والمراد به حبس النفس في جهادهم، بترك ما يشبهه من تركه فيخالفها

(1) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في قتال أهل البغي ج 2 ص 982 س 33.
(2) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الجهاد ص 522 س 4.
(3) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في قتال أهل البغي ج 2 ص 983 س 8.
(4) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في قتال أهل البغي ج 2 ص 983 س 31.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الجهاد في قتال أهل البغي ج 1 ص 554 س 19.
(6) مسالك الأفهام: كتاب الجهاد في قتال أهل البغي ج 1 ص 160 س 25.
(7) اللمعة الدمشقية: كتاب الجهاد في قتال أهل البغي ج 2 ص 407.
(8) توجد زيادة مهمة في المتن المطبوع وفي جميع المتون المشروحة أيضا، وهي: ويسقط بقيام من فيه
غنى ما لم يستنهضه الإمام على التعيين. والفرار في حربهم كالفرار في حرب المشركين.
459

بمصابرتهم (حتى يفيئوا) إن الحق ويرجعوا إلى طاعة الإمام
- عليه السلام - (أو يقتلوا) وظاهر المنتهى أن عليه إجماع العلماء (1)، للنص
زيادة على ما مر.
وفيه: القتال قتالان: قتال لأهل الشرك، كما ينفر عنهم حتى يسلموا
أو يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وقتال لأهل الزيغ (2).
وفي المنتهى: فإذا فاؤوا حرم قتالهم، لقوله تعالى: (حتى تفئ إلى أمر
الله) جعل غاية الإباحة لقتالهم الرجوع إلى أمر الله تعالى، فيثبت التحريم
بعدها، ولأن المقتضي لإباحة القتل، وهو الخروج عن طاعة الإمام،
فإذا عادوا إلى الطاعة عدم المقتضي، ولا نعلم فيه خلافا، وكذلك إن ألقوا
السلاح وتركوا القتال، أما لو انهزموا فإنه يجب قتالهم إن كان لهم فئة
يرجعون إليها (3).
وإلى هذا أشار الماتن أيضا وغيره من الأصحاب (من غير
خلاف) (4) بقوله: (ومن كان له فئة) يرجعون إليها، كأصحاب
معاوية (يجهز) من الاجهاز وهو الاسراع في القتل، أي يسرع ويعجل
(على جريحهم) في القتل (واتبع مدبرهم) وموليهم عن الحرب
(وقتل أسيرهم) بلا خلاف يظهر فيه أيضا (و) لا في أن (من لا فئة
له) كالخوارج (اقتصر على تفريقهم).
(فلا يذفف) بالذال المعجمة وبالمهملة، وفي أخرى من ذف يذف
من باب قتل إذا جهز عليه، أي لا يسرع على جريحهم في القتل (ولا يتبع

(1) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في قتال أهل البغي ج 2 ص 984 س 34.
(2) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب جهاد العدو ح 3 ج 11 ص 18.
(3) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في قتال أهل البغي ج 2 ص 984 السطر الأخير.
(4) ما بين القوسين غير موجود في نسخة (ق).
460

مدبرهم، ولا يقتل أسيرهم).
وفي ظاهر المنتهى (1) الاجماع على هذا التفصيل منا، ونفى الخلاف عن
الحكم في من لا فئة له بين العلماء، والأصل في المقامين بعد الاجماع
أخبارنا.
منها: عن طائفتين إحداهما باغية والأخرى عادلة، فهزمت العادلة
الباغية؟ قال: ليس لأهل العدل أن يتبعوا مدبرا، ولا يقتلوا أسيرا،
ولا يجهزوا على جريح، وهذا إذا لم يبق من أهل البغي أحد ولم يكن لهم
فئة يرجعون إليها، فإذا كان لهم فئة يرجعون إليها، فإن أسيرهم يقتل
ومدبرهم يتبع وجريحهم يجان علية (2).
ومنها: عمن شهد حروب علي - عليه السلام - قال: لما هزم الناس يوم
الجمل قال أمير المؤمنين - عليه السلام -: لا تتبعوا موليا، ولا تجيزوا على
جريح، ومن أغلق بابه فهو آمن، فلما كان الصفين قتل المقبل والمدبر
وأجازوا على الجريح، فقال له أبان بن تغلب: هذه سيرتان مختلفتان إن
أهل الجمل قتل طلحة والزبير، وإن معاوية كان قائما بعينه وكان
قائدهم (3). ونحوه رواية أخرى مروية في الوسائل عن تحف العقول (4).
وقصور الأسانيد وضعفها مجبور بالشهرة بين أصحابنا. مضافا إلى الاجماع
عليه، كما عرفته من المنتهى.
واعلم أن قوله: (ولا يسترق ذريتهم ولا نسائهم) لا تعلق له بمن
لا فئة له خاصة، بل يعم الفريقين، كما صرح به جماعة، من غير خلاف

(1) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في قتال أهل البغي ج 2 ص 987 س 10.
(2) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب جهاد العدو ح 1 ج 11 ص 54.
(3) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب جهاد العدو ح 3 ج 11 ص 55.
(4) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب جهاد العدو ح 4 ج 11 ص 56.
461

بينهم أجده، وفي صريح الشرائع (1) والتحرير (2) الاجماع عليه، لكن في
الروضة عزاه إلى المشهور (3)، مؤذنا بوجود خلاف فيه، كما صرح به أخيرا،
وفاقا للدروس (4)، لكن عزاه إلى الشذوذ، معربين عن الاجماع أيضا،
والمخالف غير معروف، ولا منقول إلا في المختلف، فنقل فيه عن العماني
بعد اختياره المنع.
قال: وقال بعض الشيعة أن الإمام في أهل البغي بالخيار إن شاء من
عليهم، وإن شاء سباهم.
قال: واحتجوا بقول أمير المؤمنين - عليه السلام - للخوارج لما سألوه عن
المسائل التي اعتلوا بها؟ فقال لهم: أما قولكم: إني يوم الجمل أحللت لكم
الدماء والأموال ومنعتكم النساء والذرية، فإني مننت على أهل البصرة كما
من رسول الله - صلى الله عليه وآله - على أهل مكة، ولو شاء لسباهم، كما
لو شاء النبي - صلى الله عليه وآله - أن يسبي نساء أهل مكة لسباهم (5).
أقول: وظاهر عبارته المزبورة أن القائل غير واحد من الشيعة، وهو أيضا
ظاهر جملة من الأخبار المستفيضة، غير الرواية المزبورة مروية في التهذيب
وغيره.
منها: لسيرة علي - عليه السلام - في أهل البصرة كانت خيرا لشيعته مما
طلعت عليه الشمس، أنه علم أن للقوم دولة، فلو سباهم لسبيت شيعته
قلت: فأخبرني عن القائم - عليه السلام - أيسير بسيرته؟ قال: إن عليا

(1) شرائع الاسلام: كتاب الجهاد في قتال أهل البغي ج 1 ص 337.
(2) تحرير الأحكام: كتاب الجهاد في قتال أهل البغي ج 1 ص 156 س 21.
(3) اللمعة الدمشقية: كتاب الجهاد في قتال أهل البغي ج 2 ص 408.
(4) الدروس الشرعية: كتاب الجهاد في قتال أهل البغي ص 164.
(5) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في أحكام البغاة ج 1 ص 337 س 35.
462

- عليه السلام - سار فيهم بالمن لما علم من دولتهم، وإن القائم - عليه السلام -
يسير فيهم خلاف تلك السيرة، لأنه لا دولة لهم (1).
ومنها: أيسير القائم - عليه السلام - بخلاف سيرة علي - عليه السلام -؟
قال: نعم، وذلك أن عليا - عليه السلام - سار بالمن والكف لأنه علم أن
شيعته سيظهر عليهم، وأن القائم - عليه السلام - إذا قام سار فيهم بالسيف
والسبي، وذلك أنه يعلم أنه شيعته لم يظهر عليهم من بعده أبدا (2). إلى غير
ذلك من الأخبار الكثيرة، التي سيأتي إلى بعضها الإشارة.
ولولا إعراض الأصحاب عنها ونقلهم الاجماع على خلافها مع ضعف
أسانيدها جملة لكان المصير إليها متجها.
(ولا يؤخذ أموالهم) أي البغاة مطلقا كانت لهم فئة، أم لا،
بلا خلاف في الأموال (التي ليست في العسكر) بل عليه الاجماع في
التحرير (3) والمنتهى (4) والمسالك (5) والروضة (6) وغيرها.
وهو الحجة فيه، دون عموم النبوي - صلى الله عليه وآله - الآتي لا يحل
مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه (7)، لابتنائه على القول بإسلام البغاة.
وهو منظور فيه، فإن الاسلام الحقيقي ما يحقن به الدماء، ويرد به
الأمانات، كما في الأخبار المعتبرة، وهؤلاء غير محقوني الدم اجماعا، ولذا

(1) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب جهاد العدو ح 1 ج 11 ص 56، مع تفاوت يسير.
(2) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب جهاد العدو ح 3 ج 11 ص 57. مع اختلاف يسير.
(3) تحرير الأحكام: كتاب الجهاد في أحكام البغاة ج 1 ص 156 س 17.
(4) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أحكام البغاة ج 2 ص 988 س 2.
(5) مسالك الأفهام: كتاب الجهاد في أحكام البغاة ج 1 ص 160 س 28.
(6) اللمعة الدمشقية: كتاب الجهاد في أحكام البغاة ج 2 ص 408.
(7) عوالي اللآلي: ح 98 ج 1 ص 222.
463

وجب قتالهم. وظاهر جملة من الأخبار العامية والخاصية كفرهم، كما عليه
أصحابنا فيما حكاه الشيخ وغيره، لكن قال: ظاهرهم الاسلام (1).
وكيف كان، فبعد الاجماع الظاهر والمحكي لا ريب فيه ولا شبهة
تعتريه.
ومنه يستفاد تحريم أموال سائر فرق الاسلام وإن حكم بكفرهم، كما
صرح به شيخنا في المسالك،. قال: لأن هذا الوصف ثابت في البغاة
وزيادة، مضافا إلى ما دل عليه من الكتاب والسنة (2).
أقول: وهذه الزيادة ما عرفته، مضافا إلى أن المستفاد من بعض المعتبرة
خلافه، وفيه: خذ مال الناصب حيثما وجدته، وارفع إلينا الخمس (3).
فالاكتفاء بالاستناد إلى الاجماع وفحواه أولى، ويحتمل أن يكون أراد
بالزيادة تأييدا.
(وهل يؤخذ)، من أموالهم (ما حواه العسكر مما ينقل؟ فيه
قولان) مشهوران (أظهرها الجواز) وفاقا لأكثر الأصحاب، على الظاهر
المصرح به في جملة من العبائر، بل في ظاهر الغنية (4) وعن صريح
الخلاف (5) الاجماع عليه.
وهو الحجة، مضافا إلى الأصل والأخبار المستفيضة.
منها: - زيادة على ما سيأتي إليه الإشارة - مرسلة العماني المتقدمة مستندا
لجماعة من الشيعة في المسألة السابقة، ومرسلة الأخرى المروية هي

(1) المبسوط: كتاب قتال أهل البغي ج 7 ص 264.
(2) مسالك الأفهام: كتاب الجهاد في قتال أهل البغي ج 1 ص 160 س 29.
(3) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس ح 6 ج 6 ص 340.
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الجهاد ص 522 س 31.
(5) الخلاف: كتاب أهل البغي ج 3 م 17 ص 169.
464

كالسابقة عنه في المختلف.
وفيها: أن رجلا من عبد القيس قام يوم الجمل فقال: يا أمير المؤمنين ما
عدلت حيث قسمت بيننا أموالهم، ولا تقسم بيننا نسائهم ولا أبنائهم؟
فقال له: إن كنت كاذبا فلا أماتك الله حتى تدرك غلام ثقيف، وذلك
إن دار الهجرة حرمت ما فيها، وإن دار الشرك أحلت ما فيها، فأيكم يأخذ
أمه في سهمه (1)، الحديث. ونحوهما المرسلة الآتية.
والضعف بالارسال مجبور بالشهرة بين الأصحاب، معتضدة بالأصل
وفحوى ما مر من الأخبار بجواز قتلهم وسبيهم، فأخذ أموالهم أولى.
خلافا للمرتضى (2) والحلي (3) والفاضل في جملة في كتبه (4)، لكنه رجع
عنه إلى المختار في المختلف (5)، والشهيد في الدروس (6) واللمعة (7)، لكن
وافق المختار في خمس الدروس (8)، فمنعا عنه، للنبوي: المسلم أخو المسلم
لا يحل دمه ولا ماله إلا بطيبة من نفسه (9).
وسيرة علي - عليه السلام - في أهل البصرة فإنه أمر برد أموالهم، فأخذت
حتى القدر كفاها صاحبها ولم يصبر على أربابها.

(1) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في أحكام البغاة ج 1 ص 337 س 15.
(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): م 206 ص 261 س 27.
(3) السرائر: كتاب الجهاد في أحكام البغاة ج 2 ص 19.
(4) قواعد الأحكام: كتاب الجهاد في أحكام البغاة ج 1 ص 118 س 12، وتحرير الأحكام: كتاب
الجهاد في أحكام البغاة ج 1 ص 156 س 20.
(5) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في أحكام البغاة ج 1 ص 337 س 18.
(6) الدروس الشرعية: كتاب الجهاد في أحكام البغاة ص 164.
(7) اللمعة الدمشقية: كتاب الجهاد في أحكام البغاة ج 2 ص 408.
(8) الدروس الشرعية: كتاب الجهاد في أحكام البغاة ص 68.
(9) عوالي اللآلي: ح 1 ج 3 ص 473.
465

وفي الأول ما مر. ولو سلم فيخصص بما سبق.
وفي الثاني بأنه لنا لا علينا، إذ لولا جوازه لما فعله أولا.
وظاهر الحال وفحوى ما عرفت من الأخبار أن ردها بطريق المن
لا الاستحقاق، كما من النبي - صلى الله عليه وآله - على كثير من
المشركين، كما صرح به شيخنا في المسالك (1) والروضة (2) والمبسوط (3)
ففصل بين من لم يرجع إلى الحق وإلى طاعة الإمام فالأول، ومن رجع إلى
طاعة الإمام فالثاني.
واستوجهه في المهذب شرح الكتاب فقال: هو الوجه استنادا إلى فعل
علي - عليه السلام -، فإنه لم يقسم أموال البصرة حيث لم يرجعوا إلى طاعته،
وقسم ما غنموه إلى أهل الشام، وكلما ورد من منع القسمة فإنه في واقعة
البصرة (4). ونحوهما الشهيد في الدروس (5)، بل ظاهره انحصار الخلاف في
الأول، حيث أفتى في الثاني بالمنع من غير نقل خلاف، ثم نقل الخلاف
في الأول.
وفيه نظر، فإن ظاهر كلمة الأصحاب المجوزين والمانعين الاطلاق، من
غير تفصيل، وفي المختلف اختصاصه بالمبسوط (6).
وكيف كان، فالمختار الأول، لما مر، مضافا إلى مرسل آخر مروي في
المبسوط فقال: وروى أصحابنا أن ما يحويه العسكر من الأموال فإنه

(1) مسالك الأفهام: كتاب الجهاد في قتال أهل البغي ج 1 ص 160 س 33.
(2) الروضة البهية: كتاب الجهاد في أحكام البغاة ج 2 ص 408.
(3) المبسوط: كتاب الجهاد في قتال أهل البغي ج 7 ص 266 و 267.
(4) المهذب البارع: كتاب الجهاد في البغاة ج 2 ص 302.
(5) الدروس الشرعية: كتاب الجهاد في البغاة ص 164.
(6) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في البغاة ج 1 ص 337 س 10.
466

مغنم (1).
وظاهره الاطباق على روايته، وهو مطلق كسابقيه، لا وجه لتقييده
بقوله بعد روايتها بقوله هذا يكون إذا لم يرجعوا إلى طاعة الإمام، وأما إن
رجعوا إلى طاعته فهو أحق بأموالهم.
وعدم قسمة علي - عليه السلام - أموال أهل البصرة لعله بطريق المن،
كما عرفته.
ويدل عليه رواية صريحة، وفيها: إن الناس يروون أن عليا
- عليه السلام - قتل أهل البصرة وترك أموالهم، فقال: إن دار الشرك يحل
ما فيها، فقال: إن عليا - عليه السلام - إنما من عليهم فأراد أن يقتدى به في
شيعته، فقد رأيتم آثار ذلك هو ذا يسار في الناس لسيرة علي - عليه السلام -،
ولو قتل علي - عليه السلام - أهل البصرة جميعا وأخذ أموالهم لكان في ذلك
إجلال، لكنه من عليهم ليمن على شيعته من بعده (2).
وقريب منها آخر: لولا أن عليا - عليه السلام - سار في أهل حربه بالكف
عن السبي والغنيمة للقيت شيعته من الناس بلاء عظيم، قال: والله لسيرته
كانت خيرا لكم مما طلعت عليه الشمس (3).
(و) حيث قلنا بالجواز (تقسم كما تقسم أموال) أهل (الحرب)
من المشركين بغير خلاف.
(الثاني: أهل الكتاب) بالكتاب والسنة والاجماع، وهم اليهود
والنصارى لهم التوراة والإنجيل، فهو لا يطلب منهم إلا أحد الأمرين إما

(1) المبسوط: كتاب الجهاد في البغاة ج 7 ص 266.
(2) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب جهاد العدو ح 6 ج 11 ص 58.
(3) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب جهاد العدو ح 8 ج 11 ص 59.
467

الاسلام أو الجزية، فإن أسلموا فلا بحث، وإن امتنعوا وبذلوا الجزية
أخذت منهم وأقروا على دينهم، بلا خلاف ظاهرا، وصرح به في المختلف (1)
والمنتهى (2)، مؤذنا بكونه مجمعا عليه بين العلماء. وهو الحجة، مضافا إلى
الكتاب والسنة.
قال الله سبحانه: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر،
ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا
الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) (3).
وفي الخبر المتقدم المتضمن: لأن الله تعالى بعث محمدا - صلى الله عليه
وآله - بخمسة سيوف وعد من الثلاثة المشاهرة منها هذا، فقال: والثاني
يعني من السيوف الثلاثة على أهل الذمة، قال الله سبحانه: (قاتلوا الذين
لا يؤمنون بالله) ساق الآية - إلى أن قال -: فهؤلاء لا يقبل منهم إلا الجزية أو
القتل.
وفي آخر: القتال قتالان قتال لأهل الشرك لا ينفر عنهم حتى يسلموا أو
يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون (4).
ويلحق بهم المجوس الذين لهم شبهة الكتاب في ذلك بلا خلاف ظاهر
من عدا العماني (5)، وصرح به في المنتهى (6) أيضا، مؤذنا بكونه إجماعيا بين
العلماء أيضا، مستدلا بالنبوي - صلى الله عليه وآله - سنوا بهم سنة أهل الكتاب.

(1) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في قتال أهل الكتاب ج 1 ص 333 س 10.
(2) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أصناف الكفار ج 2 ص 905 س 18.
(3) التوبة: 29.
(4) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب جهاد العدو ح 5 ج 11 ص 19.
(5) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في أحكام أهل الذمة ج 1 ص 333 س 13.
(6) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أصناف الكفار ج 2 ص 905 س 21.
468

وهو مروي في الفقيه (1) ومجالس الشيخ (2)، كما حكي مرسلا في
الأول، وبسند غير نقي في الثاني، لكنه مشهور بين الخاصة والعامة، بل
قيل: متفق عليه بينهم (3).
ويدل عليه، مضافا إليه صريح النصوص.
منها: عن المجوس كان لهم نبي؟ فقال: نعم، أما بلغك كتاب
رسول الله - صلى الله عليه وآله - إلى أهل مكة أسلموا وإلا نابذتكم بحرب،
فكتبوا إلى النبي - صلى الله عليه وآله -: أن خذ منا الجزية ودعنا على عبادة
الأوثان.
فكتب النبي - صلى الله عليه وآله -: إني لست آخذ الجزية إلا من
أهل الكتاب، فكتبوا إليه - يريدون بذلك تكذيبه -: زعمت إنك لا تأخذ
الجزية إلا من أهل الكتاب ثم أخذت من مجوس هجر.
فكتب رسول الله - صلى الله عليه وآله - إليهم: أن المجوس كان لهم نبي
فقتلوه، وكتاب فأحرقوه، أتاهم نبيهم بكتابهم في اثني عشر ألف جلد
ثور (4).
ومنها: يؤخذ الجزية عن المجوس، ولم ينزل عليهم كتاب ولم يبعث إليهم
نبي؟ فقال: بلى قد أنزل الله تعالى عليهم كتابا، وبعث إليهم نبيا (1).
ومنها: ألحقوا باليهود والنصارى في الجزية والديات، لأنهم كان لهم فيما
مضى كتاب (6).

(1) من لا يحضره الفقيه: باب الخراج والجزية ح 1678 ج 2 ص 53.
(2) أمالي الطوسي: ج 1 ص 375.
(3) لم نعثر عليه.
(4) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب جهاد العدو ح 1 ج 11 ص 96.
(5) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب جهاد العدو ح 7 ج 11 ص 98.
(6) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب جهاد العدو ح 8 ج 11 ص 98.
469

وقريب منها رواية أخرى: عن المجوس؟ فقال: كان لهم نبي قتلوه
وكتاب أحرقوه، أتاهم نبيهم في اثني عشر جلد ثور، وكان يقال له:
جاما ست (1).
وظاهر هذه الأخبار أنهم من أهل الكتاب، كما صرح جملة من
الأصحاب أنهم لا يلحقون بهم.
(والبحث) هنا يقع في أمور ثلاثة: (فيمن تؤخذ الجزية منه
وكميتها وشرائط الذمة).
(وهي) أي الجزية (تؤخذ من اليهود والنصارى) اتفاقا، فتوى
ونصا، كتابا وسنة مستفيضة، كما عرفتها، (وممن له شبهة الكتاب،
وهم المجوس)، كما هو الأشهر الأقوى، بل لا خلاف فيه صريحا، إلا
من العماني (2)، فألحقهم في ظاهر كلامه بسائر أصناف الكفار. وهو مع
عدم صراحة كلامه في المخالفة ضعيف بلا شبهة.
(و) يستفاد منها جواز أخذها وقد اتفقت الأدلة في الدلالة على أن
(يقاتل هؤلاء كما يقاتل أهل الحرب حتى) يسلموا، أو (ينقادوا
لشرائط الذمة فهناك) أي بعد ما انقادوا لشرائطها (يقرون على
معتقدهم).
(ولا تؤخذ الجزية من الصبيان والمجانين والنساء والبله) بضم
الباء الموحدة وسكون اللام جمع أبله، أي الذي لا عقل له، فيدخل في
المجانين، ولذا لم يذكره كثير، أو الذي ضعف عقله، أو لعله المراد من
المعتوه الوارد في النص (3)، وعبر بعض بدله بالسفيه.

(1) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب جهاد العدو ح 3 ج 11 ص 97.
(2) كما في مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في أحكام هل الذمة ج 1 - 2 ص 333 س 12.
(3) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب جهاد العدو ح 3 ج 11 ص 48.
470

كل ذلك للنص: عن النساء كيف سقطت الجزية عنهن؟ قال:
فقال: لأن رسول الله - صلى الله عليه وآله - نهى عن قتل النساء والولدان في
دار الحرب، إلا أن يقاتلن، فإن قاتلن أيضا فامسك عنها ما أمكنك ولم
تخف خللا، فلما نهى عن قتلهن في دار الحرب كان ذلك في دار الاسلام
أولى.
ولو امتنعت أن تؤدي الجزية لم يمكن قتلها، ورفعت الجزية عنها، ولو
امتنع الرجال أن يؤدوا الجزية كانوا ناقضين للعهد، وحلت دماؤهم
وقتلهم، لأن قتل الرجال مباح في دار الشرك، وكذلك المقعد من أهل
الذمة، والأعمى والشيخ الفاني والمرأة والولدان في أرض الحرب، فمن أجل
ذلك رفعت عنهم الجزية (1).
وضعف السند مجبور بفتوى عامة العلماء، كما في المنتهى (2) في الصبيان
والنساء، وفيه الاجماع مطلقا في المجانين مطبقا.
هذا مضافا إلى نصوص أخر عامية، وخاصية في بعضها.
ففي الخبر: لا تؤخذ الجزية من المعتوه، ولا من المغلوب على عقله (3).
(و) يستفاد من الرواية الأولى سقوطها عن (الهم) أي الكبير الفاني
والمقعد والأعمى، كما عن الإسكافي (4)، ووافقه الماتن هنا في الأول
بقوله: (على الأظهر) وكذا الفاضل في القواعد (5) فيه خلافا له فيه في

(1) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب جهاد العدو ح 1 ج 11 ص 47.
(2) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أحكام الجزية ج 2 ص 963 س 23 وص 964 س 20.
(3) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب جهاد العدو ح 3 ج 11 ص 48.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في الجزية ج 1 ص 335 س 10.
(5) قواعد الأحكام: كتاب الجهاد في عقد الجزية ج 1 ص 112 س 3.
471

الأخيرين، وفي التحرير (1) والمختلف (2) فقال: في الجميع بعدم السقوط تبعا
لما حكاه عن الشيخ والقاضي وابن حمزة.
قال: لعموم الكتاب، ولأنها وضعت للصغار والإهانة، وهو مناسب
للكفر الثابت في هؤلاء، فتجب وضعا عليهم، عملا بالمقتضى.
وأجاب عن الرواية بضعف راويها، مع معارضتها لعموم القرآن.
وظاهر الماتن في الشرائع (3) والشهيد في الدروس (4) وغيرهما من
المتأخرين (5) التردد فيه، ولعله في محله، وإن قوي دليل المنع عن السقوط،
لابتنائه على ضعف سند النص.
وربما يجبر بموافقته الأصل وفتوى الأصحاب بجملة ما فيه، ولو في غير ما
نحن فيه.
وفي المسالك: وفصل بعضهم بأنه إن كان ذا رأي وقتال أخذت منه،
وإلا فلا (6). فالأقوى الوجوب مطلقا، للعموم.
وفي سقوط الجزية عن المملوك، أم العدم قولان، المشهور - كما في
المنتهى (7) والمختلف (8) - الأول، للنبوي: لا جزية على العبد (9)، وإن العبد
مال، فلا يؤخذ منه كغيره من الحيوان، وبه أفتى في القواعد (10) والمختلف (11)

(1) تحرير الأحكام: كتاب الجهاد في عقد الجزية ج 1 ص 149 س 24.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في عقد الجزية ج 1 - 2 ص 335 س 13.
(3) شرائع الاسلام: كتاب الجهاد في عقد الجزية ج 1 ص 327.
(4) الدروس الشرعية: كتاب الجهاد في عقد الجزية ص 161.
(5) جامع المقاصد: كتاب الجهاد في الجزية وأحكامها ج 3 ص 442.
(6) مسالك الأفهام: كتاب الجهاد في أحكام أهل الذمة ج 1 ص 157 س 25.
(7) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أحكام أخذ الجزية ج 2 ص 965 س 7.
(8) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في أحكام أخذ الذمة ج 1 ص 334 س 37 والأخير.
(9) المغني لابن قدامة: كتاب الجهاد ج 10 ص 585.
(10) قواعد الأحكام: كتاب الجهاد في أخذ الجزية ج 1 ص 112 س 3.
(11) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في أحكام أخذ الذمة ج 1 ص 334 س 37 والأخير.
472

والمسالك (1)، بناء على أنه لا يقدر على شئ.
خلافا لظاهر الصدوق في الفقيه (2) وصريحه في المقنع (3) - كما حكي -
فالثاني، ووافقه في التحرير (4)، للمرتضوي العامي (5)، والباقري
الخاصي (6)، وفيهما أنه يؤخذ من سيده، كما أفتيا به.
وظاهر المنتهى (7) والدروس (8) وغيرهما التردد فيه، ولعله في محله،
إلا أن مقتضى الأصل حينئذ المصير إلى الأول، وإن كان الأحوط الأخذ
بالثاني.
(ومن بلغ منهم) أي من الصبيان (أمر بالاسلام أو التزام
الشرائط، فإن امتنع صار حربيا) كما هنا وفي جملة من كتب الفاضل
ومنها المنتهى (9)، وظاهره عدم خلاف فيه بين العلماء، حيث لم ينقل فيه
خلافا، ولعله للعموم كتابا وسنة، خرج منه حال الصباوة وبقي غيرها.
ومنه يظهر أنه لو أفاق المجنون أو أعتق العبد فعليهما الجزية، ويستأنف
العقد معهما أو يسلما، فإن امتنعا صارا حربيين، كما صرح به في
القواعد (10).
وفيه وفي المنتهى أنه لا اعتبار بجزية الأب (11)، وهو كذلك، للأصل

(1) مسالك الأفهام: كتاب الجهاد في أحكام أهل الذمة ج 1 ص 157 س 26.
(2) من لا يحضره الفقيه: ح 3565 باب نوادر العتق ج 3 ص 155.
(3) المقنع: باب العتق والتدبير ص 160.
(4) تحرير الأحكام: في أحكام أهل الذمة ج 1 ص 149 س 25.
(5) المغني لابن قدامة: كتاب الجهاد ج 10 ص 587.
(6) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب جهاد العدو ح 6 ج 11 ص 97.
(7) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أحكام أخذ الجزية ج 2 ص 965 س 14.
(8) الدروس الشرعية: كتاب الجهاد ص 161.
(9) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أحكام أخذ الجزية ج 2 ص 963 س 31.
(10) قواعد الأحكام: كتاب الجهاد، في أحكام الجزية ج 1 ص 112 س 8.
(11) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أحكام أخذ الجزية ج 2 ص 963 س 31.
473

السالم عن المعارض.
(والأولى أن لا يقدر الجزية) بحسب الشرع كلية لا. في طرف الكثرة
وفاقا للأكثر، كما في كتب، بل لا خلاف فيه يظهر ولا ينقل، إلا من
نادر سيظهر، وفي الغنية (1) الاجماع عليه.
وهو الحجة، مضافا إلى الأصل، وإطلاقات الكتاب والسنة،
وخصوص الصحيح: ما حد الجزية على أهل الكتاب، وهل عليهم في ذلك
شئ موظف لا ينبغي أن يجوز إلى غيره؟ فقال - عليه السلام -: ذلك إلى
الإمام يأخذ من كل إنسان منهم على قدر ماله، وما يطيق، إنما هم قوم
فدوا أنفسهم من أن يستعبدوا ويقتلوا فالجزية تؤخذ منهم على قدر ما يطيقون
له أن يأخذهم به حتى يسلموا، فإن الله تعالى قال: (حتى يعطوا الجزية
عن يد وهم صاغرون)، وكيف يكون صاغرا وهو لا يكترث لما يؤخذ منه
حتى لا يجد ذلا لما أخذ منه فيألم لذلك فيسلم (2).
ومع ذلك (فإنه أنسب بالصغار) كما استفيد من الصحيح المزبور،
وصرح به الحلي.
فقال بعد أن ذكر اختلاف المفسرين في تفسير الصغار: والأظهر أنه
التزام أحكامنا عليهم وإجزائها وألا يقدر الجزية فيوطن نفسه عليها، بل
يكون بحسب ما يراه الإمام - عليه السلام - بما يكون معه ذليلا صاغرا خائفا،
فلا يزال كذلك غير موطن نفسه على شئ، فحينئذ يتحقق الصغار الذي
هو الذلة.
ثم قال: وذهب المفيد إلى أن الصغار هو أن يأخذهم الإمام بما

(1) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الجهاد ص 522 س 22.
(2) وسائل الشيعة: ب 68 من أبواب جهاد العدو ح 1 ج 11 ص 113 مع تفاوت قليل.
474

لا يطيقون حتى يسلموا، وإلا فكيف يكون صاغرا، وهو لا يكترث بما
يؤخذ منه فيسلم (1).
خلافا للإسكافي (2) فقدرها بما في طرف القلة، بأنه لا تؤخذ من كل،
كتابي أقل من دينار، ووافق المختار في طرف الكثرة.
للنبوي العامي: أنه - صلى الله عليه وآله - أمر معاذا أن يأخذ من كل
حاكر دينارا (3).
(و) لنادر غير معروف فقدرها بما في بعض الأخبار المشهورة بين
الخاصة والعامة: من أنه (كان علي - عليه السلام - يأخذ من الغني
ثمانية وأربعين درهما، ومن المتوسط أربعة وعشرين درهما، ومن
الفقير اثني عشر درهما) (4).
وضعفهما ظاهر، إذ بعد الاغماض عند سند الروايتين، وعدم معارضتهما
للصحيح المتقدم بوجه قضيتان في واقعة.
فلعل فعلهما - عليهما السلام - كان (لاقتضاء المصلحة) ذلك التقدير
في ذلك الوقت (لا) أنه كان منهما (توظيفا لازما) يجب العمل به ولو
اقتضى المصلحة خلافه.
ويؤيده أنه لو كان توظيفا لما زاد الأمير - عليه السلام - عما قدره النبي
- صلى الله عليه وآله -.
فالروايتان بعد ضم أحدهما مع الأخرى يمكن الاستدلال بهما للمختار لو

(1) السرائر: كتاب الزكاة باب الجزية وأحكامها ج 1 ص 474.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في أحكام أهل الذمة ج 1 ص 334 ص 25، ومنتهى
كتاب الجهاد في أحكام أخذ الجزية ج 2 ص 965 س 29.
(3) المجموع: كتاب الجهاد باب الجزية ج 19 ص 391.
(4) وسائل الشيعة: ب 68 من أبواب الجهاد ح 8 ج 11 ص 116.
475

صح سندهما، كما فعله في المنتهى (1).
(ويجوز وضع الجزية على الرؤوس أو الأرض) أي على أحدهما
من غير أن يتعين شئ بهما بلا خلاف أجده فيه فتوى ونصا.
(وفي جواز الجمع) بينهما في الجزية بأن توضع عليهما ابتداء أو مطلقا
(قولان، أشبههما) عند الماتن هنا وفي الشرائع (2) (الجواز) وفاقا
للمحكي عن الإسكافي (3) والتقي (4)، واختاره أكثر المتأخرين ومنهم
الفاضل في جملة من كتبه.
واستدل عليه في المنتهى بأن الجزية غير مقدرة في طرفي النقصان
والزيادة، بل هي موكولة إلى نظر الإمام - عليه السلام -، فجاز أن يأخذ من
أراضيهم ورؤوسهم، كما يجوز له أن يضيف الجزية على رؤوسهم في الحول
الثاني، ولأن ذلك أنسب بالصغار (5).
وأجاب عنه في المختلف حيث أنه فيه ممن اختار المنع وفاقا لمن حكاه
عنه من النهاية (6) والقاضي (7) وابن حمزة (8) والحلي (9)، فقال: والجواب
ليس النزاع في تقسيط جزية على الرأس والأرض، بل في وضع جزيتين
عليهما، واستدل على المنع بالصحيح عليهم ما أجازوا على أنفسهم، وليس

(1) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أحكام أخذ الجزية ج 2 ص 965 السطر ما قبل الأخير.
(2) شرائع الاسلام: كتاب الجهاد في كمية الجزية ج 1 ص 328.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في أحكام أهل الذمة ج 1 ص 334 س 18.
(4) الكافي في الفقه: كتاب الجهاد في أحكام الجزية ص 249.
(5) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أحكام أخذ الجزية ج 2 ص 966 س 22.
(6) النهاية ونكتها: كتاب الزكاة ب 9 الجزية وأحكامها ج 1 ص 444.
(7) المهذب: كتاب الخمس باب الجزية ج 1 ص 185.
(8) الوسيلة: كتاب الجهاد في أحكام الجزية ص 205.
(9) السرائر: كتاب الزكاة في الجزية وأحكامه ج 1 ص 473.
476

للإمام أكثر من الجزية، إن شاء الإمام وضعها على رؤوسهم، وليس في
أموالهم شئ، وإن شاء فعلى أموالهم وليس على رؤوسهم شئ (1).
أقول: ونحوه صحيح آخر لراويه (2).
وأجاب عنهما في المنتهى بعد أن استدل بهما للمنع بأنا نقول بموجبهما،
ونحملهما على ما إذا صالحهم على قدر معين، فإن شاء أخذ من رؤوسهم
ولا شئ له حينئذ على أرضهم وبالعكس، وليس فيهما دلالة على المصالحة
على أن يأخذ من رؤوسهم وأرضهم ابتداء (3).
وكلامه هذا - كما ترى - ظاهر، بل صريح في أن محل النزاع إنما هو
تقسيط الجزية على الرؤوس والأرض معا ابتداء، وأنه لو تصالح معهم على
أحدهما فليس له الأخذ بالأخرى اتفاقا، مع أن المستفاد من كلامه في
المختلف أن جواز تقسيط الجزية الواحدة عليهما ليس محل خلاف، وإنما هو
في تقسيط الجزيتين عليهما مطلقا ولو بعد أن صالح على جزية واحدة على
أحدهما ابتداء.
وعلى هذا فلم يتشخص محل النزاع هو ما في المختلف أو ما في المنتهى؟
ولكن إطلاق نحو المتن يعمهما، فيعمهما القول بالمنع والجواز.
فما في المتن من الجواز كذلك أقوى، لما مر في المنتهى؟ مضافا إلى
الأصل، والاطلاقات السليمة عما يصلح للمعارضة، عدا الصحيحين المشار
إليهما، وليس فيهما الدلالة على المنع في محل النزاع أصلا، وهو تقسيط
الجزية الواحدة على الأمرين، أو أخذ جزيتين عليهما ابتداء أو مطلقا.

(1) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في أحكام أهل الذمة ج 1 ص 334 س 20.
(2) وسائل الشيعة: ب 68 من أبواب جهاد العدو ح 3 ج 11 ص 114.
(3) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في الجزية وأحكامها ج 2 ص 966 س 28.
477

وإنما غايتهما أنه ليس عليهم بعد الجزية شئ، فإذا جعلها الإمام على
رؤوسهم فليس عليهم بعد هذ الجزية شئ آخر غيرها على أموالهم
وبالعكس، لا أنه ليس للإمام أن يقسط عليهما مثلا، ولا تعرض لهما فيهما
بنفي أو إثبات أصلا.
فينبغي الرجوع فيهما إلى مقتضى الأصول والعمومات، وهو الجواز
مطلقا، كما قدمنا.
ثم إنه ليس في المتن وعبائر كثير تقييد الجواز بالابتداء، وقيده به في
الشرائع (1)، معربا عن عدم الخلاف بالمنع في غيره.
وظني أن المراد به الاحتراز عما لو تصالح ابتداء معهم على جزية
رؤوسهم أو أراضيهم أحدهما فلا يجوز له أخذ جزية أخرى، ولو موضوعة
على غير ما وضع عليه الأخرى، كما تقدم التصريح به في المنتهى (2)، ونحوه
الفاضل المقداد في شرح الكتاب.
فقال بعد نقل القولين مع الدليل من الطرفين: والأقوى أن نقول إذا
اتفقوهم والإمام على قدر معين، فأراد الإمام بعد ذلك تقسيطه على
الرؤوس والأموال جاز، وأما إذا أراد جعل جزية أخرى على الأرض
فلا يجوز للرواية (3). وأشار بها إلى الصحيحين.
أقول: وفي دلالتهما على ذلك أيضا نظر، يظهر وجهه مما مر.
وفي المسالك: أنه أحترز بذا القيد عما لو وضعها على رأس بعضهم
وعلى أرض بعض آخر، فانتقلت الأرض التي وضعت عليها إلى من وضعت
على رأسه، فإنه يجتمع عليه الأمران، لكن ذلك ليس ابتداء، بل بسبب

(1) شرائع الاسلام: كتاب الجهاد في الجزية ج 1 - 2 ص 328.
(2) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أحكام أخذ الجزية ج 2 ص 966 س 29.
(3) التنقيح الرائع: كتاب الجهاد في الجزية ج 1 ص 576.
478

انتقال الأرض إليه (1).
وفيه نظر، فإن الاحتراز به عن ذلك إنما يتم لو قيد المنع به، وليس
كذلك، فإنه قد أطلق المنع أولا، ثم نقل قولا بالجواز بهذا القيد فيقيد المنع
في غيره قولا واحدا لا الجواز، كما لا يخفى.
ثم إن الجواز في غير الابتداء بالمعنى الذي ذكره غير واضح، لعدم وضوح
دليل عليه، إلا أن يكون إجماعا، كما ربما يفهم منه ومن غيره، بل نفى
الخلاف عنه بعض العلماء.
(وإذا أسلم الذمي قبل) حلول (الحول سقطت) عنه
(الجزية) فلا يجب عليه أداؤها إجماعا، كما في المنتهى (2).
(ولو كان) إسلامه (بعده وقبل الأداء) لها (فقولان، أشبههما
السقوط) أيضا، وهو أشهر، بل لا يكاد فيه خلاف يعتد به يظهر، إلا
من فحوى عبارة الحلبي المحكية في المختلف (3)، ولم يحكه فيه عن أحد غيره،
حتى الشيخ في الخلاف، بل أطلق مصيره إلى الأول، من غير تقييد بما عدا
الخلاف، ولكن حكاه عنه في المنتهى (4)، وولده في الايضاح (5).
وكيف كان، فلا ريب في ندرة هذا القول، وضعف مستنده في
الأصل، لوجوب تخصيصه بحديثي الجب ونفي الجزية عن المسلم، المجمع
عليهما من أصلهما، والمعتضدين هنا بالشهرة العظيمة القريبة من الاجماع،

(1) مسالك الأفهام: كتاب الجهاد في أحكام أهل الذمة ج 1 ص 157 س 40.
(2) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أحكام أهل الذمة ج 2 ص 968 س 4.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في أحكام أهل الذمة ج 1 ص 335 س 4.
(4) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أحكام أهل الذمة ج 2 ص 968 س 6.
(5) إيضاح الفوائد: كتاب الجهاد في عقد الجزية ج 1 ص 386.
479

بل الاجماع حقيقة، كما في الغنية (1).
وإطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق بين ما لو أسلم لاسقاطها
وعدمه، وبه صرح جماعة.
خلافا لبعضهم (2) فاحتمل الفرق بينهما بالسقوط في الصورة الثانية دون
الأولى، وهو ضعيف جدا.
(وتؤخذ) الجزية (من تركته لو مات بعد الحول ذميا)
بلا خلاف فيه بيننا، كما يظهر من المنتهى (3)، للأصل السليم عن
المعارض، عدا بعض القياسات العامية.
(أما الشروط، ف‍) هي على ما ذكر هنا (خمسة: قبول الجزية،
وأن لا يؤذوا المسلمين كالزنا بنسائهم) واللواط بأطفالهم (والسرقة
لأموالهم) ونحو ذلك (وأن لا يتظاهروا بالمحرمات، كشرب الخمر
والزنا ونكاح المحارم) من الأخوات وبناتهن وبنات الأخ (وأن لا يحدثوا
كنيسة ولا يضربوا ناقوسا) ولا يعلو بناء.
وزاد جماعة سادسا: وهو أن لا يفعلوا ما ينافي الأمان، مثل العزم على
حرب المسلمين وإمداد المشركين (4).
وإنما لم يذكره الماتن هنا وكثير، لأنه من مقتضيات العقد، ولذا لم
يجب اشتراطه فيه، كما في المنتهى (5).

(1) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الجهاد ص 522 س 25.
(2) تهذيب الأحكام: في الأنفال ب 39 في الزيادات ج 4 ص 135.
(3) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أحكام الضيافة ج 2 ص 967 س 31.
(4) شرائع الاسلام: كتاب الجهاد في أحكام أهل الذمة ج 1 ص 329، ومسالك الأفهام: كتاب
الحج في شرائط الذمة ج 1 ص 158 س 17.
(5) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أحكام أهل الذمة ج 2 ص 969 س 15.
480

وينتقض بالاخلال به ولو لم يشترط فيه، كما فيه، وفيه نفي الخلاف
عن لزوم ذكر الشرط الأول والخامس فيه، وانتقاضه بالاخلال بأحدهما
مطلقا.
وظاهره عدم لزوم ذكر الشرط الآخر، وأنه مما ينبغي، وعدم انتقاض
الذمة بالاخلال. بها كلا أو بعضا، إلا مع الشرط، فيفعل بهم ما يوجبه
شرع الاسلام من حد أو تعزير، وهو خيرته في جملة من كتبه (1)، تبعا
للماتن في الشرائع (2)، وتبعهما شيخنا في المسالك (3) والروضة (4).
خلافا لظاهر المتن (5) واللمعة (6) فظاهرهما الانتقاض به مطلقا، وبه
صرح في الدروس (7)، وفاقا للنهاية (8) والسرائر (9) والغنية (10) وفيها الاجماع
فتوى، وفي الأولين الاجماع رواية.
فقالا: وروى أصحابنا أنهم متى ما تظاهروا بشرب الخمر وأكل لحم
الخنزير ونكاح المحرمات في شرعنا والربا نقضوا بذلك العهد.
ولعلهما أرادا بها الصحيح: إن رسول الله - صلى الله عليه وآله - قبل
الجزية من أهل الذمة على أن لا يأكلوا الربا، ولا يأكلوا لحم الخنزير،

(1) تحرير الأحكام: كتاب الجهاد في أحكام أهل الذمة ج 1 ص 150 س 20.
(2) شرائع الاسلام: كتاب الجهاد في شرائط الذمة ج 1 ص 330.
(3) مسالك الأفهام: كتاب الجهاد في شرائط الذمة ج 1 ص 158 س 17.
(4) اللمعة الدمشقية: كتاب الجهاد في شرائط الذمة ج 2 ص 389.
(5) المختصر النافع: كتاب الجهاد ص 111.
(6) اللمعة الدمشقية: كتاب الجهاد في شرائط الذمة ج 2 ص 389.
(7) الدروس الشرعية: كتاب الجهاد ص 161.
(8) النهاية ونكتها: كتاب الجهاد ج 2 ص 7.
(9) السرائر: كتاب الزكاة في أحكام الجزية ج 1 ص 475 - 476.
(10) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الجهاد ص 522 س 27.
481

ولا ينكحوا الأخوات ولا بنات الأخ ولا بنات الأخت، فمن فعل ذلك منهم
برئت منه ذمة الله تعالى وذمة رسول الله - صلى الله عليه وآله - (1).
وفي دلالته على حصول النقض بالاخلال بها مطلقا نظر.
نعم هو نص في ذلك مع الشرط، فيرد به ما عن الشيخ - رحمه الله - من
عدم النقض به مطلقا ولو مع الشرط، سيما مع ندرته، ودعوى الاجماع منه
ومن غيره على خلافه.
فلولاه لكان القول بالتفصيل بين الاخلال مع الشرط فالنقض، وبدونه
فالعدم متوجها.
((2) ويلحق بذلك البحث في الكنائس والمساجد والمساكن،
ف‍) نقول: (لا يجوز) لأهل الكتاب (استئناف البيع) بكسر الموحدة
وتحريك المثناة، جمع بيعة النصارى ومعبدهم كسدرة وسدر (والكنائس)
جمع كنيسة، وهو معبد اليهود، كما هو ظاهر الأصحاب.
وقيل: النصارى أيضا، كما عن الصحاح، لكن من غير ذكر اليهود،
ونحوه فيه غيره، وعلى هذا فيكون معبد اليهود مخلا بذكره، وكان عليه
التنبيه عليه بذكر باقي المعابد، كذكر صومعة الراهب وغيرها من أنواع
البيوت المتخذة لصلاتهم وعباداتهم، لاشتراك الجميع في الحكم في المنع عن
إحداثها (3) (في بلاد الاسلام) سواء أنشأها المسلمون وأحدثوه، ككوفة
وبغداد وبصرة وسر من رأى فيما ذكروها جماعة، أو فتحوها عنوة أو صلحا،
على أن يكون لنا.

(1) وسائل الشيعة: ب 48 من أبواب جهاد العدو ح 1 ج 11 ص 95.
(2) توجد زيادة جملة في المتن المطبوع لم يتعرض لها المصنف وهي: (وأن تجري عليهم أحكام
الاسلام).
(3) قاله الشهيد الثاني في مسالكه: كتاب الجهاد في شرائط الذمة ج 1 ص 158 س 32.
482

ولم يشترط لهم السكنى فيها، بلا خلاف في الأولى بين العلماء، كما في
صريح المنتهى (1) وظاهر السرائر (2)، وفيه التصريح بأنه لا يجوز أن يقرهم
على ذلك، وأنه إن صالحهم على ذلك بطل الصلح بلا خلاف فكذا في
الثانية، كما في التحرير (3)، وفي المسالك (4) والدروس (5) الاجماع في
الأولى.
وهو الحجة، مضافا إلى عدم خلاف فيها، ولا في غيرها لا ظاهرا
ولا محكيا.
وما في المنتهى (6) وغيره (7) من أن هذا البلد للمسلمين وهو ملك لهم،
فلا يجوز لهم أن يبنوا فيه مجامع الكفر. لكنه لا يفي بما هو ظاهر الأصحاب
من إطلاق المنع وعمومه، لما إذا أقرهم على ذلك الإمام، وبه وقع
التصريح في السرائر (8) وغيره.
ونحوه فيه الخبر المروي في المنتهى عن ابن عباس أنه قال: أيما مصر
مصره العرب فليس لأحد من أهل الذمة أن يبني فيه بيعة، وما كان قبل
ذلك فحق على المسلمين أن يقر لهم.
قال وفي حديث آخر: أيما مصر مصرته العرب فليس للعجم أن يبنوا فيه

(1) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أحكام المساكن و... ج 2 ص 972 س 31.
(2) السرائر: كتاب الزكاة في أحكام الجزية ج 1 ص 475.
(3) تحرير الأحكام: كتاب الجهاد في أحكام الأبنية والمساكن والمساجد ج 1 ص 152 س 2.
(4) مسالك الأفهام: كتاب الجهاد في أحكام الأبنية والمساكن والمساجد ج 1 ص 158 س 32 - 35.
(5) الدروس الشرعية: كتاب الجهاد في أحكام الأبنية والمساكن والمساجد ص 163.
(6) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أحكام المساكن ج 2 ص 972 س 33.
(7) تذكرة الفقهاء: كتاب الجهاد في أحكام المساكن ج 1 ص 445 س 39.
(8) السرائر: كتاب الزكاة في أحكام الجزية ج 1 ص 475.
483

بيعة، ولا يضربوا فيه ناقوسا، ولا يشربوا فيه خمرا، ولا يتخذوا فيه
خنزيرا (1).
مضافا إلى عدم حجية الخبر ووهنه.
(و) كل موضع لا يجوز لهم إحداث شئ من ذلك (يزال لو
استحدث) كما هنا وفي كتب الفاضل (2)، من غير ظهور خلاف فيه
ولا نقله.
واحترز بالاستئناف عما لو كان موجودا في الأرض قبل أن يمصره
المسلمون، فإنه يقر على حاله، مثل كنيسة الروم في بغداد، فإنها كانت في
قرى لأهل الذمة وأقرت على حالها، كما صرح به جماعة ومنهم شيخنا في
المسالك (3) والروضة (4)، وفي المنتهى (5) من غير نقل خلاف فيه أصلا.
ويعضده، مضافا إلى الخبر السابق الأصل، واختصاص المانع من
النص والفتوى بالأحداث.
ومنه يظهر الوجه فيما أشار إليه بقوله: (ولا بأس بما كان) من ذلك
(عاديا) أي قديما (قبل الفتح) ولم يهدمه المسلمون، وعزاه في المسالك
إلى المشهور.
قال: ولم ينقل المصنف والأكثر في ذلك خلافا، ونقل في التذكرة
- أقول: وفي التحرير والمنتهى أيضا - عن الشيخ أنه لا يجوز إبقاؤه، لما تقدم
من الدليل على المنع عن الأحداث، والعمل على المشهور، وقد فتح

(1) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أحكام المساكن ج 2 ص 972 س 31، وفيه اختلاف يسير.
(2) هذه الكلمة أثبتناها من نسخة (م).
(3) مسالك الأفهام: كتاب الجهاد في أحكام أهل الذمة ج 1 ص 158 س 34.
(4) لم نعثر عليه في الروضة، حتى أنه في جواهر الكلام نقل عنهم ولم ينقل عن الروضة.
(5) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أحكام المساكن ج 2 ص 972 س 35.
484

الصحابة كثيرا من البلاد عنوة، ولم يهدموا شيئا من الكنائس وحصل
الاجماع على ذلك، فإنها موجودة في بلاد الاسلام من غير نكر، وتردد في
التذكرة، حيث نقل المنع عن الشيخ ساكتا عليه (1).
أقول: وكذا في كتابيه المتقدمين، ولكن لا وجه له، سيما
مع عدم وضوح دليل على المنع، سوى ما قدمنا، وليس بجار هنا، كما
مضى.
(و) كذا لا بأس (بما أحدثوه في أرض الصلح) على أن تكون
الأرض لهم أو لنا وشرط لهم السكنى فيها وأن يحدثوا فيها كنائس وبيعا
ونحوهما، وبه صرح جماعة ومنهم السرائر (2) والمنتهى (3)، من غير نقل
خلاف فيه أيضا، ولا في أنه إن شرط عليهم أن لا يحدثوا شيئا أو يخربوها
جاز ذلك أيضا، وإن لم يشترط لم يجز لهم تجديد شئ.
وفي المنتهى: إذا شرط لهم التجديد والأحداث فينبغي أن يعين مواضع
البيع والكنائس، وكل موضع لا يجوز لهم إحداث شئ فيه إذا أحدثوا فيه
جاز نقضه وتخريبه، وكل موضع لهم إقراره لا يجوز هدمه، فلو انهدم هل يجوز
إعادته؟ تردد الشيخ في المبسوط في ذلك، ثم نقل الخلاف في ذلك والتردد
أيضا عن العامة، ولم يرجح شيئا، وقال بعد ذلك: قد وقع الاتفاق على
جواز رم ما يشعب منها وإصلاحه (4).
ولعله المستند في قوله: (ويجوز) مضافا إلى الأصل وكونه من
مقتضيات عقد الصلح.

(1) مسالك الأفهام: كتاب الجهاد في شرائط أهل الذمة ج 1 ص 158 س 36.
(2) السرائر: كتاب الزكاة في الجزية وأحكامها ج 1 ص 476.
(3) منتهى المطلب: كتاب الجهاد ج 2 ص 972 س 30.
(4) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أحكام المساكن ج 2 ص 973 س 6.
485

(ولا) يجوز أن (يعلو الذمي بنيانه فوق بنيان المسلم) بلا خلاف
فيه ظاهرا، بل عليه الاجماع في المسالك (1) والمنتهى، وفيه: للنبوي:
الاسلام يعلو ولا يعلى عليه (2).
وظاهر المتن وصريح الشرائع (3) عدم المنع من المساواة، وهو خلاف
ظاهر النص والأكثر، كالشيخ (4) وجمع ممن تأخر، ومنهم الحلي (5)
والفاضل (6) والشهيدان (7) وغيرهم (8)، ولعله الأظهر.
ومقتضى إطلاق النص والفتوى عدم الفرق في المنع بين كون بناء الجار
معتدلا أو في غاية الانخفاض، حتى لو كان نحو السرداب، لكن استثناه
الشهيدان.
قال في المسالك: لعدم صدق البناء (9). وهو حسن لو علق المنع في
النص على صدق البناء، وليس كذلك كما ترى، وإنما ذلك في الفتوى،
وهو على تقدير حجيته لا يفيد الجواز في غيره مما يدخل في عموم المنع
المستفاد من النص.
ومنه يظهر أن المعتبر فيه ما يصدق عليه العلو عرفا من بناء أو هواء

(1) مسالك الأفهام: كتاب الجهاد في شرائط الذمة ج 1 ص 158 السطر الأخير.
(2) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أحكام المساكن ج 2 ص 973 س 14.
(3) شرائع الاسلام: كتاب الجهاد في الأبنية والبيع و... ج 1 ص 332.
(4) المبسوط: كتاب الجهاد في الأبنية والبيع ج 2 ص 46.
(5) السرائر: كتاب الزكاة باب الجزية وأحكامها ج 2 ص 476.
(6) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أحكام المساكن ج 2 ص 973 س 17.
(7) الدروس الشرعية: كتاب الجهاد ص 161، ومسالك الأفهام: كتاب الجهاد في أحكام المساكن
ج 1 ص 159 س 1.
(8) جواهر الفقه: كتاب الجهاد م 186 ص 51، وجامع المقاصد: كتاب الجهاد ج 3 ص 463.
(9) مسالك الأفهام: كتاب الجهاد في شرائط الذمة ج 1 ص 159 س 2.
486

لا خصوص البناء، كما قطع به الشهيد الأول، واحتمله الثاني.
وتظهر الفائدة فيما لو كان بيت الذمي على أرض مرتفعة ودار المسلم في
منخفضة، فعلى ما ذكره الشهيدان يجوز للذمي أن يرتفع بحيث لا يبلغ طول
حائط المسلم، وعلى غيره بغير ارتفاع الأرض عن المسلم من جملة البناء،
وجوزا مع الانعكاس أن يرتفع الذمي إلى أن يقارب دار المسلم وإن أدى
إلى الافراط في الارتفاع.
ثم إن الظاهر أن المنع من ذلك إنما هو لحق الدين لا لمحض الجار،
بحيث يسقط مع رضاه، وأنه لا يجب أن يكون أقصر من بناء المسلمين
بأجمعهم في ذلك البلد، وإنما يلزمه أن يقصر عن بناء محلته، كما صرح به
في السرائر (1) والمنتهى (2) وغيرهما (3)، من غير نقل خلاف فيه أصلا.
(ويقر ما ابتاعه من مسلم على حاله) وإن كان عاليا، وكذا لو
كان للذمي دار عالية فاشترى المسلم دارا إلى جنبها أقصر منها، أو بنى
المسلم دارا إلى جنبها أقصر منه، فإنه لا يجب على الذمي هدم علوه،
بلا خلاف في شئ من ذلك يظهر ولا ينقل.
(ولو انهدم) دار الذمي العالية فأراد تجديدها فكالمستحدثة (لم يعل
به) على المسلم إجماعا ولم يساو على الخلاف. وكذا لو انهدم ما على منها
وارتفع فإنه لا يكون له إعادته. ولو تشعب منه شئ ولم ينهدم جاز رمه
وإصلاحه، صرح بجميع ذلك في المنتهى (4) وغيره من غير نقل خلاف.
(ولا يجوز لأحدهم) ولا لغيرهم من المشركين (دخول المسجد

(1) السرائر: كتاب الزكاة باب الجزية وأحكامها ج 2 ص 476.
(2) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أحكام المساكن ج 2 ص 973 س 23.
(3) جامع المقاصد: كتاب الجهاد أحكام الجزية ج 3 ص 463.
(4) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أحكام المساكن ج 2 ص 973 س 21.
487

الحرام) مطلقا بإجماع العلماء، كما في التحرير (1) والمنتهى (2) لنص الكتاب
إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام.
(و) كذا (لا) يجوز لكل منهم دخول (غيره) من المساجد مطلقا
(ولو أذن له المسلم) في الدخول عندنا، كما في الشرائع (3) والتحرير (4)
وفي المنتهى (5) وكنز العرفان (6)، وفي المنتهى أنه مذهب أهل البيت
- عليهم السلام -، وظاهرهم الاجماع، كما في صريح المسالك (7).
وهو الحجة، دون ما في المنتهى والذكرى (8) من وجوه عديدة، لم أعرف
في شئ منها دلالة، وإن صلحت لجعلها مؤيدة، كما في الكنز، من
الاستدلال عليه بنصوص أهل البيت - عليهم السلام -، إذ لم نقف عليها،
ولا على من أشار إليها أصلا، وهو أعرف بها. وفيما ذكرناه كفاية إن شاء
الله تعالى.
وهنا (مسألتان):
(الأولى: يجوز أخذ الجزية من أثمان المحرمات كالخمر) والخنزير،
والأمور التي يحرم على المسلمين بيعها وشراؤها بغير خلاف ظاهر مصرح به في
السرائر (9)، مؤذنا بالاجماع عليه، كما في ظاهر المختلف، حيث قال فيه:

(1) تحرير الأحكام: كتاب الجهاد في أحكام الأبنية و... ج 1 ص 151 س 33.
(2) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أحكام المساكن والمساجد ج 2 ص 972 س 16.
(3) شرائع الاسلام: كتاب الجهاد في أحكام المساكن والمساجد ج 1 ص 332.
(4) تحرير الأحكام: كتاب الجهاد في الأبنية و... ج 1 ص 151 س 34.
(5) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أحكام المساكن ج 2 ص 972 س 18.
(6) كنز العرفان: كتاب الطهارة ج 1 ص 49.
(7) مسالك الأفهام: كتاب الجهاد في أحكام أهل الذمة ج 1 ص 159 س 6.
(8) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في المساجد ص 158 س 1.
(9) السرائر: كتاب الزكاة في أحكام الجزية ج 2 ص 474.
488

وعليه علمائنا (1)، إلا أن فيه وفي الدروس (2) نقل الخلاف فيه على إطلاقه
عن الإسكافي، حيث خص الجواز بغير صورة الإحالة على المشتري واختار
المنع فيها، ورد في المختلف بالعموم.
ولعل المراد به عموم الصحيح: عن صدقات أهل الذمة وما يؤخذ من
جزيتهم من ثمن خمورهم وخنازيرهم وميتتهم؟ قال: عليهم الجزية في أموالهم
تؤخذ من ثمن لحم الخنزير أو الخمر فكل ما أخذوا منهم فوزر ذلك عليهم
وثمنه للمسلمين حلال يأخذونه في جزيتهم (3). وهو حسن، مع أن قوله
نادر
واحترز ب‍ (الأثمان) عن نفس المحرمات فإنه لا يجوز أخذها إجماعا،
كما في المنتهى (4)، ولم نر في ذلك خلافا أيضا.
(الثانية:) كان (يستحق الجزية) في عصر النبي - صلى الله عليه
وآله - من يستحق الغنيمة سواء، فهي للمجاهدين، كما في التحرير (5)
والمنتهى (6) وغيرهما، وفيهما وكذلك ما يؤخذ منهم على وجه المعاوضة،
لدخول بلاد الاسلام، وفي الدروس (7): إن مصر فيها عسكر المجاهدين.
ولا إشكال فيه، للصحيح: إنما الجزية عطاء المهاجرين، والصدقات
لأهلها الذي سمى الله تعالى في كتابه ليس لهم من الجزية شئ (8).

(1) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في أحكام أهل الذمة ج 1 ص 335 س 24.
(2) الدروس الشرعية: كتاب الجهاد في أحكام أهل الذمة ص 161.
(3) وسائل الشيعة: ب 70 من أبواب جهاد العدو وما... ح 1 ج 11 ص 117.
(4) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أحكام أخذ الجزية ج 2 ص 970 س 30.
(5) تحرير الأحكام: كتاب الجهاد في أحكام أهل الذمة ج 1 ص 152 س 15.
(6) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أحكام أخذ الجزية ج 2 ص 973 س 37.
(7) الدروس الشرعية: كتاب الجهاد في الجزية ص 163 س 24.
(8) وسائل الشيعة: ب 69 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه ح 1 ج 11 ص 116.
489

وإنما الاشكال في مصرفها اليوم، ففي النهاية (1) والسرائر (2) بعد ذكر نحو
ما سبق أنها اليوم ل‍ (من قام مقام المهاجرين في الذب) أي الرفع
(عن الاسلام) ونصرته، وزاد في السرائر ولمن يراه الإمام من الفقراء
والمساكين (من) سائر (المسلمين).
والنص كما ترى خال عن ذلك كله، بل صريح (3) في أن الفقراء
والمساكين ليس لهم منها شئ، ولعله لذا لم يذكره الشيخ ولا الماتن مع
موافقتهما له فيما عداه.
ولعل مستندهم فيما ذكروه الاجماع أو نص لم نقف عليه.
ويمكن الاستدلال لهم بنوع من الأخبار.
(الثالث: من ليس لهم كتاب) ولا شبهة كتاب من سائر فرق
الكفار، وهؤلاء يجب قتالهم إلى أن يسلموا، ويقتلوا، ولا تقبل منهم الجزية
مطلقا، بغير خلاف فيه بيننا ظاهر، ولا محكي إلا عن الإسكافي (4) في
الصابئي، فألحقه بالكتابي، وهو نادر، بل على خلافه الاجماع في ظاهر
المنتهى (5)، وصريح الغنية، فإن فيها: ولا يجوز أخذ الجزية من عباد
الأوثان، سواء كانوا عجما، أو عربا، ولا من الصابئين ولا غيرهم،
بدليل الاجماع المشار إليه، وأيضا قوله تعالى: (اقتلوا المشركين حيث
وجدتموهم) (6)، وقوله سبحانه: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب

(1) النهاية ونكتها: كتاب الزكاة ب 9 في الجزية وأحكامها ج 1 ص 444.
(2) السرائر: كتاب الزكاة باب الجزية وأحكامها ج 1 ص 474.
(3) وسائل الشيعة: ب 41 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه ج 11 ص 84.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في أحكام أهل الذمة ج 1 ص 333 س 23.
(5) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أحكام أخذ الجزية ج 2 ص 960 السطرين الأخيرين.
(6) التوبة: 5.
490

الرقاب) (1)، ولم يذكر الجزية، وقوله تعالى: (وقاتلوا الذين لا يؤمنون بالله
- إلى قوله -: من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية) (2)، فشرط في أخذ
الجزية أن يكونوا من أهل الكتاب وهؤلاء ليسوا كذلك (3) انتهى.
ويدل على ذلك - زيادة على ما ذكره - الأخبار المتقدم إلى جملة منها
الإشارة، ومنها خبر الأسياف.
ففيه: فأما السيوف الثلاثة المشهورة، فسيف على مشركي العرب، قال
الله عز وجل: (اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، وخذوهم واحصروهم
واقعدوا لهم مرصد، فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في
الدين)، فهؤلاء لا يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الاسلام وأموالهم
وذراريهم سبي على ما سن رسول الله - صلى الله علية وآله -، فإنه سبا وعفى
وقبل الفداء - إلى أن قال -:
والسيف الثالث على مشركي العجم، يعني الترك والديلم والخزر، قال
سبحانه في أول السورة التي يذكر فيها الذين كفروا فقص قصتهم قال:
(فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق، فأما منا بعد، وأما
فداء حتى تضع الحرب أوزارها)، فأما قوله: (فأما منا بعد) يعني بعد
السبي منهم (وأما فداء) يعني المفاداة بينهم وبين أهل الاسلام، فهؤلاء لن
يقيل منهم إلا القتل أو الدخول في الاسلام، ولا تحل لنا مناكحتهم ما داموا
في الحرب (4).

(1) محمد - صلى الله عليه وآله -: 4.
(2) التوبة: 29.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الجهاد ص 522 س 19.
(4) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب جهاد العدو وما... ح 2 ج 11 ص 16.
491

(ويبدأ) الإمام (بقتال من يليه) من الكفار الأقرب منهم فالأقرب
وجوبا، كما في ظاهر المتن والدروس (1) وصريح المسالك، قال: لقوله
تعالى: (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار)، والأمر للوجوب (2).
وفيه نظر، فإن الأمر بمقاتلتهم غير الأمر بالبدأة بقتالهم، ولذا لم أر
مصرحا بالوجوب عداه، فقد عبر الماتن في الشرائع (3) بالأولى، والحلي في
السرائر (4) والفاضل في المنتهى (5) والتحرير (6) بلفظة (ينبغي)،
واللفظتان، ولا سيما الأولى مشعرتان بالاستحباب أو الاحتياط، كما صرح
به في كنز العرفان (7).
ولا ريب فيه (إلا مع اختصاص الأبعد بالخطر) والضرر الأعظم،
أو كان الأقرب منها زنا بلا خلاف، للأصل، وعدم دليل على رجحان
البدأة في هذه الصورة إن لم نقل بظهور الدليل على رجحان العكس فيها،
بل قد يجب أحيانا، كما في الصورة الأولى، وفي الدروس (8) والمسالك (9)
بعد ذكر الاستثناء ومن ثم أغار رسول الله - صلى الله عليه وآله - على
الحارث بن أبي ضرار لما بلغه أنه يجمع له وكان بينه وبينه عدو أقرب منه،
وكذا فعل بخالد بن سفيان الهذلي.

(1) الدروس الشرعية: كتاب الجهاد ص 160 س 7.
(2) مسالك الأفهام: كتاب الجهاد في كيفية القتال ج 1 ص 150 س 29.
(3) شرائع الاسلام: كتاب الجهاد في كيفية القتال ج 1 ص 310.
(4) السرائر: كتاب الجهاد في كيفية القتال ج 2 ص 6.
(5) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في كيفية القتال ج 2 ص 907 س 20.
(6) تحرير الأحكام: كتاب الجهاد في كيفية القتال ج 1 ص 135 س 8.
(7) كنز العرفان: كتاب الجهاد في كيفية القتال ج 1 ص 356.
(8) الدروس الشرعية: كتاب الجهاد ص 160 س 8.
(9) مسالك الأفهام: كتاب الجهاد في كيفية القتال ج 1 ص 150 س 30.
492

(ولا يبدأون) أي الكفار مطلقا بالقتال (إلا بعد الدعوة) لهم (إلى
الاسلام) وإظهار الشهادتين والاقرار بالتوحيد والعدل، والتزام جميع شرائع
الاسلام (فإن امتنعوا) بعد ذلك (حل جهادهم) بغير خلاف، للنصوص.
منها المرتضوي: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وآله - إلى اليمن، فقال:
يا علي لا تقاتل أحدا حتى تدعوه، وأيم الله لئن يهدي الله تعالى على يديك
خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت ولك ولائه يا علي (1).
ولأن الغرض ادخالهم في الاسلام وإنما يتم بدعائهم إليه.
وفي المنتهى: ويستحب أن يكون الدعوة بما في النص كيف الدعوة إلى
الدين؟ فقال: يقول بسم الله أدعوك إلى الله تعالى وإلى دينه وجماعة أمران:
أحدهما: معرفة الله تعالى، والآخر: العمل برضوانه، وأن معرفة الله أن
يعرف بالوحدانية والرأفة والعزة والعلم والقدرة والعلو في كل شئ، وأنه
الضار النافع القاهر لكل شئ، الذي لا تدركه الأبصار وهو يدرك
الأبصار، وهو اللطيف الخبير، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن ما جاء به
الحق من عند الله وما سواه هو الباطل، فإذا أجابوا إلى ذلك، فلهم ما
للمؤمنين، وعليهم ما على المؤمنين (2).
(ويختص بدعائهم) إلى ذلك (الإمام أو من يأمره) من سائر
المسلمين، وظاهره كالتحرير (3) والمنتهى (4) وغيرهما تعينهما، فلو دعاهم

(1) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب جهاد العدو وما... ح 1 ج 11 ص 30.
(2) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في كيفية الجهاد ج 2 ص 904 السطر الأخير، ووسائل الشيعة:
ب 11 من أبواب جهاد العدو وما... ح 1 ج 11 ص 31.
(3) تحرير الأحكام: كتاب الجهاد في كيفية الجهاد ج 1 ص 134 س 20.
(4) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في كيفية الجهاد ج 2 ص 904 س 31، وشرائع الاسلام: كتاب
الجهاد في كيفية الجهاد ج 1 ص 311.
493

غيرهما لم يجز قتالهم إلا بعد دعائهم مطلقا.
خلافا لظاهر النهاية (1) والسرائر (2)، فعبرا بلفظة (لا ينبغي) المشعرة،
بجواز دعاء الغير أيضا، وهو الأوفق بقوله: (ويسقط الدعوة عمن قوبل
بها وعرفها).
فإن قوله: (وعرفها) يعم ما لو عرف بدعاء الغير، وأظهر منه عبارة
التحرير والمنتهى، إلا أن يقيد إطلاق هذا بذلك، كما ربما يفهم من
الدروس حيث قال: ولو قوتلوا مرة بعد الدعاء لكفى عما بعدها (3) فتأمل
جدا.
ولا ريب أنه أحوط وأولى، ولا خلاف في السقوط هنا قالوا: ولذا غزى
النبي - صلى الله عليه وآله - بني المصطلق غازين - أي غافلين - فاستأصلهم.
ولكن الأفضل الدعوة مطلقا، كما في التحرير (4) والمنتهى (5)، لاطلاق
الرواية المتقدمة، والنبوي المروي في المنتهى: أنه - صلى الله عليه وآله - أمر
عليا - عليه السلام - حين أعطاه الراية يوم خيبر وبعثه إلى قتالهم أن يدعوهم
فيه وهم ممن قد بلغته الدعوة ودعا سلمان إلى أهل فارس ودعا علي
- عليه السلام - عمرو بن عبد ود فلم يسلم مع بلوغه الدعوة (6).
(ولو اقتضت المصلحة المهادنة) وهي المعاقدة مع من يجوز قتاله من
الكفار على ترك الحرب مدة معينة لقلة المسلمين، أو رجاء اسلامهم، أو ما
يحصل به الاستظهار والاستعانة والقوة (جاز) بالاجماع، على الظاهر

(1) النهاية ونكتها: كتاب الجهاد ب 2 من يجب قتاله... ج 2 ص 7.
(2) السرائر: كتاب الجهاد ومن يجب قتالهم ج 2 ص 6.
(3) الدروس الشرعية: كتاب الجهاد ص 160 س 10.
(4) تحرير الأحكام: كتاب الجهاد في كيفية الجهاد ج 1 - 2 ص 134 س 23.
(5) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في كيفية الجهاد ج 2 ص 905 س 11.
(6) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في كيفية الجهاد ج 2 ص 905 س 11.
494

المصرح به في المنتهى (1)، ونص الكتاب، قال الله سبحانه: (وإن جنحوا
للسلم فاجنح لها (2).
وليست بمنسوخة عندنا، وإطلاقه كغيره من الآيات يعم ما لو كان بغير
عوض، وعليه الاجماع في المنتهى (3).
وبعوض يأخذه الإمام منهم بلا خلاف، كما فيه، أو يعطيهم إياه،
لضرورة أو غيرها.
خلافا للمنتهى فخصه بالضرورة ومنع غيرها، بل قال: يجب القتال
والجهاد، لقوله تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر - إلى
قوله تعالى -: حتى يعطوا الجزية) (4)، ولأن فيه صغارا وهوانا، أما مع
الضرورة فإنما صرنا إلى الصغار دفعا لصغار أعظم منه من القتل والسبي
والأسر، الذي يفضي إلى كفر الذرية، بخلاف غير الضرورة (5) انتهى.
ويمكن أن يقال: إن الآية الأولى أخص من الثانية، فلتكن عليها
مقدمة.
ومراعاة المصلحة يغني عن التفصيل بين الضرورة وغيرها، إذ لو فرض
وجودها في غير الضرورة جاز معها ولو في غيرها، كما جاز معها في حال
الضرورة، فإن مناط الجواز المصلحة لا الضرورة، ومع فقدها لم يجز مطلقا.
نعم للتفصيل وجه في الوجوب لا الجواز، فعليه فيجب الدفع مع
الضرورة، ولا مع عدمها وإن جاز، كما أن الحال في نفس الهدنة، كذلك

(1) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في المهادنة وأحكامها ج 2 ص 973 س 34.
(2) الأنفال: 61.
(3) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في المهادنة وأحكامها ج 2 ص 975 س 2.
(4) التوبة: 29.
(5) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في المهادنة ج 2 ص 975 س 17.
495

فتجب في حال الضرورة والحاجة ولا مع عدمها وإن جاز مع المصلحة، كما
صرح به جماعة ومنهم الفاضل المقداد في كنز العرفان (1) وشيخنا في الروضة.
فقال: ثم مع الجواز قد تجب مع حاجة المسلمين إليها، وقد تباح لمجرد
المصلحة التي لا تبلغ حد الحاجة ولو انتفت انتفت الصحة (2).
خلافا له أيضا فأطلق أنها ليست واجبة قال: سواء كان في المسلمين
قوة، أو ضعف، لكنها جائزة، بل المسلم يتخير في فعل ذلك برخصة مما
تقدم، يعني ما دل على جواز المهادنة، وبقوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم
إلى التهلكة)، وإن شاء قاتل حتى يلقى الله تعالى شهيدا، عملا بقوله
تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) - إلى أن قال -: وكذلك فعل
سيدنا الحسين - عليه السلام - (3).
وفيه نظر، فإن آية النهي عن الالقاء في التهلكة لا تفيد الإباحة
المختصة، بل التحريم، خرج منه صورة فقد المصلحة لوجوب القتال حينئذ
إجماعا.
وحب لقاء الله تعالى شهيدا وإن كان مستحسنا، لكن حيث يكون
مشروعا، وهو ما إذا لم تدعو حاجة ولا ضرورة، وأما معها فاستحسانه أول
الدعوى، مع أنه معارض بما ذكره في صورة جواز بذل إمام المال من
الصغار، الحاصل من القتل والسبي والأسر، الذي يفضي إلى كفر الذرية.
فإن هذه أجمع لعله عند الله سبحانه أعظم من لقاء الله تعالى شهيدا.
وأما فعل سيدنا الحسين - عليه السلام - فربما يمنع كون خلافه مصلحة،

(1) كنز العرفان: كتاب الجهاد ج 1 ص 380.
(2) الروضة البهية: كتاب الجهاد في المهادنة ج 2 ص 400.
(3) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في المهادنة ج 2 ص 974 س 33.
496

وإن فعله كان جوازا لا وجوبا، بل لمصلحة كانت في فعله خاصة لا تركه.
كيف لا! ولا ريب أن في شهادته إحياء لدين الله قطعا، لاعتراض
الشيعة على أخيه الحسن - عليه السلام - في صلحه مع معاوية، ولو صالح
- عليه السلام - هو أيضا لفسدت الشيعة بالكلية، ولتقوى مذهب السنة
والجماعة، وأي مصلحة أعظم من هذا، وأي مفسدة أعظم من خلافه،
كما لا يخفى.
ثم إن المهادنة وإن جازت أو وجبت (لكن لا يتولاها) أي عقدها،
وكذا عقد الذمة بالجزية، كما في المنتهى (إلا الإمام أو نائبه) (1)
المنصوب لذلك بلا خلاف أجده، وفي المنتهى لا نعلم فيه خلافا.
قال: لأن ذلك يتعلق بنظر الإمام - عليه السلام - وما يراه من المصلحة،
فلم يكن للرعية تولية، ولأن تجويزه من غير الإمام يتضمن إبطال الجهاد
بالكلية، أو إلى تلك الناحية (2).
(و) يجوز أن (يذم) بضم أوله وكسر تاليه، مضارع أذم، أي
أجازوا من (الواحد من المسلمين للواحد) من الكفار فصاعدا إلى
العشرة، كما ذكره جماعة (3) (ويمضي ذمامه على الجماعة) أي جماعة
المسلمين.
فلا يجوز لهم نقضه (ولو كان) الذي أذم (أدونهم) أي أدون
الجماعة شرفا، كالعبد والمرأة ونحوهما، كما لا يخفى.

(1) في المتن المطبوع: (أو من يأذن له).
(2) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في المهادنة ج 2 ص 975 س 25.
(3) جامع المقاصد: كتاب الجهاد في أحكام الأمان ج 3 ص 429، ومنتهى المطلب: كتاب الجهاد
في أحكام الأمان ج 2 ص 914 س 15، والنهاية ونكتها: كتاب الجهاد ب 5 من الزيادات ج 2
ص 13، والسرائر: كتاب الجهاد في أحكام الأمان ج 2 ص 20.
497

فلا يمضي عليهم ذمام المجنون ولا الصبي مطلقا، بلا خلاف في شئ مما
ذكر يظهر ولا ينقل، إلا عن الحلبي (1) في الجواز، قال: فإن فعل أثم،
ولكن يمضي.
وهو نادر، ضعيف، للنبوي المشهور بين الخاصة والعامة: المؤمنون
بعضهم أكفاء بعض، تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم (2).
لكن في القوي الوارد في تفسيره ما معنى قول النبي - صلى الله عليه وآله -
يسعى بذمتهم أدناهم، قال: لو أن جيشا من المسلمين حاصروا قوما من
المشركين فأشرف رجل فقال: أعطوني الأمان حتى ألقى صاحبكم وأناظره
فأعطاه الأمان أدناهم، وجب على أفضلهم الوفاء به (3).
وفي الخبر: أن عليا - عليه السلام - أجاز أمان عبد مملوك لأهل حصن من
الحصون، وقال: هو من المؤمنين (4).
ومقتضاهما كغيرهما الحكم الثاني من المضي على الجماعة دون الجواز،
لكن الأصل المعتضد بالشهرة العظيمة، السليم عما يصلح للمعارضة لعله
كاف في إثباته.
وإطلاق الأول يشمل ما لو أذم أهل بلد أو أقليم أو صقع، لكنه خارج
بلا خلاف، بل في المنتهى عليه الاجماع.
قال: وكذا لو هادن أحد من الرعية بدرا أو صقعا لم يصح ذلك
إجماعا، فإن دخل أحد هؤلاء الذين هادنهم غير الإمام ونائبه إلى دار

(1) الكافي في الفقه: كتاب الجهاد ص 257.
(2) مسند أحمد بن حنبل: ج 1 ص 122 مع تفاوت.
(3) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه ح 1 ج 11 ص 49.
(4) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب جهاد العدو و... ح 2 ج 11 ص 49.
498

الاسلام كان بمنزلة من جاء منهم، وليس بيننا وبينهم عقد (1).
وظاهر الخبر الثالث يعطي جواز الأمان للحصن، كما أفتى به
جماعة (2)، ويعضده الأصل، وعموم النبوي.
خلافا لآخرين، ودليلهم غير واضح.
(ومن دخل) بين المسلمين (بشبهة الأمان) كأن سمع شيئا فزعم
الأمان فدخل (فهو آمن حتى يرد إلى مأمنه) وكذا (لو استذم فقيل)
أي قال له: المسلمون (لا يذم فظن أنهم قد أذموا فدخل) بينهم
(وجب إعادته إلى مأمنه، نظرا إلى الشبهة) بغير خلاف ظاهر
ولا منقول.
ولعله لبعض المعتبرة: لو أن قوما حاصروا مدينة فسألوهم الأمان فقالوا:
لا، فظنوا أنهم قالوا: نعم، فنزلوا إليهم كانوا آمنين (3).
لكنه أخص من المدعى، لاختصاصه بالمذكور بعد كذا، ولعله لورود
النص فيه أفرده في الذكر بعد إن كان في الاطلاق السابق داخلا، وإلا
فلا وجه له أصلا.
وكيف كان، فالنص لا يفيد الكلية، إلا أن يستنبط منه بالفحوى.
وبالجملة: فالعمدة في أصل الحكم النبوي، وعدم خلاف فيها، وإلا
فالنص مع قصوره دلالة - كما مضى - قاصر سندا أيضا.
(و) إذا التقى الفئتان (لا يجوز الفرار) من الحرب (إذا كان
العدو على الضعف) من المسلم أي قدره مرتين (أو أقل) بلا خلاف في

(1) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أحكام المهادنة ج 2 ص 975 س 29.
(2) جامع المقاصد: كتاب الجهاد في أحكام الأمان ج 3 ص 429، ومنتهى المطلب: كتاب الجهاد
في أحكام الأمان ج 2 ص 914 س 15.
(3) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب جهاد العدو وما... ح 4 ج 11 ص 50.
499

الجملة للجملتين، كالمائة والمائتين والألف والألفين، على الظاهر المصرح
به في التنقيح (1) للآيات.
منها: (إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار، ومن يولهم
يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله
ومأواه جهنم وبئس المصير) (2).
ومنها: (إذا لقيتم فئة فاثبتوا) (3).
وعد من الكبائر في جملة من الأخبار (4).
وفي انسحاب الحكم للآحاد، بمعنى وجوب ثبات الواحد للاثنين فيحرم
فراره منهما، أم لا؟ قولان، أحوطهما ذلك، للنص.
(إلا لمتحرف) لقتال، أي منتقل إلى حالة أمكن من حالته التي هو
عليها، كاستدبار الشمس وتسوية اللامة وورود الماء وطلب السعة (أو
متحيزا) أي منضما (إلى فئة) ليستنجد بها في المعونة على القتال، قليلة
كانت، أو كثيرة، مع صلاحيتها له، وكونها غير بعيدة، على وجه يخرج
عن كونه مقاتلا عادة. فلا حرمة في الصورتين، لما عرفت من نص الآية الشريفة.
والحكم بالحرمة في غيرهما مطلق، (ولو غلب على الظن العطب)
والهلاك (على الأظهر) وفاقا لأكثر الأصحاب، عملا بما مر من إطلاق
الكتاب، والتفاتا إلى جواز كذب ظنه، لقوله تعالى: (فإن يكن منكم مائة
صابرة يغلبوا مائتين) (5).

(1) التنقيح الرائع: كتاب الجهاد ج 1 ص 579.
(2) الأنفال: 15 - 16.
(3) الأنفال: 45.
(4) وسائل الشيعة: ب 46 من أبواب جهاد النفس وما... ج 11 ص 251.
(5) الأنفال: 66.
500

خلافا للمختلف وغيره (1) فقيداه بغير صورة غلبة الظن، عملا بقوله
تعالى: " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) (2)، ولما فيه من حفظ النفس
الواجب دائما، وإمكان تحصيل مقصود الجهاد بعد ذلك.
قال في المختلف بعد ذلك: ووجوب الثبات لا ينافي ما قلنا، فإن
المطلق يصدق في أي جزء كان (3).
ويضعف بأن إلقاء النفس إلى التهلكة الموجب لعدم حفظ النفس
الواجب وللتعزير منها ليس منافيا للجهاد، بل مقصود فيه والمتبادر من
الثبات المطلق عدم الفرار مطلقا، كما نصت عليه الآية الأولى (لا تولوهم
الأدبار).
(و) احترز بالشرط عما (لو كان) العدو (أكثر) من الضعف،
فإنه لو فر حينئذ (جاز) إجماعا، كما في التحرير (4) والمنتهى، وفيهما: ولو
غلب على ظن المسلمين الظفر استحب لهم الثبات، لما فيه من المصلحة،
ولا يجب، قال في المنتهى: لأنهم لا يؤمنون العطب، ولأن الحكم بجواز
الفرار علق على مظنته، وهو كون المسلمين أقل من ضعف العدو، ولهذا
لزمهم الثبات إذا كانوا أكثر من النصف، ولو غلب على ظنهم الهلاك (5).
ثم إن إطلاق النص والفتوى بتحريم الفرار يعم صورتي الاختيار
والاضطرار.

(1) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في كيفية القتال ج 1 - 2 ص 325 س 16 و س 21 عن ابن الجنيد.
(2) البقرة: 195.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في كيفية القتال ج 1 - 2 ص 325 س 17.
(4) تحرير الأحكام: كتاب الجهاد في كيفية القتال ج 1 ص 135 س 14.
(5) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في كيفية القتال ج 2 ص 908 س 4.
501

خلافا لشيخنا في المسالك والروضة (1) فقيده بحال الاختيار، قال: وأما
المضطر - كمن مرض أو فقد سلاحه - فإنه يجوز له الانصراف. ولعله لفقد
شرط وجوب الجهاد، لما مر من اشتراطه بالسلامة من المرض، ولعله أيضا
مراد الأصحاب، وإنما تركوه اتكالا على ما قدموه في بحث الشروط.
(ويجوز المحاربة بكل ما يرجى به الفتح، كهدم الحصون، ورمي
المناجيق) والتحريق بالنار وقطع الأشجار وإرسال الماء ومنعه عنهم ونحو
ذلك، مع الضرورة، وتوقف الفتح عليه وعدمها وإن كره بعضها بدونها.
(ولا يضمن ما يتلف بذلك للمسلمين الذين (بينهم) بلا خلاف
في شئ من ذلك يظهر إلا ما سيذكر، للأصل، والعمومات كتابا وسنة،
والتأسي في قطع الأشجار والحرق وتخريب الديار، فقد فعله النبي - صلى
الله عليه وآله - في أهل الطائف وبني النضير على ما ذكره جماعة من
الأصحاب.
وخصوص النص: عن مدينة ومدائن الحرب هل يجوز أن يرسل عليهم
الماء، أو يحرقون بالنار، أو يرمون بالمنجنيق حتى يقتلوا وفيهم النساء
والصبيان والشيخ الكبير والأسارى من المسلمين والتجار؟ فقال: يفعل
ذلك ولا يمسك عنهم لهؤلاء ولا دية عليهم ولا كفارة (2).
وقصور السند أو ضعفه مجبور بالأصل والعمل وبذلك يترجح على
الأخبار الناهية عن بعض هذه الجملة، مع قصور أسانيدها جملة وإن اعتبر
بعضها، كالحسن: لا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا شيخا

(1) مسالك الأفهام: كتاب الجهاد في كيفية القتال ج 1 ص 150 س 38، واللمعة الدمشقية:
كتاب الجهاد في كيفية القتال ج 2 ص 392.
(2) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه ح 2 ج 11 ص 46.
502

فانيا، ولا صبيا، ولا امرأة، ولا تقطعوا شجرة، إلا أن تضطروا إليها (1).
ونحوه الخبر الآخر: لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا،
ولا مبتلا في شاهق، ولا تحرقوا النخل، ولا تغرقوه بالماء، ولا تقطعوا شجرة
مثمرة، ولا تحرقوا زرعا، لأنكم لا تدرون لعلكم تحتاجون إليه، ولا تعقروا
من البهائم ما يؤكل لحمه، إلا ما لا بد لكم من أكله (2) الخبر.
فينبغي حملها على الكراهة، وإن أمكن الجمع بينهما بحمل الرواية
بالجواز على حال الضرورة، وهذه على حالة الاختيار، كما هو ظاهر
الحسنة، والأصل يقتضي المصير إلى هذا الجمع، لاعتبار الحسن بإبراهيم بن
هاشم والوشاء، بل صحتهما، كما هو التحقيق.
فينبغي الرجوع إلى تقييد لاحقة وسابقه، مع قصور إطلاقه بوروده في
مقام جواب السؤال عن جواز القتل بما فيه من حجيته الخوف على من فيه،
لا جوازه به من جهته.
وربما أشعر بذلك عبارة النهاية حيث قال بعد الحكم: بجواز قتال الكفار
بسائر أنواع القتل وأسبابه إلا السم، ومتى استعصى على المسلمين موضع
منهم كان لهم أن يرموهم بالمجانيق والنيران، وغير ذلك مما يكون فيه
فتح (3). لاشتراطه الاستعصاء في ذلك.
ولكن ظاهر الأصحاب الجواز مطلقا، حتى أنهم لم ينقلوا فيه خلافا
منا، فهذا أقوى، وإن كان مراعاة التقييد أولى.
(و) لذا (يكره) في حال الاختيار (بإلقاء النار) وقطع الأشجار

(1) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه ح 2 ج 11 ص 43.
(2) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب جهاد العدو وما... ح 3 ج 11 ص 43 بأدنى تفاوت.
(3) النهاية ونكتها: كتاب الجهاد ب 2 من يجب قتاله من... ج 2 ص 8.
503

والتغريق بالماء ونحوه منعه عنهم لما في الدروس عن علي - عليه السلام -.
لا يحل منع الماء قال: ويحمل على حالة الاختيار وإلا جاز (1).
وظاهره التحريم به اختيارا، عملا بالرواية.
لكنها لنا مرسلة لا تصلح لتخصيص ما قدمناه من الأدلة. نعم لا بأس
بالكراهة.
(ويحرم) المحاربة (بالقاء سم) وفاقا للنهاية (2) والغنية (3)
والدروس (4) والسرائر، قال: وبه نطقت الأخبار عن الأئمة الأطهار
- عليهم السلام (5). ولم نقف إلا على رواية السكوني القوية به وبصاحبه (6).
وفيها أن النبي - صلى الله عليه وآله - نهى أن يلقى بالسم في بلاد
المشركين (7). وهي كما ترى قاصرة السند.
(و) لذا (قيل): أنه (يكره) والقائل الشيخ في المبسوط (8)،
عازيا له إلى رواية الأصحاب، مؤذنا باتفاقهم عليها. ولعله الأقوى، وفاقا
له ولأكثر المتأخرين، بل عامتهم، عدا من مضى، حتى الشهيد في
اللمعة (9)، لأدلة الجواز أصلا ونصا كتابا وسنة، السليمة عما يصلح
للمعارضة، سوى الرواية المانعة.

(1) الدروس الشرعية: كتاب الجهاد ص 160 س 21.
(2) النهاية ونكتها: كتاب الجهاد ب 2 من يجب قتاله من المشركين ج 2 ص 8.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الجهاد ص 522 س 14.
(4) الدروس الشرعية: كتاب الجهاد ص 160 س 23.
(5) السرائر: كتاب الجهاد في كيفية قتال من يجب قتالهم ج 2 ص 7.
(6) في (م). وبه هنا وجه.
(7) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه ح 1 ج 11 ص 46.
(8) المبسوط. كتاب الجهاد في كيفية قتال الكفار ج 2 ص 11.
(9) اللمعة الدمشقية: كتاب الجهاد في كيفية القتال ج 2 ص 392.
504

وهي - لما عرفت - قاصرة السند وإن تأيدت بالقوة، وبالرواية المرسلة في
السرائر، لمعارضتها برواية الأصحاب المنقولة في المبسوط، كما عرفت، مع
أنها غير صريحة، قابلة للحمل على الكراهة، مع أنها لو أبقيت على ظاهرها
من التحريم كانت شاذة، لرجوع الشيخ في المبسوط عما ذكره في النهاية.
(ولو تترسوا بالصبيان والمجانين والنساء) والحرب قائمة (ولا يمكن
الفتح إلا بقتلهم جاز) بشرط أن لا يقصدوهم، بل من خلفهم من
المشركين.
ولا يكف عنهم لأجل الترس بغير خلاف ظاهر، للنص المتقدم في جواز
المحاربة بكل ما يرجى به الفتح.
وإطلاقه كالعبارة ونحوها من عبائر الجماعة يعم ما لو لم تكن الحرب
قائمة، كأن كانوا في حصن يتحصن، أو كانوا من وراء خندق كافين عن
القتال، وبه صرح في المنتهى (1) عازيا له إلى الشيخ، لكنه قال في
التحرير: الأولى تجنبه (2)، وهو أيضا ظاهر السرائر (3)، ولعله لما سيأتي من
الأخبار الناهية عن قتل هؤلاء، خرج منها صورة قيام الحرب بالنص
والوفاق وبقي الباقي.
ولا ريب أنه أحوط، وإن كان الأول لعله أقرب، وفاقا للأكثر.
(وكذا) الحكم فيما (لو تترسوا بالأسارى من المسلمين) والحرب
قائمة، أو مطلقا على الخلاف المتقدم ولا يمكن الفتح إلا بقتلهم جاز بالشرط
المتقدم بلا خلاف، لعين ما مر من النص (و) فيه التصريح بأنه

(1) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في كيفية الجهاد ج 2 ص 910 س 22.
(2) تحرير الأحكام: كتاب الجهاد في كيفية الجهاد ج 1 ص 135 السطر ما قبل الأخير.
(3) السرائر: كتاب الجهاد في كيفية الجهاد ج 2 ص 8.
505

(لا دية) عليم ولا كفارة.
ولا خلاف في الأول، وظاهر المنتهى إجماعنا عليه، وإجماع الكل على
نفي القود أيضا. قال: لقوله تعالى: (فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن
فتحرير رقبة مؤمنة)، ولم يذكر الدية، فلم تكن واجبة، ولأن إيجاب
الضمان يستلزم إبطال الجهاد (1). وفيهما نظر.
وفي الثاني خلاف أشار إليه بقوله: (وفي الكفارة قولان) للشيخ
أحدهما: الوجوب اختاره في المبسوط (3) وتبعه الحلي (3) وأكثر الأصحاب،
بل عامتهم، وثانيهما: العدم وهو ظاهر في النهاية (4)، حيث نفى الدية
وسكت عن الكفارة، كذا قيل. وفيه نظر.
وظاهر المصنف والفاضل في التحرير (5) التوقف والتردد من نص
الرواية بالعدم، وتصريح الآية بالوجوب.
وفيه نظر، فإن الرواية قاصرة عن معارضة الآية الشريفة، لوجوه
عديدة، مضافا إلى موافقة الرواية لرأي أبي حنيفة.
ولا داعي لجعلها معارضة بالآية، إلا ما في التنقيح عن بعض الفضلاء
في رد الوجوب بأن الكفارة على تقدير الذنب، ولا ذنب هنا مع إباحة
القتل، وضعفه بمنع كون الكفارة على تقدير الذنب، وإلا لما وجبت على
القاتل خطأ، والنص والاجماع بخلافه، مع أنه لا ذنب فيه لحديث رفع
القلم (6). وهو حسن.

(1) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في كيفية الجهاد ج 2 ص 910 س 33.
(2) المبسوط: كتاب الجهاد في كيفية الجهاد ج 2 ص 12.
(3) السرائر: كتاب الجهاد في كيفية الجهاد ج 2 ص 8.
(4) النهاية ونكتها: كتاب الجهاد في كيفية الجهاد ج 2 ص 8.
(5) تحرير الأحكام: كتاب الجهاد في كيفية الجهاد ج 1 ص 136 س 4.
(6) التنقيح الرائع: كتاب الجهاد ج 1 ص 582.
506

وعلى المختار فهل هي كفارة الخطأ، أو العمد؟ وجهان، مأخذهما كونه
في الأصل غير قاصد للمسلم، وإنما مطلوبه قتل الكافر والنظر إلى صورة
الواقع فإنه متعمد لقتله.
ورجح الثاني شيخنا الشهيد الثاني، وقال: هو كالأول في الدروس،
وينبغي أن يكون من بيت - المال، لأنه من المصالح وهذه من أهمها، ولأن
في إيجابها على المسلم إضرارا يوجب التخاذل عن الحرب لكثير (1)، انتهى.
وهو حسن.
(ولا) يجوز أن (يقتل نساؤهم وإن عاون) وكذا المجانين والصبيان
والشيخ الفاني بلا خلاف، وفي المنتهى الاجماع في الصبيان (2).
وهو الحجة، مضافا إلى النصوص المستفيضة العامية والخاصية.
منها - زيادة على ما مر قريبا -، النبوي العامي: لا تغلوا ولا تمثلوا
ولا تغدروا ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا صبيا ولا امرأة (3).
والخاصي. نهى عن، قتل النساء والولدان في دار الحرب إلا أن يقاتلن،
فإن قاتلن أيضا فأمسك عنها ما أمكنك ولم تخف خللا - إلى أن قال -:
وكذلك المقعد من أهل الذمة والأعمى والشيخ الفاني والمرأة والولدان في
أرض الحرب، فلذلك رفعت عنهم الجزية (4).
ويستفاد منه جواز القتل مع الضرورة، كما أشار إليه بقوله: (إلا مع
الاضطرار) بأن تترسوا بهم وتوقف الفتح على قتلهم، ولا خلاف فيه
أيضا، كما مضى، وعليه الاجماع هنا في المنتهى.

(1) مسالك الأفهام. كتاب الجهاد في كيفية القتال ج 1 ص 151 س 8.
(2) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في كيفية القتال ج 2 ص 911 س 6.
(3) دعائم الاسلام: كتاب الجهاد ج 1 ص 369، مع اختلاف يسير.
(4) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب جهاد العدو... ح 1 ج 11 ص 47.
507

قال. للضرورة، ولما رواه ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وآله - مر
بامرأة مقتولة يوم الخندق، فقال: من قتل هذه؟ فقال رجل: أنا
يا رسول الله، قال: لم قال: نازعتني قائم سيفي، فسكت. وفيه وفي التحرير
لو وقفت المرأة في صف الكفار أو تكشفت لهم جاز رميها (1)، للخبر
العامي. ثم قال: ويجوز النظر إلى فرجها للحاجة إلى الرمي (2). ولا بأس
وألحق الشهيدان بالمرأة الخنثى المشكل (3)، قال ثانيهما: لأنه بحكم المرأة
في ذلك، وهو إعادة للمدعي، كما لا يخفى.
(ويحرم التمثيل بأهل الحرب) حين قتلهم كجذع أنوفهم وآذانهم وإن
فعلوا ذلك بالمسلمين (و) لا (الغدر) بهم أي قتلهم بغتة بعد الأمان
(والغلول منهم) بلا خلاف أجده، لما مر من الأخبار المعتبرة.
(و) يجوز أن (يقاتل في أشهر الحرم) وهي: رجب وذو القعدة
وذو الحجة والمحرم، مع (من لا يرى لها حرمة) فيستحل القتال فيها أو
يرى، ولكن هتك حرمتها (ويكف عن) القتال مع (من يرى
حرمتها) ولم يهتكها فيما ذكره جماعة من غير خلاف بينهم أجده في شئ من
الأحكام الثلاثة.
أما الأول والثاني منها، فلقوله سبحانه: (الشهر الحرام بالشهر الحرام،
والحرمات قصاص، فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى
عليكم) (4) الآية.

(1) تحرير الأحكام: كتاب الجهاد في حقيقة الجهاد ج 1 ص 136 س 5.
(2) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في حقيقة الجهاد ج 2 ص 911 س 12.
(3) اللمعة الدمشقية: كتاب الجهاد في حقيقة الجهاد ج 2 ص 393.
(4) البقرة: 194.
508

قال في الكنز: وكأن أهل مكة قد منعوا النبي - صلى الله عليه وآله - عام
الحديبية سنة ست في ذي القعدة وهتكوا الشهر الحرام فأجاز الله سبحانه
للنبي - صلى الله عليه وآله - وأصحابه أن يدخلوا في سنة سبع في ذي القعدة
لعمرة القضاء مقابلا لمنعهم في العام الأول، ثم قال: والحرمات قصاص
أي يجوز القصاص في كل شئ حتى في هتك حرمة الشهور.
ثم عمم الحكم فقال: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما
اعتدى عليكم) فإن دفع الشر خير وتسمية المجازي معتديا مجاز تسمية
للشئ باسم مقابله - إلى أن قال -:
ويستفاد من هذه الآية أحكام، الأول إباحة القتال في الشهر الحرام
لمن لا يرى له حرمة أعم من أن يكون ممن يرى الحرمة أو لا، لأنه إذا جاز
قتال من يرى حرمته، فقتال غيره أولى (1)، انتهى.
وأما الثالث منها، فلقوله تعالى: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه
قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام، واخراج
أهله منه أكبر عند الله، والفتنة أكبر من القتل) (2).
قال في الكتاب المتقدم: وفي الآية أحكام: الأول: تحريم القتال في
الشهر الحرام، لقوله تعالى: (قتال فيه كبير) أي ذنب كبير، لكن عند
أصحابنا ليس ذلك على إطلاقه، بل التحريم بالنسبة إلى من يرى حرمة
الشهر الحرام إذا لم يبدأ، وأما من لا يرى لها حرمة، أو يرى ويبدأ فيجوز
القتال، ولذلك قال تعالى. (قتال) بالتنكير، والنكرة في الاثبات
لا تعم، وقال الأكثر أنه كان حراما مطلقا ثم نسخ، وقال عطا بل التحريم

(1) كنز العرفان: كتاب الجهاد ج 1 ص 344.
(2) البقرة: 217.
509

باق لم ينسخ (1) انتهى.
وظاهره اتفاق الأصحاب على عدم الاطلاق. ولعل المستند في التقييد ما
مر من الدليل، مضافا إلى النص المنجبر بالعمل.
وفيه: عن المشركين أيبتدئ بهم المسلمون بالقتال في المشهر الحرام؟
فقال. إذا كان المشركون يبتدؤنهم باستحلالهم ثم رأى المسلمون أنهم
يظهرون عليهم فيه وذلك قول الله عز وجل: (الشهر الحرام بالشهر الحرام
والحرمات قصاص) والروم في هذا بمنزلة المشركين، لأنهم لم يعرفوا للشهر
الحرام حرمة ولا حقا، فهؤلاء يبدأون بالقتال فيه، وكان المشركون يرون له
حقا وحرمة فاستحلوه فاستحل منهم، وأهل البغي يبتدأون بالقتال (2).
(ويكره) حال الاختيار (القتال قبل الزوال) كما هنا وفي
التحرير (3) واللمعتين (4) والدروس (5)، وفي النهاية (6) والسرائر (7)
والشرائع (8) والمسالك (9) والمنتهى (10) يستحب أن يكون بعده أو عنده بعد أن
تصلي الظهرين.
وهو أولى، للموثق: كان أمير المؤمنين - عليه السلام - لا يقاتل حتى تزول

(1) كنز العرفان: كتاب الجهاد ج 1 ص 354.
(2) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب جهاد العدو ح 1 ج 11 ص 52.
(3) تحرير الأحكام: كتاب الجهاد في كيفية الجهاد ج 1 ص 136 س 23.
(4) اللمعة الدمشقية: كتاب الجهاد في كيفية الجهاد ج 2 ص 394.
(5) الدروس الشرعية: كتاب الجهاد في كيفية الجهاد ص 160.
(6) النهاية ونكتها: كتاب الجهاد في كيفية القتال ج 2 ص 14.
(7) السرائر: كتاب الجهاد في كيفية القتال ج 2 ص 21.
(8) شرائع الاسلام: كتاب الجهاد في كيفية القتال ج 1 ص 312.
(9) أثبتناها من نسخة (م) و (مش).
(10) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في كيفية القتال ج 2 ص 913 س 32.
510

الشمس، ويقول: تفتح أبواب السماء وتقبل الرحمة وينزل النصر، ويقول:
هو أقرب إلى الليل وأجدر أن يقل القتل، ويرجع الطالب، ويفلت
المنهزم (1).
(والتبييت) أي النزول عليهم ليلا، للموثق: ما بيت رسول الله
- صلى الله عليه وآله - عدوا قط ليلا (2).
ولو اضطر إلى ذلك زالت الكراهة، للحاجة، وفي المنتهى: ولأن
الغرض قتلهم فجاز التبييت، لأنه أبلغ في احتفاظ المسلمين، وروى
الجمهور: أن النبي - صلى الله عليه وآله - شن الغارة على بني المصطلق
ليلا (3).
(وأن تعرقب الدابة) وإن وقفت به أو أشرفت على القتل.
ولو رأى ذلك صلاحا زالت الكراهة، كما ذكره جماعة، قالوا: كما
فعله جعفر بمؤتة، وذبحها أجود (4).
أقول: ولم أقف على ما يقتضي المنع عنه بالخصوص.
نعم في بعض الأخبار المتقدمة ولا تعقروا من البهائم ما يؤكل لحمه إلا
ما لا بد لكم من أكله.
ولعله المستند في الكراهة، كما يستفاد من التنقيح حيث قال: وإنما
قلنا بكراهته لا لمصلحة، لأنه يؤول إلى إهلاكها، وقد نهى رسول الله

(1) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه ح 2 ج 11 ص 46.
(2) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه ح 1 ج 11 ص 46.
(3) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في كيفية القتال ج 2 ص 909 س 29.
(4) اللمعة الدمشقية: كتاب الجهاد في كيفية القتال ج 2 ص 394. والتنقيح الرائع: كتاب الجهاد
في كيفية القتال ج 1 ص 583.
511

- صلى الله عليه وآله - عن قتل الحيوان لغير أكله (1).
وهو كما ترى، فإن المنهي عنه هو مطلق الاهلاك لا خصوص
التعرقب، وقد صرح جماعة بأن ذبحها مع المصلحة أجود من التعرقب، وهو
ينادي بالتغاير بينهما، ولذا فرضه الفاضل في التحرير (2) والمنتهى (3) مسألة
أخرى، وهو أيضا يؤيد أن الكراهية هنا لخصوصية لم نجد دليلها إلا لذلك
النهي مطلقا.
وكذا تخصيص بعضهم، كشيخنا في المسالك والروضة (4) ذلك بدابة
المسلم دون الكافر، فقال: أما دابة الكافر فلا كراهة في قتلها، كما في
كل فعل يؤدي إلى ضعفه والظفر به.
فهو أيضا يؤيد ما ذكرنا من المتغاير بينهما، إذ النهي في النص مطلقا
لا اختصاص له بالمسلم.
وبالجملة: فإثبات الكراهة للخصوصية من النص مشكل، ولكن اتفاق
الفتاوى كاف في إثباتها، سيما من نحو الحلي الذي لا يعمل بأخبار الآحاد
وما يكون ظنيا.
وحيث كانت الفتاوى هو المستند في إثباتها، فينبغي الحكم بإطلاقها،
إلا أن يذب عنه باختصاصها بحكم التبادر والسياق في جملة من الفتاوى
بدابة المسلم الراكب لها دون دابة الكافر، فيرجع فيها إلى مقتضى الأصل
من الجواز، بلا كراهة مطلقا مع الضرورة وبدونها، كما ذكره شيخنا.

(1) التنقيح الرائع: كتاب الجهاد في كيفية الجهاد ج 1 ص 583.
(2) تحرير الأحكام: كتاب الجهاد في كيفية الجهاد ج 1 ص 136 س 24.
(3) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في كيفية الجهاد ج 2 ص 913 س 33.
(4) مسالك الأفهام: كتاب الجهاد في كيفية القتال ج 1 ص 151 س 16، واللمعة الدمشقية:
كتاب الجهاد في كيفية القتال ج 2 ص 395.
512

(والمبارزة بين الصفين بغير إذن الإمام) بلا خلاف ولا إشكال في
المرجوحية (1) فتوى ورواية، كما لا خلاف في المنع التحريمي مع نهي الإمام
عنها ولا الوجوب العيني مع أمره وإلزامه بها شخصا معينا والكفائي مع أمره،
بها جماعة ليقوم بها واحد منهم ولا الاستحباب إذا ندب إليها من غير أمر
جازم.
وإنما الخلاف في التحريم في غير الصور المزبورة، والمشهور بين
المتأخرين (2) الكراهة. ولا يخلو عن قوة، للأصل السليم عما يصلح
للمعارضة، عدا رواية ضعيفة: عن المبارزة بين الصفين بغير إذن الإمام؟
فقال: لا بأس، ولكن لا يطلب ذلك إلا بإذن الإمام (3).
ولكن الأحوط مراعاتها، فقد عمل بها الشيخ في النهاية (4) والحلي (5)
وابن حمزة (6).
ويدل على رجحان الاستئذان - مضافا إلى النص والوفاق - الاعتبار
والآثار لأن الإمام أعلم بفرسانه وفرسان المشركين ومن يصلح للمبارزة ومن
لا يصلح بها، وربما حصل ضرر بذلك، فإنه إذا انكسر صاحبهم كسر
قلوبهم، فينبغي أن يفوض النظر إليه ليختار للمبارزة من يرتضيه لها،
فيكون أقرب إلى الظفر، وأحفظ لقلوب المسلمين، وكسر قلوب المشركين.
قال في المنتهى: ويؤيده ما رواه الجمهور: أن عليا - عليه السلام - وحمزة

(1) في " م " و " مش " توجد زيادة وهي: في الجملة.
(2) اللمعة الدمشقية: كتاب الجهاد في كيفية الجهاد ج 2 ص 395.
(3) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب جهاد العدو ح 1 ج 11 ص 67.
(4) النهاية ونكتها: كتاب الجهاد ب 2 من يجب قتاله.... ج 2 ص 8.
(5) السرائر: كتاب الجهاد وكيفية القتال ج 2 ص 8.
(6) الوسيلة: كتاب الجهاد وكيفية القتال ص 200.
513

وعبيدة استأذنوا النبي - صلى الله عليه وآله - يوم بدر (1).
(النظر الثالث: في التوابع)
(وهي أربعة):
(الأول: في قسمة الفئ) وهو والغنيمة، بمعنى واحد على قول
وعلى آخر حكاهما في كنز العرفان أنه ما أخذ من الكفار بغير قتال،
والغنيمة ما أخذ بقتال.
وفي الكنز أن هذا مذهب أصحابنا والشافعي، وهو مروي عن الباقر
والصادق - عليهما السلام -، وعند أصحابنا والشافعي أن الفئ للإمام
خاصة، والغنيمة يخرج منها الخمس، والباقي بعد المؤن للمقاتلين ومن حضر
القتال (2).
أقول. وعلى هذا فالتعبير بالغنيمة أولى، كما في جملة من كتب
أصحابنا.
وكيفيتها أنه (يجب إخراج ما شرطه الإمام) للمقاتل وغيره (أولا
كالجعائل) التي يجعلها للمصالح، كالدليل على عورة، أو طريق فيبدأ بها
(ثم بما يحتاج إليه الغنيمة) من المؤن (كأجرة الحافظ والراعي)
والناقل وأضرابهم (وبما يرضخ).
والمراد به هنا العطاء اليسير الذي لا يبلغ سهم من يعطاه لو كان
مستحقا للسهم، كما يرضخ (لمن لا قسمة له، كالنساء والعبيد
والكفار).

(1) منتهى المطلب: كتاب الجهاد وكيفية القتال ج 2 ص 912 س 27.
(2) كنز العرفان: كتاب الخمس في معنى الغنيمة ج 1 ص 249.
514

(ثم يخرج الخمس) بعد ذلك، وفاقا للمبسوط (1) والأكثر.
ولا إشكال في نحو السلب، لتعلق الحق بالعين، فلا تدخل في
الغنيمة، ونحوه ما يصطفيه الإمام لنفسه من فرس، أو جارية، أو سيف،
أو درع، أو غير ذلك مما يشاء.
للنص المعتبر: وللإمام صفو المال أن يأخذ الجارية الفارهة والدابة
الفارهة والثوب والمتاع مما يحب أو يشتهي، فذلك له قبل قسمة المال وقبل
اخراج الخمس، وله أن يسد بذلك المال جميع ما ينويه من مثل إعطاء
المؤلفة قلوبهم، وغير ذلك مما ينويه، فإن بقي بعد ذلك شئ أخرج منه
الخمس فقسمه في أهله، وقسم الباقي على من ولي ذلك، وإن لم يبق بعد
سد النوائب شئ فلا شئ لهم (2). الحديث.
وضعفه بالارسال مجبور بكونه من حماد المجمع على تصحيح ما يصح
عنه، مع الاجماع المستفاد من الغنية في الصفو (3).
وقريب منهما المؤن لهذا النص، ولما قيل: من أن الغنيمة في الحقيقة هو
ما حصل واستقر ملك الغانمين عليه، وذلك إنما هو بعدها (4)، وبه
استدل على الرضخ أيضا.
ويضعف بأنه في الحقيقة نوع من قسمة الغنيمة غايته أنه ناقص عن
السهام، وذلك غير مانع، كما أن نقصان سهم الراجل عن سهم الفارس
غير مؤثر في تقدم الخمس عليه.

(1) المبسوط: كتاب قسمة الفئ والغنائم في كيفية قسمة الغنيمة ج 2 ص 70.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الأنفال وما... ح 4 ج 6 ص 365.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الجهاد ص 522 س 31 - 35.
(4) المبسوط: كتاب الزكاة في الأنفال ومن يستحقها ج 1 ص 263، والتنقيح الرائع: كتاب الجهاد
في الغنيمة ج 1 ص 584.
515

وإطلاق اسم الغنيمة على المال المدفوع رضخا واضح، فوجوب الخمس
فيه قوي، وفاقا للشهيدين في الدروس (1) والمسالك (2) والروضة (3)، أخذا
بعموم الآية: (واعلموا أنما غنمتم من شئ) (4) الآية، السليمة هنا عما
يصلح للمعارضة، سوى ما عرفت ضعفه.
ولعله لذلك قال الشيخ في الخلاف (5) - فيما حكي عنه -: بتقديم الخمس
على الأمور المزبورة. وهو حسن في الرضخ، ويوافقه قول الإسكافي بتقدمه
على النفل (6).
قيل: هو بالتحريك، وأصله الزيادة. والمراد هنا زيادة الإمام لبعض
الغانمين على نصيبه شيئا من الغنيمة، لمصلحة كدلالة وأمارة وسرية وتهجم
على قرن أو حصن وتجسيس حال وغيرها مما فيه نكاية الكفار (7).
وضعيف فيما عداه، لما مضى من خروج ذلك عن الغنيمة فلا يدخل في
إطلاق الآية أو عمومها، بل يمكن القول بتقدم نحو الرضخ على الخمس
أيضا، لعموم النص المتقدم لولا قصور سنده عن الصحة، ودلالته عن
الصراحة، مع عدم جابر له بالإضافة إليه، كما في الصفو، لصراحة دلالته
فيه، وانجبار ضعف سنده بالنسبة إليه بإجماع الغنية.
إلا أن يقال: بأن الظهور كاف في الدلالة، وعمل الأكثر كاف في
جبر السند.

(1) الدروس الشرعية: كتاب الجهاد في الغنيمة ص 161.
(2) مسالك الأفهام. كتاب الجهاد في الغنيمة وأحكامها ج 1 ص 156 س 24.
(3) الروضة البهية: كتاب الجهاد في الغنيمة ج 2 ص 403.
(4) الأنفال: 41.
(5) الخلاف: كتاب الفئ والغنائم م 23 ج 2 ص 335.
(6) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في الغنيمة ج 1 ص 328 س 1.
(7) القائل هو الشهيد الثاني في الروضة البهية: كتاب الجهاد في الغنيمة ج 2 ص 403.
516

وفي المختلف قدم الخمس على الجميع إن لم يشترط الإمام لأرباب
الحقوق حقوقهم من غير خمس (1). وهو أحوط.
وأحوط منه ما عن الخلاف مر.
(و) بعد إخراج ما مر (يقسم الباقي) من الأربعة الأخماس الباقية
(بين المقاتلة ومن حضر القتال) ليقاتل (وإن لم يقاتل حتى
الطفل) الذكر من أولاد المقاتلين، دون غيرهم ممن حضر لصنعة، أو
حرفة، كالبيطار والبقال والسايس والحافظ إذا لم يقاتلوا (ولو ولد بعد
الحيازة قبل القسمة) بلا خلاف فيه أجده بيننا، بل في ظاهر الغنية (2)
والمنتهى (3) أن عليه إجماعنا.
للخبرين: إذا ولد المولود في أرض الحرب أسهم له (4)، كما في
أحدهما.
أو قسم له مما أفاء الله تعالى عليهم (5)، كما في ثانيهما.
(وكذا من يلتحق بهم من المدد) الواصل إليهم، ليقاتل معهم فلم
يدرك القتال فيهم له حين وصوله بعد الحيازة قبل القسمة، بغير خلاف
أجده هنا أيضا، وفي ظاهر الكتابين (6) والتحرير (7) أن عليه إجماعنا،
للنص: عن الجيش إذا غزوا أهل الحرب فغنموا غنيمة ثم لحقهم جيش آخر

(1) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في الغنائم ج 1 ص 327 س 35.
(2) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الجهاد ص 522 س 34.
(3) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في الغنائم ج 2 ص 947 س 11.
(4) وسائل الشيعة: ب 41 من أبواب جهاد العدو ح 8 و 9 ج 11 ص 87.
(5) وسائل الشيعة: ب 41 من أبواب جهاد العدو ح 8 و 9 ج 11 ص 87.
(6) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في الغنيمة ج 2 ص 952 السطر ما قبل الأخير، وغنية النزوع
(الجوامع الفقهية): كتاب الجهاد ص 522 س 34.
(7) تحرير الأحكام: كتاب الجهاد قي الغنيمة ج 1 ص 146 السطر الأخير.
517

قبل أن يخرجوا إلى دار الاسلام ولم يلقوا عدوا حتى إذا خرجوا دار الاسلام
هل يشاركونهم فيها؟ قال: نعم (1).
وهو وإن شمل صورة الوصول إليهم بعد القسمة، لكنها خارجة بإجماع
العلماء، كما في صريح التحرير والمنتهى.
وفيهما إجماعهم على الاسهام له إذا كان الالتحاق بهم قبل تقضي
الحرب.
وفي الخبر: الرجل يأتي القوم وقد غنموا ولم يكن ممن شهد القتال؟
قال: هؤلاء المحرومون، فأمر أن يسهم لهم (2).
قيل. وذكر الشيخ أنه يحتمل الحمل على ما لو لحقوهم بعد الخروج إلى
دار الاسلام، وإن الأول يحتمل التخصيص بحضور القتال (3)، انتهى.
والأقرب حمل الثاني على أنهم محرومون من ثواب القتال خاصة، لا من
الاسهام، ولذا أمر به لهم (للراجل سهم) وهو من ليس معه فرس،
سواء كان راجلا، أو راكبا غير الفرس (وللفارس سهمان) بلا خلاف
في الأول بين العلماء، كما في المنتهى (4)، وكذا في الثاني بيننا، إلا من
الإسكافي (5) المشار إلى قوله بقوله:
(وقيل: للفارس ثلاثة) أسهم، وهو نادر، وفي ظاهر الغنية (6)
الاجماع على خلافه، للنص المعمول به عندنا وإن ضعف سندا، لانجباره

(1) وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب جهاد العدو ح 1 ج 11 ص 77.
(2) وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب العدو ح 2 ج 11 ص 78.
(3) لم نعثر عليه.
(4) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في الغنية ج 2 ص 949 س 9.
(5) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في الغنيمة ج 2 ص 949 س 10 نقلا عنه.
(6) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الجهاد ص 522 س 33.
518

بعمل الأصحاب، كما في التنقيح (1) وفي المسالك (2) العمل عليه وإن
ضعف السند، ولعله للأصل، مع ضعف سند المعارض الدال على ثلاثة،
مع احتماله الحمل على التقية، لنقله في المنتهى عن أكثر العامة.
هذا مضافا إلى الشهرة المقطوع بها المنقولة في كلام جماعة مستفيضا.
(ولو كان معه أفراس أسهم للفرسين) منها (دون ما زاد) فله
ثلاثة أسهم مطلقا، بالنص، والاجماع.
ففي المرتضوي: إذا كان مع الرجل أفراس لم يسهم له، إلا لفرسين
منها (3).
وعليه يحمل إطلاق ما دل على أن للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما
يحمله على ما إذا تعددت أفراسه.
ويؤيده الخبر: أن عليا - عليه السلام - كان يسهم للفارس ثلاثة أسهم،
سهمين لفرسيه، وسهما له ويجعل للراجل سهما (4).
ولكن يحتمل الحمل على التقية، كما مضى.
(وكذا يقسم) بينهم للراجل سهم، وللفارس سهمان، ولذوي
الأفراس ثلاثة (لو قاتلوا في السفن) مطلقا (وإن استغنوا عن الخيل)
بلا خلاف فيه ظاهرا، وصرح به في المنتهى (5)، مؤذنا بدعوى الاجماع
عليه، كما في صريح الغنية (6)، للنص المنجبر بالعمل: عن سرية كانوا في

(1) التنقيح الرائع: كتاب الجهاد في الغنيمة ج 1 ص 585.
(2) مسالك الأفهام: كتاب الجهاد في الغنيمة ج 1 ص 156 س 29.
(3) وسائل الشيعة: ب 42 من أبواب جهاد العدو ح 1 ج 11 ص 88.
(4) وسائل الشيعة: ب 42 من أبواب جهاد العدو ح 3 ج 11 ص 89.
(5) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في الغنيمة ج 2 ص 951 س 17.
(6) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الجهاد ص 522 س 34.
519

سفينة فقاتلوا وغنموا وفيهم من معه الفرس، وإنما قاتلوهم في السفينة ولم
يركب صاحب الفرس فرسه كيف تقسم الغنيمة بينهم؟ فقال: للفارس
سهمان وللراجل سهم، قلت: ولم يركبوا ولم يقاتلوا على أفراسهم، قال:
أرأيت لو كانوا في عسكر فتقدم الرجالة فقاتلوا فغنموا كيف أقسموا بينهم!
ألم أجعل للفارس سهمين وللراجل سهما وهم الذين غنموا دون الفرسان،
قلت: فهل يجوز للإمام أن ينفل؟ فقال له: أن ينفل قبل القتال، فأما بعد
القتال أو الغنيمة لا يجوز ذلك، لأن الغنيمة قد أحرزت (1).
(ولا يسهم لغير الخيل) من سائر الدواب، كالإبل والبقر والحمير
والبغال (ويكون راكبها في الغنيمة كالراجل) يكون له سهم واحد
بلا خلاف، كما في السرائر (2).
وفي المنتهى: قال به علماؤنا أجمع، وهو قول عامة أهل العلم، ومذهب
الفقهاء في القديم والحديث، وعن الحسن البصري أنه يسهم للإبل خاصة،
وعن أحمد روايتان، لنا: أنه لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وآله - اسهام
غير الخيل من البهام، وقد كان معه يوم بدر سبعون بعيرا ولم ينفك غزواته
- عليه السلام - من استصحاب (3) البخت، بل كانت هي الغالب على
دوابهم، ولو أسهم لها لنقل، وكذلك لم ينقل عن أحد من الأئمة
- عليهم السلام - بعده سهم للإبل ولا غير الخيل من الدواب ولأن الفرس
تنفرد بالكر والفر والطلب والهرب بخلاف الإبل فإنها لا تصلح لذلك
فأشبهت البغال والحمير (4).

(1) وسائل الشيعة: ب 38 من أبواب جهاد العدو ح 1 ج 11 ص 78.
(2) السرائر: كتاب الجهاد في الغنيمة ج 2 ص 10.
(3) في (م): أصحاب.
(4) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في قسمة الغنيمة ج 2 ص 951 س 1.
520

واعلم أن الفارس إنما يعزل له سهمان إذا كان فارسا عند الحيازة
للغنيمة لا قبلها، وإليه أشار بقوله: (والاعتبار بكونه فارسا عند الحيازة
لا ب‍) كونه فارسا عند (دخول المعركة).
فلو ذهب فرسه قبل تقضي الحرب لم يسهم لفرسه لو دخل راجلا فأحرز
الغنيمة وهو فارس فله سهم فارس، بلا خلاف ظاهر بيننا في الحكم
الأول، وكذا في الثاني على ما يظهر من المنتهى (1)، حيث لم ينقل فيها
خلافا منا.
قال في المسالك: لا إشكال في عدم اعتباره عند دخول المعركة، وإنما
الكلام في اشتراط كونه على الوصف عند الحيازة أو يعتبر كونه كذلك عند
القسمة، لأنه محل اعتبار الفارس والراجل ليدفع إليهما حقهما، والذي
اختاره المصنف وأكثر الجماعة الأول، وهو واضح على القول بأنه يملك بها،
فلا يتحقق الملك إلا بذلك.
وينبه على اعتبار الثاني استحقاق المولود والمدد اللاحق بعد الغنيمة
وقبل القسمة، واختاره المحقق الشيخ على، ولا بأس به، وقد اختلف نسخ
القواعد في هذه المسألة، ففي بعضها اعتبار الحيازة لا القسمة، كما هنا،
وفي بعضها إلى القسمة فلا بد من وجوده فارسا في الحال بأسرها من الحيازة
إلى القسمة، وفي بعضها اعتبار الحيازة أو القسمة وظاهره الاكتفاء
بأحدهما، ويحتمل أن يكون موضع التردد واختيار، أو لينبه على القولين
المتقدمين الدالين على أن وقت الملك هل هو الحيازة أو القسمة (2)؟ انتهى.
وما اختاره حسن، ويعضده - زيادة على ما ذكر صدق اسم الفارس

(1) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في الغنيمة ج 2 ص 951 س 34.
(2) مسالك الأفهام: كتاب الجهاد في قسمة الغنيمة ج 1 ص 156 س 33.
521

قبل القسمة إذا كان فارسا عندها، ولو كان عند الحيازة راجلا فيدخل في
الاطلاقات، ولعله يشير إلى هذا قوله: لأنه محل اعتبار الفارس.
لكن يستفاد من قوله: وهو واضح على القول بأنه يملك بالحيازة أنه
لا وجه، لقوله حينئذ: والرواية السابقة الواردة في القتال ظاهرة في التملك
بالحيازة، لمنعها عن النقل بعد القتال، معللة بعلة ظاهرة في ذلك.
وضعف السند مجبور بالعمل، كما مر، ومع ذلك فظاهر المنتهى عدم
خلاف فيه بيننا.
وعليه، فلعل ما عليه الأكثر أظهر، سيما مع عدم ظهور مخالف فيه عداه
والمحقق الثاني.
(والجيش يشارك سريته) بالفتح وتخفيف الراء وتشديد الياء،
وهي جملة من العسكر الصادرة منه في غنيمتها، كما هنا وفي الشرائع (1)
والسرائر (2) والدروس (3) والتحرير (4) والمسالك (5)، وفيها وكذا لو غنم
الجيش شاركهم السرية، وفي الأخير أنه موضع وفاق، ثم فيها وفي الشرائع:
وكذا لو تعددت السرايا عن جيش واحد، فإن كلا منها يشارك الآخر،
وفي التحرير سواء بعثهما إلى جهة واحدة أو جهتين. ثم فيهما: ولو بعث الأمير
رسولا لمصلحة الجيش أو دليلا أو جاسوسا لينظر عددهم وينقل أخبار هم
فغنم الجيش قبل رجوعه إليهم أسهم له.
وظاهرهم عدم الخلاف في شئ من ذلك بيننا، كما صرح به في

(1) شرائع الاسلام: كتاب الجهاد في قسمة الغنيمة ج 1 ص 325.
(2) السرائر: كتاب الجهاد في قسمة الغنيمة ج 2 ص 9.
(3) الدروس الشرعية: كتاب الجهاد في قسمة الغنيمة ص 162.
(4) تحرير الأحكام: كتاب الجهاد في قسمة الغنيمة ج 1 ص 147 س 5.
(5) مسالك الأفهام: كتاب الجهاد في قسمة الغنيمة ج 1 ص 156 س 38.
522

المنتهى في جملة منها (1).
ولعله الحجة المؤيدة بفحوى ما مر في مشاركة المولود إذا ولد قبل قسمة
المقاتلة، وبأن الجيش مدد السرية فيشاركهم في الغنيمة، وبه استدل في
السرائر (2).
(ولا يشاركها) أي السرية (عسكر البلد) كما هنا وفي الشرائع (3)
والتحرير (4)، وزاد فيه ولو بعث سريتين أو جيشين وهو مقيم فكل واحد
منهم يختص بما غنمه.
ولا إشكال في هذا الحكم ولا خلاف، كما يظهر من المنتهى (5)،
للأصل، واختصاص ما دل على الشركة من النص والفتوى بالمقاتلة ومن في
حكمهم من المدد.
ولا يدخل فيهما عسكر البلد، بل لولا ما قدمناه في المسألة السابقة من
عدم الخلاف فيها المؤيد بما عرفته لكان اختصاص السرية بما غنمته دون
جيشها مطلقا في غاية القوة، لظهور الأخبار المعتبرة في القسمة في
الاختصاص بالمقاتلة، ومن يلحقهم من المدد خاصة.
وليس منها الجيش وإن خرجت عن البلد، حيث لم يلحقهم، كما هو
فرض المسألة، وإلا فمع فرض اللحوق كانت مسألة أخرى تقدمت إليها
الإشارة. ولا إشكال في حكمها لورود نص فيها بالخصوص معتضد
بالفتاوى، لولاهما لكانت محل إشكال أيضا.

(1) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في قسمة الغنيمة ج 2 ص 951 س 34.
(2) السرائر: كتاب الجهاد في قسمة الغنيمة ج 2 ص 9.
(3) شرائع الاسلام: كتاب الجهاد في قسمة الغنيمة ج 1 ص 325.
(4) تحرير الأحكام: كتاب الجهاد في قسمة الغنيمة ج 1 ص 147 س 7.
(5) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في قسمة الغنيمة ج 2 ص 953 س 35.
523

وأعلم أن إطلاق الأدلة فتوى ورواية بلزوم القسمة بين المقاتلة يقتضي
عموم الحكم فيهم، أعرابا كانوا بالمعنى الآتي، أو غيرهم.
(و) لكن في جملة من الأخبار المروية من طرق الخاصة والعامة أنه
(صالح النبي - صلى الله عليه وآله - الأعراب عن ترك المهاجرة)
والمجئ إلى دار الاسلام (بأن يساعدوا) المسلمين على القتال (إذا
استنفر بهم) ليقاتلوا (ولا نصيب لهم في الغنيمة).
ففي الحسن بل الصحيح في حديث طويل: أنه - عليه السلام - قال لعمرو
بن عبيد: أرأيت أنهم أبوا الجزية فقاتلتهم فظهرت عليهم كيف تصنع
بالغنيمة؟ قال: أخرج الخمس وأقسم أربعة أخماس بين من قاتل عليه - إلى
أن قال -: أرأيت الأربعة أخماس تقسمها بين جميع من قاتل عليها؟ قال:
نعم.
قال: فقد خالفت رسول الله - صلى الله عليه وآله - في سريته بيني وبينك
فقهاء أهل المدينة ومشيختهم فسألهم فإنهم لم يختلفوا أن رسول الله - صلى الله
عليه وآله - صالح الأعراب على أن يدعهم في ديارهم ولا يهاجروا على أنه إن
دهمهم من عدوه أن يستفزهم فيقاتل بهم وليس لهم في الغنيمة نصيب،
وأنت تقول بين جميعهم فقد خالفت رسول الله - صلى الله عليه وآله - في
سرية في المشركين (1). ونحوه المرسل كالصحيح وفيه بعد قوله: (نصيب وسنته
جارية فيهم) (2).
وهما مع تعددهما واعتبارهما سندا وتأيدهما برواية أخرى موافقة لهما من
طرق العامة مروية في المنتهى (3) واضحا الدلالة، لعدم قبولهما الجواب بأنهما

(1) وسائل الشيعة: ب 41 من أبواب جهاد العدو و... ح 3 ج 11 ص 85.
(2) وسائل الشيعة: ب 41 من أبواب جهاد العدو و... ح 2 ج 11 ص 84.
(3) منتهى المطلب. كتاب الجهاد في الغنيمة ج 2 ص 947 س 25.
524

قضية في واقعة لا عموم لهما، لتصريحهما معنى ولفظا بأن ذلك سنة جارية،
وعمل بهما الشيخ في المبسوط (1) والنهاية (2) وتبعه من المتأخرين جماعة،
كالفاضلين هنا وفي المختلف (3) والشهيدين في الدروس (4) والمسالك (5)،
وفيه أنه المشهور، بل لم ينقل فيه خلاف، إلا على الحلي في السرائر،
حيث شرك بينهم وبين المقاتلة، مدعيا شذوذ الرواية، ومخالفتها لأصول
المذهب والاجماع، على أن من قاتل من المسلمين فهو من جملة المقاتلة وأن
الغنيمة للمقاتلة (6).
ورده في التنقيح: بأن مع الصلح على ذلك يسقط الاستحقاق (7).
ولكن ظاهر الفاضلين في الشرائع (8) والتحرير (9) والمنتهى (10) التردد في المسألة.
ولعله إما لعدم صحة سند الروايتين عندهما، كما يظهر من المنتهى، أو
لضعف دلالتهما على المراد من الأعراب أهم المسلمون، أم الكفار المؤلفة
قلوبهم؟ والثاني ليس محل النزاع، وإنها هو الأول، كما صرح به جماعة.
وحينئذ، فيشكل الاعتماد عليهما في تقيدها من إطلاق الأدلة، مع
منافاة ما فيهما من المصالحة بترك المهاجرة عموم ما دل على وجوب تحصيل

(1) المبسوط: كتاب الجهاد في الغنيمة ج 2 ص 74.
(2) النهاية ونكتها: كتاب الجهاد في الغنيمة ب 5 من الزيادات ج 2 ص 14.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في الغنيمة ج 1 - 2 ص 329 ص 14.
(4) الدروس الشرعية: كتاب الجهاد في الغنيمة ص 162.
(5) مسالك الأفهام: كتاب الجهاد في الغنيمة ج 1 ص 157 س 7.
(6) السرائر: كتاب الجهاد باب من زيادات ذلك ج 2 ص 21.
(7) التنقيح الرائع: كتاب الجهاد في الغنيمة ج 1 ص 586.
(8) شرائع الاسلام: كتاب الجهاد في الغنيمة ج 1 ص 525.
(9) تحرير الأحكام: كتاب الجهاد في الغنيمة ج 1 - 2 ص 146 س 6.
(10) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في الغنيمة ج 2 ص 948 س 29.
525

المعرفة، ولا تحصل مع ترك المهاجرة، ففي المصالحة إعانة على الإثم والمعصية
محرمة بالكتاب والاجماع والسنة، مع احتمالهما الحمل على التقية، لموافقتهما
لرواية العامة، كما عرفته، بل ومذهبهم - كما مر في الصحيحة - من أن فقهاء
أهل المدينة لا يختلفون في ذلك، والمراد بهم فقهاء العامة، بلا شبهة.
لكن ظاهر السرائر والمنتهى وغيرهما وضوح الدلالة، وأن المانع عن
العمل بهما إما هو الشذوذ، أو عدم الصحة، ولعله لاجماعنا، كما في المنتهى
على أن الكافر لا سهم له في الغنيمة مطلقا (1).
وظاهر الروايتين ثبوته للأعراب لو لم يصالحوا، وأن سقوطه للصلح
لا بالأصل.
فظهر أن المراد بهم المسلمون من الأعراب الذين يثبت لهم السهم من
غير الصلح. ولا بأس به، وإن أمكن دفعه بأن ليس في الروايتين تصريح
بالسهم بالمعنى المعروف.
والنصيب فيهما يحتمل الرضخ الثابت للكافر بلا خلاف.
وبالجملة المسألة محل إشكال وشبهة.
(ولو غنم المشركون أموال المسلمين وذراريهم ثم ارتجعوها) أي
المسلمون منهم (لم يدخل في الغنيمة) بلا خلاف في الذراري الأحرار،
على الظاهر المصرح به في التنقيح (2) والسرائر (3)، معربين عن الاجماع
عليه، كما في صريح الدروس (4) والمنتهى (5)، للأصل، والنص: عن

(1) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في الغنيمة ج 2 ص 947 س 25.
(2) التنقيح الرائع: كتاب الجهاد في حكم ذراري المسلمين إذا رجعوا ج 1 ص 588.
(3) السرائر: كتاب الجهاد في حكم ذراري المسلمين إذا رجعوا ج 2 ص 11.
(4) الدروس الشرعية: كتاب الجهاد في حكم ذراري المسلمين إذا رجعوا ص 162.
(5) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في حكم ذراري المسلمين إذا رجعوا ج 2 ص 955 س 2.
526

الترك يغيرون على المسلمين فيأخذون أولادهم فيسرقون منهم أيرد عليهم؟
قال: نعم، والمسلم أخو المسلم، والمسلم أحق بماله أين وجده (1). ونحوه
آخر مرسل سيذكر.
وضعفهما بالجهالة والارسال مجبور هنا بالأصل والاجماع.
وظاهر الأول انسحاب الحكم في المماليك وسائر الأموال، فترد على
أربابها بعد ثبوتها بالبينة ونحوها، ولا خلاف فيه أيضا إذا كان قبل القسمة،
كما يستفاد من نحو العبارة حيث خص الخلاف بما بعدها، وعزاه في
المنتهى (2) إلى عامة العلماء، مؤذنا بدعوى إجماعهم عليه، وعلى أن الإمام
لا يعزم للمقاتلة هنا شيئا.
ولكن الشيخ في النهاية أطلق أنها للمقاتلة، وأن الإمام يعطي أربابها
الأثمان من بيت المال (3)، ولم يفصل بين قبل القسمة وبعدها، ونفى عنه
البأس القاضي (4) بعد أن أفتى بالأول، ووافقهما الإسكافي (5) والحلبي (6)،
لكنه في عدا المماليك، وفيهم قال: بالأول، والإسكافي في المماليك
خاصة، ولم يذكر غيرهم.
وله المرسل: أما أولاد المسلمين فلا يقامون في سهام المسلمين، ولكن
يردون إلى أبيهم وأخيهم وإلى وليهم بشهود، وأما المماليك فإنهم يقامون في
سهام المسلمين فيباعون، وتعطى مواليهم قيمة أثمانهم من بيت مال

(1) وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب جهاد العدو ح 3 ج 11 ص 74.
(2) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في الغنيمة ج 2 ص 955 س 3.
(3) النهاية ونكتها: كتاب الجهاد ب 3 قسمة الفئ و... ج 2 ص 10.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في أحكام الغنيمة ج 1 - 2 ص 329 س 14 نقلا عنهما.
(5) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في أحكام الغنيمة ج 1 - 2 ص 329 س 14 نقلا عنهما.
(6) الكافي في الفقه: كتاب الجهاد في أحكام الغنيمة ص 259.
527

المسلمين (1).
وهو مع ضعفه بالارسال، ومخالفة الأصل، وما مر من النص معارض
بآخر: في رجل كان له عبد فأدخل دار الشرك ثم أخذ سبيا إلى دار
الاسلام؟ قال: إن وقع عليه قبل القسمة فهو له، وإن جرى عليه القسمة
فهو أحق به بالثمن (2).
مضافا إلى ما سيأتي وللنهاية والحلبي الصحيح: عن رجل لقيه العدو
وأصاب منه مالا أو متاعا ثم أن المسلمين أصابوا ذلك كيف يصنع بمتاع
الرجل؟ فقال: إذا كانوا أصابوا قبل أن يحوزوا متاع الرجل رد عليه، وإن
كانوا أصابوه بعد ما حازوه فهو فئ للمسلمين فهو أحق بالشفقة.
ولكن الحيازة فيه تحتمل القسمة لا الاغتنام، ومع ذلك فقد حمله الشيخ
وغيره على التقية فلا يعترض به الأدلة المتقدمة، مع اعتضادها أو انجبارها
زيادة على الأصل بالشهرة العظيمة.
فلا إشكال في المسألة من الرد على أربابها إذا عرف قبل القسمة بنحو
من البينة، من غير أن يعزم الإمام شيئا للمقاتلة.
(و) إنما الاشكال والخلاف المعروف فيما (لو عرف بعد القسمة)
وقد اختلف الأقوال فيه والأخبار.
وللشيخ (ف‍) يه (قولان) معروفان:
أحدهما: في النهاية (1) أنها للمقاتلة ويغرم الإمام أثمانها لأربابها، كما
في المسألة السابقة.

(1) وسائل الشيعة. ب 35 من أبواب جهاد العدو ح 1 ج 11 ص 73.
(2) وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب جهاد العدو ح 4 ج 11 ص 74.
(3) النهاية ونكتها: كتاب الجهاد ب 3 في قسمة الفئ و... ج 2 ص 10.
528

وثانيهما: في المبسوط (1) والخلاف (2) والاستبصار (3) أنها لأربابها ويغرم
الإمام أثمانها للمقاتلة من بيت المال، واختار هذا الحلي والفاضل في
التحرير (4) والمنتهى (5) والمختلف (6) والشهيد في الدروس (7)، لكنه لم يذكر
الغرامة، والماتن في الشرائع (8) والكتاب، لقوله.
(أشبههما ردها على المالك، ويرجع الغانم على الإمام بقيمتها مع
التفرق) أي تفرق العسكر، وعدم إمكان الجمع، فيغرمها من بيت المال
(وإلا) يتفرق (فعلى الغنيمة) فتعاد القسمة، أو يرجع الإمام على كل
بالنسبة.
لكن ليس في كتب الشيخ ومن مر هذا التفصيل من التفرق، فإلى
الإمام وقبله فإلى الغنيمة، ووافق الماتن شيخنا في المسالك (9) والفاضل
المقداد في الشرح (10).
ولا بأس به، للنص: عن رجل كانت له جارية فأغار عليها المشركون
فأخذوها، ثم إن المسلمين بعد غزوهم فأخذوها منه فيما غنموا منه؟ فقال:
إن كانت في الغنائم وأقام أن المشركين أغاروا عليهم فأخذوها منه ردت

(1) المبسوط: كتاب الجهاد في الغنيمة ج 2 ص 16.
(2) الخلاف: كتاب السير م 10 ج 3 ص 230.
(3) الاستبصار: كتاب الجهاد ب 3 ج 3 ص 4.
(4) السرائر: كتاب الجهاد في قسمة الفئ ج 2 ص 11.
(5) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أن المشرك لا يملك أموال المسلم ج 2 ص 955 س 7.
(6) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في أن المشرك لا يملك أموال المسلم ج 1 ص 329 س 19.
(7) الدروس الشرعية: كتاب الجهاد في أن المشرك لا يملك أموال المسلم ص 162.
(8) شرائع الاسلام: كتاب الجهاد في أن المشرك لا يملك أموال المسلم ج 1 ص 326.
(9) مسالك الأفهام: كتاب الجهاد في عدم تملك الحربي؟ مال المسلمين ج 1 ص 157 س 13.
(10) التنقيح الرائع: كتاب الجهاد في عدم تملك الحربي؟ مال المسلمين ج 1 ص 587.
529

عليه، فإن كانت اشتريت وخرجت من المغنم فأصابها ردت عليه برمتها،
وأعطى الذي اشتراها الثمن من المغنم من جميعه، فإن لم يصبها حتى تفرق
الناس وقسموا جميع الغنائم فأصابها بعد؟ قال: يأخذها من الذي هي في
يده إذا أقام البينة، ويرجع الذي هي في يده على أمير الجيش (1).
وضعف سنده بالجهالة مجبور بالأصل والنص والشهرة العظيمة، التي
كادت تكون إجماعا، بل إجماع، كما في الغنية (2) ولو على أصل الرد، من
غير التفصيل المتقدم إليه الإشارة، مع سلامة جميع ذلك عما يصلح
للمعارضة، سوى الأخبار الثلاثة المتقدمة للنهاية في المسألة السابقة، فإنها
تدل على مختاره في هذه المسألة.
لكنها مع ضعف سند أكثرها ومخالفتها الأصول محمولة على التقية، فقد
حكاه في المنتهى عن الثوري والأوزاعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة (3).
(الثاني: في) بيان أحكام (الأسارى)
وهم على ضربين: ذكور وإناث، والذكور بالغون وأطفال
(والإناث (4)) مطلقا.
(والأطفال) كذلك (يسترقون) ويملكون بالسبي (ولا يقتلون)
اجماعا، كما في الغنية (5)، وفي المنتهى بلا خلاف، لأن النبي - صلى الله
عليه وآله - نهى عن قتل النساء والصبيان، وكان - عليه السلام - يسترقهم إذا

(1) وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب جهاد العدو ح 5 ج 11 ص 5 7.
(2) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الجهاد ص 523 س 8.
(3) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في الغنيمة ج 2 ص 955 س 6.
(4) في المتن من المطبوع: منهم.
(5) لم نعثر عليه.
530

سباهم (1).
(ولو اشتبه الطفل بالبالغ اعتبر بالانبات) لتعذر العالم بغيره من
العلامات غالبا، وإلا فلو اتفق العلم به بها لكفى، لعموم الأدلة عليها.
قيل (2). وكذا يقبل إقراره بالاحتلام كغيره من الأقارير. وفيه تأمل.
ولو ادعى استعجال نباته بالدواء فالأقرب القبول، للشبهة الدارئة
للقتل، ولا بأس به.
(والذكور البالغون يقتلون حتما إن أخذوا والحرب قائمة ما لم
يسلموا) فإن أسلموا سقط قتلهم إجماعا، كما في المنتهى، للنبوي: أمرت
أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دمائهم
وأموالهم (3).
وفي الخبر: الأسير إذا أسلم فقد حقن دمه، وصار فيئا (4).
ويتخير الإمام حينئذ بين استرقاقهم والمن عليهم والفداء عند جماعة،
كشيخنا الشهيد الثاني في المسالك (5) والروضة (6)، رفاقا للفاضل في
المنتهى (7)، حاكيا له عن الشيخ أيضا، وحكى في الكتابين تعين المن هنا
قولا.
قال: لعدم جواز استرقاقهم حال الكفر، فمع الاسلام أولى.

(1) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في الأسارى ج 2 ص 926 س 34.
(1) اللمعة الدمشقية: كتاب الجهاد في الأسارى ج 2 ص 402.
(3) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في الأسير ج 2 ص 928 س 5.
(4) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب جهاد العدو ح 2 ج 11 ص 53.
(5) مسالك الأفهام: كتاب الجهاد في الأسارى ج 1 ص 153 س 3.
(6) اللمعة الدمشقية: كتاب الجهاد في الغنيمة ج 2 ص 400.
(7) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في الأسارى ج 2 ص 928 س 8.
531

وفيه أن عدم استرقاقهم حال الكفر إهانة ومصير إلى ما هو أعظم
لا إكرام، فلا يلزم مثله بعد الاسلام، ولأن الاسلام لا ينافي الاسترقاق.
(ويمكن الاستدلال عليه بثبوت جوازه حال الكفر فيما إذا أخذوا بعد
تقضي الحرب، فمع الاسلام قبله أولى.
وأما تعينه، فلعدم دليل على جواز الاسترقاق) (1) هنا وإن جاز مع
الاسلام، لأنه فرع الدليل وليس هنا. وكذا أخذ الفداء لا دليل عليه، إلا
ما ذكره الشيخ من أنه فادى النبي - صلى الله عليه وآله - أسير أسلم
برجلين، فإن تم ثبت التخيير بينه وبين المن.
وأما الاسترقاق فلم يقم عليه دليل. نعم يحتمله ما مر من الخبر، لكنه
ضعيف السند.
ومما ذكرنا يتبين أن الأولى تعين المن.
(و) حيث يجوز قتلهم ف‍ (الإمام مخير بين ضرب أعناقهم وقطع
أيديهم وأرجلهم من خلاف وتركهم حتى ينزفوا) بضم الياء وفتح الزاء
على البناء للمفعول، كما في المسالك قال: لأن الدم هو الفاعل للنزف
لغة (2).
قال الجوهري: يقال. نزفت الدم إذا خرج منه دم كثير حتى يضعف،
فهو نزيف ومنزوف (3).
(وإن أخذوا بعد انقضائها لم) يجز أن (يقتلوا وكان الإمام مخيرا
بين المن) عليهم (والفداء) لأنفسهم بمال أو رجال حيثما يراه من المصلحة

(1) ما بين القوسين لا يوجد في (م).
(2) مسالك الأفهام: كتاب الجهاد في الأسارى ج 1 ص 153 س 12.
(3) الصحاح: مادة (نزف) ج 4 ص 1431.
532

(والاسترقاق) لهم كل ذا على المشهور على الظاهر المصرح به في
المختلف (1) مطلقا، وفي المسالك (2) في الثاني خاصة، وفي المنتهى (3) أنه
ذهب إلى ذلك علماؤنا أجمع، وظاهره الاجماع عليه.
وهو الحجة: مضافا إلى بعض المعتبرة: أن للحرب حكمين إذا كانت
قائمة لم تضع أوزارها ولم تضجر أهلها، فكل أسير أخذ في تلك الحال فإن
الإمام فيه بالخيار، إن شاء ضرب عنقه، وإن شاء قطع يده ورجله من
خلاف بغيرهم، وتركه يتشحط بدمه حتى يموت، فهو قول الله عز وجل:
(إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو
يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الأرض) (4) - إلى
أن قال -: في تفسير النفي ذلك المطلب أن يطلب الخيل حتى يهرب، فإن
أخذته الخيل حكم عليه ببعض الأحكام التي وصفت لك، والحكم الآخر
إذا وضعت الحرب أوزارها أو أثخن أهلها، فكل أسير أخذ على تلك الحال
فكان في أيديهم فالإمام فيه بالخيار إن شاء من عليه، وإن شاء فاداهم
أنفسهم، وإن شاء استعبدهم فصاروا عبيدا (5).
وقصور السند أو ضعفه مجبور بالعمل، وفيه حجة على القاضي،
حيث خالف فيما لو أخذ قبل تقضي الحرب فجوز للإمام قتله بأي نوع من
أنواع القتل وفيما لو أخذ بعده، فخيره بين الثلاثة المتقدمة والقتل (6).

(1) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في الأسارى ج 1 - 2 ص 331 س 33.
(2) مسالك الأفهام: كتاب الجهاد في الأسارى ج 1 ص 153 س 14.
(3) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في الأسارى ج 2 ص 927 س 5.
(4) المائدة: 33.
(5) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب جهاد العدو ح 1 ج 11 ص 53.
(6) المهذب: كتاب الجهاد في الأسارى ج 1 ص 316.
533

وعلى الحلبي حيث خالف في الأول بتخيره له بين ما مر والصلب
والمفاداة إلا في الصلب، لوجوده في النص، نظر إلى الآية المذكورة فيها،
وفي الثاني خيره بين المفاداة والمن (1). ولم يذكر الاسترقاق.
وعلى ابن حمزة (2) حيث خالف في الثاني، ففصل فيه بين من يجوز عقد
الذمة له، كالذمي فيتخير بين الأمور الثلاثة، وغيره، كالوثني فبين المن
والفداء خاصة، ولم يجوز الاسترقاق له، وحكاه الفاضل عن الشيخ في
المختلف (3) واختاره، وفي المنتهى (4) رده. وهو الوجه، وفاقا لشيخنا الشهيد
الثاني في كتابيه (5)، لاطلاق النص.
وعلى العماني (6) فخيره بين المن والفداء والاسترقاق، ولم يفصل بينهما،
ولم أجد لشئ من هذه الأقوال دليلا، مضافا إلى مخالفتها النص هو الذي
مضى، وظاهر التخيير فيه في المقامين كونه تخيير شهوة.
خلافا لشيخنا في كتابيه (7) في الثاني، فجعله تخيير اجتهاد في مصلحة
لا شهوة، إلا إذا تساوت الأفراد فيها فشهوة، وفاقا للفاضل في التحرير (8)
والمنتهى (9)، قال: لأن الإمام ولي المسلمين، فيرى لهم الأصلح من

(1) الكافي في الفقه: كتاب الجهاد في الأسارى ص 257.
(2) الوسيلة: كتاب الجهاد في الأسارى ص 203.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في الأسارى ج 1 - 2 ص 331 س 38.
(4) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في الأسارى ج 2 ص 928 س 2.
(5) اللمعة الدمشقية: كتاب الجهاد في الأسارى ج 2 ص 401، ومسالك الأفهام: كتاب الجهاد في
الأسارى ج 1 ص 153 س 15.
(6) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في الأسارى ج 1 ص 331 س 31.
(7) اللمعة الدمشقية: كتاب الجهاد في الغنيمة ج 2 ص 401، والمسالك: كتاب الجهاد في الأسارى
ج 1 ص 153 س 10.
(8) تحرير الأحكام: كتاب الجهاد في أحكام الأسارى ج 1 ص 140 س 12.
(9) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أحكام الأسارى ج 2 ص 928 س 4.
534

الثلاثة.
قال في المسالك: ويحتمل كون التخيير في الأول كذلك أيضا، فإن
قطع الأيدي والأرجل قد يكون أصلح، ليعتبر الكفار ويترهبوا ويرغب
ضعيف العقيدة في اتباع المسلمين، ويمكن كون ضرب العنق أصلح باعتبار
آخر (1).
وهو وإن كان اجتهادا في مقابلة النص، لكنه أولى.
(ولا يسقط هذا الحكم) المذكور في المقام الثاني من التخيير بين
الأمور الثلاثة (لو أسلموا) لاطلاق النص والفتوى، إلا ما يحكى في
المختلف (2) والدروس (3) عن الشيخ أنه قال: وقد قيل: إنه إن أسلم سقط
عنه الاسترقاق، لأن عقيلا أسلم بعد الأسر ففداه النبي - صلى الله عليه
وآله -، ولم يسترقه، قال في الدروس: وهي أنه حكاية حال فلا تعم.
أقول: مع احتمال كون المفاداة لكونها أحد الأمور المخير بينها فاختارها
لذلك، لا لأجل عدم جواز الاسترقاق، كما هو واضح.
وحيث يختار الفداء والاسترقاق يدخل ذلك في الغنيمة، كما يدخل من
استرق ابتداء فيها من النساء والأطفال، على ما ذكره جماعة ومنهم
الشهيدان (4) والفاضل في المنتهى (5).
وفيه: لا يقال: الغانمون لا حق لهم في الأسير، لأن الإمام مخير فيه

(1) مسالك الأفهام: كتاب الجهاد في الأسارى ج 1 ص 153 س 11.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في الأسارى ج 1 - 2 ص 332 س 4.
(3) الدروس الشرعية: كتاب الجهاد في الأسارى ص 163 س 4.
(4) اللمعة الدمشقية: كتاب الجهاد في الأسارى ج 2 ص 402، ومسالك الأفهام: كتاب الجهاد في
الأسارى ج 1 ص 153 س 16.
(5) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في الأسارى ج 2 ص 928 س 19.
535

فكيف يكون لهم حق في بدله، لأنا نقول: لا نسلم أن الغانمين لا حق لهم
في الأسير.
وتخير الإمام إنما يتعلق بمصلحة المسلمين في الأسير، لأنه لم يصر مالا،
فإذا صار مالا تعلق حق الغانمين به، لأنهم أسروه وقهروه، وهذا كثير
النظائر، فإن من عليه الدين إذا قتل عمدا لم يكن لأرباب الدين حق على
القاتل، فإن اختار الورثة المال ورضي به القاتل تعلق حقهم به.
(ولا يقتل الأسير) الذي يجوز للإمام قتله (لو عجز عن المشي)
لأنه ما يدري ما حكم الإمام فيه بالنسبة إلى نوع القتل، ولأن قتله إلى
الإمام وإن كان مباح الدم في الجملة كالزاني المحصن.
وحينئذ، فإن أمكن حمله، وإلا ترك، للخبر: إذا أخذت أسيرا فعجز
عن المشي ولم يكن معك محمل فأرسله، ولا تقتله فإنك لا تدري ما حكم
الإمام فيه (1).
وظاهره تحريم القتل ووجوب الارسال، كما هو ظاهر المتن، وصريح
الشهيدين في الدروس (2) واللمعتين (3) في الأول، وظاهر النهاية (4)
والسرائر (5) فيه وفي الثاني.
خلافا للفاضلين في الأول، فعبر في الشرائع (6) والتحرير (7) والمنتهى (8)

(1) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب جهاد العدو ح 2 ج 11 ص 53.
(2) الدروس الشرعية: كتاب الجهاد في الأسارى ص 162 س 10.
(3) اللمعة الدمشقية: كتاب الجهاد في الأسارى ج 2 ص 402.
(4) النهاية ونكتها: كتاب الجهاد في الأسارى ج 2 ص 11.
(5) السرائر: كتاب الجهاد في الأسارى ج 2 ص 12.
(6) شرائع الاسلام. كتاب الجهاد في الأسارى ج 1 ص 318.
(7) تحرير الأحكام: كتاب الجهاد في حكم الأسارى ج 1 ص 141 س 17.
(8) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في حكم الأسارى ج 2 ص 932 س 25.
536

عن الحكم بعدم الوجوب، وللدروس في الثاني فنسب وجوب الارسال فيه
إلى النهاية، مشعرا بتردده فيه ولعله لضعف السند، ولأن القتل متعين عليه
فلا يجوز للمسلم أن يتركه وينصرف، لما فيه من الاخلال بالواجب،
وتقوية الكفار، فإنه يستريح ويذهب إليهم، ولأنه يؤدي إلى جعل ذلك
وسيلة إلى الخلاص بالحيلة.
وفيه أنه اجتهاد في مقابلة النص المعتبر المنجبر بالعمل، سيما من نحو
الحلي الذي لا يعمل بالخبر الواحد، وإن اعتبر بحسب السند، فضلا عن
ضعفه. ولعل هذا هو الوجه الآخر للتردد.
وصرح جماعة بأنه لو بدر إنسان فقتله كان هدرا لا قصاص عليه ولا دية
ولا كفارة، لأنه كافر لا أمان له.
نعم يعزر قاتله مسلما كان أو كافرا. وكذا الحكم لو قتله قاتل من غير
عجز، ولا بأس به.
(و) كذا (لا) يقتل الأسير، بل مطلق من يجب قتله (بعد
الذمام) والأمان (له) بلا خلاف، لما مر.
(ويكره أن يصبر) بدم من يجب قتله (على القتل) للصحيح: لم
يقتل رسول الله - صلى الله عليه وآله - رجلا صبرا قط غير عقبة بن
أبي معيط (1).
وفسر بالحبس للقتل (2) في المشهور، وفي المسالك: وقيل: المراد به
التعذيب حتى يموت، وقيل: قتله جهرا بين الناس، وقيل: أن يهدد بالقتل
ثم يقتل (3).

(1) وسائل الشيعة: ب 66 من أبواب جهاد العدو ح 1 ج 11 ص 112.
(2) في " م ": بل مطلق من يجب قتله.
(3) مسالك الأفهام: كتاب الجهاد في حكم الأسارى ج 1 ص 153 س 25.
537

وفي غيره فيه ثلاثة أوجه: الأول: أن يقتل وينظر إليه آخر، الثاني:
أن لا يطعم ولا يسقى حتى يموت بالعطش والجوع، والثالث: ما هو المشهور.
ولا بأس بكراهة الكل، بل يحتمل ترك الاطعام والسقي التحريم، كما
هو ظاهر الأصحاب، حيث أفتوا بوجوبهما مطلقا ولو أريد قتله سريعا ومنهم
الشيخ في النهاية (1) والحلي في السرائر (2) والفاضلان (3) والشهيدان (4)
وغيرهم، بل لا خلاف فيه أجده، إلا من بعض المتأخرين فحكم
بالاستحباب (5)، للصحيح: إطعام الأسير حق على من أسره، وإن كان
يراد قتله من الغد فإنه ينبغي أن يطعم ويسقى ويرفق به كافرا كان، أو
غيره (6).
وفي آخر مروي عن قرب الإسناد: إطعام الأسير والاحسان إليه حق
واجب (7)
بل صريحه الوجوب، كصدر الأول، فهو الأقرب.
(ولا يجوز دفن الحربي) بل الكافر بأقسامه، بل لا إشكال فيه
(و) لا في أنه (يجب دفن المسلم) وقد مر الكلام فيهما في محله. هذا
إذا لم يشتبه أحدهما بالآخر.

(1) النهاية ونكتها: كتاب الجهاد في حكم الأسارى ج 2 ص 11.
(2) السرائر: كتاب الجهاد في حكم الأسارى ج 2 ص 12.
(3) شرائع الاسلام: كتاب الجهاد في حكم الأسارى ج 1 ص 318، ومنتهى المطلب: كتاب الجهاد
في حكم الأسارى ج 2 ص 932 س 31.
(4) الدروس الشرعية: كتاب الجهاد في الأسارى ص 162، ومسالك الأفهام: كتاب الجهاد في
الأسارى ج 1 ص 153 س 24.
(5) لم نعثر عليه.
(6) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب جهاد العدو ح 1 ج 11 ص 68.
(7) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب جهاد العدو و... ح 3 ج 11 ص 69.
538

(ولو اشتبهوا قيل:) والقائل الشيخ في المبسوط (1) وتبعه الفاضل في
المختلف (2) أنه (يوارى) ويدفن (من كان كميشا) أي صغير الذكر،
وعزاه في النهاية (3) إلى الرواية، وهي حسنة، بل صحيحة: لا تواروا إلا
من كان كميشا، وقال: لا يكون ذلك إلا في كرام الناس (4).
خلافا للحلي فأوجب القرعة، لأنها لكل أمر مشكل (5). وهو حسن
على أصله، غير مستحسن على المختار من حجية أخبار الآحاد المجتمع فيها
شرائط الاعتبار، كما في المضمار، وبعد وروده فلا إشكال.
وللتنقيح فقال: ولو قيل يدفن الكل احتياطا كان حسنا، أما مع
التعدي بهم فيدفن جميعا (6).
وفيه نظر إن أريد به الاحتياط وجوبا، وإلا فلعله محتمل، وإن كان
الأقوى عدم وجوب دفن من لم يكن كميشا، بناء على ما قدمنا من العمل
بالنص.
وعليه، فيتضح أمر الصلاة أيضا فيصلي على من يدفن منهم دون غيره،
وإليه أشار في المبسوط فقال مشيرا إلى مقتضى النص: فعلى هذا يصلى على
من هذه صفته، لكن قال: وإن قلنا يصلى على كل واحد منهما منفردا بنيته
بشرط إسلامه كان احتياطا، وإن قلنا يصلى عليهم صلاة واحدة وينوي
الصلاة على المؤمنين منهم كان قويا (7).

(1) المبسوط: كتاب الجهاد في حكم القتلى ج 2 ص 19.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في حكم القتلى ج 1 ص 338 س 10.
(3) النهاية ونكتها: كتاب الجهاد في حكم القتلى ج 2 ص 14.
(4) وسائل الشيعة: ب 65 من أبواب جهاد العدو... ح 1 ج 11 ص 112.
(5) السرائر: كتاب الجهاد باب زيادات ذلك ج 2 ص 20.
(6) التنقيح الرائع: كتاب الجهاد في دفن القتلى ج 1 ص 589.
(7) المبسوط: كتاب الصلاة في صلاة الجنازة ج 1 ص 182.
539

وإلى ما قواه أخيرا جنح الحلي في السرائر (1) والفاضل في المختلف (2)،
وهؤلاء يتوجه على أصل كل منهما، أما الحلي فلأن عموم ما دل على القرعة
يشمل المقام أيضا، وكذلك النص باعتبار الصفة، لكشفها عن إسلام
الموصوف بها لا لكونها تعبدا محضا، فلا يشمل غيرها، بل يختص بها، وبه
يشعر ذيل النص، لقوله لا يكون ذلك إلا في كرام الناس.
نعم لو احتيط بذلك كان محتملا، كما قدمنا.
واعلم أن قول الماتن: (كما أمر النبي - صلى الله عليه وآله
وسلم -) بذلك (في قتلى بدر) مشيرا به إلى ما تضمنه النص المتقدم
بتضمن الاعتراف بصحة مضمونه.
ومعه فلا وجه للتردد المستفاد من النسبة إلى القيل، المشعرة بالتمريض،
إلا أن يجعل هذا مقول قول القيل، لا قول الماتن حتى يستلزم الاعتراف
بصحته، أو يكون نظره إلى أنها قضية في واقعة لا عموم لها، ولذا أعرض
عنه في الصلاة كل من قال به في الدفن فأوجبوا الرجوع فيها إلى الأصول.
وهو قوي متين، سيما مع عدم وضوح سنده وشبهة ما فيه، ودعوى
الحلي الشذوذ فيه، لكن شئ من ذلك لا يبلغ درجة القدح فيه بعد ظهور
اعتباره، وإن لم يقطع بصحته ووهن دعوى شذوذه، كتخيل عدم عمومه
بأنه قضية في واقعة، لظهور ذيله في العموم، وعدم إناطة الأمر بالخصوص.
وبالجملة: فالمتوجه قول المبسوط، وإن كان الأحوط ما مر.
(وحكم الطفل) الذي لم يبلغ الحلم مطلقا ذكرا كان أو أنثى
(حكم والديه) في الاسلام والكفر وما يتبعهما من الأحكام، كالطهارة

() السرائر: كتاب الجهاد في صلاة القتلى ج 2 ص 20.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في صلاة القتلى ج 1 - 2 ص 338 س 12.
540

والنجاسة وغيرهما، بالاجماع الظاهر، والنص المستفيض، بل المتواتر.
ففي الصحيح المروي في الفقيه. عن أولاد المشركين يموتون قبل أن يبلغوا
الحنث؟ قال: كفار (1).
وفي الخبر المروي فيه: أولاد المشركين مع آبائهم في النار، وأولاد
المسلمين مع آبائهم في الجنة (2).
وفي المرسل المروي في الكافي: أطفال المؤمنين يلحقون بآبائهم، وأولاد
المشركين يلحقون بآبائهم (3).
إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في مواضع متشتتة، كمسألة جواز
إعطاء أطفال المؤمنين (4) من الزكوات والكفارات، وجواز العقد عليهم
مطلقا، مع اشتراط الاسلام في جميع ذلك اتفاقا فتوى ونصا.
وبالجملة: فالحكم أوضح من أن يحتاج إلى مزيد بيان.
وعليه (فإن أسلما) أي الأبوان (أو أحدهما لحق) الولد
(بحكمه) أي المسلم منهما. أما مع اسلامهما فواضح.
وأما مع اسلام أحدهما فلأن الاسلام يعلو ولا يعلى عليه، مضافا إلى
فحوى ما دل على لحوق الولد بأشرف أبويه في الحرية، ففي الاسلام أولى،
وذكر جماعة تبعيته للسابي المسلم إذا سباه مفردا عنهما، كالشيخ (5)
والقاضي (6) والإسكافي فيما حكاه عنهم الفاضل في المختلف (7)، منتظرا فيه

(1) من لا يحضره الفقيه: كتاب النكاح باب حال من يموت من أطفال... ح 4740 ج 3 ص 491.
(2) من لا يحضره الفقيه: كتاب النكاح باب حال من يموت من أطفال.... ح 4739 ج 3 ص 491.
(3) الكافي: كتاب الجنائز ح 2 ج 3 ص 248.
(4) في " م ": المسلمين.
(5) المبسوط: كتاب الجهاد في الأسارى ج 2 ص 23.
(6) المهذب: كتاب الجهاد في الأسارى ج 1 ص 318.
(7) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في الأسارى ج 1 ص 331 س 19.
541

وفيما وقفت عليه من كتبه، وتبعه جماعة ومنهم شيخنا الشهيد (1) الثاني.
ولعله في محله، لعدم دليل يعتد به عليها كلية، إلا في الطهارة خاصة،
فلا بأس بها، وفاقا لجماعة.
لا لما قيل (2) من ظهور عبائر الجماعة في الاجماع عليها لمنعه بظهور عبارة
الذكرى في تفرعها على التبعية مطلقا، فإن قلنا بها كذلك ثبتت، وإلا
فلا (3).
ولا لما في المعالم (4) من أصالة الطهارة، ولزوم الاقتصار فيما خالفها على
المتيقن المجمع عليه، وليس إلا النجاسة قبل السبي، وأما بعده فيجب
المصير إليها، لعدم المخصص لها، لابتنائه على انحصار دليل النجاسة في
الاجماع وعدم حجية الاستصحاب.
ويمنعان بوجود الاطلاق نصا وفتوى، كما مضى بالتبعية في الكفر،
المقتضية للنجاسة، وخرج منه ما إذا أسلم أبواه أو أحدهما، ويبقى الباقي
تحته مندرجا، وثبوت حجية الاستصحاب، بل لمنع شمول الاطلاق لمحل
البحث، لاختصاصه بحكم التبادر وغيره بغير صورة سبي المسلم.
والاستصحاب إنما يكون حجة حيث يسلم عن المعارض، وفي محل
البحث ليس بسالم، لمعارضة استصحاب النجاسة باستصحاب طهارة الملاقي
له، فكما أن الأول يقتضي بقاء نجاسة المسبي، فكذا الأخير يقتضي بقاء
طهارة ملاقيه.
وهذا أيضا لا يخلو عن نظر، فإن الأول وارد على الثاني، فليقطع به إن

(1) مسالك الأفهام: كتاب الجهاد في الأسارى ج 1 ص 153 س 29.
(2) لم نعثر عليه.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في النجاسات ص 14 س 12.
(4) غير متوفر لدينا كتابه.
542

ثبت المعارضة بينهما، باتحاد متعلقهما معنى ولو تغايرا محلا بإجماع ونحوه،
وإلا فالواجب العمل عليهما كل في محله، ومرجعه حينئذ إلى نجاسة المسبي
وطهارة الملاقي، فإن لم يناف الاجماع وأمكن القول بهما لم يثبت المطلب من
الحكم بطهارة المسبي، وإنما الثابت طهارة ملاقيه، ولا تلازم بينهما، كما
فرضنا، ونظائره كثيرة.
نعم لم يتبين حينئذ أثر النجاسة في هذا الفرع، ولكن قد تبين قي فرع
آخر، كمنعه عن دخول المساجد ونحوه إذ لا معارض له في هذا الفرع.
فيتوجه الحكم بنجاسته مطلقا باستصحابها الخاص الوارد على
استصحاب طهارة الملاقي، كما مضى.
وحيث أن الفرع الأعظم هو طهارة الملاقي أو نجاسته مع عدم وجود
الاجماع المركب المقطوع به على تعارض الاستصحابين تعين القول بطهارته في
هذا الفرع، سيما مع التأيد بالاجماع المنقول المتقدم.
ولا يعارضه عبارة الذكرى المتقدمة، لكونه راجحا عليها، مضافا إلى
استلزام نجاسته العسر والحرج المنفي، ولكن الاحتياط واضح. هذا إذا سبي
منفردا.
وأما إذا سبي مع أبويه أو أحدهما كان كافرا ولم يتبع السابي قولا
واحدا منا.
(ولو أسلم حربي في دار الحرب) أو دار الاسلام قبل السبي
(حقن دمه) عن القتل (وماله) إذا كان (مما ينقل) عن الاغتنام
(دون) ما لا ينقل من (العقارات والأرضين، ولحق به ولده
الأصاغر) دون الكبائر، فإن حكمهم حكم سائر الكفار بغير خلاف.
للخبر المنجبر بالعمل: عن الرجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار
الحرب وظهر عليه المسلمون بعد ذلك؟ فقال: إسلامه إسلام لنفسه ولولده
543

الصغار وهم أحرار، فأما الولد الكبار فهم فئ للمسلمين، إلا أن يكونوا
أسلموا قبل ذلك، وأما الدور والأرضون فهي فئ، ولا يكون له، لأن
الأرض هي أرض جزية لم يجر فيها حكم أهل الاسلام، وليس بمنزلة ما
ذكرناه، لأن ذلك يمكن إجباره وإخراجه إلى دار الاسلام (1).
وفيه أيضا دلالة على ما مر من الحكم بتبعية لولد لأبويه في الكفر
والاسلام، كما لا يخفى على من تأمل فيه التأمل التام.
(ولو أسلم عبد) الكافر أو آمنه (في دار الحرب قبل مولاه)
وخرج إلينا (ملك نفسه) ولا سبيل لمولاه عليه، إجماعا فتوى ونصا،
وصرح به في المختلف (2) أيضا، وكذا إذا لم يخرج على قول للشيخ قواه في
المبسوط (3) بعد أن أفتى فيه بالعدم والرقية أولى، كما هو خيرته في النهاية (4)
وخيرة الحلي (5) وعامة المتأخرين عنهما، حتى الماتن في الشرائع (6) جاز ما.
لكنه تردد هنا، لقوله: (وفي اشتراط خروجه) إلينا (تردد) ينشأ
من حيث إسلامه المانع عن استيلاء الكافر عليه، لقول تعالى: (ولن يجعل
الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) (7)، وقوله - عليه السلام -: الاسلام يعلو
ولا يعلى (8).

(1) وسائل الشيعة: ب 43 من أبواب جهاد العدو ح 1 ج 11 ص 89، وفيه اختلاف يسير.
(2) مختلف الشية: كتاب الجهاد في اسلام العبد قبل مولاه المشرك ج 1 - 2 ص 330 س 1.
(3) المبسوط: كتاب الجهاد في اسلام العبد قبل مولاه المشرك ج 2 ص 27.
(4) النهاية ونكتها: كتاب الجهاد ب 3 في اسلام العبد قبل مولاه المشرك ج 2 ص 10.
(5) السرائر: كتاب الجهاد باب قسمة الفئ والأسارى ج 2 ص 10.
(6) شرائع الاسلام: كتاب الجهاد ج 1 ص 319.
(7) النساء: 141.
(8) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب موانع الإرث ح 11 ج 17 ص 376 فيه: ولا يعلى عليه.
544

ومن الأصل، ولزوم الاقتصار فيما خالفه على المتيقن من الفتوى
والنص، وليس إلا بعد الخروج، بناء على أن نفي العلو والاستيلاء في الآية
والرواية لا ينافي الملكية، بل السلطنة ونفيها يحصل بالاجبار على البيع من
مسلم، أو اغتنامه من سيده بالقهر والغلبة، ومع ذلك ف‍ (المروي) من
طرق الخاصة والعامة (الاشتراط).
ففي الموثق أو القوي: أيما عبد خرج إلينا قبل مولاه فهو حر وأيما عبد
خرج إلينا بعد مولاه فهو عبد (1)، وبمعناه النبوي المروي في المنتهى (2).
(الثالث: في) بيان (أحكام الأرضين)
وهي أربعة:
منها أرض الخراج (و) هي (كل أرض فتحت عنوة) وهي بفتح
العين وسكون النون الخضوع، ومنه قوله سبحانه: (وعنت الوجوه) (3)،
والمراد هنا ما فتحت بالقهر والغلبة (وكانت محياة) ومعمورة وقت الفتح
(فهي للمسلمين كافة) إلى يوم القيامة.
(و) لا يختص بها (الغانمون) ولا يفضلون على غيرهم، بل
يشاركونهم (في الجملة) كشركة باقي المسلمين من غير خصوصية، بإجماعنا
الظاهر المستفاد من جماعة، للمعتبرة المستفيضة.
ففي الصحيح: عن السواد؟ قال هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم ولمن

(1) وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب جهاد العدو ح 1 ج 11 ص 89.
(2) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في الأسارى ج 2 ص 930 س 3.
(3) طه: 111.
545

يدخل في الاسلام بعد اليوم ولمن يدخل بعد فقلنا الشراء من الدهاقين قال:
لا يصلح، إلا أن يشتري منهم على أن يجعلها للمسلمين، فإن شاء ولي
الأمر أن يأخذها أخذها قلنا: فإن أخذنا منه، قان: يرد عليه رأس ماله وما
أكل من غلتها بما عمل (1).
وفي الخبر: عن شراء الأرض من أرض الخراج فكرهه وقال. إنما أرض
الخراج للمسلمين فقالوا له: إنه يشتر بها الرجل وعليه خراجها؟ فقال:
لا بأس، إلا أن يستحي من عجب ذلك (2).
وفي آخر: لا يشتري من أرض السواد شيئا إلا من كانت له ذمة فإنما
هو فئ للمسلمين (3).
وفي ثالث: كيف ترى في شراء أرض الخراج؟ قال: ومن يبيع ذلك
وهي أرض المسلمين؟ قلت: يبيعها الذي هي في يده، قال: ويصنع
بخراج المسلمين ماذا؟ ثم قال: لا بأس أن يشتري حقه منها ويحول حق
المسلمين عليه، ولعله يكون أقوى عليها وأملى بخراجهم منه (4).
وهي وإن أوهمت جواز شرائها، أو دلت عليه (و) لكن ظاهر
الأصحاب الاتفاق على أنها (لا تباع ولا توقف ولا توهب ولا تملك)
بوجه من الوجوه (على الخصوص) بل زاد بعضهم، كالشيخ في
المبسوط (5) (وفي الشرائع) (6) فمنع عن مطلق التصرف فيها ولو بنحو من

(1) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 4 ج 12 ص 274 مع تفاوت قليل.
(2) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 9 ج 12 ص 275.
(3) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 5 ج 12 ص 274.
(4) وسائل الشيعة: ب 71 من أبواب جهاد العدو... ح 1 ج 11 ص 118.
(5) المبسوط: كتاب الجهاد في حكم الأرضين ج 2 ص 34 و ج 1 ص 235.
(6) ما بين القوسين أثبتناها من نسخة (مش).
546

البناء، لما دلت عليه بعد الاجماع أنها للمسلمين قاطبة، فلا يجوز لأحد
تملكها ولا التصرف فيها مطلقا من غير إذن الإمام قطعا.
ولذا منعت جملة منها عن الشراء أولا، وحمل بعضهم الشراء المرخص
فيها ثانيا على الاستنقاذ، كما تشعر به الرواية الأولى، أو على شراء ما فيها
من الآثار دونها، كما عقله شيخنا الشهيد الثاني من الرواية الأخيرة،
لقوله: لا بأس أن يشتري حقه منها قال: لأنها حقه منها دون نفس
الأرض، فلا حق له فيها بخصوصه، بل ولا تصرف (1).
وفيه بعد، لأن الظاهر من الحق فيها إنما هو حق الأولوية لا الآثار، مع
أن الآثار الموجودة فيها يومئذ تعم الآثار الموجودة وقت الفتح التي بها خرجت
عن الموات، وصارت فيئا للمسلمين كافة، وحكمها حكم نفس الأرض
للمسلمين بلا خلاف لا يجوز التصرف فيها ببيع ونحوه.
وتخصيصه بالآثار المتجددة المملوكة للمتصرف فيها بإذن الإمام وإن
أمكن، لكنه بعد في بعد، ومع ذلك فلا بأس به ولا بالأول جمعا.
وأما حملها على جواز بيعها تبعا للآثار - كما عليه الحلي (2) وجماعة من
المتأخرين - فمحل إشكال، وفاقا لشيخنا في المسالك (3) في كتاب الاحياء،
وإن وافقهم هنا، لعدم دليل واضح عليه، إلا أن يكون إجماعا، كما يفهم
من بعض العبارات.
(والنظر فيها إلى الإمام - عليه السلام -) يقبلها بالذي يرى، كما
صنع رسول الله - صلى الله عليه وآله - بخيبر قبل أرضها ونخلها، كما في

(1) مسالك الأفهام: كتاب احياء الموات في حكم الأرضين ج 2 ص 287 س 37.
(2) السرائر: كتاب الزكاة في أحكام الأرضين ج 1 ص 478.
(3) مسالك الأفهام: كتاب احياء الموات في حكم الأرضين ج 2 ص 287 س 34.
547

الصحيح (1) وغيره (2)، ولا خلاف فيه.
و (يصرف حاصلها في المصالح) المتعلقة بالمسلمين من نحو ما يذكر
في المرسل كالصحيح، وهو جامع لما على الوالي أن يعمل فيه، ففيه:
والأرضون التي أخذت عنوة بخيل وركاب فهي موقوفة متروكة في أيدي من
يعمرها ويحييها ويقوم عليها على قدر ما يصالحهم الوالي على ذلك، على قدر
طاقتهم من النصف والثلث، وعلى قدر ما يكون لهم صلاحا ولا يضرهم،
فإذا خرج منها ما أخرج بدأ فأخرج منه العشر مما سقت السماء أو سقى
سيحا - إلى أن قال -:
فإن فضل من بعد ذلك - أي من الزكاة وما قبله - شئ رده إلى الوالي،
وإن نقص من ذلك شئ ولم يكتفوا به كان على الوالي أن يمونهم من عنده
بقدر سعتهم حتى يستغنوا، ويؤخذ بعد ما بقي من العشر فيقسم بين الوالي
وشركائه الذين هم عمال الأرض وأكرتها فيدفع إليهم أنصباؤهم على ما
صالحهم ويؤخذ الباقي، فيكون بعد ذلك أرزاق أعوانه على دين الله تعالى،
وفي مصلحة ما ينويه من تقوية الاسلام وتقوية الدين في وجوه الجهاد، وغير
ذلك مما فيه مصلحة العامة (3)، الخبر. هذا مع حضوره.
أما مع غيبته فما كان بيد الجائر يجوز المضي معه في حكمه فيها، فيصح
تناول الخراج والمقاسمة فيه، لهبة وشراء وغيرهما مما يقتضيه حكمه شرعا،
كما هو ظاهر الأصحاب والأخبار الواردة بحل ما يأخذه الجائر.
ويؤخذ من المقاسمة والخراج، وما يمكن الاستقلال نائب الإمام به،

(1) وسائل الشيعة: ب 71 من أبواب جهاد العدو ح 2 ج 11 ص 118.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب احياء الموات ح 1 ج 17 ص 330.
(3) وسائل الشيعة: ب 41 من أبواب جهاد العدو و... ح 2 ج 11 ص 84، وفيه اختلاف يسير.
548

فهو الحاكم الشرعي، فأمره إليه يصرفه في مصالح المسلمين كالأصل.
ولا يجوز جحد الخراج والمقاسمة، ولا التصرف فيهما، إلا بإذن الجائر،
حيث يطلبه، أو يتوقف على إذنه مطلقا في ظاهر الأصحاب، كما في
المسالك (1). وفيه بعد نقل الاجماع عليه.
أقول. وهو المحقق الثاني في شرح القواعد في كتاب الاحياء (2).
وعلى هذا، فلا يجوز التصرف في هذه الأراضي بغير إذنهم أيضا حيث
يعتبر.
خلافا لبعض من عاصرناه فجوزه للشيعة (3)، للأخبار. وفيه نظر.
(وما كان) منها (مواتا وقت الفتح فهي) من الأنفال (للإمام)
ما (لا) يجوز لأحد أن (يتصرف فيها إلا بإذنه) بالنص والاجماع. ومع
إذنه تملك بالاحياء، وسيأتي الكلام فيه في بحثه إن شاء الله تعالى.
وبقي هنا شئ، وهو أن الأخبار المتقدمة في أن المعمورة منها للمسلمين
قاطبة لا إشعار فيها بالتفصيل بينها وبين الموات منها، ولا وجه لتقييدها
بالأولى، إلا ما يظهر من الحلي (4) وغيره من أن المخصص لها هو ما يأتي
من الأخبار في أن الموات للإمام، وعمومها يشمل موات أراضي الخراج
أيضا.
وفيه أن التعارض بينهما تعارض العموم والخصوص من وجه، يمكن
تخصيص كل بالآخر، فلا وجه لترجيح تخصيص أخبار الباب بتلك
الأخبار، كما هو مناط الاستدلال لولا الموافقة لفتوى الأصحاب، والاجماع

(1) مسالك الأفهام: كتاب الجهاد في أحكام الأرضين ج 1 ص 155 س 34.
(2) جامع المقاصد: كتاب احياء الموات ج 7 ص 11.
(3) لم نعثر عليه.
(4) السرائر: كتاب الزكاة في أحكام الأرضين ج 1 ص 481.
549

المنقول عن التذكرة في خصوص هذه الموات أنها للإمام (1).
وحينئذ، فلا إشكال.
واحترز بالقيد عما لو كانت معمورة وقت الفتح ثم خربت فإنها
للمسلمين دونه - عليه السلام -، وذلك لما سيأتي من اختصاص الموات من
الأنفال التي يجوز احياؤها وتملكها به بما لم يجر عليه ملك مسلم ومن
بحكمه، أو جرى وباد أهلها دون ما عرف صاحبها، ونفى عنه الخلاف هنا
في السرائر.
فقال: وأما الذي جرى عليه ملك، أي من موات أرض الخراج فإنه
ينظر، فإن كان صاحبه معينا فإنه له ولا يملك بالاحياء بلا خلاف، وإن
لم يكن له صاحب معين ولا وارث معين فهو للإمام عندنا (2)، انتهى.
ولا ريب أن هذه الموات المفروض كونها معمورة وقت الفتح ثم خربت
صاحبها معلوم، وهو المسلمون كافة، كما عرفت.
ويعرف المحيي منها والميت وقت الفتح بأخبار الثقاة، والمعروفين من
أهل التواريخ، مع الامكان، وإلا فبالقرائن المفيدة للعلم، أو الظن
المتاخم له.
ومنها ضرب الخراج والمقاسمة ولو من حكام الجور، على ما ذكره
جماعة، حملا لأفعال المسلمين على الصحة، فإن انتفت فالأصل يقتضي
عدم تقدم العمارة إن كانت الآن معمورة، وإلا فعدمها بالكلية إن كانت
الآن مواتا.
وحينئذ، فيحكم لمن بيده منها شئ بالملك لو ادعاه.

(1) لم نعثر عليه.
(2) السرائر: كتاب الزكاة في أحكام الأرضين ج 1 ص 481.
550

(و) منها أرض الجزية، وهي (كل أرض فتحت صلحا على
أن) يكون (الأرض لأهلها والجزية فيها فهي) ملك (لأربابها،
ولهم التصرف فيها) بأنواع التصرفات المملكة وغيرها بلا خلاف، على
الظاهر المصرح به في بعض العبائر، للنصوص المتقدمة جملة منها في بحث
الجزية، فلا نعيدها.
(ولو باعها المالك) لها ولو من مسلم (صح) لما مر (وانتقل ما
ضرب عليها من الجزية إلى ذمة البائع) دون المشتري مطلقا، كما هو
فرض المتن، أو المسلم خاصة، كما هو فرض الدروس (1) والتحرير (2)
والمنتهى (3) والمختلف (4)، حاكيا الحكم فيه عن الشيخ، والمشهور وافقهم
أيضا، قال: لأصالة براءة الذمة، ولأن المأخوذ جزية، وهي منافية
للاسلام. ولا بأس به.
خلافا للمحكي فيه وفي الدروس عن الحلبي فيجعلها على المشتري
واحتج له بأنه حق على الأرض، فتجب على من انتقلت إليه، كالخراج،
وأجاب عنه بالمنع، قال: وإنما هو حق على رقبة الذمي في نوع من ماله،
فإذا انتقل عنه سقط عنه الحق عن المال (5).
وهو حسن، والأصل والجواب يساعدان العموم في المشتري لنحو المسلم
والذمي، كما في إطلاق المتن، لكن هنا من الأخبار ما يساعد الحلبي،
كالصحيح: عن شراء أرض أهل الذمة؟ فقال: لا بأس بها فتكون إذا كان

(1) الدروس الشرعية: كتاب الجهاد في حكم الأرضين ص 163 س 22.
(2) تحرير الأحكام: كتاب الجهاد في أحكام الأرضين ج 1 ص 142 س 12.
(3) منتهى المطلب: كتاب الجهاد في أحكام الأرضين ج 2 ص 935 س 33.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الجهاد في أحكام الأرضين ج 1 ص 332 س 35.
(5) الدروس الشرعية: كتاب الجهاد في حكم الأرضين ص 163 س 22 نقلا بالمضمون.
551

ذلك بمنزلتهم تؤدى كما يؤدون (1)، الخبر. ونحوه آخر مضمر (2).
ولكنهما مع قصور الثاني ليسا نصين في المراد، مما يؤدي أنه الجزية،
فلعل المراد به الخراج المأخوذ من أرض السواد، المتعلقة بجميع المسلمين،
وأرض الذمي ليس منحصرا في أرض الجزية المشروطة بوقوع الصلح على
كونها لهم، وعليهم الجزية، إذ لو وقع الصلح معهم على كونها للمسلمين
كان حكمهما حكم الأراضي المفتوحة عنوة، كما سيأتي إليه الإشارة،
ويكون المراد من شرائها المرخص، فيهما نحو الشراء المرخص فيه فيما مر من
الأخبار الواردة في شراء أراضي الخراج.
ومنها الرواية المتقدمة المتضمنة للسؤال: عن شراء أرض الخراج فكرهه؟
وقال: إنما أرض الخراج للمسلمين، فقالوا: فإنه يشتر بها الرجل، وعليه
خراجها، فقال: لا بأس، إلا أن يستحي من عيب ذلك (3).
وقيل: في وجه الاستحياء من عيب ذلك أن المراد بأرض الخراج أرض
أهل الذمة والعيب، لاشتباه خراج أرضهم بالجزية (4).
أقول: فلعل المراد مما يؤدى في الصحيحين هذا وإن احتمل فيهما،
كالخراج في هذه الرواية أيضا الجزية حقيقة، كما احتمله فيها أيضا القائل
المتقدم إليه الإشارة.
لكنه بعيد في هذه الرواية، بل ظاهرها المعنى الأول، فيمكن أن
ينصرف إليه ما فيها، وبذلك يضعف الاستناد له إليهما جدا، لقصور دلالتها

(1) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 8 ج 12 ص 275.
(2) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 7 ج 12 ص 275،
(3) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 9 ج 12 ص 275.
(4) لم نعثر عليه.
552

حينئذ، كما ترى.
فإذا المشهور هو الأقوى (1).
(ولو أسلم) الذمي المالك لها كان حكم أرضه حكم أرض من أسلم
طوعا ابتداء، و (سقط ما على أرضه) من الجزية (أيضا، لأنه
جزية) بدل من جزية رؤوسهم، ولا جزية على مسلم اتفاقا نصا وفتوى.
هذا إذا صولحوا على أن الأرض لهم.
(ولو شرطت الأرض) حين الصلح معهم أنها (للمسلمين كانت
ك‍) الأراضي (المفتوحة عنوة) عامرها للمسلمين كافة، وأمرها إلى
الإمام ومواتها له عليه السلام بلا خلاف.
(والجزية) حينئذ (على رؤوسهم) دون أراضيهم، لتعلقها
بالمسلمين، وللصحيح وغيره: الواردين في خيبر.
(و) منها (كل أرض أسلم) عليها (أهلها طوعا) ورغبة،
كالمدينة المشرفة (فهي لهم) على الخصوص يتصرفون فيها كيف شاؤوا
(وليس عليهم) فيها (سوى الزكاة) المفروضة مع اجتماع الشرائط
المعتبرة (في حاصلها مما تجب فيه الزكاة).
للصحيح وغيره: ذكرت لأبي الحسن الرضا - عليه السلام - الخراج وما
سار به أهل بيته؟ فقال. العشر ونصف العشر على من أسلم طوعا تركت
أرضه في يده، وأخذ منه العشر ونصف العشر فيما عمر منها، وما لم يعمر منها
أخذه الوالي فقبله ممن يعمره، وكان للمسلمين، وليس فيما كان أقل من
خمسة أو ساق شئ (2)، الخبر.

(1) في (مش): الأقرب.
(2) وسائل الشيعة: ب 72 من أبواب جهاد العدو و... ح 2 ج 11 ص 120.
553

ولا خلاف فيه إذا قاموا بعمارتها حينئذ.
أما لو تركوها فخربت فإنها تدخل في عموم قوله: (وكل أرض)
مملوكة (ترك أهلها) وملاكها (عمارتها فللإمام) أو نائبه (تسليمها
إلى من يعمرها) بعد تقبيلها منه بحسب ما يراه من نصف أو ثلث أو
ربع (وعليه) أي على الإمام (طسقها) أي أجرتها (لأربابها) الذين
تركوا عمارتها على المشهور، على الظاهر المصرح به في الدروس (1) وغيره،
بل لا خلاف فيه، إلا من الحلي (2) فمنع من التصرف فيها بغير إذن أربابها
مطلقا، وهو كما في الدروس متروك، وبالخبرين المتقدمين محجوج.
ومن ابن حمزة (3) والقاضي (4) فلم يذكرا الأجرة، بل قالا كالباقين أنه
يصرف حاصلها في مصالح المسلمين، كما هو ظاهر الخبرين.
لكنهما ليسا نصين في عدم وجوبها، فلا يخرج بهما عن الأصل المقتضي
للزومها.
وبه يتم الحكمة في جواز تصرف الإمام فيها بغير إذنهم، نظرا إلى أنه
حينئذ احسان محض، وما على المحسنين من سبيل.
وبه يضعف مستند الحلي من قبح التصرف في ملك الغير بغير إذنه،
لاختصاص ما دل عليه من العقل والنقل بغير محل الفرض.
هذا إذا لم يبلغ حد الموات، وإلا فيدخل في عموم قوله: (وكل أرض
موات سبق إليها سابق وأحياها) وأخرجها من يطلبها (فهو أحق بها

(1) الدروس الشرعية: كتاب الجهاد في أحكام الأرضين ص 163.
(2) السرائر: كتاب الزكاة باب أحكام الأرضين ج 1 ص 477.
(3) الوسيلة: كتاب الزكاة باب أحكام الأرضين ص 132.
(4) المهذب: كتاب الخمس باب أحكام الأرضين ج 1 ص 182.
554

وإن كان لها مالك (1)) معروف (فعليه طسقها له) بلا خلاف في جواز
إحيائها، مع عدم معروفية صاحبها، ولا في وجوب الأجرة له إذا كان
معروفا، وملكها بغير الاحياء.
وفي وجوبها له إذا ملكها بالاحياء خلاف، مبني على الاختلاف في
زوال ملك الأول الحاصل له بإحياء المحيي الثاني، أم لا، فقد اختلفوا فيه
على أقوال:
فقيل: نعم، ولا يستحق شيئا (2)، لعموم الصحاح بأن من أحيى أرضا
ميتة فهي له، وخصوص الصحيح: أيما رجل أتى خربة هايرة فاستخرجها
وكرى أنهارها وعمرها، فإن عليها فيها الصدقة، فإن كان أرضا لرجل قبله
فغاب عنها وتركها وأخربها ثم جاء بعد يطلبها فإن الأرض لله عز وجل، ولمن
عمرها (3).
وقريب منها الخبران: تركها أو خربها فأخذها رجل من المسلمين من
بعده فعمرها وأحياها، فهو أحق بها من الذي تركها (4).
وقيل: لا، لأصالة بقاء الملك (5)، والصحيح: عن الرجل يأتي الأرض
الخربة فيستخرجها ويجري أنهارها ويعمرها ويزرعها فماذا عليه؟ قال:
الصدقة، قلت: فإن كان يعرف صاحبها؟ قال: فليؤد إليه حقه (6).
وهو ظاهر في الدلالة على ما ذكرنا من عدم خروج الموات عن الملك
بالاحياء كما هو اجماع فيما إذا ملكها الأول بنحو الإرث والشراء ولا معارض

(1) في المتن المطبوع: لا مالك. (2) في (مش): ويملكه المحيي الثاني.
(3) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب احياء الموات ح 1 ج 17 ص 328.
(4) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب احياء الموات ح 2 ج 17 ص 329.
(5) لم نعثر عليه.
(6) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب احياء الموات ح 3 ج 17 ص 329.
555

لهما سوى ما مر.
وفي جميعه نظر، أما العموم فإنه مشترك بين القولين يمكن الاستدلال
لكل منهما في البين، كما فعلا من الطرفين.
وأما الرواية الثانية فبعد الاغماض عن سندها فلا دلالة فيها على زوال
الملكية عن الأول، وإنما غايتها الدلالة على أحقية الثاني، ولا تلازم بينها
وبين زوال الملك، فيمكن المقول ببقاء الملك وأحقية الثاني باحيائه.
وتظهر ثمرة الملك بلزوم الأجرة للمالك على المحيي، وهذا القول هو
ظاهر الماتن وجماعة. ولا يخلو عن قوة، لما ستعرفه.
وأما الصحيحة فليست صريحة في ملكية الثاني، لأن اللام كما تأتي
للملك كذا تأتي للاختصاص. وبعد تسليم ظهورها في الملك فليست ما نص
من الصحيحة المعارضة بأنه يؤدي حقه، لأن المراد به أما نفس الأرض،
أو طسقها، وكل منهما يلازم الملكية.
فمقتضى الجمع بينهما صرف ظهور الصحيحة الأولى من الملكية للثاني إلى
الأحقية، جمعا، وإلا لزم طرح الثانية رأسا.
ويراد من الحق فيها الأجرة لا الرقبة، لصراحة الأولى في عدم لزوم
أدائها، وأحقية الثاني بها.
والحاصل: أن العمل بالروايتين معا يقتضي صرف ظاهر كل منهما أو
مجمله إلى صريح الآخر، أو مبنية.
وهذا الجمع أولى من الجموع الأخر، ويعضده وقوع التعبير في الرواية
الثانية بالأحقية دون الملكية، مع أنها كالصحيحة تعمان ملك الأول
بالاحياء، أو نحو الشراء، مع أن الملك لا يزول في الثاني بالاجماع، كما
مضى.
556

وعن التذكرة عليه إجماع العلماء (1)، فلا بد من تقييدها بما عداه إن لم
يجمع بينهما بما ذكرنا.
ومن هنا يظهر ضعف القول ببقاء الملك، وعدم الأحقية للثاني إن
كان.
وعلى المختار، ففي توقف الاحياء على استئذان المالك مع الامكان وإلا
فالحاكم وإلا فيحيي هو حسبه، كما هو مقتضى الأصول الشرعية وأفتى به
الشهيد في الدروس (2)، أم لا كما هو ظاهر الأخبار وأكثر الأصحاب،
وجهان.
ولا ريب أن الأول إن لم نقل بكونه أقوى، فهو أحوط وأولى.
والحمد لله أولا وآخرا.

(1) تذكرة الفقهاء: كتاب الجهاد في أحكام الأرضين ج 1 ص 428 س 40، وليس فيه اجماع
العلماء، ولعله استفاده من عدم ذكر المخالف لا من العامة ولا من الخاصة، فراجع.
(2) الدروس الشرعية: كتاب ح إحياء الموات ص 261 السطر الأخير.
557