الكتاب: مشرق الشمسين
المؤلف: البهائي العاملي
الجزء:
الوفاة: ١٠٣١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: منشورات مكتبة بصيرتي - قم
ردمك:
ملاحظات: المجلد يشمل على عدة كتب / طبعة حجرية

هذا هو
كتاب مشرق الشمسين و
إكسير السعادتين الملقب بمجمع
النورين ومطلع النيرين للمحقق العلامة
والمدقق الفهامة سعيد الدارين ذي
الرياستين الشيخ البهائي عليه
رحمة الباري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا بأنوار كتابه المبين ووفقنا لاقتفاء سنة نبينا محمد سيد الأولين والآخرين
وكرمنا بالاقتداء بآثار أهل بيته الأئمة الطاهرين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين أما
بعد فإن أفقر العباد إلى رحمة ربه الغني محمد المشتهر ببهاء الدين العاملي وفقه الله
للعمل في يومه لغده قبل أن يخرج الأمر من يده يقول وأن جماعة من فضلاء أخوان الدين وعظماء أخلاء اليقين الذين تكثرت في نشر العلوم الدينية مساعيهم وتوفرت على إشاعة أحاديث أهل بيت النبوة دواعيهم
قد التمسوا مني مع قلة بضاعتي وكثرة إضاعتي تأليف أصل يحتوي على خلاصة ما تضمنه أصولنا الأربعة التي
عليها في هذه الأعصار أعني الكافي والفقيه والتهذيب والاستبصار من الأحاديث الصحيحة الواردة في الأحكام الشرعية عن العترة الطاهرة النبوية ليكون قانونا يرجع إليه الديانون من الفرقة الناجية الإمامية ودستورا يعول عليه
المجتهدون في استنباط أمهات المطالب الفرعية وأن أبذل غاية جهدي في أن لا يشذ عني شئ من صحاح الأحاديث
الأحكامية وأن أوشح صدور مقاصده بتفسير ما ورد فيها من الآيات الكريمة الفرقانية فأجبت بعون الله
تعالى مسئولهم وحققت بتوفيقه مأمولهم فجاء هذا الكتاب ولله الحمد والمنة جامعا بين أحكام الكتاب والسنة
فهو جدير بأن يسمى مشرق الشمسين وإكسير السعادتين وحري بأن يلقب بمجمع النورين ومطلع
النيرين وحقيق بأن يكتبه الكرام البررة في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة وأسئل الله سبحانه التوفيق لإتمامه والفوز
بسعادة اختتامه وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم وسيلة إلى الفوز بالنعيم المقيم وقد رتبته على أربعة
مناهج كترتيب كتابي الكبير الموسوم بالحبل المتين وقدمت أمام المقصود مقدمات تفيد زيادة بصيرة
للطالبين ومن الله استمد وعليه أتوكل وبه استعين
مقدمة عرف الحديث بأنه كلام يحكي قول المعصوم أو
فعله أو تقريره ويرد على عكسه النقض بالمسموع من الإمام المعصوم غير محكي عن معصوم آخر والتزام عدم كونه
حديثا تعسف وكيف يصح أن يقال إنه لم يسمع أحد عن النبي صلى الله عليه وآله حديثا أصلا إلا ما حكاه عن معصوم
268

كنبي أو ملك فالأولى تعريفه بأنه قول المعصوم أو حكاية قوله أو فعله أو تقريره ويرد عليه وعلى الأول
انتقاض عكسهما بالحديث المنقول بالمعنى إن أريد به حكاية القول بلفظه وطردهما بكثير من عبارات الفقهاء في
كتب الفروع إن أريد ما يعم معناه ويمكن الجواب باعتبار قيد الحيثية في الحكاية وتلك العبارات إن اعتبرت
من حيث كونها حكاية قول المعصوم فلا بأس بدخولها وإن اعتبرت من حيث كونها حكاية عما أدى إليه اجتهادهم
فلا بأس في خروجها والخبر يطلق على ما يرادف الحديث تارة وعلى ما يقابل الانشاء أخرى وتعريفه على الأول
بكلام يكون لنسبته خارج في أحد الأزمنة الثلاثة كما فعله شيخنا الشهيد الثاني طاب ثراه ما ينطبق على الثاني
لا على الأول لانتقاضه طردا بنحو زيد إنسان وعكسا بالأحاديث الإنشائية كقوله ص صلوا كما رأيتموني أصلي
اللهم إلا أن يجعل قول الراوي قال النبي ص مثلا جزء من الحديث ويضاف إلى التعريف قولنا يحكى
الخ وهو كما ترى والسنة أعم من الحديث لصدقها على نفس الفعل والتقرير واختصاصه بالقول لا غير والحديث
القدسي ما يحكي كلام الله تعالى ولم يتحد بشئ منه كقوله ع قال الله تعالى الصوم لي وأنا أجزي به تبصرة
قد استقر اصطلاح المتأخرين من علمائنا رضي الله عنهم على تنويع الحديث المعتبر ولو في الجملة إلى الأنواع الثلاثة
المشهورة أعني الصحيح والحسن والموثق بأنه إن كان جميع سلسلة سنده إماميين ممدوحين بالتوثيق فصحيح أو
إماميين ممدوحين بدونه كلا أو بعضا مع توثيق الباقي فحسن أو كانوا كلا أو بعضا غير إماميين مع توثيق الكل فموثق وهذا الاصطلاح لم يكن معروفا بين قدمائنا
قدس الله أرواحهم كما هو ظاهر لمن مارس كلامهم بل كان المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على كل حديث اعتضد
بما يقتضي اعتمادهم عليه أو اقترن بما يوجب الوثوق به والركون إليه وذلك أمور منها وجوده
في كثير من الأصول الأربعمأة التي نقلوها عن مشايخهم بطرقهم المتصلة بأصحاب العصمة سلام الله عليهم وكانت
متداولة لديهم في تلك الأعصار مشتهرة فيما بينهم اشتهار الشمس في رابعة النهار ومنها تكرره في أصل
أو أصلين منها فصاعدا بطرق مختلفة وأسانيد عديدة معتبرة ومنها وجوده في أصل معروف
الانتساب إلى أحد الجماعة الذين أجمعوا على تصديقهم كزرارة ومحمد بن مسلم والفضيل بن يسار أو على تصحيح
ما يصح عنهم كصفوان بن يحيى ويونس بن عبد الرحمن وأحمد بن محمد بن أبي نصر أو على العمل بروايتهم كعمار الساباطي و
نظرائه ممن عدهم شيخ الطائفة في كتاب العدة كما نقله عنه المحقق في بحث التراوح من المعتبر ومنها
اندراجه في أحد الكتب التي عرضت على أحد الأئمة عليهم سلام الله فأثنوا على مؤلفها ككتاب عبيد الله
الحلبي الذي عرض على الصادق عليه السلام وكتاب يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان المعروضين على العسكري
عليه السلام ومنها أخذه من أحد الكتب التي شاع بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد عليها سواء كان مؤلفوها
من الفرقة الناجية الإمامية ككتاب الصلاة لحريز بن عبد الله السجستاني وكتب بني سعيد وعلي بن مهزيار
أو من غير الإمامية ككتاب حفص بن غياث القاضي والحسين بن عبيد الله السعدي وكتاب القبلة لعلي بن
الحسن الطاطري وقد جرى رئيس المحدثين ثقة الإسلام محمد بن بابويه قدس الله روحه على متعارف المتقدمة
269

في إطلاق الصحيح على ما يركن إليه ويعتمد عليه فحكم بصحة جميع ما أورده من الأحاديث في كتاب من لا يحضره
الفقيه وذكر أنه استخرجها من كتب مشهورة عليها المعول وإليها المرجع وكثير من تلك الأحاديث بمعزل
عن الاندراج في الصحيح على مصطلح المتأخرين ومنخرط في سلك الجنان والموثقات بل الضعاف وقد
سلك على ذلك المنوال جماعة من أعلام علماء الرجال فحكموا بصحة حديث بعض الرواة الغير الإمامية كعلي
بن محمد بن رياح وغيره لما لاح لهم من الفرائض المقتضية للوثوق بهم والاعتماد عليهم وإن لم يكونوا في عداد الجماعة
الذين انعقد الإجماع على تصحيح ما يصح عنهم تبيين الذي بعث المتأخرين نور الله مراقدهم على العدول
عن متعارف القدماء ووضع ذلك الاصطلاح الجديد هو أنه لما طالت المدة بينهم وبين الصدر السالف وآل
الحال إلى اندراس بعض كتب الأصول المعتمدة لتسلط حكام الجور والضلال والخوف من إظهارها وانتساخها
وانضم إلى ذلك اجتماع ما وصل إليهم من كتب الأصول في الأصول المشهورة في هذا الزمان فالتبست
الأحاديث المأخوذة من الأصول المعتمدة بالمأخوذة من غير المعتمدة واشتبهت المتكررة في كتب الأصول
بغير المتكررة وخفى عليهم قدس الله أرواحهم كثير من تلك الأمور التي كانت سبب وقوع القدماء بكثير من
الأحاديث ولم يمكنهم الجري على أثرهم في تمييز ما يعتمد عليه مما لا يركن إليه فاحتاجوا إلى قانون تتميز به الأحاديث
المعتبرة عن غيرها والموثوق بها عما سواها فقرروا لنا شكر الله سعيهم ذلك الاصطلاح الجديد وقربوا
إلينا البعيد ووصفوا الأحاديث الموردة في كتبهم الاستدلالية بما اقتضاه ذلك الاصطلاح من الصحة و
الحسن والتوثيق وأول من سلك هذا الطريق من علمائنا المتأخرين شيخنا العلامة جمال الحق والدين
الحسن بن المطهر الحلي قدس الله روحه ثم إنهم أعلى الله مقامهم ربما يسلكون طريقة القدماء في بعض
الأحيان فيصفون مراسيل بعض المشاهير كابن أبي عمر وصفوان بن يحيى بالصحة لما شاع من أنهم لا يرسلون
إلا عمن يثقون بصدقه بل يصفون بعض الأحاديث التي في سندها من يعتقدون أنه فطحي أو ناووسي بالصحة نظرا
إلى اندراجه فيمن أجمعوا على تصحيح ما يصح عنهم وعلى هذا جرى العلامة قدس الله روحه في المختلف حيث
قال في مسألة ظهور فسق إمام الجماعة إن حديث عبد الله بن بكير صحيح وفي الخلاصة حيث قال إن طريق الصدوق
إلى أبي مريم الأنصاري صحيح وإن كان في طريقه أبان بن عثمان مستندا في الكتابين إلى إجماع العصابة على تصحيح
ما يصح عنهما وقد جرى شيخنا الشهيد الثاني طاب ثراه على هذا المنوال أيضا كما وصف في بحث الردة من
شرح الشرايع حديث الحسن بن محبوب عن غير واحد بالصحة وأمثال ذلك في كلامهم كثير فلا تغفل
تتميم لا ريب
إنه لا بد في حصول الوثوق بقول الراوي من كونه ضابطا أي لا يكون سهوه أكثر من ذكره ولا مساويا له وهذا
القيد لم يذكره المتأخرون في تعريف الصحيح واعتذر الشهيد الثاني طاب ثراه عن عدم تعرضهم لذكره بأن
قيد العدالة مغن عنه لأنها تمنعه أن يروي من الأحاديث ما ليس مضبوطا عنده على الوجه المعتبر واعترض
عليه بأن العدالة إنما تمنع من تعمد نقل غير المضبوط عنده لا من نقل ما يسهو عن كونه غير مضبوط فيظنه مضبوطا
270

وقد يدفع أن مراده رحمه الله أن العدل إذا عرف من نفسه كثرة السهو لم يجتزء على الرواية تحرزا عن إدخال
ما ليس من الدين فيه وأنت خبير بأن لقائل أن يقول إنه إذا كثر سهوه فربما يسهو عن أنه كثير السهو فيروي
والحق أن الوصف بالعدالة لا يغني عن الوصف بالضبط فلا بد من ذكر المزكي ما ينبئ عن اتصاف الراوي به أيضا
ونعم ما قال العلامة رفع الله درجته في النهاية من أن الضبط من أعظم الشرائط في الرواية فإن من لا ضبط
له قد يسهو عن بعض الحديث ويكون مما يتم به فائدته ويختلف الحكم به أو يسهو فيزيد في الحديث ما يضطرب به
معناه أو يبدل لفظا بآخر أو يروي عن النبي ص ويسهو عن الواسطة أو يروي عن شخص فيسهو عنه ويروي
عن آخر انتهى كلامه فإن قلت فكيف يتم لنا الحكم بصحة الحديث بمجرد توثيق علماء الرجال رجال سنده
من غير نص على ضبطهم قلت إنهم يريدون بقولهم فلان ثقة أنه عدل ضابط لأن لفظ الثقة مشتق
من الوثوق ولا وثوق بمن يتساوى سهوه وذكره أو يغلب سهوه على ذكره وهذا هو السر في عدولهم عن قولهم
عدل إلى قولهم ثقة تبيان ذهب أكثر علمائنا قدس الله أرواحهم إلى أن العدل الواحد الإمامي كاف
في تزكية الراوي وأنه لا يحتاج فيها إلى عدلين كما يحتاج في الشهادة وذهب القليل منهم إلى خلافه
فاشترطوا في التزكية شهادة عدلين واستدل على ما ذهب إليه الأكثر بوجهين
الأول ما ذكره
العلامة طاب ثراه في كتبه الأصولية وحاصله أن الرواية تثبت بخبر الواحد وشرطها تزكية الراوي
وشرط الشئ لا يزيد على أصله وبعبارة أخرى اشتراط العدالة في مزكي الراوي فرع اشتراطها في الراوي
إذ لو لم تشترط فيه لم تشترط في مزكيه فكيف يحتاط في الفرع بأزيد مما يحتاط في الأصل فإن قلت
مرجع هذا الاستدلال إلى القياس فلا ينهض علينا حجة قلت هو قياس بطريق الأولوية وهو معتبر
ظاهرا عندنا فإن قلت للخصم أن يقول كيف يلزمني ما ذكرتم من زيادة الفرع على الأصل والحال
أني أشترط في الرواية ما لا تشترطونه من شهادة عدلين بعدالة راويها ولا أكتفي بشهادة العدل الواحد
قلت عدم قبول تزكية عدل واحد زكاه عدلان واشتراطه فيها التعدد مع قبول رواية عدل واحد
زكاه عدلان واكتفائه فيها بالواحد يوجب عليه ما ذكرنا
الثاني أن آية التثبت أعني قوله تعالى إن
جائكم فاسق بنبأ فتبينوا كما دلت على التعويل على رواية العدل الواحد دلت على التعويل على تزكيته أيضا
فيكتفي به في جميع الموارد إلا فيما خرج بدليل خاص وهو غير حاصل هنا واستدل على اشتراط التعدد في
التزكية بأمرين الأول أن الأخبار بعدالة الراوي شهادة فلا بد فيها من العدلين وجوابه أما
أولا فبمنع الصغرى فإنها غير بينة ولا مبنية وهلا كانت تزكية الراوي كأغلب الأخبار في أنها ليست
شهادة كالرواية وكنقل الإجماع وتفسير مترجم القاضي وأخبار المقلد مثله بفتوى المجتهد وقول الطبيب
بإضرار الصوم بالمرض وإخبار أجير الحج بإيقاعه وإعلام المأموم الإمام بوقوع ما شك فيه وإخبار العدل
العارف بالقبلة لجاهل العلامات إلى غير ذلك من الأخبار التي اكتفوا فيه بخبر الواحد وأما ثانيا
271

فبمنع كلية الكبرى والسند قبول شهادة الواحد في بعض المواد عند بعض علمائنا بل شهادة المرأة الواحدة في
بعض الأوقات عند أكثرهم الثاني أن اشتراطهم عدالة الراوي يقتضي توقف قبول روايته على حصوله
العلم بها وإخبار العدل الواحد لا يفيد العلم بها وجوابه أنك إن أردت العلم القطعي فمعلوم أن البحث
ليس فيه وإن أردت العلم الشرعي فحكمك بحصوله من رواية العدل الواحد وعدم حصوله من تزكيته تحكم وكيف يدعي أن الظن الحاصل من أخباره بأن هذا قول المعصوم أو فعله أقوى من الظن الحاصل من أخباره
بأن الراوي الفلاني إمامي المذهب أو واقفي أو عدل أو فاسق ونحو ذلك تتمة ولعلك تقول بتساوي
الظنين في القوة والضعف ولكنك تزعم أن الظن الأول اعتبره الشارع فعولت عليه وأما الآخر فلم يظهر
للشأن الشارع اعتبره فيقال لك كيف ظهر عليك اعتبار الشارع الظن الأول إن استندت في ذلك إجماع فالخلاف
الشايع في العمل بأخبار الآحاد يكذب ظنك كيف وجمهور قدمائنا على المنع منه بل ذهب بعضهم إلى استحالة
التعبد (قد يستدل أيضا بأن اعتبار التعدد أحوط للتعبد به عن احتمال العمل بما ليس بحديث وعورض بأن اعتبار عدم التعدد أحوط للتعبد به عن احتمال عدم العمل هو
حديث فلذلك طوينا كشحا عن ذكر هذا الاستدلال منه ره) به كما نقله عنهم المرتضى رضي الله عنه وإن استندت فيه إلى ما يستدل به في الأصول على حجية خبر الواحد
فاقرب تلك الدلائل إلى السلامة آية التثبت وقد علمت أنها كما تدل على اعتبار الشارع الظن الأول تدل
على اعتباره الظن الثاني من غير فرق ولقد بالغ بعض أفاضل المعاصرين قدس الله روحه في الإصرار على اشتراط العدلين
في المزكى نظرا إلى أن التزكية شهادة ولم يوافق القوم على تعديل من أنفرد الكشي أو الشيخ الطوسي أو النجاشي
أو العلامة مثلا بتعديله وجعل الحديث الصحيح عند التحقيق منحصرا فيما توافق اثنان فصاعدا على تعديل
رواته ويلزمه عدم الحكم بجرح من تفرد هؤلاء بجرحه وهو يلتزم ذلك ولم يأت على هذا الاشتراط بدليل
عقلي يعول عليه أو نقلي تركن النفس إليه ولعلك قد أحطت خبرا بما يتضح به حقيقة الحال ومع ذلك فأنت
خبير بأن علماء الرجال الذين وصلت إلينا كتبهم ففي هذا الزمان كلهم ناقلون تعديل أكثر الرواة من غيرهم
وتوافق الاثنين منهم على التعديل لا ينفعه في الحكم بصحة الحديث إلا إذا ثبت أن مذهب كل من ذينك الاثنين
عدم الاكتفاء في تزكية الراوي بالعدل الواحد ودون ثبوته خرط القتاد بل الذي يظهر خلافه كيف لا و
العلامة مصرح في كتبه الأصولية بالاكتفاء بالواحد والذي يستفاد من كلام الكشي والنجاشي والشيخ
وابن طاوس وغيرهم اعتمادهم عليه في التعديل والجرح على النقل عن الواحد كما يظهر لمن تصفح كتبهم فكيف يتم
لمن يجعل التزكية شهادة أن يحكم بعدالة الراوي بمجرد اطلاعه على تعديل اثنين من هؤلاء له في كتبهم وحالهم ما
عرفت مع أن شهادة الشاهد لا يتحقق بما يوجد في كتابه نعم لو كان هؤلاء الذين كتبهم في الجرح والتعديل
بأيدينا في هذا الزمان ممن شهد عند كل واحد منهم عدلان بحال الراوي أو كانوا من الذين خالطوا رواة الحديث
واطلعوا على عدالتهم لتم الدست والله سبحانه أعلم بحقايق الأمور تبصرة المكتفون من علمائنا في التزكية
بالعدل الواحد الإمامي يكتفون به في الجرح أيضا ومن لم يكتف به في التزكية لم يعول عليه في الجرح وما يظهر من كلامهم في بعض الأوقات من الاكتفاء في الجرح بقول غير
الإمامي محمول أما على الغفلة عما قرروه أو عن كون الخارج مجروحا كما وقع في الخلاصة من جرح أبان بن عثمان
272

بكونه فاسد المذهب تعويلا على ما رواه الكشي عن علي بن الحسن بابن فضال أنه كان من الناووسية مع أن ابن
فضال فطحي لا يقبل جرحه لمثل أبان بن عثمان ولعل العلامة طاب ثراه استفاد فساد مذهبه من غير هذه
الرواية وإن كان كلامه ظاهرا فيما ذكرناه وقد اشتهر أنه إذا تعارض الجرح والتعديل قدم الجرح وهذا
كلام مجمل غير محمول على إطلاقه كما قد يظن بل لهم فيه تفصيل مشهور وهو أن التعارض بينهما على نوعين الأول
ما يمكن الجمع فيه بين كلامي المعدل والجارح كقول المفيد قدس الله روحه في محمد بن سنان أنه ثقة وقول
الشيخ طاب ثراه أنه ضعيف فالجرح مقدم لجواز اطلاع الشيخ على ما لم يطلع عليه المفيد الثاني ما لم يمكن
الجمع بينهما كقول الجارح أنه قتل فلانا في أول الشهر وقول المعدل أني رأيته في آخره حيا وقد وقع مثله في كتب الجرح والتعديل
كثيرا كقول ابن الغضائري في داود الرقي أنه كان فاسد المذهب لا يلتفت إليه وقول غيره أنه كان ثقة قال فيه
الصادق (ع) أنزلوه مني منزلة المقداد من رسول الله (ص) فهيهنا لا يصح إطلاق القول بتقديم الجرح على التعديل
بل يجب الترجيح بكثرة العدد وشدة الورع والضبط وزيادة التفتيش عن أحوال الرواة إلى غير ذلك من المرجحات
هذا ما ذكره علماء الأصول منا ومن المخالفين وظني أن إطلاق القول بتقديم الجرح في النوع الأول
غير جيد ولو قيل فيه أيضا بالترجيح ببعض تلك الأمور لكان أولى وقد فعله العلامة في الخلاصة في مواضع كما في
ترجمة إبراهيم بن سلميان حيث رجح تعديل الشيخ والنجاشي له على جرح ابن الغضائري وكذلك؟ إسماعيل بن
مهران وغيره لكن ما قرره طاب ثراه في نهاية الأصول يخالف فعله هذا حيث لم يعتبر الترجيح بزيادة؟ العدد في
النوع الأول من التعارض معللا بأن سبب تقديم الجارح فيه جواز اطلاعه على ما لم يطلع عليه المعدل وهو لا ينتفي
بكثرة العدد ولا يخفى أن تعليله هذا يعطي عدم اعتباره في هذا النوع الترجيح بشئ من الأمور المذكورة و
للبحث فيه مجال كما لا يخفى تبصرة المعتبر حال الراوي وقت حال الأداء لا وقت التحمل فلو تحمل الحديث طفلا أو غير إمامي
أو فاسقا ثم أداة في وقت يظن أنه كان مستجمعا فيه الشرائط القبول قبل ولو ثبت أنه كان في وقت غير إمامي أو فاسقا
ثم تاب ولم يعلم أن الرواية عنه هل وقعت قبل التوبة أو بعدها لم تقبل حتى يظهر لنا وقوعها بعد التوبة فإن
قلت إن كثيرا من الرواة كعلي بن أسباط والحسين بن بشار وغيرهما كانوا أولا من غير الإمامية ثم تابوا و
رجعوا إلى الحق والأصحاب يعتمدون على حديثهم ويثقون بهم من غير فرق بينهم وبين ثقات الإمامية الذين لم
يزالوا على الحق مع أن تاريخ الرواية عنهم غير مضبوط ليعلم أنه هل كان بعد الرجوع أو قبله بل بعض الرواة ماتوا
على مذاهبهم الفاسدة من الوقف وكانوا شديدي التصلب فيه ولم ينقل رجوعهم إلى الحق في وقت من الأوقات
أصلا والأصحاب يعتمدون عليهم ويقبلون أحاديثهم كما قبلوا حديث علي بن محمد بن رياح وقالوا أنه صحيح الرواية ثبت معتمد
على ما يرويه وكما قيل المحقق في المعتبر رواية علي بن أبي حمزة عن الصادق عليه السلام معللا بأن ذلك تغييره إنما كان
في زمن الكاظم (ع) فلا يقدح فيما قبله وكما حكم العلامة في المنتهى بصحة حديث إسحاق بن جرير وهؤلاء الثلاثة
من رؤساء الوقفية قلت المستفاد من تصفح كتب علمائنا المؤلفة في السير والجرح والتعديل أن أصحابنا
273

الإمامية رضي الله عنهم كان اجتنابهم عن مخالطة من كان من الشيعة على الحق أولا ثم أنكر إمامة بعض الأئمة
عليهم السلام في أقصى المراتب وكانوا يحترزون عن مجالستهم والتكلم معهم فضلا عن أخذ الحديث عنهم بل كان تظاهرهم
لهم بالعداوة أشد من تظاهرهم بها للعامة فإنهم كانوا يلاقون العامة ويجالسونهم وينقلون عنهم ويظهرون
لهم أنهم منهم خوفا من شوكتهم لأن حكام الضلال منهم وأما هؤلاء المخذولون فلم يكن لأصحابنا الإمامية
ضرورة داعية إلى أن يسلكوا معهم على ذلك المنوال وسيما الواقفية فإن الإمامية كانوا في غاية الاجتناب
لهم والتباعد منهم حتى أنهم كانوا يسمونهم بالممطورة أي الكلاب التي أصابها المطر وأئمتنا عليهم السلام لم يزالوا
ينهون شيعتهم عن مخالطتهم ومجالستهم ويأمرونهم بالدعاء عليهم في الصلاة ويقولون أنهم كفار مشركون
زنادقة وأنهم شر من النواصب وإن من خالطهم وجالسهم فهو منهم وكتب أصحابنا مملوءة بذلك كما يظهر لمن تصفح
كتاب الكشي وغيره فإذا قبل علماؤنا وسيما المتأخرون منهم رواية رواها رجل من ثقات أصحابنا عن أحد هؤلاء
وعولوا عليها وقالوا بصحتها مع علمهم بحاله فقبولهم لها وقولهم بصحتها لا بد من ابتنائه على وجه صحيح لا يتطرق
به القدح إليهم ولا إلى ذلك الرجل الثقة الراوي عمن هذا حاله كأن يكون سماعه منه قبل عدوله عن الحق و
قوله بالوقف أو بعد توبته ورجوعه إلى الحق أو أن النقل إنما وقع من أصله الذي ألفه واشتهر عنه قبل الوقف
أو من كتابه الذي ألفه بعد الوقف ولكنه أخذ ذلك الكتاب عن شيوخ أصحابنا الذين عليهم الاعتماد ككتب
علي بن الحسن الطاطري فإنه وإن كان من أشد الواقفية عنادا للإمامية إلا أن الشيخ شهد له في الفهرست
بأنه روى كتبه عن الرجال الموثوق بهم وبروايتهم إلى غير ذلك من المحامل الصحيحة والظاهر أن قبول المحقق طاب
ثراه رواية علي بن أبي حمزة مع شدة تعصبه في مذهبه الفاسد مبني على ما هو الظاهر من كونها منقولة من
أصله وتعليله رحمه الله يشعر بذلك فإن الرجل من أصحاب الأصول وكذا قول العلامة بصحة رواية إسحاق بن
جرير عن الصادق ع فإنه ثقة من أصحاب الأصول أيضا وتأليف
أمثال هؤلاء أصولهم كان قبل الوقف لأنه وقع في زمن الصادق ع فقد بلغنا عن مشايخنا قدس الله أرواحهم أنه كان
من دأب أصحاب الأصول أنهم إذا سمعوا من أحد الأئمة عليهم السلام حديثا بادروا إلى إثباته في أصولهم لئلا يعرض
لهم نسيان لبعضه أو كله بتمادي الأيام وتوالي الشهور والأعوام والله أعلم بحقايق الأمور
تبصرة دأب ثقة
الإسلام رحمه الله في كتاب الكافي أن يأتي في كل حديث بجميع سلسلة السند بينه وبين المعصوم عليه السلام ولا
يحذف من أول السند أحدا ثم إنه كثيرا ما يذكر في صدر السند محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان وهو يقتضي
كون الرواية عنه بغير واسطة فربما ظن بعضهم أن المراد به الثقة الجليل محمد بن إسماعيل بن بزيع وأيدوا ذلك بما
يعطيه كلام الشيخ تقي الدين حسن بن داود رحمه الله حيث قال في كتابه إذا وردت رواية عن محمد بن يعقوب عن محمد بن
إسماعيل ففي صحتها قولان فإن في لقائه له إشكالا فتقف الرواية لجهالة الواسطة بينهما وإن كانا مرضيين معظمين
انتهى والظاهر أن ظن كونه ابن بزيع من الظنون الواهية ويدل على ذلك وجوه الأول أن ابن بزيع من أصحاب
أبي الحسن الرضا عليه السلام وأبي جعفر الجواد عليه السلام وقد أدرك عصر الكاظم ع وروى عنه كما ذكره علماء الرجال
274

فبقاؤه إلى زمن الكليني مستبعد جدا الثاني أن قول علماء الرجال أن محمد بن إسماعيل بن بزيع أدرك أبا
جعفر الثاني عليه السلام يعطي أنه لم يدرك من بعده عليه السلام من الأئمة صلوات الله عليهم فإن مثل هذه العبارة
إنما يذكرونها في آخر إمام أدركه الراوي كما لا يخفى على من له أنس بكلامهم الثالث أنه رحمه الله لو بقي إلى زمن
الكليني نور الله مرقده لكان قد عاصر ستة من الأئمة عليهم السلام وهذه مزية عظيمة لم يظفر بها أحد من أصحابهم
صلوات الله عليهم فكان ينبغي لعلماء الرجال ذكرها وعدها من جملة مزاياه رضي الله عنه وحيث إن أحدا منهم
لم يذكر ذلك مع أنه مما تتوفر الدواعي على نقله علم أنه غير واقع الرابع أن محمد بن إسماعيل الذي يروي عنه الكليني
بغير واسطة يروي عن الفضل بن شاذان وابن بزيع كان من مشايخ الفضل بن شاذان كما ذكره الكشي حيث قال إن الفضل بن شاذان كان يروي عن جماعة وعد منهم محمد بن إسماعيل بن بزيع الخامس ما اشتهر على الألسنة من أن وفاة ابن بزيع كانت في حياة الجواد عليه السلام السادس أنا استقرينا جميع أحاديث الكليني المروية عن
محمد بن إسماعيل فوجدناه كلما قيده بابن بزيع فإنما يذكره في أواسط السند ويروي عنه بواسطتين هكذا محمد بن
يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل بن بزيع وأما محمد بن إسماعيل الذي يذكره في أول السند فلم نظفر بعد الاستقراء
الكامل والتتبع التام بتقييده مرة من المرات بابن بزيع أصلا ويبعد أن يكون هذا من الاتفاقيات المطردة
السابع أن ابن بزيع من أصحاب الأئمة الثلاثة أعني الكاظم والرضا والجواد عليهم السلام فيجمع منهم سلام
الله عليهم أحاديث متكثرة بالمشافهة فلو لقيه الكليني لكان ينقل عنه شيئا من تلك الأحاديث التي نقلها عنهم
سلام الله عليهم بغير واسطة لتكون الواسطة بينه وبين كل إمام من الأئمة الثلاثة عليهم السلام واحد فإن قلة
الوسائط شئ مطلوب وشدة اهتمام المحدثين بعلو الإسناد أمر معلوم ومحمد بن إسماعيل الذي يذكره في أوائل
السند ليس له رواية عن أحد المعصومين سلام الله عليهم بودن واسطة أصلا بل جميع رواياته عنهم عليهم السلام
إنما هي بوسائط عديدة فإن قلت للمناقشة في هذه الوجوه مجال واسع كما يناقش في الأول بأن لقاء
الكليني من لقى الكاظم عليه السلام غير مستنكر لأن وفاته عليه السلام سنة ثلاث وثمانين ومائة ووفات الكليني سنة
ثمان وعشرين وثلثمأة وبين الوفاتين مأة وخمس وأربعون سنة فغاية ما يلزم تعمير ابن بزيع إلى قريب مأة سنة وهو
غير مستبعد وفي الثاني نمنع كون تلك العبارة نصا في ذلك فلو سلم فلعل المراد بالإدراك الرواية لا إدراك
الزمان فقط وفي الثالث بأن المزية العظمى رؤية الأئمة عليهم السلام والرواية عنهم بلا واسطة لا مجرد المعاصرة
لهم من دون رؤية ولا رواية فيجوز أن يكون ابن بزيع عاصر باقي الأئمة عليهم السلام لكنه لم يرهم قلت أكثر
هذه الوجوه وإن أمكنت المناقشة فيه بانفراده لكن الإنصاف أنه يحصل من مجموعها ظن غالب يتاخم العلم بأن
الرجل المتنازع فيه ليس هو ابن بزيع وليس الظن الحاصل منها أدون من سائر الظنون المعول عليها في علم الرجال
كما لا يخفى على من خاض في ذلك الفن ومارسه والله أعلم إذا تقرر ذلك فنقول الذي وصل إلينا
بعد التتبع التام أن اثني عشر رجلا من الرواة مشتركون في التسمية بمحمد بن إسماعيل سوى محمد بن إسماعيل بن
275

بزيع وهم محمد بن إسماعيل ابن ميمون الزعفراني ومحمد بن إسماعيل بن أحمد البرمكي الرازي صاحب الصومعة
ومحمد بن إسماعيل بن خيثم الكناني ومحمد بن إسماعيل الجعفري ومحمد بن إسماعيل السلحي وقد يقال البلخي
ومحمد بن إسماعيل الصيمري العمي ومحمد بن إسماعيل البندقي النيسابوري ومحمد بن إسماعيل بن رجبا
الزبيدي الكوفي ومحمد بن إسماعيل بن عبد الرحمن الجعفي ومحمد بن إسماعيل المخزومي المدني ومحمد بن إسماعيل الهمداني
ومحمد بن إسماعيل بن سعيد البجلي أما محمد بن إسماعيل بن بزيع فقد عرفت الكلام فيه وأما من عدا الزعفراني
والبرمكي من العشرة الباقين فلم يوثق أحد من علماء الرجال أحدا منهم فإنهم لم يذكروا من حال الكناني والجعفري
إلا أن لكل منهما كتابا ولا من حال الصيمري والبلخي إلا أنهما من أصحاب أبي الحسن الثالث عليه السلام ولا من حال البندقي
إلا أنه نقل حكاية عن الفضل بن شاذان ولا من حال الزبيدي والجعفي والمخزومي والهمداني والبجلي إلا أنهم من أصحاب
الصادق عليه السلام وبقاء أحدهم إلى عصر الكليني أبعد من بقاء ابن بزيع وقد حكم متأخروا علمائنا قدس الله
أرواحهم بتصحيح ما يرويه الكليني عن محمد بن إسماعيل الذي فيه النزاع وحكمهم هذا قرينة قوية على أنه ليس أحدا من أولئك
الذين لم يوثقهم أحد من علماء الرجال فبقي الأمر دائرا بين الزعفراني والبرمكي فإنهما ثقتان من أصحابنا لكن الزعفراني
ممن لقي أصحاب الصادق عليه السلام كما نص عليه النجاشي فيبعد بقاؤه إلى عصر الكليني فيقوى الظن في جانب البرمكي فإنه مع
كونه رازيا كالكليني فزمانه في غاية القرب من زمانه لأن النجاشي يرويه عن الكليني بواسطتين وعن محمد بن
إسماعيل البرمكي
بثلاث وسائط والصدوق يروي عن الكليني بواسطة واحدة وعن البرمكي بواسطتين والكشي حيث أنه معاصر
للكليني يروي عن البرمكي بواسط وبدونها وأيضا فمحمد بن جعفر الأسدي المعروف بمحمد بن أبي عبد الله الذي كان
معاصرا للبرمكي توفي قبل وفاة الكليني تقريب من ست عشرة سنة فلم تبق مزية في قرب زمان الكليني من زمان البرمكي
جدا وأما روايته عنه في بعض الأوقات بتوسط الأسدي فغير قادح في المعاصرة فإن الرواية عن الشيخ تارة بواسطة
وأخرى بدونها أمر شايع متعارف لا غرابه فيه والله أعلم بحقايق الأمور تبيين قد يدخل في أسانيد بعض الأحاديث
من ليس له ذكر في كتب الجرح والتعديل بمدح ولا قدح غير أن أعاظم علمائنا المتقدمين قدس الله أرواحهم قد اعتنوا
بشأنه وأكثروا الرواية عنه وأعيان مشايخنا المتأخرين طاب ثراهم قد حكموا بصحة روايات هو في سندها والظاهر أن
هذا القدر كاف في حصول الظن بعدالته وذلك مثل أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد فإن المذكور في كتب
الرجال توثيق أبيه رحمه الله وأما هو فغير مذكور بجرح ولا تعديل وهو من مشايخ المفيد رحمه الله والواسطة بينه و
بين أبيه رحمه الله والرواية عنه كثيرة ومثل أحمد بن محمد بن يحيى العطار فإن الصدوق يروي عنه كثيرا وهو من
مشايخه والواسطة بينه وبين سعد بن عبد الله ومثل الحسين بن الحسن بن أبان فإن الرواية عنه كثيرة وهو من
مشايخ محمد بن الحسن بن الوليد والواسطة بينه وبين الحسين بن سعيد والشيخ عده في كتاب الرجال تارة في أصحاب
العسكري عليه السلام وتارة فيمن لم يرو وينص عليه بشئ ولم نقف على توثيقه إلا في غير بابه في ترجمة محمد بن أورمه و
الحق أن عبارة الشيخ هناك ليست صريحة في توثيقه كما لا يخفى على المتأمل ومثل أبي الحسين علي بن أبي جيد فإن
276

الشيخ رحمه الله يكثر الرواية عنه سيما في الاستبصار وسنده أعلى من سند المفيد لأنه يروي عن محمد بن الحسن بن الوليد
بغير واسطة وهو من مشايخ النجاشي أيضا فهؤلاء وأمثالهم من مشايخ الأصحاب لنا ظن بحسن حالهم وعدالتهم وقد عددت
حديثهم في الحبل المتين وفي هذا الكتاب والصحيح جريا على منوال مشايخنا المتأخرين ونرجوا من الله سبحانه أن يكون
اعتقادنا فيهم مطابقا للواقع وهو ولي الإعانة والتوفيق واعلم أنه قد يعبر عن بعض الرواة باسم مشترك يوجب
الالتباس على بعض الناس ولكن كثرة الممارسة تكشف في الأغلب عن حقيقة الحال فمن ذلك العباس الذي يروي
عنه محمد بن علي بن محبوب فإنه كثيرا ما يقع مطلقا غير مقرون بفصل مميز ولكنه ابن معروف الثقة القمي ومن ذلك حماد الذي
يروي عنه الحسين بن سعيد فإنه ابن عيسى الثقة الجهني ومن ذلك العلاء الذي يروي عن محمد بن مسلم وقد يقال العلا
عن محمد من غير تقييد بابن مسلم والمراد به ابن رزين الثقة ومحمد الذي يروي عنه هو ابن مسلم ومن ذلك أحمد بن محمد
فإنه مشترك بين جماعة يزيدون على الثلاثين ولكن أكثرهم إطلاقا وتكررا في الأسانيد أربعة ثقات ابن الوليد الفتى
وابن عيسى الأشعري وابن خالد البرقي وابن أبي نصر البزنطي فالأول يذكر في أوائل السند والأوسطان في أواسطه و
الأخير في أواخره وأكثر ما يقع الاشتباه بين الأوسطين ولكن حيث أنهما معا ثقتان لم يكن في البحث عن تعيينه فائدة
يعتد بها وأما البواقي فأغلب ما يذكرون مع قيد مميز والنظر فيمن روى عنهم ورووا عنه ربما يعين الممارس على
استكشاف الحال ومن ذلك ابن سنان فإنه يذكر كثيرا من غير فصل مميز يعلم به أنه عبد الله الثقة أو محمد الضعيف
ويمكن استعلام كونه عبد الله بوجوه منها أن يروي عن الصادق عليه بغير واسطة فإن محمدا إنما يروي عنه (ع)
بواسطة ومنها أن يروي عن الصادق عليه السلام بتوسط عمر بن يزيد أو أبي حمزة أو حفص
الأعور فإن محمدا لا يروي عنه عليه السلام بتوسط أحد من هؤلاء ومنها أن ابن سنان الذي يروي عنه النضر بن
سويد أو عبد الله بن المغيرة أو عبد الله الرحمان بن أبي نجران أو أحمد بن محمد بن أبي نصر أو فضالة أو عبد الله بن جبلة فهو عبد
الله لا محمد وابن سنان الذي يروي عنه أيوب بن نوح أو موسى بن القاسم أو أحمد بن محمد بن عيسى أو علي بن الحكم فهو
محمد لا عبد الله وكثرة تتبع الأسانيد وممارستها تعين على رفع الاشتباه في كثير من المواضع واعلم أنه قد
يختلف كلام علماء الرجال في ترجمة الرجل الواحد فيظن سبب ذلك اشتراكه وقد وقع ذلك جماعة منهم ابن داود
ره في غير واحد كمحمد بن الحسن الصفار وغيره بل منهم العلامة قدس الله روحه في علي بن الحكم وغيره وقد يكون الرجل متعددا فيظن أنه واحد كما وقع له طاب ثراه في إسحاق بن عمار فإنه مشترك بين
اثنين أحدهما من أصحابنا والآخر فطحي كما يظهر على المتأمل فلا بد من إمعان النظر في ذلك والله ولي التوفيق وقد يلتبس
توثيق الرجل بتوثيق غيره كما وقع له أيضا طاب ثراه في ترجمة حمزة بن بزيع حيث وصفه في الخلاصة بأنه من صالحي هذه الطائفة
وثقاتهم كثير العمل نظرا إلى ما يوهمه كلام النجاشي والحال أن هذه الأوصاف في كلام النجاشي أوصاف محمد بن إسماعيل بن بزيع
لا أوصاف عمه حمزة كما ذكرناه في حواشينا على الخلاصة وقد اشتبه توثيق الابن بتوثيق الأب وبالعكس لإجمال في العبارة
كعبارة النجاشي في ترجمة الحسن بن علي بن النعمان ولذلك عد بعد أصحابنا كالعلامة في المنتهى والمختلف حديثه في
الحسان اقتصارا على المتيقن وبعضهم عده في الصحاح لندرة توثيق الرجل في غير بابه والله ولي التوفيق خاتمة
277

قد سلك كل من مشايخنا المحمدين الثلاثة قدس الله أرواحهم في كتابه في ذكره مسلكا لم يسلكه الآخر أما ثقة الإسلام أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني
طاب ثراه فإنه ملتزم في كتاب الكافي أن يذكر في كل حديث جميع سلسلة السند بينه وبين المعصوم عليه السلام وقد يحتل
بعض السند على ما ذكره قريبا وهذا في حكم المذكور وأما رئيس المحدثين أبو جعفر محمد بن بابويه القمي عطر الله
مرقده فدأبه في كتاب من لا يحضره الفقيه ترك أكثر السند والاقتصار في الأغلب على ذكر الراوي الذي أخذ عن المعصوم
عليه السلام فقط ثم إنه ذكر في آخر الكتاب طريقه المتصل بذلك الراوي ولم يخل بذلك إلا نادرا وأما شيخ الطائفة
أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي سقا الله ضريحه صوب الرضوان فقد يجري في كتابي التهذيب والاستبصار على وتيرة
الكليني فيذكر جميع السند حقيقة أو حكما وقد يقتصر على البعض فيذكر أواخر السند ويترك أوائله وكل موضع سلك
فيه هذا المسلك أعني الاقتصار على ذكر البعض فقد ابتدء فيه بذكر صاحب الأصل الذي أخذ الحديث من أصله أو
مؤلف الكتاب الذي أخذ الحديث من كتابه وذكر في آخر الكتابين بعض طرقه إلى أصحاب تلك الأصول ومؤلفي تلك الكتب
وأحال البواقي على ما أورده في كتاب فهرست كتب الشيعة وأنا أسلك في كل حديث أنقله من أحد كتب هؤلاء المشايخ في هذا الكتاب
ما سلكه صاحب ذلك الكتاب فأذكر جميع السند إن ذكره وأقتصر على البعض إن اقتصر عليه واعلم أنه كثيرا ما يتكرر
في أوائل أسانيد الكافي ذكر هؤلاء المشايخ هكذا محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد وأنا أكتفي
عن تعداد هؤلاء في أوائل أسانيد الأحاديث المأخوذة من الكافي بقولي الثلاثة ولا التفت بعد وضوح المراد
ما يوهمه هذا اللفظ من اشتراك هؤلاء الثلاثة في الرواية عن الرجل المذكور بعدهم وكثيرا ما يذكر في أول السند
قوله عدة من أصحابنا فإن قال بعدهم عن أحمد بن محمد بن عيسى فالمراد بهم هؤلاء الخمسة أعني محمد بن يحيى وعلي بن
موسى الكيداني وطور بن كورة وأحمد بن إدريس وعلي بن إبراهيم بن هاشم وأنا أعبر عنهم بقولي العدة وإن قال
بعدهم عن أحمد بن محمد بن عيسى فالمراد بهم هؤلاء الخمسة أعني محمد بن يحيى وعلي بن موسى الكيداني وطور بن كوره وأحمد بن
إدريس وعلي بن إبراهيم بن هاشم وأنا أعبر عنهم بقولي العدة وإن قال بعدهم عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي
فهم هؤلاء الأربعة أعني علي بن إبراهيم وعلي بن محمد بن عبد الله بن أذينة وأحمد بن محمد بن أمية وعلي بن الحسن وأنا
أعبر عنهم بلفظ العدة أيضا وكثيرا ما يتكرر في أوائل أسانيد التهذيب والاستبصار هؤلاء المشايخ
الثلاثة هكذا محمد بن النعمان عن أحمد بن محمد بن الحسن عن أبيه محمد بن الحسن بن الوليد وأنا أكتفي عن تعدادهم في
أول أسانيد الأحاديث التي أنقلها من أحد الكتابين بقولي الثلاثة وكثيرا ما يتكرر في أواخر
أسانيد الكافي والتهذيب والاستبصار هؤلاء الرواة الثلاثة هكذا حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة وأنا أكتفي
عن تعدادهم بقولي في أواخر السند عن الثلاثة وكثيرا ما يتكرر في السند أسماء رجال كثيرة الألفاظ مثل أحمد بن
محمد بن أبي نصر البزنطي و عبد الرحمن بن نجران وإبراهيم بن أبي محمود الخراساني وأنا أكتفي عن الأول بقولي البزنطي
وعن الثاني بقولي التميمي وعن الثالث بقولي الخراساني كما أكتفي عن الحسين بن الحسن بن أبان بقولي ابن أبان
وعن معاوية بن عمار بقولي ابن عمار وعن معاوية بن وهب بقولي ابن وهب وعن بريد بن معاوية العجلي بقولي العجلي
278

العجلي وعن عبد الرحمن بن الحجاج البجلي بقولي البجلي وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري بقولي البصري وعن الحسين بن سعيد الأهوازي بقولي
الأهوازي وعن علي بن مهزيار الدورقي بقولي الدورقي وعن محمد بن عبد الجبار الصهباني بقولي الصهباني
وعن عبد الله بن ميمون القداح بقولي القداح وعن عبد الله بن أبي يعفور بقولي أبي محمد وعن أبي عبيدة الحذاء
بقولي الحذاء وقد وضعت لكل من الأصول الأربعة علامة فعلامة الكافي كا وعلامة كتاب من لا يحضره الفقيه
يه وعلامة التهذيب يب وعلامة الاستبصار ص وإن احتاج الحديث إلى بيان فعلامته ن والله ولي
التوفيق ولنا إلى رواية هذه الأصول الأربعة عن مؤلفيها المشايخ الثلاثة المحمدين أعني ثقة الإسلام محمد بن يعقوب
الكليني ورئيس المحدثين محمد بن علي بن بابويه القمي وشيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي أعلى الله مقامهم وأجزل في الخلد
إكرامهم طرق متعددة كثيرة التحويلات والتشعبات وأنا أذكر منها طريقا واحدا مختصرا فأقول إني أروي الأصول
المذكورة عن والدي وأستادي ومن إليه في العلوم الشرعية استنادي الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي قدس الله
تربته ورفع في دار المقامة رتبته عن شيخيه الأجلين الأفضلين قدوتي الإسلام وفقيهي أهل البيت عليهم السلام سيدنا
السيد حسن بن جعفر الكركي وشيخنا الشهيد الثاني زين الملة والدين العاملي أعلى الله قدرهما وأنار في سماء الرضوان
بدرهما عن الشيخ الفاضل علي بن عبد العالي العاملي الميسي عن الشيخ شمس الدين محمد بن مؤذن الجزيني عن الشيخ ضياء
الدين على عن والده الأجل الجامع في معارج السعادة بين مرتبة العلم ودرجة الشهادة الشيخ شمس الدين محمد بن مكي
عن الشيخ المدقق فخر الدين أبي طالب محمد عن والده العلامة آية الله في العالمين جمال الملة والحق والدين الحسن بن مطهر
الحلي عن شيخه الكامل رئيس المحققين نجم الملة والدين أبي القسم جعفر بن الحسن بن السعيد عن السيد الجليل أبي على
فخار بن معد الموسوي عن الشيخ الأوحد أبي الفضل بن شاذان بن جبرئيل القمي عن الشيخ الفاضل الفقيه عماد الدين
أبي جعفر محمد بن أبي القاسم الطبري عن الشيخ الأجل أبي على الحسن عن والده قدوة الفرقة شيخ الطائفة أبي جعفر محمد
بن الحسن الطوسي وله قدس الله روحه إلى ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني طرق عديدة منها عن أسوة
الفقهاء والمتكلمين أبي عبد الله محمد بن محمد النعمان المفيد عن الشيخ الأفضل أبي القاسم جعفر بن قولويه عنه نور الله
مرقده وكذلك له إلى رئيس المحدثين الصدوق محمد بن علي بن بابويه طرق متعددة منها عن الشيخ أبي عبد الله
المفيد عنه طاب ثراه فهذا طريقنا إلى أصحاب أصولنا الأربعة التي عليها المدار في هذه الأعصار وحيث
قدمنا ما لا يستغنى عنه من المقدمات فقد حان الآن أن أشرع في المقصود مستعينا بالله ومتوكلا عليه
فأقول قد رتبت هذا الكتاب المسمى بمشرق الشمسين على أربعة مناهج أولها في العبادات وثانيها في العقود و
ثالثها في الإيقاعات ورابعها في الأحكام المنهج الأول في العبادات وفيه ستة كتب كتاب
الطهارة وفيه مسالك المسلك الأول في الطهارة المائية وفيه مقاصد المقصد
الأول في الوضوء وفيه مطلبان المطلب الأول في تفسير الآية الكريمة الواردة في بيانه قال الله تعالى في
سورة المائدة يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم
279

إلى الكعبين والكلام فيما يتعلق بتفسير هذه الآية الكريمة يستدعي إطلاق عنان القلم بإيراد اثني عشر درسا
درس إقباله جل شأنه بالخطاب بهذا الأمر يتضمن تنشيط المخاطبين والاعتناء بشأن المأمور به وجبر كلفة التكليف
بلذة المخاطبة ثم إن قلنا باختصاص كلمة يا بنداء البعيد كما هو الأشهر فالنداء بها للبعد البعيد بين مقامي
عز الربوبية وذل العبودية أو لتنزيل المخاطبين ولو تغليبا منزلة البعد إلا انهماك في لوازم البشرية وإن كان سبحانه
أقرب إلينا من حبل الوريد أو لما تضمنه هذا النداء من تفخيم المخاطب به والإشارة إلى رفعة شأنه بالإيماء إلى أننا بمراحل
عن توفية حقه وحق ما شرع لأجله ولفظة أي لما كانت وصلة إلى نداء أمثال هذه المعارف أعطيت حكم المنادى
ووصفت بالمقصود بالنداء وتوسيط هاء التنبيه بينهما تعويض عما يستحقه من المضاف إليه وتأكيد للخطاب وقد
كثر النداء بيا أيها الذين آمنوا في القرآن المجيد لما فيه من وجوه التأكيد بالإيماء إلى التفخيم وتكرار الذكر والإبهام
ثم الإيضاح ثانيا والإتيان بحرف التنبيه وتعليق الحكم على الوصف المشعر بالعلة الباعث على الترغيب في الامتثال
وتخصيص الخطاب في هذه المقامات بالمؤمنين لأنهم هم المتهيئون للامتثال وإلا فالكفار عندنا مخاطبون
بفروع العبادات على أن المصر على عدم الايتمار بالشئ لا يحسن أمره بما هو من شروطه ومقدماته والقيام
إلى الصلاة يمكن أن يراد به إرادتها والتوجه إليها إطلاقا للملزوم على لازمه أو المسبب على سببه إذ فعل المختار يلزمه
الإرادة ويتسبب عنها فهو من قبيل قوله تعالى فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله وقيل المراد بالقيام إليها قصدها
والعلاقة ما مر من اللزوم أو السببية وقيل معنى القيام إلى الشئ قصده وصرف الهمة إلى الإتيان به فلا تجوز و
قيل المراد القيام المنتهي إلى الصلاة والقولان الأخيران وإن سلما عن التجوز لكن أولهما لم يثبت في اللغة و
ثانيهما لا يعم جميع الحالات فالمعتمد الأول وكيف كان فالمعنى إذا قمتم محدثين وأما ما نقل من أن الوضوء كان فرضا
على كل قائم إلى الصلاة وإن كان على وضوء ثم نسخ بالسنة حيث صلى النبي صلى الله عليه وآله الخمس بوضوء واحد يوم فتح مكة
فلم يثبت عندنا مع أنه خلاف ما هو المشهور من أنه لا منسوخ في سورة المائدة والفاء في فاغسلوا وإن كانت جزائية
لكن يستفاد منها تعقيب جزائها لشرطها فلذلك استدل بالآية على وجوب الترتيب في الوضوء بغسل الوجه ثم
اليدين ثم مسح الرأس ثم الرجلين لإفادة الفاء تعقيب غسل الوجه للقيام فيتقدم على غسل اليدين من دون مؤنة
استفادة الترتيب من الواو وإذا ثبت الترتيب بينهما ثبت في الباقي لعدم القائل بالفصل وفيه نظر إذ بعد تسليم
إفادتها التعقيب إنما تفيد تعقيب القيام إلى الصلاة بالغسل الوارد على الوجه واليدين فكأنه سبحانه يقول إذا قمتم
إلى الصلاة فاغسلوا هذه الأعضاء الثلاثة وهذا التعقيب لا يستفاد منه تقديم شئ منها على شئ وإنما يستفاد
ذلك لو جعل الواو للترتيب ومعه لا حاجة إلى مؤنة استفادة التعقيب من الفاء والوجه مأخوذ من المواجهة
فالآية إنما تدل على وجوب غسل ما يواجه به منه فلا يجب تخليل الشعر الكثيف أعني الذي لا ترى البشرة خلاله في
مجالس التخاطب إذ المواجهة به لا بما تحته فيكفي إجراء الماء على ظاهره كما نطق به قول الباقر عليه السلام في صحيحة زرارة
كلما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يطلبوه ولا أن يبحثوا عنه ولكن يجرى عليه الماء ولما كانت اليد تطلق على
280

ما تحت الزند وما تحت المرفق وما تحت المنكب بين سبحانه غاية المغسول منها كما تقول لغلامك اخضب يدك إلى المرفق
وللصيقل اصقل سيفي إلى القبضة وليس في الآية الكريمة دلالة على ابتداء الغسل بالأصابع وانتهائه
بالمرفق كما أنه ليس في هاتين العبارتين دلالة على ابتداء الخاضب والصيقل بأصابع اليد وطرف السيف فهي مجملة
وسيما إذا جعلت لفظة إلى فيها بمعنى مع كما في بعض التفاسير فالاستدلال بها على وجوب الابتداء بالأصابع
استدلال واه لاحتمالها كلا من الأمرين ونحن إنما عرفنا وجوب الابتداء بالمرفق من فعل أئمتنا صلوات الله
عليهم درس أمره سبحانه بغسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين يقتضي إيجاب إيصال الماء إلى البشرة فيجب
تخليل المانع من وصوله إليها ولا يجزي المسح على القلنسوة ولا على الخفين وقد خالف أكثر العامة في الخفين
فجوزوا المسح عليهما بشروط ذكروها وأما نحن فقد تواتر عندنا منع أئمتنا عليهم السلام منه وإنكارهم على من يفعله
وقد دلت الآية أيضا على وجوب مباشرة المكلف أفعال الوضوء بنفسه إذ المتبادر من الأمر بفعل إرادة الأمر قيام
الفاعل به على الانفراد إلا مع قرينة صارفة وسيما أمثال هذه الأفعال فقد استفيد من الآية عدم جواز التولية
في الوضوء مع القدرة وكذا المشاركة فيه وهو مذهب علمائنا إلا ابن الجنيد فقد وافق بعض العامة في جوازهما
أما الاستعانة فيه بصب الماء في اليد ليغسل بها فلا دلالة في الآية على منعها لخروجها عن مفهوم الغسل وقد
عدها علمائنا من مكروهات الوضوء وستسمع الكلام فيها عن قريب وقد يستفاد من الآية وجوب غسل الوجه من
الأعلى وإن كان الأمر بالكلي يقتضي براءة الذمة بالإتيان بأي جزئي من جزئياته لأن ذلك إذا لم يكن أحد إفراده هو
الشايع المتعارف وغسل الوجه من أعلاه هو الفرد الشايع المتعارف فينصرف الأمر بالغسل المطلق الأفراد
الأخر الغير المتعارفة كغسله من أسفله مثلا وعلمائنا قدس الله أسرارهم استفادوا وجوب الابتداء بالأعلى من
فعل الأئمة عليهم السلام عند حكاية وضوء النبي صلى الله عليه وآله وقد يستدل على ابتدائه صلى الله عليه و
آله بالأعلى بأنه لما توضأ الوضوء البياني الذي قال بعده هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به أما أن يكون بدء بالأعلى
أو بالأسفل والثاني باطل وإلا لتعين على الأمة ولم يجز خلافه لكنه غير متعين بإجماع الأمة فتعين الأول وفي
هذا الدليل نظر لجواز أن يكون ابتداؤه صلى الله عليه وآله بالأعلى لبيان جوازه لا لتعيينه أو أن يكون ابتداؤه عليه السلام بالأعلى لكونه من الأفعال الجبلية فإن كل من يغسل
وجهه بيده يغسله من أعلاه
درس المرافق جمع مرفق بكسر أوله أو فتح ثالثه أو بالعكس مجمع عظمي الذراع و
العضد سمي بذلك لأنه يرتفق به في الاتكاء ونحوه ولا دلالة في الآية على إدخاله في غسل اليد ولا على إدخال الكعب
في مسح الرجل لخروج الغاية تارة ودخولها أخرى كقوله تعالى فنظرة إلى ميسرة وقولك حفظت القرآن من أوله إلى آخره
ودعوى دخول الغاية إذا لم تتميز عن المغيا بمفصل محسوس موقوفة على الثبوت وغاية ما يقتضيه عدم التمييز إدخاله
احتياطا وليس الكلام فيه ومجئ إلى بمعنى مع كما في قوله تعالى ويزدكم قوة إلى قوتكم وقوله عز وجل حكاية عن عيسى
عليه السلام من أنصاري إلى الله إنما يجدي نفعا لو ثبت كونها هنا بمعناها ولم يثبت ونحن إنما استفدنا إدخال
المرافق في الغسل من أفعال أئمتنا وقد اطبع جماهير الأمة أيضا على دخوله ولم يخالف في ذلك إلا شرذمة شاذة
281

من العامة لا يعتد بهم ولا بخلافهم
وأما الكعبان فالمشهور بين علمائنا عدم دخولهما في المسح وليس في روايتنا
تصريح بدخولهما فيه بل في بعضها إشعار بعدمه وأما العامة فقد أدخلوهما في الغسل وقد ظن بعضهم دلالة
الآية على وجوب إمرار اليد على الوجه واليدين حال غسلهما زاعما أن الدلك مأخوذ في حقيقة الغسل فالأمر به
مستلزم له وهو وهم باطل لا تساعد عليه لغة ولا يشهد به عرف والحق حصول الغسل بصب الماء على العضو أو غمسه
فيه وإن لم يدلك وقد وافقهم بعض علمائنا على وجوب إمرار اليد عليهما حال غسلهما لكن لا فهما من الآية الكريمة
بل استنادا إلى ما ثبت بالنقل الصحيح من إمرار الباقر عليه السلام يده على وجهه ويديه عند حكاية وضوء النبي صلى
الله عليه وآله كما سيجئ والقول به لا يخلو من وجه إن لم يكن انعقد الإجماع منا على خلافه واعلم أنهم حملوا
الماء في قوله تعالى وامسحوا برؤوسكم على مطلق الإلصاق ومن ثم أوجب بعضهم مسح كل الرأس واكتفى بعضهم ببعضه
وأما نحن فالباء في الآية عندنا للتبعيض كما نطقت به صحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام حيث قال فيها إن المسح ببعض
الرأس لمكان الباء وبعد ورود مثل هذه الرواية عنهم عليهم السلام فلا يلتفت إلى إنكار سيبويه مجئ الباء في كلام العرب
للتبعيض في سبعة عشر موضعا من كتابه على أن إنكاره هذا مع أنه كالشهادة على نفي معارض بإصرار الأصمعي على
مجيئها له في نظمهم ونثرهم وهو أشد أنسا بكلام العرب وأعرف بمقاصدهم من سيبويه ونظرائه وقد وافق الأصمعي
كثير من النحاة فجعلوها في قوله تعالى عينا يشرب بها عباد الله للتبعيض وعندنا أن الواجب في مسح كل من الرأس
والرجلين ما يتصدق عليه الاسم لحصول امتثال الأمر بالكلي بالإتيان بأحد جزئياته وقد دل على ذلك صريحا صحيح
الآخرين عن الباقر عليه السلام حيث قال فإذا مسحت بشئ من رأسك أو بشئ من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف
الأصابع فقد أجزئك درس الحق أنه لا دلالة في الآية الكريمة على الترتيب أصلا إذا الأصح أن الواو لمطلق
الجمع في عطف المفردات والجمل وما قيل من استفادة الجمع فيها من جوهر اللفظ فلا حاجة إليه مدفوع باحتمال
الأضراب وقوله صلى الله عليه وآله في السعي ابدؤا بما بدء الله به معارض بسؤالهم وكذا إنكارهم على ابن عباس في تقديم
العمرة معارض بأمره بل هو أدل على مرادنا وأما استفاد الترتيب فيما نحن فيه من الفاء الجزائية المفيدة لتعقيب
جزائها لشرطها أعني تعقيب القيام إلى الصلاة بغسل الوجه على ما مر بيانه فقد عرفت الكلام فيه ونحن إنما استفدنا
وجوب الترتيب الذي عليه أصحابنا من النقل عن أئمتنا عليهم السلام وقد حاول بعض الأعاظم من متأخري علمائنا
استنباطه من الآية بوجه آخر بيانه أنه قد تقرر في العربية أن العامل في المعطوف هو العامل في المعطوف عليه والعامل
هنا فعل الغسل الواقع على الوجه واليدين ولفظة إلى متعلقة به وهي لانتهاء غاية المصدر الذي تضمنه الفعل أعني
طبيعة الغسل وقد جعل غايته المرفقين فليس بعد غسلهما غسل والوجه مغسول فغسله قبل غسلهما البتة ولا يجوز أن يقدر
اغسلوا لتكون كلمة إلى غاية له وحده للزوم تغاير عاملي المعطوف والمعطوف عليه وقس على هذا فعل المسح الواقع على الرأس
والرجلين هذا حاصل الدليل وظني أنه قاصر عن إفادة المراد بل منحرف عن نهج السداد أما أولا فلتطرق الخدش
إلى بعض مقدماته وبعد الإغماض عن ذلك فلا دلالة فيه على تقديم اليد اليمنى على اليسرى ولا على تقديم المغسولات
282

على الممسوحات بل ولا على تقديم الوجه على اليدين ولا الرأس على الرجلين إذ غاية ما دل عليه أن المرافق نهاية الغسل و
الكعبين نهاية المسح وهذا يتحقق لو وسط الوجه بين اليد اليمنى واليسرى وكذا لو وسط الرأس بين إحدى الرجلين و
الأخرى إذ يصدق على هذا الوضوء أن نهاية الغسل فيه المرافق ونهاية المسح الكعبان وأما ثانيا فلأنه لا ينطبق
على ما عليه أكثر علمائنا من وجوب الابتداء في غسل اليدين بالمرفقين بل ولا على ما ذهب إليه أقلهم كالمرتضى رضي الله عنه من جواز النكس لأنه لا يوجبه وإنما يقول بإجزائه ولو تم هذا الدليل لاقتضى وجوبه كما لا يخفى ومما تلوناه
يظهران هذا الدليل إنما يدل بعد اللتيا واللتي على وجوب ترتيب ما في الجملة بين أعضاء الوضوء وعدم إجزاء بعض الصور
السبعمأة والعشرين التي جوزها الحنفية كتأخر غسل الوجه عن غسل اليدين فيمكن أن يجعل دليلا إلزاميا لهم على وجوب
الترتيب في الوضوء لأنه إذا ثبت الترتيب في البعض ثبت في الكل إذ لا قائل بالفصل ولا يخفى أنه لو تم على العامة لاقتضى
إلزامهم بوجوب تقديم غسل الرجلين على مسح الرأس لعطفهم الأرجل على الوجوه فتأمل وقد يستنبط الترتيب الذي
نحن عليه من الآية باستعانة ما روي من أنه لما نزل قوله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله قيل يا رسول الله بأيهما
نبدأ فقال صلى الله عليه وآله بدءوا بما بدأ الله به وهو عام والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ولا يخفى ما في هذا
الدليل فإنه وإن دل على تقديم الوجه على اليدين والرأس على الرجلين لكن لا يدل على تقديم اليد اليمنى على اليسرى بل
يمكن أن يقال إنه إنما يدل على وجوب الابتداء بالوجه وعدم تقديم شئ من الأعضاء عليه وأما الترتيب بقية الأعضاء
فللبحث في دلالته عليه مجال لأنه إنما دل على الابتداء بما بدء الله تعالى به لا على التثنية بما ثنى والثلاث بما ثلث وفهم
السائلين التثنية بالمروة لأنه لا ثالث هناك بخلاف ما نحن فيه اللهم إلا أن يحمل الابتداء في قوله ص ع ابدأوا
بما بدأ الله به على عموم المجاز ليشمل الابتداء الحقيقي والإضافي معا والأولى أن يضاف إلى هذا الدليل مقدمة
أخرى وهو أنه إذا ثبت وجوب تقديم الوجه ثبت الترتيب لعدم القائل بالفصل درس اختلف الأمة في
المراد بالكعب في قوله تعالى إلى الكعبين فلأصحابنا رضي الله عنهم قولان الأول أنه فيه القدم أمام الساق
ما بين المفصل والمشط وعليه أكثر فقهائنا المتأخرين وكلام شيخنا المفيد طاب ثراه صريح فيه الثاني أنه عظم مائل
إلى الاستدارة واقع في مفصل القدم نأت عن ظهره يدخل نتوة في طرف الساق وهو مشاهد في عظام الأموات وقد يعبر عنه
بالمفصل لمجاورته له ووقوعه فيه وهذا هو الكعب عند العلامة جمال الملة والدين قدس الله روحه وبه صرح
ابن الجنيد حيث قال الكعب في ظهر القدم دون عظم الساق وهو المفصل الذي هو قدام العرقوب وأما العامة
فأكثرهم على أنه أحد العظمين الناتيين عن يمين القدم وشماله ويقال لهما المنجمان والنادر منهم كمحمد بن الحسن الشيباني
على أنه العظم الواقع في مفصل القدم كما هو عند العلامة طاب ثراه وأما اللغويون فالمستفاد من تتبع كلامهم أن
الكعب في كلام العرب يطلق على أربعة معان الأول نفس المفصل بين الساق والقدم كما قال في القاموس الكعب
كل مفصل للعظام انتهى وأهل اللغة يسمون المفاصل التي بين أنابيب القصب كعابا قال في الصحاح كعوب
الرمح والنواشز في أطراف الأنابيب وقال في المغرب الكعب المعقدة بين الأنبوبتين في القصب الثاني العظم الناتئ
283

في وسط القدم بين الساق والمشط وبه قال من أصحابنا اللغويين عميد الرؤساء في كتابه الذي ألفه في الكعب
كما نقله عنه شيخنا الشهيد الثالث أنه أحد الناتيين عن جانبي القدم كما قاله فقهاء العامة الرابع أنه عظم مايل
إلى الاستدارة واقع في ملتقى الساق والقدم كالذي في أرجل البقر والغنم وربما يلعب به الأطفال وقد ذكره صاحب
القاموس وبحث عنه علماء التشريح كجالينوس وابن سينا في القانون وغيره وكلام الجوهري غير آب عنه حيث
قال الكعب العظم الناشز عند ملتقى الساق والقدم وكلام أبي عبيدة أصرح منه حيث قال الكعب
الذي في أصل القدم ينتهي إليه الساق بمنزلة كعاب القناة وهذا هو الذي قال به العلامة قدس الله روحه كما قلنا و
قد عبر عنه في بعض كتبه بمجمع الساق والقدم وفي بعضها بالناتي وسط القدم يعني وسطه العرفي وفي بعضها بمفصل الساق والقدم وقال إن هذا هو الكعب عند
علمائنا ونسب من فهم من عباراتهم خلاف ذلك إلى عدم التحصيل قال رحمه الله في المنتهى الكعب هو الناتي وسط
القدم وقد تشتبه عبارة علمائنا على بعض من لا مزيد تحصيل له في معنى الكعب وقال في المختلف يراد بالكعبين
هنا المفصل بين الساق والقدم وفي عبارة أصحابنا اشتباه على غير المحصل هذا كلامه ولقد أطنب أكثر
المتأخرين عن عصره أنار الله برهانه في إنكار ما ذهب إليه وطولوا لسان التشنيع عليه وحاصل تشنيعهم يدور على
ستة أمور الأول أن قوله هذا مخالف لما أجمع عليه أصحابنا بل لما أجمع عليه الأمة من الخاصة والعامة الثاني
أنه مخالف للأخبار الصريحة الثالث أنه مخالف لكلام أهل اللغة إذ لم يقل أحد منهم أن المفصل كعب
الرابع أنه صب عبارات الأصحاب على مدعاه مع أنها ناطقة بخلاف دعواه الخامس أن الكعب في ظهر
القدم والمفصل الذي ادعي أنه الكعب ليس في ظهر القدم السادس أنه مخالف للاشتقاق من كعب إذا ارتفع
كما صرح به اللغويون وقد أوردت تشنيعاتهم بألفاظهم في الحبل المتين وفي شرح الحديث الرابع من الأحاديث
الأربعين وظني أن الحق ما قاله العلامة أحله الله دار المقامة وأن كلامهم عليه في غير موضعه وتشنيعهم واقع
في غير موقعه كما يظهر عليك إن شاء الله تعالى درس مما يستدل به من جانب العلامة طاب ثراه إلى أن الكعب
واقع في مفصل القدم ما رواه في الكافي بطريق حسن عن زرارة وبكير ابني أعين أنهما سئلا أبا جعفر عليه السلام
عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله فدعا بطست أو تور فيه ماء فغمس يده اليمنى فغرف بها غرفة فصبها على وجهه
إلى أن قالا ثم مسح رأسه وقدميه ببلل كفه لم يحدث لهما ماء جديدا ثم قال إن الله عز وجل يقول يا أيها الذين آمنوا
إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق فليس له أن يدع شيئا من وجهه إلا غسله وأمر أن يغسل إلى المرفقين فليس له أن يدع من يديه إلى المرفقين شيئا إلا غسله ثم قال وامسحوا
برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين فإذا مسح بشئ من رأسه أو بشئ من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد
أجزئه فقلنا أين الكعبان قال هيهنا يعني المفصل دون عظم الساق فقلنا هذا ما هو فقال هذا عظم الساق و
الكعب أسفل من ذلك وروى في التهذيب بطريق صحيح عن زرارة وبكير أنهما قالا بعدما حكى لهما الباقر عليه السلام
وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله قلنا أصلحك الله فأين الكعبان قال هيهنا يعني المفصل دون عظم الساق فقالا
هذا ما هو قال هذا عظم الساق وهذان الحديثان المعتبران شاهدان شهادة صريحة بما قاله العلامة طاب ثراه
284

ويزيد ذلك وضوحا أن الإمام عليه السلام بعدما توضأ ومسح قدميه بحضور الأخوين وشاهدا كيفية مسحه
سألاه أين الكعبان وسؤالهما بعد مشاهدة مسحه عليه السلام يدل على أنه عليه السلام لما تجاوز قبة القدم التي
هي أحد المعاني الأربعة للكعب بحسب اللغة وبلغ بالمسح المفصل أراد أن يعلما أن الكعب في الآية الكريمة هل المراد
به نفس المفصل أو العظم الواقع في المفصل إذ كل منهما يسمى كعبا بحسب اللغة وقد انتهى مسحه عليه السلام إليهما معا
فسألاه أين الكعبان ولو انتهى مسحه عليه السلام بقبة القدم لعلما ذلك بمجرد ذلك أنها هي الكعب المأمور بانتهاء
المسح إليه في الآية الكريمة ولم يحسن سؤالهما بعد ذلك أين الكعبان لظهور أن عدم تجاوزها في مقام بيان وضوء النبي
صلى الله عليه وآله نص على أنها هو وأيضا إشارته عليه السلام إلى مكان كعب بقول هيهنا يشعر بأن الكعب واقع في
المفصل وإلا لقال هو هذا ولم يأت بلفظة هيهنا المختصة بالإشارة إلى المكان وكذا قولهما بعد ذلك هذا
ما هو وإجابته عليه السلام بأن هذا عظم الساق يشعر بأن إشارته كانت إلى شئ متصل بعظم الساق وملاصق له كما لا
يخفى ومن تأمل هذين الحديثين ظهر عليه شدة اهتمام زرارة وأخيه في التفتيش عن حقيقة الكعب والتعبير عنه وبما تلوناه
عليك يظهر أن ما يقال من أن المشار إليه في قوله عليه السلام هاهنا لعله إنما كان قبة القدم فاشتبه ذلك على الأخوين فظنا
أنه عليه السلام أشار إلى المفصل خيال ضعيف وأيضا فالالتفات إلى أمثال هذه الاحتمالات وتجويز أمثال هذه
الاشتباهات على الرواة في أخبارهم عن المشاهدات وسيما هذين الراويين الجليلين يؤدي إلى عدم الاعتماد على
أخبارهم بالمسموعات فيرتفع الوثوق بالروايات وبما قررناه يظهر أن استدلال العلامة في المنتهى والمختلف بحديث
الأخوين استدلال في غاية المتانة وأما تشنيعات المتأخرين عليه فالجواب عن الأول أنه إن تحقق إجماع أصحابنا
رضي الله عنهم فإنما تحقق على أن الكعب عظم في ظهر القدم لا عن جانبيه كما يقوله العامة واقع عند معقد
الشراك و
العلامة يقول به وانعقاد الإجماع على ما ينافي كلامه غير معلوم وعن الثاني أنه لا خبر في هذا الباب أصرح من خبر
الأخوين وهو إنما ينطبق على كلامه طاب ثراه كما عرفت وأما الأخبار الدالة على أن الكعب في ظهر القدم كما رواه
الشيخ في الحسن عن ميسر عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال الوضوء واحدة واحدة ووصف الكعب في ظهر القدم فلا
يخالف كلامه إذ الكعب عنده واقع في ظهر القدم غير خارج عنه إذ القدم ما تحت الساق من الرجل ولا يخفى
على من له أنس بلسان القوم أن ما تضمنه هدا الحديث من قول ميسر أن الباقر عليه السلام وصف الكعب في ظهر
القدم يعطي أنه عليه السلام ذكر للكعب أوصافا ليعرفه بها السائل ولو كان الكعب هذا المرتفع المحسوس المشاهد
لم يحتج إلى الوصف بل كان يكفي أن يقول هو هذا وعن الثالث بأن صاحب القاموس وغيره صرحوا بأن المفصل
يسمى كعبا كما مر وعن الرابع أن صراحة كلام الأصحاب في خلاف كلام العلامة ممنوعة بل بعضها كعبارة ابن الجنيد
صريحة في الانطباق عليه كما عرفت وبعضها كعبارة السيد المرتضى وأبي الصلاح وابن إدريس والمحقق ليست
آبية عن التنزيل عليه عند التأمل نعم عبارة المفيد صريحة في خلافه كما مر وإيراده لها في المختلف ليس لتأييد ما ذهب
إليه كما قد يظن بل لبيان سبب وقوع الاشتباه على الناظر في عباراتهم فلا يرد عليه أنه استشهد بما يخالف مدعاه
285

عن الخامس والسادس بأن العظم المستدير الذي هو الكعب عنده في الحقيقة واقع في ظهر القدم كما قلنا في الجواب عن
الثاني وهو مرتفع العظم عنه وواقع فوقه كما بيناه واعلم أنه طاب ثراه بعد ما استدل بصحيح الأخوين على ما ادعاه
استدل أيضا برواية زرارة عن الباقر عليه السلام المتضمنة لمسح ظهر القدمين ثم قال وهو يعطي الاستيعاب وغرضه
قدس الله روحه الاستيعاب الطولي أعني مرور خط المسح ولو بإصبع على طول القدم فيتصل آخره بالمفصل لا محالة
وليس مراده استعياب مجموع ظهر القدم طولا وعرضا ويدل على ذلك قوله في التذكرة ولا يجب استيعاب الرجلين
بالمسح بل يكفي المسح من رؤس الأصابع إلى الكعب ولو بإصبع واحدة عند أهل البيت عليهم السلام ثم قال ويجب
استيعاب طول القدم من رؤس الأصابع إلى الكعبين فلا وجه للاعتراض عليه بأن استيعاب ظهر القدم لم يقل به
أحد منا لأن ذاك هو الاستيعاب طولا وعرضا معا وقد خرج بالإجماع فنزل ظاهر الرواية على الاستيعاب الطولي
وإنما بسطنا الكلام في هذا المقام لأنه بذلك حقيق والله ولي التوفيق درس قد طال التشاجر وامتد النزاع
بين الأمة في مسح الرجلين وغسلهما في الوضوء فقال فرقة بالمسح وقال طائفة بالغسل وقال جماعة بالجمع وقال آخرون
بالتخيير أما المسح فهو مذهب كافة أصحابنا الإمامية رضي الله عنهم عملا بما تفيده الآية الكريمة عند التحقيق واقتداء
بأئمة أهل البيت عليهم السلام ونقل شيخ الطائفة في التهذيب أن جماعة من العامة يوافقوننا على المسح أيضا إلا أنهم
يقولون باستيعاب القدم ظهرا وبطنا ومن القائلين بالمسح ابن عباس رضي الله عنه وكأن يقول الوضوء غسلتان ومسحتان
من باهلني باهلته ووافقه أنس بن مالك وعكرمة والشعبي وجماعة من التابعين وقد نقل علماء العامة من المفسرين
وغيرهم أنه موافق لقول الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام وقول آبائه الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين و
أما الغسل فهو مذهب أصحاب المذاهب الأربعة وزعموا أن النبي صلى الله عليه وآله أمر به ونهى عن المسح وكذلك
أمير المؤمنين عليه السلام ورووه عن عايشة و عبد الله بن عمر وستسمع تفصيله عن قريب وأما الجمع بين الغسل و
المسح فهو مذهب داود الظاهري والناصر للحق وجم غفير من الزيدية وقالوا قد ورد الكتاب بالمسح ووردت السنة
بالغسل فوجب العمل بهما معا ككثير من العبادات التي وجب بعضها بالكتاب وبعضها بالسنة ولأن براءة الذمة
لا تحصيل بتعيين إلا به وأما التخيير بين الغسل والمسح فهو مذهب الحسن البصري وأبي على الجبائي ومحمد بن جرير الطبري
وأتباعهم وقالوا سوى الحسن البصري أن من مسح فقد عمل بالكتاب ومن غسل فقد عمل بالسنة ولا تنافي بينهما كما في الواجب
التخييري فالمكلف مخير بين الأمرين أيهما شاء فعله وأما الحسن البصري فلم يوافقهم على هذا الدليل وإن وافقهم في الدعوى
وذلك لأنه حمل الآية على التخيير واعلم أن القراء السبعة قد اقتسموا قرائتي نصب الأرجل وجرها على التناصف
فقرء الكسائي ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم بنصبها وحمزة وابن كثير وأبو عمر وأبو بكر عن عاصم بجرها وحمل
الماسحون قراءة النصب على العطف على محل الرؤس كما تقول مررت بزيد وعمرا بالعطف على محل زيد لأنه مفعول به
في المعنى والعطف على المحل شايع في كلام العرب مقبول عند النحاة وأما قراءة الجر فلا حاجة لهم إلى توجيهها إذ ظهورها
في المسح غني عن البيان والغاسلون حملوا قراءة النصب على عطف الأرجل على الوجوه أو على اضمار عامل آخر
286

تقديره واغسلوا أرجلكم كما أضمروا العامل في قول الشاعر علفتها تبنا وماء باردا وقول متقلدا سيفا و
رمحا واضطربوا في توجيه قراءة الجر فقال بعضهم أن الأرجل فيها معطوفة على الوجوه وإنما جرت لمجاورة المجرور أعني
الرؤس نحو قولهم حجر ضب خراب وقال آخرون هي معطوفة على الرؤس والآية مقصورة على الوضوء الذي يمسح فيه الخفان وليس المراد بها بيان كيفية مطلق الوضوء
ولم يرتض الزمخشري في الكشاف شيئا من هذين الوجهين بل طوى عنهما كشحا واخترع وجها آخر حاصله أن الأرجل
معطوفة على الرؤس لا لتمسح بل لتغسل غسلا يسيرا شبيها بالمسح لئلا يقع إسراف في الماء بصبه عليها فهذا غاية
ما قاله الماسحون والغاسلون في تطبيق كل من تينك القرائتين على ما يوافق مرادهم ويطابق اعتقادهم وأما
الجامعون بين الغسل والمسح فهم يوافقون الإمامية في استفادة المسح من الآية على كل من القرائتين كما مر تقريره و
أما المخيرون بين الأمرين فرئيسهم أعني الحسن البصري لم يقرء بنصب الأرجل ولا بجرها وإنما قرأها بالرفع على تقدير
وأرجلكم مغسولة أو ممسوحة وباقيهم وافقوا الإمامية على ما استفادوه من الآية فهذه أقوال علماء الأمة
بأسرهم في هذه الآية الكريمة وآرائهم عن آخرهم في هذه المعركة العظيمة اللهم اهدنا لما اختلف فيه بإذنك إنك
تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم درس تمسك أصحابنا في وجوب المسح بما ثبت بالنقل المتواتر عن أئمة أهل
البيت عليهم السلام أنهم كانوا يمسحون أرجلهم في الوضوء ويأمرون شيعتهم بذلك وينقلونه عن جدهم رسول الله
صلى الله عليه وآله وأبيهم أمير المؤمنين عليه السلام وينهون عن الغسل ويبالغون في إنكاره وقد سئل أبو جعفر
محمد بن علي الباقر عليه السلام عن مسح الرجلين في الوضوء فقال هو الذي نزل به جبرئيل عليه السلام وروينا عن أبي
عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال يأتي على الرجل ستون وسبعون سنة ما قبل الله منه صلاة
قيل له وكيف ذلك قال لأنه يغسل ما أمر الله بمسحه وأمثال ذلك عنهم عليهم السلام أكثر من أن يحصى ومن وفقه الله
لسلوك جادة الإنصاف ومجانبة جانب الاعتساف لا يعتريه ريب ولا يخالجه شك في أن الآية الكريمة ظاهرة في المسح
شديدة البعد عن إفادة الغسل وأن ما تمحله الغاسلون في توجيه قراءة النصب في عطف الأرجل والواقعة في ذيل
الحكم بالمسح على الوجوه المندرجة في حكم الغسل لإفادة كونها مغسولة يوجب خروج الكلام عن حلية الانتظام
لصيرورته بذلك من قبيل قول القائل ضربت زيدا وعمرا وأكرمت خالدا وبكرا بجعل بكر معطوفا على زيد لقصد
الإعلام بأنه مضروب لا مكرم ولا يخفى أن مثل هذا الكلام في غاية الاستهجان عند أهل اللسان تنفر عنه
طباعهم وتشمئز منه أسماعهم فكيف يحتج إليه أو تحمل الآية الكريمة عليه وأما ما تكلفوه لتتميم مرامهم وترويج كلامهم
في ثاني وجهي توجيه تلك القراءة من اضمار فعل ناصب للأرجل سوى الفعلين المذكورين في الآية تقديره واغسلوا
أرجلكم فلا يخفى ما فيه فإن التقدير خلاف الأصل وإنما يحسن ارتكابه عند عدم المندوحة عنه وانسداد الطريق إلا
إليه وقد عرفت أن العطف على المحل طريق واضح لا يضل سالكه ولا تظلم مسالكه وأما التقدير في الشاهدين
اللذين استشهدوا بهما فلا مناص عن ارتكابه فيهما ليصح الكلام بحسب اللغة إذ لا يقال علفت الدابة ماء ولا فلان
متقلدا رمحا وإنما يقال سقيتها ماء ومعتقل رمحا وما نحن فيه ليس من ذلك القبيل والله الهادي إلى سواء السبيل و
287

أما المحملان اللذان حملوا عليهما قراءة الجر فهما بمراحل عن جادة الصواب أما الحمل على أن المراد تعليم مسح الخفين
فلا يخفى ما فيه من البعد ولهذا أعرض عنه المحققون من المفسرين إذ لم يجر للخفين ذكر ولا دلت عليهما قرينة وليس
الغالب بين العرب لبسهما وسيما أهل مكة والمدينة زادهما الله عزا وشرفا فكيف يقتصر سبحانه في ابتداء تعليم
كيفية الوضوء على كيفية وضوء لابس الخف فقط ويترك وضوء من سواه وهو الغالب إلا هم وأما الحمل على أن الجر
لمجاورة الأرجل الرؤس فأول ما فيه أن جر الجوار ضعيف جدا حتى أن أكثر أهل العربية أنكروه ولم يعولوا عليه ولهذا لم يذكره صاحب الكشاف في توجيه قراءة الجر وتمحل لها وجها آخر وأيضا فإن المجوزين له إنما جوزوه بشرطين
الأول عدم تأديته إلى الالتباس على السامع كما في المثال المشهور إذ الخرب إنما يوصف به الجحر لا الضب و
الثاني أن لا يكون معه حرف العطف والشرطان مفقودان في الآية الكريمة أما الأول فلأن تجويز جر الجوار
يؤدي إلى التباس حكم الأرجل لتكافؤ احتمال جرها بالجوار المقتضي لغسلها وجرها بالعطف على الأقرب المقتضي
لمسحها فإن قلت إنما يجئ اللبس لو لم يكن في الآية قرينة على أنها مغسولة لكن تحديدها بالآية قرينة على غسلها
إذ المناسب عطف ذي الغاية على ذي الغاية لا على عديمها وتناسب المتعاطفين أمر مرغوب فيه في فن البلاغة
قلت هذه القرينة معارضة بقرينة أخرى دالة على كونها ممسوحة وهي المحافظة على تناسب الجملتين المتعاطفتين
فإنه سبحانه لما عطف في الجملة الأولى ذا الغاية على غير ذي الغاية ناسب أن يكون العطف في الجملة الثانية أيضا
على هذه الوتيرة وعند تعارض القرينتين يبقى اللبس بحاله وأما الشرط الثاني فأمره ظاهر فإن قلت قد جاء
الجر بالجوار في قوله تعالى وحور عين في قراءة حمزة والكسائي مع أن حرف العطف هناك موجود وليست معطوفة
على أكواب بل على ولدان لأنهن طايفات بأنفسهن وجاء أيضا في قول الشاعر فهل أنت إن ماتتا تانك راحل
إلى آل بسطام بن قيس مخاطب بعطف خاطب على راحل وجره بجوار قيس قلت أما الآية الكريمة فليس جر
حور عين فيها بالجوار كما ظننت بل إنما هو بالعطف على جنات أي هم في جنات ومصاحبة حور عين أو على أكواب
أما لأن معنى يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب ينعمون بأكواب كما في الكشاف وغيره أو لأنه يطاف بالحور بينهم
مثل ما يجاء بسراري الملوك إليهم كما في تفسير الكواشي وغيره ودعوى كونهن طايفات بأنفسهن لا مطافا بهن
لم يثبت بها رواية ولم يشهد لها دراية وأما البيت فبعد تسليم كونه من قصيدة مجرورة القوافي فلا نسلم كون
لفظة خاطب اسم الفاعل لجواز كونها فعل أمر أي فخاطبني وأجبني عن سؤالي وإن سلمنا ذلك فلا نسلم كونها مجرورة
لكثرة الأقوال به في شعر العرب العرباء حتى قل أن يوجد لهم قصيدة سالمة عنه كما نص عليه الأدباء فلعل هذا منه
وإن سلمنا كونها مجرورة بالجوار فلا يلزم من وقوع جر الجوار مع العطف في الشعر جوازه في غيره إذ يجوز في الشعر لضرورة
الوزن أو القافية ما لا يجوز في غيره درس وأما المحمل الثالث الذي تمحله صاحب الكشاف حيث قال فإن قلت فما تصنع
بقراءة الجر ودخول الأرجل في حكم المسح قلت الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصب الماء عليها
فكانت مظنة للإسراف المذموم المنهي عنه فعطفت على الرابع الممسوح لا لتمسح ولكن لينبه على وجوب الإقتصاد في
288

صب الماء عليها وقيل إلى الكعبين فجئ بالغاية لإماطة ظن ظان يحسبها ممسوحة لأن المسح لم تضرب له غاية في الشريعة انتهى
فلا يخفى ما فيه من التعسف الشديد والتمحل البعيد ومن ذا الذي قال بوجوب الإقتصاد في غسل الرجلين وأي
إسراف
يحصل بصب الماء عليها ومتى ينتقل المخاطبون بعد عطفها على الرؤس الممسوحة وجعلها معمولة لفعل المسح
إلى أن المراد غسلها غسلا يسيرا مشابها للمسح وهل هذا إلا مثل أن يقول شخص أكرمت زيد أو عمر أو أهنت خالدا
وبكرا فهل يفهم أهل اللسان من كلامه هذا إلا أنه أكرم الأولين وأهان الآخرين ولو قال لهم أني لم أقصد من عطف
بكر على خالد أنني أهنته وإنما قصدت أنني أكرمته إكراما حقيرا قريبا من الإهانة لأكثروا ملامه وزيفوا كلامه وحكموا
بأنه خارج عن أسلوب كلام الفصحاء ألا ترى إلى حكم علماء المعاني بأن قول العباس الأحنف سأطلب
بعد الدار عنكم لتقربوا وتسكب عيناي الدموع لتجمدا خارج من قانون الفصاحة لبعد انتقال السامع من جمود العين إلى ما قصده
من الفرح والسرور ولا أظنك ترتاب في أن الانتقال إلى المعنى الذي تمحله صاحب الكشاف أبعد من الانتقال إلى المعنى
الذي قصده العباس وأما جعله التحديد بالكعبين قرينة على أن الأرجل مغسولة واستناده في
ذلك إلى أن المسح لم تضرب له غاية في الشريعة فعجيب لأنه إن أراد أن مطلق المسح لم تضرب له غاية في
الشريعة ولم ترد به الآية الكريمة فهو عين المتنازع بين فرق الإسلام وإن أراد أن
مسح الرأس لم تضرب له غاية فأين القرينة حينئذ على أن الأرجل مغسولة وأعجب من ذلك أنه لشدة اضطرابه في
تطبيق قراءة الجر على مدعاة قد ناقض نفسه في كلامين ليس بينهما إلا أسطر قلائل ألا ترى إلى أنه قال عند قوله
تعالى فاغسلوا وجوهكم فإن قلت هل يجوز أن يكون الأمر شاملا للمحدثين وغيرهم لهؤلاء على وجه الوجوب و
لهؤلاء على وجه الندب قلت لا لأن تناول الكلمة لمعنيين مختلفين من باب الألغاز والتعمية ثم إنه حمل قوله
تعالى وامسحوا برؤوسكم على ما هو أشد ألغازا وأكثر تعمية من كثير من الألغاز والمعميات وجاز تناول الكلمة لمعنيين
مختلفين إذ المسح من حيث وروده على الرؤس يراد به المسح الحقيق ومن حيث وروده على الأرجل يراد به الغسل القريب من المسح فحقيق أن يقال أيها الحاذق اللبيب كيف
احترزت عن إجراء كلام الله تعالى مجرى اللغز والمعمى حين أمر سبحانه بغسل الوجه واليدين ولم تحترز عن ذلك حين
أمر جل شأنه بمسح الرأس والرجلين ولم جوزت في آخر كلامك ما منعت منه في أوله وهل لاحظت في ذلك نكتة
لطيفة أو دقة معنوية أو هو تحكم محض وتعسف صرف لينطبق به قراءة الجر على وفق مرادك وطبق اعتقادك درس
قد عرفت ما تمحله الغاسلون في تفسير الآية الكريمة وما حملوها عليه من المحامل البعيدة السقيمة فلنذكر الآن
بقية كلامهم في إتمام مرامهم فنقول واحتجوا على الغسل بعد ما زعموا دلالة الآية عليه بما رواه البخاري في
صحيحة عن عبد الله بن عمر قال تخلف عنا النبي صلى الله عليه وآله في سفر فأدركنا وقد أرهقنا العصر فجعلنا نتوضأ
ونمسح على أرجلنا فنادى بأعلى صوته ويل للأعقاب من النار وبما رواه صاحب المصابيح عن أبي حية قال رأيت
علي بن أبي طالب عليه السلام توضأ فغسل كفيه حتى أنقاهما ثم مضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا وذراعيه
ثلاثا ومسح برأسه مرة ثم غسل قدميه إلى الكعبين ثم قام فأخذ فضل طهوره فشربه وهو قائم ثم قال أردت أن أريكم
كيف كان طهور رسول الله صلى الله عليه وآله وبما رواه عن ابن عباس أنه حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله
وختم بغسل رجليه وبما رواه عن عايشة أنها قالت لأن تقطعا أحب إلى من أن أمسح على القدمين بغير خفين و
بما رواه عن عمر بن الخطاب أنه رأى رجلا يتوضأ فترك باطن قدميه فأمره أن يعيد الوضوء وأجاب أصحابنا بأن
ما رويتموه عن النبي صلى الله عليه وآله وعن أمير المؤمنين سلام الله عليه معارض بما تواتر عن أئمة أهل البيت
289

عليهم السلام من أن وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله إنما كان بالمسح وكذلك كان وضوء أمير المؤمنين عليه السلام مع أن هذه الرواية التي تمسك به البخاري في تحتم الغسل والمنع من المسح وعنون الباب المذكورة فيه بذلك لا دلالة
فيها بعد تسليم صحتها على ما زعمه لأنها إنما تضمنت أمره صلى الله عليه وآله بغسل الأعقاب فلعله لنجاستها فإن أعراب
الحجاز ليبس هو أهم ومشيهم في الأغلب حفاة كانت أعقابهم تشقق كثيرا كما هو الآن مشاهد لمن خالطهم فكانت
قلما تخلو من نجاسة الدم وغيره وقد اشتهر أنهم كانوا يبولون عليها ويزعمون أن البول علاج تشققها فإن صدر عنه
صلى الله عليه وآله أمر بغسل الأعقاب فهو لإزالة النجاسة عنها وأيضا فليس في هذه الرواية أنه صلى الله عليه وآله
نهاهم عن مسح الرجلين وإنما تضمنت أمرهم بغسل أعقابهم لا غير وتخصيصه صلى الله عليه وآله الأعقاب بالذكر وسكوته
عما فعلوه من المسح يؤيد ما قلناه وأيضا أن عبد الله بن عمر والصحابة الذين توضؤا معه ومسحوا أرجلهم كما نقلهم عنهم
لم يكن مسح أرجلهم في الوضوء اختراعا منهم وتشهيا من عند أنفسهم بل لا بد أن يكونوا سمعوا ذلك من النبي صلى الله عليه
وآله أو شاهدوه من فعله إذ العبادات لا تكون بالاختراع والتشهي وإنما هي أمور توقيفية متلقاة من الشارع
فهذه الرواية عند التأمل حجة لنا لا علينا كما أن الآية الكريمة كذلك وأما ما نقلتموه عن أمير المؤمنين عليه السلام
فيكذبه ما نقله علماؤكم من أن أئمة أهل البيت عليهم السلام كانوا يمسحون أرجلهم في الوضوء وينقلونه عن أبيهم ولا
شك أنهم أعلم منكم ومن فقهائكم الأربعة بشريعة جدهم وعمل أبيهم سلام الله عليهم أجمعين وأما ما نقلتموه عن
ابن عباس فهو ينافي ما اشتهر عنه ونقلتموه في كتبكم من أن مذهبه المسح وأنه كان يقول الوضوء غسلتان ومسحتان
من باهلني باهلته وأما ما نقلتموه عن عايشة وعمر بن الخطاب فقد تعلمون أنه غير رايج لدينا فلا يصير علينا حجة
درس ومما استدلوا به أن غسل الرجلين هو قول أكثر الأمة وفعلهم في كل الأعصار والأمصار من زمن النبي
صلى الله عليه وآله إلى هذا الزمان وأما من عداهم من الفرق الثلاثة الأخر أعني الماسحين والجامعين والمخيرين
فهم بالنسبة إلى الغاسلين في غاية القلة ونهاية الندرة وقول الأكثر أقرب إلى الحقية من قول الأقل وأيضا
فكيف تعتقدون أيها الماسحون أن النبي صلى الله عليه وآله كان يمسح رجليه مدة حياته ثم لما توفاه ربه إليه اخترع
سلف أصحابنا الغسل تشهيا من عند أنفسهم وادخلوا في الدين ما ليس منه بمحض رأيهم من دون أمر باعث عليه أو سبب
مؤد إليه واعتقادكم هذا يحكم بفساده كل ذي مسكة وأيضا فإنه صلى الله عليه وآله كان يتوضأ في الغزوات وغيرها
بمحضر جم غفير من الأمة يشاهدون أفعاله وينقلون أقواله فكيف نقل إليكم المسح ولم ينقل إلينا وكيف اختصصتم أنتم
بالاطلاع على هذا الأمر الظاهر البين من دوننا وأجاب أصحابنا عن الأول بأن الكثرة لا تدل على الحقية بل ربما
كانت دلالتها على البطلان أقرب فإن أكثر أهل الحق في جميع الأعصار أقل من أهل الباطل ألا ترى أن المسلمين في
غاية القلة بالنسبة إلى من سواهم ألا ترى أن الفرقة الناجية منهم واحدة لا غير والفرق الهالكة اثنتان وسبعون
فرقة كما نطق به الحديث المشهور فكيف تجعلون الكثرة بعد هذا دليلا على الحقية وعن الثاني والثالث بأنهما
وارد أن عليكم أيضا ولم تجوزون على سلفنا الاختراع في الدين ولا تجوزون على سلفكم على أن تطرق الشبهة إلى ما
290

ذهبتم إليه من الغسل أقرب من تطرقها في المسح وذلك لما قلناه قبل هذا من أن أكثر العرب في ذلك الزمان ولا سيما أهل
البادية كانوا يمشون حفاة والنعل العربية التي كان يلبسها بعضهم لم تكن تقي أقدام أكثرهم وقاية تامة كما هو مشاهد
لمن لبسها وكانت أعقابهم تنفطر ليبس هوائهم وكثرة مماستها الرمل والحصباء وقد اشتهر أنهم كانوا يبولون عليها
ويزعمون أن البول علاج لها فيجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وآله أمرهم بغسل أرجلهم عند الوضوء لإزالة النجاسة
عنها لا لكون الغسل جزء من الوضوء ثم استمروا عليه وجرت عادتهم به حتى اعتقدوا أنه من الوضوء ثم تعوضوا به عن
المسح لظن أن الغسل مسح وزيادة كما مرت الإشارة إليه قبل هذا وحينئذ لا يكون الغسل اختراعا محضا بل ناشيا عن شبهة
اقتضت القول به ومثل هذا لا يجري في المسح وأيضا فالاختلاف في الوضوء ليس مختصا بما هو بيننا وبينكم بل أنتم أيضا
مختلفون في مسح الرأس اختلافا شديدا فالمالكية يوجبون استيعابه كله والحنفية يوجبون مسح ربعه لا غير والشافعية
يكتفون بالمسح على كل جزء منه فهل كان النبي صلى الله عليه وآله يفعل ما يقوله أحد من هؤلاء الفرق الثلاث مدة حياته ثم
اخترع الفرقتان الأخريان ما شاؤوا بعد وفاته وادخلوا في الدين ما ليس منه أو أنه صلى الله عليه وآله كان يأتي تارة بما
يقول به إحدى الفرق وأخرى بما يقوله الأخرى كما يدعيه المخيرون بين الغسل والمسح أو كان يأتي بالأقسام الثلاثة كما يقوله
الجامعون بين الأمرين وكيف يخفى عليكم ما كان يفعله صلى الله عليه وآله بمحضر جمع كثير وجم غفير حتى اختلفتم هذا
الاختلاف الشديد فما هو جوابكم عن الاختلاف الواقع فيما بينكم فهو جوابنا عن الواقع بيننا بينكم والحاصل أن
الاختلاف بين الأمة في أفعال النبي صلى الله عليه وآله وأقواله المتكررة في غالب الأوقات كالتكتف في الصلاة و
قراءة البسملة مع الحمد وغير ذلك كثير (والباعث عليه غير معلوم) فلا ينبغي التعجب من الاختلاف في الوضوء فإن هذا ليس أول قارورة كسرت في
الإسلام نسأل الله الهداية والتوفيق درس وما تمسكوا به أيضا وجوه أربعة الأول أن الماسحين
بأجمعهم يدعون أن الكعب هو المفصل وهو في كل رجل واحد فلو كان المأمور به في الآية هو المسح كما يدعونه لكان الأنسب
أن يقول وأرجلكم إلى الكعاب على لفظ الجمع كما أنه لما كان في كل يد مرفق واحد قال إلى المرافق فقوله سبحانه إلى الكعبين
إنما يوافق ما نقوله نحن معاشر الغاسلين من أن في كل رجل كعبين الثاني أن الغسل موجب لبرائة الذمة والخروج
عن عهدة الطهارة بيقين لأنه مسح وزيارة إذ مسح العضو إمساسه بالماء وغسله إمساسه به مع جريان ماء فالغاسل
آت بالأمرين معا وعامل بالآية الكريمة على كل تقدير فهو الخارج عن عهدة الطهارة بيقين بخلاف الماسح الثالث أن
كل من قال بالمسح قال إن الكعب عظم صغير مستدير موضوع تحت قصبة الساق في المفصل كالذي يكون في أرجل البقر و
الغنم وهذا شئ خفي مستور لا يعرفه العرب ولا يطلع عليه إلا أصحاب التشريح وأما نحن فالعظمان الناتيان عن جانبي القدم
ظاهران مكشوفان ومناط التكليف ينبغي أن يكون شيئا ظاهرا مكشوفا لا خفيا مستورا من أين يعرف علمه الناس أن في
المفصل عظما ناتيا عن ظهر القدم يقال له الكعب لينتهوا في المسح إليه الرابع أن الأيدي التي ينتهى هي مغسولة باتفاق الأمة
محدودة في الآية الكريمة بغاية والرأس الذي هو ممسوح بالاتفاق غير محدود فيها بغاية والأرجل المختلف فيها لو لم
تكن محدودة فيها بغاية لكان ينبغي أن تقاس على غير المحدود وهو الرأس وتعطى حكمه من المسح لكنها محدودة فيها بالغاية
291

فينبغي أن تقاس على ما هو محدود فيها بها وهو الأيدي وتعطى حكمها من الغسل لا حكم غير المحدود من المسح والجواب
عن الأول أن تثنية الكعبين ليست باعتبار كل رجل كما أن جمع المرافق باعتبار كل يد بل تثنيتها باعتبار كل رجل كما هو
المعتبر في جمع الرؤس والقياس على الأقرب أولى من القياس على الأبعد ولما عطف في جملة الغسل محدودا على غير محدود
كان الأنسب في جملة المسح أيضا وذلك لتناسب الجملتان المتعاطفتان كما مر ذكره قبل هذا وعن الثاني أن لكل من
الغسل والمسح حقيقة مباينة لحقيقة الآخر عند أهل اللسان وليس المسح مطلق الإمساس بالماء بل إمساس لا جريان
معه للماء بنفسه ولو تم ما ذكرتموه لكان غسل الرأس أيضا مخرجا عن العهدة ومبرئا للذمة كالمسح ولم يقل به أحد
وعن الثالث أنه ليس كما زعمتم من أنه كل من قال بالمسح قال بأن الكعب عظم صغير واقع في المفصل فإن أصحابنا على
قولين أحدهما وهو الذي لأكثر المتأخرين أنه قبة القدم بين المفصل والمشط والكعب بهذا المعنى مكشوف مشاهد
لا سترة فيه والثاني وهو الذي عليه العلامة وبعض القدماء وقليل من المتأخرين هو ما ذكرتم ولكن كونه خفيا
مستورا في أرجل الأحياء لا يمنع معرفة العرب به واطلاعهم عليه في عظام الأموات كما اطلعوا على كعاب البقر والغنم
وأيضا فالخلاف بين الفقهاء إنما هو في تعريف الكعب الذي ورد في الآية الكريمة هل هو هذا أو غيره لا في تسمية العرب له
كعبا ويبعد أن يسموا ما لا يعرفونه وأما عامة الناس فلا يلزم أن يعرفوه فإن انتهى المسح بالمفصل إليه ولهذا
عبر عنه العلامة وغيره بالمفصل وعن الرابع أن القياس في أصله ليس عندنا حجة كما ثبت في أصولنا وأيضا فهذا قياس
فاسد لا تقولون به أنتم أيضا إذ الوصف المناسب ليس علة للحكم في الأصل فكيف يجعل علة في الفرع وأيضا فيمكن معارضة
قياسكم هذا بقياس آخر مثله بأن يقال كلما هو مغسول في الوضوء باتفاق الأمة فهو ممسوح في التيمم والممسوح فيه
ساقط في التيمم فينبغي أن يجعل المختلف فيه في الوضوء مقيسا على حاله في التيمم فالوجوه والأيدي لما كانت مغسولة
مسحت والرؤس لما كانت ممسوحة سقطت فالأرجل لو كانت مغسولة ممسوحة في التيمم قياسا على الوجوه والأيدي
لكنها ساقطة فيه وهو أن يعطى قياسها على الرؤس التي هي أيضا ساقطة فيه ويعطى حكمها من المسح فهذا ما اقتضاه الحال
من تقرير أقوال الأمة في تفسير الآية الكريمة وتبيين حجتهم في هذه المعركة العظيمة ومن طبعت طبيعته على الإنصاف
وجبلت جبلته على مجانبة الاعتساف إذا نظر فيما حررناه بعين البصيرة وأخذ ما قررناه بيد غير قصيرة ظهر عليه من هو أقوم
قيلا وتبين لديه ما هو أقوى دليلا وأوضح سبيلا والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم
المطلب الثاني في كيفية الوضوء
وأحكامه ونواقضه وما يتبع ذلك وفيه فصول الفصل الأول في كيفيته تسعة أحاديث ثانيها وسابعها وثامنها
من الكافي وثالثها من الاستبصار والبواقي من التهذيب يب الثلاثة عن أبان عن الأهوازي عن ابن أبي عمير وفضالة
عن جميل عن زرارة قال حكى لنا أبو جعفر عليه السلام وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله فدعا بقدح من ماء فأدخل يده اليمنى
فأخذ كفا من ماء فأسدلها على وجهه من أعلى الوجه ثم مسح بيده الجانبين جميعا ثم أعاد اليسرى في الإناء فأسدلها على
اليمنى ثم مسح جوانبها ثم أعاد اليمنى في الإناء ثم صبها على اليسرى فصنع بها كما صنع باليمنى ثم مسح ببقية ما بقي في يديه
رأسه ورجليه ولم يعدها في الإناء بيان الإسدال إرخاء الستر وطرف العمامة ونحوهما ومنه السديل وهو ما يرخى
292

على الهودج ولفظة ثم في هذا الحديث وما بعده لعلها منسلخة عن معنى التراخي وإطلاق الإعادة في اليسرى على
الإدخال الابتدائي لعله لمشاكلة قوله ثم أعاد اليمنى وتقديم المشاكل بالفتح غير شرط فيها والضمير المنصوب في ولم
يعدها يحتمل عوده إلى اليسرى لأنها المحدث عنه وإلى اليمنى لقربها وفي بعض نسخ التهذيب ولم يعدهما بضمير التثنية
وكيف كان فالمراد عدم استيناف ماء جديد كا محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن الثلاثة قال قال أبو جعفر
عليه السلام ألا أحكي لكم وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله فقلنا بلى فدعا بقعب فيه شئ من ماء فوضعه بين يديه ثم حسر
عن ذراعيه ثم غمس فيه كفه اليمنى ثم قال هذا إذا كانت الكف طاهرة ثم غرف فملأها فوضعها على جبينه وقال بسم الله
وسد له على أطراف لحيته ثم أمر يده على وجهه وظاهر جبينه مرة واحدة ثم غمس يده اليسرى فغرف بها ملأها ثم وضعه على
مرفقه اليمنى وأمر كفه على ساعده حتى جرى الماء على أطراف أصابعه ومسح مقدم رأسه وظهر قدميه ببلة يساره وبقية بلة
يمناه ن القعب بفتح القاف وإسكان العين المهملة قدح من خشب ويقال جلست بين يديه أي قدامه وفي مقابله و
لعل الإناء كان أقرب إلى يمينه عليه السلام والميل اليسير إلى أحد الجانبين لا يقدح في المقابلة العرفية فلا ينافي هذا الحديث
ما اشتهر من استحباب وضع الإناء على اليمين وحسر بالمهملات بمعنى كشف وهو متعد بنفسه ولعل مفعوله وهو الكم
أو الثوب محذوف والإشارة في قوله عليه السلام هذا إذا كانت الكف طاهرة إلى غمس اليد في الماء القليل من دون غسلها
أولا وسدل وأسدل بمعنى ص أبو الحسين بن أبي جيد عن محمد بن الحسن بن الوليد عن أبان عن الأهوازي عن
صفوان وفضالة عن فضيل بن عثمان عن الحذاء قال وضأت أبا جعفر عليه السلام بجمع وقد بال فناولته ماء فاستنجى ثم
صببت عليه كفا فغسل به وجهه وكفا غسل به ذراعه الأيمن وكفا غسل به ذراعه الأيسر ثم مسح بفضلة الندى رأسه
ورجليه ن جمع بفتح الجيم وإسكان الميم المشعر الحرام والتعقيب في قوله فناولته ذكري وهو عطف مفصل على مجمل
فإن التفصيل من حقه أن يتعقب الإجمال كالتعقيب في قوله تعالى ونادى نوح ربه فقال رب أن ابني من أهلي ثم إن قلنا بأن صب الماء في اليد استعانة مكروهة حملنا ذلك على الضرورة أو بيان الجواز والندى بفتح النون مقصورا
الرطوبة يب الثلاثة عن أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن الأهوازي عن الثلاثة عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا
وضعت يدك في الماء فقل بسم الله وبالله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فإذا فرغت فقل الحمد لله
رب العالمين يب الثلاثة عن سعد عن أحمد بن محمد عن الأهوازي عن الثلاثة عن أبي جعفر عليه السلام قال كان
رسول الله صلى الله عليه وآله يتوضأ بمد ويغتسل بصاع والمد رطل ونصف والصاع ستة أرطال يب و
بالسند عن الأهوازي عن النضر عن عاصم بن حميد عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنهما سمعاه يقول
كان رسول الله صلى الله عليه وآله يغتسل بصاع من ماء ويتوضأ بمد من ماء كا العدة عن أحمد بن محمد عن الأهوازي
عن فضالة عن جميل عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في الوضوء قال إذا مس جلدك الماء فحسبك بيان قد يستدل
به على عدم وجوب الدلك وإمرار اليد كا علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن الثلاثة و
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال إنما الوضوء حد من حدود الله ليعلم الله من يطيعه ومن يعصيه وأن المؤمن لا ينجسه شئ
293

وإنما يكفيه مثل الدهن ن أي لا ينجسه شئ من الأحداث بحيث يحتاج في إزالته إلى صب ماء زائد على الدهن كما في
النجاسات الخبثية يب الأهوازي عن صفوان عن ابن مسكان عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال اسبغ
الوضوء إن وجدت وإلا فإنه يكفيك اليسير الفصل الثاني في تحديد المغسول في الوضوء والممسوح فيه وحكم
ما غطاه الشعر وغيره وعدد الغسلات وكيفية المسح سبعة عشر حديثا الأول والثاني والثامن من الفقيه
والتاسع والعاشر والسابع عشر من الكافي والأحد عشر الباقية من التهذيب يه زرارة أنه قال لأبي
جعفر عليه السلام أخبرني عن حد الوجه الذي ينبغي أن يتوضأ الذي قال الله عز وجل فقال الوجه الذي قال الله وأمر عز
وجل بغسله الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه ولا ينقص منه إن زاد عليه لم يؤجر وإن نقص منه أثم ما دارت عليه الوسطى
والإبهام من قصاص شعر الرأس إلى الذقن وما جرت عليه الإصبعان مستديرا فهو من الوجه وما سوى ذلك فليس من
الوجه فقال له الصدغ من الوجه فقال لأن ثاني كل من الموصولين في قول زرارة وقول الإمام عليه السلام نعت
ثان للوجه وجملة الشرط مع الجزاء صلة بعد صلة وتعدد الصلة جائز لكنه غير مشهور بين النحاة ويجوز أن تكون مفسرة
لقوله عليه السلام الذي لا ينبغي الخ والجار في قوله عليه السلام من قصاص شعر الرأس متعلق بدارت وظاهر الحديث
يدل على أن طول الوجه وعرضه شئ واحد وقد بسطنا الكلام في هذا المقام في الحبل المتين وفي شرح الحديث
الرابع من كتاب الأربعين يه زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام ألا تخبرني من أين علمت وقلت إن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين فضحك وقال يا زرارة قاله رسول الله صلى الله عليه وآله ونزل به الكتاب من
الله لأن الله عز وجل قال فاغسلوا وجوهكم فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل ثم قال وأيديكم إلى المرافق فوصل اليدين
إلى المرافق بالوجه فعرفنا أنه ينبغي لهما أن يغسلا إلى المرفقين ثم فصل بين الكلامين فقال وامسحوا برؤوسكم فعرفنا حين
قال برؤوسكم أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال وأرجلكم إلى
الكعبين فعرفنا حين وصلهما بالرأس أن المسح على بعضهما ثم فسر ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله للناس فضيعوه
ن قوله عليه السلام فصل بين الكلامين أي غاير بينهما بترك الباء تارة وذكرها أخرى وهذا الحديث صريح في كون الباء هنا
للتبعيض فإنكار بعض النحاة مجيئها له لا عبره به يب الثلاثة عن أبان عن الأهوازي عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن
زرارة وبكير ابني أعين أنهما سئلا أبا جعفر عليه السلام عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله فدعا بطست أو تور فيه
ماء ثم حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أن انتهى إلى آخر ما قال الله تعالى وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين
فإذا مسح بشئ من رأسه وبشئ من رجليه قدميه ما بين الكعبين إلى آخر أطراف الأصابع فقد أجزئه قلنا أصلحك الله
فأين الكعبان قال هيهنا يعني المفصل دون عظم الساق قلنا هذا ما هو قال هذا عظم الساق ن الطست يروى
بالمهملة والمعجمة والتور بالتاء المفتوحة والواو الساكنة وآخره إناء يشرب منه والشك أما من الراوي أو أنه عليه
السلام خير في إحضار أيهما كان وفي حكاية قوله عليه السلام فإذا مسح اضمار تقديره قال فإذا مسح ولفظة قدميه بدل
عن رجليه وهذه الرواية صريحة في أن الكعب المفصل كما قاله العلامة رحمه الله وفي كلام اللغويين ما يساعده وقد
294

بسطنا الكلام في ذلك في الحبل المتين يب الثلاثة عن سعد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الأهوازي وأبيه محمد بن
عيسى عن ابن أبي عمير عن عمير بن أذينة عن زرارة وبكير ابني أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال في المسح تمسح على النعلين ولا تدخل
يدك تحت الشراك وإذا مسحت بشئ من رأسك أو بشئ من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك ن
المراد النعل العربية والشراك بكسر الشين سيرها يب الثلاثة عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الأهوازي عن
أبي عمير عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال مسح الرأس على مقدمة يب أحمد بن محمد
بن عيسى عن علي بن الحكم عن أبي أيوب ببقية السند والمتن إلا في تبديل المصدر بفعل الأمر يب الثلاثة عن سعد
عن أحمد بن محمد عن الأهوازي وعلي بن حديد والتميمي ثلاثتهم عن الثلاثة قال قال أبو جعفر عليه السلام المرأة تجزيها من
مسح الرأس أن تمسح مقدمه قدر ثلاث أصابع ولا تلقي عنها خمارها يه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له
أرأيت ما أحاط به الشعر فقال كل ما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يطلبوه ولا يبحثوا عنه ولكن يجري عليه الماء ن
أرأيت بتاء المخاطب والمراد أخبرني عما أحاط به الشعر أي ستره واستعمال أرأيت بهذا المعنى مشهور في كلام البلغاء
واقع في القرآن العزيز وقد يتصل به كاف الخطاب كقوله تعالى حكاية عن إبليس أرأيتك هذا الذي كرمت على أن أخبرني
عن حاله كا محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد ومحمد بن الحسين عن صفوان عن العلا عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليها السلام
قال سألته عن الرجل يتوضأ أيبطن لحيته قال لا ن يبطن بتشديد الطاء والمراد يدخل الماء إلى باطن لحيته أي
إلى ما تحتها مما هو مستور بشعرها كا محمد بن يحيى عن العمركي عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته
عن المرأة عليها السوار والدملج في بعض ذراعها لا تدري يجري الماء تحته أم لا كيف تصنع إذا توضأت أو اغتسلت
قال تحركه حتى يدخل الماء تحته أو تنزعه ن السوار بكسر السين والدملج بالدال واللام المضمومتين وآخره جيم
شبيه بالسوار تلبسه المرأة في عضدها ويسمى المعضد ولعل علي بن جعفر أطلق الذراع على مجموع اليد تجوزا يب
الثلاثة عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد بن يحيى عن العمركي عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن الرجل عليه
الخاتم الضيق لا يدري هل يجري الماء تحته أم لا كيف يصنع قال إذا علم أن الماء لا يدخله فليخرجه إذا توضأ يب
الأهوازي عن حماد عن يعقوب عن معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الوضوء فقال مثنى مثنى يب
أحمد بن محمد عن صفوان عن أبي عبد الله عليه السلام قال الوضوء مثنى مثنى ن قد يستدل بهذين الحديثين على استحباب
الغسلة الثانية والصدوق رحمه الله لما لم يقل باستحبابها وفاقا لثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني حمل الأخبار الدالة
على التثنية على الوضوء المجدد ويخطر بالبال معنى آخر لقوله عليه السلام مثنى مثنى وهو أن يكون المراد أن الوضوء الذي
فرضه الله سبحانه إنما هو غسلتان ومسحتان لا كما يقوله المخالفون من أنه ثلاث غسلات ومسحة واحدة وقد روى الشيخ
في التهذيب عن ابن عباس أنه كأن يقول الوضوء غسلتان ومسحتان مما هو كالشاهد العدل على ما قلناه موثقة يونس بن
يعقوب قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الوضوء الذي قد افترضه الله تعالى على العباد لمن جاء من الغائط أو بال قال يغسل
ذكره ويذهب الغائط ثم يتوضأ مرتين مرتين فإن قوله عليه السلام يتوضأ مرتين مرتين مع أن السؤال عن
295

الوضوء الذي افترضه الله على العباد صريح في أن المراد بالتثنية ما قلناه فظهر أن الاستدلال بذينك الحديثين
على استحباب الغسلة الثانية محل كلام إذ قيام الاحتمال يبطل معه الاستدلال فكيف إذا كان احتمالا راجحا وقد روى
الصدوق في الفقيه عن الصادق عليه السلام أنه قال والله ما كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله إلا مرة وروى ثقة
الإسلام في الكافي عن عبد الكريم في الموثق قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الوضوء فقال ما كان وضوء علي عليه السلام
إلا مرة مرة ثم قال قدس الله روحه مع أن كلامه في ذيل الأحاديث نادر جدا هذا دليل على أن الوضوء إنما هو مرة
مرة لأنه عليه السلام كان إذا ورد عليه أمران كلاهما طاعة لله أخذ بأحوطهما وأشدهما على بدنه انتهى كلامه أعلى الله مقامه
والأصح ما ذهب إليه هذان الشيخان ويزيده وضوحا خلو جميع الروايات الحاكية وضوء الأئمة عليهم السلام عن التثنية
بل بعضها صريح في الوحدة كما رويناه في الفصل السابق من وصف أبي عبيدة الحذاء وضوء الباقر عليه السلام واعلم أن بعض فضلاء الأصحاب ناقش العلامة طاب ثراه حيث وصف في المنتهى والمختلف هذا الحديث بالصحة وقال التحقيق
أنه ليس بصحيح إذ لا سبيل إلى حمل صفوان على ابن يحيى لأنه لا يروي عن الصادق عليه السلام إلا بواسطة فسقوطها قادح في
الصحة فتعين أن يكون ابن مهران لأنه هو الذي يروي عنه عليه السلام بلا واسطة وحينئذ يكون أحمد بن محمد عبارة عن البزنطي
لا ابن عيسى ولا ابن خالد لأن روايتهما عنه بواسطة وغير هؤلاء الثلاثة لا يثمر صحة الطريق وطريق الشيخ في
الفهرست إلى أحد كتابي البزنطي غير صحيح ولا يعلم من أيهما أخذ هذا الحديث فلا وجه لوصفه بالصحة هذا ملخص كلامه و
فيه نظر إذ لا وجه لقطع السبيل إلى حمله على صفوان بن يحيى فإن الظاهر أنه هو ولهذا نظائر وما ظنه قادحا في
الصحة غير قادح فيها لإجماع الطائفة على تصحيح ما يصح عنه ولذلك قبلوا مراسيله والعلامة قدس سره يلاحظ ذلك
كثيرا بل يحكم بصحة حديث من هذا شأنه وإن لم يكن إماميا كابن بكير وأمثاله كما عرفت في مقدمات الكتاب وحينئذ
فالمراد بأحمد بن محمد أما ابن عيسى أو ابن خالد والله أعلم يب الثلاثة عن سعد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن العباس
عن ابن أبي عمير عليه السلام قال لا بأس بمسح القدمين مقبلا ومدبرا ن مقبلا أما حال من الماسح المدلول عليه بالمسح
أو من نفس المسح والمراد به منه ما كان موافقا لا قبال الشعر أي من الكعب إلى أطراف الأصابع وبالمدبر عكسه
يب محمد بن النعمان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن سعد وبقية السند والمتن واحد يب الثلاثة عن ابن أبان
ومحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعا عن الأهوازي عن أحمد بن محمد قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن المسح على القدمين كيف
هو فوضع بكفه على الأصابع ثم مسحها إلى الكعبين فقلت له لو أن رجلا قال بإصبعين من أصابعه هكذا إلى الكعبين قال لا
إلا بكفه كلها كا وفي العدة عن أحمد بن محمد عن البزنطي عن الرضا عليه السلام قال سألته والمتن واحد ليس فيه تغيير مغير
للمعنى الفصل الثالث في ترتيب الوضوء وموالاته وحكم ذي الجبيرة والأقطع والساهي والشاك أربعة عشر حديثا
الأول والسابع والتاسع من الكافي والبواقي من التهذيب كاعن علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن
الفضل جميعا عن الثلاثة قال قال أبو جعفر عليه السلام تابع بين الوضوء كما قال الله تعالى عز وجل ابدأ بالوجه ثم باليدين
ثم امسح الرأس والرجلين ولا تقدمن شيئا بين يدي شئ تخالف ما أمرت به فإن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه و
296

وأعد على الذراع وإن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرجل ثم أعد إلى الرجل ابدأ بما بدأ الله عز وجل به
ن ينبغي أن يقرء تخالف بالرفع على أن الجملة حال من فاعل تقدمن وقراءة بالجزم على أنه جواب النهي كما في لا تكفر
تدخل النار ممنوع عند جمهور النحاة يب الثلاثة عن ابن أبان عن الأهوازي عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن زرارة
قال سئل أحدهما عليهما السلام عن رجل بدء بيده قبل وجهه وبرجله قبل يده قال يبدء بما بدء الله به وليعد ما كان يب
وبالسند إلى الأهوازي عن صفوان عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يتوضأ فيبدء بالشمال قبل اليمين
قال يغسل اليمين ويعيد اليسار يب محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن محمد عن موسى بن القسم عن علي بن جعفر عن أخيه
موسى عليه السلام قال سألته عن الرجل لا يكون على وضوء فيصيبه المطر حتى يبتل رأسه ولحيته وجسده ويداه ورجلاه هل
يجزيه ذلك عن الوضوء قال إن غسله فإنه يجزيه يب سعد عن أحمد بن محمد عن موسى بن القسم وأبي قتادة عن علي بن جعفر
عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن رجل توضأ ونسي غسل يساره وحدها ولا يعيد وضوء شئ غيرها ن ظاهر هذا
الحديث سقوط الترتيب مع النسيان وظاهر الحديث الذي قبله سقوطه تحت المطر والشيخ طاب ثراه حمل قوله عليه السلام
ولا يعيد وضوء شئ غيرها على أن المراد لا يعيد وضوء شئ من أعضائه السابقة على غسل يساره وحمل حديث المطر على أن
المتوضي قصد غسل أعضائه على الترتيب جعل قوله عليه السلام إن غسله قرينة على ذلك والحملان لا بأس بهما ولا مندوحة
عنهما لكن في القرينة التي ادعاها رحمة الله نظر فإن الظاهر أن المستتر في غسله يعود إلى المطر والبارز إلى الرجل أي
أن غسل المطر أعضائه المغسولة أي إن جرى عليها بحيث حصل مسمى الغسل إلا أن ما ظنه قدس الله روحه من عود المستتر
إلى الرجل والبارز إلى كل واحد من الأعضاء المغسولة أدل على عدم جواز اكتفاء ذلك الرجل بمجرد إصابة المطر أعضاء
وضوئه كيف اتفق بل لا بد من قصده غسلها واحدا بعد واحد بالترتيب المقرر لئلا يخلو وضوئه عن النية والترتيب ثم
لا يخفى أن ظاهر هذا الحديث إجزاء غسل الرجلين عن المسح فلعله ورد مورد التقية لكن بقي الإشكال في غسل الرأس
اللهم إلا أن يحمل الإجزاء في كلامه عليه السلام على الإجزاء عن غسل المغسولات وأنت خبير بأنه لا ضرورة حينئذ إلى
الحمل على التقية يب الثلاثة عن أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن الأهوازي عن ابن عمار قال قلت لأبي عبد الله
عليه السلام ربما توضأت فنفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت على بالماء فيجف وضوئي قال أعده ن قد يتوقف في رواية
الحسين بن سعيد عن معاوية بن عمار بلا واسطة فيظن أنها ساقطة وأن الحديث ليس من الصحاح والحق أو روايته عنه بلا
واسطة ممكنة من حيث ملاحظة الطبقات فإن موت معاوية بن عمار في قريب من أواخر زمان الكاظم عليه السلام فملاقات
الحسين بن سعيد له غير بعيدة فإنه قد يروي عن أصحاب الصادق عليه السلام كا محمد بن يحيى عن العمركي عن علي بن
جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن رجل قطعت يده من المرفق كيف يتوضأ قال يغسل ما بقي من عضده بيان
المراد بما بقي طرف عظم العضد المتصل بطرف عظم الذراع وهو يدل على أن وجوب غسل المرفق بالأصالة لا من باب المقدمة
يب محمد بن علي بن محبوب عن العباس أعني ابن معروف عن عبد الله هو ابن المغيرة عن رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال
سألته عن الأقطع اليد والرجل كيف يتوضأ قال يغسل ذلك المكان الذي قطع منه ن المستتر في قطع أما راجع إلى المكان
297

أو إلى العضو المدلول عليه باليد والرجل أو إلى الأقطع كما يقال قطع السارق ولك أن تجعل الجار والمجرور نائب الفاعل فلا اضمار
حينئذ ولعل الأمر بالغسل مبني على بقاء شئ من المرفق فما تحته وأما مسح ما بقي من الرجل فيعلم بالمقايسة ولذلك سكت عنه
كا محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين وعن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان بن يحيى عن البجلي قال سألت أبا الحسن
الرضا عليه السلام عن الكثير يكون عليه الجباير أو تكون به جراحات كيف يصنع بالوضوء وعند غسل الجنابة وغسل الحيض قال
يغسل ما وصل إليه الغسل مما ظهر مما ليس عليه الجباير ويدع ما سوى ذلك مما لا يستطيع غسله ولا ينزع الجباير ولا يعبث
بجراحته ن الغسل في قوله عليه السلام يغسل ما وصل إليه الغسل بالكسر والمراد به الماء الذي يغسل به وربما جاء فيه الضم
أيضا يب الأهوازي عن صفوان عن البجلي قال سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الكسير ثم ساق الحديث والمتن بحاله ليس
فيه إلا تغيير يسير لا يخل بالمعنى يب الصفار عن يعقوب بن يزيد عن أحمد بن عمر قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل
توضأ ونسي أن يمسح رأسه حتى قام في الصلاة قال من نسي مسح رأسه أو شيئا من الوضوء الذي ذكره الله تعالى في القرآن أعاد الصلاة
يب الثلاثة عن سعد عن أحمد بن محمد عن الأهوازي عن صفوان عن منصور هو ابن حازم قال سألت أبا عبد الله
عليه السلام عمن نسي أن يمسح رأسه حتى قام في الصلاة قال ينصرف ويمسح رأسه ورجليه يب محمد بن علي بن محبوب عن
يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن ابن مسلم قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل شك في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة
قال يمضي على صلاته ولا يعيد يب الثلاثة عن أحمد بن إدريس وسعد عن أحمد بن محمد عن الأهوازي عن الثلاثة عن أبي
جعفر عليه السلام قال إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت
فيه أنك لم تغسله أو تمسحه مما سمى الله تعالى ما دمت في حال الوضوء فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حال
أخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمى الله مما أوجب الله عليك فيه وضوء فلا شئ عليك فيه فإن شككت
في مسح رأسك فأصبت في لحيتك بللا فامسح بها عليه وعلى ظهر قدميك فإن لم تصب بللا فلا تنقض الوضوء بالشك وامض في صلاتك وإن تيقنت أنك لم تتم وضوئك فأعد على ما تركت يقينا حتى تأتي على الوضوء ن قد دل هذا الحديث
على أن من شك بعد انصرافه في مسح رأسه وقد بقي في شعره بلل فعليه مسح الرأس والرجلين بذلك البلل والظاهر حمل
هذا على الاستحباب والله أعلم
الفصل الرابع في منع غير المتطهر من مس خط المصحف المجيد قال الله تعالى في سورة
الواقعة فلا أقسم بمواقع النجوم وأنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من
رب العالمين ولنورد الكلام فيما يتعلق بهذه الآية الكريمة في درسين درس لا ريب أن المراد تعظيم شأن القرآن
المجيد والرد على من زعم أنه مفترى حيث أتى سبحانه بالقسم ووصفه بالعظمة مؤكدا بأن وصف القرآن بالأوصاف
الأربعة أعني كونه كريما مثبتا في اللوح المحفوظ ممنوعا من مسه غير المتطهرين منزلا من عند الله سبحانه أو الثلاثة إن جعلت
جملة لا يمسه إلا المطهرون صفة ثانية للكتاب المفسر باللوح المحفوظ وهي أيضا مسبوقة لتعظيم شأن القرآن المجيد كما لا
يخفى وقد كثر في القرآن العزيز وقوع الإقسام على هذا النمط أعني تصدير فعل القسم بكلمة لا كقوله جل وعلا لا أقسم بيوم
القيامة لا أقسم بهذا البلد ولا أقسم بالخنس الجوار الكنس وهو شايع في كلام الفصحاء كما قال امرؤ القيس فلا وأبيك
298

ابنة العامري لا يدعي القوم أني أفر وقد ذكر القوم في ذلك وجوها منها أن الغرض المبالغة في وضوح الأمر وظهوره
بأنه لا يحتاج إلى القسم ومنها أن لا مزيدة والمعنى فأقسم وزيادتها للتأكيد شايع في نظم أهل اللسان ونثرهم و
قد ورد في قوله تعالى ما منعك أن لا تسجد مع قوله تعالى في آية أخرى ما منعك أن تسجد ومنها أن التقدير فلانا
أقسم حذف المبتدأ وأشبعت فتحة لام الابتداء ومنها أن المراد والله أعلم لا أقسم بهذا بل بما هو أعظم منه وهذا الوجه
لا يتمشى في قوله تعالى فلا أقسم برب المشارق والمغارب ومنها أن لفظة لا رد لكلام مطوي صدر من الكفار
يدل عليه ما في حيز القسم فهي في أول سورة القيامة رد لقولهم بنفي المعاد الجسماني كما يدل عليه قوله تعالى جل شأنه أيحسب
الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه وفي قوله تعالى فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس رد لقولهم أن
القرآن سحر وافتراء كما يدل عليه جواب القسم وهو قوله سبحانه أنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين وفي
الآية التي نحن فيها رد لهذا القول أيضا كما ينبئ عنه قوله جل وعلا إنه لقرآن كريم الآية فهذه وجوه خمسة في تصدير القسم
بلفظة لا والله أعلم ومواقع النجوم أما مواضعها من الفلك أو مغاربها والتخصيص بها لدلالة زوال أثرها على
وجود مؤثر لا يزول تأثيره أو أوقات سقوطها وغروبها والمراد أواخر الليل وقد وردت الأخبار بشرافتها واستجابة
الدعاء فيها وجملة وأنه لقسم لو تعلمون عظيم معترضة بين القسم وجوابه وقد تضمنت جملة أخرى معترضة بين الموصوف
وصفته وهي جملة لو تعلمون وقوله سبحانه إنه لقرآن كريم جواب القسم ومعنى كونه كريما أنه كثير النفع لتضمنه أصول
العلوم المهمة من أحوال المبدء والمعاد واشتماله على ما فيه صلاح معاش العباد أو لأنه يوجب عظيم الأجر لتاليه ومستمعه
والعامل بأحكامه أو أنه جليل القدر بين الكتب السماوية لامتيازه عنها بأنه معجز باق على الدهور والأعصار درس
قوله تعالى في كتاب مكنون أي مصون وهو اللوح المحفوظ وقيل هو المصحف الذي بأيدينا والضمير في لا يمسه يمكن
عوده إلى القرآن وإلى الكتاب المكنون على كل من تفسيريه ويعتضد بالأول على منع المحدث من مس خط المصحف وبثاني
شقي الثاني على المنع من مس ورقه بل جلده أيضا وأما أول شقيه فظاهر عدم دلالته على شئ من ذلك إذ معنى الآية والله
أعلم لا يطلع على اللوح المحفوظ إلا الملائكة المتطهرون عن الأدناس الجسمانية وإرجاع الضمير إلى القرآن هو الذي عليه
أكثر علمائنا قدس الله أرواحهم ويؤيده أن القرآن هو المحدث عنه في الآية الكريمة ولأن الفصل بين نعته الثاني والثالث
بنعت الكتاب بمفرد فقط ليس كالفصل به وبجملة طويلة وقد استدل على تحريم مس خطه للمحدث رواية حريز عمن أخبره
من الصادق عليه السلام أمر ابنه إسماعيل يوما بقراءة القرآن فقال لست على وضوء فقال لا تمس الكتاب ومس الورق واقرء
ورواية أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عمن قرء في المصحف وهو على غير وضوء قال لا بأس ولا يمس الكتاب و
صحيحة علي بن جعفر الآتية عن قريب وقد يستدل أيضا على تحريم خطه برواية إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السلام
أنه قال المصح لا تمسه على غير طهر ولا جنبا ولا تمس خيطه ولا تعلقه إن الله تعالى يقول لا يمسه إلا المطهرون و
لا يخفى أن هذه الرواية تدل على تحريم مس جلده وغلافه أيضا وفيه أيضا دلالة على ما قيل من ارجاع الضمير إلى الكتاب
بمعنى المصحف وقد ذهب الشيخ في المبسوط وابن البراج وابن إدريس إلى جواز مس المحدث خط المصحف على كراهية ويمكن
299

الانتصار لهم بأن الآية الكريمة ليست نصا في تحريمه لما مر من احتمال عود الضمير إلى اللوح المحفوظ بل هو أرجح من عوده
إلى القرآن لأنه الأقرب ولأنه لا يحتاج على ذلك التقدير إلى جعل الجملة الخبرية بمعنى النهي ولا الأصل الإباحة حتى
تثبت الحرمة وصحيحة علي بن جعفر إنما دلت على تحريم الكتابة لا على تحريم المس وتعدية الحكم إليه قياس والروايتان والأولتان
لا تنهضان بإثبات تحريمه لإرسال أولاهما واشتمال سند ثانيتهما على الحسين بن المختار وهو واقفي واستناد العلامة
في المختلف إلى توثيق ابن عقدة له ضعيف لنقل ابن عقدة ذلك علن علي بن الحسين بن فضال وتوثيق واقفي بما ينقله زيدي
عن فطحي لا يخفى ضعفه وأما الرابعة ففي طريقها بعض المجاهيل مع أن راويها أعني إبراهيم بن عبد الحميد واقفي متروك
الرواية كما قاله الثقة سعد بن عبد الله رحمه الله هذا غاية ما يمكن أن يقال من جانبهم وأنا لم أظفر فيما اطلعت عليه
من كتب الحديث برواية من الصحاح أو الحسان أو الموثقات يمكن أن يستنبط منها تحريم خط المصحف على ذي الحدث
الأصغر إلا صحيحة علي بن جعفر الآتية وهي ناطقة بأنه لا يحل للرجل أن يكتب القرآن وهو محدث وظني أنها تدل على تحريم
مس خطه بطريق أولى وعليها أعتمد في تحريم ذلك عليه مع شهرة تحريمه بين الأصحاب وانجبار الروايتين السابقتين
بذلك وما تضمنته من تحريم كتابته للمحدث فهو وإن كان غير مشهور بينهم إلا أن القول به غير بعيد عن الصواب لصحة
الرواية مع عدم ما يعارضها وكون تحريمه عليه هو المناسب لتعظيم القرآن المجيد وأما ما يتخيل من أن نهيه عليه السلام
عن الكتابة مسبب عن كون مس المكتوب لا ينفك عنها في أغلب الأوقات فيرجع تحريمها إلى تحريم المس أما تحريمها من حيث
هي فخيال ضعيف لا ينبغي الإصغاء إلى قائله بل هو تصرف في النص وعدول عن صريحه مع عدم المعارض والله سبحانه أعلم
بحقايق الأمور الفصل الخامس في نبذ متفرقة من أحكام الوضوء اثنا عشر حديثا كلها من التهذيب يب محمد بن
علي بن محبوب عن محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير عن حماد بن عثمان عن عمر بن يزيد قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الرجل يخضب رأسه بالحناء ثم يبدو له في الوضوء قال يمسح فوق الحناء يب وعنه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الأهوازي
عن ابن أبي عمير عن حماد بن عيسى عن ابن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يحلق رأسه ثم يطليه بالحناء ويتوضأ للصلاة
قال لا بأس بأن يمسح رأسه والحناء عليه ن تجويزه عليه السلام المسح على الحناء محمول على حال الضرورة أو على أن الخضاب
كان بماء الحناء كما يقال لما صبغ بماء الزعفران أنه صبغ بالزعفران فالمراد حينئذ إذا لم يخرج ماء المسح بمخالطته عن الاطلاق
ويمكن أن يقال إنه عليه السلام لم يجوز المسح على الحناء وإنما جوز مسح الرأس والحناء عليه فلعل الحناء لم يكن مستوعبا للرأس
بل كان بعض محل المسح مكشوفا فالحديث يتضمن الرد على بعض العامة القائلين بوجوب استيعاب الرأس بالمسح وقوله عليه
السلام في الحديث السابق يمسح فوق الحناء يمكن أن يراد منه ما إذا كان الحناء إلى أسفل الناصية فأمره عليه السلام بالمسح على ما
فوق الحناء منها والله أعلم يب علي بن جعفر أنه سئل أخاه موسى عليه السلام عن الرجل أيحل له أن يكتب القرآن في
الألواح والصحيفة وهو على غير وضوء قال لا ن قد تقدم الكلام فيه في الفصل السابق يب الأهوازي عن حماد
عن حريز عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التمندل قبل أن يجف قال لا بأس به يب الأهوازي عن
صفوان عن العلا عن ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام أنه سئل عن المسح على الخفين وعلى العمامة قال لا تمسح عليهما يب
300

وعنه عن الثلاثة قال قلت له هل في مسح الخفين تقية فقال ثلاثة لا أتقي فيهن أحدا شرب المسكر ومسح الخفين ومتعة
الحج ن قوله عليه السلام لا أتقي فيهن أحدا لا يدل على عدم جواز التقية لغيره فيها وهذا ظاهر ويؤيده ما رواه رحيم عن
الرضا عليه السلام أنه قال لا تنظروا إلى ما أصنع أن انظروا إلى ما تؤمرون وأيضا فهذا الحديث أورده ثقة الإسلام في
الكافي بطريق حسن وفي آخره قال زرارة ولم يقل الواجب عليكم أن لا تتقوا فيهن أحدا يب وبهذا السند عن أبي
جعفر عليه السلام قال سمعته يقول جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وفيهم علي عليه السلام فقال ما تقولون
في المسح على الخفين فقام المغيرة بن شعبة فقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يمسح على الخفين فقال علي عليه السلام
قبل المائدة أو بعدها فقال لا أدري فقال علي عليه السلام سبق الكتاب الخفين إنما نزلت المائدة قبل أن يقبض بشهرين
أو ثلاثة ن سبق أي غلب وهو مأخوذ من المسابقة فإن السابق غالب للمسبوق وربما يشكل ترديد أمير المؤمنين
عليه السلام بين الشهرين والثلاثة ويظن أن التردد لا يقع من المعصوم وليس هذا الظن بشئ لأن الممتنع صدوره من
المعصوم هو الشك في أحكام الله تعالى أما في مثل هذا فلم يقم دليل على امتناعه ويحتمل أن يكون عليه السلام
كلمهم على وفق
ما كانوا عليه من التردد في قدر تلك المدة أو أن يكون لفظة أو للإضراب كما في قوله تعالى أو يزيدون ويحتمل بعيدا أن يكون
الشك من زرارة يب وعنه عن صفوان عن ابن مسكان عن الحلبي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المسح على
الخفين فقال لا تمسح وقال إن جدي قال سبق الكتاب على الخفين يب الثلاثة عن ابن أبان عن الأهوازي عن
الثلاثة عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال لي أو أنك توضأت فجعلت مسح الرجلين غسلا ثم إنك أضمرت أن ذلك من
المفروض لم يكن ذلك بوضوء ثم قال ابدء بالمسح على الرجلين فإن بدا لك غسل فغسلته فامسح بعده ليكون آخر ذلك
من المفروض ن المنصوب في قوله عليه السلام فغسلته يعود إلى المصدر الذي في ضمن الفعل كأنه قال فغسلت غسلا
ومثله شايع معروف في كلام البلغاء فنصبه على المفعولية المطلقة ويجوز جعله مفعولا به على إرادة العضو وقوله
عليه السلام فإن بدا لك غسل الخ يحتمل معنيين أن يكون المراد أنك إذا مسحت رجليك ثم بدا لك غسلهما للتنظيف و
نحوه فامسحهما بعد ذلك مرة أخرى وأن يراد أنك إذا غسلت رجليك قبل مسحهما فامسحهما بعد الغسل والحمل
على هذا المعنى هو الأولى فإنه هو المنطبق على قوله عليه السلام ليكون آخر ذلك المفروض من غير تكلف ولأن المسح لا تكرار فيه
والظاهر أن الموالاة لا تفوت بغسل الرجلين في الأثناء إذا (....) يب الثلاثة عن محمد بن يحيى عن محمد بن
علي بن محبوب عن أحمد بن محمد عن أبي همام عن أبي الحسن عليه السلام في وضوء الفريضة في كتاب الله المسح والغسل في الوضوء
للتنظيف يب الثلاثة عن سعد عن أحمد بن محمد عن أيوب بن نوح قال كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسئلة عن المسح
على القدمين فقال الوضوء بالمسح ولا يجب فيه إلا ذلك ومن غسل فلا بأس ن المراد من غسل بقصد التبرد أو التنظيف
كما في الحديث السابق لا بقصد الوضوء يب أحمد بن محمد بن عيسى عن معمر بن خلاد قال سألت أبا الحسن عليه السلام
أيجزي الرجل أن يمسح قدميه بفضل رأسه فقال برأسه لا فقلت بماء جديد فقال برأسه نعم ن هذا الحديث حمله
الشيخ على التقية تارة وعلى جفاف الأعضاء أخرى ولا يخفى ما في الحمل الثاني لأن قول السائل يمسح بفضل رأسه صريح في عدم الجفاف
301

وأما الحمل الأول ففيه أن السؤال عن مسح القدمين والعامة لا يمسحونهما لا ببقية البلل ولا بماء جديد فيحتمل الحمل على مسح
الخفين لكنه لا يخلو من بعد وكيف كان فالذي يخطر ببالي أن التقية إنما هي في جواب السؤال الثاني وأن إيمائه عليه السلام
برأسه في الأول لم يكن جوابا عن السؤال بل كان نهيا المعمر بن خلاد عن هذا السؤال لئلا يتفطن المخالفون الحاضرون في
مجلسه عليه السلام فظن معمر أنه عليه السلام عن المسح ببقية البلل فقال أبماء جديد فسمعه الحاضرون فقال عليه السلام
برأسه نعم وهو هنا احتمال آخر وهو أن يكون لفظة برأسه في الموضعين من كلام الإمام عليه السلام ويكون غرضه عليه السلام
إيهام الحاضرين من المخالفين أن سؤال معمر ليس عن مسح القدمين بل هو عن مسح الرأس فأجابه عليه السلام على وفق معتقدهم
أن المسح بالرأس لا يجوز ببقية البلل وعلى هذا لا يحتاج إلى الحمل على مسح الخفين والله أعلم بحقايق الأمور الفصل
السادس فيما ينقض الوضوء ثلاثة عشر حديثا ثالثها وحادي عشرها من الفقيه ورابعها وسادسها وثالث عشرها
من الكافي والبواقي من التهذيب يب الثلاثة عن أبان عن الأهوازي عن حماد عن ابن أذينة وحريز عن زرارة عن
أحدهما عليهما السلام قال لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك أو النوم ن المراد لا ينقض الوضوء ما يخرج من
الإنسان إلا ما خرج من الطرفين والغرض الرد على العامة في قولهم بانتقاضه بالقئ والرعاف والقصر إضافي فلا يرد
الانتقاض بالجنون والسكر والإغماء ومس الميت والجنابة بالإيلاج مع أن في ذكر النوم تبنيها على النقض بالثلاثة الأول
يب الثلاثة عن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الأهوازي عن الثلاثة قال قلت لأبي جعفر وأبي عبد الله عليهما
السلام ما ينقض الوضوء فقالا ما يخرج من طرفيك الأسفلين من الذكر والدبر من الغائط والبول أو مني أو ريح والنوم
حتى يذهب العقل وكل النوم يكره إلا أن تكون يسمع الصوت ن المراد بقوله عليه السلام وكل النوم يكره أنه يفسد الوضوء
يه زرارة أنه سئل أبا جعفر وأبا عبد الله عليها السلام عما ينقض الوضوء فقالا وساق الحديث إلى قوله حتى يذهب العقل
كا محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان بن يحيى عن سالم أبي الفضل عن أبي عبد الله عليه السلام قال ليس ينقض
الوضوء إلا ما خرج من طرفيك الأسفلين اللذين أنعم الله بهما عليك يب الثلاثة عن الصفار عن أحمد بن محمد بن
عيسى وعن أبان عن الأهوازي عن الثلاثة قال قلت له الرجل ينام وهو على وضوء أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء
قال يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والأذن فإذا نامت العين والأذن والقلب فقد وجب الوضوء قلت فإن حرك
إلى جنبه شئ ولم يعلم به قال لا حتى يستيقن أنه قد نام حتى يجئ من ذلك أمر بين وإلا فإنه على يقين من وضوءه ولا ينقض
اليقين أبدا بالشك ولكن ينقضه بيقين آخر ن الخفقة بالخاء المعجمة والفاء والقاف كضربة تحريك الرأس بسبب النعاس
وقد دل آخر هذا الحديث على أن من تيقن الطهارة وشك في الحدث فهو على طهارته ومن تيقن الحدث وشك في
الطهارة فهو على حدثه إن حملنا اللام في اليقين على الجنس ومن هنا قال الفقهاء إن اليقين لا يرفعه الشك قال
شيخنا في الذكرى قولنا اليقين لا يرفعه الشك لا نعني به اجتماع اليقين والشك في الزمان الواحد لامتناع ذلك ضرورة
إن الشك في أحد النقيضين يرفع يقين الآخر بل المعنى به أن اليقين الذي في الزمان الأول لا يخرج عن حكمه بالشك في الزمان
الثاني لأصالة بقاء ما كان فيؤول إلى اجتماع الظن والشك في الزمان الواحد فيرجح الظن عليه كما هو مطرد في العبادات
302

انتهى كلامه وأنت خبير بأن قوله رحمه الله فيؤول إلى اجتماع الظن والشك في زمان واحد محل كلام إذ عند ملاحظة ذلك
الاستصحاب ينقلب أحد طرفي الشك ظنا والطرف الآخر وهما فلم يجتمع الشك والظن في الزمان الواحد وكيف يجتمعان
والشك في أحد النقيضين يرفع ظن الآخر كما يرفع تيقنه وهذا ظاهر والمراد باليقين في قوله عليه السلام لا ينقض اليقين
أبدا بالشك أثر اليقين أعني استباحة الصلاة التي هي مستصحبة من حين الفراغ من الوضوء والمراد بالشك ما يحصل
للمكلف في أول وهلة قبل ملاحظة الاستصحاب المذكور فتأمل في هذا المقام فإنه من مزالق الأقدام كا محمد بن
إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان بن يحيى عن البجلي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الخفقة والخفقتين
فقال ما أدري ما الخفقة والخفقتان إن الله عز وجل يقول بل الإنسان على نفسه بصيرة إن عليا عليه السلام كأن يقول
من وجد طعم النوم قائما أو قاعدا فقد وجب عليه الوضوء يب الثلاثة عن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى وعن
ابن أبان جميعا عن الأهوازي عن فضالة عن الحسين بن عثمان عن البجلي عن زيد الشحام قال سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الخفقة والخفقتين وساق متن الحديث السابق من غير تغيير يوجب اختلاف المعنى يب المفيد عن ابن قولويه
عن أبيه محمد عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن أبي عمير عن إسحاق بن عبد الله الأشعري عن أبي عبد الله عليه
السلام قال لا ينقض الوضوء إلا حدث والنوم حدث ن يمكن أن يكون المراد من هذا الحدث بيان حكمين أولهما
نفي النقض عما ليس حدثا عندنا كالقهقهة والرعاف وقراءة الشعر وأكل ما مسته النار كما يقوله بعض العامة و
ثانيهما أن يكون النوم حدثا شرعيا لا كما يقوله بعضهم من أنه ليس بحدث وإنما هو مظنة الحدث ويمكن أن يكون المقصود
منه إثبات كون النوم ناقضا بترتيب مقدمتين على صورة القياس كما هو الظاهر من أسلوب العبارة وقد يترآى في بادئ
النظر أنه قياس من الشكل الثاني لكن صغراه متضمنة سلبا وإيجابا واعتبار كل منهما يوجب عقه لعدم تكرر الوسط على
الأول وعدم اختلاف مقدمتيه كيفا على الثاني وهو من شرائط الشكل الثاني فيمكن أن يجعل الحدث في الصغرى
بمعنى كل حدث كما قالوه في قوله تعالى علمت نفس ما قدمت وأخرت من أن المراد كل نفس فيكون في قوة قولنا كل حدث ناقض
فيصير ضربا من الشكل الرابع وينتج بعض الناقض يوم ويمكن أن يجعل الصغرى كبرى وبالعكس فيصير من الشكل الأول وينتج
النوم ناقض ولنا أن نستدل على استلزامه المطلوب وإن لم يكن على وتيرة شئ من الأشكال الأربعة فكم من قياس ليس جار
على وتيرتها ويلزم منه قول ثالث كقولنا زيد مقتول بالسيف والسيف آلة حديدية فإنه ينتج زيد مقتول بالة حديدية
وكقولنا كل ممكن حادث وكل واجب قديم فإنه يلزم منه قول ثالث وهو لا شئ من الممكن بواجب وما نحن فيه من هذا القبيل
ووجه الاستدلال تعليق النقض على طبيعة الحدث في المقدمة الأولى لأنها في قوة قولنا الحدث ناقض والحكم في
الثانية بوجود تلك الطبيعة في النوم يب الثلاثة عن محمد بن يحيى العطار وأحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد بن يحيى
عن عمران بن موسى عن الحسن بن علي بن النعمان عن أبيه عن عبد الحميد بن غواص عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته
يقول من نام وهو راكع أو ساجدا وماش على أي الحالات فعليه الوضوء ن الظاهر أن اللام في الحالات للاستغراق
فيشمل ما عدا الحالات الثلاثة المذكورة وأما حملها على العهد الذكرى فلا يخلو من بعد وأعلم أنه ربما يعد هذا
303

الحديث في الحسان كما فعل العلامة طاب ثراه في المنتهى والمختلف بناء على احتمال أن يكون الموثق في كتب الرجال على ابن
النعمان لا ولده الحسن فإن كلام علماء الرجال لا يخلو من اشتباه لكن الأظهر توثيق الابن يب الأهوازي عن فضالة
عن معاوية بن عمار قال قال أبو عبد الله عليه السلام إن الشيطان ينفخ في دبر الإنسان حتى يخيل إليه أنه قد خرجت منه ريح و
لا ينقض وضوءه إلا ريح يسمعها أو يجد ريحها يه عبد الرحمن بن أبي عبد الله أنه قال للصادق عليه السلام أجد الريح في
بطني حتى أظن أنها قد خرجت قال ليس عليك وضوء حتى تسمع الصوت أو تجد الريح ثم قال إن إبليس يجلس بين أليتي الرجل
فيحدث ليشككه يب الأهوازي عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا
يوجب الوضوء إلا غايط بول أو ضرطة تسمع صوتها أو فسوة تجد ريحها كا محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن معمر بن خلاد
قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل به علة لا يقدر على الاضطجاع والوضوء يشتد عليه وهو قاعد مستند
بالوسايد فربما أغفى وهو قاعد على تلك الحال قال يتوضأ قلت له إن الوضوء يشتد عليه فقال إذا خفى عليه الصوت
فقد وجب الوضوء وقال يؤخر الظهر ويصليها مع العصر وكذلك المغرب والعشاء ن المراد باشتداد الوضوء أن فيه
مشقة يسيرة يتحمل مثلها في العادة وإلا لأوجب عليه السلام التيمم وإنما أخذ الراوي في السؤال كون ذلك المريض
قاعدا غير قادر على الاضطجاع طمعا في أن لا يجوز له عليه السلام ترك الوضوء كما يقوله بعض العامة من أن النوم قاعدا
لا ينقض الوضوء
الفصل السابع فيما قيل أو يظن أنه ناقض وليس بناقض أحد وعشرون حديثا السابع والثامن
والحادي عشر من الكافي والرابع عشر من الاستبصار والبواقي من التهذيب يب الثلاثة عن سعد عن أحمد بن
محمد بن عيسى عن الأهوازي عن أحمد بن محمد عن أبان بن عثمان عن أبي مريم قال قلت لأبي جعفر عليه السلام ما تقول في الرجل يتوضأ
ثم يدعو الجارية فتأخذ بيده حتى ينتهي إلى المسجد فإن من عندنا يزعمون أنها الملامسة فقال لا والله ما بذلك بأس وربما
فعلته وما يعني هذا أو لامستم النساء إلا المواقعة في الفرج ن الضمير في قوله عليه السلام ربما فعلته عائد إلى اللمس
المدلول عليه بالملامسة وحملة أو لامستم في محل جر بالبدلية من اسم الإشارة يب وبهذا السند على الأهوازي
عن فضالة بن أيوب ومحمد بن أبي عمير عن جميل بن دراج وحماد بن عثمان عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال ليس في القبلة
ولا المباشرة ولا مس الفرج وضوء يب الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال ملامسة
النساء هي الإيقاع بهن ن المراد بالإيقاع بهن مجامعتهن يب الثلاثة عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن
محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن صفوان يعني ابن يحيى عن ابن مسكان يعني عبد الله عن الحلبي قال سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن القبلة تنقض الوضوء قال لا بأس يب وبالسند عن أحمد بن محمد بن عيسى وابن أبان عن الأهوازي عن
ابن أبي عمير عن رهط سمعوه يقول التبسم في الصلاة لا ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء إنما يقطع الضحك الذي فيه
القهقهة ن قال الشيخ طاب ثراه القطع في قوله عليه السلام راجع إلى الصلاة لا إلى الوضوء إذ لا يقال انقطع وضوئي
فإنما يقال انقطعت صلاتي وما في سند هذا الحديث من توسيط الرهط غير مضر لأن الراوي عنهم ابن أبي عمير يب
الثلاثة عن محمد بن يحيى عن محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بعني ابن محمد بن عيسى عن الخراساني قال سألت الرضا عليه السلام
304

عن القئ والرعاف والمدة أينقض الوضوء أم لا قال لا ينقض شيئا كا العدة عن أحمد بن محمد عن الأهوازي عن صفوان
بن يحيى عن العلاء عن ابن أبي يعفور قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل بال ثم توضأ وقام إلى الصلاة فوجد بللا قال
لا يتوضأ إنما ذلك من الحبائل ن الحبائل عروق في الظهر كا محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن البزنطي قال سئل الرضا
عليه السلام رجل وأنا حاضر فقال إن بي جرحا في مقعدتي فأتوضأ وأستنجي ثم أجد بعد ذلك الندى والصفرة من المقعدة
أفأعيد الوضوء فقال وقد أنقيت قال نعم قال لا ولكن رشه بالماء ولا تعد الوضوء يب الأهوازي عن حماد بن عيسى عن
زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام الرجل يقلم أظفاره ويجز شاربه ويأخذ من شعر لحيته ورأسه هل ينقض ذلك وضوءه
فقال يا زرارة كل هذا سنة والوضوء فريضة وليس شئ من السنة ينقض الفريضة وأن ذلك ليزيده تطهيرا يب سعد
عن أيوب بن نوح عن صفوان بن يحيى عن سعيد بن عبد الله الأعرج قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام آخذ من أظفاري
ومن شاربي وأحلق رأسي فاغتسل قال ليس عليك غسل قلت فأتوضأ قال ليس عليك وضوء قلت فأمسح على أظفاري الماء
فقال هو طهور ليس عليك مسح ن الضمير في هو طهور يعود إلى الأخذ من الأظفار وإعادته إلى المسح على الأظفار
كما قد يظن تعسف كا محمد بن عيسى عن العمركي عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن الرجل هل يصلح له
أن يستدخل الدواء ثم يصلي وهو معه أينقض الوضوء قال لا ينقض الوضوء ولا يصلي حتى يطرحه ن نهيه عليه السلام عن
الصلاة قبل إخراج الدواء محمول على الكراهة وهو غير مشهور بين الفقهاء وقد يستفاد من هذا الحديث أن خروج
الحقنة غير ناقض يب الأهوازي عن حماد عن حريز قال حدثني زيد الشحام وزرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه
السلام أنه قال إن سال من ذكرك شئ من مذي أو ودي فلا تغسله ولا تقطع له الصلاة ولا ينقض له الوضوء إنما ذلك بمنزلة
النخامة كل شئ خرج منك بعد الوضوء فإنه من الحبائل يب الثلاثة عن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين عن
سعيد عن ابن أبي عمير عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال ليس في المذي من الشهوة ولا من الإنعاظ
لا من القبلة ولا من مس الفرج ولا من المضاجعة وضوء ولا يغسل منه الثوب ولا الجسد ن من الإنعاظ أما معطوف على قوله
عليه السلام من الشهوة أو على قوله في المذي وعلى الأول يكون الحديث مقصورا على عدم النقض بالمذي وعلى الثاني
يكون دالا على عدم النقض بشئ من الأمور الخمسة فيمكن المناقشة في استدلال العلامة به في المختلف وغيره على
عدم النقض بمس الفرج إذ مع قيام الاحتمال يسقط الاستدلال كيف وعدوله عليه السلام في المتعاطفات عن لفظة في
إلى لفظة من وختمه الكلام ببعض أحكام المذي يؤيد الأول ويمكن الانتصار للعلامة بأن يقال إذا لم يكن المذي مع مس
الفرج ناقضا فعدم نقض مس الفرج وحده أولى وهذا هو مبنى استدلال العلامة وهو احتمال إرادة كون الناقض في صورة
المعية إنما هو مس الفرج لا المذي لا يخلو من بعد فتأمل ص الأهوازي عن محمد بن إسماعيل عن أبي الحسن عليه السلام قال
سئلته عن المذي فأمرني بالوضوء منه ثم أعدت عليه سنة أخرى فأمرني بالوضوء منه وقال إن علي بن أبي طالب عليه
السلام أمر المقداد أن يسئل النبي صلى الله عليه وآله واستحى أن يسئله فقال فيه الوضوء (قلت فإن لم أتوض قال لا بأس به ن لعل حذف الزيادة
التي في آخر الخبر السابق وقع من بعض الرواة فلا منافاة بينهما مع أن الإتيان على الاستحباب ممكن وقال الشيخ إن هذا الخبر
305

يعني الخالي عن تلك الزيادة ضعيف ولعل مراده بالضعيف ما لم يتكرر في الأصول أو ما لم يعمل به الأصحاب
لا ما يقابل
الصحيح الاصطلاحي فإن تنويع الحديث إلى الصحيح والحسن والموثق من الاصطلاحات المتأخرة عن عصر الشيخ رحمه الله
كما ذكرناه في مقدمات هذا الكتاب يب الأهوازي عن ابن أبي عمير قال حدثني يعقوب بن يقطين قال سألت أبا الحسن
عليه السلام عن الرجل يمذي وهو في الصلاة من شهوة أو من غير شهوة قال المذي منه الوضوء ن يمكن حمل هذا الحديث على
التقية لانطباقه على مذهب العامة كما قاله الشيخ ره وقال العلامة في المنتهى يمكن حمله على الاستحباب وأنت خبير
بأن كون السؤال عن المذي في الصلاة يوجب ضعف هذا الحمل والشيخ رحمه الله احتمل أيضا حمله على التعجب فكأنه
لشدة ظهور عدم الوضوء منه قال عليه السلام متعجبا المذي منه الوضوء يب الصفار يعني محمد بن الحسن عن أحمد بن
محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن يقطين عن أخيه الحسين عن أبيه علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن المذي
أينقض الوضوء قال إن كان من شهوة نقض ن قد عمل بهذا الحديث من أصحابنا ابن الجنيد رحمه الله وهو يحمل الأحاديث
المؤذنة بالنقض بالمذي على ما كان من شهوة والحمل على استحباب الوضوء منه لا يخلو من بعد لذكر النقض ولعل
الحمل على التقية أولى يب أحمد بن محمد عن الحسن بن علي بن يقطين عن أخيه الحسين عن أبيهما قال سألت أبا الحسن
عليه السلام عن الرعاف والحجامة والقئ قال لا ينقض هذا شيئا من الوضوء ولكن ينقض الصلاة ن لعل المراد إبطاله
للصلاة إذا اشتمل على فعل كثير كما إذا أرعف نفسه أو أحجم ساق نفسه مثلا يب الصفار عن أيوب بن نوح عن
صفوان بن يحيى قال حدثني عمرو بن أبي نصر قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أبول وأتوضأ وأنسى استنجائي ثم أذكر بعد
ما صليت قال اغسل ذكرك وأعد صلاتك ولا تعد وضوئك يب الثلاثة عن ابن أبان عن الأهوازي عن ابن أبي عمير
عن ابن أذينة قال ذكر أبو مريم الأنصاري أن الحكم بن عينية بال يوما ولم يغسل ذكره متعمدا وذكرت ذلك لأبي عبد الله
عليه السلام قال بئس ما صنع عليه أن يغسل ذكره ويعيد صلاته ولا يعيد وضوئه يب الأهوازي عن صفوان عن
منصور بن حازم عن سليمان بن خالد عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يتوضأ فينسى غسل ذكره قال يغسل ذكره ثم يعيد
الوضوء ن حمل الشيخ ره هذا الحديث على الاستحباب جمعا بين الأخبار ويمكن حمله على خروج شئ من البول بالاستبراء عند غسل الذكر
الفصل الثامن في آداب الخلوة سبعة عشر حديثا الأول والثالث والرابع من الكافي و
الخامس من الفقيه والبواقي من التهذيب كا أحمد بن إدريس عن الصهباني عن صفوان بن يحيى عن عاصم بن حميد عن
أبي عبد الله عليه السلام قال قال رجل لعلي بن الحسين عليهما السلام أين يتوضأ الغرباء فقال تتقي شطوط الأنهار والطرق
النافذة وتحت الأشجار المثمرة ومواضع اللعن قيل له وأين مواضع اللعن قال أبواب الدور يب الثلاثة عن الصفار
عن أحمد بن محمد وابن أبان جميعا عن الأهوازي عن حماد عن ربعي عن فضيل عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا بأس أن يبول
الرجل في الماء الجاري وكره أن يبول في الماء الراكد (كا) محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن العلاء بن رزين عن
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال من تخلى على قبر أو بال قائما أو بال في ماء قائم أو مشى في حذاء واحد أو شرب قائما
أو خلا في بيت وحده أو بات على غمر فأصابه شئ من الشيطان لم يدعه إلا أن يشاء الله وأسرع ما يكون الشيطان إلى
306

إلى الإنسان وهو على بعض هذه الحالات الحديث (ن) المراد بالماء القائم الراكد والغمر بالغين المعجمة محركا الدسم و
الزهومة من اللحم ولعل المراد المنع من النوم قبل غسل اليدين من الطعام الدسم (كا) محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن
ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال مكتوب في التورية التي لم تغير أن موسى سئل ربه فقال
إلهي إنه يأتي على مجالس أعزك وأجلك أن أذكرك فيها فقال يا موسى إن ذكري حسن على كل حال (يه) عمر بن يزيد أنه سئل
أبا عبد الله عليه السلام عن التسبيح في المخرج وقراءة القرآن فقال لم يرخص في الكنيف أكثر من آية الكرسي ويحمد الله أو آية الحمد
لله رب العالمين (يب) الأهوازي عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا انقطعت درة البول
فصب عليه الماء (ن) الدرة بكسر الدال سيلان اللبن ونحوه (يب) الثلاثة عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الأهوازي
عن الثلاثة عن أبي جعفر عليه السلام قال لا صلاة إلا بطهور ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار بذلك جرت السنة من
رسول الله صلى الله عليه وآله وأما البول فلا بد من غسله (يب) محمد بن النعمان عن أبي القسم جعفر بن محمد عن أبيه عن سعد بن
عبد الله عن أحمد بن محمد عن التميمي وعلي بن حديد عن الثلاثة عن أبي جعفر عليه السلام قال جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة
أحجار أن يمسح العجان ولا يغسله الحديث (ن) العجان بكسر المهملة والجيم وآخره نون الدبر قاله في النهاية ويقال في الأكثر
لما بين الخصية والدبر (يب) محمد بن علي بن محبوب عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن زرارة قال
سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول كان الحسين بن علي عليهما السلام يتمسح من الغائط بالكرسف ولا يغتسل (يب) أحمد بن
محمد عن الأهوازي عن الثلاثة قال ثالثهم كان يستنجي من البول ثلاث مرات ومن الغائط بالمدر والخرقة (ن) المدر
بفتحتين قطع الطين اليابس (يب) محمد بن النعمان عن أبي القسم جعفر بن محمد عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن
محمد عن الخراساني عن الرضا عليه السلام قال سمعته يقول في الاستنجاء يغسل ما ظهر على الشرح ولا يدخل فيه
الأنملة (ن) الشرج بالشين المعجمة المفتوحة والراء الساكنة وآخره جيم العورة والمراد به حلقة الدبر والجمع شرج بفتحتين
والأنملة بفتح الميم (يب) أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحسين بن عبد ربه قال قلت له ما تقول في الغص ما يتخذ
من أحجار زمزم قال لا بأس به ولكن إذا أراد الاستنجاء نزعه (ن) المراد الحصى المخرجة لتنظيف زمزم كالقمامة فلا ينافي
هذا تحريم إخراج الحصى من المسجد (يب) الأهوازي عن صوفان عن البجلي قال سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل
يبول الليل فيحسب أن البول أصابه ولا يستيقن فهل يجزيه أن يصب على ذكره إذا بال ولا ينشف قال يغسل ما استبان
أنه أصابه وينضح ما يشك فيه من جسده أو ثيابه وينشف قبل أن يتوضأ (ن) قوله عليه السلام ينشف قبل أن يتوضأ
أي يستبرئ قبل أن يستنجي (يب) الثلاثة عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن الأهوازي ومحمد بن خالد البرقي عن
ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يبول قال ينتره ثلاثا ثم إن سأل حتى يبلغ إلى الساق فلا
يبالي (يب) محمد بن النعمان عن أبي القسم جعفر بن محمد عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن أبيه والأهوازي
عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن زرارة قال توضأت يوما ولم أغسل ذكري ثم صليت فسألت أبا عبد الله عليه السلام
عن ذلك فقال اغسل ذكرك وأعد صلاتك (يب) الثلاثة عن ابن أبان عن الأهوازي عن سليمان بن جعفر الجعفري
307

قال رأيت أبا الحسن عليه السلام يستيقظ من نومه يتوضأ ولا يستنجي وقال كالمتعجب من رجل سماه بلغني أنه إذا
خرجت منه ريح استنجى (يب) محمد بن علي بن محبوب عن العباس عن عبد الله بن المغيرة عن القداح عن أبي
عبد الله عليه السلام عن آبائه عن علي عليه السلام أنه إذا كان خرج من الخلا قال الحمد لله الذي رزقني لذته وأبقى قوته
في جسدي وأخرج عني أذاه يا لها نعمة ثلاثا (ن) اللام في يا لها نعمة لام الإختصاص دخلت هنا للتعجب والضمير
يرجع إلى النعمة المدلول عليها بالكلام السابق ونصب نعمة على التمييز نحو جائني زيد فياله رجلا ولفظة ثلاثا لعله قيل
لهذه الجملة الأخيرة والأولى الإتيان بالدعاء ثلاثا المقصد الثاني في الأغسال الواجبة والمستحبة وفيه
بابان الباب الأول في الأغسال الواجبة وفيه مطالب المطلب الأول في غسل الجنابة وفيه فصول
الفصل الأول في موجباته قال الله تعالى في سورة النساء يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى
حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وقال جل شأنه في سورة المائدة يا أيها الذين آمنوا
إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا
الكلام في تفسير الآية الأولى وآخر الآية الثانية يتم بإيراد ثلاثة دروس درس قد مر في أول المقصد الأول بيان
بعض النكات في الخطاب بيا أيها الذين آمنوا وفي النهي عن الشئ بالنهي عن القرب منه مبالغة في الاحتراز عنه و
الاجتناب له كما قال سبحانه ولا تقربوا مال اليتيم ولا تقربوا الزنى ولا تقربوهن حتى يطهرن وقد نقل أصحابنا أن المراد
بالصلاة هيهنا مواضعها أعني المساجد وقد يستفاد ذلك مما رواه زرارة ومحمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام
فالكلام أما من قبيل تسمية المحل باسم الحال فإنه مجاز شايع في كلام البلغاء أو على حذف مضاف أي مواضع الصلاة
والمعنى والله أعلم لا تقربوا المساجد في حالين إحديهما حالة السكر فإن الأغلب أن الذي يأتي المساجد إنما يأتيه للصلاة
وهو مشتملة على أذكار وأقوال يمنع السكر من الإتيان بها على وجهها والحالة الثانية حالة الجنابة واستثنى من
هذه الحالة ما إذا كنتم عابري سبيل أي مارين في المسجد ومجتازين فيه والعبور الاجتياز والسبيل الطريق
وفي تفسير الآية الكريمة وجه آخر نقله بعض المفسرين عن ابن عباس وسعيد بن جبير وربما رواه بعضهم عن أمير
المؤمنين عليه السلام وهو أن المراد والله أعلم لا تصلوا في حالين حال السكر وحال الجنابة واستثنى من حال الجنابة
ما إذا كنتم عابري سبيل أي مسافرين غير واجدين للماء كما هو الغالب من حال المسافرين فيجوز لكم حينئذ الصلاة بالتيمم
الذي لا يرتفع به الحدث وإنما يباح به الدخول في الصلاة وعمل أصحابنا رضي الله عنهم على التفسير الأول فإنه هو المروي
عن أصحاب العصمة سلام الله عليهم وأما رواية التفسير الثاني عن أمير المؤمنين عليه السلام فلم يثبت عندنا وأيضا فهو سالم
من شابية التكرار لأنه سبحانه بين حكم الجنب العادم للماء في آخر الآية حيث قال جل شأنه وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء
أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا إماء فتيمموا صعيدا طيبا فإن قوله سبحانه أو لامستم النساء كناية عن الجماع كما رويناه عن أئمتنا صلوات الله عليهم وليس المراد به مطلق اللمس كما
يقوله الشافعي ولا الذي بشهوة كما يقوله مالك وفي الآية الكريمة وجه آخر نقله بعض فضلاء فن العربية من أصحابنا الإمامية
رضي الله عنهم في كتاب ألفه في الصناعات البديعية وهو أن تكون الصلاة في قوله سبحانه لا تقربوا الصلاة على معناها
308

الحقيقي ويراد به عند قوله تعالى ولا جنبا إلا عابري سبيل مواضعها أعني المساجد قال رحمه الله في الكتاب المذكور
عند ذكر الاستخدام بعدما عرفه بأنه عبارة عن أن يأتي المتكلم بلفظة مشتركة بين معنيين مقرونة بقرينتين
يستخدم كل قرينة منهما معنى من معنيي تلك اللفظة وفي الآية الكريمة قد استخدم سبحانه لفظة الصلاة لمعنيين أحدهما
إقامة الصلاة بقرينة قوله سبحانه حتى تعلموا ما تقولون والآخر موضع الصلاة بقرينة قوله جل شأنه ولا جنبا إلا عابري
سبيل انتهى كلامه وهذا النوع من الاستخدام غير مشهور بين المتأخرين من علماء المعاني وإنما المشهور منه نوعان
الأول أن يراد بلفظ له معنيان أحدهما ثم يراد بالضمير الراجع إليه معناه الآخر والثاني أن يراد بأحد الضميرين
الراجعين إلى لفظ أحد معنييه وبالآخر المعنى الآخر فالأول كقوله إذا نزل السماء بأرض قوم، رعيناه ولو كانوا غضابا
والثاني كقوله فسقى الغضا والساكنيه وإن هم، ستودبين جوانحي وضلوعي ولا يخفى أن عدم اشتهار هذا
النوع بين المتأخرين وعدم إطلاقهم اسم الاستخدام عليه غير ضار فإن صاحب هذا الكلام من أعلام علماء المعاني
وأعاظم بلغائهم ولا مشاحة في الاصطلاح ثم لا يخفى أن ما ذكره هذا الفاضل لا يخالف رواية زرارة ومحمد بن
مسلم التي أشرنا إليها فإنها هكذا قلنا له عليه السلام الجنب والحائض يدخلان المسجد أم لا قال لا يدخلان المسجد إلا مجازين
إن الله تبارك وتعالى يقول ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا هذا لفظ الرواية وهو عليه السلام سكت عن تفسير
الصلاة بمواضعها فاحتمال إرادة معناها الحقيقي قائم والله أعلم درس اختلف المفسرون في المراد بالسكر
في الآية الكريمة فقال بعضهم المراد سكر النعاس فإن الناعس لا يعلم ما يقول وقد سمع من العرب سكر السنة أيضا
والظاهر أنه مجاز علاقته التشبيه فإطلاق السكران على الناعس استعارة وقال الأكثرون أن المراد سكر الخمر كما
نقل أن عبد الرحمن بن عوف صنع طعاما وشرابا لجماعة من الصحابة قبل نزول تحريم الخمر فأكلوا وشربوا فلما ثملوا دخل وقت
المغرب فقدموا أحدهم ليصلي بهم فقرء أعبد ما تعبدون وأنتم عابدون ما أعبد فنزل قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا
لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى الآية وكانوا لا يشربون الخمر في أوقات الصلاة فإذا صلوا العشاء شربوا فلا يصبحون
إلا وقد ذهب عنهم السكر والواو في قوله جل شأنه وأنتم سكارى واو الحال وجملة المبتدأ والخبر حالية من فاعل
تقربوا والمراد نهيهم عن أن يكونوا في وقت الاشتغال بالصلاة سكارى بأن لا يشربوا في وقت يؤدي إلى تلبسهم
بالصلاة حال سكرهم وليس الخطاب متوجها إليهم حال سكرهم إذ السكران غير متأهل لهذا الخطاب وحتى في
قوله سبحانه حتى تعلموا ما تقولون يحتمل أن تكون تعليلية كما في أسلمت حتى دخل الجنة وأن تكون بمعنى إلى أن
كما في أسير حتى تغيب الشمس وأما التي في قوله جل شأنه حتى تغتسلوا فبمعنى إلى أن لا غير وقد دلت الآية الكريمة على
بطلان صلاة السكران لاقتضاء النهي في العبادة الفساد ويمكن أن يستنبط منها منع السكران من دخول المسجد
ولعل في قوله جل شأنه حتى تعلموا ما تقولون نوع إشعار بأنه ينبغي للمصلي أن يعلم ما يقوله في الصلاة ويلاحظ
معاني ما يقرئه ويأتي به من الأدعية والأذكار ولا ريب في استحباب ذلك فقد روى رئيس المحدثين قدس الله روحه
عن الصادق عليه السلام أنه قال من صلى ركعتين يعلم ما يقول فيهما انصرف وليس بينه وبين الله عز وجل ذنب إلا غفر
309

له والجنب يستوي فيه المفرد والجمع والمذكر والمؤنث وهو لغة بمعنى البعيد وشرعا البعيد عن أحكام الطاهرين
لغيبوبة الحشفة في الفرج أو لخروج المني يقظة أو نوما ونصبه على العطف على الجملة الحالية والاستثناء من عامة
أحوال المخاطبين والمعنى على التفسير الأول الذي عليه أصحابنا لا تدخلوا المساجد وأنتم على جنابة في حال من
الأحوال إلا حال اجتيازكم فيها من باب إلى باب وعلى الثاني لا تصلوا وأنتم على جنابة في حال من الأحوال إلا حال
كونكم مسافرين وما تضمنت الآية الكريمة على التفسير الأول من إطلاق جواز اجتياز الجنب في المساجد مقيد عند
علمائنا بما عدا المسجدين كما وردت به الروايات عن أصحاب العصمة سلام الله عليهم وسيجئ ذكر بعضها في الفصل
الرابع وعند بعض العامة غير مقيد بذلك فيجوزون اجتيازه في المسجدين أيضا وبعضهم كأبي حنيفة لا يجوز اجتيازه
في شئ من المساجد أصلا إلا إذا كان الماء في المسجد وكما دلت الآية على جاز اجتياز الجنب في المسجد فقد دلت على
عدم جواز مكثه فيه وقد وردت بالنهي عنه الأخبار عن الأئمة الأطهار سلام الله عليهم كما سيجئ ولا خلاف
في ذلك بين علمائنا إلا من أبي يعلى سلار رحمه الله فقد جعل مكث الجنب في المسجد مكروها ولم أقف له في ذلك على
حجة وقد استنبط فخر المحققين قدس الله روحه من هذه الآية عدم جواز مكث الجنب في المسجد إذا تيمم تيمما مبيحا
للصلاة لأنه سبحانه علق دخول الجنب إلى المسجد على الإتيان بالغسل لا غير بخلاف صلاته فإنه جل شأنه علقها على
الغسل مع وجود الماء وعلى التيمم مع عدمه كما قال سبحانه بعد قوله يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة وإن كنتم
جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا والكل
مندرج تحت القيام إلى الصلاة وحمل المكث في المسجد على الصلاة قياس ونحن لا نقول به وقد يناقش رحمه الله بعد
تسليم عطف الشرط الثاني في الآية الكريمة على جزاء الشرط الأول بأن هذا قياس الأولوية فإن احترام المساجد لكونها
مواضع الصلاة فإذا أباح التيمم الدخول في الصلاة أباح الدخول فيها بطريق أولى وأيضا فقول الصادق عليه السلام
جعل الله التراب طهورا جعله الماء طهورا يقتضي أن يستباح بالتيمم كلما يستباح بالغسل من الصلاة وغيرها لكن للبحث في هاتين المناقشتين
مجال فتأمل واعلم أنه يمكن أن يستنبط من الآية عدم افتقار غسل الجنابة لدخول المسجد إلى الوضوء على التفسير الأول وللصلاة
على الثاني وإلا لكان بعض الغاية غاية وأما استنباط تحريم السكر ونقصه للوضوء منها كما يعطيه كلام صاحب كنز
العرفان فغير ظاهر بل الظاهر عدمه وهو ظاهر درس الجملة الشرطية في قوله تعالى في آية الوضوء وإن كنتم جنبا
فاطهروا يجوز أن تكون معطوفة على جملة الشرط الواقعة في صدرها وهي قوله عز وعلا إذا قمتم إلى الصلاة فلا تكون
مندرجة تحت القيام إلى الصلاة بل مستقلة برأسها والمراد يا أيها الذين آمنوا إن كنتم جنبا فاطهروا ويجوز أن
تكون معطوفة على جزاء الشرط الأول أعني فاغسلوا وجوهكم فتندرج تحت الشرط ويكون المراد إذا قمتم إلى الصلاة فإن
كنتم محدثين فتوضأوا وإن كنتم جنبا فاطهروا وعلى التفسير الأول يستنبط منها وجوب غسل الجنابة لنفسه بخلاف
الثاني وقد طال التشاجر بين علمائنا قدس الله أرواحهم في هذه المسألة لتعارض الأخبار من الجانبين واحتمال
الآية الكريمة كلا من العطفين فالقائلون بوجوبه لنفسه عولوا على التفسير الأول وأيدوا حمل الآية عليه بالروايات
310

المشعرة بوجوبه لنفسه كقول النبي صلى الله عليه وآله الماء من الماء وقول أمير المؤمنين عليه السلام لما اختلف المهاجرون
والأنصار في وجوب الغسل على المجامع من دون إنزال أتوجبون عليه الرجم والجلد ولا توجبون عليه صاعا من ماء
إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل وقول الباقر عليه السلام إذا أدخلها فقد وجب الغسل والمهر والرجم وأمثال
هذه الأحاديث كثيرة والوجوب الذي تضمنته شامل لمشغول الذمة بمشروط بالطهارة وغيره ووجوب الرجم و
الجلد في الحديث الثاني والمهر في الثالث يعم الأوقات فيكون الغسل كذلك ليجري الكلام على نسق واحد وبأن غسل الجنابة
لو لم يجب لنفسه لم يجب قبل الفجر للصوم لعدم وجوب المغيى قبل وجوب الغاية وقالوا أيضا كون الواو في الآية للعطف
غير متعين لجواز أن تكون للاستيناف وعلى تقدير كونها للعطف فلا يلزم العطف على الجزاء وعلى تقدير العطف
عليه فإنما يلزم الوجوب عند القيام إلى الصلاة لا عدم الوجوب في غير ذلك الوقت والقائلون بوجوبه لغيره عولوا
على التفسير الثاني لأن الظاهر اندراج الشرط الثاني تحت الأول كما أن الثالث مندرج تحته البتة وإلا لم يتناسق
المتعاطفتان في الآية الكريمة وأيدوا ذلك بصحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام إذا دخل الوقت وجب الطهور
والصلاة وبصحيحة الكاهلي عن الصادق عليه السلام في المرأة يجامعها الرجل فيختص وهي في المغتسل هل تغتسل
قال جائها ما يفسد الصلاة فلا تغتسل وقالوا نحن نقول بوجوب غسل الجنابة بالأسباب التي تضمنتها الروايات
السابقة لكنه وجوب مشروط بوجوب ما يشترط فيه الطهارة وإطلاق الأمر بالغسل فيها كإطلاق الأمر بالوضوء في قوله
عليه السلام من نام فليتوضأ وقوله عليه السلام إذا خفى الصوت وجب الوضوء وقوله عليه السلام غسل الحائض إذا طهرت
واجب وأما وجوب غسل الجنابة قبل الفجر للصوم فلوجوب توطين النفس على إدراك الفجر طاهرا فالغاية واجبة
وأيضا فهو وارد عليكم في الحائض والمستحاضة والنفساء فهذا خلاصة ما يقال من الجانبين فتأمل في ذلك وعول
على ما يقتضيه النظر الصحيح وفائدة الخلاف تظهر في نية الغسل للجنب عند خلو ذمته من مشروط بالطهارة وفي
عصيانه بتركه لو ظن الموت قبل التكليف بمشروط بالطهارة فصل وأما الأحاديث في موجبات غسل
الجنابة فخمسة عشر حديثا الثاني والثالث والرابع والسادس والسابع والثامن والتاسع من الكافي والخامس من
الفقيه والبواقي من التهذيب (يب) الثلاثة عن ابن أبان عن الأهوازي عن حماد عن ربعي بن عبد الله عن زرارة
عن أبي جعفر عليه السلام قال جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي صلى الله عليه وآله فقال ما تقولون في الرجل يأتي أهله
فيخالطها ولا ينزل فقالت الأنصار الماء من الماء وقالت المهاجرون إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل
فقال عمر لعلي عليه السلام ما تقول يا أبا الحسن فقال عليه السلام أتوجبون عليه الرجم والجلد ولا توجبون عليه صاعا من ماء
إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل فقال عمر القول ما قال المهاجرون ودعوا ما قالت الأنصار (ن) الضمير في لفظة
عليه في المواضع الأربعة يعود إلى الرجل واحتمال عوده إلى التقاء الختانين المدلول عليه بالفعل غير بعيد فإن مجئ
حرف الاستعلاء للتعليل شايع في اللغة وورد في القرآن في قوله تعالى ولتكبروا الله على ما هديكم أي لأجل هدايته
إياكم فالمراد أنكم توجبون بسبب التقاء الختانين أمرا شاقا على المكلف ولا توجبون عليه أمرا سهلا هذا وقد مران
311

كلامه عليه السلام يعطي وجوب غسل لنفسه لدلالته بإطلاقه على وجوبه على الجنب من الزنا إذا أراد الحاكم رجمه سواء
كان مشغول الذمة بعبادة مشروطة بالغسل أو لا ويمكن أن يستنبط منه وجوب الجمع بين الرجم والجلد في المحصنة
والخلاف فيه مشهور حينئذ لا يحتاج إلى حمل الواو على المعنى المجازي أعني معنى أو وقد يتبادر إلى بعض الأوهام أن
الاستدلال على وجوب الغسل بوجوب الرجم والجلد قياس ونحن لا نقول به وجوابه أنه من قياس الأولوية كما ذكرته
في زبدة الأصول وقد يترآى هيهنا جواب آخر وهو أن يكون استدلاله عليه السلام إلزاميا للحاضرين القائلين بالعمل
بالقياس فتدبر نعم لا يخفى أنه يمكن أن يستنبط من هذا أيضا الحديث أنه لا بد من الصاع في غسل الجنابة وعدم
إجزاء ما دونه ويؤيد ذلك ما يأتي في آخر الحديث الثامن من الفصل الثالث وهو استدلال جيد إن لم ينعقد الإجماع
على الاكتفاء بما دون الصاع (كا محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن صفوان بن يحيى عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم
عن أحدهما عليهما السلام قال سئلته متى يجب الغسل على الرجل والمرأة فقال إذا أتى أهله فقد وجب الغسل والمهر
والرجم كا العدة عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل قال سألت الرضا عليه السلام عن الرجل يجامع المرأة
قريبا من الفرج فلا ينزلان متى يجب الغسل فقال إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل فقلت التقاء الختانين هو
غيبوبة الحشفة قال نعم كا العدة عن أحمد بن محمد هو ابن عيسى عن الحسن بن علي بن يقطين عن أخيه الحسين عن أبيه قال
سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يصيب الجارية البكر لا يفضي إليها ولا ينزل أعليها غسل وإن كانت ليست
ببكر ثم أصابها ولم يفض إليها أعليها غسل قال إذا وقع الختان على الختان فقد وجب الغسل البكر وغير البكر يه
عبيد الله بن علي الحلبي قال سئل أبو عبد الله عليه السلام الرجل يصيب المرأة فلا ينزل أعليه غسل قال
كان علي عليه السلام يقول إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل كا العدة عن أحمد بن محمد عن ابن أبي عمير عن حماد بن
عثمان عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن المرأة ترى في المنام ما يرى الرجل قال إن أنزلت فعليها الغسل وإن لم
تنزل فليس عليها غسل كا محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن إسماعيل بن سعد الأشعري قال سألت الرضا عليه السلام عن
الرجل يلمس فرج جاريته حتى تنزل الماء من غير أن يباشر يعبث بها بيده حتى تنزل الماء قال إذا أنزلت من شهوة فعليها
الغسل كا وبهما عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة ترى أن الرجل
يجامعها في المنام في فرجها حتى تنزل قال تغتسل كا وبهما عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال سألت الرضا عليه السلام
عن الرجل يجامع المرأة فيما دون الفرج وتنزل المرأة عليها غسل قال نعم يب علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال
سئلته عن الرجل يلعب مع المرأة ويقبلها فيخرج منه المني ما عليه قال إذا جاءت الشهوة ودفع وفتر لخروجه فعليه
الغسل وإن كان إنما هو شئ لم يجد له فترة ولا شهوة فلا بأس يب محمد بن علي بن محبوب عن العباس هو ابن معروف
عن عبد الله بن المغيرة عن معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل احتلم فلما انتبه وجد بللا قليلا
قال ليس بشئ إلا أن يكون مريضا فإنه يضعف فعليه الغسل ن المراد بالاحتلام النوم لا المعنى المتعارف والمراد
بالبلل القليل ما ليس معه دفق لقلته وعدم جريان العادة بخروج ذلك القدر فقط من المني يب وبهم ثلثتهم
312

عن حريز عن أبي محمد عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له الرجل يرى في المنام ويجد الشهوة فيستيقظ فينظر فلا يجد شيئا
ثم يمكث الهوينا بعد فيخرج قال إن كان مريضا فليغتسل وإن لم يكن مريضا فلا شئ عليه قلت فما فرق بينهما قال لأن الرجل
إذا كان صحيحا جاء الماء بدفعة قوية وإن كان مريضا لم يجئ إلا بعد (ن) يمكث الهوينا بضم الهاء وفتح الواو وإسكان الياء
المثناة من تحت وبعدها نون أي يمكث مكثا يسيرا ولفظتا بعد في كلام السائل والإمام عليه السلام مبنيتان على الضم
مقطوعتان عن الإضافة والتقدير في الأولى بعد النظر وفي الثانية بعد مكث (يب) محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن
محمد عن أبي عمير عن حماد عن الحلبي قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل يصيب المرأة فيما دون الفرج أعليها غسل
وإن هو أنزل ولم تنزل هي فقال ليس عليها غسل وإن لم ينزل هو فليس عليه غسل (ن) لعل المراد بما دون الفرج ما عدا
الدبر من التفخيذ ونحوه ويمكن أن يحمل الفرج على ما يشمل القبل والدبر وقد استدل الشيخ بإطلاق هذا الحديث على ما
ذهب إليه في الاستبصار والنهاية بعدم وجوب الغسل بوطي المرأة في دبرها وقد ورد بذلك رواية ضعيفة أيضا و
الحق وجوب الغسل كما عليه جمهور الأصحاب (يب) الأهوازي عن محمد بن إسماعيل قال سألت أبا الحسن عليه السلام
عن المرأة ترى في منامها فتنزل عليها غسل قال نعم (يب) الثلاثة عن ابن أبان عن الأهوازي عن حماد بن عثمان عن
أديم بن الحر قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة ترى في المنام ما يرى الرجل عليها غسل قال نعم ولا تحدثوهن
بذلك فيتخذنه علة (ن) لعل المراد إنكم لا تخبروا النساء بأن عليهن الغسل بالاحتلام فإنهن يجعلن ذلك وسيلة إلى
الخروج إلى الحمامات فيظهرن لأزواجهن أنهن متى أردن الخروج أنهن قد احتلمن لئلا يمنعن منه ويمكن أن يكون مراده
عليه السلام إنكم لا تخبروهن بذلك لئلا يخطر ذلك ببالهن عند النوم ويتفكرن فيه فيحتلمن إذ الأغلب أن ما يخطر
ببال الإنسان حين النوم ويتفكر فيه فإنه يراه في المنام وفي هذا الحديث دلالة على أنه لا يجب على العالم بأمثال
هذه المسائل أن يعلمها الجاهل بها بل يكره له ذلك إذا ظن ترتب مثل هذه المفسدة على تعليمه
الفصل الثاني
في كيفية غسل الجنابة أربعة عشر حديثا الثالث والرابع والعاشر والحادي عشر من الكافي والبواقي من التهذيب (يب)
الثلاثة عن ابن أبان عن الأهوازي عن البزنطي قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن غسل الجنابة قال تغسل يدك اليمنى
من المرفق إلى أصابعك وتبول إن قدرت على البول ثم تدخل يدك في الإناء ثم اغسل ما أصابك منه ثم افض على رأسك
وجسدك ولا وضوء فيه (يب) وبهم عن الأهوازي عن صفوان وفضالة عن العلا عن محمد بن مسلم عن أحدهما
عليهما السلام قال سئلته عن غسل الجنابة فقال تبدأ بكفيك ثم تغسل فرجك ثم تصب على رأسك ثلاثا ثم تصب الماء على سائر
جسدك مرتين فما جرى الماء عليه فقد طهره (كا) محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان
جميعا عن صفوان بن يحيى عن العلاء عن زرارة عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام مثله (كا) محمد بن إسماعيل عن الفضيل بن
شاذان عن حماد بن عيسى عن ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال يفيض الجنب على رأسه الماء ثلاثا لا يجزيه أقل
من ذلك (ن) لعل ذلك محمول على تأكد الاستحباب وأوجبه بعض علمائنا ولا ريب أنه أحوط (يب) الثلاثة عن الحسين بن حسن بن أبان عن
الأهوازي عن فضالة عن حماد بن عثمان عن حكم بن حكيم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن غسل الجنابة قال أفض على
313

كفك اليمنى من الماء فاغسلها ثم اغسل ما أصاب جسدك من أذى ثم اغسل فرجك وأفض على رأسك وجسدك
واغتسل فإن كنت في مكان نظيف لا يضرك أن لا تغسل رجليك وإن كنت في مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك قلت إن الناس يقولون يتوضأ وضوء الصلاة قبل الغسل فضحك وقال وأي وضوء أنقى من الغسل وأبلغ (يب)
الثلاثة عن
سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن الأهوازي ومحمد بن خالد عن ابن غواص عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال الغسل يجزي
عن الوضوء وأي وضوء أطهر من الغسل (ن) المراد بالغسل غسل الجنابة فإنه المتبادر من بين الأغسال والعامة يوجبون
فيه الوضوء فلعل الغرض الرد عليهم (يب) الأهوازي عن يعقوب بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام قال سألته عن غسل
الجنابة فيه وضوء أم لا فيما نزل به جبرئيل عليه السلام فقال الجنب يغتسل يبدأ فيغسل يديه إلى المرفقين قبل أن يغمسهما
في الماء ثم يغسل ما أصابه من أذى ثم يصب على رأسه وعلى وجهه وعلى جسده كله ثم قد قضى الغسل ولا وضوء عليه
(يب) الأهوازي عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن زرارة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن غسل الجنابة
فقال تبدء فتغسل كفيك ثم تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك ثم تمضمض واستنشق ثم تغسل جسدك من لدن
قرنك إلى قدميك ليس قبله ولا بعده وضوء وكل شئ مسه الماء فقد أنقيته ولو أن رجلا جنبا ارتمس في الماء ارتماسة
واحدة أجزأه ذلك وإن لم يدلك جسده (يب) المفيد عن الصدوق عن ابن الوليد عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد بن
يحيى عن محمد بن الحسين عن جعفر بن بشر عن حجر بن زائدة عن أبي عبد الله عليه السلام قال من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو
في النار (ن) لعل المراد مقدار شعرة من البشرة فلا ينافي هذا الحديث ما عليه الأصحاب من عدم وجوب غسل
الشعر (كا) محمد بن يحيى عن العمركي عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن المرأة يكون عليها السوار والدملج
الحديث وقد مر في بحث الوضوء (كا) عنه عن أحمد بن محمد عن الخراساني قال قلت للرضا عليه السلام الرجل يجنب فيصيب
رأسه وجسده الخلوق والطيب والشئ اللكد مثل علك الروم والطرار وما أشبهه فيغتسل فإذا فرغ وجد شيئا قد
بقي في جسده من أثر الخلوق والطيب وغيره قال لا بأس (ن) اللكد بكسر الكاف وآخره دال مهملة صفة مشبهة من
لكد كفرح بمعنى لصق والطرار الظاهر أنه بالمهملات بمعنى الطين يقال طر الرجل حوضه بمعنى طينه وربما يوجد
في بعض النسخ بالزاي في آخره وليس له معنى يناسب المقام (يب) الأهوازي عن صفوان عن البجلي قال سألت أبا إبراهيم
عليه السلام عن الكسير يكون عليه الجباير كيف يصنع بالوضوء وغسل الجنابة الحديث وقد مر في بحث الوضوء (يب) العدة
عن أحمد بن محمد عن الأهوازي عن فضالة عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال اغتسل أبي من الجنابة فقيل
له قد أبقيت لمعة من ظهرك لم يصبها الماء فقال ما عليك لو سكت ثم مسح تلك اللمعة بيده (ن) اللمعة بضم اللام
وهي في اللغة القطعة من الأرض المعشبة إذا يبس عشبها وصارت بيضاء كأنها تلمع بين الخضرة وتطلق على القطعة
من مطلق الجسم إذا خالفت ما حولها في بعض الصفات ويستفاد من هذا الحديث أن من سهى عن شئ من واجبات
الطهارة لا يجب على غيره تنبيهه عليه والظاهر أنه لا فرق بين الطهارة وغيرها من العبادات ولا يخفى ما في ظاهره فإنه
ينافي العصمة ولعل ذلك القائل كان مخطيا في ظنه عدم إصابة الماء تلك اللمعة ويكون قول الإمام عليه السلام ما عليك
314

لو سكت ثم مسحه تلك اللمعة إنما صدرا عنه للتعليم وقد بسطنا الكلام في هذا المقام في الحبل المتين (يب)
محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن محمد عن موسى بن القسم عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن
الرجل يجنب هل يجزيه من غسل الجنابة أن يقوم في القطر حتى يغسل رأسه وجسده وهو يقدر على ما سوى ذلك قال إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزئه ذلك (ن) القطر بالسكون المطر ولفظة ما في قوله وهو يقدر على ما سوى
ذلك يجوز أن تكون مبنية ويكون جرها محليا على أنها موصوفة أو موصولة وأن تكون معربة ويكون جرها لفظيا أي
وهو يقدر على ماء غير ماء المطر وقد استدل الشيخ في المبسوط بهذا الحديث على أن الوقوف تحت المطر الغزير يجري مجرى
الارتماس فيسقط معه الترتيب ولا يخفى أن حصول الدفعة العرفية المعتبرة في الارتماس بالاغتسال بالمطر حال نزوله
لا يخلو من بعد فالظاهر أن المراد بالغسل في الحديث غسل الترتيب الفصل الثالث في نبذ متفرقة من أحكام الغسل
ثمانية أحاديث الأول والخامس من الكافي والبواقي من التهذيب (كا) محمد بن إسماعيل عن الفضيل بن شاذان عن حماد بن
عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن عليا عليه السلام لم ير بأسا أن يغسل الجنب رأسه غدوة ويغسل ساير جسده عند الصلاة (يب) الأهوازي عن النضر عن هشام بن سالم عن محمد بن مسلم قال دخلت على أبي عبد الله
عليه السلام فسطاطه وهو يكلم امرأة فأبطأت عليه فقال ادنه هذه أم إسماعيل جاءت وأنا أزعم أن هذا المكان الذي
أحبط الله فيه حجها عام أول كنت أردت الإحرام فقلت ضعوا لي الماء في الخباء فذهبت الجارية بالماء فوضعته فاستخففتها
فأصبت منها فقلت اغسلي رأسك وامسحيه مسحا شديدا لا تعلم به مولاتك فإذا أردت الإحرام فاغسلي جسدك ولا تغسلي
رأسك فتستريب مولاتك فدخلت فسطاط مولاتها فذهبت تتناول شيئا فمست مولاتها رأسها فإذا لزوجة الماء
فحلقت رأسها وضربتها فقلت لها هذا المكان الذي أحبط الله فيه حجك (ن) الهاء في قوله عليه السلام ادنه
هاء السكت لحقت بفعل الأمر وفي بعض النسخ مكان جاءت جنت من الجناية والمراد حلقها رأس الجارية والخباء
بكسر الخاء المعجمة خيمة من وبر أو صوف ولا تكون من شعر وهي على عمودين أو ثلاثة وما فوق ذلك فهو بيت كذا في الصحاح
وقوله عليه السلام فاستخففتها أي وجدتها خفيفة على طبعي وهو كناية عن حصول الميل إليها والمضارع في قوله
عليه السلام فتستريب مولاتك منصوب بفاء السببية بعد النهي (يب) الثلاثة عن سعد بن عبد الله والصفار عن
أحمد بن محمد عن الأهوازي عن حريز عن محمد ابن مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يخرج من أحليله
بعد ما اغتسل شئ قال يغتسل ويعيد الصلاة إلا أن يكون بال قبل أن يغتسل فإنه لا يعيد غسله قال محمد وقال أبو
جعفر عليه السلام من اغتسل وهو جنب قبل أن يبول ثم وجد بللا فقد انتقض غسله وإن كان قد بال ثم اغتسل ثم وجد
بللا فليس ينقض غسله ولكن عليه الوضوء (يب) الثلاثة عن ابن أبان عن الأهوازي عن فضالة عن حسين بن عثمان عن
ابن مسكان عن منصور هو ابن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شئ قال
يعيد الغسل قلت فالمرئة يخرج منها بعد الغسل قال لا تعيد الغسل قلت فما الفرق بينهما قال لأن ما يخرج من المرأة ماء الرجل (ن)
المراد إذا لم تظن المرأة أن الخارج هو مائها (كا) محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن صفوان عن العلا عن محمد بن مسلم
315

عن أحدهما عليهما السلام قال سئلته عن غسل الجنابة كم يجزي من الماء فقال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يغتسل
بخمسة أمداد بينه وبين صاحبته فيغتسلان جميعا من إناء واحد (يب) الأهوازي عن النضر بن محمد بن ابن حمزة
عن معاوية بن عمار قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول كان رسول الله صلى الله عليه وآله يغتسل بصاع وإذا كان معه بعض
نسائه يغتسل بصاع ومد (يب) وعنه عن بعض الثلاثة عن أبي جعفر عليه السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه و
آله يتوضأ بمد ويغتسل بصاع والمد رطل ونصف والصاع ستة أرطال (يب) وعنه عن الثلاثة عن محمد بن مسلم
وأبي بصير عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنهما قالا توضأ رسول الله صلى الله عليه وآله بمد واغتسل بصاع ثم قال
اغتسل هو وزوجته بخمسة أمداد من إناء واحد قال زرارة فقلت له كيف صنع هو قال بدأ هو فضرب يده في الماء قبلها
وأنقى فرجه ثم ضرب وأنقت فرجها ثم أفاض هو وأفاضت هي على نفسها حتى فرغا فكان الذي اغتسل به رسول الله
صلى الله عليه وآله ثلاثة أمداد والذي اغتسلت به مدين وإنما أجزأ عنهما لأنهما اشتركا جميعا ومن أنفرد بالغسل وحده
فلا بد له من صاع الفصل الرابع فيما على الجنب اجتنابه وجوبا واستحبابا ستة أحاديث الخامس من الكافي
والسادس من الاستبصار والبواقي من التهذيب (يب) محمد بن أحمد بن يحيى عن يعقوب بن يزيد عن النضر بن سويد
عن عبد الله بن سنان عن أبي حمزة قال قال أبو جعفر عليه السلام إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلى
(الله) عليه وآله فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمم ولا يمر في المسجد إلا متيمما ولا بأس أن يمر في ساير المساجد ولا يجلس في شئ
من المساجد (ن) قوله عليه السلام فاحتلم أي رأى في منامه ما يوجب الاحتلام وليس الاحتلام خروج المني في المنام
فلا يحتاج التفريع إلى تكلف (يب) الأهوازي عن فضالة عن عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله عليه
السلام عن الجنب والحايض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه قال نعم ولكن لا يضعان في المسجد شيئا (يب) أحمد بن
محبوب عن الحسين بن محبوب قال عن البصري قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يواقع أهله أينام على ذلك قال إن الله يتوفى الأنفس في منامها ولا يدري ما يطرقه من البلية إذا فرغ فليغتسل قلت أياكل الجنب قبل أن يتوضأ
قال إنا لنكسل ولكن ليغسل يده والوضوء أفضل (ن) مراده بقوله عليه السلام أنا لنكسل أنكم لتكسلون والتعبير بأمثال
هذه العبارات في أمثال هذه المقامات شايع (يب) الأهوازي عن النضر عن محمد بن أبي حمزة عن سعيد الأعرج قال
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول ينام الرجل وهو جنب وتنام المرأة وهي جنب (كا) محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان
عن الثلاثة عن أبي جعفر عليه السلام قال الجنب إذا أراد أن يأكل ويشرب غسل يده وتمضمض وغسل وجهه وأكل وشرب
صلى الله عليه وآله أحمد بن محمد هو ابن عيسى عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال سألته أتقرء النفساء والحائض والجنب والرجل يتغوط القرآن قال يقرؤون ما شاؤوا (ن) هذا العموم
مخصص في الثلاثة الأول بغير العزائم
المطلب الثاني في غسل الحيض والاستحاضة والنفاس وما يتعلق بهذه الدماء
من الأحكام وفيه فصول الفصل الأول قال الله تعالى في سورة البقرة ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا
النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين
316

نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين الكلام في تفسير الآيتين
الكريمتين يتم بإيراد درسين درس ذكر سبحانه ستة أمور مما سئلوا النبي صلى الله عليه وآله عنها وأوحى الله جل
شأنه إليه الجواب عنها وسؤالهم هذا سادس تلك السؤلات وكلها معنونة بلفظ يسئلونك لكن الثلاثة الأول بغير واو
وهي سؤالهم ماذا ينفقون وسؤالهم عن القتال في الشهر الحرام وسؤالهم عن الخمر والميسر وثلاثة مبدوة بالواو و
هي سؤالهم عن كيفية الإنفاق وسؤالهم عن أمر اليتامى وسؤالهم عن المحيض قال البيضاوي لعل ذلك لأن السؤالات
الأول كانت في أوقات متفرقة والثلاثة الأخيرة في وقت واحد ولا يخفى أن تعليله هذا لا يتمشى في أول الثلاثة الأخيرة من
دون إضافة الرابع فالصواب إبدال الثلاثة بالأربعة وقد أخذ هذا الكلام من الكشاف فأفسده قال في الكشاف كان
سؤالهم عن تلك الحوادث الأول واقع في أحوال متفرقة فلم يؤت بحرف العطف لأن كل واحد من السؤالات سؤال مبتداء
وسئلوا عن الحوادث الأخر في وقت واحد فجئ بحرف العطف لذلك كأنه قيل يجمعون لك بين السؤال عن الخمر والميسر و
السؤال عن الإنفاق والسؤال عن كذا وكذا انتهى ولعل البيضاوي توهم أن إدراج الزمخشري السؤال عن الخمر في سلك
السؤالات المجموعة في وقت واحد مع خلوه عن الواو الجامعة واقع في غير محله والمحيض يأتي بمعنى المصدر تقول حاضت
المرأة محيضا كباتت مبيتا وبمعنى اسم الزمان مدة الحيض وبمعنى المكان أي محل الحيض وهو القبل والمحيض الأول في
الآية بالمعنى الأول أي يسئلونك عن الحيض وأحواله والسائل أبو الدحداح في جمع من الصحابة وقوله تعالى هو أذى أي
هو أمر مستقذر موذ ينفر الطبع عنه والاعتزال التنحي عن الشئ وأما المحيض الثاني فيحتمل كلا من المعاني الثلاثة
السابقة وستسمع الكلام فيه وقوله تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن تأكيد للأمر بالاعتزال وبيان لغايته وقد قرء حمزة والكسائي
يطهرن بالتشديد أي يتطهرن وظاهره أن غاية الاعتزال هي الغسل وقرء الباقون يطهرن بالتخفيف وظاهره أن غايته
انقطاع الدم والخلاف بين الأمة في ذلك مشهور وسيجئ تحقيق الحق فيه وقوله تعالى فإذا تطهرن فأتوهن من حيث
أمركم الله يؤيده القراءة الأولى والأمر بالإتيان للإباحة كقوله تعالى فإذا حللتم فاصطادوا وأما وجوب الإتيان لو كان
قد اعتزلها أربعة أشهر مثلا فقد استفيد من خارج واختلف المفسرون في معنى قوله جل شأنه من حيث أمركم الله
فعن ابن عباس رضي الله عنه أن معناه من حيث أمركم الله بتجنبه حال الحيض وهو الفرج وعن ابن الحنفية رضي الله عنه أن معناه
من قبل النكاح دون السفاح وعن الزجاج معناه من الجهات التي يحل فيها الوطي لا ما لا يحل كوطيهن وهن صائمات أو
محرمات أو معتكفات والأول هو الذي اختاره الشيخ أبو علي الطبرسي في مجمع البيان وقوله تعالى إن الله يحب التوابين
ويحب المتطهرين أي يحب التوابين عن الذنوب ويحب المتطهرين أي المتنزهين عن الأقذار كمجامعة الحائض مثلا وقيل
التوابين عن الكبائر والمطهر عن الصغائر والحرث في قوله تعالى نساؤكم حرث لكم قد يفسر بالمزرع تشبيها بما يلقى في
أرحامهن من النطف بالبذر وقال أبو عبيدة كنى سبحانه بالحرث عن الجماع أي محل حرث لكم وقد جاء في اللغة الحرث بمعنى
الكسب ومن هنا قال بعض المفسرين معنى حرث لكم أي ذوات حرث تحرثون منهن الولد واللذة وقوله تعالى أنى شئتم قد
اختلف في تفسيره فقيل معناه من أي موضع شئتم ففي الآية دلالة على جواز إتيان المرأة في دبرها وعليه أكثر علمائنا
317

ووافقهم مالك وسيجئ تحقيق المسألة في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى وقيل معناه من أي جهة شئتم لما روي من أن اليهود كانوا يقولون من جامع امرأته في قبلها من دبرها يكون ولدها أحول فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله فنزلت
وقيل معناه متى شئتم واستدلوا به على جواز الوطي بعد انقطاع الحيض وقيل الغسل لشمول لفظة إلى جميع الأوقات
إلا ما خرج بدليل كوقت الحيض والصوم وفيه أن القول بمجئ أنى بمعنى متى يحتاج إلى شاهد ولم يثبت بل قال الطبرسي
رحمه الله أنه خطأ عند أهل اللغة وقوله تعالى وقدموا لأنفسكم أي قدموا الأعمال الصالحة التي أمرتم بها ورغبتم
فيها لتكون لكم ذخرا في القيامة وقيل المراد بالتقديم طلب الولد الصالح والسعي في حصوله لقوله صلى الله عليه وآله إذا
مات ابن آدم انقطع عمله إلا عن ثلاث ولد صالح يدعو له وصدقة جارية وعلم ينتفع به وقيل المراد بالتقديم التسمية
عند الجماع وقيل تقديم الدعاء عنده وقوله جل وعلا واعلموا أنكم ملاقوه أي ملاقوا ثوابه إن أطعتم وعقابه إن عصيتم
وليس المراد بالملاقاة رؤيتنا له تعالى كما هو مذهب العامة واعلم أنه قد استنبط بعض المتأخرين من الآية
الأولى أحكاما ثلاثة أولها أن دم الحيض نجس لأن الأذى بمعنى المستقذر وثانيها أن نجاسته مغلظة لا يعفى عن
قليلها أعني ما دون الدرهم للمبالغة المفهومة من قوله تعالى هو أذى وثالثها أنه من الأحداث الموجبة للغسل
لإطلاق الطهارة المتعلقة به وفي دلالة الآية على هذه الأحكام نظر أما الأولان فلعدم نجاسة كل مستقذر فإن
القيح والقئ من المستقذرات وهما طاهران عندنا وأيضا فهذا المستنبط قائل كغيره من المفسرين بإرجاع الضمير في قوله
تعالى هو أذى إلى المحيض بالمعنى المصدري لا إلى الدم فإن قلت يجوز أن يراد بالمحيض الحيض وبضميره دمه على سبيل
الاستخدام قلت هو مجرد احتمال لم ينقل عن المفسرين فكيف يستنبط منه حكم شرعي وأما الثالث فلأن الآية غير دالة على
الأمر بالغسل بشئ من الدلالات ولا سبيل إلى استفادة وجوبه من كونه مقدمة الواجب أعني تمكين الزوج من الوطي لأن جمهور
فقهائنا على جوازه قبل الغسل بعد النقا فلا تغفل درس اختلف الأمة في المراد بالاعتزال في قوله سبحانه
فاعتزلوا النساء في المحيض فقال فريق منهم المراد ترك الوطي لا غير لما روي من أن أهل الجاهلية كانوا يجتنبون مؤاكلة الحيض
ومشاربتهن ومساكنتهن كفعل اليهود والمجوس فلما نزلت الآية الكريمة عمل المسلمون بظاهر الاعتزال لهن وعدم القرب
منهن فأخرجوهن من بيوتهم فقال أناس من الأعراب يا رسول الله البرد شديد والثياب قليلة فإن آثرناهن بالثياب هلك
سائر أهل البيت وإن استأثرنا بها هلكت الحيض فقال صلى الله عليه وآله إنما أمرتم أن تعزلوا مجامعتهن إذا حضن و
لم يأمركم بإخراجهن من البيوت كفعل الأعاجم وأكثر علمائنا قدس الله أرواحهم قائلون بذلك ويخصون الوطي المحرم بالوطي
في موضع الدم أعني القبل لا غير ويجوزون الاستمتاع بما عداه ووافقهم أحمد بن حنبل ومما يدل عليه ذلك ما رواه شيخ
الطائفة في الصحيح عن عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما للرجل من الحائض قال ما بين أليتيها ولا يوقب وما رواه
أيضا في الموثق عنه عليه السلام أنه قال إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتقى موضع الدم وعن عبد الملك
بن عمر قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عما لصاحب المرأة الحائض منها قال كل شئ ما عدا القبل بعينه وعن هشام بن سالم
عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يأتي أهله فيما دون الفرج وهي حائض قال لا بأس إذا اجتنب ذلك الموضع وقال السيد
318

المرتضى رضي الله عنه يحرم على زوجها الاستمتاع بما بين سرتها وركبتها ووافقه بقية أصحاب المذاهب الأربعة
ويشهد له ما رواه رئيس المحدثين في الصحيح عن عبيد الله بن علي الحلبي أنه سئل أبا عبد الله عليه السلام عن الحائض ما يحل
لزوجها قال تتزر بإزار إلى الركبتين وتخرج سرتها له ما فوق الإزار والأولى أن تحمل هذه الرواية وأمثالها على
كراهية الاستمتاع بما بين السرة والركبة استصحابا للمحل والروايات الدالة المتضافرة بعضها على جواز التفخيذ و
بعضها على تخصيص الحرام بموضع الدم وإن كان بعضها غير نقي السند واستدل العلامة طاب ثراه على ذلك في المنتهى
بما حاصله أن المحيض في قوله تعالى فاعتزلوا النساء في المحيض أما أن يراد به المعنى المصدري أو زمان الحيض أو مكانه و
على الأول يحتاج إلى الإضمار إذ لا معنى لكون المعنى المصدري ظرفا للاعتزال فلا بد من اضمار زمانه أو مكانه لكن الإضمار
خلاف الأصل وعلى تقديره اضمار المكان أولى إذ اضمار الزمان يقتضي بظاهره وجوب اعتزال النساء مدة الحيض بالكلية
وهو خلاف الإجماع وبهذا يظهر ضعف الحمل على الثاني فتعين الثالث وهو المطلوب هذا حاصل كلامه قدس الله روحه وللبحث فيه مجال كما لا يخفى
ثم إن الاعتزال المأمور به في الآية الكريمة هل هو معنى بانقطاع الحيض أو بالغسل اختلف الأمة في ذلك
أما علمائنا قدس الله أرواحهم فأكثرهم على الأول وقالوا بكراهة الوطي قبل الغسل فإن غلبة الشهوة أمرها بغسل
فرجها استحبابا ثم يطأها وذهب رئيس المحدثين إلى الثاني فإنه قال بتحريم وطيها قبل الغسل إلا بشرطين الأول أن يكون الرجل شبقا والثاني أن تغسل فرجها وذهب الشيخ أبو علي الطبرسي إلى أن حل وطيها مشروط بأن تتوضأ أو تغسل
فرجها وأما أصحاب المذاهب الأربعة سوى أبي حنيفة فعلى تحريم الوطي قبل الغسل وأما هو فقد ذهب
إلى حل وطيها قبل الغسل إن انقطع الدم لأكثر الحيض وتحريمه إن انقطع لدون ذلك واحتج العلامة في المختلف على ما
عليه أكثر علمائنا بما تضمنته الآية من تخصيص الأمر بالاعتزال بوقت الحيض أو موضع الحيض وإنما يكون موضعا له مع وجوده
والتقدير عدمه فينتفي التحريم وبما يقتضيه قراءة التخفيف في يطهرن وجواز أن يحمل التفعل في قوله تعالى فإذا تطهرن
على الفعل كما تقول تطعمت الطعام أي طعمته أو يكون المراد به غسل الفرج هذا ملخص كلامه وهو كما ترى والحق
أن الاستدلال بالآية على حل الوطي قبل الغسل لا يخلو من إشكال والأولى الرجوع في ذلك إلى الروايات وهي وإن كانت
متخالفة إلا أن الدال منها على الحل أقوى سندا كما رواه ثقة الإسلام في الكافي بسند صحيح عن أبي جعفر عليه السلام في المرأة
ينقطع عنها دم الحيض في آخر أيامها قال إذا أصاب زوجها شبق فليأمرها فلتغسل فرجها ثم يمسها إن شاء قبل
أن تغتسل وكما رواه شيخ الطائفة في الموثق عن علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام قال سئلته عن الحائض ترى الطهر
فيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل قال لا بأس وبعد الغسل أحب إلى وأما الروايات الدالة على التحريم فضعيفة جدا
مع أن حمل النهي فيها على الكراهة ممكن كما يشهر به هذه الرواية وكذا حملها على التقية لموافقتها مذهب العامة هذا ولا يخفى
أن ما ذهب إليه رئيس المحدثين قده هو المستفاد من الروايات الصحيحة فإني لم أظفر في هذا الباب برواية صحيحة السند سواها و
يؤيده قول بعض المفسرين في قوله تعالى فإذا تطهرن فأتوهن أي فإذا غسلن فروجهن وحينئذ تحمل الموثقة المذكورة على حصول
الشرطين وليس أخبار حمل التحريم على الكراهة بأولى من حملها على عدم حصول الشرطين كما ذكرته في الحبل المتين والله أعلم
319

بحقايق الأمور الفصل الثاني في أقل الحيض وأكثره وأقل الطهر وحد اليأس من المحيض سبعة أحاديث الأولان من
التهذيب والباقية من الكافي (يب) الثلاثة عن ابن أبان عن الأهوازي عن النضر عن يعقوب بن يقطين عن أبي الحسن
عليه السلام قال أدنى الحيض ثلاثة وأقصاه عشرة (يب) محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن محمد عن البزنطي عن عبد الله بن
سنان عن أبي عبد الله عليه السلام أن أكثر ما يكون الحيض ثمان وأدنى ما يكون منه ثلاثة (ن) ترك التاء في قوله ثمان لعله
باعتبار الليالي والمراد أن أكثر عادات النساء ثمانية لا أنها أكثر أيام الحيض والشيخ رحمه الله فهم منه المعنى الثاني فقال إنه
شاذ أجمعت العصابة على ترك العمل به ثم أوله بالحمل على محمل بعيد (كا) محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي
عمير عن ابن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال أقل ما يكون الحيض ثلاثة أيام وأكثر ما يكون عشرة أيام (كا) محمد بن يحيى
عن أحمد بن محمد عن صفوان عن العلا عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال لا يكون القرء في أقل من عشرة أيام فما زاد
أقل ما يكون من عشرة من حيث الطهر إلى أن ترى الدم (ن) قوله عليه السلام فما زاد إلى آخره معناه فالقرء الذي زاد على أقل
من عشرة أيام أقل ما يكون عشرة فالموصول مبتداء وأقل مبتداء ثان وعشرة خبره ويكون تامة وجملة المبتدأ مع الخبر
خبر المبتدأ الأول (كا) محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان بن يحيى قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن أدنى
ما يكون من الحيض فقال أدناه ثلاثة وأبعده عشرة (كا) وبهؤلاء ثلاثتهم عن البجلي عن أبي عبد الله عليه السلام قال حد التي
يئست من المحيض خمسون سنة (كا) العدة عن أحمد بن محمد عن الحسن بن ظريف عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله
عليه السلام قال إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة إلا أن تكون امرأة من قريش الفصل الثالث فيما يتميز به دم
الحيض عن غيره ثلاثة أحاديث كلها من الكافي (كا) محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن حماد بن عيسى عن ابن عمار قال
قال أبو عبد الله عليه السلام إن دم الاستحاضة والحيض ليس يخرجان من مكان واحد إن دم الاستحاضة بارد وإن دم
الحيض حار (كا) محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن محبوب عن ابن رياب عن زياد بن سوقة قال سئل أبو جعفر عليه
السلام عن رجل اقتض جاريته أو أمته فرأت دما كثيرا لا ينقطع عنها يوما كيف تصنع بالصلاة قال تمسك الكرسف
فإن خرجت القطنة مطوقة بالدم فإنه من العذرة تغتسل وتمسك معها قطنة وتصلي وإن خرج الكرسف منغمسا بالدم
فهو من الطمث تقعد عن الصلاة أيام الحيضة (كا) العدة عن أحمد بن محمد بن خالد عن خلف بن حماد الكوفي قال تزوج بعض
أصحابنا جارية معصرا لم تطمث فلما افتضها سال الدم فمكث سايلا لا ينقطع نحوا من عشرة أيام قال فاروها القوابل
ومن ظن أنه يبصر ذلك من النساء فاختلفن فقال بعض هذا من دم الحيض وقال بعض هو دم العذرة فسئلوا عن ذلك فقهاءهم مثل أبي حنيفة وغيره من
فقهائهم فقالوا هذا شئ قد أشكل والصلاة فريضة واجبة فلتتوض ولتصل وليمسك عنها زوجها حتى ترى البياض
فإن كان دم الحيض لم تضرها الصلاة وإن كان دم العذرة كانت قد أدت الفريضة ففعلت الجارية ذلك وحججت في تلك
السنة فلما صرنا بمنى بعثت إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام فقلت له جعلت فداك أن لنا مسألة قد ضقنا بها
ذرعا فإن رأيت أن تأذن لي فأتيتك فأسئلك عنها فبعث إلى إذا هدئت الرجل وانقطع الطريق فاقبل إن شاء الله قال
خلف فرعيت الليل حتى إذا رأيت الناس قد جن قل اختلافهم بمنى توجهت إلى مضربه فلما كنت قريبا إذا بأسود قاعد
320

على الطريق فقال من الرجل فقلت رجل من الحاج فقال ما اسمك فقلت خلف بن حماد فقال ادخل بغير إذن فقد أمرني
أن أقعد هيهنا فإذا أتيت أذنت لك فدخلت فسلمت فرد السلام وهو جالس على فراشه وحده ما في الفسطاط غيره فلما
صرت بين يديه سائلني وسائلته عن حاله وقلت له أن رجلا من مواليكم تزوج جارية معصرا لم تطمث فافترعها فغلب الدم
سائلا نحوا من عشرة أيام لم ينقطع وأن القوابل اختلفن في ذلك فقال بعضهم دم الحيض وقال بعضهم دم العذرة فما
ينبغي لها أن تصنع قال فلتتق الله فإن كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتى ترى الطهر وليمسك عنها بعلها وإن كان من العذرة فلتتق الله ولتتوض ولتصل ويأتيها بعلها إن أحب ذلك فقلت له كيف لهم أن يعلموا ما هو حتى
يفعلوا ما ينبغي قال فالتفت يمينا وشمالا في الفسطاط مخافة أن يسمع كلامه أحد ثم تهدا لي فقال يا خلف سر الله فلا تذيعوه ولا
تعلموا هذا الخلق أصول دين الله بل ارضوا لهم ما رضى الله لهم من ضلال وعقد بيده اليسرى تسعين ثم قال تستدخل القطنة
ثم تدعها مليا ثم تخرجها إخراجا رقيقا فإن كان الدم مطوقا في القطنة فهو من العذرة وإن كان مستنقعا في القطنة
فهو من الحيض قال خلف فاستخفني الفرح فبكيت فلما سكن بكائي قال ما أبكاك قلت جعلت فداك من كان يحسن هذا غيرك
قال فرفع يده إلى السماء فقال والله أني ما أخبرك إلا عن رسول الله صلى الله عليه وآله عن جبرئيل عن الله عز وجل (ن)
جارية معصرا بالعين والصاد المهملتين على وزن مكرم المرأة التي أشرفت على الحيض ولم تطمث أي لم تحض واقتضها
بالقاف والضاد المعجمة أي أزال بكارتها ويبصر ذلك أي له بصارة فيه والعذرة بضم العين المهملة وإسكان الذال
المعجمة البكارة ويراد بالبياض الطهر ويقال ضاق بالأمر ذرعا أي ضعفت طاقته عنه وهدء كمنع أي سكن والمراد إذا
سكنت الأرجل عن التردد وانقطع الاستطراق وقوله توجهت إلى مضربه بالضاد المعجمة والباء الموحدة وميمه مكسورة
أي فسطاطه والمضرب الفسطاط العظيم والإفتراع بالفاء والراء وآخره عين مهملة اقتضاض البكر إلى بالنون
وآخره دال مهملة أي فنهض وتقدم إلى وقوله عليه السلام ولا تعلموا إلى آخره يدل بظاهره على أن تعليم أمثال هذه المسائل
غير واجب ويمكن أن يكون عليه السلام أراد بالأصول مآخذ الأحكام أي لا تعرفوهم من أين أخذتم دلايلها وقوله عليه السلام
ارضوا لهم ما رضى الله لهم أي أقروهم على ما أقرهم الله عليه وليس المراد حقيقة الرضا وقول الراوي وعقد بيده تسعين
لعل المراد به أنه عليه السلام وضع رأس الإبهام على السبابة والعقود الموضوعة للدلالة على الأعداد مشهورة الفصل
الرابع فيما على الحائض اجتنابه وجوبا أو استحبابا وما تفعله أحد عشر حديثا الثاني والسادس والثامن من التهذيب
والثالث من الاستبصار والبواقي من الكافي (كا) أبو علي الأشعري عن الصهباني عن صفوان بن يحيى عن العيص بن القاسم
قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة ذهب طمثها سنتين ثم عاد أعليها شئ قال تترك الصلاة حتى تطهر (يب)
الأهوازي عن فضالة عن عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجنب والحائض يتناولان من
المسجد المتاع
يكون فيه حيث قال نعم ولكن لا يضعان في المسجد شيئا صلى الله عليه وآله أحمد بن محمد عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن عبيد الله بن علي
الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته أتقرء النفساء والحائض والجنب والرجل يتغوط القرآن قال يقرؤون ما شاءوا (ن) قد مر
هذان الحديثان في بحث الجنابة (كا) محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الثلاثة عن أبي جعفر عليه السلام قال سئلته كيف صارت
الحائض تأخذ ما في المسجد ولا تضع فيه فقال لأن الحائض تستطيع أن تضع ما في يدها في غيره ولا تستطيع أن تأخذ ما فيه
321

إلا منه (كا) محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان بن يحيى عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال
سألت عن التعويذ يعلق على الحائض فقال نعم إذا كان في جلد أو فضة أو قصبة من حديد (ن) قد يفهم من قوله عليه
السلام إذا كان في جلد الخ أنها لا تمسه من دون حائل وقد روي النهي عن مس الحائض التعويذ في حديث حسن عنه عليه
السلام (يب) المفيد عن جعفر بن قولويه عن محمد بن يعقوب عن العدة عن أحمد بن محمد عن الأهوازي عن النضر بن سويد
عن محمد بن أبي حمزة قال قلت لأبي إبراهيم عليه السلام تختضب المرأة وهي طامث قال نعم (كا) محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسن بن
محبوب عن علي بن رياب عن الحذاء قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن الطامث تسمع سجدة فقال إن كانت من العزائم فلتسجد
إذا سمعتها (يب) الأهوازي عن فضالة عن أبان بن عثمان عن البصري عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الحائض
هل تقرء القرآن وتسجد سجدة إذا سمعت السجدة قال تقرء ولا تسجد (ن) قد جمع الشيخ بين هذا الحديث وسابقه بحمل الأول
على استحباب السجود والثاني على جواز تركه وجمع العلامة بينهما في المختلف بأن المراد بالنهي عن السجود في الثاني النهي عن
قراءة العزيمة التي يسجد فيها من قبيل إطلاق المسبب على السبب ويمكن الجمع بينهما بحمل قوله عليه السلام تقرء ولا تسجد على
التعجب أي كيف تقرأ العزيمة ولا تسجد عند قرائتها (كا) محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير وحماد عن ابن أبي عمير
عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال الحائض تقرء القرآن وتحمد الله (كا) وعنه عنه عن الثلاثة عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا
كانت المرأة طامثا فلا تحل لها الصلاة وعليها أن توضأ وضوء الصلاة عدن وقت كل صلاة ثم تقعد في موضع طاهر
فتذكر الله عز وجل وتسبحه وتهلله وتحمده كمقدار صلاتها ثم تفرغ لحاجتها (كا) وعنه عنه عن ابن أبي عمير وحماد عن ابن عمار عن أبي عبد الله
عليه السلام قال تتوضأ المرأة الحائض إذا أرادت أن تأكل وإذا كان وقت الصلاة توضأت واستقبلت القبلة وهللت وكبرت
وتلت القرآن وذكرت الله عز وجل الفصل الخامس في اجتماع الحيض مع الحمل ستة أحاديث الثاني والثالث والرابع
من الكافي والبواقي من التهذيب (يب) أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال سئلته
عن الحبلى ترى الدم كما كانت ترى أيام حيضها مستقيما في كل شهر قال تمسك عن الصلاة كما كانت تصنع في حيضها فإذا طهرت
صلت (كا) العدة عن أحمد بن محمد عن علي عن الأهوازي عن النضر بن سويد وفضالة بن أيوب عن عبد الله بن سنان عن
أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن الحبلى ترى الدم أتترك الصلاة قال نعم إن الحبلى ربما قذفت بالدم (كا) محمد بن يحيى عن محمد بن
الحسين ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا عن صفوان بن يحيى عن البجلي قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الحبلى
ترى الدم وهي حامل كما كانت ترى قبل ذلك في كل شهر هل تترك الصلاة قال تترك إذا دام (كا) الأهوازي عن صفوان
قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الحبلى ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة أيام أتصلي قال تمسك عن الصلاة (يب) وعنه عن
فضالة عن أبي المغرا قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحبلى قد استبان ذلك منها ترى الدم كما ترى الحائض من الدم
قال تلك الهراقة إن كان دما كثيرا فلا تصلين وإن كان قليلا فلتغتسل عن كل صلاتين (ن) الإشارة في قوله قد
استبان ذلك إلى الحبل المدلول عليه بالحبلى والجملة حال من الحبلى أو نعت لها لأن اللام فيها للعهد الذهني نحو ولقد أمر
على اللئيم يسبني، والهراقة بالهاء المكسورة والراء والقاف بمعنى الصب (يب) أحمد بن محمد عن علي بن الحكم
322

عن حميد بن المثنى قال سألت أبا الحسن الأول عليه السلام عن الحبلى ترى الدفقة والدفقتين من الدم في الأيام وفي
الشهر والشهرين فقال تلك الهراقة ليس تمسك هذه عن الصلاة (ن) لما كانت الدفقة والدفقتان ليستا حيضا لأن
أقله ثلاثة أيام لم يأمر عليه السلام بترك الصلاة (يب) محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن الحسين بن
نعيم الصحاف قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أن أم ولدي ترى الدم وهي حامل كيف تصنع بالصلاة قال فقال لي إذا رأت
الحامل الدم بعدما يمضي عشرون يوما من الوقت الذي كانت ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت تقعد فيه فإن ذلك
ليس من الرحم ولا من الطمث فلتتوضأ وتحتشي بكرسف وتصلي وإذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه
الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر فإنه من الحيضة فلتمسك عن الصلاة عدة أيامها التي كانت تقعد في حيضها
فإن انقطع الدم عنها قبل ذلك فلتغتسل ولتصل وإن لم ينقطع الدم عنها إلا بعدما تمضي الأيام التي كانت ترى
الدم فيها بيوم أو بيومين فلتغتسل ثم تحتشي وتستثفر وتصلي الظهر والعصر ثم لتنظر فإن كان الدم فيما بينهما
وبين
المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتوضأ ولتصل عند كل وقت صلاة ما لم تطرح الكرسف فإن طرحت الكرسف عنها
فسال الدم وجب عليها الغسل وإن طرحت الكرسف ولم يسل الدم فلتوضأ ولتصل ولا غسل عليها قال وإن كان الدم
إذا أمسكت الكرسف يسيل من خلف الكرسف صبيبا لا يرقى فإن عليها أن تغتسل في كل يوم وليلة ثلاث مرات وتحتشي
وتصلي وتغتسل للفجر وتغتسل للظهر والعصر وتغتسل للمغرب والعشاء قال وكذلك تفعل المستحاضة فإنها إذا فعلت
ذلك أذهب الله بالدم عنها (ن) لفظة من في قوله عليه السلام من الوقت الذي كانت ترى فيه الدم لابتداء الغاية
وفي قوله من الشهر الذي كانت تقعد فيه للتبعيض أي حال كون ذلك الوقت من الشهر والإستذفار بالذال
المعجمة وإبدالها بالثاء المثلثة هو المشهور مأخوذ من استثفر الكلب إذا دخل ذنبه بين رجليه والمراد أن تأخذ
خرقة طويلة تشد أحد طرفيها من قدام وتخرجها من بين فخذيها وتشد طرفها الآخر من خلف الفصل السادس
فيما للرجل من الحائض وما ليس له منها خمسة أحاديث الثاني من الفقيه والأخيران من الكافي والباقيان من التهذيب
(يب) أحمد بن محمد عن البرقي وهو محمد بن خالد عن عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما للرجل من الحائض قال
ما بين أليتيها ولا يوقب (ن) الظاهر أن مراده عليه السلام النهي عن الإيقاب في القبل لكن ذكر الأليتين يوهم عن الإيقاب
في الدبر فإن كان مراده عليه السلام ذلك فالنهي تنزيهي إذ لم يقل بتحريم وطئ المرأة في دبرها أحد إلى وسيجئ الكلام فيه في
كتاب النكاح إن شاء الله تعالى (يه) عبيد الله بن علي الحلبي أنه سئل أبا عبد الله عليه السلام عن الحائض ما يحل لزوجها
قال تتزر بإزار إلى الركبتين وتخرج سرتها ثم له ما فوق الإزار (ن) تقدم في الفصل الأول كلام في هذه الرواية
(يب) أحمد بن محمد بن عيسى عن صفوان عن عيص بن القاسم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل واقع امرأته
وهي طامث قال لا يلتمس فعل ذلك وقد نهى الله أن يقربها قلت فإن فعل ذلك فعليه كفارة قال لا أعلم فيه شيئا
يستغفر الله (ن) هذه الرواية مستند من قال بعدم وجوب الكفارة بوطئ الحائض كالشيح في النهاية وجماعة من
المتأخرين وقد أطنبت الكلام في ذلك في الحبل المتين (كا) محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن العلاء
323

عن ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في المرأة ينقطع عنها دم الحيض في آخر أيامها قال إذا أصاب زوجها شبق فليأمرها
فلتغتسل فرجها ثم يمسها إن شاء قبل أن تغتسل (ن) قد مر الكلام في الفصل الأول إني لم أظفر برواية صحيحة
في هذه المسألة سوى هذه الرواية وأنها لعدم المعارض حجة جيدة لرئيس المحدثين قدس الله روحه في القول بتحريم
الوطي بعد النقاء وقبل الغسل بدون الشرطين والشبق بالشين المعجمة والباء الموحدة محركا شدة الميل إلى الجماع (كا) محمد بن
إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الحائض تناول
الرجل الماء قال كان بعض نساء النبي صلى الله عليه وآله تسكب عليه الماء وهي حائض وتناوله الخمرة (ن) في الصحاح
الخمرة بالضم سجادة صغيرة تعمل من سعف النخل وترمل بالخيوط وفي النهاية هي مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه
في سجوده من حصير أو ينسجه خوص ونحوه من النبات ولا تكون خمرة إلا هذا المقدار الفصل السابع في نبذ متفرقة
مما يتعلق بالحيض سبعة أحاديث الأول والثالث والرابع من الكافي والبواقي من التهذيب (كا) العدة عن أحمد بن
محمد عن ابن محبوب عن رفاعة بن موسى النخاس قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام اشترى الجارية فربما احتبس طمثها من
فساد دم أو ريح في رحم فتسقي دواء لذلك فتطمث من يومها أيجوز لي ذلك وأنا لا أدري من حبل أو غيره فقال لي لا تفعل
ذلك فقلت له إنما ارتفع طمثها منها شهرا ولو كان ذلك من حبل إنما كان نطفة كنطفة الرجل الذي يعزل فقال لي
أن النطفة إذا وقعت في الرحم تصير إلى علقة ثم إلى مضغة ثم إلى ما شاء الله وأن النطفة إذا وقعت في غير الرحم لم يخلق
منها شئ فلا تسقها دواء إذا ارتفع طمثها شهرا وجاز وقتها الذي كانت تطمث فيه (ن) قول الراوي وكان ذلك
من حبل الخ يريد أنه لو فرض كون ارتفاع حيضها شهرا بسبب الحمل فإنما يكون الحمل حينئذ نطفة لقصر المدة والنطفة لا حرمة
لها كنطفة الرجل الذي يعزل أي يصب منيه خارج الرحم وقول الإمام عليه السلام أن النطفة الخ بيان للفرق بين
النطفة التي تسقط في الرحم وبين غيرها بأن الأولى معدة لأن تصير إنسانا فلا يجوز إتلافها بخلاف الأخرى (يب)
أحمد بن محمد عن الأهوازي عن جميل بن دراج عن زرارة قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول العدة والحيض إلى النساء
(ن) أي أمر العدة والحيض موكول إلى النساء فلو ادعت المرأة انقضاء عدتها أو أنها حائض قبل قولها وقد جاء
بيان ذلك في حديث آخر من الحسان (كا) محمد بن يحيى عن العمركي عن علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه السلام قال إن
فاطمة عليها السلام صديقة شهيدة وأن بنات الأنبياء لا يطمثن (ن) هذا الحديث لصحة سنده واعتضاده بالروايتين
المذكورتين لا يعارضه ما رواه في الكافي أيضا بسند حسن عن زرارة قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن قضاء الحائض
الصلاة ثم تقضي الصيام قال ليس عليها أن تقضي الصلاة وعليها أن تقضي صوم شهر رمضان ثم أقبل على فقال إن
رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر فاطمة عليها السلام وكان يأمر بذلك المؤمنات فهذا الحديث أما أن يطرح رأسا
أو يأول بأنه صلى الله عليه وآله كان يأمر فاطمة عليها السلام بتعليم ذلك ويحتمل أن يكون آخر الحديث وكانت تأمر بذلك المؤمنات
فسقطت التاء من قلم الناسخ والطمث دم الحيض ويمكن أن يراد به هنا ما يشمل دم النفاس أيضا كما رواه رئيس المحدثين
في الفقيه من أن فاطمة عليها السلام كانت لا ترى دما في حيض ولا نفاس بل يمكن أن يراد به ما يشمل كلا من الدماء الثلاثة أعني
324

الحيض والاستحاضة والنفاس لما رواه في العلل أن النبي صلى الله عليه وآله سئل ما البتول فإنا سمعناك يا رسول
الله تقول أن مريم بتول وأن فاطمة بتول فقال البتول التي لم تر حمرة قط (كا) محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن أبي
أيوب عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة فإن خرج منها شئ من الدم
فلا تغتسل وإن لم تر شيئا فلتغتسل وإن رأت بعد ذلك صفرة فلتوض ولتصل (يب) سعد بن عبد الله عن أبي جعفر
عن ابن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال سئلته عن الحائض كم تستظهر فقال تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة
(يب) سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن خالد عن محمد بن عمرو بن سعيد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال
سئلته عن الطامث كم حد جلوسها قال تنتظر عدة ما كانت تحيض ثم تستظهر بثلاثة أيام ثم هي مستحاضة (يب)
محمد بن علي بن محبوب عن يعقوب هو ابن يزيد عن أبي همام عن أبي الحسن عليه السلام في الحائض إذا اغتسلت في وقت صلاة
العصر تصلي العصر ثم تصلي الظهر (ن) قد حمل شيخ الطائفة قدس الله روحه هذا الحديث على حصول الطهر وقت
الظهر فاخرت الغسل حتى يضيق وقت العصر وهو محمل جيد ولولاه لاختل متنه لأنه إن أريد أداء الظهر فهي قبل العصر
وإن أريد قضاؤها فالحائض لا تقضي الصلاة وقد ورد التصريح بما تضمنه هذا الحمل في رواية حسنة الطريق و
هي ما رواه أبو عبيدة عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا رأت المرأة الطهر وهي في وقت الصلاة ثم أخرت الغسل حتى يدخل
وقت صلاة أخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها ولعل مراده عليه السلام بدخول وقت صلاة أخرى دخول
وقتها المختص بها
الفصل الثامن في الاستحاضة أربعة أحاديث الأولان من الكافي والأخيران من التهذيب
(كا) محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن حماد بن عيسى وابن أبي عمير عن ابن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال المستحاضة
تنتظر أيامها فلا تصلي فيها ولا يقربها بعلها فإذا جازت أيامها ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر والعصر تؤخر
هذه وتعجل هذه وللمغرب والعشاء غسلا وتؤخر هذه وتعجل هذه وتغتسل للصبح وتحتشي وتستثفر ولا تحني وتضم فخذيها
في المسجد وساير جسدها خارج ولا يأتيها بعلها أيام قرئها فإن كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت ودخلت المسجد و
صلت كل صلاة بوضوء وهذه يأتيها بعلها إلا في أيام حيضها (كا) وبهما عن صفوان بن يحيى عن أبي الحسن عليه السلام
قال قلت له جعلت فداك إذا مكثت المرأة عشرة أيام ترى الدم ثم طهرت فمكثت ثلاثة أيام طاهرا ثم رأت الدم بعد ذلك
أتمسك عن الصلاة قال لا هذه مستحاضة تغتسل وتستدخل قطنة بعد قطنة وتجمع بين صلاتين بغسل ويأتيها زوجها
إذا أراد (يب) الثلاثة عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن الأهوازي عن النضر هو ابن سويد عن ابن سنان عن أبي
عبد الله عليه السلام قال المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر وتصلي الظهر والعصر ثم تغتسل عند المغرب وتصلي المغرب
والعشاء ثم تغتسل عند الصبح فتصلي الفجر ولا بأس أن يأتيها بعلها متى شاء إلا في أيام حيضها فيتعين لها زوجها وقال لم
تفعله امرأة احتسابا إلا عوفيت من ذلك (يب) موسى بن القسم عن عباس هو ابن عامر عن أبان هو ابن عثمان عن عبد الرحمن بن
أبي عبد الله قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المستحاضة أيأتيها زوجها وهل تطوف بالبيت قال تقعد قرئها الذي
كانت تحيض فيه فإن كان قرئها مستقيما فلتأخذ به وإن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين ولتغتسل ولتستدخل
325

كرسفا فإذا ظهر على الكرسف فلتغتسل ثم تضع كرسفا آخر ثم تصلي فإذا كان دما سائلا فلتؤخر الصلاة إلى الصلاة
ثم تصلي صلاتين بغسل واحد وكل شئ استحلت به الصلاة فليأتها زوجها ولتطف بالبيت
الفصل التاسع
في النفاس عشرة أحاديث الأول من الكافي والخامس من الفقيه والعاشر من الاستبصار والباقي من التهذيب (كا) محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن الثلاثة قال زرارة قلت له النفساء متى تصلي قال تقعد حيضها
وتستظهر بيومين فإن انقطع الدم وإلا اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلت فإن جاز الدم الكرسف تعصبت
واغتسلت ثم صلت الغداة بغسل والظهر والعصر بغسل والمغرب والعشاء بغسل وإن لم يجز الدم الكرسف صلت
بغسل واحد قلت الحائض قال مثل ذلك سواء فإن انقطع عنها الدم وإلا فهي مستحاضة تصنع مثل النفساء
سواء ثم تصلي ولا تدع الصلاة على حال فإن النبي صلى الله عليه وآله قال الصلاة عماد دينكم (يب) الثلاثة عن
ابن أبان عن الأهوازي عن ابن أبي عمير عن الفضيل بن يسار عن زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال النفساء تكف عن
الصلاة أيامها التي كانت تمكث فيها ثم تغتسل كما تغتسل المستحاضة (يب) الأهوازي عن فضالة عن
العلا عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن النفساء كم تقعد قال إن أسماء بنت عميس أمرها رسول
الله صلى الله عليه وآله أن تغتسل لثمان عشرة ولا بأس بأن تستظهر بيوم أو يومين (ن) عميس بضم العين المهملة
وفتح الميم وإسكان الياء المثناة التحتانية وآخره سين مهملة (يب) الثلاثة عن ابن أبان عن الأهوازي عن
الثلاثة عن أبي جعفر عليه السلام أن أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن أبي بكر فأمرها رسول الله صلى الله عليه وآله حين
أرادت الإحرام بذي الحليفة أن تحتشي بالكرسف والخرق وتهل بالحج فلما قدموا ونسكوا المناسك أتت لها ثمانية
عشرة فأمرها رسول الله صلى الله عليه وآله أن تطوف بالبيت وتصلي ولم ينقطع عنها الدم ففعلت ذلك (ن)
ذو الحليفة بضم الحاء المهملة وفتح اللام وإسكان الياء المثناة التحتانية وفتح الفاء موضع على ستة أميال من
المدينة وهو ميقات الحاج منها وهو تصغير الحلفة وهو أما واحد الحلفاء وهو النبات المعروف أو بمعنى اليمين
لتحالف قوم من العرب فيه والاهلال رفع الصوت والمراد رفع الصوت بالتلبية (يه) معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
عليه السلام قال إن أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن أبي بكر بالبيداء الأربع بقين عن ذي القعدة في حجة الوداع فأمرها
رسول الله صلى الله عليه وآله فاغتسلت واحتشت وأحرمت ولبت مع النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه فلما
قدموا مكة لم تطهر حتى نفروا من منى وقد شهدت المواقف كلها عرفات وجمعا ورمت الجمار ولكن لم تطف بالبيت
ولم تسع بين الصفا والمروة فلما نفروا من منى أمرها رسول الله صلى الله عليه وآله فاغتسلت وطافت بالبيت و
بالصفا والمروة وكان جلوسها في أربع بقين من ذي قعدة وعشر من ذي الحجة وثلاثة أيام التشريق (يب)
الثلاثة عن أحمد بن محمد عن الأهوازي ومحمد بن خالد البرقي والعباس بن معروف عن صفوان بن يحيى عن البجلي قال
سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن امرأة نفست وبقيت ثلاثين ليلة أو أكثر ثم طهرت وصلت ثم رأت دما أو
صفره فقال إن كانت صفرة فلتغتسل ولتصل ولا تمسك عن الصلاة فإن كان دما ليست بصفرة فلتمسك
326

عن الصلاة أيام قرئها ثم تغتسل وتصلي (يب) أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن أبي أيوب عن محمد بن
مسلم قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام كم تقعد النفساء حتى تصلي قال ثمان عشرة سبع عشرة ثم تغتسل وتحتشي
وتصلي (يب) الأهوازي عن النضر عن ابن سنان قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول تقعد النفساء
تسع عشرة ليلة فإن رأت دما صنعت كما تصنع المستحاضة (يب) الثلاثة عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن
محمد عن الحسن بن علي بن يقطين عن أخيه الحسين عن علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن الماضي عليه السلام عن النفساء
في كم تجب عليها الصلاة قال تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط إلى ثلاثين يوما فإذا رق وكانت صفرة
اغتسلت وصلت إن شاء الله تعالى صلى الله عليه وآله علي بن الحكم عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام
قال تقعد النفساء إذا لم ينقطع الدم عنها ثلاثين أربعين يوما إلى الخمسين (ن) هذه الأخبار شديدة الاختلاف
كما ترى وبسببه اختلف أصحابنا قدس الله أرواحهم في أكثر النفاس فبعضهم كالصدوق وسلار والمرتضى
رضي الله عنهم على أنه ثمانية عشر وبعضهم كأبي الصلاح وابن إدريس والمفيد على أنه كأكثر الحيض قال طاب ثراه
في المقنعة قد جاءت أخبار معتمدة في ذلك وعليها أعمل لوضوحها عندي والعلامة رحمه الله في المختلف على أن الثمانية عشر للمبتدئة وأما ذات العادة فعادتها وقال الشيخ في التهذيب ما حاصله أن المسلمين مجمعون على أن النفساء إذا رأت الدم عشرة أيام فكلها نفاس وأما إذا زاد عليها فمختلف فيه فينبغي لها أن لا تترك العبادة إلا بما يقطع
عذرها وأما حديث أسماء بنت عميس فلا يدل على أن أكثر النفاس ثمانية عشر وإنما يدل على أن النبي صلى الله
عليه وآله أمرها بعد مضيها بالغسل ولعلها لو سئلته قبل ذلك لأمرها بالغسل ثم إنه حمل بقية الأحاديث
على التقية فلعلهم عليهم السلام أفتوا كل قوم على حسب مذهبهم وهذا خلاصة كلامه ره وقد أوردته بلفظه
في الحبل المتين وإنما نقلنا الحديث الأخير من الاستبصار لأن كلام التهذيب يعطي نقل أحمد بن محمد بن عيسى له
عن العلا ولا يعهد نقله عنه بغير واسطة والله أعلم
المطلب الثالث في غسل الأموات وما يتقدم
عليه وما يتأخر عنه من الأحكام وفيه مقدمة ومواقف المقدمة في الموت وإكثار ذكره وثواب عيادة
المريض وإذنه في دخول العواد عليه وثواب المرض ونبذة من الآداب عند الاحتضار ثمانية أحاديث كلها من
الكافي (كا) محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الأهوازي عن فضالة بن أيوب عن أبي المغرا قال حدثني يعقوب
الأحمر قال دخلنا على أبي عبد الله نعزيه بإسماعيل فترحم عليه ثم قال إن الله عز وجل نعى إلى نبيه صلى الله عليه وآله
نفسه فقال إنك ميت وأنهم ميتون وقال كل نفس ذائقة الموت ثم إن شاء يحدث فقال إنه يموت أهل الأرض حتى
لا يبقى أحد ثم يموت أهل السماء حتى لا يبقى أحد إلا ملك الموت وحملة العرش وجبرئيل وميكائيل قال فيجئ ملك الموت (ع) حتى يقوم بين يدي الله عز وجل
فيقال له من بقي وهو أعلم فيقول يا رب لم يبق إلا ملك الموت وحملة العرش وجبرئيل وميكائيل فيقال له قل لجبرئيل
وميكائيل فليموتا فيقول الملائكة عند ذلك يا رب رسوليك وأمينيك فيقول إني قضيت على كل نفس فيها الروح
الموت ثم يجئ ملك الموت حتى يقف بين يدي الله عز وجل فيقال له من بقي وهو أعلم فيقول لم يبق إلا ملك الموت وحملة
327

العرش فيقول قل لحملة العرش فليموتوا قال ثم يجئ كئيبا حزينا لا يرفع طرفه فيقال له من بقي فيقول يا رب لم يبق إلا
ملك الموت فيقال له مت يا ملك الموت فيموت ثم يأخذ الأرض بيمينه والسماوات بيمينه ويقول أين الذين كانوا يدعون
معي شريكا أين الذين كانوا يجعلون معي إلها آخر (كا) وبالسند السابق عن الأهوازي عن علي بن الحكم عن أبي أيوب الخزاز
عن الحذاء قال قلت لأبي جعفر عليه السلام حدثني بما انتفع به فقال يا أبا عبيدة أكثر ذكر الموت فإنه لم يكثر إنسان ذكر الموت
إلا زهد في الدنيا (كا) محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام قال أيما
مؤمن عاد مؤمنا حين يصبح شيعه سبعون ألف ملك فإذا قعد غمرته ملائكة الرحمة واستغفروا له حتى يمسي وإن
عاده مساء كان له مثل ذلك حتى يصبح (كا) العدة عن أحمد بن أبي عبد الله عن التميمي عن صفوان الجمال عن أبي عبد الله
عليه السلام قال من عاد مريضا من المسلمين وكل الله به أبدا سبعين ألفا من الملائكة يغشون بالمعجمة فيسبحون فيه ويقدسون
ويهللون ويكبرون إلى يوم القيامة نصف صلاتهم لعائد المريض (ن) يغشون بالمعجمات الثلاث كيرمون والرحل
بالمهملات وفتح أوله وإسكان ثانيه المسكن والمعنى يدخلون في مسكن العابد (كا) محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى
عن عبد العزيز بن المهتدي عن يونس قال قال أبو الحسن عليه السلام إذا مرض أحدكم فليأذن للناس يدخلون
عليه فإنه ليس
من أحد إلا وله دعوة مستجابة (كا) العدة عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام
أنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله رفع رأسه إلى السماء فتبسم فقيل له يا رسول الله رأيناك ترفع رأسك إلى السماء
فتبسمت قال نعم عجبت لملكين هبطا من السماء إلى الأرض يلتمسان عبدا مؤمنا صالحا في مصلى كان يصلي فيه ليكتبا
له عمله في يومه وليلته فلم يجداه في مصلاه فعرجا إلى السماء فقالا ربنا عبدك فلان المؤمن التمسناه في مصلاه
لنكتب له عمله ليومه وليلته فلم نصبه فوجدناه في حبالك فقال الله عز وجل اكتبا لعبدي مثل ما كان يعمله في صحته
من الخير في يومه وليلته ما دام في حبالى فإن على أن أكتب له أجر ما كان يعمله إذا حبسته عنه (كا) محمد بن يحيى عن موسى بن
الحسن عن سليمان الجعفري قال رأيت أبا الحسن عليه السلام يقول لابنه القاسم ما فاقرأ عند رأسك أخيك والصافات
صفا حتى تستتمها فقرأ فلما بلغ أهم أشد خلقا أم من خلقنا قضى الفتى فلما سجى وخرجوا أقبل عليه يعقوب بن جعفر
فقال له كنا نعهد الميت إذا نزل به يقرأ عنده يس فصرت تأمرنا بالصافات فقال يا بني لم تقرأ عند مكروب من موت
قط إلا عجل الله راحته (كا) محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الأهوازي عن النضر بن سويد عن عبد الله بن سنان عن أبي
عبد الله عليه السلام قال إذا عسر على الميت موته ونزعه قرب إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه الموقف الأول
في تغسيل الميت خمسة عشر حديثا الأول والثاني والسادس والسابع والعاشر والحادي عشر من التهذيب
والثامن والتاسع من الفقيه والباقي من الكافي (يب) النضر بن سويد عن هشام بن سالم عن سليمان بن خالد
قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن غسل الميت كيف يغسل قال بماء وسدر واغسل جسده كله واغسله أخرى
بماء وكافور ثم اغسله أخرى بماء قلت ثلاث مرات قال نعم قلت فما يكون عليه حين يغسله قال إن استطعت أن يكون عليه
قميص فيغسل من تحت القميص (يب) الأهوازي عن يعقوب بن يقطين قال سألت العبد الصالح عن غسل الميت أفيه
328

وضوء الصلاة أم لا فقال غسل الميت يبدأ بمرافقه فيغسل بالحرض ثم يغسل رأسه ووجهه بالسدر ثم تفاض
عليه الماء ثلاث مرات ولا يغسل إلا في قميص يدخل رجل يده ويصب عليه من فوقه ويجعل في الماء شئ من
سدر وشئ من كافور ولا يعصر بطنه إلا أن يخاف عليه شيئا قريبا فيمسح مسحا رفيقا من غير عصر ثم يغسل الذي
غسله يده قبل أن يكفنه إلى المنكبين ثلاث مرات ثم إذا كفنه اغتسل (ن) المراد بالمرافق العورتان وما يليهما و
الحرض بضم الحاء والراء وسكونها أيضا الأشنان بضم الهمزة وقوله عليه السلام إلا أن يخاف شيئا قريبا أي إلا أن
يخاف الغاسل خروج شئ فيما بين التغسيل والدفن وقد يستدل بعدم تعرض الكاظم عليه السلام للوضوء مع أنه
المسؤول عنه على أنه لا وضوء في غسل الميت (كا) محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الأهوازي ومحمد بن خالد عن النضر بن
سويد عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن غسل الميت فقال اغسله بماء وسدر ثم اغسله على
أثر ذلك غسلة أخرى بماء وكافور وذريرة إن كانت واغسله الثالثة بماء قراح قلت ثلاث غسلات لجسده كله
قال نعم قلت يكون عليه ثوب إذا غسل قال إن استطعت أن يكون عليه قميص فغسله من تحته وقال أحب لمن غسل الميت
أن يلف على يده الخرقة حين يغسله (كا) محمد بن يحيى عن العمركي بن علي عن علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه السلام قال
سئلته عن الميت هل يغسل في القضاء قال لا بأس وأن يستر بستر فهو أحب إلى (كا) محمد بن يحيى قال كتب محمد بن الحسن
يعني الصفار إلى أبي محمد عليه السلام في الماء الذي يغسل به الميت كم حده فوقع عليه السلام حد غسل الميت يغسل
حتى يطهر إن شاء الله تعالى قال وكتب إليه هل يجوز أن يغسل الميت ومائه الذي يصب عليه (يسيل) إلى بئر كنيف
أو الرجل يتوضأ وضوء الصلاة أن يصب ماء وضوئه في كنيف فوقع عليه السلام يكون ذلك في بلاليع (يب)
أحمد بن محمد عن علي بن حديد والتميمي عن الثلاثة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام ميت مات وهو جنب كيف يغسل وما
يجزيه من الماء قال يغسل غسلا واحدا يجزي ذلك عنه للجنابة ولغسل الميت لأنهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة
(يب) سعد بن عبد الله عن العباس عن حماد بن عيسى و عبد الله بن المغيرة عن ابن سنان هو عبد الله
عن البصري هو عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يموت كيف يصنع به فقال إن عبد الله ابن الحسن مات بالأبواء مع الحسين عليه السلام وهو محرم ومع الحسين (ع) عبد الله بن العباس و عبد الله بن
جعفر وصنع به كما يصنع بالميت وغطى وجهه ولم يمسه طيبا قال وكان ذلك في كتاب علي عليه السلام (ن) الأبواء
بالباء الموحدة الساكنة اسم موضع في طريق مكة زادها الله شرفا (يه) عبد الله بن أبي محمد سئل أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يموت في السفر مع النساء وليس معهن رجل كيف يصنعن به قال يلففنه لفا في ثيابه ويدفنه ولا يغسلنه
(يه) عبيد الله الحلبي أنه سئل أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة تموت في السفر وليس معها ذو محرم ولا نساء قال
تدفن كما هي بثيابها والرجل يموت وليس معه إلا النساء ليس معهن رجال يدفن كما هو بثيابه (يب) الأهوازي عن
علي بن النعمان عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت الرجل يموت في السفر في أرض ليس معه إلا
النساء قال يدفن ولا يغسل والمرأة تكون مع الرجال بتلك المنزلة تدفن ولا تغسل إلا أن يكون زوجها معها فإن كان
329

زوجها معها غسلها من فوق الدرع ويسكب الماء عليها سكبا ولا ينظر إلى عورتها وتغسله امرأته إن مات والمرأة ليست بمنزلة الرجال المرأة أسوء منظر إذا ماتت (يب) الأهوازي عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن زرارة
عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يموت ولي معه إلا نساء فقال تغسله امرأته منها لأنها منه في عدة فإذا ماتت لم
يغسلها لأنه ليس منها في عدة (ن) هذا الحديث إما محمول على التقية لموافقته مذهب بعض العامة من المنع من
تغسيل الرجل زوجته أو على تغسيلها مجردة كما حملها الشيخ طاب ثراه (كا) محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن
النعمان عن داود بن فرقد قال سمعت صاحبا لنا يسئل أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة تموت مع رجال ليس فيهم ذو
محرم هل يغسلونها وعليها ثيابها قال إذن يدخل ذلك عليهم ولكن يغسلون كفيها (ن) يدخل بالبناء للمفعول
أي يعاب والدحل بالتحريك العيب والضمير في عليهم يعود إلى أقارب المرأة لدلالة ذكرها عليهم وقد يقرء
بالبناء للفاعل وتجعل الإشارة إلى التلذذ وضمير عليهم إلى الرجال الذين يغسلونها (كا) أبو علي الأشعري عن
الصهباني ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا عن صفوان بن يحيى عن منصور هو ابن حازم قال سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن الرجل يخرج في السفر ومعه امرأته يغسلها قال نعم وأمه وأخته ونحو هذا يلقي على عورتها
خرقة (ن) المراد يغسلها غسل الأموات وأما ما يقال من أنه لا دلالة فيه على أنها كانت ميتة فلعلها كانت حية
عاجزة عن الغسل فبعيد جدا كيف وقد رواه بعينه في الفقيه هكذا عن منصور بن حازم عنه عليه السلام في الرجل
يسافر مع امرأته فتموت أيغسلها قال نعم وأمه وأخته ونحوهما يلقي على عورتها خرقة ويغسلها (كا) محمد بن يحيى عن
أحمد بن محمد عن الأهوازي عن فضالة بن أيوب عن عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
أيصلح له أن ينظر إلى امرأته حين تموت يغسلها إن لم يكن عندها من يغسلها وعن المرأة هل تنظر إلى مثل ذلك من زوجها حين يموت فقال لا بأس بذلك أنما يفعل ذلك أهل المرأة كراهية أن ينظر زوجها إلى
شئ يكرهونه منها (كا) وعنه عن محمد بن الحسين عن صفوان عن العلا عن محمد بن مسلم قال سئلته عن الرجل يغسل
امرأته قال نعم من وراء الثياب الموقف الثاني في التكفين والتحنيط ووضع التربة الحسينية والجريدة في الكفن
وإعلام المؤمنين بموت المؤمن ثلاثة عشر حديثا الثالث والرابع من الكافي والعاشر من الفقيه والباقي من التهذيب
(يب) المفيد عن ابن قولويه عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن بزيع عن أبي مريم الأنصاري
قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول كفن رسول الله صلى الله عليه وآله في ثلاثة أثواب برد أحمر حبرة وثوبين أبيضين
صحاريين الحديث وفي آخره أن الحسن عليه السلام كفن أسامة بن زيد في برد أحمر حبرة وأن عليا عليه السلام كفن سهل بن
حنيف في برد أحمر حبرة (ن) البرد بالضم ثوب مخطط وقد يطلق على غير المخطط أيضا وحبرة على وزن عنبه برد
يماني وصحار بالمهملات قصبة ببلاد عمان (يب) وبالسند عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن حديد والتميمي عن
حريز عن زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام العمامة للميت من الكفن قال لا إنما الكفن المفروض ثلاثة أثواب تام لا أقل
منه يواري فيه جسده كله فما زاد فهو سنة إلى أن يبلغ خمسة فما زاد فمبتدع والعمامة سنة وقال أمر النبي صلى الله عليه
وآله بالعمامة وعمم النبي صلى الله عليه وآله وبعث إلينا أبو عبد الله عليه السلام ونحن بالمدينة وقد مات أبو عبيدة
330

الحذاء وبعث معنا بدينار فأمرنا أن نشتري حنوطا وعمامة ففعلنا (ن) لفظة تام في قوله عليه السلام تام لا أقل
منه خبر مبتدأ محذوف أي وهو تام والضمير يعود إلى الكفن وفي بعض نسخ التهذيب والكافي أو ثوب تام لا
أقل منه وهو المطابق لما نقله شيخنا في الذكرى وقد استدل رحمه الله به لسلار في الاكتفاء بالواحد (كا) الحسين بن
محمد عن عبد الله بن عامر عن الدورقي عن فضالة عن القاسم بن يزيد عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال يكفن
الرجل في ثلاثة أثواب والمرأة إذا كانت عظيمة في خمسة درع ومنطق وخمار ولفافتين (ن) عظيمة أي ذات
شأن والمراد بالدرع القميص والمنطق على وزن منبر شقة تلبسها المرأة وتشد وسطها ثم ترسل الأعلى
على الأسفل إلى الركبة والأسفل يجر على الأرض والمراد به هنا الميزر والخمار بالكسر القناع (كا) محمد بن يحيى عن أحمد بن
محمد عن الأهوازي عن النضر بن سويد عن عبد الله بن سنان قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام كيف أصنع بالكفن قال
تؤخذ خرقة فتشدها على مقعدته ورجليه قلت فالإزار قال إنها لا تعد شيئا إنما تصنع لضم ما هناك لئلا
يخرج منه شئ وما يصنع من القطن أفضل منها ثم تخرق القميص إذا غسل وينزع من رجليه قال ثم الكفن قميص غير
مزرور ولا مكفوف وعمامة يعصب بها رأسه ويرد فضلها على وجهه (ن) يمكن أن يكون قوله عليه السلام إذا غسل
أي إذا أريد تغسيله والأظهر إبقاء الكلام على ظاهره ويراد نزع القميص الذي غسل فيه وقد مر حديثان يدلان على أنه ينبغي تغسيل الميت وعليه قميص وإطلاق الكفن على القميص في قوله عليه السلام ثم الكفن قميص من قبيل تسمية الجزء
باسم الكل وغير مزرور أي خال من الأزرار والثوب المكفوف ما حنطت حاشية ولا يخفى أن هذا الحديث يعطي بظاهره
أن العمامة من الكفن وقد ذكر علمائنا الفقهاء في كتب الفروع أنه ليست منه وفرعوا على ذلك عدم قطع سارقها
من القبر لأنه حرز للكفن لا لها وقد دل حديث زرارة السابق على خروجها عن الكفن الواجب وروى في الكافي
بطريق حسن عن الصادق عليه السلام أنها غير معدودة من الكفن وأن الكفن ما يلف به الجسد فلا يبعد أن يقدر لقوله
عليه السلام وعمامة عامل آخر أي ويزاد عمامة ونحو ذلك واعلم أن في كثير من النسخ ويرد فضلها على رجليه وهو من
سهو قلم الناسخ وفي بعض الروايات ويلقى فضلها على صدره (يب) سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن ابن
بزيغ قال سألت أبا جعفر عليه السلام أن يأمر لي بقميص أعده لكفني فبعث به إلى فقلت كيف أصنع به فقال إنزع أزراره
(يب) الحسن بن محبوب عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال ثمن الكفن من جميع المال (ن)
المراد من أنه
من أصل التركة لا من الثلث (يب) الأهوازي عن فضالة عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال البرد
لا يلف ولكن يطرح عليه طرحا وإذا أدخل القبر وضع تحت خده وتحت جنبه (ن) جنبه بالنون ثم الباء الموحدة ثم
الهاء وفي بعض النسخ تحت جنبيه بياء مثناة تحتانية بعد الباء الموحدة وفي بعضها تحت جنبيه بباء موحدة
ثم ياء مثناة تحتانية ثم نون وكلاهما من تصرف النساخ (يب) الحسن بن محبوب عن أبي حمزة قال قال أبو جعفر عليه
السلام لا تقربوا موتاكم النار يعني الدخنة (ن) المراد بالدخنة البخور (يب) محمد بن الحسين يعني ابن أبي الخطاب عن
جعفر بن بشر عن داود بن سرحان قال قال أبو عبد الله في كفن أبي عبيدة الحذاء إنما الحنوط الكافور ولكن اذهب
331

فاصنع كما يصنع الناس (يه) زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام أرأيت أن الميت إذا مات لم يجعل له معه الجريدة
فقال يتجافى عنه العذاب والحساب ما دام العود رطبا إنما الحساب والعذاب كله في يوم واحد في ساعة واحدة
قدر ما يدخل القبر ويرجع القوم وإنما يجعل السعفتان لذلك فلا يصيبه عذاب ولا حساب بعد جفوفها
إن شاء الله تعالى (يب) علي بن الحسين بن بابويه عن سعد بن عبد الله عن أيوب بن نوح قال كتب أحمد بن القاسم
إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام يسئله عن المؤمن يموت فيأتيه الغاسل يغسله وعنده جماعة من المرجئة هل يغسل
غسل العامة ولا يعممه ولا يصير معه جريدة فكتب يغسل غسل المؤمن وإن كانوا حضورا وأما الجريدة فليستخف
بها ولا يرونه وليجتهد في ذلك جهده (يب) محمد بن أحمد بن داود القمي عن أبيه عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري
قال كتبت إلى الفقيه أسأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم لا فأجاب وقرات التوقيع ومنه نسخت
يوضع مع الميت في قبره فيخلط بحنوطه إن شاء الله تعالى (ن) يراد بالفقيه صاحب الأمر عليه السلام والمراد بطين
القبر التربة الحسينية على صاحبها أفضل التسليمات (يب) الحسن بن محبوب عن أبي ولاد و عبد الله بن سنان
جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام قال ينبغي لأولياء الميت منكم أن يؤذنوا إخوان الميت بموته فيشهدون جنازته و
يصلون عليه ويستغفرون له فيكتب لهم الأجر ويكتب للميت الاستغفار ويكتسب هو الأجر فيهم وفيما اكتسب لميته
من الاستغفار (ن) جملة يشهدون معطوفة على جملة ينبغي لا على يؤذنوا وفي بعض النسخ يشهدوا ويصلوا ويستغفروا
بإسقاط النون وهو الأولى والمفضل في قوله عليه السلام ويكتسب هو الأجر يعود إلى الولي في ضمن الأولياء والفاء
في فيهم وفيما للسببية
الموقف الثالث في آداب تشييع الجنازة وما يتعلق بها وبالدفن والتعزية وزيارة
الأموات ووصول ثواب الصوم والصلاة ونحوها إليهم أربعة عشر حديثا الثاني والرابع والخامس والسابع
والثامن من التهذيب والعاشر والرابع عشر من الفقيه والبواقي من الكافي (كا) أبو علي الأشعري عن الصهباني عن
صفوان بن يحيى عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال سئلته عن المشي مع الجنازة فقال بين
يديها وعن يمينها وعن شمالها وخلفها (يب) أحمد بن محمد عن ابن فضال والتميمي عن ابن سنان عن أبي عبد الله
عليه السلام قال ينبغي لمن شيع الجنازة أن لا يجلس حتى يوضع في لحده فإذا وضع في لحده فلا بأس بالجلوس (كا) محمد بن
يحيى عن أحمد بن محمد عن الأهوازي عن النضر بن سويد عن يحيى بن عمران الحلبي عن عبد الله بن مسكان عن زرارة قال كنت
عند أبي جعفر عليه السلام وعنده رجل من الأنصار فمرت به جنازة فقام الأنصاري ولم يقم أبو جعفر عليه السلام فقعدت
معه ولم يزل الأنصاري قائما حتى مضوا بها ثم جلس فقال له أبو جعفر عليه السلام ما أقامك قال رأيت الحسين بن علي
عليهما السلام يفعل ذلك فقال أبو جعفر عليه السلام والله ما فعله الحسين ولا قام لها أحد منا أهل البيت قط فقال
الأنصاري شككتني أصلحك الله قد كنت أظن أني رأيت (يب) محمد بن الحسن الصفار قال كتبت إلى أبي محمد
عليه السلام أيجوز أن يجعل الميتين على جنازة واحدة في موضع الحاجة وقلة الناس وإن كان الميتان رجلا وامرأة يحملان
على سرير واحد ويصلى عليهما فوقع عليه السلام لا يحمل الرجل مع المرأة على سرير واحد (يب) المفيد عن ابن قولويه
332

عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد البرقي عن أحمد بن محمد عن عبد الله بن سنان عن
أبي عبد الله عليه السلام قال ينبغي أن يوضع الميت دون القبر هنيئة ثم واره ن هنيئة بضم الهاء وفتح النون وتشديد
الياء المثناة التحتانية الزمان اليسير وفي بعض النسخ هنيهة بثلاث هاءات وهو أيضا صحيح وأما هنيئة بالهمزة
فغير صواب نص عليه في القاموس (كا) الحسين بن محمد عن عبد الله بن عامر عن الدورقي عن حماد بن عيسى عن ابن عمار عن
أبي عبد الله عليه السلام قال كان البراء بن معرور التيمي الأنصاري بالمدينة وكان رسول الله صلى الله عليه وآله بمكة
وأنه حضره الموت وكان رسول الله والمسلمون يصلون إلى بيت المقدس فأوصى البراء إذا دفن أن يجعل وجهه إلى
رسول الله صلى الله عليه وآله إلى القبلة فجرت به السنة (يب) الأهوازي عن الثلاثة عن أبي جعفر عليه السلام قال
إذا وضعت الميت في لحده فقل بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله واقرأ آية الكرسي و
اضرب بيدك على منكبه الأيمن ثم قل يا فلان قد رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وآله رسولا و
بعلي إماما وتسمي إمام زمانه فإذا حثى عليه التراب وسوى قبره فضع كفك على قبره عند رأسه وفرج أصابعك
و
اغمز كفك على قبره عند رأسه وفرج أصابعك عليه بعدما ينضح بالماء (يب) الحسن بن محبوب عن أبي حمزة قال قلت
لأحدهما عليهما السلام يحل كفن الميت قال نعم ويبرز وجهه (كا) محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن حسين بن عثمان
عن ابن مسكان عن أبان بن تغلب قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول جعل علي عليه السلام على قبر النبي صلى الله عليه وآله
لبنا فقلت أرأيت لو جعل الرجل عليه آجرا هل يضر الميت قال لا (يه) هشام بن الحكم قال رأيت بعد موسى بن جعفر عليهما
السلام يعزي قبل الدفن وبعده (ن) يحتمل أن يكون المراد أنه كان يعزي مرتين مرة قبل الدفن ومرة بعده ويحتمل عدم
إرادة تعدد التعزية بمعنى أنه عليه السلام ربما كان يعزي قبل الدفن وربما كان يعزي بعده (كا) العدة عن أحمد بن محمد
عن الأهوازي عن النضر بن سويد عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول عاشت فاطمة عليها السلام
بعد رسول الله صلى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوما لم تر كاشرة ولا ضاحكة تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين
الاثنين والخميس فتقول هيهنا كان رسول الله صلى الله عليه وآله هنا كان المشركون (ن) كاشرة أي متبسمة والمراد
بالتبسم ما لا صوت معه وبالضحك ما معه صوت (كا) محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد هو ابن يحيى الأشعري قال كنت بفيد
فمشيت مع علي بن بلال إلى قبر محمد بن إسماعيل بن بزيع فقال لي علي بن بلال قال لي صاحب هذا القبر عن الرضا عليه
السلام قال من أتى قبر أخيه ثم وضع يده على القبر وقرء إنا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرات أمن يوم الفزع الأكبر أو يوم
الفزع (ن) فيد بفتح الفاء وإسكان الياء المثناة التحتانية وآخره دال مهملة اسم قرية في طريق مكة زادها الله
شرفا (كا) محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان بن يحيى عن ابن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما
يلحق الرجل بعد موته فقال سنة سنها يعمل بها فيكون له مثل أجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شئ والصدقة
الجارية تجري من بعده والولد الطيب يدعو لوالديه بعد موتهما ويحج ويتصدق ويصوم ويصلي عنهما فقال أشركهما
في حجي قال نعم (ن) المراد إشراك الوالدين في الحج إذا كان مندوبا وهو ظاهر (يه) عمر بن يزيد قال قلت لأبي
333

عبد الله عليه السلام عن الميت قال نعم حتى أنه ليكون في ضيق فيوسع عليه ذلك الضيق ثم يؤتي فيقال خفف ذلك
عنك بصلاة فلان أخيك عنك قال فقلت له أشرك بين رجلين في ركعتين قال نعم الطلب الرابع في
نبذ متفرقة من أحكام الأموات خمسة أحاديث الأولان من التهذيب والرابع من الفقيه والباقيان من الكافي
(يب) أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن يقطين عن أخيه الحسين عن علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن
موسى عليه السلام عن المرأة تموت وولدها في بطنها يتحرك قال يشق عن الولد (يب) علي بن الحسين بن بابويه
عن سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين عن صفوان عن عبد الله بن مسكان عن أيوب بن الحر قال سئل أبو عبد الله
عليه السلام عن رجل مات وهو في السفينة في البحر كيف يصنع به قال يوضع في خابية ويوكأ رأسها وتطرح في الماء
(ن) في الصحاح الخابية الحب وأصله الهمز لأنه من خبأت إلا أن العرب تركت همزها انتهى ويوكأ رأسها أي
يشد والوكاء ما يشد به رأس القربة (كا) محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن الحسين بن عثمان عن ابن مسكان
عن أبان بن تغلب قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الذي يقتل في سبيل الله أيغسل ويكفن ويحنط قال يدفن
كما هو بثيابه إلا أن يكون به رمق ثم مات فإنه يغسل ويكفن ويحنط ويصلى عليه أن رسول الله صلى الله عليه وآله
صلى على حمزة وكفنه لأنه كان قد جرد من ثيابه (يه) أبو مريم الأنصاري عن أبي عبد الله عليه السلام قال الشهيد إذا
كان به رمق غسل وكفن وحنط وصلى عليه وإن لم يكن به رمق كفن في أثوابه (كا) محمد بن يحيى عن العمركي عن علي بن جعفر
عن أخيه أبي الحسن عليه السلام قال سئلته عن الرجل يأكله السبع والطير فيبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع به قال يغسل
ويكفن ويصلى عليه ويدفن وإذا كان الميت نصفين صلى على النصف الذي فيه القلب المطلب الخامس في غسل
مس الأموات سبعة أحاديث كلها من التهذيب (يب) أحمد بن محمد عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي قال سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يمس الميتة أينبغي أن يغتسل منها فقال لا إنما ذلك من الإنسان وحده (يب)
الدورقي عن ابن أيوب عن ابن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الذي يغسل الميت عليه غسل قال نعم قلت
فإذا مسه وهو سخن قال لا غسل عليه فإذا برد فعليه الغسل قلت والبهائم والطير إذا مسها عليه السغل قال لا
ليس هذا كالإنسان (يب) الأهوازي عن حماد بن عيسى عن حريز عن إسماعيل بن جابر قال دخلت على أبي عبد الله
عليه السلام حين مات ابنه إسماعيل الأكبر فجعل يقبله وهو ميت فقلت جعلت فداك أليس لا ينبغي أن يمس الميت
بعد ما يموت ومن مسه فعليه الغسل فقال أما بحرارته فلا بأس إنما ذاك إذا برد (يب) وعنه عن النضر بن
سويد عن عاصم بن حميد قال سئلته عن الميت إذا مسه الإنسان أفيه غسل فقال إذا مسست جلده حين يبرد فاغتسل
(يب) وعنه عن صفوان عن العلا عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في رجل مس ميتة أعليه الغسل قال
لا إنما ذلك من الإنسان (يب) وعنه عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام
قال مس الميت عند موته وبعد غسله والقبلة ليس به بأس (يب) الأهوازي عن صفوان بن يحيى وفضالة عن العلا
عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال قلت الرجل يغمض الميت أعليه غسل فقال إذا مسه بحرارته
فلا ولكن إذا
334

مسه بعد ما يبرد فليغتسل قلت والذي يغسله يغتسل قال نعم قلت فيغسله ثم يلبسه أكفانه قبل أن يغتسل قال
يغسله ثم يغسل يديه من العاتق ثم يلبسه أكفانه ثم يغتسل قلت فمن حمله عليه أعليه غسل قال لا قلت فمن أدخله القبر
أعليه وضوء قال لا إلا أن يتوضأ من تراب القبر إن شاء (ن) العاتق موضع الرداء من المنكب يذكر ويؤنث وقوله
عليه السلام إلا أن يتوضأ من تراب القبر أما أن يراد به التيمم أو غسل اليدين لإزالة ما لصق بهما من ترابه الباب
الثاني في الأغسال المستحبة أربعة عشر حديثا الأربعة الأول والثالث عشر من الكافي والخامس والأخير
من الفقيه والباقي من التهذيب (كا) محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن صفوان بن يحيى وعلي بن الحكم عن العلاء بن رزين
عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال الغسل في ثلاث ليال من شهر رمضان في تسع عشرة وإحدى وعشرين و
ثلاث وعشرين وثلاث وعشرين وأصيب أمير المؤمنين عليه السلام في ليلة تسع عشرة وقبض في ليلة إحدى وعشرين حتى قال
والغسل في أول الليل وهو يجزي إلى آخره (كا) محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان بن يحيى وابن أبي عمير
عن ابن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول الغسل من الجنابة ويوم الجمعة والعيدين وحين تحرم وحين
تدخل مكة والمدينة ويوم عرفة ويوم تزور البيت وحين تدخل الكعبة وفي ليلة تسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين من شهر رمضان ومن غسل ميتا (كا) وبالسند
عن صفوان بن يحيى عن منصور بن حازم عن سليمان بن خالد قال سألت أبا عبد الله عليه السلام كم اغتسل في شهر
رمضان ليلة قال ليلة تسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين قال قلت فإن شق على قال في إحدى وعشرين
وثلاث وعشرين قلت فإن شق على قال حسبك الآن (كا) وبالسند عن صفوان بن يحيى عن عيص بن القاسم قال سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الليلة التي يطلب فيها ما يطلب متى الغسل فقال من أول الليل وإن شئت حيث تقوم من
آخره وسئلته عن القيام فقال يقوم في أوله وآخره (يه) زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال الغسل في شهر رمضان
عند وجوب الشمس قبيله ثم تصلي وتفطر (ن) المراد بوجوب الشمس غروبها (يب) الثلاثة عن ابن أبان عن
الأهوازي عن حماد عن حريز عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال الغسل في سبعة عشر موطنا ليلة سبع عشرة
من شهر رمضان وهي ليلة التقى الجمعان وليلة تسع عشرة وفيها يكتب الوفد وفد السنة وليلة إحدى وعشرين
وهي الليلة أصيب فيها أوصياء الأنبياء وفيها رفع عيسى (ع) بن مريم وقبض موسى عليه السلام وليلة ثلاث وعشرين
يرجى فيها ليلة القدر ويوم العيدين وإذا دخلت الحرمين ويوم تحرم ويوم الزيارة ويوم تدخل البيت ويوم
التروية ويوم عرفة وإذا غسلت ميتا أو كفنته أو مسسته بعد ما يبرد ويوم الجمعة وغسل الجنابة فريضة وغسل
الكسوف إذا احترق القرص كله فاغتسل (ن) لا يخفى أن الأغسال التي تضمنها هذا الحديث تسعة عشر لا سبعة عشر
فلعله عليه السلام عد غسل العيدين واحدا وكذا غسل دخول الحرمين أو أن غرضه عليه السلام عد الأغسال المسنونة
فغسل الجنابة وغسل مس الميت غير داخلين في العدد وإن دخلا في الذكر والمراد بالتقاء الجمعين تلاقى فئتي المسلمين
والمشركين للقتال يوم أحد والوفد بفتح الواو وإسكان الفاء جمع وافد كصحب جمع صاحب وهم الجماعة القادمون
على الأعاظم برسالة أو غيرها والمراد بهم هنا من قدر لهم أن يحجوا في تلك السنة (يب) وبالسند عن الأهوازي
335

عن صفوان عن ابن مسكان عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال اغتسل يوم الأضحى والفطر والجمعة وإذا
غسلت ميتا ولا تغتسل من مسه إذا أدخلته القبر ولا إذا حملته (ن) أي ولا تغتسل من مسه حين إدخاله القبر بعد
تغسيله ولا إذا حملته قبله (يب) وعنه عن النضر بن سويد عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال الغسل
من الجنابة ويوم الجمعة ويوم الفطر ويوم الأضحى ويوم عرفة عند زوال الشمس ومن غسل ميتا وحين يحرم ودخول
مكة والمدينة ودخول الكعبة وغسل الزيارة والثلاث الليالي في شهر رمضان (يب) المفيد عن ابن قولويه
عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذنية عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام
قال سئلته عن غسل الجمعة فقال سنة في السفر والحضر إلا أن يخاف المسافر على نفسه القر (ن) القر بضم القاف
البرد ويقال يوم قر بالفتح أي بارد وكذلك ليلة قرة (يب) محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن الحسين عن صفوان عن العلاء
عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال اغتسل يوم الجمعة إلا أن تكون مريضا أو تخاف على نفسك (يب)
أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن عبد الله و عبد الله بن المغيرة عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال سئلته عن الغسل
يوم الجمعة فقال واجب على ذكر وأنثى من عبد أو حر (يب) الثلاثة عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن
عيسى عن الحسن عن أخيه الحسين بن علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الغسل في الجمعة والأضحى
والفطر قال سنة وليس بفريضة (كا) محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن صفوان عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله
عليه السلام قال الغسل يوم الجمعة على الرجال والنساء في الحضر وعلى الرجال في السفر وليس على النساء في السفر
(يه) عبيد الله الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن المرأة عليها غسل يوم الجمعة والفطر والأضحى
ويوم عرفة قال نعم عليها الغسل كله (ن) ضمير كله أما أن يعود إلى اليوم والمراد أن عليها الغسل في كل يوم
من هذه
الأيام أو أن اليوم كله وقت للغسل فتوقعه أي ساعة شائت منه وأما أن يعود إلى الغسل أي عليها الغسل بجميع
أفراده التي على الرجل المسلك الثاني في الطهارة الترابية وفيه فصول
الفصل الأول فيما ورد
في الكتاب العزيز من بيان التيمم قال الله تعالى في سورة النساء يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى
حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط
أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا وقال سبحانه
في سورة المائدة يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم و
أرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء
فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد
ليطهركم ويتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون (ن) قد قدمنا الكلام في صدري هاتين الآيتين الكريمتين في مبحثي
الوضوء والغسل ولنذكر هنا ما يتعلق منهما بالتيمم في ثلاثة دروس وبالله التوفيق درس قدم سبحانه في
الآيتين حكم الواجدين للماء القادرين على استعماله ثم أتبع ذلك بأصحاب العذر فقال جل شأنه وإن كنتم مرضى
336

والمراد به والله أعلم المرض الذي يضر معه استعمال الماء والذي يوجب العجز عن السعي إليه أو عن استعماله فظاهر الآية
الكريمة يشمل كلما يصدق عليه اسم المرض لكن علمائنا قدس الله أرواحهم مختلفون في اليسير ومثلوه بالصداع ووجع
الضرس ولعله للشك في تسميته مثل ذلك مرضا عرفا فذهب المحقق والعلامة إلى أنه غير مبيح للتيمم وبعض المتأخرين
على إيجابه له وهو الأظهر فإنه أشد من الشين وقد اطبع الكل على إيجابه التيمم ثم قال تعالى أو على سفر أي متلبسين
به إذ الغالب عدم وجوب الماء في أكثر الصحارى ثم قال سبحانه أو جاء أحد منكم من الغائط وهو كناية عن الحدث
إذ الغائط المكان المنخفض من الأرض وقد كانوا يقصدون للحدث مكانا منخفضا تغيب فيه أشخاصهم عن الرائين فكنى عن
الحدث بالمجئ من مكانه وتسميته الفقهاء العذرة بالغائط من تسمية الحال باسم المحل وقيل إن لفظة أو هنا بمعنى الواو
والمراد والله أعلم أو كنتم مسافرين وجاء أحد منكم من الغائط ثم قال عز من قائل أو لامستم النساء والمراد جماعهن كما
في قوله تعالى وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن واللمس والمس بمعنى واحد كما قاله اللغويون وتفسير اللمس بالوطي هو
المنقول عن أئمة الهدى سلام الله عليهم وقد مر في الفصل السابع من مباحث الوضوء حديث أبي مريم قال قلت لأبي
جعفر عليه السلام ما تقول في الرجل يتوضأ ثم يدعو الجارية فتأخذ بيده حتى ينتهي إلى المسجد فإن من عندنا يزعمون أنها
الملامسة فقال لا والله ما بذلك بأس وربما فعلته وما يعني هذا أو لامستم النساء إلا المواقعة في الفرج والروايات
بذلك عن أصحاب العصمة سلام الله عليهم متكثرة وقد نقل الخاص والعام عن ابن عباس أنه كأن يقول إن الله سبحانه
حيى كريم يعبر عن مباشرة النساء بملامستهن وذهب الشافعي إلى أن المراد مطلق اللمس لغير محرم خصه مالك بما
كان عن شهوة وأما أبو حنيفة فقال المراد الوطي لا اللمس وقوله تعالى فلم تجدوا ماء يشمل ما لو وجد ماء لا يكفيه للغسل
وهو جنب أو للوضوء وهو محدث حدثا أصغر فعند علمائنا يترك الماء وينتقل فرضه إلى التيمم وقول بعض العامة
يجب عليه أن يستعمله في بعض أعضائه ثم يتيمم لأنه واجد للماء ضعيف إذ وجوده على هذا التقدير كعدمه ولو صدق
عليه أنه واجد للماء لما جاز له التيمم كما قيل وللبحث فيه مجال وقوله سبحانه فلم تجدوا ماء يراد به والله أعلم ما يكفي
الطهارة ومما يؤيد ذلك قوله تعالى في كفارة اليمين فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام أي فمن لم يجد إطعام عشرة مساكين
ففرضه الصيام وقد حكم الكل بأنه لو وجد إطعام أقل من عشرة لم يجب عليه ذلك وانتقل فرضه إلى الصوم ولا يخفى
أن البحث إنما هو فيمن هو مكلف بطهارة واحدة أعني الجنب وذا الحدث الأصغر المذكورين في الآية أما الحائض مثلا
فإنها لو وجدت ماء لا يكفي غسلها ووضوئها معا فإنها تستعمله فيما يكفيه وتيمم عن الآخر ثم لا يخفى أن
المتبادر من قوله سبحانه فلم تجدوا ماء كون المكلف غير واجد للماء بأن يكون في موضع لا ماء فيه فيكون ترخيص من
وجد الماء ولم يتمكن من استعماله في التيمم لمرض ونحوه مستفادا من السنة المطهرة ويكون المرضى غير داخلين في
خطاب فلم تجدوا لأنهم يتيممون وإن وجدوا الماء كذا في كلام بعض المفسرين ويمكن أن يراد بعدم وجدان الماء عدم
التمكن من استعماله وإن كان موجودا فيدخل المرضى في خطاب فلم تجدوا ويسري الحكم إلى كل من لا يتمكن من استعماله
كفاقد الثمن أو الآلة أو الخائف من لص أو سبع ونحوهم وهذا التفسير وإن كان فيه تجوز إلا أنه هو المستفاد من
337

كلام محققي المفسرين من الخاصة والعامة كالشيخ أبي على الطبرسي وصاحب الكشاف أيضا فهو غير مستلزم لما هو
خلاف الظاهر من تخصيص خطاب فلم تجدوا بغير المرضى مع ذكر الأربعة على نسق واحد واعلم أن فقهائنا قدس
الله أرواحهم مختلفون فيمن وجد من الماء ما لا يكفيه من الطهارة إلا بمزجه بالمضاف بحيث لا يخرج عن الاطلاق هل
يجب عليه المزج والطهارة به أم يجوز له ترك المزج واختيار التيمم فجماعة من متأخريهم كالعلامة طاب ثراه وأتباعه
على الأول وجمع من متقدميهم كشيخ الطائفة قدس الله روحه وأتباعه على الثاني ولعل ابتناء هذين القولين على
التفسيرين السابقين فالأول على الثاني والثاني على الأول إذ يصدق على من هذا حاله أنه غير واجد الماء يكفيه للطهارة
على الأول فيندرج تحت قوله تعالى فلم تجدوا ماء بخلاف الثاني فإنه متمكن منه وبعض المحققين بنى القول الأول
على كون الطهارة بالماء واجبا مطلقا فيجب المزج إذ ما لا يتم الواجب المطلق إلا به وهو مقدور واجب والثاني على أنها
واجب مشروط بوجود الماء وتحصيل مقدمة الواجب المشروط غير واجب والله سبحانه أعلم درس اختلف كلام
أهل اللغة في الصعيد فبعضهم كالجوهري قال التراب ووافقه ابن فارس في المجمل ونقل ابن دريد في الجمهرة عن
أبي عبيدة أنه التراب الخالص الذي لا يخالطه سبخ ولا رمل ونقل الشيخ أبو علي الطبرسي في مجمع البيان عن الزجاج
أن الصعيد ليس هو التراب إنما هو وجه الأرض ترابا كان أو غيره وسمي صعيدا لأنه نهاية ما يصعد من باطن
الأرض وقريب منه ما نقله الجوهري عن تغلب وكذا ما نقله المحقق في المعتبر عن الخليل عن ابن الأعرابي ولاختلاف أهل
اللغة في الصعيد اختلف فقهائنا في التيمم بالحجر لمن تمكن من التراب فمنعه المفيد وأتباعه لعدم دخوله في اسم
الصعيد واحتج المرتضى رض عنه على أن الصعيد هو التراب بقول النبي صلى الله عليه وآله جعلت لي الأرض مسجدا
وترابها طهورا ولو كانت أجزاء الأرض طهورا وإن لم تكن ترابا لكان ذكر التراب واقعا في غير محله وأجابه المحقق
في المعتبر بأنه تمسك بدلالة الخطاب وهي متروكة وأراد رحمه الله بدلالة الخطاب مفهوم اللقب وفي هذا الجواب
نظر فإن للمنتصر للمرتضى رحمه الله أن يقول إن مراده رحمه الله أن النبي صلى الله عليه و آله في معرض التسهيل والتخفيف وبيان
امتنان الله سبحانه عليه وعلى هذه الأمة المرحومة فلو كان مطلق وجه الأرض من الحجر ونحوه طهورا لكان ذكر التراب
مخلا بانطباق الكلام على الغرض المسوق له وكان المناسب لمقتضى الحال أن يقول جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وهذا
ليس استدلالا بدلالة الخطاب كيف والسيد المرتضى في كتبه الأصولية على بطلان الاستدلال بها فظهر أن استدلاله
بذلك الحديث استدلال متين وأن المحقق قدس الله روحه لم يوفه حقه من التأمل وجوز الشيخ في المبسوط والمحقق و
العلامة التيمم بالحجر نظرا إلى دخوله تحت الصعيد المذكور في الآية واستدل في المختلف على ذلك بصدق اسم
الأرض على الحجر فإنه تراب اكتسب رطوبة لزجة وعملت حرارة الشمس فيه حتى تحجر وإذا كانت الحقيقة باقية دخل تحت الأمر
وأيضا لو لم يكن الحجر أرضا لما جاز التيمم به عند فقد التراب كالمعدن والتالي باطل إجماعا هذا كلامه ويمكن الإنتصار للمرتضى وموافقيه بأنه لا خلاف بين أهل اللغة في أن التراب صعيد وأما كون الحجر صعيد فهم فيه مختلفون فامتثال
قوله سبحانه " فتيمموا صعيدا طيبا " والخروج من عهده التكليف إنما يحصل بالتراب لا غير وما ذكره العلامة طاب ثراه
338

من بقاء الحقيقة في الحجر ممنوع كيف وقد طرأت عليه صورة فرعية أخرى كالمعادن وجواز التيمم به مع فقد التراب
دون المعادن خرج بالإجماع واختلف المفسرون في المراد بالطيب في الآية الكريمة فبعضهم على أنه الطاهر وبعضهم
أنه الحلال وآخرون على أنه المنبت دون ما لا ينبت كالسبخة وأيدوا قولهم هذا بقوله تعالى " والبلد الطيب يخرج نباته بإذن
ربه " والأول هو مختار مفسري أصحابنا قدس الله أرواحهم وقوله تعالى " فامسحوا بوجوهكم " قد يدعى أن فيه دلالة على أن
أو أفعال التيمم مسح الوجه لعطفه بالفاء التعقيبية على قصد الصعيد من دون توسط الضرب على الأرض
فيتأيد به ما ذهب إليه العلامة في النهاية من جواز مقارنة نية التيمم لمسح الوجه وإن ضرب اليدين على الأرض بمنزلة
اغتراف الماء في الوضوء وقد أطنبت الكلام فيه في الحبل المتين والباء في قوله سبحانه بوجوهكم للتبعيض كما يدل
عليه صحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام وقد أورده صدرها في الفصل الثاني من مباحث الوضوء وسنوردها
بتمامها في الفصل الآتي ولا عبرة بإنكار سيبويه مجئ الباء للتبعيض وقد قدمنا الكلام عليه في تفسير آية الوضوء فالواجب
في التيمم بمقتضى الآية الكريمة مسح بعض الوجه وبعض اليدين وعليه جمهور علمائنا وأكثر الروايات ناطقة به و
ذهب علي بن بابويه رحمه الله إلى وجوب استيعاب الوجه واليدين إلى المرفقين كالوضوء عملا بصحيحة محمد بن مسلم
الآتية ومال المحقق طاب ثراه في المعتبر التخيير بين استيعاب الوجه واليدين كما قاله ابن بابويه وبين الاكتفاء ببعض
كل منهما كما قاله الأكثر لورود الروايات المعتبرة عن أصحاب العصمة سلام الله عليهم بكل من الأمرين وقال العلامة
قدس الله روحه في المنتهى إلى استحباب الاستيعاب وأما العامة فمختلفون أيضا فالشافعي يقول بمقالة علي بن
بابويه وابن حنبل باستيعاب الوجه فقط والاكتفاء بظاهر الكفين ولأبي حنيفة قولان أحدهما الاستيعاب كالشافعي
والآخر الاكتفاء بأكثر أجزاء الوجه واليدين وذهب الزهري من العامة إلى وجوب مسح اليدين إلى الإبطين لأنهما
حدا في الوضوء بالمرفقين ولم يجدا في التيمم بشئ فوجب استيعاب ما يصدق عليه اليد وهذا القول مما انعقد
إجماع الأمة على خلافه والله أعلم درس اختلف المفسرون في معنى لفظة من في قوله سبحانه " فامسحوا بوجوهكم
وأيديكم " منه والذي وصل إلينا من أقوالهم في ذلك ثلاثة الأول أنها لابتداء الغاية والضمير عائد إلى الصعيد و
الثاني أنها للسببية والضمير عائد إلى الحدث المدلول عليه بقوله سبحانه " أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم
النساء " وفيه أنه يقتضي قطع الضمير عن الأقرب واعطائه الأبعد ويستلزم جعل كلمته منه تأكيدا لا تأسيسا إذ السببية
تفهم منه الفاء ومن كون المسح في معرض الجزاء الثالث أنها للتبعيض والضمير للصعيد كما تقول أخذت من الدراهم
وكيف أكلت من الطعام وهذا هو الذي رجحه صاحب الكشاف بل ادعى أنه لا يفهم أحد من العرب من قول القائل مسحت
برأسي من الدهن ومن الماء ومن التراب إلا معنى التبعيض وحكم بأن القول بأنها لابتداء الغاية تعسف وهو كلامه فيما
يتعلق بالعربية مقبول إذا لم يثبت خلافه فهذه أقوال المفسرين في معنى لفظة من في الآية الكريمة والعجب من شيخنا أبي
على الطبرسي قدس سره كيف طوى كشحا عن البحث عن معناها ولم يذكر شيئا من هذه المعاني لا في مجمع البيان ولا في غيره وقد
تابعه في ذلك البيضاوي إذا تقرر ذلك فنقول جعل من في الآية الكريمة للتبعيض يوافق ما ذهب إليه بعض فقهائنا
339

من اشتراط علوق شئ من التراب بالكفين ليمسح به وصاحب الكشاف مع أنه حنفي المذهب موافق في اشتراط العلوق
ومخالف لما ذهب إليه أبو حنيفة من عدم اشتراطه كما يقوله أكثر فقهائنا ويمكن تأييد القول باشتراطه بما تضمنته صحيحة
زرارة الآتية من كلام الباقر عليه السلام في تفسير هذه الآية فإن الظاهر منه بعد التأمل فيه أنه لا بد من العلوق كما سيرد
عليك عن قريب إن شاء الله تعالى ولعل هذا هو مستند من قال من علمائنا باشتراطه والعلامة في المنتهى بعد أن
استدل من جانب ابن الجنيد على اشتراطه بالآية الكريمة أجاب بأن لفظة من فيها مشتركة بين التبعيض وابتداء الغاية
فلا أولوية في الاحتجاج ولا يخفى ما فيه بعد ما قدمناه وسنزيده وضوحا إن شاء الله وما استدل به الأصحاب على بطلان
ما ذهب إليه ابن الجنيد واستحباب نفض اليدين بعد الضرب كما دلت عليه الأخبار ولا يخفى أن لمن أراد الإنتصار له أن يقول لا دلالة في استحباب النفض على عدم اشتراط العلوق بل ربما دل استحبابه على اعتباره في الجملة كما يظهر بأدنى
تأمل ولا منافاة بينهما لأن الأجزاء الصغيرة الغبارية اللاصقة لا تتخلص بأجمعها بالكلية من اليدين بمجرد حصول مسمى
النفض وليس في الأخبار ما يدل على المبالغة فيه بحيث لا يبقى شئ من تلك الأجزاء لاصقا بشئ من اليدين البتة ولعل
النفض لتقليل ما يوجب تشويه الوجه من الأجزاء الترابية اللاصقة بالكفين وبما تلوناه يظهر أن استفادة اشتراط
العلوق من الآية الكريمة غير بعيدة ويتأيد بذلك ما ذهب إليه المفيد طاب ثراه وأتباعه من عدم جواز
التيمم بالحجر وقد ختم سبحانه الآية الأولى بقوله " إن الله كان عفوا غفورا " ويفهم منه التعليل لما سبق من ترخيص
ذوي الأعذار في التيمم فهو واقع موقع قوله جل شأنه في الآية الثانية ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج يعني أن من
عادته العفو عنكم والمغفرة لكم فهو حقيق بالتسهيل عليكم والتخفيف عنكم وقد اختلف المفسرون في المراد من التطهير
في قوله ولكن يريد ليطهركم قيل المراد به التطهير من الحدث بالتراب عند تعذر استعمال الماء وقيل تنظيف الأبدان بالماء فهو
راجع إلى الوضوء والغسل والتيمم وقيل المراد التطهير من الذنوب بما فرض من الوضوء والغسل والتيمم ويؤيده ما
روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال إن الوضوء يكفر ما قبله وقيل المراد تطهير القلب عن التمرد عن طاعة الله سبحانه
لأن إمساس هذه الأعضاء بالماء أو التراب لا يعقل له فائدة إلا محض الانقياد والطاعة وقوله تعالى " وليتم نعمته
عليكم " أي بما شرعه لكم مما يتضمن تطهير أبدانكم أو قلوبكم أو تكفير ذنوبكم واللامات في الأفعال الثلاثة للتعليل
ومفعول يريد محذوف في الموضعين وقوله تعالى " ولعلكم تشكرون " أي على نعمائه المتكاثرة التي من جملتها ما يترتب
على ما شرعه في هذه الآية الكريمة أو لعلكم تؤدون شكره بالقيام بما كلفكم به فيها والله أعلم الفصل الثاني
في الأعذار المسوغة للتيمم أربعة عشر حديثا التاسع والثاني عشر من الكافي والعاشر والحادي عشر من الفقيه و
البواقي من التهذيب يب الثلاثة عن ابن أبان عن الأهوازي عن النضر بن سويد عن ابن سنان قال سمعت أبا
عبد الله عليه السلام يقول إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض وليصل فإذا وجد الماء فليغتسل وقد
أجزأته صلاته التي صلى يب محمد بن علي بن محبوب عن يعقوب يعني ابن يزيد عن ابن أبي عمير عن محمد بن حمران وجميل
بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام أنهما سألاه عن إمام قوم أصابته في سفر جنابة وليس معه من الماء ما يكفيه في
340

الغسل أيتوضأ ويصلي بهم قال لا ولكن يتيمم ويصلي فإن الله تعالى جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا
يب الأهوازي عن النضر عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في رجل أصابته جنابة في السفر
وليس معه إلا ماء قليل يخاف أن هو اغتسل أن يعطش قال إن خاف عطشا فلا يهرق منه قطرة وليتيمم بالصعيد فإن
الصعيد أحب إلى يب وعنه عن فضالة عن العلا عن محمد عن أحدهما عليهما السلام في رجل أجنب في سفر ومعه
قدر ما يتوضأ به قال يتيمم ولا يتوضأ يب وعنه عن صفوان بن يحيى عن منصور بن حازم عن أبي محمد وعنبسة بن مصعب
عن أبي عبد الله (ع) قال إذا أتيت البئر وأنت جنب فلم تجد دلوا ولا شيئا تغرف به فتيمم بالصعيد فإن رب الماء رب الصعيد
ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم مائهم يب وعنه عن فضالة عن الحسين بن عثمان عن عبد الله بن مسكان
عن محمد الحلبي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الجنب يكون معه الماء القليل فإن هو اغتسل به خاف العطش أيغتسل به
أو يتيمم فقال بل يتيمم وكذلك إذا أراد الوضوء يب الثلاثة عن سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين ومحمد بن عيسى و
موسى بن عمر بن يزيد الصيقل عن البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في الرجل تصيبه الجنابة وبه قروح أو جروح
أو يكون يخاف على نفسه البرد قال لا يغتسل يتيمم يب محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن الحسين عن صفوان عن العلا
عن محمد عن أحدهما عليهما السلام أنه سئل عن الرجل يقيم بالبلاد الأشهر وليس فيها ماء من أجل المرعى وصلاح الإبل
قال لا كا محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم عن أبيه جميعا عن حماد بن عيسى عن حريز عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله
عليه السلام قال سئلته عن رجل أجنب في سفر ولم يجد إلا الثلج أو ماء جامدا فقال هو بمنزلة الضرورة يتيمم
ولا
أرى أن يعود إلى هذه الأرض التي توبق دينه ن يقال أوبقت الشئ أي أهلكته وأتلفته وفي هذا الحديث دلالة
على أن من صلى بتيمم وإن كان مضطرا فصلاته ناقصة وإن كانت مجزية وأنه يجب عليه إزالة هذا النقص عن صلاته
المستقبلة بالخروج عن ذلك المحل إلى محل لا يضطر فيه إلى ذلك يه عبيد الله بن علي الحلبي أنه سأل أبا عبد الله
عليه السلام عن الرجل إذا أجنب ولم يجد الماء قال يتيمم بالصعيد فإذا وجد الماء فليغتسل ولا يعيد الصلاة و
عن الرجل يمر بالركية وليس معه دلو قال ليس عليه أن يدخل الركية لأن رب الماء هو رب الأرض فليتيمم وعن الرجل
يجنب ومعه قدر ما يكفيه من الماء لوضوء الصلاة أيتوضأ بالماء أو يتيمم قال لا بل يتيمم ألا ترى أنه إنما جعل عليه نصف
الوضوء ن الركية بالراء والياء المثناة التحتانية البير وقوله عليه السلام إنما جعل عليه نصف الوضوء معناه والله
أعلم إن الله سبحانه لم يجعل على الجنب الفاقد للماء إلا نصف الوضوء يعني التيمم حيث قال أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء
فتيمموا وقد عبر الإمام عليه السلام عن التيمم بنصف الوضوء لأن أعضاء التيمم نصف أعضاء الوضوء ولأن الوضوء رافع
للحدث بالكلية ومبيح للصلاة والتيمم مبيح غير رافع فكأنه بهذا الاعتبار نصف الوضوء وهذا الوجه كما يتمشى على
المشهور من أن التيمم غير رافع فكأنه بهذا الاعتبار أصلا يتمشى على ما ذهب إليه المرتضى رحمه الله من أنه يرفع الحدث إلى غاية
هي التمكن من الماء يه التميمي أنه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام عن ثلاث نفر كانوا في سفر أحدهم جنب
والثاني ميت والثالث على غير وضوء وحضرت الصلاة ومعهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم من يأخذ الماء وكيف
341

يصنعون فقال يغتسل الجنب ويدفن الميت ويتيمم الذي هو على غير وضوء لأن الغسل من الجنابة فريضة وغسل الميت
سنة والتيمم للآخر جائز ن معنى كون غسل الجنابة فريضة أنه ثبت بالكتاب العزيز ومعنى كون غسل الميت سنة
أنه إنما ثبت بالسنة المطهرة كا محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن البرقي هو محمد بن خالد عن سعد بن سعد عن صفوان قال
سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل احتاج إلى الوضوء للصلاة وهو لا يقدر على الماء فوجد بقدر ما يتوضأ به بمائة
درهم أو بألف درهم وهو واجد لها يشتري ويتوضأ أو يتيمم قال لا بل يشتري قد أصابني مثل ذلك فاشتريت وتوضأت
وما يشتري بذلك مال كثير ن لفظة يشتري يقرء بالبناء للفاعل والمفعول والمراد أن الماء المشترى للوضوء
مال كثير لما يترتب عليه من الثواب العظيم وربما يقرء لفظ ما بالمد والرفع اللفظي والأظهر كونها موصولة أو موصوفة
يب المفيد عن أبي جعفر محمد بن علي هو ابن بابويه عن محمد بن الحسن هو ابن الوليد عن سعد بن عبد الله وأحمد بن
إدريس عن أحمد بن محمد عن الأهوازي عن النضر بن سويد عن هشام بن سالم عن سليمان بن خالد وحماد بن عيسى عن شعيب
عن أبي بصير و فضالة بن عثمان ومسكان عن عبد الله بن سليمان جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سأل
عن رجل كان في أرض باردة فتخوف إن هو اغتسل أن يصيبه عنت من الغسل كيف يصنع قال يغتسل وإن أصابه ما أصابه
قال وذكر أنه كان وجعا شديد الوجع فأصابته جنابة وهو في مكان بارد وكان وجعا شديد الوجع فأصابته جنابة
وهو في مكان بارد ليلة شديدة الريح باردة فدعوت الغلمة وقلت احملوني فاغسلوني فقالوا إنا نخاف عليك فقلت ليس
بد فحملوني ووضعوني على خشاب ثم صبوا على الماء فغسلوني ن حماد وفضالة معطوفان على النضر فالأهوازي
روى هذا الحديث عن الصادق عليه السلام بثلث طرق والعنت بالعين والنون المفتوحتين المشقة يب وبالسند
السابق إلى الأهوازي عن حماد عن حريز عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تصيبه الجنابة في
أرض باردة ولا يجد الماء وعسى أن يكون الماء جامدا قال يغتسل على ما كان حدثه رجل أنه فعل فمرض شهرا فقال
اغتسل على ما كان فإنه لا بد من الغسل وذكر أبو عبد الله عليه السلام أنه اضطر إليه وهو مريض فأتوه به مسخنا فاغتسل
وقال لا بد من الغسل ن أراد محمد بن مسلم بقوله حدثه رجل أن الإمام عليه السلام لما أمر بالغسل قال له رجل أني
فعلت ذلك فمرضت شهرا فأعاد عليه السلام الأمر بالغسل مرة أخرى وقوله عليه السلام يغتسل على ما كان أي على أي
حال كان فلفظة كان تامة واعلم أن الشيخ في الاستبصار حمل هذا الخبر على من تعمد الجنابة وقال إن من فعل ذلك
ففرضه الغسل على أي حال كان وأورد في التهذيب في الاستدلال على ما ذهب إليه المفيد من وجوب الغسل على
متعمد الجنابة وإن خاف على نفسه حديثين ضعيفين صريحين في ذلك وأورد بعدهما هذا الحديث وما قبله و
المتأخرون خالفوا في ذلك وأوجبوا عليه التيمم لعموم قوله تعالى ما جعل عليكم في الدين من حرج ولا تلقوا بأيديكم إلى
التهلكة واستدل بعضهم على ذلك بأن دفع الضرر المظنون واجب عقلا وبأن الجماع جايز إجماعا فلا يترتب على فاعله
مثل هذه العقوبة وحمل بعضهم هذين الحديثين على ما إذا كان الضرر المتوقع يسير أو للمنتصر للشيخين أن يقول إن الحمل
على الضرر اليسير يأباه سوق الكلام في الحديثين والتكليف بتحمل ضرر الغسل مع جواز الوطي غير مستبعد كتكليف المحرم
342

بالكفارة عند تغطية رأسه على أن انعقاد الإجماع على إباحة الوطي مع العلم بعدم الماء محل كلام وسيما بعد دخول
الوقت ووجوب الإلقاء إلى التهلكة بعد أمر الشارع به غير قليل كوجوب تمكين القاتل ولي الدم من القود و
تمكين القاذف من استيفاء الحد والله أعلم
الفصل الثالث في كيفية التيمم ثمانية أحاديث الثالث و
الخامس من الفقيه والبواقي من التهذيب يب الثلاثة عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم
عن داود بن النعمان قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التيمم فقال إن عمارا أصابته جنابة فتمعك كما تتمعك الدابة
فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يهزء به يا عمار تمعكت كما تتمعك الدابة فقلنا له فكيف التيمم فوضع يديه
على الأرض ثم رفعهما فمسح وجهه ويديه فوق الكف قليلا ن ما تضمنه هذا الحديث من قوله عليه السلام وهو
يهزء به يراد به المزاح لا السخرية إذ الاستهزاء لا يليق بمنصب النبوة ألا ترى إلى قول موسى على نبينا وآله وعليه السلام
أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين في جواب قول قومه أتتخذنا هزوا يب وبالسند عن أحمد بن محمد بن عيسى
عن الأهوازي عن فضالة بن أيوب عن حماد بن عثمان عن زرارة قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول وذكر التيمم
وما صنع عمار فوضع أبو جعفر عليه السلام كفيه في الأرض ثم مسح وجهه وكفيه ولم يمسح الذراعين بشئ يه
زرارة قال قال أبو جعفر عليه السلام قال رسول الله ذات يوم لعمار في سفر له يا عمار بلغنا أنك أجنبت فكيف صنعت
فقال تمرغت يا رسول الله في التراب قال فقال له كذلك يتمرغ الحمار أفلا صنعت كذا أهوى ثم بيديه إلى الأرض فوضعهما
على الصعيد ثم مسح جنبيه بأصابعه وكفيه إحديهما بالأخرى ثم لم يعد ذلك ن قوله ثم أهوى بيديه إلى آخر
الحديث يحتمل أن يكون من كلام الإمام عليه السلام فيعود المستتر في أهوى إلى النبي صلى الله عليه وآله ويحتمل أن يكون
من كلام زرارة فيعود إلى الإمام عليه السلام والحديثان السابقان يؤيدان الثاني كما قلناه في الحبل المتين وقوله ثم
لم يعد ذلك أي لم يتجاوز الجبين ولا الكفين ولفظة يعد فعل مضارع مجزوم بحذف آخره وهو الذي سمعته من والدي
قدس الله روحه وربما قرئه بعض الطلبة بضم الياء وكسر العين من الإعادة أي لم يعد مسح جنبيه ولا كفيه بل اكتفى
بالمرة الواحدة والأول هو المنقول عن المشايخ قدس الله أرواحهم يب الأهوازي عن الثلاثة عن أبي جعفر عليه السلام
قال قلت له كيف التيمم قال هو ضرب واحد للوضوء والغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين ثم تنفضهما مرة للوجه ومرة
لليدين ومتى أصبت الماء فعليك الغسل إن كنت جنبا والوضوئان لم تكن جنبا ن ربما يستدل بهذا الحديث
على وحدة الضرب عن الوضوء وتثنيته عن الغسل ولا دلالة فيه على ذلك إلا إذا ثبت كون الغسل فيه مرفوعا على
أن يكون الكلام قد تم بقوله عليه السلام هو ضرب واحد للوضوء وثبوت ذلك مشكل فإن احتمال كونه مجرورا بالعطف
على الوضوء قائم ويراد حينئذ بالضرب النوع كما يقال الطهارة على ضربين مائية وترابية فيكون الحديث حينئذ متضمنا لتعدد
الضرب في كل من الوضوء والغسل يه زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام ألا تخبرني من أين علمت وقلت إن المسح
ببعض الرأس وبعض الرجلين فضحك وقال يا زرارة قاله رسول الله صلى الله عليه وآله ونزل به الكتاب من الله لأن الله
تعالى يقول فاغسلوا وجوهكم فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل ثم قال وأيديكم إلى المرافق فوصل اليدين إلى المرفقين
343

بالوجه فعرفنا أنه ينبغي لهما أن يغسلا إلى المرفقين ثم فصل بين الكلامين فقال وامسحوا برؤوسكم فعرفنا حين قال برؤوسكم
إن المسح ببعض الرأس لمكان الباء ثم وصل الرجلين بالرأس فعرفنا حين وصلهما بالرأس أن المسح على بعضهما ثم فسر
ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله للناس فضيعوه ثم قال فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم
فلما أن وضع الوضوء عمن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحا لأنه قال بوجوهكم ثم وصل بها وأيديكم منه أي من ذلك
الصعيد ببعض الكف إلى التيمم لأنه علم أن ذلك أجمع لم يجر على الوجه لأنه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف ولا يعلق
ببعضها ثم قال ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج والحرج الضيق ن قد يتوهم أن قول زرارة رحمه الله للإمام عليه
السلام ألا تخبرني من أين علمت يوجب الطعن عليه بسوء الأدب وضعف العقيدة وجوابه أن زرارة كان ممتحنا
بمخالطة علماء العامة كانوا يبحثون معه في المسائل الدينية ويطلبون منه الدليل على ما يعتقد حقيته فأراد رحمه
الله أن يسمع منه ما يسكتهم به وإلا فخلوص عقيدته وولايته مما لا يحوم حوله شك ولا ريب وربما قرء بعض مشايخنا
من أين علمت بتاء المتكلم يعني أني عالم بذلك وموقن به ولكني أريد أن تخبرني بدليله لأحتج به عليهم وضحكه عليه السلام ربما
يؤيد ذلك والله أعلم وفي قوله عليه السلام أثبت بعض الغسل مسحا لأنه قال بوجوهكم إلى آخره دليل ظاهر على عدم وجوب
استيعاب الوجه واليدين وأن الباء للتبعيض وقوله عليه السلام أي من ذلك التيمم الظاهر أن المراد المتيمم به يدل
على ذلك الإشارة إليه بقوله لأنه عليه السلام علم أن ذلك التيمم لم يجر على الوجه أي علم أن ذلك الصعيد أي وجهه
الذي مسه الكفان حال الضرب عليه لا يلصق بأجمعه بالكفين فلا يجري جميعه على الوجه لأنه يعلق بعض منه ببعض
الكف ولا يعلق ببعضها ومن تأمل هذا الكلام ظهر أنه عليه السلام جعل لفظة من في قوله تعالى فامسحوا بوجوهكم
وأيديكم منه للتبعيض وهو كالنص فيما قال به بعض علمائنا من اشتراط العلوق وعدم جواز التيمم بالحجر فقول العلامة
طاب ثراه أن الآية الكريمة خالية عن اشتراط العلوق لأن لفظة من فيها مشتركة بين التبعيض وابتداء الغاية فلا أولوية
في الاحتجاج بها محل بحث والله سبحانه أعلم يب الثلاثة عن ابن أبان عن الأهوازي عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة
عن ابن مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التيمم فضرب بكفيه الأرض ثم مسح بهما وجهه ثم ضرب بشماله الأرض
فمسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع واحد على ظهرها وواحدة على بطنها ثم ضرب بيمينه الأرض ثم صنع
بشماله كما
صنع بيمينه ثم قال هذا التيمم على ما كان فيه الغسل وفي الوضوء الوجه واليدين إلى المرفقين وألغى ما كان عليه مسح
الرأس والقدمين فلا يؤمم بالصعيد ن هذا الحديث منطبق على ما ذهب إليه علي بن بابويه طاب ثراه وجماعة
من علمائنا قدس الله أرواحهم من استيعاب الوجه واليدين كالوضوء وتثليث الضرب ولفظة على في قوله عليه
السلام على ما كان فيه الغسل لعلها بمعنى اللام التعليلية كما قالوه في قوله تعال ولتكبروا الله على ما هديكم أي لأجل
هدايته إياكم فالمراد أن هذا التيمم لأجل الحدث الذي فيه الغسل والوجه واليدين معمولان لفعل محذوف أي
امسح الوجه واليدين وألغى بالغين المعجمة أي أسقط وهو يحتمل أن يكون من كلام محمد بن مسلم أي أسقط الإمام عليه السلام
ما كان عليه مسح وأن يكون من تتمة كلام الإمام عليه السلام يعني أسقط الله سبحانه ما كان عليه مسح وعلى كل حال فالرأس
344

والرجلين منصوبان بالبدلية من الموصول والله أعلم يب الأهوازي عن صفوان بن يحيى عن العلا عن محمد عن
أحدهما عليهما السلام قال سئلته عن التيمم فقال مرتين مرتين للوجه واليدين يب الثلاثة عن سعد بن عبد
الله عن أحمد بن محمد عن إسماعيل بن همام الكندي عن الرضا عليه السلام قال التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين ن
ظاهر إطلاق التيمم في هذين الحديثين يدل على ما ذهب إليه المفيد قدس الله روحه في كتاب الأركان من وجوب
الضربتين في مطلق التيمم سواء كان عن الغسل أم الوضوء ومن اكتفى بالواحدة فيهما كالمرتضى رضي الله عنه جعل الثانية
مندوبة وأما التفصيل المشتهر بين المتأخرين فلم أظفر بحديث يتضمنه صريحا غير أنهم ذكروا أن فيه جمعا بين
الأخبار والله أعلم بحقايق الأمور
الفصل الرابع في وجدان المتيمم الماء في أثناء الصلاة وحكم صلاة
المتيمم إذا تمكن من استعمال الماء ثمانية أحاديث الثامن من الفقيه والبواقي من التهذيب يب الثلاثة
عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الأهوازي عن الثلاثة ومحمد بن مسلم قالا قلنا في رجل لم يصب
الماء وحضرت الصلاة فتيمم وصلى ركعتين ثم أصاب الماء أينقض الركعتين أو يقطعهما ويتوضأ ثم يصلي قال
لا ولكنه يمضي في صلاته وقال لا ينقضها لمكان أنه دخلها وهو على طهور بتيمم قال زرارة فقلت له دخلها و
هو متيمم فصلى ركعة وأحدث فأصاب ماء قال يخرج ويتوضأ ويبني على ما مضى في صلاته التي صلى بالتيمم ن
أراد الثقتان بهذا الترديد أن ذلك الرجل هل يبطل ما صلاه فيتوضأ ويستأنف الصلاة أم يصح فيتوضأ و
يكمل صلاته والإمام عليه السلام أجابهما بنفي الشقين معا وما تضمنه آخذ هذا الحديث من البناء
على ما مضى هو مذهب الشيخين وحملا الحدث على ما وقع سهوا يب وهذا الإسناد عن الأهوازي عن الثلاثة
قال قلت لأبي جعفر عليه السلام يصلي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل والنهار كلها فقال نعم ما لم يحدث ويصب ماء
قلت فإن أصاب الماء ورجا أن يقدر على ماء آخر وظن أنه يقدر عليه فلما أراده تعسر عليه قال ينقض ذلك
يتممه وعليه أن يعيد التيمم قلت فإن أصاب الماء وقد دخل في الصلاة قال فلينصرف فليتوضأ ما لم يركع فإن كان قد ركع
فليمض في صلاته فإن التيمم أحد الطهورين يب الثلاثة عن ابن أبان عن الأهوازي عن حماد عن حريز عن محمد بن
مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أجنب فتيمم بالصعيد وصلى ثم وجد الماء فقال لا يعيد إن رب الماء
رب الصعيد فقد فعل أحد الطهورين يب وبالسند عن الأهوازي عن صفوان عن العيص قال سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن رجل يأتي الماء وهو جنب وقد صلى قال يغتسل ولا يعيد الصلاة يب وبالسند عنه عن الثلاثة قلت
لأبي جعفر عليه السلام فإن أصاب الماء وقد صلى بتيمم وهو في وقت قال تمت صلاته ولا إعادة عليه يب
وبالسند عنه عن النضر بن سويد عن ابن سنان قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يأتي الماء يقول إذا لم يجد الرجل
طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض وليصل فإذا وجد ماء فليغتسل وقد أجزأته صلاته التي صلى يب الثلاثة
عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد عن الأهوازي عن يعقوب بن يقطين قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل
تيمم فصلى فأصاب بعد صلاته ماء أيتوضأ ويعيد الصلاة أم تجوز صلاته قال إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت
345

توضأ وأعاد فإن مضى الوقت فلا إعادة عليه يه عبد الله بن سنان أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يصيبه الجنابة في الليلة الباردة ويخاف على نفسه التلف أن يغتسل فقال يتيمم ويصلي فإذا أمن مس البرد اغتسل و
أعاد الصلاة الفصل الخامس في نبذ متفرقة من مباحث التيمم أربعة أحاديث كلها من التهذيب يب
الثلاثة عن ابن أبان عن الأهوازي عن الثلاثة قلت لا بي جعفر عليه السلام أرأيت المواقف إذا لم يكن على وضوء كيف يصنع
ولا يقدر على النزول قال يتيمم من لبده أو سرجه أو معرفة دابته فإن فيها غبارا ويصلي ن قول زرارة أرأيت
المواقف بمعنى أخبرني عن حاله والمراد به المشغول بالمحاربة يب الثلاثة عن محمد بن الحسن الصفار وسعد عن
أحمد بن محمد عن الأهوازي عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة وابن بكير عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل تيمم قال
يجزيه ذلك إلى أن يجد الماء ن المشار إليه بذلك يحتمل أن يكون التيمم الخاص الذي فعله ذلك الرجل أو
مطلق التيمم وعلى الأول لا بد من التقييد بما لم يحدث وعلى الثاني لا حاجة إلى هذا القيد يب الأهوازي
عن فضالة عن حماد بن عثمان قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل لا يجد الماء أيتيمم لكل صلاة فقال لا هو
بمنزلة الماء يب محمد بن علي بن محبوب عن العباس عن أبي همام عن الرضا عليه السلام قال يتيمم لكل صلاة حتى
يوجد الماء ن يمكن رفع المنافاة بين هذا الخبر وما سبق بأن غرضه عليه السلام هنا أن جميع أنواع الصلوات
من اليومية و العيدين والآيات وغيرها متساوية في أنه يتيمم لها حتى يوجد الماء وقال الشيخ رحمه الله في التهذيب
لو صح هذا الخبر لكان محمولا على الاستحباب ثم احتمل الحمل على تخلل التمكن من الماء بين الصلاتين وحمله الأول أولى
وقوله طاب ثراه لو صح لا يريد به الصحة بالمعنى الشايع بين المتأخرين فإنه اصطلاح جديد كما ذكرناه في مقدمة
الكتاب بل يريد لو ثبت صدوره عن الإمام عليه السلام
المسلك الثالث في أحكام المياه وفيه فصول خمسة
الفصل الأول فيما ورد في الكتاب العزيز في طهورية الماء قال الله تعالى في سورة الفرقان وأنزلنا من
السماء ماء طهورا وقال سبحانه في سورة الأنفال " وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز
الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام " ن المراد من السماء والله أعلم أما السحاب فإن كل ما علا
يطلق عليه السماء لغة ولذلك يسمون سقف البيت سماء وأما الفلك بمعنى أن ابتداء نزول المطر منه إلى السحاب
ومن السحاب إلى الأرض ولا التفات إلى ما زعمه الطبيعيون في سبب حدوث المطر فإنه مما لم يقم عليه دليل قاطع
أو المراد بإنزاله من السماء أنه حصل من أسباب سماوية تصعد أجزاء رطبة من أعماق الأرض إلى الجو فينعقد سحابا
ماطرا هذا وظاهر الآيات القرآنية يدل على أن المياه النابعة جلها أو كلها من المطر كقوله سبحانه " ألم تر أن الله
أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض " وقد ذهب جماعة إلى أن مياه الأرض كلها من السماء والفرق
بين الإنزال والتنزيل أنه إذا أريد الإشعار بالتدريج في النزول جئ بالتنزيل لتضمنه التدريج غالبا بخلاف الإنزال
وعلى ذلك جرى قوله تعالى " نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل " فإن كلا
منهما نزل جملة واحدة وأما القرآن المجيد فنزوله تدريجي وكذلك قوله تعالى " وإن كنتم في ريب مما
346

نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله " فإنهم كانوا يقولون لو كانوا من عند الله تعالى أو لم ينزل على التدريج شيئا
فشيئا كما هو دأب البلغاء فيما ينشؤنه والشعراء فيما ينظمونه فقال سبحانه " إن ارتبتم " في هذا الذي نزل متدرجا
" فأتوا بسورة واحدة من مثله " على التدريج وعلى هذا يمكن أن يكون تعبيره جل وعلا في الآية الثانية مما نحن فيه
لأنه سبحانه في صدد تذكيرهم بقضية بدر وتصوير تلك الأحوال كأنها حاضرة مشاهدة لهم من نزول المطر شيئا
فشيئا حتى تلبدت الأرض وتثبت أقدامهم عليها فصنعوا الحياض واغتسلوا واطمأنوا وزال عنهم وسوسة الشيطان
فقد روي أن الكفار سبقوا المسلمين إلى الماء فاضطر المسلمون ونزلوا على تل من رمل سيال لا تثبت فيه
أقدامهم وأكثرهم خائفون لقلتهم وكثرة الكفار فباتوا تلك الليلة على غير ماء فاحتلم أكثرهم فتمثل لهم إبليس وقال
تزعمون أنكم على الحق وأنتم تصلون بالجنابة وعلى غير وضوء وقد اشتد عطشكم ولو كنتم على الحق ما سبقوكم إلى الماء
وإذا أضعفكم العطش قتلوكم كيف شاؤوا ويمكن أن يكون التنزيل في الآية الثانية بمعنى الإنزال أيضا فقد يستعمل
كل من اللفظين بمعنى الآخر كما قال سبحانه الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب وكقوله تعالى " وقال الذين كفروا
لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة وتكون النكتة في ذكر التنزيل في الآية الثانية التي نحن فيها التوافق في صيغة
التفعيل بين المغيى وغايته التالية له والله أعلم بمراده والطهور هنا صيغة مبالغة في الطهارة وحيث إنها لا
تق بالتشكيك فيراد به الظاهر في نفسه المطهر لغيره كما ذكره جماعة من اللغويين وهذا أقرب إلى (..) من أنه ما
يتطهر به كالسحور لما يتسحر به والوقود لما يوقد به وأنكر أبو حنيفة استعمال الطهور بمعنى الطاهر (..) لغيره وزعم أنه بمعنى الطاهر فقط ويرده نص المحققين من اللغويين على خلافه وقوله صلى الله عليه وآله جعلت في الأرض مسجدا
وترابها طهورا ولو أراد الطاهر لم يثبت المزية وكذلك قوله صلى الله عليه وآله وقد سأل عن الوضوء بماء البحر هو
الطهور ماؤه الحل ميتته ولو لم يرد كونه مطهرا لم يستقم الجواب وقد روى العامة قوله صلى الله عليه وآله طهور
إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبعا ومعلوم أن المراد المطهر
واحتج أبو حنيفة على ما زعمه بوجهين الأول
أن المبالغة في صيغة فعول إنما هو بزيادة المعنى المصدري وشدته فيه كأكول وضروب وكون الماء مطهرا
لغيره أمر خارج عن أصل الطهارة التي هي المعنى المصدري فكيف يراد منه وأجيب بأن ذلك تعدى الطهارة منه
إلى غيره مسبب عن زيادتها وشدتها فيه فلا بد في خلاف ملاحظة ذلك عند إطلاق اللفظ وثانيهما قوله تعالى
وسقيهم ربهم شرابا طهورا " ولا يراد به المطهر إذ ليس هناك نجاسة بل المراد شرابا طاهرا أي ليس نجسا كخمر الدنيا
والجواب من وجهين الأول أن المراد بالطهور في الآية المطهر بمعنى المنظف فقد نقل أن الرجل من أهل الجنة
تقسم له شهوة مائة رجل من أهل الدنيا فيأكل ما شاء ثم يسقى شرابا طهورا فيظهر بطنه ويصير ما أكله رشحا يخرج
من جلده أطيب ريحا من المسك الثاني ما ذكره جماعة من المفسرين أن وصف ذلك الشراب بالطهور لأنه يطهر
شاربه عن الميل إلى اللذات الحسية والالتفات إلى ما سوى الحق جل وعلا وقد روى مثل ذلك عن الصادق عليه السلام
هذا ولعل المراد بقوله تعالى " ليطهركم به " الطهارة من النجاسة الحكمية أعني الجنابة والحدث الأصغر أو منهما ومن
347

العينية أيضا كالمني ويراد برجز الشيطان أما الجنابة فإنها من فعله وأما وسوسته لهم كما سبق والربط
على القلوب يراد به تشجيعها وتقويتها ووثوقها بلطف الله بهم وقيل إن هذا المعنى هو المراد أيضا بتثبيت أقدامهم
والله أعلم بحقايق الأمور الفصل الثاني في عدم انفعال الماء البالغ كرا بالنجاسة وانفعال القليل وتحديد
الكر اثني عشر حديثا الثاني والثالث والسادس والعاشر من الكافي والبواقي من التهذيب يب
الثلاثة عن محمد بن الحسن هو الصفار وسعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى وابن أبان عن الأهوازي عن حماد
هو ابن عيسى عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ كا العدة عن أحمد بن
محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن أبي أيوب الخزاز عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الماء الذي تبول
فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب قال إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ كا محمد بن إسماعيل عن الفضل بن
شاذان عن صفوان بن يحيى وعلي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى جميعا عن معاوية بن عمار قال سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ يب محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري عن العمركي عن علي بن جعفر
عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال سئلته عن الدجاجة والحمامة تطأ العذرة ثم تدخل في الماء يتوضأ
منه للصلاة قال لا إلا أن يكون الماء كثيرا قدر كر من ماء يب الثلاثة عن ابن أبان عن الأهوازي عن البزنطي
قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يدخل يده في الإناء وهي قذرة قال يكفئ الإناء ن قوله يكفي بضم حرف
المضارعة من إكفاء الإناء أي كببته وأهرقت ما فيه وكلام الصحاح يعطي أن الأصح كفات فإنه قال بعد ذكره
كفأت الإناء وزعم ابن الأعرابي أن أكفأته لغة انتهى وصاحب القاموس ساوى بين اللغتين في الصحة حيث
قال كفاه كمنعه كبه وقلبه كأكفاه انتهى ومما يشهد لابن الأعرابي بصحة أكفاه وفصاحتها ما تضمنته مقبولة
عبد الرحمن بن كثير الواردة في أذكار الوضوء من قول الصادق عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام أكفأ
الماء
بيده اليسرى على يده اليمنى وتمثيل صاحب القاموس كفاه بمنع يعطي أن مضارعه يكفأ كيقرء فلو كان يكفي في
الحديث الذي نحن فيه من كفا لكتب بالألف لكنه في كتب الحديث بالياء كا محمد بن يحيى عن العمركي عن علي بن جعفر عن
أخيه أبي الحسن عليه السلام قال سئلته عن رجل رعف فامتخط فصار بعض ذلك الدم قطعا صغارا فأصاب إناءه هل
يصلح له الوضوء منه فقال إن لم يكن شيئا يستبين في الماء فلا بأس وإن كان شيئا بينا فلا يتوضأ منه قال وسئلته
عن رجل رعف وهو يتوضأ فيقطر قطرة في إنائه هل يصلح الوضوء منه قال لا ن بهذا الحديث استدل
شيخ الطائفة على عدم نجاسة الماء بما لا يدركه البصر من الدم وأجابه العلامة في المختلف بأن السؤال لعله عن
إصابة خارج الإناء وفيه أن علي بن جعفر لا يسئل عن مثل ذلك ويمكن حمله على الشك في إصابة الماء وهذا مما
يليق سؤاله عنه ثم إنه طاب ثراه جعل هذا الحديث معارضا بمنعه عليه السلام من الوضوء مما يقطر فيه قطرة
من الدم وظني أنه لا يصلح لمعارضته كما ذكرته في الحبل المتين يب الأهوازي عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال
كتبت إلى من يسئله عن الغدير يجتمع فيه ماء السماء وتستقي فيه من بئر فيستنجي فيه الإنسان من بول أو يغتسل فيه الجنب
348

ما حده الذي لا يجوز فكتب لا توضأ من مثل هذا إلا من ضرورة إليه ن الظاهر أن السؤال إنما هو عما
إذا بلغ الكر وقد حمل بعض الأصحاب الوضوء هنا على الاستنجاء وكأنه جعل قول السائل فيستنجي فيه إلى آخره سؤالا
عن جواز الاستنجاء والغسل بذلك الماء ليطابق الجواب عن السؤال والظاهر أن مراد السائل أن ذلك الماء
الذي يستنجي فيه ويغتسل ما حده في جانب القلة بحيث لا يجوز استعماله في الطهارة بعد ذلك فأجابه عليه السلام
بالتنزه عن الوضوء بمثل ذلك الماء إلا لضرورة وفيه إشعار بأنه لا ينجس بذلك الماء إلا لضرورة وفيه إشعار
بأنه لا ينجس بذلك ولكن يكره الوضوء به وعلى هذا لا باعث على حمل الوضوء في كلامه عليه السلام على الاستنجاء
يب أحمد بن محمد هو ابن عيسى عن البزنطي عن صفوان بن يحيى مهران الجمال قال سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع وتلغ فيها الكلاب وتشرب منه الحمير ويغتسل فيها الجنب و
يتوضأ منه فقال وكم قدر الماء فقلت إلى نصف الساق وإلى الركبة فقال توضأ منه ن لما كانت تلك الحياض
التي بين الحرمين الشريفين معهودة معروفة في ذلك الزمان اقتصر عليه السلام على السؤال عن مقدار عمق مائها فإن
من المعلوم أن مساحة أمثال تلك الحياض المعدة لسقي الحاج كانت تزيد في الطول والعرض على قدر الكر بكثير يب
محمد بن علي بن محبوب عن العباس هو ابن معروف عن عبد الله بن المغيرة عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه
السلام قال قلت له الغدير ماء مجتمع تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب قال إذا كان قدر كر لم ينجسه شئ
والكر ستمائة رطل ن المراد رطل مكة وهو ضعف الرطل العراقي فلا تخالفه رواية ابن أبي عمير بأن الكر ألف و
مأتا رطل إذ المراد به العراقي كا علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا عن الثلاثة قال إذا
كان الماء أكثر من رواية لم ينجسه شئ تفسخ فيه أو لم يتفسخ إلا أن يجئ له ريح يغلب على ريح الماء ن هذا الحديث
مضمر ولكن مضرات زرارة معلومة الانتساب إلى أحدهما عليهما السلام والشيخ في الاستبصار صرح بأن القائل هو
الباقر عليه السلام يب الثلاثة عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أيوب بن نوح عن صفوان هو ابن يحيى عن إسماعيل بن
جابر قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الماء الذي لا ينجسه شئ قال ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته يب
وبالسند عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن البرقي عن عبد الله بن سنان عن إسماعيل بن جابر قال سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الماء الذي لا ينجسه شئ قال كر قلت وما الكر قال ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار ن روى شيخ الطائفة
في التهذيب هذا الحديث بسند آخر ضعيف أورده قبل هذا بثلاثة عشر حديثا هكذا الثلاثة عن سعد بن عبد الله
عن أحمد بن محمد عن محمد بن خالد عن محمد ابن سنان عن إسماعيل بن جابر قال سألت إلى آخره وضعفه ظاهر وأما هذا السند
فقد أطبق علمائنا من زمن العلامة طاب ثراه إلى زماننا هذا على صحته ولم يطعن أحد فيه حتى انتهت النوبة إلى
بعض الفضلاء الذين عاصرناهم قدس الله أرواحهم فحكموا بخطاء العلامة وأتباعه في قولهم بصحته وزعموا أن طبقات
الرواة في التقدم والتأخر تقتضي أن يكون ابن سنان المتوسط بين البرقي وإسماعيل بن جابر محمد إلا عبد الله وأن تبديل
شيخ الطائفة له بعبد الله في سند الحديث توهم فاحش لأن البرقي ومحمد بن سنان في طبقة واحدة فإنهما من
349

أصحاب الرضا عيه السلام وأما عبد الله بن سنان فليس من طبقة البرقي لأنه من أصحاب الصادق عليه السلام فرواية
البرقي عنه بغير واسطة مستنكرة وأيضا فوجود الواسطة في هذه الرواية بين ابن سنان وبين الصادق عليه السلام
يدل على أنه محمد لا عبد الله لأن زمان محمد متأخر عن زمانه عليه السلام بكثير فهو لا يروي عنه بالمشافهة بل لا بد من
تخلل الواسطة وأما عبد الله بن سنان فهو من أصحاب الصادق عليه السلام والظاهر أنه يأخذ عنه بالمشافهة
لا بالواسطة هذا حاصل كلامهم وظني أن الخطأ في هذا المقام إنما هو منهم لا من العلامة وأتباعه قدس الله
أرواحهم ولا من شيخ الطائفة نوع الله مرقده فإن البرقي وإن لم يدرك زمان الصادق عليه السلام لكنه قد أدرك
بعض أصحابه ونقل عنهم بلا واسطة ألا ترى إلى روايته عن داود بن أبي يزيد العطار حديث من قتل أسدا في الحرم
وعن ثعلبة بن ميمون حديث الاستمناء باليد وعن زرعة حديث صلاة الأسير في باب صلاة الخوف وهؤلاء
كلهم من أصحاب الصادق عليه السلام فكيف لا تنكر روايته عنهم بلا واسطة وتنكر عن عبد الله بن سنان وأيضا
فالشيخ قد عد البرقي في أصحاب الكاظم عليه السلام وأما تخلل الواسطة بين ابن سنان وبين الصادق عليه السلام
فإنما يدل على أنه محمد لو لم توجد بين عبد الله أيضا وبينه عليه السلام واسطة في شئ من الأسانيد لكنه قد توجد بينهما
كتوسط عمر بن يزيد في دعاء آخر سجدة من نافلة المغرب وتوسط حفص الأعور في تكبيرات الافتتاح وقد يتوسط
شخص واحد بعينه بين كل منهما وبين الصادق عليه السلام كإسحاق بن عمار فإنه متوسط بين محمد وبينه عليه السلام في
سجدة الشكر وهو بعينه متوسط أيضا بين عبد الله وبينه عليه السلام في طواف الوداع وتوسط إسماعيل بن جابر في
سندي الحديثين اللذين نحن فيهما من هذا القبيل والله الهادي إلى سواء السبيل والعجب من هؤلاء الأقوام
المعترضين على أولئك الأعلام أنهم يستنكرون لقاء البرقي لعبد الله بن سنان ولا يستنكرون لقاء محمد بن سنان
لإسماعيل بن جابر مع أن ما ظنوه علة لعدم اللقاء مشترك والإنصاف أن لقاء البرقي لعبد الله بن سنان مما لا
يستنكر بعد ملاحظة ما قررناه وأيضا فإنه كان خازنا للرشيد والبرقي من أصحاب الكاظم وقد ذكر المسعودي رحمه
الله أن ما بين وفاته عليه السلام ووفات الرشيد عشر سنين فرواية البرقي عنه لا مانع منها بالنظر إلى طبقات الرواة
كما روى عن داود وثعلبة وزرعة وإذا جازت رواية الحسين بن سعيد مع أنه ممن لقي الهادي عليه السلام
عنه بلا واسطة حديث قنوت الوتر وغيره فلم لا يجوز رواية من هو من أصحاب الكاظم عليه السلام عنه كذلك وبما
تلوناه عليك يظهر أن شيخ الطائفة والعلامة وأتباعهم لا طعن عليهم فيما ذكروه والله ولي التوفيق
الفصل
الثالث في حكم ماء الحمام وماء المطر والمتغير سبعة أحاديث الخامس والسادس من الفقيه والبواقي من التهذيب
يب أحمد بن محمد هو ابن عيسى عن التميمي عن داود بن سرحان قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الحمام يغتسل فيه
الجنب ما تقول في ماء الحمام قال هو بمنزلة الماء الجاري يب الأهوازي عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب عن محمد بن
مسلم قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الحمام يغتسل فيه الجنب وغيره اغتسل من مائة قال نعم لا بأس أن يغتسل منه الجنب
ولقد اغتسلت فيه ثم جئت فغسلت رجلي وما غسلتهما إلا مما لزق بهما من التراب يب وعنه عن ابن
350

أبي عمير عن فضالة عن جميل بن دراج عن محمد بن مسلم قال رأيت أبا جعفر عليه السلام جائيا من الحمام وبينه وبين داره
قذر فقال لولا ما بيني وبين داري ما غسلت رجلي ولا نحيت ماء الحمام ن لفظة قذر بالذال المعجمة ويمكن التمسك
بهذا الحديث على طهارة غسالة الحمام بل هو نص في ذلك ورواية الأهوازي عن فضالة بواسطة وإن كانت قليلة
إلا أنها قد تقع بل أنكر بعض علماء الرجال روايته عنه بغير واسطة يب وعنه عن صفوان هو ابن يحيى عن
العلا عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام قال سئلته عن ماء الحمام فقال أدخله بإزار ولا تغتسل من ماء آخر إلا أن يكون
فيه جنب أو يكثر أهله فلا يدري فيه جنب أم لا يه علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن البيت يبال على
ظهره ويغتسل من الجنابة ثم يصيبه المطر يؤخذ من مائه فيتوضأ به للصلاة فقال إذا جرى فلا بأس به قال وسئلته
عن الرجل يمر في ماء المطر وقد صبت فيه خمر فأصاب ثوبه هل يصلي فيه قبل أن يغسله فقال لا يغسل ثوبه ولا رجله و
يصلي فيه ولا بأس ن المراد بماء المطر حال تقاطره أو إذا بلغ كرا فصاعدا يه هشام بن سالم أنه سأل أبا
عبد الله عليه السلام عن السطح يبال عليه فيصيبه السماء فكيف فيصيب الثوب فقال لا بأس به ما أصابه أكثر منه ن
يمكن أن يراد بالسماء معناها المتعارف أي تصيبه مطرها وأن يراد المطر فإن من أسمائه السماء وحرف المضارعة في
فتصيبه تاء فوقانية على الأول وباء على الثاني يب المفيد عن ابن قولويه عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد
عن الأهوازي عن التميمي عن حماد بن عيسى عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال كلما أغلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من
الماء واشرب فإذا تغير الماء وتغير الطعم فلا توضأ منه ولا تشرب ن قد يستدل بظاهره على مذهب ابن أبي عقيل
من عدم انفعال القليل إلا بالتغير وقوله عليه السلام فإذا تغير الماء أي تغير ريحه لكن عطف تغير الطعم عليه يشعر بأنه
لا بد من تغير الوصفين معا اللهم إلا أن يجعل العطف تفسيريا فتأمل الفصل الرابع في حكم ماء البئر تسعة
عشر حديثا السادس والثامن والأخير من الكافي والعاشر من الاستبصار والبواقي من التهذيب يب أحمد بن محمد
عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه السلام قال ماء البئر واسع لا يفسده شئ إلا أن يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتى
يذهب الريح ويطيب طعمه لأن له مادة يب الثلاثة عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد عن الأهوازي عن حماد
هو ابن عيسى عن ابن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول لا يغسل الثوب ولا تعاد الصلاة مما وقع في البئر إلا أن
ينتن فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ونزحت البئر يب سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن عبد الله بن
الصلت عن عبد الله بن المغيرة عن ابن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في الفارة تقع في البئر فيتوضأ الرجل منها ويصلي
وهو لا يعلم أيعيد الصلاة ويغسل ثوبه قال عليه السلام لا يعيد الصلاة ولا يغسل ثوبه يب أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن أبان بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام
قال سأل عن الفارة تقع في البئر لا يعلم بها إلا بعدما يتوضأ منها اتعاد الصلاة فقال لا يب وبالسند عن أبان
عن أبي أسامة وأبي يوسف يعقوب بن عثيم عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا وقع في البئر الطير والدجاجة والفارة
فانزح منها سبع دلاء قلنا فما تقول في صلاتنا ووضوئنا وما أصاب ثيابنا فقال لا بأس به ن الدجاجة تطلق
على الذكر والأنثى ونقل في دالها التثليث وإسقاط التاء من السبع يعطي تأنيث الدلو وفي القاموس أنه يذكر ويؤنث
351

وقول الراوي فما تقول إلى آخره المراد به قبل النزح كا العدة عن أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل عن الرضا عليه السلام
قال ماء البئر واسع لا يفسده شئ يب محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن الحسين هو ابن أبي الخطاب عن موسى بن
القاسم عن علي بن جعفر عليهما السلام قال سئلته عن بئر ماء وقع فيها زنبيل من عذرة رطبة أو يابسة أو زنبيل من سرقين
أيصلح الوضوء منها قال لا بأس ن الزنبيل بكسر الزاي فإن فتحتها فلا بد من حذف النون وتشديد الباء والسرقين
بكسر السين معرب سركين كا العدة عن أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال كتبت إلى رجل أسأله
أن يسأل
أبا الحسن الرضا عليه السلام عن البئر تكون في المنزل فيقطر فيها قطرات من بول أو دم أو يسقط فيها شئ من عذرة
كالبعرة ونحوها ما الذي يطهرها حتى يحل الوضوء منها للصلاة فوقع عليه السلام في كتابي بخطه ينزح دلاء منها
ن تمسك القائلون بنجاسة البئر بالملاقاة بهذا الحديث وأمثاله فإن قوله حتى يحل الوضوء منها كالصريح
في نجاستها وإن كان ذلك من كلام الراوي لأن تقريره عليه السلام حجة وأمثال هذه الأحاديث الدالة بظاهرها
على نجاستها كثيرة لكن لما كانت الأحاديث الدالة على عدم انفعالها كثيرة أيضا لم يكن بد من حمل هذه على الاستحباب
وحينئذ ينبغي حمل الحل على تساوي الطرفين من غير ترجيح إذ على تقدير استحباب النزح يكون الوضوء منها قبله مرجوحا
والله أعلم يب محمد بن يحيى عن العمركي بن علي عن علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه السلام قال سئلته عن رجل ذبح
شاة فاضطربت فوقعت في بئر ماء وأوداجها تشخب دما هل يتوضأ منها قال ينزح ما بين الثلاثين إلى الأربعين دلوا
ثم يتوضأ منها ولا بأس به قال وسئلته عن رجل ذبح دجاجة أو حمامة فوقعت في بئر هل يصلح أن يتوضأ منها قال
ينزح منها دلاء يسيرة ثم يتوضأ منها وسئلته عن رجل يستسقي من بئر فرعف فيها هل يتوضأ منها قال ينزح
منها دلاء يسيرة ص الأهوازي عن النضر هو ابن سويد عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن
سقط في البئر دابة صغيرة أو نزل فيها جنب نزح منها سبع دلاء وإن مات فيها ثور أو صب فيها خمر نزح الماء كله
يب عنه عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن زرارة ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما
السلام في البئر يقع فيها الدابة والفارة والكلب والطير فيموت قال يخرج ثم ينزح من البئر دلاء ثم اشرب وتوضأ
يب سعد بن عبد الله عن أيوب بن نوح النخعي عن محمد بن أبي حمزة عن علي بن يقطين عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما
السلام قال سئلته عن البئر تقع فيها الحمامة والدجاجة أو الفارة أو الكلب أو الهرة فقال يجزيك أن تنزح منها دلاء
فإن ذلك يطهرها إن شاء الله تعالى ن حمل القائلون بعدم انفعال البئر بالنجاسة الطهارة هنا على معناها
اللغوي أعني النظافة يب محمد بن علي بن محبوب عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
عليه السلام في البئر يبول فيها الصبي أو يصب فيها بول أو خمر قال ينزح الماء كله ن ظاهر أمره عليه السلام بالنزح
لانصباب الخمر يعطي أنه لا يجوز قبل النزح استعمال مائه في الطهارة وإزالة النجاسة ورش أرض المسجد ونحو ذلك
وهو يعطي نجاسة الخمر عند من يوجب النزح لا التعبد وأما ما يقال من أنه للاحتراز عن شرب الأجزاء الخمرية وإن كانت
مستهلكة في الماء ولا دلالة فيه على نجاسة الخمر ففيه من البعد ما لا يخفى يب الأهوازي عن ابن أبي عمير
352

عن جميل بن دراج عن أبي أسامة زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام في الفارة والسنور والدجاجة والكلب والطير قال
إذا لم يتفسخ أو يتغير طعم الماء فيكفيك خمس دلاء وإن تغير الماء خذ منه حتى يذهب الريح يب وعنه عن صفوان هو
ابن محمد عن العلا عن محمد عن أحدهما عليهما السلام في البئر تقع فيها الميتة قال إذا كان له ريح نزح منها عشرون دلوا وقال
إذا دخل الجنب البئر نزح منها سبع دلاء يب وعنه عن فضالة عن العلاء عن محمد عن أحدهما عليهما السلام قال إذا دخل
الجنب البئر نزح منها سبع دلاء يب الثلاثة عن ابن أبان عن الأهوازي عن حماد وفضالة عن معاوية بن عمار قال
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الفارة والوزغة تقع في البئر قال ينزح منها ثلاثة دلاء يب محمد بن علي بن محبوب
عن العباس بن معروف عن عبد الله بن المغيرة عن أبي مريم قال حدثنا جعفر عليه السلام قال كان أبو جعفر عليه السلام يقول إذا مات
الكلب في البئر نزحت وقال أبو جعفر عليه السلام إذا وقع فيها ثم أخرج منها حيا نزح منها سبعة دلاء كا محمد بن يحيى عن
أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستسقى
به الماء من البئر هل يتوضأ من ذلك البئر قال لا بأس ن هذا الحديث قد يجعل دليلا للسيد المرتضى وأتباعه في قولهم
بعدم نجاسة ما لا تحله الحياة من نجس العين لأن ماء الدلو لا ينفك من تساقط القطرات من الحبل فيه كما تشهد به العادة
وقد يستدل به على عدم نجاسة البئر بالملاقاة وحمل الشيخ له على عدم وصول الماء لا يخفى بعده وربما يستدل به على ما
ذهب إليه ابن أبي عقيل من عدم نجاسة القليل بدون التغير وأنت خبير بأنه بعد قيام هذه الاحتمالات لا يصلح دليلا
لشئ من تلك الأقوال والله أعلم بحقيقة الحال
الفصل الخامس في الأسئار والماء المستعمل ثمانية عشر حديثا
السادس والسابع والثاني عشر من الكافي والرابع عشر من الفقيه والبواقي من التهذيب يب الثلاثة عن ابن
أبان عن الأهوازي عن حماد عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في الهرة أنها من أهل البيت ويتوضأ من سؤرها
يب المفيد عن ابن قولويه عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن الأهوازي عن فضالة بن أيوب وابن أبي
عمير عن جميل بن دراج قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن سؤر الدواب والغنم والبقر أيتوضأ منه ويشرب منه فقال
لا بأس يب الأهوازي عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال في كتاب علي عليه السلام أن الهر
سبع ولا بأس بسؤره وأني لأستحيي من الله أن أدع طعاما لأن الهر أكل منه يب وعنه عن حماد عن حريز عن محمد هو ابن
مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الكلب يشرب من الإناء قال اغسل الإناء وعن السنور قال لا بأس أن يتوضأ
من فضلها إنما هي من السباع يب وعنه عن حماد عن حريز عن الفضل أبي العباس قال سألت أبا عبد الله عليه
السلام عن فضل الهرة والشاة والبقر والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع فلم أترك شيئا ألا سئلته عنه فقال
لا بأس حتى انتهيت إلى الكلب فقال لا رجس نجس ولا يتوضأ بفضله واصبب ذلك الماء واغسله بالتراب أول مرة ثم
بالماء ن قول الراوي فلم أترك شيئا يراد به ما عدا الخنزير والكافر وينبغي أن يقرأ بحسن بكسر النون وإسكان الجيم على
وزن رجس وهكذا كلما ذكر النجس عقيب الرجس حكاه في الصحاح عن الفراء وضمير اغسله يعود إلى الإناء المدلول عليه
بسوق الكلام وستسمع كلاما في بحث النجاسات في قوله عليه السلام فاغسله بالتراب كا محمد بن إسماعيل عن الفضل بن
353

شاذان عن صفوان بن يحيى عن العيص بن القسم عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن سؤر الحائض قال لا توضأ
منه وتوض من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة وتغسل يديها قبل أن تدخلهما في الإناء ن قوله عليه السلام وتوض
من سؤر الجنب يريد به المرأة الجنب وهذا اللفظ مما يستوي فيه المذكر والمؤنث كما مر وقوله عليه السلام وتغسل
يديها لعله كالتفسير للمأمونة ويحتمل جعله جملة برأسها تتضمن أمر الحائض بغسل يديها قبل إدخالهما الإناء كا
محمد بن يحيى عن محمد بن إسماعيل عن علي بن الحكم عن شهاب بن عبد ربه عن أبي عبد الله عليه السلام في الجنب يسهو فيغمس يده
في الإناء قبل أن يغسلها أنه لا بأس إذا لم يكن أصاب يده شئ يب العمركي عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر
عليهما السلام قال سألته عن الغظائة والحية والوزغة تقع في الماء فلا تموت أيتوضأ منه للصلاة قال لا بأس به
يب وبالسند عنه عليه السلام قال وسئلته عن فارة وقعت في حب دهن فأخرجت قبل أن تموت أيبيعه من
مسلم قال نعم وتدهن منه يب محمد بن يحيى بالسند عنه عليه السلام قال سألته عن الفارة والكلب إذا أكلا من
الخبز أو شماه أيؤكل قال يطرح ما شماه ويؤكل ما بقي ن سكت عليه السلام عن أول الشقين لدلالة الثاني على حكمه
وقوله عليه السلام يطرح من قبيل عموم المجاز فبالنظر إلى الكلب للوجوب وإلى الفارة للاستحباب هذا إن ماست آلة
الشم برطوبة وإلا فهو فيهما للاستحباب يب الأهوازي عن علي بن النعمان عن سعيد الأعرج قال سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن الفارة تقع في السمن أو الزيت ثم تخرج منه حيا قال لا بأس بأكله كا محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد
عن محمد بن إسماعيل عن علي بن الحكم عن شهاب بن عبد ربه عن أبي عبد الله أنه قال في الجنب يغتسل فيقطر الماء عن جسده
في الإناء وينتضح الماء من الأرض فيصير في الإناء أنه لا بأس بهذا كله يب الثلاثة عن ابن أبان عن الأهوازي عن ابن
أبي عمير عن ابن أذينة عن الفضل هو ابن يسار قال سأل أبو عبد الله عليه السلام عن الجنب يغتسل فينتضح من الأرض في الإناء قال لا بأس
هذا مما قال الله تعالى " ما جعل عليكم في الدين من حرج " يه هشام بن سالم أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام فقال له
اغتسل من الجنابة وغير ذلك في الكنيف الذي يبال فيه وعلي نعل سندية فاغتسل وعلي النعل كما هي فقال إن كان الماء
الذي يسيل من جسدك يصيب أسفل قدميك فلا تغسل قدميك
الحديث يب أحمد بن محمد هو ابن عيسى عن موسى بن
قسم البجلي وأبي قتادة عن علي بن جعفر عن أبي الحسن الأول عليه السلام قال سئلته عن الرجل يصيب الماء في ساقية أو مستنقع
أيغتسل منه للجنابة أو يتوضأ منه للصلاة إذا كان لا يجد غيره والماء لا يبلغ صاعا للجنابة أو يتوضأ منه للصلاة ولا مدا
للوضوء وهو متفرق فكيف يصنع وهو يتخوف أن يكون السباع قد شربت منه فقال إذا كانت يده نظيفة فليأخذ
كفا من الماء بيد واحدة فلينضحه خلفه وكفا أمامه وكفا عن يمينه وكفا عن شماله وإن خشي أن لا يكفيه غسل رأسه ثلاث مرات
ثم مسح جلده بيده فإن ذلك يجزيه وإن كان الوضوء غسل وجهه ومسح يده على ذراعيه ورأسه ورجليه وإن كان الماء متفرقا
فقدر أن يجمعه وإلا اغتسل من هذا وهذا فإن كان في مكان واحد وهو قليل لا يكفيه لغسله فلا عليه أن يغتسل ويرجع
الماء فيه فإن ذلك يجزيه ن هذا الحديث من جملة الأحاديث المعضلة المعنى وخصوصا أمره عليه السلام بنضح
الأكف الأربع وقد ورد أمر الصادق عليه السلام به فيما رواه محمد بن ميسر عنه عليه السلام أنه سأل عن الجنب ينتهي إلى الماء
354

القليل والماء في وهذه فإن هو اغتسل رجع غسله في الماء كيف يصنع قال ينضح بكف بين يديه وكف خلفه وكف عن
يمينه وكف عن شماله ويغتسل وقد أفتى بمضمونها الصدوق في الفقيه فقال فإن اغتسل الرجل في وهدة وخشي أن يرجع ما
ينصب عنه إلى الماء الذي يغتسل منه أخذ كفا وصبه أمامه وكفا عن يمينه وكفا عن يساره وكفا من خلفه واغتسل انتهى
وقد ذكر علمائنا رحمهم الله في فائدة نضح الأكف الأربع وجهين مبنيين على المنع من رفع الحدث بالماء المنفصل عن
غسل الجنابة كما هو مذهب جماعة من علمائنا أحدهما أن المراد رش الأرض التي يغتسل عليها ليكون تشربها للماء
أسرع فينفذ الماء المنفصل عن أعضائه في أعماقها قبل وصوله إلى الماء الذي يغترف منه الثاني أن المراد ترطيب
الجسد بل جوانبه بالأكف الأربع قبل الغسل ليجري ماء الغسل عليه بسرعة ويكمل الغسل قبل وصول الغسالة إلى ذلك
الماء واعترض على الأول بأن رش الأرض بالماء قبل الغسل يوجب سرعة جريان غسالته عليها لقلة تسريها حينئذ للغسالة
فيحصل يفتض ما هو المطلوب من الرش وعلى الثاني بأن سرعة جريان ماء الغسل على البدن مقتض لسرعة تلاحق أجزاء
الغسالة وتواصلها وهو يعين على سرعة الوصول إلى الماء وهو نقيض المطلوب أيضا ويخطر بالبال أنه يمكن دفع الأول
بأن التجربة شاهدة بأنك إذا رششت أرضا منحدره شديدة الجفاف ذات غبار بقطرات من الماء فإنك تجد كل قطرة
تلبس غلافا ترابيا وتتحرك على سطح تلك الأرض على جهة انحدارها حركة ممتدة امتدادا يسيرا قبل أن تنفذ في أعماقها ثم تغوص فيها بخلاف ما إذا كان في الأرض نداوة قليلة فإن تلك القطرات تغوص في أعماقها
ولا تتحرك على سطحها بقدر تحركها على سطح الجافة فظهر أن الرش محصل للمطلب لا مناقض له ويمكن مع الثاني بأن انحدار
الماء من أعالي البدن إلى أسافله أسرع من انحداره على الأرض المائلة إلى الانخفاض لأنه طالب للمطلوب على أقرب الطرق
فيكون انفصاله عن البدن أسرع من اتصاله بالماء الذي يغترف منه هذا إذا لم تكن المسافة بين مكان الغسل وبين
المكان الذي يغترف منه قليلة جدا فلعله كان في كلام السائل ما يدل على ذلك فتدبر ثم أمره عليه السلام بغسل رأسه
ثلاث مرات ومسح بقية بدنه يدل على أجزاء المسح عن الغسل عند قلة الماء وهو غير مشهور بين الفقهاء نعم
هو موافق لما ذهب إليه ابن الجنيد من وجوب غسل الرأس ثلاثا والاجتزاء بالدهن في بقية البدن وقوله عليه السلام وإن
كان الوضوء إلى آخره صريح في الاجتزاء بمسح اليدين عن غسلهما في الوضوء عند قلة الماء وقوله عليه السلام في آخر الحديث فإن
كان في مكان واحد إلى آخره يدل على أن الجنب إذا لم يجد من الماء إلا ما يكفيه لبعض أعضائه غسل ذلك البعض به وغسل
البعض الآخر بغسالته وأنه لا يجوز له ذلك إلا مع قله الماء كما يدل عليه مفهوم الشرط يب الثلاثة عن ابن قولويه
عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن أبان بن عثمان عن محمد بن النعمان عن أبي عبد الله عليه السلام
قال قلت له استنجى ثم يقع ثوبي فيه وأنا جنب فقال لا بأس ن الضمير في قوله فيه يعود إلى ماء الاستنجاء المدلول
عليه بقوله استنجى وأما قوله وأنا جنب فأراد به أن ذلك الماء قد جرى على عضو نجس بنجاستين حدثية وخبثية فما
توهمه بعض الطلبة من أن هذه الضميمة لغو فاحش مما لا ينبغي الإصغاء إليه يب وبالسند عن أحمد بن محمد عن
علي بن النعمان ومحمد بن سنان عن عبد الله بن مسكان عن ليث المرادي عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي قال سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به أينجس ذلك ثوبه قال لا
المسلك الرابع في تعدد النجاسات
355

ونبذة من أحكامها وفيه فصول الفصل الأول في البول تسعة أحاديث الخامس من الفقيه والبواقي من التهذيب
يب الثلاثة عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد عن الأهوازي عن صفوان عن العلا عن محمد عن أحدهما عليهما
السلام قال سئلته عن البول يصيب الثوب فقال اغسله مرتين يب وبالسند عن الأهوازي عن فضالة عن حماد بن
عثمان عن أبي محمد قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن البول يصيب الثوب فقال اغسله مرتين ن قد يتوهم أن لفظة
مرتين من كلام الراوي وأن الإمام عليه السلام قال اغسله اغسله بتكرير فعل الأمر فلا دلالة في الحديث على تعدد الغسل
وهذا التوهم ليس بشئ كما ينبئ عنه هذا الحديث يب وهو محمد بن أحمد بن يحيى عن السندي بن محمد عن علا عن
محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الثوب يصيبه البول قال اغسله في المركن مرتين فإن غسلته في ماءه
جار فمرة واحدة ن المركن بكسر الميم وإسكان الراء وفتح الكاف وآخره نون الإجانة والظاهر أنه لا فرق في وجوب
تعدد غسل البول بين الثوب والبدن كما يشعر به رواية الحسين بن أبي العلا لكني لم أظفر بحديث صحيح يدل على التعدد
في غير الثوب والله أعلم يب محمد بن يحيى عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله عليه
السلام قال كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة من بول قرضوا لحومهم بالمقاريض وقد وسع الله عليكم
بأوسع مما بين السماء والأرض وجعل لكم الماء طهورا فانظروا كيف تكونون ن استدل العلامة في المنتهى
بهذا الحديث على عدم جواز الاستنجاء من البول بغير الماء قال طاب ثراه لأن تخصيصه عليه السلام بالماء يدل على نفي
الطهورية من غيره خصوصا عقيب ذكر النعمة بالتخفيف فلو كان البول يزول بغيره لكان التخصيص به منافيا للمراد
هذا كلامه وفي استدلاله قدس سره نظر فإن الظاهر أن قرض بني إسرائيل لحومهم إنما كان من بول يصيب أبدانهم من
خارج لا أن استنجائهم من البول كان بقرض لحومهم فإنه يؤدي إلى انقراض أعضائهم في مدة يسيرة والظاهر أنهم
لم يكونوا مكلفين بذلك والله سبحانه أعلم يه حكم بن حكيم أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام فقال له أبول فلا أصيب
الماء وقد أصاب يدي شئ من البول فأمسحه بالحائط أو بالتراب ثم تعرق يدي فأمسح وجهي أو بعض جسدي أو تصيب
ثوبي فقال لا بأس به ن لعل وجه ذلك أن السائل لم تيقن إصابة البول جميع أجزاء اليد ولا وصول جميع أجزائها
إلى الوجه أو الجسد أو الثوب ولا شمول العرق كل اليد فلا يخرج شئ من الثلاثة عما كان عليه من الطهارة باحتمال
ملاقاة النجاسة والله أعلم يب الأهوازي عن صفوان عن العيص بن القسم قال سألت أبا عبد الله عليه
السلام عن رجل بال في موضع ليس فيه ماء فمسح ذكره بحجر وقد عرق ذكره وفخذاه قال يغسل ذكره وفخذيه وسئلته
عمن مسح ذكره بيده ثم عرقت يده فأصابت ثوبه أيغسل ثوبه قال لا يب الثلاثة عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن
محمد عن الخراساني قال قلت للرضا عليه السلام الطنفسة والفراش يصيبهما البول كيف يصنع به وهو كثير الحشو قال
يغسل ما ظهر منه في وجهه ن الطنفسة مثلثة بالطاء والفاء البساط ولعل الاكتفاء بغسل ظاهره إذا لم يعلم
نفوذ البول إلى أعماقه يب الثلاثة عن ابن أبان عن الأهوازي عن فضالة عن أبان بن عثمان عن البصري قال سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يمسه بعض أبوال البهائم أيغسله أم لا فقال يغسل بول الحمار والفرس والبغل وأما
356

الشاة وكلما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله ن لعل المراد بما يؤكل لحمه ما جرت العادة بأكله أو ما يحل أكله من دون
كراهة وإلا فظاهر هذه الرواية يشعر بتحريم لحوم الثلاثة ونجاسة أبوالها وسيأتي في كتاب الأطعمة والأشربة
إن شاء الله حديث صحيح يتضمن النهي عن لحومها وقد حمل على الكراهة وذهب بعض علمائنا إلى نجاسة أبوالها وإن
حلت لحومها لكن الذي عليه أكثرهم هو الطهارة وحملوا ما تضمنته هذه الرواية وأمثالها من الأمر بالغسل على
الاستحباب يب الأهوازي عن فضالة عن حسين بن عثمان عن ابن مسكان عن الحلبي قال سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن أبوال الخيل والبغال فقال اغسل ما أصابك منه
الفصل الثاني في الدم والمني أربعة أحاديث
كلها من التهذيب يب الأهوازي عن الثلاثة قال قلت أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شئ من مني فعلمت أثره
إلى أن أصيب له من الماء فأصبت وقد حضرت الصلاة ونسيت أن بثوبي شيئا وصليت ثم إني ذكرت بعد ذلك قال
تعد الصلاة وتغسله قلت فإن لم أكن رأيت موضعه وعلمت أنه قد أصابه فطلبته فلم أقدر عليه فلما صليت وجدته
قال تغسله وتعيد قلت فإن ظننت أنه قد أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثم صليت فرأيت فيه
قال تغسله ولا تعيد صلاتك قلت ولم ذلك قال لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس
ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا قلت فإني قل علمت أنه أصابه ولم أدر أين هو فاغسله قال تغسل ثوبك
من الناحية التي ترى أنها قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك قلت وهل على أن شككت في أنه أصابه شئ
أن أنظر فيه قال لا ولكنك إنما تريد أن تذهب الشك الذي وقع في نفسك قلت إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة
قال تنقض للصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته وإن لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت وغسلته ثم بنيت
على الصلاة لأنك لا تدري لعله شئ أوقع عليك فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك ن هذا الحديث من مضمرات
زرارة وقد رواه عنه الصدوق رحمه الله في كتاب العلل وصرح هناك بأن المسؤول منه هو أبو جعفر الباقر عليه السلام وقد
بسطنا الكلام في الحبل المتين في شرح هذا الحديث يب الأهوازي عن فضالة عن العلا عن محمد عن أحدهما عليهما
السلام قال سئلته عن المذي يصيب الثوب فقال ينضحه بالماء إن شاء قال وفي المني يصيب الثوب قال إن عرفت مكانه
فاغسله وإن خفي عليك فاغسله كله يب وعنه عن حماد عن حريز عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال ذكر
المني فشدده وجعله أشد من البول ثم قال إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة وإن
نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة عليك وكذلك البول يب وعنه عن (..) قال
سئلته عن الرجل يجنب في ثوبه أيتجفف فيه من غسله فقال نعم لا بأس به إلا أن تكون النطفة فيه رطبة فإن كانت جافة فلا
بأس به ن يتجفف بالجيم أي ينشف وظاهر هذا الحديث مشكل فإنه يشعر بطهارة المني إذا كان جافا كما هو مذهب بعض
العامة وإلا فلا فرق بين ما إذا كانت النطفة رطبة أو جافة إذا لم تماس البدن حال تنشيفه ويمكن أن يقال إن من عرف
موضع المني في ثوبه ثم نزعه وطرحه عنه ليغتسل فمعلوم أن أجزاء الثوب حال النزع وبعد الطرح يماس بعضها بعضا
فيقع بعض الأجزاء الطاهرة منه على ذلك المني فإذا كان جافا فظاهر أنه لا تتعدى نجاسته حال النزح وبعد الطرح إلى
357

ما يماسه من الأجزاء الطاهرة من الثوب فللمغتسل إذا أراد التنشف أن يتنشف بأي جزء شاء من أجزائه سوى الجزء الذي
ينجس بالمنى وإذا كان المني رطبا فإن أجزاء الثوب الذي تماسه غالبا في حال النزع وبعد الطرح تنجس به لا محالة وربما
جفت في مدة الاشتغال بالغسل ولا يتميز عند إرادة التنشف عن الأجزاء الطاهرة التي لم تماسه فيشتبه الطاهر
من الثوب بالنجس منه فلذلك جوز الإمام عليه السلام التنشف به إذا كان المني جافا ولم يجوزه إذا كان رطبا والله أعلم
الفصل الثالث في نجاسة الكافر وفيه بحثان البحث الأول في تفسير الآية الكريمة المستدل بها على ذلك قال
الله تعالى في سورة التوبة يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم
عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم " درس أكثر علمائنا على أن المراد بالمشركين ما يعم عباد
الأصنام وغيرهم من اليهود والنصارى فإنهم مشركون أيضا لقوله تعالى " قالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى
المسيح بن الله إلى قوله تعالى سبحانه عما يشركون " والنجس بفتح النون والجيم معا مصدر كالغضب وماضيه بكسر
العين وضمها ووقوع المصدر خبرا عن ذي جثة يمكن أن يكون بتقدير المضاف والمراد ذو نجس أو بتأويله بالمشتق أو
هو باق على المصدرية من غير اضمار ولا تأويل طلبا للمبالغة فكأنهم تجسموا من النجاسة فالكلام مجاز عقلي وهذا الوجه
أولى من الوجهين السابقين كما صرح به محققوا علماء المعاني في قول الخنساء في صفة الناقة فإنما هي إقبال وإدبار
وورد إرادة الحصر في الآية الكريمة للمبالغة والقصر إضافي من قصر الموصوف على الصفة نحو إنما زيد شاعر وهو
قصر قلب أي ليس المشركون طاهرين كما تعتقدون بل هم نجس هذا هو الذي يقتضيه ما تقرر في علم المعاني فلا تلتفت
إلى ما قيل من أن المعنى لا نجس من الإنسان غير المشركين فإنه كلام ساقط واختلف المفسرون في المراد بالنجس هنا
فالذي عليه علماؤنا قدس الله أرواحهم أن المراد به النجاسة الشرعية وأن أعيانهم نجسة كالكلاب والخنازير وهو
المنقول عن ابن عباس وقيل المراد بنجاستهم خبث باطنهم وسواء اعتقادهم وقيل نجاستهم لأنهم لا يتطهرون من الجنابة
ولا يجتنبون النجاسات بل يلابسونها غالبا كشربهم الخمر وأكلهم لحم الخنزير وقد أطبق علماؤنا على نجاسة من عدا اليهود
والنصارى من أصناف الكفار وقال أكثرهم بنجاسة هذين الصنفين أيضا والمخالف في ذلك ابن الجنيد وابن أبي
عقيل والمفيد في المسائل الغوية لما في بعض الروايات المعتبرة من الإشعار بطهارتهم كما ستطلع عليه عند ذكر الأحاديث
واختلف في المراد بقوله تعالى " فلا يقربوا المسجد " فقيل المراد منعهم من الحج كما كانت عادتهم من قبل و
قيل المراد منعهم من دخول الحرم وقيل من دخول المسجد الحرام خاصة وأصحابنا على منعهم من دخوله ودخول كل مسجد
وإن لم تتعد نجاستهم إليه والمراد بعامهم هذا سنة تسع من الهجرة وهي السنة التي بعث النبي صلى الله عليه وآله
فيها أمير المؤمنين عليه السلام لأخذ سورة براءة من أبي بكر وقرائتها على أهل الموسم فقرأها عليهم ونادى ألا لا يحجن
بعد هذا العام مشرك وقوله تعالى " وإن خفتم عيلة " أي احتياجا بسبب انقطاع السابلة لمنع المشركين من التردد
إلى مكة للتجارة فسوف يغنيكم الله من فضله وقد وقع ما وعدهم الله به من الإغناء إذ أسلم بعد ذلك أهل جدة وصنعاء
وجرش اليمن وحملوا الأقوات إلى مكة وكفى الله المسلمين ما كانوا يخافونه من الاحتياج وأرسل عليهم السماء
358

مدرارا فخصبت أرضهم وفتح عليهم البلاد ومكنهم من الغنائم وتوجه الناس إليهم من أقطار الأرض وتعليقه سبحانه
إغنائهم بمشية لينقطع الآمال من طلب الغنى إلا منه وقيل لأن الغنى الموعود يكون لبعض دون بعض البحث
الثاني في الأحاديث الواردة في ذلك ثمانية أحاديث الأول والأخيران من الكافي والبواقي من التهذيب كا
العدة عن أحمد بن محمد بن خالد عن يعقوب بن يزيد عن علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال سئلته عن مؤاكلة المجوسي في
قصعة واحدة وأرقد معه على فراش واحد وأصافحه قال لا ن ارقد بالنصب على بإضمار أن لعطفه على المصدر أعني
المؤاكلة يب الثلاثة عن الأهوازي عن صفوان عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال سئلته عن
رجل صافح مجوسيا قال يغسل يده ولا يتوضأ يب محمد بن يحيى عن العمركي عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام
قال سئلته عن فراش اليهودي والنصراني ينام عليه قال لا بأس ولا يصلي في ثيابهما وقال لا يأكل المسلم مع المجوسي في
قصعة واحدة ولا يقعده على فراشه ولا مسجده ولا يصافحه قال وسئلته عن رجل اشترى ثوبا من السوق للبس ولا يدري لمن
كان هل تصلح الصلاة فيه قال إن اشتراه من مسلم فليصل فيه وإن اشتراه من نصراني فلا يصل فيه حتى يغسله ن نهيه
عليه السلام عن الصلاة فيه قبل الغسل أما تنزيهي للكراهة أو محمول على العلم بمباشرته برطوبة يب علي بن جعفر
أنه سأل أخاه موسى عليه السلام عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمام قال إذا علم أنه نصراني اغتسل بغير ماء الحمام إلا أن يغتسل
وحده على الحوض فيغسله ثم يغتسل وسئله عن اليهودي والنصراني يدخل يده في الماء أيتوضأ منه للصلاة قال لا إلا
أن يضطر إليه ن كان الكلام إنما هو في اغتسال النصراني مع المسلم من حوض الحمام الناقص عن الكر المنسد المادة لتنجسه
بمباشرة النصراني له وقوله عليه السلام اغتسل بغير الحمام ماء الحمام يراد به غير مائة الذي في ذلك الحوض والضمير في قوله عليه السلام
إلا أن يغتسل وحده يجوز عوده إلى النصراني أي إلا أن يكون قد اغتسل من ذلك الحوض قبل المسلم فيغسله المسلم بإجراء
المادة إليه حتى يطهر ثم يغتسل منه ويمكن عوده إلى المسلم أي إلا أن يغتسل من ذلك الحوض بعد النصراني وبعض الأصحاب
علل منعه عليه السلام من اغتسال المسلم مع النصراني في هذا الحديث بأن الاغتسال معه يوجب وصول ما يتقاطر من بدنه
إلى بدن المسلم وفيه أن هذا وحده لا يقتضي تعين الغسل بغير ماء الحمام وإنما يوجب تباعد المسلم عنه حال غسله و
قوله عليه السلام في آخر الحديث إلا أن يضطر إليه مما يتأيد به القول بعدم نجاسة اليهود والنصارى وحينئذ يكون الأمر
بالاغتسال بغير ماء الحمام للاستحباب وبعض الأصحاب حمل الوضوء في الحديث على إزالة الوسخ ولا يخفى أن ذكر الصلاة
ينافيه وبعضهم حمل على تسويغ الاستعمال عند الضرورة على الاستعمال في غير الطهارة فالمعنى إلا أن يضطر إليه في غير
الطهارة وهو بعيد والأولى حمل الاضطرار على ما إذا دعت التقية إلى استعماله وعدم التحرز عنه كما يقع كثيرا لأصحابنا
الإمامية في بلاد المخالفين فإنهم قائلون بطهارة أهل الكتاب يب أحمد بن محمد عن الخراساني قال قلت للرضا
عليه السلام الخياط أو القصار يكون يهوديا أو نصرانيا وأنت تعلم أنه يبول ولا يتوضأ ما تقول في عمله قال لا بأس به ن
قوله لا تتوضأ أي لا يستنجي وإطلاق الوضوء على الاستنجاء شايع والمراد من عمل الخياط أو القصار معموله وهو الثوب
الذي يخيطه أو يقصره والظاهر أن السؤال إنما هو عن طهارة ذلك الثوب وهي في مخيطه ظاهرة وأما في مقصوره فكذلك
359

عند من يقول من أصحابنا بطهارة اليهود والنصارى وأما عند الباقين فلا بد من الحمل على وقوع القصارة في ماء
كثير من دون مباشرته بعدها وهو كما ترى يب وبالسند عن الخراساني قال قلت للرضا عليه السلام الجارية النصرانية تخدمك وأنت تعلم أنها نصرانية ولا تتوضأ ولا تغتسل من جنابة قال لا بأس تغسل يديها ن ما دل عليه ظاهر
هذا الحديث من زوال نجاسة يد النصرانية بغسلها لم أطلع على قائل به ويمكن أن يجعل دليلا لمن يقول من أصحابنا بطهارة
اليهود والنصارى كا أبو علي الأشعري هو أحمد بن إدريس عن الصهباني عن صفوان عن العيص بن القاسم قال سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن مؤاكلة اليهودي والنصراني والمجوسي فقال إذا كان من طعامك وتوضأ فلا بأس ن المراد
بالوضوء هنا غسل اليد وهو يدل على طهارة اليهود والنصارى كا وبهذا الإسناد عن صفوان عن إسماعيل بن
جابر قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول في طعام أهل الكتاب قال لا تأكله ثم سكت هنيئة ثم قال لا تأكله ثم سكت
هنيئة ثم قال لا تأكله ولا تتركه تقول أنه حرام ولكن تتركه تنزها عنه أن في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير ن ما تضمنه هذا
الحديث من نهيه عليه السلام عن أكل طعامهم أولا ثم سكوته هنيئة ثم نهيه ثانيا ثم سكوته ثم أمره أخيرا بالتنزه عنه يوجب
الطعن في متنه لإشعاره بتردده عليه السلام في هذا الحكم وأن قوله هذا عن ظن وحاشاهم عليه السلام أن يكون
أحكامهم
صادرة عن ظن كأحكام المجتهدين بل كلما يحكمون به فهو قطعي لهم لا يجوزون نقيضه ويخطر بالبال في الاستدلال على أن كل أحكامهم عليهم السلام صادرة عن قطع وأنه لا يجوز صدور شئ منها عن ظن أننا إذا سمعنا من أحدهم عليهم السلام
حكما فإنا لا نجوز احتمال كونه خطأ لأن اعتقادنا عصمتهم عليهم السلام يمنع تجويز الخطأ عليهم وكما أنا لا نجوز
عليهم الخطأ في أحكامهم فهم أيضا لا يجوزون على أنفسهم الخطأ فيها لعلمهم بعصمة أنفسهم سلام الله عليهم ومن هذا
يعلم أنهم قاطعون بجميع الأحكام التي تصدر عنهم ولا يجوزون نقيضها كما يجوزه المجتهدون في أحكامهم المستندة
إلى ظنونهم ولعل نهيه عليه السلام عن أكل طعامهم محمول على الكراهة إن أريد الحبوب ونحوها ويمكن جعل قوله عليه
السلام لا تأكله مرتين للإشعار كما ظاهر التأكيد ويكون قوله عليه السلام بعد ذلك لا تأكله ولا تتركه محمولا على
التقية بعد حصول التنبيه والإشعار بالتحريم هذا إن أريد بطعامهم اللحوم وما باشروه برطوبة ويمكن تخصيص الطعام
بما عدا اللحوم ونحوها ويؤيده تعليله عليه السلام باشتمال آنيتهم على الخمر ولحم الخنزير والله أعلم الفصل الرابع
في نجاسة الكلب والخنزير ونبذ متفرقة مما يظن نجاسته عشرة أحاديث السادس والسابع من الكافي والبواقي من التهذيب
يب الثلاثة عن أحمد بن محمد عن الأهوازي عن حماد عن حريز عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الكلب يصيب شيئا من جسد الرجل قال يغسل المكان الذي أصابه ن لعل المراد إذا أصابه برطوبة يب
وبالسند عن الأهوازي عن حماد عن حريز عن الفضل أبي العباس قال قال أبو عبد الله عليه السلام إذا أصاب ثوبك من
الكلب رطوبة فاغسله وإن مسه جافا فاصبب عليه الماء قلت لم صار بهذه المنزلة قال لأن النبي صلى الله عليه وآله
أمر تقبلها ن لعل وجه تعليله عليه السلام هو أن النبي صلى الله عليه وآله إنما أمر تقبلها لئلا تؤذي الناس بالمماسة
رطبة وجافة يب وبالسند السابق عن الفضل أبي العباس أن أبا عبد الله عليه السلام قال في الكلب أنه
360

رجس نجس لا يتوضأ بفضله واصبب ذلك الماء واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء ن قد مر هذا في بحث
الأسئار والضمير في واغسله يعود إلى الإناء المدلول عليه السلام واصبب ذلك الماء وقوله عليه السلام اغسله
بالتراب يعطي بظاهره مرج التراب بالماء ليصدق الغسل إذا لدلك بالتراب الجاف لا يسمى غسلا وبه حكم الراوندي وابن
إدريس ورجحه العلامة في المنتهى واستضعفه شيخنا الشيخ على رحمه الله وقال إنه خيال ضعيف فأن الغسل حقيقة إجراء
الماء فالمجاز لازم مع أن الممزوج ليس ترابا وقد ناقشه بعض الأصحاب بأن الغسل وإن كان إجراء الماء إلا أن الحمل على
أقرب المجازات أولى فلا بد من المزج وفيه نظر فإنه يستلزم تجويز أحدهما في الغسل والآخر في التراب بخلاف عدم المزج
فإنه في الغسل فقط فهو أولى كما اختاره العلامة في المختلف يب محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن العمركي عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر وهو في صلاته كيف يصنع
قال إن كان دخل في صلاته فليمض وإن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه إلا أن يكون فيه أثر فيغسله قال و
سئلته عن خنزير شرب من إناء كيف يصنع به قال يغسل سبع مرات ن حمل المحقق في المعتر الغسل سبعا على
الاستحباب والأظهر الوجوب وإنما نقلنا هذا الحديث من التهذيب لا من الكافي لأجل هذه الزيادة وهي قال و
سئلته إلى آخره فإنا لم نجدها في الكافي وكان الشيخ نقل الحديث عن محمد بن يعقوب قدس الله روحه من الكافي
يب محمد بن أحمد بن يحيى عن الله بن جعفر هو الحميري عن أيوب بن نوح عن صفوان عن سيف التمار عن زرارة عن أبي جعفر
عليه السلام قال قلت له أن رجلا من مواليك يعمل الحمائل يشعر الخنزير قال إذا فزع فليغسل يده ن إن حملنا الأمر على
الوجوب فلعله للدسومة التي في شعر الخنزير كما تضمنه بعض الأخبار كا محمد بن يحيى عن العمركي عن أبي جعفر عن
أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن الفارة الرطبة قد وقعت في الماء تمشي على الثياب أيصلي فيها قال اغسل ما رأيت
من أثرها وما لم تره فانضحه بالماء ن قد يستدل بهذا الحديث على ذهب إليه شيخ الطائفة في النهاية والمبسوط من وجوب
غسل ما أصابه الفارة برطوبة وهو موافق لقول الصدوق والمفيد وسلار وأما المتأخرون فحملوا الأمر في هذا الحديث
على الاستحباب جمعا بينه وبين صحيحة الفضل أبي العباس حيث قال فلم أترك شيئا إلا سئلته عنه فقال لا بأس و
فيه نظر فإنه ترك الخنزير والكافر فلعل الفارة ثالثهما كا محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن هشام بن سالم
عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تأكلوا لحوم الجلالة وهي التي تأكل العذرة فأن أصابك من عرقها فاغسله ن الأمر بالغسل في هذا الحديث محمول عند الشيخين طاب ثراهما على الوجوب وعند المتأخرين على الاستحباب وقد أوردت في الحبل
المتين حديثا آخر من الحسان مطابقا لهذا الحديث ولو قيل بمقالة الشيخين لم يكن بعيدا والله سبحانه أعلم يب
المفيد عن أبي القسم جعفر بن محمد عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن العباس بن معروف عن الدورقي عن حماد بن
عيسى وفضالة بن أيوب عن معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحائض تعرق في ثيابها أتصلي فيها قبل
أن تغسلها قال نعم لا بأس يب أحمد بن محمد عن الخراساني قال سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن المرأة عليها
قميصها أو إزارها يصيبها من بلل الفرج وهي جنب تصلي فيه قال إذا اغتسلت صلت فيهما يب الثلاثة عن ابن أبان
361

عن الأهوازي عن حماد عن حريز قال حدثني زيد الشحام وزرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال إن سال
من ذكرك شئ من مذي أو ودي فلا تغسله ولا تقطع له الصلاة الحديث ن قد مر الحديث في نواقص الوضوء و
إطلاقه يشمل ما كان عن شهوة وبدونها وقول ابن الجنيد بنجاسته ما كان عن شهوة ضعيف
الفصل الخامس في نجاسة
الخمر وفيه بحثان البحث الأول في تفسير الآية الكريمة الواردة في ذلك كما قال الله سبحانه في سورة المائدة " يا أيها
الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون " ولنورد في تفسير هذه
الآية في درسين درس الخمر كل شراب مسكر ولا يختص بعصير العنب كما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله
عليه السلام قال سئلته قال رسول الله صلى الله عليه وآله الخمر من خمسة العصير من الكرم والنقيع من الزبيب والتبع من العسل
والمرز من الشعير والنبيذ من التمر رواه ثقة الإسلام في الكافي بسند صحيح وروى شيخ الطائفة في التهذيب بسند
صحيح أيضا عن علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال إن الله تعالى لم يحرم الخمر لاسمها ولكن حرمها لعاقبتها فما
كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر هذا آخر الحديث وسمي الخمر خمرا لأنه يخمر العقل أي يستره ويعطيه الخاء والميم
والراء يتضمن في الأغلب معنى الستر والتغطية ومنه خمار المرأة أي مقنعتها ويقال خمرت الإناء أي غطيتها ويقال
لكل ما يستر الشخص عن غيره من شجر ونحوه خمر بفتحتين والميسر مصدر كالمرجع والموعد وفسر بالقمار قيل سمي ميسرا
لأنه يتيسر به أخذ مال الغير من غير مشقة وتعب وعن أمير المؤمنين عليه السلام أن النرد والشطرنج من الميسر وفسرت
الأنصاب بالأصنام التي نصبوها لعبادتهم وأما الأزلام فالقداح العشرة المعروفة بينهم كان يجتمع العشرة من الرجال
فيشترون بعيرا فيما بينهم وينحرونه ويقسمونه أجزاء فقيل إلى عشرة أجزاء وقيل إلى ثمانية وعشرين جزء وهو الأظهر وكان
لهم عشرة قداح سبعة منها لها أنصباء وهي الفذ وله سهم والتوأم وله سهمان والرقيب وله ثلاثة أسهم والحلس
وله أربعة أسهم والنافس وله خمسة أسهم والمسبل وله ستة أسهم والمعلى وله سبعة أسهم وثلاثة لا أأرباب لها
وهي المنيح والسفيح والوعد وكانوا يجعلون هذه القداح في خريطة ويضعونها على يد من يثقون به فيحركها ثم يدخل
يده في الخريطة ويخرج باسم كل رجل قدحا فمن خرج له قدح من القداح التي لها أنصباء أخذ النصيب الموسوم به ومن خرج
له قدح من القداح التي لا أنصباء لها لم يأخذ شيئا وألزم بأداء ثلاثة قيمة البعير فلا يزال يخرج قدحا قدحا حتى يأخذ
أصحاب الأنصباء السبعة أنصباء ويغرم الثلاثة الذي لا نصيب لهم قيمة البعير هذا وقد ذكر المفسرون في سبب
نزول آية تحريم الخمر أنه كان يقع من المسلمين أمور منكرة قبل تحريمها فإن أكثرهم كانوا يشربونها وكانت تصدر منهم إذا
سكروا أشياء شنيعة يكره النبي صلى الله عليه وآله وقوعها فمنها ما روي أن عبد الرحمن بن عوف صنع طعاما و
دعا أناسا فشربوا وسكروا فلما قاموا إلى الصلاة قرأ أمامهم يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون فنزل قوله تعالى " لا تقربوا
الصلاة وأنتم سكارى " فما كان يشربها بعد ذلك إلا قليل ثم دعا عتبان بن مالك جماعة فلما سكروا تفاخروا
فأنشد بعضهم شعرا ليضمن هجو الأنصار فضربه أنصاري فشجه فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وآله فأنزل الله تعالى
" يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر إلى قوله سبحانه فهل أنتم منتهون " ومنها ما روي أن حمزة بن عبد المطلب رضى الله
362

عنه كان في بعض الأيام يشرب مع جماعة من الأنصار وكان في فناء تلك الدار ناقتان لأمير المؤمنين عليه السلام فلما
سكروا غنت مغنيتهم بأبيات تتضمن طلب الكباب من حمزة وهي هذه ألا يا خمر للشرف النواء وهن معقلات
بالفناء ضع السكين في اللبات منها * وضرجهن حمرة بالدماء * وأطعم من شرايحها كبابا * ملوحة على وهج الصلاء *
فلما سمع حمزة هذه الأبيات أخذ سيفه وأقبل على الناقتين فاقتطع سناميهما وشق خاصرتيهما وأخذ من كبديهما وصنع من
ذلك كبابا فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام فلما رأى الناقتين بذلك الحال قال من فعل هذا فقالوا فعله حمزة فذكر ذلك
للنبي صلى الله عليه وآله وكان هذا أحد الأسباب في نزول آية تحريم الخمر درس استفيد من الآية الكريمة نجاسة الخمر
فإن الرجس وإن كان هذا أحد الأسباب في نزول آية تحريم الخمر في اللغة بمعنى القذر وهو أعم من النجاسة إلا أن شيخ الطائفة
طاب ثراه قال في التهذيب أن الرجس هو النجس بلا خلاف وظاهر أن مراده قدس الله روحه أنه لا خلاف بين علمائنا في أنه
في الآية بمعنى النجس وإلا فمعلوم أنه في اللغة بمعنى القذر كما قلنا فقول بعض الأصحاب أن الإجماع الذي نقله في التهذيب
غير معلوم مستدلا على أن الرجس مطلق القذر بقول صاحب القاموس أن الرجس بالكسر القذر ويقول الزجاج الرجس
في اللغة اسم لكل ما استقذر من عمل لا يخفى ما فيه واعلم أن شيخ الطائفة والسيد المرتضى رضي الله عنهما نقل كل منهما
الإجماع على نجاسة الخمر بل قال المرتضى أنه لا خلاف بين المسلمين في نجاسته إلا ما يحكى عن شذاذ لا (..) لهم هذا كلامه
فإن قلت كيف حقيقة هذا الإجماع الذي ادعاه هذا الشيخان الجليلان مع أن الصدوق وابن أبي عقيل قائلان
بطهارته قلت لعلهما قدس الله روحيهما إنما أراد إجماع أهل عصرهما وهذان الشيخان متقدمان على زمانهما
مع أن خلاف معلوم النسب وسيما إن كان نادرا لا يقدح في تحقق الإجماع عندنا على أن الصدوق رحمه
الله إنما حكم بجواز الصلاة في ثوب أصابه الخمر وهذا لا يستلزم الحكم بطهارته فلعله معفو عنه عنده ككثير من النجاسات
كيف لا وحكمه بنزح جميع ماء البئر لوقوع الخبر يعطي الماء القول بنجاستها به والقول بأن حكمه بنزح الجميع
ليس لنجاسة الخمر بل إنما هو لتحقيق خلو الماء الذي يشرب من ذلك البئر من الأجزاء الخمرية وإن كانت
مستهلكة لا
يخفى ما فيه فإنه يقتضي تجويزه الوضوء والغسل وإزالة النجاسة بذلك الماء قبل النزح وهو لا يقول به فتأمل واعلم أن شيخ الطائفة عطر الله مرقده استدل بهذه الآية على نجاسة الخمر من وجهين أولهما ما مر من الاتفاق على أن الرجس
منها بمعنى النجس وثانيها قوله سبحانه " فاجتنبوه " فإن الأمر باجتنابه يقتضي وجوب التباعد عنه بجميع الأنحاء وفي عامة
الأوقات والحالات إلا ما ثبت بدليل وحالة الصلاة من جملة الحالات ومعلوم أن من صلى وهو متلطخ بالخمر لا يكون
مجتنبا له ومتباعدا عنه حال صلاته وهذا ظاهر ثم لا يخفى أن نقل شيخ الطائفة الإجماع على أن الرجس في الآية
الكريمة بمعنى النجس يقتضي جعله في الآية الكريمة خبرا عن الخمر وحده ويكون خبر المتعاطفات الثلاثة محذوفا وجعله
خبرا عن الخمر وحده وهو مختار بعض المفسرين وقد رجحه البيضاوي أيضا حيث قدمه على الوجه الآخر أعني جعله خبرا عن
مضاف محذوف تقديره وإنما تعاطي الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس وقال بعضهم في وجه ترجيح جعل الرجس
خبرا عن الخمر وحده أن المقصود بالذات من نزول الآية الكريمة هو حكاية الخمر وذكر المتعاطفات بعده على سبيل التبعية
363

له فتخصيصه بالخبر المذكور يناسب مقتضى الحال وهذا قريب مما ذكروه في وجه تخصيصه سبحانه التجارة بإرجاع الضمير
إليها في قوله جل شأنه " وإذا رأو تجارة أو لهوا انفضوا إليها " أن التجارة لما كانت هي مقصدهم من الانفضاض و
اللهو تابع خصت بإرجاع الضمير دونه والجار والمجرور في قوله سبحانه " من عمل الشيطان " أما نعت رجس أو خبر
ثان والضمير فاجتنبوه يعود أما إلى العمل أو الرجس أو الخمر وقد استدل بعض الفقهاء بقوله سبحانه " فاجتنبوه "
على عدم جواز التداوي بالخمر ولو من خارج البدن كالإطلاء به وهو غير بعيد لإطلاق الأمر بالاجتناب من دون
تقييد بحال دون حال فيدخل التداوي إلى أن يقوم الدليل على جوازه وسيأتي الكلام المستوفى ذلك في كتاب
الأطعمة والأشربة إن شاء الله تعالى وجملة الترجي في قوله تعالى " لعلكم تفلحون " في موضع الحال من الفاعل في اجتنبوه
كأنه سبحانه يقول " فاجتنبوه " راجين أن تنظموا في سلك المفلحين وهم الفائزون بمطلوبهم وأصل تركيب فلح وما
يشاركه في الفاء والعين نحو قلق وفلذ وفلى يدل على الشق والفتح فكان المفلحين هم الذين شقوا غبار الطلب
وانفتحت لهم أبواب الظفر بما مر بهم نسئل الله سبحانه التوفيق لذلك بمنه وكرمه البحث الثاني في الأحاديث
المستنبط منها نجاسة الخمر ثمانية أحاديث الثاني والأخير من الكافي والبواقي من التهذيب يب الأهوازي عن
النضر هو ابن سويد عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام في البئر إن مات فيها ثورا وصب فيها خمر نزح الماء كله ن
لا يخفى أن الاستدلال بهذا الحديث إنما يتم إذا قلنا بأن النزح للتطهير أما إذا قلنا باستحبابه أو وجوبه تعبدا
فلا كا أبو علي الأشعري عن الصهباني عن صفوان عن إسماعيل بن جابر قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما نقول في
طعام أهل الكتاب في آخر كلامه لا تأكله ولا تتركه تقول أنه حرام ولكن تتركه تنزها عنه أن في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير ن
وقد تقدم هذا الحديث بتمامه في الفصل الثالث ووجه الاستدلال به على نجاسة الخمر أنه عليه السلام ساوى في سبب التنزه بين الخمر ولحم الخنزير ومعلوم أنه لم يرد بقوله
إن في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير إنهما فيها بالفعل بل المراد أن آنيتهم مظنة لوضع الخمر ولحم الخنزير فيها فالظاهر أنه عليه السلام
أراد أن التنزه عما هو مظنة النجاسة أولى ولقائل أن يقول لعل أمره عليه السلام بالتنزه عن طعامهم الموضوع في آنيتهم
التي يوضع الخمر فيها إنما هو لصيرورة طعامهم مظنة لمخالطة الأجزاء الخمرية الرطبة الكائنة في الآنية فلا دلالة فيه على
نجاسة الخمر اللهم إلا أن يقال إن أمره عليه السلام بالتنزه عن الطعام الموضوع في آنيتهم يشمل ما إذا كانت آنيتهم قبل
وضع الطعام فيها جافة أو رطبة بالخمر ولحم الخنزير فإطلاق الحديث معنا فتدبر يب أحمد بن محمد عن الحسين هو
الأهوازي عن إبراهيم بن أبي البلاد عن ابن عمار قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الثياب السابرية يعملها المجوس وهم أخباث
وهم يشربون الخمر ونساؤهم على تلك الحال ألبسها ولا أغسلها وأصلي فيها قال نعم قال معاوية فقطعت له قميصا وخطته و
قلت له إزار أو رداء من السابري ثم بعثت بها إليه في يوم الجمعة حين ارتفع النهار فكأنه عرف ما أريد فخرج فيها إلى الجمعة ن
وجه الاستدلال بهذا الحديث أن المفهوم من قول معاوية بن عمار وهم يشربون الخمر أنه يعتقد نجاسة الخمر والإمام عليه السلام
أقره على هذا الإعتقاد وتجويزه عليه السلام الصلاة فيها يدل على جواز الصلاة في ثوب يعمله من لا يجتنب النجاسة والسابري
بالسين المهملة والباء الموحدة والراء ثياب رقاق جيدة ولعل ذكر نسائهم في أثناء السؤال لأن الغزل كان من عملهن والحياكة
364

من أزواجهن يب الأهوازي عن فضالة بن أيوب عن عمر بن أبان عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال سئلته
عن نبيذ سكن غليانه قال فقال قال رسول الله صلى الله عليه وآله كل مسكر حرام قال وسئلته عن الظروف فقال نهى رسول
الله عن الدباء والمزفت وزدتم أنتم الحتم يعني الغضار والمزفت يعني الزفت الذي يكون في الزق ويصب في الخوابي ليكون
أجود للخمر يب سعد عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان قال سأل أبي أبا عبد الله عليه السلام
وأنا حاضر إني أعير الذمي ثوبي وأعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيرده على فأغسله قبل أن أصلي فيه فقال أبو عبد الله عليه
السلام صل فيه ولا تغسله من أجل ذلك فإنك أعرته إياه وهو طاهر ولم تستيقن أنه نجسه فلا بأس أن تصلي فيه حتى تستيقن أنه
نجسه ن قوله عليه السلام ولا تغسله من أجل ذلك أي من أجل احتمال تنجيسه بالخمر ولحم الخنزير لأنك مستصحب للطهارة حتى
تعلم النجاسة يب الدورقي عن فضالة عن عبد الله بن سنان قال سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الذي يعير ثوبه
لمن يعلم أنه يأكل الجري ويشرب الخمر فيرده أيصلى فيه قبل أن يغسله قال لا يصلى فيه حتى تغسله إن الجري بكسر الجيم والراء
المشددة نوع من السمك والظاهر أن الوصف بأنه يأكل الجري كناية عن أنه من المخالفين والشيخ جمع بين هذا الحديث وسابقه بالحمل على استحباب غسل الثوب المذكور وذلك لأنه مظنة النجاسة وقد قال عليه السلام دع ما يريبك إلى ما لا يريبك
يب أبو علي الأشعري عن الصهباني عن صفوان عن ابن مسكان عن الحلبي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن دواء
عجن بالخمر فقال لا والله ما أحب أن أنظر إليه فكيف أتداوى به هو بمنزلة شحم الخنزير ولحم الخنزير ن إطلاق جعله عليه السلام
الخمر بمنزلة شحم الخنزير أو لحمه يعطي بظاهره نجاسته كا محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الدورقي قال قرأت في كتاب عبد الله بن
محمد إلى أبي الحسن عليه السلام جعلت فداك روى زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام في الخمر يصيب ثوب الرجل أنهما
قالا لا بأس أن يصلى فيه إنما حرم شربها وروى غير زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال إذا أصاب ثوبك خمرا ونبيذ
يعني المسكر فاغسله إن عرفت موضعه وإن لم تعرف موضعه فاغسله كله وإن صليت فيه فأعد صلاتك فاعلمني ما آخذ به
فوقع بخطه عليه السلام خذ بقول أبي عبد الله عليه السلام ن لعل المراد بما رواه غير زرارة عن الصادق عليه السلام هو
ما رواه في التهذيب في الموثق عن عمار الساباطي عنه عليه السلام أنه قال لا تصل في ثوب أصابه خمر أو مسكر واغسله إن عرفت
موضعه فإن لم تعرف موضعه فاغسله كله فإن صليت فأعد صلاتك وما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن
يونس عن بعض من رواه عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ مسكر فاغسله إن عرفت موضعه وإن لم
تعرف موضعه فاغسله كله فإن صليت فيه فأعد صلاتك ولا يخفى أن هذين الحديثين صارا بهذه المكاتبة في حكم الصحيح
واعلم أن شيخ الطائفة طاب ثراه أورد هذه المكاتبة في معرض الاستدلال على أن الأحاديث الدالة على طهارة الخمر إنما
وردت للتقية ثم قال رحمه الله وجه الاستدلال أنه عليه السلام أمر بالأخذ بقول إلى عبد الله عليه السلام على الانفراد
والعدول عن قوله مع قول أبي جعفر عليه السلام فلولا أن قوله مع قول أبي جعفر خرج مخرج التقية لكان الأخذ بقولهما
معا أولى هذا كلامه أراد الله إكرامه واعترض عليه بعض المتأخرين ممن يميل إلى طهارة الخمر بوجهين الأول أن حمل الأحاديث
الدالة على طهارة الخمر على التقية ليس أولى من حمل الأحاديث الدالة على خلافها على استحباب إزالته والاجتناب عنه
365

في الصلاة فكيف حصرت وجه الجمع بينهما في الحمل على التقية لا غير الثاني أن أكثر العامة قائلون بنجاسة الخمر ولم يذهب
إلى طهارته إلا شرذمة نادرة وهم لا يعبأون بهم ولا بقولهم وإذا كان الحال على هذا المنوال فلا وجه لتقية أئمتنا عليهم
السلام في إظهار طهارته مع أنها خلاف ما عليه جمهور علمائهم والجواب عن الأول أن الحمل على استحباب الإزالة
يخالف ما عليه جماهير علمائنا قدس الله أرواحهم من نجاسة الخمر بل يخالف الإجماع الذي نقله السيد المرتضى وشيخ الطائفة
على ذلك فلا مناص عن الحمل على التقية وعن الثاني أن التقية لا ينحصر في القول بما يوافق علماء العامة بل قد يدعو
إليها إصرار الجهلاء من أصحاب الشوكة على أمر وولوعهم به فلا يمكن إشاعة ما يتضمن تقبيحه والازراء بهم على فعله و
ما نحن فيه من هذا القبيل فإن أكثر أمراء بني أمية وبني العباس كانوا مولعين بشرب الخمر ومزاولته وعدم التحرز عن
مباشرته بل ذكر المؤرخون أن بعض أمراء بني أمية أم بالناس وهو سكران فضلا عن أن يكون ملوثا به فإشاعة
القول بنجاسته يتضمن شدة الشناعة عليهم وتوهم التعريض بهم فلا بعد عند السؤال عن نجاسته في صدور الجواب منهم
عليهم السلام على وجه يؤمن معه من الحمل على الإزراء بهم والتشيع عليهم والتقية من أصحاب الشوكة شايعة كما حمل شيخ
الطائفة الرواية الدالة على جواز نظر الحصى إلى مالكته على تقية سلطان الوقت والله أعلم بحقايق الأمور ومما يدل على
نجاسة الخمر أحاديث عديدة أخر وهي وإن كانت من غير الصحاح إلا أنها معتضدة بالشهرة بل بالإجماع فمنها موثقة
الساباطي ومرسلة يونس السابقتان وهما وإن لم تكونا من الصحاح إلا أنهما صارا بالمكاتبة السابقة في حكم الصحاح كما
قلناه على أن يونس بن عبد الرحمن ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه فلا يضر إرساله وما يرويه محمد بن عيسى عنه
إنما هو محل التوقف إذا انفرد به لا إذا شاركه غيره في نقله ومنها ما رواه شيخ الطائفة في الموثق عن عمار بن موسى عن
أبي عبد الله قال لا تصل في بيت فيه الخمر لأن الملائكة لا تدخله ولا تصل في ثوب أصابه خمر أو مسكر حتى يغسل ومنها ما رواه
ثقة الإسلام في الكافي عن أبي بصير قال دخلت أم خالد العبدية على أبي عبد الله عليه السلام وأنا عنده فقالت جعلت فداك
أني ليعتريني قراقر في بطني وقد وصفت لي أطباء العراق النبيذ السويق وقد عرفت كراهيتك له فأحببت أن أسئلك
عن ذلك فقال لها وما يمنعك عن شربه فقالت قد قلدتك ديني فألقى الله حين ألقاه فأخبره أن جعفر بن محمد أمرني
ونهاني فقال يا أبا محمد ألا تسمع هذه المسائل لا فلا تذوقي منه قطرة فإنما تندمين إذا بلغت نفسك هيهنا وأومئ
بيده إلى حنجرته بقوله ثلاثا أفهمت قالت نعم ثم قال أبو عبد الله عليه السلام ما يبل الميل ينجس جا من ماء يقولها ثلاثا و
منها ما رواه شيخ الطائفة في الوثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الدن يكون فيه الخمر هل
يصلح أن يكون فيه الخل أو ماء أو كامخ أو زيتون قال إذا غسل فلا بأس وعن الإبريق يكون فيه خمر أيصلح أن يكون فيه ماء قال
إذا غسل فلا بأس وقال في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر قال تغسله ثلاث مرات وسئل هل يجزيه أن يصب فيه الماء قال لا
يجزيه حتى يدلكه بيده ويغسل ثلاث مرات وهذا الحديث قد يقال فيه ما قيل في حديث إسماعيل بن جابر السابق في أول
البحث إلا أنه لا يخفى عليك أن إطلاق قول السائل عن الإبريق أيصلح أن يكون فيه ماء من غير تقييد بكونه ماء الشراب أو ماء
الطهارة من الحدث أو الخبث وإطلاق قوله عليه السلام في جوابه إذا غسل فلا بأس يعطيان اشتراط غسله بعد الخمر
366

سواء كان الموضوع فيه للشرب أو لغيره وبهذا يضعف إيراد ما قيل في حديث إسماعيل بن جابر هنا ومنها ما رواه
عن أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله عليه السلام قال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن كل مسكر وكل مسكر حرام قلت
فالظروف التي يصنع فيها قال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الدباء والمزفت والختم والنقير قلت وما ذلك قال الدباء
القرع والمزفت الدنان والختم الجرار الزرق والنقير خشب كان أهل الجاهلية ينقرونها حتى يصير بها أجواف وينبذون
فيها والكلام في هذا الحديث كسابقه فإن نهي النبي صلى الله عليه وآله عنها مطلقا يعم استعمال مائها في الشرب و
الطهارة من الحدث والخبث كما مر ومنها ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن أبي جميلة البصري قال كنت مع يونس ببغداد
وأنا أمشي معه في السوق ففتح صاحب الفقاع فقاعه فقفز فأصاب ثوب يونس فرأيته قد اغتم لذلك حتى زالت الشمس
فقلت له يا أبا محمد ألا تصلي قال فقال لي ليس أريد أصلي حتى أرجع إلى البيت وأغسل هذا الخمر من ثوبي فقلت له هذا
رأي رأيته أو شئ ترويه فقال أخبرني هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الفقاع فقال لا تشربه فإنه خمر مجهول فإذا
أصاب ثوبك فاغسله ومنها ما رواه في الكافي أيضا عن خيران الخادم قال كتبت إلى الرجل أسأله عن الثوب يصيبه الخمر
ولحم الخنزير أيصلى فيه أم لا فإن أصحابنا قد اختلفوا فيه فكتب لا تصل فيه فإنه رجس فهذه خمسة عشر حديثا من
الصحاح وغيرها وربما يوجد في أصول أصحابنا سواها أيضا والظاهر أن من تأملها بعين البصيرة وتناولها بيد
غير قصيرة ولاحظ اعتضادها باشتهار العمل بمضمونها بين علمائنا قدس الله أرواحهم لم يبق له ريب في نجاسة
الخمر فكيف إذا انضم إلى ذلك دعوى السيد المرتضى وشيخ الطائفة الإجماع على نجاسته وأما ما يوجد في بعض
الأخبار مما يشعر بطهارته فمخالفة تلك الأخبار للإجماع المنقولة كافية في طرحها بالكلية أو حملها على التقية كما
فعله شيخ الطائفة طاب ثراه والله سبحانه بحقايق الأمور
الفصل السادس فيما تطهره الشمس والنار والأرض
ثمانية أحاديث الثالث والأخير من الكافي والرابع من الفقيه والباقي من التهذيب يب المفيد عن الصدوق
عن محمد بن الحسن بن الوليد عن أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد بن يحيى عن العمركي عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام
قال سئلته عن البواري يصيبها البول هل تصلح الصلاة عليها إذا جفت من غير أن تغسل قال نعم لا بأس يب
أحمد بن محمد عن موسى بن القاسم وأبي قتادة جميعا عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن البواري
يبل قصبها بماء قذر أيصلى عليه قال إذا يبست فلا بأس كا محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الثلاثة وحديد بن حكيم
الأزدي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام السطح يصيبه البول أو يبال عليه أيصلى في ذلك الموضع فقال إن كان يصيبه
الشمس والريح وكان جافلا فلا بأس به إلا أن يكون يتخذ مبالا ن فيه دلالة ظاهرة على عدم اشتراط انفراد الشمس
وحدها بالتجفيف وأنه لا بأس بإعانة الريح لها عليه ولعل المكان الذي يتخذ مبالا يكره الصلاة فيه وإن جففته
الشمس فلذلك استثناه عليه السلام يه زرارة أنه سأل أبا جعفر عليه السلام عن البول يكون على السطح أو في المكان
الذي يصلى فيه فقال إذا جففته الشمس فصل عليه فهو طاهر يب أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل بن بزيع
قال سئلته عن الأرض والسطح يصيبه البول أو ما أشبهه هل يطهره الشمس من غير ماء قال كيف يطهر من غير ماء
367

ن هذا الحديث مستند من ذهب من علمائنا إلى عدم تطهير الشمس لهذه الأشياء كصاحب الوسيلة
والقطب الراوندي والمحقق في المعتبر فإنهم ذهبوا إلى بقاء النجاسة وجواز الصلاة عليها والصلاة عليها
لا يستلزم وضع الجبهة عليها وكان والدي قدس الله روحه يقوي هذا القول ويعمل به والعمل بالمشهور هو
الأولى والشيخ حمل هذا الحديث على أنه لا يطهر بغير ماء ما دام رطبا إذ ليس في الحديث جفافه بالشمس و
تمام الكلام يطلب من الحبل المتين يب أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن
الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ويجصص به المسجد أيسجد عليه فكتب إلي بخطه إن الماء والنار قد طهراه
ن استشكل العلامة طاب ثراه هذا الحديث في المنتهى من وجهين أحدهما أن الماء الممازج للجص غير مطهر
له والثاني أن في نجاسته بدخان الأعيان النجسة إشكالا ويمكن التفصي عن الأول بأن المراد بالماء ماء المطر
الذي يصيب أرض المسجد الذي جصصت بذلك الجص إذ ليس في الحديث أن المسجد كان مسقفا مع أن السنة
كون المساجد مكشوفة وعن الثاني بأن المراد أنه يوقد من فوقه كما هو متعارف في عمل الجص في كثير من البلاد فيختلط برماد
تلك الأعيان وقد يترآى هنا إشكال آخر وهو أن النار إذا طهرته أولا فكيف يطهره الماء ثانيا ويمكن التفصي عنه
بأن غرض الإمام عليه السلام أنه قد ورد على ذلك الجص أمران مطهران هما النار والماء فلم يبق ريب في
طهارته ولا يلزم
من ورود المطهر الثاني التأثير في التطهر فتأمل يب المفيد عن ابن قولويه عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أبي جعفر
أحمد بن محمد عن الأهوازي وعلي بن حديد والتميمي عن الثلاثة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام رجل وطئ على عذرة فساخت
رجله فيها أينقض ذلك وضوئه وهل يجب عليه غسلها فقال لا يغسلها إلا أن يقذرها ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها
ويصلي ن ساخت بالسين المهملة والخاء المعجمة أي غاصت ويقذرها بالذال المعجمة المكسورة المشددة أي
يكرهها ويتنفر طبعه منها والمسح في قوله عليه السلام ولكنه يمسحها محمول على مسحها بالأرض وكلام ابن الجنيد يعطي
الاكتفاء بمسحها بكل طاهر وإطلاق الحديث يساعده كا محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن أبي عمير عن جميل بن صالح
عن الأحول هو محمد بن النعمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف ثم يطأ بعده مكانا
نظيفا فقال لا بأس إذا كان خمس عشرة ذراعا أو نحو ذلك ن اسم كان يعود بقرينة السياق إلى ما بين المكانين و
الظاهر أن المراد ما يحصل بالمشي عليه زوال عين النجاسة كما يشعر به قوله عليه السلام أو نحو ذلك المسلك الخامس
فيما يتبع الطهارة من تنظيف البدن وتقليم الأظفار والسواك والأخذ من الشارب والاستحمام وما هو من هذا القبيل
وفيه بحثان البحث الأول قال الله تعالى في سورة البقرة " وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك
للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين " درس الظرف متعلق بمحذوف تقديره أذكر والمخاطب
نبينا صلى الله عليه وآله والابتلاء الاختبار والامتحان والمراد به هنا الأمر والتكليف وقد فسرت الكلمات بتفسيرات
عديدة وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنه أنها عشر خصال كانت في شريعته فرضا وهي في شريعتنا سنة خمسة في الرأس
وهي المضمضة والاستنشاق والفرق وقص الشارب والسواك وخمس في البدن وهي الختان و
368

حلق العانة وتقليم الأظفار ونتف الإبطين والاستنجاء بالماء وروي غير ذلك كذبح الولد وغيره ولعل
المراد بالختان ما وقع قبل البلوغ فإنه بعد من الواجبات لا من السنن والمراد بإتمام الكلمات الإتيان بهن كملا
وأدائهن تامات على الوجه المأمور به والإمام هو الذي يقتدى به في أقواله وأفعاله وله الرياسة في الأمور
الدينية والدنيوية وقوله تعالى من ذريتي عطف على الكاف في جاعلك والمراد وتجعل من ذريتي كما تقول
وزيدا في جواب من قال سأكرمك بعطف زيد على الكاف في سأكرمك والرماد وتكرم زيدا ومثل هذا العطف
أعني عطف ما في كلامك على ما في كلام مخاطبك سمي عطف التلقين كأنك تلقنه ذلك العطف وهو كثير في كلام البلغاء
شايع بينهم مذكور في شروح الكشاف وغيرها وهو على نوعين أحدهما ما يصح أن يقع ما في كلامك بعينه في كلام مخاطبك
كما في المثال السابق والثاني ما لا يصح وقوعه بعينه فيه كما تقول وغلامي في جواب من قال أكرمت زيدا والمراد وأكرمت
غلامي والآية الكريمة التي نحن فيها من قبيل الثاني والتقدير الذي يذكره النحاة فيه أنما هو لربط الكلام وتوضيح المرام
لا لأن المقدر هو المعطوف فإنهم لا يتحاشون عن إطلاق المعطوف على كلمة وإن كان الكلام لا يستقيم إلا بتقدير أخرى
ألا ترى إلى ما قالوه في قوله تعالى " اسكن أنت وزوجك الجنة " من أن زوجك معطوفة على المستكن في اسكن والمعنى
ولتسكن زوجك ومثل ذلك في كلامهم كثير وتوسعاتهم في ذلك معروفة لا ينبغي استنكارها وإظهار الحيرة
فيها فإن قلت كيف صح العطف على الضمير المجرور أعني الكاف في جاعلك من دون إعادة الجار هنا لما كانت الإضافة
اللفظية في تقدير الانفصال صح العطف المذكور ولفظة من في قوله تعالى ومن ذريتي للتبعيض والمراد بعض ذريتي
وجعلها لابتداء الغاية بعيد وأبعد منه جعلها زائدة والذرية النسل والمراد من العهد الإمامة وهو المروي عن
الباقر والصادق عليهما السلام ولا ينال عهدي الظالمين أي لا يصل عهدي إليهم وإنما يصل إلى من هو برئ من ظلم نفسه و
معلوم أن فاعل المعاصي ظالم لنفسه كما قال سبحانه ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه فلا يستحق الإمامة وقد
نطق البيضاوي هنا بالحق حيث قال في تفسير الآية التي نحن فيها أنها تدل على عصمة الأنبياء من الكبائر قبل البعثة
وأن الفاسق لا يصلح للإمامة ولصاحب الكشاف في هذا المقام كلام جيد وهذا لفظه قالوا في هذا دليل
على أن الفاسق لا يصلح للإمامة وكيف يصلح لها من لا يجوز حكمه وشهادته ولا تجب طاعته ولا يقبل خبره ولا يقدم
للصلاة وكان أبو حنيفة يفتي سرا بوجوب نصرة زيد بن علي عليه السلام وحمل المال إليه والخروج على اللص المتغلب المسمى
بالإمام والخليفة كالدوانيقي وأشباهه قالت له امرأة أشرت على ابني بالخروج مع إبراهيم ومحمد ابني عبد الله بن الحسن حتى
قتل فقال ليتني مكان ابنك وكأن يقول في المنصور وأشياعه لو أرادوا بناء مسجد وأرادوني على عد آجره لما فعلت
وعن ابن عيينة لا يكون الظالم إماما قط وكيف يجوز نصب الظالم للإمامة والإمام إنما هو لكف الظلمة فإذا نصب من
كان ظالما في نفسه فقد جاء المثل السائر من استرعى الذئب ظلم انتهى كلام صاحب الكشاف البحث الثاني في الاستحمام
والاطلاء بالنورة والسواك وتقليم الأظفار والأخذ من الشارب والحساب والاكتحال والتطيب وفيه فصلان الفصل
الأول في الاستحمام والاطلاء بالنورة عشرة أحاديث الرابع والخامس والسابع والتاسع من التهذيب والبواقي من
369

الكافي كا العدة عن أحمد بن محمد بن خالد عن علي بن الحكم وعلي بن حسان عن سلميان الجعفري عن أبي الحسن عليه السلام
قال الحمام يوم ويوم لا يكثر اللحم وإدمانه كل يوم يذيب شحم الكليتين ن يوم الأول في قوله عليه السلام يوم ويوم لا خبر
مبتداء محذوف أي دخوله يوم وقوله عليه السلام ويوم لا أي لا دخول فيه ويكثر على وزن يكرم خبر ثان للمبتدأ المحذوف
وهو من قبيل الرمان حلو حامض في عدم تمام الكلام بدون الخبر الثاني فتأمل كا محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن عبد الله بن
محمد الحجال عن سليمان الجعفري قال مرضت حتى ذهب لحمي فدخلت على الرضا عليه السلام فقال أيسرك
أن يعود إليك
لحمك قلت بلى قال الزم الحمام غبا فإنه يعود إليك لحمك وإياك أن تدمنه فإن إدمانه يورث السل ن غبا بكسر الغين
وتشديد الباء الموحدة المراد به دخول الحمام يوما وتركه يوما كما في الحديث الأول ويقال أغببت أي جئت يوما وتركت يوما
ومنه حمى الغب وهي التي يجئ يوما وتزول يوما وأما تفسير اللغويين الغب في زر غبا تزدد حبا بالزيارة في كل أسبوع
فهو مخصوص بالغب في الزيارة لا غير والسل بكسر السين وضمها قرحة في الرية يلزمها حمى هادية ويطلقه بعض الأطباء
على مجموع اللازم والملزوم كا العدة عن أحمد بن محمد بن خالد عن إسماعيل بن مهران عن محمد بن أبي حمزة عن علي بن يقطين
قال قلت لأبي الحسن عليه السلام اقرأ القرآن في الحمام وأنكح قال لا بأس ن في بعض الروايات المعتبرة تقييد عدم
البأس بقراءة القرآن في الحمام بما إذا لم يرد أن ينظر كيف صوته وإنما يريد به القربة لا غير وفي بعضها التقييد بما إذا كان
متزرا والنهي عن قرائته بغير مئزر يب الأهوازي عن صفوان عن العلا عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال
سئلته عن ماء الحمام فقال ادخله بإزار ولا تغتسل من ماء آخر إلا أن يكون فيه جنب أو يكثر أهله فلا يدرى فيهم جنب أم لا
ن الظاهر عود المنصوب في ادخله والمجرور في فيه إلى ماء الحمام فإنه هو المسؤول عنه وقد ورد في حديث آخر
النهي عن دخول الماء بغير إزار ولا يخفى دلالة الحديث على كراهة الغسل بماء الحمام إذا علم أن في الماء جنبا أو شك في
ذلك وفي بعض الأحاديث ما يدل على كراهة الغسل في ماء اغتسل فيه سواء كان الغسل من جنابة أو غيرها كما
رواه في الكافي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه قال من اغتسل من الماء الذي قد اغتسل فيه فأصابه جذام فلا يلومن
إلا نفسه يب الأهوازي عن ابن أبي عمير عن فضالة عن جميل بن دراج عن محمد بن مسلم قال رأيت أبا جعفر عليه السلام
جائيا من الحمام وبينه وبين داره قذر فقال لولا ما بيني وبين داري ما غسلت رجلي ولا نخيت ماء الحمام ن قذر
بالذال المعجمة وقراءة بالمهملة بمعنى مقدار تصحيف وقد يستدل بهذا الحديث على طهارة غسالة الحمام كا محمد بن يحيى
عن أحمد بن محمد عن الحجال عن حماد بن عثمان البصري قال دخلت مع أبي عبد الله عليه السلام الحمام فقال يا عبد الرحمن أطل فقلت إنما أطليت منذ أيام فقال أطل فإنها طهور ن قد يظن أن لفظة إنما في كلام عبد الرحمن واقعة في غير محلها إذ ليس
المقام مقام الحصر وأن الظاهر إبدالها بلفظة أنا فزيادة الميم من قلم النساخ وجوابه أن لفظة أيام لما كانت من
أوزان جموع القلة جاز أن يقصد بها ذلك فكأنه قال لم يمض من إطلائي إلا أيام قليلة ولو لم يكن قصده ذلك لم يكن
جوابه مطابقا كما لا يخفى فلفظة إنما واقعة في موقعها يب أحمد بن محمد عن البرقي عن هشام بن الحكم وحفص
أن أبا عبد الله عليه السلام كان يطلي إبطيه بالنورة في الحمام كا محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير عن هشام بن
370

الحكم عن أبي الحسن عليه السلام في الرجل يطلي ويتدلك بالزيت والدقيق قال لا بأس به يب الثلاثة عن ابن أبان عن الأهوازي
عن البجلي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يطلي بالنورة فيجعل الدقيق بالزيت يلته به فيمسح به بعد النورة
ليقطع ريحها قال لا بأس كا محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة قال خرج أبو عبد الله
عليه السلام من الحمام فتلبس وتعمم وقال لي إذا خرجت من الحمام فتعمم قال فما تركت العمامة عند خروجي من الحمام في شتاء ولا
صيف ن التعمم يطلق على لبس العمامة وعلى لفها على الرأس أيضا وأمره عليه السلام بالتعمم يحتمل كلا من المعنيين
وظاهر قول الراوي فما تركت العمامة ربما يؤيد الأول الفصل الثاني في السواك والأخذ من الشارب والخضاب و
الاكتحال وتقليم الأظفار والتطيب ستة عشر حديثا الثالث والرابع من الفقيه والبواقي من الكافي كا العدة عن أحمد بن
محمد عن ابن محبوب عن العلا عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال قال النبي صلى الله عليه وآله ما زال جبرئيل يوصيني
بالسواك حتى خفت أن أحفى أو أدرد ن أحفى بالحاء المهملة والفاء وأدرد بدالين مهملتين بينهما راء وهما متقاربان
في المعنى والمراد حتى خفت سقوط أسناني من كثرة السواك ويمكن أن يكون الشك من بعض الرواة كا محمد بن يحيى عن
أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن النعمان عن ابن عمار قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول كان في وصيته النبي صلى الله عليه
وآله لعلي عليه السلام أن قال يا علي أوصيك في نفسك بخصال احفظها عني ثم قال اللهم أعنه وعد جملة من الخصال
إلى أن قال وعليك بالسواك عند كل وضوء يه علي بن جعفر أنه سأل أخاه موسى عليه السلام عن الرجل يستاك مرة
بيده إذا قام إلى صلاة الليل وهو يقدر على السواك قال إذا خاف الصبح فلا بأس يه أبو محمد أنه قال للصادق عليه
السلام جعلت فداك يقال ما استنزل الرزق بشئ مثل التعقيب فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فقال أجل ولكن ألا
أخبرك بخير من ذلك أخذ الشارب وتقليم الأظفار يوم الجمعة ن قد يستشكل هذا الحديث بأن تصديقه عليه السلام
الراوي في عم استنزال الرزق بشئ مثل التعقيب لا يلايم قوله عليه السلام بعد ذلك ألا أخبرك بخير من ذلك
بل ينافيه ويمكن دفع الإشكال بأن قوله عليه السلام أجل إنما هو تصديق للراوي في قوله يقال كذا وكذا لا تصديق واعتراف
بصحة ذلك القول المحكي فلا منافاة ولو سلمنا أنه تصديق لذلك القول أمكن أن يكون الخيرية في كثرة الثواب لا في استنزال
الرزق لكن قد يترآى حينئذ إشكال آخر وهو أن قول هذا الراوي للإمام عليه السلام يقال كذا وإن كان ظاهره خبرا لكن من المعلوم
أن السائل إنما قصد به الاستفهام عن صحة ذلك الكلام فالأولى في جوابه لفظ نعم لا أجل كما قاله في الصحاح من أن نعم
أحسن من أجل في الاستفهام وأجل أحسن من نعم في الخبر ووافقه على ذلك صاحب القاموس بل ذهب جماعة من النحاة
إلى أن أجل تختص بالخبر ولا تجئ بعد الاستفهام وجوابه أن المتبادر من الاستفهام هو الاستفهام الصريح لا الخبر
الذي يراد به معنى الاستفهام فينبغي حمل كلام اللغويين والنحاة على ذلك وأيضا فهم غير متفقين عليه بل مختلفون فيه
وصاحب الصحاح إنما نسب القول بذلك إلى الأخفش وقد جوز الزمخشري وابن مالك وجماعة وقوع أجل بعد الاستفهام
الصريح من غير فرق بينها وبين نعم وهو مختار صاحب مغني اللبيب حيث قال أجل بسكون اللام مثل نعم فيكون تصديقا
للخبر وإعلاما للمستخبر ووعدا للطالب مقنع بعد نحو قام زيد ونحو أقام زيد ونحو اضرب زيدا هذا كلامه على أنا لو
371

أغمضنا عن جميع ذلك لكفانا في صحة وقوعها بعد الاستفهام كلام الإمام عليه السلام كما نطق به هذا الحديث الصحيح
مع قطع النظر عن محمله الأول كا محمد بن يحيى عن العمركي عن علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه السلام قال سئلته عن
قص الشارب أمن السنة قال نعم كا محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله
عليه السلام قال أخذ الشارب والأظفار من الجمعة إلى الجمعة أمان من الجذام كا أحمد بن محمد عن محمد بن خالد عن فضالة بن
أيوب عن ابن عمار قال رأيت أبا جعفر عليه السلام يختضب بالحناء خضبا قانيا الخضب بإسكان الضاد مصدر
بمعنى الاختضاب والمراد هنا خضب اللحية وقاني بالقاف والنون بمعنى شديد الحمرة وقد ذكره الجوهري في باب
الهمزة والياء معا وهو يدل عيل مجيئه بهما وقال صاحب القاموس صوبه الهمزة ونسب الجوهري في ذكره في باب الياء
إلى الوهم والله أعلم كا محمد بن يحيى أحمد بن محمد عن العباس بن موسى الوراق عن أبي الحسن عليه السلام قال دخل قوم على أبي جعفر
صلوات الله عليه فرأوه مختضبا فسألوه فقال إني رجل أحب النساء فأنا أتصبغ لهن ن أتصنع بالصاد المهملة و
النون المشددة أي أتزين لهن بخضاب اللحية كا أبو علي الأشعري عن الصهباني عن صفوان عن العلا عن محمد بن مسلم
قال قال أبو جعفر عليه السلام الحناء يشعل الشيب ن المراد بإشعال الشيب تكثيره كا ابن محبوب عن العلا عن محمد بن مسلم
قال رأيت أبا جعفر عليه السلام يمضع علكا فقال يا محمد نقضت الوسمة أضراسي فصنعت هذا العلك لأشدها ن
نقضت بالقاف والضاد المعجمة أي أزالت استحكامها والوسمة بفتح الواو وكسر السين أو سكونها نبت يختضب به
ويقال إنه ورق النيل وفسرها في الصحاح بالعظلم والعلك بكسر العين المهملة وإسكان اللام صمغ يتخذ من شجر
الصنوبر والفستق والسرو والبطم وأمثالها كا موسى بن القسم عن صفوان عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يكتحل قبل أن ينام أربعا في اليمنى وثلاثا في اليسرى كا العدة عن أحمد بن أبي عبد الله
عن موسى بن القسم عن صفوان عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال الكحل بالليل ينفع البدن وهو بالنهار
زينة كا هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال تقلم الأظفار يوم الجمعة يؤمن من الجذام والجنون والبرص والعمى
فإن لم يحتج فحكها حكا كا محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن معمر بن خلاد عن أبي الحسن عليه السلام قال لا ينبغي للرجل
من يدع الطيب في كل يوم فإن لم يقدر عليه فيوم ويوم لا فإن لم يقدر ففي كل جمعة ولا يدع ن قوله عليه السلام
لا ينبغي للرجل أن يدع الطيب بمعنى ينبغي له أن يتطيب في كل يوم فالنفي لا يتوجه إلى القيد فلا يفسد المعنى فتدبر كا
وبالإسناد عن معمر بن خلاد قال أمرني أبو الحسن الرضا عليه السلام فعملت له دهنا فيه مسك وعنبر فأمرني أن أكتب
في قرطاس آية الكرسي وأم الكتاب والمعوذتين وقوارع القرآن واجعله بين الغلاف والقارورة ففعلت ثم أتيته
فتغلف به وأنا أنظر إليه ن المعوذتان بكسر الواو وفتحها خطأ وقوارع القرآن بالقاف والعين المهملة هي
الآيات التي يقرع بها الشيطان أي يغرب ويطرد والمراد الآيات التي من قرأها أمن من شر الشياطين وتغلف بالمسك
بالغين المعجمة واللام المشددة وآخره فاء أي لطخ لحيته به كا محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان
عن أبي عبد الله عليه السلام قال كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله ممسكة إذا هو توضأ أخذها بيده وهي رطبة وكان
372

إذا خرج عرفوا أنه رسول الله صلى الله عليه وآله برائحته ن الممسكة ظرف صغير يوضع فيها المسك وقد يطلق
على إنفحة المسك والمراد أنهم كانوا يعرفون خروجه صلى الله عليه وآله إليهم قبل أن يروه برائحة المسك ويمكن أن
يراد خروجه إلى صلاة الصبح فإنه صلى الله عليه وآله كان يغلس بصلاة الصبح حتى روي أن النساء كن يرجعن إلى بيوتهن
بعد صلاة الصبح خلفه وهن لا يعرفن من شدة الغلس فيحتمل أنه صلى الله عليه وآله كان إذا خرج في تلك الظلمة عرف
الصحابة أنه رسول الله برائحة المسك تم كتاب الطهارة من كتاب مشرق الشمسين وأكسير السعادتين بتوفيق
الله سبحانه ويتلوه كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى واتفق الفراغ من تأليفه في اليوم الرابع
عشر من الشهر الحادي عشر من السنة الخامسة عشرة بعد الألف بدار المؤمنين قم
المحروسة في جوار الحضرة المقدسة المطهرة الفاطمية لا زالت
مهبطا للأنوار السبحانية والفيوض الربانية و
كتب مؤلفه أحوج الخلق إلى رحمة الله
الغني محمد المشتهر ببهاء الدين
العاملي عامله الله
سبحانه
بلطفه الخفي حامدا لله على نعمه الغامرة مصليا على أشرف خلقه محمد وعترته الطهارة صلوات الله عليهم أجمعين الطيبين
373

هذه رسالة منيفة عزيزة ونسخة شريفة وجيزة في تحقيق مقدار الكر للعلامة المحقق البهائي
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
نحمدك يا من ملأ حياض قلوبنا بماء ولاء النبي والآل ونشكرك يا من طهر نفوسنا عن الانغماس
في غدران الزيغ والضلال ونصلي على نبيك الصادع بأمرك ونهيك والمبلغ لأعباء وحيك وآله
الذين طهرتهم عن الرجس بنص الكتاب وجعلتهم السقاة على الحوض يوم يقوم الحساب وبعد
فيقول الفقير إلى الله الغني بهاء الدين محمد العاملي عامله بلطفه وإحسانه وأذاقه حلاوة غفرانه إن أحق ما
صرف إليه المكلف همته وبيض في الحوض فيه لمته وأنفذ في مزاولته عمره وأراض في مداولته فكره هو
علم الفقه الذي هو لعمر الله أرجح المطالب وأعلاها وأنجح المكاسب وأغلاها إذ بممارسته يحصل الفوز يأتم
المفاخر وبمدارسته يتوصل إلى النجاة من كان يؤمن بالله واليوم الآخر والمنة لم أزل منذ نشأت متشبثا
بأردانه متنزها بين رياضه وغدرانه فبينما الخاطر يرتشف من رحيق حقائقه ويقتطف من ثمار دقائقه إذ عثر
سبوحه ب‍ مسألة الكر وتحقيق تقديره وكيفية مساحته وتكسيره فجال بخاطري أن أرتب مقالة أذكر فيها
ما قامت عليه الدلائل الصحيحة من مقداره وقادت إليه الحجج الصريحة من كمية أشباره وأن المح فيها إلى المشهور
من أشكال الآنية وكيفية مساحتها على ما قامت عليه الدلائل الهندسية فإن فقهائنا رضوان الله عليهم
أجمعين إنما بينوا مساحة المكعب من الأشكال تسهيلا على الطالبين وتقريبا إلى إفهام المبتدئين وأما
استعلام باقي أشكاله كالمستدير والمثمن والمثلث والمعين فقد جعلوها موكولة إلى القواعد الحسابية و
الدلائل الهندسية وقد أوردت في هذه الرسالة من ذلك ما لا بد منه ولا غنية للطالب عنه ليكون محيطا بكيفية مساحته
على اختلاف أنواعها عالما بطريق تكسيره على تباين أوصافها سالكا في ذلك أقرب طريق وأيسره ذاكرا فيه أسهل
وجه وأخصره ممثلا لما عساه يحتاج إلى المثال على حسب ما اقتضاه الحال مع تشتت البال بمقاساة أمور تحدث
في الطبع كلا لا وتورث النفس من الحياة ملالا ولما حان حين ختامها وبرزت أزهارها من أكمامها أحببت أن
يسمو قدرها ويولج على سماء العز بدرها فرسمتها باسم رؤس المنابر في الآفاق وسيما في سماء السمو على سرير
الملك بالإرث والاستحقاق مرنح ظلم الظلم من بساط البسيط بكواكب موكبه ومزيل غمام الغموم بغرائب الرغائب
من سواهب مواهبه الملك الذي منتهى مطلبه تشييد قواعد شرايع الإسلام على قانون آبائه الطاهرين ونهاية
مقاصده إحياء علوم الدين بالإرشاد والهداية إلى منهاج الأئمة المعصومين قصارى منيته كشف الغمة
عن الأمة بإيضاح الحق ونهج اليقين وغاية بغيته تجريد مسالك الملك عن أهل الخلاف أجمعين أعظم ملوك
374

الأرض شأنا وأعلاهم منزلا ومكانا وأشملهم عدلا وإحسانا الذي يفتخر أعاظم الخواقين بتقبيل سدة بابه وللج
أكابر السلاطين بتعفير الوجوه على تراب أعتابه السلطان بن السلطان بن السلطان أبو المظفر شاه طهماسب
بهادرخان خلد الله سبحانه على مفارق العالمين ظل سلطنته القاهرة وشيد لا علاء معالم الدين أركان دولته
الباهرة ما توالت الأعصار والشهور وتعاقبت الأعوام والدهور ومن الله اسئل حسن التوفيق وإصابة
الحق بالتحقيق
فصل قد يعرف الكر بأنه ماء بلغ تكسيره بأشبار مستوي الخلقة اثنين وأربعين وسبعة
أثمان أو بأنه ماء لا ينفعل بما يرد عليه من النجاسة ما لم يتغير أحد أوصافه إن قلت يرد على الثاني ماء
الاستنجاء عند من لا يقول بأنه عفو وماء الغسالة عند السيد المرتضى وأتباعه وماء غسلتي الولوغ عند
الشيخ قلت قيدنا في التعريف بما يرد عليه وكل من هذه الثلاثة يرد هو على النجاسة لا أنها ترد عليه نعم يرد عليه
الماء الجاري دون الكر عند من لا يشترط فيه الكرية وهم أكثر الأصحاب وكذا الماء الملاقي لما لا يدركه الطرف من
الدم عند الشيخ فينبغي أن يراد فيه مقدر شرعا ليستقيم منعا ولا يقيد حينئذ بما يرد عليه لعدم الاحتياج
إليه فصار هكذا ماء مقدر شرعا لا ينفعل بالنجاسة ما لم يغيره وظني أنه سالم طردا وعكسا
فصل
مساحة الجسم استعلام ما فيه من أمثال المكعب الممسوح به وأبعاضه أعني أمثال جسم يحيط به ستة مربعات
ذلك الخط بحيث يتوازى كل متقابلين منها والمساحة المبحوث عنها عينها هي استعلام ما في الماء من مكعب الشبر
وأبعاضه ليعرف بلوغه النصاب الشرعي فالماء المحكوم بكريته عند الأكثر هو المشتمل على اثنين وأربعين
مجسما مائيا كل منها مكعب الخط الشبري وآخر هو سبعة أثمان مكعبة وهو معنى كون الكر اثنين وأربعين
شبرا وسبعة أثمان شبر فصل سيجري الكلام إلى ذكر الأرطال والدائر منها على ألسنتهم ثلاثة العراقي
والمدني والمكي فالرطل العراقي مأة وثلاثون درهما والدرهم ستة دوانيق والدانق ثمان شعيرات فالدرهم
ثمان وأربعون شعيرة وحيث إن المثقال الشرعي درهم وثلاثة أسباع درهم فهو ثمان وستون شعيرة و
أربعة أسباع شعيرة فالرطل العراقي أحد وتسعون مثقالا فهو ستة آلاف ومائتان وأربعون شعيرة
والتسعة منه صاع والاثنان وربع مد فالصاع ألف ومأة وسبعون درهما وثمانمأة وتسعة عشر
مثقالا فهو ستة وخمسون ألفا ومأة وستون شعيرة وأما الرطل المدني فمأة وخمسه وتسعون درهما
فهو رطل ونصف بالعراقي والرطل المكي ضعف الرطل العراقي فصل حد القائلون بانفعال الماء
القليل الكر بتحديدين المساحة والوزن وبكل منهما وردت الأخبار عن الأئمة الأطهار صلوات الله
عليهم فالأقوال فيها أربعة المشهور وهو ما مر وثانيها لابن بابويه وأبان القميين وهو ظاهر السيد
المرتضى ابن طاوس وصريح في المختلف وإليه جنح بعض محققي المتأخرين ولعله الأقوى وهو أنه سبعة وعشرون
شبرا مكسرا لإسقاطهم اعتبار النصف في كل من الأبعاد وثالثها لابن الجنيد وهو أنه نحو مأة شبر مكسر و
رابعها للقطب الراوندي وهو أنه ليس المراد الضرب بل الكر ما بلغ مجموع إبعاده عشرة أشبار ونصفا و
375

أما الوزن فألف ومأتا رطل وبه قال من عدا الراوندي من الأصحاب ثم اختلفوا في إرادة العراقي والمدني
فالشيخان وأتباعهما على الأول والسيد المرتضى وابن بابويه على الثاني ولم يذهب أحد إلى أنه المكي حتى ابن
الجنيد مع أنه أنسب بالمساحة على مذهبه والعجب من ابن بابويه كيف لم يعتبر العراقي فاعتبر المدني مع أن الكر
عنده قريب من نصفه عند من اعتبر العراقي
فصل القولان الأخيران من أقوال المساحة شاذان وأما الأولان
فمستند أولهما ما رواه الشيخ في التهذيب عن أبي القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن عثمان
بن عيسى عن ابن مسكان عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الكر من الماء كم يكون قدره قال إذا كان
الماء ثلاثة أشبار ونصفا في مثلثه ثلاثة أشبار ونصف في عمقه من الأرض فذلك الكر من الماء ومستند ثانيهما
صحيحة إسماعيل بن جابر عن الصادق عليه السلام قال الكر من الماء ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار وهذه ترجح على
الأولى بصحة السند للطعن في عثمان بن عيسى بالوقف ولتأييدها بما رواه محمد بن يعقوب عن الحسن بن صالح عن
أبي عبد الله عليه السلام قال الكر ثلاثة أشبار عرضها في ثلاثة أشبار عمقها وقد ترجح الأولى عليها فالشهرة وفيه
أن الشهرة مشتركة والتفاوت فيهما ممنوع فصل هذه الروايات الثلاث مشتركة بحسب الظاهر في الخلو
عن بيان قدر بعض الأبعاد أما الأخيرة فعن بيان الطول وأما الأوليان فالظاهر خلو ثانيتهما عن بيان العمق
وأوليهما عن بيان العرض ولعله عليه السلام أحال تقدير ما لم يذكره من الأبعاد على ما ذكره منها لدلالة
سياق الكلام عليه فأعني عن ذلك ذكره والحذف مع وجود ما يدل على المحذوف شايع ذايع تكميل قطع بعض المحققين بخلو
الرواية الأولى عن بيان قدر العمق وفيه نظر لأن قوله عليه السلام في عمقه من الأرض أما حال من مثله أو نعت لثلاثة
أشبار الذي هو بدل من مثله وعلى كلا التقديرين فالمسكوت عنه إنما هو العرض وأما العمق فمبين ولولا الحمل
على هذا لكان قوله عليه السلام في عمقه من الأرض كلاما منقطعا متهافتا وحاشا مثلهم عن التلفظ بمثله توجه
لا يبتعد ادعاء تضمن الأولى مقدار كل من الأبعاد الثلاثة أما بعود الضمير في قوله عليه السلام في مثله إلى ما دل
عليه قوله ثلاثة أشبار ونصفا أي في مثل ذلك المقدار لا في مثل الماء إذ لا محصل له وكذا الضمير في قوله عليه
السلام في عمقه أي في عمق ذلك المقدار من الأرض لا في عمق الماء حذرا من التفكيك وأما بأن يكون ثلاثة في قوله
عليه السلام ثلاثة أشبار ونصف في عمقه منصوبا على أنه خبر ثان لكان لا مجرورا بالبدلية من مثله وعلى كل من هذين
الوجهين لا يكون الرواية خالية عن بيان شئ من مقادير الأبعاد الثلاثة لكن الأخير يقتضي نصب النصف بالعطف
عن ثلاثة وهو في الرواية غير منصوب والتقدير تكلف وجره بالعطف على أشبار مما لا يخفى فساده على طبع ذي
سليم إيضاح مستند التقدير بالوزن مرسلة ابن أبي عمير التي هي عندهم كالمسندة وهي ما رواه الشيخ في التهذيب
عن أحمد بن محمد بن الحسن عن أبيه عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد بن يحيى عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن بعض
أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال الكر من الماء الذي لا ينجسه شئ ألف ومائتا رطل وبها احتج السيد و
ابن بابويه على اعتبار الرطل المدني والشيخان على اعتبار العراقي ووجه الأول بأنهم عليهم السلام من أهل المدينة
376

فأجابوا بالأرطال المعهودة عندهم ووجه الثاني بأن المرسل عراقي فخاطبه الإمام عليه السلام بمتعارفه وللتأييد
بما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له الغدير ماء مجتمع تبول فيه الدواب
وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب قال إذا كان قدر كر لم ينجسه شئ والكر ستمأة رطل ووجه التأييد أنه لم يقل أحد بأن
الكر ستمأة بالعراقي أو المدني فتعين حمله بالمكي الذي هو رطلان بالعراقي ليتوافق روايتا الوزن فصل
اعتضاد الشيخين على اعتبار الرطل العراقي بالمرسلة المذكورة إنما يتم لو ثبت أن المخاطب عراقي كالمرسل وابن أبي
عمير إنما روى عن بعض أصحابنا وهم غير منحصرين في العراقيين ولو ثبت أن هذا القول من ابن أبي عمير فالظاهر أن
مراده ببعض أصحابنا الموافقين في المذهب ولو أراد الصاحب حقيقة لم يتم أيضا إذ الرجل قد يصاحب من ليس من
بلده ولو سلم أنه أراد بعض العراقيين لم يتم أيضا لأن ذلك البعض لم يقل أنه كان المخاطب لقوله عليه السلام أنه ألف
ومائتا رطل ليحمل على متعارفه من أرطال العراق بل إنما نقل قوله عليه السلام إنه ألف ومأتا رطل فلعل المخاطب
بذلك القول لم يكن عراقيا فصل تبصرة والعلامة في المختلف وافق ابن بابويه في المساحة وخالفه في الوزن وقال إن الأرطال
العراقية تناسب ما اختاره من المساحة والشهيد في الذكرى وافق الجمهور على أن الكر اثنان وأربعون شبرا وسبعة
ثمان شبر وقال بأن الرطل العراقي هو المناسب للأشبار دون المدني وقد يظن أن بين الكلامين تضادا ما فإن الأرطال
العراقية إن ناسبت مذهب ابن بابويه كما قاله العلامة بعدت عن مناسبة مذهب الجمهور بل يكون الأرطال المدنية (..) به منها
إذ التفاوت بين المذهبين في قدر المساحة قريب من التفاوت بينهما في الوزن والتفصي عن هذا التصادم غير
خفي تقسيم الصور المتصورة في الكر نظر إلى الصحة والانكسار في كل من أبعاده الثلاثة سبع وعشرون
لأن الطول إما صحيح أو كسر أو مختلط وعلى كل من الثلاثة فالعرض أحدها وعلى كل من التسعة فالعمق أيضا أحدها فإن
كان كل من أقطاره صحيحا فظاهر عدم احتياجه إلى مزيد تأمل وإن كان كل منها كسرا فظاهر عدم بلوغه الكر وبقي خمس
وعشرون صورة صورة جزئياتها غير محصورة وضرب بعضها موقوف على التنجيس أعني جعل الصحيح من جنس الكسر
بأن يضرب الصحيح في مخرج الكسر وتزيد على الحاصل صورة الكسر فمجنس الثلاثة وسبعة الضيعة والأربعة والثلث ثلاثة عشرة
فصل (تأصيل) إذا ضربت أحد بعدي الكر في الآخر أو مجموعهما في الثلاث فأما أن يكون في كل من الجانبين كسر أو يختص بأحدهما والأول إما أن يكون في كل منهما صحيح فتضرب مجنس أحد الطرفين في مجنس الآخر أو يختص الصحيح بأحدهما فتضرب
مجنسه في صورة كسر الطرف الآخر ونحفظ الحاصل ثم تضرب مخرج أحد الكسرين في المخرج الآخر وتحفظ الحاصل
أيضا ثم تقسم الحاصل الأول على الحاصل الثاني إن لم يكن أقل منه وتنسبه منه إن كان أقل فما صار فهو المطلوب وكان الطول ثلاثة أشبار ونصفا والعرض شبرين وثلاثة أرباع والعمق أربعة أشبار وربعا فالحاصل من ضرب
مجنس الطول في مجنس العرض سبعة وسبعون ومن ضرب المخرج في المخرج ثمانية والخارج من القسمة تسعة
وخمسة أثمان مجنسهما سبعة وسبعون ومجنس العمق سبعة عشر ومضروب أحدهما في الآخر ألف وثلثمأة وتسعة
ومضروب المخرج في المخرج اثنا وثلاثون والخارج من القسمة أربعون وسبعة أثمان وربع ثمن فهو دون الكر
فصل تكملة إن الثاني فأما أن يكون مع الكسر صحيح فتضرب مجنس الطرف ذي الكسر في الطرف الصحيح أو لا فتضرب
377

صورة الكسر في الطرف الصحيح وتقسم الحاصل على التقديرين على المخرج أو تنسبه منه فالخارج جواب فلو كان
الطول اثني عشر شبرا والعرض خمسة أشبار وثلثا والعمق ثلاثة أرباع شبر فاضرب الاثني عشر في مجنس الخمسة
والثلث وهو ستة عشر يحصل مأة واثنان وتسعون فاقسمها على ثلاثة التي هي المخرج يخرج أربعة وستون
تضربها في صورة الثلاثة أرباع وهو ثلاثة يحصل مأة واثنان وتسعون فاقسمها على الأربعة التي هي المخرج
يخرج ثمانية وأربعون فهو كر وزيادة تذنيب جرت عادة الفقهاء رضوان الله عليهم بالتمثيل بما كل من
أبعاده الثلاثة ثلاثة أشبار ونصف لوروده في النصوص عن أهل الخصوص صلوات الله عليهم والطريق المشهور
في ضربه أن تضرب ثلاثة في ثلاثة يحصل تسعة ثم في نصف يحصل واحد ونصف ثم نصفا في ثلاثة يحصل واحد
ونصف ثم في نصف يحصل ربع فهذه الاثنا عشر وربع مضروب طوله في عرضه فتضربها في عمقه بأن تضرب
الاثني عشر في ثلاثة يبلغ ستة وثلاثين وفي النصف يحصل ستة ثم الربع في ثلاثة يحصل أرباع وفي النصف يحصل
ثمن فالكل اثنان وأربعون شبرا وسبعة أثمان شبر وبطريقة أهل الحساب مجنس كل من الطول والعرض
سبعة فالحاصل الأول تسعة وأربعون والحاصل الثاني أربعة والخارج من القسمة اثنا عشر وربع مجنسه
تسعة وأربعون ومجنس العمق سبعة فالحاصل الأول ثلاثمائة وثلاثة وأربعون والحاصل الثاني ثمانية و
الخارج من القسمة اثنان وأربعون وسبعة أثمان وهو المطلوب فصل نكتة ماء الحوض المربع الذي كل من أبعاده
الثلاثة ثلاثة أشبار ونصف يزيد عند التحقيق على النصاب الشرعي بشئ يسير لما بين في موضعه من أن الماء
أينما وقع يكون قطعة من سطح كري مركزه مركز العالم وعليه بناء المسألة المشهورة من زيادة ما يحويه الإناء في
قعر البئر على ما يحويه على رأس المنارة فلا يكون السطح المماس للهواء من الماء مستويا بل هو محدب فماء الحوض المذكور
يزيد في الحقيقة على الكر بقطعة صغيرة من كرة نصف قطرها مساو لبعد محدب الماء عن مركز العالم إلا أن
هذه زيادة حقيرة لا اعتبار لها في نظر الشارع لا يكاد يخفى عليك أن الطريق المشهور في استعلام مساحة
الكر إنما يجري على ما عرفته إذا كان الماء على الشكل المكعب ونحوه أما لو كان على شكل الأسطوانة المستديرة
أو المضلعة أو المنشور مثلا فلا مناص عن الرجوع إلى ما يقتضيه الأصول الهندسية كما سيجئ ورأيت بعض
المتفقهين قد قاس المنشور الذي كل من أضلاعه وعمقه ثلاثة أشبار ونصف على المكعب وظنه كرا لما
فهمه من ظاهر قول الفقهاء رضوان الله عليهم الكر ما كل من أبعاده الثلاثة وثلاثة أشبار ونصف ولم
يدر أنهم أرادوا بذلك إذا كان مكعبا وخصوه بالذكر لأنه مساحة من باقي الأشكال ولأن أكثر الحيضان على
ذلك المنوال فصل معرفة مساحة الكر مسبوقة بمعرفة مساحة سطحه والأشكال المسطحة غير
محصورة لكن العلم بكيفية مساحة البعض يعني على استعلام مساحة الباقي والمشهور منها عشرون الدائرة ونصفها وقطاعاها الأكبر والأصغر وقطاعاها الصغرى والعظمى والهلالي والنعلي والإهليجي والشلجمي و
المثلث القائم الزاوية ومنفرجها والحاد الزوايا والمربع والمستطيل والمعين وشبهه والمنحرف والمخمس
378

والمسدس والمسبع والمثمن وأنا أذكر مساحتها واحدا بعد آخر على ما اقتضته القواعد الحسابية وقامت
عليه البراهين الهندسية التي لا شك فيها ولا شبهة تعتريها والله ولي التوفيق وهذه صورة الأشكال
أما الدايرة فطبق خيطا على محيطها ثم تقسم عدد أشباره على ثلاثة وسبع ليحصل القطر بالتقريب المشهور أو
يحصل قطرها الحسي فإنه كاف فيما نحن فيه ثم تضرب نصفه في نصف المحيط ليحصل مساحتها وإن ضربت
نصف القطر في ربع المحيط حصل مساحة نصفها وأما القطاعان فتضرب نصف القطر في نصف القوس
وأما القطعتان فيحد مركزيهما ويكملهما قطاعين ليحصل مثلث فتنقصه من القطاع ليبقى مساحة القطعة الصغرى
أو تزيده عليه ليحصل مساحة الكبرى هكذا وأما الهلالي والنعلي فيصل بين طرفيهما وينقص مساحة القطعة
الصغرى من العظمى ليبقى مساحة كل منهما هكذا إلى المشهور وأما الإهليجي والشلجمي فتجعل كلا
قطعتين وتمسحهما وأما المثلث فقائم الزاوية يضرب أحد ضلعيه المحيطين بها في نصف الآخر ومنفرجها
يضرب العمود المخرج من المنفرجة على وترها في نصفه وحاد الزوايا يضرب العمود المخرج من أي زوايا على وترها
في نصف ذلك الوتر وأما المربع فاضرب أحد أضلاعه في نفسه وأما المستطيل فاضرب طوله في عرضه وأما
المعين وشبهه وباقي الأشكال الكثيرة الأضلاع فتقسمها إلى مثلثات وتمسحها فالمعين وشبهه إلى
مثلثين والمخمس إلى ثلاثة والمسدس إلى أربعة والمسبع إلى خمسة وهكذا وإن شئت قسمت المسدس إلى مستطيل ومثلثين
والمثمن إلى مربع وأربع مثلثات ثم تمسحها هكذا والأسهل في المسدس والمثمن فصاعدا مما أضلاعه زوج
379

أن تضرب نصف قطره في نصف مجموع أضلاعه فالحاصل مساحته وقطر ما أضلاعه زوج خط واصل بين
منتصف أحد أضلاعه ومنتصف الضلع المقابل له فلو كان كل من أضلاع المسدس ثلاثة أشبار وقطره ستة
فمساحته سبعة وعشرون شبرا وقس عليه نظائره فصل [بيان] الأشكال المجسمة كثيرة والمشهور منها الكرة
وقطعتها والأسطوانة المستديرة والمضلعة والمخروط مستديرا ومضلعا تاما وناقصا وأكثر الحيضان لا
يخرج عنها وما خرج يستعلم باستعانتها ولو بالتقريب فالكرة جسم يحيط به سطح مستدير في داخله نقطة
يتساوى الخطوط الخارجة منها إليه ومساحة سطحها بضرب قطرها المحصل بأحد الطرق في محيط أعظم دائرة
فيها ويندر وجود كرة من الماء يقارب الكر فإن وجدت واردت استعلام كريتها ضربت نصف قطرها في ثلث مساحة
سطحها ليحصل مساحتها مثاله كرة آب وقطرها خطا ج خمسة أشبار ومحيط أعظم دائرة فيها وهو آبج خمسة
عشر شبرا فمساحة سطحها خمسة وسبعون شبرا فاضرب ثلاثة وهو خمسة وعشرون في نصف القطر وهو شبران
ونصف يحصل اثنان وستون شبرا ونصف وهو مساحتها ومساحة سطح قطعة الكرة تساوي مساحة دائرة نصف
قطرها مساو لخط واصل بين قطب القطعة ومحيط قاعدتها فإن كان الماء على هيئة قطعة الكرة فحصل قطر
الكرة واضرب في نصفه ثلث مساحة سطح القطعة ليحصل مساحته فصل [تتميم] الأسطوانة جسم يحيط به سطحان
متوازيان مستويان متساويان هما قاعدتاها وسطح واصل بين محيطيهما بحيث لو أدير مستقيم واصل بينهما عليه
ماسه بكله في كل الدورة فإن كانت القاعدتان دائرتين فالاسطوانة مستديرة أو شكلين مستقيمي الخطوط
مثلثين أو مربعين أو غيرهما فمضلعة وكل حوض يكون على أحد الأشكال السابقة ويكون اسطواني الماء فاضرب
مساحة سطحه الظاهر في عمقه يحصل مساحته مثاله حوض مستدير دائرته سبعة أشبار ومحيطها اثنان وعشرون
شبرا وعمقه شبر ونصف ضربنا نصف القطر في نصف المحيط حصل ثمانية وثلاثون ونصف تضربه في العمق يحصل
سبعة وخمسون شبرا وثلاثة أرباع فهو كر وزيادة
فصل مثال آخر حوض على شكل قطاع الدائرة ونصف قطر
القطاع خمسة أشبار وثلاث ونصف قوسه سبعة أشبار وثلاثة أرباع وعمقه شبران الخارج من قسمة أحد الحاصلة
على الآخر أحد وأربعون وثلث وهي مساحة قاعدة الأسطوانة فاضربها في الاثنين يحصل مساحته فصل مثال آخر
حوض مسدس قسمنا سطحه إلى أربع مثلثات والمثلث الأوسط حاد الزوايا والبواقي كل منها منفرج الزاوية فتضرب العمود
المخرج في أحد زوايا المثلث الأوسط على وترها في نصف في نصف الوتر وتحفظ الحاصل ثم تمسح أحد المثلثات الثلاثة بأن
تضرب العمود المخرج من المنفرجة على ضلع بوترها في نصف ذلك الضلع وتزيد عليه مثلثيه لأن المثلثات ثلاثة
وتضيف إليه المحفوظ الأول ليحصل مساحة المحفوظ المسدس فتضربها في العمق يحصل المطلوب وعلى هذا فقس
باقي الأشكال الكثيرة الأضلاع فصل إكمال المخروط جسم صنوبري يحيط به سطح مستو هو قاعدته وآخر مرتفع من
محيطها متضايقا إلى نقطة هي رأسه بحيث لو أدير خط مستقيم واصل بين محيط أصل القاعدة وتلك النقطة
ماسه بكله في كل الدورة وهو بالنظر إلى قاعدته أما مستدير أو مضلع كالأسطوانة والخط والواصل بين تلك
380

النقطة ومركز القاعدة سهم المخروط فإن كان عمودا على القاعدة فالمخروط قائم وإلا فمائل فإن قطع بسطح مواز
لقاعدته سمي القسم الذي يلي القاعدة مخروطا ناقصا ومساحة المخروط بأقسامه إلا الناقص تحصيل من ضرب مساحة
قاعدته في ثلث ارتفاعه مثاله حوض ماء مستدير متنازل على شكل المخروط ومساحة رأسه الذي هو
قاعدة المخروط سبعة أشبار ونصف في عمقه الذي هو ارتفاع المخروط اثنا عشر شبرا فاضرب السبعة والنصف
في أربعة يحصل مساحته وقس عليه المضلع وإن كان بعض الماء أسطوانة مستديرة أو مضلعة وبعضه مخروطا
فامسح كلا على حدة فمجموع المساحتين مساحة المجموع تتمة المخروط الناقص إن كان مستديرا فقاعدتاه
دايرتان عظمي وصغرى فاضرب قطر قاعدته العظمى في ارتفاعه واقسم الحاصل على التفاوت بين قطري القاعدتين
فالخارج ارتفاع المخروط التام والتفاضل بين ارتفاعي التام والناقص هو ارتفاع المخروط الأصغر الذي
يتم به المخروط الناقص فتضرب ثلث هذ الارتفاع في مساحة القاعدة الصغرى التي هي قاعدة المخروط الأصغر يحصل
مساحته فأسقطها من مساحة المخروط التام يبقى مساحة المخروط الناقص مثاله حوض ماء مستدير
ماؤه مخروط ناقص وعمقه أربعة أشبار وقطر رأسه وهو القاعدة العظمى خمسة أشبار وقطره قراره وهو
القاعدة الصغرى ثلاثة فاضرب الخمسة في الأربعة التي هي الارتفاع واقسم العشرين على اثنين ليخرج عشرة
هي ارتفاع المخروط التام فارتفاع المخروط الأصغر ستة فاضرب ثلثها في مساحة القاعدة الصغرى وهي
ستة وربع تقريبا يحصل اثنا عشر ونصف وهي مساحة المخروط الأصغر فانقصها من مساحة المخروط التام
وهي اثنان وستون ونصف تقريبا يبقى خمسون شبرا هي مساحة المخروط الناقص فالحوض المذكور كر وزيادة و
إن كان المخروط الناقص مضلعا فاضرب ضلعا من أضلاع قاعدته العظمى في ارتفاعه واقسم الحاصل على
التفاضل بين ضلع من أضلاعها وآخر من الصغرى ليحصل ارتفاع المخروط التام وكمل العمل كما عرفت خاتمة فصل
إن كان في أسفل الحوض درجة أو جسم من الأجسام فامسحه وأسقط مساحته من مساحة الماء يبقى مساحة الماء
فصل قد يكون الماء على هيئة الحلقة فأما أن يكون محدبها ومقعرها مستديرين أو مضلعين
أو مختلقين هكذا فكيف كأن يكون قطعة أو أسطوانة مجوفتين أو مخروطا تاما أو
ناقصا أو غير ذلك وما في جوفه كذلك مصمتا فامسحه مع ما في جوفه
كأنهما شئ واحد ثم انقص من الحاصل مساحة المصمت يبقى
مساحة الماء وما لم نذكره من الأشكال يستعلم مساحته
باستعانة العلم بمساحة ما ذكرناه ولو
بالتقريب المفيد للظن ببلوغ
الكرية فإنه كاف في
هذا الباب والله أعلم بالصواب هذا ما غفلت عنه عوائق الزمان ولم يتنبه له بوائق الدهر الخوان تمت
381

هذه رسالة شريفة وجيزة في تحقيق الكر للمحقق البهائي رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
لقد أجمع علماء الإسلام على أن الماء المطلق إذا كان كثير لا ينجس بملاقاة النجاسة وإنما ينجس بالتغيير بها وإن كان
في الحياض والأواني إلا ما سيحكى عن الشيخ المفيد والسلار وإنما اختلفوا في مقدار الكثير فذهب الشيخان و
السيد المرتضى وجل الأصحاب بل كلهم رضي الله عنهم إلى تقديره بالكر وحكي ذلك عن الحسن بن صالح من العامة
لكنه قدر الكر بثلاثة آلاف رطل وذهب الشافعي وأحمد وجماعة منهم إلى تقديره بالقلتين وفي العزيز شرح
الوجيز واختلفوا في تقدير ذلك يعني القلتين ثلاثة أوجه أحدها ذهب عبد الله الزبيري إلى أن القلة ثلاث
مأة من لأن القلة ما يقله بعير ولا يقل الواحد من بعران العرب غالبا أكثر من وسق والوسق ستون صاعا وذلك مأة وستون
منا فالقلتان ثلاثمائة وعشرون يحط منها عشرون للظروف والحبال يبقى ثلاثمائة وهذا اختيار القفال و
الثاني أن القلتين ألف رطل لأن القربة قدر تسع مأتي رطل فالاحتياط الأخذ بالأكثر ويحكي عن هذا أبي زيد
والثالث وهو المذهب أن القلتين خمسمأة رطل مأتان وخمسون منا بالبغدادي لأن القربة الواحدة لا
تزيد على مأة رطل في الغالب ويحكى هذا عن نص الشافعي انتهى وقال بعضهم الكثير ما كان كل من طوله وعرضه
عشرة أذرع في عمق شبر وقال أبو حنيفة إن كان الماء يصل بعضه إلى بعض فهو قليل ينجس بالملاقاة وإلا فهو
كثير لا ينجس إلا بالتغير وأراد بذلك على ما فسره تلميذه أبو يوسف يحرك أحد جانبيه عند تحريك الآخر وعدمه
وبه فسر أيضا في العزيز حيث قال وعند أبي حنيفة لا اعتبار بالقلال وإنما الكثير هو الذي إذا حرك جانب منه
لم يتحرك الثاني لنا حسنة معاوية بن عمار قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إذا كان الماء قد كر لم ينجسه
شئ وصحيحة محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الماء الذي تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل
فيه الجنب قال إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ ورواية الحسن بن صالح الثوري عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا كان
الماء في الركى كرا لم ينجسه شئ الحديث وإسماعيل بن جابر على ما هو الظاهر من أن ابن سنان في طريقها
عبد الله قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الماء الذي لا ينجسه شئ قال كر قلت وما الكر قال ثلاثة أشبار في ثلاثة
أشبار وصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ وصحيحة
محمد بن مسلم عن
أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له الغدير ماء مجتمع تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب قال إذا كان
قدر كر لم ينجسه شئ والكر ستمأة رطل وما رواه العامة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه
شئ وفي رواية لم يحمل خبثا ويؤيدها الأخبار الواردة عن تحديد الكر وستعرفها وربما استدل عليه بأن الإجماع
واقع على التقدير والقول بالقلتين باطل لمنع صحة الحديث الذي استدل به الشافعي من أنه صلى الله عليه وآله قال
382

إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا وفي خبر آخر إذا بلغ الماء قلتين بقلال هجر لم يحمل خبثا فإن الحنفية قد طعنوا فيه و
قالوا إنه مدني فلو كان صحيحا لعرفه المالك وعلى تقدير الصحة يمكن حمل القلتين فيه على الكر وقد حمل عليه ما رواه الصدوق
أيضا عن الصادق عليه السلام أنه قال إذا كان الماء قدر قلتين لم ينجسه شئ والقلتان جرتان وأيد ذلك الحمل بما
حكي عن ابن دريد من أنه قال القلة من قلل الجر عظيمة تسع خمس قرب وكأنه لذلك سميت الحياض التي في الحمامات
بالقلتين وحمل عليه أيضا ما رواه الشيخ قدس سره عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له رواية من ماء سقطت
فيها فارة أو جرذ أو صعوة ميتة قال إذا تفسخ فيها فلا تشرب من مائها ولا تتوضأ منها وإن كان غير متفسخ فاشرب
منه وتوضأ واطرح الميتة إذا أخرجتها طرية وكذلك الجرة وحب الماء والقربة وأشباه ذلك من أوعية الماء قال
وقال أبو جعفر عليه السلام إذا كان الماء أكثر من رواية لم ينجسه شئ تفسخ فيه أو لم يتفسخ إلا أن يجئ له ريح تغلب على
ريح الماء ويؤيد هذا التأويل ما رواه عبد الله بن المغيرة عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال الكر من
الماء نحو حبي هذا وأشار إلى حب من تلك الحباب التي تكون بالمدينة وذهب شيخنا المفيد طاب ثراه في المقنعة والسلار
على ما حكي عنه إلى أن الكر من الحياض والأواني كالقليل ينجس بالملاقاة ولم أر مستندا لهما ولبعد ما ذهب إليه
قيل مرادهما بالكثرة هنا الكثرة الإضافية العرفية وبالحياض والأواني التي تتخذ من الجلود لسقي الدواب وهي ناقصة
عن الكر وهذا التأويل أبعد ثم إن النصوص الدالة على اعتبار الكثرة وكلام أكثر الأصحاب خالية عن التقييد و
بتساوي السطوح بل ظاهرهما تقوي كل من العالي والسافل بالآخر إذا كانا ماء واحدا عرفا واعتبر بعضهم التساوي
وقيل الأسفل يتقوى بالأعلى وإلا لزم أن ينجس كل ما يكون تحت النجاسة من الماء المنحدر وأن يكون نهرا عظيما و
اعلم أن الكر في النصوص وكلام الأصحاب تحديد ين واختلف في كل منهما على مذاهب
الأول تحديده بحسب المساحة
والمشهور بينهم اعتبار ثلاثة أشبار ونصف في كل من الجهات الثلاثة ويدل عليه رواية الحسن بن صالح عن أبي
عبد الله عليه السلام قلت وكم الكر قال ثلاثة أشبار ونصف عمقها في ثلاثة أشبار ونصف عرضها وخبر أبي بصير
قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الكر من الماء كم يكون قدره قال إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصف في مثلثه ثلاثة
أشبار ونصف في عمقه في الأرض فذلك الكر من الماء ودلالة الخبرين أما الأول فمبني على أن المراد بالعرض فيه
السعة الشاملة للطول والعرض كما ذكره في مجمع البيان في تفسير قوله تعالى " عرضها السماوات والأرض " وقال
بعض المحققين تحديد العرض بما ذكر مستلزم لكون الطول من سهو النساخ أو الراوي فقد روي في الاستبصار
عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن الحسن بن صالح الثوري عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا كان الماء في الركى كرا لم
ينجسه شئ قلت وكم الكر قال ثلاثة أشبار ونصف طولها في ثلاثة أشبار ونصف عمقها في ثلاثة أشبار و
نصف عرضها وأما الثاني فبناء على كون قوله عليه السلام في عمقه في الأرض خبرا آخر لكان من غير عاطف وهو
الشايع في الاستعمال فالمذكوران أولا لبيان العرض والطول وهذا لبيان العمق ولكن قدره مسكوت عنه وكأنه
مبني على الحوالة أما لو كان بدلا أو بيانا لقوله في مثله ثلاثة أشبار فيكون أحد البعدين من الطول والعرض مسكوتا
383

عنه إلا أن يراد بالمذكور أو لا السعة بتكلف كما عرفت والتكلف هنا أكثر ثم الخبران وإن كانا ضعيفين الأول
بالحسن بن صالح فإنه زيدي بتري وإليه ينسب الصالحية من الزيدية والثانية بعثمان بن عيسى وقد ضعفه الأصحاب
لكن الشهرة بين الأصحاب جبرت ضعفهما ثم المشهور أن لفظة في في الخبرين دالة على الضرب وأنه يعتبر المضروب
وهو اثنان وأربعون شبرا وسبعة أثمان شبر وحكي عن القطب الراوندي رحمه الله أن ما بلغت أبعاده الثلاثة عشرة
أشبار ونصفا فهو كر وهو مبني على اعتبار الجمع دون الضرب ويطابق المشهور إذا كان كل من طوله وعرضه و
عمقه ثلاثة أشبار ونصفا ويقرب منه تارة ويبعد عنه أخرى وأبعد فروضه ما إذا كان أحد من أبعاده الثلاثة
عشرة ونصفا وكل من الباقين شبرا واعتبر الصدوق وأتباعه القميون رضي الله عنه الثلاثة الأشبار ولم يعتبروا معها النصف
لخبر إسماعيل بن جابر وقد سبق وعده في المختلف أقوى وكأنه بنى ذلك على حكم أكثر الأصحاب بصحة مستنده بناء
على إرادة عبد الله من ابن سنان بقرينة أنه رواه الشيخ في التهذيب في باب الأحداث الموجبة للطهارة في ذيل
شرح تحديد الكر عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن البرقي عن عبد الله بن سنان عن إسماعيل بن جابر أو لما ذكره قبيل
هذا من أن اعتبار الأرطال يقاربه وفيهما مناقشة أما الأول فلما ذكره جدي قدس سره المحقق المجلسي في
شرح الفقيه أن الشيخ رواه أيضا عن كتاب سعد بن عبد الله عن محمد بن سنان عن إسماعيل بن جابر وقال هو الظاهر
لكثرة رواية البرقي عنه والظاهر أن هذا السهو يعني ذكر عبد الله وقع من الشيخ أو من محمد بن أحمد بأن كان في
النسخة ابن سنان فتوهم أنه عبد الله فذكره بعنوان عبد الله بقرينة رواية الكليني بعنوان ابن سنان انتهى ويؤيده ما
ذكره الغضايري من أن البرقي يروي عن الضعفاء كثيرا وأما الثاني فلما ستعرف عن قريب أن الكر على ذلك القول
في غاية النقص عن اعتبار الأرطال وإن اعتبرناها عراقية وأنه على القول المشهور أقرب إليه هذا وأصح ما روي
في هذا الباب ما رواه الشيخ قدس سره في الصحيح عن صفوان بن يحيى عن إسماعيل بن جابر قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام
الماء الذي لا ينجسه شئ قال ذراعان في عمقه في ذراع وشبر سعته والظاهر قياسا على ما ذكر شمول السعة
للطول والعرض فيكون الكر ستة وثلاثين شبرا ولم أدر قائلا به وهو أقرب إلى القول المشهور من قول القميين وفي شرح
الفقيه يمكن حمل خبر الذراعين على خبر القميين بأن يقال المراد بالسعة القطر ولهذا اكتفى بها عن العرض والطول فإنه
بالنسبة إلى الجميع على السواء وإذا كان القطر ذراعا ونصفا فنضرب نصف الثلاثة الأشبار في نصف الدائرة وإذا
كان القطر ثلاثة أشبار يكون الدائرة تسعة أشبار تقريبا فإذا ضرب نصف القطر شبرا ونصفا في نصف الدائرة أربعة
ونصف كان الحاصل ستة أشبار وثلاثة أرباع شبر فإذا ضرب الحاصل في أربعة أشبار يصير سبعة وعشرين شبرا وهو
مضروب الثلاثة وكان فيحمل الخبر المشتمل على النصف الذي يحصل منه اثنان وأربعون شبرا وسبعة أثمان شبر على
الاستحباب وهو أحسن من رد الخبرين انتهى وعن
ابن الجنيد أن حده قلتان ومبلغه وزنا ألف ومأتا رطل وتكسيره
بالذراع نحو من مأة شبر وفيه أن هذا التكسير مع عدم استناده إلى مستند ينافر ما اعتبرناه من الوزن على ما
ستعرفه ولا يمكن استناده إلى الاحتياط إذ قد يكون الاحتياط في اعتبار الأقل كما لا يخفى على أن الاحتياط ليس
384

دليلا شرعيا والثاني تحديده بحسب الوزن وقد اتفق الأصحاب على أنه ألف ومأتا رطل لمرسلة ابن أبي عمير
عن بعض أصحابه بناء عن أبي عبد الله عليه السلام قال الكر من الماء ألف ومأتا رطل ولكن اختلفوا في تفسير الرطل ففسره
الشيخان وأتباعهما بالعراقي وهو مأة وثلاثون درهما لكون الراوي عراقيا فالظاهر إفتاؤه عليه السلام إياه بلغته
وعادة بلده وأورد عليه أن أصحابنا غير منحصر به في العراقيين وأن ابن أبي عمير الذي هو عراقي ليس راويا وإنما روى
عن بعض أصحابنا عنه عليه السلام قال إن كان بعض أصحابنا كلام الراوي السابق على ابن أبي عمير فظاهر على عدم دلالته على كون
ذلك البعض عراقيا وإن كان كلام ابن أبي عمير فلا يدل عليه أيضا لأن صاحب الرجل أعم من أهل بلده بل المراد منه إنما
هو الموافق في المذهب على أن الظاهر أنهم عليهم السلام إنما يفتون على اصطلاح بدهم وربما أيد ذلك التفسير
بموافقته للأشبار وسيأتي ما فيه نعم يمكن تأييده بصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال الكر
ستمأة رطل بناء على حمل الستمأة على الأرطال المكية لأن الرطل المكي ضعف العراقي وكأنه عليه السلام أفتى بذلك
لأهل مكة وفسره الصدوق والسيد رضي الله عنهما بالمدني وهو مأة وخمسة وتسعون درهما لما عرفت من ظهور
كون فتواهم عليهم السلام على اصطلاح بلدهم واحتج السيد عليه بالاحتياط وفيه ما عرفت واعلم أن بين التحديدين
تفاضلا كثيرا لأنه على التحديد بالأرطال إذا حمل على العراقية يصير وزن الكر ثمانية وستين منا وربع من بالمن
الشاهي الجديد الذي وضع على ألف ومأتي مثقال صيرفي وهي ألف وستمأة مثقال شرعي بيان ذلك أن الرطل
العراقي على المشهور مأة وثلاثون درهما وقد ثبت أن عشرة دراهم على وزن سبعة مثاقيل شرعية والمثقال
الشرعي ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي فمجموع دراهم الأرطال أعني مأة وخمسين وستة آلاف يكون موازيا
لمأة وتسعة آلاف ومأتي مثقال شرعي ولواحد وثمانين آلاف وتسعمأة مثقال صيرفي فإذا قسمت الأول على ألف وخمسمأة
عدد المثاقيل الشرعية للمن الشاهي والثاني على ألف ومائتين عدد المثاقيل الصيرفية له خرج ما ذكرناه وإن
حملت على المدنية يصيرون الكر مأة من ومنين وثلاثة أثمان من بالمن المذكور لأن دراهم كل رطل من أرطال الكر
على هذا يكون موازيا لمأة وستة وثلاثين مثقالا ونصف مثقال شرعي ولمأة واثنين وثلاثة أثمان مثقال
صيرفي فإذا حسبت مجموع دراهم الأرطال على أحد الوجهين وقسمته على الوجه الأول على ألف وخمسمأة وعلى الوجه
الثاني على ألف ومأتين بعدد مثاقيل المن الشاهي يخرج ما ذكرنا وبوجه أخصر نسبته عدد المثاقيل الصيرفية
للمن الشاهي إلى المن كنسبة عدد أرطال الكر إلى الكر والعراقي من الأرطال ثمانية وستون مثقالا وربع مثقال
صيرفي والمدنية مأة واثنان وثلاثة أثمان مثقال صيرفي فعلى اعتبار الأرطال العراقية يكون الكر ثمانية وستين
منا وربع من وعلى اعتبار المدنية منها يكون مأة من ومنين وثلاثة أثمان من وقد قال بعض المحققين إن الماء
الذي يكون شبرا في شبر بشبر أوساط الناس على وزن الفين وثلثمأة وثلاثة وأربعين مثقالا صيرفيا وعلى هذا
فعلى مذهب القميين يكون الكر ثلاثة وستين ألفا ومأتين وستين مثقالا صيرفيا وبالمن الشاهي اثنين وخمسين
منا ونصف من ومأتين واحد وستين مثقالا صيرفيا على القول المشهور مأة ألف وأربعمأة وثمانية
385

هذا هو الكتاب المسمى بالعروة الوثقى للإمام العلامة والهمام الفهامة أفضل المحققين وأعلم المدققين شيخنا بهاء الملة والدين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل على عبده كتابا إلهيا يتفجر من بحاره أنهار العلوم الحقيقية تفجيرا وخطابا
سماويا تقتبس من أنواره أسرار الحكمة التي من أوتيها فقد أوتي خيرا كثيرا وأقعد فرسان اللسان عن الجري
على أثره وأخرسهم عن معارضة أقصر سورة من سوره فأذعنوا بالعجز عن الإتيان بما يكون لآية من آياته
نظيرا وأيقنوا أنه لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا وجعله برهانا باقيا ببقاء الأيام والشهور وتبيانا راقيا بارتقاء الأعوام والدهور لا يأتيه الباطل من
بين يديه ولا من خلفه ولا تطرق إليه التغيير في ذاته ولا وصفه فارجع البصر هل ترى فيه من تفاوتا أو نكيرا ثم
ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسيرا والصلاة على أرفع الرسل درجة لديه وأقربهم
منزلة إليه صدر صحيفة المظاهر الربانية ومنبع رحيق الفيوض السبحانية الذي أرسل بالهدى ودين الحق
بشيرا ونذيرا واصطفاه بالنبوة قبل أن يخمر طينة آدم تخميرا وآله مصابيح الإسلام ومفاتيح دار السلام أئمة الدين
المبين وحجج الله على العالمين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وجعل مودتهم أجرا لرسالة تنويها
بشأنهم وتذكيرا وتبصرة لمن كان سميعا بصيرا أما بعد فإن أفقر العباد إلى رحمة الله الغني محمد
المشتهر ببهاء الدين العاملي وقفة للعمل في يومه لغده قبل أن يخرج الأمر من يده يقول إن أهم ما وجهت
إليه الهمم وبيضت عليه اللمم وأولى ما صرفت في مدارسه الأعمار وأحرى ما انقضت في ممارسته آناء الليل
والنهار هو العلوم الدينية التي بمداولتها يتحصل الفوز بأعظم السعادات والمفاخر وبمزاولتها يتوصل
إلى النجاة من كان يؤمن بالله واليوم الآخر وأن أعظمها قد رأوا أنوارها في سماء الرفعة بدرا هو تفسير كلام
الملك العلام الذي هو ملك تلك العلوم بغير كلام إذ منه تفرعت أصولها وتنوعت فصولها واجتنيت
أثمارها واجتليت أنوارها فلا قسم بالسبع المثاني والقرآن العظيم إنه أولى العلوم بوفور التوقير والتعظيم
فطوبى لقوم ولوا وجوههم شطر مطالبه وتوجهوا تلقاء مدين مآربه فأولئك الذين نالوا من الله كرامة و
386

وتوفيقا وانتظموا في سلك الذين أنعم الله من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك
رفيقا وإن من أعظم نعم الله سبحانه علي وأتم مننه التي لم ترح متواصلة لدي إنه لم أزل منذ بلغت العشرين
إلى أن أكملت الخمسين متطلبا لاستكشاف سره المكتوم مترقبا لارتشاف رحيقه المختوم فأنفقت كنز الشباب
أسبابه وأدواته سيما العلميين الجليلين اللذين لهما به مزيد اعتلاق واختصاص وليس للمتعطشين إلى دلالة
عن التبحر فيهما من بد ولا مناص أعني بهما علم المعاني وعلم البيان اللذين هما الذريعة لمن رام الاطلاع على
جواهر أسرار القرآن ولقد امتد فيهما كدي ونصبي حتى امتزج بهما لحمي وعصبي وبلغت منهما بتوفيق الله
أقصى مناي ولم أكن قانعا بما يقنع به سواي ولما قضيت من مقدمات علم التفسير وطري ووجهت إلى الكتب
المؤلفة فيه بريد نظري طفقت أواصل بين عشياتي وأسحاري في كل سطر منها شطرا من ليلي أو نهاري
انظم كل درة من دررها في سلك روحي وأعد الضفر بفوائد غورها من أعظم فتوحي معلقا على بعضها
حواشي شريفة تذري نفحاتها بنسمات الأزهار وتحكي صفحاتها جنات من تحتها الأنهار كما علقته في عنفوان
الشباب على تفسير الفاضل البيضاوي من حواش بارعة تسلك بالطالبين طريقا قويما وتهدي الراغبين
صراطا مستقيما وتلبد مماهجه المحشون من العجاج من معارك أنظارهم وتسكن ما أثاروه من عشير اللجاج
في مدارك أفكارهم وكما رقمته على بعض مباحث الكشاف ومجمع البيان من فوائد حسان أبهى من أيام الشباب
وأشهى من وصال الأحباب وكان قد اجتمع إلى علي تمادى الأيام وتحصل لدي على وإلى الشهور والأعوام
فوائد جليلة لم يجتمع إلى الآن في كتاب ولم يطلع عليها إلا واحد من أولي الألباب وزوائد جزيلة استنبطها
بالعطر الكليل القاصر والفكر العليل الخاسر لم يحم حولها أبناء الزمان ولم يطمثهن إنس قبلي ولا جان
فأحببت أن أجمع نفايس تلك العرايس في تأليف هذا الفن الشريف يخبر بالسر المخزون في زوايا كنوزه ويظهر
درر المكنون من خفايا رموزه يوصل طلاب أسراره إلى أقصاها ولا يغادر من جواهر صغيرة ولا كبيرة إلا
أحصاها متضمنا خلاصة ما ورد في هذا العلم عن سيد المرسلين ونقاوة ما نقل فيه عن الأئمة الطاهرين
عليه وعليهم أفضل صلوات المصلين ومشتملا على صفوة ما وصل إلينا عن الصحابة المرضيين والعلماء
الماضين والسلف الصالحين رضوان الله عليهم أجمعين وسميته بالعروة الوثقى وأرجو أن تكون وسيلة
إلى ما هو خير وأبقى ثم التمس منكم يا أصحاب الطباع القويمة والأوضاع المستقيمة والخواطر المجتمعة
والأفكار الغير المتوزعة أن تمنوا على بإصلاح الفساد وترويج الكساد وإسيال ذيل المسامحة والعفو على
ما فيه من الخلل والهفو فإن تحقيق غرر الحقايق يتعسر مع تزاحم أفواج العوائق والغوص على درر الدقائق يتعذر
عند تراكم أمواج العلائق ومن الله الاستمداد والاستعانة إنه ولي التوفيق والإعانة سورة فاتحة الكتاب
السورة أما مستعارة من سور المدنية لإحاطتها بما تضمنته من أصناف المعارف والأحكام كإحاطة السور
بما يحتوي عليه أو مجاز مرسل من السورة بمعنى المرتبة العالية والمنزلة الرفيعة إذ لكل واحدة من السورة
387

الكريمة مرتبة في الفضل عالية ومنزلة في الشرف رفيعة أو لأنها توجب علو درجته تاليها وسمو منزلته
عند الله سبحانه وقيل واوها مبدل من الهمزة أخذا من السؤر بمعنى البقية والقطعة من الشئ واختلفوا في
رسمها عرفا فقيل طائفة من القرآن مصدرة فيه بالبسملة أو براءة فأورد على طرده الآية الأولى من كل سورة
فزيد متصل آخرها فيه بأحديهما فأورد على عكسه سورة الناس فزيد عليه أو غير متصل فيه بشئ منه فاستقام
كذا قيل ولعله مع هذا عن الاستقامة بمعزل لورود بعض سوره النمل أعني أوائلها المتصلة بالبسملة
آخرها وأواخرها المتصل بها أولها وقيل طائفة من القرآن مترجمة بترجمة خاصة ونقض طرده بآية الكرسي
ورد بأن المراد بالترجمة الاسم وتلك إضافة محضة لم تبلغ حد التسمية وأنت خبير بأن القول ببلوغ
سورتي الأسرى والكهف مثلا حد التسمية دون آية الكرسي لا يخلو من تعسف والأولى أن يراد بالترجمة ما
يكتب في العنوان ومنه ترجمة الكتاب فالمراد به هيهنا ما جرت العادة برسمه في المصحف المجيد عند أول
تلك الطائفة من لقبها وعدد آياتها ونسبتها إلى أحد الحرمين الشريفين فيسلم الطرد وما يتراءى من
فساد العكس لعدم صدق الرسم حينئذ على شئ من السور قبل اعتياد رسم الأمور المذكورة في المصاحف فمما
لا يخفى وجه التفصي عنه فإن قلت قد ذهب جماعة من قدماء الأمة إلى أن الضحى وألم نشرح سورة واحدة
وكذا الفيل والإيلاف وهو مذهب جماعة من فقهائنا رضوان الله عليهم فقد انتقض طرد كل من هذين التعريفين
بكل واحدة من تلك الأربع قلت هذا القول وإن قال به جمع من السلف والخلف إلا أن الحق خلافه واستدلالهم
بالارتباط المعنوي بين كل وصاحبتها وبقول الأخفش والزجاج أن الجار في قوله عز وجل لايلاف قريش
متعلق بقوله جل شأنه فجعلهم كعصف مأكول وبعدم الفصل بينهما في مصحف أبي بن كعب ضعيف لوجود
الارتباط بين كثير من السور التي لا خلاف بين الأمة في تعددها فليكن هذا من ذاك وكلام الأخفشين
لا ينهض حجة في أمثال هذه المطالب وتعلق الجار بقوله تعالى فليعبدوا رب هذا البيت الذي لا مانع عنه
وعدم الفصل في مصحف أبي لعله سهو منه على أنه لا يصلح معارضا لسائر مصاحف الأمة وأما ما ذكره
جماعة من مفسري أصحابنا الإمامية رضوان الله عليهم كشيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي في تفسيره المسمى
بالتبيان وثقة الإسلام أبي على الطبرسي في تفسيره الموسوم بمجمع البيان من ورود الرواية بالوحدة عن أئمتنا
عليهم السلام فهذه الرواية لم نظفر بها وما اطلعنا عليه من الروايات التي تضمنتها أصولنا لا تدل على الوحدة
بشئ من الدلالات بل لعل دلالة بعضها على التعدد أظهر وأقصى ما تستنبط منها جواز الجمع بينهما في
الركعة الواحدة وهو عن الدلالة على الوحدة بمراحل وما تشرفنا بمشاهدته في مشهد مولانا وإمامنا أبي
الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام من المصاحف التي قد شاع وذاع في تلك الأقطار أن بعضها بخطه عليه
السلام وبعضها بخط آبائه الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين يؤيد ما قلناه من التعدد فإن الفصل في تلك
المصاحف بين كل من تلك السور الأربع وصاحبتها على وتيرة الفصل بين البواقي والله أعلم بحقايق الأمور
388

فصل فاتحة الشئ أول أجزائه كما أن خاتمته آخرها فهي في الأصل أما مصدر بمعنى الفتح كالكاذبة
بمعنى الكذب أو صفة والتاء فيها للنقل من الوصفية إلى الإسمية كالذبيحة وقد تجعل للمبالغة كعلامة
ثم إن اعتبرت أجزاء الكتاب سور فالأولوية هنا حقيقية وإن اعتبرت آيات أو كلمات مثلا فمجازية
تسمية للكل باسم الجزء وإضافة السورة إلى الفاتحة من إضافة العام إلى الخاص كبلدة بغداد وإضافة
الفاتحة إلى الكتاب من إضافة الجزء إلى الكل كرأس زيد فهما لاميتان وربما جعلت الثانية بمعنى من التبعيضية
تارة والبيانية أخرى والأول وإن كان خلاف المشهور بين جمهور النحاة إلا أنه لا يحوج إلى حمل الكتاب على
غير المعنى الشايع المتبادر والثاني بالعكس ثم تسمية هذه السورة بهذا الاسم أما لكونها أول السور نزولا
كما عليه جمع غفير من المفسرين وأما لما نقل من كونها مفتتح الكتاب المثبت في اللوح المحفوظ أو مفتتح القرآن
المنزل جملة واحدة إلى سماء الدنيا أو لتصدير المصاحف بها على ما استقر عليه ترتيب السور القرآنية وإن كان
بخلاف الترتيب النزولي أو لافتتاح ما يقرء في الصلاة من القرآن فهذه وجوه خمسة لتسميتها بفاتحة
الكتاب وربما يخدش الرابع منها بتقدم تلك التسمية على هذا الترتيب لوقوعها في الحديث النبوي ووقوعه
بعد عصر الرسالة والخامس بأن المراد بالكتاب هنا الكل لا البعض وهي في الصلاة فاتحة البعض لا الكل
على أن إطلاق الكتاب على البعض من المستحدثات بعد هذه التسمية إذ هو اصطلاح أصولي ويمكن دفع
الخدشين أما الأول فبأن تلك التسمية لما كانت مأخوذة من الشارع فلعله سماها بذلك لعلمه بتصدير
الكتاب العزيز بها فيما بعد كما يقال من أنها سميت بالسبع المثاني بمكة قبل نزولها بالمدينة لعلمه سبحانه بأنه
سيثني نزولها بها على أن القول بأن ترتيب السور القرآنية على هذا النمط مما وقع بعد عصر الرسالة ليس
أمرا مجمعا عليه بين الأمة كيف وبعض السلف مصرون على أن ترتيب المصحف المجيد على ما هو عليه إلا
أن إنما
وقع في عصره صلى الله عليه وآله طبق ما اقتضاه رأيه الأقدس وأما الثاني فيتطرق القدح إلى بعض مقدماته
وسيما حكاية الاستحداث كيف وتجويزهم كون السورة هي المشار إليه في قوله عز وعلا " ذلك الكتاب " شاهد
صدق بخلافه على أن تسميته البعض باسم الكل مجاز شايع لا حجر فيه فلا مانع من أن يكون هذا منه
فصل ومن أسمائها أم القرآن وأم الكتاب لأنها جامعة لأصول مقاصده ومحتوية على رؤس مطالبه والعرب قد
يسمون ما يجمع أشياء عديدة أما كما يسمون الجلدة الجامعة للدماغ وحواسه أم الرأس واللواء الذي مجتمع
العسكر تحته أما ولأنها كا القد لما فصل في القرآن المجيد فكأنه نشاء وتولد منها بالتفصيل بعد الإجمال
كما سميت مكة المشرفة بأم القرى لأن الأرض دحيت من تحتها ووجه اشتمال هذه السورة الكريمة على مقاصد
الكتاب العزيز أما إن تلك المقاصد راجعة إلى أمرين هما الأصول الاعتقادية و الفروع العملية أو هما معرفة
عن الربوبية وذل العبودية وأما إنها يرجع إلى ثلاثة هي تأدية حمده وشكره جل شأنه والتعبد بأمره ونهيه
ومعرفة وعده ووعيده وأما إلى أربعة هي وصفه سبحانه بصفات الكمال والقيام بما شرعه من وظائف
389

الأعمال وتبين درجات الفائزين بالنعم والأفضال وتذكر دركات الهاوين في مهاوي الغضب والضلال
وأما إلى خمسة هي العلم بأحوال المبدء والمعاد ولزوم جاده الإخلاص في العمل والاعتقاد والتوسل إليه
جل شأنه في طلب الهداية إلى سبيل الحق والسداد والرغبة في الاقتداء بالذين ربحت تجارته بإعداد
الزاد ليوم التنادر والرهبة في اقتفاء أثر الذين خسروا أنفسهم بترك الزاد وإهمال الاستعداد ولا مرية في
تضمين هذه السورة الكريمة جميع هذه المطالب العظيمة
فصل ومن أسمائها السبع المثاني إذ هي
سبع آيات اتفاقا وليس في القرآن ما هو كذلك سواها إن غير بعضهم عد التسمية آية دون صراط الذين أنعمت
عليهم وبعضهم عكس وأما لأنها تثنى في كل صلاة مفروضة ولا ترد صلاة الجنازة لأنها صلاة مجازية
عندنا وما ذكره ثقة الإسلام أبو علي الطبرسي طاب ثراه في مجمع البيان من أنها يثني قرائتها في كل صلاة فرض
ونفل مشكل بالوتر عندنا ولعله قدس سره لم يعتد بها لندرتها وفي كلام صاحب الكشاف لأنها تثنى في
كل ركعة وهو بظاهره غير صحيح ووجوه التكلف لتوجيهه مشهورة أجودها حمل الركعة على الصلاة تسمية
للكل باسم الجزء ولا يرد عليه الوتر إذ ليست في مذهبه ولا صلاة الجنازة وإن جعلت صلاة حقيقته لعدم إطلاقه
الركعة عليها وأما ما ذكره صاحب تفسير الكبير من أنها تثنى في كل ركعة من الصلاة فعجيب ولك أن تجعل لفظة
من في كلامه بيانية فيكون غرضه الإشارة إلى توجيه كلام الكشاف لكنه لا يخلو من بعد وليس من دأبه في ذلك
الكتاب الاقتصار على أمثال هذه الإشارات في أمثال هذه المقامات وإنما ذلك دأب البيضاوي ومشربه
وبين المشربين بون بعيد وأما لأنها تثنى نزولها فمرة بمكة حين فرضت الصلاة وأخرى بالمدينة حين حولت
القبلة وأما لاشتمال كل من آياتها السبع على الثناء عليه جل شأنه إما تصريحا أو تلويحا وهو مبني على ما هو
الصحيح من عد التسمية آية منها وعد صراط الذين أنعمت عليهم بعضا من السابعة وإلا فتضمنها الثناء غير ظاهر و
إما لتكرر ما تضمنه من المقاصد فالثناء عليه سبحانه قد تكرر في جملتي البسملة والحمد له وتخصيصه عز وعلا
بالإقبال عنه وحده والإعراض عما سواه قد تكرر في جملتي العبادة والاستعانة وطلب الهداية إلى الصراط
المستقيم مكرر بصراط الذين أنعمت عليهم كما أن سؤال البعد عن الطريق الغير القويم مكرر بذكر المغضوب عليهم و
لا الضالين فهذه وجوه خمسة في تسميتها بالسبع المثاني ومن أسمائها سورة الحمد إما لاشتمالها على لفظه
كما هو ملحوظ في أسماء سائر السور أو لتضمنها هي أو كل من آياتها معناه على ما قلناه قبيل هذا فصل هذه الأسماء
الخمسة هي أشهر أسماء هذه السورة الكريمة ولها أسماء أخرى متفاوتة في الشهرة أكثرها مستنبط من الحديث فتسمى سورة
الكنز لما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال نزلت فاتحة الكتاب بمكة من كنز تحت العرش والوافية لأنها
لا تبعض في الصلاة بخلاف باقي السور عند كثير من الأمة والكافية لأنها يكفي في الصلاة عن غيرها من السور عند
أكثر الأمة ولا يكفي عنها غيرها أو لأنه يترتب عليها ما يترتب على غيرها البركة والفضل وكثير من الآثار من دون
عكس وما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال أم القرآن عوض عن غيرها وليس غيرها عوضا عنها يحتمل الوجهين
390

وتسمى الشفاء والشافية لما روي عنه صلى الله عليه وآله فاتحة الكتاب شفاء من كل داء والأساس لما مر في تسميتها
بالفاتحة لقول ابن عباس رحمه الله أن لكل شئ أساسا إلى أن قال وأساس القرآن الفاتحة وتسمى تعليم المسألة
لأنه سبحانه علم فيها عبادة آداب السؤال من الثناء على المسؤول منه أولا ثم الإخلاص في التوجه إليه والإعراض
عما سواه ثم عرض الحاجة عليه وتسمى سورة الصلاة والصلاة أيضا لوجوب قرائتها فيها ولما روي عن النبي صلى
الله عليه وآله أنه قال قال الله عز وجل قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين والمراد بها الفاتحة كما يظهر من تتمة
الحديث وقد اختلفوا أنها مكية أو مدنية والأول هو المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وقد يستدل عليه
بقوله عز وعلا في سورة الحجر " ولقد آتيناك سبعا من المثاني " وهي مكية بنص جماعة من السلف أما ما روي
من أن السبع المثاني هي السبع الطوال فلا ينهض لمعارضته الروايات الدالة على أنها الفاتحة لكن التعبير عن
المستقبل المتحقق الوقوع بالماضي شايع في القرآن المجيد فالأولى الاستدلال بما شاع وذاع من أن الصلاة
فرضت بمكة ولم ينقل إلينا صلاة خالية عن الفاتحة مع توفر الداعي إلى نقل أمثال ذلك والقول بأنها
مدنية منسوب إلى مجاهد وهو متروك وقيل إنها مكية مدنية لنزولها في كل من الحرمين الشريفين كما مر
وقد يزيف بأن النزول ليس إلا الظهور من عالم الغيب إلى عالم الشهادة وهذا مما لا يقبل التكرر ودفعه
ظاهر على من عرف حقيقة الوحي والله سبحانه أعلم بحقايق الأمور بسم الله الرحمن الرحيم أطبق الأمة على أنها بعض آية من القرآن ولكن طال تشاجرهم في شأنها أوائل السور الكريمة المصدرة بها في المصاحف المجيدة
هل هي هناك جزء من كل واحدة من ترك السور سواء الفاتحة وغيرها أو أنها جزء من الفاتحة وحدها لا غير
أو أنها ليست جزء من شئ منها بل هي آية قده من القرآن أنزلت للفصل بها بين السور أو أنها لم ينزل إلا بعض آية
في سورة النمل وليست جزء من غيرها وإنما يأتي بها التالي والكاتب في أوائل السور تبركا وتيمنا باسمه جل و
علا أو أنها آيات من القرآن أنزلت بعدد السور المصدرة بها من غير أن يكون شئ منها جزء لشئ منها والقول
الأول هو مذهب أصحابنا رضي الله عنهم وقد وردت به الروايات عن أئمة أهل البيت عليهم السلام وعليه
فقهاء مكة والكوفة وقراءهما سوى حمزة ووافقهم سعيد بن جبير والزهري وابن المبارك وقالون من قراء المدينة
وبه قال أكثر الشافعية والقول الثاني هو المختار عند بعض الشافعية والقول الثالث هو الراجح عند متأخري
فقهاء الحنفية وإن كان المشهور بين قدمائهم هو القول الرابع وهو الذي قال به قرأ البصرة والشام والمدينة
إلا قالون وعليه فقهاء هذه الأمصار كمالك والأوزاعي ووافقهم حمزة من قرأ الكوفة وقال بعض المتأخرين إنه
أبا حنيفة لم ينص في البسملة بشئ لكن لما كان كوفيا وقد نص الكوفيين على جزئيتها دونه ظن أنها ليست من السورة
عنده ولا يخفى إن عدم نصه فيها لا يدل على ما ظن بشئ من الدلالات لاحتمال توقفه في أمرها وأما القول الخامس
فقد نسبه صاحب النشر إلى أحمد وداود فلا عبرة بما قيل إنه مجرد احتمال لم يقل به أحد لنا ما روي عن أم سلمة
رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قرء سورة الفاتحة وعد بسم الله الرحمن الرحيم " الحمد لله رب العالمين "
391

أنه وما روي أنه صلى الله عليه وآله قال فاتحة الكتاب سبع آيات أولاهن بسم الله الرحمن الرحيم ولاختلاف ظاهر
هذين الحديثين اختلف في أنها آية برأسها أم مع ما بعدها وأما الجمع بينهما بأن الثاني من قبيل قولنا أول
البروج الدرجة الأولى من الحمل وأول آيات الفاتحة حرف الباء فهو كما ترى وبعضهم روى حديث أم سلمة رضي
الله عنها بوجه لا يخالف هذا الحديث هكذا قال قرء برسول الله صلى الله عليه وآله الفاتحة فعد بسم الله الرحمن
الرحيم آية الحمد لله رب العالمين آية الرحمن الرحيم آية مالك يوم الدين آية إياك نعبد وإياك نستعين آية اهدنا
الصراط المستقيم آية صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آية ولنا أيضا ما رواه أصحابنا
في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن السبع المثاني و
القرآن العظيم هي الفاتحة قال نعم قلت بسم الله الرحمن الرحيم من السبع قال نعم هي أفضلهن وما رووه أيضا في
الصحيح من أن يحيى بن عمران الهمداني كتب إلى أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام يسئله عن مصلي قرء البسملة
في الفاتحة فلما صار إلى السورة ترك البسملة فكتب عليه السلام بخطه يعيدها وأما الاستدلال على هذا المذهب
بالرواية عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال حين ترك الناس البسملة في أوائل السور من تركها فقد ترك مأة
وأربع عشر آية من كتاب الله ففيه ما فيه لأنها إنما يدل على بطلان القول الثاني والثالث والرابع لا على الأول
لإنطباقها على الخامس على أن في متنها خللا يبعد صدور مثله عن مثله لخلوه برأته عن التسمية فالصواب ثلاث
عشر آية وإصلاحه بأنه يرى تصديرها بها أو نزول الفاتحة مرتين أو أنه الحق المعدوم بالمتروك تغليبا وتوبيخا
أو أن غرضه تركها مطلقا حتى من النمل وجعل المتروك منها آية إما تجوزا أو لاستلزام ترك البعض ترك الكل
تعسف إذ لو كان رأيه ذلك لنقل كما نقل سائر آرائه في أمثال ذلك والتغليب يسقط الاستدلال لاحتماله
في أكثر من واحد وجعل ما لا شنعة فيه جزء من التشنيع شنيع والكلام إنما هو في أوائل السور فإقحام غيرها
مع أنها لم يترك فيه لغو لا يليق بمثله وأما الاستدلال بالإجماع على أن ما بين الدفتين كلام الله جل وعلا و
اتفاق الأمة على إثباتها في المصاحف مع مبالغتهم في تجريد القرآن فنعم الاستدلال على ما هو المدعى من جزئيتها
للسور المصدرة بها ثم في هذا المقام بحث يحسن التنبيه عليه وهو أنه لا خلاف بين فقهائنا رضوان الله
عليهم في أن كلما تواتر من القراءات يجوز القراء به في الصلاة ولم يفرقوا بين تخالفها في الصفات أو في إثبات بعض
الحروف والكلمات كملك ومالك وقوله تعالى " تجري من تحتها الأنهار " بإثبات لفظة من وتركها فالمكلف مخير في
الصلاة بين الترك والإثبات إذ كل منهما متواتر وهذا يقتضي الحكم بصحة صلاة من ترك البسملة أيضا لأنه قد
قرء بالمتواتر من قراءة أبي عمرو وحمزة وابن عامر وورش عن نافع وقد حكموا ببطلان صلاته فقد تناقض الحكمان فأما
أن يصار إلى القدح في تواتر الترك وهو كما ترى أو يقال بعدم كلية تلك القضية ويجعل حكمهم هذا منبها على
تطرق الاستثناء إليها فكأنهم قالوا كلما تواتر يجوز القراءة به في الصلاة إلا ترك البسملة قبل السورة ولعل
هذا هون وللكلام في هذا المقام مجال واسع والله أعلم فصل الباء أما للاستعانة أو المصاحبة وربما
392

رجحت الأولى بكونها أوفق بقوله تعالى " وإياك نستعين " وبأن جعل الاسم الكريم ذريعة يتوصل بها إلى الفعل
يشعر بزيادة مدخليته فيه حتى كأنه لا يتأتى ولا يوجد بدونه والمصاحبة عرية عن ذلك الإشعار والتبرك الذي
ربما يترآى معها مشترك إذ ليس معنى لشئ منهما ولا لازما وإنما نشأ من خصوص المادة فإن ذكر اسمه سبحانه
مثمر للبركة على أي نحو جرى والسورة بجملتها مقولة على السنة العباد إرشادا لهم إلى طريق التبرك بأسمائه والحمد
على نعمائه والإخلاص في الإقبال عليه وسؤال الهداية من لديه وأما متعلق الباء فلك إضماره خاصا أو عاما
فعلا واسما مؤخرا ومقدما ولعل أولى هذه الثمانية أولها أعني الخاص الفعلي المؤخر فالتقدير باسم الله
اقرأ لا ابدأ لأن الفعل الذي تلي البسملة وبدء القارئ بها فيه قراءة ولوروده خاصا عند الذكر في قوله تعالى
" اقرأ باسم ربك " فكذلك عند الحذف إذ القرآن يفسر بعضه بعضا وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله أمر من
آوى إلى فراشه أن يقول باسمك وبك وضعت جنبي وبك ارفعه وفي حديث أبي ذر وحذيفة رضي الله عنهما أنه
صلى الله عليه وآله كان إذا آوى إلى فراشه يقول باسمك اللهم أحيى وأموت ولأن ما يدل على ملابسة الاسم الأقدس
المطلق القراءة أولى مما هو صريح في التقييد بابتدائها كيف والأحق بأن يقصد بالبسملة الاستعانة عليه هو القراءة
بجملتها ليقع بأجمعها على الوجه اللايق من حضور القلب وعدم اشتغاله في أثنائها بغير الإقبال على الحق جل شأنه
وما قيل من اقتضاء اضمار ابدأ العمل بحديث الابتداء لفظا ومعنى وإفضاء تقدير اقرأ إلى رفض العمل به لفظا فمما
لا يستحق في مثل هذه المقامات الإصغاء إليه فضلا عن التعويل عليه وأما إيثاره على قرائتي فلزيادة التقدير
حينئذ ضرورة اضمار الخبر إذ تعلق الظرف بها يمنع جعله خبرا لها على أن تقدير الفاعل بارزا ليس كتقديره مستترا و
أما تأخير العامل فلما فيه من تقديم ما هو الحقيق بالتعظيم ولاقتضائه قصر الاستعانة والتبرك على اسمه جل وعلا
قصرا حقيقيا أو إضافيا قلبيا ردا على المشركين في قولهم باسم اللات والعزى وليوافق تقدم الاسم الكريم على ما
تلاه تقدم مسماه على ما سواه وكان من حق الباء أن تفتتح وفاقا لسائر أخواتها من التاء والكاف والواو والفاء
وغيرها من حروف المعاني التي كثر الابتداء بها وقد منع أفرادها ورفضهم الابتداء بالساكن من سكونها الذي
هو الأصل في المبنيات عوضوها عنه بالفتحة التي هي أخته في الخفة وإنما كسروها لانفرادها من بينهن بلزوم
الحرفية والجر فحركوها بالكسرة المناسبة للسكون الذي هو جبلة الحروف مناسبة القلة للعدم ولتكون حركتها
موافقة لأثرها كما كسروا لام الأمر ولام الجر داخلة على المظهر ليمتاز عن لام الابتداء فيما لم يظهر فيه أثر العامل
كالمبني والتقديري والموقوف عليه ولم يخشوا التباس اللامين الأولين لتمايز مدخوليهما بالفعلية والإسمية
ولا الأخيرين حال الدخول على مضمر للتمايز بالاتصال والانفصال وأما كسر الجارة لياء المتكلم فللتناسب كما أن
فتح لام المستغاث للتميز عن المستغاث له مع أن وقوعه موقع كاف أدعوك قد صيره في حكم المضمر فصل
الاسم عند البصيرتين من الأسماء المحذوفة الإعجاز المسكنة (..) بل تخفيفا لكثرة الاستعمال المبدوة حال
الاستعمال بهمزة الوصل جريا على ما هو دأبهم من الابتداء بالمتحرك فقرنوها بما يثبت في الابتداء ويسقط في
393

الوصل قضاء لحق العادة واشتقاقه من السمو لأنه رفعه للمسمى وأصله سمو كنصف وعضو وعند الكوفيين
من السمة وأصله وسم فعوضوا عن الواو همزة وصل فلم يكثر إعلاله بحذف لامه وإسكان فائه ويشهد للأول
اطراد تصريفه جمعا وتصغيرا ونحوهما على أسماء وسمى وسميت دون أو سام ووسم ووسمت والقلب مع بعده
لا يطرد وأما ورود سمى كهدى في قوله والله أسماك شمارا كافلا ينهض شاهدا لمجئ سم بالضم في قوله بسم
الذي في كل سورة سمة فلعل هو الوارد هناك أيضا فإعرابه حينئذ ظاهر لا مقدر ويرد على الثاني أن المعهود
في كلامهم تعويض الهمزة عن العجز كابن ونظائره لا عن الصدر بل المعهود التعويض عنه بالهاء كالزنة والعدة
ونحوهما وقد اشتهر الخلاف في أن الاسم هل هو غير المسمى أو عينه ونسب الأول إلى المعتزلة والثاني إلى
الأشاعرة وتحير التحاريز في محل البحث بحيث يصير قابلا للنزاع حتى قال بعضهم أن البحث فيه عبث وهو كذلك بحسب
الظاهر فإنه إن أريد اللفظ فلا مرية في أنه غير المسمى إذ لا يشك عاقل في أن لفظ فرس مثلا غير الحيوان الصاهل ولفظ
نار غير الجسم المحرق ولا حاجة فيه إلى الاستدلال بتألف الاسم من أصوات غير قارة واختلافه باختلاف الأمم
وتعدده تارة واتحاده أخرى بخلاف المسمى وإن أريد ذات الشئ كما في قولنا الفرس مركوب كان عبارة عن
المسمى وإن أريد به الصفة كما هو رأي الأشعري انقسم انقسامها عنده إلى ما هو عين المسمى كالموجود وإلى ما
هو غيره كالخالق وإلى ما ليس هو ولا غيره كالعالم وقد يقال إنه كما قد يعلم أن مراد اللافظ من الاسم اللفظ تارة
والمسمى أخرى نحو زيد كلمة وعمرو متكلم فقد لا يعلم إرادته لأحدهما بخصوصه نحو أحمد مبارك وخالد ينصرف
وخسرو أعجمي عند عدم قرينة حالية أو مقالية معينة للمراد فحينئذ فهل يحمل الاسم على اللفظ أو على المسمى فهذا
هو محل النزاع بين الفريقين هذا وأما قوله تعالى " سبح اسم ربك " ووقوع النكاح والطلاق بالحمل على الأسماء فلا
يدلان على العينية لوجوب تنزيه أسمائه جل وعلا عن الرفث وسوء الأدب واحتمال الاقتحام كما في قول البيد
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما وقيام القرينة الصارفة وإدخال الباء على الاسم دون لفظ الجلالة للإشعار
بأنه كما يستعان بذاته سبحانه كما قال جل شأنه " وإياك نستعين " كذلك يستعان بذكر اسمه المقدس ولما في قولنا
بسم الله الرحمن الرحيم من إبهام قصر الاستعانة والتبرك على هذه الأسماء ولأن الشايع لاستعانة على سبيل
التبرك أن يكون بأسمائه تعالى لا بذاته سبحانه ولأنه أوفق بالرد على المشركين في قولهم باسم اللات والعزى وأما
التعليل بالفرق بين اليمين والتيمن فهو كما ترى ولم يكتبوا الألف على ما هو الرسم لكثرة كتابة بسم الله فناسبها
التخفيف بخلاف قوله تعالى " فسبح باسم ربك " فصل فقد اختلف كلام أهل الكمال وتشعبت المذاهب و
الأقوال في لفظ الجلالة المقدسة كما اضطرب الأنظار والآراء وتاهت أفكار العقلاء في مدلولها المحتجب
بأنوار العظمة والجلال عن خفافش الوهم والخيال فكأنه قد انعكس بعض أشعة المعنى على اللفظ فبهرت أبصار
المتطلعين إلى طريقه وتلجلجت ألسنتهم عند بيانه وتحقيقه فقيل هو لفظ عبري وقيل سرياني وأصله لاها
فعرب بحذف الألف الأخيرة وإدخال الألف واللام عليه وقيل هو عربي وأصله إله حذفت الهمزة وعوضت
394

عنها الألف واللام ومن ثم لم يسقطا حال النداء ولا وصلت تحاشيا عن العوض أو جزئه
وخص القطع به لتمحضها حينئذ في العوضية تحرزا عن اجتماع أداتي التعريف وقيل بل حذفها مقيس على تخفيفها
فالتعويض من خواص الاسم المقدس وهو في الأصل اسم جنس يقع على كل معبود ثم غلب على المعبود
بالحق وأما لفظ الجلالة المقدسة فلم يطلق إلا على المعبود بالحق تعالى وتقدس ثم اختلف في اشتقاق
الإله فقيل من إله كعبد وزنا ومعنى آلهة كعبادة وألوهة وألوهية بالضم وهو بمعنى المألوه كالكتاب بمعنى
المكتوب وقيل من إله بالكسر بمعنى تحير لتحير العقول فيه وقيل بمعنى سكن لأن الأرواح تسكن إليه والقلوب تطمئن
بذكره وقيل بمعنى فزع من أمر ترك عليه ومنه الهه غيره إذا أزال فزعه وأجاره لأن العابد يفزع إليه وهو يحيره
في الواقع أو في زعمه الباطل وقيل بمعنى أولع إذ العباد مولعون بذكره والتضرع إليه وقيل من وله بالكسر إذا
تحير وتحبط عقله وكان أصله ولاه فقلبت الواو همزة لنقل كسرتها وقيل أصل لفظ الجلالة لاه مصدر
لاها ولها إذا احتجت وارتفع لأنه سبحانه محتجب عن إدراك الأبصار والبصاير ومرتفع عن كل شئ وعما لا يليق
بعز شأنه وسمو سلطانه وقيل هو علم للذات المقدسة واستدل عليه بوجوه منها أنه يوصف ولاه
يوصف به ومن ثم جعلوه في قوله تعالى " إلى صراط العزيز الحميد " الله عطف بيان لا نعتا ويرد عليه أنه لا يستلزم
العلمية ولا ينفي كونه اسم جنس وأيضا فالصفات الغالبة تعامل معاملة الأعلام في كثير من الأحكام ومنها
أن العرب لم يترك شيئا من الأشياء التي يحتاج في المحاورات إلى التعبير عنها إلا وضعت له اسما فكيف يترك موجد
الأشياء وخالقها من دون اسم ويرد عليه ما ورد أولا على الأول ومنها أنه سبحانه يوصف بصفات
خاصة به جل شأنه فلا بد له من اسم مختص به تجري عليه تلك الصفات إذ الموصوف أخص أو مساو ويرد عليه
ما ورد ثانيا على الأول ومنها أنه لو كان وصفا كما يقال من أنه موضوع لمفهوم واجب الوجود المنحصر
في فرد لم يكن قوله لا إله إلا الله مفيدا للتوحيد مثل لا إله إلا الرحمن إذ قد يكون حينئذ مفيدا لانحصار الإله
في هذا المفهوم الكلي ويمكن أن يكون قائله معتقدا أن لذلك المفهوم أفرادا كثيرة وربما يعارض بأنه لو كان
علما لفرد معين من مفهوم واجب الوجود لم يكن قل هو الله أحد مفيدا للتوحيد بجواز أن يكون ذلك
المفهوم فردان أو أكثر في نفس الأمر ويكون لفظ الجلالة علما لأحدهما مع أنهم جعلوا السورة من الدلايل
السمعية للتوحيد ويمكن أن أول هذه السورة إنما هو دليل سمعي على الأحدية التي هي عدم قبول القسمة بأنحائها
وأما الواحدية بمعنى نفي الشريك فإنما يستفاد من آخرها أعني قوله جل وعلا " ولم يكن له كفوا أحد " وبالنظر إلى
ذلك سميت سورة التوحيد فصل وذهب جماعة إلى أن لفظ الجلالة في الأصل وصف لكن لما لم يطلق
على غيره جل شأنه أصلا لا في الجاهلية ولا في الإسلام وصار له تعالى كالعلم أجرى مجراه وليس في الحقيقة علما
واستدلوا على بطلان القول بالعلمية بوجوه منها أن معنى الاشتقاق هو كون أحد اللفظين مشاركا
للآخر في المعنى والتركيب هذا حاصل بينه وبين الأصول المذكورة قبيل هذا ومنها أنه لو كان علما أفاد
395

ظاهر قوله تعالى " وهو الله في السماوات " معنى صحيحا لإشعاره حينئذ بالمكانية تعالى الله عنها علوا كبيرا بخلاف ما لو
كان وصفا بمعنى المعبود بالحق وفيه أن الاسم قد يلاحظ معه معنى يصلح به لتعلق الظرف كما لا يلاحظ في حاتم معنى
الكرم وفي الأسد معنى الإقدام فليلاحظ هنا المعبود بالحق لاشتهاره سبحانه بذلك في ضمن هذا الاسم المقدس
ومنها أن ذاته تعالى من حيث هي من دون اعتبار أمر حقيقي أو غيره غير معقولة للبشر فلا يمكن أن يدل عليها
بلفظ وأورد عليها أن أقصى ما يلزم منه عدم تمكن البشر من وضع العلم له جل شأنه لا ما هو المدعى من أنه ليس له
سبحانه علم وقد صح أن أسمائه توقيفية فيجوز أن يصنع هو لذاته المقدسة علما على أن القول بعدم تمكن البشر من
وضع العلم محل كلام إذ يكفي في وضع الاسم تعقل المسمى بوجه يمتاز به عما عداه ولقائل أن يقول غرض المستدل
أن وضع العلم بخصوصية الذات المقدسة لا يليق بالحكمة لجريانه مجرى العبث لأن الغرض من الوضع هو التفهيم
والتفاهم لكن الدلالة على الذات المقدسة بالعلم بحيث يفهم منه معنى العلمي غير ممكنة وإحضار المسمى بشخصه في
ذهن السامع عند إطلاق العلم مما لا سبيل إليه فيما نحن فيه فإنا معاشر البشر لا يخطر ببالنا عند سماع العلم نفس
الموضوع له أعني الذات المقدسة أصلا لتقدسها عن التلوث بالحضور على وجه التشخص في أذهاننا بل لا يتعقله
جل شأنه إلا بصفات وسلوب وإضافات يمكنها فهم معانيها والظاهر أن هذا ليس مختصا بنا بل الملائكة أيضا
مشاركون لنا في القصور عن إدراك المعنى العلمي فقد ورد في الحديث إن الله احتجب عن العقول كما احتجب عن
الأبصار وإن الملأ الأعلى يطلبونه كما تطلبونه أنتم وأما حكاية تمكن البشر من وضع العلم للذات المقدسة فلا يخفى
ما فيه فإنها إنما يدرك بمفهومات كلية منحصرة في فرد فيكون اللفظ موضوعا في الحقيقة لمفهوم كلي لا بجزئي
حقيقي فلا يكون علما وإن جعل المفهوم الكلي آلة للوضع وجعل الموضوع له الخصوصية التي تصدق عليها هذا
المفهوم كما قيل في هذا وأسماء الإشارة وما هو من ذلك القبيل فتأمل وتبصر تتمة تفخيم لأم الجلالة
المقدسة طريقة شايعة لا يجوز خلافها وذلك إذا نضم ما قبلها أو انفتح لا إذا انكسر وربما قيل بالتفخيم في الأحوال
الثلاثة ونقل ذلك عن بعض القراء وربما أوهمه كلام الكشاف وحذف الألف منها لحن نبطل به الصلاة وإنما
ورد في الشعر للضرورة ولا ينعقد به اليمين عندنا إذ ليس من الأسماء المختصة ولا الغالبة وفصل بعض الشافعية
فقال أما اليمين الصريح وهو عندهم ما ينعقد بمجرد التلفظ بالاسم ولا يحتاج معه إلى أن ينوي الحالف الذات
المقدسة كالحلف بالأسماء المختصة به تعالى كالخالق والرحمن فلا ينعقد به وأما اليمين الكنايتي وهو عندهم
ما يحتاج به إلى النية المذكور كالحلف بالأسماء المشتركة كالحي والسميع والبصير فينعقد معها وأما أصحابنا
رضي الله عنهم فلا يجوزون الحلف بالأسماء المشتركة الغير الغالبة ويعتبرون القصد المذكور في المختصة والغالبة
معا وتفصيل ذلك في الكتب الفقه والله أعلم
وبعد الرحمة رقة في القلب وتأثر يقتضي التفضل والإحسان
ويوصف بها سبحانه باعتبار غايتها التي هي فعل لا باعتبار مبدائها الذي هو انفعال التنزه جل شأنه عنه
وأكثر أسمائه تعالى تؤخذ بهذا الاعتبار كالرحمن الرحيم وهما صفتان مشبهتان من رحم بعد جعله لازما بمنزلة
396

الغرايز بنقله إلى رحم بالضم والأظهر منع صرف رحمان لإلحاقه بالغالب في بابه لا لتحقق الشرط من انتفاء فعلانة
باختصاصه بالله سبحانه لأنه عارض مع انتفاء الشرط عند من اعتبر وجود فعلى وهو أبلغ من الرحيم لأن
زيادة المباني تنبئ في الأغلب عن زيادة المعاني كما في قطع وقطع وهي هنا أما باعتبار الكم وعليه حملوا ما ورد
في الدعاء المأثور يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة لشمول رحمة الدنيا للمؤمن والكافر واختصاص رحمة الآخرة
بالمؤمن وأما باعتبار الكيفية وعليه حملوا ما ورد في الدعاء أيضا يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا
لحسابه نعيم الآخرة بأجمعها بخلاف نعيم الدنيا وأنت خبير بأن زيادة المعنى في المشتق يكون بزيادة مدلوله
التضمني أعني المعنى المصدري ولا ريب أن رحمة الآخرة كما هي زائدة على رحمة الدنيا كيفا فهي زائدة عليها
كما أيضا لتواترها وعدم انقطاع أفرادها بل لا نسبة للمتناهي وهذا تقتضي عدم استقامة الاعتبار الأول
في الدعاء الأول لكنهم اعتبروا فيه زيادة أفراد متعلق المعنى المصدري أعني المرحومين ولعلهم عدوا جميع
أنواع الرحمة الواصلة إلى الشخص الواحد رحمة واحدة ثم لما كان الرحمن بمعنى البالغ في الرحمة غايتها
اختص بالله سبحانه ولم يطلق على غيره لأنه هو المتفضل حقيقة ومن عداه طالب بلطفه وإحسانه أما
ثناء دنيويا أو ثوابا أخرويا أو إزالة رقة الجنسية أو إزاحة خساسه البخل وحب المال ثم هو كالواسطة
فإن ذات النعمة وسوقها إلى المنعم وإقداره وتمكينه من إيصالها إلى غير ذلك كلها منه جل شأنه وعظم امتنانه و
إلى الاختصاص المذكور وشمول المؤمن والكافر يومي ما روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال الرحمن اسم خاص لصفة عامة والرحيم اسم عام لصفة خاصة وتقديمه على الرحيم مع اقتضاء الترقي العكس
لتقدم رحمة الدنيا وللمحافظة على رؤس الآي ولأنه لاختصاصه بالله سبحانه صار كالواسطة بين العلم و
الوصف فناسب توسطه بينهما ولأن الملحوظ أولا في باب التعظيم والثناء هو عظايم النعماء وجلائل الآلاء
وما عداه يجري مجرى التتمة والرديف وفي ذكر هذه الأسماء في البسملة التي هي مفتتح الكتاب الكريم تحريك
لسلسلة الرحمة وتأسيس لمباني الجود والكرم وتشييد لمعالم العفو والرأفة وإيماء إلى مضمون سبقت رحمتي
غضبي وتنبيه على أن الحقيق بأن يستعان بذكره في مجامع الأمور هو المعبود الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها والمولي
للنعم بجملتها عاجلها وأجلها جليلها وحقيرها هذا وربما يوجد في كلام بعضهم أن في وصفه جل شأنه بالرحمة
الأخروية رد على المعتزلة القائلين بوجوب إيصال الثواب إلى العباد في مقابل سوابق أعمال الخير الصادرة
عنهم فإن الوجوب عليه جل شأنه لا يجامع التفضل والإحسان الذين هما معنى الرحمة بالنسبة إليه سبحانه و
أنت خبير بأنهم لا يقولون بأن جميع ما يصدر عنه تعالى من النعم الأخروية واجب عليه ليلزمهم أن لا يكون جل شأنه متفضلا بشئ منها وإنما مذهبهم وجوب بعض تلك النعم أعني التي استحقها المكلفون في مقابلة أعمال
الصادرة عنهم والآلام الواصلة إليهم وأما باقي أنواع النعم وأصناف الإحسان التي لا يحصر قدرها ولا
يقدر حصرها فهم لا ينكرون أنها تفضل منه جل شأنه وإحسان وترحم وامتنان وعساك تسمع في هذا كلاما
397

مبسوطا إن شاء الله تعالى الحمد هو الثناء على مزية اختيارية من أنعام أو غيره ولامه جنسية أو استغراقية
أو عهدية أي حقيقة محمد أو جميع أفراده أو الفرد الأكمل منه ثابت لله ثبوتا قصريا كما يفيده لام الاختصاص
ولو بمعونة المقام وقد اشتهر امتيازه عن الشكر بمعاكسته في الورود وعموم المتعلق كما اشتهر امتيازه عن
المدح بقيد الاختيار ودعوى امتيازه بإشعاره بالانهاء إلى المثنى عليه دون المدح مما لم يثبت وما جاء
في الحديث من نفي الشكر عمن لم يحمد وما ذكروه من أن حمدنا له جل شأنه يشمل الموارد الثلاثة لا يقدحان في
الأول كما أن من اشتهر من حمده سبحانه على الصفات الذاتية وما ورد من إثبات المحمودية لغير الفاعل فضلا
عن المختار في قوله تعالى " مقاما محمودا " وقولهم عند الصباح يحمد القوم السرى إلى غير ذلك لا يقدحان في
الثاني إذ الغرض المبالغة بناء على كون الحمد أكل شعب الشكر وأشبعها ومعنى الشمول كون كل من الموارد الثلاثة
حامدا له سبحانه بنفسه كما قال تعالى " وإن من شئ إلا يسبح بحمده " والحمد على الصفات باعتبار الآثار المترتبة
عليها أو على نفس الذات المقدسة بناء على ما هو التحقيق من العينية أو لتنزيلها منزلة أفعال الاختيارية لاستقلال
الذات بها وكونها كافية فيها ومجئ المحمود بمعنى المرضي غير عزيز في اللغة أو هو من قبيل صفة الشئ بوصف صاحبه
هذا وقد عرفت فيما سبق أن هذه السورة الكريمة مقولة عن السنة العباد ولا ريب أن حمدهم جار على طبق ما
يعتقدونه ثناء ويعدونه مدحا وتمجيدا بحسب ما أدت إليه ما لو فاتهم واستقرت عليه متعارفاتهم وهذا
يؤذن بتوسيع دائرة الثناء وعدم تضيقها بالقصر على ما هو كذلك بحسب نفس الأمر فإن ما يثني به عليه سبحانه
ربما كان بمراحل عن سرادقات كماله وبمعزل عن أن يليق بكبرياء جلاله لكنه جل شأنه رخص لنا في ذلك وقبل منابذة
البضاعة المزجاة لكمال كرمه وإحسانه بل أثابنا عليها بوفور لطفه وامتنانه كما أنه سبحانه لم يوجب علينا أن نصفه
إلا بمثل الصفات التي ألفناها وشاهدناها وكانت بحسب حالنا مزية وبالنسبة إلينا كمالا كالكلام والحياة
والإرادة والسمع والبصر وغيرها مما أحاطت به مداركنا وانتهت إليه طليعة أوهامنا دون ما لم تصل إليه أيدي
عقولنا ولا تتخطى إلى عز ساحة أقدام أفهامنا وناهيك في هذا الباب بكلام الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر
عليه السلام فقد روي عنه أنه قال لأصحابه كلما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم
ولعل النمل الصغار تتوهم أن لله زبانتين فإن ذلك كمالها ويعتقد أن عدمهما نقصان لمن لا يتصف بهما وهكذا
حال العقلاء فيما يصفون الله تعالى به وإلى الله المفزع ومن تأمل هذا الكلام الشريف بعين البصيرة فاحت عليه
من أزهاره نفحة قدسية تعطر مشام الأرواح ولاحت لديه من أنواره شعشعة إنسية تحيي رميم الأشباح هذا
وإنما لم يعامل الحمد هنا معاملة سائر أخويه من المصادر المنصوبة على المفعولية المطلقة بعامل مقدر لا
يكاد يذكر نحو شكرا وعجبا وجعل متحلية بحلية الرفع بالابتداء إيثارا للدوام والثبات على التجدد والحدوث و
إشعارا بأنه حاصل له تعالى شأنه من دون ملاحظة إثبات مثبت وقول قائل أحمد الله حمدا ونحوه ومحافظة على
بقاء صلاحيته للاستغراق فإنها مما يفوت على ذلك التقدير كما لا يخفى رب العالمين أي مالكهم الحقيقي
398

والرب أما مصدر بمعنى التربية وهي تبليغ الشئ كماله تدريجا وصف به للمبالغة كالعدل والتجوز إما عقلي
أو لغوي والمبالغة في الأول أشد وما يظن من انتفائها في الثاني رأسا ليس بشئ إذ التقدير لتصحيح الحمل لا يوجب
انتفائها بالكلية وإن كنت في مرية من ذلك فانظر إلى حكمهم بأن التشبيه المضمر الأداة أبلغ من مذكورها وأما
صفة مشبهة من ربه تريه بعد نقله إلى فعل بالضم كما سبق مثله في الرحمن ولا إشكال في وصف المعرفة به إذ الإضافة
حينئذ حقيقية من قبيل كريم البلد لانتفاء عمل النصب مع أن المراد الاستمرار دون التجدد وسمي به المالك لأنه
يحفظ ما يملكه ويربيه ولا يطلق على غيره تعالى إلا مقيدا كرب الدار أو مجموعا كالأرباب ولعل النكتة في ذلك
هي أنه سبحانه هو المربي الحقيقي لكل ما حواه نطاق الإمكان وشم رائحة من الوجود وهم بأسرهم مربوبون منحطون
عن مرتبة تربية الغير فإن وجدت من بعضهم بحسب الظاهر تربية فهي في الحقيقة تربية منه جل شأنه أجراها
على يده فهو الرب حقيقة وإطلاق الرب على غيره مجاز يحتاج إلى قرينة فجعلوا تلك القرينة أما التقييد أو
الجمع
والعالم اسم لما يعلم به الشئ وكثيرا ما يجئ صيغة الفاعل بالفتح اسما للآلة التي يفعل بها الشئ كالخاتم
والطابع والقالب لكنه غلب فيما يعلم به الصانع عن شأنه مما اتسم بسمة الإمكان أعني في كل جنس من أجناسه
تارة كما يقال عالم الأفلاك وعالم العناصر وعليه جرى قوله جل وعلا " وما رب العالمين قال رب السماوات و
الأرض وما بينهما " وفي مجموع تلك الأجناس أجرى كما يقال عالم المخلوقات وعالم الممكنات أعني جميع ما سوى الله
تعالى مجردا أو ماديا فلكيا أو عنصريا وأما إطلاقه على كل واحد من آحاد أفراد الجنس فهو وإن كان مما لا مرية
في جوازه إذ ما في خطة الوجود من يفتر ولا قطمير إلا وفيه حجج قاطعة على وجود الصانع الخبير إلا أن الغلبة لم
يتفق في غير ذينك المعنيين ولعله في الآية الكريمة بالمعنى الأول إذ هو بالمعنى الثاني لا يجمع لعدم جريان التعدد
فيه وإنما جمع معرفا باللام للإشعار بشمول ربوبيته جل شأنه جميع الأجناس ثم لما كان مطلقا على الجنس
بأسره لم يبعد تنزيله منزله الجمع بل قال في مجمع البيان بانخراطه في سلك الجموع التي لا واحد لها كالنفر والجيش و
كما يستغرق الجمع المعرف آحاد مفرده وإن لم يصدق عليها كما قالوه في قوله تعالى " والله يحب المحسنين " كذلك
يشمل العالم أفراد الجنس المسمى به وإن لم يطلق عليها كأنها آحاد مفرده التقديري فلفظ العالمين بمنزلة جمع
الجمع فكما أن الأقاويل يتناول كل واحد من آحاد الأقوال كذلك هذا اللفظ يتناول كل واحد من آحاد الأجناس
وإنما جمع بالواو والنون تغليبا لأجناس العقلاء من الملائكة والإنس والجن على غيرهم وقيل هو في الأصل اسم
لذوي العلم وتناوله لغيرهم بالتبع وقيل للثقلين فقط وعليه جرى قوله سبحانه لها ليكون للعالمين نذيرا وقيل
للإنس منهم هذا وقد يجعل قوله جل شأنه رب العالمين دليلا على افتقار الممكنات في بقائها إلى المؤثر ويقرر
تارة بأن الصفة المشبهة تدل على الثبوت والاستمرار فتربيته سبحانه له مستمرة وأعظم أفرادها ما هو مناط بقية
الأفراد الأخر أعني استمرار إفاضته نور الوجود عليها إلى الأبد الذي يقتضيه حالها وفيه ما لا يخفى وأخرى
بأن شمول التربية للممكنات بأسرها على ما يفيده تعريف الجمع يعطي ذلك إذ تربية بعضها كبعض الجمادات ليست
399

إلا استمرار إفاضة نور الوجود عليه واختصاصه بذلك دون غيره مما لا يقبله العقل السليم وأما جعله
إشارة إلى الدليل العقلي المشهور في إثبات هذا المرام فهو كما ترى الرحمن الرحيم قد يتمسك بذكرهما من قال
بعدم كون البسملة جزء من الفاتحة زاعما لزوم التكرار من دون ثمرة وليس بشئ إذ لو لم يكن فيه إلا تشييد مباني
الرحمة والإشعار في مفتتح الكتاب بأن اعتناءه عز وعلا بها أكثر وأشد من الاعتناء ببقية الصفات لكفى كيف
وأنه لما كان في وصفه سبحانه بكونه ربا للعالمين إشارة إلى المبدء وفي قوله تعالى " مالك يوم الدين " إشارة
إلى المعاد ناسب أو يتوسط بينهما ما يشير إلى حسن صنعه جل شأنه فيما بينهما وأيضا ففيه بسط بساط الرجاء
بالتنبيه على أن مالك يوم الجزاء رحمن رحيم فلا تيأسوا أيها المذنبون من صفحه عن ذنوبكم في ذلك اليوم الهائل
واستوثقوا برحمته الكاملة أن لا يفضحكم على رؤس الأشهاد يوم تبلى السرائر وأيضا فتوسيط هذين الوصفين
بين التخصيص بالحمد والتخصيص بالعبادة يتضمن الإيماء إلى أن المستأهل للحمد والمستحق للعبادة البالغ في الرحمة
أقصى غايتها والموت للنعم عاجلها وآجلها جليلها وحقيرها مالك قرأ عاصم والكسائي ويعقوب وخلف و
قرأ باقي العشرة ملك يوم الدين وقد يؤيد القراءة الأولى بالانطباق على قوله عز من قائل " يوم لا تملك نفس
لنفس شيئا والأمر يومئذ لله " والثانية بأنها أدخل في التعظيم وأنسب بالإضافة إلى يوم الدين وأشد طباقا
بقوله جل شأنه " لمن الملك لله الواحد القهار " وأنه سبحانه وصف نفسه في خاتمة الكتاب بالملكية بعد وصفه
بالربوبية فيناسب الجريان في فاتحة على ذلك المنوال وما يترآى من خدش هذا الوجه بمخالفته الترتيب النزولي
للترتيب الحالي ليس بذاك إذ يكفي سبق علمه عز وعلا باستقرار ترتيب القرآن على ما هو عليه الآن والمالك من
له التصرف في الأعيان التي في حوزته كيف يشاء والملك من له التصرف في أمور العامة بالأمر والنهي على سبيل
الغلبة والاستيلاء والدين الجزاء خيرا كان أو شرا ومنه قولهم كما تدين تدان والمروي عن الباقر عليه السلام أن
المراد به الحساب وإضافة اسم الفاعل إلى الظرف لإجرائه مجرى المفعول به توسعا والمراد مالك يوم الأمور كلها في ذلك
اليوم وسوغ وصف المعرفة به إرادة المضي تنزيلا لمحقق الوقوع منزلة ما وقع على وتيرة ونادى أصحاب الجنة أو إرادة
الاستمرار الثبوتي بناء على التنزيل المذكور وبقاء ذلك اليوم أبدا وعلى التقديرين فالإضافة حقيقة موجبة
للتعريف وأما القراءة الثانية فمؤنتها أخف إذ هي من إضافة الصفة المشبهة إلى غير معمولها فهي حقيقية مثل
كريم البلد إذ إضافتها اللفظية منحصرة في الإضافة إلى الفاعل لاشتقاقها من اللازم وهذا يصلح مؤيدا خامسا
لهذه القراءة فإن قلت لم لم يجعل في القراءة الأولى بدلا ليخف المؤنة أيضا فقد اختار المحققون جواز إبدال النكرة
الغير الموصوفة من المعرفة قلنا لأن البدل من المقصود بالنسبة والغرض أن الحمد ثابت له جل وعلا باعتبار
هذه الصفات وهو يفوت على هذا التقدير كما لا يخفى وتخصيص اليوم بالإضافة مع أنه عز سلطانه ملك ومالك
بجميع الأشياء في كل الأوقات والأيام لتعظيم ذلك اليوم الهائل ولمناسبة الإشارة إلى المعاد كما أن رب العالمين
إشارة إلى المبدء وما بينهما إشارة إلى ما بين النشأتين كما مر ولأن الملك والملك الحاصلين في هذه النشأتين
400

لبعض الناس بحسب الظاهر يزولان ويبطلان في ذلك اليوم وينسلخ الخلائق عنهما انسلاخا بينا وينفرد جل
شأنه بهما انفرادا ظاهرا على كل أحد وفي إجراء هذه الصفات الأربع عليه تعالى تعليل وتمهيد لما اكتنف
بها سابقا ولاحقا من اختصاص الحمد سبحانه وقصر العبادة والاستعانة عليه عز سلطانه دائما ولو بمعونة مقام
التمدح إلى أن هذه الصفات هي الموجبة للتخصيص والقصر المذكورين وأن من لم يتصف بها لا يستحق أن يحمد
فضلا عن أن يعبد وفي ذكرها بعد اسم الذات الدال على استجماع صفات الكمال يلوح بأن من يحمده الناس و
يعظمونه إنما يكون حمدهم وتعظيمهم له لأحد أمور أربعة أما لكونه كاملا في ذاته وصفاته وأما لكونه محسنا
إليهم ومنعما عليهم وأما لأنهم يوجبون الفوز في الاستقبال والحال بجزيل إحسانه وجليل امتنانه عاجلا
وآجلا وأما لأنهم يخافون من قهره وكمال قدرته وسطوته فكأنه جل وعلا يقول يا معشر الناس إن كنتم تحمدون
وتعظمون للكمال الذاتي والصفاتي فإني أنا الله وإن كان للإحسان والتربية والإنعام فأنا رب العالمين و
إن كان للرجاء والطمع في المستقبل فأنا الرحمن الرحيم وإن كان للخوف من كمال القدرة والسطوة فأنا مالك يوم
الدين هذا وقد يظن أن استحقاقه جل شأنه للحمد بسبب الرحمة التي هي تفضل وإحسان مما لا يستقيم على مذهب
المعتزلة القائلين بوجوب إيصال الثواب وقد أسلفنا في تفسير آخر البسملة ما يحتم به مادة هذا الظن رأسا
فإن قلت إن قولهم بوجوب كلما أصلح بحال العباد عليه تعالى أن ينفي التفضل بالكلية إذ لا مزية في أن كل فرد
من أفراد الإحسان وأضاف الامتنان أصلح بحالهم فيكون واجبة عليه جل شأنه فلا يكون متفضلا بشئ منها فلا
يستحق الحمد عليها عندهم فقد عاد المحذور قلت إنه لم يذهب إلى الكلية إلا شرذمة منهم لا يعبأ بهم ولا بكلامهم
والمحققون على أن هذه القضية جزئية وقد نبه المحقق الطوسي في التجريد ولم يتنبه لذلك شراح كلامه و الحاصل
أنهم إنما يوجبون الأصلح الذي لو لم يفعله لكان مناقضا لغرضه قالوا لما كان غرضه جل شأنه من إظهار المعجزة على
يد النبي صلى الله عليه وآله تصديق الخلق فيجب له أن يخلق فيهم ما يبصرونها به إن كانت من المبصرات أو ما يسمعونها
به إن كانت من المسموعات لئلا يكون بإهمال ذلك مناقضا لغرضه وكذلك لما كان غرضه من خلقنا أن نعبده كما
قال عز وعلا " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " فيجب عليه إرشادنا إلى ذلك بإرسال الرسل صلوات الله عليهم
وإلا لفات الغرض وعلى هذا فقس وحينئذ يبقى الجدال معهم في تعليلهم أفعاله تعالى بالأغراض وإجرائهم هذه الآية
وأمثالها من الآيات على ظاهرها وسنتكلم فيه في موضع يليق به إن شاء الله تعالى على أنهم يقولون إن وجوب الشئ
لا ينافي التفضل به إذ إنشاء وجوبه من تفضل سابق كمن ألزم نفسه بعهد أو يمين أن يتصدق على المسكين الفلاني
بمال جزيل فإنه إذا أوصل ذلك المال إليه عد في العرف متفضلا عليه ولهذا لو أعرض ذلك المسكين عن حمده و
شكره مستندا إلى أن ذلك الاعطاء كان واجبا عليه لاستحق الذم من جميع العقلاء وما نحن فيه من ذلك القبيل
فإن خلقنا لم يكن واجبا عليه سبحانه لكن لما أوجدنا من كتم (..) فضلا وإحسانا وألبسنا خلعة الوجود تفضلا و
تطولا وامتنانا لنتأهل للقرب من ساحة جلاله ونستعد للاستضاءة بأنوار جماله وجب بسبب ذلك التفضل
401

أمور أخر لا يخرجها الوجوب عن كونها تفضلا كما في المثال المذكور ولله المثل الأعلى وبه الإعتصام وبه الرجعى
إياك نعبد وإياك نستعين أكثر النحاة على أن إيا هو الضمير والكاف والياء والهاء الملحقة بها حروف زيدت
لبيان الخطاب والتكلم والغيبة كتاء أنت وكاف رأيتك بمعنى أخبرني المزيدة لتأكيد الخطاب وقال الزجاج هو اسم
مظهر تضاف إلى المضمرات الثلاث واحتج الخليل على الإضافة بقولهم إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب وهو نعم
الشاهد لولا شذوذه وقيل هي الضمائر وأي دعامة مخرجة لها عن الاتصال إلى الانفصال وقيل بل المجموع و
العبادة على مراتب الخضوع والتذلل ولذلك لا يليق بها إلا من كان موليا لأعلى النعم وأعظمها من الوجود والحياة و
توابعها ومن قال إنها لا يستعمل إلا في الخضوع لله تعالى لعله أراد هذا وإلا فظاهره مصادم لقوله تعالى " وما
تعبدون من دون الله حصب جهنم " وأما ما رواه عمدة الإسلام رحمه الله في الكافي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام
من اصغي إلى ناطق فقد عبده فإن كان الناطق يؤدي عن الله فقد عبد الله وإن كان يؤدي عن الشيطان فقد عبد
الشيطان فلعله ورد على سبيل المبالغة أو أن العبادة فيه بمعنى الطاعة وما في مجمع البيان من إنكار القول
بأنها بمعنى الطاعة لعل المراد به إنكار كونها حقيقة فيها فما في الصحاح وغيرها من تفسيرها بالطاعة لا ينافيه
كما يظن فإن أكثر اللغة كما قيل مجازات والاستعانة طلب المعونة على الفعل أما لتعذر الإتيان به بدونها أو لتعسره
والمراد هنا طلب المعونة في المهمات وبأسرها أو في أداء العبادة والقيام بوظائفها من الإخلاص التام وحضور
القلب وفي هذا نكتة أوردها في تفسير الكبير هي أن المتكلم لما نسب العبادة إلى نفسه أوهم ذلك تبجحا واعتدادا
بما يصدر عنه فعقبه بقوله وإياك نستعين يريد أن العبادة أيضا لا يتم ولا تستتب إلا بمعونة منه تعالى وتوفيق
وتقديم العبادة على الاستعانة يمكن أن يكون للإشارة إلى هذه الثلاثة وللمحافظة على رؤس الآي ولأن العبادة
من مدلولات الاسم المقدس إذ معناه المعبود بالحق فكانت أحق بالقرب منه ولأنها مطلوب الله سبحانه من العباد
والمعونة مطلوبهم منه فناسب تقديم مطلوبه على مطلوبهم ولأن المعونة التامة إنما هي ثمرة العباد ونتيجتها
كما يظهر من الحديث القدسي ما يتقرب إلى عبدي بشئ أحب مما افترضت عليه وإنه ليتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا
أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده الذي يبطش بها الحديث ولأنها أشد مناسبة لما
تنبئ عن الجزاء والاستعانة أقوى اتصالا بطلب الهداية ولأن التخصيص بالعبادة أول ما يحصل به الإسلام وأما
التخصيص بالاستعانة فإنما يحصل بعد الرسوخ التام في الدين والترقي في مراتب اليقين فكان أحق بالتأخير ولأن
العبادة وسيلة إلى حصول الحاجة التي هي المعونة وتقديم الوسيلة على طلب الحاجة أدعى إلى الإجابة فهذه وجوه
ثمانية لتقديم العبادة على الاستعانة فصل وتقديم مفعولي العبادة والاستعانة عليهما للحصر والتعظيم
والاهتمام وتقديم ما هو مقدم في الوجود والإيماء إلى أن العابد والمستعين ومن يحذو حذوهما ينبغي أن يكون
مطمح نظرهم أولا وبالذات هو الحق جل شأنه على وتيرة ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله ثم منه إلى أنفسهم لا من حيث أنها
ذواتها بل من حيث أنها ملاحظة له عز وعلا ومنتسبة إليه ثم إلى أعمالهم من العبادة والاستعانة والمناجاة وما
402

شاكلها لا من حيث صدورها عنهم بل من حيث أنها نسبة شريفة ووصلة لطيفة بينهم وبينه عز سلطانه ومنه
يظهر وجه تفصيل ما حكاه سبحانه عن حبيبه لا تحزن إن الله معنا على ما حكاه عن كليمه أن معي ربي سيهدين وتكرير
الضمير للتنصيص على التخصيص بالاستعانة وإلا لاحتمل تقدير مفعولها مؤخرا فيفوت دليل من يذهب إلى أن التخصيص
إنما هو لمجموع الأمرين لا بكل منهما مع أنه هو المطلوب وللإستلذاذ بالخطاب ولبسط الكلام مع المحبوب كما في قول موسى
على نبينا وعليه السلام هي عصاي وإيثار صيغة المتكلم مع الغير على المتكلم وحده للإرشاد إلى ملاحظة القاري دخول
الحفظة أو حضار صلاة الجماعة أو كل ذرة من ذرات وجوده من قواه وحواسه الظاهرة والباطنة وغيرها أو جميع
ما حوته دائرة الإمكان وانطوى عليه نطاق الحدوث واتسم بسمت الوجود كما قال عز من قال وإن من شئ إلا يسبح
بحمده وللإنذار بحقارة نفسه عند باب العظمة والكبرياء عن عرض العبادة منفردا وطلب الإعانة مستقلا من دون
الانضمام والدخول في جملة جماعة يشاركونه في عرض العبادة على ذلك الباب وطلب الإعانة من ذلك الجناب كما
هو الدأب في عرض الهدايا على الملوك ورفع الحوائج أو لقصد أنه إنما يتكلم عن لسان غيره من المقربين الذين لهم أهلية
المخاطبة وعرض الحاجة لدى حضرة العزة والجلال وإنما هو في مراحل عن الجريان على ذلك المنوال أو لأن في خطابنا له
عز وعلا بأن خضوعنا التام واستعانتنا في المهمات منحصر أن فيه جل شأنه لا يتجاوزان عنه إلى غيره مع خضوعنا الكامل
لأهل الدنيا من الملوك والوزراء ومن ينخرط في سلكهم جزاء عظيمة وجسارة بينة فعدل في الضالين عن الأفراد إلى
الجمع بعدا عن هذه الشنعة لأنه يمكن أن يقصد حينئذ تغليب الأصفياء الخلص عن غيرهم فيحرز عن تلك القرينة الظاهرة
والتهور الشنيع بخلاف صيغة الأفراد وروي عن مالك بن دينار رضي الله عنه كأن يقول لولا أني مأمور من الله
تعالى بقراءة هذه الآية ما كنت أقرؤها قط لأني كاذب فيها وما أحسن قول رابعة العدوية رضي الله عنها لك
ألف معبود مطاع أمره دون الإله وتدعي التوحيد أو لأن هنا مسألة فقهية هي أن من باع أمتعة مختلفة صفقة
واحدة فكان بعضها معيبا فإن المشتري لا يصح له أن يأخذ الصحيح ويرد المعيب بل إما أن يرد الجميع أو يقبل الجميع فأراد
العابد أن يحتال لقبول عبادته ويتوصل إلى نجاح حاجته فأدرج عبادته الناقصة المعيبة في عبادات غيره من الأولياء
والمقربين وخلط حاجته بحاجات من عداه من الأصفياء المخلصين وعرض الجميع صفقة واحدة على حضرة ذي الجود
والأفضال فهو عز شأنه أجل من أن يرد المعيب ويقبل الصحيح كيف وقد نهى عباده عن تبعيض الصفقة ولا يليق
مكرمة رد الجميع فلم يبق إلا قبول الكل وفيه المطلوب فهذه وجوه خمسة في إيثار صيغة المتكلم وحده وبالله وحده
الإعتصام فصل وما تضمنته الآية من الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ينطوي على نكات فاتقة ولطائفه
زائقة زيادة على ما في مطلق الالتفات من المزية المقررة في فن المعاني فمنها التنبيه على أن القراءة ينبغي أن يكون
صادرة عن قلب حاضر وتوجه كامل بحيث كلما أجرى القاري اسما من تلك الأسماء العليا ونعتا من تلك النعوت
العظمى على لسانه ونقشه على صفحة خيله حصل للمطلوب مزيد انكشاف وانجلاء وأحسن هو بتزايد قرب واعتلاء و
هكذا شيئا فشيئا إلى أن يترقى من مرتبة البرهان إلى درجة الحضور والعيان فيستدعي المقام حينئذ العدول إلى صيغة
403

الخطاب والجري على هذا النمط المستطاب منها أن من بيده هدية حقيرة معيبة وأراد أن يهديها إلى
ملك عظيم ويطلب منه حاجته فإن عرضها عليه بالمواجهة وطلب حاجته بالمشافهة كان ذلك أقرب إلى قبول
الهدية ونجاح الحاجة من العرض بدون المواجهة فإن في رد الهدية في وجه المهدي لها كسرا عظيما لخاطره فلا
يصدر عن الكريم ومنها انطباق الكلام في هذه السورة الكريمة على قانون السلوك والسير إلى الحق سبحانه و
جريانه على وفق حال السالك من مبادئ سيره إلى حين وصوله من اشتغاله بالذكر والفكر والتأمل في أسمائه و
النظر في الآية والاستدلال بضائعه على عظم شأنه وباهر سلطانه ثم لا يزال على ذلك حتى يلوح له بروق الظهور
وتبدو له ما سر عن الحضور وتؤد به رياضته المجاهدة إلى روضة المشاهدة فيخوض حينئذ لجة الوصول ويخترق حجب
الغيبة بأنوار الشهود ورزقنا الله سبحانه وساير الأحباب ذلك بمنه وكرمه فقد تضمنت هذه السورة شرح
أدب السير إلى ذلك الباب وتعليم قانون العروج إلى تلك الأعتاب الإرشاد إلى ما هو ثمرة ذلك اليسر ونتيجته من
المقامات العزيزة المنال والغايات التي لا يكشف عنها المقال ولعل ذلك هو المقتضي لوجوب قرائتها في الصلاة
التي هي معراج العبد ومنها أن الحمد لما كان عبارة عن إظهار صفات الكمال والنداء على الجميل كما قاله صاحب
الكشاف وغيره يكون المخاطب به غيره تعالى إذ لا معنى لإظهار صفاته العليا عليه جل شأنه فالمناسب له طريق الغيبة
وأما العبادة فهي أمر بين العبد وربه فلا وجه لإظهار ها على الأغيار بل ينبغي كتمانها عما عدا المعبود وعدم إظهارها
لأحد سواه فالأنسب بها طريق الخطاب ومنها التلويح بما ورد في الحديث ا عبد الله كما تراه ففي هذا الالتفات
إشعار بأن العبادة الشاملة عن القصور هي التي يكون العابد حال الاشتغال مستغرقا في بحر الحضور كأنه مشاهد
لجلال معبوده مطالع بجمال مقصوده ومنها أن المقام مقام هائل عظيم يتلجلج فيه اللسان ويدهش عنده
الإنسان فإن الملك العظيم الشأن إذا أمر بعض عبيده بخدمة كقرائة كتاب مثلا بحضرته فربما غلبت مهابة ذلك الملك
على قلبه واستولت على لبه وحصل له رعشة واعترى له دهشة فيتغير نسق كلامه ويخرج عن أسلوبه ونظامه فمن حق
القاري أن يحصل له مثل ذلك الحال في مقام المقام عند سرادق العظمة والجلال ومنها الإشارة إلى أن حق
الكلام أن يجري من أول الأمر على طريق الخطاب لأنه سبحانه حاضر لا يغيب بل هو أقرب من كل قريب ولكنه إنما جرى على
طريق الغيبة نظرا إلى البعد عن مظان الزلفى رعاية لقانون الأدب الذي هو دأب السالكين وقانون العاشقين كما
قيل طرق العشق كلها آداب فلما حصل القيام بهذه الوظيفة جرى الكلام على ما كان حقه أن يجري عليه في ابتداء
الذكر فقد قال سبحانه أنا جليس من ذكرني ومنها التنبيه على علو مرتبة القرآن المجيد واعتلاء شأنه وسميا آياته
المتضمنة لذكر الله عز شأنه وأن العبد بإجراء هذا القدر منه على لسانه يصير أهلا للخطاب فائزا بسعادة الحضور
والاقتراب فكيف لو لازم وظائف الأذكار وواظب على تلاوته بالليل والنهار فلا ريب في ارتفاع الحجب من البين والوصل
من الأثر إلى العين وقد روي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنه قال لقد تجلى الله لعباده في كلامه ولكن لا يبصرون
وروي عنه أنه خر مغشيا عليه وهو في الصلاة فسئل عن ذلك فقال ما زلت أردد هذه الآية حتى سمعتها من
404

قائلها قال بعض أصحاب الحقيقة أن لسان جعفر الصادق عليه السلام في ذلك الوقت كان كشجرة موسى على نبينا وعليه
السلام عند قول أني أنا الله ومنها أنه لما كان الحمد وهو إظهار صفات الكمال في حال غيبة المحمود أولى وأتم وكانت
العبادة مما لا يليق للغائب وإنما يستحقها من هو حاضر لا يغيب كما حكى سبحانه عن إبراهيم على نبينا وعليه السلام فلما
أفلت قال لا أحب الآفلين لا جرم عز سبحانه عن الحمد وإظهار الصفات بطريق الغيبة وعنها بطريق الخطاب والحضور
إعطاء كل منها ما هو به حقيق من الأسلوب الفايق الرشيق ومنها أن العابد لما أراد أن يتكلم على لسان غيره من
المقربين ويمزج عبادته المعيبة بعبادتهم ليقبل ببركتها على ما مر ساق الكلام على النمط اللايق بحالهم والنسق
المناسب لمقامهم ومقالهم فإن مقامهم مقام الخطاب مع حضرة المعبود لإرتقائهم عن عوالم الغيبة إلى
معالم الحضور والشهود ولو أتى بما ينبئ عن الغيبة لكان كاملا زار لشأنهم والإغضاء من رفعه مكانهم و
منها أن العابد لما رام التشبيه بالقوم الذين لا يشقى من يشبه بهم سلك مسالكهم في الذكر والفكر والتأمل
في تلك الأسماء العظيمة و الصفات الجليلة ثم انخرط في مسلكهم وتطفل عليهم وتكلم بلسانهم وساق كلامه على
طبق مساقهم عسى أن يصير بمضمون من تشبه بقوم فهو منهم محسوبا في أعدادهم ومندرجا في مساقهم ومنها
الإشارة إلى من لزم جادة الأدب والانكسار ورأى نفسه بمراحل عن ساحة القرب لغاية الاحتقار فهو حقيق أن
تدركه رحمة الهبة وتلحقه عناية أزلية تجذبه إلى حظاير القدس وتوصله إلى محاضر الأنس فيقوم على بساط الاقتراب
ويفوز بعز الحضور والخطاب ومنها أنه لما لم يكن في ذكر صفات الكمال مزيد كلفة بخلاف العبادة فإنها العظم
خطبها مشتملة على كلفة ومشقة ومن دأب المحب أن يتحمل من المشاق العظيمة في حضور المحبوب ما لا يحتمل عشر عشيره
في غيبته بل يحصل له بسبب ذلك الاطلاع والحضور غاية الابتهاج والسرور قرن سبحانه العبادة بما يشعر بحضوره
ونظره جل شأنه إلى العابد ليحصل بذلك تدارك ما فيها من الكلفة وينجبر ما يلزمها من المشقة ويأتي بها العابد
خالية عن الكلال عارية عن الفتور والملال مقرونة بكمال البساط موجبة لتمام الانبساط ومنها أن الحمد
كما سبق إظهار صفات الكمال على الغير فما دام للأغيار وجود في نظر السالك فهو يواجههم بإظهار كمالات المحبوب
عليهم وذكر مآثره الجليلة لديهم وأما إذا آل أمره بملاحظة الآثار وملازمة الأذكار إلى ارتفاع الحجب والأستار
واضمحلال جميع الأغيار لم يبق في نظره سوى المعبود بالحق والجمال المطلق وانتهى إلى مقام الجمع وصار أينما يولي
فثم وجه الله فبالضرورة لا يصير توجيه الخطاب لا إليه ولا يمكن ذكر شئ إلا لديه فيغطف عنان لسانه نحو عز
جنابه ويصير كلامه منحصرا في خطابه وفوق هذا المقام مقام لا بفئ تقريره الكلام ولا يقدر على تحريره الأقلام بل لا
يزيد الكشف إلا سترا وخفاء ولا يكسبه إلا غموضا واعتلاء وإن قميصا خيط من نسج تسعة وعشرين حرفا عن
معاليه قاصر فهذه أربعة عشر وجها في نكات هذا الالتفات لم تنتظم إلى هذا الزمان في سلك والله الهادي
اللهم هب لنا نفحة من نفحات قدسك تكشف عن بصائرنا الغواشي الجسمانية وتصرف عن ضمائرنا النواشي الهيولانية
واجعل أعين قلوبنا وقفا على ملاحظة جلالك طلقا في مطالعة أنوار جمالك حتى لا تطمح إلى من سواك بنظر ولا تحس
405

منه بعين ولا أثر واجمع بيننا وبين إخوان الصفا في دار المقامة وألبسنا وإياهم حلل الكرامة في يوم القيامة إنك
جواد كريم رؤوف رحيم اهدنا الصراط المستقيم المستنبط من تتبع موارد استعمال أهل اللسان الهداية إنها مطلق الإرشاد
والدلالة بلطف سواء كان معها وصول إلى البغية أم لا وبه صرح اللغويون ومنه الهدية لما فيها من الدلالة على ما
يراد من المهدي إليه وهوادي الوحش لمقدماتها الدالة لها على الماء والكلاء وقوله عز وعلا فاهدوهم إلى صراط
الجحيم تهكم من قبيل فبشرهم بعذاب أليم وزعم بعض المتأخرين اختصاصها بالدلالة الموصلة إلى البغية وآخرون منهم
إنها إن تعدت إلى المفعول الثاني بنفسها فموصلة ولا تسند إلا إليه سبحانه كما في الآية التي نحن فيها وقوله تعالى " والذين
جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " وإن تعدت بالحرف فهي مطلق الدلالة وكما تسند إليه عز وجل تسند إلى غيره كما قال
جل شأنه إنك لتهدي إلى صراط مستقيم وأن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم وقد يخدش كلا الزعمين بقوله تعالى
" وهديناه النجدين " إذ لا امتنان في الإيصال إلى طريق وأولهما بقوله تعالى " وأما ثمود فهديناهم " فاستحبوا العمى على الهدى
ووصولهم إلى المطلوب ثم ارتدادهم مخالف للنقل وقوله عز من قائل إنك لا تهدي من أحببت أخص من مطلوبهم ونحن لا
ننكر مجيئها بمعنى الدلالة الموصلة على أن الحمل على إرادة إنك لا يتمكن من إرائة الطريق لكل من أحببته بل
لمن أرادنا ممكن
وثانيهما أعني ما تضمنه أول شقيه من اختصاص الإسناد بحكايته جل وعلا قول إبراهيم على نبينا وعليه السلام لأبيه فاتبعن
أهدك صراطا سويا وقول مؤمن آل فرعون يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد وقد يستدل على الزعم الأول بوجوه
منها وقوع الضلالة في مقابلة الهداية ويرشد إليه قوله تعالى " أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى " و
عدم الوصول معتبر في مفهوم الضلالة فيعتبر الوصول في مفهوم الهداية ليتحقق التقابل والبحث وإن كان في الهداية
المتعدية والمقابل للضلالة هو الهداية اللازمة بمعنى الاهتداء كما أن المقابل للضلالة هو الهدى اللازم وفي الصحاح
هدى واهتدى بمعنى إلا أن اعتبار الوصول في مفهوم اللازم يقتضي اعتباره في مفهوم للتعدي بحيث أن الهداية
اللازمة هي التوجه الموصل المقابل للضلالة التي هي توجه غير موصل يكون المتعدية هي التوجيه الموصل وأورد عليه أن
المقابلة يستتب بكون الهداية توجها صادرا عن بصيرة إلى مما من شأنه الإيصال إلى المطلوب وكون الضلالة توجها
زايغا إلى ما ليس من شأنه الإيصال إلى المطلوب قطعا ودعوى أن الوصول العقلي معتبر فيها كعدمه في مقابلها
غير مسموعة كيف ومجامعته لها في الوجود غير ممكنة إذ هو غاية للتوجه فينتهي عنده لا محالة ضرورة امتناع التوجه
إلى تحصيل ما هو حاصل وإنما التوجه بعد ذلك إلى الثبات بخلاف مجامعه عدمه لمقابلها ببقائها متحققة
مستمرة باستمراره ولا يجوز أن يراد لزوم ترتبه عليها للزوم كون السالك المقبل بقلبه وقالبه على سلوك طريق
من شأنه حصول الوصول بسلوكه إذا تخلف وصوله الأمر خارجي كحلول أجله مثلا ولم يحصل منه تقصير ولا توان ضالا
إذ لا واسطة بين الهداية والضلالة ومنها أنه يقال في المدح مهدي كما يقال مهتدي ولا مدح إلا
بالوصول إلى الكمال وخدش بأن الاستعداد للكامل والوصول إليه بالقوة القريبة من الفعل مزية يستحق المدح عليها
وكون التمكن مع عدم الوصول يقتضيه يستحق الذم عليها إنما هو مع عدم ترك الوصول بالاختيار لا لاحترام المنية
406

ونحوهما كما قلناه الآن وبأن المهدي يراد به بقرينة مقام المدح المنتفع بالهدى مجازا كون الأصل في الاطلاق
الحقيقة إنما يجدي عند الاستعمال بلا قرينة ومنها أن اهتدى مطاوع هدى يقال هديته فاهتدى
والمطاوعة حصول الأثر في المفعول بسبب تعلق الفعل المتعدي به فلا يكون المطاوع مخالفا لأصله إلا في التأثر
والتأثير ففي المنكسر حالة تسمى قبولها انكسارا وتحصيلها كسرا فلو لم يكن في الهداية إيصال لم يكن في الاهتداء
وصول ولا يراد أمرته فلم يأتمر وعلمته فلم يتعلم لأن حقيقة الايتمار صيرورته مأمورا وهو بهذا المعنى مطاوع للأمر
ثم استعمل في الامتثال مجازا حتى صار حقيقة عرفية فيه وليس مطاوعا له بهذا المعنى وإن ترتب عليه في الجملة
كالمطاوع وليس المراد بالتعليم تحصيل العلم في المتعلم بل إلقاء المبادئ التعليمية عليه وسوقها إلى ذهنه شيئا
فشيئا وقد يخدش بأنا إن تنزلنا وسلمنا لكم جميع ذلك فلا تسلم اعتبار الوصول في الإهداء كما مر فصل
أقسام هدايته جل شأنه وإن كانت مما لا يحضر قدره ولا يقدر حصره إلا أنها على أربعة أنحاء أولا الدلالة
على جلب المنافع ورفع المضار بإفاضة القوى التي يتوصل بها إلى ذلك كالحواس الباطنة والمشاعر الظاهرة والقوة
العقلية وإليه يشير قوله عز من قائل " أعطى كل شئ خلقه ثم هدى " وثانيا الدلالة بنصب الدلائل العقلية
الفارقة بين الحق والباطل والصلاح والفساد وإليه يشير قوله عز وعلا وهديناه النجدين وثالثا الدلالة
العامة بإرسال الرسل وإنزال الكتب ولعله المراد بقوله جل شأنه وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى
وقد يجعل منه قوله تعالى " وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا " وقوله سبحانه " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم " ورابعا
الدلالة على طريق السير والسلوك والانجذاب إلى حظاير القدس ومحاضر الإنس بانطماس آثار التعلقات الجسمانية
واندراس أغشية الجلابيب الهيولانية فينكشف على قلوبهم السرائر ويريهم الأشياء كما هي بالوحي والإلهام والمنامات
الصادقة ويشغلهم عن ملاحظة ذواتهم وصفاتهم بالاستغراق في ملاحظة جلاله ومطالعة أنوار جماله وهذا
قسم يختص بنيله الأنبياء ثم الأولياء ثم من يحذو حذوهم من أصحاب حقائق الذين نفضوا ذيولهم من غبار هذه
الدار الدنية وكحلوا عيونهم بكحل الحكمة النبوية وإياه عنى بقوله عز وعلا " أولئك الذين هدى الله فبهديهم اقتده "
وقوله عز وجل " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " فإذا تلا هذه الآية أصحاب مرتبة الثالثة أرادوا بالهداية
المرتبة الرابعة وإذا تلاها أصحاب المرتبة الرابعة أرادوا زيادة ما منحوه من الهدى كما في قوله تعالى " والذين
اهتدوا زادهم هدى " أو الثبات عليه كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام اهدنا ثبتنا ولفظ الهداية على
الثاني مجاز إذ الثبات على الشئ غيره وأما على الأول فإن اعتبر مفهوم الزيادة داخلا في المعنى المستعمل فيه فمجاز
أيضا وإن اعتبر خارجا عنه مدلولا عليه بالقرائن فحقيقة لأن الهداية الزائدة هداية كما أن العبادة الزائدة عبادة
فلا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز هذا والأصل في الهداية أن يتعدى باللام أو إلى تعديتها هنا من قبيل
الحذف والإيصال كتعدية اختار في قوله تعالى " واختار موسى قومه " والصراط الجادة من سرط الطعام بالكسر و
الفتح إذا ابتلعه فكأنه تسترط السايلة أو هم يسترطونه ولذلك سمي لقما بفتحتين كأنه يلتقمهم أو كأنه يلتقمونه وجمعه
407

سرط ككتاب وكتب وهو كالطريق في جواز التذكير والتأنيث وأصله السين صاد التطابق الطاء في الإطباق
كمصيطر في مصيطر وقد يشم الصاد صوت الزاء ليكون أقرب إلى المبدل عنه وقرء ابن كثير ووريس عن يعقوب بالأصل
وحمزة بالإشمام وباقون بالصاد وهي لغة قريش والمراد بالصراط المستقيم طريق الحق أو دين الإسلام وروي أن المراد
به كتاب الله فالمطلوب الهداية إلى فهم معانيه وتدبر مقاصده واستنباط الأحكام منه والتعمق في بطون آياته فإن
لكل آية ظهرا وبطنا " صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين " كل من عدا البسملة من الفاتحة عد هذه
بأجمعها سابعة آياتها ومن لم يعدها آية عد صراط الذين أنعمت عليهم سادسة الآيات وغير المغضوب عليهم ولا
الضالين سابعتها ومذهب أصحابنا رضوان الله عليهم هو الأول فينبغي لكاتب المصحف منا ترك علامة الآية بينهما
ومن نذر قراءة آية لم يخرج عن العهدة عندنا إلا بقراءة المجموع وأما ما يترآى من خروجه عن العهدة قطعا بقراءة
صراط الذين أنعمت عليهم لأنها آية على بعض القراءات المتواترة أعني قراءة من لم يجعل البسملة من السورة
فهو كما ترى
وهذه الآية كالتفسير والبيان للصراط المستقيم وصراط كل يدل منه وفائدته التأكيد والتنصيص على أن الطريق
الذي هو علم في الاستقامة هو طريق الذين أنعم الله عليهم حيث جعل مفسرا وموضحا للصراط المستقيم كما تقول هل
أدلك على أكرم الناس فلان فإن هذا أبلغ في وصفه بالكرم من قولك هل أدلك على فلان الأكرم لجعلك إياه تفسيرا
وإيضاحا للإكرام بخلاف العكس والمراد بهم المذكورون في قوله عز وعلا " فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من
النبيين والصديقين والشهداء والصالحين " وقيل المراد بهم المسلمون فإن نعمة الإسلام أصل جميع النعم ورأسها
وقيل الأنبياء وقيل أصحاب موسى وعيسى قبل التحريف والنسخ والإنعام إيصال النعمة وهي في الأصل مصدر
بمعنى الحالة التي تستلذها الإنسان ككونه ذا مال وبنين مثلا ثم أطلقت على نفس الشئ المستلذ من تسميته السبب
باسم المسبب ونعم الله سبحانه وإن جعلت عن أن يحيط بها نطاق الإحصاء كما قال جل شأنه وإن تعدو نعمة الله لا
تحصوها إلا أنها جنسان دنيوية وأخروية وكل منهما إما موهبي أو كسبي وكل منهما إما روحاني أو جسماني فهذه
ثمانية أقسام دنيوي موهبي روحاني كنفخ الروح وإفاضة العقل والفهم دنيوي موهبي جسماني كخلق الأعضاء وقواها
ودنيوي كسبي روحاني كتحلية النفس عن الأمور الدينية وتحليتها بالأخلاق الزكية والملكات السنية دنيوي كسبي جسماني
كالتزيين بالهيئات المطبوعة والحلي المستحسنة أخروي موهبي روحاني كان يغفر ذنوبا ويرضى عنا من سبق توبة أخروي
موهبي جسماني كالأنهار من اللبن والأنهار من العسل أخروي كسبي روحاني كالغفران والرضا مع سبق التوبة و
كالملذذات الروحانية المستجلية بفعل الطاعات أخروي كسبي جسماني كالملذذات الجسمانية المستجلية بالفعل
المذكور والمراد هنا الأربعة الأخيرة وما يكون وسيلة إلى نيلها من الأربعة الأول والغضب ثوران النفس الإرادة
الانتقام فإن أسند إليه سبحانه فباعتبار غايته على قياس ما مر في تفسير البسملة وفي العدول عن إسناده جل شأنه
ببناء صيغته للمجهول والتصريح بإسناد عديله إليه عز سلطانه تشييد لمعالم العفو والرحمة وتأكيد لمعاهد الجود
والكرم فكان الغضب صادر عن غيره عز وعلا وإلا فالظاهر غير الذين غضبت عليهم وعلى هذا النمط من التصريح
408

بالوعد والتعريض بالوعيد جرى قوله تعالى شأنه " لئن شكرتم " ثم " لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد " حيث لم يقل لأعذبنكم
وأغلب الآيات المتضمنة لذكر العفو والعقاب مؤذنة بترجيح جانب العفو إيذانا ظاهرا كما في قوله تعالى " يغفر لمن يشاء
ويعذب من يشاء وكان الله غفورا رحيما " فإن ظاهر المقابلة مقتضى وكان الله غفورا معذبا أو منتقما ونحو ذلك
فعدل سبحانه عنه إلى تكرير الرحمة ترجيحا لجانبها وكما في قوله عز سلطانه " غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب
ذي الطول " حيث وحد جل وعلا صفة العقاب وجعلها مغمورة بالمتعدد من صفات الرحمة إلى غير ذلك من الآيات
البينات والضلال العدول عن الطريق السوي عمدا أو خطأ وله عرض عريض ويكفي في التنبيه على تشعب طرقه قوله
صلى الله عليه وآله ستفرق أمتي ثلاثا وسبعين فرقة فرقة ناجية والباقون في النار وأيضا فالمستقيم من الواصلة بين
النقطتين واحد وأما المعوجات فلا حد لها فصل قد اشتهر تفسير المغضوب عليهم باليهود والضالين بالنصارى
وربما روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وقد يؤيد بقوله عز من قائل في حق اليهود " من لعنه الله وغضب عليه " وفي
حق النصارى " قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا " وقيل المراد بهما مطلق الكفار وقيل المطلق الموصوفين بالعنوانين من
الكفار وغيرهم وربما يقال المغضوب عليهم هم العصاة المخالفون للأوامر والنواهي والضالون هم الجاهلون بالاعتقاديات
الحقة التي بها يتم الدين لأن المنعم عليه من وفق للجمع بين العلم والأحكام الاعتقادية والعمل بما يقتضيه الشريعة المطهرة
فالمقابل له من اختل إحدى قوتيه أما العاقلة أو العاملة والثاني مغضوب عليه لقوله تعالى في القائل عمدا وغضب
عليه والأول ضال لقوله تعالى " فماذا بعد الحق إلا الضلال " ولفظ غير أما بدل كل من الموصول على معنى أن المنعم عليهم هم
الذين سلموا من الغضب والضلال أو صفة له وهي في كل من الوجوه الأربعة في المغضوب عليهم على كل من الأربعة السابقة
في تفسير المنعم عليهم مبنية إن أريد بالثاني والرابع منهما الكل كما هو الظاهر وإن أريد الأعم فكذلك على ما عدا الثالث والرابع
من اللاحقة وأما عليهما فمقيدة وكيف كان فتعرف الموصوف الموصولية وتغول الصفة في النكارة يحوج إلى إخراج
أحدهما عن صرافته أما يجعل غير بالإضافة إلى ذي الضد الواحد وهو المنعم عليهم متعينة تعيين المعارف فينكسر بذلك
سورة نكارتها فيصح وصف المعارف بها كما في قولهم عليك بالحركة غير السكون وأما يجعل الموصول مقصودا به جماعة
من الطوائف الأربع لا بأعيانهم فيجري حينئذ مجري النكرات كذي اللام الذي يراد به الجنس في ضمن بعض الأفراد لا بعينه كما
في قوله ولقد أمر على اللئيم يسبني ولعل الأول أولى فإن إرادة البعض الغير المعين من المنعم عليهم تورث خدشا ما في
بدلية صراطهم من الصراط المستقيم فإن مدارها على كون صراطهم علما في الاستقامة ومعلوم أن ذلك من حيث انتسابه
إلى كلهم لا إلى بعضهم ولفظة لا بعد الواو العاطفة في سياق النفي تفيد التأكيد والتصريح بشموله كل واحد من المتعاطفين
وأن المنفي ليس هو المجموع وسوغ مجيئها هنا تضمن لفظة غير المغايرة والنفي معا ولذلك جاز أنا زيد غير ضارب رعاية
لجانب النفي فتصير الإضافة بمنزلة العدم فيجوز تقديم معمول المضاف إليه على المضاف كما جاز أنا زيدا لا ضارب و
إن لم يخبر في أنا مثل ضارب زيدا أنا زيدا مثل ضارب لامتناع وقوع المعمول حيث يمتنع وقوع العامل هذا ولنجعل
خاتمة تفسير الفاتحة بعض الأحاديث المعتبرة الواردة في فضلها روي في مجمع البيان أن النبي صلى الله عليه
وآله
409

قال لجابر بن عبد الله رضي الله عنه يا جابر ألا أعلمك أفضل سورة أنزلها الله في كتابه فقال بلى بأبي أنت وأمي يا رسول
الله علمنيها قال فعلمه الحمد أم الكتاب ثم قال يا جابر ألا أخبرك عنها قال بلى بأبي أنت وأمي يا رسول الله فأخبرني قال
هي شفاء من كل داء إلا السام وعن حذيفة اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله قال إن القوم ليبعث الله
عليهم العذاب حتما مقضيا فيقرء صبي من صبيانهم في الكتاب الحمد لله رب العالمين فيسمعه الله تعالى فيرفع عنهم بذلك
العذاب أربعين سنة وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال بينما رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أتاه ملك
فقال ابشر بنورين أو تليهما لم تؤتهما بني قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لم تقرء حرفا
منها إلا أعطيته وعن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال اسم الله
الأعظم مقطع في أم الكتاب وعنه عليه السلام لو قرئت الحمد على ميت سبعين
مرة ثم ذرت فيه الروح ما كان ذلك عجبا اللهم إن الذنوب قد
أماتت قلوبنا فأحيها بسبع المثاني والقرآن العظيم وإن المعاصي قد سودت وجوهنا فبيضها ببركة تفسير كتابك الكريم ويسر لنا الفوز بأنمار الضفر بسعادة اختتامه واجعله نورا يسعى
بين أيدينا إلى جنة النعيم وتقبله منا إنك أنت السميع العليم فإنا نتوسل إليك بنبيك نبي الرحمة محمد سيد المرسلين وآلة
الأئمة الطاهرين صلواتك عليهم أجمعين أن لا تردنا خائبين وأن تثبت لنا قدم صدق يوم
الدين برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم اغفر لبانيه وكاتبه
حرر في شهر رجب المرجب سنة 1319
410