الكتاب: عوائد الأيام
المؤلف: المحقق النراقي
الجزء:
الوفاة: ١٢٤٤
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٧ - ١٣٧٥ م
المطبعة: مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي
ردمك:
ملاحظات:

الكتب الصادرة عن مركز الأبحاث والدراسات الاسلامية 50
عوائد الأيام
للفاضل المحقق المولى احمد النراقي
(1185 - 1245 ه‍)
مركز الأبحاث والدراسات الاسلامية
تعريف الكتاب 1

اسم الكتاب: عوائد الأيام
المؤلف: أحمد بن محمد مهدي النراقي
التحقيق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي
المطبعة: مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة الأولى / 1417 ق، 1375 ش
تعريف الكتاب 2

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة التحقيق 3

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد آله الطاهرين
تصدير
يقدم " مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية " للمكتبة الإسلامية كتاب " عوائد الأيام "
للفاضل المحقق المدقق والفقيه الجامع المبتكر المولى أحمد النراقي، أحد أعلام القرن الثالث
عشر الهجري، والذي يحتوي على قواعد أصولية وفقهية رئيسية " من مهمات أدلة
الأحكام وكليات مسائل الحلال والحرام... ".
وقد عمد المؤلف فيه إلى طرح وتحقيق مسائل وموضوعات وجد أن الإلمام
بها ومعرفتها بجهة استنباط الأحكام أمر ضروري، يحتاج إليها الفقيه في طريق
الاجتهاد والاستنباط. وكما أن هذا الكتاب يمتاز عن سائر مؤلفات المؤلف في اختيار
الموضوعات ومنهجية البحث والتبويب والتدوين، يمتاز أيضا عن نظائره وأشباهه بتنوع
الموضوعات والمباحث المطروحة بحثا وتحقيقا، وأن الكثير من مباحث الكتاب من
ابتكارات النراقي والخاصة به، والتي لم ترد بشكلها الخاص في أي أثر سالف فإنه تطرق
فيه إلى مباحث جديدة لم يتطرقها أحد قبله، كمبحثي " ولاية الفقيه " و " الإسراف "
وغيرهما.
وكان صاحب العوائد أول فقيه جمع بين فقه الحكومة في الإسلام ومباحث ولاية
ألقيه، وأكد بأدلة عقلية ونقلية أن للفقيه جميع الخيارات الحكومية التي تمتع بها
مقدمة التحقيق 23

النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام.
وقد تم تحقيق وإخراج هذا السفر القيم على أيدي محققينا الأجلاء الأكابر في " قسم
إحياء التراث " بعد ما بذلوا ما في وسعهم من جهد وتنقيب وتدقيق، فلله درهم وعليه
أجرهم. ونسأل الله أن يجعل عملنا هذا خالصا لوجهه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب
العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين. مسؤول مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية
محمد مهدي فقيهي
مقدمة التحقيق 24

مقدمة التحقيق
وفيه فصلان
الفصل الأول: المؤلف
الفصل الثاني: الكتاب
مقدمة التحقيق 25

الفصل الأول
المؤلف
هو العالم الفاضل والمحقق المدقق والفقيه الجامع الورع المبتكر الحاج المولى
أحمد النراقي. الملقب ب‍ " الفاضل النراقي " بن العلامة المحقق المولى محمد
مهدي بن أبي ذر النراقي الكاشاني. واحد من أبرز علماء الإسلام ومشاهير الفقهاء
المتبحرين العظام.
عد من ألمع علماء القرن الثالث عشر الهجري، لما عرف من موسوعيته
المعرفية. فقد كان جامعا لأكثر العلوم والفنون، ولا سيما الفقه والأصول
والرياضيات والنجوم، بالإضافة إلى كونه أديبا بارعا وشاعرا فارسيا نحريرا،
إضافة إلى إلمامه بالحكمة والكلام والأخلاق والآداب.
وكان من أصحاب التصانيف القيمة التي لم يناظرها أو يشابهها تأليف لمن عاصره
من أقرانه. كان الكثير منها ولا يزال المورد الصافي لاستفادة العلماء والمحققين.
مصادر ترجمته:
وردت ترجمته بشكل مفصل أو مختصر في كثير من كتب التراجم والتأريخ
في القرن الهجري الثالث عشر وبعده، وكذا في مقدمة بعض كتبه أو كتب والده
المصححة مؤخرا، وفيما يلي نأتي على التعريف بها حسب أهميتها. وقد وضعنا
نجمة كعلامة بجانب المصادر الأساسية التي تغني مراجعتها، الطالب عن الرجوع
مقدمة التحقيق 27

إلى سائر المصادر:
1 - " الروضة البهية في الإجازات الشفيعية " لتلميذه السيد محمد شفيع
الحسيني الچاپلقي البروجردي (م 1280 ه‍) ص 16 - 18.
2 - " لباب الألقاب في ألقاب الأطياب " للمولى حبيب الله شريف الكاشاني
(1260 - 1340 ه‍) ص 97 - 92 و...
3 - " تاريخ كاشان أو مرآة قاسان " لعبد الرحيم كلانتر ضرابي (سهيل
الكاشاني)، ص 280 - 286.
4 - " قاموس الرجال " للشيخ محمد تقي التستري (م 1415 ه‍) ج 11،
الخاتمة.
5 - " روضات الجنات " للسيد محمد باقر الخوانساري الإصفهاني (م 1313 ه‍)
ج 1، ص 95 - 99.
6 - " ريحانة الأدب " للميرزا محمد علي المدرس التبريزي (1296 -
1373 ه‍) ج 6، ص 160 - 163.
7 - " الكرام البررة " للشيخ آقا بزرگ الطهراني (1293 - 1389 ه‍) ج 1،
ص 116 - 117.
8 - " الذريعة إلى تصانيف الشيعة " للشيخ آقا بزرگ الطهراني (1293 -
1389) في مختلف الأجزاء، ستأتي الإشارة إلى أكثر مواردها.
9 - " أعيان الشيعة " للعلامة السيد محسن الأمين (1248 - 1371 ه‍) ج 13،
ص 183 - 184.
10 - " الفوائد الرضوية " للمحدث القمي (1294 - 1359) ص 41.
11 - " تاريخ سياسي وديپلماسى إيران " انتشارات دانشگاه تهران ج 1،
ص 200، 206، 211. ومقدمه ج 2.
12 - " الأعلام " للزركلي (م 1396 ه‍) ج 1، ص 260.
13 - " مكارم الآثار " للميرزا محمد علي معلم الحبيب آبادي (م 1396 ه‍)
مقدمة التحقيق 28

ج 4، ص 1235 - 1242.
14 - " قصص العلماء " للميرزا محمد التنكابني (1302 ه‍) ص 129 -
132.
15 - " نجوم السماء " للميرزا محمد علي الكشميري (1260 - 1309) ج 3،
ص 243 - 244.
16 - " ناسخ التواريخ " للمؤرخ الشهير الميرزا محمد تقي سپهر
(1297 ه‍) ج 1، ص 358.
17 - " لغت نامه دهخدا " لعلي أكبر دهخدا (1258 - 1334 ه‍ ش) ج 3،
ص 1372 و 1467 وج 20، ص 419. الطبعة الأولى. وج 1، ص 1165 و
1147، وج 13، ص 19808. الطبعة الثانية.
18 - مقدمة " أنيس الموحدين " للعلامة الأستاذ حسن حسن زادة الآملي
(المعاصر) ص 13 - 18.
19 - " زندگانى وشخصيت شيخ أنصاري " للشيخ مرتضى الأنصاري
(المعاصر) ص 120 - 130 و 162 - 167.
20 - مقدمة " مثنوى طاقديس " للعالم الفاضل حسن النراقي (المعاصر).
21 - مقدمة " جامع السعادات " للشيخ محمد رضا المظفر (1384 ه‍) ج 1،
ص 5.
23 - مقدمة " قرة العيون " للعالم الفاضل حسن النراقي (المعاصر).
هذه أهم المصادر التي ترجمت للمولى أحمد النراقي، وقد آثرنا عدم إيراد غير
المهم منها باعتبارها مكررة لما سبقها من المصادر.
هذا وقد تتبعنا كتبه وآثاره فوجدنا أنه (قدس سره) قد تعرض في موارد كثيرة
من آثاره لما يفيدنا في موضوع ترجمته.
منها: رسالة كتبها بخطه الشريف في ختام نسخة من كتاب " لؤلؤة البحرين "
مقدمة التحقيق 29

للشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق، كتبها في ترجمة مختصرة لوالده المولى
محمد مهدي النراقي، وقد تعرض في ختامها لتأريخ ولادته وفهرس مصنفاته إلى
سنة 1236 ه‍ 1.
ومنها: رسالة إجازته لأخيه وتلميذه المولى محمد مهدي النراقي الملقب ب‍ " آقا
بزرگ "، موجودة بخطه في ابتداء نسخة من " عوائد الأيام " وفي ختام المجلد الحادي
عشر من " قاموس الرجال ". ذكر فيها طرق أخذه عن أساتذته ومشايخه، كتبه في
أواخر شهر ذي الحجة الحرام سنة 1244 ه‍ 2.
مضافا إلى أنه قد أشار في كتابه " الخزائن " إلى أسفاره إلى العتبات المقدسة
وحج بيت الله الحرام، ستأتي الإشارة إليها في مواضعها.
وبما أننا لا ننوي في هذا المقال التفصيل في ترجمة حياته فقد اقتصرنا على ذكر
رمضات تلقي الضوء على أبرز دور في حياته ومكانته العلمية وما ترك من مؤلفات
مشيرين إلى بعض الأخطاء الواردة في المصادر. وكان زادنا في هذه الرحلة ما
اكتحلت به عيوننا من خلال ما وجدناه في آثار هذا البحر الزاخر الذي قدم عطاء
جديدا زاخرا للفكر الإسلامي.
لقبه وشهرته
يلقب المولى النراقي ب‍ " الفاضل النراقي "، وكان مشهورا ب‍ " الحاج المولى
أحمد النراقي "، وقد يعبر عنه ب‍ " النراقي الثاني ". ويلقب والده ب‍ " المحقق النراقي "
و " العلامة النراقي "، وقد يعبر عنه ب‍ " النراقي الأول ". ويعبر عنهما
ب‍ " النراقيان " (3).

(1): تم إيراد جانب من صورة المخطوط بقلم الفاضل النراقي في مقدمة كتاب " مثنوى طاقديس " بقلم الفاضل
المعاصر حسن النراقي من أحفاد المؤلف.
(2): ستأتي الرسالتان في نهاية هذا الفصل تتميما للفائدة.
(3): مقدمة أنيس الموحدين: ص 14.
مقدمة التحقيق 30

وكان في الشعر يتخلص ب‍ " صفائي " (1).
وقد عنونه الزركلي في " الأعلام " ب‍ " الزاقي "، وقال:
" الزاقي: أحمد بن مهدي بن أبي ذر الزاقي، من علماء الإمامية
ومجتهديهم... وتوفي بقرية الزاق " (2).
ذكره تلميذه السيد محمد شفيع الحسيني الچاپلقي في " الروضة البهية " بقوله:
" الفاضل العالم المحقق المدقق الماهر... شيخنا وأستادنا الحاج المولى أحمد بن
محمد مهدي النراقي " (3).
وقال المولى حبيب الله الشريف الكاشاني:
" الفاضل المؤيد الحاج المولى أحمد النراقي نجل المحقق النراقي... والفاضل
النراقي بإطلاقه منصرف إليه " (4).
وصرح بلقبه أيضا صاحب " طرائف المقال " (5) والمحقق المامقاني في " رسالة
وسيلة النجاة " (6). وعبر عنه المراغي في " عناوين الأصول " ب‍ " الفاضل المدقق
المعاصر " 7. وعبر عنه الشيخ الأعظم الأنصاري تارة ب‍ " الفاضل المعاصر " 8،
وأخرى ب‍ " المحقق المعاصر " 9.
وذكر المولى حبيب الله الشريف الكاشاني: " أن صاحب الجواهر يعبر عن
المولى مهدي النراقي ب‍ " الفاضل الناراقي " 10. وتبعه الأستاذ العلامة حسن زادة

(1): الكرام البررة 1: 117، الذريعة 15: 134، هدية العارفين " كشف الظنون " 5: 185.
(2): الأعلام 1: 260 وج 3: 40.
(3): الروضة البهية: 16.
(4): لباب الألقاب: 97. وذكره أيضا في مواضع أخر فراجع ص 94، 102، 104، 105.
(5): طرائف المقال 3: 53 و 369.
(6) رسالة وسيلة النجاة في أجوبة جملة من الاستفتاءات (الاثني عشرية): 107، 108.
(7) عناوين الأصول: 93، 105، 313.
(8) الحاشية على استصحاب القوانين: 169، 178، 195.
(9) المصدر: 193.
(10) لباب الألقاب: 136.
مقدمة التحقيق 31

الآملي في ترجمة المولى مهدي النراقي. قال: " ومثل صاحب الجواهر يعبر عن
المولى مهدي النراقي ب‍ " الفاضل النراقي " (1).
وقد تتبعنا كتاب جواهر الكلام، فوجدنا أن صاحب الجواهر عبر في موضعين
ب‍ " الفاضل الناراقي "، تارة عن المولى محمد مهدي النراقي وتارة عن المولى أحمد
النراقي. وكثيرا ما يعبر عنهما ب‍ " الناراقي ".
الأول: قال في كتاب الطهارة - بعد بيان كون غيبة المسلم من المطهرات بالنسبة
إلى البدن، والاستدلال عليها بالسيرة المعتضدة بإطلاق ما دل على طهارة سؤر
المسلم -:
" ولعلها كذلك بالنسبة إلى غير بدنه من الثياب أو فرشه وأوانيه،... بل
الظاهر الطهارة أيضا وإن لم يكن متلبسا بما يشترط فيه الطهارة، وفاقا لمن
عداهم... كالشهيدين وأبي العباس في المهذب والصيمري و " الفاضل
الناراقي " والعلامة الطباطبائي... " (2).
وكما هو معلوم أن المراد هنا المولى محمد مهدي النراقي.
قال في كتاب اللوامع - بعد بيان حصر الأقوال في الأربع، واختيار القول
بالطهارة مطلقا -:
" لنا أصالة الطهارة وأصالة البراءة وأصالة كون عدم المدرك فيما يعم بالبلوى
مدرك العدم، وإطلاق الأخبار... " (3).
وكثيرا ما يعبر عنه ب‍ " الناراقي "، فإنه كثيرا ما ينقل آراءه عن اللوامع ويصرح إما
باسم الكتاب والنراقي معا، أو يصرح باسم الكتاب أو النراقي خاصة ويعبر عنه
ب‍ " الناراقي " كما جاء في المخطوطات. فراجع جواهر الكلام، المجلد 1، ص 337،
والمجلد 5، ص 345، والمجلد 6، ص 71، 77، 93، 95، 115، 116، 131،

(1): مقدمة أنيس الموحدين: 14.
(2): جواهر الكلام 6: 302.
(3): لوامع الأحكام (مخطوطة مكتبة آية الله العظمى المرعشي رحمه الله) المرقمة (7272) الورق 36.
مقدمة التحقيق 32

150، 181، 190، 213، 236، 253، 260، 266، 270، 271، 285،
288، 292، 302، 337، 339، 347، 357، 369، 370.
الثاني: في كتاب الصيد والذباحة في مسألة اعتبار الحياة في الحيوان
قبل الذبح، قال:
" نعم، ظاهر أكثر القدماء كالإسكافي... بل وجملة من المتأخرين كالمحقق في
النافع...: الاكتفاء في حل الذبيحة بالحركة وحدها أو مع خروج الدم
المعتدل، جمعا أو تخييرا، من غير اعتبار استقرار الحياة بالمعنى المزبور، كما
صرح به الأردبيلي في المجمع والخراساني والكاشاني والمجلسي والعلامة
الطباطبائي و " الفاضل الناراقي " وغيرهم من متأخري المتأخرين " 1.
قال المولى أحمد في باب حل الذبيحة من المستند ما مختصره: " فروع: أ: المستفاد من الأخبار المتقدمة كفاية واحدة من الحركات الثلاث أو
الأربع....
ج: المصرح به في كلام جماعة منهم المحقق الأردبيلي وبعض مشايخنا 2
- عصر الله مراقدهم - أن كون هذه الحركة أو الدم أو كليهما - على اختلاف
الأقوال - علامة للحل، إنما هو فيما اشتبه حياته وموته، فلو علم حياته قبل
الذبح فذبح ولم يوجد شئ منها يكون حلالا... " 3.
وقال في الجواهر أيضا في باب استبراء الجلال الذي لا تقدير فيه:
" وإلا لكان المتجه فيما لا تقدير فيه البقاء على الحرمة، للأصل، كما اختاره
" الناراقي " 4.
قال المولى أحمد في باب استبراء الجلال - بعد بيان خلو أكثر الباب عن الدال

(1) جواهر الكلام 36: 142.
(2) هو العلامة الطباطبائي، المصرح به في كلام صاحب الجواهر.
(3) مستند الشيعة 2: 457.
(4) جواهر الكلام 36: 276.
مقدمة التحقيق 33

على وجوب تعيين المدة -:
" مضافا إلى استصحاب التحريم حتى يعلم جواز الأكل، فالقول بمتابعة زوال
اسم الجلل غير جيد، لأنه لا يستلزم الحل بعد الحرمة، فيمكن أن يكون الجلال
حراما مؤبدا وإن انتفى جلله " 1.
ويشهد لما ذكرنا ذكر " الفاضل الناراقي " في الموضع الأول قبل " العلامة
الطباطبائي "، وفي الموضع الثاني بعده، كما ذكره النراقي في المستند.
ولادته
ولد رحمه الله في " نراق " 2 قرية من قرى كاشان. في الرابع عشر من شهر
جمادي الآخرة سنة خمس وثمانين بعد المائة والألف من الهجرة النبوية، في عهد
سلطنة كريم خان الزند 3.
وقد كتب رحمه الله تأريخ ولادته قائلا:
" تأريخ ولادتي في الرابع عشر من شهر جمادي الثانية [كذا] سنة خمس
وثمانين بعد المائة والألف من الهجرة النبوية " 4.
وذكر الشيخ آقا بزرگ الطهراني تاريخ ولادته في " مصفى المقال " و " الذريعة "
بعام 1186 5. وفي " الكرام البررة " مرددا بين (1185 أو 1186 ه‍). وتبعه السيد
محسن الأمين في " أعيان الشيعة " 6.
وهو خطأ قطعا لعله نجم مما رآه آقا بزرگ الطهراني في نسخة من كتاب " أنيس

(1) مستند الشيعة 2: 410.
(2) نراق: (بفتح النون وتخفيف الراء) قرية من بلاد كاشان على بعد عشرة فراسخ. روضات الجنات
1: 97، أعيان الشيعة 13: 183، مكارم الآثار 4: 123.
(3) مكارم الآثار 4: 1235.
(4) المقدمة: 67.
(5) مصفى المقال: 71، الذريعة 2: 462.
(6) الكرام البررة 1: 116، أعيان الشيعة 13: 183.
مقدمة التحقيق 34

المجتهدين " للمولى محمد مهدي النراقي والد الفاضل النراقي، قال تحت عنوان
الكتاب:
" وتاريخ فراغه سنة (1186 ه‍) كما في نسخة سلطان المتكلمين، الحاج الشيخ
محمد بطهران. وصرح فيه بأن ابنه المولى أحمد ولد في هذه السنة " 1.
نشأته وثقافته العلمية
ونشأ برعاية والده المعظم ذلك الحبر الحبير، وتلقى القصد الأوفر من علومه
عنده، وقد تمتع بالذكاء الخارق، والفطنة الكبيرة، والذهن المستعد، والهمة
العالية، وقد كفلته منذ نعومة أظفاره رعاية والده الفاضل، وقد تدرج في مراحل
العلم ينهل من فيوضات والده الجامعة والغزيرة، فرقي قمم العلم والمعرفة والفكر
وبلغ ما بلغ من منزلة رفيعة.
وقد استفاد من حوزة والده، ثم عنى بتدريس علوم السطح المرسومة آنذاك في
حوزة الوالد ك‍ " المطول " و " المعالم "، وعبر تشكليه ندوات البحث والمناقشات
العلمية، حقق تقدما وتطورا ملحوظا.
ومن ثم توجه إلى العتبات المقدسة في العراق لمواصلة دروسه حيث الحوزات
العلمية، فحضر في حلقات دروس كبار علماء حوزات النجف وكربلاء وزاد من
كمالاته، ورقي في مدة قصيرة أعلى العلمية، ووفق لنيل مرتبة الاجتهاد وإجازة
نقل الحديث من أساتذته ومشايخه وعاد أدراجه إلى مدينة كاشان، وأسس لنفسه
حوزة خاصة، وأخذ في تدريس العلوم الدينية، وكان لبركة وجوده في هذه الحوزة
الفضل في استقطاب العديد من الطلبة من أقصى بقاع إيران، وأضحت حوزته
مرجعا استفاد منه الكثير من علماء عصره، فيما تخرج الكثير من أكابر علماء و
فقهاء المذهب من حوزته العلمية.

(1) الذريعة 2: 464.
مقدمة التحقيق 35

ومن الجدير بالذكر أن الشيخ مرتضى الأنصاري الذائع الصيت، هو أحد
العلماء الذين وفدوا للانتهال من تلك الحوزة.
تلقى الفاضل النراقي جل علومه عند والده، وقد توجه في عام 1205 ه‍ بمعية
والده وجمع من تلاميذه إلى العتبات المقدسة في العراق.
وتعرف هناك على الحوزات العلمية الكبيرة في النجف وكربلاء، وعلى
رجالاتها الكبار أمثال العلامة المجدد الوحيد البهبهاني (م 1205 ه‍) والميرزا مهدي
الشهرستاني (م 1216 ه‍)، والسيد محمد مهدي بحر العلوم (م 1212 ه‍) والشيخ
جعفر النجفي المعروف ب‍ " كاشف الغطاء " (م 1228 ه‍).
ومرة أخرى قرر ترك موطنه كاشان والتوجه إلى العراق لطي دورات الأصول
والفقه العالية. وحضر في حلقة درس العلامة السيد محمد مهدي بحر العلوم
وباقي فحول الطائفة. وفي عام 1209 ه‍) توفي والده واضطر إلى العودة إلى
كاشان في وقت اشتهر فيه ببلوغه مرتبة الاجتهاد، وأخذ على عاتقه مسؤولية
التدريس خلفا لوالده في الحوزة العلمية في مدينة كاشان. وفي هذا المجال يقول
صاحب " روضات الجنات ":
" وأما طريقة أخذ العلوم من أبواب الأسانيد - فكما ذكره الأساتيذ - لم تكن
بمكابدة سائر الطلبة في زمان التحصيل والتعبيد، وقد قرأ على أبيه المفضال
كثيرا، ثم على بعض أفاضل العراقيين يسيرا، ثم يجمع بغيرته الكاملة
مستعدي طلاب تلك الناحية المقدسة في محله الرفيع العالي، ويقوم
بشؤونهم ويكفي مؤناتهم في النفوس والأهالي. وفي ضمن التدريس لهم
يلتقط من ملتقطاتهم ما دام، ويأخذ من أفواههم ما لم يقصدوا فيه الإفهام،
إلى أن بلغ كل مبلغ من العلم أراد، وفاق كل ماهر واستاد " 1.
هذا، وأما عن تاريخ هجرته إلى العراق للتحصيل فلم نجد في المصادر ما يمكننا

(1) روضات الجنات 1: 97.
مقدمة التحقيق 36

الاعتماد عليه.
قال في " مكارم الآثار " ما ترجمته:
" في حوالي عام 1205 ه‍ توجه برفقة والده إلى زيارة العتبات المقدسة،
وحضر في درس الشيخ الوحيد البهبهاني. وتوجه إلى العراق مرة أخرى في
عام 1212 ه‍، وتلمذ قليلا في النجف عند السيد بحر العلوم وثم عند الشيخ
جعفر كاشف الغطاء وفي كربلاء عند الميرزا مهدي الشهرستاني والسيد علي
الكربلائي " 1.
وسجل في " مقدمة قرة العيون " 2 تاريخ هذه الزيارة بعام 1210 ه‍، لكن
القرائن تشير إلى أن التأريخين غير صحيحين.
أما الرحلة الأولى التي ذكر تاريخها بعام 1205 ه‍، فيتبين مثلما ذكر المرحوم
النراقي نفسه في كتاب " الخزائن "، أنها كانت رحلة للزيارة فحسب. قال:
" قد تشرفت مع الوالد الماجد، طود العلم والتحقيق - رحمة الله عليه - بزيارة
العتبات العاليات في سنة خمس ومائتين بعد الألف من الهجرة النبوية، وإذ
رجعنا من المشهدين المشرفين النجف وكربلاء إلى مقابر قريش 3 ومكثنا فيها
أياما، فأرسل قاضي بغداد الذي تولى قضاه في هذه السنة - وجاء من
القسطنطنية - إلى والدي بلغزين من نتائج طبعه... " 4.
وما يقال: أنه كان يحضر مع والده حلقة درس الوحيد البهبهاني، فكما نقله
تلميذه محمد شفيع الچاپلقي من فم أستاذه، أن حضوره في حلقة درس البهبهاني
لم تكن على أساس التتلمذ. قال:
" وسمعت منه - رحمه الله -: أنه حضر مجلس آقا محمد باقر البهبهاني... مع

(1) مكارم الآثار 4: 1236.
(2) مقدمة قرة العيون: 24.
(3) مقابر قريش: الكاظمين. " لغت نامه دهخدا " 11: 15900. الطبعة الثانية.
(4) الخزائن: 243.
مقدمة التحقيق 37

والده وجماعة من العلماء الأعلام من تلامذته تيمنا وتبركا " 1.
وأما عن السنة الثانية، أي عام 1212 ه‍، فلم نجد من يذكرها غير كتاب
" مكارم الآثار " وأشار إليه في " روضات الجنات " و " أعيان الشيعة ". قال في
" الروضات ":
" ويظهر من تضاعيف كتابه المذكور [الخزائن] أنه رحمه الله في عين سنة
جلوس فتح علي شاه المغفور سافر إلى زيارة أئمة العراق عليهم السلام. وأنه
استسعد قبل ذلك أيضا بشرف زيارتهم في حدود سنة خمس ومائتين بعد
الألف " 2.
وقال السيد الأمين في " أعيان الشيعة ":
" ثم تشرف بزيارتهم أيضا سنة 1212 ه‍ " 3.
فكما هو معلوم فإن السفر إن تم لم يكن سفرا لتحصيل العلوم، بل كان سفر
زيارة وسياحة، لأنه على فرض كونه سفرا لتحصيل العلوم، فهذا يتناقض وعام
وفاة أستاذه بحر العلوم الواقع في عام (1212 ه‍). هذا أولا، ومن ثم هناك شك
في وقوع أصل السفر ثانيا ذلك أن النراقي ذكر في كتابه " الخزائن " تاريخ السفرتين
تحديدا وهما: أولا عام 1205 وبمعية والده. وثانيا عام 1210 ه‍، حيث توجه إلى حج بيت الله الحرام.
وأما عام 1210 ه‍ الوارد في مقدمة " قرة العيون "، فهو أيضا مرفوض، ذلك
أن المولى أحمد نفسه قد صرح في موضعين من كتابه " الخزائن " بأن تشرفه إلى
العراق كان بقصد الزيارة.
قال في موضع منه بالفارسية ما هذا ترجمته:
" وصلت في عام 1210 ه‍ بغداد في طريقي إلى حج بيت الله الحرام وقضيت

(1) الروضة البهية في الإجازة الشفيعية: 18.
(2) روضات الجنات 1: 97.
(3) أعيان الشيعة 13: 184.
مقدمة التحقيق 38

عدة أيام في بقعة الكاظمين (ع) المباركة توقفنا هناك أجل الاجتماع " 1.
ثم يحكي معجزة غريبة لمن كان بها من الأئمة الطاهرين عليهم السلام. وفي
موضع آخر يقول:
" حاج الحرمين الشريفين الحاج جواد الصباغ... عند ما هممت لحج بيت الله
الحرام التوجه إلى تلك الديار في عام 1210 ه‍... مررنا ب‍ " سر من رأى "
للزيارة، كان هو [الحاج الصباغ] قبلنا هناك، حكى... " 2.
ثم يروي عنه معجزة غريبة لمن كان بها من الأئمة الطاهرين عليهم السلام.
والمحصلة: أن أيا من السفرتين لم تكونا من أجل تحصيل العلوم.
ويمكن أن يقال، كما ترشدنا الشواهد والقرائن، ويستفاد من ظاهر كلام
الطهراني في الطبقات: أن فترة تحصيل النراقي في حوزة النجف الأشرف كانت في
الفترة المحصورة بين العام 1205 ه‍ و 1209 ه‍، ذلك أنه بعد وفاة والده لم تسنح له
فرصة للهجرة إلى العراق من أجل تحصيل المزيد من العلوم. قال طاب ثراه:
" ونشأ بها على أبيه البطل العظيم والحبر الكبير، فدرس مقدمات العلوم وأخذ
بالقراءة على والده مدة، ثم هاجر إلى العراق فحضر في النجف على السيد
مهدي بحر العلوم... ثم عاد إلى نراق فانتهت إليه الرئاسة بعد وفاة والده في
1209 ه‍ وحصلت له المرجعية " 3.
أساتذته
وقد تبين مما ذكرنا: أنه تلمذ أولا على أبيه المفضال المولى محمد مهدي
النراقي، وكان عمدة تحصيله عنده، ثم هاجر إلى العراق فحضر في النجف على
السيد محمد مهدي بحر العلوم (م 1212 ه‍) فاستفاد منه من فوائده في مدة قليلة

(1) الخزائن: 292.
(2) الخزائن: 392.
(3) الكرام البررة 1: 116.
مقدمة التحقيق 39

من الأيام ما يستفيده الأذكياء الأعلام في مدة كثيرة من الأعوام 1.
وأما تتلمذه عند غيرهما من الأساطين ك‍ " آقا باقر البهبهاني، والشيخ جعفر
النجفي كاشف الغطاء، والسيد الميرزا مهدي الشهرستاني، والسيد علي
الكربلائي صاحب الرياض - كما في بعض المصادر 2 - فغير صحيح، ذلك أنه إذا
كان هذا الرأي صحيحا لكان النراقي قد أشار إلى ذلك في كتبه وإجازاته وصرح به
عينا مثلما ذكر أبوه وبحر العلوم، يضاف إلى ذلك أنه صرح خلاف ذلك في
مواطن كثيرة.
لقد شاهدنا في مصدرتين لإجازاته الفصل بين كلمتي أساتذته ومشايخه في
الإجازة. فقد عبر عن والده وبحر العلوم بلفظ " الأستاذ " و " استادي " وعن غيرهما
بلفظ " الشيخ " و " شيخي " 3.
وكذلك في كتبه، فإنه - قدس سره - كثيرا ما ينقل آراء أساتذته ومشايخه
خصوصا في " مناهج الأحكام " و " عوائد الأيام " و " مستند الشيعة " ويفرق بينهما،
فيعبر عن بحر العلوم ب‍ " سيدنا الأستاذ " وعن غيره ب‍ " بعض مشايخنا " و " بعض
مشايخنا المعاصرين " 4. وعن المحقق البهبهاني ب‍ " بعض مشايخ الوالد " و " بعض
مشايخنا المحققين " 5. وقد صرح في كتاب " الخزائن " بأن الشيخ جعفر النجفي كان
من مشايخ إجازته، قال بالفارسية ما هذا ترجمته:
" تشرفنا بمرافقة سماحة الشيخ الجليل الشيخ محمد جعفر النجفي قدس سره
الزكي - وهو من المشايخ الذين أجازوني - لزيارة مرقد العسكريين والسرداب

(1) الروضة البهية: 17، لباب الألقاب: 94، روضات الجنات 1: 97، تاريخ كاشان: 282 - 283.
(2) راجع: الكرام البررة 1: 116، أعيان الشيعة 13: 184، قصص العلماء: 129، مكارم الآثار
4: 1235، ريحانة الأدب 6: 160، نجوم السماء: 344، وغيرها.
(3) راجع: زندگانى وشخصيت شيخ انصارى: 120 - 130، وإجازة النراقي إلى أخيه محمد مهدي
النراقي.
(4) راجع على سبيل المثال عوائد الأيام عائدة (8) في البيع الغرري، وعائدة (53) في بيان معنى السفيه،
وعائدة (63).
(5) عوائد الأيام، عائدة (24).
مقدمة التحقيق 40

المقدس بسر من رأى... " 1.
ويؤيد ما أوردناه كلام تلميذه السيد محمد شفيع الچاپلقي في " الروضة
البهية "، والمولى حبيب الله الشريف الكاشاني في " لباب الألقاب "، ومؤلف
" تاريخ كاشان ".
قال في " الروضة البهية ":
" وقرأ بعد والده على بحر العلوم... قليلا، وسمعت منه - رحمه الله - أنه
حضر مجلس آقا محمد باقر البهبهاني... مع والده وجماعة من العلماء
الأعلام من تلامذته تيمنا وتبركا " 2.
وقال في " لباب الألقاب ":
وقد تلمذ هو - قدس سره - أولا عند والده المعظم وكان عمدة تحصيله عنده،
ثم عند المولى الجليل المهتدي السيد مهدي المشهور ب‍ " بحر العلوم " 3.
وقال في " تاريخ كاشان ":
كان جل تحصيله للعلوم عند والده الماجد وبعد ذلك عند السيد الأجل الآقا
سيد مهدي الطباطبائي الملقب ب‍ " بحر العلوم " 4.
والمحصلة: أنه لم يتلمذ عند أحد غير والده وبحر العلوم، بل كان صديقا لهم،
ويروي عنهم بالإجازة. وقد لقي البعض منهم خلال أسفاره إلى العتبات.
مشايخه
وقد تعين كما مر بنا في الفصل السابق أن النراقي - رحمه الله - كان قد أجيز
من خمسة من فحول الفقهاء وهم:
1 - والده المولى محمد مهدي النراقي (م 1209 ه‍) الملقب ب‍ " المحقق النراقي "

(1) الخزائن: 391.
(2) الروضة البهية: 18.
(3) لباب الألقاب: 94.
(4) تاريخ كاشان: 282 - 283.
مقدمة التحقيق 41

و " العلامة النراقي ".
2 - المولى الجليل المهتدي السيد محمد مهدي بحر العلوم (م 1212 ه‍). يعبر
عنه في " العوائد " ب‍ " السيد الأستاذ " و " بعض سادة مشايخنا " 1، وفي إجازته إلى
أخيه قال:
" استادي الأعظم وشيخي المعظم... الإمام العالم العابد الزاهد الألمعي
اللوذعي الأوحدي، شيخنا وأستاذنا السيد محمد مهدي بن السيد مرتضى
الطباطبائي ".
3 - السيد السند السيد علي الطباطبائي صاحب " الرياض " (1161 - 1231 ه‍) بن
أخت المحقق البهبهاني وصهره، يعبر عنه في العوائد ب‍ " بعض مشايخنا " و
" بعض مشايخنا المعاصرين ". قال في إجازته المتقدمة:
" شيخي العالم العلم العلامة والمجتهد الكامل الفهامة، قدوة المجتهدين وشمس
فلك المعالي والفقه والدين، وحيد عصره وفريد دهره، البارع الألمعي،
السيد السند المعتمد السيد علي بن محمد علي، ابن أخت الفاضل البهبهاني ".
4 - السيد الجليل الميرزا مهدي الموسوي الشهرستاني (م 1216 ه‍). قال في
إجازته المتقدمة:
" الشيخ النبيه والعالم الفقيه، السيد الجليل والمحدث النبيل، العالم العامل
والفاضل الكامل، ذو الأخلاق الرضية والأوصاف المرضية، كهف الأنام
ومرجع الخاص والعام الميرزا محمد مهدي بن أبي القاسم الموسوي
الشهرستاني ".
5 - الشيخ محمد جعفر النجفي الملقب ب‍ " كاشف الغطاء " (م 1228 ه‍). قال
في إجازته المتقدمة:
" شيخ مشايخ عصره وأوحد فقهاء دهره، المجتهد الكامل والبارع الفاضل،

(1) راجع نفس الكتاب، ص 188، 195، 197، 298، 304، 593، 684، 700، 702، 720،
795.
مقدمة التحقيق 42

الشيخ الأعظم والبحر المعظم الأجل الأكمل الشيخ محمد جعفر النجفي ".
وكان مجازا عن الآقا محمد باقر البهبهاني بالإجازة عن والده ومشايخه. وله
الرواية أيضا عن أبيه، عن الشيخ يوسف البحراني وسائر مشايخ والده عن طرقهم
المتصلة عن العلامة المجلسي صاحب " بحار الأنوار " رحمة الله تعالى عليهم
أجمعين.
تلامذته
لقد بر زمن بين الطلبة الذين تلمذوا على يد المولى أحمد النراقي جمع من
العلماء الأعلام، بل ومن مشاهير علماء الطائفة.
أولهم وأشهرهم: خاتم الفقهاء والمجتهدين الشيخ مرتضى الأنصاري
(م 1281 ه‍)، تلمذ عنده قرابة أربع سنوات ابتداءا من سنة 1241 إلى 1244 ه‍،
وله إجازة مفصلة عن أستاذه، ذكر فيها طرق أخذه إلى الأئمة الطاهرين عليهم
السلام. وكتب في آخرها:
" حرر ذلك بيمناه الداثرة - أوتي بها كتابه في الآخرة - أحمد بن محمد مهدي بن
أبي ذر النراقي أصلا، الكاشاني مسكنا، في شهر شوال المكرم من شهور سند
أربع وأربعين بعد المائتين والألف من الهجرة على هاجرها السلام والتحية " 1.
وقد عبر عنه تلميذه الشيخ في موارد كثيرة ب‍ " بعض مشايخنا " 2 و " بعض
مشايخنا المعاصرين " 3.
الثاني: أخيه محمد مهدي بن محمد مهدي النراقي (1209 - 1286 ه‍)
المقلب ب‍ " آقا بزرگ " 4. سمي باسم والده لأنه ولده بعد وفاته في سنة (1209 ه‍).

(1) زندگاني وشخصيت شيخ انصارى: 30.
(2) احكام الخلل: 40، 136، كتاب الخمس: 40، 41، 282، كتاب الزكاة: 56.
(3) أحكام الخلل: 42، 72، 111، 118، 190، 227، 242، كتاب الخمس: 33، 127، 133،
كتاب الزكاة: 172، الحاشية على استصحاب القوانين: 80، 115، 164، 203.
(4) لباب الألقاب: 105، وراجع أيضا: تاريخ كاشان: 285، مكارم الآثار 2: 360.
مقدمة التحقيق 43

وصفة الآقا المولى حبيب الله شريف الكاشاني بقوله:
" كان عيلوما مفضالا وفقيها نبيها ومجتهدا جوادا بذالا، جامعا لشرائط
الفتوى والاجتهاد، حاويا لمراتب حسن الأخلاق والسداد...، كان يعرف
أولا - لكونه أصغر ولد المحقق النراقي - ب‍ " آقا كوچك " ثم لقبه السلطان ب‍ " آقا
بزرگ ". وله إجازة مفصلة عن أستاذه وأخيه، كتبها في أواخر شهر ذي الحجة
الحرام سنة 1244 ه‍. وله مؤلفات في الفقه والأصول، منها كتاب: " تنقيح
الأصول " في مجلدين، و " شرح الإرشاد " المعنون ب‍ " المقاصد العلية " 1.
الثالث: السيد محمد شفيع الحسيني الچاپلقي البروجردي (م 1280 ه‍)
صاحب " الروضة البهية في الإجازات الشفيعية " وكان مجازا عنه. قال في الروضة:
" قرأنا عليه أربعة أشهر أو خمسة، كتاب " مفتاح الأصول " له، و " المناهج "
له " 2.
الرابع: الأديب العالم العلام المؤتمن المولى محمد حسن الجاسبي 3، وله
قصيدة في رثاء أستاذه، سنوردها في حينها إن شاء الله.
الخامس: ولده المحقق الحاج المولى محمد (1215 - 1297 ه‍) الملقب
ب‍ " عبد الصاحب " والمعروف ب‍ " حجة الإسلام " سهر المحقق القمي 4. له كتاب
" مشارق الأحكام " في الفقه، طبع في طهران سنة (1294 ه‍)، و " أنوار التوحيد "،
طبع في إيران سنة 1284 ه‍) على الحجر بقطع الجيب، وطبع معه شرح حديث
رأس الجالوت له.
قال صاحب لباب الألقاب:
" وقد عاصرناه وتشرفنا بخدمته. كان عالما فاضلا فطينا جامعا للمعقول
والمنقول، رئيسا على علماء كاشان، معروف بحجة الإسلام في البلدان،

(1) لباب الألقاب: 106، ريحانة الأدب 2: 365.
(2) الروضة البهية: 16، وراجع أيضا: طرائف المقال 2: 369.
(3) الكرام البررة 2: 297، مكارم الآثار 4: 1240، لباب الألقاب: 96.
(4) ريحانة الأدب 6: 163، مكارم الآثار 2: 555، وج 4: 1240، تاريخ كاشان: 283.
مقدمة التحقيق 44

وكان متوليا على المدرسة السلطانية التي بناها السلطان فتح علي شاه في
كاشان. وكان مجازا عن والده المعظم... ومن مصنفاته: كتاب " مشارق
الأحكام "، وهو في جملة من القواعد الفقهية المهمة، وكتاب " المراصد " في
مهمات المسائل الأصولية، وكتاب " أنوار التوحيد " في الكلام " 1.
السادس: أخيه العالم الفاضل الحاج الميرزا أبو القاسم الكاشاني (م 1256 ه‍)،
حيث أجيز عنه 2.
وقد تلمذت على يديه مجموعة أخرى من الأعلام، لا يسعنا المقال لإيرادهم
جميعا. وقد ذكر الأستاذ على أكبر الغفاري في مقدمته على كتاب " الخزائن ": " أن
المتوارد عن صور إجازاته أنها تتعدى العشرين، وهي موجودة بخطه الشريف أو
بخط أصحاب الإجازات عند الفاضل المعاصر حسن النراقي " 3.
وكان رحمة الله عليه في سلسلة مشايخ كثير من المتأخرين من طريق تلامذته
خاصة خاتم الفقهاء والمجتهدين الشيخ مرتضى الأنصاري، منهم لمحدث النوري
صاحب " مستدرك الوسائل " 4، وقائد الثورة الإسلامية ومؤسس الجمهورية
الإسلامية الإيرانية الإمام الخميني 5، والمرحوم آية الله العظمى المرعشي
النجفي 6 قدس الله أسرارهم.
مكانته العلمية والاجتماعية
لقد تميز الفاضل النراقي بموسوعية المعرفية، وحظي بمكانة علمية واجتماعية
ممتازة، فقد كان جامعا لأكثر العلوم والفنون، فنراه عالما في الأصول والفقه

(1) لباب الألقاب: 23 - 24.
(2) لباب الألقاب: 104، مكارم الآثار 2: 364، وج 5: 1522.
(3) الخزائن: 5.
(4) مستدرك الوسائل 3: 383.
(5) الأربعون حديثا: 3.
(6) الإجازات الكبيرة: 315، 320، 321.
مقدمة التحقيق 45

والحديث والرجال والدراية والرياضيات والنجوم والحكمة والكلام والآداب
والأخلاق، بالإضافة إلى كونه أديبا وشاعرا بليغا باللغة الفارسية. حيث يتجلى
ذلك من خلال تأليفاته الكثيرة. فلقد أتاحت له نشأته في الأوساط العلمية فرص
التعلم المبكر، ووطرت له عقليته الكبيرة وذكاؤوه الوقاد، القدرة على استيعاب
العلوم المتعددة بسهولة، وارتقى سلم العلم حدا يكاد معه أن يعد من علماء الطراز
الأول للقرن الثالث عشر الهجري.
ومن المعروف أن الفاضل النراقي قلما تلمذ عند أحد، لكن محققي العلوم
الإسلامية يجمعون على أنه كان يخوض وبقوة محيرة غمار التحقيق والتتبع
العلمي، النابع من فهمه ودركه الإشراقي والإلهي، وهو في ذلك بلغ أعلى
المراتب العلمية ووصل إلى القمم الرفيعة في العلم والمعرفة.
وهيأت له مكانته العلمية والاجتماعية أن يرقى سلم المرجعية والرئاسة في أيام
الشباب فأصبح زعيما في الدين والدنيا، مرجوعا إليه في الفتاوى والأحكام.
وأفضل شاهد على ما نقوله في هذا المجال أقوال المترجمين من معاصريه ومن
خلفهم من علاء الإسلام، فقد نعت بأفضل النعوت والعبارات، وتحدثوا عن
كمالاته وفضائله العلمية وزهده وصدقه ومكانته الاجتماعية. وإليكم جانبا من
النعوت التي ساقها كبار العلماء في حقه.
قال تلميذه السيد محمد شفيع الحسيني الچاپلقي البروجردي في وصفه:
" الفاضل العالم المحقق المدقق الماهر، والبحر الزاخر الفائق على الأوائل
والأواخر، والجامع بين المعقول والمنقول، ذو يد طويلة في علوم كثيرة،
شيخنا وأستادنا الحاج المولى أحمد بن محمد مهدي النراقي أصلا والكاشاني
مسكنا، وهذا الشيخ كان رئيسا في الدين والدنيا، مرجوعا إليه في الفتاوى
والأحكام " 1.

(1) الروضة البهية في الإجازات الشفيعية: 16.
مقدمة التحقيق 46

وقال أخوه وتلميذه الحاج المولى محمد مهدي النراقي الملقب ب‍ " آقا بزرگ "
في إجازته للمولى علي مدد الساوجي:
" الأستاد الأعلم والشيخ المعظم، البحر المتلاطم الأمواج، الذي ملأ ذكر
مفاخره جميع الفجاج، عمدة الفقهاء الكرام وزبدة العلماء الفخام " 1.
ووصفه صاحب " لباب الألقاب " بقوله:
" الفاضل المؤيد الحاج المولى أحمد النراقي نجل المحقق النراقي... وهو كوالده
القمقام من مشاهير علماء الإسلام ومعاريف الفقهاء الأعلام، بل كان
أعلمهم وأفقههم وأفضلهم وأتقنهم في عصره وأشهرهم في دهره،
والفاضل النراقي بإطلاقه منصرف إليه " 2.
وقال صاحب الروضات في ترجمته:
" فحل الفحول وفخر أهل المعقول والمنقول، العارج إلى ذروة معارج الرفعة
والتراقي، الحاج مولانا أحمد بن مهدي بن أبي ذر الكاشاني النراقي، كان
بحرا مواجا ويما عجاجا وأستاذا ماهرا وعمادا كابرا وأديبا شاعرا من كبراء
الدين وعظماء المجتهدين، وقد صار بالعلم مليا وأوتي الحكم صبيا. وكان له
جامعية لأكثر العلوم، وخصوصا الأصول والفقه والرياضيات والنجوم.
وكان رجلا كبيرا، عظيم الجثة والمنزلة، بطينا مبتدنا في الغاية، وقورا غيورا،
صاحب شفقة على الرعية والضعفاء، وهمة عالية في كفاية مؤنهم وتحمل
أعبائهم وزحماتهم " 3.
وقال الشيخ آقا بزرگ الطهراني طاب ثراه:
" هو الشيخ المولى أحمد بن المولى محمد مهدي بن أبي ذر النراقي الكاشاني،
عالم كبير وفقيه بارع ومصنف جليل، وجامع متبحر ورئيس مطاع. وكان

(1) لباب الألقاب: 175
(2) المصدر: 94.
(3) روضات الجنات 1: 95.
مقدمة التحقيق 47

رحمه الله من الصلحاء الأتقياء والأبرار الأخيار، عطوفا على الفقراء، شفيقا
على الضعفاء، ساعيا في قضاء الحوائج، باذلا جهده في إنجاز مطالب
المتحاجين... " 1.
وقال المحدث القمي في الفوائد الرضوية:
" العالم العابد والفاضل الفقيه النبيه والشاعر الأديب، والسراج الوهاج،
والبحر العجاج، فحل الفحول وبحر أهل المعقول والمنقول، العالم الرباني،
الذي يكفي في حقه أن يقال أنه أستاذ الشيخ الأنصاري " 2.
وقال السيد الأمين:
" كان عالما فاضلا جامعا لأكثر العلوم، لا سيما الأصول والفقه والرياضيات،
شاعرا بليغا بالفارسية " 3.
وقال العلامة الميرزا محمد علي المدرس التبريزي بالفارسية ما هذا ترجمته:
" الحاج المولى أحمد بن الحاج المولى مهدي... من فحول علماء الدين وأكابر
المجتهدين الشيعة، فقيه أصولي ومحدث رجالي، نجومي ورياضي، متبحر
في المعقول والمنقول، وأستاذ ماهر، وشاعر بليغ، وزاهد متقي، وهو في
أوصافه الحميدة وأخلاقه الفاضلة مشهور ومعروف، وجامع الكمالات
الصورية والمعنوية، وإضافة إلى العلوم العقلية والنقلية والمتداولة له باع طويل
في الكثير من العلوم " 4.
وقال صاحب " تاريخ كاشان ":
" حضرة أعلم العلماء وأفضل الفضلاء والمجتهدين الحاج المولى أحمد عطر الله
مرقده " 5.

(1) الكرام البررة 1: 116.
(2) الفوائد الرضوية: 410.
(3) أعيان الشيعة 13: 184.
(4) ريحانة الأدب 6: 160.
(5) تاريخ كاشان: 282.
مقدمة التحقيق 48

وقال آية الله الشيخ محمد رضا المظفر:
" هو المولى النراقي... صاحب " مستند الشيعة " المشهور في الفقه،
وصاحب التأليفات الثمينة، أحد أقطاب العلماء في القرن الثالث عشر، وكفاه
فخرا أنه كان أحد أستاذه الشيخ العظيم المولى مرتضى الأنصاري المتوفى
(1281 ه‍). ولعل النراقي الصغير هذا هو من أهم أسباب شهرة والده وذيوع
صيته، لما وطئ عقبه وناف عليه بدقة النظر وجودة التأليف " 1.
وقد نقل الأستاذ العلامة حسن حسن زادة الآملي - حفظه الله - عن العلامة
الطباطبائي - طاب ثراه - صاحب تفسير " الميزان " الكبير أنه قال: " النراقيان [المولى
مهدي النراقي والمولى أحمد النراقي] من كبار علماء الإسلام لم يعرفا حق
معرفتهما " 2.
النراقي المجدد والمبتكر
يعتقد بعض أصحاب التراجم أن التحقيقات والتدقيقات التي قام بها المولى
احمد النراقي - الذي لم يتلمذ على أيدي أساتذة كثيرين وقلما أخذه من دروس
- بالاعتماد على فطنته وذكائه فحسب، لم تتمتع بالقوة والاستحكام الكافيين،
ولذلك أمروا بأخذ العلوم من أفواه الرجال لا من الصحف، وقالوا: من أخذه من
الكتب لم يأمن من التصحيف والتحريف 3.
وفي رده على مثل هذا النظرية يقول صاحب " لباب الألقاب ":
" فيا عجبا من قوم يزعمون أنه لم يحضر مجلس الأوستاد، كيف؟ وهو نفسه
كان من الأوتاد، مع أن الأوستاد في الحقيقة هو الفطانة الثاقبة والسليقة
المستقيمة الوقادة مع التحصيل التام بسهر الليالي والتعب في الأيام مع التتبع

(1) مقدمة جامع السعادات: 5.
(2) مقدمة أنيس الموحدين: 14.
(3) قصص العلماء: 132، أعيان الشيعة 13: 184.
مقدمة التحقيق 49

في كتب الأعلام، والدقة والتأمل في فهم تحقيقات العلماء العظام ". وهو بعد
أن يعدد اشتغالات النراقي المختلفة يقول: " كان كثير التصنيف في كل فن من
الفنون على التحقيق الرشيق والتدقيق والأنيق بحيث لم يسبق إلى تحقيقاته سابق
ولم يلحقه لاحق، ومن ذلك فضله قد اشتهر وفشا، وذلك فضل الله يؤتيه من
يشاء، والله ذو الفضل العظيم. وأما من تأخر عنه وإن فاق في الأصول جميع
ما فاق واشتهر ذكره في الآفاق، إلا أن همه كان هما واحدا، وفنه كان فنا
واحدا. ومن الواضح الذي لا يحتاج إلى البرهان أن ذا الفنون لا يمكنه الإتيان
بما يأتيه ذو الفن الواحد في فنه من البحث والبيان، ولا سيما إذا انحصر همه
فيه، ولم يشوش خاطره بكدورات أبناء الزمان ومخالطة الإخوان " 1.
رغم أن شيخنا المترجم عاصر كبار الفقهاء المشهورين فقد امتاز بشخصيته
العلمية والاجتماعية. إن اشتغال النراقي بالأمور الاجتماعية والسياسية وسعيه إلى
طرح المباحث الفقهية الجديدة بشكل تتوافق والمسائل المستحدثة وما في ذلك من
حل لمشكلات المسلمين، جعل منه فقيها عالما بزمانه، مجددا مبتكرا. وعبر إدراك
عميق لحقائق عصره، وتحقيق ومتابعة موسعة في المصادر الإسلامية والاستفادة من
آراء خبراء العلوم المختلفة، في مجال التنقيح وإيضاح المباحث الجديدة، أرسى
دعائم أسس ظلت خالدة، وفتح أمامه أفاقا رحبة وجديدة. وقدم ابتكاراتا كثيرة،
ميزته عما سواه من الفقهاء السابقين والمعاصرين له، ومن جملة ابتكاراته تأليف
كتاب " عوائد الأيام " هذا الذي بين يديك.
وإن الكثير من مباحث كتاب " عوائد الأيام " من ابتكارات مؤلفه، وهي غير
موجودة بصورتها الواردة في أي أثر سالف فقد عنى في هذا الكتاب إلى التحقيق
في مسائل عد الاطلاع عليها واجبا ولزاما على كل فقيه، وإن مكانها كان خاليا في
الكتب السالفة، وما مبحث ولاية الفقيه إلا واحدا من المباحث التي ابتكرها
النراقي. على أن فقهاء السلف تطرقوا بشكل جزئي ومحدود إلى مسألة ولاية

(1) لباب الألقاب: 95.
مقدمة التحقيق 50

الفقيه في أمور الحسبة وصرف موارد الزكاة والخمس لكن النراقي كان أول فقيه
جمع بين فقه الحكومة في الإسلام ومباحث ولاية الفقيه، وبحث هذا الموضوع
بشكل مفصل ومنسجم ومتقن في باب منفصل.
علاقة النراقي بحكومة عصره
كانت حقبة حكم القاجاريين، خاصة فتح علي شاه القاجاري واحدة من أكثر
الفترات حساسية وأكثرها إثارة في التاريخ الإيراني. منها وقوع حربين كبيرتين بين
إيران وروسيا في عامي 1222 و 1241 ه‍ أدت بالنهاية إلى توقيع اتفاقيتين
عار، هما: " اتفاقية گلستان " و " تركمان چاي "، وكانت من أكثر الأحداث الواقعة
في النصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري مدارة للإسلام وللشعب الإيراني.
فقد اعتلى فتح علي شاه القاجاري السلطنة بعد قتل محمد خان القاجاري في
عام 1212 ه‍ 1. وقد حاول فتح علي شاه ونظرا للإيمان الديني لعامة المجتمع ومن
باب المصلحة وضرورات الفترة، حاول استرضاء العلماء ودعمهم، ليعود ذلك
بالشرعية على حكومته، ويرسي دعائم نظامه وسلطانه. فهو عندما أراد الجلوس
على عرش السلطان، استجاز من الشيخ جعفر النجفي المعروف ب‍ " كاشف الغطاء "
الذي كان أكبر فقهاء عصره، وقد صنف المرحوم كاشف الغطاء كتاب " كشف
الغطاء " نزولا عند رغبة السلطان. وبعده انعطف توجه عامة الناس ومنهم السلطان
إلى الحاج المولى أحمد النراقي والذي كان أكبر شخصية علمائية ومرجعية للشيعة
في إيران، إلى درجة وصلت بالسلطان أن يطلب وتحت لواء أنه يقلد النراقي
ويرجع إليه في المسائل الدينية، أن يحرر له رسالة خاصة تتضمن حدود الوظائف
الشرعية لشخص السلطان، ونزولا من النراقي عند رغبة السلطان حرر رسالة
" وسيلة النجاة " في مجلدين وأهداها إليه. كذلك قام النراقي ونزولا عند رغبة

(1) أشار النراقي في كتابه " الخزائن ": 14 - 15 إلى حادث اغتيال محمد خان القاجاري والأحداث التي
أعقبت ذلك، بدءا بحكومة فتح علي شاه.
مقدمة التحقيق 51

السلطان أيضا بترجمة كتاب " جامع السعادات " الأخلاقي لوالده العلامة المولى
محمد مهدي النراقي إلى اللغة الفارسية، وطرحه تحت عنوان " معراج السعادة "
وأهداه إلى السلطان أيضا " 1.
دور النراقي في الجهاد الوطني الإسلامي ضد روسيا القيصرية
بعد الهزيمة التي منيت بها إيران في الجولة الأولى من الحرب بينها وروسيا في
الفترة من عام 1219 وحتى 1228 ه‍ واحتلال الروس لعدد من الولايات
والمناطق الإيرانية، ونتيجة لسوء معاملة الروس والمظالم التي ارتكبوها مع السكان
المسلمين في تلك النواحي، فقد توقدت جذوة الانتقام في قلوب أبناء الشعب،
وقد دعا الشعب وعلى رأسهم العلماء إلى تعبئة عامة وإعلان الحرب ضد الروس.
يقول مؤلف كتاب " التاريخ السياسي والدبلوماسي الإيراني ":
" ارتفعت حدة الغليان الشعبي ضد الروس إلى أعلى درجة تذكر، فقد دعا
أبناء الشعب والعلماء وأغلب المسؤولين إلى إعلان الحرب ضد الحكومة
الروسية، وفي تاريخ الخامس من ذي الحجة عام 1241 ه‍ دخل السيد محمد
المجتهد [السيد محمد المجاهد] بمعية مائة من العلماء، السلطانية. وقامت
مجموعة أخرى من الأهالي بزعامة المولى أحمد النراقي بالتوجه إلى فتح علي
شاه وتظاهروا أمامه " 2.
يقول محمد تقي سپهر المعروف ب‍ " لسان الملك " في كتاب " ناسخ التواريخ ":
" دخل إلى مقر الفرقة في يوم الجمعة المصادف للسابع عشر من ذي
القعدة، السيد محمد والحاج المولى محمد جعفر الأستر آبادي والسيد
نصر الله الأستر آبادي والحاج السيد محمد تقي القزويني والسيد عزيز الله
طالش وعدد آخر من العلماء والفضلاء، وقد تم استقبالهم من قبل أمراء

(1) معراج السعادة: 12.
(2) تاريخ سياسي وديپلماسى إيران: 211.
مقدمة التحقيق 52

الجيش، وفي يوم السبت الموافق للثامن عشر ورد حضرة الحاج المولى أحمد
النراقي الكاشاني الذي علت فضيلته على جميع علماء الشيعة الاثنا عشرية
بمعية الحاج المولى عبد الوهاب القزويني وجمع من العلماء والحاج المولى
محمد بن الحاج المولى أحمد، والذي يعد بدوره قدوة المجتهدين أيضا. وقد
وقف جميع الأمراء والأعيان في صفوف مستقبلي الوفد، ورافقوا النراقي
مكبرين مهللين إلى أن أنزلوا الوفد في دار ضيافة جليل. وقد أصدر هؤلاء
المجتهدين الذين كانوا بمثابة اتحاد، أصدروا فتوى جماعية، جاء فيها أن من
يتقاعس عن جهاد الروس يعد كمن عصى الله وتبع الشيطان " 1.
وكتب خبير الشؤون الإيرانية، الكاتب الفرنسي " ژول بونو " حول حروب
فتح علي شاه القاجاري مع الحكومة القيصرية في روسيا يقول:
" لقد أصدر الحاج المولى أحمد النراقي الذي كان يعد مرجعا للتقليد ويطلق
عليه لقب آية الله، أصدر مع جماعة أخرى من العلماء فتوى جهاد ". ويعقب
(بونو) بالقول: " قال الميرزا عبد الوهاب خان الملقب ب‍ " معتمد
الدولة " والذي كان يعارض الحرب، قال للحاج المولى أحمد: بما أنكم مرجعا للتقليد ولكم
كلمتكم النافذة، امنعوا صدور فتوى الجهاد ليتبعكم الآخرون ويمتنعوا من
إصدار فتوى الجهاد. لكن الحاج المولى أحمد النراقي لم يرضخ لذلك وقال
بالاستناد إلى آية من سورة البقرة: عند ما يهاجم كافر مسلما فإن الواجب
يدعو المسلمين كافة للدفاع عنه ومواصلة الحرب مع الكافر حتى رفع
مزاحمته عن المسلمين " 2.
على أية حال ففي بداية الحرب استعاد الإيرانيون وإثر المواعظ والخطابات
الحماسية التي أطلقها العلماء الحاضرون في المخيمات وميدان الحرب، جميع

(1) ناسخ التواريخ 1: 358 - 359.
(2) (مجله خواندنيها): العدد 74 السنة الحادية والثلاثون عام 1350 ه‍ ش. اختصارا عن " مثنوى
طاقديس "، ص 17. والآية: [وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله...] البقرة: 193.
مقدمة التحقيق 53

المناطق والمدن التي خسروها في حربهم الأولى مع الروس، لكن هذا الانتظار
لم يدم طويلا، فقد آل ضعف القيادة العسكرية وعدم كفاءتها ونقص التجهيزات
والمعدات - الأمر الخارج عن حدود واختيارات العلماء - إلى تراجع الإيرانيين،
وإخلاء مدينة تبريز من أهاليها. واضطروا في النهاية إلى الرضوخ إلى سلام
مفروض وتوقيع معاهدة (تركمان چاى) التي عدت وصمة عار.
آثاره العلمية
رغم المشاغل الكثيرة للنراقي في الأمور السياسية والاجتماعية وتصديه لمقام
الرئاسة والمرجعية، ترك النراقي آثارا قيمة في الكثير من العلوم والفنون، سيما في
الفقه والأصول، تدل فيما تدل على موسوعيته المعرفية وقابليته في التأليف
والتصنيف وصبره على البحث والتتبع. وتأليفاته في العموم قيمة نافعة، كان
الكثير منها ولا يزال المورد الصافي لإفادة العلماء والمحققين.
وقد سمعنا عن الأستاذ المحقق السيد عبد العزيز الطباطبائي 1 - رحمة الله
عليه - قوله: " لقد كانت عند الفقيه العظيم السيد محمد كاظم اليزدي صاحب
" العروة الوثقى " ثلاثة كتب فقهية ما تزال موردا لاستفادته ومراجعته، أحدها كتاب
" مستند الشيعة " للنراقي ".
سنحاول وعبر الاستفادة من مصادر ومخطوطات المرحوم النراقي التعريف
بآثاره، فنذكر أولا ما كتبه نفسه بخطه من مؤلفاته إلى عام 1236 ه‍. وقد ذكر في
إجازته لأخيه المولى محمد مهدي النراقي الثاني " هي تقرب من عشرين مؤلفا ".
1 - " شرح تجريد الأصول " المسمى ب‍ " تنقيح الفصول في شرح تجريد
الأصول " 2. المتن لوالده المولى محمد مهدي النراقي، وصفه في أول المناهج:
بأنه شرح كبير في سبعة مجلدات، مشتملا على جميع ما يتعلق بعلم الأصول. قال

(1) وقد ارتحل إلى جوار رحمت الله في يوم الأحد السابع من شهر رمضان المبارك سنة 1416 ه‍.
(2) هدية العارفين (كشف الظنون): 185 - 186.
مقدمة التحقيق 54

الشيخ آقا بزرگ: " فرغ منه سنة 1222 ه‍ " 1.
2 - " مناهج الأحكام " في الأصول، في مجلدين، تم تأليفه في سنة 1224 ه‍.
وطبع على الحجر في طهران سنة 1269 ه‍. جاء في بعض المصادر بعنوان " مناهج
الأصول " وفي بعضها الآخر بعنوان " مناهج الوصول إلى علم الأصول ".
3 - " عين الأصول " أيضا في الأصول. فرغ من تأليفه في الثلاثاء الخامس
والعشرين من جمادي الآخرة سنة 1208 ه‍. ألفه في أوائل أمره 2.
4 - " أساس الأحكام " في الأصول أيضا، يتضمن أربعة مباحث: 1 - الكلام في
الظن. 2 - الكلام في حجية الأخبار الآحاد. 3 - في نبذة من المباحث المتعلقة
بالألفاظ. 4 - حكم الخبرين المتعارضين، صنفه عام 1217 ه‍.
5 - " مفتاح الأحكام " في الأصول أيضا. ذكره في " لباب الألقاب " بعنوان
" مفتاح الأصول " وقال: " وقد شرحته في سالف الأيام " 3. وقال الشيخ آقا
بزرگ: " مرتب على أبواب ثلاثة: 1 - في أدلة الأحكام. 2 - في ما نحتاج إليه في
استخراج الأحكام. 3 - في علاج التعارض. ولكل باب مقدمة وخاتمة، فرغ منه
ليلة الخميس الثامن عشر من شهر ربيع المولود 1228 ه‍ " 4.
وقال في موضع آخر: " ولسبطه الميرزا أبي تراب بن أحمد النطنزي
(م 1262 ه‍) حاشية عليه " 5.
6 - " معراج السعادة " في علم الأخلاق، بالفارسية. وهو ترجمة وشرح
ل‍ " جامع السعادات " لأبيه. وقد زاد عليه من عنده. صنفه عام 1226 ه‍.
وقد ذكر في مقدمته أنه ترجمه إلى الفارسية بطلب من فتح علي شاه القاجاري. وقد طبع
أخيرا بتصحيح وتقديم سماحة الشيخ محمد النقدي بقم المقدسة سنة 1413 ه‍.

(1) الذريعة 13: 138 / 463.
(2) الذريعة 15: 367 / 2316.
(3) لباب الألقاب: 95.
4 - الذريعة 21: 315 / 5247.
(5) الذريعة 21: 317.
مقدمة التحقيق 55

7 - " تذكرة الأحباب " رسالة عملية فارسية حرره بعد " خلاصة المسائل ".
8 - " خلاصة المسائل " رسالة عملية فارسية في الطهارة والصلاة. قال الشيخ آقا
بزرگ: "... بخط محمد علي. كتبه سنة (1227 ه‍)، أحال في آخره إلى " تذكرة
الأحباب " له " 1.
9 - " حاشية اكرثاؤذو سيوس ". كتاب " الأكر " تأليف " ثاؤذوسيوس " من
حكماء ورياضي اليوناني. كتبه في ثلاث مقالات. لوالد النراقي كتاب " تحرير
الاكرثاؤذوسيوس " ولابنه حاشية على الاكر.
10 - " شرح محصل الهيئة " المتن لوالده. وذكر الشيخ آقا بزرگ شرح آخر له
على رسالة في الحساب لوالده 2. والظاهر أنهما واحدة.
11 - " مستند الشيعة " في أحكام الشريعة، فقه كبير مبسوط في مجلدين
ضخمين المجلد الأول منه في الطهارة والصلاة إلى آخر صلاة المسافر وكان الفراغ
منه ببلدة كاشان في يوم الجمعة عاشر شعبان المعظم من سنة 1234 ه‍. والمجلد
الثاني في الزكاة، والخمس، والصوم، والاعتكاف، والحج، والمكاسب،
والأطعمة والأشربة، والصيد والذباحة، والنكاح، والقضاء، والشهادات
والفرائض. وقد خلى منه سائر مباحث الفقه. وقد فرغ من كتاب الصوم
والاعتكاف سنة 1239 ه‍، ومن كتاب الحج يوم الجمعة عاشر شهر رجب المرجب
سنة 1241 ه‍، ومن كتاب الأطعمة والأشربة في جمادي الأولى سنة 1242 ه‍.
ومن كتاب القضاء والشهادات - وهو آخر ما كتبه قبل وفاته بقليل - ليلة الأحد
الخامس عشر من شهر ربيع المولود سند 1245 ه‍.
وقد طبع في إيران مرتين: أولا: في طهران سنة 1273 - 1274 ه‍ دو نما ترقيم
لصفحاته. وثانيا: في طهران سنة 1325 - 1326. في مجلدين ضم الأول 588
صفحة والثاني 768 صفحة.

(1) الذريعة 26: 290 / 1452.
(2) الذريعة 14: 55 / 1722 و 13: 286 / 1035.
مقدمة التحقيق 56

وقد أقدمت " مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث " في مشهد الرضا
- عليه السلام - أخيرا على طبعه محققا، وقد صدر منه إلى الآن ثلاثة مجلدات.
12: " الخزائن " فارسي وعربي، جعله بمنزلة الختام الزائن لكتاب أبيه الموسوم
ب‍ " مشكلات العلوم ". جمع فيه من كل شئ نفيس، في علوم مختلفة، من الفقه
والحديث والتفسير والتأريخ والأدب والشعر والرياضيات والنجوم... وقد طبع
في سنة 1350 بتصحيح وتحقيق العلمين الأستاذ علي أكبر الغفاري والأستاذ العلامة حسن زادة الآملي حفظهما الله.
13 - " عوائد الأيام " وهو الكتاب الذي بين يديك، سنتطرق إليه تفصيلا في
الفصل الثاني.
14 - " مناسك الحج " كتاب فارسي في أسراره وحكمه الباطنية، وآدابه وأعماله
الظاهرية من الأدعية وبعض الزيارات. وقد طبع على الحجر باسم " أسرار الحج "
عام 1321 ه‍. في 324 صفحة 1.
15 - " كتاب الرسائل والمسائل " ذكره في رسالته بهذا العنوان.
وذكر في كتاب " تاريخ كاشان " بعنوان " كتاب الرسائل والمسائل المهمة " 2.
وقال الشيخ آقا بزرگ:
" الرسائل والمسائل " فارسي في أجوبة المسائل... ينقل فيه عن كتب والده وعن
" كشف الغطاء " لأستاذه. وهو في مجلدين، أولهما في الفروع التي سألها
السلطان فتح علي شاه القاجار وغيره. وثانيهما في بعض المسائل الأصولية
وحل المشكلات. صرح باسم الكتاب في أول المجلد الثاني منه. توجد منه
نسخة تاريخ كتابتها سنة 1130 ه‍ في مكتبة أمير المؤمنين بالنجف " 3.
وتوجد منه نسخة في مكتبة المرحوم آية الله العظمى الگلپايگاني - قدس سره -

(1) فهرست كتابهاى چاپى فارسي خانبابامشار 1: 282 - 284، الذريعة 2: 43.
(2) تاريخ كاشان: 281.
(3) الذريعة 26: 315 / 1584. وتوجد منه نسخة في مكتبة انجمن آثار ملي في كاشان، المرقمة 334.
مقدمة التحقيق 57

المرقمة (1682)، في مجلدين. المجلد الأول (برقم 9 / 25) في الفروعات الفقهية،
حاو لمسائل في باب الطهارة والصلاة والصوم والزكاة والمظالم والحقوق والخمس
والأنفال - بالفارسية - وكتاب الحج بالعربي، تم تحريره سنة 1223 ه‍. ورسالة في
الوقوف الاضطراري بالمشعر سنة 1211 ه‍ ثم كتاب الجهاد والأمر بالمعروف،
والصيد والذباحة، والأطعمة والأشربة، وكتاب الوصية والميراث والوقف وإحياء
الموات والقضاء واللقطة، ويتم بكتاب النكاح والطلاق والعتق. ورسالة في
منجزات المريض سنة 1210 ه‍. ورسالة في الرضاع سنة 1236 ه‍. يختم بسؤال
لميرزا أبو القاسم المجتهد في خصوص وقفية قرية (موحان) من قرى (كزاز). ذكر فيه
بعض تأليفاته مثل: خلاصة المسائل، ووسيلة النجاة، وتذكرة الأحباب.
والمجلد الثاني في أجوبة المسائل المتفرقة غير الفرعية، وحل بعض الإشكالات
الكلامية، ورسالة في أحوال أرواح الأئمة عليهم السلام بعد الموت، وسؤال عن
مدة عمر الدنيا ونجاة اليهود، ورجعة الأئمة بعد الموت بتأريخ 1227 ه‍. ورسالة
في جواب سؤال عن العلم الأزلي والإيرادات الواردة، بتأريخ 1237 ه‍ ورسالة
في شرح حديث جواب علي عليه السلام لليهودي، سأله: كيف ربنا؟. ورسالة
في جواب سؤال حوال حجية الظن في المسائل الاجتهادية، بتأريخ 1230 ه‍.
وغيرها من الأسئلة والأجوبة الكلامية.
16 - " وسيلة النجاة " رسالة عملية كتبها باستدعاء فتح علي شاه القاجار، أورد
فيها الضروريات من الأحكام، في مجلدين. قال في مقدمة المجلد الأول بالفارسية
ما هذا ترجمته: " المجلد الأول في مسائل الطهارة والصلاة والصوم والزكاة والخمس
والحج والجهاد. ولأن الكتاب حرر استجابة لحضرة لازم البشارة... المجاهد في
سبيل الله، الخديوي المتدين، السلطان الشهريار فتح علي شاه القاجار... أسأل الله
أن يفيد ثواب هذا العمل في سجل آثاره الميمون " 1.

(1) المخطوطة لكتاب " وسيلة النجاة ". النسخة الشخصية لحسن النراقي ز مقدمة " مثنوى طاقديس ": 15.
مقدمة التحقيق 58

وفي آخرها الأطعمة والأشربة، والصيد والذباحة.
تم تأليف المجلد الأول منها في السادس والعشرين من شهر رجب المرجب سنة
1225 ه‍.
قال الشيخ آقا بزرگ:
" وسيلة النجاة " رسالتان كبيرة وصغيرة وهما عمليتان فارسيتان. للمولى
أحمد النراقي... كتبه بأمر فتح علي شاه القاجار. وأورد فيهما الضروريات من
الأعمال، في الطهارة والصلاة والصوم والزكاة والخمس والحج. وفي آخرها
الأطعمة والأشربة والصيد والذباحة. منها نسخة موجودة في مكتبة مسجد
سپهسالار، تاريخ كتابتها 1243 ه‍. ثم قال: ورأيت قسم الطهارة من الصغيرة
بخط محمد بن محمد علي القوشابادي في 1235 ه‍ في مكتبة (الطهراني
بكربلاء)، وصرح بها سيدنا الصدر في إجازة كتبها لي وكذا في " التكملة " 1.
وعد في " مكارم الآثار " كتابين فارسي وعربي وقال بالفارسية ما هذا
ترجمته: " له كتابان متحدا الموضوع والمطلب. أحدهما عربي والآخر فارسي.
لا أن الفارسي ترجمة العربي " 2. وهو خطأ قطعا. نعم، له كتاب في مجلدين
ألفه لفتح علي شاه.
17 - " سيف الأمة وبرهان الملة " فارسي في النبوة، كان الفراغ من تأليفه يوم
السبت السابع عشر في شهر صفر سنة 1233 ه‍.
قال في الروضات:
" وكتاب الرد على الفادري النصراني، المورد في هذه الأواخر على دين
الإسلام بالشبهات المشبهة للأمر على العوام. وقد سماه ب‍ " سيف الأمة ".
ونقل فيه عن الكتب السماوية بعيون ألفاظها، ثم ترجمها بالفارسية ورد بها

(1) الذريعة 25: 85 / 2 - 461.
(2) مكارم الآثار ج 4: 1238.
مقدمة التحقيق 59

على الملعون وبسائر الأدلة وحجج باهرة " 1.
وقال الشيخ آقا بزرگ:
" سيف الأمة وبرهان الملة " فارسي في رد الفادري النصراني - هنرى مارتين -
طبع في إيران مرتين في 1267 و 1331. وفي أوله فهرس مبسوط لولد
المصنف المولى محمد بن أحمد المتوفى 1297 ه‍، كتبه بأمر والده المصنف.
فرغ منه... كتبه باسم فتح علي شاه، مرتبا على ثلاثة أبواب... " 2.
وقد نقل فيه: " أنه أقام في شهر جمادي الأولى عام 1211 ه‍. وبعد عودته من
حج بيت الله الحرام، في ليلة الجمعة في مقابر قريش - المعروفة اليوم بالكاظمين -
في روضة الإمامين الهمامين المقدسة: موسى بن جعفر الكاظم ومحمد بن علي
الجواد عليهما السلام، أقام صلاة المغرب والعشاء وتوجه بعدها إلى إيراد التعقيبات
حتى انقضت أربع ساعات من الليل " 3. ثم يحكى معجزة غريبة عنهما.
ذكر خان بابا مشار ثلاثة طبعات للكتاب وقال: " سيف الأمة وبرهان الملة في
رد شبهات هنري مارتين الانگليزي، من تصنيف الحاج المولى أحمد بن محمد
مهدي النراقي المعروف به " صفائي " المتوفى عام 1245 ه‍.
1 - طبع في طهران عام 1267 ه‍، طبعة حجرية، من نسخة بخط علي بن
عباس القزويني، قطع آجري (خشتى) في 323 صفحة.
2 - طبع عام 1330 ه‍. قطع آجرى (خشتى) في 324 صفحة، باهتمام الحاج
محمد بن المولى أحمد النراقي.
3 - طبع في تبريز عام 1300 ه‍ طبعة حجرية، قطع آجري (خشتى) في 324
صفحة 4.

(1) روضات الجنات 1: 96.
(2) الذريعة 12: 286 / 1922. وراجع مقدمة المؤلف على الكتاب.
(3) سيف الأمة: 80 - 81.
(4) فهرست كتابهاى چاپى فارسي 3: 3137.
مقدمة التحقيق 60

هذا تمام ما كتبه بخطه الشريف. أما المصادر الأخرى فنلحظ فيها تباينا كبيرا.
وبدور نا نذكر ما ورد في المصادر المعتبرة.
18 - " مثنوي طاقديس ". قال الشيخ آقا بزرگ: " طاقديس: مثنوي فارسي
لطيف في الحكم والمواعظ... للمولى أحمد... المتخلص ب‍ " صفائي "... وقد طبع
بإيران... وتمته ابن الناظم محمد جواد " شفائي "، وسماه دانش پژوه في فهرسه
ج 13، ص 3178 " مثنوى شفائي " 1.
وقد طبع أخيرا بتقديم وتصحيح الفاضل المعاصر حسن النراقي من أحفاد
المولى أحمد النراقي في سنة 1402 ه‍. في مؤسسة نشر أمير كبير بطهران.
19 - " ديوان شعره الكبير " ذكر في الروضات، والذريعة، وطبقات أعلام
الشيعة، وريحانة الأدب 2. وهو غير مثنوية المسمى ب‍ " طاقديس " ولم يذكر في
" لباب الألقاب " و " تاريخ كاشان ".
20 - " هداية الشيعة " في الفقه. مختصر خال من الدليل. حرره لعمل
المقلدين. في كتب ذوات مقاصد وأبحاث وأبواب وفصول.
قال الشيخ آقا بزرگ: " أوله: الحمد لله الذي أو لدنا على الفطرة، وأيدنا
لاستنباط أحكام العترة والصلاة على نبينا في زمن العثرة. وقد فرغ المؤلف من
كتاب الصلاة في 13 شهر رمضان 1234 ه‍ " 3.
وقد حررت النسخة المشتملة على الطهارة والصلاة - وعليها حواشي منه - عام
1235 ه‍. وهي موجودة في مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي 4.
21 - " جامع المواعظ " ذكره " لباب الألقاب " و " تاريخ كاشان " و

(1) الذريعة 15: 134 / 894.
(2) روضات الجنات 1: 96، الذريعة: 612، الكرام البررة 1: 117، ريحانة الأدب 6: 161
(3) الذريعة 25: 177 / 133، وراجع أيضا " لباب الألقاب " 95، تاريخ كاشان 282، مكارم الآثار
4: 1236.
(4) التراث العربي في خزانة مخطوطات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي 5: 480.
مقدمة التحقيق 61

" مكارم الآثار " 1.
22 - " حجية المظنة " بالفارسية. في بيان بطلان حجية مطلق الظن. حرره جوابا
على سؤال بعض الأجلة، صرح به في العائدة (41) من العوائد. وذكر في
الذريعة 2. وقد جاءت بهذا العنوان ضمن كتاب " الرسائل والمسائل " 3.
23 - " رسالة الإجازات " قال الشيخ آقا بزرگ: " تقرب من اللؤلؤة حجما. فيها
إجازاته لتلاميذه وإجازات مشايخه له. والنسخة بخط المولى أحمد الآراني
الكاشاني، قال السيد شهاب الدين أنها عندي بقم " 4. ولم نجد الرسالة في
مجلدات فهارس مخطوطات المنشورة لمكتبة آية الله المرعشي العامة.
وقد ذكر الشيخ آقا بزرگ بعض رسالاته بعناوين مستقلة، منها: " رسالة في
منجزات المريض " أولها: بعد الحمد للواجب الوجود تمجيد... فرغ منها ليلة
الثلاثاء 19 ربيع المولود 1210 ه‍ وقد صدرها بثلاث مقدمات في معنى الموثق،
وفي أصحاب الإجماع، وفي عدم حجية الشهرة " 5. وهي الرسالة الموجودة
ضمن كتاب " الرسائل والمسائل ". مرت ذكره تحت رقم 15.
ومنها: " اجتماع الأمر والنهي "... وقد منع فيه من الاجتماع، أوله: إعلم أن
من باب تعارض العام والخاص من وجه ما إذا تعلق الأمر بأحدهما والنهي
بالآخر 6.
ومنها: " القضاء والشهادات " والنسخة منها موجودة في مخزن كتب مدرسة
المحقق السبزواري بمشهد الرضا (ع) المعروفة بمدرسة " ملا محمد باقر " 7.

(1) لباب الألقاب: 95، تاريخ كاشان: 282، مكارم الآثار 4: 1236.
(2) الذريعة 6: 276 / 1503.
(3) المجلد الثاني من المخطوطة مكتبة المرحوم آية الله العظمى الگلپايگاني (المرقم) 26 / 117.
(4) الذريعة 11: 12 / 57.
(5) الذريعة 23: 16 / 7858.
(6) الذريعة 1: 267 / 1401.
(7) الذريعة 17: 140 / 732، فهرست مخطوطات المدرسة الباقرية (رقم 146) مجلة تراثنا (22).
مقدمة التحقيق 62

ومنها: " شرح حديث جسد الميت "، وأنه يبلى إلا طينه... أوله: يقال: بلي
الميت، أي أفنته. وهو كناية عن ذهاب بعض جسده... رأيت نسخة منه في مكتبة
المولى محمد علي الخوانساري في النجف " 1.
هذا ولعل هذه الرسائل ورسائل أخرى قد تكون فاتتنا هي مجموعة رسائل قد
جمعها وسماها ب‍ " الرسائل والمسائل " والتي مرت ضمن الرقم (15).
وقد نسب إليه بعض الكتب والرسائل. وهي إما مشكوك في نسبتها أو مقطوع
بعدم صحتها، وفيما يلي ثبت بما نسبت للنراقي:
1 - كتاب " مشكلات العلوم " ذكر في " الروضات " ونقلت النسبة في " الذريعة "
و " أعيان الشيعة " 2. وهو سهو منهم قطعا، لأن المولى أحمد النراقي لم يعده في
عداد تأليفاته، مع أنه قد صرح في مقدمة " الخزائن " أن كتاب " مشكلات العلوم "
من تأليفات والده. وقال عن " الخزائن ": " أجعله كالتابع لهذا الكتاب [مشكلات
العلوم] ولم أذكر فيه شيئا مما كان في الكتاب المذكور مذكورا، بل اقتصرت فيه على
ما لم يكن فيه مسطورا... وسميتها ب‍ " الخزائن ". إلى أن قال: فاتخذها يا حبيبي
ومتبوعها - أي مشكلات العلوم - رفيقين لسفرك " 3.
2 - " كتاب في التفسير " ذكره السيد الأمين في " أعيان الشيعة 4 ولم نجده في
أي مصدر آخر.
3 - " الرسالة العملية " ذكرت في الذريعة " تحت عنوان مستقل، وقال: هي
فارسية في العبادات 5. وذكرت في " الكرام البررة " " رسالة في العبادات
بالفارسية " وتبعه السيد الأمين في " أعيان الشيعة " 6.

(1) الذريعة 13: 195 / 679.
(2) روضات الجنات 1: 95، الذريعة 21: 66، أعيان الشيعة 13: 184.
(3) الخزائن: 2 - 3.
(4) أعيان الشيعة 13: 184.
(5) الذريعة 11: 212.
(6) الكرام البررة 1: 117، أعيان الشيعة 13: 184.
مقدمة التحقيق 63

والظاهر أن هذه الرسالة متحدة مع أحد كتبه الثلاث أي: " خلاصة المسائل " أو
" تذكرة الأحباب " أو " هداية الشيعة " وليست كتابا مستقلا.
وفاته ومدفنه
توفي المولى أحمد النراقي ليلة الأحد في الثالث والعشرين من شهر ربيع
الثاني سنة 1245 من الهجرة النبوية بالوباء العام الذي شاع في هذه السنة، وقد
أهلك نفوسا كثيرة قدرت بعشرة آلاف نسمة. وذكر الخوانساري في " الروضات "
والشيخ آقا بزرگ في مواضع من " الذريعة " وكذا دهخدا في موضعين من " لغت
نامه " والشيخ محمد رضا المظفر في مقدمة " جامع السعادات " أنه توفي سنة
1244 ه‍ 1. وذكره بعضهم مرددا بين 1244 و 1245 ه‍، منهم المدرس التبريزي
في ريحانة الأدب، والسيد الأمين في " أعيان الشيعة " 2.
والذي يظهر من القرائن والشواهد أن سنة 1244 ه‍. خطأ قطعا، والترديد
أيضا في غير محله، لأنه كما مر أن النراقي قدس سره فرغ من كتابة آخر جزء من
كتاب " مستند الشيعة " في ربيع المولود سنة 1245 ه‍. قال رحمه الله: تم كتاب
القضاء والشهادات في ليلة الأحد الخامس عشر من شهر ربيع المولود سنة
1245 ه‍. وكتب إجازته لتلميذه الشيخ مرتضى الأنصاري في شوال المكرم سنة
أربع وأربعين بعد المائتين والألف، وكذا كتب إجازته إلى أخيه الحاج المولى محمد
مهدي الثاني، في ذي القعدة الحرام سنة 1244. هذا، ولا يتوافق أي من التواريخ
المذكورة مع تاريخ الثالث والعشرين من ربيع الآخر عام 1244 ه‍. وحمل جثمانه الشريف إلى النجف الأشرف المنيف، ودفن بها مع والده مما
يلي خلف الحرم المطهر في جانب الصحن المطهر.

(1) روضات الجنات 1: 97، الذريعة 6: 276، 12: 286، 13: 183 و 195 و 286، 21: 14 و 229
و 340 و 66، 25: 85 و 177، لغت نامه دهخدا 3: 1372 و 1467، مقدمة جامع السعادات: 5.
(2) ريحانة الأدب 6: 163، أعيان الشيعة 13: 183.
مقدمة التحقيق 64

وقد رثاه بعض تلامذته بهذه القصيدة:
أضحى فؤادي رهين الكرب والألم * أضحى فؤادي أسير الداء والسقم
تلك الضحى أو رثت ما قد فجعت [به] * يا ليتني لم أصادفها ولم أدم
لو حملت كربات قد أصبت بها * مطية الفلك الدوار لم تقم
ما ذاك إلا لرزء قد نعيت به * للعالم العلم بن العالم العلم
علامة في فنون الفقه والأدب * مجموعة الفضل والأخلاق والشيم
مبدي المناهج هادي الخلق مستند * الأنام في جمل الأحكام للأمم
جزاه خيرا عن الإسلام شارعه * جزاء رب وفي العهد بالذمم
إلى أن قال:
قضى على الحق أعلى الله منزله * وأيتم الناس من عرب ومن عجم
من النراق سرى صيح الفراق إلى * كل العراق صياحا غير منكتم
بل غم أهل الولا هذا المصاب فما * لواحد منهم شمل بمنتظم
لم يبق للخلق جيب لم يشق ولا * عمامة لحدوث الحادث العمم
لابل على ما روينا الدين ينثلم * لمثل ذاك فياللدين من ثلم
لي سلوة إن شمس العلم إن أفلت * بدت كواكب منها في دجى الظلم
إن شئت تدري متى هذا المصاب جرى * وقد تحقق هذا الحادث العمم
عام مضى قبل عام الحزن يظهر من * قولي: له غرف تخلو من الألم 1
فقد أرخ الشاعر العام السابق لعام الحزن - عام الوفاة - بقوله: " عام مضى ".
يظهر هذا العام من قوله: " له غرف " تخلو من " الألم "، حيث يكون " له
غرف " مساو " 1315 " وبطرح " ألم " التي يساوي " 71 " منه يكون الباقي " 1244 "
وهي العام السابق لعام الحزن، فيكون سنة وفاة النراقي " 1245 ".

(1) لباب الألقاب: 96 - 97. وقال: " وناظم القصيدة على ما ذكره (ره) - أي ولد النراقي الحاج المولى
محمد المعروف ب‍ " عبد الصاحب " - الكامل الأديب العالم العلام المؤتمن المولى محمد حسن الجاسبي ".
مقدمة التحقيق 65

رسالة في ترجمة النراقيين - المولى محمد مهدي
والمولى أحمد - للمولى أحمد النراقي
تاريخ وفاة الوالد الماجد المحقق الزاهد مولانا محمد مهدي بن أبي ذر النراقي،
في أول ليلة السبت ثامن شهر شعبان المعظم من شهور سنة ألف ومائتين وتسع.
ودفن - قدس سره - في النجف الأشرف في الإيوان الصغير الذي يلي الخلف، وله
شباك إلى الرواق. وكان عمره الشريف يبلغ ستين سنة تقريبا.
وله من المصنفات: [1] كتاب " اللوامع " في الفقه، لم يتم منه إلا كتاب الطهارة
في مجلدين. [2] كتاب " أنيس المجتهدين " في أصول الفقه. [3] كتاب " تجريد
الأصول " في أصول الفقه. [4] كتاب " جامعة الأصول " في أصول الفقه.
[5] كتاب " جامع السعادات، في علم الأخلاق [6] كتاب " شرح الشفاء ".
[7] كتاب " اللمعات العرشية " في الحكمة الإلهية. [8] كتاب " اللمعة ". [9] كتاب
" الكلمات الوجيزة ". [10] كتاب " المستقصي " في علم الهيئة. [11] كتاب
" المحصل " في علم الهيئة. [12] كتاب " مشكلات العلوم ". [13] كتاب " توضيح
الأشكال ". [14] كتاب " محرق القلوب ". [15] كتاب " التحفة الرضوية ".
[16] كتاب " جامع الأفكار ". [17] كتاب " المعتمد " في الفقه. [18] كتاب " أنيس
التجار " في فقه المتاجر. [19] " نخبة البيان " في علم المعاني والبيان [20] " تحرير
اكرثاؤذوسيوس ". [21] كتاب " أنيس الحكماء ". [22] " رسالة الإجماع ".
[23] " رسالة صلاة الجمعة ". [24] كتاب " قرة العيون " في الماهية والوجود.
[25] كتاب " أنيس الموحدين ". [26] كتاب " شهاب الثاقب " رد فيه على
بعض المعاصرين من علماء العامة، في الإمامة. [27] " رسالة علم عقود
الأنامل ". [28] كتاب " معراج السماء " في الهيئة. [29] " أنيس الحجاج ".
[30] " مناسك مكية ".
تولد - طاب ثراه - في النراق وتوفي في الكاشان. وكان عمدة تحصيله في
مقدمة التحقيق 66

إصبهان عند مشايخه الكرام: ملا إسماعيل الخاجوئي [م 1208 ه‍]، والحاج شيخ
محمد [ابن محمد زمان الكاشاني م 1166 ه‍]، ومولانا مهدي الهرندي
[م 1186 ه‍]، وميرزا نصير [م 1191 ه‍].
وقرأ شطرا من الحديث عند الشيخ الأجل الشيخ يوسف مصنف هذا الكتاب
[لؤلؤة البحرين]، وهو من مشايخه قراءة وإجازة، وكذا آقا باقر البهبهاني. حرره
العبد الأحقر أحمد بن محمد مهدي بن أبي ذر.
وتاريخ ولادتي في الرابع عشر من شهر جمادي الثانية سنة خمس وثمانين
بعد المائة والألف من الهجرة النبوية (1185 ه‍).
ولي من التأليفات في هذه السنة التي هي سنة ثمان وعشرين بعد الألف
ومائتين: [1] " شرح تجريد الأصول " سبع مجلدات. [2] " مناهج الأحكام " في
الأصول. [3] " عين الأصول] ز [4] " أساس الأحكام " في الأصول. [5] " مفتاح
الأحكام " في الأصول. [6] " معراج السعادة " في علم الأخلاق. [7] " تذكرة
الأحباب ". [8] " خلاصة المسائل ". كلاهما في الفقه بالفارسية. [9] " حاشية
أكرثاؤذوسيوس ". [10] " شرح محصل الهيئة " لم يتم بعد. [11] " مستند الشيعة
في أحكام الشريعة " في الفقه الاستدلالي، خرج منه أبواب الطهارة من الخبث وقليل
من الوضوء، وأبواب المواقيت والقبلة واللباس من الصلاة، وأبواب المكاسب
والمتاجر إلى أواخر مباحث الخيارات، والمواريث إلا قليل منه. [12] وكتاب
" الخزائن " كتب منه خمسة عشر كراريس تقريبا، كتاب نفيس جدا. [13] كتاب
" عوائد الأيام ". [14] " مناسك الحج ". [15] كتاب " الرسائل والمسائل ".
وتم في هذا التاريخ وهو سنة ست وثلاثين بعد المائتين والألف [1236 ه‍]، كتاب الطهارة
والصلاة من المستند، وأكثر كتاب الزكاة، وقليل من كتاب الخمس.
[16] وحصل أيضا تأليف كتاب " وسيلة النجاة " في فقه الطهارة والصلاة،
بالفارسية. [17] وكتاب " سيف الأمة وبرهان الملة " في النبوة، فيه رد على بعض علماء النصارى المسمى ب‍ " پادرى مارتين ".
مقدمة التحقيق 67

رسالة إجازة المولى أحمد النراقي لأخيه
المولى محمد مهدي النراقي الملقب ب‍ " آقا بزرگ "
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
الحمد الله الذي جعلنا من أهل الرواية، ونور قلوبنا بأنوار المعرفة والدراية،
وبين لنا سبيل الرشد والهداية، وخلصنا من ظلمات الريب والغواية، وكرمنا
بمتابعة سيد الأنام وعترته الغر الأماجد الكرام، الذي فضل العالمين العاملين على
العالمين، وحباهم مواريث الأنبياء والمرسلين، وجعلهم ملوك الأنام وأمناءه على
الأحكام، وأودعهم أسرار الأئمة المستحفظين، وحملهم الأخبار المعنعنة عن
جدهم سيد المرسلين عن الروح الأمين عن ديان يوم الدين.
والصلاة والسلام على الصادع بالشرع المبين والمبعوث لهداية الخلق أجمعين
وآله الهداة الميامين، سيما ابن عمه وصهره وصنوه وخليفته أمير المؤمنين وسيد
الوصيين، صلاة دائمة بدوام السماوات والأرضين.
وبعد، يقول الأذل الأحقر أحمد بن محمد مهدي بن أبي ذر - حشرهم الله يوم
العرض الأكبر مع سادات البشر والأئمة الاثني عشر -: إنه لما كان من نعم الله
- سبحانه - الجليلة علينا التي لا تحصى، وأياديه الجميلة التي لا تستقصي، أن
وفقني الله - سبحانه - وجملة من إخواني وأولادي مقتفين لأثر إمامنا الهمام
ووالدنا القمقام - قدس الله روحه، وكثر في خطائر القدس روحه وفتوحه -
لاكتساب العلوم الفاخرة واقتناء فنونها الباهرة - أسئل الله بفهم جوده وإفضاله
وجسيم منه ونواله، أن يديم ذلك في الذراري والأولاد إلى يوم المعاد، وأن يجعل
ذلك ساريا في الأعقاب إلى يوم المآب - وكان ممن فاز بالمعلى والرقيب من قدح
العلوم الفاخرة، وحاز أوفر نصيب من سني جواهرها الزاهرة، ورتع في رياض
العلوم الدينية، وكرع من سلاسل سلسبيل الأخبار النبوية، حتى بلغ ما بلغ فيها من
تدقيق وتحقيق، مع ذهن ثاقب رشيق ورأي صائب وثيق، قرة عيني وبهجة قلبي،
مقدمة التحقيق 68

الأخ النبيل والمهذب الأصيل، الموفق المؤيد المسدد، والسالك من طرق الكمال
للأرشد الأسد، العالم الذكي والفاضل التقي محمد مهدي، سمي الوالد
الألمعي، مد الله له في العمر السعيد، ومتعه الله بالعيش الرغيد، وزاد الله في
علمه، وتقاه وحباه بما يرضيه وترضاه، ورزقه مرافقة الأخيار، وسلكه في سلك
المقربين الأبرار.
وقد التمس مني الإجازة بعد ما أخذ مني ما أخذ من أخبار أهل بيت العصمة
والطهارة وآثارهم، وسمع مني ما سمع من علومهم وأخبارهم، وأضاء سراج قلبه
من زيتهم وأنوارهم، وشرب من ذلك البحر المواج، وكرع ونال من علومهم ما به
على وارتفع، ولما وجدته - سدده الله سبحانه - لذلك أهلا، وكان إنحاح مسئوله
فرضا لا نفلا، فأجزت له - أصعده الله مدارج التحقيق وقرنه مع التأييد
والتوفيق - جميع ما صحت له روايته من مقرو ومسموع، وما جازت لي إجازته من
معقول ومشروع، لا سيما كتاب " نهج البلاغة " في خطب أمير المؤمنين عليه السلام،
و " الصحيفة السجادية " في أدعية سيد الساجدين عليه وعليه أفضل صلوات
المصلين، والكتب الأربعة التي عليها المدار في جميع الأعصار والأمصار:
" الكافي " و " الفقيه " و " التهذيب " و " الاستبصار "، والكتب الثلاثة الجامعة المتفرقات
الأخبار: " الوافي " و " الوسائل " و " بحار الأنوار "، وسائر كتب الحديث والتفسير
والفقه والاستدلال واللغة والنحو والأصولين والرجال، وكتب الأدعية سيما
" المصباحين " و " عدة الداعي " و " المهج " و " الإقبال " من مصنفات الفرقة ومؤلفات
علماء العترة. وكذلك كتب مخالفينا بأسانيد علمائنا.
وكذا جميع مصنفات والدي العلامة القمقام - أعلى الله مقامه في دار السلام -
في العلوم العقلية والشرعية والأصولية والفروعية، وما برز مني وجرى به قلمي
في التصنيف، وأفرغ عني في قالب التأليف، من كتب ورسائل وتعليقات وأجوبة
مسائل، مما وجد ومما سيوجد إنشاء الله تعالى، فليأخذ وفقه الله ذلك مني
وليروعني كما أخذته ورويته عن مشايخي الأعلام وأساتيدي الكرام، رفع الله
مقدمة التحقيق 69

أقدارهم في دار المقام.
وطرقنا إلى كتب الأخبار وغيرها من مصنفات علمائنا الأبرار وسائر علماء
الإسلام متكثرة، وبكثرة الوسائط صارت واسعة منتشرة لا يكاد يضبط، وكما في
عليه يشرح ويبسط خصوصا مع ضيق المجال وبلبال البال وتواتر الأشغال.
فمنها: ما أخبرني به قراءة وسماعا وإجازة شيخنا الأعظم وإمامنا المعظم
وأستاذنا الأعلم، علامة الزمان ونادرة الأوان، علم الأعلام ومحقق الحقايق والأحكام،
المجتهد المحقق والفيلسوف المدقق، العالم العابد والعارف الزاهد، وأفضل
المتأخرين بل المتقدمين، والدي وأستاذي ومن إليه في جميع العلوم استنادي،
مولانا محمد مهدي بن أبي ذر بن الحاج محمد النراقي مولدا ومنشأ والكاشاني
رياسة ومسكنا والنجفي التجاء مدفنا، صاحب المؤلفات الوافرة والمصنفات
الكثيرة الفاخرة، المتجاوزة عددها عن الثلاثين، أفاض الله عليه رواشح الكرم
والجود وأعلى مقامه في دار الخلود.
وقد ارتحل - طاب ثراه - إلى جوار الله سبحانه في أول ليلة السبت ثامن شهر
شعبان المعظم من شهور ألف ومائتين وتسع من الهجرة النبوية. وحمل نفسه
الشريف إلى النجف الأشرف، ودفن في الإيوان الصغير الذي يلي الخلف، وله
شباك إلى الرواق المقدس، وعلى المدفن حجر مكتوب فيه اسمه الشريف.
ثم الوالد الأستاذ يروي عن مشايخه الكرام السبعة، الذين هم في عصرهم في
البلاد بمنزلة الكواكب السبعة في السبع السداد.
أولهم: الشيخ المحدث الفاضل والفقيه الماهر الكامل والحبر العالم العامل
الشيخ يوسف بن أحمد بن إبراهيم البحراني الماحوزي، صاحب كتاب " الحدائق
الناضرة " وغيره من المؤلفات الكثيرة الفاخرة، عن شيخه الفاضل الكامل الشيخ
حسين بن الشيخ محمد البحريني الماحوزي، عن شيخه علامة الزمان الشيخ
سليمان بن عبد الله الماحوزي، عن شيخه المحقق الفاضل الشيخ سليمان بن علي
الأصمعي الماحوزي البحريني، عن شيخه المحدث البهي الشيخ علي بن سليمان
مقدمة التحقيق 70

المقدمي البحريني، عن شيخه بل شيخ الكل، عمدة المحققين الشيخ بهاء الملة
والدين محمد الحارثي الهمداني العاملي، عن شيخه الجليل ووالده النبيل الشيخ
عز الدين الحسين بن عبد الصمد، عن شيخه وأستاذه بل شيخ الكل واستادهم، ممهد
قواعد الدين ومقدم المجتهدين، العالم الزاهد المجاهد الشيخ زين الدين علي بن
أحمد المعروف بابن الحجة والمشهور بالشهيد الثاني، قدس الله أسرارهم ورفعه في
جنان الخلد أقدارهم.
ح وعن شيخنا البهائي عن الشيخ عبد العالي بن الشيخ المحقق الشيخ علي بن
عبد العالي الكركي الشهير بالمحقق الثاني عن والده.
ح وعن شيخنا الشيخ يوسف - المتقدم ذكره - عن المولى الفاضل العلامة مولانا
محمد بن فرج الشهير بملا رفيعا الجيلاني، عن شيخه رئيس المحدثين وشيخ الإسلام
والمسلمين، غواص " بحار الأنوار " ومستخرج لآلي المعاني عن أصداف الأخبار،
مروج الدين ومحبي شريعة سيد المرسلين، الفاضل الدين التقي مولانا محمد
باقر بن محمد تقي الشهير بالمجلسي، طاب الله ثراه وجعل الجنة مثواه.
ح وعن الشيخ سليمان بن عبد الله - المتقدم ذكره - عن السيد الأجل السيد
هاشم بن السيد سليمان الكتكاني البحريني، صاحب المؤلفات الكثيرة، عن الشيخ
الفاضل البهي الزاهد التقي الشيخ فخر الدين بن طريح النجفي، صاحب كتاب
" مجمع البحرين " في اللغة، وغيره، عن الفاضل العالم الشيخ محمد بن جابر
النجفي، عن السيد الجليل الأمير شرف الدين علي بن حجة الله الحسني الحسيني
الشولستاني الغروي، عن السيد الفاضل الكامل الآميرزا محمد بن الأمير علي بن
إبراهيم الأستر آبادي، صاحب الرجال الكبير المسمى ب‍ " منهج المقال "، عن الشيخ
السعيد الشيخ نور الدين علي بن عبد العالي الميسي - بكسل الميم - العاملي، عن
والده أستاذ الشهيد الثاني، عن الشيخ السعيد وابن عم الشهيد شمس الدين
محمد بن محمد بن داود الشهير بابن المؤذن الجزيني - بكسر الجيم وتشديد الزاي
المعجمة - عن الشيخ ضياء الدين علي بن الشهيد، عن والده الإمام الأعظم
مقدمة التحقيق 71

والنحرير المؤيد المعظم الأجل الأكمل، ومن انعقدت عليه الخياصر في العلم
والعمل الشيخ شمس الدين أبي عبد الله محمد بن مكي العاملي الجزيني، الشهير
بالشهيد الأول، نور الله مرقده وطيب في دار الكرامة مقعده.
والثاني من مشايخ والدي العلم العلامة قدس سره: الشيخ المجتهد المحقق
والأستاد المعتمة المدقق، العالم العريف والفاضل الخطريف، وحيد عصره وفريد
دهره، خاتمة الفضلاء ونادرة العلماء، الشيخ الأعظم والإمام المعظم، جم الفضائل
والمفاخر آقا محمد باقر البهبهاني مسكنا والأصبهاني مولدا والحائري خاتمة
ومدفنا، عن والده الكامل الأفضل مولانا محمد أكمل، عن الشيخ الأعظم المحدث
المجلسي قدس سره.
ح وعن المولى محمد أكل عن العالم المدقق مولانا ميرزا محمد الشرواني
صاحب " حاشية المعالم "، عن مولانا التقي النقي المولى محمد تقي المجلسي، عن
الشيخ المعمر البهي الشيخ أبي البركات الواعظ الإصبهاني عن المحقق الكركي.
ح وعن الشيخ الأعظم الآقا محمد باقر البهبهاني، عن السيد الأجل الأكمل
خاتم المحدثين السيد صدر الدين القمي الهمداني النجفي شارح " الوافية "، عن العالم
العلم العلامة والفاضل المفخم الفهامة، المحقق المدقق آقا جمال الدين محمد بن
المحقق الجامع والمدقق البارع الآقا حسين الخوانساري، عن التقي المجلسي، عن
الشيخ أبي البركات عن الكركي.
والثالث من مشايخ والدي طاب ثراه: الشيخ المحدث الفاضل والفقيه النبيه
الكامل، العالم العامل الحبر الأوحدي الشيخ محمد مهدي بن الشيخ بهاء الدين
الفتوني العاملي النجفي قدس سره، عن شيخه وابن عمه رئيس المحدثين في عصره
المولى أبي الحسن بن محمد طاهر الفتوني العاملي، المجاور بالنجف الأشرف،
المدرس فيه، عن المحدث المجلسي.
ح وعن المولى أبي الحسن عن الشيخ الصالح الحاج محمود الميمندي، عن
المحدث المجلسي قدس الله أسرارهم.
مقدمة التحقيق 72

والرابع من مشايخ والدي النحرير قدس سره: المولى الفقيه الدين التقي مولانا
محمد جعفر البيدگلي الكاشاني، عن شيخه الأجل المولى أبي الحسن، المتقدم
بعض طرقه.
والخامس من مشايخ والدي القمقام رحمة الله عليه: العالم العلم العلامة
والفاضل الحبر الفهامة، أعجوبة الدهر وفريد العصر، العالم الرباني مولانا محمد
إسماعيل بن محمد حسين المازندراني أصلا الإصبهاني الخاجوئي مسكنا أسكنه
الله في فراديس الجنان، عن شيخه الأجل الشيخ حسين الماحوزي بطرقه المتقدمة.
والسادس من مشايخ والدي النحرير: الشيخ الفاضل الكامل والعالم الماهر
العامل، جامع المنقول والمعقول، حاوي الفروع والأصول، الحبر المؤيد الألمعي
مولانا محمد مهدي الهرندي الإصبهاني قدس الله نفسه، عن شيخه الجليل الشيخ
حسين الماحوزي.
والسابع من مشايخ والدي العلامة: الشيخ النحرير المحقق والفقيه الجامع
المدقق، علامة الزمان الحاج شيخ محمد بن الحاج محمد زمان الكاشاني،
النوش آبادي أصلا ومولدا والإصبهاني رياسة ومسكنا والنجفي التجاء ومدفنا،
أفاض الله عليه شآبيب الرحمة، عن شيخه الجليل الشيخ حسين الماحوزي.
ح وعن الحاج شيخ محمد عن المولى العالم البهي النقي مولانا محمد قاسم
الطبرسي عن المحدث المجلسي.
ومنها: - أي من طرقي - ما أخبرني به قراءة وسماعا وإجازة استادي الأعظم
وشيخي المعظم البحر المتلاطم الأمواج، الذي ملأ ذكر مفاخره جميع الفجاج،
طود العلم الناذح وسنام الفضل الشامخ، ذو النور الزاهر والعقل الباهر والنسب
والطاهر والحسب الظاهر، صاحب المقام الرفيع والشأن المنيع، الإمام العالم العابد
الزاهد الألمعي اللوذعي الأوحدي، شيخنا وأستاذنا السيد محمد مهدي بن السيد
مرتضى الطباطبائي الحسني الحسيني، الحائري مولدا والنجفي مسكنا ومدفنا،
أفاض الله عليه شآبيب الغفران وأسكنه أعلى فراديس الجنان، عن مشايخه العظام
مقدمة التحقيق 73

الخمس، ثلاثة منهم الفضلاء العلماء النبلاء الأجلاء المذكورين الآقا محمد باقر
البهبهاني والشيخ يوسف البحريني والشيخ محمد مهدي الفتوني.
والآخرون: الفاضلان الكاملان السيد الجليل حسين القزويني ابن المحقق المدقق
المتكلم الحكيم السيد إبراهيم، والمولى النبيل المولى عبد النبي القزويني أصلا،
اليزدي مسكنا، فكلاهما عن السيد إبراهيم المذكور عن المحدث المجلسي.
ومنها: ما أخبرني به إجازة شيخي العالم العلم العلامة والمجتهد الكامل
الفهامة، قدوة المجتهدين وشمس فلك المعالي والفقه والدين، وحيد عصره وفريد
دهره، البارع الألمعي، السيد السند المعتمد السيد علي بن محمد علي، ابن أخت
الفاضل البهبهاني - المتقدم ذكره - وصهره، الكاظميني مولدا والحائري مسكنا
ومدفنا - قدس الله تربته ورفع في جنان الخلد رتبته - صاحب الشرحين الكبير
والصغير على النافع، المسمى أولهما ب‍ " رياض المسائل "، عن خاله العلام الآقا
محمد باقر، المتقدم ألقابه الشريفة.
ومنها ما أخبرني به إجازة الشيخ النبيه والعالم الفقيه، السيد الجليل والمحدث
النبيل، العالم العامل والفاضل الكامل، ذو الأخلاق الرضية والأوصاف المرضية،
كهف الأنام ومرجع الخاص والعالم الميرزا محمد مهدي بن أبي القاسم الموسوي،
الشهرستاني مولدا والحائري رياسة ومسكنا ومدفنا، طاب الله ثراه ورفع في
العليين مثواه، عن مشايخه الكرام العظام الفخام الآقا محمد باقر البهبهاني والشيخ
يوسف البحريني والشيخ محمد مهدي الفتوني بطرقهم المتقدمة.
ومنها: ما أخبرني به إجازة شيخ مشايخ عصره وأوحد فقهاء دهره، المجتهد
الكامل والبارع الفاضل الشيخ الأعظم والحبر المعظم الأجل الأكمل الشيخ محمد
جعفر النجفي روح الله روحه وكثر في عالم القدس فتوحه، عن شيخيه الكاملين
الفاضلين الآقا محمد باقر البهبهاني والسيد محمد مهدي الطباطبائي المتقدم
ذكرهما.
ثم الطرق المتقدمة - كما عرفت - إما متصلة بالمحدث المجلسي أو الشهيد الثاني أو
مقدمة التحقيق 74

المحقق الكركي أو الشهيد الأول.
أما الأول: فهو يروي عن والده الجليل بطرقه المتصلة إلى مشايخه، منها ما تقدم
واتصل بالكركي.
ح وعن والده التقي المجلسي عن الشيخ البهائي بسنده إلى الشهيد الثاني
والكركي.
ح التقي المجلسي عن شيخه العالم العابد الزاهد المحقق المولى عبد الله بن
الحسين الشبستري شارح " القواعد "، عن شيخه الجليل والمجتهد المقدس النبيل،
الورع الزاهد والعالم العابد، صاحب الكرامات وجامع المفاخر والسعادات مولانا
أحمد بن محمد الأردبيلي أصلا والنجفي خاتمة قدس سره، عن السيد السند علي
الصايغ شارح " الشرائع " و " الإرشاد "، عن الشهيد الثاني.
ح وعن المولى عبد الله التستري، عن شيخه النبيل الشيخ نعمة الله بن أحمد بن
محمد بن خاتون العاملي، عن أبيه، عن جده، عن الشيخ جمال الدين العاملي
عن الشيخ زين الدين بن الحسام، عن السيد الأجل الحسن بن أيوب الشهير بابن
يوسف، عن الشيخ السعيد محمد بن مكي الشهيد الأول.
ح وعن المولى التقي المجلسي، عن السيد الحسب السيد حسين بن السيد حيدر
الحسيني الكركي، عن الشيخ نور الدين بن حبيب الله، عن السيد مهدي بن السيد
محسن الرضوي، عن أبيه، عن الشيخ الفاضل الفقيه المتكلم الشيخ محمد بن أبي
الحسن علي بن إبراهيم بن حسن بن إبراهيم بن أبي جمهور الإحسائي صاحب
كتاب " عوالي اللآلي " وكتاب " المحلى "، عن شيخه السيد شمس الدين محمد بن
السيد كمال الدين عن أبيه، عن الشيخ فخر الدين الشهير بالسبيعي شارح
" القواعد "، عن الشيخ محمود المشهور بابن أمير الحاج العاملي، عن شيخه العلامة
الشيخ حسن بن العشرة عن شيخه الشهيد الأول.
ح وعن ابن أبي الجمهور عن الفاضل حرز الدين الأوالي، عن الشيخ أحمد
فخر الدين الأوالي، عن شيخه العلامة الشيخ أحمد بن عبد الله الشهير بابن المتوج
مقدمة التحقيق 75

البحريني، عن شيخه وأستاذه الشيخ العلام والنحرير القمقام فخر الدين أبي طالب
محمد، عن والده الشيخ الأجل الأكمل الأعظم آية الله في العالمين جمال الملة
والحق والدين أبي منصور الحسن بن يوسف بن مطهر الحلي الشهير بالعلامة نور الله
مرقده.
وأما الثاني: فهو يروي عن شيخه وأستاذه الشيخ نور الدين علي بن عبد العالي
الميسي بطريقه المتقدم إلى الشهيد الأول.
ح وعن الشهيد الثاني، عن الشيخ جمال الدين بن خاتون، عن شيخه وشيخ
الكل الشيخ علي بن عبد العالي الكركي.
وأما الثالث: فهو يروي عن شيخه السعيد وابن عم الشهيد شمس الدين
محمد بن محمد بن داود الشهير بابن المؤذن الحزيني، عن الشيخ ضياء الدين
علي بن الشهيد عن والده الشهيد الأول.
ح وعن المحقق الثاني عن شيخه الإمام الهمام زين الدين علي بن هلال
الجزايري، عن شيخه العلامة الزاهد أبي العباس أحمد بن فهد الحلي الأسدي
مؤلف " المهذب " و " عدة الداعي "، عن الشيخ زين الدين علي الأستر آبادي، عن
الشيخ الأجل الشيخ مقداد السيوري الحلي الأسدي، عن الشهيد الأول.
ح وعن ابن فهد الحلي عن شيخه السيد علي بن عبد الحميد النيلي وعلي بن
يوسف بن عبد الجليل النيلي عن فخر المحققين عن والده الأجل الأكمل والعلامة
أحلي.
وأما الرابع: فهو يروي عن مشايخه الكرام الثمانية، وهم: [1] فخر المحققين
محمد بن الحسن بن يوسف بن مطهر الحلي، [2] والسيد تاج الدين أبو عبد الله
محمد بن القاسم بن معية، [4 - 3] والسيدان الجليلان الأخوان: السيد عميد الدين
عبد المطلب، والسيد ضياء الدين عبد الله، [5] وسلطان المحققين قطب الملة والدين
الرازي البهويهي شارح " المطالع " و " الشمسية " وصاحب " المحاكمات "، [6] والسيد
الجليل محمد بن الحسن بن زهرة الحسيني الحلبي، [7] والسيد المعظم نجم الدين
مقدمة التحقيق 76

مهناء بن سنان [8] والشيخ رضي الدين أبو الحسن علي بن الشيخ جمال الدين
أحمد بن يحيى المعروف بالمزيدي، كلهم عن طود العلم والتحقيق ومن هو بالتقديم
على الكل حقيق آية الله في العالمين أبي منصور الحسن بن يوسف بن مطهر الحلي
الشهير بالعلامة.
ولكل من هؤلاء المشايخ الثمانية طرق متكثرة أخرى من غير توسيط العلامة
منتهية إلى أرباب العصمة مذكورة في الإجازات المبسوطة.
ح ولشيخنا الشهيد شيخ آخر، وهو الشيخ الجليل جلال الدين الحسن بن
أحمد بن الشيخ الكبير نحيب الدين محمد بن جعفر بن هبة الله بن نما، عن أبيه عن
أبيه، عن الشيخ أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن طحال البغدادي، عن الشيخ أبي
على بن الشيخ الأجل الأعظم، شيخ الطائفة ورئيسهم الشيخ أبي جعفر الطوسي.
ح وعن جلال الدين عن الشيخ الأعظم الأعلم الشيخ نجم الدين أبي القاسم
الشهير بالمحقق، عن السيد الجليل فخار بن معد الموسوي، عن الشيخ النبيل الشيخ
أبي الفضل شاذان بن جبرئيل القمي نزيل دار هجرة رسول الله صلى الله عليه
وآله، عن الشيخ أبي عبد الله جعفر بن محمد بن أحمد الدوريستي، عن الشيخ
الأجل عماد الدين أبي جعفر محمد بن أبي القاسم الطبري الآملي، عن الشيخ أبي
علي عن أبيه شيخ الطائفة.
ح وعن الدوريستي عن الشيخ الأعظم الأجل والإمام الهمام الأكمل
رئيس الشيعة واستادهم ومرجعهم وسنادهم الشيخ المفيد محمد بن محمد بن
النعمان.
ح وعن الدوريستي عن أبيه، عن الشيخ المهذب وقدوة المذهب الشيخ العالم
العامل الكامل الصدوق الشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي
نزيل الري.
ثم إن شيخنا العلامة الحلي قدس سره يروي عن مشايخه العظام الكرام.
منهم: والده سديد الدين يوسف بن المطهر.
مقدمة التحقيق 77

ومنهم: نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن بن الحسن بن يحيى بن سعيد الشهير
بالمحقق.
ومنهم: الشيخ مفيد الدين محمد بن الحسن بن الجهم الأسدي الحلي.
ومنهم: الأخوان السيدان السندان العالمان العاملان الزاهدان العابدان.
أحدهما: نقيب النقباء وزبدة الشرفاء، صاحب المقامات العالية رضي الدين
أبو القاسم علي، والآخر: فقيه أهل البيت أبو الفضائل جمال الدين أحمد، ابنا
السيد السعيد موسى بن جعفر بن محمد بن أحمد بن طاووس.
ومنهم: الفاضل القمقام أستاذ البشر حجة الفرقة الناجية خواجة نصير الدين
الطوسي محمد بن محمد بن الحسن.
ومنهم: الشيخ نجيب الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن بن سعيد
صاحب " الجامع ".
ومنهم: العلامة الفيلسوف العالم الرباني كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم
البحراني صاحب " شروح نهج البلاغة " وغيرهم.
ولكل من هذه المشايخ العظام طرق متكثرة إلى أصحاب الأصول ومنهم إلى
أرباب العصمة إلى آل الرسول ونحن نقتصر بكل منهم بطريق واحد.
فالشيخ سديد الدين يروي عن السيد أحمد العريضي، عن برهان الدين
الهمداني القزويني، عن الشيخ منتجب الدين علي بن عبد الله بن الحسن بن
الحسين بن علي بن بابويه، عن السيد ضياء الدين أبي الرضا فضل الله بن علي بن
عبيد الله الراوندي الكاشاني أصلا ومدفنا، عن الشيخ أبي علي بن الشيخ الأعظم
الشيخ أبي جعفر الطوسي شيخ الطائفة.
والمحقق يروي عن الشيخ نجيب الدين بن نما، عن شيخه الفاضل المجتهد
محمد بن إدريس العجلي الحي صاحب " السرائر "، عن الشيخ عربي بن مسافر،
عن إلياس بن هشام، عن الشيخ أبي علي عن أبيه شيخ الطائفة.
ح عن ابن إدريس عن خاله الشيخ أبي علي عن والده شيخ الطائفة.
مقدمة التحقيق 78

ومحمد بن الجهم يروي عن السيد فخار بن معد المتقدم أسناده إلى شيخ الطائفة
والمفيد والصدوق.
والسيدان ابنا طاووس يرويان عن الشيخ نجيب الدين السوراوي، عن الشيخ
حسين بن هبة الله السوراوي، عن الشيخ أبي علي عن أبيه شيخ الطائفة.
والخواجة نصير الدين يروي عن والده عن السيد فضل الله الراوندي بسنده
المتقدم عن شيخ الطائفة.
والشيخ كمال الدين يروي عن الشيخ جمال الدين علي بن سليمان البحريني،
عن شيخه كمال الدين بن سعادة البحريني، عن الشيخ نجيب الدين السوراوي
بسنده المتقدم عن شيخ الطائفة.
والشيخ يحيى بن سعيد يروي عن المحقق بسنده المتقدم.
ثم هذه الأسانيد كما عرفت ينتهي أكثرها إلى الإمام الأعظم شيخ الطائفة
الناجية الشيخ أبي جعفر الطوسي، وبعضها إلى رئيس الشيعة الشيخ المفيد،
وبعض آخر إلى قدوة المذهب الشيخ الصدوق علي بن الحسين بن بابويه.
ثم بالأسانيد إلى الشيخ الطوسي - كما ذكرتها ومما لم تذكر - عن عدة عن مشايخه
المذكورين في كتب الأخبار بالأسانيد المتصلة فيها بالأئمة الأطهار عليهم
صلوات الله آناء الليل وأطراف النهار.
منها عن شيخه مفيد الطائفة، عن شيخه أبي القاسم جعفر بن محمد بن
قولويه، عن شيخه الأعظم ثقة الإسلام ومعتمد الخاص والعام محمد بن يعقوب
الكليني، عن مشايخه المذكورين في جامعه " الكافي " بأسانيدهم المتصلة بالأئمة
صلوات الله عليهم جميعا.
ح وعن الشيخ المفيد عن الشيخ الصدوق عن مشايخه المذكورين في كتب
الأخبار بأسانيدهم المتصلة بالأئمة صلوات الله عليهم جميعا.
ح وعن الشيخ المفيد عن الشيخ الصدوق عن مشايخه المذكورين في كتب
الأخبار بأسانيدهم المتصلة بالأئمة الأخيار.
مقدمة التحقيق 79

هذه جملة من الطرق إلى أصحاب الأصول، وباقي الطرق مذكورة في
إجازات أصحابنا، المطولة.
وأعلى طرقي ما أرويه بثالق وسائط عن المحدث المجلسي عن والده التقي، عن
الشيخ المعمر الشيخ أبي البركات الواعظ الإصفهاني، عن المحقق الثاني الشيخ
علي بن عبد العالي الكركي أو عن المحدث المجلسي، عن الشيخ عبد الله بن جابر
العاملي عن أبيه أو عن جد والده المذكور كمال الدين درويش محمد بن الشيخ
حسن النطنزي، كلاهما عن المحقق الكركي، عن محمد بن داود، عن الشيخ ضياء
الدين، عن والده محمد بن مكي الشهير بالشهيد الأول، عن الشيخ جلال
الدين، عن نجم الدين أبي القاسم الشهير بالمحقق، عن السيد فخار، عن شاذان، عن
الدوريستي، عن شيخنا المفيد، عن الصدوق، أو عن الدورسيتي عن أبيه، عن
الصدوق أعلى الله درجاتهم.
وأعلى طرق الصدوق إلى الصادق عليه السلام ما رواه عن أبيه، عن جعفر بن
عبد الله الحميري، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن زياد، عن الإمام بالحق
جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام.
وأعلى طرقه، إلى أمير المؤمنين وإمام المتقين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب
عليه صلوات الله رب العالمين: ما يرويه عن أبي محمد الحسن بن محمد بن يحيى
عن الشريف أبي عبد الله محمد بن الحسن بن إسحاق بن الحسن بن الحسين بن
إسحاق بن موسى بن جعفر عليهما السلام، عن الشيخ المعمر أبي الدنيا علي بن
عثمان المغربي صاحب أمير المؤمنين، عن أمير المؤمنين عليه السلام.
ولنا طريق آخر أعلى من ذلك إلى أبي الدنيا المذكور، وهو ما أرويه عن والدي
العلامة، عن شيخه المحدث المحدث الشيخ محمد مهدي الفتوني العاملي أو شيخه الدين
المولى جعفر البيدگلي، كلاهما عن الشريف أبي الحسن العاملي، عن الحاج
محمود الميمندي، عن السيد نعمة الله الجزايري، عن شيخه الثقة السيد هاشم بن
الحسين الإحسائي، عن أستاذه وشيخه الثقة المقدس الشيخ محمد الحرفوشي، عن
مقدمة التحقيق 80

الشيخ المعمر أبي الدنيا المغربي عن مولانا أمير المؤمنين وساير أئمتنا الطاهرين
عليهم صلوات الله إلى يوم الدين.
ثم إن ما أوردناه جملة من الطرق الموصلة إلى أصحاب الأصول. وأما غير
الأصول من مصنفات الأصحاب فلنرويها عن أربابها المذكورين وغير المذكورين
بالطرق الواصلة إليهم.
وأروي " الصحيفة السجادية " بطرقي المتقدمة عموما عن الشيخ الطوسي.
وأرويها خصوصا بسندي المروي عن شيخي المعظم السيد محمد مهدي
الطباطبائي، عن الشهيد الأول، عن السيد النسابة تاج الدين بن معية، عن والده
أبي جعفر القاسم، عن خاله تاج الدين أبي عبد الله جعفر بن محمد بن معية، عن
والده السيد مجد الدين محمد بن الحسن بن معية، عن الشيخ أبي جعفر محمد بن
شهرآشوب المازندراني، عن السيد عماد الدين أبي الصمصام ذي العقار بن
محمد بن معبد الحسيني، عن الشيخ أبي جعفر الطوسي، عن جماعة، عن
هارون بن موسى التلعكبري، عن أبي محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن
جعفر بن عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، المعروف بابن
أخي طاهر، عن محمد بن المطهر - والظاهر أنه محمد بن أحمد بن مسلم المطهري
المذكور في سند الصحيفة المكتوبة في صدرها، عن أبيه، عن عمى بن المتوكل
البلخي، عن أبيه المتوكل بن هارون، عن يحيى بن زيد بن علي، عن أبيه زيد بن
علي، عن أبيه الإمام بالحق سيد الساجدين علي بن الحسين عليهما السلام.
وأروي أدعية كتاب " مهج الدعوات " بأسانيدي المتصلة إلى السيد العابد الزاهد
السيد رضي الدين علي بن طاووس بأسانيدي عن مؤلفيها بأسانيدهم.
وقد أجزت لأخي وقرة عيني - وفقه الله وأبقاه ومن كل سوء حماه ووقاه -
رواية جميع ذلك عن مشايخي العظام وأساتيدي الكرام، الذين هم آبائي
الروحانيون، جزاهم الله أحسن الجزاء.
مقدمة التحقيق 81

وقد أجزت له أن يروي عني كل ما سمع مني وجرى به قلمي من مصنفاتي في
العلوم ومؤلفاتي التي برز مني إلى ذلك الزمان وهي تقرب من عشرين مؤلفا،
سيما كتاب " مستند الشيعة في أحكام الشريعة " في الفقه الاستدلالي، تمت منه
كتب العبادات جميعا، وأبواب المكاسب والمتاجر إلى أواخر مباحث الخيارات،
والأطعمة والأشربة والصيد والذبايح والمواريث والقضاء وشطر من الشهادات
وكذلك من النكاح، وكتاب " مناهج الأحكام " في أصول الفقه، وكتاب " عوائد
الأيام " في المسائل المهمة الكلية التي يتوقف عليها الفروع، وغير ذلك.
فليرو جميع ذلك وسائر ما سيبرز مني إن شاء الله عني كيف شاء وأحب لمن أراد
وطلب.
وأشترط عليه - أيده الله - ما اشترط علي مشايخي من التثبث والاحتياط في
الفتوى والعمل، ليطمئن من الوقوع في مهاوي العثرة والزلل. ثم أوصية بعمدة ما
به النجاة والنجاح مما أوصاني به الوالد الرؤوف العطوف تغمده الله بغفرانه.
فأقول له مخاطبا: يا أخي وقرة عيني وبهجة قلبي! أيدك الله بتأييده وجعلك
من خلص عبيده وسلكك في سلك العلماء لأخيار وصيرك من المقربين الأبرار،
وأطال عمرك في الدنيا بالنعمة والعافية ورزقك في العقبى مرافقة الأخيار
والدرجات العالية.
عليك أولا بتعظيم ربك وتمجيده، والقيام بوظائف شكره وتحميده، وليغلب
على لسانك ذكره على سائر الأذكار وعلى جنانك فكره على سائر الأفكار، وإياك
أن تغلب على حبه حب الأغيار، فإن ذلك يوجب السقوط عن مراتب الأخيار
وعدم الوصول إلى عالم الأنوار.
وعليك بالقيام بوظائف خدمته والسعي في امتثال أو امره وإجابة دعوته، فإن
حقه عليك عظيم ومنه عليك جسيم ثم عليك التذلل إليه والتضرع والاستكانة
لديه، وإظهار الذلة والمسكنة في بابه، والمبالغة في إبراز المهانة والفاقة عند جنابه،
فإنه يورث عز الدارين والصعود إلى مدارج ترقيات والنشأتين.
مقدمة التحقيق 82

وعليك ثالثا بتعظيم نبيك وعترته وأئمتك الأطهار من ذريته، فإنهم وسائط
الرحمة الإلهية ووسائل النجاة الأخروية.
ورابعا بتعظيم العلماء والفضلاء، وتكريم الصلحاء والأتقياء، والرغبة في
مصاحبتهم وملازمتهم، والشوق إلى مجالستهم ومسادنتهم، فإنه يصفي الباطن
وينوره. إياك ومرافقة الجهال والأراذل، ومحادثة من أكثر همه الجاه والمال، فإنه
يسود القلب ويكدره.
وعليك خامسا بتوقير المشايخ والمعمرين والبر والإحسان إلى كافة الموحدين.
وإياك سادسا وكسر قلب من القلوب، فإنه أعظم المعاصي وأشد الذنوب.
واتق دعاء المظلوم واللهفان، فإنه أنفذ من السيف والسنان.
واجتهد سابعا في قضاء حوائج الإخوان بقدر الإمكان، وإغاثة المضطرين
واللهفان، سيما الذرية العلوية الذين مودتهم أجر الرسالة والنبوة كما نطق به
صريح الكتاب والسنة. ولا تسامح في صلة الأرحام، فإنها تعمر الديار وتزيد في
الأعمار، كما استفاض تبه الأخبار.
وعليك ثامنا بحفظ نواميس الدين والإيمان وخدمة الشريعة بقدر الإمكان، من
ترويج الأحكام ونشر مسائل الحلال والحرام، والأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، وإقامة الجماعات ودعوة العباد إلى الطاعات.
وإياك تاسعا أن تعتمد في أمورك ومقاصدك على غير بك المنان، فإن ذلك
يوجب الحقد والحرمان، كما نطق به القرآن، وتطابقت عليه نصوص المطهرين
وكلمات أساطين الحكمة والعرفان بل شهد به التجربة والعيان، فاللازم أن تكون
في أمورك واثقا به متوكلا عليه آيسا عن غيره منقطعا إليه، وتكون في كل ما يرد
عليك راضيا بقضائه صابرا على بلائه، بل اجتهد أن تكون فرحانا بكل ما يرد عليك
من عالم القضاء من العافية والبلاء، فإن ذلك أجل مقامات أهل الولاء.
وعليك عاشرا بالقناعة والكفاف والتباعد عن التبذير والإسراف، فإنها ذخيرة
ليس لها نفاد، وتجارة رابحة لا تتطرقها الكساد.
مقدمة التحقيق 83

وإياك ثم إياك والاغترار بتملق أبناء الزمان، وكن من أوثقهم عندك على تحذير
{ولا ينبئك مثل خبير} 1.
واعلم أنه لا نجاة إلا بتخلية الباطن من رذائل الصفات وتحليته بفضائل الأخلاق
والملكات، فملاك الأمر وضامن النجاة هو التخلق بالأخلاق المرضية والتزين
بالفضائل الخلقية، فإنها نفس البهجة والسعادة بتصريح النبيين وإجماع المسلمين
وإطباق حكماء اليونان والفرس والهند والصين.
ثم عليك بتقديم التروي والتفكر في كل أمر تريد أن تفعله، فلا تدخل فيه إلا
بملاحظة عاقبته. واجتهد في صرف وقتك في اكتساب الكمالات النفسية وقطع
زمانك في اقتناء الفضائل العلمية، ولا تصرف عمرك في غير ذلك إلا فيما تحتاج
إليه من أمر المعيشة، فإن ذلك مما رخص فيه في الشريعة.
هذه هي الوصايا النافعة لك.
وأما الوصية الراجعة إلي، فأن لا تنساني من الدعاء الخلوات وشرائف
الأوقات، وتتفقدني بالترحم عقيب الصلوات ومحل الاستجابات. وألزم عليك أن
تذكرني الترحم وطلب الغفران في الحيات وبعد الممات، وأسأل الله أن يعطيك
خير الدارين وسعادة النشأتين بحق نبينا محمد آله سادات الثقلين.
كتبه بيمناه الداثرة، أوتي كتابه بها في الآخرة، أحمد بن محمد مهدي بن
أبي ذر ابن الحاج محمد القمي النراقي الكاشاني مسكنا في أواخر شهر ذي الحجة
الحرام سنة 1244 (ألف ومائتين وأربع وأربعين) من الهجرة النبوية على هاجرها
ألف صلاة وتحية حامدا مصليا.

(1) الفاطر (35)، الآية: 14.
مقدمة التحقيق 84

الفصل الثاني: نحن والكتاب
يعد كتاب " عوائد الأيام " واحدا من أهم وأشره مؤلفات الفاضل النراقي وهو
يتضمن القواعد الأصولية والفقهية والأساسية، وبعض الموضوعات والفوائد الأدبية
والرجالية.
وقد عني المؤلف فيه إلى طرح مباحث عد الاطلاع عليها والإلمام بها بجهة
استنباط الأحكام أمرا لازما، حيث شعر بخلوها في الكتب السابقة. وعن هذا
يقول في خطبة الكتاب:
" هذا ما استطرفته من " عوائد الأيام " من مهمات أدلة الأحكام وكليات مسائل
الحلال والحرام وما يتعلق بهذا المرام، جعلته تذكرة لنفسي ولمن أراد أن يتذكر
من إخواني ".
وقد عدة في فهرس مؤلفاته وذكره باسم " كتاب عوائد الأيام " 1.
وكذلك أورده في إجازته لأخيه المولى محمد مهدي النراقي. قال رحمه الله: " وكتاب
" عوائد الأيام " في المسائل الكلية المهمة التي تتوقف عليها الفروع ". ذكره في
كتابه الكبير " مستند الشيعة " وأرجع إليه 2.
وقد ذكره أصحاب التراجم بهذا الاسم أيضا. وعبر عنه المراغي في عناوين

(1) المقدمة: 82.
(2) مستند الشيعة 2: 389.
مقدمة التحقيق 85

الأصول ب‍ " العوائد " 1 وكذلك المامقاني في " الاثني عشر رسالة " 2.
تاريخ تأليف العوائد
دون النراقي هذا الكتاب في (88) عائدة وكل منها في موضوع معين.
فالعائدة الأولى هي في بيان قوله تعالى أوفوا بالعقود "، والعائدة الأخيرة في
" تصحيح بعض أسماء الرجال ".
ورغم أن المؤلف ذكر في بداية ونهاية أغلب آثاره تاريخ الشروع وخاتمة
التأليف، لكنه في هذه المرة لم يذكر تأريخ الخاتمة، ولم تذكر المصادر التي ترجمت
له شيئا عن تأريخ تأليف الكتاب أيضا. لكن النراقي ذكر اسم الكتاب في فهرس
مصنفاته الذي حرره بتاريخ 1238 ه‍. وكذلك في إجازته لأخيه المولى محمد
مهدي النراقي المؤرخة 1244 ه‍. وكتب مفهرس مخطوطات مكتبة آية الله
المرعشي النجفي في ذيل التعريف بنسخة من الكتاب:
" تمت العائدة الخمسون منها [لا يعتبر تعلق بالمضاف بجميع المضاف إليه] على ما
كتبه ابن المؤلف شمس المعالي أبو تراب علي النراقي على الورقة الولي من
النسخة في يوم الأربعاء 26 شهر رمضان سنة 1239 " 3.
وجاء في آخر النسخة المطبوعة حجريا عام 1321 ه‍. ما نصه:
" هذا آخر ما كتبه المصنف عليه الرحمة والرضوان، ثم وقعت الواقعة العظيمة
والمصيبة العميمة بعده بأيام قلائل في ثاني بيعي حجة ألف ومأتين وخمسة
وأربعين. وتوفي قدس سره أول ليلة الأحد الثالث والعشرين من شهر ربيع
الثاني [كذا] من السنة المذكورة، وهي سنة 1245 ه‍ ".

(1) عناوين الأصول: ص 93، 105 و 313.
(2) الاثني عشر رسالة 115، 118.
(3) التراث العربي في خزانة مخطوطات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، ج 4 ص 95، رقم
المخطوطة (7148).
مقدمة التحقيق 86

على أية حال ومثلما يستشف مما يورد في ديباجة الكتاب، فإنه ليس لهذا الأثر
تأريخ شروع أو إتمام محددين. بل أن المؤلف صنف هذا الأثر طوال دورة نتاجه
العلمي، وكان يدون بين الحين والآخر موضوعا وعائدة ويلحقها بكتابه وكانت
العائدة (88) آخر العوائد حيث تممها رحمه الله في آخر شهور حياته.
القيمة العلمية لعوائد الأيام
بالإضافة إلى الخصوصيات الفريدة التي توفرت في مؤلف هذا الكتاب باعتباره
واحدا من أعاظم العلماء وأدقهم، فإن لهذا الأثر في حد ذاته قيمة علمية ميزته عن
سائر مؤلفات النراقي، بل لا نظير لهذا الأثر بين مؤلفات سائر العلماء.
ومن تلك الميزات:
أ - ابتكاره مسلكا جديدا في اختيار الموضوعات ومنهجية البحث والتدوين.
ب - عمد النراقي إلى طرح وتحقيق موضوعات ومسائل وجد أن الإلمام بها
ومعرفتها بجهة استنباط الأحكام أمر ضروري.
ج: تطرقه إلى مباحث جديدة لم يطرقها أحد قبله، كمبحث " ولاية الفقيه "
وموضوع " الإسراف "، واللذين طرحها لأول مرد بشكل مستقل وشامل دراسة
وتحقيقا. وكان صاحب العوائد أول فقيه يجمع موضوعات والمباحث الخاصة
بولاية الفقيه، ويؤكد بأدلة عقلية ونقلية أن للفقيه جميع الخيارات الحكومية التي
تمتع بها النبي والأئمة عليهم السلام.
د: ومن خصائص الكتاب تنوع الموضوعات والقواعد المطروحة بحثا وتحقيقا،
يشمل القواعد والفوائد الأصولية والفقهية والأدبية والرجالية والحديثية التي يحتاج
الفقيه إليه في طريق الاجتهاد والاستنباط.
ه‍: تتبعه الوسيع في الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، والخوض في أقوال
الفقهاء من المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين له، والاستفادة من آراء كبار الأدباء
والمفسرين وخبراء ساير العلوم، والدقة في كلماتهم والأمانة في نقل كلماتهم.
مقدمة التحقيق 87

والتدقيق العميق في النصوص والآراء.
و: النظم الجميل في ترتيب المباحث والدقة في صياغة التعابير، ورعاية
الإيجاز والاختصار والمتانة في بيان المطالب خاليا عن التعقيد والغموض.
ولهذا كان هذا الأثر النفيس ومنذ البداية محطا لتوجه فحول العلماء والفقهاء
وقبولهم، حيث عنوا إلى دراسته ونقد الآراء الواردة فيه.
وعن منزلة الكتاب وأهميته قال صاحب الروضات:
" وكتاب " عوائد الأيام " في مستطرفات تمام عمره الشريف المنعام، من قواعد
الفقهاء الأعلام وقوانينهم التي لابد فيها من الإعلام ومهما كان كل شئ
من الدنيا سماعه أعظم من عيانه، فلعمر الحبيب إن هذا الكتاب على عكس
قاعدة تكون في أقرانه " 1.
وقال المدرس التبريزي:
" عوائد الأيام " من قواعد الفقهاء الأعلام وقوانينهم التي لابد من الإعلام.
والذي يحتوي على قواعد أصولية وفقهية رئيسية وهو في موضوعه لم يسبق
له مثيل " 2.
الحواشي على العوائد
1 - حواشي الشيخ الأنصاري على بعض مباحث العوائد، والتي وردت في
حاشية نسختين مطبوعتين من الكتاب 3.
2 - الرد على مبحث " تداخل الأسباب " باسم: البوارق لكشف معضلات
الحقائق " للآقا محمد حسين بن الآقا محمد علي النجفي بن الآقا محمد باقر
الهزار جريبي 4.

(1) روضات الجنات 1: 95.
(2) ريحانة الأدب 6: 161.
(3) الذريعة 15: 354.
(4) الذريعة 15: 354.
مقدمة التحقيق 88

3 - حاشية الميرزا محمد التنكابني صاحب " قصص العلماء " 1.
طبعات العوائد
قال الشيخ آقا بزرگ الطهراني: " وقد طبع بإيران في عام 1266 ه‍ " 2.
وقال المدرس التبريزي "... طبع في إيران المرات عديدة " 3.
وقال المرحوم خان بابا مشار: " طبع أولا في طهران 1245 ق في 299 صفحة "
وثانيا عام 1266 ق، طبعة حجرية، قطع خشتي دونما ترقيم لصفحاتها،
وثالثا في طهران عام 1321 ق، طبعة حجرية، قطع وزيري، في 301 صفحة " 4.
وقال عبد الجبار الرفاعي: " طبع في طهران عام 1216 ه‍، وعام 1245 ه‍ في
299 صفحة، وطهران 1266 ه‍، وطهران 1321 ه‍ في 301 صفحة " 5.
أقول: لم نعثر على طبعة " عوائد الأيام " - قبل طبعتنا هذه إلا طبعتين، أولها
عام 1266 ه‍. والأخرى عام 1312 ه‍ في 298 صفحة.
وبالأوفست عن الطبعة الثانية طبعتها مكتبة بصيرتي بقم المقدسة 1405 ه‍،
وأما ما قاله الرفاعي من أن الكتاب طبع في عام 1216 ه‍ فهو سهو بلا ريب، لأن
المطبعة لم تكن حينها قد دخلت إيران، وقد صرح نفسه في مقدمة " معجم
المطبوعات العربية في إيران " ص 44: إن أول مطبعة أنشئت في طهران كانت في
عام 1239 ه‍ الموافق ل‍ 1823 وذلك بعناية وإشراف منوچهر خان معتمد الدولة
الگرجي، وعرفت باسم " مطبعة المعتمدي ".
وثانيا: أن الكتاب لم يتم تأليفه في هذا التأريخ فضلا عن طبعه.
وأما سنة 1245 فلعله التبس تاريخ وفاة المؤلف مع تاريخ طبعة الكتاب،

(1) قصص العلماء: 130.
(2) الذريعة 15: 354.
(3) ريحانة الأدب 6: 161.
(4) فهرست الكتب العربية المطبوعة: 64، فهرست مؤلفين الكتب المطبوعة (فارسي): 483.
(5) معجم المطبوعات العربية في إيران: 526 - 525.
مقدمة التحقيق 89

والصحيح هو الطبعة الحجرية في 298 صفحه في عام 1312 ه‍.
وقد طبعت عائدتان من الكتاب ضمن مجموعة باسم " ثلاث دراسات " في عام
1410 ه‍. بتصحيح آية الله السيد أبو الفضل المير محمدي الزرندي، في مؤسسة
النشر الإسلامي التابعة الجماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم المقدسة.
وهما: العائدة 19 " في بيان قاعدة نفي العسر والحرج "، والعائدة 88، وهي العائدة
الأخيرة - تحت عنوان: " تصحيح المشتبه في بيان تصحيح بعض أسماء
الرجال... ".
ومع الأسف فقد أساء المصحح التصرف ولم يقابلها مع أي مخطوطة وأسقط
بعض العبارات وخلط بعض العناوين، وبخلاف قصده وقع المصحح في أخطاء
كثيرة، علمية ومطبعية، تدرك بأدنى تأمل.
وطبعت أيضا العائدة 54 باسم " ولاية الفقيه " مستقلة في بيروت وهي من
إعداد السيد ياسين الموسوي، ومما يؤسف له أن هذه الطبعة ملئت بالأخطاء المطبعية
وسقطت منها عبارات كثيرة.
وقد أشار مصحح هذه الطبعة في مقدمته إلى طبعتين سابقتين: الأولى في
مجلة دراسات وبحوث، والثانية في إيران 1.
وقد ترجمت العائدة 54 في " بيان ولاية الفقيه " إلى الفارسية، وطبعت
مستقلة مرتين: الأولى باسم " حدود واختيارات حاكم اسلامي " حيث تولت وزارة
الثقافة والإرشاد الإسلامي في إيران طبعها في الشهر الأخير من عام
1365 ه‍. ش.
والثانية باسم " شؤون الفقيه " قام بترجمتها الدكتور سيد جمال الموسوي.
وطبعت في قم من قبل مركز التحقيق الإسلامي في (بنياد بعثت) مؤسسة البعثة
عام 1367 ه‍. ش.

(1) ولاية الفقيه: 7.
مقدمة التحقيق 90

عملنا في الكتاب
أ - اختيار النسخ
من بين النسخ المخطوطة المتوفرة في المكتبات العامة والخاصة، اعتمدنا في
تحقيق الكتاب على اثنتين مخطوطة واثنتين مطبوعة حجريا، وهي:
1: طبعة حجرية في طهران عام 1266 ه‍. بالقطع خشتي وهي غير مرقمة
الصفحات، جاء فيها: " تم تحريره في يوم الاثنين من العشرة الأخيرة من شهر
جمادي الثانية في هذه السنة ". باهتمام محمد بن عبد الله الطبسي الخراساني،
الشهير بالمقدس، من تلامذة الشيخ الأعظم الأنصاري - قدس سره -. وعليها بعض
الحواشي للشيخ بعنوان " المدقق التستري ".
جاء في آخره: تمت العوائد المشتملة على التحقيقات الحقيقية والفوائد
والمطالب الأنيقة، والتدقيقات الشريفة. وقوبلت مع نسخة الأصل المنسوخة
بخط مؤلفها - رحمه الله - مع كمال الاهتمام واستمداد من الأحباء الأجلاء العظام.
وهي نسخة جيدة جميلة الخط، عليها تصحيحات في المتن والحواشي، وفي
أولها فهرس عناوين العائدات. وقد رمزنا إليها ب‍ (ه‍).
2 - الطبعة الحجرية المطبوعة في طهران بعام 1321 ه‍ بالقطع الوزيري في
298 صفحة. باهتمام الشيخ أبو طالب النائيني من طلاب إصفهان. ومع الأسف
فإن هذه الطبعة مليئة بالأغلاط والأخطاء. ورمزنا إليها ب‍ (ح).
3 - مخطوطة مكتبة غرب همدان، المرقمة (1043 ه‍) وقد نسخت عام
1261 ه‍ جاء فيها: " تم تحريره عن الزوال [كذا] العشرون من الشهر الثاني عشر ".
وهي بخط عبد العظيم بن محسن بن حاجي محمد طاهر، وباهتمام حضرة المستطاب زبدة الفضلاء الآقا محمد نبي بن فضل الله. وثمة تصحيحات إضافية
على النسخة باسم محمد حسن الرضوي، وقد كتبت عناوين العائدات في
الحواشي، والنسخة ممتازة بسلامة أوراقها وحسن الخط، وفي آخرها فهرس عناوين
مقدمة التحقيق 91

العائدات. وقد رمزنا إليها ب‍ (ب).
4 - مخطوطة مكتبة الروضة الرضوية المقدسة في مشهد، المرقمة (735) وقد
حررت عام 1264 ه‍. في يوم الخميس من العشر الثالث من شهر شعبان المعظم
في القرية المسماة ب‍ (جيلان) من محال بسطام. والنسخة بخط النستعليق الجيد،
في حواشيها تصحيحات. وفي آخرها فهرس عناوين العائدات ورمزنا إليها
ب‍ (ج).
هذا وقد راجعنا بعض الاختلافات الواردة على مخطوطة أخرى، عام تحريرها
1269 ه‍ هي 273 صفحة، توجد في مكتبة مكتب الإعلام الإسلامي بقم
المقدسة.
وكذا على ما يكرو فيلم مخطوطة المكتبة المركزية بجامعة طهران، المرقمة
(3508) وفي أولها إجازة مؤلف الكتاب إلى أخيه المولى محمد مهدي النراقي،
والنسخة في حتى العائدة 67، أي ناقصة الآخر.
ب: تخريج الآيات والأحاديث
حاولنا تخريج الأحاديث التي أوردها المصنف نصا أو مضمونا أو إشارة عن
طريق الخاصة والعامة من المصادر الأصلية المشار إليها في المتن، كالكتب الأربعة
وغيرها، لزيادة الفائدة خرجناها أيضا من كتاب " وسائل الشيعة ".
وقد آثرنا أن نشير إلى موارد اختلاف المتن مع المصادر بزيادة أو نقصان.
وخرجنا الأحاديث المروية عن طريق العامة التي ورد ذكرها في غير واحد من كتب
الصحاح والسنن عن أكثر من مصدر.
ج - تخريج الأقوال والآراء
1 - حاولنا تخريج الأقوال والآراء الواردة في الكتاب تصريحا أو إشارة
وإرجاعها إلى مصادرها، وبذلنا ما في وسعنا من الجهد والطاقة لتخريج الأقوال
وعزوها إلى مصادرها، ولم نركن إلى المصادر الثانوية إلا بعد اليأس من الوصول
إلى المصادر الأصلية.
مقدمة التحقيق 92

2 - خرجنا الأقوال التي لم يسم المصنف قائلها، واكتفى التعبير عنها بمثل:
قيل، نقل، أجيب، بعض الأصحاب، بعض المحققين المعاصرين، بعض
مشائخنا....
3 - خرجنا أقوال مؤلفي الآثار المفقودة أو ما لم نعثر على كتابه، إن كانت
وردت في آثار سبقت المصنف أو كان معاصرا له.
4 - في الموارد التي أشار فيها المصنف إلى أقوال الفقهاء أو نسبة القول إلى
الأكثر أو الإجماع، ذكرنا لها أكثر من مصدر.
5 - لم نكتف بالمصادر المطبوعة، بل عدنا إلى المخطوطات مثل: " معتمد الشيعة "
و " اللوامع " للمولى المحقق النراقي الأول، و " مصابيح الظلام " للبهبهاني، و " شرح
المفاتيح " للآقا هادي و " الاثنا عشرية " للفاضل النباطي، و " حاشية خلاصة
الأقوال " للشهيد الثاني، وغيرها.
واعتمدنا الدقة والأمانة في ضبط الأقوال والآراء، وتثبيت الاختلافات.
د - تقويم النص وصياغة الهوامش
1 - لقد اعتمدنا في التحقيق على النسخ التي مرو صفها والمصادر، معتمدين
أسلوب التلفيق، وانتخاب ما هو الأصح وإثباته، وتحاشينا أن نذكر جميع
اختلافات النسخ، التي لا تفيد سوى تشتيت ذهن القارئ وزيادة حجم الكتاب.
وأشرنا إلى بعض الاختلافات التي تغير المعنى في الهامش.
2 - نظرا لما لضبط النص من الأهمية في الموارد الخاصة، فقد عمدنا إلى الإتيان
بالنص مضبوطا بالشكل.
3 - اتبعنا في الإملاء وفي علائم الترقيم على الكتابة العربية الحديثة والرسم
المتداول حاليا.
4 - ميزنا نص الآيات الكريمة بوضعها بين القوسين المزهرين، هكذا: {...}،
وميزنا نص الأحاديث الشريفة بوضعها بين القوسين المتضايفين، هكذا: "... ".
وأما الأقوال والآراء، فعند ما ينقل المصنف نص كلام أحد من دون تصرف فيه،
مقدمة التحقيق 93

ذيلناها برقم هامشي، يعد بمثابة نهاية القول المنقول، وأما المنقول ومضمونا أو إشارة
فأشرنا إليه برقم هامشي في صدر الكلام.
5 - الإضافات التي أوردناها لاستقامة العبارة أو من المصادر وضعناها بين
معقوفين، هكذا: [...].
6 - اتبعنا في تنظيم الهوامش الأسلوب المتعارف، فأوردنا اسم المصدر المشار
إليه في المتن أوت، ثم رقم المجلد إن وجد، بعده علامة (:)، يليها رقم الصفحة،
وبعدها علامة (/) يوضع بعدها رقم الحديث إن كان المصدر من كتب الأخبار،
وفي مثل " وسائل الشيعة " ذكرنا رقم الباب قبل رقم الحديث.
7 - وضعنا عناوين العائدات المقتبسة من المتن، ورقمناها.
ه‍: إعداد الفهارس الفنية التالية
1 - فهرس الموضوعات. 2 - فهرس الأعلام. 3 - فهرس الآيات الكريمة.
4 - فهرس الأحاديث الشريفة. 5 - فهرس الكتب الواردة في المتن. 6 - فهرس
المصادر.
هذا، وقد بذلنا ما في وسعنا من الجهد والطاقة لتقديم نص سليم مضبوط،
خال من الإغلاق والإبهام. ولنستدع من العلماء المحققين أن يأخذوا بأيدينا عبر
الانتقاد والإرشاد من خطأ متأت عن غفلة، أو سبق قلم.
تشكر وثناء
وفي الختام نرى من الواجب علينا أن نقدم شكرنا إلى كل من ساهم بمساعدتنا
في تحقيق وإخراج هذا السفر القيم. نخص بالذكر منهم:
أصحاب سماحة حجج الإسلام: الشيخ عباس تبريزيان والشيخ علي الأسدي
والشيخ منصور إبراهيمي، لمساعدتهم في مقابلة النسخ والتخريج والتقطيع.
والفضلاء المحققين حجج الإسلام: الشيخ نعمت الله جليلي، والشيخ محمد
الباقري، والشيخ محمد الحسون، والشيخ رضا المختاري لتفضلهم بإرشادات نافعة
مقدمة التحقيق 94

في طول العمل.
والأخ محمد علي النجفي لمساعدته في تعريب المقدمة، والشيخ محسن
نوروزي لمساعدته في تصحيح التجارب المطبعية. والإخوة الأعزاء في " مديرية
التنقيح والنشر التابعة لمركز الأبحاث والدراسات الإسلامية "، حيث بذلوا غاية
جهدهم في إخراج الكتاب بأحسن هيئة.
وخص بالذكر الفاضل الباحث الشيخ محمد مهدي عادل نيا، لمساعدته في
جميع مراحل العمل منذ البداية حتى ختام تنظيم الفهارس. جزاهم الله خير
الجزاء.
ونسأل الله أن يتقبل منا، ويغفر لنا خطايانا، ويوفقنا لما يحب ويرضى، إنه
ولي التوفيق. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
مركز الأبحاث والدراسات الاسلامية
قسم احياء التراث الاسلامي
علي أوسط الناطقي
قم المقدسة
شعبان المعظم 1416 ه‍.
مقدمة التحقيق 95

الصفحة الأولى من نسخة " ب "
مقدمة التحقيق 97

الصفحة الأخيرة من نسخة " ب "
مقدمة التحقيق 98

الصفحة الأولى من إجازة المولى احمد لأخيه المولى محمد مهدي النراقي،
الملقب ب‍ (آقا بزرك)
مقدمة التحقيق 99

الصفحة الأخيرة من إجازة المولى احمد لأخيه المولى محمد مهدي النراقي
الملقب ب‍ (آقا بزرك)
مقدمة التحقيق 100

الصفحة الأولى من نسخة " ج "
مقدمة التحقيق 101

الصفحة الأخيرة من نسخة " ج "
مقدمة التحقيق 102

ترجمة النراقيان بخط المولى أحمد النراقي
مقدمة التحقيق 103

الكتب الصادرة عن مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية 50
عوائد الأيام
للفاضل المحقق المولى أحمد النراقي
(1185 - 1245 ه‍)
مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على ما أنعم، والشكر له على ما ألهم، والصلاة على باعث
إيجاد العالم، محمد سيد العرب والعجم، وعلى المعصومين من أهل بيته
سادات الأمم، صلى الله عليه وعليهم وسلم.
وبعد، يقول الأذل الأحقر، أحمد بن محمد مهدي بن أبي ذر،
سامحهم الله يوم العرض الأكبر: هذا ما استطرفته من " عوائد الأيام " من
مهمات أدلة الأحكام، وكليات مسائل الحلال والحرام وما يتعلق بهذا المرام.
جعلته تذكرة لنفسي، ولمن أراد أن يتذكر من إخواني، وما توفيقي إلا بالله.
3

عائدة (1)
في بيان قوله تعالى:
أوفوا بالعقود
قال الله سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) (1).
قد اشتهر عند الفقهاء الاستدلال بهذه الآية الكريمة، في تصحيح العقود، و
لزومها. وبه يجعلون الأصل في كل عقد عرفي، وكل إيجاب وقبول،
اللزوم.
واستشكل جماعة في دلالتها، فاللازم تحقيق مدلولها، حتى يعلم دلالتها، و
عدمها.
ونذكر أولا: طائفة من كلام المفسرين، واللغويين في تفسير الآية، ومعنى
العقد والعهد.
قال صاحب الكشاف في تفسيرها: يقال وفى بالعهد، وأوفى به، ومنه
(والموفون بعهدهم) (2) والعقد: العهد الموثق، شبه بعقد الحبل ونحوه، ومنه قول
الحطيئة:

(1) المائدة: 1.
5

قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم * شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا (1)
وهي: عقود الله التي عقدها على عباده، وألزمها إياهم، من مواجب
التكليف. وقيل: هي ما يعقدون بينهم من عقود الأمانات، ويتحالفون عليه، و
يتماسحون من المبايعات ونحوها.
والظاهر أنها عقود الله عليهم في دينه، من تحليل حلاله، وتحريم حرامه، و
أنه كلام قدم مجملا، ثم عقب بالتفصيل، وهو قوله: (أحلت لكم) (2) (3).
انتهى.
أقول: الظاهر اتحاد ما جعله ظاهرا مع ما ذكره أولا، ويحتمل أن يكون مراده
من الأول: ما اختص بالواجبات من التكاليف، وما أوجب عليهم فعله. وما
جعله ظاهرا يكون أعم.
ومراده من عقود الأمانات: عهودها من الودايع المالية وغيرها من أسرارهم
التي يأتمنون فيها بعضهم بعضا.
والتخصيص بما يتحالفون عليه، لحصول الشد والاستيثاق المأخوذين في
معنى العقد.
والمراد بالتماسح، المصافقة، حيث كانت ذلك في المبايعات (4) لشدها و
استيثاقها. فمراد القائل: العهود التي تكون للزوم عرفا.
وقال الشيخ أبو على الطبرسي في مجمع البيان: يقال: وفى بعهده وفاء، و
أوفى إيفاء، بمعنى.

(1) العناج والكرب حبال إضافية يشد بها أسفل وأعلى الدلو لاستحكام شدها بالحبل الكبير وعدم تعفنه
. انظر الصحاح 1: 330 و 212، والقاموس المحيط 1: 208 و 127. والمراد بالبيت: أن عقد القوم
وعهدهم لجارهم عفد وعهد مستحكم من جهات عديدة، وغير قابل للنقض. والبيت في ديوان
الحطيئة: 16.
(2) المائدة: 1.
(3) الكشاف 1: 600.
(4) أي: أن التسامح كان جاريا في المبايعات.
6

ثم قال: والعقود: جمع عقد، بمعنى المعقود، وهو أوكد العهود. والفرق
بين العهد والعقد: أن العقد فيه معنى الاستيثاق والشد، ولا يكون إلا بين
متعاقدين، والعهد قد ينفرد به الواحد. إلى أن قال: (أوفوا بالعقود) أي
بالعهود، عن ابن عباس، وجماعة من المفسرين. ثم اختلف في هذه العهود
على أقوال:
أحدها: أن المراد بها: العهود التي كان أهل الجاهلية عاهد بعضهم بعضا
فيها على النصرة، والمؤازرة، والمظاهرة، على من حاول ظلمهم، أو بغاهم
سوءا. وذلك هو معنى الحلف، عن ابن عباس، ومجاهد، والربيع بن أنس،
وقتادة، والضحاك، والسدي.
وثانيها: أنها العهود التي أخذ الله سبحانه على عباده للإيمان به (1)، وطاعته
فيما أحل لهم أو حرم عليهم، عن ابن عباس [أيضا. و] (2) في رواية أخرى قال: هو
ما أحل وحرم، وما فرض، وما حد في القرآن كله (أي: فلا تتعدوا فيه ولا تنكثوا) (3).
ويؤيده قوله تعالى: (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) إلى قوله
تعالى: (سوء الدار) (4).
وثالثها: أن المراد بها: العقود التي يتعاقدها الناس بينهم، ويعقدها المرء
على نفسه، كعقد الأيمان، وعقد النكاح، وعقد العهد، وعقد البيع، وعقد
الحلف، عن ابن زيد، وزيد ابن أسلم.
ورابعها: أن ذلك أمر من الله سبحانه لأهل الكتاب بالوفاء بما أخذ به
ميثاقهم بالعمل (5) بما في التورية والإنجيل في تصديق نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم)، وما جاء به من عند

(1) كذا، وفي المصدر: بالإيمان به، والأنسب: كالإيمان به.
(2) أثبتناه من المصدر.
(3) بدل ما بين القوسين في " ج "، " ب "، " ه‍ ": فلا يتعدوا فيه ولا ينكثوا. وما أثبتناه من " ح " والمصدر.
(4) الرعد 13: 25.
(5) في المصدر: من العمل.
7

الله، عن ابن جريح، وأبي صالح.
وأقوى هذه الأقوال قول ابن عباس: أن المراد بها عقود الله، التي أوجبها
على العباد في الحلال والحرام والفرائض والحدود.
ويدخل في ذلك جميع الأقوال الأخر، فيجب الوفاء بجميع ذلك إلا ما كان
عقدا في المعاونة على أمر قبيح، فإن ذلك محظور بلا خلاف (1). انتهى.
ومثله قال الطريحي في مجمع البحرين (2).
أقول: مراده من قول ابن عباس، الذي جعله أقوى، هو الذي نقله عنه
منفردا، وهو القول الثاني. ووجه دخول الرابع فيه ظاهر.
وأما وجه دخول الأول: فلأنه العهد على النصرة على من حاول ظلمهم، و
كانوا يحلفون عليه، كما يدل عليه قوله: وهو الحلف.
ولا شك أن النصرة على من ظلم وبغى سوء، مما أوجبه الله سبحانه، سيما
مع الحلف عليه، فإنه أمر راجح شرعا، بل واجب، فيجب بالحلف.
ووجه دخول الثالث: أن المراد (3) ليس كل عقد يعقده المرء على نفسه و
لو اختراعا، بل العقود المجوزة شرعا، المرخص فيها بلسان الشرع،
مثل البيع والنذر، والنكاح، واليمين، كما يدل عليه تصريحه بدخوله في
قول ابن عباس، فإنه صرح بأن قول ابن عباس هو عقود الله التي أوجبها على
العباد، ولا شك أن ما يخترعه المرء ليس كذلك. ويشعر بذلك أيضا أمثلته التي
ذكرها للثاني (4).

(1) مجمع البيان 3: 151.
(2) مجمع البحرين 3: 103.
(3) يعني: المراد من القولين، القول الثالث، وقول ابن عباس الذي اختاره وادعى دخول باقي الأقوال
فيه.
(4) كذا، والأصح: الثالث، فإنه لم يذكر للقول الثاني أمثلة، ولعله سماه بالثاني باعتبار أن المدخول فيه
أول، وهذا الذي يدعي دخوله ثاني، وإن كان بحسب ترتيب الأقوال التي ذكرها أولا ثالثا.
8

وأما الاستثناء الذي ذكره بقوله: " إلا ما كان عقدا في المعاونة على
أمر قبيح " فهو غير مناف للتخصيص بالعقود المرخص فيها من الشرع، لأن فيها
أيضا ما يكون كذلك، كالبيع للظلمة، وبيع الخمر وآلات اللهو، والنذر في
المعاصي وأمثالها، فإن المراد حينئذ: المرخص نوعها في الشرع.
فإن قلت: قوله سبحانه: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) (1) يدل
على حسن الوفاء لكل عهد، وإن كان مما يخترعه العباد، فهو أيضا يكون من عهود الله
سبحانه.
قلنا: المستفاد منه حسن الوفاء بكل عهد، الذي لا كلام فيه،
فيكون عهد (2) الله سبحانه حسن الوفاء، فيجب الوفاء بذلك العهد (3)، أي
اعتقاد حسنه، فيكون كعهده (4) في سائر المستحبات، فيدل المراد (5) على وجوب
الوفاء بهذا العهد من الله، ولازمه حسن الوفاء بكل عهد ولو كان مخترعا،
لا وجوبه.
ومن ذلك يظهر: أن ما جعله أقوى لا يدل على صحة كل عقد يخترعه
العباد بينهم أيضا، بل يدل على وجوب الوفاء بكل عقد عقده الله سبحانه، فلو
كانت صحة كل عقد اخترعوه أيضا ثابتة من الله بغير هذه الآية، تدل تلك الآية (6)
على وجوب الوفاء بمقتضاه (7)، لا أن هذه الآية تكون دالة على صحته.
وقال البيضاوي: الوفاء: هو القيام بمقتضى العقد، وكذلك الايفاء.
والعقد: العهد الموثق.

(1) المعارج 70: 32.
(2) في " ب "، " ج ": عقد.
(3) في " ب "، " ج ": العقد.
(4) في " ب "، " ج ": كعقده.
(5) كذا، ويعني: الآية.
(6) يعني آية الوفاء.
(7) أي: مقتضى العقد.
9

ثم نقل شعر الحطيئة المتقدم، فقال: وأصله الجمع بين الشيئين بحيث يعسر
الانفصال. ولعل المراد بالعقود: ما يعم العقود التي عقدها الله سبحانه على عباده، و
ألزمها إياهم من التكاليف، وما يعقدون بينهم من عقود الأمانات، والمعاملات، و
نحوها مما يجب الوفاء به، أو يحسن، إن حملنا الأمر على المشترك بين الوجوب
والندب (1). انتهى.
ويحتمل أن يكون مراده من " ما يعقدون بينهم " العقود المرخصة فيها شرعا.
وقال الراغب على ما نقل عنه: العقود: باعتبار المعقود والعاقد ثلاثة
أضرب: عقد بين الله وبين عباده، وعقد بين الله ونفسه، وعقد بينه وبين
غيره من البشر. إلى أن قال: وظاهر الآية يقتضى كل عقد سوى ما كان تركه قربة
أو واجبا (2).
وقال في الصافي بعد ذكر الآية: القمي عن الصادق (عليه السلام): أي بالعهود (3).
أقول: الإيفاء والوفاء بمعنى، والعقد: العهد الموثق، ويشمل ها هنا كل ما
عقد الله على عباده، وألزمه إياهم، من الإيمان به وملائكته (4) وكتبه ورسله و
أوصياء رسله، وتحليل حلاله، وتحريم حرامه، والإتيان بفرائضه وسننه، و
رعاية حدوده وأوامره ونواهيه، وكل ما يعقده المؤمنون على أنفسهم لله، وفيما
بينهم من عقود الأمانات والمعاملات الغير المحظورة.
والقمي عن الجواد (عليه السلام): " أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عقد عليهم لعلى (عليه السلام) بالخلافة
في عشرة مواطن، ثم أنزل الله (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) التي عقدت
عليكم لأمير المؤمنين (عليه السلام). (5) انتهى.

(1) أنوار التنزيل وأسرار التأويل 2: 132
(2) نقله عنه في روح المعاني 6: 49، وتفسير المراغي 6: 43، وراجع: المفردات: 463 مادة " عهد ".
(3) تفسير القمي 1: 160، وفي " ب ": بالمعهود.
(4) في المصدر، وبملائكته.
(5) تفسير الصافي 2: 5.
10

وقال المحقق الأردبيلي في آيات الأحكام: " الوفاء والإيفاء: القيام بمقتضى
العقد والعهد، والعقد: العهد المشدد بين اثنين فكل عقد عهد، دون العكس.
لعدم لزوم الشدة والاثنينية.
ثم قال بعد نقل كلام صاحب الكشاف: ويحتمل كون المراد: العقود
الشرعية الفقهية، ولعل المراد أعم من التكاليف والعقود التي بين الناس و
غيرها كالإيمان، فالإيفاء بالكل واجب، فالآية دليل وجوب الكل، فمنها يفهم
أن الأصل في العقود اللزوم (1). انتهى.
وقال في القاموس في معنى العقد: عقد الحبل والبيع، والعهد، يعقده:
شده وعنقه إليه لجأ، والحاسب حسب، والعقد: الضمان، والعهد، والجمل
الموثق الظهر.
وقال في معنى العهد: العهد: الوصية، والتقدم إلى المرء في الشئ،
والموثق، واليمين، وقد عاهده، والذي يكتب للولاة، من عهد إليه أوصاه،
والحفاظ، ورعاية الحرمة، والأمان، والذمة، والالتقاء، والمعرفة، ومنه عهدي
فيه بموضع كذا (2). وقريب منه في الصحاح (3) وغيره (4).
ومن جميع ما ذكرنا ظهر: أنه يلزم في العقد: الاستيثاق والشد، وأن
للعهد معاني متكثرة، وأن المعاني التي ذكروها للعقود في الآية هي ستة، بل
ثمانية:
الأول: مطلق العهود.
والثاني: عهود أمير المؤمنين (عليه السلام).
والثالث: عهود الجاهلية على النحو المتقدم.

(1) زبدة البيان في أحكام القرآن: 462.
(2) القاموس المحيط 1: 327 و 331.
(3) الصحاح 2: 510 و 515.
(4) لسان العرب 3: 296 و 311.
11

والرابع: العقود التي بين الله سبحانه وبين عباده، إما التكاليف والواجبات
خاصة، أو مطلق ما حده وشرعه لهم.
والخامس: العقود التي بين الناس، والمراد منها يحتمل أن يكون: العقود
المتداولة بينهم، المقررة لهم من الشرع، أي: العقود الفقهية، وأن يكون مطلقها
ولو كان باختراعهم.
والسادس: جميع ذلك.
ثم إن فقهائنا الأخيار - رحمهم الله - في كتبهم الفقهية بين تارك للاستدلال
بتلك الآية، لزعم إجمالها.
وبين حامل لها على المعنى الأعم، فيستدل بها على حلية كل ما كان عقدا
لغة أو عرفا، وترتب ثمرته التي أرادها واضعوه، إلا ما خرج بدليل، بل على
لزوم الوفاء بالجميع (1).
وبين حامل لها على العقود المتداولة في الشريعة، من البيع، والنكاح،
والإجارة، والصلح، والهبة، والمزارعة، والمساقاة، والسبق، والرماية، وغيرها
مما ذكرها الفقهاء، فيستدل بها على إثبات هذه العقود، ويتمسك بها في تصحيح
هذه إذا شك في اشتراط شئ فيها، أو وجود مانع عن تأثيرها، ونحو ذلك،
لا تصحيح عقد برأسه (2).
ومنهم من ضم مع العقود المتداولة، سائر ما عقده الله سبحانه على عباده
أيضا، فحمل الآية على كل ما عقده الله سبحانه، سواء كان من العقود المتداولة
أو غيرها، وهو كسابقه في محط الاستدلال.
ويظهر من بعضهم أيضا احتمال حملها على العقود التي يتعاقد الناس
بعضهم مع بعض مطلقا، سواء كان من العقود المتداولة في الكتب الفقهية أم لا.

(1) كالحلي في السرائر 3: 149، وصاحب مفاتيح الأصول فيها: 546.
(2) كالفاضل المقداد في كنز العرفان 2: 71، والأردبيلي في زبدة البيان 2: 463.
12

ومحط الاستدلال حينئذ كالأول.
ثم إن منهم من يفسر الأمر بالإيفاء على لزوم نفس العقد ووجوب الالتزام
به (1)، إلا إذا تحقق ما يرفع لزومه شرعا، فيكون منافيا لجواز العقد. (2)
ومنهم من يفسره بالعمل على مقتضى العقد ما دام باقيا، فلا ينافي كون
بعض العقود جائزا، كالشركة، والمضاربة، ونحوهما (3).
ومنهم من يفسره بوجوب اعتقاد لزوم اللازم وجواز الجائز (4).
ومنهم من حمله على الرخصة ونفى الحظر (5).
وبعض هذه الوجوه في الإيفاء مختص ببعض محامل العقود.
وتوضيح المقام: أن الآية الشريفة على ما هو نظر الفقهاء يحتمل وجوها:
الأول: أن يكون المراد بالعقود العموم (6)، والأمر بالإيفاء لوجوب القيام
بالمعقود دائما حتى يرد المزيل الشرعي، فتدل الآية على وجوب العمل على
مقتضى كل عقد يعقدونه، مطابقا لحكم العقل بحسن الوفاء بالعهد (7)، فيكون
إيجابا للوفاء بكل عهد وشرط، إلا ما خرج بالدليل.
فيكون معنى الآية: أنه يجب الوفاء بكل عهد موثق بينكم وبين الله،
كالنذر وأشباهه، أو من الله إليكم، كالإيمان به المعهود في عالم الذر و
بعده، وأداء أمانة التكليف التي حملها الإنسان، أو بين أنفسكم،
بعضكم مع بعض، كالبيع وأشباهه، أو بين أنفسكم مع أنفسكم، كالالتزامات

(1) في " ج "، " ه‍ ": الإلزام به.
(2) كالكركي في جامع المقاصد 8: 326، والشهيد الثاني في الروضة البهية 4: 424.
(3) كالعلامة في مختلف الشيعة: 484، والفاضل المقداد في كنز العرفان 2: 71، والأردبيلي في
مجمع الفائدة 1: 172، والبحراني في الحدائق 22: 159.
(4) كالميرزا القمي في غنائم الأيام: 637.
(5) كما في غنائم الأيام: 637.
(6) في " ج " قد تقرأ: العهود.
(7) في " ه‍ " زيادة: وإلا.
13

على النفس من غير جهة النذر.
فيكون الأصل وجوب الوفاء بكل عهد موثق، خرج ما خرج بالدليل،
كالشركة، والمضاربة، ومثلهما، فإنها وإن كانت صحيحة بسبب الإجماع، أو
قوله تعالى: (تجارة عن تراض) (1) وداخلة تحت عموم الآية، إلا أنها ليست
بلازمة بالدليل الخارجي.
وكالمغاوسة وشركة الوجوه والأبدان، فإنها محظورة رأسا من الخارج.
فكل ما يندرج في تجارة عن تراض، يثبت صحته منه ولزومه بتلك الآية. و
ما لا يندرج فيه، يثبت صحته ولزومه معا بها، بل يثبت الصحة واللزوم في
جميع العقود بهذه الآية، خرج ما خرج من الصحة واللزوم، وبقى الباقي.
وعلى هذا الاحتمال لا يجب تتبع أحوال العرف في كل عقد، في أن بنائهم
فيه على اللزوم أو الجواز. وتثمر الآية في العقد المجهول الحال بخصوصه شرعا
أو عرفا، ويثبت منها أصل الرخصة والإيجاب واللزوم، إلا أن يثبت المنع من
الخارج.
الثاني: أن يكون المراد بالعقود: العموم، ويكون المراد بالإيفاء: وجوب القيام
بمقتضى العقد والعهد ما دام المتعاقد أو العاهد (2) - إذا كان واحدا - باق على
العهد، فما لم يرجعا أو أحدهما، يكون الوفاء واجبا. ومع رجوعهما أو أحدهما
وفسخ العهد، يرتفع الوجوب.
وذلك كما في الشركة مثلا، فإن المرءين إذا اشتركا في رأس مال (3)، وشرطا
أن يكون الربح بينهما بالمناصفة، فإن أصل العقد وإن كان جائزا يجوز لكل منهما
الرجوع، إلا أنهما ما لم يرجعا يجب عليهما الوفاء بالشرط. وعلى هذا فلا تفيد
الآية لزوم العقد بالمعنى المتعارف وإن أفادت صحة كل عقد.

(1) النساء 4: 29.
(2) في " ج "، " ب ": المتعاقدان أو العاهد.
(3) في " ج "، " ب ": المال، وفي " ه‍ ": ماله.
14

الثالث: أن يكون المراد بالعقود: العموم، ويكون المراد بالإيفاء: وجوب
العمل بمقتضى العقد، بمعنى: اعتقاد لزوم اللازم، وجواز الجائز، وحلية
الحلال، وحرمة الحرام. وعلى هذا فيكون المراد: أن ما بينا لكم جوازه من
العقود، وميزنا (1) اللازمة منها من الجائزة، والراجحة من المرجوحة، فأوفوا بها
على مقتضاها، فاعتقدوا لزوم اللازمات، واعملوا بمقتضاها، وجواز
الجائزات، واعملوا بمقتضاها، وما لم يتبين لكم من العقود التي بينكم، فما
يقتضيه العرف من اللزوم والجواز، فاعملوا فيها كذلك. فيكون الأمر بالنسبة إلى
العقود المعلومة حالها شرعا من باب الإرشاد والأمر بالمعروف، وبالنسبة إلى
غيرها من باب التأسيس والتقرير، على ما هو مقتضى العقد عندهم، فيجب
حينئذ تتبع أحوال العرف، وأن أي عقد عندهم لازم، وأيا منه جائز.
الرابع: أن يكون المراد بالعقود: العقود التي يتعاقدها الناس بينهم، سواء
كانت من العقود المنصوصة في الشرع، أو غيرها.
ويكون المراد بالأمر بيان الصحة، وترتب الثمرة التي كانت منظورة
للمتعاقدين. يعنى، كل ما تتعاقدون عليه بينكم فقد أجزته، ورتبت عليه الثمرة
التي يريدونها منه، فصار شرعيا.
فيكون الأمر من باب دفع الخطر، وإثبات محض الرخصة، وجواز ما
يفعلون. ويكون في العقود المجوزة شرعا بخصوصها من باب التأكيد، أو
التناسي، وفي غيرها من باب التأسيس.
ويلزمه أن يصير كل ما كان عندهم على وجه اللزوم لازما، وعلى وجه
الجواز جائزا. وهذا أيضا يحتاج إلى تتبع أحوال العرف في اللزوم والجواز فيما
يعلم حاله من الشرع.
الخامس: أن يكون المراد بالعقود: العقود التي يتعاقدها الناس، غير العقود

(1) في " ه‍ ": ميزتم.
15

المتداولة الفقهية، ويكون المراد بالأمر ما ذكر في الرابع.
السادس: أن يكون المراد: العقود الفقهية، والأمر للزوم (1)، ويكون
المعنى: أن ما جوزناه لكم، وحللناه، ورتبنا عليه الثمرة من العقود، يجب
عليكم الوفاء بمقتضاه، مثل أن عقد البيع صححه الشارع، وجوزه، ورتب عليه
الثمرة التي أرادها بقوله: (أحل الله البيع) (2). ومثل عقد المضاربة الذي جوزه
بقوله: (تجارة عن تراض منكم) (3).
ثم قال: أوفوا به، يعنى: يجب الوفاء على مقتضاه من الفعل، بمعنى
استمرار ملكية الطرفين لما ملكاه، فهذا يثبت اللزوم في جميع العقود المجوزة.
السابع، والثامن، والتاسع: أن يكون المراد بالعقود: أحد الثلاثة الأخيرة، و
بالامر: العمل بمقتضى العقد ما كان باقيا، فلا يثبت اللزوم.
العاشر: أن يكون المراد: العقود الفقهية، ويكون المراد بالوفاء: اعتقاد
اللزوم في اللازمات، والجواز في الجائزات.
ومما ذكرنا تظهر احتمالات أخر أيضا.
ثم لا يخفى: أن استدلال الفقهاء بتلك الآية، إما يكون لتصحيح عقد
برأسه، وجعله لازما، أي: ما كان عقدا ولم يبلغ من الشرع صحته ولزومه
بخصوصه. وهذا عند من يقول ببقاء العقود على العموم المطلق، أو بحمله على
جميع ما يعقده الناس بينهم مطلقا.
أو يكون في تصحيح العقود الشرعية خاصة إذا شك في شرطية شرط، أو
مانعية مانع. أو يكون في إثبات أصالة اللزوم في العقود الشرعية خاصة. وهذان
عند من يخصص العقود بالشرعية.
واستشكل الأول: باستلزامه خروج الأكثر، إذ أكثر ما يسمى عقدا مما

(1) في " ب "، " ج ": اللزوم.
(2) البقرة 2: 275.
(3) النساء 4: 29.
16

لا يجب الوفاء به إجماعا، والباقي في جنب المخرج كالمعدوم.
وأجيب عنه، بأن لزوم تخصيص الأكثر إنما هو لو سلمنا أكثرية العقود غير
المتداولة في الشرع، وإنما هو إذا أريد بعموم العقود العموم النوعي، وهو خلاف
التحقيق، بل المراد هو العموم الأفرادي، فإذا لوحظت الأفراد، فلا ريب أن أفراد
العقود المتداولة أكثر من أفراد غيرها، سيما في مثل البيع والإجارة والنكاح.
واستشكل الثاني: بأنه لو خصت العقود بتلك العقود المتداولة، فلا بد من
أن تكون هي العقود المتداولة في زمان الشارع، وكل ما انتفى فيه شئ محتمل
الشرطية، أو وجد فيه محتمل المانعية، لا يعلم كونه من العقود المتداولة في ذلك
الزمان، فلا يصح التمسك بالآية في موضع من المواضع، ولا في خصوص إثبات
لزوم بعض ما يعلم لزومه خارجا أيضا، وهذا مخالف لسيرة العلماء، وطريقتهم
المسلوكة بينهم، بلا خلاف يظهر بينهم في ذلك أصلا، من جهة استنادهم إليها
في محل النزاع والوفاق.
وأجيب عنه: بأن الألف واللام للعهد، والإشارة إلى جنس العقود المتداولة
في ذلك الزمان، المعهودة المضبوطة الآن في كتب فقهائنا، كالبيع والإجارة و
نحو ذلك، لا خصوص أشخاص كل عقد عقد متداول فيه، مع كيفياتها
المخصوصة والمتداولة فيه. ولا ريب في أن مواضع استدلالاتهم بتلك الآية
الشريفة داخلة في جنس تلك العقود وفى أفرادها وإن جهل اشتراكها معها في
الخصوصيات، وذلك لا يقدح في دخولها في تلك العقود (1).
نعم يرد على الثاني: أنه لم يثبت حقيقة شرعية في العقد، والأصل عدم
المخصص، فيجب إبقاؤه على المعنى اللغوي.
ثم نقول: إن ما تقدم في معنى الأمر بالوفاء - سوى التزام (2) ما عقدوا، و

(1) كما في مفاتيح الأصول: 543، وغنائم الأيام: 635.
(2) في " ج ": سواء إلزام.
17

عاهدوا عليه، ووجوب العمل بما تعاهدوه - لا يخلو عن تجوز في هيئة الأمر أو
مادته. فتعين حمله على وجوب العمل بما عهدوا إليه، الذي هو معنى لزوم
العقد. فيثبت بالآية أصالة لزوم كل ما يصدق عليه العهد والعقد لغة أو عرفا إلا ما
خرج، ويصح تصحيح العقد برأسه وجعله لازما بها. وكذا التمسك بصحة ما
شك في شرطه أو وجود مانعه ولزومه. وكذا التمسك بلزوم ما علم صحته
شرعا وشك في لزومه.
فيقال: إنه يحكم بلزوم عقد المعاوضة مثلا لو لم نقل بدخوله في البيع، و
عقد الصلح الابتدائي لو خصصنا الصلح الوارد في الأخبار بما كان لرفع التنازع،
كما يدل عليه تعريفهم للصلح، وعقد إسقاط حق غير مالي، كحق الرجوع في
الطلاق مثلا بعوض شئ آخر، وعقد المبايعة بالفارسية أو المضارع لو لم نقل
بكونه بيعا عرفا، أي: لو لم نقل بثبوت معنى البيع (1) عرفا، واقتصرنا فيه على
موضع الإجماع.
وكذا يحكم بلزوم ما كان من العقود المتداولة، ولكن شك في انتفاء
شرطه، أو وجود مانعه، كعقد البيع بالفارسية إذا قلنا بكونها بيعا عرفا.
وكذا يحكم بأصالة لزوم جميع العقود المجوزة في الشرع، كالإجارة،
والمراهنة، والمزارعة، والشركة، والمضاربة، ما لم يعلم جوازه من الخارج.
وهذا بخلاف ما لو خصت بالمتداولة، فإنه يمكن الاستدلال بالآية في الأخير
خاصة، أو مع الثاني بالتقريب المتقدم في دفع الإشكال الوارد على الطائفة
الثانية.
هذا غاية ما يمكن أن يقال في تتميم الاستدلال بالآية الكريمة في لزوم جميع
العقود في المطالب الفقهية.
ومع ذلك ففي صحة التمسك به كلام من وجوه:

(1) في " ب "، " ج ": للبيع.
18

الأول: أنه وإن كان مقتضى الجمع المحلى باللام كونه مفيدا للعموم، ولكن
يخدشه في الآية أمران:
أحدهما: أنا قد ذكرنا في كتبنا الأصولية (1): أن الثابت من أصالة الحقيقة إنما
هو إذا لم يقترن بالكلام - حين التكلم به - ما يوجب الظن بعدم إرادة الحقيقة، أي
لم يقترن به ما يظن كونه قرينة للصرف عن الحقيقة، بل لم يقترن ما يصلح لكونه
قرينة.
ومما لا شك فيه: أن تقدم طلب بعض أفراد الماهية أو الجمع المحلى على
الطلب (2) باللفظ الدال على الماهية، أو بالجمع (3)، مما يظن معه إرادة الأفراد
المتقدمة، ولا أقل من صلاحية كونه قرينة لإرادتها، ألا ترى أنه إذا قال مولى - في
داره عشرون بيتا، وله عشرون ثوبا - لعبده: اكنس كل يوم البيت الفلاني،
والفلاني، والفلاني، إلى خمسة بيوت مثلا، واغسل كل يوم الثوب الفلاني،
والفلاني، إلى خمسة أثواب، ثم قال له في يوم: اكنس البيوت واغسل الثياب،
ثم اذهب إلى السوق، يظن، بل يفهم إرادة البيوت والثياب المعهودة، دون
العموم.
وعلى هذا فنقول: إن تلك الآية في سورة المائدة، وهي على ما ذكره
المفسرون آخر السور المنزلة (4) في أواخر عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (5)، ولا شك أن قبل نزولها
قد علم من الشارع وجوب الوفاء بطائفة جمة من العقود، كالعقود التي بين الله
سبحانه وبين عباده، من الإيمان به وبرسله وكتبه، والإتيان بالصلاة والصيام
والزكاة والحج والجهاد وغيرها، بل بعض العقود التي بين الناس بعضهم مع

(1) انظر مناهج الأحكام: 14، الفصل الرابع في الحقيقة والمجاز.
(2) في " ه‍ ": على طلب الطلب.
(3) في " ج ": أو الجمع، وفي " ه‍ ": أو بالجميع.
(4) في " ب "، " ج " زيادة: أو من المنزلة.
(5) قال أبو ميسرة: المائدة من آخر ما نزل ليس فيها منسوخ (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 6: 30، و
نقله عنه وعن ابن عمر وضمرة بن حبيب وعطية بن قيس في الدر المنثور 2: 252.
19

بعض، كالبيع والنكاح والإجارة والرهن وأمثالها.
وتقدم طلب الوفاء بتلك العقود يورث الظن بإرادتها من قوله: (أوفوا
بالعقود) خاصة، أو يصلح قرينة لإرادتها، فلا يمكن التمسك بأصالة الحقيقة في
إرادة جميع الأفراد من الجمع المحلى. مضافا إلى أن قوله تعالى: (وأحلت لكم
بهيمة الأنعام) (1) إلى آخره، تفصيل لبعض العقود أيضا كما مر في كلام بعض
المفسرين (2) وهذا أيضا مما يضعف الحمل على العموم.
وثانيهما: أنه إذا ورد أمر بطلب شئ لم يرد طلبه أولا، يكون هذا الأمر
الوارد للتأسيس وإذا أمر به أولا، ثم ثانيا، يكون الثاني للتأكيد. ولو ورد أمر
بطلب بعض أفراد عام أولا، ثم ورد أمر آخر بطلب ما ظاهره العموم، يجب أن
يحمل على التخصيص بما طلب أولا حتى يكون تأكيدا، أو بغيره حتى يكون
تأسيسا.
وأما حمله على العموم - فيكون تأسيسا وتأكيدا معا - فغير جائز، كما في
استعمال المشترك في معنييه، لأن كل ما يدل على عدم جوازه، يدل على عدم
جوازه أيضا. ولا شك أنه كان وجوب الوفاء بعقود كثيرة معلوما قبل نزول تلك
الآية، فلا يمكن حملها على العموم، إلا أن يحمل على باب التناسي، ولكنه وإن
كان جائزا، إلا أنه أيضا خلاف الأصل، كالتخصيص في العقود، فترجيح
أحدهما يحتاج إلى دليل، فتأمل.
الثاني: أنه قد عرفت اتفاقهم على اشتراط الاستيثاق والشدة (3) في معنى
العقد، وأنه العهد الموثق، وهو المفهوم من لفظ العقد، فلو أبقينا العقود على
العموم أيضا، لما دل إلا على وجوب الوفاء بالعهود الموثقة، لا كل عهد، ففي كل
عهد يراد إثبات لزومه شرعا لا بد أولا من إثبات استحكامه واستيثاقه وشدته،

(1) المائدة 5: 1.
(2) كما في كلام صاحب الكشاف المتقدم في ص 6.
(3) في " ج ": والشد.
20

ولا يثبت ذلك إلا بعد ثبوت اللزوم الشرعي، لمنع كون غير ما ثبت لزومه شرعا
موثقا.
فلا يمكن الاستدلال بالآية إلا في التمسك بنفي الاشتراط أو المانعية،
فيما كان فردا من العقود اللازمة، لا مطلقا، وهذا يكفي فيه أصالة الاشتراط
والمانعية، من غير حاجة إلى التمسك بالآية.
ولو جوزنا حصول التوثيق بغير الشرع أيضا، وقلنا بكفاية التوثيق العرفي،
فلا يفيد فيما هم بصدده أصلا، لأنهم يريدون إثبات لزوم مثل قول المتعاقدين:
عاوضت فرسي مع بقرك، من الموجب، وقبلت المعاوضة، من القابل، لو لم
نقل بكونه بيعا. ومثل إيجاب إسقاط حق الرجوع بعوض، أو صلحه لو لم ندرجه
في عموم الصلح، وأمثال ذلك. ونحن لا نسلم التوثيق في أمثال ذلك
عرفا لولا اللزوم الشرعي، بل هو نفس العهد وتوثيقه. وصيرورته عقدا إنما
يكون باقتران أمر آخر معه يوجب توثيقه شرعا أو عرفا، ومع ثبوت الشرعي
لا احتياج إلى التمسك بالآية.
ولا يتوهم: أن بناء المتعاهدين (1) وقصدهم عدم الرجوع، وتكلمهم بلفظ
قاصدا منه البقاء على مقتضى العهد يكون توثيقا له.
لأن ذلك هو العهد، إذ ما لا يقصد فيه الإتيان به البتة ليس عهدا، فحصول
التوثيق يحتاج إلى أمر آخر، وعلى المستدل إثبات التوثيق عرفا.
الثالث: أن بعد ما علمت من اتفاقهم على كون العقد هو العهد الموثق،
أقول:
قد عرفت أن للعهد معاني متكثرة، كالوصية، والأمر، والضمان، واليمين،
وغير ذلك، وشئ منها لا يصدق على ما هم بصدد إثبات لزومه أو صحته في
المباحث الفقهية.

(1) في " ب "، " ج " و " ح ": المتعاقدين.
21

ولو سلمنا أن للعهد معنى يلائم ذلك أيضا، فإرادة ذلك المعنى من العهد
- الذي هو معنى العقد في الآية - غير معلوم، بل لا سبيل إلى إثباته.
فيمكن أن يكون المراد من العقود: الوصايا الإلهية الموثقة، أي المشددة في
ثبوتها، أي التكاليف اللازمة، فإنها وصايا منه سبحانه إلى عباده، كما ورد في
الآيات المتكثرة، كقوله سبحانه: (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا) (1) و (ما
وصى به نوحا... وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى) (2) إلى غير ذلك.
ويمكن أن يكون المراد منها: مطلق الوصايا ويمكن أن يكون منها:
الأوامر، والإيمان، والضمانات.
وبالجملة: إثبات كون المراد من العهود المأخوذ في معنى العقود في الآية
معنى يصدق على مثل: عاوضت فرسي ببقرك، أمر مشكل جدا، وبدون ذلك
لا يصح الاستدلال بالآية فيما هم بصدده.
الرابع: أنه قد عرفت أن معنى العقد لغة: الجمع بين الشيئين بحيث يعسر
الانفصال بينهما، وإذا كان ذلك معناه اللغوي حقيقة، فيكون المراد منه في الآية
الشريفة معناه المجازي، وإذا كان كذلك، فتتسع دائرة الكلام ومجال الجدال في
التمسك بالآية كما لا يخفى.
ومن جميع ذلك ظهر ضعف التمسك بتلك الآية الشريفة في إثبات
لزوم بعض ما يعدونه عقدا في الكتب الفقهية. وحيث انحصر الدليل على أصالة
لزوم كل عقد بتلك الآية، فتكون تلك الأصالة غير ثابتة، بل الأصل عدم اللزوم،
إلا أن يثبت لزوم عقد بدليل خاص، كالبيع وأمثاله.
وعلى الله التوكل والاعتصام، وعلى نبيه وآله الصلاة والسلام.

(1) العنكبوت 29: 8.
(2) الشورى 42: 13.
22

عائدة (2)
في وجوب تعظيم شعائر الله
قد تكرر في كتب الفقهاء، الحكم بوجوب تعظيم شعائر الله، وبه
يتمسكون في أحكام كثيرة من الوجوب والحرمة، كحرمة بيع المصحف و
كتب الحديث من الكفار، ودخول الضرائح المقدسة على غير
طهر، وأمثال ذلك.
والأصل فيه: قوله تعالى وسبحانه في سورة الحج بعد ما ذكر طائفة من
مناسك الحج: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب لكم فيها منافع
إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق) (1).
ولا بد في تحقيق معناه من ذكر نبذة من كلام اللغويين والمفسرين في معنى
الشعائر وتفسير الآية: فنقول:
قال في القاموس في مادة الشعر: وكسحاب: الشجر الملتف، وما كان من
شجر في لين من الأرض، يحله الناس، يستدفئون به شتاء، ويستظلون [به] (2)
صيفا، كالمشعر.

(1) الحج 22: 32، 33.
(2) أثبتناه من المصدر.
23

وككتاب: جل الفرس، والعلامة في الحرب والسفر (1)، وما وقيت به
الخمر، والرعد (2)، والشجر، ويفتح. والموت، وما تحت الدثار من اللباس، وهو
يلي شعر الجسد، ويفتح. الجمع، أشعرة، وشعر.
إلى أن قال: والشعيرة: البدنة المهداة، الجمع: شعائر.
إلى أن قال: وشعار الحج: مناسكه وعلاماته. والشعيرة والشعارة والمشعر:
معظمها (3). أو شعائره: معالمه التي ندب الله إليها، وأمر بالقيام بها (4). انتهى.
وقال في الصحاح: والشعيرة: البدنة تهدى، والشعائر: أعمال الحج، و
كل ما جعل علما لطاعة الله. قال الأصمعي: الواحد شعيرة. قال: وقال
بعضهم: شعارة. والمشاعر: مواضع المناسك.
إلى أن قال: والشعار: ما ولي الجسد من الثياب. وشعار القوم في الحرب:
علامتهم ليعرف بعضهم بعضا. والشعار بالفتح: الشجر. يقال: أرض كثيرة
الشعار. وأشعر الهدي، إذا طعن في سنامه الأيمن حتى يسيل منه دم، ليعلم أنه
هدي (5). انتهى.
وقال ابن الأثير في النهاية: قد تكرر في الحديث ذكر الشعائر. وشعائر
الحج: آثاره وعلاماته. جمع: شعيرة.
وقيل: هو كل ما كان من أعماله، كالوقوف، والطواف، والسعي،
والرمي، والذبح، وغير ذلك.
وقال الأزهري: والشعائر: المعالم التي ندب الله إليها وأمر بالقيام عليها.
ومنه سمي المشعر الحرام لأنه معلم للعبادة وموضع.

(1) في " ب "، " ح ": والشعر.
(2) في " ب "، " ج "، " ح ": والرمل.
(3) في ترتيب القاموس 2: 720، موضعها بدل معظمها.
(4) القاموس المحيط 2: 61.
(5) الصحاح 2: 698.
24

ومنه الحديث: أن جبرائيل قال له: " مر أمتك حتى يرفعوا أصواتهم بالتلبية،
فإنها من شعائر الحج " (1).
ومنه الحديث: أن شعار أصحاب النبي كان في الغزو: يا منصور أمت (2).
أي علامتهم التي كانوا يتعارفون بها (3). وقد تكرر ذكره في الحديث.
ومنه إشعار البدن، وهو أن يشق أحد جنبي سنام البدنة حتى يسيل دمها، و
يجعل ذلك علامة تعرف بها أنها هدي (4). انتهى.
وقال الطبرسي في مجمع البيان في بيان الشعائر: والشعائر علامات مناسك
الحج الذي يشعر بما جعلت له.
وقال: (ومن يعظم شعائر الله) أي: معالم دين الله، والأعلام التي
نصبها لطاعته.
ثم اختلف في ذلك فقيل: هي مناسك الحج كلها، عن ابن زيد.
وقيل، هي البدن، وتعظيمها استسنامها (5)، عن مجاهد.
وعن ابن عباس في رواية مقسم (6): والشعائر جمع شعيرة، وهي البدن إذا
أشعرت، أي أعلمت عليها، بأن يشق سنامها من الجانب الأيمن، ليعلم أنها
هدي، فالذي يهدي مندوب إلى طلب الأسمن والأعظم.
وقيل: شعائر الله دين الله كله، وتعظيمها التزامها، عن الحسن (7).
(فإنها) أي: فإن تعظيمها، لدلالة (يعظم) عليه، ثم حذف المضاف و

(1) مسند أحمد 2: 325، غريب الحديث للهروي 2: 65.
(2) سنن أبي داود 3: 74، أورده في الهامش نقلا عن المنذري.
(3) في المصدر زيادة: في الحرب.
(4) النهاية 2: 479.
(5) في المصدر: استسمانها، وسنم البعير وأسنم - بالبناء للمفعول -: عظم سنامه (المصباح المنير
: 291).
(6) الدر المنثور 4: 359.
(7) انظر أحكام القرآن للجصاص 3: 242.
25

أقام المضاف إليه مقامه، فقال: (فإنها من تقوى القلوب) أضاف التقوى إلى
القلوب، لأن حقيقة التقوى: تقوى القلوب.
وقيل: أراد صدق النية.
(لكم فيها) أي: في الشعائر (منافع)، فمن تأول أن الشعائر
الهدي، قال: إن منافعها ركوب ظهورها وشرب ألبانها إذا احتيج إليها، و
هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) (1)، وهو قول عطاء ابن أبي رباح، ومذهب
الشافعي (2).
وعلى هذا فقوله: (إلى أجل مسمى) معناه: إلى أن ينحر.
قيل: إن المنافع من رسلها ونسلها وركوب ظهرها وأصوافها و
أوبارها. (إلى أجل مسمى) أي: إلى أن يسمى هديا، فبعد ذلك تنقطع
المنافع، عن مجاهد وقتادة والضحاك (3).
والقول الأول أصح، لأن قبل أن تسمى هديا لا تسمى شعائر.
ومن قال: إن الشعائر مناسك الحج، قال: المراد بالمنافع التجارة إلى أجل
مسمى، إلى أن يعود من مكة.
ومن قال: إن الشعائر: دين الله، قال: (لكم فيها منافع) أي: الأجر
والثواب. والأجل المسمى: القيامة (ثم محلها إلى البيت العتيق).
ومن قال: إن شعائر الله: هي البدن، قال: معناه: أن محل الهدي
والبدن: الكعبة.
وقيل (4): محلها الحرم كله.

(1) الكافي 4: 493 / 1، الفقيه 2: 300 / 1491 و 1493، التهذيب 5: 220 / 742، الوسائل 10: 133
أبواب الذبح ب 34 و 3 و 5.
(2) الأم 2: 216، والمهذب في فقه الشافعي 1: 236، ونقل قول عطاء الطبري في تفسيره 17: 115.
(3) انظر التفسير الكبير 23: 33 وجامع البيان 17: 33.
(4) انظر التفسير الكبير 23: 34.
26

وقال أصحابنا: إن كان الهدي للحج، فمحله منى. وإن كان للعمرة المفردة،
فمحله مكة قبالة الكعبة بالجزورة، ومحلها حيث نحرها. (1)
ومن قال: إن الشعائر: مناسك الحج، قال: معناه ثم محل الحج والعمرة
الطواف بالبيت العتيق، وأن منتهاها إلى البيت العتيق، لأن التحلل يقع
بالطواف، والطواف يختص بالبيت.
ومن قال: إن الشعائر: هي الدين كله، فيحتمل أن يكون معناه: أن محل
ما اختص منها بالإحرام هو البيت العتيق، وذلك الحج والعمرة في القصد له،
والصلاة في التوجه إليه.
ويحتمل أن يكون معناه: أن أجرها على رب البيت العتيق (2). انتهى.
وقال البيضاوي: (ذلك ومن يعظم شعائر الله) دين الله، أو فرائض الحج
ومواضع مناسكه، أو الهدايا، لأنها من معالم الحج، وهو أوفق بظاهر ما بعده.
وتعظيمها أن تختار حسانا سمينا غالية الأثمان.
وقال: (فإنها من تقوى القلوب) فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى
القلوب.
وقال: (ولكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق) أي:
لكم فيها منافع، درها ونسلها وصوفها وظهرها إلى أن تنحر، ثم وقت نحرها
منتهية إلى البيت، أي: ما يليه من الحرم.
إلى أن قال: والمراد على الأول: لكم فيها منافع دينية تنتفعون بها إلى أجل
مسمى، هو الموت، ثم محلها منتهية إلى البيت العتيق الذي ترفع إليه الأعمال، أو يكون فيه ثوابها، وهو البيت المعمور أو الجنة.
وعلى الثاني (لكم فيها منافع) التجارات في الأسواق إلى وقت

(1) في المصدر: حيث يحل نحرها.
(2) مجمع البيان 7 - 8: 83، وانظر التبيان 7: 314.
27

المراجعة، ثم وقت الخروج منها منتهية إلى الكعبة بالإحلال بطواف الزيارة (1).
انتهى.
وقال في الصافي: (ومن يعظم شعائر الله) أعلام دينه (فإنها من تقوى
القلوب) القمي قال: تعظيم البدن وجودتها (2).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام): " إنما يكون الجزاء مضاعفا فيما دون البدنة،
فإذا بلغ البدنة فلا تضاعف، لأنه أعظم ما يكون، قال الله تعالى: (ومن يعظم
شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) " (3).
وعنه عليه السلام في قصة حجة الوداع: " وكان الهدي الذي جاء به رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أربعة وستين أو ستة وستين، وجاء علي عليه السلام بأربعة وثلاثين أو
ستة وثلاثين " (4).
(لكم فيها منافع إلى أجل مسمى): في الكافي والفقيه عن الصادق (عليه السلام)
في هذه الآية قال: " إن احتاج إلى ظهرها ركبها من غير أن يعنف عليها، وإن كان
لها لبن حلبها حلابا لا ينهكها " (5).
(ثم محلها إلى البيت العتيق) القمي قال (6): البدن يركبها المحرم من موضعه
الذي يحرم فيه، غير مضر بها، ولا معنف عليها، وإن كان لها لبن يشرب من لبنها
إلى يوم النحر (7). انتهى.
أقول: رواية الكافي ما رواه بإسناده إلى الكناني، عن أبي عبد الله (عليه السلام): في

(1) أنوار التنزيل وأسرار التأويل 4: 54.
(2) تفسير القمي 2: 84.
(3) الكافي 4: 395 / 4، الوسائل 9: 243 أبواب كفارات الصيد 46 ح 1.
(4) الكافي 4: 247 / 4، التهذيب 5، 454 / 1588، الوسائل 8: 153 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.
(5) الكافي 4: 492 / 1، الفقيه 2: 300 / 1493، التهذيب 5: 220 / 742، الوسائل 10: 133
أبواب الذبح ب 34 ح 5.
(6) تفسير القمي 2: 84.
(7) تفسير الصافي 3: 378.
28

قول الله عز وجل: (لكم فيها منافع إلى أجل مسمى) قال: " إن احتاج " إلى
آخره، ورواية الفقيه مثلها أيضا، إلا أنه رواها عن أبي بصير. هذا.
وسائر ما ذكره سائر المفسرين أيضا يقرب مما نقل، وفيه كفاية للمطلوب.
ثم أقول: إن المستفاد من جميعها أن المراد ب‍ (شعائر الله) يحتمل وجوها
أربعة:
الأول: البدن خاصة.
الثاني: مناسك الحج وأعماله كلها.
الثالث: مواضع مناسكه ومعالمه.
الرابع: علامات طاعة الله وأعلام دينه.
والمعنى الصالح للتمسك بالآية في وجوب تعظيم شعائر الله على ما يستدل
به القوم هو الرابع، دون غيره من الثلاثة الأول، فالتمسك بها يتوقف على تعيين
ذلك المعنى، ولا دليل (1) على تعيينه إلا عموم اللفظ، من حيث كونه جمعا
مضافا.
ومع ذلك يخدشه أمران:
أحدهما: أنه إنما يفيد لو كان (الشعائر) جمعا للشعار بمعنى مطلق
العلامة، وهو غير ثابت، لاحتمال كونه جمعا للشعيرة التي هي البدنة.
وثانيهما: أن عموم الجمع المضاف إنما هو في الأفراد المنسوبة إلى المضاف
إليه، والمضاف إليه هنا وإن كان هو الله، ولكنه لما لم يصح يحتاج إلى تقدير
لا يتعين أن يكون هو دين الله، أو طاعته، أو عبادته، أو أمثال ذلك، بل يمكن أن
يكون هو طاعته المخصوصة (2)، أي: الحج، فإن أدنى ملابسة كافية في الإضافة.
هذا مع أن ظاهر المقام لا يلائم التعميم، بل يناسب أحد الثلاثة - كما مر في

(1) في " ح ": ولا يدل.
(2) في " ب ": الطاعة المخصوصة.
29

كلام البيضاوي - لكون المقام مقام بيان أعمال الحج.
بل ما بعد هذه الآية وهو قوله: (لكم فيها منافع) إلى آخره، يعين إرادة
أحد هذه الثلاثة، إذ لا يوافق قوله تعالى: (لكم فيها منافع) إلى قوله
سبحانه: (إلى البيت العتيق) إرادة التعميم من شعائر الله إلا بارتكاب أمور كثيرة مخالفة
للأصل من تقدير وتخصيص، كما مر في كلام الطبرسي.
بل في الروايتين اللتين مر ذكرهما في كلام الصافي عن الكافي والفقيه
تصريح بتفسير قوله تعالى: (لكم فيها منافع) إلى آخره، بما لا يوافق إلا أحد
الثلاثة.
بل في بعض الأخبار: إشعار بإرادة البدن خاصة من الشعائر، وهو ما رواه
في الكافي باسناده عن ابن عمار، قال، قال أبو عبد الله (عليه السلام): " إذا رميت الجمرة
فاشتر هديك إن كان من البدن أو من البقر، وإلا فاجعله كبشا سمينا فحلا، فإن
لم تجد فموجوء من الضأن، فإن لم تجد فتيسا فحلا، فإن لم تجد فيها تيسر عليك، وعظم
شعائر الله، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذبح من أمهات المؤمنين بقرة بقرة، ونحر
بدنة " (1).
هذا، ولكن الظاهر من قوله سبحانه بعد هذه الآيات: (والبدن جعلناها لكم
من شعائر الله) (2) عدم اختصاص الشعائر بالبدن، حيث إن الظاهر من لفظة (من)
هو التبعيض.
وظهر بذلك ضعف ما يستفاد من كلام جمع من الفقهاء من حمل شعائر الله
على العموم.
ثم لو سلمنا حمله على العموم وإرادة جميع أعلام دين الله، فلا دلالة في
الآية على وجوب تعظيمها، بل غاية ما يستفاد منها هو الرجحان وكونه من
تقوى القلوب، وأين هو من الوجوب؟!

(1) الكافي 4: 491 / 14، الوسائل 10: 98 أبواب الذبح ب 8 ح 4.
(2) الحج 22: 36.
30

نعم ظاهر الأمر في رواية ابن عمار المتقدمة: هو الوجوب، فلو ثبت التعميم
لكانت حسنا في إثبات الوجوب.
ولكن فمع ذلك كله، وتسليم العموم، وإفادة الوجوب، لا يثبت من الآية
ولا الرواية إلا وجوب التعظيم، وأما وجوب جميع أنواع التعظيم - وهو المفيد
في مواضع الاستدلالات - فلا، إذ الأمر بالمطلق لا يدل على وجوب جميع
أفراده. فيحصل الإجمال، أو وجوب نوع ما من التعظيم. ومن ذلك ظهر
ضعف ذلك الاستدلال رأسا.
نعم: قد ثبت بالعقل والنقل حرمة الاستخفاف والإهانة بأعلام دين الله
مطلقا، وانعقد عليها الإجماع، بل الضرورة، بل يوجب في الأكثر الكفر.
وترك التعظيم قد يكون بما يكون إهانة واستخفافا، وقد لا يكون كذلك،
كما أن ترك تعظيم شخص تارة يكون بضربه أو الإعراض عنه الموجب
للاستخفاف، وأخرى بعدم استقباله أو القيام له، فما كان من الأول يكون
حراما لإيجابه الإهانة، دون ما كان من الثاني.
ثم الأمور الموجبة للإهانة أيضا على قسمين: قسم يكون إهانة مطلقا، كسب
شخص ونحوه. وقسم قد يكون إهانة وقد لا يكون، ويختلف بالقصد، والمناط
هو حصول الإهانة. هذا.
ثم لا يخفى: أن مطلق التعظيم لشعائر الله، أي: جميع أفراده بجميع
أفرادها وإن لم يثبت وجوبه، ولكن استحبابه ورجحانه - لأجل أنه من شعائر
الله، ومنسوب إليه - مما لا شك فيه ولا شبهة تعتريه، والظاهر انعقاد الإجماع
عليه. وقوله (عليه السلام): " لكل امرئ ما نوى " (1) يدل عليه. بل يستفاد من تضاعيف
أخبار كثيرة أخرى أيضا، وفحوى: رجحان تعظيم البدن أو مطلق مناسك الحج
يشعر به. والله هو الموفق.

(1) التهذيب 4: 186 / 519، وج 1: 83 / 218، الوسائل 1: 34 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 7، سنن
أبي داود 2: 651 / 2201 ب 11.
31

عائدة (3)
في تقسيم الإذن
ينقسم الإذن إلى: صريح، وفحوى، وشاهد حال.
والمراد بالأول: ما دل عليه اللفظ بمعناه المطابقي، كقول القائل: صل في
داري، واشرب من مائي، وكل من مائدتي.
وبالثاني: ما دل عليه اللفظ بمدلوله الالتزامي، من باب مفهوم الموافقة،
نحو: كن عندنا ضيفا في دارنا إلى الغد. فإن ذلك يدل بالالتزام على الرخصة في
صلوته في داره، والتوضؤ من مائه وأوانيه.
وبالثالث: ما كانت هناك حالة تشهد بالإذن في أمر، كالمصادقة التامة بين
شخصين، الدالة على إذن كل منهما في أكل الآخر من بيته.
والضابط فيه: أنه إذا لوحظت تلك الحالة يقطع بالإذن، وبأنه لو استأذن المالك
في ذلك، لأذن له فيه. كما أن الاتحاد في الدين، وعدم تصور الضرر، وعدم
المعاداة واللجاج، يشهد بالإذن لكل أحد في الشرب من ماء قناته والتوضؤ منه.
فالأولان إذن بلسان القال، إما مطابقة أو التزاما. والثالث إذن بلسان
الحال. والحال حالة للآذن، أو مرابطة (1) بينه وبين المأذون له، ناطقة بلسان

(1) مرابطة بمعنى: رابطة.
33

الحال من جانب صاحب المال بقولها: ادخل الدار، واشرب من الماء، واستند
إلى الحائط، وأمثال ذلك.
وهذه الحالة: قد تكون أمرا عدميا، كعدم الضرر، والعداوة واللجاج،
الدال على الإذن في الاستناد إلى الحائط. وقد تكون وجوديا، كالسخاء التام
المعلوم من شخص.
وقد تكون مرابطة خاصة، كالمرابطة الحاصلة بين صديقين متعارفين، يعرف
كل منهما صاحبه وصداقته، وإما عامة، كموادة أهل الإيمان بعضهم لبعض وإن
لم يتعارفوا.
والإذن في كل من المتعارفين والمتناكرين فعلية، فإن الصديق الذي لا يعلم
الصديق صداقته، مأذون فعلا في دخول داره، من حيث دخوله في الأصدقاء،
وفعلية الإذن لهم.
والحاصل: أن هذا الصديق الذي لا يعلم الصديق صداقته، مأذون بالفعل
في نفس الأمر، وإن كان يعلم - الآذن أو غيره أنه مندرج تحت المأذونين - بالقوة،
فلا يعتبر - في كون شخص مأذونا بشاهد الحال في تصرف في ملك غيره - علم
المالك ولا غيره بكونه من أهل الرابطة الموجبة للإذن، بل يكفي كونه منهم
واقعا، وعلم المأذون له به، ليصح التصرف شرعا.
فلو كان شخص صديقا لآخر، ولم يعلم ذلك الآخر بصداقته له، ولكن علم
أنه راض بدخول كل صديق له في دخول داره، فنقول: ذلك الشخص مأذون بشاهد
الحال في دخول داره، لأن شاهد الحال ناطق (1) بالإذن لكل صديق، وهذا أيضا
صديق.
ولا يشترط فيه علم المالك بصداقته، بل نقول: إنا نعلم حينئذ قطعا
أن ذلك الشخص يقول بلسان الحال: لو كنت صديقا لي فادخل في

(1) في " ب ": لأن الحال ناطقة.
34

داري، والمفروض أنه صديقه.
نعم: لو فرض كون شهادة حالة مختصا بصورة علم المالك، لاختصت
الإذن فيها أيضا.
وقد يحصل التعارض بين شهادة الحالين، كما إذا زعم زيد أن عمرا عدوه،
وكان هو في نفس الأمر من أصدق أصدقائه، فالحالة المعلومة تشهد بعدم الإذن
له في دخول داره، والحالة النفس الأمرية تشهد بالإذن له فيه، ولكن المعلوم
بالشهادة الأولى ليس إلا المنع من الدخول لو كان كذا واقعا، ولما لم يكن كذا
واقعا، تبقى الشهادة الثانية بلا معارض، فيعمل بها، بل يحصل هنا حالة مركبة
شاهدة بالإذن كما يأتي.
وتحقيق المقام: أن الإذن الحاصلة في كل من الأقسام الثلاثة - الصريح،
والفحوى، وشاهد الحال - مؤثرة شرعا في ما تشترط فيه الإذن، ومقبولة و
تترتب عليها الآثار.
أما الأول: فظاهر.
وأما الثاني: فلكون المعاني المفهومة التزاما كالمفهومة مطابقة في التأثير،
لأن مناط الأحكام: على الفهم والعلم، دون الدلالات المطابقية.
وأما الثالث: فلأن المفروض حصول العلم بالإذن بسبب شهادة تلك الحال،
ولم يثبت أنه يشترط في تأثير الإذن كونها معلومة بلفظ دال، فإنه ورد أنه:
" لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه " (1) ولم يقيد بأنه تجب أن تكون معلومية
طيب نفسه بلفظ، فالثلاثة معتبرة شرعا، مترتب عليها ما يترتب على الإذن.
ولكن قد يحصل المعارض (2) لكل من الثلاثة، ومعارضه أيضا إما يكون
صريحا، أو فحوى، أو شاهد الحال. وصورة التعارض المقصود ذكرها ستة:

(1) مسند أحمد 5: 72، سنن الدارقطني 3: 26 / 91، عوالي اللآلي 3: 473 / 3.
(2) في " ج ": وقد تحصل المعارضة.
35

الأول: تعارض الإذن الصريحة مع مثلها، وذلك كما إذا قال عمرو: كل
من كان صديقي، فهو مأذون في دخول داري، وقال لزيد الصديق: لا تدخل
داري.
وهذا على أقسام: لأن عمرا: إما يعلم بصداقة زيد، أو لا يعلم.
فعلى الأول: يخصص زيد من بين الأصدقاء، ولا يجوز له الدخول.
وعلى الثاني: إما أن نعلم أن نهي زيد لأجل زعم عدم صداقته، أو
لا نعلم السبب.
فعلى الأول: يقدم الإذن العام، لأنا نعلم أن علة النهي عدم الصداقة
بزعمه، وهو منتف واقعا، فكذا النهي، لانتفاء المعلول بانتفاء علته، بل نقول:
لم يتعلق النهي بزيد أصلا، لعدم تحقق علته فيه. وأيضا شاهد الحال هنا يعاضد
الإذن العام، ويوجب القطع بالإذن، ولا يعارض الظن القطع أبدا.
وأيضا نقول: بعد العلم بعلية عدم الصداقة نعلم تقييد نهيه قطعا، فيكون
معناه: لا تدخل إن كنت كما زعمت. (1)
وعلى الثاني (2): أيضا يقدم الإذن العام، لأن نهيه لكونه أمرا حادثا، يكون
معلولا لعلة قطعا، فهو إما عدم الصداقة بزعمه، أو أمر آخر.
فإن كان الأول: يكون النهى منتفيا في المورد - كما عرفت - قطعا.
وإن كان الثاني: يكون متحققا.
وليس استناده إلى أحدهما معلوما بدليل، ولا موافقا لأصل، فلا يعلم
تحققه، فلا مخصص للإذن العام.
فإن قلت: تحقق النهي معلوم، فرفعه يحتاج إلى دليل.
قلنا: المعلوم التلفظ بالنهي. وأما تعلقه بزيد، فغير معلوم، لأنه إن كان

(1) هذا إشارة إلى قوله: إذا زعم زيد أن عمرا عدوه، المتقدم في ص 35، والمعنى: لا تدخل إذا كنت
عدوي.
(2) أي: إذا لا نعلم سبب النهي عن الدخول.
36

معلولا لعدم الصداقة، لم يتعلق في آن بزيد أصلا، حتى يحتاج رفعه إلى دليل.
مع أن إطلاق النهي أيضا غير معلوم، بل عدمه معلوم، لأن بعد زعم عدم
الصداقة لا يمكن الحكم بأن معناه لا تدخل داري سواء كنت صديقا أو لا.
وأيضا زعم عدم الصداقة حال مقترنة مع اللفظ، صالحة لكونها قرينة على
التقييد، وقد أثبتنا في الأصول: أنه لا يحمل اللفظ على الحقيقة إذا كان كذلك.
وها هنا قسم آخر: وهو أن لا يعلم زيد أن عمرا يعلم صداقته أو لا يعلم، و
حكمه حكم ما لا يعلم (1)، لأصالة عدم العلم، ولا أقل من احتمال عدمه،
فتحتمل علية (2) زعم عدم الصداقة للنهي، لاستواء الأصل بالنسبة إلى العلل،
فلا يعلم تعلق النهي بزيد، ويبقى الإذن العام بلا معارض.
وبعد الإحاطة بما ذكرنا يعلم حكم التعارض لو فرضنا المثال على عكس ما
ذكر، أي: جعلنا المنع (3) عاما والإذن خاصا.
الصورة الثانية: تعارض الصريح مع الفحوى، مثل أن تقول: لا يصل غير
صديقي في داري، وقال لزيد: كن ضيفي في داري إلى الغد، وكان هو غير
صديق له واقعا. وهذا أيضا ينقسم إلى الأقسام السابقة، والتقديم للنهي الصريح
العام في الجميع، إلا في صورة علم عمرو بعدم صداقة زيد، فتقدم الفحوى،
لكونها خاصة.
الصورة الثالثة: تعارض الصريح مع شاهد الحال، مثل أن يعلم من حال
زيد، أنه راض بدخول كل صديق له في داره، وقال لزيد: لا تدخل. ومنه ما إذا
قال لزيد: ادخل داري، وعلمنا أنه لا يرضى بدخول غير الصديق في داره، وكان
زيد في المثال الأول صديقا، وفى الثاني عدوا. وهذا أيضا كسابقيه ينقسم إلى
الأقسام المتقدمة، وحكم كل قسم ما ذكر.

(1) كذا، والأنسب: ما لم يعلم.
(2) في " ح ": فيحمل عليه.
(3) في " ج ": جعلنا النهي.
37

وقد يكون حينئذ المنع الصريح عاما، ومدلول شاهد الحال خاصا، كما إذا
قال أحد: لا يدخل غير صديقي في داري، ويكون بينه وبين زيد حالات تشهد
بأنه يرضى بدخوله فيها، وكان في الواقع غير صديق.
وحينئذ إن كانت شهادة الحال: أنه يرضى بالدخول لزعم الصداقة - أي:
تشهد الحال بأنه زعمه صديقا له، وبتوسطه تشهد بالإذن بالدخول - فيقدم المنع،
إذ لم تثبت من الحال الإذن، مع كونه غير صديق في الواقع، أي ليست (1) الحال
بحيث تدل على أن زيدا لو استأذنه مع بيان حاله من عدم الصداقة يأذن له،
فلا تكون الإذن معلومة.
وإن كانت الحال تشهد بأنه يرضى بالدخول، ولو لم يكن صديقا - كما قد
يتفق بين أهل النفاق - فتقدم شهادة الحال، لكونها خاصة.
وإن كانت تشهد: بأنه يرضى بالدخول، ولكن لم يعلم أنه هل لزعم
الصداقة حتى لا يجوز له الدخول حيث إنه غير صديق، أو لا حتى يجوز، و
حينئذ أيضا يقدم المنع، إذ القدر المعلوم من شاهد الحال مع ملاحظة النهي المذكور
ليس إلا الإذن في الدخول لو كان صديقا.
وأيضا حصل التعارض بين شاهد الحال والمنع الصريح، ولأجل تطرق
الاحتمال في شاهد الحال، لا تكون دلالته في خصوص المورد قطعية،
فلولا ترجيح المنع يتساقطان، ويبقى أصالة عدم الإذن بحالها.
الصورة الرابعة: تعارض الفحوى مع الفحوى، وحكمه حكم تعارض
المفهومين، ومع عدم الترجيح تبقى أصالة عدم الإذن معمولا بها.
ولهذه الصورة قسم آخر: وهو أن يكون هناك إذن أو منع صريح، وكانت
هناك حالة صالحة للمنع عن مقتضى الصريح، إذنا كان أو منعا، ولكن لم تعلم
شهادته بالمنع عن مقتضاه وإثباتها لخلافه.

(1) في " ه‍ "، " ج "، " ح ": بسبب، بدل ليست.
38

وذلك كما إذا قال لزيد: ادخل داري، وكان هو فاسقا أو أجنبيا له.
فإن علم الإذن بالحال، فلا شك في العمل بمقتضى الصريح.
وإن علم خلافه، كأن علمنا أنه يزعم أن زيدا عادل، أو من أقربائه، ولم
يكن كذلك واقعا، فلا يحكم حينئذ بمقتضى الصريح، فنمنع زيدا عن الدخول،
لما مر من أن الإذن أو المنع الصريح أمر حادث، وله علة في الواقع لا محالة، و
يمكن أن تكون العلة زعم العدالة، أو القرابة، وأن تكون غيرهما، فإن كان
الأول فهو منتف في المورد، فلا يعلم تعلق الحكم الصريح بالمورد.
وأيضا لكونه مورد الحكم الصريح فرع كونه مطلقا، أي: ادخل سواء كنت
فاسقا أو عادلا، وهذا غير متصور في المورد، لزعم العدالة.
وأيضا الإطلاق إنما يحكم به لأصالة الحقيقة، وهي غير جارية فيما نحن فيه كما مر.
وكذا إذا كان المنع صريحا أيضا، ولكن حينئذ وإن لم يحكم بالمنع لأجل
التصريح، ولكن المنع الأصلي يكون باقيا.
ومن هذا القسم: ضمان المشترى المقبوض بالبيع الفاسد بإذن البائع (1)، إذا
كان البائع جاهلا بالفساد وزعم الصحة، حيث إن الفساد حالة صالحة لعدم
الإذن، والبائع زعم انتفائه.
الصورة الخامسة: تعارض الفحوى مع شاهد الحال. ويظهر حاله مما مر في
تعارض الصريح مع شاهد الحال، إذ لا فرق بين الصريح والفحوى إلا في كون
دلالة أحدهما بالمنطوق، والآخر بالمفهوم، وهو غير موجب للاختلاف فيما
نحن فيه.
الصورة السادسة: تعارض الحالين في الشهادة، كأن يكون شخص صديقا
لزيد، وكان سارقا، فإن الأول يشهد بالإذن في الدخول، والثاني بالمنع.
والتحقيق: أن المعتبر هو الحالة المركبة، أي: ملاحظة الصديق السارق،

(1) يعني: ضمان المشترى بالبيع الفاسد المقبوض بإذن البائع.
39

فيتبع ما تشهد به تلك الحالة، دون كل حالة بانفرادها.
ومن هذه الصورة ما لو كان زيد صديقا لعمرو وزعم عداوته، أو كان
عدوا وزعم صداقته، فإن مقتضى الواقع في الأول الإذن، وفي الثاني المنع،
ومقتضى الزعم بالعكس.
والتحقيق: ما مر من جعل الحالة مركبة، وفرض الاستئذان معها من عمرو،
أو من العرف (1)، فيقال: هل تأذن لمن تزعم عداوته، وكان صديقا واقعا؟ أو لمن
كان عدوا واقعا وتزعم صداقته (2)، فما يحكم به هذه الحالة (3) فهو المشهود به.
والحكم في الصورتين للواقع، دون الزعم بشهادة العرف والعادة، وحكم
الحدس والوجدان، والقطع بأن مناط الرضى وعدمه: الأمور الواقعية، دون
الزعمية.
تتمة:
قد عرفت أن كلا من الأقسام الثلاثة للإذن - أي: الصريح، والفحوى، و
شاهد الحال - معتبر شرعا، مؤثر فيما يؤثر فيه مطلق الإذن. وأما ما لم يثبت تأثير
مطلقه فيه، بل كان أمرا مخالفا للأصل، لم يثبت تحققه إلا مع الإذن الصريح
مثلا، أو مع الفحوى، أو توقف مضافا إلى الإذن على أمر آخر أيضا، فلا يكفي في
ثبوته مجرد ثبوت الإذن بأحد الثلاثة أيها كان، بل يقتصر فيه على القدر الثابت.
مثلا: يثبت بالإجماع والأخبار جواز التصرف في مال الغير وأكله بمجرد
رضاه وإذنه، فكل ما علم ذلك يحكم بإباحة التصرف، سواء علم بالإذن
الصريح أو الفحوى أو شاهد الحال، بخلاف ما إذا علم رضى البايع يبيع ماله بثمن
معين، كما إذا كان له مال قيمته عشرون دينارا، وكان أراد بيعه في الأمس بهذه

(1) في " ح ": المعرف، وفي " ب ": ومن العرف.
(2) في " ب ": هل يأذن لمن يزعم... ويزعم.
(3) أي: في هذه الحالة.
40

القيمة، ولم يكن راغب شراء، فباعه غيره بغير توكيل منه ولا إذن صريح بمائة
دينار، فلا يحكم بلزوم البيع ما لم يصرح بالإجازة على القول بصحة الفضولي،
ولا يترتب سائر آثار البيع عليه (1).
وكذا: إذا شهد الحال بأن فلانا راض بطلاق زوجته، ولكن لا يطلقها لأجل صداقها،
فطلقها غيره في غيبته، وأدى الصداق من نفسه، فإنه لا يجوز للزوجة
التزويج بالغير بعد العدة.
والسر: أنه لم يعلم ترتب هذه الآثار على الوقوع بمجرد الرضى.
وعلى هذا فما يوجد في كلام بعضهم (2) في بحث الوقف، من تجويز بعض
التغييرات في الوقف، أو بيعه مع تعطله، استنادا إلى دلالة شاهد الحال على
رضى الواقف بذلك حين الوقف، لا وجه له، لاقتضاء الوقف عدم الجواز، ولأن
الوقف - بعد تحقق الوقف - ليس ملكا للواقف حتى يؤثر رضاه في جواز
التصرف، ولأن الرضى بالبيع من غير تصريح لا يؤثر في اللزوم. ولذا لو وقف
على أكبر أولاده، أو ذكور أولاده الذكور، وحصلت للأصغر أو ذكور أولاده
الإناث حالة نقطع بأن الواقف راض بأكله منه، لا نجوزه.
وأغرب من ذلك، ما قيل: من جواز صرف منافع الوقف في غير الموقوف
عليه، إذا كان بحيث لو علم الواقف حاله لكان راضيا بصرفها فيه (3).
ولو جاز أمثال ذلك، وأثرت دلالة شاهد الحال على الرضى فيها، لأثرت
دلالته على عدم الرضا أيضا، فلو كان الزوج سئ الخلق، مغلول اليد، مؤذيا
للزوجة غاية الإيذاء، لزم أن يحكم بفساد النكاح، لدلالة شاهد الحال على عدم
رضاها حال العقد بالنكاح لو علمت بالحال.
والله الهادي إلى الرشاد في جميع الأحوال.

(1) أي: لا يترتب شئ من آثار البيع عليه.
(2) انظر مختلف الشيعة: 489، الرياض 2: 31 والمسالك 1: 351
(3) انظر التنقيح الرائع 2: 321.
41

عائدة (4)
في نفي الضرر والضرار
قد شاع استدلال الفقهاء في كثير من المسائل الفقهية بنفي الضرر والضرار،
وتحقيق المقام في ذلك يستدعى رسم أبحاث:
البحث الأول:
في نقل الأخبار الواردة في ذلك المضمار.
وهي كثيرة:
الأول: ما رواه العلامة في التذكرة، وابن الأثير في نهايته، وهو قوله عليه
السلام: " لا ضرر ولا ضرار في الإسلام " (1).
والثاني: صحيحة البزنطي، عن حماد، عن المعلى بن خنيس، عنه عليه
السلام، قال: " من أضر بطريق المسلمين شيئا فهو له ضامن " (2).
والثالث: صحيحة الكناني، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " من أضر بشئ من

(1) التذكرة 1: 522، النهاية 3: 81، والرواية موجودة في الفقيه 4: 243 / 777، وعنه في الوسائل
17: 376 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 10، مرسلة بعنوان: قال (أي النبي صلى الله عليه وآله)، و
في التهذيب 7: 146 / 651، وفي مجمع البحرين 3: 373، وحكى رواية الخدري لها في عوالي
اللآلي 1: 383.
(2) التهذيب 9: 158 / 651، الوسائل 13: 339 أحكام الهبات ب 6 ح 4.
43

طريق المسلمين فهو له ضامن ".
ومعنى ذلك (2) الحديث وسابقه - والله سبحانه أعلم - أن من أضر في
الطريق على أحد بشئ فهو له ضامن، على أن تكون لفظتا (الباء (و (من) بمعنى
(في) ويكون المجرور متعلقا بقوله: (أضر) ويكون (الطريق) ظرفا للإضرار.
ويحتمل أن يكون ظرفا للشئ، ويكون المجرور متعلقا بمحذوف، ويكون
المعنى: من أضر شيئا كائنا في طريق المسلمين، أو بشئ كائن فيه، فهو له
ضامن، ومآل المعينين واحد.
ويمكن أن يكون المجرور بيانا للشئ، وتكون (الباء) في الحديث
السابق أيضا بمعنى (من) ويكون المعنى: من أضر بشئ من الطريق،
بأن ينصب فيه ميزابا، أو حفر فيه بئرا، أو وضع فيه حجرا، أو رش فيه ماءا، أو
غير ذلك مما يوجب الضرر على المسلمين، فهو ضامن لما يتلف بسبب ذلك
الضرر.
والفرق بين ذلك (3) المعنى وسابقيه: أن هذا أخص منهما، لاختصاصه بما
كان الضرر بسبب إحداث أمر في الطريق، وعمومهما.
ويؤيد ذلك المعنى: ما رواه المشايخ الثلاثة بإسنادهم عن الحلبي، وفيه،
" كل شئ يضر بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه " (4).
ويمكن أن يكون المراد هو الأخير، ولكن يكون معنى قوله: " هو ضامن " أنه
ضامن لما أضر به من الطريق، لا لما تلف لأجل ذلك. ولكن ذلك بعيد، لعدم
استعمال الضمان في مثل ذلك، بل عدم صحة إطلاقه، ومخالف لما فهمه جميع

(1) الكافي 7: 350 / 3، الفقيه 4: 115 / 395، التهذيب 10: 231 / 911، وص 230 / 905، الوسائل
19: 179 أبواب موجبات الضمان ب 8 ح 2.
(2) و (3) كذا في الموضعين، والأنسب فيهما: هذا
(4) الكافي 7: 349 / 2، الفقيه 4: 115 / 396، التهذيب 10: 223 / 878، الوسائل 19: 181 أبواب
موجبات الضمان ب 9 ح 1.
44

الأصحاب من الحديثين.
الرابع: رواية طلحة بن زيد، عن الصادق (عليه السلام)، قال: " إن الجار كالنفس غير
مضار ولا آثم " (1).
ولعل المراد منه: أن الرجل كما لا يضار نفسه، ولا يوقعها في الإثم، أو
لا يعد عليها الأمر إثما، كذلك ينبغي أن لا يضار جاره، ولا يوقعه في الإثم،
ولا يعد عليه الأمر إثما.
الخامس: رواية عقبة بن خالد، عن الصادق (عليه السلام) قال: " قضى رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): لا ضرر
ولا ضرار (3) " (3).
السادس: رواية هارون بن حمزة الغنوي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل
شهد بعيرا مريضا وهو يباع، فاشتراه رجل بعشرة دراهم، فجاء وأشرك فيه رجلا
بدرهمين، بالرأس والجلد، فقضي أن البعير برئ، فبلغ ثمنه دنانير، قال: فقال:
" لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ، فإن قال: أريد الرأس والجلد فليس له ذلك،
هذا الضرر، وقد أعطي حقه إذا أعطي الخمس " (4).
السابع: موثقة ابن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: " إن
سمرة بن جندب كان له غدق في حائط لرجل من الأنصار، وكان
منزل الأنصاري بباب البستان، وكان يمر به إلى نخلته ولا يستأذن.
فكلمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء، فأبى سمرة، فلما أبى جاء

(1) الكافي 5: 31 / 5، وص 292 / 2، التهذيب 7: 146 / 650، الوسائل 17: 319 أبواب
إحياء الموات ب 12 ح 2، وفيه: ولا إثم.
(2) في " ح " والفقيه: ولا إضرار.
(3) الكافي 5: 280 / 4، الفقيه 3: 45 / 145، التهذيب 7: 164 / 727، الوسائل 17: 319 أبواب
الشفعة ب 5 ح 1.
(4) الكافي 5: 293 / 4، التهذيب 7: 79 / 341، وص 82 / 351، الوسائل 13: 49 أبواب بيع
الحيوان ب 22 ح 1.
45

الأنصاري إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكا إليه، فأخبره (1) الخبر، فأرسل إليه
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخبره بقول الأنصاري وما شكاه، وقال، إذا أردت
الدخول فاستأذن، فأبى، فلما أبى، ساومه حتى بلغ به من الثمن له ما شاء الله،
فأبى أن يبيعه، فقال: لك بها غدق مذلل في الجنة، فأبى أن يقبل، فقال
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للأنصاري: اذهب فاقلعها وارم بها إليه، فإنه لا ضرر
ولا ضرار " (2).
الثامن: رواية ابن مسكان عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) وهي أيضا
واردة في واقعة سمرة مع الأنصاري، وهي أن سمرة بن جندب كان له غدق،
وكان طريقه إليه في جوف منزل رجل من الأنصار، وكان يجئ ويدخل إلى
عذقه بغير إذن من الأنصاري، فقال الأنصاري: يا سمرة لا تزل تفجأنا على حال
لا نحب أن تفجأنا عليها، فإذا دخلت فاستأذن، فقال: لا أستأذن في طريقي، و
هو طريقي إلى عذقي. قال: فشكاه الأنصاري إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأرسل إليه
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأتاه، فقال له: إن فلانا قد شكاك، وزعم أنك تمر عليه وعلى
أهله بغير إذنه، فاستأذن عليه إذا أردت أن تدخل، فقال: يا رسول الله، أستأذن
في طريقي إلى عذقي؟! فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): خل عنه، ولك مكانه غدق في
مكان كذا وكذا، فقال: لا. قال: فلك اثنان، قال: لا أريد (فلم يزل يزيده) (3)
حتى بلغ عشرة أعذاق، فقال: لا. فقال: لك عشرة في مكان كذا وكذا،
فأبى، فقال: خل عنه ولك مكانه غدق في الجنة، فقال: لا أريد. فقال له:
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنك رجل مضار، ولا ضرر ولا ضرار (4) على المؤمن.
قال: ثم أمر بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلعت، ثم رمي بها إليه.
وقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): انطلق،

(1) في المصادر: وخبره، وهو أنسب.
(2) الكافي 5: 292 / 2، الفقيه 3: 147 / 644، التهذيب 7: 146 / 651، الوسائل 17: 341 أبواب
إحياء الموات ب 12 ح 3.
(3) في " ب "، " ج ": فجعل صلى الله عليه وآله يزيده.
(4) في " ح ": لا إضرار.
46

فاغرسها حيث شئت " (1).
التاسع: رواية الحذاء، عن أبي جعفر (عليه السلام)، وهي أيضا واردة في واقعة
سمرة وقريبة من سابقتيها، إلا أنه ليس فيها لفظا الضرر والضرار، بل فيها: إن
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ما أراك يا سمرة إلا مضارا، اذهب يا فلان، فاقطعها، و
اضرب بها وجهه " (2).
العاشر: مكاتبة محمد بن الحسين، عن أبي محمد (عليه السلام)، وفي آخرها:
" فوقع (عليه السلام): يتقي الله عز وجل، ويعمل في ذلك بالمعروف، ولا يضار بأخيه
المؤمن " (3).
الحادي عشر: رواية أخرى لعقبة بن خالد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
" قضى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بين أهل المدينة في مشارب النخل: أنه لا يمنع بقع البئر، و
قضى بين أهل البادية: أنه لا يمنع فضل ماء، ليمنع به فضل كلاء، فقال: لا ضرر
ولا ضرار " (4).
واعلم: أن فخر المحققين قد ادعى تواتر الأخبار على نفى الضرر والضرار
في مبحث الرهن. (5)
البحث الثاني:
في بيان معنى الضرر والضرار.
في القاموس: ضره، وبه، وأضره، وضاره مضارة وضرار (6).

(1) الكافي 5: 294 / 8، الوسائل 17: 341 أبواب إحياء الموات ب 12 ح 4.
(2) الفقيه 3: 59 / 8، الوسائل 17: 340 أبواب إحياء الموات ب 12 ح 1.
(3) الفقيه 3: 150 / 659، الكافي 5: 293 / 5، التهذيب 7: 146 / 647، الوسائل 17: 343 أبواب
إحياء الموات ب 15 ح 1، وفيها: ولا يضر.
(4) الكافي 5: 293 / 6، وفيه نفع الشئ، الوسائل 17: 333 أبواب إحياء الموات ب 7 ح 2.
(5) إيضاح الفوائد 2: 48.
(6) القاموس المحيط 2: 77.
47

وفي الصحاح: الضر خلاف النفع، وقد ضره وضاره بمعنى، والاسم:
الضرر. إلى أن قال: والضرار المضارة (1).
وفي النهاية الأثيرية: وفيه: لا ضرر ولا ضرار في الإسلام، الضر: ضد
النفع، ضره يضره ضرا وضرارا، وأضر به يضر إضرارا، فمعنى قوله: لا ضرر:
أي لا يضر الرجل أخاه فينقصه شيئا من حقه. والضرار: فعال من الضر. أي:
لا يجازيه على إضراره بإدخال الضرر عليه. والضرر فعل الواحد، والضرار فعل
الاثنين. والضرر: ابتداء الفعل، والضرار: الجزاء عليه. وقيل: الضرر: ما تضر
به صاحبك، وتنتفع أنت به. والضرار: أن تضره من غير أن تنتفع. وقيل: هما
بمعنى، والتكرار للتأكيد (2). انتهى.
وفي المصباح: الضر: بفتح الضاد مصدر ضره يضره من باب قتل، إذا فعل
به مكروها. وأضر به يتعدى بنفسه ثلاثيا، وبالباء رباعيا. والاسم: الضرر. وقد
يطلق على نقص في الأعيان. وضاره مضارة وضرارا: بمعنى ضره (3). انتهى.
وقيل: الضرر: هو الاسم. والضرار: هو المصدر، فيكون منهيا عن الفعل
الذي هو المصدر، وعن إيصال الضرر الذي هو الاسم.
أقول: إن الوارد في الأحاديث ثلاثة ألفاظ: الضرر، والضرار، والإضرار.
وتلك الألفاظ الثلاثة وإن كانت مختلفة بحسب المعنى اللغوي، على ما يستفاد
من أكثر كلماتهم، ولكنه ليس اختلافا يختلف به الحكم المعلق عليها، بل
الاختلاف في بعض الأوصاف للمعنى غير متعلق كثيرا بما يتعلق به الحكم. فإن
الضرر - سواء كان اسما أو مصدرا - يكون مآل المنفي بقوله: " لا ضرر " متحدا، و
يرجع إليه معنى الإضرار.

(1) الصحاح 2: 719.
(2) النهاية لابن الأثير 3: 81.
(3) المصباح المنير 2: 360.
(4) نضد القواعد الفقهية: 17، قوانين الأصول 2: 52 - 53، وانظر لسان العرب 4: 482.
48

وأما الضرار: فهو إن كان بمعنى الضرر كما قيل، فواضح. نعم يختلف في
الجملة لو لم يكن بمعناه، بل أخذت فيه المجازات، أو الاثنينية، ولكن الظاهر من
الرواية السادسة: عدم اعتبار شئ منهما فيه.
وبالجملة: الأمر في ذلك سهل جدا، لظهور المعنى.
ثم لا يخفى أن الضرر - كما مر - خلاف النفع، وهو بحكم العرف واللغة في
الأموال: تلف شئ من مال شخص، أو من مال نفسه، عينا كان أو منفعة،
بلا منفعة أو عوض له، وإن كان فعل الغير، فهو إتلاف شخص شيئا من مال
شخص أو نفسه.
وبعبارة أخرى، الضرر: هو إخراج ما في يد شخص من الأعيان أو المنافع
بلا عوض له. فكل ما كان صرفه وإتلافه لجلب نفع أو عوض حاصل لم يكن
ضررا. والنفع والعوض أعم من أن يكون دينيا أو دنيويا، في الآخرة أو الدنيا.
والنفع في الأموال: هو حصول زيادة مالية عينية، أو منفعة، أو إيصال تلك
الزيادة، إذا كان النفع من فعل الغير.
والحاصل: أن كل عمل أو حكم صدر من أحد في ماله أو في مال غيره. فإما
لا يحصل بسببه تبديل أو تغيير في ماله، أو يحصل، ولكن ما حصل بعوضه - من
عين أو نفع أخروي أو دنيوي - مما يساويه عرفا وعادة، فهو ليس مما فيه نفع
ولا ضرر.
وأن كان ما حصل بإزائه مما يزيد على ما بإزائه بحسب المتعارف، فتلك
الزيادة تسمى نفعا.
وإن نقص عنه، يسمى ذلك النقص ضررا، وكذا إن لم يحصل بإزائه
شئ.
وكذا كل عمل أو حكم يوجب نقص ما في يد شخص، من عين أو منفعة،
فهو ضرر، أو اضرار وإن لم يكن تصرفا في ماله. وكل عمل أو حكم يوجب
حصول شئ عيني أو نفعي له فهو نفع له وإن لم يكن بسبب تصرف في ماله.
49

وعلى هذا، فلو كان لأحد متاع، قيمته عشرون دينارا، فباعه أو باعه غيره
بخمسة عشر دينارا فقد أضره. ولو باعه بخمسة وعشرين، فقد أوصل إليه
النفع. ولو باعه بعشرين، لم يضره ولم ينفعه، إلا إذا أراد المالك بيعه، فباعه
الغير بهذا المبلغ بلا أجرة، فإن نفس ذلك البيع منفعة حاصلة للمالك من الغير.
ولو منعه مانع عن بيع متاعه، فهو ليس إضرار، بل منع عن نفع.
وكذا لو كان له ملك ليس له نفع كقناة بائرة، وأراد إصلاحها، ومنعه مانع،
فإنه مانع عن تحصيل النفع، لا أنه أضر به. بخلاف ما لو كان له قناة دائرة، فأرسل
إليها ماءا، وخربت لأجله، فإنه ضرر. وكذا لو منعه عن تنقية بئر منها حتى
خربت سائر الآبار.
ولو صرف بعض ماله في سبيل الله بنية القربة، فهو غير ضار بنفسه، لأن ما
بإزائه من درجات الآخرة أضعاف ما صرف من المال. بخلاف ما لو أعطاه فقيرا،
لأجل الرياء وأمثاله، ولم ينفعه نفعا ودنيويا أيضا، فإنه قد أضر بنفسه. وهكذا.
البحث الثالث:
قال البدخشي في بيان نفى الضرر والضرار: الضرر والمضارة ممنوعا منه شرعا.
وتحقيق ذلك: أن النفي هاهنا بمعنى النهى، بقرينة أن أصل الضرر واقع (1). انتهى.
أقول: الحديث يحتمل معان ثلاثة: أحدها: ما ذكره من حمل النفي على النهي ويكون المراد: تحريم الضرر
والضرار.
وثانيها: أن يكون النفي باقيا على حقيقته، ويكون المعنى: لا ضرر
ولا ضرار مجوزا ومشروعا في دين الإسلام. والحاصل أن الله تعالى لم
يجوز لعباده ولم يشرع لهم ضررا ولا ضرارا، ومآل ذلك أيضا إلى الأول، إذ

(1) شرح البدخشي " مناهج العقول في شرح منهاج الوصول " 3: 172.
50

مفاده تحريم الضرر.
وثالثها: أن يكون النفي باقيا على حقيقته، ويكون المراد نفى ماهية الضرر
والضرار في دين الإسلام، ويكون المعنى: لا ضرر ولا ضرار موجودا، ومتحققا
في دين الإسلام، أي: ليس من أحكام دين الإسلام ما يوجب ضررا أو ضرارا،
فكل ما كان فيه ضرر، فليس منها.
ومحصله: أن الله سبحانه لم يرض لعباده بضرر لا من جانبه ولا من جانب
بعضهم بعضا، فكل ما كان متضمنا لضرر، فهو ليس مما يرضى الله به، وليس
من أحكامه.
ثم إنه لا شك في أن مقتضى أصالة الحقيقة: هو الحمل على المعنى الأخير،
لأن الأول يوجب حمل الأخبار على المعنى الإنشائي، والثاني حمل نفى الجنس
الذي هو حقيقة في نفي الحقيقة على نفي الوصف، وكل منهما خلاف الأصل
مع أن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " في الإسلام " كما في الحديث الأول، لا يتلائم مع المعنى الأول
أصلا، فيكون المعنى الثالث متعينا.
وأما الضرر الواقع: فهو لا يصلح قرينة للأول، لأن المراد من الضرر الواقع
إن كان مطلق الضرر فيكون كذلك، ولكن قرينة المقام، وهو كون النبي (صلى الله عليه وسلم) في
مقام بيان أحكام الدين والإسلام، بل خصوص الرواية الأولى تدل على نفي
الضرر والضرار في الإسلام من حيث هو إسلام، وليس مثل هذا الضرر بواقع.
وإن كان ما قيل من مثل القصاص والديات والتقاص وتضمين الغاصب و
نحوها، فمع منع كون مثلها ضررا، بل هي جائزة، للضرر الواقع على الغير،
فجوازها ينافي المعنيين الأولين أيضا. والتوجيه بالتخصص مشترك.
هذا، مع أن المعنيين الأولين يختصان بضرر العباد بعضهم بعضا، مع أنا نرى
الفقهاء يستدلون بنفي الضرر على الأعم من ذلك، مثلا يقولون بعدم وجوب
الحج مع العلم بالضرر أو ظنه في الطريق، تمسكا بنفي الضرر، وأمثال ذلك.
فظهر مما ذكر: أن الموافق للأصل والأوفق بكلمات القوم، هو المعنى
51

الثالث، أي: الحمل على نفي ماهية الضرر ووجوده في الإسلام، ويلزمه أن
كل حكم يتضمن ضررا أو ضرارا، لم يكن من أحكام الإسلام، وإلا تحقق الضرر
في الإسلام.
والحكم: أعم من الوجوب، والحرمة، والاستحباب، والكراهة،
والإباحة. فلا يتحقق تحريم، ولا كراهة، ولا وجوب، ولا استحباب ولا إباحة،
يستلزم ضرر شخص من الأشخاص، فكل ما كان كذلك لا يكون حكما للشارع.
بل يستفاد من تلك الأحاديث: أن عدم الضرر، وعدم كون الحكم المتضمن
للضرر حكما شرعيا، حكم شرعي يجب اتباعه والأخذ به.
البحث الرابع:
لما كان الضرر والضرار نكرتان منفيتان، فيفيدان العموم.
فعلى المعنى الأول: يكون النهي عن جميع أفراد الضرر.
وعلى الثاني: نفي لتجويز كل فرد منه.
وعلى الثالث: يكون نفيا لوجوده (1) كذلك.
ويكون المعنى: أنه لا ضرر ماليا بوجه من الوجوه، ولا بدنيا، ولا عرضيا،
ولا غير ذلك من المضار، متحققا في أحكام الشرع، فيدل نفي الضرر على أن كل
حكم يتضمن أو يستلزم ضررا أو ضرارا، فهو ليس من أحكام الشرع والإسلام،
فلا يجب اتباعه.
ومن هذا تظهر كيفية الاستدلال في المسائل الفقيه بتلك الأخبار، فإنه
يستدل بها على نفي كون ما يوجب ضررا أو ضرارا حكما شرعيا، وأما تعيين
أصل الحكم فموقوف على دليل آخر.
مثلا: إذا كانت المبايعة مما يوجب ضررا على البائع بسبب الغبن، فيحكم

(1) في " ج ": نفيا للجنس.
52

بتلك الأخبار على عدم كون لزوم تلك المبايعة من أحكام الشرع، وأما أن الحكم
هو خيار البائع، أو فساد المبايعة، أو ضمان المشتري للتفاوت، فهو يحتاج إلى
عناية أخرى.
البحث الخامس:
قد ظهر مما ذكر: أن نفي الضرر والضرار في الأحكام الشرعية، من الأصول
والقواعد الثابتة بالأخبار المستفيضة، المعتضدة بعمل الأصحاب، الموافقة
للاعتبار، المناسبة للملة السمحة السهلة، المعاضدة بنفي الحرج والعسر
والمشقة، كما ورد في الكتاب (1) والسنة (2)، فهذا أصل من الأصول كسائر القواعد
والأصول الممهدة، ودليل شرعي يستدل به في موارده.
ن لم يكن له معارض، فالأمر واضح. وإن كان، بأن يدل دليل آخر على
ثبوت حكم شرعي يلزم منه ضرر، فيعمل فيهما بمقتضى التعارض والترجيح.
وقد يعارض نفي الضرر نفسه، بأن يكون الأمر مرددا بين حكمين يستلزم
كل منهما ضررا على أحد، فالحكم الترجيح إن كان، وإلا فالتوقف، أو التخيير.
ولا يخفى أن مرادنا من كون نفي الضرر والضرار من الأصول: أنه من
الأدلة الشرعية، لا أنه أصل كأصل البراءة والاستصحاب، وأصل الحقيقة، و
أمثالها، حتى لا يعارض دليلا أصلا.
والتوضيح: أنهم قد يقولون: إن القاعدة الفلانية من قبيل الدليل، دون
الأصل، حتى لا يعارض دليلا (3).

(1) وهو قوله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) الجح 22: 78، وقوله تعالى: (ما كان
على النبي من حرج فيما فرض الله له) الأحزاب 33: 38.
(2) الكافي 3: 4 / 2، وص 33 / 4، التهذيب 1: 363 / 1097، الاستبصار 1: 77 / 240، الوسائل
1: 327 أبواب الوضوء ب 39 ح 5.
(3) في " ح " زيادة: أصلا.
53

ومرادهم من الأصل هنا: كل ما يثبت، لولا الدليل على خلافه. وبعبارة
أخرى: ما يدل على ثبوت شئ لولا الدليل على خلافه، ومن الدليل: ما يدل
على ثبوت شئ مطلقا.
والفرق: أن الأول لا يعارض دليلا أصلا، سواء كان موضوع الدليل أعم من
موضوعه مطلقا، أو من وجه، أو أخص. والثاني: يعارض مع الأدلة، ويعمل
حين التعارض بما يقتضيه التعادل والترجيح.
مثلا قوله (عليه السلام): " كل ماء طاهر " دليل على طهارة الماء. فإذا ورد: " كل شئ
نجس " يتعارضان، والأول أخص مطلقا، فيخصص الثاني به.
وإذا ورد: " كل شئ ملاق للنجاسة نجس " يتعارضان بالعموم من وجه، و
محل التعارض: الماء الملاقي للنجاسة، فيعمل فيه بمقتضى التراجيح.
وإذا ورد: " كل ماء ملاق للنجاسة نجس " يكون أخص مطلقا من الأول،
فتخصصه.
وأما قوله (عليه السلام): " كل ماء لم يعلم نجاسته فهو طاهر: أو " كل ماء طاهر حتى
يعلم أنه نجس " فهو دليل على أصالة طهارة الماء، لا على طهارته، فهو دليل على
الأصل (1)، ولا يعارض شيئا من المذكورات، فإن كلا منها دليل شرعي عام،
شامل للماء مطلقا، أو الماء الملاقي للنجاسة، فهو يكون معلوم النجاسة، فيكون
خارجا عن مدلول كل ماء لم تعلم نجاسته، ويكون الماء معلوم النجاسة حينئذ.
ويعلم كون شئ من باب الدليل أو الأصل، بكونه مقيدا بعدم الدليل على
خلافه ومطلقا، فإن كان مقيدا، فهو من باب الأصل، كأصل البراءة والحقيقة و
أمثالهما، فإنه ليس هناك دليل دال على براءة ذمة كل أحد من التكاليف، ولا
على كون كل لفظ مستعملا في معناه الحقيقي، بل الثابت: هو براءة الذمة ما لم
يعلم الشغل، والاستعمال في الحقيقة ما لم يعلم التجوز، ولو كان هناك دليل

(1) في " ج ": فهو الأصل.
54

على أن كل لفظ حقيقة مطلقا، لكان ذلك معارضا مع قرائن المجازية.
وإن كان مطلقا فهو الدليل، نحو قوله: " لا ضرر ولا ضرار ".
فإن قيل: هو أيضا مقيدة لا محالة بقيد لولا الدليل على خلافه.
قلنا: نعم، ولكن كل ما يعارضه أيضا مقيد بذلك، فلا يمنع هذا القيد من
التعارض.
البحث السادس:
قد أشرنا فيما سبق إلى أن نفي الضرر والضرار إنما يصلح دليلا لنفي الحكم
إذا كان موجبا للضرر، وأما إثبات حكم وتعيينه فلا، بل التعيين محتاج إلى دليل
آخر.
ومن هذا يظهر فساد ما ارتكبه بعضهم (1)، من الحكم بضمان الضار والمتلف
بحديث نفي الضرار، فإن عدم كون ما ارتكبه حكما شرعيا لا يدل على الضمان،
بل ولا على الجبران مطلقا، كما قيل (2).
نعم لو قيل: إن معنى الحديث: لا ضرر بلا جبران، لدل على تحقق الجبران،
وهو أيضا لا يثبت ضمان الضار، لإمكان الجبران من بيت المال، أو في الآخرة،
أو في الدنيا من جانب الله سبحانه، بأن يفعل ما ينتفع من استضر به بقدر ما
استضر أو أزيد.
نعم: إذا كان حكم بحيث يكون لولاه لحصل الضرر، أي كان عدمه موجبا
للضرر مطلقا، وانحصر انتفاء الضرر بثبوت الحكم الفلاني، يحكم بثبوته بدليل
نفي الضرر. ولكن الثبوت حينئذ أيضا ليس بنفي الضرر خاصة، بل به و
بالانحصار بذلك. وهذا موجب للتعيين في غير هذا المورد أيضا، كما إذا كان

(1) انظر الوافية للفاضل التوني: 193 - 194.
(2) القائل هو الحقق القمي في قوانين الأصول 2: 48.
55

هناك احتمالات ثلاثة مثلا، وكان اثنان منها موجبا للضرر، يحكم بتعيين الثالث
لولا دليل آخر غير الأصل على انتفائه. وكذا إذا كان أحدها موجبا للضرر،
والآخر نافيا لدليل شرعي آخر غير الأصل، فيحكم بتعيين الثالث إذا لم يكن على
نفيه دليل غير الأصل.
وأما الأصل: فهو غير صالح للنفي هناك، لأن بطلان غيره دليل على
ثبوته.
بقي هاهنا أمر آخر: وهو أن الضرر - كما مر - هو ما لم يكن بإزائه عوض،
والعوض - كما أشرنا إليه - يعم الأخروي أيضا، والعوض الدنيوي مما يمكن درك
وجوده أو انتفائه، بخلاف الأخروي، وعلى هذا فكيف يمكن فهم أن الضرر
الذي يتضمنه الحكم الفلاني لا عوض له، حتى يكون ضررا لا
ودفعه: أن الضرر هو الذي لم يكن بإزائه عوض معلوم أو مظنون، و
احتمال العوض لا ينفي صدق الضرر، مع أن العوض الأخروي معلوم الانتفاء
بالأصل.
فإن قيل: هذا ينفع إذا لم يكن الحكم المتضمن للضرر داخلا في عموم دليل
شرعي، وأما إذا كان داخلا فيه - سيما إذا كان من باب الأوامر وأمثاله - يثبت
العوض، ويلزمه عدم تعارض نفي الضرر مع عموم (1)، مع أنه مخالف لكلام
القوم.
مثلا إذا ورد: إذا استطعتم حجوا، وإذا دخل الوقت صلوا، يدل بعمومه
على الأمر بالحج والصلاة في كل وقت حصلت الاستطاعة أو دخل الوقت وإن
تضمن ضررا كليا، والأمر يدل على العوض فلا يكون ضررا.
قلنا: الأمر تعلق بالحج والصلاة، ولازمه تحقق الأجر المقابل لماهية الحج
والصلاة، المتحقق في حالة عدم الضرر أيضا، وأما حصول عوض في مقابل

(1) في " ه‍ "، " ح ": عمومه.
56

الضرر وأجر له، فلا دليل عليه.
نعم لو كان نفس الضرر مما أمر به، يحكم بعدم التعارض، وعدم كونه
ضررا، كما في قوله: " إذا ملكتم النصاب فزكوا " وأمثاله.
البحث السابع:
تحديد الضرر المنفي موكول إلى العرف، أي: ما يسمى ضررا عرفا، فما
لا يكون كذلك - وإن كان فيه نقص شئ كمثقال حنطة - لا يعد ضررا، وليس
منفيا، ولا يعارض نفيه أدلة ثبوت الأحكام، بل الضرر قد يختلف باختلاف
الأشخاص و (1) الأموال، والبلاد، والأزمنة، وفى الأحكام المتعارضة، مثلا:
إذا كان أحد في الصلاة عند زرع كثير له، وأراد أحد أخذ سنبلة واحدة من
زرعه، فلا يقال: إنه ضرر منفي، فيعارض (لا تبطلوا أعمالكم) (2) بخلاف ما لو
أخذ نصف ما ذرعه، وأمثاله.
وعلى الفقيه ملاحظة ذلك في الموارد. ولكن بعد صدق الضرر عرفا
لا يتفاوت قليله وكثيره في كونه منفيا، وكون نفيه معارضا لأدلة الأحكام.
وأما ما قيل (3): من تعين أخف الضررين عند التعارض، فهو لا يستفاد من
حديث نفي الضرر، فإن كان تقديم أخفهما قاعدة ثابتة بدليل آخر، أو دل عليه
دليل في مورد خاص، فيتبع، وإلا فلا وجه له.
البحث الثامن:
من موارد تعارض نفي الضرر مع دليل آخر: ما لو استلزم تصرف أحد في ملكه
تضرر الغير، فإنه يعارض ما دل على جواز التصرف في المال، مثل قوله (صلى الله عليه وآله وسلم):

(1) في " ه‍، ح ": في بدل و.
(2) محمد 47: 33.
(3) القائل هو المحقق القمي في قوانين الأصول 2: 50.
57

" الناس مسلطون على أموالهم " (1) والتعارض بالعموم من وجه، فقد ترجح
أدلة نفي الضرر بما مر من المعاضدات، وقد يرجح الثاني.
وقيل: لو استلزم التصرف في ملكه تضرر الغير، فهل هذا من الضرر المنفي
أم لا؟ مقتضى العمومات ذلك، وما ذكره الأصحاب مثل العلامة في التحرير،
في كتاب إحياء الموات، حيث قال: للرجل أن يتصرف في ملكه وإن استضر
جاره (2)، إلى آخر ما قال، فالظاهر: أنه لا ينافي ما ذكرنا، فإن المراد من نفي
الضرر: نفيه رأسا، فلا يكفي في نفيه انتفاؤه من الخارج (3) إذا تضرر المالك أيضا
بعدم التصرف، بل هو أولى بالمراعاة.
نعم لو أمكن دفع الضرر عنهما جميعا، لزم العمل عليه، فترك إضرار الجار
لم يعلم وجوبه مع تضرر نفسه، فلاحظ الروايات الواردة في حكاية نخلة سمرة،
فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أراد الجمع بين الحقين، بأن يستأذن سمرة في الدخول، أو يبيع
نخلته بأعلى القيم، أو نحو ذلك، ولم يرض، فحكم بقلعها ورميها. فإن
تصرف سمرة كان في ملكه، ولكن بحيث يتضرر الأنصاري.
فظهر: أن التصرف في ملك نفسه إذا أوجب تضرر الجار مع إمكان رفعه
بحيث لا يحصل ضرر له، منفى حرام.
نعم لو كان التصرف بقصد الإضرار، فهو حرام، وإن لم يمكنه رفعه عن
جاره بنحو آخر، فهو أحد محتملات حكاية سمرة (4). انتهى.
أقول: وجه التردد في كون التصرف في ملكه، المستلزم لضرر الغير من
الضرر المنفي أم لا: أن النسبة بين دليل نفي الضرر، وعمومات جواز التصرف

(1) السنن الكبرى 6: 100، سنن الدارقطني 3: 26 حديث 91، تذكرة الفقهاء 1: 489، عوالي اللآلي
(3) 208.
(2) التحرير 2: 136.
(3) كذا.
(4) هذا الكلام بطوله للمحقق القمي في قوانين الأصول 2: 50.
58

في المال عموم من وجه، فيكون أحدهما مخصصا قطعا، ولكنه لما لم يكن
معلوما، يحصل التردد في عموم كل منهما وشموله للمورد، ومقتضى
عمومات نفي الضرر وإن كان نفي ذلك أيضا، ولكن مقتضى عمومات جواز
التصرف في المال، خلافه.
وكلام العلامة في التحرير أعم من أن يكون تصرف الرجل في ملكه لدفع
الضرر عن نفسه، أو لجلب النفع، فحمله على الأول والحكم بعدم المنافاة
لكون هذا الضرر أيضا منفيا، لا وجه له، بل يمكن أن يكون كلامه مبينا على
ترجيح عمومات التصرف، أو إسقاط المتعارضين والرجوع إلى أصالة جواز
التصرف، أو غير ذلك.
وقوله: نعم لو أمكن دفع الضرر عنهما جميعا لزم العمل عليه، هذا صحيح
إذا لم يكن ما يرفع به الضرر عنهما مما كان مخالفا لدليل آخر غير الأصل على ما
مر، ومع ذلك إذا كان ما يرفع به الضرر متعددا، يلزم الحكم بالتخيير بين جميع ما
ينتفي به الضرر.
وقوله: فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أراد الجمع بين الحقين، الظاهر أنه تفريع على
قوله: نعم لو أمكن دفع الضرر. وعلى هذا فكان اللازم أن يأمره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
بالاستيذان أو البيع، لأنه مقتضى لزوم العمل بما يرفع الضرر عنهما دون القلع،
لأنه ضرر على سمرة.
وقوله: نعم لو كان التصرف بقصد الإضرار إلى آخره، فهو كذلك،
والإجماع يدل عليه، والأخبار والآيات الواردة في موارد مختلفة تثبته (1).
ومنه يظهر: أن هذا التصرف - أي بقصد الإضرار - خارج عن عمومات
جواز التصرف في الملك، بل مطلق ما كان متعلقا بهذا القصد، وكان المقصود منه الإضرار، يكون حراما.

(1) في النسخ: مثبته.
59

وهذا هو السبب في أمر النبي بقلع نخلة سمرة، حيث إنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أمره
بالاستئذان، أو البيع ولم يقبل، علم (صلى الله عليه وآله وسلم) أن قصده من بقاء ملكه هنا ليس إلا
الإضرار، إذ لو كان القصد الانتفاع به، لتحقق بالاستئذان أيضا، ولذا قال (صلى الله عليه وآله وسلم):
" ما أراك إلا رجلا مضارا " أو " أنك رجل مضار " وهذا الإبقاء ليس واجبا، فأمر
بقلعه.
وأما تضرر سمرة بالقلع، فيمكن أن يكون هذا بخصوصه خارجا عن الضرر
المنفى بالعموم، لوجه خاص فيه، فإن العمومات تخصص بتخصيص
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، سيما مع ما ظهر من سمرة من عدم قبول نخيلات الجنة بعوض هذا
النخل، المنبئ عن نفاقه، أو عدم اعتقاده، فتأمل.
البحث التاسع:
قيل في تحقيق (نفي العسر والحرج) و (نفي الضرر) ما عبارته ذلك بعد
التلخيص وحذف بعض الزوائد: إن معنى نفي
العسر والحرج والضرر في كلام
الله ورسوله وخلفائه، أما في الأولين: فهو أنه تعالى لا يرضى للعباد بالعسر
والحرج، ولا يجعل عليهم ما يوجبها. وأما في الضرر: فهو أنه تعالى أيضا
لا يفعل ما يضر العباد به، أو لا يرضى بإضرار بعض عباده بعضا، فيجوز لمن
يتضرر دفع الضرر عن نفسه، ولا يجب تحمله عن الضار، ويحرم على الضار
إيصال الضرر. ويمكن إجراء المعنيين في العسر والحرج أيضا.
وقد تداول الاستدلال في جميع تلك الموارد: أما في عدم إضرار الله تعالى
بعباده، كما في وضع المؤن في الزكاة، وأما في عدم جواز إضرار العباد بعضهم
بعضا فكثير. وكذلك العسر والحرج.
أما المنفي عن فعله تعالى: كما في القعود في الصلاة والإفطار في الصوم
للمريض. وأما عن فعل الغير: فكما في تكليف الوالدين ما يوجب الحرج على
الولد.
60

ثم إن تلك المذكورات، إما ترد على التكليف الثابت نوعها، أو على نفس
التكليف، فتنفيه رأسا.
ثم الإشكال في هذا المقام من وجهين:
الأول: أن نفي المذكورات بعنوان العموم كيف يجامع ما نشاهد من التكليف
بالجهاد، والحج، والصيام في الأيام الحارة، والجهاد الأكبر، وأمثالها؟
والثاني: أنا نرى الشارع لم يرض لنا في بعض التكاليف بأدنى مشقة، كما
نشاهد في أبواب التيمم. ونرى عدم السقوط في كثير منها بأكثر من ذلك.
وكذلك الكلام في الضرر المنفي، فإنا نرى التكليف بالخمس، والزكاة، و
صرف المال في الحج، وفي إنفاق الوالدين، وغيرهما، مع ما فيه من الضرر، و
كذا نرى عدم الرضى بالضرر فيما هو أقل من ذلك.
والذي يقتضيه النظر بعد القطع بأن التكاليف الشاقة والمضار الكثيرة واردة في
الشريعة: أن المراد بنفي العسر والحرج والضرر: نفي ما هو زائد على ما هو لازم
لطبائع التكاليف الثابتة بالنسبة إلى طاقة أوساط الناس المبرئين عن المرض
والعذر، الذي هو معيار مطلقات (1) التكاليف. بل هي منفية من الأصل إلا فيما
ثبت، وبقدر ما ثبت.
والحاصل أنا نقول: إن المراد أن الله تعالى لا يريد بعباده العسر، والحرج،
والضرر، إلا من جهة التكاليف الثابتة بحسب أحوال متعارف (2) الأوساط، وهم
الأغلبون، فالباقي منفي، سواء لم يثبت أصله أصلا، أو ثبت، ولكن على نهج
لا يستلزم هذه الزيادة.
ثم إن ذلك النفي: إما من جهة تنصيص الشارع، كما في كثير من أبواب
الفقه من العبادات، وغيرها، كالقصر في السفر والخوف في الصلاة، والإفطار
في الصوم، ونحو ذلك. وإما من جهة التعميم، كجواز العمل بالاجتهاد للغير

(1) في " ج ": مطلق.
(2) في " ه‍ ": المتعارف.
61

المقصر في الجزئيات، كالوقت، والقبلة ونحوها، أو الكليات، كالأحكام
الشرعية للعلماء (1). انتهى.
أقول: لا كلام لنا هنا فيما ذكره لتحقيق نفي العسر والحرج، وإنما هو يأتي
في عائدة أخرى.
وإنما الكلام هنا معه فيما ذكره لدفع الإشكال عن نفي الضرر، فإن الكلام
فيه: في أصل الإشكال، وفي دفعه معا.
أما الأول: فلما ذكرنا سابقا، من أن صدق الضرر عرفا إنما هو إذا كان
النقصان مما لم يثبت بإزائه عوض مقصود للعقلاء يساويه مطلقا. وأما مع ثبوت
ذلك بإزائه، فلا يصدق والضرر أصلا، سيما إذا كان ما بإزائه أضعافا كثيرة له، و
خيرا منه بكثير.
ولا شك أن كل ما أمر به من التكاليف الموجبة لنقص في المال، من
الخمس، والزكاة، والحج، والصدقة، والإنفاق العيال، و
أمثالها، مما يثبت بإزائها أضعاف كثيرة في الآخرة، و (من ذا الذي يقرض
الله قرضا حسنا فيضاعفه) (2) و (لا ينفقون نفقه صغيرة ولا كبيرة) (2) الآية و
(مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل
سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء) (4). بل في كثير منها وعد العوض في
الدنيا أيضا، وكيف يكون مثل ذلك ضررا إلا عند من لا يؤمن بالله ولا باليوم
الآخر.
ولو قال رجل يظن صدق وعده: إن من أعطى عبدي شيئا أعوضه ضعفه، فأعطى رجل عبده، لا يقال: إنه أضر بنفسه، فكيف في حق من لا خلف لوعده،

(1) قوانين الأصول 2: 47.
(2) البقرة 2: 245، الحديد 57: 11.
(3) التوبة 9: 121، وتمامها (ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون).
(4) البقرة 2: 261.
62

ولا كذب في قوله؟!
نعم إنما يصح الاستشكال: فيما لم يكن بإزائه ثواب دنيوي أو
أخروي، ولم يكن لجبر نقص آخر، كالقصاص ودية الجنايات و
أمثالها لو وجد مثله في الشريعة، كضرب الدية على العاقلة على ما يتوهم.
فإن وجد مثله، فلا إشكال أيضا، لأنه يكون من باب التخصيص، فإنه كما
لا إشكال في تخصيص سائر العمومات، حتى قيل: ما من عام إلا وقد خص،
فكذا هنا.
وهذا وإن كان جاريا في جميع التكاليف، مثل الزكاة والخمس والإنفاق و
أمثالها لو قلنا بكونها ضررا، ولكن هذا التخصيص الكثير من هذا التأكيد في نفي
الضرر والضرار، بعيد غاية البعد.
وأما الثاني، فلأنه على ما ذكره في دفع الإشكال: تكون قاعدة نفي الضرر
من باب أصل البراءة، دون الدليل، فلا تعارض دليلا أصلا، إذ يكون نفي الضرر
مقيدا بغير التكاليف الثابتة، ويكون موضوع الضرر المنفي: ما هو زائد عن أصل
طبايع التكاليف، فكل تكليف ثبت بالخصوص، أو العموم، أو الإطلاق، أو
التقييد، يكون خارجا عنه، فكل ما كان عليه دليل عام، أو خاص، لا تعارضه
قاعدة نفي الضرر.
وهذا مناف لاستدلالات الفقهاء، بل لما صرح به هذا القائل.
إلا أن يقال: إن مراده ليس أن نفي الضرر مقيد في نفسه بهذا
القيد العام، حتى يكون من قبيل كل شئ مطلق حتى يرد فيه نهي، و
لا تكليف إلا بعد البيان، بل مراده: أنه بعد ملاحظة عمومات التكاليف و
خصوصاتها، وملاحظة معارضاتها (1) مع قاعدة نفي الضرر، وإعمال القواعد
الترجيحية، وإخراج ما ثبت ترجيحه من التكاليف الضارة، يقيد حديث نفي

(1) في " ب ": معارضتها.
63

الضرر والضرار بغير هذه المخرجات، فافهم.
البحث العاشر:
ما يكون جبرا لضرر واقع من شخص على غيره من الإلزامات، فهل هو
ضرر أم لا؟ ويظهر الفائدة عند التعارض، كما إذا أتلف شخص مال غيره، فلو لم
نقل بكون إلزام المثل أو القيمة ضررا، يحكم بلزوم المثل أو القيمة على المتلف بلا
معارض. ولو قلنا بكونه أيضا ضررا، يحصل التعارض بين الضررين.
والتحقيق: أن الإلزامات على قسمين:
أحدهما: ما هو موجب لزوال الضرر المتحقق أولا، كإعطاء المثل، أو
القيمة، فإن معه لا يكون ضرر على من تلف ماله.
وثانيهما: ما ليس كذلك، كقصاص الجنايات وأمثالهما، فإنه عقوبة على
المضر، لا جبر لضرر من حصل عليه الضرر.
فما كان من الأول لا يعد ضررا، لأن بإلزامه يندفع الضرر عن صاحب
المال، فيخرج المتلف ببذله عن كونه مضرا، وهو نفع عظيم، لأن الإضرار فعل
محرم موجب للعقاب، وقد وقع النهي عنه في الأخبار، ومثل ذلك ليس
ضررا، بل دفع ضرر عظيم عن نفسه بأمر يسير.
وما كان من الثاني يكون ضررا، لأنه لا يدفع الضرر الأول، فلا يحكم
بثبوته بمحض الإضرار، بل لابد من دليل آخر.
البحث الحادي عشر:
لا فرق في نفي الضرر، والضرار، ونفي كونهما من الأحكام الشرعية: بين ما
إذا أذن به من يحصل عليه الضرر أم لا، رضي أم لم يرض، لعموم
الأخبار.
فلا يفيد إذن صاحب المال مثلا في إتلافه في إباحة الإتلاف، ولا في نفي
64

الإلزام بالمثل أو القيمة فيما أوجبه الضرر، لصدق الضرر إلا فيما يحصل بسببه
نفع دنيوي أو أخروي، كالضيافة وأمثالها، فإنه ليس ضررا حقيقة.
نعم لو دل دليل من إجماع أو نص، على عدم الإلزام بالمثل أو القيمة، أو
تجويز الضرر مع الإذن في موضع خاص أو مطلقا، يكون ذلك خارجا بالدليل.
65

عائدة (5)
في بيان معنى لفظ " البأس " في الأخبار
قد كثر ذكر لفظ " البأس " في الأخبار، كقولهم: لا بأس بكذا، و
كقولهم: إن كان كذا فلا بأس فيه، وهو يدل بالمفهوم على أنه إن لم يكن كذا،
ففيه بأس، فهل يثبت به الحرمة، أو الأعم منها ومن الكراهة؟
وكذا الثابت من المنطوق: هل هو الإباحة، أو الجواز الشامل للكراهة
أيضا؟
الظاهر في الأول: الأول، وفى الثاني: الثاني، لأن الباس: هو العذاب،
والشدة، والخوف، وشئ منها لا يكون إلا في الحرام. قال الله سبحانه: (فلما
أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون) (1).
قال أبو علي في مجمع البيان: أي: فلما أدركوا بحواسهم بأسنا أي:
عذابنا (2).
وقال البيضاوي: فلما أدركوا شدة عذابنا (3). وكذا في الصافي (4).

(1) الأنبياء 21: 12.
(2) مجمع البيان 7: 41.
(3) أنوار التنزيل وأسرار التأويل 4: 36.
(4) تفسير الصافي 3: 332.
67

وقال (1) في شرح قوله سبحانه: (ولا يأتون البأس إلا قليلا) (2): البأس:
الحرب، وأصله: الشدة.
وفي الصافي في تفسير قوله سبحانه: (وحين البأس) (3) عند شدة
القتال (4).
وقال الجوهري: البأس: العذاب، والبأس: الشدة في الحرب (5).
وقال في النهاية الأثيرية: بؤس يبؤس - بالضم فيهما - بأسا: إذ اشتد حزنه
قال: ومنه حديث علي: " كنا إذا اشتد البأس اتقينا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " يريد
الخوف، ولا يكون إلا مع الشدة (6).
وقال في القاموس: البأس: العذاب والشدة في الحرب. إلى أن قال:
والبأساء والأبؤس: الداهية، ومنه عسى الغوير أبؤسا، أي: داهية. والبئيس،
كفعيل: الشديد (7).
وقال الطريحي في مجمع البحرين: البأس: الشدة في الحرب، والبأس:
العذاب. ومنه قوله تعالى: (لما رأوا بأسنا) (8) أي: عذابنا. وقال أيضا:
البأس: الخضوع والخوف. وقال: وقد تكرر في الحديث: لا بأس بذلك، و
معناه: الإباحة والجواز (9). انتهى.
وعطفه الجواز على الإباحة لا يخلو عن شئ، ويمكن أن يكون
مراده: أنه يستعمل نفي البأس في الموضعين، حيث إن العذاب منفي في

(1) يعني: أبا علي، انظر مجمع البيان 8: 346.
(2) الأحزاب 33: 18.
(3) البقرة 2: 177.
(4) تفسير الصافي 1: 196.
(5) الصحاح 3: 906.
(6) النهاية 1: 89.
(7) القاموس 2: 206. ولكن فيه وفي " ه‍ ": البيأس كفعيل، الشديد.
(8) المؤمن (غافر) 40: 85.
(9) مجمع البحرين 4: 50، 51.
68

المباح والجائز معا. فقولهم: لا بأس بذلك، يستعمل في المباح، ويستعمل في
الجائز.
والمراد من استعماله في المباح، ليس أن المراد من نفي البأس: الإباحة، بل
المراد: أنه استعمل في المورد المباح، فالمراد في الموضعين نفي العذاب، وأما
تساوي الطرفين فيعلم من الخارج.
ومما يؤيد أن المراد من نفيه نفي الحرمة، ومن إثباته إثباتها: نفي (1) البأس في
الأخبار عما يكره قطعا، كما في الاستحطاط بعد الصيغة، فإنه مكروه نصا و
إجماعا، ومع ذلك، نفى عنه البأس في الأخبار، كما في رواية معلى بن
خنيس: الرجل يشتري المتاع ثم يستوضع، قال: لا " بأس " (2).
ورواية يونس بن يعقوب: الرجل يشتري من الرجل المبيع (3) فيستوهبه بعد
الشراء من غير أن يحمله على الكره، قال: " لا بأس به " (4).
وفي الذبح في الليل، فإنه مكروه بصريح الروايات (5)، ونفى عنه البأس في
صحيحة البزنطي، قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن طروق الطير بالليل في وكرها،
فقال: " لا بأس بذلك " (6). ومثلها صحيحة صفوان (7).
وفى الصلاة في بيت الحمام إذا كان طاهرا، مع تحقق الكراهة فيه) كما في
مرسلة الفقيه، عن عي ى بن جعفر، أنه سأل أخاه عن الصلاة في بيت الحمام،

(1) في " ج ": أنه قد ينفى.
(2) التهذيب 7: 233 / 1018، الاستبصار 3: 73 / 244، الوسائل 12: 333 أبواب آداب التجارة ب
44 ح 3.
(3) في " ج ": المتاع، وفي " ب " والمصادر: البيع.
(4) الفقيه 3: 146 / 645، الوسائل 12: 334 أبواب آداب التجارة ب 44 ح 7.
(5) الكافي 6: 236 / 2 و 3، التهذيب 9: 60 / 254، الوسائل 16: 335 أبواب الذبح ب 21
ح 1 و 2.
(6) و (7) التهذيب 9: 14 / 53، 54، الاستبصار 4: 65 / 232، الكافي 6: 215 / 1، الوسائل 16: 290
أبواب الصيد ب 29 ح 2، ونذكر: أن هاتين الروايتين تنفيان البأس عن الصيد في الليل، والمكروه
في مفروض المسألة هو الذبح في الليل.
69

قال: " إذا كان الموضع نظيفا، فلا بأس " (1) إلى غير ذلك. وهذا هو المستفاد من
كلام (2) الفقهاء أيضا.
قال ابن إدريس في السرائر: ولا بأس يبيع الخشب ممن يتخذه ملاهي، و
كذلك بيع العنب ممن يجعله خمرا، فإنه مكروه، وليس بحرام (3)، وغير ذلك.
ثم إن هذا مقتضى معناه الحقيقي، وقد يستعمل في غيره بضرب من المجاز،
كما في المكروه، فإنه قد ورد في بعض الأحاديث: إثبات البأس للمكروه،
فيكون مجازا، ولا يصار إليه إلا مع قرينة دالة عليه.

(1) الفقيه 1: 156 / 727، الوسائل 3: 466 أبواب مكان المصلي ب 34 ح 1.
(2) في " ج ": كلمات.
(3) السرائر 2: 327.
70

عائدة (6)
في مقدمة الحرام
مقدمة الحرام إن كانت سببا له، فهو حرام ومعصية، كما ثبت في الأصول،
كوضع النار على يد زيد، بعد النهي عن إحراقها، فلا يجوز له وضعها عليها
مطلقا.
وإن كانت شرطا له، فإن لم يكن قصده من فعله التوصل إلى
المحرم، فلا شك في عدم حرمته، وعدم كونه معصية، كما إذا أوقد نارا في المثال،
أو اشترى فحما أو حطبا، أو سافر إلى بلدة فيها من نهي من قتله، أو فيها
فاحشة، أو خمر (1)، إلى غير ذلك، من غير أن يريد بهذه الأمور (2) التوصل إلى
الحرام.
وإن قصد من فعله التوصل إلى المحرم، كأن يسافر إلى البلدة المذكورة لأجل
قتل الرجل، أو شرب الخمر، ونحوهما، فالظاهر كون هذا الفعل معصية و
حراما.
فلو سافر بهذا القصد، وحصل له مانع عن فعل أصل الحرام، ولم يفعله،
يكون آثما بأصل السفر، عاصيا به، مستحقا للعقاب لأجله، بل لو فعل المحرم،

(1) باعتبار أن الحضور في ذلك البلد مقدمة للقتل أو للزنا أو شرب الخمر.
(2) يعني: إيقاد النار، وشراء الفحم أو الحطب، والسفر.
71

يكون (1) العقاب والإثم لأجلهما.
ويتفرع عليه أيضا: حرمة المعاونة على هذه المقدمة إذا فعلت بقصد التوصل
وإن لم يعلم أنه يحصل له التوصل، ويتم ما قصده وأراده.
وممن صرح بالحرمة الشهيد في قواعده، قال: إذا تطيبت المرأة لغير الزوج،
فعلت حراما فاحشا، وكذا إذا أخرجت متطيبة للتعرض للفجور، أو مقدماته، أو
قصد الرجل بذينك التودد إلى النساء المحرمات (2). انتهى، بل الظاهر أنه لا خلاف
لأحد في ذلك.
ومما يدل على كون الفعل بهذا القصد حراما موجبا للإثم: أن فاعله حين
فعله، يعد عاصيا لأجله في العرف، وكل عصيان حرام آثم فاعله، بالإجماع
والنصوص.
ويدل عليه أيضا: أنه لا شك أن فعل مقدمة الحرام بقصد التوصل إليه
والإتيان به إطاعة للشيطان، واتباع للهوى، وهما محرمان، أما الأولى: فظاهرة
جدا، وأما الثانية: فبالإجماع، والكتاب، والسنة المتواترة.
قال الله سبحانه: (ولا تتبع الهوى) (3) وقال أيضا: (ولا تتبعوا الهوى) (4).
قال (صلى الله عليه وآله وسلم): " ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء
بنفسه " (5). وفى رواية إسماعيل بن جابر، المروية في روضة الكافي، عن أبي
عبد الله (عليه السلام)، في رسالة طويلة كتبها إلى أصحابه، وأمرهم بمدارستها والعمل
بها: " وإياكم أن تشره نفسكم إلى شئ مما حرم الله عليكم، فإن من انتهك ما
حرم الله عليه هاهنا في الدنيا، حال الله بينه وبين الجنة ونعيمها " إلى أن قال: " و

(1) في النسخ زيادة: له.
(2) القواعد والفوائد 1: 118.
(3) سورة ص 38: 26.
(4) النساء 4: 13.
(5) المحاسن 1: 3 / 3، الوسائل 1: 77 أبواب مقدمة العبادات ب 23 ح 12.
72

لا تتبعوا أهواءكم ورأيكم فتضلوا " (1).
وفى رواية أبى محمد الوابشي - الصحيحة - عن السراد الذي أجمعوا على
تصحيح ما يصح عنه، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: " احذروا أهواءكم
كما تحذرون أعدائكم، فليس شئ أعدى للرجل من اتباع الهوى " (2).
وفي رواية يحيى بن عقيل: " إني أخاف عليكم اثنين: اتباع الهوى، و
طول الأمل " (3).
ويدل على حرمته أيضا قوله سبحانه: " لا يؤاخذكم الله باللغو في
أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم " (4) فإن قصد المحرم من كسب القلوب.
ويدل عليه أيضا: الأخبار المستفيضة المصرحة بأن " لكل امرئ ما نوى " (5) وأن
" العمل بالنيات " (6).
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " إنما يحشر الناس على نياتهم " (7).
وقال (عليه السلام): " إنما خلد أهل النار في النار، لأن نياتهم كانت في الدنيا، أن لو
خلدوا فيها لعصوا الله تعالى أبدا " (8).
ولا شك أن فاعل المقدمة بقصد التوصل، يقصد فعل الحرام و
ينويه، فيكون حراما.

(1) الكافي 8: 4 / 1.
(2) الكافي 2: 335 / 1، الوسائل 11: 346 أبواب جهاد النفس ب 81 ح 1.
(3) الكافي 2: 335 / 3، الخصال 1: 51 / 636.
(4) البقرة 2: 225.
(5) و (6) التهذيب 4: 186 / 518، أمالي الطوسي 2: 231، البحار 67: 212 باب النية ح 38، الوسائل 1:
34 أبواب مقدمات العبادات ب 5 ح 6، 10، عوالي اللآلي 2: 11 / 19، وص 190 / 79، صحيح
البخاري 1: 2، سنن أبي داود 2: 651 / 2201، سنن النسائي 6: 158 كتاب الطلاق، سنن
ابن ماجة 2: 1413 ح 4227.
(7) المحاسن 1: 262 / 325.
(8) الكافي 2: 85 / 5، المحاسن: 331 / 94، العلل: 523 / 1 ب 299، الوسائل 1: 36 أبواب
مقدمات العبادات ب 6 ح 4.
73

وقال (عليه السلام): " لو تزوج امرأة على صداق، وهو لا ينوي أداءه، فهو زان (1) " و
" من استدان دينا، وهو لا ينوى قضاءه، فهو سارق " (2).
وأصرح من الكل ما روي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: " إذا التقى المسلمان بسيفهما،
فالقاتل والمقتول في النار " قيل: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال:
" لأنه أراد قتل صاحبه " (3).
ثم بعض هذه الأدلة وإن دلت على ترتب الإثم والعقاب والمؤاخذة
على مجرد القصد وإن لم يؤثر في الخارج أثرا، ولم يقارنه فعل،
إلا أن المستفيضة من الأخبار، بل الإجماع، خص ذلك، فيبقى الباقي.
ويدل عليه أيضا: ما ورد في ذم فاعل بعض مقدمات الحرام،
وإثبات الإثم له، كلعن غارس الخمر، وحارسها، وعاصرها (4).
ومثل ما ورد: في أن من ذهب إلى باب الظلمة أو السعاية بالمسلم، كان
عليه لكل خطوة عقاب كذا وكذا (5).
ويمكن الاستدلال عليه أيضا بقوله سبحانه: (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر
منها وما بطن) (6) فإن فعل مقدمة الفواحش بقصد التوصل إليها، قرب منها
لا محالة، فيكون حراما.

(1) الكافي 5: 383 / 1 و 3، الفقيه 3: 252 / 1200، الوسائل 15: 21 أبواب المهور ب 11: ح 1 و 2 و 3 و 6.
والمصنف (ره) نقل مضمون الأخبار.
(2) الكافي 5: 99 / 2، الوسائل 13: 86 أبواب الدين والقرض ب 5 ح 2.
(3) التهذيب 6: 174 / 347، علل الشرائع: 462 ب 222 ح 4، الوسائل 11: 113 أبواب جهاد
العدو ب 67 ح 1.
(4) الكافي 6: 398 / 10 و 429 / 4، التهذيب 9: 104 / 451. 116 / 502، الخصال 2: 444 / 41،
عقاب الأعمال: 291 / 11 و 336 باب يجمع عقوبات الأعمال ح 1، الوسائل 17: 300
أبواب الأشربة المحرمة ب 34 ح 1، 2، 4، 5.
(5) عقاب الأعمال 2: 337، الوسائل 12: 131 أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 15،
البحار 72: 380 و 381 / 45.
(6) الأنعام 6: 151.
74

عائدة (7)
في حرمة المعاونة على الإثم
قال الله سبحانه في سورة المائدة: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) (1)، و
هذه الآية الكريمة تدل على حرمة المعاونة على كل ما كان إثما وعدوانا.
واستفاضت على تحريمها الروايات، وانعقد عليها إجماع العلماء كافة، و
استدل بها (2) الفقهاء في موارد كثيرة على أحكام عديدة، ولا كلام في ثبوت
تحريمها والنهي عنها.
وإنما الكلام في تعيين ما يكون مساعدة ومعاونة على الإثم والعدوان.
وتحقيقه: أنه لا شك ولا خفاء في أنه يشترط في تحقق الإعانة والمساعدة
على الشئ، صدور عمل وفعل من المعاون، له مدخلية في تحقق المعاون عليه
وحصوله، أو في كماله وتماميته، ونحو ذلك.
وإنما الخفاء في اشتراط القصد إلى تحقق المعاون عليه من ذلك
العمل، وكونه مقصود ومطلوبا منه انفرادا، أو مع اشتراك شئ آخر، (3)
وفى اشتراط تحقق المعاون عليه وعدمه، أي ترتبه على فعله، وفى اشتراط

(1) المائدة 5: 2.
(2) في النسخ: عليه.
(3) يعني: أنه يقصد تحقق المعاون عليه منفردا، أو يقصد تحقق أمرين أحدهما المعاون عليه.
75

العلم بتحقق المعاون عليه أو الظن أم لا، وفي اشتراط العلم بمدخلية فعله في
تحققه.
أما الأول: فالظاهر اشتراطه، ومعناه: أن يكون مقصود المعاون من فعله
ترتب المعاون عليه وحصوله في الخارج، ويكون ذلك منظوره (1) من فعله
(سواء كان على سبيل الانفراد، أم على الاشتراك، أي كان هو المقصود والمنظور
مع غيره أيضا) (2) سواء كانا مستقلين في المقصودية (3) والعلية أو لا، لأن المتبادر من
المعاونة والمساعدة ذلك عرفا، فإنه لو قيل: أعان زيد عمروا في الأمر الفلاني
بجميع أدواته وآلاته، يفهم منه أن مقصود زيد من جمع الأسباب والآلات كان
حصول ذلك الأمر.
ولصحة السلب عرفا، فإنا نعلم أنه لو لم يعط زيد ثوبه إلى الخياط ليخيطه،
لا يخيطه الخياط، ولا تتحقق منه خياطة، مع أنه إذا أعطاه إياه وخاطه،
لا يقال: إنه أعانه على صدور الخياطة، لأن غرضه كان صيرورة الثوب
مخيطا، لا صدور الخياطة منه، إلا إذا كان مقصوده صدور هذه الخياطة
منه، كما إذا كان ثوبا لشخص، وأراد ثلاثة من الخياطين خياطته (4)، فسعى
شخص في إعطائه إلى واحد معين منهم، لتصدر الخياطة منه، فيقال: إنه أعانه
على ذلك.
ولذا ترى أنه لا يقال للدافعين أثوابهم إلى الخياط: أنهم أعانوه على
صنعة الخياطة وتعلمها، مع أنه لولا دفع أحد ثوبه إليه لم يتعلم صنعة
الخياطة.
ولو دفع أحد ثيابا متعددة إلى شخص ليخيطها، وكان غرضه ترغيبه في

(1) أي: مقصوده.
(2) ما بين القوسين ليس في " ب "، " ح ".
(3) في " ب "، " ح ": المقصود به.
(4) أي: تزاحموا على خياطته.
76

تعلمها وتحسينها (1) وشوقه إليها، حتى صار ذلك سببا لتعلمها، يقال عرفا: إنه
أعانه عليها.
وكذا التاجر لا يتجر إذا علم أن أحدا لا يشترى منه شيئا أو لا يبيعه، فللبيع
والشراء منه مدخلية في تحقق التجارة منه، ولا يقال للبائعين والمشترين منه: إنهم
معاونوه على التجارة، بخلاف ما لو باع أحد منه، واشترى منه، لترغيبه في
التجارة، وتعلمه لها، فيقال: إنه أعانه عليها. وكذا سائر الحرف والصناعات.
وكذا نرى أنه إذا صارت جماعة أضيافا على زيد، واشترى زيد لهم طعاما
من شخص، لولاهم لما اشتراه، لا يقال: إنهم أعانوه على بيعه، بخلاف ما إذا
كان مقصودهم من صيرورتهم أضيافا: رواج طعامه، واشتراء زيد منه،
فيقال: إنهم أعانوه، وهكذا.
وقد صرح بذلك الفاضل الأردبيلي في آيات الأحكام، قال في كتاب الحج
منه عند بيان هذه الآية: والظاهر أن المراد الإعانة على المعاصي مع القصد، أو
على الوجه الذي يقال عرفا: إنه كذلك.
مثل أن يطلب الظالم العصا من شخص لضرب مظلوم، فيعطيه إياها. أو
يطلب منه القلم لكتابة ظلم، فيعطيه إياه، ونحو ذلك مما يعد معاونة عرفا.
فلا يصدق على التاجر الذي يتجر ليحصل غرضه، أنه معاون للظالم العاشر
في أخذ العشور (2)، ولا على الحاج الذي يؤخذ منه بعض المال في طريقه ظلما،
وغير ذلك مما لا يحصى.
فلا يعلم صدقها على شراء من لم يحرم عليه شراء السلعة من الذي يحرم

(1) التحسين في اللغة: التزيين، ويحتمل أنه يريد: ترغيبه في أن يتعلمها، ويحسنها بمعنى يعلمها علما
حسنا، ولكن التحسين ليس مصدره، وليس هنالك مصدر يستعمل بذلك المعنى، انظر الصحاح 5:
2099، ولسان العرب 13: 117، والمنجد: 134.
(2) عشرت المال عشرا وعشورا أخذت عشره، واسم الفاعل عاشر وعشار، (المصباح المنير 2: 411)
ويريد به هنا الخراج وآخذ الخراج.
77

عليه البيع، ولا على بيع العنب ممن يعمل خمرا، أو الخشب ممن يعمل صنما، و
لهذا ورد في الروايات الكثيرة الصحيحة جوازه (1)، وعليه الأكثر (2)، ونحو ذلك
مما لا يحصى (3). انتهى كلامه رفع مقامه. وهو جيد في غاية الجودة.
ويظهر ذلك أيضا من المحقق الثاني في حاشيته على الإرشاد (4)، وكذا
من صاحب الكفاية (5).
وأما الثاني: فالظاهر أيضا اشتراطه، فإذا فعل أحد عملا قد يترتب عليه أمر،
ويكون له مدخلية في تحقق ذلك الأمر، ولم يترتب عليه ذلك الأمر، فلا
يقال: إنه أعانه على ذلك الأمر، وإن كان مقصوده منه إعانة شخص آخر في تحقق
ذلك الأمر وحصوله.
نعم لو قصد به الإعانة، يصدق أنه أعانه على مقدماته، أو في السعي فيه،
ولكن (6) حينئذ إذا كان ذلك الأمر الذي يريد المعاونة عليه إثما ومحرما، يكون ذلك
الفعل الذي صدر من المعاون أيضا إثما وحراما، لما علم في العائدة السابقة، كما
لو قلنا بكونه معاونة على الإثم، غاية الأمر: اختلاف جهة الحرمة.
وإذا قلنا: بكون ذلك أيضا معاونة على المحرم، يحرم بالاعتبارين.

(1) راجع الكافي 5: 226 / 2 و 231 / 3، 6، 8. والتهذيب 6: 373 / 1082 و 7: 134 / 590
و 136 / 603 - 604 و 137 / 610، والاستبصار 3: 105 / 370 - 71 و 106 / 373 -
375، الوسائل 12: 127 أبواب ما يكتسب به ب 41 ح 1 و 169 أبواب ما يكتسب به
ب 59.
(2) منهم: الشهيد في الروضة 3: 211، والكركي في جامع المقاصد 4: 18 و 7: 122، والفاضل
المقداد في التنقيح الرائع 2: 9، والسبزواري في كفاية الأحكام 85، والسيد علي الطباطبائي في
رياض المسائل 1: 500، والبحراني في الحدائق 18: 202، والعاملي في مفتاح الكرامة 4: 37 - 38،
ونقله أيضا عن الفاضل الميسي.
(3) زبدة البيان في أحكام القرآن: 297.
(4) قاله عند قول المصنف: (وإجارة المساكن) من كتاب البيع، وهو مخطوط.
(5) كفاية الأحكام للسبزواري: 85.
(6) ليست في " ب ".
78

وعلى هذا فإذا غرس أحد كرما بقصد عصر الخمر منه للخمارين، فهو
عاص في هذا الغرس آثم مطلقا، لما مر في العائدة المتقدمة، فلو أثمر، وحصل
منه الخمر، وشرب، يكون معاونة على الإثم أيضا، ويكون حراما من هذه الجهة
أيضا، ولو لم يتفق ذلك فيه حتى قلع، لا يكون معاونة على إثم، ولكن يكون
حراما لأجل قصده.
وأما الثالث: وهو العلم بتحقق المعاون عليه وبترتبه على عمله، فهو
لا يشترط، فإنه لو غرس كرما بقصد أنه لو أراد أحد شرب الخمر كان حاضرا،
فأثمر، وأخذ منه الخمر، وشرب، يكون عمله معاونة على الإثم. وإن لم يؤخذ
منه الخمر، لا يكون معاونة وإن أثم في غرسه بهذا القصد.
فالمناط في الإثم والحرمة مطلقا: هو العمل مع القصد، سواء ترتب عليه ما
قصد ترتبه عليه أم لا، وسواء علم أنه تتحقق النية، أو فعله يقصده أنه لعله
يتحقق.
والمناط في المعاونة على الإثم: هو القصد وتحقق المعاون عليه معا، فإذا
تحقق، يأثم بالاعتبارين، فلو لم يعلم أنه يتحقق، فإن فعل بقصد تحققه وتحقق،
يكون معاونة على الإثم. وإن فعل بقصده ولم يتحقق، يكون فاعلا لقصد
المعاونة على الإثم، ولذلك يكون آثما. وإن فعل لا بقصده، لا يكون آثما، سواء
تحقق أم لا.
ومن هذا يظهر حال الرابع أيضا، أي اشتراط العلم بمدخلية عمله في تحقق
المعاون عليه أم لا.
وذلك كما إذا علم أن زيدا الظالم يقتل اليوم عمرا ظلما، فأرسل إليه سيفا
لذلك، مع عدم علمه بأنه هل يحتاج إلى هذا السيف في قتله، وله مدخلية في
تحقق القتل أم لا؟ فإنه يكون آثما في الإرسال قطعا، فإن اتفق احتياجه إليه، و
ترتب القتل عليه، يكون معاونا على الإثم أيضا، وإلا فلا.
وفرق ذلك مع سابقه: أن في السابق يعلم التوقف، ولكن لا يعلم تحقق
79

التوقف، كما إذا علم أنه لو قتل زيدا لاحتاج إلى هذا السيف، ولكن لم يعلم
تحقق القتل، وفي ذلك قد يعلم التحقق، ولكن لا يعلم التوقف.
ثم إذا أحطت بما ذكرنا تعلم ما ذهب إليه الأكثر: من جواز بيع العنب
ممن يعلم أنه يجعله خمرا ما لم يتفق عليه، وحرمته مع الاتفاق عليه.
أما الأول: فلأن المقصود من البيع، وغرض البايع منه، ليس جعل ذلك
خمرا، فلا يكون إعانة على الإثم وإن علم أنه يجعله كذلك.
وذلك مثل حمل التاجر المتاع إلى بلد للتجارة، مع علمه بأن العاشر يأخذ منه
العشور، أو بناء شخص دارا لزيد، مع علمه بأنه يشرب فيه الخمر.
وأما الثاني: فلأنه مع الاتفاق عليه أو شرطه، يكون البائع بايعا بقصد الحرام،
فيكون آثما وإن لم يكن لأجل المعاونة على الإثم إن لم يتحقق جعله خمرا.
ومن هذا أيضا يظهر: عدم الحاجة إلى التأويلات البعيدة في الروايات
المصرحة بجواز بيع العنب لم يعلم أنه يجعله خمرا (1)، أو الخشب لمن يجعله
بربطا (2)، وإجارة السفينة لمن يحمل الخمر والخنزير (3)، بل تبقى على ظاهرها، و
لا ضير فيه، لعدم كون ذلك إعانة على الإثم، ولا محرما ما لم يقصد البائع ببيعه
ذلك.
غاية الأمر: أن المشتري يفعل حراما وهو عاقل، عالم، مكلف، فعليه ترك
ذلك الفعل، ولا إثم على البائع ما لم يقصد إثما بفعله.
ومن ذلك أيضا يظهر: سر ما ورد في روايات كثيرة من جواز بيع المتنجس

(1) الكافي 5: 230 باب بيع العصير والخمر، والتهذيب 7: 134 / 590 و 136 / 603 - 605 و
138 / 610 - 611، والاستبصار 3: 105 ب 70 بيع العصير العنبي، الوسائل 12: 169 أبواب ما
يكتسب به ب 59.
(2) الكافي 5: 226 / 2، والتهذيب 6: 373 / 1082 و 7: 134 / 590، الوسائل 12: 127 أبواب ما
يكتسب به ب 41 ح 1.
(3) الكافي 5: 227 / 1، والتهذيب 6: 372 / 1078 والاستبصار 3: 55 / 180، الوسائل 12: 125
أبواب ما يكتسب به ب 39 ح 1 - 2.
80

من الذمي (1)، والميتة لمستحل الميتة (2)، مع كون الكفار مكلفين بالفروع، فإنه
لا ضير في ذلك، لأن البائع لم يفعل حراما.
ويظهر من ذلك أيضا: عدم حرمة بيع الحرير للرجال، وإن علم أنهم
يلبسونه، إلا إذا كان مقصوده من بيعه منهم لبسهم، فإن المشتري مأمور بعدم
اللبس، فإن لبسه يكون عاصيا، ولا إثم على البائع.
وكذلك من يصنع أواني الذهب والفضة، أو يبيعها لمن يعلم أنه يستعملها.
وكذلك من يعطي الأجرة على صنعتها، إلا إذا قصد به الاستعمال، فيكون آثما
لأجل هذا القصد.
نعم إذا كان صنعها حراما، فإعطاء الأجرة لصنعها يكون معاونة على الإثم،
ويكون حراما، لأن المقصود من إعطاء الأجرة هو الصنع المحرم. ولكن لم تثبت
حرمة صنع أواني الذهب والفضة.
وأما مثل عمل الصور المجسمة الذي ثبتت حرمته، فيكون إعطاء الأجرة
لعملها حراما، لكونه معاونة على الإثم.
وكذا كل عمل يكون أصل العمل حراما، يكون الاستئجار له معاونة على
الإثم ومحرما. والله العالم.

(1) التهذيب 1: 279 / 820 الوسائل 2: 1056 أبواب النجاسات ب 38 ح 8.
(2) الكافي 6: 26 / 1 - 2، التهذيب 1: 414 / 1305 و 9: 47 - 48 / 198 - 199، الاستبصار 1: 29 / 76
و 77، مسائل علي بن جعفر: 109 ح 20، قرب الإسناد: 261 / 1033، الوسائل 12: 67 أبواب
ما يكتسب به ب 7.
81

عائدة (8)
في البيع الغرري
قد تكرر في كلمات الفقهاء الاستدلال على فساد البيع: بكونه غررا أو استلزامه
للغرور، وتداول تمسكهم به في مظان عديدة. ولا بد في تحقيقه من بيان أمرين:
الأول: مأخذ فساد بيع الغرري.
والثاني: معنى الغرر، ومعنى بيع الغرر.
أما الأول، فمأخذه أمران:
الأول: الإجماع، فإن المتتبع لكلمات الفقهاء يراهم بأسرهم مصرحين بذلك
في غير موضع واحد، بحيث يحصل العلم للفقيه بأنه حكم الإمام المعصوم، بل
هو المتفق عليه بين الفريقين، وسيأتي شطر من كلماتهم، بل في استدلالهم به
مطلقا إشعار بكونه قاعدة مقبولة مسلمة بين الجميع، وصرح بعضهم بالإجماع
أيضا.
قال بعض مشايخنا في الإجازة في بطلان ما لو اشترى بحكم أحد
المتبايعين: للغرر والجهالة المنهي عنها بالإجماع، والرواية المتفق عليها بين
العلماء كافة (1).

(1) القائل هو المحقق السيد علي الطباطبائي في رياض المسائل 1: 517.
83

وربما يشعر كلام جمع، منهم الشهيد في موضعين من شرح الإرشاد، كونه
ضروريا.
قال في شرح قول المصنف: " والأثمان تتعين بالتعيين ": قالوا: تعيينها غرر،
فيكون منهيا عنه، أما الصغرى فلجواز عدمها أو ظهورها مستحقة لفسخ البيع، و
أما الكبرى فظاهرة. ونحوه في مسألة اشتراط بدو الصلاح (1).
والثاني: الخبر المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أنه نهى عن بيع الغرر. ذكره السيد في
الانتصار، وابن إدريس في السرائر، والعلامة في نهج الحق، ومواضع عديدة
من التذكرة، وولده في شرح القواعد، والشيخ المقداد في التنقيح، والشهيد في
قواعده، وبعض المتأخرين في شرحه على المفاتيح، والطريحي في مجمع
البحرين، والجوهري في صحاحه، وابن الأثير في نهايته، والحاجبي في
مختصره (2).
ونقل القاضي نور الله في إحقاق الحق، عن ابن جزم أنه قال، والبرهان
على (بطلان) (3) بيع ما لم يعرف برؤية ولا صفة حجة: نهي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع
الغرر، وهذا عين الغرر، لأنه لا يدري ما اشترى أو باع (4).
وقد مر في كلام بعض مشايخنا: أن هذه الرواية متفق عليها بين العلماء كافة،
وعلى هذا فتكون الرواية منجبرة بالشهرة العظيمة، بل الإجماع القطعي، أو

(1) غاية المراد: 86، 92.
(2) الانتصار: 209، السرائر 2: 322، نهج الحق: 479، التذكرة 1: 485، 488، إيضاح الفوائد 1:
426، التنقيح الرائع 2: 28، القواعد والفوائد 2: 61، مجمع البحرين 3: 423، الصحاح 2:
768، النهاية لابن الأثير 3: 355، منتهى الوصول لابن حاجب: 122، ورواه أيضا في صحيح
مسلم 3: 1153 ح 1513، وسنن أبي داود 3: 673 ح 3376، وسنن النسائي 7: 262 وسنن ابن ماجة
(2) 739 ح 2194 - 2195، وسنن الدارقطني 3: 15 ح 46، والموطأ للمالك 2: 664 ح 75 ب 34
البيوع، ومسند أحمد 1: 116.
(3) في " ج "، " ب ": صحة.
(4) المحلى لابن حزم 8: 343، وانظر إحقاق الحق: 418.
84

الضرورة، فهي مما لا ريب في حجيتها، وكونها كالخبر الصحيح، بل أقوى منه.
وأما الثاني: أي معنى الغرر، فنبينه بعد ذكر مقامين:
المقام الأول: في نقل طائفة من كلام أهل اللغة وغيرهم في معنى تلك المادة:
قال الجوهري في الصحاح، ما عبارته بعد حذف الزوائد: الغرور: مكاسر
الجلد. الواحد: غر بالفتح. ومنه قولهم: طويت الثوب على غره أي: على
كسره الأول.
والغرة بالضم: بياض في جبهة الفرس فوق الدرهم.
ورجل أغر: أي شريف.
وفلان غرة قومه: أي سيدهم. وغرة كل شئ: أوله وأكرمه.
والغرر: ثلاث ليال من أول الشهر. والغرة: العبد والأمة.
ورجل غر بالكسر وغرير: أي غير مجرب. وقد غر يغر بالكسر غرارة.
والاسم: الغرة.
وعيش غرير إذا كان لا يفزع أهله.
والغرة: الغفلة. والغار: الغافل. واغتره: أي أتاه على غرة منه.
واغتر بالشئ: أي خدع به.
والغرر: الخطر، ونهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع الغرر، وهو مثل بيع السمك
في الماء والطير في الهواء.
ابن السكيت: الغرور: الشيطان. ومنه قوله تعالى: (ولا يغرنكم بالله
الغرور) (1). والغرور أيضا: ما يتغرغر به من الأدوية. قال: والغرور، بالضم:
ما اغتر به من متاع الدنيا.
والغرار، بالكسر: النوم القليل. ولبث فلان غرار شهر: أي مكث مقداد
شهر. والغرار: نقصان لبن الناقة.

(1) لقمان 31: 33، فاطر 35: 5.
85

ثم ذكر معاني كثيرة للغرار بكسر المعجمة، فقال: وغره يغره غرورا:
خدعه. يقال: ما غرك بفلان؟ أي كيف اجترأت عليه. وغر الطاير أيضا فرخه،
يغره غرارا: أي زقه.
والتغرير: حمل النفس على الغرر. وقد غرر بنفسه تغريرا وتغرة، كما
يقال: حلل تحليلا وتحلة. ويقال أيضا: غررت ثنيتا الغلام: أي طلعت أول ما
تطلع.
الأصمعي يقال: غارت الناقة تغار غرارا: قل لبنها.
أبو زيد: غارت السوق تغارت غرارا: كسدت. والغرغرة: تردد الروح في
الحلق (1). انتهى.
وقال صاحب القاموس، ما ملخصه: غره غرا وغرورا وغرة بالكسر،
فهو مغرور وغرير: خدعه وأطمعه بالباطل، فاغتر هو. والغرور الدنيا، وما
يتغرغر به من الأدوية، وما غرك، أو يخص بالشيطان. وبالضم: الأباطيل جمع
غار.
وأنا غريرك منه: أي أحذركه.
وغرر بنفسه تغريرا وتغرة: عرضها للهلكة. والاسم: الغرر محركة.
والغرة والغرغرة بضمها: بياض في الجبهة.
إلى أن قال: غز وجهه يغر بالفتح غررا محركة، وغرة بالضم. وغرارة
بالفتح: صار ذا غرة وابيض.
والغرة بالضم: العبد والأمة، ومن الشهر ليلة استهلال القمر.
إلى أن قال: والغار: الغافل. واغتر: غفل. والاسم: الغرة بالكسر (2).
انتهى.
وقال ابن الأثير في النهاية: فيه " أنه جعل في الجنين غره عبدا أو أمة " ثم ذكر

(1) الصحاح 2: 767.
(2) القاموس المحيط 2: 104.
86

أحاديث كثيرة ذكر فيها: الغرة، والغر بالضم، والغر بالكسر، والأغر،
والغرار، والغرير، والاغترار. وفسر الغرة بالكسر: بالغفلة. والاغترار: بطلب
الغفلة. فقال: وفيه " أنه نهى عن بيع الغرر "، وهو ما كان له ظاهر يغر المشتري،
وباطن مجهول.
وقال الأزهري: بيع الغرر: ما كان على غير عهدة ولا ثقة، وتدخل
فيه البيوع التي لا يحيط بكنهها المتبايعان، من كل مجهول. وقد تكرر في
الحديث.
ومنه حديث مطرف: إن لي نفسا واحدة، وإني أكره أن أغرر بها " أي
أحملها على غير ثقة. وبه سمي الشيطان غرورا، لأنه يحمل الإنسان على
حجابة محابه، ووراء ذلك ما يسوء.
ومنه حديث الدعاء: " وتعاطى ما نهيت عنه تغريرا " (1) أي: مخاطرة وغفلة
عن عاقبة أمره.
ومنه الحديث: " لأن أغتر بهذه الآية ولا أقاتل، أحب إلي من أن أغتر بهذه
الآية " (2) يريد قوله تعالى: (فقاتلوا التي تبغي) (3) وقوله: (ومن يقتل مؤمنا
متعمدا) (4) المعنى: أن أخاطر بتركي مقتضى الأمر بالأولى أحب إي من أن
أخاطر بالدخول تحت الآية الأخرى.
ومنه حديث عمر: أيما رجل بايع آخر، فإنه لا يؤمر واحد منهما تغرة أن
يقتلا. التغرة: مصدر غررته، إذا ألقيته في الغرر، وهي من التغرير، كالتعلة
من التعليل، وفي الكلام مضاف محذوف، تقديره: خوف تغرة أن يقتلا: أي

(1) الصحيفة السجادية: دعاء 31 (دعاء التوبة) مقطع: 6.
(2) صحيح البخاري 6: 78.
(3) الحجرات 49: 9.
(4) النساء 4: 93.
(5) صحيح البخاري 8: 210.
87

خوف وقوعهما في القتل (1). انتهى.
وفى مجمع البحرين: وغره غرا وغرورا وغرة بالكسر، فهو مغرور:
أخدعه وأطمعه بالباطل، فاغتر هو.
إلى أن قال: وفي الخير: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع الغرر، وفسر بما يكون
له ظاهر يغر المشتري، وباطن مجهول، مثل بيع السمك بالماء والطير في الهواء.
إلى أن قال: والتغرير: حمل النفس على الغرور، وهو أن يعرض له الرجل
نفسه للمهلكة. ومنه الحديث: " لا يغرر الرجل بنفسه " (2). انتهى.
وفي مجمع البيان: (ما غرك) يجوز أن يكون من الغرر الغرارة، فيكون
معناه ما أجهلك وأغفلك عما يراد بك. ويجوز أن يكون من الغرور على غير
القياس. وفيه أيضا: والغرور: ظهور أمر يتوهم به جهلا الأمان من المحذور.
يقال: غره غرورا، وأغره اغترارا (3).
وفيه: (إن الكافرون إلا في غرور) وقيل: معناه ما هم إلا في أمر
لا حقيقة له (4).
وفي الصافي: (إن الكافرون إلا في غرور) لا معتمد لهم (5). انتهى.
أقول: وإن ظهر من كلماتهم أن الموضوع من تلك المادة ألفاظ عديدة من
المصادر المجردة كالغرة، والغرارة، والغرار، والغرور و (الغرغرة) (6) وغير
المجردة: كالتغرير، والمغارة، والتغرة، والاغترار.
ومن الأسماء، كالغرة بالكسر، والغرة بالضم، والغر، والغرار والغرور
بالفتح، والغرور بالضم، والغرر محركة، وغير ذلك.

(1) النهاية لابن الأثير 3: 353.
(2) مجمع البحرين 3: 422.
(3) مجمع البيان 10: 448.
(4) مجمع البيان 10: 328.
(5) تفسير الصافي 5: 203.
(6) في " ح ": الغر وغيره.
88

ولكن كلها متطابقة على أن الغرر: هو الاسم من التغرير الذي معناه
التعريض للتهلكة، وأن معنى الغرر: هو الخطر.
والخطر المصدري: الإشراف على الهلاك. والمخاطرة: ارتكاب ما فيه خطر و
هلاك، أي فيه احتمال راجح أو مساو في التلف والهلاكة، فيكون هو معنى
الغرر بتصريح اللغويين من غير معارض، ولا يكون مشتركا.
ووضع (1) ألفاظ أخر متحدة مادة مع هذا اللفظ لمعان أخر لا يوجب اشتراك
هذا اللفظ بعد اختلاف الهيئة وعدم الاشتقاق.
ثم معنى بيع الغرر: بيع يكون أحد العوضين فيه في الخطر، أي في شرف
الهلاك ومعرض التلف.
المقام الثاني: في ذكر طائفة من كلام الفقهاء في موارد استعمالاتهم لفظ
الغرر.
قال الصدوق - رحمه الله - في معاني الأخبار بعد ذكر بيع المنابذة
والملامسة وبيع الحصاة: وتفسير الأول بأن يقول الرجل لصاحبه: انبذ إلي
الثوب أو غيره، أو أنبذه إليك، فقد وجب البيع، أو يقول: إذا نبذت الحصاة
فقد وجب البيع، وأنه معنى بيع الحصاة.
والثاني بأن يقول: إذا لمست ثوبي أو لمست ثوبك، فقد وجب
البيع، أو أن تلمس المتاع من وراء الثوب ولا تنظر إليه، فيقع البيع على ذلك. و
هذه بيوع كان أهل الجاهلية يتبايعونها، فنهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عنها، لأنها غرر
كلها.
وقال أيضا: ونهى (عليه السلام) عن بيع حبل الحبلة، ومعناه ولد ذلك الجنين الذي

(1) في " ج "، " ب ": فإن وضع.
(2) راجع صحيح البخاري 3: 114 كتاب السلم، وصحيح مسلم 3: 1153 ح 1514 كتاب البيوع،
وسنن أبي داود 3: 675 ح 3380 كتاب البيوع، وسنن النسائي 7: 293 من البيوع، وسنن ابن ماجة
(2) 740 ح 2197.
89

في بطن الناقة. وقال غيره: وهو نتاج النتاج، وذلك غرر (1). انتهى.
وقال السيد في الانتصار: ومما انفردت به الإمامية: القول بجواز شراء العبد
الآبق مع غيره، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، وذهبوا إلى أنه لا يجوز بيع
الآبق على كل حال.
إلى أن قال: وتعويل مخالفينا في منع بيعه على أنه بيع غرر، وأن نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم)
نهى عن بيع الغرر.
إلى أن قال: وهذا ليس بصحيح: لأن هذا البيع يخرجه من أن يكون غررا،
لانضمام غيره إليه (2).
وقال الشيخ في الخلاف: إذا قال: اشتريت منك أحد هذين العبدين بكذا،
أو أحد هؤلاء العبيد الثلاثة بكذا، لم يصح.
إلى أن قال: دليلنا: أن هذا بيع مجهول فيجب أن لا يصح. ولأنه بيع غرر
لاختلاف قيمتي العبدين (3).
وقال ابن إدريس في السرائر بعد ذكر حلب بعض اللبن وبيعه مع ما في
الضروع، أو يجعل عوض اللبن شيئا من العروض: والأقوى عندي المنع من
ذلك كله، لأنه غرر، وبيع مجهول، والرسول نهى عن بيع الغرر (4).
وقال العلامة في التذكرة، في ذكر شرائط البيع: القدرة على التسليم، وهو
إجماع في صحة البيع، ليخرج البيع عن أن يكون بيع غرر (5).
وقال فيها أيضا: لا يصح بيع الطير في الهواء، سواء كان مملوكا أو غيره
إجماعا، لأنه في المملوك غرر، وقد نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الغرر (6).

(1) معاني الأخبار: 278 ورواه أيضا عنه في الوسائل 12: 266 أبواب عقد البيع وشروطه ب 12 ح 13.
(2) الانتصار: 209.
(3) الخلاف 2: 57 مسألة 38 كتاب السلم، ولكن فيه: لاختلاف قيم العبيد. وهو أنسب.
(4) السرائر 2: 322.
(5) و (6) التذكرة 1: 466.
90

وفيها أيضا: يجب العلم بالقدر، فالجهل به فيما في الذمة، ثمنا كان أو
مثمنا مبطل، إلى أن قال: وبه قال الشافعي وأبو حنيفة، للغرر (1).
ويظهر من التحرير: جعل بيع ما ليس عنده أيضا من بيع الغرر (2).
وبه صرح أيضا في التذكرة، قال: وقد نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع الغرر،
كبيع عسيب الفحل، وبيع ما ليس عنده، وبيع الحمل في بطن أمه، لنهيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، و
لأنه غرر، لعدم العلم بسلامته وصفته، وقد يخرج حيا أو ميتا ولا يقدر على
تسليمه عقيب العقد (3).
وفيها أيضا: ومن الغرر: بيع الملاقيح والمضامين (4).
وفيها أيضا: ومن الغرر جهالة الثمن (5).
قال ولده في الإيضاح: المبيع إذا كان المقصود منه المطعوم والمشروب إذا لم
يكن اختباره مؤديا إلى إفساده، هل يصح بيعه من غير اختبار، إلى أن قال:
اختلف الأصحاب، فقال أبو الصلاح وسلار: لا يصح. وقال المصنف: يصح.
إلى أن قال: احتج الأولون: بأنه بيع غرر، وقد نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع الغرر (6).
وقال الشهيد في قواعده: يشترط كون المبيع معلوم العين والقدر والصفة،
فلو قال: بعتك عبدا من عبدين، بطل، لأنه غرر (7).
وقال في شرح الإرشاد، في مسألة تعين الأثمان بالتعيين: قالوا: تعيينها
غرر فيكون منهيا عنه، أما الصغرى فلجواز عدمها أو ظهورها مستحقة فينفسخ
البيع، وأما الكبرى: فظاهرة.

(1) التذكرة 1: 468، وانظر كتاب الأم للشافعي 1: 264، وبدائع الصنائع للكاساني الحنفي 5: 156.
(2) التحرير 1: 178.
(3) التذكرة 1: 485. وقال في ص 468: لا يجوز بيع الملاقيح وهي ما في بطون الأمهات، ولا
المضامين وهي ما في أصلاب الفحول من المني.
(5) التذكرة 1: 486.
(6) إيضاح الفوائد 1: 426، وقول أبي الصلاح في الكافي: 354، وسلار في المراسم: 180.
(7) القواعد والفوائد 2: 238.
91

إلى أن قال: قلت: نمنع الصغرى، فإن الغرر احتمال مجتنب عنه في
العرف، بحيث لو تركه وبخ عليه، وما ذكره لا يخطر ببال، فضلا عن اللوم
عليه (1).
وقال في بحث سلم الدروس في سلم الرقيق: ولو قدره بالأشبار،
كالخمسة أو الستة، احتمل المنع، لإفضائه إلى الغرة (2).
وقال في بيان شرط القدرة على التسليم عند الأجل: فإن كان وجوده نادرا
بطل، وإن أمكن تحصيله لكن بعد مشقة، فالوجه الجواز، لإلزامه به مع إمكانه،
ويحتمل المنع لأنه غرر (3).
وقال الشهيد الثاني في المسالك، بعد حكمه بعدم لحوق البعير
الشارد والفرس الغائر بالآبق في البيع مع الضميمة: وعلى هذا يبطل البيع
للغرر (4).
وقال صاحب التنقيح بعد نقل عدم صحة بيع ما يراد
طعمه وريحه من غير اختبار عن أبي الصلاح والقاضي و
سلار: " لأنه مجهول، فهو بيع غرر. وقد نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع
الغرر (5).
وقال المحقق الشيخ علي في شرح القواعد، في بيان صحة بيع
الصاع من الصبرة المجهولة الصيعان: وذلك لأن المبيع أمر كلي والأجزاء
متساوية، فلا غرر، بخلاف ما لو باع النصف، فإنه مع الجهالة لا يعلم قدره،

(1) غاية المراد: 92.
(2) الدروس: 354.
(4) المسالك 1: 174. وعار الفرس: إذا ذهب على وجهه وتباعد عن صاحبه (لسان العرب 4:
622).
(5) التنقيح 2: 28، وانظر الكافي لأبي الصلاح: 354، ونقله عن القاضي في المختلف: 389،
والمراسم لسلار: 180.
92

فيلزم الغرر (1).
وقال أيضا في بيان تجويز بيع العسل ونحوه: اعتمادا على مقتضى طبعه، إذ
ليس المراد بالغرر مطلق الجهالة، وإلا لم يجز بيع الصبرة المرئي بعضها، ولا
المبيع بالوصف، بل على وجه مخصوص، ونمنع حصوله هنا. واعلم أنه ربما
فهم من العبارة: أنه لا يشترط مشاهدته أيضا، والظاهر أنه لا بد من المشاهدة، لئلا
يلزم الغرر (2).
إلى غير ذلك من كلمات الفقهاء، من المتقدمين والمتأخرين، الواردة في
موارد مختلفة، وقد ذكرنا شطرا منها ليعلم كون الاستدلال بالغرر من القواعد
المسلمة (بل) (3) المجمع عليها، وليظهر موارد الغرر عندهم.
وقد ظهر: أن موارده عندهم هو الموافق لمعناه الذي ذكره اللغويون، وهوما
كان المبيع أو الثمن في موضع الخطر، أي: موضع كان محتمل التلف احتمالا
ملتفتا إليه عرفا وعادة، فيكون الخطر له (4) أو لعوضه، حيث يعطى عوضا عما
لا يوثق به، فيذهب من اليد من غير وصول معوضه.
ومعظم تلك الموارد في مواضع ثلاثة: أحدها: أن يكون الخطر باعتبار عدم الوثوق بإمكان التسليم، بأن يكون أحد
العوضين غير مقدور التسليم، فيكون هو في الخطر، أي: معرض عدم
الوصول. أو يكون عوضه الآخر في الخطر، حيث يذهب بلا عوض، فيكون
تالفا.
ومنه: ما ذكروه من بطلان بيع الآبق، والطير في الهواء، والسمك في
الماء، والمغصوب، وأمثال ذلك.

(1) جامع المقاصد 4: 105.
(2) جامع المقاصد 4: 94.
(3) ليست في " ج ".
(4) في " ه‍ " " ح " الخطر فيه: وفي " ج ": فيه الخطر.
93

وثانيها: الخطر باعتبار عدم الوثوق بتحقق وجوده، بأن يكون أحدهما غير
موثوق بتحققه وخروجه إلى فضاء الوجود على ما هو المقصود من المبايعة،
فيكون هو في معرض التلف، أو يكون عوضه كذلك.
ومنه: ما ذكروه من بطلان بيع عسيب الفحل، والحمل، وحبل الحبلة، و
أمثالها.
وثالثها: أن يكون الخطر باعتبار الجهل
بقدر أحد العوضين، أو جنسه، أو
وصفه، فإنه إذا لم يعلم المشتري ذلك يجعل الثمن في موضع الخطر، لجواز أن
لا يكون المثمن على نحو يقابل ذلك الثمن، فجعل ثمنه في موضع الخطر، وإن
لم يعلم البائع بجعل المثمن في محل الخطر، لجواز أن يكون على نحو لا يقابله
الثمن المأخوذ.
ولكن يشترط في ذلك أن يكون الاختلاف المحتمل بحيث لا يتسامح فيه
عرفا، ولذا لم يلتفتوا إلى ما يتعارف من فضول (1) الكيل، واختلاف الوصف بما
لا يختلف به القيمة عرفا.
ولذا صرح الشيخ علي - رحمه الله - وعلى ما مر: بأنه ليس المراد بالغرر
مطلق الجهالة، بل على وجه مخصوص. ومراده ما ذكرنا من كون الاحتمال
احتمالا ملتفتا إليه عرفا، والاختلاف اختلافا غير متسامح به كذلك.
وكذا (2) قال الشهيد: إن الغرر احتمال مجتنب عنه عرفا، بحيث أو تركه وبخ
عليه (3). وعلى هذا: فالجهل الذي ليس كذلك لا يسمى غررا، فبطلان بيع أحد
العبدين إذا فرض تساويهما قيمة ليس لأجل الغرر، ولذا ترى الشيخ - كما مر -
استدل على بطلانه بالغرر، لأجل اختلاف قيمتي العبدين، فلولا ذلك (4) يكون

(1) في " ب ": نقول.
(2) في " ب "، " ج ": ولذا.
(3) غاية المراد: 92.
(4) في " ه‍ "، " ب ": كذلك.
94

البطلان لنفس الجهل - كما يأتي - لا للغرر.
وكذا إذا كانا مختلفي القيمة، ولكن اشتراه بقيمة الأدون، وكان البائع
عالما، أو بالقيمة الأعلى، وكان المشتري عالما بالواقع، لم يكن هناك غرر.
وبالجملة: المستفاد من كلام أهل اللغة واستعمالات الفقهاء: أن بيع الغرر
ما يدخل لأجله أحد العوضين في محل الخطر، بأن لا يوثق بوصول العوض أو
بوجوده، أو بكونه مما يقابل العوض الآخر.
وضابطه: ما ذكره الشهيد - طاب ثراه - في شرح الإرشاد: من تحقق احتمال
مجتنب عنه عرفا، بحيث لو لم يلتفت إليه وتركه بحاله، صار محلا للتوبيخ
واللوم في العرف من جهة تضييع المال (1).
وللشهيد في قواعده كلام يوهم بظاهره مخالفته (2) في بعض ما ذكر من
معنى الغرر (3)، وقال: الغرر ما له طاهر محبوب، وباطن مكروه، قاله بعضهم (4)، و
منه قوله تعالى: (متاع الغرور) (5).
وشرعا هو جهل الحصول، وأما المجهول فمعلوم الحصول، مجهول
الصفة، وبينهما عموم وخصوص من وجه، لوجود الغرر بدون الجهل في العبد
الآبق، إذا كان معلوم الصفة من قبل، أو بالوصف الآن، ووجود الجهل بدون
الغرر، كما في المكيل والموزون والمعدود إذا لم يعتبر. وقد يتوغل في الجهالة،
كحجر لا يدرى أذهب أم فضة أم نحاس أم صخر (6). ويوجدان معا في العبد الآبق
المجهول صفته.
ويتعلق الغرر والجهل: تارة بالوجود، كالعبد الآبق، وتارة

(1) غاية المراد: 92.
(2) في " ه‍ "، " ب ": مخالفة.
(3) في " ج " زيادة: ومورده، وفي " ب ": ورده.
(4) هو القاضي عياض كما في الفروق للقرافي 3: 266.
(5) آل عمران 3: 185، الحديد 57: 20.
(6) في " ب ": صفر، بدل صخر وفي " ه‍ " و " ح " حجر.
95

بالخصول، كالعبد الآبق المعلوم وجوده، والطير في الهواء، وبالجنس
بحيث لا يدرى ما هو، وكسلعة من سلع مختلفة، وبالنوع. كعبد من عبيد، و
بالقدر، كالكيل الذي لا يعرف قدره، والبيع إلى مبلغ السهم، والتعيين، كثوب
من ثوبين مختلفين، وفي البقاء، كبيع الثمرة قبل بدو الصلاح عند بعض
الأصحاب (1).
ولو شرط في العقد أن يبدو الصلاح، لا محالة كان غررا عند الكل، كما لو
شرط صيرورة الزرع سنبلا.
والغرر قد يكون بما له مدخل ظاهرا في العوضين، وهو ممتنع إجماعا. وقد يكون بما
يتسامح به لقلته، كأس الجدار وقطن الحبة، وهو معفو عنه إجماعا، و
كذا اشتراط الحمل.
وقد يكون بينهما، وهو محل الخلاف، كالجزاف في مال الإجارة
والمضاربة، والثمرة قبل بدو الصلاح، والآبق بضميمة (2). انتهى.
أقول: ما ذكره من العموم من وجه بين الغرر والجهل، فهو
كذلك، لتحقق الأول خاصة في الآبق المعلوم الصفة، والثاني خاصة في
بيع أحد العبدين المتساويين قيمة وغرضا، (3) واجتماعهما في الآبق المجهول
الصفة.
وكذا ما ذكره من أن الغرر يتحقق مع الجهل بالحصول، ولكن ما ذكره من
اختصاصه به، ومن كونه معناه شرعا، فغير صحيح.
وأما الثاني (4): فلعدم ثبوت حقيقة شرعية فيه.

(1) كالصدوق في المقنع: 132، والشيخ في النهاية: 415، وابن البراج في المهذب 1: 380، وابن حمزة
في الوسيلة: 250، والمحقق في الشرائع 2: 52 وأبي الصلاح في الكافي: 356.
(2) القواعد والفوائد 2: 137. وفيه: وهو محل الخلاف في مواضع الخلاف... والآبق بغير ضميمة.
(3) في " ج ": عوضا.
(4) أي: عدم كون ذلك معناه شرعا.
96

وأما الأول (1): فلأنه مخالف لكلمات جميع الأصحاب، فارجع إلى ما قدمنا
ذكره من موارد استعمالاتهم الغرر واستدلالاتهم به، حتى ما نقلناه من الشهيد
نفسه، حتى من قواعده في موضع آخر (2).
وإذا كان كذلك، ولم يفهم الاختصاص من معناه اللغوي أيضا، بل كان
مقتضاه التعميم على ما تقدم، فلا وجه للتخصيص، بل ذكره لا يوافق ما ذكره في
هذا الكلام أخيرا أيضا، من جعله الجزاف في مال الإجارة والمضاربة من الغرر، و
كذا أس الحائط وقطن الحبة.
ويمكن توجيه كلامه بأن يقال: إن مراده من الجهل بالحصول: عدم الوثوق
بحصول ما يقابل الثمن في يده، وعلى هذا، فما علم وجوده ولم يعلم وصفه
الموجب لاختلاف القيمة، لم يوثق بحصول ما يقابل الثمن، وهو المتصف
بالوصف الأحسن، فيكون غررا.
وإن كان ذلك جهلا من حيث عدم تعيين الوصف أيضا، فكل جهل بالصفة
التي تختلف باختلافها القيمة، يكون جهلا من جهة عدم التعيين، وغررا من
حيث لا يوثق بحصول ما يقابل الثمن.
فمجهول الصفة وإن كان فيه الغرر أيضا، إلا أنه من جهة عدم الوثوق
بحصول ما على الوصف الأحسن.
وعلى هذا: فما كان مجهول الصفة عند المشتري خاصة، ولكن كانت
القيمة التي اشتراه بها مما يقابل الوصف الأدون، لا يكون فيه غرر، بل يكون
جهلا خاصة، وهو كذلك، هذا.
ولا يخفى: أنه لا يؤثر علم البائع، أو المشتري بكونه في محل الخطر ورضاه
به، لأن نهى الشارع عام شامل الصورة العلم، ولا عجب أن ينهى الشارع عن
الرضا بجعل المال في معرض الخطر، أو شراء ما في معرض الخطر مع العلم به،

(1) وهو: عدم اختصاصه بالجهل بالحصول.
(2) القواعد والفوائد 2: 61.
97

كما في الإسراف، وإتلاف المال عبثا.
نعم لو لم يكن خطرا، بل علم الواقع واشتراه بالقيمة الأعلى، أو باعه
كذلك، كان صحيحا، لعدم كونه غررا لغة وعرفا.
ومنع عموم (1) الغرر في الرواية - كما يظهر من الشهيد في شرح
الإرشاد (2) - مبني على الخلاف في أن عموم لفظ الحكاية من الراوي (3) هل يكفي
في إثبات العموم أم لا؟ والحق كفايته في مثل ذلك الموضع، كما بيناه في
الأصول (4).
وكذا لا يؤثر عدم التلف في الواقع، فلو ظهر (5) بعد المبايعة تساوي الثمن
والمثمن، أو القدرة على التسليم لم يفد، لتحقق الغرر، وهو احتمال التلف
احتمالا مجتنبا عنه في العرف حال البيع، فيشمله النهي.
قال الشهيد في قواعده: أما لو باع صبرة بصبرة، فظهر تماثلهما في القدر،
متجانسين أو متخالفين، أو تخالفهما متخالفين، ولم يتمانعا، قال الشيخ - رحمه
الله - بجوازه، والأقرب منعه، للغرر الظاهر حال العقد (6).
ثم إذا كان في المبايعة مصلحة أخرى توجب انتفاء اللوم عرفا، وإن كان أحد
العوضين في محل الخطر، فهل ينتفي الغرر أم لا؟
الظاهر: الثاني، لأن بيع الغرر المنهي عنه ما دخل لأجله المال
في معرض الخطر، ووجود مصلحة أخرى لا يخرجه عن كونه غرر أو
خطرا، فيشمله النهي، إلا إذا كانت تلك المصلحة مما يوجب عدم تلف ذلك

(1) أثبتناه من " ب "، " ج ".
(2) غاية المراد: 92.
(3) لأن الرواية ليست نص كلام النبي صلى الله عليه وآله، وإنما هي: نهى رسول الله صلى الله عليه و
آله عن بيع الغرر، ووقع الكلام في استفادة العموم من مثله.
(4) مناهج الأحكام: 159، الفصل الثاني من المقصد الثالث في السنة، منهاج: في نقل الحديث بالمعنى.
(5) في " ه‍ ": فكونه، بدل فلو ظهر، وفي " ح ": فلكونه.
(6) القواعد والفوائد 2: 238، وانظر المبسوط 2: 119.
98

المال، كما في شراء العبد الآبق لمن كان عليه كفارة وأراد عتقه، فإنه لا يعد
غررا.
فلولا النهي الصريح المطلق في الأخبار من شراء العبد الآبق بلا ضميمة، لما
حكمنا ببطلانه في مثل ذلك الموضع.
ثم إن خطر كل شئ بحسبه، فلا تفاوت في شراء عصفور في
الهواء بنصف درهم، أو شراء عبد تركي آبق بألف دينار لأن خطر كل شئ
بحسبه.
هذا، وهل ينتفي الغرر مع ظن عدم التلف، أو يلزم في انتفائه العلم بعدمه
ولو عاديا؟.
الظاهر: أن الظن إن كان من أمارة معتبرة عرفا، يكفي في انتفائه، إذ معه لا يسمى خطرا أو إشرافا على الهلاك عرفا، ولا يلام على تركه في
العرف.
والحاصل: أن الغرر يتحقق احتمال مع التلف احتمالا يلتفت إليه عادة، فإذا
كان الظن بحيث يعتبره أهل العرف، ولا يلتفتون إلى احتمال خلافه، يكون
كافيا.
وكذا ينتفى الغرر باشتراط الخيار لولا الوصف الرافع للغرر فيه، لعدم صدق
الغرر عرفا، فهو إنما يكون في البيع اللازم، أو ما شرط فيه الخيار من غير هذه
الجهة.
واعلم أن ما ذكر من بطلان بيع الغرر، قاعدة كلية ثابتة من الشارع، وهي
كسائر القواعد تقبل التخصيص، فلو ثبت من الشارع تجويزه في موضع خاص،
يحكم بالجواز، وعلى الفقيه الأخذ بالقاعدة، والتفحص من جزئيات المسائل.
هذا، وقد يدخل كل بيع فيه احتمال عدم تحقق المبايعة، أو تحقق النزاع بين
المتبايعين في بيع الغرر. وكذا بيع كان فيه جهالة وإن ثبت من الشرع جوازه، أو
وقع الخلاف فيه. ولذا ذكر العلامة في التذكرة: بيع الفضولي، والغاصب، وبيع
99

الشاة المذبوحة، وأمثالها في باب بيع الغرر (1). وفي التحرير ذكر في هذا الباب
أيضا: بيع المكره (2). وفى دخول بعضها في بيع الغرر خفاء.
وأنت بعد ما ذكرناه من معنى الغرر وموارده، تقدر على معرفة مواضعه، و
ما يبطل بسببه وما لا يبطل. والله الموفق.

(1) التذكرة 1: 485 - 488.
(2) التحرير 1: 178.
100

عائدة (9)
في معنى الملكية والمملوكية
الملكية والمملوكية (1): صفتان، رابطتان، وجوديتان، نفس الأمريتان، فلا
يمكن ثبوتهما إلا لموضع متحقق.
فإن ثبتا واقعا، يكفي ثبوت الموضوع في الواقع، ولا يلزم فيه الوجود
الخارجي، كما إذا قال الشارع: الخمر نجس، ولم يكن حين التكلم خمر موجودا
في الخارج، أو العنب حلال، ولم يكن العنب موجودا حينئذ.
فإن المراد: إثبات الحلية والحرمة واقعا لهاتين الماهيتين الواقعيتين، ومرجعه
إلى الحكم: بأنه لو وجد هذا الموضوع في الخارج، لوجدت فيه تلك الصفة.
فالمتحقق قبل وجود الموضوع في الخارج هو هذا الحكم الشرطي، و
محل هذا الحكم هو الموجود الذهني، فحكم عليه بأنه لو وجد في الخارج،
لوجدت معه هذه الصفة فيه خارجا.
وبعد وجوده توجد فيه الصفة، لأجل جعل الشارع إيجاد هذا
الحكم الشرطي لهذا الموجود الذهني على النحو المقرر والشرائط المعلومة، علة و
سببا لتحقق هذا الحكم الخارجي بعد وجود الموضوع فيه.

(1) في الطبعتين الحجريتين: المالكية.
101

وهذا هو المراد من الثبوت الواقعي للحكم، بل موضوعه، وليس
مبنيا على ثبوت المعدومات.
وإن وجدت الصفة في الخارج، فلا بد من وجود الموضوع خارجا أيضا،
لامتناع قيام الموجود بالمعدوم.
ويجب على التقديرين تعيين الموضوع، وامتيازه من غيره، لامتناع قيام
الصفة المعينة الواقعية أو الخارجية بغير المعين، إذ غير المعين لا ثبوت له و
لا وجود، لا خارجا ولا ذهنا.
وأما ما ترى: من ثبوت المطلوبة لأحد الشيئين أو الأشياء في الواجب
التخييري، فهي ثابتة لكل منهما أو منها معينا، لأن هذه المطلوبية: هي المطلوبية
التخييرية، وهي ثابتة لكل واحد معين منها، لأن معناها: مطلوبية هذا الفرد
بخصوصه إن لم يأت بالآخر، ومطلوبية الآخر إن لم يأت بالأول، وهذه الصفة
ثابتة لكل منهما عينا.
وكذا ما ترى: من ثبوت مطلوبية هذا بشرط كذا، أو ذاك بشرط كذا في
الواجب المشروط، فإنها ثابتة لكل منهما معينا، لأن هذه (المطلوبية هي) (1)
المطلوبية المشروطة، وهي ثابتة لكل واحد منهما معينا.
وأما المملوكية: فلم يثبت لها في الشريعة هذان القسمان، أي التخييرية و
المشروطة، بل الثابت منها ليس إلا العينية المنجزة.
ولازم ذلك: عدم جواز الترديد فيها، لامتناع تعلقها بغير المعين في الواقع و
نفس الأمر، بل يلزم كون ما يتعلق به صفة الملكية معينا في الواقع ونفس الأمر.
ولكن لا يجب كون تعيينه بالجزئية الحقيقية، بل يلزم فيه التعيين، سواء كان
موجودا خارجا متعينا، أي جزئيا حقيقيا، أو ماهية كلية معينة ممتازة عن غيرها
بفصولها المميزة.

(1) أثبتناه من " ب "، " ج ".
102

وعلى هذا: فلما كان البيع إثبات ملكية شئ للمشتري، فإن تعلق بالموجود
الخارجي حال البيع، يجب تعيينه خارجا كهذا الشئ المعين، وإن تعلق بالماهية
والنوع، يجب تعيينها في نفسها، فلا يصح بيع أحد هذين الشيئين، أو أحد
هذين النوعين.
نعم لما كان البائع مأمورا بالإقباض والتسليم، وهو لا يمكن في الماهيات إلا
بتسليم الفرد، فيكون تسليم الفرد واجبا عليه في الثاني من باب المقدمة وجوبا تخييريا.
ولا يتوهم: أنه إذا باع أحد هذين من الفردين، أو أحد هذين النوعين، يكون
موضوع البيع ومحل الملكية أمرا كليا معينا، وهو القدر المشترك بينهما، فيكون
البيع صحيحا.
لأن المراد بهذا القدر المشترك الذي صار موضوعا للبيع والملكية، إن كان هو
مفهوم أحدهما، فهو أمر جعلي اعتباري، وليس له وجود، لا في الخارج ولا
في الواقع، فلا يمكن كونه موضوعا لهذه الصفة الواقعية النفس الأمرية، و
لا يمكن للبائع جعله محلا لهذه الصفة.
وإن كان المراد هو الكلي الذي يجمعهما، وهما من الأفراد الواقعية له،
فيلزم عدم لزوم تسليم أحد هذين الفردين، بل جاز تسليم فرد آخر من أفراد هذا
الكلي على فرض وجوده، كما هو شأن بيع الأنواع والأجناس، وهو خلاف
مقصود المتبايعين، فتعين كون البيع فاسدا.
والتوضيح: أنه كما عرفت لا بد للملكية من موضوع، وهو لا بد وأن يكون
أمرا واقعيا يمكن تحققه في الخارج. وكما أن الأعيان الخارجية والجزئيات
الحقيقية أمور موجودة متأصلة متحققة، فكذا الكليات، لا بمعنى أنها موجودة
خارجا بوصف الكلية، بل على نحو وجود الكليات، كما بيناه في شرح تجريد
الأصول وغيره (1).

(1) مناهج الأحكام: 66 البحث الأول من البحث الثامن، منهاج: في المطلوب من الأمر المطلق....
103

فإن كل أحد من العوام والخواص، يعلم أن بين أفراد الإنسان مميزات تميز
بعضها عن بعض، وقدرا مشتركا بينها ليس بين فرد منها وبين أفراد البقر
والفرس، وصار ذلك الجامع سببا لحكم كل أحد بمناسبه، وتطابقا وتوافقا بين
تلك الأفراد. ليس بينها وبين أفراد سائر الحيوانات.
ولا شك: أن هذا القدر المشترك أمر موجود، إذ يعلم كل أحد أن بين تلك
الأفراد أمرا وجوديا مميزا كلا منها عن فرد نوع آخر. ويعلم أنه مركب من هذا
القدر والمشترك، ومن المميز، ولا يتركب الموجود من الموجود والمعدوم.
ولكن ليس كل لفظ يشبه لفظ الكليات كليا متحققا، بل لا بد من الوجود
الخارجي لولا اعتبار معتبر وانتزاع منتزع (1)، ولا شك أن أحد هذين ليس شيئا
متحققا بينهما، يتركب كل منهما منه ومن أمر آخر، ويكون مميزا لكل منهما عن
سائر الأشياء، بل هو محض جعل واعتبار.
وقد صرح بذلك المحقق الشيخ علي في شرح القواعد.
قال رحمه الله: قوله: ولو قال، بعثك صاعا من هذه الصيعان، مما تماثل
أجزاؤها، صح، ولو فرق الصيعان وقال: بعتك أحدها، لم يصح.
والفرق بين الصورتين: أن المبيع في الثانية واحد من الصيعان المتميزة
المتشخصة غير معين، فيكون بيعه مشتملا على الغرر، وفي الأولى المبيع أمر
كلي غيره متشخص، ولا يتميز بنفسه، ويتقوم بكل واحد من صيعان الصبرة، و
يؤخذ به.
ومثله: ما لو قسم الأرباع، وباع ربعا فيها من غير تعيين، ولو باع ربعا قبل
القسمة، صح، ونزل على واحد منها مشاعا، لأنه حينئذ أمر كلي.
فإن قلت: المبيع في الأولى أيضا أمر كلي.
قلنا: ليس كذلك، بل هو واحد من تلك الصيعان المتشخصة منهم، فهو

(1) أي: يجب أن يكون له وجود خارجي مع قطع النظر عن اعتبار الشارع - أو غيره - الوجود له.
104

بحسب صورة العبارة يشبه الأمر الكلي، وبحسب الواقع جزئي غير مت عين و
لا معلوم.
والمقتضي لهذا المعنى: هو تفريق الصيعان، وجعل كل واحد برأسه، فصار
إطلاق أحدها منزلا على شخص منها غير معلوم، فصار كبيع أحد الشياة، وأحد
العبيد. ولو أنه قال: بعتك صاعا من هذه شائعا في جملتها، لحكمنا بالصحة (1).
انتهى كلامه رفع مقامه.
هذا كله إذا قلنا بوجود الكلي الطبيعي، كما هو الحق المقطوع به، كما أشرنا
إليه.
وإن أبيت عنه، وقلت بعدم ثبوت وجوده، فلك أن تقول: إنا نقطع بعدم
ثبوت الملكية لغير ما يمكن تحققه، فلا يحكم بتحققها إلا للجزئيات الحقيقية.
نعم، لما ثبت بالإجماع والأخبار في باب السلم، وبيع الصبرة، والغصب، و
أمثالها ثبوتها في ما يقال: إنه كلي، فيقتصر في هذا الحكم على المتيقن. ولم
يعلم جواز تعلقها بمثل: أحد هذين الشيئين.
ولا يتوهم: أن إثبات الكلية في الأمر الكلي يتوقف على وضع الألفاظ
الكلية للكلي أيضا، لأن تحقق الكلي واقعا، وإرادته من لفظ لا يتوقف على
الوضع الحقيقي له.
وظهر مما ذكرنا: أن بيع الكليات وجعلها أثمانا لا يوجب جهالة، لإمكان
إثبات الأحكام لها، ولتعينها واقعا وظاهرا.
نعم إذا كان بين أفراد كلي تفاوتا بينا، يجب تعيين الصنف فرارا عن الغرر،
دون الجهالة (2).
وهنا موضع اشتباه كثير لكثير من الفقهاء، فيستدلون على فساد بيع شئ
بعبد بجهالة العبد، مع أنه أمر كلي لا جهالة فيه، كبيعه بدينار مثلا، فإنه كما أنه

(1) جامع المقاصد 4: 103
(2) في " ه‍ ": فرارا عن الغرر والجهالة.
105

لا جهالة في الدينار، كذلك لا جهالة في العبد، فإن كلا منهما أمر كلي
واقعي.
نعم لما كان بين أفراد العبد تفاوتا كثيرا موجبا لحصول الغرر، أوجب فساد
البيع، بخلاف الدينار.
ويظهر الفائدة في العقود التي لم يثبت فيها الفساد بالغرر، فإنه لا يحكم فيها
بالبطلان إذا وقعت على الكليات مطلقا، إلا بدليل.
ولذا ورد في الأخبار صحة صداق عبد، وخادم، وبيت، وأنه يرجع فيها
إلى الوسط (1). وغلط من رد الحديث: بأنه موجب للجهالة (2). فإنه لا جهالة فيه،
بل فيه الغرر، ولم يثبت فساده في الصداق.
مع أنه على فرض ثبوت فساد الغرر في الصداق أيضا لا يوجب رد الحديث،
لأن إيجاب الغرر للفساد ليس عقليا كالجهل، بحيث لا يمكن التخلف عنه،
فيكون ذلك من باب التخصيص.
بل لو كان عقليا أيضا كما في الجهل، يمكن التوجيه أيضا، فنقول: فيما إذا
فرض ورود حديث على صحة بيع أحد العبيد، وأنه يرجع إلى أسنهم أو
أصغرهم مثلا، فإن هذا موجب لرفع الجهالة، ويثبت منه أن بيع أحد العبيد بيع
أسنهم أو أصغرهم بالشرع، فلا جهالة ولا غرر.
نعم يشكل فيما لو ورد حديث في أنه يصح بيع أحد الأشياء من دون تعيين
المرجع في الحديث، واللازم حينئذ الحكم بصحة البيع التخييري أيضا كالوجوب
التخييري.
فيقال: البيع على قسمين: معين ومخير، والبيع المخير: هو ما تعلق البيع
بكل منهما على سبيل التخيير، كما في الواجب التخييري.

(1) الكافي 5: 381 / 7، 8، التهذيب 7: 366 / 1485 و 375 / 1520، الوسائل 15: 35 أبواب المهور
ب 25، ح 2 و 3.
(2) انظر المسالك 1: 536، ونهاية المرام للعاملي 1: 367، وجامع المقاصد 13: 343.
106

ولكن لما لم يثبت ذلك في البيع، وهو وأمثاله أمور توقيفية، وما ثبت
جوازه لا معنى لتعلقه بغير المعين عقلا، فيحكم بفساد بيع المجهول، ولذا قد
يحكم بالصحة في بعض العقود، كما يقولون في الإجارة إذا آجره: أنه إن خاط
كذا فله كذا، وإن خاط كذا فله كذا، ومرجعه إلى الإجارة التخييرية، فالمناط
أولا هو الأصل المتوقف رفعه على التوقيف.
فيقال في البيع مثلا: إن الثابت من البيع هو البيع التعييني الذي هو
المتبادر منه وحقيقته، فإنه ليس بيع الشئ تخييرا بيعا في الحقيقة،
كما أن الواجب التخييري ليس بواجب حقيقة، وهو لا يمكن تعلقه
بالمجهول، وما يمكن تعلقه به في الجملة وهو البيع التخييري، لم يثبت من
الشرع.
ثم بما ذكرنا ظهر: سر ما ذكره الفقهاء من فساد البيع بجهالة أحد العوضين،
ولكن ذلك مختص بما كان غير معين في الواقع وعند المتبايعين، كأحد هذين
الشيئين. وأما ما كان معينا في الواقع، مجهولا عند أحدهما أو كليهما، فلا يثبت
فساده بذلك، بل بدليل آخر.
وتوضيحه: أن الجهالة الداخلة في البيع إما تكون في الثمن أو
المثمن، وعلى التقديرين إما تكون واقعا، أي: لا يكون المبيع أو الثمن معينا في
الواقع أيضا، نحو: أحد هذين الشيئين، حيث إن تعين كونه مبيعا يتوقف على
قصد المتبايعين، ولا يمكن تعيينه من هذه الحيثية إلا به، ولا قصد لهما على
التعيين.
أو يكون ظاهرا، أي: لا يكون معلوما بخصوصه عند المتبايعين أو أحدهما و
إن تعين في الواقع، نحو: بعت ما في هذا الصندوق.
وعلى التقادير الأربعة: إما يكون الجهل في المقدار، أو الجنس أو
الوصف.
وعلى التقادير: إما يوجب الجهل به الغرر أم لا.
107

فهذه أربع وعشرون صورة (1).
ويبطل البيع فيما يتضمن الغرر فيها بالنهي عن بيع الغرر كما مر (2)، وهو
في اثنتي عشر صورة.
وفيما كان الجهل بحسب الواقع مطلقا، لما سبق من توقف بثبوت الملكية
على التعيين في الواقع، وهو في ست صور من الصور الباقية.
ويبطل أيضا فيما كان بحسب القدر إن كان مما يعلم قدره بالكيل أو الوزن
أو العد - إلا بما يتسامح به عادة - بالأخبار (3)، وأكثرها وإن كان واردا في المثمن،
إلا أنه يتم في الثمن بعدم القول بالفصل بين الثمن والمثمن بين جميع أصحابنا
قطعا.
وبه صرح العلامة في التذكرة أيضا، قال: لا فرق بين الثمن والمثمن في
الفساد بالجزاف عندنا (4).
ويمكن شمول بعض الأخبار لهما أيضا كما رواه العلامة في التذكرة: من أن
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن بيع الطعام مجازفة (5).
وما في مجمع البحرين: من قولهم عليهم السلام: " لا تشتر لي شيئا

(1) توضيحه: أن الجهالة قد تكون في المثمن وقد تكون في الثمن، وكل منهما إما بحسب
الظاهر فقط، أو بحسب الظاهر والواقع، فهذه أربعة أقسام، وكل منها إما في الجنس، أو في
الوصف، أو في المقدار، فهذه اثنا عشر قسما، حاصل من ضرب الأربعة في الثلاثة، وكل منها إما
موجب للغرر أو غير موجب له، فهذه أربع وعشرون قسما.
(2) في العائدة السابقة فراجع.
(3) انظر الكافي 5: 179 / 4 و 193 / 1، والفقيه 3: 131 / 570 و 141 / 618، 143 / 627،
والتهذيب 7: 36 / 148 و 122 / 530 - 531، والاستبصار 3: 102 / 355 - 356، وانظر الوسائل 12:
254 أبواب عقد البيع ب 4.
(4) التذكرة 1: 469.
(5) التذكرة 1: 485، ورواه أيضا في دعائم الإسلام 2: 43 / 102، وسنن ابن ماجة 2: 750 / 2229
ب 38، وصحيح مسلم 3: 1160 / 1527، وصحيح البخاري 3: 90، وسنن أبي داود 3: 760
ح 3492 - 3499 بتفاوت في الألفاظ.
108

من مجازف " (1).
وضعف سندهما بعد الشهرة العظيمة غير ضائر، كتخصيص الأول بالطعام، لعدم الفصل.
وفى رواية حماد بن ميسر، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام: " أنه كره أن
يشتري الثوب بدينار غير درهم، لأنه لا يدري كم الدينار من الدرهم " (2).
بقيت صورتان أخريان: وهما ما كان الجهل في الجنس أو الوصف عند
المتبايعين أو أحدهما، ولم يكن فيه غرر، وهو في صحة البيع غير مضر.
وقد تلخص مما ذكرنا: أن الجهل الداخل في البيع إنما يفسده إذا كان بأحد
الوجوه الثلاثة:
الأول: أن يكون بسبب عدم تعين المبيع أو الثمن في الواقع.
والثاني: أن يكون موجبا للغرر.
والثالث: أن يكون أحد العوضين مكيلا أو موزونا أو معدودا ولم يتعين
قدره.
وأما ما سوى ذلك من أقسام الجهل المذكورة، فلا دليل على كونه مبطلا،
سواء كان في الجنس أو الوصف، وسواء كان الجنس المجهول حاضرا مشاهدا
عند البيع، كبيع جنس حاضر، مردد عند المتبايعين أو أحدهما بين أنه هل هو
الهليلج مثلا أو الأملج (3)، مع فرض تساوي قيمتهما، وكون المشترى طالبا لهما.

(1) مجمع البحرين 5: 32، مادة " جزف "، الكافي 5: 157 / 1، والفقيه 3: 100 / 387، و
علل الشرائع 2: 526 ب 308 ح 1، الوسائل 12: 306 أبواب آداب التجارة ب 21 ح 3 ولكن فيه:
لا تشتر لي من محارف....
(2) التهذيب 7: 116 / 504، الكافي 5: 196 / 7، الوسائل 12: 398 أبواب أحكام العقود ى 23 ح 1.
(3) الهليلج: هو الإهليلج، وهو ثمر أصفر ومنه أسود ومنه كابلي له نفع ويحفظ العقل ويزيل
الصداع (مجمع البحرين 2: 336)، والأملج: هو الذي يسمونه الطريفل (مجمع البحرين 2:
330).
109

أو كان مشاهدا قبل البيع، مثل أن يكون لشخص هليلج وأملج ورآهما
أحد، وتلف واحد منهما، ولم يعلم المشتري أو مع البايع أيضا التالف بعينه،
فيشتري الموجود من غير حضوره.
أو لم يكن مشاهدا أصلا، بل كان معلوما بالوصف، مثل أن يكون هليلج و
أملج لزيد، وذكرهما بالوصف لعمرو، وتلف أحدهما ولم يعلم التالف بعينه،
وأريد بيع الموجود، فالبيع في الكل صحيح ما لم يكن فيه غرر.
وما قاله العلامة في التذكرة: من أنه لا بد من ذكر جنس المبيع أو مشاهدته
عند علمائنا أجمع (1). فهو - مع كونه ظاهرا فيما يستلزم الغرر، حيث يستدلون عليه
بأنه لولاه لزم الغرر - لا يدل على أزيد من مشاهدته، أو ذكره لوصفه ولو كان
معه غيره أيضا، وفى كل من الصور الثلاثة يصدق ذكر الجنس المبيع أو
مشاهدته. هذا مع ما في الإجماع المنقول من الوهن وعدم الحجية.
وقد صرح نفسه فيه: بأنه لو رأى ثوبين متحدين قدرا ووصفا وقيمة، ثم
سرق أحدهما، ولم يعلم المسروق بعينه، يجوز بيع الباقي وإن لم ير ثانيا (2).
ثم إن هذا الذي ذكرناه هو القاعدة الكلية. وقد يستفاد من الأخبار في
الموارد الجزئية: حكم آخر من الصحة، أو الفساد، فيتتبع حينئذ. هذا حكم عقد
البيع.
وأما سائر العقود المملكة، كالإجارة، والصلح، والهبة، وأمثالها، فهي
أيضا كالبيع في البطلان بالجهل إذا كان بحسب الواقع، أي: كان متعلق العقد
مجهولا واقعا، كالصلح على أحد هذين الشيئين.
وأما في غير تلك الصورة، فليس حكم سائر العقود حكم البيع كليا، بل قد
يختلف، كما في الصلح، وتحقيقه في جزئيات الفروع.

(1) التذكرة 1: 468.
(2) التذكرة 1: 489.
110

عائدة (10)
في تعلق المعاملة بالمعدوم
المعدوم: إما يمتنع وجوده وتحققه في الخارج، إما بعينه أو بوصفه، فيمتنع
بيعه. ومنه: بيع أحد هذين الشيئين غير معين، لامتناع وجود غير المعين مع
وصف عدم التعيين.
أو يمكن تحققه ووجوده، فإن كان يوجب الغرر، فالأصل عدم صحة بيعه
على ما مر، وإن لم يوجبه، فالأصل فيه أيضا عدم الصحة بمقتضى الأخبار
الصريحة الدالة على اشتراط المملوكية حال البيع في المبيع (1). وما لا وجود له
بعد ليس ملكا حينئذ.
وقد يخرج عن هذا الأصل بدليل، كما في بيع السلم، وبيع المعدوم مع
الضميمة في بعض الموارد.
فإن قلت، كيف يمكن بيع المعدوم، مع أن البيع نقل الملك، ولا ملك إلا في
الموجود؟
قلت: اللازم في البيع تحقق النقل حال البيع، لا تحقق الملك حينئذ، لجواز
نقل الملك المتحقق غدا أو بعد شهر، اليوم، كما في نقل المنفعة في الإجارة،

(1) انظر الوسائل 12: 248 و 252 أبواب عقد البيع وشروطه ب 1، 2، 3.
111

سيما إذا لم يكن مبدؤها متصلا بالعقد.
والحاصل: أن البيع نقل الملك إلى الغير بالفعل، سواء كان الملك أيضا ملكا
فعليا، أو قويا مترقب الحصول.
فيكون معنى بعتك حينئذ: أنى نقلت الآن الملك الذي يحصل لي بعد مدة
كذا إليك بعوض كذا.
ثم بعد تحقق البيع يلزم عليه التحصيل من باب مقدمة التسليم الواجب عليه
حين حلول الأجل.
ومن هذا يصح بيع ما في الذمة حالا أيضا وإن كان موجودا في الخارج،
لكن لا في ملك البائع، كبيع قفيز حنطة إذا لم يملكه البائع، فإنه أيضا نقل ملك
مترقب الحصول أو مقطوع الحصول بقصد البائع.
وهذا أيضا أمر مخالف لأصل اشتراط الملكية الحالية، خرج عنه بالأخبار و
الإجماع.
112

عائدة (11)
في معنى الملكية والمالية
وما يرادفهما
معنى الملكية والمالية وما يرادفهما من الألفاظ: معنى إضافي، لا يتحقق إلا
مع وجود مالك ومتمول.
وهذا المعنى الإضافي بحكم العرف والتبادر: عبارة عن اختصاص خاص و
ربط مخصوص، معهود بين المالك والمملوك، والمتمول والمال، موجب
للاستبداد به، والاقتدار على التصرف فيه منفردا، وما له ذلك الاختصاص
المعهود بالنسبة إلى شخص هو: الملك والمال.
فمعنى الملكية والمالية، والملك والمال: معنى عرفي أو لغوي لا تتوقف
معرفته على توقيف (1) من الشرع، ولا على دليل شرعي، بل يجب فيها الرجوع
إلى العرف واللغة، كما هو الشأن في سائر الألفاظ التي لم تثبت لها حقائق
شرعية.
ولكن ثبوت ذلك (2) الاختصاص والربط لشئ بالنسبة إلى شخص، حتى
يصدق عليه عرفا أنه ملكه وماله لكونه أمرا حادثا متجددا، يتوقف على دليل.

(1) يريد بالتوقيف: البيان وورود الدليل، واستعماله بهذا المعنى لا يخلو من مسامحة.
(2) في " ه‍ ": هذا، بدل ذلك.
113

وذلك: كما أن امرأة زيد - مثلا - هي في العرف من ثبت أحقية بضعها لزيد
وله وطؤها، ولكن لا يكفي العرف في ثبوت هذه الأحقية والجواز، بل لا بد من
دليل عليه، فمعنى امرأة زيد، معنى عرفي أو لغوي، ولكن تحقق ذلك المعنى
العرفي أو اللغوي يحتاج إلى دليل.
وكذلك وجوب شئ له معنى لغوي وعرفي غير محتاج في معرفة هذا
المعنى إلى توقيف من الشرع، ولكن تحقق الوجوب بالنسبة إلى شخص محتاج
إلى التوقيف، وكذلك غيره من الأحكام الشرعية والوضعية.
والحاصل: أن الملكية من الأحكام الوضعية التي لا يحكم بها إلا بعد ثبوت
الوضع بدليل معتبر.
ومن هذا ظهر: أن الأصل في الأشياء عدم الملكية، وأن كون شئ ملكا و
مالا مطلقا أو لأحد أمر مخالف للأصل، محتاج إلى الدليل المثبت له، لا بمعنى
أن حدوث ملكية هذا لذلك الشخص بعد كونه ملكا لغيره أمر مخالف للأصل،
فإنه وإن كان كذلك، بل كان مقطوعا به، بل ضروريا، ولكنه غير مقصود لنا
هنا، بل هو ليس حدوث الملكية، بل هو حدوث انتقال الملك (1)، بل بمعنى أن
حدوث ملكية هذا المال بعد عدم كونه ملكا، وثبوت اختصاصه بشخص بعد
خلوه عن قيد الاختصاص مطلقا مخالف للأصل، مسبوق بالعدم، فالمراد:
أصالة عدم كونه ملكا. وهذا أيضا أمر ظاهر جدا لا خفاء فيه.
مع أنه لو قطع النظر عن ذلك، فنقول: المفيد في الفقهيات هو أن إثبات
ملكية آحاد المكلفين، وإثبات الملكية لكل أحد أمر حادث مخالف للأصل.
وبالجملة: أصالة عدم الملكية بهذا المعنى أمر ظاهر، وعليه بناء الفقهاء،
كما يظهر من مباحث: إحياء الموات والحيازة والاسترقاق وأمثالها، حيث
لا يحكمون بتملك شئ من المباحات إلا بعد وجود دليل عليه.

(1) في " ح ": الملكية.
114

قال بعض المتأخرين: الأصل عدم تملك شئ من المباحات إلا بعد وجود
سبب التملك، فإذا وجد السبب يتحقق الملك، وإلا فلا، لأصالة بقاء إباحته إلى
أن يوجد سببه (1). انتهى.
وهذا الأصل: تارة يكون مع عدم العلم بحكم الشارع بتملك هذا الشئ
أصلا، فيقال: الأصل عدم تملكه، وعدم حكم الشارع بكونه ملكا لأحد.
وأخرى: يكون مع العلم بحكم الشارع بأنه يصير ملكا في الجملة، وشك
في سببه: إما بأن يعلم لتملكه سبب، وشك في شئ آخر أنه أيضا هل هو سبب
لتملكه أم لا؟ أو لم يعلم سبب بعينه، وعلى التقديرين: يحكم بأصالة عدم السببية
بلا خلاف (2).
فليكن هذا الأصل نصب عينيك في كل مقام يحتاج فيه ثبوت حكم على
ملكية شئ لأحد، أو عدمها.
والحاصل: أن الأصل في جميع الأشياء عدم كونه ملكا، وفي كل أمر عدم
كونه سببا للتملك، إلا إذا دل دليل على تملك شئ معين بسبب خاص، أو
حصول التملك في نوع من الأشياء بنوع من الأسباب.
كما أنه ثبت من الشارع: تملك كل شئ فيه انتفاع من الأشياء المباحة التي
يجوز لكل أحد التصرف فيها، وليس عليها يد، بالأخذ والتصرف، دل عليه
الإجماع والأخبار، كصحيحة ابن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " من أصاب
مالا أو بعيرا في فلاة من الأرض قد كلت وقامت وسيبها صاحبها مما لم يتبعه،
فأخذها غيره، فأقام عليها وأنفق نفقة حتى أحياها من الكلال ومن الممات، فهي
له، ولا سبيل له عليها، وإنما هي مثل الشئ المباح " (3).
ورواية أبي بصير عن، أبي جعفر (عليه السلام)، قال: " من وجد شيئا فهو له،

(1) انظر مسالك الأفهام 2: 278، وجامع المقاصد 8: 50 كتاب الشركة.
(2) في " ب "، " ج ": بلا خفاء.
(3) الكافي 5: 140 / 13، التهذيب 6: 392 / 1177، الوسائل 17: 364 أبواب اللقطة ب 15 ح 2.
115

فليتمتع به حتى يأتيه طالبه، فإذا جاء طالبه رده إليه " (1).
ويؤيده رواية السكوني، عن أبي جعفر (عليه السلام) (2)، عن أبيه (عليه السلام)، عن
آبائه: " أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال في رجل أبصر طائرا، فتبعه حتى سقط على
شجرة، فجاءه رجل آخر فأخذه، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): للعين ما رأت ولليد ما
أخذت " (3).
وإنما جعلناها مؤيدة، لعدم ثبوت عمومها، حيث إن لفظة
" ما " يحتمل المصدرية والموصولية المحضة، وهما لا يفيدان
العموم.
وتملك الطيور المباحة خاصة بالأخذ، بالمستفيضة من الأخبار، كصحيحة
البزنطي، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، وفيها، فقلت له: فإن هو صاد ما هو مالك
لجناحيه، لا يعرف له طالبا؟ قال: " هو له " (4).
ومرسلة ابن بكير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " إذا ملك الطائر جناحيه،
فهو لمن أخذه " (5).
ورواية إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وفيها بعد السؤال عن
الطائر يقع على الدار فيؤخذ: " المستوي جناحاه، المالك جناحيه يذهب حيث
يشاء " قال: " هو لمن أخذه حلال " (6).
ورواية السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام): " إن

(1) الكافي 5: 139 / 10، التهذيب 6: 392 / 1175، الوسائل 17: 354 أبواب اللقطة ب 4 ح 2.
(2) في (ب، ح ه‍): عن أبي جعفر (عليه السلام)، وفي المصادر عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وأثبتناه من " ج " وهو
الصحيح، لأنه لم تثبت رواية السكوني عن أبي جعفر (انظر معجم رجال الحديث 23: 1030).
(3) الكافي 6: 223 / 6، التهذيب 9: 61 / 257، الوسائل 17: 366 أبواب اللقطة
ب 15 ح 2.
(4) الكافي 6: 222 / 1، التهذيب 9: 61 / 258، الوسائل 16: 295 أبواب الصيد ب 36 ح 1.
(5) الكافي 6: 222 / 2، الفقيه 3: 205 / 934، التهذيب 9: 61 / 259، الوسائل 16: 296 أبواب
الصيد ب 37 ح 1.
(6) الكافي 6: 223 / 4، التهذيب 9: 61 / 261، الوسائل 16: 296 أبواب الصيد ب 37 ح 2.
116

الطير إذا ملك جناحيه فهو صيد وهو حلال لمن أخذه " (1).
ورواية إسحاق بن عمار، عن جعفر، عن أبيه [عليهما السلام] " أن عليا (عليه السلام)
كان يقول: لا بأس بصيد الطير إذا ملك جناحيه " (2) إلى غير ذلك.
وكما (3) في تحقق السببية بالإحياء في الأراضي الميتة، وبالإحراز في المياه
المباحة، وبالاسترقاق في الرقاب بشرائطه، وبالحيازة في المعادن، وبالغوص و
الإخراج في بعض ما يخرج من البحر، وبالزراعة للنماء، إلى غير ذلك من
الموارد المتكثرة المتفرقة في كتب الأحاديث والفقه.
ومما يمكن أن يتأيد به ورود الملكية وعروضها لجميع الأشياء إلا ما خرج بالأدلة
المستفيضة المصرحة بأن الدنيا وما فيها وما عليها لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة، بضميمة
المصرحة بأن ما للأئمة فهو لشيعتهم أو حلال لهم، إما مطلقا، أو بعد وضع اليد عليه.
أما الأولى أي: المصرحة بأنها للرسول والأئمة عليهم السلام: فكرواية عمر
ابن يزيد، وفيها: " أو ما لنا من الأرض وما أخرج الله منها إلا الخمس يا أبا سيار! إن
الأرض كلها لنا، فما أخرج الله منها من شئ فهو لنا " (4) الحديث.
ورواية جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): خلق الله آدم
وأقطعه الدنيا قطيعة، فما كان لآدم فلرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وما كان لرسول الله فهو
للأئمة من آل محمد " (5).
ورواية محمد بن الريان، عن العسكري (عليه السلام): جعلت فداك روي لنا: أن
ليس لرسول الله من الدنيا إلا الخمس، فجاء الجواب: " إن الدنيا وما عليها
لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " (6).

(1) الكافي 6: 223 / 5، التهذيب 9: 61 / 256، الوسائل 16: 296 أبواب الصيد ب 37 ح 3.
(2) التهذيب 9: 15 / 56، الوسائل 16: 297 أبواب الصيد ب 37 ح 4.
(3) عطف على قوله: كما ثبت من الشارع، في ص 115.
(4) الكافي 1: 408 / 3، التهذيب 4: 144 / 403، الوسائل 6: 382 أبواب الأنفال ب 4 ح 12.
(5) الكافي 1: 409 / 7.
(6) الكافي 1: 409 / 6.
117

ومرسلة محمد بن عبد الله، قال: " الدنيا وما فيها لله ولرسوله ولنا، فمن
غلب على شئ منها فليتق الله، وليؤد حق الله، وليبر إخوانه " (1) الحديث.
ورواية أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وفيها: " أما علمت أن الدنيا و
الآخرة للإمام؟ يضعها حيث يشاء، ويدفعها إلى من يشاء، جائز له ذلك
من الله " (2) الحديث، إلى غير ذلك.
وأما الثانية: فكرواية يونس أو المعلى، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وفيها: " وما
كان لنا فهو لشيعتنا، وليس لعدونا منه شئ إلا ما غصب عليه " (3) الحديث.
ورواية داود الرقي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: " الناس كلهم
يعيشون في فضل مظلمتنا، إلا أنا أحللنا شيعتنا من ذلك " (4).
ورواية حارث بن المغيرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وفيها: " وكل من
وإلى آبائي، فهم في حل مما في أيديهم من حقنا، فليبلغ الشاهد الغائب " (5).
ورواية معاذ بن كثير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " موسع على شيعتنا أن
ينفقوا مما في أيديهم بالمعروف " (6) الحديث.
وإنما جعلناها مؤيدة، لعدم تعين إرادة التملك المعهود من اللام في
تلك الأخبار، وعدم دلالة التحليل عليه أيضا.
ومما يؤيده أيضا بل يثبته بعد ضميمة الانجبار بالشهرة: ما نقله الشيخ الحر في
الفصول المهمة، عن الصادق (عليه السلام): " وكل شئ يكون لهم - أي للعباد - فيه
الصلاح من جهة من الجهات، فهذا كله حلال بيعه وشراؤه وإمساكه واستعماله

(1) الكافي 1: 408 / 2.
(2) الكافي 1: 408 / 4، الفقيه 2: 20 / 71.
(3) الكافي 1: 409 / 5.
(4) الفقيه 2: 24 / 90، التهذيب 4: 138 / 388، الاستبصار 2: 59 / 193، علل الشرائع 327 ب 106
ح 3، الوسائل 6: 380 أبواب الأنفال ب 4 ح 7.
(5) التهذيب 4: 143 / 399، الوسائل 6: 381 أبواب الأنفال ب 4 ح 9.
(6) الكافي 4: 62 / 4، التهذيب 4: 143 / 402، الوسائل 6: 381 أبواب الأنفال ب 4 ح 11.
118

وهبته وعاريته " (1).
ولا شك أن تلك الأمور لا تتحقق إلا بعد التملك، فثبت منه ملكية كل ما فيه
جهة من جهات الصلاح.
ثم إن ما ثبت فيه التملك بالتصرف في المباحات الأصلية، بل في جميع
الموارد الأخر أيضا إنما هو ما كان له جهة انتفاع مقصود عند العقلاء، وأما غيره
فلا، لظاهر الإجماع المنعقد على أن ما لا نفع فيه ليس ملكا لأحد. بل لاختصاص
ما هو الحجة من أدلة التملك بما ينتفع به.
أما الإجماع فظاهر.
وأما صحيحة ابن سنان (2)، فلأن معنى المباح: الحلال، ولا بد في الحلية من
جهة انتفاع، فيكون حلالا، إذ المراد حلية نوع انتفاع منه.
وسميت المباحات الأصلية مباحة (3) لأجل إباحتها لكل أحد (حيث إنه لا يد
لشخص مخصوص عليها، حتى يحرم لأجله التصرف والانتفاع على غيره،
فتكون مباحة لكل أحد) (4) ولولا ثبوت ذلك، فلا أقل من عدم ثبوت إطلاق المباح
على غيره وهو كاف.
وأما رواية أبي بصير (5)، فلمكان قوله: فليتمتع به.
وأما سائر المؤيدات، فهي وإن لم ينفع عمومها أو إطلاقها، ولكنها أيضا إما
مخصوصة باعتبار ذكر الحلية ونحوها، أو ظاهرة فيما ينتفع به.
وأما المنقول عن الفصول المهمة (6)، فواضح.

(1) الفصول المهمة: 333، تحف العقول: 333، الوسائل 12: 55 أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 2.
(2) المتقدمة في ص 115.
(3) في " ج " وسميت المباحات أصلية.
(4) ما بين القوسين ليس في " ه‍ ".
(5) المتقدمة ص 15.
(6) مر في هامش 1.
119

عائدة (12)
في حكم ورود عام وخاصين
إذا ورد عام مطلق، وخاصان مطلقان، أحدهما يوافق العام في الحكم، و
الآخر يخالف، وكانت النسبة بين الخاصين عموما من وجه، ولم يكن مرجح،
فالعمل في محل التعارض على العام المطلق.
نحو: أكرم العلماء، وأكرم الفقهاء، ولا تكرم العالم الفاسق، فيتعارض
الأخيران في الفقيه الفاسق ولا مرجح، فيبقى عموم الأول خاليا عن المعارض،
لعدم العلم بشمول الأخير لمحل التعارض حتى يخصص به الأول.
وأصالة بقاء الثالث على عمومه، حيث لا يعلم تخصيصه، فيخصص به
الأول، معارضة بأصالة بقاء الثاني أيضا على عمومه، فيمنع عن
تخصيص الأول.
وأيضا تخصيص العام بالخاص، حتى في مقام يكون دليل معارض للخاص
لم يثبت. وأصالة عدم تخصيصه خالية عن المعارض.
ولا تعارضها أصالة عدم تخصيص الخاص في مقام المعارضة (1) مع الخاص
الآخر، لمنع جريان هذا الأصل مع وجود المعارض.

(1) في " ح ": تعارضه، بدل المعارضة.
121

عائدة (13)
في حكم ورود لفظ يحتمل أمرين
إذا ورد في حديث أو كلام آخر لفظ احتمل كونه أمرا حتى يكون حقيقة، أو
ماضيا بمعنى الإنشاء حتى يكون مجازا، نحو: عد من الصلاة. أو احتمل كونه
نهيا أو مضارعا بمعناه، نحو: لا يتكلم في الكنيف. فهل يكون مجملا، أو
يحمل على الأمر والنهى لأصالة الحقيقة؟
الصواب: هو الأول، لأن معنى أصالة الحقيقة: أنه إذا كان لفظ له معنيان:
حقيقي ومجازي، يحمل على الأول، وهاهنا هيئة كتبية (1) تحتمل لفظين، لو كان
أحدهما يكون حقيقة، ولو كان الآخر يكون مجازا، ولم يثبت أن الأصل في
تلك الهيئة ما هو بمعناه الحقيقي (2)، ولم يثبت هذا القدر من أصالة الحقيقة (3).
وتظهر الفائدة: على القول بكون الإخبار في مقام الإنشاء غير مفيد
للوجوب، بل لا يفيد إلا مطلق الطلب كما هو الحق.

(1) في " ج " تركيبية.
(2) يعني: أصل تعين اللفظ المستعمل في معناه الحقيقي من اللفظين المحتملين من شكل الكتابة، دون
المستعمل في معناه المجازي لو فرضت إرادته.
(3) لأجل أن أصالة الحقيقة عملها هو تعيين المراد الجدي للمتكلم من اللفظ بعد تعين اللفظ وظهوره
في إرادة المعنى الحقيقي، واللفظ هنا غير معين، علاوة على عدم ظهوره في إرادة المعنى الحقيقي.
123

عائدة (14) في ورود لفظين مشترك وما
له حقيقة ومجاز
إذا ورد كلام فيه لفظان: أحدهما مشترك بين معنيين، وللآخر (1) حقيقة و
مجاز، ولم يجتمع أحد معنيي الأول مع حقيقة الآخر، فهل يحمل على المعنى
الآخر أم لا؟.
نعم، لأن الأصل في الآخر الحقيقة، وبعد حمله عليها يكون قرينة معينة
لما يجتمع معه من معاني المشترك، ولولا ذلك لم تتحقق قرينة لفظية على تجوز،
لاحتمال إرادة مجاز مع القرينة يجامع حقيقة اللفظ (2).
وكذا لو كانت هيئة اللفظ محتملة لوجهين لم يجتمع أحدهما مع المعنى
الحقيقي للفظ الآخر، كما فيما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " أنه نهى عن بيع الغرر " (3)

(1) في " ج ": والآخر.
(2) يعني: لولا الحمل على المعنى الحقيقي، ووصلت النوبة إلى المجاز، فباب المجاز واسع، فمكان
حمل الثاني على المجازي يحمل على المعنى الحقيقي ويحمل الأول على معنى مجازي يتلائم مع
المعنى الحقيقي للآخر، ولا قرينة معينة لأحدهما.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 45 / 168، عوالي اللآلي 2: 248 / 17، سنن أبي داود 3: 672 / 3376،
سنن ابن ماجة 2: 739 / 2194، 2195، مسند أحمد 1: 302 وج 2: 144، سنن البيهقي 5:
338.
125

فإنه يحتمل أن يكون الغرر: جمع غرة بمعنى العبيد والإماء، ولكن يكون النهي
حينئذ تجوزا، لعدم حرمة بيعهم. وأن يكون المراد به: الجهالة والخدعة، ويكون
النهي حقيقة حينئذ، فتعين الثاني، لأن الأصل في النهي الحقيقة.
126

عائدة (15) في حكم الشرط في ضمن العقد
اعلم أن من مهمات مسائل الفقه: مسألة الشرط في ضمن العقد. وقد
تداول ذكره في كتب الفقهاء وألسنة العلماء، ويترتبون عليه أحكاما كثيرة:
كثبوت الخيار بالشرط، وسقوطه به فيما ثبت شرعا، وإلزام المكلفين ببعض
الأمور المباحة، باشتراطه في ضمن العقد اللازم، ونحو ذلك.
فلا بد من تحقيقها وتنقيحها، وذلك يكون برسم مباحث:
الأول: في معنى الشرط.
الثاني: في بيان لزومه وعدمه، وفي حكم العقد إذا لم يف المشروط عليه
بالشرط، أو تعذر الوفاء.
الثالث: في بيان المراد من الشرط المخالف للكتاب والسنة، والمغاير لمقتضى
العقد، الذي حكموا بعدم لزومه.
الرابع: في بيان حكم العقد إذا فسد الشرط.
المبحث الأول: في بيان معنى الشرط في هذا المقام.
اعلم: أن للشرط إطلاقات ثلاثة:
أحدها: الشرط النحوي، وهو ما يدخله أحد أدواته.
127

والثاني: الشرط الأصولي، وهو ما يلزم من عدمه عدم المشروط، ولا يلزم
من وجوده وجوده، وهو يكون مضافا إلى شئ لا محالة، كشرط الصلاة، و
شرط اللزوم، وشرط الوجوب، وغيرها.
والثالث: الشرط اللغوي، وهو ما يلزم به الغير ويلتزم به، ومصدره: بمعنى
الإلزام والالتزام.
قال في القاموس: الشرط إلزام الشئ والتزامه في البيع ونحوه
كالشريطة (1). الجمع: شروط.
والمعنى الأول اصطلاح خاص (2) لا دخل له في المقام.
وأما الثانيان: فكلاهما من المعاني العرفية، فيقال: شرط إكرام زيد مجيؤه،
وشرطت عليه أن لا يفعل كذا وشرطي عليه أن يفعل كذا.
ويمكن أن يكون استعمال لفظ الشرط في (شرط ضمن العقد) باعتبار
المعنى الثاني، بناء على ما هو المشهور والمعروف منهم في مسائل البيع من أن
بقاء استمرار العقد ولزومه موقوف على أن يسلم الشرط لمشترطه، فإن لم يسلم
له، يفيد التخيير بين فسخ العقد المشروط فيه وإمضائه، سواء شرط ذلك في
ضمن العقد أيضا أم لا، فيكون الشرط مما ينتفي العقد بانتفائه.
وهذا وإن لم يكن مجمعا عليه، بل ولا مشهورا في جميع العقود، ولكن
يمكن أن يكون الإطلاق بالاعتبار المذكور، وأطلق فيما لا ينتفي استمرار العقد
بانتفاء الشرط، أو أطلقه من لا يرى الخيار بعدم سلامة الشرط لمشترطه تطفلا من
باب التجوز.
ويمكن أن يكون استعماله باعتبار المعنى الثالث، حيث إن كل ما يشترط في
ضمن العقد، فهو مما التزمه المتعاقدان، أو أحدهما في ضمن العقد، فيكون

(1) القاموس المحيط 2: 381.
(2) في " ب ": خواص.
128

الشرط ملتزما به، سواء قدر بين المتعاقدين صيرورة ذلك الملتزم شرطا بالمعنى
الأول: أو لا.
وظاهر كلام الأكثر - حيث قالوا بخيار الفسخ مع عدم سلامة الشرط (1) - وإن
كان إرادة المعنى الأول، ولكن استدلالهم في هذا المقام، بمثل قوله (عليه السلام):
" المؤمنون عند شروطهم " (2) في جميع موارد هذه المسألة يوافق إرادة الثاني، لئلا
يلزم استعمال المشترك في معنييه، أو حمل اللفظ على معنييه: الحقيقي و
المجازي، إلا أنه يمكن أن يكون نظر المستدلين إلى جواز هذين الاستعمالين، هذا.
وإنما جعلنا الشرط بناءا على المعنى الأول شرطا لاستمرار العقد دون
أصله، حتى يكون شرطا لتحققه، لأنه يكون تعليقا للعقد، ويرجع إلى أن
حصول مدلول الإيجاب والقبول معلق على حصول الشرط، وهذا غير جائز
إجماعا، كما ثبت في محله (3).
المبحث الثاني: في حكم الشرط في ضمن العقد.
ولا بد أولا من ذكر الأخبار المناسبة للمسألة، وما يستفاد منها، وهي كثيرة:
منها: صحيحة عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول:
" من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله عز وجل، فلا يجوز له، ولا يجوز على
الذي اشترط عليه، والمسلمون عند شروطهم فيما وافق كتاب الله جل وعز " (4).
ومنها: صحيحته الأخرى عنه (عليه السلام)، قال: " المسلمون عند شروطهم، إلا

(1) انظر تذكرة الفقهاء 1: 490، الروضة البهية 3: 506، كفاية الأحكام: 97، ورياض المسائل 1:
536 - 535.
(2) التهذيب 7: 371 / 1503، الاستبصار 3: 232 / 835، الكافي 5: 404 / 8، الوسائل 12: 353
أبواب الخيار ب 6 ح 5 و 15: 30 أبواب المهور ب 19 ح 4، صحيح البخاري 3: 120 باب أجرة
السمسار.
(3) وذلك لأن مدلوله - كالملكية - أمره دائر بين الوجود والعدم، ولا يعقل فيه الوجود المعلق.
(4) الكافي 5: 169 / 1، التهذيب 7: 22 / 94، الوسائل 12: 353 أبواب الخيار ب 6 ح 1.
129

كل شرط خالف كتاب الله عز وجل، فلا يجوز " (1).
ومنها: حسنة الحلبي عنه (عليه السلام)، قال: سألته عن الشرط في الإماء أن لا تباع و
لا توهب، قال: " يجوز ذلك غير الميراث، فإنها تورث، وكل شرط خالف كتاب
الله عز وجل فهو رد " (2).
ومنها: مرسلة جميل، عن أحدهما عليهما السلام: في رجل اشترى جارية
وشرط لأهلها أن لا يبيع ولا يهب: قال: " يفي بذلك إذا شرط لهم " (3).
ومنها: مرسلة أخرى عنه (عليه السلام): في الرجل يشتري الجارية، ويشترط لأهلها
أن لا يبيع ولا يهب ولا يورث، قال: " يفي بذلك إذا شرط لهم إلا الميراث " (4).
ومنها: موثقة إسحاق بن عمار، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام: " أن
عليا (عليه السلام) كان يقول: من شرط لامرأته شرطا، فليف لها به، فإن المسلمين عند
شروطهم، إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما " (5).
ومنها: موثقة منصور بن يونس (6)، قال: قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام) وأنا
قائم: جعلني الله فداك، إن شريكا لي كانت تحته امرأة، فطلقها، فبانت عنه،
فأراد مراجعتها، فقالت المرأة: لا والله لا أتزوجك أبدا حتى تجعل الله لي عليك
أن لا تطلقني ولا تتزوج علي، قال: " وقد فعل؟! " قلت: نعم جعلني
الله فداك، قال: " بئس ما صنع، وما كان يدريه ما يقع في قلبه في جوف الليل و

(1) الفقيه 3: 127 / 553، التهذيب 7: 22 / 93، الوسائل 12: 353 أبواب الخيار ب 6 ح 2.
(2) الكافي 5: 212 / 17، الوسائل 13: 43 أبواب بيع الحيوان ب 15 ح 1، وفيه: لا تباع ولا تورث و
لا توهب، وهي حسنة بإبراهيم بن هاشم، وأوردها بسند صحيح عن ابن سنان في التهذيب
7: 67 / 289.
(3) التهذيب 7: 25 / 106، الوسائل 13: 44 أبواب بيع الحيوان ب 15 ح 2.
(4) التهذيب 7: 373 / 1509، الوسائل 13: 44 أبواب بيع الحيوان ب 15 ح 2.
(5) التهذيب 7: 467 / 1872، الوسائل 12: 353 أبواب الخيار ب 6 ح 5.
(6) في المصادر: منصور بن بزرج، وكلاهما صحيح، ففي رجال النجاشي: 413 / 1100 منصور بن
يونس بزرج أبو يحيى كوفي ثقة.
130

النهار " ثم قال له: " أما الآن فقل له: فليتم للمرأة شرطها، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
قال: المسلمون عند شروطهم " (1) الحديث (2).
ومنها: صحيحة أبي العباس، عن الصادق (عليه السلام): في رجل يتزوج
المرأة ويشترط لها أن لا يخرجها من بلدها، قال: " يفي لها بذلك، أو قال، يلزمه
ذلك " (3).
ومنها: رواية عمار بن مروان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال قلت: جاء رجل إلى
امرأة فسألها أن تزوجه نفسها، فقالت: أزوجك نفسي على أن تلتمس مني ما
شئت من نظر أو التماس، وتنال مني ما ينال الرجل من أهله، إلا أنك لا تدخل
فرجك في فرجي، وتتلذذ بما شئت، فأني أخاف الفضيحة، قال: " لا بأس، ليس
له ألا ما شرط " (4).
ومنها: صحيحة محمد، عن أحدهما عليهما السلام: في الرجل يقول
لعبده: أعتقك على أن أزوجك ابنتي، فإن تزوجت أو تسريت عليها فعليك مائة
دينار، فأعتقه على ذلك، وتسرى أو تزوج، قال: " عليه شرطه " (5).
ومنها: رواية (6) ابن أبي عمير، قال: قلت لجميل بن دراج: رجل تزوج
امرأة وشرط لها المقام بها في أهلها، أو بلد معلوم، قال: فقد روى أصحابنا
عنهم عليهم السلام: أن ذلك لها، وأنه لا يخرجها إذا شرط ذلك لها " (7).

(1) الكافي 5: 404 / 8، التهذيب 7: 371 / 1503، الاستبصار 3: 232 / 835، الوسائل 15: 30
أبواب المهور ب 20 ح 4.
(2) في " ب "، " ج " ورد أولا رواية عمار بن مروان ثم صحيحة محمد ثم صحيحة أبي العباس ثم رواية
ابن أبي عمير ثم حسنة هشام بن سالم ثم حسنة شعيب.
(3)
الكافي 5: 402 / 2، التهذيب 7: 372 / 1506، الوسائل 15: 49 أبواب المهور ب 40 ح 1.
(4) الكافي 5: 467 / 9، وفي التهذيب 7: 369 / 1495 عن عمار بن مهران، وفي الوسائل 15: 45
أبواب المهور ب 36 ح 1، محمد بن عمار عن سماعة بن مهران.
(5) الكافي 5: 403 / 5، وفي التهذيب 7: 370 / 1499 بتفاوت.
(6) في " ه‍ ": صحيحة، ولكن الأنسب ما أثبتناه من باقي النسخ لأنها مرسلة.
(7) التهذيب 7: 373 / 1509، الوسائل 15: 49 أبواب المهور ب 40 ح 3.
131

ومنها: حسنة هشام بن سالم، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: " عدة
المؤمن أخاه نذر لا كفارة له، فمن أخلف فبخلف الله أبدا، ولمقته تعرض، وذلك
قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن
تقولوا ما لا تفعلون) (1) " (2).
ومنها: حسنة شعيب بن يعقوب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليف إذا وعد " (3).
ومنها: ما ورد من أن ثلاث خصال من خصال المنافقين: " إذا قال كذب، و
إذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان " (4).
ومنها: ما روته العامة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من قوله: " المؤمنون عند
شروطهم إلا كل شرط خالف كتاب الله " (5) ومن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " المؤمنون عند
شروطهم إلا من عصى الله " (6).
ومنها: الروايات المستفيضة المصرحة بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " قضى بأن من باع
نخلا قد أبر، فثمرته للذي باع إلا أن يشترط المبتاع " (7) إلى غير ذلك.
وسنذكر بعض أخبار أخر مناسبة للمسألة في طي المباحث الآتية.
ثم المستفاد من الصحيحة الأولى والثانية، وموثقتي إسحاق ومنصور،
المتضمنة لقوله (عليه السلام): " المسلمون عند شروطهم " وكذا المرويان من العامة:

(1) الصف 61: 3.
(2) الكافي 2: 363 / 1، الوسائل 8: 515 أبواب أحكام العشرة ب 109 ح 2.
(3) الكافي 2: 364 / 2، الوسائل 8: 515 أبواب أحكام العشرة ب 109 ح 4.
(4) الكافي 2: 290 / 8، الوافي 4: 239 / 1877، الوسائل 11: 269 أبواب جهاد النفس ب 49 ح 4.
(5) و (6) ورد مضمونها في صحيح البخاري 3: 251، باب ما يجوز من الشروط، وأما صدرهما فقط فقد
أخرجه في صحيح البخاري 3: 120، وسنن الدارقطني 3: 27 حديث 98 - 99، والمستدرك على
الصحيحين 2: 49، والسنن الكبرى 7: 249. إلا أنه في بعضها " المسلمون " بدل " المؤمنون ".
(7) الكافي 5: 177 / 140، التهذيب 7: 87 / 370، صحيح البخاري 3: 247، صحيح مسلم 3:
1172 كتاب البيوع ب 15.
132

وجوب الوفاء بكل ما التزم به المسلم، إلا ما استثني.
أما دلالتها على الوجوب، فلاستدلال الإمام به على وجوب الوفاء في
موثقة إسحاق - المتقدمة - فإنها تدل على أن قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك إنشاء
للحكم، ومعناه: أن المسلمين يجب أن يكونوا ثابتين عند شروطهم، لعدم صحة
الاستدلال بدون ذلك، ولأنه المتبادر من استدلاله.
ويدل على كونه جملة حكمية - أي: إنشائية لا خبرية وصفية - الاستثناء (1)
المذكور في أكثرها، فإن المؤمن لا ينبغي أن يشترط ما يخالف كتاب الله، حتى
يكون من صفته عدم الوفاء به. ومقتضى الوصفية أنه يشترط المخالف للكتاب،
لكنه (2) لا يفي به، وهو كما ترى.
وأما إذا أريد منه الحكم، فلا حزازة فيه أصلا، مع أن المسلمين ليسوا كذلك
جميعا، بل هذا صفة القليل منهم، فلو كان خبرا، لزم الكذب أو خروج الأكثر.
مضافا إلى أن قوله: " إلا من عصى الله " على تقدير إرادة الوصف: مستثنى
متصل من المؤمنين، ومقتضاه لزوم العصيان بمخالفة الشرط، وبه يثبت الحكم
المطلوب. وكذلك لو أريد به الحكم وجعل مستثنى منقطعا.
وإن أريد به: إلا من عصى الله في الشرط، بأن شرط ما خالف الشرع، فهو
أيضا لا يناسب الوصف.
وبهذا وإن ثبت كون الجملة إنشائية، إلا أنه بمجرده غير كاف في إثبات
الوجوب، كما قيل، بل لا بد من ضم ما ذكرنا من استشهاد الإمام، مع أن فهم
العلماء عصرا بعد عصر، في جميع أبواب الفقه، واستدلالهم بذلك على
وجوب الوفاء، أعظم شاهد على ذلك، ولم نعثر على من قدح في ذلك.
وأما أن المراد بشروطهم: ما التزموه، فلأن ذلك معنى الشرط لغة، ولم
يعرف له معنى في اللغة إلا ذلك، والأصل عدمه.

(1) في " ه‍ ": وصفه بالاستثناء، وفي " ح ": وصفه الاستثناء.
(2) في " ه‍ ": ولكنه.
133

وأما ما ينتفي المشروط بانتفائه، فهو مما يستعمل فيه في العرف. فلو سلمنا
كونه حقيقة فيه، فهو حقيقة عرفية يقتضى الأصل تأخرها. مع أن كل ما ينتفي
المشروط بانتفائه فهو ملتزم في تحقق المشروط، فيمكن أن يكون المستعمل فيه
حين إرادته أيضا معنى الالتزام.
هذا، مضافا إلى أن ما استشهد له به ليس إلا مجرد الالتزام، ولم يعلم انتفاء
المشروط الذي هو العقد بانتفائه، بل المعلوم عدم انتفائه في مقام الاستشهاد. و
كذا أكثر الأخبار المستعملة فيها لفظ الشرط.
فإن قيل: المراد بالالتزام: ما جعله لازما على نفسه بوجه شرعي، فلا يفيد
فيما أنت بصدده من جعل ذلك سببا للزوم الشرعي.
قلنا: المتبادر من الالتزام هو التعهد بذلك، مع أن استثناء ما خالف
كتاب الله لا يصلح لذلك أصلا، لأن ما كان كذلك لا يقبل اللزوم الشرعي، و
كذا شرط عدم الميراث في بعض الروايات ونحوه، فدلالة هذا الكلام على
وجوب الوفاء بالتزام شئ في ضمن العقد - الذي هو مقصودنا - مما لا إشكال فيه
أصلا.
ويدل عليه أيضا الأخبار الثلاثة الموجبة للوفاء بالوعد، فإن كل ما يلتزم به
أحد المتعاقدين في ضمن العقد وعد للآخر، فيجب الوفاء به.
وكذا رواية عمار، وصحيحة محمد، والرواية الأخيرة، حيث دلت على
أن مع الشرط تكون الثمرة للمبتاع، وبضميمة عدم القول بالفصل يتم المطلوب
في سائر العقود وباقي الشروط.
ومن ذلك يظهر إمكان الاستدلال بأخبار أخر وردت في موارد خاصة
مذكورة في مظانها.
فإن قيل: لو تم ما ذكرت، لاقتضى وجوب الوفاء بكل ما يوعد ويلتزم به ولو
لم يكن في ضمن عقد، أو كان في ضمن العقد الجائز، والظاهر أنه لم يقل به
أحد.
134

قلنا: نعم نحن نقول بوجوب الوفاء بكل وعد، وقد صرح به جماعة) 1). نعم
لما لم يكن وظيفة كتاب المكاسب إلا الشرط في ضمن العقد، فخصوا الكلام به.
وأما الشرط في ضمن عقد الجائز: فهو ليس التزاما مطلقا، بل التزام على
تقدير بقاء مقتضى العقد، فكأنه التزام بالشرط، وهو لا يجب الوفاء به بدون
الشرط إجماعا، لأنه ليس التزاما حقيقة.
والشرط في ضمن العقد اللازم وإن كان أيضا كذلك، إلا أنه لما لزم العقد،
فشرط الإلزام متحقق قطعا.
ومما يدل على وجوب الوفاء بالشرط في ضمن العقد: أنه يصير جزءا من
أحد العوضين، فيصير لازما كسائر أجزائهما.
أما أنه يصير جزءا من أحدهما، فلأنه ليس المراد بالعوض إلا ما وقع (2) بإزاء
معوضه، فإذا لم يرض أحد المتعاقدين بما يعطى عوضا عن متاعه إلا مع هذا
الشرط، فهو أيضا يكون جزءا مما هو بإزاء متاعه (3)، فيكون جزءا عن عوضه.
وأي فرق بين ما إذا باع فرسه مثلا بغنم وحمار، أو بغنم بشرط أن يعطيه
حمارا أيضا، أو بشرط أن يفعل له كذا؟
وكونه منفعة غير ضائر (4)، لأن القدر الثابت أنه لا يجوز أن تكون المنفعة في
البيع ثمنا أو مثمنا إذا لم يكن بطريق الشرط، وأما معه، فلا دليل على عدم
جوازه، هذا.
واعلم: أنه قد يستدل بهذه الأخبار على أصالة لزوم العقود أيضا (5)، وهو
محل نظر، لأن كل عقد وإن تضمن نوع التزام، ألا أن صدق الشرط لغة أو عرفا
على مثله غير معلوم.

(1) منهم القاضي ابن البراج في جواهر الفقه (الجوامع الفقهية): 420، والسبزواري في كفاية الأحكام: 171.
(2) في " ب ": دفع.
(3) في " ه‍ ": معوضه.
(4) وجه إشكال كونه منفعة: هو أن جعل المنفعة مقابل عوض ليس بيعا بل هو إجارة.
(5) كما في مجمع الفائدة 8: 150 في عقد البيع، ومفتاح الكرامة 4: 731 - 730.
135

على أن غاية ما يسلم تضمنه من الالتزام له هو ما لم يفسخ العقد، فالالتزام
الذي يتضمنه، هو التزام لوازم العقد على تقدير عدم إرادة الفسخ، وأما مطلقا،
فلا. بل هو موقوف على ثبوت لزم العقد، بخلاف غيره من الشروط المصرح
بها، فإن الأصل عدم تقييدها بشرط وغاية.
ومن هذا يظهر السر في الحكم بعد لزوم الوفاء بالشرط في ضمن العقد إذا
بطل العقد، أو انفسخ بالتقايل ونحوه.
والحاصل: أن القدر الثابت المعلوم حصول الالتزام والشرط مع بقاء العقد،
وأما بدونه، فذلك غير معلوم. وعدم تقييد الشرط بذلك غير مفيد، لأن وقوعه
في هذا لتركيب كاف في احتمال التقييد، بل يصلح هو قرينة عليه.
وإذ قد عرفت ذلك، فاعلم: أن الأصحاب اختلفوا في الشرط في ضمن
العقد اللازم على أقوال خمسة:
الأول: وجوب الوفاء به على المشروط عليه، فإن امتنع المشروط عليه من
الشرط، أجبر عليه. وإن لم يمكن إجباره عليه، رفع أمره إلى الحاكم ليجبره
عليه، إن كان مذهبه ذلك، وليس لأحدهما بدون تعذر الشرط، الفسخ، إلا مع
رضاء الآخر، فإن تعذر ذلك، فحكمه حكم تعذر تحصيل الشرط، وهو ثبوت
خيار الفسخ للمشروط له.
وذهب إليه جماعة، منهم شيخنا الشهيد الثاني في المسالك، وصاحب
الكفاية (1)، بل في السرائر والغنية: الإجماع عليه (2).
الثاني: وجوب الوفاء به على المشروط عليه، وللمشروط له إلزامه وإجباره
أيضا إذا امتنع ولو بالترافع، وله الفسخ أيضا، وأما تعين الإجبار عليه، وعدم
جواز الفسخ بدون رضى المشروط عليه فلا (3).

(1) المسالك 1: 191، كفاية الأحكام: 97.
(2) السرائر 2: 326، الغنية (الجوامع الفقهية): 524.
(3) ذهب إليه الميرزا القمي في غنائم الأيام: 738.
136

الثالث: وجوب الوفاء به على المشروط عليه، فإن امتنع، فللمشروط له
الفسخ دون الإجبار.
وهو الظاهر من الدروس، قال: يجوز اشتراط سائغ في عقد البيع، فيلزم
الشرط من طرف المشروط عليه، فإن أخل به، فللمشترط له الفسخ. وهل يملك
إجباره عليه؟ فيه نظر (1). انتهى.
الرابع: عدم وجوب الوفاء به على واحد منهما، وإنما قائدة الشرط: جعل
العقد عرضة للزوال عند فقد الشرط، ولزومه عند الإتيان به (2).
الخامس: التفصيل المنسوب إلى الشهيد - رحمه الله - وهو أن الشرط الواقع
في العقد اللازم، إن كان العقد كافيا في تحققه، ولا يحتاج بعده إلى صيغة، فهو
لازم لا يجوز الإخلال به، كشرط الوكالة في عقد الرهن ونحوه.
وإن احتاج بعده إلى أمر آخر وراء ذكره في العقد - كشرط العتق - فليس
بلازم، بل يقلب العقد اللازم جائزا (3).
والحق هو الأول، أما وجوب وفاء المشروط عليه بالشرط، فلما مر من أدلة
وجوب الوفاء بالشرط.
وأما عدم جواز الفسخ من أحدهما، فلكون العقد لازما على ما هو
المفروض.
فإن قيل: الأصل عدم انتقال كل من العوضين عن صاحبه إلى الآخر إلى أن
يثبت الانتقال، ولم يثبت الانتقال إلا في صورة تحقق الشرط، ولما امتنع
المشروط عليه، فيرجع المشروط له إلى ما له إن أراد.
قلت: المفروض ثبوت إيجاب العقد للانتقال وثبوت لزومه. ولو كان عقد
لم يثبت كونه بنفسه مؤثرا، واحتمل اشتراط تأثيره، أو لزومه بأمر خارجي أيضا -

(1) الدروس: 343.
(2) الروضة البهية 3: 506، المسالك 1: 191.
(3) الروضة البهية 3: 507 نقلا عن الشهيد الأول.
137

كتحقق شرط، أو تسليم أحد العوضين - فهو خارج عن المفروض، ويسلم فيه
ذلك.
ومما ذكرنا ظهر دليل القولين: الثاني، والثالث، وجوابه.
وأما الرابع، فحجته: الأصل، وضعف النصوص عن إفادة الوجوب.
وجوابه مما مر ظاهر.
واستدل الخامس: بأن اشتراط ما العقد كاف في تحققه - كجزء من الإيجاب
والقبول - فهو تابع لهما في اللزوم والجواز، واشتراط ما سيوجد أمر منفصل
عن العقد، وقد علق عليه العقد، والمعلق على الممكن ممكن.
وأنت خبير بأن ذلك أيضا مخالف للعمومات، وأدلة اللزوم تشملهما
جميعا.
هذا كله إذا لم يتعذر الشرط، وأما إذا تعذر - كما إذا شرط تسليم الثمن في
يوم معين، ولم يؤده في ذلك اليوم - فظاهرهم في مسائل البيع: تخيير المشروط
له بين فسخ العقد وإمضائه، وذلك الذي سموه في جملة الخيارات: بخيار
الاشتراط، بل لم يعلم خلاف في ذلك.
ولكن لم نقف على تصريح بذلك في مسائل النكاح، إلا في بعض صور
التدليس.
نعم صرحوا بانتفاء خيار الشرط فيه، وهو الخيار الحاصل بسبب شرط
الخيار، وهو غير الاشتراط الحاصل بسبب تعذر الشرط.
ثم إنهم استدلوا على ثبوت الخيار: بأن ذلك هو مقتضى الشرط، وهو
منظور فيه، لأن هذا إنما يتم إذا كان مراد المتعاقدين من الشرط، الشرط
الأصولي، أي ما (1) ينتفي المشروط بانتفائه. وأما إذا أراد منه مجرد الإلزام و
الالتزام فلا.

(1) في " ه‍ ": وهو مما.
138

مع أن هذا لو تم للزم بطلان العقد، لأنه المشروط: لا خيار الفسخ. وجعل
المشروط: اللزوم لا وجه له.
وقد يستدل على ثبوت الخيار أيضا: بأن التراضي في العقد على سبيل
اللزوم والاستمرار إنما وقع بهذا الشرط، ولم يعلم من الطرفين إخراج مالهما
من ملكهما على سبيل اللزوم إلا مع تحقق الشرط، فمع انتفائه لهما الرجوع
إلى مالهما.
وفيه: أن الظاهر من العقد الرضى بالانتقال مع التزام الشرط، وقد تحقق
الالتزام، إذ لا يشتمل على غير ذلك. وأما الالتفات إلى عدم تحقق الشرط وعدم
الرضى معه، فالأصل عدمه، ولا يعتبر ذلك الاحتمال في شئ من العقود
إجماعا.
ولذا إذا اشترى أحد شيئا وقبضه، فتلف بعد ثلاثة أيام مثلا، لا يحصل له
خيار، ولا يقال: إنه لم يعلم إخراج ماله عن ملكه على سبيل اللزوم، إلا مع عدم
التلف في هذه المدة، مع أنه لو التفت إلى هذا الاحتمال، أو علمه حين العقد، لم
يرض بالشراء.
والحاصل: أن الملتفت إليه في العقود من القصود إنما هو ما يستفاد من
اللفظ، فإذا دل لفظ على التراضي بالنقل مع التزام شئ، يحكم بالرضى مع ذلك
الالتزام، وأما أنه لو لم يتحقق ما التزم به، فهو أمر خارجي لا دخل له بالعقد.
وأي فرق بين هذا الشرط وبين ما إذا باع شيئا بشئ آخر، يسلمه المشتري
بعد مدة، ونقص قيمة ذلك الثمن عند التسليم نقصانا كثيرا، أو باعه بثمن إلى
مدة، ومات المشتري في تلك المدة، ونقل المبيع إلى غيره، ولم يخلف شيئا؟.
وأما أصالة عدم التراضي إلا مع سلامة الشرط، فهي مدفوعة بما هو الظاهر
من اللفظ، وهو الرضى مع التزام الشرط، وقد تحقق. وهذا الظهور معتبر
بالإجماع القطعي، وإلا لم يسلم عقد لأحد.
بل لو منع ظهور ذلك أيضا، نقول: يكفي الإجماع المقطوع به في ذلك.
139

وظهر من ذلك: أن مقتضى القاعدة، أصالة عدم الخيار مع تعذر الشرط
أيضا. وأنه لا إجماع عليه في جميع موارد الشرط وإن احتمل تحققه في بعض
الموارد، ولكنه خارج عن مطلوبنا هنا، فإنه إذا دل دليل من إجماع أو غيره على
ثبوته في بعض الموارد، يتبع ذلك.
والمقصود هنا: بيان الأصل، وأما ذكر حكم الجزئيات فبيانه في مطاوي
الكتب الفقهية.
ثم إن ما ذكرناه إنما هو إذا لم يكن الشرط من باب التعليق، وأما إذا كان منه -
أي شرط تعليق اللزوم على أمر حين العقد - بأن يكون مقصود المتعاقدين كون
العقد متزلزلا موقوفا على إتيان المشروط عليه بالشرط باختياره، كأن يقول: بعتك
هذا بمائة درهم تعطيها في رأس الشهر، بشرط خيار الفسخ مع عدم العطاء فيه، فلا
كلام فيه وهو يرجع إلى شرط الخيار، ويجب الحكم به بمقتضى
العمومات، وليس من الخيار الناشئ من الاشتراط.
فإن قيل تلك العمومات تعارض دليل لزوم العقد الذي يتضمن الشرط بالعموم من وجه.
قلنا: إذ لا ترجيح، فالأصل عدم اللزوم. فيثبت الخيار من هذه الجهة. هذا.
ثم إن سأل سائل: أنه قد ذكرت أن الشرط في العرف يطلق على الإلزام
والالتزام، وعلى ما ينتفى المشروط بانتفائه، وعلى هذا، فإذا قال البائع مثلا:
بعتك هذا بدرهم بشرط أن تؤديه رأس الشهر، أو شرطت ذلك عليك، فيمكن
أن يكون المعنى: ألزمته، وأن يكون: جعلته مما ينتفى استمرار العقد
بانتفائه، فعلى أيهما يحمل؟
قلنا: وإن كان كل منهما محتملا، إلا أن العقد يكون باقيا على لزومه إذ
إرادة كل من المعنيين بالنسبة إلى الأصل متساوية، وأصالة عدم وجوب الوفاء -
كما هو مقتضى الأول - معارضة مع أصالة عدم ثبوت الخيار، كما هو مقتضى
الثاني، فتبقى أصالة لزوم البيع باقية بحالها.
140

مع أن الثاني لا يخلو عن وجوب وفاء أيضا، وهو وجوب الوفاء بمقتضى (1)
شرط الخيار. مضافا إلى أنه محتاج إلى تقدير الشروط، وهو أيضا خلاف
الأصل.
والحاصل أن مقتضي أدلة لزوم البيع، لزومه مطلقا خرج ما علم شرط
الخيار فيه بالدليل، فيبقى الباقي على اللزوم.
تتمة
قال الشهيد في قواعده: كل شرط تقدم العقد أو تأخر فلا اثر له، وقد يظهر
أثره في مواضع (2). وعد مواضع قليلة
أقول مراده: أن الشرط الذي يعتد به، هو الذي يذكر بين الايجاب
والقبول، بحيث يكون جزء منهما.
وقد يقال: إن المشهور ذلك، بل قيل: الظاهر عدم الخلاف في ذلك. (3)
نعم، يظهر من الشيخ في النهاية: الاكتفاء بما ذكر بعد العقد (4). وأوله
السيد محمد في شرح النافع على ما ذكر بعد الايجاب. (5)
وهو بعيد غاية البعد، وإبقائه على ظاهره لا ضير فيه.
ويمكن أن يكون التخصيص بما بعد العقد، لأجل أن العقد الخالي عن
الشرط، المتأخر عن الشرط ظاهر في ندامتهما عن الشرط فلا يجب الوفاء به
إجماعا.

(1) في " ب ": بمعنى.
(2) القواعد والفوائد 2: 259 - قاعدة 252.
(3) جامع الشتات: 467، الحدائق 24: 167، رياض المسائل 2: 116.
(4) النهاية: 493.
(5) السيد محمد هو صاحب المدارك، وشرح النافع هو نهاية المرام كتبه تتمة لمجمع الفائدة والبرهان
لأستاذه المقدس الأردبيلي، إلا أنه عدل عن شرح الإرشاد إلى شرح النافع احتراما، نهاية المرام
1: 246 في النكاح المنقطع.
141

أو يكون ذلك مخصوصا بالنكاح، وقد دلت الاخبار على أن الشروط التي
قبل النكاح يهدمها النكاح (1)، فهي خارجة عن مقتضى الوفاء بالشرط بالدليل.
ثم أقول ان مقتضى العمومات المتقدمة وجوب الوفاء بالشرط مطلقا،
سواء كان قبل العقد أو بعده بل لو لم يكن عقد أيضا، إلا فيما كان شرطا للخيار
المستلزم للعقد مقارنا للشرط (2) أو قبله أو بعده وقد خرج من ذلك ما كان قبل
النكاح بالإجماع، وأما غيره فلا دليل على خروجه، بل الأخبار الكثيرة مصرحة
بنفوذ الشرط بعد النكاح والتزويج.
وتأويله إلى ما بعد الايجاب (3) تأويل بلا دليل. والاجماع على عدم تأثير
الشرط المتقدم أو المتأخر، أو المتقدم خاصة، كما قيل (4)، وغير ثابت، كيف
والشيخ مخالف في المتأخر! ويظهر من بعض آخر، التردد فيه أيضا (5).
وقد وقع في كلام بعضهم لزوم الوفاء بالشرط، بما يشترط من غير تقييد بالمقارن (6).
وقد صرح جماعة بوجوب الوفاء بالوعد مطلقا (7)، وجعلوا الخلف معصية.
ولا شك أن كل ما يلتزم به وعد.
مع أنه لو ثبت إجماع على عدم (8) تأثير المتقدم أو المتأخر، فيمكن أن يكون في
جعل العقد متزلزلا عند الامتناع من الشرط أو تعذره، حيث إنهم يستدلون عليه
بصيرورته جزء العوض، أو بأنه موجب للشك في التراضي مطلقا، وأمثال

(1) الكافي 5: 456 / 1 - 5، التهذيب 7: 262 / 1133، وص 263 / 1138.
(2) في " ه‍ ": للعقد، بدل للشرط، والمعنى واحد.
(3) كما في الحدائق 24: 170.
(4) رياض المسائل 2: 116
(5) كالقمي في جامع الشتات: 467. حيث عبر ب‍ " على الأقوى ".
(6) كالقاضي في جواهر الفقه (الجوامع الفقهية): 420، والسبزواري في كفاية الأحكام: 171، و
صاحب الحدائق 24: 168 و 167.
(7) منهم المجلسي في مرآة العقول 11: 25، وملا صالح في شرح أصول الكافي 10: 18.
(8) " عدم " ليست في " ج ".
142

ذلك وهو كذلك.
وبالجملة: مقتضى العمومات وجوب الوفاء بكل ما يلتزمه انسان لغيره
ويعده، ولم يظهر إجماع على خلافه، فيجب اتباعه، وإن كان لما وقع في ضمن
العقد لوازم ليس لغيره، كالتأثير في تزلزل العقد على وجه عند جماعة، وإيجابه
إبطال العقد في بعض الصور.
المبحث الثالث: في بيان ما يجوز من الشرط وما لا يجوز
وجملة ما ذكروا عدم جوازه ووقع التعبير ب‍ (غير الجائز) في عباراتهم
أربعة
الشرط المخالف للكتاب والسنة.
والشرط الذي أحل حراما، أو حرم حلالا.
والشرط المنافى لمقتضى العقد.
والشرط المؤدى إلى جهالة أحد العوضين
أما الأول: فعدم الاعتداد به مجمع عليه، وفى المستفيضة تصريح به (1)
أما الأخبار الدالة على عدم الاعتداد بشرط خالف كتاب الله، فقد
مرت (2)
وأما الدالة على عدم الاعتداد بما خالف السنة:
فمنها مرسلة ابن فضال، عن أبي عبد الله عليه السلام: في امرأة نكحها رجل،
فأصدقته المرأة واشترطت عليه أن بيدها الجماع والطلاق، فقال: " خالف السنة،
وولى الحق من ليس أهله " وقضى أن على الرجل الصداق، وأن بيده الجماع

(1) التهذيب 7: 373 / 1508، الاستبصار 3: 232 / 836، الكافي 5: 212 / 18، الوسائل 13: 43 أبواب
بيع الحيوان ب 15 ج 1 و 2.
(2) مرت في المبحث الثاني ص 129.
143

والطلاق، وتلك السنة (1)
ومنها: رواية محمد ابن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام، وهي قريبة من سابقتها
أيضا (2).
ومنها: مرسلة مروان بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال، قلت له: ما
تقول في رجل جعل أمر امرأته بيدها؟ قال، فقال: " ولى الامر من ليس أهله
وخالف السنة ولم يجز النكاح " (3).
ثم المراد بشرط خالف الكتاب أو السنة: أن يشترط أي؟ يلتزم - أمرا مخالفا
لما ثبت من الكتاب والسنة عموما أو خصوصا، مناقضا له.
والحاصل أن يثبت حكم في الكتاب (4) أو السنة، وهو يشترط ضد ذلك
الحكم وخلافه أي: يكون المشروط أمرا مخالفا لما ثبت في أحدهما سواء كان
من الأحكام الطلبية أو الوضعية
وذلك كما أنه ثبت من الكتاب والسنة: أن أمر المرأة ليس بيدها، فيشترط
أن يكون أمرها بيدها، وثبت أن الطلاق بيد الزوج، فيشترط أن لا يكون الطلاق
بيده. وثبت أن الناس مسلطون على أموالهم فيشترط أن لا يكون مسلطا على
أمواله، أو على مال معين منه وثبت أن الخمر حرام فيشترط أن يكون حلالا،
وثبت ان المال المشتبه حلال فيشترط أن يكون مال مشتبه حراما، وثبت أن النظر
إلى زوجته حلال، فيشترط أن (لا يكون حلالا) (5) وثبت أن المبيع للمشتري
أو الثمن للبائع، فيشترطان لا يكون له، إلى غير ذلك.
وأما اشتراط أن لا يتصرف المشتري في المبيع مدة معلومة، فهو ليس مخالفا

(1) الكافي 5: 403 / 7، الوسائل 15: 40 أبواب المهور ب 29 ح 1.
(2) الفقيه 3: 269 / 1276، التهذيب 7: 369 / 1497، الوسائل 15: 40 أبواب المهور ب 29 ح 1.
(3) التهذيب 8: 88 / 301، الاستبصار 3: 313 / 1113، ورواه عن هارون بن مسلم في الكافي
6: 137 / 4.
(4) في " ه‍ ": بالكتاب.
(5) بدل ما بين القوسين في " ه‍ " يكون حراما.
144

للكتاب أو السنة. إذ لم يثبت فيهما تصرفه، حتى يكون شرط عدم تصرفه شرطا
مخالفا لأحدهما، بل إنما ثبت جواز تصرفه، والمخالف له عدم جواز تصرفه، فإذا
اشترطه يكون باطلا.
وأما اشتراط عدم التصرف، فهو ليس مخالفا للكتاب والسنة.
فإن قلت: ثبت من الكتاب والسنة جواز التصرف فيما يشتريه، والشرط
يستلزم عدم جوازه، فهو أيضا مخالفا للكتاب والسنة.
قلت: لا نسلم أن الشرط يستلزم عدم جواز التصرف، لأن المشروط هو عدم
التصرف دون جوازه.
نعم: إيجاب الشارع للعمل بالشرط يستلزم عدم جواز التصرف، وليس
المستثنى في الأخبار شرط خالف إيجابه أو وجوبه كتاب الله والسنة، بل شرط
خالف الشرط الكتاب والسنة، والشرط هو عدم التصرف
فإن قلت: هذا يصح إذا كان الشرط في المستثنى بمعنى المشروط، وأما إذا
كان بالمعنى المصدري حتى يكون المعنى: (التزاما خالف كتاب الله والسنة) (1)
فيكون شرط عدم التصرف أيضا كذلك، لأن التزامه يخالف جواز التصرف
الثابت من الكتاب والسنة.
قلنا: لا نسلم أن التزام عدم التصرف يخالف جواز التصرف ما لم يثبت
(وجوب) (2) ما يلتزم به، هذا.
وأما شرط فعل شئ ثبتت حرمته من الكتاب والسنة، أو ترك شئ ثبت
وجوبه أو جوازه منهما، فهو ليس شرطا مخالفا للكتاب والسنة، إذ لم يثبت من
الكتاب والسنة فعله أو تركه، بل حرمة فعله أو تركه. ولكن يحصل التعارض
حينئذ بين ما دل على حرمة الفعل أو الترك، وبين أدلة وجوب الوفاء بالشرط،

(1) بدل ما بين القوسين في " ب "، " ج "، " ح ": الالتزام خالف الكتاب والسنة. هذا الكلام تفسير لما
ورد في الروايات: " إلا شرطا خالف كتاب الله أو السنة ".
(2) بدل ما بين القوسين في " ه‍ ": جواز عدم التصرف. ولعل الأنسب من كل ذلك: عدم جواز.
145

فيجب العمل بمقتضى التعارض كما تأتي الإشارة إليه.
وأما الثاني: أي الشرط الذي أحل حراما، أو حرم حلالا، فعدم الاعتداد به
أيضا منصوص عليه في موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة (1)، فلا إشكال في عدم
الاعتداد به.
إنما الإشكال في فهم المراد منه، حيث إن كل شرط يوجب تحريم حلال أو
تحليل حرام، فإن اشتراط عدم الفسخ يوجب تحريم الفسخ الحلال، وكذا اشتراط
عدم إخراج الزوجة من بلدها، واشتراط خيار الفسخ يوجب تحليل الحرام، فإن
الفسخ لولا الشرط كان حراما، وهكذا.
ولذا ترى أنه قد وقع كثير من الأصحاب في حيص وبيص من تفسيره،
فمنهم من حكم بإجماله (2). ومنهم من فسر تحريم الحلال وتحليل الحرام: بالتحريم
الظاهري للحلال الواقعي، والتحليل الظاهري للحرام الواقعي (3).
وقيل: المراد بالحلال والحرام في المستثنى ما هو كذلك بأصل الشرع من
دون توسط العقد.
واستشهد لذلك: باتفاقهم على صحة شرائط خاصة يكون منافية لمقتضى
العقد، كاشتراط عدم الانتفاع مدة معينة، وسقوط خيار المجلس والحيوان، وما
شاكله، ولا ريب أن قبل الشرط - بمقتضى العقد - يحل الانتفاع مطلقا، والرد
في زمان الخيار، ويحرم بعده، فقد حرمت الشروط ما كان حلالا بتوسط العقد
قبله.
وعلى هذا: فالضابط في الشروط التي لم تحرم الحلال بأصل الشرع و
بالعكس: هو الجواز، إلا أن يمنع عنه مانع من نص أو اجماع (4).

(1) المتقدمة ص 130.
(2) كالعاملي في مفتاح الكرامة 4: 731، والسيد علي الطباطبائي في رياض المسائل 1: 536.
(3) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 267.
(4) جاء ذلك في رياض المسائل 1: 536، ومفتاح الكرامة 4: 731.
146

ولا يخفى: أن في التفسيرين تخصيصا بلا دليل، وتقييدا بلا مقيد
ظاهر.
مع ما في الثاني من مخالفة الواقع، فإنه يوجب التفرقة بين اشتراط سكنى
البائع في دار باعها في مدة معينة، وبين اشتراط سكناه في دار أخرى للمشتري
غير تلك الدار في تلك المدة، وجواز الأول، وعدم جواز الثاني، وهو ليس
كذلك.
وكذا الفرق بين اشتراط عدم الانتفاع بالمبيع مدة، وبين عدم الانتفاع بغيره مما
هو من مال البائع أو المشترى، ولا وجه له.
وأبعد منهما وأظهر فسادا ما قيل: من أن الظاهر من تحليل الحرام وتحريم
الحلال هو تأسيس القاعدة.
قال: وهو تعلق الحكم بالحل أو الحرمة - مثلا - بفعل من الأفعال على سبيل
العموم، من دون النظر إلى خصوصية فرد، فتحريم الخمر معناه منع المكلف عن
شرب جميع ما يصدق عليه هذا الكلى. وهكذا حلية البيع، فالتزوج والتسري
مثلا أمر كلي حلال، والتزام تركه مستلزم لتحريمه. بل وكذلك جميع أحكام
الشرع من الطلبية والوضعية وغيرها، وإنما يتعلق الحكم بالجزئيات باعتبار تحقق
الكلي فيها.
فالمراد من تحليل الحرام وتحريم الحلال المنهي عنه: هو أن تحدث قاعدة كلية، ويبدع حكما جديدا.
فقد أجيز في الشرع البناء على الشروط، إلا شرطا أوجب إبداع حكم
كلي جديد، مثل تحريم التزويج والتسري وإن كان بالنسبة إلى نفسه فقط، وقد
قال الله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) (1) و
جعل الخيرة في الجماع والطلاق بيد الزوجة، وقد قال الله تعالى: (الرجال

(1) النساء 4: 3.
147

قوامون على النساء). (1)
وفيما إذا شرطت عليه: أن لا يتزوج عليها فلانة، أو لا يتسرى بفلانة خاصة،
إشكال (2). انتهى.
فإن الفرق بين الكلي والجزئي مما لا شاهد عليه ولا دليل، فإن التزام عدم
ارتكاب مباح يستلزم حرمته على ما ذكره، كما يشير إليه قوله: " والتزام تركه
يستلزم تحريمه " سواء كان أمرا كليا أم أمرا جزئيا، فتخصيص المراد من تحليل
الحرام وعكسه بالأول مما لا وجه له أصلا.
وكل هؤلاء أخطأوا الطريق في فهم الحديث، مع أنه ظاهر - على فهمي
القاصر - غاية الظهور، كما يظهر مما ذكرنا في بيان مخالف الكتاب والسنة.
والحاصل: أن عبارة الإمام (عليه السلام) هكذا: " إن المسلمين عند شروطهم إلا شرطا
حرم حلالا أو أحل حراما " (3) وفاعل حرم وأحل: هو الشرط، فالمستثنى شرط
حرم ذلك الشرط الحلال أو أحل الحرام.
وهذا إنما يتحقق مع اشتراط حرمة حلال أو حلية حرام، لا مع اشتراط عدم
فعل حلال، فإنه لو قال: بعتك هذا وشرطت عدم جواز التصرف في المبيع أو
حرمته، أو حلية النظر إلى وجه زوجتك، يكون الشرط حرم الحلال أو أحل
الحرام، بخلاف ما لو قال: وشرطت عدم التصرف في المبيع، فإن الشرط لم
يحرم التصرف.
نعم: لو أجاز الشارع ذلك الشرط فإجازته وإيجاب الشارع الوفاء به حرم
الحلال، ولم يقل إلا شرط حرم إيجابه حلالا.
والتفصيل: أن معنى قوله: " المسلمون عند شروطهم، إلا شرطا حرم حلالا
أو أحل حراما " إما أنه: إلا شرط حرم وجوب الوفاء به شرعا الحلال، و

(1) النساء 4: 34.
(2) رسالة اشتراط البيع للميرزا القمي (غنائم الأيام): 732.
(3) التهذيب 7: 467 / 1872، الوسائل 12: 353 أبواب الخيار ب 6 ح 5.
148

بالعكس، أو شرطا حرم نفس ذلك الشرط، الحلال، وبالعكس.
والأول: مخالف لظاهر العبارة، لاحتياجه إلى التقدير، مع إيجابه لمناقضة
ذلك مع ما استشهد به الإمام (عليه السلام) في موثقة منصور (1) (لعدم حلية) (2) الطلاق و
التزويج.
بل يلزم كون الكل (3) لغوا، أو ينحصر مورد قوله: " المسلمون عند شروطهم "
باشتراط الإتيان بالواجبات واجتناب المحرمات. والحكم بوجوب ذلك، بل
تعليقه بالوصف المشعر بالعلية لغو جدا.
فيبقى الثاني، وهو الموافق لظاهر الكلام، فيكون المعنى: إلا شرطا حرم
ذلك الشرط، الحلال، وذلك بأن يكون المشروط هو حرمة الحلال.
فإن قيل: إذا شرط عليه عدم فعله فلا يرضى بفعله، فيجعله حراما عليه.
قلنا: لا نريد أن معنى الحرمة في قوله: " إلا شرطا حرم " طلب الترك ولو من
المشترط، بل جعله حراما واقعيا، أي: مطلوب الترك شرعا، حتى يكون
الشروط هو كون الفعل حراما عليه في نفس الأمر، ولا شك أن شرط عدم
فعل، بل نهي شخص آخر عن فعل لا يجعله حراما كذلك، أي: شرعا.
فإن قيل: الشرط بنفسه مع قطع النظر عن إيجاب الشارع الوفاء به،
لا يوجب تحليلا ولا تحريما شرعا، فلا يحرم ولا يحلل (4).
قلنا: إن أريد أنه لا يوجب تحليلا ولا تحريما شرعيين واقعا، فهو كذلك. وإن
أريد أنه لا يوجب تحليلا ولا تحريما شرعيا بحكم الشرط، فهو ليس كذلك، بل
حكم الشرط ذلك، وهذا معنى تحريم الشرط وتحليله.
وعلى هذا، فلا إجمال في الحديث ولا تخصيص، ويكون الشرط في ذلك

(1) المتقدمة ص 130.
(2) في النسخ: لحلية عدم، وهو تصحيف.
(3) في " ب ": الكلام.
(4) في " ه‍ "، " ح ": ولا يحل.
149

كالنذر والعهد واليمين، فإنه إذا نذر أحدا، أو عاهد، أو حلف أن يكون المال
المشتبه عليه حراما شرعا، أو يحرم ذلك على نفسه شرعا، لم ينعقد.
ثم إنك لو تتبعت الأخبار الواردة في الشروط المجوزة والممنوعة، تجدها
بأسرها منطبقة على هذا المعنى الذي ذكرناه لهذا الحديث، ولمخالفة الشرط
للكتاب أو السنة.
ثم الشرط المحرم للحلال أو عكسه أخص مطلقا من مخالف الكتاب والسنة،
لصدق الأخير على مخالف الأحكام الوضعية أيضا، كنفي كون الجارية ميراثا، و
لذا أبطل الإمام (عليه السلام) شرطهم.
وقد صرح (عليه السلام) بعدم جواز شرط يخالف الحكم الوضعي في رواية محمد بن
قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام): في رجل تزوج امرأة وشرط لها إن هو تزوج عليها
امرأة أو هجرها أو اتخذ عليها سرية فهي طالق، فقضى في ذلك: " أن شرط الله
قبل شرطكم " (1) الحديث، يعني أن الحكم الذي وضعه الله سبحانه قبل حكمكم،
وهو أن الطلاق بيد الزوج.
وفى رواية إبراهيم بن محرز: قال: سأل أبا جعفر (عليه السلام) رجل وأنا عنده،
فقال: رجل قال لامرأته: أمرك بيدك، قال: " أنى يكون هذا!! والله يقول:
(الرجال قوامون على النساء) (2) ليس هذا بشئ " (3).
وأما شرط عدم التزويج على المرأة والتسري مطلقا، فهو ليس مخالفا
للكتاب والسنة، بل شرط عدم إباحته أو استحبابه مخالف لذلك، لدلالة قوله
تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) (4) على الرخصة.

(1) التهذيب 7: 370 / 1500، الاستبصار 3: 231 / 832، الوسائل 15: 46 أبواب المهور ب 38 ح 1.
(2) النساء 4: 34.
(3) التهذيب 8: 88 / 302، الاستبصار 3: 313 / 1114، الوسائل 15: 337 أبواب مقدمات الطلاق
ب 41 ح 6.
(4) النساء 4: 3.
150

وكذا شرط فعل مرجوح أو ترك مستحب ليس مخالفا لهما، و
لا مما حرم حلالا أو أحل حراما، سواء كان على سبيل الاستمرار أو مرة أو
أكثر.
نعم: لو شرط إباحة المكروه أو المستحب، أو عدم كراهته أو استحبابه،
لكان ذلك مخالفا للكتاب أو السنة.
نعم: لو شرط فعل ما ثبتت مرجوحيته بالكتاب أو السنة تحريما أو كراهة، أو
ترك ما ثبت رجحانه بهما وجوبا أو استحبابا، يحصل التعارض بين ما دل على
ذلك من الكتاب أو السنة، وبين دليل وجوب الوفاء بالشرط، واللازم فيه:
الرجوع إلى مقتضى التعارض والترجيح.
ومن ذلك: شرط شرب الخمر، وأكل الميتة، فإن الشرب والأكل ليس
مخالفا للكتاب والسنة، بل حليتهما مخالفة لهما، ولكن يحصل التعارض بين
ما دل على حرمتهما، وبين دليل وجوب الوفاء بالشرط، والإجماع رجح جانب
الحرمة، وما لم يكن فيه مرجح يعمل بما تقتضيه القواعد والأصول.
ثم لو جعل هذا الشرط أيضا من أقسام المخالف للكتاب والسنة، كما يطلق
عليه عرفا أيضا، لم يكن بعيدا، ولا يتفاوت لأجله.
واعلم: أن مما ذكرنا في معنى الشرط المحرم للحلال وعكسه، يظهر معنى
الحديث المشهور: " كل صلح جائز إلا ما حرم حلالا أو أحل حراما " (1) أيضا و
يرتفع عنه الإجمال.
وأما الثالث: وهو الشرط المنافي لمقتضى العقد، فتحقيقه يحتاج إلى بيان
مقتضى العقد، فنقول: إن مقتضى العقد: إما مقتضى ذاته من حيث هو من غير
احتياج إلى جعل الشارع ذلك مترتبا عليه، وهو كل أمر لا يتحقق العقد بدونه،
بحيث لو انتفى ذلك المقتضى لانتفى العقد لغة أو عرفا أو شرعا.

(1) الكافي 7: 412 / 1، الفقيه 3: 20 / 52، التهذيب 6: 225 / 541، الوسائل 13: 164 أحكام الصلح
ب 3 ح 2 و 18: 155 أبواب آداب القاضي ب 1 ح 1.
151

وذلك كما أن البيع عرفا نقل الملك إلى الغير بعوض، فلو لم ينقل (1) البيع
إلى المشتري، ولا الثمن إلى البائع، لا يكون بيعا عرفا، وكذلك لو انتفى
أحدهما، لأن نفي الجزء يستلزم انتفاء الكل.
أو ليس من مقتضى ذاته، بل رتبه الشارع على ذلك العقد من حيث هو،
وجعله من مقتضياته. وهو كل أمر رتبه الشارع على ذلك العقد من حيث هو، و
جعله مقتضيا - بالكسر - له وإن أمكن تحققه بدونه، كترتيب الشارع خيار المجلس
والحيوان على البيع، ووجوب النفقة على النكاح الدائم، وعدم اللزوم قبل
التصرف على الهبة والوقف.
وأما الأمور الخارجية اللاحقة بالعقد شرعا من غير كونها متولدة منه ومترتبة
عليه من حيث هو، فليس من مقتضيات العقد، كجواز التزويج على المرأة و
التسري عليها.
ثم كل من قسمي المقتضى (3) - بصيغة المفعول - على نوعين: لأنه إما أن
يكون مقتضيا بلا واسطة كما مر، أو بواسطة، أو وسائط، كالتسلط على المبيع،
الذي هو من مقتضيات انتقال المبيع، الذي هو من مقتضيات البيع، وكالانفساخ
بسبب الفسخ، الذي هو مقتضى خيار المجلس، الذي هو مقتضى البيع، وكتسلط
الزوجة على أخذ النفقة، الذي هو من مقتضيات وجوب الإنفاق، الذي هو
مقتضى النكاح، وهكذا.
وإذ قد عرفت ذلك: تعلم الشروط المنافية للعقد، ووجه عدم الاعتداد بها.
أما فيما كان من القسم الأول، فظاهر، لأن الاعتداد به مستلزم لتخلف
مقتضى العقد، الذي هو معنى عدم ترتب الأثر عليه، الذي هو معنى الفساد، و
هو يستلزم عدم الاعتداد بالشرط، لما مرت الإشارة إليه من أن الثابت من وجوب

(1) في " ج ": ينتقل.
(2) بدل " ذلك " في النسخ الخطية: هذا.
(3) أي: المقتضى للعقد.
152

الوفاء بالشرط في ضمن العقد، إنما هو إذا كان العقد صحيحا باقيا.
مع أنه يحصل التعارض حينئذ بين عمومات الوفاء بالشرط، وأدلة صحة
هذا العقد، فيرجع إلى أصالة فساد العقد وعدم لزوم الوفاء بالشرط.
بل يكون هذا الشرط مخالفا لما دل من الكتاب والسنة على ترتب هذا الأثر
على هذا العقد، فيكون الشرط مخالفا للكتاب أو السنة، فيكون لغوا.
وأما فيما كان من القسم الثاني: فلمعارضة عمومات الوفاء مع ما دل على
ثبوت هذا المقتضى للعقد، أو لأحد مقتضياته، فيحصل التعارض ويرجع إلى
الأصل.
بل يكون الشرط مخالفا لما دل على الثبوت على ما مر، فيكون مخالفا
للكتاب أو للسنة فيبطل.
إلا أن هذا إنما هو فيما إذا كان هناك دليل عام أو مطلق على سببية هذا العقد
لذلك المقتضى وتولده منه، أما إذا لم يكن كذلك، بل احتمل اختصاص
الاقتضاء بالعقد الخالي عن الشرط، فيحكم بصحة الشرط.
مثال ذلك، أنه ثبت خيار المجلس للمتبايعين بقوله: " المتبايعان بالخيار ما لم
يفترقا " (1) فصار عقد البيع مقتضيا لهذا الخيار، ولإطلاق الخبر يكون ثبوته مطلقا،
سواء اشترط عدمه أم لا، فشرط عدمه مناف لهذا الخبر بإطلاقه، بخلاف ما إذا
كان دليل الخيار الإجماع مثلا، وشك في حال الاشتراط في سقوطه وعدمه،
فإن القدر الثابت ترتب الخيار على البيع الخالي من شرط سقوطه، وأما معه فلا
يعلم، بل يعمل بعمومات الوفاء.
ثم إن القسم الثاني من منافيات مقتضى العقد ما يقال: إنه من منافيات

(1) الكافي 5: 170 / 4 - 6، التهذيب 7: 24 / 100 و 7: 20 / 85، الاستبصار 3: 72 / 240، الوسائل
12: 345 أبواب الخيار ب 1 ح 1 - 3. صحيح البخاري 3: 84، سنن النسائي 7: 248، صحيح
مسلم 3: 1163، سنن ابن ماجة 2: 736 / 2182، سنن الترمذي 3: 547 / 1245، ونذكر أن في
بعضها: البيعان مكان المتبايعان.
153

مكملاته، وقد ظهر لك أن ما لا اعتداد به من جهة كونه من منافيات مقتضى
العقد إنما هو القسم الأول الذي يقال: إنه من منافيات مقتضى ركن العقد.
وأما الثاني: فعدم الاعتداد به، لكونه مخالفا للكتاب والسنة (أو كون) (1)
دليل الاعتداد به معارضا لما دل على عدم الاعتداد به، فهو قد يعتد به لدليل آخر،
كما سنشير إليه إن شاء الله تعالى.
وأما الرابع: وهو الشرط المؤدي إلى جهالة أحد العوضين، فعدم الاعتداد
به، لإيجابه بطلان العقد الموجب لبطلان الشرط، كما مر، ويجب تخصيصه
بعقد كان الجهل مبطلا له.
ولا يخفى: أنه يشترط في تأثير هذا الشرط كونه وموجبا لجهالة العوض من
حيث هو عوض، فلو لم يوجبه لم يؤثر وإن حصل الجهل من وجه آخر، و
يحصل الاشتباه في ذلك الموضع كثيرا.
فلو قال: بعتك هذا بمائة دينار إلى سنة بشرط أنه إن حدث كذا في خلال
المدة، كان الثمن خمسين دينارا، حصل الجهل في العوض من حيث هو عوض.
أما لو قال: بعتك بمائة دينار إلى سنة بشرط أنه إن حدث كذا في خلال السنة
وهبت لي خمسين دينارا منها أو أسقطتها، لم يوجب الجهل في العوض، لأن
العوض هو المائة، والشرط هبة بعضها أو إسقاطه، وذلك لا يوجب جهل
العوض.
ولو قال: بعتك بمائة مؤجلا إلى سنة، وشرطت أنه إن حدث كذا كان الثمن
معجلا عنده، جاء الجهل في العوض.
ولو قال: بعتك بمائة مؤجلا إلى سنة بشرط أنه إن حدث كذا أعطيتك الثمن
عنده، لم يدخل الجهل في العوض، مع أن شرط كون الثمن خمسين دينارا،
أو كونه معجلا، مناف لمقتضى العقد أيضا.

(1) بدل ما بين القوسين في " ه‍ ": إذ.
154

ولو منع كون العقد المتضمن لذلك الشرط مقتضيا لكون الثمن مائة أو
مؤجلا يصير الجهل به واضحا. ومن ذلك يظهر فساد هذا الشرط.
ولو قلنا بأن الثمن هو الأول، والشرط الثاني وإن أوجب التغيير فيه، و
لكنه من جهة الشرط، والثمن الذي هو حقيقة في المعين، لم يحصل التغيير
فيه.
ومن أمثلة جهل الشرط الموجب لجهل العوض: بعتك بمائة تومان مؤجلا
إلى سنة، وشرطت كون التومان رائج (1) وقت الأداء.
ثم لا يخفى: أن ما ذكرناه من عدم الاعتداد بالشروط المذكورة ووجوب
الوفاء بغيرها إنما هو من باب تأصيل الأصل وتأسيس القاعدة، فيجب بناء العمل
عليه حتى يدل دليل على خلافه في الموارد الجزئية.
فقد يدل دليل على وجوب الوفاء بشرط، مع كونه - مخالفا لبعض - (2) مما
ينافي عموم كتاب أو سنة، أو إطلاقه، وحينئذ يكون هذا الدليل مخصصا لعموم
" إلا شرطا خالف الكتاب أو السنة " بل بعد وجود الدليل على الاعتداد بهذا
الشرط، لا يكون مخالفا للكتاب والسنة، ويكون هذا الدليل مختصا لعموم
الكتاب والسنة المنافي لذلك الشرط.
مثلا دل عموم " البيعان بالخيار ما لم يفترقا " على ثبوت الخيار لكل بيعين،
فشرط عدم الخيار مناف لعمومه، وإذا دل دليل على سقوط الخيار باشتراط
سقوطه، يدل ذلك الدليل على اختصاص البيعين بغير المشترطين، فلا يكون
الشرط مخالف للسنة.
وقد يدل دليل على عدم وجوب الوفاء بشرط لا يخالف كتابا ولا سنة، و
حينئذ يكون هذا الدليل مخصصا لعموم " المؤمنون عند شروطهم " (3).

(1) في " ه‍ "، " ج "، " ح ": برائج.
(2) كذا، وما بين الحاصرتين زائد.
(3) التهذيب 7: 371 / 1503، الاستبصار 3: 232 / 835، الوسائل 15: 30 أبواب المهور ب 19 ح 4.
155

تتمة
اعلم: أن ما مر من عدم الاعتداد بشرط خالف الشرع إنما هو فيما إذا كان
مخالفا لعموم كتاب أو سنة أو إجماع أو نحوها، أما إذا لم يثبت العموم بحيث
يشمل مورد الشرط (1)، فلا يحكم بالمخالفة، بل يعمل بعمومات الوفاء، كما مرت
الإشارة إليه.
وقد يقال: إنه مع وجود العموم أو الإطلاق أيضا لا تعلم المخالفة، لحصول
التعارض بينه وبين عمومات الوفاء.
وفيه: أن عمومات الوفاء مقيدة بقوله: " إلا ما خالف الكتاب أو
السنة " فمفاده: أن الشرط الغير المخالف يجب الوفاء به، فلا يشمل
المورد.
قيل: مع أنه لو سلم التعارض، فيرجع إلى الأصل، وهو مع عدم تأثير
الشرط، لكونه من الأحكام الوضعية التوقيفية.
وهذا يتم فيما إذا لم يكن ما ينافيه أيضا كذلك، وإلا فيرجع إلى
أصل آخر، وذلك: كما إذا قلنا: إن الأصل عدم تأثير اشتراط سقوط
الخيار، ولكن الأصل عدم ثبوت الخيار أيضا (2)، ويرجع إلى أصالة لزوم
البيع.
ويجب على الفقيه تدقيق النظر، لئلا يقع في الخطأ.
المبحث الرابع: في بيان حكم العقد إذا فسد الشرط.
وتحقيقه: أنه لا ريب حينئذ في بطلان الشرط وعدم الاعتداد به.
وأما العقد، ففيه قولان: البطلان، والصحة.

(1) في " ب ": مورد النص.
(2) في " ب "، " ج " زيادة: فيعارض عمومات التأثير وعمومات الخيار.
156

والحق هو الأول، وفاقا للأكثر (1)، كما صرح به في كتاب النكاح من
المسالك (2)، لأن العقود تابعة للقصود، والمقصود هو الأمر المركب من الشرط و
غيره، فإذا بطل الشرط بطل المقصود، لانتفاء الكل بانتفاء جزئه.
والتفصيل: أنه سيأتي في العائدة الآتية: أن ترتب الأثر على كل عقد،
يتوقف على قصد إنشاء هذا الأثر بسببه، وإيجاده منه، فما لم يقصد ذلك لم
يترتب عليه ذلك الأثر، وأن كل أثر فاسد قصد من العقد لا يترتب عليه، ويقع
العقد فاسدا.
وعلى هذا: فالعقد المتضمن للشرط الفاسد إذا صدر من شخص، فالظاهر:
أن الأثر الذي قصد إنشاؤه منه: هو المركب من التزام هذا الشرط الفاسد، فيفسد
بفساد جزئه.
وقصد الجزء الصحيح في ضمنه غير كاف، لأن قصد الكل لا يكفي في
قصد الجزء. فإذا لم يكن الجزء مقصودا منفردا، لم يترتب عليه حكم.
ولولا ظهوره (3)، فغيره أيضا - أي: إنشاء الأثر المجرد عن هذا الالتزام - غير
ظاهر، والأصل يقتضي عدم ترتب الأثر.
فقصد إنشاء الأثر الصحيح، الذي هو المتوقف عليه في الصحة، غير
معلوم، وظهور الهيئة التركيبية للصيغة - وهي المتضمنة للشرط - في قصد الأثر
الصحيح - وهو المجرد من التزام هذا الشرط - غير ظاهر إن لم يكن في خلافه
ظاهرا.
فتحقق السبب لحصول الأثر غير ثابت، فيكون العقد فاسدا، لأصالة عدم
ترتب الأثر.

(1) منهم العلامة في القواعد 2: 152 والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 148، والعاملي في نهاية
المرام 1: 402، وانظر: مفتاح الكرامة 4: 372 كتاب المتاجر.
(2) المسالك 1: 549.
(3) أي: ولولا ظهوره في أن الأثر الذي قصد إنشاؤه هو المركب من التزام الشرط الفاسد وغيره.
157

بل لا يبعد الحكم بالفساد وإن علم قصد إنشاء الأثر المجرد من التزام هذا
الشرط، لأن تلك الهيئة ظاهرة في قصد إنشاء المركب، وكون مثلها مؤثرة في
حصول جزء المركب بمجرد قصده غير معلوم، كما يأتي الإشارة إليه في العائدة
الآتية إن شاء الله.
ثم إن هذا الذي ذكرناه هو الأصل والقاعدة، وقد يتخلف من جهة الدليل
الخارجي، فهو يجعل ذلك العقد المتضمن للشرط الفاسد سببا للأثر الصحيح،
من غير اعتناء إلى لزوم قصد ذلك الأثر والله سبحانه هو العالم بحقائق أحكامه و
شرائعه.
158

عائدة (16)
في بيان قولهم: العقود تابعة للقصود
من القواعد المتداولة في ألسنة الفقهاء قولهم: العقود تابعة للقصود.
وتحقيق الكلام فيها: أنه لاشك أن الأصل عدم جميع الأحكام الشرعية حتى
يثبت من الشارع، طلبية كانت، أو تخييرية، أو وضعية.
ولا ريب أيضا: أن ترتب كل أثر على أي عقد كان مخالف للأصل،
لا يحكم به إلا مع الثبوت من الشارع.
وهناك عقود وإيقاعات: لازمة وجائزة، لفظية وفعلية - كالمعاطات في
البيع على القول بلزومها - ثبت بالأدلة الشرعية ترتب آثار وأحكام عليها.
ولكن تلك الآثار (أحكام إنشائية) (1) لا تترتب عليها إلا مع قصد الإنشاء
منها.
وهذا القصد معتبر في تلك العقود والإيقاعات إجماعا، وبمقتضى
الأصل، إذ لم يثبت ترتب أثر عليها بدون ذلك القصد، والأصل عدم الترتب.
فلو صدرت بلا قصد أو مع قصد الإخبار أو قصد آخر لا يترتب عليها أثر
قطعا.

(1) بدل ما بين القوسين في " ه‍ ": والأحكام الإنشائية.
159

والمراد من قصد الإنشاء: قصد إنشاء الأثر المطلوب، فترتب الأثر على تلك
العقود والإيقاعات موقوف على قصد إنشاء الأثر منها، ولا بد في ترتب الأثر من
قصد إنشاء الأثر الذي رتبه الشارع عليها.
فلو قصد إنشاء أثر آخر - كنقل الملك من عقد النكاح أو الطلاق - منه، لا يثمر
ثمرا بالأصل المتقدم والإجماع، فقصد إنشاء الأثر المترتب عليه شرعا مما لا بد منه
في ترتب الأثر.
مضافا إلى قصد مورد الأثر: من الزوجة المعينة والزوج المعين في النكاح، والمشتري والبائع، والثمن والمثمن في البيع، وهكذا.
ثم إن كل أثر يترتب على عقد أو إيقاع يتصور له أنواع مختلفة، وشؤون
متشتتة، واعتبارات مختلفة، كما أن نقل الملك، الذي هو أثر البيع يكون لازما و
متزلزلا، منجزا ومعلقا على شرط، بلا عوض وبإزاء عوض، مطلقا ومقيدا
بمدة، نقل ملك شئ بلا انضمامه مع غيره ومع ضم نقل الغير أيضا، إلى غير
ذلك.
ثم لكل نوع وجوه، كما أن المتزلزل يكون من الطرفين، أو من طرف، و
بإزاء عوض، يكون بإزاء هذا العوض وهذا العوض، وهكذا. وكذا النكاح
يتصور فيه جميع هذه الأقسام وغيرها.
ولما كان الأصل عدم ترتب شئ من الآثار على عقد أو إيقاع إلا مع دليل،
فاللازم الاقتصار في أنواع الآثار ووجوهها على ما ثبت ترتبه شرعا، وما لم
يثبت، فيحكم بعدم ترتبه.
مثلا: لم يثبت جواز البيع المقيد بمدة معينة، فيحكم بعدم ترتب نقل الملك
إلى مدة خاصة على عقد البيع، فلو قصده يكون البيع باطلا، وكذا البيع
بلا عوض، أو النكاح الدائم بعوض، وكذا الأثر المعلق.
نعم: قد يكون الأثر المترتب عليه شرعا متعددا: نوعا وشأنا ووجها وفردا،
كما أن نقل الملك يكون متزلزلا وباتا، وبإزاء هذا العوض وبإزاء ذلك،
160

والمتزلزل من الطرفين ومن الطرف الواحد، ولازما في مدة مع تزلزله بعده، و
هكذا.
وكل هذه الوجوه اثار مترتبة على عقد البيع، أي على البدل.
وحينئذ لابد في ترتب أحد تلك الآثار عليه من قصده، فلو قصد واحدا
منها، يترتب عليه ذلك خاصة، ولا يترتب عليه غيره، لما عرفت من اقتضاء
الأصل والاجماع لزوم قصد كل أثر في ترتبه على العقد
وتظهر الفائدة: فيما إذا ظهر عدم تحقق بعض شرائط المقصود، فيبطل
العقد. وهذا هو مرادهم من قولهم: العقود تابعة للقصود. أي: يترتب على
العقود - من الآثار الممكن ترتبها عليها الصالحة لاستتباعها - ما هو المقصود
للمتعاقدين، دون غيره.
ثم لا يخفى: أن العقد الذي تترتب عليه أنواع أو أفراد من الآثار على التبادل
لا يخلو إما أن ينصرف مطلقه إلى بعض أنواعه خاصة عرفا أو شرعا، ولا يفهم
منه غيره إلا بضم ضميمة، أو لا ينصرف إلى بعض خاص
فالأول: كعقد البيع المنصرف حين خلوه عن شرط الخيار إلى اللازم، و
قوله: بعتك قفيزا من بر بدرهم، حيث ينصرف إلى القفيز والدرهم
المصطلحين 2.
والثاني: كقوله: أنكحت بنتي فاطمة ابنك محمدا، إذا كانت له بنتان
مسميتان بفاطمة، وله ابنان مسميان بمحمد.
فان كان الأول: فان ذكر العقد مطلقا وقصد ما ينصرف إليه، أو مقيدا و
قصد المقيد، فلا إشكال. وإن أطلق وقصد المقيد، أو قيد وقصد المطلق،
فيحصل الاشكال.

(1): في النسخ: للزوم.
(2): في (ب)، (ج)، (ح): المطلقين
161

كما إذا قال: بعتك قفيزا من بر بدرهم، وقصد قفيزا خاصا من بر خاص
بدرهم معين من غير اصطلاح على تسمية ذلك المعين بهذا الاسم، حتى يصير
من باب مهر السر والعلانية، أو قصد مع ذلك الخيار إلى مدة أيضا، والموافق
للأصل بطلان العقد، لعدم ثبوت ترتب الأثر المقصود على هذا اللفظ بضم
القصد. وإن ثبت في موضع بدليل صحته، فهو المخرج عن الأصل.
وإن كان الثاني: فان أطلق في العقد، وقصد أحد الفردين فهو، وإلا
فيبطل العقد أيضا، لعدم إمكان ترتب الاثرين، وبطلان الترجيح بلا مرجح.
ثم اعلم: أن المعتبر - كما عرفت - وان كان هو القصد، ويتعذر الاطلاع
العلمي عليه غالبا، إلا أن الشارع أقام الألفاظ الظاهرة فيه الدالة عليه بالظهور
قائمة مقام العلم، بالاجماع القطعي، بل الضرورة الدينية.
وعلى هذا: وإن كان الأصل عدم ترتب الأثر إلا مع العلم بقصد ذلك
الأثر، الا أنه يكتفى بما هو ظاهر فيه من الألفاظ اجماعا قطعيا.
فإذا قال: بعتك هذا بدرهم، وادعى قصد نقل الملك في مدة خاصة إبطالا
للبيع، لم تسمع دعواه بمجردها وان كان الأصل عدم الانتقال، الا أن تكون هناك
قرينة حالية أو مقالية مصدقة لدعواه، فيبطل البيع، لعدم الاجماع على الحكم
بالصحة وقصد الصحيح حينئذ.
وذلك كما إذا قال: بعتك هذا بدرهم على أن تكريني دابتك هذه يوما،
فظهرت الدابة ملكا لغير المشترى فيحكم ببطلان البيع، لان هذا الكلام ظاهر
في أن الأثر المقصود من البيع هو نقل المبيع بالدرهم منضما مع الاكراء لا مطلقا،
ولا أقل من تساوى الاحتمالين، فان مثل هذا التركيب لم يعلم منه قصد البيع
بالدرهم منفردا.
وإلى هذا يشير كلام من قال: إن المعتبر من ذلك القصد هو ما اطلع عليه
المتعاقدان، ولا يكفي في ذلك قصد أحدهما من دون اطلاع الاخر.
فما يحتمل وجوها كثيرة، ولم يذكر في طي العقد وجه منها ولم يعين،
162

فحكمه حكم المطلق، فان كان المطلق منصرفا إلى وجه خاص، تعين، وإلا، فيبطل.
والمعتبر: هو الاطلاع على قصد ذلك من العقد. أي: قصد منه هذا النوع
من الانشاء، وألقى به لانشاء ذلك النوع. ولا يكفي في ذلك كون المطلوب
ذلك، أو كون هذا القصد باعثا وسببا للعقد من غير أن يكون التلقي بالعقد أيضا
لانشاء ذلك، بحيث يكون هذا أيضا من أثر العقد.
ومن هنا حصل الوهم لبعضهم في كثير من المقامات: كما إذا اتفقا على أن
يبيع أحدهما داره للآخر ويبيع الاخر بستانه للأول أيضا، فباع الأول وامتنع
الاخر بعد انقضاء خيار المجلس، أو باع الاخر أيضا، وظهر بستانه مستحقا للغير،
أو فسخ ثانيا بغبن ونحوه، حيث توهم أن هذا الاتفاق قرينة حالية على أن
المقصود هو بيع الدار بالمبلغ المعين وبيع البستان.
وفيه: أن ذلك لا يصلح قرينة لإرادة ذلك من قوله: بعتك داري بمائة، وإنما
هو قرينة على عقد القلب بذلك وتخميره في القلب، لا على أن المراد من:
بعتك داري بمائة ذلك، حتى يكون ذلك جزء من الثمن أيضا، ويقع بيع الدار
على المائة وبيع البستان، بل المقصود منه ليس إلا بيع الدار بمائة، والمخمر عنده
والمعقود قلبه على أنه أيضا يبيع بستانه، وهذا التخمير والعقد سبب لبيع الدار،
وتأثير ذلك التخمير في بطلان عقد بيع الدار، أو خيار الفسخ لا وجه له مع كون
الأصل في البيع: اللزوم، وعدم ثبوت اشتراط غير قصد انشاء الأثر المطلوب من
اللفظ وقد حصل.
وتوهم أنه قد يتضرر بائع الدار كثيرا، مدفوع: بأنه ضرر أقدم بنفسه عليه،
ووقع فيه بتقصيره في فقه الاحكام، حيث لم يفهم أنه لا يلزم على المشتري بيع
بستانه، وقد يبيع ويفسخ بخيار، أو يظهر مستحقا للغير، فكان يجب عليه علاج
ذلك أولا.
وقد أغمض الفقهاء عن مثل الضرر الواقع بتقصير المتضرر في فقه المسألة
163

في كثير من المواضع.
ومن هذا القبيل: ما إذا لم يعرف أحد المتعاقدين بعض الأحكام المترتبة على
العقد، وإلا لما رضي به، كما إذا رضيت المرأة بعقد التمتع، مع ظن أن لها قسمة
ونفقة، ولكنها لم تذكر ذلك، سيما إذا كان التمتع بشئ قليل في مدة طويلة.
فيستشكل: بأن العقود تابعة للقصود، وما قصدته هو تزوجها له حال كونها
مستحقة للنفقة وغيرها، ولم تقصد غير ذلك، فلا يصح العقد، لأنه غير
مقصود.
ودفعه: ما ذكرنا: من أنه لم يقصد ذلك من العقد، ولم ترد من قولها:
(زوجتك) أن أوجبت عليك النفقة، وإن أرادت ذلك، فالعقد باطل. وإنما قارن
قصد ايجاد التمتع اعتقادا غير مطابق للواقع.
وهذا مراد من دفع هذا الاشكال: بان الذي يفيده الدليل هو أن العقد إذا
أمكن حصوله على شؤون مختلفة - من الاطلاق والتقييدات المختلفة الحاصلة
بالشروط والخيارات وغيرها - فالعقد تابع للقصد، أعني: أن الماهية المطلقة
يحكم بحصولها في ضمن ما قصد من افرادها وأقسامها، لا أن كل ما يترتب
على العقود من الآثار والثمرات الخارجية، والاحكام اللاحقة لابد ان يعلمها و
يعتقدها ويقصدها في العقد، ومع اعتقاد خلافها وعدم القصد إليها لا يصح
العقد، وإلا فيلزم بطلان أكثر العقود.
فنقول بمثل ذلك في العقد الدائم، فان الغالب - سيما أهل الرساتيق 1 - أنهم
يعتقدون أن الزوجة يجب عليها خدمة الزوج بل التكسب، ولو علم أنه لا يستحق
ذلك لم يرض بتزويجها أبدا، وكذلك الزوجات.
بل وكذلك الامر في المعايب التي لا توجب الفسخ شرعا، إلى غير ذلك مما
يظهر لهما بعد العقد، بحيث لو كان ظهر له قبله لم يرض.

(1): الرساتيق: جمع رستاق، وهو السواد، والناحية التي هي طرف الإقليم وانظر الصحاح 4: 1481 و
المصباح المنير: 226 والمراد باهل الرساتيق: هم أهل القرى.
164

ولم يتأمل في شئ من ذلك أحد من العلماء، ولم يقل: إن العقد تابع
للقصد.
والحاصل: أن اعتقاد ترتب بعض الأحكام والآثار على شئ من الأسباب
الشرعية مما لم يرد من الشريعة، أو قصد بعض الأحكام لا من خصوص العقد،
أو اعتقاد أن أحد المتعاقدين أو غيره يفعل أمرا اخر ولم يفعله، لا يوجب خروج
أصل ذلك السبب من السببية، فان أصل السبب ثابت من الشرع، وذلك
الاعتقاد لا يوجب تغييرا في ماهية السبب وجعله شيئا اخر.
ثم لا يخفى: أن ما ذكروه من أن العقود تابعة للقصود إنما هو على سبيل
الأصل والقاعدة على ما عرفت، ويمكن أن يتخلف في بعض المواضع لدليل
خارجي، كأن يحكم الشارع: بصحة عقد مع فساد شرطه، فيقال: إن ذلك
خارج عن القاعدة بالدليل.
ويحكم بان سبب الأثر هو هذا العقد مع قصد الانشاء، وهو علامة لتحقق
هذا الأثر، ولا يشترط فيه قصد الأثر الخاص، فلا تغفل.
165

عائدة (17)
في بيان بعض مباحث المشتق
إذا كان لفظ مشتقا من مبدأ، ك‍ (اضرب) من الضرب، ولم يعلم أنه هل هو
موضوع لطلب الضرب مطلقا أو من المذكر، فهل يحمل على الاطلاق أو
يخص؟.
الحق: التوقف، لان المبدأ وإن كان عاما، إلا أن الهيئة موضوعة قطعا.
والموضوع له كما يحتمل ان يكون طلب الضرب عاما مطلقا، يحتمل ان يكون
طلب ضرب خاص، ونسبة الأصل إليهما على السواء، فيتوقف ويرجع في
الاحكام إلى ما هو مقتضى الأصل.
وكذا: إذا شك في أنه هل هو موضوع لطلب مطلق الضرب، أو نوع خاص
منه كالضرب بالسيف؟ لتحقق الماهية التي هي المعنى الحقيقي للمبدأ في ضمن
النوع الخاص أيضا، غاية الامر فهم الخصوصية من الهيئة الاشتقاقية.
نعم: إذا شك في أنه هل هو موضوع لطلب الضرب الحقيقي أو المجازي
كالقتل، فالظاهر إرادة الحقيقة بعد ثبوت الاشتقاق.
والتفصيل: أن ما يشتق من مبدأ يشتمل على المعنى المبدئي، وعلى أمر زائد
فيه، فالتشكيك إما في تغيير في ذلك المعنى المبدئي، أو في ذلك الشئ الزائد.
فالأول: كما إذا شك في أن معنى (اضرب) هل هو طلب الضرب، أو
167

القتل مجازا.
والثاني: كما إذا شك في أن معناه هل هو طلب الضرب المطلق من المذكر،
أو الأعم.
فان كان الأول: فمقتضى قضية الاشتقاق عدم التغيير، والا لم يكن مشتقا
من ذلك المبدأ، وهو خلاف المفروض.
وان كان الثاني: فلما لم يكن ذلك الامر الذي زيد في المشتق معلوما، ولم
يتحقق فيه أصل، فيجب فيه التوقف.
ومن هذا القبيل: لفظ (الميتة) حيث إنها اسم لذات ثبت لها الموت، فإذا
شك في أنها هل هو مطلق الحيوان الذي ثبت له الموت، أو غير الانسان كذلك،
يحكم بثبوت كل حكم علق عليها لغير الانسان، لكونه يقينيا، وينفى في
الانسان بالأصل.
ومنه: لفظ (القطعة) فإنها اسم لجزء قطع من الكل، فإذا شك في أنها هل
هي كل جزء قطع منه، أو جزء كبير منه يصدق عليه القطعة عرفا، يحكم بثبوت
الحكم المعلق عليها لما علم صدقها عليه.
168

عائدة (18)
في أن الأصل في القضية الحملية
الحمل الحقيقي
الحمل: إما حقيقي، أو مجازي.
والمراد بالحمل الحقيقي: الحكم باتحاد الموضوع والمحمول في الوجود
الخارجي حقيقة، سواء انحصر اتحاد المحمول فيه مع هذا الموضوع، نحو:
الانسان حيوان ناطق أو لم ينحصر، نحو: زيد انسان.
والمراد بالحمل المجازي: اتحادهما فيه مجازا، نحو: زيد أسد.
ثم القضية الحملية: حقيقة في الحمل الحقيقي، لأنه المتبادر ومنها (عند
الاطلاق)
وهل هو حقيقة في الحمل الانحصاري الذي هو حمل المساوي على
المساوي، أم لا، بل يشمل حمل الأعم على الأخص أيضا؟
الظاهر: هو الثاني، لعدم صحة السلب، فلا يصح أن يقال: زيد ليس
بانسان. هذا معنى الهيئة.
وأما الموضوع والمحمول: فمقتضى الأصل فيهما: إرادة المعنى الحقيقي من

(1): كذا، والمراد هو حمل المساوي على المساوي، أو اتحاد المساوي مع المساوي.
(2): ما بين القوسين أثبتناه من (ح).
169

كل منهما، فمعنى: زيد انسان، أن ما هو المعنى الحقيقي لزيد متحد في
الوجود الخارجي حقيقة مع ما هو المعنى الحقيقي للانسان.
وعلى هذا فيكون قولك: ضرب فعل، مجازا في
الموضوع، لإرادة
اللفظ منه، وهو غير معناه الحقيقي. وقولك: زيد أسد، مجازا في المحمول إذا
أريد من الأسد الرجل الشجاع، ومجازا في الهيئة إذا أريد منه الحيوان المفترس.
وكذا تكون القضية الحملية في بيان معاني اللغات مجازية الموضوع، لان المراد
من قولك: الصعيد هو التراب، أن لفظ الصعيد موضوع للتراب، فالمحمول هو
الموضوع المقدور، وأريد من الموضوع في الكلام لفظه، وهو ليس معنى حقيقيا له.
ولا يتوهم: أنه لو كان المعنى: أن المعنى الحقيقي للصعيد هو المعنى
الحقيقي للتراب، يكون المراد من كل من الموضوع والمحمول معناه الحقيقي، لان
معنى قولك: المعنى الحقيقي للصعيد، أن المعنى الحقيقي للفظه، فيوجب
تقدير المعنى الحقيقي في كل من الموضوع والمحمول، مع إرادة اللفظ الذي هو
أيضا مجاز من كل منهما.
إذا عرفت ذلك فاعلم: انه إذا وردت قضية حملية في كلام الشارع،
فمقتضى أصالة الحقيقة: أن يراد من كل من الموضوع المحمول والهيئة:
الحقيقة، الا إذا كان هناك دليل على التجوز في شئ منها، ويلزم من اتحادهما
حقيقة، ثبوت جميع احكام المحمول للموضوع إلا مع دليل التجوز.
فإذا صدرت من الشارع قضية حملية، فيتصور على وجوه:
الأول: أن يعلم أن المراد بالموضوع والمحمول معنياهما الحقيقيان، وأن المراد
بالحمل الحكم باتحادهما خارجا، وكون الموضوع عين المحمول، أو مساويا له،
نحو: الصلاة واجبة، حيث إن معناها: الحكم بكون الأركان المخصوصة مصداقا،
لذات ثبت لها الوجوب ومتحدة معها، والحكم حينئذ ظاهر، فيحكم بثبوت كل
حكم للواجب من حيث هو واجب للصلاة.
والثاني: أن يعلم أنه ليس المراد من الجميع الحقيقة، نحو: (الطواف بالبيت
170

صلاة) 1 حيث نعلم عدم اتحاد معنييهما حقيقة، بل المراد بالصلاة والطواف إما
حكمهما على سبيل التجوز، أو الحذف، أو المراد بالحمل الحمل المجازي. و
نحوه: (المذي نخامة) 2 وحينئذ فيتردد فيما هما يتحدان فيه، وهو الذي يعبرون
عنه ب‍ (الشركة المبهمة).
فان كان هناك مجاز شائع، فينصرف إليه، والا فقيل: بالانصراف إلى
الجميع، لعدم المرجح، وبطلان اللغو والاغراء 3.
وقيل: بالتوقف، لعدم دليل على التعيين 4. ولزوم الاغراء إنما يكون لو
أريد من هذا الكلام الافهام تفصيلا، وهو ممنوع، لجواز ان يريد منه نوع إجمال،
وكان التفصيل موكولا إلى غيره.
ومن هذا القبيل: جميع العمومات والمطلقات المخصصة والمقيدة بالقرائن
المنفصلة، والمجازات كذلك، ولولا جواز مثل ذلك الاجمال في الكلام، لبطل
أكثر العمومات والمطلقات والمجازات.
فان قلت: هذا إنما يتم فيما إذا كانت هناك قرينة - ولو منفصلة - على
التعيين أو الترجيح، وإلا لزم المحذور.
قلت: قلما يوجد مثل ذلك في كلام الشارع مما لم يعلم من الخارج اتحاد
الموضوع والمحمول في حكم من الأحكام الشرعية، فيكون هو دليلا وقرينة على
التعيين والترجيح، مع أن وجود المجمل في كلمات الشارع غير عزيز، وفى
القران محكم ومتشابه، وفي أخبارهم محكم كمحكم القران ومتشابه كمتشابهه،
فالمحذور انما يلزم لو علم أن الغرض من هذا الكلام افهام التفصيل، ومن أين يعلم
ذلك مع أن الإحاطة بمقاصد الكلام غير ممكنة، وقصد الاجمال ممكن؟!

(1): سنن الدارمي 2: 66 ح 1847 و 1848 ب 32 من كتاب المناسك باب الكلام في الطواف، عوالي
اللآلي 1: 214 / 70، وج 2: 167 / 3.
(2): الوارد: إنما هو بمنزلة النخامة - انظر الوسائل 1: 196 - 197 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 2، 3، 8.
(3) قوانين الأصول: 60.
(4) قوانين الأصول: 60.
171

والثالث: أن لا يعلم شئ منهما، وله أقسام: أحدها: أن يعلم للمحمول معنى، وعلم عدم صحة الحمل الحقيقي في
ذلك المعنى، وشك في أنه هل وضع الشارع هذا اللفظ لمعنى يصح حمله على
الموضوع ولذا حمله عليه، بل قد يحتمل أن يكون ذلك الحمل إخبارا عن
الوضع، أو أريد بالمحمول معنى مجازي يصح الحمل عليه، أو تجوز في الحمل،
نحو: الفقاع خمر، إذا علمنا أن الخمر في اللغة أو العرف مخصوص بما يؤخذ
من العنب.
والحكم حينئذ: التوقف كسابقه، وعدم إثبات حكم منه 1، الا مع شيوع
تجوز أو حكم ينصرف حينئذ إليه، لان كلا من الوضع والتجوز في المحمول أو
الحمل مخالف للأصل، لا يصار إليه إلا بدليل، ولا دليل على تعيين شئ منهما.
وأما كون ذلك إخبارا بالوضع: فمع كونه خلاف وظيفة الشارع كما قيل 2،
ومع احتياجه إلى التجوز، بأن يراد من الخمر لا لفظه، محتاج إلى التقدير، كما مر.
وثانيها: أن لا يعلم للمحمول معنى معينا، ولكن تردد بين معنيين
أو أكثر، يصح الحمل الحقيقي في أحدها دون غيره، نحو: الشهيد ميتة،
حيث لا يعلم أن الميتة هل هي موضوعة لمطلق ما خرج روحه، أو تختص بغير
الانسان، ولما كان الأصل في الاستعمال الحقيقة، فيجب أن يقال:
إن الحمل والمحمول هنا مستعملان في معنييهما الحقيقيين، ولازم ذلك:
كون معنى الميتة هو المطلق.
وثالثها: أن لا يعلم للمحمول معنى أصلا، ومقتضى الأصول حينئذ أن
يكون الموضوع عين المحمول الحقيقي، أو مصداقا له، فيحكم بثبوت كل حكم
ثبت للمحمول للموضوع.

(1): في (ه‍): فيه، بدل منه.
(2): مفاتيح الأصول: 64.
172

عائدة (19)
في بيان قاعدة نفي العسر والحرج والمشقة
قد شاع وذاع بين الفقهاء: استدلالهم بنفي الحرج، والعسر، والمشقة. و
تحقيق ذلك من الأمور المهمة، ولنحققه في أبحاث:
البحث الأول: في بيان الأدلة الدالة على نفي هذه الثلاثة، ونقل شطر من
الأخبار الواردة في المقام
فنقول: من الأدلة عليه: دليل العقل، وهو: قبح تحميل ما فيه هذه الأمور،
ولكنه مختص ببعض أفرادها، وهو ما كان متضمنا لتحميل 1 ما هو خارج عن
الوسع والطاقة، أعني: كان تكليفا بما لا يطاق، ولا يمكنه الاتيان به.
وأما ما سوى ذلك، فلا قبح فيه إذا كان بإزائه عوض وأجر، أو دفع مضرة و
نقصان، ولذا ترى العقلاء يحملون أولادهم وعبيدهم مشاق كثيرة،
فيحجمونهم، ويأمرونهم بشرب الأشربة الكريهة، بل قد يقطعون أعضاءهم.
ولو كان تحميل كل ما كان فيه مشقة قبيحا، لبطل كثير من التكاليف،
لاشتمالها على المشقة، بل إن معنى التكليف: هو حمل ما فيه كلفة ومشقة.

(1): في (ج): لتحصيل.
173

ومنها: الاجماع، وهو أيضا كالأول مخصوص بما لا يمكن تحمله، وأماما
أمكن ولو بالمشقة الشديدة، فلم يثبت اجماع على نفيه بعمومه، وإن وقع
الاجماع في بعض المواقع الخاصة.
ومنها: الآيات:
قال الله سبحانه: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) 1.
وقال تبارك وتعالى: (ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من
قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) 2 الآية.
وقال عز شأنه: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) 3.
وقال عز شأنه: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) 4.
وقال سبحانه: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) 5.
ومنها: الاخبار، وهي كثيرة جدا، وهنا نذكر شطرا منها ومما يناسب المقام:
الأول ما رواه في قرب الاسناد عن الصادق عليه السلام، عن أبيه (ع)، عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: (أعطى الله أمتي وفضلهم به على سائر الأمم،
أعطاهم ثلاث خصال لم يعطها إلا الأنبياء، وذلك أن الله تعالى كان إذا بعث
نبيا قال له: اجتهد في دينك ولا حرج عليك، وإن الله تعالى أعطى أمتي ذلك
حيث يقول: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) يقول: من ضيق) 6
الحديث.
الثاني: صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام - وهي طويلة - وفيها: (فلما
وضع الوضوء عمن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحا، لأنه قال:

(1) البقرة 2: 286
(2) البقرة 2: 286
(3) الحج 22: 78.
(4) المائدة 5: 6.
(5) البقرة 2: 185.
(6): قرب الاسناد: 84 / 277 بتفاوت.
174

(بوجوهكم) 1 ثم وصل بها: (وأيديكم) ثم قال (منه) أي من ذلك التيمم
لأنه علم أن ذلك لم يجز على الوجه، لأنه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف،
ولا يعلق ببعضها، ثم قال: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) والحرج:
الضيق). 2
الثالث: صحيحة الفضيل بن يسار، عن أبي عبد الله (ع) قال في الرجل
الجنب يغتسل فينضح من الماء في الاناء، فقال: (لا بأس (ما جعل عليكم في
الدين من حرج)) 3.
الرابع: صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن الجنب
يجعل الركوة أو التور 4، فيدخل إصبعه فيه، قال: (إن كانت يده قذرة فليهرقه،
وان كان لم يصبها قذر فليغتسل منه، هذا مما قال الله تعالى: (ما جعل عليكم
في الدين من حرج) 5.
الخامس: موثقة أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنا نسافر فربما بلينا
بالغدير من المطر يكون إلى جانب القرية، فتكون فيه العذرة، ويبول فيه الصبي،
وتبول فيه الدابة وتروث، فقال: (إن عرض في قلبك منه شئ فقل هكذا -
يعنى افرج الماء بيدك - ثم توضأ، فان الدين ليس بمضيق، فان الله عز وجل يقول:
(ما جعل عليكم في الدين من حرج) 6.

(1) أشار إلى قوله تعالى في سورة المائدة: (وان كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط
أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءا فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) المائدة
5: 43.
(2) الفقيه 1: 56 / 212، الكافي 3: 30 / 4، التهذيب 1: 61 / 168، الاستبصار 1: 62 / 186.
(3) الكافي 3: 13 / 7، التهذيب 1: 86 / 224، الوسائل 1: 153 أبواب ماء المضاف ب 9 ح 5.
(4) التور: إناء من صفر أو حجارة كالإجانة (النهاية لابن الأثير 1: 199).
(5) التهذيب 1: 37 / 100، الاستبصار 1: 20 / 46، الوسائل 1: 157 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 11.
(6) التهذيب 1: 417 / 1316، الاستبصار 1: 22 / 55، وفيه وفي (ج) فافعل، مكان: فقل، الوسائل
1: 120 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 4.
175

السادس: رواية عبد الاعلى مولى آل سام قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
عثرت فانقطع ظفري، فجعلت على إصبعي مرارة، فكيف أصنع بالوضوء؟
فقال: (يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله، قال الله تعالى: (ما جعل عليكم في
الدين من حرج) فامسح عليه) 1
السابع: حسنة محمد بن الميسر، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
الجنب ينتهى إلى الماء القليل في الطريق ويريد أن يغتسل منه، وليس معه إناء
يغرف به ويداه قذرتان، قال: (يضع يده ويتوضأ، ثم يغتسل، هذا مما قال الله
تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) 2
الثامن: صحيحة البزنطي، قال مسألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة
قراء، لا يدري أذكية هي أم غير ذكية، أيصلي فيها؟ قال: (نعم، ليس عليكم
المسألة، إن أبا جعفر عليه السلام كان يقول: إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم،
وإن الدين أوسع من ذلك) 3
التاسع: رواية المعلى بن خنيس، عن أبي عبد الله عليه السلام، أنه قال: (إنا والله
لا ندخلكم الا فيما يسعكم) 4
العاشر: رواية حمزة بن الطيار، عن أبي عبد الله عليه السلام - والحديث طويل - و
فيها بعد ذكر قضاء الصلاة إذا نام عنها، والصيام للمريض بعد الصحة، قال: (و
كذلك إذا نظرت في جميع الأشياء، لم تجد أحدا في ضيق) إلى أن قال: (وما
أمروا إلا بدون سعتهم، وكل شئ امر الناس به فهم يسعون له، وكل شئ

1 الكافي 3: 33 / 4، التهذيب 1: 363 / 1097، الاستبصار 1: 77 / 240، الوسائل 1: 327
أبواب الوضوء ب 39 ح 5
2 الكافي 3: 4 / 2، التهذيب 1: 149 / 425، وفي الاستبصار 1: 128 / 436، عن محمد بن عيسى،
الوسائل 1: 113 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 5.
(3) التهذيب 2: 368 / 1529، وأورده بسند اخر عن سليمان بن جعفر الجعفري في الفقيه 1:
167 / 787، الوسائل 2: 1071 أبواب النجاسات ب 50 ح 3.
4 الكافي 1: 67 / 9، الوسائل 18: 78 أبواب صفات القاضي ب 9 ح 8.
176

لا يسعون له فهو موضوع عنهم) 1
الحادي عشر: صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (ع)، قال: (الله
أكرم من أن يكلف الناس ما لا يطيقون) 2
الثاني عشر: رواية حمزة بن حمران، عن أبي عبد الله عليه السلام وفيها، قلت:
أصلحك الله، إني أقول: ان الله تبارك وتعالى لم يكلف العباد ما لا يستطيعون،
ولم يكلفهم الا ما يطيقون، إلى أن قال: قال: (هذا دين الله الذي أنا عليه و
آبائي) 3
الثالث عشر: ما رواه في قرب الاسناد باسناده إلى الصادق عليه السلام، عن أبيه،
عن آبائه عليهم السلام، قال: (لا غلظ على مسلم في شئ) 4
الرابع عشر: المروي في الكافي وتوحيد الصدوق، والخصال، وغيرها
بطرق متعددة، مع قليل تفاوت في الألفاظ أنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (رفع عن
أمتي تسعة: الخطأ، والنسيان، وما أكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما
لا يطيقون، وما اضطروا إليه) 5
الخامس عشر: ما رواه في العقائد، عن الصادق (ع)، أنه قال: (والله ما
كلف العباد إلا دون ما يطيقون) 6 الحديث.
والروايات بهذا المضمون كثيرة جدا، وكذلك الروايات التي استشهد فيها
الامام بنفي الحرج.
السادس عشر: ما رواه العياشي في تفسيره، عن أحدهما عليهما السلام،

(1) الكافي 1: 164 / 4، التوحيد: 413 / 10، الوسائل 5: 349 أبواب قضاء الصلوات ب 1 ح 6.
2 الكافي 1: 160 / 14، المحاسن: 296 / 464.
(3) الكافي 1: 162 / 4، وفي المحاسن: 296 / 466، بتفاوت.
(4) قرب الاسناد: 63 / 3
(5) الكافي 2: 463 / 2، الخصال 2: 417 / 9، توحيد الصدوق: 353 / 24، الوسائل 4: 1284 أبواب
قواطع الصلاة ب 37 ح 2.
(6) الخصال 2: 531 / 9، الوسائل 1: 15 أبواب مقدمة العبادات ب 1 ح 27.
177

في آخر البقرة، قال: (لما دعوا أجيبوا) ويشير به إلى قوله: (ربنا ولا تحمل علينا
إصرا) 1 - 2 إلى اخره.
السابع عشر: ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره، عن الصادق عليه السلام، في
تفسير قوله سبحانه: (ربنا لا تؤاخذنا) الآية: (إن هذه الآية مشافهة الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم
لما أسرى به إلى السماء، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: انتهيت إلى سدرة المنتهى) إلى أن قال:
(فناداني ربي تبارك وتعالى: آمن الرسول بما انزل إليه من ربه، 3 فقلت أنا مجيبه
عني وعن أمتي: والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله) 4
إلى أن قال: (فقلت: ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا، فقال الله: لا أؤاخذك،
فقلت ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا، فقال الله: لا
أحملك. فقلت: ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) إلى أن قال: (فقال الله تبارك و
تعالى: قد أعطيتك، ذلك لك ولأمتك)
فقال الصادق عليه السلام: (ما وفد إلى الله تبارك وتعالى أحد أكرم من رسول
الله (ص) حين سأل لامته هذه الخصال) 5
وروى العياشي ما في معناه في حديث بدون قوله: فقال الصادق عليه السلام إلى
اخر الحديث 6.
الثامن عشر: ما رواه الطبرسي في الاحتجاج عن الكاظم (ع)، عن آبائه، عن
أمير المؤمنين عليهم السلام: في حديث يذكر فيه مناقب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال:
إنه أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى مسيرة شهر، وعرج به في
ملكوت السماوات مسيرة خمسين الف عام، في أقل من ثلث ليلة، حتى انتهى

(1) - البقرة 2: 286.
(2) تفسير العياشي 1: 160 / 533.
(3) البقرة 2: 286.
(4) البقرة 2: 286.
(5) تفسير القمي 1: 95.
(6) تفسير العياشي 1: 159 / 531
178

إلى ساق العرش) إلى أن قال: (قال سبحانه: لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما
كسبت من خير، وعليها ما اكتسبت من شر.
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما سمع ذلك: أما إذا فعلت ذلك بي وبأمتي فزدني، قال:
سل، قال: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا. قال الله عزو جل: لست أؤاخذ
أمتك بالنسيان والخطأ، لكرامتك علي، وكانت الأمة السالفة إذا نسوا ما ذكروا
به فتحت عليهم أبواب العذاب، وقد رفعت ذلك عن أمتك، وكانت الأمم
السالفة إذا أخطأوا اخذوا بالخطأ وعوقبوا عليه، وقد رفعت ذلك عن أمتك،
لكرامتك علي.
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم إذا أعطيتني ذلك فزدني، فقال الله تعالى:
سل، قال: ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا، يعني بالإصر:
الشدائد التي كانت على من كان قبلنا.
فاجابه الله إلى ذلك، فقال تبارك اسمه: قد رفعت عن أمتك الآصار التي
كانت على الأمم السالفة، كنت لا أقبل صلاتهم إلا في بقاع من الأرض معلومة
اخترتها لهم وإن بعدت، وقد جعلت الأرض كلها لأمتك مسجدا وطهورا،
فهذه من الآصار التي كانت على الأمم قبلك فرفعتها عن أمتك.
وكانت الأمم السالفة إذا أصابهم أذى من نجاسة قرضوه من أجسادهم، وقد
جعلت الماء لأمتك طهورا، فهذه من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن
أمتك.
وكانت الأمم السالفة تحمل قرابينها على أعناقها إلى البيت المقدس، فمن
قبلت ذلك منه أرسلت إليه نارا فأكلته فرجع مسرورا، ومن لم أقبل ذلك منه
رجع مبتورا. وقد جعلت قربان أمتك في بطون فقرائها ومساكينها، فمن قبلت
ذلك منه أضعفت له أضعافا مضاعفة، ومن لم أقبل ذلك منه رفعت منه عقوبات
الدنيا، وقد رفعت ذلك عن أمتك، وهي من الآصار التي كانت على الأمم
السالفة قبلك.
179

وكانت الأمم السالفة صلاتها مفروضة عليها في ظلم الليل وأنصاف النهار،
وهي من الشدائد التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك، وفرضت عليهم
صلاتهم في أطراف الليل والنهار وفي أوقات نشاطهم.
وكانت الأمم السالفة قد فرضت عليهم خمسين صلاة في خمسين وقتا، و
هي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك وجعلتها خمسا في خمسة
أوقات، وهي إحدى وخمسون ركعة، وجعلت لهم أجر خمسين صلاة.
وكانت الأمم السالفة حسنتهم بحسنة وسيئتهم بسيئة، وهي من الآصار
التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك، وجعلت الحسنة بعشر، والسيئة بواحدة.
وكانت الأمم السالفة إذا نوى أحدهم حسنة ثم لم يعملها لم تكتب له، وان
عملها كتبت له حسنة، وان أمتك إذا هم أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت له
حسنة، وان عملها كتبت له عشرا، وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها
عن أمتك.
وكانت الأمم السالفة إذا هم أحدهم بسيئة ثم لم يعملها لم تكتب عليه، وإن
عملها كتبت عليه سيئة، وأن أمتك إذا هم أحدهم بسيئة ثم لم يعملها كتبت له
حسنة، وهذه من الآصار التي كانت عليهم، فرفعت ذلك عن أمتك.
وكانت الأمم السالفة إذا أذنبوا كتبت ذنوبهم على أبوابهم، وجعلت توبتهم
من الذنوب أن حرمت عليهم بعد التوبة أحب الطعام إليهم، وقد رفعت ذلك
عن أمتك، وجعلت ذنوبهم فيما بيني وبينهم وجعلت عليهم ستورا كثيفة،
وقبلت توبتهم بلا عقوبة، ولا أعاقبهم بان أحرم عليهم أحب الطعام إليهم.
وكانت الأمم السالفة يتوب أحدهم من الذنب الواحد مائة سنة أو ثمانين سنة
أو خمسين سنة، ثم لا أقبل توبته، دون أن أعاقبه في الدنيا بعقوبة، وهي من
الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك، وأن الرجل من أمتك ليذنب
عشرين سنة أو ثلاثين سنة أو أربعين سنة أو مائة ثم يتوب ويندم طرفة عين، فاغفر له ذلك كله.
180

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم إذا أعطيتني ذلك كله فزدني، قال: سل، قال: ربنا
ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به.
قال تبارك اسمه: قد فعلت ذلك بك وبأمتك، وقد رفعت عنهم عظيم بلايا
الأمم، وذلك حكمي في جميع الأمم أن لا أكلف خلقا فوق طاقتهم) 1 الحديث،
إلى غير ذلك من الاخبار.
ويؤكد ذلك المعنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (بعثت بالحنيفية السهلة السمحة) 2.
البحث الثاني: قد ورد في تلك الآيات والاخبار ألفاظ: الطاقة، والسعة،
والضيق، والاستطاعة، والإصر، والحرج، والعسر.
فالطاقة: هي بمعنى القدرة والقوة.
قال الجوهري: وهو في طوقي، أي وسعي، وطوقني الله أداء حقك، أي
قواني 3
وفي القاموس: طوقني الله أداء حقه، قواني عليه 4
وفي النهاية لابن الأثير: وددت أني طوقت ذلك، أي: ليته جعل داخلا في
طاقتي وقدرتي. وقال أيضا: كل امرئ مجاهد بطوقه، أي أقصى غايته، وهو
اسم لمقدار ما يمكن أن يفعل بمشقة منه 5.
وفي مجمع البحرين: وقد أطقت بالشئ إطاقة: قدرت عليه، ومنه إن
أمتك لا تطيق، أي لا تقدر عليه 6
والسعة: تطلق على معنيين:

(1) - الاحتجاج 1: 327.
(2) الكافي 5: 494 / 1، مسند أحمد بن حنبل 5: 266، والجامع الصغير 1: 189.
(3) الصحاح 4: 1519
(4) القاموس المحيط 3: 269
(5) النهاية لابن الأثير 3: 144
(6) مجمع البحرين 5: 209
181

أحدهما: الجدة والطاقة: والثاني: خلاف الضيق.
قال الجوهري: الوسع والسعة: الجدة والطاقة. وقال أيضا: والتوسيع:
خلاف التضييق 1
وفي القاموس: وما أسع ذلك: ما أطيقه، والواسع: ضد الضيق،
كالوسيع 2.
وفي المجمع: السعة بالتحريك: الجدة والطاقة، والسعة: عدم الضيق.
والتوسيع: خلاف التضييق 3
ومن ذلك علم معنى الضيق أيضا، وفسر بالمشقة أيضا في قولهم: وضاق
بالامر ذرعا أي: شق عليه 4
والاستطاعة أيضا بمعنى: الطاقة والقدرة.
ففي الصحاح: الاستطاعة: الإطاقة 5
وفي النهاية الأثيرية: الاستطاعة: القدرة على الشئ 6
وفي المجمع: من استطاع إليه سبيلا أي قدر على ذلك، و (لن تستطيع معي
صبرا) أي لن تقدر على ما أفعل 7
وأما الإصر:
ففي الصحاح: أصره: حبسه، وأصرت الشئ أصرا: كسرته. إلى أن
قال: والإصر: العهد، والإصر: الذنب والثقل 8.

(1) - الصحاح 3: 1298.
(2) القاموس المحيط 3: 97.
(3) مجمع البحرين 4: 404.
(4) مجمع البحرين 5: 203.
(5) الصحاح 3: 1255
(6) النهاية لابن الأثير 3: 142.
(7) مجمع البحرين 4: 371.
(8) الصحاح 2: 579.
182

في القاموس: الإصر: الكسر، والعطف، والحبس، وبالكسر: العهد
والذنب 1.
وفي النهاية: الإصر: الاثم والعقوبة، وأصله من الضيق والحبس، يقال:
أصره يا صره إذا حبسه وضيق عليه 2.
وفي مجمع البحرين: (ولا تحمل علينا إصرا) أي ذنبا يشق
علينا. وقيل: عهدا نعجز عن القيام به، وقيل: أصل الإصر: الذنب
الضيق والحبس. يقال: أصره يأصره: إذا ضيق عليه وحبسه، و
يقال: للثقل إصرا 3.
وفسره في حديث الاحتجاج: بالشدائد كما مر 4.
والحرج: الضيق.
في الصحاح: مكان حرج، أي ضيق. وفسره بالإثم أيضا 5 وقريب منه
في القاموس 6
وفى النهاية: الحرج في الأصل: الضيق، ويقع على الاثم والحرام. و
قيل: الحرج أضيق الضيق 7
وفي المجمع: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) أي: ما ضيق، بأن
يكلفكم ما لا طاقة لكم به، وما تعجزون عنه 8
وفي كلام الشيخ علي بن إبراهيم: الحرج: الذي لا مدخل له، والضيق: ما

(1) القاموس المحيط 1: 378
(2) النهاية لابن الأثير 1: 52
(3) مجمع البحرين 3: 207
(4) المتقدمة ص 181
(5) الصحاح 1: 305
(6) القاموس المحيط 1: 189.
(7) النهاية لابن الأثير 1: 361.
(8) مجمع البحرين 2: 288.
183

يكون له مدخل 1. وقد فسر في الأحاديث المتقدمة 2 بالضيق أيضا.
والعسر: واضح المعنى، وهو نقيض اليسر.
قال في النهاية: العسر: ضد اليسر، وهو الضيق والشدة والصعوبة 3.
وفي المجمع: عسر، أي صعب شديد، وأعسر الرجل: أضاق 4.
ثم ظهر مما ذكر: أن الاستطاعة والطاقة بمعنى واحد، هو القدرة. والسعة
أيضا إما راجعة إليهما، أو إلى عدم الضيق، وان الحرج أيضا: هو الضيق.
والعسر يحتمل أن يكون مع الضيق بمعنى واحد، بان يكون معنى العسر: ما
فيه صعوبة شديدة، وأصله حد الضيق، أو يكون معنى الضيق: ما فيه صعوبة
مطلقا.
وأن يكون أعم منه، بان يصدق على كل صعب وشديد، ولا يصدق الضيق
إلا على ما كان في غاية الصعوبة والشدة
والظاهر من العرف هو الأخير، فان أهل العرف يطلقون العسر على كل
شديد صعب، ولا يطلقون الضيق عليه، ولم يثبت من اللغة خلاف ذلك
أيضا.
وأما الإصر: فهو أيضا كما عرفت لا يخرج عن العسر والضيق، بل إما بمعنى
الأول، أو الثاني، أو بمعنى بعض مراتب أحدهما.
وكيف كان فاللازم مما ذكر: أن الثابت من الآيات والاخبار انتفاء التكليف
بأمور ثلاثة: مالا يطاق، وما فيه الضيق، وما فيه العسر.
وأما ما في الخامس عشر: من نفي التكليف بقدر الطاقة أيضا، بل لابد وأن
يكون أدون منه، فهو ليس نفي أمر وراء الضيق والعسر، لصدقهما على ما

(1) تفسير القمي 1: 216
(2) المتقدمة ص 174.
(3) النهاية لابن الأثير 3: 235
(4) مجمع البحرين 3: 402.
184

يساوي القدرة والطاقة، مع أن الرواية في نفسها ضعيفة غير صالحة لاثبات أصل
بدون مساعدة غيرها إياها. وكذا الرواية الثالثة عشر.
البحث الثالث اعلم أن مراتب التكاليف المتصورة عقلا أربعة:
ما دون العسر، ويطلق عليه السعة، والسهولة، واليسر.
والعسر الغير البالغ حد الضيق
والضيق الغير البالغ حد ما لا يطاق، وهو الحرج
وما لا يطاق، وقد يطلق الحرج على ما يعم ذلك أيضا.
وأما ما يستفاد من كلام الشيخ الحر في الفصول المهمة: من أن جميع
التكاليف فيها العسر، بل الحرج 1، فليس كذلك، لان المرجع في تحقق مصاديق
تلك الألفاظ إنما هو العرف، فالعسر: هو ما يعد في العرف شاقا صعبا، ويقال: إنه يشق تحمله، أو يصعب على فاعله.
ومما لا شك فيه، ولا شبهة تعتريه: أنه إذا كان لمولى عبد هيأ له معاشه و
يرزقه ويحسن إليه، إذا أمره باشتراء يسير من اللحم والخبز لعيال المولى كل يوم
من السوق، لا يقال: إنه صعب عليه، أو حمله أمرا عسرا أو شاقا، بل وكذا لو
ضم معه كنس بيته، وسقي دابته وعلفها، بل ولو ضم مع الجميع بسط فراشه،
وطيه، وإغلاق بابه، وفتحه، ونحو ذلك، بل لابد في تحقق العسر من كون
الخدمة مما تشق عرفا، ويصعب عليه تحمله.
وأمثال ذلك في التكاليف الشرعية خارجة عن حد الاحصاء، فان رد السلام
تكليف مع عدم كونه صعبا، بل وكذا الوضوء وركعات من الصلاة، سيما مع
عدم مزاحمته لشغل مهم، وعدم كونه في برد شديد، وكذا الصوم، سيما في
الأيام الباردة القصيرة.

(1) الفصول المهمة: 249
185

ومما يدل على ذلك: قوله سبحانه: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر
فعدة من أيام أخر، يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) 1 فان التعليل دل
على أن الصوم مع المرض وفي السفر عسر، وأنه في أيام اخر خالية عن المرض
والسفر يسر.
ثم إن المرتبة الثانية - وهو العسر كما أشرنا إليه - أعم مطلقا من الضيق، فان
كل ضيق عسر، ولا عكس، فان من حمل عبده بشرب دواء كريه في يوم مثلا
يقال: أنه يعسر عليه، ولا يقال: انه في ضيق، أو ضيق عليه مولاه.
وكذا من يكوم منتهى طاقته حمل مائة رطل، إذا امر بحمل تسعين مثلا، و
نقله إلى فرسخ يقال: إنه يعسر عليه، ولكن لا يقال: إنه في الضيق. نعم لو امر
بحمله ونقله كل يوم، يقال: إنه ضيق عليه.
وكذا يصح أن يقال: إن التوضؤ بالماء البارد في اليوم الشديد البرد مما يعسر،
ولكن لا يقال: إن المكلف في ضيق من ذلك.
والنسبة بين هذه المرتبة والمرتبة الرابعة التباين، إذ لا يطلق العسر إلا على ما
يمكن فعله، فما لا يمكن لا يقال: إنه يعسر.
والمرتبة الثالثة أعم مطلقا من الرابعة، إذ كل ما لا يقدر عليه ضيق، و
لا عكس
ثم إنه لا كلام لنا في هذا المقام في المرتبتين: الأولى والأخيرة، فان الأولى مما
ريب في جواز التكليف بها وتحققه، ولا شئ هنا يعارض جوازه.
كما أن التكليف بالأخيرة منتف عندنا عقلا وشرعا، بل انتفاؤه يعم الشرائع
كلها، وليس انتفاؤه من باب الأصل، حتى يجوز الخروج عنه بدليل، بل تحققه
مطلقا غير جائز.
وإنما الكلام في المرتبتين: الثانية والثالثة.

(1) البقرة 2: 185.
186

البحث الرابع: قد عرفت أنه تكاثرت الآيات، واستفاضت الاخبار على
نفي العسر والحرج - أعني الضيق - في الدين والتكاليف، ومقتضى تلك
الظواهر: انتفاؤهما رأسا، ولولا غير هذه الظواهر، لم يكن هناك كلام وبحث،
بل كان اللازم العمل بعموماتها، ويرجع في تعيين معنى العسر والضيق إلى
العرف، فيحكم بانتفاء كل ما يعد في العرف عسرا وضيقا.
ولكن هناك أمران أوجبا الاشكال في المقام:
أحدهما: أن نفيهما بعنوان العموم كيف يجتمع مع ما يشاهد من التكاليف
الشاقة والاحكام الصعبة التي لا يشك العرف في كونها عسرا أو صعبة 1، بل
حرجا وضيقا؟! كالتكليف بالصيام في الأيام الحارة الطويلة، وبالحج، والجهاد،
ومقارعة السيف والسنان، والامر بالقرار في مقابلة الشجعان، والنهي عن
الفرار من الميدان، وعدم المبالاة بلوم اللوام في اجراء الاحكام، والتوضؤ بالمياه
الباردة في ليالي الشتاء، سيما في الاسفار.
وأشد منها الجهاد الأكبر مع أحزاب الشيطان، والمهاجرة عن الأوطان
لتحصيل ما وجب من مسائل الحلال والحرام، وترك الرسوم والعادات المتداولة
بين الأنام، المخالفة لما يرضى به الملك العلام، إلى غير ذلك.
وثانيهما: أنا نرى الشارع ولم يرض لنا في بعض التكاليف بأدنى مشقة، كما
يشاهد في أبواب التيمم وغيره، ويلاحظ في الأخبار الواردة عن الأئمة عليهم
السلام - التي ذكرنا بعضها - من نفيهم بعض المشاق الجزئية، مستدلين بنفي
العسر والحرج، وكذا في كلام الفقهاء.
ونرى مع ذلك: عدم سقوط التكليف في كثير منها بأكثر وأشد من ذلك.
ولم أعثر على من تعرض لذلك المقال اجمالا أو تفصيلا، إلا طائفة من

(1) في (ج) وصعبا.
187

المتأخرين، فإنه قد يوجد في كلماتهم تعرض ما لهذا المضمار.
فمنها: ما ذكره شيخنا الحر في كتابه المسمى بالفصول المهمة، قال بعد نقل
طائفة من الاخبار النافية للحرج: أقول: نفي الحرج مجمل لا يمكن الجزم به فيما
عدا التكليف بما لا يطاق، والا لزم رفع جميع التكاليف 1. انتهى.
وذلك مبني على تحقق العسر والحرج في جميع التكاليف، وقد عرفت
فساده. وإجمال نفي الحرج يقتضي رفع اليد عنه في أبواب الفقه، وهو خلاف
سيرة الفقهاء وطريقتهم، بل الكل يتمسكون به في موارد كثيرة، كما لا يخفى
على المتتبع
ومنها: ما ذكره بعض سادة مشايخنا - طاب ثراه - في فوائده، قال - قدس
سره - بعد بيان نفي الحرج: وأما ما ورد في هذه الشريعة من التكاليف الشديدة -
كالحج، والجهاد، والزكاة بالنسبة إلى بعض الناس، والدية على العاقلة، و
نحوها، فليس شئ منها من الحرج، فان العادة قاضية بوقوع مثلها، والناس
يرتكبون مثل ذلك من دون تكليف ومن دون عوض، كالمحارب للحمية، أو
بعوض يسير، كما إذا أعطي على ذلك اجرة، فانا نرى أن كثيرا يفعلون ذلك
بشئ يسير.
وبالجملة: فما جرت العادة بالاتيان بمثله والمسامحة وإن كان عظيما في
نفسه، كبذل النفس والمال، فليس ذلك من الحرج في شئ.
نعم تعذيب 2 النفس، وتحريم المباحات، والمنع عن جميع المشتبهات، أو
نوع منها على الدوام حرج وضيق، ومثله منتف في الشرع. 3 انتهى.
أقول: هذا في طرف النقيض من الأول، وكما كان الأول إفراطا، فهذا
تفريط، فإنه لو سلم انتفاء الحرج عن بعض التكاليف، حيث إنه يعتبر فيه عسر و

(1) الفصول المهمة: 249.
(2) في (ه‍)، (ب): تعذيب.
(3) فوائد الأصول: 118 فائدة 36.
188

دوام - كما يشير إليه قوله: على الدوام - فلا شك في وجود أمور تشق على الناس
وتعسر عليهم، والعسر أيضا منفي كما عرفت.
بل فيها ما يعد ضيقا عرفا، وهو المراد من الحرج، كما عرفت، فان رفع
الأخلاق المذمومة، والمجاهدة مع النفس - سيما بالنسبة إلى بعض الاشخاص - مما
لا يخلو من ضيق وحرج.
ومن لاحظ كلمات الفقهاء، بل الاخبار المستدل فيها بنفي الحرج، يرى
أنهم نفوا أمور النفي الحرج هي أسهل بكثير من كثير من التكاليف الثابتة.
وأما ما ذكره من ارتكاب الناس لمثلها من دون عوض أو بعوض يسير، فهو
غير مسلم في مثل الحج، والخمس، والجهاد، والصيام في الأيام الحارة، و
نحوها.
وأما المحاربة للحمية: فهي لا تدل على عدم عسرها وصعوبتها، بل قد
يرتكب للحمية أمور واضحة المشقة، ظاهرة الشدة، وجريان العادة بالاتيان
بأمثال ذلك إنما هو ليس مجانا، أو بعوض يسير، كما لا يخفى.
ومنها: ما ذكره بعض الفضلاء المعاصرين - وقد مر ذكره في عائدة نفي
الضرر - قال - سلمه الله تعالى - بعد ذكر الاشكالين: والذي يقتضيه النظر بعد
القطع بأن التكاليف الشاقة والمضار الكثيرة واردة في الشريعة: أن المراد بنفي
العسر والحرج والضرر: نفي ما هو زائد على ما هو لازم لطبائع التكليفات الثابتة
بالنسبة إلى طاقة أوساط الناس المبرئين عن المرض، والقدر الذي هو معيار
التكاليف، بل هي منفية من الأصل الا فيما يثبت، وبقدر ما ثبت.
والحاصل أنا نقول: إن المراد أن الله سبحانه لا يريد بعباده العسر والحرج و
الضرر، إلا من جهة التكاليف الثابتة بحسب أحوال متعارف الأوساط، وهم
الأغلبون، فالباقي منفي، سواء لم يثبت أصله أصلا أو ثبت ولكن على نهج
لا يستلزم هذه الزيادة.
ثم إن ذلك النفي إما من جهة تنصيص الشارع، كما في كثير من أبواب الفقه
189

من العبادات وغيرها، كالقصر في السفر، والخوف في الصلاة، والافطار في
الصوم، ونحو ذلك، وإما من جهة التعميم، كجواز العمل بالاجتهاد لغير
المقصر في الجزئيات، كالوقت والقبلة ونحوهما، أو الكليات، كالأحكام
الشرعية للعلماء 1. انتهى.
أقول: قد مر في العائدة المذكورة 2 ما تظهر به حقيقة الحال في هذا المقال.
والحاصل: أن المستفاد مما ذكره أن قاعدة نفي العسر والحرج من باب أصل
البراءة دون الدليل أو يكون مقيدا بغير التكاليف الثابتة، ويكون موضع العسر
والحرج المنفيين: ما هو زائد عن أصل طبائع التكاليف، وتكون قاعدة نفي العسر
والحرج من قبيل: كل شئ مطلق حتى يرد فيه أمر أو نهي، ونحوه.
فكل تكليف ثبت بالخصوص أو العموم أو التقييد أو الاطلاق، يكون خارجا
عنه. فكل ما كان عليه دليل عام أو خاص، لا تعارضه قاعدة نفي الضرر
وهذا مناف لطريقة الفقهاء في استدلالاتهم بقاعدة نفي العسر وا لحرج، بل
منهم من صرح: أن قاعدة نفي الحرج ليست من باب الأصل الذي جاز الخروج
عنه بدليل، كسائر العمومات، بل لا يعارضها دليل أصلا، كما يأتي 3.
نعم: لو كان مراده أنه بعد ملاحظة عمومات التكاليف وخصوصاتها، و
ملاحظة التعارض بينها وبين أدلة نفي العسر والحرج، وإعمال القواعد
الترجيحية، وإخراج ما ثبت ترجيحه من التكاليف الصعبة العسرة، تقيد أدلة
نفيهما بغير هذه المخرجات، لكان صحيحا كما سنذكره.
ومنها: أن العسر والحرج في الأمور إنما يختلف باختلاف العوارض
الخارجية، فقد يكون شئ عسرا وحرجا، يصير باعتبار أمر خارجي سهلا و
سعة.

(1) قوانين الأصول 2: 49
(2) البحث التاسع من قاعدة نفي الضرر.
(3) يأتي في البحث السادس ص 259 ويأتي كلام بعض من صرح بذلك.
190

ومن الأمور الموجبة لسهولة كل عسير، وسعة كل ضيق: مقابلته بالعوض
الكثير، والاجر الجزيل.
ولا شك أن كل ما كلف به الله سبحانه يقابله ما لا يحصى من الاجر (من
جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) 1
وعلى هذا: فلا يكون شئ من التكاليف عسرا أو حرجا.
وما لم يرض الله سبحانه فيه بأدنى مشقة، يكون من الأمور التي لا يقابلها
أجر، ولا يستحق فاعلها عوض وثواب.
وما كلف به من الأمور الشاقة ظاهرا، فقد ارتفعت مشقتها بما وعد لها من
الاجر الجميل والثواب الجزيل.
ولا يخفى أن اللازم من ذلك أيضا كسابقه: عدم معارضة قاعدة نفي العسر
والحرج بشئ من الأدلة، بل عدم ترتب فائدة في التمسك بها، إذ كل ما ثبت فيه
التكليف عموما أو خصوصا، فلا تكون القاعدة فيه جارية، وكذا كل ما كان
التكليف به مشكوكا فيه، وما لم يكن كذلك، فالتكليف فيه منفي من غير حاجة
إلى أمر اخر.
هذا، مضافا إلى أن انتفاء العسر والحرج من كل فعل باعتبار مقابلته بالعوض
الكثير في حيز المنع، فإنه لا شك أن أنفس الأعواض هي الحياة ولا ريب أن من
توقفت حياته على قطع عضو منه كالرجل أو اليد التي عرضتها الشقاقلوس 2،
يعد قطع عضوه عسرا وصعبا.
والتحقيق أن الأمور الصعبة على قسمين:
قسم ترد صعوبته ومشقته على القلب والخاطر من غير صعوبة
فيه على البدن والجسم، كالتضرر المالي مثلا، وهذا يرتفع صعوبته إذا

(1) الانعام 6: 160
(2) الشقاقلوس: كلمة يونانية، وتعني: موت وفساد عضو من أعضاء البدن
191

قابله أمر اخر أهم في القلب منه.
وقسم ترد صعوبته على البدن، كحمل الشئ الثقيل، وقطع العضو و
أمثال ذلك، وهذا لا ترتفع صعوبته وإن قابله من الاجر ما قابله.
نعم، لما كان للقلب أيضا صعوبة في تحمل الصعاب البدنية، فإذا قابله الأهم
منه، يسهل تحمل الصعوبة معه، أي ترتفع صعوبته القلبية، فلا يخرج من العسر
والحرج.
هذا ما عثرت عليه مما ذكروه في هذا المقام
والتحقيق: أنه لا حاجة إلى ارتكاب أمثال هذه التأويلات والتوجيهات، بل
الامر في قاعدة نفي العسر والحرج كما في سائر العمومات المخصصة الواردة في
الكتاب الكريم، والأخبار الواردة في الشرع القويم، فان أدلة نفي العسر والحرج
تدلان على انتفائهما كلية، لأنهما لفظان مطلقان واقعان موقع النفي، فيفيدان
العموم.
وقد ورد في الشرع: التكليف ببعض الأمور الشاقة والتكاليف الصعبة
أيضا، ولا يلزم من وروده إشكال في المقام، كما لا يرد بعد قوله سبحانه: (و
أحل لكم ما وراء ذلكم) 1 إشكال في تحريم كثير مما وراءه، ولابعد قوله: (قل لا
أجد فيما أوحي إلي محرما) 2 إلى اخره: تحريم أشياء كثيرة، بل يخصص بأدلة
تحريم غيره عموم ذلك. فكذا هاهنا، فان تخصيص العمومات بمخصصات كثيرة
ليس بعزيز، بل هو أمر في أدلة الاحكام شائع، وعليه استمرت طريقة الفقهاء.
فغاية الامر: كون أدلة نفي العسر والحرج عمومات يجب العمل
بها فيما لم يظهر لها مخصص، وبعد ظهوره يعمل بقاعدة التخصيص، فلا يرد

(1) النساء 4: 24.
(2) الانعام 6: 145
192

شئ من الاشكالين.
ولعل لذلك لم يتعرض الأكثر لذكر إشكال في ذلك، إذ لا إشكال في
تخصيص العمومات بالمخصصات.
ولا يلزم هناك تخصيص الأكثر أيضا 1، فان الأمور العسرة الصعبة غير
متناهية، والتكاليف الواردة في الشريعة محصورة متناهية، ومع ذلك أكثرها مما
ليس فيه صعوبة ولا مشقة كما بيناه 2.
وأما عدم رضى الله سبحانه بأدنى مشقة في بعض الأمور، ورضاه بما هو
أصعب منه كثيرا في بعض، فلا يعلم أن عدم رضاه بالأول لكونه صعبا وعسرا، بل
لعله لأمر اخر، ولو علم أنه لذلك، فلا منافاة بين عدم رضاه بمشقة، ورضاه
بمشقة أخرى، لمصلحة خفية عنا.
وأما احتجاج الأئمة الأطياب لنفي التكليف في بعض الأمور: بانتفاء العسر
والحرج، فهو كاحتجاجهم لحلية بعض الأشياء بقوله سبحانه: (قل لا أجد فيما
أوحي إلي) إلى اخره، ومرجعه إلى الاحتجاج بعموم نفيه سبحانه الحرج، و
عدم وجود ما يخصص ذلك.
ومن هذا يرتفع الاشكال من بعض الأحاديث الذي نفى الامام فيه الحكم،
محتجا بكونه حرجا، مع وجود ما هو أشق منه في الاحكام، فان غرضه عليه السلام
ليس أنه منفي لكونه حرجا، ولا يمكن تحقق الحرج في الحكم، بل المراد أنه
حرج، فيكون داخلا تحت عموم قوله سبحانه: (ما جعل عليكم في الدين من
حرج) فلا يحكم بخلافه، إلا أن توجد له مخصص، ولا مخصص لهذا الحكم.

(1) وجه توهم لزوم تخصيص الأكثر: هو خروج مثل الصوم والخمس والزكاة والحج والجهاد والديات
والكفارات والقصاص وغيرها من القاعدة مع أن فيها عسر وحرج.
(2) وجه دفع التوهم: ان الأمور التي فيها العسر والحرج من التكاليف وغيرها، كرفع الأثقال، وصعود
الجبال الشاهقة، والمشي الطويل وغيره مما لا يعد ولا يحصى، فكل ذلك باق تحت القاعدة بالإضافة
إلى مثل الوضوء والغسل والتيمم الحرجي وأمثالها فإنها مرفوعة بالقاعدة، فتأمل.
193

وأكثر تلك الاحتجاجات عنهم إنما وقع في مقام الرد على العامة العمياء.
ومن ذلك يظهر أيضا الوجه في احتجاج الفقهاء بانتفاء بعض الأحكام
الجزئية بنفي العسر والحرج، ولا يلتفتون إليه في أحكام اخر أصعب
منه وأشد.
البحث الخامس: وإذ عرفت ما ذكرنا لك في المقام، فاعلم: أن وظيفتك في
الاحكام بالنسبة إلى أدلة نفي العسر والحرج، مثل وظيفتك في سائر العمومات.
فتعين أولا معنى العسر والحرج، وتحكم بانتفائهما في الاحكام عموما إلا
ما ظهر له مخصص، وتتفحص عن مخصصات أدلة نفي الحرج والعسر، فان
ظهر لها معارض أخص منها مطلقا، تخصصها به، وان كان أخص من وجه أو
مساويا لها، فتعمل فيهما بالقواعد الترجيحية، ومع انتفاء الترجيح ترجع إلى ما
هو المرجع عند اليأس عن التراجيح.
ثم وظيفتك في تعيين معنى العسر والحرج ما هو وظيفتك في تعيين معاني
سائر الألفاظ.
فبعد ما عرفت في اللغة والعرف، ومن التفاسير الواردة في الأحاديث، أن
العسر: هو الصعب الشاق، والحرج: هو الضيق، فترجع في تعيينهما، إلى
العرف والعادة، فكل ما يعد في العادة شاقا وصعبا، أو ضيقا، يكون عسرا أو
حرجا، وما لم يحصل لك فيه القطع بدخوله تحتهما، تعمل فيه بمقتضى الأصل،
لا أصالة عدم كونه عسرا أو حرجا، إذ لا أصل، بل أصالة عدم خروجه عن تحت
العام التكليفي، الذي يدل على ورود التكليف عليه.
ويلزم في تعيين معناهما ملاحظة الأوقات والحالات، فإنه قد يكون شئ
مشقة في وقت أو حال، بل بالنسبة إلى شخص دون اخر.
واللازم فيه أن يعد في العرف مشقة وعسرا إن كان الفعل صعبا
على فاعله عند أكثر الناس وان لم يكن صعبا على الأكثر من جهة اختلاف حال
194

فاعله مع حال الأكثر.
ولا يكفي كونه صعبا عليه عنده أو عند شخص، إذ بمجرد ذلك لا يتحقق
العسر العرفي، بل اللازم كونه صعبا عليه عند عامة الناس
ثم إذا تحققت المشقة والعسرية في فعل عرفا، يلزم الحكم بدخوله تحت
عمومات نفي العسر والحرج، سواء كان من أدنى مراتب العسر والحرج، أو
أعلاها، أو المتوسط بينهما.
والحاصل: أنه بمجرد صدق العسر عادة يحكم بذلك، فلا يرد ما قد
يستشكل: من عدم انضباط قدر الحرج المنفي.
ثم يرجع إلى دليل التكليف، فان لم يعارضها منه شئ أصلا، يحكم
بانتفائه قطعا، وان عارضها وكان أخص منها، تخص به، وان كان بينهما عموم
من وجه أو تساو، يرجع إلى القواعد.
وقد يرجح جانب التكليف باجماع ونحوه، ولكن اللازم الاقتصاد على
القدر الذي ثبت فيه الاجماع، فإنه قد يثبت بالاجماع التكليف في شئ مع مرتبة
من المشقة، ولا يثبت الاجماع في مرتبة فوقها، فعليك بالاجتهاد التام.
ومما ذكرنا يظهر سر ما يرى في كلمات الفقهاء من أنهم قد يستدلون بانتفاء
حكم فيه أدنى مشقة: بانتفاء العسر والحرج، ولا يستدلون فيما هو أشد من ذلك
بكثير به.
البحث السادس: قد ظهر مما ذكرنا: أن قاعدة نفي العسر والحرج من قبيل سائر
العمومات، يجوز تخصيصها بالمخصصات، وأنها أصل لا يخرج عنه إلا مع
دليل.
وقد ذكرنا أن بعضهم قال: إنه ليس كذلك، وهو بعض سادة مشايخنا
طاب ثراه، قال قدس سره: وليس المراد أن الأصل نفي الحرج، وأن الخروج عنه
جائز، كما في سائر العمومات الواردة في الشريعة.
195

أما على تقدير اختصاص رفع الحرج بهذه الشريعة فظاهر، وإلا لزم أن تكون
مساوية لغيرها في الاشتمال على الحرج والضرر. والفرق بالقلة والكثرة تعسف
شديد.
وأما على العموم: فلاجماع المسلمين على أن الحرج منفي في هذا الدين، و
لان التكليف بما يفضي إلى الحرج مخالف لما عليه أصحابنا من وجوب اللطف
على الله، فان الغالب أن صعوبة التكليف المفضية إلى حد الحرج تبعد عن
الطاعة، وتقرب عن المعصية بكثرة المخالفة، ولأن الله تعالى أرحم بعباده، و
أرأف من أن يكلفهم ما لا يتحملونه من الأمور الشاقة، وقد قال الله سبحانه:
(ولا يكلف الله نفسا الا وسعها) 1. انتهى.
أقول: بل التحقيق ما ذكرنا 2 من كون نفي الحرج والعسر أصلا يخرج عنه
بدليل، ولا يلزم منه مساواة هذه الشريعة لغيرها في الاشتمال على الحرج، لان
الحرج له مراتب كثيرة، منها ما يقرب إلى العجز وعدم الطاقة، فيمكن أن يكون
المنفي وجوده في هذه الشريعة بعض مراتبه، كما نذكره في البحث السابع.
فان قلت: على ما ذكرت يجوز تخصيص هذه المرتبة أيضا من تلك
العمومات.
قلت: نعم، ولكن الجواز غير الوقوع. والفرق إنما هو في الوقوع وعدمه،
لا في الجواز وعدمه.
وأما ما ذكره من اجماع المسلمين على نفي الحرج في هذا الدين، فالمسلم منه
ما كان تكليفا بما لا يطاق، أو ما يقرب منه، ويوجب ضيقا شديدا في غاية الشدة،
وأما ما دونه، فلا، كيف وقد عرفت تصريح بعضهم بكون جميع التكاليف الواقعة
حرجا، وبعضهم بوقوع التكاليف الشديدة في الدين!؟ وما أجمع عليه المسلمون
وهو ورود نفي الحرج في الشرع على سبيل العموم، لا أنه لا مخصص له.

(1) فوائد الأصول: 118 فائدة 36
(2) مر ذكره في البحث الرابع من العائدة.
196

وأما ما ذكره من مخالفته لما يجب على الله سبحانه من اللطف، فبعد
إغماض النظر عن مطالبته بمعنى اللطف والمراد منه، وأنه هل هو ما كان لطفا
عندنا، أو في الواقع وان لم ندرك وجه لطفه، أو نظن عدم كونه لطفا، وعن أن
الواجب عليه هل هو اللطف في الجملة، أو كل لطف؟
نقول: إنه قد يترتب على أمر صعب وضيق، سهولة وسعة كثيرة دائمية
أعلى وأرفع من هذا الصعب، ومقتضى اللطف حينئذ: التكليف بالصعب
الأدنى للوصول إلى السعة الاعلى، كما أن الأب الرؤوف يضيق على ولده
بحبسه في المكتب ومنعه عن الأغذية المرغوبة له لراحته عند الكبر، بل
يحتجمه ويقطع أعضاءه لدفع الأمراض.
وأما إيجاب ذلك كثرة المخالفة، فهو غير مناف للطف، فإنه نقص من جانب
المكلف. ولو أوجب ذلك عدم التكليف، لزم أن يكون مقتضى اللطف
عدم التكليف، لايجابه المخالفة، ولا فرق فيها بين الكثرة والقلة،
مع أنا نرى كثرة المخالفة بحيث تجاوزت عن الحد، ولم يوجبها إلا
أصل التكليف.
وأما قوله سبحانه: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) 1 فالمراد بالوسع:
الطاقة كما عرفت، مع أنه لو أريد منه مقابل الضيق، فهو أيضا كواحد من
العمومات الصالحة للتخصيص.
البحث السابع: قال السيد السند المذكور - قدس الله نفسه الزكية - بعد ما
ذكر انتفاء التكليف بما فوق الطاقة في جميع الأديان، وثبوته بالسعة في الجميع:
أما التكليف بقدر الطاقة - والمراد به ما فوق السعة ما لم يصل إلى الامتناع العقلي
أو العادي - فلم يقع التكليف به في شرعنا، لقوله تعالى: (ما جعل عليكم في

(1) البقرة 2: 286.
197

الدين من حرج) 1 وقوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) 2 و
قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (دين محمد حنيف) 3 وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (بعثت بالحنيفية السهلة السمحة) 4.
وقد وقع في الشرائع السابقة، لقوله تعالى: (ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما
حملته على الذين من قبلنا) 5 وقوله سبحانه: (والاغلال التي كانت عليهم) 6
وما ورد في الاخبار في بيان التكليفات الشاقة التي كانت على بني إسرائيل.
وهل كان التكليف بالقياس إليهم حرجا وإصرا، أو هي بالنسبة إلينا كذلك؟
والظاهر الأول. وحديث المعراج 7 وقول موسى لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم: (أمتك لا تطيق
ذلك) 8 يؤيد الثاني. وما في السير من بيان بسطة الأولين في الأعمار والأجسام
وشدتهم وطاقتهم على تحمل شدائد الأمور يعاضده.
وعلى هذا، فالحرج منفي في جميع الملل، وانما يختلف الحال بحسب
اختلاف أهلها، فما هو حرج بالقياس إلينا لم يكن حرجا حيث شرع، ولكن
الامتنان ينفي الحرج في هذا الدين كما هو الظاهر من الآية، ورفع الأغلال
والآصار يمنع ذلك 9. انتهى.
قوله قدس سره: أما التكليف ما فوق السعة ما لم يصل إلى الامتناع العقلي،
فلم يقع التكليف به في شرعنا، إن أراد بعض مراتبه، وهو ما كان في غاية الشدة

(1) الحج 22: 78
(2) البقرة 2: 185 (3) الكافي 3: 395 / 8، الفقيه 1: 174 / 823، التهذيب 2: 216 / 850، الاستبصار 1: 391 / 1492
الوسائل 3: 285 أبواب لباس المصلي ب 23 ح 1، مجمع البحرين 5: 41.
(4) الكافي 5: 494 / 1، مسند أحمد 5: 266، الجامع الصغير 1: 189
(5) البقرة 2: 286
(6) الأعراف 7: 157.
(7) تفسير القمي 1: 95، تفسير العياشي 1: 159 / 531.
(8) الفقيه 1: 125 / 602.
(9) فوائد الأصول: 117 و 118 فائدة 36.
198

وله استمرار ودوام، فله وجه. وإن أراد مطلقا فهو ممنوع، وما استدل به
عمومات للتخصيص قابلة.
قوله: وقد وقعت في الشرائع السابقة، وهو كذلك. والفرق بين سائر
الشرائع وبين شرعنا على القول بوقوع بعض مراتبه في شرعنا أيضا، إما باعتبار
المراتب أو باعتبار بعض الآصار الخاصة، فالمراد بقوله تعالى: (ولا تحمل علينا
إصرا كما حملته على الذين من قبلنا) أي: إصرا حملته أو حملت مثله عليهم،
لا مطلق الإصر. وكذا في الأغلال، أي: خصوص الأغلال التي كانت عليهم
أو ما يشابهها
البحث الثامن: يمكن اختلاف العسر والحرج بالنسبة إلى الأعصار والأمصار،
كما يمكن اختلافهما بالنسبة إلى الاشخاص والأحوال، فكما أنه يكون شئ
عسرا أو حرجا بالنسبة إلى شخص دون اخر كالقوي والضعيف، أو بالنسبة إلى
حال دون حال كالشباب والهرم أو الصحيح والمريض، كذا قد يكون شئ
عسرا أو حرجا في زمان دون زمان، أو بلد دون اخر باعتبار التعارف والتداول، و
حصول الملامة وعدمه.
البحث التاسع: اعلم أن المستفاد من أدلة نفي العسر والمشقة: أنهما موجبان
للتخفيف، وذلك يستعمل في موردين:
أحدهما: أنهما يوجبان لحكمنا بالتخفيف من الله سبحانه، وبعدم 1 كون ما
فيه المشقة تكليفا لنا، لعموم أدلة نفيها. وهذا يكون في كل مورد لم يتحقق دليل
معارض لتلك العمومات، وأما ما تحقق فيه الدليل المعارض، فيحكم فيه بمقتضى
التعارض

(1) في (ج): وبعد.
199

وإن شئت قلت: إنهما يوجبان التخفيف من الله سبحانه، يعني: أن العسر
والمشقة يوجبان في الواقع أن يخفف الله سبحانه الحكم بحيث ينتفي عنه
المشقة، كما هو المستفاد من قوله سبحانه: (لا يريد بكم العسر) 1 (وما جعل
عليكم في الدين من حرج) 2 ومن رأفة الله سبحانه بالنسبة إلى عباده، ومن
عدم الاحتياج له حتى يحمل عباده المشقة، بل كل ما يكلفهم فإنما هو لمصلحتهم.
ولازم ذلك: أن يكون التخفيف في كل مورد لم يستعقب المشقة مرتبة
عظيمة يسهل معها تحمل تلك المشقة، وأما إذا كان كذلك، فمقتضى اللطف
والرأفة: التحميل، ولهذا خصصت العمومات، ووقعت التكاليف الشاقة في
الشريعة المقدسة.
وثانيهما: أنهما أوجبا وقوع التخفيفات السابقة من الشريعة المطهرة، و
انتفاؤهما سبب للرخص الواردة في الملة الشريفة.
والذي يفيد للفقيه في الفروع ووظيفته التكلم فيه، هو إيجاب نفي العسر
والمشقة للتخفيف بالاستعمال الأول، وأما الثاني: فلا يترتب عليه للفقيه كثير
فائدة إذ بعد ثبوت الحكم من الله جل شانه، لا جدوى كثيرا في درك أنه
للتخفيف ودفع المشقة.
وقد ذكر شيخنا الشهيد - قدس الله سره - في قواعده كثيرا من جزئيات قاعدة
نفي المشقة وايجابه لليسر، ولكنه إنما ذكرها على الاستعمال الثاني، أعني: أنه
ذكر أحكاما كثيرة ثابتة من الشرع، مناسبة لا ن يكون تشريعها للتخفيف
والرحمة، وذكر أن بناء تلك الأحكام وشرعها إنما هو للتخفيف والرخصة.
وهذه وان لم يكن في ذكرها كثير فائدة، الا التكلم في فروعاتها التي هي
من شان الكتب الفقهية. ولكنا نذكر ملخص ما ذكره تبركا بكلامه وتكثيرا للفائدة.

(1) البقرة 2: 185.
(2) الحج 22: 78.
200

قال - طاب ثراه - ما ملخصه: المشقة موجبة لليسر، وهذه القاعدة يعود
إليها جميع رخص الشرع، كأكل الميتة في المخمصة، ومخالفة الحق للتقية عند
الخوف على النفس أو البضع أو المال أو القريب أو بعض المؤمنين، بل يجوز
إظهار كلمة الكفر عند التقية.
ومن القاعدة: شرعية التيمم عند خوف التلف من استعمال الماء أو الشين
أو تلف حيوانه أو ماله.
ومنها: إبدال القيام عند التعذر في الفريضة، ومطلقا في النافلة وصلاة
الاحتياط غالبا.
ومنها: قصر الصلاة والصوم.
ومنها: المسح على الرأس والرجلين بأقل مسماه، ومن ثم أبيح الفطر
جميع الليل بعد أن كان حراما بعد النوم.
ومن الرخص ما يختص، كرخص السفر والمرض والاكراه والتقية. ومنها
ما يعم، كالقعود في النافلة، وإباحة الميتة عند المخمصة تعم عندنا في السفر
والحضر.
ومن رخص السفر: ترك الجمعة، وسقوط القسم بين الزوجات لو تركهن،
بمعنى عدم القضاء بعد عوده، وسقوط القضاء للمتخلفات لو استصحب
بعضهن.
ومن الرخص: إباحة كثير من محظورات الاحرام مع الفدية، وإباحة الفطر
للحامل والمرضع والشيخ والشيخة وذي العطاش، والتداوي بالنجاسات
المحرمات عند الاضطرار، وشرب الخمر لإساغة اللقمة، وإباحة الفطر عند
الاكراه عليه مع عدم القضاء. ولو أكره على الكلام في الصلاة فوجهان.
ومنه الاستنابة في الحج للمعضوب، والمريض المأيوس من برئه، و
خائف العدو، والجمع بين الصلاتين في السفر والمرض والمطر والوحل والاعذار
بغير كراهية.
201

ومنه: إباحة نظر المخطوبة المجيبة، وإباحة أكل مال الغير
مع بذل القيمة مع الامكان، ولا معها مع عدمه عند الاشراف
على الهلاك.
ومنه: العفو عما لا تتم الصلاة فيه منفردا مع نجاسته، وعن دم القروح
والجروح التي لا يرقى.
ثم التخفيف قد يكون لا إلى بدل، كقصر الصلاة، وترك الجمعة، وصلاة
المريض، وقد يكون إلى بدل، كفدية الصائم، وبعض الناسكين في بعض
المناسك.
والرخصة قد تجب، كتناول الميتة عند خوف الهلاك وقصر الصلاة
والصيام، أو تستحب، كنظر المخطوبة، وقد تباح، كالقصر في الأماكن
الأربعة.
والمشقة الموجبة للتخفيف: هي ما تنفك عنه العبادة غالبا، أما ما لا تنفك
عنه فلا، كمشقة الوضوء والغسل في البرد وإقامة الصلاة في الظهيرات،
والصوم في شدة الحر وطول النهار، وسفر الحج، ومباشرة الجهاد، إذ مبنى
التكليف على المشقة. ومنه: المشاق التي تكون على جهة العقوبة على الجرم و
إن أدت إلى تلف النفس، كالقصاص والحدود بالنسبة إلى المحل والفاعل وان كان
قريبا يعظم عليه استيفاء 1 ذلك من قريبه.
والضابط في المشقة: ما قدره الشرع، وقد أباح الشرع حلق المحرم للقمل،
كما في قضية كعب ابن عجرة 2، وأقر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمرا على التيمم لخوف البرد 3،

(1) في (ب) يعظم ألمه باستيفاء.
(2) الكافي 4: 358 / 2، التهذيب 5: 333 / 1147، الاستبصار 2: 195 / 656، المقنع: 20، الوسائل
9: 295 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 14 ح 1، صحيح البخاري 3: 12، صحيح مسلم 2: 859
/ 1201، سنن أبي داود 2: 430 ح 1856.
(3) سنن أبي داود 1: 238 / 334، والمراد به عمرو بن العاص.
202

فليقاربها المشاق في باقي محظورات الاحرام، وباقي مسوغات التيمم، وليس
مضبوطا ذلك بالعجز الكلي، بل بما فيه تضييق على النفس.
ومن ثم قصرت الصلاة وأبيح الفطر في السفر، ولا كثير مشقة فيه ولا عجز
غالبا، فحينئذ يجوز الجلوس في الصلاة مع مشقة القيام وان أمكن تحمله على
عسر شديد، وكذا باقي مراتبه.
ويقع التخفيف في العقود، كما يقع في العبادات. ومراتب الغرر فيها
ثلاث:
إحداها: ما يسهل اجتنابه، كبيع الملاقيح، وهذا لا تخفيف فيه.
وثانيها: ما يعسر اجتنابه وان أمكن تحمله بمشقة، كبيع البيض في قشره، و
بيع الجدار وفيه الاس، وهذا يعفى عنه تخفيفا.
وثالثها: ما بتوسط بينهما، كبيع الجوز واللوز في القشر الاعلى، والأعيان
الغائبة بالوصف.
ومنه: الاكتفاء بظاهر الصبرة المتماثلة. ومن التخفيف: شرعية خيار
المجلس. ومنه: شرعية المزارعة، والمساقاة، والقراض وان كانت معاملة على
معدوم.
ومنه: إجارة الأعيان، فان المنافع معدومة حال العقد.
ومنه: جواز تزويج المرأة من غير نظر ووصف، دفعا للمشقة اللاحقة
للأقارب.
ومن ذلك: شرعية الطلاق والخلع، دفعا لمشقة المقام على الشقاق وسوء
الأخلاق، وشرعية الرجعة في العدة غالبا ليتروى، ولم تشرع في الزيادة على
المرتين دفعا للمشقة عن الزوجات.
ومنه: شرعية الكفارة في الظهار، والحنث.
ومنه: التخفيف عن الرقيق بسقوط كثير من العبادات.
ومنه: شرعية الدية بدلا عن القصاص مع التراضي، كما قال الله تعالى:
203

(ذلك تخفيف من ربكم ورحمة) 1 - 2. انتهى ما أردنا نقله من كلامه ملخصا، و
هو كما ترى في التخفيفات الثابتة من الشرع، وبعد ثبوتها منه لا فائدة كثيرة في
بيان كونها تخفيفا أولا.

(1) البقرة 2: 178.
(2) القواعد والفوائد 1: 123.
204

عائدة (20)
في معنى قولهم: الاحكام تابعة للأسماء
قد اشتهر بين الأصحاب: أن الاحكام تابعة للأسماء.
قيل: معناه أنه ينتفي الحكم من جهة الاسم بانتفاء الاسم، وليس المراد:
انتفاء الحكم بانتفائه مطلقا ولو بدليل اخر، فان التخصيص بالذكر لا يقتضي
التخصيص بالحكم إلا بمفهوم اللقب، وهو ليس بحجة، ولازم ذلك إمكان
إثبات الحكم بعد زوال الاسم بالاستصحاب.
قال: فكما لو كان دليل لتسوية الحالين في الحكم آية أو رواية أو إجماعا كان
حجة، ولم يكن منافيا لتبعية الحكم للاسم، فكذا إذا كان استصحابا، فإنه دليل
شرعي يجب الحكم بمقتضاه، وهو التسوية بين الحالين في الحكم.
فان قلت: لو كان الاستصحاب حجة مع زوال الاسم، كان الحكم ثابتا مع
التسمية وبدونها، فأي فائدة في التبعية التي ذكروها؟.
قلت: فائدة التبعية تظهر في الحالة السابقة على مورد النص، كالحصرم
بالنسبة إلى العنب، وفي الحالة اللاحقة مع تبدل الحقيقة.
وبالجملة: لا يشترط في الاستصحاب بقاء الاسم، لعموم المقتضي وانتفاء
ما يصلح دليلا للاشتراط، ولذا ترى الفقهاء يستصحبون حكم الحنطة بعد
صيرورتها دقيقا، والدقيق بعد صيرورته عجينا، والعجين بعد صيرورته خبزا. و
205

هكذا حكم القطن بعد أن يصير غزلا، والغزل بعد أن يصير ثوبا.
وكذا حكم الطين بعد صيرورته لبنا، واللبن بعد صيرورته خزفا واجرا،
والاسم في ذلك كله ليس باقيا قطعا.
وأيضا لو تنجس العنب ثم صار زبيبا، فإنه يبقى على نجاسته، ولا يطهر
بزوال التسمية وارتفاع وصف العنبية، وليس إلا لاستصحاب حكم النجاسة، و
عدم اشتراط بقاء الاسم في حجية الاستصحاب 1.
أقول: وما ذكره في مرادهم من تبعية الحكم للأسماء صحيح، فإنه ليس المراد
منه: أنه يدل على انتفاء الحكم بانتفاء الاسم، حتى يكون معارضا لدليل اخر دل
على ثبوته حال انتفاء الاسم أيضا، بل المراد: أن لحكم الثابت بواسطة هذا الاسم و
من جهة هذا الاسم ينتفي بانتفائه، وذلك لا ينافي ثبوته بدليل اخر أصلا.
وأما ما ذكره من إمكان إثبات الحكم بعد زوال الاسم بالاستصحاب، فليس
بصحيح، لان من شرائط الاستصحاب المجمع عليها: عدم تغير موضوع الحكم،
فإذا كان الشارع جعل موضوع الحكم شيئا مسمى باسم، فإذا انتفى الاسم ينتفي
الموضوع، فكيف يمكن الاستصحاب؟! ولذا تراهم لا يستصحبون نجاسة الكلب
بعد صيرورته ملحا، أو العذرة دودا أو ترابا، أو النطفة حيوانا.
والسر: أن من شرط جريان الاستصحاب: عدم كون الحكم مقيدا بشئ غير
متحقق في الحالة اللاحقة، فإذا علق الشارع حكما على اسم، يكون مقيدا به،
فكيف يمكن استصحابه بعد انتفائه؟!
ويستفاد ذلك من موثقة عبيد بن زرارة، عن الصادق عليه السلام: في الرجل باع
عصيرا، فحبسه السلطان حتى صار خمرا، فجعله صاحبه خلا، فقال: (إذا
تحول عن اسم الخمر، فلا بأس به) 2.

(1) انتهى ما نقله، وهو من كلام السيد بحر العلوم في فوائده: 116 فائدة 34.
(2) التهذيب 9: 117 / 507، الاستبصار 4: 93 / 357، الوسائل 17: 297 أبواب الأشربة المحرمة
ب 31 ح 5.
206

فان قلت: تعليق الشارع الحكم على الاسم ليس من جهة الاسم نفسه، بل
من جهة الحقيقة التي يدل الاسم عليها، ولازم ذلك انتفاء الحكم بانتفاء الحقيقة
لا بانتفاء الاسم، وعلى هذا، فإذا انتفت الحقيقة مع الاسم أيضا، لا يستصحب،
كما في مثال الكلب والعذرة، وان لم تنتف الحقيقة، يستصحب، كما في مثال
الحنطة والقطن.
قلنا: لا نفهم المراد من انتفاء الحقيقة، فان أريد منه انتفاء الآثار والخواص
التي لها - كما قيل في دفع إشكال استصحاب نجاسة الحنطة التي صارت دقيقا، و
عدم استصحابها إذا صارت رمادا - فيلزم عدم استصحاب نجاسة اللبن إذا تبدل
بالجبن أو الاقط 1 أو الماست 2، وعدم استصحاب نجاسة العرضية الحاصلة
للعصير بوقوع النجاسة فيه إذا صار دبسا، وعدم استصحاب نجاسة الحصرم إذا
صار عنبا، لتبدل الحقيقة بهذا المعنى، مع أن الكل متفقون على صحة
الاستصحاب في هذه المواضع.
وكذا ان أريد تبدل الحقيقة العرفية، فان حقيقة الحصرم غير حقيقة العنب
عرفا، وحقيقة اللبن غير حقيقة الاقط عرفا
وان أريد بانتفاء الحقيقة: انتفاء التسمية، فهو قد تحقق في الجميع.
وإن أريد أمر اخر فليبينه حتى ننظر فيه.
فما ذكره: من أن فائدة التبعية إنما تظهر في الحالة اللاحقة بعد تبدل الحقيقة،
لا يتحقق له قدر مضبوط مطرد.
ومن هذا يظهر ما في قوله: لا يشترط في الاستصحاب بقاء الاسم، ولذا
تراهم يستصحبون حكم الحنطة، فإنه لو لم يكن شرطا لم لا يستصحبون حكم
العذرة؟

(1) الاقط يتخذ من اللبن المخيض، يطبخ ثم يترك حتى يحصل (المصباح المنير: 17).
(2) الماست كلمة فارسية: اسم للبن حليب يغلى ثم يترك قليلا، ويلقى عليه قبل ان يبرد لبن شديد حتى
يثخن (المصباح المنير: 571)
207

فان أجاب: بعدم تبدل الحقيقة في الأول وتبدلها في الثاني.
قلت: فلم تستصحب نجاسة اللبن للجبن، والحصرم للعنب؟.
والتحقيق: أن تعليق الشارع الحكم على هذه الأسماء في نص أو دليل اخر
يدل على اختصاص الحكم الثابت منه بالمسمى بهذا الاسم، بمعنى: أنه المحكوم
عليه بهذا الدليل فقط، لا بمعنى دلالته على انتفائه من غير المسمى، فلا يعارض
ما يدل على ثبوته بعد انتفاء التسمية أيضا.
ولكن الاستصحاب لا يدل على ثبوته بعد انتفائها مطلقا، يعني لا يجري
الاستصحاب، لان تعليق الشارع الحكم على اسم يجعله مقيدا به، فيتغير
الموضوع بعد انتفاء الاسم، ولذا لا تستصحب نجاسة الكلب والعذرة بعد
صيرورتهما ملحا وترابا.
وأما استصحاب نجاسة الحنطة والقطن والحصرم، فلانه لم يعلق الشارع
الحكم على اسم الحنطة والقطن أصلا، وليس هنا حكم معلق على ذلك، بل
يثبت أمر عام، أحد أفراده ذلك، وليس موضوع النجاسة الثابتة من الشرع الحنطة
من حيث هي حنطة، ولذا لو قال: لا تدخل البيت ما دام فيه حنطة، يجوز دخوله
إذا تبدلت بالخبز، ولذا لو نذر أحد أن يصوم ما دام في بيته القطن، لا يستصحب
وجوبه بعد صيرورته غزلا، وهكذا.
والحاصل: أن في مثال الحنطة وأمثالها لم يعلق حكم شرعي على اسم
الحنطة، وهو السر في صحة الاستصحاب، لا عدم تبدل الحقيقة، ولا عدم
اشتراط الاستصحاب ببقاء الاسم.
ومما ذكرنا يظهر سر ما ذكره جماعة - وهو الحق الموافق للتحقيق - من التفرقة
بين الأعيان النجسة وبين المتنجسة في صحة استصحاب النجاسة بعد الاستحالة
في الثانية وعدمها في الأولى 1.

(1) منهم الميرزا القمي في قوانين الأصول 2: 74، وصاحب الفصول الغروية فيها 2: 381.
208

وهؤلاء في فسحة من الاستشكال في وجه الفرق 1 بين الخطة النجسة إذا
صارت دقيقا، وبينها إذا صارت رمادا، وبين اللبن النجس إذا صار أقطا، وبينه
إذا شربه حيوان مأكول اللحم وصار بولا له أو لحما، فإنهم يقولون بصحة
الاستصحاب في جميع تلك المواضع، ويحكمون بالنجاسة الا ما دل دليل اخر
من إجماع أو نحوه على الطهارة، لعدم كون الحكم الشرعي فيها معلقا على
الاسم.
ولعدم صحة الاستصحاب في كل ما كان الحكم معلقا على الاسم -
كالكلب إذا صار ملحا ونحوه - يحكمون بالطهارة الا ما دل دليل آخر على
النجاسة.
وأما من لم يتفطن لذلك، ولم يفرق بين النجس والمتنجس في ذلك المقام،
فقد وقع في حيص وبيص، فتراه يحكم بطهارة الخشب بصيرورته فحما، و
بطهارة الحنطة بصيرورتها رمادا، ولا يحكم بها بصيرورتها خبزا، ويعتذر بتبدل
الحقيقة في الأول دون الثاني، ويقول: إن المراد بتبدل الحقيقة تبدل الآثار
والخواص.
ويلزمه الحكم بطهارة الحصرم إذا صار عنبا، أو اللبن إذا صار أقطا، مع أنه
لا يقول به.
ولو قال: بعدم تبدل الحقيقة هنا.
قلنا: لا نفهم الحقيقة المتحدة في الحصرم والعنب، وفي اللبن والماست،
والمختلفة في الخشب والفحم 2.

(1) اي: لا يرد عليهم اشكال الفرق بين الموارد المذكورة، ويمكنهم الجواب عليه، دون من عداهم.
(2) في (ب)، (ج)، (ح): واللحم، بدل: والفحم.
209

عائدة (21) في احتياج بقاء بعض الأحكام إلى مقتض ثان
اعلم: أن من الأمور الموجودة في الخارج ما يمكن أن يكون المقتضي لوجوده
في زمان أو حال مقتضيا بعينه لعدمه في الزمان الثاني أو الحالة الثانية، من غير
حاجة إلى مقتض اخر، ومنها ما ليس كذلك قطعا، بل إذا وجد يحتاج عدمه و
زواله إلى علة واردة عليه مزيلة إياه.
وإن شئت قلت: من الأمور ما لا يكفي وجوده في زمان أو حال لوجوده في
زمان آخر أو حالة أخرى لولا المانع والرافع، بل يحتاج وجوده ثانيا إلى مقتض
ثانوي، ومنها ما يكفي وجوده أو لا لوجوده ثانيا لولا المانع.
فالأول: كالاذن والتوكيل ونحوهما، فإنه يمكن أن يكون
المقتضي لوجوده في زمان أوحال مقيدا بذلك الحال أو الزمان، مشروطا
به، فينتفي بانقضاء 1 الحالة أو الزمان، ولا يكفي وجوده في الأول لوجوده في
الثاني ولو لم يحدث مانع ورافع ومزيل له أيضا، بل يمكن أن يوجد أولا
محدودا.
والثاني: كالسواد، والعلم، والجهل، واليبوسة، والرطوبة، والجلوس و

(1) في (ه‍): بانتفاء.
211

أمثال ذلك، فإنها لا يمكن أن توجد أولا محدودة، بأن يتفق 1 سواد محدود إلى
زمان أو حال، أو علم كذلك، ويرتفع بعد انقضاء الزمان أو الحال، ولو لم يطرأ
عليه مزيل أو رافع، أو يتحقق الجلوس الكذائي.
وأما قول الآمر: اجلس ساعة، فهو مقتض لتحقق وجوب الجلوس
المحدود، دون نفس الجلوس، والوجوب من قبيل الأول.
وكذا الحال في الأمور الشرعية (من الأحكام الشرعية) 2 والوضعية، فان
منها: ما لا يقتضي وجوده في زمان بقاءه في اخر لولا المزيل.
ومنها: ما يقتضيه، فلا يرتفع الا برافع
فالأول: كالوجوب، والتحريم، ونحوهما.
والثاني: كالطهارة، والنجاسة، والحدث، والملكية، والرقية، وأمثالها.
فان وجوب شئ في زمان أو حال أو حرمته لا يقتضي بقاء الوجوب أو
الحرمة في زمان اخر أو حال اخر وان لم يطرأ مزيل ورافع، بل يمكن أن يكون
المتحقق أولا هو الوجوب المقيد، بخلاف الطهارة وأمثالها، فان وجودها في
زمان كاف في ايجاب بقائها في زمان بعده لولا ورود الرافع عليها، ولا يمكن أن
تتحقق أولا محدودا بحد.
لا أقول: إنها مثل العلم والسواد ونحوهما، أي: لا يجوز أن يكون كذلك، ولا يحتمل وقوعها محدودا عقلا.
بل نقول: انه وإن جاز ذلك في تلك الأمور الشرعية عقلا، ولكن
حصل بالتتبع والاستقراء في أدلة الاحكام، وأخبار سادات الأنام، وكلمات
العلماء الاعلام، ومن ملاحظة طريقتهم وسيرتهم، أن هذه الأمور كذلك
مطلقا.

(1) في (ج)، (ح): يتحقق.
(2) أثبتناه من (ب)، (ج).
212

فانا نعلم الاجماع على أن الحدث إذا تحقق في زمان، يكون باقيا بعده ما لم
تحدث علة رافعة له 1، وحدوثه في الزمان الأول مقتض لبقائه في الثاني لولا
حدوث الرافع، وكذا النجاسة والملكية ونحوهما، وهذا العلم حاصل من تتبع
الأدلة والفتاوي واستقراء جزئيات الموارد.
ثم إنه يظهر الفرق بين هذين القسمين في الاستصحاب، فان ما كان من
الثاني يمكن استصحابه مطلقا، وبعد وجوده لا يعارضه استصحاب حال عقل 2.
بخلاف ما كان من الأول، فإنه إما يعلم: أن المقتضي لوجوده في الأول
اقتضاه مقيدا بوقت أو حال، نحو: أنت مأذون ساعة، أو يجب عليك كذا مرة.
أو بالدوام، نحو: أنت مأذون دائما، أو يجب عليك أبدا. أو اقتضاه مطلقا، نحو: أنت مأذون، أو يجب عليك كذا.
ففي الأول: لا يمكن الاستصحاب.
وفي الثاني: يمكن وإن حصل الشك لمعارض، ولا يعارضه استصحاب
حال عقل.
وفى الثالث: يمكن الاستصحاب وله المعارض أيضا.
ويلزم ذلك أنه لو لم يعلم حال المقتضي، وأن اقتضاءه بأي نحو من الأنحاء
الثلاثة، يرجع إلى أن الأصل في وجود شئ في زمان أو حال: وجوده بشرط
الوصف حتى لا يصح استصحابه، أو ما دام الوصف حتى يصح، وتحقيقه في
الأصول.
وأما ما كان من القسم الثاني فلا يتصور فيه هذه الأقسام، بل يستصحب
دائما إلى أن يقطع بوجود المزيل والرافع له، من غير
معارضة استصحاب حال
عقل له أيضا.

(1) في (ج): ما لم يحدث رافعه. وقد يكون أنسب، لان التعبير بالعلة الرافعة لا يخلو من مسامحة.
(2) في (ج): حال العقل.
213

عائدة (22)
في ما اشتهر من أن الاستصحاب لا يعارض دليلا
قد اشتهر بينهم: أن الاستصحاب لا يعارض دليلا أصلا، لا خاصا ولا عاما،
ولا مطلقا ولا مقيدا، ولا منطوقا ولا مفهوما.
وقيل: استصحاب الحكم المخالف للأصل في شئ، دليل شرعي رافع
للحكم الأصلي، ومخصص للعمومات.
وتحقيق المقام: أن العمومات المعارضة للاستصحاب على ثلاثة أقسام:
أحدها: العمومات الدالة على المزيلية والرافعية، نحو: (ما يراه ماء المطر
فقد طهر) 1 و (ما أشرقت الشمس عليه فقد طهر) 2 فإنه معارض لاستصحاب
النجاسة. ولا شك ولا خلاف في عدم معارضة الاستصحاب لها وزواله بها، و
في أنه يترك الاستصحاب بها، وتخصص عمومات عدم نقض اليقين بالشك
بهذه العمومات، وتقدم عليها إجماعا.

(1) الكافي 3: 13 / 3، الوسائل 1: 109 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 5 وفيهما: (كل شئ يراه ماء المطر
فقد طهر
(2) التهذيب 1: 373 / 804، الاستبصار 1: 193 / 677، الوسائل 2: 1043 أبواب النجاسات ب 29 ح 6،
وفيها: (كل ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر)
215

بل لو قلنا: بان المعارض للعمومات، الاستصحابات الجزئية الخاصة، دون
عمومات عدم نقض اليقين بالشك، تقدم العمومات مع عمومها على
الاستصحاب مع خصوصه بالاجماع، لان الاستصحاب وان كان خاصا، ولكن
بإزاء هذا العموم في كل مورد استصحاب خاص معارض له، فلو قدم الجميع
لغى العموم بالمرة، والخاص في مثل ذلك ليس مقدما على العام بالاطلاق، بل
المرجع هي المرجحات الخارجية.
كما إذا قال أحد: كل ما في البيت لعمرو، فإنه يخصص بقوله: هذا الشئ
مما في البيت لزيد، أما لو قيل: هذا لزيد وهذا لبكر، وهذا لخالد، إلى اخر ما في
البيت، لا يخصص العام الأول بكل خاص، لاستلزامه لغويته، بل يرجع إلى
المرجحات.
وثانيها: العمومات المقيدة بحال عدم العلم ونحوه، مثل: (كل ماء طاهر
حتى تعلم أنه قذر) 1 و (وكل شئ حلال حتى تعلم أنه حرام) 2 ونحو ذلك، في
معارضة النجاسة أو الحرمة الاستصحابية، ولا خلاف أيضا في عدم معارضتها
للاستصحاب، ويقدم الاستصحاب عليها، لان الحكم فيها بالطهارة أو الحلية
مقيدة بعدم العلم، والمفروض أنه قد حصل العلم، وخرج عن الموضوع،
فلا تشمله العمومات.
والحاصل: أن المستفاد منها: الطهارة في وقت ما هو قبل حصول العلم،
فلا يفيد إذا حصل العلم وان انقضى هذا، مع أن بالاستصحاب علمت القذارة.
وثالثها: العمومات المطلقة نحو: (الماء طاهر) 3 أو (كل شئ طاهر) 4 و

(1) الفقيه 1: 6 / 1، الكافي 3: 2 / 2، التهذيب 1: 215 / 619 - 620، الوسائل 1: 100
أبواب الماء المطلق ب 1 ح 5.
(2) الكافي 5: 313 / 40، التهذيب 7: 226 / 989، الوسائل 12: 60 أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 4.
(3) عوالي اللآلي 3: 9 ح 8 وفيه: الماء طهور.
(4) المقنع: 5، المستدرك 2: 583 أبواب النجاسات ب 30 ح 4 نقلا عن المقنع.
216

نحو ذلك، فقيل: بتقديم الاستصحاب عليها، معللا بان الاستصحاب خاص،
والخاص وإن كان استصحابا مقدم على العام وان كان حديثا أو كتابا.
قال: فان قيل: مرجع الاستصحاب إلى ما ورد في النصوص من عدم جواز
نقض اليقين بالشك، فهذا عام لا خاص.
قلنا: الاستصحاب في كل شئ ليس الا إبقاء الحكم الثابت له، وهذا
المعنى خاص بذلك الشئ، ولا يتعداه إلى غيره.
وعدم نقض اليقين بالشك وان كان عاما إلا أنه وارد في طريق
الاستصحاب، وليس نفس الاستصحاب المستدل به، والعبرة في العموم
والخصوص بنفس الأدلة، لا بأدلة الأدلة، وإلا يلزم أن لا يوجد في الأدلة
الشرعية دليل خاص أصلا، إذ كل دليل فهو ينتهي إلى أدلة عامة هي دليل حجيته.
وليس عموم قولهم: (لا ينقض اليقين بالشك) 1 بالقياس إلى أفراد
الاستصحاب وجزئياته الا كعموم قوله تعالى: (إن جاءكم فاسق بنبأ) 2
بالقياس إلى آحاد الاخبار المروية، فكما أن ذلك لا ينافي كون الخبر خاصا إذا
اختص مورده بشئ معين، فكذا هذا.
ولذا ترى الفقهاء يستدلون باستصحاب النجاسة والحرمة في مقابلة
الأصول والعمومات الدالة على طهارة الأشياء وحليتها. وكذا باستصحاب
شغل الذمة في مقابلة ما دل على براءة الذمة من الأصل والعمومات 3. انتهى.
أقول: مراده أن النجاسة الاستصحابية في مورد خاص مدلول لعدم نقض
هذا اليقين بالشك، لأنه يوجب النجاسة ويدل عليها، ودليل عدم النقض أدلة
حجية الاستصحاب، فان عدم النقض بنفسه لا يثبت النجاسة ما لم تثبت حجيته

(1) الكافي 3: 325 / 3، التهذيب 2: 186 / 740 الاستبصار 1: 373 / 1416، الوسائل 5: 321
أبواب الخلل ب 10 ح 3.
(2) الحجرات 49: 6
(3) فوائد الأصول: 116 فائدة 35.
217

من الشارع، فأفراد عدم نقض اليقين بمنزلة أفراد الاخبار، وما يثبت منها من
الحكم المستصحب بمنزلة مدلول الاخبار، (ولا ينقض اليقين بالشك) الذي معناه
حجية عدم نقض اليقين بمنزلة اية النبأ، التي مفادها كل خبر عدل حجة.
فما ذكره من أن أخبار الاستصحاب دليل حجية طلق الاستصحاب، الذي
يندرج تحته 1 الاستصحابات الجزئية، صحيح، ولكن ما ذكره من أن العبرة في
العموم والخصوص بنفس الأدلة لا بأدلة الأدلة، غير صحيح، لان التعارض بين
الشيئين عبارة عن التنافي بين مدلوليهما: إما بين خصوص المدلولين، أو بين عموم
أحدهما وخصوص الاخر، أو بين عمومهما، سواء كان أحدهما دليلا لشئ
معارض مع الاخر أم لا.
ونحن نرى أن قول الشارع: (لا ينقض اليقين بالشك) معناه عدم جواز نقض
شئ من أفراد اليقين - التي منها نجاسة الماء مثلا - بالشك، ولازمه الحكم
بنجاسته، وعموم هذا مناف بالبديهة لعموم (كل ماء طاهر) لعدم جواز العمل
بالعمومين قطعا، فيتعارضان، ولابد فيهما من الرجوع إلى قواعد التعارض.
وكون الأول دليل حجية الاستصحابات الخاصة، لا يوجب رفع التعارض أو
إغماض النظر عن تعارضهما.
فان قلت: هذا كذلك، ولكن لكون استصحاب نجاسة هذا الفرد من الماء
الذي هو مدلول أدلة الاستصحاب أخص من قوله: (كل ماء طاهر) وهو موجب
لتخصيصه، فيختص (كل ماء طاهر) بغير ذلك الماء، فلا يكون معارضا لدليل هذا
الاستصحاب أيضا.
قلنا: صلاحية تخصيص هذا الاستصحاب الخاص لذلك العموم إنما هي بعد
ثبوت حجيته، وإلا فلا شك أنه لا يوجب تخصيصا، وحجيته فرع شمول دليل
حجية الاستصحاب له، وشموله له بعد علاج التعارض بين هذا الدليل وبين

(1) في (ه‍): تحتها.
218

عموم (كل ماء طاهر) وترجيح ذلك، وهو لم يتحقق بعد، فلا يعلم الشمول،
فلا يصلح للتخصيص، فان أخبار عدم نقض اليقين مع هذا العموم في مرتبة
واحدة من الحجية، ثابتة حجيتهما بطريق واحد، فلابد من رفع التنافي بينهما،
حتى يعلم ما يندرج تحت كل منهما.
ولا يرد مثل ذلك في دليل حجية الاخبار، لان المعارض للخبر الخاص إن
كان خبرا اخر، فنسبتهما إلى دليل حجية الاخبار واحدة، وكل منهما يقتضي
تخصيص الدليل بالآخر، وهو موجب لطرحهما معا، وهذا بعينه حكم
تعارضهما بنفسهما، وكذا إذا كان تعارضهما بالعموم والخصوص مطلقا، أو من
وجه.
وان كان المعارض له شئ اخر، كإجماع منقول أو شهرة، فكما يعارض
ذلك الشئ دليل حجية الخبر، كذلك يعارض ذلك الخبر دليل حجية هذا
الشئ، وبعد علاج تعارضهما يكون الحاصل بعينه ما يحصل من علاج تعارض
الخبرين بلا تفاوت.
وهذا هو السر في عدم التفاتهم إلى تعارض معارضات الخبر مع أدلة
حجيته، بخلاف تعارض العمومات مع أدلة الاستصحاب.
هذا كله على فرض تسليم منافاة الاستصحاب مع قوله: (كل ماء طاهر) و
إلا فالظاهر عدم المنافاة أيضا، لان مقتضى الاستصحاب الخاص، وكذا مقتضى
أدلة حجية عدم نقض اليقين بمجرد الشك، فمعناه أن في كل مورد كانت نجاسة
يقينية وشككت في بقائها، فلا تنقض اليقين بمجرد هذا الشك. وحكمه عليه السلام
بطهارة كل ماء مشكوك الطهارة ليس مستندا إلى الشك، بل إلى أمر قطعي هو
يعلمه 1. وكذا حكمنا، لأنه مستند إلى هذا القول من الإمام (ع)، لا إلى الشك.
فان قلت: لازم ذلك طرح الاستصحاب في أمثال ذلك المقام.

(1) في (ج): يقينه، مكان: يعلمه.
219

أما على عدم التعارض فظاهر.
وأما عليه: فلان تعارض العمومات مع أدلة الاستصحاب بالعموم من
وجه، ولازمه طرحهما والرجوع إلى الأصل.
ومقتضاه: أنه إذا تنجس التراب مثلا، لا تستصحب نجاسته، لعموم
(جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا) 1 وإذا تنجس بول ما يؤكل لحمه،
لم تستصحب نجاسته، لعمومات طهارة بول ما يؤكل لحمه، ونحو ذلك، مع أنه
ليس كذلك.
قلنا: نعم كان كذلك لو لم يكن مرجح للاستصحاب، وما ذكرنا في العائدة
السابقة: من القطع بان النجاسة متى حصلت في شئ لا يحكم بانتفائها إلا مع
حصول العلم بطرو المطهر، مرجح لاستصحاب النجاسة، وكذا في كل أمر كان
من قبيل النجاسة.
وأما ما لم يكن كذلك، فلا نسلم ترجيح الاستصحاب فيه، فلو قال: صم،
وقلنا بان الامر لطلب الماهية المطلقة، فمقتضاه استصحاب وجوبه بعد صوم يوم
أيضا، ولو ورد: لا يجب صوم، تعارض ذلك مع الاستصحاب المذكور،
ولا نقول بتقديم الاستصحاب.
ثم لا يتوهم مما ذكرنا: أنه يجب الحكم بنجاسة الأعيان النجسة ذاتا بعد
الاستحالة 2 أيضا، لعدم ورود ما علم كونه مطهرا، لان النجاسة كما ترتفع بورود
المطهر كذا ترتفع بانتفاء موضوعها عن الخارج، وها هنا كذلك

(1) الخصال 1: 201 ح 14 باب الأربعة، و 292 ح 56 باب الخمسة، الوسائل 2: 970 / أبواب التيمم
ب 7 ح 3، صحيح البخاري 1: 91، صحيح مسلم 1: 370 / 3 - 5، سنن أبي داود 1: 328 / 489،
سنن ابن ماجة 1: 187 / 567، سنن النسائي 1: 209، سنن الدارمي 1: 322، ومسند أحمد 1:
250 بتفاوت.
(2) في (ح) زيادة: للاستصحاب.
220

عائدة (23)
في بيان قاعدة حمل أفعال المسلمين وأقوالهم على الصحة
من القواعد المشهورة بين كثير من الفقهاء: حمل أفعال المسلمين وأقوالهم
على الصحة والصدق. وتحقيق المقام من المهمات، ولا بد أولا من بيان
المأخذ فيها.
واعلم أولا: أنه لا شك في وجوب حمل فعل المسلم في الجملة - وقوله
كذلك - على الصحة والصدق، بمعنى أن الامر في بعض الموارد الكلية كذلك.
وقد وردت الاخبار في جملة من المواضع بذلك.
ومنها ما انعقد عليه الاجماع أيضا، كما قالوا في قبول قول ذي اليد في
الطهارة والنجاسة والتذكية ونحو ذلك.
وكما في قاعدة كل ذي عمل مؤتمن في عمله.
وكما في قبول رواية الثقة الخالية عن المعارض في الاحكام، وقبول الشهادة
في الجملة في مواردها، وقبول إقرار العقلاء على أنفسهم، وتصديق المرأة فيما
يتعلق بنفسها، والبناء فيما يوجد في أسواق المسلمين من اللحوم والجلود على
المذكى، والأشياء الموجودة في أيديهم على الطهارة، وأمثال ذلك، وهي كثيرة
جدا.
ولا كلام لنا في تلك الجزئيات في ذلك المقام، فإنها أمور جزئية يتكلم في كل
221

منها في موضعه من الفقه استدلالا وردا.
ولا يجب أن يكون بناء تلك الجزئيات على هذه القاعدة الكلية في حمل
أفعالهم وأقوالهم على الصحة والصدق كما يأتي.
وإنما المقصود هنا النظر في أنه هل تثبت تلك القاعدة على سبيل الكلية،
حتى تكون أصلا ومرجعا في جميع تلك الجزئيات، ولا يخرج عنه إلا بدليل،
فكل موضع لم يكن فيه رادع عن الأصل تتبع فيه هذه القاعدة، أم لا حتى نحتاج
في كل مورد جزئي إلى دليل اخر؟ وعلى هذا فلا يصح لنا التمسك في إثبات هذه
القاعدة بالاخبار والأدلة المختصة بتلك الموارد الجزئية، بل لابد من الدليل العام،
فلأجل ذلك لا يذكر في مقام الاستدلال الأدلة التي لها جهة اختصاص بمورد
خاص، نعم في مقام التمسك بالاستقراء تظهر الفائدة لهذه الأدلة الخاصة ويأتي
الكلام فيها.
إذا عرفت ذلك فنقول: إن المتمسكين بهذه القاعدة يستندون فيها إلى
الاجماع والكتاب والسنة.
أما الاجماع: فلانا نرى العلماء على ذلك متفقين في كل الأعصار
والأمصار، وهذه قاعدة مسلمة مشهورة بينهم، يبنون عليها كثيرا من الاحكام.
وأما الكتاب: فقوله عز شأنه: (اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن
إثم) 1.
وأما الاخبار: فكثيرة جدا من الصحاح وغيرها المنجبرة بالعمل.
منها: المرسلة عن الحسين بن المختار، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (قال
أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له: ضع أمر أخيك على أحسنه، حتى يأتيك ما يغلبك
منه، ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوء ا وأنت تجد لها في الخير محملا) 2.

(1) الحجرات 49: 12
(2) الكافي 2: 362 / 3، أمالي الصدوق: 250 / 8، بحار الأنوار 72: 196 / 11 و 199 / 21 الوسائل
8: 614 أبواب احكام العشرة ب 161 ح 3.
222

ومنها: رواية معلى ابن خنيس، عن أبي عبد الله عليه السلام قال، قلت له: ما حق
المسلم على المسلم؟ قال: (له سبع حقوق واجبات، ما منهن حق إلا وهو عليه
واجب، ان ضيع منها شيئا خرج من ولاية الله وطاعته، ولم يكن لله فيه من
نصيب) إلى أن قال: (السابع: أن يبر قسمه، ويجيب دعوته، ويعود مريضه، و
يشهد جنازته) 1.
ومنها: رواية اليماني، عن أبي عبد الله (ع)، قال: (حق المسلم على المسلم
أن لا يشبع ويجوع) إلى أن قال: (فإذا اتهمه انماث الايمان في قلبه كما ينماث
الملح في الماء) 2
ومنها: رواية أبى المأمون الحارثي، قال، قلت لأبي عبد الله (ع): ما حق
المؤمن على المؤمن؟ قال: (من حق المؤمن على المؤمن المودة له) إلى أن قال: و
أن لا يكذبه) إلى أن قال: (وإذا اتهمه انماث الايمان في قلبه كما ينماث الملح في
الماء) 3.
ومنها: رواية أخرى لليماني، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إذا اتهم المؤمن
أخاه انماث الايمان من قلبه كما ينماث الملح في الماء) 4.
ومنها: المرسلة عن عمر بن يزيد، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (من
أتهم أخاه فلا حرمة بينهما، ومن عامل أخاه بمثل ما عامل به الناس فهو برئ مما
ينتحل) 5.
ومنها: رواية أبى حمزة، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول، إلى أن قال:

(1) الكافي 2: 169 / 2، الخصال: 350 / 26، الوسائل 8: 544 أبواب احكام العشرة ب 122 ح 7.
(2) الكافي 2: 170 / 5، الوسائل 8: 545 أبواب احكام العشرة ب 122 ح 8، وانماث يعني ذاب،
يقال مثت الشئ في الماء إذا أذبته فانماث هو فيه انمياثا - مجمع البحرين 2: 265.
(3) الكافي 2: 171 / 7، الوسائل 8: 545 أبواب احكام العشرة ب 122 ح 10 ولكن الرواية فيه عن
أبي الميمون، وهو تصحيف - راجع معجم رجال الحديث 22: 32.
(4) الكافي 2: 361 / 1، الوسائل 8: 613 أبواب احكام العشرة 161 ح 1.
(5) الكافي 2: 361 / 2، الوسائل 8: 614 أبواب احكام العشرة ب 161 ح 2.
223

(وليقبل الله تعالى من مؤمن عملا وهو مضمر على أخيه المؤمن من سوءا) 1
ومنها: ما ورد من قولهم عليهم السلام: (المؤمن وحده حجة) 2 إلى غير
ذلك من الاخبار التي لعله نذكر بعضها في طي ما يأتي.
ومما يمكن أن يستدل به على القاعدة المذكورة أيضا: الاستقراء، فان تتبع
أحكام جزئيات الافعال من عبادات الناس ومعاملاتهم وأعمالهم وأقوالهم و
طهاراتهم ومناكحاتهم ومواريثهم وشهاداتهم يعطي أن الحمل على الصدق
والصحة قاعدة كلية من الشارع ثابتة.
واللازم في تحقيق المقام أن ينظر فيما يتحصل من تلك الأخبار وسائر الأخبار الواردة
في تلك المضمار مما يوافق تلك الأخبار أو يعارضها، ومن الآية والاجماع
والاستقراء، حتى يتضح حق المقال.
فهاهنا مقامان:
المقام الأول: فيما يتحصل من الاخبار.
فنقول: المتحصل من الأخبار المتقدمة مما يتعلق بالمقام أمور سبعة:
الأول: وجوب وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك، أي ما
يمنعك عن حمل فعله على الأحسن.
ومعنى غلبته: أن يكون بحيث لا يمكنك معه الحمل على الأحسن، و
مرجعه إلى أن يعلم غير الأحسن.
وفي شمول ما يغلبك لما يرجح خلاف الأحسن، أي يوجب الظن به وان لم
يبلغ حد العلم احتمال قوي.
والثاني: وجوب قبول قسم المسلم.
والثالث: وجوب عدم اتهام المسلم والمؤمن.

(1) الكافي 2: 316 / 8، الوسائل 8: 611 أبواب احكام العشرة ب 159 ح 2.
(2) الفقيه 1: 246 / 1096، الوسائل 5: 380 أبواب صلاة الجماعة ب 4 ح 5.
224

والرابع: أن المؤمن وحده حجة، يجب العمل بمقتضى أقواله.
الخامس: وجوب عدم إضمار السوء على الأخ، ولازمه عدم تجويز
الكذب عليه فيما يخبر عنه، وعدم تجويز الفساد والبطلان عليه فيما يفعله 1.
والسادس: وجوب عدم ظن السوء بكلمة تكلم بها أخوك.
والسابع: عدم تكذيب المؤمن.
والمراد بعدم إضمار السوء: عدم العمل بمقتضاه، والا فقد يخرج الاضمار
من تحت الاختيار، وكذلك الاتهام وعدم ظن السوء.
ثم الأخيران لا يفيدان شيئا في المقام، لان عدم ظن السوء وعدم التكذيب
أعم من ظن الخير - بل الحمل عليه - ومن التصديق.
فبقيت خمسة أخرى: وفيها - مع إغماض النظر عن ضعف جميع الأخبار الدالة
عليها أو بعضها، وعدم ثبوت جابر لها من العمل والشهرة، كما يأتي - أن
بعد حمل الأخ فيها على الأخ في الاسلام أو الايمان، وحمل الايمان على مطلق
التشيع وان دلت الأخبار الدالة عليها على لزوم حمل فعل المسلم أو
المؤمن مطلقا - كما هو موضوع تلك القاعدة - على الصحة والصدق، الا أن
بإزاء تلك الأخبار أحبارا اخر موجبة للتقييد في الموضوع 2، وأنه ليس باقيا
على اطلاقه، فلا يجب حمل فعل كل مسلم أو مؤمن أو قوله على الصحة
والصدق.
كموثقة سماعة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال، قال: (من عامل الناس فلم
يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، كان ممن حرمت

(1) تجويز الكذب، وتجويز الفساد والبطلان: هو ان يحتمل كذبه فيما يخبر به، أو يحتمل فساد وبطلان
ما يفعله بفقدان شرط أو غيره، ويرتب الأثر على ذلك الاحتمال، فاحتماله مع قصد ترتيب الأثر هو
اضمار سوء
(2) مراده: ان فيها ثلاثة اشكالات، واحد منها أساسي، واثنان عرضيان، اما العرضيان: فهما ضعف
السند، ومجازية حمل الأخ على الأخ في الاسلام أو الايمان. والاشكال الأساسي هو وجود اخبار
تقيد هذه الأخبار المطلقة، اي المتضمنة لحمل فعل المسلم على الصحة مطلقا.
225

غيبته، وكملت مروته، وظهر عدله، ووجبت اخوته) 1.
قال صاحب الوافي: يستفاد من هذا الحديث من جهة المفهوم: ان من لم
يكن بهذه الصفات لم تجب اخوته، ولا أداء حقوق الاخوة معه، ويؤيده حديث
الاختبار بصدق الحديث وأداء الأمانة، وعليه العمل، وبه يندفع الحرج ويسهل
المخرج 2. انتهى.
وكصحيحة ابن أبي يعفور، قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام: بم تعرف عدالة
الرجل من المسلمين حتى يقبل شهادته لهم وعليهم؟ إلى أن قال: (والدال على
ذلك كله: أن يكون ساترا لجميع عيوبه، حتى يحرم على المسلمين تفتيش وراء
ذلك من عثراته وعيوبه، ويجب عليهم تزكيته واظهار عدالته في الناس، و
يكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهن وحفظ مواقيتهن بحضور
جماعة من المسلمين، وان لا يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم الا من علة) 3.
دلت بمفهوم الغاية - الذي هو أقوى المفاهيم - على أن الرجل من المسلمين إذا
لم يكن ساترا لجميع عيوبه، ولم يكن منه التعاهد للصلوات الخمس، وحفظ
مواقيتهن، وحضور جماعة المسلمين، لا يحرم تفتيش أموره وعيوبه وعثراته في
أفعاله وأقواله. وظاهر 4 ذلك مناف لحمل أفعاله وأقواله على الصحة
والصدق.
ورواية الثمالي عن سيد العابدين علي بن الحسين عليهما السلام، والحديث
طويل يذكر فيه تفاصيل الحقوق وفيها: (وحق الناصح: أن تلين له جناحك، و
تصغي إليه بسمعك، فان أتى بالصواب حمدت الله تعالى، وان لم يوافق رحمته

(1) الكافي 2: 239 / 28، عيون أخبار الرضا 2: 30 / 34، الخصال 1: 208 / 8 2، بحار الأنوار 72:
92 / 4، الوسائل 8: 598 أبواب احكام العشرة ب 152 ح 2.
(2) الوافي 5: 569 ذيل حديث 2589، وحديث الاختبار في الكافي 2: 104 حديث 2 وغيره من
روايات الباب.
(3) الفقيه 3: 24 / 65، الوسائل 18: 288 أبواب الشهادات ب 41 ح 1
(4) في (ب)، (ج) زيادة: ان.
226

ولم تتهمه وعلمت أنه أخطأ ولم يؤاخذه بذلك الا ان يكون مستحقا للتهمة،
فلا تعبأ بشئ من أمره على حال) 1
دلت على عدم الاعتماد في حال من الحالات بشئ من أمور من كان
مستحقا للتهمة.
والظاهر أن المراد بالمستحق للتهمة ليس من علمت منه خلاف الحق، لأنه
لا يكون اتهاما، بل الظاهر من المستحق للتهمة أن يكون المظنون في حقه ذلك،
بل المستفاد من الأخبار المستفيضة بل المتواترة معنى: أن كل فاسق مستحق
للتهمة، وجعل في الاخبار محلا للتهمة أيضا.
ففي المرسلة، عن أبي حمزة، عن أبي عبد الله عليه السلام، عن أبيه، قال:
(قال لي أبى علي بن الحسين عليهما السلام: يا بني انظر خمسة
فلا تصاحبهم، ولا تحادثهم، ولا ترافقهم في طريق) 2 ثم إنه عليه السلام عد
الخمسة: الكذاب، والفاسق، والبخيل، والأحمق، وقاطع الرحم.
ولا شك أن
النهي عن مصاحبة هؤلاء ومحادثتهم ومرافقتهم ليس الا لكونهم مستحقين
للتهمة.
وفي مرسلة الكندي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا
صعد المنبر قال: ينبغي للمسلم أن يجتنب مؤاخاة ثلاثة: الماجن الفاجر،
والأحمق، والكذاب، فاما الماجن الفاجر، فيزين لك فعله، ويحب أنك مثله،
ولا يعينك على أمر دينك ومعادك، ومقاربته جفاء وقسوة، ومدخله ومخرجه
عار عليك) 3 الحديث.
بل المستفاد من ذلك الخبر ونحوه: أن مؤاخاة الفاجر منهي عنها، ومع ذلك

(1) الفقيه 2: 376 / 1626، أمالي الصدوق: 301 / 1، الخصال: 570، تحف العقول: 269، الوسائل
11: 137 أبواب جهاد النفس ب 3 ح 1.
(2) الكافي 2: 641 / 7، الوسائل 8: 419 أبواب احكام العشرة ب 17 ح 1.
(3) الكافي 2: 376 / 6، وص 639 / 1، الوسائل 8: 416 أبواب احكام العشرة ب 15 ح 1.
227

فكيف يجب أداء حقوق الاخوة، التي منها ما ذكره بقوله: (وضع أمر أخيك) 1
بالنسبة 2 إليه، بل في الاخبار نفي الاخوة بين البر والفاجر.
ففي مرسلة إبراهيم بن أبي البلاد: (كما ليس بين الذئب والكبش خلة،
كذلك ليس بين البار والفاجر خلة) 3.
وفي موثقة ميسر، عن أبي عبد الله عليه السلام: (لا ينبغي للمسلم أن يؤاخي
الفاجر، ولا الأحمق، ولا الكذاب) 4
وفي رواية عبد الاعلى، عن أبي عبد الله عليه السلام: (لا ينبغي للمرء المسلم أن
يؤاخي الفاجر) 5
وأما الاخبار الدلة على: (أن المؤمنين إخوة بنو أب وأم) كما في رواية
المفضل بن عمر، ورواية أبى حمزة 6
أو (أن المؤمن أخ المؤمن) كما في موثقة أبي بصير، وصحيحة علي بن
عقبة 7.
أو (أن المسلم أخ المسلم) كما في صحيحة الفضيل بن يسار، ورواية الحارث
بن مغيرة 8، وغير ذلك، فلابد من تخصيصها بتلك الأخبار، ولو لم يخصص
بها فليخصص وجوب أداء حقوق الاخوة وعدم الاتهام بمن مر في الأحاديث
المتقدمة، مع أن في المراد من المسلم المؤمن في هذه الأحاديث أيضا كلاما.
كيف وفي رواية علي بن جعفر، قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: (ليس

(1) تقدم في ص 222، في مرسلة الحسين بن المختار.
(2) في (ه‍)، (ح): بالنسبة.
(3) الكافي 2: 641 / 9، الوسائل 8: 18 4 أبواب احكام العشرة ب 16 ح 2.
(4) الكافي 2: 640 / 3، الوسائل 8: 417 أبواب احكام العشرة ب 15 ح 3.
(5) الكافي 2: 640 / 2، الوسائل 8: 417 أبواب احكام العشرة 15 ح 2.
(6) الكافي 2: 165 و 166 / 1 و 7.
(7) الكافي 2: 166 / 3 و 4.
(8) الكافي 2: 166 و 167 / 5 و 11، الوسائل 8: 597 أبواب احكام العشرة ب 152 ح 3 و 4.
228

كل من قال بولايتنا مؤمنا، ولكن جعلوا انسا للمؤمنين) 1.
وفي رواية جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال، قال لي: (يا جابر أيكتفي من
انتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت؟ فوالله ما شيعتنا الا من اتقى الله و
أطاعه، وما كانوا يعرفون يا جابر الا بالتواضع والتخشع والأمانة وكثرة
ذكر الله، والصوم والصلاة، والبر بالوالدين، والتعهد للجيران من الفقراء وأهل
المسكنة) إلى أن قال: (من كان لله مطيعا، فهو لنا ولي، ومن كان لله عاصيا،
فهو لنا عدو) 2
وفي رواية أبى إسماعيل، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: جعلت فداك
الشيعة عندنا كثير، فقال: (هل يعطف الغني على الفقير، ويتجاوز المحسن عن
المسئ، ويتواسون؟) قلت: لا، فقال (ليس هؤلاء شيعة،
الشيعة من يفعل هذا) 3.
وفي صحيحة 4 سليمان بن خالد، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: (يا سليمان
أتدري من المسلم؟) قلت: جعلت فداك أنت أعلم، قال: (المسلم من سلم
المسلمون من يده ولسانه) ثم قال: (وتدري من المؤمن؟) قال، قلت: أنت
أعلم، قال: (المؤمن من ائتمنه المسلمون على أموالهم وأنفسهم) 5.
وفي رواية السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من
أصبح لا يهتم 6 بأمور المسلمين فليس بمسلم) 7.
ولكن الظاهر المستفاد من بعض الاخبار الاخر أيضا: أن المراد بالمؤمن

(1) الكافي 2: 244 / 7.
(2) الكافي 2: 74 / 3، الوسائل 11: 184 أبواب جهاد النفس ب 18 ح 3.
(3) الكافي 2: 173 / 11، الوسائل 6: 299 أبواب الصدقة ب 27 ح 4.
(4) في (ج): رواية.
(5) الكافي 2: 233 / 12، الوسائل 8: 596 أبواب احكام العشرة ب 152 ح 1. (6) في (ب): ولا يهتم.
(7) الكافي 2: 163 / 1، الوسائل 11: 559 أبواب فعل المعروف ب 18 ح 2.
229

والمسلم المنفي عن المذكورين في تلك الأخبار، هو الكامل في الايمان
والاسلام.
فالمناط ما ذكرنا من تخصيص الاخوة ووجوب أداء حقوقها وسائر ما ذكر
بالاخبار المتقدمة.
فالثابت من ملاحظة تلك الأخبار والاخبار المقيدة لحمل فعل المسلم أو
المؤمن أو الأخ وقوله على الصحة والصدق، ومقتضى الجمع بينهما:
اختصاص تلك الأخبار بالمؤمن العدل الثقة، لا كل من صدق عليه عنوان الاسلام
والايمان.
ويدل عليه أخبار أخر أيضا واردة في موارد جزئية سنذكر
بعضها.
هذا مقتضى الجمع بين أخبار الحمل على الصحة والصدق، والأخبار
المتقدمة وما بمعناها مما لم يذكر، والا فلأخبار الحمل على الصحة والصدق
معاوضات اخر أيضا موجبة لانتفاء العمل بها رأسا.
كرواية عبد الله بن سنان، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (لا تثقن بأخيك كل
الثقة، فان سرعة 1 الاسترسال لا تستقال) 2 فان هذه الرواية تنهى عن تمام الوثوق
بالأخ، فتخصص الأخبار المتقدمة. وللاجمال في بعض الوثوق الباقي 3 تخرج
الأخبار المتقدمة عن الحجية والاستناد.
ورواية محمد بن هارون الجلاب، قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام
يقول: (إذا كان الجور أغلب من الحق لا يحل لاحد أن يظن بأحد خيرا حتى

(1) في المصدر: صرعة، وهو انسب، وان كان ما في في المتن هو الموافق لما في مجمع البحرين 5: 383
(2) الكافي 2: 672 / 6، الوسائل 8: 501 أبواب احكام العشرة ب 102 ح 1. والاسترسال هو
الاستيناس والطمأنينة إلى الانسان والثقة به. مجمع البحرين 5: 83 3.
(3) لما نهى عن كل الوثوق، يفهم منه مطلوبية (بعض الوثوق) ولكنه لما كان هذا البعض مجملا تخرج
الأخبار الدالة على الحمل على الصحة عن الحجية، لتردد المخرج منها بهذا الرواية.
230

يعرف ذلك منه) 1.
ومما لا شك فيه، ودلت عليه الاخبار والآثار: أن بعد انقضاء زمان الرسول
المختار، أو مع زمان ظهور الأئمة الأطهار، صار الجور وأهله أغلب من الحق، بل
الغالب في تمام هذه الأزمنة أهل الجور والعصيان، فلا يكون ظن الخير بأحد
حلالا، ويكون هذا أصلا، حتى يخصص منه بعض أفراده بمخصص، كما هو
المظنون في حق أكثر أهل هذه الاعصار.
وقد ظهر من ذلك: أنه لا يثبت من الاخبار في حمل فعل المسلم وقوله على
الصحة والصدق قاعدة كلية يتم الاستناد إليها.
المقام الثاني: فيما يتحصل من الآية والاجماع والاستقراء.
أما الآية: فهي وان أمرت بالاجتناب عن كثير من الظن، وأفادت أن بعض
الظن إثم، ولازم ذلك عند بعض: الاجتناب عن جميع الظنون، لاستدعاء
الشغل اليقيني للبراءة اليقينية، إلا أن المنهي عنه فيها هو الظن، وهو غير مفيد لما
نحن بصدده كما أشرنا إليه.
وأما الاجماع: فهو وإن أمكن ادعاؤه، بل القول بثبوته في موارد جزئية
يأتي الإشارة إلى بعضها، ولكنه على سبيل الكلية - كما صرح به الفاضل المولى
محمد باقر الخراساني في الكفاية 2 وغيره - غير ثابت
كيف! وإنا لم نقف من غير بعضهم التصريح بكلية حمل جميع أفعال
المسلمين وأقوالهم على الصحة والصدق، وكلام الأكثرين - غير طائفة من
المتأخرين - خال عن ذكر هذه القاعدة، وان حملوا في بعض المواضع على ذلك
للدليل الخاص به، وهو غير ثبوت الأصل الكلي.
ويكفيك في عدم ثبوت الاجماع ما ترى من الأكثر في الموارد الخاصة،

(1) الكافي 5: 298 / 2، الوسائل 13: 233 احكام الوديعة ب 9 ح 2.
(2) كفاية الأحكام: 76.
231

كباب الشهادات، والروايات، والاخبار والأقوال من ذوي الأيدي، وذوي، الأعمال
في الطهارات والنجاسات، والدعاوي والمنازعات، والمطاعم والمشارب
وغير ذلك، أنهم يختلفون في قبول الأقوال وتصحيح الافعال، ويطلبون في
الموارد الجزئية أدلة خاصة، ويتكلمون فيها، فان لم يجدوا، يرجعون إلى
الأصل، ولا يتمسكون بهذه القاعدة الا أقل قليل.
وبالجملة: ثبوت الاجماع إما يكون بتصريح جماعة يحصل من اتفاقهم
العلم بدخول المعصوم بهذه القاعدة الكلية، ونحن لم نعثر على المصرح بها
بحيث يوجب اشتهارها أيضا.
أو يكون بعمل الجميع في جميع الموارد الخاصة بمقتضاها بحيث يحصل
العلم بالاجماع بسببه، ولا شك أن العمل في بعض الموارد لأدلة خاصة لا يفيد
إجماعا على الكلية.
نعم قد يوجد في كلام بعض المتأخرين ما يستفاد منه كون هذه القاعدة
الكلية 1 مسلمة متلقاة بالقبول 2، والاكتفاء في الاستناد إليها بمجرد ذلك ليس الا
مجرد التقليد.
وأما الاستقراء: فالمراد منه إما استقراء الاحكام الواردة في الاخبار عن
الأئمة الأطهار عليهم السلام، أو في كلمات العلماء الأبرار، وشئ منها لا يفيد
في المقام، لان تامه لم يتحقق، وناقصه لو سلمنا كونه مفيدا، فإنما يفيد لو لم
يعارضه خلافه في موارد خاصة أخرى أزيد مما يوافقه.
ومن علم ذلك علم: أن المناط فيه هو حمل فعل المسلم أو قوله على الصحة
والصدق، دون شئ اخر، والأمران منتفيان في هذا المقام، فان الأخبار الواردة
في هذا المضمار مختلفة، فالحكم في بعضها موافق لمقتضى تلك القاعدة، وفي
بعضها مخالف لكليتها وان وافق في الجملة، وفي بعضها لا يوافقه أصلا، كما

(1) الكلية ليست في: (ه‍)، (ب)، (ج).
(2) رياض المسائل 1: 591.
232

لا يخفى على المتتبع في موارد النجاسات، والشهادات والمنازعات، والدعاوي
ونحوها
ففي صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سئل عن رجل جمال
استكري منه إبل، وبعث معه زيت إلى أرض، فزعم أن بعض الزقاق انخرق
فاهراق ما فيه، فقال عليه السلام: (إنه إن شاء أخذ الزيت) وقال: (إنه انخرق، ولكنه
لا يصدق إلا ببينة عادلة) 1 يعني: أن الجمال يمكن أن يأخذ الزيت، ويقول انخرق
الزق، فلا يصدق قوله الا مع البينة، وهذا صريح في عدم حمل قوله على
الصدق.
وفي موثقة سماعة، قال: سألته عن رجل تزوج أمة، أو تمتع بها، فحدثه ثقة
أو غير ثقة، فقال: أن هذه امرأتي وليست له بينة، قال: (إن كان ثقة فلا يقربها،
وإن كان غير ثقة فلا يقبل منه) 2 وهذا مخالف لكلية القاعدة
وكذا موثقة عمار بن موسى، عن أبي عبد الله عليه السلام، إنه سأل عن الرجل يأتي
بالشراب، فيقول: هذا مطبوخ على الثلث، فقال: (إن كان مسلما ورعا مأمونا
فلا بأس ان يشرب) 3 إلى غير ذلك.
ويكفيك في عدم الكلية ما ترى من اشتراطهم في الشهادة: العدالة والتعدد
وانضمام الحلف، والاكتفاء في سقوط الدعوى عن ورثة الميت بيمين نفي
العلم، والحكم بسقوطها مع عدم دعوى العلم على الوارث، وبلزوم الحلف
فيما يدعيه أحد مما هو موقوف على قصده، ونحو ذلك.
ولا يعلم في الموارد التي يكون الحكم فيها موافقا للقاعدة، أنه لأجل ما
يقتضيه تلك القاعدة، بل لعلة إنما هو لخصوص المورد، أو علة أخرى، كما هو

(1) الكافي 5: 243 / 1، الفقيه 3: 162 / 710، التهذيب 7: 217 / 950، الوسائل 13: 276
أبواب أحكام الإجارة ب 30 ح 1.
(2) التهذيب 7: 461 / 1845، بتفاوت يسير.
(3) التهذيب 9: 116 / 502، الوسائل 17: 235 أبواب الأشربة المحرمة ب 7 ح 6.
233

الظاهر من التخصيص بالخمسة في مرسلة يونس، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:
(خمسة أشياء يجب على الناس أن يأخذوا فيها بظاهر الحال. الولايات،
والتناكح، والمواريث، والذبائح، والشهادات، فإذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا
جازت شهادته، ولا يسأل عن باطنه) 1.
قال صاحب الوافي في بيانه: يعني أن المتولي لأمور غيره إذا ادعى نيابته أو
وصايته، والمباشر لامرأة إذا ادعى زواجها، والمتصرف في تركة الميت إذا ادعى
نسبه، وبائع اللحم إذا ادعى تذكيته، والشاهد على أمر إذا ادعى العلم به،
ولا معارض لاحد من هؤلاء، تقبل أقوالهم بشرط أن يكون مأمونا بحسب
الظاهر 2. انتهى.
ولذا تراهم لا يقتصرون في بعض الموارد على المسلم الذي هو موضوع
القاعدة، كما في ذي اليد أو ذي العمل، فيسوون في البناء على الصحة والصدق
بين المسلم وغيره من اليهود والنصارى والمجوس
وبالجملة: لا يعلم من مطابقة حكم الاخبار أو فتوى العلماء الأخيار في
بعض الموارد لهذه القاعدة، أنه لأجلها، ولا يثبت منها شئ ينفع في ثبوت
القاعدة.
وقد ظهر مما ذكرنا: أنه لا دليل على وجوب حمل أفعال المسلم - بل ولا الثقة
منه - وأقواله على الصحة والصدق على سبيل الكلية، بحيث يصير أصلا
مأخوذا به لا يتخلف عن مقتضاه الا بدليل وان كان كذلك في بعض الموارد بأدلة
خاصة به، من إجماع أو كتاب أو سنة، كما في باب الذبائح (والتذكية) 3 وقبول
قول ذي اليد، وفي عبادة كل شخص ومعاملته بالنسبة إليه، وأمثال ذلك،

(1) الكافي 7: 431 / 15، الفقيه 3: 9 / 29، التهذيب 6: 283 / 781، وص 288 / 798، الاستبصار
(3) 13 / 35، الخصال: 311 / 88، الوسائل 18: 212 أبواب كيفية الحكم ب 22 ح 1.
(2) الوافي المجلد الثاني م 9: 150 باب عدالة الشاهد من كتاب القضاء والشهادات.
(3) في (ه‍): التزكية.
234

فاللازم في كل مورد، التفحص عن دليل خاص به أو عام يشمله.
ولنختم الكلام هنا بذكر فوائد:
الفائدة الأولى: قيل: على القول بتنزيل أفعال المسلمين على الصحة تنزل على
الصحة عند الفاعل، لا مطلقا، ولا عند المنزل.
والتوضيح: أن الصحة والفساد في كل شئ قد يختلف باختلاف الفاعل
من جهة اختلاف حالات المكلف، ومن جهة اختلاف آراء المجتهدين.
فالأول: كما أن الصلاة للمعذور مثلا تصح بالتيمم، ولا تصح لفاقد العذر.
والثاني: كما أن التذكية على نحو قد تكون صحيحة عند مجتهد دون اخر.
والقدر الثابت هو: تنزيل فعل كل مسلم على ما هو الصحيح في حقه لا
الصحيح مطلقا.
أقول: هذا الكلام يجري في الموارد الخاصة التي يحمل فيها الفعل على
الصحة، ويقبل قول المسلم فيه أيضا وإن لم نقل بكلية حمل أفعال المسلمين و
أقوالهم على الصحة والصدق
ثم أقول: ومن حالات الفاعل التي يختلف لأجلها الصحة والفساد: الجهل
الساذج، والخطأ، والنسيان.
فلو تم هذا الكلام، لا تكون هذه القاعدة موجبة لنفي مقتضى الجهل أو الخطأ
أو النسيان عنه، ويرجع حاصل القاعدة إلى نفي التعمد في الاتيان بغير المشروع
عنده.
وعلى هذا فتظهر ثمرة القاعدة في لزوم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر،
وكذا تظهر فيما يكفي في ترتب الاحكام في حقنا صحته في حق الفاعل، كأكثر
معاملاته، فان صحتها في حقه كافية في ترتب الاحكام عليه في حقنا، كما أن
من تزوج امرأة بعقد تكفي الصحة في حقه في ترتيب أحكام زوجيته المتعلقة
بغيره عليه، فتحرم على ابنه، ويجوز له النظر إليها وإن لم يكن العقد مما يكون
235

صحيحا في حق الابن، كما إذا زوجها الأب بغير ولي، لصحته على اجتهاده،
ولم يجوزه الابن.
وأما في غير ذلك، فلا تترتب عليه الثمرة، كما إذا غسل ثوبا، وكان رأيه أو
رأي مجتهده كفاية المرة، فلا يجوز لمن يوجب المرتين الحمل عليها، وعلى هذا
فلا يكون طاهرا له، وكذا في التذكية ونحوها.
وكذا يكون اللازم في الأقوال: الحمل على عدم تعمد الكذب، فلا يلزم
المطابقة للواقع فيها، وينتفي، أكثر الفوائد التي رتبوها على حمل أقوال المسلم
على الصدق.
والتحقيق: أن اللازم في تحقيق ذلك، الرجوع إلى دليل الحمل على الصحة
والصدق، سواء قلنا به كليا أو في الموارد الخاصة، وينظر إلى ما هو مقتضى
الدليل، وما يثبت منه.
كما أنه كان الدليل هو الاجماع، يحكم بالقدر والمجمع عليه، لا مطلقا.
وإن كان قوله عليه السلام: (من اتهم أخاه) يحكم بما يوجب انتفاء الاتهام، فينفي
الاتيان بالفاسد والكذب عمدا، دون الخطأ والاشتباه.
وإن كان قوله: (ضع أمر أخيك على أحسنه) يحكم بانتفاء الخطأ والاشتباه
والنسيان أيضا، لأنه غير أحسن.
وإذ قد عرفت: عدم تمامية الدليل على الكلية، فلا يفيد تحقيق ذلك فيها.
وأما الموارد الجزئية: فهي أيضا كذلك، يعني أن الواجب الرجوع إلى الدليل
الخاص به، واتباع مقتضاه.
ولكن الثابت في أكثر تلك الموارد: هو الصحة عند الكل، والموافقة للواقع
ونفس الامر، كما أنه ثبت بناء عمل المسلم في التذكية على الصحة، والثابت
من أدلة ثبوت التذكية في حق كل أحد، ولذا لا يلزم عليه الفحص عن كيفية
التذكية أنها هل هي موافقة لرأي مجتهد المذكي خاصة أو لا، وهل أخطأ فيه أم
لا. ولو كان اللازم الحمل على الصحة في حق الفاعل خاصة، لم يفد بالنسبة
236

لسائر الناس شيئا.
وكذا في تطهير كل أحد ثوبه وبدنه، فيجوز لغيره ملاقاته وان احتمل أن
يكون تطهيره بنحو لا يعلمه مطهرا، وهكذا.
وأما ما ورد في بعض الاخبار من إلقاء سيد الساجدين عليه السلام الفرو العراقي عند
الصلاة، معللا باستحلال أهل الكوفة جلد الميتة بالدباغ 1، ومن عدم جواز بيع
الجلد على أنه مذكى إذا أخبر بائعه بتذكيته، بل ينبغي أن يقال: إن بائعه شرط
التذكية، معللا بما ذكر 2، فلا ينافي ذلك إذ لا دلالة فيهما على الحكم بعدم
التذكية، ولذا لبسه سيد الساجدين عليه السلام في غير الصلاة في الأول ورخص 3 البيع
في الثاني.
الفائدة الثانية: قال الشهيد - رحمه الله - في قواعده بعد بيان قبول خبر المسلم
في أمور: إنه يشترط في بعض الأمور هنا ذكر السبب عند اختلاف الأسباب،
كما لو أخبر بنجاسة الماء، فإنه يمكن أن يتوهم ما ليس بسبب سببا، وإن كانا
عدلين، اللهم إلا أن يكون المخبر فقيها يوافق اعتقاده اعتقاد المخبر.
ومنه: عدم قبول شهادة الشاهد باستحقاق الشفعة، أو بأن بينهما رضاعا
محرما، لتحقق الخلاف في ذلك، أو بأولية شهر، أو بإرث زيد من عمرو، أو
بكفر، والصور كثيرة.
ويشكل منها ما لو شهدا بانتقال الملك عن زيد إلى عمرو، ولم يبينا سبب
الانتقال، أو بان حاكما جائز الحكم حكم بهذا ولم يبيناه، أو شهدا على من باع
عبدا من زيد أنه عاد إليه من زيد، ولم يبينا إقالة أو بيعا مثلا.
وبالجملة: لا ينبغي للشاهد أن يرتب الاحكام على أسبابها، بل وظيفته أن

(1) الكافي 3: 397 / 2، التهذيب 2: 203 / 796، الوسائل 2: 1080 أبواب النجاسات ب 61 ح 3.
(2) الكافي 3: 398 / 5، التهذيب 2: 204 / 798، الوسائل 2: 1081 أبواب النجاسات ب 61 ح 4.
(3) في (ه‍)، (ح): وخص.
237

ينقل ما سمعه منها من إقرار أو عقد بيع أو غيره، أو ينقل ما رآه، وإنما ترتيب
المسببات وظيفة الحاكم، فالشاهد سفير والحاكم متصرف 1. انتهى.
أقول: الامر كما ذكره قدس سره، والوجه المبين للضابط فيه: أن الدليل
الدال على قبول قول المسلم كليا أو في مورد لا يدل الا على وجوب بناء قوله على
الحق والصواب والمطابقة لنفس الامر، ولا شك أن المراد منه البناء على الحق
المطابق 2 لنفس الامر بناءا على معتقده وزعمه.
وعلى هذا: فان كان الامر مما يتفاوت الحق والمطابق لنفس الامر بتفاوت
المعتقدات، فقد يكون حقا عند شخص دون اخر، وبذلك يختلف حكمهما،
فلابد من بيان السبب فيه حتى تتضح جلية الحال.
وان كان الامر غير متفاوت بتفاوت المعتقدات عادة - كالمحسوسات - فليس
كذلك ومن هذا يظهر عدم قبول شهادة الشاهد بالعلم بأني أعلم أنه كذا، لان
اللازم من قبول قوله هو تصديقه في أنه عالم بكذا، وعلمه ليس حجة على
غيره.
لا يقال: إنه إذا قال: سمعت كذا، أو رأيت كذا، فهو أيضا راجع إلى إخباره
بالرؤية والسماع، ولازمه تصديقه في ذلك، وكيف يكون سماعه أو رؤيته
حجة؟
قلنا: الحجة هي الواقع، دون علمه أو رؤيته أو سماعه، وهذه الأمور كاشفة
عن الواقع، ولكن الأول مما يستخلف الواقع عنه عادة كثيرا فلا حجية فيه،
بخلاف الأخيرين، فان تخلف الواقع عنهما خلاف العادة، فلذا يكشفان
عنه.

(1) القواعد والفوائد 1: 229
(2) في (ه‍)، (ج): والمطابق.
238

الفائدة الثالثة: قيل في مسألة قبول قول ذي اليد في النجاسة: وأما قبول قول
ذي اليد فهو أيضا مما لم يظهر عليه حجة.
وتنزيل أقوال المسلمين وأفعالهم على الصحة والصدق لا يكفي، فان المراد
من ذلك: حمل قوله على الصحة، يعني مظنون الصدق، ولا يلزم من ذلك أن
يكون حجة على غير في إثبات حكم أو تكليف أو رفع شئ ثابت موافق لأصل
البراءة.
والحاصل: أن أفعالهم صحيحة، وأقوالهم صادقة يعمل بمقتضاها، الا أن
تكون معارضة بمثلها، أو موجبه لتكليف، أو مستلزمة لضرر على الغير. وكذلك
تراهم لا يتعرضون لمن في يده شئ، أو تحته زوجة، أو غيرهما إلى أن يدعي
عليه اخر، وحينئذ يحتاج إلى قواعد اخر في طي الدعوى.
ولعل من يحكم بالنجاسة غفل عن ذلك، لما رأى أن قوله ينزل على
الصدق، وكذا فعله، بالنسبة إلى نفسه، فإذا اجتنب عن إنائه وقال: إنه نجس،
ليس لأحد أن يردعه، ويقال: إن اجتنابه صحيح وقوله صادق، فحسب أن ذلك
يثبت النجاسة الواقعية، حتى يلزم على غيره أيضا الاجتناب، وانفكاك الاحكام
المتلازمة في نظر الظاهر في غاية الكثرة، ولا ضير فيه 1. انتهى.
وهو كلام مختل النظام، فان قوله: يعني مظنون الصدق، إن أراد أنه
ليس على تنزيل أفعالهم وأقوالهم على الصحة والصدق حجة شرعية، وما
يقولون من التنزيل يعنون: أنه مظنون الصدق، فهو نفي للتنزيل، ومناف لقوله
بعد ذلك: أفعالهم صحيحة وأقوالهم صادقة يعمل بمقتضاها) إن لم يكن ذلك
الظن حجة، ومناف لقوله: ولا يلزم من ذلك إلى اخر، إن كان حجة.

(1) هذا ملخص كلام الميرزا القمي في غنائم الأيام: 79
239

وإن أراد أن مراد الشارع من حكمه بالتنزيل المذكور أنه مظنون الصحة
والصدق، ففساده أظهر من أن يخفى، مع أنه إن قال ذلك ولم يحكم بحجية
ذلك الظن، فهو أيضا نفي للتنزيل. وإن حكم بحجيته، فلا وجه لعدم دفع
الأصل به.
وإن أراد أنه وان حكم الشارع بذلك التنزيل، ولكن لكون أدلة الشرع ظنية،
يظن حكم الشارع بذلك، فلا يدفع به الأصل. ففيه: أنه على هذا يكون كسائر ما
يثبت من الشرع بالأدلة 1 الظنية التي يدفع بها الأصول ويثبت بها التكاليف. ومما
ذكرنا يظهر سائر ما في تتمة كلامه أيضا.

(1) في (ب): من الأدلة.
240

عائدة (24)
في بيان معنى لفظ (يصلح) و (لا يصلح) في الاخبار
قد تكرر في أخبار الأطهار وأحاديث الأئمة الأبرار عليهم السلام لفظ
(لا يصلح) في أبواب العبادات والمعاملات وغيرها.
وقد اختلف الأصحاب في أن مفاده: هل هو الكراهة، أو الفساد، أو
التحريم؟
فصرح بعضهم بالأول، قال صاحب المدارك في رد قول من استدل بالحرمة
في مسألة بحديث متضمن للفظ (لا يصلح): إنه ظاهر في الكراهة 1.
وصرح بعض اخر بالثاني، وقال بعض مشايخنا المحققين في شرحه على
المفاتيح في رد قول صاحب المدارك في تلك المسألة: وما قال من ظهور لفظ
(لا يصلح) في الكراهة محل نظر، فان الصلاح في مقابل الفساد، والفقهاء
يبنون على ظهور الحرمة، سيما القدماء كما لا يخفى 2. انتهى.
وما ذكره هو الصحيح لوجهين:
الأول: التبادر، فإنه إذا قال الطبيب لمريض: لا يصلح لك الغذاء الفلاني،

(1) مدارك الأحكام 1: 340، وذهب إلى القول بالكراهة الميرزا القمي في غنائم الأيام: 581
(2) شرح المفاتيح: مخطوط، وممن صرح ذلك الشيخ يوسف البحراني في الحدائق 1: 48
241

يفهم منه منعه عن تناوله، وأن فيه المفسدة، ويذمه كل أحد شاهد تناوله إياه.
وكذا تراهم في مقام الاستخارة، إذا طلب أحد من عالم الاستخارة لأمر،
فإذا قال بعد الاستخارة: لا يصلح، يفهم منه أنه ممنوع.
وكفاك في إثبات ذلك: بناء كثير من الفقهاء على ذلك، وحكمهم بالحرمة
بمجرد ورود ذلك اللفظ
هذا المحقق الشيخ أبو القاسم، استدل في المعتبر 1 على عدم جواز الاستنجاء
بالعظم والروث: برواية ليث المرادي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن
استنجاء الرجل بالعظم أو البعر أو العود، قال: (أما العظم والروث فطعام الجن،
وذلك مما اشترطوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: لا يصلح بشئ من ذلك)
وكذا العلامة الحلي في المنتهى، استدل بذلك ورد من ناقش في الرواية
بضعف السند: بان الأصحاب تلقوها بالقبول 3
وهو يدل على إثبات الأصحاب جميعا الحرمة به، وهو بمنزلة دعوى
الاجماع عليه. وكذا المحقق الثاني الشيخ على - رحمه الله - في شرح القواعد،
جعل ذلك نهيا عن الاستنجاء بالعظم والروث 4.
وأيضا رد العلامة في المنتهى 5 قول الشيخ بجواز الوضوء باناء وقع فيه ما
لا يستبين من الدم 6: بصحيحة على بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام، قال: سألته
عن رجل رعف وهو يتوضأ فيقطر قطرة في انائه، هل يصلح الوضوء منه؟ قال:
(لا) 7.

(1) المعتبر 1: 133.
(2) التهذيب 1: 354 / 1053، الوسائل 1: 251 أبواب أحكام الخلوة ب 35 ح 1.
(3) منتهى المطلب 1: 46.
(4) جامع المقاصد 1: 98.
(5) منتهى المطلب 1: 9.
(6) المبسوط 1: 7، الاستبصار 1: 23 ذ. ح 57.
(7) التهذيب 1: 412 / 1299 الكافي 3: 74 / 16، الوسائل 1: 112 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 1
242

انظر إلى هؤلاء الاعلام الذين هم من العارفين بعرف العرب، كيف فهموا
منه الحرمة، ثم بضميمة أصالة عدم النقل يثبت تمام المطلوب
بل يظهر من الاخبار تحقق ذلك التبادر في عهد المعصوم أيضا، كما في رواية
البجلي: أني أدخل سوق المسلمين، أعني هذا الخلق الذين يدعون الاسلام،
فاشتري منهم الفراء للتجارة فأقول لصاحبها: أليس هي ذكية؟ فيقول بلى. هل
يصلح لي أن أبيعها على أنها ذكية؟ فقال: (لا، ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول:
قد شرط لي الذي اشتريتها منه أنها ذكية) قلت: وما أفسد ذلك؟ قال:
(استحلال أهل العراق الميتة) 1 الحديث.
انظر كيف فهم الراوي من قوله: (لا يصلح) أنه فاسد، واستفسر من سببه،
وقال: وما أفسد ذلك؟ واحتمال وجود قرينة منفي بالأصل
والثاني: تصريح أهل اللغة بان الصلاح خلاف الفساد ونقيضه، فنفيه إثبات
الفساد
قال الجوهري في الصحاح: الصلاح ضد الفساد. وقال: والاصلاح نقيض
الافساد، والاستصلاح نقيض الاستفساد. وقال أيضا في مادة فسد: الاستفساد
خلاف الاستصلاح، والمفسدة خلاف المصلحة 2.
وقال في القاموس: الصلاح ضد الفساد، كالصلوح، إلى أن قال: و
أصلحه: ضد أفسده، إلى أن قال: واستصلح نقيض استفسد. وقال في مادة
فسد: فسد كنصر وعقد وكرم فسادا وفسودا، ضد صلح، إلى اخر ما قال 3.
وقال الطريحي في مجمع البحرين: يقال: صلح الشئ من باب
قعد، وصلح بالضم لغة: خلاف فسد. وقال في مادة فسد: والمفسدة

(1) الكافي 3: 398 / 5، التهذيب 2: 204 / 798 * وفيهما عبد الرحمن بن الحجاج، وهو البجلي
والوسائل 2: 1081 أبواب النجاسات ب 16 ح 4.
(2) الصحاح 1: 383، وج 2: 519.
(3) القاموس المحيط 1: 243، 335.
243

خلاف المصلحة 1. ويؤيده أيضا شيوع استعمال لفظ (لا يصلح) فيما هو كالمعدوم، كما في قول
الفقهاء في رد الأدلة: هذا لا يصلح للحجية، أو لا يصلح للمانعية، أولا يصلح
للمعارضة، والفاسق لا يصلح للإمامة، وهكذا.
ويؤيده أيضا: شيوع استعماله في الاخبار في ذلك المعنى بدون القرينة،
منها روايتا ليث وعلي المتقدمتان 2.
ومنها موثقة سماعة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (لا يصلح لباس الحرير
والديباح، وأما بيعه فلا بأس به) 3.
ويؤكده أيضا، بل يدل عليه: أن النفي حقيقة في نفي ما يدل عليه المثبت،
والظاهر أن مثبته - أي يصلح - بمعنى يجوز، فمعنى نفيه: أنه لا يجوز، وإنما
قلنا: إن (يصلح) بمعنى يجوز، لاستعماله فيه في الاخبار، والأصل في
الاستعمال الحقيقة إذا لم يعلم الاستعمال في غير المعنى الواحد، كما فيما نحن
فيه.
وأما استعماله فيه في الاخبار فكثير جدا.
كصحيحة علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام، قال: سألته عن الرجل
يصلح له أن يصيب الماء من فيه، يغسل به الشئ يكون في ثوبه؟ قال:
(لا بأس) 4.
وروايته عنه أيضا، قال: سألته عن بئر ماء، وقع فيه زنبيل من عذرة رطبة أو
يابسة، أو زنبيل من سرقين، أيصلح الوضوء منها؟ قال: (لا بأس) 5.

(1) مجمع البحرين 2: 387، وج 3: 121.
(2) المتقدمتان ص 242.
(3) الكافي 6: 454 / 7، الوسائل 3: 267 أبواب لباس المصلي ب 11 ح 3.
(4) التهذيب 1: 423 / 1343، الوسائل 2: 1079 أبواب النجاسات ب 59 ح 1.
(5) التهذيب 1: 246 / 709، الاستبصار 1: 42 / 118، قرب الاسناد: 180 / 664، الوسائل 1: 127
أبواب الماء المطلق ح 8.
244

وموثقة عمار، قال: سألته عن الدن يكون فيه الخمر، هل يصلح أن يكون
فيه الخل أو كامخ 1 أو زيتون؟ قال: (إذا غسل لا بأس) وعن الإبريق يكون فيه
خمر، أيصلح أن يكون فيه ماء؟ قال: (إذا غسل فلا بأس) 2
ورواية على بن جعفر عليه السلام أيضا، قال: سألته عن الرجل، هل يصلح له أن
يصلي على الرف المعلق بين نخلتين؟ وفيها: وسألته عن فراش حرير، ومثله
من الديباج، هل يصلح للرجال النوم عليه 3؟ إلى غير ذلك.
ومما يفسد كونه للكراهة: ما ذكرنا من أن النفي حقيقة في نفي المثبت،
والمثبت بأي معنى كان من المعاني المحتملة لا يثبت من نفيه الكراهة.
وتوهم الوضع الطارئ للمنفي، يدفعه الأصل، مضافا إلى أنه وقع النفي
كثيرا في جواب السؤال عن الاثبات، فقال السائل: هل يصلح ذلك؟ فأجاب
بقوله: لا. وليس هناك إلا نفي المعنى الثابت للمثبت.
ثم إنه لا ينافي ما ذكرناه: استعمال لفظ (لا يصلح) في الاخبار في ما يكره
كثيرا، لان الاستعمال أعم من الحقيقة، واستعمال الموضوع للوجوب والحرمة -
كالأمر والنهي - في الندب والكراهة في الاخبار خارج عن حد الاحصاء.
وهذا أيضا من المؤيدات للمطلوب، فان استعمال اللفظ الموضوع للوجوب
والحرمة في الندب والكراهة تجوزا شائع ذائع في الاخبار، بخلاف عكسه، فإنه
إما منتف، أو نادر جدا.

(1) الكامخ: ما يؤتدم به، معرب (المصباح المنير: 540
(2) الكافي 6: 427 / 1، التهذيب 1: 283 / 830، الوسائل 2: 1074 أبواب الطهارات ب 51 ح 1.
(3) التهذيب 2: 373 / 1553، والشق الثاني منه في الكافي 6: 477 / 8،
قرب الاسناد: 184 / 686 و 185 / 687، الوسائل 3: 274 أبواب لباس المصلي ب 15 ح 1، 467
أبواب مكان المصلي ب 35 ح 1.
245

عائدة (25) في بيان حكم الخاطئ والجاهل في الحكم والموضوع.
الآتي بعبادة بأجزائها وشرائطها إما يأتي بها مع العلم أو الظن المعتبر مطابقا
للواقع ولم يظهر خلافه، أولا. ولا كلام في الأول.
وأما الثاني: فاما يأتي بغير المطابق متعمدا، فلا كلام فيه أيضا وفي فساد
عبادته، للنهي المقتضي للفساد.
بل وكذا إن اتفق مصادفته للواقع مع تعمده عدم المطابقة، لما ذكر.
وفي حكمه: الخاطئ، أو الجاهل المقصر، الذي منه الشاك.
وأما غير من ذكر، فاما خاطئ غير مقصر، أو جاهل كذا، أو غافل، أو
ناس.
ثم الخطأ، أو الجهل، أو الغفلة، أو النسيان اما يتعلق بأصل العبادة، أو
بجزئها، أو بشرطها.
وعلى التقادير: إما يتعلق بأحكامها الشرعية، أو بموضوعاتها. وحاصل
الأقسام: أربعة وعشرون.
ولعدم فرق بين الجهل والغفلة والنسيان، وكون مرجع الثلاثة أمرا واحدا
هو الجهل. وكذا يتحد حكم الجزء والشرط، لكون الجزء في الحكم كالشرط،
ترجع الأقسام إلى ثمانية.
247

ثم الكلام في تلك الأقسام: أما في المؤاخذة والعذاب على تقدير وجوب
العبادة، أوفي الصحة والبطلان، أو في القضاء خارج الوقت، أو في الفعل
والإعادة في الوقت.
أما الأولان: فاستوفي الكلام فيهما في الأصول، وما بسطناه في شرح
تجريد الأصول، وكتاب مناهج الاحكام، وأن الحق عدم العقاب والصحة 1.
وإنما الكلام فيها في الأخيرين، ولا كلام فيهما أيضا من جهة الدليل
الخارجي، بمعنى أنه لا مانع من أن يوجد في بعض الموارد دليل خارجي على
وجوب القضاء، أو الفعل والإعادة في الوقت مع الخطأ أو الجهل، واللازم
حينئذ اتباع ذلك الدليل وإن صح ما فعله أولا.
وإنما الكلام في مقتضى الأصل، ومع قطع النظر عن الدليل، ولبيان ذلك
نقول:
أما القضاء: فلما ثبت في الأصول أنه بأمر جديد، وليس تابعا للأداء،
فالأصل فيه عدم الوجوب مطلقا، وذلك ظاهر.
وأما الإعادة والفعل في الوقت، فهو قد يختلف باختلاف الأقسام المذكورة
فنقول:
أما القسم الأول: وهو الخاطئ في الحكم الشرعي لأصل العبادة، كمسافر
خائف، ظن بدليل شرعي مثلا عدم وجوب صلاة الظهر على المسافر الخائف و
ظهر خطأه مع بقاء الوقت. وكذا من نذر بالصيغة الفارسية صلاة ركعتين في يوم
معين، وظن عدم لزومه، ثم ظهر خطأه مع بقاء ذلك اليوم بعد، وأدى اجتهاده
إلى لزوم النذر بالفارسية، فلا شك حينئذ في وجوب الفعل عليه، وهو إجماعي.
ويدل عليه: توجه الامر إليه مع بقاء وقته، أما بقاء الوقت فظاهر. وأما

(1) مناهج الاحكام: 67، الفصل الثامن في الأمر والنهي، البحث الأول في الامر، منهاج: لا شك في أن
الاتيان بالمأمور به على وجهه لازم.
248

توجه الامر إليه، فلدخوله في الموضوع، فإنه إذا رأى أن صلاة الظهر واجبة
على كل مسافر ولو كان خائفا، فيصدق ذلك الموضوع عليه، ويتوجه الامر
إليه.
وكذا إذا اجتهد أن كل من نذر بالفارسية يجب عليه الوفاء، يصدق ذلك
عليه، ووقته باق، فيجب عليه الامتثال.
وأما القسم الثاني: وهو الجاهل بالحكم الشرعي لأصل العبادة، كمن لم
يعلم وجوب صلاة الظهر، أو غفل عنه، أو نسي، أو لم يعلم وجوب الوفاء
بالنذر، وظهر له الحال والوقت باق، فهذا أيضا مما لا شك فيه، ولا ريب في
وجوب الاتيان بالفعل.
وأما القسم الثالث: وهو الخاطئ في الحكم الشرعي للجزء أو الشرط، كمن
ظن عدم وجوب السورة في الصلاة، أو عدم وجوب الاستقبال، أو ستر العورة
فيها، وصلى بدون السورة، أو غير مستقبل القبلة، أو مكشوف العورة، ثم تبين
له خلافه مع بقاء الوقت، فالأصل 1 فيه وجوب الفعل ثانيا مع الشرط أو الجزء
المتروك أولا، لأنه بتبين الخلاف حصل له أمر، وهو أن كل مكلف يجب عليه
الفعل مع هذا الجزء أو الشرط في الوقت الفلاني، والمفروض بقاء الوقت،
فيكون داخلا في الموضوع، فيجب عليه الفعل.
ولا ينافي ذلك صحة ما فعله أولا، حيث إنه المأمور به له حينئذ، لأنه المأمور
به له حين 2 يعلم أنه المأمور به. لا ينافي ذلك كون شئ اخر مأمورا به له في
وقت اخر.
والحاصل أن هاهنا أمرين: مطلق ومقيد، وكان الأول واجبا عليه في
الوقت الأول، والثاني في الثاني.

(1) في (ه‍)، (ح): إذ الأصل.
(2) في (ه‍)، (ب): حتى.
249

والتفصيل 1 في الموارد بان يقال: أنه إن كان في المورد 2 أمر بالمقيد شامل لمثل
ذلك الشخص مع هذه الحالة، ولأجله تغير اجتهاده، فيجب عليه الفعل ثانيا. و
إن لم يكن كذلك، بل عثر على القيد، فلا، لان مقتضاه وجوب القيد على من
وجب عليه المقيد، والأصل عدم وجوبه على مثل ذلك الشخص.
فالأول: كما أن ظن أولا وجوب الصلاة مطلقا، فصلى قبل الزوال، أولا
إلى القبلة، أو غير ساتر للعورة، أو بدون السورة، ثم عثر على قوله: (أقم
الصلاة لدلوك الشمس) أو (صل إلى القبلة) أو (صل ساترا للعورة) أو (صل مع
السورة) والوقت باق، فيجب عليه الفعل ثانيا، لشمول هذه الأوامر لمثل ذلك
الشخص باطلاقها، وعدم دليل على القيد بغير من صلى أولا.
والاجزاء عن الامر الأول لا ينافي وجوب الإعادة، لان هناك أمرين: مطلق
ومقيد، والاجماع على اتحادهما إنما هو مسلم في حق غير مثل ذلك الشخص.
الثاني: كما أن صلى قبل الزوال على أحد الأنحاء المذكورة، ثم عثر على
دليل القيد أيضا من غير تحقق أمر بالمقيد، مثل قوله: الوقت شرط في الصلاة، أو
القبلة واجبة مراعاتها فيها، أو ستر العورة في الصلاة واجب، أو السورة واجبة
فيها، ونحو ذلك، فان معناها وجوب هذه الأمور على من تجب عليه الصلاة، و
وجوبها على مثل ذلك الشخص غير معلوم.
ولا يتوهم: أنه تصير المطلقات - على هذا التقدير - مقيدة، فيظهر أن معنى
قوله: صل، الموجب للصلاة عليه أولا، صل كذا وكذا، فهذا الامر شامل
باطلاقه لمثل ذلك الشخص.
لأنا نمنع صيرورة المطلقات مقيدة بحسب المعنى، بل القدر الثابت وجوب
القيد، أما أن معنى الصلاة والمراد منها ذلك، فلا، كما حققناه في بحث المطلق
والمقيد من الأصول.

(1) في (ب): وربما يتوهم التفصيل، وفي (ح): وبالتفصيل.
(2) في (ب): الموارد.
250

فالمراد من المطلق الامر بالماهية وقد امتثله، ويظهر من دليل التقييد وجوب
القيد أيضا، ولكن لا مطلقا، بل على من وجبت عليه الماهية، ووجوبها على مثل
هذا الشخص في حيز المنع.
فان قلت: إنه يفهم من دليل القيد وجوب الماهية مع القيد، فإذا انضم ذلك
الفهم مع الامر بالمطلق، يصير أمرا آخر وراء الامر الأول، ويكون في قوة
قولك: صل ساترا للعورة، وذلك شامل لمثل ذلك الشخص.
قلنا: لا نسلم ذلك، بل المفهوم من دليل القيد مجرد وجوبه حين وجوب
الماهية، ويكون المجموع في قوة قولك: صل واستر عورتك مثلا في الصلاة التي
تجب عليك.
والحاصل: أن حصول تغيير في الامر المطلق ممنوع، وإنما يجب أمر زائد
على المطلق على من وجب عليه المطلق لا مطلقا.
والأظهر في عدم وجوب الإعادة: ما إذا كان دليل وجوب هذا الجزء أو
الشرط أو جزئيته أو شرطيته أو دليل وجوب الأصل: الاجماع، فإنه واضح
حينئذ عدم وجوب الفعل ثانيا، لأنه على ذلك التقدير يكون وجوب هذا الفعل
مع ذلك الجزء أو الشرط بسبب الاجماع، ولم يثبت الاجماع في حق مثل ذلك
الشخص في هذا الوقت.
أقول: هذا التفصيل إنما يتم في الأمر الزائد عن الماهية، وما يتوقف عليه
صحتها، وأما فيها، فلا، لان الامر بالماهية أمر بها مجتمعة الاجزاء والشرائط،
فإذا علمنا مثلا أن السورة جزء للصلاة أو ستر العورة شرط لصحتها، نعلم أن
معنى قوله: صل: إفعل الأركان المخصوصة مع السورة ساترا للعورة بأي نحو
أدي وجوب السورة والستر، فيكون الامر بالصلاة أمرا بالاجزاء المنضمة مع
السورة المقارنة مع الستر، وذلك الامر يشمل مثل هذا الشخص الذي كلامنا فيه
أيضا، فيجب عليه الإعادة من غير فرق بين أن يكون دليل الوجوب الاجماع أو
غيره.
251

نعم: لو كان دليل الجزئية أو الشرطية: الاجماع، واختلف في حال الجهل،
فإنه لا يتم حينئذ.
والحاصل: أن الحكم بالإعادة إنما هو في الجهل بما فرضت شرطيته أو جزئيته
قطعا أو إطلاقا، لا فيما شك في شرطيته أو جزئيته.
وأما القسم الرابع: وهو الحاصل بالحكم الشرعي للجزء أو الشرط، كمن لم
يعلم وجوب السورة أو القبلة في الصلاة، وصلى بدونهما، ثم ظهر له الحال مع
بقاء الوقت، فهو أيضا كالقسم السابق، ووجهه مما مر ظاهر.
ثم في هذه الأقسام الأربعة لو انعكس حال الخطأ أو الجهل، بأن ظن
الوجوب، وأتى به، ثم ظهر عدمه، فلا إشكال في عدم وجوب شئ ثانيا، إلا
إذا كان الجزء أو الشرط الزائد مما تبطل به العبادة.
وأما القسم الخامس: وهو الخاطئ في موضوع أصل العبادة، مع تبين الحال
في الوقت، كمن نذر شيئا وظن بدليل أنه الصدقة، وأتى بها، ثم تبين له أنه أربع
ركعات في يوم الجمعة والوقت باق
أو من ظن أن صلاة الظهر أمر اخر وراء هذه الهيئات المخصوصة بدليل، وأتى
بها، وظهر له الحال مع بقاء الوقت.
ولا شك في وجوب الفعل ثانيا في الوقت، لان الظاهر في ثاني الحال: أن
نفس المأمور به هو ذلك الشئ الاخر، وأن معنى قوله: صل، يعني: تجب
عليك تلك الهيئات المخصوصة، وأن الواجب بالنذر هو الصلاة، وهو باطلاقه
شامل لمثل ذلك الشخص، ويمكن له الامتثال، فيجب عليه الفعل، إلا أن يكون
دليل وجوب الفعل الاجماع، كما لا يخفى.
فان قلت: لا شك أن كل أحد متعبد بظنه، فالامر بصلاة الظهر مثلا أمر
بالاتيان بما ظن أنه صلاة الظهر، فإذا ظنها أمرا اخر وراء الهيئات وأتى بها، فقد
أتى بما امر به، والآتيان بالمأمور به يقتضي الاجزاء.
قلت: نعم يقتضي الاجزاء عن المأمور به بذلك الامر، وأما إذا تبين له أنها
252

الهيئات المخصوصة، فالمتحصل له بعد ذلك الفهم أمر آخر والوقت باق، فيجب
عليه الاتيان به.
والحاصل: أنه يفهم في الوقت أن الشارع قال: افعل هذه الهيئات
المخصوصة، وهو باطلاقه شامل لمثل ذلك الشخص، ولم يفعله بعد، ويمكن له
الفعل، فيجب عليه 1.
فان قلت: لما كانت متعلقات التكاليف: هي الأمور المعلومة، فمعنى:
صل: افعل ما علمت أنه صلاة، سواء كان المعلوم هذه الهيئات المخصوصة، أو
غيرها، وقد أتى بما علم، ولا تكرار في الامر، فلا يجب عليه شئ اخر.
قلت: لا نسلم أن المعنى ذلك، بل المعنى: افعل الهيئات المخصوصة إن
علمت أنها صلاة، وافعل غيرها إن علمته صلاة، وهكذا.
والحاصل: أنه ليس هنا لفظ مطلق يوجب الاتيان بفرد منه الامتثال، بل
القدر المعلوم باعتبار اشتراط التكليف هو ما ذكرناه، فإذا علم أن الصلاة هي
الهيئات المخصوصة، يجب فعلها ثانيا.
فان قلت: نعلم أنه ليس المطلوب هناك إلا أمرا واحدا.
قلنا: معلومية ذلك ممنوعة، وإنما هي لغير مثل ذلك الشخص، بل هنا أمران
كما ذكرنا 2
وأما القسم السادس: وهو الجاهل بموضوع أصل العبادة، كمن أتى بشئ
مكان صلاة الظهر غفلة أو نسيانا، ثم تبين في الوقت خطأه، ووجوب الإعادة
عليه ودليله واضح مما سبق.
وأما القسم السابع: وهو الخاطئ في موضوع الجزء أو الشرط،

(1) ورد في هامش (ب)، (ح): وفرق ذلك مع ما سبق: أن هذا الفهم يجعل الامر الأول أمرا وراء
السابق، بخلاف فهم القيد.
(2): ورد في حاشية (ب) زيادة: نعم يمكن القول بعدم وجوب الفعل ثانيا، إذا فرض كون الخطأ هنا من
قبيل القسم الثاني من القسم السابع الآتي كما يظهر وجهه فراجع.
253

فهو على قسمين: أحدهما: أن يخطأ في مفهوم الجزء أو الشرط، كمن ظن أن المراد بالمغرب
غروب الشمس، فصلى ثم تبين له مع بقاء الوقت أن مفهومه زوال الحمرة، أو
ظن أن القبلة ما بين المشرق والمغرب، فصلى في العراق إلى حوالي المشرق، ثم
ظهر له أن ذلك قبلة المتحير، وقبلته تنحرف عن الجنوب إلى المغرب كثيرا.
أو ظن أن ستر العورة يتحقق مع اللباس الحاكي أيضا، ثم ظهر له أنه ليس
بساتر.
أو ظن أن السورة الواجبة في الصلاة صادقة على آية من السورة أيضا، ثم
ظهر له خطأه.
وثانيهما: أن يخطأ في مصداقه، كمن علم أن المراد بالمغرب زوال الحمرة،
وظن حصوله قبل حصوله، وصلى، ثم تبين خطأه، أو علم أن القبلة الجهة
المخصوصة للكعبة، وظنها في سمت، وصلى إليه، ثم ظهر خطأه. وهكذا.
فان كان من القسم الأول: فالظاهر وجوب الفعل ثانيا مع بقاء الوقت، و
دليله يظهر مما مر في القسم الخامس، فان قول الشارع: صل حين المغرب، عام
لكل أحد، فإذا صلى أولا قبل زوال الحمرة بظن أنه المغرب، وتبين خلافه مع
بقاء الوقت، يعلم أن معناه: صل حين زوال الحمرة.
وإن شئت قلت، معناه: صل حين زوال الحمرة إذا علمت أنه المغرب،
والوقت باق، والدليل عام، ولم يمتثله بذلك المعنى، فيجب امتثاله. والمناقشة
بكون كل أحد متعبدا بظنه، ظهر دفعها مما سبق في الخامس.
وإن كان من القسم الثاني: فالظاهر في بادئ النظر أن الأصل عدم وجوب
الفعل ثانيا، إذ ليس هناك إلا أمر واحد هو الصلاة حين علمه بزوال الحمرة، وقد
أتى بها امتثلها وإن أخطأ في ذلك العلم، وليس هو سببا لتعلق أمر اخر.
والحاصل: أن معنى (صل حين المغرب أو حين زوال الحمرة) أنه صل هذا
الحين إذا علمته هذا الحين، وقد علمه وصلى، فامتثل.
254

ولم يتبدل عنده شئ في الخطاب أو الأمر حتى يتحصل دليلان، وهذا هو
فرق ذلك مع سابقه، فان في السابق تغير علمه في فهم الخطاب، وفى كل حال
مكلف بمقتضى فهمه، بخلاف ذلك.
والتحقيق: وجوب الإعادة فيه أيضا، لان مقتضى (صل في زوال الحمرة
الواقعية إن علمته) الاتيان بهذا الامر مع بقاء وقته، والوقت باق، والمفروض أنه
يعلم حينئذ أنه لم يأت بذلك المأمور به وإن أتى بالصلاة في زوال الحمرة
المعلومة، ولكنه امتثال لأمر اخر معلوم بلسان العقل، وهو أن كل ما علم فهو
تكليفه، وأما ذلك الامر الصادر من الشارع فمقتضاه ليس الا الاتيان بالصلاة في
زوال الحمرة الواقعية بشرط العلم بها، والمعلوم له حينئذ أنه ما أتى بذلك الامر،
وإن أتى بالامر المعلوم بلسان العقل، فيجب الاتيان به.
وأما القسم الثامن: وهو الجاهل بموضوع الجزء أو الشرط: كمن صلى حين
سقوط القرص مع جهله بأنه الوقت، أو بعد زوال الحمرة غير ملتفت إلى
الخلاف، أو مع جهله بزوال الحمرة وعدمه مع علمه بان المغرب إنما هو زوال
الحمرة، غير ملتفت إلى احتمال العدم، بل كان غافلا، أو مع النسيان لذلك،
فالأصل في الجميع: وجوب الاتيان بالفعل بعد تبين الحال 1 لتعلق الامر به، و
إمكان امتثاله.
وأما صحة ما أتى به، فهو لا يقتضي الاجزاء عن ذلك الامر، لأنه أمر اخر
تعلق به بلسان العقل الحاكم بعدم التكليف فوق الطاقة، وبأن كل من قطع بتعلق
تكليف به، يتعلق به، وهذا أمر صادر بلسان الشرع غير ممتثل، فيجب الاتيان به.
ثم إن بعد الإحاطة بما ذكرنا يظهر لك قوة القول بوجوب الإعادة مطلقا، كما
يظهر من ابن إدريس في السرائر: مستدلا بان حكم الامر باق في ذمته، وما فعله

(1) ورد في حاشية (ب): هذا إذا كان دليل الجزء موجبا للقيد، وأما بدونه فوجوب الإعادة غير
معلوم، كما مر في القسم الرابع.
255

غير مأمور به لا يسقط عنه الفرض، فيجب أن يفعل ثانيا ما دام الوقت باقيا،
لقدرته عليه 1.
كما يظهر ضعف القول بعدم الوجوب مطلقا مستدلا بأنه متعبد بظنه 2، و
تعلم جواب الاستدلالين 3.
فوائد:
الأولى: لو صادفت عبادة بعض هؤلاء الواقع اتفاقا، كالغافل، والناسي،
والجاهل بالحكم، وأمثالهم، إذا فعل الفعل مع الغفلة أو النسيان أو الجهل
بالحكم، فصادف الواقع، فهل يجب عليه الإعادة في الأقسام التي كانت فيها
الإعادة؟ الظاهر لا، لأصالة عدم اشتراط العلم بالمصادفة أيضا، إلا أن يكون ذلك
مع خطأ أو جهل مقارن مع التقصير الموجب للنهي المفسد للعبادة.
الثانية: لا فرق فيما ذكرنا في الخاطئ المتبين خطأه في الوقت من وجوب
الإعادة 4 بين ما إذا تبين خطأه بالعلم بالواقع، أو بالاجتهاد الذي هو حجة في
حقه، لجريان الدليل المذكور فيه في الموضعين.
وقال المحقق الثاني الشيخ على في بحث القبلة من شرح القواعد بعدم لزوم
الإعادة في صورة تبين الخطأ بالاجتهاد مطلقا، قال: لان الخطأ - هو عدم مطابقة
الواقع - لم يظهر بمخالفة الاجتهاد الثاني للأول، لامكان كون الخطأ هو الثاني. و
وجوب العمل به ظاهرا لتعبده باجتهاده لا يقضي صحته في نفس الامر 5. انتهى
وهو ضعيف غايته، إذ دليل وجوب الإعادة فيما تجب لم يكن ظهور كون

(1) السرائر 1: 206.
(2) كما في مدارك الأحكام 3: 102، والذخيرة: 209، والحدائق 6: 286.
(3) في (ه‍)، (ح): جواب الاستدلال.
(4) في (ب)، (ح) زيادة: في بعض الأقسام.
(5) جامع المقاصد 2: 75.
256

الفعل الثاني مطابقا للواقع، بل كان هو: تعبده باجتهاده، وصيرورته حكمه في
حقه ظاهرا.
الثالثة: لا فرق في وجوب الا عادة فيما إذا كان المعلوم في الوقت خطأه أو
جهله مخالفا لمقتضى اعتقاده، أو لمقتضى الاستصحاب، إذ مقتضى
الاستصحاب ليس بأقوى من مقتضى العلم.
ولا يتوهم: أن الشارع أقام المستصحب مقام الواقع.
إذ ليس كذلك، بل أقامه مقام العلم، فقال: (لا تنقض اليقين بالشك).
وعلى هذا: يكون معنى قوله: (صل قبل غروب الشمس) أنه صل حينئذ
إن علمته حينئذ، أو استصحبته، وبعد ظهور الخطأ، يعلم أنه لم يصل حينئذ،
بل صلى بعد الغروب باستصحاب عدمه، فيبقى في الذمة.
257

عائدة (26)
في أن مورد الاجماع المدعى هو مراد الناقل من اللفظ
إذا نقل عدل إجماعا على أمر، فمورد الاجماع المدعى: هو مراد الناقل من
اللفظ، فيجب الفحص عن مراده منه، لا عن مراد الشارع من هذا اللفظ إذا
أطلقه.
كما إذا قال فقيه: يجب ستر العورة في الصلاة إجماعا، فاللازم على من
يقول بحجية الاجماع المنقول، الفحص عن مراد ذلك الفقيه من العورة، دون
مراد الشارع منه إذا أطلقها.
فلو علم أن الراجح عند ذلك الفقيه، هو أن العورة هو القبل والدبر،
فيقول: ذلك مورد دعوى الاجماع دون غيره وإن اقتضى الترجيح عندنا كون
العورة في اللغة أو في عرف الشارع من السرة إلى الركبة، إذ لا تدل دعواه على
حصول الكشف المدلول عليه بلفظ الاجماع على صدور هذا اللفظ من الشارع.
فلا وجه لاجراء القواعد اللفظية فيه بالنسبة إلى الشارع، إلا مع ثبوت اتحاد
عرف الامام والناقل، فان الاجماع المنقول - على فرض حجيته - لا يثبت إلا
الكشف عن رأي الامام بالحكم الذي ذكره الناقل، فاللازم إجراء القواعد اللفظية
في كلامه، لا في كلام الامام.
وكذا الكلام في لفظ الستر إذا كان الراجح في نظرنا أن معناه ما يستر الحجم
259

أيضا، ولكن كان الراجح في نظر الناقل أنه ما يستر البشرة، فمورد دعوى
الاجماع هو الأخير، دون الأول.
ومن هذا القبيل إذا ادعى الاجماع على وجوب الغسل، وكان الراجح في
نظر المدعي عدم اعتبار العصر في معنى الغسل، فمورد دعوى الاجماع هو ذلك
المعنى، دون ما يتضمن العصر أيضا،
وكذا الكلام إذا علم الاختلاف في مصداق اللفظ بين الفقهاء وإن لم يعلم
خصوص الراجح في نظر الناقل.
نعم قد يوجد في المقام قرينة على أن مراد الناقل تحقق الاجماع على صدور
هذا اللفظ من الشارع، وحينئذ يجب إجراء القواعد اللفظية بالنسبة
إلى الشارع 1.
ومجرد وقوع الاختلاف بين الفقهاء في معنى اللفظ، لا يصلح قرينة لإرادة
صدور هذا اللفظ، لتكثر نقل الاجماع في مقامات يكثر فيها الاختلاف حتى من
الناقل أيضا.

(1) في (ب) زيادة: في اللفظ.
260

عائدة (27)
في بيان قاعدة (الميسور لا يسقط بالمعسور)
مما يستدل به بعض الفقهاء في مقام إثبات الحكم للجزء، بعد تعسر الكل أو
تعذره: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم) 1.
وقوله عليه السلام: (الميسور لا يسقط بالمعسور) 2.
وقوله: (ما لا يدرك كله لا يترك كله) 3
والأول مروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والثانيان عن علي عليه السلام، نقل الثلاثة في عوالي
اللآلي.
والكلام فيها: إما في حجيتها، أو دلالتها.
أما الأول، فنقول: لا شك في عدم اعتبار تلك الأخبار من حيث السند، ولا
من حيث وجودها في أصل معتبر، ولكن تصدى بعضهم لاثبات حجيتها، ببيان
اشتهارها، وانجبارها بالعمل.
فقال: إنه ذكرها الفقهاء في كتبهم الاستدلالية على وجه القبول، وعدم
الطعن في السند أصلا، ومع ذلك مشهورة في ألسنة جميع المسلمين يذكرونها و

(1) عوالي اللآلي 4: 58 / 206
(2) عوالي اللآلي 4: 58 / 205
(3) عوالي اللآلي 4: 58 / 207
261

يتمسكون بها في محاوراتهم ومعاملاتهم من غير نكير، فهي بالعمل مجبورة و
بالشهرة معتضدة، فتكون حجة 1.
ويرد عليه: أنه إن أريد بانجبارها بالشهرة: الشهرة المتنية، فهي ليست
مشهورة، إلا في ألسنة المتأخرين، وهي غير كافية.
بل اشتهارها عندهم أيضا ليس إلا بنقل بعضهم عن بعض في مقام الاحتجاج
ورده، وهذا ليس من الشهرة الجابرة، فإنه لو ذكر واحد حديثا ضعيفا، ثم ذكره
الجميع ناقلا عنه ورادا للاستدلال به، لا يحصل له الشهرة المتنية الجابرة، وحال
تلك الثلاثة من ذلك القبيل، كما ترى أنه استدل نادوا بالأول في مقام إثبات كون
الامر للندب، وذكره الباقون نقلا منه، مردوا عليه، وكذلك الثانيان.
وإن أريد الشهرة المدلولية، فهي ممنوعة وإن كان الفتوى في بعض جزئيات
مدلولها مشهورة، وهي غير اشتهار المدلول.
فالظاهر عدم حجية تلك الأخبار، وعدم صلاحيتها لاثبات الاحكام المخالفة
للأصل، إلا أن يكتفى في انجبار الخبر الضعيف بالشهرة المحكية أيضا، كما هو
المحتمل، بل الأظهر.
فإنه يمكن القول بحجية تلك الأخبار، حيث إنه نسب بعضهم القول
بوجوب الاتيان مما يتمكن منه من الاجزاء إلى الأكثر
وأما الثاني، فنقول: أما الحديث الأول فيحتمل وجوها أربعة:
أحدها: أن تكون لفظة (من) في قوله: (منه) للتبعيض، ويكون (منه)
مفعولا لقوله: (فأتوا) ويكون قوله: (ما استطعتم) بدلا لبعضه، ويكون
المعنى: فأتوا بعضه، البعض الذي استطعتم
والثاني: أن تكون (من) تبعيضية أيضا، ويكون المفعول قوله: (ما
استطعتم) ويكون المعنى: فأتوا ما استطعتم حال كونه بعضه.

(1) الفوائد الجديدة: 7 فائدة: 12.
262

والثالث: أن تكون لفظة (من) مرادفة للباء، فإنه من معانيها المشهورة، وقد
ذكره الجوهري وابن هشام 1 وغيرهما 2، وتكون لفظة (ما) مصدرية زمانية،
كما قالوا في قوله سبحانه: (فاتقوا الله ما استطعتم) 3 ويكون المعنى: فأتوا به
ما دامت استطاعتكم.
والرابع: أن تكون لفظة (من) بيانية، إما بيانا للمأتي، كما قاله ابن هشام في
قوله سبحانه: (يحلون فيها من أساور) 4 حيث جعل لفظة (من) بيانية لما يحلى
به 5، وتكون (ما) مصدرية زمانية أيضا، أو بيانا للموصول، ويكون المعنى:
فأتوا ما استطعتم منه بعضا أو كلا.
ودلالته على مطلوبهم إنما هو إذا كان معنى الحديث أحد الاحتمالين
الأولين، أو الشق الثاني من الأخير، وهو غير معلوم
فان قلت: المعنى الثالث يوجب جعل (من) بمعنى الباء، وهو مجاز خلاف
الأصل، وجعل (ما) مصدرية، وهو أيضا خلاف الأصل، لان الأصل في (ما)
أن تكون غير مصدرية، وأيضا تأويل الفعل بالمصدر خلاف الأصل.
وأيضا على الثالث بل الرابع يكون مقتضى الحديث: وجوب الاتيان
بالمأمور به، وعدم جواز تركه، وهذا ليس إلا تأكيدا للايجاب الثابت من الامر،
والتأسيس أولى من التأكيد.
قلنا: لو سلمنا تجوز لفظة (من) في مرادفة الباء، ولفظة (ما) في المصدرية،
وكون (من) حقيقة في التبعيض أيضا، فنقول: المجاز لازم على الأولين أيضا، إذ
يجب أن يكون المعنى: إذا أمرتكم بشئ ولم يتيسر الاتيان بالكل، فأتوا بعضه

(1) الصحاح 6: 2209، مغني اللبيب 1: 321
(2) كالطريحي في مجمع البحرين 6: 320
(3) التغابن 64: 16.
(4) الكهف 18: 31.
(5) مغني اللبيب 1: 319.
263

الذي استطعتم، أو ما استطعتم منه حال كونه بعضه.
وأيضا يحتاج إلى التقييد في لفظ (الشئ) بجعله شيئا له أبعاض، أي
الشئ المركب.
وأيضا يجب ارتكاب تقييد اخر أيضا، فإنه ليس كل مركب يجب الاتيان بما
يستطاع من أجزائه، كالصلاة والصوم.
والأخيران لازمان في الشق الثاني من الرابع أيضا، مضافا إلى استلزامه
تقديم المتعلق على المتعلق، وهو أيضا خلاف الأصل.
وأيضا يلزم خلاف أصل اخر على هذه التقادير الثلاثة، بل على الشق الأول
من الرابع أيضا، وهو إضمار لفظة الباء في قوله: (ما استطعتم) لان الاتيان
بمعنى الامتثال - كما صرح به بعضهم 1 - لا يتعدى الا بالباء، فلا بد من إضمار
لفظة الباء مزيدة على لفظة (ما).
وجميع تلك الأمور مخالفة للأصل، فلو لم يجب ترجيح الفاقد لها على
المتضمن لها، فلا أقل من التوقف المسقط للاستدلال.
وأما جعل المفاد على التقديرين الأخيرين تأكيدا، فهو غير صحيح، بل
يكون الغرض حينئذ بيان اشتراط التكليف بالقدرة والاستطاعة، وهو حكم
شرعي، وليس فيه تأكيد لمدلول الصيغة أصلا.
وتوهم كونه تأكيدا لما علم من الأدلة النقلية الاخر، النافية للتكليف بما
لا يطاق، فاسد جدا، إذا لم يعلم تقدم سائر الأدلة على ذلك، حتى يكون ذلك
تأكيدا لها، مع أن المكلفين غير محصورين عددا، فيمكن أن يكون كل في مقام
بيان الحكم لبعضهم.
وأما لزوم كونه تأكيدا لما علم بالعقل، حيث إنه يحكم بقبح تكليف ما
لا يطاق، ففيه: أنه إنما هو إذا كان ذلك العقليات البديهية التي يحكم بها عقل

(1) كصاحب مفاتيح الأصول: 523
264

كل أحد.
ومما ذكرنا ظهر: عدم دلالة ذلك الحديث على ما استدلوا له، بل وكذلك
الثاني والثالث أيضا.
أما الثاني: فظاهر، لان لفظة الباء في قوله: (بالمعسور) سببية، ومعنى
الحديث: أن الحكم الثابت للميسور لا يسقط بسبب سقوط المعسور، ولا كلام
في ذلك، فإنه لا شك في أن سقوط حكم الشئ لا يوجب بنفسه سقوط الحكم
الثابت لاخر، فهذا الحديث لا يدل الا على عدم سقوط الحكم الثابت، لا على
ثبوت حكم للميسور.
فاللازم في كل ميسور أن يتكلم في ثبوت الحكم له، مع قطع النظر عن ذلك
الحديث، فان كان ثابتا يحكم بثبوته له، وإلا فلا، فيلزمه أن الميسور الذي هو
مأمور به بنفسه لا يسقط بالمأمور به الذي هو معسور، وهو كذلك.
وأما أجزاء الواجب المركب فليست واجبة إلا حال كونها أجزاءا، وبعد
تعسر الكل تصير الاجزاء من هذه الحيثية أيضا متعسرة. وأما مع قطع النظر عن
الحيثية، فلا يثبت لها الوجوب أصلا، حتى لا يسقط بمعسورية الكل.
وأما الثالث: فلان قوله: (لا يترك) إخبار مستعمل في مقام الانشاء
تجوزا، ومثله لا يثبت الزائد عن المرجوحية، دون الحرمة التي هي مقصود
المستدلين.
مع أنه لو قلنا بدلالته على الحرمة أيضا، لزم إما حمله على مطلق مرجوحية
الترك، أو تخصيص الموصول بالواجبات، ضرورة عدم حرمة ترك الباقي في
المستحبات، ولا يتعين أحدهما، فيسقط الاستدلال.
وأولوية التخصيص من المجاز ممنوعة، كما بينا في محله
ولزوم التخصيص بغير المباحات على التقديرين غير مفيد للتخصيص
بالواجبات أيضا.
مع أن لنا منع كونه إنشاءا أيضا، بل يمكن أن يكون إخبارا منه عليه السلام عن
265

طريقة الناس بأنهم إذا لم يدركوا جميع شئ لا يتركون الجميع، بل هذا مقتضى
أصالة الحقيقة.
والقول بعدم ترتب فائدة على ذلك الاخبار، فاسد، إذ لعله كان في مقام
تترتب عليه فوائد كثيرة، كما ترى أنه يحتاج المتكلم في أثناء تكلمه إلى الاخبار
عن أحوال الناس كثيرا، وتترتب عليه فوائد عديدة
هذا، مع أن كون لفظ (الكل) حقيقة في الكل المجموعي خاصة، أو مشتركا
معنويا بينه وبين الافرادي، غير معلوم، بل يحتمل كونه مشتركا لفظيا، أو حقيقة
في الثاني خاصة، والمفيد للمستدل هو الأول، إذ لا كلام في أن العام أو المطلق
المتعذر الاتيان بجميع أفراده يجب الاتيان بالباقي، وإنما الكلام في المركب، و
تمامية الاستدلال موقوفة على القطع بكون المراد بالكل هو المركب أي الكل
المجموعي، وهو غير معلوم.
فالاستدلال بشئ من تلك الأخبار الثلاثة على أصالة وجوب ما تيسر من أجزاء
المركب الواجب، أو استحباب ما تيسر من المستحب بعد سقوط الكل، غير تام.
ومنه يظهر عدم تمامية هذا الأصل، ولذا ذهب جماعة منهم صاحب المدارك
والمحقق الخوانساري 1 إلى سقوط التكليف بما بقي من الاجزاء، لان وجوب الاتيان
بالاجزاء الممكنة أو استحبابه خلاف الأصل، والامر بالكل لا يستلزم الامر
بالاجزاء إلا تبعا، وإذا انتفى المتبوع انتفى التابع 1.
وخالف فيه جمع آخر، بل نسب إلى الأكثر 2، فقالوا: بوجوب الاتيان في
الواجب، واستحبابه في المستحب، واستدلوا عليه بالاخبار المتقدمة، وقد
عرفت عدم دلالتها.

(1) مدارك الأحكام 2: 84، مشارق الشموس: 110، واختاره المقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة
1: 184، والمحدث البحراني في الحدائق 2: 245 و 254.
(2) منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1: 117، وصاحب الرياض 1: 54، ونقل النسبة إلى الأكثر
عن جده في مفاتيح الأصول: 522، وانظر الفوائد الجديدة: 7: فائدة 12.
266

وقد يستدل أيضا بالاستصحاب، كما أشار إليه الفاضلان 1 والشهيدان 2
وغيرهما 3 في مسألة وضوء الأقطع، قالوا: غسل الجميع واجب، بتقدير
وجوده، وذلك يستلزم وجوب غسل كل عضو، فلا يسقط بعضه بفقدان
البعض.
وقد يستدل أيضا بالاستقراء في موارد الأحكام الشرعية، فإنه يكشف عن
اعتناء الشارع بالاتيان بما يتمكن من الاجزاء، وعدم رضاه بسقوط التكليف به
بمجرد سقوط التكليف بالمجموع.
ويضعف الأول أولا: بأنه موقوف على تحقق التكليف السابق بالكل، و
هو ممنوع، لعلم الامر بتعذره، وانتفاء شرطه، وهو مانع عن التكليف، كما
حقق في محله، فلا تكليف بالكل. وإذا لم يكلف بالكل، لم يتحقق لباقي
الاجزاء أيضا تكليف حتى يستصحب.
وثانيا: بأنه لو سلم التكليف بالكل، وارتفاعه بالتعذر، ولكن التكليف
بالاجزاء لم يكن تكليفا مستقلا حتى يصح استصحابه، بل تكليف تابع للتكليف
بالكل، فإذا ارتفع المتبوع امتنع بقاء التابع، فان المكلف به هو الجزء بشرط
الجزئية، وهذا غير ممكن البقاء، فلا يستصحب.
والى هذا أشار المحقق الخوانساري، في مسألة الأقطع، حيث قال: الاستصحاب في مثل هذا الموضوع، مما لا يمكن إجراؤه، لان الحكم السابق هو
الامر بغسل المجموع من حيث هو مجموع، وهو أمر واحد، وليس أوامر متعددة

(1) الفاضلان هما المحقق الأول والعلامة الحلي، وأشار إلى ذلك: الأول في المعتبر 1: 144، والثاني
في منتهى المطلب 1: 59.
(2) الشهيد الأول في الذكرى: 85، والشهيد الثاني في روض الجنان: 33.
(3) كما في كشف الغطاء: 25 في بحث القاعدة المستفادة من حديث: لا يسقط... و 90 في مسالة
وضوء الأقطع، والبهبهاني في شرح المفاتيح في بحث وضوء الأقطع.
(4) في (ه‍): الموضع.
267

لكل جزء منه، ولما لم يبق متعلقه ها هنا سقط التكليف به، فلابد في غسل الجزء
الباقي من تكليف على حدة 1. انتهى.
ويضعف الثاني: بمنع كشف الاستقراء عن ذلك، فان ثبوت أمر الشارع
بالاتيان بالاجزاء ليس الا في موارد قليلة لا يثبت منها شئ
سلمنا، ولكن الحاصل منه ليس غير الظن الذي ليس بحجة، فهذا الأصل مما
لا أصل له، ولا يحكم بثبوت الحكم الثابت للكل للجزء بعد تعذر الكل، إلا في
موضع دل دليل خارجي على الثبوت، أو ظهر من حال الامر - بالقرينة - إرادة
ذلك.
وبالجملة، إن علم ثبوت الحكم للجزء بنفسه أيضا مع قطع النظر عن كونه
جزءا، كوجوب ستر العورة عن الناظر، فإنه علم حرمة نظره إلى كل جزء منها،
ووجوب ستره منه، فلو تعذر ستر بعض جسد المرأة عن الناظر دون بعض،
وجب، لحرمة النظر إلى كل جزء منه بخصوصه.
بل يمكن أن يقال: إنه تصدق العورة على كل جزء منها وعلى الكل، فهي
مطلقة بالنسبة إلى الجميع، والكل من أفرادها، وان كان المجموع أيضا فردا -
كالماء 2 - فكل حكم متعلق بالعورة يتعلق بكل فرد مستقلا، ولا يسقط 3 بسقوط
الحكم عن الجميع.
ومنه يظهر وجوب ستر ما أمكن من العورة في الصلاة أيضا، بخلاف
غسل بعض أعضاء الوضوء إذا لم يتمكن من غسل الجميع، أو الاستنشاق بأحد
المنخرين إذا لم يتمكن بهما إن قلنا: إنه جذب الماء من المنخرين، أو إحياء بعض
ليلة امر باحياء جميعها، أو قراءة بعض من الدعاء الذي وردت قراءته.
ومثل ذلك صوم أيام من كل شهر، وأيام البيض، وعمل أم داود، وتسبيح

(1) مشارق الشموس: 110
(2) اي: كما أن الماء يصدق على الكل وعلى كل جزء من اجزائه.
(3) في (ب)، (ج)، (ح): فلا.
268

الزهراء عليها السلام: واللعن والسلام في العاشوراء، والذكر عند طلوع
الشمس وغروبها، وقراءة خمسين اية في كل يوم، وقراءة القدر سبعا على
القبر، والاستغفار، وقول: (العفو) في الوتر، وقراءة (انا أنزلناه) ألف مرة ليلة
القدر، وغير ذلك
نعم لو أمر بمطلق، أو عام بالعموم الافرادي، وتعذر الاتيان بالجميع، يجب
الاتيان بما أمكن إجماعا. والسر فيه: كون كل واحد واحد من الافراد مناطا
للحكم، ومتعلقا للاثبات والنفي بنفسه، من غير كونه كذلك تبعا، وان كان
فهم ذلك بالدلالة الالتزامية التبعية، ولكنه غير تعلق الحكم تبعا، الذي هو المانع
من جريان الاستصحاب.
وكذا الكلام فيما إذا ورد استحباب أمور عديدة، أو وجوبها في فعل واحد
كاستحباب كل من (الاستغفار) و (العفو) و (الدعاء للاخوان) في الوتر، و
لا يسقط أحدها بسقوط الباقين، لان كلا منها مستحب مستقبل، ولم يثبت
ارتباط البعض بالبعض.
ومن هذا القبيل: ما لو أمر بأشياء بالعطف، كقوله: أعط زيدا وعمرا و
بكرا، فان الأصل عدم توقف البعض على البعض، بخلاف الامر ب (العفو)
ثلاثمائة مرة، فإنه لم يعلم استحباب المائة منفردة، وكذا ثمان ركعات نوافل
الظهر، وأربع المغرب، وثمان التهجد، فالأصل في الكل: عدم مشروعية البعض
إذا تعذر الجميع، الا مع الدليل.
ومن يقول بثبوت الحكم للاجزاء حينئذ، يقول بمشروعيته مطلقا.
بل منهم 1 من تعدى إلى الاجزاء العقلية أيضا، فلو أمر باعطاء الفرس و
تعذر، يجب حيوان اخر، لامتثال الامر بالجنس.

(1) نسبه في الفوائد الجديدة إلى قيل، قال: وقيل بجريانها فيها أيضا، ولعله لا يخلو من الاحتياط.
الفوائد الجديدة: 7 فائدة 12.
269

وهو ضعيف جدا، لان الاجزاء العقلية متحدة في الخارج، وليست من
الاجزاء عرفا، والتعدد إنما هو في ظرف تحليل العقل، بل قد يتوهم التعدي إلى
الأوصاف والأمكنة والأزمنة أيضا، فلو امر بصلاة ركعتين في المسجد، و
تعذرت الصلاة، يجب دخول المسجد، وهو أضعف.
270

عائدة (28)
في حكم الاكراه على أحد المحرمين.
لا شك أن الاكراه ينفي تحريم المحرمات في الجملة، ولا غرض لنا هنا بتحقيق
قدر الاكراه، وموارد نفيه التحريم، بل المقصود أنه إذا أكره على أحد المحرمين،
فلا ريب في تحريم ارتكابهما معا، فهل يعصي بارتكاب أحدهما معينا، أيا منهما
كان، لكون ارتكابه بخصوصه بالاختيار، أم لا؟
التحقيق: هو الثاني، لان الاحتمالات المتصورة أربعة: تحريمهما معا و
وجوب تركهما، وعدم تحريمهما كذلك، تحريم واحد معين من حيث هو دون
الاخر، وتحريم واحد لا على التعيين
وذلك: لأنه إما يجوز فعلهما معا، أولا، وعلى الثاني إما يجوز فعل
واحد، أولا، وعلى الأول، إما يجوز فعل واحد معين، أو لا على التعيين.
الأول هو الثاني، والثاني هو الثالث، والثالث هو الرابع، والرابع هو
الأول.
الأول باطل، لان ما يدل على انتفاء التحريم مع الاكراه على واحد معين،
من انتفاء الضرر والضرار وغيره، يجرى فيهما أيضا.
وكذا الثاني لعدم دليل على انتفاء تحريمهما.
والثالث مستلزم للترجيح بلا مرجح.
271

فلم يبق إلا الرابع، وهو المطلوب
هذا إذا لم يكن لأحدهما مرجح، والا فيتعين هو.
ومن هذا القبيل: ما لو كان أحدهما مقدما على الاخر في الوجود، كان
يكره على إفطار اليوم أو غدا، فيتعين الغد، لأنه لا إكراه اليوم، فلا موجب
للافطار.
272

عائدة (29)
في امتناع اجتماع الأمر والنهي.
من القواعد المتفق عليها بين الامامية والعدلية: امتناع اجتماع الأمر والنهي،
ويرتبون عليه بطلان كثير من العبادات والمعاملات، بناءا على اقتضاء النهي
للفساد، وقد يشتبه مقام البطلان وعدمه، وبيانه من الأمور المهمة
فنقول ومن الله التوفيق: إن الأمر والنهي المجتمعين في مادة، لا يخلو: إما
أن يكون المأمور به مطلقا، أو عاما، أو خاصا، وعلى التقادير، إما أن يكون
المنهي عنه عاما، أو خاصا، فهذه ستة أقسام.
وأما المنهي عنه المطلق، فهو أيضا عام، لان النهي عن الماهية نهي عن جميع
أفرادها.
فان كان الامر مطلقا والنهي عاما، نحو صل ولا تغصب، فالحكم بطلان
الصلاة، لان الامر بالمطلق أمر بالماهية، وأثبات الوجوب التخييري الموجب
للصحة لكل فرد منها إنما هو بواسطة أصالة عدم اشتراط كونها في ضمن فرد خاص،
وهذا الأصل لا يبقى مع النهي العام عن جميع أفراد الغصب، لأنه يزول به، لامتناع
اجتماع الأمر والنهي، فيكون المأمور به مشروطا بكونه في ضمن غير المغصوب 1،

(1): في (ج): مشروطا بعدم كونه المغصوب.
273

فلا يكون المتحقق في ضمن المغصوب مأمورا به، فيكون باطلا.
ويدل عليه أيضا: فهم العرف من ذلك اختصاص المأمور به بغير المنهي عنه.
وإن كانا عامين نحو: يجب عليك جميع أفراد الصلاة، ولا تغصب، أو
أكرم العلماء، ولا تكرم البصريين، فلما كانت دلالة الامر على جميع الافراد
بالدلالة العمومية اللفظية، كدلالة النهي فلا مرجح لزوال أحدهما بالآخر، و
لا يفهم عرفا تخصيص أحدهما معينا، بل يحصل التعارض في مورد الاجتماع،
ولما كان الحكم عند التعارض وعدم المرجح التخيير، فالحكم هو التخيير، و
صحة المأمور به لو اختار الامر، إلا أن يكون لأحدهما مرجح من المرجحات التي
يرجع إليها عند التعارض، فيتعين، أو ينتفي التخيير بدليل اخر كاجماع، فيرجع
إلى الأصل فيهما، لعدم مناص 1 اخر، ولازمه بطلان المأمور به، لأنه مقتضى
الأصل.
وكذا الحكم عند من لا يقول بالتخيير عند التعارض، بل يتوقف، أو يحكم
بالتساقط، والرجوع إلى الأصل
وان كان المأمور به مطلقا والمنهي عنه خاصا، نحو: أكرم العالم، ولا تكرم
هذا العالم، أو هذا البصري، وكان عالما، ونحو: صل، ولا تكن في هذا المكان
المغصوب، فالحكم البطلان لو امتثل في ضمن المنهي عنه، لمثل ما مر في الأول
بعينه.
ولو كان المأمور به عاما، والمنهي عنه خاصا، نحو: أكرم العلماء، ولا تكرم
هذا البصري، وكان عالما، فالحكم البطلان أيضا، لوجوب تقديم الخاص على
العام.
ولو كان المأمور به خاصا، والمنهي عنه عاما، نحو: أكرم هذا العالم، و 2
كان بصريا، ولا تكرم العلماء، أو لا تكرم البصريين، أو صل في هذا المكان، و

(1) المناص: الملجأ (المصباح المنير: 630)
(2) في (ه‍): لو.
274

لا تغصب، فالحكم الصحة، لما مر من وجوب تقديم الخاص.
ولو كانا خاصين، فحكمهما كالثاني بلا تفاوت
ثم خصوصية المأمور به تارة تكون باللفظ، كما مر، وأخرى من جهة
خارجية وان لم يكن اللفظ خاصا، كما إذا قال: أكرم العالم، ولا تكرم
البصري، وانحصر العالم في البصري
وهذا على قسمين، لان الامر إما يعلم الانحصار أولا، فان علم، فحكمه
حكم الخاص اللفظي، والا فحكمه حكم المأمور به العام أو المطلق، ومثله
خارج عما نحن فيه، لان الكلام في أوامر الله سبحانه.
ولكن كون الخاص بواسطة الانحصار مثل الخاص اللفظي إنما هو إذا كان
المأمور شخصا واحدا في وقت معين واحد، أو كان الانحصار متحققا في جميع
أوقات الامر لجميع المأمورين.
أما لو كان للمأمور به إطلاقا من حيث الوقت أو الشخص أو هما، فحكمه
حكم التقدير الأول.
ولو كان للمأمور به عموما من حيث الوقت، نحو: أكرم العالم في كل أول
شهر، واتفق الانحصار في أول شهر واحد في البصري. أو من حيث
المأمورين، نحو: أكرموا العالم، خطابا لجماعة، واتفق الانحصار لبعضهم. أو
من الحيثيتين معا، فاتفق الانحصار للجميع في بعض الأوقات، أو في جميع
الأوقات لبعضهم، أو في البعض للبعض، فليس كذلك، بل هو من قبيل
تعارض العامين، وحكمه كالثاني بعينه.
ومن هذا القبيل قوله: صل، ولا تغصب - مع انحصار المكان لشخص في
المكان المغصوب - لعموم المكلفين والأوقات.
نعم لو كان دليل العموم في الوقت أو الشخص غير العموم اللفظي، ولم
يكن شاملا لمحل الانحصار، كما إذا كان دليل العموم الاجماع، ولم يتحقق في
محل الانحصار، مثل أن يقول بعضهم بسقوط الصلاة حينئذ، فالحكم البطلان،
275

لعدم دليل على كون هذه الصلاة مأمورا بها، فتكون باطلة، سواء في ذلك أن
يكون دليل النهي أيضا الاجماع أم لا، لأن الأصل أيضا مع البطلان
ثم إنه لا فرق في جميع ما ذكر من التقادير بين أن يكون متعلق النهى عين
المأمور به، أو جزءه، أو شرطه
وأما لو تعلق النهي بالمقدمة، فلا يخلو: إما أن يكون لها أفراد يمكن التوصل
بكل منها إلى ذي المقدمة، أو ينحصر ما يمكن به التوصل إليه بفرد، فان تعددت
أفرادها، فان كان متعلق النهي عموما أو خصوصا بعض أفرادها، فلا يبطل ذو
المقدمة ولو بالتوصل إليه بالمقدمة المحرمة، لان حرمة بعض أفراد المقدمة لا تنافي
كون ذي المقدمة مأمورا به بوجه، لامكان التوصل إليه بالمقدمة المباحة، وكذا
التوصل إليه بالمحرمة، لان وجوبها توصلي تبعي، وهو وجوب شرطي، أي
واجب حال التوقف، فإذا توصل بالمقدمة المحرمة - التي هي غير مقدمة الواجبة -
وإن لم يأت بالمقدمة الواجبة، ولكن حصل التوصل، فلا تجب عليه حينئذ مقدمة
أخرى، كما بيناه مفصلا في مناهج الاحكام 1
نعم لو كانت المقدمة عبادة فاسدة بالنهي، وكانت صحة ذي المقدمة موقوفة
على صحتها، كالوضوء والغسل بالنسبة إلى الصلاة، يبطل ذو المقدمة أيضا
بالتوصل بالمقدمة المنهي عنها.
وان كان متعلق النهي جميع أفرادها، فهي كصورة انحصار المقدمة في المنهي
عنها.
وان انحصرت المقدمة التي يمكن التوصل بها إلى ذي المقدمة في فرد مع
علم الامر بالانحصار، فاما أن يكون الانحصار مطلقا، أي دائميا لكل شخص،
أو يكون اتفاقيا في بعض الأوقات لبعض الاشخاص.
فان كان دائميا، فتجري فيه التقادير الستة المتقدمة: من اطلاق المأمور به و

(1) مناهج الاحكام: 49 و 60 منهاج في اجتماع الأمر والنهي.
276

عمومه وخصوصه، مع عموم المنهي عنه وخصوصه، بجميع شقوقه، وحكمها
حكمها بعينه، بعد ملاحظة ما بينا في الأصول من امتناع اجتماع النهي مع
الوجوب ولو كان توصليا، وإيجاب ارتفاع وجوب المقدمة لارتفاع وجوب ذي
المقدمة، فتعلق النهي بالمقدمة كتعلقه بذي المقدمة، فبعد حذف المقدمة من
البين، يرجع إلى التقادير المتقدمة.
ومنه يعلم أن حكم ما إذا كان الانحصار اتفاقيا كحكم انحصار المأمور به في
المنهي عنه بعينه، بحذف المقدمة من البين.
وهذه عائدة نافعة في الفروع كثيرا، سيما في باب الصلاة في المكان
المغصوب، والوضوء والغسل والتيمم فيه، وفي انية الذهب والفضة، وغير
ذلك، فعليك بتطبيق الكل، واستنباط الفروع من الأصول.
277

عائدة (30)
في بيان تكليف الكفار بالفروع
قد ذكر علماؤنا الاعلام - شكر الله مساعيهم الجميلة - مسألة تكليف الكفار
بالفروع في الأصول، وقد ذكرناها أيضا في كتبنا الأصولية. الا أني لما عثرت على كلام فيها لبعض مشايخ والدي - قدس سرهما - وهو
الشيخ المحدث الجليل الشيخ يوسف بن أحمد البحراني، صريح في مخالفة
القوم 1، فجددت الكلام فيها
فأقول: قد صرح أصحابنا بكون الكفار مكلفين بالفروع، مخاطبين
بها 2.
ويظهر من العلامة في المنتهى في بحث غسل الجنابة: عدم مخالف فيه من
أصحابنا، حيث نسب الخلاف فيه إلى بعض العامة 3.
وصرح جماعة، منهم صاحب الذخيرة 4 ووالدي العلامة 5:

(1) الحدائق 3: 39.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية) 467، المعتبر 2: 490 و 595، نهاية الأصول للعلامة 1: 143.
(3) منتهى المطلب 1: 82. وانظر اللباب 1: 172، الهداية 1: 128، والمغني والشرح الكبير لابني
قدامة 1: 412.
(4): ذخيرة المعاد: 563.
(5) معتمد الشيعة في مبحث الغسل في الفرع الحادي عشر.
279

بكونه إجماعيا.
ويدل عليه بعد الاجماع وجوه من الأدلة:
الأول: وجود المقتضي له، وانتفاء المانع
أما الأول: فلعموم كثير من الخطابات التكليفية نحو قوله سبحانه: (ولله
على الناس حج البيت) 1.
وقوله: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم) 2.
وقوله: (يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات
الشيطان) 3.
وقوله جل جلاله: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء
نصيب مما ترك الوالدان والأقربون) 4.
وقوله: (ومن يفعل ذلك يلق أثاما) 5.
وقوله عز شأنه: (ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة
شرا يره) 6
وقوله تعالى: (ويل للمطففين) 7 الآية.
وقوله تعالى: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب
الله عليه ولعنه) 8.

(1) آل عمران 3: 97.
(2) البقرة 2: 21.
(3) البقرة 2: 168.
(4) النساء 4: 7.
(5) الفرقان 25: 68.
(6) الزلزلة 99: 7، 8.
(7) المطففين 83: 1.
(8) النساء 4: 93.
280

ومثل قوله عليه السلام: (إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل) 1 إلى غير ذلك
والاخبار المصرحة بان الله فرض على العباد كذا وكذا، ويسري الحكم منها
إلى جميع الأحكام بالاجماع المركب القطعي، أو تنقيح المناط كذلك.
وأما الثاني: فللأصل، ولعدم مانع اخر سوى الكفر بالاجماع، وهو للمنع
غير صالح، إذ لا يتصور وجه لمانعيته، سوى كونه شرطا للصحة في بعض
التكاليف دون الجميع، مثل المنهيات 2، وهو غير صالح للممانعة، لأنه شرط
مقدور للمكلف، واجب عليه تحصيله، وإلا لزم عدم تكليف المحدث بالحدث
الأكبر أو الأصغر بالصلاة والحج، ويلزم منه عدم كونه مكلفا بالغسل والوضوء
أيضا، لان وجوبهما غيري، لا يجبان الا بعد وجود ذلك الغير.
الثاني: أنه مما لاشك فيه أن كل كافر في كل ان مكلف بأن يؤمن، ثم يأتي
بسائر أحكام الايمان، لا أنه مكلف بالايمان فقط، ثم بعده يصير مكلفا بسائر
أحكامه، فيجب عليه الايمان ثم الصلاة مثلا في كل ان.
وان شئت قلت: الصلاة المسبوقة بالايمان.
ولا نريد من تكليفه بالفروع الا ذلك، ولا نريد أنه مكلف بالصلاة ولو
مجردة عن الايمان.
وذلك كما نقول: إن المحدث مكلف بالطهارة ثم الصلاة، أو الصلاة
المسبوقة بالطهارة، لا أنه مكلف بالطهارة فقط، ثم يصير مكلفا بالصلاة، و
لا نقول: إنه مكلف بالصلاة ولو مجردة عن الطهارة.
والتحقيق: أن التكليف بشئ عبارة عن طلبه مع شرائطه المقدورة إن كان

(1) الكافي 3: 46 / 2، التهذيب 1: 118 / 311، الاستبصار 1: 108 / 359 الوسائل 1: 469 / 2
ب 6 ح 2، مسند أحمد 6: 239، سنن البيهقي 1: 164، صحيح البخاري 1: 80 باب
إذا التقى الختانان، صحيح مسلم 1: 271 ح 349، وفيه: إذا جلس بين شعبها الأربع
ومس الختان الختان وجب الغسل.
(2) في النسخ الخطية: في بعض التكاليف، مثل المهيات.
281

مشروطا بشئ، لا طلبه خاصة، فبعد تعلق التكليف في أن بالاتيان بشرطه ثم
به، يكون مكلفا به، فان التكليف بشئ ليس الا طلبه، سواء كان طلب إيجاده
على ترتيب خاص - بان يوجد أولا شيئا ثم ذلك - أو لم يكن له ترتيب.
ومن البديهيات التي لا تقبل التشكيك: أن الله سبحانه يريد في كل ان من
أوقات الصلاة أو الزكاة مثلا من الكافر أن يؤمن ويصلي ويزكي، ويطلب منه
ذلك، كما يريد من المؤمن المحدث أن يتطهر ويصلي، لا أن يكون المطلوب
هو الايمان فقط، ثم بعد إيمانه يتعلق الطلب بالصلاة، ولا نريد من التكليف الا
ذلك.
الثالث: أنه لو لم يكلف الكفار بالفروع، يلزم أن تكون معصية الكافر الذي
يصدر منه جميع المعاصي - كظلم المؤمنين، وقتلهم، وسبي ذراريهم، بل
تخريب الكعبة التي جعلها الله قبلة للناس، وتحريق القران، ومنع المؤمنين عن
إقامة أركان الايمان - مساوية مع من 1 لم يصدر عنه شئ من ذلك، بل أعان
المؤمنين وآواهم ونصرهم، وشيد أركانهم.
فتكون معصية (چنگيز المغل) الذي قتل الناس من شرق العالم إلى غربه، و
خرب بلاد المؤمنين طرا، وسبى نساءهم وعيالهم، ونهب أموالهم، مساوية مع
من 2 أعانهم، وأحسن إليهم، بل تكون معصية كافر قتل نبيا وأولاده، كمعصية
من أعانه، وتكون معصية أبي جهل، وأبي لهب، من جرح جبهة النبي
المقدسة، وكسر رباعيته المباركة واذاه، كمعصية كافر أعانه على نشر الاسلام، و
يكون عذابهما واحدا، وبطلان ذلك من البديهيات التي لا ينكرها جاهل 3.
فان قلت: إن أمثال هذه الأمور محرمة عند الكافر أيضا، فهو عصى على
مذهبه، فيكثر إثمه وعقابه لذلك.

(1): كذا، والأنسب: مساوية لمعصية من...
(2): كذا، والأنسب: مساوية لمعصية من...
(3) في النسخ: لا يقبلها جاهل.
282

قلنا أولا: نفرض الكلام في كافر لا شرع له، كچنگيز، بل أبي جهل وأبي
لهب أيضا.
وثانيا: إنه لا شك في عدم كون الكفار مكلفين بفروع مذهبهم بعد ظهور
الاسلام، وإلا لم يكن الاسلام ناسخا لجميع الأديان، ولم تكن نبوة سائر الأنبياء
منتهية ببعث خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم، فلو لم يكونوا مكلفين بفروعنا، لم يكن لهم
تكليف بالفروع أصلا.
ويلزم من ذلك أيضا: أن لا يكونوا مكلفين إلا بتكليف واحد هو الاسلام،
فلا يكون لشئ من جوارحهم تكليف أصلا، ويكونون مطلقي العنان في
جميع سائر الأفعال والصفات، ولعل ذلك أيضا مما تشهد البديهة بل الضرورة
ببطلانه.
ويلزمه أيضا: أن لا يجوز الزامهم في الدعاوي والمنازعات، بل في سائر الأفعال
على أمر أصلا، إلا على ما يلزمهم أخذا بقولهم، وهذا أيضا ظاهر
البطلان.
الرابع: أنه لا شك في تكليف الكفار بالاسلام والايمان، وفي الاخبار دلالة
على أنهما ليسا محض التصديق، بل العمل جزء منهما أيضا، فيكونون مكلفين
به.
ففي صحيحة الكناني، عن أبي جعفر عليه السلام: (قيل لأمير المؤمنين عليه السلام: (من
شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، كان مؤمنا؟ قال: فأين فرائض
الله؟!) قال: وسمعته يقول: (كان علي عليه السلام يقول: لو كان الايمان كلاما، لم
ينزل فيه صوم ولا صلاة، ولا حلال ولاحرام) 1 الحديث.
ورواية سفيان بن السمط، عن أبي عبد الله عليه السلام، وفيها: (الاسلام هو
الظاهر الذي عليه الناس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، و

(1) الكافي 2: 33 / 2.
283

إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصيام شهر رمضان، فهذا الاسلام) 1
إلى غير ذلك.
الخامس: خصوص ما دل على تكليفهم بالفروع، نحو قوله سبحانه: (لم
نك من المصلين) 2 وقوله: (فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى) 3 ذمهم
على الجميع، وقوله: (وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة) 4 إلى غير
ذلك.
وقد خالف في ذلك بعض العامة، فقالوا بعدم تكليفهم بالفروع 5، و
احتجوا: بأنه لو وجبت الصلاة مثلا على الكافر، لكان إما حال الكفر أو بعده،
والأول باطل، لامتناعه.
والثاني باطل بالاجماع على سقوط القضاء لما فاته حال الكفر، وبأنه لو كان
واجبا لوجب القضاء كالمسلم، والجامع تدارك المصلحة المتعلقة بتلك العبادات.
والجواب عن الأول: أنه إن أريد بكونه مكلفا حال الكفر: كونه مكلفا في
زمانه، فنختار تكليفه فيه، بان يترك الكفر ويصلي، كتكليف المحدث في زمان
الحدث بالصلاة، ولا امتناع فيه أصلا.
وإن أريد كونه مكلفا مع الكفر وبشرطه، فنختار أنه مكلف به بعده، بمعنى
أن يتركه ويصلي.
ولا يلزم منه القضاء لو لم يفعل، لأنه بأمر جديد. سلمنا اقتضاءه وجوب
القضاء، ولكنه إذا لم يكن دليل على سقوطه، والاجماع أسقطه.
ومنه يظهر الجواب عن الثاني أيضا، مع أن قياسهم فيه منتقض بالجمعة، و

(1) الكافي 2: 24 / 4.
(2) المدثر 74: 43.
(3) القيامة 75: 31، 32.
(4) فصلت 41: 6، 7.
(5) اللباب 1: 172، الهداية 1: 128، المغني والشرح الكبير 1: 412.
284

أيضا الفرق واقع، لان في حق الكافر لو امر بالقضاء حصل التنفر له عن
الاسلام.
وقد ذهب إلى هذا القول من أصحابنا المتأخرين: المحدث الكاشاني في
الوافي في كتاب الحجة منه 1، والمولى محمد أمين الاسترآبادي في القوائد
المدنية 2، والشيخ يوسف المتقدم في الحدائق، قال في بحث غسل الجنابة منه
في مسألة وجوب الغسل على الكافر، بعد نسبته إلى المشهور بين أصحابنا، و
تعليله من جانبهم بكون الكفار مخاطبين بالفروع، ما خلاصته: إن ما ذكروه
منظور فيه عندي من وجوه:
الأول: عدم الدليل على التكليف المذكور، وهو دليل العدم.
الثاني: الأخبار الدالة على توقف التكليف على الاقرار والتصديق
بالشهادتين.
منها: ما رواه ثقة الاسلام في الكافي - في الصحيح - عن زرارة قال، قلت
لأبي جعفر عليه السلام: أخبرني عن معرفة الامام منكم واجبة على جميع الخلق؟ فقال:
(إن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلم إلى الناس أجمعين رسولا، وحجة الله على
خلقه في أرضه، فمن امن بالله وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم رسول الله، واتبعه وصدقه، فان
معرفة الامام منا واجبة عليه، ومن لم يؤمن بالله ورسوله، ولم يتبعه ولم
يصدقه ويعرف حقهما، فكيف يجب عليه معرفة الامام وهو لا يؤمن بالله و
رسوله ويعرف حقهما) 3 الحديث.
وهو - كما ترى - صريح الدلالة على خلاف ما ذكروه، فإنه متى لم تجب
معرفة الامام قبل الايمان بالله ورسوله، فبطريق الأولى معرفة سائر الفروع التي
هي متلقاة من الامام. والحديث صحيح السند باصطلاحهم، صريح الدلالة،

(1) الوافي 2: 82، وانظر تفسير الصافي 4: 353.
(2) الفوائد المدنية: 226.
(3) الكافي 1: 180 / 3.
285

فلا وجه لرده وطرحه.
وما رواه الثقة الجليل أحمد بن أبي طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج،
عن أمير المؤمنين عليه السلام: في حديث الزنديق الذي جاء إليه مستدلا باي من القران قد
اشتبهت عليه، حيث قال عليه السلام: (فكان أول ما قيدهم به الاقرار بالوحدانية
والربوبية، والشهادة أن لا إله إلا الله، فلما أقروا بذلك، تلاه بالاقرار لنبيه
بالنبوة، والشهادة بالرسالة، فلما انقادوا لذلك، فرض عليهم الصلاة ثم الصوم
ثم الحج) 1 الحديث.
ومنها: ما رواه الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي في تفسيره، عن
الصادق عليه السلام: في تفسير قوله تعالى: (وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة و
هم بالآخرة هم كافرون) 2 حيث قال: (أترى أن الله عز وجل طلب من المشركين
زكاة أموالهم وهم يشركون به، حيث يقول: (وويل للمشركين الذين لا يؤتون
الزكاة)؟! إنما دعى الله للايمان به، فإذا امنوا بالله ورسوله افترض عليهم
الفرض) 3
وما ورد عن الباقر عليه السلام: في تفسير قوله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا
الرسول وأولي الامر منكم) 4 حيث قال: (كيف يأمر بطاعتهم، ويرخص في
منازعتهم، إنما قال ذلك للمأمورين الذين قيل لهم: أطيعوا الله وأطيعوا
الرسول) 5.
الثالث: لزوم تكليف ما لا يطاق، إذ تكليف الجاهل بما هو جاهل به تصورا و
تصديقا عين تكليف ما لا يطاق.

(1) الاحتجاج 1: 379.
(2) فصلت 41: 6، 7.
(3) تفسير القمي 2: 262 وفيه: إنما دعى الله العباد إلى الايمان به.. عليهم الفرائض.
(4) النساء 5: 59.
(5) الكافي 1: 276 / 1، تفسير الصافي 1: 430.
286

الرابع: الأخبار الدالة على وجوب طلب العلم، كقولهم عليه السلام:
(طلب
العلم فريضة على كل مسلم) 1 فان موردها المسلم، دون مجرد البالغ العاقل
الخامس: أنه كما لم يعلم أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر أحدا ممن دخل في الاسلام بقضاء
صلاته، كذلك لم يعلم منه أنه أمر أحدا منهم بالغسل من الجنابة بعد الاسلام،
مع أنه قلما ينفك أحد منهم من الجنابة في تلك الأزمنة المتطاولة، ولو أمر بذلك
لنقل وصار معلوما.
وأما ما رواه في المنتهى، عن قيس بن عاصم وأسد بن حضير، مما يدل على
أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالغسل لمن أراد الدخول في الاسلام 2، فخبر عامي
لا ينهض حجة.
السادس: اختصاص الخطاب القرآني بالذين امنوا، وورود (يا أيها
الناس) في بعض - وهو الأقل - يحمل على المؤمنين بحمل المطلق على المقيد،
والعام على الخاص، كما هو القاعدة المسلمة بينهم.
احتج العلامة في المنتهى، على أن الكفار مخاطبون بالفروع بوجوه:
منها: قوله سبحانه: (ولله على الناس حج البيت) 3 و (يا أيها الناس
اعبدوا ربكم) 4.
ومنها: أن الكفر لا يصلح للمانعية، حيث إن الكافر متمكن من الاتيان
بالايمان أولا حتى يصير متمكنا من الفروع.
ومنها: قوله تعالى: (لم نك من المصلين) 5 وقوله تعالى: (فلا صدق و

(1) الكافي 1: 30 / 1 و 5، الوسائل 18: 13 و 14 أبواب صفات القاضي ب 4 ح 16 و 18 و 23 و 26.
(2) منتهى المطلب 1: 82، وهو في سنن البيهقي 1: 171، وسنن النسائي 1: 109. وفي النسخ أسد بن حصين، وهو تصحيف.
(3) آل عمران 3: 97.
(4) البقرة 2: 21
(5) المدثر 74: 43.
287

لا صلى) 1 وقوله سبحانه: (وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة) 2
والجواب عن الأول: بما عرفته من الأخبار الدالة على عدم التكليف إلا بعد
معرفة المكلف والمبلغ، وبما ذكر في الوجه الثالث والسادس.
وعن الثاني: أنه مصادرة.
وعن الثالث: فبحمل الأولى على المخالفين المقرين بالاسلام، إذ لا تصريح
فيها بالكفار.
ويدل عليه ما ورد في تفسير علي بن إبراهيم من تفسيرها باتباع الأئمة، أي
لم نك من أتباع الأئمة 3.
وهو مروي عن الصادق عليه السلام، وفسر المصلي في الآية بمعنى الذي يلي
السابق في الحلبة، قال: فذلك الذي عنى، حيث قال: (لم نك من المصلين)
أي: لم نك من أتباع السابقين 4.
وعن الكاظم عليه السلام (يعني: إنا لم نقل بوصي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والأوصياء من
بعدهم، ولم نصل عليهم) 5
وأما الآية الأخرى: فبجواز حمل الصلاة فيها على ما دلت عليه الأخبار في
الآية الأولى، فان اللفظ من الألفاظ المجملة المتشابهة، المحتاج في تعيين المراد منها
إلى التوقيف.
وأما الآية الثالثة: فيما عرفت في الوجه الأول من الخبر الوارد بتفسيرها 6
انتهى ملخص كلامه.

(1) القيامة 75: 31.
(2) فصلت 41: 6
(3) تفسير القمي 2: 395
(4) الكافي 1: 419 / 38، وفيه: أما ترى الناس يسمون الذي يلي السابق في الحلبة مصلي. والحلبة
بالتسكين: خيل تجمع للسباق.
(5) الكافي 1: 434 ذيل حديث 91 بتفاوت.
(6) الحدائق 3: 39.
288

أقول: الجواب، أما عن دليله الأول: فبوجود الدليل على التكليف
المذكور، وهي الأدلة التي قدمنا ذكرها 1.
وأما عن الثاني، فأولا: بعدم حجية شئ من تلك الأخبار لو دلت على ما
رامه، لمخالفتها لعمل العلماء الأخيار، وشهرة القدماء، وآيات الكتاب العزيز، و
عمومات الأخبار المتواترة.
وثانيا: بعدم دلالتها على مطلوبه أصلا، وذلك: لان مرادنا بكون الكفار
مكلفين بالفروع: أن الله سبحانه طلب منهم أن يؤمنوا ثم يصلوا مثلا، فهم حال
كفرهم مكلفون بالاتيان بذلك الترتيب، أي: الايمان أولا ثم الصلاة، حتى لو
تركوهما معا، يترتب على تركهم الصلاة ما يترتب على ترك المؤمن إياها من
العقاب والقضاء لولا الدليل على سقوطه، وغير ذلك.
ولم نرد أن الله طلب منهم أن يصلوا ولو مع الكفر، وإنما ذلك شأن المطلوب منهم بلا ترتيب
ولا شك أن المولى إذا أمر عبده بأشياء مرتبا، فيقول له حين كونهما في
البصرة: اذهب إلى بغداد، فإذا دخلتها ابن لي فيها بيتا، فإذا بنيته فافرشه، وإذا
فرشته اكنس فرشه، وإن تركت واحدا منها، أضربك عشرة أسواط، يكون العبد
مكلفا بالذهاب إلى بغداد، وبناء البيت فيه، وفرشه، وكنس فرشه، ويقال
عرفا: إنه مكلف بجميع هذه الأمور، ولا يقال في شئ منها: إنه تكليف بما
لا يطاق.
ولو ترك الجميع يستحق بترك كل منها ضرب عشرة أسواط، ومع ذلك يصح
أن يقال: إنه لم يكلفه ببناء البيت وهو في البصرة، ولا بالافتراش وهو لم يبن
البيت بعد، وأنه ما لم يدخل بغداد كيف يجب عليه بناء البيت؟.
ومعناه: أن هذا التكليف ترتيبي، لم يطلب المتأخر الا بعد المتقدم، يعني أنه

(1) ابتداءا من ص 280، فراجع.
289

طلب أن يكون فعل المتأخر بعد المتقدم، وهذا الطلب تحقق قبل تحقق المتقدم، لا
أنه يطلبه بعد فعل المتقدم، وأن الطلب سيتحقق بعده
فمعنى الأحاديث: أن الله لم يطلب معرفة الامام وهو لم يعرف الله، أي
حال عدم معرفته، أو الزكاة حال الشرك، بل طلبه بالترتيب، أي طلب الترتيب،
الا ترى أن الله سبحانه طلب الصلاة من المؤمنين مطلقا، ومع ذلك يصح أن
يقال: إن الله سبحانه أمر العباد بعد دخول الوقت بالطهارة، ثم الصلاة، ثم
ندبهم إلى التعقيب.
وأن يقال: ومن لم يتطهر من الحدث، فكيف تجب عليه الصلاة وهو
محدث؟! نظير قوله 1: فكيف يجب عليه معرفة الامام وهو لا يؤمن بالله؟
وأن يقال: أترى أن الله عز وجل طلب من المحدثين الصلاة وهم محدثون؟!
نظير قوله 2: أترى أنه طلب من المشركين زكاة أموالهم، وهم يشركون به؟!
وأن يقال: أول ما كلفهم به بعد دخول الوقت الطهارة، فلما تطهروا تلاه
بالصلاة، فما صلوا تلاه بالتعقيب، نظير ما ذكر في الحديث الزنديق.
والحاصل: أنه حمل تلك الأخبار على الترتيب في تحقق الطلب، وليس
كذلك، بل المراد بيان ترتيب الاتيان بالمطلوب، ولذا قيد في الحديث الأول
والثاني بقوله: (وهو لا يؤمن بالله) وقوله: (وهم يشركون) الصريحين في
الحالية، أي: لم يطلب منهم معرفة الامام والزكاة في هاتين الحالتين، وهو كذلك،
كما لم يطلب الصلاة والمرء محدث، أي: مع هذا القيد، فإنه لو كان مطلوبا
والحال هذه لصح 3، إذ ليست الصحة إلا موافقته المطلوب، وهذا ظاهر غاية
الظهور.

(1) في صحيح زرارة.
(2) في رواية علي بن إبراهيم القمي.
(3) في (ه‍)، (ج): يصح، بدل لصح. والمراد: أنه يصح في تلك الحال، أي تصح الصلاة حال كونه
محدثا، أو كافرا، ولكنه لا يصح، فتأمل.
290

وأما الحديث الأخير: فلا دلالة له أصلا.
وأما عن الثالث: فبأنه إنما يتم في حق الكافر الذي لم يسمع بمجئ النبي، و
أن له شرائع وأحكاما، ولم يخطر بباله، والحق في مثله عدم التكليف ببعض الأصول أيضا.
والكلام في من سمع دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتصور إجمالا أنه بين أحكاما، و
تكليف ذلك ليس تكليفا بما لا يطاق، وإلا لكان تكليف العامي الذي سمع دعوة
المجتهد، وتصور بالاجمال أنه يبين أحكاما للمكلفين، تكليفا بما لا يطاق.
وأما عن الرابع: فبأن إيجاب طلب العلم عن المسلم لا يقتضي عدمه على
غيره، وكان للتخصيص نكتة كما يأتي
وأما عن الخامس: فبكفاية عمومات الغسل عن الامر بغسلهم 1 كسائر
التكاليف، بل لأجل ورود تلك العمومات لا حاجة إلى النقل لو أمروا بالغسل،
مع أنه، نقل أمر قيس بالغسل حتى أسلم، وقال أسيد وسعد لمصعب وأسعد:
كيف تصنعون إذا دخلتم هذا الامر؟ قالا: نغتسل، ونشهد شهادة الحق 2. و
ذلك يشعر بكون ذلك معروفا بينهم، متداولا عندهم.
وأما عن السادس: فبان اختصاص بعض الخطابات لا يدل على
اختصاص البواقي، وليس ذلك من مقام حمل المطلق والعام على المقيد
والخاص أصلا.
ولعل النكتة في التخصيص: أشرفية المؤمنين، أو لأجل 3 أنهم
كانوا يطيعون الأوامر، ويتبعونها، ويتفحصون عنها، دون الكفار، مع
أنه قد يخص الحكم الشامل للكفار أيضا بالمؤمنين كقوله سبحانه:

(1) كذا، والأنسب: عن أمرهم بالغسل.
(2) المغني والشرح الكبير 1: 240، وفيه: وقد روي أن أسيد بن حضير وسعد بن معاذ حين
أراد الاسلام سألا مصعب بن عمير وأسعد بن زرارة.
(3) في (ح): أولا لأجل.
291

(يا أيها الذين امنوا امنوا) 1.
ثم بما ذكرنا يظهر ما في بعض أجوبته عن احتجاجات المنتهى.
وأما ما ذكره جوابا عن الثاني من أنه مصادرة، ففاسد جدا، لان بعد عموم
الخطاب ووجود المقتضي يكفي عدم ثبوت المانع، فعلى مدعيه الاثبات، و
ادعاؤه كون شئ مانعا من المصادرات
وكذا ما ذكره في الجواب عن الثالث: من الحمل على المخالفين المقرين
بالاسلام، وأنه لا تصريح فيها بالكفار، فإنهم يقولون بعد ذلك: (وكنا نكذب
بيوم الدين) 2 وهذا تصريح بأنهم هم الكفار، فان المخالفين لا يكذبون بيوم الدين.
وأما ما ورد في تفسير الآية - فمع ضعفه، وعدم انتهاضه حجة لذلك، بل
لا يصلح للاحتجاج لو كانت من الأخبار الصحيحة أيضا، إذا لم يثبت حجية
أخبار الآحاد في ما عدا التكاليف، والمورد ليس منها - فيه: أنه يمكن أن يكون من
البطون التي لا تمانع العمل بظواهرها، ولا تزاحمه، واللفظ ليس من الألفاظ
المجملة المتشابهة أصلا.

(1) النساء 4: 136.
(2) المدثر 74: 46.
292

عائدة (31)
في أصالة عدم تداخل الأسباب.
صرح جماعة من الأصحاب بأصالة عدم تداخل الأسباب، وبنوا عليها
مسائل في كثير من الأبواب 1
وأنكرها جمع من المتأخرين، وقالوا: إنها أصل غير أصيل 2، بل صرح
المحقق الخوانساري في شرح الدروس: بأنه كلام خال عن التحصيل 3
ونحن نبين أولا معنى ذلك الأصل، ثم تنكشف عن ثبوته وعدمه بقول
فصل
فنقول: معنى عدم تداخل الأسباب: عدم تداخلها من حيث هي أسباب،
أو 4 عدم تداخلها في السببية، بمعنى تواردها على مسبب واحد، والمقصود لازم

(1) منهم العلامة في قواعد الأحكام 1: 3، وتحرير الاحكام 1: 12، وارشاد الأذهان 1: 221، وابن
فهد في الموجز (الرسائل العشر): 54، والمحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 87، والشهيد الثاني
في روض الجنان: 18، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 12.
(2) منهم ابن سعيد في الجامع للشرائع: 34، والشهيد في الدروس: 2، والقواعد والفوائد 1:
44 و 166، والمحقق السبزواري في ذخيرة المعاد: 8، والبحراني في الحدائق 2: 197،
والسيد بن طاووس في الأمان: 34.
(3) مشارق الشموس: 16.
(4) في (ب)، (ج): و.
293

المعنى، وهو عدم تداخل المسببات، يعني عدم مسببية أمر واحد بسببين
مستقلين.
ولعل عدولهم عنه، للتنبيه على وجه الحكم، فان عدم تداخل الأسباب هو
السبب في عدم تداخل المسببات.
ثم الأسباب على قسمين:
أحدهما: الأسباب الواقعية والعلل النفس الامرية التي هي المؤثرات
الحقيقية في وجود المسببات.
وثانيهما: المعرفات والامارات للعلل الواقعية الكاشفة عن وجود المؤثر، و
منها الأسباب الشرعية التي جعلها الشارع مناطا للأحكام الشرعية، ورتب عليها
ثبوت الاحكام، فإنها كاشفة عن المصالح الواقعية التي هي العلل الحقيقية.
فما كان من الأول: فلا شك أن التداخل فيه محال، لامتناع اجتماع علتين
مستقلتين على معلول واحد، أعم من أن يراد من الاجتماع اجتماعهما في إيجاد
معلول واحد في الخارج فعلا، لامتناع إيجاد الموجود لو كان كل منهما مؤثرا
مستقلا، وعدم العلية التامة لو كان التأثير منهما معا.
أو يراد اجتماع أمرين صالحين لايجاد المعلول الواحد في الخارج وان كان
وجود المعلول الواحد مستندا إلى واحد منهما، إذ لو اجتمعا في الخارج، فذلك
المعلول الواحد الموجود إن كان مستند إلى أحدهما، فتخلف عن الاخر، وهو
محال، وان كان مستند إليهما، تخلف عنهما، وهو أيضا محال، فلابد من
تأثير كل منهما في معلول على حدة، فلابد من تعدده مطلقا.
وعلى هذا، فلا يراد من الأسباب في قولهم: الأصل عدم تداخل
الأسباب، هذا القسم منها، لان الأصل إنما يستعمل في مكان جاز التخلف عنه
بدليل، بل يصرحون بان الأصل عدم التداخل، إلا فيما ثبت فيه التداخل.
وكذا لا كلام في جواز التداخل فيما كان من الثاني، إذ المعرف علة للوجود
الذهني، ومعلولية موجود واحد ذهني لمتعدد جائزة، ولذا يستدل على مطلوب
294

واحد بأدلة كثيرة.
ويصح أن يستند وجود ذلك الموجود الذهني إلى كل منها، ولذا لا يرتفع
ذلك الموجود الذهني بظهور بطلان واحد من الأدلة، بل يكون باقيا بحاله بعينه
كما كان.
فان قيل: حصول المعرفة ووجود ذلك الموجود الذهني إن كان مستندا إلى
واحد، يلزم عدم كون الاخر معرفا، بل تخلف المعلول عن العلة التامة، لان كلا
منهما علة تامة للتعريف وإيجاد الموجود الذهني، وإن كان مستندا إلى كل
منهما، يلزم تعريف المعرف وإيجاد الموجود، وان كان مستندا إليهما، يلزم كون
المعرف كليهما معا، فلا تعدد في المعرف.
قلنا: فرق بين الموجود الخارجي والذهني، حيث إنه لا يمكن صيرورة
الشيئين في الخارج شيئا واحدا، بخلاف الموجود الذهني، فإنه يصير ألف موجود
ذهني موجودا واحدا، بمعنى مطابقة موجود واحد في الذهن لألف موجود
خارجي، فينتزع من كل من ألف موجود صورة ذهنية كلها منطبقة على موجود
ذهني واحد، كالسواد المنتزع من جميع أفراده.
ولذا ترى أنه يبطل دليل واحد مما استدل عليه بأدلة كثيرة، ولا يبطل المدلول،
بل هو بعينه باق على ما كان
فيستفاد من كل معرف موجود ذهني، ويتطابق جميع تلك الموجودات و
تتحد في الذهن، وهذا هو المراد من اجتماع المعرفات على أمر واحد، وظاهر
أن هذا أمر جائز، ولا كلام في ذلك الجواز
وإنما الكلام في أن الأصل فيه التداخل أو عدمه، وهذا الكلام أيضا مختص
بالأسباب الشرعية التي هي محط كلام الفقيه ومجرى الأصل دون غيرها.
فالمراد: أن الأصل في الأسباب الشرعية - وهي التي يلزم من وجودها
وجود أمر شرعي، مقابل الشرط الذي يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده
الوجود - هل هو التداخل أو لا؟
295

ثم اعلم أن الأسباب الشرعية بكثرتها على قسمين، لأنها إما نفس قول
الشارع، من دون توقفه على حصول أمر اخر أصلا، أو السبب أمر اخر رتب
الشارع المسبب عليه.
والقسم الأول على نوعين، لان أقوال الشارع المتعددة التي هي أسباب، إما
لا اختلاف فيها أصلا، أو فيها اختلاف بحسب انضمام الأوصاف.
فالأول: نحو قوله لزيد: صم يوما، ثم يقول أيضا: صم يوما.
الثاني: على صنفين، لان الأوصاف المنضمة إما أوصاف متناقضة يمتنع
اجتماعها في شئ واحد شخصي، أو ليس كذلك
فالأول: نحو: يجب صوم يوم، ثم قال: يستحب صوم يوم، أو: صم يوما
وجوبا، وصم يوما ندبا، بأن يكون الوصفان قيدين للفعل دون الامر. ونحوه:
صل ركعتين أداءا، وصل ركعتين قضاءا، بأن يكون الوصفان قيدين للركعتين.
والثاني: نحو قوله: صل ركعتين تحية للمسجد، وصل ركعتين للزيارة، أو
اغتسل للتوبة أو اغتسل للزيارة واغتسل للجنابة، سواء كان الأمران متفقين في
الوجوب والاستحباب، أو مختلفين.
والقسم الثاني أيضا على نوعين: لان الشارع إما رتب المسبب على أمر
واحد، ولكن حصل التعدد بفعل المكلف، نحو قوله: من وطأ حائضا فليتصدق
بدينار، فوطأ المكلف مرتين، ونحو: من بال فليتوضأ، فبال مرتين
أو رتبه على أمرين متغايرين نحو: من وطأ حائضا فليتصدق بدينار، ومن
نظر إلى أجنبية فليتصدق بدينار، أو: من بال فليتوضأ، ومن نام فليتوضأ، أو:
من أجتنب فليغتسل، ومن مس ميتا فليغتسل.
والظاهر: أنه لا خلاف في عدم تعدد المسببات فيما كان من النوع الأول من
القسم الأول، والعرف أيضا لا يفهم منه الا التأكيد.
وكذا لا ينبغي الريب في التعدد فيما كان من الصنف الأول من النوع
الثاني، سواء كان الوصفان المتناقضان وصفين للامر، أو قيدين للفعل، الواجب
296

قصدهما في النية، لفهم العرف في الأول، وامتناع اجتماع النقيضين في شئ
واحد في الثاني.
وإنما الكلام في سائر الأنواع والأقسام، فنقول: لا ينبغي الريب في أن
الأصل الأولي فيه التداخل، كما صرح به والدي - طاب ثراه - في بحث الوضوء
من كتاب لوامع الاحكام 1، وذلك لأنه لولاه لتعدد المسبب، وهو خلاف
الأصل 2.
وأيضا لا يتعدد المسبب إلا بتعدد السبب الحقيقي، إذ لولاه لوجب تعدد
المسبب قبل تعدد المعرف أيضا، والأصل عدم حدوث سبب حقيقي اخر.
ومن هذا تظهر أصالة التداخل أولا - أيضا - في السبب الذي لم يعلم أنه هل
هو المؤثر الحقيقي والمقتضي بنفسه، أو معرف عن العلة الحقيقية وكاشف عن
المؤثر الحقيقي؟
ويتكشف منه: أن الأصل الأولي في جميع الأسباب الشرعية التداخل إلا
ما شذ وندر وإن جوزنا كون بعضها مؤثرات حقيقية، ومقتضيات بأنفسها، إذ
لا يمكن العلم بالعلة الحقيقية غالبا.
فاختص الكلام بالأسباب الشرعية بالنسبة إلى الأصل الثانوي، بمعنى أنه هل
يثبت من الأدلة أن الحكم فيها عدم التداخل حتى يثبت خلافه، أم لا؟
هذا تحقيق معنى ذلك الأصل وتوضيحه موافقا لما ذكره القوم.
وأقول: هاهنا تحقيق اخر، وهو أنه لا شك أن الأسباب الشرعية علل
للأحكام المتعلقة بأفعال المكلف لا لنفس أفعاله، فوطء الحائض علة لوجوب
التصدق، والبول علة لوجوب الوضوء، لا للتصدق والوضوء، وتعدد الأسباب
الشرعية لو اقتضى تعدد مسبباتها، لاقتضى تعلق وجوبين بتصدق الدينار و

(1) لوامع الاحكام (مخطوط) في بحث نية الوضوء.
(2) المراد به: أصل عدم وجوب صلاة أخرى أو غسل اخر.
297

بالوضوء، والكلام إنما هو في وجوب تعدد التصدق والوضوء، لا تعدد وجوبه،
ولا تلازم بينهما، لامكان تعلق فردين من حكم بفعل واحد من جهتين
متغايرتين، كوطء الأجنبية الحائض، وشرب الخمر أو الزنا في نهار رمضان، و
وجوب قتل زيد المرتد القاتل لغيره عمدا، وهكذا.
وعلى هذا، فأصالة تداخل الأسباب على ما ذكروه وإن استلزم أصالة
تداخلها بالمعنى الذي كلامنا فيه هنا، ولكن أصالة عدم تداخلها لو ثبتت لا تستلزم
أصالة عدمه بالمعنى المراد، بل الأصل هو التداخل: أي عدم لزوم تعدد الفعل
الصادر من المكلف بتعدد أسباب الحكم المتعلق به وإن قلنا باقتضاء الأسباب
المتعددة لتعدد الحكم، لان تعدده لا يوجب لزوم تعدد الفعل.
والحاصل: أن الكلام في وجوب تعدد الفعل، وهو غير تعدد المسبب الذي
هو الحكم المتعلق به، وان كان عدم تعدد المسبب مستلزما لعدم تعدد الفعل
ومنه يظهر أن إثبات أصالة عدم تداخل الأسباب - بالمعنى الذي ذكروه -
لا يكفي في إثبات أصالة لزوم الفعل الذي هو المطلوب.
نعم إثبات أصالة التداخل يكفي في إثبات أصالة عدم لزوم التعدد
ولما عرفت أن الأصل الأولي التداخل بالمعنى الذي ذكروه، تعرف أن
الأصل الأولي عدم لزوم التعدد، بل لولا أصالة التداخل بالمعنى المذكور أيضا،
لكان الأصل الأولي عدم لزوم التعدد، وهو ظاهر.
وظهر من ذلك أيضا: أنه على أي تقدير لا يمكن الريب في أن الأصل الأولي
التداخل، وعدم لزوم التعدد، ويختص محل الكلام بالأصل الثانوي.
وإلى هذا ينظر كلام بعض سادة مشايخنا، حيث قال: إن هذا الأصل بمعنى
القاعدة المستفادة من أدلة الأسباب 1
فالظاهر من جماعة من المتأخرين، منهم المحقق الخوانساري 2، ووالدي

(1) فوائد الأصول: 121 فائدة 37.
(2) مشارق الشموس: 61
298

العلامة في اللوامع والمعتمد 1 - وإن اختار في كتبه الأصولية غيره 2 - عدم ثبوت
هذا الأصل 3.
وصرحت طائفة بثبوته، وقالوا: إن الأصل عدم التداخل، فلا يجزئ
الفعل الواحد عن السبب المتعدد، الا إذا ثبت التداخل بدليل من عقل أو نقل 4
حجة الأولين واضحة، فان تأصيل الأصل الطارئ يتوقف على الدليل، فما
لم يقم لا يحكم بثبوته، بل يحكم بأصالة خلافه.
ويزيد الدليل 5 في النوع الأول من القسم الثاني إذا كان هناك خطاب مطلق
أو عام: أن مقتضى إطلاق قول الشرع: ترتب السبب الواحد على هذا الفعل،
سواء كان الفعل واحدا أو متعددا، فمقتضى إطلاق قوله: أن من وطأ حائضا -
مطلقا سواء كان وطئا واحدا أو متعددا - يجب عليه تصدق دينار، ومن بال مرة
أو أكثر تجب عليه ماهية الوضوء
وإلى هذا يشير قول من استدل على عدم تكرر الكفارة بتكرار الوطء، بان
الوطء يصدق على القليل والكثير.
حجة القائلين بثبوت هذا الأصل وجوه:
الأول: أن السببين إذا تعاقبا، فلا ريب في ثبوت المسبب السبب الأول،
فإذا وجد الثاني، فإما يجب به شئ أولا، والثاني باطل، لان السببين متساويان

(1) اللوامع: فصل في واجبات الوضوء، في النية، معتمد الشيعة: الفرع العاشر من فروعات الوضوء.
(2) كما في تجريد الأصول: 36.
(3) واختاره من المتأخرين أيضا الشهيد في الدروس: 2، والقواعد والفوائد 1: 44 و 166، والمحقق
السبزواري في ذخيرة المعاد: 8، وكفاية الاحكام: 7، والمحدث البحراني في الحدائق 2: 197.
(4) منهم العلامة في القواعد 1: 3، والتحرير 1: 12: وابن فهد في الموجز (الرسائل العشر):
45، والمحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 87، والشهيد الثاني في روض الجنان: 18، والفاضل
الهندي في كاشف اللثام 1: 12.
(5) يريد من الدليل: حجة الأولين.
299

في دليل السببية والاقتضاء، فالحكم بثبوت المسبب بأحدهما دون الاخر تحكم. و
لأنه لو تقدم يثبت به المسبب قطعا، فكذا لو تأخر، لان ما دل على سببيته يتناول
الصورتين من غير فرق، فتعين الأول، وهو ثبوته بالثاني.
وحينئذ، فاما أن يكون الثابت به عين ما يثبت بالأول أو غيره، والأول
باطل، لان المسبب يترتب على السبب فلا يكون متقدما عليه، فوجب أن يكون
الثابت به أمرا مغايرا للأول، فيتعدد المسبب بتعدد السبب، وهو المطلوب.
وبتقرير اخر: الثاني من السببين المتعاقبين يثبت به المسبب، لعموم ما دل
على سببيته، والثابت به غير الأول، لان الظاهر من ترتب طلبه على حصول
سببيته تأخره عنه، فيكون مغايرا للمطلوب بالأول، ويلزمه التعدد
وبتقرير ثالث: يجري في غير المتعاقبين أيضا السببان إذا وجدا، فاما لا يثبت
بهما مسبب، أو يثبت بهما مسبب واحد، أو مسببان.
الأول باطل، لأنه ترك للدليل المقتضي لسببيتهما بلا موجب، وهو فاسد.
وكذا الثاني، لان المسبب الواحد إما مسبب لواحد منهما معين، أو غير
معين، أولهما معا، والأول تحكم بحت، وطرح دليل سببية الاخر بلا وجه،
والثاني موجب لترك دليل سببية أحدهما لا على التعيين من غير جهة، والثالث
لترك دليل سببية كل منهما والقول بسببية المركب، والكل مخالف للأصل، فبقي
الثالث، وهو المطلوب
أقول: يرد على هذا الدليل: أن إرادة المسبب المغاير للمسبب الأول عند
تعدد الأسباب توجب استعمال ألفاظ المسببات في حقيقته ومجازه، أو في
حقيقتيه في استعمال واحد، ضرورة إرادة الماهية أو مطلق الفرد - على اختلاف
القولين - عند عدم تعددها، وذلك غير جائز، فإذا قال الشارع: البول موجب
للوضوء، والنوم موجب للوضوء، فالمراد بالوضوء عند انفراد كل من السببين إما
الماهية أو مطلق الفرد، فلو أريد منه عند اجتماعهما الفرد المغاير لما وجب بالأول،
لكان لفظ الوضوء مستعملا في معنيين، وهو غير جائز، مع أنه على القول
300

المشهور من وضع الألفاظ المطلقة للماهية، يكون عند التعدد مستعملا في الفرد
قطعا، ضرورة عدم التعدد في الماهية، وهو مجاز معارض لتخصيص عموم
السبب، والتخصيص إما مقدم على المجاز كما هو المشهور أو مكافئ له، كما
هو الحق، وعلى التقديرين لا يعلم عموم ما دل على السببية بحيث يشمل المورد
أيضا، فلا رافع قطعيا لأصل التداخل الأولي.
هذا، مع أنه لو تم ذلك الدليل، لم يجر في مثل قوله: من بال فيتوضأ، و
من نام فليتوضأ، لان ورود الأوامر المتعددة على شئ واحد جائز، كورود أزيد
من ألف أمر بالصلاة والزكاة ونحوهما، بل يكون مختصا بما دل دليل السببية
على تجدد المسبب وحدوثه
بحدوث السبب، كقوله: البول يوجب الوضوء،
والنوم يوجب الوضوء، وانتزاع هذا المعنى من الأول وكونه في قوته - لو سلم
- لا يوجب الاتحاد في جميع الأحكام اللفظية أيضا، مع أنه لو سلمنا تعدد
المسبب، فغايته تعدد الحكم الذي هو المسبب كالايجاب، وقد عرف أن
بتعدده لا يلزم لزوم تعدد الفعل، فغايته وجوب وضوء واحد لكل من البول
والنوم - مثلا - - وأين هو من التعدد المطلوب؟
الثاني: أن المتبادر اختصاص كل سبب بالمسبب، وهو مقتض للمتعدد، فان
المفهوم من قوله: (إذا تكلمت في الصلاة ناسيا فاسجد سجدتي السهو) وجوب
السجود لخصوص التكلم، ومن قوله: (إذا شككت بين الأربع والخمس فاسجد) وجوب سجود اخر للشك غير الأول، وكذا نحو: (من تعمد الاكل
في نهار رمضان فليكفر، ومن تعمد الجماع فليكفر) فان المتبادر منه وجوب
كفارتين: كفارة للاكل، وكفارة أخرى للوطء، من غير تفاوت في الأول بين
وقوع السهو والشك في صلاة واحدة أو متعددة، ولا في الثاني بين وقوع الاكل
والوطء في اليوم والأيام، مع تخلل الكفارة وبدونه، ولا بين هذه الأمثلة و
نحوها من مواضع الخلاف وغيرها مما أجمعوا فيه على التعدد، أو الاتحاد، فان
المتبادر في جميع ذلك اختصاص كل سبب بمسببه بلا اختلاف يعود إلى دلالة
301

اللفظ، فيكون المطلوب في الجميع متعددا، إلا ما صرف عنه الدليل كما في
أسباب الوضوء.
ومن ثم ترى الفقهاء يعللون التداخل فيما يقولون به بالغاء الخصوصية، أو
وجود الظن المعتبر، وأما إذا انتفى الدليل على ذلك فيه، فإنهم لا يرتابون في
الاختصاص، أخذا بظاهر اللفظ من غير معارض، وكفى بذلك شاهدا على
التبادر، مع حكم الوجدان وشهادة العرف.
وإن شئت فاستوضح ذلك بمثل ما إذا قيل: إن جاءك زيد فأعطه درهما، وإن
سعى لك في حاجة فأعطه درهما، فجاء وسعى في حاجته، فإنك لا تشك في
أنه يستحق درهمين: درهما لزيارته ودرهما لسعيه، وتجد الفرق بين ذلك وبين
زيارته المجردة عن السعي، وسعيه المجرد عن الزيارة
وكذا إن قيل: إن جاءك طبيب فأعطه دينارا، وان جاءك أديب فأعطه دينارا،
فأتى زيد وهو طبيب وأديب، فإنك تحكم بأنه يستحق دينارين، وتفرق بين
مجيئه ومجئ طبيب غير أديب، وأديب غير طبيب.
ونحو ذلك سائر الأمثلة من الخطابات الشرعية والمحاورات العرفية، فان
المستفاد من جملتها اعتبار الأسباب، واستقلالها في اقتضاء المسببات من غير
تداخل 1
أول: إن كان المراد أن المتبادر أن كل سبب يقتضي أن يختص مسببه به،
بحيث تكون الخصوصية أيضا داخلة في المسبب، بمعنى أن يكون قصد أنه مسبب
لذلك السبب، وأن الاتيان به لأجله جزء من المأمور به، ولازم ذلك تعدد
المسبب عند تعدد السبب، فهو يرجع إلى الدليل الآتي، ويأتي ما فيه.
وإن كان المراد أن المتبادر هو التعدد عند تعدد المسبب، وأن ذلك التعدد هو
مقتضى دلالة اللفظ، ففيه - مضافا إلى منع التبادر - أن هذا إنما يتمشى إذا كان

(1) انظر فوائد الأصول: 124 فائدة 37
302

هناك لفظ، مع أن الحكم قد يثبت بالاجماع أو غيره من الأدلة الغير اللفظية، بل
الألفاظ الدالة على سببية الأسباب غير محصورة.
ودعوى: تبادر ذلك من كل لفظ، فاسدة جدا، ضرورة اختلاف الألفاظ
فيما يفهم منها ويتبادر، بل منها ما يمكن دعوى تبادر عدم التعدد منه، مثل ما إذا
قال: إذا أمرك زيد بأمر فأت به، فقال زيد لك: صل غدا، ثم قال بعد ساعة:
صل غدا، لا يفهم منه إلا إرادة صلاة واحدة، فاثبات الأصل الكلي بذلك باطل
قطعا.
الثالث: ما مرت الإشارة إليه من أن كل سبب يقتضي اختصاص مسببه به،
بمعنى أن يؤتى بمسببه لأجل أنه مسبب من ذلك السبب، بل هو مقتضى وجوب
الامتثال، فان صدق الامتثال عرفا بأن يقصد تعيين ما يأتي به، فإنه لا يحصل
امتثال الامر بغسل الجنابة الا مع قصد أنه غسل الجنابة، أي مسبب من الجنابة،
فلو لم يقصدها أو قصد غيرها لم يعد ممتثلا، وكذا غسل الجمعة، ومقتضى
ذلك وجوب الاتيان بكل مسبب بقصد أنه مسبب من السبب الفلاني، فلازم
ذلك أصالة عدم التداخل.
أقول: القدر المسلم الذي يتوقف عليه صدق الامتثال: أنه يجب الاتيان
بكل مأمور به بقصد أنه امر به، وأما إنه لأجل أنه امر به لذلك السبب أو هذا
فلا، وهذا بعينه معنى القربة اللازمة في امتثال كل أمر
ولو تعدينا عن ذلك، نقول بلزوم قصد أنه مأمور به بذلك الامر وهذا إلى
اخر جميع الأوامر، وكيفما كان لا يستلزم عدم التداخل لجواز قصد امتثال أوامر
متعددة بفعل واحد إذا طابق جميعها.
وتوضيح ذلك: ان للتداخل صورا أربع: لأنه إما يكون بان يقصد
بالامر الواحد امتثال الأوامر المتعددة، فيكون تداخلا اختياريا حاصلا بالقصد
والنية.
أو يقصد به البعض ويدخل فيه الباقي تبعا، فيكون تداخلا قهريا حاصلا
303

بغير إرادة واختيار.
أو يقصد البعض ويسقط معه طلب غيره لحصول الغرض بفعله، فيكون
في قوة التداخل فيه.
أولا يقصد شيئا منها، بل يأتي بصورة الفعل المشترك بين الجميع، و
يغني عن الكل، لان المقصود حصول أصل الفعل كيفما اتفق.
فلو وجب في صدق الامتثال قصد خصوص الامر، يلزم عدم التداخل بأحد
المعاني الثلاثة الأخيرة، وأما بالمعنى الأول فلا، لتحقق قصد امتثال الجميع، و
توقف الامتثال على تعدد الفعل ممنوع.
بل نقول بمثل ذلك لو وجب قصد خصوص السبب أيضا، فيقصد بفعل
واحد إيجاد مسبب هذا السبب وذلك، فيغتسل مثلا غسلا واحدا للجنابة
والحيض والجمعة.
هذا، مع أن جميع المسببات الواردة في الشريعة ليست من العبادات المتوقفة
على قصد الامتثال والتعيين.
الرابع: ما ذكره بعض سادة مشايخنا في بعض فوائده، من اتفاق
الفقهاء - عدا من شذ - عليه، فإنهم قطعوا به، واستندوا إليه في
جميع أبواب الفقه، وأرسلوه إرسال المسلمات، وسلكوا به سبيل
المعلومات، ولم يخرجوا عنه الا بدليل واضح أو اعتبار لائح، وربما
تركوا الظواهر بسببه، وطرحوا النصوص لأجله، كما صنعه جماعة في
تداخل الأغسال وغيره، ولم يعهد منهم طلب الدليل على عدم التداخل في
شئ من المسائل، فلو ذهب أحد إلى التداخل في شئ طالبوه بالدليل، وليس
ذلك الا لكونه من الأصول المسلمة والقواعد المعلومة، وإلا لكان الامر بعكس
ما صنعوه وخلاف ما قرروه، لان الأصل فيما دار بين الاتحاد وعدمه هو
الاتحاد، وما يتفق لبعضهم من الاستناد إلى الأصل فيما قالوا فيه
بالتداخل، فالوجه فيه عدم ظهور التعدد في تلك الموارد، ولا شك في أن
304

الأصل فيه هو الاتحاد 1
أقول: قد أشرنا إلى أن الألفاظ المشتملة على الأسباب والمسببات مختلفة
غاية الاختلاف، وليست محصورة في نوع واحد.
فمنها: ما يظهر منه التعدد وعدم التداخل.
ومنها: ما يفهم منه الاتحاد وعدم التعدد.
ومنها: ما لا يفهم منه شئ من الامرين.
ومع ذلك، فالدليل الخارجي من الاجماع والنصوص في كثير من الموارد
الجزئية على التداخل أو عدمه متحقق.
وعلى هذا، فان أريد اتفاق جماعة من الفقهاء أو جميعهم على عدم
التداخل في بعض الموارد، وجعله أصلا فيه فهو كذلك، ولكن لا يثبت منه
أصالة عدمه مطلقا، كما هو المطلوب، لجواز استنادها في تلك الموارد إلى دلالة
لفظ أو دليل خارجي
وإن أريد اتفاقهم عليه مطلقا، وجعله بنفسه أصلا، فهو ممنوع جدا، بل إن
هو الأمحل النزاع، وكلام الأكثر بل جميع القدماء خال عن ذكر ذلك الأصل
وإن عملوا بمقتضاه في بعض الموارد لاجماع أو دليل اخر
وكفى بذلك شاهدا: ما ادعاه من ترك الظواهر، وطرح النصوص الدالة
على التداخل في بعض الموارد، فإنه لو كان المعول فيه هو مجرد الأصل، لم
يترك الظاهر والنص لأجله قطعا، إذ الأصل لا يعارض الظاهر فيكف النص.
وبالجملة: ما ذكره من اتفاقهم على ذلك الأصل من حيث هو، وكونه
عندهم من القواعد المسلمة، ممنوع جدا.
الخامس: ما ذكره أيضا، وهو: استقراء الشرعيات في أبواب العبادات
والمعاملات.

(1) هذا ما جاء في فوائد الأصول: 122 فائدة 37.
305

قال رحمه الله: فان المدار فيها من الطهارات إلى الديات على تعدد المسببات
إذا تعددت أسبابها، عدا النزر القليل، المستند إلى ما جاء فيه من الدليل، على
اختلاف في أكثره، وشك في أغلبه، وإنك متى تجاوزت ذلك، وارتقيت في
الأسباب، وجدتها على ما وصفناه من غير شك ولا ارتياب
ولذا ترى أن أسباب الصلاة والزكاة والصوم والحج والايمان والنذور
والديات والحدود وغيرها على كثرتها، كثيرا ما تجتمع مع توافق مسبباتها في
الجنس والكيفية والوقت، وهي مع هذا متعددة متغايرة، كالصلاة المتوافقة من
فائتة وحاضرة، والفوائت المتعددة من الفرائض والنوافل، الراتبة وغير الراتبة،
الموافقة وغيرها، وكصلاة الفجر مع الطواف، والزلزلة مع الكسوف، والعيد
مع الاستسقاء، وكذا أنواع الصيام من القضاء والكفارة وأفرادهما المتكثرة، و
أقسام الزكاة، مثل زكاة المال والفطرة وأفرادهما الكثيرة، والديون المستقرة في
الذمة بأسباب مختلفة، كالبيع والصلح والإجارة، وغير ذلك من صور اجتماع
الأسباب مع توافق المسببات مما لا يمكن حصره، فان البناء في جميعها على
التعدد، بحيث لا يحتمل فيها التداخل، والاكتفاء بالواحد عن المتعدد، كصلاة
واحدة من ألف صلاة، وصوم يوم عن ألف يوم، أو دفع دينار بدلا عن قنطار،
ولو أن أحدا حاول ذلك، لكان مخالفا لقانون الشريعة، خارجا عن الدين والملة.
ولا ندعي أن الأسباب كلها بهذه المثابة، فإنها تختلف جلاءا أو خفاءا، ولكن
الفحص والاستقراء وتتبع الجزئيات التي لا تحصى يكشف عن استناد الامر في
ذلك كله على شئ جامع مطرد في الجميع، وليس الا أصل عدم التداخل.
وهذا من قبيل الاستدلال بالنصوص المتفرقة الواردة في جزئيات المسائل
على ثبوت ما اجتمعت عليه من المطالب الكلية، وذلك ليس من الظن والقياس
في شئ 1

(1) فوائد الأصول: 122 فائدة 37.
306

أقول: يرد عليه - بعد المعارضة بثبوت التداخل، وبنائهم عليه في كثير من
الأبواب، بحيث يمكن دعوى مساواتها لما بني فيه على العدم، كأبواب الوضوء
والغسل والتطهير من الأخباث، والنذور والايمان، كمن حلف ألف مرة على
فعل واحد، أو ترك أمر واحد، أو نذره، والحدود، كمن شرب قبل الحد مرات،
أو قذف كذلك أو زنى، فظاهر أنه لا يفيد الاستقراء في مثل ذلك شيئا - أنه على
فرض التسليم لا يكون ذلك إلا من باب الحاق الشئ بالأعم الأغلب، وهو ليس
إلا من الظن الغير ثابتة حجيته.
ألا ترى أنه بعد ثبوت أصل الطهارة الأولي للأشياء، لو حكم الشارع
بنجاسة أكثر الأشياء، بحيث لم يبق محل للشك الا قليل، لا يحكم بنجاسته.
وبالجملة ليس ذلك - لو سلمت الغلبة - الا من الظنون التي لم تثبت
حجيتها، وهذا ظاهر جدا.
السادس: ما ذكره أيضا، وهو أن اختلاف المسببات إما أن يكون بالذات،
كالصوم والصلاة، وصلاة الفجر والظهر أو بالاعتبار، كصلاة الفجر أداءا و
قضاءا.
والاختلاف في الثاني ليس الا اختلاف النسبة والإضافة إلى السبب، فان
صلاة ركعتين بعد الفجر ممن عليه صبح فائتة، صالحة لها وللحاضرة، وانما
تختلف وتتعدد باعتبار نسبتها إلى دخول الوقت وخروجه، فان أضيفت إلى
الأول كانت أداءا وإلا قضاءا، ومثل ذلك الاختلاف يتحقق في كل ما ينفى
فيه التداخل، لأن المفروض فيه اختلاف الأسباب التي تختلف معها النسبة.
ثم إنه متى كان هذا الاختلاف في النسبة مقتضيا للتعدد في مورد واحد،
كان مقتضيا له في غيره، لان المعنى المقتضي للتعدد يتحقق في الجميع، قائم في
الكل من غير فرق، فيكون الأصل تعدد المسببات بتعدد الأسباب، ولا يلزم منه
امتناع التداخل، لأنه إنما يلزم لو كان اختلاف النسبة سببا تاما للتعدد، وليس
كذلك، فإنه مقتض له، والتخلف عن المقتضي جائز مع وجود المانع، وهو
307

موجود في كل ما يثبت فيه التداخل، فانا لا نقول به إلا على تقدير وجوده.
وتحقيق ذلك: أن الأسباب الشرعية كاشفة عن المصالح الواقعية، و
اختلافها كاشف عن اختلاف تلك المصالح، بمعنى: أنه ظاهر فيه، فإذا دل الدليل
على التداخل، علم أن المصلحة في الجميع واحدة، وأن الإضافة غير مؤثرة 1
أقول: هذا إنما يتم لو علم المعنى المقتضي للتعدد فيما علم فيه التعدد،
والعلم به ممنوع، ومجرد اختلاف النسبة لا يدل على أنه هو المقتضي، بل لعله
شئ اخر لا نعلمه، وليس ذلك إلا من باب إثبات العلية بالمناسبة، الذي هو من
أضعف 2 أفراد القياس، هذا.
ثم إنه قد يستشهد لأصالة عدم التداخل: بفحوى الأخبار الواردة في تداخل
بعض الأسباب، حيث تضمنت الجواز والاجزاء الظاهرين في الرخصة في
الجمع، وأن الأصل فيها التعدد
وفى حديث زرارة في الأغسال: (إذا اجتمعت لله عليك حقوق أجزأك
عنها غسل واحد) 3
قيل: وفيه تنبيه لطيف على أن ذلك مخصوص بالغسل، وإلا لقال: حق
واحد، فإنه أعم وأعود، وأدخل في اللطف والامتنان وإرادة اليسر
والتوسعة، فعلم أن سائر الحقوق ليست كذلك.
بل قيل: إن في ورود النقل بالتداخل شهادة بأن المحتاج إلى التذكر هو
التداخل 4
أقول: لا دلالة للجواز والاجزاء على ما رامه، إذ القائل بالتداخل لا يريد

(1) فوائد الأصول: 123 فائدة 37
(2) في (ه‍)، (ب)، ضعيف.
(3) الكافي 3: 41 / 1، التهذيب 1: 107 / 279 و 162 / 463، الوسائل 2: 963 أبواب الأغسال المسنونة
ب 31 ح 1 وراجع أيضا 2: 566 أبواب الحيض ب 23.
(4) فوائد الأصول: 123 فائدة 37.
308

زائدا عليهما، ويقول بجواز التعدد أيضا، بل قد يقول بأفضليته في بعض
الموارد، ولا دلالة لهما على أن الأصل فيها التعدد أصلا، بل يدلان على جواز
التعدد أيضا.
ألا ترى قوله عليه السلام: (يجزيك غسل ثوبك مرة) 1 فإنه لا دلالة فيه على أصالة
المرتين أصلا، وهو ظاهر جدا.
وأما حديث زرارة، فلا تنبيه فيه أصلا، فان ما ذكره في وجه التنبيه إنما كان
صحيحا لو قلنا بتحقق التداخل في كل مورد، ونحن لا نقول به، بل نقول: إن
الأصل ذلك، وكم من مورد لم تتداخل فيها الأسباب في الشرعيات، فيكف
جاز أن يقول: حق واحد؟!
وأما ورود النقل بالتداخل، فإنما هو لأجل سؤال الراوي، مع أنه خلط في
النزاع، إذ لا نزاع في حصول الامتثال بالتعدد، ولا خفاء لاحد فيه حتى يحتاج
إلى السؤال، وإنما الخفاء في الواحد، فهو المحتاج إلى البيان، وأين ذلك من
الأصل؟!
فوائد:
الأولى: إجزاء الواحد وأصالة التداخل إنما هو مع عدم مسبوقية السبب
الثاني بالمسبب الأول، كما لو بال ونام قبل التوضؤ للبول، ووطأ في الحيض
مرة ثانية قبل التكفير للأول، وغسل يوم الجمعة للتوبة قبل غسله للجمعة، و
هكذا.
وأما مع المسبوقية، فلا شك في أصالة عدم التداخل، إذ امتثال الامر الثاني
لا يحصل إلا بذلك، وكذا تأثير السبب الثاني في السببية، وهذا ظاهر جدا، فلو

(1) ورد مضمونه في التهذيب 1: 424 / 1349، وص 258 / 748، الوسائل 2: 1029
أبواب النجاسات ب 22 ح 2.
309

بال وتوضأ ثم نام، يتوضأ ثانيا، وكذا لو وطأ وكفر ثم وطأ، كفر ثانيا.
ويظهر من كلام بعضهم في مسألة الوطء في الحيض: عدم التكرر مع
المسبوقية أيضا 1، وهو فاسد.
الثانية: لا شك في تعدد المسببات بتعدد الأسباب مع اختلاف المسببات
نوعا، كقوله: من بال فليتوضأ، ومن جامع فليغسل.
نعم قد يكون اختلافهما بالجزئية والكلية، نحو: من أفطر في
نهار رمضان فليطعم ستين مسكينا، ومن أفطر في قضائه فليطعم عشرة
مساكين.
ومثله قوله عليه السلام: (من وطأ في أول الحيض فليتصدق بدينار، ومن وطأ في
وسطه فليتصدق بنصف دينار، ومن وطأ في اخره فليتصدق بربع دينار) 2
فوطأ في الأزمنة الثلاثة، فهل تتداخل المسببات حينئذ أم لا؟ يحتمل الأمران، و
الأظهر من ملاحظة فهم العرف هنا عدم التداخل.
الثالثة: هل يتوقف كفاية الواحد عن المتعدد فيما يلزمه القصد والنية على
قصد المتعدد ونيته، أو على عدم قصد عدم التداخل ولو مع الغفلة عن البعض أو
الذهول، أو يتداخل ولو قصد عدمه؟ الظاهر هو الثالث إذا قصد بالفعل امتثال أمر
الشارع، الا فيما ثبت فيه اشتراط قصد السبب أو وصف لا يتحقق الا بالقصد،
فيتوقف التداخل حينئذ على قصد المتعدد.
أما الأول: فلعدم توقف صدور الفعل، ولا حصول الامتثال على قصد
خصوص الامر إذا قصد إطاعة الامر ولو بأمر اخر، كما صرح به المحقق
الخوانساري في بحث تداخل الأغسال من شرح الدروس 3، وبيناه أيضا في

(1) السرائر 1: 144
(2) ورود مضمونه في التهذيب 1: 164 / 471، والاستبصار 1: 134 / 459، الوسائل 2: 574
أبواب الحيض ب 28 ح 1.
(3) مشارق الشموس: 63.
310

بحث نية الوضوء من كتاب مستند الشيعة 1.
وأما الثاني: فوجهه ظاهر، وظهر من ذلك أن التداخل في الأغلب قهري.
الرابعة: ما ذكرناه من أصالة التداخل إنما هو الموافق للأصل، وإلا فقد
يوجد القرينة في نفس الخطاب أو من الخارج على لزوم التعدد، فيجب اتباعه
حينئذ.
ومن الأول ما مرت الإشارة إليه من قول الشارع: تجب ركعتان، ثم قوله:
تستحب ركعتان، فان المتبادر منهما بل مقتضى امتناع اجتماع الوصفين إرادة
التعدد.
هذا إذا تعلق الوجوب والاستحباب بنفس الفعل مطلقا، أما لو لم يكن
كذلك فلا، نحو: يجب على المصلي كونه مع الوضوء، ويستحب لقارئ
القران كونه مع الوضوء، فإنه لا دلالة لهما على تعدد الوضوء.
وكذا إذا قال: يجب الوضوء للصلاة، ويستحب لقراءة القران، أو من أراد
الصلاة يجب عليه التوضؤ، ومن أراد التلاوة يستحب له التوضؤ، فإنه لما كانا
شاملين لصورة اجتماع الإرادتين أيضا، ولا يمكن إرادة وجوب الماهية و
استحبابها حينئذ لامتناع اجتماعهما، فاما يخصص أحدهما بصورة عدم
الاجتماع، أو يراد من أحدهما الفرد المغاير لما يأتي به للأول، ولا ترجيح، فيرجع
إلى أصالة عدم التعدد، مع أن الترجيح للأول متعين، لاستلزام الثاني استعمال
اللفظ في الحقيقة والمجاز، وهو غير جائز.

(1) مستند الشيعة 1: 80.
311

عائدة (32)
في الشبهة المحصورة والدوران
بين الأقل والأكثر
قد ذكرنا في كتبنا الأصولية كا (المناهج) و (شرح تجريد الأصول) و
غيرهما 1: أنه إذا تردد المكلف به بين أمور معلومة محصورة، ولاحرج في فعل
الجميع، فالعمل على أصل الاشتغال إن لم يكن بين هذه الأمور قدر مشترك، و
على أصل البراءة إن كان.
والسر: أن سبب العمل بأصل الاشتغال إذا كان المكلف به مرددا بين
الامرين مثلا، إنما هو استصحاب عدم الامتثال، وعدم الاتيان بالمأمور به،
الخاليين عن المزيل ما لم يعمل بالجميع.
وعدم معارض لهما، إذ لا يتصور له معارض، سوى أصالة عدم وجوب
الاخر مثلا بعد الاتيان بواحد، وهذا الأصل غير ممكن الجريان، لأنه لو جرى
لاستلزم وجوب الأول، والأصل جار فيه أيضا، وهو أيضا مستلزم لوجوب
الاخر، فاجراء الأصل في كل واحد يستلزم عدم إجرائه في الاخر، ومثل ذلك
باطل

(1) مناهج الاحكام: 214 و 242 منهاج: في أصل الاشتغال.
313

بخلاف ما إذا كان بينهما قدر مشترك، فإنه لما كان الاشتغال به معلوما غير
جار فيه الأصل، يبقى أصل عدم الاشتغال بالزائد خاليا عن المعارض، فيتعارض
الاستصحابان المذكوران 1، لان مرجع أصل العدم أيضا إلى استصحاب حال
العقل، فالتعارض بين الاستصحابين.
والحاصل: أن في صورة وجود القدر المشترك يمكن استصحاب عدم وجوب
الزوائد، فيعارض ذلك استصحاب عدم الامتثال المثبت لوجوبه، بخلاف صورة
عدمه، لعدم إمكان استصحاب عدم وجوب كل من الامرين، لمعارضته مع
استصحاب عدم وجوب الاخر.
ثم بذلك يظهر: أنه لا فرق في عدم إمكان إجراء أصل الاشتغال بين ما كان
القدر المشترك من الاجزاء، كالسورة لو تردد أن الصلاة هل هي مركبة من السورة
أيضا أم لا، أو من اللوازم، كما إذا أمر بشئ وشك في أن المراد به هل هو
الايجاع أو الضرب، فان وجوب الايجاع يقيني حينئذ، لأنه لازم الضرب أيضا،
فاللازم حينئذ يكون واجبا قطعا، فيبقى عدم وجوب ملزومه الأعم خاليا عن
المعارض.
نعم يشترط أن يكون ثبوت الوجوب للقدر والمشترك بهذا الامر، أما لو كان
ثابتا بغيره فلا يفيد ويجري أصل الاشتغال، لامكان إجراء أصالة عدم وجوبه
بذلك الامر.
وكذا ظهر مما مر جريان أصل البراءة فيما إذا تردد الامر بين وجوب المطلق أو
الفرد، مع عدم وجود لفظ مطلق، كما سيأتي بيانه في العائدة المذكورة لبيان
الماهية، ومعنى تعلق الطلب بها.

(1) في (ب): فيعارض الاستصحابين المذكورين.
314

عائدة (33)
في معنى قوله (ع): على اليد
ما أخذت حتى تؤدي
قد اشتهر في كتب الفقهاء الاستدلال بحديث (على اليد ما أخذت حتى
تؤدي) 1 على ضمان ما أخذ من مال الغير بالمثل والقيمة بعد تلفه 2، وعلى
وجوب أدائه بعينه مع بقائه.
فلابد في النظر فيه أنه يتم أو لا، والنظر إما في حجيته أو دلالته.
والأولى وإن لم يمكن إثباتها من حيث السند، لكون الرواية ضعيفة
بالارسال، فإنها مروية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا، إلا أن اشتهارها بين الأصحاب، و
تداولها في كتبهم، وتلقيهم لها بالقبول، واستدلالهم بها في موارد عديدة،
يجبر ضعفها، ويكفي عن مؤنة البحث عن سندها.
وأما الثاني، فنقول: إن ظاهر هذا الكلام - على الطريق المتعارف في

(1) سنن أبي داود 3: 296 / 3561، سنن ابن ماجة 2: 802 / 2400، مسند أحمد 5 8 و 13، سنن
البيهقي 6: 95. واستدل به الشيخ في الخلاف 2: 101 من كتاب الغصب المسألة: 20 ق، وابن
إدريس في السرائر 2: 481، وفخر المحققين في الايضاح 2: 167، والمقداد في التنقيح 2: 249،
والسيد علي في رياض المسائل 2: 301. (2) في (ه‍): بقدر تلفه.
315

المحاورات - أن يقدر (ثابت) أو (كائن) أو نحوهما من أفعال العموم، على أن
يكون خبرا مقدما للموصول، أو جعله مبتدأ مؤخرا، وتكون الجملة خبرية: أي
ما أخذت اليد ثابت عليها كائن فيها، ككون الأعيان على محالها، نحو: زيد
كائن على السطح.
ولكن لا شك أن المطلوب ليس إخبارا، وأن المراد باليد ليس نفسها، ولا بما
أخذت عينه، بل المراد باليد هو ذو اليد من باب تسمية الكل باسم جزئه، بل أظهر
أجزائه وأدخلها في المقام، حيث إن الاخذ يكون باليد، كتسمية الجاسوس
بالعين، والترجمان باللسان.
والمراد بالموصول واحد من متعلقاته، كرده أو حفظه أو ضمانه أو نحوها.
والمراد بالجملة إنشاء الحكم الشرعي أو الوضعي، فلابد في الكلام من
تجوز في اليد، وتقديرين، أحدهما: تقدير متعلق الظرف. والثاني: تقدير
مضاف الموصول.
فان جعل المضاف من الأمور الوضعية ك‍ (ضمان) ونحوه، يكفي تقدير
(الثبوت) في الأول، فيكون المعنى: ضمان ما أخذت اليد ثابت على ذي اليد.
وان جعل غيره نحو: (الرد) أو (الحفظ) فلما لم يكن لثبوت الحفظ أو الرد
على ذي اليد معنى محصلا، فلابد إما من جعل متعلق الظرف الوجوب، ليكون
المعنى: واجب على ذي اليد رد ما أخذت أو حفظه، أو تقدير مضاف اخر
للمضاف 1، ليكون المعنى: ثابت على ذي اليد وجوب رد ما أخذت أو حفظه،
أو غيرهما مما لا تنتقل أذهاننا إليه الحال.
وإذا عرفت ذلك، نقول: الاستدلال بالحديث على ضمان المثل أو القيمة
بعد التلف إنما هو على فرض تقدير الضمان الشامل لرد العين مع البقاء، والمثل أو
القيمة مع التلف، ولا دليل على تعيينه أصلا.

(1) في (ه‍)، (ج)، (ح) زيادة: إليه.
316

فان قيل: استدلال الفقهاء واحتجاجهم على الضمان خلفا بعد سلف و
فهمهم ذلك دليل على أنه كان لهم قرينة على تقديره وإن خفيت علينا.
قلنا: مع أنه لم يعلم ذلك من جميع الفقهاء، ولا أكثرهم وإن علم من كثير
منهم، وليس ذلك من الأحكام الشرعية التي يحكم فيها بالاتفاق بضميمة
الحدس والوجدان، ولا يصلح عمل جماعة دليلا لشئ، لا يدل على أنه لقرينة
تقدير الضمان، بل لعله لاجتهادهم تقدير جميع المحتملات عند عدم تعيين المقدر،
أو لمظنة شيوع تقديره، أو لدليل اجتهادي اخر.
فان قيل: المتبادر من هذا التركيب إثبات الضمان.
قلنا: ممنوع جدا، ولو راجعت إلى أمثال هذا التركيب التي ليس الذهن فيها
مسبوقا بالشبهة، تعلم عدم التبادر، مع أنه على فرض التسليم لا يفيد، لأصالة
تأخر حدوث التبادر، حيث إن ذلك ليس من مقتضى الوضع اللغوي لهذا
التركيب.
فان قيل: ليس هنا شئ اخر يصلح أن تكون غايته الأداء الا الضمان، لعدم
إمكان غيره عند التلف، فيجب تقدير الضمان، الذي يمكن ثبوته في صورتي بقاء
العين وتلفها، فمع البقاء يؤدي العين، ومع التلف المثل أو القيمة.
قلنا: أداء المثل أو القيمة ليس أداء ما أخذت، بل أداء شئ آخر، فلا يكون
(حتى تؤدي) غاية للضمان في صورة التلف أيضا، فان مقتضى تقدير المفعول أن
يكون مفعول (تؤدي) أو نائب فاعله على تقدير كونه بصيغة المجهول، ما يرجع
إلى الموصول، أي ما أخذت، ومعنى أداء ما أخذت: أداء عينه، دون المثل أو
القيمة، بل إطلاق الأداء على الغير غير صحيح، فلا يتحقق أداؤه في صورة
التلف أصلا.
وعلى هذا تكون الرواية لبيان حكم صورة البقاء، ولا يعلم منها حكم صورة
التلف. ولا يلزم أن يستفاد من كل حديث حكم جميع صور الواقعة، ولما لم
يكن لتقدير الرد أو الأداء معنى سلسا، إذ ليس قولك: يجب أداء ما أخذ، أو رده
317

حتى يؤدي أو رده، بسلس، فالأظهر تقدير الحفظ من الضياع والتلف أو نحوه.
وعلى فرض عدم تعين تقدير ما أخذت للمفعول، فلا شك في إجماله، و
معه فالحكم بتقدير الضمان غير موجه قطعا.
فلا دلالة في الرواية على ثبوت ضمان المثل أو القيمة، بل في دلالته على
وجوب أداء العين مع البقاء نظر، لأن الاستدلال له بها إما لأجل تقدير الأداء و
الرد، وهو غير معلوم، لجواز تقدير الحفظ ونحوه، فيكون معنى الحديث:
يجب على ذي اليد حفظ ما أخذت إلى زمان أدائه.
أو لأجل قوله: (حتى تؤدي) ولا دلالة له أيضا، لان وجوب الحفظ مثلا
إلى زمان الأداء لا يدل على وجوب الأداء، كما إذا قال الشارع: عليك بقصر
الصلاة في السفر حتى تدخل الوطن، فإنه لا يدل على وجوب دخول الوطن
أصلا.
ومنه يظهر عدم تمامية الاحتجاج بها على وجوب رد العين أيضا وان كان
ذلك ثابتا بأدلة أخرى.
مع أن في الرواية إجمالا من وجهين آخرين، يشكل التمسك بها في بعض
الموارد التي تمسكوا بها على فرض تعين تقدير الرد أو الضمان:
أحدهما: باعتبار الاخذ، فإنهم يتمسكون بها في كل موضع حصل فيه
التصرف في مال الغير ولو لم يصدق عليه الاخذ أيضا، وإثباته من الرواية
مشكل
وثانيهما: باعتبار المؤدى إليه، الذي يجب تقديره أيضا، فهل هو المالك، أو
من باب منابه من الوكيل والمولى، أو من اخذ منه، ولو كان غاصبا؟ ويشكل من
هذه الجهة أيضا التمسك بها في بعض الموارد، والتمسك في جميع الموارد بالله
الواحد.
318

عائدة (34)
في بيان معنى البدعة والتشريع وحرمتهما
ترى الفقهاء كثيرا ما يحكمون في بعض الأفعال أنه بدعة وتشريع، ولأجل
ذلك يحرمونه.
ولابد في تحقيق ذلك من بيان البدعة والتشريع وبيان حرمتهما.
فنقول وبالله التوفيق: إنه لا شك في حرمة البدعة في الدين، و
إدخال ما ليس من الشرع فيه، وعليه إجماع الأمة، بل هو ضروري الدين و
الملة.
روى ثقة الاسلام في جامعه الكافي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: كل بدعة
ضلالة، وكل ضلالة في النار) 1
وروى فيه أيضا، عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنه قال: (إنما بدء وقوع الفتن أهواء
تتبع، وأحكام تبتدع، يخالف فيها كتاب الله، يتولى فيها رجال رجالا) 2
الحديث.
وفيه أيضا، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه،

(1) الكافي 1: 56 / 12، الفقيه 3: 374 / 1768، الوسائل 11: 511 أبواب الأمر والنهي وما يناسبها
ب. 4 ح 1
(2) الكافي 1: 54 / 1 نهج البلاغة: 881 خطبة 50.
319

فمن لم يفعل فعليه لعنة الله) 1.
وفيه أيضا: (من أتى ذا بدعة فعظمه، فإنما يسعى في هدم الاسلام) 2
وفيه أيضا، عنه (ص): (إذا رأيتم أهل البدع والريب من بعدي فأظهروا
البراءة منهم) 3 الحديث
وفيه أيضا، عنه صلى الله عليه وآله وسلم: (أبى الله لصاحب البدعة بالتوبة) قيل: يا رسول الله،
وكيف ذلك؟ قال: أنه قد أسرب قلبه من حبها) 4
وفيه أيضا: أنه قيل للكاظم عليه السلام: بما أوخذ الله؟ قال: (لا تكونن مبتدعا، من
نظر برأيه هلك، ومن ترك أهل بيت نبيه ضل، ومن ترك كتاب الله وقول نبيه
كفر) 5.
والمهم تحقيق معنى (البدعة) ومصداقها.
فاني أراه مشتبها على كثير من الاعلام، فإنهم يقولون: إن الفعل الفلاني لم
يثبت من الشرع، فلو فعل لا بقصد العبادة والثبوت من الشارع وإطاعته، فهو
لغو لا ثواب عليه ولا عقاب، وإن فعله أحد بقصد العبادة والإطاعة وباعتقاد
ذلك، يكون حراما موجبا للعقاب، لأنه يكون بدعة وتشريعا
ومقتضى ذلك: أن البدعة هي كل فعل يفعل بقصد العبادة والمشروعية و
إطاعة الشارع مع عدم ثبوته من الشرع.
ولا معنى محصل لذلك، لان ذلك الفاعل بهذا القصد إما دله دليل على
مشروعية هذا الفعل وكونه عبادة والآتيان به طاعة، أم لا.

(1) الكافي 1: 54 / 2، المحاسن: 23 / 176، الوسائل 11: 510 أبواب الأمر والنهي وما يناسبها ب 40
ح 1.
(2) الكافي 1: 54 / 3، عقاب الأعمال: 307 / 6، الفقيه 3: 375 / 1771، الوسائل 11: 511
أبواب الأمر والنهي وما يناسبها ب 40 ح 7.
(3) الكافي 2: 375 / 4.
(4) الكافي 1: 54 / 4.
(5) الكافي 1: 56 / 10.
320

فعلى الأول فلا بحث عليه إجماعا بل ضرورة، ولا عقاب وان لم يثبت هذا
الدليل عند غيره، لان كلا مكلف مما أدى إليه نظره، ومن هذا القبيل اجتهادات
جميع المجتهدين، مع أنهم يؤجرون عليه ويثابون.
وعلى الثاني: فلا معنى لقصد العبادة والطاعة، إذ القصد ليس أمرا
اختياريا، والاختياري هو الاخطار بالبال والتصور، ومجرد ذلك بدون التصديق
بذلك لا يثمر ثمرا، بل يكون معتقدا لعدم شرعيته، فكيف يمكن اعتقاد الشرعية؟!
مع أنه مع عدم اعتقاد الشرعية وعدم التصديق به لم يكن مجرد تصور ذلك و
إخطاره بالبال محرما.
وبالجملة: الفعل الذي لم يدل دليل فاعله إلى شرعيته إما يفعله من غير
اعتقاد شرعيته، فلا دليل على حرمته ولو تصور أو خطر بباله الشرعية، أو يفعله
باعتقادها، ولا يمكن أن يكون ذلك إلا بدليل.
وببعض ذلك صرح المحقق (الخوانساري) في شرحه على (الروضة البهية)
في مسألة استيعاب جميع الرأس بالمسح، حيث قال في الأصل (نعم يكره
الاستيعاب، إلا أن يعتقد شرعيته) قال: أي وجوبه أو استحبابه، فيحرم فعله
بهذه النية، لحرمة كل عبادة لم تكن متلقاة من الشارع، أو يحرم ذلك الاعتقاد، و
فيهما تأمل.
أما في الثاني: فلان الاعتقاد لابد أن يكون ناشئا من اجتهاد أو تقليد، وإذا
كان كذلك فلا وجه لحرمته، غاية الامر أن يكون خطأ، والا إثم على الخطأ
عندهم، إلا أن يجعل هذا الحكم من قبيل الضروريات.
وفيه - مع أنه ليس كذلك - أنه يلزم حينئذ الحكم بكفر معتقده، لا بتأثيمه
فقط، مع أن الظاهر أنه لا يقول به أحد.
وأما في الأول: فلعدم ظهور حرمة العبادة الغير المتلقاة، مع اعتقاد شرعيتها
باجتهاد أو تقليد إن فسد الاعتقاد، الا أن يعلم خلافه ضرورة من الدين، والا
لاشكل الحكم في كثير من الاجتهادات
321

ويمكن أن يقال: إن اعتقاد شرعية امتثال 1 هذه الأمور إن كان بناؤه على فساد
أصل الدين، والابتناء على الطريقة الفاسدة فيه، كما إذا اعتقدها العامة، فكما
يحرم عليه ما اعتقده من أصل الدين، لظهور تقصيره فيه، فيجوز حرمة اعتقاد ما
يتفرع عليه من الفروع وفعله أيضا، فتقصيره في الأصل
وإن كان مع صحة أصل الدين، كما إذا اعتقدها الامامي، فهي من
ظهور الفساد على طريقته، بحيث لا يعتقدها إلا من قصر حق التقصير في
التأمل والاجتهاد، وإذا كان كذلك، فلابد في الحكم بحرمة اعتقادها، وفعلها
عبادة
وحكمهم بعدم الاثم على الخطأ إنما هو إذا لم يكن بهذه المرتبة بالفساد، و
هذا تجويز لحكمهم بالحرمة، ودفع للاشكال عنهم.
وأما مستندهم فيه: فيمكن أن يكون ما ورد من الاخبار في باب البدع 2، و
أن (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) 3 إذ الظاهر شمول البدعة لاعتقاد
شرعية مثل هذه الأمور، وكذا فعلها عبادة، سواء كان مع فساد أصل الدين أو
بدونه، فتأمل 4. انتهى كلامه رفع قدره ومقامه.
أقول: تقرير ما ذكره في التوجيه: أنه إذا اعتقد الشرعية يعلم أنه قصر في
السعي والاجتهاد، وإلا لما خفي عنه، لوضوح المأخذ، وإذا كان مقصرا، يكون
اعتقاده وعمله محرما. ولذا تراهم يذكرون ذلك في مقام لا دليل على الشرعية
مطلقا ولا خلاف، وأما ما كان فيه دليل ولو كان ضعيفا في نظر الاخر، أو
خلاف لا يقولون بمثل ذلك.
وفيه بعد الاغماض عن منع اختصاص ذلك بما علم فيه التقصير، فان منهم

(1) في (ب) أمثال.
(2) الكافي 1: 54، 56، و 2: 375.
(3) الكافي 1: 56 / 12.
(4) شرح الروضة البهية: 33، الروضة البهية 1: 28 في الهامش.
322

من ذكره في غسل الوجه في الوضوء مرتين 1، وفي ذكر تكبير الركوع و
السجود في حال الهوي 2، مع أن فيهما خلافا وعليهما دليلا. أولا: أنه لاشك
أن الاعتقاد ليس بأمر اختياري، وله مراتب مختلفة في الضعف والشدة، فان
بملاحظة دليل من دون فحص قد يحصل نوع اعتقاد، ثم إذا فحص - ولو لم يكن
غاية ما يمكن - يزيد الاعتقاد، وإذا فحص غايته يصير أشد، وليس شئ منها
بالاختيار.
فمن قصر في السعي واعتقد شيئا بقليل فحص يكون هو نتيجة فحصه، فلا
معنى لحرمة هذا الاعتقاد.
نعم يمكن أن يقال: إنه مؤاخذ في الاقتصار على الفحص، وهو أمر اخر
غير الاعتقاد.
بل لاوجه لحرمة الفعل أيضا، إذ لا حرمة في الفعل نفسه من حيث هو،
ولذا لا يحرم مع عدم اعتقاد الشرعية، ولا مع عدم اعتقادها الحاصل بالفحص، و
لا في هذا الاعتقاد، لأنه أمر لازم حاصل من ملاحظة الدليل، فلم يكون حراما؟ 3
مع أنه لا يقارن الفعل حينئذ من الاعتقاد أزيد مما اقتضاه فحصه وسعيه؟
نعم قد يعرض للفعل جهة محرمة لولا ثبوت الشرعية من غير جهة
الاعتقاد، وهو أمر اخر، فيحرم الفعل سواء اعتقد الشرعية أم لا، كقول: (امين
) في الصلاة إن لم يكن دعاءا، وكالتكلم بالفارسية في القنوت، حيث إن
الأصل حرمة التكلم في الصلاة بغير ما ثبت جوازه، بخلاف ما إذا لم يكن الفعل
في نفسه كذلك، كترك قراءة الشعر في الصوم، فإنه لا يحرم مع عدم اعتقاد
الشرعية قطعا، فكذا لو اعتقده نوع اعتقاد ولو لأجل ذلك الاعتقاد.

(1) كالمحقق في الشرائع 1: 23، والمحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 231، والميرزا القمي في غنائم
الأيام: 27.
(2) انظر الجواهر 10: 104
(3) في (ب)، (ج): فلم يكن جميعها حراما.
323

وثانيا: أن المكلف إما يلتفت إلى أنه مقصر، ويخطر ذلك بباله، أولا،
فعلى الأول: لا يحصل له الاعتقاد. وعلى الثاني: لاوجه للحرمة.
فان قيل: الفعل في نفسه وإن لم يكن حراما، ولا ذلك الاعتقاد، ولا
الفعل المقارن لهذا الاعتقاد، ولكن يحرم الفعل لأجل هذا الاعتقاد، حيث إن
منشأ الاعتقاد ليس دليلا شرعيا، فجعله دليلا والآتيان بالفعل لأجله محرم.
قلت: إن أردت بجعله دليلا، التلفظ بأنه دليل، فهو ليس بأمر محرم، وإن
أردت اعتقاد كونه دليلا، فحصول الأزيد مما يقتضيه هذا الدليل محال، كما أن
تخلف ما يقتضيه أيضا كذلك.
فان قلت: يدخل حينئذ في التشريع والبدعة.
قلنا: لا نسلم، ومن أين علم صدق البدعة المحرمة على مثل ذلك؟ مع أنه
لا يزيد اعتقاده عما يقتضيه دليله.
فإنه إذا أتى أحد بالقنوت في الركعة الأولى، لا من جهة قول الشارع
بخصوصه، بل من جهة كونه دعاءا، وجواز الدعاء في الصلاة مطلقا، يكون
جائزا قطعا. وكذا إذا أتى به لأجل حديث دل عليه، ولم يجد له معارضا مقاوما
بزعمه بعد الفحص.
ولو وجد حديثا، واحتمل له معارضا ولم يفحص عنه، فإنه لا يقنت في
الأولى حينئذ الا باعتقاد وروده من الشرع ورودا مجوزا له المعارض، ومحتملا
عنده عدم تماميته، فلم يكون ذلك حراما؟ وسببية 1 هذا الحديث لا يمكن أن تكون
تامة عنده قطعا.
هذا كله، مع أن الأنظار متفاوتة جدا، فحكم المجتهد بان كل من أفتى بذلك
مع اعتقاد شرعيته فهو مقصر لا وجه له، إذ قد يكون المأخذ واضحا عند واحد،
خفيا عند اخر، بل كثيرا ما ترى المسألة مجمعا عليه بل ضرورية عند واحد، و

(1) في (ج)، (ح): مسببية.
324

على خلاف ذلك عند اخر.
والتحقيق: أن كل فعل لم يثبت من الشرع لا يمكن الاتيان به باعتقاد أنه من
الشرع، ولكن يمكن فعله بإزاء أنه من الشرع، أو جعله شرعا للغير، وهو تشريع
وإدخال في الدين وإن لم يعتقده المتشرع، وهذه هي (البدعة)
ولذا تطلق (البدعة) على ما ابتدعه خلفاء الجور، كالاذان الثالث يوم
الجمعة، وغسل الرجلين، وتثليث غسل الوجه في الوضوء، وصلاة
الضحى، والجماعة في النوافل، ونحو ذلك، مع أنهم ما كانوا يعتقدون ثبوته
من الشارع، وإنما أدخلوه في الدين إدخالا، بل وان اعتقدوه أيضا.
وبالجملة: المناط في الابتداع والتشريع والادخال في الدين: وضع
شئ شرعا للغير، وجعله من أحكام الشارع له لا لنفسه، لأنه غير ممكن.
فالبدعة فعل قرره غير الشارع شرعا لغيره من غير دليل شرعي، ولا شك في
كون ذلك (بدعة) كما ترى إطلاقها عليه في جميع ما ابتدعه العامة، مع أنه
تدليس وإغراء وكذب وافتراء، فيكون محرما قطعا
وأما ما لم يكن كذلك، فاطلاق البدعة عليه غير معلوم، ولم يثبت كونه
بدعة وتشريعا.
قال (الصدوق) - رحمه الله - في من لا يحضره الفقيه، في باب حد
الوضوء: والوضوء مرة مرة، ومن توضأ مرتين لم يؤجر، ومن توضأ ثلاثا فقد
أبدع 1. انتهى.
ففرق بين ما لم يثبت من الشرع وبين البدعة، وجعل المرتين مما لم يثبت من
الشرع، ولذا نفى الاجر عنهما.
بل صرح في موضع اخر من أبواب الوضوء: أن من توضأ مرتين مرتين، فقد
تعدى حدود الله، وقال: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) 2 وجعل ثلاث

(1) الفقيه 1: 29 / 92.
(2) الطلاق 65: 1.
325

مرات من البدعة، لأنها مما ابتدعه العامة، فقال: ومن توضأ ثلاثا فقد فعل
البدعة 1
وهذا صريح في أن كل ما لم يثبت من الشرع ليس ببدعة، ومقتضى إطلاقه
عدم اشتراط الابتداع بقصد المشروعية واعتقادها، بل إذا وضعها لغيره كذلك
يكون بدعة، ومن أتى به فيكون اتيا بالبدعة.
ولكن يشترط في إبداع الغير فعله لأجل أنه مشروع، لا مطلقا، فمن غسل
وجهه ثلاثا لا بنية الوضوء، لا يكون مبتدعا، هذا
وأما الفعل الذي لم يثبت من الشرع، ويفعله أحد من غير إرائة شرعيته
للغير، فلا يحرم من هذه الجهة أصلا ولو قارنه شئ من الاعتقاد بالشرعية. نعم
قد يكون محرما فعله إذا لم يثبت من الشرع من جهة أخرى، ولا كلام فيه.

(1) الفقيه 1: 25 / 77.
326

عائدة (35)
في بيان معنى قولهم (ع): يجزيك كذا.
قد ورد في الأحاديث قولهم عليهم السلام: (يجزيك كذا) أو (يجزي كذا)
أو (أجزأه كذا) 1
ولا شك في كفاية ما حكموا باجزائه عن المأمور به، واجبا أو مستحبا، وإنما
الكلام في أنه هل يدل على عدم كفاية الأقل منه وأنه أقل ما يجزئ، أم لا؟
ظاهر جماعة من المتأخرين الأول 2، فيستدلون به على عدم كفاية الأقل، و
يعارضون به ما دل على جواز الاجتزاء بالأقل
قال في (المدارك) في مسألة مقدار الجبهة للسجود: والاجزاء إنما يستعمل
في أقل الواجب 3
وقال بعضهم بعدم الدلالة 4.
وهو الصحيح، إذ لا دلالة على ذلك بوجه من الوجوه، فان الاجزاء بمعنى

(1) انظر التهذيب 1: 107 / 279، وص 60 / 167، والاستبصار 1: 60 / 177، وص 55 / 160، و
ص 49 / 139 و 140.
(2) منهم ابن إدريس في السرائر 1: 225، والشهيد في الذكرى: 201، والدروس: 39.
(3) مدارك الأحكام 3: 405.
(4) كالشهيد الثاني في روض الجنان: 275، والمقاصد العلية: 152، والشيخ البهائي في الحبل المتين:
242، والسبزواري في كفاية الأحكام: 19، والمحدث البحراني في الحدائق 8: 280
327

الكفاية والاغناء، يقال: يجزيك ذلك 1، أي: يكفيك. قال في القاموس: و
جزى الشئ يجزي مجزي كفى، وعنه قضاه، وأجزى كذا عن كذا: قام
مقامه 2.
وقال في الصحاح: جزى عني هذا الأمر أي قضى، وفي حديث أبي بردة
بن نيار: (تجزي عنك ولا تجزي عن أحد بعدك) 3 أي تقضي 4.
وقال في مادة جزء: وجزأت بالشئ جزءا أي اكتفيت به، إلى أن قال: و
أجزأت عنك شاة لغة في جزت، أي قضت، واجتزأت بالشئ، وتجزأت به،
بمعنى: إذا اكتفيت به، وأجزأت عنك مجزا فلان أي أغنيت عنك معناه 5.
وفي مجمع البحرين: سميت - أي الجزية - بذلك، لأنها قضاء منهم لما
عليهم. وقيل: لأنها تجتزأ بها ويكتفى بها منهم. يقال: أجزأني الشئ
كفاني، من جزأ بمعنى كفى، إلى أن قال: ويجزيه التيمم ما لم يحدث، يقرأ
بضم المثناة من الاجزاء وبفتحها بمعنى كفى، ومثله يجزيه المسح ببعض
الرأس 6. انتهى
ولا شك أن كون الشئ كافيا أو مغنيا لا يدل على عدم كفاية الأقل منه، ولذا
يصح استعماله مع الأقل والأكثر، بل هو شائع كثيرا، سيما الأول
قال في السرائر: وأقل ما يجزيه من الركوع أن ينحني إلى موضع
يمكنه 7.
وقال في دعائم الاسلام: وأكمل ما يجزي أن تصيب الأرض من جبهتك

(1) في (ه‍)، (ح): يجزي لك ذلك
(2) القاموس المحيط 4: 314.
(3) صحيح مسلم 3: 1552 ح 5 و 9، صحيح بخاري 7: 132 بتفاوت.
(4) الصحاح 6: 2302.
(5) الصحاح 1: 40.
(6) مجمع البحرين 1: 85 و 87.
(7) السرائر 1: 240.
328

مقدار درهم 1.
إلا أن يقال: إن الإضافة في الأول بيانية، أي أقل شئ هو ما يجزيه، و
المراد في الثاني أقل ما يجزي في تحصيل الأكمل، فتأمل
وأما ما ادعاه في المدارك من استعمال الاجزاء في أقل الواجب، فلو سلم
لم يفد، إذ الاستعمال أعم من الحقيقة، وإن أراد أن الاستعمال حقيقة منحصر
فيه، فهو ممنوع.
وقد يتوهم بل يدعى التبادر، فإنه إذا قال الطبيب: يكفيك أو يجزيك
مثقال من هذا الدواء، لا يكتفي بالأقل قطعا، وكذا إذا قيل لاحد: يكفيك لمؤونة
سفرك هذا مائة دينار، فلا يكتفي بالأقل، ويستصحب المائة البتة، ولذا يصح أن
يقال: قدر الكفاية من المال كذا، وقدر السعة كذا، وأن يقال: يكفيك مائة دينار،
بل يزيد فلولا اختصاص الكفاية بمالا يشتمل على الزيادة، لما جاز ذلك
وفيه: منع التبادر، وأما عدم الاكتفاء بالأقل فيما استشهد به، فليس لأجل
دلالة ما قاله الطبيب أو المخبر بعدم كفاية الأقل، بل لأجل عدم العلم بكفاية
الأقل، فلا يطمئن بالبرء أو حصول المؤونة في الأقل، فلذا لا يكتفي به.
وأما قولهم: (قدر الكفاية وقدر السعة)، أو (يكفيك فلان بل يزيد) فلو
سلمت دلالته، فلأجل القرينة، فان الذيلين قرينتان على ذلك، مع أنهما
يعارضان بمثل قولك لمن قال: يكفي مائة دينار مؤونة هذا السفر: صدق، بل
يكفي ثمانون أيضا
وبالجملة: معنى يكفيك ويجزيك أنه حسبك، كما صرح به في كتب
اللغة، وصراحته في عدم الحاجة إلى الزائد واضحة
وأما عدم كفاية الأقل، فاما عدم دلالته عليه معلوم، أو لم تعلم دلالته عليه،
وهو أيضا في حكم العلم بعدم الدلالة

(1) دعائم الاسلام 1: 164
329

ثم إن هذا هو الكلام في دلالة اللفظ، وقد يكون عدم كفاية الأقل معلوما
من دليل اخر، أو من الأصل، فان استعمال الاجزاء في الاخبار على وجوه:
فورد تارة مثل قوله: (يجزي غسل الجمعة عن الجنابة) 1 فاستعمل مع
(عن).
وأخرى (يجزي في الركوع سبحان الله مرة) 2 فاستعمل مع (في).
وثالثة: (يجزيك كذا) 3
فالأصل في الأول عدم كفاية الأقل، لان الأصل عدم قيام فعل مقام اخر، و
في الأخيرين يختلف الأصل بحسب اختلاف المقامات، فتارة يكون مع كفاية
الأقل، وأخرى مع عدمها، وعلى الفقيه ملاحظة المقامات.
هذا هو البحث في دلالته على عدم كفاية الأقل، وعدم دلالته
وهاهنا بحث اخر: وهو أنه على فرض الدلالة، فهل يدل على أنه أقل
الواجب - كما وقع في كلام صاحب (المدارك) - حتى إذا ورد: (أنه يجزيك في
الركوع سبحان الله ثلاثا) 4 يكون هذا أقل الواجب، أم لا؟
الحق أنه لا دلالة لهذا الكلام بنفسه على ذلك أصلا، فان الاجزاء والكفاية
كما يكون عن الامر الواجب، كذلك يكون عن المستحب أيضا، فان كان المجزى
عنه مذكورا، فالامر واضح، وإن لم يكن مذكورا، فيحتمل الامرين، فالحمل
على أحدهما لاوجه له.
فإذا قال الشارع: (يجزيك مائة تسبيحة بعد الصلاة) يحتمل إجزاء الامر

(1) ورد مضمونها في التهذيب 1: 107 / 279، وفقه الرضا: 82، والكافي 3: 41 / 1 والوسائل
1: 525 أبواب الجنابة ب 43 ح 1
(2) ورد هذا المضمون في الكافي 3: 329 / 4 و 5، والتهذيب 2: 76 / 283 - 285، والاستبصار 1:
323 / 1205 - 1207.
(3) انظر الكافي 3: 29 / 1، التهذيب 1: 60 / 167، والاستبصار 1: 60 / 177.
(4) الكافي 3: 329 / 1، التهذيب 2: 77 / 286، الاستبصار 1: 324 / 1211، بتفاوت يسير، ومن
والمعلوم أنه أراد التمثيل فقط.
330

الواجبي والمندوبي، فلا يحكم بالوجوب.
نعم إذا ورد في موضع علم فيه وجوب شئ، ولم يعلم تحقق الامر
الاستحبابي، فيحمل على الوجوبي، لأصالة عدم استحباب شئ، فإذا قال:
(يكفي ثلاث تسبيحات في الركعتين الأخيرتين) يحمل على الواجب، لأصالة
عدم استحباب شئ فيهما
بخلاف ما إذا علم ذلك أيضا، فيكون مرددا، كما في الركوع والسجود،
حيث علم فيه استحباب الزائد عن القدر الواجب، فلو قال: يكفيك ثلاث
تسبيحات فيه، يحتمل الامرين، والله أعلم.
331

عائدة (36) في إثبات الماهية وبيان المراد منها
يذكر فيها إثبات الماهية، والمراد منها، ومعنى كليتها ووحدتها ووجودها،
ومعنى المفهوم والمصداق، وكيفية تعلق الطلب بها، على سبيل الايجاز و
الاختصار، على النحو اللائق في هذا الفن.
فنقول ومن الله التوفيق: لاشك في وجود الماهية للأشياء، فان كل أحد
يعلم قطعا أن للأفراد الانسانية - مثلا - امتيازا عن غيرها واشتراكا لأنفسها، وأن
الجميع مشترك من حيث الوجود الخارجي، والكون الواقعي في أمر، وبه تمتاز
عن غيرها.
وهذا أمر بديهي لا يمكن الارتياب فيه، ولذا يعرف كل أحد أن هذا إنسان،
وهذا ليس بإنسان، ولولا ما به الامتياز الواقعي، وما به الاشتراك الواقعي، لم
يمكن ذلك.
وهذا هو بعينه مرادنا من الماهية، ولذا يعبر عنها بالقدر المشترك.
ولا شك في وجود ذلك في الخارج، وإلا لم تشترك الافراد فيها، ولا تمتاز
عن غيرها، ولكن وجودها بوجود الافراد، لان الشئ ما لم يتشخص لم يوجد،
كما ثبت في الحكمة المتعالية.
ومعنى وجودها في الخارج بوجود الافراد: أنها مع وجودها متحققة قطعا،
333

ولا يمكن تحققها بدونها، ولا تميزها خارجا عنها، بل لا تنفك في الخارج عن
الفرد، ولا الفرد عنها، ولا يتميز بحسب الخارج عنها.
نعم يميزها العقل، بمعنى أن العقل يحكم صريحا بأن لزيد جزءا موجودا
لعمرو أيضا، وليس للفرس.
وهذا هو المراد بقولهم: وجودها عقلي، يعنى أن العقل يحكم بوجودها
في الخارج، ولا يدخل في حكم الحس والإشارة الحسية
والحاصل: أنه وإن لم يكن أن يتحقق في الخارج أمر مشترك بين الجميع،
خال عن المشخصات 1، ولكن العقل يحكم صريحا: أنه لو جمع أفراد الانسان
كلا أو بعضا، وأسقط عنها المميزات جميعا، إسقاطا بعد إسقاط، يبقى بالآخرة
جزء متحد في الجميع، لا بمعنى أنه أمر واحد يشترك فيه الجميع، لاستحالة ذلك،
وإيجابه وحدة المتعدد، واتصال الجميع بواسطة اتحادها في هذا الجزء، بل بمعنى
أن الصورة الذهنية لهذا الجزء بعينها هي الصورة الذهنية لهذه، ومنطبقة معها بلا
اختلاف.
وهذا معنى وحدة الماهية الخارجية، أي في لحاظ العقل لكل فرد جزء متحد
باعتبار الصورة الذهنية لجزء فرد اخر، وينطبق عليه، فالماهية الخارجية متعددة
بعدد الافراد الخارجية، أي: لكل فرد في لحاظ العقل جزء، هو بعينه الجزء الذي
للفرد الاخر، أي مطابق معه، وهذه الاجزاء المتعددة بعدد الماهيات، هي المعبر
عنها بحصص الماهيات، وهذا التطابق أيضا هو معنى كلية الماهية الخارجية.
وتوضيحه: أن للماهية وجودا ذهنيا باعتباره يسمى بالمفهوم، ووجودا
خارجيا باعتباره تسمى مصداقا.
والأول: أمر واحد لا تعدد فيه، وكلي يشترك فيه الكثيرون، بمعنى أنه ينطبق
على الأمور المتكثرة الخارجية، ويصدق عليها، وهي الاجزاء المذكورة الموجودة

(1) في (ب)، (ج): التشخصات.
334

في الخارج بحكم العقل
والثاني: أمور متعددة بتعدد الافراد وكلي، لا بمعنى أنه بالفعل كلي صادق
على الكثيرين، لاستحالته، بل بمعنى أن كل حصة وجزء بحيث لو دخل في
الذهن ينطبق على صورة الجزء الاخر، ويكون هو بعينه.
فمعنى كليته: أنه لو دخل في الذهن ينطبق على صورة الكثيرين، وتتحد
وجوداتها الذهنية، كما صرح بذلك الشيخ الرئيس في خامسة إلهيات الشفاء 1
والفاضل اللاهيجي في أمور عامة الشوارق 2
ثم لا شك أن متعلق الطلب لا يكون مفهوما، ولا الموجود الذهني، بل
متعلقه أنما هو المصداق والموجود الخارجي
وإذا عرفت تعدد الموجود الخارجي، وتكثره بتكثر الافراد، وعدم اختلاف
فيما بينها أصلا، فإذا تعلق الطلب بماهية، كقوله: (أعتق الرقبة) أو (جئني
بالانسان) فالمطلوب الحقيقي هو ذلك الجزء المحلل كل فرد إليه في الحاظ العقل،
والموجود معه بحكمه، المعبر عنه بالمصداق والحصة.
ولا شك أنه ليس المطلوب عند الاطلاق حصة معينة ومصداقا معينا، ولا
كل جزء جزء، أي كل حصة من تلك الحصص - وبعبارة أخرى: جميع المصاديق
- حتى يفيد الاستغراق، ولا كل حصة على البدل، حتى يفيد التخيير، لخروج
كل ذلك عن معنى الماهية، وبعده عن ساحتها.
بل المطلوب هو هذا المصداق وهذا الجزء، مسقطا عنه قيد الوحدة والتعدد،
والاستغراق والتخيير، وغير ذلك، بل المطلوب هو ذلك المصداق.
نعم لأصالة عدم التعدد والتعيين تثبت مطلوبية الواحد، والتخيير بواسطة
حكم العقل، لا لأجل طلب الماهية ودلالته عليه.
ويتفرع على ذلك في الفروع والأصول فروع كثيرة:

(1) الشفاء: 207 المقالة الخامسة، الفصل الثاني.
(2) الشوارق: 141 الفصل الثاني، المسألة الثانية.
335

منها: عدم لزوم التجوز في المطلق عند حمل المطلق على المقيد.
ومنها: جريان أصل البراءة إذا تردد الامر بين الماهية والفرد المعين إذا لم
يكن هناك لفظ مطلق، بل يثبت الحكم بالاجماع أو بلفظ مجمل يحتمل المطلق
والمعين - على ما اخترناه في كتبنا الأصولية، من جريانها إذا كان هناك قدر
مشترك 1، فإنه إذا حصل هذا التردد، يكون تعلق الحكم بالماهية بالمعنى الذي
ذكرنا مقطوعا به بشرط إمكان الاتيان بالفرد أيضا، وينفى الزائد بالأصل
ولذا تمسك المحقق الأردبيلي - قدس سره - بأصالة عدم وجوب التسبيح، و
كفاية مطلق الذكر في الركوع 2
وليس مقام جريان أصل الاشتغال، لثبوت الطلب لهذا الجزء من الفرد، و
هو قدر مشترك بين طلب الماهية والفرد
وكان الحكم بالتخيير أو الوحدة - عند اختيار المطلوب 3 - بالأصل، لا من
جهة طلب المطلق، حتى لا يكون المطلوب 4 قدرا مشتركا، ولا يكون حينئذ فرق
بينه وبين الاجزاء الخارجية الحسية، كقراءة الفاتحة، والصلاة، وغسل المخرج مرة
ومرتين.
وإنما قيدنا قطعية تعلق الحكم بالماهية بامكان الاتيان بالفرد، لأنه لولاه لكان
الأصل عدم تعلق الحكم بشئ منهما، فيجري أصل البراءة في المجموع.
كما إذا علم وجوب أمر، ولم يعلم أنه الذهاب مطلقا، أو الذهاب راكبا، و
لم يمكن الركوب، بل كان ممتنعا، فلا قطع حينئذ بوجوب الماهية، إذ لو كان
الواجب الفرد لسقط 5 وجوبه قطعا، وبسقوط وجوبه يسقط وجوب ما في

(1) مناهج الاحكام: 225
(2) زبدة البيان: 82، مجمع الفائدة والبرهان 2: 253 - 254.
(3) بدل (المطلوب) في (ه‍)، (ج)، (ح): المطلق
(4) في (ج): المطلق، بدل: المطلوب.
(5) في (ه‍)، (ب): يسقط.
336

ضمنه أيضا، لكونه تبعيا، فلا يعلم وجوب قدر مشترك أصلا.
أما إذا كان التخيير باعتبار اللفظ، فلا يجري الأصل، بل هو مقام جريان
أصل الاشتغال. أي: إذا تردد بين التخيير بين شيئين شرعا أو تعيين أحدهما، فإنه
لا يجري أصل البراءة حينئذ، لان الواجب في المخير وان كان أحد الشيئين
لا بعينه، وهو متحقق في ضمن الواحد بعينه أيضا، إلا أن الحكم بالتخيير
الشرعي فرع ملاحظة الشيئين معا، وهو أمر مخالف للأصل 1، وبه تعارض
مخالفة خصوصية الاخر للأصل أيضا 2.
ففي كل موضع تردد الامر بين الماهية والفرد، يتحقق القدر المشترك،
بخلاف ما إذا تردد بين الماهية وشئ اخر والفرد، إلى غير ذلك من الفروع.

(1) أي: أن الأصل عدم ملاحظة الشيئين.
(2) أي: أصل عدم ملاحظة أحدهما فقط بخصوصه.
337

عائدة (37)
في إجراء الأصل في ماهيات
العبادات والمعاملات
قد بينا في كتبنا الأصولية 1 بجواز إجراء الأصل في ماهيات العبادات
والمعاملات، سواء قلنا بأن الألفاظ أسام للأعم أو الصحيح، والمراد أصل عدم
الجزئية أو الشرطية، لا بمعنى أن الأصل عدمهما بأنفسهما، لان نسبة الأصل إلى
الوضع للمركب من هذا الجزء والمشروط بهذا الشرط وغير المركب والمشروط
واحدة، بل بمعنى أن الأصل عدم تعلق حكم الجزء والشرط من الوجوب وغيره
به، وبتبعيته تنفى الجزئية والشرطية
نعم فيما احتمل كون المستعمل فيه من العبادات أو المعاملات هو المعنى
اللغوي تجري أصالة نفي الجزئية والشرطية بنفسهما من غير حاجة إلى الاستتباع،
ولا فرق في ذلك على القول بكونها أسامي للصحيحة أو الأعم.
نعم يعارض ذلك الأصل بأصل الاشتغال على القول بالصحيح، و
لا يعارضه على القول بالأعم، لعدم وجوب الزائد على القدر المشترك بين
الاجزاء، ولذا فرق بعض مشايخنا في إجراء الأصل في ماهية العبادات بين

(1) مناهج الاحكام: 224.
339

القولين، ولكن الحق عدم الفرق كما بينا في الأصول 1.
ثم إنه قد يظن أنه لما كان نفي الجزئية أو الشرطية بتبعية نفي الوجوب، فإذا
ثبت وجوب شئ بدليل من خارج - كالتسليم وترك التكفير في الصلاة - لم تجر
أصالة عدم 2 الجزئية والشرطية.
ويدفعه: أنه قد يكون للاجزاء والشرائط أحكام اخر مخالفة للأصل تنفى
الجزئية والشرطية بتبعيتها.
مع أن أصالة عدم تعلق الامر به بتبعية الامر المتعلق بما يشك في كونه جزءا أو
شرطا له - أي عدم تعلق هذا الامر به، أو عدم ملاحظة التوقف واعتباره - تنفي
الجزئية والشرطية مطلقا.

(1) مناهج الاحكام: 225.
(2) في النسخ زيادة: نفي.
340

عائدة (38)
في بيان أصالة الركنية.
لا شك في أن الأصل في كل جزء من الاجزاء الواجبة للمأمور به الركنية،
بمعنى بطلان المأمور به بتركه عمدا أو سهوا أو جهلا، لا يجاب تركه مطلقا
عدم الاتيان به ومخالفته الموجبة لعدم تحقق الامتثال، وإن لم يكن المكلف
مقصرا في بعض الصور، فان عدم التقصير لا يستلزم الامتثال جزما، غاية الامر
عدم المؤاخذة في نسيانه.
وأما الركنية بمعنى البطلان بزيادتها عمدا أو سهوا، فاثباتها بالأصل - كما
ذكره بعضهم وأصر عليه 1 - غير صحيح، لان زيادة شئ لا يوجب عدم موافقة
ما أتى به للمأمور به، والأصل عدم شرطية عدم الزيادة
نعم تثبت أصالتها بهذا المعنى في جميع أجزاء الصلاة بدليل اخر، كما
نذكره في العائدة الآتية.

(1).. نقله عن شرح الاثني عشرية للفاضل النباطي في مفاتيح الأصول: 296.
341

عائدة (39)
في أن الأصل بطلان الصلاة
بزيادة جزء عمدا أو سهوا
لأصل في جميع أجزاء الصلاة بطلان الصلاة بزيادتها عمدا أو سهوا، لما
رواه الشيخان الجليلان (الكليني والطوسي) بإسناديهما المتصلين إلى أبي بصير
قال، قال أبو عبد الله عليه السلام: (من زاد في صلاته فعليه الإعادة) 1.
وما روياه أيضا باسناديهما المتصل الصحيح إلى زرارة وبكير قالا، قال
أبو جعفر عليه السلام: (إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها، واستقبل
صلاته استقبالا إذا كان قد استيقن يقينا) 2
ولابد في تحقيق الزيادة المبطلة من بيان معنى قوله: (من زاد في صلاته) و
هو يحتمل معنيين:
أحدهما: أن من زاد صلاته، بمعنى أن يصلي صلاة زائدة عما يجب عليه،
كما يقال: زاد في الدار، إذا اشترى دارا أخرى أيضا.

(1) الكافي 3: 355 / 5، التهذيب 2: 194 / 764، الاستبصار 1: 376 / 1429، الوسائل 5: 332
أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 2.
(2) الكافي 3: 354 / 2، التهذيب 2: 194 / 763، الاستبصار 1: 376 / 1428، الوسائل 5: 332
أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 1.
343

وثانيهما: أن من زاد فيها شيئا.
والأول يحتاج إلى كون لفظة (في) زائدة، أو إرادة الركعة ومثلها عن
(الصلاة) إذ لا تبطل الصلاة بزيادة صلاة أخرى قطعا وكلاهما خلاف الأصل،
فالمعنى زاد فيها غيرها
ولا يتوهم أنه يقتضي تقدير المفعول لقوله: (زاد) وهو غير معين، لاحتمال
الركن أو الركعة أو غيرهما، فيسقط الاستدلال، إذ المبطل هو ماهية الزيادة من
غير احتياج إلى التقدير، نحو: من أكل اليوم أو قتل فعليه كذا، فان الشرط مطلق
الاكل أو القتل، فالمبطل هو الزيادة، ويكون المفعول 1 نسيا منسيا، كقولهم:
فلان يمنع ويعطي، فالمبطل الزيادة في الصلاة لا المزيد.
وقد يستدل للمطلوب - في الجملة - بما في بعض الصحاح: (لا يعيد الصلاة
من سجدة ويعيدها من ركعة) 2 ومقابلة الركعة فيها بالسجدة قرينة على أن المراد
منها الركوع.
وفيه: أنه يحتمل الزيادة والنقصان، فلا يتم الاستدلال بها، كما لا يضر
حكمها بعدم الإعادة بالسجدة لذلك أيضا.
والتأمل في الخبرين الأولين باعتبار استلزامهما خروج الأكثر باطل، وان كان
عمومهما لغويا أيضا، لمنع خروج الأكثر، لشمولهما العمد والجهل والسهو، و
لم يخرج من الأولين شئ مما يصدق عليه الزيادة على ما ذكرنا، ولا من الثاني
أكثر الافعال وان خرج أكثر الجزئيات، ولكن المقصود كليات الافعال، ويشترط
أن يكون المزيد من أجزائها، لأنه معنى هذا التركيب، فإنه لا يقال لمن أمر ببناء
معين على نحو معين، كوضع خمس لبنات وتطيينه إلى ذراعين: إنه زاد في
البناء، إلا إذا زاد في اللبنة أو الجص ونحوهما، ولا يقال: إنه زاد فيه لو قرأ
حين البناء شعرا أو فعل فعلا اخر، فيلزم أن يكون المزيد مما يعد من أجزائه، كأن

(1) في (ه‍)، (ج)، (ح): ويكون المقتول.
(2) الفقيه 1: 228 / 1009، التهذيب 2: 156 / 610، 611.
344

يزيد في الصلاة قراءة أو تكبيرة أو تشهدا أو ركوعا أو تسليما أو سجودا أو
نحوها، وبالجملة: ما يعد من أجزاء الصلاة لو زادها.
ثم إن ما يزاد فيه شئ: أما ما يعرف ما منه وما ليس منه عرفا، فالمناط ما كان
منه عرفا، كالبناء، فلو دخل فيه خشبا يكون قد زاد فيه.
وأما ما تتوقف معرفة ما منه وما ليس منه على التوقيف الشرعي، فلابد من
معرفة كون الزائد من الصلاة أو ليس منها إلى الشرع، وهي إنما تتحقق بالتطبيق
على الاجزاء المعلومة، فإنها من الصلاة قطعا، فزيادة مثلها يكون زيادة في
الصلاة، وما ليس منها لا يكون زيادة فيها، فلو حرك، يده في الصلاة مثلا لم يكن
زيادة في الصلاة.
وقد يتوهم أنه يكون زيادة إذا اعتقد جزئيتها للصلاة، وهو سهو،
لان الاعتقاد لا يكون الا عن دليل، فما لم يدل دليل له على الجزئية
لا يمكن له الاعتقاد، إذا دل دليل عليها لا يكون زيادة، بل يكون جزءا من
صلاته، إذ معنى صلاته صلاة المكلف بها عنده، وبعد دلالة الدليل تكون هي
صلاته.
نعم يشترط في صدق الزيادة في الصلاة أن يكون الزائد مما يعد جزءا من
الصلاة عرفا، فلو كان فعل يتحقق في الصلاة وفي غيرها، لا بد من قصد كونه
من الصلاة أو انضمام خصوصية أخرى تختص بالصلاة، كالانحناء، فإنه يتحقق
في ركوع الصلاة وفي غيره أيضا، فلا يكون زيادة الا بقصد جعله من ركوع
الصلاة أو انضمام الخصوصيات الواردة في الصلاة، كالانحناء بالحد الخاص مع
الطمأنينة والذكر، فان مثل ذلك من أجزاء الصلاة.
وبالجملة: لابد من ضم شئ يصرفه ويطبقه على أجزاء الصلاة
لا غيرها.
ومنه يظهر بطلان الصلاة بالتكفير ونحوه
ولا يخفى أيضا أن الزيادة في الاجزاء إنما تتحقق إذا زاد شئ منها على
345

القدر المعين شرعا عدده كالركعة والركوع والسجود، أو محله 1 من حيث هو
صلاة، فيزيد إذا أتى به في غير محله أيضا من حيث إنه للصلاة وان لم يعين
عدده، كالقراءة بعد الركوع، والتشهد في الركعة الأولى إذا قرأ قبله أيضا، و
تشهد بعدها، أما لو اقتصر على غير المحل، فلا يعد زيادة عرفا، بل هو إخلال
بالترتيب.
فلا زيادة ما لم يتعين عدده شرعا وإن تعين قدره الواجب عقلا، مثلا لو أمر
بكتابة عشر صفحات، في كل صفحة عشرة أسطر، وشرط عدم الزيادة في
الكتابة، فيزيد لو زاد السطر عن العشرة أو الصفحة عنها، بخلاف ما لو كتب في
السطر عشر كلمات وإن تأدى الواجب بخمس كلمات مثلا، لصدق السطر، إذ
هو مما لم يعينه الامر.
وعلى هذا فكلما عين الشارع في الصلاة كمية، يكون الزائد عليها زيادة،
بخلاف ما لم يعينه الشارع وان عينه الأصل، فلا تصدق الزيادة بتكرار الآيات،
ولا السورة، ولا القراءة مطلقا، لولا النهي عن قران السورتين، لان المأمور به
مطلق الفاتحة والسورة. فافهم
وتتحقق الزيادة بما لم يتعين عدده ولكن عين الشارع محله إذا أتى به في غير
محله وفى محله، ولو أتى في غير المحل خاصة لم يكن زيادة.
ولو أتى أولا بغير المحل، فان قصد الاتيان في المحل أيضا فهو زيادة، وإن لم
يقصده، فهو إخلال بالترتيب.
ولو أتى به سهوا لا تتحقق الزيادة الا بعد أن يفعله في المحل أيضا، فهو سبب
تحقق الزيادة، وإن كان الزائد ما وقع في غير المحل.
وهل الزيادة في أجزاء الفاتحة والسورة - بأن يقرأ جزءا منها في غير محله
سهوا، ثم قرأه بعد ذلك - زيادة في الصلاة أم لا؟ فيه نظر، فان الظاهر أن

(1): معطوف على عدده.
346

المصداق: هو زيادة الاجزاء المقررة للصلاة المرتبة، لا جزء الجزء.
لا يقال: قد ورد في الاخبار أنه (لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور،
والوقت، والقبلة، والركوع، والسجود) 1 وهو يعارض الخبرين المتقدمين.
لأنا نقول: التعارض بالعموم المطلق، فإنه أعم مطلقا منهما، فيجب
التخصيص، وذلك لأنه لا شك أن الإعادة من خمسة تحتاج إلى تقدير من نقص
أو زيادة، إذ لا معنى للإعادة من الخمسة نفسها، ولا شك أن المقدر للوقت والقبلة
بل الطهور: النقص والخلل، دون الزيادة، فهو مقدر قطعا، ولا يعلم تقدير
شئ اخر، فالمعنى: لا تعاد الصلاة من غير نقصان الخمسة مطلقا، ولا شك أنه
أعم مطلقا من الزيادة. والله يعلم.

(1) الفقيه 1: 225 / 991، التهذيب 2: 152 / 597، الخصال 1: 284 / 35، الوسائل 4: 683 أبواب
أفعال الصلاة باب 1 ح 14.
347

عائدة (40)
في حكم العام والخاص المطلقين
والعامين من وجه
اعلم أنه قد حقق في الأصول أنه إذا تعارض العام والخاص المطلقين،
يخصص العام بالخاص.
وإذا تعارض العامان من وجه، يرجع إلى الترجيح إن كان، والا فيحكم
بالتخيير إن أمكن، والا فيرجع إلى الأصل السابق عليهما.
وهذا كله ظاهر إذا كان التعارض بين عام وخاص مطلقين أو من وجه، و
كثيرا ما يتعدد أحدهما أو كلاهما، لا بمعنى أن يتعدد دليل أحد الحكمين، بأن
يتحد موضع المتعددين، لأنه في حكم الواحد، بل مع تعدد الموضوع العام أو
الخاص المطلق أو من وجه
كما إذا قال: أكرم العلماء، وأكرم الفقهاء، ولا تكرم العالم الفاسق، فهناك
عام مطلق، وخاص مطلق متخالفين، وخاص مطلق من العام، ومن وجه من
الخاص، والتعارض في الفقيه الفاسق
أو قال: أكرم العلماء، وأكرم الخياطين، ولا تكرم الفاسق، فهناك ثلاثة
عامات من وجه، والتعارض بين الثلاثة في العالم الخياط الفاسق، وفي العالم
الفاسق والخياط الفاسق بين كل اثنين.
349

ومن هذا القبيل: ما ورد في الالتفات عن القبلة حيث ورد حديث: (أن
الالتفات يقطع الصلاة) 1 واخر: (أن الالتفات لا يقطع) 2 وثالث: (أن الالتفات
بكل البدن يقطع) 3 ورابع: (أن الالتفات بالاستدبار يقطع) 4 وخامس بأن
(الالتفات الموجب لرؤية الخلف يقطع) 5
ولو لوحظت المفاهيم أيضا، تزداد المعارضات، ففي سادس: (الالتفات
بغير الفاحش لا يقطع) 6، وفي سابع: (الالتفات لا بكل البدن لا يقطع) 7، وفي
ثامن: (الالتفات الغير الموجب لرؤية الخلف لا يقطع) 8.
ثم إجراء ما قرر في الأصول من أحكام المتعارضين بين كل متعارضين من هذه
الأمور المتعددة في صورة التعدد، يحتمل أحد الوجوه الثلاثة:
الأول: إجزاؤه بين كل اثنين من المتعارضين، مع قطع النظر عن جميع
المعارضات لكل منهما من هذه الأمور، فيلقى التعارض بين كل متعارضين منها
مع قطع النظر عن البواقي، ويحكم بمقتضاه، ثم تجمع المقتضيات، ويعمل فيه
مثل ذلك.
كما يقال في المثال الأول: يعارض لا تكرم العالم الفاسق، مع أكرم العلماء،
بالعموم المطلق، فيخصص الثاني، ثم يعارض الأول مع أكرم الفقهاء بالعموم
من وجه، فلا يحكم في الفقيه الفاسق بشئ، أو يحكم بالتخيير، ولا تعارض
بين الثاني والثالث.

(1) التهذيب 2: 199 / 781، 782، الاستبصار 1: 405 / 1544، 1545
(2) التهذيب 2: 200 / 784، الاستبصار 1: 405 / 1546.
(3) التهذيب 2: 199 / 780، الاستبصار 1: 405 / 1543.
(4) التهذيب 2: 48 / 159، الاستبصار 1: 298 / 1100، الوسائل 3: 229
(5) التهذيب 2: 333 / 1374، قرب الاسناد: 191 / 716، الوسائل 4: 1249.
(6) التهذيب 2: 323 / 1322، الاستبصار 1: 405 / 1547، الخصال 2: 622.
(7) قرب الاسناد: 96، الوسائل 4: 1247 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 18.
(8) الكافي 3: 364 / 2، التهذيب 2: 200 / 782، الوسائل 4: 1245 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 6
350

وإذا قال: لا تكرم العلماء، وأكرم الفقهاء، وأكرم العدول، لا تعارض بين
الثانيين، ويعارض كل منهما مع الأول بالعموم المطلق، فيخصص الأول بغير
العدول، وغير الفقهاء، ويختص عدم الاكرام بالفساق من غير الفقهاء.
الثاني: إجراؤه بين كل اثنين منها بعد إلقاء التعارض بين كل منهما وبين
سائر معارضاته، والحكم بمقتضاه، فيؤخذ كل خير مع كل من معارضاته، و
يعمل فيه بمقتضى التعارض، ثم يعارض مع معارض اخر.
ففي المثال السابق يخصص لا تكرم العلماء أولا بأكرم الفقهاء، لكونه أخص
منه مطلقا، ثم يعارض مع أكرم العدول، ويكون التعارض حينئذ بالعموم من
وجه.
والثالث: أن يعارض كل عام أو خاص مع واحد من معارضاته، مع ملاحظة
ماله من سائر المعارضات، فيعمل فيه بمقتضى ما يقتضيه التعارض، بمعنى أن
يلاحظه كونه ذا معارض كذائي من غير أن يعمل بمقتضى تعارضهما أولا.
ومحصل الوجوه الثلاثة: أنه إما يجرى القاعدة المقررة للمتعارضين بين كل
اثنين من هذه الأمور من غير ملاحظة وجود سائر المعارضات لكل منهما، ومن
دون إجراء القواعد المقررة بينه وبين كل منهما، وهو الوجه الأول
أو تجرى القاعدة بين كل اثنين منها بعد ملاحظة وجود سائر المعارضات لكل
منهما، وإجراء القواعد المقررة بينه وبين كل منها، وهو الوجه الثاني.
أو تجرى القاعدة بين كل اثنين، مع ملاحظة وجود سائر المعارضات لكل من
دون إجراء حكمه.
فيقال: هذا الخبر مع وجود هذا المعارض يخصص ذلك أولا يخصصه.
ثم نقول: أنه لا شك أن الأول باطل، لان بعد وجود المعارض واحتمال
اختلاف الحكم معه، لا وجه للاغماض وقطع النظر عنه.
وكذا الثاني، تقديم إجراء قواعد بعض المعارضات تحكم بحث فاسد،
لان الكل قد ورد علينا دفعة واحدة، بمعنى أن المجموع في حكم كلام واحد
351

بالنسبة إلينا، فيجب العمل فيه بمقتضى الجميع، وإجراء الكل يؤدي غالبا إلى
الدور الباطل، أو التسلسل.
فتعين الثالث، وهو الموافق للتحقيق، كما لا يخفى على المحقق الدقيق.
ثم توضيح ذلك بالمثال: أنه إذا ورد خبر: أن الالتفات عن القبلة يقطع
الصلاة، واخر: أن الالتفات لا يقطعها، وثالث: أن الالتفات بكل البدن
يقطعها، ورابع: أن الالتفات إلى غير الخلف لا يقطعها.
فالأول يعارض الثاني بالتباين، والرابع بالعموم المطلق، ولا يعارض
الثالث، والثاني يعارض الثالث بالعموم المطلق، ولا يعارض الرابع، والثالث
يعارض الرابع بالعموم من وجه، والمفروض الاجماع على انتفاء التخيير في
المسألة.
فعلى الوجه الأول: يحكم لتعارض الأولين بالرجوع إلى الأصل، وهو
عدم القطع، ثم يحكم لتعارض الأول والرابع بعدم القطع في غير الخلف، ثم
لتعارض الثاني والثالث بالقطع مع الالتفات بالكل، ثم لتعارض الثالث والرابع
بالرجوع إلى الأصل في الالتفات بالكل إلى غير الخلف، وبعدم القطع في
الالتفات بغير الكل إلى غير الخلف، وبالقطع في الالتفات بالكل إلى الخلف.
وبهذا يتم إجراء القواعد في هذه الأربعة، ومع ذلك يبقى حاصل تعارض
الأول والرابع معارضا لحاصل تعارض الثاني والثالث بالعموم من وجه، وذلك
أيضا يحتاج إلى أعمال القواعد، ومحصله بعينه محصل تعارض الثالث
والرابع، فيحكم بالقطع في الالتفات بالكل إلى الخلف، وبعدمه في الالتفات
بغير الكل إلى غير الخلف ويرجع في البواقي إلى الأصل
وعلى الوجه الثاني: لابد من تخصيص الأول بالرابع أولا، ثم معارضته مع
الثاني بعد تخصيص الثاني بالثالث أيضا، وكل ذلك بعد ملاحظة تعارض الثالث
والرابع، وإجراء القاعدة فيهما، ولابد من إجراء القاعدة فيهما أيضا، بعد
ملاحظة تعارض كل منهما (مع الأولين بشرط أن يكون ملاحظة تعارض الأولين
352

أيضا بعد ملاحظة تعارض كل منهما معه) 1 وهكذا، بل لا يقف على حد.
وعلى الوجه الثالث: يقال إن الرابع أخص مطلقا من الأول، ولكنه
معارض مع الثالث، فيخصص الأول بالرابع في غير موضع تعارضهما، إذ لم
يثبت من أدلة تخصيص العام بالخاص أنه يخصصه مع وجود المعارض أيضا.
ولا يخفى أن الأكثر عدم تفاوت المحصل على أي وجه كان العمل.
نعم يتفاوت في بعض الصور، كما إذا كان هناك عامان مطلقان متخالفان، و
خاصان منهما متوافقان، كقوله عليه السلام: الالتفات يقطع، والالتفات لا يقطع، و
بالكل يقطع، والى الخلف يقطع، فعلى الوجه الثالث يخصص العام الثاني
بالخاصين، لكونهما أخصين مطلقا منه، وعلى الأولين الاختصاص الثاني بأحد
الأخيرين، يكون تعارضه مع الاخر بالعموم من وجه، فيتفاوت الحكم.
ولا يخفى أيضا: أنه لا يتفاوت الحال فيما إذا كان أحد المتعارضين قطعيا
كالاجماع، والاخر غير قطعي بعد ثبوت حجيته، لان بعد ثبوت الحجية يكون
حكمه حكم القطعي، فإنه لو كان بدل قوله: وإلى الخلف يقطع، الاجماع على
القطع، حينئذ نقول: أنه كما أن الاجماع يخصص العام المطلق، كذلك الخبر
الخاص، لأنه أيضا حجة كالاجماع، فافهم واضبط، فإنه من المسائل المهمة
المشكلة.

(1) ما بين القوسين لم يرد في (ه‍).
353

عائدة (41) في بيان بطلان حجية مطلق الظن.
قد بينا في كتبنا الأصولية - كالمناهج 1، وأساس الاحكام، وشرح تجريد
الأصول، ومفتاح الاحكام - فساد ما ظهر بين الطلبة في زماننا، بل برز عن
بعض علمائنا وأعياننا - رفع الله أقدارهم - من أصالة حجية الظن في أحكام الله
سبحانه في زمان الغيبة، حتى لم يقتصر بعضهم على ظن المجتهد، وتعدى إلى
ظن العوام، وبنى تقليدهم للعلماء عليه 2.
وذكرنا أن هذا مخالف لاجماع الشيعة، بل بطلانه ضروري من مذهب الإمامية
، وهذه المسألة هي الفارقة بين الفرقتين، العامة والخاصة بعد مسألة
الإمامة، ولذا ترى أحاديثنا متفقة على النهي عن العمل بالظنون 3، وعلماءنا
مجتمعين على دعوى الاجماع على أصالة عدم حجيتها.
وأن ما قد يوجد في كتبهم من الاستدلالات الظنية التي هي غير الظنون
المخصوصة، فإنما هي في مقام الرد على العامة، كاستدلالهم بروايات أضراب

(1) مناهج الاحكام: 256، 262، المقصد الخامس، الفصل الأول في الاجتهاد والتقليد منهاج: في
حجية الظن
(2) معالم الأصول: 192، قوانين الأصول 1: 440، وج 2: 267، 269.
(3) الكافي 2: 400 / 8، الوسائل 18: 38 أبواب صفات القاضي ب 5 ح 40 و 42.
355

عائشة وأبي هريرة، التي امتلأت من الاستدلال بها كتب أعيان الطائفة،
كالانتصار، والمبسوط، والمعتبر، والمنتهى، والتذكرة.
ولذا تراهم يردون ما استدلوا به في مقام اخر.
كما أن المحقق والعلامة تراهما يقولان: الاستصحاب حجة الظن البقاء 1، و
يقولان: خبر مجهول الحال ليس بحجة، لأنه لا يفيد غير الظن، وهو ليس
بحجة 2، إلى غير ذلك
ثم إن بعض الأجلة في هذه الأيام قد سألني في ضمن مراسلة فارسية أن
أكشف له ما خفي عليه من فساد عمدة ما يستدلون به على هذه الأصالة من الأدلة
الثلاثة التي عليها تعويلهم، فبينته على وجه تقر به أعين الناظرين، وتسر به
قلوب الكاملين، ولما كان ذلك طباقا لسؤاله بالفارسية، التمس مني بعض من
أعتني بشأنه أن أذكرها بالعربية، وأجعلها عائدة من عوائد هذا الكتاب، فقابلت
التماسه بالقبول والإجابة، فأقول سائلا من الله سبحانه التوفيق والدراية:
لا خلاف بين علماء الفرقة المحقة في أن الأصل الابتدائي: عدم حجية الظن
مطلقا، ولا يجوز التمسك بظن ما لم يكن برهان قطعي ودليل علمي على
حجيته.
إنما الخلاف في أنه هل يوجد مزيل لذلك الأصل أم لا؟ وعلى فرض الوجود
هل يخرج بعض الظنون أو مطلقه إلا ما منع منه الدليل؟ أي صارت حجيته أصلا
ثانويا.
فذهب جمع من الأخباريين إلى أنه لم يخرج ظن من تحت ذلك الأصل
مطلقا، وليس الظن حجة أصلا، ولا يجوز العمل الا بالأدلة القطعية، وهؤلاء
يدعون قطعية الاخبار.
ولما رأى جمع اخر من متأخري الأخباريين ظهور فساد هذه الدعوى، قالوا:

(1) معارج الأصول: 206 - 207، نهاية الأصول 2: 579.
(2) معارج الأصول: 206 - 207، نهاية الأصول 2: 422.
356

إن المراد من قطعية الاخبار قطعية حجيتها 1. وذلك عين القول بحجية الظن
الخبري بواسطة الدليل القطعي.
وذهب جمع من قدماء المجتهدين أيضا إلى عدم حجية الظن، وانحصار
الحجة في العلم 2
ومذهب أكثر المجتهدين، بل جميع المتأخرين منهم: وجود المخرج عن
الأصل الابتدائي، وعدم انحصار الحجة في العلم
نعم الكلام الذي بينهم هو أن الخارج هل هو الظن في الجملة - وبعبارة
أخرى بعض الظنون، وبثالثة ظنون مخصوصة - أو مطلق الظن إلا ما منع منه
الدليل؟ حتى يكون الأصل الثانوي حجية الظن.
فمعظم المجتهدين من الشيعة، بل قاطبتهم، بل إجماع الفرقة المحقة على أنه
لم يخرج مطلق الظن، بل الخارج ظنون مخصوصة 3.
وقال بعض علماء عصرنا بخروج مطلق الظن، وأصالة حجيته 4، وظني أنه
مما لم يقل به أحد من علمائنا السابقين، وسلفنا الصالحين.
وأما ما قد يوجد في بعض عباراتهم مما يستشم منه رائحة حجية الظن
باطلاقه، أو يستلزمها، مع تصريحاتهم بخلافه، فقد بينا السر فيه في كتبنا على
وجه شاف كاف 5
وأما ما يوجد في بعض كلماتهم من اطلاق حجية ظن المجتهد 6، فمع أن
هذا الاطلاق إنما هو في مقابل السلب الكلي، والغرض منه الرد عليه لا للاثبات
الكلي، لا دلالة له على أصالة حجية الظن، لأنه كما أنهم يصرحون به، ينبئ

(1) الفوائد المدنية للمحدث الاسترآبادي: 63.
(2) الذريعة إلى أصول الشريعة 2: 682، معارج الأصول: 188.
(3) كما في معالم الأصول: 192، والفصول الغروية: 389.
(4) كالميرزا القمي في قوانين الأصول: 440 و 452.
(5) مناهج الاحكام: 256 منهاج: في حجية الظن في الاحكام.
(6) كما في مفاتيح الأصول: 491 و 452.
357

تعليق شئ على وصف عن عليته، فالمراد أن ظن المجتهد من حيث إنه مجتهد،
أي ظنه المستند إلى اجتهاده حجة.
ويعرفون الاجتهاد بأنه استفراغ الوسع في تحصيل الظن من الأدلة الشرعية،
والدليل الشرعي عبارة عما ثبت شرعا كونه دليلا، فمعنى حجية ظن المجتهد:
حجية ظن حاصل من دليل ثبت حجيته شرعا، وذلك غير حجية مطلق الظن،
أو أصالة حجيته، فمرادهم هو حجية الظنون المخصوصة
وملخص ما ذكر: أن في حجية المظنة وعدمها خلافين بين علماء
الشيعة:
أحدهما: أنه هل يكون ظن حجة أم لا، بل تنحصر الحجة في العلم؟
وثانيهما: أنه على فرض الحجية، فهل الحجة مطلق الظن، والأصل حجيته
أم لا، بل الحجة بعض من الظنون؟
أما الخلاف الأول: الذي هو بين الأخباريين، ومعظم المجتهدين،
فالحق مع المجتهدين، بمعنى الايجاب الجزئي في مقابل السلب
الكلي، كما ذكرنا وجهه في موضعه، وليس هو أيضا محط سؤال جناب
السائل سلمه الله.
وأما في الخلاف الثاني: الذي هو بين معظم المجتهدين بين شاذ من متأخري
متأخريهم، فالحق فيه أنه ليس مطلق الظن حجة، وليس الأصل حجيته، إذ
ليست الحجية إلا وجوب المتابعة، ومن القواعد المسلمة بين جميع أرباب
المعقول والمنقول والمدلول عليه بالحجج العقلية والنقلية: أن الأصل عدم وجوب
شئ حتى يثبت وجوبه بدليل قاطع، وبرهان واضح.
مضافا إلى أنه قد عرفت: أن الأصل الابتدائي باجماع الجميع، هو عدم
حجية الظن، فالخروج منه يحتاج إلى دليل، ولم أجد على أصالة حجية الظن
دليلا، مع أنه اجتهدت في تحصيله أعواما، وتفحصت عنه تفحصا بليغا ليالي
كثيرة وأياما.
358

وبعض الأدلة - الذي ذكره بعض فضلائنا 1 - ليس إلا كسراب بقيعة يحسبه
الظمآن ماءا، ولو نظر فيه المحقق بنظر التحقيق، يجده أنه لا يسمن ولا يغني
من جوع.
ونحن قد ذكرنا تلك الأدلة مع ما يتعلق بها في كتبنا الأصولية 2، ونذكر هنا
كلمات قليلة يكون لك أنموذجا، وهو أن أقوى أدلتهم ثلاثة:
الدليل الأول: دليل انسداد باب العلم.
وتقريره مع تحرير مني: أن هذا الزمان وما شابهه زمان بقاء التكاليف، و
انسداد باب العلم بها، وكلما كان الزمان زمان بقاء التكاليف وانسداد باب العلم
بها، يجب العمل فيه بالظن من حيث هو هو، ففي هذا الزمان يجب العمل
بالظن من حيث هو هو
ولا يخفى أن تتميم ذلك الدليل يتوقف على تمامية صغراه وكبرا، وتمامية
الصغرى تتوقف على ثبوت أمرين لم يثبت شئ منهما، وتمامية الكبرى تتوقف
على تمامية أمور ستة يثبت شئ منها أو أكثرها.
أما الأمران اللذان يتوقف الصغرى عليهما، فأولها: بقاء التكاليف زائدا على
القدر المعلوم، وثانيهما: انسداد باب العلم في تلك الأزمان.
أما الأول: فلا مضايقة لنا في القول به بعد إثبات حجية الاستصحاب
والكتاب والخبر ونحوها 3، ولكن لا فائدة له في ذلك المقام، إذ لو فرضنا ثبوت
حجيتها، لم يبق حاجة لنا في تلك الأحكام إلى التمسك بالظن من حيث هو، بل
يكون دليل هذه الأحكام هو الاستصحاب أو الكتاب أو السنة مثلا.
فالذي يفيد للمستدل في ذلك المقام: هو الدليل العلمي القطعي على بقاء

(1) راجع قوانين الأصول 1: 440 - 452
(2) مناهج الاحكام: 256 منهاج: في حجية الظن في الاحكام
(3) يعني: أن الاستصحاب والكتاب والخبر ونحوها يستفاد منها وجود أحكام غير الاحكام المعلومة،
وزائدا على الاحكام المعلومة.
359

تكاليف وأحكام زائدة على القدر المعلوم، لا الدليل الظني، ولو تمسك له بدليل
ظني، يمنع الخصم حجيته، إذ لم يثبت بعد حجية مطلق الظن أو الظن
المخصوص، وإلا لم يكن محتاجا إلى هذا القيل والقال.
فالحكم ببقاء أحكام اخر غير المعلومات في هذا المقام يحتاج إلى دليل
علمي، ولا مستند علمي له أصلا من الشرع، ولا من العقل
أما من الشرع: فلان الدليل القطعي الشرعي في هذه الأزمان لا يكون إلا اية
محكمة من الكتاب، أو خبر متواتر، أو محفوف بالقرينة المفيدة للقطع، أو
الاجماع القطعي، ولا دلالة لشئ منها على ذلك المطلب.
أما الكتاب: فمعلوم، بل تدل مواضع عديدة منه على خلاف ذلك، مثل
قوله سبحانه (لا يكلف الله نفسا الا ما آتاها) 1 والآيتان حقيقة في اليقين، إذ
لا يعلم في غير اليقيني أنه مما قال الله سبحانه: وأتى به
وقوله تعالى: (فجعلتم منه حراما وحلالا قل أألله أذن لكم أم على الله
تفترون) 2 قصر سبحانه مستند الحكم بالحلية والحرمة على الاذن والافتراء على
الله، فما لم يوجد فيه الاذن - الذي هو العلم بالرخصة - لا يكون حكما لله
سبحانه، بل يكون محض الافتراء عليه
وقوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم) 3 وقوله عز شأنه: (وأن
تقولوا على الله ما لا تعلمون) 4 إلى غير ذلك
وأما الاخبار: فمن الأمور الواضحة أنه ليس في هذه الأزمان خبر متواتر،
أو محفوف بالقرينة العلمية على مطلب، والآحاد منها كما ذكر لا تفيد في المقام،
مع أن الآحاد منها دالة على خلاف مطلوبهم.

(1) الطلاق 65: 7.
(2) يونس 10: 59.
(3) الاسراء 17: 36.
(4) البقرة 2: 169.
360

بل لنا أن نقول: أن الأخبار الدالة على عدم بقاء حكم في غير المعلومات
بلغت حد التواتر المعنوي، مثل قولهم عليهم السلام: لا تكليف إلا بعد البيان)
1 و (رفع عن أمتي ما لا يعلمون) 2 و (وضع عن أمتي ما لا يعلمون) 3 و (ما حجب
الله علمه عن العباد، فهو موضوع عنهم) 4 و (كل أمر مشكل يرد حكمه إلى
الله ورسوله) 5 ومن لم يعرف شيئا هل عليه شئ؟ قال: (لا)
والاخبار المتجاوزة عن حد الاحصاء، الناهية عن العمل بغير العلم،
والامرة بالتوقف فيما لا يعلم 7، وغيرها.
فان قيل: قد ورد في الأخبار الكثيرة: أن لكل شئ حكما بينه
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أرش الخدش، وأحكام الخلاء، والجلدة، ونصف
الجلدة 8.
قلنا أولا: إنها أخبار آحاد لا تفيد شيئا غير الظن.
وثانيا: إنه ليس مدلول تلك الأخبار الا أن كلما كان له حكم، فقد بينه
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، لا أن لكل شئ حكما وبينه الرسول، وشتان ما بينهما.
وثالثا: إن المقدمة المأخوذة في الصغرى لم تكن وجود أحكام غير
المعلومات، بل بقاء أحكام غير معلومة، والكلام إنما هو في أنه هل باق للذين
سد عنهم باب العلم أحكام غير معلومة، أم لا؟

(1) الكافي 1: 162 / 1 - 5.
(2) الكافي 2: 462 / 1، الخصال 2: 417 / 9، التوحيد: 353، الوسائل 11: 295 أبواب جهاد النفس
ب 56 ح 1.
(3) الكافي 2: 463 / 2، الوسائل 11: 295 أبواب جهاد النفس ب 56 ح 3.
(4) الكافي 1: 164 / 3، التوحيد: 413 / 9.
(5) الاحتجاج 2: 107، مستدرك الوسائل 17: 321 أبواب صفات القاضي ب 12 ح 1.
(6) الكافي 1: 164 / 2، توحيد الصدوق: 412 / 8.
(7) الكافي 1: 50 / 9، وج 4: 391 / 1، التهذيب 5: 466 / 1631، المحاسن 1: 215
(8) الكافي 1: 59 / 3، وص 198 / 1.
361

وبون بعيد بين حكم الرسول بحكم، وبين بقائه للجاهل الغير المتمكن من
الوصول إليه.
الا ترى أن جمعا من العلماء حكموا بمعذورية الجاهل الساذج بالمرة، و
وضعوا عنه الحكم، وأجمعوا على وضع الحكم عن الجاهل في بعض الموارد، و
ما الضرر في أن الرسول يحكم لشئ بحكم، وكان هو لمن وصل إليه هذا الحكم
بالطريق العلمي، أو الظن الثابتة حجيته؟ بل الامر كذلك لا محالة، ولا حكم لمن
لم يصل إليه، وعبارة (رفع عن أمتي) و (وضع) صريحة فيه.
وقد أجمع جميع العلماء بل صار ضروريا من دين سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم: أن
المستضعفين والذين لا خبر لهم عن حكم أصلا معذورون، ولا يتعلق بهم
الحكم.
بل لنا ها هنا كلام اخر، وهو أنه ما أراد بأحكام الله التي أتى بها النبي (ص) في
كل واقعة بمدلول تلك الأخبار، ويحكم ببقائها إلى هذا الزمان؟
فإنه إما يراد: أن لله سبحانه في كل واقعة في حق جميع المكلفين حكما
واقعيا واحدا معينا غير متبدل، هو حكم لجميع المكلفين، حكم به وقرره، وهو
باق لنا ولغيرنا، يجب على الكل العمل بهذا الحكم الواحد، والآتيان به، و
يعاقب تاركه، والمنحرف عنه
أو يراد: أن لله سبحانه في كل واقعة لكل أحد حكما يجب عليه العمل به و
إن لم يكن ذلك الحكم معينا، بل تعيينه منوط بنظر المكلف وسعيه واجتهاده؟
فان كان المراد الأول: فلا يتفرع عليه وجوب العمل بالظن أصلا، بل
يناقضه، لأنه إذا وجب العمل بشئ معين، والآتيان به البتة، فالمظنون يمكن أن
يكون هو، وأن يكون غيره، فالاتيان بالمظنون لا يعلم أنه الاتيان بما فرض وجوب
الاتيان به البتة، ومع ذلك هو مخالف لاجماع جميع المسلمين، إذ معنى وجوب
العمل بشئ معين واحد أنه يعاقب بتركه والانحراف عنه، فلو كان الله سبحانه
في كل واقعة، أو في الجملة لجميع المكلفين حكما معينا واحدا غير ساقط عنهم -
362

كما هو معنى البقاء - لزم عقاب غير واحد من المجتهدين ومقلديه طرا، الاتحاد
الحكم المعين وتفاوت الأعمال واختلافها جدا، فان غير الواحد غير آت بذلك
المعين قطعا، فان المعين لا يختلف
فان قلت: إن عدم عقابهم لأجل أنهم مكلفون بمقتضى فهمهم ذلك الحكم
المعين
قلنا: مع أن فهمهم ليس إلا بطريق الظن الجائز الخطأ، الذي يوجب التعبد به
عدم بقاء ذلك المعين: إن التكليف بمقتضى الفهم المختلف قطعا عين القول بعدم
بقاء ذلك المعين، واختلافه باختلاف الافهام، وإذا جاز سقوطه وعدم بقائه
باختلاف الفهم، فلم لا يجوز عدم البقاء باختلاف انسداد باب العلم به و
انفتاحه؟
وبالجملة: لو كان المراد من الحكم ذلك، لكان الحكم ببقائه ووجوب العمل
به باطلا ضرورة.
وان كان المراد الثاني: فمع أنه لا يوافق مذهب المخطئة، بل مخالف لاجماع
الشيعة، لا ربط لتفريع وجوب العمل بالظن عليه، إلا بعد ثبوت أن ذلك الحكم
هو الذي ظنه المكلف أنه حكم الله في حقه.
وبالجملة: لا معنى محصل للحكم ببقاء الاحكام قبل إثبات وجود العلم أو
ظن دل على اعتباره دليل علمي، بل يمكن إجراء هذا الكلام في أصل المقدمة
التي تمسكوا بها، وهي قولهم: التكليف باق في هذه الأزمان.
فان قلت: فكيف الحال في ذلك المجال؟
قلنا: القدر المعلوم الثابت - كما ذكرناه في محله - أن لله أحكاما في وقائع،
أو حكما في كل واقعة يحسب العمل به على من عنه فحص، وإليه وصل علما أو
ظنا دل على اعتباره قاطع، وهو أيضا علم، والفحص عنه واجب شرعا وعقلا،
فاللازم أولا هو الفحص، فان فحص ووجد إليه سبيلا من العمل أو ظن ثابت
الحجية، فيحكم ببقائه ووجوب العمل به، وإلا فليس باقيا، بل هو ساقط
363

مرتفع، والمرجع بعد رفعه وسقوطه إلى عدم الحكم، أو الحكم بالإباحة
العقلية.
وأما الاجماع القطعي على بقاء أحكام من الله غير المعلومات، فادعاؤه
ليس إلا شططا من الكلام، وأي سبيل إلى ثبوت ذلك الاجماع!؟ مع أن الاجماع
لا يثبت الا بتصريح تمام العلماء، أو إلا من شذ منهم وفتواهم، ولم يصرح
أحد من العلماء المتقدمين والمتأخرين الذين يعتنى بأقوالهم، ويصير فتاواهم
مصدرا للحكم بالاجماع بذلك، بل ذكر جمع منهم خلافه، وقالوا: يثبت بقاء
حكم غير المعلومات، كالفاضل المحقق جمال الدين الخوانساري في حواشي
شرح العضدي، شيخنا بهاء الدين العاملي في أربعينه، ومولانا خليل
القزويني، وجمع من الأخباريين 1
وما قد يجري على ألسنة بعض طلبة عصرنا من أن بقاء الحكم في كل واقعة
إجماعي، ليس إلا من باب التقليد وقلة التتبع
وقد يتوهم ثبوت الاجماع من عدم اقتصار أحد من العلماء على المعلومات،
بل قيل: كون كل مكلف من بدو البعثة إلى قيام القيمة مكلفا في كل واقعة ببناء
العمل على واحد من الأحكام الخمسة ولو على الإباحة العقلية مما انعقد عليه
إجماع الأمة.
ألا ترى إلى فرق المسلمين أنهم لا يحصرون تكاليفهم في معلوماتهم،
ولا يتسامحون فيما يترددون في حكمه معتذرين بعدم ثبوت وجوب البناء على
حكم 2، بل يتفحصون عن مدارك الواقعة، فان وجدوا لها دليلا خاصا، أخذوا

(1) حواشي شرح العضدي. الجزء الثاني، مبحث حجية الخبر الواحد (مخطوطة مكتبة العامة لآية الله
العظمى الگلپايگاني (ره) كد 24 / 9). ونقله عنه بنصه في مفاتيح الأصول، ص 467 - 468،
الشافي في شرح الكافي للقزويني، كتاب العقل، باب البدع والمقاييس (مخطوطة مكتبة العامة لآية
الله العظمى المرعشي (ره). رقم 6002) ولم نجده في أربعين العاملي.
(2) يعني: الا تراهم لا يحصرون تكاليفهم في معلوماتهم ولا يتعذرون بعدم ثبوت وجوب البناء على حكم
364

بمقتضاه، وإلا رجعوا إلى العمومات مع وجودها، والا فإلى حكم ما لا نص فيه.
فلزوم الفحص عن الحكم في كل واقعة، والبناء على مقتضى الدليل مما
انعقد عليه الاجماع، مع أن مقتضى العقل والنقل: عدم تحقق واقعة إلا ولها
حكم، وأيضا تعلقت الاحكام بكثير من الكليات والجملات، وتفاصيل هذه غير
معلومة، فثبوت التكليف بها مما لا يمكن منعه، وتتم الكلية بعدم الفصل.
ولا يخفى أن ذلك ليس الا من عدم التأمل، والبعد عن مراحل التحقيق.
ولبيان ذلك نقدم أولا مقدمة ذكرناها في بعض كتبنا، وهي أن الاجماع على
حكم هو الاتفاق الكاشف عن حكم المعصوم بذلك الحكم، وهو إما قولي أو
فعلي
والمراد بالأول: ما علم الاجماع بفتاوي المجمعين وأقوالهم، كتصريحهم
بأنه يجب كذا مثلا، أو تصريحهم بأن خبر الواحد حجة.
وبالثاني: ما علم بأفعالهم وأعمالهم، كغسل الجميع - مثلا - ثوبهم من
ملاقاة بول ما لا يؤكل، وكعملهم بالآحاد، واستدلالهم بها.
وكما يشترط في إثبات الحكم المطلق بالأول إطلاق حكمهم وفتاواهم، و
في إثبات الحكم به لنا وفى حجيته في حقنا، اندراجنا تحت اطلاق قولهم أو
عمومه، فلا يمكن إثبات الحكم المطلق، ولا يثبت الاجماع عليه أو على ما يشملنا
إلا بالعلم باطلاق الفتاوى أو شمولها لنا كلا، ولا يثبت الاجماع على المطلق، أو
على ما يشملنا إذا كانت الفتاوى - ولو بعضها الذي له مدخلية في ثبوت الكشف
- مقيدا، بل ولو محتمل التقييد، فكذلك يشترط في إثبات الحكم المطلق في حقنا
بالثاني: العلم بمساواة الجميع للعاملين، أو مساواتنا لهم في جميع الحالات التي
يحتمل مدخليتها في تعلق ذلك العمل بهم، وانتفاء الفارق بينهم وبين الباقين
من جهة ما يمكن أن يكون له مدخلية في ذلك العمل، وسببا له، وموجبا إياه.
فلو رأينا ولاحظنا جماعة من العلماء الذين يكشف اتفاقهم على أمر عن رأي
المعصوم أو عمله، أنهم أفطروا يوم شك وجوبا مثلا، ولكن كان الجميع مسافرين
365

أو جوزنا كونهم كذلك، لا يثبت منه إجماع على وجوب الافطار في ذلك اليوم
مطلقا، أو في حقنا ولو لم نكن مسافرين.
ألا ترى أنه لو علمنا قطعا: أن جميع العلماء الامامية، بل علماء الأمة، بل
جميع الأمة شربوا دواءا خاصا، أو كل منهم دواءا وجوبا شرعيا، ولكن شربت
طائفة لصداعه، وأخرى لوجع عينه، وثالثة لوجع أذنه، ورابعة لوجع ضرسه، و
خامسة لوجع بطنه، وسادسة لسلسه، وسابعة لورم رجله، وهكذا، أو جاز
كون شرب كل طائفة لمرض، لا يحكم بوجوب الشرب المطلق، أو علينا مع
خلونا عن الأمراض، وافتراقنا عنهم به، وذلك ظاهر جدا
وإذا عرفت هذه المقدمة، نقول: هل زعمك أن هذه الطوائف الغير المحصورة
من فرق المسلمين الذين بنوا عملهم في كل واقعة على حكم من الأحكام الخمسة
، ولم يقتصروا في تكاليفهم على المعلومة، كان بناؤهم هذا بعد أن
جعلوا دليلا ظنيا حجة لأنفسهم، وأثبتوا بالبرهان القطعي حجيته لهم، وعلموا
شرعا كونه دليلا لهم، أم لا؟
فان قلت: لا، وكان عملهم بالدليل الظني، واستخراجهم الحكم منه، و
استنباطهم التكاليف الغير المعلومة قبل إثبات حجيته، فلا تستحق جوابا غير
السكوت والضحك.
وإن قلت: كان بعد إثبات حجية دليل ظني كالخبر أو الشهرة، أو مطلق
الظن، فأي نسبة بينهم وبيننا في هذا الحال التي لم يثبت علينا حجية ظن بعد؟ و
أي مشابهة ولأي جهة أخذنا ذيلهم ونعد وقفاهم؟ مع أن الفرق بينهم وبيننا من
الأرض إلى السماء، ونحن أيضا لو فهمنا حجية دليل ظني وأثبتناها، نكون
مثلهم البتة، ونعمل في غير المعلومات كما يعملون
هل كان رجوعهم إلى الدليل الخاص، ومع فقده إلى العمومات، ومع
انتفائها إلى حكم ما لا نص فيه بعد ثبوت حجية ذلك الدليل الخاص، وتلك
العمومات، وعلم حكم ما لا نص فيه، أو قبله؟ ظاهر أنه كان بعده
366

فان ثبت لك أيضا حجية هذه وعلمتها، فلم لصقت بذنب الظن وتجره، بل
اعمل بها، وارفع يدك عن الظن الضعيف السقيم
وان لم يثبت، فأين أنت وأين هذه الطوائف؟
وقد غفل ذلك المسكين عن أنه لو ثبت الاجماع بهذا الطريق، يصير عدم
حجية الظن إجماعيا قطعيا باعترافهم، فإنهم معترفون بان في زمان حضور
أصحاب الإمام - الذين كان اتفاقهم كاشفا عن قول المعصوم قطعا، لتمكنهم من
العلم - ما كانوا يعملون بالظن، ويحرمون العمل به، ويحملون الأخبار المتواترة
الناهية عن العمل بالظن عليهم، فلو ثبت إجماعهم على عدم حجية الظن، فأنت
لم لا ترفع اليد عنه، وأخذت برجله وتجره؟
فان قلت: فرق بيننا وبينهم، فإنهم لا يعملون به لانفتاح باب العلم عليهم،
ولولاه لعملوا به.
قلنا: هذا الفرق بعينه بيننا في هذا الوقت وبين العلماء المتقدمين متحقق،
لأجل ثبوت حجية بعض الأدلة الظنية لهم، وعدمه بالنسبة إلينا بعد، ولولا
ثبوت حجية الدليل الظني لهم، لم يتجاوزوا من المعلومات قط، كما أنك أيضا
متجاوز عنها بعد ثبوت حجية مطلق الظن، أو ظن مخصوص
وأما الاجماع على الفحص الذي ادعاه، فهو مسلم، بل هو مدلول عليه
بالدليل القطعي العقلي والنقلي، كما بيناه في موضعه، ولا كلام حينئذ في
وجوب الفحص عن الحكم.
إنما الكلام في أن بعد الفحص، هل يكون لنا حكم وتكليف سوى
المعلومات؟
وأما ادعاء أن مقتضى العقل والنقل عدم تحقق واقعة لا حكم لها،
فان أراد النقل الظني، فلو سلم وجوده، فما الفائدة فيه؟ وإن أراد القطعي
فأين هو؟
وأما العقلي فستعلم كيفيته، على أنه لا أدري لم نسي الاخبار المتكثرة
367

المصرحة بقوله: (اسكتوا عما سكت الله) 1 و (رفع عن أمتي) 2 و (وضع) 3
وأمثالها التي هي صريحة في أن بعض الوقائع مسكوت عنه، وأحكام البعض
موضوع ومرفوع
وأما ادعاء أن بعض الأحكام متعلق بالكليات والمجلات التي لا يعلم
تفاصيلها، فالتكليف يكون ثابتا في التفاصيل الغير المعلومة، فيجب الرجوع إلى
الظن، فكلام سطحي واه، إذ بعد ثبوت التكليف بالكلي أو المجمل، لأي جهة
يثبت التكليف بالجزئي أو التفصيل؟
قال الشارع: أعتق رقبة مؤمنة مثلا، وهو كلي أو مجمل، ولم يبين أن
الرقبة رومية أو حبشية، بيضاء أو سوداء، قصيرة أم طويلة، جميلة أم كريهة،
شابة أم شائبة، صغيرة أم كبيرة، مهزولة أم سمينة، بليدة أم فطنة، إلى غير ذلك،
فنقول: لا تكليف في هذه الخصوصيات
وكذا قال: تجب القراءة في الصلاة، فلو لم يبين أنها جهرية أم إخفاتية،
تكون بالنسبة إليهما كلية أم مجملة، ولا يكون بالنسبة إليهما تكليف وحكم، بل
المكلف مختار في الاتيان بأي منها شاء.
لا يقال: التخيير أيضا حكم من الاحكام لان التخيير على قسمين، أحدهما:
ما ثبت لأجل حكم الشارع بالتخيير. وثانيهما: ما كان بحكم العقل، لا بمعنى أن
يحكم العقل بأن الشارع حكم بالتخيير، بل لما لم يحكم الشارع فيه بحكم، يكون
المكلف فيه مطلق العنان، وهذا غير الحكم الشرعي.
والملخص: أن تخيير المكلف ناشئ تارة عن حكم الشارع بالإباحة، وهو من
الأحكام الشرعية، وأخرى من عدم الحكم وفقدانه، وهذا حكم العقل دون
الشرع، وهذا أحد معنيي الإباحة العقلية، ومعناه الاخر: حكمه بالاختيار
شرعا، وهذا حكم شرعي ثابت بالعقل

(1) عوالي اللآلي 3: 166 / 61.
(2 - 3) الكافي 2: 462 / 1 و 2، الوسائل 11: 295 أبواب جهاد النفس ب 56 ح 1 - 3.
368

ألا ترى لو سألك المجنون أو الطفل - الذي ليس محلا للتكليف ومتعلقا لحكم
من الأحكام الخمسة باتفاق العقلاء والضرورة الدينية - إني هل أفعل الفعل
الفلاني أم لا؟ تقول لا محالة: أنت مختار، إن شئت افعل، وإن شئت لا تفعل
بل لو سئلت أن الحمار بعد أكل الشعير هل يقوم أو ينام؟ تقول: كل ما يريد.
وهذه الاختيارات أو مطلق العنانية إنما هي لأجل عدم الحكم، لا لأجل
تعلق الحكم الشرعي
بل لو سئلت عن عمل شخص في زمان قبل البعثة الذي لا حكم ولا تكليف
فيه باعتراف الخصم، وتخصيص زمان التكليف بأول البعثة إلى يوم الحشر،
تقول: إنه مختار، ومطلق العنان.
وقد ظهر مما ذكرنا: أنه لا دليل نقليا قطعيا أصلا على ثبوت التكليف وبقائه
في غير المعلومات.
وأما الدليل العقلي:
فليت شعري أي جهة عقلية تدل على وجود حكم و
تكليف في كل واقعة، أو ثبوت حكم وتكليف وبقائه غير المعلومات؟! وما
الضرر في أن الله سبحانه بين الحكم وقرره لبعض الافعال ولم يقرره لبعض
اخر، كما أن الحديث المشهور (اسكتوا عما سكت الله) 1 وحديث (وسكت)
عن أشياء) 2 مصرح به؟
والحاصل: أنه يمكن عقلا أن يكلف الله سبحانه عبدا أو جميع عباده بأمور،
وقرر له أو لهم أحكاما معينة في أمور، وسكت عن الباقي، فلا يكون لهم في
الباقي تكليف ولا حكم أصلا
فان قلت: لا يخلو إما أن يعاقبه على فعل الباقي، أو لا، فعلى الأول يكون
حراما، وعلى الثاني: إما أن يوجره بالفعل، أو الترك، أولا، فعلى الأول يكون
مستحبا أو مكروها، وعلى الثاني مباحا.

(1) عوالي اللآلي 3: 166 / 61.
(2) الفقيه 4: 53 / 193.
369

قلنا: لا يعاقبه ولا يؤجره، ولا تلزم منه إباحته، لان المسلم أن كل مباح
لا عقاب عليه ولا ثواب له، لا أن كل ما لا عقاب عليه ولا ثواب له فهو مباح، فان
ما لا حكم له أيضا كذلك
فان سلطانا تسلط علينا الا يعاقبنا على أفعالنا السابقة على تسلطه علينا،
ولا يؤاخذنا بها 1، وليس ذلك لأجل أنه جعلها مباحة لنا، بل لأجل عدم الحكم
ولذا لا عقاب ولا ثواب على حركات الأطفال، والمجانين، والحيوانات
العجم، وأهل زمان قبل البعثة، مع أنها لا توصف بالإباحة.
والتحقيق: أن كل فعل من كل أحد بالنسبة إلى كل حاكم ينقسم أولا إلى
قسمين: إما لا حكم له فيه، أوله فيه حكم.
والثاني: ينقسم إلى الأحكام الخمسة، ويشارك الأول الإباحة في عدم
استحقاق ثواب ولا عقاب عليه، لأنه كما هو شأن الإباحة، كذلك هو شأن عدم
الحكم أيضا.
فان قلت: لاشك في أن الله سبحانه محيط بجميع الأمور، لا تجوز عليه
الغفلة، ففي كل من الافعال إما يرضى لنا بفعله، أولا، وعلى الأول: إما
يرضى بالترك، أولا، والأول مباح، والثاني واجب، وهكذا إلى اخر الاحكام
قلنا: لا نسلم أن الأول مباح، والثاني واجب، إلى اخره
وبيان ذلك بعد مقدمة: هي أن الأحكام الشرعية خمسة: الايجاب، وهو
عبارة عن طلب الفعل حتما، والندب، وهو عبارة عن طلبه من غير حتم،
والتحريم، وهو عبارة عن طلب الترك حتما، والكراهة، وهي عبارة عن طلب
الترك لا على سبيل الحتم، والإباحة، وهي عبارة عن جعل الطرفين متساويين،
أي الحكم بتساوي الطرفين.
ثم الوجوب والحرمة وأحوالهما اللازمة الانفعالية مترتبة على الايجاب

(1) في (ب): ولا يؤجرنا بها
370

والتحريم وأحوالهما المتعدية الفعلية، فيقال: أوجب فوجب، وحرم فحرم، و
هكذا، فلا وجوب ما لم يتحقق إيجاب، ولا حرمة ما لم يتحقق تحريم، وهكذا
البواقي.
ثم طلب الشئ عبارة عن إظهار محبوبيته، فما لم يتحقق الاظهار بنحو من
الأنحاء - ولو بالعقل أو العادة أو غيرهما - لم يتحقق الطلب، وما لم يتحقق
الطلب، لم يتحقق الوجوب والحرمة وأخواتهما وان كان الفعل في الواقع
محبوبا فعله أو تركه، مع مبغوضية النقيض أو عدمها.
فان المولى إذا اشترى عبدا، ولم يأمره بعد بشئ، ولم يحكم له بحكم،
ليس شئ واجبا عليه ولا حراما، إلى اخر الاحكام، إلا ما كانت محبوبيته أو
مبغوضيته أو تساويه معلوما للعبد بالعقل أو العادة، فإنهما أيضا لسانان للمولى.
فلما كان كذلك، فلو كان الجلوس في بيت معين محبوبا للمولى واقعا،
مبغوضا تركه، ولكن لم يبينه بعد للعبد، لا يقول أحد: إنه أوجبه عليه، أو
واجب عليه.
وهذا ظاهر جدا، ويكفيك في ذلك كون تلك الأحكام أحكاما وهو من
مقولة الافعال، حيث إن الحكم عبارة عن التصديق، فلا يتحقق الحكم إلا بفعل
من الحاكم
وبعد تلك المقدمة، يظهر لك: أن الواجب والمباح وأخواتهما هو ما بين
الله سبحانه وجوبه أو إباحته - مثلا - وقرره لنا، وأما مجرد الرضى بالفعل وعدم
السخط عليه من دون بيان ذلك أصلا، فليس حكما ولا تكليفا.
ألا ترى أن الله سبحانه محيط بجميع أفعال الحيوانات والأطفال والمجانين، و
من لم يسمع بشريعة أصلا، وبأفعال الناس قبل البعثة، بل بسكنات الجمادات،
ولا يخلو: إما راض بها أو لا - إلى اخر ما قيل 1 - مع أنهم ليسوا بمكلفين،

(1) في (ب) ما قبله. والمراد: إلى اخر ما قاله المستشكل أو ما قبله في الاشكال المتقدم
371

ولا محكومين، فما الضرر عقلا في أن نكون في بعض أفعالنا مثلهم؟
فان قلت: ذلك لأجل أنهم ليسوا بمكلفين ولا محكومين، ونحن مكلفون و
محكومون.
قلت: لا أفهم معنى ذلك: إن أردت أن أفعالهم ليس معرضا للرضي و
عدمه، فقد اعترفت بامكانه، فلم لا يكون بعض أفعالنا كذلك؟ وان أردت أن هذا
ليس تكليفا وحكما لهم، فلم لا نكون كذلك في بعض أفعالنا؟
وإن قلت: إنه ليس من شأنهم التكليف والحكم
قلنا: إذا كان التكليف والحكم مجرد الرضى وعدمه، وهو يتحقق في
حقهم، فلم ليس من شأنهم؟
والتحقيق: أن معنى عدم كونهم مكلفين: أنه سبحانه لم يجعل لأفعالهم
حكما أصلا، ولم يقرره لهم. ومعنى كوننا مكلفين: أنه حمل علينا بعض
الأمور، وقرر لنا بعض الأحكام، وأما أنه جعل لنا في جميع أفعالنا حكما،
فلا دليل عقليا عليه أصلا.
وبالجملة: قبل حجية مطلق الظن أو بعض الظنون لا دليل قطعيا أصلا على
بقاء الحكم في كل فعل من الافعال، ولا على بقاء أحكام غير المعلومات
فان قلت: الاقتصار على المعلومات ورفع اليد عن غيرها يستلزم الخروج عن
دين سيد المرسلين.
قلت: إن كنت من أهل التأمل أو كان لك قليل تحقيق، لم يصدر عنك مثل
ذلك الكلام
أما أولا: فلأني أقول: لم يظهر لي بعد أن سيد المرسلين أتى لي حال كوني
بهذه الحالة غير المعلومات حكما، فكيف تقول: إن في رفع اليد عن غير
المعلومات خروجا عن دينه، أثبت لي أولا حكما ودينا غير المعلومات، ثم قل
هذا الكلام
وأما ثانيا: فلانه ليت شعري هل كان حكم سيد المرسلين في كل واقعة غير
372

محصور، لا يعدد ولا يحصى! وكل ما قاله كل مجتهد في كل واقعة أتى به
بخصوصه، أو كان حكمه واحدا؟
فان كان كل هذه الأقوال المختلفة في كل واقعة يقينا حكمه ودينه
بخصوصه، فلا يكون غير معلوم، وكان الكل حكمه، فخذ بكل ما تريد منها،
ولا ضرورة للعمل بالمظنة.
وإن كان حكمه في الواقع واحدا، ففي كل واقعة خرج غير واحد من
المجتهدين عن دينه، بل جميع المجتهدين إلا واحدا منهم، يكون خارجا عن دينه،
وإذا خرج كل هؤلاء، ولم يلزم نقض، فقسنا عليهم أيضا، بل يحتمل خروج
الجميع، بل مظنون كل مجتهد أن الكل خارج غير نفسه، ولا يلزم من ذلك
نقص.
وأما ثالثا: فلان من يقتصر على المعلومات، فالأغلب أن في غير المعلومات
أيضا يعمل بأحد الأقوال المختلفة، من باب الاتفاق مثلا، غاية الامر أنه لا يجتنب
من بول الرضيع، وهذا يوافق قول من يقول بطهارته، ويتوضأ من بالماء
الغصبي، وهو يطابق قول من يجوز الوضوء، ويرتمس في الماء في الصوم
الواجب، وهو يوافق قول من لا يحرمه، وهكذا.
فالأغلب يطابق عمله مع عمل مجتهد، فلم يخرج من الدين.
نعم غاية الامر أن هذا المجتهد عمل به من جهة ظن أنه حكم الله، وهذا
المقتصر 1 من باب الاتفاق وعدم الحكم، ومجرد ذلك لا يوجب الخروج عن
الدين والدخول فيه، والا لزم خروج جميع المجتهدين من الدين، لأنهم أتوا به من
جهة الظن بحكم الله، وأصحاب الأئمة (ع) أتوا به من جهة العلم به.
وأما رابعا: فلأن أس الدين وما به قوامه، ويشيد عظامه، فهو معلوم، و
ليت شعري لم يخرج من الدين من اقتصر على المعلومات.

(1) في (ح) المقصر. والمراد بالمقتصر: هو المقتصر على المعلومات.
373

انظر إلى أنه لو صام أحد شهر رمضان واقتصر فيه على المعلومات، فأمسك
من طلوع الفجر إلى استتار القرص، من الأكل والشرب بالطريق المتعارف،
والانزال والجماع عمدا، والبقاء على الجنابة إلى غير ذلك. مما أجمع عليه، ولم
يعتن مما اختلف فيه، فهل يخرج في كيفية الصوم عن الشريعة؟
وكذا في الصلاة لو طهر ثوبه الساتر للعورة المجمع عليها، والبدن عن النجاسة
المجمع على نجاستها، وستر عورته القطعية، وتوجه إلى القبلة بعد الوضوء
المشتمل على الغسلتين والمسحتين، والتكبير، والقراءة، والركوع، والسجود،
والتشهد، والتسليم، والطمأنينة، والذكر الواجب، لم يكون خارجا عن الدين
لأجل الصلاة لو لم يقرر حكما لبعض ما اختلف فيه لأجل عدم ثبوت حكم فيه.
فان قيل: المراد الخروج عن سيرة العلماء وطريقة الفقهاء.
قلنا: هل المراد العلماء الذين كان لهم باب العلم مفتوحا زائدا عما فتح لنا،
أو ثبت لهم حجية ظن مخصوص، أو الذين لم يكونوا كذلك؟
فان كان المراد الأول، فما الضرر في خروج من لم يفتح له ذلك الباب، ولم
يثبت له حجية ظن؟ كما أن العامل بالظن خرج عن سيرة أصحاب الأئمة لسد باب
العلم، وتقول لا ضرر فيه
وإن كان الثاني: فلا نسلم لزوم الخروج عن سيرتهم.
مضافا إلى أني لا أدري أنه من أين علم وجه فساد خروج شخص عن سيرة
طائفة يختلف حاله مع حالهم؟
ألا ترى أن الشيخ في العدة والسيد في الذريعة وابن إدريس وابن زهرة 1 و
غيرهم 2 صرحوا بأنه لو اختلف العلماء في مسألة أو مسائل على أقوال، ولم
يعلم الحق منها، ولم يكن دليل على التعيين، يجب الحكم بالتخيير، مع أنه

(1) العدة 2: 246، الذريعة 2: 803، الغنية (الجوامع الفقهية): 480
(2) من المتأخرين صاحب الفصول في الفصول الغروية: 257، الميرزا القمي في قوانين الأصول
1: 383.
374

خارج عن سيرة الجميع لا محالة.
وبالجملة: لا دليل مطلقا على بقاء التكليف غير المعلومات لمن لم يثبت بعد
عنده حجية ظن
بل تحقيق المقام: أنه بعد بلوغ الانسان حد البلوغ والتكليف، واطلاعه على
مجئ رسول، وإتيانه بأحكام، والعلم بتكاليف وأحكام، يجب عليه بحكم
العقل الصريح، الفحص والتفتيش عن هذه الأحكام، فما حصل له العلم به
امتثله وعمل به
وإن علم أو ظن، بل ولو جوز أن للرسول أحكاما غير ما علمه، فان تمكن
من الوصول إلى خدمة الشارع، يجب عليه السؤال منه، والا فيتفحص، ويبذل
جهده في التفتيش عما يوصله إلى أحكامه، وامر باتباعه في الاحكام.
فان علم أن الامر الفلاني المفيد للظن يجب اتباعه، وأمر الشارع بأخذ
الاحكام منه يتبعه، والا فيقتصر على معلوماته.
وأما الدليل على وجوب ذلك الفحص والتفتيش، فهو العقل الصريح،
والاجماع القطعي من الأمة، مع اتحاد الحال، بل من أهل جميع الملل والأديان،
والآيات المتكاثرة
(فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) 1 و (فلو لا نفر من
كل فرقة منهم طائفة) 2 (طلب العلم فريضة) 3 (اطلبوا العلم) 4 إلى غير ذلك
فان قيل: صرح العلماء، ويحكم الوجدان أيضا بأن من تكثر الأخبار الآحاد
في واقعة، وان لم يكن الجميع بمضمون واحد، يحصل العلم الاجمالي
بالواقعة، أي يعلم القدر المشترك.
ولا شك أن كل من نظر في هذه الأخبار المضبوطة في الكتب، وأقوال

(1) النحل 16: 43.
(2) التوبة 9: 122.
(3) الكافي 1: 30 / 1 - 5، منية المريد: 99، 108، سنن ابن ماجة 1: 18 / 224.
(4) الكافي 1: 36 / 1، منية المريد: 103.
375

العلماء، يقطع بأن للشارع أحكاما غير المعلومات، وليست أحكامه مقصورة
على المعلومات
قلنا: نعم كذلك، وهذا صحيح مطابق للواقع، وانظر أن 1 ما كنا نمنعه هو
صدور الحكم في كل واقعة أو بقاؤه، أما أنه يعلم من ملاحظة الاخبار وأقوال
العلماء صدور أحكام من الشارع غير ما علم ضرورة أو إجماعا، فلا شك فيه
ولكن الكلام في بقائها للذين لا علم لهم بخصوصياتها، يعني أن هذه الأحكام
هل كانت لكل أحد، أو كان فيها تخصيص؟
والتحقيق: أنه إذا قال الشارع: بول الحمار نجس، ويجب الاجتناب عنه،
فهل المراد أن هذا الاجتناب واجب على كل أحد، سواء اطلع بعد الفحص على
هذا الكلام أم لا، أم يختص بمن اطلع عليه ولو بشرط الفحص؟
فان قلت: إنه عام، فقد ارتكبت التكليف بما لا يعلم وما لا يطلق، وخالفت
الآيات والاخبار المتكثرة، بل الاجماع القطعي، بل الضرورة الدينية، إذ بديهي
أنه ليس كذلك، وظاهر أن الحكم لم يكن غير واحد، ومع ذلك فكل مجتهد
مكلف بفهمه، وإن فهم مجتهد عدم نجاسته، لا يجب عليه الاجتناب، فيعلم أن
الحكم لا عموم له، بل هو مختص بالعالم بذلك الحكم، فلا يكون باقيا لغير العالم
بعد الفحص
فان قلت: المسلم خروج غير العالم وغير الظان، وأنه ليس حكما لهما، و
أما الظان، فخروجه غير معلوم، فالمسلم أنه قال: يجب الاجتناب عن بول
الحمار على كل أحد، سوى من لم يعلم أو من لم يظن بعد الفحص بهذا الحكم
قلنا: نعم، هذا إنما يفيد إذا سلم في صورة ظنك بنجاسة بول الحمار أن
الشارع قال: يجب الاجتناب عن بول الحمار، حتى يشتمل الظان أيضا، ونحن
نقول: ما الدليل على أن الشارع قال ذلك، حتى خرج عنه غير العالم وغير

(1) في (ب): وانظر إلى.
376

الظان، وبقي هذان؟ لعله لم يقل: إن بول الحمار نجس، فلم يجب اجتناب
الظان
وأما الامر الثاني من الامرين اللذين تتوقف تمامية الصغرى عليهما، فهو
انسداد باب العلم بالأحكام، فان تلك المقدمة عندنا محل بحث ونظر، فإنه إن
أراد بانسداد باب العلم انسداد باب مطلقه حتى الحاصل بواسطة الظن المعلوم
حجيته، فهو ممنوع.
والتفصيل: أنه لا شك أن الظن، بل مطلق الامارة المنتهي إلى العلم، علم
أيضا، فإنه كما أنه إذا قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: حكم الواقعة الفلانية كذا، يحصل لك
العلم به، فكذا إذا قال: حكمها ما دل عليه الخبر الواحد واعمل فيها بما دل عليه،
يحصل لك العلم أيضا بحكمها في حقك أيضا بعد دلالة الخبر.
فبعد وجود ظن أو أمارة ثابتة حجيته، بل مع احتماله وتجويزه، دعوى
انسداد باب العلم غلط، ونحن لا نسلم فقد الظن الكذائي أو الامارة الكذائية،
بل نقطع بحجية الظنون الكتابية والخبرية، كما بيناه في كتبنا، كشرح تجريد
الأصول، ومناهج الاحكام 1، ومفتاح الاحكام، وأساس الاحكام وغيرها، و
من ذلك ظهر عدم تمامية صغرى هذا الدليل.
ثم نقول على كبراه:
أما أولا: فعلى سبيل الاجمال، ونقول: تماميتها موقوفة على تفرع وجوب
العمل بمطلق الظن على بقاء التكليف وسد باب العلم، وهو ممنوع. وما الدليل
على أنه عند بقاء التكليف وسد باب العلم يجب العمل بمطلق الظن؟
ألا ترى أن القاضي مكلف بالحكم بين المترافعين عنده، ولا سبيل له إلى
العلم بالواقع، ولم يكلف بالعمل بمطلق الظن، بل امر بالرجوع إلى العدلين، و
في بعض المواضع إلى أربعة عدول، وفي اخر إلى اليمين، وهكذا.

(1) مناهج الاحكام: 256 منهاج: في حجية الظن في الاحكام.
377

ألا ترى أنه لم يكلف بالعمل بالظن بموت مفقود بالخبر
ألا ترى أن جمعا من العلماء يقولون في زمان الغيبة بوجوب العمل بأخبار
الآحاد تعبدا.
ألا ترى أن جمعا غفيرا منهم يرجعون إلى الاحتياط عند عدم الدليل، و
هكذا.
على أني أسألك، وأقول لك: أيها العالم العامل بالظن، ما تقول في حق
مجتهد اتفق في موضع لم يتيسر له كتاب، ولا سبيل له إلى تحصيل ظن مطلقا، أو
في الأغلب، وبقي في ذلك الموضع مدة مديدة، أو في تمام عمره، فهل يسقط
تكليفه عن غير المعلومات أم لا؟
فان قلت بالسقوط، قلنا: أي مفسدة تترتب على السقوط في حق المتمكن
من الظن ولا تترتب في حق ذلك؟ وما الباعث على عدم السقوط عنه قبل علمه
بحجية الظن وسقط عن ذلك؟
وإن قلت بعدم السقوط، بل يجب عليه العمل بالتخيير أو الاحتياط أو
الأصل أو غيرها.
قلنا: لم لا يكون هذا الشخص المتمكن من المظنة كذلك أيضا؟ وما المفسدة
التي تترتب في حق هذا ولا تترتب في حق ذلك؟
لا أقول يعمل بواحد من هذه الطرق البتة، حتى تقول: ما الدليل على
وجوب عمله به؟ بل أقول: لم يجب عليه العمل بالظن دون أحد هذه الأمور؟ و
ما الضرر في العمل به؟ مع أن هذه الأمور مع الظن في احتمال جواز العمل في
مرتبة واحدة، بل يجري الكلام في حق جميع المجتهدين، فإنه لا يلزم حصول
الظن في كل واقعة البتة.
فنقول: ما تقول في مسألة سد فيها باب الظن أيضا، والمجتهد مكلف فيه بأي
شئ؟ لم لا يجوز أن يكون هو تكليفه في صورة انفتاح باب الظن أيضا؟
وأما ثانيا: فعلى سبيل التفصيل، ونقول: إذا كانت الاحكام باقية وسد
378

باب العلم، فتفرع وجوب العمل بمطلق الظن عليه، يتوقف على انتفاء احتمال
اخر، مع أن هاهنا احتمالات اخر أيضا، لا يتفرع وجوب العمل بمطلق الظن ما لم
يبطل جميع هذه الاحتمالات
الأول: العمل بالأصل
الثاني: بالاحتياط
الثالث: بالتخيير
الرابع: بالتوقف
الخامس: بأمارة تعبدا من غير ملاحظة إفادتها الظن أم لا، كما في أحكام
القضاة ونحوها
السادس: العمل بالظن المخصوص
وقد يظهر من فحاوي عبارات بعض مشايخنا - طاب ثراه - في كتابه الذي
صنفه في الأصول، وكان من القائلين بالعمل بالظن، تفطنه لبعض هذه
الاحتمالات، وكونه في مقام إبطاله، وأنا أذكره مع كل ما يحتمل أن يقال في
إبطال البواقي، وأبين الحال فيه
فيقال لابطال الأول وهو بناء العمل على الأصل في غير المعلومات: إنه
لا دليل قطعي على اعتبار الأصل مطلقا فيما كان الظن على خلاف الأصل، مع
أنه غير ممكن في كثير من الوقائع، لثبوت التكليف وكلية المكلف به، أو احتمال
كليته، مع أنه خلاف المقطوع به من سيرة العلماء، بل لا يجوزونه لو كان الحكم
مظنونا بالظنون الخاصة، على أن الاقتصار عليه يوجب الخروج عن الدين،
والانحراف عن طريقة الكل، وتأليف دين اخر.
الجواب: أما أولا، فكأنك زعمت انحصار الدليل القطعي في الشرعيات،
وعزلت العقل القاطع عن المحاكمة، ونسيت القبح والحسن العقليين، وغفلت
عن أنه إذا كان كذلك، فمن أين يثبت بقاء التكاليف، وعدم جواز التكليف بما
لا يطاق، وعدم جواز الترجيح بلا مرجح - الذي
هو أحد مقدمات هذا الدليل كما
379

يأتي - ووجوب العمل بالظن بعد سد باب العلم ونحو ذلك؟!
وإن لم تعزل العقل بالمرة، فكيف تقول: لا دليل قطعي على اعتبار الأصل و
لو كان الظن على خلافه فيما إذا لم يكن دليل قطعي على حجية الظن؟
وهل يكون دليل قطعي أتم وأحسن من أنا لو فرضنا أنفسنا واقفة عند الله
سبحانه في يوم الحشر ويسأل عنا: أنكم لم عملتم بأصل البراءة، وما حكمتم
باشتغال الذمة؟ فنجيب بأنا بذلنا جهدنا، وسعينا غاية السعي، ولم يحصل لنا
العلم باشتغال ذمتنا، وإن حصل لنا ظن، سعينا وبذلنا جهدنا، فلم يحصل لنا
العلم بوجوب العمل بهذا الظن، وكونه دليلا وحجة لنا، وكنا عالمين في حقك
أنك لا تكلف بما لا يعلم، ولا بشئ لم تنصب عليه دليلا، ومنه العمل بالمظنون.
هذا، مضافا إلى ما وصل إلينا من كتابك الكريم، والاخبار المنسوبة إلى
حججك من ذم العمل بالظن، والنهي عن التدين بما لا يعلم، وعدم اشتغال
الذمة في صورة عدم العلم، فلهذا عملنا بالأصل.
فما يقول الله سبحانه لنا؟ وهل يجوز عليه مؤاخذتنا وعذابنا لأجل ذلك؟
حاشا وكلا
وأما لو قال لك: أيها الرجل لم اتبعت ظنك، وجعلت ديني تابعا لظنك،
بل جعلت ظنك لك نبيا وإماما من دون حجة وبرهان؟ مع أني لم أكلف بمتابعة
نبي (أو إمام) 1 إلا مع معجزة أو كرامة وبراهين ساطعة، وأنت اتبعت ظنك
بلا حجة وسبب، مع احتمال كونه مخالفا لديني، ومع كثرة الإشارات في
كلامي على ذمه، فما جوابك عنه سبحانه؟
فان قلت: أجيب بأني أتيت، وعملت بكل ما ظننت أنه مطلوبك، و
تركت كل ما ظننت أنه مبغوضك، وهذا كان ديني، ولا شك أنه تقبح المؤاخذة
حينئذ.

(1) بدل ما بين القوسين في (ه‍): إذا قام.
380

قلنا: فان قال لك: كيف لم يحصل لك من الآيات الكثيرة في كتابي،
والاخبار المتعددة المتجاوزة عن المائة في كلام حججي، ومن تصريح
جماعة بالاجماع على حرمة العمل بالظن أو بغير العلم، ظن بعدم جواز
متابعة الظن؟ وحصل لك الظن بحكمي من الحاق الشئ بالأغلب، أو كون
التأسيس أولى من التأكيد، أو فتوى واحد مع عدم ظهور خلاف، أو إجماع
منقول واحد من الذي يدعي الاجماع على المتضادين كثيرا؟! لا أدري ما يكون
جوابك؟
سلمنا أنه يقبل عذرك ولا يؤاخذك، ولكن تكون مساويا في ذلك مع العامل
بالأصل كما مر. وعدم المؤاخذة ليس دليلا على تعيين العمل ووجوب
الانحصار. وكذلك لو عمل أحد بالاحتياط لا يؤاخذ به.
ولو كان عدم المؤاخذة دليلا على التعيين، لزم وجوب العمل بالظن قبل
البعثة أيضا، وهو خلاف الضرورة.
ثم نرجع إلى ابتداء الكلام، ونقول: سلمنا أن العقل معزول، وحكمه
غير مقبول، فهل ليست هذه الآيات والاخبار الغير المحصورة المشتملة على براءة
ذمة من لم يعلم الشغل بعد الفحص، مفيدة لحجية الأصل بعد الفحص؟
وإن لم يفد جميع هذه، القطع بالقدر المشترك، فأي واقعة تكون متواترة
معنوية؟
تأمل في نفسك؟ وعد وقائع حاتم ورستم التي تعلمها، وعد الآيات
والاخبار المصرحة ببراءة ذمة غير العالم بعد الفحص، وانظر أيهما أكثر؟ فانظر
هل يوجد لها معارض دال على أن مع الظن بالخلاف يحصل الشغل؟!
سلمنا عدم حصول العلم من جميع ذلك، فهل لا يكفي الاجماع القطعي؟
ولا شك أن العمل بالأصل عند عدم الدليل مجمع عليه
فان قلت: لا نسلم الاجماع في صورة الظن بالخلاف.
قلنا: مع ثبوت حجية هذا الظن على العامل أو مطلقا؟ إن أردت الأول،
381

فهو كذلك، ولكن المفروض عدم ثبوت حجية ظن بعد، وإن أردت الثاني،
ففساده ظاهر، إذ لا شك أنه لو وجد في مقام ظن لم يثبت حجيته لا يعتني به أحد
من العلماء، ويعمل بالأصل.
ألا ترى أن من لا يقول 1 بحجية الاجماع المنقول أو الشهرة، لو وجد أحدهما
في مورد يعمل بالأصل، فالعمل بالأصل - ولو مع وجود الظن على خلافه لمن
لم يثبت عنده حجية هذا الظن - إجماعي.
وأما ثانيا: فهو أنا سلمنا أنه لا دليل قطعي على اعتبار الأصل، ولكنك كنت
في مقام إبطال العمل به، وهو يستدعي الدليل القطعي على عدم اعتباره، وعدم
الدليل على الاعتبار لك غير مفيد، والخصم يقول بجواز العمل بالأصل، ويكفيه
الاحتمال، وعليك إثبات عدم الجواز
ولو لم يكن على الأصل دليل قطعي يكون كالظن، إذ بعد بقاء التكليف و
سد باب العلم، يكون هناك سبيلان: الأصل والظن، وكلاهما متساويان في
عدم الدليل، فلم يرجح الظن، وما الدليل على تعيين الظن أو فساد الأصل؟
وأما ما ذكره من عدم إمكان العلم بالأصل في كثير من الوقائع، لثبوت
التكليف كلية، أو إجمال المكلف به
ففيه: أنه ليت شعري، لم لا يمكن العمل بالأصل في الخصوصيات في مقام
ثبوت الكلية؟ وما الضرر فيه؟
وأما في مقام الاجمال، فالخلاف في أنه بعد إجمال المكلف به هل يسقط
التكليف أم لا معروف، والدليل على البقاء ليس إلا ظنيا، فلا وجه للحكم
القطعي بثبوت التكليف فيه، مع أن عدم إمكان العمل مع ثبوت التكليف فيه
ممنوع، إذ لو كان له قدر مشترك يعلم في الزائد عنه بالأصل، وإلا فيعمل في غير
الواحد، كما في الأواني المشتبهة.

(1) في (ب): من يقول.
382

وأما ما ذكره من أن في العمل بالأصل خروجا عن طريقة الكل، وانحرافا
عن سيرة العلماء، فقد مر جوابه
وملخصه: أن هؤلاء العلماء قد أثبتوا حجية ظنون مخصوصة، فحالهم
غير حالنا، ومع ذلك فالفساد في اتحاد السيرة دون اختلافها.
وليت شعري لم لا يضر خروج العامل بالظن عن سيرة أصحاب الأئمة،
التي هي سيرة الامام قطعا، لأجل اختلاف الحال من انفتاح باب العلم و
انسداده، ويضر الخروج عن سيرة العلماء، لأجل اختلاف الحال من ثبوت حجية
الظن المخصوص وعدمه، مع أن العمل بالأصل في غير المعلومات قبل ثبوت
حجية الظن عين سيرة العلماء، فان طريقة السيد وتابعيه جميعا العمل بالأصل
في غير المعلومات وإن اختلف معلوماتهم مع معلوماتنا في الزيادة والنقصان
وهذا لا يوجب الفساد، إذ لا شك أن عمل المجتهدين جميعا بالأصل ليس
على السواء، فان كثيرا من الأدلة يكون حجة لطائفة دون أخرى، وعمل الاخر
في موارده بالأصل.
وأما غير السيد، فالكل متفقون قطعا على أن في كل مورد لم يكن علم أو
لم تثبت حجية ظن فيه على شخص، يلزم عليه العمل فيه بالأصل، فقبل إثبات
حجية الظن يكون ترك الأصل خروجا عن سيرة العلماء، مع أنه - كما أشرنا إليه -
العمل بمطلق الظن خروج عن سيرتهم
وأما ما ذكره من أن في العمل بالأصل خروجا عن الدين، فقد عرفت جوابه
أيضا، مع أنه يحتمل أن يكون الحكم في غير المعلومات مطابقا لحكم الدين،
كمظنوناتك، إذ لاشك أنها أيضا محتملة لان تكون مخالفة لحكم الدين، وإلا
فتكون مقطوعات، فما يفعله العامل بالأصل يساوي ما يفعله العامل بالظن في
احتمال المطابقة والمخالفة، فكيف يكون أحدهما خروجا عن الدين، والاخر
دخولا فيه؟
نعم الفرق الذي بينهما، هو أن العامل بالظن يظن المطابقة.
383

ولا أدري لم صار مجرد ظن هذا المسكين سببا لخروج من يفعل غيره عن
الدين؟!
فان قيل: إن العمل بالأصل في كل مورد مورد وإن لم يكن خروجا عن
الدين، ولكن الجميع غير ما قرره الشارع يقينا.
قلنا: لا نسلم ذلك في حق مثل ذلك الشخص الذي لا دليل له، على أن مثله
يرد على العامل بالظن أيضا، إذ في كل مورد مورد وإن احتملت المطابقة، ولكنه
نعلم يقينا: أنه ليس جميع مظنونات هذا الواحد مطابقا لقول الامام، ولم تجر
العادة عليها، سيما أنه كثيرا ما يتبدل رأيه في مسائل كثيرة، ولم يكن كل ظنونه
في وقت مطابقا، ولا يرد عليه نقض
ثم إنه يقال لابطال الثاني، أي الاحتياط: إنه لا دليل قطعيا على وجوبه، بل
ما يدل عليه لا يفيد سوى الظن، وهو في المقام غير مفيد.
مع أنه لا يمكن في الأغلب، كما إذا دار الأمر بين الوجوب والحرمة، أو بين
شرطية شئ وشرطية عدمه، بل في دوران الامر بين الاستحباب وعدمه لأجل
تفاوت النية
مع منافاته لما اشتهر من وجوب الاجتهاد أو التقليد.
مع أن الاحتياط إنما يتحقق إذا أتى بما يحصل به القطع بالواقع من جميع
الجهات، ولا ريب أنه في العبادات المركبة لا يحصل إلا إذا أتى بجميع
المحتملات، ولا شك أنه يستلزم العسر والحرج، والقول بوجوبه إلى أن يؤدي
إليهما وعدمه بعده يصفح في الأمور التدريجية، وأما ما شأن المجتهد فيه الاجتهاد
والعمل، فليس من هذا القبيل، لاجتماع جملة منها في آن، بل لا يمكن خلو
المكلف في أن من تكاليف كثيرة، لا أنه في الان الأول مكلف بشئ، وفي الثاني
باخر، حتى يحتاط إلى أن يؤدي إلى العسر، مع أن حد العسر والحرج، ليس مما
يعلمه كل أحد، حتى يصح الحوالة عليه في جميع الأحكام وإن صح في قليل
من الوقائع
384

وبالجملة: إيجاب الله سبحانه الاحتياط إما تكليف بالمحال، أو إيقاع في
العسر والحرج، نعم لا إشكال في حسنه وإمكانه بقدر الامكان.
هذا كله، مضافا إلى إجماع العلماء على عدم تعين الاحتياط فيما يحصل
الظن به.
أقول الجواب: أما عن أن الاحتياط لا دليل قطعيا له، فبأنه مسلم، ولكن
الخصم يحتاج إلى دليل قطعي، بل يكفيه الاحتمال، ولا أدري أن أي دليل
قطعي على العمل بالظن مع أنه سلم واعترف بوجود الدليل الظني عليه 1، وهو
كاف للخصم، لأنه يقول بعد بقاء التكليف، وانسداد باب العلم: إما يجب
العمل بالظن، أو الاحتياط، وعلى التقديرين، يثبت المطلوب، أما على الثاني:
فواضح، وأما على الأول: فلظنية وجوب الاحتياط، فيكون وجوب الاحتياط
على ذلك قطعيا.
وأما عن قوله: بأن الاحتياط غير ممكن غالبا، فمع أن قيد الغالب غلط، إذ
الموارد الغير الممكن فيها الاحتياط نادرة جدا: فبأنه لا أدري ما ضرر عدم الامكان
في بعض الموارد؟ فان العمل بالظن أيضا لا يتيسر في كثير من الموارد، إما لأجل
عدم حصول ظن، أو لحصول ظن لا يجوز العمل به إجماعا، كظن القياسي و
نحوه، فما تفعله أنت في مثل تلك الموارد؟ للخصم أن يقول: إني أفعله في
موارد عدم إمكان الاحتياط.
والملخص: أنه كما أن بناءك في العمل بالظن مقيد بحال الوجود والامكان،
كذلك بناء خصمك في العمل بالاحتياط
وأما عما قال: من أنه مناف لما اشتهر من وجوب الاجتهاد أو التقليد: فبأنه
مناقض مع ما صرح به أخيرا من قطعية استحباب الاحتياط بقدر الامكان، مع أن ما
قال: إنه مشهور، ليس كذلك، بل المشهور أن الناس ثلاثة أصناف: مجتهد، و

(1) أي: على الاحتياط.
385

مقلد، ومحتاط.
وأما عن سائر ما ذكره من لزوم العسر والحرج:
أما أولا: فبأنه قد اعترف باستحباب الاحتياط، ورجحانه بقدر الامكان،
والاجماع منعقد بوجوب كل راجح بالنذر وشبهه، فلو نذر أحد الاحتياط، فما
تقول في حقه؟ فنحن أيضا نقول بمثله في حق المجتهد.
فان قلت: لا ينعقد ذلك النذر، خالفت الاجماع، وان قلت: ينعقد، و
يجب الاحتياط، ولا ضرر فيه، فقل مثله في حق المجتهد.
وإن أوجبته عليه إلى موضع معين، فأوجبه أيضا في حق المجتهد، ويعمل
في الباقي بمثل موارد عدم إمكان الاحتياط
هذا، مع أن جمعا كثيرا من العلماء أوجبوا الاحتياط فيما لا نص فيه، ولا يرد
عليهم نقض، فافرض مثله ما لا يعلم حكمه.
وأما ثانيا: فبأن العسر والحرج إن بلغا حد التكليف بمالا يطاق، فلا شك في
سقوط التكليف معه، كما أن العمل بالظن أيضا كذلك، ومثل ذلك المورد معين
لكل أحد
وإذا بلغ حد عدم الامكان، يسقط العمل بالاحتياط.
وإن لم يبلغا هذا الحد، لا دليل على انتفائهما إلا بعض العمومات الظنية
المخصصة بألف تخصيص، فغايته لزومها، وما الضرر فيه؟ فكما أنك تخصص
عمومات النهي عن العمل بالظن بصورة انفتاح باب العلم، فخصص هذه
العمومات بها، وما الذي يجوز التخصيص الأول، دون ذلك؟
وضع رأسك على ركبتيك ساعة، ولاحظ عمومات نفي العسر والحرج، ثم
العمومات الناهية عن العمل بالظن، وانظر أيهما أكثر وأصرح؟ فكيف توجب
الأولى رفع الاحتياط، ولا توجب الثانية رفع العمل بالظن، ولم يجوز تخصيص
الثانية دون الأولى؟
فان قلت: انتفاء العسر والحرج إجماعي.
386

قلنا: لا نسلم حتى في صورة بقاء شغل الذمة، وانسداد طريق التعيين، مع
أن في تعيين معنى العسر والحرج وقدرهما ألف كلام، ومنهم من خصصهما بما
لا يطاق، ومنهم من خصصهما بغير التكليفات، ومنهم من قال باجمالهما و
سقوط الاستدلال بهما، والتمسك بمثل ذلك في المقام من الغرائب
والعجائب 1
وأما ثالثا: فبأن من الأمور المقطوع بها بالاجماع - وباعتراف الخصم -
استحباب الاحتياط، فهذا الذي يقول الكل باستحبابه، لم لا يمكن أن يكون
واجبا؟ وما الضرر فيه؟ وليت شعري ما السبب في أن استحبابه جائز، بل واقع،
ووجوبه ممتنع؟!
فان قلت: لزوم العسر والحرج إنما هو على الوجوب دون الاستحباب
قلنا: لا شك أن بعض الأمور في نفسه معسور، سواء كان واجبا أو مستحبا
أو مباحا، كتحمل الوجع الشديد، والصعود على الجبل الرفيع، والثابت من
الأدلة أن الله لا يريد العسر، ولا شك أن المستحب مراده سبحانه، فلو ندب
المعسور لإرادة.
والملخص: أن ما ينفي العسر والحرج ينفيه في الواجبات والمستحبات، فما
يجاب في المجمع عليه، والمدلول عليه بالعقل والنقل من حسن الاحتياط و
رجحانه مطلقا، يجاب به بعينه في القول بتعينه ووجوبه بقدر الامكان
وأما رابعا: فلأنا نقول: إن أمثال هذه الاشكالات لو وردت فإنما ترد لو
أوجبنا على المجتهد تحصيل قاعدة كلية جارية في جميع الموارد أولا، وليت
شعري ما الضرورة في ذلك؟! بل نقول: إن كل مسألة مسألة ترد على المجتهد
يجب عليه الفحص فيها، فان وجد دليلا علميا فهو، والا فان أمكن فيه الاحتياط
مطلقا، أو بدون عسر، يعمل به، وإلا فيعمل بالظن مثلا.

(1) راجع كلمات القوم، عائدة 19 في بيان قاعدة العسر والحرج
387

أو نقول: إن لم يوجد دليل علمي، فان أمكن الاحتياط ولم يوجد ظني،
يعمل بالاحتياط، وإن كان الامر بالعكس يعمل بالظن مثلا، وإن وجد الأمران
يجوز وجوب العمل بكل منهما، وأي دليل على تعين الظن
فإذا وردت عليه مسألة غسل مخرج البول، ولا دليل علميا فيها، يفتي
بوجوب المرتين، أعني: لم لا يفتي بذلك ويجب الافتاء بمقتضى ظنه مثلا؟ و
هكذا في جميع المسائل، وما الضرر فيه، وما الدليل على فساده؟ بل ولم يجب
إبداء القاعدة أولا؟
بل نقول: لو عرض على المنصف أنه: وردت علي مسألة، وأنا مردد فيها
بين الحكم بالاحتياط الذي قال جمع بوجوبه، والباقون برجحانه، والاخبار
متطابقة على رجحانه، وبين الحكم بالمظنون الذي قال غير نادر بحرمته، والآيات
والاخبار متطابقة على النهي عنه، ولابد من العمل بأحدهما، يحكم بتعين
الاحتياط
وأما قوله: مضافا إلى إجماع العلماء، فهو ممنوع غايته، ومن أين علم ذلك
الاجماع مع استدلال كثير من القدماء - كالسيد والشيخ وأضرابهما - بوجوب
بعض الأمور أو حرمته بالاحتياط؟!
ويقال لابطال الثالث، وهو التخيير في كل ما يحتمل أن يكون حكم الله
سبحانه، من الأقوال المختلف فيها في غير المعلومات من الوقائع: إن التخيير في
جميع المسائل أو أكثرها مما انعقد الاجماع على بطلانه، وذهب الكل إلي تعين
المدرك وإن اختلفوا فيه، والتخيير الذي قالوا به إنما هو في تعارض الامارتين، بل
هو موجب للهرج والمرج.
ولو لم يسلم ذلك الاجماع، لم يثبت إجماع في مسألة فروعية أصلا.
الجواب: لا أفهم المراد من انعقاد الاجماع على بطلان التخيير في الوقائع
التي لا يعلم حكمها، وحجية الدليل الظني لم تثبت بعد.
فان كان مرادك: أن الفقهاء صرحوا ببطلان التخيير، وهبتك قول كل
388

الفقهاء، عين لي فقيها يعتبر قوله، وأرني عبارة فقيه يقول: التخيير في المسائل
الغير العلمية وغير المظنونة بظن غير ثابت الحجية باطل، مع أن الأكثر صرحوا
بثبوت التخيير في هذه الصورة.
وإن كان مرادك: أن الفقهاء لم يقولوا بالتخيير، بل كل أحد اختار قولا
معينا، فان أردت في جميع المسائل حتى المسائل التي ليس لهم فيها مرجح علمي
أو ظني ثابت الحجية لاحد الأقوال، فهو غلط واضح، ورب مسائل كثيرة قالوا
فيها بالتخيير، لعدم الترجيح.
وإن أردت أكثر المسائل، فهو مسلم، ولكنه لوجود دليل ثابت الحجية لهم،
فليس حال من ليس له هذا الدليل كحالهم، فعدم قولهم بالتخيير لا يكون إجماعا
على عدم جواز القول بالتخيير لغيرهم.
والملخص: أنه إن أردت الاجماع على بطلان التخيير في حقهم، فهو
مسلم، وإن أردت في حقنا، فهو ممنوع. وعدم قول أحد منهم بالتخيير غير ضائر
لنا.
ألا ترى أن الإمام عليه السلام حكم بالتخيير في حق من تعارضت له الأدلة، مع أن
حكم المعصوم للمشافهين كان واحدا من المدلولات.
وألا ترى السيد في الذريعة، والشيخ في العدة 1، وجمع آخر 2 صرحوا
بأنه لو أجمعت الأمة في مسألة على قولين أو أكثر، ولا يعلم أن الحق أي منهما
يجب أن يحكم بالتخيير، مع أنه لا شك أن قول جميع الأمة في هذه المسألة غير
التخيير.
بل لنا أن ندعي الاجماع على أنه: إن علمنا ثبوت التكليف في مسألة، ولم
نعلم حكمها، ولا نظن بظن ثابت الحجية، فحكمه إما العمل بالأصل أو
التخيير.

(1) مر في ص 374 فراجع.
(2) مر في ص 374 فراجع.
389

ومن عجائب الأحوال أنك تقول: إنه ليست حجية الاجماع إلا لكشفه عن
قول المعصوم، وتعلم قطعا عند تعارض الامارتين الشرعيتين: أن قول المعصوم
ليس إلا واحد منهما معينا، دون التخيير، ومع ذلك حكم المعصوم في حق من
لا يترجح أحدهما عنده بالتخيير.
فلم لم يجز 1 التخيير في سائر الوقائع التي لا يفهم حكمها؟ وإن لم يقل به
فيها غيره من العلماء
وأعجب منه وأغرب، أنه يقول: إن القول بالتخيير موجب للهرج والمرج
أيها المسكين لو كان في عصر مجتهدون ومتعددون، اختار كل منهم في هذه
الوقائع قولا، أليس العوام مخيرين في اختيار كل من هذه الأقوال؟
بل على القول بجواز تقليد الأموات أليس الكل في كل هذه الوقائع مخيرين
في الاخذ بما أرادوا من هذه الأقوال المختلفة، لا سيما على القول بجواز الرجوع
عن التقليد، فكيف لا يلزم حينئذ هرج ومرج، ولو قلنا بهذا التخيير بعينه لعدم
ثبوت حجية دليل بعينه، يلزم الهرج والمرج؟! مع أنه لا ضرر في أن يكون التخيير
لهذا المجتهد خاصة، وما اختاره من الاحتمالات يفتي به لسائر الناس
وأعجب من ذلك أيضا وأغرب، أنه قال: لو لم يثبت ذلك الاجماع، لم
يثبت إجماع في مسألة، فإنه لا كلام لاحد هنا في ثبوت الاجماع، ولكن نقول
إنه يثبت تارة بالاجماع أن الامام حكم بهذا الحكم المعين، ويكون الاجماع حينئذ
دليلا على هذا الحكم المعين، وأخرى أن الامام حكم بأحد هذين الحكمين معينا،
ولكن لا يعلم بعينه، وفائدة الاجماع حينئذ أنه لا يمكن التجاوز عن هذين
الحكمين، ويحدث قولا ثالثا، ولكن لا يلزم أن يؤخذ بأحد الحكمين معينا البتة، و
لذا ترى بناء الفقهاء في مثل هذه الموارد على التخيير، بل قال الامام بنفسه: إنك
في مثل ذلك مخير، مع أنه كان حكمي معينا.

(1) في (ج): يجر.
390

فان قلت: إن لازم تعين حكم الامام عدم التخيير، فهو إجماع على حكم
معين، هو عدم التخيير
قلنا: لو كان كذلك يلزم تناقض حكم الامام بالتخيير عند تعارض الامارتين و
اختلاف الحديثين، لأنه قال بأحدهما معينا، ولازمه الحكم بعدم التخيير، وهو
يناقض التخيير، فيلزم بطلان التخيير مطلقا، إلا فيما كان الامام فيه مخيرا أيضا،
وهو خلاف المجمع عليه
وحله: أن لازم تعيين الحكم عند شخص عدم التخيير له لا مطلقا، فلازم
تعين الحكم عند الامام عدم تخييره، لا عدم تخيير من لم يتعين له الحكم.
ويقال لابطال الرابع، وهو التوقف: إنه إما أن يكون في العمل أو في
الافتاء.
أما الأول: فلا معنى له من حيث هو، لعدم خلو المكلف من حيث الفعل أو
الترك، ولا ريب في بطلانه من حيث إنه مقرر من الشارع، لان كل مكلف لابد له
من بناء عمله في كل واقعة على حكم
وأما الثاني: فلا مفر منه في الافتاء بالحكم العلمي الواقعي، ولا شك في
بطلانه في الحكم الظني الواقعي والعلمي الظاهري، لان مرجعه إلى نفي
وجوب الافتاء، وهو باطل، لاستلزامه الهرج والمرج، ومخالف للاجماع، و
لذا قيل بوجوبه عينا عند الانحصار، وكفاية عند التعدد.
فان قلت: توقف الأصحاب في كثير من المسائل
قلنا: توقفهم إنما هو في الحكم الواقعي، بمعنى عدم العلم به أو الظن،
والعمل والافتاء فيه إنما هو على حسب الأصول الكلية.
الجواب: أما أولا: فبمنع بطلان التوقف في العمل من حيث إن العمل مقرر
من الشارع. وكون كل أحد مكلف ببناء عمله في كل واقعة على حكم، كلام
سخيف لغو، لا أدري أن في جميع الأمور المرددة بين المستحب والمباح، لو لم
يرجع أحد إلى دليله، ولم يبن عمله على أحد الطرفين، وكان متوقفا في حكم
391

الشارع، فأي إثم عليه، وأي مؤاخذة عليه؟ ومن قال: إنه مكلف البتة أن يبني
عمله على أحد الطرفين؟
وكذلك جميع الأمور المرددة بين والمباح والمستحب والمكروه، بل في جميع
الأمور المرددة بين الحرام وواحد من هذه الأحكام، لو توقف في الحكم، ولكن
تركه لا من جهة أنه حكم الشارع، بل للرجحان العقلي، أي ذنب صدر منه؟ و
لم يجب عليه البناء على الحكم المعين؟
ولو كلف كل أحد بذلك، لزم فسق جميع الفقهاء الأطياب، وكونهم
تاركين للواجب، إذ ليس أحد منهم لم يتوقف في مسائل عديدة.
والعذر الذي ذكره لتوقفهم، والمعنى الذي فسره، لا معنى له كما يأتي.
وأما ثانيا: فبمنع بطلان التوقف في الافتاء في الحكم الظني الواقعي
والعلمي الظاهري، وبطلان نفي وجوب الافتاء ممنوع، وما الدليل على وجوب
الافتاء في كل واقعة على كل مجتهد؟ ومن أين ثبت الاجماع عليه؟ وما ترى من
عدم توقفهم فإنما هو لثبوت حجية دليل ظني لهم، أو وجود دليل علمي.
وما يقولون من أن الاجتهاد واجب أما عينا أو كفاية، فهو أمر اخر لا دخل له
بتلك المقدمة، إذ لا شك من لزوم وجود مجتهد يميز بين المعلومات النظرية، وغير
المعلومات، ويفتي في المعلومات، ويتفحص ويبذل جهده في غيرها في أنه
هل يوجد ظن مخصوص، أو مطلق الظن، أو أمارة ثابتة الحجية أولا، فان كان،
فيفتي بمقتضاه، فان لزوم الافتاء في المعلومات ولزوم الفحص في غيرها من
البديهيات، وتلك المرحلة غير وجوب وجود شخص يفتي في جميع الوقائع.
وأما ما قال: من أنه لولا مثل ذلك الشخص، لزم الهرج والمرج، ليت
شعري أنه لو لم يفت أحد في المستحبات، والمكروهات، وكثير من العبادات و
متعلقاتها، وتوقفوا فيها كيف يلزم ذلك؟
إن قلت: يفرض الكلام في الأمور الواجبة، ويتم المطلوب بعدم الفصل.
قلنا: الالتجاء بالاجماع المركب في أمثال هذه المقامات، كتشبث الغريق
392

بلحيته، ليس ذلك مقام يثبت فيه قول المعصوم بأمثال تلك المزخرفات، مع أن
خصمك لا يرد دليلك بالاحتمالات (المقررة) 1 خاصة، بل يجوز (الترك) 2 لها
أيضا، وعليك إبطاله.
فنقول 3: بعد انسداد باب العلم، ما الضرر في التوقف في مقام لم يثبت فيه
وجوب الافتاء والعمل بالظن أو التخيير 4 أو غيرهما في مقام ثبت فيه؟ فلا يثبت
وجوب العمل بالظن على الاطلاق.
وأما ما حمل عليه توقف الأصحاب في كثير من المسائل، فكلام لا محصل
له، إذ من لم يعلم الواقع بخصوصة، ولم يظنه، فمع تلك الحال: أما قرر
الشارع له حكما واقعيا أم لا، فان لم يقرر، فهو اعتراف بانتفاء الحكم، والعمل
والافتاء فيه بحسب الأصول الكلية غلط
وان قرر، وهو الذي يستنبط من الأصول الكلية، فلا يكون ذلك الشخص
متوقفا في حكمه، فلم يقول: أنا متوقف؟
إن قلت: إن مرادهم انتفاء العلم والظن بخصوص واقع المورد.
قلنا: فيلزم أن يتلقى بالتوقف في جميع الموارد التي تعارضت فيها الأدلة،
ولا مرجح، إذ ليس له ظن بواقعة مخصوصة 5، ويحكمون بالتخيير من باب
القواعد الكلية للجاهل بالواقع، مع أنهم ينسبون التوقف في هذا المقام إلى
الاخباري، ويردون عليه، وكذلك كثير من مواضع جريان الأصل من المواضع
التي لا علم بواقعها ولا الظن، ويحكمون بالأصل، ولا يظهرون التوقف
ويقال لابطال الخامس، أي العمل بالظن المخصوص: إنه إن أريد من

(1) في - ج): المفردة.
(2) في (ب)، (ج): التركيب.
(3) في (ج): يقول.
(4) في (ج)، (ب) الخبر.
(5) في (ه‍): بواقعة بخصوصه.
393

خصوصيته: كونه 1 هذا الفرد من الظن 2 وإن لم يكن دليل على حجيته، فهو
ترجيح بلا مرجح، وبطلانه بديهي
وإن أريد منها: خصوصيته من حيث ثبوت الحجية، والمفروض انتفاء ظن
كذائي، أي معلوم الحجية، والا لم يكن باب العلم منسدا
ودعوى معلومية حجية بعض أفراد الأدلة الشرعية مجازفة، ولو ثبت،
فلا يثبت حجية شئ يفي بجميع الاحكام المعلوم بقاؤها
الجواب: بعد مقدمة، هي أنه لا شك في أن العلم في نفسه حجة، ولا حاجة
في حجيته إلى دليل، ولذلك لا فرق بين أنواع العلوم في الحجية، ولا مخالف
في حجية علم.
بخلاف الظن، فإنه بنفسه ليس بحجة، وحجيته موقوفة على وجود دليل
عليه، وكثير من الظنون ليس بحجة، كالظن القياسي والفالي، وظن القاضي
الحاصل من شاهد واحد، أو من مجرد قول المدعي، أو من بعض القرائن، و
لذلك يحتاج المستدل في هذا المقام إلى الدليل، وتفرع حجية الظن على بقاء
الاحكام، وانسداد باب العلم، وإبطال الاحتمالات، فعلى المحقق أن ينظر في
أن المتفرع والثابت منها بعد التسليم: حجية مطلق الظن، أو حجية ظن من
الظنون، أي الظن في الجملة.
لا شك أن مدلولها ليس حجية كل ظن، أو الظن من حيث هو، إذ ليس
ملازمة عقلية أو شرعية أو عادية بين هذه المقدمات، وبين العمل بكل ظن، أو
الظن من حيث هو
ولأجل ذلك لو فرضنا أن أحدا يتشرف بخدمة امام الزمان (عليه السلام)، ويقول له:
إن الاحكام باقية في زمان غيبتك، وينسد باب العلم إليها، وكل احتمال غير
الظن باطل، فما الحجة لنا؟ وأجاب هو عليه السلام: أن اعمل بالظن الفلاني، كالخبري

(1) أي: كون الظن المخصوص أو الحجة.
(2) في (ج): من خصوصية كون هذا المفروض من الظن.
394

أو الشهرة، لا يلزم منه فساد.
فالثابت من هذه المقدمات على فرض التسليم ليس الا حجية ظن من
الظنون، أي الظن في الجملة.
وإذ علمت هذه المقدمة، نقول في جواب ما قال:
أولا: إنه ليس مراد خصمك أنه يجب أن تعمل بظن مخصوص، حتى
تعترض بأن الخصوصية من حيث فردية الظن أو ثبوت الحجية، بل مراده أن
دليلك إنما يتم لو أبطلت احتمال العمل ببعض الظنون دون بعض، وأثبت
وجوب العمل بكل ظن.
والملخص: أن مفاد دليلك ليس الا حجية ظن، فلم أنت تعمل بكل ظن؟
فان قلت: حجية الظن في الجملة من دون تعيين البعض أو الكل لا يترتب
عليها فائدة، إذ لا يمكن العمل بشئ غير معين.
قلنا: غرض خصمك أيضا أن ذلك الدليل لا يترتب عليه فائدة، ولا يثبت منه
إلا حجية الظن في الجملة، وأنت محتاج في تعيين ذلك الظن إلى دليل اخر، و
لم ينزل وحي في أنه يجب ترتب الفائدة على ما ثبت من ذلك الدليل.
ألا ترى أنه لو ثبت من الاجماع وجوب العمل بظن، ولم يعلم تعيين المجمع
عليه، لا يعمل بشئ منها.
وثانيا: إنا نقول: إن للخصم أن يختار شقا ثالثا، وهو العمل بالظن المظنون
الحجية، أي يختار أن خصوصية هذا الظن من جهة الظن بالحجية، ويعلم بالظن
المظنون الحجية، فيختار أن خصوصية الظن من جهة الظن بالحجية، ولا شك أنه
لا يلزم حينئذ الترجيح بلا مرجح.
قيل: المراد من الترجيح هنا هو: التعيين والتلبس باعتبار أن المتلبس به هو
لازم الاتباع دون غيره، ولا شك أن الترجيح بهذا المعنى عين الاستدلال، فيكون
الترجيح بواسطة الظن بالحجية استدلالا بالظن على تعيين هذا الظن المظنون
الحجية للعمل دون غيره، ولا شك أن هذا لا يتم إلا على ثبوت حجية خصوص
395

هذا الظن، أو القول بحجية الظن، والأول لم يثبت، فتعين الثاني، فلا يتم هذا
الجواب الا على القول بأصالة حجية كل ظن
ولا يخفى أن هذا القائل خلط بين ترجيح الشئ وتعيينه، ولم يفهم الفرق
بينهما.
ونحن لبيان المطلب نقدم أولا مقدمة، ثم نجيب عن كلامه.
وهي: أنه لا ريب في بطلان الترجيح بلا مرجح، فإنه مما يحكم بقبحه العقل
والعرف والعادة، بل يقولون بامتناعه الذاتي كالترجيح وبلا مرجح
والمراد بالترجيح بلا مرجح، هو: الكون مع أحد الطرفين، والميل إليه،
والاخذ به من غير مرجح وإن لم يحكم بتعيينه وجوبا، وأما الحكم بذلك فهو
أمر اخر وراء ذلك
ولنوضح ذلك بأمثلة، فنقول: إذا أرسل سلطان مثلا عبدا إلى بلد، وقرر له
أحكاما وطلبها منه، ولم يعلم ذلك العبد تلك الأحكام، ولكن أخبره عادل بأنه
طلب منه إكرام زيد وعمرو وبكر وخالد، من غير نفي أحكام اخر، واخر، بأنه
طلب منه بناء دار ومسجد وقنطرة ورباط من دون نفي الغير وثالث، بأنه
طلب منه كتابة مصحف وكتاب وديوان كذلك، ولم يكن له بد من العمل
بأقوال هؤلاء وكلا أو بعضا، ولكن لم يعلم أن أحكامه هل هي ما أخبر به الجميع
أو واحد أو اثنين، فان كان الجميع متساوين من جميع الوجوه، فلو عمل بقول
واحد معين منهم من حيث هو قوله كان ترجيحا بلا مرجح، وموردا للقبح
ولكن لو كان الظن الحاصل من قول أحدهم أقوى، أو ضم معه مكتوب
متضمن للاخذ بقوله من السلطان أو الوزير من غير أن يفيد العلم، ولا أن يكون
دليل على حجية ذلك المكتوب، فلو اخذ بقوله وعمل به، لم يلزم ترجيح بلا
مرجح، ولا قبح فيه عقلا ولا عرفا، نعم لا يجوز له الحكم بأن الواجب أخذه عليه
هو ذلك الا مع حجة عليه.
ومن هذا القبيل: لو حضر طعامان عند أحد، أحدهما ألذ من الاخر، فلو
396

أكل هذا الشخص الألذ، لم يرتكب ترجيحا بلا مرجح، وإن لم يلزم أكل الألذ،
ولكن لو حكم بلزوم أكله، لابد من تحقق دليل عليه، ولا يكفي مجرد الألذية،
نعم لو كان أحدهما مضرا، يصح له الحكم باللزوم.
ومن ذلك القبيل أيضا من أراد السفر إلى بلد كان له طريقان متساويان من
جميع الوجوه، ولكن سافر بعض أحبابه من أحدهما، فلو اختار هو أيضا السفر
من ذلك الطريق، لم يرتكب ترجيحا بلا مرجح، ولكن لو حكم بتعيين هذا
الطريق للسلوك احتاج إلى دليل.
وبالجملة جميع الموارد كذلك، والحكم بلا دليل غير الترجيح بلا مرجح، و
شتان ما بينهما، فالمرجح غير الدليل، والأول يكون في مقام الميل والعمل،
والثاني في مقام التصديق والحكم.
وإذ عرفت تلك المقدمة، نقول: ليس مراد المورد أنه يجب العمل بالظن
المظنون حجيته 1، وأنه الظن الذي يجب العمل به بعد سد باب العلم، بل
غرضه أن بعد ما يلزم على المكلف - ببقاء التكاليف وانسداد باب العلم - العمل
بظن 2 في الجملة، ولا يعلم أنه أي ظن لو عمل بالظن المظنون حجيته - كما أن
المسافر يسلك السبيل الذي سلكه رفقاؤه - ما الضرر فيه، وأي نقص يلزم عليه؟
فان قلت: هو ترجيح بلا مرجح، فغلطت غلطا ظاهرا وان كان غيره فبينه
حتى ننظر
وثالثا: نقول: إنه يجب العمل بالظن المظنون الحجية، لأنه كما أنك تقول
يجب علينا في كل واقعة البناء على حكم، ولعدم كونه معلوما يجب في تعيينه
العمل بالظن، ولا يلزم ترجيح بلا مرجح، مع أن تعيينك ليس الا بالظن، فكذا
نقول: إنه بعد ما وجب علينا العمل بظن، ولم نعلم تعيينه، يجب علينا في
تعيين هذا الظن العمل بالظن، وكيف لا يلزم في الأول ترجيح بلا مرجح، و

(1) في (ج) الحجية.
(2) في (ب): بالظن.
397

يصح الترجيح بالظن، ويلزم في الثاني، ولا يصح؟! ولعمري إن هذا الشئ
عجاب!!
وبتقرير اخر: إن تقول: إن سد باب العلم وبقاء الاحكام، وبطلان سائر
الاحتمالات المذكورة بنفسها موجبة للعمل بكل ظن، وأصالة حجيته، فبين لنا
الملازمة حتى نستفيد منك
وان تقل: إنها موجبة للعمل بالظن في الجملة، ولكنه غير معين لنا بالطريق
العلمي، فان لم يكن سد باب العلم مستلزما للعمل بالظن 1، فلم أخذته في
أصل دليلك؟ وإن كان، ففي هذا المقام أيضا كلفنا بالعمل بظن من
الظنون، وباب العلم به منسد فاعمل فيه أيضا بالظن، واحكم بحجية كل ظن
كان دليل ظني على حجيته، وهو الأخبار الواردة في الكتب المعتبرة من
أصحابنا، التي دلت الشهرة والاجماع المنقول ومفهوم الكتاب ومنطوق
الأحاديث الغير المحصورة والقرائن المتكثرة على حجيتها، كما بيناه
مفصلا في شرح تجريد الأصول، والمناهج 2، وأساس الاحكام، ومفتاح
الاحكام
فان قلت: الدليل الظني على حجية الاخبار لا ينفي حجية ظن آخر
قلنا: نعم، ولكن لا يكون حينئذ دليل على حجية ظن اخر، إذ بعد ثبوت
وجوب العمل بظن مظنون الحجية ينفتح باب الاحكام، ولا يجري دليلك في ظن
اخر، ويبقى تحت أصالة عدم الحجية.
ورابعا: أنه لو فرضنا عدم المرجح، فاللازم منه التخيير بين الظنون، لا العمل
بكل ظن
فان قلت: لم يقل أحد بالتخيير بين الظنون

(1) في هذه العبارة كلام مطوي ومقدر وهو: إن لم يكن لنا طريق علمي نرجع إلى الطريق الظني
بمقتضى انسداد باب العلم، فان...
(2) مناهج الاحكام: 256، المقصد الخامس في الاجتهاد والتقليد، منهاج: في حجية الظن في الاحكام.
398

قلنا: لم ينسد باب العلم أو حجية الظن المخصوص لأحد أيضا 1، فيتفاوت
حالنا مع حال الغير، ورب مسألة رجح فيها غيرنا أحد الطرفين، وسد طريق
الترجيح للاحق له، وقال فيها بالتخيير.
بل نسألك: أنه لو تعارض عندك دليلان في حكم، ولم يتم عندك الترجيح
الذي رجح به غيرك، فما عملك فيها؟ فهل تتوقف مع أنك قلت بوجوب الافتاء
في كل مسألة، أو تعمل فيها بأصل لم يعمل به فيها غيرك، أو تعمل فيها
بالتخيير، كما هو مختار المجتهدين عند التعارض؟ فكذا فيما نحن فيه
فان قلت: العمل بالتخيير بين الظنون يوجب الهرج والمرج.
قلت: ليت شعري لماذا يلزم ذلك؟ فان المراد من التخيير بين الظنون أن كل
مجتهد يختار للعمل أي ظن شاء، كالظن الحاصل من الخبر، أو الشهرة، أو
غيرهما، وكيف إذا اختار كل واحد ظنا لأجل دليل لا يلزم الهرج والمرج، وإذا
اختاره لأجل التخيير يلزم ذلك! مع أنه لا فرق الا في باعث الاختيار
وتتمة تفصيل الكلام في ذلك الاحتمال، تطلب من كتبنا الأصولية
المبسوطة.
ويقال لابطال السادس: أي العمل بامارة مخصوصة من غير ملاحظة
إفادتها الظن وعدمها: ما قيل في إبطال خامس الاحتمالات، من أنه إن أريد من
خصوصيتها كونها هذه الامارة، فهو ترجيح بلا مرجح، وان أريد من حيث ثبوت
الحجية، فالمفروض انتفاؤه
الجواب: نظير ما مر في الظن المخصوص، فنقول: المراد من خصوصية كونه
مظنون الحجية إلى اخر الكلام، ولما أحطت بما ذكرنا، تعلم عدم بطلان هذه
الاحتمالات، ومع ذلك لا تكون الكبرى تامة، كما أن الصغرى أيضا كانت غير
تامة، وحال الدليل الذي لا تتم كبراه ولا صغراه معلومة.

(1) أي: من السابقين.
399

ويرد عليه اعتراضات كثيرة ذكرنا أكثرها في سائر كتبنا لا يهم ذكرها حيث إن
ما ذكرناه يكفي لطالب الحق
إلا أن ها هنا اعتراضا اخر يجب ذكره، وهو أنه لو أغمضنا النظر عن فساد
مقدمات ذلك الدليل نصول على نتيجته التي هي قولك: فيجب العمل بالظن، و
نقول: هل مرادك والمستنتج من مقدماتك وجوب العمل وحجية كل ظن، سواء
دل دليل قطعي على المنع من العمل به أولا، أو المراد وجوب العمل بكل ظن لم
يكن على المنع عنه دليل قطعي، سواء دل دليل ظني على المنع من العمل به،
أولا، أو المراد وجوب العمل بكل ظن لم يكن دليل قطعي ولا ظني من العمل به؟
ظاهر أن المراد ليس الأول، بل أحد الأخيرين، فان كان المراد الاحتمال
الثاني، أي وجوب العمل بكل ظن ليس دليل قطعي على المنع عن العمل به وان
كان دليل ظني عليه، يرد عليه مفاسد:
المفسدة الأولى: أنه على هذا لو دل دليل ظني على المنع من العمل بظن،
كآية النبأ الدالة على القول بحجية مفهوم الوصف على المنع من العمل بخبر
الفاسق، بل غير العادل على المشهور من أصالة الفسق، وكالاخبار الواردة في
المنع عن العمل بالاخبار العامية، وعن العمل بالروايات المخالفة لعموم الكتاب.
وكالشهرة على المنع عن العمل بالشهرة، وغير ذلك، فيجب عليك أن
تعمل بالظن الممنوع منه، ولا تلتفت إلى دليل المنع، مع أنك لا تعمل كذلك
بل لو قلت بتمامية دلالة آية النبأ ترد خبر الفاسق، وكذا الروايات العامية
وإن كابرت أو جهلت أو تجاهلت، وقلت: أعمل بهذا الظن الممنوع منه
ظنا، ولا أعتني بدليل المنع.
قلنا: دليل المنع أيضا كان ظنيا، وأنت قلت: إن كل ظن ليس دليل قطعي
على بطلانه أعمل به، فما الدليل القطعي على بطلان هذا الدليل الظني؟
فان قلت: الدليل العام على حجية كل ظن لا دليل قطعيا على بطلانه دليل
قطعي على بطلان هذا الدليل الظني، كآية النبأ مثلا، إذ الدليل العام يدل على
400

وجوب قبول خبر الفاسق الظني، والآية على منعه، والدليل العام قطعي
معارض مع الآية، فهو دليل قطعي على المنع من العمل بالآية
قلنا: دلالة الدليل العام على حجية خبر الفاسق والآية على السواء، ونسبته
إليهما واحدة، فلم لا تقول: إن خبر الفاسق ممنوع من العمل به بالدليل القطعي
الذي هو آية النبأ، حيث إنها صارت بواسطة الدليل العام قطعية العمل؟ ولو
اخترت ذلك وقلت به، يرد الاعتراض من الطرف الآخر
والملخص: أنه ان كان المراد أنه يجب العمل بكل ظن لم يكن دليل قطعي
على المنع منه وان منع عنه دليل ظني، يلزم عليك أن تترك الدليل الظني الذي
لا دليل قطعيا على بطلانه، إذ لو دل دليل ظني على بطلان ظن لا تأخذ به، مع
أنه لا دليل على بطلانه أصلا، ونسبة الدليل العام إلى المانع والممنوع منه على
السواء.
المفسدة الثانية: أنه لو تمت دلالة مثل آية النبأ على المنع من قبول خبر الفاسق
الظني، أو الاخبار على المنع من قبول الروايات العامية ولو أفادت الظن، أو
الموافقة للعامة، هل تدعي القطع بوجوب قبول خير الفاسق والروايات العامية،
أو لا، بل تظن ذلك؟
فان ادعيت القطع فأنت كاذب، ونفسك بكذبك عالم، وان ادعيت الظن،
فلا أدري كيف تثبت حجية الظن بالظن!؟
المفسدة الثالثة: أن تفريعك وجوب العمل بالظن على بقاء الحكم، وسد
باب العلم، هل هو لسبب ومنشأ، أو لا، بل لا دليل عليه؟ فان كان الثاني، فأصل تفريعك فاسد باطل.
وإن كان له سبب، فلاحظ أنه هل يجري في الظن الذي دل دليل ظني على
بطلانه أيضا أم لا؟
والسبب الذي يتصور ادعاؤه أمران: أحدهما الاجماع، وثانيهما: حكم
العقل وجريان العادة.
401

أما الاجماع: فعدم ثبوته في صورة وجود الدليل الظني على المنع واضح.
وأما حكم العقل: فتجعل عقلك حاكما، ونسألك: لو أن مولى طلب من
عبد له في بلدة بعيدة أمورا، ونسيها، ولم يمكن تحصيل العلم، وكان طلب
المولى باقيا، ولكن وصل كتاب من المولى مفيد للظن أن المطلوب هي الأمور
الفلانية، وأخبر زيد أن المطلوب أمور اخر، وهي هذه، وحصل الظن من كل
منهما، ولكن وصل كتاب اخر من المولى، أو أخبر عادل من قبل المولى: أنك
لا تعمل بالخبر الخالي عن الكتاب، فهل يحكم عقلك حينئذ أيضا بوجوب العمل
بخبر زيد؟
فان قلت: يحكم، فأنت مكابر صرف
المفسدة الرابعة: أن في المنازعات والمرافعات والوقائع الحادثة لو رجعوا إلى
مجتهد، فهل يلزم عليه الافتاء أم لا؟ تحكم باللزوم ألبتة، فإنه أول دعواك 1
ثم نقول: إنه لو علم الحاكم بالواقع، فعلى المشهور بل المجمع عليه بين
الامامية، يحكم بمقتضى الواقع
ولو انسد باب علمه بالواقع، فبمقتضى استدلالك واختيارك يجب عليه
العمل بظنه بالواقع، إلا ظن دل دليل قطعي على المنع منه، ويلزم منه أنه لو
حصل الظن من قول المدعي، أو الشاهد الواحد مع يمين المدعي، أو الشاهدين
في ما يلزم فيه الأربعة، أو شهادة الفاسقين، أو من بعض القرائن، تحكم
بمقتضاه، ولو دل دليل ظني - كخبر صحيح أو أخبار صحيحة أو إجماعات
منقولة أو شهرة عظيمة - أن في الموضع الفلاني يلزم العدلان، أو أربعة عدول،
أو لا يكفي اليمين مع شهادة النساء، أو لا تسمع شهادة الفساق، وكذا في تعيين
العادل وكيفية شهادة الشهود، ومسائل اليمين، وتأخذ ظنك بالواقع إلا فيما
كان فيه إجماع قطعي 2.

(1) يعني: أول دعاويك.
(2) أي: إجماع قطعي على عدم جواز الاخذ به.
402

فلو وقع الخلاف في أن في الامر الفلاني هل يكفي الرجل الواحد والمرأة؟ و
دلت أخبار صحيحة بل مشهورة على عدم الكفاية، يلزم عليك أن لا تلتفت إلى
تلك الأخبار، وتأخذ بقولهما المفيد للظن بالواقع، إذ لا ترفع يدك عن ظنك
بواسطة الدليل الظني، مع أنك لا تفعل كذلك، ولو فعلت، يلزمك أن لا تعمل
بالأدلة الظنية في أكثر المسائل الخلافية من المحاكمات، بل في غير المحاكمات
أيضا
مثلا لو علمنا بوصول النجاسة إلى الثوب، يحكم فيه بوجوب غسله، ولو
سد باب العلم بالنجاسة والطهارة في موضع، وحصل الظن بوصول البول إليه
بقول عادل أو فاسق أو أمارة، فمقتضى هذا الاستدلال وجوب العمل بهذا
الظن ولو دل الاستصحاب أو الخبر الصحيح على عدم قبوله، وكذلك في كثير
من أبواب النجاسات والطهارات وغيرها.
فان قلت: هذه الظنون ليست ظنا بالحكم الشرعي، والكلام ومقتضى
الدليل إنما هو في الظن بالحكم الشرعي
قلنا: لو علمت 1 بالواقع تكون عالما بالحكم الشرعي، فالظن بالواقع بعينه
هو الظن بالحكم الشرعي، كما أن علمك بما جاء به النبي (ص) علم بحكمك
الشرعي، وفي الظن به تدعي الظن بحكمك الشرعي
فان قلت: الظن بالواقع هنا لا يستلزم الظن بالحكم الشرعي
قلنا: بل هو عين الظن به، مع أنه يجري ذلك بعينه في الظن بما جاء به النبي
صلى الله عليه وآله وسلم، إذ الظن به لا يستلزم الظن بحكمك، وسيأتي نوع بيان لذلك.
فان قلت: لما لم يعمل أحد من العلماء في هذه المواضع بظنه في الواقع مع
وجود الدليل الظني على المنع منه، فلذلك لا نعمل أيضا.
قلنا: فطرح الظن الذي منع عنه الدليل الظني إجماعي، فكيف قلت أعمل

(1) في (ب): عملت.
403

بظن لا دليل قطعيا على المنع منه؟
فان قلت: لما أثبتنا حجية تلك الظنون، فإنها تكون أدلة قطعية.
قلنا: كان كلامنا أولا معك في ذلك أيضا، وكنت تقول: لما أثبتنا حجية
الظن بالواقع، فلا نأخذ بهذا الظن، فلم صارت القضية بالعكس حينئذ؟ وأيضا
أنت أثبت حجية الظن بالواقع قطعا، فلم تتركه؟ وأيضا أنت أثبت حجية كل
ظن، فكيف تأخذ بدليل ظني ظن المنع منه؟
فان قلت: لو دل دليل ظني على المنع من العمل بظن، لا يبقى الظنان معا،
بل يتعارضان، ويبقى الأقوى منهما
قلنا: ذلك من غرائب الأقوال، فإنه لو شهد عندك ثلاثة عدول من العلماء
الصلحاء بأن رأينا زيدا يزني بهند، وشاهدناه كالميل في المكحلة، فلا يحصل لك
الظن بزناء زيد، من جهة أن الشارع نهى عن العمل بشهادة ثلاثة شهود في الزنا؟
ولو كان كذلك، فما معنى اللوث في القسامة؟ وكذا ما معنى ما يقوله
الفقهاء في كثير من المواضع: إنه يشترط فيه العلم، ولا يعتبر الظن، فإنه يرتفع
الظن؟
ويلزمك أنك إذا قلت باشتراط مضي العمر الطبيعي في الحكم بموت
الغائب، لا يحصل لك الظن بموته أبدا، بل كنت أبدا إما عالما بحياته أو بموته. و
إذا لاحظت آية النبأ لم يحصل لك الظن من خبر الفاسق أبدا، ومن لا يقول
بحجية الشهرة لا يحصل له منها الظن، وفساد ذلك أظهر من الشمس وأبين من
الأمس.
وإن كان المراد الاحتمال الثالث، أي حجية كل ظن لم يكن على المنع منه
دليل مطلقا، لا قطعي ولا ظني، يلزم منه عدم حجية ظن لم يكن على حجيته
بخصوصه دليل، إذ الآيات الكثيرة، والأخبار العديدة، والاجماعات المنقولة
صريحة في عدم حجية الظن، كما ذكرناها في كتبنا المبسوطة، وهذه أدلة ظنية
على عدم حجية كل ظن، خرج من تحتها ما خرج بالدليل العلمي، فيبقى الباقي.
404

فان قلت: لا يحصل منها الظن.
قلنا: كيف يحصل لك في غير ذلك الموضع - من إجماع منقول واحد، أو
شهرة، أو آية واحدة، أو خبر واحد، أقول من يقول: التأسيس أولى من
التأكيد - الظن، وتحكم بمقتضاه، ولا يحصل من جميع هذه الآيات والاخبار
والاجماعات المنقولة والشهرة العظيمة، مع عدم مانع لها؟ إن هذا لشئ
عجاب!!
فان قيل: المانع منها موجود، وهو دليل حجية كل ظن
قلنا: أنت اعترفت بان الثابت منه حجية ظن لم يكن دليل ظني أيضا على
المنع منه، وهي أدلة ظنية على المنع، فلا تعارض بينها وبين ذلك الدليل
الا ترى أنه لا يعارض قوله عليه السلام: (كل شئ طاهر حتى تعلم أنه قذر) مع
دليل نجاسة شئ مطلقا، ولو قال: (كل شئ طاهر) كان يعارض مع كل دليل
نجاسة، فلو كان مقتضى دليلك أن كل ظن حجة، كان معارضا، ولكنك قلت:
إن مقتضاه أن كل ظن حجة حتى يدل دليل علمي أو ظني على عدم حجيته.
فان قيل: الدليل القطعي على عدم حجية تلك الآيات، والاخبار،
والاجماعات موجود، وهو أنه يلزم من حجيتها عدم حجيتها، لأنها أيضا لا تفيد
أزيد من الظن.
قلنا أولا: إن الظاهر والمتبادر من أمثال ذلك الكلام إرادة غيره، ألا ترى أنه
لو قال مولى لعبده: أن لا تعمل بشئ مما امرك به اليوم، يفهم منه كل أحد (إرادة)
غير ذلك الكلام، وكذلك العبد، ولا يعمل بأمر اخر.
وثانيا: إنا سلمنا شمولها لأنفسها أيضا، ولكن نقول: إنه إذا كان هناك عام دل
دليل قطعي على بطلان عمومه، تتركه بالمرة، أو تقتصر على ما أخرجه الدليل؟.
فان قلت: نتركه بالمرة، فأنت كاذب قطعا، لان العام المخصص حجة عندك،
وإلا لم يكن لك حجة من كتاب أو سنة، إذ ما من عام إلا وقد خص
وإن قلت: أقتصر على قدر أخرجه الدليل.
405

فنقول: لا شك أنه لو خصت تلك الآيات والاخبار بغير أنفسها، كانت
صحيحة، ولا يلزم عليها نقض، ولو شملت أنفسها يلزم من جواز العمل بها
عدمه، فالعمل بعمومها غير ممكن قطعا، ولكن أي مانع في العمل بها في غير
أنفسها، وما الدليل القطعي أو الظني على بطلانها فيه؟ وذلك بين جدا.
ولما كان أصل ذلك الاعتراض مما ذكرته في كتبي المبسوطة، تصدى بعض
الطلبة لذكر جواب له فقال:
إن مقتضى هذا الدليل - أي دليل الانسداد -: حجية الظن الذي لم يقم على
عدم حجيته دليل قطعي، ولا ظني قائم مقامه، ولا ظني أقوى منه أو مساو له من
حيث الاندراج تحت هذا الدليل، لا من حيث قوة الظن، فان مقتضى الدليل
ذلك، لان بطلان الترجيح بلا مرجح من مقدماته، ومقتضاه تساوي الظنون - في
نظرنا - من حيث تجويز الشارع العمل بها، والمنع منها، ولو كان ظن مانعا عن
ظن، فلو علم المنع من الشارع في خصوص ظن، أو ظن ذلك بظن قائم مقام
العلم، فلا ريب في عدم التساوي، ولو ظن بظن غير مخصوص، أي غير
قائم مقام العلم بدليل مخصوص، فكذلك، لحصول التعارض
والحاصل: أن دليل حجية الظن خاص بالظن الذي لم يقم على عدم حجيته
دليل علمي أو ظني مخصوص، أو مندرج تحت دليل حجية الظن، والآيات
والأخبار الدالة على عدم حجية مطلق الظن غير مفيدة للعلم، وليست ظنونا
مخصوصة ثابتة حجيتها بخصوصها بالقياس إلى حرمة العمل في زمان الانسداد
على القول بخصوصيتها، فضلا على القول بعدم المخصوصية مطلقا، وليس دليل
الانسداد أيضا مقتضيا لحجيتها بالنسبة إلى الظن بالأحكام الشرعية، لعدم شمول
المقدمات لها.
أقول: محصلة أنا نختار حجية كل ظن لم يكن على المنع من العمل به حجة
قطعية، أو ظنية ثابتة الحجية بالخصوص، أو بدليل الانسداد، وشئ من الآيات
والأخبار الناهية عن العمل بالظن لا يفيد القطع، وليس ثابت الحجية
406

بالخصوص، ولا بدليل الانسداد، إذ لا تشملها مقدماته.
وفساده في غاية الظهور، أما أولا: فلان ذلك الجواب لم يفد لرفع المفسدة
الرابعة، بل جعلها مستحكمة، لأنه لو حصل من قول عادل واحد ظن باشتغال
ذمة زيد لعمرو، ودل خبر صحيح على المنع من العمل بشهادة الواحد، فعلى
قولك يجب عليك تركهما معا لحصول التعارض، لاندراجهما معا تحت دليل
الانسداد، لان كليهما ظن بالحكم الشرعي، فان الظن بالاشتغال ظن بوجوب
تحصيل البراءة، وهذا حكم شرعي، والظن بحصول الطلاق ظن بحرمة الوطء،
والظن بصدور الجرح ظن بتعليق الدية، وهكذا.
وأما ثانيا: فلانه ما السبب في عدم اقتضاء دليل الانسداد حجية الآيات،
والأخبار الناهية عن العمل بالظن بالنسبة إلى الأحكام الشرعية؟ بل ليست مسألة
جواز العمل بخبر الواحد أو الشهرة أو الاجماع المنقول مثلا أو عدمه واقعة من
الوقائع، ولله سبحانه فيها حكم أم لا؟
إن قلت: لا، فخالفت قولك بأن لله في كل شئ حكما يجب الافتاء به.
ولو سألك سائل: إن الله سبحانه، هل أوجب العمل بالخبر الواحد، أو
مطلق الظن في الأحكام الشرعية؟ تجيب بأنه ليس لله سبحانه في ذلك حكم
ولو لم يكن له فيه حكم فما تريد إثباته من دليل الانسداد.
وإن قلت: إن له فيها حكما، نقول: هل حكمه فيها معلوم مع قطع النظر
عن دليل الانسداد أم لا؟
إن قلت: إنه معلوم، فاعترفت بانفتاح باب العلم، ويفسد أصل دليلك،
فان الظن المنتهي إلى العلم علم، مع أنا نطالبك وجه العلم، بل يكون حينئذ من
باب نعم الوفاق، فإنا نقول: بمعلومية حجية الاخبار، ومعلومية عدم حجية مثل
الشهرة، والاجماع المنقول
وإن قلت: ليس بمعلوم، فيجب عليك فيها العمل بالظن، بمقتضى دليل
الانسداد.
407

وبين لي أن أي فرق بين أن يدل خبر أو أخبار على أن الاستصحاب حجة في
الأحكام الشرعية أو الأصل في مقام عدم الدليل، أو أن الخبر الموافق للعامة ليس
حجة، أو تدل الآيات والاخبار على أن الظن في الأحكام الشرعية حجة، أم لا،
أو يدل عمومها على أن الاخبار، أو الشهرة، أو الاجماع المنقول، ليس بحجة؟
بل أي فرق بين أن تدل اية أو خبر أو إجماع منقول على عدم جواز عمل
المكلف بمثل الشهرة، أو الخبر، أو مطلق الظن في إثبات الاحكام، أو يدل على
عدم جواز عمله به في إثبات حقوق الناس، وأحكام المرافعات، وأبواب
الطهارات والنجاسات؟
وكيف يندرج بعضها تحت دليل الانسداد، ولا يندرج بعض اخر؟ وأي
مقدمة من مقدمات دليل الانسداد يجري في أحدهما دون الاخر؟
ولا يخفى أن أصل ذلك الاعتراض لا يختص وروده على دليل الانسداد، بل
يرد على كل دليل يقام على حجية مطلق الظن، بل أصله دليل محكم على عدم
إمكان حجية مطلق الظن، كما لا يخفى على الفطن الخبير.
ثم نختم الكلام في هذا الدليل باعتراض اخر واضح السبيل، وهو أن من
البديهيات أن بقاء التكاليف والاحكام موقوف على فتح باب العلم بها، أو ثبوت
وجوب الاخذ بأمارة أو ظن: أي فتح باب ثبوت دليلها.
أي يجب إما أن يعلم نفس تلك الأحكام، أو يثبت لنا مأخذ ودليل لها، ولما
فرض سد باب العلم، فبقاؤها موقوف على حجية دليل لنا، إذ من الضروريات
أن التكليف بأحكام غير معلومة بنفسها، ولا ثبوت حجية دليل عليها تكليف بما
لا يطاق، ولذا اتفقوا على سقوط الاحكام عمن لم يتمكن من تحصيلها، كمن
وقع في بادية، أو في قرية في أقصى العالم.
وبالجملة: توقف ثبوت بقاء التكاليف بعد سد باب العلم على ثبوت حجية
دليل عليها من بديهيات العقل، ولا شك أن ثبوت حجية الظن بهذا الدليل
موقوف على ثبوت بقاء التكليف أيضا، إذ لولاه لما ثبت، وهذا دور واضح،
408

لا شك فيه الدليل الثاني: من أدلة القائلين بحجية كل ظن: أنه لو لم يجب العمل بالظن، لزم
ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح، فيجب ترجيح الراجح، الذي هو
المظنون، وهو المطلوب 1.
ويرد عليه وجوه كثيره من الاعتراضات ذكرناها في كتبنا 2، ونقتصر هنا على
وجهين يكفيان لطالب الحق.
الوجه الأول: أن أي ضرورة في الترجيح حتى يلزم ترجيح المرجوح؟
وتوضيحه: أنه لو وجب ترجيح أحد الطرفين، ويلزم ترجيح ألبتة،
فلا يجوز ترجيح المرجوح، وأما لو لم يجب ذلك، ولم يرتكب الترجيح،
فلا يلزم ترجيح مرجوح.
فان قلت: الترجيح لازم بوجوب الافتاء في كل مسألة.
قلنا: لم؟ ولماذا يلزم الافتاء؟ وما الدليل عليه؟ وقد مر تفصيله.
الوجه الثاني: أن وجوب ترجيح الراجح، وقبح ترجيح المرجوح عند
وجوب الترجيح، يستند عندك إلى دليل شرعي، والى حكم الشارع، أو
لأجل حكم العقل بذلك؟
فان كان مستندك فيه الدليل الشرعي، فوجوده ممنوع، وليت شعري أي دليل
شرعي يدل عليه؟!
وإن كان الدليل العقلي، كما هو كذلك، فيجب أن يكون التخلف عنه
محالا، مع أنا نشاهد أن كثيرا من علمائنا الاعلام نفى حجية بعض الظنون، كظن
الشهرة، أو الحاصل من الاجماع المنقول، أو من الاستقراء، لأجل عدم دليل

(1) ذكر هذا الدليل في الفصول: 286، والقوانين 1: 443
(2) مناهج الاحكام: 260 منهاج: في حجية الظن في الاحكام
409

على حجيته، ولم يصر موردا للقبح والمذمة أصلا، ولم يقبحه أحد، فمن أين لو
تركت مظنونك تصير للقبح موردا؟!
بل نقول: هذا كيف قبيح عقلي وقد أمر الشارع الحكيم بارتكابه في
موارد عديدة؟! منها الظن الحاصل من القياس، فأمر بتركه، ومنع عن العمل
بالراجح.
وتصدى بعض الطلبة في ذلك المقام لرد كلامي هذا بعدما رآه كلاما عجيبا،
قال: نمنع حصول الظن من القياس ونحوه بكون مقتضاه حكم الله بالنسبة إلى
من دل الدليل القطعي على حرمة عمله به، وان كان الحكم الواقعي مظنونا
بواسطته، فمثل القياس والأدلة المانعة من العمل به، كمثل قول الطبيب العالم
الرؤوف العادل، إذا قال: إن المقدار الكذائي من هذا السم مقتض لهلاك شاربه،
مع قوله لشخص: اشربه، فكما أن من قوله الأول يحصل الظن بهلاك هذا
المأمور بشربه، ومن قوله الثاني يرتفع ذلك الظن، ويكشف أمره بالشرب
بضميمة عدم إرادة إهلاكه عن كون مزاجه غير سائر الأمزجة، أو إخباره برفع
أذيته عنه، لقدرته على ذلك، فكذلك القياس، والأدلة المانعة 1
أقول أولا: إنه إن كان غرضك أن من القياس - مع قطع النظر عن منع
الشارع - لا يحصل الظن بحكم الله، فأي ضرورة في ذلك الطول والتفصيل؟ بل
يكفيه أن يقول: لم يكن يحصل الظن من القياس أبدا، وظاهر أن ذلك مما لا يقول
به أحد، وحصول الظن بالواقع من كثير من أفراد القياس بديهي.
وإن كان غرضه أن مع ملاحظة منع الشارع لا يحصل الظن منه، فلا مضايقة
فيه، ولكنا لم نقل: لم لا تعمل بالقياس، حتى تجيب بذلك، بل قلنا: إنه لو كان
ترك المظنون قبيحا، لم أمر الشارع به في القياس، ومنع عن العمل بالراجح؟ و
كلامنا على منع الشارع لا على عدم علمك.

(1): لم نعثر على قائله.
410

والملخص: أن معنى نهي الشارع عن العمل بالظن القياسي: أن لا تأخذ
بالراجح عندك من هذه الجهة، واتركه وخذ بمرجوحه، فان كان عدم الاخذ
بالراجح قبيحا عقليا، فكيف أمر الشارع بمثله في بدو الأمر؟!
وثانيا: نقول: إن المثال الذي ذكره موجب للضحك لأهل الفطانة، وذلك
لأنا نفهم من ملاحظة القولين المذكورين من الطبيب المذكور: أن قوله الأول لم
يكن عاما، ولم يكن السم مهلكا لكل شارب، فان كنت تفهم من ملاحظة الأدلة
المانعة عن العمل بالقياس أن أخذ كل راجح عند المكلف ليس بواجب، وترك
كل مرجوح ليس بلازم، وعكسهما ليس بقبيح.
بل إن كان له عموم يجوز تخصيصه، فهذا قبح عقلي عجيب، ووجوب
عقلي غريب، يقبل التخصيص، والقبيح العقلي الكذائي من أعجب
العجائب.
فان قلت: الراجح الذي يصاحبه المنع من الاخذ لا يؤخذ.
قلنا: قد ذكرنا أن كلامنا ليس في عملك، بل في المنع عن الاخذ، حيث إن
للشارع أن يخصص العام، وليس له مخالفة حكم العقل.
وثالثا: إنك قلت: حكم الله الواقعي مظنون من جهة القياس، فهل
يحصل من ظن الشهرة أو الاجماع المنقول مثلا غير الظن بالحكم الواقعي، فما
الباعث على قبح ترك ذلك ووجوب ترك هذا؟
فان قلت: لأجل أمر الشارع بالترك
قلنا: إن لم يكن أمره، فهل كان تركه قبيحا أم لا؟
فان قلت: لا، فأبطلت دعواك.
وإن قلت: نعم، قلنا: فأمر الشارع بالقبيح إذ قبل أمره كان ذلك الترك
قبيحا، وأمر الشارع به، وإن صح ذلك، فأنه يجري في جميع القبائح العقلية من
الكذب، والظلم، والتكليف بما لا يطاق وغيرها، فكل ما كان من ظواهر الشرع
مطابقا لواحد منها يجب إبقاؤه على حاله، ويقال: لولا قول الشارع لكان
411

قبيحا، ولما وجد قوله ارتفع القبح.
ورابعا: نقول: سلمنا لك ما قلته في القياس، ولكن لنا معك كلاما اخر، و
هو أنه لو أخبرك شخص - كان عندك في غاية الوثوق والاعتماد، والعلم
والفضل - عن مشاهدة موت زيد، بحيث يحصل لك الظن بموته، وطلبت
زوجته منك التزويج بالغير، فهل تجوزه أو تمنع منه؟
وكذا إن ادعى فاسق متقلب - رأيت التقلب منه مرارا - على مثل الشخص
المذكور درهما أقرضه إياه، وأجاب هو بالرد بالأمس، وأقام عدلا واحدا عليه
شاهدا أيضا، وأنت حكمت للشاهد الاخر باليمين، فقال ذلك العالم: لا أحلف
بالله لدرهم واحد، فلا شك أن المظنون صدق ذلك الشخص العادل المتقي، و
ذلك بديهي، بل مشاهد
فنقول: حينئذ إنه لا يجوز لك ترك الحكم، لأنك تقول بوجوب الافتاء في
كل واقعة، سيما في مثل تلك الواقعة التي حكمها واضح ظاهر، فهل تأخذ بما
هو مظنون وراجح عندك، أو تأخذ بالموهوم وتترك الراجح؟
فان قلت: آخذ بمظنوني، فأنت كاذب.
وإن قلت: أترك الراجح، واخذ بالموهوم، فعلى زعمك ارتكبت القبيح،
وهو عندك غير جائز.
وإن قلت: أترك الراجح عندي بأمر الشارع.
قلت: هل يجوز الشارع ترك الراجح ولا يقول بقبحه، أو لا يجوزه و
يقبحه؟
إن قلت: إنه لا يقول بقبحه، فلم أنت تقول بقبحه؟ وإن يقول بقبحه، فلم
ارتكبت بنفسه؟.
وخامسا: نقول هل القران كلام الله أم لا؟ لا شك أنك تقول: نعم.
ثم نقول: هل الآيات الناهية عن العمل بالمظنون عموما أو خصوصا صريحا
أو فحوى من القران أم لا؟ لا محالة تقول: نعم.
412

فنقول: هل المظنون راجح أم لا؟ لا ريب أنك تقول: نعم
فالله سبحانه نهى عن العمل بالراجح، وأمر بتركه.
ثم نقول: هل تعتقد قبح ترك الراجح عقلا أم لا؟ إن قلت: لا، يثبت
المطلوب، وإن قلت: نعم، فتقول: إن الله سبحانه ارتكب القبيح، وهو
كفر!!
وبعبارة أخرى: أيها القائل بأن الظن هو الراجح، وأنه يقبح ترك الراجح،
ما تقول في قوله عز شأنه: (ولا تقف ما ليس لك به علم) 1 و (إن هم إلا
يظنون) 2 و (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) 3 وقول أمير المؤمنين عليه السلام في نهج
البلاغة: (وا عجباه، ومالي لا أعجب من خطأ هذه الفرق) إلى أن قال: (تروى
ظنونهم بعرى وثيقات وأسباب محكمات) 4
وقوله عليه السلام: (من عمي نفى الذكر واتبع الظن) 5.
وقول الصادق عليه السلام: (من شك أو ظن، فأقام على أحدهما، فقد حبط
عمله) 6 فهل أمروا بترك الراجح أم لا؟.
إن قلت: لا، فقد كذبت
وإن قلت: نعم، قلنا: فهل يقبح الامر بترك الراجح أم لا؟ فان قلت: لا،
فقد خالفت قولك، وكذبت نفسك. وإن قلت: نعم، فقد كفرت.
فان قلت: العقل يحكم بقبح ترك كل مظنون لم يأمر الشارع بتركه.

(1) الاسراء 17: 36.
(2) البقرة 2: 78
(3) النجم 53: 28.
(4) نهج البلاغة (صبحي صالح): 121 / 88، نهج البلاغة بشرح محمد عبده: 156. ولكن فيه: كأن
كل امرئ منهم إمام نفسه قد أخذ منها فيما يرى بعرى ثقات وأسباب محكمات. وليس فيه ذكر
الظنون.
(5) الكافي 2: 391 / 1.
(6) الكافي 2: 400 / 8.
413

قلنا: أولا: إن الشارع أمر بترك كل مظنون - كما عرفت - فلا يحكم العقل
بقبح ترك مظنون أصلا
وثانيا: إن قبل نزول هذه الآيات، وصدور تلك الروايات لم يكن أمر من
الشارع، فهل كان العقل يحكم بقبح ترك المظنون أم لا؟ إن قلت: لا، كذبت
نفسك، وإن قلت: نعم، فكيف أمر الشارع به؟ (انظر كيف نبين لهم الآيات ثم
انظر أنى يؤفكون) 1
الدليل الثالث: من أدلة القائلين بحجية الظن مطلقا: أن في مخالفة ما ظنه
المجتهد حكم الله مظنة الضرر، ودفع الضرر والمظنون واجب
أما المقدمة الأولى: فلأنه لو حصل الظن بوجوب شئ، يحصل الظن
باستحقاق تاركه العقاب، إذ هو معنى الوجوب، وإذا حصل الظن بالحرمة
يحصل الظن باستحقاق فاعله العقاب، ولأجل أنه معنى الحرمة.
وإذا حصل الظن باستحقاق العقاب، يحصل الظن بترتبه، لان المظنون أن
بعد وجود المقتضي، وعدم الظن بالمانع، يترتب عليه مقتضاه لأجل الظن بعدم
المانع، للأصل، بل آيات الوعيد وأخباره، مثل قوله سبحانه: (ومن يعص الله
ورسوله فان له نار جهنم) 2 يدل على ترتب العقاب على العصيان، ومقتضاها
الظن بترتب العقاب
فعلى هذا لو خالف مجتهد مظنونه، يظن المؤاخذة على المخالفة، وكذلك
على ترك الافتاء بمقتضاه، للاجماع على اتحاد حكم المقلد والمجتهد.
وذلك وان اختص بالواجبات والمحرمات، ولكن يجري في غيرهما بعدم
القول بالفصل.
وأما المقدمة الثانية: فبحكم العقل، بل قال بعض بوجوب دفع الضرر

(1) المائدة 5: 75
(2) الجن 72: 23.
414

المحتمل، بل الموهوم 1، كما هو في الأمور المعاشية مشاهد محسوس.
ويرد على هذا الدليل اعتراضات كثيرة ذكرناها في كتبنا، وذكرها هنا يفضي
إلى الاطناب، ونكتفي هنا بذكر بحثين واضحين كافيين لطالب الحق:
الاعتراض الأول: أن في مخالفة المجتهد لمظنونه لا مظنة للضرر أصلا، وما
السبب في حصول تلك المظنة؟
وأما ما ذكره من أن في ظن الوجوب ظنا باستحقاق العقاب، لأنه معنى
الوجوب، فهو كلام واه فاسد ناشئ عن الاشتباه، وعدم الفرق بين تعريف
الشئ بحده، وتعريفه بلازمه.
ومعنى الايجاب - كما صرحوا به - معنى يعبر عنه بالطلب الحتمي للفعل و
إلزامه، ألا ترى أنهم يقولون: الايجاب هو طلب الفعل مع المنع من النقيض، و
ألا ترى أنهم يقولون: الامر الذي هو طلب الفعل للوجوب
وبالجملة من المعلومات: أن معنى الايجاب هو طلب الفعل الحتمي:
والالزام والوجوب: مطلوبية فعل الشئ حتما.
نعم لما رأى بعضهم أن استحقاق العقاب على الترك أو خوف العقاب عليه
لازم وجوب الشئ، فعرفه بلازمه، فاستحقاق العقاب أو ترتبه من لوازم
الوجوب أو الايجاب، لا عين معناه.
وإذ عرفت أنهما من لوازمه، فتأمل حينئذ في نفسك، وانظر في أنهما هل
من لوازم نفس الوجوب، أو لوازم العلم أو الظن به؟
فان قلت: من لوازم نفس الوجوب
نقول: بأي لزوم؟ فهل اللزوم عقلي أو شرعي أو عادي؟ وأي منها يحكم
بأنه لو أوجب الشارع أو المولى أمرا على رعيته أو عبده، ولم يصل إليه الامر
بعد، يستحق العقاب على تركه؟ مع أنه لا يقول أحد بذلك، ولا دليل على تلك

(1) كما في نهاية الأصول 2: 417، وقوانين الأصول 2: 447.
415

الملازمة أصلا، بل تراهم صرحوا بأن العذاب على ما لم يعلم قبيح، وإن قلت:
إنه من لوازم فهم الوجوب علما أو ظنا، نمنعه أيضا، وما لم يثبت حجية الظن
لا يحكم عقل ولا شرع ولا عرف ولا عادة بترتب استحقاق العقاب على ترك
واجب، بل الامر على العكس، والعقل والعادة يحكمان بلزوم عدم
الاستحقاق
ألا ترى أنه لو سألك الله عز شأنه في يوم القيامة: أنك لم ما امتثلت الامر
الفلاني؟ واعتذرت أنت بقولك: إني ما كنت عالما بوجوبه، وكلما تفحصت لم
أجد دليلا على وجوب متابعة ظني، لم يجز له أن يعاقبك
فان قلت: أما ترى أنهم قالوا في التعريف باللازم: إن الواجب ما يستحق
تاركه العقاب، ولم يقيدوه بقيد ظن، ولا علم.
قلنا أولا: إنه لم يعرف بذلك الا شرذمة قليلة، والآخرون أوردوا 1 عليه
بأبحاث غير محصورة.
وثانيا: إنك إن ترى ذلك، فانظر إلى كلام اخر منهم، حيث يقولون: إن
مؤاخذة جاهل الحكم الغير المقصر قبيحة، فيعلم أن مرادهم إنما هو ما يستحق
تاركه مع العلم أو التقصير، والمؤاخذة في صورة التقصير أيضا إنما هي على
التقصير خاصة
وثالثا: إن كثيرا منهم صرحوا بأن معنى الواجب هو: ما طلب حتما، و
يقولون: إن المطلوبية من شخص لا تتحقق إلا مع علمه، فالواجب على شخص
يكن ما حصل له العلم بطلبه، ويكون العلم معتبرا في حقيقة الواجب، و
يحتمل أن يكون نظر الشرذمة الأولى على ذلك أيضا.
ولو سلمنا جميع ذلك، نقول: غاية الامر حصول الظن باستحقاق الضرر،
ولا شك أنه غير ظن الضرر، وأما ظن الضرر والعقاب فلأي وجه؟

(1) أي: أشكلوا.
416

وما ذكره: من أن بعد الظن باستحقاق ضرر يحصل الظن بترتبه لأن بعد
وجود المقتضي، وعدم ظن المانع يترتب عليه مقتضاه من جهة أصالة عدم
المانع، فمن غرائب الأقوال; لأن بعد قوله سبحانه: * (لا يكلف الله نفسا إلا ما
آتاها) * (1) وأخبار (لا تكليف إلا بعد البيان)) (2) و (رفع عن أمتي ما لا يعلمون) (3) و
(وضع عنهم ما لا يعلمون) (4) وغير ذلك، يكون إجراء الأصل من الطرائف
والعجائب.
وأما آيات الوعيد وأخباره: فلا دلالة لها أصلا; إذ العصيان والمخالفة و
أمثالهما لا تتحقق إلا بعد العلم بالحكم، وما سمعنا إلى الآن أن من لا علم له
بطلب شئ وتركه يعدونه عاصيا مخالفا، أفلا تعقلون.
الاعتراض الثاني: أن الآيات والأخبار الناهية عن العمل بغير العلم، وعن
العمل بالظن، نحو قوله سبحانه: * (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) * (5) و * (إن هم
إلا يظنون) * (6).
وقول أبي عبد الله عليه السلام: (من شك أو ظن، فأقام على أحدهما، فقد حبط
عمله) (7).
وقول السجاد عليه السلام: (إن الشكوك والظنون لواقح الفتن) (8).
وقول الأمير عليه السلام في نهج البلاغة (9) كما مر، وأمثالها مما يستدعي جمعها

(1) الطلاق 65: 7.
(2) الكافي 1: 163 / 3، 5، توحيد الصدوق: 411 / 4.
(3) التوحيد: 353 / 24، الخصال 2: 417 / 9، وسائل الشيعة 11: 259 أبواب جهاد النفس ب 56
ح 1.
(4) الكافي 2: 463 / 2، الوسائل 11: 295 أبواب جهاد النفس ب 56 ح 3.
(5) النجم 53: 28.
(6) البقرة 2: 78.
(7) الكافي 2: 400 / 8، الوسائل 18: 25 أبواب صفات القاضي ب 6 ح 8.
(8) البحار 91: 147 ب 32 ح 21.
(9) نهج البلاغة (صبحي صالح): 121 / 88، نهج البلاغة بشرح محمد عبده: 156 / 88.
417

كتابا برأسه، هل يفيد الظن بحرمة العمل بالظن أم لا؟
فإن قلت بالأول، يكون في عملك بالظن مظنة الضرر، ودفع الضرر المظنون
واجب.
وإن قلت بالثاني، قلت: لا أدري أنه ما الباعث على أن جميع تلك الآيات
والأخبار لا يفيد الظن، وتقول في المسائل الاخر: إن خبرا ضعيفا، بل قول فقيه
يورثه؟!
وقد تصدى بعضهم لرد ذلك البحث، فبعد ما قال: والجواب أما عن أدلة
تحريم العمل بغير العلم، ففلان وفلان، فقعد وقام وهرب من هذا الطرف إلى
هذا الطرف، ورأى أنه لا مفر له، قال: إنك قد عرفت أن هذا الدليل ونحوه ليس
دليلا تاما إلا أن يعتبر فيه مقدمات اخر من ثبوت التكليف، ولزوم الخروج من
الدين، والعسر والحرج.
أقول: وقد عرفت فساد تلك المقدمات.
ثم إنه يرد على هذا الدليل والدليل السابق عليه: الاعتراض الأخير الذي
ذكرناه على الدليل الأول، كما أشرنا إليه.
وبالجملة فساد ذلك الدليل أيضا كسابقيه في غاية الظهور.
والإنصاف: أن أمثال هذه الأدلة مما يتمسك به العامة في موارد كثيرة، و
موافقة لمذاقهم، ومناسبة لطريقتهم، ولا يليق بالشيعي أن يلوث ذيل تشيعه
بأمثالها.
ومما تلوناه عليك ظهر أنه لا دليل تاما على حجية مطلق الظن أصلا، بل
الأدلة على عدم حجيته متعددة، وقد ذكرناها في كتبنا.
ومما يدل عليه أيضا ما ذكرناه اعتراضا على نتيجة الدليل الأول كما
سبق، ونذكر هنا أيضا وجهين آخرين: أحدهما حدسي وجداني والآخر
إلزامي.
أما الأول: فهو أنه لو كانت الأحكام كما يقولون، وكان لكل واقعة حكم،
418

فلا شك في كون باب العلم بها منسدا في زمان الغيبة، بل لأكثر الموجودين في
زمان الحضور، المنتشرين في البلاد والقرى والبوادي، ولا شك في أنه
لا دليل منقولا من الشارع على حجية الظن من حيث هو، ولا يدعيه القائل بها
أيضا.
فنقول: أنصف أيها العاقل أنه إذا كانت الحجة التي تثبت بها التكاليف -
معظمها للمكلفين - هو الظن من حيث هو، ويكون هو مرجع المسائل كلها، و
وجب الأخذ به واتباعه في تمام زمان الغيبة الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وخلفاؤه، و
عن طوله وامتداده، بل في زمان الحضور لغير قليل، وعلم النبي صلى الله عليه وآله وأوصياؤه
أن عقول المكلفين في إدراك ذلك مختلفة غاية الاختلاف وأشده، بل يحكم
الأكثر بعدم كونه المدرك، فهل لا ينبه عليه الرسول الرؤف، الذي ارسل من
الرب الرحيم جل شأنه لتبليغ الأحكام إلى العباد، ولبيان مأخذها؟ ولا يبين طريق
الوصول إلى أحكامه، بل يبين الأحكام لشرذمة قليلة هم المتمكنون من الوصول
إلى خدمته، ولا يبين أن المأخذ والمتبع لغير تلك الشرذمة هو الظن، سيما مع أنه
امتلأ الكتاب الذي أرسل إليه بالنهي عن اتباعه، والذم عليه، وتواترت الأخبار
في ذلك، وكان الأصل أيضا عدم حجيته.
وهل يجوز لهم عدم بيان ذلك، والاتكال في فهمه وتخصيص العمومات
الناهية على مجرد عقل طائفة قليلة، يوجد فيما بعد مضي أزيد من ألف سنة، مع
تواتر ذمهم العامة على عملهم بالظن، مع انسداد باب العلم لهم أيضا على ما
زعموا؟
ومع أن في أخبار كثيرة: أن السائل سأل عما يعمل به، فأمر بالأخذ بالكتاب
والسنة، ثم سأل عما ليس فيه كتاب أو سنة، فأمر بالاحتياط أو التوقف أو
التخيير (1)، ولم يأمر في واحد بالعمل بالظن، بل سئل في بعضها عن العمل

(1) الكافي 4: 391 / 1، التهذيب 5: 466 / 1631، الوسائل 18: 24 أبواب صفات القاضي ب 6 ح
7، و 18: 111 أبواب صفات القاضي ب 12 ح 1 و 2، بحار الأنوار 2: 175 / 16.
419

بالظن، فنهي عنه ومنع (1).
بل في التوقيع عن صاحب الزمان عليه السلام: السؤال عن الحوادث الواقعة في
زمان غيبته، فأجاب بما أجاب (2)، ولم يأمر بالظن أصلا.
سيما مع أنه بين جميع الأحكام المقررة، وتواترت الأخبار: بأنه لم يبق شئ
تحتاج إليه الأمة إلا وبينه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأودعه عند خلفائه، وهم بينوه لأصحابهم
الثقات حتى وصلت الجزئيات الغير العامة البلوى المخالفة للتقية إلينا، فكيف بمثل
ذلك الأمر العظيم الذي ليس بعد مسألة الإمامة أمر أهم منه؟! وهل يجوز مثل
ذلك على شخص عامي له أحكام جزئية في أهل بيته من بعده؟
والعجب كل العجب أنكم تنقضون على العامة بأن النبي الذي بين أرش
كل خدش، وأحكام بيت الخلاء، هل يهمل أمر الخلافة العظمى؟ مع أن مثله يرد
عليكم على السواء.
ألا ترى أنه إذا أرسل سلطان معتمدا إلى مملكة عظيمة من ممالكه البعيدة
لإبلاغ الأحكام إليهم، وبيان مداركها لهم، وكان مدرك الأحكام لمن يلاقيه من
أهل تلك المملكة الأخذ من قوله، وكان مأخذ غير الملاقين له غير ذلك، ولم
يلاقه إلا أشخاص قليلون، وهو لم يبين المأخذ للباقين، ولم يذكره، وكان المأخذ
شيئا نهى عنه في مجالس عديدة، وهل يقبل ذلك عقل عاقل فضلا عن فاضل؟
واشهد الله عز جاره: أن حكم العقل والعادة على امتناع ذلك وقبحه ليس
بأدنى من حكمهما بترتب وجوب العمل بالظن على سد باب العلم، وترتب
وجوب العمل بالكل على انتفاء العلم بالخصوص، بل ليس أدنى من حكم
العقل بقبح ترجيح المرجوح أو تكليف ما لا يطاق.

(1) نهج البلاغة: 121 / 88، الكافي 2: 391 / 1، وص 400 / 8، الوسائل 18: 127 أبواب
صفات القاضي ب 12 ح 54.
(2) كمال الدين وتمام النعمة 2: 483 / 4، الغيبة للشيخ الطوسي: 176، الاحتجاج 2: 283، الوسائل
18: 101 أبواب صفات القاضي ب 11 ح 9.
420

والحاصل: أن الظن لو كان هو الحجة في الأحكام، لوجب أن يوجد في
كلام الحجج من الأمر بالأخذ به عين أو أثر.
فإن قيل: لا شك في أن كل مجتهد مكلف بمقتضى عقله، فإذا أداه الدليل
العقلي إلى حجية كل ظن، يكون مكلفا بالعمل به قطعا.
قلنا: ليس مرادنا نفي حجية العقل، بل المراد نفي حكمه بذلك - بعد
ملاحظة ما ذكرناه - ضرورة.
وأما الجواب عن قول الخصم هنا بأنه: فما الذي بينه لنا وأودعه عندنا،
فهو: أنه كتاب الله سبحانه، والأخبار المدونة والروايات المنسوبة إليهم.
فإن قيل: لو كانا حجتين، لوجب عليهم بيان ذلك، ونصب دليل عليه.
قلنا: أما كتاب الله فلا تحتاج حجيته وبيان ذلك إلى دليل، ولو كان هو
محتاجا إلى دليل، لكان قول المعصوم أيضا كذلك، فإن قول الله سبحانه حجة.
وأما الأخبار: فيكفي في بيان حجيتها وصولها إلينا منهم خلفا عن سلف،
ويدا عن يد من الامناء الفضلاء الثقات، الذين هم متكفلي أيتام الأئمة،
وحججهم على الرعية، وهذا دليل واضح ومنار لائح على أنهم جعلوها أدلة
لنا، ومسالك لأجلنا.
وثانيا: إنك هل تزعم أنهم مما بينوا وجوب اتباعها لنا، ولزوم الأخذ بها؟ فما
هذه الروايات المتواترة معنى، المملوءة منها كتب أصحابنا، الدالة على الحث
على الرواية، وحفظها ونشرها، والآمرة بأخذها، والناهية عن ردها، والمادحة
للعاملين بها ولرواتها، والمتضمنة لعلاج التعارض فيها؟
وما هذا التطابق من العلماء الأقدمين، والفضلاء اللاحقين في التمسك بها،
والأخذ بمضامينها، وضبط معانيها، وفقد رجالها، ووضع علم الدراية للعلم
بأوصافها، وعلم الرجال لمعرفة رواتها، والإجازة التي لا يخلو عالم منها، مع
توفر الدواعي على كتمانها، واشتداد التقية في نشرها، والعمل بها، سيما في
العصر الأول، والصدر الأقدم؟
421

وكيف يمكن - مع طول تلك المدة، وشدة التقية، ووجود بواعث الإخفاء،
وتحقق موجبات الاختلاف - بيانها بأكثر من ذلك، بحيث لا يشك فيها الأذهان
المعتادة للتشكيك؟
فهل كنت تريد منهم أن يلازموا تلك الأخبار، ويتلاحقوا في الأعصار
والأمصار، ويظهرون أنفسهم المقدسة، ويجعلون جميعها متواترة، مع عدم
تمكنهم غالبا من إظهار مسألة على رؤوس الأشهاد؟
ولقد أراد بعض من لاحظ ذلك المقال مني أن يجيب عنه، فقال: قد بينت (1)
عذر عدم وصول الدليل على حجية الظن في آخر كلامك، وهو ابتلاؤهم
بالتقية، وتوفر دواعي الكتمان والإخفاء.
ولعمري إنه جواب عجيب! كيف وحجية الظن واتباعه شعار أهل السنة و
مدارهم، ودارت عليه ديارهم، وبنيت عليه أحكامهم، وجرت عليه حكامهم.
وكيف يكون مثل ذلك محلا للتقية؟ ولو كانت تقية، لكانت في إظهار
الإمامة أشد وأكثر، ويجب على هذا أن لا يكون عندنا منها عين ولا أثر.
وبالجملة: الأمر أوضح من أن يحتاج إلى هذا التطويل، والله عز شأنه يهدي
من يشاء إلى سواء السبيل.
وأما الوجه الثاني الإلزامي; فهو على سبيل الاختصار: إنا نتشبث بثلاث
مقدمات من مقدمات الخصم:
الأولى: ما قال: من أن في التوقف في غير المعلومات، أو العمل بالأصل
أو الاحتياط، أو الاقتصار على المعلومات، خروجا عن طريقة العلماء والفقهاء، و
يلزم منه ترك سيرة الأصحاب، وهو غير جائز.
والثانية: ما ذكر من أنه لما ثبت بدليل الانسداد وجوب العمل بالظن، و
لم يعلم بعينه، ولا يكفي الظن في التعيين، يجب العمل بكل الظنون إلا ما

(1) في (ه‍)، (ج)، (ح): وقد ثبت.
422

أخرجه الدليل.
والثالثة: ما قال من أن سبب العمل بكل ظن عدم وجود دليل علمي أو ظني
مقطوع الحجية.
ثم نقول: يلزم من تلك المقدمات الثلاث عدم حجية الظن.
ولبيان ذلك نقول: لاحظ وانظر أنا لو رفعنا اليد اليوم عن الأخبار بالمرة، و
تركنا كتب الأحاديث طرا، وفرضناها كأن لم تكن، ولم نعمل بحديث من
الأحاديث، ولم نلتفت إلى تلك الأحاديث، التي في أيدينا، فهل نكون على
طريقة الأصحاب، وتكون سيرتنا مطابقة لسيرتهم أم لا؟
لا شك أنه لا يكون كذلك; إذ ليس أحد من العلماء لم يعمل في المسائل
الفروعية بتلك الأحاديث المروية على اختلاف درجاتهم وشؤونهم وإن كان
عمل بعضهم من جهة حجية خبر الواحد في نفسه، وعمل بعض آخر من جهة
إفادته العلم، وعمل ثالث لأجل إفادته الظن، وهكذا.
وانظر هل يوجد كتاب فقيه أو رسالة مشتملة على مسائل لم يتضمن
الاحتجاج ببعض تلك الأخبار؟ وهذا أمر واضح جدا.
ولذا قال بعض المحدثين من المتأخرين: الواجب إما الأخذ بهذه الأخبار، كما
عليه متقدمو علمائنا الأبرار; أو تحصيل دين غير هذا الدين، والتمسك بشريعة
غير هذه الشريعة (1). انتهى.
ولا أظن أحدا ينكر ذلك المطلب، ولو أنكره أحد، لم يكن للمكالمة
والجواب صالحا أبدا، فإنه لو ترك أحد هذه الأحاديث بالمرة، فانظر أنه يكون
موافقا لأي فقيه؟
وليس مرادنا العمل بالأخبار الآحاد، بل بهذه الأخبار التي في
أيدينا، التي احتج بكثير منها السيد المرتضى وابن إدريس - طاب ثراهما - و

(1) الحدائق 19: 231.
423

أتباعهما أيضا في كتبهم.
فبمقتضى المقدمة الأولى يكون العمل بهذه الأخبار في الجملة اليوم واجبا،
ولما لم يكن معلوما لنا أن الواجب العمل بأي طائفة من الأخبار، فبمقتضى
المقدمة الثانية يجب العمل بكل الأخبار قطعا، إلا ما أخرجه الدليل، ويكون
ذلك دليلا قطعيا، كما كان دليل الظن المبتنى على هاتين المقدمتين كذلك، فيكون
الخبر ظنا مقطوع الحجية، فبمقتضى المقدمة الثالثة لا يكون العمل بالظن جائزا; إذ
لا يكون باب العلم حينئذ منسدا، وقد ذكرت هذا الكلام في بعض مؤلفاتي.
وقد يتصدى لدفعه، فيقال: لم لا يعلم أن أي طائفة من الأخبار مما يجب
العمل بها، بل يجب العمل بالخبر الصحيح قطعا، فإنه متفق عليه.
ولا أدرى أنه ما أراد من الصحيح، هل أراد الصحيح عند القدماء، أو
المتأخرين؟
فإن أراد الأول، فالمراد منه الذي يعلم حجيته قطعا، وأي حديث هو؟
وإن كان المراد الثاني، فهل مراده من الصحيح المتفق عليه هو الذي كانت
جميع رواته معدلين بعدلين، أو يكفي الواحد؟
فإن كان مراده الثاني، فظاهر عدم كونه متفقا عليه، كيف؟ وقد خالف في
حجيته كثير من المتأخرين.
ثم لو قلت: إن المراد ما يعدل جميع رواته بعدلين، نقول: هل يعدلانه بذكر
السبب، أو الأعم؟ فإنه وقع الخلاف في كفاية التعديل على الإطلاق. ثم لو
عينت أحد الشقين، فهل هو ما لا يعارض تعديل أحد رواته جرحا أو الأعم؟
وعلى التقديرين هل هو ما كان تعديل رواته بلفظ عدل، أو يكفي مثل ثقة؟
وعلى التقادير: هل يشترط العلم بمذهب المعدل، أم لا؟
وعلى التقادير: هل اللازم العلم بتعدد المعدل، أو يكفي مثل هذه
التعديلات المتعددة التي صرح جماعة بأن بعضهم أخذ من بعض حيث يقولون:
إن تعديل العلامة وابن داود بل الشيخ - قدس سرهم - على ما هو ببالي مأخوذ
424

طرا من النجاشي أو الكشي؟
على التقادير: فلأن مرجع القول بلزوم التعدد إلى كون التعديل من باب
الشهادة، فهل تقبل شهادة فرع الفرع، مع أنا نعلم قطعا أن أكثر التعديلات بل
جميعها بالنسبة إلى أوائل الرواة من هذا الباب؟
وعلى التقادير: هل يعمل في قبول الشهادة بالكتابة أم لا؟
وعلى التقادير: هل يكتفى في عدم سقوطه واسطة بتلك الظنون الرجالية أم
لا؟
هذا كله بالنسبة إلى السند، ثم ندخل متنه، فنقول: هل ذلك الصحيح
المتفق عليه ما كان خاصا أو يعمل بالعام أيضا؟
وعلى التقديرين: هل يعمل فيه بظن أصالة عدم النقل، وعدم التجوز، و
عدم القرينة وأمثالها أم لا؟
وعلى التقادير: هل هو منقول بالمعنى أو باللفظ؟ إلى غير ذلك.
ثم نتكلم في الأمور الخارجية، فنقول: هل تجب موافقته لعمل الأصحاب
كلا أو جلا أم لا؟
وعلى التقديرين: هل يجب خلوه عن المعارض مطلقا أم المعارض
المساوي، أم لا؟
وهل يجب أن لا يكون فيه تخصيص، سيما تخصيص كثير، مع أنه ما من
عام إلا وقد خص، ومع أن في العام المخصص ألف كلام، أم لا؟ إلى غير ذلك.
وبعد تحقق بعض تلك التقادير، وأخذ المتفق عليه، فيجب أن ينظر في أنه:
هل يوجد مثل ذلك الصحيح في تلك الأخبار التي يقطع بحجية طائفة منها؟
وعلى تقدير الوجود، فيجب أن ينظر هل أنه يوجد بقدر لو ترك العمل
بغيره، لم يلزم خلاف سيرة الفقهاء وطريقتهم؟
ثم إن جميع ما ذكرنا إنما هو الكلام في الأمر الكلي الذي هو غير مقيد، فإذا
طلبنا منك مثل ذلك الصحيح من بين تلك الأخبار، وعينت واحدا منها متصفا
425

بجميع الأوصاف، فنقول: من أين علم أنه كان صحيحا عند القدماء؟ ومن أين
يحصل العلم بعدم وجود جارح لبعض رواته، أو معارض له عند بعضهم، أو
عند جميعهم؟ ومن أين يعلم عملهم جميعا بمثل هذا الصحيح؟
وإن دفعت بعض هذه الاحتمالات بالأصل نقول: هل يصلح إثبات
الإجماع، بل العلم والقطع بالأصل.
وبالجملة: إثبات الإجماع على العمل بخبر واحد معين من الآمال التي
لا تصل إليها أيدي العاملين.
فإن قلت: نحن لا نثبت الإجماع على خبر معين، بل نقول: الإجماع على
العمل بهذا النوع لكل أحد تحقق له فرد من ذلك النوع منعقد.
قلنا: لو سلم فأين التحقق؟ مع أن الإجماع عليه أيضا ممنوع جدا إن أردت
بالصحيح ما هو مصطلح المتأخرين، وكيف نسلم إجماع القدماء على ذلك؟
وكذا إن أردت ما هو متعارف القدماء فإنه كيف يعلم إجماع المتأخرين عليه؟
وإن أردت الجامع للوصفين، فأي حديث علمنا جمعه لهما؟
فإن قلت: الصحيح باصطلاح المتأخرين صحيح عند القدماء.
قلنا: ليس كذلك مطلقا، بل يشترط أن لا يكون فيه قدح من جهة أخرى، و
من أين يعلم ذلك؟
وبالجملة: الأمر أوضح من أن يحتاج إلى أمثال هذه التطويلات، والله
سبحانه ولي الحسنات.
426

عائدة (42)
في الاستدلال بقوله سبحانه:
لا تبطلوا أعمالكم
قد شاع بين الفقهاء الاحتجاج بقوله: * (لا تبطلوا أعمالكم) * (1) في
كثير من الموارد من الصلاة وغيرها (2).
وقد تأمل في الاستدلال به المحقق الأردبيلي - رحمة الله - في شرح الإرشاد
بعد نقل الاستدلال به على حرمة قطع الصلاة (3).
وقال صاحب الحدائق الناضرة من مشايخنا المتأخرين بعد نقل الاحتجاج به
على ما ذكر: والآية لا تخلوا عن الإجمال المانع عن الاستدلال. (4)
أقول: يمكن أن يكون وجه تأمل الأول، وسبب الإجمال الذي ذكره الثاني: أحد الأمور:
الأول: التأمل في إفادة النهي للحرمة، كما ذكره بعضهم (5).

(1) سورة محمد 47: 33.
(2) انظر الذكرى: 215، ورياض المسائل 1: 180.
(3) مجمع الفائدة والبرهان 3: 110.
(4) الحدائق 9: 101
(5) كما في ذخيرة المعاد: 363.
427

والثاني: عدم بقاء الأعمال على العموم قطعا; لوجوب القطع في بعض
الأحيان في الصلاة، وجوازه مطلقا في بعض الأعمال، كالوضوء والغسل والصوم
المستحب، فيتعارض التخصيص مع التجوز، ولا ترجيح سيما إذا كان المخصص غير
اللفظ بل الإجماع، كما في الوضوء والغسل، فيمكن حمل النهي على التنزيه.
والقول بعدم كراهة قطع مثل الوضوء والغسل مردود: بعدم ثبوت الإجماع
على انتفائها، فيحتمل وجودها فيه
والثالث: باعتبار الإجمال في الإبطال، فإن إبطال، العمل يتحقق على أحد
الوجوه الثلاثة: إما بالإتيان به باطلا، كالصلاة بقصد الرياء، والصدقة مع المن
والأذى.
أو بإبطاله بعد تمامه، بمعنى إفساده أجره وثوابه، كما ورد في خصوص هذه
الآية.
روى في ثواب الأعمال عن الباقر عليه السلام، قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله
من قال: سبحان الله، غرس الله له بها شجرة في الجنة، ومن قال:
الحمد لله، غرس الله له بها شجرة في الجنة، ومن قال: لا إله إلا الله;
غرس الله له بها شجرة في الجنة، فقال: رجل من قريش: يا رسول
الله، إن شجرنا في الجنة لكثير! قال: نعم، ولكن إياكم أن ترسلوا
إليها نيرانا فتحرقوها، وذلك إن الله عز وجل يقول: * (يا أيها الذين
آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم (1) *) (2).
وبهذا المعنى فسر بعضهم قوله سبحانه: * (ولا تبطلوا صدقاتكم) * (3) فقال:
أي لا تحبطوا أجره (4).

(1) محمد 47: 33.
(2) ثواب الأعمال: 26 / 3.
(3) البقرة 2: 264.
(4). زبدة البيان: 203.
428

أو بقطع العمل، وجعل ما تقدم منه لاغيا، كما في قطع الصلاة.
ولا شك في صدق الإبطال، ولغوية العمل على الأولين، وأما في الثالث،
فمحل تأمل; لأن العمل المبطل: أما هو الكل، كالصلاة فإنه لاشك في عدم
إبطاله; لأنه فرع تحققه، وإنما المصلي يقطعها ثم يستأنفها.
أو هو الجزء الذي أتى به وفعله، فإن أريد ببطلانه ووقوعه لغوا، وعدم ترتب
أجر عليه، فهو ممنوع، لأنه فعل فعلا بقصد القربة أولا، وعرض له عدم الإتمام
ثانيا، ولم تثبت حرمة عدم إتمامه بعد أيضا، فمن أين يعلم عدم ترتب أجر و
ثواب عليه؟
وإن أريد به عدم وقوعه جزءا للفعل المطلوب الذي قصده أولا، ففي صدق
البطلان عليه - سيما حين نزول الآية - تأمل.
429

عائدة (43)
في احتياج المعاملات إلى الصيغة
اعلم أن الفقهاء في باب المعاملات قد يختلفون في أنه هل تحتاج المعاملة
الفلانية إلى صيغة أم لا؟
وعلى الاشتراط يختلفون في كيفية الصيغة من العربية وغيرها، والألفاظ
المتحققة بها الصيغة وشرائط الصيغة، ويستدلون بأدلة لا يعلم غير الماهر
مأخذها.
ولتحقيق المقال في ذلك المجال، نقول: إن المعاملات مما جعل الشارع لها
آثارا وأحكاما ولوازم، ورتب أحكاما على المعاملة وعلى متعلقاتها، كما أنه
قرر آثارا للبيع، وجعل له أحكاما، وكذا للبائع والمبيع، وقرر آثارا للتزويج
والنكاح، وأحكاما للزوجة والزوج، والناكح والمنكوحة وهكذا غيرها من
المعاملات.
ولا محالة يكون لكل معاملة لفظ، ولمتعلقاتها ألفاظ
رتب الشارع الأحكام على معاني هذه الألفاظ، فقال:
* (أحل الله البيع) * (1) و (البيعان بالخيار) (2) و (النكاح لا يحل إلا

(1) البقرة 2: 275.
(2) 5: 170 / 4، الوسائل 12: 345 أبواب الخيار ب 5 ح 1، السنن الكبرى 5: 269.
431

بالطلاق) (1) و (يجب الإنفاق على الزوجة) (2)، وهكذا.
فلا يخلو إما يكون هناك نص أو إجماع دال على أن المعاملة الفلانية كالبيع
مثلا، أوما يتحقق به هذه المعاملة ما هو، أو لا.
فإن كان، فيجب الحكم بمقتضاه، فإن دل على أنه ما كان بالصيغة العربية
مثلا فيحكم به وهكذا
وإن لم يكن - كما هو الأكثر - فلا يخلو: إما أن يكون معنى هذه الألفاظ لغة
أو عرفا أو شرعا معلومة بحيث يصح إرادته في هذه الاستعمالات المثبتة لتلك
الآثار والأحكام، أو لا.
فإن علم له معنى تصح إرادته على وفق القواعد المقررة في استخراج المعاني
من الألفاظ، فإما ثبت، شرعا بإجماع أو غيره شرط لتحقق تلك المعاملة أو لا.
فإن ثبت، فيقتصر في تحقق المعاملة شرعا على ما هو واجد للشرط.
وإن لم يثبت، فيجب الحكم بترتب الأثر وثبوت الأحكام لجميع ما تتحقق
به المعاملة لغة أو عرفا أو شرعا إن ثبت له حقيقة شرعية.
وإن لم يعلم له معنى يصح إرادته، فيلزم علينا الاقتصار في الحكم بترتب
الأحكام بما انعقد الإجماع على تحقق المعاملة به.
وملخص القاعدة: أن الأصل عدم ترتب الأثر إلا على ما علم ترتبه عليه
شرعا، ولا يعلم ذلك إلا بجعل الشارع، ولا يحصل جعله إلا بنحو قوله: البيع
كذا، والنكاح كذا، والبائع كذا، والمنكوحة كذا، وهكذا.
فإن دل نص أو إجماع على أن البيع أو النكاح ما هو، أو بماذا يتحقق،
فيحكم به.
وإن لم يكن ذلك، فإن علم معنى البيع، والنكاح، ولم يثبت دليل على

(1) الفقيه 3: 321 / 1558، المقنع: 157، الكافي 6: 63 / 4، الوسائل 15: 286 أبواب المقدمات
والشرائط ب 12 ح 1 و 3.
(2) الفقيه: 3: 59 / 209، الوسائل 15: 225 أبواب النفقات ب 1 ح 9.
432

اشتراطه شرعا بشئ، فيجب الحكم بتحققه بمجرد تحقق ذلك المعنى، سواء كان
تحققه بالصيغة أو بدونه.
وإن علم معناه، وعلم شرط له أيضا، كما أنه علم لزوم التنجيز ولا يصح
التعليق، فيحكم بتحقق هذه المعاملة بتحقق هذا المعنى مع ذلك الشرط.
وإن لم يعلم له معنى، فيحكم بعدم ترتب الأثر، كما هو مقتضى الأصل
إلا فيما علم تحقق المعاملة يقينا، وهو محل الإجماع.
مثال ذلك: عقد البيع وحصول الاختلاف فيه، فمن ظن عدم ظهور معنى
لغوي أو عرفي للبيع اضطر إلى الاقتصار على موضع الإجماع، وهذا محط قول
جماعة بتخصيص البيع شرعا بما كان مع الصيغة المخصوصة الجامعة لجميع
الشرائط المختلف فيها.
ومن ظن ظهوره، ولكن زعم الإجماع على اشتراط الصيغة في تحقق
البيع، لزمه القول به. ولكن يقتصر في الشرط على ما هو محل الإجماع يعني
ما ثبت الإجماع بزعمه على اشتراطه، وهذا مناط قول من يقول باشتراط الصيغة
في تحقق البيع، ولكن توسع فيها.
ومن لم يظهر ذلك الإجماع له، ولم يعثر على دليل آخر أيضا على
الاشتراط، توسع في تحقق البيع بما يتحقق به لغة أو عرفا، وإلى هذا ينظر من
اكتفى بمطلق اللفظ أو بالمعاطاة أيضا، وهكذا غيره من العقود.
وبما ذكرنا يحصل المناط والقاعدة الكلية لاستنباط الحق، واستخراج الحكم
في مقام الاختلاف في اشتراط المعاملات بالصيغة وعدمه، وفي الاختلافات
الواقعة في صيغ المعاملات وكيفيتها، فافهم.
433

عائدة (44)
في بيان العلم الذي هو حجة في الشرعيات
اعلم: أن العلم الذي هو الحجة في الشرعيات من غير احتياج إلى دليل و
برهان، هو العلم العادي، وهو الذي لا يلتفت أهل العرف ومعظم الناس إلى
احتمال خلافه، ولا يعتبرونه في مطالبهم، ولا يعتنون به في مقاصدهم.
والحاصل: أن لا يحتمل خلافه بحسب متعارف الناس وعاداتهم،
لا ما لا يحتمل خلافه أصلا، أو لا يجوز العقل خلافه، أو عد خلافه محالا عقليا;
وذلك لأن مطلوب الشارع ومراد الله سبحانه وحججه الوسائط عليهم السلام
من العباد: هو الإطاعة والتسليم والانقياد، والتجنب عن المخالفة والعصيان.
وهذا هو المناط في امتثال الأحكام، وإتيان الأوامر، والاجتناب عن
النواهي، والثواب والعقاب، والمدح والذم.
والحاصل: أن مناط امتثال الأوامر والانتهاء عن النواهي، هو الإطاعة
والعصيان. والمراد بهما ما يعد مرتكبه عند العقلاء وأهل العرف مطيعا ومسلما،
أو عاصيا ومخالفا.
ومن البديهيات: أن المناط في ذلك هو العلم العادي، بمعنى أنه إذا علم أمر
من يجب إطاعته بشئ أو نهيه عن شئ بالعلم العادي، أي كان بحيث لا يلتفت
أهل العرف إلى احتمال خلافه ويستبعدونه ويستهجنونه، فممتثله يعد مطيعا،
وتاركه عاصيا.
435

ألا ترى أن السلطان إذا كتب فرمانا (1) إلى بعض عبيده، وضم معه رسولا
ثقة، وأمن التزوير بحسب العادة أيضا، وإن احتمله احتمالا بعيدا غير ملتفت إليه
في المتعارف، فترك العبد امتثاله ولم يمتثله، يستحق اللوم والعقاب.
وكذا لو ارتكب عبد ما يحكم العرف والعادة ومتعارف الناس بعدم
رضى مولاه به وجرت عادتهم على تركه يذمونه، يحكمون
باستحقاقه المؤاخذة.
وألا ترى أن بناء الناس من بدو العالم إلى ذلك الزمان على اعتبار الحقائق
في الألفاظ، والجريان على طريقة تكلم الناس، ويعدونه من المعلومات،
ويذمون مخالفه، مع أنه ليس الحاصل منه إلا العلم العادي.
وأيضا المستعمل فيه العلم عند الناس، والمتبادر منه عند إطلاقاتهم، هو ذلك
المعنى، أي مالا يعتنى إلى احتمال خلافه، ويعد وقوعه خلاف عادة الناس
ويستهجنون من يلتفت إليه، فيكون حقيقة فيه، فيجب إرادة ذلك المعنى كلما
استعمل.
والحاصل: أن العلم والظن في الأحكام الشرعية: هو العلم والظن
المتعارف (2) إطلاق اللفظ عليهما عند العرف.
فإن كان طرفا الحكم متساويين، يسمونه ترديدا أو شكا.
وإن كان أحد الطرفين أقوى، ولكن لا بحيث يستهجن تجويز خلافه،
ولا يعتنى عندهم بخلافه، ولا يلتفتون إليه في مقاصدهم، كان ذلك ظنا، وطرف
خلافه وهما.
وإن كان أحدهما بحيث يستقبح تجويز خلافه، ولا يعتنى به عند متعارفهم
وإن كان محتملا عقلا، يسمونه علما، وعليه بناؤهم في الامتثالات والمخالفات.

(1) كذا، وهي كلمة فارسية تعني: الأمر والدستور.
(2) في (ب)، (ج)، (ح): المتعارفين.
436

ومن هذا القبيل العلم الحاصل من المتواتر غالبا، ومن الأخبار المحفوفة
بالقرائن. ألا ترى يمثلون للخبر المحفوف بالقرائن المفيدة للعلم بأمثلة لا يأبى
العقل عن خلافه، ولكن لا يلتفت إليه أهل العرف والعادة.
437

عائدة (45)
في حجية الأخبار الآحاد
اعلم أنه قد بينا في كتبنا الأصولية - كشرح تجريد الأصول، ومناهج الأحكام،
وأساس الأحكام، ومفتاح الأحكام - أصالة حجية الأخبار الآحاد، المروية
عن أئمتنا الأطهار، والمدونة في المعتبرة من كتب علمائنا الأخيار، بالطرق التي
ألهمني الله سبحانه ببركة التوسل بالعترة الطيبة وخدمة الشريعة المقدسة (1).
وقد ظهر لي بعض الفوائد الاخر بمرور الأيام في ذلك المرام. وبيان هذا
المطلب بتقرير آخر غير ما ذكرته في سائر الكتب، فأردت أن أودعه في هذا الكتاب
من غير تطويل وإطناب، ولأتعرض لأكثر ما (2) أوردته في سائر الكتب من هذا
الباب، ليكون تذكرة لنفسي وذكرى الأولي الألباب.
وقد عقدت لذلك المطلب عائدة، ثم أردفتها بعائدة أخرى، أبين فيها أن
العامل بتلك الأخبار الآحاد ناج ألبتة في يوم المعاد، معذور عند رب العباد.
وهذا المطلب وإن كان نازلا عن منزلة الحجية، وثابتا بعد ثبوت الحجية، إلا
أنه لما كان كافيا لطالبي النجاة، وكان دليله أشد وضوحا ذكرته على حدة أيضا.

(1) انظر مناهج الأحكام: 167 الفصل الثاني في السنة، منهاج: في حجية الخبر الواحد.
(2) في (ه)، (ب)، (ح) مما.
439

ولنقدم أمام المقصود مقدمات نافعة:
الأولى: حكم العقل بجواز كل من الفعل والترك في كل أمر لا قبح فيه
بحسب عقولنا قبل ورود الشرع به بديهي، إذ المفروض عدم حكم العقل بقبح
في أحد الطرفين، وعدم حكم من الشرع فيه أيضا، فلا يكون منع عقلي
ولا شرعي في شئ من طرفيه، وليس معنى الجواز العقلي إلا ذلك.
بل يحكم العقل بجوازه الشرعي أيضا، إما لأجل أن الجائز الشرعي
مالا حرج في فعله ولا تركه، ولا منع على أحدهما، وهذا كذلك. أو لأن العقل
يحكم صريحا بأن الشارع لا يعاقب على فعل أو ترك لم ينه عنه، ولم يحكم فيه
بقبح.
وليعلم أيضا: أن من الأمور البديهية أنا لو لم نعلم بوجوب شئ أو حرمته،
ولم نظنه، ولم نعثر على دليل علمي ولا ظني، ولا أمارة تدل على الوجوب
أو الحرمة، يجوز لنا فعله وتركه، ويمتنع من الشارع عقابنا على أحدهما; لأنه مما
يستقبحه العقل، ويذم عليه العقلاء، سيما إذا كان في مقابل احتمال الوجوب
احتمال الحرمة أيضا، أو بالعكس. وقد ثبت ذلك بالأدلة القطعية النقلية أيضا
من الكتاب والسنة المتواترة والإجماع القطعي.
الثانية: من الأمور البديهية عقلا وشرعا أنه لا يمكن كون شئ مناطا لنا
ومأخذا لأحكامنا الشرعية وكوننا مأمورين بأخذ الحكم منه من دون كونه مفيدا
للعلم أو الظن، أو من غير العلم بحجيته ومناطيته، أو الظن بذلك.
وبالجملة: لا معنى لكوننا مأمورين بالعمل بشئ معين في جميع الوقائع
أو واقعة خاصة من غير جهة ومرجح عقلي أو شرعي لتعينه، وهذا بديهي جدا.
الثالثة: اعلم أنه كما أن طرق حصول العلم بالأحكام الشرعية محصورة،
وهي: العقل، والحس - كالسماع من المعصوم - والعادة، والخبر المتواتر،
أو المحفوف بالقرينة، أو الإجماع القطعي، كذلك طرف تحصيل الظن بالأحكام
الشرعية، أو الأمارة التي احتمل كونها مناطا لتحصيلها، التي أمكن كونها مناطا،
440

واحتمل جعل الشارع إياها مأخذا لنا في ذلك الزمان، محصورة غالبا; إذ ليس
هو إلا ظواهر الكتاب، والأخبار، والشهرة بين الأصحاب، والإجماعات
المنقولة، والأصل، وعدم ظهور المخالف على قول.
وأما الظنون الحاصلة من مظنة العلة والحكمة، أو الحمل على الأفراد الاخر
ونحوها، فهي من باب استنباط العلة، ومن شعب القياس الممنوع منه
في مذهبنا.
الرابعة: الاحتياط وإن أمكن أن يكون مكلفا به مع بقاء التكاليف وسد باب
العلم بها، إلا أنه إنما هو فيما أمكن فيه الاحتياط، بأن يمكن الجمع بين
المحتملات، أو يكون فيه قدر مشترك يقيني.
وأما ما ليس كذلك، كما [إذا] (1) دار الحكم فيه بين الوجوب والحرمة، أو
الاستحباب والكراهة، فالاحتياط فيه غير ممكن، فإمكان وجوبه فيه منفي عقلا
وشرعا، بديهة وضرورة.
الخامسة: اعلم أن مطلوبنا في تلك العائدة بيان الدليل العلمي على حجية
تلك الأخبار، وإثبات كونها معلومة الحجية.
وأما الظن بحجيتها وكونها مظنونة الحجية، فهو أمر في غاية الظهور،
كالنور على الطور، كيف والأدلة الظنية على وجوب العمل بها وحجيتها قائمة،
والأمارات المفيدة للظن عليه متراكمة، فإنه قد دلت الأخبار على حجيتها
ووجوب العمل بجميعها، وانعقدت الشهرة العظيمة عليها، واستفاضت حكاية
الإجماع فيها، بل أشار في الكتاب الكريم إليها.
أما الأخبار، فسيجئ تعدادها، ولو لم يكن غير ما رواه الشيخ في العدة
عن مولانا الصادق عليه السلام - المنجبر بالشهرة العظيمة والإجماعات المنقولة - لكفى.
قال: (إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما روي عنا، فانظروا إلى

(1) أضفناها لاقتضاء السياق.
441

ما رووه عن علي عليه السلام) (1). وهو يدل على وجوب اتباع كل ما روي عنهم إذا وجد الحكم فيه، بل اتباع
كل ما روته العامة عن علي عليه السلام عند فقد ما روي عنهم.
ويدل الجزء الأخير على وجوب اتباع كما روته الخاصة عن علي عليه السلام
بالطريق الأولى، وإذا ضم معه الإجماع المركب يدل هذا الجزء على تمام المطلوب
أيضا.
وكذا ما رواه الصدوق في كمال الدين، والشيخ في كتاب الغيبة، والطبرسي
في الاحتجاج، والكشي في رجاله بالسند الصحيح العالي، قال: سألت
محمد بن عثمان العمري رضوان الله عليه أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن
مسائل أشكلت علي، فورد في التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه السلام: (أما
ما سألت عنه أرشدك الله ووفقك) إلى أن قال: (وأما الحوادث الواقعة، فارجعوا
فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله عليهم) (2).
والمتبادر منه: الرجوع إلى رواياتهم، كما إذا قيل: ارجعوا في الدواء إلى
الطبيب، أي إلى طبابته، إلى غير ذلك من الأخبار الآتية.
وأما الشهرة فلأن معظم أصحابنا صرحوا بحجية الآحاد (3)، ومرادهم:
حجية كل خبر لم يدل على عدم حجيته دليل، أي: أصالة حجية الخبر، كما يدل
عليه نفي اشتراط بعض الشروط - كالعدد والبصر والعربية ونحوها - في الحجية
بعد إثباتهم الحجية بالأصل.
وكذا استدلالهم على اشتراط بعض الشروط - من العدالة وغيرها - ببعض

(1) عدة الأصول 1: 379.
(2) كمال الدين وتمام النعمة 2: 483 / 5، الغيبة: 176، الاحتجاج 2: 283، ولم نعثر عليه في رجال
الكشي، الوسائل 18: 101 أبواب صفات القاضي ب 9 ح 11.
(3) انظر عدة الأصول 1: 290، معارج الأصول: 148، نهاية الوصول 2: 410، معالم الأصول:
188، قوانين الأصول 1: 433.
442

الأدلة، ونفيهم اشتراط ما لا يتم دليله.
مع أنه لو لاه (1) لكان مرادهم: إما حجية طائفة خاصة من الأخبار، أو
في الجملة.
ليس الأول قطعا; لعموم كثير من أدلتهم، وعدم انطباقه على الخاص، وعدم
تخصيص في عناوينهم وإن أخرجوا بعضي الأخبار بعد ذكر الشرايط. بل لو كان
مرادهم أولا الخصوصية، لم يكن معنى لذكر بعض الشرايط.
ولا الثاني; لما مر، ولأنه لا يفيد شيئا في الأحكام، ولا يتفرع عليه حجية
ما يتمسكون به من الآحاد في الفروع.
وقد ادعى جماعة - منهم العلامة - الشهرة عليه أيضا (2).
بل لنا دعوى الإجماع على أصالة حجية تلك الأخبار، بضميمة ما ثبت من أن
السيد ومتابعيه أيضا يعملون بأخبارنا، غاية الأمر أنهم يدعون القطع بصحتها.
وأما الإجماع المنقول، فهو مستفيض.
قال الشيخ في العدة - بعد اختياره حجية تلك الأخبار -: والذي يدل على
ذلك إجماع الفرقة، فإني وجدتها مجمعة على العمل بهذه الأخبار التي رووها
في تصانيفهم، ودونوها في أصولهم، لا يتناكرون ذلك، ولا يتدافعونه، حتى أن
واحدا منهم إذا أفتى بشئ لا يعرفونه، سألوه من أين قلت هذا؟ فإذا أحالهم
على كتاب معروف، أو أصل مشهور، وكان راويه ثقة لا ينكر حديثه، سكتوا
وسلموا الأمر في ذلك، وقبلوا قوله. هذه عادتهم وسجيتهم من عهد النبي
ومن بعده من الأئمة، ومن زمان الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام الذي انتشر العلم
عنه وكثرت الرواية من جهته، فلولا أن العمل بهذه الأخبار كان جائزا، لما
أجمعوا على ذلك، ولأنكروه; لأن إجماعهم فيه معصوم لا يجوز عليه الغلط

(1) أي: لولا أن مرادهم حجية كل خبر لم يدل على عدم حجيته دليل.
(2) نهاية الأصول 2: 410، معالم الأصول: 191، قوانين الأصول 1: 438.
443

والسهو (1).
وقال بعض المتأخرين في فوائده الغروية: ومن المعلوم على متتبع الأخبار،
ومن له ربط بطريقة عمل أصحاب الأئمة الأخيار، أن مدارهم كان على العمل
بمضمون آية محكمة، أو رواية معتبرة وإن كانت غير متواترة، ولا مصرحة بأنها
من الأئمة الطاهرة (2).
ويظهر دعوى الإجماع من المحقق أيضا (3).
ولا ينافي ذلك ما ذكره السيد من دعوى الإجماع على عدم حجية الآحاد،
حيث قال في المسائل الموصليات: إن أصحابنا كلهم، سلفهم وخلفهم،
متقدمهم ومتأخرهم، يمنعون من العمل بأخبار الآحاد، ومن العمل بالقياس
في الشريعة، ويعيبون أشد عيب، الذاهب إليهما، والمتعلق في الشريعة بهما،
حتى صار هذا المذهب - لظهوره وانتشاره - ضرورة منهم، وغير مشكوك فيه من
أقوالهم (4).
وقال في المسألة التي أفردها في البحث عن العمل بخبر الواحد: إنه تبين
في جواب المسائل التبانيات أن العلم الضروري حاصل لكل مخالف للإمامية
أو موافق، بأنهم لا يعملون في الشريعة بخبر لا يوجب العلم، وأن ذلك صار
شعارا لهم يعرفون به (5). انتهى.
ووجه عدم التنافي: أن محل الدعويين مختلف، فإن مراد السيد نفي حجية
الخبر الواحد من حيث إنه خبر واحد، أي حجية كل خبر. ومراد الشيخ حجية

(1) عدة الأصول 1: 337 - 338.
(2) الفوائد الغروية والدرر النجفية، المقصد الثاني فيما يتعلق بأصول الفقه والأدلة الشرعية.
وهو مخطوط لأبي الحسن الشريف الفاضل النباطي.
(3) معارج الأصول: 147.
(4) جوابات المسائل الموصليات الثالثة (ضمن رسائل الشريف المرتضى) 1: 203.
(5) مسألة إبطال العمل بأخبار الآحاد (ضمن رسائل الشريف المرتضى) 3: 309.
444

تلك الأخبار المروية بطرق أصحابنا، المدونة في كتبهم، التي صرح السيد في
المسائل التبانيات بأنها معلومة، مقطوع على صحتها، إما بالتواتر، أو بأمارة
وعلامة دلت على صحتها وصدق رواتها. وقال: فهي موجبة للعلم مقتضية
للقطع، وإن وجدناها مودعة في الكتب بسند مخصوص من طريق الآحاد (1).
فلا خلاف بينهما في حجية تلك الأخبار، كما لا خلاف بينهما في عدم
حجية الخبر الواحد من حيث هو، كما صرح به المحقق في المعارج، قال: وذهب
شيخنا أبو جعفر إلى العمل بخبر العدل من رواة أصحابنا، لكن لفظه وإن كان
مطلقا، فعند التحقيق يتبين أنه لا يعمل بالخبر مطلقا، بل بهذه الأخبار التي
رويت عن الأئمة، ودونها الأصحاب، لا أن كل خبر يرويه إمامي يجب العمل
به (2). انتهى.
وكيف يقبل من له أدنى شعور، ادعاء مثل ذينك الجليلين ضرورة الشيعة،
وعلم كل موافق ومخالف، على أمرين متناقضين؟.
وأما ظاهر الكتاب، فهو قوله سبحانه: * (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) * (3) فإنه
يدل بمفهوم الوصف على حجية خبر كل من لم يعلم فسقه، وهذا المفهوم وإن لم
يكن حجة عندنا، إلا أنه لاشك في كونه مفيدا للظن.
إذا عرفت تلك المقدمات، فاعلم أن كلامنا تارة في جواز العمل بالأخبار
المدونة في كتب أصحابنا إلا ما أخرجه الدليل وإباحته، أو في وجوبه وحجتيها.
وعلى التقديرين، فالكلام: إما في الخبر في الجملة، وبعبارة أخرى: الخبر
المطلق منها، أو في جميع تلك الأخبار إلا ما أخرجه الدليل، وبعبارة أخرى
في مطلق هذه الأخبار.

(1) جوابات المسائل التبانيات (ضمن رسائل الشريف المرتضى) 1: 19، 21، 61.
(2) معارج الأصول: 147.
(3) الحجرات 49: 6.
445

فهنا أربع مقامات:
المقام الأول:
في إثبات جواز العمل بالأخبار في الجملة، أي بقول مجمل من غير تفصيل
لما يجوز العمل به أنه الجميع أو البعض.
والدليل عليه من وجوه ثلاثة:
أحدها: أنه مما لا شك فيه ولا شبهة تعتريه: أن الأخذ بتلك الأخبار والعمل بها، أو
ردها، أمر من الأمور وواقعة من الوقائع، فلا يخلو: إما يكون لنا في هذه
الواقعة المعينة حكم باق من الشارع، يجب علينا امتثاله ولا يجوز لنا تركه - كما هو
مقتضى قول من يقول بأن لنا في كل واقعة حكما، ومقتضى قول من يقول ببقاء
التكاليف (1) - أم لا، بل لا حكم في هذه الواقعة لنا، وهي في حقنا مسكوت عنها
مهملة.
فإن كان الثاني، فيجوز لنا العمل به قطعا، كما يجوز تركه بحكم ما مر
في المقدمة الأولى.
وإن كان الأول، فيجب علينا تحصيل الحكم فيها وامتثاله لا محالة; فلا
يخلو: إما أن تسلم أن ما نقيمه على حجيتها ووجوب العمل بها من الأدلة الآتية
مفيدة للعلم به - كما هو مقتضى الإنصاف - أم لا.
فإن سلمت، فقد ثبت المطلوب.
وإن لم تسلمه، فلا شك أنه لا دليل قطعيا على حرمة العمل بها، بل لا يمكن
وجوده مع ما ثبت في المقدمة الخامسة من ضرورة الظن بحجيتها لا أقل، فيكون
باب العلم بحكمنا الباقي في هذه الواقعة - أي العمل بالأخبار - منسدا، وبعد
انسداد باب العلم بالحكم فيها، وبقاء التكليف فيها، فلا مناص لنا من العمل

(1) انظر: الفصول الغروية: 277 - 278.
446

في هذه الواقعة بشئ آخر غير العلم; وليس هو الاحتياط بحكم المقدمة الرابعة، لدوران الحكم فيها بين الوجوب والحرمة بإجماع الأمة.
فهو إما مطلق الظن به كما يقتضيه قول العاملين بالظن من أنه بعد سد باب
العلم وبقاء التكليف يجب العمل بالظن، أو ظن مخصوص، أو أمارة خاصة
ثبتت خصوصيتها أو التخيير، أو الأصل ليس إلا، إذ لا يوجد شئ آخر يمكن
استنباط حكم هذه الواقعة منه أو يستند إليه فيها.
وعلى جميع التقادير ثبت جواز العمل بالأخبار.
أما على التخيير، أو العمل بالأصل في هذه الواقعة، فظاهر.
وأما على العمل بالظن مطلقا، أو الظنون الخاصة، فبحكم المقدمة
الخامسة.
أما الظن المطلق فظاهر.
وأما الخاص فلأنه ليس ظن خاص يصلح لاستنباط حكم الخبر منه إلا
الأخبار، أو، الاشتهار أو الإجماع المنقول. ومقتضى الكل حجية الخبر.
بل وكذا الكتاب، لأن آية النبأ تدل عليها بمفهوم الوصف، الذي هو مفيد
للظن، وإن اختلفوا في حجيته.
فإن قلت: ادعى السيد الإجماع على عدم حجيته (1).
قلنا - مع أنه ليس إلا على نفي حجية الخبر الواحد من حيث إنه خبر واحد،
أي مطلق الخبر، لا الخبر المطلق، كما هو مقصودنا -: إن غاية الأمر معارضته مع
الإجماعات المنقولة على الحجية، فيتعارضان، ولا يحصل الظن بواسطة
الإجماع المنقول، فترفع اليد عنه، ويرجع إلى سائر طرق الظن.
فإن قيل: الآيات المانعة عن العمل بما ليس بعلم، وبالظن، تدل على حرمة

(1) انظر: جوابات المسائل الموصليات الثالثة، ومسألة إبطال العمل بأخبار الآحاد (ضمن رسائل
الشريف المرتضى) 1: 203 و 3: 309.
447

العمل بالأخبار، والكتاب معلوم الحجية، فيكون حكم الخبر معلوما لنا، وهو
حرمة العمل.
قلنا: لا دلالة لشئ من الآيات على ذلك أصلا; لأن ما يتوهم دلالته منحصر
في قوله سبحانه: * (ولا تقف ما ليس لك به علم) *، (1) وقوله تعالى: * (إن يتبعون
إلا الظن) * (2)، وقوله عز شأنه: * (وما يتبع أكثرهم إلا ظنا) * (3)،
وقوله عز جاره: * (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) * (4).
والآية الأولى خطاب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا دخل لها بنا،
سيما مع تفاوت حالنا، فإن باب العلم له صلى الله عليه وآله - بالوحي
والإلهام - في الأحكام مفتوح، ولنا مسدود، مع أن المعلوم حجيته لنا من الكتاب
ما كان خطابا لنا أو لمن يشملنا أيضا (5).
والثانية لا تدل على الحرمة إلا باعتبار تضمنها المذمة، والمذمة إنما وقعت على
عدم اتباعهم غير الظن، لا على اتباعهم الظن.
وكذا الثالثة والرابعة لا تدل إلا على أن الظن غير مغن عن الحق، ولا دلالة
على حرمة العمل، فإن قولك: الهدية لا تسقط الدين، لا يدل على حرمة
الهدية.
نعم لو كنا في مقام الاستدلال بالخبر أو الظن على شئ، أو كنا نقول: إن
التكليف بأحكام باق لنا ولا بد من استخراجها بالخبر أو الظن، ترده الآية بأن الظن
لا يغنى من الحق شيئا. وأما مطلوبنا، فهو جواز الأخذ بالخبر، والعمل بما يفيد،
هذا

(1) الإسراء 17: 36
(2) الأنعام 6: 116، يونس 10: 66، النجم 3: 23، 28.
(3) يونس 10: 36.
(4) يونس 10: 36، النجم 53: 28.
(5) في (ج): في الأحكام أيضا.
448

مع أنه لو سلمنا دلالة الآيات الثلاث على الحرمة، لدلت على حرمة اتباع
الظن، وهو الحالة النفسانية المسماة برجحان أحد الطرفين، وحرمة اتباعه لا تدل
على حرمة اتباع الخبر الذي هو قول أصلا، وشتان ما بينهما.
ألا ترى أنه يصح أن يقال: لا يجوز للقاضي اتباع ظنه في المرافعات، ويجب
عليه العمل بقول الشاهد، فإن الظن أمر والخبر أمر آخر.
نعم قد يحصل منه الظن، وحينئذ يكون هو سببا لحصوله.
نعم لو كان ينهى عن اتباع مطلق ما يفيد الظن أو كل ما يفيده، لجاز أن يقال
بشموله للخبر، ولكن النهي إنما هو عن اتباع الظن، فيمكن أن يكون اتباع بعض
ما يفيده حجة لخصوصيته، أو خصوصية بانضمام إفادته الظن، أي يتبع الأمران،
فيمكن أن لا يجوز اتباع الظن، ويجوز اتباع القول، أو اتباع الظن والقول معا،
لا من حيث إنه ظن، بل من حيث إنه خبر مثلا، أو خبر وظن معا.
فإن قيل: الكتاب وإن لم يدل على حرمة العمل بالخبر، إلا أن الأخبار المانعة
عن العمل بما ليس بعلم تدل على حرمة العمل بالخبر. وهي وإن لم يثبت حجيتها
بعد، إلا أنه يمكن جعل الاستدلال بها قطعيا، بأن يقال: لو جاز العمل بالخبر لجاز
العمل بهذه الأخبار، ولو جاز العمل بها لم يجز العمل بخبر، كلما كان كذلك
فهو باطل قطعا، نظير ما قلناه في نفي حجية مطلق الظن.
قلنا أولا: إن هذا إنما يتم لو كان المراد هنا (1) جواز العمل بكل خبر، وليس
كذلك، بل المراد جواز العمل بالخبر في الجملة، ولا شك أنه لا يلزم من جواز
العمل بالخبر في الجملة جواز العمل بهذه الأخبار المانعة.
وثانيا: إنا سلمنا أن المراد إثبات جواز العمل بكل خبر، ولكن المراد العمل
بكل خبر لم يكن مانع من العمل به.
ومن الموانع المعارض ضرورة امتناع العمل بالمتعارضين، وامتناع ترجيح

(1) في (ه)، (ب)، (ح) زيادة: حجية.
449

أحدهما، والمانع للعمل بهذه الأخبار موجود، وهو الأخبار المتقدمة والآتية الدالة
على حجية الخبر، سيما مع أنها أخص مطلقا من الأخبار المانعة، ومعه لا يعمل
بالعام في مورد الخاص إجماعا وقطعا، ولم يقل أحد بحجيته فيه
فإن قيل: لعل ذلك الشئ الآخر (1) الذي يتبع في تعيين حكم الخبر هو (2)
الاحتياط في مدلوله، فإن كان مدلوله موافقا للاحتياط يجوز الأخذ به
أو يجب، وما كان مخالفا له يجب تركه، وما كان نسبة مدلوله وخلافه إلى
الاحتياط متساوية يتخير فيه.
قلنا: من البديهيات بطلان الترجيح بلا مرجح، والتعيين بلا معين، فيبطل
احتمال وجوب الأخذ باحتياط (3) دون آخر.
وعلى هذا فنقول: لا شك في أن من يعمل بالخبر لا يمنع من الاحتياط، فإن
ورد خبر أن الشئ الفلاني طاهر، لا يمنع من الاجتناب عنه، وإنما يمنع من رد
الخبر والحكم بأن هذا الشئ نجس، أو الحكم بفساد البيع الذي ورد عليه إذا ترافع
المتبايعان (4)، ونحو ذلك.
فالمراد من رد الخبر المخالف مدلوله للاحتياط إن كان محض الاجتناب عن
مدلوله، فهو غير رد الخبر (5).
وإن أريد الحكم بموافق الاحتياط في مدلوله، فهو رد الخبر، وهو أيضا
خلاف الاحتياط، لاحتمال وجوب قبوله، وترجيح الأول لا وجه له وترجيح بلا
مرجح.
فإذا ورد أن الثوب الملاقي للفأرة طاهر، فلا بحث لأحد من القائلين بحجية

(1) في (ب): لشئ آخر، وفي (ه‍)، (ح): بالشئ الآخر.
(2) في (ه‍)، (ح): وهو.
(3) في (ب): بالاحتياط.
(4) في النسخ: إذا ترافعا المتبايعين.
(5) في (ب)، (ح): فهو رد غير الخبر.
450

الخبر وغيرهم في جواز نزعه عند الصلاة احتياطا، ولكن ليس الكلام فيه، بل
نقول: هذا الذي لا يصلى فيه هل يحكم بنجاسته، أو نقول: لم يثبت الحكم
بنجاسته، أو نقول طاهر؟ وأي منها كان (1)، يكون خلاف الاحتياط، لاحتمال
وجوب قبول الخبر، واحتمال وجوب رده، وكل من الأمور الثلاثة مخالف
لأحدهما.
وكذا إذا صلى أحد مع مثل ذلك الثوب، فهل يقال بوجوب الإعادة، أو لا
يقال؟ والكل خلاف الاحتياط.
الدليل الثاني: أنه لا يخلو إما لم يصدر من الشارع حكم في خصوص العمل
بالأخبار، أو صدر.
فعلى الأول، فجواز العمل بها ظاهر.
وعلى الثاني، لا يخلو - كما هو الظاهر بل المتيقن للإطباق على أن للعمل
بالأخبار حكما، ولدلالة الأخبار المتواترة عليه - فإما لا يكون هذا الحكم باقيا لنا،
أو يكون باقيا.
فعلى الأول: لا يكون لنا فيه حكم، فلنا أن نعمل ما نشاء أيضا.
وإن كان الحكم - وهو إما وجوب العمل بها، أو حرمته، أو جوازه - باقيا لنا،
فإما أن يكون الحكم أحد الأحكام لا على التعيين، أو يكون حكما معينا.
فعلى الأول: يكون الحكم التخيير، وجواز العمل عليه ظاهر.
وإن كان حكمنا معينا، فإما لم يعينه لنا ولم يجعل لنا سبيلا إلى التعيين، أو
عين وجعل لنا سبيلا إليه.
والأول باطل; لكونه تكليفا بما لا يطاق.
فإن قيل: إنما هو إذا كان الحكم الوجوب أو الحرمة، وأما الجواز
فليس تكليفا.

(1) في (ج): وبأي منهم قال.
451

قلنا: إن كان الحكم الجواز فثبت المطلوب.
فإن قلت: يلزم التكليف بما لا يطاق إذا لم يمكن الاحتياط.
قلنا: هو هنا غير ممكن; لدوران الأمر بين الوجوب والتحريم، سلمنا
الإمكان، لكن نقول: هل يجوز ترك الاحتياط أو لا؟ فإن لم يجز، فهو السبيل
المعين، ويأتي فساده. وإن جاز، فنقول: فما حكم من لم يرد الاحتياط؟
وعلى الثاني، فالمعين - بالكسر - إما هو العلم، أو غير العلم. الأول باطل;
لأنه ليس بمعلوم، فتعين الثاني. وغير العلم الذي يمكن تعيين حكم الخبر به،
ويصلح معينا له منحصر بالأصل، والأخبار، والظن، والاحتياط. والثلاثة
الأولى مثبتة لجواز العمل أو وجوبه، والرابع غير ممكن كما مر.
فإن قيل: لعل المعين هو الاحتياط في المدلول والمورد، فيجب الأخذ بكل
خبر كان مدلوله موافقا للاحتياط، ويحرم الأخذ بما لا يكون كذلك.
قلنا: لا يفيد (ليت ولعل) في التعيين، فلعله لا يحرم الأخذ بما لا يكون
كذلك، فلم يتعين.
فإن أردت أنه تتعين حرمة الأخذ والعمل بما لا يكون موافقا للاحتياط، فإن
كان ذلك بلا معين فهو تحكم بحت، وإن كان لأجل معين، فأين هو؟ وما هو؟
وأما مجرد الاحتمال فلا يكفي في التعيين، وإلا يحتمل وجوب الأخذ
أيضا، فلا يمكن أن يكون الاحتياط هو المعين، مع أنه يتعارض الاحتياطان حينئذ
لو حكم بوجوب ترك المخالف للاحتياط، إذ يمكن أن يكون قبول الخبر فيما كان
مورده خلاف الاحتياط والحكم بمقتضى الخبر واجبا.
بل نقول: ليس مورد من الموارد التي يخالف الاحتياط فيها مدلول الخبر إلا
و (1) يحصل التعارض في الاحتياط، كما إذا ورد: أن الشئ الفلاني طاهر، ثم ورد
عليه البيع أو لاقى ثوبا، وصلي فيه.

(1) في (ه‍)، (ج)، (ح) زيادة: قد.
452

فإن حكمت بفساد المبايعة والصلاة للاحتياط في المدلول، خالفت
الاحتياط.
وإن حكمت بصحته، حكمت بقبول الخبر، لأن مثل ذلك محل الكلام.
وإلا فجواز الاحتياط في كل مورد، فهو مما لا يقبل المنع، فلا يمكن أن يكون
الحكم فيه الاحتياط مطلقا.
الدليل الثالث: أنه إن لم يكن لنا في الخبر حكم باق، فلا بحث على العامل (1) به
كما مر.
وإن كان، فيجب علينا تعيين مأخذه، وتحصيل المتبع في ذلك الحكم
ولا شك في انسداد باب العلم بالمتبع فيه، فينحصر طريق تعيينه بالخبر، أو الظن،
أو التخيير، أو الأصل، أو الاحتياط.
والأخير غير ممكن; لأنه مردد بين الوجوب والحرمة، والبواقي تثبت
المطلوب، فالعمل بالأخبار وقبولها جائز قطعا.
الدليل الرابع: أنا لو لم نقل بقيام الدليل العلمي على وجوب العمل بالخبر،
ولا الدليل الظني، فمن البديهيات الواضحة أنه لا دليل علميا أو ظنيا على
حرمته، فبحكم ما مر في آخر المقدمة الأولى (2) يمتنع (3) كونه حراما علينا، فيكون
جائزا، وهو المطلوب.
المقام الثاني:
في إثبات جواز العمل بكل خبر من الأخبار، الذي لم يعلم بطلانه، ولم يقم
دليل علمي ولا ظني على عدم حجيته، والحاصل كل خبر غير مظنون البطلان.

(1) في النسخ: فلا يجب على العامل به.
(2) من أم ما لا دليل على حرمته يجوز فعله، ويقبح العقاب عليه ويمتنع، سيما إذا قابله احتمال
الوجوب.
(3) في (ه)، (ح): يمنع.
453

والدليل عليه هو الدليلان المتقدمان في إثبات جواز العمل بالخبر في الجملة
بعينهما.
وتقرير الثاني منهما واضح.
وتقرير الأول: أنه يقال في كل خبر خبر من تلك الأخبار: إنه لا شك في أن
العمل بذلك الخبر أو رده واقعة من الوقائع، وأمر من الأمور. فإما يكون لنا فيه
حكم باق من الشارع، أو لا.
فعلى الثاني يثبت المطلوب، كما مر.
وعلى الأول يجب علينا تحصيل حكمه، وباب العلم به منسد، كما
هو المفروض عند الخصم، فلابد من العمل بشئ آخر غير العلم في استخراج
حكم العمل بهذا الخبر وعدمه، وليس هو إلا الظن المطلق، أو الخاص، أو
الأمارة المخصوصة.
وليس شئ من هذه الأمور دالا على عدم حجيته وحرمة العمل به; لأنه
المفروض، ولا يمكن العمل بالاحتياط - كما مر - فإما يعمل بالتخيير، أو الأصل،
وهو مع الجواز، أو يعمل بالأدلة الظنية الدالة على حجيته، كالأخبار المتقدمة
والآتية، ومقتضاها جواز العمل أيضا.
ولو فرض عدم دليل ظني على حجيته أيضا، وليس (1) على حرمة
العمل به أيضا، فيكون المرجع الأصل أو التخيير بديهة، كما مر
في المقدمات.
فإن قيل: يعمل بالأخبار الناهية عن العمل بغير العلم.
قلنا: قد عرفت جوابه.
فإن قيل: إن آية النبأ تدل على رد خبر الفاسق، ومقتضاها: عدم حجية الخبر
الذي يتكلم فيه إن كان راويه فاسقا واقعا، أو شرعا، أي بواسطة الأصل.

(1) في: (ج): فليس.
454

قلنا: لا دلالة لها أصلا، كما يأتي في بعض العوائد الآتية (1) إن شاء الله.
المقام الثالث:
في إثبات حجية الخبر المطلق، أي الخبر في الجملة على الوجه الذي لا يبقى
فيه للمنصف الماهر شك وريبة، والمتعسف المكابر لا يجديه ألف دليل وحجة.
ولنا على ذلك المطلب الواضح السبيل وجوه من الأدلة:
الدليل الأول: أنه قد ثبت لك في العائدة السابقة: أن مجرى عادة الله سبحانه
وحججه الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، في بيان تكليف العباد، وشرح
الأحكام لهم، على طريقة متعارفهم ومعتادهم.
وأن كل ما جرت عليه عادة الناس في الإطاعة والعصيان، وعليه مدارهم
وبناؤهم، فهو مبنى الإطاعة والعصيان في أحكام الله سبحانه - ولذا يسلكون
معهم في استخراج المعاني من الألفاظ المسلك المتعارف
في المحاورات - ويعد غيره عاصيا.
وبالجملة: الحجة لنا هو العلم العادي، أي ما علم اعتباره في عادة الناس.
ومما جرت عليه عادة الناس طرا من بدو العالم إلى هذا الزمان: أن كل مطاع
في قوم له أحكام بالنسبة إليهم - بل كل شخص له أشغال وأمور مع جماعة -
لا يطلب منهم في كل واقعة واقعة العلم، بل بناؤهم على قبول أخبار الثقات،
سيما مع انضمام بعض القرائن المؤكدة للظن، سيما إذا كثرت الأحكام
وتشعبت، وتعدد المحكومون وانتشروا.
هؤلاء السلاطين والامراء والحكام ينفذون الرسل إلى البلاد، ويكتبون
المكاتيب التي هي أيضا أخبار كتبية إلى الناس، ويريدون العمل بها وبأقوال
الرسل، ويحضرون الناس بإرسال شخص واحد لإحضاره، ويريدون إجابته،

(1) يأتي في عائدة: 47.
455

ومن لم يقبل يستحق العقاب والمؤاخذة إلا مع ضم ما يفيد ظن التزوير، أو
الفحص عن تحصيل العلم مع إمكانه. ويعد في العرف ممتثلها مطيعا، والراد لها
عاصيا مخالفا.
وهؤلاء التجار بناؤهم وعادتهم في المعاشرات والمعاملات على الأخبار
القولية والكتبية، وهكذا الأصدقاء والأحباب، بل على ذلك جرت عادة أهل كل
علم وعمل.
هذه كتب المنجمين مشحونة بالإخبار عما استنبطه واحد بواسطة الإرصاد أو
التجارب; وتلك كتب الأطباء مملوءة من الإخبار عن الطبائع والتجربيات; وتلك
كتب اللغة مشتملة على الإخبار عن الأوضاع اللغوية; وكذا كتب علوم الأدب
متضمنة للإخبار عن القواعد الأدبية.
وبالجملة: هذه طريقة مستمرة وعادة مستقرة بين الناس، عليها بناء الإطاعة
والعصيان، بحيث يعلمها كل أحد.
انظر إلى أنه لو جاء ثقة إلى عبد من مولاه بأمر أمره به، فلم يلتفت إليه ولم
ينهض إما للامتثال أو لتحصيل العلم، يذمه العقلاء، ويحكمون باستحقاقه
العقاب، سيما إذا انضم معه ثقة آخر، أو كتاب من المولى.
بل يعلم قطعا: أن جميع الأنبياء المبعوثين إلى العباد، كانوا جارين على ذلك
المنوال، فيأمرون أممهم بواسطة المخبرين الثقات، وكذا أوصياؤهم، كما عليه
جرت عادة الحكام وأولوا الأحكام. وليست عادتهم في ذلك بأدون من عادتهم
في استخراج المعاني من الألفاظ بأصل الحقيقة، وأصل عدم القرينة، وعدم
النقل، ونحو ذلك.
بل ليس علمنا بجريان عادتهم على ذلك بأدون من علمنا بكثير من البلاد
النائية والقرون الخالية، ومن كوننا مكلفين بأحكام غير ما علم ضرورة
من الشريعة، بل التشكيك في ذلك كالتشكيك في مقابلة البديهة.
فإن قيل: نحن نسلم ذلك، ولكن المعلوم لنا من عادة الناس وطريقتهم:
456

عملهم مطلقا أو عند سد باب العلم أو عند تكثر الأحكام وتعدد المحكومين بالظن
مطلقا، لا خصوص الخبر.
وبالجملة: نعلم أن بناء الناس في الإطاعة والعصيان، والأوامر والنواهي،
لا ينحصر بالمعلومات القطعية، بل يعملون بالظنون القوية، إما مطلقا، أو مع
انسداد باب العلم، أو تعسر العلم.
قلنا - مع أن المشاهد من أحوالهم، والمعاين من عاداتهم، هو الرجوع إلى
الأخبار القولية والكتبية -: إنه لو سلمنا ذلك يثبت المطلوب أيضا.
أما أولا: فلأن مقصودنا - كما يأتي أيضا - هو الأخبار المفيدة للظن، لا كل
خبر وإن لم يفد الظن، فبعد حجية الظن يثبت حجية الخبر الظني أيضا.
وأما ثانيا: فلأن كل من يقول بحجية الظن يقول بحجية الخبر المفيد للظن
أيضا، ولا عكس، فبعد تسليم حجية الظن يثبت حجية الخبر المفيد للظن.
وأما ثالثا: فلأن حجية الظن تستلزم حجية الخبر; لما عرفت من كونه
المظنون (1) الحجية، وحصول الظن بحجيته.
الدليل الثاني: تقرير المعصوم لنا بضميمة الحدس والوجدان.
فإنا نعلم قطعا أن جميع المكلفين من الرجال والنسوان والصبيان في أوائل
البلوغ - سيما بعد انتشار الإسلام في البلاد النائية والقرى والبوادي، حتى بلاد
العجم والترك - كانوا يعملون في أحكامهم ومسائل حلالهم وحرامهم بأخبار
الثقات، ورواياتهم، وكتبهم، ورسائلهم، ومكاتيبهم. فالصبيان كانوا يقبلون
أخبار آبائهم، والنسوان أقوال رجالهم، والعوام روايات علمائهم، وإن كانوا
يتفحصون عن أحوالهم.
ونعلم قطعا أنهم لم يكونوا مقتصرين على المعلومات، فإن طرق العلم
محصورة، وأكثرها للأكثر في الأكثر قطعا منتفية. فإن الشئ يعلم إما (2) بالعقل،

(1) في (ج): مظنون.
(2) في (ب): إما يعلم.
457

أو العادة، أو الحس، أو الإجماع، أو الخبر المتواتر، أو المحفوف بالقرينة.
ولا سبيل للأولين إلى (1) الأحكام الإلهية والآداب الشرعية غالبا.
والثالث غير ميسر إلا للمتمكنين من التشرف بشرف السماع من الحجج
المعصومين.
والرابع لم يكن متحققا إلا في مسائل قليلة، مع أن العلم به للنسوان
في البيوت وأهل القرى والبوادي والبلاد البعيدة - سيما في زمن الأئمة، التي
لم ينتشر فيها علماء الشيعة، وكان فيها مانع التقية - متعسر، بل متعذر، وكذا
الأخيرين.
ولم يكن في الأحكام في الأغلب باعث ظن في تلك الأزمان سوى الأخبار
القولية أو الكتبية، وكانوا يعملون بها، ويعلم أئمتهم ذلك، ويقرونهم عليه، بل
يعلم المتتبع أنهم يرغبونهم عليه، ويأمرونهم به.
واحتمال أن يكون عملهم بها لأجل حصول العلم لهم باعتبار عدم
الالتفات إلى احتمال الخلاف وإن أمكن في حق قليل من عوامهم الغير
الفطنين (2)، ولكنه معلوم الانتفاء في حق الأكثر، سيما مع وجود الاختلافات
الكثيرة في الأخبار.
الدليل الثالث: الإجماع القطعي.
فإن حجية تلك الأخبار في الجملة ووجوب العمل بها، مما لا يصلح محلا
للنزاع أصلا، بل صار هو ضروري المذهب والدين، وليس علمنا بوجوب العمل
بتلك الأخبار في الجملة أضعف من علمنا بكوننا مكلفين كذلك.
ونعلم قطعا أنه لو تركت الأحاديث رأسا لخرب الدين والمذهب، والتارك لها
يؤاخذ ويعاقب (3)، وتبطل أحكام شرع الرسول، ويصبح الدين غير ما أتى به، كما

(1) في (ج): في، (ه): أي.
(2) في (ج): المتفطنين، وفي (ب): الفطين.
(3) في (ح): يعاتب.
458

صرح به شيخنا الأقدم الشيخ المفيد، ناقلا عن بعض مشايخه (1).
وطريق علمنا بذلك طريق علمنا ببقاء التكاليف، والخروج من الدين،
والعدول عن سيرة العلماء الراسخين، برفع اليد عنها.
ويبينه: أنا نرى أصحاب أئمتنا ومن يليهم من علمائنا المتقدمين وفقهائنا
المتأخرين ورواة الأخبار وحكاة الآثار من عهد أول الحجج إلى زماننا هذا،
يعملون بالأخبار الآحاد من تلك الأخبار المدونة في كتب الأصحاب، ويجعلونها
أدلة للأحكام الشرعية، من الموجودين في زمان المعصومين واللاحقين لهم
في زمان الغيبتين إلى زماننا هذا.
حتى أن قديم الأصحاب وحديثهم إذا طولبوا بصحة ما أفتوا به، عولوا على
تلك الأخبار المنقولة في أصولهم المعتمدة، ويسلم لهم خصمهم.
وكذا ترى أنه وقع الاختلاف بينهم بحسب اختلاف الأحاديث، وهذا شاهد
صدق على أن عملهم كان بتلك الأخبار.
ونراهم شديد الاهتمام بضبط الأحاديث وتدوينها، حتى سطروا الأساطير،
وملأوا الطوامير، ودونوا فيها كتبا وأصولا، واستعملوا في تقسيمها أبوابا
وفصولا.
وقل من مشاهير أصحاب الأئمة وعدولهم من لم يكن له أصل أو كتاب جمع
فيه أحاديث الأطهار، حتى أن أربعمائة من أصحاب الصادقين عليهما السلام جمعوا
أربعمائة أصل، اشتهر ذكرها في الأقطار.
ولم يوجد من علماء الأمة وفحولهم من لم يصرف برهة من عمره في تأليف
كتاب جمع فيها متفرقات الأخبار
وقد بذلوا سعيهم في نشره وترويجه، حتى أنه ما سمع أحد منهم حديثا
إلا أسمعه غيره، ونقله له قولا أو كتابة، قراءة أو إجازة، حيث إن أكثرها

(1) نقله عن رسالة الانتهاء للمفيد في مناهج الأحكام: 169، الفصل الثاني في السنة، منهاج: في حجية
الخبر الواحد.
459

وصلت إلينا مع بعد العهد وطول الزمان، وتوفر الدواعي على
الإخفاء والكتمان.
وصرفوا عمرهم في تصحيحه من حيث اللفظ تارة ومن حيث المعنى أخرى،
حتى وضعوا كتبا في بيان معاني الأخبار، ووضعوا مؤلفات في توضيح أحاديث
الأئمة الأطهار. ومن حيث الإسناد ثالثة، حتى اجتهدوا في ضبط أسانيدها،
وبحثوا عن حال رواتها، وميزوا العدل من المجروح والثقة من الضعيف، وصنفوا
كتبا - مختصرة ومطولة - في بيان أحوال الرجال وصفاتهم.
وأيضا ما وجدنا كتاب فقيه أو رسالة منه يشتمل على مسألة من الفروع
من الصدر الأول إلى هذا الزمان، إلا وقد استدل فيه بخبر أو أخبار. وما رأينا
مصنفا من مصنفات عالم في الأحكام من أول الأمر إلى يومنا هذا، إلا تمسك فيه
بهذه الروايات. ولم يختص ذلك بوقت دون وقت، ولم ينحصر في زمان
دون زمان، ولم يقتصروا في ذلك على باب مخصوص من أبواب الفقه،
ولا مسألة مخصوصة من مسائله.
ولا يتوهم أن المانعين من العمل بالآحاد - كالسيد ومن اقتفى أثره - لا يعملون
بها، فإن منعهم إنما هو من العمل بالآحاد من حيث هي آحاد، أي إذا لم ينضم
معها قرينة، ويدعون أن أكثر أخبارنا مضمومة مع قرائن مفيدة للعلم.
ألا ترى كتبهم مشحونة بالاستدلال بالأخبار، فهم مانعون من العمل
بالأخبار الغير المعلومة صحتها، لا (1) بتلك الأخبار المدونة في كتب أصحابنا، بل
يعملون بها، ويرون حجيتها، قائلين بكونها مقطوعة.
ألا ترى أنه قال السيد في جواب المسائل التباينات: إن أكثر أخبارنا المروية
في كتبنا مقطوع على صحتها، إما بالتواتر، أو بأمارة وعلامة دلت على صدق
رواتها وصحتها، فهي موجبة للعلم، مقتضية للقطع وإن وجدناها مودعة

(1) في (ه‍)، (ب)، (ح): الا.
460

في الكتب بسند مخصوص من طريق الآحاد (1). انتهى.
وبالجملة: ليس غرضنا إثبات حجية الآحاد من حيث هي آحاد، بل حجية
هذه الأخبار المودعة في المعتبرة من كتب أصحابنا الواصلة إلينا بطريق الآحاد.
وليس من علمائنا من منع من العمل بها، بل هم - مع كثرتهم وانتشارهم - بين قائل
بوجوب العمل بها لأجل كونها مقطوعة الصحة، وقائل بوجوبه لإفادتها الظن،
وقائل بوجوبه تعبدا. فيكون حجية تلك الأخبار في الجملة ووجوب العمل بها إجماعيا.
ويكشف النقاب عن ذلك: ادعاء كثير من أجلة الأصحاب الإجماع عليه
من المتقدمين والمتأخرين، منهم الشيخ الطوسي، والمحقق، والعلامة، وشيخنا
البهائي (2). وقال بعض الأجلة بعد ذكر أمارات وشواهد على العمل بالآحاد: فحصل
من جميع ما ذكرنا أن إطباقهم على هذه الطريقة من غير نكير منهم، إجماع منهم
على الجواز، فيدل عليه الإجماع وتقرير المعصوم عليه السلام (3). انتهى.
فمن ملاحظة تلك الأمور يحصل العلم باتفاقهم على العمل بتلك الأخبار
في الجملة، واتفاقهم كاشف عن قول الحجة، فيكون الخبر الواحد حجة
في الجملة قطعا في زمان الغيبة لغير المتمكن من تحصيل العلم، فإنه الثابت من
الإجماع.
فإنه لو كان الاتفاق من علماء عصر واحد والمجتمعين على حالة واحدة،
لأمكن التخصيص بذلك الزمان وهذه الحالة. ولكنا وجدناهم من زمان

(1) نقله بعينه في معالم الدين: 197، وانظر: جوابات المسائل التبانيات (ضمن رسائل الشريف
المرتضى) 1: 26.
(2) انظر عدة الأصول للشيخ الطوسي: 1: 337 - 338، ومعارج الأصول للمحقق: 144، ونهاية
الأصول للعلامة: 414، ومشرق الشمسين للشيخ البهائي: 269.
(3) قوانين الأصول 1: 438.
461

المعصومين عليه السلام إلى زماننا هذا به عاملين، وبه محتجين، جيلا بعد جيل، وطبقة
عقيب طبقة، من غير تخصيص بزمان أو حالة، بل يمكن ادعاء الضرورة على
ذلك.
لا يقال: إن السيد ومتابعيه قد عملوا بتلك الأخبار لأجل انضمام القرائن إليها،
وهي الموجبة لحجيتها، فاللازم حجيتها لمن وجدت له القرينة.
قلنا أولا: إنا لا نحتاج في إثبات الإجماع إلى موافقة السيد وتابعيه، بل العلم
بالإجماع حاصل من غير جهته ومع قطع النظر عنه، لانقطاع عصرهم وحكم
الحدس به لولاهم أيضا.
وثانيا: إنا نعلم علما قطعيا أنه لم ينضم إلى تلك الأخبار في عصر السيد
وموافقيه قرائن مفيدة للعلم القطعي بصحة تلك الأخبار، لفقدانها في زمن
المعصومين أيضا، بل المراد ما يحصل به الاطمئنان للنفس، من القرائن التي توجد
لنا أيضا من وجود الخبر في أصل معتبر، أو كون رواته من العدول الثقات،
أو الموافقة لعمل جمع من الأصحاب، إلى غير ذلك.
بل يمكن أن يكون المراد بالصحة - التي صرح السيد بأن هذه الأخبار مقطوعة
على صحتها - هو ذلك المعنى، وقد صرح بذلك بعض مشايخنا المحققين، قال
في رسالته في الاجتهاد والأخبار، بعد نقل عبارة السيد المتقدمة: الظاهر أن
فحوى الكتاب وأمثاله عند السيد من جملة تلك الأمارات، بل لا تأمل فيه - كما
لا يخفى على المطلع المتأمل - ولا خفاء في كونها ظنية (1). انتهى.
وثالثا: إن كل ما ذكرنا ونذكره - بطوله وتفصيله - أيضا قرائن لنا، منضمة مع
تلك الأخبار، موجبة للقطع بحجيتها ولو في الجملة. فإنا قد ذكرنا لك: أن
مقصودنا ليس حجية الخبر الواحد من حيث هو خبر واحد، بل الغرض حجية
تلك الأخبار التي في كتبنا المعتبرة.

(1) رسالة الاجتهاد والأخبار للمحقق البهبهاني: 79.
462

الدليل الرابع: الأخبار المحفوفة بالقرائن، المفيدة للقطع بحجية الأخبار الآحاد،
بل المتواترة معنى.
وبيان ذلك: أنه قد وردت أخبار كثيرة من الصحاح وغيرها، دالة على وجوب
العمل بالأخبار المروية عن أئمتنا الأخيار عليهم السلام، وانضمت معها قرائن
مفيدة للعلم بصحة مضامينها، وهي كثيرة جدا، وكثير منها واضح الدلالة.
وفي دلالة بعضها وإن أمكن نوع من المناقشات، إلا أن من ضم بعضها
مع بعض يحصل القطع بالحجية.
أما الأخبار فكثيرة:
الأول، والثاني: رواية العدة (1)، والتوقيع الرفيع (2)، المتقدمين في المقدمة
الخامسة.
الثالث: الحديث المدعى تواتره بين الفريقين، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من حفظ على
أمتي أربعين حديثا بعثه الله يوم القيامة فقيها) (3)، ولا شك أن الحفظ عليهم بدون
حجيته لا فائدة فيه.
الرابع: صحيحة أبي البختري عن الصادق عليه السلام، قال: (إن العلماء ورثة
الأنبياء، وذلك أنهم لم يورثوا دينارا ولا درهما، وأنما أورثوا أحاديث من
أحاديثهم، فمن أخذ بشئ منها فقد أخذ حظا وافرا) (4).
الخامس: رواية يزيد بن عبد الملك: تزاوروا، فإن زيارتكم إحياء لقلوبكم

(1) عدة الأصول 1: 379.
(2) كمال الدين وتمام النعمة 2: 483 / 5، الغيبة للشيخ الطوسي: 176، الإحتجاج للطبرسي 2: 283،
الوسائل 18: 101 أبواب صفات القاضي ب 9 ح 11.
(3) الخصال 2: 541، الأربعين: 6، الوسائل 18: 70 أبواب صفات القاضي ب 8 ح 72، بحار الأنوار
(2) 156 / 8، كنز العمال 10: 224، 225 ح 29182 - 29190، فيض الغدير 6: 119، الجامع الصغير
(2) 524 ح 8636 - 8637.
(4) الكافي 1: 32 / 2، الاختصاص: 4، بصائر الدرجات 1: 10 / 1، الوسائل 18: 53 أبواب صفات القاضي ب 8 ح 2.
463

وذكر لأحاديثنا، وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض، فإن أخذتم بها رشدتم
ونجوتم، وإن تركتموها ضللتم وهلكتم، فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم) (1).
السادس: صحيحة معاذ الهراء (2)، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني أجلس
في المسجد، فيأتيني الرجل، فإذا عرفت أنه يخالفكم أخبرته بقول غيركم، وإذا
كان ممن لا أدري، أخبرته بقولكم، وقول غيركم فيختار لنفسه، وإذا كان ممن
يقول بقولكم أخبرته بقولكم، فقال: (رحمك الله، هكذا فاصنع) (3).
فقرر عليه السلام معاذا، بل أمره بإخباره بقوله، مع علمه بعمل المخبرين بقوله، مع
كونه واحدا.
السابع: رواية معلى بن خنيس، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إذا
جاء حديث من أولكم وحديث من آخركم، بأيهما نأخذ؟ قال: خذوا (به حتى
يبلغكم من الحي، فإن بلغكم من الحي فخذوا بقوله). (4)
حيث أمر بالأخذ بقول الأول مع المخالف، ومعلوم أن الأخذ به بدونه أولى،
وأيضا أمر بالأخذ بما بلغ من الحي.
ويستفاد من ذلك الخبر: أن الأخذ بالأخبار كان مسلما بين الأصحاب، وإن
لم يعلموا الحكم عند الاختلاف.
الثامن: مرفوعة الكناسي عن الصادق عليه السلام: في قوله تعالى: * (ومن يتق الله
يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) * (5) قال: (هؤلاء قوم من شيعتنا
ضعفاء، وليس عند هم ما يتحملون به إلينا فيسمعون حديثنا ويقتبسون من علمنا،

(1) الكافي 2: 186 / 2، الوسائل 18: 61 أبواب صفات القاضي ب 8 ح 38.
(2) في المصدر: وكان أبو عبد الله عليه السلام يسميه النحوي.
(3) التهذيب 6: 225 / 539، علل الشرائع 2: 531 ب 315 ح 2، اختيار معرفة الرجال: 252، الوسائل
18: 108 أبواب صفات القاضي ب 11 ح 36.
(4) الكافي 1: 67 / 9، الوسائل 18: 61 أبواب صفات القاضي ب 8 ح 38.
(5) الطلاق 65: 2، 3.
464

فيرحل قوم فوقهم وينفقون أموالهم ويتعبون أبدانهم حتى يدخلوا علينا،
فيسمعوا حديثنا فينقلونه إليهم، فيعيه أولئك ويضيعه هؤلاء، فأولئك الذين
يجعل الله تعالى لهم مخرجا، ويرزقهم من حيث لا يحتسبون) (1).
مدح هؤلاء العاملين بهذه الأخبار المنقولة بوساطة هؤلاء الأشخاص الغير
العاملين بمضامينها والتاركين لها.
التاسع: ما رواه في المحاسن عن الباقر عليه السلام، قال: (والله لحديث تصيبه
من صادق في حلال وحرام خير لك مما طلعت عليه الشمس حتى تغرب). (2)
العاشر: ما روي في الجامع عن الباقر عليه السلام أيضا، قال: (لحديث واحد تأخذه
من صادق خير لك من الدنيا والآخرة) (3)، والصادق في العرف واللغة: من له
ملكة الصدق، أو من لم يظهر منه خلافه إلا نادرا.
الحادي عشر: ما رواه الصدوق عن النبي صلى الله عليه وآله: (المؤمن وحده حجة) (4).
الثاني عشر: ما رواه الكشي في العالي السند الصحيح: أنه ورد
توقيع - يعني من المهدي عليه السلام - على القاسم بن العلاء، وفيه: (إنه لا عذر لأحد
من موالينا في التشكيك فيما يرويه (5) عنا ثقاتنا) (6).
وهو يدل على وجوب العمل بكل ما يرويه الفقهاء رواة الأحاديث; لأنهم
ثقاتهم، لأنه عليه السلام جعلهم حكاما على الناس وحجة عليهم، وروايتهم عنهم أعم
من أن تكون بالواسطة أو بدونها، ثقة كانت الواسطة أم لا.

(1) الكافي 8: 178 / 201، الوسائل 18: 64 أبواب صفات القاضي ب 8 ح 45.
(2) المحاسن: 227 / 157 ب 11، الوسائل 18: 70 أبواب صفات القاضي ب 8 ح 69، مستطرفات
السرائر: 157 / 26.
(3) انظر المحاسن: 227 / 156، وأمالي المفيد: مجلس 5: 42 / 10، الوسائل 18: 70 أبواب صفات
القاضي ب 8 ح 70.
(4) الخصال 2: 584
(5) في المصدر (فيما يؤديه).
(6) رجال الكشي: 535 / 1020 الوسائل 18 / 108 أبواب صفات القاضي ب 11 ح 40.
465

الثالث عشر: ما رواه الشيخ في كتاب الغيبة بسند عال صحيح، عن أبي جعفر
الثاني عليه السلام في بني فضال، أنه قال: (خذوا بما رووا ودعوا ما رأوا) (1).
دل بالإجماع المركب على وجوب الأخذ بقول كل من كان ثقة وإن لم يكن
إماميا.
الرابع عشر: ما رواه الإمام في تفسيره عن آبائه عليهم السلام، أنه قال: (أتدرون
من المتمسك به، أي بالقرآن؟ قال: هو الذي أخذ القرآن وتأويله عنا أهل البيت
من وسائطنا السفراء عنا إلى شيعتنا) (2).
الخامس عشر: ما روي في الروايات المتكثرة من الصحاح وغيرها من قولهم:
(ما خالف أخبارهم فخذوه)، وقولهم: (خذوا بما خالف القوم) (3).
السادس عشر: ما روي في الروايات الكثيرة أيضا من قولهم: (خذ بما
اشتهر بين أصحابك) (4).
فإنه إذا وجب الأخذ بما خالف العامة، أوما اشتهر بين أصحابك مع وجود
المعارض، فيجب الأخذ به مع عدمه بطريق أولى، وإذا ضم معه الإجماع
المركب، يدل على حجية جميع الأخبار.
السابع عشر: قولهم في روايات متكثرة صحيحة وغيرها: (بأيهما أخذت
من باب التسليم وسعك) (5).
الثامن عشر: ما رواه الكشي مسندا، عن مسلم بن أبي حية، قال: كنت عند أبي
عبد الله عليه السلام في خدمته، فلما أردت أن أفارقه ودعته وقلت: أحب

(1) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: 239 - 240، الوسائل 18: 103 أبواب صفات القاضي ب 11 ح 13.
(2) تفسير العسكري عليه السلام: 14.
(3) الكافي 1: 68 / 10، الاحتجاج 2: 107، وانظر الوسائل 18: 84 أبواب صفات
القاضي ب 9 ح 29 - 34.
(4) الكافي 1: 68 / 10، التهذيب 6: 302 / 845، المستدرك 17: 303 أبواب صفات القاضي ب 9 ح 2.
(5) الكافي 1: 66 / 7، الاحتجاج 2: 304، وانظر الوسائل 18: 87 أبواب صفات القاضي ب 9 ح 39 -
41.
466

أن تزودني، قال: (ائت أبان بن تغلب، فإنه قد سمع مني حديثا كثيرا، فما روى
لك عني فاروه عني) (1).
حيث أمر بأخذ مسلم عن أبان، وأمره بالرواية، ولا شك أنها ليست إلا
للعمل.
ثم التشكيك في دلالة بعض تلك الأخبار المتضمنة لمثل: (بأحاديثهم)
و (أحاديثنا) و (جاء حديث من أولكم) باعتبار احتمال ما كان مقطوعا به عنهم،
ليس بصحيح; لأن المراد بهذه الألفاظ: الحديث المنسوب إليهم، المروي عنهم،
لا المقطوع بكونه منهم; لأن الحديث على ما عرفوه جميعا: هو ما يحكي قول
المعصوم عليه السلام أو فعله، أو تقريره، وذلك صادق على كل ما روي عنهم ولو
بوسائط.
ومعنى حدث عن فلان: أي أخبر عنه، وحديث الشخص: ما يحكى عنه.
وأيضا إطلاق هذه الألفاظ على ما يروى عنهم شائع، بل الظاهر المتبادر
من هذه الألفاظ مجرد الانتساب، فحديث الشخص حقيقة فيما يروى عنه،
وعدم صحة السلب يؤكده.
وقد أطلق في الأحاديث الكثيرة على ما لا يقطع بكونه منهم أيضا، كما
في مقبولة ابن حنظلة، وفيها: وكلاهما اختلفا في حديثكم، قال: (الحكم
ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث) (2). وفي رواية زرارة: يأتي عنكم الحديثان والخبران المتعارضان، إلى أن قال:
(خذ بما يقول أعدلهما عندك، وأوثقهما في نفسك) (3)، فإن مع العلم بصدور
الحديث لا معنى لاعتبار الأصدق.

(1) رجال الكشي: 331 / 604، الوسائل 18: 106 أبواب صفات القاضي ب 11 ح 30.
(2) الكافي 1: 67 / 10، التهذيب 6: 301 / 845، الفقيه 3: 5 / 18 بتفاوت، الاحتجاج 2: 106 - 107،
الوسائل 18: 75 أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.
(3) عوالي اللآلي 4: 133 / 229، المستدرك 17: 303 أبواب صفات القاضي ب 9 ح 2.
467

وفي صحيحة هشام: (ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلت، وما جاءكم
يخالف كتاب الله فلم أقله) (1).
مع أن في التوقيع الأول: (إن رواة حديثنا حجتي عليكم وارجعوا إليهم) (2)،
ومن أين يحصل للمأمورين بالرجوع إليهم أن الأحاديث التي يروونها مقطوعة؟
ولو علموا فلا حاجة لهم إلى رواة الأحاديث أصلا.
وكذا ما في صحيحة البختري من قوله: (فمن أخذ بشئ منها) (3)، فإن
الظاهر من التفريع: أن من أخذ بشئ من الأحاديث عن العلماء، غاية الأمر أن
العلماء علموا صحة الحديث، وأما الآخذون فمن أين يحصل لهم ذلك العلم؟
وقوله في رواية ابن عبد الملك: (وأنا بنجاتكم زعيم) (4) دليل على أن المراد
ليس ما قطع بكونه من الإمام، إذ حصول النجاة من الأخذ بالمقطوعات يقيني.
وفي مرفوعة الكناسي (5) تصريح بعدم القطعية، أو تعميم; لأن المدح للذين
أخذوا من هذه الوسائط، لا الذين أخذوا الحديث من المعصوم عليه السلام.
وأما القرائن المنضمة إليها، فغير محصورة جدا:
الأولى: الروايات الكثيرة الآمرة بأخذ الأحكام من روايات أشخاص
معينين، نحو: أحمد بن إدريس (6)، ومحمد بن مسلم (7)، وأبان

(1) الكافي 1: 69 / 5، المحاسن: 221 / 130، الوسائل 18: 79 أبواب صفات القاضي ب 9 ح 15.
(2) كمال الدين وتمام النعمة 2: 483 / 4، الاحتجاج 2: 283، الغيبة للشيخ: 176، الوسائل 18: 101
أبواب صفات القاضي ب 11 ح 9.
(3) مر في هامش حديث الرابع ص 463.
(4) مر في هامش حديث الخامس ص 463.
(5) مر في هامش حديث الثامن ص 464.
(6) رجال النجاشي: 92 رقم 228.
(7) اختيار معرفة الرجال: 135 / 215، الوسائل 18: 104 / 18، 21 - 26 وفي بعضها
بعد قول الراوي: إنه ليس كل ساعة ألقاك، ولا يمكن القدوم ويجئ الرجل من أصحابنا فيسألني و
ليس عندي كل ما يسألني عنه، قال عليه السلام: (ما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي، فإنه سمع من أبي،
وكان عنده وجيها).
468

ابن تغلب (1)، وزرارة (2)، ومحمد ابن عثمان العمري (3)، وأبي بصير الأسدي (4)
- رضوان الله تعالى عليهم - وغيرهم (5).
الثانية: الروايات الغير المحصورة الواردة في الترغيب على الرواية، والحث
عليها من الصحاح والموثقات والحسان وغيرها (6).
الثالثة: الروايات المتوافرة الآمرة بحفظ الرواية وإبلاغها (7).
الرابعة: الروايات الواردة في كيفية الرواية، من النقل بالمعنى، والإسناد
إلى صاحبها (8).
الخامسة: الروايات المقبولة، المتواترة معنى في كيفية الجمع بين الأخبار
المختلفة (9).
السادسة: الروايات المستفيضة المتضمنة: لأن من سمع شيئا من الثواب

(1) اختيار معرفة الرجال: 331 / 604، الفقيه 3: 23، الوسائل 18: 101 أبواب صفات القاضي ب 11
ح 8، وفي بعضها: إن أبان بن تغلب قد روى عني رواية كثيرة، فما رواه لك عني فاروه عني.
(2) اختيار معرفة الرجال: 135 / 215 و 136 / 217 - 219، الوسائل 18: 104 أبواب صفات القاضي
ب 11 ح 18 - 21. وفي بعضها: فإذا أردت حديثا فعليك بهذا الجالس، وأومى إلى زرارة، أو: لولا
زرارة لاندرست أحاديث أبي.
(3) الكافي 1: 329 / 1، الغيبة للشيخ: 177، كمال الدين وتمام النعمة 2: 485 / 4، الإحتجاج
(2) 283، الوسائل 18: 99 أبواب صفات القاضي ب 11 ح 4 و 9، وفي بعضها: العمري وابنه
ثقتان، فما أديا فعني يؤديان.
(4) اختيار معرفة الرجال: 136 / 218، الوسائل 18: 103، أبواب صفات القاضي ب 11 ح 15. و
فيهما: ربما احتجنا أن نسأل عن الشئ فمن نسأل؟ قال عليك بالأسدي، يعني أبا بصير.
(5) انظر الوسائل 18: 98 الباب 11 من أبواب صفات القاضي، باب وجوب الرجوع في القضاء
والفتوى إلى رواة الحديث.
(6) الوسائل 18: 54 أبواب صفات القاضي، ب 8 ح 7 و 99 ب 11 ح 3. وفيه: اعرفوا منازل الناس
على قدر روايتهم عنا.
(7) الوسائل 18: 52 أبواب صفات القاضي ب 8 ح 1 - 4.
(8) الوسائل 18: 55 أبواب صفات القاضي ب 8 ح 11 - 13.
(9) الوسائل 18: 75 أبواب صفات القاضي ب 9.
469

فعمل به كان له أجره (1).
السابعة: الروايات المشهورة القائلة بأنه: (قد كثرت علي الكذابة) (2)، و (أنه
قد كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله) (3) وما تواتر عن أهل البيت من: (أنا أهل البيت
الصادقون لا نخلو عن كذاب يكذب علينا) (4)، فإنه لولا حجية الأخبار لما كان
للكذب عليهم وجه.
الثامنة: الروايات الواردة في أنه: (اعرفوا منازل الرجال على قدر رواياتهم
عنا) (5).
التاسعة: الأحاديث الواردة في الأمر بحفظ كتب الأحاديث وكتابتها
ونشرها وبثها (6)، والأخبار بهذه المضامين التسعة قد بلغت حدا يتعسر إحصاؤها
وجمعها في كتاب.
العاشرة: استدلال أصحابنا قديما وحديثا بهذه الأخبار المروية في كتب
أصحابنا.
الحادية عشر: كون الاختلاف بين العلماء بحسب اختلاف الأخبار، مثل:
اختلافهم في العدد، والرؤية في الصوم، وفي وقوع التطليقات الثلاث بلفظ
واحد، وفي قدر الكر، وفي استئناف الماء لمسح الرأس، وفي أقصى مدة النفاس،
وفي ولاية الأب على البكر الرشيد، وغير ذلك.
الثانية عشر: اهتمام العلماء في جمعها وتدوينها على ما مضى بيانه (7).

(1) وفي روايات من بلغه ثواب على عمل. انظر الكافي 2: 87 / 1 - 2، المحاسن: 25 / 1 - 2: ثواب
الأعمال: 160، الإقبال: 627، الأربعين: 194، الوسائل 1: 59 أبواب مقدمة العبادات ب 18.
(2) الكافي 1: 62 / 1، الوسائل 18: 153 أبواب صفات القاضي ب 14 ح 1.
(3) الكافي 1: 62 / 1، الوسائل 18: 153 أبواب صفات القاضي ب 14 ح 1.
(4) اختيار معرفة الرجال: 108 / 174 و 305 / 549، الاحتجاج 2: 264.
(5) الكافي 1: 50 / 13، اختيار معرفة الرجال: 2 / 1 - 3، الوسائل 18: 54 و 99 و 109، أبواب صفات
القاضي ب 8 ح 7 وب 11 ح 3 و 41.
(6) الكافي 1: 51، الوسائل 18: 52 أبواب صفات القاضي ب 8.
(7) مضى في ص 459.
470

الثالثة عشر: سعيهم واجتهادهم في ضبط الرواة والاسناد، وبيان كيفية
أحوال الرجال وتعديلهم وجرحهم، حتى وضعوا لبيان أحوالهم علما، وصنفوا
فيه كتبا.
الرابعة عشر: جدهم في تبيين معاني الأخبار وتفاسيرها، حتى أن أصحاب
المنقولات بينوها بظواهرها، وأرباب المعقولات أولوها ببواطنها.
الخامسة عشر: إرسال الرسول والولي الرسل إلى القبائل والعشائر،
والاعتراضات المذكورة لذلك إنما تضر إذا أريد الاستدلال به وحده.
السادسة عشر: عمل الصحابة والتابعين المذكور في السير والتواريخ وكتب
الأحاديث بأخبار آحاد في موارد متكثرة.
السابعة عشر: عمل أصحاب الأئمة بمكاتيبهم الشريفة، التي هي أيضا أخبار
كتبية وإن كان بخط الإمام، وهي بلغت حد الكثرة ما يحصل به العلم.
الثامنة عشر: قول الرسول صلى الله عليه وآله والأئمة في موارد كثيرة: (فليبلغ الشاهد
الغائب) (1)، ولولا حجية خبر الشاهد لم تترتب فائدة على تبليغه.
التاسعة عشر: ما يعلم قطعا من عمل الموجودين في زمن الأئمة عليهم السلام
في تلك المدة الطويلة، سيما في البلاد البعيدة بالأخبار المروية.
العشرون: الإجماعات المنقولة كما مر (2).
الحادية والعشرون: ظاهر الآية الشريفة (3)، فإنه وإن دل عليه بمفهوم
الوصف، ولكنه يصلح مؤيدا وقرينة، وكذا ظاهر قوله سبحانه: * (فلو لا نفر
من كل فرقة) * (4)، وقوله عز شأنه: * (والذين يكتمون ما أنزلنا) * (5).

(1) الكافي 1: 403 / 1 - 2، الوسائل 18: 63 أبواب صفات القاضي ب 8 ح 44.
(2) مر في ص 461.
(3) وهي قوله تعالى: * (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) * الحجرات 49: 6.
(4) التوبة 9: 122.
(5) البقرة 2: 174.
471

الثانية والعشرون: ملاحظة العرف والعادة كما مر، إلى غير ذلك من القرائن
المنضمة، التي يعثر عليها المتتبع، وقد ذكرنا بعضا آخر أيضا في كتاب أساس
الأحكام.
ومن البديهيات أن كل من راجع وجدانه يعلم أن تلك الأخبار الواردة في
العمل بالروايات - المتعاضدة بعضها ببعض، الواردة في موارد مختلفة، المؤيدة
بعمل الأصحاب من العلماء، المقرونة بقبول جمهور الفقهاء، المؤكدة بسعيهم
في العمل بمضمونها ومعناها، واجتهادهم في الأخذ بمنطوقها وفحواها،
المعتضدة بسائر ما ذكرنا من القرائن المتكثرة والأمارات والشواهد المتعددة - ليست
خالية عن الصدق والواقعية، ولا عارية عن الصواب ونفس الأمرية.
المقام الرابع:
في إثبات حجية كل خبر حصل الظن بصدقه - إما من جهة الراوي،
أو من جهة أخرى خارجية - إلا إذا كان دليل على عدم حجيته،
والدليل عليه - مضافا إلى أن كل ما يدل على حجية الخبر في الجملة من طريقة
العرف، والعادة، والإجماع، والخبر المحفوف بالقرينة، يدل على حجية كل خبر
مظنون الصدق لم يدل على عدم حجية دليل آخر، إذ على ذلك جرت طريقة عادة
الناس، وعلى ذلك انعقد الإجماع، إذ القدماء منا يعملون بالخبر الصحيح،
والصحيح عندهم ما يقترن بقرينة مفيدة للظن بصدقه. والمتأخرون المنوعون
للأحاديث إلى الأقسام الأربعة، نوعوها إليها لتمييز المفيد للظن من غيره (1)، ولذا
ترى يعملون بالضعيف المظنون صدقه بانجباره بالشهرة، أو (نحوه من) (2) الأخبار
المحفوفة بالقرائن، وقرائنها واردة على الأخبار المظنون الصدق أيضا أنه قد ثبت

(1) في (ب): ليميز المفيد للظن عن غيره.
(2) في (ب): نحوه و، وما بين القوسين ليس في (ج).
472

مما ذكر: حجية الخبر الغير المعلوم صدقه في الجملة، وأنه حكم الشارع بحجيته، وصدر حكمه المطاع بها.
فنقول: إن الذي حكم الشارع بحجيته ووجوب قبوله، إما مطلق الأخبار
المروية عنهم، أو نوع خاص منها.
فإن كان الأول ثبت المطلوب.
وإن كان الثاني، فتلك الخصوصية ليست من الأمور الراجعة إلى متنها
أو مدلولها، ولا من الأمور الخارجية التي لا مدخلية لها في مظنة صدق الخبر;
لعدم مدخلية تلك الخصوصيات في حكم الشارع بالحجية وعدمه قطعا وإجماعا
قطعيا بسيطا ومركبا; بل هذه الخصوصيات مما لا يصلح لكونها مناطا لحكم الشارع
بالحجية.
بل الأدلة القطعية المتقدمة على حجية الخبر في الجملة تنفي مدخلية هذه
الخصوصيات; لدلالتها على حجية الفاقد لما فرض من هذه الخصوصيات دخيلا
في الحجية، كما يظهر بعد فرضها.
مثلا إن قلت: إنه يمكن أن يكون ذلك النوع الخاص هو الخبر المقرر
أي الموافق للأصل، أو الناقل أي المخالف له.
نقول: انظر إلى أن طريقة العرف والعادة هو الاقتصار على أحد القسمين،
أو أحد من العلماء الذين ثبت بعملهم الإجماع اقتصر على واحد منهما; أو
الأخبار المحفوفة أو قرائنها كانت خاصة بأحدهما. وكذا إن قلت: إنه الخبر الموافق
للاحتياط، أو المخالف له.
وبالجملة هذا أمر بديهي في غاية البداهة، فإن كان الحجة من الأخبار نوعا
خاصا تكون خصوصيته راجعة إلى ما يتعلق بصدق الخبر من الأمور المتعلقة
بالإسناد أو القرائن الخارجية، لا يمكن أن يكون تلك الخصوصية العلم بصدق
الخبر; لأن المفروض كلامنا فيه، والثابت حجيته، وحكم الشارع بقبوله
في الجملة: هو الخبر الغير المتواتر، ولا المحفوف بالقرائن المفيدة للعلم بالصدق.
473

ولا خصوصية العلم بحجيته; لأن هذه الخصوصية لا تختص بالخبر، بل
مقتضى انتفاء التكليف فوق العلم، حجية كل ما علم حجيته، مع أن امتيازا
من هذه الجهة للخبر ثابت قطعا، ووقع الإجماع على حجيته، وتواترت الأخبار
عليها، وجرت العادة فيها.
فإن قيل: لعله لأجل تحقق الخبر المعلوم حجيته، ولذا حكم الإمام عليه السلام
بحجيته.
قلنا: نعلم أن الأخبار في نفسها - مع قطع النظر عن جهة العلم بالحجية
وخصوصيته - حجة واجبة القبول، وإلا لم يقرر الإمام عليه السلام عليه; لوجوب الردع
عليه عما علم به ولم يكن مطابقا للواقع، وإلا لزم سد باب إرشاد الإمام عليه السلام لمن
علم خلاف الواقع; لأنه مكلف بمقتضى علمه (1) حين العلم قطعا.
وأيضا معنى الحكم بالحجية ليس إلا حكم الإمام بوجوب الأخذ به، فلو
لم يكن هذا الحكم مطابقا للواقع - مع قطع النظر عن جهة العلم به - لزم إغراؤه
بالجهل، فيعلم أنه مطابق للواقع مع قطع النظر عن العلم به.
والملخص: أنه إن كان حكم المعصوم الثابت بالإجماع والأخبار المحفوفة
وطريقة العلم لأجل أن كل ما علم حجيته فهو حجة، فلا يختص ذلك بالخبر.
وإن كان لأجل وقوع معلومية حجيته وتحققه كثيرا، لا مجرد الفرض
والكلية، فذلك يوجب حجيته في الواقع أيضا.
فانحصرت الخصوصية بالظن بالصدق، فكل خبر مظنون الصدق يكون
حجة.
فإن قيل: لعل تلك الخصوصية الظن بالصدق بطريق خاص.
قلنا أولا: إنه خلاف مقتضى أدلة حجية الخبر في الجملة، إذ كل خصوصية
من خصوصيات الظن فرضت ترى أعمية الأدلة منها.

(1) في (ب): حتى.
474

وثانيا: إنه خلاف الإجماع، إذ نرى الكل غير مكتفين بظن خاص، فإن
العامل بالصحيح - مثلا - يعمل بالموثق والحسن ومثل مراسيل ابن أبي عمير
وأخبار من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ومن لا يروي إلا عن ثقة
والمنجبرة بالشهرة، ونحو ذلك.
وثالثا: إنا سلمنا احتمال ذلك، ولكن يوجد في الأخبار المتقدمة الدالة على
حجية الخبر كل نوع من أنواع الأخبار المظنونة الصدق، التي يحتمل أن يكون
ذلك النوع محط الحجية - كوثاقة الراوي وصحة الرواية والانجبار بالشهرة و
غير ذلك - فبهذه الأخبار تثبت حجية كل خبر مظنون الصدق.
على أن الخصوصية التي يحتمل أن يكون لها مدخلية في ذلك - وقال به
بعضهم (1) - هي عدالة الراوي أو وثاقته، وليس هو إلا باعتبار دلالة آية النبأ على
اعتبارها، وسنبين إن شاء الله في بعض العوائد الآتية (2) عدم دلالة الآية المذكورة
على اعتبارها أصلا.
فإن قيل: لعل تلك الخصوصية موافقة مدلوله للاحتياط.
قلنا: قد عرفت أنه لا يمكن مدخلية تلك الخصوصية، سلمنا احتمالها، ولكن
نقول: إن الأخبار الدالة على حجية الخبر موافقة للاحتياط; لما عرفت في المقامين
الأولين من ثبوت جواز العمل بكل خبر قطعا، فالأمر فيه دائر بين الوجوب
والجواز، فالاحتياط يكون في العمل به.
المقام الخامس:
في بيان أصالة حجية الأخبار المروية عن أئمتنا الأطهار عليهم السلام إلا ما
أخرجه الدليل.

(1) انظر: معارج الأصول: 149، والمعالم: 201، ومفاتيح الأصول: 369.
(2) يأتي في عائدة 47.
475

وفائدة ذلك المقام بعد المقام السابق - مع أنا أثبتنا في كتبنا الأصولية أن جميع
الأخبار المروية في كتب الأحاديث المعتبرة مظنون الصدق (1) - تظهر في مثل الخبر
الضعيف، أو الموجود في بعض الكتب الغير الثابت اعتباره، المنجبر مدلوله
بالشهرة المحققة أو المحكية، أو بالإجماع المنقول، أو باشتماله على واحد ممن
أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، ونحو ذلك مما لم يثبت الإجماع على
عدم حجيته ويمكن الخدش في حصول الظن بصدقه، فإنه تطلب حجيته من ذلك
المقام.
والدليل على ذلك الأصل: هو الأخبار المتقدمة، الدالة على حجية الأخبار
مطلقا، كلا أو بعضا، فإنها مظنونة الصدق قطعا، كلا أو بعضا، بوجوه مختلفة:
من الوجود في الكتب المعتبرة، والصحة، ووثاقة الراوي، والانجبار بالشهرة
المحققة، وبالإجماعات المنقولة، وبتعاضد بعضها مع بعض، وغير ذلك.
فثبت منها عموما أو إطلاقا حجية جميع الأخبار التي جاءت عن أئمتنا،
ورويت عنهم عليهم السلام. خرج منها ما خرج بالدليل. ومنها ما لم يكن مظنون
الصدق، ولا موافقا ولا منجبرا بمثل أحد الأمور المذكورة، فيبقى الباقي، وهو
المطلوب.

(1) مناهج الأحكام: 169 الفصل الثاني في السنة، منهاج: في حجية الخبر الواحد.
476

عائدة (46)
في بيان جواز العمل بالأخبار وإجزائه
اعلم أنه لو قطعنا النظر عن ثبوت حجية الأخبار الآحاد، وأغمضنا عنه وعن
أنه يجب قبولها، ولا عذر في تركها، نقول: إن العامل بها معذور عند الله
سبحانه.
والحاصل: أن من قطع النظر عن إلزام الخصم على العمل، وأراد تحصيل النجاة
والخلاص من العقاب بواسطة التكاليف والأحكام، نقول: إنه يحصل بالعمل
بهذه الأخبار المروية، والعامل بها والآخذ بمدلولها ناج معذور وإن لم نقل
بوجوب الأخذ بها أيضا، كما أن العامل بالاحتياط في الأحكام معذور ناج
عند الكل وإن لم يكن واجبا.
والدليل على ذلك وجهان:
الأول: أنه لا يخلو; إما لا يكون تكليف لنا وحكم باقيا غير المعلومات، أو لنا
تكليفات اخر غيرها.
فعلى الأول: يجوز لنا العمل بالخبر والأخذ بمدلولاته; لعدم حكم
من الشارع لنا في موارد مدلولاته، فكل ما نفعل (1) فيها لا يكون علينا عقاب، بل
الظاهر كونه مستحسنا; لإنه أحد طرق متابعة السيد والمولى.

(1) في (ج): نعقل.
477

وإن كان لنا تكليفات باقية، ولم يسمع منا (1) العذر في تركها، فلا بد وأن
نعمل بشئ في فهم تلك التكليفات، واستخراجها وتعيينها; إذ من البديهيات
أنه إذا قرر أحد لغيره أحكاما، وكان باب العلم به منسدا، فلا محالة يطلب منه
تعيينها بمعين، ويجعل له مأخذا لفهمها، ويقرر له متبعا.
فنقول: ما يمكن أن يكون مأخذا للأحكام الغير المعلومة، والمتبع فيها ينحصر
بأمور خاصة هي: الأخبار، ومطلق الظن، والظنون المخصوصة غير الخبر،
والاحتياط، والتخيير - بمعنى أن له أن يختار كل حكم يريد في الوقائع الغير
المعلوم حكمها - والأصل، أي أصل الجواز والإباحة.
ليس الأخير قطعا، ولم يقل أحد ممن قال بوجود حكم غير المعلومات: إنه
منحصر بالإباحة. ومنه يعلم أنه ليس منحصرا بالتخيير أيضا، بل بالاحتياط
والظنون المخصوصة التي غير الظن الخبري، إذ كل من قال بوجود حكم غير
المعلومات لم ينحصر الأحكام بمدلولات هذه الأمور، ولم يقل أحد منهم بأن
الحكم منحصر بمقتضى أحد تلك الأمور.
فانحصر المتبع في الأخبار، أو مطلق الظن. فإن كان الأول ثبت المطلوب،
وكذا إن كان الثاني، فإن المطلوب الخبر المظنون صدقه.
وبتقرير آخر: كل من قال ببقاء أحكام غير المعلومات يقول: إما بحجية
الأخبار، أو مطلق الظن، وأي منهما كان ثبت المطلوب.
أو نقول - بعد فرض بقاء التكاليف وأحكام غير المعلومات، وحصر المأخذ
في الأمور الستة المذكورة -: إن أيا منهما كان ثبت المطلوب.
أما الخبر والظن المطلق فظاهر، كما مر.
وأما الظنون المخصوصة غير الخبر، فليست هي وما يصلح أن يكون مأخذ
الأحكام إلا الشهرة أو الإجماع المنقول، وهما يدلان على حجية الخبر أيضا.

(1) في (ب): عنا، وفي (ح): هنا.
478

وإن كان أحد الثلاثة الأخيرة، فثبت منه جواز العمل بالخبر أيضا.
أما الاحتياط، فلأنه قد عرفت في بعض المقامات العائدة السابقة (1) قطعية
جواز العمل بالخبر، فالأمر في العمل فيه مردد بين الوجوب والإباحة،
فالاحتياط فيه العمل بالخبر.
وأما التخيير أو الأصل، فلأن أحدهما إذا كان المأخذ للأحكام في الوقائع،
فيكون مأخذا في هذه الواقعة أيضا، أي قبول الخبر والعمل به ورده، ضرورة
بطلان الترجيح بلا مرجح، فيكون لك اختيار العمل به، ويكون الأصل إباحة
العمل به.
فإن قلت: العمل بالأصل أو التخيير أو الاحتياط، بل أو الشهرة أو الإجماع
المنقول في العمل بالخبر إنما يجوز لو لم يعارضه أحد هذه الأمور في مورده و
مدلوله. ولا مضايقة حينئذ في العمل بالخبر فيما كان الخبر موافقا للشهرة في
الحكم، أو الإجماع المنقول، أو الاحتياط فيه، أو التخيير أو الأصل فيه. ولكن
كيف يعمل بأحد هذه الأمور في نفس العمل بالخبر مع معارضته بمثله في مورده و
مدلوله.؟!
قلنا: كما أن الأصل أو التخيير أو الاحتياط أو غيرهما في المورد والمدلول
يعارض مثله في نفس الخبر، فكذلك العكس أيضا، أي العمل بالأصل أو
الاحتياط مثلا في المورد والمدلول يعارضه مثله في نفس العمل بالخبر، فإن
لم يكن العمل به في نفس الخبر لا يمكن أيضا في مدلوله. وترجيح الأخير
ترجيح بلا مرجح، فلا يمكن العمل بهذه الأمور في كل مورد يخالفه الخبر.
وحينئذ فنقول: إن في كل مورد يوافق فيه الأخبار مع هذه الأمور يجوز
العمل بالخبر قطعا، ويكون العامل به ناجيا. وفي كل مورد يخالف أحد هذه
الأمور، فلا يمكن العمل فيه بواحد من هذه الأمور للتعارض المذكور.

(1) تعرض في المقام الأول من العائدة السابقة.
479

مثلا: إن ورد خبر صحيح في حكم يخالف المشهور، فإن أخذنا بالشهرة في
الحكم، تركنا الشهرة في وجوب العمل بالخبر الصحيح، وإن أخذناه في نفس
الخبر، تركناه في الحكم، وهكذا الاحتياط وأخواه.
فنقول: إما لا حكم ولا تكليف لنا باقيا في مثل تلك الموارد، أو يكون باقيا.
فعلى الأول فلا خوف في العمل بالخبر أصلا، وعلى الثاني فلا يمكن أن يكون
مأخذه غير الظن المطلق أو الخبر; للانحصار فيه حينئذ، وأيهما كان يثبت
المطلوب.
فإن قيل: لعل المتبع هو ظواهر الكتاب.
قلنا: نفرض الكلام فيما لا حكم له فيها، فنقول: هل لنا حكم فيه أم لا؟ إلى
آخر ما ذكر.
الثاني: أنه إذا كان لنا تكاليف غير المعلومات، وكانت باقية لنا، غير مسموع
عذرنا في تركها، فإما لم يقرر الشارع لنا فيها مأخذا ومتبعا ولم يأمرنا بمتابعة مأخذ
فيها، أو قرر لنا فيها متبعا وأمرنا بأخذ أحكامنا منه.
الأول باطل قطعا; للقطع بأنه لو سألنا الإمام عليه السلام: أن باب العمل بهذه
التكاليف والأحكام الواجبة علينا امتثالها منسد، فمن أي شئ نفهمها ونأخذها،
وما متبعنا فيها؟ لا يقول: لا أدري، ولا يقول: لا يجب عليك فهمها و
استخراجها، وما أمرتك باتباع شئ فيها، بل يجيب بأن المتبع الأمر الفلاني،
ويجب عليك الأخذ به والفهم منه.
فإن قلت: نعم لو كان الإمام موجودا وسألته لأجاب بتعيين متبع، ولكن
الكلام في هذا الزمان الذي ليس فيه مسؤول، فلا متبع معينا.
قلنا: فما تفعل مع تلك الأحكام الباقية؟
فإن قلت: أعمل بالاحتياط، لا بمعنى أنه متبعك، بل لما لم يعلم المتبع،
فالعمل عليه.
قلنا: إن قلت: إنه واجب، فهو المتبع، وإن قلت: إنه ليس بواجب ويجوز
480

تركه، قلت: أنا أتركه، فهل تسقط عني الأحكام المذكورة؟
فإن قلت: نعم، فهو خلاف المفروض، وإن قلت: لا، قلت: فما حيلتي
في الإتيان بها، وما الواجب علي؟
فإن قلت: لا يجب عليك شئ، ارتكبت خلاف المفروض، وإن قلت:
يجب عليك الاحتياط، عينت المتبع، وإن قلت: يجب عليك الاحتياط من باب
المقدمة، فيكون أيضا واجبا.
وبالجملة: الحكم ببقاء التكاليف لنا غير المعلومات، وعدم وجوب أخذنا
إياها من مأخذ، مما لا يتصور له معنى سوى سقوط التكاليف، وهو خلف،
فيجب علينا أخذها من متبع ومأخذ لا محالة. والأخذ من متبع غير معين
غير ممكن، فيجب علينا تعيين ذلك المتبع والمأخذ لا محالة.
وما يمكن أن يكون متبعا ومأخذا للأحكام الفرعية الغير المعلومة في هذا
الزمان منحصر بأمور محصورة - كما مر في العائدة السابقة، وفي هذه
العائدة - في أمور خاصة هي الأخبار، أو الظن مطلقا، أو ظنون مخصوصة
غير الأخبار، أو الاحتياط، أو التخيير، أو الأصل. فيجب علينا تعيين المتبع من
بين هذه الأمور لا محالة.
وباب العمل بتعيينه منسد، وإلا لكانت التكاليف معلومة، فتعيينه أيضا لا بد
وأن يكون بأحد تلك الأمور، إذ ليس شئ آخر يدل على تعيين المتبع ويتكفل
بيانه، ويمكن استنباط التعيين منه، وكل منها كان المناط في تعيين المتبع يثبت منه
جواز العمل بالخبر.
أما الخبر فظاهر.
وأما الظن المطلق، فلما عرفت من مظنونية حجية الأخبار. وكذا الشهرة
والاجماع المنقول.
وأما الاحتياط، فلما عرفت من أن جواز العمل بالأخبار يقيني، فيكون
الاحتياط في العمل به، مع أنه لو كان الاحتياط هو مأخذ التعيين يجب الأخذ
481

بالجميع.
وأما إن كان التخيير والأصل، فيثبت أيضا جواز العمل بالخبر.
وأما الاحتياط في الأحكام، فلا يفيد في الاحتياط في تعيين المتبع.
فإن قيل: فلعل الكتاب هو المتبع في تعيين المتبع.
قلنا: لا يمكن فهمه منه، وإلا لكان الأمر سهلا.
482

عائدة (47)
في بيان احتجاج الأصوليين بآية النبأ في موارد كثيرة
قد اشتهر احتجاج الأصوليين والفقهاء بآية النباء في موارد عديدة وهي قوله
سبحانه: * (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما
فعلتم نادمين) * (1).
واستدلالهم بها تارة: لقبول خبر العادل في الرواية، أو الشهادة،
أو الإخبار. وهو إما بمفهوم الوصف، أو بمفهوم الشرط.
وقد بينا الحال في ذلك في كتبنا الأصولية (2)، وذكرنا: أن مفهومها الشرطي
غير دال، إذ مقتضاه عدم التبين في خبر الفاسق ان لم يجئ الفاسق بنبأ وإن جاء
العادل به، وأين ذلك من قبول خبر العادل؟
ومفهومه الوصفي وإن كان دالا، ولكنه ليس بحجة عند المحققين.
وأخرى: لعدم قبول خبر الفاسق، ومانعية الفسق لقبول الخبر من الروايات،
والشهادات، وسائر الأخبار، فيقولون: إن الآية تدل على وجوب التبين عند
مجئ الفاسق بالنبأ، فلا يكون مقبولا.
وقد يستدلون به على رد خبر مجهول الحال من الأخبار المروية عن الأئمة

(1) الحجرات 49: 6.
(2) راجع مناهج الأحكام: 167 الفصل الثاني في السنة، منهاج: في حجية الخبر الواحد.
483

الأطهار أيضا.
أقول: في الاستدلال بها على المطلبين - أي مانعية الفسق عن قبول مطلق
الخبر، وعدم حجية خبر مجهول الحال بل الفاسق من الأخبار المروية لنا - نظر.
أما الأول: فلأن مدلول الآية الشريفة ليس إلا وجوب التبين عند مجئ الفاسق
بالنبأ; ومعنى التبين: طلب ظهور الحال. فالمعنى: أنه إن جاءكم فاسق
بنبأ فتفحصوا عن حقيقة الحال، واطلبوا ظهوره وحقيقته.
وأما أن بعد الطلب والتفحص فما وظيفتكم، وما اللازم عليكم؟ فلا يظهر
من الآية.
وتوضيحه: أن بعد الطلب والفحص، فلا يخلو الحال من خمسة: إما يظهر
كذب النبأ، أو يظن، أو يتساوى الأمران ولا تظهر الحقيقة، أو يظن الصدق،
أو يعلم.
ولا شك في وجوب الرد على الأول، ووجوب القبول على الأخير، لا بمعنى
أنه يظهر من الآية، بل الحكمان معلومان عن الخارج بالإجماع وغيره.
وأما الوظيفة في الصور الثلاث الاخر، فلا تستفاد من الآية أصلا، ولا دلالة
لها عليها بوجه من الوجوه، فلا يثبت منها شئ. بل غاية ما يستفاد: عدم جواز
قبول خبر الفاسق بلا رؤية وطلب بيان، وأما بعد التروي وطلب الحال، فلا يعلم
الحكم منها.
وقد يتوهم استفادة الحكم من التعليل بقوله سبحانه: * (أن تصيبوا قوما
بجهالة) *.
وفيه أولا: أنه ليس كل نبأ وخبر مما يجري فيه العلة; لأنها إنما تكون
في مقام يتضمن إصابة قوم والإغارة عليهم، وهو لا يكون إلا في نادر
من الوقائع المماثلة لمورد نزول الآية الكريمة، مع أنه مع عدم ظهور الحال لا تحصل
الندامة.
وأما الثاني: فلما ذكر أيضا; ولأن من البديهيات أن الأمر بشئ وطلبه إنما يكون
484

مع إمكانه واحتمال حصوله (1). ومنه يعلم أن الأمر بالتبين وطلب ظهور حقيقة
الحال إنما يكون إذا أمكن الظهور واحتمل حصوله، وجوزنا تحققه.
وأما فيما علمنا عدم إمكانه، فلا يكون التبين مأمورا به، فإذا جاء فاسق بنبأ
لم يكن طلب ظهور حقيقة الحال فيه، لا يجب فيه التبين ضرورة. وأما أنه يجب
القبول بدونه أو الرد كذلك، فلا دلالة للآية عليه أصلا
ولا شك أن هذه الأخبار التي في أيدينا اليوم مما لا يمكن ظهور الحال لنا فيها،
ولا سبيل لنا إلى طلب ظهوره فيها أصلا، فلا يجب التبين فيها، وتكون هذه
الأخبار خارجة عن مورد الآية الكريمة.
ولا يقال: إن الظهور العلمي وإن لم يكن ممكنا فيها، ولكن قد يمكن ظهور
الحال ظنا بملاحظة حال الرواة، أو فتاوى الأصحاب، أو حال المعارضات.
قلنا: البيان والظهور حقيقتان في العلمي; لأنه البيان والوضوح، وأما
الظني فليس بيانا ولا ظهورا، وقيام الظن مقام العمل هنا عند تعذره مما لا دليل عليه
ولا شاهد، والأصل يقتضي العدم.

(1) في (ب) زيادة: وجوزنا تحققه.
485

عائدة (48)
نفوذ إقرار العاقل على نفسه
أجمعت الخاصة والعامة على نفوذ إقرار كل عاقل على نفسه، بل هو
ضروري جميع الأديان والملل، ودلت عليه الأخبار المستفيضة الواردة في موارد
خاصة جزئية متضمنة للأقارير، وصدور الحكم بمقتضاها (1).
وورد في الحديث النبوي أيضا أنه صلى الله عليه وآله قال: (إقرار العقلاء على أنفسهم
جائز) (2).
وقد يستدل أيضا بقوله: (قولوا الحق ولو على أنفسكم) (3)، وبقوله سبحانه:

(1) راجع الكافي 3: 528 / 4 و 538 / 4، و 6: 195 / 5، والفقيه 3: 84 / 302، 303 و 140 / 614، والتهذيب
7: 74 / 317 و 237 / 1037، و 8: 235 / 845 - 847، والوسائل 16: 132 كتاب الإقرار، وج
15: 214 أبواب أحكام الأولاد ب 102 ح 1، وج 16: 39 أبواب العتق ب 29 ح 1 و 2.
(2) عوالي اللآلي 1: 223، وج 2: 257، وج 3: 442; الوسائل 16: 133 كتاب الإقرار ب 3 ح 2،
وفيه: وروى جماعة من علمائنا في كتب الاستدلال عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إقرار.... وفي نفس
الباب أورد حديثا عن محمد بن علي بن الحسين في كتاب صفات الشيعة مسندا عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (المؤمن أصدق على نفسه من سبعين مؤمنا). وروى الكليني والشيخ عن أبي عبد الله عليه السلام أنه
قال: (لا أقبل شهادة الفاسق إلا على نفسه); انظر الكافي 7: 395 / 5، والتهذيب 6: 242 / 600،
والوسائل 16: 135 كتاب الإقرار ب 6 ح 1.
(3) الشهاب في الحكم ليحيى البحراني (ضمن كتاب البيان للشهيد) باب القاف، ص 36، إتحاف السادة
المتقين للزبيدي 9: 25، وفيه: (قل الحق ولو على نفسك).
487

* (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم) * (1).
ولكن في دلالة الأخيرين على إلزام كل أحد بمقتضى إقراره على نفسه نظرا،
فبقيت الثلاثة الأولى، وهي كافية في المقام.
ولكن ظاهر أن الأول - وهو الإجماع والضرورة - لا يفيد في كل مقام وقع فيه
الخلاف في أن مثل ذلك الإقرار هل هو مسموع أم لا؟
وكذا الثاني; لكون الأخبار واردة في موارد خاصة، كالإقرار بالولد
والنسب، وكون النساء مصدقات في أنفسهن، ونحو ذلك; فلا تفيد في غيرها
من مواضع الاختلاف.
فبقي ما يؤسس به الأصل، ويستخرج منه الفروع في المقامات المختلفة في
الثالث، وهو النبوي، ولا يضر ضعفه سندا; لكونه متلقى بالقبول، مشهورا في
كتب الخاصة والعامة، منجبرا متنه باستدلال الفقهاء كلا به، فهو الحجة العامة.
ومعنى الإقرار: الإثبات، يعني إثبات العقلاء شيئا على أنفسهم جائز.
والمراد بالجواز: النفوذ، لا ما لا حرج في فعله، أو المباح، إذ لا يختص ذلك
بالعقلاء ولا بما كان على النفس، بل يجري فيما كان لها أيضا; بل المعنى: أنه
يثبت على أنفسهم بإثباتهم.
ولا يشترط أن يكون ذلك باللفظ، ولا بالمدلول المطابقي، بل كل ما يقال في العرف إنه إقرار وإثبات.
ويختص نفوذه بما كان على النفس، فلا ينفذ ما كان للنفس أو على
الغير. ولا خفاء في شئ من ذلك ولا إشكال، وإنما الخفاء والإشكال في
مواضع:
أحدها: فيما كان المقر به أمرا واحدا
لا يمكن تحققه إلا بين اثنين، فأقر به
أحدهما.

(1) النساء 4: 135
488

وثانيها: فيما كان للمقر به لوازم، بعضها متعلق بالمقر وبعضها
بشخص آخر.
وثالثها: فيما كان تحقق المقر به وثبوته متوقفا على تعلق حكم بشخص
آخر.
فإنك ترى الفقهاء يحكمون في الأول بثبوت ذلك الشئ الواحد في حق
المقر دون الآخر، وبثبوت ما تعلق بالمقر من اللوازم دون غيرها، وبثبوت المقر به
دون ما يتوقف عليه، كما في مسألة ادعاء الشخص زوجية امرأة.
وكل ذلك من المشكلات، ونحن نبين وجه الإشكال في هذه المواضع وحله.
والتحقيق في المقام في ثلاثة مقامات:
المقام الأول:
في بيان وجه الإشكال في هذه المواضع.
ويتبين ذلك ببيان أمور:
الأول: أن الإثبات والإقرار على الضرر إما في حق الغير محضا، كأن
يقول: زيد سرق مال عمرو، أو في حق نفسه كذلك، كأن يقول: هذا ليس
مالي، أو علي درهم في سبيل الله، أو يكون في حقه وحق الغير معا.
وحكم الأولين واضح.
وأما الثالث فعلى قسمين; لأنه إما أن يكون إقرارا مركبا من أمرين يمكن
انفكاك أحدهما عن الآخر، يقر بأحدهما لنفسه وبالآخر للآخر، فيقول: بعت أنا
وشريكي تمام الدار.
أو يكون إقرارا بأمر واحد لا يمكن تحققه إلا بين اثنين.
وبعبارة أخرى: يكون اعترافا بأمرين يمتنع انفكاك أحدهما عن الآخر، كأن
يقر بمبايعة أو مصالحة أو مؤاجرة أو زوجية أو تطليق، أو يقر بأخوته لهند و
أختيتها له، أو ببنوته لعمرو وأبوته له، ونحو ذلك.
489

فما كان من الأول فالحكم فيه واضح، فينفذ في حق نفسه لا في حق الآخر.
وما كان من الثاني، فيشكل الحكم بنفوذ الإقرار فيه، بل لا يمكن الحكم به
لا في حق المقر ولا في حق الغير.
أما في حق الغير فظاهر.
وأما في حقه; فلعدم إمكان تحققه بدون الثبوت في حق الغير.
وبعبارة أخرى: إما يحكم بنفوذه في حقهما، فيلزم نفوذ الإقرار في
حق الغير وهو باطل شرعا، أو بنفوذه في حقه خاصة دون حق الآخر، وهو باطل
عقلا; لاستلزامه انفكاك ما يمتنع انفكاكه عن الشئ.
مع أنه لو حكم بعدم النفوذ أيضا لا يكون مخالفة فيه; لعموم النبوي، إذ
الثابت منه نفوذ الإقرار في حق النفس، وهذا إقرار بشئ واحد في حق النفس
والغير، فلا يشمله الخبر، بل ليس ذلك متبادرا من الإقرار على النفس.
وقد يقال في دفعه: إنه لا يحكم أحد بثبوت هذا الشئ أصلا لا في حقه
ولا في حق الغير، فلا يقال: قد تحقق البيع أو الزوجية أو الاخوة، ولم يتحقق
الشراء أو زوجية الزوجة أو الأختية. ولكن لكل من هذه الأمور آثارا ولوازم و
أحكاما خاصة بكل من الاثنين، فيحكم بثبوت الآثار المختصة بالمقر خاصة. فهذا
مراد من قال بالثبوت في حق المقر دون الطرف الآخر، وهذا محل الإشكال كما
يأتي.
الثاني: لابد وأن يشترط في نفوذ إقرار العاقل على نفسه عدم معارضته
بإقرار عاقل آخر على نفسه، فلو عارضه لم يعمل بشئ منهما; لعدم إمكان نفوذ
الإقرارين، للتعارض; ولا أحدهما، للزوم الترجيح بلا مرجح.
وذلك كما إذا قال أحد: إني سرقت درهم زيد، والآخر: إني سرقته، إذا
لم يكن هناك إلا درهم واحد وسارق واحد.
ومن هذا القبيل لو قال أحد: أنا زوج هذه المرأة، والآخر: أنا زوجها،
لو سمعنا لوازم الإقرار من ثبوت المهر ونحوه; لعدم إمكان ثبوت مهرين له.
490

أو قال هذا: أنا أبو هذا الصغير، والآخر: أنا أبوه، بالنسبة إلى النفقة
الواجبة على الأب.
ومن هذا القبيل: لو أقر زيد باشتغال ذمته لعمرو بمبلغ، وأنكره عمرو، فإن
إنكاره أيضا اعتراف في حق نفسه، ويلزمه أن يسقط الإقراران، مع أنهم قالوا:
إنه يثبت اشتغال ذمة زيد، ولكن ليس لعمرو مطالبته.
وهذا مشكل; لأن الأول كما يثبت الاشتغال يثبت الثاني عدم الاشتغال،
فترجيح الأول والاكتفاء في الثاني بعدم المطالبة لا وجه له.
والحاصل: أن الاشتغال بحق الغير أمر لا يمكن تحققه إلا بعد تحقق
الطرفين. وتحققه إنما هو إذا لم يصادفه إنكار الطرف الآخر، الذي هو أيضا
اعتراف في حق نفسه، ويلزمه الحكم بعدم ثبوت الاشتغال; لعدم الدليل عليه.
وأيضا الاشتغال يستلزم وجوب الأداء، وهو يتوقف على جواز الأخذ
والمطالبة، وإذا لم يجز ذلك، يلزم وجود الشئ بدون وجود ما يتوقف عليه،
وهو محال. ولذا لو قال أحد لزيد: أعط عمروا درهما، وقال لعمرو: لا تأخذه،
يعد ذلك تناقضا.
الثالث: الإقرار على النفس يكون تارة بالشئ نفسه، وحكمه واضح.
وأخرى يكون بما يتضمنه، وهو على قسمين: لأن المقر به الضمني إما يكون
مما يمكن تحققه في الخارج بدون الجزء الآخر أو ما يقوم مقامه، وله قوام بدونه;
أو ليس كذلك.
فالأول نحو: لفلان على مورثي (1) دينار، والثاني نحو: علي لفلان فرس،
فعلم من الخارج أو باعتراف المقر له أنه ليس عليه خصوص الحيوان الصاهل.
فعلى الأول يحكم بنفوذه في مدلوله التضمني، الذي هو قدر حصته; لأنه
يصدق أنه أقر به.

(1) في (ج): موروثي.
491

وعلى الثاني يلغوا الإقرار، ولا يثبت في مطلق الحيوان.
وثالثة بما يستلزمه، وهو أيضا على قسمين: لأن لزوم المدلول الالتزامي إما
يكون في مجرد المدلولية من غير تلازم بين الأمرين واقعا، فيمكن تحقق اللازم
بدون الملزوم، أو يكون لأجل التلازم بين المدلولين.
فالأول كقوله: رددت عليك الدراهم، في جواب من ادعى عليه دراهم،
فإنه يستلزم الإقرار بالأخذ قطعا، ولكن ليس الأخذ من لوازم الرد. فإن كان من
الأول يثبت الإقرار باللازم; لأنه ليس تابعا للمدلول المطابقي.
وإن كان من الثاني، فالإقرار إنما يكون بملزومه، ويجب أن يكون ثبوت
الإقرار باللازم حينئذ تابعا لثبوته في الملزوم، فإن ثبت ثبت، وإلا فلا; لأن ثبوته
إنما كان لثبوت ملزومه الذي لا يمكن انفكاكه عن اللازم، فإذا انتفى الملزوم انتفى
اللازم.
مثاله: هذا عبدي، فإن الإقرار بعبديته له يستلزم الإقرار بوجوب نفقته عليه،
فإذا أثبت شخص آخر أنه عبد له لا للأول، كيف يحكم بوجوب الإنفاق عليه؟
وكذا لو أنكر العبد عبديته له.
ومن ذلك القبيل: ما لو ادعى شخص زوجية امرأة، فإنها تستلزم المهر و
وجوب الإنفاق، وحرمة أمها وبنتها وأختها، وتحريم الخامسة عليه، وهكذا.
فإن حكمنا بثبوت الزوجية ببينة أو اعتراف المرأة، يحكم بثبوت اللوازم قطعا، و
إلا فيشكل الحكم بشئ منها; لأن ثبوتها إنما كان لأجل ثبوت ملزومها، وإذا
لم يثبت الملزوم فلا وجه لثبوت اللازم.
مع أنه قد وقع التصريح في كلام كثير من فقهائنا - قدس الله أسرارهم
الزكية - بثبوت الإقرار في هذه اللوازم; لأنه إقرار في حق نفسه (1).

(1) انظر شرائع الاسلام 2: 274، ومسالك الأفهام 1: 445، والروضة البهية 5: 123، وكشف اللثام
1: 30 كتاب النكاح.
492

ووجه الإشكال: أنهم إن أرادوا أنه أقر على نفسه بهذه اللوازم من حيث هي،
بمعنى أنه تعلق إقراره بها أصالة، ولذلك تثبت في حقه، يعني: أن الإقرار تعلق
بها بنفسها، وتثبت بواسطة الإقرار بها، فهو ممنوع. كيف؟ ويمكن أن يكون المقر
غير متصور لهذه اللوازم أصلا، أو تصورها ولم يتعلق قصده بإقرارها وثبوتها.
وإن أرادوا أنه أقر بما يستلزمها، ولأجل ثبوت الملزوم يثبت اللوازم، فهو
فرع ثبوت الملزوم. وقد عرفت الإشكال فيه في الأمر الأول.
وتوهم ثبوت الملزوم في حقه دون حق الطرف الآخر باطل بديهة، إذ يمتنع
الزوج بلا زوجة، بأن يكون هذا زوجا لها ولم تكن هي زوجته.
مع أن هاهنا كلاما آخر، هو أنا لو سلمنا ثبوت الزوجية في حقه، فلا نسلم
كونها ملزومة لهذه اللوازم، بل المسلم كون وجوب الإنفاق أو المهر لازما
لزوجية زوج ثبتت زوجيته بزوجة (1) لا مطلقا.
بل لا يثبت الإقرار باللازم ولو كان لازما بينا بالمعنى الأخص، إذ غايته
التصور، وهو غير مستلزم للإقرار، ولو كان ذلك إقرارا باللوازم، يلزم تسلط
مطالبة وارث الزوجة بالمهر; لأنهم لم ينكروا الزوجية أصلا.
والحاصل: أنهم إن أرادوا ثبوت اللازم لأجل الإقرار به، فلم يقر به
أصلا، وإن أرادوا ثبوته لأجل ثبوت ملزومه، فأنت لا تسلم ثبوته.
الرابع: معنى الإقرار على النفس: هو ما كان ضررا عليها، كما هو مقتضى
لفظة (على)، فلا يقبل الإقرار النافع إجماعا.
ولو أقر بشئ له جهتان: ضارة ونافعة، فإن كانت الجهتان منفكتين عن
الأخرى، فيقوم كل بنفسه ولم يكن فرعا لثبوت الآخر، وأقر بكل منهما على
حدة، ينفذ الإقرار على الضرر دون النفع.
نحو: له علي ألف بإزاء قيمة الفرس الذي باعة مني، في جواب من ادعى

(1) في (ه‍): لازما لزوجية زوج ثبت زوجية زوجته، وفي (ب): لازما لزوجة ثبتت زوجية زوجه.
493

الألف عليه مطلقا، فيقبل اشتغال ذمته بالألف ولا يحكم له بالفرس; لأن أول
كلامه إقرار بالألف عليه وآخره ادعاء له، فيقبل الأول دون الثاني.
وإن لم يقر بكل منهما على حدة، بل أقر بأمر واحد يستلزمهما، أو بالنافع
المستلزم للضار، يلزم أن لا يثبت شئ منهما; لما عرفت.
وإذ عرفت هذه الأمور الأربعة، تعلم وجه الإشكال فيما حكم به الفقهاء في
موارد عديدة: من ثبوت بعض الأمور التي لا يمكن تحققها إلا بين اثنين في حق
واحد دون الآخر، ومن ثبوت بعض اللوازم بشئ دون بعض، ومن حكمهم
بالاشتغال ووجوب الأداء على شخص وعدم جواز المطالبة لشخص آخر.
المقام الثاني:
في بيان حله.
وهو بعد بيان مقدمتين:
إحداهما: أن كل أحد مكلف بمقتضى علمه، وأنه لا تكليف فوق العلم، بل
جميع التكاليف متعلقة بالمعلومات دون نفس الأمر، مع قطع النظر عن العلم.
فكل من علم حرمة شئ عليه واعتقدها يحرم عليه، ومن اعتقد وجوبه عليه
يجب عليه، كما بين في موضعه.
بل كذلك جميع الأحكام، فالحكم بتحريم أم الزوجة متعلق بمن علم
زوجيتها، لا الزوجة الواقعية.
ولذا يحرم على من اعتقد زوجية امرأة له، نكاح أختها، ولو كان في الواقع
بينهما رضاع واقعا ولم يعلماه، ولا يحرم نكاح أخت من كانت زوجة له واقعا و
لم يعلماه، كالصغيرين اللذين زوجهما أبوهما، ولم يذكره الأبوان حتى ماتا.
وثانيتهما: أنه كما رتب الشارع آثارا وأحكاما على أمور وقرر لها لوازم،
يمكن أن يرتب على نفس الإقرار بشئ آثارا ولوازم، وإن لم يثبت المقر به أيضا،
ويكون هذا الأثر أثر الإقرار ولازمه، لا المقر به، كما إذا قال: من أقر بزوجية
494

زوجة يجب عليه كذا وكذا، ويكون اللازم حينئذ لازم الإقرار، ولا يلتفت إلى
ثبوت المقر به وعدمه أصلا.
إذا عرفت هاتين المقدمتين فنقول: إن كل ما مر في بيان وجه الإشكال في
المواضع الثلاثة صحيح لا غبار عليه، ولكن لازمه عدم ثبوت ما حكموا بثبوته
بالإقرار من الجهات التي استشكل فيها، ولا ينافي ذلك ثبوته من جهة أخرى.
والتوضيح: أنه يلزم الإشكال لو قلنا: إن الزوجية الواقعية تثبت في حق
الزوج دون الزوجة، والأبوة الواقعية تثبت دون البنوة. أو قلنا: إن تحريم أخت
من ادعى زوجيتها يثبت لأجل ثبوت الزوجية.
وليس الأمر كذلك، بل كل ما يحكم بثبوته من أمثال هذه المواضع، فإما
لدلالة دليل شرعي على أن الإقرار مستلزم لذلك الحكم، فيكون المحكوم بثبوته
من لوازم نفس الإقرار بشئ، ولو لم يثبت ذلك الشئ في الطرف الآخر أو في
الواقع، كما دلت الأخبار على ثبوت التوارث بالإقرار بالنسب (1)، ووجوب الحد
بالإقرار بالزنا (2).
أو لأن الإقرار بالشئ كاشف عن علم المقر بذلك الشئ واعتقاده تحققه،
فيحكم بوجود الطرفين بحسب علمه لا بحسب الواقع، فيحكم أن المقر زوج
باعتقاده والمرأة زوجته أيضا باعتقاده، ولكن كما أن للزوجية الواقعية أحكاما و
لوازم تترتب عليها في حق الطرفين، فكذلك للزوجية المعلومة أيضا أحكاما

(1) راجع التهذيب 6: 198 / 442، و 9: 163 / 669 و 670 و 339 / 1219 و 346 /، 1244 والكافي 7:
160 / 3 و 7 باب ميراث ابن الملاعنة، والفقيه 3: 117 / 500، و 4: 171 / 597، 598 والوسائل
13: 401 أحكام الوصايا ب 26 ح 3 و 5 و 6 و 7 و 17: 558 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 2 و
564 ب 6.
(2): راجع الكافي 7: 185 / 1 و 188 / 3 و 219 / 1، والتهذيب 10: 7 / 20 و 9 / 23 و 44 / 157 و
45 / 160، و 161 و 122 / 108 و 123 / 109 و 126 / 120، والفقيه 4: 20 - 22 ح 50 - 52،
والوسائل 18 / 318 أبواب مقدمات الحدود ب 11 و 12، 343 ب 32، و 377 أبواب حد الزنا
ب 16 ح 1 و 2 و 5.
495

بالنسبة إلى العالم فقط، حيث إنه مكلف بحسب علمه، ولا تكليف على غيره
لأجل اعتقاده، فإذا اعترف بالزوجية فقال: إني عالم بها، والعلم بها يستلزم
العلم بحرمة أمها مثلا، فتكون محرمة عليه; لأجل أنه مكلف بمقتضى علمه.
أو نقول: إن قول الشارع: حرمت عليكم أمهات أزواجكم (1)، معناه حرمت
أمهات من علمتم أنها أزواجكم; لتقييد التكاليف بالعلم، وهذه معلومة الزوجية
للمقر، فتحرم عليه أمها.
والحاصل: أنها أحكام وآثار مترتبة على علم المقر واعتقاده الكاشف عنه
إقراره واعترافه، والمراد بمثل الزوجية الثابتة بالإقرار: الزوجية العلمية. ويمكن
أن يكون أحد زوجا لامرأة وهي زوجته باعتقاد شخص كالمقر، وانتفى الأمران
باعتقاد آخر كالزوجة، فيترتب الأحكام في حق الأول لا لأجل الثبوت الواقعي;
بل للثبوت العلمي، لا في حق الثاني; لانتفاء الثبوتين معا.
نعم يكون الإشكال في الموضع الثالث - وهو فيما يتوقف تحقق المقر به على
أمر حكموا بانتفائه - باقيا.
والتحقيق: عدم ثبوت المقر به، فلو قال: علي ألف لزيد، وقال زيد: ليس
عليه شئ لي، نقول: لا يثبت الألف على المقر.
ولو قال: اشتريته من زيد بكذا درهم، وقال زيد: ما بعته، لا يجب عليه
إعطاء الثمن; وذلك لأجل أن كلا منهما أقر على نفسه بإقرار، وكما أن لازم
الأول وجوب الأداء، كذلك لازم الثاني حرمة الأخذ والمطالبة، ولا يمكن الأداء
بدون الأخذ، فالحكم بمقتضى أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح، والحكم
بمقتضاهما محال، ولذلك يعد قول القائل لعمرو: أعط زيدا درهما، ولزيد:
لا تأخذ الدرهم، تكليفا بالمحال.
فالحق عدم ثبوت شئ بمثل ذلك الإقرار، ويلزم منه عدم تسلط وارث المقر

(1): مأخوذ من قوله تعالى: * (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم... وأمهات نسائكم...) * النساء 4: 22.
496

له على المطالبة أيضا; لأنه لم يثبت شئ بإقرار الأول.
نعم لو ادعى الورثة كذب مورثهم في إقراره بأنه ليس على فلان شئ له،
أو خطأه، يكون هذا دعوى على حدة وتحتاج إلى مرافعة جديدة، ولا ينفع إقرار
الطرف الأول أولا حينئذ، بل يسأل عنه ويحكم بمقتضى الترافع الجديد (1) بينهما،
وأيضا يلزمه الحكم بثبوت المقر به ما لم تعلم معارضة (2) المقر له بالإنكار; لعدم
وجود المعارض.

(1): في (ج، ه‍): الواقع الجديد.
(2): في النسخ: ما لم يعلم تعارض.
497

عائدة (49)
في بيان إمكان الاحتياط
في العبادات وعدمه
قد اشتهر في ألسنة الطلبة: عدم إمكان الاحتياط في العبادات التي شك في
توقيفها لتعارض الأدلة أو اختلاف العلماء أو نحوه; مستندا إلى أنه بعد
التعارض أو التشكيك لا تكون موقفة، وكل ما كان كذلك يكون بدعة وحراما،
إما مطلقا كما قالت طائفة (1)، أو إذا أدخله في الدين وقصد به العبادة كما قالت به
أخرى (2). أو إذا أظهر للناس التعبد به كما هو التحقيق، ففعلها محتمل للحرمة
أيضا فلا يتأتى فيها الاحتياط.
مثالها: كصلاة الجمعة عند النافين لمطلق وجوبها، أي العيني والتخييري،
فإنه على هذا القول لا يجوز فعلها بدلا عن الظهر بديهة.
والظاهر منهم عدم جوازها بدون ذلك أيضا، بأن تصلى هي والظهر معا
احتياطا، إذ عدم جوازها بدلا ليس إلا لعدم ثبوت توقيفها وتشريعها بدون الشرط
الذي هو وجود الإمام المعصوم أو نائبه الخاص، فإن الجمعة الموقفة هي التي

(1): انظر روضة الجنان: 426، جامع المقاصد 2: 425، شرح الكافي لملا صالح 2: 315.
(2): انظر الروضة البهية 1: 240، رياض المسائل 1: 151، بحار الأنوار 2: 242.
499

تكون بدلا عن الظهر، فتنتفي بانتفاء البدلية قطعا. والعبادة إذا لم يكن موقفة
مشروعة كانت محرمة; لكونها تشريعا وإدخالا في الدين ما ليس منه.
أقول: من الأمور الضرورية الثابتة بالأخبار المتواترة المعضدة بالإجماع
والاعتبار: مشروعية الاحتياط وثبوته ندبا من الشارع، وتعلق التوقيف به، و
يلزمه كون كل ما كان من أفراد الاحتياط مشروعا ندبا موقفا، ولا شك أن الإتيان
بالجمعة مع الظهر من أفراد الاحتياط; لكونها مبرئة للذمة قطعا، وليس الاحتياط
إلا ذلك، فثبت مشروعيتها ندبا من الاحتياط، فيكون الإتيان بها بهذا القصد
جائزا مستحبا.
فإن قيل: فعلها أيضا يحتمل التشريع فيكون حراما، فلا يكون موافقا
للاحتياط.
قلنا: التشريع فعل شئ لم يثبت من الشرع، وفعلها مع الظهر بهذا القصد
ثابت بأدلة الاحتياط، فلا يكون تشريعا، كما في سائر موارد الاحتياط، فإنها أيضا
غير ثابتة من الشرع بخصوصها وإلا لم يكن احتياطا، وثبوتها واستحبابها إنما هو
بمجرد أدلة الاحتياط.
والتوضيح: أن العبادة التي لم تثبت بخصوصها لا يمكن أن تفعل بقصد أنها
عبادة ثابتة بخصوصها; لأن القصد ليس أمرا اختياريا، فما لم تثبت لا يمكن ذلك
القصد
فإذا فعلت، فإما يؤتى بصورتها لا بقصد عبادة ولا بأن يظهر للناس أنها عبادة
ثابتة بخصوصها، كالحمية في يوم الفطر بقصد الإمساك، ولا حرمة فيه قطعا و
إجماعا; للأصل وعدم الدليل.
أو يؤتى لا بها بقصد أنها عبادة ثابتة بخصوصها، ولكن يظهر للناس أنها
عبادة ثابتة بخصوصها، وهذا هو التشريع المحرم.
أو يؤتى بها لاحتمال أن تكون موقفة واجبة فيما يتأتى فيه ذلك الاحتمال،
كما في مسألة صلاة الجمعة، فيقصد بها الخروج عن احتمال ترك الواجب،
500

ولا يظهر للناس إلا أن فعله لذلك. وهذا مما ليس دليل على حرمته أصلا بل
لا يحتملها، بل مقتضى أدلة الاحتياط، وقوله: (لكل امرئ ما نوى) (1) حسنه و
استحبابه، وترتب الثواب عليه.
وعلى هذا فيكون فعل الجمعة بهذا القصد مستحبا، ويكون مع الجماعة،
إذ لا جمعة بدونها، وهكذا في جميع الموارد التي من ذلك القبيل.
نعم يشترط أن لا يكون ذلك الفعل مما يعارض دليل وجوبه دليل حرمته
بخصوصه أيضا. وأما لو عارض احتمال وجوبه احتمال حرمته بخصوصه،
فلا يجري فيه ذلك.
والحاصل: أن الاحتياط في مثل ذلك الفعل إنما يكون لو كان احتمال حرمته
لأجل عدم التوقيف، فيرد ذلك بحصول التوقيف بأدلة الاحتياط، ولا معارض لها
أصلا، وبه تنتفي دلالة عدم التوقيف على الحرمة، فيكون مستحبا من باب
الاحتياط.
بخلاف ما لو عارض دليل وجوبه دليل حرمته بخصوصه أيضا، فإن أدلة
الاحتياط حينئذ بالنسبة إلى دليلي الوجوب والحرمة على السواء، ولا ترد أدلته
دليل الحرمة، فيكون احتمالا الوجوب والحرمة متساويين، فلا يجري فيه
الاحتياط، وذلك كما إذا شك في وجوب قتل شخص أو ضربه قصاصا، ونحو
ذلك.

(1): التهذيب 1: 83 / 218 و 4: 186 / 518، أمالي الشيخ الطوسي 2: 231، مصباح الشريعة:
53، الوسائل 1: 34 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 7، صحيح البخاري 1: 2، سنن ابن ماجة
(2) 1413 / 4227، سنن أبي داود 2: 651 ح 2201 ب 11.
501

عائدة (50)
في أنه لا يعتبر تعلق المضاف
بجميع المضاف إليه تحقيقا
مما لا ريب فيه أنه لا يعتبر في نحو: أجير يوم، ونزح يوم، وسائمة حول، و
مسافرة شهر، وضرب عمرو، وتقبيل زيد، ورؤية بكر، ودخول بغداد، ونحو
ذلك، تعلق المضاف بجميع المضاف إليه تحقيقا، بل يكفي التقريب، بل يتحقق
الضرب والتقبيل والدخول ونحوها بجزء يسير منه (1). ويوجه ذلك بالصدق
العرفي لو نقصت دقيقة أو دقائق من اليوم، أو اليوم من الحول، أو الساعة من
الشهر. وكذا بوقوع الضرب أو التقبيل أو الرؤية على جزء.
وكثيرا ما يستشكل بأن الصدق العرفي لا يفيد لحمل كلام الشارع عليه;
لأصالة تأخر الحادث، فإن مقتضى اللغة انطباق المضاف على جميع المضاف
إليه; لأن المضاف إليه حقيقة لغة في المجموع، فيجب انطباق العمل على جميع
اليوم، والضرب على جميع الشخص، حتى يتحقق المعنى الحقيقي اللغوي.
نعم يصح ذلك على القول بتقديم العرفية على اللغوية مطلقا، وليس

(1): يعبر عن ذلك في الكتب بتخصيص العموم بالعرف أو بالعادة، ويرتب عليه: أنه لو استأجر أجيرا
يعمل له يوما مثلا، حمل على ما جرت عليه العادة، وخرج منه زمن الأكل والشرب ونحوهما.
انظر تمهيد القواعد، قاعدة: 29 و 76.
503

كذلك، كما صرح به صاحب المدارك (أيضا في حاشية على المدارك، كتبها) (1) في
مسألة زكاة السلت والعلس.
وقد يذب عنه: بأن الوضع التركيبي غير الوضع الإفرادي، فإن مقتضى
الوضع الإفرادي وإن كان ما ذكر، إلا أن هذا مقتضى الوضع التركيبي، و
لم يعلم في اللغة لمثل هذه التراكيب معنى غير المعنى العرفي، فالعمل فيها على
أصالة عدم النقل لا تأخر الحادث.
وقد يورد عليه: أن هذا إنما يصح فيما لم يعلم للتركيب في اللغة معنى
غير ذلك المعنى، ومعنى التركيب الإضافي مثلا في اللغة معلوم، وهو نسبة
المضاف الحقيقي إلى المضاف إليه الحقيقي، كما في: غلام زيد، ودار عمرو،
فإن معناهما: الغلام الحقيقي لزيد الحقيقي، والدار الحقيقية لعمرو الحقيقي; و
لم توضع الهيئة التركيبية إلا لمجرد النسبة، فكل ما يزيد عن ذلك أو ينقص فهو
تغيير في المعنى الحقيقي للتركيب، فيعمل فيه بأصالة تأخر الحادث.
ودفع ذلك: أنه قد ثبت في الأصول أن الألفاظ موضوعة للمعاني العرفية،
سواء في ذلك الوضع اللغوي أو الشرعي أو العرفي; فإن الماء لغة موضوع لما هو
الجسم المعهود عرفا، فيصدق على حوض من الماء الخالص، وعلى حوض
صب فيه قطرات دم أو نحوها أو مزج بيسير تراب; لكون الكل حقيقة واحدة عرفا
وهو المعنى المعهود، وإن اختلف في الحقيقة العقلية. وماء الورد بهذا المعنى
المعهود عرفا، أي ما كان المعنى المعهود في العرف، وهكذا.
وعلى هذا فنقول: إن هذه القاعدة جارية في وضع الجزء الصوري للتراكيب
أيضا، فكما أن لفظ النزح موضوع لعمل مخصوص معلوم في العرف، واليوم
لمدة مخصوصة معلومة في العرف، كذلك هيئة تركيبهما بالإضافة - التي هي
الجزء الصوري للمركب، وموضوعة لربط خاص بينهما، هو في التركيب

(1): ما بين القوسين لم يرد في (ج).
504

الإضافي: نسبة المضاف إلى المضاف إليه - موضوعة لما هو هذه النسبة الخاصة
عرفا، أي النسبة العرفية لا غير، فكل ما يعد في العرف هذه النسبة فهو المراد
بالإضافة، من غير تغيير في حقيقة المضاف والمضاف إليه، فإن الموضوع له الهيئة
الإضافية: النسبة العرفية الحاصلة بين هاتين الحقيقتين، فلا تغيير في حقيقة
المضاف ولا حقيقة المضاف إليه، بل هذا التقريب مقتضى معنى النسبة.
فإن التقبيل الحقيقي لزيد الحقيقي يحصل بتعلقه بجزء منه عرفا، لا بمعنى أن
زيدا الواقع في هذا التركيب يراد منه جزؤه عرفا، بل بمعنى أن النسبة العرفية التي
هي معنى الجزء الصوري تحصل بذلك. ولم يعلم للجزء الصوري معنى غير ذلك
لغة، فلا يجري فيها أصالة تأخر الحادث أصلا; إذ لم يعلم للهيئة معنى آخر سوى
المصداق العرفي.
ولا يختص ذلك بالتركيب الإضافي، بل كذلك الإسنادي والتوصيفي،
نحو: زيد مضروب، وهذا الثور أسود إذا كان فيه نقطة بيضاء، والقصيدة
العجمية، إذا كانت فيه ألفاظ عربية.
وهذا تحقيق دقيق يندفع به الإشكال في أكثر التراكيب، ويخرج الفقيه عن
حيص وبيص، لم يسبقني إليه أحد، والحمد لله.
505

عائدة (51)
في بيان أن الألفاظ
في مقام التكاليف تقيد بالعلم
قد تحقق في موضعه أن الألفاظ وإن كانت موضوعة للمعاني النفس
الأمرية إلا أنها في مقام التكاليف والأحكام مقيدة بالعلم.
ولا إشكال في ذلك إذا كان التكليف أو الحكم مما يتعلق بشخص واحد، فإن
المناط حينئذ يكون علمه، كما في: صل في الثوب الطاهر، ولا تصل في
النجس، ونحوها.
وقد يكون هناك أمر واحد، ويتعلق به حكم له تعلق بأشخاص عديدة و
يدور بينهم، فاستشكل حينئذ فيمن يكون علمه المناط ويقيد اللفظ بعلمه،
كعدالة الشاهدين في الطلاق، فهل المعتبر العدالة عند الزوج، أو الزوجة، أو
هما، أو الوكيل إذا وكل الزوج غيره في الطلاق، أو الثلاثة، أو الحاكم؟ وقد
يريد أحد تزويج المطلقة، فهل يعتبر علم من يريد التزويج أيضا أم لا؟
ومن هذا الباب العدالة المعتبرة في الوصي، على قول مشهور قوي، فقد
يدور الأمر بين الموصي والصغار الذين وصي عليهم بعد كبرهم، وسائر الورثة
في بعض الأحيان، وكذا من عنده مال من الموصي ويطالب به الوصي.
ومن ذلك القبيل ما إذا تزوج رجل بامرأة مدعية للخلو عن المانع، وتزوج
507

بها شخص، وعلم ابنه مثلا بأن لها زوجا آخر، ولم يكن الابن مقبول الشهادة،
إلى غير ذلك.
والتحقيق: أن مقتضى وضع الألفاظ للمعاني الواقعية كون الحكم منوطا
بالواقع، ولما كان التكليف والحكم بمقتضى الواقع من غير اعتبار العلم تكليفا بما
لا يطاق، قيد بالعلم، ومقتضاه كون كل أحد محكوما له وعليه بمقتضى علمه.
فلو كان الأمر مما ليس له تعلق بغير واحد، يكون المعتبر علمه، وإذا كان له
تعلق بمتعدد، يعتبر علم كل أحد منهم في الحكم الذي يتعلق به دون ما يتعلق
بالآخر فيتعلق الحكم بكل بمقتضى علمه; لأن الحكم منوط بالواقع، والواقع
بالنسبة إلى كل شخص هو معلومه، لأنه يعلمه واقعا، أي إنه الواقع، فيجب
عليه الحكم بمقتضاه.
والحاصل: أنه إذا كان أمر واحد له أحكام كثيرة متعلقة بأشخاص عديدة،
يعتبر علم كل أحد بذلك الأمر في الحكم المتعلق به خاصة دون حكم الآخر; إذ
الحكم متعلق به بنفس الأمر بحسب العلم، ولكل حكم، ونفس الأمر عنده هو
معلومه، فحكمه تابع له، بخلاف الحكم الآخر.
فعدالة شهود الطلاق أمر له أحكام بالنسبة إلى أشخاص: كالزوج،
والزوجة، ومريد الزواج، والورثة لو مات الزوج المطلق، والوكيل لو وكل في
الطلاق، والحاكم لو وقع الترافع إليه، والزوجة الخامسة لو أراد المطلق تزوجها
بعد تطليق إحدى الأربع، إلى غير ذلك.
فنقول: إنه لو كانت الشهود عدولا عند الزوج، تبين عنه الزوجة، ولا يرث
منها لو ماتت، ولا تجب نفقتها عليه.
ولو علمت الزوجة بفسق الشهود، لا يجوز لها الزواج بزوج آخر، ولها
مطالبته بالإرث لو مات الزوج.
ولو علم شخص آخر بفسق الشهود، لا يجوز له تزوج هذه الزوجة.
ولو كانت الشهود عدولا باعتقاد الوكيل يكون الطلاق صحيحا عنده; و
508

لو علم الزوج فسقهم لا تبين الزوجة عنه.
ولو تزوج رجل امرأة مدعية للخلو عن المانع، وعلم أبوه بوجود المانع لها،
لا يجوز للأب النظر إليها ولا تكون محرما له; لأن قوله سبحانه: * (وحلائل
أبنائكم) * (1) لا يصدق عليها عند الأب وإن صدق عند الابن.
ولو آل الأمر إلى الترافع عند الحاكم، يجب عليه الحكم بمقتضى علمه، و
حكمه يجري على الجميع بعد الترافع، وعلمه يقوم حينئذ مقام علم الجميع; لأنه
مقتضى نفوذ حكمه، كما هو المجمع عليه.
ولو لم يترافع إليه، ليس له مزاحمة واحد منهم، إلا فيما كان من الأمور
الحسبية الواجبة عليه من باب النهي عن المنكر أو الإرشاد، فيزاحم مع اجتماع
الشروط، هذا مقتضى القاعدة.
ولو ثبت في موضع بدليل خارجي أن المعتبر في ذلك الأمر علم شخص
معين، فيجب إناطة حكم الجميع بعلم ذلك الشخص فقط، كما إذا قال الشارع:
الطلاق ما كان بحضور عدلين عند الزوج مثلا.
وذلك كما في لباس المصلي المشروط إباحته أو عدم غصبيته أو عدم نجاسته،
فإنا نعلم قطعا أن المناط علم المصلي خاصة في الإباحة وعدم الغصبية وعدم
النجاسة، من غير اعتبار علم شخص آخر. فتصح صلاة الأجير مع الثوب الذي
يعلم إباحته، وإن علم المستأجر غصبيته; ويصح اقتداء من يعلم غصبية ثوب
الإمام وهو لا يعلم، إذ الثابت ليس إلا مانعية علم المصلي بالغصب أو النجاسة
عن الصلاة فيه، فإذا لم يعلم يرتفع ما علم مانعيته.
نعم لو كان هناك قول من الشارع: إنه لا صلاة مع الثوب الغصبي، ولم يعلم
من الخارج أن المراد الثوب المعلوم غصبيته للمصلي. لكنا نقول بعدم جواز اقتداء
من يعلم غصبيته مطلقا، وهذه فائدة جليلة، والله يعلم.

(1): النساء 4: 23.
509

عائدة (52)
في بيان أصالة عدم جواز
جعل الثمن ما في الذمة
قد ذكرنا في العوائد المتقدمة في أوائل الكتاب: أصالة عدم صحة ملك
المعدوم، وأصالة عدم الملكية، إلا ما خرج منهما بدليل (1).
ويثبت منهما: أصالة عدم جواز جعل الثمن ما في الذمة; لأن الثمن يصير
بالبيع ملكا للبائع، لأن البيع نقل ملك بعوض ملك آخر، فلا بد أن يكون مما ثبت
جواز تملكه شرعا، ولم يثبت في ما في الذمة على سبيل الكلية بنحو يشمل جميع
أفراده وشقوقه وصوره، فاللازم فيه الاقتصار على موضع الثبوت.
وتتفرع عليه: أصالة عدم صحة البيع بالثمن الذمي المجهول ولو لم يكن فيه
غرر; إذ لا دليل على صحة جعل مثل ذلك ثمنا.
ومنه: ما لو دخله الجهل في قيده أو وصفه أو زمان أدائه ولو بقدر قليل.
واحتفظ بذلك الأصل، وأجره في موارد مدة النسيئة (2)، وشرط الخيار، و
نحوهما، فإن الفقيه ربما ينظر في كلمات الفقهاء في تلك المباحث، ويرى

(1): راجع عائدة (11) في بيان الملكية والمملوكية وما يرادفهما
(2): تقرأ في (ب، ج): هذه النسبة.
511

تصانيفهم في اختلاف مدة النسيئة (1)، والخيار، والشرط ونحوها، واستدلالهم
لها بالغرر والجهل، ويرى عدم لزوم الغرر في جميع الموارد، ولا يعلم وجه ضرر
أمثال تلك الجهالات.

(1): تقرأ في (ب، ج): هذه النسبة.
512

عائدة (53)
في بيان معنى السفيه والمجنون
اعلم أنه قد تعلقت أحكام كثيرة (1) في الكتاب والسنة وكلمات علماء الأمة
بالمجنون والسفيه، كنفي الحرج، والحجر، وثبوت الولاية، وانتفاء التكاليف، و
عدم قبول الأقارير، ونحو ذلك. والناظر في كتب القوم يرى عدم انضباط
مصاديق العنوانين، كما سيظهر لك في الجملة.
وتحقيق الحال فيهما من الأمور المهمة، فنقول وبالله التوفيق:
المجنون: من ابتلي بمرض الجنون.
والسفيه: من كانت به السفاهة.
ثم الجنون - على ما يظهر من كتب الأطباء وكلماتهم - ليس علما لمرض
شخصي معين، بل هو اسم لجميع الأمراض الدماغية الباعثة لاختلال العقل و
فساده، ويعبرون عنها بفساد العقل.
والمراد بفساد العقل: أعم من أن يكون الفساد في نفس القوة العاقلة، أو في
قواها الخادمة لها، كالمفكرة والمخيلة وغيرهما (2).
ولها أنواع مختلفة، وآثار متشتتة متفاوتة، ومن هنا قيل: الجنون فنون.

(1): في (ج)، (ح) زيادة: إثباتا ونفيا.
(2) أي: الأمراض الدماغية.
513

وبما ذكرنا من كون الجنون هو فساد العقل صرح في كتب الفقهاء
أيضا.
قال في المسالك: وهو - أي الجنون - يتناول
بإطلاقه لجميع أقسامه، فإن
الجنون فنون، والجامع بينها فساد العقل كيف اتفق (1).
وقال في الروضة البهية: الجنون فنون، والجامع لها فساد العقل على أي
وجه يكون (2).
وقال العلامة في التحرير: الجنون: هو فساد العقل (3).
وقال بعض مشايخنا في شرحه على النافع: الجنون: وهو فساد العقل
المستقر، الغير المستند إلى السهو السريع الزوال والإغماء العارض مع غلبة
المرة (4). وصرح بذلك غيرهم أيضا (5).
وأما السفاهة: فهي عبارة عن خفة العقل ونقصانه، وعدم كماله بالنسبة إلى
عامة أهل المعاش والمحاورات، أي بالنسبة إلى العقل المحتاج إليه في طريقة المعاش
والمعاملات، والمصاحبة مع أهل المحاورات أو العادات، كما يشهد به العرف. و
صرح به اللغويون والمفسرون.
قال في النهاية الأثيرية: السفه في الأصل: الخفة (6).
وقال الهروي في تفسير قوله سبحانه: * (فإن كان الذي عليه الحق سفيها) * (7)
أي: خفيف العقل (8).

(1): المسالك 1: 524.
(2): الروضة البهية 5: 385.
(3): تحرير الأحكام 2: 28.
(4): رياض المسائل 2: 134.
(5): كالفاضل المقداد في التنقيح 3: 179، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 65 كتاب النكاح
(6): النهاية لابن الأثير 2: 376 (سفه).
(7): البقرة 2: 282
(8): كتاب الغريبين (مخطوط) 2: الورقة 102، باب السين مع الفاء.
514

وفي القاموس: السفه محركة، وكسحاب وسحابة: خفة الحلم و
نقصه (1). وفيه أيضا: الحلم بكسر: العقل (2).
وقال في الصحاح: السفه ضد الحلم، وأصله الخفة والحركة (3).
وقال البيضاوي في قوله تعالى: * (أنؤمن كما آمن السفهاء) * (4): السفه:
خفة وسخافة رأي يقتضيهما نقصان العقل، والحلم يقابله (5).
وقال في قوله سبحانه * (سيقول السفهاء من الناس) * (6): أي الذين خفت
أحلامهم (7).
وقال بعض آخر أيضا: السفهاء في هذه الآية بمعنى خفاف العقول (8).
وبالجملة: كلمات اللغويين والفقهاء متطابقة في تفسير هذين اللفظين بما
ذكر من أن الجنون هو فساد العقل وضياعه وخلله واختلاله، والسفاهة: خفة
العقل ورداءته ونقصانه وسخافته.
والعرف أيضا يساعد ذلك ويدل عليه; فإن كل من فسد عقله واختل
يحكم أهل العرف بكونه مجنونا، وكل من خف عقله وردء يحكمون بكونه
سفيها، ويحكمون بأنه ليس فاسد العقل ولكنه خفيف العقل.
وقد صرح المحقق الشيخ علي في مسألة عدم إجبار السفيه على النكاح: بأنه
بالغ عاقل (9).

(1): القاموس المحيط 2: 287، 100.
(2): القاموس المحيط 2: 287، 100.
(3): الصحاح 6: 2234.
(4): البقرة 2: 13.
(5): أنوار التنزيل وأسرار التأويل 1: 85.
(6): البقرة 2: 142.
(7): أنوار التنزيل وأسرار التأويل 1: 194.
(8): الجامع لأحكام القرآن 2: 148. وفيه: والسفهاء جمع، واحده: سفيه، وهو خفيف العقل من
قولهم: ثوب سفيه، إذا كان خفيف النسج.
(9): جامع المقاصد 12: 114.
515

وإن أردت معرفة التفرقة بين فساد العقل وخفته ونقصه، فقسه بالأمور
المحسوسة وإطلاق الفساد والنقص فيها. فإن اللؤلؤة إذا خرجت من
الصدف، فتارة تكون فاسدة ضائعة، إما لأجل كونها مسودة، أو بحيث تتفتت
أجزاؤها إذا فركت باليد; وأخرى تكون غير حسنة، نحو أن قل صفاؤها، ونحو
ذلك.
وانظر إلى البطيخة، فإنها إذا كانت بحيث خرجت عن طبيعتها الأصلية،
وحدث فيها أمر مفسد لها، كالمرارة، أو الديدان، أو العوار، يقال: إنها فاسدة.
وإذا لم يكن كذلك ولكن كانت أنقص من أمثالها من البطيخ، إما لقلة
حلاوتها أو قلة لطافتها، يقال: إنها ناقصة أو رديئة، سواء كان ذلك النقص لأجل
عدم بلوغه، أو أن الكمال في أوائل نموه، أو لأجل كون ذاته كذلك، كالبطايخ
الغير الحلوة.
وما كان من القسم الأول يطرح ولا يكون لها طالب، إلا إذا كان فساده قليلا
بحيث لا يعبأ به أو يكون بعض أجزائها غير فاسد.
وما كان من القسم الثاني يحفظونه ويطلبونه وإن نقصت قيمته عن الحلو
اللطيف وقل طالبه بالنسبة إليه.
وبالجملة: فساد العقل بأقسامه هو الجنون، والمتصف به هو المجنون، إلا إذا
كان فساده قليلا لا يدرك أو لا يلتفت إليه أهل العرف. وخفته بالنسبة إلى عقول
غالب الناس هي السفاهة، إلا إذا كانت الخفة قليلة لا يلتفت إليها في العرف،
سواء كانت الخفة لأجل عدم بلوغه حد الكمال كالصبيان، أو لقصور فيه بالذات
كالأبله والأحمق.
وكما أن للجنون فنونا وأقساما ومراتب متفاوتة، كذلك للسفاهة أنواعا و
مراحل مختلفة.
ومن أفراد خفيف العقل الذي هو السفيه - هو مصطلح الفقهاء كما يأتي - و
هو الذي ليس له ملكة إصلاح المال في طريق حفظه، إذ المراد منه فاقد الملكة
516

لا غير المصلح (1) ولو مع علمه بأنه غير صالح لأجل غرض، ولا شك أن مثل ذلك
لا يخلو عن خفة عقل أيضا وإن لم يكن فاسد العقل.
وفسر السفيه بذلك الامام أيضا، كما يأتي.
وهذا الاصطلاح أيضا مأخوذ من اللغة; لأجل أن كل من كان كذلك هو
خفيف العقل لا محالة.
وقد يتوهم أن السفاهة أيضا من أقسام فساد العقل، ونظره إلى ما ارتكبه
شاذ من المتأخرين في بحث النكاح (2) من جعلهم السفيه قسيما للمجنون، و
إدخالهما تحت فساد العقل، وغفل عما فعله أكثر منهم، وأتقن (3) من جعله
قسيما لفساد العقل، أو التصريح بكون السفيه بالغا عاقلا، كما في الروضة و
شرح القواعد للمحقق الشيخ علي (4).
وإن كان نظره إلى أن خفة العقل لا تنفك عن فساد العقل، فهو خطأ، فإنا
نرى أن أهل العرف واللغة طرا يطلقون خفيف العقل على أبناء التسع والعشر،
ولا يطلقون فاسد العقل إلا على من كان في عقله نوع اختلال وفساد، ومن
البديهيات أنهما غير الخفة والنقصان.
وإن كان نظره إلى عرف عوام (5) أهل هذا الزمان، حيث لا يطلقون السفيه
على من لم ينقص عقله عن غالب أقرانه وأبناء سنه وإن خف بالنسبة إلى
الرجال، فهو غير محقق جدا; لان ذلك إنما هو في بادئ النظر، وأما عند تدقيقه
فيعلم أن الامر ليس كذلك; لأنهم تراهم طرا ينفون الرشد - الذي هو مقابل
السفه - قطعا عن الشخص المذكور.

(1): في (ح): المصطلح.
(2): انظر رياض المسائل 2: 78، وكشف اللثام 1: 10 كتاب النكاح، والحدائق 23: 239.
(3): في (ه‍)، (ب)، (ج): أيقن.
(4): الروضة البهية 4: 109، جامع المقاصد 12: 114.
(5): في (ح): عموم.
517

وأيضا هذا الاطلاق إنما هو عند عوام العجم، الذي لا عبرة بهم في أمثال
المقام، بل المعتبر ترجمته بالعجمية عندهم، لا نفس اللفظ العربي.
ثم إن فساد العقل بجميع فنونه يترتب عليه رفع قلم التكليف الشرعي البدني
والمالي، وعدم صحة الأقارير والعقود والايقاعات بالاجماع، والضرورة،
والكتاب، والسنة; فإن هذه الأمور متعلقة بالعقلاء، والفاسد من الشئ ليس
ذلك الشئ، ففاسد العقل ليس بعاقل.
وقد ورد في الأخبار المستفيضة الصحيحة: (أن الله سبحانه لما خلق العقل
قال له: إياك آمر، وإياك أنهى، وإياك أعاقب، وإياك أثيب، وبك آخذ، وبك
أعطي)) (1).
والمناط في معرفته صدق المجنون عرفا، وهو إنما يكون إذا لم يكن الفساد
قليلا جدا بحيث لا يظهر لأهل العرف ولا يلتفتون إليه، فإذا كان بحيث يظهر
لأهل العرف، يطلق عليه المجنون وتجري عليه أحكامه.
وإن شك في فرد منه هل هو مجنون عرفا أم لا؟ حيث يقع التشكيك كثيرا
في المصاديق العرفية، يرجع إلى العمومات، مثل قوله تعالى: * (ولله على الناس
حج البيت) * (2) و * (يا أيها الناس اعبدوا ربكم) * (3)، ونحو ذلك.
وليس ذلك من باب الاجمال في المخصص، إذ لا إجمال في ذلك، نعم
قد يخفى على أهل العرف صدقه على فرد.
ويشترط في صدق المجنون كون أفعاله الرديئة ناشئة عن اختلال العقل، بأن
لا يدرك قبحها، وقد تصدر من أحد أفعال رديئة ولكنه يدرك قبحها ويرتكبها; إما
لأجل مصلحة، أو بدون اختيار لمرض، كمن يبكي طول ليله ونهاره ويعلم أنه
مرض عرض له.

(1): الكافي 1: 26 / 26، المحاسن: 192 / 5 و 7، الوسائل 1: 27 أبواب مقدمة العبادات ب 3 ح 1، 2.
(2): آل عمران 3: 97.
(3): البقرة 2: 21.
518

وأما السفاهة بأقسامها، فلا تمنع شيئا من الأحكام الشرعية، ولم يترتب
عليها في الشريعة المقدسة حكم سوى أمر واحد، وهو الحجر والمنع عن
التصرفات المالية في بعض أقسامها، إذ ليس في الشريعة في حق (1) المجنون
والسفيه بمعنى المفسد للمال دليل يثبت له حكما أو ينفيه، وكذا السفيه المفسد
لا دليل فيه يمنع غير تصرفاته المالية.
بيان ذلك: أن للعقل مراتب غير محصورة، فإن أصل العقل أمر، وكماله
أمر، وكمال كماله أمر، إلى أن ينتهي إلى أكمل العقول وهو عقل خاتم
الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم، كما ورد في الحديث المروي في محاسن البرقي: (إن الله سبحانه
قسم العقل مائة جزء، فأعطى محمدا صلى الله عليه وآله وسلم تسعة وتسعين جزء، ثم قسم بين
العباد جزءا واحدا) (2).
فعقله المقدس أكمل العقول، ثم يتنزل إلى أن ينتهى إلى عقول غالب الناس
المتوجهين في الدنيا بأمور المعاش، أو مع المعاد.
فمن مراتبه: ما ورد في الخبر بعد السؤال عن العقل، قال: (ما عبد به
الرحمان واكتسب به الجنان) قال: قلت: فالذي كان في معاوية؟ فقال: (تلك
النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل) (3)، يعني العقل
الذي له نوع من الكمال.
ولذا قال أبو جعفر عليه السلام في رواية أبي الجارود (إنما يداق الله العباد في
الحساب يوم القيمة على قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا) (4).
وقال أبو عبد الله عليه السلام في رواية سليمان الديلمي: (إن الثواب على قدر

(1): في (ج) زيادة: غير. ولا إشكال فيما أثبتناه من باقي النسخ، لأجل أن المراد المجنون بمعنى المفسد
للمال، والسفيه بمعنى المفسد للمال.
(2): المحاسن 1: 192 / 8، بحار الأنوار 1: 97 / 6.
(3): الكافي 1: 11 / 3، المحاسن 1: 195 / 15، بحار الأنوار 1: 116 / 8.
(4): الكافي 1: 11 / 7، المحاسن 1: 195 / 16، بحار الأنوار 1: 106 / 3، الوسائل 1: 28 أبواب مقدمة
العبادات ب 3 ح 3.
519

العقل) (1)، يعني: أنه لما كانت العقول متفاوتة كمالا ونقصانا، فتقع الدقة في
الحساب والتكاليف والثواب على مراتب العقول، فالأقوى عقلا أشد تكليفا و
أكثر ثوابا.
وإلى بعض مراتبه أشير في رواية الحسن بن الجهم، عن أبي الحسن
الرضا عليه السلام، قال: ذكر عنده أصحابنا وذكر العقل، قال: فقال: (لا يعبأ بأهل
الدين ممن لا عقل له) (2).
وهذه المراتب وإن أوجبت الاختلاف في الدقة في الحساب وفي الثواب،
ولكن لا تختلف باختلافها التكاليف العامة والأحكام الشرعية المتعلقة بعامة
الناس، بل المناط فيها هو أصل العقل الخالي عن الخلل والضياع والفساد وإن
كان خفيفا ناقصا بالنسبة إلى بعض، وكل ناقص بالنسبة إلى ما فوقه سفيه، كما
ورد في شارب الخمر أنه سفيه (3)، وفي العامل المنهمك في الدنيا أنه سفيه (4)، وغير
ذلك (5).
ولكن السفيه المطلق عرفا ولغة لا يطلق إلا على من خف عقله بالنسبة إلى
غالب الناس، البالغة عقولهم إلى كمالها بحسبهم (6) من أهل المعاش والعادات;
فمن نقص عقله عنهم يسمى سفيها مطلقا، سواء كان النقص لأجل عدم البلوغ
حد الكمال، كما في أوائل البلوغ، وهو كالبطيخة التي كانت في بدء نشؤها و
حلاوتها ولم تبلغ بعد حد كمالها.
أو كان لأجل نقص وخفة في نفس عقله

(1): الكافي 1: 11 / 8، الوسائل 1: 28 أبواب مقدمة العبادات ب 3 ح 4.
(2): الكافي 1: 27 / 32.
(3): الكافي 5: 299 / 1، وج 6: 397 / 9، تفسير العياشي 1: 220 / 22، الوسائل 13: 230 أبواب
أحكام الوديعة ب 6 ح 1، وص 434 أبواب أحكام الوصايا ب 45 ح 8، وب 46 ح 2، وج 17:
248 أبواب الأشربة المحرمة ب 11 ح 5.
(4): لم نعثر على هذا المضمون في المصادر الحديثية.
(5): وفي أبواب الوسائل المشار إليها في هامش (3) أطلق السفيه على النساء ومن لا يوثق به وغيرهما.
(6): في النسخ: البالغين عقولهم إلى كماله تحسبهم.
520

بحيث يستمر على ذلك، وهو كالبطيخة التي لا حلاوة لها ولا لطافة، فميزان
السفاهة المطلقة وعدمها هو عقل غالب أهل المعاملات والمحاورات والعادات من
حيث إنهم أهل لذلك.
وتوهم متوهم: أن الميزان في كل صنف هو أغلب النفوس في ذلك
الصنف، فالسفيه من الذكور الذي أكمل خمس عشرة سنة هو الذي خف عقله
بالإضافة إلى أغلب أفراد هذا الصنف، والسفيهة من الأنثى ممن أكملت تسع
سنين هي التي قلت عقلها بالنسبة إلى أغلب أفراد هذا الصنف.
فيقال: إن البالغة تسع سنين على قسمين: قسم يكون على ما فيه أغلب
أفراد هذا الصنف من العقل والفطانة، والآخر قل عقله بالإضافة إلى أغلب
أفراده. والأول لا يقال لها إنها سفيهة، فلا ولاية للحاكم في تزويجها، بل هي
مستقلة، بخلاف الثاني، فإن له ولاية عليها. وهذا المعنى الثاني هو الذي أريد
من السفيه المدخول تحت فاسد العقل (1).
أقول: لا يخفى أن للعقل المحتاج إليه في الرسوم والعادات والمعاش
والمحاورات حدا إذا نقص عنه يقال: إنه خفيف العقل، أو قليل العقل، أو ناقص
العقل على سبيل الاطلاق; فإنه يقال للذكور والإناث المذكورين: فلان طفل
خفيف العقل، أو قليل العقل، أو ناقص العقل، أو مضيع للمال وإذا كان
كذلك يكون سفيها; لان السفاهة لغة وشرعا لم تفسر بغير هذين المعنيين،
ولا يفيد أغلب أفراد هذا الصنف إذا كان جميع أهل الصنف أو غالبهم أخفاء
العقول.
ولولا ذلك لما صح صدق خفيف العقل أو قليله على ابن ست سنين إذا
لم يكن أقل عقلا من أبناء سنة. وفساده ظاهر، ونحن نرى أهل العرف
يقولون للأطفال الذين في بادئ بلوغهم: لم يكمل بعد عقلهم، أو بعد

(1): أي: الذي أدخله البعض تحت فاسد العقل وجعله قسيما للمجنون. راجع ص 517.
521

قليل العقل.
وإذا قيل له ذلك وكانت السفاهة هي خفة العقل وقلته، فلم لا يكون
سفيها؟ بل نرى جميع أهل العرف يقولون: فلان ليس برشيد، أو لم يبلغ رشده،
والرشد ضد السفاهة إجماعا.
نعم لما تداول في هذه الأزمنة عند العوام إطلاق كل من السفهاء والمجانين
مرادفا للآخر، قد يتأمل الغافل في ذلك.
ولو صح ما ذكره لزم جواز تزويج بنت تسع سنين المساوية لأقرانها في
العقل بدون الولي; ولو بلغت عشرين سنة وكانت على هذا القدر من العقل،
بل ولو أكثر، إذا لم تكن مساوية لأقرانها من بنات عشرين سنة، احتاجت في
التزويج إلى الولي; وفساده ظاهر.
ثم لهذا النقص أيضا مراتب غير محصورة وأنواع متكثرة: فمن ضعفاء
العقول من يضحك كثيرا في غير موقعه، ومنهم من يتكلم بكلمات مستهجنة،
ومنهم من ينظر بأنظار غير مرغوبة، وهكذا، ومنهم من يصرف المال في
مصارف غير لائقة بحاله من غير درك عدم لياقته وفساده، وليست له ملكة
إصلاح المال وحفظه، بل له ملكة التضييع والافساد; ومنهم من ليس له ملكة
إصلاح العيال، ومنهم من ليس له ملكة إصلاح الأولاد، وهكذا. وكل ذلك
لا يخلو عن خفة عقل ونقصان فيه وإن اختلفت آثاره.
وقد يكون له مرتبة من السفاهة ولكن يصلح المال أشد إصلاح، ويحفظه
آكد حفظ، ويشعر به ما ورد في رواية عبد الله بن سليمان، قال: سمعت أبا
عبد الله عليه السلام يقول: (إن الله سبحانه، جل وعز، وسع في أرزاق الحمقى ليعتبر
العقلاء ويعلموا أن الدنيا ليس ينال ما فيها بعمل ولا حيلة) (1).
وجميع هؤلاء الأصناف داخلون تحت التكاليف الشرعية، ومتساوون مع

(1): الكافي 5: 82 / 10.
522

غيرهم في الاحكام الفرعية من الشرعية والوضعية، إلا خفيف العقل الذي
ليست له ملكة إصلاح المال أو له ملكة إفساده، فإنه محجور عليه شرعا من
التصرفات المالية، ولا تجوز له العقود والايقاعات المتعلقة بالمال بدون إذن الولي،
ولا تسمع منه الأقارير المالية (1) أو المستلزمة لصرف المال، بالاجماع والاخبار
والآية، فهذا النوع من السفيه مخصوص بهذا الحكم.
فالسفيه المحجور عليه في التصرفات المالية: هو الذي يصرف الأموال في غير
الاغراض الصحيحة عند العقلاء غالبا بالنسبة إلى حاله، بحيث يعاب على ذلك
عرفا وغالبا، ولذا فسر الفقهاء جميعا السفيه المذكور في كتاب الحجر بهذا
المعنى.
قال العلامة في القواعد: وأما الرشد فهو كيفية نفسانية تمنع من إفساد المال
وصرفه في غير الوجوه اللائقة بأفعال العقلاء (2).
وقال أيضا: وأما السفيه فهو الذي يصرف أمواله في غير الوجه الملائم
لافعال العقلاء (3).
وقال في الشرائع: أما السفيه فهو الذي يصرف أمواله في غير الاغراض
الصحيحة (4).
وقال في الخلاف: والمبذر سفيه (5).
وفي التنقيح: لا شك أن المفهوم من الرشد عرفا هو إصلاح المال وعدم
الانخداع في المعاملات (6).
وفي التحرير: الرشد هو الصلاح في المال (7).

(1): في (ه‍)، (ب): المانعة.
(2): قواعد الأحكام 1: 168، 169.
(3): قواعد الأحكام 1: 168، 169.
(4): شرائع الاسلام 2: 101.
(5): الخلاف 2: 73، المسألة 7 من كتاب الحجر.
(6): التنقيح الرائع 2: 181.
(7): تحرير الأحكام 1: 218.
523

وقال في النافع: السفيه هو الذي يصرف أمواله في غير الاغراض
الصحيحة، فلو باع والحال هذه لم يمض بيعه، ويصح طلاقه وظهاره وإقراره بما
لا يوجب مالا (1).
وقال في الكفاية: وأما السفيه فهو الذي يضيع المال، أو لا يصلحه، أو
يصرفه في غير الاغراض الصحيحة اللائقة بحاله، على وجه يكون شئ من
ذلك عن ملكة راسخة.
إلى أن قال: ولو باع السفيه لم يمض بيعه وهبته وإقراره بالمال، ويصح
طلاقه وخلعه، وإقراره بالنسب إذا لم يوجب النفقة، وبالقصاص (2).
إلى غير ذلك من كلمات الفقهاء، بل هي متطابقة على ذلك (3).
وقد فسر السفيه بهذا المعنى في بعض الروايات أيضا.
ففي موثقة عبد الله بن سنان: (وجاز أمره إلا أن يكون سفيها أو ضعيفا)،
فقال: وما السفيه؟ فقال: (الذي يشتري الدرهم بأضعافه)، قال: وما الضعيف؟
قال: (الأبله) (3).
وفي صحيحة عيص، قال: سألته عن اليتيمة متى يدفع إليها مالها؟ قال:
(إذا علمت أنها لا تفسد ولا تضيع) (4).
وفي مرسلة الفقيه عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن قول الله عز وجل: * (فإن
آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) * (5)، قال: (إيناس الرشد حفظ المال) (6).
ثم هذا التفسير من الفقهاء وفي الاخبار للسفيه وغير الرشيد، يمكن أن

(1): المختصر النافع: 165.
(2): كفاية الأحكام: 112 - 113.
(3): التهذيب 9: 182 / 731، الوسائل 13: 430 أبواب أحكام الوصايا ب 44 ح 8.
(4): الفقيه 4: 164 / 572، التهذيب 9: 184 / 740، الوسائل 13: 432 أبواب أحكام الوصايا
ب 45 ح 1.
(5): النساء 4: 6.
(6): الفقيه 4: 164 / 575، الوسائل 13: 433 أبواب أحكام الوصايا ب 45 ح 6.
524

يكون مرادهم منه: السفيه المحجور عليه في التصرفات المالية، المراد في قوله
سبحانه: * (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) * (1)، وفي قوله: * (فان آنستم منهم رشدا
فادفعوا إليهم أموالهم) * (2)، فيكون ما ذكروه بيانا للسفيه المخصوص لا مطلق
السفيه، ويكون عرفهم في السفيه متطابقا مع عرف اللغويين من كونه هو
خفيف العقل.
ويمكن أن يكون هذا اصطلاحا وعرفا منهم خاصة، حيث إن السفيه
المختلف في بعض الأحكام لغيره هو هذا النوع، فكثرة استعمال السفيه فيه أوجبت
حصول حقيقة عرفية خاصة لهم فيه.
والملخص: أنه لا شك في أن معنى السفيه في اللغة هو خفيف العقل و
ناقصه، ولا في أن السفيه الذي حكم الفقهاء بحجره هو مفسد المال ومضيعه،
فإما يكون معنى السفيه واحدا، وهذا التعريف المصطلح يكون للسفيه المحجور
عليه في المال، أو يكون له إطلاقان: أحدهما اللغوي، والآخر العرفية الخاصة
للمتشرعة، والأمر في ذلك هين جدا.
وملخص الكل: أن المجنون هو فاسد العقل وضائعه. والسفيه: هو خفيف
العقل وناقصه، أو ذلك مع من له ملكة إفساد المال، أو من ليس له ملكة إصلاحه.
والأول محط رفع التكاليف وعدم تعلق الأحكام الشرعية أو الوضعية.
والثاني ليس له أثر في الأحكام الشرعية أو الوضعية إلا بعض أصنافه الذي
هو من ليس له ملكة إصلاح المال، فيتعلق به الحجر في التصرفات المالية.
ومن لم يتحقق الحال في المقام قد يحصل له الخلط في الاحكام، أو في التعبير.
هذا الفاضل الهندي في شرح القواعد في شرح قول المصنف: (ولاية
الحاكم تختص في النكاح على البالغ فاسد العقل) قال: بجنون أو سفه (3). فإنه

(1) النساء 4: 5.
(2) النساء 4: 6.
(3) كشف اللثام 1: 10 كتاب النكاح.
525

جعل فساد العقل على قسمين: جنون، وسفه.
ومثله بعض مشايخنا في شرحه على النافع في شرح قول المصنف: (وتثبت
ولايتهما - أي الأب والجد على البالغ مع فساد عقله) قال: السفه أو الجنون (1).
وعلى هذا يكون للسفه إطلاقان أو ثلاثة: فاسد العقل من غير جنون، و
خفيف العقل، أو هو مع المبذر أيضا.
ولكن ذلك ينافي ما صرح به جماعة - كما مر - من أن الجنون أقسام يجمعها
فساد العقل (2). وما ذكره في الروضة، حيث زاد (أو سفيها) بعد قوله: من بلغ
فاسد العقل (3).
ويرده أيضا عدم ورود تفسير السفاهة بذلك المعنى في كلام لغوي،
ولا فقيه، ولا في خبر.
مع أنه مع قطع النظر عن ذلك نقول: الفاسد العقل الذي ليس بمجنون، ما
الدليل على ثبوت الولاية عليه، مع أنه ليس للسفيه بهذا المعنى، ولا لهذا المعنى
بنفسه - لو لم يكن جنونا - في الأخبار ولا سائر الأدلة الشرعية عين أو أثر؟
إلا أن يكونا حملا فساد العقل على المعنى الأعم من الجنون وخفة العقل
الموجبة لعدم إصلاح المال أيضا، وظنا ولاية الحاكم في النكاح على ذلك السفيه
أيضا.
أو يكون مرادهما من الولاية أعم من اختيار التزويج وإيقاع النكاح مستقلا،
ومن توقف نكاح المرأة على إذنه - كما هو كذلك في السفيه بمعنى المبذر - كما هو
الظاهر من كلام صاحب الكفاية في كتاب النكاح، حيث قال أولا: وثبتت
ولايتهما - أي الأب والجد - على البالغ المجنون إذا اتصل جنونه بالصغر عند
الأصحاب. ولو طرأ الجنون بعد البلوغ والرشد، ففي ثبوت الولاية لهما أو

(1) رياض المسائل 2: 78.
(2) راجع ص 514، وانظر المسالك 1: 524، والروضة البهية 5: 385، وتحرير الأحكام 2: 28.
(3) الروضة البهية 5: 8 11.
526

للحاكم قولان.
ثم قال بعد كلام: وفي ثبوت الولاية للأب والجد وللحاكم في السفه
المتصل بالصغر قولان، أما في الطارئ بعد البلوغ والرشد، فالمشهور أنها
للحاكم.
ثم قال بعد كلام: والمحجور عليه للتبذير لا يجوز له أن يتزوج إلا مع
الاضطرار، فلو أوقع كان العقد فاسدا، وإن اضطر إلى التزويج، جاز للولي أن
يأذن له مقيدا بمراعاة المصلحة، سواء عين الزوجة أم لا.
إلى أن قال: وهل يجوز له المبادرة إلى النكاح بدون إذن الولي مع إمكانه؟
فيه وجهان. ولو تعذر إذن الحاكم جاز له التزويج بدونه، مقتصرا على ما يليق
به بمهر المثل فما دونه (1). انتهى.
بل صرح بذلك الشهيد الأول في نكت الإرشاد في مسألة ثبوت الولاية في
النكاح للوصي على السفيه، حيث قال: والحق ثبوتها في البالغ فاسد العقل أو
سفيها، لا بمعنى إجبار السفيه، بل بمعنى توقفه على إذن الوصي (2).
وكذا الفاضل الهندي في شرح القواعد، حيث قال في شرح قول المصنف:
(لا ولاية للوصي إلا على من بلغ فاسد العقل) قال: بجنون أو سفه مع الحاجة،
للضرورة.
إلى أن قال: ولذا ثبتت الولاية عليه للحاكم مع عدم ثبوتها على الصغير،
إلا أن الولاية على السفيه بمعنى وجوب استئذانه، ويمكن إرادة الولاية
الاجبارية، فيراد بفاسد العقل المجنون خاصة (3). انتهى.
وفي شرح قول المصنف: (لا ولاية في النكاح إلا على ناقص، بصغر أو
جنون أو سفه أو رق) قال: إلا أن الولاية على السفيه إنما هي بمعنى توقف نكاحه

(1): كفاية الأحكام: 156.
(2): غاية المراد: 180.
(3): كشف اللثام 1: 10.
527

على الإذن بخلاف الباقين (1).
وفذلكة المقام: أن هاهنا أمرين موجبين للآثار الشرعية، أحدهما: الجنون،
وثانيهما: السفيه بمعنى التبذير وإفساد المال.
والأول رافع للتكاليف، والثاني مانع من التصرفات المالية.
وأما الواسطة بينهما فلا حكم له في الشرع، ولا دليل على كونه مؤثرا في
إثبات أو نفي، سواء سميته سفيها أو فساد عقل أو غير ذلك.
فمن ذكر السفه قسيما (2) للجنون في أقسام فساد العقل، فإن جعل فساد
العقل أعم من الخفة، فلا مشاحة في الاصطلاح وإن كان في ثبوت حكم الجنون
له نظر.
وإن جعل فساد العقل غير الخفة والسفه بمعنى التبذير، وجعله قسمين:
الجنون والسفه، فنطالبه بالدليل على ثبوت ما أثبته له، وكونه موردا للحكم
الشرعي نفيا أو إثباتا. وحمل لفظ السفيه في بعض الأخبار على ذلك بمجرد
الاحتمال، لا يصلح دليلا لإثبات الحكم لها.
ومن جعل السفه قسيما للجنون في إثبات الولاية عليه من غير إدخاله في
فساد العقل، فإن أراد غير الخفة والتبذير، يرد عليه ما ذكر أيضا; وإن أراد هذا
المعنى، فإن أراد بثبوت الولاية في النكاح عليه توقف صحته على إذنه، لا أن
يكون له الولاية في الإيقاع استقلالا، فهو كذلك، وإن أراد الاستقلال، فعليه
الاستدلال، والله المسدد في كل حال.

(1) كشف اللثام 1: 12.
(2) في (ب): قسما.
528

عائدة (54)
في بيان ولاية الحاكم
وما له فيه الولاية
اعلم أن الولاية من جانب الله سبحانه على عباده ثابتة لرسوله وأوصيائه
المعصومين عليهم السلام، وهم سلاطين الأنام، وهم الملوك والولاة والحكام، و
بيدهم أزمة الأمور، وسائر الناس رعاياهم والمولى عليهم.
وأما غير الرسول وأوصيائه، فلا شك أن الأصل عدم ثبوت ولاية أحد على
أحد إلا من ولاه الله سبحانه، أو رسوله، أو أحد من أوصيائه، على أحد في أمر. و
حينئذ فيكون هو وليا على من ولاه فيما ولاه فيه.
والأولياء كثيرون، كالفقهاء العدول، والآباء، والأجداد، والأوصياء،
والأزواج، والموالي، والوكلاء، فإنهم الأولياء على العوام، والأولاد،
والموصى له، والزوجات، والمماليك، والموكلين، ولكن ولايتهم مقصورة على
أمور خاصة على ما ثبت من ولاة الأمر.
ولا كلام لنا هنا في غير الفقهاء، فإن أحكام كل من الباقين مذكورة في موارد
مخصوصة من كتب الفروع.
والمقصود لنا هنا بيان ولاية الفقهاء الذين هم الحكام في زمان الغيبة،
والنواب عن الأئمة، وأن ولايتهم هل هي عامة فيما كانت الولاية فيه ثابتة لإمام
529

الأصل، أم لا؟ وبالجملة في أن ولايتهم فيما هي؟
فإني قد رأيت المصنفين يحيلون كثيرا من الأمور إلى الحاكم في زمن الغيبة و
يولونه فيها، ولا يذكرون عليه دليلا، ورأيت بعضهم يذكرون أدلة غير تامة، و
مع ذلك كان ذلك أمرا مهما غير منضبط في مورد خاص.
وكذا نرى كثيرا من غير المحتاطين من أفاضل العصر وطلاب الزمان إذا
وجدوا في أنفسهم قوة الترجيح والاقتدار على التفريع، يجلسون مجلس
الحكومة ويتولون أمور الرعية، فيفتون لهم في مسائل الحلال والحرام، و
يحكمون بأحكام لم يثبت لهم وجوب القبول عنهم، كثبوت الهلال ونحوه، و
يجلسون مجلس القضاء والمرافعات، ويجرون الحدود والتعزيرات، و
يتصرفون في أموال اليتامى والمجانين والسفهاء والغياب، ويتولون أنكحتهم، و
يعزلون الأوصياء، وينصبون القوام، ويقسمون الأخماس، ويتصرفون في المال
المجهول مالكه، ويؤجرون الأوقاف العامة إلى غير ذلك من لوازم الرئاسة
الكبرى.
ونراهم ليس بيدهم فيما يفعلون دليل، ولم يهتدوا في أعمالهم إلى
سبيل، بل اكتفوا بما رأوا وسمعوا من العلماء الأطياب، فيفعلون تقليدا بلا
اطلاع لهم على محط فتاويهم، فيهلكون ويهلكون، أأذن الله لهم أم على الله
يفترون؟!.
فرأيت أن أذكر في هذه العائدة الجليلة وظيفة الفقهاء، وما فيه ولايتهم، و
من عليه ولايتهم على سبيل الأصل والكلية.
ولنقدم أولا شطرا من الأخبار الواردة في حق العلماء الأبرار، المعينة (1)
لمناصبهم ومراتبهم، ثم نستتبعه بما يستفاد منها كلية، ثم نذكر بعد ذلك بعض
موارد هذه الكلية.

(1) في (ب)، (ج)، (ح): المثبتة
530

فهاهنا مقامان:
المقام الأول:
في ذكر الأخبار اللائقة بالمقام:
فنقول: إن الأخبار في ذلك كثيرة جدا، إلا أنا نذكر شطرا منها.
الأولى: ما ورد في الأحاديث المستفيضة، منها صحيحة أبي البختري، عن
أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (العلماء ورثة الأنبياء) (1).
الثانية: رواية إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (العلماء
امناء) (2).
الثالثة: مرسلة الفقيه، قال أمير المؤمنين عليه السلام: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم
ارحم خلفائي، قيل: يا رسول الله ومن خلفاؤك؟ قال: الذين يأتون بعدي و
يروون حديثي وسنتي) (3)، ورواه في معاني الأخبار وغيره أيضا.
الرابعة: رواية علي بن أبي حمزة، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام، و
فيها: (لأن المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام كحصن سور المدينة لها) (4).
الخامسة: رواية السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
الفقهاء امناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا، قيل: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما دخولهم
في الدنيا؟ قال: اتباع السلطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم) (5).

(1) الكافي 1: 32 / 2، بصائر الدرجات 1: 10 / 1، الاختصاص: 4، بحار الأنوار 2: 92 / 21،
الوسائل 18: 53 أبواب صفات القاضي ب 8 ح 2.
(2) الكافي 1: 33 / 5، مستدرك الوسائل 13: 124 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 8.
(3) الفقيه 4: 302 / 915، معاني الأخبار: 374، عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 37 / 94، الوسائل 18:
100 أبواب صفات القاضي ب 11 ح 7.
(4) الكافي 1: 38 / 3، الوافي 1: 148 / 63، الوسائل 2: 924 أبواب الدفن ب 88 ح 1 و 2.
(5) الكافي 1: 46 / 5، الوافي 1: 213 / 148، مستدرك الوسائل 13: 124 أبواب ما يكتسب به ب 35
ح 8، بسند آخر.
531

السادسة: ما رواه في جامع الأخبار، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (أفتخر يوم
القيامة بعلماء أمتي فأقول علماء أمتي كسائر الأنبياء قبلي) (1).
السابعة: المروي في الفقه الرضوي أنه قال: (منزلة الفقيه في هذا الوقت
كمنزلة الأنبياء في بني إسرائيل) (2).
الثامنة: المروي في الاحتجاج في حديث طويل، قيل لأمير المؤمنين عليه السلام: من
خير خلق الله بعد أئمة الهدى ومصابيح الدجى؟ قال: (العلماء إذا صلحوا) (3).
التاسعة: المروي في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (فضل العالم على الناس
كفضلي على أدناهم) (4).
العاشرة: المروي في المنية أنه تعالى قال لعيسى: (عظم العلماء واعرف
فضلهم، فإني فضلتهم على جميع خلقي إلا النبيين والمرسلين، كفضل الشمس
على الكواكب، وكفضل الآخرة على الدنيا، وكفضلي على كل شئ) (5).
الحادية عشر: المروي في كنز الكراجكي عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال:
(الملوك حكام على الناس والعلماء حكام على الملوك) (6).
الثانية عشر: التوقيع الرفيع المروي في كتاب إكمال الدين بإسناده المتصل،
والشيخ في كتاب الغيبة، والطبرسي في الاحتجاج، وفيها: (وأما الحوادث الواقعة
فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم) (7).

(1): جامع الأخبار: 38، الفصل العشرون في العلم.
(2): فقه الرضا عليه السلام: 338.
(3): الاحتجاج 2: 264.
(4): مجمع البيان 9: 253 أوردها في تفسير قوله تعالى: * (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم
درجات) * المجادلة 58: 11.
(5): منية المريد: 121.
(6): كنز الفوائد 2: 33.
(7): كمال الدين وتمام النعمة 2: 483 / 4، الغيبة: 176، الاحتجاج 2: 283، الوسائل 18: 101 -
أبواب صفات القاضي ب 11 ح 9.
532

الثالثة عشر: ما رواه الامام في تفسيره عليه السلام عن آبائه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
(أشد من يتم اليتيم يتيم انقطع عن إمامه، لا يقدر على الوصول إليه ولا يدري كيف
حكمه فيما يبتلى به من شرائع دينه، فمن كان من شيعتنا عالما بعلومنا فهدى
الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا، كان معنا في الرفيق الاعلى).
قال: (وقال علي عليه السلام: من كان من شيعتنا عالما بشريعتنا فأخرج ضعفاء
شيعتنا من ظلمة جهلهم إلى نور العلم الذي حبوناه به، جاء يوم القيمة وعلى
رأسه تاج من نور يضئ لأهل تلك العرصات).
إلى أن قال: (وقال الحسين بن علي عليه السلام: من كفل لنا يتيما قطعته عنا محنتنا
باستتارنا، فواساه من علومنا التي سقطت إليه حتى أرشده وهداه، قال الله
سبحانه: أيها العبد الكريم المواسي أنا أولى منك بهذا الكرم، اجعلوا له يا
ملائكتي في الجنان بعدد كل حرف حرف علمه ألف ألف قصر).
إلى أن قال: (وقال موسى بن جعفر عليه السلام: فقيه واحد يتفقد يتيما من أيتامنا
المنقطعين عن مشاهدتنا والتعلم من علومنا، أشد على إبليس من ألف
عابد.)
إلى أن قال: (ويقال للفقيه: أيها الكافل لأيتام آل محمد - صلى الله عليه
وآله أجمعين - الهادي لضعفاء محبيه ومواليه، قف حتى تشفع في كل من أخذ
عنك أو تعلم منك).
إلى أن قال: (وقال علي بن محمد عليه السلام: لولا من يبقى بعد غيبة قائمنا من
العلماء الداعين إليه والدالين عليه)، إلى أن قال: (لما بقي أحد إلا ارتد عن
دين الله، أولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل) (1).
الرابعة عشر: رواية أبي خديجة، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: (انظروا إلى
رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم، فإني قد جعلته قاضيا،

(1): تفسير الإمام العسكري عليه السلام: 339 - 344، البحار 2: 2 - 3.
533

فتحاكموا إليه) (1).
الخامسة عشر: رواية أخرى له: (إجعلوا بينكم رجلا ممن قد عرف حلالنا و
حرامنا، فإني قد جعلته قاضيا) (2).
السادسة عشر: مقبولة عمر بن حنظلة، وفيها: (ينظران إلى من كان منكم
قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكما،
فإني قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا، فلم يقبله منه، فإنما استخف
بحكم الله، وعلينا رد، والراد علينا الراد على الله، وهو على حد الشرك بالله) (3).
السابعة عشر: ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كتب الخاصة والعامة أنه قال:
(السلطان ولي من لا ولي له) (4).
الثامنة عشر: ما رواه الشيخ الجليل (أبو) محمد الحسن بن علي بن شعبة في
كتابه المسمى بتحف العقول، عن سيد الشهداء الحسين بن علي عليهما السلام،
والرواية طويلة ذكرها صاحب الوافي في كتاب الامر بالمعروف والنهي عن
المنكر، وفيها: (وذلك بأن مجاري الأمور والاحكام على أيدي العلماء بالله،
الامناء على حلاله وحرامه) (5) الحديث.
التاسعة عشر: ما رواه في العلل بإسناده عن الفضل بن شاذان، عن
أبي الحسن الرضا عليه السلام، في حديث قال فيه: (فإن قال: فلم وجب عليهم معرفة

(1): الفقيه 3: 2 / 1، التهذيب 6: 219 / 516، الكافي 7: 412 / 4، الوسائل 18: 4 أبواب صفات
القاضي ب 1 ح 5.
(2): التهذيب 6: 303 / 846، الوسائل 18: 100 أبواب صفات القاضي ب 11 ح 6.
(3): الكافي 1: 67 / 10، و 7: 412 / 5، الفقيه 3: 5 / 18، التهذيب 6: 301 / 845، الاحتجاج 2:
106، الوسائل 18: 98 أبواب صفات القاضي ب 11 ح 1.
(4): سنن أبي داود 2: 566 / 2083، سنن الترمذي 2: 280 / 1108، سنن ابن ماجة 1:
605 / 1879 - 1880 وأوردها في تذكرة الفقهاء 2: 592، ومسالك الاحكام 1: 453، والحدائق
23: 239، ورياض المسائل 2: 81.
(2): تحف العقول: 238، الوافي 15: 179 أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وفي النسخ
محمد بن الحسن، وهو سهو.
534

الرسل، والإقرار بهم، والإذعان لهم بالطاعة؟
قيل له: لأنه لما لم يكن في خلقهم وقواهم ما يكملون به مصالحهم، وكان
الصانع متعاليا عن أن يرى، وكان ضعفهم وعجزهم عن إدراكه ظاهرا، لم يكن
بد من رسول بينه وبينهم معصوم، يؤدي إليهم أمره ونهيه وأدبه، ويوقفهم على
ما يكون به إحراز منافعهم ودفع مضارهم، إذ لم يكن في خلقهم ما يعرفون به
ما يحتاجون إليه من منافعهم ومضارهم، فلو لم يجب عليهم معرفته وطاعته،
لم يكن في مجئ الرسول منفعة ولا سد حاجة، ولكان إتيانه عبثا بغير منفعة
ولا صلاح، وليس هذا من صفة الحكيم الذي أتقن كل شئ.
فإن قال: فلم جعل اولي الأمر وأمر بطاعتهم؟
قيل: لعلل كثيرة: منها: أن الخلق لما وقفوا على حد محدود، وأمروا أن
لا يتعدوا ذلك الحد لما فيه من فسادهم، لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلا بأن يجعل
عليهم فيه أمينا يمنعهم من التعدي والدخول فيما حظر عليهم; لأنه إن لم يكن
ذلك كذلك، لكان أحد لا يترك لذته ومنفعته لفساد غيره، فجعل عليهم قيما
يمنعهم من الفساد ويقيم فيهم الحدود والاحكام.
ومنها: أنا لا نجد فرقة من الفرق ولا ملة من الملل بقوا وعاشوا إلا بقيم و
رئيس لما لابد لهم من أمر الدين والدنيا، فلم يجز في حكمة الحكم أن يترك الخلق
مما يعلم أنه لابد لهم منه، ولا قوام لهم إلا به، فيقاتلون به عدوهم، ويقسمون به
فيئهم، ويقيم لهم جمعهم وجماعتهم، ويمنع ظالمهم عن مظلومهم.
ومنها: أنه لو لم يجعل لهم إماما قيما أمينا حافظا مستودعا، لدرست
الملة، وذهب الدين، وغيرت السنة والاحكام، ولزاد فيه المبتدعون، ونقص
منه الملحدون، وشبهوا ذلك على المسلمين; لأنا قد وجدنا الخلق
منقوصين، محتاجين، غير كاملين، مع اختلافهم واختلاف أهوائهم، و
تشتت أنحائهم، فلو لم يجعل لهم قيما حافظا لما جاء به الرسول، لفسدوا
على نحو ما بيناه وغيرت الشرائع والسنن والاحكام والايمان، وكان في
535

ذلك فساد الخلق أجمعين) (1).
المقام الثاني:
في بيان وظيفة العلماء الأبرار والفقهاء الأخيار في أمور الناس، وما لهم فيه
الولاية على سبيل الكلية، فنقول وبالله التوفيق:
إن كلية ما للفقيه العادل توليه وله الولاية فيه أمران:
أحدهما: كل ما كان للنبي والامام - الذين هم سلاطين الأنام وحصون
الاسلام - فيه الولاية وكان لهم، فللفقيه أيضا ذلك، إلا ما أخرجه الدليل من
إجماع أو نص أو غيرهما.
وثانيهما: أن كل فعل متعلق بأمور العباد في دينهم أو دنياهم ولابد من،
الاتيان به ولا مفر منه، إما عقلا أو عادة من جهة توقف أمور المعاد أو المعاش
لواحد أو جماعة عليه، وإناطة انتظام أمور الدين أو الدنيا به.
أو شرعا من جهة ورود أمر به أو إجماع، أو نفي ضرر أو إضرار، أو عسر أو
حرج، أو فساد على مسلم، أو دليل آخر.
أو ورود الاذن فيه (2) من الشارع ولم يجعل وظيفته لمعين واحد أو جماعة
ولا لغير معين - أي واحد لا بعينه - بل علم لا بدية الاتيان به أو الاذن فيه، ولم يعلم
المأمور به ولا المأذون فيه، فهو وظيفة الفقيه، وله التصرف فيه، والآتيان به.
أما الأول: فالدليل عليه بعد ظاهر الاجماع - حيث نص به كثير من
الأصحاب (3)، بحيث يطهر منهم كونه من المسلمات - ما صرحت به الاخبار

(1): علل الشرائع: 252 - 254، بتفاوت.
(2) في (ب): الامر.
(3): انظر: التنقيح الرائع 1: 596، والروضة البهية 2: 417، والرياض 2: 388، والمسالك 1: 352،
ورسالة صلاة الجمعة (رسائل المحقق الكركي) 1: 142، وإيضاح الفوائد 1: 398، ومجمع الفائدة
والبرهان 7: 567، وكشف الغطاء: 420.
536

المتقدمة من كونه وارث الأنبياء، وأمين الرسل، وخليفة الرسول، و
حصن الاسلام، ومثل الأنبياء وبمنزلهم، والحاكم والقاضي والحجة من قبلهم،
وأنه المرجع في جميع الحوادث، وأن على يده مجاري الأمور والاحكام، وأنه
الكافل لأيتامهم الذين يراد بهم الرعية.
فإن من البديهيات التي يفهمها كل عامي وعالم ويحكم بها: أنه إذا قال نبي
لاحد عند مسافرته أو وفاته: فلان وارثي، ومثلي، وبمنزلتي، وخليفتي، و
أميني، وحجتي، والحاكم من قبلي عليكم، والمرجع لكم في جميع حوادثكم،
وبيده مجاري أموركم وأحكامكم، وهو الكافل لرعيتي، أن له كل ما كان لذلك
النبي في أمور الرعية وما يتعلق بأمته، بحيث لا يشك فيه أحد، ويتبادر منه ذلك.
كيف لا؟ مع أن أكثر النصوص الواردة في حق الأوصياء المعصومين،
المستدل بها في مقامات إثبات الولاية والإمامة المتضمنين لولاية جميع ما للنبي
فيه الولاية، ليس متضمنا لأكثر من ذلك، سيما بعد انضمام ما ورد في حقهم:
أنهم خير خلق الله بعد الأئمة، وأفضل الناس بعد النبيين، وفضلهم على الناس
كفضل الله على كل شئ، وكفضل الرسول على أدنى الرعية (1).
وإن أردت توضيح ذلك: فانظر إلى أنه لو كان حاكم أو سلطان في ناحية و
أراد المسافرة إلى ناحية أخرى، وقال في حق شخص بعض ما ذكر فضلا عن
جميعه، فقال: فلان خليفتي، وبمنزلتي، ومثلي، وأميني، والكافل لرعيتي،
والحاكم من جانبي، وحجتي عليكم، والمرجع في جميع الحوادث لكم، وعلى
يده مجاري أموركم وأحكامكم.
فهل يبقى لاحد شك في أن له فعل كل ما كان للسلطان في أمور رعية تلك
الناحية؟ إلا ما استثناه، وما أظن أحدا يبقى له ريب في ذلك، ولا شك ولا شبهة.

(1): تفسير الإمام العسكري: 344، المحجة البيضاء 1: 16، بحار الأنوار 2: 25 - 24; سنن الترمذي 4:
154 / 2826.
537

ولا يضر ضعف تلك الأخبار بعد الانجبار بعمل الأصحاب، وانضمام بعضها
ببعض، وورود أكثرها في الكتب المعتبرة.
وأما الثاني: فيدل عليه بعد الاجماع أيضا أمران:
أحدهما: أنه مما لا شك فيه أن كل أمر كان كذلك لابد وأن ينصب الشارع
الرؤف الحكيم عليه واليا وقيما ومتوليا، والمفروض عدم دليل على نصب معين،
أو واحد لا بعينه، أو جماعة غير الفقيه.
وأما الفقيه، فقد ورد في حقه ما ورد من الأوصاف الجميلة والمزايا الجليلة،
وهي كافية في دلالتها على كونه منصوبا منه.
وثانيهما: أن بعد ثبوت جواز التولي له، وعدم إمكان القول بأنه يمكن أن
لا يكون لهذا الامر من يقوم له، ولا متول له، نقول:
إن كل من يمكن أن يكون وليا ومتوليا لذلك الامر ويحتمل ثبوت الولاية
له، يدخل فيه الفقيه قطعا من المسلمين أو العدول أو الثقات، ولا عكس، وأيضا
كل من يجوز أن يقال بولايته يتضمن الفقيه.
وليس القول بثبوت الولاية للفقيه متضمنا لثبوت ولاية الغير، سيما بعد
كونه خير خلق الله بعد النبيين، وأفضلهم، والأمين، والخليفة، والمرجع، وبيده
الأمور، فيكون جواز توليه وثبوت ولايته يقينيا، والباقون مشكوك فيهم، تنفى
ولايتهم وجواز تصرفهم النافذ بالأصل المقطوع به، وكذا الوجوب الكفائي فيما
يثبت الامر به ووجوبه.
فان قلت: هذا يتم فيما يثبت فيه الاذن والجواز، وأما فيما يجب كفاية
فالأصل عدم الوجوب على الفقهاء.
قلنا: الوجوب الكفائي عليهم أيضا مقطوع به، غاية الامر أنه يشك في
دخول غيرهم أيضا تحت الامر الكفائي وعدمه، والأصل ينفيه.
فإن قيل: الأصل عدم ملاحظة خصوصيتهم.
قلنا: الأصل عدم ملاحظة جهة العموم أيضا، مع أن إثبات الجواز كاف لنا
538

ولا معارض له، ثم يثبت له الوجوب فيما يجب بالاجماع المركب.
ولتكن هاتان الكليتان نصب عينيك وبين يديك، تجريهما في جميع
المقامات الفرعية والموارد الجزئية، ويندرج تحتهما جميع ما ذكره الفقهاء في
المسائل الشخصية، ولا حاجة إلى ذكر الأنواع والأصناف من تلك الأمور بعد
الإحاطة بما ذكر.
إلا أنا نذكر بعض أنواع هاتين الكليتين، لما فيها من الأدلة الخاصة، أو
الفروع اللازمة بيانها، أو لبيان ورود الاذن والامر من الشارع فيه.
وقد ذكر بعض تلك الأمور الشهيد في قواعده، قال ما خلاصته: قاعدة
في ضبط ما يحتاج إلى الحاكم: كل قضية وقع النزاع فيها في إثبات شئ أو
نفيه أو كيفيته، وكل أمر فيه اختلاف بين العلماء، كثبوت الشفعة مع الكثرة، أو
احتيج فيه إلى التقويم، كالأرش وتقدير النفقات، أو إلى ضرب المدة،
كالايلاء والظهار، أو إلى الالقاء، كاللعان، ومما يحتاج إليه القصاص نفسا أو
طرفا، والحدود والتعزيرات، وحفظ مال الغياب، كالودائع واللقطات (1).
إنتهى.
ثم نقول: إن الأمور التي هي وظيفة الفقهاء ومنصبهم ولهم الولاية فيه
كثيرة، يعلم مواردها مما ذكر، ونذكر هنا بعضها:
فمنها: الافتاء.
فلهم ولايته، وعلى الرعية وجوب اتباعهم في فتاويهم، وتقليدهم في
أحكامهم، وهي ثابتة بكل من الامرين الكليين المذكورين.
ويدل عليه أيضا من الأخبار المتقدمة بخصوصه المروي عن تفسير
الإمام عليه السلام (2)، ومقبولة عمر بن حنظلة (3).
أما الأولى: فلدلالتها على ترغيب العالمين بعلومهم إلى هداية الجهال

(1): القواعد والفوائد 1: 405 قاعدة 147.
(2): المتقدمتان في ص 533 و 534.
(3): المتقدمتان في ص 533 و 534.
539

بالشريعة، وحثهم على إخراجهم من ظلمة جهلهم إلى نور العلم الذي أعطوه،
وعلى مواساتهم مع أيتام الأئمة، الذين هم الجهال بالشريعة، من علومهم التي
سقطت إليهم، وعلى تفقدهم الجهال وتعليمهم من علومهم، وعلى تكفلهم
لأيتام آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين، وهدايتهم الضعفاء، ودعوتهم إلى
العلوم، ودلالتهم عليها.
وبثبوت الجواز بل الرجحان يثبت الوجوب الكفائي بالاجماع، بل
الضرورة، كما يثبت بذلك أيضا وجوب اتباع الناس لهم فيما دعوهم، و
هدوهم، وواسوهم، ودلوهم.
فإن قيل: المصرح به في تلك الرواية الترغيب في تعليم علومهم، ومن أين
يعلم أنه ما استنبطه هؤلاء العلماء هو علوم الأئمة؟.
قلنا: لا شك أن المراد أن علومهم بحسب علم العالم، أي ما يعلمه أنه من
علومهم، إذ إرادة غير ذلك تكليف بما لا يعلم بل بما لا يطاق، فيكون المعنى: من
علومنا بحسب علمه، ولا شك أن علوم العلماء علوم الأئمة عليه السلام بزعم العلماء و
بحسب علمهم.
فإن قيل: لا نسلم أن ما يعلمونه إنما هو من العلوم، فإن مستنبطاتهم ليست
علما، وإنما هي ظنون يجب العمل بها لأجل المخمصة.
قلنا: الظن المنتهي إلى العلم علم، فإنه إذا ظن وجوب السورة لأجل خبر
واحد، وعلم حجية الخبر بالدليل القطعي، يعلم وجوب السورة; وأما الظن
الغير المنتهي إلى العلم، فهو ليس مما يتكلم فيه.
فإن قيل: هو حجة في حقه وحق مقلديه بعد ثبوت وجوب تقليده عليهم،
فهو معلوم وعلم في حقه دون حق الغير.
قلنا: هذا تخليط واشتباه، كيف مع أن المظنون من الخبر الواحد هو وجوب
السورة مطلقا دون وجوبها عليه خاصة، والمعلوم من الأدلة العلمية هو حجية
الخبر الواحد، إما مطلقا أو لكل من كان مثله، لا لهذا الشخص بخصوصه، فإنه
540

لا دليل على حجيته مخصوصا بهذا الشخص.
وعلى هذا فيعلم هذا: أن خبر الواحد واجب العمل مطلقا، ويظن من
الخبر أن السورة واجبة كذلك، فيعلم وجوب السورة كذلك.
نعم لما لم يكن علم غير المعصوم حجة على غيره فيحتاج جواز اتباع علمه
للغير أو وجوبه إلى دليل، وهذا الخبر وما يؤدي مؤداه من أدلة جواز التقليد أو
وجوبه دليل على حجية علمه لمن يقلده أيضا.
ومحط دلالة الثانية: عموم قوله: (فإذا حكم بحكمنا)، فإنه لا يمكن أن
يكون المعنى إذا حكم بما هو معلوم عند سامعه أنه حكمنا، إذ لا يكون حينئذ حاجة
إلى قبول قول الغير والرجوع إليه، بل تتمة الحديث - الدالة على اختلاف الخبر -
صريحة في جهل السامع بالحكم، فيكون المعنى: إذا حكم بحكم ينسبه إلينا، أو
ما هو حكمنا باعتقاده، يجب القبول. وليس المراد بالحكم خصوص ما يكون بعد
الترافع، لأعميته لغة وعرفا، وعدم ثبوت الحقيقة الشرعية فيه.
ومنه يظهر إمكان الاستدلال بروايتي أبي خديجة; لان القضاء أيضا بمعنى
الحكم.
ويدل على المطلوب أيضا أخبار أخر كثيرة: كالمروي في الأمالي بإسناده عن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (يرفع الله - أي بالعلم - أقواما، فيجعلهم في الخير قادة،
تقتبس آثارهم، ويهتدى بفعالهم، وينتهي إلى آرائهم) (1).
والمروي في عوالي اللآلي عن بعض الصادقين عليه السلام: (إن الناس أربعة: رجل
يعلم، وهو يعلم أنه يعلم، فذاك مرشد حاكم فاتبعوه) (2).
ورواية محمد بن مسلم، المروية في الكافي، وفيها: (فتعلموا العلم من
حملة العلم) (3).

(1): أمالي الطوسي 2: 102.
(2): عوالي اللآلي 4: 79 / 74. وفيه: فذاك عالم فاتبعوه.
(3): الكافي 1: 35 / 2، الوافي 1: 157 / 74.
541

والمروي في الاحتجاج عن مولانا الكاظم عليه السلام أنه قال: (فقيه واحد ينقذ
يتيما من أيتامنا المنقطعين عن مشاهدتنا بتعليم ما هو محتاج إليه أشد على إبليس
من ألف عابد) (1).
وفيه أيضا عن أبي محمد العسكري عليه السلام: (فأما من كان من الفقهاء صائنا
لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا على هواه، مطيعا لأمر مولاه، فللعوام أن
يقلدوه) (2).
ويدل عليه أيضا: مفاهيم الأخبار المستفيضة الناهية عن الافتاء بغير علم، و
من غير العلم بالناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، والمبينة لصفات المفتي، و
أمر الأئمة بعض أصحابهم بالافتاء، وأمر الناس بالرجوع إليهم.
والاخبار المتكثرة المتضمنة: لان الله سبحانه لا يدع الأرض خالية من عالم
يعرف الناس حلالهم وحرامهم، ولئلا تلتبس عليهم أمورهم، كما في رواية
عبد الله العامري عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ما زالت الأرض إلا ولله فيها الحجة
يعرف الحلال والحرام ويدعو إلى سبيل الله (3).
والمروي في إكمال الدين عنه عليه السلام أيضا، قال: (إن الله تبارك وتعالى لم يدع
الأرض إلا وفيها عالم يعلم الزيادة والنقصان، ولولا ذلك لالتبست على المؤمنين
أمورهم) (4).
والحجة والعالم فيهما لا يحملان على الامام المعصوم الغائب; لأنه لا يعرف
الناس مسائلهم، ولا يدعوهم إلى سبيل الله، ولا يبين لهم أمورهم.
ويدل على المطلوب أيضا: الاجماع القطعي، بل الضرورة، الدينية، بل
ضرورة جميع الأديان، فإن الكل قد أجمعوا على إفتاء العلماء للعوام، وعلى

(1): تفسير الإمام العسكري عليه السلام: 343 / 222، الاحتجاج 2: 170، منية المريد: 117.
(2) الاحتجاج 2: 263.
(3): الكافي 1: 178 / 3.
(4): كمال الدين: 203 / 11.
542

ترك الانكار في تقليد غير العلماء لهم من غير مانع لهم من الانكار، بل ترغيبهم
عليه وذمهم على تركه.
بل هذا أمر واضح لكل عامي حتى النسوان والصبيان; لأنهم يرجعون فيما
لا يعلمون إلى العلماء. وليس علم كل عامي بأن ما لا يعلمه من أحكام الله يجب
أخذه من العالم، أضعف من علمه بوجوب الصلاة وكونها مثلا أربع ركعات.
ويدل عليه أيضا: أنه لا شك أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مبعوث إلى العالم والعامي، و
ليس بعثه مقصورا على العلماء، وأن أحكامه مقررة للفريقين من غير تفرقة
بينهما.
ولا شك أيضا أنه لم يقرر هذه الأحكام لكل أحد حتى من لم يتمكن من
الوصول إليها وتحصيلها بعد السعي والاجتهاد، ولم يخصصها أيضا بمن
وصلت إليه هذه الأحكام من دون سعي وفحص.
بل أتى بها وأمر بالفحص عنها فحصا تاما، بمعنى أنا أمرنا بالفحص عن
أحكام الرسول; بل وجوب هذا الفحص مما يحكم به العقل القاطع، فمن وصل
إليه بعد الفحص فهو حكمه، وإلا فهو معذور، فكل من العلماء والعوام
بالفحص مأمور، وفي تركه غير معذور.
ثم إن الفحص تارة يكون بالفحص عن مأخذها ومداركها واستنباطها منها
بعد فهم المراد منها، وعلاج معارضتها، ورفع اختلالاتها، ورفع شبهاتها، و
نحو ذلك.
وأخرى بالفحص عمن فعل ذلك.
ومن البديهيات القطعية: أن أمر غير العلماء في زمان من الأزمنة بالفحص
بالطريق الأول يوجب العسر الشديد والحرج العظيم واختلال أمر المعاش و
تعطيل أكثر الأمور، سيما بعد مرور الدهور.
فغير العلماء الذين يسهل لهم الاجتهاد ينحصر طريق فحصهم - المكلفين به
في جميع الأزمنة - بالسؤال عمن فحص بالطريق الأول، فيكون واجبا عليه.
543

وقد يتوهم: أن المرجع في التقليد إلى إفادته الظن.
وقد بينا فساده في كتاب مناهج الاحكام (1).
فوائد:
الأولى:
اعلم أن هاهنا مسألتين:
إحداهما: ثبوت ولاية الافتاء للفقيه ووجوب الافتاء عليه كفاية.
والثانية: وجوب التقليد على العامي.
وكلتاهما متلازمتان، وجميع الأدلة المذكورة تثبت المسألتين وأدلة لهما.
والمسألة الأولى متضمنة لحكم الفقيه، فيجب عليه الاجتهاد فيه.
والثانية لحكم العامي، وحيث لا يجوز له التقليد له في هذه المسألة لاستلزامه
الدور، يجب عليه فيها الاجتهاد بنفسه أيضا، وعمله في تلك المسألة باجتهاده.
وقد يتكلم فيها الفقهاء لأجل تحصيلهم العلم بحكم العامي، ولتقرير حال
الاجماع فيها; بل قد يحتاج الفقيه إليها أيضا، حيث يضطر إلى التقليد لضيق
الوقت عن الاجتهاد ونحوه.
ومن ثم أن مستند الفقيه في المسألتين هو الأدلة المذكورة بأجمعها.
وأما مستند المقلد، ففي الغالب هما الدليلان الأخيران، أي: دليل
الاجماع، ودليل بقاء التكليف; وأما غيرهما، فليس من شأن غالب المقلدين
الاستناد إليه; لتوقفه على إثبات حجية الآحاد، وعلاج المعارضات، والاجتهاد
في وجوه الدلالات ونحوها.
الثانية:
كما يجب على العامي الاجتهاد في هذه المسألة، يجب عليه الاجتهاد في

(1): مناهج الاحكام: 302. منهاج: يشترط في المفتي الاجتهاد.
544

تعيين الفقيه الذي يقلده من بين أصناف الفقهاء من الأصولي والأخباري، والحي
والميت، والأعلم وغيره، والمتجزئ والمطلق. وطريق اجتهاده فيه سهل،
لا صعوبة فيه، ذكرناه في منهاج تقليد الأموات من كتاب مناهج الاحكام (1)، ولم
نذكره هنا; لخروجه عما نحن بصدده.
الثالثة:
مورد وجوب الافتاء والتقليد هو الذي يفهمه الفقيه من قول الشارع وينسبه
إليه، ويستنبط إرادته من الأمور المتعلقة بالدين الفرعي، سواء كان حكما
شرعيا، أو وضعيا، أو موضوعا، أو محمولا، أو متعلقا له، استنباطيا أو غير
استنباطي من حيث هو موضوع أو محمول أو متعلق للحكم الديني، لا مطلقا و
بالجملة كل ما يخبره من الأمور الفرعية الدينية.
مثلا: إذا استنبط الفقيه أن الخمر نجسة، وأن هذه الخمر هي العصير العنبي،
وأن نجاستها عبارة عن كونها واجب الاجتناب في الصلاة، فيجب إفتاؤه بذلك،
ويجب على مقلده تقليده في ذلك. فيقلده في تعيين الموضوع وهو الاختصاص
بالعصير العنبي، وفي معنى المحمول وهو كونه واجب الاجتناب في الصلاة، و
في الحكم وهو ثبوت المحمول للموضوع.
ولا يجوز للمفتي حوالة المقلد في فهم الخمر والنجاسة إلى العرف أو اللغة
ولو كانا مخالفين لما فهمه، بعد فهمه أن مراد الشارع من الخمر النجس هو
العصير العنبي، ومن النجاسة ما ذكر، إلا إذا استنبط أن مراد الشارع أيضا هو
المعنى العرفي، فيفتي بأن الخمر العرفي نجسة عرفا.
ولو فهم المقلد من الخمر معنا عرفيا، لا يفيده في هذا المقام; إذ لعل للفقيه
دليلا على التجوز، أو اختلاف العرفين، أو غير ذلك.
وإن علم المقلد أنه ليس للفقيه قرينة ولا دليل على هذا التعيين، وأن معه

(1): مناهج الاحكام: 304 في تقليد الأموات.
545

يجب الرجوع إلى العرف، يكون هو بنفسه مجتهدا في هذه المسألة.
نعم لو لم يكن الخمر متعلقة لحكم من الشارع، يعمل المقلد فيه بما فهم.
وكذا إذا حكم الفقيه بأن إناء الذهب غير جائز الاستعمال، وفسر الاناء بما
يشتمل المكحلة وظرف المرآة; والاستعمال، بما يشمل رؤية الوجه في المرآة أيضا،
فإنه يجب على المقلد قبول الحرمة فيما فسره به، ولا يجوز له أن يقول: لا تقليد
في الموضوع; لشمول جميع الأدلة لهذا الاستنباط أيضا، لأنه إخبار عن قول
الشارع.
نعم لو قال الفقيه: إن مراد الشارع الاناء والاستعمال العرفيين، يجب على
المقلد قبوله.
ولو اختلفا حينئذ في فهم المعنى العرفي، لا يجب فيه التقليد; لأنه ليس
إخبارا عن قول الإمام، بل قال: إن الامام حرم الاناء العرفي، ولكني أفهم أن
العرف يحكم بكون ذلك إناء، فهذا اختلاف فيما نسب إلى العرف.
ولو قال المقلد: إني أعلم أن مراد الشارع الاناء العرفي، فهو نفسه يكون
مجتهدا في هذه المسألة.
وبالجملة: الثابت من الأدلة هو وجوب الافتاء والتقليد في جميع ما يحكيه
عن الشارع وينسبه إليه من الأمور الشرعية الفرعية من حيث هو هو.
وأما غير ذلك فلا يجب على الفقيه فيه الافتاء ولا على المقلد القبول ما
لم يكن حكما في مقام التخاصم والتنازع، فلا يقبل قوله في غير مقام المرافعة في
رؤية الهلال، ووقوع النجاسة في هذا الاناء، ووقوع التذكية على ذلك الجلد،
ونحو ذلك مما ليس فيه إخبار عن قول الشارع; لعدم دليل عليه. فإن الاخبار إنما
هي واردة في أحكام الأئمة وعلومهم، وقضاياهم ونحو ذلك، ولا يشمل شئ
منها مثل رؤية الهلال.
وبالجملة: جميع الأخبار الآمرة بالرجوع إلى الفقهاء وحكمهم واردة فيما
يتعلق بالدعاوي والقضاء بين الخصوم، والفتوى في الأحكام الشرعية.
546

ولا يتوهم شمول قوله: (حكمنا) في المقبولة له; لان كون مثل ذلك من
أحكامهم ممنوع جدا.
وأما قوله في التوقيع: (وأما الحوادث الواقعة) إلى آخره، ففيه أن الثابت
منه وجوب الرجوع إليهم، وهو مسلم، والكلام فيما يحكم به الفقيه حينئذ، فإنه
لا شك في أنه إذا ثبت عند الفقيه الهلال مثلا، وأفتى بوجوب قبول قوله فيه أيضا
لكون فتواه كذلك، يجب القبول، وإنما الكلام فيما يفتي به.
ولا يدل الرجوع إليهم أنهم إذا قالوا: ثبت عندنا الهلال، يجب الصوم أو
الفطر، بل هذا أيضا واقعة حادثة، فيجب الرجوع فيها، بأن يسئل عنه أنه إذا ثبت
ذلك عندك فما حكمنا؟
والاجماع والضرورة أيضا غير متحقق فيه، والدليل العقلي المتقدم أيضا
لا يجري في غيره; إذ مأخذ هذه الأمور ليس منحصرا بالأدلة الشرعية، الموجب
وجوب التفحص عنها العسر والحرج أو التقليد.
إلا أن ما ذكرنا في القسم الثاني إنما هو من باب الأصل، ويمكن أن يوجد
في مورد جزئي دليل على وجوب قبول قول الفقيه، كما استدل له في مسألة رؤية
الهلال بصحيحة محمد بن قيس (1)، ولكنها غير تامة كما ذكرناه في موضعه.
الرابعة:
اعلم أن أهل زمان الغيبة بين مجتهد، وغير مجتهد.
ومرادنا من المجتهد: من كانت له ملكة الترجيح، وقوة الاستنباط من مظان
الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية.
ولا شك في جواز التقليد للثاني، بل وجوبه فيما لم يحتط فيه، بل في أصل
الاحتياط أيضا.
وأما الأول: فإما اجتهد في المسألة فعلا، أو لا.

(1): الكافي 4: 169 / 1، الفقيه 2: 109 / 467، الوسائل 7: 199 أبواب أحكام شهر رمضان ب 6 ح 1.
547

فعلى الأول: لا يجوز له التقليد إجماعا، ولا يدخل تحت شئ من أدلته
أيضا، كما سيظهر وجهه.
وعلى الثاني: فإما لا يتمكن من الاجتهاد لمانع، من ضيق وقت أو فقد شرط
ونحوه، أو يتمكن.
فعلى الأول: فالظاهر جواز التقليد، بل وجوبه له، لكثير من الأخبار المذكورة
، بل للاجماع والدليل العقلي.
وعلى الثاني: لا يجوز له التقليد، بل يجب عليه الاجتهاد أو الاحتياط بعد
اجتهاده فيه، وكأنه إجماعي أيضا، لأصالة عدم حجية قول الغير، وعدم كونه
حكما (1) في حق الغير، وعدم ثبوت الاجماع فيه وعدم جريان الدليل العقلي،
لامكان الرجوع إلى الأدلة الشرعية له.
ولا يتوهم شمول بعض الاخبار لمثل ذلك أيضا; لأنها بين ما لا عموم فيه
ولا إطلاق يشمل مثل ذلك، وبين ضعيف غير منجبر في المقام، أو متضمن
للعوام، أو الضعفاء، أو الجاهل، أو نحو ذلك مما لا يصدق على مثل ذلك
الشخص، أو غير معلوم صدقه، أو مشتمل على أمر دال على الوجوب، المنتفي
في حق مثل ذلك قطعا، فيرجع إلى التخصيص.
وتوهم إمكان إجراء الاستصحاب في حقه ضعيف; لتغير الموضوع، و
معارضته مع استصحاب حال العقل.
ولمسألة الافتاء والتقليد فروع اخر مذكورة في كتب الأصول.
الخامسة:
لابد للفقيه المفتي أن يعلم ما يجب فيه الافتاء عليه وما لا يجب.
فنقول: الفقيه الجامع لشرائط الافتاء في بلد المستفتي أو في مكان لا يتعسر
الوصول إليه، إما واحد، أو متعدد.

(1): في (ه‍) زيادة: لله.
548

فإن كان واحدا، فإما يكون وقت السؤال وقت الحاجة إلى السؤال - إما من
جهة كونه وقت العمل، أو من جهة عدم إمكان السؤال وقته مع العلم بأنه يحتاج
إليه في وقت - أو لا يكون.
فعلى الثاني لا يجب على المفتي الجواب; للأصل.
وعلى الأول: يجب الافتاء إن اجتهد فيه، والاجتهاد ثم الافتاء إن
لم يجتهد، إذا اتسع الوقت للاجتهاد، إن كان السؤال مما يجب على المستفتي
علمه أو يتضرر بجهله. وبالجملة: إذا كان السؤال عن واجباته ومحرماته، أو
عما يدفع ضرر الحاصل به عن نفسه، كما إذا سئل عن خيار الغبن بعد البيع بما
فيه غبن.
ويستحب الجواب إن كان من المستحبات، بل سائر الفتاوى أيضا; لكونه
تعليما لمسلم وجوابا عن سؤاله.
ولا يجب الافتاء في غير ما ذكر من أنواع المعاملات والايقاعات مما لا يجب
تعلمه، فلا يجب الجواب عن سؤال من يسأل عن مسقطات خيار الغبن إذا أراد
إيقاع المعاملة بوجه يسقطه مثلا، ونحو ذلك.
وإن كان متعددا - أي باعتقاد المستفتي - فإن علم المفتي إصابته في ذلك
الاعتقاد، لا يجب عليه الافتاء عينا أيضا، بل يجب كفاية وإن قال المستفتي أنا
أريد تقليدك، إلا فيما إذا تعين له تقليده.
وكذلك إن علم خطأه مع عدم تقصيره، وإن كان له تنبيهه على خطئه من
باب الارشاد والهداية.
وإن كان لأجل تقصيره في السعي، يجب عليه الافتاء; لأنه يكون الجواب
عليه واجبا عينيا.
وإن لم يعلم خطأه أو إصابته واحتمل كونه مصيبا، لا يجب عليه الافتاء
أيضا.
وإن تعدد المفتون ولم يعرفهم المستفتي، بل اعتقد الانحصار، يجب عليه
549

أحد الامرين: من الافتاء، أو الارشاد إلى غيره إن قلنا بالاكتفاء في معرفة المجتهد
بإخبار مجتهد آخر.
وخلاصة المقال: أنه كل ما يجب فيه على المستفتي السؤال يجب على
المفتي الجواب، فإن وجب على الأول السؤال من ذلك عينا، يجب عليه
الجواب كذلك، وما يجب فيه عليه من أحد الفقيهين، يجب عليه الجواب
كفاية.
وكذا ما يتضرر المستفتي بجهله يجب عليه الجواب إما عينا أو كفاية،
ولا يجب في غير ذلك.
ودليل الكل الاجماع، مضافا في الأولين إلى قوله سبحانه: * (إن الذين
يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك
يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) * (1).
والمروي في الصافي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (من سئل عن علم يعلمه فكتمه،
الجم يوم القيامة بلجام من نار) (2).
ورواه في إحقاق الحق أيضا هكذا: (من علم علما وكتمه، ألجمه الله
يوم القيامة بلجام من النار) (3).
وما رواه في الكافي بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (قرأت في كتاب
علي عليه السلام: إن الله لم يأخذ على الجهال عهدا بطلب العلم حتى أخذ على العلماء
عهدا ببذل العلم للجهال) (4).
والأخيرة مخصوصة بالواجبات; لأنها التي أخذ العهد على الجهال بطلبها.
وأما ما تقدمها وإن كانت عامة، إلا أن صدق الكتمان في الآية الشريفة على

(1): البقرة 2: 9 15.
(2): تفسير الصافي 1: 189.
(3): إحقاق الحق: 4.
(4): الكافي 1: 41 / 1، الوافي 1: 185 / 112.
550

سكوت فقيه عن رأيه في مستحب، أو مباح، أو معاملة، غير معلوم، سيما بعد
انتشار الجميع في كتب الأحاديث والفقه، من العربية والفارسية، فإن المنهي
عنه: الكتمان المطلق دون الكتمان عن شخص خاص.
والروايتان اللاحقتان ضعيفتان غير معلوم انجبارهما بعمومهما.
ومع ذلك روى في الكافي بإسناده عن أبي الحسن موسى عليه السلام، قال: (دخل
رسول الله المسجد فإذا جماعة قد أطافوا برجل، قال: ما هذا؟ فقيل: علامة،
فقال: وما العلامة؟ قالوا: أعلم الناس بأنساب العرب، ووقائعها، وأيام
الجاهلية، والاشعار العربية.
قال: فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ذلك علم لا يضر من جهله ولا ينفع من علمه.
ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنما العلم ثلاثة: آية محكمة، أو فريضة عادلة، أو سنة
قائمة) (1).
وفسرت الآية المحكمة: بأصول العقائد التي براهينها الآيات المحكمات،
والفريضة العادلة: بفضائل الأخلاق، وعدالتها كناية عن توسطها، والسنة
القائمة: بشرايع الاحكام ومسائل الحلال والحرام.
وروي أيضا بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام يقول: (وجدت علم الناس كله في
أربع: أولها أن تعرف ربك، والثاني أن تعرف ما صنع بك، والثالث أن تعرف ما
أراد منك، والرابع أن تعرف ما يخرجك عن دينك) (2).
والمراد عن الأول واضح، ومن الثاني: علم النفس الانسانية وصفاتها،
وما يعود إليه من النشأة الأخروية، وما يوجب شكر المنعم. ومن الثالث:
الفضائل النفسانية، والأوامر الشرعية. ومن الرابع: الرذائل والنواهي.
ويخرج من هاتين الروايتين كثير مما تعمه الروايتان المرسلتان المتقدمتان، بل

(1): الكافي 1: 32 / 1، الوافي 1: 133 / 50.
(2): الكافي 1: 50 / 11، الوافي 1: 135 / 51.
551

يمكن أن يقال بعدم خلو المعاني الثلاثة المذكورة في الرواية الأولى عن إجمال،
ولأجله يدخل الاجمال في العمومات أيضا، فتأمل.
ومنها: القضاء.
فلهم ولاية القضاء والمرافعات، وعلى الرعية الترافع إليهم وقبول
أحكامهم.
ويدل على ثبوتها لهم - مع الاجماع القطعي، بل الضرورة، والقاعدتان
الكليتان المتقدمتان - المروي عن كنز الكراجكي، والتوقيع الرفيع، ومقبولة ابن
حنظلة، وروايتا أبي خديجة، المتقدمة جميعا في صدر العائدة (1)، والمروي عن
العوالي، المتقدم في الافتاء (2).
ورواية داود بن الحصين عن أبي عبد الله عليه السلام، في رجلين اتفقا على
عدلين، جعلاهما بينهما في حكم وقع بينهما فيه خلاف، فرضيا بالعدلين،
فاختلف العدلان بينهما، عن قول أيهما يقضي الحكم؟ فقال: (ينظر إلى
أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا وأورعهما، فينفذ حكمه ولا يلتفت إلى الآخر) (3).
ورواية النميري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سئل عن رجل يكون بينه وبين أخ
له منازعة في حق، فيتفقان على رجلين، إلى أن قال: (ينظر إلى أعدلهما و
أفقههما في دين الله فيمضي حكمه) (4).
والظاهر وجوب القضاء على الفقيه; للاجماع، فإن اتحد في البلد فعينا، و
إلا فكفاية، على التفصيل المتقدم في التقليد.
ولا يصير باختيار المدعي أحد المجتهدين واجبا عينيا عليه وإن كان الاختيار
مع المدعي، للأصل، إلا أن يكون بحيث لا يجوز له الرجوع إلى الاخر.

(1): المتقدمتان في ص 532 و 533.
(2): تقدم في ص 541.
(3): الفقيه 3: 5 / 17، التهذيب 6: 301 / 843، الوسائل 18: 80 أبواب صفات القاضي ب 9 ح 20.
(4): التهذيب 6: 301 / 844، الوسائل 18: 88 أبواب صفات القاضي ب 9 ح 45.
552

ومنها: الحدود والتعزيرات.
واختلفوا في ثبوت ولايتها للفقيه في زمن الغيبة.
فذهب الشيخان (1) إلى ثبوتها له، واختاره الديلمي (2)، والفاضل في كتبه (3)،
والشهيدان (4)، وصاحب المهذب (5)، وصاحب الكفاية (6)، والشيخ الحر (7)، بل
أكثر المتأخرين (8).
ونسب إلى المشهور، بل ادعى بعضهم عليه الاجماع في مسألة عمل
الحاكم بعلمه في حقوق الله (9).
ونقل عن الحلي منعها (10).
وظاهر الشرائع والنافع التردد (11).
والأول: هو الحق; للقاعدتين المتقدمتين، مضافتين إلى رواية حفص بن
غياث، المنجبر ضعفها - لو كان - بالشهرة، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: من يقيم
الحدود السلطان أو القاضي؟ فقال: (إقامة الحدود إلى من إليه الحكم) (12).

(1): الشيخ المفيد في المقنعة: 810، والشيخ الطوسي في النهاية: 732.
(2): المراسم: 261.
(3): قواعد الأحكام 1: 119، تذكرة الفقهاء 1: 459، تحرير الأحكام 1: 158.
(4): الشهيد الأول في اللمعة الدمشقية: 46، والشهيد الثاني في الروضة البهية 2: 417، والمسالك
1: 162.
(5): المهذب البارع 2: 328.
(6): كفاية الأحكام: 83.
(7): وسائل الشيعة 18: 338، أبواب مقدمات الحدود وأحكامها العامة ب 28.
(8): كفخر المحققين في إيضاح الفوائد 1: 400، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1: 597،
والفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 149، وصاحب الرياض فيه 2: 389.
(9): كصاحب رياض المسائل فيه 2: 389.
(10): السرائر 2: 24.
(11): شرائع الاسلام 1: 344، المختصر النافع: 139.
(12): الفقيه 4: 51 / 179، التهذيب 10: 155 / 621، الوسائل 18: 338 أبواب مقدمات الحدود
ب 28 ح 1.
553

وتؤيده رواية أبي مريم، قال: (قضى أمير المؤمنين عليه السلام: أن ما أخطأت القضاة
في دم أو قطع، فعلى بيت مال المسلمين) (1).
ورواية أبي عقبة، الواردة في حكاية أبي عبد الله عليه السلام مع غيلان قاضي ابن
هبيرة، وفيها: (يا غيلان ما أظن ابن هبيرة وضع على قضائه إلا فقيها)، قال:
أجل قال: (يا غيلان تجمع بين المرء وزوجه؟) قال: نعم، قال: (وتفرق بين
المرء وزوجه؟) قال: نعم، قال: ((وتقتل؟) قال نعم، قال: (وتضرب
الحدود؟) قال: نعم، قال: (وتحكم في أموال اليتامى؟) قال: نعم (2). الحديث.
وقد يستدل أيضا بالاطلاقات، مثل قوله سبحانه: * (فاقطعوا) * (3) وقوله عز
شأنه: * (فاجلدوا) * (4) ونحوهما.
ويمكن الخدش فيه بعدم معلومية شمول تلك الخطابات لمثل الفقهاء.
وهل ذلك لهم على سبيل الوجوب أو الجواز؟
الظاهر من القائلين بثبوت الولاية لهم الأول، حيث استدلوا بإطلاقات
الأوامر، وبإفضاء ترك إجراء الحدود إلى المفاسد، وصرحوا بوجوب مساعدة
الناس لهم، وهو كذلك; لظاهر الاجماع المركب.
وقول أمير المؤمنين عليه السلام في رواية ميثم - الطويلة - التي رواها المشايخ الثلاثة،
الواردة في حد الزنا: (وإنك قد قلت لنبيك صلى الله عليه وآله فيما أخبرته به من دينك:
يا محمد صلى الله عليه وآله من عطل حدا من حدودي فقد عائدني وطلب بذلك مضادتي، اللهم
وإني غير معطل حدودك، ولا طالب مضادتك، ولا مضيع أحكامك) (5) الحديث.

(1): الكافي 7: 354 / 3، التهذيب 10: 203 / 801، الوسائل 19 / 111 أبواب دعوى القتل ب 7 ح 1،
عن أبي جعفر عليه السلام. وأوردها في الفقيه 3: 5 / 16 عن الأصبغ بن نباتة بتفاوت يسير.
(2): الكافي 7: 429 / 13.
(3): المائدة 5: 38.
(4): النور 24: 2 و 4.
(5): الكافي 7: 185 / 1، الفقيه 4 / 22 / 52، التهذيب 10: 9 / 23، الوسائل 18: 377 أبواب حد الزنا
ب 16 ح 1.
554

ويمكن الاستدلال بعموم هذه الرواية على نفس ثبوت هذه الولاية أيضا
للفقهاء.
ثم ما ذكر وإن اختص بالحدود ولكن يتعدى إلى التعزيرات بالاجماع
المركب، مضافا إلى أن الظاهر دخول التعزيرات في الحدود أيضا.
ومنها: أموال اليتامى.
وثبوت ولايتها للفقهاء الجامعين لشرائط الحكم والفتوى إجماعي، بل
ضروري، وحكاية الاجماع وعدم الخلاف فيه مستفيضة، بل متواترة.
ويدل عليه أولا: الاجماع القطعي.
وثانيا: الآية الشريفة، وهي قوله سبحانه: * (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي
هي أحسن) * (1) دلت على جواز قرب ماله بالتي هي أحسن لكل أحد من الناس،
ومنهم الفقهاء، فيجوز لهم قطعا.
وكذا يجوز قرب غيرهم مع إذن الفقيه أيضا كذلك، وأما بدونه فجوازه من
الآية غير معلوم; لجواز أن يكون الأحسن كونه مع إذن الفقيه الذي بيده مجاري
الأمور، والمرجع في الحوادث، والحجة والحاكم والقاضي من جانب الامام، و
أمين الرسول، وكافل الأيتام، وحصن الاسلام، ووارث الأنبياء وبمنزلتهم، و
أعلم بوجوه التصرف، بل يظهر منه عدم جواز قرب الغير بدون إذنه.
وثالثا: القاعدة الثانية من القاعدتين المتقدمتين.
وبيانها: أنه لا شك ولا ريب في أن الصغير ممنوع عن التصرف في ماله
شرعا، إجماعا ونصا، كتابا وسنة.
فإما لم ينصب من جانب الله سبحانه أحد لحفظ أمواله وإصلاحه والتصرف
فيه فيما يصلحه، أو نصب.
والأول غير جائز على الحكيم المتقن عقلا، كما صرح به في رواية العلل

(1): الأنعام 6: 152.
555

المتقدمة أيضا، ويدل عليه استفاضة الأخبار بأن الشارع لم يدع شيئا مما تحتاج إليه
الأمة إلا بينه (1) لهم، ولا شك أن هذا أشد ما يحتاجون إليه، بل يبطله في الأكثر
نفي الضرر والضرار.
فتعين الثاني، وهذا المنصوب لا يخلو: إما يكون معينا، أو لا على التعيين،
أي كل من كان. وعلى التعيين، إما يكون هو الفقيه، أو الثقة العدل; لعدم
القول بتعيين آخر.
وعلى التقادير الثلاث يكون الفقيه منصوبا، فهو المتيقن والباقي مشكوك
فيه، مع أن المرجحات المتقدمة لتعين الفقيه موجودة أيضا.
ورابعا: الأخبار الكثيرة، كصحيحة ابن بزيع، قال: مات رجل من أصحابنا
ولم يوص، فرفع أمره إلى قاضي الكوفة، فصير عبد الحميد القيم بماله، وكان
الرجل خلف ورثة صغارا، ومتاعا، وجواري، فباع عبد الحميد المتاع، فلما أراد
بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهن، إذ لم يكن الميت صير إليه وصيته، وكان
قيامه بهذا بأمر القاضي; لأنهن فروج.
فذكرت ذلك لأبي جعفر عليه السلام، فقلت له: يموت الرجل من أصحابنا، و
لم يوص إلى أحد، وخلف الجواري، فيقيم القاضي رجلا منا لبيعهن، أو قال:
يقوم بذلك رجل منا، فيضعف قلبه لأنهن فروج، فما ترى في ذلك القيم؟ قال،
فقال: (إذا كان القيم به مثلك أو مثل عبد الحميد فلا بأس) (2).
وجه الدلالة: أن مثل عبد الحميد إما يراد به في الفقاهة والعدالة، أو العدالة
خاصة؟ وعلى التقديرين يجوز التصرف للفقيه. ولا شك أن نصب قاضي الكوفة
لا مدخلية في ذلك أيضا.
وصحيحة ابن رئاب، قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن رجل بيني وبينه

(1): الكافي 1: 59 / 2 - 4.
(2): الكافي 5: 209 / 2، التهذيب 9: 240 / 932، الوسائل 12: 270 أبواب عقد البيع ب 16 ح 2.
556

قرابة مات، وترك أولادا صغارا، وترك مماليك، غلمانا وجواري، ولم يوص،
فما ترى فيمن يشتري منهم الجارية يتخذها أم ولد؟ وما ترى في بيعهم؟ قال:
فقال: (إن كان لهم ولي يقوم بأمرهم، باع عليهم، ونظر لهم، وكان مأجورا
فيهم).
قلت: فما ترى فيمن يشتري منهم الجارية يتخذها أم ولد؟ قال: (لا بأس
بذلك إذا باع عليهم القيم الناظر لهم فيما يصلحهم، فليس لهم أن يرجعوا فيما
صنع القيم لهم الناظر لهم فيما يصلحهم) (1).
وجه الدلالة: أنها تدل على ثبوت الولاية لغير الأب والجد والوصي، حيث
انتفت هذه الثلاثة في المورد، أما الأب والوصي فظاهر، وأما الجد; فلانه أيضا
لو كان لكان هو المتولي لأمرهم، لذكره. وبعد ثبوت الولاية لغير الثلاثة تثبت
للفقيه بالاجماع.
وصحيحة إسماعيل بن سعد، عن الرجل يموت بغير وصية وله ورثة،
صغار وكبار، أيحل شراء خدمه ومتاعه من غير أن يتولى القاضي بيع ذلك؟ فإن
تولاه قاض قد تراضوا به ولم يستعمله الخليفة، أيطيب الشراء منه أم لا؟ قال:
(إذا كان الأكابر من ولده معه في البيع، فلا بأس به إذا رضي الورثة بالبيع وقام
عدل في ذلك) (2).
وموثقة سماعة، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام: عن رجل مات وله بنون و
بنات، صغار وكبار، من غير وصية، وله خدم ومماليك وعقد، كيف يصنع
الورثة بقسمة ذلك الميراث؟ قال: (إن قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كله فلا بأس) (3).

(1): الكافي 5: 208 / 1، الفقيه 4: 161 / 564، التهذيب 9: 239 / 928، الوسائل 13: 474 أبواب
أحكام الوصايا ب 88 ح 1.
(2): الكافي 7: 66 / 1، التهذيب 9: 239 / 927، الوسائل 12: 270 أبواب عقد البيع ب 16 ح 1.
(3): الكافي 7: 67 / 3، الفقيه 4: 161 / 563، التهذيب 9: 240 / 929، الوسائل 13: 474 أبواب أحكام
الوصايا ب 88 ح 2.
557

وجه دلالة هاتين الروايتين: أنهما دلتا على جواز بيع العدل وقسمة الثقة،
ولا شك في صدقهما على الفقيه الجامع للشرائط.
والمروي في الفقه الرضوي أنه قال: (لأيسر القبيلة - وهو فقيهها وعالمها - أن
يتصرف لليتيم في ماله فيما يراه حظا وصلاحا، وليس عليه خسران ولا له
الربح، والربح والخسران لليتيم وعليه) (1).
وقد ثبت من هذه الأدلة برمتها ثبوت الولاية للفقيه على الأيتام في أموالهم،
بمعنى جواز تصرفه فيها، ونفوذ بيعه وشرائه ومعاملاته، وبها يخرج عن أصل
عدم جواز التصرف في مال الغير وعدم نفوذ التصرفات.
وهاهنا فوائد:
الأولى: هل هذه الولاية ثابتة مطلقا، أو بعد انتفاء الأب والجد والوصي؟
الظاهر عدم الخلاف في الترتيب، وأنها مخصوصة بصورة انتفاء هؤلاء، و
لم يثبت من الأدلة أزيد من ذلك أيضا.
أما الاجماع فظاهر.
وأما الآية; فلعدم معلومية كون قرب الفقيه مع وجود أحد الثلاثة بدون إذنه
أحسن.
وأما الدليل العقلي; فلعدم جريانه مع أحد هؤلاء.
وأما الرويات، فكلها واردة في صورة فقد الأب، وغير الرضوي في صورة
فقد الوصي أيضا; وأما هو وإن شمل بظاهره لصورة وجوده أيضا، إلا أن ضعفه
المانع عن العمل به في غير صورة الانجبار يمنع من العمل بعمومه.
وأما الجد، وإن شملت الروايات بإطلاقها صورة وجوده أيضا، إلا أن أدلة
ثبوت الولاية للجد، المذكورة في مظانها، خصصتها بصورة انتفائه، مضافا إلى

(1) فقه الرضا عليه السلام: 333.
558

كون ذلك الاطلاق مخالفا لعمل الأصحاب شاذا، فلا يكون معمولا به.
ثم أدلة ثبوت ولاية هذه الثلاثة فذكرها ليس من وظيفة هذا المقام.
الثانية: الظاهر من صحيحة إسماعيل وموثقة سعد وإن كان جواز التصرف
في أموال اليتامى لكل واحد من عدول المسلمين وثقاتهم، وثبوت الولاية له - و
مال إليه المحقق الأردبيلي قدس سره في شرح الإرشاد أيضا لهاتين الروايتين (1) - إلا
أنه مخالف لعمل الأصحاب الثابت بالتتبع، وحكايات الاجماع على اختصاص
جواز التصرف من العدول أو العدل بصورة فقد الفقيه، فلا يكون معمولا به.
مضافا إلى عدم كون تصرفه أحسن في صورة إمكان الوصول إلى الفقيه، وإلى
إشعار الرضوي بل ظهوره في الاختصاص بالفقيه.
وكذا يشعر به رواية تحف العقول، المتقدمة في صدر العائدة، المصرحة بأن
مجاري الأمور بيد العلماء، فالحق اختصاص الولاية بعد الثلاثة المذكورين
بالفقهاء مع وجودهم وعدم تعسر الوصول إليهم.
الثالثة: بعد ما عرفت من اختصاص الولاية الثابتة - بمعنى جواز التصرف و
نفوذ تصرفاته - في الفقيه، تعرف عدم جواز تصرف غيره; لأصالة عدم جواز
التصرف في مال الغير بدون وجه مجوز إجماعا ونصا.
ففي النبوي: (لا يأخذن أحدكم متاع أخيه جادا ولا لاعبا) (2).
وفي المروي عن صاحب الزمان عليه السلام: (لا يحل لأحد أن يتصرف في مال
الغير بغير إذنه) (3).
وللنهي في الآية الشريفة عن قرب مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، ولم يعلم
كون تصرف غير الفقيه بدون إذنه أحسن، فيكون حراما.

(1) مجمع الفائدة والبرهان 8: 157، 161.
(2) سنن الترمذي 3: 313 / 2249، كنز العمال 10: 637 / 30341، عوالي اللآلي 3: 473 مع
اختلاف.
(3) كمال الدين وتمام النعمة 2: 521 ب 45 ح 49.
559

مضافا - في عدم نفوذ معاملات غير الفقيه - إلى الأصل، ومفهوم الشرط في
صحيحتي ابن بزيع وابن رئاب، وبعد عدم جواز تصرف الغير ثبت وجوب منع
الفقيه له عن التصرف نهيا للمنكر.
الرابعة: وإذ ثبت عدم جواز تصرف الغير بدون إذن الحاكم ووجوب نهيه
إياه عنه، فهل يجب على الحاكم التصرف بنفسه أو الإذن فيه، أم لا؟.
التحقيق أنه إن كان في معرض التلف وخوف الضرر على الصغير بدونه،
يجب للإجماع، وإلا فلا يجب من غير جهة النهي عن المنكر، فلو كان لصغير
مال مدفون في موضع مأمون أو محفوظ في بيت، لا يجب على الفقيه التصرف
فيه; أو في ذمة شخص مأمون، ونحو ذلك.
الخامسة: تصرف الفقيه في أموال اليتامى تارة يكون بمجرد الحفظ من
التلف، وحكمه ظاهر، وأخرى بنحو الإقراض، والتجارة، والبيع، والشراء،
والصلح، ونحوها.
ولا كلام في الأول.
وأما الثاني، فلا شك في جوازه، والأخبار المتقدمة تدل عليه، ولكنه
مخصوص بصورة انتفاء المفسدة فيه، وإلا فلا يجوز; للإجماع، وقوله
سبحانه: * (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) * (1).
وهل يكفي عدم المفسدة، أو يشترط وجود المصلحة؟ الظاهر الثاني; للآية
الشريفة، فإن المراد بالأحسن: إما الأحسن من جميع الوجوه، أو من تركه - كما
قيل (2) - ومع عدم المصلحة لا يكون أحسن بشئ من المعنيين.
وكذلك يدل عليه قوله: (ونظر لهم) في صحيحة ابن رئاب المتقدمة، فإن
معنى النظر لهم: ملاحظة نفعهم ومصلحتهم، بل مفهوم الشرط في قوله: (إذا

(1) الأنعام 6: 152.
(2) زبدة البيان: 394.
560

باع)
إلى الآخر، يدل على ثبوت البأس الذي هو العذاب إذا لم يكن البيع ما
يصلح لهم.
فإن قيل: هذا إذا كان (ما يصلحهم) متعلقا بقوله (باع أو صنع)، ولو تعلق
بالناظر، لم يفد ذلك المعنى.
قلنا: يكفي الاحتمال الأول، إذ معه يحصل الإجمال، وبهذا المجمل
يخصص مطلقات جواز بيع الحاكم، فلا يكون حجة في موضع الإجمال،
فلا يكون دليل على جواز البيع في موضع عدم المصلحة.
وهل يكفي تحقق المصلحة، أو يجب مراعاة الأصلح مهما أمكن وتيسر؟
فلو كانت مصلحة في بيع ملكه، وكانت قيمته مائة، وله من يشتريه بهذه
القيمة، ويشتريه غيره بمائة وعشرين، هل يجوز بيعه بالمائة، أم لا؟ الظاهر
الثاني; لعدم معلومية كون البيع بالمائة حينئذ مصلحة عرفا. سلمنا، ولكن لا شك
أنه ليس بأحسن.
فإن قيل: فلعل المعنى: الأحسن من الترك لا من جميع الوجوه.
قلنا: المخصص بالمجمل المتصل حجة في غير ما علم خروجه وتخصيصه، و
لم يعلم خروج الأحسن من الترك خاصة، فيكون منهيا عنه.
فإن قيل: إطلاق صحيحة ابن رئاب وسائر المطلقات المتقدمة يكفي في
إثبات جواز البيع بالصالح ولو لم يكن أصلح.
قلنا: الآية لها مخصصة، مع أنه قد عرفت الإجمال في الآية، والمخصص
بالمنفصل ليس بحجة في مقام الإجمال، فلا يكون المطلقات حجة في مقامه.
ولا يخفي أن ذلك إنما هو فيما إذا تصرف بأحد الأمرين مجددا، وأما لو
لم يتصرف أصلا تصرفا جديدا، فلا يجب ملاحظة الأصلحية; لعدم دلالة الآية.
فلو ضبط المال في مكان محفوظ، أو في يد أمين، وأراد أحد الاتجار به،
لا يجب دفعه إليه ولو مع المصلحة، إذ لا يقرب حينئذ حتى يجب مراعاة الأصلح.
نعم، لو دفعه حينئذ إلى أحد الشخصين يجب مراعاة الأصلح، وكذا
561

لو اشترى أحد ملكه بأضعاف قيمته، وكانت فيه المصلحة لم يجب. نعم لو باعه
تجب مراعاة الأصلح.
وهل يجب على الفقيه إجارة ضياعه ونحوها مما له غلة ونفع؟. الظاهر نعم
فيما يعد تركه ضررا، وهو ما ثبتت اجرة مثله على متصرفه إذا كان له راغب
إجارة; لأن تركه إتلاف وإضرار عرفا.
ومنها: أموال المجانين والسفهاء
فإن ولاية أموالهم مع الحاكم إذا لم يكن لهم ولي آخر.
بيان ذلك: أن المجنون بجميع فنونه، والسفيه ببعض أقسامه - أي من ليس له
ملكة إصلاح المال، أو له ملكة إفساده - ممنوعان من التصرف فيه بالإجماع القطعي
المحقق والمحكي متواترا.
ويدل عليه مع الاجماع: الكتاب والسنة.
قال الله سبحانه: * (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) * (1)، وقال سبحانه: * (فإن
آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) * (2).
وفي موثقة ابن سنان: (وجاز أمره، إلا أن يكون سفيها أو ضعيفا)، فقال:
وما السفيه؟ فقال: (الذي يشتري الدرهم بأضعافه)، قال: وما الضعيف؟ قال:
(الأبله) (3).
وفي صحيحة عيص قال: سألته عن اليتيمة متى تدفع إليها مالها؟ قال: (إذا
علمت أنها لا تفسد ولا تضيع) (4).
وفي صحيحة هشام بن سالم: (وإن احتلم ولم يؤنس منه رشد، وكان

(1) النساء 4: 5.
(2) النساء 4: 6.
(3) التهذيب 9: 182 / 731، الوسائل 13: 430 أحكام الوصايا ب 44 ح 8.
(4) الكافي 7: 68 / 4، الفقيه 4: 164 / 572، التهذيب 9: 184 / 740، الوسائل 13: 432 أحكام
الوصايا ب 45 ح 1.
562

سفيها أو ضعيفا، فليمسك عنه وليه ماله) (1).
وفي رواية أبي بصير: (فإن احتلم ولم يكن له عقل، لم يدفع إليه شيئا
أبدا) (2). إلى غير ذلك.
ثم وليهما ومن له التصرف في أموالهما - حيث لم يكن ولي آخر من أب أو
جد أو وصي - وفيما لهم الولاية - كما حقق في كتب الفروع - الحاكم، بدليل
الاجماع المقطوع به، وللقاعدة الثانية من القاعدتين المتقدمتين.
بيانه: أن بعد حجر الشارع عليهما ومنعهما من التصرف في أموالهما، لا بد
وأن يقيم مقامهما قيما ووليا لهما، يحفظ أموالهما بحكم العقل والشرع، كما
تشعر به رواية العلل المتقدمة (3)، ونفي الضرر (4)، والعلة المعلومة من منعهما عن
التصرف (5)، والمستفاد من قوله في صحيحة هشام المتقدمة: (فليمسك عنه وليه
ماله).
وثبوت الولاية للحاكم، حيث لا دليل على ولاية غيره، متيقن، إذ كل من
يحتمل كونه وليا يدخل فيه الحاكم ولا عكس.
وأيضا صرح في رواية التحف المتقدمة (6) (إن على يده مجاري الأمور) التي
منها ذلك الامر.
وصرح في النبوي (بأن السلطان ولي من لا ولي له) (7).

(1) الكافي 7: 68 / 2، الفقيه 4: 163 / 569، التهذيب 9: 183 / 737، الوسائل 12: 268 أبواب
عقد البيع ب 14 ح 2.
(2) الكافي 7: 68 / 3، الفقيه 4: 164 / 570، وبسند آخر في التهذيب 9: 240 / 931، الوسائل
13: 433 أبواب أحكام الوصايا ب 45 ح 5.
(3) المتقدمة ص 534، وهي في علل الشرائع: 252.
(4) الكافي 5: 280 / 4، الفقيه 3: 45 / 154، الوسائل 17: 319 أبواب الشفعة ب 5 ح 1، عوالي
اللآلي 1: 220 / 93.
(5) الواو ليست في (ب).
(6) في ص 534، وهي في تحف العقول: 238.
(7) سنن أبي داود 2: 566 / 2038، سنن الترمذي 2: 280 / 1108، سنن ابن ماجة 1: 605 / 1879.
563

والحاكم: إما سلطان إن أريد منه من له السلطنة الشرعية من الله.
أو خليفته ووارثه وبمنزلته وحجته وأمينه - كما مر في الأخبار المتقدمة - إن
حمل على النبي والامام، فيكون هو وليهما وقيمهما في أموالهما على أن بعد
ثبوت ولاية السلطان تثبت ولايته بحكم القاعدة الأولى.
وهل تنحصر ولايته في الحفظ والاصلاح، أو يجوز له التصرف فيها على
نحو التصرف في أموال الأيتام من البيع والشراء والتجارة والتبديل، وسائر أنواع
التصرفات على الوجه الأصلح؟
ظاهر الأصحاب الثاني، بل الظاهر أن عليه الاجماع البسيط والمركب من
وجهين:
أحدهما: عدم الفصل بين الحفظ وسائر التصرفات المصلحة.
وثانيهما: عدم الفصل بين أموالهما وأموال اليتامى.
ومنها: أموال الغيب.
والتحقيق: أن الغياب على ثلاثة أقسام:
الأول: الغائب عن بلده، المعلوم خبره وناحيته، والمتوقع رجوعه عادة و
عرفا، والمظنون إيابه ولو باستصحاب البقاء، والمتمكن من رجوعه أو توكيله
ولو بالكتابة ونحوها، كالمسافرين للتجارة والزيارة والحج ونحوها (1).
الثاني: الأول إلا أنه غير متمكن من استخبار أحواله، والتصرف في أمواله،
ولو لبعد مسافة، وامتداد مدة، أو حبس، ونحوه.
الثالث: الغائب المفقود خبره.
وللحاكم القضاء على كل من الأنواع الثلاثة، وبيع ماله لقضاء دينه المعجل
بعد مطالبة الدائن إن لم يمكنه التخلص بوجه آخر بلا عسر وحرج، كما حقق في

(1) العبارة في (ج، ح) هكذا: المعلوم خبره وناحيته، كالمسافرين للتجارة والزيارة والحج ونحوها،
والمتمكن من رجوعه أو توكيله ولو بالكتابة ونحوها، والمتوقع رجوعه عادة وعرفا والمظنون إيابه
ولو باستصحاب البقاء.
564

كتاب القضاء من الفروع.
ويدل عليه: مرسلة جميل عنهما عليهما السلام قالا: (الغائب يقضى
عليه إذا قامت عليه البينة، ويباع ماله ويقضى دينه، وهو غائب) (1) الحديث.
وإن أمكنه التخلص بوجه آخر من غير عسر، فالظاهر التخيير; لإطلاق
المرسلة.
وأما الولاية في أموالهم على الإطلاق، فإن كان الغائب من القسمين
الأولين، فلا ولاية للحاكم من حيث هو حاكم على ماله من حيث هو غائب;
للأصل والاجماع. فليس له استيفاء حقوقه ومطالبته بما حل أجله من مطالباته و
إجارة ضياعه، ونحو ذلك.
نعم، لو كان مال منه في معرض الهلاك ومشرفا على التلف، ومنه منافع
ضياعه وعقاره، يجوز حفظه إجماعا; ولقوله سبحانه: * (وما على المحسنين من
سبيل) * (2); وللإذن الحاصل بشاهد الحال، بل قد يجب كفاية على كل من اطلع
عليه. وليس ذلك من باب الولاية، لعدم ثبوت الولاية عليهما، بل لحفظ حقوق
الاخوة، وإعانة البر.
وإن كان من القسم الثالث، فظاهر سيرة العلماء وطريقتهم، والمصرح به
في كلام جماعة، ثبوت ولاية الحاكم في أمواله، بل الظاهر أنه إجماعي، فهو
الدليل عليه، مضافا إلى القاعدة الثانية من القاعدتين.
وهل ولايته فيها منحصرة بالحفظ، أو له أنواع التصرفات من جهة
المحافظة ومراعاة المصلحة فيها ولو بالبيع والتبديل; أو له التصرفات
النافعة، كالبيع مع المصلحة بدون مفسدة في الترك؟ الظاهر الأول; للأصل،
فتأمل.

(1) الكافي 5: 102 / 2، التهذيب 6: 296 / 827، الوسائل 18: 216 أبواب كيفية الحكم ب 26 ح 1.
(2) التوبة 9: 91.
565

ومنها: الأنكحة.
فإن للحاكم ولاية فيها في الجملة إجماعا، وإن اختلفوا في مواردها.
وتحقيق الكلام في المقام: أنه لا خلاف في عدم ثبوت ولاية له في النكاح
على غير الصغيرين والمجنونين والسفيهين، وإنما الكلام في هذه الثلاثة.
ونذكرها في مسائل ثلاث:
الأولى: في الصغيرين الخاليين عن الأب والجد، والمشهور عدم ثبوت ولاية
النكاح عليهما للحاكم (1)، ونسبه في الحدائق إلى الأصحاب، مؤذنا بدعوى
الاجماع (2)، واحتمل الاجماع جماعة (3).
وقال صاحب المدارك في شرح النافع: إنه المعروف من مذهب
الأصحاب (4). انتهى.
وتنظر في ذلك صاحب المسالك (5)، وبعض آخر ممن تأخر عنه (6).
والحق هو الأول; للأصل، ومفهوم الشرط في صحيحة محمد بن مسلم
عن أبي جعفر (عليه السلام): في الصبي يتزوج الصبية يتوارثان؟ قال: (إذا كان أبواهما
اللذان زوجاهما فنعم) (7).
والأخرى: عن الصبي يزوج الصبية؟ قال: (إن كان أبواهما اللذان زوجاهما
فنعم جائز) (8).

(1) انظر رياض المسائل 2: 81.
(2) الحدائق 23: 237.
(3) منهم: صاحب عناوين الأصول فيها: 344.
(4) نهاية المرام 1: 80.
(5) مسالك الأفهام 1: 453.
(6) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 10.
(7) التهذيب 7: 388 / 1556، الوسائل 14: 220 أبواب عقد النكاح ب 12 ح 1، ورواه في الكافي
7: 132 / 3 عن عبيد بن زرارة.
(8) التهذيب 7: 382 / 1543، الاستبصار 3: 236 / 854، الوسائل 14: 208 أبواب عقد النكاح
ب 6 ح 8.
566

واشتمال ذيل الأخيرة على إثبات الخيار غير ضائر; لأن خروج جزء من الخبر
عن الحجية لا يضر في الباقي.
ورواية داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام، وفيها: (واليتيمة في حجر
الرجل لا تزوج إلا برضاها) (1).
والاستدلال بالأخيرة، بناءا على أن يحمل على أنه: إلا برضاها في زمان
يعتبر رضاها، أي بعد البلوغ. ولو حملت اليتيمة على البالغة - كما في قوله
سبحانه: * (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم
رشدا) * (2) - مجازا، لخرجت عن المسألة.
وما يمكن أن يستدل به للثبوت - ولأجله تنظر فيه من تنظر -: النبوي المشهور:
(السلطان ولي من لا ولي له) (3) بضميمة عموم النيابة المتقدم ثبوته; و
صحيحة ابن سنان: (الذي بيده عقدة النكاح هو ولي أمرها) (4)، ولا شك أن
الحاكم ولي أمر الصغيرين. وسائر الأخبار الواردة في بيان من بيده عقدة النكاح
وعد ولي الأمر منه.
ورواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إذا كانت المرأة مالكة أمرها، تبيع
وتشتري وتعتق وتشهد وتعطي مالها ما شاءت، فإن أمرها جائز، تزوج إن
شاءت بغير إذن وليها، وإن لم تكن كذلك، فلا يجوز تزويجها إلا بأمر
وليها) (5).

(1) الكافي 5: 393 / 3، التهذيب 7: 386 / 1550، الاستبصار 3: 239 / 856، الوسائل 14: 201
أبواب عقد النكاح ب 3 ح 3.
(2) النساء 4: 6.
(3) سنن أبي داود 2: 280 / 2083، سنن الترمذي 2: 280 / 1108، سنن ابن ماجة 1: 605 / 1879،
المسالك 1: 453.
(4) التهذيب 7: 392 / 1570، الوسائل 14: 212 أبواب عقد النكاح ب 8 ح 2.
(5) التهذيب 7: 378 / 1530، الاستبصار 3: 234 / 842، الوسائل 14: 215 أبواب عقد النكاح
ب 9 ح 6.
567

وصحيحة الفضلاء عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (المرأة التي ملكت نفسها غير
السفيهة ولا المولى عليها، إن تزويجها بغير ولي جائز) (1).
وصحيحة ابن يقطين أتزوج الجارية، وهي بنت ثلاث سنين، أو يزوج
الغلام، وهو ابن ثلاث سنين؟ وما أدنى حد ذلك الذي يزوجان فيه؟ فإذا بلغت
الجارية فلم ترض فيما حالها؟ قال: (لا بأس بذلك إذا رضي أبوها أو وليها) (2).
ويرد على الأول بقبول ولاية السلطان والحاكم، وإنما الكلام في جواز عقد
كل ولي ونكاحه، وما الدليل عليه.
والصحيحة بمعارضته مع المفهومين بالعموم والخصوص من وجه، حيث
إن المفهومين واردان في غير الأب، وليا كان أو لا والصحيحة واردة في
الولي، أبا كان أو غيره فيرجع إلى الأصل لولا ترجيح المفهومين بالشهرة، بل
مخالفة العامة.
بل المفهومان أخص مطلقا من الصحيحة; لاختصاصهما بالصغيرين، و
عموم الصحيحة، فيجب تقديم الخاص مضافا إلى ما سيأتي في رد الاستدلال
بالصحيحة في المسألتين الآتيتين.
وبمثله يرد الاستدلال بسائر الأخبار الواردة في بيان من بيده عقدة النكاح،
مضافا إلى ورودها جميعا في المرأة، فيخرج عن المسألة.
وهو الجواب عن رواية زرارة وصحيحة الفضلاء، مضافا إلى ما يأتي في رد
الاستدلال بهما في المسألتين الآتيتين.
والصحيحة الأخيرة بالشذوذ الموجب للخروج عن الحجية، مضافا إلى
معارضتها مع موثقة أبي عبيدة الحذاء، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن غلام وجارية

(1): الكافي 5: 391 / 1، الفقيه 3: 251 / 1197، التهذيب 7: 377 / 1525، الاستبصار 3:
232 / 837، الوسائل 14: 201 أبواب عقد النكاح ب 3 ح 1.
(2): التهذيب 8: 381 / 1542، الاستبصار 3: 236 / 853، الوسائل 14: 208 أبواب عقد النكاح
ب 6 ح 7.
568

زوجهما وليان لهما، وهما غير مدركين، فقال: (النكاح جائز، وأيهما أدرك
كان له الخيار، وإن ماتا قبل أن يدركا، فلا ميراث بينهما ولا مهر، إلا أن يكونا قد
أدركا ورضيا). إلى أن قال: قلت: فإن كان أبوهما هو الذي زوجها قبل أن
تدرك، قال: (يجوز عليها تزويج الأب، ويجوز على الغلام، والمهر على الأب
للجارية) (1).
دلت على عدم نفوذ نكاح غير الأب من أولياء الصغيرة، فتعارض
الصحيحة المتقدمة، وكذا تعارضها رواية داود المتقدمة، ويرجع إلى الأصل
المتقدم.
الثانية: في المجنونين البالغين، وثبوت ولاية النكاح عليهما للحاكم فيما إذا
لم تثبت ولاية الغير - من أب أو جد أو وصي - مصرح به في كلام أكثر المتأخرين،
كالشرائع، والنافع (2)، والقواعد، والتذكرة، والتلخيص، والتبصرة، والارشاد،
والتحرير (3)، وشرح القواعد للمحقق الثاني (4)، واللمعة والروضة (5)، و
كنز العرفان (6)، والكفاية (7)، والمفاتيح وشرحه (8)، والحدائق (9)، وغيرها، بل الظاهر
أنه متفق عليه بين المتأخرين.
وفي كلام كثير منهم دعوى الشهرة عليه (10)، وفي كلام بعضهم نفي

(1): الكافي 5: 401 / 4، التهذيب 7: 388 / 1555.
(2): الشرائع 2: 277، المختصر النافع: 197.
(3): قواعد الأحكام 2: 5، تذكرة الفقهاء 2: 592، تلخيص المرام: 99، التبصرة: 132، إرشاد الأذهان
(2) 8، تحرير الأحكام 1: 164.
(4): جامع المقاصد 4: 85.
(5): الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 5: 118.
(6): كنز العرفان 2: 209.
(7): كفاية الأحكام 156.
(8): مفاتيح الشرائع 2: 266، وشرحه للوحيد البهبهاني - مخطوط.
(9): الحدائق الناضرة 23: 237.
(10): كالمحقق السبزواري في كفاية الأحكام: 156.
569

الخلاف (1)، وفي آخر دعوى الاجماع (2)، ولكن الكل يشترطونه بالصلاح.
وجماعة كالمبسوط، والارشاد، والتحرير، والمحقق الشيخ علي، والفاضل
الهندي وشارح المفاتيح، يشترطونه بالحاجة والضرورة، بل يظهر من الشيخ علي
ادعاء الاجماع على اشتراطه (3).
وكلمات أكثر القدماء خالية عن ذكر ولاية الحاكم على النكاح، بل يظهر من
كثير من مصنفاتهم انتفاؤها، كالفقيه، والخلاف، والمبسوط، والنهاية،
والتبيان، والجامع، والوسيلة، والغنية، وغيرها (4).
والحق ثبوت ولايته في النكاح عليهما فيما لم يثبت ولاية غيره، بشرط
مسيس الحاجة، ودعاء الضرورة، وعدمه ما لم يكن كذلك.
أما الأول; فللقاعدة الثانية من القاعدتين الكليتين المذكورتين، المؤيدة بمظنة
الاجماع.
وأما الثاني; فللأصل السالم عن المعارض، إذ ليس شئ هنا يوهم
الولاية، سوى النبوي المصرح بأن: (السلطان ولي من لا ولي له)، وقد عرفت ما
فيه. (5).
وأخبار (من بيده عقدة النكاح) (6)، وسيأتي ما يرد عليها (7).

(1): كالعلامة في التذكرة 2: 592.
(2): كصاحب رياض المسائل فيه 2: 81.
(3): المبسوط 4: 165، إرشاد الأذهان 2: 8، تحرير الأحكام 2: 6، جامع المقاصد 2: 304، كشف
اللثام 1: 10، شرح المفاتيح مخطوط.
(4): ومظانها في الفقيه 3: 250، والخلاف 2: 204 المسألة: 6، والمبسوط 4: 164، والنهاية:
465، والتبيان 2: 273، والجامع للشرائع: 438، والوسيلة: 299، والغنية (الجوامع الفقهية):
547. فإنهم ذكروا ولاية الأب والجد في النكاح ولم يذكروا سواهما.
(5): المتقدم ص 567. والحديث في سنن أبي داود 2: 566 / 2083، وسنن الترمذي 2: 280 / 1108،
وسنن ابن ماجة 1: 605 / 1879.
(6): التهذيب 7: 392 / 1570، الوسائل 14: 212 أبواب عقد النكاح ب 8 ح 2.
(7): يأتي في ص 578.
570

ورواية زرارة السابقة (1)، حيث دلت بمفهوم الاستثناء على جواز تزويج من
لم تكن كذلك بأمر وليها.
وفيه: أنه إنما يتم لو كان لفظ التزويج فيها مضافا إلى المفعول، أي يكون
الضمير الراجع إلى المرأة مفعولا به (2)، وأما لو كان فاعلا، كما هو المحتمل بل
الأظهر سيما على نسخة (تتزوج) مكان (تزوج)، والأنسب بقوله: (فإن أمرها
جائز)، فلا يتم، إذ لابد من تخصيص الرواية حينئذ بالسفيهة دون المجنونة، إذ
المجنونة لا اعتبار بفعلها (3)، ولا يجوز لها تزويج نفسها، لا بأمر الولي ولا بدونه،
ولا يعبأ بقولها.
الثالثة: في السفيهين بمعنى خفيفي العقل، الشامل لمن ليس له أهلية
إصلاح المال أيضا.
وقد وقع الخلاف في ثبوت ولاية الحاكم في النكاح لها مع عدم ولي آخر،
وعدمه، في كلمات المتأخرين.
وأما القدماء، فكلام من عثرت على كلامه خال عن ذكر ولاية الفقيه على
السفيهة والسفيه بالمرة، كالصدوق، والمفيد، والشيخ، وأبناء زهرة وحمزة و
إدريس، والحلبي، والديلمي، ويحيى بن سعيد. بل ظاهر بعضهم كالصدوق
في الفقيه: العدم (4). بل ظاهر الخلاف، والتبيان: ادعاء الاجماع على اختصاص
ولاية النكاح بالأب والجد (5).
وأما المتأخرون، فقد اختلفوا فيه، فذهب المحقق في الشرائع، والفاضل في

(1): التهذيب 7: 378 / 1530، الاستبصار 3: 234 / 842، الوسائل 14: 215 أبواب عقد النكاح
ب 9 ح 6، وقد سبقت في ص 567.
(2): في النسخ: مفعولا له.
(3): في (ه‍): لفعلها.
(4): الفقيه 3: 250.
(5): الخلاف 2: 204 المسألة: 6، ق، التبيان 2: 273.
571

القواعد والتحرير والارشاد إلى عدم ثبوت الولاية أصلا، وصحة عقده بنفسه لو
أوقعه بدون إذن الولي، كما صرحوا به جميعا في مسألة نكاح المحجور عليه (1)، و
إن كان لهم كلام في المهر.
وذهب جمع آخر - كما في التذكرة، ونكت الارشاد، والمسالك، و
شرح القواعد للمحقق الشيخ علي (2) - إلى ثبوت الولاية، لا بمعنى استقلال
الحاكم في تزويجهما، بل بمعنى عدم استقلالهما، وتوقف صحة نكاحهما على
إذن الحاكم، وإن لم يجز للحاكم تزويجهما بنفسه أيضا.
وأما بمعنى استقلال الحاكم، فلم أر مصرحا به، وربما ينسب إلى المحقق
الشيخ علي في كتاب الحجر من شرح القواعد، وليس كذلك، بل كلامه فيه أعم
من الولاية الاستقلالية وغيرها (3).
وصرح في موضع آخر بعدم الاستقلال، قال: لا ريب أن السفيه لا يجبر
على النكاح; لأنه بالغ عاقل، ولا يجوز له الاستقلال; لأنه لسفهه وتبذيره
محجور عليه شرعا، ممنوع من التصرفات المالية (4).
انتهى.
والحق هو الثاني، أي ثبوت الولاية بمعنى توقف صحة العقد على إذن
الحاكم، ولا يستقل الحاكم في الولاية على النكاح، أي ليس وليا إجباريا (5).
أما عدم استقلال الحاكم وتوقف النكاح على إذن السفيه أو السفيهة أيضا،
فللأصل السالم عن المعارض، بل ظاهر الاجماع، وإطلاق قوله سبحانه: * (فإذا
بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف) * (6)، وقوله

(1): انظر شرائع الاسلام 2: 277، وقواعد الاحكام 2: 5، وتحرير الاحكام 2: 6، وإرشاد الأذهان 2: 8.
(2): تذكرة الفقهاء 2: 597، غاية المراد: 181، المسالك 1: 454، جامع المقاصد 12: 102.
(3): جامع المقاصد 5: 197.
(): جامع المقاصد 12: 114.
في (ب، ج): اختياريا بدل إجباريا.
(6): البقرة 2: 239.
572

سبحانه: * (حتى تنكح زوجا غيره) * (1).
والنصوص المستفيضة، كصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام،
قال: (تستأمر البكر وغيرها، ولا تنكح إلا بأمرها) (2).
وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: (لا تستأمر الجارية
إذا كانت بين أبويها، ليس لها مع الأب أمر)، وقال: (يستأمرها كل أحد ما عدا
الأب) (3).
ورواية إبراهيم بن ميمون عن أبي عبد الله عليه السلام، وفيها: (وإذا كانت قد
تزوجت، لم يزوجها إلا برضى منها) (4).
وموثقة البقباق، عن أبي عبد الله عليه السلام: (وأما الثيب فإنها تستأذن وإن كانت
بين أبويها، إذا أرادا أن يزوجاها) (5).
ومرسلة الكافي: عن رجل يريد أن يزوج أخته: (قال يؤامرها فإن سكتت
فهو إقرارها وإن أبت لا يزوجها)، ورواه في الفقيه بطريق صحيح، وزاد في
آخرها: (فان قالت: زوجني فلانا فليزوجها ممن ترضى) (6).
وموثقة الحذاء المتقدمة (7)، حيث دلت على كفاية رضى غير المدركين بعد
الادراك مطلقا، مضافا إلى أن الغالب في أوائل الادراك السفاهة.
ورواية داود بن سرحان المتقدمة (8)، فإنها بكلا احتماليها تدل على المطلوب.

(1): البقرة 2: 230.
(2): التهذيب 7: 380 / 1535، الوسائل 14: 214 أبواب عقد النكاح ب 9 ح 1.
(3): الكافي 5: 393 / 2، التهذيب 7: 380 / 1537، الاستبصار 3: 235 / 849، الوسائل 14: 205
أبواب عقد النكاح ب 4 ح 3.
(4): التهذيب 7: 380 / 1536، الاستبصار 3: 235 / 848، الوسائل 14: 214 أبواب عقد النكاح
ب 9 ح 3.
(5): الكافي 5: 394 / 5، الوسائل 14: 202 أبواب عقد النكاح ب 3 ح 6.
(6): الكافي 5: 393 / 3، الفقيه 3: 251 / 1196، الوسائل 14 / 205 أبواب عقد النكاح ب 4 ح 4.
(7): المتقدمة ص 568.
(8): المتقدمة ص 567.
573

ورواية يزيد الكناسي، وفيها: (فإذا بلغت تسع سنين جاز لها القول في
نفسها بالرضى والتأني، وجاز عليها بعد ذلك) (1).
ورواية محمد بن هاشم عن أبي الحسن عليه السلام، قال: (إذا تزوجت البكر بنت
تسع سنين فليست مخدوعة)) (2).
وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام: أنه قال في المرأة الثيب تخطب إلى
نفسها، قال: (هي أملك بنفسها، تولي أمرها من شاءت) (3).
وصحيحة البزنطي، قال: قال أبو الحسن عليه السلام: (والثيب أمرها إليها) (4)، إلى
غير ذلك.
وصحيحة زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام قال: (لا ينقض النكاح إلا
الأب) (5).
ومثلها موثقة محمد بن محمد (6).
وجه الدلالة: أنه لو تزوجت البالغة حد التسع، الفاقدة للأب والجد، بدون
إذن الحاكم، لم يكن للحاكم نقضه; لحصرهم عليهم السلام جواز النقض
بالأب، فإذا لم يكن نقضه جائزا كان صحيحا. إلى غير ذلك من الاخبار.
وأما الثاني: أي توقف صحة تزويج السفيهين على إذن الولي فلصحيحة
الفضلاء المتقدمة (7) الدالة بالمفهوم على عدم جواز تزويج السفيهة بغير ولي. و

(1): التهذيب 7: 383 ذيل حديث 1544، الاستبصار 3: 237 / 855، الوسائل 14: 209 أبواب عقد
النكاح ب 6 ح 9، وفي بعض النسخ: والتأبي.
(2): التهذيب 7: 468 / 1875، الوسائل 14: 206 أبواب عقد النكاح ب 4 ح 6.
(3): التهذيب 7: 377 / 1527، الاستبصار 3: 233 / 839، الوسائل 14: 202 أبواب عقد النكاح ب 3
ح 4.
(4): الكافي 5: 394 / 8، الوسائل 14: 206 أبواب عقد النكاح ب 5 ح 1.
(5): الكافي 5: 392 / 8، التهذيب 7: 379 / 1532، والاستبصار 3: 235 / 846، الوسائل 14: 214
أبواب عقد النكاح ب 9 ح 5.
(6): التهذيب 7: 379 / 1533، الاستبصار 3: 235 / 847.
(7): المتقدمة في ص 568.
574

رواية زرارة المتقدمة (1)، المصرحة بأنه لا يجوز تزويجها إلا بأمر وليها.
ومقتضى الجمع بينهما وبين الأخبار المتقدمة، إيقاع النكاح بإذن المولى
عليه والولي معا.
ولا تنافي بين هاتين الروايتين وبين الأخبار المتقدمة، سوى صحيحة الحلبي
وما بعدها.
وأما صحاح الحلبي والبزنظي وزرارة، وإن تعارض تلك الروايتين، إلا
أنهما أخص مطلقا من الثلاثة; لاختصاصهما بالسفيهة. وشمولها للبكر
لا يوجب جهة عموم; لأنها غير ملحوظة فيهما قطعا. وكذا تختص بالولي، و
صحيحة زرارة تعم غير الأب مطلقا.
احتج النافي للولاية مطلقا الأصل، وأنه ليس في نفسه من التصرفات
المالية، فإن المهر غير لازم في العقد بنفسه، والنفقة تابعة كتبعية الضمان
للإتلاف.
وجوابه: أن الأصل مندفع بما مر، والدليل الآخر اجتهاد في مقابلة
الحديث.
ودليل الولاية الاستقلالية - لو كان به قائل - يمكن أن يكون أمورا:
أحدها: التلازم بين ولاية المال وولاية النكاح.
وجوابه: منع التلازم كما في المفلس والمفقود والصغيرين.
وثانيها: مسيس الحاجة إلى ولايته عليهما.
وفيه: أنه فرع ثبوت حجرهما ومنعهما عن النكاح مطلقا، وعدم جواز
تزويجهما نفسهما عند الحاجة، ولم يثبت.
وثالثها: النبوي: (السلطان ولي من لا ولي له) (2).

(1): المتقدمة في ص 567.
(2): سنن أبي داود 2: 566 / 2083، سنن الترمذي 2: 280 / 1108، سنن ابن ماجة 1: 605 / 1879.
575

وجوابه: أن معناه أنه ولي من لا ولي له ويحتاج إلى الولي، لا أنه ولي من
لا ولي له سواء كان محتاجا إلى الولي أم لا.
ورابعها: أنه تصرف مالي، أما من جهة الرجل فظاهر، وأما من جهة
المرأة; فلأنها تجعل البضع في مقابل الصداق، وهو ملحق بالأشياء المتقومة.
وجوابه: منع كونه ماليا من جهة الزوجة، وإنما هو اكتساب، وهو ليس
ممنوعا منه، ولو كان كذلك لزم عدم صحة خلع السفيه وأخذ مال الخلع، وهو
خلاف الاجماع المصرح به.
وخامسها: صحيحة الفضلاء المتقدمة (1).
وجوابه: عدم الدلالة بوجه من الوجوه، غايته عدم جواز تزويج السفيهة
بغير ولي، وهو أعم من الولاية الاستقلالية.
وسادسها: رواية زرارة السابقة (2)، دلت بالمفهوم على جواز تزويجها بأمر
الولي سواء أذنت السفيهة أم لا.
وجوابه: أنه إنما يتم لو كان إضافة التزويج إلى الضمير المؤنث إضافة إلى
المفعول، ولو كان من باب الإضافة إلى الفاعل - كما هو الأظهر - لم يدل على
المطلوب، بل يدل على ثبوت الولاية الاشتراكية.
مضافا إلى أنه لا عموم ولا إطلاق في مفهوم الاستثناء، أي الحكم
الايجابي; لان المقصود من الجملة الاستثنائية هو الحكم السلبي، أما الايجابي
فمقصود في الجملة، فيكون من باب المطلق الوارد في مقام حكم آخر، كما هو
المتبادر عرفا.
وعلى هذا فيكون مفاد المفهوم: جواز التزويج مع إذن الولي في الجملة،
فيمكن أن يكون هو فيما إذا أذنت السفيهة أيضا، كما هو قول جمع كثير من
الفقهاء.

(1): تقدمتا في ص 567 و 568.
576

مع أنه على فرض الدلالة معارض مع الأخبار المتقدمة الدالة على استئمار
البالغة بالعموم من وجه، الموجب للرجوع إلى الأصل.
وسابعها: صحيحة ابن سنان، السالفة (1).
وجوابه أولا: بالمعارضة المذكورة الموجبة للرجوع إلى الأصل، حيث إن
الصحيحة وإن اختصت بالولي إلا أنها شاملة للصغيرة والمجنونة وغيرهما.
والأخبار المتقدمة وإن اختصت بالبالغة العاقلة إلا أنها شاملة للولي وغيره.
وثانيا: أنه كما يمكن أن يكون المراد تعريف من بيده عقدة النكاح، يمكن أن
تكون واردة في بيان تعريف ولي الأمر، وادي بلفظ (من بيده عقدة النكاح)
اقتباسا من كلام الله سبحانه، بل هو الظاهر والأصل بمقتضى القواعد الأدبية في
القضايا الحملية، فإن الأصل والظاهر فيها إثبات المحمولات المجهولة للموضوعات
المعلومة، لا إثبات الموضوعات المجهولة للمحمولات المعلومة.
وعلى هذا فيكون المعنى: كل من كان بيده عقدة النكاح كان بيده ولاية
المال، دون العكس. ومطلوبهم إنما يثبت على الثاني دون الأول، وليس في
كلام الراوي سؤال حتى يقال بتعيين العكس بقرينة السؤال.
فإن قيل: يدل حينئذ على أنه ليس عقدة النكاح بيد غير الولي ومنه السفيهة
بنفسها، فإذا لم تكن العقدة بيدها، تكون بيد وليها لا محالة.
قلت: هذا كلام سخيف، إذ الصغيرة الخالية عن الأب والجد ليست بيدها
عقدة النكاح ولا بيد ولي أمرها.
وأيضا الاشتراك غير كون النكاح بيده، فيمكن أن تكون السفيهة شريكة مع
الولي. ولو كانت الشركة أيضا موجبة لصدق أن النكاح بيده، لجرى ذلك في
الولي أيضا.
مع أنه لو كان المراد بيان من بيده عقدة النكاح، لكان هو الولي الذي بيده

(1): تقدمت في ص 567.
577

العفو عن الصداق لا مطلقا، كما يستفاد من الآية الشريفة (1)، وصرحت به الأخبار
المستفيضة، كصحيحة رفاعة، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الذي بيده عقدة
النكاح، فقال: (الولي الذي يأخذ بعضا ويدع بعضا، وليس له أن يدع كله) (2)
وغيرها.
وعليه الإجماع في كلام الفاضل الهندي (3)، وصاحب الكفاية (4)، ونقله
الأول عن الخلاف والمبسوط (5).
وقال في التبيان، ومجمع البيان، وروض الجنان للشيخ أبي الفتوح، وفقه
القرآن للراوندي: إنه المذهب (6).
والذي بيده العفو هو الأب والجد، أو مع الوصي والوكيل للرشيدة
لا غير، كما في مجمع البيان; مشعرا بدعوى الإجماع عليه، و
كنز العرفان ناسبا له إلى أصحابنا (7)، وفي التحرير والقواعد وشرحه (8)
والروضة والشرائع المسالك (9)، وغيرها. ويدل عليه الأخبار المستفيضة
أيضا (10).
وثامنها: مفاهيم الأخبار المصرحة بأنها إذا كانت مالكة أمرها تزوجت

(1): البقرة 2: 237.
(2): التهذيب 7: 392 / 1572، الوسائل 14: 213 أبواب عقد النكاح ب 8 ح 3.
(3): كشف اللثام 1: 84.
(4): كفاية الأحكام: 183.
(5): الخلاف 3: 10 مسألة 34، المبسوط 4: 305.
(6): التبيان 2: 273، مجمع البيان 1: 342، روض الجنان 1: 406، فقه القرآن 2: 150.
(7): كنز العرفان 2: 207.
(8): في (ب): وشروحه.
(9): تحرير الأحكام 2: 38، قواعد الأحكام 2: 42، إيضاح الفوائد 3: 226، جامع المقاصد 2: 112،
كشف اللثام 1: 84، الروضة البهية 5: 355، شرائع الاسلام 2: 330، المسالك 1: 552.
(10): الكافي 6: 106 / 2 و 3، التهذيب 8: 142 / 493، الفقيه 3: 327 / 1584، الوسائل 15: 62 - 63
أبواب المهور ب 52 ح 1، 3، 5،....
578

من شاءت (1).
وفيه أولا: المعارضة المذكورة.
وثانيا: أن غايتها أن مع عدم مالكية الامر لا تتزوج من شاءت، لا أن الولي
يزوجها من شاء; لجواز أن لا يكون تزويجها بيد أحد، أو يكون موقوفا بإذنها و
إذن الولي.
ومنه يظهر الجواب عن الاستدلال بالعامي المتضمن لقوله: (لا نكاح إلا
بولي)) (2)، وما بمعناه.
ويؤيد المطلوب أيضا: تصريح جماعة من الأصحاب باختصاص الولاية
الإجبارية - أي الاستقلالية - في النكاح بالأب والجد، بحيث تظهر منه مسلمية
القاعدة.
قال المحقق الشيخ علي: وغير الأب والجد لا يملك الاجبار. وقال في
موضع آخر: وولاية الاجبار لا تثبت لغير الأب والجد (3).
وقال الفاضل الهندي: إلا أنه لا يكفي في إثبات الولاية للحاكم، فإنه
لا يملك الاجبار (4).
ويؤيده أيضا: اكتفاء العلماء طرا في شرائط المتزوجين بالبلوغ والعقل
والحرية في باب النكاح، وتفريعهم عليه عدم صحة عقد الصبي والصبية
والمجنون والمجنونة والسكران فقط، من غير تعرض لذكر السفيه أصلا; وتفريعهم
عدم صحة التصرفات المالية من السفيه في باب المعاملات على اشتراط
الرشد.

(1): الكافي 5: 391 / 391 - 392، الفقيه 3: 251 / 1195 - 1997، التهذيب 7: 377 باب 32،
الوسائل 14: 201 أبواب عقد النكاح ب 3، 4.
(2): عوالي اللآلي 1: 306 / 9. سنن الدارقطني 3: 218 / 4، السنن الكبرى 7: 107، مسند أحمد 4:
413.
(3): جامع المقاصد 12: 113، 114.
(4): كشف اللثام 1: 12.
579

ومنها: ولاية الأيتام والسفهاء في إجارتهم واستيفاء منافع أبدانهم مع
ملاحظة المصالح.
للإجماع، ولأن في انتفائها ضررا عليهم، وهو منفي في الشريعة. وفي
عموم بعض الأخبار المتقدمة في أمور الأيتام شمول لذلك أيضا، كالرضوي (1)، و
صحيحة ابن رئاب (2).
ومنها: استيفاء حقوقهم المالية وغيرها.
كحق الشفعة، والفسخ بالخيار، ودعوى الغبن، والإحلاف، ورد الحلف،
وحق القصاص في الدم، والجنايات، وإقامة البينة، وجرح الشهود، وأمثالها.
وقد ادعى بعض معاصرينا الفضلاء الشهرة عليه في حق القصاص، و
قواه (3).
وفي كل ذلك، الولاية للحاكم مع المصلحة; لصحيحة ابن رئاب
والرضوي المنجبرين.
بل قد تجب إذا كانت في تركه مفسدة من ضرر ونحوه، كما أنه لا يجوز
التصرف إذا كانت المصلحة في الترك.
ولو تساوى الطرفان، فهل يجوز له التصرف والاستيفاء، وينفذ ويمضي،
أم لا؟
الظاهر الثاني، للأصل الخالي عن الدافع.
ومنها: التصرف في أموال الإمام.
من نصف الخمس، والمال المجهول مالكه، ومال من لا وارث له، ونحو
ذلك.

(1): فقه الرضا عليه السلام: 333.
(2): الكافي 5: 208 / 1، الفقيه 4: 161 / 564 التهذيب 9: 239 / 928، الوسائل 13: 474 أبواب
أحكام الوصايا ب 88 ح 1.
(3): رياض المسائل 2: 521.
580

وقد يستدل (1) لثبوت ولايته فيها بأنها أموال الغائب، والتصرف فيها
للحاكم.
وضعفه ظاهر، إذ لا دليل على ولايته في أموال مطلق الغائب حتى الإمام،
مع أن الولاية في أموال الغيب إنما هي بالحفظ لهم، لا التفريق بين الناس.
وقد يستدل أيضا بعموم الولاية، وهو أيضا ضعيف; لان مقتضاه ثبوت
الولاية فيما يتعلق بأمر الرعية، لا ما يتعلق بنفس الإمام وأمواله.
والصواب: الاستدلال فيه بالقاعدة الثانية، فإنه بعد ثبوت لزوم التصرف في
هذه الأموال والتفريق، لا بد له من مباشر، وليس أولى من الحاكم، بل هو
المتيقن وغيره مشكوك فيه.
وأيضا تفريق هذه الأموال إنما هو بإذن شاهد الحال، وهو إنما هو إذا كان
المباشر له الفقيه العادل، كما بيناه في كتاب مستند الشيعة (2).
ومنها: جميع ما ثبت مباشرة الإمام له من أمور الرعية.
كبيع مال المفلس، وطلاق المفقود زوجها بعد الفحص، ونحو ذلك;
للقاعدة الأولى من القاعدتين المتقدمتين، وللإجماع.
وعلى الفقيه في كل مورد مورد أن يفتش عن عمل السلطان والإمام، فإن
ثبت فيحكم به للفقيه أيضا.
ومنها: كل فعل لا بد من ايقاعه لدليل عقلي أو شرعي.
كالتصرف في الأوقاف العامة، والإتيان بالوصايا التي لا وصي لها ابتداءا أو
بعد ممات الوصي، وعزل الأوصياء، ونصب العوام، وغير ذلك; للقاعدة
الثانية من القاعدتين المذكورتين.
ويلزم أن تكون القاعدتان ملحوظتين عندك في كل مقام يرد عليك من أعمال

(1): في (ج، ح، ه‍): بثبوت.
(2): مستند الشيعة 2: 87 كتاب الخمس، وص 762 كتاب الميراث.
581

الحكام والفقهاء ووظائفهم، وتحكم بمقتضاهما، ولا تحكمن بشئ ما لم يثبت من
القاعدة أو من دليل آخر.
فمن الموارد التي لا أرى عليه دليلا: ما تداول في هذه الأعصار في المبايعات
الشرطية التي فيها خيار الفسخ للبائع بشرط رد الثمن إلى المشتري في زمان
معين، فإذا لم يحضر المشتري في الزمان المعين، يجيئون بالثمن إلى الفقيه و
يفسخون المبايعة.
ولا أرى لذلك وجها، فإن شرط الخيار هو رد الثمن إلى المشتري، فإذا
لم يتحقق الشرط، كيف يتحقق الفسخ؟ وكون الفقيه قائما مقامه حتى في ذلك
مما لا دليل عليه أصلا.
وتوهم أن ذلك لدفع الضرر والضرار فاسد، إذ هذا الضرر مما أقدم البائع
نفسه عليه، مع أن الفسخ لا عند المشتري متضمن لضرر المشتري.
سلمنا الضرر المنفي، فلم يجبر برد الثمن إلى الفقيه والفسخ عنده؟ إذ بعد ما
جاز للحاكم التجاوز عن مقتضى الشرط لدفع الضرر، فيمكن دفعه بزيادة مدة
الخيار، أو بالزام المشتري على ما يجبر به الضرر، أو بغير ذلك من الاحتمالات.
ومن تلك الموارد ما ذكروه في باب النسيئة: أنه إذا لم يقبل البائع الثمن في
الأجل، يؤديه إلى الحاكم ويبرأ بذلك، ويكون التلف من البائع حينئذ.
وهو أيضا مما لا دليل عليه، وحديث الضرر يعلم ما فيه مما مر، إلى غير ذلك
من الموارد.
فإن قيل: لا بد في أمثال تلك الموارد من الرجوع إلى الحاكم.
قلت: نعم لا شك في ذلك، وهو المرجع في جميع الحوادث، وله منصب
المرجعية في جميع ما يتعلق بالشريعة، ولكن الكلام في وظيفة الحاكم بعد
الرجوع إليه أنها ما هي؟ والله العالم بحقائق أحكامه.
582

عائدة (55)
في اشتراط عدم تغير
الموضوع في الاستصحاب
من القواعد المسلمة بين الأصوليين والفقهاء: اشتراط عدم تغير الموضوع
في العمل بالاستصحاب، وقد ذكرنا بعض ما يتعلق بهذه القاعدة في بعض
العوائد السالفة.
والمقصود هنا بيان المراد من الموضوع الذي ذكروه هنا، ووجه اشتراط عدم
تغير الموضوع.
فنقول لبيان الأول: إنه لا شك أن المستصحب لا بد وأن يكون متيقنا في
الحالة الأولى، مشكوكا فيه في الثانية; ومتعلق اليقين والشك لا بد وأن يكون
أمرا حكميا - إثباتا أو نفيا - مضافا إلى محل بنوع من الإضافات والنسب،
إذ لا يتعلق اليقين والشك بالذوات الخارجية الخالية عن الحكم إلا بملاحظة حكم
أيضا، كبقائه أو وجوده أو نحوه، فذلك المحل الذي يثبت له هذا الأمر المتيقن أولا
المشكوك فيه ثانيا، هو المراد من الموضوع.
وبتقرير آخر: لا بد في الاستصحاب من الحكم بأنه كان كذا أولا فيكون كذا
ثانيا، ومعنى (كذا) هو المستصحب، والمستتر في (كان ويكون) والبارز في
لفظ (إنه) هو الموضوع.
583

ثم الموضوع قد يكون واحدا، كالكلب في الحكم بنجاسة الكلب، والثوب
في الحكم برطوبته، وزيد في الحكم بحياته.
وقد يتعدد الموضوع في الحكم الواحد، لأجل تعدد المضاف إليه وما نسب
إليه الحكم، كما في وجوب صوم اليوم على زيد، فإن صوم اليوم موضوع
للوجوب على المكلف، والمكلف موضوع لوجوب الصوم عليه.
ومنه ولاية الأب العاقل على الصغير، فإن الأب العاقل موضوع لكونه وليا
على الصغير، والصغير لكونه مولى عليه، فإذا أردت استصحاب كونه وليا،
يكون الموضوع هو الأب، وإذا أريد استصحاب كونه مولى عليه، يكون الموضوع
هو الصغير، فلو تغير الصغير وصار كبيرا، يصح رد الاستصحاب الثاني لتغير
الموضوع، ولا يصح رد الاستصحاب الأول لذلك، ولو جن الأب انعكس الأمر.
وأما وجه اشتراط عدم تغير الموضوع في حجية الاستصحاب، بل جريانه و
صحته، فلبيانه نقول: لا شك أن الاستصحاب هو إبقاء الحكم الثابت أولا في
الزمان الثاني من حيث ثبوته في الأول، ولأجل ذلك فلو أبقي في الزمان الثاني
لجهة أخرى، لا يكون ذلك استصحابا أصلا، فإنه لو قال الشارع: يجب عليك
صوم يوم الخميس، وشك في يوم الجمعة هل أراد صومه أم لا، فسئل عنه
فأجاب بوجوبه أيضا، لا يكون ذلك استصحابا. وكذا لو شك في بقاء رطوبة
ثوب في زمان، فصب عليه الماء ثانيا وحكم برطوبته، لا يكون ذلك استصحابا.
والحاصل: أن الاستصحاب لا يتحقق باتحاد حكم الموضوع في الحالتين
كيف ما كان، بل باتحاده من جهة ثبوته للأول، أي من جهة أنه كان ثابتا في الأول
ولم يعلم انتفاؤه في الثاني، وكل ما كان كذلك حكم الشارع بإبقائه. ولازم ذلك
أنه إذا علم انتفاء الحكم في الثاني لم يصح الاستصحاب، كما هو مجمع عليه
ومصرح به في الاخبار بقوله: (ولكنه ينقضه بيقين آخر)، بل هو معنى قوله:
(لا ينقض بالشك).
ثم انتفاء الحكم في الثاني: تارة يكون بالحكم بخلاف الأول فيه، وأخرى
584

بالحكم بعدم ثبوت الحكم الأول فيه وإن لم يحكم بخلافه أيضا، وثالثة بثبوت
عدم مطلق الحكم فيه.
فإنه لو قال الشارع: يباح لك الجلوس في بيت زيد يوما، وأما بعده فلا أحكم
حينئذ بالإباحة ولا بنفيها، بل أبين حكمه بعد ذلك، لا يمكن استصحاب إباحة ما
بعد اليوم; للعلم بانتفاء الحكم الأول، لا بسبب الحكم بالحرمة أو الحكم بعدم
الإباحة، بل بسبب عدم الحكم وانتفائه من أصله، فإن ثبوت عدم الحكم أيضا
انتفاء للحكم، ولذا لا يستصحب الحكم السابق فيما لو فرض تصريح الشارع بأنه
لا حكم لي في الزمان السابق.
ثم انتفاء أصل الحكم الأول في الثاني: تارة يكون بتصريح الحاكم بالانتفاء،
كأن يقول: لا حكم لي بعد ذلك، وأخرى يكون بتخصيصه الحكم بالأول، فإنه
أيضا موجب لانتفاء الحكم في الثاني، لا بمعنى أنه موجب للحكم بعدم ما حكم
به للأول في الثاني، وثبوت انتفاء المحكوم به في الأول في الثاني، حتى يعارض
ما دل على ثبوت الحكم في الثاني، بل لا حكم في الثاني في الأول، ويعلم
انتفاء نفس الحكم الأول في الثاني.
وإذا عرفت ذلك فنقول: إذا علق الشارع حكما على موضوع خاص، يكون
هذا الحكم - أي نفس الحكم - خاصا بذلك الموضوع، فلا يكون حكم لغير ذلك
الموضوع بهذا الحكم الأولي، وتكون ماهية الحكم منتفية فيه، فيعلم انتفاؤه فيه،
فلا يستصحب، إذ لا يحتمل ثبوت الحكم الأول فيه، بل علم عدم ثبوته، وإن
جوزنا ثبوته بحكم آخر، ولكن لو ثبت حكم بدليل آخر، لا يكون ذلك
استصحابا.
ولا يتوهم: أنه وإن لم يثبت ما حكم به بالحكم الأول له بالحكم الأول
ولا بدليل آخر، ولكن يثبت له بالاستصحاب; لأن الاستصحاب إبقاء الحكم
الأول من جهة ثبوته في الأول، ومعنى جهة ثبوته في الأول كونه ثابتا فيه،
محتملا بقاء الحكم الأول أو شموله لهذا الزمان.
585

وهذا غير محتمل; لليقين باختصاص الحكم الأول بالموضوع الأول، فما
علم أولا - وهو حكم الشارع بالوجوب مثلا في الزمان الأول - منتف في الثاني،
فلا يمكن استصحابه.
وإن شئت توضيح ذلك فنقول: إذا قال الشارع: الولاية ثابتة على الصغير،
نقول: إن الابن الصغير لزيد مولى عليه; لان الشارع قال: الولاية ثابتة على
الصغير، وهذا من أفراده، ثم إذا صار كبيرا نقول: لا يمكن الاستصحاب; لأنا
نعلم أن حكم الشارع منتف في حق الكبير، وهذا من أفراده، وما علم انتفاء
حكمه فيه لا يجري فيه الاستصحاب; لأنه في موضع الشك في الحكم وعدمه.
لا يقال: لا يعلم انتفاء حكم الشارع في حق الكبير، بل يعلم ثبوته، لحكمه
بالاستصحاب.
قلنا: الكلام بعد في صحة الاستصحاب وعدمه، ونحن نقول: لا يصح
الاستصحاب; لأنه قال: (بل ينقضه يقين آخر)، ولنا هنا يقين آخر، وهو عدم
الحكم في حق الكبير، فكيف يحكم بثبوت الحكم فيه؟! وأي فرق بين قوله:
لا حكم للكبير فيه، وبين قوله: الولاية على الصغير، في العلم بانتفاء الحكم في
الكبير؟ أي انتفاء أصل الحكم لا انتفاء خصوص الولاية. وهذا مراد من استدل
لاشتراط عدم تغير الموضوع: بأن المتبادر من إثبات حكم لموضوع خاص شرطية
ذلك الموضوع في ثبوته ولازمه انتفاء المشروط بانتفاء الشرط.
وغرضه أن المتبادر شرطية الموضوع في أصل الحكم، فمع انتفائه لا حكم،
لا بما حكم فيه في الأول ولا بخلافه، لا أن المتبادر شرطية الموضوع في ثبوت ما
حكم به في الأول حتى يدل على انتفائه، فيعارض دليل ثبوت الحكم في الثاني.
فالمتبادر من قوله: (الولاية ثابتة على الصغير: أن الصغر شرط في كونه
محكوما بحكم، فإذا انتفى الصغر انتفى حكم الشارع بهذا الحكم الذي إبقاؤه
هو الاستصحاب; لا أنه شرط في ثبوت الولاية، فإذا انتفى الصغر انتفت
الولاية، ولو كان مراده هذا المعنى لم يصح إلا على حجيته مفهوم اللقب.
586

وقد يستدل أيضا بوجوه اخر:
منها: دلالة التعليق على موضوع خاص، على كونه جزءا للحكم وقيدا
له، وحينئذ يستحيل إبقاؤه مع تغير الموضوع، فيكون الحكم في المثال المذكور:
الولاية على الصغير لا مطلق الولاية، وهي لا تتحقق في حق الكبير; وفي مثال
الكلب: النجاسة الكلبية، وهي ممتنعة التحقق مع صيرورته ملحا. وهذا قابل
للخدش.
ومنها: أن ذلك لأجل تعارض استصحاب حال العقل مع استصحاب حال
الشرع، فإن الشارع لم يحكم أولا بنجاسة الكلب الباقي كلبيته، ولا بنجاسة
الكلب المستحيل ملحا، وعلم بعد الحكم بنجاسة الأول ثبوت النجاسة فيه، و
بقي الثاني تحت أصل عدم الحكم. ولهذا الدليل وجه أيضا.
ومنها: أنه لأجل تعارضه مع أدلة ثبوت خلافه لما حصل بعد التغير، كأدلة
طهارة الملح.
وهو فاسد جدا; لأنه إن أريد به مثل قوله: (كل شئ طاهر حتى تعلم أنه
قذر) (1)، فهو لا يعارض الاستصحاب، كما بيناه في موضع آخر (2).
وإن أريد به مثل قوله: الملح طاهر، فهو غير متحقق في الأكثر، فيلزم
اختصاص اشتراط عدم تغير الموضوع بمواضع خاصة.
مع أنه قد يكون حكم ما حصل بعد التغير موافقا لحكم ما قبله كما إذا صار
الكلب عذرة، فيلزم جواز استصحاب النجاسة الكلبية.
ومع ذلك فلو سلم التعارض، فلم يكون الحكم للدليل المعارض دون
الاستصحاب، مع أن الحكم عند التعارض مع فقد المرجح التخيير، لا طرح
الاستصحاب؟.

(1): مستدرك الوسائل 2: 583 أبواب النجاسات ب 30 ح 4.
(2): راجع عائدة (21) في احتياج بقاء بعض الأحكام إلى مقتض ثان.
587

وإن قلت بالتساقط والرجوع إلى الأصل، فقد يقتضي الأصل حكم
الاستصحاب، كما إذا انقلب الخل خمرا، والماء بولا، ونحو ذلك.
ولا يخفى أنه وقع الاشتباه لكثير في مسألة اشتراط عدم تغير الموضوع في
وجوه كثيرة، ووقعوا لأجله في اشتباهات عديدة، فمنهم من اشتبه الامر عليه
في سبب اشتراطه، ومنهم من أخطأ في فهم المراد من تغير الموضوع، كما مر في
بعض العوائد المتقدمة (1)، ومنهم من اشتبه الامر عليه في معرفة الموضوع.
ومن ذلك: ما ذكره بعضهم في مسألة الماء المتغير بالنجاسة إذا زال تغيره،
فيقول: لا يمكن استصحاب النجاسة لتغير الموضوع; لأنه هو الماء المتغير، وقد
انتفى التغير (2).
وهذا خطأ لان هذا إنما كان يصح إذا قال الشارع: الماء المتغير بالنجاسة
نجس، فيكون الحكم النجاسة، والموضوع الماء المتغير، ولكن ليس كذلك، بل
قال: الماء إذا تغير ينجس، فالحكم قبول النجاسة بالتغير (3)، والموضوع الماء، وأما
أنه نجس مطلقا فمأخوذ من حكمه بأن كل ما صار نجسا فيكون نجسا حتى يرد عليه
التطهير، وهذا الحكم ثابت لكل شئ لا للماء المتغير خاصة.
والحاصل: الفرق بين قوله: الماء المتغير نجس، وقوله: الماء ينجس بالتغير،
فإن الموضوع في الأول الماء المتغير والحكم النجاسة، وفي الثاني الموضوع الماء
والحكم النجاسة بسبب التغير.

(1): مر في العائدة (20) في بيان معنى قولهم: الاحكام تابعة للأسماء.
(2): انظر مفاتيح الأصول: 656، مفاتيح الشرائع 1: 85، مشارق الشموس: 204 نقلا عن
يحيى بن سعيد، مفتاح الكرامة 1: 101، المدارك 1: 46.
(3): في (ب، ه‍) للتغير.
588

عائدة (56)
في بيان أصالة اتحاد العرفين
أو أصالة عدم النقل والاشتراك
قد دارت على ألسنتهم أصالة اتحاد العرفين، وموضع استعمالهم ذلك
الأصل إنما هو فيما إذا لم يعلم للفظ معنى آخر غير ما يعلم له، مشتركا بينهما، أو
منقولا عن أحدهما إلى الآخر.
ودليله حينئذ أصالة عدم الاشتراك، وعدم النقل، وعدم تعدد المعنى.
وربما يسمع إجرائه فيما علم فيه أحد التعددين أيضا.
والظاهر أن مراد من يقول ذلك ليس مطلق العرفين، إذ لا وجه يتصور
لأصالة اتحاد (1) كل عرفين مع العلم بتعدد المعنى نقلا أو اشتراكا، أصلا، بل
مراده خصوص عرفي المتشرعة والشارع، أو عرف متشرعة زمان مع عرف
متشرعة زمان آخر.
وربما يستدل له تارة ببعد تغير العرفين في ذلك الزمان القليل.
وأخرى بالغلبة، أي: الغالب في الألفاظ الجارية على ألسنته المتشرعة اتحاد
معناها المتبادر حينئذ مع معناها المتبادر في زمان الشارع.

(1): في (ب، ح، ه‍): لأصالة تعدد.
589

وثالثة بكون ذلك طريقة العلماء وسيرة الفقهاء، بل كل أحد، فإنا نراهم
يحملون ألفاظ الكتب المصنفة في أزمنة قبل هذا الزمان إلى زمان الشارع، على
ما يفهمون منها في هذا الزمان، ويتبادر منها عندهم من غير تشكيك ولا تأمل،
ولو علم كون اللفظ ذا معنى آخر منقولا عنه أو مشتركا بين ما يفهم منه في عرفهم
وبين معنى آخر، إلا أن يعلموا اختلاف عرفهم.
وفساد الوجه الأول ظاهر جدا، لأنا نشاهد تغير العرف بزمان أقل من ذلك
الزمان بكثير، بل في ظرف سنتين أو ثلاث سنين، فإنه إذا استعمل لفظ له معنى
في آخر بقدر تلك المدة، يهجر المعنى الأول ويترك، فكيف بأزيد من ألف سنة!
كيف؟ وتراهم يحكمون بثبوت الحقيقة الشرعية في زمان الصادقين
عليهما السلام للفظ استعمل في معنى من زمان الرسول صلى الله عليه وآله إلى زمانهما.
وأيضا نرى تغير العرف في كثير من الألفاظ، كالمن، والمثقال، والكراهة،
وغير ذلك، بل لو استعمل في معنى غير معنى زمان الشارع إلى هذا الزمان يتغير
العرف قطعا. فالذي يفيد له عدم الاستعمال، وأنى يثبت ذلك؟ إذ يستبعد مع
مرور دهور كثيرة وقرون عديدة.
وأما لبيان فساد الثاني، فنقول بعد قطع النظر والاغماض عما في التمسك
بالغلبة من المجازفة والمماثلة لطريقة العامة العمياء:
إن الألفاظ على صنفين: أحدهما ما لم يعلم تعدد معناه أصلا، والآخر ما
علم فيه.
والأخير أيضا على قسمين: أحدهما ما يكون أحد معنييه من المعاني
المستحدثة من الشارع ذاتا أو وصفا أو قيدا، أو يكون مما تعم به البلوى ويستعمل
كثيرا، وثانيهما ما لا يكون كذلك.
فإن أريد غلبة الاتحاد في الصنف الأول، فهو لا يفيد; لان الغالب في كل
صنف أو قسم يلحق النادر من ذلك الصنف أو القسم به، فهو لا يفيد لغير ذلك
الصنف، ولا نزاع في ذلك الصنف. وكذا إن أريد غلبته في القسم الأول من
590

الصنف الثاني.
وإن أريد القسم الأخير - الذي هو محل الكلام وتظهر الفائدة فيه - فالغلبة
فيه، بل تحقق غير نادر فيه، ممنوع.
وأيضا للمتشرعة عرفان:
أحدهما: عرفهم من حيث الفقاهة، أي العرف الحاصل من مزاولة
علم الفقه والحديث، والرجوع إلى الكتب المؤلفة في سوالف الأزمنة في هذا
الفن الشريف، وهو نظير عرف أهل هذا الزمان مثلا، من حيث هو نحوي أو
حسابي.
وثانيهما: عرفه من حيث بلده أو زمانه.
ويتمسك هؤلاء بأصل الاتحاد بالنسبة إلى العرفين، مع أنه لو أمكن ادعاء
الغلبة، فإنما هو بالنسبة إلى الأول.
وأما الثاني، فهو غير ممكن; لتوقفه على الاطلاع على عرف جميع طوائف
العرب في ذلك الزمان في هذه الألفاظ، حتى يعلم اتحاد عرف الغالب منها مع
عرف زمان الشارع، وهو غير ممكن الاطلاع سيما لأمثالنا، بل الغالب فيها عدم
بقاء أصل الألفاظ عندهم في هذا الزمان، فكيف بمعانيها.
وأما لبيان فساد الثالث فنقول: إنا نمنع كون ما ذكره طريقة العلماء وسيرة
الفقهاء.
وأما ما ترى من حملهم ألفاظ الكتب المؤلفة في سوابق الأزمان على ما
يحملون، فهو ليس من باب حملهم على عرف أنفسهم وعهدهم وزمانهم، و
على متفاهمهم والمتبادر عندهم، بل نسبتهم إلى ما في هذه الكتب من الألفاظ و
استعمالاتها كنسبة أهل علم النحو من هذا الزمان إلى مصطلحات النجاة، و
نسبة أهل علم الحساب إلى مصطلحات الحسابيين، وهكذا، فإن لهم بالنسبة إلى
ألفاظ تلك الكتب اصطلاحا وراء اصطلاح أهل زمانهم وعهدهم.
بيان ذلك، أن العلماء والفقهاء بل أهل كل علم بالنسبة إلى ألفاظ الكتب،
591

لهم اصطلاح وراء اصطلاح أهل زمانهم، بل هم من بدو أمرهم ومبدأ تعلمهم
دخلوا تلك الكتب، وتعلموا اصطلاحاتها ومعاني ألفاظها من معلميهم و
أساتيذهم، الذين هم أيضا أخذوها من أساتيذهم، وهكذا، وحصل لهم
اصطلاح وراء اصطلاح أهل عصرهم، بل هو حقيقة اصطلاح أهل زمان التأليف
الواصل إليهم يدا بيد، فهم بعينهم أهل زمان المؤلفين.
وذلك ظاهر جدا، فإن غير العرب من هؤلاء العلماء لا اصطلاح لهم في هذه
الألفاظ، ولا يعرفون معانيها، ولم يأخذوها من العرب باصطلاح زمانه، بل
أخذوها ممن أخذ خلفا عن سلف. وأما القريب منهم، فأيضا كذلك; لان ألفاظ
العرب في هذا الزمان لا تشابه تلك الألفاظ، فكيف بالمعاني.
والغافل عن حقيقة الامر، الغير المتأمل، يزعم أن بناء فهم العلماء
واستخراجهم المعاني من الكتب، من جهة اصطلاح زمانه، وهو خطأ; لان من
لم يأخذ معانيها من الأستاذ لا يفهم منه شيئا، بل لو قرأ أكثر تلك الكتب لغير
المتعلم عند الأستاذ المطلع على اصطلاحات الكتب كالعوام من العرب أو
العجم، لا يفهمون شيئا منها غالبا، حتى أن العجمي لا يفهم كتب علماء العجم
المدونة بالفارسية غالبا إلا بقرائن منضمة.
592

عائدة (57)
في بيان معنى قولهم:
(له كتاب وله أصل) في الرجال
كثيرا ما يستعمل لفظ الكتاب والأصل والنوادر في كتب الرجال، فيقال:
فلان له كتاب، وفلان له أصل، وله نوادر.
وقد يسأل عن الفرق بين الكتاب والأصل، والفرق بينهما على ما صرح
به بعض سادات مشايخنا المحققين في بعض رسائله: إن الأصل في اصطلاح
المحدثين من أصحابنا بمعنى الكتاب المعتمد، الذي لم ينتزع من كتاب آخر.
قال: وليس بمعنى مطلق الكتاب، فإنه قد يجعل مقابلا له فيقال: له كتاب و
له أصل.
قال: وقد ذكر ابن شهرآشوب في معالم العلماء نقلا عن المفيد - طاب ثراه
-: إن الامامية صنفت من عهد أمير المؤمنين عليه السلام إلى عهد أبي
محمد الحسن بن علي العسكري عليهم السلام أربعمائة كتاب، تسمى (الأصول)، وهذا
معنى قولهم (له أصل) (1). ومعلوم أن مصنفات الامامية في تلك المدة تزيد
على ذلك بكثير، كما يشهد به تتبع كتب الرجال، فالأصل إذن أخص من

(1): معالم العلماء: 3
593

الكتاب (1). انتهى.
ويظهر من كلامه - رحمه الله - أنه يشترط في صدق الأصل عدم الانتزاع و
وجود الاعتماد، بل يصرح به بعد ذلك، قال: ولا يكفي فيه مجرد عدم انتزاعه من
كتاب آخر وإن لم يكن معتمدا، فإنه يوجد في كلام الأصحاب مدحا لصاحبه و
وجها للاعتماد على ما تضمنه.
إلى أن قال: والوصف به في قولهم (له أصل معتمد) للايضاح والبيان، أو
لبيان الزيادة على مطلق الاعتماد المشترك فيما بين الأصول (2).
والمراد بعدم الانتزاع: أن تكون الأحاديث المجموعة فيه مأخوذة عن
المعصوم، أو عن الراوي:
وأما الكتاب: فتكون أحاديثه مأخوذة من الأصل. فالفرق بين الأصل
والكتاب على ما ذكره السيد المذكور: أن الأصل هو مجمع الأحاديث الغير
المنتزع من غيره مع كونه معتمدا، والكتاب أعم.
وعلى ما ذكره المفيد يكون الأصل اسما لكل من الأصول الأربعمائة.
وذكر بعض مشايخ والدي (3): أن الفرق هو مجرد عدم الانتزاع. ولم يذكر
الاعتماد.
وقيل: إن الكتاب ما كان مبوبا مفصلا، والأصل مجمع أخبار وآثار.
ورده بعض مشايخ الوالد بأن كثيرا من الأصول مبوبة (4).
وقيل: إن الأصل ما كان مجرد كلام المعصوم، والكتاب ما كان فيه كلام
مصنفه أيضا (5).

(1): رجال السيد بحر العلوم 2: 367.
(2): رجال السيد بحر العلوم 2: 367.
(3): الفوائد الرجالية للوحيد (ضمن رجال الخاقاني): 34، والتعليقة (منهج المقال): 7.
(4): حكى ذاك القول وردها الوحيد البهبهاني، راجع الفوائد الرجالية (ضمن رجال الخاقاني): 34،
والتعليقة (منهج المقال): 7.
(5): نقله الوحيد أيضا في الفوائد والتعليقة فراجع الفوائد (ضمن رجال الخاقاني): 33، والتعليقة
(منهج المقال): 7.
594

وأما النوادر: فهو ما اجتمع فيه أحاديث متفرقة لا تنضبط في باب، لعله
لا يمكن جمعها في باب واحد، بأن يكون واحدا أو متعددا لكن يكون قليلا
جدا. ومن هذا قولهم في الكتب المتداولة: نوادر الصلاة، ونوادر الزكاة، و
أمثال ذلك.
هذا إذا أطلقت النوادر على المؤلف، وإلا فالحديث النادر له إطلاقات اخر
أيضا.
595

عائدة (58)
في بيان الموضوع في مثل:
العصير إذا غلى يحرم
هل الموضوع للحكم في نحو قوله عليه السلام: العصير إذا غلى حرم حتى يذهب
ثلثاه، أو: العصير الذي غلى حرم (1)، ونحوهما من القيود، هو العصير، أو غيره؟
وتظهر الفائدة في تغير الموضوع وعدمه عند الاستصحابات، مثلا إذا صار
العصير بعد الغليان وقبل ذهاب الثلثين دبسا أو خلا، فإن قلنا بأن الموضوع هو
العصير لم يصح الاستصحاب، لتغير الموضوع; لعدم تسمية الدبس أو الخل
عصيرا، وإن قلنا إنه غيره، فقد يصح.
وبيانه: أن هاهنا حكمين.
أحدهما: أنه يحرم إذا غلى، وكون الموضوع فيه عصيرا مما لا خفاء فيه،
فلو انقلب قبل الغليان خلا ثم غلى، لم يحرم; لعدم صدق العصير.
والآخر: الحرمة، والخفاء إنما هو في موضوعها.

(1): انظر الكافي 6: 419 / 1، 2 التهذيب 9: 120 / 515 - 516، الوسائل 17: 223 أبواب الأشربة
المحرمة ب 2 ح 1 و 229 ب 3 ح 4. وإليك نصهما، ففي رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام،
قال: (كل عصير أصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه). وفي رواية ذريح عن أبي
عبد الله عليه السلام: (إذا نش العصير أو غلى حرم).
597

والتحقيق: أنه مركب من المقيد والقيد، فيشترط فيه تحقق الامرين، أي
كونه عصيرا ومغليا، فبانتفاء أحدهما ينتفي الموضوع، فإنه لا شك أنه ليس الدبس
حين الدبسية عصيرا مغليا إلا بالتجوز باسم ما كان.
والتوهم إنما ينشأ من أمرين:
أحدهما: صحة قوله: العصير إذا غلى - سواء بقي على العصيرية أم صار
دبسا - فهو حرام، فيتوهم أن قوله: العصير إذا غلى، مطلق أو عام يشمل
الامرين.
وثانيهما: نحو قوله: الكلب إذا صار ملحا فهو طاهر، فإنه لم تبق الكلبية مع
صحة الكلام وبقاء الحكم الذي هو الطهارة.
ويظهر فساد الأول: بأن المفروض أن الدبس ليس عصيرا، فكيف يكون فردا
من العصير؟ ولو قلت: إنه أيضا عصير لغة، يخرج عن المفروض.
وأما صحة التصريح بالتعميم، فإنما هو باعتبار حصول تجوز في الكلام بقرينة
ذلك التصريح، وذلك مثل قوله: الكلب الذي صار ملحا فهو طاهر، فإنه لا شك
أنه بعد الصيرورة ليس كلبا، والتسمية تجوز باعتبار ما كان، والقرينة عليه قوله:
صار ملحا، فكذا في قوله: والعصير إذا غلى، سواء بقي على العصيرية أم لا،
فالتعميم قرينة عموم المجاز.
وفساد الثاني: بأن قوله: الكلب إذا صار ملحا فهو طاهر، معناه أنه بعد
صيرورته ملحا يطهر، فليس الحكم الطهارة الفعلية حال التكلم، فإن قوله: إذا
صار، بتأويل المستقبل، فالحكم ليس الطهارة.
نعم إذا قال: الكلب الذي صار ملحا فهو طاهر، فالحكم الطهارة الفعلية،
والموضوع الكلب المجازي دون الحقيقي قطعا; لامتناع بقاء الكلبية بعد الصيرورة
ملحا.
598

عائدة (59)
في بيان أصالة عدم التذكية
من الأصول المتكررة على ألسنة الفقهاء: أصالة عدم التذكية في الحيوانات،
ولها ثلاثة معان نبينها في هذا المقام.
ولنقدم لبيان تحقيق المقام فائدتين:
الأولى: اعلم أن الأصل الابتدائي في كل حيوان مأكول اللحم حلية أكل
لحمه ما لم يدل دليل على حرمته، حيا كان أو غير حي. وكذا الأصل في كل
حيوان طاهر العين غير مأكول اللحم طهارته ما لم يدل دليل على عروض
النجاسة له، حيا كان أو غير حي; لأصالة الحل الثابت للأشياء قبل الشرع و
بعده، وإطلاقات ما دل على حلية الحيوان الفلاني، ولأصالة الطهارة الثابتة
كذلك واستصحابها.
ولكن ثبت بالاجماع القطعي والأخبار المتكثرة حرمة الاجزاء المبانة من الحي
في غير السمك والجراد، وكذا نجاستها من ذوات النفوس، كما بين في موضعه.
وكذا ثبت بالاجماع، بل الضرورة، وبالكتاب والسنة المتواترة حرمة الميتة
من جميع الحيوانات، ونجاستها من ذوات النفوس السائلة، كما بين في
موضعه. وهذا أصل طارئ على الأصل الأول، ثابت بالاجماع والكتاب
والسنة.
599

ولكن الكلام في معنى الميتة، فإنه يحتمل معاني ثلاثة:
الأول: ما خرجت روحه حتف أنفه خاصة، فتكون الميتة مقابل الحي
والمقتول، كما هو الظاهر من كلام بعض المتأخرين في شرحه على المفاتيح (1)،
مستدلا بما في تفسير الإمام عليه السلام، قال الله تعالى: * (إنما حرم عليكم الميتة) * (2) أي
التي ماتت حتف أنفها بلا ذباحة من حيث أذن الله (3). وعلى هذا فيكون غير ما
مات حتف أنفه باقيا على أصل الحلية والطهارة ولو لم يكن مذكى شرعا، و
يحتاج في إثبات حرمة مطلق غير المذكى ونجاسته إلى دليل آخر.
والثاني: ما خرجت روحه مطلقا وإن كان بالتذكية، فتكون الميتة مقابل
الحي، ويكون الأصل الطارئ في كل غير حي حرمته ونجاسته، إلا أن يدل دليل
على خلافه كما في المذكى.
وعليه بناء بعض مشايخنا قدس سره، حيث استدل في شرحه على النافع (4)
على حرمة الحيوانات البحرية ولو بعد الذبح بشرائطه، بعمومات ما دل على
حرمة الميتة، واستدل له بأنها مشتقة من الموت الذي هو زهوق الروح، واستعمل
الموت فيما خرجت روحه ولو بالقتل والذبح في الأخبار كثيرا.
والثالث: ما خرجت روحه بدون التذكية الشرعية، فتكون الميتة مقابل
المذكى، وهو الظاهر من كلام الأكثر والمستفاد من تتبع كلمات الفقهاء.
وتظهر فائدة ذلك الاختلاف في مواضع غير محصورة: فإنه على
الأول - كما مر - يكون الأصل في كل ما لم يمت حتف أنفه الحلية والطهارة،
فتظهر الفائدة فيما شك في اشتراطه في التذكية من الشرائط، وفيما شك في
ورود التذكية عليه، وفيما شك كونه تذكية شرعية، بل يكون الأصل في كل ما

(1): شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (مخطوط) مفتاح 78، باب النجاسات في مواضع تذكية الحيوان.
(2): البقرة 2: 173.
(3): تفسير الإمام العسكري عليه السلام: 585.
(4): رياض المسائل 2: 279، 287.
600

أخرج الحيوان عن الموت حتف أنفه أن يكون تذكية، والأصل في كل حيوان
ورود التذكية عليه. والأصل في كل شرط اختلف فيه في التذكية عدم اعتباره، و
هكذا.
وعلى الثاني يكون الأمر بالعكس في الكل.
وعلى الثالث، تكون نسبة الأصل في هذه الأمور من جهة كون المورد ميتة
أو مذكى على السواء، إلا أن تثبت موافقة أحد الأمرين من الميتة والمذكى
للأصل، كما يأتي تحقيقه.
ثم إن المعنى الأول لا ريب في كونه من الميتة; لأنه القدر المشترك بين المعاني
الثلاثة، فلا شك في صدق الميتة عليه.
وإنما الكلام في أنه هل هو مختص به، أم يصدق على أحد الأخيرين؟
فنقول: لا ينبغي الريب في سقوط الاحتمال الثاني; لعدم تبادر المذكى من
الميتة، بل تبادر غيره كما هو واضح جدا.
ولصحة السلب عن المذكى، بل وقع السلب في كلام الإمام، كما في
موثقة أبي مريم، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: السخلة التي مر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وهي ميتة، قال: (ما ضر أهلها لو انتفعوا بإهابها)، قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام:
(لم تكن ميتة يا أبا مريم، ولكنها كانت مهزولة، فذبحها أهلها فرموا بها، قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما كان على أهلها لو انتفعوا بإهابها) (1).
ولاستعماله فيما يقابل المذكى وما ليس مذكى في العرف والكتاب والسنة،
كما في الأخبار الكثيرة المتضمنة لاختلاط الميتة والمذكى، المشتملة على
قوله: لم يدر ذكي هو أم ميت (2).
وفي رواية عبد الله بن سليمان عن أبي عبد الله عليه السلام: (ما أخذت الحبالة فانقطع

(1): الفقيه 3: 216 / 1004، التهذيب 9: 79 / 335، الوسائل 16: 452 أبواب الأطعمة المحرمة
ب 34 ح 3.
(2): الكافي 6: 261 / 1، التهذيب 9: 48 / 200، الوسائل 16: 456 أبواب الأطمعة المحرمة ب 37 ح 1.
601

منه شئ أو مات فهو ميتة) (1).
وفي مرسلة النضر بن سويد، الواردة في الظبي وحمار الوحش يعترضان
بالسيف فيقدان، قال: (لا بأس بأكلها ما لم يتحرك أحد النصفين، فإن تحرك
أحدهما لا يؤكل الآخر; لأنه ميتة) (2). إلى غير ذلك من الأخبار الغير المعدودة.
فالأصل في الاستعمال مع وحدة المستعمل فيه الحقيقة، كما في المورد، إذ
لم يعلم استعماله في المذكي أبدا.
وتوهم اشتقاق الميتة والميت من الموت، الصادق على مطلق زهوق الروح،
فيكون المشتق أيضا كذلك، فاسد، إذ لو سلمنا ذلك في الموت، لا نسلمه في
مطلق المشتق منه; لأن للهيئة الاشتقاقية حظا من المعنى، كما مر بيانه في بعض
العوائد المتقدمة (3).
ويدل على عدم صدقه على مطلق ما زهق روحه أخبار كثيرة أخرى: كموثقة
سماعة، عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال: (إذا رميت وسميت فانتفع بجلده، و
أما الميتة فلا) (4).
وفي موثقة سماعة الواردة في الفراء والكيمخت يصلى فيها؟ قال: (لا بأس
ما لم يعلم أنه ميتة) (5).
وفي رواية علي بن أبي حمزة: عن الرجل يتقلد السيف، إلى أن قال: (وما
الكيمخت؟)) قال: جلود دواب منه ما يكون ذكيا ومنه ما يكون ميتة (6). إلى
غير ذلك.
وظهر مما ذكر سقوط الاحتمال الأول أيضا; لعدم صحة السلب عن غير ما

(1) الكافي 6: 214 / 4، الوسائل 16: 286 أبواب الصيد ب 24 ح 3.
(2) الكافي 6: 255 / 6، التهذيب 9: 77 / 326، الوسائل 16: 294 أبواب الصيد ب 35 ح 3.
(3) مر في العائدة (17) في بيان بعض مباحث المشتق.
(4) التهذيب 9: 79 / 339، الوسائل 16: 453 أبواب الأطعمة المحرمة ب 35 ح 4.
(5) الفقيه 1: 172 / 811، التهذيب 2: 205 / 800، الوسائل 16: 372 أبواب الذبائح ب 38 ح 1.
(6) التهذيب 2: 368 / 1530، الوسائل 2: 1072 أبواب النجاسات ب 50 ح 4.
602

مات حتف أنفه إذا لم يكن مذكى شرعا، بل استعماله في غيره كثيرا، كما في
روايات مأخوذ الحبالة، ورواية عبد الله بن سليمان المتقدمة، والروايات
العديدة الواردة في قطع أليات الضأن والحكم بحرمتها لأنها ميت أو ميتة،
كصحيحة الوشاء (1)، ورواية أبي بصير (2)، ومرسلة الكاهلي (3).
ولا يدل قول الإمام في تفسيره - المتقدم ذكره (4) - على الاختصاص; لاحتمال
كون القيد احترازيا، بل هو الأصل فيه. وتخصيصه بالذكر، لأن العلة المذكورة
لعلها مخصوصة به، فالحق أن الميتة هي مقابل المذكى.
الثانية: اعلم أن الأصل الثانوي في كل حيوان مأكول اللحم الخارجة روحه
بغير التذكية حرمته، وفي كل ذي دم كذلك نجاسته; لما عرفت من كونه ميتة، و
كل ميتة حرام، ومن ذوي النفوس السائلة نجسة.
ويدل أيضا على حرمة غير المذكى قوله سبحانه: * (إلا ما ذكيتم) * (5).
والمتكثرة من الأخبار، كمرسلة الفقيه، وفيها: (إذا أرسلت كلبك على صيد
وشاركه كلب آخر، فلا تأكل منه، إلا أن تدرك ذكاته) (6).
ورواية الحضرمي، عن صيد البزاة، والصقور، والكلب، والفهد:
(لا تأكل صيد شئ من هذه إلا ما ذكيتموه، إلا الكلب المكلب) (7).
وفي رواية زرارة: (فما كان خلاف الكلب، فليس صيده مما يؤكل، إلا أن

(1) الكافي 6: 255 / 3، التهذيب 9: 77 / 329، الوسائل 16: 444 أبواب الأطعمة المحرمة ب 32 ح 1،
وص 359 ب 30 ح 1.
(2) الكافي 6: 255 / 2، الوسائل 16: 360 أبواب الذبائح ب 30 ح 3.
(3) الكافي 6: 254 / 1، الفقيه 3: 209 / 967، التهذيب 9: 78 / 330، الوسائل 16: 359 أبواب
الذبائح ب 30 ح 1.
(4) تقدم ذكره في ص 600.
(5) المائدة 5: 3.
(6) الفقيه 3: 205 / 934.
(7) الكافي 6: 204 / 9، الوسائل 16: 263، أبواب الصيد ب 9 ح 1.
603

تدرك ذكاته) (1).
وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام، في البزاة والصقور: (لا يحل
صيدها أن تدرك ذكاته) (2).
وفي صحيحة الحذاء عن أبي عبد الله عليه السلام، في البازي والصقر، والعقاب،
فقال: (إن أدركت ذكاته فكل، وإن لم تدرك ذكاته فلا تأكل) (3).
وفي موثقة سماعة، عن صيد البزاة، والصقور، والطير الذي يصيد، فقال:
(ليس هذا في القرآن، إلا أن تدركه حيا فتذكيه، وإن قتل فلا تأكل حتى تذكيه) (4).
وفي خبر ليث المرادي، عن الصقور والبزاة، وعن صيدها، قال: (كل
ما لم يقتلن إذا أدركت ذكاته)) (5).
وفي موثقة أخرى لسماعة، في صيد الفهد المعلم: (وإن أدركته حيا فذكه و
كله) (6).
وفي رواية الحضرمي عن أبي عبد الله عليه السلام: (لا يؤكل ما لم يذبح بحديدة)) (7).
إلى غير ذلك (8).

(1) الكافي 6: 205 / 14، الفقيه 3: 201 / 911، التهذيب 9: 24 / 98، الوسائل 16: 256 أبواب
الصيد ب 3 ح 3.
(2) الكافي 6: 207 / 1، التهذيب 9: 32 / 130، الاستبصار 4: 72 / 266، الوسائل 16: 264 أبواب
الصيد ب 9 ح 3.
(3) الكافي 6: 208 / 7، التهذيب 9: 32 / 128، الاستبصار 4: 72 / 264. الوسائل 16: 265، أبواب
الصيد ب 9 ح 11.
(4) التهذيب 9: 31 / 124، الاستبصار 4: 71 / 260، الوسائل 16: 266 أبواب الصيد ب 9 ح 14.
(5) الكافي 6: 208 / 10، التهذيب 9: 33 / 131، الاستبصار 4: 73 / 267، الوسائل 16: 264
أبواب الصيد ب 9 ح 4.
(6) التهذيب 9: 27 / 110، الاستبصار 4: 69 / 251، الوسائل 16: 260 أبواب الصيد ب 6 ح 3.
(7) الكافي 6: 227 / 3، التهذيب 9: 51 / 209، الاستبصار 4: 79 / 292، الوسائل 16: 307 أبواب
الذبائح ب 1 ح 3.
(8) انظر الوسائل 16: 263 أبواب الصيد ب 9، وص 307 أبواب الذبائح ب 1.
604

وفي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام، الواردة في البعير الممتنع
المضروب بالسيف أو الرمح بعد التسمية: (فكل إلا أن تدركه ولم يمت بعد،
فذكه)) (1).
وتدل عليه الأخبار الناهية عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه (2)، أو ما لم يوجه
إلى القبلة (3)، أو لم يذبح من المذبح (4).
والأخبار الآمرة بالتذكية بعد إدراك طرف العين، أو حركة الرجل، أو
الذنب (5)، إذ ظاهر أن الوجوب فيه شرطي، والمشروط الحلية والطهارة.
والاختصاص بالصيود أو بعض الحيوانات لم يضر; للإجماع المركب.
إذا عرفت هاتين الفائدتين، وأن الأصل حرمة كل حيوان خرجت روحه غير
مذكى، ونجاسته إذا كان ذا دم فاعلم أن الأصل عدم التذكية بثلاثة معان:
الأول: أن كل عمل لم يعلم أنه يحصل به التذكية، فالأصل عدم حصولها
به، يعني أن الأصل في كل فعل عدم كونه تذكية، إلا أن يثبت بدليل.
الثاني: أن الأصل في كل حيوان لم يعلم أنه هل وقع عليه التذكية الثابت
كونها تذكية، عدم وقوع التذكية عليه.
الثالث: أن الأصل الأولي في كل حيوان عدم قبوله التذكية، إلا ما ثبت
بدليل شرعي.

(1): الكافي 6: 231 / 1، التهذيب 9: 54 / 223، الوسائل 16: 318 أبواب الذبائح ب 10 ح 5.
(2) الكافي 6: 233 باب ما ذبح لغير القبلة، الفقيه 3: 210 / 971 - 983، التهذيب 9: 59 / 249 - 253،
الوسائل 16: 325 أبواب الذبائح ب 15 ح 1 - 6.
(3) الكافي 6: 232 باب ما ذبح لغير القبلة، التهذيب 9: 53 / 220 وص 59 / 250 - 253، الوسائل
16: 324 أبواب الذبائح ب 14 ح 1 - 5.
(4) الكافي 6: 231 باب الذبيحة تذبح، التهذيب 9: 53 / 217 - 221، الوسائل 16: 311 أبواب
الذبائح ب 4 ح 1 - 4.
(5) الكافي 6: 232 باب إدراك الذكاة، التهذيب 9: 56 / 234، 237، 238، و 58 / 241، الوسائل
16: 319 أبواب الذبح ب 11 ح 1 - 7.
605

أما الأصل بالمعنى الأول، فيدل على ثبوته: أنه أمر توقيفي يحتاج ثبوته إلى
دليل من الشرع، وكل أمر توقيفي فتوقيفه خلاف الأصل في كل مورد حتى
يثبت التوقيف.
أما كونه توقيفيا; فللإجماع القطعي، فإن الناظر في كلمات الفقهاء يراهم
مطبقين على عدم الحكم بكون عمل تذكية إلا بعد ورود دليل شرعي عليه.
ويدل عليه أيضا قوله عليه السلام في موثقة سماعة المتقدمة: (ليس هذا في
القرآن) (1)، حيث استدل على عدم حصول التذكية بصيد طيور الصيد بعدم كونه
في القرآن.
ويدل عليه تتبع الأخبار المشتملة على توقيفات التذكية، وبيانها، و
شرائطها، وأسئلة الأصحاب وأجوبة الأطياب.
ولكن يحصل من قوله سبحانه: * (ما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه) * (2)،
وقوله: * (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه) * (3)، أصل ثانوي، هو: حلية كل ما ذكر
اسم الله عليه، فيكون ذلك تذكية.
نعم يضم معه ما علم اشتراطه من صيد أو ذبح أو نحوهما.
وبالجملة: يكون ذلك أصلا مع بعض الأمور المتيقن انضمامه معه، ويعمل
في البواقي بمقتضى أصالة عدم مدخليته في التذكية، وعدم جعل الشارع إياه من
المؤثرات في التذكية.
وأما الأصل بالمعنى الثاني، أي أصالة عدم وقوع التذكية التي ثبت كونها
تذكية على المورد - وهذا هو المعنى المشهور من أصالة عدم التذكية - فالدليل عليه
ظاهر، فإنها موقوفة على أمور وجودية حادثة بعد عدمها، والأصل عدم تحقق كل

(1) تقدمت في ص 604.
(2) الأنعام 6: 119.
(3) الأنعام 6: 118.
606

منها، وبه يعلم الحرمة والنجاسة. فلا تجري في المورد عمومات الحلية
والطهارة، ولا يجدي تعارض ذلك مع أصالة الحلية والطهارة الذي هو منشأ توهم
جماعة وعدم تمسكهم بأصالة عدم التذكية; لأن الأصل الأول وهو عدم التذكية
الثابت بالأصل، والاستصحاب الذي هو مستند شرعي، مزيل لاستصحاب
الحلية والطهارة وأصالتهما، ولا عكس.
فإن الحلية - مثلا - غير مزيلة للأعدام الثابتة لكل فعل من أفعال التذكية، كما
يعلم تحقيقه مما ذكرناه في بيان حال تعارض الاستصحابين، وبيان الاستصحاب
المزيل وغير المزيل في هذا الكتاب، وغيره (1).
ويدل على ذلك الأصل أيضا: الأخبار المعتبرة المستفيضة، بل المتواترة
معنى، كصحيحة سليمان بن خالد، عن الرمية يجدها صاحبها أيأكلها؟ قال: (إن
كان يعلم أن رميته هي التي قتلته، فليأكل من ذلك إن كان قد سمى) (2).
وموثقة سماعة، وفيها: (إن علم أنه أصابه وأن سهمه هو الذي قتله،
فليأكل منه، وإلا فلا يأكل منه) (3).
وفي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن قوم أرسلوا
كلابهم، إلى أن قال: (لا تأكل منه; لأنك لا تدري أخذه معلم أم لا) (4).
وفي صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (قال
أمير المؤمنين عليه السلام في صيد وجد فيه سهم وهو ميت لا يدرى من قتله، قال:
لا تطعمه) (5).
وفي رواية زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إذا رميت فوجدته وليس به

(1) عائدة 21: في بيان احتياج بعض الأحكام إلى بقاء المقتضي، ومناهج الأحكام: 236.
(2) الكافي 6: 210 / 7، الوسائل 16: 277 أبواب الصيد ب 18 ح 1.
(3) الكافي 6: 210 / 4، التهذيب 9: 34 / 136، الوسائل 16: 277 أبواب الصيد ب 18 ح 3.
(4) الكافي 6: 206 / 19، التهذيب 9: 26 / 105، الوسائل 16: 258 أبواب الصيد ب 5 ح 2.
(5) الكافي 6: 211 / 8، الفقيه 3: 204 / 929، التهذيب 9: 35 / 141، الوسائل 16: 279 أبواب
الصيد ب 19 ح 1.
607

أثر غير السهم، وقد ترى أنه لم يقتله غير سهمك فكل (1). إلى غير ذلك من
الأخبار المتكثرة.
ويدل عليه الأخبار الناهية عن أكل صيد وقع في الماء أو من الجبل فمات (2).
ولا ينافي ذلك الأصل رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام: (إن أمير المؤمنين
عليه السلام سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة، كثير لحمها وخبزها وبيضها و
جبنها، وفيها سكين، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يقوم ما فيها ويؤكل; لأنه يفسد و
ليس له بقاء، فإن جاء طالبها غرم له الثمن، قيل: يا أمير المؤمنين عليه السلام لا يدري سفرة
مسلم أو سفرة مجوسي، فقال: هم في سعة حتى يعلموا) (3); لأن السفرة
المذكورة في حكم اليد، ويد المسلم أو يد مجهول الحال في أرض المسلمين أو
أرض غالب أهلها المسلمون كمشاهدة التذكية، كما ثبت في موضعه.
وأما الأصل بالمعنى الثالث، أي أن الأصل في كل حيوان عدم قبوله
التذكية، وعدم تأثير التذكية فيه إلا ما علم تأثيرها فيه وقبوله لها، فلتحقيق الحال
فيه نقول:
إن الحيوانات على قسمين: مأكول اللحم، وغيره.
وغير مأكول اللحم على قسمين: نجس العين، وغيره.
وغير نجس العين على قسمين: آدمي، وغيره.
وغير الآدمي على قسمين: ما لا نفس سائلة له، وما له نفس.
والأخير باعتبار الخلاف في قبول التذكية وعدمه على أربعة أقسام: السباع،
والمسوخات، والحشرات، وغيرها.
ثم المراد بالتذكية فمأكول اللحم الذي لا نفس له: ما يصير به جائز الأكل
بعد عدم جوازه.

(1) الكافي 6: 211 / 10، التهذيب 9: 34 / 139، الوسائل 16: 278 أبواب الصيد ب 18 ح 5.
(2) التهذيب 9: 37 / 157 - 159، الوسائل 16: 279 أبواب الصيد ب 20 ح 1.
(3) الكافي 6: 297 / 2، التهذيب 9: 99 / 432، الوسائل 16: 373 أبواب الذبائح ب 38 ح 2.
608

وفي المأكول الذي له نفس: ما يصير به جائز الأكل، ويبقى على طهارته
الحاصلة له في الحياة.
وفي غير المأكول الذي له نفس: ما يبقى معه على طهارته.
وفيما لا نفس له منه، لا يظهر لها أثر فيه; لأنه طاهر ذكي أم لم يذك.
ثم الأصل في القسم الأول - وهو مأكول اللحم - وإن كان ابتداءا العدم،
لحرمة أكل أجزائه حيا فيستصحب، ولما يأتي من توقف قبول التذكية على اعتبار
الشارع وملاحظته، إلا أن الأصل الثابت من الشرع وقوع التذكية عليه; لأنه
مقتضى كونه مأكول اللحم، وللإجماع، ولقوله سبحانه: * (إلا ما ذكيتم) * (1)،
وقوله: * (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه) * (2)، ولإطلاقات الأخبار الواردة في الصيود
والذبائح، وهي غير محصورة جدا.
والقسم الأول من القسم الثاني - وهو نجس العين - لا يقبل الذكاة إجماعا،
فهو الأصل فيه أولا وثانيا، ويدل عليه - مع الأصل الأولي - الإجماع،
واستصحاب النجاسة.
وكذا القسم الأول من القسم الثالث - أي الآدمي - فإن عدم وقوع التذكية
عليه إجماعي بل ضروري.
وأما القسم الأول من الرابع - وهو ما لا نفس له من غير المأكول - فقد عرفت
أنه لا معنى ولا أثر للتذكية فيه.
فيبقى الكلام في الأربعة الأخيرة من جهة الأصل، فنقول: قد يتراءى في
بادي النظر أن الأصل في الجميع قبول التذكية، إذ عرفت أن التذكية إنما هي ما
تبقى معه الطهارة، ومقتضى الأصل والاستصحاب كونها باقية إلا فيما علم فيه
ارتفاعها، وليس هو إلا ما لم يقع عليه التذكية، أي الصيد أو الذبح مع شرائطهما

(1) المائدة 5: 3.
(2) الأنعام 6: 118.
609

المقررة، فكل حيوان مما ذكر - صيد أو ذبح - كذلك يكون بمقتضى الاستصحاب
المذكور طاهرا فيكون مذكى، وهو المراد بقبول التذكية.
والحاصل: أنا لا نقول: إن الطهارة هنا أمر حصوله يتوقف على تذكية
جعلية من الشارع، بل يقال: إن الطهارة الحاصلة أمر محكوم ببقائها إلا إذا علم
المزيل، ولم يعلم إلا مع الموت حتف أنفه، أو الموت بدون الصيد أو الذبح
المقرونين بآدابهما وشروطهما المعهودة، ومع أحد الأمرين لا يعلم ارتفاع
الطهارة، فيحكم ببقائها من غير حاجة إلى جعل من الشارع وتأثير من ذلك
الجعل.
والحاصل: أن مع تلك الأفعال المقطوع حصولها ليس دليل على ارتفاع
الطهارة.
ولكن الإنصاف: أنه لا يخلو عن جدل واعتساف; لأن الظاهر أنه انعقد
الإجماع القطعي على أن التذكية المبقية للطهارة، المانعة عن حصول النجاسة،
المخرجة للمذكى عن مصداق الميتة، هي التي اعتبرها الشارع ورتب عليها تلك
الآثار، وأن إبقائها ومنعها موقوف على اعتبار الشارع إياها آثارا، أو أجزاءا،
وشرائطا، وموردا، ومحلا، خصوصا أو عموما أو إطلاقا، وما لم يتحقق فيه
اعتباره وملاحظته، فوجوده كعدمه، ومع عدمه يكون المورد ميتة، ومعها يكون
نجسا.
ويظهر من ذلك: أن الأصل بذلك المعنى في جميع الموارد عدم قبول التذكية
إلا بدليل شرعي عام أو خاص، كما في مأكول اللحم والسباع.
610

عائدة (60)
في بيان رموز الكتب
التي في البحار
قد ذكر صاحب كتاب بحار الأنوار - نور الله مضجعه - رموزا للكتب
والأصول التي نقل منها الأحاديث، وكثيرا ما يحتاج ناقل الحديث إلى
معرفتها، وقد ذكرها هو نفسه في بعض مجلداته (1)، فنقلناها هاهنا
تسهيلا.
فنقول: الرموز هكذا: (كا) للكافي، (يب) للتهذيب، (صا) للاستبصار، (ية) لمن لا يحضره
الفقيه، (ن) لعيون أخبار الرضا عليه السلام، (ع) لعلل الشرائع، (ك) لكمال الدين،
(يد) لتوحيد الصدوق، (ل) للخصال، (لي) لأمالي الصدوق، (ثو)
لثواب الأعمال، (مع) لمعاني الأخبار، (هد) للهداية، (عد) لعقائد
الصدوق (2)، (ب) لقرب الإسناد، (ير) لبصائر الدرجات، (ما) لأمالي
الشيخ، (غط) لغيبة الشيخ الطوسي، (مصبا) للمصباحين، (شا) لإرشاد

(1) بحار الأنوار 1: 46.
(2) في البحار زيادة: وأما سائر كتب الصدوق وكتابا والده فلم نحتج فيها إلى الرمز لقلة أخبارها.
611

الديلمي، (جا) لمجالس المفيد، (ختص) لكتاب الاختصاص (1)، ((مل)
لكامل الزيارة، (سن) للمحاسن، (فس) لتفسير علي بن إبراهيم، (شي)
لتفسير العياشي، (م) لتفسير الإمام، (ضه) لروضة الواعظين، (عم) لإعلام
الورى، (مكا) لمكارم الأخلاق، (ج) للاحتجاج، (قب) لمناقب ابن شهرآشوب
، (كشف) لكشف الغمة، (ف) لتحف العقول، (مد) للعمدة، (نص)
لكفاية النصوص، (نبه) لتنبيه الخاطر، (نهج) لنهج البلاغة، (طب) لطب
الأئمة، (صح) لصحيفة الرضا، (يج) للخرائج، (ص) لقصص الأنبياء،
(ضو) لضوء الشهاب، (طا) لأمان الأخطار، (شف) لكشف اليقين، (يف)
للطرائف، (قيه) للدروع الواقية، (فتح) لفتح الأبواب، (نجم) لكتاب
النجوم، (جم) لجمال الأسبوع، (قل) لإقبال الأعمال، (تم) لفلاح السائل;
لكونه من متممات المصباح، (مهج) لمهج الدعوات، (صبا) لمصباح
الزائر، (حة) لفرحة الغري، (كنز) لكنز جامع الفوائد، وتأويل الآيات
الظاهرة (2)، (غو) لغوالي اللآلي (3)، (جع) لجامع الأخبار، (ني) لغيبة
النعماني، (فض) لكتاب الروضة; لكونه في الفضائل، (مص) لمصباح
الشريعة، (قبس) لقبس المصباح، (ط) للصراط المستقيم، (خص) لمنتخب
البصائر، (سر) للسرائر، (ق) للكتاب العتيق الغروي، (كش) لرجال
الكشي، (جش) لفهرست النجاشي، (بشا) لبشارة المصطفى، (ين) لكتابي
حسين بن سعيد، أو لكتابه والنوادر، (عين) للعيون والمحاسن، (غر) للغرر
والدرر، (كف) لمصباح الكفعمي، (لد) للبلد الأمين، (قضا) لقضاء
الحقوق، (محص) للتمحيص، (عدة) للعدة، (جنة) للجنة، (منها)

(1) في البحار: وسائر كتب المفيد والشيخ لم نعين لها رمزا، وكذا أمالي ولد الشيخ شركناه مع أمالي
والده في الرمز; لأن جميع أخباره إنما يرويها عن والده رضي الله عنهما.
(2) في البحار زيادة: معا لكون أحدهما مأخوذا من الآخر كما عرفت.
(3) في البحار زيادة: والنثر لا يحتاج إلى الرمز.
612

للمنهاج، (د) للعدد، (يل)) للفضائل، (فر) لتفسير فرات بن إبراهيم، (عا)
لدعائم الإسلام (1).

(1) وأضاف في البحار: وسائر الكتب لا رمز لها، وإنما نذكر أسماءها بتمامها، ومنها ما أوردناه بتمامه
في المحال المناسبة له كطب الرضا عليه السلام وتوحيد المفضل، الإهليلجة، وكتاب المسائل لعلي بن جعفر،
وفهرست منتجب الدين....
613

عائدة (61)
في تحقيق معنى الإسراف
وبيان تحريمه وموارده
قد تكرر ذكر الإسراف في الكتاب العزيز والأخبار وكلمات العلماء
الأخيار، حاكمين بحرمته وكونه من الأمور المحرمة، ولم أعثر في كلماتهم
على من بين موارده تفصيلا بحيث تمتاز موارده كلية عن غيره، وذكروه مجملا.
مع أن بيانه من الأمور المهمة اللازمة، فأردت بيانه في هذه العائدة.
والكلام فيه إما في حرمته، أو في حقيقته ومعناه.
فهاهنا بحثان:
البحث الأول: في تحريمه.
وهو مما لا كلام فيه، ويدل عليه الإجماع القطعي، بل الضرورة الدينية،
والآيات الكثيرة، والأخبار المتعددة.
قال الله سبحانه - عز جاره - في سورة الأعراف: * (كلوا واشربوا ولا تسرفوا
إنه لا يحب المسرفين) * (1).

(1) الأعراف 7: 31.
615

وقال في سورة الأنعام: * (وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب
المسرفين) * (1).
وقال في سورة النساء: * (ولا تأكلوها إسرافا وبذارا) * (2).
وقال في سورة الفرقان: * (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين
ذلك قواما) * (3).
وقال في سورة بني إسرائيل: * (ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان
الشياطين) * (4).
وقال في سورة الشعراء: * (ولا تطيعوا أمر المسرفين) * (5).
وفي سورة يونس في وصف فرعون: * (وإنه لمن المسرفين) * (6)، وفيها أيضا:
* (كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون) * (7).
وقال الله سبحانه: * (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط
فتقعد ملوما محسورا) * (8).
وقال الله سبحانه في سورة المؤمن: * (وأن المسرفين هم أصحاب
النار) * (9).
وأما الأخبار، فمنها:
رواية داود الرقي عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إن القصد أمر يحبه الله، وإن

(1) الأنعام 6: 141.
(2) النساء 4: 6.
(3) الفرقان 25: 67.
(4) الإسراء 17: 26، 27.
(5) الشعراء 26: 151.
(6) يونس 10: 83.
(7) يونس 10: 12.
(8) الإسراء 17: 29.
(9) غافر 40: 43.
616

السرف أمر يبغضه الله، حتى طرحك النواة، فإنها تصلح لشئ، وحتى صبك
فضل شرابك) (1).
ومرفوعة علي بن محمد، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: (القصد مثراة،
والسرف متواة) (2).
والمثراة، والمتواة - بكسر الميم - اسما آلة من الثروة، والتوى بالمثناة الفوقانية،
بمعنى الهلاك والتلف (3).
ورواية مسعدة بن صدقة، المتضمنة لدخول الصوفية على أبي عبد الله عليه السلام، و
هي طويلة جدا سيأتي شطر منها في بحث بيان الإسراف، وفيها: (وفي غير آية
من كتاب الله يقول: * (إنه لا يحب المسرفين) *، فنهاهم عن الإسراف، ونهاهم
عن التقتير).
إلى أن قال - في حق رجل رزقه الله عز وجل مالا كثيرا فأنفقه ثم يدعو -:
(فيقول الله عز وجل: ألم أرزقك رزقا واسعا؟، فهلا اقتصدت فيه كما أمرتك، و
لم تسرف وقد نهيتك عن الإسراف؟) (4).
ورواية عامر بن جذاعة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال لرجل: (اتق الله ولا تسرف
ولا تقتر، ولكن بين ذلك قواما، إن التبذير من الإسراف، قال الله تعالى:
* (ولا تبذر تبذيرا) * (5) (6).
وفي رواية ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
ما من نفقة أحب إلى الله عز وجل من نفقة قصد، ويبغض الإسراف، إلا في

(1) الكافي 4: 52 / 2، الخصال 1: 10 / 36، الوسائل 15: 257 أبواب النفقات ب 25 ح 2.
(2) الكافي 4: 52 / 4، الوسائل 15: 258 أبواب النفقات ب 25 ح 4.
(3) انظر النهاية لابن الأثير 1: 201، والمصباح المنير 1: 79.
(4) الكافي 5: 67 / 1، الوسائل 12: 14 أبواب مقدمات التجارة ب 5 ح 6.
(5) الإسراء 17: 29.
(6) الكافي 3: 501 / 14.
617

الحج والعمرة) (1).
وفي رسالة مولانا الرضا عليه السلام إلى المأمون، المروية في عيون أخبار الرضا، في
بيان الكبائر: (هي قتل النفس التي حرم الله تعالى، والزنا، والسرقة) إلى أن قال:
(والإسراف، والتبذير) (2).
وروى في تفسير الصافي أنه عليه السلام دعا برطب، فأقبل بعضهم يرمي بالنوى،
فقال عليه السلام: (لا تفعل إن هذا من التبذير، وإن الله لا يحب الفساد) (3).
وفي رواية عبيد، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (إن السرف يورث الفقر، وإن
القصد يورث الغنى) (4).
وفي رواية عبد الله بن سنان، قال: سألت أبا الحسن الأول عليه السلام عن النفقة
على العيال؟ فقال: (ما بين المكروهين الإسراف والتقتير) (5).
وفي رواية الثمالي عن علي بن الحسين عليه السلام، قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
ثلاث منجيات، فذكر الثالث: القصد في الغنى والفقر) (6).
وفي رواية ابن أبي يعفور، ويوسف بن عمارة، قالا: قال أبو عبد الله عليه السلام:
(إن مع الإسراف قلة البركة) (7).
وفي رواية عمار أبي عاصم، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (أربعة لا يستجاب

(1): الفقيه 2: 183 / 822، و 3: 102 / 408، المحاسن: 359 / 77، الوسائل 8: 106 أبواب وجوب
الحج ب 55 ح 1 و 305 أبواب آداب السفر إلى الحج ب 35 ح 1.
(2): عيون أخبار الرضا 2: 127 / 1، الوسائل 11: 261 أبواب جهاد النفس ب 46 ح 33.
(3): تفسير الصافي 3: 188، تفسير العياشي 2: 288 / 58، المستدرك 15: 268 أبواب النفقات
ب 23 ح 1.
(4): الكافي 4: 53 / 8 الوسائل 15: 258 أبواب النفقات ب 25 ح 8.
(5): الكافي 4: 55 / 2، الوسائل 15: 261 أبواب النفقات ب 27 ح 1، وفيهما عن عبد الله بن أبان،
والإقتار بدل التقتير.
(6): الكافي 4: 53 / 5، الوسائل 15: 258 أبواب النفقات ب 25 ح 5.
(7): الكافي 4: 55 / 3، الوسائل 15: 261، أبواب النفقات ب 27 ح 2.
618

لهم، أحدهم من كان له مال فأفسده فيقول: يا رب ارزقني، فيقول الله عز وجل:
ألم آمرك بالاقتصاد) (1).
وفي أخبار العامة عن عبد الله بن عمر: مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسعد، وهو يتوضأ،
فقال: (لا تسرف، ما هذا السرف يا سعد) قال: أفي الوضوء سرف؟! قال: (نعم
وإن كنت على نهر جار) (2).
ومثله مروي عن أمير المؤمنين أيضا (3).
وفي رواية حريز، المروية في الكافي، عن أبي عبد الله عليه السلام: (إن لله ملكا
يكتب سرف الوضوء، كما يكتب عدوانه) (4). إلى غير ذلك من الأخبار.
وبعض هذه الأخبار وإن لم يفد أزيد من المذمة، أو المرجوحية، أو
حسن تركه، إلا أن النهي الصريح الوارد في الآيات العديدة وفي بعض الأخبار،
والتصريح ببغضه سبحانه له في بعض آخر، وبكونه آلة الهلاك في ثالث، و
عده من الكبائر في رابع، كما عده بعض علمائنا أيضا، (يدل على الحرمة) (5).
قال ابن خاتون العاملي في شرحه الفارسي على أربعين شيخنا البهائي بعد
عد الكبائر ما ترجمته: وزاد بعضهم أربعة عشر ذنبا وعدها من الكبائر، إلى أن
قال: العاشر: الإسراف في مال نفسه، أي صرفه زائدا على القدر الذي ينبغي (6).
انتهى.
والظاهر أن الإجماع على حرمته بعد الآيات المذكورة كفانا مؤنة الاشتغال
ببيان ذلك.

(1): الكافي 4: 56 / 11، الوسائل 15: 261 أبواب النفقات ب 27 ح 4.
(2): سنن ابن ماجة 1: 147 / 425، مسند أحمد 2: 221.
(3): لعل المراد الخبر المروي في الاحتجاج 1: 250، عن أمير المؤمنين عليه السلام بعد قتال أهل البصرة.
(4): الكافي 3: 22 / 9، الوسائل 1: 340 أبواب الوضوء ب 52 ح 2.
(5): أضفناه خبرا ل‍ (إلا).
(6): الأربعين للشيخ البهائي بترجمة ابن خاتون: 486.
619

البحث الثاني: في بيان ما هو إسراف، وتعيين موارده ومصاديقه.
قال الجوهري في الصحاح: السرف ضد القصد، والسرف الإغفال
والخطل، وقد سرفت الشئ - بالكسر - إذا أغفلته وجهلته. إلى أن قال:
والإسراف في النفقة: التبذير (1).
وقال الفيروز آبادي في القاموس: السرف - محركة - ضد القصد، والإغفال
والخطأ إلى أن قال: والإسراف: التبذير، وما أنفق في غير طاعة (2).
وقال ابن الأثير في نهايته: وفي حديث عائشة: (إن للحم سرفا
كسرف الخمر) (3) أي ضراوة كضراوتها، وشدة كشدتها; لأن من اعتاده ضري
بأكله فأسرف فيه، (مثل) (4) مدمن الخمر في ضراوته بها وقلة صبره
عنها.
وقيل: أراد بالسرف الغفلة، يقال: رجل سرف الفؤاد، أي غافل، وسرف
العقل: أي قليله.
و [قيل:] (5) هو من الإسراف والتبذير في النفقة لغير حاجة، أو في غير
طاعة الله، شبهت ما يخرج في الإكثار من اللحم بما يخرج في الخمر.
وقد تكرر ذكر الإسراف في الحديث، والغالب على ذكره الإكثار من
الذنوب والخطايا، واحتقاب الأوزار والآثام (6).

(1) الصحاح 4: 1373. ولكن فيه بدل (الخطل) الخطأ، وكلاهما بمعنى واحد.
(2) القاموس المحيط 3: 156.
(3) لم نعثر على نصه في كتب الصحاح والمسانيد، ولكن ورد في الموطأ ج 2 ص 935: إن
عمر بن الخطاب قال: إياكم واللحم فإن له ضراوة كضراوة الخمر; وروي عن أبي عبد الله عليه السلام: (كان
علي عليه السلام يكره إدمان اللحم، ويقول: إن له ضراوة كضراوة الخمر)، البحار 63: 69 ح 57.
(4) في المصدر و (ب): فعل، وفي (ح، ب): قيل، والأنسب ما أثبتناه.
(5) الزيادة من المصدر.
(6) النهاية لابن الأثير 2: 361.
620

وقال الطريحي في مجمع البحرين: قوله تعالى * (ولا تسرفوا) * الإسراف:
أكل ما لا يحل. وقيل: مجاوزة القصد في الأكل مما أحل الله. وقيل: ما أنفق في
غير طاعة الله تعالى.
وفي حديث الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام: (للمسرف ثلاث
علامات: يأكل ما ليس له، ويشتري ما ليس له، ويلبس ما ليس له) (1)، كأن
المعنى: يأكل ما لا يليق بحاله أكله، ويشتري ما لا يليق بحاله شراؤه، ويلبس ما
لا يليق بحاله لبسه (2).
وقال ابن مسكويه في كتاب أدب الدنيا والدين: السرف: هو الجهل بمقادير
الحقوق. والتبذير: هو الجهل بمواقع الحقوق (3).
وأما المفسرون:
فقال الشيخ الجليل علي بن إبراهيم القمي في تفسير قوله سبحانه: * (والذين
إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا) * (4) إلى آخرها: والإسراف: الإنفاق في المعصية
من غير حق، * (ولم يقتروا) * لم يبخلوا عن حق الله. والقوام: العدل والإنفاق
في ما أمر الله) (5).
وقال الشيخ أبو علي الطبرسي في مجمع البيان في تفسير قوله سبحانه:
* (كلوا واشربوا ولا تسرفوا) * (6): أي لا تجاوزوا الحلال إلى الحرام.

(1) الفقيه 3: 102 / 411، الخصال 1: 97 / 45، ولكن بتأخير جملة (ويشتري ما ليس له)، الوسائل
12: 41 أبواب مقدمات التجارة ب 22 ح 4.
(2) مجمع البحرين 5: 69.
(3) لم نجد كتابا بهذا الاسم لابن مسكويه وإن نقل عنه المصنف في العوائد والخزائن، والظاهر أنه سهو،
والعبارة بعينها موجودة في كتاب أدب الدنيا والدين ص 118 لأبي الحسن علي بن محمد
ابن حبيب البصري الماوردي، فراجع.
(4) الفرقان 25: 67.
(5) تفسير القمي 2: 117.
(6) الأعراف 7: 31.
621

قال مجاهد: لو أنفقت مثل أحد في طاعة الله لم تك مسرفا، ولو أنفقت
درهما أو مدا في معصية الله لكان إسرافا. وقيل: معناه لا تخرجوا عن حد
الاستواء في زيادة المقدار
. إلى أن قال: وقيل: معناه لا تأكلوا محرما ولا باطلا على وجه لا يحل، وأكل
الحرام وإن قل إسراف ومجاوزة للحد، وما استقبحه العقلاء وعاد بالضرر
عليكم فهو أيضا إسراف لا يحل كمن يطبخ القدر بماء الورد ويطرح فيه المسك،
وكمن لا يملك إلا دينارا، فاشترى به طيبا فتطيب به وترك عياله محتاجين. * (إنه
لا يحب المسرفين) * أي يبغضهم; لأنه سبحانه قد ذمهم به; ولو كان بمعنى
لا يحبهم ولا يبغضهم، لم يكن ذما لهم ولا مدحا (1).
وقال في جوامع الجامع في تفسير قوله تعالى: * (إنكم لتأتون الرجال) * إلى
قوله: * (بل أنتم قوم مسرفون) * (2): متجاوزون الحد في الفساد، حتى تجاوزتم
المعتاد إلى غير المعتاد (3).
وقال الزمخشري في الكشاف في تفسير قوله عز شأنه: * (إذا أنفقوا
لم يسرفوا ولم يقتروا) * (4) الآية: القتر والإقتار والتقتير: التضييق الذي هو نقيض
الإسراف. والإسراف: مجاوزة الحد في النفقة
ووصفهم بالقصد الذي هو بين الغلو والتقصير، وبمثله امر رسول الله صلى الله عليه وآله
* (ولا تجعل يدك...) * (5) الآية.
وقيل: الإسراف إنما هو الإنفاق في المعاصي، وأما في القرب
فلا إسراف، وسمع رجل رجلا يقول: لا خير في الاسراف، فقال: لا إسراف في

(1) مجمع البيان 4: 413.
(2) الأعراف 7: 81.
(3) جوامع الجامع 1: 450.
(4) الفرقان 25: 67.
(5) الإسراء 17: 29.
622

الخير. إلى أن قال: عن عمر أنه قال: كفى سرفا أن لا يشتهي رجل شيئا فاشتراه
فأكله (1).
وقال المقدس الأردبيلي - رحمة الله - في آيات الأحكام في تفسير
قوله تعالى: * (ولا تبذر تبذيرا) * (2): التبذير: تفريق المال فيما لا ينبغي، وإنفاقه على
وجه الإسراف، وكانت الجاهلية تنحر إبلها وتتياسر عليها، وتبذر أموالها في
الفخر والسمعة، وتذكر ذلك [في أشعارها] (3)، فأمر الله بالنفقة في وجوهها مما
يقرب منه ويزلف.
وعن عبد الله: هو إنفاق المال في غير حقه، وعن مجاهد: لو أنفق مدا في
باطل كان تبذيرا (4).
وقال أيضا في قوله تعالى: * (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا) * (5)
قيل: الإسراف هو النفقة في المعاصي، والإقتار الإمساك عن حق الله، عن
ابن عباس وقتادة. وقيل السرف مجاوزة الحد في النفقة، والإقتار التقصير عما
لا بد منه، عن إبراهيم النخعي (6).
قال أيضا بعد تفسير السفيه وذكر الاختلاف في معناه: فلو صرف ماله فيما
لا ينبغي عقلا أو شرعا وإن كان له فائدة دينية أو دنيوية، فإنه مضيع لذلك المال
شرعا، ومبذر وسفيه (7). إلى غير ذلك.
والمستفاد من كلمات هؤلاء اللغويين والمفسرين: أن الإسراف يستعمل في
معان كثيرة: كالإغفال، والجهل، والخطأ، والخطل، والتبذير، وضد القصد، و

(1) الكشاف 3: 100.
(2) الإسراء 17: 26.
(3) الزيادة من المصدر.
(4) زبدة البيان: 488 نقلا عن الكشاف 2: 446.
(5) الفرقان 25: 68.
(6) زبدة البيان 409.
(7) زبدة البيان: 488، وفيه: بدنية، بدل دينية.
623

مجاوزة الحد، وعن حد الاستواء، والإنفاق لغير حاجة، وفي غير حقه، وفي
غير طاعة الله، وفي المعصية، والإكثار من الذنوب، وما استقبحه العقلاء،
والجهل الخاص الذي هو الجهل بمقادير الحقوق، وهذه خمسة عشر معنى.
والظاهر: اتحاد الإغفال والجهل; وكون الجهل بمقادير الحقوق أيضا فردا من
مطلق الجهل لا معنى برأسه; واتحاد الخطأ والخطل، فيعود إلى اثني عشر.
وكذا الظاهر: أن ضد القصد هو مجاوزة الحد، والمراد بالحد أيضا هو حد
الاستواء; وأن الإنفاق في غير الحاجة هو الإنفاق في غير حقه، والإنفاق لغير
حاجة أيضا فرد من مجاوزة الحد، فإذا كان في المال يقال: الإنفاق بغير حاجة، و
إذا كان في الأفعال يقال: مجاوزة الحد. وأن الإكثار من الذنوب أيضا فرد من
هذا التجاوز لا معنى آخر. وأن التبذير الذي هو تفريق المال فيما لا ينبغي أيضا فرد
من الإنفاق في غير حاجة. وأن المراد من (في غير طاعة الله) هو في المعصية، و
إلا فالإنفاق بالمباح ليس إسرافا.
فيعود مجموع المعاني إلى خمسة:
الجهل، وإن شئت قلت: الإغفال، والخطأ، ومجاوزة الحد، وإن شئت قلت: ضد القصد، والإنفاق في معصية الله، وما استقبحه العقلاء.
ولما لم يكون إرادة المعنيين الأولين - أي الجهل والخطأ - من الإسراف في
المال - الذي كلامنا فيه وغرضنا بيانه - إلا بنوع إرجاع إلى أحد الثلاثة الأخيرة،
فالمعنى الذي يمكن إرادته من الإسراف في المال هو أحد هذه الثلاثة.
بل لما كان كل مجاوزة من الحد في المال مستقبحا للعقلاء، وكل مستقبح
فيه مجاوزة عن الحد، تعود المعاني الممكنة إرادتها من هذه المعاني إلى أحد
المعنيين: الإنفاق في المعصية، ومجاوزة الحد.
وإن شئت عبرت عن الأخير بالإنفاق المستقبح عند العقلاء، أو الإنفاق في
غير حاجة، أو فيما لا ينبغي، أوفي غير حقه، أو خلاف الاقتصاد; فإن مآل الكل
ومرجعه واحد.
624

فعلى هذا يكون المراد من الإسراف في المال والإنفاق أحد المعنيين: إما
الإنفاق في المعصية، أو التجاوز عن الحد في الإنفاق.
الحد في الإنفاق.
ويمكن أن يكون المعنى الأول أيضا فردا من الثاني، فإن الإنفاق في المعصية
أيضا تجاوز عن الحد.
وقد ظهر من ذلك: أن مقتضى كلام اللغويين والمفسرين أن الإسراف في
المال والإنفاق إما مجاوزة الحد مطلقا، أو المجاوزة الخاصة، أي الإنفاق في
المعصية.
وظهر أيضا: أنه لا شك في كون الثاني إسرافا، إما (1) لخصوصيته، أو لكونه
فردا منه.
وادعى العلامة في التذكرة: الإجماع على كونه من الإسراف (2)، وظاهره
إجماع الأمة.
وإنما الكلام في أنه هل هو مخصوص به - كما يظهر من بعض العبارات
المتقدمة - أو عام في كل إنفاق تجاوز عن الحد ولا يليق بالحال؟
ويظهر من بعضهم: أنه مجاوزة الحد في غير وجوه الخير، وهذا أعم من
الأول وأخص من الثاني.
ومنه يظهر أن الاحتمالات في معنى الإسراف ثلاثة:
الأول: صرف المال متجاوزا عن الحد مطلقا، وهو ظاهر كل من يقول بوجود
الإسراف في وجوه الخير أيضا، منهم العلامة في التذكرة، حيث صرح بكون
صرف المال في وجوه الخير زائدا على اللائق بحاله إسرافا (3).
ونفى عنه البعد في الكفاية (4)، وهو الظاهر من صاحب الوافي، حيث قال

(1) في (ج، ه‍) زيادة: مخصوصا.
(2) تذكرة الفقهاء 2: 75.
(3) تذكرة الفقهاء 2: 76.
(4) كفاية الأحكام: 113.
625

بعد نقل مرسلة الفقيه (قال علي بن الحسين عليه السلام: إن الرجل لينفق ماله في حق، و
إنه لمسرف) (1): بيان: يعني أنه يزيد في الإنفاق في الحق على قدر الضرورة (2).
وكذا هو الظاهر من ابن أخيه (3) في شرح المفاتيح، حيث نفى الفرق بين
الإسراف والتبذير، والتبذير هو صرف المال فيما لا ينبغي (4).
ومن مؤلف كتاب نزهة القلوب، حيث قال - على ما حكى عنه ابن خاتون
العاملي في شرحه على الأربعين ما ترجمته -: إن الأكل في كل يوم مرتين
إسراف (5). وهو قول إبراهيم النخعي (6).
والثاني: أنه صرف المال زائدا عن اللائق بحاله في غير وجوه الخير. ذكره
بعضهم، ونسبه في المسالك إلى المشهور (7)، وهو قول مجاهد (8).
والثالث: أنه صرف المال في المعاصي خاصة. وهو المحكي عن ابن عباس و
قتادة (9). وهذا أخص من المعنيين الأولين، والثاني من الأول.
ولا ريب في سقوط الأخير عن درجة الاعتبار; لمخالفته للعرف، والكتاب،
والمستفيضة من الاخبار.

(1) الفقيه 3: 102 / 410، الوسائل 12: 41 أبواب مقدمات التجارة ب 22 ح 3.
(2) الوافي 3: 16 أبواب طلب الرزق ب 11.
(3) هو المولى محمد هادي ابن المولى مرتضى ابن مولى محمد مؤمن، الذي هو - أي محمد مؤمن - أخ
المولى محمد محسن الفيض صاحب مفاتيح الشرائع، والتعبير عن ابن ابن الرجل بابنه مجاز شائع
... وقد ألف الشارح هذا الشرح في حياة مصنفه الفيض، الذي هو عم أبيه المولى مرتضى. الذريعة
14: 79.
(4) شرح المفاتيح (مخطوط): كتاب النذر والعهود، الباب الثاني في أصناف المعاصي والمكروهات.
(5) أربعين الشيخ البهائي بترجمة ابن خاتون: 486.
(6) لم نعثر على نص له، ولعله استظهار من قوله: هو الذي لا يجيع ولا يعري، ولا ينفق نفقة، يقول
الناس: قد أسرف. راجع أحكام القرآن للقرطبي 13: 73.
(7) مسالك الأفهام 1: 248.
(8) حكاه عنه ابن كثير في تفسيره 3: 36.
(9) الجامع لأحكام القرآن 13: 73، التبيان 7: 507، تفسير ابن كثير 3: 39. مجمع البيان 7: 179.
626

أما العرف: فلأن المتبادر من الإسراف فيه أعم من الصرف في المعاصي
خاصة قطعا.
وأما الكتاب: فما مر من قوله سبحانه: * (وآتوا حقه يوم حصاده
ولا تسرفوا) * (1)، وقوله * (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا) * (2)، دالا على أن التجاوز
عن الحد في إيتاء الحق، والإنفاق في سبيل الله أيضا إسراف، سيما بضميمة
الأخبار الواردة في بيان الآيتين، والاحتجاج بهما كما يأتي بعضها.
وأما الأخبار: فمنها الروايات المتقدمة، كرواية داود الرقي، المصرحة بأن
طرح النواة إسراف، ونحوها المروي في الصافي، ورواية ابن أبي يعفور،
المتضمنة لتحقق الاسراف في الحج والعمرة، ورواية حريز والعامي، الدالين
على تحقق الاسراف في الوضوء، ومرسلة الفقيه، المصرحة بأن في إنفاق المال
في الحق يكون الاسراف.
ومنها روايات اخر غير ما مر، كرواية حماد اللحام عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(لو أن رجلا أنفق ما في يده في سبيل من سبل الله ما كان أحسن، ولا وفق
للخير، أليس يقول الله تبارك وتعالى: * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا
إن الله يحب المحسنين) * (3) يعني المقتصدين) (4).
دل بالتعليل على أن إنفاق ما في اليد في سبيل الله خلاف الاقتصاد، وهو
الاسراف.
ورواية عبد الملك بن عمرو الأحول، قال: تلا أبو عبد الله عليه السلام هذه الآية:
* (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) * (5) قال: فأخذ

(1) الأنعام 6: 141.
(2) الفرقان 25: 67.
(3) البقرة 2: 195.
(4) الكافي 4: 53 / 7، بتفاوت يسير، الوسائل 15: 258 أبواب النفقات ب 25 ح 7.
(5) الفرقان 25: 67.
627

قبضة من حصى وقبضها بيده، فقال: (هذا الإقتار الذي ذكره الله تعالى في
كتابه)، ثم أخذ قبضة أخرى فأرخى [كفه كلها] (1) فقال: (هذا الإسراف)، ثم
أخذ قبضة أخرى فأرخى بعضها وأمسك بعضها، وقال: (هذا القوام) (2).
فإنها صريحة في أن الزيادة في الإنفاق إسراف.
وصحيحة عبد الله بن سنان عليه السلام، في قوله: * (إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا
وكان بين ذلك قواما) * فبسط كفه وفرق أصابعه وحناها شيئا (3). الحديث.
ورواية هشام بن المثنى - الصحيحة (4) - عن ابن أبي عمير، قال: سأل رجل
أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تعالى: * (وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب
المسرفين) *، فقال: (كان فلان بن فلان الأنصاري - سماه - وكان له حرث، فكان
إذا أخذ يتصدق به ويبقى هو وعياله بغير شئ، فجعل [الله عز وجل] ذلك
سرفا) (5).
وما رواه ثقة الاسلام، في صحيحة البزنطي، عن أبي الحسن عليه السلام، قال: (كان
أبي يقول: من الإسراف في الحصاد والجذاذ أن يصدق [الرجل] (6) بكفيه جميعا،
وكان أبي إذا حضر شيئا من هذا فرأى أحدا من غلمانه يتصدق بكفيه، صاح
به: أعط بيد واحدة القبضة بعد القبضة، الضغث بعد الضغث من السنبل) (7).
والمروي في الصافي في قوله تعالى: * (ولا تجعل يدك مغلولة) * (8) الآية،

(1) الزيادة من المصدر.
(2) الكافي 4: 54 / 1، الوسائل 15: 264 أبواب النفقات ب 29 ح 6.
(3) الكافي 4: 56 / 9، الوسائل 15: 263 أبواب النفقات ب 29 ح 1.
(4) الرواية هكذا: ابن أبي عمير عن هشام بن المثنى.
(5) الكافي 4: 55 / 5، الوسائل 15: 263 أبواب النفقات ب 29 ح 3، وما بين المعقوفتين أثبتناه من
المصادر.
(6) الزيادة من المصادر.
(7) الكافي 3: 566 / 6، تفسير العياشي 1: 379 / 106، قرب الإسناد: 368 / 1316، الوسائل 6:
139 أبواب زكاة الغلات ب 16 ح 1.
(8) الإسراء 17: 29.
628

قال: (نزلت لما سأله رجل فلم يحضره شئ، فأعطاه قميصه، قال: فأدبه الله
على القصد).
أقول: هذه إشارة إلى رواية بكر بن عجلان المتضمنة لذلك المضمون (1). و
قال: وفي رواية: (فنهاه الله أن يبخل ويسرف ويقعد محسورا من الثياب (2) (3).
وموثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام، وفيها: (وليعد بما بقي من الزكاة على
عياله، وليشتر بذلك إدامهم وما يصلح من طعامهم من غير إسراف) (4).
دلت على تحقق الاسراف في نفقة العيال من الوجه الحلال أيضا، إلى غير
ذلك. وسيأتي بعض ما يؤيد ما ذكر أيضا.
ثم بما ذكرنا جميعا يظهر سقوط القول الثاني أيضا، من تخصيص الإسراف
بغير ما في وجوه الخير، فإن أكثر إنما هو وارد في وجوه الخير.
وغاية ما يمكن أن يعارض به ذلك مدح الله سبحانه جماعة بقوله عز شأنه:
(ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) (5)
ورواية معاذ، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: " من أعطى في غير حق فقد
أسرف، ومن منع من غير حق فقد " (6)، فخص الإسراف بالإعطاء في غير
الحق، وسبيل الخير حق.
ويجاب عن الأول بما أجاب به أبو عبد الله عليه السلام الصوفية، كما في رواية
مسعدة بن صدقة، الطويلة، الواردة في ورود الصوفية عليه، واحتجاجهم بالآية
المذكورة على ما يدعون الناس إليه من الزهد والتقشف (7)، وقوله عليه السلام لهم: (ألكم

(1) الكافي 4: 55 / 7، تفسير العياشي 2: 289 / 59، الوسائل 15: 264 أبواب النفقات ب 29 ح 5.
(2) تفسير علي بن إبراهيم 2: 18.
(3) تفسير الصافي 3: 189، وانظر مجمع البيان 6: 411.
(4) الكافي 3: 562 / 11، الوسائل 6: 167 أبواب المستحقين للزكاة ب 14 ح 2.
(5) الحشر 59: 9.
(6) مجمع البيان 7: 179. وفيه (قتر) بدل (أقتر).
(7) التقشف: خشونة العيش، وعدم تعهد النظافة - المصباح المنير: 502.
629

علم بناسخ القرآن ومنسوخه؟).
إلى أن قال: (فأما ما ذكرتم من إخبار الله عز وجل إيانا في كتابه عن القوم
الذين أخبر عنهم بحسن فعالهم، فقد كان مباحا جائزا ولم يكونوا نهوا عنه، و
ثوابهم منه على الله عز وجل، وذلك أن الله - جل وتقدس - أمر بخلاف ما
عملوا به، فصار أمره ناسخا لفعلهم، وكان نهي الله تعالى رحمة منه
للمؤمنين).
إلى أن قال: (ثم هذا ما نطق به الكتاب ردا لقولكم ونهيا عنه، مفروضا من
الله العزيز الحكيم، قال: * (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين
ذلك قواما) * (1)، أفلا ترون أن الله تبارك وتعالى قال غير ما أراكم تدعون الناس إليه
من الأثرة على أنفسهم، وسمى من فعل ما تدعون الناس إليه مسرفا، وفي غير
آية من كتاب الله يقول: * (إنه لا يحب المسرفين) * (2) فنهاهم عن الإسراف ونهاهم
عن التقتير، ولكن أمر بين أمرين) (3). الحديث.
ويجاب عن الثاني: بظهور عدم صلاحيته لمعارضة الآيات والأخبار الغير
العديدة (4)، مع أنه لا دلالة له على عدم تحقق الإسراف في الحق إلا بمفهوم اللقلب
الذي ليس بحجة أصلا، بل لا يدل عليه بذلك المفهوم أيضا; لعدم معلومية كون
الزائد عن الحد في سبيل الله حقا.
فظهر من جميع ما ذكر: أن معنى الإسراف في صرف المال المنهي عنه هو
المعنى الأول، أي مجاوزة الحد، وهذا ظاهر جدا، بل كأنه إجماعي أيضا.
ولكن بقي الكلام في ذلك الحد الذي يتحقق الإسراف بالتجاوز عنه، وبيان
ذلك التجاوز.

(1): الفرقان 25: 67.
(2): الأنعام 6: 141، الأعراف 7: 31.
(3): الكافي 5: 65 / 1، الوسائل 12: 15 أبواب مقدمات التجارة ب 5 ح 6.
4): يريد به: الغير المعدودة، والتي لا عد لها.
630

فنقول: المراد بالحد: حد الاستواء والوسط، أي بين التقتير الذي هو
التضييق وبين الإسراف، وهو الذي يسمى بالقصد والاقتصاد; لأنه بمعنى
التوسط والاعتدال في الأمور.
وهو الذي أشار إليه سبحانه بقوله: * (لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك
قواما) * فإن القوام: العدل، الذي هو الوسط، كما صرح به الشيخ
علي بن إبراهيم كما مر (1).
بل فسره به في مرسلة الفقيه: (قال الله تعالى: * (يسألونك ماذا ينفقون قل
العفو) * (2) والعفو: الوسط. وقال تعالى: * (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم
يقتروا وكان بين ذلك قواما) * والقوام: الوسط) (3).
وما يدل على أن الحد، الوسط أيضا قوله سبحانه: * (ولا تجعل يدك مغلولة
إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط) * (4)، فنهى عن الطرفين وبقي الوسط.
ويشير إليه: جعل الإسراف قسيما ومقابلا للقصد في مرفوعة
علي بن محمد وله وللتقتير في رواية مسعدة، وكذا في رواية عامر، وجعله
فيها أحد طرفي القوام الذي هو الوسط، وفي رواية ابن أبي يعفور، ورواية
عبيد، وصرح به في رواية عبد الله بن سنان، المتقدمة جميعا في صدر العائدة.
وكذا يدل عليه ما فسر العفو المأمور بإنفاقه بالوسط، كمرسلة الفقيه
المتقدمة.
ومرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله تعالى: * (ماذا
ينفقون قل العفو) * (5) قال: (العفو: الوسط) (6).

(1): مر في ص 621، وهو تفسير القمي 2: 117.
(2): البقرة 2: 219.
(3): الفقيه 2: 35 / 148.
(4): الإسراء 17: 29.
(5): البقرة 2: 219.
(6): الكافي 4: 52 / 3، الوسائل 15: 258 أبواب النفقات ب 25 ح 3.
631

والمروي في الصافي في أنه التبذير، سئل عليه السلام عن هذه الآية، فقال: (من
أنفق شيئا في غير طاعة الله فهو مبذر، ومن أنفق في سبيل الله فهو مقتصد) (1).
ثم المراد بالوسط الذي يكون التجاوز عنه إسرافا: هو ما يسمى وسطا عرفا;
لان المرجع في معرفة حقائق اللغوية هي المصاديق العرفية، فالمرجع في معرفة
الوسط هو العرف، والوسط في العرف: هو صرف المال في القدر المحتاج إليه، أو
اللائق بحال الشخص; فكل صرف مال وإنفاق لم يكن كذلك فهو يكون
إسرافا، سواء لم يكن صرفا وإنفاقا بل كان تضييعا وإتلافا، أو كان صرفا ولم
يكن لائقا بحاله أو كان مما لا يحتاج إليه.
وإلى الأول أشار عليه السلام في رواية داود الرقي المتقدمة، من جعل طرح النواة و
صب فضل الشراب إسرافا (2).
وإلى الثاني أشار عليه السلام في رواية إسحاق بن عمار، قال: قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: يكون للمؤمن عشرة أقمصة؟ قال: (نعم)، قلت: عشرون؟
قال: (نعم)، قلت: ثلاثون؟ قال: (نعم ليس هذا من السرف، إنما السرف أن
تجعل ثوب صونك ثوب بذلتك) (3)، حيث إن هذا ليس إتلافا للمال، بل هو تجاوز
عن اللائق بالحال.
وكذا إليه أشار أمير المؤمنين عليه السلام في رواية الأصبغ بن نباته، المروية في
الفقيه: (للمسرف ثلاث علامات: يأكل ما ليس له، ويشتري ما ليس له، و
يلبس ما ليس له) (4)، يعني ما لا يليق بحاله، كما مر بيانه عن مجمع البحرين (5).

(1): تفسير الصافي 3: 188، تفسير العياشي 2: 288 / 53.
(2): المتقدمة في ص 616.
(3): الكافي 6: 441 / 4، الوسائل 3: 352 أبواب أحكام الملابس ب 9 ح 3، والبذلة: ما يمتهن من الثياب
في الخدمة; والصون: هو الحفظ والصيانة من النقص; وثوب الصون: هو الذي يحفظ الانسان
ويظهره بالمظهر اللائق، المصباح المنير: 41، 352.
(4): الفقيه 3: 102 / 411، الوسائل 12: 41 أبواب مقدمات التجارة ب 22 ح 4.
(5): مر في ص 621، وهو في مجمع البحرين 5: 69.
632

وإليهما معا أشار عليه السلام في رواية سليمان بن صالح، قال: قلت لأبي
عبد الله عليه السلام: أدنى ما يجئ من حد الإسراف، قال: (ابتذالك ثوب صونك و
إهراقك فضل إنائك، وأكلك التمر ورميك النواة هاهنا وهاهنا) (1).
وبمعناها مرسلة الفقيه عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام (2)، ورواية
أخرى لإسحاق (3).
وإلى الثالث أشار عليه السلام في الأخبار المتقدمة (4) الناهية عن إنفاق ما في اليد في
سبيل الله، والجاعلة لإرخاء القبضة والتصدق بالكفين إسرافا; لأن فيه تجاوزا
عن القدر المحتاج إليه في عدم رد السائل، وامتثال أمر الإتيان بالحق يوم الحصاد.
وأشار إليه أيضا في ذيل مرسلة إسحاق بن عبد العزيز عن أبي عبد الله عليه السلام،
قلت: فما الإقتار؟ فقال: (أكل الخبز والملح وأنت تقدر على غيره)، قلت: فما
القصد؟ قال: (الخبز واللحم واللبن والسمن، مرة هذا ومرة هذا) (5)، فإنه قيد
بالمرة والمرة ليخرج عن الزائد عن القدر المحتاج إليه في الإدام، الموجب للدخول
في الإسراف.
وظهر مما ذكر: أن الإسراف هو تضييع المال، أو صرفه فيما لا يليق بحاله، أو
فيما لا يحتاج إليه.
أما التضييع فمصداقه واضح، وهو إتلافه، كإهراق الماء، وطرح النواة، و
إهراق اللبن والدبس، ونحو ذلك مما لا يعد خرجا وصرفا للمال أيضا; بل يقال:
إنه جعله بلا مصرف، أو صرفه على وجه لا تترتب عليه فائدة أصلا، لا دينية ولا
دنيوية.

(1): الكافي 4: 56 / 10، وفيه بدل ابتذالك، ابذالك، الوسائل 3: 374 أبواب أحكام الملابس
ب 28 ح 2.
(2): الفقيه 3: 103 / 413، الوسائل 3: 374 أبواب أحكام الملابس ب 28 ح 4.
(3) الكافي 6: 443 / 10 و 11، الوسائل 3: 352 أبواب أحكام الملابس ب 9 ح 2 و 3.
(4): المتقدمة في ص 627 و 628.
(5): الكافي 4: 53 / 10، الوسائل 15: 260، أبواب النفقات ب 26 ح 1.
633

والمراد بالفائدة: ما يكون مقصودا للعقلاء، ويعده العقلاء والذين بناؤهم
على تحكيم العقل فائدة، لا ما يكون فائدة عند سفهاء أهل الدنيا، والمنهمكين في
الملاعب، والعوام (1).
كما حكي أن بعض المسرفين كان يضيف الناس، فيأمر غلمانه بكسر
الأواني النفيسة المملؤة من الأطعمة والأشربة عند إتيان الطعام، وصب ما فيها
في الظرف، حتى يصفه الأضياف بسعة الصدر وكثرة المال.
وكما أن بعضهم يضعون الأثياب النفيسة والأقمشة العالية في المشاعل،
ليكون ضوؤها ذا ألوان.
ومن ذلك ما يفعلونه في هذه الأزمنة من اللعب بالنار، ويقال له بالفارسية:
آتشبازي.
ومنه إضاءة السراج في النهار، ونحو ذلك.
وأما الصرف فيما لا يليق بحاله: فهو أن يصرفه فيما تترتب عليه فائدة دينية
أو دنيوية ولو مجرد الزينة التي أباحها الله تعالى لعباده، ويعدها العقلاء فائدة،
ولكنها كانت غير لائقة بحاله عند أهل العرف، متجاوزة عن حده وشأنه،
كصرف السوقي الذي ليس له كل يوم درهمان مالا في تزويق بيته بالذهب
واللاجورد (2).
وكاشتراء من لا يحتاج في سنة ولا سنتين مرة إلى الركوب، وليس له
ضياع ولا عقار ولا مداخل غير ما يقوت به عياله، فرسا بمائة دينار، وربطه، و
صرف المال في نفقته، ونحو ذلك.
ومنه ما ذكره الإمام عليه السلام: من جعل ثوب الصون ثوب الابتذال.
وإلى هذا أشار الإمام أبو عبد الله عليه السلام في موثقة سماعة بقوله: (فإنه رب فقير

(1): في (ح): الهواة، وفي (ب) الهواء، وأثبتناه من (ج).
(2): اللاجورد فارسية، وهي اسم حجر أزرق يستخرج من الأرض صلابته كصلابة الزجاج.
634

أسرف من غني)، فقلت: كيف يكون الفقير أسرف من الغني؟! فقال: (إن
الغني ينفق مما أوتي، والفقير ينفق من غير ما أوتي) (1).
وأما الصرف في غير حاجة: فهو أن يصرفه فيما له فائدة لائقة بحاله ولكن
لا يكون محتاجا إلى تلك الفائدة، كأن يبني من له عيال أو عيالان ويكفيه بيتان أو
ثلاثة أو أربعة، عشرة بيوت أو عشرين ويتركها. ويمكن إدخال ذلك في الثاني
أيضا.
ويجمع الثلاثة ما تقدم في كلام صاحب المجمع والأردبيلي، من صرف المال
فيما يستقبحه العقلاء أو فيما لا ينبغي (2).
وظهر مما ذكر أن شرط صدق الإسراف: الإتلاف، أو صرف المال وإنفاقه و
خرجه، فلو لم يكن شئ منهما لا يكون إسرافا، كجمع ما لا حاجة له إليه و
حبسه، أو ما لا يليق بحاله، ولو بتبديل بعض المال ببعض آخر، كأن يجمع ذهبا
كثيرا ولا يصرفه في مصرف، أو يبدله بأقمشة وأمتعة كثيرة.
ولهذا ورد في أخبار كثيرة: أنه ليس من الإسراف أن يكون لأحد عشرة
أقمصة أو عشرون أو ثلاثون (3)، مع أن في تعدد الثياب فائدة أخرى، هي صون
بعضها ببعض.
ويظهر أيضا مما ذكر: أن الاقتصاد هو صرف المال فيما يحتاج إليه، أو فيما
يترتب عليه فائدة مقصودة للعقلاء بقدر يليق بحاله.
ومن الفوائد المقصودة: التجمل والزينة المندوب إليهما شرعا، بشرط أن لا
يتجاوز القدر اللائق.
ومنها: استيفاء اللذات الجسمية أو النفسانية مما يعده العقلاء لذة، ويطلبها

(1): الكافي 3: 562 / 11، الوسائل 6: 167 أبواب المستحقين للزكاة ب 14 ح 2.
(2): تقدم في ص 622 و 623 وانظر مجمع البيان 4: 413، وزبدة البيان: 488.
(3): انظر الكافي 6: 441 / 4 و 443 / 10، 11 و 444 / 16، والوسائل 3: 351 و 352، أبواب أحكام
الملابس ب 9 ح 1، 2، 3.
635

العقلاء، لا مثل كسر الأواني للالتذاذ بصوت الكسر.
ومن الفوائد: اللذات الحاصلة بالاعتياد لشئ إذا كان مما يعده العقلاء
لذة.
ومنها: إصلاح البدن، كما ورد في مرسلة إسحاق بن عبد العزيز عن
أبي عبد الله عليه السلام، قال: إنا نكون في طريق مكة، فنريد الإحرام فنطلي، ولا يكون
معنا نخالة نتدلك بها من النورة فنتدلك بالدقيق، وقد دخلني بذلك ما الله أعلم
به، فقال عليه السلام: (أمخافة الإسراف؟) قلت: نعم، قال: (ليس فيما أصلح البدن
إسراف، إني ربما أمرت بالنقي، فيلت بالزيت، فأتدلك به، إنما الإسراف فيما
أفسد المال وأضر بالبدن) (1).
ومن ذلك الحديث يعلم اعتناء الأوائل في امتثال الأحكام واجتناب المحرم،
بخلاف أهل هذه الأزمنة.
ثم اعلم أن حرمة الإسراف عامة في جميع المصارف.
وأما ما ورد في بعض الأخبار من أنه لا إسراف في الطيب (2)، أو الضوء (3)، أو
في الحج والعمرة (4)، أو في المأكول والمشروب (5)، فليس المراد نفي حرمة
الإسراف فيها، حتى أنه لو رش أحد فضاء بيته وسطوحه وباب داره بماء
الورد، أو يطلي أبواب بيته وجدرانه بالمسك والعنبر ولو كان فقيرا، جاز ذلك
ولم يكن مسرفا، وكذا إذا أسرج المشاعل في النهار أو نحوه، وكذا في
البواقي.

(1): الكافي 4: 53 / 10، الوسائل 15: 260 أبواب النفقات ب 26 ح 1.
(2): الكافي 6: 512 / 16، الوسائل 1: 443 أبواب آداب الحمام ب 92 ح 2. وفيهما: ما أنفقت في
الطيب فليس بسرف.
(3): الكافي 6: 532 / 13، عن الرضا عليه السلام اسراج السراج قبل أن تغيب الشمس ينفي الفقر.
(4): الفقيه 3: 102 / 408، الوسائل 8: 305 أبواب آداب السفر ب 35 ح 1.
(5): الكافي 6: 280 / 4، الخصال 1: 93 / 37، المحاسن: 399 ح 79، الوسائل 16: 540 أبواب آداب
المائدة ب 27 ح 1، و 3: 375 أبواب أحكام الملابس ب 28 ح 7.
636

بل المراد: أن الإكثار في هذه الأمور مطلوب، والتجاوز عن الحد في
الجملة فيها معفو، مع أنه ورد: أن عدم الإسراف في المأكل لأنه لا يضيع، بل
يأكله الآكلون.
ولو سلم، فإنما يكون من باب الاستثناء، والله سبحانه أعلم بحقائق
أحكامه.
637

عائدة (62)
في بيان قاعدة القرعة وشرعيتها
من القواعد المقررة المعمول عليها عند أصحابنا: القرعة. رجعوا إليها في
كثير من الأبواب واتكلوا عليها كثيرا في تمييز الخطأ والصواب.
ولكن نرى كثيرا منهم غير سالكين فيها مسلكا منضبطا، فيرجعون إليها في
أمور مشتبهة، ولا يتعرضون لها في أمور اخر أولى بها مما رجعوا إليها.
وبيان حالها ومقامها وكيفيتها، وما يتعلق بها، من الأمور المهمة، فاللازم
للفقيه: تأسيس أصل فيها ليكون مرجعا له.
والكلام فيها إما في شرعيتها وتوقيفيتها، أو فيمن يشرع له القرعة وتنفذ
قرعته، أو في موردها ومحل إجرائها، أو في كيفيتها، أو في كونها عزيمة أو
رخصة، أو في لزوم العمل بمقتضاها أو جوازه.
فها هنا ستة أبحاث:
البحث الأول
في شرعيتها وتوقيفيتها من الشارع.
وبيانها إنما يكون بذكر الأدلة الدالة عليها، والأخبار الواردة فيها.

(1) في (ه‍): وتنعقد قرعتها.
639

أما الأول: فنقول: قد ثبتت شرعيتها بالكتاب، والسنة، والإجماع.
أما الكتاب:
فقال الله سبحانه في بيان أحوال يونس النبي على نبينا وآله عليه السلام: (فساهم
فكان من المدحضين) 1 أي: فقارع فصار من المغلوبين 2 بالقرعة، وأصل
الدحض: الزلق 3.
روي أن يونس لما وعد قومه بالعذاب، خرج من بينهم قبل أن يأمره الله تعالى،
فركب في السفينة فوقفت السفينة، فقالوا: هنا عبد آبق من مولاه، فأقرعوا،
فخرجت القرعة على يونس، فرموه أو رمى بنفسه في الماء، فالتقمه الحوت 4.
وقد ورد احتجاج الإمام بهذه الآية على شرعية القرعة، كما يأتي 5.
وقال سبحانه: (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم) 6.
وأما السنة:
فكثيرة جدا، مذكورة في أبواب متفرقة، بل بالغة حد التواتر معنى.
[1] - منها: ما رواه الصدوق في الفقيه، والشيخ في التهذيب، عن
محمد بن حكيم، قال سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن شئ، فقال: (كل
مجهول ففيه القرعة)، قلت له: إن القرعة تخطئ وتصيب، فقال: (كل ما حكم
الله به فليس بمخطئ) 7.
أقول: هذا الحديث يحتمل معنيين:

(1) الصافات 37: 141.
(2) في (ج)، (ح)، (ه‍): المعلومين، وهو يناسب مضمون الرواية اللاحقة.
(3) القاموس 2: 342، مصباح المنير 1: 190، مجمع البحرين 4: 205 (دحض).
(4) تفسير العياشي 2: 136، مجمع البيان 8: 458، بحار الأنوار 14: 403 باب قصة يونس، الكشاف
(4) 16.
(5) وفي مرسلة الفقيه الآتية عن الصادق عليه السلام.
(6) آل عمران 3: 44.
(7) الفقيه 3: 52 / 174، التهذيب 6: 240 / 593، الوسائل 18: 189 أبواب كيفية الحكم ب 13 ح 11.
640

أحدهما: أن حكم الله لا يخطئ في القرعة أبدا.
والثاني: أن ما خرج بالقرعة فهو حكم الله وإن أخطأ القرعة، فإن الحكم
ليس بخطأ.
[2] - ومنها: مرسلة الفقيه عن الصادق عليه السلام، قال: (ما تقارع قوم فوضوا
أمرهم إلى الله إلا خرج سهم المحق).
وقال: (أي قضية أعدل من القرعة إذا فوض الأمر إلى الله، أليس الله تعالى
يقول: (فساهم فكان من المدحضين)) 1.
[3] - ومنها: ما رواه في التهذيب صحيحا، عن جميل، قال: قال الطيار
لزرارة: ما تقول في المساهمة أليس حقا؟
فقال زرارة: بل هي حق، فقال الطيار:
أليس قد ورد أنه يخرج سهم المحق؟ قال: بلى، قال: تعال حتى أدعى أنا وأنت
شيئا، ثم نساهم عليه وننظر هكذا هو؟
فقال زرارة: إنما جاء الحديث بأنه ليس
قوم فوضوا أمرهم إلى الله ثم اقرعوا إلا خرج سهم المحق، فأما على التجارب فلم
يوضع على التجارب.
فقال الطيار: أرأيت إن كانا جميعا مدعيين، ادعيا ما ليس لهما، من أين
يخرج سهم أحدهما؟ فقال زرارة: إذا كان كذلك جعل معه سهم مبيح، فإن كانا
ادعيا ما ليس لهما خرج سهم المبيح 2.
[4] - ومنها: مرسلة داود بن أبي يزيد العطار، المروية في الكافي والتهذيب،
عن أبي عبد الله عليه السلام: في رجل كانت له امرأة، فجاء رجل بشهود فشهدوا
أن هذه المرأة امرأة فلان، وجاء آخرون فشهدوا أنها امرأة فلان، فاعتدل الشهود،
وعدلوا، قال: (يقرع بين الشهود، فمن خرج سهمه فهو المحق وهو أولى بها) 3.

(1) الفقيه 3: 52 / 175، الوسائل 18: 190 أبواب كيفية الحكم ب 13 ح 13.
(2) التهذيب 6: 238 / 584، الوسائل 18: 188 أبواب كيفية الحكم ب 13 ح 4.
(3) الكافي 7: 420 / 2، التهذيب 6: 235 / 579، الاستبصار 3: 41 / 139، الوسائل 18: 184 أبواب
كيفية الحكم ب 12 ح 8.
641

[5] - ومنها: رواية زرارة، المروية فيهما أيضا، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:
قلت له: رجل شهد له رجلان بأن له عند رجل خمسين درهما، وجاء آخران
فشهدا بأن له عنده مائة درهم، كلهم شهدوا في موقف، قال: (أقرع بينهم، ثم
استحلف الذين أصابهم القرع بالله أنهم يشهدون بالحق) 1.
أقول: لعله أريد بقوله: عند رجل، أنه كان وديعة عنده، وكانت الشهود
جميعا حضورا عند الإيداع، وهذا معنى قوله: كلهم شهدوا في موقف، والمراد
بالموقف المكان الخاص والزمان الخاص والسبب الخاص، حتى يتناقض الشهادتان.
[6] - ومنها: موثقة سماعة، المروية في الفقيه، والتهذيب، الاستبصار،
عن أبي عبد الله عليه السلام، قال (إن رجلين اختصما إلى علي عليه السلام في دابة، فزعم كل
واحد منهما أنها نتجت على مذوده، وأقام كل واحد منهما بينة سواء في العدد،
فأقرع بينهما سهمين، فعلم السهمين كل واحد منهما بعلامة، ثم قال: اللهم
رب السماوات السبع، ورب الأرضين السبع، ورب العرش العظيم، عالم
الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم، أيهما كان صاحب الدابة وهو أولى بها،
فأسألك أن تخرج سهمه، فخرج سهم أحدهما، فقضى له بها) 2.
[7] - ومنها: رواية عبد الله بن سنان، المروية في التهذيب، والاستبصار، و
هي أيضا كسابقتها، إلا أنه قال في آخرها: (فأسألك أن تقرع وتخرج اسمه،
فخرج اسم أحدهما، فقضى له بها) 3.

(1) الكافي 7: 420 / 1. التهذيب 6: 235 / 578، الاستبصار 3: 41 / 138، الوسائل 18: 183 أبواب
كيفية الحكم ب 12 ح 7.
(2) الفقيه 3: 52 / 177، وفي التهذيب 6: 234 / 576، والاستبصار 3: 40 / 136 أن تفرع وتخرج
سهمه، الوسائل 18: 188 أبواب كيفية الحكم ب 13 ح 4.
(3) التهذيب 6: 236 / 582، الاستبصار 3: 41 / 141، الوسائل 18: 184 أبواب كيفية الحكم ب 12
ح 8.
(4) انظر القاموس المحيط 1: 303، ولسان العرب 3: 168، ومجمع البحرين 3: 43.
642

[8] - ومنها: صحيحة الحلبي، المروية في التهذيب، والاستبصار، عن أبي
عبد الله عليه السلام: في شاهدين شهدا على أمر واحد، وجاء آخران فشهدا على غير
الذي شهدا، واختلفوا، قال: (يقرع بينهم، فأيهم قرع فعليه اليمين وهو أولى
بالقضاء) 1. [9] - ومنها: صحيحة داود بن سرحان، المروية في الكتب الأربعة، عن أبي
عبد الله عليه السلام، وهي أيضا مثل سابقتها، إلا أن في آخرها قال: (أولى بالحق) مكان
(أولى بالقضاء) 2.
[10] - ومنها: صحيحة البصري 3، المروية في الكتب الأربعة أيضا، عن
أبي عبد الله عليه السلام، قال: (كان علي عليه السلام إذا أتاه رجلان يختصمان بشهود عدلهم
سواء وعددهم سواء، أقرع بينهم على أيهم يصير اليمين، قال: وكان يقول:
اللهم رب السماوات السبع أيهم كان الحق له فأده إليه، ثم يجعل الحق للذي
يصير عليه اليمين إذا حلف) 4.
[11] - ومنها: رواية أبي بصير، المروية في الكافي، والتهذيب، ورواها
في الفقيه مرسلة عن أبي جعفر عليه السلام، والحديث طويل جدا، وارد في قضية
الشاب الذي خرج أبوه مع جماعة، ثم جاؤوا وشهدوا بموته، في حكم
أمير المؤمنين عليه السلام، وفيه قضية داود النبي عليه السلام، وفي آخره: (ثم إن الفتى والقوم
اختلفوا في مال الفتى كم كان، فأخذ أمير المؤمنين خاتمه وجميع خواتيم من

(1) هذا النص لصحيحة داود بن سرحان، اللاحقة، ونص الرواية اللاحقة هو نص صحيحة الحلبي هذه
في التهذيب 6: 235 / 577، الاستبصار 3: 40 / 137، والوسائل 18: 183 أبواب كيفية الحكم ب 12 ح 11.
(3) هو: عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصيري.
(4) الكافي 7: 419 / 3، الفقيه 3: 53 / 181، والتهذيب 6: 233 / 571، الاستبصار 3: 39 / 131،
الوسائل 18: 183 أبواب كيفية الحكم ب 12 ح 5، بتفاوت في المصادر.
643

عنده، ثم قال: أجيلوا هذه السهام، فأيكم أخرج خاتمي فهو صادق في دعواه،
لأنه سهم الله وسهم الله لا يخيب) 1.
[12] - ومنها: رواية أصبغ بن نباتة، المروية في الكافي، وهي أيضا طويلة
واردة في قضية الشاب، وفى آخرها: (إن ادعى الغلام أن أباه خلف مائة ألف أو
أقل أو أكثر، وقال القوم: لا، بل عشرة آلاف أو أقل أو أكثر، فلهؤلاء قول و
لهذا قول، قال: فإني آخذ خاتمه وخواتيمهم فألقيها في مكان واحد، ثم أقول:
أجيلوا هذه السهام، فأيكم خرج سهمه فهو الصادق في دعواه، لأنه سهم الله و
سهم الله لا يخيب) 2. [13] - ومنها: صحيحة محمد بن مسلم، المروية في التهذيب، والفقيه،
عن أبي جعفر عليه السلام، في الرجل يكون له المملوكون فيوصي بعتق ثلثهم، قال: (كان علي عليه السلام يسهم بينهم) 3.
أقول: قوله: (يسهم): أي يقرع.
[14] - ومنها: رواية أبي حمزة الثمالي، قال، قال: إن رجلا حضرته
الوفاة، فأوصى إلى ولده: غلامي يسار هو ابني فورثوه مثل ميراث أحدكم، و
غلامي يسار فأعتقوه فهو حر، فذهبوا يسألونه أيما يعتق وأيما يرث؟ فاعتقل
لسانه، قال: فسألوا الناس فلم يكن عند أحد جواب، حتى أتوا أبا عبد الله عليه السلام،
فعرضوا المسألة عليه، إلى أن قال: (ترون أعلمكم أمر الصغير؟) قال: فجعل
عشرة أسهم للولد وعشرة أسهم للعبد، قال: ثم أسهم عشر مرات قال:
فوقعت على الصغير سهام الولد، قال: فقال: (أعتقوا هذا وورثوا هذا) 4.

(1) الكافي 7: 371 / 8، التهذيب 6: 316 / 875، الفقيه 3: 15 / 40، الوسائل 18: 204 أبواب كيفية
الحكم ب 20 ح 1.
(2) الكافي 7: 373 / 9، الوسائل 18: 205 أبواب كيفية الحكم ب 20 ح 2.
(3) التهذيب 6: 240 / 590، الفقيه 3: 53 / 180، الوسائل 18، 188 أبوب كيفية الحكم ب 13 ح 3.
(4) التهذيب 9: 171 / 700، الوسائل 13: 427 أبواب أحكام الوصايا ب 43 ح 1.
644

[15] - ومنها: موثقة الحسين بن المختار، المروية في الكافي، والفقيه،
والتهذيب، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام لأبي حنيفة: (يا أبا حنيفة، ما تقول في بيت
سقط على قوم وبقي منهم صبيان، أحدهما حر والآخر مملوك لصاحبه،
فلم يعرف الحر من المملوك؟)، فقال أبو حنيفة: يعتق نصف هذا ونصف هذا، و
يقسم المال بينهما.
فقال أبو عبد الله عليه السلام: (ليس كذلك، ولكنه يقرع بينهما فمن أصابته القرعة
فهو الحر، ويعتق هذا، فيجعل مولى له) 1.
[16] - ومنها: صحيحة حريز المروية في التهذيب، عن أحدهما
عليهما السلام، قال: (قضى أمير المؤمنين عليه السلام باليمن في قوم انهدمت
عليهم دار لهم، فبقي منهم صبيان أحدهما مملوك والآخر حر، فأسهم بينهما،
فخرج السهم على أحدهما، فجعل المال له وأعتق الآخر) 2.
[17] - ومنها: صحيحة حماد بن عيسى، المروية في الكافي، عن أحدهما
عليهما السلام، وهي أيضا مثل سابقتها 3.
[18] - ومنها: مرسلة حريز، المروية في التهذيب، عن أبي جعفر عليه السلام، و
هي أيضا مثل السابقتين 4.
[19] - ومنها: رواية محمد بن مسلم، المروية في التهذيب، عن أحدهما
عليهما السلام، قال: قلت له: أمة وحرة سقط عليهما البيت، وقد ولدتا، فمات
الأمان وبقي الابنان، كيف يورثان؟ قال: فقال: (يسهم عليهما ثلاثا ولاء -

(1) الكافي 7: 138 / 7، الفقيه 4: 226 / 717، التهذيب 6: 239 / 586، الوسائل 18: 188 أبواب
كيفية الحكم ب 13 ح 8.
(2) التهذيب 9: 363 / 1296، ورواه في الكافي 7: 137 / 4، والوسائل 17: 592 أبواب ميراث
الغرقى ب 4 ح 1.
(3) المجود في الكافي: حماد بن عيسى عن حريز، فتكون نفس الرواية السابقة - انظر الكافي 7:
137 / 4.
(4) التهذيب 6: 239 / 587، الوسائل 18: 189 أبواب كيفية الحكم ب 13 ح 8.
645

يعني: ثلاث مرات - فأيهما أصابه السهم ورث الآخر) 1.
[20] - ومنها: رواية محمد بن مسلم، المروية في التهذيب، عن أحدهما
عليهما السلام، قال: قلت: أمة وحرة وقع عليهما بيت، وقد ولدتا، وماتا،
كيف تورثان؟ قال: (يسهم عليهما ثلاث مرات ولاء، فأيهما أصابه السهم ورث
الآخر) 2.
[21] - ومنها: رواية العباس بن هلال، المروية في التهذيب، عن أبي
الحسن الرضا عليه السلام، قال: (ذكر أن ابن أبي ليلى وابن شبرمة دخلا المسجد الحرام،
فأتيا محمد بن علي عليهما السلام، فقال لهما: بم تقضيان؟ قالا: بكتاب الله
والسنة، فقال: فما لم تجداه في الكتاب والسنة؟ قالا: نجتهد رأينا، قال: رأيكما
أنتما؟! فما تقولان في امرأة وجاريتها كانتا ترضعان صبيين في بيت، فسقط
عليهما فماتتا وسلم الصبيان؟ قالا: القافة، قال: القافة تلحقهما بهما، قالا:
فأخبرنا، قال: لا.
قال ابن داود، مولى له: جعلت فداك بلغني أن أمير المؤمنين عليه السلام قال: مامن
قوم فوضوا أمرهم إلى الله عز وجل، وألقوا سهامهم، إلا خرج السهم الأصوب، فسكت) 3.
أقول: القافة: جمع القائف، وهو الذي يحكم في النسب بالقيافة والشبه،
ويلحق بذاك 4.
[22] - ومنها صحيحة الفضيل بن يسار، المروية في الكافي، والتهذيب،
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مولود ليس له ما للرجال ولا ما للنساء؟ قال: (يقرع

(1) التهذيب 9: 362 / 1291: فيه: ورث من الآخر، الوسائل 17: 593 أبواب ميراث الغرقى
ب 4 ح 3.
(2) التهذيب 9: 363 / 1298، الوسائل 17: 593 أبواب ميراث الغرقى ب 4 ح 3، وفيهما: يتحجم منه
لهما، بدل تلحقهما بهما.
(4) انظر مجمع البحرين 5: 110، لسان العرب 9: 293.
646

الإمام أو المقرع، يكتب على سهم عبد الله وعلى سهم أمة الله، ثم يقول الإمام أو
المقرع: اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك
فيما كانوا فيه يختلفون، فبين لنا أمر هذا المولود كيف يورث ما فرضت له في الكتاب،
ثم يطرح السهمان في سهام مبهمة ثم يحال السهام، على ما خرج ورث عليه) 1.
[23] - ومنها: صحيحة أخرى له، المروية في التهذيب، والفقيه، عن أبي
عبد الله عليه السلام، وهي أيضا مثل سابقتها 2.
[24] - ومنها: مرسلة ثعلبة، المروية في الكافي، والتهذيب، عن أبي
عبد الله عليه السلام، قال: سئل عن مولود ليس بذكر ولا أنثى، ليس له إلا دبر، كيف
يورث؟ قال: (يجلس الإمام ويجلس عنده ناس من المسلمين، فيدعون الله، و
تجال السهام عليه أي ميراث يورثه، أميراث الذكر، أو ميراث الأنثى، فأي ذلك
خرج عليه ورثه).
ثم قال: (وأي قضية أعدل من قضية تجال عليه السهام، يقول الله: (فساهم
فكان من المدحضين) 3.
قال: (وما من أمر يختلف فيه اثنان إلا وله أصل في كتاب الله ولكن لا تبلغه عقول الرجال) 4.
[25] - ومنها: موثقة ابن مسكان، المروية في التهذيب، عن أبي
عبد الله عليه السلام، وهي مثل سابقتها إلى قوله (من المدحضين) 5.
[26] - ومنها: رواية اسحق الفزاري، المروية في التهذيب، عن أبي

(1) الكافي 7: 158 / 2، التهذيب 9: 356 / 1273، الاستبصار 4: 187 / 701، الوسائل 17: 580
أبواب ميراث الخنثى ب 4 ح 2.
(2) التهذيب 6: 239 / 588: الفقيه 3: 53 / 182، وج 4: 239 / 763، الوسائل 17: 580 أبواب
ميراث الخنثى ب 4 ح 2.
(3) الصافات 37: 141.
(4) الكافي 7: 158 / 3، التهذيب 9: 357 / 1275، الوسائل 17: 580 أبواب ميراث الخنثى ب 4 ح 3.
(5) التهذيب 9: 356 / 1274، الوسائل 17: 581 أبواب ميراث الخنثى ب 4 ح 1.
647

عبد الله عليه السلام، وهي أيضا مثل سابقتها 1.
[27] - ومنها: رواية السكوني، المروية في الكافي، عن أبي عبد الله عليه السلام، و
هي أيضا مثل سابقتها 2.
[28] - ومنها: صحيحة الحلبي، المروية في التهذيب، عن أبي عبد الله عليه السلام،
قال: (إذا وقع العبد والحر والمشرك بامرأة في طهر واحد، فادعوا الولد، أقرع
بينهم، فكان الولد للذي يخرج سهمه) 3.
[29] - ومنها: صحيحة محمد بن مسلم والحلبي، المروية في الكافي، عن أبي عبد الله عليه السلام، وهي أيضا كسابقتها 4.
[30] - ومنها: صحيحة أبي بصير، المروية في الكتب الأربعة عن أبي
جعفر عليه السلام، قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا عليه السلام إلى اليمن، فقال له حين قدم:
حدثني بأعجب ما ورد عليك، قال: يا رسول الله، أتاني قوم قد تبايعوا جارية
فوطئوها جميعا في طهر واحد، فولدت غلاما، فاختلفوا فيه، كلهم يدعيه،
فأسهمت بينهم وجعلته للذي خرج سهمه وضمنته نصيبهم.
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ليس من قوم تنازعوا ثم فوضوا أمرهم إلى الله عز وجل إلا
خرج سهم المحق) 5.
[31] - ومنها: مرسلة عاصم بن حميد، المروية في التهذيب، والاستبصار،
عن أبي جعفر عليه السلام، وهي مثل سابقتها 6.

(1) التهذيب 9: 357 / 1274، ولكن فيه: إسحاق المرادي، والموجود في المتن هو كما في الكافي 7:
157 / 1، والوسائل 17: 581 أبواب ميراث الخنثى ب 4 ح 1.
(2) لم نعثر عليها في مظانها.
(3) التهذيب 6: 240 / 595، بتفاوت، الوسائل 18: 187 أبواب كيفية الحكم ب 13 ح 1.
(4) الكافي 5: 490 / 1، الوسائل 14: 567 أبواب نكاح العبيد والإماء ب 57 ح 3.
(5) الكافي: 491 / 2، الفقيه 3: 54 / 183، التهذيب 8: 170 / 592، الاستبصار 3: 369 / 1320،
الوسائل 18: 188 أبواب كيفية الحكم ب 13 ح 6.
(6) التهذيب 6: 238 / 585، وليست في الاستبصار، الوسائل 18: 188 أبواب كيفية الحكم ب 13 ح 5.
648

[32] - ومنها: صحيحة معاوية بن عمار، المروية في الفقيه، والتهذيب، عن
أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إذا وطئ رجلان أو ثلاثة جارية في طهر واحد، فولدت،
فادعوه جميعا، أقرع الوالي بينهم، فمن قرع كان الولد ولده) 1، الحديث.
[33] - ومنها: صحيحة سليمان بن خالد، المروية في التهذيب، عن
أبي عبد الله عليه السلام، قال: (قضى علي عليه السلام في ثلاثة وقعوا على امرأة في طهر
واحد، وذلك في الجاهلية قبل أن يظهر الإسلام فأقرع بينهم وجعل الولد لمن
قرع، وجعل ثلثي الدية للآخرين، فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى بدت
نواجده، قال: وما أعلم فيها شيئا إلا ما قضى علي عليه السلام) 2.
[34] - ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إذا وقع المسلم
واليهودي والنصراني على المرأة في طهر واحد، قرع بينهم، وكان الولد للذي
يصيبه القرعة) 3.
[35] - ومنها: رواية سيابة وإبراهيم بن عمر، المروية في التهذيب، عن أبي
عبد الله عليه السلام، في رجل قال: أول مملوك أملكه فهو حر، فورث ثلاثة، قال (يقرع
بينهم فمن أصابته القرعة أعتق) قال: (والقرعة سنة) 4.
[36] - ومنها: صحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام، في رجل قال: أول مملوك
أملكه فهو حر، فورث سبعة جميعا، قال: (يقرع بينهم ويعتق الذي خرج
سهمه) 5.
[37] - ومنها: رواية محمد بن مروان، المروية في الكافي، والتهذيب، عن

(1) الفقيه 3: 52 / 176، التهذيب 8: 169 / 590، الاستبصار 3: 368 / 1318، الوسائل 18: 19
أبواب كيفية الحكم ب 13 ح 14.
(2) التهذيب 8: 169 / 591، الاستبصار 3: 368 / 1319، الوسائل 14: 566 أبواب نكاح العبيد
والإماء ب 57 ح 2.
(3) التهذيب 9: 348 / 1249، الوسائل 17: 571 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 10 ح 1.
(4) التهذيب 6: 239 / 589، الوسائل 18: 187 أبواب كيفية الحكم ب 13 ح 2.
(5) الفقيه 3: 53 / 179، التهذيب 8: 275 / 811، الوسائل 16: 69 أبواب العتق ب 57 ح 1.
649

أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إن أبا جعفر عليه السلام مات وترك ستين غلاما، وأعتق ثلثهم، فأقرعت
بينهم وأخرجت عشرين فأعتقهم) 1.
[38] - ومنها: روايته أيضا عنه عليه السلام قال: (إن أبي ترك ستين مملوكا، فأقرعت
بينهم، فأخرجت عشرين فأعتقتهم) 2. [39] - ومنها: رواية أخرى مروية في التهذيب عنه عليه السلام، وهي أيضا قريبة من سابقتها 3.
[40] - ومنها: صحيحة محمد بن عيسى، المروية في التهذيب،
عن الرجل عليه السلام، عن رجل نظر إلى راع نزا على شاة، قال: (إن عرفها ذبحها و
أحرقها، وإن لم يعرفها قسمها نصفين أبدا حتى يقع السهم بها، فيذبح وتحرق،
وقد نجت سائرها) 4.
[41] - ومنها: مرسلة حماد، المروية في التهذيب، عن أحدهما
عليهما السلام، قال: (القرعة لا تكون إلا للإمام) 5.
[42] - ومنها: رواية يونس، المروية في الكافي، قال في رجل كان له عدة
من مماليك، فقال أيكم علمني آية من كتاب الله فهو حر، فعلمه واحد منهم، ثم
مات المولى ولم يدر أيهم الذي علمه الآية، هل يستخرج بالقرعة؟ قال: (نعم،
ولا يجوز أن يستخرجه أحد إلا الإمام، فإن له كلاما وقت القرعة ودعاءا لا يعلمه
سواه، ولا يقتدر عليه غيره) 6.

(1) الكافي 7: 55 / 12، التهذيب 9: 220 / 864 بتفاوت يسير، وأوردها في الفقيه 4: 159 / 555،
والوسائل 13: 464 أحكام الوصية ب 75 ح 1.
(2) الكافي 7: 18 / 11، الفقيه 3: 70 / 241، التهذيب 8: 234 / 843، الوسائل 16: 77 أبواب
العتق ب 65 ح 2 بتفاوت.
(3) التهذيب 6: 240 / 591، الوسائل 18: 189 أبواب كيفية الحكم ب 13 ح 10.
(4) التهذيب 9: 43 / 182، الوسائل 16: 436 أبواب الأطعمة المحرمة ب 30 ح 1.
(5) التهذيب 6: 240 / 592، الوسائل 18: 189 أبواب كيفية الحكم ب 13 ح 9.
(6) الكافي 6: 197 / 14، ورواه في التهذيب 8: 230 / 830، والوسائل 16: 44 أبواب العتق ب 34 ح 1.
650

[43] - ومنها: ما روي: أن رجلا من الأنصار أعتق ستة أعبد في مرض موته
ولا مال له غيرهم، فلما رفعت القضية إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قسمهم بالتعديل و
أقرع بينهم، وأعتق اثنين بالقرعة 1.
[44] - ومنها: ما روي أيضا: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقرع بالكتابة على الرقاع 2.
[45] - ومنها: ما روي أيضا: أنه صلى الله عليه وآله وسلم أقرع في بعض الغنائم بالبعرة، وأنه
أقرع مرة أخرى بالنوى 3.
[46] - ومنها: المروي في الفقه الرضوي في باب الشهادات وكل مالا يتهيأ
فيه الإشهاد عليه، قال: (الحق فيه أن يستعمل فيه القرعة) 4.
وقد روى عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (فأي؟ قضية أعدل من القرعة) 5.
إلى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبع في الأبواب المتفرقة من
كتب الأخبار. وأما الإجماع فثبوته في مشروعية القرعة وكونها مرجعا للتميز والمعرفة في الجملة مما
لا شك فيه ولا شبهة تعتريه، كما يظهر لكل من تتبع كلمات المتقدمين والمتأخرين
في كثير من أبواب الفقه، فإنه يراهم مجمعين على العمل بها، وبناء الأمر عليها
طرا، وإن اختلفوا في بعض الموارد.
وثبوت العلم بالإجماع من تتبع أقوالهم في الموارد المختلفة كثبوت العلم بما
تواتر معنى، فإن كل فرد فرد من الأخبار وإن لم يفد العلم، إلا أن المتحصل من
اجتماعها العلم القطعي، فإن أكثر موارد القرعة التي ذكروها وإن وقع فيه

(1) صحيح مسلم 3: 1288 / 56، سنن أبي داود 4: 270 / 3961، سنن الترمذي 2: 409 ب 28
ح 1375، سنن النسائي 4: 64، مسند أحمد 4: 428، سنن البيهقي 10: 285.
(2) عيون الحقائق الناضرة في تتمة الحدائق: 245.
(3) عيون الحقائق الناضرة في تتمة الحدائق: 245.
(4) فقه الرضا عليه السلام: 262.
(5) الفقيه 3: 52 / 175، المحاسن: 603 / 30، أمان الأخطار: 95، الوسائل 18: 191 أبواب كيفية
الحكم ب 13 ح 17.
651

الخلاف، إلا أنه يتحصل من اجتماعها: العلم بانعقاد الإجماع على مشروعيتها.
بل من الموارد أيضا: ما اتفقوا فيه على الإقراع وإن كان ما اختلفوا فيه أيضا
كثيرا. فلاحظ باب قسمة الأعيان المشتركة، وباب قسمة الليالي للزوجات.
وذكر الشهيد في قواعده إقراع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين أزواجه 1، وباب تزاحم
المدعيين عند القاضي، وباب تداعي رجلين أو أكثر ولدا، وباب تعارض
البينات، وباب توريث الخنثى المشكل، وباب توريث المشتبه تقدم موت
أحدهما، وباب الوصايا المتعددة، المشكوك تقدم ما تقدم منه، إذا لم يف الثلث
بالجميع، وباب ما إذا أوصى بعتق عبيده ولم يف الثلث بالجميع، وباب اشتباه
الشاة المنكوحة، ذكرها بعضهم في الشبهة المحصورة أيضا، وغير ذلك من أبواب
الفقه ومسائله.
وجعل الشيخ أبو جعفر الطوسي - قدس سره - القرعة في تداعي الرجلين في
ولد من مقتضيات مذهبنا 2.
وادعى في الخلاف الإجماع ظاهرا على أن القرعة في كل أمر مجهول، قال
في مسألة تقديم الأسبق ورودا من المدعيين: إن القرعة مذهبنا في كل أمر
مجهول 3.
وقال شيخنا الشهيد الأول - قدس سره - في قواعده: ثبت عندنا قولهم: (كل
أمر مجهول فيه القرعة).
وهو أيضا ظاهر في دعوى الإجماع، قال: وذلك لأن فيها - عند تساوي
الحقوق والمصالح ووقوع التنازع - دفعا للضغائن والأحقاد، والرضا بما جرت به
الأقدار وقضاء الملك الجبار 4.
انتهى.

(1) القواعد والفوائد 2: 23، وص 187 قاعدة 213.
(2) المبسوط 8: 306.
(3) الخلاف 3: 256.
(4) القواعد والفوائد 2: 183، قاعدة 213.
652

ونقل فيها أيضا: إجماع (التابعين) 1 على القرعة في تعيين ثلث العبيد
الموصى بعتقهم بالقرعة، ونسبه إلى الإمام زين العابدين عليه السلام،
وعمر بن عبد العزيز، وخارجة بن زيد، وأبان بن عثمان، وابن سيرين، وغيرهم،
قال: ولم ينقل في عصرهم خلاف ذلك 2. انتهى.
وقال محمد بن إدريس الحلي في السرائر في باب سماع البينات:
وإجماعهم على أن كل أمر مشكل فيه القرعة.
وقال أيضا في ذلك الباب: وكل أمر مشكل مجهول بسببه الحكم، فينبغي
أن تستعمل فيه القرعة، لما روي عن الأئمة عليهم السلام، وتواترت به الآثار،
وأجمعت عليه الشيعة الإمامية 3 - 4.
وأسند بعض متأخري المتأخرين: أن القرعة في كل أمر مجهول، إلى رواية
أصحابنا 5، وهو ظاهر في اتفاقهم على روايته.
وبالجملة: انعقاد الإجماع على مشروعية القرعة أظهر ظاهر للفقهاء، بل
يمكن ادعاء الضرورة المذهبية فيه أيضا. البحث الثاني
في بيان أن القرعة هل تجوز لكل أحد، أو هي وظيفة شخص خاص؟
اعلم أن مقتضى الرواية الأربعين، والرواية الإحدى والأربعين 6 - وهما
مرسلة حماد، ورواية يونس - اختصاص جواز القرعة بالإمام وكونها من

(1) بدل ما بين القوسين في (ه‍): السابقين، وفي (ب): المانعين، وأثبتناه من (ج) كما في صدر.
(2) القواعد والفوائد 2: 184، قائدة 213.
(3) السرائر 2: 170 و 173.
(4) في (ج) زيادة: وقال في كتاب الصلح: الإجماع منعقد على أن كل أمر ملتبس مشكل فيه القرعة
وهو في السرائر 2: 69 كتاب الصلح.
(5) كنز العرفان 2: 28.
(6) تقدمنا برقم 41 و 42 حسب ترقيمنا.
653

وظيفته، وعدم جوازها لغيره.
إلا أن مقتضى الروايات: الثانية، والثالثة، والحادية والعشرين، والمتضمنة
لقوله عليه السلام: (ما يقارع قوم ففوضوا أمرهم إلى الله)، و (ليس قوم فوضوا أمرهم إلى
الله ثم أقرعوا)، و (ما من قوم فوضوا أمرهم إلى الله عز وجل وألقوا سهامهم) العموم لكل قوم.
ويعضده إطلاق قوله: (تجال عليه السهام) في الروايات الرابعة والعشرين،
والخامسة والعشرين، والسادسة والعشرين، والسابعة والعشرين.
والقول بأن مقتضى القاعدة تخصيص الروايات الأخيرة بالأوليين، فتختص
بإمام الأصل، مردود بأنه يوجب خروج الأكثر، وأي أكثر! ومثل ذلك لا يصح
عند الأكثر وعلى الأظهر. هذا.
مع أن اختصاص الإمام بإمام الأصل في ذلك المقام غير معلوم، ولو سلم
فهو مخالف لإجماع أصحابنا، كما يظهر من تتبع أقوالهم في الأبواب المذكورة و
غيرها، ولا أقل من لشهرة بينهم، العظيمة، الجديدة والقديمة، ومثل ذلك الخبر
خارج عن حيز الحجية، مع أن رواية يونس ليست مسندة إلى إمام، بل الظاهر أنه
من قول يونس.
ومع ذلك معارضتان بأخبار أخر، إما عامة للإمام أيضا، كالثانية و الثلاثين،
المتضمنة للفظ الوالي، أو ناصة على غير الإمام ومصرحة، كالروايتين الثانية
والعشرين، والثالثة والعشرين المتضمنتين لقوله عليه السلام: (المقرع) عطفا على
(الإمام). وكون أولاهما صحيحة بنفسها وعمن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح
عنه، وكلتاهما مستندتان إلى الإمام.
وكالروايتين الحادية عشر، والثانية عشر، المتضمنة لقوله: (أجيلوا هذه
السهام)، حيث أمر الإمام عليه السلام القوم بإجالة السهام والإخراج.
ويؤيده قول الطيار في الرواية الثالثة: ثم نساهم عليه)، وجواب زرارة بما
654

أجاب، وأنه لم يقل المساهمة وظيفة الإمام.
وكذا يؤيده قوله في الرواية الخامسة: (أقرع بينهم ثم استحلف) حيث أمر
السائل بالإقراع. وإنما جعلناها مؤيدة، لاحتمال أن يكون (أقرع واستحلف)
بصيغة المتكلم أو الماضي المجهول.
وعلى هذا، فلو صلحت الروايتان المعارضة هذه، تتعارضان وتتساقطان، وتبقى
العمومات والإطلاقات بلا معارض، مع أنهما غير صالحتين للمعارضة كما
عرفت.
هذا إذا حملنا الروايتين على أنه لا يجوز مباشرة القرعة إلا للإمام بنفسه، و
أما إذا حملناهما على أنه ليس اختيار القرعة إلا للإمام، وأن للقرعة نوع
اختصاص به، كاختصاص منصب القضاء، كما ورد في روايات القضاء: (جلست
مجلسا لا يجلسه إلا نبي أو وصي نبي) 1، و (اتقوا الحكومة، فإنما هي
للإمام العادل بين المسلمين، لنبي أو وصي نبي) 2، والمراد: اختصاص اختياره به.
ولذا يجوز للنائب العام ارتكابه بإذنهم، وأذنوا لهم بقولهم: (فإني
قد جعلته حاكما أو قاضيا 3)، أو نحو ذلك، لتخرج الروايتان عن حيز الشذوذ.
فإن جماعة من فقهائنا أو أكثرهم 4 يقولون باختصاص القرعة بالإمام أو نائبه
الخاص أو العام، ولا يعارضهما غير العمومات أو المطلقات المذكورة أولا، لظهور
اختصاص الوالي والمقرع بمن عينه الإمام لتوليه الأمر؟ ونصبه للقرعة،

(1) الكافي 7: 406 / 2، الفقيه 3: 4 / 8، التهذيب 6: 217 / 509، الوسائل 18: 6 أبواب صفات
القاضي ب 3 ح 2.
(2) الكافي 7: 406 / 1، الفقيه 3: 4 / 7، التهذيب 6: 217 / 511، الوسائل 18: 6 أبواب صفات
القاضي ب 3 ح 3.
(3) الكافي 7: 412 / 4، الفقيه 3: 2 / 1، التهذيب 6: 219 / 516، الوسائل 18: 4 أبواب صفات
القاضي ب 1 ح 5.
(4) منهم الكاشاني في الوافي 2: 140،، والمحقق القمي في غنائم الأيام: 714، والمراغي في عناوين
الأصول: 118.
655

وكذا ما أمر فيه الإمام بالقرعة وإجالة السهام.
ولو قطع النظر عن ذلك وحملنا الروايتين على إرادة مباشرة إمام الأصل
بنفسه، فيكونان أعمين مما ذكر مطلقا، لأن مقتضاهما عدم كون القرعة وعدم
جوازها لأحد إلا الإمام. ومقتضى ما ذكر جوازها لمن ولاه مطلقا أو على القرعة،
أو أذن له بخصوصه أيضا، فيجب تخصيصهما بذلك.
ولا ينافيه قوله في رواية يونس: (إن له كلاما ودعاء لا يعلمه غيره، ولا يقتدر
عليه غيره) 1، لأن المراد أنه لا يمكن كل دعاء وكلام، بل دعاء خاص لا يعلمه
ولا يقتدر على إنشائه غيره، فيختص به أو بمن علمه، ولذا ذكر الدعاء للمقرع
أيضا في رواية 2، وذكر الدعاء في روايات اخر أيضا 3.
فإن قيل: هذا إنما يتم لو حمل المقرع على من نصب للقرعة، وأما لو أريد منه
مطلق من يقرع، فلا يتم ذلك.
قلنا: المراد بالمقرع لا يمكن أن يكون من باشر القرعة حتى يكون موافقا
للمعنى اللغوي، إذ لم يباشرها بعد، بل يتهيأ القرعة، فالمراد منه: إما المنصوب
للقرعة، أو المتهيئ لها.
والأول يقيني الدخول، فلا يخصص العام إلا بالمتيقن.
ثم بعد تخصيص الروايتين بالإمام أو المأذون منه، وخروجهما عن حيز
الشذوذ، وعن لزوم تخصيص لا يجوز - لعدم خلو قوم غالبا عن فقيه في الصدر
الأول، بل كان على الإمام نصب الوالي على كل قوم - يجب تخصيص العمومات
أو المطلقات بذلك أيضا. مع أن أكثر العمومات أو جميعها واردة في مورد الترافع،
الذي ليس إلا من شأن النائب الخاص أو العام، فلا يكون المقرع فيه إلا هو.

(1) الكافي 6: 197 / 14، الوسائل 16: 44 أبواب العتق ب 34 ح 1.
(2) الكافي 7: 158 / 2، الفقيه 3: 53 / 182، التهذيب 6: 239 / 588، الاستبصار 4: 187 / 701،
الوسائل 17: 580 أبواب ميراث الخنثى ب 4 ح 2.
(3) الكافي 7: 419 / 3، الفقيه 3: 52 / 177، وص 53 / 181، التهذيب 6: 233 باب 90، الوسائل
(8) 187 أبواب كيفية الحكم ب 13.
656

وظهر من ذلك: أن القرعة إنما هي وظيفة الإمام أو نائبه الخاص أو العام،
بمعنى أنه لا يترتب أثر على إقراع غيره، ويكون كحلفه وحكمه. وهل يحتاج إلى الإذن في الإقراع بخصوصها، أو تكفي النيابة العامة؟
الظاهر كفاية العامة وعدم الاحتياج إلى الإذن الخاص، لأن القرعة أيضا
كسماع البينة، والإحلاف، وإحضار الخصم والشهود، ونحوها من لوازم
القضاء والحكم، فالإذن في القضاء يستلزم الإذن فيها، كالإذن في أمثالها.
مع أن قوله: (أقرع الوالي) 1 إذن عام للولاة في الاقتراع، بل تتحصل الإذن
من التوقيع الرفيع، المتضمن لقوله عليه السلام: (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى
رواة أحاديثنا) 2 أيضا، لأن ما فيه القرعة أيضا من الحوادث الواقعة. بل لو قطع
النظر عن ذلك أيضا نقول: إنه قد تقدم 3 في العائدة المتكفلة لبيان ما
للنائب العام الولاية عليه، ثبوت ولايته واختياره في جميع ما كان للإمام، ومنه
الإقراع، فيكون ثابتا له ولو لم يكن مخصص للروايتين وكانا بإمام الأصل
مخصوصين.
ولا يخفى أن ما ذكرنا من اختصاص الإقراع بالنائب العام في زمان غيبة
الإمام، إنما هو من باب الأصل، وقد يخرج عنه بدليل دال على الإذن لغيره
أيضا، من إجماع أو غيره. كما في قرعة الشاة المنكوحة 4، أو إقراع المدرس لتقديم بعض المتعلمين 5، أو الزوج للزوجات 6.

(1) تقديم في رواية 32، وهي صحيحة معاوية بن عمار.
(2) كمال الدين 2: 484 باب 45، كتاب الغيبة: 177، الاحتجاج 2: 283، الوسائل 18: 101، أبواب
صفات القاضي ب 11 ح 9.
(3) عائدة (54) في بيان ولاية الحاكم.
(4) انظر التهذيب 9: 43 / 182، وتحف العقول: 480، الوسائل 16: 436 أبواب الأطعمة المحرمة
ب 30 ح 1.
(5) كما في رواية يونس، المروية في الكافي 6: 197 / 14، وقد تقدمت في ص 650.
(6) انظر القواعد والفوائد 2: 32، 187، وسنن ابن ماجة 2: 786 / 2347، وسنن البيهقي 10: 287.
657

وبالجملة: الأصل الاختصاص بالنايب العام إلا فيما ثبت جواز إقراع الغير
أيضا، هذا. ثم إن صاحب الوافي من متأخري المتأخرين 1 جمع بين ما دل على اختصاص
القرعة بالإمام وبين ما يدل على العموم، بحمل الأول على ما إذا كان الأمر فيما
يقرع عليه متعينا في الواقع، كما في قضية تعليم الآية، فإن المعلم كان متعينا في
الواقع، والثاني على ما إذا لم يكن متعينا وأريد التعيين بالقرعة.
ومنشأ هذا التفصيل تحصيل التوافق بين الأخبار.
ولا يخفى ما فيه، لأنه جمع بلا شاهد، وكون الواقعة في رواية يونس من
القسم الأول يفيد الاختصاص، مع أن الوقايع في كثير من العمومات، بل مما
صرح فيه بمباشرة غير الإمام أيضا من ذلك القسم.
البحث الثالث
في بيان مورد القرعة ومحلها
اعلم أن كلية موارد القرعة على قسمين:
أحدهما: ما كان الحق معينا في الواقع واشتبه علينا ظاهرا لعارض.
وثانيهما: ما كان مرددا بين شيئين أو أكثر، ولم يكن معينا في الواقع أيضا،
ويطلب فيه التعيين.
ومن هذا القسم: ما كان من الأمور المشتركة بين ذوي حقوق ولم يتراضوا
بسهم عينه بعضهم من غير معين.
والقسم الأول: هو الذي يدل عليه قوله سبحانه: (فساهم فكان من
المدحضين) 2.

(1) الوافي 2: 87 أبواب العتق، و 140 أبواب الشهادات.
(2) الصافات 37: 141.
658

والثاني: ما يدل عليه قوله تعالى: (إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم) 1.
ولا شك في شرعية القسمين في الجملة بدليل الإجماع، والكتاب، والسنة.
وأما التفصيل فبيانه: أن مقتضى الرواية الأولى - المحكي الإجماع على
ثبوتها وعلى روايتها 2 - ثبوت القرعة وشرعيتها في كل أمر مجهول ومشتبه، بل وكذا مقتضى كثير من العمومات المذكورة.
إلا أنه قال الشيخ الحر - رحمه الله - في الفصول المهمة بعد نقل هذه الرواية
وبعض من العمومات المتقدمة: ومعلوم أن هذا العموم له مخصصات كثيرة 3.
انتهى.
وقيل بعد بنقل ذلك منه: ولو لم يكن كذلك لجاز له ترجيح الحكم في
المسائل الشرعية بالقرعة، ولكنه مما أخرجه الإجماع، لأنه مما لم يقل به أحد 4.
وقال الشهيد في قواعده: ولا قرعة في الإمامة الكبرى، لأنها عندنا بالنص 5.
ونقل فيه أيضا قولا، ولعله من بعض العامة: إن مورد القرعة ما يجوز
التراضي عليه، وأما ما لا يجوز ذلك، فلا قرعة فيه 6.
وقد يقال: إن المراد بما يجوز التراضي عليه الموارد المالية.
أقول: لا شك في انتفاء شرعية القرعة في كثير من الموارد، كالأحكام
الشرعية والوضعية، وكثير موضوعاتهما ومتعلقاتهما، ولكنها على قسمين:
أحدهما: ما ثبت حكم له بخصوصه بدليل مقبول تام، من غير أن يدخل
تحت عنوان الجهل، ويجعل من أفراد المجهول.
والحاصل: أن لا يكون موضوعه، المجهول مطلقا، أو مجهول خاص، نحو

(1) آل عمران 3: 44.
(2) ما بين الحاصرتين ليس في (ب).
(3) الفصول المهمة: 280.
(4) قوانين الأصول 2: 42.
(5) القواعد والفوائد 2: 183.
(6) القواعد والفوائد 2: 186.
659

قوله عليه السلام: (اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه) 1، أو قولهم: (الماء القليل
ينجس بالملاقاة) 2، أو قولهم: (الكر ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار) 3، أو (قتل الخطأ
ديته على العاقلة) 4،
ونحو ذلك، فإن موضوع الحكم فيها بول ما لا يؤكل، والماء
القليل، والكر، وقتل الخطأ، ونحوها.
وثانيهما: ما كان موضوع الحكم فيه عنوان الجهل والمجهولية والمشكوكية
والاشتباه، ويكون من أفراد المجهول من حيث هو مجهول.
فما كان من الأول، فانتفاء القرعة فيه ليس من باب التخصيص، بل هو من
باب خروج الموضوع عن تحت القرعة، وهو المجهول، لأنه ببيان حكمه يخرج عن
كونه مجهولا، إذ من البديهيات: أن معنى قولهم: (كل مجهول ففيه القرعة) 5
أنه كل مجهول بعد الفحص اللائق عنه وعن حكمه.
وما كان من القسم الثاني، فانتفاء القرعة فيه من باب التخصيص، وذلك
نحو قولهم: (لا ينقض اليقين بالشك) 6، أي كل مشكوك فيه يستصحب فيه، و
قولهم: (كل شئ مطلق حتى يرد فيه نهي) أي: كل مجهول إطلاقه أو تعلق
نهى به فهو مطلق، وقولهم: (الاناءان المشتبهان يجب الاجتناب عنهما) 8،

(1) الكافي 3: 57 / 3، التهذيب 1: 264 / 770: الوسائل 2: 1008 أبواب النجاسات ب 8 ح 3.
(2) هذا منقول بالمضمون، انظر الوسائل 1: 110 أبواب الماء المطلق ب 7 - 9.
(3) الكافي 3: 3 / 7، التهذيب 1: 41 / 115، الاستبصار 1: 118 أبواب الماء
المطلق ب 9 ح 7.
(4) الكافي 7: 364 باب العاقلة، الفقيه 4: 105 باب العاقلة، التهذيب 10: 166 / 661 - 685،
الوسائل 19: 300 - 301 أبواب العاقلة.
(5) الفقيه 3: 52 / 174، التهذيب 6: 240 / 593، الوسائل 18: 189 أبواب كيفية الحكم ب 13 ح 11.
(6) الكافي 3: 351 / 2، التهذيب 2: 186 / 740، الاستبصار 1: 373 / 1416، الوسائل 5: 321
أبواب الخلل ب 10 ح 3.
(7) الفقيه 1: 208 / 937، الوسائل 4: 917 أبواب القنوت ب 19 ح 3.
(8) هذا مضمون ما ورد في الكافي 3: 10 / 6، والتهذيب 1: 229 / 662، والاستبصار 1: 229 / 662، والاستبصار 1: 21 / 48،
والوسائل 1: 113، أبواب الماء مطلق ب 8 ح 2، و 116 ح 14 من الباب 9.
660

وقولهم: (كل ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام
بعينه) 1، وقولهم: (لا تكليف إلا بعد البيان) 2، ونحو ذلك.
لأن الموضوعات فيها من أفراد المجهول الذي هو موضوع القرعة، وإنما
خصصت دليل القرعة لكونه أعم مطلقا من جميع ما ذكر.
فإن موضوع الأول: كل مشكوك في زوال حالته السابقة المعلومة، و
موضوع الثاني: كل مجهول تعلق النهي به وعدمه، وهكذا، فموضوع الأخير:
لا تكليف فيما جهل التكليف فيه وعدمه إلا بعد البيان.
نعم لو كان هناك حديث هكذا: كل مجهول فأنت فيه على التخيير، يكون
تعارضه مع دليل القرعة بالتساوي، ولكن ليس مثل ذلك موجودا.
لا يقال: إنه قد مر أن معنى (كل مجهول فيه القرعة): أنه كل مجهول بعد
الفحص التام، وليس شئ مما ذكر في القسم الثاني كذلك، لأن أحكامها
معلومة بعد الفحص، ولا تكون بعد الفحص مجهولة حتى تكون من باب
التخصيص.
لأنا نقول: إن هذا القيد بعينه معتبر في تلك الموضوعات أيضا، فمعنى
قوله: كل مشكوك في زوال حالته السابقة، أنه كل ما كان كذلك بعد الفحص.
وقد تحصل مما ذكر: أن كل ما ثبت له بخصوصه حكم شرعي، أو وضعي،
أو عرفي، أو عقلي، أو لغوي، فيما يكون العرف أو العقل أو اللغة فيه حجة،
فهو ليس من مورد القرعة.
وكذا كل مجهول أو مشكوك أو مشتبه له نوع خصوصية بالنسبة إلى مطلق
المجهول الذي هو موضوع حكم القرعة، وثبت له حكم خاص، فهو أيضا ليس من موردها. وكل مجهول لم يكن كذلك فهو مورد القرعة.

(1) الكافي 3: 216 / 1002، التهذيب 9: 79 / 337، الوسائل 12: 59 أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 1.
(2) الكافي 1: 162 / باب البيان والتعريف ولزوم الحجة.
661

وظهر من ذلك أيضا: أنه ليس من باب الأصل، بل كل مجهول كان كذلك
ففيه القرعة ألبتة.
نعم لو قلنا: إن في كل مجهول القرعة، يكون ذلك من باب الأصل، فيخرج
منه المجهول الذي ثبت له حكم خاص. وظهر مما ذكر أيضا: انتفاء القرعة في تعيين الأحكام الشرعية
والوضعية لموضوعاتها مطلقا، لأنها بكليتها إما له حكم مخصوص فيتبع، أو لا فيرجع فيه
إلى الأصل، أو الحالة السابقة، أو التخيير، للأدلة الدالة عليها، الخاصة بالنسبة
إلى دليل القرعة، كما أشير إليه، ولذا لم يقل أحد فيها بالقرعة كما مر، وكذا في
أدلة الأحكام المتعارضة.
وإنما القرعة تكون في موضوعات الأحكام الشرعية أو الوضعية، أو
متعلقات أحدهما، إذا دخل فيه الجهل أو الشك ولم يتبين له حكم مخصوص،
ولم يثبت الترجيح فيه، هذا.
ثم إن ما ذكر إنما هو فيما إذا كان من القسم الأول، وأما ما كان من الثاني،
فلا يصدق عليه المجهول، إذ لا مجهول فيه لغة ولا عرفا ولا شرعا، وكذا لا محق
فيه ولا مخطئ، فهو يخرج عن أكثر تلك الأخبار.
نعم تدل عليه: الآية الثانية 1، وأخبار عتق ثلث العبيد بالقرعة 2، وعتق أول
المماليك 3، والأخبار الأخيرة الواردة في قسمة الغنائم 4، إلا أنه لا عموم في تلك
الأخبار بالنسبة إلى جميع موارد ذلك القسم.
ولكن الظاهر عدم قول بالفصل، ويمكن إثبات العموم فيه بقوله عليه السلام في
الرواية الحادية والعشرين: (ما من قوم فوضوا أمرهم إلى الله فألقوا سهامهم إلا

(1) آل عمران 3: 44.
(2) المتقدمة في ص 644، الحديث: 13 وص 649 و 650، ح: 37 و 38.
(3) المتقدمة في ص 649. ح: 35 و 36.
(4) المتقدمة في ص 651، ح: 45.
662

خرج السهم الأصوب) 1، وقوله في الرواية الرابعة والعشرين، والثلاثة
المتعقبة لها: (وأي قضية أعدل من قضية تجال عليه السهام) 2.
ومنه يظهر أن الأصل أيضا شرعية القرعة في ذلك القسم، بمعنى جواز
القرعة فيه إذا كان المورد مما يجب أو يجوز فيه اختيار أحد الشقين 3.
البحث الرابع
قد ظهر في البحث الثالث شرعية القرعة في موردين:
أحدهما: في كل أمر معين في الواقع مجهول عندنا، ولم يبين حكمه بدليل
آخر.
وثانيهما: في كل أمر مردد بين شيئين، أو شخصين، أو أكثر، غير معين في
الواقع، يطلب فيه التعيين. وقد ثبت جواز القرعة شرعا في كل من القسمين ومشروعيته.
بقي الكلام في أنها: هل هي عزيمة حتى يتعين بناء الأمر عليها أو رخصة
حتى يجوز العدول عنها إلى غيرها؟
وتحقيق المقام: أن في كل مورد من القسمين يثبت أمر من الشارع فيه
بخصوصه بالقرعة، فلا كلام في كونه عزيمة فيه، كمسألة الشاة المنكوحة.
وما لا أمر فيه بخصوصه، فإن كان من القسم الأول، فيجب أن ينظر فيه،
فان وجب تعيين المعين في الواقع في الظاهر أيضا، وتحتم العمل بواحد معين
بدليل موجب لذلك، ولو كان رفع التنازع الواجب، أو دفع الضرر كذلك، أو
دفع كسر قلب محرم، أو غير ذلك، ولم يكن طريق آخر إلى التعيين سوى
القرعة، يجب فيه القرعة، لتوقف الواجب عليه.

(1) المتقدمة في ص 646، وهي رواية العباس بن هلال.
(2) المتقدمة في ص 647، وهي مرسلة ثعلبة، وموثقة ابن مسكان
وروايتا ابن مسكان، وروايتا إسحاق الفزاري والسكوني.
(3) في (ه‍): أحد الشيئين.
663

فإن قيل: يمكن التعيين في مثل ذلك بالتخيير، لحكم العقل بأن كل ما يجب
العمل فيه بمعين ولا معين له يتخير فيه، فيتعين بالاختيار.
قلنا: يحكم العقل به إذا لم يكن هناك طريق إلى التعيين، وبعد ثبوت
شرعية القرعة فيه لا يصدق سد طريق التعيين حتى يحكم العقل فيه بالتخيير.
نعم لو دل دليل شرعي من نص أو إجماع أو إطلاق على التخيير، لا تجب
القرعة.
فإن قيل: يمكن التعيين بالأصل.
قلنا: ليس كل مورد مما يجري فيه الأصل، كمسألة الخنثى.
وأيضا قد
يتعارض فيه الأصلان، فلا يمكن العمل بشئ منهما.
وإن لم يكن دليل على وجوب التعيين، فلا تجب القرعة، بل تجوز كما
يجوز ترك التعيين وإبقاؤه على إبهامه، أو اختيار أي واحد أراد.
وإن كان من القسم الثاني: فإن وجب فيه التعيين ولم يكن مناص منه، كأن
يوصي أحد بعتق أربع رقاب من عشرين عبيده، فإنه لا يمكن عتق الأربع المبهمة و
لا خمس الكل مشاعا، لعدم صدق الرقبة على الجزء، بل يجب عتق المعين.
فإن دل دليل شرعي على تخيير أحد في التعيين، كأن ينص الموصي على
التخيير، فيتخير هو بين تعيينه بالاختيار وبالقرعة.
وإن لم يدل دليل على كونه مختارا في التعيين، تتعين القرعة، ولا يكفي
في إثبات تخييره وجوب التعيين وانسداد الطريق كما مر. فإن قيل: الأصل عدم وجوب تعيين هذه الأربع وهذه الأربع إلى آخر
الرقاب، وإذا لم يتعين يكون مخيرا.
قلنا: لا نسلم أنه إذا لم يتعين ثبت التخيير، وإنما يثبت تخييره من جهة انتفاء
التكليف بما لا يطاق، وهذا إنما يكون لولا طريق شرعي إلى التعيين.
والحاصل: أن ثبوت ذلك الاختيار إنما يكون باللا بدية، وهي هنا مفقودة.
وبعبارة أخرى: التعيين إما بالاختيار أو القرعة، وثبوت كل منهما خلاف
664

الأصل يحتاج إلى دليل، وهو في القرعة موجود دون الاختيار، نعم لو لم تثبت
القرعة يثبت الاختيار بالانحصار.
فإن قيل: الأصل جواز اختياره كل من أراد وعدم المنع فيه.
قلنا: لا نسلم ذلك، بل الأصل عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بالقدر
الثابت، ولم تثبت مشروعية ذلك التصرف له.
نعم يصح ذلك فيما لم يكن عمله مخالفا للأصل، كما في تعيين المقدم من
المدعين، ومن الزوجات، ومن الطلبة الواجب تعليمهم، ونحو ذلك، لأن
الحكم في الأول،
والقسمة في الثاني، والتعليم في الثالث، واجب، وهو على
تقديم واحد معين متوقف، وما يتوقف عليه الواجب واجب، فتعيين المقدم
واجب.
ويمكن التعيين بالاختيار والقرعة، والاختيار هنا موافق للأصل، لأن
الأصل عدم كونه ممنوعا من سماع دعوى ذلك المعين أولا، وعدم كونه ممنوعا من
مضاجعة تلك الزوجة أولا، وهكذا، إلا إذا كان سببا لمحرم، ككسر قلب و
نحوه، فيكون مخيرا بين التخيير والقرعة لو لم يكن دليل على نفى أحدهما في
مورد، فتكون القرعة واجبا مخيرا.
ولا يتوهم جريان مثل ذلك في القسم الأول أيضا، لأن المطلوب فيه أمر
معين في الواقع، وتعيينه بالاختيار مخالف للأصل مطلقا.
هذا كله إذا وجب التعيين شرعا.
وإن لم يجب التعيين، كتقديم أحد المتعلمين في العلم الغير الواجب، أو
تقديم إحدى المتمتعتين في الليلة، فلا يجب القرعة أيضا لا معينا ولا مخيرا، بل
فيجوز له الأمران كما يجوز له تركهما.
ثم إن كل ما ذكرنا من وجوب القرعة معينا أو مخيرا بينها وبين الاختيار،
أو جوازهما، إنما هو إذا وجب العمل بالمعين أو جاز. وأما إذا لم يجز، إما
لدليل على عدم جواز العمل، أو لعدم دليل على الجواز مع كون العمل مخالفا
665

للأصل، فلا يجوز العمل، ولا القرعة، ولا الاختيار.
وذلك كما إذا حكم حاكمان متساويان في آن واحدا، متقارنين لمتداعيين،
بحكمين مختلفين، كل لواحد مع غيبوبة الآخر - على القول بجواز الحكم على
الغايب - وكون كل منهما مدعيا ومدعى عليه من جهتين، كادعاء الولد الأكبر
شيئا من باب الحبوة والأصغر حصة منه من باب الإرث، وكان ثبوت الحبوة في
ذلك الشئ مختلفا فيه، فلا يمكن التعيين حينئذ بالاختيار، وهو ظاهر،
ولا بالقرعة، إذ لم يثبت من أدلة نفوذ حكم الحاكم ووجوب إمضائه واتباعه نفوذ
ما تعارض فيه الحكمان المختلفان المتقارنان، أو نفوذ الحكمين معا محال، ونفوذ
أحدهما لكونه مخالفا للأصل يحتاج إلى الدليل، وأدلة نفوذ حكم الحاكم غير
جارية في كل منهما، لوجود المعارض له، وعدم ظهور أدلته في مثل ذلك،
بخلاف ما إذا كان أحدهما مقدما، فإن حكم المتأخر باطل، وإذا اشتبه المتقدم
والمتأخر، يرجع إلى القرعة، لأنها لكل أمر مجهول.
لا يقال: الأصل عدم نفوذ مثل ذلك الحكم أيضا، أي ما اشتبه فيه المتقدم.
قلنا: نعم إذا كان مشتبها بعد الفحص عنه والرجوع إلى أدلة تعيينه، ومن
أدلته القرعة، لأنها لكل أمر مجهول، وقولهم: (كل أمر مجهول يتعين
بالقرعة) 1 فلا اشتباه هنا، بل هو في حكم المعلوم تعيينه.
لا يقال: نفوذ حكم المتقدم بالقرعة موقوف على جواز القرعة فيه شرعا، و
هو هو أيضا فرع نفوذ حكم المتقدم بالقرعة، إذ لو لم ينفذ حكمه يكون العمل به حراما.
لأنا نقول: التوقف الأخير ممنوع، بل جواز القرعة فرع شمول دليل القرعة
لهذا المورد أيضا، وهو متحقق، ودليلها له شامل، لصدق المجهول عليه.
وظهر من ذلك: أن هذا الذي ذكر أخيرا من اختصاص العمل بالقرعة و
جوبا أو جوازا، بما إذا لم يكن العمل مخالفا للأصل، مختص بالقسم الثاني دون

(1) تقدمت الإشارة إلى مصادره في صدر العائدة ص 640.
666

الأول، لصدق المجهول الذي هو موضوع القرعة فيه مطلقا، فتأمل جدا.
ولابد للفقيه في هذه الموارد من المهارة التامة، والنظر الدقيق، والله
سبحانه ولي التوفيق.
البحث الخامس
في بيان أن القرعة بعد وقوعها وتحققها في مواردها الواجبة والجائزة، هل
هي لازمة لا يجوز التخلف عن مقتضاها والعدول عنه بعد وقوعها، إما مطلقا أو
إلا برضى المتقارعين، أو جائزة؟.
اعلم أن ما كان من القسم الأول، فلا ينبغي الريب في كونها لازمة
لا يجوز التخلف عن مقتضاها بعد وقوعها، لدلالة الأخبار المستفيضة المتقدمة
على أن ما يستخرج بالقرعة هو الحق، ويخرج بها سهم المحق، وأنه سهم الله، و
سهم الله لا يخيب، وأن القرعة حكم الله، وحكم الله لا يخطئ. وكيف يجوز
ترك الحق، وترك سهم المحق، وسهم الله، وحكم الله، والعدول إلى غيره؟.
بل منها ما لا يجوز العدول عن مقتضاها ولو تراضى المتقارعين، كما إذا
كانت الدعوى في الولد
وأما ما كان من القسم الثاني، فمقتضى الأصل فيه وإن كان عدم
اللزوم إلا أنه يمكن أن يقال: إن بعد إقراع الحاكم أو من تجوز قرعته وتنفذ
والحكم بمقتضاها، فلا شك في تعلق حق المحكوم له بما حكم له وصيرورته
حقا له، فلا يعدل عنه بمقتضى الاستصحاب إلا بمجوز للعدول، و
لا مجوز له.
والحاصل: أن مقتضى الاستصحاب لزومها حينئذ أيضا، فتكون لازمة.
بل يمكن إثبات أصالة اللزوم بمقتضى الاستصحاب بعد القرعة وقبل حكم
الحاكم أيضا، إذ لا شك أنه يحصل من جهة الإقراع وخروج سهم لأحد
المتقارعين أو لكليهما، نوع خصوصية وتعلق موجبة لوجوب حكم الحاكم أو
667

جوازه لكل نصيب وسهم لكل شريك من الشركاء، إذ لولاها 1 لم يجز للحاكم
الحكم به له، فيجب استصحاب تلك الخصوصية والتعلق إلى أن يعلم المزيل، فتدبر.
البحث السادس
في بيان كيفية القرعة
اعلم أن القرعة مأخوذة من قارعة القلوب، أي: ما يخوفها، لأن قلب كل
من المتقارعين في الشدة والمخافة حتى يخرج سهمه. أو من القرع، بمعنى
الضرب، حيث إنه يضرب بالعلامة على الحصة 2.
وفي عرف المتشرعة: عبارة عن العمل المعهود.
والظاهر - كما صرح به جماعة من الفقهاء - 3 عدم انحصارها في أمر
مخصوص. ولذا ورد في الكتاب والسنة بالأقلام، كما في الآية الثانية 4: كانوا
يلقون الأقلام بالنهر، فمن علا سهمه - أي ارتفع - كان له الحظ. وبالكتابة على
السهم، كما ورد في الرواية الثانية والعشرين، والرواية الثالثة والعشرين 5. و
بخواتيم الحاكم والقوم، كما في الرواية الحادية 6 عشر.
وبخواتيم الشركاء، كما
في الثانية عشر 7.
وبالكتابة على الرقاع، وبالبعرة والنوى، كما في الروايات
الأخيرة 8.

(1) أي الخصوصية.
(2) مجمع البحرين 4: 377.
(3) انظر القواعد والفوائد 2: 23، 183، وعناوين الأصول للمراغي: 120.
(4) آل عمران 3: 44، قوله تعالى: (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم).
(5) المتقدمين في ص 646، 647، وهما صحيحتا فضيل.
(6) المتقدمة في ص 643، وهي رواية أبي بصير.
(7) المتقدمة قي ص 644، وهي رواية أصبغ بن نباته.
(8) المتقدمة في ص 651، الحديثان 44، 45.
668

والمتداول بين الفقهاء: الإقراع بالكتابة على الرقاع، فيأخذون الرقاع بعدد
الشركاء أو بعدد السهام بالطريقين المعروفين.
والكل جائز، لصدق القرعة عرفا، وأصالة عدم اشتراط نوع خاص، وإن كان
الأولى الاقتصار على ما ورد في الروايات، بل على ما تداول عند الفقهاء.
ويستحب الدعاء لإراءة الحق بمطلق الدعاء، كما في الرواية الرابعة
والعشرين 1.
والأفضل الدعاء بالمأثور في إحدى الروايات المتقدمة، وهي وإن كانت
واردة في مورد كان المطلوب تمييز الحق المتعين واقعا، ولكن الظاهر عدم
اختصاصه به.
ثم تفصيل هذه المطالب يطلب في الموارد الجزئية من الكتب الفقهية، والله
العالم.

(1) المتقدمة في ص 647، وهي مرسلة ثعلبة.
669

عائدة (63)
في بيان الإجماع
اعلم أن المذكور في عبارات أصحابنا المتأخرين -
رضوان الله عليهم - أن
الإجماع المحقق المعتبر عند الفرقة المحقة الناجية - كثرهم الله تعالى - يطلق على
معان ثلاثة:
الأول: اتفاق جميع علماء الأمة، أو علماء الإمامية، الذين منهم إمام
العصر عليه السلام، إما مطلقا أو في عصر، على أمر.
وذلك هو المراد من الإجماع عند أكثر قدماء أصحابنا، منهم الشيخ
المفيد، قال في تذكرة الأصول، على ما ذكره الكراجكي في مختصره، بعد
حصر أصول الأحكام في الكتاب والسنة النبوية والإمامية: وليس في
إجماع الأمة حجة من حيث كان إجماعا، ولكن من حيث كان فيها الإمام
المعصوم. فإذا ثبت أنها كلها على قول، فلا شبهة في أن ذلك القول هو
قول المعصوم، إذ لو لم يكن كذلك كان
الخبر عنها بأنها مجمعة
باطلا 1.
وقال في أول كتاب المقالات على ما حكي عنه: إجماع الأمة حجة،

(1) كنز الفوائد 2: 29.
671

لتضمنه قول الحجية 1.
ومنهم السيد الأجل المرتضى، قال في جواب مسائل ابن التبان بعد ذكر
كلام طويل: فإذا كانت أقوال العلماء في كل مذهب مضبوطة، والإمام لا يكون
إلا سيد العلماء وأوحدهم، فلا بد من دخوله في جملتهم 2.
وقال في الذريعة: قولنا: الإجماع: إما يكون واقعا على الأمة، أو على
المؤمنين، أو على العلماء، فيما يراعى فيه إجماعهم، وعلى كل الأقسام لابد أن
يكون قول الإمام المعصوم داخلا فيه، لأنه من الأمة، ومن أجل المؤمنين، و
أفضل العلماء 3.
وقال في المسائل الرسية: فإذا قيل لنا: فلعل الإمام - لأنكم لا تعرفونه بعينه -
يخالف علماء الإمامية فيما اتفقوا عليه.
قلنا: لو خالفهم لما علمنا ضرورة اتفاق علماء الإمامية الذين هو واحد منهم
على هذه المذاهب المخصوصة، وهل الإمام إلا أحد علماء الإمامية؟ 4.
وقال في المسائل الموصليات الثالثة: وهنا طريق آخر يوصل به إلى العلم
بالحق والصحيح في أحكام الشريعة عند فقد ظهور الإمام وتميز شخصه، وهو
إجماع الفرقة المحقة، إذ قول الإمام - وإن كان غير متميز الشخص - داخل في
أقوالها غير خارج عنها، فإذا اجتمعوا على مذهب من المذاهب، علمنا أنه هو
الحق الواضح والحجة القاطعة، لأن قول الإمام، الذي هو الحجة، في جملة
أقوالها، وكأن الإمام قائله 5. وقال نحوا منه في المسائل الحلبيات 6.
وقال في المسائل التبانيات: إذا كان الإمام أحد العلماء بل سيدهم، فقوله

(1) أوائل المقالات: 121، القول في الإجماع.
(2) المسائل التبانيات (رسائل الشريف المرتضى) 1: 15.
(3) الذريعة إلى أصول الشريعة 2: 605.
(4) المسائل الرسية (رسائل الشريف المرتضى) 2: 368.
(5) المسائل الموصليات (رسائل الشريف المرتضى) 1: 205.
(6) نقله عنه في كشف القناع: 128.
672

في جملة أقوال العلماء، فإذا علمنا في قول من الأقوال أنه مذهب لكل عالم من
الإمامية، فلا بد من أن يكون الإمام داخلا في هذه الجملة، كما لابد من أن
يكون كل عالم إمامي - وإن لم يكن إماما - داخلا في الجملة 1.
ومنهم السيد الشريف الرسي الذي هو السائل من السيد المرتضى، قال فيما
سأله من السيد: إذا كان طريق معظم الأحكام الشرعية إجماع علماء الفرقة
المحقة، لكون الإمام المعصوم الذي لا يجوز عليه الخطأ واحدا من علمائهم 2. إلى
آخر ما قال.
ومنهم الشيخ الجليل أبو جعفر الطوسي، قال في العدة: فمتى اجتمعت
الأمة على قول، فلا بد من كونه حجة لدخول الإمام المعصوم في جملتها. و
متى قيل: جاز أن يكون قول الإمام منفردا عن إجماعهم. قلنا: متى فرضنا انفراد
الإمام عن الإجماع، فإن ذلك لا يكون إجماعا 3.
وقال في كتاب الغيبة: فإن قيل: إذا كان الإجماع عندكم إنما يكون حجة
لكون المعصوم فيه، فمن أين تعلمون أن قوله داخل في جملة أقوال الأمة؟ و
بهذا جاز أن يكون قوله منفردا عنهم، فلا تثقون بالإجماع.
قلنا: المعصوم إذا كان من جملة علماء الأمة، فلابد من أن يكون قوله
موجودا في جملة أقوال العلماء.
إلى أن قال: فإذا اعتبرنا أقوال الأمة، ووجدنا بعض العلماء يخالف فيه،
فإن كنا نعرفه ونعرف مولده ومنشأه، لم نعتد بقوله، لعلمنا بأنه ليس بإمام، وإن
شككنا في نسبه لم تكن المسألة إجماعا 4.
ومنهم السيد ابن زهرة الحلبي، قال في أصول الغنية: فإن قيل: كيف

(1) المسائل التبانيات (رسائل الشريف المرتضى) 1: 18.
(2) المسائل الرسية (رسائل الشريف المرتضى) 2: 366.
(3) عدة الأصول 2: 232.
(4) الغيبة: 18.
673

يمكنكم القطع على أن قول الإمام الغائب في جملة أقوال الإمامية مع عدم تميزه و
عدم معرفته مع استتاره وغيبته؟.
قلنا: قد بينا فيما مضى أن إمام الزمان عندنا موجود العين فينا، وبين أظهرنا،
نلقاه ويلقانا، وإن كنا لا نعرفه بعينه ولا نميزه عن غيره، ومعنى قولنا إنه غائب:
أنه مجهول العين، غير متميز الشخص، ولا نريد بذكر الغيبة أنه بحيث لا يرى
شخصه ولا يسمع كلامه، وما منزلته عندنا في حالة الغيبة إلا منزلة كل من لا
نعرفه بنسبه من جملة الإمامية.
وإذا كنا نعرف إجماع المسلمين على مذهب
الواحد ونقطع عليه، وأكثرهم لا نعرفه ولا نلقاه ولا نشاهده، فما المنكر من
معرفة إجماع الإمامية والإمام من جملتهم على مذهب بعينه؟ وهل الإمام من
جملة الإمامية إلا بمنزلة من لا نعرفه من جملة المسلمين؟ 1.
ومنهم الشيخ سديد الدين محمود الحمصي، قال في التعليق العراقي: إن
الحجة هو الإجماع المشتمل على قول المعصوم في الجملة من غير احتياج إلى
العلم بتعيينه.
إلى أن قال: الاستدلال بالإجماع لا يصح إلا إذا علم قطعا إجماع جميع
علماء الإمامية على الحكم من غير استثناء أحد منهم، إلا من كان معلوم النسب و
كان غير الإمام، فلا يضر خروجه 2.
ومنهم الشيخ محمد ابن إدريس الحلي، قال في السرائر: وجه كون الإجماع
حجة عندنا، دخول قول المعصوم عن الخطأ في الحكم بين القائلين بذلك، فإذا
علمنا في جماعة قائلين بقول، أن المعصوم ليس هو في جملتهم، لا نقطع على

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 478، ولكن ليس فيها من قوله: فما المنكر - إلى من جملة المسلمين.
ونقله في كشف القناع: 92 - 93 كما في المتن.
(2) نقله عنه في كشف القناع: 94. والتعليق العراقي في كلام، فرغ منه في التاسع من شهر جمادي
الأولى سنة 581. يعرف بالعراقي، لأنه ألفه بالعراق في بلدة الحلة بالتماس علمائها، واسمه (المنقذ
من التقليد). راجع: الذريعة 4: 222، و 23: 151.
674

صحة قولهم إلا بدليل غير قولهم. وإذا تعين المخالف من أصحابنا باسمه ونسبه،
لم يؤثر خلافه في دلالة الإجماع.
إلى أن قال: وبما ذكرناه يستدل المحصل من أصحابنا على المسألة بالإجماع،
وإن كان فيها خلاف بين من بعض أصحابنا المعروفين بالأسامي والأنساب 1.
ومنهم الشيخ أبو الصلاح الحلبي، قال في الكافي: وإجماع العلماء من
الإمامية يقتضي دخول الحجة المعصوم في جملتهم، لكونه واحدا منهم دون من
عداهم 2.
وقال في كتاب تقريب المعارف: وليس لأحد أن يقول: استدلالكم هذا
مبني على الإجماع وأنتم لا تجعلونه حجة، لأنا بحمد الله لا نخالف في كون
الإجماع حجة، وإنما نمنع من خالفنا من إثبات حجيته من الطرق التي يدعيها،
والخلاف في ذلك المذهب لا يقتضي إنكاره، فكيف يظن بناء ذلك مع العلم
بإثباتنا في كل عصر من جملة الفرق الإسلامية.
إلى أن قال: فإن اعتبارنا دخول المعصوم في الإجماع كاعتبارهم دخول كل
عالم في كل إجماع 3.
ومنهم الشيخ قطب الدين الراوندي، قال في فقه القرآن: في إجماع هذه
الطائفة حجة قاطعة ودلالة موجبة للعلم بكون المعصوم الذي لا يجوز عليه الخطأ
فيه 4.
وقال في موضع آخر منه: إنما قلنا إن إجماعهم حجة، لأن في إجماعهم قول الإمام 5.

(1) السرائر 2: 529.
(2) الكافي في الفقه: 507.
(3) تقريب المعارف: 118.
(4) فقه القرآن 1: 4.
(5) فقه القرآن 2: 93.
675

ومنهم الشهيد، قال في الذكرى: وجدواه - أي الإجماع - لا مع تعيين
المعصوم، فإنه يعلم به دخوله.
والطريق إلى معرفة دخوله: أن يعلم إطباق
الإمامية على مسألة 1.
إلى غير ذلك من متقدمي الأصحاب ومتأخريهم ممن يطول المقال بذكر
كلماتهم، بل لعلة الإجماع عند جميع القدماء.
ولا يخفى أن بناء هذه الطريقة على دخول الإمام الغائب في المجمعين،
والعلم بوفاقه لهم في زمان الغيبة، بناء على ما صرحوا به من كونه كأحد العلماء
يلقاهم ويلقونه، ويختلط معهم، ويتردد فيهم، ويراهم ويرونه، إلا أنهم
لا يعرفونه بنسبه، فلا فرق بينه وبين سائر العلماء إلا في ذلك.
فإذا أمكن العلم باتفاق جميع علماء عصر غير الإمام، يمكن العلم باتفاق
جميعهم حتى الإمام أيضا، لأنه أيضا، كواحد منهم.
ويدل على أن ذلك مرادهم من دخول الإمام في المجمعين: اشتراط وجود
مجهول النسب وعدم قدح خلاف معروف النسب، وقولهم كثيرا في مقام
الاستدلال بالإجماع مع وجود مخالف: إنه انقطع خلافه وانعقد الإجماع بعده،
أو قبله وبعده، وغير ذلك.
ويدل عليه أيضا قول السيد - المتقدم - عن المسائل: الرسية: لأنكم لا تعرفونه
بعينه 2. وقوله في المسائل الموصلية: عند فقد ظهور الإمام. وقوله: وإن كان
غير متميز الشخص 3.
وقول الشيخ - المتقدم - في كتاب الغيبة: فإن كنا نعرفه ونعرف مولده و
منشأه لم نعتد بقوله، لعلمنا بأنه ليس بإمام 4.

(1) الذكري: 4.
(2) المسائل الموصلية (رسائل الشريف المرتضى) 1: 205.
(4) الغيبة: 18.
676

وقول ابن زهرة - المتقدم -: على أن قول الإمام الغائب في فجملة أقوال
الإمامية 1.
بل كلامه المتقدم إلى آخره صريح في ذلك. وكذا كلام الحمصي، و
الحلي 2.
وقول الحلبي - المتقدم - في التقريب: مع العلم بإثباتنا في كل عصر من
جملة الفرق الإسلامية 3.
وقول المحقق في المعارج، قال: وثالثها: أن يفترقوا فرقتين ويعلم أن الإمام
ليس في أحدهما، ويجهل الأخرى، فيتعين الحق مع المجهولة 4.
وقال فيه أيضا: وإن علم أن لا مخالف ثبت الإجماع قطعا، وإن علم
المخالف وتعين باسمه ونسبه، كان الحق في خلافه. وإن جهل نسبه، قدح ذلك
في الإجماع، لجواز أن يكون هو المعصوم 5.
وقول الشهيد في الذكرى، قال: والطريق إلى معرفة دخوله: أن يعلم
إطباق الإمامية على مسألة معينة، أو قول جماعة فيهم من لا يعلم نسبه، بخلاف
قول من يعلم نسبه، فلو انتفى العلم بالنسب في الشطرين فالأولى التخيير.
ثم أورد: بأنه يجوز في كل واحد من علماء الأمة المجهول النسب أن يكون
هو الإمام، فلم خصصتم بالإمامية؟
وأجاب: بأنه لما قام البرهان العقلي والنقلي على تضليل من خالف أصول
الطائفة، امتنع كون الإمام منهم 6.
وقول صاحب المعالم، حيث قال في الإجماع: ولابد في ذلك من
وجود من لا يعلم أصله ونسبه في جملتهم، إذ مع علم أصل الكل ونسبهم

(1) الغيبة (الجوامع الفقهية): 478.
(2) السرائر 2: 529.
(3) تقريب المعارف: 118.
(4) لم نعثر عليه في المعارج، ولكن وجدناه بنصه في المعتبر 1: 31.
(5) معارج الأصول: 132.
(6) الذكري: 4.
677

يقطع بخروجه عنهم.
إلى أن قال: لا سبيل إلى العلم بقول الإمام، كيف؟ وهو موقوف على
وجود المجتهدين المجهولين ليدخل في جملتهم، ويكون قوله مستورا بين أقوالهم،
وهذا مما يقطع بانتفائه 1.
إلى غير ذلك من كلماتهم الصريحة في ذلك.
ولذا عنون بعض العلماء هذا الطريق بقوله: الطريق الأول أن يعلم قول
الإمام الغايب عليه السلام من وجود مجهول النسب في المجمعين. وقال: هذا الطريق هو
الطريق الذي اشتهر بين الأصحاب في كتب الأصول والفروع، وعليه تعويل
جماعة من محققيهم 2.
ولذا رد هذا الطريق بعض آخر: بأن وجود قول معلوم لغير معلوم بحيث
يعلم انحصاره في الإمام الغايب متميزا، أو مختلطا بأقوال اخر معلومة
لمجهولين، من المحالات العادية، ولا سبيل لأحد إليه في مسألة واحدة فضلا عن
مسائل كثيرة 3.
ورده آخر: بأنه لو بنيت الإجماعات المتداولة على ذلك، لزم أن تكون أقوال
الإمام في حال غيبته أكثر دورانا بين الناس من أكثر ممن عداه في حال الظهور، و
لزم أنه لا ينبغي حينئذ رد الأقوال المجهولة القائل بالشذوذ وجهالة القائل كما هو
المعروف بينهم، بل ينبغي أشدية الاعتناء بها، بل يستلزم المصير إليها بعد ملاحظة
ضعف أدلة ساير الأقوال 4.
ورده ثالث: بأن الإمام معلوم الاسم والنسب، لكنه غير معلوم الشخص
والمذهب، فلا معنى على هذا الوجه لاعتبار جهالة الاسم والنسب. وبأن الإمام
إذا كان غائبا ولم يعلم مكانه هل هو في شرق أو غرب، بر أو بحر، سهل أو

(1) معالم الأصول: 175 - 176.
(2) لم نعثر على قائل لهذه الأقوال، ولكن نقلها في كشف القناع أيضا: 90، 101، 102،
فراجع.
(3) لم نعثر على قائل لهذه الأقوال، ولكن نقلها في كشف القناع أيضا: 90، 101، 102،
فراجع.
(4) لم نعثر على قائل لهذه الأقوال، ولكن نقلها في كشف القناع أيضا: 90، 101، 102،
فراجع.
678

جبل، مخالط للناس أو منفرد عنهم، ولم تجر العادة بذكر أقواله في زمن الغيبة
على طول المدة، فجعله كأحد العلماء ودعوى العلم بقوله، مجازفة فاسدة 1.
وصرح بما ذكر أيضا الشريف الرسي بعد ما تقدم نقله في سؤاله عن السيد
المرتضى، فقال بعد ما تقدم: ووجوب هذه القضية يوجب أحد أمور، كل منها
لا يمكن القول به: إما كون فتيا الإمام الغائب المرتفعة معرفته بعينه خارجة عن
إجماع العلماء الإمامية، وهذا يمنع الثقة بالإجماع. أو كون فتياه داخلة فيهم،
فهذا يوجب تعيينه، وهذا متعذرا الآن مع غيبته 2.
وصرح به السيد أيضا في بعض ما أورده على نفسه، حيث قال: أتجوزون
أن يكون في جملة الإمامية عالم يخالف هذه الطائفة في بعض المسائل، لم ينته
إليكم خبره، لأنه ما اشتهر كاشتهار غيره، ولا له مصنفات سارت واشتهرت؟
فإن أجزتم ذلك، فلعل الإمام هو ذلك العالم..... وإن منعتم من كون عالم من
علمائهم يخفى خبر خلافه لهم في بعض المذاهب، فقد كابرتم 3. انتهى.
واعلم أن مرادنا مما ذكرنا: أن مبنى هذه الطريقة على دخول الإمام الغائب
في جملة المجمعين في الإجماعات المنعقدة في زمان الغيبة.
وأما في زمان الحضور، فالمراد دخول إمام الزمان الحاضر في كل زمان، لا
أن هذه الطريقة منحصرة بإجماع زمان الغيبة ودخول الإمام الغائب فقط، كما
يظهر من بعض. ولذا ترى جمعا ممن تقدم رد تلك الطريقة في زمان الغيبة وقبلها
في الحضور 4. والثاني 5: إجماع علماء الرعية على أمر.

(1) لم نعثر على قائله، ونقله في كشف القناع: 103.
(2) المسائل الرسية (رسائل الشريف المرتضى) 2: 366.
(3) المسائل الرسية (رسائل الشريف المرتضى) 2: 369.
(4) انظر كشف القناع: 102.
(5) في (ه‍) زيادة: طريقة وجوب الردع.
679

قال بعض المتأخرين: علمنا بدخول قول المعصوم في الإجماع من جهة أن
الروايات الكثيرة دلت على أن الإمام يجب عليه رد الأمة لو اتفقوا على
البدعة، وإبطال قول المبطلين، وإخراج ما أدخل في الدين، فإذا لم يظهر
خلافهم علمنا أن اتفاقهم حق، وأنه راض، فدل الإجماع على رضاه 1. انتهى.
دل قوله: فدل الإجماع على رضاه، أن الإجماع أمر وراء رضى الإمام، بل
هو كاشف عنه، وأنه اتفاق علماء الرعية. واشتهر نسبة ذلك الوجه إلى الشيخ الطوسي، وهي ليست كذلك، فإنه
قد مر كلامه من العدة وكتاب الغيبة، المصرح بأنه يشترط في تحقق الإجماع
دخول الإمام في المجمعين، وأنه إذا كان خارجا عنهم لم يكن إجماعا 2.
وقد مر أيضا من كتاب الغيبة، وذكر في من مواضع من العدة أيضا: اشتراط
وجود مجهول النسب، وعدم قدح مخالفة معلوم النسب 3.
وذلك لا يتأتى على
الوجه الثاني، كما لا يخفى.
نعم يظهر من بعض كلماته في العدة وغيره: أنه إذا لم يردع الإمام الرعية
عن القول في المسألة، سواء كان اتفاقيا أو خلافيا، تعلم صحته مع الاتفاق
والتخيير مع الاختلاف 4.
ولكن لا دلالة في ذلك على كونه إجماعا عنده، كما بينا ذلك في كتاب
مناهج الأحكام 5، وفي شرحنا على تجريد الأصول.
وأما قول الشيخ في جملة من عباراته في العدة وغيره: من أنه لولا قولنا
بوجوب الرد على الإمام، لما صح لنا الاستدلال بإجماع الفرقة، إذ لا يعلم

(1) القائل هو المولى محمد صالح السروي المازندراني في حاشية معالم الأصول: 175.
(2) تقدم في ص: 673.
(3) تقدم كلام الغيبة في ص 673. وانظر عدة الأصول 2: 246.
(4) عدة الأصول 2: 246.
(5) مناهج الأحكام: 193، الفصل الثالث في حجية الإجماع.
680

دخول قول الإمام ورضاه إلا بذلك 1.
فلا دلالة فيه على أن مراده من الإجماع هو إجماع الرعية، وأن طريقته في
الإجماع غير الطريقة الأولى، لأنه يريد بذلك طريق معرفة الإجماع، فالإجماع
عنده هو اتفاق جميع علماء العصر الذين منهم الإمام، ولكن يقول: بأن معرفة
دخول الإمام إنما هو بوجوب الردع عن الباطل عليه.
كما أن السيد أيضا يقول: بأن الإجماع هو اتفاق الكل، ولكنه يثبت دخول
الإمام فيهم بطريق آخر.
بل كان السيد أولا أيضا يقول بذلك ثم رجع عنه، كما يظهر من كلام الشيخ
في العدة، وكتاب الغيبة، وغيرهما 2.
ويظهر ارتضاء هذه الطريقة من كلام السيد في المسائل الطرابلسيات 3.
بل كان هذه طريقة جمع من المشايخ المتقدمين على السيد، كما صرح به
الشريف الرسي فيما سأل عن السيد، حيث قال بعد ما نقلنا عنه أخيرا في تعداد
وجوه العلم بدخول الإمام في المجمعين: أو يقال: إن في إمساكه عن النكير دلالة
على رضاه بالفتيا، فهذه طريقة المتقدمين من شيوخنا، وقد رغبنا عنها، وصرحنا
بخلافها، لأن فيها الاعتراف بأن الإمساك يدل على الرضاء مع احتماله لغيره من
الخوف المعلوم حصوله للغائب 4. انتهى.
وبالجملة، فمراد الشيخ من الإجماع هو بعينه مراد السيد، إلا أنه يخالفه في
طريق إدخال الإمام في المجمعين، لا أن يكون يريد بالإجماع إجماع علماء الرعية.
وجعل بوجه حجيته رضى الإمام، وإن كان اتفاق علماء الرعية أيضا حجة عنده
من جهة عدم الردع.

(1) عدة الأصول 2: 250.
(2) عدة الأصول 2: 247، الغيبة: 66، تلخيص الشافي 1: 96.
(3) المسائل الطرابلسيات (رسائل الشريف المرتضى) 1: 311.
المسائل الرسية (رسائل الشريف المرتضى) 2: 367.
681

الثالث: إجماع العلماء كلا أو بعضا، بحيث يكشف باتفاقهم دخول
المعصوم فيهم وكونه من جملتهم، سواء كان ذلك اتفاق جميع العلماء، أو
جميع علماء الرعية، أو بعضهم، وسواء كانوا جميعا معروفي النسب
أولا 1.
وهذا المعنى هو الذي ذكره أكثر المتأخرين من أصحابنا، واختاره المحققون
من مشايخنا 2.
ونسبه بعض مشايخنا المحققين إلى معظم المحققين 3، بل يظهر من بعضهم: أن
هذه الطريقة هي الطريقة المتداولة بين القدماء وإن لم يصرحوا بها،
ولأجلها طرحوا أخبارا كثيرة صحيحة مخالفة لما وصل إليهم يدا بيد من فتاوى
الأصحاب 4.
ولا تحتاج هذه الطريقة إلى إثبات وجود الحجة المعصوم في كل زمان ولا
استكشاف رأي الإمام في غيبته، ولا إلى تقييد حد الإجماع بقولنا (في عصر)،
بل قد يكون القيد مخلا.
بل لا تحتاج هذه الطريقة إلى إثبات دخول المعصوم في المجمعين، بل تكفي
موافقة قوله لأقوالهم وإن لم يدخل شخصه فيهم إذا كان في عصرهم، وتكفي
في انعقاد الإجماع في زمان الغيبة موافقته لقول أحد الأئمة الماضيين.
ثم إن أحد هذه المعاني الثلاثة: هي المراد من الإجماع المعروف بين
أصحابنا، وقد ذكرناها بتحقيقها وتفصيلها، وبيان صحتها وسقمها، وإمكان
ثبوته وعدمه، وسائر ما يتعلق بها في كتبنا الأصولية، وليس مقصودنا هنا
التعرض لأمثال ذلك.

(1) في (ب)، (ه‍) زيادة: ويسمى بطريقة الحدس والوجدان.
(2) فوائد الأصول: 85 فائدة 23، كشف الغطاء: 33، رسالة الإجماع للأستاذ الكل الوحيد البهبهاني (مخلوط).
(3) نسبه الوحيد إلى معظم المحققين في رسالة الإجماع.
(4) فوائد الأصول: 86 فائدة 23، وانظر كشف القناع: 169.
682

ولما كان قد يذكر لبيان معرفة الإجماع وطرق كشف الاتفاق عن قول الإمام
ولمرادهم من الإجماع وجوه اخر، متجاوزة عن الخمسة عشر، فأردنا ذكرها هنا،
وبيان نسبتها مع هذه المعاني الثلاثة، وكونها من طرق الإجماع عندهم أم لا، و
كونها من الإجماع أم لا، من غير تعرض غالبا لتزييفها أو تصحيحها.
فنقول: إنه قد يذكر في مقام تعداد وجوه الإجماع وطرق الكشف عن قول
الحجة المستند إلى اتفاق الأصحاب وجوه:
الأول: إجماع جميع العلماء الذين منهم المعصوم في كل عصر، بحيث
يعلم قول المعصوم في جملة أقوال الغير المعروفين منهم في زمان الغيبة، و
يكون الطريق إلى معرفة قوله هو الطريق إلى معرفة أقوال سائر العلماء، من
الحد المقتضي للعلم الإجمالي باتفاق الجميع من جهة الأدلة ونحوها، أو
قياس الغائب على الشاهد والمجهول على المعلوم، أو التظافر والتسامع الوارد من
كل جانب وعدم الاختصاص ببعض دون بعض، أو عدم نقل الخلاف الدال على
اتفاق الكل. أو من جملة من هذه الوجوه، أو من جميعها.
وينسب هذا الوجه إلى السيد المرتضى وجمع آخر 1. ويسمى ذلك الطريق
والطريقان الآتيان بعده بطريق دخول مجهول النسب.
الثاني: إجماع جميع العلماء أيضا على النحو المذكور، إلا أنه يكون الطريق
إلى معرفة قوله وجوب ردعه عن الاتفاق على الباطل من جهة قاعدة اللطف.
كما فيستكشف قول الإمام من اتفاق من عداه من العلماء على حكم وعدم ردعهم
عنه، نظرا إلى قاعدة وجوب اللطف.
وتنسب هذه الطريقة إلى الشيخ، حيث استدل في جملة من كلماته على

(1) المسائل الرسية (رسائل الشريف المرتضى) 2: 367، ونسبه في كشف القناع: 91 إلى ظاهر الغنية
وجملة من العلماء كالشيخ الطوسي والشيخ سديد الدين الحمصي وغيرهما، وراجع الغنية (الجوامع
الفقهية) 478.
683

صحة ما أجمعوا عليه ودخول الإمام المعصوم في المجمعين بوجوب اللطف 1. و
قد تبعه على ذلك جمع آخر من القدماء 2. وقواه جملة من مشايخنا المعاصرين 3.
الثالث: إجماع جميع العلماء أيضا على النحو المذكور، إلا أنه يكون الطريق
إلى معرفة قول الإمام وجوب ردعه إياهم عن الاتفاق على الباطل بالأدلة السمعية
من 4 الروايات المتقدم إليها الإشارة.
وقد ينسب ذلك أيضا إلى الشيخ وجماعة 5.
الرابع: إجماع جميع العلماء أيضا على النحو المذكور إلا أنه يكون الطريق
إلى معرفة قول الإمام وجوب ردعه عن الباطل بقاعدة التقرير. وسيأتي زيادة بيان
لها.
وهذه الطريقة يحتملها كلام أبى الصلاح الحلبي، وظاهر الشريف
الرسي 6، كما تقدم نسبتها إلى مشايخنا المتقدمين.
ويشترط في جميع هذه الوجوه الأربعة وجود مجهول النسب في المجمعين،
ولا تضر مخالفة معلوم النسب الشاذ، ويكون معنى الإجماع: اتفاق جميع
العلماء الذين منهم الإمام المعصوم، وتكون دلالة الإجماع على دخول المعصوم
بالدلالة التضمنية، وتكون حجية الإجماع من جهة بعض أجزائه.
الخامس: إجماع جميع علماء الرعية، فلا يكون الإمام من أجزاء
الإجماع. ويراد من لفظ الإجماع: اتفاق علماء الرعية، وإنما يكون الإجماع

(1) كما في كشف القناع: 93، وقوانين الأصول 1: 349، وانظر عدة الأصول 2: 245، وكتاب
الغيبة: 18.
(2) انظر على سبيل المثال الكافي لأبي الصلاح: 507، الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): 478.
(3) منهم الوحيد البهبهاني في رسالة الإجماع (مخلوط)، السيد بحر العوام في فوائد الأصول: 86
فائدة 23، وانظر مفاتيح الأصول: 496.
(4) في (ه‍) زيادة: جهة.
(5) كما في قوانين الأصول 1: 350.
(6) الكافي في الفقه، المسائل الرسية (رسائل الشريف المرتضى) 2: 367.
684

حجة لكشفه عن رضى المعصوم، لوجوب ردعه عن الاتفاق على الباطل من
جهة قاعدة اللطف. وتنسب هذه الطريقة إلى الشيخ أيضا 1. وليس في كلامه ما يدل على كون
ذلك إجماعا وإن جعله حجة، بل الظاهر من كلماته: أن الإجماع هو اتفاق
جميع العلماء بحيث يكون الإمام من أجزائهم.
ولا يشترط على هذا ذلك الطريق والطريقين المتعقبين له وجود مجهول النسب
في المجمعين، وتكون دلالة الإجماع على قول الإمام دلالة التزامية، وتكون حجية
الإجماع من جهة لازمه، ويكون معنى 2 الإجماع: اتفاق علماء الرعية خاصة.
السادس: إجماع جميع علماء الرعية على النحو المذكور، إلا أنه يكون
الدليل على رضى المعصوم بما أجمعوا عليه، الأدلة السمعية من الروايات
الكثيرة، كما مرت إليه الإشارة.
وهذه الطريقة مما ارتضاها بعض علمائنا المتأخرين كما مر 3.
السابع: إجماع جميع علماء الرعية على نحو المذكور، إلا أنه يكون الدليل
على رضى المعصوم
بما أجمعوا عليه تقرير المعصوم، أي: يستكشف رأي الإمام
على هذه الطريقة من جهة دلالة التقرير الناشئة عن الإمساك عن النكير على إصابة
المجمعين. فإن تقرير المعصوم حجة إذا كانت الشيعة بمرأى من الإمام الغايب و
مسمع منه، يراهم ويلقاهم، معروضا عليه أعمالهم، منكشفة لديه أحوالهم،
متمكنا من إنكار باطلهم على عالمهم وجاهلهم.
فحينئذ يكون عدم رده عليهم ما اتفقوا عليه تقريرا لهم عليه، وهو حجة،
لأن إنكار المنكر والنهي عنه - كتعليم الواجب والأمر به - واجب على كل أحد.
وهذا الوجه مما ذكره بعض سادة مشايخنا المحققين، وعزاه أيضا إلى

(1) كما في كشف القناع: 115.
(2) في (ج)، (ح): ويكون مقتضى.
(3) مر في صفحة: 684 في الهامش 3.
685

بعض المتأخرين.
وقد شيده شيخنا المذكور وقال: إن تقرير المعصوم حجة في فعل الواحد
فكيف بالجمع الكثير. ولا تمنع منه الغيبة علمه بالحال والتمكن من الرد، فإنه و
إن غاب عنا إلا أنه بين أظهرنا، نراه ويرانا ونلقاه ويلقانا، وإن كنا لا نعرفه
بعينه، فإنه يعرفنا ويرعانا ويطلع على أحوالنا وتعرض عليه أعمالنا.
قال: ولا يلزم من ذلك وجوب الإنكار مع الاختلاف، لوجوده من المحق، و
لا وجوبه في شأن العصاة، لجواز الاكتفاء فيه بوضوح الحق 1.
ثم إنه قد أشرنا في كتاب المناهج إلى عدم تمامية هذه الطريقة لوجوه 2.
وأيضا دلالة التقرير إنما هي لو علمنا فائدة في الإنكار على من صدر منه
المنكر، ولا يكون صدوره منه مستندا إلى ما لا ينجع 3 الإنكار معه، وعدم رجوعه
قبل الإنكار، وعدم تقدم الإنكار من غيره خصوصا أو عموما، وعدم حصوله من
الامام بالنسبة إلى أحد من المجمعين ولو خفيا، وعدم تقية ولا خوف.
وأيضا يلزم تساوى دلالته في صورتي الاتفاق والاختلاف.
والقول باكتفائه عند الاختلاف بإنكار المحق، فمع أنه يفيد لو فرض وجود
المحق دائما بين المختلفين 4، إنما يفيد مع علم المخطئ بكون المحق محقا.
على أن المختلفين قد لا يقف بعضهم على قول بعض، وإنما حكم كل بما أدى
إليه نظره، وحدث لذلك 5 الاختلاف على سبيل الاتفاق، وعلمه غير المختلفين.

(1) فوائد الأصول: 85 فائدة 23، واختار هذا الوجه صاحب كشف القناع فيه: 164، والسيد المجاهد
في مفاتيح الأصول: 497.
(2) مناهج الأحكام، الفصل الثالث في بحث الإجماع: ص 192 - 193.
(3) في (ه‍): لا يمنع. وينجع معناه: ينفع - انظر المصباح المنير: 594. والمراد من مجموع الجملة: هو
عدم كون فعل المنكر لعلة لا ينفع معها الإنكار، كما إذا كان صدوره منه لتجريه وعصيانه، أو أن فعله
لعلة تمنع من الإنكار، كما إذا كانت العلة هي ظلم الناس وتسبيبهم اختفاء المعصوم.
(4) فربما يكون المختلفون جميعهم مخالفين للحق.
(5) أي: لأجل ذلك.
686

وربما يقف المحق على قول المخطئ دون العكس.
وربما لا يجمعهما عصر واحد.
وأيضا لا يعلم أن اطلاع الإمام على رأي كل مجتهد في كل قطر من أقطار
العالم في عصر، واقع بهذا العلم المتعارف الذي هو مناط التكليف بالنهي عن
المنكر، وأن نهيه 1 بهذا الطريق كاف في حصول التكليف، فلا يمكن إثبات
وجوبه أصلا.
وأيضا كون ما أدى إليه نظر المجتهد بعد استعماله القواعد المقررة المصححة عنده في الاجتهاد منكرا، ممنوع جدا، إلى غير ذلك.
الثامن: إجماع جمع من العلماء مطلقا، كاشف اتفاقهم عن دخول المعصوم
فيهم ووفاقه لهم، بأن يعلم من جهة اتفاقهم اتفاق الإمام معهم ودخوله فيهم،
ويسمى بطريقة التابعية والمتبوعية. ومحصله: أن يستكشف عادة وحدسا دخول الإمام - لكونه المتبوع المطاع -
من جهة اتفاق 2 الأصحاب والأتباع.
وتقريره أن يقال: هذا ما ذهب إليه جميع علماء الرعية، أو أكثرهم، أو كثير
منهم ممن طريقتهم أن يصدروا عن رأي أحد من أئمتهم ورؤسائهم، ويمتنع عليهم
عادة الخطأ في مثل ذلك، وكل ما كان كذلك فهو مذهب أحد أئمتهم ورؤسائهم، فهذا كذلك.
ومبنى الكشف على ذلك: على مزيد التتبع والتطلع والتظافر والتسامع إلى
أن يصل 3 إلى أصحاب الأئمة ثم إليهم، بحيث يعلم يقينا أنهم الأصل والمرجع
فيما أجمعوا عليه.
التاسع: إجماع جمع من العلماء على النحو المذكور، أي إجماع جمع

(1) أي، ولا يعلم أن نهية.
(2) في (ح): إحاق.
(3) في (ح)، (ه‍): يتصل.
687

كاشف اتفاقهم عن وجود الحجة العلمية القاطعة للعذر، الموافقة لرأي الحجة
عادة، فيقال: إن اتفاق العلماء الثقات الأعلام على حكم من الأحكام - مع
كونهم من الأزكياء الأتقياء، أرباب النفوس القدسية، الباذلين جهدهم طول
دهرهم في تحصيل المسائل الدينية ومعرفة الأحكام الشرعية، مع شدة اختلافهم
في الأصول والفروع، وتباين أنظارهم وأطوارهم في إدراكها واستنباطها،
كثرة تجديدهم النظر فيها، وادعاء كثير منهم عدم العمل إلا بما يوجب العلم
واليقين، وقرب عهد قدمائهم بأئمتهم وأصحابهم الآخذين أحكامهم فيهم، و
زيادة اطلاعهم على الأخبار - يوجب القطع بحكم العادة والحدس بأنه حكم الله
المأخوذ من الحجج، أو مستنبط من الأدلة القطعية الموافقة لرأيهم.
وأنه ما دعاهم إلى الإجماع مع كثرة ما بينهم من الاختلاف والنزاع إلا بلوغ
الحكم ودليله من الظهور بحيث لا يقبل الارتياب.
وقد تستتم هذه الطريقة بنظر ما يقال في الخبر المتواتر: من حصول الظن
من كل واحد واحد إلى أن ينتهي إلى القطع من تراكم الظنون واجتماعها.
ولا يخفى أن هذه الطريقة بعينها الطريقة السابقة عليها، إلا أن مبنى السابقة
على إدخال المعصوم أو قوله في أقوال المجمعين، ومبنى هذه الطريقة على أصول
الحجة القاطعة.
وهذا هو مراد من فرق بينهما، بأن مبنى هذه الطريقة على حكم الحدس
والعادة بسبب شدة الاهتمام ومزيد الفضل والورع وتباين الأنظار، ومبنى
السابقة على حكم الحدس والعادة بواسطة اتصال الأخذ والتناول واقتضاء
التابعية والمتبوعية إلى صاحب الشرع.
ولذا يقال في تقرير الأولى: إن حصول العلم باتفاق الطبقة الأولى طريق
إلى حصوله بالنسبة إلى الثانية، وهكذا إلى أن يصل إلينا بتلقي المتأخر من
المتقدم، ووصوله من كل طبقة إلى ما بعدها، وأخذ اللاحق يدا بيد وخلفا عن
سلف.
688

ولا يخفى أن كلا من البناءين يحتاج في إفادة العلم إلى ضم الآخر،
فالطريق الأول حقيقة مركبة من الجميع، ولا يصير بتفكيك بعض معاضداته عن
بعض طرقا متعددة.
العاشر: الإجماع على النحو السابق، إلا أنه لا يعتبر على هذا استكشاف
حجة قطعية وعلمية. ولأجل ذلك قيل: تسلم هذه الطريقة من بعض ما
يخدش به السابقة، وتكون أقرب إلى الحصول والقبول منها.
وهو أن يقال على وتيرة ما سبق في السابقة: إن اتفاقهم يكشف عن وجود
مأخذ معتبر ومدرك مقبول، سالم عن معارض يعتد به، بحيث لو وقفنا عليه كما
وقف عليه المجمعون، لحكمنا بما حكموا به ولم نتخط إلى غيره.
فهذه أيضا كالسابقة، وبيان لوجه الكشف عن قول الحجة، إلا أن في
السابقة يكشف عن قوله الواقعي العلمي، وفي هذه عن الدليل المقبول ظاهرا،
فلا يكون الإجماع حينئذ كاشفا عن الحكم الواقعي.
الحادي عشر: الإجماع على النحو السابق، إلا أنه يشترط في حصول الكشف
كون ذلك الجمع من العلماء جمعا مخصوصا. ومحصله: أن يستكشف وجود نص قاطع أو دلالة قطعية من اتفاق
جماعة من فضلاء أصحاب الأئمة وأضرابهم ممن لا يعتمد إلا على النص القطعي
كزرارة وابن مسلم وأضرابهما، أو الصدوقين، ومن يحذو حذوهما - على
الحكم بشئ، ولم يظهر فيه نص عندنا، أو الإفتاء برواية لم تثبت صحتها، أو
ثبت ضعف سندها المعلوم لنا، أو ترجيح رواية أخرى لم يظهر لنا وجه رجحانها
عليها.
فإن اتفاقهم إذا سلم من خلاف يعادله، يكشف عادة عن وجود نص قاطع
بلغهم وخفي عنا، أو وقوفهم على ما يوجب صحة الرواية، أو عن ترجيح
لإحدى الروايتين.
وقيل: اعتمد على ذلك الوجه الشريف أبو الحسن العاملي النجفي في
689

الفوائد الغروية 1، ونسب أيضا إلى صاحب الوافية وشارحها 2.
واعتمده المحدث الاسترآبادي في الفوائد المدنية، قال: اعلم أن جمعا من
الأصحاب أطلقوا لفظ الإجماع على معنيين آخرين:
الأول: اتفاق جمع من قدمائنا الأخباريين على الإفتاء برواية وترك الإفتاء
برواية واردة بخلافها. والإجماع بهذا المعنى معتبر عندي، لأنه قرينة على ورود
ما عملوا به من باب بيان الحق لا من باب التقية، وقد وقع التصريح بهذا المعنى و
بكونه معتبرا في مقبولة عمر بن حنظلة، لكن الاعتماد على الخبر المحفوف
بقبولهم، لا على اتفاق ظنونهم.
الثاني: إفتاء جمع من الأخباريين - كالصدوق، والكليني،
والشيخ الطوسي - على حكم لم يظهر فيه نص عندنا، ولا خلاف يعادله. وهذا
أيضا معتبر عندي، لأنه فيه دلالة قطعية عادية على وصول نص إليهم، يقطع
بذلك اللبيب المطلع على أحوالهم 3.
انتهى.
ولا يخفى أن القسم الأول من هذه أيضا بعينها هي الطريقة السابقة، إلا
أن المعتمد على تلك الطريقة يخصص الجمع الكاشف اجتماعهم بجمع خاص.
وظاهر أن مجرد ذلك لا يجعلها طريقة على حدة، إذ لا شك في أنه لابد
للجماعة الكاشف اتفاقهم من 4 خصوصية، تختلف تلك الخصوصية باختلاف
الأحداس والأنظار.
وأما القسم الثاني فهو في الحقيقة ليس من أدلة الحكم، بل من شواهد
صحة الخبر أو رجحانه، فهو خارج عن محط الكلام فهو من القرائن لاعتبار

(1) الفوائد الغروية (مخلوط)، تعرض في المقصد الثاني من الفائدة الثامنة في الإجماع.
(2) الوافية: 153. وشرح الوافية للسيد صدر الدين محمد بن مير محمد باقر الرضوي الغروي وهو
مخلوط، تعرض للبحث في بحث الإجماع.
(3) الفوائد المدينة: 134.
(4) في (ب)، (ه‍): على، وفي (ج)، (ح): عن.
690

الخبر ولا كشف فيه عن قول المعصوم، ولو جعل كاشفا عنه - كما يظهر من كلام
الاسترآبادي - فيرجع أيضا إلى الطريقة السابقة، كما لا يخفى.
الثاني عشر: الطريق العاشر، إلا أن في العاشر كان يعلم اتفاق العلماء
الكاشف من التتبع والتظافر والفحص عن كلماتهم، ويعلم هنا من سيرة الناس، أو يعلم نفس قول الإمام من السيرة.
ومحصله: أن يستكشف قول المعصوم من السيرة المستمرة بين الأمة أو
الإمامية في الأعصار والأمصار.
والمراد منها: عمل الناس من غير اشترط كونهم من العلماء، ولذا قيل:
إنها تكشف عن إجماع العلماء الكاشف عن قول الحجة، أو تكشف عن قول أو
فعل أو تقرير من النبي أو أحد الأئمة عليه السلام.
قيل: وعلى هذا مبنى السيرة التي تداول الاستناد إليها في كتب الاستدلال.
ووجه عدم جعلها دليلا مستقلا في الأصول، أنها إن أقرنت مع إجماع
العلماء، فيستغنى به عنها. وإن أقرنت مع خلاف منهم أو وجود نص على
خلافها، لم توجب كشفا. وأما ما لم يقترن بشئ منهما، فشاذ نادر التحقق، و
مثله لا يصلح لجعله دليلا من أدلة الأحكام 1.
أقول: لا يخفى أن السيرة لو كانت كاشفة فهي أيضا من شعب المعنى
الثالث للإجماع، إذ لم يقيد ذلك باتفاق العلماء، فلا يقال: إن الإجماع هو اتفاق
العلماء الكاشف، بل إنه الاتفاق الكاشف، فلا تكون طريقة على حدة.
مع ما فيها من الخلل، لأنه إن أريد من السيرة طريقة الناس في عصر أو
أعصار متقاربة، من غير الصعود إلى أعصار الأئمة أو ما يقاربها أو معظم
الأعصار التي بعدهم، فلا كشف فيها عن قول الإمام ولا العلماء أصلا. وكم للناس في الأعصار والأمصار من السير المعلوم فسادها؟ وكم من

(1) انظر كشف القناع: 216.
691

طريقة في الأمور الشرعية وغيرها بين الناس غير مستندة إلى مأخذ، أو منتهية في
الشرعيات إلى فتوى فقيه أو قول عالم وإن لم يكن من أهل الفتوى.
ألا ترى إلى سيرتهم في ارتكاب غيبة الناس بعضهم لبعض، وحلفهم بغير
الله سبحانه من الآباء والأمهات والأصدقاء، وتكلم النساء مع الأجانب
- سيما الأقارب - وكشفهن عن وجوههن وشعورهن وأعناقهن وصدورهن
لهم، واجتنابهم عن المشي في الأرض حافيا وملامة من يفعل كذلك، وعن
البول بلا ماء حتى يعدونه من المعاصي، وعن الاستنجاء بالخرق والأحجار.
وألا ترى سيرتهم في ترك النهي عن المنكر ونحو ذلك.
وإن أريد سيرة الناس يدا بيد إلى زمان أصحاب الإمام وما يقاربه، فمن أين
يعلم ذلك؟.
فإن العلم بأقوال العلماء وأفعالهم إنما هو لتداول نقلها وضبطها في الكتب
واعتناء المصنفين بها.
وأما عمل سائر الناس وأقوالهم، فلا ينقل غالبا ولا يضبط، ولو نقل نادرا
فليس إلا عن أهل عصر أو بعض، فكيف يمكن إثبات سيرة الناس كلا أو بقدر
يكشف عن عمل الحجة من دون توسيط أقوال العلماء وأفعالهم. وإن كانت
هناك أقوال العلماء واقعا لهم مضبوطة معلومة، فلا حاجة إلى السيرة.
والحاصل: أن السيرة مع وجود مخالف من العلماء أو النص لا توجب كشفا
أصلا، ومع وفاق العلماء وعدم خلافهم لا حاجة إليها أبدا، ومع مسكوت
العلماء فلا تتحقق السيرة لكاشفة، وهي المتصلة إلى زمان أو أرباب العصمة ألبتة.
بل يمكن أن يقال: إنه لو فرض العلم بسيرة الناس يدا بيد، ومع ذلك لم
يكن أقوال من العلماء موافقة لها، لا تكون كاشفة أصلا، فتأمل.
الثالث عشر: الإجماع بالمعنى المذكور - أي الاتفاق الكاشف - إلا أنه يعلم
الاتفاق من تعدد الروايات بلا معارض، ثم ينكشف قول المعصوم باتفاقهم.
ومحصله: أن يستكشف قول الحجة أو رأيه من تعدد الأخبار المتعددة
692

المتوافقة على حكم، فإنها إذا وجدت في الكتب المعتمدة التي كانت مرجعا
للشيعة، ومعولا بها في أحكام الشريعة، ولم يظهر لها راد، أو غير شاذ نادر،
علم من ذلك قبولهم لها واتفاقهم عليها، أو اتفاق غير النادر على وجه يحصل
القطع أو الظن المعتد به برأي المعصوم.
ويختلف ذلك باختلاف المدرك صراحة وظهورا، وقد يتقوى بوجود
معاضد له من غيره، وربما يكتفى مع عدم وجود المعارض بوجود خبر واحد،
لدلالة عدم الرد على قبوله.
ويدل على كون ذلك أحد طرق الإجماع قول الشيخ في العدة، حيث قال
في الخبر الواحد المحض المجرد عن القرينة: وإن كانت ما تضمنه ليس هناك ما يدل
على العمل بخلافه، ولا يعرف فتوى الطائفة فيه، نظر فإن كان هناك خبر آخر
يعارضه مما يجري مجراه، وجب ترجيح أحدهما على الآخر بالمرجحات المبينة
في محلها. وإن لم يكن هناك خبر آخر يخالفه وجب العمل به، لأن ذلك
إجماع منهم على نقله، وإذا أجمعوا على نقله وليس هناك دليل على العمل
بخلافه، فينبغي أن يكون العمل عليه مقطوعا به 1.
وكذا قوله في كتاب الخلاف، حيث قال في كتاب الحج منه: إذا كان لولده
مال، روى أصحابنا أنه يجب عليه الحج، ويأخذ منه قدر كفايته ويحج به، وليس
للابن الامتناع منه.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك. دليلنا الأخبار المروية في هذا
المعنى من جهة الخاصة، وليس ما يخالفها، فدل على إجماعهم على ذلك 2.
وقد ذكر الشهيد في الذكرى في توجيه ما ادعاه الشيخ والسيد وغيرهما من
الإجماع في مسائل كثيرة مع ظهور الخلاف في بعضها - حتى من جهة الناقل
نفسه - وجوها، خامسها: قصد إجماعهم على رواية الحكم 3.

(1) عدة الأصول 1: 372 - 373.
(2) الخلاف 1: 239 مسألة: 8.
(3) ذكرى الشيعة: 4.
693

ومحصل ذلك الوجه: أن الأصحاب لما رووا ما في كتب الأخبار
المعروفة المعتمدة، وأجمعوا على العمل بالخبر الواحد الذي وجد فيها إن لم
يعارضه أقوى منه مطلقا، وكانت عادتهم جارية على التصريح برد ما لم
يعتمدوه، وعدم الإخلال بذكر المعارض إذا وجدوه، ولا سيما إذا كان أقوى مما
أوردوه.
فحاصل جميع ذلك: هو الإجماع على العمل بما لم يظهر له معارض أرجح
منه، فيحكم حينئذ بقولهم، ويستكشف منه قول المعصوم كما يستكشف في
سائر ما قبلوه وأجمعوا عليه بخصوصه، فهو وإن يكن مجمعا عليه بطريق
الفتوى، فهو مجمع عليه بطريق النقل الكاشف عن الفتوى، فهو مبني على
إثبات أقوال العلماء بالدليل، لا للدليل بالقول 1، كما هو مبنى الإجماع
المعروف.
ولا يخفى أن هذه الطريقة لو تمت لكانت استكشافا لإجماع جميع العلماء،
أو جميع علماء الرعية، أو جمع من العلماء الكاشف اتفاقهم عن قول المعصوم،
بواسطة ذكر الأخبار وعدم نقل المعارض.
ثم استكشاف قول الحجة من ذلك الإجماع، فهو أيضا من شعب أحد
المعاني الثلاثة وليست معنى على حدة، مع أنها غير تامة، ولا كاشفة عن
الاتفاق على الفتوى، كما هو مبين في محله وظاهر.
الرابع عشر: الثالث عشر، إلا أنه يعلم أقوال العلماء واتفاقهم الكاشف عن
رأي الإمام بواسطة القواعد المقررة.
ومحصله: أن يستكشف قول المعصوم أو رأيه من تتبع قواعد العلماء في
الأصول أو الفقه، وإن لم ينص جميعهم على الحكم بالخصوص.
وتقريره: أنه إذا ثبت عند فقيه إجماعهم مثلا على حجية ظواهر الكتاب و

(1) أي لا إثبات للدليل بأقوال العلماء واتفاقهم.
694

ظواهر السنة، وعلى كون الأمر في الشرع أو في اللغة أيضا حقيقة في
الوجوب، وكون ألفاظ العموم حقيقة فيه كذلك، وكون الأصل في
الاستعمال الحقيقة، أو غير ذلك من القواعد المقررة المتفق عليها أو المثبتة
في نظر الفقيه على ما يكون كذلك ولو بوسائط غير بعيدة، ثم وجد في
الكتاب أو السنة المجمع على حجيتها - على نحو ما ذكر - أمرا بشئ، أو
لفظا عاما متعلقا بحكم مثلا، ولم يجد بعد الفحص ما يصرفها عن ظاهرها،
ووقع كلام في وجوب ذلك الشئ، أو حكم بعض أفراد ذلك العام، فحينئذ
يمكن في مقام الاستدلال - لا في مقام نقل الأقوال كما قالوا - أن يستند
في ذلك إلى الإجماع ويثبته به، لأن الإجماع المنعقد على القاعدة التي
هي الأصل إجماع في الحقيقة على أفرادها التي هي فروعها. وكما أنه يجوز
للمجمعين عليها أن يستندوا إليها جاز لغيرهم أيضا، لإجماعهم عليها.
فيقول: هذا الحكم مما ثبتت دلالة ظاهر الكتاب أو السنة المعتبرة عليه
بالإجماع، وكل ما كان كذلك فهو حق ثابت بالإجماع، فهذا حق ثابت
بالإجماع. فإنه لما كان الإجماع الذي هو طريق إلى معرفة الحكم دليلا شرعيا، يجب
العمل به على الكل، وكان الإجماع على الشئ مقتضيا للإجماع على كل ما
يندرج تحته أو يلزم منه وينتهي إليه، أو للحكم بثبوته تبعا لثبوته، فلذلك ثبت
الحكم المبتني عليه على سبيل الإطلاق بالإجماع، وصح الاستناد إليه باعتبار
الانتهاء إليه وإن لم يتعلق بنفس الحكم.
وعلى هذه الطريقة يبنى قولهم: إن ظاهر الأصحاب، أو قضية المذهب، أو
ظاهر المذهب، أو نحو ذلك. كذا قيل.
وقد شاع اعتبار هذا الوجه واستعماله في الفروع والأصول بين قدماء
الأصحاب.
695

منها: ما حكاه الشيخ أبو طالب الطبرسي في الاحتجاج عن مؤمن الطاق 1
في بحث جرى بينه وبين بعض المخالفين، إذ قال له: ما حجتك فيما ادعيت من
إمامة علي على السلام؟ قال: قوله عز وجل: (كونوا مع الصادقين) 2، ووجدنا عليا
بهذه الصفة في القرآن في قوله عز وجل: (والصابرين في البأساء والضراء و
حين البأس) يعني: في الحرب، (أولئك الذين صدقوا) 3، فوقع الإجماع من
الأمة بأن عليا أولى بهذا الأمر من غيره، لأنه لم يفر عن زحف قط، كما فر غيره
في غير موضع 4.
ومنها: ما حكاه المفيد في كتاب الفصول عن الفضل بن شاذان أنه قيل له: ما
الدليل على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام؟ فقال: الدليل على ذلك من كتاب الله
سبحانه، وسنة نبيه، وإجماع المسلمين.
إلى أن قال وأما الإجماع، فإن إمامته ثبتت من جهته من وجوه: ومن هذه
الوجوه أنهم قد أجمعوا جميعا على أن عليا عليه السلام قد كان إماما - ولو يوما - و
لم يختلف في ذلك أصناف أهل الملة، ثم اختلفوا فقالت طائفة: كان إماما في
وقت كذا دون كذا، وقالت طائفة: كان إماما بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في جميع أوقاته، و
لم تجتمع الأمة على غيره أنه كان إماما في الحقيقة طرفة عين،
والإجماع أحق أن
يتبع من الخلاف 5.
ومنها: ما ذكره الصدوق في إكمال الدين في الاستدلال بآية: (إني جاعل

(1) أبو جعفر محمد بن علي بن النعمان بن أبي طريفة، مولى بجلية، صير في كوفي، يلقب بمؤمن الطاق،
وصاحب الطاق، كان متكلما كثير العلم وحسن الخاطر، وله مناظرات لطيفة مع أبي حنيفة. كان من
أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام، ويروي عنهما. رجال الكشي: 185،
رجال الطوسي: 359، تاريخ بغداد 13: 436، تنقيح المقال 3: 162.
(2) التوبة 9: 119.
(3) البقرة 2: 177.
(4) الاحتجاج 2: 147.
(5) الفصول المختارة في العيون والمحاسن 1: 13 و 84.
696

في الأرض خليفة) 1،: وآية: (وعلم آدم الأسماء كلها) 2 على إمامة الأئمة،
فذكر وجه الاستدلال ثم قال: فحصل من ذلك ما قلنا بإجماع الأمة 3.
ومنها: ما ذكره ابن زهرة في الغنية، حيث استدل على إمامة الأئمة بآيتين و
بين وجه الاستدلال، ثم قال: فحينئذ ثبت بوجوب التعبد بهما إلى يوم القيامة
إمامتهم بالإجماع 4.
ومنها: ما ذكره المفيد أيضا في الفصول في الدليل على أن المطلق ثلاثا في
مجلس واحد يقع من طلاقه واحدة، فقال: الدلالة على ذلك من كتاب الله و
سنة نبيه وإجماع المسلمين.
ثم ذكر وجه دلالة الكتاب والسنة، فقال: وأما إجماع الأمة فإنهم مطبقون
على أن ما خالف الكتاب والسنة فهو باطل، وقد تقدم وصف خلاف طلاق
الثلاث للكتاب والسنة، فحصل الإجماع على إبطاله 5.
ومنها: ما ذكره المحقق في المسائل المصرية، في جواز إزالة النجاسة بغير
الماء من المايعات، فقال: وأما قول السائل كيف أضاف السيد والمفيد ذلك إلى
مذهبنا، ولا نص فيه؟ فالجواب: أما علم الهدى، فإنه ذكر في الخلاف أنه أضاف
ذلك إلى مذهبنا، لأنه من أصلنا العمل بدليل الأصل ما لم يثبت الناقل، وليس
في الشرع ما يمنع من استعمال المايعات في الإزالة.
إلى أن قال: وأما المفيد، فإنه ادعى في مسائل الخلاف: أن ذلك مروي عن
الأئمة 6.
ومنها: ما ذكره الشيخ في الخلاف في حكم ما إذا حكم الحاكم بشهادة

(1) البقرة 2: 30.
(2) البقرة 2: 31.
(3) كمال الدين 1: 14.
(4) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية) خال عن مبحث الإمامة، ونقله عنه في كشف القناع: 222.
(5) الفصول المختارة في العيون والمحاسن 1: 134 - 135.
(6) المسائل المصرية (الرسائل التسع): 215.
697

شاهدين في القتل ثم بان بعد القتل فسقهما قبله، حيث حكم بكون الدية من
بيت المال، قال دليلنا إجماع الفرقة، فإنهم رووا أن ما أخطأت القضاة من
الأحكام فعلى بيت المال 1. إلى غير ذلك.
وقد أكثر إرادة ذلك الإجماع في المبسوط والخلاف، بل من استقصى
مسائل الناصريات، والانتصار، والخلاف، والمبسوط، الغنية، والسرائر، و
غيرها من كتب القدماء، ونظر في أدلتها، فربما وجد كثيرا من ذلك الباب.
وقد أشار في رسالته الغرية إلى هذا الوجه، وبالغ في القدح فيه ومنعه، و
قال: إن الاتفاق على لفظ مطلق شامل لبعض أفراده الذي وقع فيه الكلام لا
يقتضي الإجماع عليه، لأن المذهب لا يصار إليه من إطلاق اللفظ ما لم يكن
معلوما من القصد، لأن الإجماع مأخوذ من قولهم: أجمع على كذا إذا عزم
عليه، فلا يدخل في الإجماع على الحكم إلا من علم منه القصد إليه، كما أنا
لا نعلم مذهب عشرة من الفقهاء الذين لم ينقل مذهبهم لدلالة عموم القرآن وإن
كانوا (تالين له) 2 - 3. انتهى.
وما ذكره متين، فإنه يمكن عدم وقوف الجميع على مدرك الحكم، أو
ذهولهم عنه، أو وقوف جميعهم أو بعضهم على ما يعارضه عموما أو خصوصا، أو ما
يصرف الظاهر عن ظهوره وإن لم يكن دليلا مستقلا، بل لأجل ذلك أمكن
أن يكونوا أجمعوا على خلاف ما استند إليه، وأقصى ما للفقيه أن يستند في
إثبات الحكم الظاهري لنفسه إلى القاعدة المجمع عليها ولوازمها، لا أن يجعل
الحكم إجماعيا.
ثم أقول: إن هذه الطريقة ليست معنى على حدة غير المعاني الثلاث في
الإجماع، أو في طريق الكشف، بل مبناه على إثبات أقوال العلماء على حكم

(1) الخلاف 3: 246: مسألة 36.
(2) بدل ما بين القوسين في النسخ المعتمدة في التحقيق: قائلين به، والأنسب ما أثبتناه من الصدر.
(3) المسائل العزية الأولى (ضمن الرسائل التسع) المسألة السابعة: 144.
698

بإجماعهم على قاعدة تقتضي ذلك الحكم فالمراد من الإجماع هو أحد المعاني،
وطريق الكشف هو أحد الطرق.
نعم هذا وجه آخر لفهم اتفاق الكل.
الخامس عشر: أن يكون المراد من الإجماع الكاشف: أن يكشف عن تصويب
المجمعين في الحكم الظاهري، فإنه إذا اتفق علماء الرعية على أمر، يستكشف
رأي الإمام بأنه راض بما أفتوا به وأجمعوا عليه، بناءا على أنه هو الحكم الظاهري
الذي هو واقعي ثانوي، ومرجعه إلى تصويب المجتهد ومقلديه في العمل بما أدى
إليه نظره، وأخذ منه غيره بعد استجماع الشرائط واستفراغ الوسع.
ولا يخفى أن الكشف بهذا المعنى لا يختص بصورة الاتفاق، بل يجري في
كل واحد واحد.
وأيضا لا يصير الإجماع حينئذ من الأدلة الشرعية، بحيث يكون حجة على
المجتهدين الذين لم يؤد نظرهم إلى ما حكم به المجمعون، لحرمة التقليد عليهم، و
احتمالهم تقصير المجمعين لعدم عصمتهم، واختلاف التكاليف باختلاف
اقتدارهم وتفاوت أنظارهم.
وأيضا لا يكون الإجماع حينئذ إجماعا على الأحكام الجزئية، بل هو إجماع
على حكم كلي أصولي هو كون كل ما أدى إليه نظرهم حكما لهم.
فهذا الوجه ليس من وجوه الإجماع الذي كلامنا فيه، ومعدود من الأدلة
الشرعية المثبتة لحقيقة الأحكام الجزئية بخصوصها.
السادس عشر: أن يراد من الإجماع مجرد الشهرة، ومن الكشف الكشف
الظني.
ذكره الشهيد في بيان وجوه معنى الإجماع في كلمات القدماء، وبنى عليه
اختلافهم في دعوى الإجماع، وخلاف المدعى له في حكمه بنفسه 1.

(1) ذكرى الشيعة: 4.
699

السابع عشر: أن يراد من الإجماع حصول العلم بقول الإمام الغائب بعينه
لبعض حملة أسراره بنقل أحد سفرائه وخدمته سرا على وجه يفيد اليقين، أو
بتوقيعه ومكاتبته كذلك، أو بسماعه منه مشافهة على وجه لا ينافي امتناع الرؤية
في زمان الغيبة فلا يسعه التصريح والإعلان بنسبة القول إليه، وليس في ساير
الأدلة الموجودة العلمية ما ينص بإثبات ذلك، ولا في غيرها أيضا من الأدلة ما
يقتضيه.
فإذا كان الحال كما ذكر، ولم يكن مأمورا بإخفاء ما وقف عليه وكتمانه، أو
كان مأمورا بإظهاره بحيث لا تنكشف حقيقة الحال، فيبرزه لغيره في مقام
الاحتجاج بصورة الإجماع، خوفا من الضياع، وجمعا بين الامتثال بإظهار الحق
وكتمان السر، فيكون حجة على نفسه لكونه من السنة، وعلى غيره بعد إبرازه
على نحو ما ذكر، لكونه من الإجماع.
قيل: وربما يكون هذا هو الأصل في كثير من الزيارات والاستخارات والأدعية
والآداب والأعمال المعروفة التي تداولت بين الإمامية، ولا مستند لها ظاهرا من
أخبارهم ولا من كتب قدمائهم الواقفين على آثار الأئمة وأسرارهم، ولا أمارة
تشهد بأن منشأها أخبار مطلقة أو وجوه اعتبارية مستحسنة، هي التي دعتهم إلى
إنشائها وترتيبها والاعتناء بجمعها وتدوينها، كما هو الظاهر في جملة منها 1.
وإلى هذا أشار بعض سادة مشايخنا المحققين، حيث قال: وربما يحصل
لبعض حفظة الأسرار من العلماء الأبرار العلم بقول الإمام بعينه على وجه
لا ينافي امتناع الرؤية في مدة الغنية، فلا يسعه التصريح بنسبة القول إليه، فيبرزه
في صورة الإجماع، جمعا بين الأمر بإظهار الحق والنهي عن إذاعة مثله بقول
مطلق 2. انتهى.

(1) انظر كشف القناع: 230.
(2) فوائد الأصول: 82 فائدة 23.
700

هذه هي الوجوه التي ذكروها في بيان الإجماع ووجه حجيته وطريق كشفه
عن قول الحجة.
ولا يخفى أن الثلاثة الأخيرة منها وإن كانت غير المعاني الثلاثة المعروفة
التي ذكرناها أولا، إلا أنها ليست من الإجماع الذي كلامنا فيه من شئ، وإنما
هي شئ آخر غير الإجماع المقصود، كما لا يخفى. وأما البواقي، فلا يخرج شئ منها من الإجماع المعروف بالمعاني الثلاثة.
فالأربعة الأول منها كلها من الإجماع بالمعنى الأول، أي إجماع جميع
العلماء أو إلا شاذ معروف النسب، غاية الأمر اختلاف الطرق الأربع في وجه
معرفة دخول الإمام في المجمعين ومعرفة قوله، وذلك لا يوجب اختلافا في
معنى الإجماع ولا في جهة حجيته.
والثلاثة المعقبة لها كلها من الإجماع بالمعنى الثاني، أي إجماع جميع علماء
الرعية أو إلا شاذ مطلقا، والكل متفق في أن حجية ذلك الإجماع لاستلزمه
رضى المعصوم، والاختلاف إنما هو في وجه ذلك الاستلزام، ومجرد ذلك لا يجعل كلا منها وجها على حدة.
ولذا ترى أن جمعا آخر يستدلون على وجوب الردع على الإمام: بأنه
لولاه لزم سقوط التكليف، أو لزم القبيح، أو إزاحة العلة، ونحوها،
كالشيخ أبى الفتح الكراجكي 1، والشيخ علي بن أبي المجد الحلبي 2، والشيخ
كمال الدين بن ميثم البحريني 3، والشيخ أبي علي الطبرسي 4، والشيخ
أبى الحسن الأربلي 5، وغيرهم. ولا يعد كل واحد منها طريقا على حدة، ومع

(1) كنز الفوائد 2: 217.
(2) إشارة السبق (الجوامع الفقهية): 113.
(3) قواعد المرام في علم الكلام: 177.
(4) إعلام الورى: 439.
(5) كشف الغمة 3: 329.
701

ذلك كل هذه الطرق مدخولة غير تامة، كما بين في موضعه.
والستة المتعقبة لها كلها من الإجماع بالمعنى الثالث، أي الاتفاق الكاشف
عن قول الإمام المعصوم ورأيه.
ويمكن إرجاع بعضها إلى الإجماع بأحد المعنيين الأولين أيضا، كما أشرنا
إليه في طي تعداد الوجوه.
فإن المعنى الثالث: هو الاتفاق الكاشف بأي وجه
علم اتفاق العلماء، وبأي جهة حصل الكشف منه، وأي طائفة مخصوصة كان
المتفقين.
واختلاف هذه الوجوه إنما هو بواسطة اختلاف جهة العلم بالاتفاق
بالحدس، أو العادة، أو من جهة خصوصية الطائفة، أو من جهة وجه حصول
الكشف.
فتحصل مما ذكرنا: أن الإجماع عند أصحابنا لا يتعدى عن أحد المعاني
الثلاثة، أي: إجماع جميع العلماء أو إلا شاذ معروف النسب، وإجماع جميع
علماء الرعية أو إلا غير شاذ مطلقا، والاتفاق الكاشف عن قول الحجة.
وسائر ما يذكر في وجوه الإجماع إما ليس بإجماع عندهم، أو من أحد أفراد
الوجوه الثلاثة.
ثم إن بعض سادة مشايخنا المحققين قال: إن الإجماع عند أصحابنا الإمامية
معنى واحد، وهو الاتفاق الكاشف عن قول الحجة، والاختلاف إنما هو في
تعيين ذلك الاتفاق الكاشف 1.
وهو عندي غير جيد، إذ المصرح به في كلام أرباب الاصطلاحين الأولين:
أن الإجماع هو اتفاق كل العلماء، أو اتفاق كل علماء الرعية. وجعلوا وجه
حجيته كون ذلك كاشفا عن دخول الحجة أو رضاه.
ولا يستلزم ذلك أن يجعلوا كل اتفاق كاشف إجماعا، فإن صريح قولهم:

(1) فوائد الأصول: 70 فائدة 23.
702

إن الإجماع هو اتفاق كل العلماء، أو كل علماء الرعية، وإن كل ما كان كذلك
فهو كاشف. ولا يلزم من ذلك أن يكون كل اتفاق كاشف إجماعا عندهم، فإنه لا تصريح
بذلك في كلماتهم، ولا شاهد ولا قرينة تدل على ذلك أيضا. وإن كان حجة
عندهم لو فرض حصول مثل ذلك الكشف لهم، فيحتمل أن يعدوه من السنة، أو
لم يصطلحوا على تسميته به، بناءا على عدم التفاتهم إليه، أو زعمهم عدم
حصول الكشف إلا من اتفاق أحد المجمعين 1. فتأمل.

(1) في (ب، ح، ه‍): الجمعين.
703

عائدة (64)
في بيان قاعدة اللطف
من القواعد المتداولة بين الطائفة العدلية من المتكلمين والفقهاء وبنوا عليها
كثيرا من المسائل الدينية: قاعدة وجوب اللطف على الله سبحانه.
أقول: مرادهم من اللطف: إما إعطاء كل ذي حق حقه، أي ما يستحقه،
أو بيان المصالح والمفاسد، أو مطلق الإحسان والإكرام والإنعام، أو بيان ما يقرب
العبد إليه وما يبعده عنه، أو ما يقرب أحد هذه المعاني.
واللطف ببعض هذه المعاني مما لا ينبغي الريب في وجوبه عليه مطلقا،
كالمعنيين الأولين، وببعض آخر مما لا شك في وجوبه أيضا في الجملة، وإن
لم يجب عليه بجميع أنواعه وجميع ما يكون لطفا بذلك المعنى، كالثالث،
وببعض آخر مما يمكن الكلام في وجوبه، كالمعنى الأخير.
وليس غرضنا هاهنا إثبات وجوبه وعدمه، أو بيان ما يجب عليه منه وما
لا يجب.
بل المطلوب بيان عدم تمامية الاستناد إلى تلك القاعدة في المواضع التي
يستندون إليها، وذلك لوجوه:

(1) في (ب): أو.
705

الأول: أن المراد بوجوب اللطف عليه سبحانه - بأي معنى اخذ - هل وجوب
ما هو كذلك في حاق الواقع ونفس الأمر - أو ما هو كذلك بحسب علمنا و
إدراكنا؟.
يعني أنه هل يجب عليه مثلا بيان ما هو مصلحة أو مفسدة في الواقع، أو ما
هو كذلك بحسب علمنا وما نعلمه مصلحة أو مفسدة واقعية، سواء طابق علمنا
للواقع أولا، وكذا في سائر المعاني.
فإن أرادوا الأول، فنسلم وجوبه ولا كلام لنا معهم في إثباته.
ولكن نقول: إن كل ما يريدون إثباته بتلك القاعدة ويستندون فيه إليها، من
أين يعلم أنه اللطف الواقعي النفس الأمري المطابق لعلمه سبحانه؟ وكيف
السبيل إلى علمنا به؟ وكل ما يذكرون لبيانه، فهو راجع إلى ذلك المعنى بحسب
علمنا، ويأتي الكلام فيه.
وإن أرادوا الثاني، أي وجوب ما هو بذلك المعنى بحسب فهمنا ومدركنا
وعلمنا، فنقول: ما الدليل على وجوب ذلك على الله سبحانه، وما يقتضيه؟
فإن قيل: لأنه ورد في الكتاب والسنة كونه سبحانه لطيفا، ويجب حمل
الألفاظ في الخطابات على متفاهم المخاطبين.
قلنا: المراد من ذلك حمل الألفاظ على المعنى المتفاهم الواقعي لا المعنى
المتفاهم بحسب علم المخاطب، ولذا أجمعوا على أن الألفاظ موضوعة للمعاني
النفس الأمرية دون العلمية. فإذا كان المتفاهم من اللطف في عرف المخاطب بيان
المصلحة والمفسدة مثلا، يجب حمله على ذلك المعنى، أي بيان المصلحة
والمفسدة، ولكن المصلحة والمفسدة الواقعية دون العلمية.
فإن قيل: إنهم صرحوا بأن الألفاظ وإن كانت للمعاني النفس الأمرية لكنها
مقيدة بالعلم في مقام التكاليف، ونحن مكلفون بإثبات كونه سبحانه لطيفا
شرعا، لوصفه سبحانه نفسه به.
قلنا أولا: إنه من أين يعلم أن اللطف الواجب علينا إثباته له سبحانه بمثل
706

قوله: (إن الله لطيف بعباده) هو اللطف بهذا المعنى الذي يريدون إثبات
مطلبهم به؟ فإنه معنى مصطلح في علم الكلام، فلعله مرادف للرؤوف والحنان
ونحوهما.
وثانيا: إنه يمكن أن يكون المراد بكونه لطيفا: أن كل ما نراه لطفا هو منه
سبحانه، لا أن كل ما نعلمه لطفا يجب عليه فعله، كما في الخالق والرازق
والطبيب والمنعم ونحوها.
وثالثا: إن معنى حمل الألفاظ في مقام التكاليف على حسب علم المكلف:
أنه إذا كان لنا تكليف في عمل متعلق به يقيد بالمعلوم لنا، أما في غيره فلا، فإنه
إذا قال الله سبحانه: الكافر مخلد في النار، يجب علينا تصديق ذلك، ولكن
نقول: إن الكافر النفس الأمري في النار سواء علمنا بكفره أولا، لا أن من علمنا
واعتقدنا أنه كافر مخلد في النار ألبتة، سواء طابق علمنا للواقع أولا.
وأما لو قال جل شأنه: الكافر نجس فاجتنبوه، فنقول: إن الكافر الواقعي
بحسب علمنا، أي من اعتقدنا أنه كافر واقعا، يجب علينا اجتنابه وإن لم يكن
كذلك واقعا، لأنا مكلفون بحسب علمنا.
وليس تكليفنا في إثبات اللطف له سبحانه سوى وجوب اعتقاده لطيفا،
ولا عمل هنا لنا متعلق به 1 حتى يجب التقييد بعلمنا، وليس هو إلا ككونه سبحانه
قديما، وعزيزا، وذا الكبرياء والرحمة، وأهل التقوى والمغفرة، وقيوما،
ومهيمنا، ونحو ذلك.
الوجه الثاني: أن مرادهم من وجوب اللطف عليه سبحانه بأي معنى أرادوه
ولو بحسب علمنا، فهل هو وجوبه عليه مطلقا، من غير اشتراطه بوجود المقتضي
من جانب القابل، أو عدم الموانع التي من جهة القابل، أو عدم الموانع الخارجية
عنه، أو يشترط بذلك؟.

(1) في (ب): ولا تكليف هنا يتعلق به.
707

فإن أرادوا الأول، فهو بديهي الفساد، ضرورة اشتراط تحقق كل شئ
بوجود المقتضي ورفع الموانع.
ولأنه أي دليل يدل على وجوب مثل ذلك عليه سبحانه؟
بل مع عدم المقتضي أو وجود المانع لا يكون ذلك لطفا، مع أن هذا مما يكذبه
المشاهدة والعيان، فإن من الأمور ما يدعون القطع بكونه أو مثله لطفا، ومع ذلك
لم يقع ولم يتحقق في الخارج، ويسندون عدمه إلى المانع.
ولذا قال المحقق الطوسي في التجريد: وجوده لطف، وتصرفه لطف آخر،
وعدمه منا 1.
وإن أرادوا الثاني: أي يجب اللطف عليه بشرط وجود المقتضي في كل
فعل، وانتفاء الموانع الداخلية والخارجية، فلا تفيد هذه القاعدة لنا في
مقام أصلا، لأن الحكم بمقتضاها والاستناد إليها في كل مورد يراد موقوف
على علمنا بالمقتضيات وانتفاء جميع الموانع، وهو موقوف على إحاطتنا
التامة بذوات الأشياء والأفعال وحقائقها، وجميع الأمور الداخلية
والخارجية، الحسية والمعنوية، مع أنا نرى من المقتضيات والموانع مما لا يمكن
دركه لنا، فإنا نرى أنهم يقولون: إن التكليف لطف، ويثبتونه للذكر بتمام
خمسة عشر عاما من سنه، دون خمسة عشر إلا نصف يوم أو ساعة، فما
الذي يدرك أنه مقتض لذلك اللطف في تمام خمسة عشر ولا يقتضيه في
نصف يوم قبله؟ أو ما المانع منه في الثاني دون الأول وما المقتضى لهذا
اللطف في الأنثى في تسع سنين دون الذكر، وما المانع منه في الثاني دون
الأول؟ وما المانع بعث خاتم الأنبياء في يوم قبل يوم المبعث؟ إلى
غير ذلك.
وأيضا ذكروا: أن الله سبحانه يوجد الأكوان من الأعيان والأفعال بمقتضى

(1) كشف المراد: 285، المقصد الخامس في الإمامة.
708

العلم بالأصلح، وهو الموجب لتأخير إيجاد ما أخر إيجاده وتقديم ما قدم. فقد
يقتضي العلم بالأصلح تأخير ما أنت تعلمه لطفا، أو عدم إبرازه إلى ساحة
الوجود، وظاهر أنك لا تقول: إني أيضا أعلم ما هو الأصلح في جميع الأعيان
والأفعال كعلمه سبحانه! فإن اعترفت بأني لا أعلم، فما هذا الفضول الذي
ترتكبه من أنه يجب عليه فعل ذلك في هذا الوقت أولا يجب؟.
غاية ما يجوز لك أن تقول: إن كان الواقع كما زعمته ولم يكن منه مانع،
يجب عليه ذلك، وإلا فلا.
الوجه الثالث: أنه يقال إنه هل يمكن أن يتحقق لما نحن نزعمه لطفا أمر آخر
ينوب منابه، أم لا؟
فإن قلت: نعم، قلنا: من أين علمت في كل مورد تريد إثبات شئ بقاعدة
اللطف أنه لم ينب منابه غيره؟.
وإن قلت: لا، يكذبك الضرورة والإجماع القطعي، لأن الأحكام الواقعية
كلها مطابقة لألطاف الله سبحانه بالنسبة إلى عباده، ونابت منابها الأحكام
الظاهرية المختلفة بحسب أنظار المجتهدين.
الوجه الرابع: أنا نرى في الأشياء والأفعال ما نقطع بكونه لطفا، بل لا نرى
فرقا بينه وبين سائر ما نقطع بلطفيته لتحققه، ومع ذلك لم يقع، كظهور الإمام
وتصرفه، فإنا نقطع بكونه لطفا، ولا نرى فرقا بين ظهوره في هذه الأيام، ظاهر
المقالة، منقذا من الضلالة، شاهر السيف، منصورا من الله سبحانه، وبين
ظهوره بعد ذلك، بل لا نرى فرقا بين مجرد ظهوره وظهور الإمام الحادي عشر عليه السلام
في زمانه. وكذا بعث النبي.
بل حصول بعض الأمور المردعة عن المعاصي، المرغبة إلى الطاعات، لكل
مكلف، كبعض المنامات، أو استجابة بعض الدعوات ونحو ذلك، ومع ذلك
لم يقع. وقد يقع لبعض لا نرى فرقا بينه وبين بعض ما لم يقع أصلا.
فإنا كيف ندرك أن إراءة البرهان - بأي معنى فسرت - لطف بالنسبة إلى يوسف
709

الصديق وليست لطفا لأمثالنا؟ فإن استندت عدم وقوع ما لم يقع إلى المانع الغير
المعلوم لنا، فلم لا يكون الأمر في سائر الموارد أيضا كذلك، والله العالم.
710

عائدة (65)
في تحقيق معاقد الإجماعات
المسألة التي وقع الاتفاق عليها: إما مطلقة موضوعا ومحمولا ومتعلقا - أي
محكوما له وحكما ومحكوما عليه - في كلمات المجمعين كلا، أو مقيدة فيها كلا
أو بعضا بالنسبة إلى أحدهما.
فالأول، كأن يقول كل العلماء أو بقدر يحصل من اتفاقهم الإجماع: شهادة
الشاهدين مقبولة، أو خبر العدل حجة، أو السورة واجبة.
والثاني، كأن يقول كل من ذكر أو بعضهم: شهادة الشاهدين المفيدة للظن
أو الشاهدين العدلين مقبولة، أو شهادة الشاهدين مقبولة في الأموال أو للحاكم،
أو خبر العدل المفيد للعلم أو الظن حجة، أو خبر العدل حجة للفقيه أو لمن حصل
له العلم أو الظن منه، أو السورة الفلانية واجبة أو واجبة على الإمام، وهكذا.
فإن كان من الثاني، فظاهر أنه لا يتحصل منه الإجماع على المطلق، بل
يتحصل على المقيد خاصة وإن كان دليلهم أجمع مقتضيا لثبوت الحكم مطلقا،
كأن يستدلوا لقبول شهادة الشاهدين في الأموال أو للفقيه - مثلا - بنص مطلق، أو
بقاعدة حمل أقوال المسلمين على الصدق.
نعم إن كان ذلك الدليل المطلق حجة عند من يريد استخراج حكم المسألة،
يجب الحكم عليه بالإطلاق، ولكن لا للإجماع بل لإطلاق ذلك الدليل.
711

وإن كان من الأول، فإن دل دليل على إرادة تقييد من ذلك الإطلاق، يعني
على أن مراده من اللفظ المطلق هو المقيد، فكالثاني أيضا، وإن كان ذلك الدليل
هو نفس علة الحكم مطلقا.
كأن يستدل لإطلاق قبول شهادة الشاهدين أو خبر العدل بوجوب حمل قول
المسلم على الصدق، فإنه قرينة على إرادة الشاهدين المسلمين أو العدل المسلم،
أو يستدل له بأن المحسوس لا يحتمل الخطأ عادة، فإنه قرينة على إرادة الشهادة في
المحسوسات.
ولو منع كونه قرينة، وجوز كونه استدلالا على بعض أفراد المطلق وإن كان
الحكم عاما، لم يفد أيضا، لتساوي الاحتمالين، فلا يعلم إرادته الإطلاق.
ولو قيل: إن مقتضى أصالة الإطلاق وعدم التقييد لا يندفع بمجرد الاحتمال،
لم يكن بعيدا أيضا، فيحكم بالإطلاق إلا إذا ضمت معه شهادة حال أو فهم عرف
إرادة التقييد.
وإن لم يدل دليل على ذلك، يعني على أن مراده عن ذلك اللفظ المطلق هو
بعض أفراده، فمع كون المصرحين بالحكم المطلق جمعا يحصل من اتفاقهم
الإجماع، يتحصل من تصريحهم الإجماع على المطلق، سواء لم يعلل أحد من
المجمعين الحكم بعلة، أو عللوه - كلا أو بعضا - بعلة تامة في نظر من يريد تحصيل
الإجماع، أو غير تامة عنده، متحققة في حقه أو غير متحققة.
فالأول كأن يقول الكل: قول الشاهدين أو خبر العدل حجة واجب القبول،
من غير ذكر دليل له.
والثاني، كأن يعللوه - كلا أو بعضا - بوجود نص صحيح صريح فيه، واصل
إلى متحصل الإجماع، حجة عنده.
والثالث، كان يعللوه بعلة مستنبطة، أو رواية ضعيفة واصلة إلى مريد
تحصيل الإجماع، وكانت غير حجة عند المحصل.
والرابع، كأن يعللوه - كلا أو بعضا - بنص صريح صحيح، ولم يصل النص
712

إلى المحصل.
والخامس، أن يعللوه بعلة مستنبطة غير مدركة للمحصل.
وذلك لأن المفروض أن المجمعين طائفة يحصل من اتفاقهم الإجماع،
ويكشف اجتماعهم عن قول الإمام، والمفروض اتفاقهم واجتماعهم على الحكم
المطلق، فيكون الإمام داخلا فيهم.
أما على طريقة السيد، فلكون المجمعين حينئذ جميع العلماء الذين منهم
الإمام، فيكون المجمع عليه حقا لا محالة 1.
وأما على الطريقة المنسوبة إلى الشيخ، فلكونهم جميع علماء الرعية،
ويرضى الإمام بما اجتمعوا عليه وإلا لردعهم 2.
وأما على طريقة المتأخرين، فلأن المفروض كون المجمعين جمعا يكشف
اتفاقهم عن قول الإمام، وقد اتفقوا فيكشف.
وقد يتوهم أن العلة التي استند الحكم إليها عند الكل أو البعض إذا كانت غير
متحققة في حق مريد تحصيل الإجماع، لا يثبت الإجماع على الحكم المطلق،
حتى يكون حكما في حقه أيضا.
وهذا الذي يقال: إن اختلاف الجهة والعلة في الحكم يوجب عدم انعقاد
الإجماع على المطلق، استنادا إلى أن اختلاف الجهة موجب لتقييد الحكم، فإنه
إذا علل بعضهم الحكم بوجوب قبول خبر الشاهدين بأنه يفيد الظن، فلا فيكون
دالا على وجوب قبوله حتى بالنسبة إلى من لا يفيد قول الشاهدين له ظنا، وحتى قول
الشاهدين الذي لا يفيد الظن.
وكذا إذا علل طائفة منهم وجوب العمل بالأخبار المودعة في الكتب المعتبرة
لأصحابنا أو أخبارا معينة منها بأنها معلوم الصحة أو الصدور أو الصدق، أو

(1) راجع الذريعة 2: 604.
(2) راجع عدة الأصول: 233.
713

بأنها مفيدة للعلم، لا يدل على وجوبه بالنسبة إلى من ليست عنده كذلك، وذلك
لأن ذلك التعليل في قوة: أن قول الشاهدين إذا كان مفيدا للظن حجة، أو لمن
أفاد له الظن حجة، والأخبار المذكورة إذا كانت معلومة الصحة والصدق أو
مفيدة للعلم حجة، أو حجة لمن كانت كذلك بالنسبة إليه.
وهذا توهم فاسد وخطأ فاحش، لأنه لو كان كذلك لسقط التمسك بالإجماع
بالمرة، ولا يكون هو واحدا من الأدلة الشرعية.
بيان ذلك: أن العلماء الذين يحصل من اتفاقهم الإجماع على حكم بأي
طريق من الطرق المتقدمة، لا يخلو: إما يظهر مستند الجميع في الحكم الذي
أجمعوا عليه لمن يريد تحصيل الإجماع، أولا.
فإن ظهر مستند الجميع، فإما يكون مستندهم كلا مقبولا عند مريد
التحصل، متحققا عنده، حجة لديه، أو لا يكون الكل كذلك.
فإن كان الأول، فمع أنه لا يكاد يتحقق مثل ذلك في موارد الاحتجاج 1،
لا يكون حاجة إلى الإجماع أصلا، لكفاية ذلك المستند في إثبات الحكم.
وإن كان الثاني، أي كان دليل الكل أو بعضهم غير تام عند المحصل للإجماع
أو غير متحقق، فعلى ما ذكره هذا المتوهم يكون الحكم مقيدا بالنسبة إلى من كان
ذلك الدليل تاما عنده متحققا لديه، فلا يثبت إجماع بالنسبة إليه أصلا.
ومنه يظهر الحال فيما إذا كان دليل الكل غير مقبول عنده، ومنه يسري إلى من
لم يكن دليل الكل عنده معلوما، سواء كان دليل البعض معلوما أم لا، لجواز
كون دليل من لا يعلم دليله - كلا أو بعضا - غير مقبول أو غير متحقق عند مريد
التحصل، بل المظنون أنه كذلك، لأنه الغالب، فلا يتحصل الإجماع.
مثلا: إذا أجمع العلماء على حكم، كوجوب قبول قول الشاهدين، واستدل
بعضهم له بالسماع من الإمام، وآخر بالإجماع، وثالث بالشهرة، ورابع بورود

(1) في (ج) زيادة: إلى الإجماع.
714

النص عليه، وخامس بالاستقراء، وهكذا.
فهل يقيد الحكم في كلام الأول بوجوب قبوله على من سمع من الإمام،
وفي كلام الثاني بمن ثبت عنده الإجماع، وفي الثالث بمن ثبت عنده الشهرة ومع
ذلك قال بحجية الشهرة، وفي الرابع بمن وصل إليه النص وكان حجة عنده دالا
على الحكم، وفي الخامس بمن حصل له الاستقراء ويقول بحجيته، أم لا؟
فإن قلت: نعم، فلا يتحصل إجماع إلا لمن اجتمع عنده جميع هذه القيود،
وحينئذ لا يحتاج إلى تحصيل إجماع.
وإن قلت: لا، فهو مناقض لما توهمت.
وما السبب في أنه إذا قال: الحكم كذا بالإجماع، لا يقيد بأنه كذا لمن ثبت
عنده الإجماع، وإذا قال: لأنه علم من المعصوم أو ظن، يقيد بأنه لمن علم أو
ظن؟!
وكذا إذا قال: ذلك كذا للنص الدال عليه، لا يقيد بمن وصل إليه النص،
ويقيد في مقامات توهمك؟!
والحاصل: أن موارد الإجماع لا تخلو عن ثلاثة: إما يظهر مستند الجميع
ويكون مستندا متحققا مقبولا عند من يريد تحصيل الإجماع، أو يظهر ويكون
مستندا لبعض، غير تام أو غير متحقق له، أو لا يظهر مستندا الكل.
فعلى الأول لا حاجة إلى الإجماع، وعلى البواقي لا يتحصل الإجماع
بالنسبة إلى ذلك المتحصل، لدلالة تعليله على التقييد بمن يتم عنده ذلك الدليل
على زعم ذلك المتوهم.
فإن قيل: من يقول: الحكم كذا بالإجماع المعلوم عندي، أو بقول الإمام
الذي سمعته منه، أو بالاستقراء الذي حصل لي، يريد أن الحكم كذلك لكل أحد
بدلالة الإجماع المعلوم عندي، أي فهمت من الإجماع أن الحكم كذلك لكل
أحد فيكون حكمه مطلقا.
قلت: كذا من يقول: إن الخبر الفلاني حجة لأنه مفيد للعلم، أي فهمت
715

من العلم بصحته أنه يجب على الكل العمل به. وأي فرق بين علمه بالإجماع، أو علمه بصحة الخبر، أو بين سماعه وبين علمه؟
والحل: أن كل من يستدل بدليل على حكم مطلق، فهو يعلم أن العمل بهذا
الحكم مخصوص بمن ثبت عنده ذلك الدليل وتماميته من غير مقلديه، ولكنه يخبر
العلماء عن اعتقاده أو ظنه، وإن لم يفد ذلك لغيره وغير مقلديه إلا تنبيها أو
تأييدا، فيخبر أن اعتقادي أنه كذلك بالنسبة إلى كل أحد، وإن لم يكن اعتقادي
حجة لكل أحد، ثم ينبه بالاستدلال على طريق حصول اعتقاده، ويريد أن كل
أحد أيضا لو سلك هذا المسلك يحصل له ذلك الاعتقاد. وهذا هو السر في بيان
الأدلة، والأدلة على الأدلة، وهكذا.
واعتقاده أن كل من نظر بالنظر الصواب من مبدأ الحكم إلى المآب، ورجع
قهقرى من الحكم إلى الدليل ومنه إلى دليله، وهكذا إلى ما اكتسب منه النظريات
من بديهياته، يكون كذلك، فحكمه إنما هو للجميع وإن لم يكن اتباع حكمه
واجبا على الجميع.
ومن ذلك ظهر: أن اختلاف الجهة والعلة لا يقدح في تحقق الإجماع على
الحكم المطلق.
نعم إذا كان أصل الحكم مقيدا، فيختص الإجماع بالمقيد.
وإلى هذا ينظر من يقول: بأن اختلاف الحيثيات التقييدية يقدح في ثبوت
الإجماع على المطلق، دون الحيثيات التعليلية.
716

عائدة (66)
في بيان اعتبار كتاب
الفقه الرضوي
من كتب الأخبار المشتهرة في تلك الأعصار المتأخرة كتاب الفقه المنسوب
إلى سيدنا ومولانا أبى الحسن علي بن موسى الرضا عليه آلاف التحية والثناء.
وهو غير منصوص عليه في كلام قدماء الأصحاب، وإنما اشتهر في هذه
الأزمنة المتأخرة ولهذا التبس حاله على كثير من الأجلة، وتحقيق حاله من
الأمور المهمة.
وبيانه: أنه لم يكن ذلك الكتاب متداولا بين الطبقة المتوسطة من الأصحاب
إلى زمان الفاضل التقي مولانا محمد تقي المجلسي - قدس سره - وهو أول من
روج هذا الكتاب.
وبعده ولده العلامة ومروج الشريعة، المحدث مولانا محمد باقر المجلسي،
فإنه أورده في كتاب بحار الأنوار، ووزع عباراته على الأبواب، واستند إليها في
الآداب والأحكام المشهورة الخالية عن المستند ظاهرا، وفى الجمع بين الأخبار
المتعارضة.
وذكر في البحار ما يوضح وجه اشتهاره، قال: كتاب فقه الرضا أخبرني به
السيد الفاضل المحدث القاضي أمير حسين - طاب ثراه - بعد ما ورد أصفهان.
717

قال: قد اتفق لي في بعض سني مجاورتي بيت الله الحرام أن أتاني جماعة
من أهل قم حاجين، وكان معهم كتاب قديم يوافق تاريخه عصر الرضا عليه السلام.
وسمعت الوالد - رحمه الله - أنه قال: سمعت السيد يقول: كان عليه خطه
صلوات الله عليه، وكان عليه إجازات جماعة كثيرة من الفضلاء. وقال السيد:
حصل لي العلم بتلك القرائن أنه تأليف الإمام، فأخذت الكتاب وكتبته
وصححته. فأخذ والدي هذا الكتاب من السيد واستنسخه وصححه، وأكثر
عباراته موافق لما يذكره الصدوق أبو جعفر محمد بن بابويه في كتاب من لا يحضره
الفقيه [من غير سند] 1، وما يذكره والده في رسالته إليه، وكثير من الأحكام التي
ذكرها أصحابنا ولا يعلم مستندها مذكورة فيه 2. انتهى.
وعن المولى المقدس التقي المجلسي - والد شيخنا صاحب البحار - أنه قال: من
فضل الله سبحانه أنه كان السيد الفاضل الثقة المحدث القاضي أمير حسين - طاب
ثراه - مجاورا عند بيت الله الحرام سنين كثيرة، وبعد ذلك جاء إلى هذه البلاد يعني
أصفهان، ولما تشرفت بخدمته وزيارته قال: إني جئتكم بهدية نفيسة، وهي الفقه
الرضوي.
وقال: لما كنت في مكة المعظمة جاءني جماعة من أهل قم مع كتاب قديم
كتب في زمان أبى الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام، وكان في مواضع منه
بخطه، وكان على ذلك إجازات جماعة كثيرة من الفضلاء بحيث حصل لي
العلم العادي أنه من تأليفه عليه السلام، فانتسخت منه، وقابلته مع النسخة.
ثم أعطاني إياه، واستنسخت منه نسخة أخذها بعض الفضلاء ليكتب عنها،
ونسيت الآخذ، ثم جاءني بها بعد إتمامي للشرح العربي على الفقيه، المسمى
بروضة المتقين، وقليل من الشرح الفارسي.

(1) الزيادة من المصدر.
(2) بحار الأنوار 1: 11.
718

ثم لما تفكرت فيه وظهر لي أن هذا الكتاب كان عند الصدوق وأبيه، وكل
ما ذكره علي بن بابويه في رسالته إلى ابنه فهو عبارته إلا نادرا،
وكل ما يذكره
الصدوق بدون السند فهو أيضا عبارته، فرأيت أن أذكر في مواضعه أنه منه لتندفع
اعتراضات الأصحاب وشبهاتهم.
والظاهر أن هذا الكتاب كان موجودا عند المفيد أيضا، وكان معلوما عندهم
أنه من تأليفه عليه السلام، ولذا قال الصدوق: أفتي به وأحكم بصحته، والحمد لله رب
العالمين، والصلاة على محمد وآله الأقدسين 1.
وقد ذكر في اللوامع شرح الفقيه عند نقل الصدوق عبارة أبيه في رسالة إليه
في مسألة تخلل الحدث الأصغر في أثناء غسل الجنابة ما هذه ترجمته: الظاهر أن
علي بن بابويه أخذ هذه العبارة وساير عباراته في رسالته إلى ولده من كتاب الفقه
الرضوي، بل أكثر عبارات الفقيه، التي يفتي بمضمونها ولم يسندها إلى الرواية،
كأنها من هذا الكتاب، وهذا الكتاب ظهر في قم وهو عندنا.
والثقة العدل القاضي أمير حسين استنسخ هذا الكتاب قبل هذا بنحو من
عشر سنين، وكان في عدة مواضع منه خط الإمام الرضا عليه السلام، وأنا أشرت
ورسمت صورة خطه على ما رسمه القاضي، ومن موافقة الكتاب لكتاب الفقيه
يحصل الظن القوي بأن علي بن بابويه ومحمد بن علي كانا عالمين بأن هذا
الكتاب تصنيف الإمام، وجعله الصدوق حجة بينه وبين ربه 2.
وقال في كتاب الحج في شرح رواية إسحاق بن عمار فيمن ذكر في أثناء
السعي أنه ترك بعض الطواف: إن المشهور بين الأصحاب صحة الطواف
والسعي إذا كان المنسي من الطواف أقل من النصف، وهذا موافق لما في الفقه
الرضوي.

(1) نقله أيضا السيد بحر العلوم في فوائد الأصول: 147 - 146، فائدة 45.
(2) لوامع صاحبقراني 1: 187.
719

والمظنون أن الصدوق كان على يقين من كونه تأليف الإمام أبى الحسن
الرضا عليه السلام، وأنه كان يعمل به. وأن القدماء منهم من كان عنده ذلك، ومنهم من
يعتمد على فتاوى الصدوق، المأخوذة منه لجلالة قدره عندهم.
ثم حكى عن شيخين فاضلين صالحين ثقتين أنهما قالا: إن هذه النسخة قد
اتي بها من قم إلى مكة المشرفة، وعليها خطوط العلماء وإجازاتهم وخط الإمام
في عدة مواضع. قال: والقاضي أمير حسين قد أخذ من تلك النسخة، وأتى بها
إلى بلدنا، واستنسخت نسخة من كتابه 1. وانتهى.
وقال السيد الأستاذ المحقق - طاب ثراه - في بعض فوائده:
والقاضي أمير حسين الذي حكى عنه الفاضلان المجلسيان: هو السيد أمير
حسين بن حيدر 2 العاملي الكركي، ابن بنت المحقق الشيخ علي بن عبد العالي
الكركي، وكان قاضي أصفهان والمفتي بها في الدولة الصفوية أيام السلطان
العادل شاه طهماسب الصفوي.
وهو أحد الفقهاء المحققين والفضلاء المدققين، مصنف مجيد، طويل الباع،
كثير الاطلاع، وجدت له رسالة مبسوطة في نفي وجوب الجمعة في زمان
الغيبة، وكتاب النفحات القدسية في أجوبة المسائل الطبرسية، وكتاب دفع
المناوات عن التفضيل والمساواة، صنفه لبيان أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام عن جميع
الأنبياء ومساواته لنبينا صلى الله عليه وآله إلا في النبوة، وهو كتاب جليل ينبئ عن فضل مؤلفه
النبيل. وله كتاب الإجازات، وفيه إجازة جم غفير من العلماء المشاهير له، منهم
[خاله] المحقق [المدقق] 3 الشيخ عبد العالي بن المحقق الشيخ علي الكركي، وابن
خالته السيد العماد الأمير محمد باقر الداماد، والشيخ الفقيه الأوحد الشيخ بهاء

(1) لوامع صاحبقراني 4: 198.
(2) في النسخ: حميد، وصححناه كما في المصدر.
(3) ما بين المعقوفات من المصدر.
720

الدين محمد العاملي، وقد وصفه جميعهم بالفقه والفضل والعلم.
وفي إجازات شيخنا البهائي له بخطه: أجزت لسيدنا الأجل الأفضل،
صاحب المفاخر والنسب الطاهر، والتحقيق الفاتق، [والتدقيق] 1 الراتق، جامع
محامد الخصال ومحاسن الخلال 2، المتخلي عن ربقة التقليد، المتحلي بحلية
الاستدلال، شرفا للسيادة والنقابة والإفادة والإفاضة، أدام الله إفضاله وكثر في
علماء الفرقة الناجية أمثاله. وذكر غيره في إجازته نحو ذلك.
نروي عن هذا السيد الأمجد والسند الأوحد ما صحت له روايته واتضحت
له درايته بطرقنا المتكثرة، عن شيخنا العلامة المجلسي، عن والده المقدس
المجلسي، برواية الثقات عنه: كونه عنده من قول الرضا عليه السلام، وهو ثقة وقد أخبر
بشئ ممكن، وادعى العلم، فتصدق تلك الدعوى.
ثم قال شيخنا المحقق السيد - طاب ثراه -: وقد اتفق لي في سني مجاورتي في
المشهد المقدس الرضوي أني وجدت في نسخة من هذا الكتاب من الكتب
الموقوفة على الخزانة الرضوية: أن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام صنف هذا
الكتاب لمحمد بن سكين، وأن أصل النسخة في مكة المشرفة بخط الإمام وكان
بالخط الكوفي، فنقله المولى المقدس الآميرزا محمد - وكأنه صاحب الرجال - إلى
الخط المعروف.
قال الشيخ السيد: ومحمد بن سكين في رجال الحديث رجل واحد، هو
محمد بن المسكين 3 بن عمار النخعي الجمال، ثقة له كتاب، روى أبوه عن أبي
عبد الله عليه السلام. قال النجاشي في كتابه 4.

(1) ما بين المعقوفتين من المصدر.
(2) تقرأ في بعض النسخ: الجلال، وفي بعضها: الحلال.
(3) في النسخ المتعقدة محمد بن مسكين في المواضع الثلاث، وصححناه كما في المصدر وهو
الصحيح. راجع: معجم رجال الحديث 16: 116 و 17: 232
(4) رجال النجاشي: 361 / 969.
721

وفيه وفي الفهرست 1: الطريق إليه إبراهيم بن سليمان بن عبد الله بن حيان.
والطبقة يلائم كونه من أصحاب الرضا عليه السلام.
قيل: وروى عن ابن أبي عمير، وهو من أصحاب الرضا عليه السلام والجواد عليه السلام،
فيكون محمد بن سكين من أصحاب الرضا عليه السلام.
وهذا النقل وإن لم نجده لأحد من المعتبرين، إلا أنه يلوح منه آثار الصدق
فيصلح للتأييد.
قال: ومما يؤيده: أن الشيخ الجليل منتجب الدين - وهو الشيخ أبو الحسن
علي بن عبيد الله بن الحسن بن الحسين بن الحسن بن الحسين بن علي بن بابويه
القمي - قال في رجاله الموضوع لذكر العلماء المتأخرين عن الشيخ الطوسي ما هذا
لفظه: السيد الجليل محمد بن أحمد بن محمد الحسيني صاحب كتاب الرضا عليه السلام فاضل ثقة 2.
كذا في نسخة عديدة مصححة من رجال المنتخب، وفي كتاب أمل
الآمل نقلا عنه 3.
والظاهر أن المراد بكتاب الرضا عليه السلام هو هذا الكتاب. وأما الرسالة الذهبية،
المعروفة بطب الرضا، فهي عدة أوراق في الطب صنفها للمأمون، وإرادتها
من هذه العبارة في غاية البعد.
والمراد بكونه صاحب كتاب الرضا: وجود نسخة الأصل عنده وانتهاء
إجازة الكتاب إليه، لا أنه روى هذه الكتاب عن الإمام بلا واسطة، وأنه
صنفه له، فإنه من العلماء المتأخرين الذين لم يدركوا أعصار الأئمة
عليهم السلام.
ثم قال السيد الأستاذ: ومما يشهد باعتباره وصحة انتسابه إلى الإمام

(1) الفهرست: 320 / 691، ولكن فيه: محمد بن مسكين، له كتاب، أخبرنا به جماعة عن أبي المفضل
عن حميد بن زياد عن إبراهيم بن سليمان بن حيان أبي إسحاق الخزاز عنه.
(2) الفهرست لمنتجب الدين: 171 ورقم 412.
(3) أمل الآمل 2: 242.
722

علي بن موسى الرضا عليه السلام مطابقة فتاوى الشيخين الجليلين الصدوقين لذلك،
حتى أنهما قدماه في كثير من المسائل على الروايات الصحيحة، وخالفا لأجله
من تقدمهما من الأصحاب، وعبرا في الغالب بنفس عباراته. ويلوح من الشيخ
المفيد الأخذ به، والعمل بما في من مواضع من المقنعة.
ومعلوم أن هؤلاء الأعاظم، الذين هم أركان الشريعة، لا يستندون إلى غير
مستند، ولا يعتمدون على غير معتمد. وقد رجع إلى فتاويهم أصحابنا المتأخرون
عنهم، لاعتمادهم عليهم بأنهم أرباب النصوص، وأن فتواهم عين النص الثابت
عن الحجج.
وقد ذكر الشهيد: أن الأصحاب كانوا يعملون بشرائع على بن بابويه 1، و
مرجع كتاب الشرائع ومأخذه هذا الكتاب، كما هو معلوم على من تتبعها
وتفحص ما فيها وعرض أحدهما على الآخر.
ومن هنا يظهر عذر الصدوق في عد رسالة أبيه من الكتب التي إليها المرجع
وعليها المعول، لأن الرسالة مأخوذة من الفقه الرضوي، وهو حجة عنده،
ولم يكن الصدوق ليقلد أباه في ما أفتاه، حاشاه.
وكذلك اعتماد الأصحاب على
كتاب علي بن بابويه 2.
وقال السيد الأستاذ: وربما ذهب بعضهم إلى أن هذا الكتاب تصنيف الشيخ
علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق.
ولا ريب في فساد هذا الوهم، فإن المغايرة بينه وبين رسالة علي بن بابويه
ظاهرة لا مرية فيها، وإن كان الشيخ وافقها في كثير من العبارات. وكتاب
الشرائع المنسوب إليه هو بعينه رسالته إلى ولده، كما نص عليه النجاشي 3، وإن

(1) الذكري: 4 و 5. قال: وقد كان الأصحاب يتمسكون بما يجدون في شرائع
الشيخ أبي الحسن ابن بابويه رحمه الله....
(2) فوائد الأصول: 152 - 149 فائدة 45. مع تلخيص من المصنف.
(3) رجال النجاشي: 261.
723

أوهم كلام الشيخ في الفهرست كونه غيرها 1، على أن مصنف هذا الكتاب قد
انتسب في أوله فقال: يقول عبد الله علي بن موسى الرضا. ثم نقل أربع عبارات
أخرى من ذلك الكتاب - تأتي في طي ما سنذكره - تدل على المغايرة، وكونه
تصنيف الإمام.
ونقل عنه أيضا أنه قال في موضع آخر: ومما نداوم به نحن معاشر أهل البيت.
ثم قال: فهو إما للإمام، أو شئ موضوع عليه، واحتمال الوضع فيه بعيد،
لما يلوح من هذا الكتاب من حقيقة الحق ورداء الصدق، ولأن ما اشتمل عليه من
الأصول والفروع والأخلاق مطابق مذهب الإمامية وما صح من الأئمة،
ولا داعي للوضع في مثله، فإن غرض الواضعين تزييف الحق وترويج
الباطل، والغالب وقوعه من الغلاة والمفوضة، والكتاب خال عما يوهم ذلك 2. انتهى كلامه رفع في درجات الجنان مقامه.
أقول: وممن روج ذلك الكتاب بعد الفاضلين المجلسيين، الفاضل الفقيه
محمد بن الحسن الأصفهاني، المعروف بالفاضل الهندي، فقد سلكه في كتابه
كشف اللثام شرح قواعد الأحكام في جملة الأخبار، وعدة رواية الرضا عليه السلام 3.
وجرى على ذلك المنوال جماعة من مشايخنا الأعلام، وجمع من مشايخهم
الكرام، ومنهم من سكن إليه واعتمد 4.
وأنكر جماعة وتوقف فيه 5. ولم ينقل عنه شيخنا المحدث الحر العاملي شيئا

(1) الفهرست: 218 / 471.
(2) فوائد الأصول: 146 - 145، فائدة 45.
(3) انظر كشف اللثام 1: 60، 83، 86.
(4) منهم البحراني في الحدائق الناضرة 1: 26، والسيد المجاهد في مفاتيح الأصول: 351، وصاحب
رياض المسائل فيه 1: 3 و 6، السيد بحر العلوم في فوائده: 148 فائدة 45، والقمي في غنائم
الأيام: 708.
(5) كصاحب الفصول الغروية فيها: 313، والخونساري في رسالته: 25، وصاحب مطالع الأنوار فيه
5: 270.
724

في الوسائل، وعده من الكتب المؤلفة في أمل الآمل 1.
هذا بناء ما عندي وبناء من قبلي في ذلك الكتاب.
ثم أقول: التحقيق أن الكلام إما في أن هذا الكتاب هل هو مندرج تحت كتب
الأحاديث والأخبار - أي ما يحكي قول المعصوم من حيث هو مع عدم ظن كذبه
ووضعه، أو مع احتمال صدقه - أو لا، بل هو إما من الكتب المؤلفة من العلماء،
أو من الاخبار الموضوعة، أو المظنون وضعها؟.
أو الكلام في حجيته ولزوم العمل به، أي في أنه هل هو من الأحاديث
الثابتة حجيتها أم لا؟.
فأن كان الكلام في الأول - وتظهر فائدته حينئذ لمن يعمل بمطلق
الأخبار، ولغيره في حجيته إذا انجبر بالعمل ووافق الشهرة بين الأصحاب،
وفي الآداب والسنن والمكروهات حيث يتسامح فيها ويعمل فيها بالأخبار
الضعيفة، وفي التأييد، ونحوها مما هو شأن الأخبار الضعيفة التي ليست
بأنفسها حجة - فقد عرفت أن الفاضلين المجلسيين 2، والفاضل الهندي 3،
وجمعا من مشايخنا العظام، ومنهم السيد السند الأستاذ 4، ومنهم شيخنا الشيخ
يوسف البحراني صاحب الحدائق الناضرة وهو من المصرين على ذلك،
ويجعله حجة بنفسه 5، ومنهم شيخنا الفاضل السيد علي الطباطبائي صاحب
رياض المسائل شرح المختصر النافع 6، ومنهم الوالد الماجد المحقق العلامة صاحب
اللوامع والمعتمد 7 - برد الله مضاجعهم الشريفة - وبعض من تقدم عليهم،

(1) أمل الآمل 2: 364.
(2) انظر بحار الأنوار 1: 11.
(3) كشف اللثام 1: 83.
(4) فوائد الأصول: 148 فائدة 45.
(5) الحدائق الناضرة 1: 26.
(6) رياض المسائل 1: 3، 30، 81.
(7) اللوامع (مخلوط) الفرع الخامس من فروعات غسل الجنابة.
725

كالفاضل الكاشاني 1 - آقا هادي - شارح المفاتيح: قد سلكوه في سلك الأخبار،
وأدرجوه في كتب أحاديث الأئمة الأطهار، ونقلوه في مؤلفاتهم بطريق
الروايات. ومنهم من عبر عنه بالرضوي.
وإن بعضا آخر - كالشيخ الحر 2 - ينكره ويجعله من الكتب المؤلفة، أو يتوقف
فيه.
ومنهم من يتوهم أنه رسالة الشيخ علي بن الحسين بن بابويه أو شرائعه 3.
والتحقيق: أنه لا ينبغي الريب في اندراجه تحت كتب الأخبار، وكونه
معدودا من أحاديث الأطهار، لصدق حد الحديث، والخبر، وهو: ما يحكي قول
المعصوم من حيث هو لا من حيث إنه رأي المجتهد وظنه، ويحتمل الصدق،
ولا يعلم كذبه أو وضعه، بل لا يظن.
أما كونه مما يحكي قول المعصوم فظاهر، فإنه صرح في ديباجة الكتاب
بقوله: (يقول عبد الله على بن موسى الرضا) 4 ثم يذكر إلى آخر الكتاب، وهذا
عين حكاية قول المعصوم من حيث هو، وهو ينفي كونه من الكتب المؤلفة لبعض
العلماء، أو رسالة الصدوق، أو شرائعه.
ومما ينفي ذلك، أو كونه رسالة الصدوق ونحوها: تضمنه في مواضع عديدة
ومقامات متكثرة لما ينافي ذلك، ويدل على نسبته إلى الإمام.
منها: ما مر في كلام شيخنا الأستاذ أن فيه قوله هذا: (ومما نداوم عليه نحن
معاشر أهل البيت) 5.
ومنها: ما ذكره في باب الأغسال، قال: (ليلة تسعة عشر من شهر رمضان

(1) شرح المفاتيح (مخلوط) باب الغسل، الأغسال المسنونة.
(2) أمل الآمل 2: 364.
(3) كصاحب رياض العلماء فيها 6: 43، ونقله عن أستاذه الشيرواني في 2: 31، ونقله عن شرح
الشرائع للسيد حسين القزويني في مستدرك الوسائل 3: 338.
(4) فقه الرضا عليه السلام: 65.
(5) فقه الرضا عليه السلام: 402.
726

هي الليلة التي ضرب فيها جدنا أمير المؤمنين عليه السلام) 1.
ومنها: ما ذكره في باب الصلاة، قال: (وكنت يوما عند العالم عليه السلام: ورجل
سأله عن رجل سهى فسلم في ركعتين من المكتوبة) 2.
ومنها: ما قال أيضا في باب الصلاة، قال: (وقال العالم عليه السلام: قيام رمضان
بدعة، وصيامه مفروضة، فقلت: كيف أصلي في شهر رمضان؟ فقال: عشر
ركعات)، إلى أن قال: (وسألته عن القنوت يوم الجمعة إذا صليت وحدي أربعا،
فقال: نعم في الركعة الثانية خلف القراءة، فقلت: أجهر فيها بالقراءة؟ فقال:
نعم) 3.
ومنها: ما قال في باب غسل الميت: (وكتب أبى في وصيته أن أكفنه في
ثلاثة أثواب)، إلى أن قال: (وقلت لأبي: لم تكتب هذا؟ فقال: إني أخاف أن
يغلبك الناس، يقولون: كفنه بأربعة أثواب أو خمسة، فلا تقبل قولهم. وعصبته
بعد بعمامة، وشققنا له شقا من أجل أنه كان رجلا بدينا، وأمرني أن أجعل ارتفاع
قبره أربع أصابع مفرجات) 4.
وظاهر أنه لولا أن أباه هو الإمام المعصوم، لم يكن في نقل قوله فائدة،
بل لم تكن وصيته وأمره ماضية، لأن التكفين ورفع القبر تكاليف لغيره بعد موته.
ومنها: ما ذكره في باب غسل الميت أيضا، قال: (وأروي أن علي بن الحسين
عليهما السلام لما أن مات، قال أبو جعفر عليه السلام: لقد كنت أكره أن أنظر إلى عورتك
في حياتك، فما أنا بالذي أنظر إليها بعد موتك، فأدخل يده وغسل جسده، ثم دعا
بأم ولد له، فأدخلت يدها فغسلت مراقه، كذلك فعلت أنا بأبي) 5.

(1) فقه الرضا عليه السلام: 83.
(2) فقه الرضا عليه السلام: 120.
(3) فقه الرضا عليه السلام: 125.
(4) فقه الرضا عليه السلام: 183 ولكن فيه: (... وعصبته بعد بعمامة وليس تعد العمامة من الكفن أنما تعد مما
يلف به الجسد، وشققنا له القبر....).
(5) فقه الرضا عليه السلام: 188. وفيه بدل (فغسلت مراقه): (وغسلت عورته).
727

وظاهر أنه لولا أنه هو المعصوم الذي فعله حجة لم تكن فائدة في قوله: (
وكذلك فعلت). بل ذكره بعد نقل فعل أبي جعفر عليه السلام بأبيه، أول شاهد على أنه
أيضا من أقرانه وأمثاله.
ومنها: ما ذكره في باب الزكاة، قال: (وإني أروي عن أبي العالم في تقديم
الزكاة وتأخيرها أربعة أشهر أو ستة أشهر) 1.
ومنها: ما ذكره في باب الصوم: قال: (وأما صوم السفر والمرض، فإن
العامة اختلفت في ذلك، فقال قوم: يصوم، وقال قوم: لا يصوم)، إلى أن
قال: (ونحن نقول: يفطر في الحالتين جميعا) 2.
فإن قوله: (ونحن نقول) دال على أنه ممن هو قوله حجة.
ومنها: ما ذكره في باب الربا والدين والغيبة بعد رواية متضمنة لجواز بيع حبة
لؤلؤة تقوم بألف درهم بعشرة آلاف درهم، أو بعشرين ألف، وقد أمرني أبي
ففعلت مثل هذا) 3. والتقريب ما مر.
ومنها: ما قال في باب دية اللسان، قال: (سألت العالم عليه السلام عن رجل طرف
لغلام، فقطع بعض لسانه)، إلى أن قال: (فقلت: كيف ذلك؟) 4.
ومنها: ما قال في باب فضل الدعاء: (أروي عن العالم عليه السلام أنه قال: لكل داء
دواء، سألته عن ذلك، فقال: لكل داء دعاء) 5.
ومنها: ما ذكر في باب القدر والمنزلة بين المنزلتين، قال: (سألت العالم عليه السلام:
أجبر الله العباد؟ فقال: الله أعدل من ذلك، فقلت: ففوض إليهم؟ فقال: هو أعز
من ذلك، فقلت له: فصف لنا المنزلة بين المنزلتين) 6.

(1) فقه الرضا عليه السلام: 197.
(2) فقه الرضا عليه السلام: 202.
(3) فقه الرضا عليه السلام: 258 - 257.
(4) فقه الرضا عليه السلام: 318.
(5) فقه الرضا عليه السلام: 345.
(6) فقه الرضا عليه السلام: 348.
728

ومنها: ما ذكره في باب الاستطاعة قال: (سألت العالم عليه السلام: أيكون العبد في
حال مستطيعا؟ قال: نعم أربع خصال: مخلى السرب، صحيح، [سليم] 1
مستطيع، فسألته عن تفسيره) 2 الخ.
ومنها: ما ذكره في باب الزهد والتواضع، قال: (وسألت العالم عليه السلام عن
أزهد الناس قال) 3 الخ.
ومنها: ما ذكره في باب المعروف، قال: (أروي عن العالم عليه السلام أنه قال).
إلى أن قال: (فقلت له: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإن كان غنيا؟ فقال: وإن كان
غنيا) 4.
ومنها: ما ذكره في باب التفكر والاعتبار، وقال: (وأروي: فكر ساعة خير
من عبادة سنة، فسألت العالم عليه السلام عن ذلك، فقال: ثمر بالخربة) 5 إلى آخره.
ومنها: ما ذكره في باب البدع والرئاسة وكل ضلالة، قال في آخره: (و
أروى عن العالم عليه السلام، وسألته عن شئ من الصفات)، وقال في آخره أيضا:
(وأما عيون البشر فلا تلحقه، لأنه لا يحد ولا يوصف، هذا ما نحن عليه كلنا) 6.
ومنها: ما ذكره في باب حديث النفس: (وسألت العالم عن عن الوسوسة وإن
كثرت)، وقال في آخره أيضا: (وأروي أن الله تبارك وتعالى أسقط عن المؤمن
ما لم يعلم وما لم يتعمد) إلى أن قال: (أقول ذلك) 7.
ومنها: ما قال في آخر باب الرياء والنفاق والعجب: (وأروي أن رجلا
سأله - أي العالم عليه السلام - عما يجمع به خير الدنيا والآخرة، قال: لا تكذب. وسألني

(1) ما بين المعقوفتين من المصدر.
(2) فقه الرضا عليه السلام: 352.
(3) فقه الرضا عليه السلام: 371.
(4) فقه الرضا عليه السلام: 373.
(5) فقه الرضا عليه السلام: 380.
(6) فقه الرضا عليه السلام: 384.
(7) فقه الرضا عليه السلام: 385 - 386.
729

رجل سني 1 عن ذلك، فقلت: خالف نفسك) 2.
ومنها: ما ذكره في باب الآداب، وهو آخر الأبواب، قال: (فأبي روى عن
أبي عبد الله عليه السلام أنه قال) 3 إلى آخره.
وظاهر أن هذه العبارات منها ما ينافي كون الكتاب من ابن بابويه وأمثاله من
العلماء.
ومنها: ما هو ظاهر في كون القائل إماما معصوما.
ومنها: ما هو صريح في كونه مدركا للإمام الكاظم العالم عليه السلام.
ومنها: ما هو صريح في كونه ابنه.
ومنها: ما هو صريح في كونه من أولاد أمير المؤمنين عليه السلام.
وجميع ذلك شهادات ودلالات على أنه ليس مؤلفا للعلماء، بل هو
منسوب إلى الإمام.
وأما كونه مما يحتمل الصدق فظاهر، إذ لا وجه لعدم احتماله، ولا أمارة
على كذبه.
وأما توهمه 4 من جهة عدم تداوله بين العلماء المتأخرين، فهو وهم فاسد، لما
يشاهد مثله في الأصول الأربعمائة وأمثالها المتروكة بين العلماء، لأجل ذكر ما
فيها في كتب أحاديث أصحابنا وشرائعهم. فكذا ذلك حيث إن عباراته
الشريفة مأخوذة في رسالة ابن بابويه ومن لا يحضره الفقيه وغيرهما.
مع أنه لولا صدقه فكان لأجل كونه موضوعا عليهم، وهو بعيد غاية البعد، كما يظهر وجهه مما نقلناه عن السيد الأستاذ.
هذا، مع أنه ربما يوجد له أمارات دالة على الصدق موجبة للظن له وإن كان

(1) في (ب، ه‍): شئ. وكلا اللفظين ليسا في المصدر.
(2) فقه الرضا عليه السلام: 390.
(3) فقه الرضا عليه السلام: 397، وفيه: (فإني أروي عن أبي عبد الله عليه السلام...).
(4) الفصول الغروية: 312.
730

ضعيفا، كما ذكرها السيد الأستاذ من الوجوه والأمارات، وادعاء علم
بعض الثقات.
وقد وجدت أنا أيضا نسخة مصححة منه في خزانة كتب والدي العلامة
- قدس سره - وكان بعض مواضعه بياضا، وكتب في الحاشية: كان في النسخة
التي بخطه الشريف عليه السلام في موضع البياض أسطر قد محيت، وكانت في ظهره
هذه العبارة: ما على ظهر المنقول منه بخط الإمام عليه السلام: (صح) لأحمد بن جعفر
بن محمد بن زيد الشهيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ولأبيه
جعفر، وأخيه محمد، وأحمد - هو الملقب بالسكين -، وأكثر ما ورد هو أبو
جعفر الزيدي، و (صح) ليحيى بن الحسن الحسيني، وكتبه علي بن موسى بن
جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، القيت إليهم في
محرم لسنة ثلاث ومائتين للهجرة بمدينة مرو ولله الحمد 1. انتهى.
أقول: قال العلامة في الخلاصة وقبله النجاشي في كتابه: يحيى بن الحسن
بن عبد الله بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو الحسين العالم الفاضل
الصدوق، روى عن الرضا عليه السلام 2. انتهى.
وهذا التصريح بكونه من أصحاب الرضا عليه السلام مما يصلح أمارة على صدق
الإجازة المذكورة.
وقال الميرزا محمد في رجاله الكبير: أبو الحسين العلوي، جليل، من أهل
نيشابور 3. انتهى.
وكونه من أهل نيشابور أيضا من أمارات صدق الإجازة الصادرة في

(1) ونقل نحوه أيضا السيد الصدر عن آخر نسخة من كتاب مصباح الكفعمي بخط السيد علي
خان المكي. فصل القضاء 413 - 414.
(2) خلاصة الأقوال: 182، رجال النجاشي: 441، ولكن فيهما: يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
(3) منهج المقال: 386.
731

مدينة مرو.
وبالجملة: لو لم نقل أنه مظنون الصدق، فلا شك في أنه محتمله، وبعد
ذلك لا يبقى مجال لعدم عده من الأخبار.
وإن كان الكلام في الثاني، أي في حجيته وعدمها، فهذا أمر يختلف
باختلاف المذاهب والمسالك والآراء في الحجة من الأخبار الآحاد.
فإن منهم: من يقول باختصاص الحجية بالمسانيد من الأخبار من الصحاح،
أو مع الحسان، أو الموثقات. ولا شك أن ذلك ليس منها، لعدم ثبوت الكتاب من
الإمام من جهة العلم واليقين، ولا بالنقل المتصل من الثقات المحدثين.
ومنهم: من يقول باختصاص الحجية بأخبار الكتب الأربعة الدائرة. وهذا
أيضا كسابقه.
ومنهم: من يقول بحجية كل خبر مظنون الصدق أو الصدور، وبعبارة
أخرى: كل خبر مفيد للظن. واللازم على ذلك ملاحظة ما نقلناه من الشواهد
والأمارات، فإن حصل له منها الظن فليقل بحجيته، وإلا فلا.
ومنهم: من يقول بحجية كل خبر غير معلوم الكذب أو غير مظنونه. و
لا شك أن هذا الكتاب منه، فيكون حجة معمولا به عنده. والله أعلم بحقيقة
الحال.
732

عائدة (67)
في بيان قاعدة أخذ المفاهيم
اعلم أن قاعدة أخذ المفاهيم على ما هو المستفاد من العرف والمحاورات هو:
التصرف في المحكوم به نفيا وإثباتا، وفيما له المفهوم وجودا وعدما، من غير
تصرف في شئ آخر أصلا.
فإذا قيل: إن جاء زيد فأكرمه، يتصرف في المشروط وفي الإكرام، فيقال:
مفهومه إن لم يجئ زيد فلا تكرمه.
فتبدل وجود المشروط الذي له المفهوم بالعدم وإثبات الإكرام الذي هو
المحكوم به بالنفي، ولا يتبدل غيرهما، فلا يتبدل المجئ، ولا زيد، ولا نفس
الإكرام، ولا الضمير الراجع إلى زيد.
وإذا قيل: أكرم الرجل العالم، فمفهومه الوصفي: لا تكرم الرجل الغير
العالم، أو الجاهل، وهو أيضا بمعنى غير العالم. وإذا قيل: يجب عليك الكون في البيت إلى الغروب، فمفهوم غايته: أنه
لا يجب الكون بعد الغروب.
وعلى هذا إذا قيل: إن جائك الرجل العالم فأكرمه، فمفهومه الشرطي: إن
لم يجئك الرجل العالم فلا تكرمه، أي الرجل العالم لا مطلق الرجل، إذ لم يكن
الضمير في المنطوق لمطلق الرجل، بل لهذا الرجل المذكور في المنطوق، فكذا
733

في المفهوم.
ومن ذلك يظهر فساد ما قد يقال في الاستدلال بمفهوم الشرط في آية النبأ
على عدم وجوب التبين في خبر العادل - بأن مفهومه الشرطي أنه إن لم يجئكم
فاسق بنبأ، فلا تتبينوا في خبره -: إن عدم مجئ الفاسق أعم من مجئ العادل،
فيدل بواسطة العموم: أنه إن جاء العادل، فلا تتبينوا في خبره.
فإن المفهوم: أنه إن لم يجئ الفاسق فلا تتبينوا في خبره، أي خبر الفاسق، إذ
ليس غير الفاسق في الكلام حتى يصلح مرجعا للضمير، ولأنه مقتضى القاعدة
المذكورة.
وكذا فيما ورد في رواية البصري 1: أنه كان علي عليه السلام إذا أتاه رجلان
يختصمان بشهود عدلهم سواء وعددهم سواء، يقرع بينهم 2.
فإن مفهومه الشرطي: أنه إذا لم يأته رجلان يختصمان مع شهود كذائي، لم
يقرع بينهم، أي بين الشهود الكذائي.
فلا يصح أن يقال: إن عدم إتيان الرجلين المذكورين مع الشهود الكذائية أعم
من أن يأتيا مع الشهود المختلفين في العدالة والعدد، فلا يقرع بين هذه الشهود
أيضا بمقتضى المفهوم، وعدم الإقراع فيهم يستلزم ترجيح الأعدل والأكثر قطعا،
لأن مرجع الضمير في لفظ (بينهم) في المفهوم هو الشهود الموصوفين بالتساوي
في العدل والعدد، أو هذه الشهود المخصوصين، وهو أيضا بمعين المتساويين
دون مطلق الشهود، لما ذكر، فيكون حكم الشهود المختلفين مسكوتا عنه، وهكذا
في جميع الموارد.

(1) هو عبد الرحمان بن أبي عبد الله البصري مولي بني شيبان، من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام وأصله كوفي،
واسم أبي عبد الله ميمون. انظر رجال الشيخ: 230، وتنقيح المقال 2: 138، وجامع
الرواة 1: 442.
(2) الفقيه 3: 53 / 181، الكافي 7: 419 / 3، التهذيب 6: 233 / 571، الاستبصار 3: 39 / 131،
الوسائل 18: 183 أبواب كيفية الحكم ب 12 ح 5.
734

عائدة (68)
في بيان أن المدلول الالتزامي
فرع المدلول المطابقي
اعلم أن من الأمور الواضحة: أن المدلول الالتزامي للفظ فرع مدلوله
المطابقي وتابع له. فإذا انتفى المطابقي ينتفي الالتزامي أيضا.
ويتفرع على ذلك: أنه لو جاء خبر: إن من تزوج باكرة بإذن وليها خاصة
ثبت لها حق المضاجعة، فمدلوله المطابقي ثبوت حق المضاجعة للزوجة، ويدل
بالالتزام الشرعي على وجوب النفقة، ولمحقق الزوجية، وصحة النكاح، وغير
ذلك.
فلو جاء خبر يدل على عدم ثبوت حق المضاجعة لها أو لمطلق الزوجية، و
ترجح على الخبر الأول عند فقيه، ورد الخبر الأول لأجل تلك المعارضة، لا يمكنه
القول بثبوت الزوجية والنفقة المفهومين من الخبر الأول، حيث إن المعارض
مخصوص بحق المضاجعة، لأن الزوجية والنفقة كانتا تابعتين لثبوت حق
المضاجعة، فإذا لم يثبت فأين الدال على الزوجية والنفقة؟.
ولها فروعات متكثرة، وقد يشتبه الأمر لأجل ذلك في بعض الموارد.
كما إذا أقر أحد بزوجية امرأة له، وأنكرتها الزوجة، فقالوا بوجوب الإنفاق
عليه، وعدم ثبوت الزوجية له، مع أن الأول مدلول التزامي للثاني.
735

وقد أشرنا في بعض العوائد السالفة 1 إلى ما يرفع الاشتباه، ونقول هنا
أيضا: إن ها هنا أمرين: الإقرار بالزوجية، وثبوتها ظاهرا بحسب الشرع، و
وجوب الإنفاق لازم إقراره بها، لكونه إقرارا على نفسه، كما أنه لازم ثبوتها
أيضا، والمطابقي المنتفي هنا هو ثبوت الزوجية الظاهرية، وأما الإقرار بالزوجية
فلم ينتف أصلا، فيكون لازمه الذي هو وجوب الإنفاق عليه باقيا.

(1) راجع عائدة 48.
736

عائدة (69)
في بيان أن مقتضى اليد
الملكية
من القواعد الشرعية الكلية: كون مقتضى اليد الملكية، ما لم تعارضه البينة
أو نحوها.
وهذه القاعدة ثابتة في الشريعة بلا خلاف فيها يوجد، وربما كانت
إجماعية، وصرح بعض شراح المفاتيح بالاتفاق عليها، بل صرح بعضهم
بضروريتها 1.
والنصوص بها مع ذلك مستفيضة، بل في المعنى متواترة.
منها: الأخبار الواردة في حكم تعارض البينة 2.
ومنها: خبر حفص بن غياث المروي في الكتب الثلاثة، وفيه: أرأيت
إذا رأيت في يد رجل شيئا أيجوز أن أشهد أنه له؟ فقال: (نعم)، قلت:
فلعله لغيره، قال عليه السلام: (ومن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا لك ثم تقول
بعد الملك هو لي وتحلف عليه ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه إليك من

(1) لم نعثر عليه.
(2) الكافي 7: 418، التهذيب 7: 233 باب 90، الاستبصار 3: 38 باب 22، والفقيه 3: 38،
الوسائل 18: 181 أبواب كيفية الحكم ب 12.
737

قبله؟)، ثم قال عليه السلام: (ولو لم يجز هذا ما قام للمسلمين سوق) 1.
ومنها: الخبر المروي في الوسائل عن تفسير علي بن إبراهيم صحيحا، وعن
الاحتجاج مرسلا، عن مولانا الصادق عليه السلام في حديث فدك: (إن مولانا
أمير المؤمنين عليه السلام قال لأبي بكر: تحكم فينا بخلاف حكم الله تعالى في المسلمين؟
قال: لا، قال: فإن كان في يد المسلمين شئ يملكونه ادعيت أنا فيه، من تسأل
البينة؟ قال: إياك كنت أسأل البينة على ما تدعيه، قال: فإذا كان في يدي شئ
فادعى فيه المسلمون، تسألني البينة على ما في يدي، وقد ملكته في حياة
رسول الله صلى الله عليه وآله وبعده، ولم تسأل المؤمنين علي ما ادعوا علي كما سألتني البينة
على ما ادعيت عليهم) 2 الخير.
ومنها: موثقة يونس بن يعقوب: في المرأة تموت قبل الرجل أو رجل قيل
المرأة، قال عليه السلام: (ما كان من متاع النساء فهو للمرأة، وما كان من متاع الرجل
والنساء فهو بينهما، ومن استولى على شئ منه فهو له) 3.
ولا شك أن الاستيلاء على الشئ يتحقق بكونه في يده والاختصاص بمتاع
البيت غير ضائر، لعدم الفاصل.
ومنها: رواية مسعدة بن صدقة: (كل شئ هو لك حلال حتى تعرف الحرام
بعينه، فتدعه من قبل نفسك، وذلك مثل ثوب يكون عليك قد اشتريته وهو
سرقة، أو المملوك عندك لعله حر قد باع نفسه، أو خدع فبيع أو قهر، أو امرأة
تحتك وهي أختك أو رضيعتك، والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير
ذلك، أو يقوم به البينة) 4.

(1) الكافي 7: 378 / 1، الفقيه 3: 31 / 92، التهذيب 6: 261 / 695، الوسائل 18: 215 أبواب
كيفية الحكم ب 25 ح 2.
(2) تفسير علي إبراهيم 2: 155، علل الشرائع 1: 190 باب 151، الاحتجاج 1: 119، الوسائل
18: 215 أبواب كيفية الحكم ب 25 ح 3.
(3) التهذيب 9: 302 / 1079، الوسائل 17: 525 أبواب ميراث الأزواج ب 8 ح 3.
(4) الكافي 5: 313 / 4، التهذيب 7: 226 / 989، الوسائل 12: 60 أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 4.
738

ومنها: رواية حمزة بن حمران، أدخل السوق فأريد أن اشتري جارية تقول:
إني حرة، فقال: (اشترها إلا أن يكون لها بينة) 1.
وصحيحة العيص: عن مملوك ادعى أنه حر ولم يأت ببينة على ذلك،
أشتريه؟ فقال: (نعم) 2.
وبعض هذه الروايات وإن كان ضعيفا إلا أن جميعها معتبرة، لوجودها في
الأصول المعتبرة، ومع ذلك بعمل الأصحاب منجبرة، وبغير ما ذكر من الأخبار
معتضدة.
فلا كلام في أصل القاعدة، وإنما المقصود التكلم في مواضع:
الأول: في معنى اليد، فإنه قد يتصور أن لفظ اليد في هذا الكلام ليس على
حقيقته، بل المراد المعنى المجازي. ولعدم انحصاره في معنى خاص إما يدخله
الإجمال، أو يحمل على أقرب المجازات، وهو أيضا لا يخلو عن إبهام وإجمال.
وفيه: أن اليد وإن كانت حقيقة في العضو المخصوص، إلا أنها في هذا
التركيب ليست مجازا، لأن هذا التركيب حقيقة في معنى خاص يعرفه أهل
المحاورات بقرينة التبادر وعدم صحة السلب، فيجب الحمل عليه.
ولا شك في صدق الكون في اليد عرفا فيما كان تحت اختياره ويتصرف فيه
تصرفات ملكية، كالبيع والإجارة والإعارة ونحوها.
وكذا فيما يستعمله وينتفع به ويتصرف فيه بالإفساد والإصلاح، كالركوب
والحمل في الدابة، والعمارة والتخريب في الدار، والغرس والزرع في
الأرض، وهكذا.
ومن وجوه الاستعمال: وضع متاعه أو جنس آخر بل مطلق ماله فيه،
للصدق العرفي.

(1) الفقيه 3: 140 / 614، الكافي 5: 211 / 13، التهذيب 7: 74 / 318، الوسائل 13: 31 أبواب
بيع الحيوان ب 5 ح 2.
(2) الفقيه 3: 140 / 614، التهذيب 7: 74 / 317، الوسائل 13: 30 أبواب بيع الحيوان ب 5 ح 1.
739

وهل تصدق اليد على شئ بكونه في مكانه المختص به - ملكا أو استيجارا أو
عارية - كغلة في بيته، أو دابة في مذوده، أو متاع في دكته؟
الظاهر: نعم، للصدق العرفي.
وأما في كون ماله فيه من غير وضعه فيه، أو عدم ثبوت ذلك - كمذود فيه
دابته، أو دار فيها متاعه - يدا نظر.
الظاهر: العدم ما لم يعلم أنه بنفسه وضعه، للشك في صدق الاسم.
فلو كانت هناك دابة عليها حمله الذي حمله بنفسه عليها، تصدق اليد على
الدابة، بخلاف ما إذا كان عليها حمله ولم يثبت أنه حمله عليها، أو علم أنه
حمله غيره - الذي يدعي الدابة - عليها وبيده لجامها.
وهل يكون إغلاق باب الدار ونحوها وكون مفتاحها في يده يدا؟.
الظاهر: نعم لو كان هو الذي أغلق الباب وأخذ المفتاح.
وقد تتعارض الأمور الموجبة لصدق اليد في مال، كما إذا كان متاع زيد في
الدار وأغلق عمرو بابها، أو تكون دابة في حصار وعليها حمل الغير، أو زمامها
في يد الغير، ونحو ذلك.
ويجب الرجوع إلى العرف في الصدق في أمثاله.
ومن صور التعارض: ما إذا كان طريق في دار زيد ويسلكه عمرو، فادعى
ملكيته.
والظاهر حينئذ ترجيح السالك.
ومنه الدابة عليها حمل زيد وزمامها بيد عمرو، والترجيح لآخذ الزمام.
ومن باب التعارض: ما اتفق في هذه الأيام في بلدتنا، فكان فيها دار فيها
طريق يعبر عنه عامة الناس، فسد مالك الدار الطريق، ولم ينازعه أحد من
العابرين إلا واحد، فزاحمه، وادعى الملكية الخاصة، متشبثا باليد الحاصلة من
العبور. فمنعنا صدق اليد عليه له، لعدم ثبوت ما كان ينتفع به منه أمرا مخصوصا
به يصدق لأجله كون يده عليه.
740

ومنه يعلم أنه لو لم يكن ذلك الطريق في ملك شخص معلوم، فادعى أحد
ملكيته، ونازعه واحد من العابرين لأجل نفسه لا للعامة، لأجل يد العبور،
لا تصلح مزاحمته، لعدم كون ذلك يدا، وإن كان له مزاحمته لأجل كونه طريقا.
ثم لا يتوهم أن ما ذكرنا من عدم توقف صدق اليد على التصرفات الملكية،
يخالف ما ذكره جماعة في بحث ما يصير به الشاهد شاهدا: من الإشكال في
جواز الشهادة بالملكية بدون مشاهدة التصرفات، كصاحب الكفاية 1 بل المحقق 2.
بل قد يستشكل مع التصرفات أيضا، ونقل التردد فيه عن المبسوط 3، لأن
اليد شئ، والشهادة على الملكية شئ آخر.
ولذا تراهم جميعا يقولون: اليد المنفردة في التصرف هل تصحح الشهادة
على الملكية أم لا؟ فيثبتون اليد، ويختلفون في الشهادة، بل قد يثبتون اليد (ثم
يضمون) 4 التصرف أيضا، فيقولون: اليد المنفردة في التصرف واليد
المنضمة معه.
وكذا لا ينافي ما ذكروه مع ما سنذكره: من اقتضاء مطلق اليد أصالة الملكية،
(كما أن استصحاب الملكية) 5 أيضا يقتضي أصالتها، مع الاختلاف في جواز
الشهادة بالملكية الاستصحابية. ولذا اتفقوا على أن ما كان في يد مورث شخص
ولم يعلم حاله، يحكم بملكيته له، ويجوز شراؤه منه، ولو لم يجز له الشهادة
بملكية مورثه.
الثاني: المراد بكون اليد ظاهرة في الملكية مقتضية لها: أنها الأصل
فيها لا أنها الدليل عليها. فلا تخرج عن مقتضاها بلا دليل مخرج، ولا تعارض دليلا

(1) كفاية الأحكام: 284.
(2) شرائع الإسلام 4: 134.
(3) المبسوط 8: 182.
(4) بدل ما بين القوسين في (ج)، (ح): مع انضمام.
(5) بدل ما بين القوسين في (ج)، (ح): فإن استصحابه.
741

أصلا، بل يرفع اليد عنه مع الدليل كما هو الشأن في الأصول.
ولذا لولا أنه ورد من الشرع الحلف على المنكر لولا البينة، لما حكمنا به.
والدليل على ذلك: الإجماع، وأخبار سؤال البينة عن المنازع والحكم بها،
وقوله في رواية مسعدة المتقدمة: (حتى يستبين لك غير ذلك) 1، وبها تقيد
الإطلاقات أيضا.
الثالث: لا شك أنه يشترط في اقتضاء اليد أصالة الملكية عدم انضمام اعترافه
بعدم الملكية، بالإجماع، فإنه دليل مخرج عنها.
وهل يشترط انضمام ادعائه الملكية أم لا؟
الظاهر الثاني، لعموم صدور رواية حفص المتقدمة، الحاصل من ترك
الاستفصال، وموثقة يونس السابقة، بل لظاهر الإجماع، ولذا يحكم بملكية ما
في يد الغائب، وما كان في يد المتوفى له، ويحكم بكونه ميراثا منه ما لم يعلم
خلافه.
ويجوز الانتفاع بما في يد أحد مع إذنه من دون سؤال ادعائه الملكية وعدمه.
نعم الظاهر اشتراط عدم انضمام ادعاء عدم العلم بملكيته أيضا، فلو قال ذو
اليد: إني لا أعلم أنه ملكي أم لا، لا يحكم بملكيته، لأن الثابت من اقتضاء اليد
الملكية غير ذلك المورد.
أما الإجماع فظاهر.
وأما أخبار طلب البينة من مدعيه، فكذلك أيضا.
وأما الروايتان المتقدمتان، فلظهورهما في ذلك، بل قوله في الثانية
(يملكونه) صريح فيه، كما أن قوله في الأولى (صار ملكه إليك من قبله) ظاهر
فيه أيضا، وكذلك رواية مسعدة وما بعدها.
وأما الموثقة، فلإمكان منع صدق

(1) الكافي 5: 313 / 4، التهذيب 7: 226 / 989، الوسائل 12: 60 أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 4.
وتقدمت في ص 738.
742

الاستيلاء عليه في مثل ذلك الشئ.
مضافا إلى رواية جميل بن صالح، الصحيحة، عن السراد: رجل وجد في
بيته دينارا، قال: (يدخل منزله غيره؟) قلت: نعم كثير، قال: (هذه لقطة) قلت:
فوجد في صندوقه دينارا، قال: (يدخل أحد يده في صندوقه غيره، أو يضع فيه
شيئا؟) قلت: لا، قال: (فهو له) 1.
فإنه حكم فيما هو في داره، الذي لا يعلم أنه له مع كونه في يده - على ما مر -
ومستوليا عليه: أنه ليس له، وأيضا علل كون ما وجد في الصندوق له بما يفيد
العلم بأنه ليس لغيره، من عدم إدخال غيره يده فيه.
وإلى موثقة إسحاق بن عمار: عن رجل نزل في بعض بيوت مكة، فوجد
فيها نحوا من سبعين درهما مدفونة، فلم تزل معه ولم يذكرها حتى قدم الكوفة،
كيف يصنع؟ قال: (يسأل عنها أهل المنزل لعلهم يعرفونها)، قلت: فإن
لم يعرفوها؟ قال: (يتصدق بها) 2.
فإنه لا شك أن الدراهم كانت في تصرف أهل المنزل على ما عرفت، ولو
أنهم قالوا: إنا لا نعلم أنها لنا أو لغيرنا، فيصدق أنهم لا يعرفونها، فلا يحكم
بملكيتها لهم.
ومن ذلك يعلم أن اليد لا تكفي في حكم ذي اليد - لأجلها لنفسه إن
لم يعلم ملكيته.
ولكن المراد بعدم علمه بالملكية: عدم علمه بالملكية الشرعية لا الواقعية، فإن
الغالب أن الوارث لا يعلم حال ما انتقل إليه من مال مورثه، والمشتري في السوق
لا يعلم أنه مال البائع أو سرقة أو غصب، فإن اليد الخالية عن اعتراف المورث، و
البائع بالعلم بعدم الملكية أو عدم العلم بالملكية الشرعية، كافية في علم الوارث

(1) التهذيب 6: 390 / 1161، الوسائل 17: 353 أبواب اللقطة ب 3 ح 1.
(2) التهذيب 6: 391 / 1171، الوسائل 17: 355 أبواب اللقطة ب 5 ح 3.
743

والمشتري بالملكية الشرعية.
فلو كان متاع في دكة أحد ولم يعلم أنه مما ورثه أو اشتراه أو وضعه غيره،
لا يجوز له التصرف فيه.
وكذا إذا كان فيما خلفه مورثه شئ اعترف المورث بأني لا أعلم أنه مني
أولا.
وكذا لا يجوز شراء شئ عن شخص كان في يده ويقول: إني لا أعلم أنه
مني أموالي أو من الغير. بل يلزم على ذي اليد الفحص، فإن لم يتعين مالكه
يكون مجهول المالك. أما كونه مجهولا عند غير ذي اليد فظاهر، وأما عنده
فكذلك أيضا، لأجل أنه يعلم أنه لا يعلم.
الرابع: كما أن مقتضى اليد أصالة الملكية فيما يملك، كذلك مقتضاها أصالة
الاختصاص بذي اليد فيما ليس ملكا، كالوقف.
فلو كان شئ في يد أحد مدعيا وقفيته عليه، فادعاء غيره ولا بينة له،
يقدم قوله ذي اليد، لموثقة يونس بن يعقوب المتقدمة، بل الظاهر الإجماع
أيضا.
ومن هذا القبيل أيضا: ما إذا ادعى على غيره بكون ما في يده بادعاء الإجارة
من مالكه أنه الذي استأجره منه، فيقدم قول ذي اليد، وهكذا.
الخامس: ما ذكر من تقديم قول ذي اليد لدلالة اليد على الملكية أو
الاختصاص، إنما هو إذا لم يعارض اليد أصل آخر.
وأما إذا عارضه أصل أو استصحاب، ففي بعض موارده الخلاف، و
في بعض آخر يقدم الاستصحاب، كما إذا ادعى ذو اليد الانتقال إليه من
مالكه السابق، أو ثبتت مسبوقية يده بيد إجارة أو عارية أو نحوهما، و
لم يعلم زوال اليد الأولى، فلو ادعى مالك الأرض ملكيتها والمتشبث بها
وقفيتها، أو المتشبث الإجارة والمالك عدمها، أو المتشبث التحجير، وغيره
أثبت تحجيره السابق، لا يقدم قول ذي اليد كليا. وتحقيق كل مسألة مذكور
744

في موضعها.
السادس: هل يختص اقتضاء اليد الملكية أو الاختصاص في الأعيان، أم
يجري في المنافع أيضا؟ لم أعثر بعد على مصرح بأحد الطرفين.
والظاهر: هو الأول للأصل، وعدم ثبوت الإجماع في غير الأعيان، و
اختصاص الأخبار بها. أما أخبار تعارض البينات والروايتان الأخيرتان، فظاهرة، لأن مواردها في
الأعيان.
وأما رواية حفص بن غياث، فلأن لفظ (والأشياء كلها على هذا) منفردا، فإنما
يدل على الحلية دون تمام المطلوب.
نعم، ظاهر حديث فدك العموم، إلا أنه يمكن دعوى اختصاص صدق اليد
حقيقة بالأعيان، فإنها المتبادرة عرفا من لفظ ما في اليد بل الاستيلاء، وصدقهما
على المنافع غير معلوم.
بل هنا كلام آخر: وهو أن اليد والاستيلاء إنما هو في الأشياء الموجودة في
الخارج، القارة، وأما الأمور التدريجية الوجود، الغير القارة كالمنافع، فلو سلم
صدق اليد والاستيلاء عليها، فإنما هو فيما تحقق ومضى لا في المنافع المستقبلة
التي هي المراد هاهنا.
ولا يتوهم أن ما ورد في خصوص الرحى الواقعة على نهر ماء الغير والمنع
745

عن سد الماء عنه 1، يثبت اقتضاء اليد في المنافع الملكية أيضا، وكذا ما ذكره
جماعة في الميزاب 2، لأن عدم اقتضاء اليد الملكية فيها لا ينافي المنع عن سد منفعة
مخصوصة بدليل 3 آخر، كالخبر أو الضرر، فيحتمل الحكم بمورده.
وأما ما قد يدعى من ظهور اليد في الملكية، وهو حاصل في المنافع أيضا 4،
ففيه - بعد تسليم اليد فيها - منع حجية ذلك الظهور أولا، ومنع الظهور ثانيا، فإنه
لو سلم فإنما هو في الأعيان مع التصرفات الملكية 5، وأما في المنافع التي أعيانها
ملك الغير فلا، لشيوع مشاهدة الناس متصرفين في كثير من المنافع من غير تحقق
جهة اللزوم والملكية.
فيحمل الجار على حائط جاره أو المشترك، وينصب الميازيب على داره أو
ملكه، ويطرح الثلج، ويضع خشب السقف على حائطه، ويجري الماء من داره
إلى داره، أو ماؤه إلى داره، ويستعمل المسلمون بشاهد الحال بعضهم ماء
بعض، ويجرون مياههم في دورهم، وقد يغيرون مواضع الجريان في كل عام،
ويبنون الحياض الكبيرة المجددة، إلى غير ذلك.
بل يمكن ادعاء ظهور عدم 6 الملكية في أمثال ذلك، وابتناء الأمر أولا على
المسامحة أو شاهد الحال.
السابع: ما ذكر من أن الاستيلاء يدل أصالة الاختصاص للمستولي،
إنما هو إذا لم يكن هناك مدع يثبت له جهة اختصاص آخر أيضا، فلو كان كذلك

(1) الكافي 5: 293 / 5، الفقيه 3: 150 / 659، التهذيب 7: 146 / 647، الوسائل 17: 343 أبواب
إحياء الموات ب 15 ح 1.
(2) منهم العلامة في التذكرة 2: 184، وإرشاد الأذهان 1: 406، والسيد المجاهد في المناهل: 364،
والمحدث البحراني في الحدائق الناضرة 21: 122.
(3) في (ه‍): وبدليل.
(4) انظر الحدائق الناضرة 21: 119.
(5) في (ه‍): بالملكية. والمراد بالتصرفات الملكية: هي التصرفات التي لا يتصرفها إلا المالك.
(6) في (ب) عدم ظهور.
746

لا يفيد الاستيلاء شيئا، لأن جهة الاختصاص الثابتة بالاستيلاء غير معينة، و
إرجاعها إلى ما يدعيه المستولي لا دليل عليه بخصوصه حتى يحمل عليه. والجهة
الأخرى للغير ثابتة، فليس لها معارض معلوم ولا دافع كذلك.
فلو ادعى أحد استئجار شئ في يد غيره مدعيا هو أيضا أنه استأجره، تطلب
البينة من المدعي، لأصالة الاختصاص بالمستولي، فإن جهة الاختصاص بينهما
واحدة. بخلاف ما لو ادعى المالك عدم الإجارة، لأن ملكيته مختصة به،
والمدعي يدعي الاختصاص الاستئجاري ولا دليل عليه.
وكذا لو ادعى أحد اختصاصه بشئ في يده، ويستولي عليه من جهة
استحقاق منفعة بصلح أو نحوه، وادعى المالك عدمه، فلا يقدم قول
المستولي، لثبوت جهة اختصاص للمالك وعدم ثبوت الاختصاص النفعي
للمستولي.
فاحتفظ بذلك فإنه مفيد في كثير من المواضع.
الثامن: يشترط في دلالة اليد على الملكية احتمال كونها ناشئة من السبب
المملك، فلو علم مبدؤها وعلم أنه ليس سببا مملكا، لا حكم لها، كيد الغاصب
والودعي. وكما إذا كان هناك شئ لم يحتمل وجها شرعيا مملكا، وكما إذا أخذه
المدعى بحضورنا وأثبت يده عليه، للإجماع، واختصاص الأدلة بغير ذلك.
ومن ذلك القبيل ما تداول في أكثر قرى بلاد العجم: من أخذ ماء الغير كل
يوم في بعضه وإدخاله في حماماتهم مع عويل صاحب يوم الماء غالبا وعدم
رضاه، ولا يعتني أرباب الحمامات بعدم رضائه، فقد تصحح أعمالهم بثبوت يد
رب الحمام على الماء، مع أنه ليس له وقت معين على التحقيق من حيث المبدأ
والمنتهى ولا قدر معين من المجرى، فإنه يختلف ما يأخذونه بقلة الماء وكثرته و
قدر احتياج الحمام، ولا يدعي رب الحمام وقتا معينا ولا قدرا معينا، ولا يمكن
تصحيح ملكية ما يأخذونه للحمام مع هذه الإبهامات بوجه شرعي لا يشترك فيه
غيره في ذلك الوقت.
747

ثم المراد باحتمال الاستناد إلى السبب المملك أيضا: الاحتمال المتحقق بعد
إعمال الأصول والقواعد الممهدة الثابتة.
فلو كانت هناك يد لم يعلم منشؤها، ولكن علمت مسبوقيتها بيد عارية أو
غصب، ولم يعلم أن اليد الحالية هل هي تلك اليد، أو زالت الأولى وحصلت
يد ثانية من السبب المملك؟
فمقتضى استصحاب اليد السابقة وأصالة عدم حدوث يد أخرى يجعلها هي
اليد الأولى، فلا يفيد ملكيته.
وليس هذا من باب تعارض الاستصحاب والأصل مع اليد المقتضية للملكية،
بل تصير اليد بواسطة الأصل والاستصحاب غير اليد المقتضية.
التاسع: لا يشترط في صدق اليد عرفا مباشرة ذي اليد بنفسه للتصرف، بل
تكفي مباشرة الوكيل والمستعير والأمين والمستأجر والغاصب منه بعد ثبوت أحد
هذه الأوصاف له في ذلك التصرف، للصدق العرفي. وكذا يد المقر أنها لزيد،
فإنه يقال معه: إنها في يد زيد، فتأمل.
العاشر: يمكن أن يكون يدان أو أزيد على شئ واحد، بمعنى أن يكون يد
كل واحدة منهما بحيث لو كانت منفردة لصدق كون ذيها ذيها اليد بالنسبة إلى
تمام الشئ عرفا، كالدابة ركباها رديفين، والسراج الواحد يستضيئان به،
واللحاف يلتحفان به معا في كل ليلة والإناء يأكلان منه دفعة، والفراش
يجلسان عليه.
وحينئذ فيحكم بكونهما ذا اليد على ذلك الشئ، لا أن يد كل منهما على
بعضه المشاع، لإمكان كون شئ واحد في يد اثنين، فلا ضرورة إلى التبعيض.
وليست اليد كالملكية التي لا يمكن تعلقها بتمام شئ بالنسبة إلى كل من
الشخصين، بل مثل القرابة لشخصين، والتوطن في بلدتين، والجوار لدارين، و
مصاحبة شخصين، ومؤانستهما، وهكذا.
الحادي عشر: اقتضاء اليد للملكية التامة لذي اليد إنما هو إذا لم تعارضها يد
748

أخرى أيضا، أي كانت يدا منفردة، فلو كان شئ واحد في يد شخصين بحيث
لم يختص يد كل بالبعض عرفا، لا تدل على ملكيته لواحد منهما، للمعارض، و
لا لهما معا بأن يكون تمامه ملكا لهما، لعدم الإمكان.
وهل يحكم حينئذ بالاشتراك في الملكية حتى يكون بينهما بالسوية - كما هو
مقتضى قاعدة الشركة مع عدم دليل على الاختلاف - أم لا بل يحكم بواسطة
اليدين على نفي ملكية غيرهما، وإن لم يحكم بملكيتهما أو أحدهما؟.
ظاهر أكثر الأخبار المتقدمة وإن كان خاليا عن الدلالة على ذلك - لأن الرواية
الأولى مختصة باليد الواحدة، والعلة المذكورة فيها بقوله: (ومن أين جاز لك)
إلى آخره لا تدل على أنه إذا اشتراه من اثنين يجوز له أن يشهد أنه لهما، بل تدل
على أنه يجوز له أن يشهد: أنه ملك لهما، أو لأحدهما.
والثانية وإن كانت أعم، إلا أنها لا تدل على الأزيد من طلب البينة من
الخارج منهما، المستلزم لاقتضاء نفي ملكية الغير وحصول الملكية في الجملة
الشاملة لملك هذا وهذا، وهما معا بالشركة، وأما الاشتراك مخصوصة فلا. و
كذا إطلاق الروايات الثلاث الأخيرة - إلا 1 أن مقتضى قوله في الموثقة: (ومن
استولى على شئ منه فهو له) أنه لو استوليا معا عليه كان لهما، وبمقتضى قاعدة
التساوي ى في الشركة المبهمة أنه بينهما نصفين، ومرجعه إلى أن اليدين
المشتركتين تقتضيان الملكية المشتركة.
وتعضده الروايات الكثيرة الدالة على تنصيف ما يدعيه اثنان ويدهما عليه
بدون البينة لأحدهما أو مع البينة لهما 2.
بل الظاهر أنه إجماعي أيضا، كما يظهر من حكمهم بالتنصيف في تداعي
شخصين ما في يدهما معا.

(1) استثناء من قوله: ظاهر أكثر الأخبار المتقدمة، في الفقرة السابقة.
(2) الكافي 7: 419 / 2، التهذيب 6: 133 / 570، الاستبصار 3: 37 / 130، الوسائل 18: 182
أبواب كيفية الحكم و... ب 12 ح 2.
749

الثاني عشر: لو أقر ذو اليد بملكية زيد ثم أقر بعده لعمرو، يحكم باليد لزيد،
لثبوتها بالاعتراف الأول، وعدم صدق اليد عرفا للثاني بعد الأول، فلا يصلح
الثاني لمعارضة الأول، فيبقى الأول بلا معارض ومستصحبا.
750

عائدة (70)
قد تحقيق اشتراط إفادة المطلق
للعموم بأن لا يكون مذكورا لبيان حكم آخر
قد يذكر أن إفادة المطلق للعموم مشروط بأن لا يكون مذكور البيان حكم آخر.
قال بعض مشايخنا المحققين - قدس الله سره - في فوائده: المطلق يرجع إلى
العموم بشرطين:
أحدهما: أن لا يكون بعض أفراده شائعا بحيث ينصرف الذهن إليه عند
الإطلاق.
إلى أن قال:
والثاني: أن يكون ذكره لأجل بيان حكم نفسه من حيث يراد إثبات عمومه،
لا أن يكون مذكورا على سبيل التقريب لبيان حكم آخر، كقوله تعالى: (كلوا مما
أمسكن عليكم) 1، فإن ذكره لإظهار حد ما يصيده الكلب من حيث إنه صاده لا
من حيث الغسل وعدم الغسل منه، لأن رجوعه إلى العموم إنما هو لئلا يخلو
الكلام عن الفائدة، والفائدة هنا متحققة وإن لم يرجع إليه 2.
انتهى كلامه

(1) المائدة 5: 4.
(2) الفوائد الجديدة للتوحيد: 2 - 1: فائدة 5.
751

رحمه الله.
أقول: غرضه أن إفادة المطلق للعموم لما كانت لأجل الحكمة، فإنه لولاه
يخلو الكلام عن الفائدة، فيشترط في إفادته له عدم ترتب فائدة أخرى لبيان الحكم
عدا حكم نفس المطلق.
فيقال، حينئذ: إنه لولا عموم الحكم لجميع أفراده خلا الكلام عن الفائدة،
لعدم إمكان إرجاعه إلى واحد معين ولا إلى واحد لا بعينه، ولا يتصور فائدة
أخرى، فليس إلا العموم.
وذلك لا يتم إذا لم يعلم كون المطلوب بيان حكم نفس المطلق، بل كان
الكلام منساقا لبيان أمر آخر، كما أنه سبحانه بين حكم حلية صيد الكلب بقوله:
(كلوا مما أمسكن)، ولم يرد بيان حكم الممسك حتى يعم جميع أفراده حتى غير
المغسول موضع عض الكلب منه لئلا يخلو الكلام عن الفائدة، بل أراد بيان حلية
صيد الكلب وهو يحتمل بحلية فرد من ممسكاته أيضا.
بل مقتضى ذلك: عدم ثبوت العموم، مع احتمال كونه منساقا لبيان حكم
آخر، بل مع احتمال ترتب فائدة أخرى.
والحاصل: أن إفادته للعموم إنما هو إذا علم أن المتكلم في بيان حكم المطلق
لا مطلقا.
ولكن لا يخفى أن ذلك إنما يصح على القول بكون عموم المطلق لدليل
الحكمة وأنه لولاه لخلي الكلام عن الفائدة.
وأما لو قلنا بأن عمومه لأجل تعليق الحكم على الطبيعة، وهي في ضمن
جميع الأفراد موجودة، فيجب تحقق الحكم في ضمن الجميع، فلا يتم ذلك.
بل التحقيق حينئذ أنه يشترط عدم العلم بعدم 1 كون الكلام منساقا لبيان حكم
الطبيعة، وتعليق الحكم عليها، ولا يشترط العلم بكونه منساقا له، لأن كونه

(1) في (ه‍): لعدم.
752

منساقا لتعليق الحكم عليها مقتضى الأصل والحقيقة.
نعم لو علم عدم ذلك لم يجر الدليل، إذ لا يكون حكم في الكلام معلقا
على الطبيعة واردا عليها. فإذا قال أحد: خذ الدراهم واشتر لي لحم الغنم،
فذهب المأمور واشترى به الخبز، فقال له الآمر: إني أمرتك باشتراء اللحم وأنت
اشتريت الخبز؟ لا يكون قوله: (باشتراء اللحم) مطلقا معارضا لقوله أولا: (اشتر
لحم الغنم)، لأن قرينة المقام دالة على أن مراده ليس بيان إرادة طبيعة مطلق
اللحم، بل أراد نفي إرادة الخبز، فلا يمكن الاستدلال به لثبوت الحكم في جميع
أفراد اللحم.
والحاصل: أنه على ذلك يشترط انتفاء عمومه بالعلم بأن ذكر المطلق ليس إلا
لبيان حكم آخر غير بيان حكم الطبيعة.
ثم إن ما ذكره من أنه يشترط في إفادته العموم: أن يكون ذكره لأجل بيان
حكم نفسه من حيث يراد إثبات عمومه، ومن قوله: من حيث إنه صاده لا من
حيث الغسل وعدم الغسل، أن عمومه أيضا مخصوص بحيثيته التي علق الحكم
عليها من هذه الحيثية فلا يسري إلى حيثيات اخر، وإذا حصل الشك فيه من حيثية
أخرى لم يجز التمسك بالعموم من الحيثية الأولى، ولم يكن عمومه من هذه
الحيثية منافيا لما ينفي الحكم عنه من حيثية أخرى.
فإذا قال: الغنم حلال، يعم الحكم لجميع الأغنام من حيث إنه غنم، فلا
يمكن الاستدلال به على حلية الغنم المغصوب، أو الجلال، أو الميتة، أو غيرها.
وهذا الكلام أيضا إنما يجري على دليل الحكمة، إذ حلية الغنم من حيث هو
غنم فائدته تامة وإن لم يعلم حال أفراده من حيثية أخرى.
ولا يجري على المختار من كون عموم المطلق لوجود الطبيعة، لأنها موجودة
في ضمن كل فرد من أفرادها في جميع حالاتها، فيجب تحقق الحكم أيضا.
هذا مع أن ما ذكروه من ملاحظة الحيثية المذكورة، إن أراد أنه لأجلها لا يثبت
الحكم في أفراد ذلك المطلق المحيثة بحيثيات اخر من جهة وجود حيثية الحكم إذا
753

شك في حكمها من جهة الحيثيات الاخر، لزم انتفاء التعارض بين المطلقات إلا
فيما إذا كان المتعارضان واردين على المطلق من حيثية واحدة، لا إذا تغايرت
الحيثيات.
فلا يكون تعارض بين قوله: في الغنم الزكاة، وليس في الحيوان المعلوف
الزكاة، أو ليس في الحيوان الأسود أو الجلال الزكاة، لأن الإثبات راجع إلى
حيثية الغنمية والنفي إلى حيثية العلف أو السواد أو الجلل، فلا يثبت بالأول
ثبوت الزكاة في المعلوفة من جهة الغنمية.
وإن أراد أن الحكم إنما هو من الحيثية الأولى أينما وجدت هذه الحيثية، و
يحصل التعارض فيما اجتمعت فيه الحيثيتان، فهو صحيح، ولكن الظاهر من
قوله: (لا من حيث الغسل وعدم الغسل) أنه لا يحكم لأجل تعليق الحكم على
المطلق بوجوده في غير المغسول أيضا، فلا ينافي حلية المطلق حرمة غير المغسول
ويحكم بحرمته ولا يلاحظ إطلاق الحل، وهذا غير صحيح، فتأمل.
754

عائدة (71)
في حمل الأمر والنهي على الاستحباب
والكراهة عند تعذر حملهما على الحقيقة
قد ترى الفقهاء - كثيرا - أنهم عند تعذر حمل الأمر أو النهي على ظاهرهما من
الوجوب والحرمة يحملونهما على الاستحباب والكراهة، وقد يطالب بالوجه
فيه مع تعدد مجازاتهما.
والتحقيق: أنه إذا تعدد مجاز اللفظ المصروف عن حقيقته ولم يقم دليل
بالخصوص على تعيين المراد منها، فقالوا: إن كان بعضها أقرب إلى الحقيقة المصروف عنها يجب الحمل عليه، وإلا دخل فيه الإجمال.
وجعلوا وجه القرب الموجب لذلك ثلاثة، كما صرح به بعض سادة
مشايخنا المحققين، فقال: اعلم أن المقتضي لتعيين المجاز مع تعذر الحقيقة أمور
ثلاثة:
الأول: تبادر المعنى المجازي المعين من اللفظ المصروف عن حقيقته، كما في
قولك: رأيت أسدا في الحمام، فإن المفهوم من لفظ الأسد المقترن بقرينة الكون
في الحمام هو الرجل الشجاع.
ومن المعلوم أن هذا الفهم غير مستند إلى دلالة لفظ الأسد ولا إلى القرينة
المذكورة، فإن الكون في الحمام يقتضي الصرف عن إرادة المعنى الحقيقي الذي
755

هو الحيوان المفترس، ولا دلالة فيه على تعيين الرجل الشجاع أصلا. فلولا أنه مدلول لفظ الأسد المصروف عن حقيقته والمتبادر منه، لم يعقل
فهمه في الكلام، لانتفاء الحصر في المجاز.
وتبادر المعنى المجازي من اللفظ المقترن بالقرينة لا ينافي مجازيته، لأن التبادر
الذي هو علامة الحقيقة هو فهم المعنى من نفس اللفظ مجردا عن القرينة، وتبادر
المجاز هو فهم المعنى مع القرينة.
ثم التبادر في المجاز قد يحصل بمجرد القرينة الصارفة عن الحقيقة كما في
المثال، وقد لا يحصل بذلك وحده بل يتوقف على وجود الصارف عن بعض
المجازات أيضا، وذلك إذا كان مساويا للمجاز المقصود من اللفظ، كما في لفظ
اليد التي هي حقيقة في العضو المخصوص ومجاز في النعمة والقدرة، فإذا أريد
استعمالها في النعمة وجب ضم قرينة تصرفها عن إرادة القدرة، كأن يقول: لزيد
يد عند أوليائه - مثلا - ولم يجز الاكتفاء بالقرينة الصارفة عن الحقيقة، بل يجب
مجموع القرينتين الصارفتين عن الحقيقة والمجاز المساوي، لا لأن الصرف عن
الأمرين يقتضي تعيين المراد، لانتفاء الحصر، بل لأن المتبادر من اللفظ المصروف
هو ذلك.
وأنت إذا تتبعت القرائن اللفظية وجدتها في الأكثر كذلك، إذ قلما يتفق في
الكلام قرينة معينة للمراد، صارفة عن الحقيقة وسائر المجازات المحتملة عدا المعنى
المقصود، بل الغالب أن قرينة المجاز إما صارفة عن خصوص الحقيقة، أو عنها و
عن شئ من المجازات، وأن التعيين إنما يستند إلى اللفظ المصروف عن بعض
معانيه. ولولا أن المعنى المراد هو المتبادر من اللفظ بعد الانصراف لامتنعت
الدلالة اللفظية في أكثر المجازات.
الثاني: شهرة المجاز المعين وكثرة وقوعه في الكلام، وإنما الاشتهار سبب
للتعيين، لعدم انفكاكها عن التبادر الموجب له غالبا، أو لأن الظن يلحق الشئ
بالأعم الأغلب.
756

الثالث قوة العلاقة في المجاز وشدة مناسبته مع الحقيقة: إما لأن شدة
المناسبة موجبة لأشهرية الاستعمال في الكلام وكثرة الدوران في المجاورات، أو
لأن قرب المعنى المجازي إلى الحقيقي بحيث لا أقرب منه مقتض للانتقال من
اللفظ إليه. أو لأن القرب من الحقيقة يقتضي ترجيح إرادته بنفسه، أي باعتبار
كونه
قريبا لا لكونه مظنة للاشتهار أو مقتضيا للتبادر والانتقال، إذ لا ريب في أن
القرب من الحقيقة مما يرتفع به التساوي بين المعاني المحتملة، وارتفاع المساواة لا
يكون إلا بالترجيح 1. انتهى ملخصا.
أقول: قد بينا في كتبنا الأصولية 2 اعتبار الوجه الأول من هذه الوجوه
الثلاثة، وكذا الأخيران حيثما أوجبا التبادر، وأما بدونه فلا. وقد أشار السيد الأستاذ إلى ما في بعض الأخيرين أيضا لولا اعتبار إيجابهما
للتبادر.
وأما الوجه الأول فهو تام صحيح، وكما ذكره يرجع تعيين أكثر المجازات في
الكلمات إليه، ومتابعته شائعة في المحاورات، معتبرة عند أربابها.
ومنه تعين صاحب الجمال من القمر أو البدر في قولك: رأيت قمرا أو بدرا
في بيت فلان، والبليد من قولك: فلان حمار، ونحو ذلك، وإن كان ذلك
التبادر مسببا في الغالب من اشتهار الاستعمال في ذلك المجاز، وقد يسبب عن
عدم ظهور علاقة بين المعنى الحقيقي وبين غير ذلك المجاز.
ثم مما ذكر يظهر وجه حملهم الأمر والنهي المصروفين عن حقيقتيهما على
الندب والكراهة، لأنهما المتبادران عنهما عند تعذر الحقيقة، كما صرح به السيد
السند المذكور 3.
مع أنه لو اعتبر الوجهان الأخيران أيضا لكانا جاريين هنا أيضا، لأن استعمال

(1) لم نعثر عليه في فوائد الأصول. ونقله أيضا السيد المجاهد في مفاتيح الأصول: 58.
(2) راجع مناهج الأحكام: 25، منهاج: قد يوجد قرينة صارفة عن الحقيقة.
(3) كما نقله عنه في مفاتيح الأصول: 59.
757

الأمر والنهي في الندب والكراهة شائع كثير، حتى قيل: إن صيغتي الأمر والنهي
حقيقة فيهما أو مشتركة بينهما وبين الوجوب والتحريم 1.
وعلاقة الندب والكراهة مع الوجوب والحرمة أقوى من علاقتهما مع سائر
المحتملات، وهما أشد مناسبة معهما من غيرهما.

(1) معالم الأصول: 39: مفاتيح: 59، نقلا عن السيد الأستاذ.
758

عائدة (72)
في بيان الإجمال في حكايات الأحوال
ترى الأصوليين والفقهاء يقولون: إن حكايات الأحوال تلبس الألفاظ
الواقعة فيها ثوب الإجمال ولا تفيد عموما ولا إطلاقا، فيقولون: إنه قضية في
واقعة، وهو كذلك كما هو في الأصول مبين.
ومع ذلك تراهم قد يستدلون في بعض الموارد بالحكايات بإطلاقها، وهو في
غاية الكثرة، كما في رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام: (إن رجلين
اختصما إلى أمير المؤمنين عليه السلام في دابة في أيديهما، وأقام كل واحد منهما البينة
أنها نتجت عنده، فأحلفهما علي عليه السلام، فحلف أحدهما وأبى الآخر أن يحلف،
فقضى بها للحالف) 1.
فتمسكوا بها في إجراء هذا الحكم في كل واقعة كانت من جزئياتها من
غير فرق بين البينتين المتساويتين في العدد وفي العدالة، والمختلفتين فيهما أو في
أحدهما، ومن غير تفرقة بين أن يكون إباء الآخر عن الحلف تعنتا أو إجلالا لله 2.
وكما في رواية غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام: (إن أمير المؤمنين عليه السلام

(1) الكافي 7: 419 / 2، التهذيب 6: 233 / 570، الاستبصار 3: 38 / 130، الوسائل 18: 182 أبواب
كيفية الحكم ب 12 ح 2.
(2) في (ب)، (ج)، (ه‍): لها، بدل لله، ويكون المراد: إجلالا للحلف.
759

اختصم إليه رجلان في دابة وكلاهما أقام البينة أنه أنتجها، فقضى بها للذي في
يده) 1.
فأجروا الحكم في كل بينة أيضا تمسكا بها.
وكذلك في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام، وفيها: وذكر (أن
عليا عليه السلام أتاه قوم يختصمون في بغلة، فقامت البينة لهؤلاء أنهم أنتجوها على
مذودهم لم يبيعوا ولم يهبوا، وأقام هؤلاء البينة أنهم أنتجوها على مذودهم
لم يبيعوا ولم يهبوا، فقضى بها لأكثرهم بينة) 2.
فاستدلوا بها على الحكم المذكور من غير تفرقة بين كون البغلة في يد أحدهما
أو في يديهما، ولا بين البينتين المتساويتين عدالة والمختلفتين، ولا بين المؤرختين
وغير المؤرختين.
وكذا في موثقة سماعة عن أبي عبد الله، قال (إن رجلين اختصما إلى
علي عليه السلام في دابة، فزعم كل واحد منهما أنها نتجت على مذوده وأقام كل واحد
منهما بينة سواء في العدد، فأقرع بينهما سهمين) 3.
ويجعل بعض هذه الأخبار معارضا لبعض آخر في بعض أحكامهما، ولولا
الحكم فيها بالإطلاق أو العموم لما كان تعارض 4.
وكما في رواية القاسم بن سليمان، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
(قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشهادة رجل مع يمين الطالب في الدين وحده) 5.

(1) الكافي 7: 419 / 6، التهذيب 6: 234 / 573، الاستبصار 3: 39 / 133، الوسائل 18: 182 أبواب
كيفية الحكم ب 12 ح 3.
(2) الكافي 7: 418 / 1، الفقيه 3: 38 / 129، التهذيب 6: 234 / 575، الوسائل 18: 181 أبواب كيفية
الحكم ب 12 ح 1.
(3) الفقيه 3: 52 / 177، التهذيب 6: 234 / 576، الاستبصار 3: 40 / 135، الوسائل 18: 185
أبواب كيفية الحكم ب 12 ح 12.
(4) في (ح): لما كانت تتعارض.
(5) التهذيب 6: 273 / 745، الاستبصار 3: 32 / 110، الوسائل 18: 195 أبواب كيفية الحكم ب 14 ح 10.
760

فيستدلون بها على ثبوت الحكم في كل دين.
وكما في رواية أبي ى مريم عن أبي جعفر عليه السلام: في بيان حكم امرأة أتت
أمير المؤمنين عليه السلام فقالت: إني قد فجرت 1. إلى آخر الحديث، وهو طويل.
فاستدلوا بها على هذا الحكم بالإطلاق في كل واقعة يشملها إطلاقها
لولا
أنها قضية في واقعة.
وكما في موثقتي سماعة وأبي العباس، المتضمنتين لحد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
المستسقي الذي زنى، بعرجون 2 فيه مائة شمراخ 3 مرة واحدة 4.
فتكلموا فيها بمقتضى ظاهر الإطلاق.
وكما في رواية شعيب العقرقوفي، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل
تزوج امرأة لها زوج، قال: (يفرق بينهما)، قلت: فعليه ضرب؟ قال: (لا، ماله
يضرب؟!) فخرجت من عنده وأبو بصير بحيال الميزاب، فأخبرته بالمسألة
والجواب، فقال لي: أين أنا؟ قلت: بحيال الميزاب، قال: فرفع يده فقال: ورب
هذا البيت أو رب هذه الكعبة لسمعت جعفرا عليه السلام يقول: (إن عليا عليه السلام قضى في
الرجل تزوج امرأة لها زوج، فرجم المرأة وضرب الرجل الحد، ثم قال: لو
علمت أنك علمت لفضحت رأسك بالحجارة) ثم قال: ما أخوفني أن لا يكون
أوتي علمه 5.

(1) الفقيه 4: 20 / 50، الوسائل 18: 380 أبواب حد الزنا ب 16 ح 5.
(2) العرجون: أصل العذق الذي يعوج وتقطع منه الشماريخ فيبقى على النخل يابسا. الصحاح
6: 2164 (عرجن).
(3) الشمراخ والشمروخ: العتكال والعتكول الذي عليه البسر، وأصله في العذق، وقد يكون في العنب.
الصحاح 1: 425، لسان العرب 3: 31 (شمرخ).
(4) التهذيب 10: 32 / 107 - 109، الاستبصار 4: 211 / 786، الوسائل 18: 320 أبواب مقدمات
الحدود ب 13 ح 5، وص 322 ح 7.
(5) الفقيه 4: 16 / 7، التهذيب 10: 25 / 76، الاستبصار 4: 209 / 782، الوسائل 18: 397 أبواب حد
الزنا ب 27 ح 7. وقد تقرأ في النسخ: أولى علمه.
761

انظر إلى أبي بصير كيف فهم من حمل حكاية جعفر عليه السلام لقول علي عليه السلام
الإطلاق، ولذا جعله منافيا لقول أبي الحسن عليه السلام وقال ما قال، مع أنه يمكن أن
يكون عمل أمير المؤمنين عليه السلام لأمر هو أعلم، كأن يكون الرجل وجب عليه الحد
والمرأة الرجم لغير ذلك العمل، ونحو ذلك، إلى غير ذلك.
ولعلك ترى كتب الاستدلال مشحونة بالاستدلال بحكايات الأحوال في
أمثال هذا المجال، فكيف الحال؟.
أقول: غرضهم من قولهم: إنه قضية في واقعة فلا يصلح حجة لإطلاق أو
عموم، وإن حكاية الحال واردة مورد الإجمال، أنها من حيث هي هي كذلك، و
لا ينافي ذلك أن يفهم منها الإطلاق في مواضع باعتبار القرينة الخارجية المنضمة
معها.
ومن القرائن المفيدة للعموم أو الإطلاق: حكاية المعصوم لها بعد السؤال
منه عن حكم واقعة 1، لأنه وارد عن الإمام مورد الاستدلال، وهو مفهم قطعا،
لأنه لو كان في الألفاظ المطلقة المذكورة في الواقعة قيد له مدخلية في ذلك
الحكم، لوجب على الإمام ذكره ليتم الاستشهاد والاستدلال. بل المتبادر
المتفاهم عرفا من مثل ذلك عدم مدخلية قيد آخر في ذلك الحكم، وأنه لو كان
لكان الحاكي ذكره البتة.
ولهذا يستدل الفقهاء في تلك المواقع باستشهاد الأئمة بحكايات 2 الأحوال و
يفهمون منه العموم أو الإطلاق.
ثم إن ذلك فيما إذا كانت حكايته عليه السلام مسبوقة بسؤال عنه عن حكم واقعة من
أفراد ذلك المطلق، كما في رواية العقرقوفي في غاية الوضوح.
وهل يكون كذلك لو لم تكن مسبوقة بالسؤال - كما في أكثر الروايات
المتقدمة - أم لا؟ فيه إشكال.

(1) في (ج، ح): الواقعة.
(2) قد تقرأ في النسخ: لحكايات.
762

والظاهر منه أيضا: الإطلاق أو العموم وعدم مدخلية قيد آخر في الحكم،
لأن الظاهر أن حكاية المعصوم لذلك ليس لمجرد الحكاية والقصة، وإنما هو لبيان
حكم الواقعة كما هو وظيفته عليه السلام، وعليه بناء أكثر كلماته الشريفة.
ولأنه يعلم غالبا أن السامعين يجعلونها حجة في الوقائع ويفهمون
الإطلاق، فلو لا إرادته يلزم الإغراء بالجهل.
بل لنا أن نقول: إنه لولا الإطلاق لكانت حكاية مجملة خالية عن الفائدة
المعتد بها، والظاهر أن المعصوم أجل من أن يتكلم به.
ولأجل هذه الأمور يتبادر منه العموم أو الإطلاق، ولأجل ذلك التبادر
استند إليها الأصحاب في إثبات العموم ولو لم يسبق السؤال 1.
وهل حكاية الراوي حالا عن الإمام يكون كذلك أيضا أم لا؟
كما في رواية تميم بن طرفة: إن رجلين عرفا بعيرا فأقام كل واحد منهما بينة، فجعله أمير المؤمنين عليه السلام بينهما 2.
الظاهر أن الراوي أراد الإطلاق أو العموم، سيما مع سبق السؤال عنه.
ولكن الإشكال في حجيته، والظاهر عدم الحجية، لأنه ليس رواية الإطلاق
والعموم عن الإمام، لأن الواقعة لم تكن إلا جزئية حقيقية. فإن أراد الراوي ذلك
فهو مستند إلى استنباطه واجتهاده وهو ليس بحجة أصلا.
ومن الأمور المنضمة مع تلك الحكايات المثبتة للعموم أو الإطلاق: عدم
القول بالفصل بين الأفراد، كما في الدابة في المذكورة، فإنها وإن
كانت دابة مخصوصة من بعير أو فرس أو بغلة أو حمار أو غيرها ولكن لا فرق
بينها بالإجماع المركب.
ومنها: تنقيح المناط القطعي أو الأولوية حيثما وجدا.

(1) في النسخ: ولولا سبق السؤال.
(2) الفقيه 3: 23 / 61، وفيه: (ادعياه) بدل (عرفا)، التهذيب 6: 234 / 574، الاستبصار
(3) 39 / 134، الوسائل 18: 183 أبواب كيفية الحكم ب 12 ح 4.
763

ولا فرق في حجية العموم أو الإطلاق الحاصلين من هذه الثلاثة لو جدت
مطلقا، سواء كانت الحكاية من الإمام أو الراوي، وسواء كانت مسبوقة بالسؤال
أو لم تكن، والله الموفق.
764

عائدة (73)
إذا قام دليل على أن سقوط التكليف عن بعض عبادة
لا يستلزم السقوط عن الباقي، فهل يجوز التمسك بإطلاق
الأمر السابق على وجوب الباقي؟
إذا قام دليل على أن سقوط التكليف عن بعض عبادة لا يستلزم السقوط عن
الباقي، بل يجب الإتيان به، كالوضوء، حيث إنه انعقد الإجماع على أنه
لو تعذر الإتيان ببعض أجزائه - كغسل إحدى اليدين لقطعها - يجب الإتيان بالأجزاء
الباقية.
وحينئذ فهل يجوز التمسك بإطلاق الأمر السابق بالباقي، أولا؟
وتظهر الفائدة فيما إذا اختلفوا في وجوب شئ على من يجب عليه الإتيان
بالباقي وعدمه.
فإنه على الأول يجب اتباع ما دل عليه الأمر السابق من إطلاق أو تقييد أو
غيرهما.
وعلى الثاني يجب فيه العمل بما تقتضيه الأصول الشرعية.
فقيل بالثاني، لأن الأوامر إنما كانت متوجهة إلى القادر على الجميع، وبعد
حصول المانع ارتفعت، ووجوب الإتيان بالباقي إنما هو من جهة دليل آخر غير
تلك الخطابات، فيجب ملاحظة حاله، فالأوامر السابقة غير معتبرة أصلا و
765

لا يمكن الرجوع إليها في شئ من الأحكام 1.
أقول: ما ذكره فيما إذا كان الأمر السابق أمرا واحدا منحلا إلى أجزاء - كقوله: توضأ - وظاهر وموافق للأصل.
وأما إذا كان أو امر عديدة، كقوله سبحانه: (فاغسلوا وجوهكم و
أيديكم... وامسحوا برؤسكم وأرجلكم) 2 ففيه ليس بذلك الظهور وإن كان
الأمر أيضا كذلك، لدوران الأمر بين تخصيص الخطاب بأولي الأيدي والأرجل
بقرينة قوله: (وأيديكم وأرجلكم)، وبين تقييد قوله: (وأيديكم و
أرجلكم) بمثل قوله: (إن كانت لكم الأيدي والأرجل)، والظاهر عدم
الترجيح، فلا يعلم شمول الخطاب لمقطوع اليدين أو الرجلين.
نعم لو كانت هناك خطابات متعددة بتعدد الأجزاء، يمكن التمسك في
الأجزاء الباقية بما يدل عليه خطاباتها. كما إذا قال: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم
إلى الصلاة فاغسلوا أيديكم، وهكذا إلى آخر أجزاء الوضوء، والوجه واضح.

(1) مفاتيح الأصول: 524.
(2) المائدة 5: 6.
766

عائدة (74)
في بيان اصطلاحات صاحب
الوافي في الرجال المتكررة
اعلم أنه قد اصطلح المحدث الكاشاني، مؤلف كتاب الوافي، في أسماء
الرجال المتكررة في الأسانيد اصطلاحا خاصا بينه في ديباجة الكتاب 1.
وربما لا تحضر الديباجة فيحتاج الناظر في الأحاديث إلى معرفتهم. وقد ذكره
ولده الفاضل محمد المدعو بعلم الهدى في فهرست يكتب كثيرا في ظهور مجلدات
الوافي، وربما لا يكون مكتوبا، فرأيت أن أذكر فهرسته هنا ليكون معينا للطالب.
قال ولده علم الهدى:
هذا ما اصطلح عليه الوالد الأستاذ في كتاب الوافي من أسامي الرجال المتكررة
في الأسناد، أستضبطها في هذا الجدول تذكرة لمن أراد تناولها من الأصحاب.
ووزعتها ستة أقسام، واضعا لكل طائفة منها اشتركت في معنى عنوانا
يخصها بالانتساب. قال:
المكتفى عن تعدادهم بالأعداد:
الاثنان في أوائل السند: الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد.

(1) الوافي 1: 33.
767

الاثنين في أواخر السند: هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة.
الأربعة التامة: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني.
الأربعة الناقصة: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز.
الأربعة عن صفوان: محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، وأبو علي
الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار.
الثلاثة في أوائل السند: على بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير.
الحسين عن الثلاثة: الحسين بن سعيد، عن محمد بن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي.
الخمسة التامة: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد،
عن الحلبي.
الخمسة الناقصة: علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن إسماعيل، عن
الفضل بن شاذان، جميعا عن ابن أبي عمير.
سهل عن الثلاثة: سهل بن زياد، عن محمد بن الحسن بن شمون، عن
عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن مسمع بن عبد الملك.
الصفار عن الثلاثة: محمد بن الحسن الصفار، عن حسن بن موسى
الخشاب، عن غياث بن كلوب، عن إسحاق بن عمار.
العدة عن ابن عيسى: محمد بن يحيى العطار، وعلي بن موسى الكميداني،
وداود بن كورة، وأحمد بن إدريس، وعلي بن إبراهيم، عن
أحمد بن محمد بن عيسى.
العدة عن البرقي: علي بن إبراهيم، وعلي بن محمد بن عبد الله بن أذينة، و
أحمد بن محمد بن أمية، وعلي بن حسن عن أحمد بن محمد البرقي 1.
العدة عن سهل: علي بن محمد بن غلان، ومحمد بن أبي عبد الله، و

(1) في (ج): محمد بن خالد البرقي.
768

محمد بن الحسن، ومحمد بن عقيل الكليني، عن سهل بن زياد.
محمد عن الأربعة: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن
علي بن الحكم، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم.
المكتفى عن أسمائهم بكلمات النسبة:
الأزدي: بكر بن محمد الأزدي.
الأشعري: جعفر بن محمد الأشعري.
البجلي: عبد الرحمن بن الحجاج البجلي.
البرقي: أحمد بن محمد بن خالد البرقي.
البزنطي: أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي.
البصري: عبد الرحمن
بن أبي عبد الله البصري.
والتلعكبري: أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري.
التميمي: عبد الرحمن بن أبي نجران التميمي.
التيملي: علي بن الحسن بن علي بن فضال التيملي.
الثمالي: أبو حمزة الثمالي ثابت بن دينار.
الجعفري: سليمان بن جعفر الجعفري.
الجوهري: القاسم بن محمد الجوهري.
الحضرمي: أبو بكر الحضرمي.
الخراساني: إبراهيم بن أبي محمود الخراساني.
الديلمي: محمد بن سليمان الديلمي.
الرازي أو الجاموراني: أبو عبد الله محمد بن أحمد الرازي الجاموراني.
السياري: أحمد بن محمد السياري.
الصهباني: محمد بن عبد الجبار الصهباني.
الطاطري: علي بن الحسن الطاطري.
الطيالسي: محمد بن خالد الطيالسي.
769

العاصمي: أبو عبد الله أحمد بن محمد العاصمي.
العبيدي: محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني.
العجلي: بريد بن معاوية العجلي.
العزرمي عبد الرحمن بن محمد العزرمي.
العلوي: محمد بن أحمد العلوي.
العقرقوفي: شعيب بن يعقوب العقرقوفي.
العياشي: محمد بن مسعود العياشي.
الغنوي: هارون بن حمزة الغنوي.
الفطحية: أحمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن
عمار بن موسى الساباطي.
القاساني: علي بن محمد.
القمي: أبو علي أحمد بن إدريس الأشعري.
القميان: أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار.
الكاهلي: عبد الله بن يحيى.
الكرخي: إبراهيم بن أبي زياد.
الكناني: إبراهيم بن نعيم أبو الصباح.
الكوفي: الحسن بن علي.
اللؤلؤي: الحسن بن الحسين.
المروزي: سليمان بن حفص.
المنقري: سليمان بن داود.
الميثمي: أحمد بن الحسن.
النخعي: أيوب بن نوح.
النميري: موسى بن أكيل.
النهدي: الهيثم بن أبي مسروق.
770

النيسابوريان: محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان.
الهاشمي: إسماعيل بن الفضل.
اليماني: إبراهيم بن عمر.
المعبر عنهم بالأوصاف والألقاب:
الأصم: عبد الله بن عبد الرحمن.
برزج: منصور بن يونس.
البقباق: أبو العباس الفضل بن عبد الملك.
الحجال: عبد الله بن محمد.
الحذاء: زياد بن عيسى أبو عبيدة.
الخزاز: إبراهيم بن عيسى أبو أيوب.
الخشاب: الحسن بن موسى.
الدهقان: عبيد الله بن عبد الله.
الرزاز: أبو العباس محمد بن جعفر.
الزيات: محمد بن الحسين بن أبي الخطاب.
السراد: الحسن بن محبوب.
الشحام: أبو أسامة زيد بن يونس.
شعر: يزيد بن إسحاق شعر.
الصحاف: الحسين بن نعيم.
الصفار: محمد بن الحسن.
الصيقل: الحسن بن زياد.
القداح: عبد الله بن ميمون.
المشايخ: محمد بن نعمان، عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه
محمد.
المفيد: أبو عبد الله محمد بن النعمان.
771

مؤمن الطاق: أبو جعفر محمد بن النعمان الأحول.
الوشاء: الحسن بن علي.
المحذوف أسماء آبائهم:
أبان: أبان بن عثمان.
أحمد في ثواني أسانيد الكافي أو أوائلها: أحمد بن محمد.
أحمد في أوايل أسانيد التهذيب: أحمد بن محمد.
بنان: بنان بن محمد بن عيسى، وهو عبد الله أخو أحمد بن محمد بن عيسى.
الحسين: الحسين بن سعيد الأهوازي.
حسين: الحسين بن عثمان.
حماد: حماد بن عثمان.
حميد: عن ابن سماعة: حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة.
درست: درست بن أبي منصور الواسطي.
ذبيان: ذبيان بن حكيم الأودي.
ذريح: ذريح بن محمد بن يزيد المحاربي.
رفاعة: رفاعة بن موسى النحاس الأسدي.
سعد: سعد بن عبد الله. سماعة: سماعة بن مهران الحضرمي.
سهل في ثواني الأسانيد أو أوائلها: سهل بن زياد.
صفوان: صفوان بن يحيى.
عاصم عن محمد بقيس: عاصم بن حميد.
عثمان: عثمان بن عيسى.
العلاء: العلاء بن رزين.
على في أوائل الأسانيد: علي بن إبراهيم بن هاشم.
علي عن أبي بصير: علي بن أبي حمزة.
772

علي الميثمي: علي بن إسماعيل.
فضالة: فضالة بن أيوب.
المحمدين في أواسط الأسانيد: محمد بن إسماعيل، عن محمد بن الفضل.
محمد في أواخر الأسانيد: محمد بن مسلم الثقفي.
محمد في أوائل الأسانيد: محمد بن يحيى العطار.
مسمع: أبو سيار مسمع بن عبد الملك الملقب بكردين.
موسى في أوائل أسانيد التهذيب: موسى بن القاسم البجلي.
النضر: النضر بن سويد.
المنسوب إلى أجدادهم بحذف الأسماء:
ابن أبان: الحسن بن الحسن بن أبان.
ابن أبي حمزة: الحسن بن علي بن أبي حمزة.
ابن أشيم: علي بن أحمد بن أشيم.
ابن بزيع: محمد بن إسماعيل بن بزيع.
ابن بندار: علي بن محمد بن بندار.
ابن بقاح: الحسن بن علي بن يوسف بن بقاح.
ابن رباط: علي بن الحسن بن رباط.
ابن الزبير: علي بن محمد بن الزبير.
ابن زرارة: محمد بن علي بن زرارة.
ابن سماعة: الحسن بن محمد بن سماعة.
ابن شمون: محمد بن الحسن بن شمون.
ابن عقدة: أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة.
ابن عيسى: أحمد بن محمد بن عيسى.
ابن فضال: الحسن بن علي بن فضال.
ابن قولويه: جعفر بن محمد بن قولويه.
773

ابن محبوب: محمد بن علي بن محبوب.
ابن هلال: محمد بن عبد الله بن هلال.
ابن يقطين: الحسن بن علي بن يقطين.
المنسوبون إلى آبائهم أو أحد أقربائهم بحذف الأسماء:
ابن أبي يعفور: عبد الله بن أبي يعفور.
ابن أسباط: على بن أسباط.
ابن أسباط عن عمه: علي بن أسباط، عن يعقوب بن سالم الأحمر.
ابن بكير: عبد الله بن بكير.
ابن رئاب: علي بن رئاب.
ابن عمار: معاوية بن عمار.
ابن كلوب: غياث بن كلوب.
ابن مرار إسماعيل بن مرار.
ابن مسكان: عبد الله بن مسكان.
ابن المغيرة: عبد الله بن المغيرة.
ابن وهب: معاوية بن وهب.
الحسن عن أخيه: الحسن بن علي بن يقطين، عن أخيه الحسين بن علي.
الحسن عن أخيه عن أبيه: الحسن بن علي بن يقطين، عن أخيه الحسين، عن
أبيهما علي.
علي عن عمه: علي بن حسان، عن عمه عبد الرحمن بن كثير الهاشمي.
القاسم عن جده: القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد.
774

عائدة (75)
في التمسك بالإجماع في مورد
يعتقد مدعي الإجماع خروجه منه
إذا ادعى أحد الإجماع على أمر كلي، واختلف في كون بعض الأشياء من
جزئياته، ومدعي الإجماع يعتقد عدم كونه منها، فهل يحكم من يعتقد جزئيته و
خطأ المدعي في اعتقاد العدم بأنه داخل تحت المجمع عليه - أي الإجماع الادعائي -
أولا؟
كما إذا قال أحد: يجوز الدخول في صلاة الفريضة بالوضوء المندوب
إجماعا، واعتقد عدم استحباب الوضوء للتأهب أو لتلاوة القرآن، واعتقد آخر
استحبابه لهما.
التحقيق: أنه إن علم أن مراده الإجماع على هذا العنوان، أي: عنوان
الوضوء المندوب، يدخل الوضوء المختلف فيه عند معتقد استحبابه في الإجماع
المنقول.
وإن علم أن مراده الأفراد دون العنوان لم يدخل.
وإن لم يعلم الأمران يتوقف، والأصل عدم ورود نقل الإجماع عليه.
775

عائدة (76)
في حمل المطلق على العموم البدلي
أو الاستغراقي
قال جماعة: يشترط في حمل المطلق على العموم الاستغراقي أو البدلي أن
تكون أفراد الماهية متواطئة، فلا يكون بعضها أرجح بالشيوع والغلبة.
ومرادهم ليس التواطؤ في نحو الأولوية والأقدمية، بل في الشيوع
والغلبة، بأن كان انصراف الإطلاق إليه 1.
وشاع ذلك بين المتأخرين من أصحابنا.
قيل: ولهذا يلزم حمل إطلاقات غسل الثوب والبدن على الغسل بالماء
المطلق 2. وفي كون هذا الحمل لأجل ذلك نظر.
وربما تظهر من السيد المرتضى - رحمه الله - المخالفة في ذلك وقال: لو كان
الأمر على ذلك لوجب أن لا يجوز غسل الثوب بماء الكبريت والنفط وغيرهما مما
لم تجر العادة بالغسل به 3. انتهى.
ورد: بأن المراد الغلبة بحيث يتعارف عند أهل اللسان انصراف الإطلاق

(1) في (ه‍): عليه.
(2) مفاتيح الأصول: 196.
(3) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 219.
777

إليه 1، وهو لا يخلو عن شئ.
أقول: الشيوع على قسمين: استعمالي، ووجودي.
فإن كان الشيوع - استعماليا - كالدابة في ذوات الأربع - فلا شك في انصراف
المطلق إليه إن بلغ الشيوع حدا يوجب التبادر، لأنه موجب لحصول الوضع
التخصيصي، وأما إن لم يبلغ ذلك الحد ففيه نظر.
وإن كان وجوديا - كالإنسان بالنسبة إلى ذي الرأسين - فينصرف المطلق إليه
فيما كان الشيوع قرينة صارفة عن الحقيقة، كما في: كان إنسان. وأما في غيره،
نحو: أكرم إنسانا، فلا 2.
(والتحقيق: أنا إن قلنا بأن إفادة المطلق لأحد العمومين بواسطة دليل الحكمة
وانتفاء المرجع) 3 يمكن القول بالانصراف إلى الشائع الاستعمالي والوجودي
مطلقا.
وإن قلنا: بأنها لأجل تعليق الحكم على الماهية، فلا ينصرف إلا في الصور
التي ذكرناها.
وعلى ما ذكرنا لا فرق بين المطلق والعام الوضعي.
وأما على ما قالوا فرقوا ما بينهما.
قال: بعض مشايخنا المحققين - قدس سره -: العموم الوضعي متناول للأفراد
الشائعة والنادرة جميعا، بخلاف المطلق فإنه يختص بالأفراد الشائعة.
إلى أن قال: فإن قيل: لا يخلو إما أن يكون تبادر البعض مقتضيا للحمل
عليه، باعتبار أن الخطابات الشرعية إنما يراد منها معانيها الظاهرة الشائعة إلى الفهم،
أو لا يكون كذلك، لأن المعتبر صدق اللفظ حقيقة، حصل التبادر أو لم يحصل.
فعلى الأول: يجب تخصيص العموم بالأفراد الشائعة كالإطلاق، وعلى

(1) مفاتيح الأصول: 1.
(2) فل ا، ليست في (ج، ح).
(3) ما بين القوسين في (ج، ح)، وفي (ب): فالتحقيق....
778

الثاني: يعم المطلق كالعام، فلا وجه للفرق.
قلنا: الوجه فيه ظاهر، لأن المطلق لم يوضع للعموم، وإنما يحمل عليه في
الخطابات الشرعية والمقامات الخطابية لتوقف الإفادة والاستفادة عليه في الكلام
المسوق للبيان دون الإبهام، والحمل على الأفراد الشائعة يكفي في حصول هذا
الغرض، ولا داعي له على الحمل على الاستغراق.
وأما العموم الوضعي فمدلوله الاستغراق، فيجب الحمل عليه، والحمل
على الأفراد الشائعة تخصيص لا يرتكب إلا بدليل 1.
انتهى.
وما ذكره - قس سره - في وجه التفرقة صريح فيما ذكرنا، من أن بناء
حملهم على الشائع إنما هو باعتبار جعل دليل عموم المطلق الحكمة دون تعلق
الحكم بالطبيعة.
ثم إن من القائلين بالفرق بين المطلق والعام من قال: بأن الأفراد النادرة التي
هي في غاية الندرة لا تنصرف إليها الألفاظ الموضوعة للعموم أيضا.
ثم بما ذكرنا يظهر أن ما ليس دلالته على العموم بالوضع، بل بالقرينة العقلية
- نحو عموم ترك الاستفصال، وعموم المنزلة 2، وعموم التشبيه، لو قلنا بعموم
الأخيرين - ينصرف إلى الفرد الشائع البتة لو كان شيوعه موجبا لظهور إرادته.
ثم إن ما ذكروه من انصراف المطلق إلى الشائع، إنما هو إذا لم يقم قرينة على
إرادة العموم الشامل للفرد النادر منه، وأما معها فلا.
ومن القرائن: استثناء بعض الأفراد النادرة، كقوله: أكرم الإنسان إلا ذا
أربعة أرجل، فإنه يشمل ذا الراسين أيضا. وقوله: الغسل مزيل للنجاسة إلا إذا
كان بماء الرمان.
ومنها: الإتيان بقيد لإخراج بعض الأفراد النادرة، كقوله: الإنسان غير ذي

(1) فوائد الأصول: 73 فائدة 18.
(2) في (ج، ح): عموم البدلية.
779

أربعة أرجل واجب الإكرام.
ومنها: الإتيان بحد المطلق - ولو بالخاصة - كأن يقول: الإنسان وهو الحيوان
الناطق واجب الإكرام، أو الغسل وهو إزالة العين بالمائع مطهر.
ومنها: تعليق حكم المطلق على وصف يتحقق في النادر أيضا، كقولك:
المؤمن يستحق الإحسان.
وفي ذلك نظر، لأن التعليق لا يفيد أزيد من الإشعار الذي ليس بحجة.
780

عائدة (77)
في اختلاف الإجماعات المنقولة
إطلاقا وتقييدا
قيل: إذا نقل أحد الإجماع على وجوب شئ بقول مطلق - كما إذا قيل:
يجب عتق الرقبة في كفارة الظهار إجماعا - وحكى آخر الإجماع على وجوب
ذلك مقيدا بقيد - كما إذا قيل: يجب عتق الرقبة المؤمنة في كفارة الظهار إجماعا -
لا يجب حمل المطلق على المقيد، إذ لا يصير كلام بعض قرينة لكلام بعض آخر،
نعم يجب العمل بالمقيد 1.
أقول: حمل المطلق على المقيد في أخبار الأطهار أيضا ليس إلا كذلك، كما
حققنا في الأصول.

(1) مفاتيح الأصول: 203.
781

عائدة (78)
في ورود قيدين متضادين
لمطلق
قال الشهيد في قواعده على ما حكي عنه: لو قيد المطلق بقيدين متضادين،
نحو: أعتق في كفارة الظهار رقبة، وورد: أعتق فيها رقبة مذكرة، وورد أيضا:
أعتق فيها رقبة مؤنثة، وعلم عدم التعدد، تساقط القيدان وبقي المطلق على
إطلاقه، إلا أن يدل دليل على أحد المقيدين 1.
أقول: الظاهر التخيير بين القيدين، لأنه الحكم عند تعارض الخبرين. و
مرجعه أيضا إلى ما يرجع إليه التساقط ولكن ليس تساقطا.
ولكن ذلك إنما هو في الأحاديث أما في الأقارير والوصايا ونحوها، وإذا
شهد شاهدان بإطلاق، وآخران بالمقيد بقيد، وآخران بالمقيد بقيد مضاد للأول،
فالحكم التساقط، لعدم ثبوت حجية شهادة عدلين لها معارض مثلها.
وهذا أيضا إذا ثبت أولا إطلاق.
وأما لو لم يثبت، بأن يقول الشاهدان: قال بهذا المقيد، وآخران: إنه قال
بذلك، فليس من باب المطلق والمقيد، بل من باب تعارض الشهادتين، فإما

(1) القواعد والفوائد 1: 210، وقال نحوه السيوري في نضد القواعد الفقهية: 155.
783

يتساقطان ولا يثبت شئ، أو يقرع.
وأما الأخذ بالقدر المشترك وهو المطلق، فلا دليل عليه.
784

عائدة (79) في بيان معنى الركنية
اعلم أن من الأحكام الوضعية الركنية
ولم يرد ذلك في الواجبات بالنسبة إلى جزء خاص في الروايات
نعم ذكرها الفقهاء ولكنهم اختلفوا في معناها وتفسيرها بعد اتفاقهم
على أن الركن ما تبطل الصلاة بتركه عمدا أو سهوا في أنه هل هو ذلك فقط أو
ما تبطل به وبزيادته كذلك
فمن الأولين: العلامة في المنتهى، قال في كتاب الصلاة: ونعني بالركن
[هنا] ما لو أخل به المصلي عامدا أو ساهيا ثم ذكر بطلت صلاته (1).
وفي الارشاد، قال في بحث تكبيرة الإحرام: وهي ركن تبطل بتركها عمدا
أو سهوا (2).
والشهيد في الذكري، في البحث المذكورة: وهي ركن في الصلاة،
بمعنى بطلان الصلاة بتركها عمدا وسهوا، إجماعا، [وكذا] باقي أركان
الصلاة (3).

(1) منتهى المطلب 1: 264، وما بين المعقوفتين من المصدر.
(2) إرشاد الأذهان 1: 252.
(3) الذكري: 178، وما بين المعقوفتين من المصادر.
785

والفاضل المقداد في لتنقيح، قال: الجزء باصطلاح الفقهاء إما أن تبطل
الصلاة بتركه عمدا وسهوا، أولا، والأول يسمى عندهم ركنا، وما لا يكون
كذلك فسموه بالفعل (1).
وصاحب المدارك، قال في بحث السجود: إنهما ركن في الصلاة، بمعنى
أنها تبطل بالإخلال بهما في كل ركعة عمدا وسهوا (2).
وابن [أبي] جمهور اللحساوي (3)، قال في المسالك الجامعية: تكبيرة الإحرام
ركن في الصلاة، بمعنى بطلان الصلاة بتركها عمدا وسهوا، إجماعا، وكذا
باقي أركان الصلاة (4).
وفي بعض شروح الجعفرية: وجزء الشئ مطلقا يسمى ركنا عند
الأصوليين، وسهوا، وهذا القسم عندهم يسمى ركنا، ومالا يكون كذلك سموه فعلا
غير ركن (5).
وقال بعض مشايخنا المعاصرين في شرحه على النافع: والمراد من الركن ما
تلتئم منه الماهية، مع بطلان الصلاة بتركه عمدا وسهوا، كالركوع، وربما قيد بالأمور
الوجودية المتلاحقة لتخرج التروك، كترك الحدث، فإنها لا تعد أركانا
عندهم، ويمكن أن يكون
المراد بالركن ما تبطل الصلاة بتركه مطلقا، فيكون أعم
من الشرط. ولكنه بعيد، وخلاف المصطلح عليه بينهم 6.
ومن الآخرين: الفاضل ابن فهد في المهذب البارع، قال: اعلم أن الفقهاء

(1) التنقيح الرائع 1: 192.
(2) مدارك الأحكام 3: 401، ولكن ليس فيه: في كل ركعة).
(3) هو ابن أبي جمهور الإحسائي المشهور.
(4) لم نعثر عليه في مظانه من كتاب المسالك الجامعة المطبوع في حاشية فوائد الملية، راجع بحث
تكبيرة الإحرام ص 119.
(5) نقله أيضا في مفاتيح الأصول: 296.
(6) رياض المسائل 1: 152.
786

استقرؤوا أفعال الصلاة فوجدوا منها أفعالا تبطل الصلاة بتركها عمدا وسهوا، و
زيادتها كذلك، فسموها الركن. إلى أن قال: وما لا يكون كذلك سموه
بالفعل 1.
والمحقق الشيخ علي في جامع المقاصد في شرح القواعد، قال: الركن في
اللغة هو الجزء الأقوى، وعند الفقهاء كذلك، إلا أن الركن في الصلاة عند
أصحابنا هو ما فتبطل بتركها
عمدا وسهوا، وكذا بزيادتها 3. ولكنه في مقام آخر منه 4 قال نحو ما في
الذكرى.
والمقاصد العلية، وفيها: ركن الصلاة ما تبطل الصلاة بزيادته ونقصه إلا ما
استثني 5. وقال أيضا: بمنع الكلية القابلة بأن كل ركن تبطل الصلاة بزيادته
مطلقا 6.
وفي شرح الألفية: الركن: ما تبطل الصلاة بزيادته ونقيصته عمدا وسهوا.
ثم قال: وكما تبطل الصلاة بنقصان أحد الخمسة تبطل بزيادتها كما هي قاعدة
الركن، وقد استثني من هذه أمور عشرة 7.
ويظهر من شرح الاثني عشرية لبعض الفضلاء، قال: اعلم أن بعض
أصحابنا قسموا أفعال الصلاة قسمين: منه ما تبطل الصلاة بتركه عمدا وسهوا و

(1) المهذب البارع 1: 356.
(2) جامع المقاصد 2: 199.
(3) روض الجنان: 258.
(4) روض الجنان: 334.
(5) المقاصد العلية: 161، وإليك نصه:... لأن ركنية الصلاة تبطل زيادته ونقصه إلا ما استثني.
(6) المقاصد العلية: 162.
(7) نقله أيضا في مفاتيح الأصول: 296، ولم نعثر على شرح بالخصوص، فإن شروح الألفية كثيرة
جدا ولم يطبع.
787

كذا بزيادته، ويسمى ذلك القسم ركنا 1.
وفي شرح الاثني عشرية للنباطي: تكبيرة الافتتاح ركن، فتبطل الصلاة
بزيادتها عمدا وسهوا، كما هو شأن الركن 2.
ويظهر ذلك أيضا من مقام آخر من الكتاب المذكور لابن [أبي] جمهور قال:
إن القول بركنية القيام يستلزم بطلان الصلاة بتركه وبزيادته وإن كان سهوا، لأن
ذلك هو معنى الركن، مع إجماعهم على عدم ذلك، فكيف يتم القول بركنيته.
إلى أن قال: ولعل المراد بركنية عدم جواز إخلاء الصلاة منه بحيث لو
صلى المكلف غير قائم ناسيا، بطلت صلاته 3.
وقال في آخر: لا خلاف في ركنية شئ منها إلا النية فإن بعضهم عدها
شرطا، إلا أنا عرفنا الركن بأنه ما تبطل الصلاة بتركه عمدا وسهوا 4. إلى غير
ذلك من كلمات الأصحاب.
وقد ظهر مما ذكرنا أمور:
الأول: أن تقسيم الأجزاء إلى الركن وغير الركن مخصوص بالصلاة، كما
يستفاد من كلام المنتهى، والتنقيح، وبعض شروح الجعفرية، وشرح النافع،
والمهذب، وجامع المقاصد، وشرح الألفية، وشرح الاثني عشرية.
الثاني: أن ذلك التقسيم إنما هو مصطلح الفقهاء، وليس التسمية مستندة
إلى قول الشارع، كما يظهر من التنقيح، وشرح الجعفرية، والمذهب، وجامع
المقاصد، وشرح الاثني عشرية. ويظهر من الأخير أنه اصطلاح لبعض أصحابنا
لا جميع الفقهاء.

(1) النور القمرية في شرح الاثني عشرية (مخلوط)، الفصل التاسع في منافيات الصلاة. والشرح للسيد
الأمير فيض الله بن عبد القاهر الحسيني التفرشي (م 1025) تلميذ المقدس الأردبيلي.
(2) الكتاب مخلوط موجود في مكتبة آية الله المرعشي النجفي المرقمة: 5997، قاله عند شرح قول
المصنف: والتكبير والقيام.
(3) المسالك الجامعية في حاشية فوائد الملية (المقاصد العلية) 142 - 141.
(4) المسالك الجامعية في حاشية فوائد الملية (المقاصد العلية) 154.
788

الثالث: أن معنى الركن الاصطلاحي أيضا مختلف فيه عندهم، فمنهم من
أخذ في بيانه البطلان بالزيادة، ومنهم من لم يأخذه.
الرابع: أنه على البناء على كون البطلان بالزيادة أيضا ليس ذلك كليا
لا يختلف، بل استثني فيه، كما صرح به في المقاصد العلية، وشرح الألفية.
الخامس: أنه لم يتعلق بالركنية من الشارع حكم حتى يجب علينا تحقيق
معناه لأجل ذلك، ولا اهتمام بها معتد به، والمهتم به تعيين حكم كل فعل فعل
بخصوصه.
789

عائدة (80)
في بيان عدم اشتراط غير الواجب
والحرام بالبلوغ
لا خلاف بين المسلمين في اشتراط التكليف بالواجب والحرام بالبلوغ، وأما
بالمندوب والمكروه فلم يظهر فيه إجماع، بل صرح جماعة بتكليف الطفل المميز
بهما.
قال صاحب المدارك بعد نقل استقراب تمرينية عبادة الصبي، وأن
التكليف مشروط بالبلوغ عن المختلف: ويمكن المناقشة في اعتبار هذا
الشرط بإطلاقه، فإن العقل لا يأبى توجه الخطاب إلى الصبي المميز، والشرع
إنما [اقتضى] توقف التكليف بالواجب والمحرم على البلوغ، لحديث
رفع [القلم] ونحوه، وأما التكليف بالمندوب وما في معناه، فلا مانع منه
عقلا ولا شرعا.
وبالجملة: فالخطاب بإطلاقه متناول له، والفهم الذي هو شرط
التكليف حاصل، كما هو المقدر، ومن ادعى اشتراط [ما زاد على] ذلك
طولب بدليله.
ويتفرع على ذلك وصف العبادة الصادرة [منه] بالصحة وعدمه، فإن
قلنا: إنها شرعية، جاز وصفها [بالصحة]، لأنها عبارة عن موافقة الأمر.
791

وإن قلنا: إنها تمرينية، لم توصف بصحة ولا فساد 1. انتهى.
قيل بعد نقل ذلك عنه: وهو جيد بحسب الأصل والقاعدة، ويعضده خبر
طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إن أولاد المسلمين من موسومون 2
عند الله شافع ومشفع، فإذا بلغوا اثني عشرة كتبت لهم الحسنات، وإذا
بلغوا الحلم كتبت عليهم السيئات) 3 - 4.

(1) مدارك الأحكام 6: 42. وما بين المعقوفات من المصدر.
(2) في النسخ: من يسومون، وما أثبتناه من الكافي.
(3) الكافي 6: 3 / 8، توحيد الصدوق: 392 / 3.
(4) مفاتيح الأصول: 317.
792

عائدة (81)
في التسامح في أدلة السنن
قد بينا في كتبنا الأصولية - كشرح تجريد الأصول - والمناهج، وأساس
الأحكام، ومفتاح الأحكام 1 - جواز التسامح في أدلة السنن والمكروهات.
ويتعلق به أمور نذكرها هنا:
الأول: أنا ذكرنا في الكتب المذكورة أن التسامح مخصوص بما ذكر من
المستحبات والمكروهات، ولا يتعدى إلى غيرهما من القصص والوعظ
والتعزية، بمعنى الحكم بمدلول الأخبار الضعيفة فيها، كما يحكم بالمسائل
الشرعية المستحبة أو المكروهة.
وصرح والدي العلامة 2 - قدس سره - بجواز التسامح التي في هذه الأمور أيضا ما
لم يعلم الكذب، وكذلك صاحب كتاب الرعاية على ما حكي عنه 3.
وقد ذكرنا في موضعه: أن أدلة التسامح التي ذكروها من الأخبار لا تعم
ذلك.

(1) مناهج الأحكام: 178. منهاج: التسامح في أدلة السنن.
(2) صرح به في أنيس المجتهدين في الباب الثاني من البحث الثاني، فائدة: المشهور بين الخاصة والعامة
التسامح في أدلة السنن. والكتاب ومخلوط يوجد في مكتبة آية الله المرعشي، تحت رقم 4216.
(3) الرعاية في علم الدراية: 94.
793

وإن أريد مطلق حكاية الأخبار الضعيفة في هذه الأمور، فلا كلام فيه ما لم
يفهم الثبوت واقعا أو الإسناد إلى الشارع.
وقد يستدل لجواز التسامح في هذه الأمور: بسيرة الأصحاب، وبعموم:
(تعاونوا على البر والتقوى) 1، وعموم: (من أبكى وجبت له الجنة) 2 - 3.
فإن أراد المستدل ما ذكرنا من رواية الأخبار الضعيفة، فيدل عليه ما ذكره،
مضافا إلى الأصل.
وإن أراد بيان المدلول والحكم به والفتوى فيما كان فتوى، كأن يقول: من
يبكي يكون كفارة لذنب سنة مثلا، فلا يثبت مما ذكر، لمنع السيرة فيه، و
حصول التعاون والإبكاء بالرواية أيضا 4.
الثاني: لا فرق في جواز التسامح بين العبادات، والمعاملات، والعقود،
والإيقاعات، والسياسات.
ولا بين أن يكون مفاد الرواية الضعيفة عملا مستقلا، كصلاة، أو صوم، أو
دعاء، أو استحباب شئ في أثناء عبادة على وجه الجزئية أو الشرطية، أو على
وجه التقييد 5.
نعم إذا احتمل منافاته للعبادة، لا يجوز التسامح حينئذ.
قيل: الظاهر أنه لا خلاف في شئ مما ذكر بين القائلين بالتسامح 6.
الثالث: هل يشترط في الرواية التي يتسامح بها أن تكون من طريقنا، أو
تكون مذكورة في كتاب من كتب أصحابنا، أولا، بل يجوز التسامح بكل رواية

(1) المائدة 5: 6.
(2) أمالي الصدوق: 121 / 6.
(3) هذا الاستدلال في مفاتيح الأصول: 350.
(4) يعني: أن التعاون لا يتوقف على الحكم بمدلول الرواية الضعيفة، ويمكن حصوله بنقل الرواية فقط،
وكذا الإبكاء، فلا يكونان دليلا عليه.
(5) في (ب): التعبد.
(6) مفاتيح الأصول: 350.
794

لا يعلم كذبها؟
الظاهر: الثاني، لعمومات التسامح 1.
ولا ينافيه الأخبار الناهية عن أخذ الأحكام من أخبار المخالفين 2. لأن الظاهر
منها النهي عن الاستناد إليها، وذلك ليس كذلك، بل استناد إلى روايات
أصحابنا.
الرابع: هل يتوقف جواز التسامح للعامي على تقليد المجتهد أم لا، بل يجوز
ذلك له من غير تقليد؟
حكي عن بعض مشايخنا المعاصرين: الأول 3. وهو كذلك، لأن التسامح
في أدلة السنن أيضا حكم شرعي مختلف فيه، فهو كسائر الأحكام الشرعية
الفرعية، فإذا قلد مجتهده في ذلك يتسامح تقليدا في الأعمال المستحبة.
وليس تقليده أن يفتي له المجتهد في كل مسألة مسألة بما تسامح فيه المجتهد،
بل يجوز تقليده في أصل مسألة التسامح إذا أفتى بها مجتهده، فيتسامح العامي
أيضا ويفعل ما بلغ إليه ثوابه استحبابا.
ثم لازم جواز بناء العامي على التسامح تقليدا في السنن والمكروهات،
جواز عمله فيها بما يراه في كتب الفقهاء الأموات، بل غير المجتهدين من العلماء،
على الكيفية التي ذكروها، وبما يسمعها من الواعظين، وبما يدل عليه خبر
ضعيف ولو لم يعلم حجيته ما لم يعلم أو يظن خلافه أو كذبه.
وليس ذلك تقليدا له لمن ذكره كتقليد العامي للمجتهد الميت بتقليد الحي،
بل هو من قبيل اعتماده على أذان الثقة أو على قبول خبر العدل في الطهارة
والنجاسة ورؤية الهلال ونحوها.

(1) الكافي 2: 87 / 1، 2، المحاسن 1: 25، عدة الداعي: 3 الوسائل 1: 59 أبواب مقدمة العبادات
ب 18، بحار الأنوار 2: 256.
(2) العلل: 531 / 1، الوسائل 18: 83 أبواب صفات القاضي ب 9 ح 24، وص 85 ح 34.
(3) حكاه الطباطبائي عن والده في مفاتيح الأصول: 351.
795

ثم المراد من التسامح الذي يقلد فيه: هو مجرد الإتيان بفعل ورد استحبابه أو
إعطاء ثواب عليه بمثل خبر غير معلوم الحجية، أو بوجوده في كتاب فقيه أو
عالم، أو سماع منه أو نحوها ما لم يعلم خلافه. وأما جواز تركه الذي هو أيضا من أجزاء حقيقة المستحب، وهو مما
لا يتسامح فيه ولا يجوز اتباع غير قول من قوله حجة له فيه.
فلو احتمل عند العامي وجود أمر وجد الثواب على فعله، أو استحبابه
بدليل يتسامح فيه، لم يجز له نفي الوجوب بذلك والدليل من جهة استحباب
الفعل.
وكذا لا يجوز له دفع حرمته المحتملة بالتسامح والدليل الذي يتسامح به 1.
وعلى هذا فكل أمر يريد العامي أن يتسامح فيه، فإن لم يكن عنده محتملا
للوجوب أو الحرمة ولو لجهل ساذج فهو.
وإلا فإن كان بناؤه بفتوى مجتهده على إجراء المقلد أصالة عدم الوجوب
والحرمة قبل الفحص عن المظان التي يكون شأن المقلد التفحص فيها، فيبني
فيهما على الأصل أولا ثم يتسامح لاستحبابه.
وإلا فيتفحص فيه أولا عمن قوله له حجة شرعية عما يحتمله من الوجوب
أو الحرمة، ثم يعمل بالتسامح بعد انتفاء الوجوب أو الحرمة.
وإن أفتى بأحدهما يبني الأمر عليه، لأن التسامح لا يثبت إلا إعطاء الثواب
على الفعل، وهو لا ينافي العقاب على الترك إذا أفتى مفتيه بالوجوب، ولأن
التسامح إنما يعمل به إذا لم يكن دليل على عدم جواز الفعل، وقول مفتيه دليل
لازم الاتباع له على الحرمة إذا أفتى بها.
وإذا أفتى بعض المجتهدين الأحياء بأحد الأمرين دون البعض، فله الخيار في
تقليد أي الفريقين شاء في حكم الوجوب أو الحرمة أو عدمه، ثم بعد التقليد في

(1) في (ب): فيه.
796

نفي الوجوب أو الحرمة يعمل بالتسامح.
وفي حكم الحرمة الكراهة، لأن قول مجتهده بالكراهة يعارض الدليل الذي
يتسامح به، والتسامح فرع عدم المعارض المقبول.
وأما الإباحة بمعنى تساوي الطرفين، فهي أيضا نافية للثواب عن الفعل.
فإن كان فتوى مجتهده عليها لدليل دال على التساوي فهو أيضا يعارض
الدليل الذي يتسامح به ويقدم عليه. وإن كان للأصل فلا يعارضه.
وعلى هذا فعلى مجتهده بيان ذلك أيضا إذا سأله عن أمر يريد التسامح فيه.
وهذا بعينه حكم أجزاء فعل أو كيفية، بمعنى أنه لو لم يحتمل في جزء من
أجزاء ما يريد أن يتسامح فيه أو كيفية مخالفة فيه، فيعمل بالتسامح. وإن احتمله
بأن يجوز حرمة جزء أو كيفية، أو كراهته أو إباحته، فالحكم فيه كالحكم في أصل
ذلك الأمر كما مر.
وقد ظهر مما ذكر: أن جواز تسامح المقلد في كل أمر بالتقليد يتوقف على
انتفاء احتمال نفي استحبابه عند من قوله حجة له وعليه، احتمالا راجحا أو
مساويا، إما لعدم التفاته إلى ذلك، أو لعلمه بعدم المخالفة، أو ظنه به بالفحص عنه.
وأما مع الاحتمال الراجح أو المساوي بالمخالفة، فلا يتسامح إلا بعد الفحص
بالقدر اللازم في أداء تكليفه، وهو القدر المحصل للظن بعدم المخالفة.
الخامس: هل الثابت من التسامح هو مجرد إعطاء الثواب فقط، أو يترتب
عليه ما يترتب على سائر المستحبات، الثابت استحبابها بالدليل المعتبر شرعا؟.
ظاهر عبارة الذخيرة الأول، حيث قال: إن هذا الوجه إنما يفيد مجرد ترتب
الثواب على ذلك، لا أنه يرد شرعا عليه الأحكام الوضعية المترتبة على
المستحبات الواقعية 1. انتهى.

(1) ذخيرة المعاد: 4، ولكن فيه: على ذلك الفعل، لا أنه فرد شرعي تترتب عليه... على الأفراد
الواقعية.
797

فلو نذر فعل مستحب، أو أوصى أحد بصرف ماله في مستحب، لا يكفي
ذلك.
وفيه: أن المستحب الواقعي إن كان ما يترتب على فعله الثواب، فيصدق
على ذلك أيضا، وإن كان هو ما يرجح فعله شرعا أو طلب فعله من غير منع عن
النقيض، فذلك كذلك أيضا، إذ وعدة الثواب على الفعل من الشارع مرجح
شرعي، ويدل على الطلب التزاما، فالمعتمد هو الثاني.
السادس: هل جواز التسامح مخصوص بالروايات الضعيفة، أو يلحق بها
سائر الظنون أيضا، كالإجماع المنقول، والشهرة، وفتوى الفقيه، والظن
الحاصل من القياس، ومن إلحاق الشئ بالأعم الأغلب؟
ظاهرا المعالم الأول 1، وظاهر بعضهم الثاني 2، والحق التفصيل، فيجوز فيما
يصدق عليه بلوغ الثواب، كالثلاثة الأول، دون غيره، كالأخيرين ونحوهما.

(1) انظر على سبيل المثال معالم الدين: 433 - 443، في آداب التخلي.
(2) انظر المعتبر 2: 116، والفصول الغروية: 306، ومفاتيح الأصول: 351.
798

عائدة (82)
في أنه هل الأصل القسيمية
أو المعرفية
إذا اعتبر الشارع أمرا في تحقق حكم شرعي أو وضعي، وشرطه فيه وعلق
الحكم عليه، ثم حكم بتحقق ذلك الحكم أيضا في بعض الحالات التي لم يعلم
فيه تحقق المعلق عليه، فهل الأصل فيه كونه قسيما للأمر الأول في علية الحكم،
يعني أن الحكم مترتب عليه أيضا كما يترتب على الأمر الأول، أو المعرفية
والكاشفية الشرعيتين عند الأمر الأول؟
وذلك كحلية الذبيحة، فإنها معلقة مشروطة بالتذكية، وثبت أيضا تحقق
الحلية إذا اخذ اللحم أو الجلد من يد المسلم أو سوق المسلمين، فهل الأخذ من
المسلم قسيم التذكية وليست التذكية شرطا على الإطلاق، أو معرف شرعي
لحصول التذكية؟ كما أن الاستصحاب معرف لتحقق المستصحب، لا أن الوجود
السابق يدل على الوجود الحالي.
وكقبول الشهادة، فإنها مشروطة بعدالة الشاهد، ويكتفى عند جماعة
بظاهر الإسلام، فهل ظاهر الإسلام قسم للعدالة وليست العدالة شرطا على
الإطلاق، أو معرف شرعي لها وكاشف عنها؟
وكطهارة الثوب المشترطة في الصلاة، والنجاسة المانعة عنها، فإنه ثبت
799

كفاية الطهارة المعلومة سابقا، والنجاسة كذلك، فهل الطهارة والنجاسة
السابقتان قسمان لهما حال الصلاة، أو معرفتان شرعيتان لهما في الحال؟
وكالملكية المعتبرة في جواز البيع والوقف والإجارة والإعارة، ويثبت كفاية
اليد في جواز هذه الأمور، فهل الأصل قسمية اليد للملكية، أو معرفيتها شرعا
لها؟ إلى غير ذلك.
لا شك أن الأصل هو القسمية ما لم تكن قرينة على المعرفية، إذ المفروض أنه
لا ملازمة عقلية ولا عادية ولا شرعية بين ذلك الأمر والأمر الأول، فلو كان
معرفا له لكان بحسب الشرع، والمفروض عدم دليل على المعرفية، فتنتفي
بالأصل.
وأيضا ثبت بالدليل الشرعي كفاية الأمر الثاني أيضا في ثبوت الحكم، و
كونه لأجل كشفه عن الأول أمر زائد يحتاج الحكم به إلى الدليل.
والحاصل: أن المعرفية الواقعية منتفية، والشرعية موقوفة على توقيف
الشارع والأصل عدمه.
وعلى هذا فلا يحكم بالمعرفية إلا بدليل شرعي من نص - كأن يقول: المأخوذ
من يد المسلم مذكى أو محكوم عليه بالتذكية - أو إجماع أو قرينة.
ومن القرائن المثبتة للمعرفية: اشتراط عدم العلم بانتفاء الأمر الأول في
ترتب الحكم على الأمر الثاني، فإن المتفاهم عرفا حينئذ كون الثاني معرفا شرعيا
للأول وأنه قسم وبدل على العلم بالأمر الأول.
ولذا لم يقل أحد بعدم اشتراط التذكية، ولا الطهارة، ولا الملكية، ولا
العدالة، وكفاية سوق المسلم، والطهارة السابقة، واليد، وظاهر الإسلام في
الحلية، والطهارة الحالية، وجواز البيع، وقبول الشهادة.
بل قالوا: بأن ما في السوق مذكى شرعا، والطاهر الاستصحابي طاهر
شرعا، وما في يد فلان ملكه شرعا، وظاهر الإسلام مقتض للعدالة.
ولذا لو نذر أحد أن يأكل اللحم المذكى شرعا، وأن يجتنب عن غير المذكى
800

شرعا، يكفي أكل لحم سوق المسلمين ولا يجب عليه الاجتناب عن لحم
السوق. وكذا سائر الأمثلة.
ومن القرائن: أن يضم الشارع مع الحكم بكفاية الأمر الثاني نحو قوله:
أخذا بظاهر الحال، فإنه لو أراد أن ظاهر حال الأمر الثاني يقتضي تحقق الأمر
الأول، لم يكن لذلك القيد فائدة أصلا. ثم إنه تظهر الفائدة في نحو الأقارير، والوصايا، والنذور، والأحكام
الشرعية والوضعية المعلقة على الأمر الأول. نحو: بعتك منا من اللحم المذكى
شرعا، أو: أجرتك كل دار ملكتها، أو: وقفت كذلك، فيحكم بوقفية ما كان
في يده.
وتظهر الفائدة أيضا في الإجماع، فإنه على المعرفية لا يكون القول بكفاية
الأمر الثاني في تحقق الحكم منافيا للإجماع على اشتراط الأول مطلقا، وعلى
القسيمية المحضة يكون منافيا له.
وفي تعارض الأدلة، فإنه على المعرفية لا يعارض ما دل على ترتب الحكم
على الأمر الثاني ما دل على ترتبه على الأول، وعلى القسمية يحصل
التعارض، فتأمل جدا.
801

عائدة (83)
في أن الأصل في الوجوب هل هو
العينية أو التخييرية
قالوا: الأصل في الوجوب هو المعين، والتخيير خلاف الأصل 1.
وقد يقال: إن الأصل في الوجوب المستفاد من الأمر وغيره من الألفاظ
التي تدل عليه، المعين، وأما فيما يثبت بالإجماع واختلف في كونه معينا أو
مخيرا، فنسبة الأصل إليهما على السواء.
وهذا الذي اخترته في كتاب منهج الأحكام 2.
والدليل على أصالة المعين في الأول: أصالة عدم بدلية الغير، وعدم براءة
الذمة بالغير، وعدم تعلق الوجوب به، وعدم ملاحظته، إلى غير ذلك.
وأقول: لا يخفى أنه يمكن أن يقال: إن فيما يثبت بالإجماع أيضا الأصل
كونه معينا، لا لأجل احتياج الشغل اليقيني إلى البراءة اليقينية، لأن القدر المسلم
الشغل بأحد الأمرين دون واحد معين.
ولا لأصالة عدم تعلق الوجوب بالآخر، لأن الأصل عدم تعلق الوجوب

(1) كما في مفاتيح الأصول: 135.
(2) مناهج الأحكام: 42.
803

التعيني بالمعين.
بل لأن الإجماع هو الاتفاق الكاشف عن قول الإمام، فينكشف بالإجماع أنه
قال بوجوب شئ، ويعلم قطعا حكمه بوجوب الواحد المجمع على وجوبه، و
إنما يشك في قوله بوجوب الآخر أيضا، والأصل عدمه.
والحاصل: أنه انكشف بالإجماع قوله بالوجوب، وبتعلقه بالواحد المجمع
عليه، والتشكيك إنما هو في الزائد.
بل التحقيق في المقام أن يقال: قولهم (الأصل في الوجوب المعين أو المخير)
إن أريد منه أن الأصل في نفس الوجوب أو فيما يدل على الوجوب من حيث إنه
يدل على الوجوب ما هو؟
فجوابه: أنه لا أصل فيه، ونسبة الأصل إلى المعين والمخير سواء سواء كان
ذلك باللفظ أو الإجماع.
وإن أريد أن الأصل في وجوب شئ هل هو وجوبه معينا، أو يحتمل
التخيير؟ فالأصل فيه التعيين، سواء كان ذلك باللفظ أو الإجماع، والوجه
ظاهر.
ثم إن هاهنا خلافا آخر: وهو أنه بعد ثبوت أن الأصل في الوجوب المعين،
فهل هو بالدلالة اللفظية، يعني أن معناه الحقيقي ذلك، وحقيقة الوجوب،
العيني، أو الدال على الوجوب يدل عليه في الجملة من غير دلالة على خصوصية
المعين أو المخير، وإنما يحكم بالمعين لنفي التخيير بالأصل، كما يحكم بنفي
وجوب الإكرام عن غير زيد إذا قال: أكرم زيدا، بالأصل لا بالمفهوم؟
حكي عن جماعة من المتأخرين 1 الأول، لكون الوجوب حقيقة في العيني،

(1) حكاه عنهم الطباطبائي في مفاتيح الأصول: 136 - 135.
804

فيكون مجازا في التخييري، وهو مصادرة.
ولتبادر العيني، وفيه المنع.
ولاقتضاء الأمر الإتيان بالمأمور به. وفيه: أن المأمور به في المخير أيضا أحد
الأمرين، ويجب الإتيان به أيضا.
ولمنافاة قولك: أنت مخير بين ضرب زيد وعمرو، مع قوله أولا: اضرب
زيدا. وفيه: أن ذلك مستفاد من وحدة المفعول.
ولعدم صحة سلب تعيين قتل زيد عن قوله: اقتل زيدا.
وفيه ما مر في
سابقه.
ولأنه لو كان للأعم لما جاز حمل المطلق على المقيد، بل يحكم بالتخيير،
لأن الأول خلاف الأصل، ولا يكون الثاني على هذا كذلك.
وفيه: أنه لا يجوز في حمل المطلق على المقيد أيضا على التحقيق.
وحكي عن جماعة منهم العلامة في المختلف، والمحقق الثاني في شرح
القواعد، والشهيد الثاني في روض الجنان: الثاني، لئلا يلزم استعمال أمر
(فاسعوا إلى ذكر الله) 1 في الحقيقة والمجاز، للعينية على الحاضرين والتخييرية
للغائبين 2.
وفيه: أن خطاب المشافهة مخصوص بالحاضر.
ولأنه لو كان للمعين، لدار الأمر في (اضرب زيدا وعمرا) بين التخيير
والتجوز في لفظة أو في معنى الحقيقة، ولا ترجيح، مع أنه ليس كذلك.
وفيه: أن التجوز في الأمر أرجح، للتبادر مع القرينة.

(1) الجمعة 62: 9.
(2) حكاه عنهم الطباطبائي في مفاتيح الأصول: 136. وانظر روض الجنان: 291، وجامع المقاصد 2:
375، ولم نعثر عليه في مختلف الشيعة.
805

ولأنه لو قال: اضرب زيدا أو عمرا، لا يصح أن يقال: ما أوجب شيئا.
وفيه: أنه لوجوب أحد الأمرين.
والتحقيق أن يقال: إنه إن كان الكلام في نفس لفظ الوجوب ونفس ما يدل
عليه من غير ملاحظة الأمور الخارجية، فالحق هو الثاني. وإن كان النزاع في
مجموع الصيغة والمفعول، فالحق هو الأول، فإن المعنى التركيبي غير المعنى
الإفرادي، كما أن مدلول القائم حقيقة نسبة القيام إلى فاعل، ومدلول زيد قائم
نسبته حقيقة إلى خصوص زيد.
806

عائدة (84)
في بيان معنى قول (هو مولى)
في الرجال
كثيرا ما يذكر في كتب الرجال: إن فلانا مولى فلان، أو: مولى على سبيل
الإطلاق. وهو يطلق باصطلاحهم على معان:
الأول: المعتق بالكسر، فمن أعتق رجلا صار مولاه، ويقال لذلك: إنه
المولى من أعلى.
والثاني: المعتق بالفتح، فإذا أعتقه رجل يصير مولى له، ويقال له: المولى
من أسفل، ويقال لهذين القسمين: المولى من الرق.
والثالث: الحليف، ويقال له: المولى بالحلف بالكسر، وأصله المعاقدة
والمعاهدة على التعاضد والتساعد والإنفاق 1.
ومنه الحديث: (حالف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين المهاجرين والأنصار مرتين) 2 أي:
آخا بينهم، فإذا حالف أحد آخر صار كل منهما مولى الآخر بالحلف.
والرابع: الملازم للشخص، فإنه يقال لمن يلازم غيره: إنه مولاه بالملازمة.

(1) في (ج، ح): الاتفاق.
(2) سنن أبي داود 3: 338.
807

كما قيل في مقسم مولى ابن عباس، للزومه إياه 1.
والخامس: غير العربي الخالص، يقال: فلان مولى، وفلان عربي صريح.
والسادس: المولى بالإسلام، فمن أسلم على يد آخر كان مولاه بالإسلام.
ذكر هذه المعاني الثلاثة شيخنا الشهيد الثاني في شرح الدراية، وقال
فيه: والغالب مولى العتاقة. وقال أيضا: إن المولى بمعنى غير العربي الخالص
أيضا كثير 2.
ونقل بعض مشايخ والدي - قدس سره - في تعليقته على منهج المقال أنه
قال: والأكثر في هذا الباب إرادة معنى الغير العربي الخالص 3.
وهاهنا معنى سابع أيضا - ذكره في التعليقة أيضا 4 - قد يراد منه، وهو
النزيل، فيقال: مولى آل فلان، أي نزيلهم.

(1) المحاسن: 480، تقريب التهذيب 2: 273.
(2) الرعاية في علم الدراية: 390.
(3) فوائد الوحيد (ضمن رجال الخاقاني): 44، والتعليقة (منهج المقال): 9.
(4) فوائد الوحيد (ضمن رجال الخاقاني): 44، والتعليقة (منهج المقال): 9.
808

عائدة (85)
في بيان معنى قولهم (أسند عنه)
(ولا بأس به) في الرجال
كثيرا ما يقول أرباب الرجال في حق شخص: أنه أسند عنه، ويقولون أيضا: لا بأس به، وفي معناهما خفاء.
أما الأول، فقيل: إن معناه: أنه سمع منه الحديث.
وقيل: لعل المراد: سمع منه على سبيل الاستناد والاعتماد، وإلا فكثير
ممن سمع منه الحديث ليس ممن أسند عنه، أي لا يقولون ذلك في حقه.
وحكي عن الفاضل المولى محمد تقي المجلسي: أن المراد أنه روى عنه
الشيوخ واعتمدوا عليه، قال: وهو كالتوثيق 1.
أقول: ويمكن أن يكون المراد: أنه روي عنه الحديث مسندا إلى الغير،
واسند الحديث عنه وبواسطته إلى الغير، فكأنهم اعتمدوا على إسناده، فأسندوا
إلى من أسند هو عنه، ونسبت الرواية إليه.
وأما الثاني، فقيل: معناه: أنه لا بأس بمذهبه.
وقيل: إنه لا بأس برواياته.

(1) حكى كل تلك الأقوال الوحيد البهبهاني في فوائد (ضمن رجال الخاقاني): 31، والتعليقة (المطبوع
في مقدمة منهج المقال): 7.
809

قيل: الأول أظهر إن ذكر مطلقا، والأظهر منه: أنه لا بأس به بوجه من
الوجوه 1.
وكيف كان، فلا شك في إفادتها مدحا، كما هو المشهور على ما قيل 2.
ويظهر من العلامة أنه يفيد مدحا معتدا به 3.
وقيل: بإفادته التوثيق، واستقربه صاحب منهج المقال في رجاله الوسيط 4
على ما حكي عنه.
وربما قيل بعدم إفادته المدح أيضا 5، وهو ليس بجيد.

(1) والقائل الوحيد البهبهاني في فوائد (ضمن رجال الخاقاني): 31، والتعليقة (منهج المقال): 7.
(2) انظر الرعاية للشهيد الثاني: 208.
(3) رجال العلامة: 58، ترجمة حفص بن سالم.
(4) تلخيص المقال - يستفاد منه ذلك في ترجمة إبراهيم بن محمد بن فارس وبشار بن يسار
وأحمد بن عوف وسلام بن عمرة الخراساني وغيرهم. ونقله الوحيد في فوائد (ضمن رجال
الخاقاني): 31.
(5) وحكى كل تلك الأقوال الوحيد البهبهاني أيضا في تعليقته، راجع فوائد الرجالية (ضمن رجال
الخاقاني): 32، والتعليقة) منهج المقال): 7.
810

عائدة (86)
في أصالة حجية شهادة العدلين
هل الأصل في شهادة العدلين وجوب القبول والعمل بمقتضاها إلا ما أخرجه
الدليل، أو عدمه؟
ظاهر أكثر أصحابنا بل صريحهم - سيما المتأخرين منهم - الأول 1.
بل ربما يظهر من بعضهم الإجماع عليه، وكون اعتبار قولهما ثابتا من
شريعتنا 2.
والمحكي عن القاضي عبد العزيز ابن البراج الثاني 3. واختاره بعض
المتأخرين 4. وهو الظاهر من غير واحد من مشايخنا المعاصرين، حيث قالوا:
بعدم ثبوت النجاسة بقول العدلين، لعدم دليل على اعتباره عموما 5.
بل هو ظاهر السيد في الذريعة، والمحقق الأول في المعارج، والثاني في

(1) انظر السرائر 1: 86، والمعتبر 1: 54، ومعالم الدين: 162، وكشف اللثام 1: 43، والحدائق الناضرة
5: 247، ومشارق الشموس: 284.
(2) كابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 562، والعلامة في المختلف 1: 16، والمنتهي 1: 9.
(3) المهذب 1: 30، جواهر الفقه: 9، ونقله عنه في المختلف 1: 16.
(4) كفاية الأحكام: 11.
(5) كما في شرح المفاتيح للوحيد عند شرح قول المصنف: مفاتح: كل شئ غير ما ذكر فهو طاهر.
والشرح مخلوط.
811

الجعفرية، وصاحب الواقية 1، حيث حكموا بعدم ثبوت الاجتهاد بشهادتهما،
لعدم دليل على اعتبارها.
وكنت على ذلك منذ أعوام كثيرة، وعليه بنيت عدم قبول شهادتهما على
تنجس الطاهر وتطهير المتنجس في كتاب مستند الشيعة 2، وعدم قبولها على
ثبوت اجتهاد المجتهد في مناهج الأحكام 3.
والحق هو الأول، لا لما ذكروه من ظاهر الإجماع، أو لحمل أقوال المسلمين
على الصدق، أو لقبولهما في كل مورد مع تعلق النزاع والمخاصمة فيه - كما إذا
نوزع في نجاسة الماء المبيع أو تطهيره 4، أو في نفوذ حكم مجتهد على شخص بعد
حكمه عليه، ونحو ذلك - والتعدي إلى سائر الموارد بعدم الفصل، لمنع الإجماع،
وعدم ثبوت قاعدة الحمل كما ذكرنا في ذلك الكتاب، ومنع ثبوت الإجماع
المركب.
بل كل من يمنع اعتبار شهادة العدلين في مورد يقبلها عند التنازع والترافع
فيه.
بل لحسنة حريز، بإبراهيم بن هاشم، التي هي صحيحة على الأقوى،
المذكورة في الكافي، ونقلها في الوافي في باب من أدان ماله بغير بينة من كتاب
المعايش والمكاسب، وفيها بعد ما عاب أبو عبد الله عليه السلام ابنه إسماعيل في دفعه دنانير
له إلى رجل بلغه أنه شارب الخمر، فأتلفها، أنه: لم فعلت ذلك، ولا أجر لك؟ فقال
إسماعيل: يا أبت إني لم أره أنه يشرب الخمر، إنما سمعت الناس يقولون، فقال:
(يا بني إن الله عز وجل يقول في كتابه: (يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين) 5 يقول:

(1) الذريعة 2: 801، معارج الأصول: 201، الرسالة الجعفرية (رسائل المحقق الكركي) 1: 80،
الوافية: 129، 161.
(2) مستند الشيعة 1: 42.
(3) مناهج الأحكام: 182.
(4) كذا، والأنسب: طهارته.
(5) التوبة 9: 61.
812

يصدق الله عز وجل ويصدق المؤمنين، فإذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم) 1
الحديث.
أمر عليه السلام بتصديق المؤمنين إذا شهدوا عنده، و (المؤمنون) وإن كان جمعا معرفا
ولكن عموم الجمع المعرف واستغراقه أفرادي لا جمعي، كما ثبت في محله،
فالمعنى: كل مؤمن شهد عندك فصدقه، خرج المؤمن الواحد بالدليل، كما يأتي،
فيبقى الباقي.
مع أن إرادة العموم الجمعي هنا منتفية قطعا، لعدم إمكان شهادة جميع
المؤمنين عنده من بدو الإيمان إلى يوم القيامة، بل ولا جميع مؤمني عصر، بل
ولا نصفهم ولا ثلثهم، بل ولا عشرهم ولا واحد من ألف منهم.
فالمراد: إما الاستغراق الأفرادي بالمعنى الذي ذكرناه، أو مطلق الجمع
الشامل للثلاثة فما فوقها، أو جميع أفراد الجموع الشاملة للثلاثة، المتعدي حكمه
إلى الاثنين أيضا بالإجماع المركب القطعي.
وأيضا الحكم مفرع على قوله سبحانه: (يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين)،
وتصديق النبي لله عز وجل وللمؤمنين، وهو وارد في تصديق النبي صلى الله عليه وآله وسلم
لعبد الله بن نفيل، وهو كان واحدا.
وأيضا ظاهر أن من أخبر إسماعيل بشرب الخمر ليس إلا اثنين أو ثلاثة.
ويدل على المطلوب أيضا: الأخبار الغير المحصورة، المصرحة بجواز شهادة
المملوك ونفوذها قبل العتق وبعده، والمكاتب، والصبي بعد الكبر، واليهودي
والنصراني بعد الإسلام، والخصي، والأعمى، والأصم، والولد، والوالد،
والوصي، والشريك، والأجير، والصديق، والضيف، والمحدود إذا تاب،
والعدل، والمولود على الفطرة، وغير ذلك. وهي مما لا تحصى كثيرة، مدونة في
أبواب متكثرة.

(1) الكافي 5: 299 / 1، الوافي 3: 129: الوسائل 13: 230 أحكام الوديعة ب 6 ح 1.
813

وجه الدلالة: أنها تدل بإطلاقها بل عمومها - لمكان المفرد المضاف والمعرف -
على قبول كل شهادة كل من هؤلاء المذكورين، سواء كان في مقام الترافع
والتنازع أولا، وسواء كان كل منهم منفردا أو متعددا، اثنين أو أكثر، خرج
المنفرد بما يأتي، فبقي الاثنان فما زاد.
ثم قبول شهادة شخص ونفوذها وإن كان أعم من أن يجعل علة تامة للحكم
بمقتضاها، أو علة ناقصة وجزء علة، إلا أنه ليس المراد كونها جزءا لما يفيد العلم
قطعا، إذ لا فرق في جزء ما يفيد العلم بين هؤلاء المذكورين وغيرهم.
ولا معنى للتقييد بما قيد به أكثر هذه الموارد من معرفة الصلاح، أو الخيرية،
أو العدالة، أو العتق، أو الإسلام، أو البلوغ، أو انضمام الغير، أو كونه مرضيا،
أو تائبا، أو نحو ذلك.
فيكون المراد: إما قبوله من حيث التمامية، أو الجزئية لغير العلم.
وكل من يقول بصلاحيته لجزئية العلة الغير العلمية، لا يقول باشتراط الأزيد
من الاثنين في غير الزنا، فيحصل المطلوب بالإجماع المركب القطعي.
فإن قيل: السائل والمسؤول عنه في جميع تلك الأخبار إنما هو في مقام بيان
حكم آخر دون إطلاق الحكم أو عمومه، فلا يفيد إلا قبول شهادة هؤلاء في
الجملة، ولا كلام فيه.
قلنا: قد مر في بعض العوائد المتقدمة قريبا أن ذلك لا يضر في إطلاق اللفظ
المطلق أو العام على سبيل الإطلاق، وإنما هو في بعض الموارد الذي ليس هذا
منه.
ويؤكد المطلوب أيضا: الأخبار المتكثرة الواردة في موارد مختلفة، ظاهرة
فيما لا تنازع فيه، أو مطلقة بالنسبة إليه وإلى غيره.
كموثقة مسعدة: (كل شئ لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه من
قبل نفسك، وذلك مثل ثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة، أو المملوك
عندك ولعله حر قد باع نفسه، أو خدع فبيع أو قهر، أو امرأة تحتك وهي أختك أو
814

رضيعتك، والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به
البينة) 1.
والبينة وإن كانت حقيقة فيما يظهر ويعلم منه الشئ إلا أن المستعمل في
الأخبار إنما هو في الشاهد.
والمروي في الكافي والتهذيب عن الصادق عليه السلام: كل شئ لك حلال حتى
يجيئك شاهدان يشهدان عندك أن فيه ميتة) 2.
وصحيحة الحلبي، وفيها: الخفاف عندنا في السوق نشتريها، فما ترى في
الصلاة فيها؟ قال: (صل فيها حتى يقال لك: إنها ميتة بعينها) 3.
ومرسلة يونس عمن رواها، قال: (استخراج الحقوق بأربعة وجوه: بشهادة
رجلين عدلين) 4 الحديث.
والمروي في كتاب عرض المجالس للصدوق عن الصادق عليه السلام، وفيه: (فمن
لم تره بعينك يرتكب ذنبا، أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان، فهو من أهل العدالة
والستر) 5 الحديث.
ومرسلة الفقيه، قال الصادق عليه السلام: (إذا شهد رجل على شهادة رجل فإن
شهادته تقبل، وهي نصف شهادة، وإن شهد رجلان عدلان على شهادة رجل
فقد ثبت شهادة رجل واحد) 6.
والأخبار الواردة في الوصية، والنكاح، والطلاق، والحدود، والهلال،
وغيرها.
والتأييد بهذه الأخبار: تارة بكل واحد منها منفردا، وجعله مؤيدا حينئذ
815

باعتبار احتمال اختصاصها بمواردها.
وأخرى باحتمالها الموجب للاستغراء 1 الظني لا أقل منه، مع أنه يثبت من هذه
الأخبار حجيتها في معظم الموارد، كبواعث الحرمة كلها كما في الموثقة، والحقوق
برمتها كما في المرسلة، والذنوب بأجمعها كما في رواية المجالس، وغير ذلك.
ويمكن جعلها دليلا تاما أيضا بضميمة عدم الفصل في بعض مواردها.
فوائد خمس:
الأولى: الشهادة مأخوذة من شهد، وهي تارة بمعنى حضر، كما فسره به في
المحيط، والنهاية الأثيرية، والصحاح، والقاموس، ومجمع البحرين 2.
ومنه: الشاهد يرى ما لا يراه الغائب 3، وقوله سبحانه: (وليشهد عذابهما
طائفة من المؤمنين) 4،
وقوله تعالى: (وأشهدوا ذوي عدل منكم) 5.
وعلم، ذكره في القاموس أيضا في تفسير: (أشهد أن لا إله إلا الله) وفي
تفسير: (شهد الله) 6.
ومنه قوله سبحانه: (نشهد أنك لرسول الله) 7.
وعاين، ذكره أيضا في القاموس، والمجمع، وقالوا: المشاهدة المعاينة 8.
وأخرى بمعنى أخبر، ذكره في المجمع 9. ومنه قوله تعالى: (وما شهدنا إلا بما

(1) في (ح): للاستغراق.
(2) المحيط للبستاني 1: 1131، النهاية لابن الأثير 2: 513، الصحاح 2: 494، القاموس المحيط 1: 316،
مجمع البحرين 3: 81.
(3) مجمع البحرين 3: 81.
(4) النور 24: 2.
(5) الطلاق 65: 2.
(6) آل عمران 3: 18، القاموس المحيط 1: 317.
(7) المنافقون 63: 1.
(8) القاموس المحيط 1: 316، مجمع البحرين 3: 81.
(9) مجمع البحرين 3: 82.
816

علمنا) 1 أو أخبر عن يقين وعلم، نقله في المسالك 2.
أو بمعنى أخبر عن يقين حاصل بالمشاهدة والمعاينة، قاله في النهاية الأثيرية،
وقال: الشهادة في الأصل: الإخبار عما شاهده وعاينه 3. انتهى.
ولا يخفى أنه ليس المراد منها في هذه الأخبار أحد المعاني الثلاثة الأول،
وهو ظاهر، فهي تكون إما بمعنى أخبر، أو أخبر عن علم، أو أخبر عن مشاهدة
وحضور. والأخير قطعي، لدخوله في الأولين أيضا.
فتدل تلك الأخبار على حجية ما أخبره العدلان عن مشاهدة وعيان.
أما تخصيصه بالإخبار الجازم 4 عن لحق اللازم للغير - كما فسره به في
المسالك - شرعا، فلا دليل عليه أصلا، ولا يوافقه كثير من موارد الاستعمال في
كلمات الفقهاء وأخبار الآل، كما في الشهادة على الحرمة، والميتة، والهلال،
والذنوب، ولعل نظره في المراد من الشهادة في مقام الترافع والتنازع.
وكذا لا يشترط في صدق الشهادة على الخبر المذكور مقارنته، لما مر
من عدم دليل عليه، وعدم مساعدته لكثير من موارد الاستعمال.
فالثابت من الأخبار: هو حجية إخبار العدلين عن مشاهدة وعيان، أي
الشهادة المستندة إلى إحدى الحواس الظاهرة، المعبر عنها بالشهادة الحسية.
وأما مطلق إخبارهما ولو علميا، فلا دليل على حجيته ووجوب قبوله.
الثانية: قد ظهر مما ذكر في الفائدة الأولى من معنى الشهادة: أن شهادة
العدلين الثابتة أصالة اعتبارها وحجيتها، غير مخصوصة بما كان إخبارا عن حق
لازم للغير، ولا بما كان عند الحاكم في محل الترافع والتنازع لإثبات حق أو نفيه
مطابقة أو التزاما.

(1) يوسف 12: 81.
(2) المسالك 2: 400 و 410.
(3) النهاية لابن الأثير 2: 514.
(4) في (ه‍): الجازمة.
817

بل يعم كل خبر مستند إلى الحس والعيان من الروايات والإخبار عن
الوقائع، والصنائع، والقيم، والأحوال، والطهارات، والنجاسات،
والمعاملات، والشهادات في استخراج الحقوق، وطي الدعاوي، وغيرها،
فيكون الكل مقبولا إلا ما أخرجه الدليل.
ثم المراد بالاستناد إلى الحس والإخبار عن الحس: هو ما كان كذلك عرفا،
سواء كان نفس المخبر عنه محسوسا، كقوله: رأيت أنه وضع النار على يد فلان
فأحرقه، أو: وضع السكين على حلقومه فقطعه، أو لازما لمحسوس بحيث يدل
على المحسوس بدلالة الالتزام، كقوله: رأيته أنه أحرق يد زيد بالنار، أو: رأيت
أنه قتله، فإن الإحراق والقتل وإن لم يكونا محسوسين، لكنهما يدلان التزاما
على إحساس أسبابهما الموجبة لهما.
واحتمال الاشتباه في السببية بعد عدالة الشاهد غير مضر، كما لا يضر
احتمال الاشتباه في الوضع على الحلقوم، إلا إذا كان الخبر ممن يحتمل في حقه
الاشتباه في الأسباب، فتنتفي الدلالة الالتزامية، فيستفسر حينئذ عما رآه من
سبب القتل.
وبالجملة: المعتبر إما الإخبار عن المحسوس، أو عما يدل عليه دلالة التزامية.
ولا يلزم في صدق الإخبار عن المحسوس، أو عما يدل عليه دلالة التزامية.
ولا يلزم في صدق الإخبار عن الحس كون المخبر عنه بتمام أجزائه محسوسا،
بل هو غير ممكن غالبا أو دائما، فإن الإخبار عن رؤية زيد لا يخلو عن غير
محسوس أيضا، وهو درك أنه زيد، بل اللازم كونه محسوسا صرفا إن أمكن، أو
متضمنا لما يترتب وجدانه على المحسوس من غير احتمال اشتباه وخطأ فيه عادة، إما
مطلقا أو في حق ذلك المخبر بخصوصه، فإن الخبر حينئذ يستند إلى الحس عرفا.
ويقال عرفا: إنه إخبار عن مشاهدة وحس
فلو قال الشاعر الماهر: رأيت شعر زيد موزونا، يقال عرفا: إنه إخبار عن
المحسوس، وإن لم تكن الموزونية محسوسة حقيقة بل هي أمر وجداني.
ومثله ما إذا قال العربي العالم بالفارسي: سمعت إقرار زيد العجمي باشتغال
818

ذمته لعمرو، يقبل منه، مع أن المخبر عنه عربي والمسموع فارسي وفهم المطابقة
وجداني.
ومن هذا القبيل: إخبار أهل الخبرة عن قيمة الأجناس إذا أخبر بالمحسوس،
فيقول: سمعت الناس أو رأيتهم يشترون هذا الجنس بهذه القيمة أو يرغبون في
شرائها، فإن المحسوس ليس إلا ما سمعه من الناس أو رأى من شراء مثل ذلك
الجنس. وأما قيمة ذلك الجنس بخصوصه فتعلم بالمقايسة التي هي ليست أمرا
محسوسا.
ومنه أيضا: إخبار أرباب الصنائع عن الملكات، فيخبرون عن كون زيد خياطا
أو خطاطا أو نقاشا برؤيتهم أفعالهم مكررا.
وإخبار المجتهد عن اجتهاد شخص آخر بمشاهدة ترجيحاته المتكررة الموافقة
للقواعد.
وكل ذلك يعد في العرف والعادة إخبارا عن المحسوس بعد انضمامه إلى
الخبر عن مشاهدة الآثار.
ومنه: إخبار الطبيب عن حذاقة غيره.
ولا يقبل شئ من أمثال ذلك من غير أهل الصناعة، لإمكان الخطأ فيما يتعلق
بالوجدان.
ومنه أيضا: شهادة الشاهد بأن الملك الفلاني كان في يد زيد وكان يتصرف
فيه التصرفات الملكية، فإن كون التصرفات ملكية أمر غير محسوس، ولكن يعد
ذلك وأمثاله إخبارا عن المحسوس عرفا.
الثالثة: مقتضى عموم حسنة حريز، وإطلاق أكثر الأخبار الغير المحصورة
المشار إليها بعدها 1، وغير ذلك، شمول الحكم المذكور - أي أصالة وجوب القبول
والحجية - لشهادة الرجل الواحد أيضا، إلا أن الظاهر أنه مما لم يقل به أحد إن

(1) المتقدمة في ص 812.
819

جعلت الشهادة مغايرة للخبر، إما لتخصيص متعلقها بالمعين، أو لتخصيصها
باستخراج الحقوق مطلقا، أو في مقام التنازع والترافع.
وإن جعلت هي أيضا من الأخبار، فربما يقال: بأصالة حجية إخبار
الرجل الواحد العدل ولو في غير أخبار الأحكام، وحينئذ فيستثنى منها الشهادة
مطلقا، أو بأحد المعاني المذكورة، إما لأجل العموم والإطلاق المذكورين، بناءا
على كون الشهادة مطلق الإخبار، أو الإخبار الجازم، أو الإخبار عن الحس،
ويخرج عنها ما خرج بالدليل، أو لأجل إطلاق صحيحة الحلبي المتقدمة 1، أو
لأجل آية النبأ 2، أو بعض الأخبار، كقولهم عليهم السلام: (المؤمن وحده حجة) 3.
وكصحيحة هشام، وفيها (والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة
يبلغه، أو يشافه العزل عن الوكالة) 4.
وموثقة سماعة، قال: سألته عن رجل تزوج امرأة أو تمتع بها، فحدثه ثقة أو
غير ثقة، فقال: إن هذه امرأتي وليس لي بينة، قال: (إن كان ثقة فلا يقربها، وإن
كان غير ثقة يقبل منه) 5. وغير ذلك.
أقول: أما عموم حسنة حريز، فلا شك أنه مخصوص بغير ما أخرجه الدليل،
مثل الشهادة في مقام المنازعات والمرافعات المشترط فيها التعدد بالإجماع
والنصوص.
ومثل الشهادة على الذنوب، المخرجة برواية عرض المجالس المتقدمة 6،
والشهادة على الميتة، المخرجة بالمروية في الكافي والتهذيب المتقدمة 7.

(1) المتقدمة في ص 815.
(2) الحجرات 49: 6.
(3) الخصال 2: 584 / 1.
(4) الفقيه 3: 49 / 170، التهذيب 6: 213 / 503، الوسائل 13: 286 أبواب أحكام الوكالة ب 2 ح 1.
(5) التهذيب 7: 461 / 1845، الوسائل 14: 226 أبواب عقد النكاح ب 23 ح 2.
(6) المتقدمة في ص 815.
(7) المتقدمة في ص 815.
820

ومثل الشهادة على مطلق أسباب التحريم، الخارجة بموثقة مسعدة
السابقة 1.
حيث إن البينة إما معناها اللغوي، وهو ما ينكشف به الشئ ويبين، ولا شك
أنه لا يحصل بالشاهد الواحد، أو معناها المصطلح في الأخبار وهو الشاهد
المتعدد، كما يدل عليه توصيفها في رواية منصور عن الصادق عليه السلام بالجمع، حيث
قال: (وأقام البينة العدول) 2.
وقيل جميع الحقوق، الخارجة بمرسلة يونس المذكورة 3.
ومثل رؤية الهلال، الخارجة بالإجماع والأخبار.
ومثل الشهادة على الشهادة، الخارجة بمرسلة ألفية المتقدمة 4، وبروايتي
غياث بن إبراهيم 5 وطلحة بن زيد 6: إن عليا عليه السلام كان لا يجيز شهادة رجل على
رجل، إلا شهادة رجلين على رجل.
ومثل الطلاق المشترط فيه العدلان، بالإجماع والكتاب والسنة.
ومثل الوصية التي هي أيضا كذلك.
وعلى هذا فلابد من تخصيص عموم الحسنة، وهو يمكن أن يكون بارتكاب
التخصيص في إطلاق الشهادة وتخصيصها بغير ما ذكر وما لم يذكر من
المستثنيات، وإبقاء المؤمنين على العموم، أو يكون بارتكاب التخصيص في
المؤمنين بإخراج المؤمن الواحد منهم.
ولو اغمض النظر عن أولوية الثاني بل تعينه - باعتبار لزوم الأول لإخراج أكثر

(1) المتقدمة في ص 814.
(2) التهذيب 6: 240 / 594، الاستبصار 3: 43 / 143، الوسائل 18، 186 أبواب كيفية الحكم ب 12
ح 815.
(3) تقدمتا في ص: 1015.
(4) تقدمتا في ص: 1015.
(5) الفقيه 3: 41 / 136، الوسائل 18: 298 أبواب الشهادات ب 44 ح 4.
(6) التهذيب 6: 255 / 668، وص 256 / 671، الاستبصار 3: 21 / 61، الوسائل 18، 298 أبواب
الشهادات ب 44 ح 2.
821

الافراد قطعا، إذ لا يبقى بعد إخراج المخرجات المذكورة ما يجب فيه تصديق الشاهد
إلا أقل - يكون الأول مساويا له، ولا يكون لأحدهما ترجيح، فلا يعلم شمول
العموم للشاهد الواحد.
ولا يلزم مثل ذلك في الشاهدين، إذ لو قلنا بالتخصيص الأول يشمل الباقي
للشاهدين أيضا، ويثبت الحكم لهما في مواضع التخصيص بثبوت الحكم فيها
للشاهدين، بالإجماع والأخبار المتقدمة.
ومما ذكرنا يظهر ما في إطلاق الأخبار المشار إليها بعد الحسنة.
مضافا إلى أنها لا تدل إلا على كون شهادة الواحد جائزة، أو ممضاة، أو
مقبولة، وهي أعم من كونها جزء سبب الحكم أو تمامه، ولذا قال في مرسلة
الفقيه المتقدمة: (إن شهادة رجل على شهادة رجل مقبولة، وهي نصف
شهادة) 1.
وإلى معارضتها بأخبار أخر، كرواية السكوني عن جعفر، عن أبيه عليهما
السلام: (إن شهادة الأخ لأخيه تجوز إذا كان مرضيا ومعه شاهد آخر) 2، وغيرها.
وأما إطلاق صحيحة الحلبي 3، فهو مقيد بالمروي في الكافي وتذهيب 4
السابق عليها قطعا، مع أنها مخصوصة بالميتة، فلا يثبت بها الأصل.
وأما آية النبأ، فضعف دلالتها على حجية الخبر الواحد في مواضعه مبين.
وأما (المؤمن وحده حجة)، فالرواية غير معلومة الاعتبار، وأيضا
معنى (المؤمن وحده): أي الغير المنضم مع غير المؤمن لا المؤمن الواحد، فلو دلت
لكانت بالإطلاق أو العموم المعلوم حالهما مما ذكر، وأيضا المراد من الحجية
غير معلوم، وإرادة حجية قوله أو خبره (ممنوعة) 5.

(1) تقدمت في ص 815.
(2) التهذيب 6: 286 / 790، الوسائل 18: 271 أبواب الشهادات 26 ح 5.
(3) المتقدمتان في ص 815.
(4) المتقدمتان في ص 815.
(5) بدل ما بين القوسين في (ج، ح): غير معلومة.
822

وأما صحيحة هشام الواردة في عزل الوكيل 1، فهي مخصوصة بمورد
خاص، إن علمنا 2 بها تكون مخصوصة به، فلا تفيد للأصل أصلا.
وأما موثقة سماعة، فغير صريحة في النهي عن قربها لمكان الجملة الخبرية،
فتكون للكراهة، احتياطا في أمر الفروج، مع أنها معارضة بموثقة مسعدة
الصريحة في أنه لا يقبل بدون البينة.
وبالجملة: لم أعثر على دليل تام على حجية إخبار العادل الواحد على سبيل
الإطلاق ليكون أصلا مرجعا في الموارد الجزئية.
الرابعة: ما ذكر كان حكم الرجل.
وأما المرأة، فالأصل في الأربع منهن الحجية إلا ما أخرجه الدليل. وأما
ما دون الأربع، فالأصل عدم الحجية إلا في مواضع خاصة.
أما الثاني، فللأصل وعدم الدليل.
وأما الأول، فلرواية عبد الكريم بن أبي يعفور عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (تقبل
شهادة المرأة والنسوة إذا كن مستورات، من أهل البيوتات، معروفات بالستر
والعفاف، مطيعات للأزواج، تاركات للبذاء والتبرج إلى الرجال في أنديتهم) 3.
وجه الاستدلال: أنها تدل على قبول مطلق 4 شهادة المرأة، ولكن القبول
- على ما عرفت - أعم من جعلها تمام السبب أو جزءه، ولكن السببية في
الجملة معلومة، وإذا انضم معها الإجماع المركب يتم المطلوب، لأن كل من
يقول بحجية خبر المرأة في موضع لا يقول باشتراط الزيادة عن الأربع.
الخامسة: إذ قد ثبتت أصالة وجوب قبول شهادة العدلين، فاعلم: أن ذلك

(1) الفقيه 3: 49 / 170، التهذيب 6: 213 / 503، الوسائل 13: 286 أبواب أحكام الوكالة ب 2 ح 1.
(2) في النسخ: علمنا.
(3) التهذيب 6: 242 / 597، الاستبصار 3: 13 / 34، الوسائل 18: 294 أبواب الشهادات ب 4
ح 20.
(4) في (ب، ج): مطلق قبول. وكلمة (مطلق) ليست في (ه‍).
823

إنما يكون فيما يترتب عليها أثر، ويتبعها حكم لمن يشهدان عنده، أو لغيره، وأما
ما ليس كذلك فلا معنى لقبوله وحجيته.
فلو شهد عدلان: بأنا أكلنا البارحة خبزا، أو رأينا ذئبا، أو كان الهواء في
القرية الفلانية باردا، أو خربت دار زيد، من غير أن يترتب على هذه الأخبار أثر،
لم يكن واجب القبول، ولا حجة، ولا معتبرا، إذ ليست تلك الأخبار موارد لهذه
الأوصاف، وإنما هي عارضة لما يترتب عليه أثر.
ثم ذلك الأثر المترتب على شهادتهما، إما أثر مخصوص بمن شهدا عنده وأثر
في حقه خاصة، أو مخصوص بغيره وأثر في حق الغير كذلك، أو أثر يعود إليه وإلى غيره.
فالأول: كأن يشهد عدلان عند أحد: أنك نذرت في العام الماضي أن تصوم
شهرا مثلا، ولم يكن المشهود عنده متذكرا له، أو يشهد طبيبان عدلان عنده: أن
علاجك منحصر في الخمر مثلا، أو أن الصوم يضرك.
والثاني: كأن يشهدا عنده: بأن زيدا اعترف باشتغال ذمته لعمرو بالمبلغ
الفلاني، أو مات مورث فلان، أو علاج فلان منحصر بالخمر، أو يضره الصوم،
أو نذر أن يصوم، أو أن يعطي دينارا لزيد.
والثالث: كأن يشهدا عنده برؤية الهلال، أو موت زوج المرأة الفلانية، فإن
أثره في حق المشهود له جواز تزويجه المرأة، وفي حق المرأة كونها مختارة لنفسها،
وفي حق ساير الرجال جواز تزويجهم إياها. أو أن ما في يد زيد مال عمرو، وأثره
في حق زيد وعمرو ظاهر، وفي حقه حرمة ابتياعه من زيد، إلى غير ذلك.
فما كان من الأول يترتب عليه تمام أثره، ويجب على المشهود له العمل بما
شهدا عنده إن كان مقتضاه واجبا، ويستحب إن كان مستحبا، وهكذا.
وما كان من الثاني لا يترتب عليه إلا ثبوت المشهود به عند المشهود عنده
وصيرورته كمعلومه. وأما أثره المترتب عليه في حق الغير، فلا يترتب عليه أصلا
إلا إذا كان المشهود عنده ممن يكون الثبوت عنده ومعلومه حجة على الغير، ويلزم
824

على الغير اتباعه ومتابعة معلومه، إما مطلقا، أو في مورد خاص أو حالة
مخصوصة، فيترتب حينئذ عليه الأثر في حق الغير أيضا، لأن الأصل عدم حجية
علم أحد على غيره، فكيف بالثابت عنده بما لا يفيد غير الظن غالبا.
وما كان من الثالث يترتب عليه أثره في حق المشهود عنده مطلقا، دون أثره
المترتب عليه في حق الغير، إلا مع ما ذكر من كون المشهود عنده واجب الاتباع
للغير، وكان حكمه نافذا عليه ملزما له، للأصل المذكور.
فإن قيل: إذا كان الأثر المترتب في حق الغير معروفا له، أو منكرا، فيجب
على المشهود عنده حمل الغير على ذلك وإلزامه عليه من باب الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، لأدلتهما.
قلنا: بمجرد علم أحد بشئ أو ثبوته عنده لا يصير ذلك الشئ معروفا
ولا منكرا على الغير الذي لم يثبت ذلك عنده، فلا وجوب على العالم، ولا على
الغير شئ من ذلك الباب.
فلو رأى أحد هلال شهر رمضان يجب عليه الصوم، ولا يجب على من
لم يره حتى يأمره الرائي بالصيام من باب الأمر بالمعروف ولو كان الرائي مجتهدا،
إلا إذا ثبت وجوب قبول حكم المجتهد في الرؤية أيضا.
ثم إنه خرج من تحت الأصل المذكور الثبوت عند المجتهد في الحقوق المتعلقة
بالغير - ضررا ونفعا - في الدعاوي والخصومات والمنازعات عند ترافعهما إليه،
بالإجماع والكتاب والسنة، وكذا في الحدود والعقوبات، فيجب اتباع حكمه
فيها على كل أحد يقضى له أو عليه.
وكذا في أحكام الله سبحانه، المستخرجة من أدلتها الشرعية، بالإجماع
والنصوص أيضا، فيجب اتباع فتواه على كل من يقلده، ويجب على المجتهد
الفتوى له من باب الإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وذلك في
الخلافيات والوفاقيات النظرية.
وأما الإجماعيات الضرورية، فلا يختص وجوب إرشاده وأمره ونهيه
825

بمقلديه، بل يجب عليه بالنسبة إلى كل مكلف بها.
وأما غير هذه الأمور، فلم يدل دليل على وجوب اتباع المجتهد وثبوت ما يثبت
عنده على الغير أيضا وله، فلا يترتب أثر الأمر الثابت عنده في حق الغير، سواء
كان مخصوصا بذلك الغير، أو شاملا له ولمن 1 يثبت عنده.
وعلى هذا، فلو شهد عدلان عند مجتهد بأن زيدا نذر صوم الغد وهو ناس
له، لا يجب على زيد صومه ما لم يشهدا عنده.
ولا على المجتهد إلزامه بالصوم،
بل لا يجوز له الإلزام.
ولو شهدا بأنه نذر أن يعطي مائة دينار للفقراء أو لزيد، أقر باشتغال الذمة
لهم أو له بذلك، لا يجب عليه إلزامه، ولا يجب على المشهود عليه العمل بقوله
ما لم يكن نزاع ولو حسبيا.
ولو شهدا عنده بانحصار علاج فلان من مرضه بالخمر، لا يجوز له أمره
ولا تجويزه له شربه، بل تشترط شهادتهما عند المريض.
ولو شهدا عنده برؤية الهلال، يجب على نفسه الصيام أو الإفطار، ولا يجب
على غيره ممن لم يسمع شهادتهما، أو لم تثبت شهادتهما عنده باستفاضة أو شهادة
عدلين أو خبر محفوف بالقرائن، بل لا يجوز له الإفطار أو الصيام، ولا يجب
إلزام المجتهد غيره على أحدهما بل لا يجوز، بل لا يجوز تجويز أحدهما له.
ولو شهدا عنده بموت زيد، لم يجز له الحكم بجواز تزويج زوجته أو تقسيم
أمواله ما لم يشهدا عند الزوجة أو الوارث.
وهل يجوز له تزويج زوجته لنفسه، أو اشتراء شئ من ماله من وارثه؟
الظاهر: لا، لكونه إعانة على الإثم، حيث إنه غير جائز للزوجة والوارث.
وكذا لو شهدا عنده ببلوغ الغائب المفقود خبره عمره الطبيعي.
نعم لو شهدا عنده بشئ مما ذكر في مقام التنازع والترافع إليه فيما كانت

(1) في (ج، ح) زيادة: لم.
826

الدعوى مسموعة، يجب اتباعه في هذه الواقعة بخصوصها، ويلزم حكمه
على المترافعين.
فلو طلب أحد حقا له على غيره مؤجلا بأول رمضان، وادعى الطالب
الحلول علما أو ظنا أو احتمالا - بناءا على سماع الدعوى الظنية أو الاحتمالية،
كما هو الأظهر عندي - وشهد عدلان بالرؤية، يحكم على المديون بأداء المال،
ويجب عليه اتباعه، ولكن لا يجب عليه صيام ذلك اليوم، ولا على غير ذلك
الشخص من المديونين المؤجلين بهذا الأجل أداء ديونهم.
ولو أراد أحد الورثة أخذ مال مورثه الذي عند غيره، وادعى علما أو ظنا أو
احتمالا موت مورثه وأثبته عند المجتهد بشاهدين، يجب على الغير أداء المال بعد
حكمه، ولكن لا يجوز لزوجته التزويج ما لم يثبت عندها الموت، وهكذا في
جميع الموارد.
ومن لا يسمع الدعوى الظنية والاحتمالية لا يجوز له الحكم، ما لم تدع
الزوجة أو الوارث علما.
وعلى ما ذكر، فلو جاءت امرأة عند مجتهد وقالت: أريد إثبات موت زوجي
بشهادة عدلين عندك لتحكم لي بجواز التزويج لم، لم يجز له الحكم بشهادتهما، بل
الوظيفة حينئذ أن يأمر الشاهدين بشهادتهما عند الزوجة، أو يرشد الزوجة
لاستماع شهادتهما ليحل لها التزويج، أو يأمرهما بالشهادة عند من يريد
تزويجها، أو عند عدلين آخرين ليبلغا شهادتهما لكل أحد أراد، أو يرشد بجعل
شهادتهما شائعة أو محفوفة بالقرائن ليعمل بها كل من يريد، وهكذا في غيرهما
من الأمثلة.
ولو كانت الزوجة مدعية للعلم، وأرادت التزويج وإثبات الموت للغير،
فكذلك أيضا، إذ مجرد ادعائها من غير نزاع ومنازع لا يوجب نفوذ حكمه
ووجوب اتباعه.
فإن قيل: يمكن إثبات وجوب متابعة المجتهد وقبول قوله في أمثال ذلك بما دل
827

على وجوب تقليده.
قلنا: العمدة في وجوب تقليده الإجماع والضرورة، والخلاف في أمثال
ذلك بين العلماء معروف.
ثم النصوص، كمقبولة ابن حنظلة 1، والتوقيع الرفيع 2، ورواية مصباح
الشريعة 3، وأمثالها 4.
والأولى متضمنة لوجوب متابعته في أحكام المعصومين، وكيف صار
(زيد مات، أو الهلال في الليلة الفلانية موجودة) من أحكامهم.
والثانية أمرة بالرجوع إلى رواة الأحاديث، أي من حيث إنهم رواتهم،
وانتفاء الحيثية فيما نحن فيه ظاهر.
والثالثة قائلة بأن للعوام أن يقلدوه، ولم يبين أن لهم تقليده في أي شئ
فيها، ولا عموم فيها ولا الاطلاق.
فإن قيل: ثبت جواز حكم المجتهد في أمثال ذلك بمثل قولهم في الأحاديث
المستفيضة المذكورة في باب القضاء، المتضمنة لقولهم عليهم السلام: (اقض
بينهم بالبينات) 5، أو قولهم: (استخراج الحقوق بأربعة) 6 وعد منها شهادة
العدلين، ولا شك أن جواز ازدواج المرأة - مثلا - حق لها.
قلنا: الأول متعقب لقوله عليه السلام: (وأضفهم إلى اسمي يحلفون به)
فيخصصها بالمنازعات، إذ هي التي فيها الحلف. والثاني لا يدل إلا على أنه يستخرج الحق بالعدلين وهو مسلم، فإن الزوجة

(1) الكافي 7: 412 / 5، الفقيه 3: 5 / 18، التهذيب 6: 301 / 845، الوسائل 18: 75 أبواب
صفات القاضي ب 9 ح 1.
(2) كمال الدين وتمام النعمة 2: 484، الاحتجاج 2: 481.
(3) لم نجدها في مصباح الشريعة، والرواية موجودة في تفسير الإمام العسكري عليه السلام: 300.
(4) انظر الكافي 7 6 414 / 3، التهذيب 6: 228 / 2، الوسائل 18: 167 أبواب كيفية الحكم ب 1 ح 2.
(6) الكافي 7: 416 / 3، التهذيب 6: 231 / 562، الوسائل 18 / 76 أبواب كيفية الحكم ب 7 ح 4.
828

تستخرج حقها بشهادة العدلين، ولم يدل على عموم المستخرج.
فإن قيل: سيرة الناس جارية على قبول حكم المجتهدين في أمثال هذه
الأمور، فإنا نرى العوام والنسوان في بيوتهم يصومون ويفطرون بمجرد حكم
المجتهدين بالرؤية مثلا.
قلنا: ذلك توهم فاسد جدا، فإن السيرة أي حجية فيها ما لم تكشف عن قول
المعصوم؟ وكيف تكشف السيرة مع عدم العلم بحال أهل الصدر الأول في ذلك
وما يقربه، بل أهل أكثر الأعصار السالفة؟ فلعل بناء أهل عصر عليه لفتوى
مجتهدهم بذلك، وجريان طريقة العوام عليه بعدهم.
مع أنه إن أريد سيرة الناس في عصر جميعا من العوام والخواص، فممنوعة.
وإن أريد سيرة العوام، فبعد عدم العلم بحال الخواص أو العلم بمخالفتهم، فأي
حجية فيه؟
مضافا إلى أن السيرة المدعاة هنا لا تختص بقبول قول المجتهد، بل لا يلتفت
العوام إلى جهة الاجتهاد، بل يصومون ويفطرون بحكم أئمة الجماعات، بل
المتصدين تغلب المنصب المرافعات. وفساده معلوم قطعا.
فإن قيل: كيف يجب على العامي الشاك بين الثلاث والأربع في الركعات
قبول قول المجتهد: ابن علي الأربع، ولا يجب قبول قوله: اليوم أول الشهر، أو
فلان مات، وأي فرق بينهما؟
قلنا: الفرق ظاهر، فإن المجتهد إذا رأى قول الإمام: (من شك بين الثلاث
والأربع فليبن على الأكثر) يعلم أنه حكم الإمام فيحكم به في جزئياته، ومنها
هذا السائل الشاك، لأنه فرد من أفراد من شك ومطابق له.
ولم يقل الإمام: إن كل يوم شهد العدلان فيه بالرؤية هو يوم الصوم أو الفطر
لكل أحد، وكل شخص شهدا بموته فهو ميت، حتى يجري المجتهد الحكم في
جزئياته.
بل قال: من شهد عنده العدلان فليفطر أو فليصدقه، ومن جزئياته المشهود
829

عنده لا غيره.
وليس زيد مات، أو الهلال في هذه الليلة مرئي، من جزئيات حكم
الإمام عليه السلام، ولم يحكم بعام يكون ذلك من أفراده وينطبق عليه.
بقي ها هنا شئ ينبغي التنبيه عليه، وهو: أنه قد مر ترتب أثر شهادة العدلين
المتعلق بحق الغير في المنازعات والدعاوي إذا كان المشهود عنده مجتهدا، فهل
ذلك مخصوص بصورة وقوع النزاع والتخاصم، والدعوى من المدعي والجحود
من المدعى عليه، أو لا؟ بل يجوز له الحكم بالبينة بمجرد ادعاء المدعي وإقامته
البينة - ولو لم يكن نزاع - لرفع نزاع فرضي، كما لو لباع زيد داره لعمرو، وأقر به
عند جمع ولم يكن منكرا، فأقام المشتري البينة عند الحاكم ليثبت ذلك عنده، وأراد
أن يحكم به احتياطا لوقوع النزاع، أو تسجيلا المطلوب.
ولو كان لزيد دين على عمرو، وهو في بلد آخر، فأراد زيد إقامة البينة لذلك،
ويثبته عند الحاكم ليصدر منه الحكم، حتى يجريه على عمرو لو فرض جحوده، بل
قد يتكلم في جواز إقامة البينة قبل التنازع.
قال العلامة في القواعد، في البحث الرابع من المقصد الثامن في بقايا مباحث
الدعاوي: ولو أراد إقامة البينة قبل ادعاء من ينازعه للتسجيل، فالأقرب الجواز 1.
وقال ولده فخر المحققين: وجه القرب: أنه غرض مقصود، لأنه حافظا للحق
على تقدير موت الشهود، وهذا التقدير ممكن في كل وقت،
فاقتضت الحكمة
الإلهية جعل طريق إلى إثبات الحق، ويحتمل العدم، لأنه ليس بغريم حقيقة،
ولا تداع حقيقي بينهما 2.
وقال في الدروس: الأقرب سماع بينة الداخل للتسجيل وإن لم يكن خصم 3.
وقال في التحرير: فإن قلنا بتقديم بينة ذي اليد - يعني في صورة التعارض -

(1) قواعد الأحكام 2: 233.
(2) إيضاح الفوائد 4: 410.
(3) الدروس 2: 102.
830

فهل تسمع دعواه وبينته للتسجيل قبل ادعاء الخصم؟ لا أعرف لأصحابنا نصا في
ذلك، ومنع أكثر الجمهور منه، إذ لا بينة إلا على الخصم، فطريقة أن ينصب لنفسه
خصما، والأقرب عندي سماع بينته لفائدة التسجيل 1. وقال في بحث القضاء على الغائب منه: ولابد أن يكون معه - أي مع
المدعي على الغائب - بينة، ويدعي جحود الغائب، فلو أقر أنه معترف، لم تسمع
بينته إلا لأخذ المال، ولو لم يتعرض لجحوده احتمل السماع وعدمه، ولو اشترى
شيئا فخرج مستحقا والبائع غائب، سمعت بينته وإن لم يدع الجحود 2. انتهى.
أقول: مرادهم من السماع الذي اختلفوا فيه ليس مجرد الإصغاء إلى إخبار
البينة، لأنه جائز البتة في كل حال للأصل.
بل المراد: إما إجابة مريد إقامتها لترتب الأثر أو أصل ترتب الأثر، أي ثبوت
المشهود به، أو تعلق الأثر بالمشهود عليه، أي جواز الحكم بمقتضى شهادتهم
عليه ونفوذ الحكم عليه.
فإن كان مرادهم ترتب الأثر وثبوت المشهود به، فيمكن أن يكون الاختلاف
في السماع وعدمه باعتبار الاختلاف في أصالة اعتبار شهادة العدلين وعدمها،
فمن يقول بالسماع فبناؤه على الأصالة، فيثبت المشهود به، وإن توقف الحكم
بمقتضاها ونفوذه على النزاع. ومن يقول بعدمه فبناؤه على أصالة عدم الاعتبار،
فلا تسمع إلا فيما ثبت اعتبارها فيه. ولم يثبت في بينة الداخل ولا بينة من يعترف
من عنده الحق له.
ويمكن أن يكون بناء الكل على أصالة الاعتبار، ولكن من يقول بعدم
السماع، فلأجل خروج بينة الداخل ومن لا يجحد خصمه بالدليل. ومن يقول
بالسماع، فيقول بأن أدلة عدم سماع بينة الداخل وغير الجاحد خصمه لا تفيد أزيد
من عدم جواز الحكم بهذا الثبوت لعدم التوقيف.

(1) تحرير الأحكام 2: 196.
(2) تحرير الأحكام 2: 187. وما بين الحاصرتين من المصنف.
831

وإن كان مرادهم جواز الحكم وعدمه، فلعل مراد من يقول بالسماع: جواز
الحكم بهذه الشهادة بعد تحقق المخاصمة والجحود لا بالفعل، ومراد من يقول
بالعدم: يريد العدم فعلا، فيعود النزاع لفظيا.
أو يكون نظر الثاني إلى عدم أصالة اعتبار قول العدلين، أو إلى خروج بينة
الداخل أو غير الجاحد خصمه بالدليل، فلا يجوز الحكم بينهما مطلقا، فيكون
النزاع معنويا.
ثم أقول: إذ قد أثبتنا أصالة قبول شهادة العدلين، بمعنى وجوب قبولها على
المشهود عنده ولزوم تصديقه إياها، فيترتب عليه ذلك الأثر مطلقا ما لم يكن لها
معارض.
وأما الأثر المتعلق بالغير - أي ترتب نفوذ الحكم على الغير وله عليها - فقد
عرفت ثبوته في المتنازعين المترافعين إلى المشهود عنده مع كونه أهلا للحكم،
ولكنه يختص بغير بينة الداخل عند الأكثر لاختصاص الإجماع بغير بينته
وخصوص النص الدال على ذلك.
وكذا يختص بصورة كون الغير أحد المتنازعين، لعدم دليل على جواز
الالتزام 1 والحكم بدون التنازع 2، بل هو المتبادر من القضاء على شخص وإلزامه
والحكم عليه.
وكذا هو المتبادر من مثل قولهم: (اقض بينهم)، لأن الظاهر من القضاء بين
الشخصين وقوع التنازع بينهم، سيما مع تعقيبه بمثل: (وأضفهم إلى اسمي
يحلفون به).
وكذا هو المتبادر من قولهم: (البينة على المدعي واليمين على من أنكر، أو
على المدعى عليه) 3 مع أن القضاء بالبينة أو كون البينة وظيفة المدعي لا يدل إلا

(1) في (ه‍): الإلزام.
(2) في (ج)، (ح) زيادة: مثل اقض.
(3) الكافي 7: 415 / 1، التهذيب 6: 229 / 553، الوسائل 18: 170 أبواب كيفية الحكم ب 3 ح 1.
832

على القضاء بها في الجملة، فيمكن أن يكون بعد التنازع.
وأما ما دل على قبول شهادة العدلين، فلا يفيد أزيد من تصديقهما أو لزوم
الحكم بهما فيما يثبت فيه لزوم الحكم.
ولا يتوهم: أن قوله عليه السلام في صحيحة سليمان بن خالد: (احكم بينهم بكتابي
وأضفهم إلى اسمي يحلفون به) ثم قال: (هذا لمن لم تقم له بينة) 1 أنه يدل
بالمفهوم على أن من قامت له بينة يحكم له مطلقا.
لأن المفهوم: أن من قامت له البينة لا حلف عليه، وأما أنه هل يحكم له
مطلقا أو بعد وقوع النزاع، فلا دلالة له.
ويؤيد ذلك ما ذكروه: من عدم جواز القضاء على الحاضر الذي لم يسمع
الدعوى - لصمم أو اختلاف لغة أو نحوهما - ما لم يسأل عنه 2.
وما ذكروه: من إلزام المدعى عليه الساكت على الجواب وعقوبته على ذلك
من غير تعرض للحكم عليه بالبينة إذا كانت 3.
هذا مضافا إلى أن عدم النزاع: إما لعدم المنازع - أي عدم كون الواقعة بين
اثنين - فلم يثبت فيه أصل جواز الحكم والقضاء، بل المتبادر من القضاء هو
ما كان بين اثنين، مع أن أدلة القضاء متضمنة لقوله: (اقض بين الناس، أو بينهم)
وهو إنما يكون بين شخصين، أو ظاهر فيه. وتصور المخاصمة والمنازعة وفرض
المنازع لا يفيد.
أو لعدم وقوع النزاع وإن كان بين اثنين، وحينئذ لا يجوز القضاء للمدعي إلا
مع السماع من الآخر، لرواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا تقاضى إليك رجلان، فلا تقض للأول حتى تسمع من الآخر،

(1) الكافي 7: 415 / 4، التهذيب 6: 228 / 549، الوسائل 18: 167 أبواب كيفية الحكم ب 1 ح 1.
(2) انظر كفاية الأحكام: 269، ورياض المسائل 2: 401.
(3) انظر إيضاح الفوائد 4: 332، وكفاية الأحكام: 269، وكشف اللثام 2: 158، ورياض
المسائل 2: 401.
833

فإنك إذا فعلت ذلك تبين لك القضاء) 1.
ولا شك أن بعد السماع من الآخر إما يقر فلا حكم بالبينة حينئذ، أو ينكر
فيتحقق الجحود والنزاع.
لا يقال: إن ذلك مخصوص بما إذا تقاضى رجلان لا رجل واحد.
لأنا نقول: إن العلة المنصوصة تشمل القاضي لأحدهما أيضا.
نعم خرج المدعى عليه الغائب بالنص الدال عليه، فيسمع البينة عليه ويقضى
بها مطلقا، خرجت صورة اعتراف المدعي باعترافه، إذ لا فائدة للحكم والإلزام
على الشخص بعد اعتراف المدعي بكونه معترفا.
فتبقى سائر الصور، كصورة إطلاق المدعي، ولذا حكم في التحرير بسماع
بينة المدعي على الغائب في غير الصورة الأولى، بل يمكن الخدش في صورة
الاعتراف أيضا إذا أراد المدعي صدور الحكم احتياطا، فتأمل.
فتحصل بما ذكر: عدم مشروعية القضاء والحكم، وعدم ترتب آثار الحكم،
و 2 عدم جواز النقض 3 عليه، ما لم تكن منازعة فعلية بين اثنين إلا في الغائب.
نعم لو أقام أحد بينة قبل النزاع، فيجوز استماعها للأصل، ويجب تصديقها
واعتقاد وقوع مقتضاها، والإخبار عن ثبوته وضبطه احتياطا لزمان وقوع التنازع.
وحينئذ يجوز بمقتضى الشهادة المتقدمة إذا كان المشهود عنده متذكرا لها،
أو تثبت 4 الشهادة عنده بما يثبتها، والله العالم.

(1) الفقيه 3: 7 / 23، التهذيب 6: 227 / 549، الوسائل 18: 158 أبواب آداب القاضي ب 4 ح 2.
(2) في (ج، ح، ه‍): زيادة وهو.
(3) في (ب): النقض، وفي (ه‍): البعض
(4) في (ب، ج، ح): إذا ثبت.
834

عائدة (87)
في شأن اختلاف المتحاكمين لأجل
اختلاف المجتهدين
اعلم أنه تشتبه كثيرا وظيفة الحاكم في الحكم بين المتنازعين إذا كانت الواقعة
خلافية وتنازع الخصمان فيها لأجل اختلاف المجتهدين في المسألة.
والتحقيق في المقام: أنه إذا كان تنازع المتخاصمين المترافعين عند حاكم في
أمر لأجل اختلاف المجتهدين فيه - كأن يتنازع الولد الأكبر مع غيره في أخذ الحبوة
مجانا أو بحساب إرثه، أو فيما يحبى به. أو ادعى أحد الشركاء الثلاثة الشفعة،
وأنكرها الآخران. أو تنازع المتبايعان في نجاسة المبيع وعدمها. أو تنازع البكر
ووليها في الاستقلال في العقد وعدمه. أو تنازعا في دية جناية اختلف العلماء
في مقدارها، إلى غير ذلك - يجب على الحاكم المترافع إليه الحكم في الواقعة
بمقتضى رأيه وفتواه إجماعا، لأنه حكم الله عنده في حقه وفي حق كل من يقلده
أو يترافع إليه.
ولا يفيد تقليد أحدهما مجتهدا آخر يخالف رأيه رأي ذلك المجتهد، أو كونه
مجتهدا مخالفا لذلك المجتهد، إذ لم يثبت من أدلة وجوب عمل المجتهد باجتهاده
أو المقلد باجتهاد مجتهده، الوجوب في ترتب الأثر حتى في موضع يزاحمه حق
غيره لو بنى ذلك الغير على اجتهاده مخالف لاجتهاده.
835

والحاصل: أن الثابت ليس أزيد من ترتب آثار اجتهاده أو تقليده فيما هو حق
نفسه مما ليس له مزاحم من حقوق الغير، وإلا فلا دليل.
ثم المراد برأيه وفتواه ليس هو فتواه في جميع أجزاء الواقعة المتنازع فيها، فإنه
قد تكون فتواه فيها وجوب البناء على فتوى غيره في جزء منها، فيجب اتباعها.
فإن فتوى كل مجتهد صحة عمل كل مجتهد آخر، أو مقلده إذا بناه على رأي ذلك
المجتهد الآخر وعمل به فيه، فيجب الحكم بمقتضاه لو كان كذلك.
فقد تكون الواقعة بحيث لم يتحقق من أحد المتنازعين فيها بناء على أمر
بتقليد مجتهد، فيجب فيها الحكم في أصل الواقعة بمقتضى فتوى الحاكم ورأيه
فيها.
وقد يتحقق فيها بناء على أمر بتقليد غيره، فيجب الحكم بمقتضى ذلك
البناء، لأن فتوى الحاكم أيضا على صحة ذلك الأمر حينئذ وترتب الأثر عليه.
فإذا تنازع شخصان في أخذ الحبوة مجانا أو بإزاء إرثه ابتداء قبل بنائهما فيها
على تقليد مجتهد، يجب على الحاكم المفتي بالأخذ مجانا الحكم به.
ولو كان المتنازعان مقلدين لمجتهد يعطيها بإزاء الإرث، فعملا بها في
الواقعة، وأخذ الكبير بإزاء إرثه بتقليد مجتهده، وأعطاه سائر الورثة بإزائه أيضا
بتقليده، ثم تنازعا فيها بعد ذلك عند الحاكم المذكور، يجب عليه الحكم بكونها
بإزاء الإرث، لا لأجل أنه فتواه مطلقا، بل لأجل أنهما قلد المجتهد الآخر وعملا
به، وانتقل المحبو بإزاء الإرث إلى المحبو له، وما بإزائه إلى سائر الورثة، وفتوى
الحاكم أيضا على الانتقال المذكور بالتقليد المذكور، وتوقف رفع الانتقال إلى
ناقل آخر، فيحكم بمقتضى هذه الفتوى وبإزاء الإرث.
وكذا لو كان المتنازعان في الشفعة مقلدين لمن يرى الشفعة في الشركاء
الثلاثة، فلو تنازعا قبل بنائهما على أخذ الشفيع المشفوع بتقليد مجتهده، وترافعا
عند من لا يرى ثبوت الشفعة حينئذ، يحكم ذلك بسقوط الشفعة.
ولو بينا الأمر على تقليد الأول وأخذ الشفيع المشفوع بتقليده ورضي به
836

الشريك تقليدا له أيضا، ثم تنازعا عنده 1 في الشفعة، يجب عليه الحكم بكون
المشفوع لآخذ الشفعة، لأنه أخذه بتقليد من يقول بثبوتها وأعطاه الشريك أيضا
بتقليده، فصار المشفوع ملكا للشفيع بفتوى ذلك المترافع إليه أيضا، فيحكم
بمقتضاه.
وكذا لو باع شخص الصيد المقتول بالتفنك، لأجل كونه مذكى عنده بفتوى
من يرى حليته، واشتراء المشتري أيضا بتقليده، وأجريا العقد، ثم وقع التنازع
بينهما وترافعا عند من لا يرى حليته، يجب عليه الحكم بصحة البيع، لأن فتواه
صحة بيعه للمجتهد المفتي بحليته وطهارته ولمقلده، وقد وقع ذلك من المتبايعين
الكذائيين، فيكون صحيحا ممضى عنده أيضا، وهكذا في جميع الوقائع.
نعم، يشترط في الحكم بالصحة في تلك الموارد عمل المتنازعين معا بمقتضى
فتوى المجتهد الآخر، ولا يكفي تقليد أحدهما، لما مر من عدم دليل على كفاية
تقليد أحدهما فيما يكون الأمر بين اثنين.
نعم لو لم تكن الواقعة مما يكون الأثر المترتب على العمل بين المتنازعين،
فيكفي تقليد أحدهما، كمسألة عقد البكر أو الولي، فلو عقدت البكر نفسها
لزوج بتقليد مجتهد يرى استقلالها، وقبله الزوج بتقليده أيضا، ثم تنازع الولي
عند من يرى استقلاله، يجب الحكم بصحة العقد، إذ لا تعلق للولي في أثر العقد
الذي هو حلية البضع، ولا يحتاج تقليد البكر إلى رضى الولي أيضا.
ولو كان الحاكم في الأمثلة المذكورة في المعاملات ممن لا يقول بلزوم التقليد
في المعاملات، بل يكتفي بالمطابقة لرأي مجتهد، فبنى المتنازعان الأمر أولا
على أحد الطرفين، يجب على هذا الحاكم الحكم بصحته بناء على رأيه أيضا.
وكذا لو اكتفى بالتقليد اللاحق على العمل، وقلدا بعد العمل أيضا، وهكذا.
والمحصل: أنه يجب على الحاكم المترافع إليه أن يستخرج أولا فتواه في تلك

(1) في النسخ الخطية: (عندنا) والصحيح ما أثبتناه.
837

الواقعة المتنازع فيها ويحكم بمقتضاها، سواء كانت مطابقة لفتواه في جزء
الواقعة أولا، فيرى أنه إذا سئل عنه:
أن ما رأيك في الحبوة إذا تنازع فيها الورثة؟
يفتي بأنها تعطى مجانا، فيحكم به في الواقعة إذا تنازعا قبل رضى الطرفين
وبنائهما على تقليد، إذ ليس للواقعة جزء آخر. ولو بنى المتنازعان فيها على تقليد
من لا يرى مجانا، فيزيد في الواقعة جزء آخر، لأن التنازع إنما هو في الحبوة التي
بنيا فيها الأمر على تقليد، ويرى أنه إذا سئل عنه: ما رأيك في الحبوة التي أخذها
الأكبر مجانا بتقليد من يراها كذلك، وأعطاها سائر الورثة أيضا كذلك، فهل يصير
مالا حلالا له؟ يفتي بأنها ماله، فيجب الحكم به في المرافعة أيضا.
ولو سئل أنه لو أخذها الأكبر بتقليد من يراه مجانا ولكن لم يرض به الباقون،
فيفتي بأنه لا يكفي تقليده فقط.
ويرى أنه إذا سئل: ما فتواك في حق باكرة زوجت نفسها لشخص بتقليدهما
لمن يرى استقلالها؟ أنه يفتي بالصحة، فيجب عليه الحكم بها أيضا بعد وقوع
العقد. ولو فرض أن فتواه على عدم الصحة، فيحكم به أيضا.
ولو تنازع الجاني والمجني عليه في قدر الدية المختلف فيها عند حاكم، فيجب
حكمه بمقتضى رأيه، ولا يفيد هنا بناء أحدهما أو كليهما على فتوى غيره، إلا إذا
عملا بها، وأعطى الجاني الدية بمقتضاها وأخذها المجني عليه كذلك.
وبالجملة: اللازم على الحاكم في جميع الوقايع تصوير فتواه في كل الواقعة
إذا سئل عنه فيها والحكم بها.
فرع
لو ترافع المتنازعان في أمر قبل بنائهما على أحد الطرفين بالتراضي أو إجراء
عقد فيه، وحكم الحاكم بمقتضى رأيه، فهل يجوز للمتنازعين بعده البناء على
تقليد الآخر في هذه الواقعة لو رضيا، ويترتب عليه أثره، أم لا؟
الظاهر الثاني، لاستقرار الأمر على ما حكم به فلا ينتقض.
838

فلو حكم الحاكم بإحباء شئ للولد الأكبر، أو بكونه له مجانا بعد الترافع،
أو بسقوط الشفعة، فلو تراضيا بخلافه بعد ذلك لم يترتب عليه أثر، فلا يصير
الأخذ بالشفعة لازما، ولا الشئ المحبو لغير الكبير. بل لو أرادوا اللزوم
احتاج إلى عقد آخر ناقل شرعي، كبيع أو صلح أو هبة.
839

عائدة (88)
في تصحيح بعض أسماء
الرجال وألقابهم وكناهم
أذكر فيها تصحيح بعض أسماء الرجال، وألقابهم، وكناهم، سيما
المشهورين منهم، بحيث ما وصل إلي من السلف الصالحين، لئلا يقع الفقيه فيه
في الغلط، فإنه عليه وهن عظيم، وموجب لسقوط مرتبته عن قلوب السامعين.
ويشهد بذلك ما جرى لبعض علماء المتبحرين في محروسة أصفهان
- صينت عن الحدثان - في قريب من ذلك الأوان على ما حكاه والدي القمقام طاب
ثراه.
وأقتصر فيه غالبا على الذين يكثر ذكرهم في أسانيد الأخبار.
وأبتدئ أولا بذكر الأسماء، ثم الكنى، ثم الأوصاف والألقاب، ثم النسب
إلى القبايل أو البلاد.
وربما أذكر تصحيح الكنى والألقاب والنسب في طي تصحيح الأسماء. فإن
وجد فيه، وإلا فيطلب في طي الثلاثة إن كان فيه.
ويطلب ما لم يذكر هنا من مظانه من كتب الرجال،
كإيضاح الاشتباه،
ومنهج المقال، وغيرهما، والله الموفق في كل حال.
وأكتب الراء المهملة بالهمزة، والزاي المعجمة بالياء، كما هو
841

طريقة الأدباء.
الأسماء:
أبان بن تغلب الجريري: بالتاء المثناة فوقا المفتوحة، والغين المعجمة الساكنة،
واللام المكسورة، والباء الموحدة " منهج المقال " 1. وفي الصحاح والمجمع:
تغلب: كتضرب أبو قبيلة، والنسبة إليها تغلبي بفتح اللام، استيحاشا لتوالي
الكسرتين 2، وربما قالوه بالكسر، لأن فيه حرفين غير مكسورين 3. والجريري
بالجيم المضمومة والراء المفتوحة، ثم الياء المثناة تحتها، ثم الراء 4.
إبراهيم بن أبي البلاد: بالباء الموحدة المكسورة، واللام المخففة، والدال
المهملة " خلاصة " 5.
إبراهيم بن أبي سمال: بالسين المهملة واللام " خلاصة " 6، باللام وتخفيف
الميم، ومنهم من يشددها يفتح السين، والأول أصح " منهج المقال " 7.
وفي الإيضاح: إبراهيم بن أبي بكر محمد بن الربيع، يكنى
بأبي بكر بن أبي سماك، بالسين المهملة المفتوحة والكاف أخيرا، وقيل: لام 8.
انتهى. ويحتمل أن يكون هذا مع ما ذكر أولا واحدا.
إبراهيم بن أبي الكرام: بفتح الكاف وتشديد الراء " خلاصة " 9.

(1) منهج المقال: 15.
(2) في الصدر زيادة: مع ياء ي النسبة.
(3) الصحاح 1: 195، مجمع البحرين 2: 134.
(4) انظر إيضاح الاشتباه: 81.
(5) الخلاصة: 3 / 4. وفيه: اسم أبي البلاد يحيى بن سليم.
(6) الخلاصة: 198 / 3.
(7) منهج المقال: 2.
(8) إيضاح الاشتباه: 86 / 19. وفيه: أن اسم أبي السماك سمعيان بن هبيرة.
(9) الخلاصة: 6 / 18. وفيه: كان خيرا يروي عن الرضا عليه السلام.
842

إبراهيم بن نصير: بضم النون وفتح الصاد المهملة، والياء المثناة تحتها، والراء " خلاصة " 1.
إبراهيم بن مهزم: بكسر الميم وإسكان الهاء، والزاي المفتوحة. يعرف: بابن
أبي بردة بضم الباء الموحدة 2.
إبراهيم بن رجاء: بفتح الراء والجيم.
إبراهيم بن ضمرة: بفتح الضاد المعجمة، وسكون الميم.
إبراهيم بن عبدة: رأيت في بعض النسخ الموثوق به عبدة: بفتح العين
والباء 3.
أبان بن مرار: بفتح الميم وتشديد الراء، ثم الألف، ثم الراء.
إبراهيم بن نعيم: مصغرا.
أحمد بن أبي بشر: بكسر الباء الموحدة، وسكون الشين المعجمة.
أحمد بن أبي عوف: بفتح العين.
أحمد بن أصفهبذ: بفتح الهمزة، وإسكان الصاد المهملة، وفتح الفاء
وإسكان الهاء وفتح الباء الموحدة، والذال المعجمة " إيضاح " 4.
أحمد بن حاتم بن ماهويه: بضم الهاء وفتح الواو وسكون الياء المثناة تحتها.
أحمد بن الحسن القزاز: بالقاف والزائين المعجمتين بينهما ألف.
أحمد بن رباح: بالراء المهملة والباء الموحدة " إيضاح " 5.

(1) الخلاصة: 27 / 7. ونقل عن الكشي: أنه ثقة مأمون كثير الرواية لم يرو عن الأئمة عليهم السلام.
(2) انظر إيضاح الاشتباه: 87. وقال النجاشي في رجاله (ص 22 / 34): إنه ثقة ثقة، روى عن أبي
عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام، وعمر عمرا طويلا.
(3) نقله الشيخ محمد على بن محمد رضا السروي في كتاب (توضيح الاشتباه والإشكال) عن حاشية
الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال، ولم نعثر على القسم الثاني من الحاشية، ومخلوط التوضيح
موجود في مكتبة آية الله مرعشي بقم المقدسة.
(4) إيضاح الاشتباه: 109 / 80.
(5) إيضاح الاشتباه: 111 / 87.
843

أحمد بن رزق الغمشاني: بضم الغين المعجمة، والشين المعجمة. ورزق:
بالراء المهملة، ثم الزاي المعجمة، ثم القاف (إيضاح) 1.
أحمد بن صبيح: بالصاد المهملة المفتوحة، والباء الموحدة، والياء المثناة
تحتها، والحاء المهملة (خلاصة) 2. وفي (رجال ابن داود) ومنهم من ضم الصاد
وفتح الباء، وليس بشئ 3.
أحمد بن ميثم: بكسر الميم، والياء المثناة تحتها، وفتح المثلثة، كذا في
(الإيضاح) 4. وقال قبل ذلك بورقة: أحمد بن ميتم بكسر الميم وإسكان المثناة
تحتها، وفتح المثناة فوقها 5. انتهى. ولعلهما متغايران.
أحمد بن عبدوس الخلنجي: بضم العين المهملة، وإسكان الباء الموحدة، وضم الدال،
ثم السين المهملة بعد الواو، والخاء المعجمة المضمومة، واللام
المفتوحة، والنون الساكنة والجيم.
أحمد بن عايذ: بالياء المثناة تحتها والذال المعجمة.
أحمد بن جلين: بضم الجيم، وتشديد اللام المكسورة، وإسكان الياء المثناة.
الدوري: بالدال والراء المهملتين. وفي القاموس: الدور بالضم: قريتان بين سر
من رأى وتكريت 6.
أحمد بن علوية: بفتح العين المهملة، وفتح اللام، وكسر الواو، وتشديد
الياء المثناة تحتها (إيضاح) 7.

(1) إيضاح الاشتباه: 110 / 81. وفيه وفي نسخة (ب): العشماني بضم العين. وما أثبتناه موافق لرجال
النجاشي: 98 / 243، ومعجم رجال الحديث 2: 115 / 563.
(2) الخلاصة: 15 / 9.
(3) رجال ابن داود: 29.
(4) إيضاح الاشتباه 113 / 93.
(5) إيضاح الاشتباه: 105 / 70.
(6) القاموس المحيط 2: 33.
(7) إيضاح الاشتباه: 104 / 69.
844

ح) أحمد بن علي الخضيب الأيادي الخضيب بالخاء المعجمة المفتوحة والضاد
المعجمة المكسورة، والياء المثناة تحتها (إيضاح) 1. وفي (الصحاح): إياد - أي
بكسر الهمزة - حي من معد 2.
أحمد أبو علي الصولي بالصاد المهملة المضمومة.
أحمد بن وهيب 3 الجريري: بالجيم والراء المهملة قبل الياء وبعدها.
أحمد بن يحيى الأودي: بفتح الهمزة، وإسكان الواو بعدها دال مهملة
(إيضاح) 4. وقيل: بفتح الهمزة والواو. والظاهر أن الواو عطف على الفتح دون
الهمزة.
أحمد بن محمد بن سيار: بالسين المهملة المفتوحة، والياء المثناة التحتانية
المشددة، والراء المهملة بعد الألف (إيضاح) 5.
أحمد بن محمد بن مسلمة: بفتح الميم قبل السين المهملة، والهاء أخيرا
(إيضاح) 6.
أحمد بن يحيى الخازمي: بالخاء والزاي المعجمتين، والميم (إيضاح) 7.
أحمد بن علي الفايدي: بالفاء، والياء المنقطة تحتها نقطتين بعد الألف،
والدال المهملة (خلاصة) 8.
أحمد بن بطة: بالباء الموحدة والطاء المهملة " خلاصة " 9. وفي " الإيضاح "

(1) إيضاح الاشتباه: 109 / 79.
(2) الصحاح 2: 443.
(3) في (ب): وهب، وجعله وجها في معجم رجال الحديث 2: 353 / 1001، وما أثبتناه من باقي
النسخ، وهو الموافق لرجال النجاشي: 88 / 217، وإيضاح الاشتباه: 106 / 71.
(4) إيضاح الاشتباه: 114 / 95.
(5) إيضاح الاشتباه: 98 / 53.
(6) إيضاح الاشتباه: 97 / 51.
(7) ايضاح الاشتباه: 110 / 84.
(8) الخلاصة: 16 / 19، وهو في الإيضاح: 108 / 77.
(9) الخلاصة: 160 / 144.
845

في محمد بن جعفر بن بطة: بضم الباء الموحدة، وتشديد الطاء المهملة 1.
وعن
فخر المحققين: بضم الباء الموحدة، وتشديد الطاء، وقال: روي الوجهان عن
والدي 2.
أديم بن الحر: مصغرا " خلاصة وإيضاح " 3.
إدريس الخولاني: بالخاء المعجمة والواو 4.
أسامة: بفتح الهمزة " تقريب " 5، وفي القاموس: أسامة بضم الهمزة: علم
الأسد 6.
أسد بن عفر: بالعين المهملة المضمومة " خلاصة " 7 ثم الفاء.
إسحاق بن إبراهيم الحضيني: بالحاء المهملة المضمومة، والضاد المعجمة
المفتوحة بعدها ياء مثناة تحتانية، وبعدها نون " خلاصة " 8.
إسحاق بن جرير: بالجيم المفتوحة، والرائين المهملتين بينهما ياء مثناة
تحتانية " إيضاح " 9.
إسحاق بن أبي قرة: بالقاف المضمومة والراء، القناني 10، بالقاف المضمومة
والنون قبل الألف.
إسماعيل بن إبراهيم بن بزة: بضم الباء، وفتح الزاي المعجمة،

(1) إيضاح الاشتباه: 264 / 556.
(2) لم نعثر عليه.
(3) الخلاصة: 24 / 10، إيضاح الاشتباه: 84 / 11.
(4) في النسخ زيادة بعد الألف. ولا تساعده المصادر، انظر رجال النجاشي 103 / 258، ومعجم رجال
الحديث 3: 14.
(5) تقريب التهذيب لابن حجرا 1: 52. إلا فيه: بالفتح ثم المعجمة.
(6) القاموس المحيط 4: 76.
(7) الخلاصة: 24 / 12.
(8) الخلاصة: 11 / 2.
(9) إيضاح الاشتباه: 94 / 40.
(10) في (ه‍): القنابي.
846

والهاء " خلاصة " 1. وفي " الإيضاح ": بالباء المفردة المفتوحة، والزاي
المخففة أي الزاي المعجمة 2. وفي " رجال ابن داود ": بفتح الباء المفردة،
وفتح الراء المهملة 3. وعن الشهيد: بفتح الباء الموحدة وتشديد المهملة. وفي.
نسخة أخرى: بضم الموحدة وتشديد المهملة 4. وأعربه في بعض النسخ
- الصحيحة ظاهرا - بضم الباء الموحدة وإسكان المعجمة بلا هاء، وفي بعض
النسخ بضم الباء الموحدة وفتح الراء المهملة وبعدها هاء.
إسماعيل بن بزيع: بالباء الموحدة، والزاي المعجمة المكسورة، والياء المثناة
تحتها.
إسماعيل بن شعيب العريشي: بالعين المهملة المفتوحة، ثم الراء المهملة،
ثم الياء المثناة تحتها، ثم الشين المعجمة.
أعين: بفتح الهمزة، والعين المهملة الساكنة، والياء المثناة المفتوحة،
والنون.
إسماعيل بن علي العمي: بفتح العين المهملة وكسر الميم المخففة " خلاصة " 5.
إسماعيل العبسي: بالمهملة، ثم الباء الموحدة، ثم السين المهملة.
إسماعيل حقيبة: بالحاء المهملة المفتوحة، والقاف المكسورة، والياء المثناة
التحتانية، والباء الموحدة. وقيل: بالجيم المضمومة، والفاء المفتوحة، والنون
بعد الياء " خلاصة " 6.
إسماعيل بن عبد الرحمن السدي: بضم السين المهملة، وتشديد

(1) الخلاصة: 10 / 18. وفيه: بره، أي براء مهملة وهاء بعدها.
(2) إيضاح الاشتباه: 91 / 31.
(3) رجال ابن داود: 54.
(4) نقلة عنه في منهج المقال: 55. قال: وفي نسخة الشهيد على ما نقله الشهيد الثاني: بزة بفتح الباء
الموحدة وتشديد الزاي، وفي نسخة أخرى: بضم الموحدة وتشديد المهملة، نقله الشهيد الثني.
(5) الخلاصة: 9 / 8.
(6) الخلاصة: 10 / 20.
847

الدال (تقريب التهذيب) 1.
أصبغ بن نباته: بضم النون.
برد الإسكاف: بضم الباء الموحدة.
بطة: مر في أحمد بن بطة.
البراء بن عازب: بالعين المهملة والزاي المعجمة " إيضاح " 2.
بري: بضم الباء الموحدة، وفتح الراء المهملة، وإسكان الياء.
بريد بن معاوية: بضم الباء الموحدة، وفتح الراء المهملة " إيضاح " 3.
بسطام: بكسر الباء الموحدة.
بنان - الذي لعنه الصادق عليه السلام -: بضم الباء الموحدة، ثم النونان بينهما
الألف " خلاصة " 4. وفي منهج المقال: التحقيق أنه بالياء المثناة تحتا بعد الباء
الموحدة 5.
بيان الجزري: بالباء الموحدة المفتوحة، والياء المثناة تحتها، والنون بعد
الألف. والجزري: بفتح الجيم، والزاي المعجمة " إيضاح " 6.
بندار: بضم الباء الموحدة، ثم النون الساكنة، والدال المهملة، والراء أخيرا.
بريه: بضم الباء الموحدة، وفتح الراء، وإسكان الياء المثناة تحتا. العبادي:
بكسر العين المهملة، والدال بعد الألف. وفي " رجال ابن داود ": بضم الباء
الموحدة، وسكون الراء المهملة، وفتح الياء المثناة تحتها 7.
بزيع: بفتح الباء الموحدة، وكسر الزاي المعجمة.

(1) تقريب التهذيب 1: 71.
(2) إيضاح الاشتباه: 101 / 62.
(3) إيضاح الاشتباه: 120 / 111.
(4) الخلاصة: 208 / 4.
(5) منهج المقال: 73.
(6) إيضاح الاشتباه: 122 / 113.
(7) رجال ابن داود: 67.
848

بسام: بفتح الباء الموحدة، وتشديد السين المهملة " إيضاح " 1.
بسر بن أرطاة: بضم الباء الموحدة، وإسكان السين المهملة.
بزرج: بضم الباء الموحدة، وضم الزاي المعجمة، وإسكان الراء المهملة،
والجيم أخيرا " خلاصة " 2. وفى " الإيضاح ": بفتح الباء، وضم الزاي، وإسكان
الراء 3.
بشار بن يسار الضبيعي: الأول بالباء الموحدة، والشين المعجمة المشددة،
والثاني بالياء المثناة التحتانية، والسين المهملة " إيضاح " 4. والضبيعي: اختلف
كلام العلامة في " الإيضاح " فضبطه بضم الضاد المعجمة في ترجمة بشار،
وبفتحها وضم الباء في ترجمة أخيه سعيد 5. وهو الذي ضبطه غيره، ومنهم
المنذري في " الإكمال " 6.
بكر بن نعيم: مصغرا، الغاندي: بالغين المعجمة، والدال المهملة.
بكر بن جناح: بالجيم المفتوحة.
بشر بن مسلمة: بفتح الميم، وسكون السين المهملة.
بسطام بن الحصين بالحاء المهملة المضمومة، والصاد المهملة المفتوحة،
والياء بعدها " إيضاح " 7.
جندب: بالجيم المضمومة، والنون الساكنة، والدال المهملة المفتوحة،
والباء الموحدة " خلاصه " 8.

(1) إيضاح الاشتباه: 121 / 112.
(2) الخلاصة: 234 / 21.
(3) إيضاح الاشتباه: 220 / 397.
(4) إيضاح الاشتباه: 122 / 114.
(5) إيضاح الاشتباه 122 / 114، وص 194 / 309.
(6) التكلمة لوفيات النقلة 1: 345 / 517.
(7) إيضاح الاشتباه: 119 / 109.
(8) الخلاصة: 1 / 36.
849

جنادة: بالجيم المضمومة، والنون، والدال المهملة بعد الألف. وجندب
بن جنادة: هو أبو ذر الغفاري رضي الله عنه 1.
جرير: بالجيم المفتوحة، والراء المهملة، والياء المثناة تحتها، ثم الراء
المهملة " إيضاح " 2.
جهم: بالجيم المفتوحة، والهاء الساكنة بعدها " إيضاح " 3.
جراح الرواسي: بالجيم المفتوحة، والراء المهملة المشددة، والحاء المهملة.
وفى (التقريب): الرؤاس: بضم الراء بعدها واو بهمزة، وبعد الألف سين
مهملة 4.
جراح المدايني: بفتح الجيم، وتشديد الراء المهملة، والحاء بعد الألف،
وفتح الميم والدال المهملة، والياء المثناة تحتها بعد الألف، ثم النون.
جحدر: بالجيم المفتوحة، والحاء المهملة الساكنة، والدال المهملة المفتوحة،
والراء المهملة " إيضاح " 5.
جبلة: بالجيم والباء الموحدة واللام المفتوحات مع تخفيف اللام.
جعفر بن بشير، فقحة العلم: بالفاء والقاف والحاء المهملة، وقيل: قفة
العلم: بالقاف المضمومة، والفاء المشددة، وقيل: نفحة العلم: بالنون والفاء
والحاء المهملة 6.
جدعان: بالجيم المضمومة والدال المهملة الساكنة.
جعفر بن محمد بن حكيم: بفتح الحاء المهملة " إيضاح " 7.

(1) الخلاصة: 36 / 1.
(2) إيضاح الاشتباه: 94 / 40.
(3) إيضاح الاشتباه: 136 / 149.
(4) تقريب التهذيب 1: 126.
(5) إيضاح الاشتباه: 136 / 147.
(6) إيضاح الاشتباه: 128 / 125.
(7) إيضاح الاشتباه: 130 / 130.
850

جعفر بن محمد بن رباح: بالباء الموحدة (رجال ابن داود) 1.
جلبة: بالجيم المضمومة، ثم اللام، ثم الباء المفردة.
جميل بن دراج: بفتح الجيم، ودراج: بالدال المهملة، وتشديد الراء،
والجيم أخيرا.
جلين: قد مر في أحمد بن جلين.
جهيم: مصغرا.
حارث بن غصين: بالغين المعجمة المضمومة، وفتح الصاد المهملة.
حبة العرني: بفتح الحاء المهملة، ثم الباء الموحدة المشددة، والعرني: بضم
العين المهملة، وفتح الراء المهملة بعدها النون " منهج المقال " 3.
حجر بن زايدة: بضم الحاء المهملة، وإسكان الجيم، والراء أخيرا " إيضاح " 3.
حجر بن عدي: بضم الحاء المهملة.
حبيش: بضم الحاء المهملة، وفتح الباء الموحدة، وإسكان الياء المثناة تحتها،
والشين المعجمة.
حريز السجستاني: بالحاء المهملة المفتوحة، والراء المهملة، والياء المثناة
تحتها، والزاي المعجمة.
الحسن بن خرزاذ: بالخاء المعجمة المضمومة، والراء المهملة المشددة،
والزاي والذال المعجمتين بينهما ألف " إيضاح " و " خلاصة " 4. وفي " رجال
ابن داود ": بالراء المهملة الساكنة بعد الخاء 5.
الحسن بن الزبر قان: بالزاي المعجمة المكسورة، والباء الموحدة الساكنة،

(1) رجال ابن داود: 88.
(2) منهج المقال: 91.
(3) إيضاح الاشتباه: 168 / 242.
(4) الخلاصة: 214 / 11، الإيضاح: 149 / 183.
(5) رجال ابن داود: 439.
851

والراء المهملة المكسورة، والقاف، والنون أخيرا " إيضاح " 1.
الحسن بن زيدان: بالزاي المعجمة المفتوحة " إيضاح " 2.
الحسن بن السري: بالسين المهملة المفتوحة، والراء المهملة " إيضاح " 3.
الحسن بن ظريف: بالظاء المعجمة " إيضاح " 4.
الحسن بن محمد بن جمهور العمي: بفتح العين المهملة، والميم المشددة،
منسوب إلى بني العم من بني تميم.
الحسن بن علي بن بقاح: بالباء الموحدة، والقاف المشددة، والحاء المهملة
" خلاصة " و " إيضاح " 5.
الحسن بن علي بن سيرة: بفتح السين المهملة، وإسكان الباء الموحدة، والراء
المهملة المفتوحة " إيضاح " 6.
الحسن بن قدامة: بضم القاف.
الحسن بن متيل: بالميم المفتوحة، والتاء المثناء فوقا المشددة، والياء
المثناة التحتانية " إيضاح " و " خلاصة " 7. وفي " رجال ابن داود " بضم الميم 8.
الحسين بن إشكيب: بالهمزة المكسورة، والشين المعجمة الساكنة،
والكاف، والياء المثناة التحتانية، والباء الموحدة " إيضاح " 9.
الحسين بن بشار: بالباء الموحدة، والشين المعجمة المشددة.

(1) إيضاح الاشتباه: 154 / 197.
(2) إيضاح الاشتباه: 152 / 192.
(3) إيضاح الاشتباه: 145 / 172.
(4) إيضاح الاشتباه: 145 / 172.
(5) الخلاصة: 41 / 11، إيضاح الاشتباه: 148 / 181.
(6) إيضاح الاشتباه: 153 / 196.
(7) إيضاح الاشتباه: 145 / 173، الخلاصة: 42 / 27.
(8) رجال ابن داود: 115.
(9) إيضاح الاشتباه: 149 / 184.
852

الحسين بن نعيم: مصغرا " إيضاح " " خلاصة " 1.
الحسين بن الحكم الحبري: بالحاء المهملة المكسورة، والباء الموحدة
المفتوحة، والراء المهملة " إيضاح " 2.
الحسين بن السري: بالسين المهملة المفتوحة، والراء المهملة.
الحسين بن فهم: بفتح الفاء وإسكان الهاء " إيضاح " 3.
الحسين بن عبيد الله الغضايري: صاحب الرجال المشهور. الغضايري:
بالفصل بين الألف والراء بالياء المثناة التحتانية، ولكن في " الإيضاح " بفتح
الغين المعجمة، والضاد المعجمة، والراء المهملة بعد الألف بلا فصل 4. انتهى.
فيكون (الغضاري).
الحسين بن غندر: بضم الغين، وإسكان النون، وفتح الدال المهملة، والراء
المهملة أخيرا " إيضاح " 5.
الحسين بن مياح: بالياء المثناة التحتانية المشددة بعد الميم المفتوحة، والحاء
المهملة أخيرا " خلاصة " 6.
الحسين بن ظريف: بالظاء المعجمة " خلاصة " 7.
الحسين بن متوية: بفتح الميم، وتشديد التاء
المثناة فوقها، وإسكان الواو، والياء المثناة التحتانية " إيضاح " 8.

(1) إيضاح الاشتباه: 155 / 201، الخلاصة: 51 / 17.
(2) إيضاح الاشتباه: 145 / 171.
(3) إيضاح الاشتباه: 144 / 170.
(4) إيضاح الاشتباه: 161 / 222.
(5) إيضاح الاشتباه: 156 / 204.
(6) الخلاصة: 217 / 12.
(7) لم نجده في الخلاصة، والظاهر أنه هو الحسن بن ظريف بعينه، المتقدم آنفا، انظر معجم رجال
الحديث 4: 367 / 2882.
(8) إيضاح الاشتباه: 163 / 226.
853

الحسين بن أحمد بن المغيرة: بضم الميم، وكسر الغين المعجمة " خلاصة " 1.
حصين: بالمهملتين مصغرا " إيضاح " 2، وفي " الخلاصة ": بالحاء المهملة
والضاد المعجمة، في ترجمة محمد بن حمران 3. ابن المخارق: بالميم المضمومة،
والخاء المعجمة، والراء المهملة " خلاصة " 4.
حفص بن سوقة: بضم السين المهملة، وإسكان الواو، وفتح القاف.
حكم بن حكيم: مصغرا " خلاصة " " إيضاح " 5.
حكم بن عتيبة: بالتاء المثناة الفوقانية، والياء المثناة التحتانية " إيضاح " 6 وفي
" الخلاصة ": بضم العين المهملة 7.
حكم بن القيات: بفتح القاف، وتشديد الياء المثناة التحتانية، والتاء المثناة
الفوقانية " إيضاح " 8. وفي حواشي " المنهج " للمصنف: القتات: بفتح القاف،
وتشديد المثناة فوقا قبل الألف وبعدها 9.
حمران بضم الحاء المهملة، ذكره في " الإيضاح " في ترجمة سعيد
بن حمران، ومحمد بن حمران 10.
حماد بن ضمخة: بالضاد المعجمة المفتوحة، والخاء المعجمة بعد الميم

(1) الخلاصة: 109 / 3، 4.
(2) إيضاح الاشتباه: 165 / 236.
(3) الخلاصة: 219 / 3، وفيه: الضين: بضم الحاء وفتح الضاد المعجمة، ابن المخارق بن عبد الرحمن بن
ورقاء بن حبش، أبو جنادة السلولي، وحبش صاحب رسول الله. ولم يضبطه في ترجمة محمد بن
حمران.
(4) لم يضبطه في الخلاصة، وضبطه في الإيضاح قريبا من المتن، فراجع الإيضاح: 165 / 326.
(5) الخلاصة: 60 / 2، إيضاح الاشتباه: 142 / 164.
(6) إيضاح الاشتباه: 138 / 153.
(7) الخلاصة: 218 / 1.
(8) إيضاح الاشتباه: 143 / 166، ولكن فيه: حكم بن القتات بفتح القاف، وتشديد التاء المنقطة فوقها
نقطتين، والتاء المنقطة... أخيرا، فهو متحد مع ما في حواشي (منهج المقال).
(9) منهج المقال مع حواشي المصنف (مخلوط) موجود في مكتبة آية الله العظمى مرعشي (رقم 7443).
(10) إيضاح الاشتباه: 268 / 576. ولم نعثر على بن حمران في الإيضاح ولا في الخلاصة.
854

" خلاصة " 1. وفي " رجال ابن داود ": صمحة: بالمهملة، وتسكين الميم،
والحاء المهملة 2.
حمدان بن المعاف: بضم الميم، والعين المهملة، والفاء " إيضاح " 3.
حميد بن المثنى: حميد مصغرا، بالثاء المثلثة، والنون بعدها المشددة
" خلاصة " 4. ورأيت في بعض حواشي " المنهج " منقولا عن " الإيضاح ":
المتنى بالتاء المثناة الفوقانية بعد الميم المضمومة، ثم النون المشددة، ولكني
ما وجدته في نسخة " الإيضاح " التي كانت عندي 5.
حنان بن سدير: بفتح الحاء المهملة، وتخفيف النون بعدها، وبعد الألف
نون أيضا. وسدير: بالسين المهملة المفتوحة والراء أخيرا.
حيان السراج: بالحاء المهملة ثم الياء المثناة التحتانية.
حنظلة: بالحاء المهملة المفتوحة، والنون، والظاء المعجمة المفتوحة.
حوشب: بالحاء المهملة المفتوحة، والواو، والشين المعجمة، والباء
الموحدة " إيضاح " 6.
خالد بن نجيح الجواز: بالنون المفتوحة، والجيم، والياء المثناة التحتانية،
والحاء المهملة. والجواز: بالجيم والزاي المعجمة، نقله الشهيد الثاني عن كتاب
الشيخ 7، كما في " المنهج " 8. وبالجيم والنون: بياع الجون في 2 " رجال ابن داود "

(1) الخلاصة: 55 / 1.
(2) رجال ابن داود: 131.
(3) إيضاح الاشتباه: 143 / 167.
(4) الخلاصة: 58 / 1.
(5) إيضاح الاشتباه (الطبعة الحجرية: 22)، وطبعة الحروفية المحققة: 138 / 152. وفيهما: المثنى
بالثاء المنقطة فوقها ثلاث نقط بعد الميم المضمومة ثم النون المشددة.
(6) إيضاح الاشتباه: 114 / 97. في ترجمة: أصوم بن حوشب.
(7) نقله الشهيد في تعليقته على الخلاصة، وقال: وفي كتاب الشيخ: الجواز، ضبطه بالزاي المعجمة.
والتعليقة مخلوطة.
(8) منهج المقال: 130.
855

" إيضاح " 1، والواو مشددة على التقديرين " خلاصة " 2.
خالد بن صبيح: بالصاد المهملة المفتوحة، والباء الموحدة المكسورة، والياء الساكنة، والحاء المهملة.
خالد بن طهمان: بالطاء المهملة المضمومة، والهاء الساكنة، والميم
والنون " إيضاح " 3.
خزيمة بن ثابت: بالخاء المعجمة المضمومة، والزاي المعجمة المفتوحة " خلاصة " 4.
خطاب بن مسلمة: بالميم المفتوحة أولا، والسين الساكنة المهملة، والميم بعد
اللام " إيضاح " 5. خلاد السدي: بالخاء المعجمة واللام المشددة، والسدي: بضم السين
المهملة " إيضاح " 6.
خيثمة: بالخاء المفتوحة المعجمة، والياء المثناة التحتانية الساكنة، والثاء
المثلثة، والميم والهاء " إيضاح " 7.
خيران: بالخاء المعجمة المفتوحة، ثم الياء المثناة التحتانية الساكنة، والراء
المهملة، والألف والنون.
خفاف بن إيماء: بضم الخاء المعجمة، ثم الفاء المخففة، ثم الألف ثم الفاء،
وإيماء: بكسر الهمزة بعدها تحتانية " تقريب " 8.

(1) رجال ابن داود: 139، وإيضاح الاشتباه: 171 / 347.
(2) لم نعثر عليه في الخلاصة، ونقله أيضا في تنقيح المقال 1: 389 عن نسخة من الخلاصة بخط المؤلف.
(3) إيضاح الاشتباه: 172 / 251.
(4) الخلاصة: 66 / 3.
(5) إيضاح الاشتباه: 174 / 258.
(6) إيضاح الاشتباه: 174 / 256.
(7) إيضاح الاشتباه: 174 / 257.
(8) تقريب التهذيب 1: 224.
856

خليد: بالخاء المعجمة مصغرا " إيضاح " 1.
خالد بن يزيد بن جبل، وخالد بن بريد أبو بريد العكلي: الأول: يزيد بالزاء
المعجمة، والثاني بريد بالراء المهملة.
دندان: بالدال المهملة المفتوحة، والنون الساكنة، والدال المهملة، لقب
أحمد بن الحسين.
داود بن بلال بن أحيحة: بضم الهمزة، والحائين المهملتين بينهما ياء مثناة
تحتانية " منهج المقال " 2.
داود بن زربي: بالزاي المعجمة المضمومة، والراء الساكنة بعدها، والباء
الموحدة " خلاصة " 3. وفي " " الإيضاح ": بالزاي المعجمة المكسورة 4.
داود بن سليمان الحمار: بالحاء المهملة المفتوحة، والميم المشددة، والراء
المهملة بعد الألف.
داود الرقي: بالراء المهملة، والقاف.
داود بن الحصين: مصغرا.
داود بن سرحان: بكسر السين المهملة، وإسكان الراء، والحاء المهملة،
والألف والنون " إيضاح " 5.
داود بن كورة: بضم الكاف، وإسكان الواو، وفتح الراء " إيضاح " 6.
داود بن فرقد: بفتح الفاء، وإسكان الراء بعدها القاف، ثم مهملة.
داود بن مافنة: بالميم، ثم الألف، ثم الفاء، ثم النون المشددة.
دارم بن قبيصة: بالراء بعد الألف، وبالقاف المفتوحة، وكسر الباء الموحدة،

(1) إيضاح الاشتباه: 173 / 254.
(2) منهج المقال: 134.
(3) الخلاصة: 68 / 5.
(4) إيضاح الاشتباه: 179 / 270.
(5) إيضاح الاشتباه: 178 / 266.
(6) إيضاح الاشتباه: 177 / 263.
857

ثم ياء ساكنة، ثم صاد مهملة.
دراج: مر في جميل بن دراج.
درست: بالدال المهملة المضمومة، والراء المضمومة، والسين الساكنة،
والتاء المثناة فوقها " إيضاح " 1.
دعبل: بكسر الدال المهملة، وإسكان العين المهملة، وكسر الباء الموحدة.
دكين: بالدال المهملة مصغرا، ويأتي في الألقاب.
دراج: بالدال المهملة أولا المفتوحة، وتشديد الراء والجيم أخيرا.
دول: بضم الدال المهملة واللام بعد الواو.
ذبيان: بضم الذال المعجمة، وإسكان الباء الموحدة، وفتح المثناة تحتها،
والنون أخيرا.
ذريح: بالذال المعجمة المفتوحة، والراء المكسورة، والياء المثناة التحتانية،
والحاء المهملة، المحاربي: بفتح الميم، كما في " الإيضاح " 2.
ربيع المسلي: بضم الميم، وفتح السين المهملة، وتشديد اللام المكسورة " إيضاح " 3.
رباط: بالراء المهملة المكسورة، والباء الموحدة، والطاء المهملة " إيضاح " 4.
ربعي: بكسر الراء المهملة، ثم الباء الموحدة، ثم العين المهملة. وفي
" جامع الأصول ": بكسر الراء، وسكون الباء الموحدة، وكسر العين، وتشديد
الياء 5.
ربيع بن خثيم: بالخاء المعجمة المضمومة، والثاء المثلثة قبل الياء المثناة

(1) إيضاح الاشتباه: 181 / 274.
(2) إيضاح الاشتباه: 182 / 275، وص 279 / 623.
(3) إيضاح الاشتباه: 183 / 277.
(4) إيضاح الاشتباه: 279 / 626.
(5) جامع الأصول 1: 390.
858

التحتانية، أحد الزهاد الثمانية، قاله الكشي عن علي بن محمد بن قتيبة عن
الفضل بن شاذان، كذا في " الخلاصة " 1.
وفي بعض نسخ مجمع البحرين في مادة ربع: والربيع بن خثيم: بالخاء
المعجمة المضمومة، والثاء المثلثة بعد الياء المنقطة تحتها نقطتين، أحد الزهاد
الثمانية، قاله الكشي 2.
ولا يخفى ما بين الكلامين من الاختلاف في تقديم المثلثة أو المثناة،
والظاهر: أنه اشتباه في نسخ المجمع.
قال الشهيد الثاني في شرح الدراية: مثل خثيم وخثيم، كلاهما بالخاء
المعجمة، إلا أن أحدهما بضمها، وتقديم الثاء المثلثة، ثم الياء المثناة من تحت،
والآخر بفتحها، ثم المثناة ثم المثلثة، فالأول: أبو الربيع بن خثيم أحد الزهاد
الثمانية. والثاني: أبو سعيد بن خثيم الهلالي التابعي 3.
رشيد الهجري: بضم الراء المهملة " خلاصة " 4، والهجري بفتح الهاء
والجيم. قال بعض العلماء: رأيت بعض أصحابنا قد ضبط (الهجري) بضم
الجيم، وهو اشتباه 5. انتهى.
رشيد: بفتح الراء المهملة " خلاصة " 6 وهو ابن زيد الجعفي.
رفاعة: بكسر الراء المهملة، وبعدها الفاء، ثم العين المهملة بعد الألف
" خلاصة " 7.
رقيم بن إلياس: ضبطه بعض العلماء بالراء المهملة المضمومة، والقاف

(1) الخلاصة: 71 / 1، رجال الكشي: 97 / 154.
(2) مجمع البحرين 4: 329.
(3) الرعاية في علم الدراية: 380.
(4) الخلاصة: 72 / 1.
(5) رجال ابن داود: 153.
(6) الخلاصة: 73 / 12.
(7) الخلاصة: 71 / 1.
859

المفتوحة 1.
روح: بفتح الراء المهملة، والواو الساكنة، والحاء المهملة " إيضاح " 2.
رزيق: أربعة: ابن دينار، وأبو العباس، وابن الزبير الخلقاني، وابن مرزوق.
فالأولان منهم بتقديم الراء المهملة المضمومة، ثم الزاي المعجمة المفتوحة،
بلا خلاف يذكر. وذكرهما الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام في باب
المهملة 3.
والثالث ذكره الشيخ أيضا في الباب المذكور أيضا. وكذا حكي عن
النجاشي 4. وصرح في " الإيضاح " 5 أيضا بأنه بالمهملة المضمومة. وحكي عن
" الفهرست " أنه ذكره في باب المعجمة 6.
والرابع ذكره في " الخلاصة " 7 في باب المهملة. وحكي عن النجاشي أنه
ذكره في باب المعجمة، نقله عن السيد جمال الدين بن طاوس 8. وقال في رجال
ابن داود: وبعض أصحابنا التبس عليه حاله، فتوهم أنه رزيق بتقديم المهملة،
وأثبته في باب الراء، وهو وهم. وقد أثبته الشيخ أبو جعفر في " الفهرست " في
باب الزاي 9.
ريذويه: بالراء المهملة المكسورة، والياء المثناة التحتانية الساكنة، والذال
المعجمة المفتوحة، والواو الساكنة، والياء المثناة تحتها المفتوحة. وفي

(1) إيضاح الاشتباه: 185 / 283.
(2) إيضاح الاشتباه: 186 / 286.
(3) رجال الشيخ الطوسي: 194.
(4) رجال النجاشي: 168.
(5) إيضاح الاشتباه: 186 / 285.
(6) الفهرست: 144 / 297، 298.
(7) الخلاصة: 73 / 9.
(8) حكاه الشهيد الثاني على ما في تنقيح المقال 1: 430، والاسترآبادي في منهج المقال: 139.
(9) رجال ابن داود: 157، الفهرست: 144.
860

" الإيضاح " 1 جعل الذال المعجمة مضمومة. ويحتمل كون الواو مفتوحة،
والياء بعدها ساكنة.
رزين: بفتح الراء المهملة، ذكره في " الإيضاح " في ترجمة أسود بن رزين
وترجمة إسماعيل بن علي بن رزين 2. وذكر في " الخلاصة " في قسم الضعفاء، رزين: رجلان 3، في باب المهملة.
زكريا بن إدريس، أبو جرير: بضم الجيم
" خلاصة " 4.
زرارة: بضم الزاي المعجمة، ابن أعين: بفتح الياء المثناة التحتانية،
ابن سنسن: بالسينين المهملتين المضمومتين بينهما نون ساكنة وبعدهما نون أيضا
" خلاصة " 5.
زحر: بفتح الزاي المعجمة، وإسكان الحاء المهملة، والراء المهملة أخيرا.
زرعة: بالزاي المعجمة المضمومة، وبعدها راء وعين مهملتان " إيضاح " 6.
وحكي عن السيد بن طاوس أنه ذكر في كتابه: أنه كلما كان من هذا الاسم
- أعني زرعة - فهو بفتح الزاي المعجمة.
زمعة: بالزاي المعجمة، والميم، والعين المهملة، والثلاثة مفتوحة
" إيضاح " 7.
زياد القندي: بالقاف، والنون، والدال المهملة " خلاصة " 8.
زيدان: بفتح الزاي المعجمة، والألف والنون بعد الدال المهملة،

(1) إيضاح الاشتباه: 158 / 211، وانظر ص 215 / 379، وص 226 / 423، وص 287 / 662.
(2) إيضاح الاشتباه: 84 / 9 و 93 / 37.
(3) الخلاصة: 222 / 1 و 2.
(4) الخلاصة: 76 / 8.
(5) الخلاصة: 76 / 1.
(6) إيضاح الاشتباه: 190 / 296.
(7) إيضاح الاشتباه: 309 / 735.
(8) الخلاصة: 223 / 3.
861

والد الحسن والحسين، وقد مر في الحسن 1.
زبرقان: بالزاي المعجمة المكسورة، والباء الموحدة الساكنة، والراء المهملة
المكسورة، والقاف والنون، وقد مر.
زيد الرطاب: بتشديد الطاء المهملة بعد الراء المهملة، ثم الألف ثم الباء
الموحدة.
زيد الأجري: بالجيم المضمومة، والراء المهملة المشددة، كذا أعربه بعض
العلماء 2.
زيد الزراد: بالزاي المعجمة المفتوحة، ثم المشددة المهملة، ثم الألف، ثم
المهملة.
سكين: بالسين المهملة المضمومة، والنون أخيرا " خلاصة " 3.
سهل بن حنيف: بالحاء المهملة المضمومة " خلاصة " 4.
سيف بن عميرة: بفتح العين المهملة " خلاصة " 5.
سليم بن قيس: بضم السين المهملة ثم اللام المفتوحة " خلاصة " 6.
سليمان بن سفيان بن داود المسترق: بضم الميم، وإسكان السين المهملة،
وفتح التاء المثناة الفوقانية، والراء المهملة، وهي مكسورة، كما صرح به في
" إيضاح " و " رجال ابن داود " 7.
سعد الأحوص: بالحاء والصاد المهملتين بينهما واو " خلاصة " 8.

(1) في ص 852.
(2) وفيات الأعيان 4: 293.
(3) الخلاصة: 85 / 6.
(4) الخلاصة: 80 / 1.
(5) الخلاصة 82 / 1.
(6) الخلاصة 82 / 1.
(7) إيضاح الاشتباه: 195 / 310، رجال ابن داود: 176.
(8) الخلاصة: 80.
862

سعيد بن جبير: بالجيم المضمومة " خلاصة " 1.
سعيد الغراد: بالغين المعجمة والراء والدال المهملتين.
سعيد بن بيان: بالباء الموحدة ثم الياء المثناة التحتانية.
سعيد بن يسار: بالياء المثناة التحتانية، والسين المهملة المخففة
" خلاصة " 2.
سالم بن مكرم: بضم الميم، وإسكان الكاف، وفتح الراء المهملة
" خلاصة " 3.
سعيد بن طريف وسعد بن طريف: بالطاء المهملة.
سعيد بن خثيم: بالخاء المعجمة المفتوحة، ثم الياء المثناة التحتانية الساكنة، ثم
الثاء المثلثة " خلاصة " " رجال ابن داود " " شرح الدراية " 4.
سلامة الأرزني: بالراء المهملة الساكنة، ثم الزاي المعجمة، ثم النون.
سلمة بن كهيل: بضم الكاف " خلاصة " 5.
سليمان بن قرم: بفتح القاف، وسكون الراء المهملة.
سليمان بن مسهر: بكسر الميم وفتح الهاء.
وسهل بن زاذويه: بالزاي المعجمة أولا، والذال المعجمة بعد الألف " خلاصة " 6.
سوقة: بضم السين المهملة، وإسكان الواو، وفتح القاف " إيضاح " 7.
شبث بن ربعي: بالباء الموحدة. وفي " الترقيب " بفتح أوله، ثم الموحدة، ثم

(1) الخلاصة: 79 / 2.
(2) الخلاصة: 80 / 7، 132 / 1 في ترجمة فضيل بن سيار.
(3) الخلاصة: 227 / 2 ولم يضبطه، وضبطه، في الإيضاح: 196 / 315.
(4) الخلاصة: 226 / 4، رجال ابن داود: 457، الرعاية في علم الدراية: 380.
(5) الخلاصة: 227 / 2.
(6) الخلاصة: 81 / 3.
(7) إيضاح الاشتباه: 142 / 161.
863

مثلثة، ابن ربعي 1.
شتير: بضم الشين المعجمة، وفتح التاء المثناة الفوقانية، وسكون الياء، كذا
في " جامع الأصول " 2. وفى " الخلاصة " 3 وغيره: بالباء الموحدة بعد الشين
المعجمة.
شرحبيل: بضم الشين المعجمة، وفتح الراء المهملة، وسكون الحاء
المهملة، والباء الموحدة، والياء المثناة تحتها، واللام أخيرا.
شغر: بفتح الشين المعجمة، وفتح الغين المعجمة.
شاذويه: بالشين المعجمة، والألف، ثم الذال المعجمة المضمومة، والياء
المثناة التحتانية بعد الواو " إيضاح " 4.
أقول: الظاهر أنه مع ضم الذال تكون الواو مفتوحة والياء ساكنة.
شبرمة: والد عبد الله، بالشين المعجمة، والباء الموحدة، والراء المهملة والميم
" خلاصة " 5.
وفي " التقريب ": بضم المعجمة، وسكون الموحدة، وضم الراء 6.
صوحان: والد صعصعة وزيد، بضم الصاد المهملة، وإسكان الواو قبل
الحاء المهملة، والنون بعد الألف " خلاصة " 7.
صباح: بتشديد الباء الموحدة، صرح به بعض العلماء 8.
صالح الجواري: بالجيم والواو والألف، والراء المهملة، والياء المثناة
التحتانية. وفى " رجال ابن داود " الجواربي: بإدخال الباء الموحدة بعد الراء،

(1) تقريب التهذيب 1: 345.
(2) لم نعثر عليه في جامع الأصول، ونقله عنه أيضا في تنقيح المقال 2: 398.
(3) الخلاصة: 193.
(4) إيضاح الاشتباه: 159 / 213.
(5) الخلاصة: 236 / 5.
(6) تقريب التهذيب: 1: 422.
(7) الخلاصة: 89 / 1.
(8) إيضاح الاشتباه: 203 / 335، 336.
864

والياء المثناة. وجعل الأول وهما 1.
صبيح: بفتح الصاد، جماعة، منهم والد عيسى.
صعصعة: بالصادين المهملتين المفتوحتين، والعينين المهملتين، أولهما
ساكنة والأخرى مفتوحة.
ضريس: كزبير علم " القاموس " 2، وأعربه كذلك - أي مصغرا - بعض
العلماء 3.
طرخان: بفتح الطاء المهملة، وإسكان الراء المهملة، والخاء المعجمة،
والنون بعد الألف.
طرماح: كسنمار، بالطاء والراء المهملتين المكسورتين، وتشديد الميم،
والحاء المهملة أخيرا.
ظريف بن ناصح: بالظاء المعجمة.
عاصم بن حميد: مصغرا.
عبد الغفار بن الجازي: بالجيم والزاي المعجمة.
عبد الله بن جبلة: بالجيم والباء الموحدة المفتوحتين، واللام المخففة
" خلاصة " 4.
عبد الله بن مسكان: بالميم المضمومة، والسين المهملة الساكنة.
عبد الله بن المغيرة: بضم الميم، وكسر الغين المعجمة، والياء المثناة التحتانية.
عثمان بن سعيد العمري: بفتح السين في سعيد، وفتح العين في العمري،
من نواب الصاحب عليه السلام.
علي بن حزور: بالحاء المهملة والزاي المعجمة، المفتوحين، والواو

(1) رجال ابن داود: 186.
(2) القاموس المحيط 2: 233.
(3) رجال ابن داود: 189.
(4) الخلاصة: 237 / 21.
865

المشددة، والراء المهملة " خلاصة " 1.
عمرو بن حريث: بالحاء المهملة المضمومة، والراء المهملة، والياء المثناة
التحتانية، والثاء المثلثة.
علي بن أحمد بن أبي جيد: بالجيم المكسورة، والمثناة التحتانية الساكنة،
والدال المهملة.
عذافر: بالمهملة، المضمومة، ثم المعجمة، ثم الألف والفاء، والراء
المهملة.
عبد الله بن وضاح: بتشديد الضاد المعجمة، والحاء المهملة أخيرا.
عمران بن قطن: بفتح القاف، وفتح الطاء المهملة " إيضاح " 2.
علي بن عقبة: يأتي في عقبة
علي بن مهزيار: بالميم والهاء، ثم الزاي المعجمة، ثم المثناة التحتانية، ثم
الألف ثم الراء المهملة.
عباس الخريزي: بالخاء المعجمة، ثم الراء المهملة، ثم الياء المثناة التحتانية،
ثم الزاي المعجمة " خلاصة " 3.
عبد الله بن يزيد الخريزي: بالمعجمة، ثم المهملة، ثم المثناة، ثم المعجمة.
وفي " الإيضاح ": الخرزي بدون الياء 4.
عبد الحميد بن عواض: بالضاد المعجمة " خلاصة " 5. وفي " رجال
ابن داود ": بالغين والضاد المعجمتين 6.
عبد الرحمن بن أبي نجران: بالنون والجيم والراء المهملة.

(1) الخلاصة: 233 / 23.
(2) إيضاح الاشتباه: 232 / 443.
(3) الخلاصة: 118 / 1.
(4) إيضاح الاشتباه: 233 / 4151.
(5) رجال ابن داود: 221.
866

عبد الرحمن العرزمي 1: بالراء المهملة، ثم الزاي المعجمة.
عبد الرحمن بن بديل: مصغرا.
عبد الصمد العرامي: بضم العين المهملة " خلاصة " 2.
عبد الله بن جريح: في حاشية " منهج المقال " من المصنف: جريح كأمير 3.
وفي " رجال ابن داود ": جربج: بالضمتين وبالجيمين 4، يعني أن بعد الراء
المهملة باء موحدة مضمومة.
عبد الله بن خباب: بالخاء المعجمة، والبائين الموحدتين بينهما ألف.
وفي " رجال ابن داود " صرح بكون الباء الأولى مشددة 5.
عبد الله بن بجير: بضم الباء الموحدة، وفتح الجيم، وإسكان الياء المثناة تحتا، والراء المهملة.
عبد الله بن خداش: بالخاء المعجمة، والدال المهملة، والشين المعجمة
" خلاصة " 6.
عثيمة: بفتح العين المهملة، ثم الياء المثناة التحتانية، ثم الميم المفتوحة (" إيضاح ") 7.
عبد الله بن الصلت: بالصاد المهملة المفتوحة، والتاء المثناة الفوقانية.
عبد الله بن يقطر: بالقاف الساكنة بعد الياء المثناة التحتانية، ثم الطاء المهملة.
عتبة: بضم العين المهملة، والتاء المثناة الفوقانية المفتوحة، ثم الباء

(1) في (ح، ه‍) الرزمي، وفي (ب): المرزمي، وفي (ج): الرزي... والصحيح ما أثبتناه. انظر جامع
الرواة 1: 453، ومعجم رجال الحديث 9: 355.
(2) الخلاصة: 131 / 13.
(3) منهج المقال مع حواشي المصنف (مخلوط، مكتبة آية الله المرعشي (رقم 7443).
(4) رجال ابن داود: 467.
(5) رجال ابن داود: 203.
(6) الخلاصة: 109 / 33.
(7) ليس في (ب)، والموجود فيه عثيم - انظر إيضاح الاشتباه: 112 / 91، وص 207 / 343.
867

الموحدة، اسم لجماعة منهم والد عبد الكريم وعبد الملك وعبد الرحمن وغيرهم.
عقبة: بضم العين وإسكان القاف، جماعة منهم ابن عمرو الأنصاري
" خلاصة " 1، ووالد علي.
عثمان بن حنيف: بالحاء المهملة المضمومة، والنون المفتوحة، والفاء بعد
الياء المثناة تحتها " خلاصة " 2.
علبا: بالباء الموحدة " خلاصة " 3.
علي بن أحمد بن أشيم: بفتح الهمزة، وسكون الشين المعجمة، وفتح الياء
المثناة التحتانية " خلاصة " " رجال ابن داود " 4. وفي نسخة: بضم الهمزة،
وفتح الشين المعجمة، وسكون المثناة التحتانية 5.
علي بن شيرة: بكسر الشين المعجمة، والياء المثناة التحتانية، والراء المهملة.
عبيدة السلماني: بفتح العين المهملة، وكسر الباء الموحدة، وسكون الياء،
السلماني: بفتح السين المهملة.
العلا بن رزين: بتقديم الراء المهملة المفتوحة على الزاي.
علي بن أبي جهمة: بفتح الجيم.
عبد الله بن سنان: بكسر السين.
عمرو بن الحمق: بفتح الحاء المهملة وكسر الميم ك (كتف)، بمعنى خفيف
اللحية.
عامر بن واثلة: بالثاء المثلثة بعد الألف قبل اللام.
عبد الملك بن حكيم: بالحاء المهملة المفتوحة " إيضاح " 6.

(1) الخلاصة: 126 / 1.
(2) الخلاصة: 125 / 25.
(3) الخلاصة: 130 / 10.
(4) الخلاصة: 232 / 5، رجال ابن داود: 497.
(5) رجال ابن داود: 480.
(6) إيضاح الاشتباه: 241 / 481.
868

عامر بن جذاعة: بالجيم.
علي بن حسكة: بالحاء والسين المهملتين " خلاصة " 1.
عمر بن زيد بن دبيان: بالدال المهملة والنون أخيرا " خلاصة " 2.
عيسى بن المستفاد: بالسين المهملة، والتاء المثناة الفوقانية، والفاء، والدال
المهملة.
عبدوس: بضم العين المهملة، وإسكان الباء الموحدة، وضم الدال المهملة،
والسين المهملة بعد الواو " إيضاح " 3.
عازب: بالعين المهملة والزاي المعجمة.
عبدون: بضم العين المهملة، وإسكان الباء، والنون بعد الواو.
عايذ: والد أحمد، بالياء المنقطة تحتها نقطتين، والذال المعجمة.
علان: بفتح العين المهملة، وتشديد اللام، والنون أخيرا.
عندر: بضم العين المهملة، وإسكان النون، وفتح الدال المهملة، والراء
أخيرا.
علي بن رئاب: بهمز الياء بعد الراء المهملة " إيضاح " 4.
علي بن محمد بن الجلقي: قيل: بالجيم المضمومة والقاف. وفي " رجال
ابن داود ": الجلقي: بفتحتين، قيل بالقاف، وقيل بالفاء، وبالخاء المعجمة
فيهما 5. وفي نسخة من كتاب الشيخ: الحلفي بالحاء والفاء 6.

(1) الخلاصة: 234 / 17.
(2) لم نجده في الخلاصة، ووجدناه في الإيضاح: 229 / 433.
(3) إيضاح الاشتباه: 99 / 56.
(4) إيضاح الاشتباه: 217 / 386.
(5) رجال ابن داود: 249، وفيه: الخلقي.
(6) نقله عن الشهيد في تنقيح المقال 2: 304. ولكن الشهيد نقله مخالفا لما في المتن وقال: وفي
نسخة معتبرة لكتاب الشيخ: الخلفي: بالخاء المعجمة والفاء. تعليقة الشهيد على خلاصة الأقوال
(مخلوط).
869

عمرو بن توبة: بالمثناة فوقا، ثم الواو، ثم الموحدة.
فضالة بن أيوب: بفتح الفاء " إيضاح " 1.
فسانجس: بضم الفاء، والسينين المهملتين، والنون الساكنة بعد الألف،
والجيم المضمومة، عن الشهيد الثاني 2.
قعقاع: بالقافين المفتوحتين بينهما عين مهملة.
قتيبة: بضم القاف، وفتح التاء المثناة فوقا، ثم الباء الموحدة المفتوحة.
قعين: بالقاف المضمومة، والعين المهملة الساكنة، والياء المثناة التحتانية،
والنون. كذا ضبطه في " الإيضاح " 3. وقال في ترجمة أحمد بن علي بن أحمد:
أسامة بن نصر بن قعين: بالقاف المضمومة، والعين المهملة المفتوحة، والياء
الساكنة، والنون أخيرا 4.
قنبرة: بفتح القاف، والهاء أخيرا.
قولويه: والد جعفر بن محمد بن قولويه، قال في " الإيضاح " بضم القاف،
وإسكان الواو الأول، وضم اللام، والواو بعدها 5
أقول: الظاهر - كما مر في شاذويه - أن بعد اللام المضمومة الواو المفتوحة،
ثم الباء الساكنة.
قاسم بن محمد الخلقاني: بضم الخاء المعجمة، والقاف، والنون بعد الألف " خلاصة " 6.
كثير بن كاروند: بالراء المهملة والواو المفتوحين، والنون الساكنة، والدال
المهملة.

(1) إيضاح الاشتباه: 254 / 521.
(2) نقله الشهيد في تعليقته على خلاصة الأقوال (مخلوط) عن كتاب ابن داود.
(3) إيضاح الاشتباه: 87 / 19.
(4) إيضاح الاشتباه: 112 / 91.
(5) إيضاح الاشتباه: 133 / 136.
(6) الخلاصة: 134 / 7.
870

كشمرد: بالكاف، ثم الشين المعجمة، والميم المفتوحة، والراء الساكنة،
والدال المهملة " إيضاح " 1.
محسن بن أحمد: بتشديد الشين " إيضاح " 2.
محمد بن أورمة: بضم الهمزة، وإسكان الواو، وفتح الراء والميم، وقد
تقدم الراء على الواو " خلاصة " 3.
محمد بن الحصين: بالمهملتين، مصغرا.
محمد بن عذافر: مر في عذافر.
محمد بن الفرج الرخجي: بضم الراء المهملة، ثم الخاء المعجمة المفتوحة،
ثم الجيم، والرخج قرية بكرمان.
محمد بن موسى: لقبه خورا 4، بالخاء المعجمة المضمومة، ثم الواو، ثم
الراء المهملة " خلاصة " 5.
مخنف: في " جامع الأصول ": بكسر الميم، وسكون الخاء المعجمة، وفتح
النون، ثم الفاء 6. ابن سليم: مصغرا.
مرازم: بضم الميم، ثم الراء المهملة قبل الألف، ثم الزاي المعجمة.
مروك: بفتح الميم، وسكون الراء المهملة، وفتح الواو، ثم الكاف.
مخول: بكسر الميم، وإسكان الخاء المعجمة، والواو المفتوحة، ثم
اللام.
مقرن: بضم الميم، وفتح القاف، وتشديد المهملة المكسورة، والنون.
مشمعل: بضم الميم، وإسكان الشين المعجمة، وفتح الميم، وكسر العين

(1) إيضاح الاشتباه: 275 / 609.
(2) إيضاح الاشتباه: 302 / 711.
(3) الخلاصة: 252 / 28.
(4) في (ه‍)، (ب) الخوراء.
(5) الخلاصة: 155 / 97.
(6) جامع الأصول 2: 846.
871

المهملة، وتشديد اللام " منهج المقال " نقله عن الشهيد الثاني 1.
معتب: بضم الميم، وفتح العين المهملة، وتشديد التاء المثناة الفوقانية
المكسورة، ثم الباء الموحدة.
معروف بن خربوذ: بالخاء المعجمة المفتوحة، والراء المهملة المشددة، والباء
الموحدة، والذال المعجمة بعد الواو " خلاصة " 2.
معلى بن خنيس: بالخاء المعجمة المضمومة، والنون المفتوحة، والسين
المهملة بعد المثناة التحتانية " خلاصة " 3.
موسى بن أكيل: بضم الألف، وفتح الكاف، والمثناة التحتانية، ثم اللام.
مياح: مر في الحسين بن مياح 4.
متيل: مر في الحسن بن متيل 5.
ميسر: قيل: بفتح الميم، وإسكان المثناة التحتانية. وقيل: بضم الميم، وفتح
المثناة، ثم السين المهملة المشددة، ثم الراء المهملة 6.
مسلمة: بفتح الميم، ثم السين ثم الميم.
مهزم: بكسر الميم، وبعدها هاء، ثم زاي مفتوحة.
مهران: بكسر الميم، وبعدها هاء، ثم راء مهملة، والنون أخيرا.
مرار: بفتح الميم، وتشديد الراء المهملة، والراء أخيرا.
منهال: بكسر الميم، وإسكان النون، واللام أخيرا.
ميثم: بكسر الميم، وإسكان الياء المثناة التحتانية، وفتح المثلثة. قال بعض
مشايخنا البحرانيين في كتابه المسمى بلؤلؤة البحرين: إن كلما وجد ميثم فهو

(1) منهج المقال: 334، وتعليقة الشهيد على خلاصة الأقوال (مخلوط).
(2) الخلاصة: 170 / 1.
(3) الخلاصة: 259 / 1.
(4) في ص 853.
(5) في ص 852.
(6) الخلاصة: 171 / 11.
872

بكسر الميم الأولى، إلا ميثم البحريني والد ابن ميثم شارح الشروح الثلاثة على
نهج البلاغة 1. وقال بعض العلماء أيضا في ميثم التمار: بكسر الميم، ولم يأت
بالفتح إلا ميثم البحريني 2.
وهو من المتأخرين.
مصقلة: بفتح الميم، وإسكان الصاد المهملة، وفتح القاف.
مسكان: بالميم المضمومة، والسين المهملة الساكنة، والنون بعد
الألف.
المغيرة: بضم الميم، وكسر الغين المعجمة، والياء المثناة التحتانية.
مابنداذ: بالميم قبل الألف، والباء الموحدة بعدها النون، والذال المعجمة
أخيرا " إيضاح " 3.
مسمع بن كردين: بالراء بعد الكاف المكسورة، والدال المهملة المكسورة،
والياء المثناة تحتها قبل النون.
ممويه: بفتح الميمين، ثم الواو، ثم الياء المثناة تحتها.
محمد بن عبد الله الشخير: بالشين والخاء المعجمتين. وفي القاموس:
الشخير كسكيت 4.
محمد بن عبد الله المسلي: بالسين المهملة بعد الميم، واللام بعد السين.
ومسلية: بضم الميم قبيلة من مذحج " خلاصة " 5. وفي " الإيضاح ": المسلي
بضم الميم وفتح السين 6.
وفى " جامع الأصول ": بضم الميم وسكون السين 7.

(1) لؤلؤة البحرين: 261.
(2) نقله الخوانساري في (روضات الجنات) 7: 220 والمحدث البحراني في (السلافة البهية) في ترجمة
الميثمية (الكشكول) 1: 45 عن حاشية على خلاصة الرجال لبعض العلماء.
(3) إيضاح الاشتباه: 114 / 96.
(4) القاموس المحيط 2: 58.
(5) الخلاصة: 155 / 96.
(6) إيضاح الاشتباه: 183 / 277.
(7) جامع الأصول 2: 936.
873

محمد بن أحمد الجريري: بالجيم، والراء قبل الياء وبعدها " خلاصة " 1.
وفي " رجال ابن داود ": بالجيم المضمومة 2.
محمد ثوابا: بالمثلثة، والواو، والباء الموحدة.
محمد بن الحسن بن شمون: بالشين المعجمة والنون.
محمد بن علي بن جاك: بالجيم والكاف " خلاصة " 3.
محمد بن مسلم بن رباح: بفتح الراء المهملة، والباء الموحدة.
محمد بن يونس تسنيم: بالمثناة فوقا، ثم السين المهملة، والنون، والمثناة تحتا.
محمد بن سوقة: بضم المهملة.
محمد بن عبد الله الجلاب: بالجيم والباء الموحدة.
محمد بن عبد الملك التبان: بالتاء المثناة فوقا، والباء الموحدة، والنون بعد
الألف.
محمد بن فضيل بن غزوان: بفتح الغين المعجمة، وسكون الزاي المعجمة
" تقريب " 4.
محمد بن ميسر: بالسين المهملة بعد الياء المثناة تحتها.
محمد بن نصير: بالصاد المهملة مصغرا.
محمد بن يزداذ: بالزاي المعجمة بعد الياء المثناة تحتا، والدال المهملة، ثم
الألف، ثم الذال المعجمة.
محمد بن الحسن بن فروخ: بالفاء، ثم الراء المشددة، ثم الواو، ثم الخاء
المعجمة " إيضاح " 5.

(1) الخلاصة: 164 / 174.
(2) رجال ابن داود: 295.
(3) الخلاصة: 155 / 93.
(4) تقريب التهذيب 2: 200، الخلاصة: 138.
(5) إيضاح الاشتباه: 278 / 621.
874

معاوية بن عمار الدهني: بضم الدال المهملة، وإسكان الهاء وفتحها،
والنون قبل الياء " خلاصة " 1.
معمر: وهو قد يكون بضم الأول، وفتح العين المهملة، وتشديد الميم
الثانية، وهو معمر بن خلاد بالخاء المعجمة. وقد يكون بفتح الميمين، وإسكان
العين، وتخفيف الميم الثانية،
وهو معمر بن يحيى، ذكره في " الإيضاح " 2.
مسيب بن نجبة: بفتح النون والجيم، والموحدة " التقريب " 3.
ماجيلويه: بالجيم المكسورة، والياء المثناة تحتها، ثم اللام المضمومة، ثم
الواو " إيضاح " 4.
محمد بن وهبان: بفتح الواو، وإسكان الهاء، والباء الموحدة. الدبيلي:
بالدال المهملة، والباء الموحدة المفتوحة، والياء المثناة من تحت.
منبه: بالنون قبل الباء الموحدة.
مفضل بن قيس بن رمانة: بضم الراء، وتشديد الميم، والنون بعد الألف.
منصور بن حازم: بالحاء المهملة، والزاي المعجمة.
المنخل: بالميم المضمومة، والنون المفتوحة، والخاء المعجمة المشددة،
واللام أخيرا.
مندل: بفتح الميم، وإسكان النون، وفتح المهملة، وبعدها اللام. العتري:
بالمهملة المفتوحة، والمثناة فوقا المفتوحة أيضا، والمهملة بعدها. وفي
" التقريب ": العنزي: بفتح النون وبعدها الزاي المعجمة 5. وفي " رجال
ابن داود ": بالعين المهملة والتاء المثناة الساكنة 6.

(1) الخلاصة: 166 / 93.
(2) إيضاح الاشتباه: 303 / 715.
(3) تقريب التهذيب 2: 250.
(4) إيضاح الاشتباه: 264 / 553.
(5) تقريب التهذيب 2: 204.
(6) رجال ابن داود: 520.
875

موسى بن رنجويه: بالراء المهملة، ثم النون " خلاصة " 1. وفي " الإيضاح ":
بالزاي المعجمة 2.
نصر: جماعة، بعضهم بالصاد المهملة، وبعضهم بالمعجمة. قال ابن حجر
في " التقريب ": نصر جماعة، وكذلك النضر، والذي بالمهملة عار عن اللام،
والذي بالمعجمة ملازم لها 3. وصرح بذلك غيره أيضا.
نوبخت: سيجيئ في بني نوبخت.
وريزة: بالواو المفتوحة، والراء المهملة المكسورة، والياء المثناة تحتها،
والزاي المعجمة المفتوحة.
الوليد بن صبيح: بفتح الصاد المهملة، والباء الموحدة قبل الياء المثناة.
وندك: بالواو المفتوحة، وإسكان النون، وفتح الدال المهملة، والكاف.
هارون بن خارجة: بالخاء المعجمة أولا، ثم الجيم بعد الراء المهملة
والألف.
هاشم بن عتبة: بالعين المهملة المضمومة، والتاء المثناة فوقا، من أصحاب
أمير المؤمنين عليه السلام " خلاصة " 4.
يحيى بن أكثم: من العامة، بالثاء المثلثة بعد الكاف.
يونس بن ظبيان: بالظاء المعجمة المفتوحة، والباء الموحدة قبل الياء المثناة
التحتانية، والنون بعد الألف.
يحيى بن عليم: بالعين المهملة مصغرا.
يحيى بن وثاب: بالمثلثة المشددة، والباء الموحدة أخيرا.
يحيى بن زاير: بالزاي المعجمة، ثم الألف، ثم الياء المثناة التحتانية الساكنة،

(1) الخلاصة: 258 / 7.
(2) إيضاح الاشتباه: 304 / 722.
(3) لم نجده في التقريب.
(4) الخلاصة: 179 / 1.
876

ثم الراء المهملة " إيضاح " 1.
يزيد بن نويرة: بالنون المضمومة.
يزيد الصايغ: بالصاد المهملة والغين المعجمة.
يوسف بن السخت: بالسين المهملة، والخاء المعجمة، والخاء المعجمة، والتاء المثناة فوقا
" خلاصة " 2.
يعقوب السكيت: بالسين المهملة المكسورة، والكاف المشددة المكسورة، ثم
الياء المثناة تحتا، ثم المثناة فوقا.
باب الكنى
أبو الأسود الديلي: بكسر الدال المهملة، وسكون الياء المثناة التحتانية.
ويقال: الدءلي بضم الدال بعدها همزة مفتوحة " تقريب " 3.
ابن أذينة: بضم الهمزة، وفتح الذال المعجمة وإسكان الياء المثناة
التحتانية، وفتح النون.
أبو برزة السلمي: وفتح الباء الموحدة، والراء المهملة، والزاي
المعجمة.
ابن مرار: بفتح الميم، وتشديد الراء المهملة، والراء أخيرا بعد الألف.
ابن أخي ذبيان: بالذال المعجمة المضمومة، والياء المثناة تحتها، والنون بعد
الألف " إيضاح " 4.
أبو مخنف: بالميم بالمكسورة، والخاء المعجمة الساكنة، وفتح النون.
أبو الأعز: " منهج المقال "، الظاهر من النسخ أنه بالعين المهملة والزاي

(1) لم نجده في الإيضاح.
(2) الخلاصة: 265 / 5.
(3) تقريب التهذيب 2: 391.
(4) إيضاح الاشتباه: 98 / 54.
877

المعجمة. وربما قيل: واحتمل بالغين المعجمة، والراء المهملة 1. أبو البختري: بفتح الموحدة والمثناة الفوقانية بينهما خاء معجمة ساكنة
" تقريب " 2.
أبو جنادة: بضم الجيم، والنون بعده، والدال المهملة بعد الألف.
ابن أبي نجران: بالنون والجيم، والراء المهملة، والنون " خلاصة "، 3
والد عبد الرحمن.
أبو ضمرة: بالضاد المعجمة المفتوحة.
أبو بردة: بضم الموحدة، وإسكان الراء المهملة، وفتح الدال المهملة.
ابن أبي هراسة: بكسر الهاء، وبعد الألف سين مهملة، يكنى به
إبراهيم بن رجاء.
ابن أبي مليكة: بالميم المضمومة، واللام المفتوحة، والياء المثناة الساكنة تحتا،
والكاف المفتوحة، يكنى به إبراهيم بن خالد.
ابن خانبة: بالخاء المعجمة، والنون المكسورة بعد الألف، والباء الموحدة
المفتوحة " إيضاح " 4. يكنى به أحمد بن عبد الله بن مهران.
أبو خيثمة: بضم الخاء المعجمة، والياء المثناة تحتا الساكنة، ثم المثلثة المفتوحة
" إيضاح " 5. وهو جد بسطام بن الحصين.
أبو سبرة: بفتح السين المهملة، وضم الباء الموحدة، وفتح الراء المهملة.
أبو المغرا: بفتح الميم، وإسكان الغين المعجمة، وبعدها راء مهملة، ثم ألف
مقصور، وقيل ممدود " إيضاح " 6.

(1) منهج المقال: 383.
(2) تقريب التهذيب: 2: 394.
الخلاصة: 114 / 7 في ترجمة عبد الرحمن بن أبي نجران.
(4) إيضاح الاشتباه: 275 / 610.
(5) إيضاح الاشتباه: 119 / 109.
(6) إيضاح الاشتباه: 138 / 152.
878

أبو ولاد: بتشديد اللام.
أبو خلاد: بالخاء المعجمة، واللام المشددة، يكنى به حكم به حكيم
" إيضاح " 1.
أبو ناب: بالنون أولا، والباء الموحدة أخيرا، يكنى به الحسن بن
عطية.
ابن أبي فاختة: بالفاء أولا، والخاء المعجمة المكسورة بعد الألف، والتاء
المثناة فوقا.
بني والبة: بكسر اللام وفتح الباء الموحدة " إيضاح " 2.
أبو دجانة: بالدال المهملة المضمومة، والجيم، والنون بعد الألف
" خلاصة " 3. ولده خالد بن أبي دجانة، هو المشهور بابن أبي دجانة من أصحاب
الأمير عليه السلام.
ابن عبدون: بضم العين على وزن عبدون.
أبو سعيد الخدري: بضم الخاء المعجمة، وسكون الدال المهملة، وكسر الراء
المهملة، والياء المثناة التحتانية.
ابن قبة: بالقاف المكسورة، والباء الموحدة المفتوحة المخففة " خلاصة " 4.
وقال السيد صفي الدين محمد بن معد الموسوي: محمد بن قبة: بالقاف المكسورة
والباء المنقطة تحتها نقطة، المخففة المفتوحة، ثم قال: وجدت في نسخة بضم
القاف وتشديد الباء. قال العلامة في " الإيضاح " بعد نقل ذلك: والذي سمعنا

(1) إيضاح الاشتباه: 142 / 164.
(2) إيضاح الاشتباه: 150 / 187.
(3) الخلاصة: 64 / 1 في ترجمة خالد بن أبي دجاجة.
(4) الخلاصة: 143 / 31 في ترجمة محمد بن عبد الرحمن.
879

من مشايخنا الأول 1.
بني نوبخت: بضم النون، وإسكان الواو، وضم الباء الموحدة، وإسكان
الخاء المعجمة، والتاء المثناة الفوقانية " إيضاح " 2.
ابن قولويه: قد مر في اسم قولويه.
ابن أبي داحة: بالدال والحاء المهملتين " خلاصة " 3.
بني رزيق: بالراء المهملة المضمومة، والزاي المعجمة المفتوحة.
ابن برنية: بالباء الموحدة، والراء المهملة، والنون المكسورة، والياء المثناة
التحتانية المشددة.
أبو الصباح الكناني: بفتح الصاد المهملة، وتشديد الباء الموحدة. وإنما سمي
بالكناني، لأن منزله في كنانة فعرف به. وكنانة بكسر الكاف وفتح النون المخففة:
قبيلة من مضر " خلاصة " 4.
أبو إسحاق المذاري: بفتح الميم، والذال المعجمة، والراء المهملة.
أبو بجير: بضم الباء الموحدة، وفتح الجيم، والراء المهملة أخيرا.
بني ذخران: بالذال المعجمة المضمومة، والخاء المعجمة، والراء المهملة
بعدها، والنون بعد الألف " خلاصة " 5.
ابن مابنداذ: مر في اسم مابنداذ.
أبو خالد الذيال: بالذال المعجمة والياء المثناة من تحت.
أبو داود المسترق. ذكر في " رجال ابن داود " و " الإيضاح ": أنه بكسر الراء
وتشديد القاف 6. وذكر بعض العلماء أن ما ذكروه في وجه التسمية يدل على أنه

(1) إيضاح الاشتباه: 286 / 660.
(2) إيضاح الاشتباه: 92 / 36.
(3) الخلاصة: 4 / 8، واسمه: إبراهيم بن سليمان.
(4) الخلاصة: 3، واسمه: إبراهيم بن نعيم.
(5) الخلاصة: 13 / 1، في ترجمة أحمد بن محمد بن عيسى بن عبد الله بن سعد بن مالك.
(6) رجال ابن داود: 176، إيضاح الاشتباه: 195 / 310.
880

بفتح الراء 1. أقول: في دلالته نظر.
أبو عبد الله الجدلي: بفتح الجيم والدال.
أبو الحسين العقرابي: بفتح العين المهملة، وإسكان القاف، وبعده راء
مهملة، وبعد الألف باء " إيضاح " 2. وقيل: أبو الحسين العقراني باقحام النون
بين الياء والألف 3.
أبو الحسين الجرجراي: بالجيمين المفتوحتين، والرائين المهملتين، والألف،
والياء المثناة.
أبو إبراهيم الغنوي: بفتح الغين المعجمة والنون.
أبو شعيب المحاملي: بالميم المفتوحة والحاء المهملة.
أبو الفرج القتاب: بالقاف، والمثناة الفوقانية بعدها الألف، ثم الموحدة
" إيضاح " 4.
أبو عبد الله السياري: بالسين المهملة، والمثناة التحتانية المشددة.
أبو سيف الوحاظي: بالوا، ثم المهملة، ثم الألف ثم المعجمة " إيضاح " 5.
أبو سعيد عقيصان: بالعين المهملة، ثم القاف، ثم المثناة التحتانية، ثم الصاد
المهملة، ثم الألف والنون.
أبو سمينة: بضم السين المهملة، والميم، والياء المثناة تحتها، والنون المفتوحة
" إيضاح " 6.
أبو سليمان الحمار: بفتح الحاء المهملة، والميم المشددة.

(1) نقله في الإيضاح عن بعض إفادات الشهيد الثاني: راجع نضد الإيضاح (ضمن فهرست
الشيخ): 160 وذكره الشهيد في تعليقه على خلاصة الأقوال (مخلوط).
(2) إيضاح الاشتباه: 95 / 43.
(3) نضد الإيضاح: 54.
(4) إيضاح الاشتباه: 294 / 682، وص 266 / 568، وفيه: القنابي.
(5) إيضاح الاشتباه: 325 / 794.
(6) إيضاح الاشتباه: 324 / 786.
881

أبو العلاء بن سيابة: بالسين المهملة، والياء المثناة تحتا، والباء الموحدة بعد
الألف " خلاصة " 1.
أبو عتاب: بالمهملة، ثم المثناة فوقا المشددة، ثم الألف، ثم الموحدة
" إيضاح " 2.
أبو العباس الفامي: بالفاء، والميم بعد الألف.
أبو حبيب النباجي: بالنون، والباء الموحدة، والجيم " إيضاح " 3.
أبو زياد السملي: بضم السين المهملة " إيضاح " 4.
ابن دول: مر في دول 5.
أبو عيينة: بضم العين المهملة، واليائين المنقطة تحتها نقطتين، أولهما
مفتوحة وثانيهما ساكنة، ثم نون " إيضاح " 6.
ابن مصقلة: بفتح الميم، وإسكان الصاد المهملة، وفتح القاف.
ابن نهيك: بالنون المفتوحة، ثم الهاء، ثم المثناة التحتانية.
الأوصاف والألقاب
بيع الزطي: بضم الزاي المعجمة، وكسر الطاء المهملة المخففة، وتشديد
الياء. وسمعت السيد جمال الدين بن طاوس: بضم الزاي وفتح الطاء المخففة،
مقصورا 7.
النخاس: بالنون والخاء المعجمة المشددة، والسين المهملة، وصف به

(1) لم نجده في الخلاصة، ولكن ضبطه في الإيضاح في سيابة بن ناجية، فراجع الإيضاح: 200 / 329.
(2) إيضاح الاشتباه: 210 / 351.
(3) إيضاح الاشتباه: 323 / 780.
(4) إيضاح الاشتباه: 90 / 28، وفيه: السلمي.
(5) في ص 858.
(6) إيضاح الاشتباه: 324 / 784.
(7) إيضاح الاشتباه: 84 / 12.
882

آدم بن الحسين، وجارود بن المنذر، ورفاعة بن موسى النخاسي.
الخزاز: وهو قد يكون بالخاء المعجمة، والزائين المعجمتين، أي بائع
الخز، وقد يكون بالخاء المعجمة، والراء المهملة، والزاي المعجمة، أي بائع
الخرزة.
فالأول: يلقب به أحمد بن النظر، والحسن بن علي بن زياد، والحسين بن
جعفر المخزومي، والحسين بن علي القمي، وإبراهيم بن سليمان النهمي،
ومحمد بن يحيى، ومحمد بن الوليد، وعلي بن الفضل، وعمر بن عثمان،
وعلي بن عمران، وعلي بن محمد بن علي، وعبد الكريم بن هليل
وغيرهم.
ومن الثاني: إبراهيم بن زياد، كما ذكره الشهيد الثاني في شرح الدراية 1.
واختلف في إبراهيم بن عيسى المكنى بأبي أيوب، فقال العلامة في " الإيضاح ":
إبراهيم بن عيسى أبو أيوب الخراز: بالخاء المعجمة والراء المهملة، والزاي
المعجمة بعد الألف 2. وقال في " الخلاصة ": ابن عيسى أبو أيوب الخراز: بالخاء
المعجمة، والزاي بعد الألف وقيل قبلها أيضا 3. ونقل الشهيد الثاني في " شرح الدراية " عن ابن داود أنه قال:
أبو أيوب الخراز بالراء المهملة والزاي المعجمة 4.
القلاء: بالقاف واللام المشددة.
الحلال: بالحاء المهملة، واللام المشددة، يبيع الحل يعني الشيرج، ويلقب به
أحمد بن عايد، وأحمد بن عمر.
الحجال: بالحاء المهملة أولا، والجيم المشددة، يوصف به عبد الله بن

(1) الرعاية في علم الدراية: 382.
(2) إيضاح الاشتباه: 86 / 17.
(3) الخلاصة: 5 / 13.
(4) الرعاية في علم الدراية: 382، رجال ابن داود: 14.
883

محمد، وأحمد بن سليمان وغيرها " إيضاح " 1.
فقاعة: بضم الفاء، وتشديد القاف، والعين المهملة، يوصف به أحمد فقاعة " إيضاح " 2.
الحناط: وهو قد يكون بالحاء المهملة، والنون المشددة، والطاء المهملة،
يوصف به أبو ولاد، وأيمن، والحسين بن موسى، والحسن بن عطية،
وعاصم بن حميد. وقد يكون بالخاء المعجمة، والياء المثناة تحتا، يوصف به
عبد الله بن عثمان.
القتات: بفتح القاف، وتشديد التاء المثناة فوقا، ثم الألف، ثم التاء أيضا.
وقد يقال: إن الأخيرة هي الباء الموحدة.
الوشاء: بالشين المعجمة المشددة.
القماط: بالقاف المفتوحة، والميم المشددة، والطاء المهملة " إيضاح " 3.
زنكار: بالزاي المعجمة أولا، والنون بعده، والكاف بعد النون، والراء بعد
الألف.
ببة: بالباء الموحدة المفتوحة، والباء الموحدة - أيضا - المشددة، يلقب به
عبد الله بن الفضل.
القداح: بالقاف والدال المشددة.
البقباق: بفتح الباء الموحدة، وسكون القاف، ثم الباء الموحدة، والقاف
أخيرا " خلاصة " 4.
دندان: يلقب به أبو جعفر، وهو بالدال المهملة المفتوحة، والنون الساكنة
والدال المهملة، والنون بعد الألف.

(1) إيضاح الاشتباه: 112 / 89.
(2) إيضاح الاشتباه: 115 / 99.
(3) إيضاح الاشتباه: 170 / 244.
(4) ضبطه في الإيضاح: 325 / 791، وذكره في الخلاصة: 133 / 6 ولم يضبطه.
884

دكين: بالدال المهملة المضمومة، والكاف المفتوحة، ثم الباء المثناة
التحتانية، ثم النون، يلقب به أبو نعيم.
النسب
البجلي: وهو كما صرح به في " الصحاح " وغيره على قسمين: أحدهما
البجلي بفتح الباء الموحدة، وفتح الجيم، وكسر اللام. وثانيهما البجلي بفتح
الباء الموحدة وسكون الجيم، وكسر اللام.
فالأول منسوب إلى بجيلة، وهو حي من العرب. وقيل: من اليمن.
والثاني منسوب إلى بجلة، بطن من بني سليم 1.
فكل من كان نسبته معلومة من كتب الرجال، فيكون لفظ النسبة معلوما،
وكل من لم يعلم يحتمل الأمران، فمن الأول: أبان بن عثمان الأحمر، ومنه:
أبان بن محمد، على الأشهر، كما صرح به " النجاشي " 2.
البزنطي: بالباء الموحدة المفتوحة، ثم الزاي المعجمة المفتوحة، ثم النون
الساكنة، ثم الطاء المهملة المكسورة.
السبيعي: بفتح السين المهملة، وكسر الباء الموحدة، وإسكان الياء المثناة،
وكسر العين المهملة.
الحميري: بالحاء المهملة المكسورة، والميم الساكنة، والياء المثناة تحتها
المفتوحة، والراء المهملة " إيضاح " 3، وإليه ينسب إسماعيل الشاعر.
السلمي: يكون بضم السين المهملة، وإليه ينسب إسماعيل بن أبي زياد،
ويكون بفتح السين، وإليه ينسب أبو عاصم حفص.
الجندي: بالجيم المضمومة، والنون الساكنة.

(1) الصحاح 4: 1630، القاموس المحيط 3: 343، مجمع البحرين 5: 317.
(2) رجال النجاشي: 14 / 11.
(3) إيضاح الاشتباه: 325 / 791.
885

الحماني: بالحاء المهملة والميم المشددة، والنون قبل الياء المثناة تحتا، ينسب
إليه أبو العباس.
الثمالي: بضم الثاء المثلثة.
المنقري: بكسر الميم، وسكون النون، وفتح القاف، وكسر الراء المهملة.
البختري: بالباء الموحدة المفتوحة، والخاء المعجمة الساكنة، والتاء المثناة
فوقا المفتوحة، والراء المكسورة " خلاصة " ذكره في ليث بن البختري 1.
الكمنذاني: بضم الكاف وضم الميم، وإسكان النون، وفتح الذال المعجمة،
منسوب إلى الكمنذان قرية من قرى قم.
الغزالي: المعروف، مؤلف كتاب إحياء العلوم، وغيره، قال ابن خلكان:
إنه بتشديد الزاي المعجمة 2.
وفي " المصباح المنير " إنه بتخفيف الزاي المعجمة، قال: غزالة قرية من قرى
طوس، وإليها ينسب الإمام أبو حامد الغزالي، أخبرني بذلك الشيخ
مجد الدين بن محمد بن محيي الدين محمد بن أبي طاهر شروان شاه بن
أبي الفضائل فخراور بن عبد الله بن ست النساء بنت أبي حامد الغزالي ببغداد سنة
ست عشر وسبعمائة، وقال لي: أخطأ الناس في تثقيل اسم جدنا، وإنما هو
مخفف نسبته إلى الغزالة القرية المشهورة 3.
العرزمي: بفتح العين المهملة، وإسكان الراء المهملة، وفتح الزاي المعجمة
" إيضاح " 4.
النوفلي: بفتح النون " إيضاح " ذكره في ترجمة الحسن بن محمد بن سهل 5.

(1) الخلاصة: 136 / 2.
(2) وفيات الأعيان 1: 98.
(3) المصباح المنير 2: 114.
(4) إيضاح الاشتباه: 164 / 233.
(5) إيضاح الاشتباه: 146 / 174.
886

الهمداني: وهو إن كان بالدال المهملة، فهو منسوب إلى قبيلة همدان، وإن
كان بالذال المعجمة، فهو منسوب إلى بلدة معروفة في عراق العجم بناها
همذان بن الغلوج بن سام بن نوح 1.
ومن الثاني أحمد بن زياد.
الكناسي: منسوب إلى كناسة بضم الكاف، والنون، والسين المهملة
" إيضاح " 2.
الصرمي: بكسر الصاد المهملة، والميم بعد الراء المهملة الساكنة.
الصيمري: بفتح الصاد المهملة، وإسكان الياء المثناة التحتانية بعدها ميم
مضمومة، ثم الراء المهملة " خلاصة " 3. وقال ابن داود: الحق أنها بفتح الميم،
ومنسوب إلى صيمرة بلد قريب دينور، وناحية بالبصرة 4.
الجحدري: بفتح الجيم، وإسكان الحاء المهملة، وفتح الدال المهملة، والراء
المهملة المكسورة أخيرا.
الجنبلاني: بضم الجيم، وإسكان النون، وضم الباء الموحدة، والياء المثناة
أخيرا بعد نون، ينسب به الحسين بن حمدان.
البوشنجي: بضم الباء الموحدة، وفتح الشين المعجمة، وإسكان النون، وكسر الجيم، ينسب به الحسين بن أحمد بن المغيرة.
الخصيبي: بفتح الخاء المعجمة، وكسر الصاد المهملة، ثم الياء المثناة تحتا،
ثم الباء الموحدة، ينسب به الحسين بن حمدان أيضا " إيضاح " 5. وفي
" خلاصة " بضم الحاء المهملة، والضاد المعجمة، والنون بعد الياء وقبلها 6.
الصبيحي: بفتح الصاد المهملة، والباء الموحدة المكسورة، والياء المثناة تحتا

(1) انظر المصباح المنير 2: 355.
(2) إيضاح الاشتباه: 202 / 334.
(3) الخلاصة: 17 / 24. واسمه: أحمد بن إبراهيم.
(4) رجال ابن داود: 22.
(5) إيضاح الاشتباه: 160 / 217.
(6) الخلاصة 152 / 70، واسمه: محمد بن إبراهيم.
887

والحاء المهملة، ينسب به أبو جعفر حمدان المعاف.
الطفاوي: بضم الطاء المهملة، وبعدها فاء، والواو المكسورة بعد الألف،
ينسب به الحسين بن راشد.
الدغشي: بالدال المهملة المضمومة، والغين والشين المعجمتين.
الشغريري: بفتح الشين المعجمة، وكسر الغين المعجمة، والراء قبل الياء
المثناة وبعدها " إيضاح " 1.
الطاطري: بفتح الطائين المهملتين " إيضاح " 2.
السكوني: بفتح السين المهملة، وضم الكاف " إيضاح " 3.
النرسي: بالنون المفتوحة، والراء والسين المهملتين.
والنرس قرية بالعراق.
العبرتايي: بالعين المهملة المفتوحة، والباء الموحدة، والراء المهملة، والتاء
المثناة فوقا، والياء المثناة تحتها بعد الألف، ثم ياء ثانية، ينسب إليه أحمد بن هلال.
العجلي: رأيت في بعض النسخ الصحيحة بخط بعض الفضلاء معربة
بفتح العين والجيم.
النهمي: بكسر النون، والهاء المكسورة، والميم المكسورة " إيضاح " 4. وفي
" الخلاصة " بكسر النون، وإسكان الهاء. وكذا في رجال " ابن طاوس "
و " ابن داود " 5.
الجعفي: في القاموس: ككرسي 6.
الكليني: بضم الكاف وتخفيف اللام، منسوب إلى كلين قربة من قرى ري،

(1) إيضاح الاشتباه: 83 / 8.
(2) إيضاح الاشتباه: 218 / 389.
(3) إيضاح الاشتباه: 89 / 25.
(4) إيضاح الاشتباه: 85 / 15.
(5) الخلاصة: 5 / 11، واسمه: إبراهيم بن سليمان، رجال ابن داود: 15، ولم نجده في رجال
ابن طاوس.
(6) القاموس المحيط 3: 127.
888

ونحوه في بعض لغات الفرس. وحكي عن الشهيد الثاني: أنه ضبطه في إجازته
لعلي بن حارث الحايري، الكليني: بتشديد اللام 1. وفي القاموس: كلين كأمير:
قرية بالري منها محمد بن يعقوب بن فقهاء الشيعة 2.
أقول القرية موجودة الآن في الري في قرب الوادي المشهور بوادي
الكرج، وعبرت من قربه، ومشهورة عند أهلها وأهل تلك النواحي
جميعا بكلين بضم الكاف وفتح اللام المخففة. وفيها قبر الشيخ يعقوب
والد محمد.
السمري: وهو أبو الحسن علي بن محمد، من نواب صاحب الأمر عليه السلام،
بالسين المهملة المفتوحة، والميم المضمومة، والراء المهملة. وقيل: بالسين
المكسورة، والميم المكسورة المشددة " إيضاح " 3.
الجلودي: قال في " الخلاصة " في أحمد الصولي: صحب الجلودي،
بالجيم المفتوحة، واللام الساكنة، والواو المفتوحة. وقيل: بضم اللام، وإسكان
الواو، والدال غير المعجمة 4.
وفى " الإيضاح " باللام المضمومة، والواو الساكنة. وكذا في " رجال
ابن داود " 5.
وقال في " الإيضاح " في أحمد الجلودي: بضم الجيم، وضم اللام،
وإسكان الواو 6.
وفى " الصحاح ": الجلودي بفتح اللام، وهو منسوب إلى الجلود قرية من

(1) كذا في جميع النسخ. والصحيح: الشهيد الأول في إجازته لعلي بن خازن. راجع البحار 104:
187 صورت إجازة الشهيد لعلي بن خازن الحايري.
(2) القاموس المحيط 4: 265.
(3) إيضاح الاشتباه: 221 / 401.
(4) الخلاصة: 17 / 23.
(5) إيضاح الاشتباه: 244 / 493، رجال ابن داود: 39، وفيه الجلودي كالعروضي.
(6) إيضاح الاشتباه: 101 / 61، وفيه الجلودي، بفتح الجيم.
889

قرى إفريقية، ولا تقل الجلودي بالضم 1.
وقال في القاموس: وكقبول قرية بالأندلس، وأما الجلودي راوية مسلم،
فبالضم لا غير، ووهم الجوهري في قوله: ولا تقل الجلودي أي بالضم 2.
وفي " الإيضاح " أيضا: عبيد بن عبد العزيز بن يحيى بن أحمد بن عيسى
الجلودي بضم الجيم، وضم اللام، وإسكان الواو، والدال المهملة 3.
البكائي: بفتح الباء الموحدة، وتخفيف الكاف، كذا في شرح ابن ميثم 4.
وفى " التقريب " بكسر الموحدة 5.
الغافقي: بالغين المعجمة، والفاء، والقاف.
الغساني: بالغين المعجمة، والسين المهملة المشددة، والنون بعد الألف.
الطبرناني: بالطاء المهملة، والباء الموحدة، والراء المهملة، والنون قبل
الألف وبعدها.
النجاشي: ملك الحبشة، بفتح النون، وتشديد الجيم، والشين المعجمة،
كذا في " جامع الأصول " 6.
النخعي: بالنون، والخاء المعجمة، والعين المهملة. وفى " القاموس "
النخع محركة: أبو قبيلة باليمن 7.
الكندي: بكسر الكاف ثم النون الساكنة، منسوب إلى كندة، أبي حي من
اليمن.
الخثعمي: بالخاء المعجمة، والثاء المثلثة، منسوب إلى خثعم كجعفر.

(1) الصحاح 2: 459.
(2) القاموس المحيط 1: 294.
(3) إيضاح الاشتباه: 244 / 493.
(4) شرح ابن ميثم 3: 383.
(5) تقريب التهذيب 2: 309.
(6) جامع الأصول 2: 956. وفيه: النجاشي: بفتح النون وتخفيف.
(7) القاموس المحيط 3: 90.
890

القتيبي: بضم القاف، وفتح المثناة الفوقانية، وإسكان المثناة التحتانية،
والباء الموحدة.
الأحمسي: بالحاء والسين المهملتين.
البراني: بضم الباء الموحدة، وبعدها راء مهملة، وبعد الألف نون.
الكفرثوثي: في " الإيضاح " بفتح الكاف والفاء، وإسكان الراء، وضم
المثلثة، وكفرثوث قرية بخراسان 1.
وفى " رجال ابن داود ": بالفاء المفتوحة. وقيل: الساكنة والراء، والمثناة
الفوقانية، ثم المثلثة، ومن أصحابنا من صحفه فتوهمه بالمثلثتين. والحق الأول،
قرية بخراسان 2.
وفي كتاب " أدب المكاتب " لابن قتيبة: كفرتوثي، وساكنة الفاء ولا تفتح،
بالمثناة الفوقانية أولا، ثم المثلثة 3.
النهدي: بالنون المفتوحة والدال المهملة.
الحبري: بكسر الحاء.
تستري: بالمثناتين من فوق، الأولى مضمومة والثانية مفتوحة بينهما سين
مهملة ساكنة. وتستر مدينة مشهورة بخوزستان.
البترية: بالباء الموحدة أولا، أصحاب كثير النوى، قال لهم زيد بن علي:
بترتم أمرنا بتركم الله 4.
الضبيعي: بالضاد المعجمة، مصغرا.
الجزري: بالجيم المفتوحة، ثم المعجمة، ثم المهملة.
الجواني: بفتح الجيم، وتشديد الواو، ثم النون.

(1) إيضاح الاشتباه: 82 / 5.
(2) رجال ابن داود: 48.
(3) أدب الكاتب لابن قتيبة: 330.
(4) رجال الكشي 3: 236.
891

المرعشي: فتح الميم وكسر العين المهملة.
البزوفري: نسبة إلى بزوفر قرية بطبرستان.
العنزي: بالمهملة المفتوحة، والنون المفتوحة، والمعجمة.
الهذلي: بضم الهاء، وفتح الذال المعجمة، ذكره البهائي في أربعينه 1.
القطر نبلي: بالقاف المضمومة، والنون المضمومة بعد الراء المهملة، وبعدها
الباء الموحدة، قرية بحد آمل، كذا في حاشية رجال الكبير 2.
وفي القاموس:
بالضم، وتشديد الباء الموحدة أو تخفيفها، وتشديد اللام 3.
الغفاري: بكسر الغين المعجمة، وتخفيف الفاء.
الأرجاني: بالراء والجيم، قال ابن خلكان: بفتح الهمزة وتشديد
الراء، وفتح الجيم، والنون بعد الألف 4. وأكثر الناس يقولون: إنها بالراء
المخففة. واستعملها المتنبي في شعره بالراء المخففة 5. وحكى في الصحاح بتشديد
الراء 6.
الرساني: بالراء والسين المهملة المشددة.
النهيكي: بالنون قبل الهاء، والياء المثناة التحتانية.
الأبلي: منسوب إلى أبلة بالضم، وتشديد اللام.
الظفري: بالمعجمة والفاء المفتوحتين.
شمشاطي: بالمعجمتين المفتوحتين.
السوسنجزدي: بالمهملتين بينهما واو، والنون والجيم، والزاي المعجمة،

(1) الأربعين: 200 ح 32.
(2) حاشية منهج المقال للوحيد: 202 - 201.
(3) القاموس المحيط 4: 39.
(4) وفيات الأعيان 1: 154.
(5) الخلاصة: 133 / 3، وفيات الأعيان 1: 155.
(6) الصحاح 1: 298.
892

والدال المهملة " خلاصة " 1. وفي " رجال ابن داود " الراء عوض الزاي 2.
الجاموراني: بالجيم، والميم المضمومة، والراء المهملة.
النعماني: بالنون المضمومة.
الشلمغاني: بالشين والغين المعجمتين، يعرف بابن العزاقر، بالعين المهملة
والزاي المعجمة، والقاف والراء.

(1) الخلاصة: 143 / 31، 161 / 155 واسمه: البو الحسن.
(2) رجال ابن داود: 299.
893