الكتاب: الحدائق الناضرة
المؤلف: المحقق البحراني
الجزء: ٩
الوفاة: ١١٨٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق : محمد تقي الإيرواني
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية - قم المقدسة
ردمك:
ملاحظات:

كتاب
الحدائق الناضرة
في
أحكام العترة الطاهرة
تأليف
العالم البارع الفقيه المحدث الشيخ يوسف البحراني قدس سره
المتوفى سنة 1186 هجرية
حققه وعلق عليه
محمد تقي الإيرواني
الجزء التاسع
قام بنشره
منشورات
جماعة المدرسين في الحوزة العلمية
في قم المقدسة
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله أجمعين.
المقصد الثاني
في ما يلحق الصلاة من قواطعها وسهوها وشكوكها، وتفصيل الكلام فيه
يتوقف على بسطه في مطالب:
(الأول) - في قواطعها، ومنها ما يقطعها عمدا وسهوا على الخلاف الآتي
ومنها ما لا يقطعها إلا عمدا، ومنها ما يكون الأفضل تركه وإن لم يقطعها، واطلاق
القطع عليه تجوز باعتبار قطع فضلها، فههنا مقامات ثلاثة:
(الأول) - في ما يقطعها عمدا وسهوا، لا خلاف بين الأصحاب (رضوان
الله عليهم) في بطلان الصلاة بترك الطهارة عمدا أو سهوا، والظاهر أن الحكم
المذكور اجماعي نصا وفتوى،
وكذا لا خلاف في بطلانها بمبطلات الطهارة من
حدث أكبر أو أصغر إذا كان عن عمد،، نقل الاجماع على ذلك جماعة من الأصحاب:
منهم - العلامة. إلا أن الظاهر من كلام ابن بابويه - كما سيأتي إن شاء الله تعالى في
مسألة من ترك ركعتين من الصلاتين ساهيا فإنه يأتي بهما وإن بلغ الصين - خلافه
2

ويمكن الحاق هذا الفرد بالسهو أيضا على نحو مسألة من تكلم في الصلاة عامدا بعد
التسليم بناء على تمام صلاته ثم ظهر نقصانها فإنه يتمها وتكون صلاته صحيحة فلا
يخالف الاجماع المدعى في المقام.
إنما الخلاف في ما لو أحدث ساهيا، فأقول المشهور البطلان بل ادعى عليه
العلامة في التذكرة الاجماع فقال إنه مبطل للصلاة اجماعا. وقال في النهاية لو
شرع متطهرا ثم أحدث ذاكرا للصلاة أو ناسيا لها بطلت صلاته اجماعا إذا كان
عن اختياره، ونسبه المحقق في المعتبر إلى الخمسة. إلا أن كلام الأصحاب (رضوان
الله عليهم) هنا لا يخلو من اجمال، فإن ظاهر كلامهم أن محل الخلاف في المسألة من
أحدث في صلاته ساهيا، والمتبادر من هذا أنه أحدث بانيا على أنه ليس في الصلاة
بل سها عن كونه فيها، فهو في الحقيقة متعمد للحدث لكنه ساه عن الصلاة كمن
تكلم في الصلاة ساهيا، فإن كلامه وإن كان عن تعمد إلا أنه سها عن كونه في
الصلاة، مع أن القول المنقول عن المرتضى والشيخ في هذا المقام وهو إعادة الوضوء
والبناء إنما هو في من سبقه الحدث أي خرج منه من غير اختياره، قال في المنتهى
أما الناسي إذا سبقه الحدث فإن أكثر أصحابنا أو جبوا عليه الاستئناف بعد الطهارة،
وقال الشيخ في الخلاف والسيد المرتضى في المصباح إذا سبقه الحدث ففيه روايتان
وهكذا عبائر من نقل عنهما ذلك، والظاهر أن مرجع الجميع إلى أمر واحد وهو
من أحدث غير متعمد لذلك في الصلاة إما بأن يسبقه من غير اختياره أو بأن يسهو
عن كونه في الصلاة. وقد تقدم مذهب الشيخين في باب التيمم من تخصيص
الحكم بالمتيمم إذا أحدث في الصلاة لا عن عمد ثم وجد الماء فإنه يتوضأ ويبني.
وكيف كان فالواجب الرجوع إلى ما ورد في المسألة من الأخبار عنهم (عليهم
السلام) وبيان ما يفهم منها في المقام:
فنقول أما ما يدل على القول المشهور فمنه ما ذكره جملة من الأصحاب وهو
أن الطهارة شرط في صحة الصلاة فيكون انتفاؤها موجبا لانتفاء الصلاة قضية للشرطية
3

ومنه - رواية أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) (1)
أنهما كانا يقولان: " لا يقطع الصلاة إلا أربعة: الخلاء والبول والريح والصوت "
رواه الكليني عنه في الموثق.
وما رواه الشيخ عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال
" سئل عن الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حب القرع كيف يصنع؟ قال إن كان خرج نظيفا من العذرة فليس عليه شئ ولم ينقض وضوءه، وإن
خرج متلطخا بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء وإن كان في صلاته قطع الصلاة وأعاد
الوضوء والصلاة ".
وما رواه الشيخ عن الحسن بن الجهم (3) قال: " سألت أبا الحسن (عليه
السلام) عن رجل صلى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة؟ قال إن كان
قال: " أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله " فلا
يعيد وإن كان لم يتشهد قيل إن يحدث فليعد ".
وما رواه في قرب الإسناد عن علي بن جعفر (4) ونحوه في كتاب المسائل
عن أخيه (عليه السلام) (5) قال: " سألته عن رجل يكون في صلاته فيعلم أن
ريحا قد خرجت منه ولا يجد ريحا ولا يسمع صوتا؟ قال يعيد الوضوء والصلاة
ولا يعتد بشئ مما صلى إذا علم ذلك يقينا ".
ويعضده أيضا رواية أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6)
قال: " سألته عن الرجل يخفق وهو في الصلاة فقال إن كان لا يحفظ حدثا منه إن كان
فعليه الوضوء وإعادة الصلاة وإن كان يستيقن أنه لم يحدث فليس عليه وضوء ولا إعادة
وما رواه في التهذيب عن الحسين بن حماد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (7)

(1) الوسائل الباب 1 من قواطع الصلاة.
(2) الوسائل الباب 5 من نواقض الوضوء.
(3) الوسائل الباب 1 من قواطع الصلاة.
(4) الوسائل الباب 1 من قواطع الصلاة.
(5) الوسائل الباب 1 من قواطع الصلاة.
(6) الوسائل الباب 3 من نواقض الوضوء.
(7) الوسائل الباب 1 من قواطع الصلاة.
4

قال: " إذا أحس الرجل أن بثوبه بللا وهو يصلي فليأخذ ذكره بطرف ثوبه فيمسحه
بفخذه فإن كان بللا يعرف فليتوضأ وليعد الصلاة وإن لم يكن بللا فذلك من
الشيطان، أقول يجب حمله على ما إذا لم يستبرئ قبل وضوئه.
وأورد على الدليل الأول أن المعتبر عدم وقوع شئ من أجزاء الصلاة بدون
الطهارة وأما اشتراط عدم تخلل الحدث في الأثناء فممنوع.
وفيه أن الصلاة ليست عبارة عن تلك الأجزاء بالخصوص من قراءة وركوع
وسجود ونحوها بل هي عبارة عن ذلك وعن ما بينها من الانتقالات لقولهم (عليهم
السلام) في ما تقدم (1) من الأخبار، تحريمها التكبير وتحليلها التسليم، وجواز
بعض الأفعال الخارجة عنها في أثنائها لدليل كغسل الرعاف ونحوه لا يستلزم جواز
ما لا دليل عليه.
وأورد على الأخبار الطعن بضعف السند وهو على ما عرفت من طريقتنا
غير واضح ولا معتمد، وبالجملة فالرواة المذكورة ظاهرة في القول المذكور تمام
الظهور إلا أنها معارضة بما هو أصح سندا وأكثر عددا من أخبار القولين الآخرين
وها أنا أسوق لك جملة ما وقفت عليه من أخبار المسألة زيادة على ما تقدم
وأبين الوجه فيها بما اتضح لي دليله وظهر لي سبيله.
فأقول - وبالله التوفيق - من الأخبار المشار إليها ما رواه الشيخ في الصحيح
عن الفضيل بن يسار (2) قال: " قلت لأبي جعفر (عليه السلام) أكون في الصلاة
فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا؟ فقال انصرف ثم توضأ وابن علي ما مضى
من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمدا، فإن تكلمت ناسيا فلا شئ
عليك فهو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسيا. قلت فإن قلب وجهه عن القبلة؟ قال
نعم وإن قلب وجهه عن القبلة، قال المرتضى (رضي الله عنه) على ما نقل عنه: لو لم
يكن الأذى والغمز ناقضا لم يأمره بالانصراف.

(1) ج 8 ص 478.
(2) الوسائل الباب 1 من قواطع الصلاة.
5

وما رواه الشيخ عن أبي سعيد القماط (1) قال: " سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله
(عليه السلام) عن رجل وجد غمزا في بطنه أو أذى أو عصرا من البول وهو في الصلاة
المكتوبة في الركعة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة؟ قال فقال إذا أصاب
شيئا من ذلك فلا بأس أن يخرج لحاجته تلك فيتوضأ ثم ينصرف إلى مصلاه الذي
كان يصلي فيه فيبني على صلاته من الموضع الذي خرج منه لحاجته ما لم ينقض الصلاة
بكلام. قال قلت وإن التفت يمينا وشمالا أو ولى عن القبلة؟ قال نعم كل ذلك
واسع إنما هو بمنزلة رجل سها فانصرف في ركعة أو ركعتين أو ثلاث من المكتوبة
فإنما عليه أن يبني على صلاته ".
وما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (2) قال:
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه وهو يستطيع أن
يصبر عليه أيصلي على تلك الحال أو لا يصلي؟ قال فقال إن احتمل الصبر ولم يخف
اعجالا عن الصلاة فليصل وليصبر " ومفهومه أنه لو لم يستطع الصبر فإنه يجوز له
القطع، وأما أنه بعد القطع ما حكمه فالخبر بحمل في ذلك.
ونحو ذلك قوله (عليه السلام) في كتاب الفقه الرضوي (3) " وإن كنت
في الصلاة فوجدت غمزا فانصرف إلا أن يكون شيئا تصبر عليه من غير
اضرار بالصلاة ".
ويعضد ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ومحمد بمسلم عن أحدهما
(عليهما السلام) (4) قال: " قلت له رجل دخل في الصلاة وهو متيمم فصلى ركعة
ثم أحدث فأصاب الماء؟ قال يخرج ويتوضأ ثم يبني على ما مضى من صلاته
التي صلى بالتيمم ".
وفي الصحيح عن زرارة (5) قال: " قلت له رجل دخل في الصلاة وهو

(1) الوسائل الباب 1 من قواطع الصلاة
(2) الوسائل الباب 8 من قواطع الصلاة، والمسؤول في كتب الحديث هو أبو الحسن (ع).
(3) ص 7.
(4) الوسائل الباب 1 من قواطع الصلاة
(5) الوسائل الباب 1 من قواطع الصلاة
6

متيمم فصلى ركعة وأحدث فأصاب ماء؟ قال يخرج ويتوضأ ويبني على ما مضى من
صلاته التي صلى بالتيمم ".
وهذان الخبران وإن كان موردهما التيمم خاصة إلا أنهما دالان على أن وقوع
الحدث في الصلاة غير مبطل كما هو القول المشهور.
ويزيده تأييدا أيضا ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح أو الحسن بإبراهيم
ابن هاشم عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) " في الرجل يحدث بعد
أن يرفع رأسه من السجدة الأخيرة وقبل أن يتشهد؟ قال ينصرف فيتوضأ
فإن شاء رجع إلى المسجد وإن شاء ففي بيته وإن شاء حيث شاء يقعد فيتشهد ثم
يسلم، وإن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته ".
وما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة (2) قال " قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام) الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير؟ قال تمت صلاته
وإنما التشهد سنة في الصلاة فيتوضأ ويجلس مكانه أو مكانا نظيفا فيتشهد ".
وما رواه الكليني عن عبيد بن زرارة في الموثق عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (3) قال: " سألته عن رجل صلى الفريضة فلما فرغ ورفع رأسه من
السجدة الثانية من الركعة الرابعة أحدث؟ فقال أما صلاته فقد مضت وبقي التشهد
وإنما التشهد سنة في الصلاة فليتوضأ وليعد إلى مجلسه أو مكان نظيف فيتشهد ".
وهذه الأخبار وإن كان موردها خاصا بالحدث قبل التشهد الأخير إلا أنه
لا خلاف في وجوب التشهد وأنه جزء من الصلاة وحينئذ فيكون الحدث واقعا
في الصلاة وغير مبطل لها خلافا للمشهور كما عرفت.
وظاهر الصدوق القول بهذه الأخبار الأخيرة حيث قال في الفقيه: إن

(1) الوسائل الباب 13 من التشهد.
(2) الوسائل الباب 13 من التشهد. وفي الوسائل " عبيد بن زرارة " وفي التهذيب
ج 1 ص 226 والوافي باب " الحدث والنوم في الصلاة " كما هنا.
(3) الوسائل الباب 13 من التشهد.
7

رفعت رأسك من السجدة الثانية في الركعة وأحدثت فإن كنت قد قلت
الشهادتين فقد مضت صلاتك وإن لم تكن قلت ذلك فقد مضت صلاتك فتوضأ ثم
عد إلى مجلسك فتشهد. انتهى. قال شيخنا المجلسي (قدس سره) في البحار: ويشمل
ظاهر كلامه العمد أيضا ولا يخلو من قوة. انتهى.
أقول - وبالله التوفيق والهداية إلى سواء الطريق - لا يخفى أن الأخبار المتقدمة
التي هي مستند القول المشهور وإن ضعف سندها فإنها هي الأوفق بالقبول والمطابقة
للقواعد الشرعية والأصول مضافا إلى الاحتياط المطلوب في الدين لذوي الألباب
والعقول، وأن ما سواها وإن صح سندها بهذا الاصطلاح المحدث إلا أنها لا تخلو
من الخلل والقصور الزائد ذلك على ما فيها من المخالفة لأخبار القول المشهور.
فأما صحيحة الفضيل بن يسار فلا دلالة فيها على محل البحث، فإن ظاهرها
إنما هو من وجد في بطنه تلك الأشياء من غمز أو أذى أو ضربان وشى، من هذه
الأشياء ليس بحدث أصلا اتفاقا، وليس في سؤاله أنه أحدث فأمره (عليه السلام)
بالانصراف عن الصلاة في تلك الحال وبقضاء الحاجة ثم الوضوء والبناء. وأما
جواب صاحب المدارك عن ذلك بأن التعبير عن قضاء الحاجة بالانصراف شائع ليس
في محله، فإن هذا الكلام إنما هو من الإمام (عليه السلام) ومحل الاشكال إنما هو
في السؤال حيث لم يتضمن وقوع الحدث بالفعل وإنما تضمن وقوع هذه الأوجاع
الناشئة من حبس الغائط. ومثله في ما ذكرناه خبر القماط.
نعم لقائل أن يقول إنه يمكن حمل الخبرين المذكورين على من حصل له شئ،
من هذه الأمور المذكورة على وجه يخاف مبادرة الحدث وعدم إمكان اتمام الصلاة
فإنه يجوز له قطع الصلاة وقضاء الحاجة والوضوء ثم البناء على ما فعل. ويشهد
لذلك ما ذكرناه من صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج وكلامه (عليه السلام) في الفقه
فإنهما وإن كانا مطلقين بالنسبة إلى العود والبناء إلا أنه ممكن حمل اطلاقهما على ما دل
عليه الخبران المذكوران من العود بعد القطوع والبناء وتكون هذه الروايات دالة على
8

هذا الحكم وإن لم يقل به أحد من الأصحاب.
وكيف كان فالخبران المذكوران بناء على ما ذكرناه خارجان عن فرض المسألة
نعم فيهما دلالة على بطلان الصلاة بتخلل الحدث، والأظهر عندي حملهما على
التقية (1) التي هي في الأحكام الشرعية أصل كل بلية. على أن فيهما أيضا اشكالا
من وجه آخر وهو ما تضمناه من الفرق بين الكلام متعمدا وبين الاستدبار وأن
الصلاة تبطل بالأول دون الثاني وهو خلاف ما دلت عليه الأخبار وكلمة الأصحاب
من غير خلاف يعرف.
وأما صحيحتا زرارة الواردتان بالنسبة إلى المتيمم فقد تقدم البحث فيهما
في باب التيمم، وقد تقدم (2) في كلام المحقق الشيخ حسن في المنتقى حمل الخبرين
المذكورين على معنى لا يخالف الأخبار المتقدمة، وملخصه أن المراد بالصلاة في
قوله " يبني على ما مضى من صلاته "، هي الصلاة التي صلاها بالتيمم تامة قبل هذه
الصلاة التي أحدث فيها، ومرجعه إلى أن هذه الصلاة قد بطلت بالحدث وأنه
يخرج ويتوضأ من هذا الماء الموجود ولا يعيد ما صلى بهذا التيمم وإن كان في
الوقت، قال: ويكون قوله (عليه السلام) في آخر الكلام: " التي صلى
بالتيمم " قرينة قوية على إرادة هذا المعنى، فيكون مفاد الخبرين حينئذ عدم
وجوب إعادة الصلاة الواقعة بالتيمم بعد وجدان الماء، وهو معنى
صحيح وارد في أخبار كثيرة مضى بعضها. انتهى. وهو جيد وبه ينطبق
الخبران المذكوران على مقتضى الأصول الشرعية والقواعد المرعية مع قرب
احتمال التقية (3).
وأما الأخبار الأخيرة الدالة على صحة الصلاة مع حصول الحدث بعد السجدة
الأخيرة وقبل التشهد فقد تقدم البحث فيها في فصل التشهد.

(1) ارجع إلى التعليقة 1 ص 448 ج 8 والتعليقة 1 ص 387 ج 4.
(2) ج 4 ص 392.
(3) ارجع إلى التعليقة 1 ص 448 ج 8 والتعليقة 1 ص 387 ج 4.
9

وبالجملة فإن التمسك بذيل الاحتياط في أمثال هذه الأحكام طريق النجاة.
والله العالم.
(المقام الثاني) - في ما يبطلها عمدا، قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان
الله عليهم) بأن كل من أخل بواجب من واجبات الصلاة عمدا أو جهلا من أجزاء
الصلاة كالقراءة والركوع والسجود أو صفاتها كالطمأنينة في حال القراءة مثلا أو
شرائطها كالوقت والاستقبال وستر العورة بطلت صلاته، قالوا وهذه كلية ثابتة
في جميع مواردها عدا الجهر والاخفات فإن الجاهل يعذر فيهما كما تقدم
في فصل القراءة.
وههنا أشياء قد صرح بها الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذا الباب لا بد
من ذكرها تفصيلا والكلام فيها تحقيقا ودليلا:
(الأول) - وضع اليمين على الشمال حال القيام فوق السرة أو تحتها وهو
المسمى بالتكتف والتكفير.
وقد اختلف الأصحاب هنا في موضعين: (الموضع الأول) في حكمه فالمشهور
بين الأصحاب التحريم بل نقل المرتضى والشيخ عليه اجماع الفرقة، ونقل عن
ابن الجنيد أنه جعل تركه مستحبا وعن أبي الصلاح أنه جعل فعله مكروها واختاره
المحقق في المعتبر.
واستدل على القول المشهور بالاجماع المنقول، وبالاحتياط، وبأن أفعال
الصلاة متلقاة من الشرع ولا شرع هنا، وبأنه فعل كثير خارج عن الصلاة.
وبما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما السلام) (1)
قال: " قلت الرجل يضع يده في الصلاة وحكى اليمنى على اليسرى، قال ذلك
التكفير فلا تفعل ".
وعن حريز عن رجل عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال " لا تكفر إنما

(1) الوسائل الباب 15 من قواطع الصلاة
(2) الوسائل الباب 15 من قواطع الصلاة
10

يصنع ذلك المجوس، ونحوه قوله (عليه السلام) في حسنة زرارة المتقدمة في صدر
الباب (1) " ولا تكفر فإنما يفعل ذلك المجوس ".
أقول: ويدل عليه أيضا ما رواه في الخصال عن أبي بصير ومحمد بن مسلم
عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) (2) قال: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام)
لا يجمع المؤمن يديه في صلاته وهو قائم بين يدي الله عز وجل يتشبه بأهل
الكفر يعني المجوس ".
وروى في دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (3) أنه قال:
" إذا كنت قائما في الصلاة فلا تضع يدك اليمنى على اليسرى ولا اليسرى على اليمنى
فإن ذلك تكفير أهل الكتاب ولكن أرسلهما إرسالا فإنه أحرى أن لا تشغل
نفسك عن الصلاة ".
وروى الحميري في قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر
عن أخيه موسى (عليه السلام) (4) قال: " قال علي بن الحسين (عليه السلام)
وضع الرجل إحدى يديه على الأخرى في الصلاة عمل وليس في الصلاة عمل ".
وروى علي بن جعفر في كتابه عن أخيه (عليه السلام) (5) قال: " سألته
عن الرجل يكون في صلاته أيضع إحدى يديه على الأخرى بكفه أو ذراعه؟
قال لا يصلح ذلك فإن فعل فلا يعود له. قال على قال موسى (عليه السلام) سألت
أبي جعفر (عليه السلام) عن ذلك فقال أخبرني أبي محمد بن علي عن أبيه على
ابن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب (عليهم السلام)
قال ذلك عمل وليس في الصلاة عمل ".
قال بعض مشايخنا (قدس الله أسرارهم) " ليس في الصلاة عمل " أي لا ينبغي

(1) ج 8 ص 10
(2) الوسائل الباب 15 من قواطع الصلاة
(3) مستدرك الوسائل الباب 14 من قواطع الصلاة.
(4) الوسائل الباب 15 من قواطع الصلاة
(5) البحار ج 4 ص 155 وفي الوسائل الباب 15 من قواطع الصلاة.
11

أن يعمل في الصلاة عمل غير أفعال الصلاة أو هو بدعة ولا يجوز الابتداع فيها أو هو
فعل كثير كما فهمه بعض الأصحاب.
قال المحقق في المعتبر: الوجه عندي الكراهة أما التحريم فيشكل لأن الأمر
بالصلاة لا يتضمن حال الكفين فلا يتعلق بها تحريم لكن الكراهة من حيث هي
مخالفة لما دل عليه الأحاديث من استحباب وضعهما على الفخذين. واحتجاج علم
الهدى بالاجماع غير معلوم لنا وخصوصا مع وجود المخالف من أكابر الفضلاء.
والتمسك بأنه فعل كثير في غاية الضعف لأن وضع اليدين على الفخذين ليس بواجب
ولم يتناول النهي وضعهما في موضع معين فكان للمكلف وضعهما كيف شاء، وأما
احتجاج الطوسي (قدس سره) بأن أفعال الصلاة متلقاة (قلنا) حسن لكن كما لم
يثبت تشريع وضع اليدين لم يثبت تحريم وضعهما فصار للمكلف وضعهما كيف شاء
وعدم تشريعه لا يدل على تحريمه لعدم دلالة التحريم. وقوله الاحتياط يقتضي
ترك ذلك (قلنا) متى؟ إذ لم يوجد ما يدل على الجواز أم إذا وجد، لكن الأوامر
المطلقة بالصلاة دالة باطلاقها على عدم المنع (قوله) عندنا تكون الصلاة باطلة
(قلنا) لا عبرة بقول من يبطل إلا مع وجود ما يقتضي البطلان أما الاقتراح فلا
عبرة به. وأما الرواية فظاهرها الكراهة لما تضمنت من قوله " يتشبه بالمجوس،
وأمر النبي (صلى الله عليه وآله) بمخالفتهم ليس على سبيل الوجوب لأنهم قد
يفعلون الواجب من اعتقاد الإلهية وأنه فاعل الخير فلا يمكن حمل الحديث على
ظاهره، فإذن ما قاله الشيخ أبو الصلاح من الكراهة أولى. انتهى.
قال في المدارك بعد نقله: وهو جيد لكن في اقتضاء التشبيه ظهور الرواية
في الكراهة نظر، مع أن رواية محمد بن مسلم المتضمنة للنهي خالية من ذلك.
وبالجملة فحمل النهي على الكراهة مجاز لا يصار إليه إلا مع القرينة وهي منتفية فإذن
المعتمد التحريم دون الابطال. انتهى. ومنه يعلم قول ثالث في المسألة أيضا وهو
التحريم بغير ابطال، وإلى هذا القول أشار جده (قدس الله روحهما) في الروض
12

ورده بأنه أحداث قول ثالث مخالف لما أجمع عليه الفريقان.
وقال الشهيد في الذكرى بعد نقل كلام المحقق: قلت في بعض كلامه (قدس سره)
مناقشة وذلك لأنه قائل في كتبه بتحريمه وابطاله الصلاة، والاجماع وإن لم نعلمه فهو
إذا نقل بخبر الواحد حجة عند جماعة من الأصوليين. وأما الروايتان فالنهي فيهما
صريح وهو للتحريم على ما اختاره معظم الأصوليين، وخلاف العين لا يقدح
في الاجماع، ولا تشبه بالمجوس فيما لم يدل دليل على شرعيته حرام وأين الدليل الدال
على شرعية هذا الفعل؟ والأمر بالصلاة مقيد بعدم التكفير الثابت في الخبرين
المعتبري الاسناد الذين عمل بهما الأصحاب (رضوان الله عليهم) فحينئذ الحق
ما صار إليه الأكثر وإن لم يكن اجماعا. انتهى. وجرى على نحوه الشهيد الثاني
في الروض أيضا.
أقول: ما ذكره الشهيدان (قدس الله سرهما) بالنسبة إلى الاجماع هو الأنسب
بالقواعد الأصولية وما ذكره المحقق (قدس سره) هو الأوفق بالتحقيق.
بقي الكلام في الروايات التي قدمناها مما ذكروه وما لم يذكروه ولا ريب أن
مقتضى صيغة النهي فيها هو التحريم إلى أن يقوم ما يوجب صرفه عن حقيقته،
إلا أن عده في رواية حريز وصحيحة زرارة (1) في سياق جملة من المكروهات مما
يثمر ظنا بكونه كذلك لقوله في الأولى، لا تكفر إنما يصنع ذلك المجوس ولا تلثم
ولا تحتفز ولا تقع على قدميك ولا تفترش ذراعيك، وقوله في الثانية " إذا قمت في الصلاة
فعليك بالاقبال على صلاتك فإنما يحسب لك منها ما أقبلت عليه ولا تعبث فيها بيدك
ولا برأسك ولا بلحيتك ولا تحدث نفسك ولا تتثأب ولا تتمط ولا تكفر فإنما
يفعل ذلك المجوس، ولا تلثم ولا تحتفز ولا تفرج كما يتفرج البعير ولا تقع
على قدميك ولا تفترش ذراعيك ولا تفرقع أصابعك فإن ذلك نقصان في
الصلاة (2) الحديث، ولا ظاهر أن قوله، نقصان في الصلاة، راجع إلى كل من هذه

(1) ص 10 و 11
(2) لفظ الحديث في فروع الكافي ج 1 ص 82 والوافي باب
(الاقبال على الصلاة) والوسائل هكذا " فإن ذلك كله نقصان من الصلاة "
13

الأشياء المذكورة وهو مؤيد للحمل على الكراهة، وإلى ذلك أيضا يشير قوله
(عليه السلام) في رواية علي بن جعفر المنقولة من كتابه (1) بعد قوله " لا يصلح
ذلك " " فإن فعل فلا يعود له " فإنه مؤذن بالكراهة أيضا.
وبالجملة فإن المسألة لا تخلو من شوب تردد وإن كان القول بالتحريم كما ذهب
إليه في المدارك لا يخلو من قوة. والله العالم.
(الثاني) - في تفسيره، والتكفير في اللغة هو الخضوع وأن ينحني الانسان
ويطأطئ رأسه قريبا من الركوع كما يفعله من يريد تعظيم صاحبه، ففي القاموس
فسره بأن يخضع الانسان لغيره. وفي النهاية الأثيرية هو أن ينحني الانسان..
إلى آخر ما ذكر.
وقد اختلف الأصحاب في تفسيره، فالفاضلان على أنه عبارة عن وضع اليمين
على الشمال وقيده العلامة في المنتهى والتذكرة بحال القراءة. وقال الشيخ لا فرق
بين وضع اليمين على الشمال وبالعكس وتبعه ابن إدريس والشهيدان، ويدل على هذا
القول ما تقدم من رواية صاحب كتاب دعائم الاسلام وهو ظاهر روايتي علي بن
جعفر المتقدمتين أيضا وبه يظهر قوة القول المذكور.
قال بعض مشايخنا المتأخرين: والظاهر أنه لا فرق في الكراهة أو التحريم
بين أن يكون الوضع فوق السرة أو تحتها وبين أن يكون بينهما حائل أم لا وبين أن
يكون الوضع على الزند أو على الساعد، وقد صرح بالجميع جماعة من الأصحاب
(رضوان الله عليهم) واستشكل العلامة في النهاية الأخير. انتهى.
أقول: ويدل على الأخير ما تقدم (2) في رواية علي بن جعفر الثانية من
قوله " يضع إحدى يديه على الأخرى بكفه أو ذراعه " وبه يضعف استشكال
العلامة في ذلك.

(1) ص 11.
(2) ص 11.
14

وكيف كان فلا ريب في جوازه حال التقية (1) بل وجوبه إن أدى تركه
إلى الضرر، ولو تركه حال التقية فالظاهر عدم البطلان لتوجه النهي إلى أمر
خارج عن العبادة.
فائدة: روى العياشي في تفسيره عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) قال: " قلت له أيضع الرجل يده على ذراعه في الصلاة؟ قال لا بأس
أن بني إسرائيل كانوا إذا دخلوا في الصلاة دخلوا متماوتين كأنهم موتى فأنزل الله على

(1) في عمدة القارئ ج 3 ص 14 " يبحث عن وضع إحدى اليدين على الأخرى
(أولا) عن أصله، قال به الحنفية والشافعي وأحمد وإسحاق وعامة أهل العلم وهو قول
أبي هريرة والنخعي والثوري وسعيد بن جبير وأبي مجلز وأبي ثور وأبي عبيد وابن جرير
وداود. والعمل على هذا عند أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وحكاه ابن المنذر
عن مالك. وقال ابن الزبير والحسن البصري وابن سيرين يرسلهما وهو المشهور عن مالك
وقال الليث بن سعد إن طال عليه الارسال وضع اليمنى على اليسرى للاستراحة. وقال
الأوزاعي وهو مخير بين الوضع والارسال. و (ثانيا) في كيفيته وهي أن يضع بطن كفه
اليمنى على رسغه اليسرى فيكون الرسغ وسط الكف، وقال الاسبيحاتي وعند أبي يوسف
يقبض بيده اليمنى على رسغه اليسرى فيكون الرسغ وسط الكف، وفي المفيد يأخذ الرسغ بالخنصر والابهام وهو المختار. وفي الدراية يضع باطن أصابعه على الرسغ طولا ولا يقبض.
واستحسن كثير من مشايخنا الجمع بأن يضع باطن كفه اليمنى على كفه اليسرى ويحلق
بالخنصر والابهام على الرسغ. و (ثالثا) في مكان الوضع فعندنا - الحنفية - تحت السرة
وعند الشافعي على الصدر، وقال الترمذي العمل عند أهل العلم من الصحابة والتابعين
ومن بعدهم وضع اليمين على الشمال ورأي بعضهم فوق السرة وبعضهم تحت السرة وكل
ذلك واسع. و (رابعا) وقت الوضع والأصل فيه كل قيام ذكر فيه مسنون فيعتمد بيده
اليمنى على اليسرى فلا يعتمد في حال القنوت وصلاة الجنازة والقيام عن الركوع وبين
تكبيرات العيد الزوائد، وهذا هو الصحيح، وعند أبي على النسفي والإمام أبي عبد الله يعتمد
في كل قيام سواه ذكر فيه مسنون أولا ".
(2) مستدرك الوسائل الباب 14 من قواطع الصلاة.
15

نبيه، خذ ما آتيتك بقوة " (1) فإذا دخلت الصلاة فأدخل فيها بجلد وقوة. ثم ذكرها
في طلب الرزق فإذا طلبت الرزق فاطلبه بقوة ".
أقول: الظاهر أن نفي البأس في الخبر المذكور خرج مخرج التقية وفيه إشارة
إلى أن التكفير يحصل بوضع اليد على الذراع كما قدمنا ذكره. وباقي الخبر لا يخلو
من غموض واشكال فيحتمل أن يكون المراد بنبيه هنا هو موسى (عليه السلام)
وما ذكر فيه من تماوت بني إسرائيل يحتمل أن يكون راجعا إلى تكفيرهم في الصلاة
فإن التكفير في هيئة التماوت وعلى هذا فالآية دالة على النهي عنه والأمر بالدخول
بقوة الذي هو عبارة عن وضع اليدين على الفخذين، وعلى تقدير كونه خطابا
لنبينا (صلى الله عليه وآله) يكون المراد أنه ينبغي لهذه الأمة أن يأتوا بذلك من
الارسال على الفخذين وعدم التكفير. والله العالم.
(الثاني) - الكلام بحرفين فصاعدا مما ليس بقرآن ولا دعاء، ولا خلاف
في ذلك بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وقد نقل اتفاقهم على ذلك جمع: منهم -
الفاضلان والشهيدان وغيرهم.
ويدل على ذلك جملة من الأخبار: منها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن
محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال: " سألته عن الرجل يأخذه
الرعاف أو القئ في الصلاة كيف يصنع؟ قال ينفتل فيغسل أنفه ويعود في الصلاة
وإن تكلم فليعد الصلاة، ورواه الشيخ عن محمد بن مسلم باسناد آخر صحيح (3)
وكذا رواه الكليني عنه باسناد صحيح (4) وزاد عليه " وليس عليه وضوء "،
وما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن عبد الخالق (5) قال: " سألته
عن الرجل يكون في جماعة من القوم يصلي المكتوبة فيعرض له رعاف كيف

(1) سورة البقرة الآية 63 و 93 (خذوا ما آتيناكم بقوة)
(2) الوسائل الباب 2 من قواطع الصلاة
(3) الوسائل الباب 2 من قواطع الصلاة
(4) الوسائل الباب 2 من قواطع الصلاة
(5) الوسائل الباب 2 من قواطع الصلاة. وفي التهذيب ج 1 ص 229 " يصلي بهم
المكتوبة " وفي الوسائل والوافي باب (الرعاف والقئ والدم) والاستبصار ج 1 ص 403 كما هنا
16

يصنع؟ قال يخرج فإن وجد ماء قبل أن يتكلم فليغسل الرعاف ثم ليعد
فليبن علي صلاته ".
وما رواه الكليني والشيخ عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: " سألته عن الرجل يصيبه الرعاف وهو في الصلاة؟
فقال إن قدر على ماء عنده يمينا أو شمالا أو بين يديه وهو مستقبل القبلة فليغسله عنه
ثم ليصل ما بقي من صلاته وإن لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه أو يتكلم
فقد قطع صلاته ".
وقال في الفقيه: وفي رواية أبي بصير عنه (عليه السلام) (2) " إن تكلمت
أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصلاة ".
وقد تقدم قريبا (3) في صحيحة الفضيل بن يسار ورواية أبي سعيد القماط
ما يدل على ذلك أيضا.
وتمام تحقيق الكلام في المقام يتوقف على رسم مسائل: (الأولى) قد صرح
بعضهم بأن الكلام جنس لما يتكلم به سواء كان من حرف واحد أو أكثر إلا أن ظاهر كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) هنا تقييده بما تركب من حرفين
فصاعدا، وظاهرهم الاجماع على أن الحرف الواحد الغير المفهم لا يسمى كلاما،
نقل الاجماع على ذلك جمع: منهم - العلامة في التذكرة والشهيد في الذكرى.
قال في المدارك: وقد قطع الأصحاب بعدم بطلان الصلاة بالكلام بالحرف
الواحد لأنه لا يسمى كلاما في العرف بل ولا في اللغة أيضا لاشتهار الكلام لغة
في المركب من حرفين كما ذكره الرضي (رضي الله عنه) وإن ذكر بعضهم أنه جنس
لما يتكلم به سواء كان على حرف واحد أو أكثر لأن الاطلاق أعم من الحقيقة. انتهى
ولا يخفى ما فيه فإنه عدول عن ظاهر اللفظ المذكور إلا أنه يمكن أن يقال

(1) الوسائل الباب 2 من قواطع الصلاة.
(2) الوسائل الباب 3 و 25 من قواطع الصلاة
(3) ص 5 و 6
17

- كما تقدمت الإشارة إليه في غير موضع - إن الأحكام المودعة في الأخبار تبنى على
ما هو الغالب المتكرر الذي يتبادر إليه الاطلاق وهو هنا إنما يصدق على ما كان
من حرفين فصاعدا. ولعل إجماع الأصحاب (رضوان الله عليهم) على الحكم المذكور
مبني على ذلك.
نعم يبقى الكلام في الحرف الواحد المفهم مثل " ق " من " وقى يقي " و " ع "
من " وعى يعي " ونحو هما من الأفعال المعتلة الطرفين، وظاهر الأصحاب (رضوان
الله عليهم) دعوى صدق الكلام عليها لغة وعرفا بل هو كلام عند أهل العربية
فضلا عن الكاملة لتضمنه الاسناد المفيد فيدخل في عموم الأخبار المتقدمة. ويمكن
بناؤه على أن المحذوف في هذه الأوامر بمنزلة المذكور فيكون حرفين فصاعدا.
(الثانية) حيث قد عرفت أن الكلام عندهم هو ما تركب من حرفين فصاعدا
وهو أعم من أن يكون موضوعا أو مهملا فالتكلم بالألفاظ المهملة مبطل
اجماعا بالترتيب المذكور.
(الثالثة) الظاهر أنه لا خلاف ولا إشكال في أن التنحنح والتأوه والأنين
والتنخم ونحوها مما لا يشتمل شئ منها على حرفين فإنه غير مبطل لعدم صدق التكلم
بذلك لغة ولا عرفا.
ويدل عليه ما رواه الشيخ عن عمار الساباطي في الموثق (1) " أنه سأل
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يسمع صوتا بالباب وهو في الصلاة فيتنحنح
لتسمع جاريته أو أهله لتأتيه فيشير إليها بيده ليعلمها من بالباب لتنظر من هو؟
فقال لا بأس به ".
وما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار عن رجل من بني عجل (2) قال:
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المكان يكون فيه الغبار فانفخه إذا أردت

(1) الوسائل الباب 9 من قواطع الصلاة. والرواية رواها في الفقيه ج 1 ص 242
ولم ينقلها صاحبا الوسائل والوافي إلا عنه.
(2) الوسائل الباب 7 من السجود
18

السجود؟ فقال لا بأس " ورواه في الفقيه مرسلا نحوه (1).
إنما الكلام في ما إذا اشتمل على حرفين والظاهر أنه غير مبطلا لأن الحكم
دائر مدار التسمية فما لم يسم كلاما لا يحصل به الابطال والسامع إنما يقول تنحنح
أو تأوه أو نحو ذلك، وظاهر جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) الابطال
به لصدق الكلام عليه باعتبار تضمنه حرفين. وفيه ما عرفت من أنه وإن تضمن
حرفين لكنه لا يقال في العرف أنه تكلم وإنما يقال تنحنح أو تنخم أو نحو ذلك
وإلى ما ذكرنا يميل كلام المحقق في المعتبر حيث إنه استحسن جواز التأوه
بحرفين للخوف من الله عند ذكر المخوفات، قال وقد نقل عن كثير من الصلحاء
التأوه في الصلاة، ووصف إبراهيم (عليه السلام) بذلك (2) يؤذن بجوازه.
واستحسنه في المدارك.
وفيه أن جواز ذلك إن كان من حيث خصوص ما ذكره من خوف الله ففيه
أنه لا دليل عليه مع صدق الكلام عرفا، والكلام عندهم مبطلا إلا ما استثنى
وليس هذا منه، وإن كان من حيث عدم تسميته كلاما عرفا كما ذكرنا فلا وجه
للتقييد بما ذكره.
قال في المنتهى: لو تنحنح بحرفين وسمى كلاما بطل صلاته. قال بعض مشايخنا
بعد نقل ذلك عنه: وهذا الفرض مستبعد بل يمكن ادعاء استحالته إلا أن ينضم
إليه كلام آخر. انتهى. وهو جيد فإن مع صدق التنحنح عرفا فصدق الكلام والحال
كذلك مستبعد بل محال كما ذكره إلا أن يصل هذين الحرفين بكلام يخرج بهما عن
صدق التنحنح فيكون خارجا عن محل الفرض.
نعم روى الشيخ عن طلحة بن زيد عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (3)

(1) الوسائل الباب 7 من السجود
(2) في قوله تعالى " إن إبراهيم لحليم أواه منيب " في سورة هود الآية 77، وقوله
تعالى " إن إبراهيم لاواه حليم " في سورة التوبة الآية 115
(3) الوسائل الباب 25 من قواطع الصلاة. والسند في كتب الحديث هكذا " عن جعفر عن أبيه عن علي (ع) "
19

أن عليا (عليه السلام) قال: " من أن في صلاته فقد تكلم " والأصحاب (رضوان
الله عليهم) حملوه على الأنين بحرفين والأظهر حمله على تأكيد الكراهة لما قلناه.
ويمكن أيضا استثناء الأنين من الحكم المذكور للخبر المشار إليه. ويؤيده أيضا
ما رواه في الفقيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) في حديث قال:
" ومن أن في صلاته فقد تكلم " ولعله الأجود فيكون الأنين من جملة القواطع
زائدا على الكلام ولا تعلق له به بوجه، ولا ضرورة إلى تكلف اشتماله على
المحرفين كما ذكروه.
(الرابعة) ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لا فرق في بطلان الصلاة
بالكلام بين أن يكون الكلام لمصلحة الصلاة أم لا ولا بين أن يكون لمصلحة
أخرى غير الصلاة كانقاذ الأعمى والصبي إذا خيف عليهما التردي في بئر أو الوقوع
في نار ونحو ذلك، ويفهم من المعتبر والمنتهى أن الحكم اجماعي. ونقل عن العلامة
في التذكرة أنه غير مبطل.
والظاهر الأول لما رواه الشيخ عن إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه
عن علي (عليهم السلام) (2) أنه قال: " في رجل يصلي ويرى الصبي يحبوا إلى النار
أو الشاة تدخل البيت لتفسد الشئ؟ قال فلينصرف وليحرز ما يتخوف ويبني
على صلاته ما لم يتكلم ".
(الخامسة) قد تقدم أنه يستثنى من الكلام المبطل ما إذا كان دعاء أو ذكرا
أو قرآنا، ويدل على ذلك من الأخبار ما رواه الشيخ عن عمار الساباطي في الموثق
في تتمة الرواية المتقدمة عنه في المسألة الثالثة (3) " وعن الرجل والمرأة يكونان

(1) الوسائل الباب 25 من قواطع الصلاة. والرواية - كما في الفقيه ج 1 ص 232
والوسائل والوافي باب (الالتفات والفرقعة والتكلم) مرسلة لم تسند إلى أبي بصير
(2) الوسائل الباب 21 من قواطع الصلاة
(3) ص 18 والرواية للصدوق لا للشيخ كما تقدم هناك
20

في الصلاة فيريدان شيئا أيجوز لهما أن يقولا " سبحان الله "؟ قال نعم ويومئان إلى
ما يريدان، والمرأة إذا أرادت شيئا ضربت على فخذها وهي في الصلاة ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) (1)
قال: " سألته عن رجل يكون في صلاته وإلى جانبه رجل راقد فيريد أن يوقظه
فيسبح ويرفع صوته لا يريد إلا ليستيقظ الرجل أيقطع ذلك صلاته أو ما
عليه؟ قال لا يقطع ذلك صلاته ولا شئ عليه. وسألته عن الرجل يكون في
صلاته فيستأذن انسان على الباب فيسبح ويرفع صوته ويسمع جاريته فتأتيه فيريها
بيده أن على الباب انسانا هل يقطع ذلك صلاته وما عليه؟ قال لا بأس
لا يقطع ذلك صلاته ".
وروى أن عليا (عليه السلام) (2) قال: " كانت لي ساعة أدخل فيها على
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإن كان في الصلاة سبح وذلك أذنه وإن كان في
غير الصلاة أذن ".
والروايات الدالة على استحباب الدعاء في الصلاة لنفسه ولاخوانه أكثر
من أن يحيط بها المقام.
وأما جواز قراءة القرآن في الصلاة فلا يحضرني من الأخبار إلا صحيحة
معاوية بن وهب (3) الدالة على قراءة أمير المؤمنين (عليه السلام) في جواب ابن
الكواء لما قرأ " ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك
ولتكونن من الخاسرين " (4) فانصت أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى أن كان

(1) الوسائل الباب 9 من قواطع الصلاة. والسؤال الأول من الحديث ليس للشيخ
وإنما هو رواية قرب الإسناد وكتاب علي بن جعفر راجع رقم 6 و 9 من الباب المذكور
من الوسائل والوافي باب (إرادة الحاجة) والتهذيب ج 1 ص 230
(2) مستدرك الوسائل الباب 9 من قواطع الصلاة بأدنى اختلاف في اللفظ
(3) الوسائل الباب 34 من الجماعة
(4) سورة الزمر الآية 65
21

في الثالثة فقرأ أمير المؤمنين (عليه السلام) في جوابه " فاصبر إن وعد الله حق
ولا يستخفنك الذين لا يوقنون " (1).
وذكر بعض الأصحاب أنه يجوز التنبيه بتلاوة القرآن كما لو أراد الإذن لقوم
بقوله " ادخلوها بسلام آمنين " (2) أو لمن أراد التخطي على البساط بنعله " اخلع
نعليك إنك بالواد المقدس طوى " (3) أو أراد اعطاء كتاب من اسمه يحيى " يا يحيى
خذ الكتاب بقوة " (4).
أقول: والظاهر أن من هذا القبيل ما رواه في الكافي والتهذيب في الموثق
عن عبيد بن زرارة (5) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذكر السورة
من الكتاب ندعو بها في الصلاة مثل " قل هو الله أحد " فقال إذا كنت تدعو بها
فلا بأس، فإن الظاهر أن المراد من الدعاء بها إنما هو بمعنى الطلب بمعنى يطلب
بها الغير كما أنه يطلب بالتسبيح كما تقدم. وبعض الأصحاب حمل الدعاء بها في الخبر
على القنوت بالقرآن في الصلاة وجعله من قبيل التسبيح الذي ورد الاجتزاء به في
القنوت. وبعض حمله على الدعاء وأنه لا يشترط فيه الطلب بمعنى أنه لا يشترط
فيه أن يكون متضمنا للطلب. وقال في الوافي: لعل مراد السائل الرخصة في الاتيان
بقراءة القرآن في غير محلها على وجه الدعاء والتمجيد طلبا لمعناها لا على وجه
التلاوة. انتهى. والكل تكلف محض بل الظاهر ما ذكرناه فإنه معنى صحيح
لا يحتاج إلى تكلف.
وبما ذكرناه من الأخبار يعلم أنه لو لم يقصد بالتسبيح أو القرآن سوى التفهيم
فالظاهر صحة صلاته، ونقل عن العلامة في النهاية احتمال البطلان.
ولو أتى بمفردات القرآن على غير الترتيب الذي هي عليه كأن يقول " بسلام
ادخلوها " فالظاهر - كما استظهر بعض الأصحاب - البطلان لأنه ليس بقرآن فيكون
كلاما أجنبيا.

(1) سورة الروم، الآية 59
(2) سورة الحجر، الآية 46
(3) سورة طه، الآية 12
(4) سورة مريم الآية 13
(5) الوسائل الباب 9 من القراءة
22

وقد صرح غير واحد بأن إشارة الأخرس ليست بكلام. وفيه وجه
ضعيف بالبطلان.
(السادسة) المشهور أنه لا تبطل الصلاة بالكلام سهوا بل نفى عنه الخلاف
جمع من الأصحاب: منهم - الفاضلان وغيرهما.
ويدل عليه ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن عبد الرحمان بن الحجاج (1)
قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول
" أقيموا صفوفكم " قال يتم صلاته ثم يسجد سجدتين. فقلت سجدتا السهو
قبل التسليم هما أو بعده؟ قال بعده ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (2)
" في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم؟ قال يتم ما بقي من صلاته تكلم أو لم يتكلم
ولا شئ عليه ".
وقد تقدم (3) في صحيحة الفضيل بن يسار " فإن تكلمت في الصلاة ناسيا
فلا شئ عليك ".
وروى في الفقيه بإسناده عن عقبة (4) " أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام)
عن رجل دعاه رجل وهو يصلي فسها فأجابه بحاجته كيف يصنع؟ قال يمضي على صلاته "
أقول: وفي حكمه ما لو ظن الفراغ من الصلاة فتكلم على الأشهر الأظهر
وذهب الشيخ في النهاية آلى البطلان.
لنا - ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (5) " في رجل صلى ركعتين
من المكتوبة فسلم وهو يرى أنه قد أتم الصلاة وقد تكلم ثم ذكر أنه لم يصل غير
ركعتين؟ فقال يتم ما بقي من صلاته ولا شئ عليه ".

(1) الوسائل الباب 4 و 5 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة
(3) ص 5
(4) الوسائل الباب 25 من قواطع الصلاة
(5) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة
23

وعن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) " في الرجل يسهو
في الركعتين ويتكلم؟ قال يتم ما بقي من صلاته تكلم أو لم يتكلم ولا شئ عليه "
وعن زيد الشحام (2) قال: " سألته عن الرجل.. ثم ساق الخبر إلى أن
قال (عليه السلام) وإن هو استيقن أنه صلى ركعتين أو ثلاثا ثم انصرف فتكلم فلم
يعلم أنه لم يتم الصلاة فإنما عليه أن يتم الصلاة ما بقي منها فإن نبي الله (صلى الله عليه
وآله) صلى بالناس ركعتين ثم نسي حتى أنصرف فقال له ذو الشمالين يا رسول الله
(صلى الله عليه وآله) أحدث في الصلاة شئ؟ فقال أيها الناس أصدق ذو الشمالين؟
فقالوا نعم لم تصل إلا ركعتين. فقام فأتم ما بقي من صلاته " ونحوه صحيحة سعيد
الأعرج المتضمنة سهوه (صلى الله عليه وآله) (3).
وما رواه الصدوق والشيخ في الصحيح عن علي بن النعمان الرازي (4) قال:
" كنت مع أصحاب لي في سفر وأنا أمامهم فصليت بهم المغرب في الركعتين
الأولتين فقال أصحابي إنما صليت بنا ركعتين فكلمتهم وكلموني فقالوا أما نحن فنعيد
فقلت لكني لا أعيد وأتم بركعة فأتممت بركعة ثم سرنا فأتيت أبا عبد الله (عليه
السلام) فذكرت له الذي كان من أمرنا فقال لي أنت كنت أصوب منهم فعلا إنما
يعيد الصلاة من لا يدري ما صلى "،
أقول: الظاهر أن تصويبه (عليه السلام) للإمام دونهم إنما هو بالنسبة
إلى أصل الحكم في المسألة بمعنى أنه من سلم ساهيا على ركعتين فإن حكمه الاتمام ما لم
يأت بمناف من خارج دون الإعادة من رأس وإلا فإن إعادة المأمومين في الصورة
المذكورة في محلها لأنهم على يقين من عدم تمام الصلاة وقد تكلموا في أثنائها عمدا
بقولهم للإمام " إنما صليت بنا ركعتين " فالإعادة في محلها لذلك، وأمام الإمام ففي
بنائه على ما فعل أيضا اشكالا لأنه بعد العلم بما أخبروه قال: " لكني لا أعيد وأتم
بركعة " وهذا كلام أجنبي قد وقع في أثناء الصلاة أيضا وهو موجب لإعادتها، اللهم

(1) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة
(3) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة
(4) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة
24

إلا أن يراد به أنه قال في نفسه من غير أن يتلكم بذلك. ونقل عن الشيخ
أنه حمل الخبر على جهل المسألة وقال بأن الجاهل هنا في حكم الناسي. والشهيد في
الذكرى حمل القول الأخير على مثل حديث النفس. وفيه أنه لا يتم في المأمومين
لأنهم تكلموا أولا عالمين بكونهم في الصلاة. ثم الظاهر أن المراد بأفعل التفضيل
في قوله " أنت كنت أصوب منهم " إنما هو بمعنى أصل الفعل كما هو شائع الاستعمال
لا بمعنى كون فعلهم أيضا صوابا فيدل على جواز الأمرين والتخيير بينهما كما توهمه
بعض متأخري المحدثين.
وأما ما ذهب إليه الشيخ هنا من البطلان فلا أعرف له دليلا إلا أن كان
دخوله تحت إطلاق أخبار الكلام في الصلاة متعمدا وشمولها له. وفيه أن المتبادر
من تلك الأخبار أن التعمد المبطل إنما هو من علم أنه في الصلاة وتكلم متعمدا بمعنى
أنه تعمد الكلام في الصلاة وأما من ظن أنه أتم وإن تعمد الكلام إلا أنه بنى على
خروجه من الصلاة وإن لم يكن كذلك في الواقع فهو لم يتعمد الكلام في الصلاة
ليلزم منه بطلان صلاته.
(السابعة) - قال في المنتهى: لو تكلم مكرها ففي الابطال به تردد ينشأ من
كون النبي (صلى الله عليه وآله) جمع بينه وبين الناسي في العفو (1) والأقرب
البطلان لأنه تكلم عامدا بما ليس من الصلاة، والاكراه لا يحرج الفعل عن
التعمد. انتهى.
وقال في الذكرى: لو تكلم مكرها ففي الابطال وجهان: نعم لصدق تعمد
الكلام، ولا لعموم " وما استكرهوا عليه " (2) نعم لا يأثم قطعا. وقال في التذكرة
يبطل لأنه مناف للصلاة فاستوى فيه الاختيار وعدمه كالحدث. وهو قياس مع
الفارق فإن نسيان الحدث مبطل لا الكلام ناسيا قطعا. انتهى.

(1) في حديث الرفع المروي في الوسائل في الباب 37 من قواطع الصلاة و 30 من
الخلل في الصلاة و 56 من جهاد النفس. وفي بعض رواياته " وما أكرهوا عليه ".
(2) تقدم آنفا
25

أقول: لا يبعد القول بالبطلان هنا لا لما ذكره في التكرة بل لشمول
الأخبار المتقدمة للمكره لأنها قد أنفقت في الدلالة على أن من تكلم في صلاته فقد
أبطلها، وظاهرها أعم من أن يكون ذلك عن عمد أو سهو أو اكراه وقيد التعمد
إنما وقع في كلام الأصحاب، نعم قام الدليل على عدم البطلان بالنسبة إلى الكلام
ساهيا فوجب استثناؤه من اطلاق تلك الأخبار وبقي ما عداه. والأصحاب
(رضوان الله عليهم) بالنظر إلى قيام الأدلة على استثناء الناسي وأن صلاته صحيحة
أطلقوا لفظ التعمد في جانب الأخبار الدالة على البطلان وقيدوها به وإلا فهي كما
عرفت مطلقة شاملة باطلاقها للعامد والناسي المكره. وهذا بحمد الله سبحانه
واضح. ثم إنه لو ورد في شئ من أخبار البطلان قيد التعمد لكان الظاهر حمله
على ما قابل الناسي الذي دلت عليه الأخبار وبقي المكره داخلا تحتها أيضا. وأما
خبر " وما استكرهوا عليه " فغايته رفع الإثم بمعنى أنه إذا أكره على ارتكاب فعل
محرم فلا إثم عليه في فعله وإن بطلت الصلاة به في ما نحن فيه.
وظاهره في الذكرى التوقف في الحكم المذكور وكذا في المدارك حيث قال:
" وفي المكره وجهان أحوطهما الإعاذة " مع أن ما ذكرناه من الابطال بالتقريب
المذكور واضح لا سترة عليه.
وكيف كان فإنه وإن كان ما ذكرناه هو الأقرب لما عرفت إلا أن الاحتياط
لعدم النص الصريح في المقام مما لا ينبغي تركه. والله العالم.
(الثالث) - الالتفات إلى ما وراءه، وكلام الأصحاب وكذا أخبار الباب
لا يخلو من المقام من اجمال واضطراب:
قال في المعتبر: الالتفات يمينا وشمالا لا ينقض ثواب الصلاة والالتفات
إلى ما وراءه يبطلها لأن الاستقبال شرط صحة الصلاة فالالتفات بكله مفوت
لشرطها.. إلى أن قال وأما كراهة الالتفات يمينا وشمالا بوجهه مع بقاء جسده
مستقبلا فلرواية الحلبي (1).. إلى آخره

(1) ص 29
26

وظاهر هذا الكلام تخصيص الابطال بالالتفات إلى ما وراءه بجميع البدن
عامدا أو ساهيا والالتفات بكل البدن إلى محض اليمين والشمال لا يوجب البطلان.
وبذلك يظهر لك ما في نقل صاحب الذخيرة عنه يحث قال - بعد أن نقل
عن أكثر عبارات الأصحاب (رضوان الله عليهم) تقييد الالتفات المبطل بما إذا
كان إلى ورائه وذكر أن هذا التقييد يوجب عدم بطلان الصلاة بالالتفات إلى اليمين
والشمال - ما لفظه: لكن صرح المحقق في المعتبر بأن الالتفات بكل البدن مبطل
وهو أعم من أن يكون إلى الخلف أو إلى اليمن أو اليسار بل يشمل ما بين الجانبين
والقبلة أيضا. انتهى.
وفيه ما عرفت من تصريحه في العبارة بما إذا كان إلى ورائه. نعم لو خلينا
وظاهر تعليله لأمكن استفادة ذلك منه لصدق عدم الاستقبال وتفويت الشرط على
ما إذا كان محض اليمين أو اليسار أو ما بين أحدهما وبين القبلة لكن قضية التقييد في
المدعى يوجب التقييد في الدليل ليكون منطبقا على المدعى. إلا أن ظاهر كلام المنتهى -
وهو قد حذا حذو المعتبر في المقام - هو ما ذكره (قدس سره) من تخصيص
الالتفات يمينا وشمالا الذي ينقض الصلاة بما إذا كان بالوجه.
وبالجملة فإن عبائرهم في المقام غير منقحة ولا ظاهرة بالظهور التام الحاسم
لتطرق الاحتمال في تمييز تلك الأحكام.
وقال في الذكرى: يحرم الانحراف عن القبلة ولو يسيرا، فلو فعل عمدا
أبطلها، وإن كان ناسيا وكان بين المشرق والمغرب فلا ابطال، وإن كان إلى المشرق
والمغرب أو كان مستدبرا فقد أجرياه في المقنعة والنهاية مجرى الظان في الإعادة في
الوقت إذا كان إليهما ومطلقا إن استدبر. وتوقف فيه الفاضلان.. إلى أن قال
واعلم أن الالتفات إلى محض اليمين واليسار بكله كالاستدبار كما أنه بحكمه في الصلاة
مستدبرا على أقوى القولين فيجئ القول بالابطال ولو فعله ناسيا إذا تذكر في
الوقت، وإن فرقنا بين الالتفات وبين الصلاة إلى اليمين واليسار فلا ابطال. انتهى
27

وهو ظاهر في بطلان الصلاة بتعمد الالتفات إلى محض اليمين واليسار بجميع
البدن كالاستدبار، وهو خلاف ما يفهم من كلام الأكثر من تخصيص الابطال
بالالتفات إلى ما وراءه كما سمعت من كلام المعتبر.
وأما الالتفات بالوجه خاصة فلا يخلو إما أن يكون إلى الخلف أو إلى أحد الجانبين
أو إلى ما بينه وبين القبلة، وظاهر قولهم إنه تبطل بتعمد الالتفات إلى ما وراءه
تخصيص الابطال في الوجه أيضا بالصورة الأولى، وظاهر عبارة المعتبر حيث
خص الالتفات المبطل بكل البدن عدم الابطال وإن استدبر به، وكلام العلامة
في المنتهى والتذكرة والنهاية لا يخلو من اضطراب، وقال في الذكرى يكره الالتفات
إلى اليمين والشمال بحيث لا يخرج الوجه إلى حد الاستدبار وكان بعض مشايخنا
المعاصرين يرى أن الالتفات بالوجه قاطع للصلاة كما يقوله بعض الحنفية (1).
هذا في صورة التعمد وأما السهو فكلامهم فيه أشد تدافعا واضطرابا ليس في
التعرض له كثير فائدة ومن أراد الاطلاق فليرجع في ذلك إلى الذخيرة للفاضل
الخراساني فإنه قد أطال فيه بنقل تلك الأقوال.
والواجب الرجوع إلى الأخبار الواردة في المقام وبيان ما يظهر منها من الأحكام:
الأول - ما رواه الصدوق في الصحيح عن عمر بن أذينة عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) أنه سأله عن الرجل يرعف وهو في الصلاة وقد صلى بعض
صلاته؟ فقال إن كان الماء عن يمينه أو عن شماله أو عن خلفه فليغسله من غير أن يلفت
وليبن علي صلاته، فإن لم يجد الماء حتى يلتفت فليعد الصلاة. قال وألقى مثل ذلك "
الثاني - ما رواه الشيخ عن زرارة في الصحيح (3) " أنه سمع أبا جعفر
(عليه السلام) يقول الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله ".
الثالث - ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه

(1) البحر الرائق ج 2 ص 21
(2) الوسائل الباب 2 من قواطع الصلاة
(3) الوسائل الباب 3 من قواطع الصلاة
28

السلام) (1) قال: " سألته عن الرجل يلتفت في الصلاة قال لا ولا ينقض أصابعه "
الرابع - ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه
السلام) (2) في حديث قال: " ثم استقبل القبلة بوجهك ولا نقلب وجهك عن
القبلة فتفسد صلاتك فإن الله عز وجل يقول لنبيه (صلى الله عليه وآله) في الفريضة:
فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره " (3).
الخامس - ما رواه الكليني والشيخ عته في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (4) قال: " إذا استقبلت القبلة بوجهك فلا تقلب
وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك فإن الله تعالى قال لنبيه (صلى الله عليه وآله)
في الفريضة: فول وجهك... (5)... الحديث ".
السادس - ما رواه الكليني والشيخ عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6) قال: " إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير
فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا وإن كنت قد تشهدت فلا تعد ".
السابع - ما تقدم في مسألة الكلام في الصلاة عمدا (7) من قوله (عليه
السلام) في صحيحة الحلبي أو حسنته " وإن لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه أو
يتكلم فقد قطع صلاته ".
الثامن - ما رواه الصدوق عن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) (8)
قال: " إن تكلمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصلاة ".
التاسع - ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (9)

(1) الوسائل الباب 3 من قواطع الصلاة
(2) الوسائل الباب 9 من القبلة
(3) سورة البقرة الآية 139 و 145
(4) الفروع ج 1 ص 83 والتهذيب ج 1 ص 192 و 218 وفي الوسائل الباب 9
من القبلة
(5) سورة البقرة الآية 139 و 145
(6) الوسائل الباب 3 من قواطع الصلاة
(7) ص 17
(8) الوسائل الباب 3 من قواطع الصلاة
(9) التهذيب ج 1 ص 235 وفي الوافي باب " السهو في أعداد الركعات "
29

قال: " سئل عن رجل دخل مع الإمام في صلاته وقد سبقه بركعة فلما فرغ
الإمام خرج مع الناس ثم ذكر أنه قد فانته ركعة؟ قال يعيد ركعة واحدة يجوز له
ذلك إذا لم يحول وجهه عن القبلة فإذا حول وجهه فعليه أن يستقبل الصلاة استقبالا ".
العاشر - ما رواه في قرب الإسناد عن علي بن جعفر (1) وكتاب المسائل
لعلي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) (2) قال: " سألته عن الرجل يلتفت
في صلاته هل يقطع ذلك صلاته؟ قال إذا كانت الفريضة والتفت إلى خلفه فقد قطع
صلاته فيعيد ما صلى ولا يعتد به وإن كانت نافلة لم يقطع ذلك صلاته ولكن لا يعود "
الحادي عشر - ما رواه في مستطرفات السرائر من جامع البزنطي (3) قال:
" سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته؟
قال إذا كانت الفريضة والتفت إلى خلفه فقد قطع صلاته فيعيد ما صلى ولا يعتد به
وإن كانت نافلة فلا يقطع ذلك صلاته ولكن لا يعود ".
الثاني عشر - ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى
(عليه السلام) (4) قال: " سألته عن الرجل يكون في صلاته فيظن أن ثوبه قد
انخرق أو أصابه شئ هل يصلح له أن ينظر فيه أو يمسه؟ فقال إن كان في مقدم ثوبه أو
جانبيه فلا بأس وإن كان في مؤخره فلا يتلفت فإنه لا يصلح " ورواه علي بن جعفر
في كتابه (5) والحميري في قرب الإسناد (6).
الثالث عشر - ما رواه الشيخ عن عبد الحميد بن عبد الملك (7) قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الالتفات في الصلاة أيقطع الصلاة؟ قال لا وما
أحب أن يفعل ".

(1) الوسائل الباب 3 من قواطع الصلاة
(2) البحار ج 18 ص 210
(3) الوسائل الباب 3 من قواطع الصلاة
(4) الوسائل الباب 3 من قواطع الصلاة
(5) الوسائل الباب 3 من قواطع الصلاة
(6) الوسائل الباب 3 من قواطع الصلاة
(7) الوسائل الباب 3 من قواطع الصلاة. وفي كتب الحديث هكذا: عن عبد الحميد
عن عبد الملك. وفي جامع الرواة عند ذكر عبد الملك بن حكيم الخثعمي قال: حماد بن عثمان
عن عبد الحميد عن عبد الملك عن أبي عبد الله " ع ". وهو مطابق لما نقلناه من كتب الحديث
30

الرابع عشر - ما رواه في الخصال بإسناده عن علي (عليه السلام) في حديث
الأربعمائة (1) قال: " الالتفات الفاحش يقطع الصلاة وينبغي لمن فعل ذلك أن
يبدأ الصلاة بالأذان والإقامة والتكبير ".
أقول: هذا ما حضرني من الأخبار ولا يخفى ما فيها من الاختلاف
والاضطراب ومن أجلها اختلفت كلمات الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذا الباب
وتفصيل الكلام في هذا المقام أن يقال - بتوفيق الملك العلام وبركة أهل
الذكر (عليهم السلام) - أنه لا يخلو إما أن يكون الالتفات بالبدن كملا أو الوجه
خاصة، وعلى الأول فإما أن يكون عمدا أو سهوا، وعلى كل منهما إما أن يكون
إلى ما بين اليمين واليسار أو إلى محض اليمين واليسار أو إلى دبر القبلة فههنا صور:
(الأولى) - أن يكون الالتفات بالبدن عمدا إلى ما بين اليمين واليسار، والظاهر
الابطال لأنه متعمد الصلاة إلى غير القبلة، وعلى ذلك يدل الخبر الثاني والرابع
والخامس والثامن والتاسع.
(الثانية) - الصورة الأولى بحالها ولكن الالتفات إلى محض اليمين واليسار
والحكم فيها كذلك لما عرفت.
(الثالثة) - الصورة بحالها ولكن إلى دبر القبلة، وهو أولى بالبطلان للأخبار
المتقدمة، ويدل على ذلك زيادة على ما تقدم الخبر السادس والعاشر والحادي عشر
(الرابعة) - أن يكون الالتفات بالبدن سهوا إلى ما بين اليمين والشمال،
والظاهر الصحة لما تقدم في بحث القبلة من موثقة عمار (2) الدالة على أن " من صلى
إلى غير القبلة فعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ وكان متوجها إلى ما بين المشرق
والمغرب فليحول وجهه حين يعلم... الحديث " وهو شامل باطلاقه للظان والساهي
وصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " قلت

(1) الوسائل الباب 3 من قواطع الصلاة
(2) ج 6 ص 430 وفي الوسائل الباب 10 من القبلة
(3) الوسائل الباب 10 من القبلة
31

الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى أنه قد انحرف عن القبلة يمينا
أو شمالا؟ فقال له: قد مضت صلاته وما بين المشرق والمغرب قبلة ".
والتقريب فيها أنه إذا صحت الصلاة بعد الاتيان بها كلا على تلك الحال في
ما بين اليمين واليسار صح بعضها بطريق أولى لاشتراك الجميع في موجب الصحة وهو
كون ما بين اليمين واليسار قبلة لغير المتعمد، بل ظاهر بعض الأخبار أيضا أنه قبلة
للمتعمد كما تقدم في بحث القبلة.
وبما ذكرنا من هذه الأخبار يخص اطلاق الأخبار الدالة على الابطال في
الصورة المتقدمة بحملها على العامد.
وبذلك يظهر ما في كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة حيث قال بعد ايراد
جملة من أخبار المسألة: إذا عرفت هذا فاعلم أن الصحيح أن الانحراف عن القبلة
بكل البدن موجب لبطلان الصلاة مطلقا وإن لم يصل إلى حد التشريق والتغريب عملا
بمنطوق صحيحة زرارة المذكورة (1) وعموم عدة من الأخبار المذكورة. انتهى.
فإن الظاهر أن مراده بالاطلاق يعني أعم من أن يكون عن عمد أو سهو. وفيه ما عرفت
وإلى ما ذكرنا من الصحة في هذه الصورة يشير كلامه في الذكرى كما قدمنا من
قوله: وإن كان ناسيا وكان ما بين المشرق والمغرب فلا ابطال.
(الخامسة) - أن يكون الالتفات بالبدن سهوا إلى محض اليمين واليسار والظاهر أنه لا إشكال في وجوب الإعادة في الوقت لموثقة عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " إذا صليت وأنت على غير القبلة واستبان لك أنك
صليت على غير القبلة وأنت في وقت فأعد وإن فإنك الوقت فلا تعد، ونحوها غيرها مما
تقدم في بحث القبلة وهي شاملة باطلاقها للظان والساهي في الصلاة.
ويدل عليه اطلاق جملة من الأخبار المتقدمة، خرج منه ما إذا كان الالتفات
إلى ما بين اليمين واليسار بالنصوص المتقدمة وبقي ما عداه.

(1) ص 28
(2) الوسائل الباب 11 من القبلة
32

إنما الاشكال في وجوب القضاء، ومنشأه من ظواهر الأخبار المشار إليها فإن
مقتضاها الابطال في الصورة المذكورة لما عرفت من عمومها لذلك وإنما خرج عنه
حكم الصورة الرابعة بالنصوص المذكورة وبقي ما عداه، ومن دلالة موثقة
عبد الرحمن المذكورة ونحوها على عدم الإعادة خارج الوقت.
ومقتضى ما نقل في الذكرى عن المقنعة والنهاية هو الإعادة في الوقت خاصه
حملا للالتفات على ظن الصلاة إلى تلك الجهة وهو مقتضى موثقة عبد الرحمان
المذكورة، ولا يخلو من قوة إلا أن الاحتياط في الإعادة.
وإلى القول بعدم وجوب القضاء يميل كلام الشهيد في البيان وبه صرح أيضا
في الروض، وكذا ظاهر عبارة الذكرى المتقدمة القول بوجوب القضاء في الوقت
خاصة وقيل بوجوب القضاء مطلقا.
(السادسة) - أن يكون الالتفات بالبدن سهوا إلى دبر القبلة والمراد به ما بين
اليمين واليسار من خلف لا خصوص دبر القبلة حقيقة، وظاهر الشهيد في الدروس
أن المشهور عدم البطلان إلا أنه اختار البطلان، ونقل ذلك عن ظاهر الشيخ في
التهذيب، وهو ظاهر المحقق في ما تقدم من عبارته.
قال في الذكرى: ويجوز أن يستدل على بطلان الصلاة بالاستدبار مطلقا بما
رواه زرارة عن الباقر (عليه السلام) (1) قال قال: " الالتفات يقطع الصلاة
إذا كان بكله " فإنه يشمل باطلاقه العامد والناسي إلا أن يعارض بحديث الرفع عن
الناسي (2) فيجمع بينهما بحمله على العامد، انتهى.
أقول: الظاهر ضعف هذه المعارضة فإن المتبادر من الخبر المذكور إنما هو
رفع المؤاخذة وهو لا ينافي البطلان.
وبما ذكره هنا من القول بالصحة في الناسي اعتمادا على الخبر المذكور صرح العلامة

(1) الوسائل الباب 3 من قواطع الصلاة
(2) الوسائل الباب 37 من قواطع الصلاة و 30 من الخلل في الصلاة و 56 من جهاد النفس
33

في المنتهى فقال: لو التفت إلى ما وراءه ناسيا لم يعد صلاته لقوله (صلى الله عليه
وآله) (1) " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " وفيه ما عرفت.
ثم إنه على تقدير البطلان فهل يختص بالوقت بمعنى وجوب الإعادة في الوقت
خاصة أو يجب القضاء أيضا؟ قولان وبالأول صرح في البيان، قال في تعداد
المبطلات: وتعمد التحرف عن القبلة ولو يسيرا، ولو كان إلى محض الجانبين أو
مستدبرا بطلت وإن كان سهوا إلا أن يستمر السهو حتى يخرج الوقت فلا قضاء فيهما
على الأقرب. انتهى. وظاهر المقنعة والنهاية هو الإعادة مطلقا كما تقدم في عبارة
الذكرى، والظاهر أنه الأقرب لظواهر اطلاق أكثر الأخبار المتقدمة وخصوصا
الخبر العاشر والحادي عشر. هذا كله في الالتفات في البدن.
وأما الالتفات بالوجه خاصة ففيه صور (الأولى) الالتفات إلى محض اليمين
واليسار، والمشهور بين الأصحاب جواز الالتفات على كراهية، وقد تقدم نقل
كلام صاحب الذكرى عن بعض مشايخه المعاصرين - والظاهر إنه فخر المحققين ابن
العلامة كما نقله غير واحد من الأصحاب - أنه كان يرى أن الالتفات بالوجه قاطع
للصلاة كما يقوله بعض الحنفية (2) قال لما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال
" لا تلتفتوا في صلاتكم فإنه لا صلاة لملتفت " رواه عبد الله بن سلام (3) قال:
ويحمل على الالتفات بكله. وروى زرارة عن الباقر (عليه السلام) (4) " الالتفات
يقطع الصلاة إذا كان بكله ". انتهى.
قال في المدارك بعد أن نقل حكاية القول المذكور عن الشهيد: وربما كان
مستنده اطلاق الروايات المتضمنة لذلك كحسنة زرارة عن أبي جعفر (عليه
السلام) قال: " إذا استقبلت القبلة بوجهك فلا تقلب وجهك عن القبلة

(1) الوسائل الباب 37 من قواطع الصلاة و 30 من الخلل في الصلاة و 56 من جهاد النفس
(2) البحر الرائق ج 2 ص 21
(3) عمدة القارئ ج 3 ص 53
(4) الوسائل الباب 3 من قواطع الصلاة
(5) ارجع إلى التعليقة 4 ص 29
34

فتفسد صلاتك... الحديث " ثم قال: وحملها الشهيد في الذكرى على الالتفات بكل
البدن لما رواه زرارة في الصحيح (1) " أنه سمع أبا جعفر (عليه السلام) يقول
الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله " وقد يقال إن هذا المفهوم مقيد بمنطوق قوله
(عليه السلام) في رواية الحلبي (2) " أعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا " فإن
الظاهر تحقق التفاحش بالالتفات بالوجه خاصة إلى أحد الجانبين. انتهى.
أقول: فيه (أولا) أن الموجود في الذكرى هو ما قدمنا نقله عن الكتاب
المذكور لا ما ذكره (قدس سره) من الاستدلال لذلك القول بصحيحة زرارة
وجواب الشهيد عن الرواية المذكورة. والمناقشة في ذلك وإن كانت سهلة إلا أن
من لم يراجع الذكرى يتوهم أن الأمر على ما ذكره فلذلك نبهنا عليه.
و (ثانيا) - أنه إنما يتم التقييد الذي ذكره بناء على ما ادعاه من حصول
التفاحش بالالتفات بالوجه خاصة وهو بعيد، مع أن هذا المفهوم مؤيد بما دل
عليه الخبر الثاني عشر (3).
وظاهر السيد (قدس سره) الميل إلى القول المذكور استنادا إلى اطلاق
الروايات المشار إليها وإن كان صاحب القول المذكور إنما استند إلى تلك الرواية
العامية. وهو جيد لظاهر حسنة زرارة المذكورة ونحوها الخبر الرابع (4) فإن
النظر بالوجه إلى محض اليمين والشمال قلب الوجه عن القبلة، ونحوهما قوله في الخبر
السابع (5) " وإن لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه فقد قطع صلاته " وكذا
الخبر الثامن والتاسع (6) وفي رواية أبي بصير الواردة في الرعاف (7) " إن تكلمت أو

(1) الوسائل الباب 3 من قواطع الصلاة
(2) ص 29
(3) ص 30
(4) ص 29
(5) ص 29
(6) ص 29
(7) الوسائل الباب 3 و 25 من قواطع الصلاة. وهذه الرواية ذكرها في الوافي
في باب " الرعاف والقئ والدم " بعد صحيحة ابن أذينة المتقدمة ص 28 كما في الفقيه ج 1
ص 239 وليس فيها قرينة على ورودها في الرعاف إلا ذلك ولم يذكرها في باب الالتفات
والتكلم بخلاف صاحب الوسائل فإنه لم يذكرها في باب الرعاف وإنما ذكرها في باب بطلان
الصلاة بالاستدبار وباب بطلانها بالكلام.
35

صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصلاة " ومثلها صحيحة ابن أذينة (1) إلا أن ظاهر
مفهوم صحيحة زرارة الدالة على أن الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله المؤيد
بصحيحة علي بن جعفر المذكورة (2) هو عدم البطلان، والمسألة لذلك موضع تردد.
وأما ما نقله في المدارك عن الذكرى من حمل حسنة زرارة على الالتفات
بكل البدن فقد عرفت أن صاحب الذكرى لم ينقل الحسنة المذكورة وإنما ذكر هذا
التأويل للخبر العامي وهو غير بعيد، أما بالنسبة إلى الحسنة المذكورة فهو بعيد حيث إنها اشتملت على استقبال القبلة بالوجه والنهي عن قلب الوجه. وحمل الوجه
على مجموع البدن بعيد كما لا يخفى.
والعجب من الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما يظهر منهم من الاتفاق
على عدم البطلان بالالتفات بالوجه إلى محض اليمين واليسار إلا من فخر المحققين
وقد اتفقوا على رد قوله مع أن الأخبار التي أشرنا إليها ظاهرة الدلالة على القول
المذكور كالنور على الطور.
وأما التفصيل - بالاتيان بشئ من الاقبال على تلك الحال فيعيد في الوقت
وإلا فلا إعادة كما ذكره في المدارك واقتفاه غيره - فلا أعرف عليه دليلا بل
ظاهر الأخبار التي ذكرناها دالة على الابطال في هذه الصورة الدلالة على البطلان
مطلقا كما لا يخفى.
هذا إذا كان عمدا أما لو وقع الالتفات كذلك سهوا فالظاهر الصحة لأن
الروايات الدالة على قطع الصلاة بالالتفات بالوجه ظاهرة في العمد والنهي في ما
ورد بالنهي إنما يتوجه إلى العامد فلا شمول فيها للصورة المذكورة.
(الصورة الثانية) ما بين اليمين واليسار والظاهر الصحة للخبر الثالث عشر (3)

(1) ص 28
(2) ص 30
(3) ص 30
36

بحمله على هذه الصورة.
وما رواه الصدوق في ثواب الأعمال عن الخضر بن عبد الله عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: " إذا قام العبد إلى الصلاة أقبل الله عليه بوجهه ولا يزال
مقبلا عليه حتى يلتفت ثلاث مرات فإذا التفت ثلاث مرات أعرض عنه " بحمله
على هذه المرتبة التي هي أقل مراتب الالتفات. ورواه البرقي في المحاسن (2).
ونحوه ما رواه في قرب الإسناد عن أبي البختري عن الصادق عن أبيه عن علي
(عليهم السلام) (3) قال: " الالتفات في الصلاة اختلاس من الشيطان فإياكم
والالتفات في الصلاة فإن الله تبارك وتعالى يقبل على العبد إذا قام في الصلاة فإذا
التفت قال الله تعالى يا ابن آدم عمن تلتفت؟ (ثلاثا) فإذا التفت الرابعة أعرض عنه "
وروى البرقي في المحاسن (4) قال وفي رواية ابن القداح عن جعفر بن محمد
عن أبيه (عليهما السلام) قال: " قال على (عليه السلام) للمصلي ثلاث خصال:
ملائكة حافين به من قدميه إلى أعنان السماء، والبر ينتثر عليه من رأسه إلى قدمه،
وملك عن يمينه وعن يساره، فإذا التفت قال الرب تبارك وتعالى إلى خير مني
تلتفت يا ابن آدم؟ لو يعلم المصلي لمن يناجي ما انفتل ".
وبهذه الأخبار بخص اطلاق الأخبار المتقدمة الدالة على قطع الصلاة
بالانصراف بالوجه، فإنه وإن صدق الانصراف بالوجه في هذه الصورة في الجملة
إلا أن هذه الأخبار قد دلت على مجرد الكراهة كما عرفت، وحينئذ فيخص الجواز
على كراهة بهذه الصورة خلافا لما عليه الأصحاب من عمومها للصورة المتقدمة
لما عرفت. هذا مع التعمد ومنه يعلم السهو بطريق أولى.
(الصورة الثالثة) الاستدبار بالوجه والظاهر البطلان إن أمكن وقوعه مع التعمد
قال شيخنا الشهيد الثاني في الروض: واختار جماعة من الأصحاب: منهم -
الشهيد البطلان مع بلوغ الوجه إلى حد الاستدبار وإن كان الفرض بعيدا، ويدل

(1) الوسائل الباب 32 من قواطع الصلاة
(2) الوسائل الباب 32 من قواطع الصلاة
(3) الوسائل الباب 32 من قواطع الصلاة
(4) الوسائل الباب 32 من قواطع الصلاة
37

عليه رواية الحلبي - وأشار بها الحديث السادس (1) - قال إذ لا التفات أفحش
مما يصير إلى حد الاستدبار.
أقول: ونحوه الخبر الثالث عشر (2) ويدل عليه أيضا الأخبار التي أشرنا
إلى دلالتها على الابطال بالالتفات إلى محض اليمين والشمال بطريق الأولى.
قال في الروض: وإنما يبطل الالتفات في مواضعه لو وقع على وجه الاختيار
أما لو وقع اضطرارا أو سهوا أو غيره ففي ابطاله نظر، من أن الاستقبال شرط
فيبطل المشروط بفواته ولا فرق فيه بين الحالين كالطهارة إلا ما أخرجه النص،
ومن العفو عما استكره الناس عليه للخبر (3) وهذا هو الظاهر. انتهى. والله العالم.
الرابع - القهقهة وهي لغة الترجيع في الضحك أو شدة الضحك كما في
القاموس، وقال في الصحاح: القهقهة في الضحك معروف وهو أن يقول " قه قه ". قال
في الروض بعد نقل كلام أهل اللغة وأنه الترجيع في الضحك أو شدة الضحك:
والمراد هنا مطلق الضحك كما صرح به المصنف في غير هذا الكتاب.
والحكم بتحريم القهقهة وأبطالها للصلاة مما لا خلاف فيه حكى اجماعهم عليه
جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) كالفاضلين في المعتبر والمنتهى والتذكرة
والشهيد في الذكرى وغيرهم.
والأصل فيه الأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام)، ومنها ما رواه في
الكافي والتهذيب في الموثق عن سماعة (4) قال: " سألته عن الضحك هل يقطع
الصلاة؟ قال أما التبسم فلا يقطع الصلاة وأما القهقهة فهي تقطع الصلاة ".
وما روياه أيضا في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (5) قال: " القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة ".
وروى في الفقيه مرسلا (6) قال: " قال الصادق (عليه السلام) لا يقطع

(1) ص 29
(2) ص 30
(3) ارجع إلى التعليقة 1 ص 34
(4) الوسائل الباب 7 من قواطع الصلاة
(5) الوسائل الباب 7 من قواطع الصلاة
(6) الوسائل الباب 7 من قواطع الصلاة
38

التبسم الصلاة وتقطعها القهقهة ولا تنقض الوضوء ".
وروى الصدوق في الخصال (1) عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن الصادق عن
آبائه (عليهم السلام) قال: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يقطع الصلاة
التبسم ويقطعها القهقهة ".
أقول: ظاهر هذ الأخبار كما ترى هو ترتب القطع على القهقهة وقد عرفت
معناها لغة، وظاهر كلام الروض المتقدم أن القاطع عند الأصحاب هو مطلق
الضحك، وقال في الروضة في تفسير القهقهة هي الضحك المشتمل على الصوت وإن لم
يكن فيه ترجيع ولا شدة، وعلى هذا النحو كلام غيره أيضا.
وبالجملة فإن بعضهم فسر القهقهة بالضحك المشتمل على الصوت لوقوعها في
الأخبار في مقابلة التبسم الخالي منه، ومنهم من فسرها بمطلق الضحك ظنا منهم
أن التبسم ليس من أفراد الضحك مع أن الظاهر من موثقة سماعة أنه من أفراد
الضحك، وبذلك صرح في القاموس أيضا حيث قال فيه هو أقل الضحك وأحسنه.
وكيف كان فإن ما ذكروه لا يخلو من الاشكال مخالفته للأخبار وكلام أهل اللغة.
ثم إن ظاهر الأخبار المذكورة عدم لفرق بين العمد والسهو إلا أن العلامة
في التذكرة والشهيد في الذكرى ادعيا الاجماع على عدم الابطال بالواقعة سهوا.
ولو وقعت على وجه لا يمكن دفعها لمقابلة لاعب ونحوه فاستقرب الشهيد
في الذكرى البطلان وإن لم يأثم لعموم الخبر. وهو جيد بل يظهر من التذكرة أنه
مجمع عليه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) والله العالم.
الخامس - تعمد الفعل الكثير الخارج به عن الصلاة بلا خلاف بين الأصحاب
بل كافة العلماء، حكى ذلك الفاضلان وغيرهما.
قال في المنتهى: ويجب عليه ترك الفعل الكثير الخارج من أفعال الصلاة فلو
فعله عامدا بطلت صلاته وهو قول أهل العلم كافة، لأنه يخرج به عن كونه مصليا،

(1) ج 2 ص 166 وفي الوسائل الباب 1 من أفعال الصلاة رقم 16
39

والقليل لا يبطل الصلاة بالاجماع، قال ولم يحد الشارع القلة والكثرة فالمرجع في
ذلك إلى العادة وكل ما ثبت أن النبي والأئمة (صلوات الله عليهم) فعلوه في الصلاة وأمروا
به فهو من جنس القليل كقتل البرغوث والحية والعقرب، وكما روى الجمهور عن
النبي (صلى الله عليه وآله) (1) أنه كان يحمل أمامة بنت أبي العاص فكان إذا سجد
وضعها وإذا قام رفعها.
أقول: لا يخفى أن الأخبار خالية من ذكر هذا الفرد والتعرض له في عداد
ما يبطل الصلاة وإنما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) ولهذا اضطرب كلامهم
في تحديد القلة والكثرة اضطرابا شديدا، فمنهم من حده بما سمي كثيرا عرفا،
ومنهم من قال ما يخرج به فاعله عن كونه مصليا عرفا.

(1) قال في هامش محاضرات آية الله الخوئي في الفقه الجعفري قسم المعاملات ص 52:
ولم يستشهد الأئمة " ع " بقصة حمل النبي " ص " أمامة ابنة زينب ولو كان لها عندهم " ع "
عين أو أثر لاستشهدوا بها كما هي عادتهم ولكن أهل السنة في جوامعهم تعرضوا لهذه
القصة ومع حرصهم الشديد عليها لم يذكروا إلا رواية واحدة عن أبي قتادة والراوي عنه
عمرو بن سليم الزرقي وعنه عامر بن عبد الله بن الزبير وأبو سعيد المقبري ويزيد بن عتاب
المجهول. وقد اختلفوا في النقل ففي صحيح البخاري ج 1 ص 87 قبل مواقيت الصلاة
وصحيح مسلم ج 1 ص 205... إلى أن قال بعد عد الجوامع وبيان الاختلاف بينها
في المتن: وقد اضطرب فقهاؤهم لهذا الحديث الكاشف عن العمل الكثير المبطل وللخلاف في
متن الحديث فمنهم من قال إنه منسوخ ومنهم من قال إنه في النافلة الجائز فيها ذلك، ثم
قال راجع فيه نيل الأوطار للشوكاني ج 1 ص 102 وفتح الباري ج 2 ص 464 وعمدة
القارئ ج 2 ص 501 وشرح صحيح مسلم للنووي على هامش ارشاد الساري ج 3 ص
198 يتجلى لك من اضطراب الفقهاء في توجيهه بعده عن الحقيقة... إلى آخر كلامه.
وفي النسخة المطوعة من الحدائق أدرجت العبارة الآتية في عبارة المنتهى وهي هذه: " وهذا
الحديث من موضوعات العامة أرادوا به انحطاط منزلته " ص " ويأبى الله إلا أن يتم
نوره ولو كره المشركون " مع أنها غير موجودة في المنتهى لا في ما وقفنا عليه من نسخ
الحدائق الخطية ولذا حذفت في هذه الطبعة.
40

وقال في السرائر ما يسمى في العادة كثيرا مثل الأكل والشرب واللبس وغير
ذلك مما إذا فعله الانسان لا يسمى مصليا بل يسمى آكلا وشاربا ولا يسمى فاعله
في العادة مصليا.
وقال العلامة في التذكرة: اختلف الفقهاء في حد الكثرة فالذي عول عليه علماؤنا
البناء على العادة فما يسمى في العادة كثيرا فهو كثير وإلا فلا، لأن عادة الشرع رد
الناس في ما لم ينص عليه إلى عرفهم وبه قال بعض الشافعية. وقال بعضهم القليل ما لم
يسع زمانه لفعل ركعة من الصلاة والكثير ما يسع. وقال بعضهم ما لا يحتاج إلى
فعل اليدين معا كرفع العمامة وحل الأزرار فهو قليل وما يحتاج إليهما معا كتكوير
العمامة وعقد السراويل فهو كثير. وقال بعضهم القليل ما لا يظن الناظر إلى فاعله أنه
ليس في الصلاة والكثير ما يظن به الناظر إلى فاعله الاعراض عن الصلاة (1) انتهى.
وأورد عليه أن ما ذكره من التعليل على إحالة الحكم على العرف فهو متجه
إن كان مستند أصل الحكم النص، وليس كذلك فإني لم أطلع على نص يتضمن أن
الفعل الكثير مبطل ولا ذكر نص في هذا الباب في شئ من كتب الاستدلال، فإذن
مستند الحكم هو الاجماع فيحب إناطة الحكم بمورد الاتفاق فكل فعل ثبت الاتفاق
على كونه فعلا كثيرا كان مبطلا ومتى ثبت أنه ليس بكثير فهو ليس بمبطل، ومتى اشتبه
الأمر فلا يبعد القول بعدم كونه مبطلا فإن اشتراط الصحة بتركه يحتاج إلى دليل بناء على أن
الصلاة اسم للأركان المعينة مطلقا فتكون هذه الأمور خارجة عن حقيقتها. ويحتمل القول
بالبطلان ووجوب الإعادة لتوقف البراءة اليقينية من التكليف الثابت عليه. انتهى.
أقول - وبالله التوفيق إلى هداية سواء الطريق - قد عرفت في غير مقام مما
تقدم ما في بناء الأحكام الشرعية على الرجوع إلى العرف من الفساد مضافا إلى عدم

(1) الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 252 وبدائع الصنائع ج 1 ص 241 والمغني ج 2 ص 249 والبحر الرائق ج 2 ص 12 ولم نعثر في ما وقفنا عليه من كتبهم
بتحديد الفعل الكثير بما يسع زمانه لفعل ركعة من الصلاة.
41

الدليل عليه من سادات العباد. وأما قول العلامة في ما قدمناه من كلامه - إن
عادة الشرع رد الناس في ما لم ينص عليه إلى عرفهم - فهو ممنوع أشد المنع بل المعلوم
من الأخبار على وجه لا يعتريه غشاوة الانكار عند من جاس خلال الديار عند
فقد النص إنما هو الوقوف والتثبت والأخذ بالاحتياط، وقد تقدمت في ذلك
الأخبار في مقدمات كتاب الطهارة في مقدمة البراءة الأصلية وكذا في مواضع من
مطاوي أبحاث الكتاب، ولا بأس بالإشارة إلى بعضها لإزالة ثقل المراجعة على النظار:
ومنها - قوله (عليه السلام) في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (1) " إذا
أصبتم بمثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا ".
وقولهم (عليهم السلام) في جملة من الأخبار (2) " الوقوف عند الشبهة خير
من الاقتحام في الهلكة. إنما الأمور ثلاثة: أمر بين رشده فيتبع وأمر بين غيه
فيجتنب وأمر مشكل يرد علمه إلى الله تعالى وإلى رسوله (صلى الله عليه وآله) قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ترك
الشبهات نجى من الهلكات ".
وقوله (عليه السلام) في حديث حمزة بن الطيار " (3) كف واسكت إنه لا
يسعكم في ما ينزل بكم مما لا تعلمون إلا الكف عنه والتثبت والرد إلى أئمة الهدى
(عليهم السلام) حتى يحملوكم فيه على القصد ويجلوا عنكم فيه العمى ويعرفوكم فيه
الحق، قال الله تعالى: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " (4).
وقوله (عليه السلام) (5) " إن وضح لك أمر فاقبله وإلا فاسكت تسلم ورد
علمه إلى الله تعالى فإنك في أوسع ما بين السماء والأرض ".
وقول الصادق (عليه السلام) في حديث أبي البريد المروي في الكافي (6)
.

(1) الوسائل الباب 12 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به.
(2) الوسائل الباب 12 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به.
(3) الوسائل الباب 12 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به.
(4) سورة النحل، الآية 45.
(5) الوسائل الباب 12 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به.
(6) الوسائل الباب 7 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به. وفيه - كما في أصول
الكافي باب الضلال - هكذا (عن هاشم صاحب البريد)
42

" أما أنه شر عليكم أن تقولوا بشئ ما لم تسمعوه منا " إلى غير ذلك من الأخبار التي
يضيق عن نقلها المقام.
وأما الاعتماد على الاجماع وإناطة الحكم به فهو وإن كان مشهورا بينهم إلا أنك قد عرفت ما فيه مما كشف عن ضعف باطنه وخافيه.
والتحقيق عندي في المقام هو أن يقال لا ريب أن الصلاة عبادة شرعية
موظفة محدودة بالتكبير إلى التسليم تحريمها التكبير وتحليلها التسليم (1) وأنها عبارة
عن الأفعال المخصوصة وما بينها من الانتقالات إلا أنه قدر خص الشارع في الاتيان
ببعض الأفعال فيها مما هو خارج عنها، فيجب الوقوف على مواضع الرخص لأنها
جارية على خلاف الأصل، لأنا لو خلينا وظاهر الأمر بها وأنها عبارة عما ذكرنا
ولم يرد شئ من ما ذكرناه من الرخص لكنا نوجب الحكم ببطلانها مع الاتيان
بتلك الأشياء البتة لخروجها عن الصلاة المبنية على التوقيف عن صاحب الشرع لكن لما
وردت النصوص بها لم يسع الحكم بالابطال، وحينئذ فالواجب الاقتصار في الحكم
بالصحة على موارد النصوص من تلك الأشياء ونحوها وما خرج عن ذلك سمي عرفا
كثيرا أو لم يسم انمحت به صورة الصلاة أم لا فإنه يجب الحكم فيه بالابطال وقوفا
على ما ذكرناه عن الأصل.
وبالجملة فإنه حيث كانت النصوص خالية من هذا الحكم وما ادعوه من الاجماع
في المقام وفرعوا عليه من الأحكام فهي لا توصل عدنا إلى مقام فالواجب الوقوف
على مقتضى الأصل في حكم الصلاة وما يقتضيه الأمر بها وما ورد من النصوص
المخصصة لذلك في هذا الباب.
فالواجب ذكر جملة من تلك النصوص الواردة في ذلك لتكون أنموذجا
لا يتعداه السالك في هذه المسالك، فمن ذلك أخبار الرعاف وقد تقدم جملة منها
في مسألة الكلام.

(1) الوسائل الباب 1 من تكبيرة الاحرام و 1 من التسليم
43

ومنها - ما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن المغيرة (1) أنه قال:
" لا بأس أن يعد الرجل صلاته بخاتمه أو بحصى يأخذ بيده فيعد به ".
وما رواه الشيخ في الموثق عن يونس بن يعقوب (2) قال: " رأيت
أبا عبد الله (عليه السلام) يسوي الحصى في موضع سجوده بين السجدتين ".
وعن عبيد الله الحلبي في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال:
" سألته أيمسح الرجل جبهته في الصلاة إذا لصق بها تراب؟ فقال نعم قد كان أبو جعفر
(عليه السلام) يمسح جبهته في الصلاة إذا لصق بها التراب ".
وعن إسحاق بن عمار عن رجل من بني عجل (4) قال: " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن المكان يكون فيه الغبار فانفخه إذا أردت السجود؟ فقال لا بأس "
وروى الكليني والشيخ عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (5) " في
الرجل يمس أنفه في الصلاة فيرى دما كيف يصنع أينصرف؟ قال إن كان يابسا فليرم
به ولا بأس " وفي الكافي " دما كثيرا " (6).
وروى الشيخ في الصحيح عن ابن أبي نصر عن أبي الوليد (7) قال: " كنت
جالسا عند أبي عبد الله (عليه السلام) فسأله ناجية أبو حبيب فقال له جعلني الله
فداك إن لي رحى أطحن فيها فربما قمت في ساعة من الليل فأعرف من الرحى أن
الغلام قد نام فأضرب الحائط لا وقظه؟ فقال نعم أنت في طاعة الله تطلب رزقه "
ورواه ابن بابويه بتفاوت في المتن (8) وفيه " فأقوم فأصلي... إلى آخره ".
وروى في الكافي والتهذيب في الحسن أو الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (9) في حديث قال: " والمرأة إذا أرادت الحاجة وهي

(1) الوسائل الباب 28 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 18 من السجود
(3) الوسائل الباب 18 من السجود
(4) الوسائل الباب 7 من السجود
(5) الوسائل الباب 2 من قواطع الصلاة
(6) ليس في الكافي ج 1 ص 101 كلمة " كثيرا "
(7) الوسائل الباب 9 من قواطع الصلاة
(8) الوسائل الباب 9 من قواطع الصلاة
(9) الوسائل الباب 9 من قواطع الصلاة
44

تصلي تصفق بيديها ".
وروى في الفقيه (1) قال: " وسأله حنان بن سدير أيومئ الرجل وهو في
الصلاة؟ قال نعم قد أومأ النبي (صلى الله عليه وآله) في مسجد من مساجد الأنصار
بمحجن كان معه. قال حنان ولا أعلمه إلا مسجد بني عبد الأشهل "
وروى في الفقيه والتهذيب عن محمد بن بجيل أخي علي بن بجيل (2) قال:
" رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) يصلي فمر به رجل وهو بين السجدتين فرماه
أبو عبد الله (عليه السلام) بحصاة فأقبل إليه الرجل ".
ورويا أيضا عن زكريا الأعور (3) قال " رأيت أبا الحسن (عليه السلام)
يصلي قائما وإلى جنبه رجل كبير يريد أن يقوم ومعه عصا له فأراد أن يتناولها فانحط
أبو الحسن (عليه السلام) وهو قائم في صلاته فناول الرجل العصا ثم عاد إلى
موضعه من الصلاة ".
ورويا أيضا عن سعيد الأعرج (4) قال ": قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
إني أبيت وأريد الصوم فأكون في الوتر فأعطش فأكره أن أقطع الدعاء وأشرب
وأكره أن أصبح وأنا عطشان وأمامي قلة بيني وبينها خطوتان أو ثلاثة؟ قال
تسعى إليها وتشرب منها حاجتك وتعود في الدعاء ".
وروى في التهذيب في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (5) قال: " لا بأس أن تحمل المرأة صبيها وهي تصلي أو ترضعه
وهي تتشهد ".

(1) الوسائل الباب 9 من قواطع الصلاة
(2) الوسائل الباب 10 من قواطع الصلاة
(3) الوسائل الباب 12 من القيام. ولفظ التهذيب " ثم عاد إلى صلاته " والفقيه
" ثم عاد إلى موضعه إلى صلاته "
(4) الوسائل الباب 23 من قواطع الصلاة.
واللفظ للتهذيب وهو يختلف عن لفظ الفقيه وقد نقله في الوسائل عن كل منهما مستقلا.
(5) الوسائل الباب 24 من قواطع الصلاة
45

وروى في الفقيه (1) قال: " سأل الحلبي أبا عبد الله (عليه السلام) عن
الرجل يحتك وهو في الصلاة؟ قال لا بأس ".
وروى في التهذيب عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) (2)
أنه قال: " في رجل يصلي ويرى الصبي يحبو إلى النار أو الشاة تدخل البيت لتفسد
الشئ؟ قال فلينصرف وليحرز ما يتخوف ويبني على صلاته ما لم يتكلم ".
وروى الشيخ في الحسن عن مسمع (3) قال: " سألت أبا الحسن (عليه
السلام) فقلت أكون أصلي فتمر بي الجارية فربما ضممتها إلى؟ قال لا بأس ".
وعن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) أنه قال: " في الرجل
يصلي في موضع ثم يريد أن يتقدم؟ قال يكف عن القراءة في مشيه حتى يتقدم إلى
الموضع الذي يريد ثم يقرأ ".
وما رواه في التهذيب والكافي عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (5) قال: " إذا دخلت المسجد والإمام راكع فظننت أنك إن
مشيت إليه رفع رأسه من قبل أن تدركه فكبر واركع فإذا رفع رأسه فاسجد
مكانك فإذا قام فالحق بالصف فإن جلس فاجلس مكانك فإذا قام فالحق بالصف ".
قال في الفقيه (6) " وروي أنه يمشي في الصلاة يجر رجليه ولا يتخطى " وفي هذا
الحكم أخبار عديدة بدلك.
وروى في الفقيه والتهذيب في الموثق عن عمار قال: " سألت أبا عبد الله

(1) الوسائل الباب 28 من قواطع الصلاة
(2) الوسائل الباب 21 من قواطع الصلاة
(3) الوسائل الباب 22 من قواطع الصلاة.
(4) الوسائل الباب 44 من مكان المصلي و 34 من القراءة
(5) الوسائل الباب 46 من الجماعة
(6) الوسائل الباب 46 من الجماعة
(7) الوسائل الباب 19 من قواطع الصلاة
46

(عليه السلام) عن الرجل يكون في الصلاة فيرى حية بحياله يجوز له أن يتناولها
فيقتلها؟ فقال إن كان بينه وبينها خطوة واحدة فليخط وليقتلها وإلا فلا ".
ورويا في الحسن عن الحسين بن العلاء (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن الرجل يرى الحية والعقرب وهو يصلي المكتوبة؟ قال يقتلهما ".
وفي الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) أنه قال: " في
رجل يرى العقرب والأفعى والحية وهو يصلي أيقتلها؟ قال: نعم إن شاء فعل "
وروى في الكافي عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: " إذا وجدت قملة وأنت تصلي فادفنها في الحصى " ومثلها رواية الحسين
ابن أبي العلاء (4).
وروى في كتاب قرب الإسناد وكتاب المسائل عن علي بن جعفر عن أخيه
موسى (عليه السلام) (5) قال: " سألته عن الرجل يكون في صلاته فيرمي
الكلب وغيره بالحجر ما عليه؟ قال ليس عليه شئ ولا يقطع ذلك صلاته. وسألته
عن الرجل هل يصلح له وهو في صلاته أن يقتل القملة أو النملة أو الفأرة أو الحلمة
أو شبه ذلك؟ قال أما القملة فلا يصلح له ولكن يرمي بها خارجا من المسجد
أو يدفنها تحت رجليه. وسألته عن رجل رعف وهو في صلاته وخلفه ماء هل
يصلح له أن ينكص على عقبيه حتى يتناول الماء ويغسل الدم؟ قال إذا لم يلتفت فلا
بأس. وسألته عن المرأة تكون في صلاة الفريضة وولدها إلى جنبها فيبكي وهي
قاعدة هل يصلح لها أن تتناوله فتقعده في حجرها وتسكته وترضعه؟ قال لا بأس ".
وروى في المحاسن (6) عن ابن أذينة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال

(1) الوسائل الباب 19 من قواطع الصلاة
(2) الوسائل الباب 19 من قواطع الصلاة
(3) الوسائل الباب 20 من قواطع الصلاة
(4) الوسائل الباب 20 من قواطع الصلاة
(5) الوسائل الباب 10 و 20 و 2 و 24 من قواطع الصلاة بترتيب الأسئلة في المتن
وقد نقل الأول والرابع من كتابه أيضا دون الثاني والثالث، وفي البحار ج 18 الصلاة
ص 210 نقل الجميع من قرب الإسناد ومن كتابه.
(6) ص 590
47

" لدغت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عقرب وهو يصلي بالناس فأخذ النعل
وضربها ثم قال بعد ما انصرف: لعنك الله فما تدعين برا ولا فاجرا إلا آذيته. قال
ثم دعا (صلى الله عليه وآله) بملح جريش فدلك موضع اللذعة ثم قال لو علم
الناس ما في الملح الجريش ما احتاجوا معه إلى ترياق وغيره ".
وروى علي بن جعفر في كتاب المسائل عن أخيه موسى (عليه السلام) (1)
قال: " سألته عن المرأة تكون في صلاتها قائمة يبكي ابنا إلى جنبها هل يصلح لها أن
تتناوله وتحمله وهي قائمة؟ قال لا تحمل وهي قائمة ".
قال بعض مشايخنا (رضوان الله عليهم) قوله " لا تحمل وهي قائمة " يمكن
أن يكون ذلك لاستلزام زيادة الركوع بناء على عدم اشتراط النية في ذلك وظاهر
بعض الأصحاب اشتراطها، ثم نقل كلام الذكرى الدال على ذلك ثم نقل رواية زكريا
الأعور المتقدمة المتضمنة لهوي الإمام لمناولة الشيخ عصاه (2) ثم قال: وهذا الخبر
يدل على الجواز وعلى الاشتراط المذكور، ويمكن الجمع بينهما بحمل هذا الخبر على
الفريضة أو الكراهة وخبر الأعور على النافلة أو على الجواز والأول أظهر. انتهى.
وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب نوادر البزنطي
في الصحيح عن الحلبي (3) " أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يخطو
أمامه في الصلاة خطوتين أو ثلاثا؟ قال نعم لا بأس. وعن الرجل يقرب نعله بيده
أو رجله في الصلاة؟ قال نعم ".
وروى الشهيد في الذكرى عن البزنطي عن داود بن سرحان عن الصادق
(عليه السلام) (4). في عد الآي بعقد اليد؟ قال لا بأس هو أحصى للقرآن ".
وروى الصدوق في الفقيه عن علي بن جعفر (5) " أنه سأل أخاه موسى (عليه

(1) الوسائل الباب 24 من قواطع الصلاة
(2) ص 45
(3) الوسائل الباب 30 من قواطع الصلاة
(4) الوسائل الباب 30 من قواطع الصلاة
(5) الوسائل الباب 27 من قواطع الصلاة
48

السلام) عن الرجل يتحرك بعض أسنانه وهو في الصلاة هل ينزعه؟ قال إن كان
لا يدميه فلينزعه وإن كان يدميه فلنصرف. وعن الرجل يكون به الثالول أو الجرح
هل يصلح له أن يقطع الثالول وهو في صلاته أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح
ويطرحه؟ قال إن لم يتخوف أن يسيل الدم فلا بأس وإن تخوف أن يسيل الدم
فلا يفعله. وعن الرجل يرى في ثوبه خرء الطير أو غيره هل يحكه وهو في صلاته؟
قال: لا بأس. وقال لا بأس أن يرفع الرجل طرفه إلى السماء وهو يصلي ".
وروى الحميري في قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر
عن أخيه موسى (عليه السلام) (1) قال: " سألته عن الرجل هل يصلح له أن
يصلي وفي كمه شئ من الطير؟ قال: إن خاف عليه ذهابا فلا بأس. وسألته عن
الرجل هل يصلح له أن يستدخل الدواء ويصلي وهو معه وهل ينقض الوضوء؟ قال
لا ينقض الوضوء ولا يصلي حتى يطرحه. وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي
وفي فيه الخرز واللؤلؤ؟ قال إذا كان يمنعه من قراءته فلا وإن كان لا يمنعه فلا بأس ".
وأما ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في الموثق عن سماعة (2) -
قال: " سألته عن الرجل يكون قائما في الصلاة الفريضة فينسى كيسه أو متاعا
يتخوف ضيعته أو هلاكه؟ قال يقطع صلاته ويحرز متاعه ثم يستقبل الصلاة.
قلت فيكون في الصلاة الفريضة فتفلت عليه دابة أو تفلت دابته فيخاف أن تذهب
أو يصيب منها عنتا؟ فقال لا بأس أن يقطع صلاته " وزاد في الفقيه (3) " ويتحرز
ويعود في صلاته ".
وما رواه في الكافي والتهذيب عن حريز عن من أخبره عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (4) قال: " إذ كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد
أبق أو غريما لك عليه مال أو حية تخافها على نفسك فاقطع الصلاة واتبع الغلام

(1) الوسائل الباب 60 من لباس المصلي و 33 من قواطع الصلاة
(2) الوسائل الباب 21 من قواطع الصلاة
(3) الوسائل الباب 21 من قواطع الصلاة
(4) الوسائل الباب 21 من قواطع الصلاة
49

أو غريما لك واقتل الحية " -
فيجب حمله على ما إذا استلزم فعل أحد المبطلات من الكلام والاستدبار، على أن الثاني منهما مطلق فيجوز حمله على ما تقدم من الأخبار.
أقول: ومن هذه الأخبار يستفاد أن ما كان من الأفعال مثل ما اشتملت
عليه نوعا أو شخصا فلا بأس به وما زاد على ذلك وخرج عنه فهو محل الاشكال
وإن لم يسم كثيرا عرفا. هذا هو القدر الذي يمكن القول به في المقام.
ثم إن المشهور بينهم أن ابطال الفعل الكثير مخصوص بصورة العمد كما صرح
بذلك جمع منهم ونسبه في التكرة إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الاجماع عليه. وقال الشهيد
الثاني: لو استلزم الفعل الكثير ناسيا انمحاء صورة الصلاة رأسا توجه البطلان
أيضا لكن الأصحاب أطلقوا الحكم بعدم البطلان. انتهى. وجزم سبطه في المدارك
بالبطلان هنا حيث قال: ولم أقف على رواية تدل بمنطوقها على بطلان الصلاة بالفعل
الكثير لكن ينبغي أن يراد به ما تنمحي به صورة الصلاة بالكلية كما هو ظاهر
اختيار المصنف في المعتبر اقتصارا في ما خالف الأصل على موضع الوفاق وأن
لا يفرق في بطلان الصلاة بين العمد والسهو. انتهى.
(السادس) - تعمد البكاء للأمور الدنيوية من ذهاب مال أو فوت عزيز
وإن وقع بغير اختيار إلا أنه لا يأثم به، وهذا الحكم ذكره الشيخ ومن تأخر عنه
وظاهره عدم الخلاف فيه.
واستدلوا عليه بأنه فعل خارج عن حقيقة الصلاة فيكون قاطعا لها كالكلام،
وما رواه الشيخ عن أبي حنيفة (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
البكاء في الصلاة أيقطع الصلاة؟ قال إن بكى لذكر جنة أو نار فذلك هو أفضل
الأعمال في الصلاة وإن كان ذكر ميتا له فصلاته فاسدة ".
ورد الأول في المدارك بأنه قياس والثاني بضعف السند لاشتماله على عدة من

(1) الوسائل الباب 5 من قواطع الصلاة
50

الضعفاء، قال فيشكل الاستناد إليها في اثبات حكم مخالف لأصل ثم نقل عن شيخه
المعاصر التوقف في الحكم، قال وهو في محله.
أقول: يمكن الجواب بناء على الاصلاح المحدث في تقسيم الأخبار بجبر الخبر
بالشهرة بين الأصحاب لما عرفت من اتفاقهم على الحكم المذكور والأمران اصطلاحيان
وقال في الفقيه (1): وروي أن البكاء على الميت يقطع الصلاة والبكاء لذكر
الجنة والنار من أفضل الأعمال في الصلاة.
وقال شيخنا في الروض: واعلم أن البكاء المبطل للصلاة هو المشتمل على
الصوت لا مجرد خروج الدمع مع احتمال الاكتفاء به في البطلان، ووجه
الاحتمالين اختلاف معنى البكاء لغة مقصورا وممدودا والشك في إرادة أيهما من الأخبار
قال: الجوهري البكاء يمد ويقصر فإذا مددت أردت الصوت الذي يكون مع البكاء
وإذا قصرت أردت الدموع وخروجها، قال الشاعر:
بكت عيني وحق لها بكاها ولا يجدي البكاء ولا العويل. انتهى
أقول: لا يخفى أن الموجود في النص الذي هو مستند هذا الحكم إنما هو بالفعل
الشامل للأمرين دون المصدر الذي هو مظهر لكل من المعنيين المذكورين وحينئذ
فما اشتهر بين الأصحاب من تخصيص الابطال بما إذا اشتمل على الصوت دون مجرد
خروج الدمع لا أعرف له وجها. وربما أيده بعضهم باستصحاب حكم الصحة
في الصلاة والمتيقن هو الابطال بما اشتمل على الصوت. وهو ضعيف.
وأما ما ذكره في الذخيرة - من أن الظاهر من كلام الأصحاب (رضوان الله
عليهم) إرادة الأعم - لعله مبني على اطلاق بعضهم الكلام في البكاء وإلا فظاهر
كلام شيخنا الشهيد الثاني المذكور ظاهر في اختياره التخصيص بالمشتمل على الصوت
وإنما جعل الآخر احتمالا.
وقال سبطه في المدارك: وينبغي أن يراد بالبكاء ما كان فيه انتحاب وصوت

(1) الوسائل الباب 5 من قواطع الصلاة
51

لا مجرد خروج الدمع اقتصارا على موضع الوفاق إن تم. انتهى. وبعضهم
علله بما قدمنا ذكره.
ثم إن ظاهر كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) من حيث تعليقهم الابطال
بالأمور الدنيوية الذي هو أعم من أن يكون لفوتها أو لطلبها هو حصول الابطال
بالبكاء لطلب ولد أو مال أو شفاء مريض أو نحو ذلك، وهو مشكل لأنه مأمور به
ومندوب إليه في الأخبار، مع أن ظاهر الخبر الذي هو مستند هذا الحكم إنما هو
فواتها لا طلبها. وحينئذ فالظاهر أنه لا تبطل بالبكاء لطلبها. ولا يعارض ذلك بمفهوم
صدر الخبر لدلالته على أنه ما لم يكن من الأمور الأخروية يكون مبطلا، لأنا نقول
مفهوم صدر الخبر أنه ما لم يكن كذلك ليس أفضل الأعمال وعدم كونه أفضل
الأعمال لا يوجب البطلان.
هذا. وأما ما يدل من الأخبار على عدم الابطال بالبكاء للأمور الأخروية - من
الشوق إلى الجنة أو الخوف من العذاب أو الندامة على الذنوب بل هو من أفضل
الأعمال عند ذي الجلال كما استفاضت به أخبار الآل (صلوات الله وسلامه عليهم
ما ترادفت الأيام والليالي) وعضدته الآيات الواردة في الكتاب العزيز كقوله
عز وجل " إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا " (1) -
فمنها - ما صح عن النبي (صلى الله عليه وآله) (2) " أنه قال لعلي (عليه السلام)
في جملة وصيته له: والرابعة كثرة البكاء لله يبني لك بكل دمعة ألف بيت في الجنة "
وما رواه الصدوق (قدس سره) عن منصور بن يونس بزرج (3) " أنه سأل
الصادق (عليه السلام) عن الرجل يتباكى في الصلاة المفروضة حتى يبكي؟ قال قرة
عين والله. وقال إذا كان ذلك فاذكرني عنده ".

(1) سورة مريم الآية 59
(2) البحار ج 19 باب فضل البكاء وذم جمود العين
(3) الوسائل الباب 5 من قواطع الصلاة
52

وما رواه الشيخ (عطر الله مرقده) عن سعيد بياع السابري (1) قال:
" قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أيتباكى الرجل في الصلاة؟ فقال بخ بخ ولو مثل
رأس الذباب ".
وما رواه ثقة الاسلام (نور الله ضريحه) عن محمد بن مروان عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: " ما من شئ إلا وله كيل ووزن إلا الدموع فإن القطرة
تطفئ بحارا من نار فإذا اغرورقت العين بمائها لم يرهق وجهها قتر ولا ذلة فإذا فاضت
حرمه الله على النار، ولو أن باكيا بكى في أمة لرحموا ".
وعن محمد بن مروان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " ما من
عين إلا وهي باكية يوم القيامة إلا عين بكت عن خوف الله، وما اغرورقت عين
بمائها من خشية الله (عز وجل) إلا حرم الله عز وجل سائر جسده على النار ولا
فاضت على خده فرهق ذلك الوجه قتر ولا ذلة، وما من شئ إلا وله كيل ووزن
إلا الدمعة فإن الله عز وجل يطفئ باليسير منها البحار من النار فلو أن عهدا بكى في
أمة لرحم الله تلك الأمة ببكاء ذلك العبد ".
وعن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) (4) قال: " ما من قطرة
أحب إلى الله عز وجل من قطرة دموع في سواد الليل مخافة من الله لا يراد بها غيره ".
وفي الحسن عن صالح بن رزين ومحمد بن مروان وغيرهما عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (5) قال: " كل عين باكية يوم القيامة إلا ثلاثة: عين غضت
عن محارم الله وعين سهرت في طاعة الله وعين بكت في جوف الليل من خشية الله "
وعن ابن أبي عمير في الصحيح أو الحسن عن رجل من أصحابه (6) قال:
" قال أبو عبد الله (عليه السلام) أوحى الله عز وجل إلى موسى أن عبادي لم يتقربوا
إلى بشئ أحب إلى من ثلاث خصال. قال موسى (عليه السلام) يا رب وما هن؟ قال

(1) الوسائل الباب 5 من قواطع الصلاة
(2) الوسائل الباب 15 من جهاد النفس
(3) الوسائل الباب 15 من جهاد النفس
(4) الوسائل الباب 15 من جهاد النفس
(5) الوسائل الباب 15 من جهاد النفس
(6) الوسائل الباب 15 من جهاد النفس
53

يا موسى الزهد في الدنيا والورع عن المعاصي والبكاء من خشيتي. قال موسى يا رب
فما لمن صنع ذا؟ فأوحى الله عز وجل إليه يا موسى أما الزاهدون في الدنيا ففي الجنة
وأما البكاءون من خشيتي ففي الرفيع الأعلى لا يشاركهم أحد وأما الورعون عن
المعاصي فإني أفتش الناس ولا أفتشهم ".
وعن علي بن أبي حمزة (1) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) لأبي بصير
إن خفت أمرا يكون أو حاجة تريدها فابدأ بالله فمجده واثن عليه كما هو أهله وصل
على النبي (صلى الله عليه وآله) واسأل حاجتك وتباك ولو مثل رأس الذباب، إن
أبى كأن يقول إن أقرب ما يكون العبد من الرب وهو ساجد باك ".
(السابع) - تعمد الأكل والشرب إلا في الوتر لصائم أصابه عطش على المشهور
وأصل الحكم المذكور ذكره الشيخ في الخلاف والمبسوط وادعى عليه
الاجماع وتبعه عليه أكثر من تأخر عنه، ومنعه المحقق في المعتبر وطالبه بالدليل
على ذلك. وهو جيد فإنا لم نقف على ما يدل عليه من الأخبار، وإلى هذا مال
جملة من أفاضل المتأخرين ومتأخريهم.
قال في الذكرى: أما الأكل والشرب فالظاهر أنهما لا يبطلان بمسماهما بل
بالكثرة فلو ازدرد ما بين أسنانه لم يبطل أما لو مضغ لقمة وابتلعها أو تناول قلة
فشرب منها فإن كثر ذلك عادة أبطل وإن كان لقمة أو شربة فقد قال في التذكرة
يبطل لأن تناول المأكول ومضغه وابتلاعه أفعال معدودة. انتهى.
وقال في المنتهى: لو ترك في فيه شيئا يذوب كالسكر فذاب فابتلعه لم تفسد
صلاته عندنا وعند الجمهور تفسد (2) لأنه يسمى أكلا. أما لو بقي بين أسنانه شئ
من بقايا الغذاء فابتلعه في الصلاة لم تفسد صلاته قولا واحدا لأنه لا يمكن التحرز
عنه، وكذا لو كان في فيه لقمة ولم يبلعها إلا في الصلاة لأنه فعل قليل. انتهى.
أما لو وضع في فيه لقمة حال الصلاة ومضغها وابتلعها أو تناول قلة وشرب

(1) الوسائل الباب 29 من الدعاء
(2) المغني ج 2 ص 62
54

منها فقد صرح العلامة في النهاية والتذكرة على ما نقل عنهما بأنه مبطل أيضا لأن
التناول والمضغ والابتلاع أفعال كثيرة وكذا المشروب. وهذا القول جار على
مذهب الشيخ المتقدم.
وبالجملة فإن من نازع في أصل الحكم إنما بنى فيه على حصول الكثرة وعدمها
فجعل الابطال وعدمه دائرا مدار الكثرة وعدمها وإلا فالآكل والشرب من حيث
هما غير مبطلين وهو الأظهر في المسألة، لنا - أن مجرد الأكل والشرب من قبيل
الأفعال التي تقدم في الأخبار تعدادها وما اشتملت عليه تلك الأخبار من الأفراد
المعدودة فيها إنما خرج مخرج التمثيل فتكون هي وما شابهها كذلك، وما زاد عليها
يكون مبطلا لخروجه من الأخبار المذكورة وإن علله الأصحاب بالكثرة التي عدوها
من القواطع فالنزاع لفظي.
وكيف كان فإنه لا خلاف في استثناء الصورة المتقدمة بالشروط الواردة
في الخبر الذي هو مستند الحكم المذكور وهو خبر سعيد الأعرج المتقدم (1) في جملة
أخبار ما يجوز فعله في الصلاة.
وهل يتعدى الحكم إلى النافلة مطلقا؟ صرح الشيخ بذلك والمشهور خلافه،
قال في المعتبر: قال في المبسوط والخلاف لا بأس بشرب الماء في صلاة النافلة لأن
الأصل الإباحة وإنما منعناه في الفريضة بالاجماع، وقال الشافعي لا يجوز في نافلة
ولا في فريضة (2). ثم استدل برواية سعيد الأعرج ثم ساق الرواية. ثم قال في
المعتبر: وقوله " منعناه في الفريضة بالاجماع " لا نعلم أي اجماع أشار إليه والرواية
المذكورة غير دالة على دعواه لأنه ادعى الجواز في النافلة مطلقا والرواية تدل على
الوتر خاصة بالقيود التي تضمنها الحديث وهي إرادة الصوم وخوف العطش وكونه
في دعاء الوتر، ولا يلزم من جواز الشرب على هذا لا تقدير جوازه في النافلة

(1) ص 45
(2) الاقناع للخطيب الشربيني للشافعي ج 1 ص 123 والفقه
على المذاهب الأربعة ج 1 ص 254 فقد ذكرا ما يقتضي ذلك باطلاقه
55

مطلقا. انتهى. وهو جيد.
أقول: وبغضهم لذلك تخطى عن عموم الوتر كما هو ظاهر المشهور إلى تخصيص
الجواز بدعائه كما هو مورد الرواية ولا ريب أنه الأحوط.
وأنت خبير بأن هذا الاستثناء إنما يصح بناء على قول الشيخ واتباعه من
الابطال بمسمى الأكل والشرب أو بناء على أن الشرب فعل كثير فيقتصر حينئذ على
موضع النص وإلا فلا استثناء ولا قصر كما هو الأظهر وهو اختياره في المدارك أيضا
المقام الثالث - في ما يكون الأفضل تركه وإن لم يقطعها وبعبارة أخرى
ما يكره فيها:
ومنها - الالتفات يمينا وشمالا عند الأصحاب وذهب بعضهم إلى أنه محرم مبطل
وقد تقدم تحقيق القول في ذلك قريبا.
ومنها - العقص للرجل، قال في القاموس عقص شعره ضفره وفتله. والقول
بالكراهة هو المشهور بين المتأخرين وذهب إليه سلار وأبو الصلاح وابن إدريس
وجمهور المتأخرين، وهو ظاهر عبارة الشيخ المفيد حيث قال: لا ينبغي للرجل إذا
كان له شعر أن يصلي وهو معقوص حتى يحله وقد روي رخصة في ذلك للنساء.
وقال الشيخ في التهذيب والمبسوط والخلاف إذا صلى الرجل وهو معقوص الشعر
عامدا بطلت صلاته.
واستدل عليه في الخلاف بالاجماع وبما رواه في التهذيب عن مصادف عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) " في رجل إلى صلى فريضة وهو معقوص الشعر؟
قال يعيد صلاته "
وأجاب المتأخرون عن الاجماع بعدم ثبوته وهو جيد، وعن الرواية
بضعف السند.

(1) الوسائل الباب 36 من لباس المصلي. والرواية للكليني كما في الفروع ج 1
ص 113 ورواها الشيخ عنه في التهذيب ج 1 ص 202
56

وفيه أولا - ما عرفت في غير موضع مما تقدم من أن الطعن بضعف السند لا يقوم
حجة على المتقدمين الذين لا أثر لهذا الاصطلاح عندهم بل ولا على من لا يرى العمل
به. وبالجملة فإن رد الخبر من غير معارض مشكل ومن ثم مال المحدث الشيخ محمد
ابن الحسن الحر العاملي في كتاب الوسائل إلى تحريمه وابطال الصلاة به.
وروى في كتاب دعائم الاسلام عن علي (عليه السلام) (1) أنه قال:
" نهاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أربع: عن تقليب الحصى في الصلاة
وأن أصلي وأنا عاقص رأسي من خلفي، وأن احتجم وأنا صائم، وأن أخص يوم الجمعة
بالصوم " وظاهر هذه الرواية الكراهة كما هو المشهور. ونفى البعد شيخنا المجلسي
(قدس سره) عن حمل رواية مصادف على التقية (2).
وكيف كان فالحكم مختص بالرجل وأما النساء فلا كراهة فيهن اجماعا.
ثم إن جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) صرحوا بأنه على تقدير التحريم
لا يلزم البطلان، وعللوه بأن النهي عن أمر خارج عن العبادة فلا يستلزم بطلانها.
ولا يخفى ما في هذا الكلام من الغفلة عن النص المذكور حيث إنه قد اشتمل
على الإعادة الصريحة في البطلان وليس في الباب غيره وليس هاهنا نص يتضمن
النهي حتى يتجه ما ذكروه من التقريب. والله العالم.
ومنها - التثاؤب والتمطي وفرقعة الأصابع والعبث بلحيته أو غيرها ونفخ
موضع سجوده والتنخم والبصاق ونحو ذلك.
والمستند في هذه الأشياء ونحوها عدة أخبار: منها - ما ورد في صحيح زرارة
عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) قال: " إذا قمت في الصلاة فعليك بالاقبال على
صلاتك فإنما يحسب لك منها ما أقبلت عليه، ولا تعبث فيها بيدك ولا برأسك ولا

(1) مستدرك الوسائل الباب 27 من لباس المصلي
(2) في البحر الرائق ج 2 ص 23 استظهر التحريم للنهي بلا صارف
(3) الوسائل الباب 1 من أفعال الصلاة
57

بلحيتك ولا تحدث نفسك ولا تتثأب ولا تتمط ولا تكفر فإنما يفعل ذلك المجوس
ولا تلثم ولا تحتفز ولا تفرج كما يتفرج البعير ولا تقع على قدميك ولا تفترش
ذراعيك ولا تفرقع أصابعك، فإن ذلك كله نقصان من الصلاة، ولا تقم إلى الصلاة
متكاسلا ولا متناعسا ولا متثاقلا، فإنها من خلال النفاق فإن الله تعالى نهى المؤمنين
أن يقوموا إلى الصلاة وهم سكارى (1) يعني سكر النوم، وقال للمنافقين: وإذا
قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا " (2).
بيان: قال في النهاية: فيه " التثاؤب من الشيطان " التثاؤب معروف وهو
مصدر تثاءب والاسم الثؤباء، وإنما جعله من الشيطان كراهية له لأنه إنما يكون مع
ثقل البدن وامتلائه واسترخائه وميله إلى الكسل والنوم، وإضافة إلى الشيطان
لأنه الذي يدعو إلى اعطاء النفس شهوتها. وأراد به التحذير من السبب الذي يتولد
منه وهو التوسع في المطعم والشبع فيثقل عن الطاعات ويكسل عن الخيرات. انتهى.
والتمطي معروف وقيل أصله من التمطط وهو التمدد.
قال في المنتهى: يكره التثاؤب في الصلاة لأنه استراحة في الصلاة ومغير لهيئتها
المشروعة وكذا يكره التمطى أيضا لهذه العلة، ويؤيد ذلك ما رواه الشيخ في الحسن
عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " سألته عن الرجل يتثأب
في الصلاة ويتمطى؟ قال هو من الشيطان ولن يملكه " ثم قال: وفي ذلك دلالة على
رجحان الترك مع الامكان. انتهى.
وأما التكفير فقد تقدم الكلام فيه وكذا في اللثام. وأما الاحتفاز فقال في
النهاية: الحفز الحث والاعجال، ومنه حديث أبي بكرة " أنه دب إلى الصف
راكعا وقد حفزه النفس " ومنه الحديث " أنه (عليه السلام) أتى بتمر فجعل يقسمه
وهو محتفز " أي مستعجل مستوفز يريد القيام، ومنه حديث علي (عليه السلام) (4)

(1) سورة النساء الآية 46
(2) سورة النساء الآية 141
(3) الوسائل الباب 11 من قواطع الصلاة.
(4) الوسائل الباب 3 من السجود
58

" إذا صلت المرأة فلتحتفز إذا جلست وإذا سجدت ولا تخوي كما يتخوى الرجل أي
تتضام وتجتمع، انتهى. وقال في المجمع: في حديث المصلي لا تلثم ولا تحتفز أي لا
تتضام في سجودك بل تتخوى كما يتخوى البعير الضامر وهذا عكس المرأة فإنها تحتفز
في سجودها ولا تتخوى. انتهى.
أقول: وقد علم من ذلك أن هذا اللفظ محتمل لمعنيين: (أحدهما) الجلوس
غير متمكن ولا متورك بل يجلس مقعيا كالمريد للقيام سريعا. و (الثاني) بمعنى
التضام في السجود أي لا تتضام في حال سجودك. وفي بعض النسخ " ولا تحتقن "
والمراد به مدافعة الأخبثين.
وروى في الكافي عن أحمد بن محمد بن عيسى رفعه عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) قال: " إذا قمت في الصلاة فلا تعبث بلحيتك ولا برأسك ولا تعبث
بالحصى وأنت تصلي إلا أن تسوى حيث تسجد فلا بأس ".
وروى الشيخ في التهذيب عن أبي بصير (2) قال: " قال أبو عبد الله (عليه
السلام) إذا قمت في الصلاة فاعلم أنك بين يدي الله تعالى فإن كنت لا تراه فاعلم أنه
يراك فاقبل قبل صلاتك ولا تمتخط ولا تبزق ولا تنقض أصابعك ولا تورك فإن
قوما قد عذبوا بنقض الأصابع والتورك في الصلاة... الحديث ".
أقول: إن نقض الأصابع بالقاف بعد النون ثم الضاد المعجمة، قال في
القاموس: أنقض أصابعه ضرب بها لتصوت. وقال في مجمع البحرين: وانقاض
الأصابع تصويتها وفرقعتها وأنقض أصابعه ضرب بها لتصوت، ومنه الحديث
لا ينقض الرجل أصابعه في الصلاة " انتهى. والتورك قسمان: منه هو سنة
وهو ما تقدم في بحث السجود والتشهد، ومكروه وهو أن يضع يديه على وركيه
في الصلاة وهو قائم، وهو المراد في الخبر، قال الصدوق في الفقيه (3): ولا

(1) الوسائل الباب 12 من قواطع الصلاة
(2) الوسائل الباب 1 من أفعال الصلاة
(3) ج 1 ص 198
59

تتورك فإن الله عز وجل قد عذب قوما على التورك كان أحدهم يضع يديه على
وركيه من ملالة الصلاة.
وروى البزنطي في جامعه بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" إذا قمت في صلاتك فاخشع فيها ولا تحدث نفسك إن قدرت على ذلك واخضع
برقبتك ولا تلتفت فيها ولا يجز طرفك موضع سجودك وصف قدميك وأرخ يديك
ولا تكفر ولا تورك " قال البزنطي (رحمه الله) فإنه بلغني عن أبي عبد الله (عليه
السلام) أن قوما عذبوا لأنهم كانوا يتوركون تضجرا بالصلاة. انتهى.
قال الجزري في النهاية: فيه " كره أن يسجد الرجل متوركا " هو أن يرفع
وركيه إذا سجد حتى يفحش في ذلك. وقيل هو أن يلصق ألييه بعقبيه في السجود.
وقال الأزهري: التورك في الصلاة ضربان سنة ومكروه، أما السنة فإن ينحي
رجليه في التشهد الخير ويلصق مقعدته بالأرض، وهو من وضع الورك عليها
والورك ما فوق الفخذ وهي مؤنثة، وأما المكروه فإن يضع يديه على وركيه
في الصلاة وهو قائم وقد نهى عنه. انتهى كلام النهاية.
وقال العلامة في المنتهى: يكره التورك في الصلاة وهو أن يعتمد بيديه على
وركيه وهو التخصر روى الجمهور عن أبي هريرة (2) " أن النبي (صلى الله عليه وآله)
نهى عن التخصر في الصلاة " ومن طريق الخاصة ما رواه أبي بصير، ثم ساق
الرواية المتقدمة.
والشهيد (قدس سره) في النفلية فسر التورك بالاعتماد على إحدى الرجلين
تارة وعلى الأخرى أخرى والتخصر بقبض خصره بيده، وحكم بكراهتهما معا.
وروى في الكافي عن الحسن بن أبي الحسين الفارسي عن من حدثه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال. " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن

(1) مستدرك الوسائل الباب 1 من أفعال الصلاة عن البحار ج 18 الصلاة ص 191
ومجموعة الشهيد (2) صحيح البخاري باب الخصر في الصلاة.
(3) الوسائل الباب 12 من قواطع الصلاة
60

الله كره لكم أيتها الأمة أربعا وعشرين خصلة ونهاكم عنها: كره لكم العبث في الصلاة... "
وروى في الفقيه (1) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن الله
تعالى كره لي ست خصال وكرهتهن للأوصياء من ولدي واتباعهم من بعدي: العبث
في الصلاة والرفث في الصوم والمن بعد الصدقة واتيان المساجد جنبا والتطلع في
الدور والضحك بين القبور ".
وروى الكليني عن مسمع أبي سيار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال " إن
النبي (صلى الله عليه وآله) سمع خلفه فرقعة فرقع الرجل أصابعه في صلاته فلما
انصرف قال النبي (صلى الله عليه وآله) أما إنه حظه من الصلاة ".
ومنها - مدافعة البول والغائط والريح، وعلل بما فيه من سلب الخشوع
والتوجه والاقبال الذي هو روح العبادة.
ويدل على ذلك من الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن هشام بن الحكم
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " لا صلاة لحاقن ولا لحاقنة وهو
بمنزلة من هو في ثوبه ".
بيان: الموجود في التهذيب والذي نقله جملة من الأصحاب هو ما ذكرناه من
قوله " ولا لحاقنة " ونقله في الوافي " لحاقن ولا لحاقب " ثم قال: بيان - كلاهما
بالحاء المهملة وفي آخر الأول نون وفي آخر الثاني باء موحدة: يعني بالحاقن حابس
البول وبالحاقب حاس الغائط. ثم نقل كلام النهاية بذلك... إلى أن قال فما يوجد
في بعض نسخ التهذيب، لا صلاة لحاقن ولا حاقنة " بالنون فيهما جميعا فلعله
تصحيف. انتهى.
أقول: والظاهر أنه اجتهاد منه (قدس سره) بناء على ما نقله عن النهاية

(1) الوسائل الباب 63 من الدفن
(2) الوسائل الباب 14 من قواطع الصلاة
(3) الوسائل الباب 8 من قواطع الصلاة
61

وإلا فالموجود في التهذيب والذي نقله الأصحاب عنه في كتب الاستدلال إنما هو
ما ذكرناه، ويؤيده أن البرقي في المحاسن (1) قد رواه أيضا كذلك فروى عن أبيه
عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " لا صلاة
لحاقن ولا حاقنة وهو بمنزلة من هو في ثوبه ".
قال في المنتهى بعد ايراد هذه الصحيحة: المراد بذلك نفي الكمال لا الحصة.
ثم قال بعد ذلك: يكره مدافعة الأخبثين وهو قول من يحفظ عنه العلم، قال ولو صلى
كذلك صحت صلاته ذهب إليه علماؤنا ونقل عن مالك وبعض العامة القول بالإعادة (2)
وروى الشيخ عن أبي بكر الحضرمي عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (3) قال: " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا تصل وأنت تجد
شيئا من الأخبثين ".
وروى في كتاب الخصال في الصحيح عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي رفعه إلى
أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثمانية
لا يقبل الله لهم صلاة: العبد الآبق حتى يرجع إلى مولاه والناشز عن زوجها
وهو عليها ساخط ومانع الزكاة وتارك الوضوء والجارية المدركة تصلي بغير خمار
وإمام قوم يصلي بهم وهم له كارهون والزنين - قالوا يا رسول الله (صلى الله عليه
وآله) وما الزنين؟ قال الذي يدافع البول والغائط - والسكران، فهؤلاء الثمانية
لا تقبل منهم صلاة ".
بيان: قال في النهاية: فيه " لا يقبل الله صلاة الزبين " هو الذي يدافع
الأخبثين وهو بوزن السجيل هكذا رواه بعضهم والمشهور بالنون كما روى " لا يصلين
أحدكم وهو زنين " أي حاقن يقال زن فدن أي حقن فقطر. وقيل هو الذي يدافع
الأخبثين معا. انتهى. وقال في القاموس في مادة " زبن " بالباء: وكسكين

(1) ص 83
(2) الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 259
(3) الوسائل الباب 8 من قواطع الصلاة
(4) الوسائل الباب 8 من قواطع الصلاة
62

مدافع الأخبثين أو ممسكهما على كره. ولم يتعرض في " زنن " بالنون إلى ذلك. ونحوه
في مجمع البحرين.
وروى الصدوق في كتاب معاني الأخبار والمجالس عن إسحاق بن عمار (1)
قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لا صلاة لحاقن ولا لحاقب ولا
لحاذق فالحاقن الذي به البول والحاقب الذي به الغائط والحاذق الذي قد ضغطه الخف "
وروى في كتاب المحاسن عن عيسى بن عبد الله العمري عن أبيه عن جده عن
علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) (2) قال: " لا يصل
أحدكم وبه أحد العصرين يعني البول والغايط " أقول: قال في القاموس: والعصر الحبس
وفي الحديث " أمر بلالا أن يؤذن قبل الفجر ليعتصر معتصرهم " أراد قاضي الحاجة
وروى الكليني والشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (3) قال:
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه وهو يستطيع
أن يصبر عليه أيصلي على تلك الحال أو لا يصلي؟ قال فقال إن احتمل الصبر ولم
يخف اعجالا عن الصلاة فليصل وليصبر " وفيه دلالة على صحة الصلاة مع الحقن
كما ادعى عليه الاجماع.
وكيف كان فإن الحكم المذكور مخصوص بما إذا عرض له ذلك قبل الدخول
في الصلاة وإلا فلو كان بعد ذلك فلا كراهة اجماعا.
مسائل
(الأولى) - لا خلاف في جواز السلام على المصلي للأصل ولعموم قوله
عز وجل " فإذا دخلتم بيوتا فسلموا " (4).
ولموثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) " أنه سأله عن

(1) الوسائل الباب 8 من قواطع الصلاة
(2) الوسائل الباب 8 من قواطع الصلاة
(3) ارجع إلى التعليقة 2 ص 6
(4) سورة النور، الآية 61
(5) الوسائل الباب 16 من قواطع الصلاة
63

التسليم على المصلي فقال إذا سلم عليك رجل من المسلمين وأنت في الصلاة فرد عليه
في ما بينك وبين نفسك ولا ترفع صوتك ".
وفي موثقة سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " سألته عن
الرجل يسلم عليه وهو في الصلاة؟ قال يرد يقول سلام عليكم ولا يقل وعليكم السلام
فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان قائما يصلي فمر به عمار بن ياسر فسلم عليه
فرد النبي (صلى الله عليه وآله) هكذا " هكذا رواه في الكافي عن عثمان بن عيسى
عن سماعة (2) وفي التهذيب رواه عن عثمان بن عيسى عنه (عليه السلام) (3).
وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم (4) قال: " دخلت
على أبي جعفر (عليه السلام) وهو في الصلاة فقلت السلام عليك فقال السلام
عليك فقلت كيف أصبحت؟ فسكت (عليه السلام) فلما انصرف قلت أيرد السلام
وهو في الصلاة؟ فقال نعم مثل ما قيل له ".
ولا خلاف أيضا في جواز الرد من المصلي بل وجوبه، ويدل عليه موثقة عمار
المذكورة وصحيحة محمد بن مسلم المذكورة أيضا. وما رواه في الفقيه في الصحيح (5) قال: " سأل محمد بن مسلم أبا جعفر
(عليه السلام) عن الرجل يسلم على القوم في الصلاة فقال إذا سلم عليك مسلم وأنت
في الصلاة فسلم عليه تقول الصلام عليك وأشر بإصبعك ".

(1) الوسائل الباب 16 من قواطع الصلاة
(2) الفروع ج 1 ص 102 في الوسائل الباب 16 من قواطع الصلاة
(3) هكذا في النسخة المطبوعة ج 1 ص 29 إلا أن في هامشها علق على
قوله " عثمان بن عيسى " هكذا " عن سماعة في نسخة ولعله هو الصواب لأن عثمان لم ينقل
عنه عليه السلام " وفي الوافي باب " رد السلام والتحميد للعطاس " نقل الرواية عن عثمان
ابن عيسى عن سماعة من الكافي والتهذيب كليهما، وظاهر الوسائل أيضا أن عثمان يرويها
عن سماعة، راجع الباب 16 من قواطع الصلاة
(4) الوسائل الباب 16 من قواطع الصلاة
(5) الوسائل الباب 16 من قواطع الصلاة
64

أقول: ومن أخبار المسألة ما رواه في التهذيب والفقيه في الصحيح عن
منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " إذ سلم عليك الرجل
وأنت تصلي قال ترد عليه خفيا كما قال ".
وما رواه في الفقيه (2) قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام) سلم عمار
على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو في الصلاة فرد عليه ثم قال أبو جعفر
(عليه السلام) إن السلام اسم من أسماء الله تعالى ".
وما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن
عن جده علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) (3) قال: " سألته عن الرجل
يكون في الصلاة فيسلم عليه الرجل هل يصلح له أن يرد؟ قال نعم يقول السلام
عليك فيشير إليه بإصبعه ".
وما رواه الصدوق في الخصال عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن
أبيه (عليهما السلام) (4) قال: " لا تسلموا على اليهود والنصارى... إلى أن قال
ولا على المصلي - لأنه لا يستطيع أن يرد السلام لأن التسليم من المسلم تطوع والرد
فريضة - ولا على آكل الربا ولا على رجل جالس على غائط ولا على الذي في الحمام "
وما رواه الشهيد في الذكرى (5) قال: روى البزنطي عن الباقر (عليه
السلام) قال: " إذا دخلت المسجد والناس يصلون فسلم عليهم وإذا سلم عليك
فاردد فإني أفعله، وأن عمار بن ياسر مر على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو
يصلي فقال السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته فرد عليه السلام ".
وروى في الخصال (6) في الصحيح عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه
السلام) قال: " بينما أمير المؤمنين (عليه السلام) في الرحبة والناس عليه متراكمون

(1) الوسائل الباب 16 من قواطع الصلاة
(2) الوسائل الباب 16 من قواطع الصلاة
(3) الوسائل الباب 16 من قواطع الصلاة
(4) الوسائل الباب 17 من قواطع الصلاة
(5) الوسائل الباب 17 من قواطع الصلاة
(6) ج 2 ص 56 وفي الوسائل الباب 43 من أحكام العشرة
65

فمن مستفت ومن مستعد إذ قام إليه رجل فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين
ورحمة الله وبركاته فنظر إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) بعينيه هاتيك العظيمتين
فقال وعليك السلام ورحمة الله وبركاته... الخبر ".
وروى في الكافي عن حماد الأحمسي (1) قال: " دخلت على أبي عبد الله
(عليه السلام) وأنا أريد أن أسأله عن صلاة الليل فقلت السلام عليك يا ابن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) فقال وعليك السلام أي والله أنا لولده... الحديث ".
وعن الحكم بن عتيبة (2) قال " بينا أنا مع أبي جعفر (عليه السلام) والبيت
غاص بأهله إذ أقبل شيخ يتوكأ على عنزة له حتى وقف على باب البيت فقال السلام
عليك يا ابن رسول (صلى الله عليه وآله) ورحمة الله وبركاته فقال أبو جعفر (عليه
السلام) وعليك السلام ورحمة الله وبركاته... ".
وعن ابن القداح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " إذا سلم أحدكم
فليجهر بسلامه ولا يقول سلمت فلم يردوا علي ولعله يكون قد سلم ولم يسمعهم،
فإذا رد أحدكم فليجهر برده ولا يقول المسلم سلمت فلم يردوا على، ثم قال كان
على (عليه السلام) يقول لا تغضبوا ولا تغضبوا افشوا السلام وأطيبوا الكلام
وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام، ثم تلا عليهم قول الله تعالى: السلام
المؤمن المهيمن " (4).
وعن الحسن بن المنذر (5) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول من
قال السلام عليكم فهي عشر حسنات ومن قال سلام عليكم ورحمة الله فهي عشرون

(1) الفروع ج 1 ص 137 وفي الوسائل الباب 2 و 16 من أعداد الفرائض
ونوافلها. والراوي - كما في الكافي والوافي باب " فضل الصلاة " والوسائل - عائذ الأحمسي
لا حماد الأحمسي.
(2) الوسائل الباب 43 من أحكام العشرة
(3) الوسائل الباب 38 و 34 من أحكام العشرة
(4) سورة الحشر الآية 23
(5) الوسائل الباب 39 من أحكام العشرة
66

حسنة ومن قال سلام عليكم ورحمة الله وبركاته فهي ثلاثون حسنة ".
وعن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) " ثلاثة يرد عليهم
رد الجماعة وإن كان واحدا: عند العطاس يقال يرحمكم الله وإن لم يكن معه غيره،
والرجل يسلم على الرجل فيقول السلام عليكم والرجل يدعو للرجل فيقول عافاكم
الله تعالى وإن كان واحدا فإن معه غيره " والضمير في " غيره " راجع للواحد
المذكور في جميع هذه الصور، والمراد بالغير الملائكة الموكلون به الحافظون
والكاتبون وغيرهم.
وعن أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال: " مر أمير المؤمنين
(عليه السلام) بقوم فسلم عليهم فقالوا عليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته
ورضوانه. فقال لهم أمير المؤمنين (عليه السلام) لا تجاوزوا بنا ما قالت الملائكة
لأبينا إبراهيم (عليه السلام) إنما قالوا رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ".
وعن عنبسة بن مصعب عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " القليل
يبدأون الكثير بالسلام والراكب يبدأ الماشي وأصحاب البغال يبدأون أصحاب الحمير
وأصحاب الخيل يبدأون أصحاب البغال ".
وعن ابن بكير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال:
" سمعته يقول يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد وإذا لقيت جماعة جماعة
سلم الأقل على الأكثر وإذا لقي واحد جماعة سلم الواحد على الجماعة ".
إذا عرفت ذلك فههنا فوائد شريفة ونكات لطيفة يحب التنبيه عليها في المقام
ليكمل بها النظام:
الأولى - لا خلاف في وجود الرد في الصلاة كان أم لا، والأصل فيه

(1) الوسائل الباب 41 من أحكام العشرة
(2) الوسائل الباب 43 من أحكام العشرة
(3) الوسائل الباب 45 من أحكام العشرة
(4) الوسائل الباب 45 من أحكام العشرة
67

قبل الأخبار الآية الشريفة وهي قوله عز وجل: " وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن
منها أوردوها " (1).
والمراد بالتحية في الآية السلام أو ما هو أعم منه، والتحية لغة أيضا السلام،
قال في القاموس: التحية السلام. وقال في المصباح المنير: وحياه تحية أصله الدعاء
بالحياة، ومنه التحيات لله أي البقاء، وقيل الملك، ثم كثر حتى استعمل في مطلق الدعاء ثم
استعمله الشارع في دعاء مخصوص وهو " سلام عليكم ". وفي المغرب حياه بمعنى أحياه
تحية كبقاه بمعنى أبقاه تبقية، هذا أصلها ثم سمي ما حيى به من سلام ونحوه تحية، قال
الله تعالى: " تحيتهم يوم يلقونه سلام " (2) وحقيقة " حييت فلانا " قلت حياك الله أي
عمرك الله. انتهى.
وقال أمين الاسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان: التحية السلام يقال حيى
يحيي تحية إذا سلم. وقال في تفسير الآية أمر الله المسلمين برد السلام على المسلم بأحسن
مما سلم إن كان مؤمنا وإلا فليقل " وعليكم " لا يزيد على ذلك، فقوله: " بأحسن منها "
للمسلمين خاصة وقوله: " أوردوها ": لأهل الكتاب، عن ابن عباس فإذا
قال المسلم " السلام عليكم " فقلت " وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته " فقد حييته
بأحسن منها وهذا منتهى رد السلام. وقيل إن قوله " أوردوها " للمسلمين أيضا عن
السدي وعطاء وإبراهيم وابن جريح قالوا إذا سلم عليك فرد عليه بأحسن مما سلم عليك
أو بمثل ما قال. وهذا أقوى لما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) (3) أنه قال: " إذا
سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم ". وذكر علي بن إبراهيم في تفسيره عن
الصادقين (عليهم السلام) أن المراد بالتحية في الآية السلام وغيره من البر،
وذكر الحسن أن رجلا دخل على النبي (صلى الله عليه وآله) فقال السلام عليك فقال
النبي (صلى الله عليه وآله) وعليك السلام ورحمة الله فجاءه آخر فقال السلام
عليك ورحمة الله فقال (صلى الله عليه وآله) وعليك السلام ورحمة الله وبركاته

(1) سورة النساء الآية 88
(2) سورة الأحزاب الآية 43
(3) صحيح مسلم ج 2 ص 138 كتاب السلام باب الرد على أهل الكتاب
68

فجاءه آخر فقال السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال النبي (صلى الله عليه وآله)
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، فقيل يا رسول الله زدت للأول والثاني في التحية
ولم تزد للثالث فقال إنه لم يبق لي من التحية شيئا فرددت عليه مثله. انتهى كلامه زيد مقامه
أقول: ومن الأخبار الواردة على العموم كما ذكره علي بن إبراهيم في تفسيره
ما رواه الصدوق في الخصال بسنده في حديث طويل عن أبي جعفر عن آبائه عن
أمير المؤمنين (عليهم السلام) (1) قال: " إذا عطس أحدكم فسمتوه قولوا يرحمكم الله
ويقول هو يغفر الله لكم ويرحمكم قال الله تعالى: وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن
منها أوردوها " (2)
وفي كتاب المناقب لابن شهرآشوب (3) " جاءت جارية للحسن (عليه السلام)
بطاق ريحان فقال أنت حرة لوجه الله. فقيل له في ذلك فقال (عليه السلام) أدبنا
الله تعالى فقال: " إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أوردوها " (4) وكان أحسن
منها عتقها ".
ويؤيده ما رواه في الكافي عن الصادق (عليه السلام) في الصحيح (5) من أن رد جواب الكتاب واجب كوجوب رد السلام.
بقي هنا اشكال وهو أنه على تقدير العموم في الآية يلزم وجوب تعويض
كل بر واحسان والظاهر أنه لا قائل به بل ربما دلت الأخبار على العدم، ويمكن
حمل الآية على الرجحان المطلق الشامل للوجوب والاستحباب، وعلى هذا
فالاستدلال بالآية المذكورة على وجوب الرد لا يخلو من الاشكال إلا أن يقال إن الواجب الحمل على مقتضى ظاهر الأمر وقيام الدليل الصارف في بعض الأفراد
لا يستلزم القول بذلك في ما لا دليل عليه.

(1) الوسائل الباب 58 من أحكام العشرة
(2) سورة النساء الآية 88
(3) البحار ج 18 الصلاة ص 204
(4) سورة النساء الآية 88
(5) الوسائل الباب 33 من أحكام العشرة
69

هذا. وأما الأخبار الدالة على وجوب الرد فقد تقدمت الإشارة إليها
الثانية - المفهوم من الأخبار التي قدمناها أن الرد من المصلي بمثل ما قيل له
من " السلام عليكم " و " السلام عليك " ونحوهما، وقد تضمنت موثقة سماعة النهي
عن الرد بقوله " وعليكم السلام " وأما غير المصلي فإنه يرد بقوله " وعليكم السلام "
بتقديم الظرف.
هذا هو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ولابن إدريس خلاف
في موضعين، قال في الروض بعد ذكر وجوب الرد بالمثل في الصلاة وذكر بعض
الأخبار الدالة عليه: وخالف ابن إدريس في اعتبار المثل فجوز الرد بقوله
" عليكم السلام " خصوصا مع تسليم المسلم به لعموم الآية واستضعافا لخبر الواحد
والأصحاب على خلافه. انتهى. والأظهر هو القول المشهور لما تقدم من الأخبار
الصريحة في ذلك. ويظهر من العلامة في المختلف موافقة ابن إدريس في عدم
وجوب الرد بالمثل أيضا.
وخالف ابن إدريس أيضا بالنسبة إلى غير المصلي فجوز الرد بالمثل ووافقه في
ذلك بالنسبة إلى غير المصلي الفاضل الخراساني في الذخيرة حيث جوز الرد بالمثل
استنادا إلى ما رواه في الكافي عن زرارة في الصحيح أو الحسن عن أبي جعفر
(عليه السلام) (1) في حديث قال: " إذا سلم عليكم مسلم فقولوا سلام عليكم وإذا
سلم عليكم كافر فقولوا عليك ".
وأنت خبير بأن الأخبار الكثيرة مما قدمنا ذكره وما لم نذكره كلها متفقة
الدلالة على الرد بتقديم الظرف عكس ما يسلم به المسلم. ويمكن الجواب عن هذه
الرواية بأن الغرض من هذا اللفظ إنما هو بيان الفرق بين الرد على المسلم والكافر
بأن الكافر يقتصر في الرد عليه بقوله " عليك " من غير اردافه بالتسليم عليه بخلاف
المسلم فإنه يردفه بالتسليم عليه، وسياق الخبر إنما هو في ذلك وليس الخبر مسوقا

(1) الوسائل الباب 49 من أحكام العشرة
70

لبيان كيفية الرد كما في الأخبار التي قدمناها.
ولا بأس بذكر الخبر كملا لتظهر للناظر قوة ما ذكرناه من الاجمال وهو
ما رواه زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " دخل يهودي على
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعائشة عنده فقال السام عليكم فقال رسول الله
(صلى الله عليه وآله) عليكم. ثم دخل آخر فقال مثل ذلك فرد (صلى الله
عليه وآله) عليه كما رد على صاحبه. ثم دخل آخر فقال مثل ذلك فرد رسول الله
(صلى الله عليه وآله) عليه كما رد على صاحبيه فغضبت عائشة فقالت عليكم السام
والغضب واللعنة يا معشر اليهود يا إخوة القردة والخنازير. فقال لها رسول الله (صلى
الله عليه وآله) يا عائشة إن الفحش لو كان ممثلا لكان مثال سوء إن الرفق لم يوضع
على شئ قط إلا زانه ولم يرفع عنه قط إلا شانه. قالت يا رسول الله (صلى الله
عليه وآله) أما سمعت إلى قولهم: السام عليكم؟ فقال بلى أما سمعت ما رددت عليهم؟
قلت عليكم، فإذا سلم عليكم مسلم... الحديث كما تقدم ".
وسياق الخبر كما ترى إنما هو في ما ذكرناه لا في بيان كيفية الرد وحينئذ
فالمراد منه إنما هو بيان زيادة لفظ السلام في الرد على المسلم دون الكافر وذكره
بهذه الكيفية وقع تعليما لذلك، والأخبار المتقدمة صريحة في أن الكيفية الواجبة
في الرد هي التي يقدم فيها الظرف كما عرفت.
وبما ذكرناه صرح العلامة في التذكرة فقال: وصيغة الجواب " وعليكم
السلام، ولو قال: " وعليك السلام " لا واحد جاز. ولو ترك العطف فقال:
" عليكم السلام " فهو جواب خلافا لبعض الشافعية (2) فلو تلاقى اثنان فسلم كل
واحد منهما على الآخر وجب على كل واحد منهما جواب الآخر ولا يحصل

(1) الوسائل الباب 49 من أحكام العشرة
(2) في فتح الباري ج 11 ص 29 باب " من رد فقال عليك السلام " عن النووي أنه قال اتفق أصحابنا أن المجيب لو قال " عليك " بغير واو لم يجزئ وإن قال بالواو فوجهان.
71

الجواب بالسلام. انتهى.
وذهب بعض إلى الجمع بين الأخبار بالتخيير والأظهر ما قدمناه.
(الثالثة) - المفهوم من الأخبار أن صيغة السلام التي يسلم بها لا بد أن يبدأ
فيها بلفظ السلام مثل " سلام عليكم أو عليك " أو " السلام " بأحد الوجهين، فأما
تقديم الظرف فإنما هو في الجواب من غير المصلي كما عرفت.
ونقل بعض المتأخرين عن ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن " عليك
السلام أو عليكم السلام " صحيح يوجب الرد.
وأنكره في الذخيرة فقال ولم أطلق على ما نقله عن ظاهر الأصحاب إلا في
كلام ابن إدريس مع أنه قد صرح العلامة في التذكرة بخلافه فقال: ولو قال
" عليك السلام " لم يكن مسلما إنما هي صيغة جواب. انتهى.
وهو الموافق لما ورد في الأخبار كما أشرنا إليه وهو ظاهر لمن تتبع الأخبار
وقد روى العامة عنه (صلى الله عليه وآله) (1) " أنه قال لمن قال عليك السلام
يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) " لا تقل عليك السلام فإن عليك السلام تحية
الموتى، إذا سلمت فقل سلام عليك فيقول الراد عليك السلام ".
وأما كلام ابن إدريس في هذا المقام فإنه قال في السرائر: ويرد المصلي السلام
إذا سلم عليه قولا لا فعلا ولا يقطع ذلك صلاته سواء رد بما يكون في لفظ القرآن
أو ما يخالف ذلك إذا أدى بالرد الواجب الذي تبرأ ذمته به. إذا كان المسلم عليه
قال له " سلام عليك أو سلام عليكم أو السلام عليكم أو عليكم السلام " فله أن يرد
عليه بأي هذه الألفاظ كان لأنه رد سلام مأمور به وينويه رد سلام لا قراءة
قرآن إذا سلم الأول بما قدمنا ذكره، فإن سلم بغير ما بيناه فلا يجوز للمصلي الرد

(1) في سنن أبي داود ج 4 ص 353 كتاب الأدب باب " كراهة أن يقول وعليك
السلام " عن أبي جري الهجيمي قال " أتيت النبي (ص) فقلت عليك السلام يا رسول الله صلى الله عليه وآله
فقال لا تقل عليك السلام فإن عليك السلام تحية لموتي "
72

عليه لأنه ما تعلق بذمته الرد لأنه غير سلام، وقد أورد شيخنا أبو جعفر في
مسائل خلافه خبر عن محمد بن مسلم قال: دخلت على ابن جعفر (عليه السلام)
ثم ساق الخبر كما قدمناه (1) ثم قال أورد هذا الخبر ايراد راض به مستشهدا به محتجا
على الخصم بصحته، فأما ما أورده في نهايته فخبر عثمان بن عيسى عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) وقد ذهب بعض أصحابنا (رضوان الله عليهم) إلى خبر عثمان
ابن عيسى فقال: ويرد المصلي السلام على من سلم عليه ويقول له في الرد " سلام
عليكم " ولا يقول له: وعليكم " وإن قال له المسلم " عليكم السلام " فلا يرد مثل ذلك بل
يقول " سلام عليكم " والأصل ما ذكرناه لأن التحريم يحتاج إلى دليل. انتهى.
أقول: لا يخفى أن موثقة سماعة وإن دلت بظاهرها على تعين الجواب بقوله
" سلام عليكم " لكنها محمولة على ما إذا كان المسلم عليه بهذه الصيغة عملا بما دل على
وجوب الرد بالمثل حال الصلاة فإن المستفاد منها أنه يرد بمثل ما سلم عليه، ونحوها
في ذلك رواية محمد بن مسلم المنقولة عن الفقيه (3) حيث قال فيها " إذا سلم عليك مسلم
وأنت في الصلاة فسلم عليه تقول: السلام عليكم " فإنها مبنية على كون المسلم يسلم بهذه
الصيغة أيضا، وبالجملة فإن اطلاق هذين الخبرين محمول على ما دل على وجوب الجواب
بالمثل كما في صحيحة محمد بن مسلم لما سلم على أبي جعفر بقوله " السلام عليك " فأجابه
بقوله " السلام عليك " ثم ذكر في آخر الرواية أنه يرد بمثل ما قيل له. ونحو ذلك
قوله (عليه السلام) في صحيحة منصور بن حازم (4) " ترد عليه خفيا كما قال "
وما ذكرناه ظاهر من الأخبار باعتبار ضم بعضها إلى بعض لا ما توهمه من تعين
الجواب ب‍ " سلام عليكم " وإن سلم عليه بصيغة أخرى غيرها.
وأما ما ذكره في صيغ السلام التي يسلم بها - من أنها " سلام عليكم أو سلام
عليك أو السلام عليكم أو عليكم السلام " وإن عدا هذه الصيغ الأربع لا يجب

(1) ص 64
(2) هو خبر سماعة المتقدم ص 64 وقد تقدم هناك منه (قدس سره) أن الشيخ رواه عن عثمان بن عيسى عنه (ع)
(3) ص 64 وفيها " السلام عليك "
(4) ص 65
73

رد الجواب فيها لأنه ليس بسلام فلا يجوز للمصلي الرد عليه - ففيه (أولا) أن من جملة صيغ
التسليم " السلام عليك " كما تضمنته صحيحة محمد بن مسلم حيث سلم به على الإمام (عليه
السلام) فأجابه بمثله. (وثانيا) أن صيغة " عليكم السلام " ليست من صيغ الابتداء
بالسلام وإنما هي من صيغ الرد كما تقدم نقله عن العلامة في التذكرة. والاستناد
إلى إطلاق صدق التحية في الآية يجب تقييده بالأخبار، فإن المفهوم منها أن صيغ
الابتداء بالسلام هي ما ذكرناه فيجب حمل اطلاق الآية على ذلك.
وبذلك أيضا يظهر لك ما في كلام العلامة في المختلف حيث إن ظاهره موافقة
ابن إدريس في هذا المقام، حيث قال - بعد أن نقل عن الشيخ أنه يرد مثل ما قيل له
" سلام عليكم " ولا يقول " وعليكم السلام " وذكر أنه احتج على ذلك بحديث عثمان
ابن عيسى المتقدم نقله عن سماعة - وعندي في العمل بهذه الرواية نظر فإن في
طريقها عثمان بن عيسى وهو ضعيف. ثم نقل كلام ابن إدريس من قوله: وأما ما
أورده في نهايته... الخ. ثم قال: وهذا الكلام يشعر بتسويغ ذلك لو قال له المسلم
وعليكم السلام. انتهى. ثم قال بعد ذلك: الخامس في الحديث الذي رواه محمد بن مسلم
اشعار بالاتيان بالمثل، والأقرب أنه ليس واجبا بل لو أتى بمغايره من التحيات
لم يكن عندي به يأس. انتهى.
أقول: لا يخفى أن من تأمل الأخبار بعين الاعتبار ظهر له ما في كلامهما
من القصور وإن المعتمد هو القول المشهور من وجوب الرد بالمثل في الصلاة بشرط
أن يكون السلام من الصيغ الواردة في الأخبار وهي الأربع المتقدمة وأما في غير
الصلاة فيرد بأيها شاء بتقديم الظرف.
أما لو قال " سلام أو سلاما أو والسلام أو سلام الله عليك " أو نحو ذلك
فتردد بعض الأصحاب في وجوب الرد من حيث صدق التحية عرفا وعدم ثبوت
عموم الآية، وظاهر ابن إدريس كما عرفت العدم لخروج ذلك عن الصيغ التي ذكرها
وهو الأقرب فإن القدر المعلوم من الأخبار هو ما ذكرناه من الصيغ الأربع
74

المتقدمة والحكم باشتغال الذمة يحتاج إلى دليل قاطع وليس فليس. وصدق التحية
عرفا مقيد بالأخبار إذا الحكم شرعي لا عرفي ليكون مناطه العرف.
الرابعة - لا خلاف في أن الرد واجب كفاية لا عينا وكدا استحباب الابتداء
به كفاية لا عينا ونقل في التذكرة عليه الاجماع.
ويدل عليه من الأخبار مضافا إلى الاجماع ما رواه في الكافي في الموثق عن غياث
ابن إبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " إذ سلم من القوم واحد أجزأ
عنهم وإذا رد واحد أجزأ عنهم ".
وعن ابن بكير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال:
" إذا مرت الجماعة بقوم أجزأهم أن يسلم واحد منهم وإذا سلم على القوم وهم جماعة
أجزأهم أن يرد واحد منهم ".
وبهذين الخبرين مضافا إلى الاجماع المدعى في المسألة يحص اطلاق الآية.
وأيده بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه إنما سلم سلاما واحدا فليس
له إلا عوض واحد فإذا تحقق خرجوا عن العهدة.
ثم الظاهر أنه إنما يسقط برد من كان داخلا في المسلم عليهم فلا يسقط برد
من لم يكن داخلا فيهم.
وهل يسقط برد الصبي المميز الداخل فيهم؟ اشكال واستظهر في المدارك
العدم وإن قلنا أن عبادته شرعية، قال لعدم امتثال الأمر المقتضي للوجوب. وقال
في الذكرى: وجهان مبنيان على صحة قيامه بفرض الكفاية وهو مبني على أن أفعاله
شرعية أو لا وقد سبقت الإشارة إليه، ونحوه في الروض إلا أنه رجح أن أفعاله
تمرينية فلا يجزئ رد سلامه. وقد تقدم لنا تحقيق في المسألة يؤذن بجواز الاكتفاء برده
وإن كان الأحوط ما ذكر. ولا يخفى أن ظاهر الخبرين المذكورين حصول الاجزاء
به إلا أن ظاهر الآية خلافه لتوجه الخطاب فيها إلى المكلفين.

(1) الوسائل الباب 46 من أحكام العشرة
(2) الوسائل الباب 46 من أحكام العشرة
75

ولو كان المسلم صبيا مميزا ففي وجوب الرد عليه وعدمه وجهان استظهر أولهما
جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم): منهم - السيد السند في المدارك وجده في
الروض وغيرهما، ووجه قربه دخوله تحت عموم الآية.
ولو رد بعض الجماعة فهل يجوز للمصلي الرد أيضا أم لا؟ قال في الذكرى:
لم يضر لأنه مشروع في الجملة ثم توقف في الاستحباب من شرعيته خارج الصلاة
مستحبا، ومن أنه تشاغل بغير الصلاة مع عدم الحاجة إليه. واستجود في الروض
جوازه واستحبابه لعموم الأوامر إذ لا شك أنه مسلم عليه مع دخوله في
العموم فيخاطب بالرد استحبابا إن لم يكن واجبا. وزوال الوجوب بالكفاية
لا يقدح في بقاء الاستحباب كما في غير الصلاة فإن استحباب رد الثاني متحقق اتفاقا
إن لم يوصف بالوجوب معللا بالأمر. انتهى. والمسألة محل توقف لأن المسألة
خالية من النص وقياس حال الصلاة على خارجها قياس مع الفارق
الخامسة - قد صرح جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بوجوب الاسماع
تحقيقا أو تقديرا، قال في الذخيرة: ولم أجد أحدا صرح بخلافه في غير حال الصلاة.
وقال في المدارك: وهل يجب على المجيب اسماع المسلم تحقيقا أو تقديرا؟ قيل نعم لعدم
صدق التحية عرفا ولا الرد بدونه، وقيل لا وهو ظاهر اختيار المصنف في المعتبر
وقواه شيخنا المعاصر لرواية عمار المتقدمة (1) ورواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا سلم عليك رجل... ثم ساق الرواية كما
قدمنا (2) ثم قال: وفي الروايتين قصور من حيث السند فلا تعويل عليهما. انتهى.
أقول، لا يخفى ما في كلامه هنا من النظر الظاهر للخبير الماهر وذلك فإن رواية عمار هذه قد استدل بها سابقا على وجوب الرد في الصلاة ووصفها بكونها
موثقة كما استدل أيضا بموثقة سماعة ووصفها بذلك. وحينئذ فإن كانت الأخبار
الموثقة من الأدلة الشرعية صح ما ذكره أو لا وينبغي أن يجيب عن الموثقة المذكورة

(1) ص 63
(2) ص 65
76

بغير ضعف السند وإلا فلا وجه لاستدلاله أولا بها ولا بموثقة سماعة ولكن هذه
قاعدته كما نبهنا عليه في غير مقام من استدلاله بالموثقات عند الحاجة إليها وردها
بضعف السند عند اختياره خلاف ما دلت عليه كما تراه هنا قد وصف رواية عمار
في مقام الاستدلال بكونها موثقة وفي مقام الاعراض عنها بكونها رواية عمار وهي
طريقة غير محمودة، إلا أن ضيق المقام في هذا الاصطلاح الذي هو الفساد أقرب
من الصلاح أوجب لهم انحلال الزمام وعدم الوقوف على قاعدة في المقام. وأما
صحيحة منصور بن حازم فليس في سندها من ربما يحصل الاشتباه به إلا محمد بن عبد الحميد
الذي سبق الكلام معه فيه حيث توهم من ظاهر عبارة الخلاصة في ترجمته كما كتبه
جده (قدس سرهما) على حواشيها أن التوثيق فيها إنما يرجع إلى أبيه وقد أوضحنا
في ما سبق بطلانه ولهذا أن أصحاب هذا الاصطلاح يعدون حديثه في الصحيح وهو
الحق كما لا يخفى على الممارس.
نعم يبقى الكلام في مضمون الخبرين المذكورين فإنهما ظاهران في ما ذهب
إليه الفاضلان المتقدمان فينبغي الجواب عنهما عند من قال بوجوب الاسماع، وكان
هذا هو الأولى بالتعرض في المقام إلا أن تلك الطريقة التي عكف عليها أسهل تناولا
في الخروج عن ضيق الالزام.
والتحقيق عندي في المقام أن يقال: الظاهر من كلام جل الأصحاب (رضوان
الله عليهم) وجوب الاسماع تحقيقا أو تقديرا في الصلاة وغيرها والمخالف إنما
أسند له الخلاف في الصلاة خاصة، ويدل على ما ذهب إليه الأصحاب اطلاق رواية
ابن القداح المتقدمة (1) ويؤيدها أيضا ما رواه في معاني الأخبار عن عبد الله بن
الفضل (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن معنى التسليم في الصلاة
قال التسليم علامة الأمن وتحليل الصلاة. قلت وكيف ذاك جعلت فداك؟ قال كان
الناس في ما مضى إذا سلم عليهم وارد آمنوا شره وكانوا إذا ردوا عليه أمن شرهم

(1) ص 66
(2) الوسائل الباب 1 من التسليم
77

وإن يسلم لم يأمنوه وإن لم يردوا على المسلم لم يأمنهم، وذلك خلق في العرب...
الحديث، وقد اشتمل صحيح محمد بن مسلم (1) على اسماع أبي جعفر (عليه السلام)
له وهو في الصلاة، وحينئذ فيمكن تأويل هذين الخبرين بحمل قوله " خفيا " في
صحيحة منصور بن حازم و " بينك وبين نفسك " في موثقة عمار على ما يحصل به
اسماع المسلم من غير اجهار يزيد على ذلك كما يشير إليه قوله في موثقة عمار: " ولا ترفع
صوتك " بعني الجهر المنهي عنه في الآية (2) ومثل هذا التجوز في الأخبار
غير عزيز.
واحتمل بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) حملهما على التقية، قال لأن
المشهور عند العامة عدم وجوب الرد نطقا (3) ولعله الأقرب، ويؤيده ما ذكره
شيخنا في الذكرى في جملة المسائل التي عدها في المقام، قال: الثانية - لو كان في
موضع تقية رد خفيا وأشار وقد تحمل عليه الروايتان السابقتان. وأشار بالروايتين
إلى روايتي منصور وعمار المذكورتين، وهو جيد وبه يزول الاشكال في المقام.

(1) ص 64
(2) سورة بني إسرائيل، الآية 110
(3) في الهداية لشيخ الاسلام المرغيناني الحنفي ج 1 ص 43 " ولا يرد السلام
بلسانه لأنه كلام ولا بيده لأنه سلام معنى حتى لو صافح بنية التسليم تفسد صلاته " وفي
البحر الرائق ج 2 ص 8 عن الخلاصة: " السلام ورده مفسد للصلاة عمدا أو سهوا لأنه
من كلام الناس ويشمل ما إذا قال " السلام " فقط من غير أن يتبعه ب‍ " عليكم ". ثم قال
وأما رد السلام باليد أو بالرأس أو بالإصبع فعن الخلاصة والفتاوى الظهيرية لا يفسد
ونقل ابن أمير الحاج عن بعض أنه نسب إلى أبي حنيفة فساد الصلاة بالرد باليد وصريح
الطحاوي في شرح الآثار عدم الفساد عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد. وقال ابن نجيم
الحق إن الفساد غير ثابت في المذهب " وقال ابن حزم في المحلى ج 4 ص 46 " من سلم
عليه وهو يصلي فليرد إشارة لا كلاما إما بيده أو برأسه " ولم ينقل خلافا من أحد. وفي
فتح الباري ج 11 ص 16 " يستحب أن يرد المصلي السلام بالإشارة وإن رد بعد الفراغ
من الصلاة لفظا فهو أحب ".
78

السادسة - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه إذا سلم عليه في
الصلاة بقوله " سلام عليكم " يجب أن يكون الجواب مثله ولا يجوز الجواب
ب‍ " عليكم السلام " ونسبه المرتضى (رضي الله عنه) إلى الشيعة، وقال المحقق هو
مذهب الأصحاب قاله الشيخ وهو حسن. وقد تقدم الكلام في ذلك ولم يخالف فيه
إلا ابن إدريس والعلامة في المختلف كما عرفت، والأصحاب إنما نقلوا هنا خلاف
ابن إدريس خاصة وكأنهم لم يطلعوا على كلام العلامة في المختلف وإلا فهو كذلك
كما أوضحناه آنفا.
وقال شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) في الروض: ولا يقدح في المثل
زيادة الميم في " عليكم " في الجواب لمن حذفه لأنه أزيد دون العكس لأنه أدون. انتهى.
وفيه، إشكال ومثله ما لو زاد في الرد بما يوجب كونه أحسن، ووجه الاشكال
تضمن الأخبار أن المصلي يرد بمثل ما قيل له كما في صحيحة محمد بن مسلم وكما قال في
صحيحة منصور بن حازم (1) ويؤيده اقتصار ابن جعفر (عليه السلام) في الرد على
محمد بن مسلم بمثل ما قال. والآية وإن تضمنت التخيير بين المثل والأحسن إلا أنها
مخصوصة بالأخبار المذكورة ومحمولة على ما عدا المصلي.
السابعة - إذا سلم عليه وهو في الصلاة وجب الرد عليه لفظا ولا خلاف
فيه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ونسبه في التذكرة إلى علمائنا، وقال في
المنتهى: ويجوز له أن يرد السلام إذا سلم عليه نطقا ذهب إليه علماؤنا أجمع. وحمل
كلامه على أن الظاهر أن مراده من الجواز نفي التحريم ردا لقول بعض العامة (2)
وقال في الذكرى: يجب الرد عليه لعموم قوله تعالى: " وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن
منها أوردوها " (3) والصلاة غير منافية لذلك وظاهر الأصحاب مجرد الجواز
للخبرين الآتيين والظاهر أنهم أرادوا به بيان شرعيته ويبقى الوجوب معلوما من

(1) ص 64 و 65
(2) ارجع إلى التعليقة 3 ص 78
(3) سورة النساء الآية 88
79

القواعد الشرعية، وبالغ بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك فقال تبطل
الصلاة لو اشتغل بالأذكار ولما يرد السلام، وهو من مشرب اجتماع الأمر والنهي
في الصلاة كما سبق والأصح عدم البطلان بترك رده.
أقول: لا ريب أن جل الأخبار التي قدمناها ظاهرة في المشروعية بل
الوجوب، للأمر بذلك الذي هو حقيقة في الوجوب في موثقة سماعة وصحيحة محمد
ابن مسلم المروية في الفقيه (1) مضافا إلى الآية، وباقي الأخبار تدل على المشروعية
وكأنه أشار بالخبرين الآتيين إلى موثقة عمار وصحيحة منصور (2) الدالتين على الرد
خفيا لأنه مع عدم الاسماع لا يتحقق الرد كما تقدم تحقيقه.
الثامنة - قد تكاثرت الأخبار باستحباب الابتداء بالسلام وظاهرها أفضليته
على الرد وإن كان الرد واجبا، وهذا أحد المواضع التي صرحوا فيها بأفضلية
المستحب على الواجب:
روى في الكافي عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال:
" قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) السلام تطوع والرد فريضة ".
وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال:
" البادئ بالسلام أولى بالله وبرسوله صلى الله عليه وآله ".
وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (5) قال: " كان سليمان
(عليه السلام) يقول أفشوا سلام الله تعالى فإن سلام الله لا ينال الظالمين ".
أقول: المراد بافشاء السلام هو أن يسلم على كل من يلقاه من المسلمين ولو كان
ظالما، وحيث كان السلام بمعنى الرحمة والسلامة من آفات الدنيا ومكاره الآخرة فإنه
لا ينفع الظالمين ولا ينالهم ونفعه إنما يعود إلى المسلم خاصة

(1) ص 64
(2) ص 65
(3) الوسائل الباب 33 من أحكام العشرة
(4) الوسائل الباب 33 من أحكام العشرة
(5) الوسائل الباب 34 من أحكام العشرة
80

وعن محمد بن قيس في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال:
" إن الله يحب افشاء السلام ".
وعن معاوية بن وهب في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال:
" إن الله عز وجل قال البخيل من بخل بالسلام "
وعن هارون بن خارجة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " من
التواضع أن تسلم على من لقيت ".
وقد تقدم (4) حديث الحسن بن المنذر الدال على ثواب المسلم وتزايده
بتزايد الصيغة في التسليم.
وروى في الكافي (5) بالسند الأول من هذه الأخبار قال: " من بدأ بالكلام
قبل السلام فلا تجيبوه. وقال ابدأوا بالسلام قبل الكلام فمن بدأ بالكلام قبل السلام
فلا تجيبوه " قال الشارح المحقق المازندراني (قدس سره) في شرحه على الكتاب:
لأن ترك السنة المؤكدة والاستخفاف بها وبالمؤمن خصوصا إذا كان بالتجبر يقتضي
مقابلة التارك بالاستخفاف.
التاسعة - الشمهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن وجوب الرد
فوري، قالوا لأنه المتبادر من الرد والفاء الدالة على التعقيب بلا مهلة في الآية،
وربما يمنع ذلك في الفاء الجزائية. والمسألة محل توقف لعدم الدليل الناص في ما
ذكروه وإن كان هو الأحوط. ثم إنه يتفرع على الفورية أن التارك له يأثم، وهل
يبقى في ذمته مثل سائر الحقوق؟ تأمل فيه بعض الأصحاب قال إلا أن يكون
اجماعيا. وقال بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم): الظاهر أن الفورية المعتبرة
في رد السلام إنما هو تعجيله بحيث لا يعد تاركا له عرفا وعلى هذا لا يضر اتمام كلمة
أو كلام لو وقع السلام في أثنائهما. انتهى. وهو جيد.

(1) الوسائل الباب 34 من أحكام العشرة
(2) الوسائل الباب 33 من أحكام العشرة
(3) الوسائل الباب 34 من أحكام العشرة
(4) ص 66
(5) الوسائل الباب 32 من أحكام العشرة
81

العاشرة - قال في التذكرة: ولو ناداه من وراء ستر أو حائط فقال " السلام
عليك يا فلان " أو كتب كتابا وسلم عليه فيه أو أرسل رسولا فقال: " سلم على
فلان " فبلغه الكتاب والرسالة قال بعض الشافعية (1) يجب عليه الجواب لأن تحية
الغائب إنما تكون بالمناداة أو الكتاب أو الرسالة وقد قال الله تعالى: " وإذا حييتم
بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها " (2) والوجه أنه إن سمع النداء وجب الجواب
وإلا فلا. انتهى. قال في الذخيرة بعد نقله: وهو متجه لعدم ثبوت شمول الآية
للصور المذكورة عدا صورة المناداة مع سماع النداء.
أقول: روى ثقة الاسلام في الكافي في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن
عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " رد جواب الكتاب
واجب كوجوب رد السلام، والبادئ بالسلام أولى بالله وبرسوله صلى الله عليه وآله "
وهذا الخبر دال بعمومه على وجوب رد السلام الذي كتب له في ذلك
الكتاب لأنه من جملة ما يتوقع صاحبه رده سيما إذا كان الكتاب إنما يشتمل على
مجرد الدعاء والسلام وقد حكم (عليه السلام) بوجوب رده كرد السلام. وفي قوله
" والبادئ بالسلام... الخ " إشارة إلى أن البادئ بالكتاب أفضل كما تقدم الخبر
بذلك في أفضلية الابتداء بالسلام، وبالجملة فإن ظاهر الخبر أن حكم الكتاب في
وجوب الرد كحكم السلام.
وروى في الكافي أيضا عن أبي كهمش (4) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام) عبد الله بن أبي يعفور يقرأك السلام قال وعليك وعليه السلام إذا أتيت
عبد الله فاقرأه السلام وقل له... الحديث " وفي هذا الخبر دلالة على استحباب
الارسال بالسلام وأن الرد بصيغة الرد على الحاضر بتقديم الظرف.

(1) الأذكار للنووي ص 199
(2) سورة النساء الآية 88
(3) الوسائل الباب 33 من أحكام العشرة
(4) الوسائل الباب 43 من أحكام العشرة
82

الحادية عشرة - لو ترك المصلي الرد واشتغل باتمام الصلاة يا ثم وهل تبطل
الصلاة؟ قيل نعم للنهي المقتضي للفساد. وقيل إن أتى بشئ من الأذكار في زمان
الرد بطلت. وقيل إن أتى بشئ من القراءة أو الأذكار في زمان وجوب الرد فلا
يعتد بها بناء على أن الأمر بالشئ يستلزم النهي عن ضده والنهي عن العبادة يقتضي
الفساد، ولكن لا يستلزم بطلان الصلاة إذ لا دليل على أن الكلام الذي يكون من
قبيل الذكر والدعاء والقرآن يبطل الصلاة وإن كان حراما، فإن استمر على ترك الرد
وقلنا ببقائه في ذمته لزم بطلان الصلاة لأنه لم يتدارك القراءة والذكر على وجه صحيح.
قال بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين بعد نقل ذلك عنهم: والحق أن
الحكم بالبطلان موقوف على مقدمات أكثرها بل كلها في محل المنع لكن الاحتياط
يقتضي إعادة مثل تلك الصلاة. انتهى. وهو جيد.
الثانية عشرة - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) تحريم سلام المرأة
على الأجنبي وعللوه بأن صوتها عورة فاستماعه حرام
وتوقف جملة من متأخري المتأخرين إذ الظاهر من الأخبار عدم كون
صوتها عورة.
أقول: وهو الحق مضافا إلى ما رواه ثقة الاسلام في الكافي في الصحيح
أو الحسن عن ربعي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: كان رسول الله (صلى
الله عليه وآله) ورواه في الفقيه مرسلا قال: " كان رسول الله (صلى
الله عليه وآله) يسلم على النساء ويرددن عليه وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يسلم على النساء
وكان يكره أن يسلم على الشابة منهن ويقول أتخوف أن يعجبني صوتها فيدخل على
أكثر مما أطلب من الأجر " قال في الفقيه: إنما قال (عليه السلام) لغيره وإن عبر
عن نفسه وأراد بذلك أيضا التخوف من أن يظن أنه يعجبه صوتها فيكفر،
قال: ولكلام الأئمة (صلوات الله عليهم) مخارج ووجوه لا يعقلها إلا العالمون.

(1) الوسائل الباب 48 من أحكام العشرة
83

أقول: ونظيره في القرآن من باب " إياك أعني واسمعي يا جارة " كثير.
وروى في الفقيه (1) قال: " سأل عمار الساباطي أبا عبد الله (عليه السلام)
عن النساء كيف يسلمن إذا دخلن عن القوم؟ قال المرأة تقول عليكم السلام
والرجل يقول السلام عليكم ".
وأما ما رواه في الكافي عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: " لا تسلم على المرأة " فهو محمول على الكراهة جمعا.
ثم إن على المشهور من التحريم على الأجنبي فهل يحب الرد عليها؟ قيل
يحتمل ذلك لعموم الدليل والعدم لكون المتبادر التحية المشروعة، وهو مختار
التذكرة حيث قال: ولو سلم رجل على امرأة أو بالعكس فإن كان بينهما زوجية أو
محرمية أو كانت عجوزة خارجة عن مظنة الفتنة ثبت استحقاق الجواب وإلا فلا.
قالوا: وفي وجوب الرد عليها لو سلم عليها أجنبي وجهان فيحتمل الوجوب نظرا
إلى عموم الآية فيجوز اختصاص تحريم الاستماع بغيره، ويحتمل العدم كما اختاره
العلامة ويحتمل وجوب الرد خفيا كما قيل.
أقول: وهذا البحث لما كان على غير أساس كما عرفت فلا وجه للتشاغل
بصحته وابطاله.
الثالثة عشرة - قال العلامة في التذكرة: ولا يسلم على أهل الذمة ابتداء، ولو سلم
عليه ذمي أو من يعرفه فبان ذميا رد بغير السلام بأن يقول " هداك الله أو أنعم الله
صباحك أو أطال الله بقاءك " ولو رد بالسلام لم يزد في الجواب على قوله " وعليك " انتهى
أقول: الذي وقفت عليه من الأخبار في هذا المقام ما تقدم (3) من صحيحة
زرارة أو حسنته في رد النبي (صلى الله عليه وآله) على اليهود، وما رواه في الكافي
عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: " قال أمير المؤمنين

(1) الوسائل الباب 39 من أحكام العشرة
(2) الوسائل الباب 130 من النكاح
(3) ص 71
(4) الوسائل الباب 49 من أحكام العشرة
84

(عليه السلام) لابتدأوا أهل الكتاب بالتسليم وإذا أسلموا عليكم فقولوا وعليكم "
وعن سماعة في الموثق (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
اليهودي والنصراني والمشرك إذا سلموا على الرجل وهو جالس كيف ينبغي أن يرد
عليهم؟ قال يقول عليكم ".
وعن محمد بن مسلم في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " إذا
سلم عليك اليهودي والنصراني والمشرك فقل عليك ".
وعن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " تقول في الرد على
اليهودي والنصراني سلام ".
وعن محمد بن عرفة عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) (4) قال: " قيل
لأبي عبد الله (عليه السلام) كيف ادعو لليهودي والنصراني؟ قال تقول بارك الله
لك في دنياك ".
أقول: المستفاد من الخبر الأول تحريم ابتداء أهل الكتاب بالسلام
ونحوهم من المشركين بطريق الأولى، ولا ينافي ذلك ما رواه في الكافي عن
عبد الرحمن بن الحجاج (5) قال: " قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام) أرأيت
إن احتجت إلى متطبب وهو نصراني أن أسلم وأدعو له؟ قال نعم ولا ينفعه دعاؤك "
لأنا نجيب عنه بالحمل عن حال الضرورة، وكذا ما تقدم أيضا (6) من حديث
" أفشوا سلام الله فإن سلام الله لا ينال الظالمين " ونحوه، لأنا نجيب عنه بأن خبر
غياث خاص وهذا عام والقاعدة تقديم العمل بالخاص وتخصيص العموم به.
وأكثر هذه الأخبار إنما اشتملت على الرد ب‍ " عليكم أو عليك " وأما ما ذكره
من الرد بتلك الألفاظ فلم نقف له على دليل، نعم ربما يقال في مقام الدعاء له كما
يشعر به خبر محمد بن عرفة لا في مقام رد السلام كما ادعاه. نعم رواية زرارة قد

(1) الوسائل الباب 49 من أحكام العشرة
(2) الوسائل الباب 49 من أحكام العشرة
(3) الوسائل الباب 49 من أحكام العشرة
(4) الوسائل الباب 53 من أحكام العشرة
(5) الوسائل الباب 53 من أحكام العشرة
(6) ص 80
85

تضمنت الرد ب‍ " سلام " والظاهر أنه على تقدير الرواية بفتح السين من قبيل قوله
عز وجل: " سلام عليك سأستغفر لك ربي " (1) وقوله سبحانه " وقل سلام فسوف
يعلمون " (2) والوجه في جوازه أنه لم يقصد به التحية وإنما قصد به المباعدة والمتاركة
قال أمين الاسلام الطبرسي (قدس سره) في تفسير الآية الأخيرة: " وقل
سلام " تقديره وقل أمرنا وأمركم سلام أي متاركة ". ثم قال في بيان معنى الآية:
" وقل سلام " أي مداراة ومتاركة. وقيل سلام هجران ومجانبة لا سلام تحية وكرامة
كقوله " سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين " (3) وقال في معنى الآية الأولى: وقال إبراهيم
" سلام عليك " سلام توديع وهجر على ألطف الوجوه وهو سلام متاركة ومباعدة
عن الجبائي وأبي مسلم، وقيل هذا سلام اكرام وبر فقابل جفوة أبيه بالبر تأدية
لحق الأبوة أي هجرتك على وجه جميل من غير عقوق. انتهى. ولم أقف لهذا
المعنى في كتب اللغة على ذكر مع أن الآيات كما ترى ظاهرة فيه.
ثم إن أكثر هذه الروايات إنما اشتملت على الرد ب‍ " عليكم السلام "
و " عليك " بدون الواو ورواية غياث اشتملت على ذكر الواو، وأخبار العامة أيضا
مختلفة ففي بعضها بالواو ووفى بعض آخر بدونها (4) والمعنى بدون الواو ظاهر لأن
المقصود حينئذ أن الذي تقولون لنا مرود عليكم، وهم غالبا - كما سمعت عن صحيحة
زرارة (5) - إنما يسلمون بالسام الذي هو الموت، وأما مع الواو فيشكل لأن
الواو تقتضي اثبات ما قالوه على نفسه وتقريره عليها حتى يصح العطف فيدخل معهم
في ما دعوا به، ولهذا قال ابن الأثير في النهاية: قال الخطابي عامة المحدثين يروون
" وعليكم " باثبات واو العطف وكان ابن عيينة يرويه بغير واو وهو الصواب لأنه

(1) سورة مريم الآية 48
(2) سورة الزخرف الآية 89
(3) سورة القصص الآية 55
(4) فتح الباري ج 11 ص 35 كتاب الاستئذان باب كيفية الرد على أهل الذمة
(5) ص 80
86

إذا حذف الواو صار قولهم الذي قالوه نفسه مردودا عليهم خاصة وإذا أثبت الواو
وقع الاشتراك معهم في ما قالوه لأن الواو تجمع بين الشيئين. والمثبتون للواو
اختلفوا فقال بعضهم إنها للاستئناف لا العطف فلا تقتضي الاشتراك. وقال
عياض: هذا بعيد والأولى أن يقال الواو على بابها من العطف غير أنا نجاب
فيهم ولا يجابون فينا كما دل عليه الحديث. ثم قال حذف الواو أصح معنى واثباتها
أصح رواية وأشهر. انتهى.
وقال بعض أصحابنا بعد نقل ذلك: وهذا ليس بأولى لأن المفسدة قبول
المجيب دعاءهم على نفسه وتقريره عليها وقبول المشاركة وهي باقية غير مدفوعة
بما ذكره. ثم قال ثم أقول ويمكن أن يقال إذا علم المجيب أنهم قالوا " السام عليك "
يجيب ب‍ " عليكم " بدون واو كما فعله (صلى الله عليه وآله) وإذا علم أنهم قالوا
السلام عليك " كما هو المعروف في التحية يجيب بقوله " وعليكم " فيقبل سلامهم
على نفسه ويقرره عليها ويأتي بلفظ يفيد المشاركة إلا أن ذلك لا ينفعهم وفائدته
مجرد الرفق وتأليف القلوب، وكذا يصح أن يجيب ب‍ " عليك " بدون واو، وبذلك
يتحقق الجمع بين الروايات. انتهى كلامه زيد مقامه. أقول: ما ذكره من الجمع جيد
إلا أن الظاهر أن الأجود منه حمل رواية غياث على التقية (1) لأنه لم يرد لفظ الواو
في غيرها من الروايات المتقدمة، ويعضده أن الراوي عامي بتري (2) فهو موافق
لأكثر رواياتهم وأصحها كما عرفت من كلامهم.
ثم إنه هل يجب الرد عليهم؟ استشكله بعض الأصحاب ثم قال ولعل العدم
أقوى. وقال الفاضل المازندراني في حاشيته على الكتاب: ثم إن الأمر بردهم
على سبيل الرخصة والجواز دون الوجوب وإن احتمل نظرا إلى ظاهره كما نقل عن
ابن عباس والشعبي و قتادة من العامة، واستدلوا بعموم الآية " وإذا حييتم بتحية
فحيوا بأحسن منها أوردوها " حيث قال بأحسن منها للمسلمين وقوله " أو ردوها "

(1) ارجع إلى التعليقة 4 ص 86
(2) رجال المامقاني ج 2 ص 366
87

لأهل الكتاب. والحق أن كليهما للمسلمين لعدم وجوب الرد بالأحسن للمسلمين
اتفاقا بل الواجب أحد الأمرين إما الرد بالأحسن أو بالمثل. انتهى. وهو جيد.
الرابعة عشرة - قد صرح الأصحاب بأنه يكره أن يخص طائفة من الجمع
بالسلام، وأنه يستحب أن يسلم الراكب على الماشي والقائم على الجالس والطائفة
القليلة على الكثيرة والصغير على الكبير وأصحاب الخيل على أصحاب البغال
وهما على أصحاب الحمير.
أقول وقد تقدم (1) في روايتي عنبسة بن مصعب وابن بكير عن بعض
أصحابه الدلالة على ذلك، قال بعض شراح الحديث: إما بدأة الصغير على الكبير
فلأن للكبير على الصغير فضلا بالسن فحصل له بذلك مزية التقدم بالتحية، نعم لو
كان للصغير فضائل نفسانية مثل العلم والأدب دون الكبير لا يبعد القول بالعكس
لأن مراعاة الفضل البدني تقتضي مراعاة الفضائل النفسانية بالطريق الأولى، ولأن العالم
له نسبة مؤكدة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين (عليهم السلام)
دون الجاهل، ومن اعتبر حال بعض الأئمة والأنبياء علم أن تقدمهم على غيرهم مع
صغر سنهم إنما كان لأجل كمالاتهم. وحمل الصغير والكبير على الصغير المعنوي والكبير
المعنوي مستبعد. وأما بدأة المار على القاعد فلأن القاعد قد يقع في نفسه خوف من
القادم فإذا ابتدأ القادم بالسلام أمن، أو لأن القاعد لو أمر بالبدأة على المارين شق
عليه لكثرة المارين بخلاف العكس. وأما بدأة القليل على الكثير فلفضيلة الجماعة
وأيضا لو بدأت الجماعة على الواجد لخيف معه الكبير، ويحتمل غير ذلك. وأما
بدأة الراكب على الماشي فلأن للراكب فضلا دنيويا فعدل الشرع بينهما فجعل للماشي
فضيلة أن يبدأ بالسلام، أو لأن الماشي قد يخاف من الراكب فإذا سلم الراكب عليه
أمن، أو لأنه لو ابتدأ الماشي بالسلام على الراكب خيف على الراكب الكبر. انتهى
وهو جيد مستفاد من الأخبار كما لا يخفى على من جاس خلال الديار. والله العالم.

(1) ص 67
88

الخامسة عشرة - قد عرفت من جملة من الأخبار المتقدمة في صدر المسألة
جواز التسليم على المصلي بل استحبابه وقد صرح جمع من الأصحاب (رضوان الله
عليهم) أنه لا يكره السلام على المصلي للعموم.
وفيه أن رواية الخصال المتقدمة ثمة (1) - وهي من الموثقات عن مسعدة بن
صدقة قال فيها: " لا تسلموا على اليهود ولا على النصارى ولا على المجوس ولا
على عبدة الأوثان ولا على موائد شراب الخمر ولا على صاحب الشطرنج والنرد
ولا على المخنث ولا على الشاعر الذي يقذف المحصنات ولا على المصلي... إلى
آخر ما تقدم ثمة " - ظاهرة في النهي عن ذلك، وقد عللها بما ذكره من أن المصلي
لا يستطيع أن يرد السلام لأن التسليم من المسلم تطوع والرد فريضة، والظاهر أن
المقصود من التعليل المذكور أنه لما كان الرد فريضة فلا بد له أن يرد متى سلم عليه وفي
ذلك شغل له عن التوجه والاقبال على صلاته، فمعنى كونه لا يستطيع أن يرد السلام
أي من حيث استلزامه للشغل له.
ويعضد هذه الرواية أيضا ما رواه في قرب الإسناد عن الحسن بن ظريف
عن الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (2) قال: " كنت أسمع
أبي يقول إذا دخلت المسجد الحرام والقوم يصلون فلا تسلم عليهم وسلم على النبي
(صلى الله عليه وآله) ثم أقبل على صلاتك، وإذا دخلت على قوم جلوس يتحدثون
فسلم عليهم ".
وظاهر صاحب المدارك الميل إلى القول بالكراهة لهذه الرواية الأخيرة
حيث أنه قال - بعد أن نقل عن جمع من الأصحاب أنه لا يكره السلام على المصلي
للعموم - ما لفظه: ويمكن القول بالكراهة لما رواه عبد الله بن جعفر في كتابه
قرب الإسناد عن الصادق (عليه السلام)... إلى آخر ما تقدم.
أقول: الأظهر عندي حمل ما دل على المنع على التقية لما تقدم من أن

(1) ص 65 وفي الوسائل الباب 28 من أحكام العشرة
(2) الوسائل الباب 17 من قواطع الصلاة
89

مذهب جمهور العامة المنع من الرد وإنما يشير بإصبعه، وأبو حنيفة قد منع الرد
والإشارة (1) مع أن الراوي عن أبي عبد الله في رواية قرب الإسناد إنما هو الحسين
ابن علوان كما عرفت وهو عامي (2) والعجب من صاحب المدارك في اعتماده عليها
والحال كما عرفت مع مناقشة الأصحاب في الروايات الصحيحة وتصلبه في الأدلة كيف
ركن إلى هذه الرواية وأسندها إلى الصادق عليه السلام) ولم يذكر الراوي عنه لئلا
يتطرق إليه المناقشة بما ذكرناه. وبالجملة فالأظهر عندي هو ما عرفت. والله العالم.
المسألة الثانية - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يجوز للمصلي
تسميت العاطس، والتسميت على ما نقل عن الجوهري ذكر اسم الله تعالى على
الشئ، وتسميت العاطس أن يقول له " يرحمك الله " بالسين والشين جميعا، قال
ثعلب الاختيار بالسين لأنه مأخوذ من السمت وهو القصد والمحجة. وقال
أبو عبيد الشين أعلى في كلامهم وأكثر. وقال أيضا تسميت العاطس دعاء له وكل داع
لأحد بخير فهو مسمت ومشمت. وقال في القاموس: التسميت ذكر الله على الشئ
والدعاء للعاطس. وفي المجمل يقولون العاطس " يرحمك الله " فيقال التسميت. ويقال
التسميت ذكر الله على الشئ. وفي النهاية التسميت بالسين والشين الدعاء بالخير والبركة
والمعجمة أعلاهما. وقال في المصباح المنير للفيومي: السمت الطريق والسمت القصد
والسكينة والوقار وهو حسن السمت أي الهيئة، والتسميت ذكر الله تعالى على الشئ
وتسميت العاطس الدعاء له، وبالشين المعجمة مثله. وقال في التهذيب سمته بالسين
والشين إذا دعا له، وقال أبو عبيد الشين المعجمة أعلى وأفشى. وقال ثعلب السين
المهملة هي الأصل أخذا من السمت وهو القصد والهدى والاستقامة، وكل داع بخير
فهو مسمت أي داع بالعود والبقاء إلى سمته. انتهى.
والمشهور في كلام الأصحاب جوازه للمصلي بل استحبابه، وظاهر المحقق في

(1) ارجع إلى التعليقة 3 ص 78
(2) رجال المامقاني ج 1 ص 335 واحتمل (قدس سره) كونه إماميا
90

المعتبر التوقف فيه إلا أنه قال بعد ذلك: والجواز أشبه بالمذهب.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه المشايخ الثلاثة
عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " قلت له أسمع العطسة وأنا
في الصلاة فأحمد الله تعالى وأصلي على النبي (صلى الله عليه وآله)؟ قال نعم " وزاد
في الكافي (2) " وإذا عطس أخوك وأنت في الصلاة فقل الحمد لله ".
وما رواه في الكافي عن جراح المدائني (3) قال: " قال أبو عبد الله (عليه
السلام) للمسلم على أخيه من الحق أن يسلم عليه إذا لقيه ويعوده إذا مرض وينصح
له إذا غاب ويسمته إذا عطس - يقول الحمد لله رب العالمين لا شريك له ويقول له
يرحمك الله، فيجيبه يقول له يهديكم الله ويصلح بالكم - ويجيبه إذا دعاه ويشيمه إذا مات ".
وعن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: " قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا عطس الرجل فسمتوه ولو من وراء جزيرة "
وفي رواية أخرى (5) " ولو من وراء البحر ".
وعن إسحاق بن يزيد ومعمر بن أبي زياد وابن رئاب (6) قالوا: " كنا
جلوسا عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذا عطس رجل فما رد عليه أحد من القوم
شيئا حتى ابتدأ هو فقال سبحان الله ألا سمتم؟ من حق المسلم على المسلم أن يعوده
إذا اشتكى وأن يجيبه إذا دعاه وأن يشهده إذا مات وأن يسمته إذا عطس ".
وعن داود بن الحصين (7) قال: " كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام)

(1) الوسائل الباب 18 من قواطع الصلاة
(2) الوسائل الباب 18 من قواطع الصلاة. وفي الفروع ج 1 ص 102 والوافي
باب " رد السلام " والوسائل هكذا " فقل الحمد لله وصل على النبي وآله " وقد أثبت في ما وقفنا
عليه من النسخ الخطية. وقد أثبت أيضا فيها ما يشترك فيه الكافي والتهذيب والفقيه وهو
قوله (ع) " وإن كان بينك وبين صاحبك اليم " إلا أن العبارة فيها توهم الاختصاص
بالكافي حيث قال: وزاد في الكافي... إلى أن قال " وصل على النبي وآله وإن كان... "
(3) الوسائل الباب 57 من أحكام العشرة
(4) الوسائل الباب 57 من أحكام العشرة
(5) الوسائل الباب 57 من أحكام العشرة
(6) الوسائل الباب 57 من أحكام العشرة
(7) الوسائل الباب 57 من أحكام العشرة
91

فأحصيت في البيت أربعة عشر رجلا فعطس أبو عبد الله (عليه السلام) فما تكلم
أحد من القوم فقال أبو عبد الله (عليه السلام) ألا تسمتون؟ من حق المؤمن على
المؤمن إذا مرض أن يعوده وإذا مات أن يشهد جنازته وإذا عطس أن يسمته - أو قال
أن يشمته - وإذا دعاه أن يجيبه ".
والظاهر أن مستند الأصحاب في ما ذهبوا إليه من استحباب تسميت المصلي
لغيره هو عموم هذه الأخبار فإنها شاملة للمصلي وغيره، ويستفاد من هذه
الأخبار استحباب الحمد لله والصلاة على النبي وآله (صلوات الله عليهم) للعاطس
والسامع، قال في المنتهى: ويجوز للمصلي أن يحمد الله إذا عطس ويصلي على النبي وآله
(صلوات الله عليهم) وأن يفعل ذلك إذا عطس غيره وهو مذهب أهل البيت (ع)
ويفهم من بعض الأخبار توقف استحباب التسميت على حمد الله سبحانه بل
الصلاة على النبي وآله (صلوات الله عليهم) من العاطس فلو لم يفعل لم يستحب
تسميته كما سيأتي إن شاء الله.
وهل يجب على العاطس الرد؟ الأظهر ذلك، وصرح جمع: منهم - صاحب
المدارك بالعدم قال: وهل يجب على العاطس الرد؟ الأظهر لا لأنه لا يسمى تحية.
أقول: قد روى في آخر كتاب الخصال في حديث طويل عن أبي جعفر
عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) (1) مما علمه أصحابه في مجلس واحد
من أربعمائة باب مما يصلح للمسلم في دينه قال (عليه السلام) " إذا عطس أحدكم
فسمتوه قولوا يرحمكم الله وهو يقول يغفر الله لكم ويرحمكم، قال الله عز وجل
وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها " (2) وهو ظاهر الدلالة في
المطلوب، والظاهر عدم وقوف هؤلاء القائلين على الخبر المشار إليه.
وقد صرح جملة من الأصحاب: منهم - المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى

(1) الوسائل الباب 58 من أحكام العشرة
(2) سورة النساء الآية 88
92

في استحباب التسميت باشتراط كون العاطس مؤمنا، قال في الذخيرة: ويحتمل الجواز
في المسلم مطلقا عملا بظاهر رواية جراح وغيرها مما اشتمل على ذكر المسلم. وهو
ضعيف فإن لفظ المسلم وإن ذكر كما نقله إلا أن المراد به المؤمن واطلاقه عليه أكثر
كثير في الآيات والأخبار، ويؤيده عد التسميت في قرن تلك الأشياء المعدودة
من حقوق الإخوان فإنها مخصوصة بالمؤمنين كما لا يخفى، فما ذكره من الاحتمال
لا وجه له بالكلية.
ولا بأس بنقل جمله من الأخبار الواردة في العطس لما فيما من الفوائد
والأحكام وإن كانت خارجة من محل البحث في المقام:
ومنها - ما رواه في الكافي عن صفوان في الصحيح (1) قال: " كنت عند
الرضا (عليه السلام) فعطس فقلت له صلى الله عليك ثم عطس فقلت له صلى الله
عليك ثم عطس فقلت له صلى الله عليك. وقلت جعلت فداك إذا عطس مثلك يقال
له كما يقول بعضنا لبعض " يرحمك الله " لو كما نقول؟ قال نعم، قال أوليس
تقول صلى الله على محمد وآل محمد؟ قلت بلى. قال وارحم محمدا وآل محمد؟ قال بلى
وقد صلى عليه ورحمه وإنما صلاتنا عليه رحمة لنا وقربة ".
بيان: قوله " إذا عطس مثلك " أي من أهل العصمة ولعل الترديد من الراوي
بناء على أن مثلكم مرحومون قطعا فلا فائدة في طلب الرحمة لكم كما يقول بعضنا لبعض
لأنه تحصيل حاصل. وقوله " كما نقول " إشارة إلى قوله " صلى الله عليك " " قال نعم "
يعني كل من الأمرين جائز لا بأس به. ثم أشار إلى أن الفائدة في الترحم علينا لكم
لا لنا. ثم قال له: أوليس تقول صلى الله على محمد وآله محمد؟ قلت بلى. وقال ارحم
محمدا وآل محمد قال الإمام بلى. يعني أنك تقول ذلك بعد الصلاة والحال أن الله
سبحانه صلى عليه ورحمه فلا حاجة به إلى صلاة مصل ولا ترحم مترجم وإنما فائدة
ذلك راجعة إلى المصلي. وبذلك صرح جملة من أصحابنا (رضوان الله عليهم) قال

(1) الوافي ج 3 باب العطاس والتسميت
93

شيخنا الشهيد الثاني في شرح اللمعة: وغاية السؤال بها أي بالصلاة عائدة إلى المصلي
لأن الله سبحانه وتعالى قد أعطى نبيه من المنزلة والزلفى لديه ما لا تؤثر فيه صلاة
مصل كما نطقت به الأخبار وصرح به العلماء الأخيار. انتهى.
ومنها - ما رواه في الكتاب المذكور عن أيوب بن نوح (1) قال: " عطس
يوما وأنا عنده فقلت جعلت فداك ما يقال للإمام إذا عطس؟ قال يقول صلى الله عليك "
بيان: قد عرفت من الحديث السابق جواز تسميتهم (عليهم السلام) بما
يقول بعضنا لبعض من قوله " يرحمك الله " وسيأتي ما يدل عليه أيضا، ولعل
التخصيص هنا بهذه الصلاة لأنها أفضل الفردين.
ومنها - ما رواه عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (2) قال: " سمعت الرضا (عليه
السلام) يقول: التثاؤب من الشيطان والعطسة من الله تعالى ".
بيان: ثئب وتثأب أصابه كسل وفترة كفترة النعاس، قال عياض: التثأب
بشد الهمزة والاسم الثؤباء، وقال ابن دريد وأصله من " ثئب الرجل فهو مثؤوب " إذا
استرخى وكسل. وقال في مجمع البحرين: التثأب فترة تعتري الشخص فيفتح عندها فاه
يقال تثاءب على تفاعلت إذا فتحت فاك وتمطيت لكسل أو فترة والاسم الثؤباء.
قال بعض الأفاضل وإنما نسبه إلى الشيطان لأنه من تكسيله وسببه. وقيل أضيف
إليه لأنه يرضيه. وقيل إنما ينشأ من امتلاء البدن وثقل النفس وكدورة الحواس
ويورث الغفلة والكسل وسوء الفهم ولذلك كرهه الله وأحبه الشيطان (لعنه الله)
والعطاس لما كان سببا لخفة الدماغ واستفراغ الفضلات وصفاء الروح وتقوية
الحواس كان أمره بالعكس ولكن التثأب من الشيطان. قيل إنه ما تثأب
نبي قط. انتهى.
ومنها - ما رواه عن صلاح بن أبي حماد (3) قال: " سألت العالم (عليه السلام) عن

(1) الوافي ج 3 باب العطاس والتسميت
(2) الوسائل الباب 60 من أحكام العشرة
(3) الوسائل الباب 62 من أحكام العشرة
94

العطسة وما العلة في الحمد لله عليها؟ فقال إن لله تعالى نعما على عبده في صحة بدنه
وسلامة جوارحه وأن العبد ينسى ذكر الله تعالى على ذلك وإذا نسي أمر الله تعالى
الريح فجالت في بدنه ثم يخرجها من أنفه فيحمد الله تعالى على ذلك فيكون حمده
عند ذلك شكرا لما نسي ".
بيان: يستفاد من هذا الخبر وجه ما تقدم في سابقه من قوله: " العطسة من
الله تعالى " والظاهر أنه أقرب مما ذكره الفاضل، وحاصل ذلك أن معنى كونها
من الله تعالى أنه هو الذي حمل عبده عليها بادخال الريح في بدنه واخراجها من أنفه
ليحمد الله تعالى عند ذلك.
ومنها - ما رواه عن جابر (1) قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام) نعم
الشئ العطسة تنفع في الجسد وتذكر بالله تعالى. قلت إن عندنا قوما يقولون
ليس لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في العطسة نصيب؟ فقال (عليه السلام) إن
كانوا كاذبين فلا نالهم الله شفاعة محمد صلى الله عليه وآله ".
وعن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه (2) قال " عطس رجل عند أبي جعفر
(عليه السلام) فقال الحمد لله فلم يسمته أبو جعفر (عليه السلام) وقال نقصنا
حقنا، ثم قال إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وأهل
بيته. قال فقال الرجل فسمته أبو جعفر عليه السلام ".
بيان: نقصه ونقصه بالتخفيف والتشديد بمعنى واحد، وفي الخبر دلالة على
ما قدمنا الإشارة إليه من أن استحقاق التسميت موقوف على حمد العاطس وصلاته
على محمد وآله (صلوات الله عليهم)، وهو مروي من طريق العامة أيضا لكن بالنسبة
إلى التحميد، روى مسلم عن أنس بن مالك (3) قال: " عطس عند النبي (صلى الله عليه

(1) الوسائل الباب 63 من أحكام العشرة
(2) الوسائل الباب 63 من أحكام العشرة
(3) ج 8 كتاب الزهد باب تسميت العاطس، ورواه أبو داود في سننه ج 4
ص 309 آخر كتاب الأدب باب " من يعطس ولا يحمد الله ".
95

وآله) رجلان فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر فقال الذي لم يشمته عطس فلان
فشمته وعطست أنا فلم تشمتني؟ فقال إن هذا حمد الله وإنك لم تحمد الله تعالى ".
وعن الفضيل بن يسار (1) قال: " قلت لأبي جعفر (عليه السلام) إن الناس
يكرهون الصلاة على محمد وآله في ثلاثة مواطن: عند العطسة وعند الذبيحة وعند
الجماع؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام) ما لهم ويلهم نافقوا لعنهم الله ".
وعن سعد بن أبي خلف في الصحيح أو الحسن (2) قال: " كان أبو جعفر
(عليه السلام) إذا عطس فقيل له يرحمك الله قال يغفر الله لكم ويرحمكم، وإذا
عطس عنده انسان قال له يرحمك الله ".
بيان: هذا الحديث يشتمل على ما اشتمل عليه حديث الخصال في رد
التسميت، قال في المدارك: والأولى في كيفية الرد الاعتماد على ما رواه الكليني في
الحسن عن سعد بن أبي خلف، ثم ساق الرواية.
وعن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " عطس غلام لم
يبلغ الحلم عند النبي (صلى الله عليه وآله) فقال الحمد لله فقال له النبي (صلى الله
عليه وآله) بارك الله فيك "
بيان: فيه دلالة على استحباب تسميت الغلام إذا حمد الله تعالى بمثل هذا
القول وإن لم يتعرض له الأصحاب في ما أعلم.
وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (4) قال: " إذا عطس الرجل
فليقل الحمد لله لا شريك له، وإذا سمت الرجل فليقل يرحمك الله، وإذا رد فليقل
يغفر الله لك ولنا، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) سئل عن آية أو شئ فيه
ذكر الله تعالى فقال كل ما ذكر الله فيه فهو حسن ".

(1) الوسائل الباب 64 من أحكام العشرة
(2) الوسائل الباب 58 من أحكام العشرة
(3) الوسائل الباب 62 من أحكام العشرة
(4) الوسائل الباب 58 من أحكام العشرة
96

بيان: لا ينافي هذا الخبر ما تقدم في مرسلة ابن أبي عمير من عدم تسميت
الإمام للرجل حتى أردف التحميد بالصلاة، لأن غاية هذا الخبر أن يكون
مطلقا فيجب تقييده بالخبر المتقدم. ويحتمل - ولعله الأظهر - حمل الخبر الأول
على التأديب وإن جاز الاقتصار على مجرد التحميد.
والمستفاد من أخبار المسألة بالنسبة إلى العاطس أنه يقول: " الحمد لله " فإن
اقتصر عليها فهو جائز وإن زاد عليها " رب العالمين أو لا شريك له " أو نحو ذلك
فهو أفضل وإن زاد الصلاة فهو أفضل الجميع سيما مع ما ذكرناه من الألفاظ الزائدة
على التحميد، وبالنسبة إلى التسميت أن يقول " يرحمك الله أو يرحمكم الله " وفي
الجواب ما ذكر في هذه الرواية، وأحسن منه ما تقدم في روايتي الخصال وسعد بن
أبي خلف، وإن أتى بنحو ذلك فلا بأس فإن الظاهر حمل هذه الروايات على التمثيل
في الدعاء لأخيه من الدعاء بالخير للعاطس وجوابه بما يناسب ذلك.
وأما قوله في آخر الخبر: " سئل عن آية عن آية أو شئ... الخ " وفي نسخة الفاضل
المازندراني - كما ذكره - " فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) سئل عن آية تقال
عند العطسة أو شئ فيه ذكر الله تعالى... الخ " والمعنى على كل من النسختين واضح فإن
حاصله أن النبي (صلى الله عليه وآله) سئل عن آية معينة أو ذكر معين يقال عند
التسميت أورده فقال كل ما تضمن ذكر الله عز وجل المناسب لمقام التسميت ورده
فهو حسن. فهو وعين ما أشرنا إليه آنفا.
وعن مسمع (1) قال " عطس أبو عبد الله (عليه السلام) فقال " الحمد لله رب
العالمين ": ثم جعل إصبعه على أنفه فقال رغم الله أنفي رغما داخرا ".
بيان: هذا الحكم غير مذكور في ما حضرني من كلام الأصحاب (رضوان
الله عليهم) وينبغي أن يعد في مستحبات العطس أيضا.
وعن محمد بن مروان رفعه (2) قال: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام)

(1) الوسائل الباب 62 من أحكام العشرة
(2) الوسائل الباب 62 من أحكام العشرة
97

من قال إذا عطس " الحمد لله رب العالمين على كل حال " لم يجد وجع الأذنين والأضراس "
وعن ابن فضال عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" في وجع الأضراس ووجع الأذان إذا سمعتم من يعطس فابدأوه بالحمد لله ".
وعن زيد الشحام (2) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) من سمع
عطسة فحمد الله تعالى وصلى على النبي وأهل بيته (صلى الله عليه وآله) لم يشتك
عينه ولا ضرسه. ثم قال إن سمعتها فقلها ولو كان بينك وبينه البحر ".
وعن عبد الرحمن بن أبي نجران عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (3) قال. " عطس رجل نصراني عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له
القوم " هداك الله " فقال أبو عبد الله (عليه السلام) " يرحمك الله " فقالوا له إنه
نصراني؟ فقال (عليه السلام) لا يهديه الله حتى يرحمه ".
بيان: هذا الخبر بظاهره مناف لما تقدم نقله عن الأصحاب من اشتراط
الايمان في تسميت العاطس كما دلت عليه الأخبار المتقدمة، ويمكن أن يقال بمعونة
الأخبار المتقدمة الدالة على اشتراط الايمان إن قصده (عليه السلام) من التسميت
ب‍ " يرحمك الله " إنما هو المنع من تسميته بما ذكروه وبغيره وأنه ليس أهلا للتسميت،
لأن تحاشيهم عن لفظ " يرحمك الله " إلى ما ذكروه لا يغني إذا الهداية مستلزمة لسبق
الرحمة الموجبة لهدايته فالأولى أن لا يسمت بحال. وهذا معنى لطيف وإن تسارع
الفهم القاصر إلى رده.
وعن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: " قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا عطس المرء المسلم ثم سكت لعلة تكون به قالت
الملائكة عنه " الحمد لله رب العالمين " فإن قال " الحمد الله رب العالمين " قالت الملائكة " يغفر

(1) الوسائل الباب 62 من أحكام العشرة
(2) الوسائل الباب 63 من أحكام العشرة
(3) الوسائل الباب 62 من أحكام العشرة
(4) الوسائل الباب 62 من أحكام العشرة
98

الله لك: قال: وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) العطاس للمريض دليل
العافية وراحة البدن ".
وعن حذيفة بن منصور (1) قال قال: " العطاس ينفع البدن كله ما لم يزد
على الثلاث فإذا زاد على الثلاث فهو داء وسقم "،
وعن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال: " إذا عطس الرجل
ثلاثا فسمته ثم اتركه ".
وعن أبي بكر الحضرمي (3) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
قوله تعالى: إن أنكر الأصوات لصوت الحمير (4) قال العطسة القبيحة ".
بيان: العطسة القبيحة المشتملة على الصوت المستنكر يعني أنها مندرجة تحت
الآية لا أن الآية مختصة بها. وفيه إشارة إلى الأمر بالاعتدال.
وعن القاسم عن جده عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال: " من عطس
ثم وضع يده على قصبة أنفه ثم قال " الحمد لله رب العالمين الحمد لله حمدا كثيرا كما هو
أهله وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم " خرج من منخره الأيسر طائر أصغر من الجراد
وأكبر من الذباب حتى يصير تحت العرش يستغفر له إلى يوم القيامة ".
وعن محمد بن يحيى عن بعض أصحابه رواه عن رجل من العامة (6) قال " كنت
أجالس أبا عبد الله (عليه السلام) فلا والله ما رأيت مجلسا انبل من مجالسه، قال فقال
لي ذات يوم من أين تخرج العطسة؟ فقلت من الأنف. فقال لي أصبت الخطأ
فقلت جعلت فداك من أين تخرج؟ فقال من جميع البدن كما أن النطفة تخرج من

(1) الوسائل الباب. 6 من أحكام العشرة
(2) الوسائل الباب 61 من أحكام العشرة
(3) الوسائل الباب. 6 من أحكام العشرة
(4) سورة لقمان الآية 18
(5) الوسائل الباب 63 من أحكام العشرة
(6) الأصول ج 2 ص 657 وفي الوسائل الباب 60 من أحكام العشرة
99

جميع البدن ومخرجها من الإحليل، ثم قال أما رأيت الانسان إذا عطس نفض
أعضاءه؟ وصاحب العطسة يأمن الموت سبعة أيام ".
وعن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله) تصديق الحديث عند العطاس ".
وبهذا الاسناد (2) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا كان
الرجل يتحدث بحديث فعطس عاطس فهو شاهد حق ".
وعن القداح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله) تصديق الحديث عند العطاس ".
بيان: قال بعض المحدثين لعل السر فيه أن العطسة رحمة من الله تعالى للعبد
ويستبعد نزول الرحمة في مجلس يكذب فيه خصوصا عند صدور الكذب فإذا قاربت
الحديث دلت على صدقه. انتهى.
وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب النوادر لمحمد بن علي بن
محبوب عن محمد بن الحسين عن محمد بن يحيى عن غياث عن جعفر (عليه السلام) (4)
" في رجل عطس في الصلاة فسمته رجل فقال فسدت صلاة ذلك الرجل ".
بيان: قال ابن إدريس بعد ايراد الخبر: التسميت الدعاء للعاطس بالسين
والشين معا، وليس على فسادها دليل لأن الدعاء لا يقطع الصلاة. انتهى. وهو جيد
وغير بعيد أن هذا الخبر خرج مخرج التقية لأنه نسب إلى الشافعي وبعض العامة
القول بالتحريم (5) مع أن ظاهر الخبر بطلان صلاة العاطس وإن لم يرد فإنه هو
الذي في الصلاة وأما المسمت فغير ظاهر من الخبر كونه في الصلاة. وكيف ما كان

(1) الوسائل الباب 66 من أحكام العشرة
(2) الوسائل الباب 66 من أحكام العشرة
(3) الوسائل الباب 66 من أحكام العشرة
(4) الوسائل الباب 18 من قواطع الصلاة
(5) تعرض لذلك النووي الشافعي في شرحه على صحيح مسلم عند شرحه حديث
معاوية بن الحكم السلمي في باب تحريم الكلام
100

فبالحمل على أيهما كان لا يمكن القول بالبطلان لما تقدم. والله العالم.
المسألة الثالثة - المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير
خلاف يعرف هو تحريم قطع الصلاة اختيارا وقيده جملة من الأصحاب: منهم -
العلامة في بعض كتبه بالفريضة.
واحتج عليه بوجهين (الأول) أن الاتمام واجب وهو ينافي القطع فيكون
القطع محرما (الثاني) قوله تعالى: " ولا تبطلوا أعمالكم " (1).
والأول منهما لا يخلو من مصادرة، والثاني لا يخلو من الاجمال المانع من
الاستناد إليه في الاستدلال، ولهذا صرح جملة من محققي متأخري المتأخرين بأنهم لم
يقفوا في المسألة على دليل يعتمد عليه وكان بعض المعاصرين يفتي لذلك بجواز قطع
الصلاة اختيارا، ويجوز له في الشكوك المنصوصة قطع الصلاة والإعادة من رأس
للخروج عما في بعض صورها من الخلاف.
أقول: والحق أن الدليل على ذلك ما تقدم في الأخبار الكثيرة من أن
تحريمها التكبير وتحليلها التسليم (2)، فإنه لا معنى لكون تحريمها التكبير إلا
تحريم ما كان محللا على المصلي قبل التكبير وأنه بالدخول فيها بالتكبير تحرم عليه
تلك الأمور عن الاستدبار والكلام عمدا والحدث عمدا ونحو ذلك وأن هذه الأشياء
إنما تحل عليه بالتسليم. وهذا المعنى من هذا العبارة أظهر من أن يخفى والروايات
بهذا المضمون متكاثرة كما تقدمت في فصل التكبير والتسليم فلا مجال للتوقف في
ذلك. وبذلك يظهر أنه لا يجوز قطع الصلاة ولا الخروج منها إلا بالتسليم. نعم
يستثنى من ذلك ما دلت النصوص على جواز القطع له كما يأتي إن شاء الله تعالى.
ويؤيده ما رواه الشيخ والكليني في الصحيح عن عبد الرحمان بن الحجاج (3)

(1) سورة محمد الآية 35
(2) الوسائل الباب 1 من تكبيرة الاحرام و 1 من التسليم
(3) الوسائل الباب 8 من قواطع الصلاة. والمسؤول كما في الفروع ج 1 ص 101 والتهذيب
ج 1 ص 228 والوافي باب " الحدث ومقدماته والنوم في الصلاة " والوسائل هو أبو الحسن (ع).
101

قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه وهو
يستطيع أن يصبر عليه أيصلي على تلك الحال أو لا يصلي؟ فقال إن احتمل الصبر
ولم يخف اعجالا عن الصلاة فليصل وليصبر ".
وقد تقدمت هذه الرواية (1) وتقدمت روايات أخر في معناها، والتقريب
فيها أن الأمر بالصلاة والصبر الذي هو حقيقة في الوجوب ظاهر في تحريم القطع
في الصورة المذكورة مع ما عرفت (2) من الروايات الدالة على كراهة الصلاة مع
المدافعة وأنه بمنزلة من هو في ثيابه، وإذا ثبت في هذه الصورة ثبت في ما سواها
بطريق الأولى، ولو كان القطع جائزا في حد ذاته لما أمر باحتمال الأذى ولربما
تضرر به إلا أن يخاف سبق الحدث فإنه يجوز له القطع من حيث خوف خروجه.
ثم إنه قد ذكر الأصحاب من غير خلاف يعرف أنه يجوز قطع الصلاة
لأشياء وعبر عنها بعض بالضرورة كقبض الغريم وحفظ النفس المحرمة من
التلف والضرر وانقاذ الفريق وقتل الحية التي يخافها على نفسه واحراز المال
- وربما قيد بما يضر ضياعه - وخوف ضرر الحديث مع إمساكه، إلى غير ذلك.
والذي وقفت عليه من أخبار المسألة ما رواه الصدوق في الصحيح عن حريز
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت
غلاما لك قد أبق أو غريما لك عليه مال أو حية تتخوفها على نفسك فاقطع الصلاة
واتبع غلامك أو غريمك واقتل الحية " ورواه في الكافي عن حريز عن من أخبره
عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله (4).
وعن سماعة (5) قال: " سألته عن الرجل يكون قائما في الصلاة الفريضة فينسى
كيسه أو متاعا يتخوف ضيعته أو هلاكه؟ قال يقطع صلاته ويحرز متاعه ثم يستقبل
الصلاة. قلت فيكون في الصلاة الفريضة فتفلت عليه دابة أو تفلت دابته فيخاف أن تذهب

(1) ص 6 و 63
(2) ص 61
(3) الوسائل الباب 21 من قواطع الصلاة
(4) الوسائل الباب 21 من قواطع الصلاة
(5) الوسائل الباب 21 من قواطع الصلاة
102

أو يصيب منها عنتا؟ فقال لا بأس بأن يقطع صلاته ويتحرز وبعود إلى صلاته "
أقول: والحديث الأول وإن دل على قطع الصلاة إلا أنه غير صريح ولا
ظاهر في الإعادة من رأس بعد الاتيان بتلك الأشياء بل من الجائز بناؤه على ما مضى
إلا مع وقوع أحد المبطلات في البين من كلام عمدا أو استدبار أو نحو ذلك، وكذا آخر
الحديث الثاني وقوله فيه: " ويعود إلى صلاته " بل هو ظاهر في البناء على ما مضى
كما لا يخفى، وعلى هذا يجب حمل صدر الخبر الثاني وقوله فيه " ثم يستقبل الصلاة " على
ما إذا استلزم أحد المبطلات. وبالجملة فالخبر أن غير صريحين في ما ادعاه الأصحاب
من ابطال الصلاة بهذه الأشياء إلا أن يدعى أن القطع إنما يطلق على الابطال خاصة
ولهذا سموا مبطلات الصلاة قواطع في عباراتهم. وهو غير بعيد إذ هو المتبادر من
ظاهر هذا اللفظ.
وقسم الشهيدان القطع هاهنا إلى الأقسام الخمسة، فقال في الذكرى بعد حكمه
أو لا بتحريم القطع إلا في مواضع الضرورة: وقد يجب القطع كما في حفظ الصبي
والمال المحترم من التلف وانقاذ الغريق والمحترق، وحيث يتعين عليه فلو استمر
بطلت صلاته للنهي المفسد للعبادة، وقد لا يجب بل يباح كقتل الحية التي لا يغلب
على الظن أذاها واحراز المال الذي لا يضر فوته، وقد يستحب كالقطع لاستدراك
الأذان والإقامة وقراءة الجمعة والمنافقين في الظهر والجمعة والائتمام بإمام الأصل
وغيره، وقد يكره كاحراز المال اليسير الذي لا يبالي بفوته مع احتمال التحريم. انتهى
أقول: ما ذكراه (قدس سرهما) في صورة وجوب القطع من الحكم ببطلان
الصلاة لو تعين عليه واستمر في صلاته مبني على استلزام الأمر بالشئ النهي عن
ضده الخاص والظاهر منه في غير موضع من كتابه المذكور عدم القول بذلك،
وبالجملة فالحكم بالبطلان ضعيف بل غايته حصول الإثم.
وأما ما ذكراه في صورتي الإباحة والكراهة فمحل اشكال، لأن الدليل قد
دل على تحريم القطع كما قدمنا بيانه ولا يجوز الخروج عنه إلا بدليل ظاهر الدلالة
103

على الجواز، وظهور ما ادعوه من الخبرين المذكورين محل منع. وما ذكر من
التمثيل بالحية التي لا يغلب على الظن أذاها واحراز المال الذي لا يضر فوته لا دليل
عليه، والقطع للحية في الخبر الأول وقع مقيدا بخوفها على نفسه، وأما المال
فإن المفهوم من الروايتين كونه مما يعتد به ويضر بالحال فوته فيكون القطع في الموضعين
داخلا تحت القطع الواجب.
وقد وافقنا في هذا الموضع السيد السند (قدس سره) في المدارك إلا أنه
يرجع إلى موافقة الجماعة تعدم الدليل على تحريم القطع، ونحوه الفاضل الخراساني
(قدس سره) في الذخيرة، قال في المدارك بعد نقل التقسيم إلى الأقسام الخمسة عن
جده وعدها كما ذكره: ويمكن المناقشة في جواز القطع في بعض هذه الصور
لانتفاء الدليل عليه إلا أنه يمكن المصير إليه لما أشرنا إليه من انتفاء دليل
التحريم. انتهى. وفيه أنا قد أوضحنا بحمد الله دليل التحريم في المقام بما لا يتطرق
إليه نقض ولا ابرام.
ثم أنه قال في الذكرى: وإذا أراد القطع فالأجود التحلل بالتسليم. والظاهر
ضعفه إذا المتبادر من الخبر إنما هو بالنسبة إلى الصلاة التامة. والله العالم.
المطلب الثاني في السهو
وهو عبارة عن زوال الشئ عن القوة الذاكرة مع بقائه في القوة الحافظة
ولهذا أنه يحصل بالتذكر، والنسيان عبارة عن زواله عن القوتين معا ولهذا يحتاج
إلى المراجعة والتعلم ولا يحصل بمجرد التفكر والتذكر. وربما قيل بالمرادفة بينهما
والظاهر الأول. والشك هو تساوي الطرفين، وقد يطلق السهو في الأخبار وكلام
الأصحاب على الشك أيضا.
وكيف كان فالكلام في هذا المطلب يقع في مسائل: (الأولى) لا خلاف
بين الأصحاب في بطلان الصلاة بالاخلال بركن منها وإن كان سهوا، وقد تقدم بيان
104

ذلك في المقصد الأول (1) المشتمل على تعداد أفعال الصلاة وتفصيلها في فضول.
نعم وقع الخلاف هنا في موضعين: (الأول) أن من أخل بالركوع ناسيا حتى
سجد فهل تبطل صلاته أم لا؟ قولان، المشهور الأول وهو مذهب الشيخ المفيد
والمرتضى وسلار وابن إدريس وأبي الصلاح وابن البراج وهو المحكي عن ظاهر ابن أبي عقيل وهو مذهب جمهور المتأخرين.
وقال الشيخ في المبسوط في فصل الركوع: والركوع ركن من أركان الصلاة
متى تركه عامدا أو ناسيا بطلت صلاته إذا كان في الركعتين الأولتين من كل صلاة
وكذلك إذا كان في الثالثة من المغرب، وإن كان من الركعتين الأخيرتين من الرباعية
إن تركه متعمدا بطلت صلاته وإن تركه ناسيا وسجد سجدتين أو واحدة منهما أسقط
السجدة وقام فركع وتمم صلاته. انتهى. ونقل عنه ذلك أيضا في كتابي الأخبار
وقال في فصل السهو من كتاب المبسوط بعد أن قسم السهو على خمسة أقسام
وعد منها ما يوجب الإعادة، فقال في تعداد السهو الذي يوجب الإعادة: ومن ترك
الركوع حتى سجد، وفي أصحابنا من قال يسقط السجود ويعيد الركوع ثم يعيد السجود.
والأول أحوط لأن هذا الحكم مختص بالركعتين الأخيرتين. انتهى. ونحوه قال
في الجمل والاقتصاد على ما ذكره في المختلف.
وقال في النهاية: فإن تركه ناسيا ثم ذكر في حالة السجود وجب عليه الإعادة
فإن لم يذكر حتى صلى ركعة أخرى ودخل في الثالثة ثم ذكر أسقط الركعة الأولى
وبنى كأنه صلى ركعتين، وكذلك أن كان قد ترك الركوع في الثانية وذكر في الثالثة
أسقط الثانية وجعل الثالثة ثانية وتمم الصلاة.
وقال ابن الجنيد على ما نقله عنه في المختلف: ولو صحت له الأولى وسها في
الثانية سهوا لم يمكنه استدراكه كأن أيقن وهو ساجد أنه لم يركع فأراد البناء على
الركعة الأولى التي صحت له رجوت أن يجزئه ذلك ولو أعاد إذا كان في الأولتين وكان

(1) ج 8 ص 18 و 57 و 91 و 234 و 273
105

الوقت متسعا كان أحب إلى، وفي الثانيتين ذلك يجزئه.
ويقرب منه قول علي بن بابويه، فإنه قال: وإن نسيت الركوع بعد ما سجدت
من الركعة الأولى فأعد صلاتك لأنه إذا لم تثبت لك الأولى لم تثبت لك صلاتك
وإن كان الركوع من الركعة الثانية أو الثالثة فاحذف السجدتين واجعل الثالثة ثانية
والرابعة ثالثة. كذا نقله عنه في المختلف.
أقول: ما ذكره الشيخ في فصل السهو من المبسوط عن بعض الأصحاب -
من القول بالتلفيق مطلقا وإن كان في الأوليين - حكاه العلامة في المنتهى عن الشيخ أيضا
احتج القائلون بالقول المشهور من الابطال مطلقا بأن الناسي للركوع حتى
يسجد لم يأت بالمأمور به على وجهه فيبقى تحت عهدة التكليف إلى أن يتحقق الامتثال
وما رواه الشيخ في الصحيح عن رفاعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: " سألته عن رجل نسي أن يركع حتى يسجد ويقوم؟ قال يستقبل ".
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " إذا أيقن الرجل
أنه ترك ركعة من الصلاة وقد سجد سجدتين وترك الركوع استأنف الصلاة ".
وعن إسحاق بن عمار في الموثق (3) قال: " سألت أبا إبراهيم (عليه السلام)
عن الرجل ينسى أن يركع؟ قال يستقبل حتى يضع كل شئ من ذلك موضعه ".
وخبر أبي بصير (4) قال: " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل
نسي أن يركع؟ قال عليه الإعادة "
واعترض في المدارك على الدليل الأول فقال: ويتوجه على الأول أن الامتثال
يتحقق بالاتيان بالركوع ثم السجود فلا يتعين الاستئناف، نعم لو لم يذكر إلا بعد
السجدتين اتجه البطلان لزيادة الركن كما هو مدلول الروايتين الأوليين. والرواية
الثالثة ضعيفة السند فلا تنهض حجة في اثبات حكم مخالف للأصل. انتهى.
أقول: ظاهر كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذه المسألة من غير

(1) الوسائل الباب 10 من الركوع
(2) الوسائل الباب 10 من الركوع
(3) الوسائل الباب 10 من الركوع
(4) الوسائل الباب 10 من الركوع
106

خلاف يعرف أنه متى سها عن الركوع حتى دخل في السجود فإنه تبطل صلاته
وظاهر السيد (قدس سره) هنا المناقشة في هذا الحكم على عمومه ومنع البطلان في
صورة ما لو ذكر ترك الركوع في السجدة الأولى أو بعدها قبل الدخول في الثانية
وأنه يعمل بالتلفيق بغير استئناف، إذ غاية ما يلزم منه زيادة الواجب وهو عير
موجب للبطلان، وكأنه يجعله في حكم ما لو وقع سهوا. إلا أن ظاهر اطلاق
الأصحاب - كما أشرنا إليه أولا - إنما يتم بناء على الابطال بزيادة الواجب هنا، ويعضده
موثقة إسحاق بن عمار ورواية أبي بصير الثانية.
ومما يؤيد كلام السيد السند (قدس سره) أن المفهوم من كلامهم من غير
خلاف يعرف أنه لو سها عن واجب يمكن تداركه ثم تداركه فإنه يرتب عليه ما بعده
إن كان ثمة واجب أيضا كمن سها عن الحمد حتى قرأ السورة فإنه يجب عليه إعادة
الحمد ثم السورة بعدها، وهكذا ما كان نحو ذلك.
ويدل عليه ما في كتاب الفقه الرضوي حيث قال (عليه السلام) (1):
" وإن نسيت الحد حتى قرأت السورة ثم ذكرت قبل أن تركع فاقرأ الحمد واعد
السورة " وقال في موضع آخر (2) " وإن نسيت السجدة من الركعة الأولى ثم ذكرت
في الثانية من قبل أن تركع فأرسل نفسك واسجدها ثم قم إلى الثانية وأعد القراءة "
وهو صريح في ما دل عليه كلام السيد السند (قدس سره).
إلا أنه يمكن خروج هذه المسألة التي نحن فيها عن القاعدة المذكورة بما ذكرنا
من خبري إسحاق بن عمار وأبي بصير إذ لا معارض لهما في البين، ويمكن تقييدهما
بصحيحة رفاعة ورواية أبي بصير الأولى، ولعله أقرب لما عرفت من ظاهر اتفاقهم
على اغتفار زيادة الواجب في مثل ذلك. وكيف كان فالعمل بظاهر روايتي إسحاق
ابن عمار وأبي بصير الثانية طريق الاحتياط.
احتج الشيخ (قدس سره) على ما تقدم نقله عنه، أما على البطلان في الركعتين

(1) ص 9
(2) ص 10
107

الأوليين وثالثة المغرب فيما ذكرناه من الأخبار، وعلى اسقاط الزائد والاتيان
بالفائت في الركعتين الأخيرتين من الرباعية بما رواه في التهذيب عن محمد بن مسلم
عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) " في رجل شك بعد ما سجد أنه لم يركع؟ قال فإن
استيقن فليلق السجدتين اللتين لا ركعة لهما فيبني على صلاته على التمام، وإن كان لم
يستيقن إلا بعد ما فرغ وانصرف فليقم فليصل ركعة وسجدتين ولا شئ عليه ".
وفي الصحيح عن العيص بن القاسم (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها ثم ذكر أنه لم يركع؟ قال يقوم فيركع
ويسجد سجدتي السهو ".
أقول: قد روى في الفقيه رواية محمد بن مسلم بطريق صحيح ومتن أوضح مما
نقله الشيخ، روى عن العلاء عن محمد بن مسلم - وطريقه في المشيخة إلى العلاء صحيح -
عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) " في رجل شك بعد ما سجد أنه لم يركع؟ فقال يمضي
في صلاته حتى يستيقن أنه لم يركع فإن استيقن أنه لم يركع فليلق السجدتين اللتين لا ركوع
لهما ويبني على صلاته على التمام، فإن كان لم يستيقن إلا بعد ما فرغ وانصرف فليقم
وليصل ركعة وسجدتين ولا شئ عليه " والظاهر أن هذه الزيادة التي في هذه الرواية قد
سقطت من قلم الشيخ كما لا يخفى على من له أنس بطريقته في التهذيب وقد نبهنا على
ذلك في غير مقام مما تقدم.
وروى هذه الرواية أيضا ابن إدريس في مستطرقات السرائر من كتاب
الحسن بن محبوب عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (4) " في
رجل شك بعد ما سجد أنه لم يركع؟ قال يمضي على شكه حتى يستيقن ولا شئ عليه وإن
استيقن لم يعتد بالسجدتين اللتين لا ركعة معهما ويتم ما بقي عليه من صلاته ولا سهو عليه ".

(1) الوسائل الباب 11 من الركوع
(2) الوسائل الباب 11 من الركوع
(3) الفقيه ج 1 ص 228 وفي الوسائل الباب 12 و 11 من الركوع.
(4) الوسائل الباب 13 و 11 من الركوع
108

وأجاب المحقق في المعتبر عن رواية الشيخ بأن ظاهرها الاطلاق وهو متروك
وتخصيصها بالأخيرتين تحكم. وزاد في المدارك الطعن بضعف السند باشتماله على
الحكم بن مسكين وهو مجهول، وأورد على الرواية الثانية بأنها غير دالة على مطلوبه
وإنما تدل على وجوب الاتيان بالمنسي خاصة وهو لا يذهب إليه بل بوجب الاتيان
بما بعده. انتهى.
أقول. أما ما ذكره في المعتبر - من أن الرواية ظاهرها الاطلاق وهو متروك
- ففيه أن من جملة الأقوال في المسألة كما عرفت القول بالتلفيق مطلقا كما نقله في المبسوط
عن بعض الأصحاب ونقله العلامة في المنتهى عن الشيخ، وحينئذ فكيف يدعي أنه
متروك لا قائل به؟ وأما ما ذكره - من أن تخصيصها بالأخيرتين تحكم، ففيه أنه لا يخفى
أن الظاهر أن ما ذهب إليه الشيخ هنا إنما هو وجه جمع بين أخبار المسألة، وذلك لما
اشتهر عنه وعن شيخه المفيد كما سيأتي إن شاء الله تعالى من أن كل سهو يلحق
الأوليين في الأعداد والأفعال فهو موجب للإعادة، فجمع بين هذه الأخبار بحمل
اطلاقات الابطال على السهو في الأوليين وثالثة المغرب وما دل على التلفيق وصحة
الصلاة على الأخيرتين. وهو وجه وجيه في الجمع بين الأخبار بناء على صحة ما
ادعاه في تلك المسألة. نعم يبقى الكلام معه في ثبوت تلك المسألة وهو أمر خارج
عن ما نحن فيه. وبذلك يظهر أن طعنه على الشيخ في ما ذكره بأنه تحكم غير جيد.
وأما ما ذكره في المدارك من الطعن في السند فقد عرفت ما فيه في غير موضع
وأنه على مذهب الشيخ وجملة المتقدمين غير متجه ولا معتمد.
بقي الكلام في الجمع بين روايات المسألة، والشيخ قد جمع بينها بما عرفت وقد
أوضحنا أن جمعه جيد بناء على ثبوت ما ادعاه في تلك المسألة، وبه يندفع اعتراض
المتأخرين عليه كما سمعت من كلام صاحب المعتبر،
وقال في المدارك بعد ذكر صحيحة محمد بن مسلم برواية الصدوق: ومقتضى
الرواية وجوب الاتيان بالركوع واسقاط السجدتين مطلقا كما هو أحد الأقوال في
109

المسألة، ويمكن الجمع بينها وبين ما تضمن الاستئناف بذلك التخيير بن الأمرين
وأفضلية الاستئناف.
وقال شيخنا المجلسي (قدس سره) في البحار: وأما الصحيحة الأولى - وأشار
بها إلى صحيحة محمد بن مسلم برواية الفقيه - فلا يمكن العمل بها، وترك سائر الأخبار الكثيرة
الدالة على بطلان الصلاة بترك الركوع، إذ لا يتصور له حينئذ فرد يوجب البطلان
لأنها تتضمن أنه لو لم يذكر ولم يأت به إلى آخر الصلاة أيضا لا يوجب البطلان
فلا بد إما من طرحها أو حملها على الجواز وغيرها على الاستحباب، فالعمل بالمشهور
أولى على كل حال. ويمكن حمله على النافلة لورود مثله فيها أو على التقية (1) والشيخ
حمله على الأخيرتين، وكذا قال بالتفصيل مع عدم اشعار في الخبر به. انتهى. وهو
جيد إلا أن ما اعترض به على الشيخ قد عرفت جوابه وأن جمع الشيخ جيد إن
ثبت ما ذكره في تلك المسألة.
وأما استدلال الشيخ بصحيحة العيص المتقدمة فقد أور عليه بأنها غير دالة
على مطلوبه وإنما تدل على وجوب الاتيان بالمنسي خاصة وهو لا يذهب إليه بل
يوجب الاتيان بما يعده. وهو جيد.
وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال والاحتياط فيها مطلوب
على كل حال.
وأما ما ذكره الشيخ عن ابن بابويه مما قدمنا نقله عنه فقد اعترضه من تأخر
عنه بعدم وجود السند في ذلك.
أقول: لا يخفى أن عبارته المتقدمة مأخوذة من عبارة كتاب الفقه الرضوي
على النهج الذي قدمنا ذكره في غير مقام ومنه يعلم أن مستنده إنما هو الكتاب
المذكور وكلامه (عليه السلام).
قال في الكتاب المشار إليه (2): وإن نسيت الركوع بعد ما سجدت من الركعة

(1) البحر الرائق ج 2 ص 98 والمغني ج 2 ص 27
(2) ص 9
110

الأولى فأعد صلاتك لأنه إذا لم تصح لك الركعة الأولى لم تصح صلاتك، وإن كان
الركوع من الركعة الثانية أو الثالثة فاحذف السجدتين واجعلها أعني الثانية الأولى
والثالثة ثانية والرابعة ثالثة. انتهى.
ولا يخفى ما فيه من الغرابة، فإن المستفاد من النصوص والفتاوى أن ما ذكره
من وجوب المحافظة على الأولى لتصح صلاته ثابت الركعتين الأوليين لا لخصوص
الأولى وأن الثانية كالثالثة والرابعة، وقد صرحت النصوص بأن العلة في كون
السهو في الأخيرتين دون الأوليين للفرق بين ما فرضه الله وبين ما فرضه رسوله
(صلى الله عليه وآله) ولعل تخصيصه (عليه السلام) هذا الحكم بالأولى بناء على
مزيد التأكيد في المحافظة عليها لما يظهر بعض الأخبار وقد تقدم في صدر هذا
الكتاب (1) وهو أن الله عز وجل إنما فرض الصلاة ركعتين لعله بعدم المحافظة
على الركعة الأولى والاقبال عليها فوسع لهم بزيادة الثانية. وصورته ما رواه الصدوق
في العيون والعلل في علل الفضل بن شاذان المروية عن الرضا (عليه السلام) قال:
" إنما جعل أصل الصلاة ركعتين وزيد على بعضها ركعة وعلى بعضها ركعتان ولم يزد
على بعضها شئ لأن أصل الصلاة إنما هي ركعة واحدة لأن أصل العدد واحد فإذا نقصت
عن واحدة فليست هي صلاة، فعلم الله تعالى أن العباد لا يؤدون تلك الركعة الواحدة
التي لا صلاة أقل منها بكمالها وتمامها والاقبال عليها فقرن إليها ركعة أخرى ليتم بالثانية
ما نقص من الأولى ففرض الله أصل الصلاة ركعتين، فعلم رسول الله (صلى الله عليه
وآله) أن العباد لا يؤدون هاتين الركعتين بتمام ما أمروا به وكماله فضم إلى الظهر والعصر
والعشاء الآخرة ركعتين ركعتين ليكون بهما تمام الركعتين الأوليين... الحديث ".
الموضع الثاني - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن من نسي
سجدتين إلى أن ركع بعدهما بطلت صلاته وأنه لا فرق في ذلك بين الركعتين الأوليين
والأخيرتين، وهو قول الشيخ المفيد والشيخ في النهاية وأبي الصلاح وابن إدريس

(1) ج 6 ص 11 وفي الوسائل الباب 13 من أعداد الفرائض
111

وإليه ذهب جمهور المتأخرين وهو المختار. وقال الشيخ في الحمل والاقتصاد إن
السجدتين إذا كانتا من الأخيرتين بنى على الركوع الأول وأعاد السجدتين. ووافق المشهور
في موضع من المبسوط، وقال في موضع آخر منه: من ترك سجدتين من ركعة من
الركعتين الأوليين حتى يركع في ما بعدهما أعاد على المذهب الأول وعلى الثاني يجعل
السجدتين في الثانية للأولة وبنى على صلاته. وأشار بالمذهب الأول إلى ما ذكره
في الركوع من أنه إذا ترك الركوع حتى سجد أعاد.
حجة القول المشهور أنه قد أخل بالركن حتى دخل في ركن آخر فإن أوجبنا
عليه الاتيان بالأول ثم الركوع بعده واتمام الصلاة لزم زيادة ركن وإن أوجبنا عليه
المضي في صلاته والحال هذه لزم نقصان ركن، وكلاهما مبطل.
ويؤيده قوله (عليه السلام) (1): " لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور
والوقت والقبلة والركوع والسجود ".
وقوله في رواية محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (2) قال: " إن
الله عز وجل فرض الركوع والسجود، والقراءة سنة، فمن ترك القراءة متعمدا أعاد
الصلاة ومن نسي القراءة فقد تمت صلاته ولا شئ عليه ".
وموثقة منصور بن حازم (3) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
إني صليت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلها؟ فقال أليس قد أتممت الركوع
والسجود؟ قلت بلى. قال فقد تمت صلاتك إذا كان نسيانا ".
ومفهوم الأول أن نسيان الركوع والسجود يوجب الإعادة بقرينة المقابلة
ومفهوم الثاني أنه بعدم اتمام السجود لا تتم الصلاة.
هذا. وأما القول الآخر فلم نقف له على دليل وبذلك اعترف جملة من المتأخرين
ومتأخريهم، وغاية ما تكلفه في المختلف للاستدلال على ذلك هو أن السجدتين

(1) الوسائل الباب 29 من القراءة
(2) الوسائل الباب 27 من القراءة
(3) الوسائل الباب 29 من القراءة
112

مساويتان للركوع في جميع الأحكام وقد ثبت جواز التلفيق فيه. وضعفه أظهر
من أن يحتاج إلى بيان وهل هو إلا قياس محض؟ والله العالم.
المسألة الثانية - لا ظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
في بطلان الصلاة بتعمد زيادة ركعة فيها إنما الخلاف في صورة السهو، فالمشهور أنه
كذلك من غير فرق بين الرباعية وغيرها ولا بين أن يجلس عقيب الرابعة بقدر
التشهد أم لا، أما إذا لم يجلس دبر الرابعة بقدر التشهد فالقول بالبطلان أيضا موضع
اتفاق على ما حاكاه جمع: منهم - الفاضلان والشهيد وغيرهم، أما لو جلس القدر
المذكور فقد أطلق الأكثر - ومنهم الشيخ في جملة من كتبه والسيد المرتضى وابن
بابويه وغيرهم - البطلان أيضا.
وقال في المبسوط: من زاد ركعة في صلاته أعاد وفي أصحابنا من قال إن كانت
الصلاة رباعية وجلس في الرابعة مقدار التشهد فلا إعادة عليه. والأول هو الصحيح
لأن هذا قول من يقول إن الذكر في التشهد ليس بواجب. انتهى. ونحوه كلامه
في الخلاف أيضا. وهذا القول الذي نقله الشيخ عن بعض أصحابنا أسنده في المختلف
إلى ابن الجنيد وإليه ذهب المحقق في المعتبر والعلامة في التحرير والمختلف وجعله
المحقق أحد قولي الشيخ ونسبه في المنتهى إلى الشيخ في التهذيب، وفيه تأمل كما سيأتي
وقال ابن إدريس في السرائر: من صلى الظهر أربع ركعات وجلس في دبر
الرابعة فتشهد الشهادتين وصلى على النبي وآله (صلى الله عليه وآله) ثم قام ساهيا عن
التسليم وصلى ركعة خامسة، فعلى مذهب من أوجب التسليم فالصلاة باطلة، وعلى
مذهب من لم يوجبه فالأولى أن يقال إن الصلاة صحيحة لأنه ما زاد في صلاته ركعة لأنه
بقيامه خرج من صلاته. وإلى هذا القول ذهب شيخنا أبو جعفر في استبصاره
ونعم ما قال. انتهى كلامه.
واستدل على القول المشهور بما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة وبكير ابني
أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " إذا استيقن أنه زاد في صلاته

(1) الوسائل الباب 19 من الخلل في الصلاة. والشيخ يرويها عن الكليني
113

المكتوبة لم يعتد بها واستقبل صلاته استقبالا... ".
وعن أبي بصير (1) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) من زاد في
صلاته فعليه الإعادة ".
أقول: ونحوهما ما رواه الشيخ في التهذيب عن زيد الشحام (2) قال: " سألته
عن الرجل صلى العصر ست ركعات أو خمس ركعات؟ قال إن استيقن أنه صلى خمسا
أو ستا فليعد... الحديث ".
احتج المحقق في المعتبر على ما ذهب إليه بأن نسيان التشهد غير مبطل فإذا
جلس قدر التشهد فقد فصل بين الفرض والزيادة.
وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (3)
قال: " سألته عن رجل صلى خمسا؟ فقال إن كان جلس في الرابعة قدر التشهد
فقد تمت صلاته ".
وعن محمد بن مسلم (4) قال: " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل
استيقن بعد ما صلى الظهر أنه صلى خمسا؟ قال وكيف استيقن؟ قلت علم. قال إن
كان علم أنه جلس في الرابعة فصلاة الظهر تامة وليقم فليضف إلى الركعة الخامسة
ركعة وسجدتين فتكونان ركعتين نافلة ولا شئ عليه ".
أقول: ويدل عليه أيضا ما رواه الصدوق في الصحيح عن جميل بن دراج
عن الصادق (عليه السلام) (5) " أنه قال في رجل صلى خمسا إنه إن كان جلس في
الرابعة مقدار التشهد فعبادته جائزة ".
وعن العلاء عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6)
قال: " سألته عن رجل صلى الظهر خمسا؟ فقال إن كان لا يدري جلس في الرابعة
أم لم يجلس فليجعل أربع ركعات منها الظهر ويجلس ويتشهد ثم يصلي وهو جالس
ركعتين وأربع سجدات فيضيفهما إلى الخامسة فتكون نافلة ".

(1) الوسائل الباب 19 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 19 من الخلل في الصلاة
(3) الوسائل الباب 19 من الخلل في الصلاة
(4) الوسائل الباب 19 من الخلل في الصلاة
(5) الوسائل الباب 19 من الخلل في الصلاة
(6) الوسائل الباب 19 من الخلل في الصلاة
114

ولا يخفى ما في مضمون هذا الخبر من المخالفة لما عليه الأصحاب (أما أولا) فإن
ظاهر الرواية أن الشك في الجلوس وعدمه حكمه حكم الجلوس المحقق في صحة
الصلاة على القول به، ولا قائل به في ما أعلم إلا أنه ربما كان في ايراد الصدوق هذه
الرواية اشعار بالقول بذلك بناء على قاعدته التي مهدها في صدر كتابه، وفيه تأمل كما
لا يخفى على من راجع كتابه وعلم خروجه عن هذه القاعدة في مواضع عديدة.
و (أما ثانيا) - فإنه إذا جعل أربع ركعات من هذه الخمس الظهر فهذا التشهد
المذكور في الخبر إما أن يكون للفريضة أو النافلة، فإن كان للفريضة فهو لا يكون إلا
على جهة القضاء لوقوعه بعد الركعة الزائدة، مع أن التشهد الأول مشكوك فيه
والتشهد المشكوك فيه لا يقضى بعد تجاوز محله لأنه في الخبر أنه لا يدري جلس بعد
الرابعة أم لا فهو إما شك في التشهد أو في ما قام مقامه وهو الجلوس قدر التشهد،
وإن كان للنافلة فالأنسب ذكره بعد الركعتين من جلوس، واحتمال كونه تشهدا لهذه
الركعة الزائدة التي جعلها نفلا على قياس صلاة الاحتياط إذا كانت ركعة من قيام
لا يخلو من الاشكال.
ثم إنه قد أورد على الحجة الأولى بأن تحقق الفصل بالجلوس لا يتقضى عدم
وقوع الزيادة في أثناء الصلاة. وعلى الروايات بأن الظاهر أن المراد فيها من الجلوس
بقدر التشهد التشهد بالفعل لشيوع هذا الاطلاق وندور تحقق جلوس بقدر التشهد
من دون الاتيان به. كذا ذكره في المدارك قال: " وبذلك صرح الشيخ في الإستبصار
فقال - بعد ذكر خبري زرارة ومحمد بن مسلم الأول - إن هذين الخبرين لا ينافيان
الخبرين الأولين يعني روايتي أبي بصير وابني أعين، لأن من جلس في الرابعة وتشهد
ثم قام وصلى ركعة لم يخل بركن من أركان الصلاة وإنما أخل بالتسليم والاخلال بالتسليم
لا يوجب إعادة الصلاة حسبما قدمناه. وقريب منه في التهذيب أيضا. واستحسن
هذا الحمل في الذكرى، قال: ويكون في هذه الأخبار دلالة على ندب التسليم.
أقول: ومما يدل على ما ذكروه من إرادة التجوز في الأخبار المذكورة بحمل
115

الجلوس بقدر التشهد على وقوع التشهد بالفعل صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج
البجلي (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يدرك الركعة الثانية
من الصلاة مع الإمام وهي له الأولى كيف يصنع إذا جلس الإمام؟ قال يتجافى ولا
يتمكن من القعود فإذا كانت الثالثة للإمام وهي له الثانية فليلبث قليلا إذا قام الإمام
بقدر ما يتشهد ثم يلحق بالإمام... الحديث " فإنه لا اشكال في أن المراد من هذه
العبارة أن اللبث وقع للتشهد بالفعل لا بقدره. وهذه الرواية هي مستند الأصحاب
في ايجاب التشهد على المسبوق. ونحو ذلك أيضا ما في موثقة سماعة الواردة في من
كان في الصلاة منفردا ثم دخل الإمام المسجد (2) حيث قال (عليه السلام) فيها:
" وإن لم يكن إمام عدل فليبن علي صلاته كما هو ويصلي ركعة أخرى معه ويجلس
قدر ما يقول " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله صلى الله عليه وآله " ثم ليتم صلاته معه على ما استطاع... الحديث ".
وأجاب جملة من الأصحاب: منهم - الشيخ في الخلاف عن الأخبار المذكورة
بحملها على التقية لموافقتها لمذهب كثير من العامة مثل أبي حنيفة وغيره (3) قال
الشيخ في الخلاف في المقام: وإنما يعتبر الجلوس بمقدار التشهد أبو حنيفة بناء على أن الذكر في التشهد ليس بواجب عنده.
أقول: ومن رواياتهم في المسألة ما رواه مسلم في صحيحه (4) عن عبد الله
ابن مسعود " أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلى الظهر خمسا فلما سلم قيل له
أزيد في الصلاة؟ فقال وما ذاك؟ قالوا صليت خمسا. فسجد سجدتين ".
وقال في شرح السنة على ما نقله في البحار: أكثر أهل العلم على أنه إذا صلى
خمسا ساهيا فصلاته صحيحة يسجد للسهو وهو قول علقمة والحسن البصري وعطاء

(1) الوسائل الباب 47 من الجماعة
(2) الوسائل الباب 56 من الجماعة. ارجع إلى استدراكات ج 8 (33)
(3) بدائع الصنائع ج 1 ص 178
(4) ج 2 باب السهو في الصلاة
116

والنخعي وبه قال الزهري ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق، وقال سفيان
الثوري إن لم يكن قعد في الرابعة يعيد الصلاة. وقال أبو حنيفة إن لم يكن قعد في
الرابعة فصلاته فاسدة يجب إعادتها وإن قعد في الرابعة ثم ظهره والخامسة تطوع
يضيف إليها ركعة أخرى ثم يتشهد ويسلم ويسجد للسهو (1) انتهى.
ولا ريب أن الأخبار الدالة على البطلان أبعد من مذاهب العامة في هذه
المسألة والأخبار الأخيرة موافقة لقول أبي جنيفة.
وبالجملة فإنه لا مناص من أحد الحملين المذكورين وظني أن الأول أقرب لما
عرفت من شيوع هذا المجاز في الأخبار، وبذلك يظهر لك اجتماع الأخبار على
وجه لا يعتريه الانكار، وبذلك يظهر صحة القول المشهور وأنه المؤيد المنصور
سيما مع أوفقيته بالاحتياط.
نعم يبقى الكلام هنا في مواضع: (الأول) - قد روى الشيخ في الضعيف
عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليهم السلام) (2) قال: " صلى بنا رسول الله
(صلى الله عليه وآله) الظهر خمس ركعات ثم إنفتل فقال له بعض القوم يا رسول الله
(صلى الله عليه وآله) هل زيد في الصلاة شئ؟ قال وما ذاك؟ قال صليت بنا
خمس ركعات. قال فاستقبل القبلة وكبر وهو جالس ثم سجد سجدتين ليس فيهما قراءة
ولا ركوع ثم سلم وكان يقول هما المرغمتان " وهو ضعيف لا يعول عليه وشاذ نادر
من جهات عديدة فلا يلتفت إليه، وحمل على أنه (صلى الله عليه وآله) تشهد ثم
قام إلى الخامسة. والأظهر عندي حمله على التقية فإن مذهب العامة صحة الصلاة مع
زيادة الخامسة سهوا جلس بعد الرابعة أو لم يجلس (3) وقد تقدمت روايتهم ذلك عنه
(صلى الله عليه وآله) ومن رواياتهم في ذلك أيضا ما رووه عن ابن مسعود (4)

(1) شرح صحيح مسلم للنووي على هامش ارشاد الساري ج 3 ص 235
(2) الوسائل الباب 19 من الخلل في الصلاة
(3) شرح صحيح مسلم للنووي على هامش ارشاد الساري ج 3 ص 235
(4) صحيح مسلم ج 2 باب السهو في الصلاة
117

" أن النبي (صلى الله عليه وآله) صلى بنا خمسا فلما أخبرناه انفتل فسجد سجدتين ثم
سلم وقال إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون " نقله شيخنا الشهيد في الذكرى ثم قال
بعده: وهذا الحديث لم يثبت عندنا مع منافاته للقواعد العقلية. انتهى.
(الثاني) - لو ذكر الزيادة بعد السجود والحال أنه قد جلس بعد الرابعة
قدر التشهد أو تشهد بالفعل على القولين المتقدمين فالأولى أن يضيف إلى الخامسة
ركعة لتكون معها نافلة كما تضمنه خبر محمد بن مسلم المتقدم، ونحوه صحيحته المتقدمة
أيضا وإن كان متنا لا يخلو من قصور كما عرفت. ونقل عن العلامة أنه احتمل
التسليم وسجود السهو. وصرح في الروض بأنه يتشهد ويسجد للسهو، وهو راجع
إلى كلام العلامة أيضا، والنصوص كما ترى خالية من ذلك.
(الثالث) - لو ذكر الزيادة قبل الركوع فلا إشكال في الصحة لأنه لم يزد
إلا القيام وغاية ما يوجبه سجود السهو، ولو ذكر بعد الركوع وقبل السجود فنقل
عن العلامة القول وبالابطال، قال: لأنا إن أمرناه بالسجود زاد ركنا آخر في
الصلاة وإن لم نأمره زاد ركنا غير متعهد به بخلاف الركعة الواحدة لامكان البناء
عليها نفلا. وقيل بأن حكمه حكم ما لو ذكر بعد السجود فيبني صحة الصلاة على
الجلوس بعد الرابعة بقدر التشهد أو التشهد بالفعل على القولين المتقدمين والبطلان
مع عدم ذلك وهو اختيار الشهيد في الذكرى.
(الرابع) - هل ينسحب الحكم إلى زيادة أكثر من ركعة وإلى غير الرباعية
من الثلاثية والثنائية إذا جلس آخرها بقدر التشهد على أحد القولين؟ قال في
الروض: وجهان من المساواة في العلة ومخالفة المنصوص الثابت على خلاف الأصل.
واختار في الذكرى التعدية فيهما. وأطلق جماعة من الأصحاب البطلان بالزيادة
مطلقا لعموم قول الباقر (عليه السلام) (1) " إذا استيقن أنه زاد في صلاته
المكتوبة لم يعتد بها واستقبل صلاته ".

(1) في حسنة زرارة وبكير الواردة ص 113 وفي الوسائل الباب 19 من الخلل في الصلاة
118

أقول: الظاهر أنه لا إشكال على ما اخترناه من وقوع التشهد بالفعل في
آخر الفريضة بناء على القول باستحباب التسليم أو كونه واجبا خارجا، فإن هذه
الزيادة بناء على القولين المذكورين قد وقعت خارجة من الصلاة، وأما على القول
بوجوب التسليم ودخوله فإنه لا إشكال في بطلان الصلاة لكن هذه الأخبار
باعتبار حملها على وقوع التشهد بالفعل كما كشفنا عنه نقاب الاجمال تدفع هدا القول
وترده، وإنما الاشكال في ما لو قلنا بالاكتفاء بمجرد الجلوس قدر التشهد بناء
على الأخذ بظاهر الأخبار المتقدمة، فإنها حيث كانت واردة على خلاف القواعد
الشرعية والضوابط المرعية فالواجب قصرها على مورد المخالفة وهو الركعة الواحدة
في الصلاة الرباعية والعمل بالقواعد المذكورة في ما عدا ذلك. والله العالم.
المسألة الثالثة - ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف
بطلان الصلاة بزيادة ركن عمدا أو سهوا إلا ما استثنى مما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
واحتجوا على ذلك (أولا) - باشتراك الزيادة والنقيصة في تغيير هيئة
الصلاة. و (ثانيا) - بما قدمناه (1) في سابق هذا المسألة من حسنة زرارة وبكير
المشتملة على أن من استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها واستقبل الصلاة،
ورواية أبي بصير الدالة على أن من زاد في صلاته فعليه الإعادة.
وأنت خبير بأن التعليل الأول عليل لا يبرد الغليل، وأما الخبران المذكوران
فظاهرهما حصول البطلان بكل زيادة ركنا كان أو غيره عمدا أو سهوا، ولا قائل
به مع دلالة الأخبار على خلافه. وحملهما على الركن بخصوصه - مع خروج جملة
من الأفراد ومشاركة جملة من الواجبات المزادة عمدا - تخصيص بغير مخصص، على أن ما ذكروه من التسمية لهذه الواجبات المخصوصة بكونها أركانا ثم تفريع ما
ذكروه من الأحكام على هذه التسمية يخدشه أن هذا الاسم لا وجود له في الأخبار
وإنما ذلك اصطلاح منهم (رضوان الله عليهم) وإلا فبالنظر إلى الأخبار بعين

(1) ص 113 و 118
119

التحقيق والتأمل بالفهم الصائب الدقيق لا تجد فرقا بين سائر الواجبات وبين هذه
الواجبات التي سموها أركانا في أن زيادتها أو نقصانها في بعض المواضع قد يكون
موجبا لبطلان الصلاة وقد لا يكون، وحينئذ فالواجب الرجوع في كل جزئي جزئي
وفرد فرد من الأحكام إلى النصوص وما دلت عليه من صحة أو ابطال في ركن
كان أو واجب، ولا وجه لهذه الكلية التي زعموها قاعدة ثم استثنوا منها ما ستعرفه
ولقائل أن يجري مثل ذلك في مطلق الواجب أيضا ويجعل ما دلت النصوص على
صحة الصلاة مع زيادته أو نقصانه عمدا أو سهوا مستثنى.
وبالحملة ما ذكروه من هذه القاعدة فإني لا أعرف له وجها وجيها لما عرفت
مضافا إلى اختلافهم في بعض تلك الأركان كما سلف في الفصول المتقدمة كاختلافهم
في الركن القيامي والركن السجودي.
ثم إن الأصحاب (رضوان الله عليهم) بناء على ما ذكروه من هذه القاعدة
استثنوا من ذلك مواضع أشار إليها شيخنا الشهيد الثاني في الروض:
فمن المستثنى من قاعدة البطلان بزيادة الركن عمدا النية فإن زيادتها غير مبطلة
مع عدم التلفظ بها لأن الاستدامة الفعلية أقوى من الحكمية.
ومما يستثنى أيضا من بطلان الصلاة بالسهو عن الركن مواضع: (الأول) النية
أيضا فإن زيادتها سهوا غير مبطلة بطريق أولى.
أقول: وعد النية في هذين الموضعين بناء على النية المتعارفة في كلامهم التي
هي عبارة عن التصوير الفكري والكلام النفسي، وأما على ما قدمنا تحقيقه فلا
معنى لهذا الكلام.
(الثاني) - القيام إن قلنا إنه ركن كيف اتفق كما هو أحد الأقوال في المسألة
وهو اختيار العلامة ولذا صرح بالاستثناء كما تقدم ذلك في فصل القيام، وأما على
مذهب من يجعله قياما خاصا كالقيام المقارن للركوع مثلا فلا استثناء.
(الثالث) - الركوع كما سيأتي إن شاء الله تعالى في باب صلاة الجماعة الحكم
120

بوجوب إعادة المأموم له لو سبق به الإمام ساهيا فإنه يعيده مع الإمام، ونحوه
ما تقدم في ما لو استدركه الشاك فيه ثم تبين له حال ركوعه أنه قد أتى به فإنه يرسل
نفسه إلى السجود على أحد القولين ولا يضره ما أتى به.
(الرابع) - السجود إذا زاد سجدة وجعلنا الركن عبارة عن ماهية
السجود كما هو اختياره في الذكرى، وإن جعلنا الركن مجموع السجدتين كان عدم البطلان
بنسيان الواجدة موجبا للاستثناء من قاعدة البطلان ينقصان الركن بناء على أن المجموع
يفوت بفوات بعض أجزائه.
(الخامس) - لو تبين للمحتاط أن صلاته كانت ناقصة وأن الاحتياط
متمم لها فإنه يجزئه وإن كان الذكر بعد الفراغ أو قبله على قول كما سيأتي إن شاء
الله تعالى في موضع تحقيق المسألة، ويكون ما أتى به من الأركان من النية وتكبيرة
الاحرام مغتفرا. وربما نوقش في ذلك بأن جعله من هذا الباب إنما يستقيم
إذا لم يجعل الاحتياط صلاة برأسها وهو موضع تأمل، وسيأتي تحقيق الحال في
ذلك أن شاء الله تعالى.
(السادس) - لو زاد ركعة سهوا آخر الفريضة وقد جلس آخرها بقدر
التشهد فإن صلاته صحيحة على أحد القولين وإن اشتملت على الأركان، وقد مضى
تحقيق المسألة.
(السابع) - لو أتم المسافر جاهلا بوجوب القصر اتفاقا أو ناسيا ولم يذكر
حتى خرج الوقت على أصح القولين فإن صلاته صحيحة والزيادة مغتفرة بالنصوص.
(الثامن) - لو كان في الكسوف وتضيق وقت الحاضرة قطعها وأتى
بالحاضرة ثم بنى في صلاة الكسوف على موضع القطع على أصح القولين في المسألة.
وفي جعل هذه الصورة من قبيل محل البحث تأمل وإن كان قد عدها في الروض في
هذا المقام، فإن محل البحث هو زيادة ركن أو نقصانه من الصلاة وهنا ليس كذلك
فإن صلاة الكسوف المقطوعة أجنبية عن الصلاة اليومية والاتيان بالصلاة اليومية
121

في أثنائها لا يعد من قبيل زيادة الركنان في صلاة الخسوف ولا مناسبة له بذلك كما لا يخفى
(التاسع) - لو سلم على نقص من صلاته ساهيا أو ظن أنه سلم ثم شرع في
فريضة أخرى ولما يأت بينهما بالمنافي، فإن المروي عن صاحب الزمان (عجل الله
فرجه) اتمام الصلاة الأولى بما شرع فيه من الصلاة الثانية واغتفار ما زيد من
تكبيرة الاحرام:
روى الطبرسي في الاحتجاج (1) في ما كتبه عبد الله بن جعفر الحميري إليه
(عليه السلام) " يسأله عن رجل صلى الظهر ودخل في صلاة العصر فلما أن صلى
من صلاته العصر ركعتين استيقن أنه صلى الظهر ركعتين كيف يصنع؟ فأجاب (عليه
السلام) إن كان أحدث بين الصلاتين حادثة يقطع بها الصلاة أعاد الصلاتين،
وإن لم يكن أحدث حادثة جعل الركعتين الأخيرتين تتمة لصلاة الظهر وصلى العصر
بعد ذلك " والظاهر أن المراد بالحادثة ما يقطع الصلاة عمدا وسهوا كالحديث والاستدبار
لا ما يقطعها عمدا كالكلام فإنه في حكم الناسي.
وظاهر الأخبار وفتاوى الأصحاب في هذه الصورة هو العدول عن العصر إلى
صلاة الظهر وأنه ينوي بما مضى من الصلاة الظهر ويتم الصلاة ظهرا فلا زيادة على
هذا التقدير، وأما على تقدير ظاهر الخبر فإنه يلزم زيادة الركعتين الأوليين بجميع
ما اشتملتا عليه من الأركان. وإلى العمل بمضمون الرواية مال جمع من الأصحاب
(رضوان الله عليهم). وقيل إنه تبطل الثانية ويعود إلى الأولى فيتمها. وقيل تبطل
الأولى وتصح الثانية.
قال العلامة في النهاية ولو نقص من عدد صلاته ناسيا وسلم ثم ذكر تدارك اكمال
صلاته وسجد السهو سواء فعل ما يبطلها عمدا كالكلام أولا، أما لو فعل المبطل عمدا
وسهوا كالحدث والاستدبار إن ألحقناه به فإنها تبطل، لعدم إمكان الاتيان بالفائت

(1) الوسائل الباب 12 من الخلل في الصلاة
122

من غير خلل في هيئة الصلاة، ولقول أحدهما (عليهما السلام) (1) " إذا حول وجه
عن القبلة استقبل الصلاة استقبالا " ولو فعل المبطل عمدا ساهيا وتطاول الفصل
فالأقرب عدم البطلان، ويحتمل لخروجه عن كونه مصليا فحينئذ يرجع في حد التطاول
إلى العرف. ولو ذكر بعد أن شرع في أخرى وتطاول الفصل صحت صلاته الثانية
وبطلت الأولى وإن لم يطل عاد إلى الأولى وأتمها، وهل يبني الثانية على الأولى؟
فيه احتمال فيجعل ما فعله من الثانية تمام الأولى ويكون وجود التسليم كعدمه لأنه
سهو معذور فيه والنية والتكبيرة ليستا ركنا في تلك الصلاة فلا تبطلها، ويحتمل بطلان
الثانية لأنها لم تقع بنية الأولى فلا تصير بعد عدمه منها. ولو كان ما شرع فيه ثانيا
نفلا فالأقرب عدم البناء لأنه لا يتأدى الفرض بنية النفل. انتهى.
وقال شيخنا الشهيد في قواعده: لو ظن أنه سلم فتوى فريضة أخرى ثم ذكر
نقص الأولى فالمروي عن صاحب الأمر (عجل الله فرجه) الاجزاء عن الفريضة
الأولى، والسر فيه أن صحة التحريم بالثانية موقوف على التسليم من الأولى في
موضعه أو الخروج منها ولم يحصلا فجرت التحريمة مجرى الأذكار المطلقة التي لا تخل
بصحة الصلاة، ونية الوجوب في الثانية لغو لعدم مصادفته محلا. وحينئذ هل
تجب نية العدول إلى الأولى، الأقرب عدمه لعدم انعقاد الثانية فهو بعد في الأولى،
نعم يجب القصد إلى أنه في الأولى من حين الذكر. انتهى.
وقال شيخنا الشهيد الثاني في الروض في عداد ما يستثنى من القاعدة المتقدمة:
السادس - لو سلم على بعض من صلاته ثم شرع في فريضة أو ظن أنه سلم
فشرع في فريضة أخرى ولما يأت بينهما بالمنافي فإن المروي عن صاحب الأمر (عليه
السلام) الاجزاء عن الفريضة الأولى واغتفار ما زيد من تكبيرة الاحرام، وهل

(1) في صحيحة محمد بن مسلم الواردة في الوسائل في الباب 6 من الخلل في الصلاة، وقد
تقدمت ص 29 رقم (9) وخرجناها من الوافي والتهذيب ولم نخرجها من الوسائل حيث لم
نعثر عليها في الأبواب المناسبة لها بالعنوان العام.
123

يفتقر إلى العدول إلى الأولى؟ يحتمله لأنه في غيرها وإن كان سهوا كما لو صلى العصر
ظانا أنه صلى الظهر ثم تبين العدم في الأثناء، وعدمه وهو الأصح لعدم انعقاد الثانية
لأن صحة التحريم بالثانية موقوف على التسليم من الأولى في موضعه أو الخروج
بغيره ولم يحصلا. نعم ينبغي ملاحظة كونه في الأولى من حين الذكر بناء على
تفسير الاستدامة الحكمية بأمر وجودي، وعلى التفسير الأصح يكفي في الأفعال
الباقية عدم ايقاعها بنية الثانية. انتهى.
أقول: ظاهر كلام الشيخين الشهيدين (عطر الله مرقديهما) القول بمضمون
الخبر لما وجهناه به، ولا يخفى أن مورد الخبر المذكور هو من صلى الظهر ركعتين ثم
ذكر بعد أن صلى من العصر ركعتين فأمره (عليه السلام) بأن يجعل الركعتين الباقيتين
من العصر للظهر ويتمها بهما ويكون ما أتى به من الركعتين الأولين للعصر الواقعتين
في البين مغتفرا غير مضر مع اشتمالهما على تكبيرة الاحرام والركوع والسجود،
فتخصيص الاغتفار بتكبيرة الاحرام في كلامهم خاصة لا أعرف له وجها، وكأنهم
بنوا على أن الاتمام وقع بالركعتين الأوليين أو أن الحكم شامل لهما.
والتحقيق أن الرواية المذكورة جارية على خلاف مقتضى الأصول الشرعية
لما أشرنا إليه آنفا، فإن مقتضى الأخبار وكلام الأصحاب أنه لا فرق بين الاتيان
بالظهر على وجه باطل وتركها بالكلية في أنه متى ذكر بعد التلبس بصلاة العصر فإنه
يعدل إليها بنيته وينوي الظهر حين الذكر، وما تقدم من الفريضة ينصرف بهذه
النية إلى الظهر أيضا كما في ناوي الصوم قبل الظهر أو بعده. وما ذكراه (نور الله
ضريحهما) من التعليلات لبطلان الثانية في هذه الصورة يجري أيضا في صورة عدم
الاتيان بالأولى بالكلية، فإن صحة التحريم بالثانية إن أريد به باعتبار الواقع ونفس
الأمر فكما أنه موقوف على التسليم من الأولى في محله كذلك موقوف على الاتيان
بالأولى، وإن أريد باعتبار نظر المكلف فكذلك أيضا إذا لا يجوز له الاتيان بالثانية
ما لم يأت بالأولى. وبالجملة فإنه لا فرق عندي بين الأمرين فالواجب حينئذ
124

الاقتصار في العمل بالرواية على موردها وهو من صلى الظهر ركعتين وذكر بعد أن
صلى من العصر ركعتين فإنه ينوي بهاتين الركعتين الباقيتين من العصر الظهر ويتمها
بهما ويغتفر له ما تقدم من الزيادات على اشكال في ذلك أيضا، والاحتياط بالإعادة
بعد ذلك طريق السلامة. والله العالم.
(المسألة الرابعة) - لو نقص المصلي من صلاته ركعة فما زاد فلا يخلو إما أن
يذكر بعد التسليم وقبل فعل المنافي أو بعد فعله، وعلى الثاني فإما أن يكون ذلك
المنافي مما يبطل الصلاة عمدا لا سهوا كالكلام أو مما يبطلها مطلقا كالحدث ونحوه
مما تقدم، فههنا صور ثلاث:
(الأولى) - أن يذكر النقصان بعد تسليمه وقبل فعل المنافي مطلقا، والظاهر أنه
لا خلاف ولا إشكال في وجوب اتمام الصلاة بدون إعادة تمسكا بالأصل السالم
من المعارض وبجملة من الأخبار الصريحة في المقام:
ومنها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحارث بن المغيرة النصري (1) قال:
" قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إنا صلينا المغرب فسها الإمام فسلم في الركعتين
فأعدنا الصلاة؟ فقال ولم أعد تم أليس قد انصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله)
في ركعتين فأتم بركعتين ألا أتممتم؟ ".
وعن علي بن النعمان الرازي في الصحيح (2) قال: " كنت مع أصحابي في
سفر وأنا إمامهم فصليت بهم المغرب فسلت في الركعتين الأولتين فقال أصحابي
إنما صليت بنا ركعتين فكلمتهم وكلموني فقالوا أما نحن فنعيد فقلت لكني لا أعيد
وأتم بركعة فأتممت بركعة ثم سرنا فأتيت أبا عبد الله (عليه السلام) فذكرت له الذي كان
من أمرنا فقال لي أنت كنت أصوب منهم فعلا إنما يعيد من لا يدري ما صلى " ورواه
الصدوق في الفقيه في الصحيح عن علي بن النعمان (3).
وما رواه في التهذيب والكافي عن أبي بكر الحضرمي في الحسن (4) قال:

(1) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة
(3) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة
(4) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة
125

" صليت بأصحابي المغرب فلما أن صليت ركعتين سلمت فقال بعضهم إنما صليت
ركعتين فأعدت فأخبرت أبا عبد الله (عليه السلام) فقال لعلك أعدت فقلت نعم
فضحك ثم قال إنما يجزئك أن تقوم وتركع ركعة " وزاد في التهذيب (1) " أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) سها فسلم في ركعتين، ثم ذكر حديث ذي الشمالين
فقال ثم قام فأضاف إليها ركعتين ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها ثم ذكر أنه لم يركع؟ قال
يقوم فيركع ويسجد سجدتين " وأوردها الشيخ في موضع آخر بتغيير في السند (3)
وفيها " ويسجد سجدتي السهو ".
وفي الحسن عن الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال:
" قلت أجئ إلى الإمام وقد سبقني بركعة في الفجر فلما سلم وقع في قلبي أني قد أتممت
فلم أزل أذكر الله تعالى حتى طلعت الشمس فلما طلعت الشمس نهضت فذكرت أن
الإمام قد سبقني بركعة؟ قال فإن كنت في مقامك فأتم بركعة وإن كنت قد انصرفت
فعليك الإعادة ".
وفي الموثق عن عمار الساباطي (5) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن رجل صلى ثلاث ركعات وهو يظن أنها أربع فلما سلم ذكر أنها ثلاث؟ قال يبني على
صلاته متى ما ذكر ويصلي ركعة ويتشهد ويسلم ويسجد سجدتي السهو وقد جازت صلاته "
قال المحدث الكاشاني في الوافي - بعد ذكر الأخبار المتضمنة لإعادة الصلاة
مثل صحيحتي علي بن النعمان الرازي والحارث بن المغيرة ورواية أبي بكر الحضرمي -
ما صورته. المستفاد من هذه الأخبار صحة إعادة الصلاة أيضا في مواضع السهو

(1) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة
(3) الوسائل الباب 11 من الركوع
(4) الوسائل الباب 6 من الخلل في الصلاة
(5) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة
126

والنسيان وأن الجبران والاتمام رخصة وتسهيل وأن الله تعالى يحب أن
يؤخذ برخصه. انتهى.
أقول: لا يخفى أن ظاهر كلامه أن الحكم الشرعي بالنسبة إلى العالم بالمسألة
وأن من ترك ركعة ساهيا فإنه يأتي بها ما لم يتخلل أحد المبطلات إنما هو الإعادة
من رأس وأن الاتمام بالاتيان بتلك الركعة إنما هو رخصة. والظاهر بعده والإعادة
في هذه الأخبار إنما وقعت من حيث الجهل بحكم المسألة وإلا فحكمها إنما هو الاتمام
بما نقصه، وهذا هو الحكم الشرعي فيها لا أنه رخصة، ولكن أولئك لجهلهم بحكم
المسألة لم يجدوا بدا من الإعادة من رأس ولهذا إن الإمام أنكر عليهم الإعادة،
فقال في الخبر الأول " ولم أعدتم؟ " ونحوه في الخبرين الآخرين، غاية الأمر أنه مع
إعادة الصلاة من رأس وابطال الأولى لا يمكن الحكم ببطلان ما أتى به من الصلاة
المعادة. على أنك قد عرفت مما تقدم في غير موضع سيما في مقدمات كتاب الطهارة
أنه مع الجهل بالحكم الشرعي فالواجب في العمل هو الأخذ بالاحتياط وهو يتأتى
بالإعادة البتة كما لا يخفى، وإنما يبقى الكلام في ابطاله الأولى وتركه الاتمام لها وهذا
مغتفر له لموضع الجهل. وأما قوله (عليه السلام) في صحيحة علي بن النعمان: " أنت كنت
أصوب منهم فعلا " فهو محمول على أن أفعل التفضيل بمعنى أصل الفعل كما هو شائع في
الكلام فلا يدل على أن ما فعلوه كان صوابا إلا أن يخص من حيث الجهل كما أشرنا
إليه. وبالجملة فإن مظهر الخلاف بين ما ذكرناه وبين ما ذكره إنما هو في المتعمد
العالم بأن الحكم هو الاتمام هل يسوغ له ترك الاتمام والانتقال إلى الإعادة أم لا؟
ومقتضى كلامه المذكور الأول ومقتضى ما ذكرناه هو الثاني لأن غاية ما دلت عليه
الأخبار المذكورة وقوع الإعادة جهلا.
الثانية - أن يذكر النقصان بعد فعل المنافي عمدا لا سهوا كالكلام، والمشهور
عدم وجوب الإعادة، وقال الشيخ في النهاية تجب عليه الإعادة وهو منقول عن أبي الصلاح الحلبي، ونقل في المبسوط قولا عن بعض أصحابنا بوجوب الإعادة في
127

غير الرباعية، والمختار هو القول المشهور. وقد مر تحقيق المسألة في المسألة السادسة
من المسائل الملحقة بالمقام الثاني من المطلب الأول (1).
الثالثة - أن يذكر النقصان بعد فعل المنافي عمدا وسهوا كالحدث والفعل الكثير
الذي تنمحي به صورة الصلاة، والمشهور الابطال ووجوب الإعادة، وقال ابن
بابويه في المقنع على ما نقله غير واحد من أصحابنا: إن صليت ركعتين من الفريضة
ثم قمت فذهبت في حاجة لك فأضف إلى صلاتك ما نقص ولو بلغت الصين، ولا تعد
الصلاة فإن إعادة الصلاة في هذه المسألة مذهب يونس بن عبد الرحمن.
والذي يدل على المشهور ما رواه الشيخ في الصحيح عن جميل (2) قال:
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل صلى ركعتين ثم قام... قال يستقبل. قلت
فما يروي الناس...؟ فذكر له حديث ذي الشمالين فقال إن رسول الله (صلى الله
عليه وآله) لم يبرح من مكانه ولو برح استقبل ".
وعن أبي بصير في الموثق (3) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
رجل صلى ركعتين ثم قام فذهب في حاجته؟ قال يستقبل الصلاة. قلت فما بال رسول الله
(صلى الله عليه وآله) لم يستقبل حين صلى ركعتين؟ فقال إن رسول الله (صلى الله
عليه وآله) لم ينفتل من موضعه ".
وعن سماعة في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) في حديث قال:
" قلت أرأيت من صلى ركعتين فظن أنها أربع فسلم وانصرف ثم ذكر بعد ما ذهب
أنه إنما صلى ركعتين؟ قال يستقبل الصلاة من أولها. قال قلت فما بال رسول الله
(صلى الله عليه وآله) لم يستقبل الصلاة وإنما أتم بهم ما بقي من صلاته؟ فقال إن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يبرح من مجلسه، فإن كان لم يبرح من مجلسه فليتم
ما نقص من صلاته إذا كان قد حفظ الركعتين الأولتين ".

(1) ص 23
(2) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة
(3) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة
(4) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة
128

وعن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (1) قال: " سئل عن رجل
دخل مع الإمام في صلاته وقد سبقه بركعة فلما فرغ الإمام خرج مع الناس ثم ذكر
أنه قد فاتته ركعة؟ قال يعيد ركعة واحدة يجوز له ذلك إذا لم يحول وجهه عن القبلة
فإذا حول وجهه عن القبلة فعليه أن يستقبل الصلاة استقبالا، وروى هذه الرواية
في الفقيه عن محمد بن مسلم (2) إلى قوله " ركعة واحدة ".
ويعضد هذه الأخبار ما تقدم من الأخبار الدالة على قواطع الصلاة وبطلانها
بالحدث ونحوه.
وقال شيخنا الشهيد في الذكرى: وعد الكليني من مبطلات الصلاة عمدا وسهوا
الانصراف عن الصلاة بكليته قبل أن يتمها. وهو مشعر بموافقة القول المشهور
فنسبة الصدوق في المقنع هذا القول إلى يونس بن عبد الرحمان خاصة مؤذنا بشذوذه
ليس في محله مع أنا لم نقف على موافق له في ما ذهب إليه لا من المتقدمين ولا من
المتأخرين، نعم يدل عليه جملة من الأخبار:
منها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (3)
قال: " سألته عن رجل صلى بالكوفة ركعتين ثم ذكر وهو بمكة أو بالمدينة أو
بالبصرة أو ببلدة من البلدان أنه لم يصل ركعتين؟ قال يصلي ركعتين ".
وأجاب عنها الشيخ تارة بالمحل على صورة الظن دون اليقين وتارة بالحمل على
النافلة دون الفريضة. وبعدها ظاهر.
ومنها - ما رواه الشيخ عن محمد - وهو ابن مسلم - في الصحيح عن أبي جعفر (عليه
السلام) ورواه الصدوق في الفقيه أيضا عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (4)
قال: سئل عن رجل دخل مع الإمام في صلاته... الحديث المتقدم إلى قوله:

(1) الوسائل الباب 6 من الخلل في الصلاة وقد تقدمت ص 29 برقم (9) و ص
123 برقم (1)
(2) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة
(3) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة
(4) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة رقم 1 و 12
129

" ركعة واحدة " بدون الزيادة.
وما رواه في الفقيه عن عبيد بن زرارة في الصحيح (1) قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل صلى ركعة من الغداة ثم انصرف وخرج في
حوائجه ثم ذكر أنه صلى ركعة؟ قال فليتم ما بقي ".
وعن عبيد بن زرارة في الموثق بعبد الله بن بكير (2) قال: " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الرجل يصلي الغداة ركعة ويتشهد ثم ينصرف ويذهب ويجئ
ثم يذكر بعد أنه إنما صلى ركعة؟ قال يضيف إليها ركعة ".
ونقل عن الشيخ أنه حمل هذه الأخبار على ما إذا لم يحصل الاستدبار. ولا
يخفى ما فيه.
وما رواه الشيخ في الموثق عن عمار (3) في جملة حديث قال فيه " والرجل
يذكر بعد ما قام وتكلم ومضى في حوائجه أنه إنما صلى ركعتين في الظهر والعصر
والعتمة والمغرب؟ قال يبني في صلاته فيتمها ولو بلغ الصين ولا يعيد الصلاة " ورواه
ابن بابويه أيضا (4) بتفاوت في المتن.
وجمع في المدارك بين هذه الأخبار بحمل هذه الأخبار على الجواز وما تضمن
الاستئناف على الاستحباب. وأفتاه في هذا الحمل جملة من تأخر عنه من الأصحاب
واحتمل جملة من المتأخرين: منهم - شيخنا المجلسي في البحار حمل هذه الأخبار على
التقية. وهو جيد لما عرفت من أن الحمل على ذلك لا يتوقف على وجود القائل به
من المخالفين، وإنما الوجه في ذلك هو أنه لما كان مذهب جمهور الأصحاب (رضوان
الله عليهم) من المتقدمين والمتأخرين هو الابطال والإعادة كما عرفت أنه مذهب
يونس من القدماء والكليني وبه صرح الشيخان ولم ينقل الخلاف في ذلك إلا عن
ابن بابويه، ومن الظاهر أن شهرة القول بذلك بين المتقدمين مؤذن بكونه مذهب

(1) الوسائل الباب 6 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 6 من الخلل في الصلاة
(3) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة
(4) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة
130

أئمتهم (عليهم السلام) ويعضده أنه هو الأوفق بالاحتياط. وبالجملة فالعمل على
القول المشهور والاحتياط بالاتمام ثم الإعادة أولى. والله العالم.
فرع
لو نسي التسليم ثم ذكر بعد فعل المنافي عمدا كالكلام فالمشهور - بل الظاهر أنه
لا خلاف فيه - عدم بطلان الصلاة.
ولو ذكر بعد فعل المنافي عمدا وسهوا فالمشهور بطلان الصلاة بناء على القول
بوجوبه كما هو المشهور لأن المنافي حينئذ واقع في أثناء الصلاة بناء على القول المذكور
ونقل في المدارك عن جده أنه استشكله بأن التسليم ليس بركن فلا تبطل
الصلاة بتركه سهوا وإن فعل المنافي، قال اللهم إلا أن يقال بانحصار الخروج من
الصلاة فيه وهو في حيز المنع. ثم اعترضه بأنه يمكن دفعه بأن المقتضي للبطلان
على هذا التقدير ليس هو الاخلال بالتسليم وإنما هو وقوع المنافي في أثناء الصلاة
فإن ذلك يتحقق بفعله قبل الفراغ من الأفعال الواجبة وإن لم يتعقبه ركن كما
في حال التشهد.
أقول: لا يخفى أن كلام جده المذكور مشعر بالجواب عن هذا الاعتراض،
وذلك فإن المفهوم منه أن الابطال لا يمكن استناده إلى ترك التسليم لأن التسليم ليس
بركن فلا تبطل الصلاة بتركه سهوا ولا إلى فعل المنافي في هذا المقام لأنه مبني على أن
الخروج من الصلاة لا يتحقق إلا بالتسليم وهو ممنوع.
ولا يخفى أن ما ادعاه السيد من وقوع المنافي في أثناء الصلاة إنما يتم بناء على
عدم الخروج من الصلاة إلا بالتسليم وإلا فمتى قيل بالخروج منها قبله كما يشير إليه
كلام جده فإن المنافي لم يقع في أثناء الصلاة لأن الخصم يدعي أنه قد خرج من الصلاة
ولا توقف له على التسليم. نعم يبقى الكلام مع جده في ما ادعاه من منع انحصار
الخروج من الصلاة في التسليم وهي مسألة أخرى.
ثم قال السيد المشار إليه على أثر الكلام المتقدم: ومع ذلك فالأجود عدم
131

بطلان الصلاة بفعل المنافي قبله وإن قلنا بوجوبه لما رواه الشيخ في الصحيح عن
زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " سألته عن الرجل يصلي ثم يجلس
فيحدث قبل أن يسلم؟ قال تمت صلاته " وفي الصحيح عن زرارة أيضا عن أبي جعفر
(عليه السلام) (2) " عن الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه من السجدة الأخيرة
وقبل أن يتشهد؟ قال ينصرف فيتوضأ فإن شاء رجع إلى المسجد وإن شاء ففي
بيته وإن شاء حيث شاء قعد فيتشهد ثم يسلم، وإن كان الحدث بعد الشهادتين فقد
مضت صلاته " انتهى.
أقول " قد عرفت في فصل التسليم أن المختار الذي تجتمع عليه الأخبار في
مسألة التسليم هو القول بكونه واجبا خارجا وهذه الأخبار التي ذكرها ونحوها إنما
خرجت بناء على هذا القول وإن لم يهتد إليه هو ولا غيره من جمهور الأصحاب وإلا
فإنه متى كان التسليم واجبا داخلا كما هو المفروض في كلامه، فإنه يلزم أن يكون
الحدث الواقع بعد التشهد وقبل التسليم واقعا في أثناء الصلاة كما ألزم به جده في ما
قدمنا من كلامه، ولا يعقل هنا خصوصية لابطاله قبل التشهد ولا بعده قبل التسليم
بناء على القول المذكور بل الحال في المقامين واحدة، إذا العلة الموجبة للابطال في
الموضعين واحدة وهي وقوع الحدث في أثناء الصلاة.
والعجب كل العجب أنه (قدس سره) قد قال في مسألة التسليم في الاستدلال
على استحبابه حيث إنه اختار ذلك ما لفظه: ويدل عليه أيضا أنه لو وجب التسليم
لبطلت الصلاة بتخلل المنافي بينه وبين التشهد واللازم باطل فالملزوم مثله، أما
الملازمة فاجماعية وأما بطلان اللازم فلما رواه زرارة في الصحيح، ثم ساق هذه
الروايات المذكورة. وحينئذ فمتى كانت هذه اللازمة اجماعية بمقتضى كلامه هذا
- وليست هذه الملازمة إلا عبارة عن أنه متى وجب التسليم لزم بطلان الصلاة
بتخلل المنافي في الموضع المذكور - فكيف يقول هنا أن الأجود عدم بطلان الصلاة
بفعل المنافي قبله وإن قلنا بوجوبه؟ ما هذا إلا تناقض ظاهر كما لا يخفى على كل ناظر

(1) الوسائل الباب 3 من التسليم
(2) الوسائل الباب 13 من التشهد
132

وبالجملة فهذه الروايات لا تنطبق إلا على القول بالاستحباب كما اختاره في المسألة
أو القول بكونه واجبا خارجا كما اخترناه وإلا فالتزام القول بها مع القول بكونه
واجبا داخلا - كما يشعر به كلامه هنا - سفسطة ظاهرة كما لا يخفى. والله العالم.
المسألة الخامسة - إذا أخل بواجب سهوا فمنه ما تتم معه الصلاة من غير
تدارك ومنه ما يتدارك من غير سجود ومنه ما يتدارك مع سجدتي السهو، فههنا
صور ثلاث:
الأولى - ما تتم معه الصلاة من غير تدارك ولا سجود للسهو، وتفصل القول
فيها أن من سها عن واجب تداركه ما لم يدخل في ركن كما لو سها عن القراءة مثلا
أو بعض واجباتها قبل الركوع فإنه يتداركها ما لم يركع، فلو ركع مضى في صلاته
لاستلزام تداركها زيادة ركن، أو يلزم من تداركه زيادة ركن كما إذا سها عن الذكر
الواجب في الركوع أو الطمأنينة فيه حتى يرفع رأسه فإن العود إلى ذلك وتداركه
مستلزم لزيادة الركن. ونحوه من سها عن الذكر في السجود أو السجود على الأعضاء
السبعة أو الطمأنينة فيه حتى يرفع رأسه. نعم يستثنى من ذلك السجود على الجبهة
حيث إن السجود لا يتحقق بدون وضعها فإن الاخلال به في السجدتين يكون موجبا
للابطال، وقد نبه على ذلك الشهيد في البيان.
ومن الأخبار الدالة على صحة الصلاة مع نسيان أحد الواجبات ما رواه الشيخ
عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " إن الله عز وجل فرض
الركوع والسجود، والقراءة سنة، فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة ومن نسي
القراءة فقد تمت صلاته ولا شئ عليه ".
وعن منصور بن حازم في الموثق (2) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام) إني صليت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلها؟ فقال أليس قد أتممت

(1) الوسائل الباب 27 من القراءة
(2) الوسائل الباب 29 من القراءة
133

الركوع والسجود؟ قلت بلى. قال تمت صلاتك إذا كان نسيانا ".
وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" قلت الرجل يسهو في القراءة في الركعتين الأولتين فيذكر في الركعتين الأخيرتين أنه لم
يقرأ؟ قال أتم الركوع والسجود؟ قلت نعم. قال إني أكره أن أجعل آخر صلاتي أولها "
وعن أبي بصير في الموثق (2) قال: " إذا نسي أن يقرأ في الأولى والثانية
أجزأه تسبيح الركوع والسجود وإن كانت الغداة فنسي أن يقرأ فيها فليمض في صلاته "
وعن الحسين بن حماد في القوي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال:
" قلت له أسهو عن القراءة في الركعة الأولى؟ قال اقرأ في الثانية. قلت أسهو في
الثانية؟ قال اقرأ في الثالثة. قلت أسهو في صلاتي كلها؟ قال إذا حفظت الركوع
والسجود فقد تمت صلاتك ".
وعن القداح عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (4) " أن عليا (عليه السلام)
سئل عن رجل ركع ولم يسبح ناسيا؟ قال تمت صلاته ".
وعن علي بن يقطين (5) قال: " سألت أبا الحسن الأول (عليه السلام) عن
رجل نسي تسبيحة في ركوعه وسجوده؟ قال لا بأس بذلك ".
إلى غير ذلك من الأخبار الواردة بنسيان السجدة والتشهد وإن تضمن بعضها
القضاء بعد الفراغ.
ومما يدل على التدارك ما لم يدخل في ركن رواية بن بصير (6) قال:
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي أم القرآن؟ قال إن كان لم يركع
فليعد أم القرآن ".

(1) الوسائل الباب 30 و 51 من القراءة
(2) الوسائل الباب 29 من القراءة
(3) الوسائل الباب 30 من القراءة
(4) الوسائل الباب 15 من الركوع.
(5) الوسائل الباب 15 من الركوع.
(6) الوسائل الباب 28 من القراءة
134

ثم إنه ينبغي أن يستثنى من هذا الحكم الجهر والاخفات فإنه لا يتداركه وإن لم
يدخل في ركن كما تقدم (1) في صحيحتي زرارة من أنه متى فعل شيئا ناسيا أو ساهيا
أو لا يدري فلا شئ عليه.
الثانية - ما يتدارك من غير سجود وذلك في مواضع: (منها) من نسي قراءة
الحمد حتى قرأ السورة أو بعضها فإنه يرجع إلى الحمد ثم يقرأ سورة بعدها. وربما
ظهر من بعض العبارات وجوب قراءة السورة الأولى بعينها.
ويدل عليه قوله (عليه السلام) في كتاب الفقه (2): وإن نسيت الحمد حتى
قرأت السورة ثم ذكرت قبل أن تركع فاقرأ الحمد وأعد السورة وإن ركعت فامض
على حالتك. انتهى.
قال في المدارك - بعد قول المصنف: الثاني من نسي قراءة الحمد حتى قرأ السورة
استأنف الحمد وسورة - ما لفظه: إنما نكر المصنف السورة للتنبيه عن أنه لا يتعين
قراءة السورة التي قرأها أو لا بل يتخير بعد الحمد أي سورة شاء. انتهى.
ونحوه كلام جده في الروض حيث إن عبارة المصنف ظاهرة في إعادة السورة
نفسها فاعترضه فقال: ويفهم من قوله: " أعادها " وجوب إعادة السورة التي قرأها
بعينها وليس متعينا بل يتخير بين إعادتها وقراءة غيرها لوقوعها فاسدة فساوت
غيرها. انتهى. وهو جيد إلا أن ظاهر الخبر المتقدم كما عرفت خلافه
والاحتياط يقتضي الوقوف عليه.
وممن صرح أيضا بإعادة السورة بعينها الشهيد في الذكرى فقال: لو ترك الحمد
حتى قرأ السورة وجب بعد قراءة الحمد إعادة السورة. انتهى.
ومنها - من نسي السجدتين أو إحداهما فإنه يتلافاهما ما لم يركع ثم يقوم ويأتي
بما يلزمه من قراءة أو تسبيح.
وهذا الحكم في السجدة الواحدة موضع اتفاق كما نقله غير واحد، ويدل

(1) ج 8 ص 130 و 131
(2) ص 9
135

عليه من الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) " في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام فذكر وهو قائم أنه لم
يسجد؟ قال فليسجد ما لم يركع فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنه لم يسجد فليمض على
صلاته حتى يسلم ثم يسجدها فإنها قضاء ".
وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن ابن مسكان عن أبي بصير (2) - وهو
ليث المرادي بقرينة الراوي عنه - قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
رجل نسي أن يسجد سجدة واحدة فذكرها وهو قائم؟ قال يسجدها إذا ذكرها ما لم
يركع فإن كان قد ركع فليمض على صلاته فإذا انصرف قضاها وحدها وليس عليه سهو "
وإنما الخلاف في السهو عن السجدتين فالمشهور سيما بين المتأخرين أنه كالأول
في وجوب الرجوع ما لم يركع، ونقله في الذخيرة عن المفيد في الرسالة الغرية،
ومنهم من صرح بوجوب سجدتي السهو للقيام الذي زاده، وذهب ابن إدريس إلى أن
نسيان السجدتين بعد قيامه إلى الركوع يوجب إعادة الصلاة ونقل أيضا عن أبي الصلاح، وبه صرح الشيخ المفيد في المقنعة حيث قال: إن ترك سجدتين من
ركعة واحدة أعاد على كل حال وإن نسي واحدة منهما حتى ذكرها في الركعة الثانية
قبل الركوع أرسل نفسه وسجدها ثم قام.
احتج من ذهب إلى القول الأول بأن القيام إن كان انتقالا عن المحل لم يعد
إلى السجدة الواحدة وإلا عاد إلى السجدتين.
واستدل للقول الثاني بالروايات الدالة على بطلان الصلاة نسيان السجود (3)
خرج منها ما دل على عدم البطلان بنسيان السجدة الواحدة بالخبرين المتقدمين
وبقي ما عداه. والفرق بين السجدة والسجدتين بعد الركوع ظاهر للحكم بالصحة
في الأول والبطلان في الثاني فيمكن أن يكون ما قبل الركوع كذلك أيضا.

(1) الوسائل الباب 14 من السجود
(2) الوسائل الباب 14 من السجود
(3) الوسائل الباب 9 من الركوع
136

وأيد القول المشهور في المدارك باطلاق صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) أنه قال: " إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا فاقض
الذي فاتك سهوا " ورواية محمد بن مسلم الصحيحة المتضمنة لتدارك الركوع بعد
السجدتين (2) قال: فإنه إذا جاز تداركه مع تخلل السجدتين اللتين هما ركن في الصلاة
جاز تدارك السجود مع تخلل القيام خاصة بطريق أولى. انتهى.
ويمكن المناقشة في صحيحة ابن سنان المذكورة بما سيأتي ايضاحه قريبا إن شاء
الله تعالى، وكذا في صحيحة محمد بن مسلم بأن ما دلت عليه من الحكم المذكور خارج عن
مقتضى القواعد الشرعية مع معارضتها بالأخبار الكثيرة، وقد تقدم الكلام فيها
في المسألة الأولى.
وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال، والاحتياط فيها مطلوب على كل
حال بالرجوع والاتمام ثم الإعادة من رأس وإن كان القول الأول لا يخلو من قوة.
وتمام تحقيق البحث في المقام يتوقف على بيان أمور: (الأول) لا كلام في أنه
لو كان المنسي مجموع السجدتين عاد إليهما من غير جلوس واجب قبلهما.
أما لو كان المنسي أحداهما فإن كان قد جلس عقيب الأولى واطمأن بنية الفصل
أو لا بنيته فإنه لا كلام في أنه لا يجب الرجوع إلى الجلوس قبل السجدة.
أما لو لم يجلس أو جلس ولم يطمئن فقيل إنه يجب الجلوس وبه صرح شيخنا الشهيد
الثاني في الروض وسبطه السيد السند في المدارك، وعلله في المدارك بأن الجلوس من
أفعال الصلاة ولم يأت به مع بقاء محله فيجب تداركه. قال في الذخيرة بعد نقل نحو ذلك
عن الروض أيضا: ويمكن المنازعة فيه بأن القدر الثابت الجلوس الفاصل بين السجدتين
المتصل بهما وقد فات ولا يمكن تداركه لا مطلقا. انتهى. وظني ضعف هذه المنازعة
فإن ما ذكره من الخصوصيتين المذكورتين لا دخل لهما في وجوب الجلوس وإن اتفق
ذلك وإلا للزم اجراء ما ذكره في الاجزاء التي يجب تداركها مطلقا.

(1) الوسائل الباب 26 من الخلل في الصلاة
(2) ص 108
137

وقيل بعدم الوجوب، قال في الذخيرة: وهو قول المصنف في المنتهى وهو
المحكي عن الشيخ في المبسوط استنادا إلى أن الفصل بين السجدتين تحقق بالقيام.
ورد بأن الواجب ليس هو مطلق الفصل بل الجلوس الفاصل ولم يحصل.
وبالجملة فالظاهر هو قوة القول الأول سيما مع أوفقيته بالاحتياط.
(الثاني) - قال في الروض بناء على ما اختاره من وجوب الجلوس في المسألة
المذكورة: ولو شك هل جلس أم لا؟ بنى على الأصل فيجب الجلوس وإن كان حالة
الشك قد انتقل عن محله لأنه بالعود إلى السجدة مع استمرار الشك يصير في محله
فيأتي به. ومثله ما لو تحقق نسيان سجدة وشك في الأخرى فإنه يجب عليه الاتيان
بهما معا عند الجلوس وإن كان ابتداء الشك بعد الانتقال. انتهى. وهو جيد.
أما لو نوى بالجلوس الاستحباب لظنه أنه قد أتى بالسجدتين وأن ذلك الجلوس
إنما هو جلسة الاستراحة فهل يكتفى به؟ وجهان أحدهما نعم، لاقتضاء نية الصلاة
ابتداء كون كل فعل في محله وذلك يقتضي كون هذه الجلسة للفصل فلا تعارضها النية
الطارئة سهوا بالاستراحة، وثانيهما العدم لتنافي وجهي الوجوب والندب فلا
يجزئ أحدهما عن الآخر، وقوله (عليه السلام) " إنما لكل امرئ ما نوى " (1)
والظاهر هو الأول لا لما ذكر من التعليل فإنه عليل بل للأخبار الكثيرة
الدالة على أنه لو دخل في الصلاة بنية الفريضة ثم سها في أثنائها وقصد ببعض أفعالها
الندب وأنها نافلة لم يضره ذلك بل يبني على النية الأولى (2).
وقد تقدم تحقيق القول في ذلك في كتاب الطهارة في باب الوضوء في المقامات
التي في تحقيق النية ونقل جملة من الأخبار في المقام.
ومن تلك الأخبار ما رواه الشيخ عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (3) قال: " سألته عن رجل قام في صلاة فريضة فصلى ركعة وهو

(1) الوسائل الباب 5 من مقدمة العبادات
(2) الوسائل الباب 2 من النية
(3) الوسائل الباب 2 من النية
138

ينوي أنها نافلة؟ قال هي التي قمت فيها ولها. وقال إذا قمت وأنت تنوي الفريضة
فدخلك الشك بعد فأنت في الفريضة على الذي قمت له، وإن كنت دخلت فيها وأنت
تنوي النافلة ثم إنك تنويها بعد فريضة فأنت في النافلة، وإنما يحسب للعبد من صلاته
التي ابتدأ في أول صلاته " ونحوها أخبار أخر تقدمت في المقام المشار إليه.
(الثالث) - لا اشكال ولا خلاف في أنه لو كان قد تشهد أو قرأ أو سبح ثم
ذكر نسيان السجود فإنه يجب إعادة ما أتى به أو لا رعاية لوجوب الترتيب.
ولو فرض أن المنسي السجود الأخير وذكر بعد التشهد أعاده ثم تشهد وسلم
وهذا على القول بوجوب التسليم واضح لذكره في محله قبل الخروج من الصلاة،
وأما على القول بندبه فهل يعود إلى السجود أو تبطل الصلاة لو كان المنسي السجدتين
ويقضي السجدة الواحدة لو كان المنسي واحدة؟ إشكال ينشأ من أن آخر الصلاة على
هذا التقدير التشهد فيفوت محل التدارك، ومن إمكان القول بتوقف الخروج من
الصلاة حينئذ على فعل المنافي أو التسليم فما لم يحصلا لا يتحقق الخروج من الصلاة.
وربما قيل بمجئ الاشكال وإن ذكر بعد التسليم، ووجه قضاء السجدة
حينئذ أو بطلان الصلاة بنسيان السجدتين ظاهر للخروج من الصلاة بالتسليم قبل
تداركهما، ووجه التدارك عدم صحة التشهد والتسليم حيث وقعا قبل تمام السجود
لأن قضية الأفعال الصحيحة وقوعها في محلها مرتبة. والكلام أيضا آت في نسيان
التشهد إلى أن يسلم. وعلى هذا الوجه إن ذكر قبل فعل المنافي تدارك المنسي
وأكمل الصلاة وإن ذكر بعده بطلت الصلاة. وإليه ذهب ابن إدريس في ناسي
التشهد حتى يسلم.
وقد صرح جملة من الأصحاب: منهم - العلامة بأن فوات محل هذه الأجزاء
بالتسليم مطلقا قوي فيقضي منها ما يقضي وتبطل الصلاة بما هو ركن. وهو جيد.
ومنها - من نسي التشهد وذكر قبل أن يركع فإنه يرجع له ويتلافاه ثم يأتي
بما يلزمه بعده ويرتبه عليه، وهو مما لا خلاف فيه.
139

ويدل عليه جملة من الأخبار: منها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن سليمان
ابن خالد (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي أن يجلس
في الركعتين الأولتين؟ فقال إن ذكر قبل أن يركع فليجلس وإن لم يذكر حتى يركع
فليتم الصلاة حتى إذا فرغ فليسلم ويسجد سجدتي السهو ".
وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال:
" سألته عن الرجل يصلي ركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما؟ فقال إن كان ذكر وهو
قائم في الثالثة فليجلس وإن لم يذكر حتى يركع فليتم صلاته ثم يسجد سجدتين وهو
جالس قبل أن يتكلم ".
وعن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال:
" إذا قمت في الركعتين من الظهر أو غيرها ولم تتشهد فيهما فذكرت ذلك في الركعة
الثالثة قبل أن تركع فاجلس وتشهد وقم فأتم صلاتك، وإن أنت لم تذكر حتى
تركع فامض في صلاتك حتى تفرغ فإذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم
قبل أن تتكلم ".
إلى غير ذلك من الأخبار الآتية قريبا إن شاء الله تعالى.
قال في المدارك: واعلم أنه ليس في كلام المصنف (قدس سره) ما يدل على
حكم نسيان السجود في الركعة الأخيرة والتشهد الأخير والأجود تدارك الجميع إذا
ذكر قبل التسليم وإن قلنا باستحبابه لاطلاق الأمر بفعلهما وبقاء محلهما، ولو لم يذكر
إلا بعد التسليم بطلت الصلاة إن كان المنسي السجدتين لفوات الركن وقضى السجدة
الواحدة والتشهد لاطلاق قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن سنان (4) " إذا نسيت

(1) الوسائل الباب 7 من التشهد
(2) الوسائل الباب 7 من التشهد. والراوي هو عبد الله بن أبي يعفور ولم نجد رواية
بهذا اللفظ لعبد الله بن سنان
(3) الوسائل الباب 9 من التشهد
(4) الوسائل الباب 26 من الخلل في الصلاة
140

شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا فاقض الذي فاتك سهوا " وصحيحة محمد
ابن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (1) " في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي
التشهد حتى ينصرف؟ فقال إن كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهد وإلا طلب مكانا
نظيفا فتشهد فيه " انتهى.
أقول: ما ذكره من قضاء التشهد في ما لو لم يذكر إلا بعد التسليم جيد
لصحيحة محمد بن مسلم المذكورة فإنها ظاهرة في التشهد الأخير.
وأما ما ذكره - من قضاء السجدة الواحدة في الصورة المذكورة استنادا
إلى صحيحة عبد الله بن سنان التي ذكرها - ففيه أن الصحيحة المذكورة على اطلاقها غير
معمول عليها وكذا ما شابهها:
كصحيحة حكم بن حكيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) " في رجل ينسي
من صلاته ركعة أو سجدة أو الشئ منها ثم يذكر بعد ذلك؟ فقال يقضي ذلك بعينه.
فقلت أيعيد الصلاة؟ قال لا ".
ورواية الحلبي عنه (عليه السلام) (3) قال: " إذا نسيت من صلاتك
فذكرت قبل أن تسلم أو بعد ما تسلم لو تكلمت فانظر الذي كان نقص من صلاتك فأتمه ".
فإن الجميع قد اشتركت في الدلالة على قضاء ما نسيه من الأفعال كائنا ما كان
وإن كان ركنا، ولم يقل بذلك أحد من الأصحاب وإنما أوجبوا قضاء أشياء معينة
مثل السجدة الواحدة والتشهد والقنوت وأبطلوا الصلاة بنسيان الركن كالركوع

(1) الوسائل الباب 7 من التشهد
(2) الوسائل الباب 11 من الركوع و 3 من الخلل في الصلاة
(3) هذه الرواية ذكرها الشهيد في الذكرى في المسألة الرابعة من مسائل السهو ونقلها
المجلسي في البحار ج 18 الصلاة ص 643 من الذكرى وكذا الفاضل الخراساني في الذخيرة
في المسألة السابعة من المسائل التي حررها تعليقا على قول المصنف " ولو ذكر السجود
والتشهد بعد الركوع قضاهما " ولم نقف عليها في الوافي والوسائل بعد الفحص عنها في مظانها
141

والسجدتين، وحينئذ فكيف يمكن الاستناد إلى مجرد اطلاق الصحيحة المذكورة؟
والأخبار المتقدمة الدالة على قضاء السجدة ظاهرة في ما عدا السجدة
الأخيرة، وعلى هذا يبقى حكم السجدة الأخيرة خاليا من المستند والدليل على
وجوب قضائها. والاستناد في ذلك إلى مجرد اطلاق هذه الرواية ونحوها مع كونهم
لا يقولون به مجازفة محضة وإلا لزم القول أيضا بوجوب قضاء ما اشتملت عليه من
الركوع والتكبير ونحوهما وهم لا يلتزمه ولا قائل به إلا ما يظهر من الذكرى من
نقل ذلك عن صاحب البشرى، قال بعد ذكر الروايات الثلاث المذكورة: وابن
طاووس في البشرى يلوح منه ارتضاء مفهومها.
وبالجملة فإنه وإن كان ظاهر الأصحاب عدم الخلاف في القضاء إلا أن الدليل كما
عرفت قاصر عن ذلك، إذ الروايات المتقدمة موردها إنما هو ما عدا السجدة الأخيرة
وهذه الرواية التي قد استند إليها في المدارك قد عرفت ما فيها.
فائدتان
الأولى - قال في المدارك بعد ذكر صحيحة حكم بن حكيم: والظاهر أن
المراد بالركعة مجموعها لا نفس الركوع خاصة، وبالشئ منها القنوت والتشهد ونحو
ذلك مما لم يقم دليل على سقوط تداركه. انتهى.
أقول: بل الظاهر أن المراد بالركعة إنما هي نفس الركوع كما صرحت به
صحيحة ابن سنان المذكورة، ويؤيده ذكر السجدة بعدها، والمراد من الخبر
المذكور إنما هو عد الأفعال التي لو نسيها لوجب قضاؤها من ركوع أو سجود ونحوهما
من أفعال الصلاة المشار إليها بقوله " أو الشئ منها "
ومما يستأنس به لذلك صحيحة منصور عن الصادق (عليه السلام) (1) " في
رجل صلى فذكر أنه زاد سجدة؟ لا يعيد صلاته من سجدة ويعيدها من ركعة "،

(1) الوسائل الباب 14 من الركوع
142

قال السيد المذكور بعد نقلها: والظاهر أن المراد بالركعة الركوع كما يظهر من
مقابلته بالسجدة.
الثانية - ظاهر أكثر الأصحاب أنه لا فرق في تدارك التشهد بعد الصلاة بين
كونه التشهد الأول والأخير تخلل الحدث بينه وبين الصلاة أم لا.
وقال ابن إدريس: لو تخلل الحدث بين الصلاة والتشهد الأول لم تبطل الصلاة
لخروجه منها بالتسليم، ولو تخلل بينها وبين التشهد الثاني بطلت صلاته لأن قضية
السلام الصحيح أن يكون بعد التشهد فوقوعه قبله كلا سلام فيكون حدثه قد
صادق الصلاة.
واعترضه المحقق في المعتبر فقال بعد نقل كلامه: وليس بوجه لأن التسليم
مع السهو مشروع فيقع موقعه ويقضي التشهد لما روى حكم بن حكيم عن الصادق
(عليه السلام) ثم ساق الرواية كما قدمناه. قال في المدارك بعد نقل كلام
المعتبر: وهو حسن.
أقول: الأظهر في الفرق بين التشهدين في الحكم المذكور بناء على مذهب ابن
إدريس من استحباب التسليم هو أن يقال إنه إنما يخرج من الصلاة بالتشهد الأخير
فإذا نسيه لم يتحقق الخروج فيكون قد أحدث قبل الخروج من الصلاة فتبطل صلاته
وكان الأولى لابن إدريس التعليل بذلك.
وأما استدلال المحقق على وجوب قضاء التشهد الأخير برواية حكم بن حكيم
المذكورة من حيث لفظ الشئ فيها الشامل فقد عرفت ما فيه وكان الأولى له
الاستدلال بصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة.
هذا. والتحقيق كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى أنه لا دليل على وجوب قضاء
التشهد الأول أحدث بعد الصلاة أو لم يحدث، ويجب قضاء التشهد الثاني لصحيحة
محمد بن مسلم المذكورة أحدث أم لم يحدث.
ونقل في الذكرى عن العلامة في المختلف أنه نازع في تخلل الحدث إذا نسي
143

التشهد الأول وحكم بابطاله الصلاة وحكم بأن التسليم وقع في محله وإن نسي التشهد
الأخير فتكون الصلاة صحيحة. انتهى.
وفيه أن ما حكم به من ابطال الصلاة في الصورة الأولى ممنوع ولو قلنا بوجوب
قضاء التشهد لدلالة الأخبار وكلام الأصحاب على الصحة أحدث أو لم يحدث وإنما
الكلام في ما ادعوه من وجوب القضاء وعدمه. وقد تقدم في فصل التشهد نقل
كلام ابن بابويه وحكمه بصحة الصلاة بالحدث بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة
والأخبار الدالة على ذلك وبيان القول في ذلك فليراجع ثمة.
فرع
المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وجوب قضاء الصلاة على النبي
(صلى الله عليه وآله) بعد الصلاة إذا سها عنها المصلي وفات موضع تداركها،
ويتداركها كما يتدارك التشهد لو لم يفت محل تداركها أعني قبل الركوع فإنه يعود إليها
قالوا ولا يضر الفصل بينها وبين التشهد.
وأنكر ابن إدريس شرعية قضائها لعدم النص. ورده في الذكرى بأن التشهد
يقضي بالنص فكذا أبعاضه تسوية بين الجزء والكل.
واحتج في المختلف على وجوب قضائها زيادة على الدليل المذكور بأنه مأمور
بالصلاة على النبي وآله (صلى الله عليه وآله) ولم يأت به فيبقى في عهدة التكليف
إلى أن يخرج منه بفعله.
واعترضه في المدارك بأن الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) إنما تجب في
التشهد وقد فات والقضاء فرض مستأنف فيتوقف على الدليل وهو منتف. قال
على أن في وجوب الأداء خلافا بين الأصحاب كما تقدم تحقيقه.
واعترض الدليل الأول أيضا بمنع الملازمة، قال مع أنه لا يقول بالتسوية
بين الكل والجزء مطلقا. أقول ويزيده أن الصلاة تقضى ولا تقضى أجزائها مطلقا.
وأنكر العلامة في المختلف كلام ابن إدريس وقال بعد استدلاله بالدليلين
144

المذكورين: وليس في هذه الأدلة قياس وإنما هو المقصور قوته المميزة حيث لم يجد
نصا صريحا حكم بأن ايجاب القضاء مستند إلى قياس خاصة. انتهى. ولا يخفى ما فيه
أقول: والظاهر في هذه المسألة هو قول ابن إدريس لما عرفت من كلام
السيد السند (قدس سره) فإن دعوى اثبات الأحكام الشرعية بهذه التعليلات العليلة
مجرد مجازفة في أحكامه سبحانه. نعم يمكن الاستدلال على القول المشهور باطلاق
صحيحتي عبد الله بن سنان وحكم بن حكيم ورواية الحلبي (1) إلا أنك قد عرفت أنه
لا قائل بذلك من الأصحاب سوى ما نقله في الذكرى عن ظاهر ابن طاووس في البشرى
الثالثة - ما يتداركه بعد الصلاة مع سجود السهو عند الأصحاب (رضوان الله
عليهم) وهو السجدة والتشهد المنسيان ولما يذكر إلا بعد الركوع فإنه يقضيهما ويسجد
للسهو كما صرحوا به، إلا أنه لا يخلو من الاشكال في كل من الموضعين.
وتحقيق الكلام في ذلك يتوقف على بسطه في مقامين: (الأول) في السجدة
والمشهور في كلامهم أن من ترك سجدة من صلاته ولم يذكر حتى ركع فإنه يقضيها بعد
الصلاة من غير أن تجب عليه الإعادة وأنه يجب عليه سجود السهو.
وقد وقع الخلاف هنا في مواضع ثلاثة: (الموضع الأول) -
في وجوب
قضائها خاصة مع صحة الصلاة وهو الذي عليه الأكثر، وذهب الشيخ في التهذيب
إلى أنه متى كان نسيان السجدة الواحدة من الركعتين الأوليين فإنه بعيد الصلاة،
وحكى في الذكرى عن الشيخ المفيد والشيخ في التهذيب أن كل سهو يلحق الأوليين
موجب لإعادة الصلاة وكذلك الشك سواء كان في عددها أو أفعالها. ونقل الشيخ
هذا القول عن بعض علمائنا، وقد تقدم أيضا مذهب ابن أبي عقيل بإعادة الصلاة
بترك السجدة مطلقا من الأوليين أو الأخيرتين.
والذي يدل على القول المشهور صحيحتا إسماعيل بن جابر وأبي بصير المتقدمتان
في الموضع الثاني من مواضع الصورة الثانية (2).

(1) ص 140 و 141
(2) ص 136
145

ونحوهما ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: " إذا نسي الرجل سجدة وأيقن أنه قد تركها فليسجدها
بعد ما يقعد قبل أن يسلم وإن كان شاكا فليسلم ثم يسجدها وليتشهد تشهدا خفيفا ولا
يسميها نقرة فإن النقرة نقرة الغراب ".
والظاهر أن المراد بقوله " بعد ما يقعد " أي بعد ما يتشهد لما أسلفناه من
الأخبار الدالة على وقوع مثل هذا التجوز في فصيح الكلام الوارد عنهم (عليهم
السلام). وأما السجود في صورة الشك فجعله بعض الأصحاب على الاحتياط
والاستحباب لما تقرر من أن الشك بعد تجاوز المحل لا أثر له. والأظهر حمله على
سجود السهو لأنه الذي فيه التشهد الخفيف وأنه لا يسمى نقرة وإن كان في ذكر الضمير
نوع منافرة لذلك.
وما رواه الشيخ عن عمار بن موسى الساباطي في الموثق عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) " أنه سئل عن الرجل ينسى سجدة فذكرها بعد ما قام وركع؟ قال يمضي في
صلاته ولا يسجد حتى يسلم فإذا سلم سجد مثل ما فاته. قلت فإن لم يذكر إلا بعد ذلك؟
قال يقضي ما فاته إذا ذكره ".
احتج الشيخ بما رواه عن أحمد بن محمد بن أبي نصر في الصحيح (3) قال:
" سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل صلى ركعتين ثم ذكر في الثانية
وهو راكع أنه ترك سجدة في الأولى؟ فقال كان أبو الحسن (عليه السلام) يقول
إذا تركت السجدة في الركعة الأولى ولم تدر واحدة أو اثنتين استقبلت حتى يصح
لك اثنتان، وإذا كان في الثالثة والرابعة فتركت سجدة بعد أن تكون قد حفظت
الركوع أعدت السجود ".
ورواه الكليني في الصحيح أيضا بما هذه صورته (4) قال: " سألته عن رجل

(1) الوسائل الباب 16 من السجود
(2) الوسائل الباب 14 من السجود
(3) الوسائل الباب 14 من السجود
(4) الوسائل الباب 14 من السجود
146

صلى ركعة ثم ذكر وهو في الثانية وهو راكع أنه ترك سجدة من الأولى؟ فقال كان أبو الحسن
(عليه السلام) يقول إذا تركت السجدة في الركعة الأولى ولم تدر واحدة أم ثنتين استقبلت
الصلاة حتى يصح لك أنهما ثنتان " وعلى هذه الرواية لا ينطبق مدعى الشيخ (قدس سره)
والظاهر أن الراوي روى الخبر مرتين مرة بنحو ما ذكره الشيخ وأخرى
بما نقله في الكافي.
ويعضد رواية الشيخ ما رواه الحميري في قرب الإسناد عن أحمد بن محمد بن
عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر... الحديث كما في التهذيب (1) إلا أنه قال: " بعد
أن تكون قد حفظت الركوع والسجود ".
وكيف كان فهذا الخبر لا يخلو من الاجمال بل الاشكال الموجب لضعف
الاستناد إليه في الاستدلال، وذلك أن قوله (عليه السلام) في الخبر المذكور " ولم
تدر واحدة أو اثنتين " محتمل لأن يكون المراد الركعة أو الركعتين أي شككت مع ترك
السجدة بين الركعة والركعتين، وعلى هذا فلا اشكال في ما ذكره (عليه السلام) من
الحكم بالاستقبال إلا أنه لا ينطبق حينئذ الجواب المذكور على ما ذكره من السؤال
ويحتمل أن يكون المراد السجدة والسجدتين، والمعنى أنه ترك سجدة وشك في أنه
هل سجد شيئا أم لا، وعلى هذا يدل على مراد الشيخ في الجملة إذا الشك بعد تجاوز
المحل لا عبرة به فيكون البطلان إنما هو لترك السجدة. ويحتمل أن يكون الواو
في قوله " ولم تدر واحدة أو اثنتين " بمعنى " أو " وأن الأصل إنما هو " أو " ويكون
قد سقطت الهمزة من قلم النساخ، وعلى هذا فيحتمل الوجه الأول أعني الحمل على
الركعة والركعتين والثاني أي السجدة والسجدتين، فعلى الوجهين يدل على ما ذهب
إليه الشيخ في السجود، وعلى الثاني يدل على ما قدمنا نقله عن الشيخين من ابطال
مطلق الشك في الأولتين، وحينئذ فمع هذا الاجمال وتعدد الاحتمال يشكل
العمل به في مقابلة تلك الأخبار الصحيحة الصريحة الدلالة في عدم الفرق بين
الأوليين والأخيرتين.

(1) الوسائل الباب 14 من السجود
147

احتج من قال بأن كل سهو يلحق الأوليين أو شك فإن يوجب الإعادة بجملة
من الأخبار الآتية إن شاء الله تعالى في مسألة الشك في الأوليين:
ومنها - رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " إذا سهوت
في الركعتين الأولتين فأعدهما ".
وحسنة الحسن بن علي الوشاء (2) قال: " قال لي أبو الحسن الرضا (عليه
السلام) الإعادة في الركعتين الأولتين والسهو في الركعتين الأخيرتين " ونحوهما.
وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق المسألة في الموضع المشار إليه.
وأما أما ذهب إليه ابن أبي عقيل من بطلان الصلاة بترك السجدة فقد تقدم
القول فيه في فصل السجود منقحا.
الموضع الثاني - في أن محل قضائها بعد الفراغ من الصلاة وهو الذي عليه
الأكثر من الأصحاب، ويدل عليه صحيحتا إسماعيل بن جابر وأبي بصير وصحيحة
ابن أبي يعفور وموثقة عمار المتقدم جميع ذلك في المسألة (3).
وقال الشيخ أبو الحسن علي بن الحسين بن بابويه في رسالته على ما نقله عنه
في الذكرى: فإن نسيت سجدة من الركعة الأولى فذكرتها في الثانية من قبل أن
تركع فأرسل نفسك فاسجدها ثم قم إلى الثانية وابتدئ القراءة فإن ذكرت
بعد ما ركعت فاقضها في الركعة الثالثة، وإن نسيت سجدة من الركعة الثانية
وذكرتها في الثالثة قبل الركوع فأرسل نفسك واسجدها فإن ذكرتها بعد الركوع
فاقضها في الركعة الرابعة، وإن كانت سجدة من الركعة الثالثة وذكرتها في الرابعة
فأرسل نفسك واسجدها ما لم تركع وإن ذكرتها بعد الركوع فامض في صلاتك
واسجدها بعد التسليم. انتهى.

(1) الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة. واللفظ في كتب الحديث هكذا
" فأعدهما حتى تثبتهما "
(2) الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة
(3) ص 136 و 146
148

ونقل في الذكرى أيضا عن الشيخ المفيد (قدس سره) في الغرية أنه قال: إذا
ذكر بعد الركوع فليسجد ثلاث سجدات واحدة منها قضاء. ثم قال في الذكرى:
وكأنهما عولا على خبر لم يصل إلينا.
أقول: أما ما ذكره الشيخ علي بن بابويه فهو مأخوذ من كتاب الفقه
الرضوي على النهج الذي عرفته في غير موضع مما تقدم وإن كان بحذف بعض الزوائد
حيث قال (عليه السلام) (1): وإن نسيت السجدة من الركعة الأولى ثم ذكرت في
الثانية من قبل أن تركع فأرسل نفسك واسجدها ثم قم إلى الثانية وأعد القراءة،
فإن ذكرتها بعد ما ركعت فاقضها في الركعة الثالثة، وإن نسيت السجدتين جميعا من
الركعة الأولى فأعد صلاتك فإنه لا تثبت صلاتك ما لم تثبت الأولى، وإن نسيت
سجدة من الركعة الثانية وذكرتها في الثالثة فبل الركوع فأرسل نفسك واسجدها فإن
ذكرت بعد الركوع فاقضها في الركعة الرابعة وإن كانت سجدة من الركعة الثالثة
وذكرتها في الرابعة فأرسل نفسك واسجدها ما لم تركع فإن ذكرتها بعد الركوع فامض
في صلاتك واسجدها بعد التسليم. انتهى.
ثم إنه لا يخفى ما في افتاء الشيخ المزبور بعبارات هذا الكتاب والعدول عن
مثل هذه الأخبار المعارضة لها والصريحة في خلافها مع كونها بمرأى منه ومنظر من
مزيد اعتماده على الكتاب المذكور ووثوقه بكونه معلوما مقطوعا به عنه (عليه
السلام) وهو مؤيد لما اخترناه من العمل بأخبار الكتاب المذكور كغيره من كتب
الأخبار المشهورة والأصول المأثورة. إلا أن الظاهر في هذه المسألة هو القول المشهور
المعتضد بالأخبار المتقدمة الصحيحة الصريحة في القضاء بعد الفراغ ولا يحضرني
وجه تأويل لهذه الرواية وهي مرجأة إلى قائلها (عليه السلام).
وأما ما ذهب إليه الشيخ المفيد فلم أقف له على دليل، وصورة عبارته المحكية
عن الرسالة الغرية على ما نقله الفاضل الخراساني في الذخيرة " أن ذكر بعد الركوع

(1) ص 10
149

فليسجد ثلاث سجدات واحدة منها قضاء والاثنتان للركعة التي هو فيها " وهي أظهر
دلالة من العبارة المنقولة في الذكرى وكأنه في الذكرى قد اختصر العبارة " ولا يخفى
أن مذهب الشيخ المفيد في المقنعة موافق للقول الشمهور. والله العالم.
الموضع الثالث - في وجوب سجدتي السهو في قضاء السجدة، وهو المشهور
كما عرفت بل نقل العلامة في المنتهى والتذكرة عليه الاجماع مع أنه في المختلف
حكى الخلاف في ذلك عن ابن أبي عقيل وابني بابويه والشيخ المفيد في المسائل الغرية
احتج القائلون بوجوبهما برواية سفيان بن السمط عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) قال: " تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان... ".
وأنت خبير بأن هذه الرواية (أولا) معارضة بأخبار كثيرة دالة على عدم
وجوب سجدتي السهو في كثير من مواضع الزيادة والنقصان (2).
(وثانيا) - بصحيحة أبي بصير المتقدمة في الموضع الثاني من الصورة
الثانية (3) لقوله (عليه السلام) فيها " قضاها وحدها وليس عليه سهو ".
وموثقة عمار (4) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)... وساق الخبر إلى أن قال: " وسئل عن الرجل ينسى الركوع أو ينسى سجدة هل عليه سجدتا السهو؟ قال
لا قد أتم الصلاة ".
ورواية محمد بن منصور (5) قال: " سألته عن الذي ينسى السجدة الثانية
من الركعة الثانية أو شك فيها؟ فقال إذا خفت أن لا تكون وضعت وجهك إلا
مرة واحدة فإذا سلمت سجدت سجدة واحدة وتضع وجهك مرة واحدة وليس
عليك سهو "
وأما ما ذكره الشيخ في تأويل رواية أبي بصير - من حمل قوله (عليه السلام)

(1) الوسائل الباب 32 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 3 و 7 و 14 و 23 و 24 و 26 من الخلل في الصلاة
(3) ص 136
(4) الوسائل الباب 23 من الخلل في الصلاة
(5) الوسائل الباب 14 من السجود
150

" وليس عليه سهو " على معنى أنه لا يكون في حكم السهاة بل يكون حكم القاطعين
لأنه إذا ذكر ما كان فاته وقضاه لم يبق شئ يشك فيه فخرج عن حد السهو - فبعده
أظهر من أن يخفى.
و (ثالثا) الأخبار الواردة في المسألة كصحيحة إسماعيل بن جابر وصحيحة ابن أبي يعفور وموثقة عمار والتقريب فيها أنه لو كان سجود السهو واجبا لا شار (عليه
السلام) إليه لن المقام مقام البيان.
و (رابعا) تأيد ذلك بموافقة الأصل فإن الأصل براءة الذمة حتى يقوم
الدليل الواضح.
وبالجملة فالظاهر عندي من الأخبار هو القول الثاني وإن كان الاحتياط في
العمل بالقول المشهور.
المقام الثاني - في التشهد والمشهور أنه يجب قضاؤه ما لم يذكره إلا بعد الركوع
وتجب سجدتا السهو معه.
وقد وقع الخلاف هنا في موضعين: (الموضع الأول) في وجوب القضاء
وهو المشهور كما عرفت، وذهب الشيخ المفيد والصدوقان إلى أنه يجزئ التشهد الذي
في سجدتي السهو عن القضاء، ونسب الشهيد في الذكرى هذا القول للشيخ المفيد
في المسائل الغرية، وهو كذلك فإنه في المقنعة قد صرح بموافقة القول المشهور
ذكر ذلك في موضعين.
احتج الأولون بما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما
(عليهما السلام) (1) " في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهد حتى ينصرف؟
فقال إن كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهد وإلا طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه ".
وعن علي بن أبي حمزة (2) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا قمت

(1) الوسائل الباب 7 من التشهد
(2) الوسائل الباب 26 من الخلل في الصلاة
151

في الركعتين الأولتين ولم تتشهد فذكرت قبل أن تركع فاقعد وتشهد وإن لم تذكر حتى
تركع فامض في صلاتك كما أنت فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما ثم
تشهد التشهد الذي فاتك ".
احتج جملة من الأصحاب للقول الثاني بالأخبار الكثيرة الدالة على أن ناسي
التشهد حتى يركع يجب عليه سجدتا السهو من غير تعرض لذكر التشهد فيهما مثل
صحاح سليمان بن خالد وعبد الله بن سنان والحلبي المتقدمات في الموضع الثالث من
الصورة الثانية (1).
ونحوها ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) " في الرجل يصلي ركعتين من المكتوبة ثم ينسى
فيقوم قبل أن يجلس بينهما؟ قال فليجلس ما لم يركع وقد تمت صلاته، وإن لم يذكر حتى
ركع فليمض في صلاته وإذا سلم سجد سجدتين وهو جالس " ورواه الشيخ في
التهذيب (3) وذكر محل " سجد سجدتين " " نقر نقرتين " وما في الكافي أصوب لما
تقدم في صحيح أن أبي يعفور من النهي عن تسميتها نقرة.
وما رواه في التهذيب في الحسن عن الحسين بن أبي العلاء (4) قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصلي ركعتين من المكتوبة لا يجلس فيهما حتى يركع
في الثالثة؟ قال فليتم صلاته ثم يسلم ويسجد سجدتي السهو وهو جالس قبل أن يتكلم "
وعن أبي بصير في الموثق (5) قال: " سألته عن الرجل ينسى أن يتشهد؟ قال
يسجد سجدتين يتشهد فيهما ".
وعن أبي بصير في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6) قال: " سألته

(1) ص 140 وقد تقدم أن الصحيح عبد الله بن أبي يعفور بدل عبد الله بن سنان.
(2) الوسائل الباب 9 من التشهد
(3) ج 1 ص 234. ولفظه هكذا " نقر ثنتين ".
(4) الوسائل الباب 7 من التشهد
(5) الوسائل الباب 7 من التشهد
(6) الوسائل الباب 7 من التشهد. والراوي لهذا اللفظ هو ابن أبي يعفور ولم نعثر على رواية لأبي بصير بهذا اللفظ
152

عن الرجل يصلي ركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما؟ فقال إن كان ذكر وهو قائم
في الثالثة فليجلس وإن لم يذكر حتى يركع فليتم صلاته ثم يسجد سجدتين وهو
جالس قبل أن يتكلم ".
وعن الحسن الصيقل عن أبي عبه الله (عليه السلام) (1) " في الرجل يصلي
الركعتين من الوتر ثم يقوم فينسى التشهد حتى ركع ويذكر وهو راكع؟ قال يجلس من
ركوعه ويتشهد ثم يقوم فيتم. قال قلت أليس قلت في الفريضة إذا ذكره بعد ما
يركع مضى ثم سجد سجدتين بعد ما ينصرف يتشهد فيهما؟ قال ليس النافلة مثل الفريضة "
أقول: وهذه الأخبار وإن كانت كما ذكره المستدل من الدلالة على مجرد سجود
السهو من غير تعرض للتشهد إلا أن المدعى في كلام أولئك القائلين بهذا القول
مركب من أمرين (أحدهما) عدم وجوب قضاء التشهد. و (ثانيهما) قيام تشهد
سجدتي السهو مقام التشهد المنسي، وهذه الأخبار لا تفي إلا بالأول.
والتحقيق والصواب وإن لم يهتد إليه أحد من متأخري الأصحاب إن أولئك
الجماعة إنما عولوا في هذا المقام على كتاب الفقه الرضوي حيث قال (عليه السلام) (2)
وإن نسيت التشهد في الركعة الثانية فذكرت في الثالثة فأرسل نفسك وتشهد ما لم تركع
فإن ذكرت بعد ما ركعت فامض في صلاتك فإذا سلمت سجدت سجدتي السهو
وتشهدت فيهما ما قد فاتك انتهى.
وبهذه العبارة عبر الصدوق في الفقيه فقال: وإن نسيت التشهد في الركعة الثانية
وذكرته في الثالثة فأرسل نفسك وتشهد ما لم تركع فإن ذكرت بعد ما ركعت فامض في
صلاتك فإذا سلمت سجدت سجدتي السهو وتشهدت فيهما التشهد الذي قد فاتك.
وهذا القول هو الظاهر عندي لظاهر خبر الكتاب المعتضد بتلك الأخبار
الصحيحة الصريحة فإنها على كثرتها إنما تضمنت مجرد سجود السهو مع أنها واردة في
مقام البيان فلو كان قضاء التشهد واجبا لذكر ولو في بعضها.

(1) الوسائل الباب 8 من التشهد
(2) ص 10
153

وأما ما استدل به للقول المشهور فهو بمحل من القصور، أما صحيحة محمد بن
مسلم فإن موردها التشهد الأخير ومحل البحث في الأخبار وكلام الأصحاب إنما هو
التشهد الأول للتفصيل الواقع في الأخبار وكلامهم بكون الذكر قبل الركوع
أو بعد الركوع.
وأما رواية علي بن أبي حمزة فهي وإن كان موردها التشهد الأول إلا أن ظاهرها
أن التشهد الذي بعد الفراغ إنما هو تشهد سجدتي السهو وأنه يقصد به التشهد الذي
فاته، فهي بالدلالة على خلاف مرادهم أنسب وإلى الدلالة على ما ندعيه أقرب،
إذ مرجع ما دلت عليه إلى ما صرحت به عبارة كتاب الفقه المذكورة، على أن
المفهوم من كلامهم أن الواجب هو الاتيان بالأجزاء المنسية أو لا ثم سجود السهو
لها ومقتضى هذه الرواية بناء ما يدعونه هو تقديم سجود السهو على قضاء الأجزاء
فلا يتم الاستناد إليها من هذه الجهة.
وكيف كان فينبغي بناء على ما اخترناه أن يقصد بتشهده في سجدتي السهو
قضاء التشهد المنسي.
وأما ما رواه الشيخ عن محمد بن علي الحلبي (1) - قال: " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الرجل يسهو في الصلاة فينسى التشهد؟ قال يرجع فيتشهد.
قلت أيسجد سجدتي السهو؟ فقال لا ليس في هذا سجدتا السهو " - فمحمول على ما
إذا ذكر ذلك قبل الركوع.
الموضع الثاني - في وجوب سجدتي السهو في الموضع المذكور وقد عرفت
تكاثر الأخبار بذلك، وهو الذي صرح به أكثر الأصحاب (رضوان الله عليهم) بل
بعض شراح الشرائع أنه لا خلاف فيه بين الأصحاب.
قال في الذخيرة: ونقل في المختلف والذكرى الخلاف فيه عن ابن أبي عقيل
والشيخ في الجمل والاقتصاد ولم يذكره أبو الصلاح في ما يوجب سجدة السهو.
أقول: إنه إن كان مراده (قدس سره) أنهما صرحا في الكتابين المذكورين

(1) الوسائل الباب 9 من التشهد
154

بنقل القول بنفي السجود في الموضع المذكور عن ابن أبي عقيل والشيخ في الكتابين
المذكورين فالظاهر أنه ليس كذلك لأني لم أقف عليه بعد المراجعة والتتبع، نعم
نقل عنهما عدم عد ذلك في ما يجب له سجود السهو حيث حصراه في مواضع ليس
هذا منها، فكان الأولى نسبة القول إليهما بما نقله عن أبي الصلاح.
قال في الذخيرة بعد نقل جملة من الأخبار المتقدمة الدالة على وجوب سجدتي
السهو في هذه الصورة: وهذه الأخبار وإن كانت غير صريحة في الوجوب إذا لم
يثبت كون الأمر في أخبارنا حقيقة في الوجوب لكن لا يبعد أن يعول في الوجوب
على هذه الأخبار بمعونة الشهرة لكن ذلك لا يخلو من شوب النطر والتأمل.
انتهى. وهو من جملة تشكيكاته الواهية التي هي لبيت العنكبوت - وأنه لأضعف
البيوت - مضاهية، وقد أوضحنا في غير مقام مما تقدم فساده وأن فيه خروجا عن
الدين عن حيث لا يشعر قائله.
وأما ما رواه الشيخ في الموثق بابن بكير عن زرارة (1) قال: " سألت
أبا جعفر (عليه السلام) هل سجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) سجدتي السهو قط؟
فقال لا ولا يسجد هما فقيه، فأجاب عنها في الذخيرة بأنه يمكن حملها على أن الفقيه
يسعى في حفظ صلاته بالتوجه فيها بحيث لا يصدر منه السهو. قال: وفيه بعد
لكن الرواية غير معمولة بين الأصحاب فيشكل التعويل عليها. انتهى،
أقول: الأظهر في الجواب عنها هو حمل الفقيه على الإمام (عليه السلام)
فإنه هو الفقيه الحقيقي بمعنى أنه لم يسجدها رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعصمته
عن السهو ولا يسجدها إمام بعده للعلة المذكورة. وفي الخبر المذكور رد ظاهر
للأخبار الدالة على سهوه (صلى الله عليه وآله) ولا سيما ما دل منها على أنه سجد
سجدتي السهو.
(المسألة السادسة) - لو سها عن الركوع فله صور: (الأولى) أن يذكر

(1) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة
155

بعد الدخول في السجود، والأشهر الأظهر بطلان الصلاة، وقد تقدم تحقيق المسألة
ونقل خلاف الشيخ في ذلك في المسألة الأولى.
وقد صرح بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين بأنه لا فرق في
البطلان إذا ذكر بعد وضع الجبهة بين كون وضعها على ما يصح السجود عليه وما
لا يصح، قال ولو ذكر بعد وضع الجبهة سواء كان على ما يصح السجود عليه أم لا
فالمشهور حينئذ بطلان الصلاة. ثم نقل خلاف الشيخ المشار إليه.
وعندي في ذلك اشكال فإنه لا ريب في أن وضع الجبهة على ما لا يصح السجود
عليه لغير تقية ولا ضرورة ليس بسجود شرعي بل هو في حكم العدم فكيف يمتنع
العود منه إلى الركوع ويحكم ببطلان الصلاة؟ فإن استندوا إلى اطلاق الأخبار المتقدمة
مثل صحيحة رفاعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " سألته عن رجل
ينسى أن يركع حتى يسجد ويقوم؟ قال يستقبل " ونحوها، فإنه لا ريب في أن
المراد بالسجود فيها هو السجود الشرعي فإنه هو المتبادر الذي ينصرف إليه الاطلاق
وأيضا فإنهم صرحوا بأنه متى سها عن ركن تداركه متى لم يدخل في ركن والدخول
في الركن بالسجود على ما لا يصح السجود عليه ممنوع. وبالجملة فإنه إن اعتد بهذا
السجود في الصلاة وحكم بصحته فما ذكروه صحيح لكنهم لا يقولون به وإلا فلا
معنى للحكم بالبطلان بل الواجب تدارك الركوع لبقاء المحل ثم الاتيان بالسجود الشرعي
الثانية - أن يذكر بعد الهوى للسجود ولما يسجد بمعنى أنه تجاوز قوس الراكع،
وقد صرحوا بأنه يجب عليه أن يقوم منتصبا لوجوب الهوى للركوع عن قيام، بل
عد جملة منهم القيام المتصل بالركوع ركنا كما تقدم ذكره في فصل القيام وهو
المشهور في كلامهم، وهو لا يتحقق إلا بقصد الهوى للركوع عنه وحينئذ فيجب القيام
أولا ثم الركوع.
ويدل على وجوب الاتيان بالركوع في الصورة المذكورة أن الذمة مشغولة

(1) الوسائل الباب 10 من الركوع
156

بفعله ولا مانع لعدم تجاوز المحل فيبقى الخطاب به في الحال المذكورة.
ويعضده اطلاق صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) قال: " إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا
فاقض الذي فاتك سهوا " يحملها على صورة التذكر قبل فوات المحل بمعونة ما دل على أن نسيانه حتى يفوت المحل موجب لبطلان الصلاة.
ويؤيده ما سيجئ أيضا من وجوب الاتيان به إذا شك في فعله قبل فوات
محله ففي صورة النسيان أولى بمعونة الحكم بعدم البطلان استنادا إلى الأصل.
ومقتضى التعليلات المذكورة في هذه الصورة هو حصول النسيان في حال القيام
وبه يفرق بينها وبين ما يأتي بعدها.
الثالثة - هي الصورة الثانية بمعنى الذكر بعد الهوى للسجود وتجاوز قوس
الراكع ولكن عروض السهو إنما هو بعد الهوى الركوع وقبل الدخول في قوس
الراكع، والحكم هنا عندهم هو الرجوع بأن يقوم منحنيا إلى قوس الراكع خاصة من
غير انتصاب، لأنه قد هوى بقصد الركوع وإنما عرض له السهو بعد ذلك فلا يجب
إعادة القيام حينئذ.
الرابعة - هي الصورة بحالها ولكن عرض السهو بعد الدخول في قوس
الراكع، وفي العود حينئذ اشكال لأنه قد حصل الركن الركوعي بمجرد الدخول في
قوس الراكع لأن الركوع عبارة عن الأنحاء على الكيفية المخصوصة وقد حصل،
والذكر والطمأنينة واجبات خارجه عن حقيقته واستدراكها موجب لزيادة الركوع.
ومقتضى ذلك أنه يمضي في صلاته لحصول الركوع الشرعي والهوى له بعد القيام،
ولم يحصل هنا غير الاخلال بالذكر والطمأنينة وقد عرفت أنها واجبات خارجة
لا يضر تركها سهوا والمحل غير قابل لاستدراكها لما عرفت من أن ذلك موجب
لزيادة ركن في الصلاة. وإلى ما ذكرناه يميل كلام السيد السند في المدارك والفاضل

(1) الوسائل الباب 26 من الخلل في الصلاة
157

الخراساني في الذخيرة وهو الظاهر لما عرفت.
وأما ما ذكره شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني (قدس
سره) في رسالته الصلاتية في هذه الصورة - حيث قال: ولو كان عروضه - يعني
السهو - بعد وصوله إلى حد الراكع ففي تحريم العود نظر - فلا أعرف له وجها.
ولتلميذه المحدث الشيخ عبد الله بن الحاج صالح البحراني (قدس سره) في شرحه
على الرسالة المذكورة في توجيه ذلك وموافقته له على التوقف في هذه المسألة كلام
لا يخلو من السهو والاشكال الناشئ عن الاستعجال. وبالجملة فالحق عندي في
المسألة ما تقدم ذكره.
تنبيه
قد تقدم في الفصل الخامس في الركوع أن من جملة واجبات الركوع أن يقصد
بهويه عن القيام إليه فلو هوى لا بقصده بل لغرض آخر لم يحصل بوصوله إلى قوس
الراكع ركوع، بل ولو نوى الركوع في تلك الحال فإنه لا يجزئه بل يجب عليه أن
يقوم منتصبا وينوي الهوى له.
وظاهر الفاضل الخراساني التوقف في ذلك، قال في الذخيرة بعد ذكر
وجوب القيام في الصورة الثانية من الصور المتقدمة: وربما يقال إنه معلل باستدراك
الهوى إلى الركوع فإنه واجب ولم يقع بقصد الركوع. ذكر ذلك غير واحد من
الأصحاب وللنزاع في اثبات وجوب الهوى المذكور مجال إلا أن اليقين بالبراءة من
التكليف الثابت يقتضيه.
أقول: لا يخفى أن اللازم مما ذكره أنه لو هوى في صلاته لتناول شئ حتى
جاوز قوس الراكع هو بطلان صلاته لحصول الركوع إذ الركوع ليس إلا عبارة عن
الانحناء حتى تصل يداه ركبتيه وقد حصل وإن لم يحصل القصد إليه والذكر والطمأنينة
إنما هي واجبات خارجة، ولا أظنه يلتزمه، مع أن العبادات مشروطة بالقصود
والنيات فلا ينصرف الفعل إلى كونه عبادة إلا بالنية والقصد إليها وإلا فهو في حد
158

ذاته أعم من ذلك كما تقدم تحقيقه في باب الوضوء من كتاب الطهارة وعليه دلت
الأخبار الكثيرة كقوله (عليه السلام) (1) " إنما الأعمال بالنيات " ونحوه مما
تقدم في الموضع المشار إليه.
وقد روى الشيخ والصدوق عن زكريا الأعور (2) قال: " رأيت أبا الحسن
(عليه السلام) يصلي قائما وإلى جانبه رجل كبير يريد أن يقوم ومعه عصا له فأراد
أن يتناولها فانحط أبو الحسن (عليه السلام) وهو قائم في صلاته فناول الرجل العصا
ثم عاد إلى صلاته " وهو مؤيد لما ذكرناه.
نعم روى الثقة الجليل علي بن جعفر في كتاب المسائل عن أخيه موسى (عليه
السلام) (3) قال: " سألته عن المرأة تكون في صلاتها قائمة يبكي ابنها إلى جنبها
هل يصلح لها أن تتناوله وتحمله وهي قائمة؟ قال: لا تحمل وهي قائمة ".
قال شيخنا المجلسي في كتاب البحار بعد نقل الخبر المذكور: " لا تحمل وهي
قائمة " يمكن أن يكون ذلك لاستلزام زيادة الركوع بناء على عدم اشتراط النية في
ذلك، وظاهر بعض الأصحاب اشتراطها. ثم نقل كلام الشهيد في الذكرى الدال على
وجوب القصد بالهوى إلى الركوع ثم نقل رواية زكريا الأعور، وقال بعدها: وهذا
يدل على الجواز وعلى الاشتراط المذكور. ثم قال: وذكر العلامة والشهيد وغيرهما
مضمون الرواية من غير رد، ويمكن الجمع بينهما بحمل هذا الخبر على الفريضة أو
الكراهة وخبر الأعور على النافلة أو على الجواز، والأول أظهر. انتهى.
أقول: لا يخفى أن خبر علي بن جعفر غير ظاهر في المنافاة ليحتاج إلى تكلف
الجمع بينه وبين خبر الأعور، فإنه (عليه السلام) إنما نهى عن الحمل في الصلاة
أعم من أن يكون بالتناول من الأرض أو لا به، ولو كان المراد النهي من حيث استلزام

(1) الوسائل الباب 5 من مقدمة العبادات
(2) الوسائل الباب 12 من القيام
(3) الوسائل الباب 24 من قواطع الصلاة
159

حصول الركوع لكان الظاهر التعبير بقوله " لا تتناول " فإنه هو المستلزم لحصول
الانحناء الموجب لكونه ركوعا وإن لم يكن مقصودا.
بقي الكلام في النهي عن المحل مع ورود الأخبار الكثيرة بجواز مثله في
الصلاة من الأفعال التي لا تعد كثيرة وهي مسألة أخرى لا تتعلق بمحل البحث،
ولعل النهي محمول على الكراهة من حيث الاخلال بوظائف القيام من وضع اليدين
في الموضع الموظف أو بالنسبة إلى القنوت أو نحو ذلك. ويعضد ما قلناه اطلاق
موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " لا بأس أن
تحمل المرأة صبيها وهي تصلي أو ترضعه وهي تتشهد "
وبالجملة فإن الخبر غير ظاهر المنافاة، مع ما عرفت من أن الأفعال في حد ذاتها
لا تصلح لكونها عبادات يصح التقرب بها إلا باعتبار القصود إليها والنيات كما دلت
عليه جملة من الأخبار المتقدمة في الموضع المشار إليه آنفا.
وحينئذ فالظاهر أن ما ذكره شيخنا المزبور بمحل من البعد والقصور وكأنه
جرى على ما جرى عليه الفاضل المتقدم ذكره فإنه كثيرا ما يحذو حذوه في
الأحكام ويعتمد كلامه في غير مقام كما لا يخفى على من له أنس بطريقته في الكتاب
المذكور. والله العالم.
المطلب الثالث في الشك
والمراد به في هذا المقام عند الأصحاب - كما صرح به غير واحد - هو تساوي
الاعتقادين وتكافؤهما، والمفهوم من كلام أهل اللغة أنه ما قابل اليقين وهو
حينئذ أعم من الشك بهذا المعنى وما يشمل الظن، والتخصيص بهذا المعنى الذي
ذكره الأصحاب اصطلاح أهل المعقول، فإن العلم عندهم عبارة عن الاعتقاد الجازم
المطابق للواقع، والظن عبارة عن الاعتقاد الراجح الغير المانع من النقيض ويقابله

(1) الوسائل الباب 24 من قواطع الصلاة
160

الوهم، والشك عبارة عن تساوي الاعتقادين من غير ترجيح، والأصحاب قد جروا
في أكثر هذه المعاني في أبواب الفقه وحل الأحكام على كلام أهل اللغة.
والمفهوم من الأخبار أن العلم شرعا أعم مما ذكروه ومن الظن، فإن يقين
الطهارة والحلية المأمور بالأخذ بهما حتى يقوم الدليل على خلاف ذلك أنما هو عبارة
عن عدم العلم بالرافع لا العلم بعدمه كما تقدم تحقيقه في الباب الخامس من كتاب الطهارة
والظن لغة لمعان: منها - الشك واليقين، قال في كتاب بجمع البحرين نقلا عن
بعضهم أنه يقع لمعان أربعة: منها معنيان متضادان أحدهما الشك والآخر اليقين الذي
لا شك فيه، قال: فأما بمعنى الشك فأكثر من أن تحصى شواهده وأما بمعنى اليقين
فمنه قوله عز وجل " وإنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا " (1) ثم
أطال إلى أن قال: والمعنيان الغير المتضادين أحدهما الكذب والآخر التهمة... إلى
آخر كلامه زيد في مقامه. وأما الوهم فكثيرا ما يطلق في الأخبار على الظن كما
سيأتي إن شاء الله تعالى.
وأما الشك فقد فسر في الصحاح والقاموس بأنه خلاف اليقين، وقال في
كتاب المصباح المنير: قال أئمة اللغة الشك خلاف اليقين فقولهم خلاف اليقين
هو التردد بين شيئين سواء استوى طرفاه أو رجح أحدهما على الآخر، قال الله
تعالى " فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك " (2) قال المفسرون أي غير مستيقن وهو
يعم الحالتين. وقال الأزهري في موضع من التهذيب الظن هو الشك وقد يجعل بمعنى
اليقين. وقال في موضع آخر: الشك نقيض اليقين. ففسر كل واحد بالآخر، وكذلك
قال جماعة. وقال ابن فارس الظن يكون شكا ويقينا، وقد استعمل الفقهاء الشك في
الحالين على وفق اللغة نحو قولهم من شك في الطلاق ومن شك في الصلاة أي لم
يستيقن سواء رجح أحد الجانبين أم لا، وكذلك قولهم - من تيقن الطهارة وشك في
الحدث وعكسه - أنه يبنى على اليقين. انتهى ما ذكره في المصباح المنير.

(1) سورة الجن الآية 12
(2) سورة يونس الآية 94
161

وبالجملة فالواجب الرجوع في كل جزئي من جزئيات الشك الروايات في
ذلك المقام وما تدل عليه من العموم أو الخصوص في هذه المعاني المذكورة كما سنشير
إليه إن شاء الله تعالى في ما سيأتي منها.
وكيف كان فالبحث في هذا المطلب يقع في مسائل: (الأولى) لا خلاف بين
الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أنه متى شك في عدد الثنائية - كالصبح، وصلاة السفر
وصلاة الجمعة والعيدين إذا كانت واجبة والكسوف - والمغرب فإنه موجب لبطلانها
ونقلوا الخلاف هنا عن ابن بابويه، قال في المنتهى: إنه قول علمائنا أجمع إلا ابن
بابويه فإنه جوز البناء على الأقل والإعادة.
أقول: قد اشتهر في كلام الأصحاب من العلامة فمن دونه نقل الخلاف عن
ابن بابويه في مواضع من الشكوك كما ستمر بك إن شاء الله تعالى مع أنه لا أصل له
وهذا من أعجب العجاب عند ذوي الألباب، والسبب في ذلك هو تقليد المتأخر
لمتقدم من غير مراجعة لكلام ابن بابويه والنظر فيه بعين التأمل والتحقيق كما سيظهر
لك إن شاء الله تعالى في ما نشرحه لك من البيان الرشيق، ومن جملتها هذا الموضع
فإن كلامه فيه جار على ما جرى عليه الأصحاب ودلت عليه الأخبار في الباب،
فإنه قال في كتاب الفقيه في باب أحكام السهو في الصلاة: ومن شك في المغرب فعليه
الإعادة ومن شك في الغداة فعليه الإعادة ومن شك في الجمعة فعليه الإعادة. وقال
في كتاب المقنع: وإذا شككت في الفجر فأعد وإذا شككت في المغرب فأعد.
وسيأتيك قريبا إن شاء الله تعالى التنبيه على بقية المواضع التي نسبوا إليه فيها الخلاف
ثم إنه مما يدل على الحكم المذكور الأخبار الكثيرة: ومنها - ما رواه الشيخ
في الصحيح عن الحلبي وحفص بن البختري وغير واحد عن أبي عبد الله (عليه
السلام) قال: " إذا شككت في المغرب فأعد وإذا شككت في الفجر فأعد ".
وما رواه في الكافي عن محمد بن مسلم في الصحيح (2) قال: " سألت أبا عبد الله

(1) الوسائل الباب 2 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 2 من الخلل في الصلاة
162

(عليه السلام) عن الرجل يصلي ولا يدري واحدة صلى أم اثنتين؟ قال يستقبل حتى
يستيقن أنه قد أتم، وفي المغرب وفي الصلاة في السفر ".
وعن يونس عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " ليس في
المغرب والفجر سهو ".
وما رواه في التهذيب عن أبي بصير في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
في حديث قال: " إذا سهوت في المغرب فأعد ".
وعن سماعة في الموثق (3) قال: " سألته عن السهو في صلاة الغداة قال إذا لم
تدر واحدة صليت أم ثنتين فأعد الصلاة من أولها، والجمعة أيضا إذا سها فيها الإمام
فعليه أن يعيد الصلاة " لأنها ركعتان، والمغرب إذا سها فيها فلم يدر كم ركعة صلى
فعليه أن يعيد الصلاة " أقول: قوله " لأنه ركعتان " كأنه ضابط كلي في وجوب
الإعادة في الثنائية.
وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما السلام) (4) قال: " سألته
عن السهو في المغرب؟ قال يعيد حتى يحفظ، أنها ليست مثل الشفع ".
وعن العلاء بن رزين في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال:
" سألته عن الرجل يشك في الفجر؟ قال يعيد. قلت المغرب؟ قال نعم والوتر والجمعة،
من غير أن أسأله ".
وروى الصدوق في الخصال في القوي عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن الصادق
عن آبائه (عليهم السلام) (6) قال: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يكون
السهو في خمس: في الوتر والجمعة والركعتين الأولتين من كل صلاة وفي الصبح والمغرب "
وروى الحميري في كتاب قرب الإسناد عن محمد بن خالد الطيالسي عن العلاء
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (7) قال: " سألته عن الرجل يصلي الفجر فلا يدري
أركعة صلى أو ركعتين؟ قال يعيد. فقال له بعض أصحابنا وأنا حاضر: والمغرب؟

(1) الوسائل الباب 2 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 2 من الخلل في الصلاة
(3) الوسائل الباب 2 من الخلل في الصلاة
(4) الوسائل الباب 2 من الخلل في الصلاة
(5) الوسائل الباب 2 من الخلل في الصلاة
(6) الوسائل الباب 2 من الخلل في الصلاة
(7) الوسائل الباب 2 من الخلل في الصلاة
163

قال: والمغرب. فقلت له أنا: والوتر؟ قال نعم والوتر والجمعة ".
وفي المقام فوائد يحسن التنبيه عليها: (الأول) قد روى الشيخ (قدس سره)
عن عمار الساباطي في الموثق (1) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل
شك في المغرب فلم يدر ركعتين صلى أم ثلاثا؟ قال يسلم ثم يقوم فيضيف إليها ركعة.
ثم قال هذا والله مما لا يقضى أبدا ".
وعن عمار الساباطي (2) أيضا في الموثق قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن رجل لم يدر صلى الفجر ركعتين أو ركعة؟ قال يتشهد وينصرف ثم يقوم
فيصلي ركعة فإن كان صلى ركعتين كانت هذه تطوعا وإن كان صلى ركعة كانت
هذه تمام الصلاة. قلت فصلى المغرب فلم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا؟ قال يتشهد
وينصرف ثم يقوم فيصلي ركعة فإن كان صلى ثلاثا كانت هذه تطوعا وإن كان صلى
اثنتين كانت هذه تمام الصلاة، وهذا والله مما لا يقضى أبدا ".
وهذان الخبران كما ترى ظاهران في المنافاة لما استفاض في الأخبار المعتضدة
باتفاق الأصحاب (رضوان الله عليهم) والذي ينبغي ارجائهما إلى قائلهما (عليه السلام)
وأجاب الشيخ (قدس سره) في التهذيب عنهما بأنه يحتمل أن يكون المراد من شك
ثم غلب على ظنه الأكثر وتكون إضافة الركعة على وجه الاستحباب. وأجاب
في الإستبصار بأنهما شاذان مخالفان للأخبار كلها فإن الطائفة قد اجتمعت على ترك
العمل بهما. ثم احتمل حملهما على نافلتي الفجر والمغرب. ولا يخفى ما في هذا الحل
من البعد فإن الخبرين ظاهران في الفريضة، فإن قوله " فيضيف إليها ركعة " في
الأول وقوله: " فإن كان صلى ركعتين كانت هذه تطوعا " في الثاني يناديان بأن
المراد بهما الفريضة، وكذا قوله في الخبر الثاني " كانت هذه تمام الصلاة ".
قال في الوافي بعد استبعاد حمل الشيخ: أقول ويحتملان في المغرب الرخصة
وذلك لأنه قد حفظ الركعتين وإنما شك في الثالثة فلا يبعد الاتمام، وفي اطلاق حديث

(1) الوسائل الباب 2 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 2 من الخلل في الصلاة
164

البقباق والخبر الآتي (1) اشعار بذلك. ثم قال: ولو كان الراوي غير عمار لحكمنا
بذلك إلا أن عمارا ممن لا يوثق بأخباره.
وقال شيخنا المجلسي في البحار بعد نقل خبر عمار الثاني والكلام فيه:
وبالجملة فيشكل التعويل على هذا الخبر الذي هو رواية عمار الذي قلما يكون خبر من
أخباره خاليا من تشويش واضطراب في اللفظ أو المعنى وترك الأخبار الكثيرة
الصحيحة الدالة على البطلان وإلا كان يمكن القول بالتخيير. وأما قوله (عليه
السلام) في آخر الحديثين " وهذا والله مما لا يقضى أبدا " فلعل معناه أن هذا الحكم
مما لا يقضي به العامة لأنهم يرون أن مثل هذا الشك مما يوجب الإعادة. انتهى.
أقول: والأظهر في الخبرين المذكورين هو ما قدمنا ذكره والحمل على
التقية غير بعيد، واستقربه في الوسائل قال لموافقتهما لجميع العامة (2) وهو جيد
وأما قوله (عليه السلام) " إنه لا يقضى به أبدا " فالظاهر أنه إشارة إلى أن هذا
الكلام إنما خرج منه (عليه السلام) مخرج التقية في المخالفة بين الأحكام كما قدمنا
بيانه في المقدمة الأولى من مقدمات كتاب الطهارة بمعنى أنه لا يقضي به العامة لما ذكره
ولا الشيعة أيضا لما استفاض في أخبارهم من ابطال هذا الشك للصلاة ووجوب الإعادة
الثانية - أن ما دلت عليه الأخبار المذكورة من بطلان الصلاة بالشك في

(1) الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة رقم (13) و (3)
(2) في المهذب للشيرازي ج 1 ص 88 " إذا شك هل صلى ركعة أو ركعتين أو صلى
ثلاثا أو أربعا لزمه أن يأخذ بالأقل ويأتي بما بقي " وفي شرح النووي على صحيح مسلم
بهامش ارشاد الساري ج 3 ص 228 باب السهو في الصلاة " قال مالك والشافعي وأحمد
والجمهور متى شك في صلاته هل صلى ثلاثا أم أربعا مثلا لزمه البناء على اليقين فيجب أن
يأتي بالرابعة ويسجد للسهو " وفي نيل الأوطار للشوكاني ج 3 ص 97 " استدل بحديث
ابن عوف على البناء على الأقل الشافعي والجمهور " أقول: حديث ابن عوف يأتي في المسألة
الثالثة - بعد نقل الأخبار الدالة على بطلان الصلاة بالشك في عدد الأوليين والأخبار
المعارضة لها شاهدا على ورود الأخبار المعارضة للتقية.
165

المغرب هو المروف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وقد تقدم نقل ذلك عن
الصدوق إلا أن العلامة في المختلف والشهيد في الذكرى نقلا عنه في المقنع أنه قال:
إذا شككت في المغرب فلم تدرأ في ثلاث أنت أم في أربع وقد أحرزت الثنتين في نفسك
فأنت في شك من الثلاث والأربع فأضف إليها ركعة أخرى ولا تعتد بالشك، وإن ذهب
وهمك إلى الثالثة فسلم وصل ركعتين بأربع سجدات وأنت جالس. قال في الذكرى بعد
نقل ذلك: وهو نادر. وكتاب المقنع لا يحضرني في الآن لأراجع ذلك منه فليلاحظ.
ثم اعلم أن عموم النص والفتوى يقتضي عدم الفرق في وجوب الإعادة بين
الشك في الزيادة والنقصان، ويعضده ما رواه الشيخ عن الفضيل (1) قال: " سألته
عن السهو فقال في صلاة المغرب إذا لم تحفظ ما بين الثلاث إلى الأربع فأعد صلاتك ".
الثالثة - لا ظاهر من الروايات أن الشك في الفريضة الثنائية والثلاثية مبطل
مطلقا واجبة بالأصل أو بالعارض كصلاة السفر والصبح والجمعة والعيدين الواجبين
وصلاة الكسوف والصلاة المنذورة ثنائية أو ثلاثية وركعتي الطواف.
وينبغي أن يعلم أنه لو كان الشك في الصلاة الكسوف فإن كان الشك بين الركعة
الأولى والثانية أو بينهما وبين الثالثة بطلت لأنها ثنائية، وإن كان الشك إنما هو
في عدد الركوعات فإن تضمن الشك في الركعتين كما لو شك هل هو في الركوع الخامس
أو السادس؟ فإنه إن كان في السادس فهو في الركعة الثانية وإن كان في الخامس فهو
في الركعة الأولى بطلت أيضا، وإن أحرز ما هو فيه ولكن شك في عدد الركوع
فالأشهر الأظهر البناء على الأقل لأصالة عدم فعله، فهو في الحقيقة شك في فعل شئ
وهو في محله فيأتي به كركوع الصلاة اليومية.
وفي المسألة قولان نادران: أحدهما للقطب الراوندي والثاني للسيد جمال الدين
ابن طاووس في البشرى قد نقلهما في الذكرى وردهما، من أحب الوقوف عليهما
فليرجع إلى الكتاب المذكور.

(1) الوسائل الباب 2 من الخلل في الصلاة
166

الرابعة - ظاهر خبري الخصال وقرب الإسناد وكذا صحيح العلاء المنقول
برواية الشيخ أن الشك في الوتر يوجب البطلان، ولا يخلو من الاشكال لأنها
نافلة والمعروف من كلام الأصحاب هو التخيير في النافلة متى شك فيها بين البناء على
الأقل والأكثر وإن كان البناء على الأقل أفضل. وحملها على صلاة الوتر المنذورة
وإن أمكن إلا أنه لا يخلو من بعد. ويحتمل تخصيص عموم حكم النافلة بالأخبار
المذكورة فيقال باستثناء الوتر من ذلك الحكم، وقد نقل بعض مشايخنا المحققين أنه إلى
ذلك صار بعض المتأخرين.
وقيل إنه لما كان الوتر بطلق غالبا على الثلاث فيحمل على الشك بين الاثنتين
والثلاث إذ الشك بين الواحدة والاثنتين شك في الشفع حقيقة والشك بين الثلاث
والأربع نادر فيعود شكه إلى أنه علم ايقاع الشفع وشك في أنه أوقع الوتر أم لا
ولما كانت الوتر صلاة برأسها فإذا شك في ايقاعها يلزمه الاتيان بها وليس من قبيل
الشك في الركعات. انتهى.
الخامسة - ينبغي أن يعلم أن المراد بالشك في هذه المسألة ما هو أعم من الظن
لمقابلة الشك فيها باليقين كما في صحيح محمد بن مسلم من قوله (عليه السلام) " حتى
يستيقن أنه قد أتم " والتعبير في جملة من الأخبار المتقدمة بالدراية التي هي بمعنى العلم كما
صرح به أهل اللغة مثل قوله (عليه السلام) " إذا لم تدر واحدة صليت أم اثنتين "
أي إذا لم تعلم، ونحوها غيرها، فإنه (عليه السلام) جعل مناط الابطال عدم
العلم الشامل للظن. والمفهوم من كلام جمهور الأصحاب (رضوان الله عليهم) حمل
الشك على المعنى المشهور وحينئذ فلو ظن بنى على ظنه صحة وفسادا. والأخبار
تدفعه: منها - ما أشرنا إليه ومنها - ما يأتي في المسألة الآتية بعد هذه المسألة.
وسيأتي لهذه المسألة زيادة تحقيق أيضا في المسألة الخامسة إن شاء الله تعالى.
المسألة الثانية - قد صرح جملة من الأصحاب بأنه إذا شك في شئ من أفعال
الصلاة ركنا كان أو غيره فإن كان في موضعه أتى به وإن انتقل عنه إلى غيره مضى
167

في صلاته، وأنه لا فرق في ذلك بين الأولتين والأخيرتين.
وتفصيل هذه الجملة يقع في مقامات: (المقام الأول) أن ما ذكروه من
التلافي في محله والمضي بعده ركنا كان أو غيره مما لا أعرف فيه خلافا لا في كلام
الأصحاب ولا في الأخبار.
ويدل على الأول أصالة عدم فعله وبقاء الخطاب بفعله مضافا إلى جملة من الأخبار:
ومنها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن عمران الحلبي (1) قال: " قلت الرجل
يشك وهو قائم فلا يدري أركع أم لا؟ قال فليركع ".
وعن عبد الرحمان بن أبي عبد الله في الصحيح (2) قال: " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام) رجل رفع رأسه من السجود فشك قبل أن يستوي جالسا فلم يدر
أسجد أم لم يسجد؟ قال يسجد. قلت فرجل نهض من سجوده فشك قبل أن يستوي
قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال يسجد ".
وعن أبي بصير باسنادين أحدهما في الصحيح (3) قال: " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن رجل شك وهو قائم فلا يدري أركع أم لم يركع؟ قال يركع ويسجد "
وفي الصحيح أو الحسن عن الحلبي (4) قال: " سئل أبو عبد الله (عليه السلام)
عن رجل سها فلم يدر سجد سجدة أم اثنتين؟ قال يسجد أخرى وليس عليه بعد انقضاء
الصلاة سجدتا السهو ".
وما رواه في الكافي عن أبي بصير (5) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن رجل شك فلم يدر سجدة سجد أم سجدتين؟ قال يسجد حتى يستيقن
أنهما سجدتان ".
وعن الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6) " في رجل شبه عليه فلم يدر
واحدة سجد أو ثنتين؟ قال فليسجد أخرى ".

(1) الوسائل الباب 12 من الركوع.
(2) الوسائل الباب 15 من السجود
(3) الوسائل الباب 12 من الركوع.
(4) الوسائل الباب 15 من السجود
(5) الوسائل الباب 15 من السجود
(6) الوسائل الباب 15 من السجود
168

وما رواه في التهذيب عن أبي بصير والحلبي (1) " في الرجل لا يدري أركع
أم لم يركع؟ قال يركع ".
وجملة من هذه الأخبار وإن كانت مطلقة إلا أنه يجب حملها على بقاء محل
التدارك للأخبار المقيدة من قبيل حمل المطلق على المقيد، والأخبار الآتية الدالة على أنه يمضي في صلاته متى دخل في غيره.
وأما ما رواه الشيخ عن الفضيل بن يسار في الصحيح (2) - قال: " قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام) استتم قائما فلا أدري ركعت أم لا؟ قال: بلى قد ركعت
فامض في صلاتك فإنما ذلك من الشيطان " - فحملها الشيخ (قدس سره) على أنه
أراد (عليه السلام) إذا استتم قائما من الركعة الرابعة فلا يدري أركع في الثالثة
أم لا؟ ولا يخفى بعده.
قال في الذخيرة بعد ذكر تأويل الشيخ ورده بأنه بعيد ما صورته: والجمع
بالتخيير ممكن إلا أن الظاهر أنه لا قائل بمضمونه من الأصحاب. ويمكن أن يقال
المراد بقوله " استتم قائما " القيام عن الانحناء وظاهر ذلك حصور الركوع منه فيكون
من باب الظن بالركوع فلم يجب عليه الركوع. أو يقال إنه شك في الركوع بعد
الاشتغال بواجب آخر وهو القيام عن الركوع. ولعل هذا الوجه أقرب. ويمكن
أيضا تأويل هذا الخبر بالمحل على كثرة السهو ويشعر به قوله: استتم " بصيغة
الاستقبال الدالة على الاستمرار التجديدي، وقوله (عليه السلام) " إنما ذلك من
الشيطان " لا يخلو من إيماء إليه " وفيه بعد. انتهى.
أقول: لا ريب أن ما ذكره من التأويل الأول والثالث وهو الذي قربه لا يخلو
من بعد، أما الأول فلأن الخروج عن مضمون تلك الأخبار بهذا الخبر المجمل
المتشابه لا يخلو عن مجازفة. وأما الثالث فإنه متى علم أنه واجب آخر وأنه قيام عن

(1) الوسائل الباب 12 من الركوع
(2) الوسائل الباب 13 من الركوع
169

الركوع فقد سقط البحث ولا معنى للسؤال حينئذ فكيف يقول " فلا أدري أركعت
أم لا؟ " والظاهر هو الوجه الثاني أو الرابع وهو الذي يعضده قوله (عليه السلام)
" فإنما ذلك من الشيطان ".
ويدل على الحكم الثاني جملة من الأخبار أيضا: ومنها - ما رواه الشيخ في
الصحيح عن زرارة (1) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل شك في
الأذان وقد دخل في الإقامة؟ قال يمضي. قلت رجل شك في الأذان والإقامة
وقد كبر؟ قال يمضي. قلت رجل شك في التكبير وقد قرأ؟ قال يمضي. قلت
شك في القراءة وقد ركع؟ قال يمضي. قلت شك في الركوع وقد سجد؟
قال يمضي على صلاته. ثم قال: يا زرارة إذا خرجت من شئ ثم دخلت في غيره
فشكك ليس بشئ "
وعن محمد بن مسلم في الموثق عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال: " كل ما
شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو ".
وعن إسماعيل بن جابر في الصحيح (3) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام)
إن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض وإن شك في السجود بعد ما قام فليمض، كل
شئ شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه " ورواه الشيخ أيضا بسند
آخر عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله (4).

(1) الوسائل الباب 23 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 23 من الخلل في الصلاة
(3) الوسائل الباب 13 من الركوع و 15 من السجود
(4) هذه الرواية نقلها في الوافي في باب الشك في أجزاء الصلاة من التهذيب عن
الحسين بن سعيد عن محمد بن سنان عن ابن مسكا عن أبي بصير عن أبي عبد الله " ع " ولم
نقف عليها في الوسائل والتهذيب بعد الفحص عنها في مظانه. ولا يخفى أن صحيحة إسماعيل
ابن جابر المذكورة في التهذيب ج 2 ص 153 رقم 602 من الطبع الحديث تشتمل على فرعين
(أحدهما) وهو الصدر نسيان السجدة الثانية وذكرها حال القيام. و (ثانيهما) وهو
العجز الشك في الركوع والسجود بعد تجاوز المحل وهو يشتمل على الضابطة الكلية. وقد
ذكر مجموع الرواية في الوسائل بالتقطيع في الباب 14 من السجود رقم (1) والباب 15
منه رقم " 14 " كما صنع كذلك في الوافي فأورد الفرع الأول في باب السهو في السجود
والثاني في باب الشك في الأجزاء. وقد روى الشيخ في التهذيب الفرع الأول عن الحسين
ابن سعيد عن محمد بن سنان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قبل صحيحة
إسماعيل بن جابر برقم 598 ولم يرد فيها ذكر الفرع الثاني أصلا وقد نقلها في الوسائل منه
في الباب 14 من السجود برقم " 4 " وأوردها في الوافي في باب السهو في السجود. وكيف
كان فالذي أورده في الوافي في البابين المذكورين - من أن الشيخ روى في التهذيب عن أبي بصير الفرعين المتقدمين بالطريق المتقدم كما رواهما عن سعد عن أحمد بن محمد عن أبيه
عن عبد الله بن المغيرة عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله " ع " لم نقف عليه في التهذيب
والوسائل وإنما الموجود فيهما من طريق أبي بصير هو الفرع الأول فقط.
170

وعن حماد بن عثمان في الصحيح (1) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام) أشك وأنا ساجد فلا أدري ركعت أم لا؟ قال امض ".
وعن حماد بن عثمان أيضا في الصحيح (2) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام) أشك وأنا ساجد فلا أدري ركعت أم لا؟ فقال قد ركعت امضه ".
وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما السلام) (3) قال " سألته
عن رجل شك بعد ما سجد أنه لم يركع؟ قال يمضي في صلاته ".
بقي الكلام في أنه هل المراد بالشك في هذه المسألة ما هو عبارة عن تساوي
الطرفين خاصة أو ما يشمل الظن أيضا؟ ظاهر كلام الأصحاب الأول من غير
خلاف يعرف وظاهر النصوص المتقدمة هو الثاني وهو المؤيد بكلام أهل اللغة
الذي قدمناه في صدر المطلب. فإن قولهم (عليهم السلام) في جملة من تلك الأخبار (4)
" شك فلم يدر سجد أم لم يسجد " يعني لم يعلم سجد أم لا، وهو شامل لظن السجود فإن
عدم العلم أعم من يكون مترددا أو مرجحا لأحدهما ترجيحا لا يبلغ حد العلم وهو
الظن عندهم. وأصرح من ذلك قولهم (عليهم السلام) في بعض تلك الأخبار (5) " يسجد

(1) الوسائل الباب 13 من الركوع
(2) الوسائل الباب 13 من الركوع
(3) الوسائل الباب 13 من الركوع
(4) ص 168
(5) ص 168
171

حتى يستيقن أنهما سجدتان ".
ومحل الاشكال المتفرغ على القولين إنه لو شك قبل تجاوز المحل مع ظن
الاتيان بما شك فيه فإنه على تقدير كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) يمضي في صلاته
وعلى تقدير ما قلناه يأتي بما شك فيه وإن ظنه حتى يستيقن الاتيان به، وفي ما إذا
تجاوز المحل لو ظن عدم الاتيان بما شك فيه فعلى كلام الأصحاب يجب الاتيان به
وعلى ما قلناه يمضي بمجرد تجاوز المحل وإن ظن عدم الاتيان به ولا يلتفت إلى هذا
الظن في الموضعين.
وبالجملة فإنك قد عرفت من كلام أهل اللغة أن الشك عبارة عما يشمل الظن (1)
بل ظاهرهم الاتفاق عليه وظاهر هذه الأخبار يساعد ما ذكروه ولكن ظاهر
الأصحاب كما عرفت. والمسألة لذلك محل اشكال فإن الخروج عن ما ظاهرهم الاتفاق
عليه مشكل وموافقتهم مع ظهور الأدلة في خلاف ما ذهبوا إليه أشكل، والاحتياط
يقتضي العمل بما قلناه ثم الإعادة من رأس. والله العالم.
(المقام الثاني) - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لا فرق في
الحكمين المتقدمين بين أن يكون في الأولتين والأخيرتين، وقال الشيخ المفيد في المقنعة:
وكل سهو يلحق الانسان في الركعتين الأولتين من فرائضه فعليه الإعادة. وحكى
المحقق في المعتبر عن الشيخ قولا بوجوب الإعادة لكل شك يتعلق بكيفية الأولتين
كأعدادهما. ونقل في الذكرى عن الشيخين القول بالبطلان إذا شك في أفعالهما كما إذا

(1) العبارة في الطبعة القديمة ظاهرة النقض وقد كتب في الهامش في المقام العبارة
التالية " كذا في عدة نسخ عندنا لكن الظاهر بمعونة آخر العبارة أنه سقط بعد قوله
" الظن " مثل هذه العبارة: لكن المشهور بين الأصحاب أن المراد بالشك هو بمعنى تساوي
الطرفين فمخالفة ما اشتهر عندهم... والله العالم " وفي ما وقفنا عليه من النسخ الخطية العبارة
كما جاءت في هذه الطبعة، ويظهر أن الناسخ قد انتقل من كلمة " الاتفاق عليه " الأولى إلى
الثانية وأسقط ما بينهما.
172

شك في أعدادهما، قال ونقله الشيخ عن بعض القدماء من علمائنا، ونقله في
المختلف عن الشيخ وغيره، قال نقل الشيخ وغيره عن بعض علمائنا إعادة الصلاة
بكل سهو يحلق الركعتين الأولتين سواء كان في أفعالهما أو في عددهما وسواء كان في
الأركان من الأفعال أو غيرها.
ويدل على المشهور ما تقدم من اطلاق الأخبار المتقدمة في كل ممن الحكمين
فإنها باطلاقها شاملة للأولتين والأخيرتين، وكذا اطلاق الأخبار الدالة على صحة
الصلاة بنسيان السجدة وقضائها بعد الصلاة. وأما ما ظاهره المعارضة كرواية المعلى
ابن خنيس فقد تقدم الجواب عنها.
وأما ما يدل على قول الشيخين ومن قبلهما فجملة من الروايات الصحيحة التي
لم يتنبه لها أحد من الأصحاب في ما أعلم:
ومنها - صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " كان الذي
فرض الله على العباد من الصلاة عشر ركعات وفيهن القراءة وليس فيهن وهم - يعني
سهوا - فزاد رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبعا وفيهن الوهم وليس فيهن قراءة
فمن شك في الأولتين أعاد حتى يحفظ ويكون على يقين، ومن شك في الأخيرتين
عمل بالوهم ".
واطلاقه شامل للأعداد والأفعال وأنه لا بد في الأوليين من اليقين فيهما فلا
يكفي البناء على الظن كما عليه جمهور الأصحاب من أنه لو ترجح أحد طرفي ما شك
فيه بنى عليه في الأوليين كان أو الأخيرتين. وظاهر هذا الخبر وكذا ما يأتي من
قبيله تخصيص ذلك بالأخيرتين.
ومنها - ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن أبي جعفر
(عليه السلام) (2) قال: " عشر ركعات " ركعتان من الظهر وركعتان من العصر

(1) الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 13 من أعداد الفرائض
173

وركعتا الصبح وركعتا المغرب وركعتا العشاء الآخرة لا يجوز الوهم فيهن ومن
وهم في شئ منهن استقبل الصلاة استقبالا وهي الصلاة التي فرضها الله تعالى على
المؤمنين في القرآن، وفوض إلى محمد (صلى الله عليه وآله) فزاد النبي (صلى الله عليه
وآله) في الصلاة سبع ركعات هي سنة ليس فيهن قراءة إنما هو تسبيح وتهليل
وتكبير ودعاء، والوهم إنما يكون فيهن ".
وعن عبد الله بن سليمان العامري عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال:
" لما عرج برسول الله (صلى الله عليه وآله) نزل بالصلاة عشر ركعات ركعتين ركعتين
فلما ولد الحسن والحسين (عليهما السلام) زاد رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبع
ركعات... إلى أن قال وإنما يجب السهو في ما زاد رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فمن شك في أصل الفرض في الركعتين الأولتين استقبل صلاته ".
وعن عمر بن أذينة في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) في
بعض أخبار المعراج وهو طويل (2) قال (عليه السلام) في آخره: " ومن أجل
ذلك صارت الركعتان الأولتان كلما حدث فيهما حدث كان على صاحبهما إعادتهما ".
ونقل ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب حريز بن عبد الله (3)
قال: " قال زرارة قال أبو جعفر (عليه السلام) كان الذي فرض الله من الصلاة
عشرا فزاد رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبعا وفيهن السهو وليس فيهن قراءة
فمن شك في الأولتين أعاد حتى يحفظ ويكون على يقين... الحديث "،
ولا يخفى ما في هذه الأخبار من الظهور في ما ادعاه أولئك الأعلام. والمراد
من الوهم المنفي فيها هو الظن كما تكرر في الأخبار من قولهم (عليهم السلام) (4)
" وإن ذهب وهمك " ونحوه.

(1) الوسائل الباب 13 من أعداد الفرائض
(2) الوسائل الباب 1 من أفعال الصلاة
(3) الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة
(4) الوسائل الباب 7 و 10 و 11 و 15 من الخلل في الصلاة
174

ويدل على ذلك أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن الفضل بن عبد الملك (1)
قال: " قال لي إذا لم تحفظ الركعتين الأولتين فأعد صلاتك ".
وعن الوشاء (2) قال: " قال لي أبو الحسن الرضا (عليه السلام) الإعادة
في الركعتين الأولتين والسهو في الركعتين الأخيرتين ".
وبهذين الخبرين استدل في المدارك للشيخين ثم أجاب عنهما بالحمل على حفظهما
من الشك في العدد.
وأنت خبير بأنه لو خلينا وظاهر هذه الروايات التي سردناها لأمكن تخصيص
اطلاق الأخبار التي استدل بها للقول المشهور بهذه الأخبار لأنها خاصة والقاعدة
تقتضي تقديم العمل بها.
إلا أنك قد عرفت من صحيحة زرارة المتقدمة في أدلة الحكم الثاني من المقام
الأول الدلالة على أن " من شك في التكبير وقد قرأ قال يمضي ومن شك في
القراءة وقد ركع قال يمضي " وهذا الشك لا يكون إلا في الأولتين مع أنه (عليه
السلام) حكم بصحة الصلاة والمضي فيها بعد تجاوز المحل، ومفهومه الرجوع لو لم
يتجاوز المحل كما يدل عليه آخر الخبر وقد تقدم، وهو ظاهر في عدم بطلان الأوليين
بالشك في الأفعال.
ونحوها في ذلك رواية محمد بن منصور (3) قال: " سألته عن الذي ينسى
السجدة الثانية من الركعة الثانية أو شك فيها؟ فقال إذا خفت ألا تكون وضعت
وجهك إلا مرة واحدة فإذا سلمت سجدت سجدة واحدة وتضع وجهك مرة واحدة
وليس عليك سهو ".
والشيخ أجاب عنها في التهذيب بأن المراد بالركعة الثانية يعني من الركعتين
الأخيرتين، ولا يخفى ما فيه. وحينئذ فالواجب حمل اطلاق الأخبار المتقدمة على

(1) الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة
(3) الوسائل الباب 14 من السجود
175

الأعداد خاصة واستثناء الشك في الأفعال من عمومها بهذين الخبرين، وأنه لا بد في
العمل بالأعداد من البناء على اليقين فلو شك في عددهما ثم غلب عليه ظن أحد الطرفين
فإنه لا يكفي في البناء عليه خلافا لظاهر الأصحاب بل لا بد من اليقين فيهما كما صرحت
به هذه الأخبار.
(المقام الثالث) - لا ريب في أنه متى شك في فعل من الأفعال وقد دخل في غيره
فإنه يمضي وقبل الدخول فيه يرجع لكن هذه الأفعال التي يترتب عليها هذا الحكم
هل هي عبارة عن أفعال الصلاة المعدودة في كتاب الصلاة المفردة بالتبويب من
النية وتكبيرة الاحرام والقيام والقراءة والركوع والسجود والتشهد مثلا أو ما هو
أعم منها ومن مقدماتها كالهوي للركوع والهوى للسجود ولما يركع ولما يسجد
والنهوض للقيام ولما يستتم قائما والرفع من السجود لأجل التشهد مثلا ونحو
ذلك؟ ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في الروض الأول وهو ظاهر صحيحة زرارة
المتقدمة في أول روايات الحكم الثاني من المقام الأول وصحيحة إسماعيل بن جابر (1)
المروية أيضا عن أبي بصير (2).
ويدل عليه صحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله (3) قال: " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام) رجل رفع رأسه من السجود فشك قبل أن يستوي جالسا فلم يدر
أسجد أم لم يسجد؟ قال يسجد. قلت فرجل نهض من سجوده فشك قبل أن
يستوي قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال يسجد " وهي كما ترى ظاهرة في أنه
بالدخول في مقدمات الفعل يجب عليه الرجوع، وهو ظاهر في تخصيص الغيرية
التي يترتب عليها الحكم المذكور بنفس تلك الأفعال دون مقدماتها.
إلا أنه قد روى أيضا هذا الراوي بعينه في الصحيح (4) قال: " قلت

(1) ص 170
(2) ارجع إلى التعليقة 4 ص 170
(3) الوسائل الباب 15 من السجود
(4) الوسائل الباب 13 من الركوع
176

لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع؟
قال قد ركع " وهو ظاهر المنافاة لخبره الأول
والعجب أن صاحب المدارك قد عمل بكل من الخبرين فقال في تعداد المواضع
التي وقع الخلاف فيها في هذا المقام: الثاني - أن يشك في الركوع وقد هوى إلى
السجود، والأظهر عدم وجوب تداركه لصحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله، ثم
أورد الصحيحة الثانية، ثم قال: وقد قوى الشارح وجوب العود ما لم يصر إلى حد
السجود وهو ضعيف... إلى أن قال: الرابع - أن يشك في السجود وقد أخذ
في القيام ولما يستكمله، والأقرب وجوب الاتيان به كما اختاره الشهيدان لما رواه
الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله، ثم ذكر الصحيحة الأولى.
وأنت خبير بما فيه وذلك فإن مقتضى القاعدة المنصوصة في الأخبار وكلام
الأصحاب من أنه متى شك في شئ وقد دخل في غيره فلا يلتفت وإلا فإنه يرجع
هن أن مناط الرجوع إلى المشكوك فيه وعدم الرجوع هو الدخول في ذلك الفعل
الآخر وعدمه، وحينئذ فإن صدق ذلك الغير على مقدمات الأفعال فما اختاره في
الثاني جيد للصحيحة المذكورة لكنه يرد عليه أن ما اختاره في الرابع ليس كذلك
وأن الصحيحة التي أوردها مما يجب تأويلها، وإن لم يصدق ذلك الغير على المقدمات
بل يختص بالأفعال المعدودة أو لا كان الأمر بالعكس. وبالجملة فإن الروايتين
المذكورتين قد تعارضتا في هذا الحكم فالقول بهما قول بالمتناقضين.
وأما ما أجاب به المحدث الكاشاني في الوافي - عن تعارض هاتين الروايتين
حيث قال - بعد ذكر الصحيحة الأولى أولا لا ثم الثانية ثانيا - ما لفظه: (إن قيل)
ما الفرق بين النهوض قبل استواء القيام والهوى للسجود قبل السقوط له؟
حيث حكم في الأول في حديث البصري بالاتيان بالسجود المبني على بقاء محله وحكم
في الثاني هنا بالمضي المبتنى على تجاوز وقت الركوع (قلنا) الفرق بينهما أن الهوى
للسجود مستلزم للانتصاب الذي منه أهوى له والانتصاب فعل آخر غير الركوع وقد
177

دخل فيه وتجاوز عن محل الركوع، بخلاف النهوض قبل أن يستتم قائما فإنه بذلك
لم يدخل بعد في فعل آخر. انتهى -
فالظاهر ضعفه (أما أولا) فلاستلزامه أنه لو شك في حال القيام قبل الهوى
للسجود في أنه ركع أم لا أن يمضي ولا يركع مع أنه لا خلاف نصا وفتوى في أنه
يجب عليه الركوع في الصورة المذكورة فكيف يتم ما ادعاه من أن الانتصاب فعل
آخر يمضي مع الدخول فيه وأنه تجاوز وقت الركوع؟
و (أما ثانيا) فإن آخرية القيام وغيريته بالنسبة إلى الركوع إنما تثبت لو كان
مرتبته التأخر عنه كما هو في سائر الأفعال التي يجب المضي فيها بالشك في ما قبلها،
وهو هنا غير معلوم لجواز أن يكون هذا القيام الذي أهوى عنه إلى السجود إنما هو
القيام الذي يجب أن يركع عنه، وهذا هو السبب في وجوب الركوع لو شك وهو
قائم كما هو مدلول الأخبار وكلام الأصحاب. وبالجملة فتوجيهه عندي غير موجه كما
لا يخفى على التأمل.
وأما ما جرى عليه السيد السند (قدس سره) - من القول بالروايتين المذكورتين
فأفتى في صورة الشك في الركوع وقد أهوى إلى السجود بأن الأظهر عدم وجوب
تداركه للصحيحة التي ذكرها وأفتى في ما إذا شك في السجود وقد أخذ في القيام
ولما يستكمله بأن الأقرب وجوب الاتيان به -
فقد عرفت ما فيه، وحينئذ فلا يخلو إما أن يخص ذلك الفعل الذي يتصل (1)
بالدخول فيه تلك الأفعال المعودة التي أشرنا إليها آنفا كما هو ظاهر الشهيدين،
وحينئذ فجيب الرجوع بالدخول في مقدماتها، ولهذا ذهب جده كما نقل عنه في
الموضع الثاني إلى وجوب العود ما لم يصر إلى حد السجود حيث إنه يخص الفعل

(1) هكذا في النسخة المطبوعة، وفي ما وقفنا عليه من المخطوطة هكذا " الذي بالدخول
فيه " من دون كلمة " يتصل " والظاهر سقوط كلمة " يمضي " ونحوها بأن تكون العبارة
هكذا " الذي يمضي بالدخول فيه ".
178

الموجب للمضي بتلك الأفعال المعدودة، وعلى هذا فيجب تأويل صحيحة عبد الرحمان
الدالة على المضي في الصورة المذكورة، أو أنه يقول بالعموم لمقدمات تلك الأفعال
فيجب المضي في الصورتين، وحينئذ يجب تأويل صحيحة عبد الرحمان الأخرى أو
القول بها وتخصيصها بموردها والعمل في ما عدا هذا الموضع باطلاق الأخبار المتقدمة
من صحيحتي زرارة وإسماعيل بن جابر ونحوهما باعتبار صدق الغيرية في المقدمات.
إذا عرفت هذا فاعلم أن الذي يقرب عندي هو القول بالفرق بين الأفعال
المشار إليها آنفا وبين مقدماتها وأنه لا يجب عليه المضي إلا بالدخول في تلك الأفعال
وفاقا للشهيدين أما بالدخول في مقدماتها فإنه يرجع عملا بصحيحة عبد الرحمان الأولى
وما ذكروه - من عموم تلك الأخبار المتقدمة مثل صحيحتي زرارة وإسماعيل بن
جابر ونحوهما باعتبار صدق الغيرية على مقدمات الأفعال وقد جعل (عليه السلام)
المناط في المضي هو الدخول في الغير والغيرية ثابتة في تلك المقدمات - فهو وإن
تم في بادئ النظر إلا أنه بالتأمل في الأخبار المذكورة ليس كذلك، وذلك فإن قوله
(عليه السلام) في صحيحة إسماعيل بن جابر (1) " إن شك في الركوع بعد ما سجد
فليمض وإن شك في السجود بعد ما قام فليمض " يدل بمفهومه الشرطي الذي هو
حجة عند المحققين على عدم المضي قبل ذلك وأنه ليس هنا حد يوجب المضي في
الأول قبل السجود وفي الثاني قبل القيام، وحينئذ فقوله " كل شئ شك فيه مما قد
جاوزه ودخل في غيره " وإن كان مطلقا كما تمسك به الخصم إلا أنه يجب تقييده بما
دل عليه صدر الخبر.
وهذا المعنى
قد وقع في صحيحة زرارة (2) على وجه ظاهر في ما ذكرناه
حيث قال: " يا زرارة إذا خرجت من شئ ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشئ "
فإن عطف قوله " دخلت في غيره " ب‍ " ثم " الدالة على المهلة والتراخي يشعر بوجود
واسطة بين الدخول والخروج كما هو موجود في تلك الأفعال المعدودة في الرواية،

(1) ص 170
(2) ص 170
179

وإلا فالخروج عن الشئ مستلزم للدخول في غيره والتلبس به البتة فلا معنى لهذا
التراخي والمهلة المدلول عليها ب‍ " ثم " لو كان المراد ما هو أعم من الأفعال ومقدماتها
ولعل الاجمال في الأخبار إنما وقع بناء على معلومية الحكم يومئذ كما هو الآن
معلوم بين الفقهاء فإنهم يعدون أفعال الصلاة ويفسرونها بهذه الأفعال المشار إليها
آنفا المخصوصة بالبحث والتبويب في الكتب الفقهية وكذا في الأخبار.
وبالجملة فصحيحة عبد الرحمن الأولى صريحة في هذا الحكم فيحمل عليها اجمال
هذين الخبرين بالتقريب الذي ذكرناه.
وأما صحيحته الثانية الدالة على أنه متى شك حال الهوى للسجود في أنه ركع
قال (عليه السلام) " قد ركع " فالذي يقرب عندي أنها ليست من محل البحث في
شئ بل هي محمولة على كثير السهو، ولعله (عليه السلام) علم ذلك من قرينة الحال
والسؤال يومئذ أو أن ذلك مجرد وسواس.
ومما يدفع الاستبعاد عما ذكرنا صحيحة الفضيل المتقدمة قريبا (1) قال:
" قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) استتم قائما فلا أدري ركعت أم لا؟ قال بلى قد
ركعت فامض في صلاتك فإنما ذلك من الشيطان " فإنه لا اشكال في أن من شك في
الركوع وهو قائم أنه يجب عليه الركوع كما دلت عليه الأخبار واتفقت عليه كلمة
الأصحاب مع أنه (عليه السلام) أمره بالمضي وحكم بأنه ركع ونسب شكه
إلى مجرد الوسواس.
ومما يستأنس به لذلك أيضا قوله (عليه السلام) في صحيحة الفضيل المذكورة
" بلى قد ركعت " وفي صحيحة عبد الرحمان أيضا (2) قال: " قد ركع " مع أن الأمر
بالمضي بعد تجاوز الفعل المشكوك لا يستلزم التمام وأنه إنما أمر بالتجاوز لأنه قد
فعله بل وقع الأمر بذلك تسهيلا وتخفيفا في التكليف ودفعا لتسلط الشيطان،
وفي هاتين الروايتين قد حكم بأنه ركع وهو كناية عن عدم الالتفات إلى الشك

(1) ص 169
(2) ص 176 و 177
180

بالكلية كما في كثير الشك. والله العالم.
(المقام الرابع) - قد ذكر الأصحاب هنا مواضع وقع الخلاف فيها في البين:
منها - أن يشك في قراءة الفاتحة وهو في السورة، والظاهر أن المشهور
وجوب الإعادة لعدم تحقق التجاوز عن المحل فإن القراءة الشاملة لكل من الفاتحة
والسورة أمر واحد، ويعضده ما تقدم (1) في صحيحة زرارة من قوله " شك في
القراءة وقد ركع "،
ونقل عن ابن إدريس أنه قال لا يلتفت، ونقله أيضا عن الشيخ المفيد في
رسالته إلى ولده، وهو الأقرب.
وإليه مال في المعتبر أيضا حيث قال بعد أن نقل عن الشيخ القول بوجوب
الإعادة: ولعله بناء على أن محل القراءتين واحد وبظاهر الأخبار يسقط هذا الاعتبار
واعترضه في المدارك بأنه غير جيد، قال: فإن الأخبار لا تدل على
ما ذكره بل ربما لاح من قوله: " قلت شك في القراءة وقد ركع " أنه لو لم يركع
لم يمض. انتهى.
أقول: من المحتمل قريبا إن صاحب المعتبر إنما أراد بالأخبار الأخبار
الواردة في القراءة مما يؤذن بمغايرة الحمد للسورة كالأخبار الدالة على وجوب الحمد
وأنه لا تصح الصورة إلا بها مع دلالة الأخبار على صحتها بترك السورة في مقام
العذر والضرورة والنافلة، وكذا مع اختلافها في وجوبها واستحبابها في الفريضة
وجواز تبعيضها، فإن جميع ذلك مما يدل على المغايرة التي هي مناط المضي، وبالجملة
فإن التسمية منفردة والأوامر الواردة في كل منهما مؤيدة وأحكامها المتغايرة شاهدة
وإلى هذا القول يميل كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة مستندا إلى ثبوت
الغيرية ودلالة الأخبار على أنها هي المناط في المضي وعدم الرجوع. واختاره
أيضا شيخنا المجلسي في البحار مستندا إلى الدليل المذكور، وقبلهما المحقق الأردبيلي

(1) ص 170
181

(طاب ثراه) في شرح الإرشاد.
وأما ما استند إليه في المدارك - من قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة
" شك في القراءة وقد ركع " من دلالة مفهومه على عدم المضي لو لم يركع -
ففيه أولا - أنه معارض بما اشتملت عليه الصحيحة المذكورة وغيرها من جعل
مناط المضي الغيرية وقد بينا ثبوتها بين الحمد والسورة.
وثانيا - ما أجاب به في الذخيرة حيث قال: حجة القول الأول قوله (عليه
السلام) في صحيحة زرارة (1) " قلت شك في القراءة وقد ركع " فإن التقييد بالركوع
يقتضي مغايرة حكم ما قبل الركوع له. وقد تعلق بهذا الوجه جماعة من الأصحاب
(رضوان الله عليهم) وهو ضعيف، لأن التقييد ليس في كلامه (عليه السلام) بل
في كلام الراوي فلا يصلح للاحتياج، على أنه ليس في كلام الراوي أيضا حكم على محل
الوصف حتى يقتضي نفيه عما عداه بل سؤال عن حكم محل الوصف ولا دلالة في
ذلك على شئ، سلمنا لكن دلالة المفهوم لا تعارض المنطوق. انتهى.
وربما استدل بعضهم للقول الأول بل القراءة فعل واحد، وهو مردود
بما ذكرناه من اثبات المغايرة، على أنه يطلق على جميع الأفعال اسم الصلاة أيضا
مع أنه غير مانع من المغايرة في أفعالها اتفاقا.
أقول: القول بالفصل في المقام بناء على ما قدمنا تحقيقه من حمل الغير الذي
يجب المضي فيه على تلك الأفعال المعدودة هو وجوب الرجوع في الصورة المذكورة
وما استدل به في المدارك على ذلك صحيح والايراد عليه بحديث الغيرية قد عرفت
جوابه. وجواب صاحب الذخيرة عن الخبر المذكور مدخول بأن الاعتماد من
الاستدلال ليس على كلام السائل بل إنما هو على جواب الإمام (عليه السلام) فإنه
في قوة قوله: " إذا شك في القراءة وقد ركع فليمض " ومفهومه الشرطي الذي هو
حجة عند المحققين أنه إذا لم يكن كذلك فلا يمضي. وبالجملة فإن تقرير الإمام السائل

(1) ص 170
182

على ما ذكره وجوابه عنه بالمضي في قوة قوله هو نفسه (عليه السلام) بذلك. وقوله -
أن دلالة المفهوم لا تعارض المنطوق - مردود بما قدمنا تحقيقه من حمل الغير في
الرواية على تلك الأفعال المخصوصة جمعا بين الأخبار كما أوضحنا بيانه وشددنا أركانه
وبه يتجه قوة القول المشهور.
وما أبعد ما بين هذا القول الأخير وبين ما نقل عن العلامة من وجوب
العود إلى السجود عند الشك فيه بعد القراءة ما لم يركع، نقله عنه في الروض.
بقي الكلام في الآيات في كل من الفاتحة والسورة، والظاهر من المحقق الأردبيلي
القول بالمضي أيضا لحصول المغايرة، وبه صرح أيضا الفاضل الخراساني في الذخيرة
حيث قال بعد نقل كلام في المقام: ومما ذكرنا يظهر أن الشك في أبعاض الحمد أو
السورة بعد التجاوز عنه والدخول في بعض آخر حكمه عدم الالتفات. انتهى.
ونفى عنه البعد شيخنا المجلسي (قدس سره) في البحار إلا أنه قال: ويمكن
أن يقال الرجوع هنا أحوط إذ القرآن والدعاء غير ممنوع في الصلاة ودخول ذلك
في القرآن الممنوع غير معلوم. انتهى.
والمسألة لا تخلو من توقف إذ الظاهر أن الأمر لا يبلغ إلى هذا المقدار وإلا
لجرى في الحروف في الكلمة الواحدة أيضا كأن يشك في اخراج الحرف الأول
من الكلمة من مخرجه أو تشديده أو اعرابه بعد انتقاله إلى آخرها، وهو بعيد
لا أظن أحدا يلتزمه خصوصا على القول بتغيير الفعل الموجب للمضي فيه بتلك
الأفعال المعدودة خاصة كما هو ظاهر الشهيدين وتخصيص الغيرية به أو مع العموم
لمقدمات تلك الأفعال، وأما البلوغ في الغيرية الموجبة للمضي إلى هذا الحد من
الآيات في السورة الواحدة فمشكل والأخبار تقتضي الرجوع كما ذكره شيخنا المشار
إليه آنفا. والله العالم.
ومنها - الشك في السجود وهو في التشهد أو بعد ما تشهد وقبل الاستكمال
قائما، ومقتضى ما قدمناه من التحقيق هو عدم الرجوع لأن التشهد أحد أفعال
183

الصلاة المعدودة مع ثبوت الغيرية بالدخول فيه، وبه صرح الشيخ في المبسوط
وجملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم).
وظاهر شيخنا الشهيد في الذكرى هو الرجوع في الصورة المذكورة استنادا إلى
قوله (عليه السلام) في صحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله المتقدمة (1) " رجل
نهض من سجوده فشك قبل أن يستوي قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال يسجد "
فإنه مطلق في العود إلى السجود قبل استكمال القيام فيشمل ما لو كان بعد السجود
تشهد أم لم يكن.
قال (قدس سره) في الكتاب المذكور: لو شك في السجود وهو متشهد
أو قد فرغ منه ولم يقم أو قام ولم يستكمل القيام يأتي به، وكذا لو شك في التشهد
يأتي به ما لم يستكمل القيام لأصالة عدم فعل ذلك كله وبقاء محل استدراكه، ولرواية
عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق (عليه السلام) (2) " في رجل نهض من سجوده
فشك قبل أن يستوي قائم فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ فقال يسجد " انتهى.
ورده جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بحمل الخبر المذكور على ما إذا
كان النهوض بعد السجود من غير تشهد في البين، ولا ريب أنه هو ظاهر الخبر
المذكور لقوله في الخبر: " رجل نهض من سجوده فشك " فإن عطف الشك على النهوض
بالفاء المقتضية للتعقيب بغير مهلة ظاهر في عدم مخلل التشهد بينهما، هذا مع دلالة
صحيحة زرارة وإسماعيل بن جابر على المضي بالدخول في الغير وغيرية التشهد للسجود
أمر ظاهر. وبالجملة فالظاهر بعد ما ذكره (قدس سره) والله العالم.
ومنها - الشك في الركوع وهو هاو إلى السجود ولم يسجد، وقد صرح في

(1) ص 176 وفي الوسائل الباب 15 من السجود
(2) الوسائل الباب 15 من السجود. والراوي لهذه الرواية - كما في التهذيب ج 1
ص 189 والوافي باب الشك في أجزاء الصلاة والوسائل - هو عبد الرحمن بن أبي عبد الله
لا عبد الرحمن بن الحجاج.
184

المدارك بأن الأظهر عدم وجوب تداركه لصحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله
المتقدمة (1) الواردة، في رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع؟ قال
قد ركع " وقد صرح جده في الروض بأن الواجب هو العود ما لم يصر إلى حد
السجود، وهو الذي استظهرناه في ما تقدم وبينا حمل الرواية المذكورة على غير
ما ادعاه السيد المشار إليه ههنا. ويزيده تأييدا قوله (عليه السلام) في صحيحة
إسماعيل بن جابر (2) " إن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض " فإن مفهومه أنه لو لم
يسجد فلا يمضي بل يعود. ونحوه مفهوم صحيحتي حماد ومحمد بن مسلم المذكورتين آنفا (3)
ومنها - الشك في السجود أو التشهد بعد أن قام واستكمل القيام، والأشهر
الأظهر المضي لأن القيام فعل آخر فيمضي بالدخول فيه حسبما دلت عليه
الروايات المتقدمة.
قال في الذكرى: وبه قال الشيخ في المبسوط. ثم نقل عنه أنه قال في النهاية يرجع
إلى السجود والتشهد ما لم يركع إذا شك في فعله.
وفي المدارك نقل هذا القول عن المبسوط حيث قال: وقال الشيخ في المبسوط
يرجع إلى السجود والتشهد ما لم يركع. وهو بعيد جدا. انتهى.
أقول: وكل من النقلين لا يخلو من خلل وسهو، أما ما نقله في المدارك عن
المبسوط فليس كذلك بل كلامه فيه صريح في موافقة القول المشهور كما ذكره في
الذكرى، وهذه عبارته في المبسوط، وإن شك في القراءة في حال الركوع أو في
الركوع في حال السجود أو في السجود في حال القيام أو في التشهد الأول وقد قام
إلى الثالثة فإنه لا يلتفت.
وأما ما نقله في الذكرى عن النهاية فهو كذلك بالنسبة إلى السجود خاصة دون
التشهد، حيث قال في الكتاب المذكور: فإن شك في السجدتين وهو قاعد أو قد
قام قبل أن يركع عاد فسجد السجدتين... إلى أن قال: ومن شك في التشهد وهو

(1) ص 76 و 177
(2) ص 170
(3) ص 171
185

جالس فليتشهد فإن كان شكه في التشهد الأول بعد قيامه إلى الثالثة مضى في صلاته
وليس عليه شئ.
ثم إنه في الذكرى بعد أن نقل عن النهاية القول المتقدم ذكره احتج له بحسنة
الحلبي عن الصادق (عليه السلام) (1) " في رجل سها فلم يدر سجد سجدة أم اثنتين؟
قال يسجد أخرى... الحديث " وقد تقدم، قال وهو يشمل الشاك بعد القيام كما
يشمل الشك في الجلوس. ثم قال: وجوابه الحمل على الشك ولما يقم توفيقا بين
الأخبار. انتهى. وهو جيد، ونحن قد أشرنا إلى هذا الحمل ذيل الرواية المذكورة
في ما تقدم.
ونقل العلامة في النهاية والشهيد في الذكرى عن القاضي أنه فرق في بعض
كلامه بين السجود والتشهد فأوجب الرجوع بالشك في التشهد حال قيامه دون السجود
وفي موضع آخر سوى بينهما في عدم الرجوع. وحمل على أنه أراد بالشك في
التشهد تركه ناسيا لئلا يتناقض كلامه.
وقد تقدم النقل عن العلامة أنه أوجب العود إلى السجود عند الشك فيه بعد
القراءة ما لم يركع. ولو حمل كلامه على السهو وأراد السهو كما حمل عليه كلام
القاضي لكان وجها، ويدل صريحا على وجوب المضي بالشك في السجود بعد
القيام قوله (عليه السلام) في صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدمة (2) " وإن شك في
السجود بعد ما قام فليمض " والله العالم.
ومنها - ما لو شك في القراءة وهو قانت، وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في
الروض الميل إلى وجوب الرجوع بناء على تخصيص المضي بالأفعال المعدودة المتقدمة
التي هي واجبات الصلاة.
قال (قدس سره): مقتضى الصحيحتين عدم وجوب العود ومفهوم قوله (عليه
السلام) في خبر زرارة (3) " قلت شك في القراءة وقد ركع؟ قال يمضي " أنه لو لم يكن

(1) الوسائل الباب 15 من السجود
(2) ص 170
(3) ص 170
186

ركع يعود فيدخل فيه ما لو كان قانتا، وخبر عبد الرحمان يقتضيه أيضا فإن العود
إلى الفعل مع الشروع في واجب وإن لم يكن مقصودا بالذات قد يقتضي العود مع
الشروع في المندوب بطريق أولى. ويمكن أن يقال هنا أن القنوت ليس من أفعال
الصلاة المعهودة فلا يدخل في الخبرين. ثم قال: ولا يكاد يوجد في هذا المجال احتمال
أو اشكال إلا وبمضمونه قائل من الأصحاب. انتهى.
أقول: أما ما ذكره من أن مقتضى الصحيحتين - يعني صحيحتي زرارة وإسماعيل
ابن جابر - ذلك فهو جيد من حيث الغيرية ويعضده أنه فعل آخر من أفعال الصلاة
وإن لم يكن من الواجبات المعدودة.
وأما الاستناد إلى صحيحة زرارة المذكورة في وجوب العود فهو غير ظاهر،
وذلك فإن الظاهر من سؤالات زرارة في هذا الخبر الترتيب فيها وأن مراده بالقراءة
والركوع إنما هو باعتبار الركعة الأولى التي لا قنوت فيها، وادخال الركعة الثانية
وإن أمكن باعتبار عموم الكلام أو اطلاقه لكن سياق الخبر يشعر بأن المراد إنما
هو الركعة الأولى ولا أقل أن يكون ما ذكرناه احتمالا يسقط به الاستدلال
في هذا المجال.
وأما الاستناد إلى خبر عبد الرحمان بالتقريب الذي ذكره ففيه أن الأظهر أن
يقال - باعتبار ما قدمه من الفرق بين الأفعال وبين مقدماتها وهي التي أشار إليها هنا
بأنها غير مقصودة بالذات من أنه بالدخول في الأفعال يمضي وبالدخول في
المقدمات يرجع - أن الواجب هنا هو المضي لأن القنوت من جملة الأفعال وإن
كان مستحبا على المشهور والرجوع مخصوص بالمقدمات والقنوت ليس كذلك،
والرجوع والمضي ليس معلقا بالواجب وعدمه ليتجه هنا أنه متى جاز الرجوع من
الواجب وإن لم يكن مقصودا ذاتيا جاز من المستحب بطريق أولى بل المناط فيه إنما
هو آخرية الفعل وكونه فعلا مستقلا ليس مقدمة لغيره واجبا كان أو مستحبا.
187

فروع
الأول - لو تدارك ما شك فيه في محله ثم ذكر فعله فالمشهور أنه إن كان ركنا
أعاد للزوم زيادة ركن في الصلاة وإن كان واجبا آخر فلا بأس سجدة كان أو غيرها
وقال المرتضى (رضي الله عنه): إن شك في سجدة فأتى بها ثم ذكر فعلها أعاد الصلاة
وهو قول أبي الصلاح وابن أبي عقيل، ولعله لقولهم بركنية السجدة الواحدة، إلا أن الدليل عليه غير ناهض بالدلالة.
ويدل على عدم الابطال بزيادة السجدة صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: " سألته عن رجل صلى فذكر أنه زاد سجدة؟ فقالا لا يعيد
صلاة من سجدة ويعيدها من ركعة ".
وموثقة عبيد بن زرارة (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
رجل شك فلم يدر أسجد ثنتين أم واحدة فسجد أخرى ثم استيقن أنه قد زاد
سجدة؟ فقال لا والله لا تفسد الصلاة زيادة سجدة - وقال لا يعيد صلاته من سجدة
ويعيدها من ركعة ".
الثاني - لو تلافى ما شك فيه بعد الانتقال فالظاهر البطلان كما صرح به جملة
من الأصحاب أن تعمد ذلك، وعللوه بالاخلال بنظم الصلاة، ولأن المأتي به
ليس من أفعال الصلاة. وقال في الذخيرة بعد نقل ذلك: وفيه تأمل نعم يتوقف
تحصيل البراءة اليقينية من التكليف على ترك التدارك. انتهى. واحتمل الشهيد في
الذكرى عدم البطلان بناء على أن ترك الرجوع رخصة.
أقول: لا ريب أن الأخبار المتقدمة قد أنفقت على الأمر بالمضي فالواجب
حينئذ هو المضي، وحمل ذلك على الرخصة تخرص لا دليل عليه بل هو خلاف ظاهر
النصوص والعبادات توقيفية، وهذا هو الذي رسمه صاحب الشريعة (صلى الله

(1) الوسائل الباب 14 من الركوع.
(2) الوسائل الباب 14 من الركوع.
188

عليه وآله) فيها فالخروج عنه من غير دليل يدل عليه تشريع محض موجب لبطلان
العبادة. والله العالم.
الثالث - لو شك في الركوع وهو قائم فركع ثم ذكر في أثناء الركوع أنه قد
ركع سابقا فالمشهور بين المتأخرين بطلان الصلاة، وذهب الكليني في الكافي
والشيخ والمرتضى وابن إدريس إلى أنه يرسل نفسه إلى السجود ولا شئ عليه.
حجة الأولين أنه قد زاد ركوعا إذ ليس رفع الرأس جزء من الركوع.
وقال في الذكرى بعد نقل القول الثاني: وهو قوي لأن ذلك وإن كان بصورة
الركوع إلا أنه في الحقيقة ليس بركوع لتبين خلافه، والهوى إلى السجود مشتمل
عليه وهو واجب فيتأدى الهوى إلى السجود به فلا تتحقق الزيادة حينئذ بخلاف
ما لو ذكر بعد رفع رأسه من الركوع فإن الزيادة حينئذ متحققة لافتقاره إلى هوى السجود
قال في المدارك بعد نقله ذلك: ولا يخفى ضعف هذا التوجيه نعم يمكن
توجيهه بأن هذه الزيادة لم تقتض تغييرا لهيئة الصلاة ولا خروجا عن الترتيب الموظف
فلا تكون مبطلة وإن تحقق مسمى الركوع لانتفاء ما يدل على بطلان الصلاة بزيادته
على هذا الوجه من نص أو اجماع. ولا يشكل ذلك بوجوب إعادة الهوى للسجود
حيث لم يقع بقصده وإنما وقع بقصد الركوع، لأن الأظهر أن ذلك لا يقتضي وجوب
إعادته كما يدل عليه فحوى صحيحة حريز المتضمنة لأن من سها في الفريضة فأتمها
على أنها نافلة لا يضره (1) وقد ظهر بذلك قوة هذا القول وإن كان الاتمام ثم الإعادة
طريق الاحتياط. انتهى.
أقول: ومرجع ما ذكره جملة منن المتأخرين في توجيه كلام المتقدمين مما
نقلناه وما لم تنقله يرجع إلى وجوه: (أحدها) أن الانحناء الخاص مشترك بين الركوع
والهوى إلى السجود وإنما يتميز الأول عن الثاني بالرفع منه ولم يثبت أن مجرد القصد
يكفي في كونه ركوعا فإذا لا يلزم زيادة الركن. و (ثانيها) ما ذكره الشهيد في

(1) الوسائل الباب 2 من النية
189

الذكرى. و (ثالثها) ما ذكره في المدارك. و (رابعها) أنه بعد تسليم تحقيق الزيادة
فإن المنساق إلى الذهن مما دل على أن الزيادة في الصلاة مبطلة وكذا ما دل على أن
زيادة الركوع مبطلة غير هذا النحو من الزيادة.
ولا يخفى ما في الجميع من الوهن والضعف فإن بناء الأحكام الشرعية التي
استفاضت الآيات والروايات بوجوب كونها عن علم ويقين بمثل هذه التخريجات
الضعيفة والتقريبات السخيفة لا يخلو من المجازفة في أحكام سبحانه.
والظاهر أن الحامل لهم على ارتكاب هذه التكلفات في توجيه القول
المذكور هو ذهاب صاحب الكافي إليه وافتاؤه به وإلا فإنهم لا يعبأون بأقوال
الشيخ والمرتضى ونحوهما ولا يحافظون عليه أو يتكلفون تصحيحها إن لم يقابلوها
بالرد والاعتراض.
أقول: إن الله لا يستحيي من الحق، فإن كان صاحب الكافي أنما أفتى بذلك
لنص وصل إليه - وهو الظاهر لأنه من أرباب النصوص - فإن حكمنا في ذلك
غير حكمه لعدم وصول النص إلينا وعدم وجوب تقليده علينا، وإن كان إنما هو لمجرد
استنباط كما ذهب إليه غيره فالأمر أظهر من ذلك. نعم لو كان لهذه الفتوى شهرة في
كلام غيره من المعاصرين له والمتقدمين عليه والمتأخرين عنه من المتقدمين لأمكن
الاعتماد عليها كما تقدم التصريح به في صدر كتاب الطهارة في المقدمة التي في الاجماع
وكيف كان فكلام المتأخرين وما عللوا به الابطال لا يخلو من قوة كما اعترف
به هؤلاء المخالفون في المسألة في غير موضع - إلا أنه لعدم النص في المسألة فالواجب
فيها الاحتياط بالاتمام كما ذكره القائلون بالصحة تم الإعادة كما ذكره الآخرون فإن
المسألة عندي من المتشابهات الواجب فيها الاحتياط. والله العالم.
الرابع - قد عرفت أن ضابط التجاوز عن المحل في الشك هو الشروع في
فعل موضعه بعد ذلك الفعل ركنا كان أو غيره، بقي الكلام في التخصيص بأفعال
مخصوصة أو ما هو أعم وقد تقدم الكلام فيه.
190

وضابط التجاوز في السهو فوت المحل بأن يدخل في ركن يكون بعد ذلك
المنسي أو يكون تداركه مستلزما لتكرار ركن أو تكرار جزء من ركن، أما تكرار
الركن فكنسيان ذكر الركوع حتى رفع رأسه منه وانتصب قائما، وكذا نسيان الطمأنينة
فيه، فإن تدارك ذلك موجب لتكرار الركوع. وأما تكرار جزء من الركن فهو
كنسيان ذكر إحدى السجدتين وتذكره بعد الرفع، فإن العود إليه وإن لم يوجب
تكرار الركن لكن يوجب تكرار جزء منه فإن السجدة الواحدة جزء من الركن
وهو السجدتان، وحينئذ فليس لناسي ذكر الركوع أو الطمأنينة فيه حتى ينتصب
الرجوع فيه ولا لناسي الرفع من الركوع أو الطمأنينة في الرفع حتى يسجد الرجوع
وكذا ناسي الذكر في السجدتين حتى رفع رأسه من السجدة الثانية أو الذكر في إحدى
السجدتين أو السجود على الأعضاء السبعة سوى الجبهة أو الطمأنينة فيهما أو في
الجلوس بينهما أو اكمال الرفع من السجدة الأولى حتى سجد ثانيا. وكذا لو شك في
شئ من ذلك فليس له الرجوع إلى استدراك شئ من ذلك. ولا تبطل صلاته بتركها ولا
يلزمه شئ سوى سجود السهو على القول بكونه لكل زيادة ونقيصة.
والمستند في الجميع فوات محل التدارك وعدم الدليل على الرجوع إليها أو على
بطلان الصلاة بتركها ناسيا، وقد وردت جملة من الروايات بخصوص بعض هذه
المواضع. والله العالم.
الخامس - لو شك بعد رفع رأسه من الركوع هل وصل إلى حد الراكع أم لا؟
مع جزمه بتحقق الانحناء في الجملة وكون هويه بقصد الركوع فالأقرب العود، لأنه
يرجع إلى حكم الشاك في الركوع قائما وقد صرحت الأخبار بوجوب الرجوع عليه
وكذا صرح الأصحاب.
ومن الأخبار صحيحة عمران الحلبي (1) قال: " قلت الرجل يشك وهو قائم
فلا يدري أركع أم لا؟ قال فليركع ".

(1) الوسائل الباب 13 من الركوع
191

واحتمل بعض مشايخنا عدم العود لرواية الفضيل بن يسار (1) قال: " قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام) استتم قائما فلا أدري ركعت أم لا؟ فقال بلى قد ركعت
فامض في صلاتك فإنما ذلك من الشيطان ".
وقد قدمنا الكلام في هذا الخبر وأنه لا يصلح لمعارضة تلك الأخبار الناصة
على وجوب الرجوع المعتضدة بكلام الأصحاب وبينا أن الظاهر حمله على كثير الشك
فإن الغالب أن مثل هذا الشك لا يصدر إلا منه، وقوله (عليه السلام) " فإنما ذلك
من الشيطان " ظاهر في التأييد لما قلناه. وربما حمل الخبر المذكور على القيام من
السجود أو التشهد. وهو وإن كان لا يخلو عن بعد إلا أنه لضرورة الجمع بين الأخبار
غير بعيد، وكم مثله بل أبعد منه في أمثال هذه المقامات ولا سيما في كلام الشيخ
(قدس سره) والله العالم.
(المسألة الثالثة) - لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في
بطلان الصلاة بالشك في عدد الأوليين.
وقد نقل الأصحاب من العلامة فمن بعده عن الصدوق هنا أيضا القول بجواز
البناء على الأقل، قال العلامة في المنتهى والشهيد في الذكرى أنه قول علمائنا أجمع إلا
أبا جعفر ابن بابويه فإنه قال: " لو شك بين الركعة والركعتين فله البناء على الأقل " وتناقل
هذه العبارة عن الصدوق جملة من تأخر عنهم كصاحب المدارك وغيره مع أنا لم نقف
عليها في كلامه بل الموجود فيه ما يخالفها ويطابق القول المشهور.
وهذا الموضع الثاني من مواضع نقولاتهم المختلفة عنه (رضي الله عنه) في
هذا المقام فإنه قال في كتاب الفقيه: والأصل في السهو أن من سها في الركعتين
الأولتين من كل صلاة فعليه الإعادة ومن شك في المغرب... إلى آخر ما قدمناه عنه في
صدر المسألة الأولى.
ولا يخفى أن مراده بالسهو هنا - كما ذكره أيضا المحقق المشهور بخليفة سلطان

(1) الوسائل الباب 13 من الركوع
192

في حواشيه على الكتاب - إنما هو الشك بقرينة ما بعد العبارة المذكورة، قال المحقق
المذكور: الظاهر أن المراد الشك في العدد الأولتين لا كل سهو وقع فيهما فإنه لو
كان السهو فيهما عن غير الركن أو عن الركن وتمكن من استدراكه في محله فليس عليه
إعادة الصلاة. انتهى.
أقول: ويوضح ذلك قوله في آخر العبارة: ومعنى الخبر الذي روي (1)
" أن الفقيه لا يعيد الصلاة " إنما هو في الثلاث والأربع لا في الأولتين. وهو كما ترى
صريح في حكمه بوجوب الإعادة بالشك في الأولتين. هذا كلامه في الكتاب المذكور
وقال أيضا في كتاب المقنع: إذا لم تدر واحدة صليت أم اثنتين فأعد الصلاة
وروى ابن علي ركعة. انتهى. وهو كما ترى صريح في الفتوى بوجوب الإعادة
كما عليه الأصحاب (رضوان الله عليهم) وإنما نسب البناء على الأقل إلى الرواية.
ففي أي موضع هذه العبارة التي نقلوها عنه وتبع المتأخر فيها المتقدم؟ وهذا
كلامه في الكتابين صريح في موافقة الأصحاب (رضوان الله عليهم) وجل الروايات
الواردة في الباب، ما هذا إلا عجب عجاب من هؤلاء الفضلاء الأطياب. ونحوه
ما سيأتي إن شاء الله تعالى أيضا في المقام.
ونقل في الذكرى عن الشيخ علي بن بابويه أنه قال: إذا شك في الركعة
الأولى والثانية أعاد، وإن شك ثانيا وتوهم الثانية بنى عليها ثم احتاط بعد التسليم
بركعتين قاعدا، وإن توهم الأولى بنى عليها وتشهد في كل ركعة، فإن تيقن بعد التسليم
الزيادة لم يضر لأن التسليم حائل بين الرابعة والخامسة، وإن تساوى الاحتمالان
تخير بين ركعة قائما وركعتين جالسا. انتهى. ثم قال في الذكرى: وأطبق الأصحاب
(رضوان الله عليهم) على الإعادة ولم نقف له على رواية تدل على ما ذكره
من التفصيل.

(1) الفقيه ج 1 ص 225 وفي الوسائل الباب 1 رقم (5) والباب 9 رقم (3) والباب
29 رقم (1) من الخلل في الصلاة.
193

أقول: والذي يدل على القول المشهور وهو المؤيد المنصور جملة من
الأخبار المتكاثرة:
ومنها - ما رواه الشيخ عن الفضل بن عبد الملك في الصحيح (1) قال: " قال
لي إذا لم تحفظ الركعتين الأولتين فأعد صلاتك ".
وعن أبي بصير في الصحيح أو الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: إذا سهوت في الركعتين فأعدهما حتى تثبتهما ".
وعن رفاعة في الصحيح (3) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
رجل لا يدري أركعة صلى أم ثنتين؟ قال يعيد ".
وما رواه ثقة الاسلام في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن أحدهما (عليهما
السلام) (4) قال: " قلت له رجل لا يدري واحدة صلى أم اثنتين؟ قال يعيد ".
وعن الحسن بن علي الوشاء (5) قال: " قال لي أبو الحسن الرضا (عليه السلام)
الإعادة في الركعتين الأولتين والسهو في الركعتين الأخيرتين ".
وروى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (6) قال: " سألت أبا جعفر
(عليه السلام) عن رجل شك في الركعة الأولى؟ قال يستأنف ".
وعن عنبسة بن مصعب (7) قال: " قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) إذا
شككت في الركعتين الأولتين فأعد ".
وعن سماعة في الموثق (8) قال قال: " إذا سها الرجل في الركعتين الأولتين
من الظهر والعصر ولم يدر واحدة صلى أم ثنتين فعليه أن يعيد الصلاة ".
وعن إسماعيل الجعفي وابن أبي يعفور عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما
السلام) (9) أنهما قالا: " إذا لم تدر أواحدة صلى تأم ثنتين فاستقبل ".
هذه جملة ما حضرني من الأخبار الدالة على القول المشهور وهي في دلالتها

(1) الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة
(3) الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة
(4) الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة
(5) الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة
(6) الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة
(7) الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة
(8) الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة
(9) الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة
194

واضحة الظهور لا يعتريها خلل ولا قصور.
إلا أنه قد ورد بإزائها بعض الأخبار الدالة على البناء على الأقل واستدل
من نسب بزعمه إلى ابن بابويه القول بالبناء على الأقل بهذه الأخبار وقد عرفت
فساد النسبة وأنها غلط بلا ريبة.
ومن الأخبار المشار إليها ما رواه الشيخ في الحسن عن الحسين بن أبي العلاء (1)
قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل لا يدري أركعتين صلى أم
واحدة؟ قال يتم ".
وعن عبد الرحمان بن الحجاج عن أبي إبراهيم (عليه السلام) (2) قال:
" في الرجل لا يدري ركعة صلى أم ثنتين؟ قال يبني على الركعة ".
وعن عبد الله بن أبي يعفور في الموثق (3) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن الرجل لا يدري أركعتين صلى أم واحدة؟ قال يتم بركعة ".
وأجاب الشيخ عن هذه الأخبار (أولا) بأنها أخبار قليلة وما تضمن الإعادة
كثير جدا ولا يجوز العدول عن الأكثر إلى الأقل. و (ثانيا) بالحمل على النافلة إذ
لا تصريح فيها بكون الشك في الفريضة.
قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه: وهذا الحمل وإن كان بعيدا إلا أنه لا بأس
بالمصير إليه لضعف هذه الروايات من حيث السند ولو صح سندها لأمكن القول
بالتخيير بين البناء على الأقل ولا استئناف كما اختاره ابن بابويه. انتهى.
أقول: بل الحق في ذلك أنما هو حمل هذه الأخبار على التقية التي هي في
اختلاف الأحكام الشرعية أصل كل بلية.
ويدل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه (4) بإسناده عن عبد الرحمان بن عوف

(1) الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة
(3) الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة
(4) رواه الترمذي في صحيحه على هامش شرحه لابن العربي ج 2 ص 188 وحكاه
العيني في عمدة القارئ ج 3 ص 749 عنه كما في تيسير الوصول ج 2 ص 260 أيضا ورواه
البيهقي في السنن ج 2 ص 332، ورواه ابن تيمية في المنتقى على هامش شرحه
نيل الأوطار ج 3 ص 96 وذكر رواية أحمد وابن ماجة والترمذي له ولم يذكر الشوكاني
في الشرح رواية مسلم له كما لم يذكر ذلك في السنن، ولم نجده في صحيح مسلم في باب سجود
السهو. ولكن في البحار ج 18 الصلاة ص 649 حكاه عن مسلم.
195

قال: " سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدر
واحدة صلى أم اثنتين فليبن علي واحدة، وإن لم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا فليبن علي
اثنتين، وإن لم يدر ثلاثا صلى أم أربعا فليبن علي ثلاث ويسجد سجدتين قبل أن يسلم "
قال البغوي في شرح السنة بعد نقل الخبر المذكور: هذا الحديث يشتمل على
حكمين (أحدهما) أنه إذا شك في صلاته فلم يدر كم ركعة صلى يأخذ بالأقل.
و (الثاني) أن محل سجدتي السهو قبل السلام. أما الأول فأكثر العلماء على أنه يبني على
الأقل ويسجد للسهو... إلى آخر كلامه.
وبذلك يظهر بطلان ما ذكره من الاحتمال وإن فرضنا صحة تلك الأخبار
وأن الحمل على التقية كما هو القاعدة المنصوصة عن أهل العصمة (عليهم السلام) مما
لا ريب فيه ولا اشكال، وسيأتي إن شاء الله تعالى ما فيه مزيد ايضاح وتأييد لذلك
بتوفيق الملك المتعال.
هذا. وأما ما ذكره الشيخ أبو الحسن علي بن بابويه واعترضه من وصل إليه
كلامه بعدم الوقوف له على دليل فدليله إنما هو كتاب الفقه الرضوي على الطريق التي
عرفت وستعرف في غير مقام حيث قال (عليه السلام) في الكتاب المذكور (1)
" وإن شككت في الركعة الأولى والثانية فأعد صلاتك، وإن شككت مرة أخرى
فيهما وكان أكثر وهمك إلى الثانية فابن عليها واجعلها ثانية فإذا سلمت صليت ركعتين
من قعود بأم الكتاب، وإن ذهب وهمك إلى الأولى جعلتها الأولى وتشهدت في
كل ركعة، وإن استيقنت بعد ما سلمت أن التي بنيت عليها واحدة كانت ثانية

(1) ص 10
196

وزدت في صلاتك ركعة لم يكن عليك شئ لأن التشهد حائل بين الرابعة والخامسة
وإن اعتدل وهمك فأنت بالخيار إن شئت صليت ركعتين من قيام وإلا ركعتين
وأنت جالس ".
ثم إنه نقل في الذكرى أيضا عن الشيخ علي بن بابويه على أثر العبارة المتقدمة
أنه قال أيضا: فإن شككت فلم تدر واحدة صليت أم اثنتين أم ثلاثا أم أربعا
صليت ركعة من قيام وركعتين من جلوس. ثم قال: وربما استند إلى صحيحة
علي بن يقطين عن أبي الحسن (عليه السلام) (1) " عن الرجل لا يدري كم صلى
واحدة أو اثنتين أم ثلاثا؟ قال يبني على الجزم ويسجد سجدتي السهو ويتشهد تشهدا
خفيفا " قال وظاهر الجزم الاحتياط بما ذكر لأنه بناء على الأكثر ثم التدارك. انتهى.
أقول: وهذا أيضا من قبيل ما قدمناه فإن عبارة الشيخ المذكور عين عبارة
الكتاب المشار إليه في هذا الموضع أيضا حيث قال (عليه السلام) (2): وإن
شككت فلم تدر ثنتين صليت أم ثلاثا أم أربعا فصل ركعة من قيام وركعتين وأنت
جالس، وكذلك أن شككت فلم تدر واحدة صليت أم ثنتين أم ثلاثا أم أربعا صليت
ركعة من قيام وركعتين وأنت جالس. انتهى.
وأنت خبير بأن اعتماد الشيخ المشار إليه على الافتاء بعبارة الكتاب المذكور
- في المسألة التي هي محل البحث في مقابلة تلك الأخبار الصحاح الصراح المتكاثرة
وترجيحه العمل بهذا التفصيل على ما دلت عليه تلك الأخبار - أظهر ظاهر في صحة
نسبة هذا الكتاب إليه (عليه السلام) زيادة على نسبة تلك الأخبار إليهم (عليهم
السلام) كما لا يخفى، ومنه يظهر قوة الاعتماد على الكتاب المذكور والرجوع إليه في
الأحكام الشرعية لاعتماد هذا العمدة في رسالته من أولها إلى آخرها عليه كما أوضحناه
في غير مقام مما تقدم. وسيأتي مثاله في الأبواب الآتية والكتب التالية. والله العالم
(المسألة الرابعة) - لا خلاف بين الأصحاب (عطر الله مراقدهم) في أنه لو لم

(1) الوسائل الباب 15 من الخلل في الصلاة
(2) ص 10
197

يدر كم صلى فإنه يجب عليه الإعادة.
وقد نسبوا إلى الصدوق أيضا في هذه المسألة الخلاف السابق الذي زعموا
قوله به، قال في المدارك بعد ذكر هذا الحكم: ومقتضى كلام ابن بابويه في
كتاب من لا يحضره الفقيه جواز البناء على الأقل في مثل هذه المسألة أيضا. ونحوه
قال الفاضل الخراساني في الذخيرة.
أقول: الظاهر أنه أشار في المدارك بقوله " ومقتضى كلام ابن بابويه " إلى
ما قدمنا نقله عنه في المسألة السابقة من نقل تلك العبارة المتقدمة عن الصدوق مع أنك
قد عرفت أنه لا عين لها ولا أثر بل المصرح به فيه خلاف ذلك، وكذلك في
هذا الموضع فإنه قد صرح فيه بما صرح به الأصحاب (رضوان الله عليهم) حيث
أنه قال في الكتاب المذكور: ومن لم يدر كم صلى ولم يقع وهمه على شئ فليعد
الصلاة. انتهى. وهو عين ما أفتى به الأصحاب ودلت عليه أخبار الباب.
ولا أدري كيف اتفقوا على هذه النقولات الظاهرة الخلل واجتمعوا على
الوقوع في هذا الخلل والزلل وكتاب الفقيه بمنظر منهم وسيأتي مثله أيضا.
نعم ربما ظهرت المخالفة في هذه المسألة من كلام والده في الرسالة على ما تقدم
نقله في الذكرى عنه من قوله: فإن شككت فلم تدر واحدة صليت أم اثنتين أم
ثلاثا أم أربعا صليت ركعة من قيام وركعتين من جلوس. وقد قدمنا أن ذلك
مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي.
وكيف كان فالمعتمد هو القول المشهور للأدلة الأخبار المتكاثرة عليه، ومنها
ما رواه ثقة الاسلام في الصحيح عن صفوان عن أبي الحسن (عليه السلام) (1)
قال: " إن كنت لا تدري كم صليت ولم يقع وهمك على شئ فأعد الصلاة ".
وعن عبد الله بن أبي يعفور باسنادين أحدهما في الصحيح أو الحسن عن أبي بعد الله (عليه السلام) (2) قال: " إذا شككت فلم تدرأ في ثلاث أنت أم في

(1) الوسائل الباب 15 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 15 من الخلل في الصلاة
198

اثنتين أم في واحدة أم في أربع فأعد ولا تمض على الشك ".
وعن أبي بصير وزرارة باسنادين أحدهما من الصحيح أو الحسن (1) قالا:
" قلنا له الرجل يشك كثيرا في صلاته حتى لا يدري كم صلى ولا ما بقي عليه؟ قال
يعيد. قلنا فإنه يكثر عليه ذلك كلما أعاد شك؟ قال يمضي في شكه... الحديث ".
وعن علي بن النعمان الرازي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
في حديث قال: " إنما يعيد من لا يدري ما صلى ".
ويعضده ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن
جعفر (عليه السلام) (3) قال: " سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فلا يدري
صلى شيئا أم لا؟ فقال يستقبل ".
ويدل عليه أيضا ما تقدم من الأخبار الدالة على بطلان الصلاة مع عدم
سلامة الأوليين (4).
إلا أنه قد ورد بإزاء هذه الروايات ما يدل بظاهره على جواز البناء على الأقل
واستدل بها الصدوق بناء على زعمهم قوله بذلك.
ومن الأخبار المذكورة ما رواه الشيخ عن علي بن يقطين في الصحيح (5)
قال: " سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل لا يدري كم صلى واحدة أو
اثنتين أم ثلاثا؟ قال يبني على الجزم ويسجد سجدتي السهو ويتشهد تشهدا خفيفا "
وحملها الشيخ على أن المراد بالجزم استئناف الصلاة وحمل الأمر بالسجود
على الاستحباب. وأجاب العلامة عنها بالحمل على من كثر سهوه. والجميع بمحل
من البعد وإنما الوجه فيها الحمل على التقية كما قدمنا ذكره في سابق هذه المسألة (6)

(1) الوسائل الباب 16 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 3 و 15 من الخلل في الصلاة
(3) الوسائل الباب 15 من الخلل في الصلاة
(4) ص 194
(5) الوسائل الباب 15 من الخلل في الصلاة
(6) ص 195 و 196
199

فإنك قد عرفت أن الحكم عندهم البناء على الأقل وسجود السهو.
وعن عنبسة بن مصعب (1) قال: " سألته عن الرجل لا يدري ركعتين ركع
أو واحدة أو ثلاثا؟ قال يبني صلاته على ركعة واحدة يقرأ فيها بفاتحة الكتاب
ويسجد سجدتي السهو ".
وعن عبد الله بن المغيرة عن علي بن أبي حمزة عن رجل صالح (2) قال:
" سألته عن الرجل يشك فلا يدري واحدة صلى أو ثنتين أو ثلاثا أو أربعا تلتبس
عليه صلاته؟ قال كل ذا؟ قلت نعم. قال فليمض في صلاته ويتعوذ بالله من الشيطان
الرجيم فإنه يوشك أن يذهب عنه ".
قال في الفقيه (3) بعد نقل رواية علي بن ابن حمزة المذكورة: وروى سهل بن
اليسع في ذلك عن الرضا (عليه السلام) أنه قال: " يبني على يقينه ويسجد سجدتي
السهو بعد التسليم ويتشهد تشهدا خفيفا ".
والوجه في هذه الأخبار ما عرفت من الحمل على التقية مع زيادة احتمال الحمل
على كثرة السهو في رواية علي بن أبي حمزة. واحتمل الشيخ فيها الحمل على السهو
في النوافل ثم احتمل الحمل على من كثر سهوه. واحتمل جملة من المتأخرين الجمع
بين الأخبار المختلفة في هذه المسألة بالحمل على التخيير، قال في الذخيرة: والأقرب
في الجمع بين الأخبار الحمل على التخيير ولكن العدول عن الأخبار الكثيرة المعتضدة
بالشهرة إلى غيرها مشكل. وبالجملة لا ريب في أن الاحتياط في الإعادة.
وقال في المدارك بعد رد تأويلي الشيخ والعلامة في المختلف بالبعد: وكيف
كان فلا ريب أن الاستئناف أولى وأحوط.
أقول: بل الظاهر الذي لا يكاد يختلجه الريب هو أن هذه الأخبار إنما

(1) الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 16 من الخلل في الصلاة
(3) ج 1 ص 230 وفي الوسائل الباب 13 من الخلل في الصلاة
200

خرجت مخرج التقية كما سيأتيك إن شاء الله تعالى مزيد بيان لذلك، ولكنهم (رضوان
الله علهم) حيث ألغوا هذه القواعد بالكلية وكذا غيرها من القواعد المنصوصة في مقام
اختلاف الأخبار وقعوا في ما وقعوا فيه من هذا الكلام وأمثاله الناقص العيار، وربما
ارتكبوا التأويلات الباردة والتمحلات الشاردة، والحق أحق أن يتبع.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن مما نقل عن الصدوق أيضا في أحكام الشكوك جواز
البناء على الأقل في الشكوك الآتية المتعلقة بالأخيرتين وجعلوه مخالفا للأصحاب
والأخبار القائلين بالبناء على الأكثر في تلك الشكوك، وهنا موضع اشتباه في
كلامه (قدس سره) في الفقيه ربما كان هو الحامل لهم على ما وقع لهم من الوهم وإن
كانت بعض نقولاتهم عنه يأبى ذلك مثل نقل العبارة المتقدمة عنه مع أنه لا وجود
لها في كلامه.
وها أنا أذكر لك ملخص كلامه (قدس سره) في الكتاب المذكور واشرح
لك ما تضمنه ودل عليه ليظهر لك ما في كلامهم من القصور:
قال (قدس سره) في أحكام السهو في الصلاة قريبا من أول الباب (1)
ما صورته: والأصل في السهو أن من سها في الركعتين الأولتين من كل صلاة فعليه
الإعادة، ومن شك في المغرب فعليه الإعادة، ومن شك في الغداة فعليه الإعادة ومن
شك في الجمعة فعليه الإعادة، ومن شك في الثانية والثالثة أو في الثالثة والرابعة أخذ
بالأكثر فإذا سلم أتم ما ظن أنه قد نقص. وقال أبو عبد الله (عليه السلام) (2)
لعمار بن موسى " يا عمار أجمع لك السهو كله في كلمتين متى شككت فخذ بالأكثر فإذا سلمت
فأتم ما ظننت أنك قد نقصت " ومعنى الخبر الذي روي (3) " أن الفقيه لا يعيد
الصلاة " إنما هو في الثلاث والأربع لا في الأولتين. انتهى. وهذا الكلام كما ترى

(1) ج 1 ص 225
(2) الوسائل الباب 8 من الخلل في الصلاة
(3) الوسائل الباب 1 و 9 و 29 من الخلل في الصلاة
201

من أوله إلى آخره موافق لما عليه الأصحاب (رضوان الله عليهم) ودلت عليه أخبار
تلك الأبواب.
ثم ساق الكلام بعد ما ذكرناه في جملة من مسائل السهو والشك الخارجة عن ما نحن فيه
بما يقرب من ورقة كبرى إلى أن قال: وروى الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
أنه قال: " إذا لم تدر اثنتين صليت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى شئ فتشهد
وسلم ثم صل ركعتين... الرواية إلى آخرها " وهذا الخبر هو مستند الأصحاب
(رضوان الله عليهم) في هذه الصورة التي اشتمل عليها الخبر، وظاهر روايته له
وجموده عليه يؤذن بموافقته الأصحاب في ذلك.
ثم ساق الكلام والأخبار في مسائل خارجة عما نحن فيه إلى أن قال: وروى
الحلبي عنه (عليه السلام) (2) أنه قال: " إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا... الحديث
إلى آخره " والتقريب فيه ما تقدم في سابقه.
ثم ساق الكلام في أمور خارجة إلى أن قال: وروى عبد الرحمان بن الحجاج
عن أبي إبراهيم (عليه السلام) (3) قال " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل
لم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا أم أربعا... الحديث " والتقريب فيه أيضا كما ذكرناه.
ثم قال: وروى علي بن أبي حمزة عن العبد الصالح (عليه السلام) ثم ساقها كما
قدمناه (4) ثم قال: وروى سهل بن اليسع... إلى آخر ما قدمنا نقله أيضا عنه (5) ثم
قال: وقد روي أنه يصلي ركعة من قيام وركعتين من جلوس (6) وليست هذه الأخبار مختلفة وصاحب السهو بالخيار بأي خبر أخذ منها فهو مصيب. وروي عن
إسحاق بن عمار (7) أنه قال " قال لي أبو الحسن (عليه السلام) إذا شككت فابن

(1) الوسائل الباب 11 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 14 من الخلل في الصلاة
(3) الوسائل الباب 13 من الخلل في الصلاة
(4) ص 200
(5) ص 200
(6) الوسائل الباب 13 من الخلل في الصلاة
(7) الوسائل الباب 8 من الخلل في الصلاة
202

على اليقين. قال قلت هذا أصل؟ قال نعم " ثم ساق الكلام في غير ما نحن فيه وأطال
إلى أن قال: ومن لم يدر كم صلى ولم يقع وهمه على شئ فليعد الصلاة. هذا خلاصة ما ذكره
في الكتاب المذكور بالنسبة إلى المسائل التي نقلوها عنه.
ومن المحتمل قريبا - بل هو الظاهر هو من كلام المحدث الكاشاني في الوافي - أن
منشأ الشبهة في ما نقلوه عنه قوله هنا " وليست هذه الأخبار مختلفة وصاحب السهو
بالخيار... " باعتبار ارجاع الإشارة إلى جميع ما تقدم من تلك المسائل المتفرقة.
وفيه (أولا) أن الظاهر - بل هو المقطوع به كما سنشرحه لك إن شاء الله تعالى -
أن مراده بالإشارة إنما هو إلى هذه الأخبار الثلاثة المتصلة في هذا المقام المتضمنة
للشك بين الواحدة والثنتين والثلاث والأربع، فإنها كما ترى قد اختلفت في ذلك،
فظاهر رواية علي بن أبي حمزة وقوله فيها " فليمض في صلاته " إنه يتمها بالبناء
على الأكثر من غير احتياط، وظاهر رواية سهل بن اليسع في ذلك أيضا أنه
يبني على الواحدة ويتم صلاته ويسجد سجدتي السهو، وظاهر قوله " وقد روي
أنه يصلي " أنه يبني على الأكثر ويحتاط بهذا الاحتياط المذكور. والظاهر أن
مراده بقوله " روي " هو الإشارة إلى كلامه (عليه السلام) في كتاب الفقه الرضوي
المتضمن لهذه الصورة وأنه يحتاط فيها بما ذكر، وهي التي قدمنا نقلها عن أبيه في
الرسالة بنقل صاحب الذكرى، وأن هذه الروايات الثلاث مع كون موردها أمرا
واحدا قد اختلفت في حكمه وهو قد جمع بينها بالتخيير بين العمل بأي الأخبار
الثلاثة شاء، والظاهر من نقله رواية إسحاق بن عمار هو أن مراده تأييد البناء على
الأقل. هذا هو ظاهر كلامه.
و (ثانيا) أنه كيف يصح حمل الإشارة بهذه الأخبار إلى أخبار مسائل
الشكوك التي نقلوا عنه الخلاف فيها؟ والحال أن جملة من تلك المسائل التي قدمنا
نقلها عنه في الكتاب المذكور إنما ذكرها بطريق الفتوى المؤذن بالجزم بذلك لا
بطريق الرواية كما عرفت من صدر عبارته التي قدمناها أول الكلام مثل مسألة الشك
203

في أولتي الرباعية ومسألة الشك في الثانية والثلاثية ومسألتي الشك بين الثنتين والثلاث
والثلاث والأربع، فإنه لم ينقل في شئ من هذه المسائل خبرا، ومثل مسألة " من لم
يدر كم صلى " المتأخرة عن هذه الإشارة بكثير، فكيف يصح الإشارة إلى هذه
الفتاوى الغير المقرونة بخبر بالكلية بقوله " وليست هذه الأخبار "؟ سيما مع تأخر
بعضها عن الإشارة، ما هذا إلا تعسف صرف وتكلف بحت.
و (ثالثا) أنه مع الاغماض عن ذلك كيف يصح الإشارة إلى هذه المسائل
المتفرقة المتقدمة وفيها ما هو متقدم بورقة كبرى مع تفرقها بين الأخبار والأحكام
الخارجة عما نحن فيه؟
و (رابعا) أنهم قد نقلوا عنه عبارات في بعض الخلافات التي نسبوها إليه مع أن تلك العبارات لا وجود لها في كتابه بل الموجود إنما هو ما يدل على خلاف ذلك.
وبالجملة فإن حمل الإشارة في هذه العبارة - على الإشارة إلى جميع ما تقدم وما
تأخر من المسائل المذكورة والحال ما عرفت - تعسف ظاهر كما لا يخفى على كل ناظر
فضلا عن الخبير الماهر، بل كلامه المتقدم في أول الباب والأخبار التي نقلها في الأثناء
كله صريح في مطابقة كلام الأصحاب ولم يورد له مناقضا في الباب وإنما نقل هذه الأخبار الثلاثة المختلفة في خصوص هذه الصورة وجمع بينها بما ذكر.
بقي الكلام في شئ آخر وهو أنه قد دل صدر كلامه الذي قدمنا نقله على أن
الشك متى تعلق بالأولتين كان مبطلا وفي هذه الصورة التي اختلفت فيها هذه الأخبار
الأمر كذلك، فكيف حكم بالصحة هنا وخير بين ما دلت عليه هذه الأخبار والواجب
هو الحكم بالبطلان وتأويل هذه الأخبار؟
ويمكن الجواب باستثناء هذه الصورة عنده بهذه الأخبار مما دلت عليه
أخبار ذلك الحكم، وأما غيرها فهو جار على ما ذكره أولا لاتفاق الأخبار وعدم
ذكره المخالف في شئ من تلك المسائل فلا منافاة حينئذ.
ثم إنه لا يخفى أن ما حملنا عليه كلامه ووجهناه به إن لم يكن متعينا ومتحتما
204

لما ذكرناه فلا أقل أن يكون هو الأرجح والأظهر ومع التنزل فلا أقل أن يكون
مساويا لما ذكروه، وبه يبطل ما زعموه من حمل كلامه على الخلاف في تلك
المسائل فإنه متى قام الاحتمال بطل الاستدلال كما هو بينهم مسلم في مقام البحث
والجدال. والله العالم.
(المسألة الخامسة) قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن الشك إنما
يعتبر مع تساوي الطرفين وأما مع الظن بأحدهما فإنه يبني على الظن، ومعناه تقدير
الصلاة كأنها وقعت على هذا الوجه المظنون سواء اقتضى الصحة أو الفساد.
وظاهر كلامهم أنه لا فرق في حمل الشك على هذا المعنى بين ما إذا شك في
الأعداد أو الأفعال، وقد عرفت في ما تقدم أنه في الأفعال محل اشكال لما قدمناه
في المسألة الثانية، وأما في الأعداد فإنه لا اشكال فيه لدلالة الأخبار على البناء على
الظن فيها فالمراد بالشك فيها ما هو عبارة عن تساوي طرفي ما شك فيه، فلو شك
بين الاثنتين والثلاث وظن الثلاث بنى عليه من غير احتياط، ولو شك بين الأربع
والخمس وظن الأربع بنى عليه من غير سجود السهو، ولو ظن كونها خمسا كان
كمن زاد ركعة فيجئ فيه الخلاف المتقدم في هذه المسألة.
وقد وقع في كثير من عبائر الأصحاب التعبير هنا بغلبة الظن وربما أشعر بعدم
الاكتفاء بمطلق الظن مع أنه خلاف النص والفتوى كقوله (عليه السلام) (1) " إذا
وقع وهمك على الثلاث فابن عليه وإن وقع وهمك على الأربع فسلم وانصرف "
والمراد بالوهم هنا هو الظن وهو الطرف الراجح ويرجع إلى مطلق ترجيح أحد
النقيضين، ولا يمكن حمله على معناه المصرح به في كلام أهل المعقول فإنه باطل
اجماعا، وحينئذ فلا وجه لاعتبار ما زاد على مجرد الظن. قال في الروض: وكأن من
عبر بالغلبة تجوز بسبب أن الظن لما كان غالبا بالنسبة إلى الشك والوهم وصفه بما

(1) هذا المضمون ورد في رواية عبد الرحمن بن سيابة وأبي العباس الواردة
في الوسائل في الباب 7 من الخلل في الصلاة. واللفظ فيها الرأي بدل الوهم
205

هو لازم له وأضاف الصفة إلى موصوفها بنوع من التكلف.
والمشهور بين الأصحاب أنه لا فرق في هذا الحكم بين الأوليين والأخيرتين
ولا بين الرباعية والثلاثية والثنائية، فإن حصل الشك في موضع يوجب البطلان
كالثنائية وغلب الظن على أحد الطرفين بنى عليه وإن تساويا بطلت حتى لو لم يدر كم
صلى وظن عددا معينا بنى عليه. وكذا لا فرق في ذلك بين الأفعال والأعداد في
الركعات. ونقل عن ابن إدريس أن غلبة الظن أنما تعتبر فيما عدا الأوليين وأن
الأوليين تبطل الصلاة بالشك فيهما وإن غلب الظن.
قال في الذكرى: لو غلب على ظنه أحد طرفي ما شك فيه بنى عليه لأن تحصيل
اليقين عسر في كثير من الأحوال فاكتفى بالظن تحصيلا لليسر ودفعا للحرج والعسر
وروى العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) (1) " إذا شك أحدكم في الصلاة
فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فليبن عليه " وعن الصادق (عليه السلام) (2) بعدة
طرق " إذا وقع وهمك على الثلاث فابن عليه وإن وقع وهمك على الأربع فسلم
وانصرف " ولا فرق بين الشك في الأفعال والأعداد ولا بين الأوليين والأخيرتين
في ذلك.
ويظهر من كلام ابن إدريس أن غلبة الظن تعتبر فيما عدا الأوليين وأن
الأوليين تبطل الصلاة بالشك فيهما وإن غلب الظن، فإن أراده فهو بعيد وخلاف
فتوى الأصحاب وتخصيص لعموم الأدلة. انتهى.
واعترضه في المدارك بأن لقائل أن يقول إن مخالفته لفتوى المعلومين من
الأصحاب لا محذور فيه إذا لم يكن الحكم اجماعيا. وما ادعاه من العموم غير ثابت
فإن الخبر الأول عامي وباقي الروايات مختص بالأخيرتين. نعم يمكن الاستدلال

(1) في صحيح مسلم ج 2 باب السهو في الصلاة في حديث " إذا شك أحدكم في
صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسجد سجدتين " وفي رواية ابن بشر " فلينظر
أحرى ذلك للصواب " وفي بدائع الصنائع ج 1 ص 165 هكذا أورد الرواية " إذا
شك أحدكم في صلاته فليتحر أقربه إلى الصواب وليبن عليه "
(2) ص 205
206

على اعتبار الظن في الأولتين بما رواه الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن
عيسى عن محمد بن خالد عن سعد بن سعد عن صفوان عن أبي الحسن (عليه السلام) (1)
قال " إن كنت لا تدري كم صليت ولم يقع وهمك على شئ فأعد الصلاة "
ومقتضى الرواية اعتبار الظن في أعداد الأولتين. انتهى ملخصا. ونحوه ما
ذكره في الذخيرة أيضا.
أقول: لقائل أن يقول إن مفهوم هذه الرواية الدال على أنه إذا وقع وهمه
على شئ فإنه لا يعيد بل يبني على ظنه الشامل لأوليين في أعدادهما وأفعالهما معارض
بمنطوق جملة من الأخبار المتقدمة في المقام الثاني من المسألة الثانية من هذا
المطلب (2) بتقريب ما بيناه في ذيل الرواية الأولى منها، إلا أنك قد عرفت (3)
معارضة صحيحة زرارة المذكورة ثمة ورواية محمد بن منصور لما دلت عليه وإن
وجه الجمع بين الجميع هو تخصيص الروايات المشار إليها بالشك في الأعداد كما هو
المتفق عليه بين جملة علمائنا الأمجاد، وحينئذ فالشك في الأفعال فيها غير مبطل وأما أنه
مع ترجح أحد الطرفين هل يبنى على الظن الحاصل له أم لا سواء كان قبل التجاوز
أو بعده؟ فهو راجع إلى ما قدمناه من الاشكال المذكور في آخر المقام الأول من
المسألة الثانية. وبالجملة فإنه يجب استثناء الشك في الأفعال إذ لا تعلق للأخبار
المشار إليها بالأفعال بناء على مقتضى الجمع المذكور، نعم لا بد في الأعداد فيهما
من اليقين فلو شك في عددهما ثم ترجح عنده أحد الأعداد بطريق الظن فإنه لا يجوز
البناء بمقتضى الأخبار المشار إليها على ذلك الظن لتصريحها باعتبار العلم واليقين
كقوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة (4) التي هي إحدى تلك الروايات " فمن
شك في الأولتين أعاد حتى يحفظ ويكون على يقين ومن شك في الأخيرتين عمل

(1) الوسائل الباب 15 من الخلل في الصلاة
(2) ص 173
(3) ص 175
(4) الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة
207

بالوهم " فإنه صريح كما ترى في أن البناء على الظن الذي عبر عنه بالوهم إنما هو في
الأخيرتين وأن الأولتين لا بد فيها من اليقين فما لم يحصل له اليقين تجب عليه
الإعادة. وعلى هذا النحو جملة من الروايات الباقية فإنها صريحة أو ظاهرة في
اشتراط اليقين في الأولتين. وهي وإن كانت باطلاقها شاملة للأفعال والأعداد
إلا أنك قد عرفت تخصيصها بالأعداد جمعا بينها وبين صحيحة زرارة المتقدمة
ورواية محمد بن منصور.
ومما ذكرنا يظهر لك قوة كلام ابن إدريس في هذه المسألة بالنسبة إلى أعداد
الأولتين وأن لا يجوز البناء فيهما على الظن، وأن ما استدل به في المدارك للقول
المشهور من مفهوم الرواية التي ذكرها ليس بجيد لمعارضة هذا المفهوم بمنطوق هذه الأخبار الصحاح الصراح في ما ذكرنا، وربما يظهر من كلام ابن إدريس (قدس سره)
في سرائره أن حكم المغرب والغداة حكم الأولتين في وجوب البناء على اليقين حيث
قال في جملة كلام له: والسهو المعتدل فيه الظن على ضروب ستة: فأولها ما يجب
إعادة الصلاة على كل حال، وعد منه السهو في الركعتين والمغرب والغداة، وكلامه
في الكتاب المشار إليه لا يخلو من نوع تشويش واضطراب كما لا يخفى على من راجعه.
ويشير إلى ذلك أيضا كلام شيخنا المجلسي (قدس سره) في كتاب البحار
حيث قال: الأولى إن الشك إنما يعتبر مع تساوي الطرفين ومع غلبة الظن يبني عليه
وهذا في الأخيرتين اجماعي وأما في الأولتين والصبح والمغرب فالمشهور أيضا
ذلك، ونسب إلى ظاهر ابن إدريس تخصيص الحكم بالأخيرتين من الرباعية. ثم
نقل الاحتجاج للمشهور برواية صفوان المتقدمة في كلام السيد السند (قدس سره)
ثم قال: وبمفهوم الأخبار الواردة في أنه إذا شككت في المغرب فأعد وإذا شككت
في الفجر فأعد وإذا شككت في الركعتين الأولتين فأعد.
أقول: أما الاستدلال للمشهور برواية صفوان المذكورة فقد عرفت ما فيه،
وأما الاستدلال بالنسبة إلى المغرب والفجر والركعتين الأوليين بالأخبار المشار
208

إليها فهو مبني على ما تقرر في كلامهم من أن الشك عبارة عن تساوي الاعتقادين
وتكافؤهما، ونحن قد قدمنا لك في صدر هذا المطلب أن الشك لغة - كما صرح به
جملة من أئمة اللغة - أعم من هذا المعنى ومن الظن، وهم قد قرروا في غير مقام أن
الواجب مع فقد الحقيقة الشرعية والعرفية الخاصة الرجوع إلى الحقيقة اللغوية
وكلام أهل اللغة كما ترى أعم، وحينئذ فكما يجوز حمل الشك في هذه الأخبار على
المعنى الذي ذكروه يجوز حمله على الظن أيضا الذي هو أحد معنييه لغة، وحينئذ
فلا تقوم هذه الأخبار حجة على ما ادعوه مع ما عرفت عن تصريح الأخبار
المتقدمة باشتراط اليقين في الأوليين في صحة الصلاة فلا يبعد أن تكون الثنائية والثلاثية
كذلك وبه يحصل الاشكال في هذا المجال لتشابه الدليل المذكور بتعدد الاحتمال.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن المفهوم من النصوص وكلام جل الأصحاب - كما أشرنا
إليه آنفا - أنه مع حصول الظن والبناء عليه فإنه في قوة وقوع الصلاة كذلك عن
علم ويقين إن أوجب صحة أو إبطالا وأن لا احتياط مع ذلك. ولم يوجد الخلاف
في هذا الحكم إلا في كلام الشيخ علي بن بابويه (قدس سره) في الرسالة
ومنه ما تقدم في المسألة الثالثة من قوله " وإن شك ثانيا وتوهم الثانية بنى عليها
ثم احتاط بعد التسليم بركعتين قاعدا " وما سيأتي إن شاء الله في مسألة الشك بين
الاثنتين والثلاث من أنه إذا حصل الظن بالثلاث يبني عليه ويتم ويصلي صلاة
الاحتياط ركعة قائما ويسجد سجدتي السهو، وهو شاذ وإن كان مأخذه إنما هو
كتاب الفقه الرضوي كما عرفت وستعرف.
ثم إنه قد صرح شيخنا الشهيد الثاني بأن من عرض له الشك في شئ من
أفعال الصلاة يجب عليه التروي فإن ترجح عنده أحد الطرفين بنى عليه وإن بقي
الشك بلا ترجح لزمه حكم الشاك.
وأنت خبير بأن الأخبار خالية من ذلك وتقييد اطلاقها من غير دليل مشكل
وإن كان الأحوط ما ذكره (قدس سره) والله العالم.
209

(المسألة السادسة) إذا شك في الرباعية بين الاثنتين والثلاث فالأشهر الأظهر
أنه يبني على الثلاث ويتم ثم يأتي بصلاة الاحتياط الآتية إن شاء الله تعالى.
وفي المسألة أقوال أخر: منها - البناء على الأقل نقل، عن المرتضى في المسائل
الناصرية حيث قال: من شك في الأولتين استأنف ومن شك في الأخيرتين بنى
على اليقين. وفي الإنتصار وافق المشهور.
ومنها - قول الشيخ علي بن الحسين بن بابويه حيث قال: وإن ذهب وهمك
إلى الثالثة فأضف إليها رابعة فإذا سلمت صليت ركعة بالحمد وحدها، وإن ذهب
وهمك إلى الأقل فابن عليه وتشهد في كل ركعة ثم اسجد سجدتين بعد التسليم، فإن
اعتدل وهمك فأنت بالخيار إن شئت بنيت على الأقل وتشهدت في كل ركعة وإن
شئت بنيت على الأكثر وعملت على ما وصفناه. انتهى.
ومنها - ما نقلوه بزعمهم عن الصدوق من تجويزه البناء على الأقل. وفيه ما
عرفت مما قدمنا تحقيقه في المسألة الرابعة فإنه قد صرح في ما نقلناه عنه ثمة بأن من
شك في الثانية والثالثة أو في الثالثة والرابعة أخذ بالأكثر فإذا سلم أتم ما ظن أنه
نقص. وهذا هو الذي عليه الأصحاب في هذه المسألة، ولم يصرح بما يخالفه إلا بما
أشرنا إليه ثمة من موضع الاشتباه الذي ربما كان سببا لارتكابهم لهذه الأوهام
السخيفة والخيالات الضعيفة.
ومنها - ما نسب إليه في كتاب المقنع من القول بالابطال متى عرض له هذا
الشك حيث قال " سئل الصادق (عليه السلام) (1) عن من لا يدري اثنتين صلى أم
ثلاثا؟ قال يعيد. قيل فأين ما روي عن رسول الله (صلى إليه عليه وآله) الفقيه لا
يعيد الصلاة؟ قال إنما ذلك في الثلاث والأربع " والتقريب فيه أن من عادته في
هذا الكتاب الافتاء بمتون الأخبار ولهذا نقل جملة من الأصحاب القول بذلك عنه
في الكتاب المذكور إلا أن الفاضلين نقلا الاجماع على عدم الإعادة في صور الشك

(1) الوسائل الباب 9 من الخلل في الصلاة
210

في الأخيرتين، وهو المؤيد بالأخبار كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
وتحقيق البحث في هذه المسألة يقع في مواضع:
(الموضع الأول) - قال في الذكرى: وأما الشك بين الاثنتين ولا ثلاث فأجراه
معظم الأصحاب مجرى الشك بين الثلاث والأربع ولم نقف فيه على رواية صريحة
ونقل فيه ابن أبي عقيل تواتر الأخبار. انتهى.
ونحوه الشهيد الثاني في الروض حيث قال: وليس في مسألة الشك بين الاثنتين
والثلاث الآن نص خاص ولكن الأصحاب أجروه مجرى الشك ين الثلاث والأربع.
ثم نقل عن ابن أبي عقيل كما نقل في الذكرى.
وظاهرهما - كما ترى - عدم الوقوف على نص صريح في المسألة مع أن الشيخ
استدل في التهذيب بما رواه في الحسن عن زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) (1)
قال: " قلت له رجل لا يدري واحدة صلى أم اثنتين؟ قال يعيد. قلت رجل لا يدري
اثنتين صلى أم ثلاثا؟ قال إن دخله الشك بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ثم
صلى الأخرى ولا شئ عليه ويسلم ".
وعن عمار بن موسى الساباطي (2) قال " قال أبو عبد الله (عليه السلام)
كل ما دخل عليك من الشك في صلاتك فاعمل على الأكثر، قال فإذا انصرفت فأتم
ما ظننت أنك نقصت ".
إلا أن السيد السند (قدس سره) في المدارك اعترضه فقال: ويتوجه عليه
أن الرواية الثانية ضعيفة السند باشتماله على جماعة من الفطحية فلا تنهض حجة،
والرواية الأولى غير دالة على المطلوب وإنما تدل على البناء على الأقل إذا وقع
الشك بعد الدخول في الثالثة وهي الركعة المترددة بين الثالثة والرابعة حيث قال:
" مضى في الثالثة ثم صلى الأخرى ولا شئ " عليه " ولا يجوز حمل الثالثة على الركعة

(1) الوسائل الباب 1 و 9 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 8 من الخلل في الصلاة
211

المترددة بين الثانية والثالثة لأن ذلك شك في الأولتين وهو مبطل. انتهى.
وقد تبعه على هذا التوجيه لمعنى الحسنة المذكورة من تأخر عنه من الفضلاء
كما هي عادتهم غالبا كالفاضل الخراساني والمحدث الكاشاني والفاضل المجلسي وغيرهم.
والتحقيق عندي أن ما ذكروه بمحل من القصور بل الرواية المذكورة واضحة
الظهور في الدلالة على القول المشهور.
وحاصل كلام السيد المزبور أن قوله (عليه السلام): " إن دخله الشك بعد
الدخول في الثالثة يمضي فيها... الخ " يدل على أن الشك عرض له في أول الدخول
في تلك الركعة المعبر عنها بالثالثة. وهذه الركعة التي سماها (عليه السلام) ثالثة
أما أن تكون مترددة بين الثانية والثالثة فيلزم منه الشك قبل إكمال الأولتين وهو
مبطل فلا يجوز حمل الخبر عليه، وأما أن تكون مترددة بين الثالثة والرابعة كما هو
ظاهر الخبر وحينئذ فلا يكون من محل الاستدلال في شئ لأنه شك بين الثلاث
والأربع وقد أمره (عليه السلام) بالبناء على الثلاث التي هي الأقل.
أقول: والظاهر أن منشأ الشبهة الذي أوجب للسيد المذكور الطعن في الخبر
وحمله على ما ذكره من وجهين:
(أحدهما) - قوله (عليه السلام) " ثم صلى الأخرى " فإنه حملها على الركعة
الرابعة بمعنى أنه بعد البناء على الثالثة وهي التي شك في حال القيام لها أردفها بالركعة
الرابعة. وهذا وإن توهم في بادئ النظر إلا أنه ليس هو المراد بل المراد بالأخرى
في الخبر إنما هي ركعة الاحتياط كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى.
و (ثانيهما) - قوله) عليه السلام): " فإن دخله الشك بعد دخوله في الثالثة " فإن
ظاهر كلام السيد حمل الألف واللام في الشك على العهد الذهني أي شك ما من
الشكوك وهو الشك في كون هذه الركعة ثالثة أو رابعة. والتحقيق أن الألف
واللام إنما هي للعهد الخارجي والمراد إنما هو الشك المسؤول عنه وهو الشك بين
الاثنتين والثلاث فحكم (عليه السلام) بأنه يمضي في الثالثة التي هي الأكثر ويتمها
212

بعد البناء على الثلاث فتكون هذه رابعة ثم يصلي آخر وهي ركعة الاحتياط.
وتوضيح ما قلناه إنه لا يخفى على من تأمل روايات هذه المسائل المشتملة على
البناء على الأكثر والتعبير عن الاحتياط فيها أنها مختلفة في تأدية هذا المعنى والدلالة
عليه، ففي بعضها جعل الاحتياط في عبارة الخبر موصولا كما هنا بمعنى أنه لم يصرح
في الرواية بأنه يتشهد ويسلم ثم يحتاط بل عبر عنه بمثل هذه العبارة الجملة الموهمة
لدخوله في الصلاة الأصلية، وبعض منها قد صرحت بالفصل وإن تفاوتت أيضا
تأديته كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى، وسنشير إلى ذلك أن شاء الله تعالى ذيل
الروايات الآتية في صورة الشكوك الباقية مذيلا ببيان ما قلناه وايضاح ما ادعيناه.
وحينئذ فمعنى الخبر المذكور بناء على ما ذكرناه - وهو الذي فهمه من استدل به
من علمائنا الأعلام - أنه إن دخله الشك المسؤول عنه بعد اكماله الثنتين ودخوله في
الثالثة المتيقنة المترددة بين كونها ثالثة أو رابعة مضى في الثالثة يعني بنى على الثلاث
وأتمها بهذه الركعة التي شك حال قيامها ثم أردفها بالركعة الأخرى التي هي صلاة
الاحتياط، لأنه بشكه حال القيام بكونها ثالثة أو رابعة قد حصل له الشك في ما
تقدم من أنه ركعتان فتكون هذه ثالثة أو ثلاث فتكون هذه رابعة فهو شاك حينئذ
في ما قدمه هل هو ثلاث أو اثنتان فأمره (عليه السلام) بالمضي في الثالثة بالمعنى الذي
ذكرناه، وفي العطف ب‍ " ثم " اشعار بذلك غاية الأمر أنه (عليه السلام) جعل
صلاة الاحتياط هنا موصولة ولم يصرح بما يوجب الفصل بينها وبين الصلاة
الأصلية مما يؤذن بكونها خارجة عن الصلاة الأصلية ومنه نشأ الاشتباه كما عرفت.
ومما يوضح ما قلناه بأظهر ايضاح ويفصح عنه بأنور افصاح (أولا) أن الشك
في جميع الصور إنما يطلق على ما تقدم من الصلاة لا ما يأتي فإذا قيل شك بين
الاثنتين والثلاث فالمراد أن ما قدمه هل هو اثنتان أو ثلاث، وكذلك قولك
شك بين الثلاث والأربع إنما هو بمعنى أن ما قدمه هل هو ثلاث أو أربع، ولهذا
صرح العلامة في القواعد والمنتهى والمختلف بأنه لو قال: لا أدري قيامي هذا
213

للثالثة أو الرابعة فهو شك بين الاثنتين والثلاث وهو عين ما اشتملت عليه الرواية
المذكورة لا أنه شك بين الثلاث والأربع كما توهموه وبنوا عليه ما بنوا من
الإيراد وعدم دلالة الخبر على ما هو المطلوب والمراد. وقد صرح العلامة في
المختلف وغيره أيضا بأنه لو قال: لا أدري قيامي هذا للخامسة أو الرابعة فإنه شك
بين الثلاث والأربع وأنه يجلس ويبني على الأربع. ومما ينبه على هذا الألف
واللام في قوله: " فإن دخله الشك " أي الشك المسؤول عنه وهو الشك بين
الاثنتين والثلاث.
و (ثانيا) - أنه يلزم بناء على ما توهموه أن الإمام (عليه السلام) لم يجب عن
أصل السؤال بشئ بالكلية لأن السائل إنما سأله عن من لم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا
فكيف يجيبه الإمام بحكم الثلاث والأربع وأنه يبني على الثلاث التي هي الأقل؟
وكيف سكت السائل وقنع بذلك وهو زرارة الذي من عادته تنقيح أجوبة المسائل
وطلب الحجج فيها والدلائل؟ وكيف ينسب إلى الإمام (عليه السلام) العدول عن
ذلك ولا مانع في البين.
و (ثالثا) أن البناء على الأقل في هذه الصور المنصوصة بل مطلقا لا مستند له
ولا دليل عليه وإن ظهر من جملة منهم - لعدم إمعان النظر في الأخبار - الركون
إليه، وأخباره كلها محمولة على التقية كما عرفت آنفا (1) وستعرف إن شاء الله
تعالى، وحينئذ فلا يصح حمل هذه الرواية عليه بالكلية.
وإذا ثبت بما ذكرناه أن مورد الرواية إنما هو الشك بنى الاثنتين والثلاث
وأنه (عليه السلام) أمره في ذلك بالبناء على الثلاث فإنه يتحتم البتة حمل قوله (عليه
السلام (2): " ثم صلى الأخرى " على ركعة الاحتياط وإلا لزم البناء على الأكثر
في الصورة المذكورة مع عدم الاحتياط بالكلية وهو باطل إجماعا.
وبالجملة فإن الخبر المذكور بتقريب ما أوضحناه في هذه السطور ظاهر الدلالة

(1) ص 195
(2) ص 211
214

عار عن القصور.
ومثله في ذلك ما رواه الحميري في قرب الإسناد عن محمد بن خالد عن
العلاء (1) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل صلى ركعتين وشك في
الثالثة؟ قال: يبني على اليقين فإذا فرغ تشهد وقام قائما فصلى ركعة بفاتحة الكتاب ".
والمراد باليقين هنا ما يحصل به يقين البراءة وهو البناء على الأكثر فإنه إن
ظهر التمام كان الاحتياط نافلة وإن ظهر النقصان كان الاحتياط متمما. وأما حمل
اليقين هنا على البناء على الأقل فإنه ينافيه الاحتياط المذكور.
وهذه الرواية من الأخبار التي صرح فيها بفصل الاحتياط بالتشهد الشامل
للتسليم تجوزا. والله العالم.
(الموضع الثاني) قال في المدارك على أثر الكلام المتقدم نقله عنه: وربما ظهر
من هذه الرواية بطلان الصلاة بالشك بين الاثنتين والثلاث إذا عرض الشك قبل
الدخول في الثالثة، ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبيد بن زرارة
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " سألته عن رجل لم يدر ركعتين صلى
أم ثلاثا؟ قال: يعيد. قلت: أليس يقال لا يعيد الصلاة فقيه؟ قال: إنما ذلك في
الثلاث والأربع " وبمضمون هذه الرواية أفتى ابن بابويه (قدس سره) في كتاب
المقنع، وأجاب عنها الشيخ في التهذيب بالحمل على صلاة المغرب. ويدفعه الحصر
المستفاد من قوله (عليه السلام): " إنما ذلك في الثلاث والأربع "... إلى أن
قال: والمسألة قوية الاشكال ولا ريب أن الاتمام والاحتياط مع الإعادة إذا عرض
الشك قبل الدخول في الثالثة طريق الاحتياط. انتهى.
أقول: لا يخفى أن مقتضى ما ذكره من أنه بعروض الشك حال القيام في الثالثة
المترددة بين كونها ثالثة أو رابعة وأنه يصير من قبيل الشك بين الثلاث والأربع
هو بطلان الصلاة بالشك بين الاثنتين والثلاث، فإن المفهوم من الخبر على هذا أنه

(1) الوسائل الباب 9 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 9 من الخلل في الصلاة
215

إن دخله الشك قبل الدخول في الثالثة لم يمض بل تبطل صلاته، وهو ظاهر في
الابطال بالشك بين الاثنتين والثلاث، لأنه متى شك بعد السجدة الثانية بين كون ما
صلاة اثنتين أو ثلاثا فإن الصلاة باطلة بمقتضى ظاهر التعليق، ولهذا استدل
بصحيحة عبيد بن زرارة الظاهرة في بطلان الصلاة بالشك في الصورة المذكورة.
وأما على ما ذكرناه من أن هذا الشك الذي وقع منه بعد القيام الركعة المذكورة
إنما هو الشك بين الاثنتين والثلاث فإنه لا فرق بين عروض هذا الشك في حال القيام
أو قبله بعد إتمام الركعتين المتيقنتين بالسجدة الثانية فإنه يجب العمل فيه بالبناء على
الأكثر والاحتياط كما هو المشهور.
وأما ما دل عليه الخبر بمفهومه - من أنه لو دخله الشك قبل دخوله في الثالثة
لم يمض بل تبطل صلاته كما ذكره - فإنه يجب ارتكاب التأويل فيه، ولهذا أن جملة
ممن تبع السيد السند في الطعن في الخبر بما تقدم ذكره أجابوا عن مفهوم ما دل عليه
الخبر الموجب لبطلان الصلاة بالشك بين الاثنتين والثلاث بحمل الدخول في الثالثة
على ما هو أعم من الدخول فيها أو في مقدماتها والرفع من السجود من جملة
مقدماتها. وأجاب بعضهم بتقييد المفهوم بما إذا وقع الشك قبل إكمال الأوليين.
ولا يخفى ما في الجميع من البعد.
والذي ‍ يقرب عندي أن هذه العبارة إنما خرجت مخرج التجوز وأن
التعليق غير مراد منها بمعنى أنه قوله (عليه السلام): " إن دخله الشك بعد دخوله
في الثالثة " إنما هو كناية عن إتمام الأولتين فكأنه قال: " إذ دخله الشك بعد
إكمال الأولتين مضى... الخ " وباب المجاز في الكلام واسع، ولعل الاجمال في
هذه الرواية في كل من هذا الحكم والحكم الأول مبني على معلومية ذلك يومئذ عند
أصحابهم (عليهم السلام) كما هو الآن معلوم بين علمائنا.
وبالجملة فإنه متى ثبت مما حققناه آنفا من أن الرواية دالة عليه حكم الشك بين
الاثنتين والثلاث حسبما صرح به الأصحاب (رضوان الله عليهم) وقد علم اتفاقا
216

نصا وفتوى أن المدار في العمل في الشك في الأخيرتين على اتمام الأوليين فلا معنى
لصحته حال القيام وبطلانه قبله بعد اتمام الأوليين وأيضا فإن القاعدة الجارية في سائر
الشكوك المنصوصة لا يفرق فيها بين عروض الشك جالسا أو قائما، وبه يظهر أن
هذه العبارة إنما خرجت مخرج التجاوز وكم مثلها وأمثالها في الكتاب العزيز والأخبار.
وأما ما استند إليه في حجية هذا المفهوم - من صحيحة عبيد بن زرارة التي
من أجلها استشكل في المسألة كما صرح به في آخر كلامه - فهو أيضا بمحل من
الوهن والضعف:
(أما أولا) فلما شرحناه من معنى حسنة زرارة وبيان دلالتها على حكم
المسألة فتكون معارضة لهذه الرواية، وكذا رواية العلاء التي قدمنا نقلها عن
كتاب قرب الإسناد.
و (أما ثانيا) فلمعارضتها بالروايات الكثيرة الدالة باطلاقها على وجوب
البناء على الأكثر في جميع الشكوك كموثقة عمار التي قدمنا نقلها عن الشيخ (1) وإن
كان السيد المذكور قد ردها بضعف السند بنا على هذا الاصطلاح الغير المعتمد
مع ما جرى له من التمسك بالموثقات إذا احتاج إليها كما نبهنا عليه في غير
موضع مما تقدم.
و (أما ثالثا) فلمعارضتها بالأخبار الصحيحة الصريحة الدالة على أن الإعادة
في الأوليين والسهو في الأخيرتين، وقد تقدمت في المقام الثاني من المسألة الثانية
من هذا المطلب (2).
وحينئذ فلا بد من تأويل هذه الرواية وإلا فارجائها إلى قائلها ولكنه لما كان
من عادته أنه إنما يحوم حول الأسانيد في جميع الأحكام والمقامات ولا ينظر إلى
ما اشتمل عليه متن الرواية من المخالفات والمناقضات وقع في الاشكال الذي أشار
إليه. ومن تأمل ما ذكرناه حق التأمل ظهر له أن ما ذكره الأصحاب (رضوان الله

(1) ص 211
(2) ص 173
217

عليهم) هو الحق الذي لا غشاوة عليه ولا يأتيه الباطل من خلفه ولا من بين يديه.
والأظهر في صحيحة عبيد بن زرارة المذكورة هو الحمل على الشك قبل إكمال الركعتين
كما ذكره جملة من متأخري الأصحاب في البين. والله العالم.
(الموضع الثالث) قال في المدارك أيضا على أثر الكلام المتقدم في سابق
هذا الموضع: ونقل عن السيد المرتضى في المسائل الناصرية أنه جوز البناء على
الأقل في جميع هذه الصور، وهو الظاهر من كلام ابن بابويه في من لا يحضره
الفقيه، ويدل عليه ما رواه في الموثق عن إسحاق بن عمار (1) قال: " قال لي
أبو الحسن الأول (عليه السلام) إذا شككت فابن علي اليقين. قلت: هذا أصل؟
قال: نعم " وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمان بن الحجاج وعلي عن أبي
إبراهيم (عليه السلام) (2) " في السهو في الصلاة؟ فقال: يبني على اليقين ويأخذ بالجزم
ويحتاط بالصلاة كلها " ثم نقل كلام الشيخ علي بن بابويه حسبما قدمنا نقله عنه وقال
بعده قال في الذكرى: ولم نقف على مأخذه. ثم قال: والمسألة قوية الاشكال...
إلى آخر ما قدمناه.
أقول: وهذه الروايات أيضا هنا حيث إن فيها الصحيح باصطلاحه مما قوى
هذا الاشكال عنده في هذا المجال ولكن قد عرفت وستعرف أنه لا إشكال
بحمد الملك المتعال.
ولا بأس بالتعرض لبيان ما في كلامه (قدس سره) أيضا هنا من الاختلال
ليظهر لك صحة ما ذكره وقوة ما قويناه:
فنقول: أما ما نقله عن المرتضى (رضي الله عنه) من أنه جوز البناء على
الأقل فالمنقول عنه في الكتاب المذكور إنما هو تعين البناء على الأقل، وهذا هو
الذي تنادي به عبارة الكتاب المشار إليه حيث إن جده الناصر قال: " ومن شك
في الأولتين استأنف الصلاة ومن شك في الأخيرتين بنى على اليقين " فقال السيد

(1) الوسائل الباب 8 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 8 من الخلل في الصلاة
218

" قدس سره ": هذا مذهبنا وهو الصحيح عندنا... الخ. وهو كما ترى صريح
في تعين البناء على الأقل لا تجويزه، ولا ريب في ضعف هذا القول أن حمل اليقين
على البناء على الأقل كما هو الظاهر من سياق عبارة جده لأن فيه طرحا للأخبار
المتكاثرة الصحيحة الصريحة في أحكام هذه الصور في البناء على الأكثر، ويشبه أن يكون قائله لم يراجع الأخبار في هذا المجال ولم يخطر له يومئذ بالبال.
ولا يخفى أن الناصر جد السيد المذكور كان من كبراء الزيدية علما وشرفا وجاها (1)

(1) هو أبو محمد الحسن بن علي بن الحسن بن علي الأصغر بن عمر الأشرف بن
الإمام السجاد بن الحسين الشهيد بن علي بن أبي طالب " عليهم السلام " قيل له الأطروش
من ضربة سيف على رأسه في حرب الداعي أذهبت سمعه، واشتهر بالناصر الكبير لظهور
ناصر بعده من أئمة الزيدية. كان شريفا فاضلا كبيرا إماميا اثني عشريا متفننا في العلوم
له كتب في الإمامة كبير وصغير وفي الطلاق وفي فدك والخمس وفضل الشهداء وفصاحة أبي
طالب ومعاذير بني هاشم في ما نقم عليهم ومواليد الأئمة إلى الحجة " عجل الله فرجه "
خرج مع الداعي الكبير الحسن بن زيد وأخيه محمد بن زيد واتصل بعماد الدولة الديلمي
وفي سنة 301 ظهر بطبرستان وملك أكثر بلادها ولعدالته وحسن سيرته أثرت دعوته
للحق في أولئك المجوس فدان بدين الاسلام أهل طبرستان وآمل فبنى المساجد وأسس
مدرسة درس فيها الفقه والحديث. ورميه باعتناق المذهب الزيدي لا أساس له في قرارة
نفسه والسر فيه اعتقاد الزيدية إمامته من جهة خروجه بالسيف في وجه المنكر ورأيهم على
إمامة الناهض لذلك وزاد عليه تحره في فقه الزيدية فكان في مؤلفاته يوافقهم تارة ويرد
عليهم أخرى فتخيل من لا خبرة له بحقيقته أنه زيدي الطريقة التي لا تبتعد عن خلافة
الشيخين وإن كان علي " عليه السلام " أفضل منهما، وفقه الزيدية يتفق مع الفقه السني كثيرا
كما يشهد به من كتبهم البحر الزخار ونيل الأوطار والروض النضير في شرح فقه زيد
والمجموع الفقهي لزيد، ومن هنا سجل المحققون في آثار الرجال اعتقادهم ببراءته من
الانتساب إلى الزيدية إشارة وتصريحا وإن وردت النسبة إلى الزيدية في فهرست ابن النديم
ومعالم العلماء لابن شهرآشوب وكامل ابن الأثير وعمدة الطالب، فهذا الشيخ الصدوق
المعاصر له يقول عند ذكره: " قدس الله سره " ويترحم عليه النجاشي المتوفى سنة 450 سنة
بعد اعترافه بأنه إمامي المذهب ويقول سبطه علم الهدى الشريف المرتضى في مقدمة المسائل
" الناصريات ": وأنا بتشييد علوم هذا الفاضل البارع " كرم الله وجهه " أحق وأولى...
إلى أن يقول: والناصر كما تراه من أرومتي وغصن من أغصان دوحتي وهذا نسب
عريق في الفضل والنجابة والرياسة... إلى أن يقول: وأمام أبو محمد الناصر الكبير
وهو الحسن بن علي ففضله في علمه وزهده وفقهه أظهر من الشمس الباهرة وهو الذي نشر
الاسلام في الديلم حتى اهتدوا به بعد الضلالة وعدلوا بدعايته عن الجهالة، وسيرته الجميلة
أكثر من أن تحصى وأظهر من أن تخفى. هذا رأي الشريف المرتضى في جده الناصر
الأكبر ولو كان للزيدية في نفسه أثر لنبه عليه ولما أطراه وافتخر بالانتساب إليه وهو البعيد
عن هذا المذهب المشلول والرأي المؤسس على كثيب رمل. ولوضاءة مذهبه الحق
وسطوع رأيه الصريح في إمامة أهل البيت من آل الرسول " ص " إلى الحجة المنتظر " عجل
الله فرجه " سجل اعتقاده فيه صاحب رياض العلماء فقال: الناصر الكبير من عظماء
الإمامية وإن كان الزيدية يعتقدون أنه من جملة أئمتهم فظن من ذلك أنه زيدي المذهب
وليس كذلك. وتابعه أبو علي الحائري في منتهى المقال قال: لا غبار في مدحه والثناء
عليه لأنه من علماء الإمامية ومصنفي الاثني عشرية. وكلمة شيخنا البهائي في رسالة إثبات
الحجة المنتظر " عليه السلام " تنادي بأعلى صوتها باعتدال طريقته وحسن سريرته وتباعده
عما لا يلتئم مع المذهب الحق، قال: إن المحققين من علمائنا اعتقدوا أنه ناصر الحق وتابع
طريقة أبي عبد الله الصادق " عليه السلام " فرضوان الله عليه وتحياته. نعم لما اقتضت
دعوته تأليف النفوس المائلة عن الصراط السوي والداعية إلى عبادة النار أظهر بعض
الأمور التي تدين بها أهل المذاهب وإن كانت نفسه نافرة عنها لئلا تفشل دعوته ويذهب
جهاده سدى وارجاء تعديل ميلهم إلى الظروف المناسبة كما هي طريقة آبائه المعصومين " عليهم
السلام " فتراه يجمع في الوضوء بين الغسل والمسح وفي القنوت على مذهب الشيعة والشافعية
ويتردد في تحليل المتعة، إلى أمثالها مما اعتنقه أرباب المذاهب، والذي يشهد بذلك رأيه
الذي سجله في كتابه المسترشد على طبق الحديث المروي عن علي " عليه السلام " " لا تخلو
الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهر مشهور أو خائف مغمور " وهذا كما يراه النابه نص في
اعتقاد إمامة الحجة المنتظر " عليه السلام ". واعتقاد أصحاب إمامته لا يستلزم رضاه به
فقد ادعى جماعة ألوهية أمير المؤمنين " ع " ولم ينتهوا بزجره ولا بمجاهرته بالعبودية لله حتى
أحرقهم بالنار، إذا فلا عجب من اعتقاد جماعة زيدية الناصر. إنتهى كلام الشيخ البهائي
ملخصا. هذا ما أفاده بعض المحققين الباحثين في ترجمة الناصر الكبير وعقيدته تلخيصا
من المصادر، وإليك أسماء من تعرض لترجمته مختصرا أو مفصلا: تاريخ الطبري وكامل ابن
الأثير ومختصر أبي الفداء في حوادث سنة 301 وسنة 304 ومروج الذهب للمسعودي
ج 2 ص 553 وفهرست ابن النديم وعمدة الطالب ورجال الشيخ الطوسي وفهرست
النجاشي ومنهج المقال للاسترابادي والتعليقة عليه للآقا البهبهاني ومنتهى المقال للحائري
وروضات الجنات ورياض العلماء ومجالس المؤمنين للتستري وشرح النهج لابن أبي الحديد
ومفاخرة بني هاشم وبني أمية للجاحظ والمجدي للنسابة العمري وتاريخ رويان والكنى
والألقاب وأعيان الشيعة ج 22 ص 288، والنقل عن فهرست ابن النديم والمجدي وتاريخ
رويان بواسطته.
219

والزيدية قد جروا في فقههم غالبا على فقه العامة والسيد (قدس سره) قد جرى
220

قلمه بذلك غفلة عن الأخبار المشار إليها.
وأما ما نقله عن ابن بابويه فقد عرفت ما فيه مما كشف عن ضعف باطنه وخافيه.
وأما ما نقله من الأخبار الدالة على البناء على الأقل التي هي معظم الشبهة له
ولغيره في هذا المقام ونحوه فقد تقدم الجواب عنها، ونزيده هنا بيانا ببسط
الكلام بما يرفع عن المسألة إن شاء الله تعالى غشاوة الإبهام:
فنقول: لا يخفى أنه قد اختلفت الأخبار في البناء في مطلق الشك على الأقل
والأكثر، فما يدل على البناء على الأقل ما نقله من موثقة إسحاق بن عمار وصحيحة
عبد الرحمان بن الحجاج المذكورتين، مع أنه قد رد موثقة عمار الدالة على البناء
على الأكثر بضعف السند بكونها موثقة، فإن كان الأمر كما زعمه من ضعف
الموثقات فكيف يستدل هنا بموثقة إسحاق بن عمار؟ وإلا فلا وجه لطعنه في
موثقة عمار. وأعجب من ذلك أنه حيث اختار العمل بهذه الرواية عبر عنها
بموثقة إسحاق بن عمار وحيث لم يختر موثقة عمار عبر عنها برواية عمار من غير أن
221

يعبر عنها بلفظ " موثقة " إيذانا بمزيد الضعف، وكل ذلك خلاف قواعد الانصاف
كما لا يخفى على ذوي المعرفة والعفاف.
وما يدل على ذلك أيضا صحيحة علي بن يقطين (1) قال: " سألت أبا الحسن
(عليه السلام) عن الرجل لا يدري كم صلى واحدة أو اثنتين أو ثلاثا؟ قال: يبني
على الجزم ويسجد سجدتي السهو ويتشهد تشهدا خفيفا ".
و رواية سهل بن اليسع المروية في الفقيه عن الرضا (عليه السلام) (2) في
ذلك أنه قال: " يبني على يقينه ويسجد سجدتي السهو بعد التسليم ويتشهد تشهدا خفيفا ".
وروايته الأخرى (3) قال: " سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن
الرجل لا يدري أثلاثا صلى أم اثنتين؟ قال: يبني على النقصان ويأخذ بالجزم ".
ومما يدل على البناء على الأكثر موثقة عمار المتقدمة في صدر الموضع الأول
وموثقته الأخرى برواية صاحب التهذيب (4) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن شئ من السهو في الصلاة؟ فقال: ألا أعلمك شيئا إذا فعلته ثم ذكرت
أنك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شئ؟ قلت: بلى. قال: إذا سهوت فابن علي
الأكثر فإذا فرغت وسلمت فقم فصل ما ظننت أنك نقصت فإن كنت قد أتممت لم
يكن في هذه عليك شئ وإن ذكرت أنك كنت نقصت كان ما صليت تمام ما نقصت ".
وموثقة ثالثة له أيضا برواية صاحب الفقيه (5) قال: " قال أبو عبد الله
(عليه السلام) لعمار بن موسى: يا عمار أجمع لك السهو كله في كلتين: متى ما شككت
فخذ بالأكثر فإذا سلمت فأتم ما ظننت أنك قد نقصت ".
ولا يخفى أن الترجيح لأخبار الأخيرة وذلك من وجوه: (أحدهما)
الاعتضاد بالأخبار الصحاح الصراح الواردة في خصوصيات الصور المذكورة في

(1) الوسائل الباب 15 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 13 من الخلل في الصلاة
(3) الوسائل الباب 8 من الخلل في الصلاة
(4) الوسائل الباب 8 من الخلل في الصلاة
(5) الوسائل الباب 8 من الخلل في الصلاة
222

هذا المقام فإنها متفقة الدلالة على البناء على الأكثر في جميع الصور كما سنشرحه
إن شاء الله تعالى. ويعضدها زيادة على ذلك إجماع الطائفة سلفا وخلفا على العمل
بمضمونها إلا الشاذ النادر وهم إنما يتوهمون بخلاف المرتضى والصدوق وقد
عرفت ما فيه.
و (ثانيها) - صراحة هذه الأخبار في المدعى وتطرق وجوه الاحتمالات إلى كثير
من تلك الأخبار المخالفة كموثقة إسحاق بن عمار المشتملة على البناء على اليقين، فإنه
من المحتمل قريبا أن المراد إنما هو البناء على ما يوجب اليقين أي يقين البراءة وذلك
في البناء على الأكثر كما فصلته موثقة عمار الثانية، وقد عرفت من رواية قرب الإسناد المتقدمة اطلاق هذا اللفظ على هذا المعنى بحيث لا يحتمل غيره فلا يبعد
إرادته هنا أيضا. ومثلها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (1) فإنها محتملة لما ذكرناه
ويؤيده قوله فيها: " يأخذ بالجزم ويحتاط بالصلاة كلها " فإن الاحتياط وهو فعل
ما يوجب براءة الذمة على جميع الوجوه والاحتمالات إنما يحصل بالحمل على ما قلناه
وإلا فمع البناء على الأقل والاتمام لو ذكر تمام الصلاة أنه يلزم زيادة ما يوجب
بطلانها فتجب الإعادة حينئذ. وبالجملة فإنه لو لم يكن ما ذكرناه في هاتين الروايتين
هو الأظهر فلا أقل أن يكون مساويا وبه يسقط الاستدلال بهما. ونحوهما في
ذلك أيضا رواية سهل بن اليسع الأولى. وأما صحيحة علي بن يقطين فهي معارضة
بالأخبار الكثيرة الدالة على الابطال متى تعلق الشك بالأوليين المعتضدة باتفاق
الأصحاب سلفا وخلفا على ذلك فلا تصلح للعمل عليها. وأما رواية سهل
الثانية فهي معارضة بخصوص حسنة زرارة ورواية قرب الإسناد وعموم
الروايات المتقدمة المعتضدة بعمل الطائفة.
و (ثالثها) - وهو المعتمد ما قدمنا ذكره آنفا من أن هذه الروايات إنما خرجت
مخرج التقية لما عرفت من حديث مسلم المتقدم (2) وكلام البغوي في شرح السنة

(1) ص 218
(2) ارجع إلى التعليقة 4 ص 195
223

ويؤيده اشتمال صحيحة علي بن يقطين ورواية سهل الأولى على سجدتي السهو بعد
الأمر بالبناء على الأقل حسبما تضمنته الرواية العامية، وقد صرح المحقق في المعتبر
بنسبة ذلك إليهم أيضا حيث نقل عن الشافعي البناء على اليقين وعن أبي حنيفة البناء
على الظن فإن فقده بنى على اليقين (1) محتجا على ذلك بأن الأصل عدم المشكوك
فيه، ولما رووه عنه (صلى الله عليه وآله) (2) قال: " من لم يدر ثلاثا صلى
أم أربعا فليلق الشك وليبن علي اليقين ".
وممن أشار إلى ما ذكرنا أيضا شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) في كتاب
روض الجنان حيث قال بعد نقل رواية ابن اليسع: ورواية ابن اليسع مطرحة
لموافقتها لمذهب العامة. ورأيت في بعض الحواشي المنسوبة إلى شيخنا المجلسي
(قدس سره) استصواب الحمل على التقية، وبه صرح المحدث الشيخ محمد بن
الحسن الحر العاملي (طاب ثراه).

(1) في بدائع الصنائع للكاساني الحنفي ج 1 ص 165: " إذا سها في صلاته فلم يدر
أثلاثا صلى أم أربعا فإن لم يكن السهو له عادة بأن لم يعرض له كثيرا فعند الشافعي يبني على
الأقل لحديث أبي سعيد الخدري: " إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا
فليلغ الشك وليبن علي الأقل " وعندنا يستقبل الصلاة لحديث عبد الله بن مسعود: " إذا
شك أحدكم في صلاته أنه كم صلى فليستقبل الصلاة " وإن كان السهو يعرض له كثيرا تحري
وبني على ما وقع عليه التحري في ظاهر الروايات. وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يبني
على الأقل وهو قول الشافعي ولنا رواية ابن مسعود: إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر
أقربه لي الصواب وليبن عليه " وفي البحر الرائق لابن نجيم الحنفي ج 2 ص 108 و 110
" إذا شك أنه كم صلى وكان عروض الشك له أول مرة استقبل العمل وإن كان يعرض له
كثيرا يتحرى وهو ما يكون أكبر رأيه عليه، وعبر عنه تارة بالظن وأخرى بغالب الظن
فإن لم يترجح عنده شئ بنى على الأقل " ويرجع أيضا لي التعليقة 2 ص 165.
(2) صحيح مسلم ج 2 باب السهو في الصلاة إلا أن فيه " فليطرح كالشك وليبن علي
ما استيقن " وبدائع الصنائع ج 1 ص 165 وفيه " وليبن علي الأقل "
224

ومما يستأنس به للحمل على التقية في هذه الأخبار أنها كلها إنما خرجت عن
الكاظم (عليه السلام) ولا يخفى على المتتبع للسير والآثار والعارف بالقصص
والأخبار اضطرام نار التقية في وقته (عليه السلام) زيادة على غيره من الأوقات
وما وقع عليه (عليه السلام) وعلى شيعته من المخافات. ومما يومئ إلى ذلك التعبير
بهذا اللفظ المجمل في جل تلك الأخبار، ولهذا تكاثرت الأخبار بالتقية بالنقل
عنه (عليه السلام) بغير اسمه الشريف من العبد الصالح أو عبد صالح ونحو ذلك.
وبالجملة فالحمل على التقية عندي مما لا ريب فيه ولا شك يعتريه عملا بالقاعدة
المنصوصة عن أهل العصمة (عليهم السلام) في عرض الأخبار عند اختلافها على
مذهب العامة والأخذ بخلافه كما استفاضت به النصوص (1) ولكن أصحابنا
(رضوان الله عليهم) لما ألغوا العمل بهذه القواعد فاتهم ما يترتب عليها من الفائدة
ووقعوا في ما وقعوا فيه من مشكلات هذه الاشكالات وارتكاب التمحلات والتكلفات.
وأما ما نقل عن الشيخ علي بن بابويه في هذه المسألة - وقوله في الذكرى:
إنه لم يقف على مأخذه - فهو مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي على نحو ما عرفت
من الطريقة المعروفة والسجية المألوفة حيث قال (عليه السلام) (2): وإن
شككت فلم تدر اثنتين صليت أم ثلاثا وذهب وهمك إلى الثالثة فأضف إليها الرابعة
فإذا سلمت صليت ركعة بالحمد وحدها، وإن ذهب وهمك إلى الأقل فابن عليه
وتشهد في كل ركعة ثم اسجد سجدتي السهو بعد التسليم، وإن اعتدل وهمك فأنت
بالخيار إن شئت بنيت على الأقل وتشهدت في كل ركعة وإن شئت بنيت على الأكثر
وعملت ما وصفناه لك. إنتهى
وكيف كان فالظاهر أن الترجيح للقول المشهور المؤيد بالأخبار الموافقة
لمقتضى الأصول المعتضدة بعمل الطائفة، وهذه الرواية لا تبلغ قوة

(1) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به
(2) ص 10
225

المعارضة فهي مفوضة إلى قائلها (عليه السلام).
وأنت خبير أيضا بما في عدول الشيخ المذكور عن القول المشهور المعتضد
بالأخبار المشار إليها إلى القول بعبارة الكتاب من الدلالة على مزيد الاعتماد على
الكتاب المذكور وثبوت حجيته عنده.
وبما حققناه في المقام وكشفنا عنه في هذه المواضع الثلاثة نقاب الإبهام
يظهر لك أن المسألة بحمد الله سبحانه ذي الجلال خالية من الاشكال كما وقع فيه صاحب
المدارك ومن نسج معه على ذلك المنوال حيث لم يعطوا التأمل حقه في ما شرحناه في
هذا المجال من واضح المقال. والله العالم.
(الموضع الرابع) المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) التخيير في احتياط
هذه الصورة بين ركعة من قيام وركعتين من جلوس، ونقل عن ابن أبي عقيل
والجعفي أنهما لم يذكرا التخيير وإنما ذكرا الركعتين من جلوس. والموجود في حسنة
زرارة (1) التي هي مستند هذا الحكم كما عرفت إنما هو الركعة من قيام، وكذا
في رواية قرب الإسناد (2) ونحوهما في عبارة كتاب الفقه على تقدير البناء على الأكثر
وهو فتوى الشيخ علي بن الحسين بن بابويه كما عرفت " والمعتمد ما دلت عليه
هذه الأخبار. وأما القولان الآخران فلم أقف فيها على دليل.
(الموضع الخامس) قال في المدارك في هذا المقام: واعلم أن ظاهر الأصحاب
(رضوان الله عليهم) أن كل موضع تعلق فيه الشك بالاثنتين يشترط فيه إكمال
السجدتين محافظة على ما سبق من اعتبار سلامة الأولتين، ونقل عن بعض
الأصحاب الاكتفاء بالركوع لصدق مسمى الركعة وهو غير واضح " قال في الذكرى
نعم لو كان ساجدا في الثانية ولما يرفع رأسه وتعلق الشك لم أستبعد صحته لحصول
مسمى الركعة. وهو غير بعيد. إنتهى. أقول: قد صرح بما ذكره شيخنا
الشهيد في الذكرى.

(1) ص 211
(2) ص 215
226

وأنت خبير بأن هنا شيئين: (أحدهما) - أن ما يصدق عليه الركعة هل هو
عبارة عن ما يدخل فيه السجود أو يكفي مجرد الركوع؟ قولان: المشهور الأول
وبه صرح السيد السند هنا وفي ما تقدم في بحث المواقيت في شرح قول المصنف:
" ولو زال المانع فإن أدرك الطهارة وركعة... الخ " ونقله عن العلامة أيضا حيث
قال: وتتحقق الركعة برفع الرأس من السجدة الثانية كما صرح به في التذكرة.
واحتمل الشهيد في الذكرى الاجتزاء بالركوع للتسمية لغة وعرفا ولأنه
المعظم. وهو بعيد.
أقول: ونحن قد حققنا في مقدمة المواقيت بأن حكمهم بكون الركعة عبارة
عن ما ذكروه يوجب انقداح اشكال عليهم في مسألة الشك بين الأربع والخمس فيما
إذا حصل الشك بعد الركوع وقبل السجود، حيث إنهم قالوا بالصحة في هذه
الصورة مع أنه لم يأت بالركعة بزعمهم فلا يكون داخلا تحت النص الوارد في
المسألة. والمحقق في أجوبة المسائل البغدادية إنما تخلص من هذا الاشكال بالتزام
كون الركعة عبارة عن مجرد الركوع كما سيأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه في المسألة
المذكورة ونقل كلامه في ذلك.
و (ثانيهما) - أنه على تقدير القول المشهور هل تتحقق الركعة بمجرد إتمام ذكر
السجدة الثانية أو يتوقف على رفع الرأس من السجود؟ وجهان: جزم بالأول
منهما شيخنا الشهيد الثاني في الروض حيث قال: ويتحقق اكمالها بتمام السجدة
الثانية وإن لم يرفع رأسه منها على الظاهر لأن الرفع ليس جزء من السجود
وإنما هو واجب آخر. إنتهى. وهو جيد. والمشهور الثاني ولهذا أنه في الذكرى
إنما أشار إليه احتمالا في المقام.
(المسألة السابعة) - إذا شك بين الثلاث والأربع فالمشهور أنه يجب البناء على
الأكثر ويحتاط بركعة قائما أو ركعتين جالسا، ونقل في المختلف ومثله السيد السند
في المدارك ومن تبعهما عن ابن بابويه وابن الجنيد أنهما قالا: يتخير الشك بين
227

الثلاث والأربع بين البناء على الأقل ولا احتياط والأكثر مع الاحتياط.
وأنت خبير بما في هذا النقل عن ابن بابويه في هذا المقام فإن على قياس
ما قدمناه من النقولات المختلفة والحكايات المعتلة، حيث إنه لا وجود لشئ من
ذلك في كتابه بالمرة بل الموجود فيه إنما هو ما صرح به الأصحاب (رضوان الله
عليهم) كما عرفت من البناء على الأكثر من غير تردد ولا ذكر لفرد آخر، ونسبة
هذه العبارة إليه - باعتبار التوهم الذي ينشأ من قوله: " وليست هذه الأخبار مختلفة "
كما قدمنا ذكره - بعيد عن سياق الكلام وخارج عن سلك ذلك النظام.
وبالجملة فإن هذه النقولات في هذه المقامات محل عجب عجاب سيما مع متابعة
الخلف للسلف في هذا الباب، والفقيه بمنظر منهم مطبقين على درسه وشرحه
ومراجعته فكيف اتفق لهم هذا الأمر الغريب ولم يتنبه أحد منهم إلى هذا
العجب العجيب؟
وأما نقل ذلك عن ابن الجنيد فإن كلامه لا يحضرني ولا أعلم صحته ولا بطلانه.
وكيف كان فالمعتمد هو القول المشهور وهو المؤيد المنصور للأخبار الكثيرة
ومنها - ما رواه في الكافي في الصحيح عن عبد الرحمان بن سيابة وأبي العباس عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " إذا لم تدر ثلاثا صليت أو أربعا ووقع رأيك
على الثلاث فابن علي الثلاث، وإن وقع رأيك على الأربع فسلم وانصرف، وإن
اعتدل وهمك فانصرف وصل ركعتين وأنت جالس ".
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) في حديث قال: " وإن كنت لا تدري ثلاثا صليت أم أربعا ولم
يذهب وهمك إلى شئ فسلم ثم صل ركعتين وأنت جالس تقرأ فيهما بأم الكتاب
وإن ذهب وهمك إلى الثلاث فقم فصل الركعة الرابعة ولا تسجد سجدتي السهو،

(1) الوسائل الباب 7 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 10 من الخلل في الصلاة
228

فإن ذهب وهمك إلى الأربع فتشهد وسلم ثم اسجد سجدتي السهو ".
قال في الوافي: لعل الأمر بسجدتي السهو في الصورة الأخيرة لتدارك
النقصان الموهوم وينبغي حمله على الاستحباب. أقول: وسيأتي تحقيق القول في
ذلك في موجبات سجدتي السهو إن شاء الله تعالى.
وعن جميل عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" في من لا يدري أثلاثا صلى أم أربعا وهمه في ذلك سواء؟ قال فقال: إذا اعتدل
الوهم في الثلاث والأربع فهو بالخيار إن شاء صلى ركعة وهو قائم وإن شاء صلى
ركعتين وأربع سجدات وهو جالس ".
وما رواه في الكافي والتهذيب عن الحسين بن أبي العلاء في الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " إن استوى وهمه في الثلاث والأربع
سلم وصلى ركعتين وأربع سجدات بفاتحة الكتاب وهو جالس يقصر في التشهد " قوله " يقصر في التشهد " أي يخففه. وربما وجد في بعض النسخ " يقصد " بالدال من
القصد وهو بمعنى التوسط.
وقال في كتاب الفقه الرضوي (3): " وإن شككت فلم تدر ثلاثا صليت
أم أربعا وذهب وهمك إلى الثالثة فأضف إليها ركعة من قيام وإن اعتدل وهمك
فصل ركعتين وأنت جالس ".
ومن أخبار المسألة التي لا تخلو من الاشكال ما رواه في الكافي في الصحيح
عن محمد بن مسلم (4) قال: " إنما السهو ما بين الثلاث والأربع وفي الاثنتين والأربع
بتلك المنزلة، ومن سها فلم يدر ثلاثا صلى أم أربعا واعتدل شكه قال: يقوم فيتم ثم
يجلس فيتشهد ويسلم ويصلي ركعتين وأربع سجدات وهو جالس، وإن كان أكثر

(1) الوسائل الباب 10 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 10 من الخلل في الصلاة
(3) ص 10
(4) الوسائل الباب 10 من الخلل في الصلاة
229

وهمه إلى الأربع تشهد وسلم ثم قرأ فاتحة الكتاب وركع وسجد ثم قرأ وسجد سجدتين
وتشهد وسلم، وإن كان أكثر وهمه إلى الثنتين نهض فصلى ركعتين وتشهد وسلم ".
وجه الاشكال فيه أنه حكم في من شك بين الثلاث والأربع واعتدل شكه بأنه
يقوم فيتم ثم يجلس فيتشهد ويسلم ويصلي ركعتين وأربع سجدات وهو جالس،
وهو ظاهر في أنه يبني على الأقل ويتم صلاته ثم يحتاط مع ذلك بركعتين جالسا
ولا قائل به. وأيضا فإن الاحتياط إنما هو مع البناء على الأكثر لا مع البناء على
الأقل. وكذا الاشكال في قوله: " وإن كان أكثر وهمه إلى الأربع تشهد وسلم
ثم قرأ فاتحة الكتاب... إلى آخره " فإنه ظاهر في أنه مع ظن الأربع وترجيحها
يبني عليها ويحتاط مع ذلك بركعتين جالسا مع أنه لا خلاف ولا إشكال في أنه مع
ترجيح أحد الطرفين وظنه يبني عليه زيادة أو نقصانا ولا احتياط بالكلية.
وما ذكره في الوافي بالنسبة إلى الأول - حيث قال: الظاهر أن " أو " بدل
الواو في قوله: " ويصلي ركعتين " - لا يدفع الاشكال فإن غايته أنه مع تساوي طرفي
الشك في الصورة المذكورة يتخير بين البناء على الأقل والأكثر ولا قائل به أيضا.
وكيف كان فإن الخبر المذكور لما لم يكن مسندا عن الإمام (عليه السلام)
وإنما هو كلام محمد بن مسلم كان الخطب هينا.
ومن ذلك - ما رواه في الكافي والتهذيب عن أبي بصير في الموثق (1) قال:
" سألته عن رجل صلى فلم يدر أفي الثالثة هو أم في الرابعة؟ قال: فما ذهب وهمه
إليه، إن رأى أنه في الثالثة وفي قلبه من الرابعة شئ سلم بينه وبين نفسه ثم يصلي
ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب ".
وظاهره أنه مع غلبة ظنه أنه في الثالثة يبني على الأربع ويصلي صلاة الاحتياط
وهو خلاف فتوى الأصحاب (رضوان الله عليهم) وخلاف ما عليه غير هذا الخبر
من الأخبار. ويمكن تأويله بحمل جوابه (عليه السلام) على التفصيل بين ما ذهب

(1) الوسائل الباب 10 من الخلل في الصلاة
230

إليه وهمه فيبنى عليه وبين ما لم يكن كذلك فيعمل فيه بموجب الشك في المسألة.
وقوله: " إن رأى أنه في الثالثة وفي قلبه من الرابعة شئ " بمعنى مساواته لما
رآه في الثالثة فيحمل على الشك الموجب لتساوي الطرفين.
وأما ما ذكره المحدث الكاشاني - بعد نقله لهذه الرواية حيث قال: هذا
برزخ بين الفصل والوصل لأن سهوه برزخ بين الظن والشك. إنتهى - فلا
أعرف له وجها وجيها لما عرفت من أنه مع ظن أحد الطرفين فإنه يجب البناء عليه
ولا احتياط كما ذكره الأصحاب (رحمهم الله) وعليه دلت صحيحة عبد الرحمان
ابن سيابة وأبي العباس وصحيحة الحلبي أو حسنته وغيرهما (1) وإن تساوى
الطرفان فالواجب البناء على الأكثر والاحتياط كما هو المشهور وهو الذي عبر
عنه بالفصل، وعلى القول الآخر يتخير بينه وبين البناء على الأقل والاتمام وهو
الذي عبر عنه بالوصل، وحينئذ فهذه الرواية إن حملت على المعنى الأول أشكل
الأمر فيها بالاحتياط المذكور وإن حملت على المعنى الثاني - وإن كان خلاف
ظاهرها - فلا إشكال. والفصل والوصل الذي ذكره محله إنما هو في صورة الشك
وتساوى الطرفين فإنه عنده بتخير بين البناء على الأقل ولا احتياط وهو المسمى
بالوصل وبين البناء على الأكثر والاحتياط، وما في هذا الخبر لا يخرج عن أحد
الفردين المتقدمين ليكون برزخا وواسطة في البين، فإن زعم أن ذلك باعتبار
قوله: " وفي قلبه من الرابعة شئ " فإنه لا يخفى أن كل من رجح أحد الطرفين
وظنه فإن قلبه شيئا من الطرف الآخر وهو المسمى عندهم بالوهم ولكن لا عمل
عليه في مقابلة الظن. وبالجملة فإن كلامه غير موجه ولا واضح.
وأما ما نقل عن ابن الجنيد - من القول بالتخيير، وعن الصدوق بزعمهم - فلم
أقف له على خبر يدل عليه، إلا أنه قال في المدارك: احتج القائلون بالتخيير
بأن فيه جمعا بين ما تضمن البناء على الأكثر وبين ما تضمن البناء على الأقل

(1) ص 228
231

كصحيحة زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) (1) قال: " وإذا لم يدر في ثلاث
هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها أخرى ولا شئ عليه... "
وهذا القول لا يخلو من رجحان إلا أن الأول أجود. إنتهى.
أقول - وبالله الثقة لادراك المأمول ونيل المسؤول - الظاهر أن هذا الدليل
الذي نقله عن القائلين بالتخيير إنما هو من مخترعاته (قدس سره) بناء على ما توهمه
من الصحيحة المذكورة وأنها دالة على البناء على الأقل حسبما جرى له في حسنة
زرارة المتقدمة، ويدل على ذلك (أولا) أن العلامة في المختلف إنما احتج
لأصحاب هذا القول بدليل عقلي اقناعي ثم رده وابطاله. و (ثانيا) أنه قد نسب
هذا القول والاحتجاج بهذا الدليل إلى ابن بابويه مع أنه ليس له في كتابه عين ولا أثر
كما عرفت، ولكنه (قدس سره) حيث فهم من الرواية المذكورة - وقوله فيها:
" قام فأضاف إليها أخرى " يعني بنى على الثلاث وقام فأضاف إليها رابعة - البناء
على الأقل مع صراحة الأخبار المتقدمة في البناء على الأكثر جمع بينها بالتخيير
وجعله دليلا لهذا القول، وكان الأولى على هذا أن يقول: ويدل على هذا
القول أن فيه جمعا بين الأخبار لا أنه ينسب ذلك إلى أصحاب هذا القول والحال
كما عرفت.
وتحقيق القول في هذا المقام على وجه تنكشف به غشاوة الاشكال ويتضح
به هذا الاجمال هو أن يقال: لا يخفى على المتأمل في أخبار الاحتياط التي وردت
في هذه الصور المنصوصة بعين الانصاف أن الأئمة (عليهم السلام) ربما أجملوا
في التعبير عن ذلك الاحتياط إجمالا زائدا يوهم الناظر ما وقع فيه السيد المشار إليه
ومن تبعه من توهم أنه من نفس الصلاة الأصلية وربما أوضحوا ذلك إيضاحا تاما
وبينهما مراتب متفاوتة في الوضوح والخفاء وكل ذلك بالنظر إلى أحوال السامعين
وزيادة الغباوة والبلادة والفهم والذكاء، ولهذا أن أصحابنا (رضوان الله عليهم)

(1) الوسائل الباب 10 من الخلل في الصلاة.
232

قديما وحديثا لم يزالوا يستدلون بهذه الأخبار على وجوب الاحتياط في كل صورة
صورة من هذه الصور مجملها ومفصلها وموصولها ومفصولها فيحملون المجمل على
المفصل والموصول على المفصول حتى أنهى النوبة إلى السيد السند فوقع في هذا
الاشكال وتبعه جملة ممن تأخر عنه كما هي عادتهم غالبا مثل المحدث الكاشاني والفاضل
الخراساني وغيرهما، حتى أن المحدث الكاشاني في الوافي عمد إلى هذه الأخبار
الغير المصرح فيها بالفصل فجعلها أصلا وقاعدة كلية وقابلها بالأخبار الصريحة في
الفصل وجعلها قاعدة ثانية فأثبت هنا ضابطتين، وقوى الشبهة عنده في ذلك (أولا)
ما ورد في الأخبار من الروايات الدالة على البناء على الأكثر بقول مطلق وما
ورد منها دالا على البناء على الأقل مطلقا كما تقدم نقله في المسألة المتقدمة.
و (ثانيا) توهم ذهاب الصدوق إلى ما ذكروه واستدلاله بهذا الخبر كما سمعت من
كلام صاحب المدارك. والجميع من قبيل البناء على غير أساس فلهذا عظم فيه
الاشتباه والالتباس وهو عند التأمل في ما ذكرناه ظاهر الانهدام والانطماس.
وقال المحدث المشار إليه في الكتاب المذكور بعد نقل صحيحة زرارة أو حسنته
التي استند السيد السند هنا إلى عجزها الوارد في حكم هذه الصورة، وصورتها
كملا هكذا: زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) (1) قال: " قلت له من لم يدر
في أربع هو أو في ثنتين وقد أحرز الثنتين؟ قال: يركع ركعتين وأربع سجدات
وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهد ولا شئ عليه، وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في
أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها أخرى ولا شئ عليه " فقال المحدث
المشار إليه بعد نقلها بطولها ما صورته: لم يتعرض في هذا الحديث لذكر فصل
الركعتين أو الركعة المضافة للاحتياط ووصلها كما تعرض في الخبر السابق والأخبار
في ذلك مختلفة وفي بعضها إجمال كما ستقف عليه، وطريق التوفيق بينها التخيير
كما ذكره في الفقيه ويأتي كلامه فيه، وربما يسمى الفصل بالبناء على الأكثر والوصل

(1) الوسائل الباب 10 و 11 من الخلل في الصلاة
233

بالبناء على الأقل وما سمعت أحدا تعرض لهذه الدقيقة، وفي حديث عمار الآتي
إشارة إلى ذلك فلا تكونن من الغافلين. إنتهى.
أقول: أشار بحديث عمار إلى روايته التي قدمناها (1) وهي قوله (عليه السلام):
" كل ما دخل عليك من الشك في صلاتك فاعمل على الأكثر... الخ " فإنه قد قال
بعدها: هذه هي الضابطة الكلية المشتملة على أكثر أخبار هذا الباب وهي فذلكتها
وفي مقابلتها ضابطة أخرى هي البناء على الأقل وإتمام الصلاة جملة واحدة. إنتهى.
ولا بد في دفع هذه الأوهام التي وقع فيها هؤلاء الأعلام من نقل جملة من
الروايات الواردة في المقام وبيان ما اشتملت عليه من المراتب في الإيضاح والافهام
عن ذلك المعنى الذي اضطربت فيه هذه الأفهام. لكن ينبغي أن يعلم أو لا أنه لما
ثبت بما حققناه آنفا أن هذه الأخبار الصريحة في البناء على الأقل مطلقا إنما خرجت
مخرج التقية (2) والعمل إنما هو على الأخبار الدالة على البناء على الأكثر مطلقا
كان أو في خصوص هذه الصور فالواجب حمل ما دل من هذه الأخبار الواردة
في هذه الصور المذكورة على التقية أيضا لو كان صريحا في البناء على الأقل
والاعراض عن العمل به فكيف وهو قابل للحمل على تلك الروايات المفصلة بل
بعضه ظاهر في ذلك. وهذه الجملة كافية في دفع شبهة هذا الخصم ولكنا مع ذلك
نستظهر بنقل الروايات التي أشرنا إليها:
فمن ذلك - الصحيحة التي ذكر المحدث المذكور هذا الكلام على أثرها فإنه (عليه
السلام) قد أجمل في صدرها وعجزها إلا أن صدرها أظهر في الدلالة على ما ندعيه
لأن ذكر فاتحة الكتاب قرينة على إرادة الاحتياط كما هو مصرح به في غيرها
وإن كانت القراءة في الأخيرتين جائزة من حيث التخيير بناء على المشهور لكنه لم
يجر في هذه الأخبار ولا عبر به في شئ منها بل ذكر القراءة في روايات الاحتياط
كلها إنما هو من حيث الفصل، وكأنهم (ع) قصدوا إلى أنها صلاة منفردة لا بد فيها

(1) ص 211
(2) ص 223
234

من فاتحة الكتاب كما ربما ذكروا أيضا فيها التشهد والتسليم.
ومن ذلك - قوله (عليه السلام) في صحيحة البقباق (1): " وإن اعتدل
وهمك فانصرف وصل ركعتين وأنت جالس " والاحتياط ههنا موصول لكن
قرينة الأمر بالجلوس دفع توهم دخوله في الصلاة.
ومن ذلك - قوله (عليه السلام) في مرسلة جميل (2): " إذا اعتدل الوهم
في الثلاث والأربع فهو بالخيار إن شاء صلى ركعة وهو قائم وإن شاء صلى ركعتين
وأربع سجدات وهو جالس " وهذه الرواية أيضا لم يصرح فيها بالفصل وإنما علم من
حيث التخيير في الاحتياط بين الفردين المذكورين، ولو لم يذكر الركعتين من
جلوس لسبق إلى الوهم كون تلك الركعة من قيام متصلة داخلة في الصلاة الأصلية
وكل ذلك أنما جرى على التوسع في التعبير كما أشرنا إليه آنفا.
ومن ذلك - قوله (عليه السلام) في رواية ابن أبي يعفور (3): " في رجل
لا يدري ركعتين صلى أم أربعا؟ قال: يتشهد ويسلم ثم يقوم فيصلي ركعتين
وأربع سجدات ".
وفي صحيحة محمد بن مسلم (4): " في رجل صلى ركعتين فلا يدري ركعتان
هي أو أربع؟ قال: يسلم ثم يقوم فيصلي ركعتين بفاتحة الكتاب " وقد أفصح
(عليه السلام) في هذين الخبرين أي افصاح وصرح بالفصل الصراح.
وفي موثقة أبي بصير (5): " إذا لم تدر أربعا صليت أم ركعتين فقم واركع
ركعتين ثم سلم واسجد سجدتين " وقد أجمل (عليه السلام) في هذا الخبر كمل أجمل
في صدر صحيحة زرارة أو حسنته المتقدمة إلا أنه هناك صرح بفاتحة الكتاب التي
هي قرينة على كونها صلاة الاحتياط كما قدمنا ذكره.
وهذه كلها كما ترى في الشك بين الاثنتين والأربع والاحتياط فيها واحد

(1) الوسائل الباب 10 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 10 من الخلل في الصلاة
(3) الوسائل الباب 11 من الخلل في الصلاة
(4) الوسائل الباب 11 من الخلل في الصلاة
(5) الوسائل الباب 11 من الخلل في الصلاة
235

لكن الأخبار اختلفت في الاجمال والتصريح، والأصحاب قد حملوا مجملها على
مفصلها كما هو القاعدة في أمثال ذلك.
وهؤلاء الأعلام باعتبار الروايات الدالة على جواز البناء على الأقل مطلقا
ونسبتهم ذلك إلى الصدوق عمدوا إلى هذه الأخبار المجملة وألحقوها بتلك الروايات
المطلقة. وأنت قد عرفت ما في أساسهم الذي بنوا عليه من الخراب والانهدام
لوجوب حمل تلك الروايات على التقية وفساد ما نسبوه إلى الصدوق في هذا المقام
ومتى بطل الأصل الذي بنوا عليه بطل ما فرعوه وجعلوه راجعا إليه.
هذا. وأما ما ذكره المحدث المذكور - وسجل به مما قدمنا نقله عنه وأن ما ذكره
دقيقة لم يتفطن لها غيره -
ففيه (أولا) - أن هذه الدقيقة إن أراد بها ما فهمه من الأخبار المجملة
من حيث عدم التصريح بالفصل بين الصلاة الأصيلة وبين صلاة الاحتياط فقال
فيها بالبناء على الأقل وجعلها ضابطة كلية وقابلها بالأخبار الصريحة في الفصل الدالة
على البناء على الأكثر فجعلها ضابطة أخرى، ففيه أنه قد سبقه صاحب المدارك
إلى ذلك بل الصدوق أيضا بزعمهم. نعم إن السيد قد وقف على مورد تلك
الأخبار المجملة وهو قد جعل ذلك قاعدة كلية في جميع الشكوك اعتضادا بعموم
تلك الأخبار المطلقة. وأنت قد عرفت أن تلك الأخبار التي هي أصل الشبهة
الحاملة له على جعل ذلك ضابطة كلية إنما خرجت مخرج التقية. وأما هذه الأخبار
المجملة في هذه الصور فيجب حمل إجمالها على الروايات المفصلة كما هي
القاعدة الكلية.
و (ثانيا) - أن ما زعمه من نسبة التخيير في جميع الشكوك إلى الفقيه بناء
على قوله: " وليست هذه الأخبار مختلفة وصاحب السهو بالخيار... الخ " وهو
الذي أشار إليه في كلامه المتقدم بقوله " ويأتي كلامه فيه " فقد أوضحنا بطلانه بما لا
مزيد عليه. والله العالم ورسوله وأولياؤه (عليهم السلام).
236

بقي الكلام في الاحتياط في هذه الصورة والمشهور ما قدمناه من التخيير
ونقل عن ظاهر ابن أبي عقيل والجعفي تعين الركعتين من جلوس وهو الذي
تضمنه أكثر أخبار المسألة المتقدمة إلا أن مرسلة جميل قد دلت على التخيير وعليها
عمل الأصحاب (رضوان الله عليهم) وبها قيدوا إطلاق تلك الأخبار. وصاحب
المدارك ومن حذا حذوه بناء على الاصطلاح المحدث بينهم قد ردوا الرواية بضعف
السند فلا تصلح لتخصيص تلك الأخبار، وهو جيد على ذلك الأصل الغير الأصل.
وكيف كان فالاحتياط يقتضي الوقوف على ما تضمنه أكثر الأخبار من الركعتين
من جلوس. والله العالم.
(المسألة الثامنة) - لو شك بين الاثنتين والأربع فالمشهور هو البناء على
الأكثر والاحتياط بركعتين من قيام.
ويدل عليه جملة من الأخبار: منها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن
مسلم (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل صلى ركعتين فلا يدري
ركعتان هي أو أربع؟ قال يسلم ثم يقوم فيصلي ركعتين بفاتحة الكتاب ويتشهد
وينصرف وليس عليه شئ ".
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن والصدوق في الصحيح عن الحلبي
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " إذا لم تدر اثنتين صليت أم أربعا ولم
يذهب وهمك إلى شئ فتشهد وسلم ثم صل ركعتين وأربع سجدات تقرأ فيهما بأم
القرآن ثم تشهد وسلم. فإن كنت إنما صليت ركعتين كانت هاتان تمام الأربع، وإن
كنت صليت الأربع كانت هاتان نافلة ".
وما رواه في الكافي عن ابن أبي يعفور (3) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن الرجل لا يدري ركعتين صلى أم أربعا؟ قال يتشهد ويسلم ثم يقوم فيصلي
ركعتين وأربع سجدات يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب ثم يتشهد ويسلم، فإن كان

(1) الوسائل الباب 11 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 11 من الخلل في الصلاة
(3) الوسائل الباب 11 من الخلل في الصلاة
237

صلى أربعا كانت هاتان نافلة وإن كان صلى ركعتين كانت هاتان تمام الأربع، وإن
تكلم فليسجد سجدتي السهو ".
وعن زرارة في الصحيح (1) قال: " قلت له من لم يدر في أربع هو أو
في ثنتين وقد أحرز الثنتين؟ قال يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة
الكتاب ويتشهد ولا شئ عليه... الحديث ".
وعن جميل عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال:
" في رجل لم يدر ركعتين صلى أم أربعا ووهمه يذهب إلى الأربع وإلى الركعتين؟ فقال
يصلي ركعتين وأربع سجدات... الحديث " قوله: " ووهمه يذهب إلى الأربع وإلى
الركعتين " أي من غير ترجيح ولا ظن أحدهما ".
وقال في كتاب الفقه الرضوي (3) " وإن شككت في الثانية أو الرابعة فصل
ركعتين من قيام بالحمد ".
وروى الشيخ عن أبي بصير في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)
قال ": إذا لم تدر أربعا صليت أم ركعتين فقم واركع ركعتين ثم سلم واسجد سجدتين
وأنت جالس ثم سلم بعدهما "
وحمل الشيخ والعلامة سجدتي السهو هنا على ما إذا تكلم ناسيا. ولا يخلو من
البعد. وجملة من متأخري المتأخرين حملوهما على الاستحباب. ومن المحتمل
قريبا أن الأمر بالسجود هنا إنما هو من حيث البناء على الأقل وأن الحديث يراد
به البناء على الأقل ويكون حينئذ محمولا على التقية لما قدمنا (5) تحقيقه من أن العامة
على البناء على الأقل وسجود السهو كما مر في خبر صحيح مسلم (6) عن عبد الرحمان بن
عوف وبه صرح البغوي في شرح السنة. وحينئذ فلا يكون هذا الخبر من أخبار
المسألة في شئ لخروجه مخرج التقية.

(1) الوسائل الباب 11 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 11 من الخلل في الصلاة
(3) ص 10
(4) الوسائل الباب 11 من الخلل في الصلاة
(5) ص 223 و 224
(6) ارجع إلى التعليقة 4 ص 195
238

ونحوه في ذلك ما رواه أحمد بن محمد بن خالد البرقي في المحاسن عن بكير بن
أعين في الحسن عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " قلت له رجل شك فلم
يدر أربعا صلى أم اثنتين وهو قاعد؟ قال يركع ركعتين وأربع سجدات ويسلم ثم
يسجد سجدتين وهو جالس ".
قال في المدارك في هذا المقام بعد ذكر صحيحة محمد بن مسلم والحلبي دليلا
للقول المشهور: ويحتمل قويا التخيير في هذه المسألة بين ذلك وبين البناء على الأقل
ولا احتياط جمعا بين هذه الروايات وبين ما رواه الكليني في الصحيح عن زرارة
عن أحدهما (عليهما السلام) قال: " قلت له من لم يدر... " ثم ساق الخبر المتقدم (2)
أقول: هذا من جملة ما قدمنا ذكره من توهم وصل الاحتياط بالصلاة
الأصلية في الأخبار لعدم ذكر الفصل بالتشهد والتسليم بينه وبين الصلاة الأصلية
أو أحدهما، وهذه الرواية هي التي قدمنا الكلام عليها وبينا أن قوله فيها " بفاتحة
الكتاب " قرينة على أن المراد صلاة الاحتياط لا كونهما أخيرتي الرباعية لما
شرحناه آنفا، فإن التعبير بذلك وقع في جملة من الروايات كصحيحة محمد بن مسلم
المذكورة في هذه المسألة، وكذا صحيحة الحلبي المذكورة هنا أيضا، ومثلهما حسنة
الحلبي المتقدمة في صورة الشك بين الثلاث والأربع، وعبارة كتاب الفقه.
وهو مع هذه القرينة الظاهرة تعسف في حملهما على الركعتين الأخيرتين وأن قراءة
الفاتحة إنما هي لكونها أحد الفردين المخير بينهما. ولا يخفى عليك ما فيه من التعسف
وبالجملة فإنه إنما وقع في هذا الوهم من حيث إنه ذكر في صحيحتي محمد بن مسلم
والحلبي المذكورتين في كلامه الفصل بالتشهد والتسليم أو التسليم وفي هذه الرواية قال:
" يركع ركعتين... إلى آخره " ولم يذكر أنه يتشهد أو يسلم، فهو يدل على كون هاتين
الركعتين من الصلاة الأصلية بأنه يكون قد بنى على الأقل.
وفيه أنه كيف يتم الاستناد إلى مجرد هذه العبارة والحال أنه قد وقع التعبير

(1) الوسائل الباب 11 من الخلل في الصلاة
(2) ص 233
239

بها في جملة من الروايات التي علم الفصل فيها بقرائن آخر كما قدمنا ذكره، وغاية
ما يلزم أنها باعتبار عدم التصريح بالفصل وعدم وجود قرينة أخرى على إرادة
الفصل مجملة محتملة لكل من الأمرين لا أنها تكون صريحة أو ظاهرة في ما يدعيه
ولهذا أن صاحب الذخيرة - بعد نقل رواية أبي بصير المتقدمة التي هي في الاجمال
مثل هذه الرواية - قال يمكن أن يحمل على البناء على الأقل والأكثر ولا يبعد ادعاء
ظهوره في الأول. انتهى. وادعاء ظهوره في الأول ممنوع لما عرفت.
وبالجملة فإنه مع هذا الاجمال لا يصح الاستناد إليها أو إلى غيرها متى كان
كذلك في اثبات حكم شرعي مخالف للأخبار الصحيحة الصريحة المتكاثرة المعتضدة
بفتوى الأصحاب قديما وحديثا عدا من وقع في هذا الوهم من هؤلاء المذكورين
ولا ريب أن هذا التعبير وهذا الاجمال إنما نشأ من معلومية الحكم يومئذ وكم مثله
في سعة التجوز في العبارات كما لا يخفى على من خاض بحور الاستدلالات وتتبع
المقالات، بل الواجب حمل اجمالها على ما فصل في غيرها.
وكيف كان فإنك قد عرفت أن كلامهم في هذه الروايات إنما نشأ من تلك
الأخبار المطلقة في البناء على الأقل فإنهم اتخذوها كالأساس، ونحن قد هدمنا بحمد
الله سبحانه بنيانها و زعزعنا أركانها فزال الالتباس. ولم تر مثل هذا التحقيق
الرشيق في غير زبرنا ومصنفاتنا فتأمله بعين البصيرة وانظره بمقلة عير حسيرة ليظهر
لك ما في الزوايا من الخبايا.
ونقل في المختلف عن ابن بابويه في كتاب المقنع أنه يعيد الصلاة، وربما
كان مستنده ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد (1) - وهو ابن مسلم على الظاهر - قال:
" سألته عن الرجل لا يدري صلى ركعتين أم أربعا؟ قال يعيد الصلاة " والجواب عنها
ما تقدم من الجواب عن صحيحة عبيد بن زرارة المذكورة في مسألة الشك ين الاثنتين
والثلاث ويجب حملها على ما حملت تلك عليه. والشيخ حملها على الشك في

(1) الوسائل الباب 11 من الخلل في الصلاة
240

الصبح أو المغرب وبعده ظاهر. قيل: والصدوق قال بالتخيير لهذه الرواية. وهو
ضعيف لما عرفت.
وقال في البحار: واحتمل الشهيد في الذكرى والعلامة في النهاية كون البناء على
الأكثر وصلاة الاحتياط للرخصة والتخفيف وتكون الإعادة أيضا مجزئة. ثم رده
وقال لا يخفى بعد هذا الكلام عن ظواهر النصوص ولا داعي إلى ذلك ولم يعلم قائل
بذلك أيضا قبلهما انتهى. وهو جيد فإن الخروج عن ظواهر تلك الأخبار بل صريحها
الدال على وجوب البناء على الأكثر والاحتياط بما ذكر بهذا الخبر الشاذ النادر
لا يخلو من مجازفة، وقد سبق نظيره في مسألة الشك بين الاثنتين والثلاث مع أن
المعارض ثمة أقل مما هنا، وما ذكراه هنا أنسب بتلك المسألة سيما مع دعوى جملة
منهم عدم الدليل كما عرفت ثمة. والله العالم.
(المسألة التاسعة) - لو شك بين الاثنتين والثلاث والأربع فالمشهور أنه يبني
على الأكثر ويتم صلاته ثم يصلي ركعتين من قيام وركعتين من جلوس، وذهب
الصدوقان وابن الجنيد إلى أنه يبني على الأربع ويصلي ركعة من قيام وركعتين من
جلوس. ونقل عن ابن الجنيد البناء على الأقل ما لم يخرج الوقت.
ويدل على القول المشهور ما رواه الكليني والشيخ عن ابن أبي عمير في الصحيح
عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) " في رجل صلى فلم يدر اثنتين
صلى أم ثلاثا أم أربعا؟ قال يقوم فيصلي ركعتين من قيام ويسلم ثم يصلي ركعتين من
جلوس ويسلم فإن كان صلى أربع ركعات كانت الركعتان نافلة وإلا تمت الأربع ".
وأنت خبير بأن هذه الرواية قد اشتملت على وصل الاحتياط بالفريضة
مثل ما وقع في حسنتي زرارة المتقدمتين اللتين صارتا منشأ لتوهم السيد ومن تبعه
ولكن لمعلومية الاحتياط هنا وأنه لا يصلح الجزئية من حيث ركعتي الجلوس زال
الوهم المذكور. إلا أن اللازم بمقتضى ما توهمه - لو كان صحيحا - أن يكون الحكم

(1) الوسائل الباب 13 من الخلل في الصلاة. والشيخ يرويه عن الكليني
241

في هذه الرواية هو البناء على الأقل ثم الاتمام بتلك الركعتين من قيام يجعلهما من
الصلاة الأصلية ثم الاحتياط بركعتين جالسا وهو لا يقول به ولا يلتزمه.
والظاهر أنه لا خلاف هنا في البناء على الأكثر إلا ما يتوهمون به من قول
الصدوق بالتخيير في جميع أفراد الشكوك، وما تقدم من المرتضى في المسائل
الناصرية من البناء على الأقل مطلقا وقد عرفت ما في الجميع. والخلاف المشهور
هنا إنما هو في الاحتياط وقد عرفت ما هو المشهور وما يدل عليه.
وأما القول الثاني من الاحتياط بركعة قائما وركعتين جالسا فقال في الذكرى
إنه قوي من حيث الاعتبار لأنهما تنضمان حيث تكون الصلاة اثنتين ويجتزأ
بأحدهما حيث تكون ثلاثا إلا أن النقل والاشتهار يدفعه.
وكأنه أشار بالنص إلى مرسلة ابن أبي عمير المذكورة مع أنه قد روى الصدوق
عن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح عن أبي إبراهيم (عليه السلام) (1) قال:
" قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل لا يدري اثنتين صلى أم ثلاثا أم أربعا؟
فقال يصلي ركعة من قيام ثم يسلم ثم يصلي ركعتين وهو جالس ".
وفي كتاب الفقه الرضوي (2) قال (عليه السلام): " وإن شككت فلم
تدر اثنتين صليت أم ثلاثا أم أربعا فصل ركعة من قيام وركعتين من جلوس ".
وربما استشكل في الرواية المذكورة من حيث تضمنها لسؤال الكاظم من أبيه
(عليهما السلام) كما أشار إليه في المدارك حيث قال - بعد رد مرسلة ابن أبي عمير
بأنها قاصرة من حيث الارسال وذكر الصحيحة المذكورة - ما لفظه: إلا أن ما تضمنته
الرواية من سؤال الكاظم من أبيه (عليهما السلام) على هذا الوجه غير معهود
والمسألة محل اشكال. انتهى.
أقول: لا يخفى أن المعلوم من قاعدته - كما نبهنا عليه في غير موضع - أنه متى
صح سند الرواية جمد على القول بما تضمنته وإن خالف مقتضى القواعد والأصول

(1) الوسائل الباب 13 من الخلل في الصلاة
(2) ص 10
242

أو خالف ما هو المعلوم من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) أو نحو ذلك فلا وجه
لهذا الاشكال باعتبار عدم معهودية رواية الكاظم عن أبيه (عليهما السلام) وقد
اشتمل كتاب الفقه الرضوي على الرواية عن أبيه (عليهما السلام) في مواضع لا تخفى
بقوله (1): " وأروى عن العالم وكنت يوما عند العالم " ونحو ذلك ورواياتهم عن آبائهم
(عليهم السلام) بعد الموت كثيرة. وبالجملة فإن هذا ليس مما يوجب الطعن في السند
باصطلاحه. إلا أن نسخ من لا يحضره الفقيه في هذا الخبر مختلفة ففي بعضها
" يصلي ركعتين من قيام " وفي سند الرواية أيضا اختلاف ففي بعضها عن أبي إبراهيم
(عليه السلام) قال: " قلت له... " إلا أن أكثر النسخ على ما ذكرناه في الخبر.
ويؤيده بالنسبة إلى الأول خبر كتاب الفقه.
وكيف كان فالظاهر في الجمع بين الأخبار المذكورة هو القول بالتخيير وإن لم
يعلم به قائل من الأصحاب (رضوان الله عليهم).
ثم إنه على تقدير القول المشهور فهل يجوز أن يصلي بدل الركعتين جالسا
ركعة قائما أم لا؟ أقوال ثلاثة: (أحدها) تحتمه ونسبه في الذكرى إلى ظاهر الشيخ المفيد
في الغرية وسلار. و (ثانيها) عدم الجواز ونسبه في الذكرى إلى الأصحاب.
و (ثالثها) التخيير لتساويهما في البدلية بل الركعة من قيام أقرب إلى حقيقة المحتمل
وهو قول العلامة والشهيدين. قال في الذخيرة والأوسط أقرب وقوفا على النص.
أقول: ما ذكره جيد لو لم يكن في المسألة إلا رواية ابن أبي عمير المذكورة
وأما بالنظر إلى ما ذكرناه من صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج ورواية كتاب الفقه
فالثالث هو الأصح لا باعتبار ما ذكروه من التعليل فإنه عليل بل من حيث الجمع بين
الخبرين وإن كان ما ذكر إنما هو تفريع على القول المشهور.
وهل يجب تقديم الركعتين من قيام؟ فيه أيضا أقوال: (الأول) وجوب ذلك
وهو قول الشيخ المفيد في المقنعة والمرتضى في أحد قوليه (الثاني) التخيير ونقل

(1) من ص 45 إلى ص 52
243

عن ظاهر المرتضى (قدس سره) في الإنتصار. (الثالث) تحتم تقديم الركعتين
جالسا وقد نقل بعض الأصحاب حكاية قول به. (الرابع) تحتم تقديم الركعة
من قيام وهو قول الشيخ المفيد في الغرية. والصواب هو الأخذ بما دل عليه
النص في الباب.
فائدة
قال شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) في الروض وإنما خص المصنف وأكثر
الجماعة من مسائل الشك هذه الأربع لأنها مورد النص على ما مر، ولعموم البلوى بها
المكلفين فمعرفة حكمها واجب عينا كباقي واجبات الصلاة، ومثلها الشك بين الأربع
والخمس وحكم الشك في الركعتين الأوليين والثنائية والثلاثية بخلاف باقي مسائل الشك
المتشعبة فإنها تقع نادرا ولا تكاد تنضبط لكثير من الفقهاء.
وهل العلم بحكم
ما يجب معرفته منها شرط في صحة الصلاة فتقع بدون معرفتها باطلة وإن لم تعرض
في تلك الصلاة؟ يحتمله تسوية بينها وبين باقي الواجبات والشرائط التي لا تصح الصلاة
بدون معرفتها وإن أتى بها على ذلك الوجه، وعدمه لأن الاتيان بالفعل على الوجه
المأمور به يقتضي الاجزاء، ولأن أكثر الصحابة لم يكونوا في ابتداء الاسلام
عارفين بأحكام السهو والشك مع مواظبتهم على الصلاة والسؤال عند عروضه.
ولأصالة عدم عروض الشك وإن كان عروضه أكثريا. وفي هذه الأوجه نظر
واضح وللتوقف مجال. انتهى.
أقول: والأصح ما ذكره أخيرا بقوله " وعدمه... الخ " لما حققناه في
كتاب الدرر النجفية في درة الجاهل بالأحكام الشرعية وفي مطاوي أبحاث الكتاب
من صحة العبادة بدون ذلك. وقد تقدم أيضا في كتاب الطهارة في المقام التاسع من
مقامات البحث في النية ما فيه إشارة إلى ذلك.
(المسألة العاشرة) - لو شك بين الأربع والخمس فالمشهور أنه يتم صلاته
ويسجد سجدتي السهو.
244

وعلى ذلك تدل جملة من الأخبار: منها - ما رواه في الكافي عن عبد الله بن
سنان عن أبي بعد الله (عليه السلام) (1) قال: " إذا كنت لا تدري أربعا صليت
أو خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم بعدهما ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: " إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهد وسلم واسجد
سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهد فيهما تشهدا خفيفا ".
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " إذا لم تدر أربعا
صليت أو خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك وأنت جالس ثم سلم بعدهما ".
ومما استدل به بعض الأصحاب في هذا المقام أيضا صحيحة زرارة أو
حسنته (4) قال: " سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول قال رسول الله (صلى
الله عليه وآله) إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر زاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو
جالس وسماهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) المرغمتين ".
والمفهوم من هذه الرواية إنما هو أن من مواضع سجدتي السهو الشك في الزيادة
والنقيصة كما هو ظاهر بعض الأخبار التي قبلها أيضا.
وأظهر منها في ذلك ما رواه الصدوق بطريقه إلى الفضيل بن يسار (5) " أنه
سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن السهو فقال من حفظ سهوه فأتمه فليس عليه
سجدتا السهو وإنما السهو على من لم يدر أزاد في صلاته أم نقص منها ".
والمراد بالسهو الشك كما يطلق عليه في الأخبار في غير مقام، وسيأتي
إن شاء الله تعالى أن من مواضع سجدتي السهو الشك في الزيادة والنقيصة لهذه الأخبار
وبموجب ذلك يجب سجود السهو في جميع صور الشكوك المتقدمة وهو قول الصدوق

(1) الوسائل الباب 14 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 14 من الخلل في الصلاة
(3) الوسائل الباب 14 من الخلل في الصلاة، وهذه الرواية رواها الكليني في الكافي
ج 1 ص 98 ولم ينقلها في الوسائل من التهذيب نعم نقلها في الوافي عنهما.
(4) الوسائل الباب 14 من الخلل في الصلاة
(5) الوسائل الباب 14 من الخلل في الصلاة
245

إلا أنه يجب تقييد هذه الأخبار بالأخبار الدالة على ابطال الشك المتعلق بالأولتين
والثنائية والثلاثية فيخص بما عدا ذلك.
والخلاف في هذه المسألة قد وقع في موضعين (أحدهما) ما ذهب إليه الصدوق
في المقنع من الاحتياط في هذه الصورة بركعتين جالسا حيث قال في الكتاب
المذكور: إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أو زدت أو نقصت فتشهد وسلم وصل
ركعتين بأربع سجدات وأنت جالس بعد تسليمك. وفي حديث آخر تسجد سجدتين
بغير ركوع ولا قراءة. انتهى.
وقال في المختلف - بعد ذكر القول المشهور ونقل قول ابن بابويه المذكور
والاستدلال للقول المشهور بصحيحة الحلبي المتقدمة - ما لفظه: ولأن الأصل
عدم الاتيان بالزيادة فلا يجب عليه شئ، ولأن الركعتين جعلتا تماما لما نقص من
الصلاة والتقدير أنه شك في الزيادة بعد حفظ الكمال فلا يجب عليه بدل المأتي به.
نعم إن قصد الشيخ أبو جعفر ابن بابويه أن الشك إذا وقع في حالة القيام كأنه يقول
قيامي هذا لا أدري أنه لرابعة أو خامسة فإنه يجلس إذا لم يكن قد ركع ويسلم
ويصلي ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس ويسجد للسهو وإن كان بعد ركوعه
قبل السجود فإنه يعيد الصلاة. انتهى.
أقول: ما ذكره وأورده على الصدوق جيد لو كان ما ذكره الصدوق هنا من
نفسه وإنما هو مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي على الطريقة التي قدمنا ذكرها،
وهذه صورة عبارته (عليه السلام) في الكتاب المشار إليه: وإن لم تدر أربعا
صليت أم خمسا أو زدت أو نقصت فتشهد وسلم وصل ركعتين بأربع سجدات وأنت
جالس بعد تسليمك. وفي حديث آخر تسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة وتشهد
فيهما تشهدا خفيفا. انتهى. وهي كما ترى طبق عبارة المقنع كلمة كلمة وحرفا
وحرفا إلا في زيادة قوله " وتشهد فيهما تشهدا خفيفا " في عبارة كتاب الفقه.
وهو (عليه السلام) قد أفتى أولا بالاحتياط ونسب ما دلت عليه الأخبار المتقدمة
246

المعمول عليه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) إلى الرواية مؤذنا بتضعيفه. وقد روى الشيخ عن زيد الشحام عن أبي أسامة (1) قال: " سألته عن رجل
صلى العصر ست ركعات أو خمس ركعات؟ قال إن استيقن أنه صلى خمسا أو ستا
فليعد وإن كان لا يدري أزاد أم نقص فليكبر وهو جالس ثم ليركع ركعتين يقرأ
فيهما بفاتحة الكتاب في آخر صلاته ثم يتشهد... الحديث، ورده بعضهم بضعف
السند وأنه غير معمول عليه بين الأصحاب.
وكيف كان فالظاهر هو القول المشهور للأخبار المتقدمة المعتضدة بفتوى
الأصحاب (رضوان الله عليهم) قديما وحديثا وهم (عليهم السلام) أعرف بما
قالوه في الخبرين المذكورين.
الموضع الثاني - ما ذهب إليه جملة من الأصحاب: منهم - الشيخ المفيد والشيخ
في الخلاف والصدوق وسلار وأبو الصلاح من عدم وجوب سجدتي السهو في هذا
الموضع والأخبار المتقدمة كما ترى على خلافه.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن للشك بين الأربع والخمس صورا أنهاها بعضهم إلى
ثلاث عشرة صورة إلا أنها ترجع عند التحقيق إلى ثلاث صور:
الأولى - أن يشك قبل الركوع والظاهر أنه لا خلاف ولا اشكال في أنه يجلس
وينقلب شكه إلى الثلاث والأربع فيعمل فيه على ما تقدم في تلك المسألة ويزيد مع
ذلك سجدتي السهو لمكان القيام، وقد تقدم ذلك في كلام العلامة في المختلف وهو
مؤيد لما حققناه سابقا من أنه إذا شك في حال قيامه بين كون قيامه لثالثة أو رابعة
فإنه لا يكون شكا بين الثلاث والأربع كما توهمه السيد وأتباعه بل يكون شكا بين
الثنتين والثلاث كما أنه في هذه الصورة لا يكون شكا بين الأربع والخمس وإنما هو

(1) الوسائل الباب 14 من الخلل في الصلاة. ولا يخفى أن " أبا أسامة " كنية زيد
الشحام وفي التهذيب ج 1 ص 236 هكذا " عن زيد الشحام أبي أسامة " فكلمة " عن "
يحتمل أن تكون من زيادة النساخ.
247

شك بين الثلاث والأربع.
وقال شيخنا المحدث الشيخ عبد الله بن الحاج صالح البحراني في شرح رسالة
شيخه الصلاتية - بعد أن ذكر هذه الصورة وذكر أنه لا خلاف فيها بين الأصحاب
(رضوان الله عليهم) - أنه لا مستند لها بالخصوص إلا ما روي أنه " ما أعاد الصلاة
فقيه يحتال فيها ويدبرها حتى لا يعيدها " كما في موثقة عمار المروية في الفقيه (1) انتهى
أقول: لا يخفى ما فيه فإن أخبار الشك بين الثلاث والأربع شاملة لهذه
الصورة فإنه ما لم يدخل في الركوع يرجع إلى ما تقدم، إذ لا فرق بين أن يشك
وهو جالس قبل القيام أو بعد القيام وقبل الركوع حسبما فصل في هذه الصورة.
الثانية - أن يشك بعد رفع رأسه من السجود أو بعد تمام ذكر السجدة الثانية
وإن لم يرفع على القولين المتقدمين قريبا، فإنه يبني على الأربع ويتشهد ويسلم
ويسجد سجدتي السهو، وعلى ذلك دلت الأخبار المتقدمة في صدر المسألة.
الثالثة - الشك بعد الركوع وقبل تمام السجود والمشهور بين الأصحاب
(رضوان الله عليهم) أن حكمها كحكم سابقتها في الصحة والبناء على الأربع
وسجود السهو.
وقطع العلامة (قدس سره) في جملة من كتبه بالبطلان واقتفاه المحقق
الشيخ على (قدس سره) على ما نقل عنه.
واحتجوا على ذلك بلزوم التردد بين محذورين: الاكمال المعرض للزيادة والهدم
المعرض للنقيصة. ورد بأن المبطل إنما هو يقين الزيادة لا احتمالها ولو أثر ذلك

(1) هذا اللفظ ورد في رواية حمزة بن حمران المروية في التهذيب ج 1 ص 236 وفي
الوسائل في الباب 29 من الخلل في الصلاة من التهذيب وأما الصدوق فإنه بعد أن ذكر في
ج 1 ص 225 رواية عمار المتضمنة للبناء على الأكثر في كل شك المتقدمة ص 222
قال: ومعنى الخبر الذي روي " أن الفقيه لا يعيد الصلاة " إنما هو في الثلاث والأربع
لا في الأولتين. ويحتمل أنه يريد بيان وجه الحيلة والتدبير في موثقة عمار.
248

لأثر في ما لو عرض الشك بعد السجود أيضا مع أنهم اتفقوا هناك على الصحة.
إلا أن شيخنا الشهيد الثاني في الروضة نقل الاحتجاج للعلامة هنا بحجة أخرى
وهو أن في القول بالصحة هنا خروجا عن مقتضى النصوص فإنه لم يكمل الركعة
حتى يصدق عليه أنه شك بينها وبين ما قبلها، قال (قدس سره) - بعد قول المصنف:
وقيل تبطل الصلاة لو شك ولما يكمل السجود إذا كان قد ركع - ما صورته: لخروجه
عن المنصوص فإنه لم يكمل الركعة حتى يصدق عليه أنه شك بينهما. ثم نقل الحجة الثانية
وهو تردده بين محذورين ثم ردها بما قدمنا ذكره. ولم يتعرض للجواب عن الحجة
الأولى، والسبب فيه أنه قد صرح هو وغيره بأن الركعة عبارة عن الركوع والسجود
فما لم يكملها بتمام السجود لا يصدق حصول الركعة ومتى لم يصدق لم يدخل تحت
النصوص، وإنما الكلام في تحقيق اتمامها بالرفع من السجود أو باتمام ذكر السجدة
الثانية وقد تقدم، ولهذا أوجبوا في صحة الشك والعمل به اتمام الأوليين بالسجود
وحينئذ فإذا ثبت أن الركعة عبارة عما ذكر فالشك قبل السجود شك قبل اكمال الركعة
وتمامها فلا يدخل تحت النص، لأن مرجع الشك بين الأربع والخمس إلى أنه
لا يدري أتى بخمس أو أربع فإذا لم يتمها فكيف يصدق الشك فيها؟
وبذلك يظهر لك أن ما ذكروه في المقام - من الحكم بالصحة في ما إذا وقع
الشك بين السجدتين وكذا بين الركوع والسجود - مدافع لما ذكروه من عدم تحقق
الركعة إلا بالاتمام بالسجود بل بالرفع منه فكيف يصح شكه هنا ويبني على الأربع؟
وبالجملة فإنه ما لم تتحقق الركعة وتتم بالسجود أو مع الرفع لا يتجه دخوله في الصورة
المفروضة، ومن أجل ذلك أن شيخنا المشار إليه في الروضة أغمض النظر عن
احتجاجه للعلامة أو لا بالخروج عن محل النص ولم يجب عنه بشئ لاتفاقهم على هذه
المقالة المؤذنة بصحة الحجة المذكورة، ولا طريق إلى الجواب عن ذلك والخروج
من هذا الاشكال إلا بمنع ما ادعوه من أن الركعة عبارة عما ذكروه والقول بأنها
عبارة عن مجرد الركوع كما هو القول الآخر الذي تقدم ذكره وإن تقدم رد صاحب
249

المدارك له بالضعف إلا أنه ناشئ عن الغفلة عن هذا الاشكال.
وإلى هذا القول مال المحقق في أجوبة المسائل البغدادية وجعله وجه الجواب
عن الوقل بالصحة في المسألة حيث قال - بعد حكمه بالصحة وعدم البطلان في الصورة
المذكورة - ما نصه: لأن الركعة واحدة الركوع جنس كالسجدة والسجود والركبة
والركوب. انتهى.
وبذلك يظهران المدار هنا في الجواب عن الاشكال المذكور مبني على بيان معنى الركعة
شرعا وأنها عبارة عماذا؟ فإن كانت عبارة عما ذكروه فالحكم بالصحة غير متجه لما عرفت
وإن كانت عبارة عن مجرد الركوع فما ذكروه من الحكم بالصحة جيد. والمفهوم
من الأخبار أنها تطلق تارة على مجرد الركوع وأخرى على ما يدخل فيه السجود بل
التشهد أيضا كقولهم: يتشهد في الركعة الثانية ويسلم في الركعة الرابعة ونحو ذلك.
ولعل الكلام في ما عدا الأول إنما خرج مخرج التجوز تسمية للكل باسم الجزء
ومما يؤيده الأخبار الواردة في صلاة الكسوف حيث اشتملت على التعبير عن
الركوع فيها بالركعة كما لا يخفى على من راجعها وهو أقوى حجة في ما ذكرناه.
قال في الذكرى: وأما الشك بين الأربع والخمس فالنص أن عليه سجدتي السهو
كما يأتي، وفصل متأخر والأصحاب (رضوان الله عليه) بما حاصله أن ههنا صورا:
(أحدها) أن يقع بعد اكمال السجدتين والأمر فيه ظاهر. و (ثانيها) أن يقع قبل
رفع رأسه من السجدة الثانية والظاهر الحاقه به لأن الرفع لا مدخل له في الزيادة.
و (ثالثها) أن يقع بين السجدتين فيحتمل الحاقه بها تنزيلا لمعظم الركعة منزلة جميعها
ويحتمل عدمه لعدم الاكمال وتجويز الزيادة. و (رابعها) أن يقع بين الركوع
والسجود وهي أشكل مسائله، قطع الفاضل فيها بالبطلان لتردده بين محذورين أما
القطع وهو معرض للأربع وأما الاتمام وهو معرض للخمس. وقطع شيخه المحقق
في الفتاوى بالصحة تنزيلا للركعة على الركوع والباقي تابع. وتجويز الزيادة لا ينفي
ما هو ثابت بالأصالة، إذ الأصل عدم الزيادة، ولأن تجويز الزيادة لو منع لأثر
250

في جميع صوره. و (خامسها) أن يقع في أثناء الركوع فيحتمل الوجهين وأن يرسل نفسه
فكأنه شاك بين الثلاث والأربع. و (سادسها) أن يقع بعد القراءة وقبل الركوع
سواء كان قد انحنى ولم يبلغ حد الراكع أو لم ينحن أصلا. و (سابعها) أن يقع في
أثناء القراءة. و (ثامنها) أن يقع قبل القراءة وقد استكمل القيام. و (تاسعها) أن
يقع في أثناء القيام. وفي هذه الصور الأربع يلزم الاحتياط بركعة قائما أو ركعتين
جالسا لأنه شك بين الثلاث والأربع ويرسل نفسه في جميعها ولا يترتب على التعدد
فيها شئ سوى احتمال سقوط سجود السهو ما لم يستكمل القيام واحتمال تعدده إذا
قرأ. وهذه الاحتمالات التسعة واردة في كل مسألة من المسائل الأربع المتقدمة
فلو أريد تركيب مسائل الشك الخمسة تركيبا ثنائيا وثلاثيا ورباعيا حصل منه إحدى
عشرة مسألة: ست من الثنائي وأربع من الثلاثي وواحد من الرباعي، فإذا ضربت في الصور
التسع كانت تسعا وتسعين مسألة تظهر بأدنى تأمل. انتهى كلامه زيد اكرامه.
أقول: ومرجع هذه التسع التي ذكرها عند التحقيق والتأمل بالنظر الثاقب
الدقيق إلى ما قدمناه من الثلاث، أما الأربع الأخيرة فلما اعترف به بقوله " وفي
هذه الصور الأربع... " من حيث انقلاب الشك إلى ما بين الثلاث والأربع والخروج
عن محل البحث، ومرجع هذه الأربع إلى الصورة الأولى من الثلاث المتقدمة،
وأما الأول والثانية فمرجعهما إلى ما ذكرناه من الصورة الثانية، وما ذكره من التعدد
يرجع إلى الخلاف في ما يتحقق به اتمام الثانية من الرفع أو مجرد اتمام ذكر سجود
الثانية، وقد عرفت أن الذي اختاره ومثله الشهيد الثاني في الروض هو الثاني،
وأما الثالثة والرابعة والخامسة فمرجعها إلى ما ذكرناه من الصورة الثالثة لاشتراك
الصور الثلاث المذكورة في عدم الدخول تحت النصوص المتقدمة بالتقريب الذي
تقدم تحقيقه لا لما ذكره من الاحتمالات.
وأما ما ذكره (قدس سره) من ورود هذه الاحتمالات التسعة في كل من
المسائل الأربع المتقدمة فصحيح إلا أنه يرجع على ما ذكرناه من التحقيق إلى
الثلاث المتقدمة.
251

وأما ما ذكره - من تركيب مسائل الشكوك الخمس تركيبا ثنائيا... الخ - فتوضيحه
أن الثنائي ما كان مشتملا على التردد بين طرفين منها وهي الشك بين الاثنتين والثلاث
وبين الاثنتين والأربع وبين الاثنتين والخمس وبين الثلاث والأربع وبين الثلاث
والخمس وبين الأربع والخمس، فهذه ست صور للثنائي، والثلاثي ما كان مشتملا
على التردد بين أطراف ثلاثة وهي الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع وبين
الاثنتين والثلاث والخمس وبين الاثنتين والأربع والخمس وبين الثلاث والأربع
والخمس، والرباعي ما كان مشتملا على أربعة أطراف كالشك بين الاثنتين والثلاث
والأربع والخمس، فهذه إحدى عشرة صورة حاصلة من تركيب الشكوك الخمسة
وضم بضعها إلى بعض إذا ضربت في ما ذكرناه من الثلاث المتقدمة تبلغ ثلاثا
وثلاثين مسألة وإن ضربت في ما ذكروه من الاحتمالات التسعة بلغت إلى ما ذكره
شيخنا المذكور.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد أنهى جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم)
أفراد الشكوك إلى أعداد أكثرها لا يرع إلى طائل لخلوه من الدلائل سوى مجرد
التخريجات العقلية والاحتمالات الظنية، ولنشر إلى جملة من ذلك ونبين ما هو الأصح
لدينا باعتبار المدارك:
فمنها - ما لو شك بين الاثنتين والأربع والخمس، وهذا الفرد يشتمل على
شكين منصوصين فيلزم فيه ما يلزم فيهما فيبني على الأربع حينئذ ويحتاط بركعتين
قائما ثم يسجد للسهو.
ومنها - ما لو شك بين الاثنتين والثلاث والأربع والخمس، ويزيد فيها
على الاحتياط الذي في الصورة الأولى ركعتين جالسا لتضمنه الشك بين الاثنتين
والثلاث والأربع والحكم فيها ركعتان من قيام وركعتان من جلوس.
ومنها - الشك بين الثلاث والأربع والخمس، وهو أيضا يشتمل على شكين
252

منصوصين فيجب فيه ما يجب فيهما وهو الاحتياط بركعة قائما أو ركعتين جالسا
ثم السجود للسهو.
وتنظر بعض أفاضل متأخري المتأخرين في الاحتياط في هذه الصور الثلاث
بما قدمناه لخروجها عن النص فإنه إنما تضمن حكم كل منها على حدة واختار في كل
منها البناء على الأقل نظرا إلى عموم ما دل على البناء على الأقل (1) وشموله لكل شك
وفيه أولا - أن النصوص الواردة في أحكام تلك الصور التي أسلفناها في المسائل
المتقدمة مطلقة لا تقييد فيها بحال انفراد أو اجتماع وإن كان الأكثر الانفراد فإنها
تضمنت أن من شك بين الثلاث والأربع مثلا فالحكم فيه كذا وكذا. وهو
كما ترى مطلق شامل باطلاقه الحالين المذكورين فالشك بين الثلاث والأربع والخمس
يصدق عليه أنه شاك بين الثلاث والأربع فيدخل تحت عموم أخباره وأنه شك بين
الأربع والخمس فيدخل تحت عموم دليله أيضا.
وثانيا - إن ما دل باطلاقه على البناء على الأقل قد أوضحنا في ما تقدم أنه إنما
خرج مخرج التقية (2) وأنه غير معمول عليه وإن اشتهر في كلامهم الأخذ به
والعمل عليه غفلة عما ذكرناه من التحقيق المتقدم في المسألة.
ومنها - الشك بين الاثنتين والخمس والشك بين الاثنتين والثلاث والخمس
والشك ين الثلاث والخمس.
قالوا: وفيه وجه بالبناء على الأقل بناء على أصالة الصحة ولقوله (عليه
السلام) (3) " ما أعاد الصلاة فقيه " ولعموم الروايات الدالة على البناء على الأقل (4)
ووجه بالابطال لتعذر البناء على أحد الطرفين لاستلزامه التردد بين محذورين، فإن
البناء على الأكثر موجب الزيادة ومعرض للنقصان والبناء على الأقل معرض للزيادة.
ورجح في الذخيرة الأول استنادا إلى الأدلة المذكورة.

(1) ص 218 و 221 و 222
(2) ص 223
(3) الوسائل الباب 29 من الخلل في الصلاة.
(4) ص 218 و 221 و 222
253

والأظهر البطلان لعدم النص الواضح في ذلك. وما ذكروه من أصالة
الصحة كلام شعري، ومن عموم تلك الروايات فقد عرفت ما فيه.
وأما حديث " ما أعاد الصلاة فقيه " فالعجب منهم في الاستدلال به في غير
موضع مع ورود النص بتخصيصه بالثلاث والأربع كما تقدم في صحيحة عبيد
ابن زرارة الواردة بالابطال في صورة الشك بين الاثنتين والثلاث (1) حيث قال له
الراوي: " أليس يقال لا يعيد الصلاة فقيه؟ قال إنما ذلك في الثلاث والأربع ".
ومثلها أيضا ما رواه الصدوق في معاني الأخبار (2) بسنده عن عبد الله بن
الفضل الهاشمي قال: " كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل عليه رجل فسأله
عن رجل لم يدر واحدة صلى أو اثنتين؟ فقال له يعيد الصلاة. فقال له فأين ما روي أن
الفقيه لا يعيد الصلاة؟ قال إنما ذلك في الثلاث والأربع ".
وما قدمنا ذكره في المسألة السادسة (3) نقلا عن الصدوق في المقنع حيث
قال: " وسئل الصادق (عليه السلام) عن من لا يدري اثنتين صلى أم ثلاثا؟ قال
يعيد الصلاة قيل فأين ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) الفقيه لا يعيد
الصلاة؟ قال إنما ذلك في الثلاث والأربع ".
فهذه جملة من الروايات الدالة على التخصيص فكيف يحسن مع ذلك الاستناد
إلى عموم الخبر المذكور كما صاروا إليه؟
تتمة
قال في المختلف: لو شك بين الأربع وما زاد على الخمس قال ابن أبي عقيل
ما يقتضي أنه يصنع كما لو شك بين الأربع والخمس، لأنه قال تجب سجدتا السهو في
موضعين: من تكلم ساهيا ودخول الشك عليه في أربع ركعات أو خمس فما عداها
واستوى وهمه في ذلك حتى لا يدري صلى أربعا أو خمسا أو ما عداها. ولم نقف

(1) ص 215
(2) ص 51 وفي الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة
(3) ص 210
254

لغيره في ذلك على شئ. وما قاله محتمل لأن رواية الحلبي تدل عليه من حيث المفهوم
ولأنه شك في الزيادة فلا يكون مبطلا للصلاة لاحراز العدد ولا مقتضيا للاحتياط
إذ الاحتياط يجب مع شك النقصان فلم يبق إلا القول بالصحة مع سجدتي السهو،
مع أنه يحتمل الإعادة لأن الزيادة مبطلة فلا يقين بالبراءة. والحمل على المشكوك
فيه قياس فلا يتعدى صورة المنصوص. انتهى.
أقول: وما احتمله أولا قد مال إليه جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم)
منهم الشهيدان وغيرهما، قالا في الرسالة الصلاتية وشرحها: الثاني عشر - أن يتعلق
الشك بالسادسة فما زاد وفيه وجه بالبطلان مطلقا لأن زيادة الركن مبطلة اجماعا ومع
احتمالها لا يتيقن البراءة من الصلاة التي قد اشتغلت الذمة بها بيقين. وضعفه ظاهر
فإن تجويز زيادة الركن لو أثر لبطل حكم كثير من الصور السابقة مع النص على صحتها
والاجماع على صحة بعضها. واحتمال خروج تلك عن الحكم بالنص يندفع بأصالة
عدم الزيادة والشك في المبطل. ووجه آخر بالبناء على الأقل لأصالة عدم الزيادة
والبناء على الأكثر أو الأربع موقوف على النص لخروجه عن الأصل وهو مفقود
هنا والفساد غير معلوم. وفيه وجه ثالث أشار إليه بقوله: " أو يجعل حكمه حكم
ما يتعلق بالخمس فيصح حيث يصح ويبطل حيث يبطل ويجب سجود السهو في موضع
الصحة ويلزمه الاحتياط مع السجود في موضع اجتماعهما " وإلى هذا الاحتمال ذهب
ابن أبي عقيل من القدماء ومال إليه المصنف والعلامة ورجحه الشارح المحقق، وهو
الظاهر تمسكا بظواهر النصوص الدالة على عدم بطلان الصلاة بمجرد احتمال الزيادة،
ولعموم قوله تعالى " ولا تبطلوا أعمالكم " (1) وأن الفقيه لا يعيد صلاته (2) واطلاق
قول الصادق (عليه السلام) (3) في صحيحة الحلبي " إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم
زدت أم نقصت فتشهد وسلم واسجد سجدتي السهو " انتهى.

(1) سورة محمد، الآية 35
(2) في صحيح عبيد بن زرارة ص 215
(3) الوسائل الباب 14 و 20 من الخلل في الصلاة
255

أقول وبالله التوفيق للهداية إلى سواء الطريق: لا يخفى أن ما استند إليه
من الأدلة في الحاق حكم تعلق الشك بالسادسة بتعلقه بالخامسة لا يخلو من شوب
النظر والاشكال:
أما تمسكه بظواهر النصوص الدالة على عدم بطلان الصلاة بمجرد احتمال
الزيادة أي زيادة الركن، فإن أريد بها النصوص الواردة في الشك بين الأربع
والخمس مع البناء على الأربع المستلزم لاحتمال زيادة الخامسة فهو صحيح بالنسبة
إلى مورده، وحمل تعلقه بالسادسة على ذلك قياس محض، إذ ليس فيها ما يدل على
أزيد من هذه الصورة، وإن أراد النصوص الواردة في بقية صور الشكوك المتقدمة فليس
فيها ما يدعيه فإنه مع البناء على الأكثر والاحتياط بما ذكر فيها من اتمام الناقص
على تقدير احتمال النقص لا يتضمن احتمال زيادة الركن، لأنه مع بنائه على الأكثر
فإن كان الأمر كذلك واقعا صار الاحتياط نافلة وإلا كان متمما فلا احتمال فيها لزيادة
الركن وليس هنا نصوص واردة بوجه كلي حسبما ادعاه ليتم الاستناد إليها.
وأما تمسكه بعموم قوله تعالى " ولا تبطلوا أعمالكم " فقد تقدم ما فيه في غير
موضع، والظاهر من سياق الآية إنما هو ابطال الأعمال بالكفر لا ما يتناقلونه في
كلامهم ويتداولونه على رؤوس أقلامهم من مثل هذا المقام ونحوه من الأحكام.
وأما التمسك بحديث " أن الفقيه لا يعيد صلاته " فقد عرفت ما فيه آنفا.
وأما صحيحة الحلبي فهي لا تخلو من الاجمال القابل لتعدد الاحتمال،
والاستدلال بها هنا مبني على أن المراد فيها بيان نوع واحد من الشك بين التام وبين
الناقص والزائد بركعة وأزيد كالشك بين الثلاث والأربع والخمس والست فيكون
تقدير الكلام: إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت عن الأربع أم زدت على
الخمس، فيكون شاملا للشك بين الأربع والخمس والأزيد منهما والأنقص، نعم
يخرج ما اشتمل على الشك في الأوليين بالأخبار الدالة على الابطال ويبقى ما عدا
ذلك. والاحتمال الثاني في الرواية المذكورة أن يكون " أم " في قوله " أم نقصت
256

أم زدت " بمعنى " أو " وهو المصرح به في روايتي المقنع وكتاب الفقه الرضوي وإن كان
الظاهر أنهما رواية واحدة كما تقدم ذكره في صدر هذه المسألة، فيكون بيانا لنوع
آخر من الشك وهو الشك في الزيادة والنقيصة وهو أحد موجبات سجود السهو.
وهذا الاحتمال هو الأظهر لما تقدم في صدر المسألة من دلالة صحيحة زرارة أو
حسنته وكذا صحيحة الفضيل بن يسار على هذا الفرد وأنه أحد موجبات سجدتي
السهو، وإن لم يكن هذا الاحتمال أرجح فلا أقل أن يكون مساويا وبه يبطل
الاستدلال معتضدا ذلك بروايتي المقنع وكتاب الفقه.
وزاد بعض مشايخنا المحدثين من متأخرين المتأخرين في الاستدلال على
ما ذكره في شرح الألفية الاستدلال بقول الكاظم (عليه السلام) في موثقة إسحاق
ابن عمار المروية في الفقيه (1) " إذا شككت فابن علي اليقين. قال: قلت هذا
أصل؟ قال نعم ".
وفيه ما عرفت آنفا من أن هذا الخبر ونحوه إنما خرج مخرج التقية لما قدمناه
من بيان مذهب العامة (2) ومعارضته ونحوه بما هو أصح سندا وأكثر عددا
وأصرح دلالة فلا يبقى للتمسك به وجه.
ثم إنه على تقدير ما ذكره هؤلاء الأعلام من تصحيح الشك المتعلق بالسادسة
قالوا تكون الصور فيها خمس عشرة صورة: سبع منها مع ضميمة ما زاد على الخامسة
إليها وادخال ما نقص عنها وسبع مع انفرادها عنها وواحدة مع أشك فيهما خاصة
بأن تحقق الزيادة على الأربع، فأربع من الجميع ثنائية وست ثلاثية وأربع
رباعية وواحدة خماسية.
فالأولى أعني الأربع الثنائية الشك بين الاثنتين والست والشك بين الثلاث
والست والشك بين الأربع والست والشك بين الخمس والست.
والثانية أعني الست الثلاثية الشك بين الاثنتين والثلاث والست، والشك

(1) الوسائل الباب 8 من الخلل في الصلاة
(2) ص 222 و 223
257

بين الاثنتين والأربع والست، والشك بين الاثنتين والخمس والست، والشك
بين الثلاث والأربع والست، والشك بين الثلاث والخمس والست، والشك بين
الأربع والخمس والست.
والثالثة أعني الأربع الرباعية الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع والست
والشك بين الاثنتين والثلاث والخمس والست، والشك بين الاثنتين والأربع
والخمس والست، والشك بين الثلاث والأربع والخمس والست.
والرابعة أعني الواحدة الخماسية الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع
والخمس والست.
قالوا: والمراد بالست في جميع ما ذكر الست فما فوقها لاشتراك الجميع في الوصف
وهو الزيادة على الخامسة المشار إليها في صحيحة الحلبي بقوله " زدت " والاشتراك
أيضا في الحكم بناء على ما قدمنا نقله عنهم.
فهذه خمس عشرة صورة تضاف إلى ما تقدم في كلام الشهيد في الذكرى من
الصور الأحد عشر ثم تضرب في الأحوال التسعة المتقدمة ثمة أيضا والمجتمع
مائتان وأربعة وثلاثون هي مسائل الشك التي يقع البحث عنها من حيث الصحة
والبطلان. وأنت خبير بأنه على ما اخترناه من بطلان الشك المتعلق بالسادسة
تسقط هذه الصور الخمس عشرة رأسا وعلى تقدير ما ذكروه من الصحة يصح منها
ما صححوه في صور التعلق بالخمسة. والله العالم.
- (المسألة الحادية عشرة) - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه
لا سهو في سهو. وهذه العبارة لا تخلو من الاجمال وتعدد الاحتمال في هذا المجال
ابن البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " ليس على الإمام سهو ولا
على من خلف الإمام سهو ولا على السهو سهو ولا على الإعادة إعادة ".

(1) الوسائل الباب 24 و 25 من الخلل في الصلاة
258

وما رواه الكليني في مرسلة يونس عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) من
قوله: " ولا سهو في سهو ".
قال العلامة في كتاب المنتهى: ومعنى قول العلماء: " لا سهو في السهو " أي
لا حكم للسهو في الاحتياط الذي يوجبه السهو كمن شك بين الاثنتين والأربع
فإنه يصلي ركعتين احتياطا فلو سها فيهما ولم يدر صلى واحدة أو اثنتين لم يلتفت إلى
ذلك. وقيل معناه أن من سها فلم يدر هل سها أم لا؟ لا يعتد به ولا يجب عليه
شئ. والأول أقرب.
والظاهر أن مراده بعدم الالتفات إلى ذلك البناء على الفعل المشكوك فيه كما
هو ظاهر المحقق في المعتبر فإنه يحذو في المنتهى حذوه في الأكثر حيث قال في
المعتبر: ولا حكم للسهو في السهو لأنه لو تداركه أمكن أن يسهو ثانيا فلا يتخلص
من ورطة السهو، ولأن ذلك حرج فيسقط اعتباره، ولأنه شرع لإزالة حكم
السهو فلا يكون سببا لزيادته.
ثم إنه ذكر جمع من أصحابنا المتأخرين (رضوان الله عليهم) أنه يمكن أن
يراد بالسهو في كل من الموضعين معناه المتعارف الذي هو عبارة عن نسيان بعض
الأفعال، ويمكن أن يراد به الشك فيحصل من ذلك صور أربع.
أقول: وتفصيل الكلام في هذه المقام بوجه واضح لجميع الأفهام لا يحوم
حوله إن شاء الله تعالى نقض ولا ابرام هو أنه لما كان السهو يطلق في الأخبار على
الشك زيادة على معناه اللغوي وعلى ما هو أعم اطلاقا شائعا كما لا يخفى على من راجعها
وتتبع مظانها ومواضعها فيحتمل هنا حمل كل من اللفظين على كل من المعنيين فتحصل
من ذلك صور أربع وهي التي ذكرها الأصحاب، وهي السهو في السهو والشك في
الشك والسهو في الشك والشك في السهو، إلا أنه لما كان الثاني من اللفظين على أي كان
من المعنيين محتملا للموجب بكسر الجيم والموجب بفتحها فإنه يلزم انحلال هذه

(1) الوسائل الباب 25 من الخلل في الصلاة
259

الصور الأربع إلى ثمان صور ناشئة من ضرب أربعة في اثنين.
وها نحن نفصل الكلام بتوفيق الملك العلام وبركة أهل الذكر (عليهم الصلاة
والسلام) وإن طال به زمام الكلام لما فيه من عموم النفع والفائدة في المقام فنقول:
(الصورة الأولى) - الشك في موجب الشك بكسر الجيم أي شك في أنه
هل شك في الفعل أم لا؟ وقد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا يتلفت إليه
وفصل بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين (رضوان الله عليهم)
فقال بعد ذكر ما نقلناه عن الأصحاب: والتحقيق أنه إن كان الشكان في زمان
واحد وكان محل الفعل المشكوك فيه باقيا ولا يترجح عنده في هذا الوقت الفعل
أو الترك فهو شاك في أصل الفعل ولم يتجاوز محله فمقتضى عمومات الأدلة وجوب
الاتيان بالفعل ولا يظهر من النصوص استثناء تلك الصورة، ويشكل تخصيص
العمومات ببعض المحامل البعيدة لقوله (عليه السلام): " ولا سهو في سهو " ولو
ترجح عنده أحد طرفي الفعل والترك فهو جازم بالظن غير شاك في الشك، ولو كان
بعد تجاوز المحل فلا عبرة به. ولو كان الشكان في زمانين - ولعل هذا هو المعنى
الصحيح لتلك العبارة - بأن شك في هذا الوقت في أنه هل شك سابقا أم لا؟ فلا يخلو
أما أن يكون شاكا في هذا الوقت أيضا ومحل التدارك باق فيأتي به أو تجاوز عنه
فلا يلتفت إليه، أو لم يبق شكه بل إما جازم أو ظان بالفعل أو الترك فيأتي بحكمهما.
ولو تيقن بعد تجاوز المحل حصول الشك قبل تجاوز محله ولم يعمل بمقتضاه فلو
كان عمدا بطلت صلاته ولو كان سهوا فيرجع إلى السهو في الشك وسيأتي حكمه
هذا إذا استمر الشك، ولو تيقن الشك وأهمل حتى جاز محله عمدا بطلت صلاته
ولو كان سهوا يعمل بحكم السهو، ولو تيقن الفعل وكان تأخير الفعل المشكوك فيه
إلى حصول اليقين عمدا بطلت صلاته أيضا إن جاوز محله وإن كان سهوا فلا تبطل
صلاته. وكذا الكلام لو شك في أنه هل شك سابقا بين الاثنتين والثلاث أو
بين الثلاث والأربع، فإن ذهب شكه الآن وانقلب باليقين أو الظن فلا عبرة به
260

ويأتي بما تيقنه أو ظنه، وإذا استمر شكه فهو شاك في هذا الوقت بين الاثنتين والثلاث
والأربع. وكذا الكلام لو شك في أن شكه كان في التشهد أو في السجدة قبل تجاوز
المحل أو بعده. وبالجملة الركون إلى تلك العبارة المجملة وترك القواعد المقررة المفصلة
لا يخلو من إشكال. انتهى كلامه زيد مقامه.
أقول: ما فصله (قدس سره) من التحقيق جيد رشيق لكنه من مفهوم
العبارة بمحل سحيق، فإنه لا يخفى أن الشك في الشئ يقتضي تقدم زمان المشكوك
فيه بمعنى أنه لا يدري الآن أن هذا الفعل المشكوك فيه وقع في الزمان المتقدم أم لا
غاية الأمر أنه بالنسبة إلى الشك في الأفعال قد يكون القوت الذي حصل فيه الشك
مما يمكن التدارك فيه بأن لم يدخل في فعل آخر وقد يكون مما لا يمكن التدارك فيه
لدخوله في شئ آخر، فمعنى قوله: " إنه شك بين الثنتين والثلاث " أنه لا يدري
الآن هل صلى قبل هذه الحالة التي عرض فيها الشك ثنتين أو ثلاثا؟ وكذا لو شك
في التشهد والسجود بمعنى أنه الآن لا يدري أنه قد حصل منه سباقا سجود أو تشهد
مثلا، هكذا في هذه العبارة أيضا بعين ما ذكرنا، ففرضه اجتماع الشكين مما
لا وجه له في البين. وهذا المعنى هو الذي رتب عليه الفقهاء الحكم بعدم الالتفات
ثم إن ظاهر عبائر الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو كون المشكوك فيه
الشك بقول مطلق لا شك مقيد بكونه في سجدة أو تشهد أو بين الركعات أو نحو
ذلك حتى يلزم فيه هذا التفصيل، فإنه لا ريب أنه يجب فيه لو كان كذلك ما رتبه
من الأحكام ولا أظن أحدا من الفقهاء يتجشم الخروج عن هذه الأحكام الظاهرة
المتفق عليها بينهم نصا وفتوى بمثل هذا اللفظ المجمل كما ظنه (قدس سره) بل ظاهر
عبائرهم إنما هو ما قلناه من الشك المطلق، ولهذا اتفقوا على عدم الالتفات إليه
بقول مطلق، وكلامهم هنا إنما هو مجرد فرض احتملوه في ظاهر هذا اللفظ وأسقطوه
لعدم ترتب حكم شرعي عليه بالكلية. والله العالم.
(الثانية) - الشك في موجب الشك بفتح الجيم بمعنى أنه شك في ما أوجبه
261

الشك من صلاة احتياط أو سجود سهو وله أفراد:
منها - أن يشك بعد الفراغ من الصلاة في أنه هل أتى بالفعل الذي أوجبه
الشك من صلاة احتياط أو سجود سهو أو لم يأت به؟ والظاهر أنه لا إشكال في
وجوب الاتيان به لتيقن حصول السبب الموجب وتيقن اشتغال الذمة والشك في
الخروج عن عهدة التكليف مع بقاء الوقت كما لو شك في الوقت هل صلى أم لا؟
ومنها - أن يعلم بعد الصلاة حصول شك منه يجوب الاحتياط مثلا إلا أنه
شك في أنه هل يوجب ركعتين من قيام أو ركعتين من جلوس؟ والظاهر هنا هو
وجوب الاتيان بهما معا لتوقف البراءة اليقينية على ذلك، ونظيره في الأحكام الشرعية
غير عزيز، ومنه من فاتته فريضة وشك في كونها ظهرا أو صبحا مثلا
فإنه يجب على الاتيان بهما معا.
ومنها - ما لو شك في ركعات الاحتياط أو في أفعالها أو في عدد سجدتي السهو
أو في أفعالها، وهذا الفرد هو الذي ينطبق عليه مدلول الخبر المذكور، وأكثر
الأصحاب خصوا الخبر بهذا الفرد وبصورة الشك في موجب السهو.
وعلى هذا فلو شك في عدد ركعتي الاحتياط يبني على الأكثر ويتم ما لم يستلزم
الزيادة المبطلة وإلا بنى على الأقل فيبني على الصحيح دائما ولا يلزمه احتياط ولا
سجود سهو. ولو وقع شك في فعل من أفعالهما لم يلتفت إليه وإن كان في محله بل
يبني على وقوعه.
وقيل يبني على الأقل في أعداد الركعات ويأتي بالفعل المشكوك فيه لو لم
يتجاوز محله، ونقل عن المحقق المولى الأردبيلي (قدس سره) الميل إليه معللا له
بعدم صراحة النص في سقوط ذلك وأصل بقاء شغل الذمة، ولعموم ما ورد في
وجوب العود إلى المشكوك فيه. وفي هذه الأدلة مناقشات سيأتي الكلام فيها
إن شاء الله تعالى.
والحكم وإن كان ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه وكلام المحقق المذكور إنما هو
262

على جهة الإيراد والمناقشة للأصحاب وإلا فهو لم يجزم به إلا أنه عندي لا يخلو من
اشتباه والعمل فيه بالاحتياط عندي لازم فيأتي بالاحتياط على ما ذكره الأصحاب
ثم يعيد الصلاة من رأس.
وبالجملة فإن ما ذكرناه من هذا الفرد الأخير هو الذي ينطبق عليه الخبر كما
ذكرنا وإلا فالأفراد المتقدمة من حيث وجوب التدارك فيها لا يمكن حمل الخبر
عليها كما هو ظاهر، ويحتمل دخولها تحت الخبر المذكور باعتبار أنه لم يترتب عليها
في خصوص هذا الشك شئ زائد على ما تقرر في سائر المواضع والظاهر بعده.
(الثالثة) - الشك في موجب السهو بكسر الجيم أي في نفس السهو كان شك
في أنه هل عرض له سهو أم لا؟ وظاهر الأصحاب الاطلاق في أنه لا يلتفت إليه.
وفصل شيخنا المشار إليه آنفا هنا أيضا فقال بعد نقل كلام الأصحاب
واطلاقهم عدم الالتفات فيه: والتحقيق أنه لا يخلو إما أن يكون ذلك الشك بعد
الصلاة أو في أثنائها، وعلى الثاني لا يخلو أما أن يكون محل الفعل باقيا بحيث إذا
شك في الفعل يلزمه العود إليه أم لا؟ ففي الأول والثالث لا شك أنه لا يلتفت إليه
لأنه يرجع إلى الشك بعد تجاوز المحل وقد دلت الأخبار الكثيرة على عدم الالتفات
إليه، وأما الثاني فيرجع إلى الشك في الفعل قبل تجاوز محله وقد دلت الأخبار على
وجوب الاتيان بالفعل المشكوك فيه، ولعل كلام الأصحاب أيضا مخصوص بغير
تلك الصورة. انتهى.
أقول: الظاهر أن كلام الأصحاب إنما ابتنى على تعلق الشك بمطلق السهو
من غير تقييد بعين ما قلنا في الصورة الأولى، ولهذا أن جملة منهم ممن صرح بعدم
الالتفات ذكروا فروعا في المسألة بالنسبة إلى السهو المقيد ورتبوا عليه أحكام الشك
كما لا يخفى على من راجع مطولاتهم.
(الرابعة) - الشك في موجب السهو بفتح الجيم وله أيضا صور: منها - أن
يقع منه سهو يلزمه تدارك ذلك بعد الصلاة كالتشهد والسجود مثلا أو سجدتي السهو
263

ثم يشك بعد الصلاة في أنه هل أتى به أم لا؟ والظاهر أنه لا إشكال ولا خلاف
في وجوب الاتيان به بعين ما قدمناه في الفرد الأول من أفراد الصورة الثانية.
ومنها - أن يشك في أثناء السجدة المنسية أو التشهد المنسي في التسبيح أو الطمأنينة
أو بعض فقرات التشهد، ولا إشكال في أنه يجب عليه الاتيان به متى كان المحل باقيا
وأنت خبير بأن شيئا من هذين الفردين لا يدخل في مصداق الخبر المذكور
إلا على المعنى الذي احتملناه أخيرا في الصورة الثانية.
ومنها - أن يشك في عدد سجدتي السهو أو أفعالهما قبل تجاوز المحل فإنه يبني
على وقوع المشكوك فيه إلا أن يستلزم الزيادة فيبني على الصحيح. وهذا الفرد
مصداق الخبر في هذه الصورة يقينا.
(الخامسة) - السهو في موجب الشك بكسر الجيم أي في الشك نفسه، والظاهر أنه غير داخل في مصداق النص المذكور.
ويمكن فرضه في ما لو شك في فعل يجب تداركه كالسجدة قبل القيام وكان
يجب عليه فعلها فسها ولم يأت بها فلو ذكر الشك والمحل باق يأتي بها ولو ذكر بعد
تجاوز المحل لا يلتفت إليه لأنه يرجع إلى الشك بعد تجاوز المحل.
واستشكل فيه بعض الأفاضل بأنه يمكن أن يقال إن هذا الفعل الواجب بسبب
الشك بمنزلة الفعل الأصلي في الوجوب، لأن هذه السجدة صارت واجبة بالشك
فيها في محل يجب تداركها فيه وهو قد سها عن ذلك الشك، فكما أن السجدة الأصلية
إذا سها عنها وذكر قبل الركوع يأتي بها ولو ذكر بعد الركوع يقضيها بعد الصلاة
فكذا هذه السجدة الواجبة يجب الاتيان بها لو ذكرها بعد القيام وقبل الركوع لأنه
خرج عن حكم الشك في أصل الفعل بسبب ما لزمه من السجدة بسبب الشك فقد
تيقن ترك سجدة واجبة والوقت باق فيجب الاتيان بها.
ويمكن أن يجاب بأن شمول أدلة السهو في أفعال الصلاة وأجزائها لما نحن فيه
غير معلوم ولا متيقن، فإن المتبادر منها كون تلك الأفعال التي عرض الشك فيها
264

أجزاء حقيقة الصلاة فإن قولهم " من شك في سجدة فحكمه كذا ومن شك في الركوع
فحكمه كذا " إنما يتبادر إلى الأجزاء الأصلية التي تركبت الصلاة منها لا مثل هذه
السجدة التي إنما حصل وجوبها بالشك، وفي ما نحن فيه لم يحصل اليقين بترك الفعل
الأصلي والجزء الحقيقي حتى يجب تداركه في الصلاة أو بعدها بتلك العمومات بل إنما
حصل اليقين بترك فعل وجب الاتيان به بسبب الشك ودخول مثله في العمومات
غير معلوم فيرجع إلى حكم الأصل وهو عدم وجوب قضاء الفعل.
وبالجملة فإنهم قد قرروا في غير مقام أن الأحكام المودعة في الأخبار إنما
تنصرف إلى الأفراد الشائعة المتكررة الوقوع، ولا ريب أن هذه الفروض المذكورة
نادرة أتم الندور والتكرار في أحكام الشكوك والسهو إنما هو بالنسبة إلى أفعال
الصلاة الأصلية.
وكيف كان فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال والأحوط - لو اتفق ذلك -
المضي في الشك ثم الإعادة.
ومما يتفرع على هذا الاشكال ما لو شك في السجدتين معا في حال الجلوس فنسى
أن يأتي بهما حتى قام فذكر في القيام أو بعد الركوع فعلى تقدير كونهما بحكم الأجزاء
الأصلية يجب عليه العود في الأول وتبطل الصلاة في الثاني وعلى الوجه الآخر
لا يلتفت إليه أصلا.
(السادسة) - السهو في موجب الشك بفتح الجيم ويحصل فرض ذلك في مواضع:
منها - أن يسهو عن فعل في صلاة الاحتياط أو في سجدتي السهو اللتين لزمتا
بسبب الشك في الصلاة، والأشهر الأظهر أنه لا يجب عليه لذلك سجود السهو
لأن الأدلة الدالة على وجوب سجدتي السهو غير معلوم شمولها لمثل صلاة الاحتياط
وسجود السهو بل الأظهر اختصاصها بأصل الفرائض.
ومنها - أن يسهو في فعل من أفعال صلاة الاحتياط أو سجود السهو وذكر
في محله الحقيقي، والظاهر أنه لا إشكال في وجوب الاتيان به كما إذا نسي سجدة من
265

صلاة الاحتياط وذكرها قبل القيام أو قبل الشروع في التشهد، إذ ليس الاتيان
بها من جهة السهو حتى يسقط بالسهو في السهو بل وجوب الاتيان بها إنما نشأ من
أصل الأمر بصلاة الاحتياط والأمر بسجدتي السهو فإن الأمر بالشئ يقتضي
الأمر بجميع أجزائه.
هذا إذا كان في محل الفعل وأما إذا جاز عنه ولم يجز عن محل تدارك الفعل
المنسي إذا كان في أصل الصلاة فهل يكون الحكم هنا كالحكم في الصلاة في وجوب
التدارك والسجود أم لا؟ ظاهر جملة من المتأخرين: منهم - شيخنا الشهيد الثاني
الأول، وتنظر فيه بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين معللا ذلك بأنه بعد
الشروع في فعل آخر فات محله المأمور به بالأمر الأول والتدارك والعود يحتاج إلى
دليل وشمول دلائل العود الواردة في الصلاة لصلاة الاحتياط ممنوع. والمسألة
لا تخلو من الاشكال.
ومنها - أن يسهو عن صلاة الاحتياط وسجدتي السهو الواجبتين بسبب الشك
فلا يأتي بشئ من ذلك بعد الصلاة ثم إنه يذكر بعد ذلك فهذا السهو لا يترتب عليه
حكم، فإنه إن ذكر قبل عروض المبطل للصلاة فلا خلاف ولا إشكال في صحة
الصلاة ووجوب الاتيان بهما كما سيأتي بيانه في المسألتين المذكورتين إن شاء الله تعالى
ومع عروض المبطل فهو محل خلاف كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى وإن الأظهر
الصحة أيضا فلا يترتب على هذا السهو حكم.
(السابعة) - السهو في موجب السهو بكسر الجيم أي في نفس السهو كأن يترك
السجدة الواحدة أو التشهد سهوا ثم يذكر بعد القيام وكان الواجب عليه العود إلى
ما نسيه فنسى العود والسهو، وحينئذ فإن ذكر قبل الركوع أتى به وإن ذكر بعده
تداركه بعد الصلاة مع سجدتي السهو على المشهور. ولو كان السهو عن السجدتين معا
وذكرهما في حال القيام ولم يأت بهما سهوا ثم ذكرهما بعد الركوع بطلت صلاته.
ومن ذلك يظهر أنه لا يترتب على السهو هنا حكم جديد بل ليس حكمه إلا حكم السهو
266

في أصل الفعل. وكذا لو نسي ما يجب تداركه بعد الصلاة من الأجزاء المنسية التي
يجب قضاؤها أو سجود السهو لها فإنه يجب الاتيان بهما بعد الذكر إذ ليس لهما وقت
معين ومع عروض المبطل فالأظهر أيضا وجوب الاتيان بهما كما عرفت في تلك المسألة
(الثامنة) - السهو في موجب السهو بفتح الجيم، والسهو قد يوجب سجدتي
السهو وقد يوجب قضاء السجدة والتشهد وقد يوجب الرجوع إلى الفعل وتداركه في
الصلاة ما لم يتجاوز محل التدارك.
وفي جميع هذه الصور قد يتعلق السهو بنفس الفعل المتروك أو بأجزائه،
فإذا سها في الثلاثة الأول عن نفس الفعل بعد الفراغ من الصلاة ثم ذكر بعد ذلك
وجب عليه الاتيان به بعد الذكر، وفي الرابع يأتي به إن ذكره في محل التدارك
وإلا فإن كان مما يقضي قضاه وإلا سقط، فالسهو في جميع هذه الأفراد ليس
فيه زيادة على الأحكام المقررة قبله. وعلى هذا تكون الصورة غير داخلة في
مصداق الخبر كما ذكرنا سابقا.
ويحتمل أنه باعتبار عدم ترتب شئ على خصوص هذا السهو يصدق عليه أنه
لا سهو في سهو أي لا شئ يترتب عليه. إلا أن المتبادر من هذه العبارة المذكورة أنه
من حيث كونه سهوا في سهو لا يترتب عليه شئ بالكلية بل يكون حكمه حكم ما لو لم
يكن ثمة سهو بالمرة وعدم الترتب هنا ليس من هذه الحيثية بل من حيثية أخرى.
وقد يتعلق بأجزاء ذلك الفعل كأن يسهو في فعل من أفعال الفعل الذي يقضيه
بعد الصلاة وهو السجدة أو التشهد، وهل يلحقه ما يلحق أفعال الصلاة من الأحكام؟
ظاهر الأصحاب العدم الظاهر هذا الخبر. واحتمل بعض مشايخنا المحققين مساواته
للصلاة في الأحكام وهو الأحوط.
هذا. وأما قوله في الخبر " ولا على الإعادة إعادة " فإنه قد ذكر أصحابنا (رضوان
الله عليهم) فيه احتمالين (أحدهما) ما رجحه شيخنا المجلسي ونقله عن والده (طاب
ثراهما) من أنه إذا صدر منه شك أو سهو مبطل بحيث لزمته الإعادة ثم صدر في
267

الإعادة ما يوجب الإعادة أيضا فإنه لا يلتفت إليه. و (ثانيهما) أن من صلى منفردا
ثم وجد الإمام فأعاد استحبابا فإنه لا يعيد مع إمام آخر. والظاهر رجحان الأول
فإن نظم هذه العبارة مع قوله " لا سهو في سهو " في محل واحد ومقام واحد قرينة
على ذلك، إذ المعنى الثاني لا مناسبة له في المقام وإن كان صحيحا في حد ذاته.
إلا أن الأحوط الإعادة في الصورة الأولى أيضا لتشابه الخبر وعدم تيقن هذا المعنى
منه. وفي الخبر أيضا احتمالات أخر لا تخلو من البعد. والله العالم.
(المسألة الثانية عشرة) - لا يخفى أن ما تقدم في أحكام السهو في سابق هذا
المطلب وما تقدم في هذا المطلب من أحكام الشك كله مخصوص بالإنسان نفسه وأما
ما يتعلق بالإمام والمأموم فلم يجر له ذكر في البين في شئ من الموضعين، فلا بد من
بيان ذلك هنا إن شاء الله تعالى في مقامين:
(الأول) - في الشك الحاصل لهما، لا خلاف بين الأصحاب (رضوان
الله عليهم) في رجوع كل من الإمام والمأموم إلى الآخر لو شك وحفظ عليه
الآخر، وهو مقطوع به في كلامهم كما نقله غير واحد من المتأخرين.
ويدل عيه زيادة على ما تقدم في سابق هذه المسألة من صحيحة حفص أو
حسنته (1) ما رواه ثقة الاسلام (قدس سره) عن يونس عن رجل عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: " سألته عن الإمام يصلي بأربعة أنفس أو خمسة أنفس فيسبح
اثنان على أنهم صلوا ثلاثا ويسبح ثلاثة على أنهم صلوا أربعا ويقول هؤلاء قوموا ويقول هؤلاء
اقعدوا والإمام مائل مع أحدهما أو معتدل الوهم فما يجب عليه؟ قال ليس على الإمام
سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتفاق منهم (3) وليس على من خلف الإمام سهو إذا
لم يسه الإمام، ولا سهو في سهو، وليس في المغرب والفجر سهو ولا في الركعتين
الأولتين من كل صلاة ولا في نافلة، فإذا اختلف على الإمام من خلفه فعليه وعليهم

(1) ص 258
(2) الفروع ج 1 ص 99 و 100 وفي الوسائل الباب 24 من الخلل في الصلاة
(3) راجع التعليقة 1 و 2 ص 269
268

في الاحتياط الإعادة والأخذ بالجزم " وفي التهذيب (1) " بايقان " عوض
لفظ " اتفاق ".
وقال في من لا يحضره الفقيه (2): في نوادر إبراهيم بن هاشم " أنه سئل
أبو عبد الله عليه السلام عن إمام يصلي بأربعة نفر أو خمسة فيسبح... الحديث " بدون
قوله " ولا في نافلة ".
وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى
عليه السلام (3) قال: " سألته عن رجل يصلي خلف الإمام لا يدري كم صلى هل عليه
سهو؟ قال ".
وما رواه الصدوق في الفقيه عن محمد بن سهل عن الرضا عليه السلام (4) قال:
" الإمام يحمل أوهام من خلفه إلا تكبيرة الافتتاح ".
ونحوه روى الكليني والشيخ عنه عن محمد بن يحيى رفعه عن الرضا عليه السلام (5)
قال: " الإمام يحمل أوهام من خلفه إلا تكبيرة الافتتاح ".
وتحقيق الكلام في هذا المقام يتوقف على بيان أمور (أحدها) قد عرفت
مما قدمنا أن السهو يطلق في الأخبار كثيرا على الشك وعلى ما يشمله والمعنى المشهور
ولا ريب في شمول الأخبار المذكورة لكل منهما، ولا خلاف في رجوع كل
من الإمام والمأموم عند عروض الشك إلى الآخر مع حفظه له في الجملة سواء

(1) ج 1 ص 261 وفي المطبوع من الكافي " بايقان " أيضا، نعم في الوافي عن
الكافي " باتفاق " وسيأتي في الأمر الثاني ص 270 التصريح منه " قدس سره " باتفاق الكافي
والتهذيب في لفظ " ايقان " وأن كلمة " اتفاق " إنما هي في الفقيه. وكذا في الصورة الرابعة
ص 273.
(2) ج 1 ص 231 وفي الوسائل الباب 24 من الخلل في الصلاة
(3) الوسائل الباب 24 من الخلل في الصلاة.
(4) الوسائل الباب 24 من الخلل في الصلاة. ورواه الشيخ عن محمد بن سهل أيضا
كما في نفس الباب من الوسائل.
(5) الوسائل الباب 2 من تكبيرة الاحرام رقم 12
269

كان الشك في الركعات أو في الأفعال، ولا فرق بين الشك الموجب للابطال
لو كان منفردا أو الموجب للاحتياط كالشك بين الثلاث والأربع مثلا
أو سجود السهو كالشك بين الأربع والخمس، وإلى الأول يشير قوله في صحيحة
علي بن جعفر " لا يدري كم صلى " ونحوه قبل الركعتين وفي الفجر والمغرب.
ومقتضى الأخبار المذكورة أنه لا ابطال في الأول ولا احتياط في الثاني ولا سجود
للسهو في الثالث.
و (ثانيها) - قال في المدارك: وكما يرجع الشك من الإمام والمأموم إلى المتيقن
كذا يرجع الظان إلى المتيقن والشك إلى الظان. انتهى. وبنحو ذلك صرح غيره أيضا.
أقول: ما ذكروه من رجوع الظان منهما إلى المتيقن والشاك إلى الظان
وإن كان ظاهر الأصحاب في هذا الباب إلا أنه لا يخلو من الاشكال عند التأمل بعين
الحق والصواب، وذلك فإن غاية ما يستفاد من الدليل هو رجوع الشاك منهما إلى
المتيقن، وأما رجوع الظان منهما إلى المتيقن ففيه ما ذكره بعض أفاضل متأخري
المتأخرين من عدم ثبوت الدليل عليه مع أنه متعبد بظنه. وكون اليقين أقوى
من الظن غير نافع هنا لأن قوة اليقين الموجبة للترجيح مختصة بمن حصل له اليقين
لا غيره. نعم إن حصل له ظن أقوى بسبب يقين الغير كان عليه العمل بمقتضاه
إلا أنه خارج عن محل المسألة.
وأما رجوع الشاك إلى الظان فاستدلوا عليه بأن الظن في باب الشك بمنزلة اليقين.
وفيه (أولا) أنه إن أريد أنه بمنزلة اليقين لمن حصل له الظن فمسلم لأن الانسان
في باب الشكوك يبني على ظنه كما يبني على يقينه ولكن لا يجدي نفعا في المقام،
وإن أريد أنه متى كان شاكا يبني على ظن غيره فلا دليل عليه.
و (ثانيا) قوله عليه السلام في المرسلة التي هي مستند الحكم " بايقان منهم " كما في
التهذيب والكافي " وباتفاق منهم " كما في الفقيه (1).

(1) ارجع إلى التعليقة 2 ص 268 والتعليقة 1 و 2 ص 269
270

و (ثالثها) - المشهور في كلام الأصحاب أنه لا فرق في رجوع الإمام إلى
المأموم بين كون المأموم ذكرا أو أنثى ولا بين كونه عدلا أو فاسقا ولا بين كونه
واحدا أو متعددا مع اتفاقهم ولا بين حصول الظن بقولهم أم لا، لاطلاق
النصوص المتقدمة في جميع ذلك وعدم التعرض للتفصيل في شئ منها.
وأما مع كون المأموم صبيا مميزا فقيل إن فيه اشكالا، وذهب جمع إلى قبول
قوله للاعتماد على قوله في كثير من الأحكام كقبول الهدية وإذن الدخول وأمثالهما.
وفيه ما فيه. والأظهر التمسك في ذلك باطلاق النصوص المذكورة. وإن حصل
الظن بقوله فلا إشكال.
وربما يستأنس لهذا الحكم بما روي عن الصادق عليه السلام (1) " في الرجل يتكل
على عدد صاحبته في الطواف أيجزيه عنها وعن الصبي؟ فقال نعم ألا ترى أنك تأتم
بالإمام إذا صليت خلفه فهو مثله ".
وأما غير المأموم فلا تعويل عليه إلا أن يفيد الظن فيدخل في عمومات
ما ورد في هذا الباب من التعويل على الظن.
و (رابعها) - قوله عليه السلام في آخر مرسلة يونس " فإذا اختلف على الإمام من
خلفه فعليه وعليهم في الاحتياط الإعادة والأخذ بالجزم " وكذا في نسخ الكافي
والتهذيب وبعض نسخ الفقيه، وفي أكثر نسخ الفقيه (2) " فعليه وعليهم في
الاحتياط والإعادة الأخذ بالجزم " بتقديم العاطف في الإعادة، وظاهر الكلام
على تقدير النسخة الأولى أن على الجميع في صورة اختلاف المأمومين خلف الإمام
ولا سيما في مخالفة الإمام لكل من الفريقين الإعادة. وفيه منافاة لما ذكره
الأصحاب في كثير من الصور الآتية في المقام إن شاء الله تعالى وكذا كثير من عمومات
أحكام اليقين والشك. وأما على النسخة الثانية من تقديم العاطف فالظاهر أن

(1) الوسائل الباب 24 من الخلل في الصلاة
(2) الفروع ج 1 ص 99 و 100 والتهذيب ج 1 ص 261 والفقيه ج 2 ص 231
271

معنى الكلام حينئذ أن على الإمام وعلى كل من المأمومين في صورة اختلافهم أن
يعمل كل منهم على ما يقتضيه شكه أو يقينه من الاحتياط أو الإعادة حتى يحصل له
الجزم ببراءة الذمة. وهذا هو الموافق للقواعد الشرعية والضوابط المرعية وليس
كلامه عليه السلام مقصورا على الحكم المنقول عنه حتى يقال إنه لا تلزم الإعادة في الصورة
المذكورة على أحد منهم بل هو حكم عام يشمل جميع صور الاختلاف بين الجميع
فيشمل ما إذا شك الإمام أو بعض المأمومين بين الواحدة والاثنتين فإنه تلزمه الإعادة
وكذا كل صورة تجب فيها الإعادة.
و (خامسها) - لا يخفى أنه متى كان الإمام موقنا أو ظانا أو شاكا فالمأموم
لا يخلو أما أن يكون موافقا له في المواضع الثلاثة فلا اشكال في الأولين وأما الثالث
فسيجئ حكمه على حدة، وأما أن يكون مخالفا له في كل من الأمور الثلاثة فههنا صور:
(الأولى) أن يكون الإمام موقنا والمأموم شاكا، والحكم هنا هو رجوع
المأمومين إلى الإمام سواء كانوا متفقين في الشك أو مختلفين إلا أن يكونوا مع شكهم
موقنين بخلاف يقين الإمام فينفردون حينئذ.
(الثانية) أن يكون المأموم موقنا والإمام شاكا مع اتفاق المأمومين، ولا
شك حينئذ في رجوع الإمام إلى يقينهم إلا أن يكون مع شكه موقنا بخلاف يقينهم
فيرجع كل منهم إلى يقينه،
(الثالثة) أن يكون الإمام موقنا والمأمومون موقنين بخلافه اتفقوا في يقينهم
أو اختلفوا، ولا خلاف أيضا في أنه يرجع كل منهم إلى يقينه.
(الرابعة) أن يكون الإمام شاكا والمأمومون موقنين مع اختلافهم كما هو
المفروض في مرسلة يونس، والمشهور في كلام الأصحاب وجوب انفراد كل منهم
والعمل بما يقتضيه شكه أو يقينه، إذ لا يمكن رجوع المأمومين مع يقينهم إلى شك
الإمام ولا رجوع الإمام إلى أحد اليقينين لأنه ترجيح من غير مرجح. نعم لو
حصل له بالقرائن ظن بقول أحدهما عمل بمقتضى ظنه. وحينئذ فلا ينفرد عنه
272

الموقن الذي وافقه ظن الإمام وينفرد الآخر.
وربما احتمل تخير الإمام في الرجوع إلى أحد اليقينين مع عدم حصول الظن
له لعموم قوله عليه السلام (1) " ليس على الإمام سهو " وفيه ما يظهر من المرسلة المذكورة
من عدم رجوع الإمام إلى المأمومين إلا مع اتفاقهم سيما على رواية الفقيه من قوله
" باتفاق منهم ".
نعم يبقى الكلام على تقدير نسخة تأخير العاطف فإنك قد عرفت في الأمر
الرابع أن ظاهر الكلام على هذه النسخة وجوب الإعادة على الجميع وهو مخالف
كما ترى لما ذكرناه من الحكم المشهور في هذه الصورة المؤيد بعمومات أحكام المتيقن
والشاك، فإن حكم كل منهما البناء على ما يقتضيه شكه ويقينه، وتخصيص تلك
العمومات بهذه الرواية سيما مع ضعفها وارسالها لا يخلو من الاشكال. والاحتياط
بالعمل بكل من الأمرين.
(الخامسة) - أن يكون المأمومون متيقنين متفقين مع ظن الإمام بخلافهم،
والمشهور في كلام الأصحاب رجوع الإمام إليهم. ومال المحقق الأردبيلي على ما نقل
عنه في شرح الإرشاد إلى عمل الإمام بظنه وانفراده عن المأمومين. وقوى بعض
مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين الأول بأن الظاهر من قوله عليه السلام (2)
" لا سهو على الإمام " عدم ترتب أحكام السهو على سهوه، قال ولا يخفى على المتتبع
أن في الأخبار يطلق السهو على ما يشمل الظن كما يظهر من مرسلة يونس بل ومن
صحيحة علي بن جعفر (3) أيضا. انتهى.
أقول قد عرفت في الأمر الثاني ما يؤيد
كلام المحقق المذكور وأنه هو الأولى بالظهور.
(السادسة) - تيقن المأمومين مع اختلافهم وظن الإمام بخلافهم، والأشهر
الأظهر الانفراد لكل منهم وعمل كل بظنه أو يقينه كما تقدم في الصورة الرابعة.

(1) في صحيحة حفص ص 258 ومرسلة يونس ص 268
(2) في صحيحة حفص ص 258 ومرسلة يونس ص 268
(3) ص 269
273

ويأتي الاشكال المذكور ثمة هنا أيضا، والاحتياط في الإعادة بعد اتيان كل منهم بما
يلزمه من ظنه ويقينه.
(السابعة) - اختلاف المأمومين في اليقين وظن الإمام بأحدهما، والظاهر أنه
يعمل هنا بظنه ويتبعه الموافقون له في ذلك بيقين منهم وينفرد المخالفون، وظاهر
المرسلة المتقدمة بناء على نسخة تأخير العاطف وجوب الإعادة على الجميع.
والاحتياط كما عرفت في العمل بما ذكرنا ثم إعادة الجميع.
(الثامنة) - يقين الإمام مع ظن المأمومين بخلافه متفقين أو مختلفين، والمشهور
هنا رجوع المأمومين إلى يقين الإمام.
وتوقف فيه المحقق الأردبيلي كما عرفت في الصورة الخامسة. ورد بما تقدم
من عمومات الأخبار الدالة على وجوب متابعة الإمام مطلقا خرج منه اليقين اجماعا
فيبقى الظن. وفيه ما عرفت آنفا كما حققناه في الأمر الثاني، والأخبار الدالة على
وجوب متابعة الإمام لا عموم فيها على وجه يشمل هذه الصورة، ولو سلم فكما
خصت باليقين فلتخص بالظن أيضا لما تقرر عندهم ودلت عليه الأخبار من تعبد
الانسان بظنه وأنه لا دليل على التعبد بيقين الغير.
واستدل شيخنا الشهيد الثاني على القول المشهور بما تقدم (1) في رواية محمد بن
سهر ومرفوعة محمد بن يحيى من قول الرضا عليه السلام " الإمام يحمل أوهام من خلفه "
والتقريب أن الوهم يطلق في الأخبار على الظن كقوله عليه السلام (2) " إن ذهب وهمك إلى
الثلاث فابن عليها " ونحوه مما تقدم، فيدل الخبران المذكوران على أن الإمام يحمل
ظنون من خلفه فلا عبرة بظنهم مع يقين الإمام.
وفيه أن ما ذكره (قدس سره) من اطلاق الوهم على الظن في الأخبار وإن
كان كذلك إلا أن إرادته في الخبرين المذكورين غير معلوم بل الظاهر منهما إنما هو
السهو أو الأعم منه ومن الشك وإن احتمل إرادة الأعم منهما ومن الظن لكنه

(1) ص 269
(2) ص 205 و 206
274

يشكل الاستدلال به على ذلك لما ذكرناه.
(التاسعة) - ظن الإمام أو المأموم مع شك الآخر، والمشهور في كلام
الأصحاب أنه يرجع الشاك منهما إلى الظان.
واستدل عليه بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين بعموم النصوص
الدالة على عدم اعتبار شك الإمام والمأموم، قال: وأيضا عموم أخبار متابعة الإمام
تدل على عدم العبرة بشك المأموم مع ظن الإمام ولا قائل بالفرق في ذلك بين الإمام
والمأموم، ولا معارض في ذلك إلا ما يترائى من مرسلة يونس من اشتراط اليقين
في المرجوع إليه، وليس فيه شئ يكون صريحا في ذلك سوى ما في أكثر النسخ
من قوله عليه السلام " بايقان " واتفاق نسخ الفقيه على قوله " باتفاق " مكانه ومخالفة
مدلوله لما هو المشهور بين الأصحاب، مع ما عرفت من أن ضعف السند يضعف
الاحتجاج به وسبيل الاحتياط واضح. انتهى.
وما ذكره (قدس سره) من الاستدلال للقول المشهور بما تكلفه من الدليلين
المذكورين لا يخلو من نظر وللمناقشة فيهما مجال والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال.
قال المحقق الأردبيلي (قدس سره): لا شك في رجوع أحدهما إلى الآخر
مع شكه ويقين الآخر وأما إذا ظن الآخر فهو أيضا محتمل لأن الظن في باب الشك
معمول به وأنه بمنزلة اليقين. وظاهر قوله في المرسلة المتقدمة " مع ايقان " العدم
وكأنه محمول على ما يجب لهم أن يعملوا به من الظن أو اليقين مع احتمال العدم والحمل
على الظاهر إلا أنها مرسلة. انتهى.
(العاشرة) - كون كل من الإمام والمأموم ظانا بخلاف الآخر، وظاهر
الأصحاب هو عدم رجوع أحدهما إلى الآخر وإن كل واحد منهما ينفرد بحكمه،
ويمكن ترجيحه بأن المتبادر من النصوص الدالة على رجوع أحدهما إلى صاحبه أن يكون بينهما تفاوت في مراتب ما اختلفا فيه بحيث إن المرجوع إليه ذو مرتبة زائدة
ولا سيما المرسلة المذكورة حيث قال: " إذا حفظ عليه من خلفه ". وربما احتمل
275

هنا التمسك بوجوب متابعة الإمام وهو ضعيف سيما مع ما عرفت.
(الحادية عشرة) - يقين الإمام ويقين بعض المأمومين بخلافه وشك آخرين
فالشاك منهم يرجع إلى يقين الإمام للأخبار المتقدمة وينفرد الآخرون الموقنون
بخلاف الإمام.
(الثانية عشرة) - شك الإمام وبعض المأمومين مختلفين في الشك أو متفقين
مع يقين بعض المأمومين، والأشهر الأظهر رجوع الإمام إلى الموقن من المأمومين
ورجوع الشاك من المأمومين إلى الإمام، إلا أن مقتضى مرسلة يونس المتقدمة عدم
رجوع الإمام إلى المأمومين مع اختلافهم وعدم متابعة المأموم للإمام والحال
كذلك، قال بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين: ويمكن حملها على أن
المراد بقوله عليه السلام " إذا حفظ عليه من خلفه بايقان " أعم من يقين الجميع بأمر
واحد ويقين البعض مع عدم معارضة يقين آخرين، وحمل قوله " فإذا اختلف
على الإمام من خلفه " على الاختلاف في اليقين. وبالجملة يشكل التعويل على المرسلة
المزبورة لضعفها مع معارضة النصوص المعتبرة وإن كان الاحتياط يقتضي
العمل بما قلناه ثم إعادة الجميع لظاهر المرسلة لا سيما على نسخ الفقيه من قوله عليه السلام
" باتفاق منهم ".
(الثالثة عشرة) - أن يشترك الإمام والمأموم في الشك مع الاتفاق منهم في
نوع الشك، والأشهر الأظهر أنه يلزمهم جميعا حكم ذلك الشك.
قال في الذخيرة بعد ذكر هذه الصورة أو لا ثم الصورة الآتية وأن حكم
هذه الصورة ما ذكرناه: ويحكى عن بعض المتأخرين وجوب الانفراد واختصاص
كل منهما بشكه في الصورة الأولى مع الموافقة في الصورة الثانية، ولا وجه له. انتهى.
وذكر بعضهم أنه لا يبعد التخيير بين الائتمام والانفراد في ما يلزمهم من
صلاة الاحتياط.
(الرابعة عشرة) - اشتراكهما في الشك مع اختلافهما في نوعه ووجود رابطة
276

بين الشكين، والمشهور رجوعهما إلى تلك الرابطة والعمل عليها، كما إذا شك
أحدهما بين الاثنتين والثلاث والآخر بين الثلاث والأربع، فهما متفقان في
تجويز الثلاث والإمام موقن بعدم احتمال الأربع والمأموم موقن بعدم احتمال
الثنتين، فإذا رجع كل منهما إلى يقين الآخر تعين اختيار الثلاث وحينئذ فيبنون
عليها ويتمون الصلاة من غير احتياط.
وربما قيل في هذه الصورة بانفراد كل منهما بشكه. ويمكن أن يستأنس له
بما يفهم من مرسلة يونس من عدم رجوع أحدهما إلى الآخر مع شك الآخر وإنما
يرجع مع اليقين. إلا أنه يمكن دفعه بأنه ليس الرجوع هنا إلا إلى ما أيقنا به.
(الخامسة عشرة) - الصورة المتقدمة مع عدم الرابطة الجامعة بين الشكين
كما إذا شك أحدهما بين الاثنتين والثلاث والآخر بين الأربع والخمس، والمشهور
أنه ينفرد كل منهما بحكم شكه. وربما كان وجهه عموم النصوص الدالة على حكم
شك كل منهما وعدم دخوله ظاهرا في عموم نصوص رجوع أحدهما إلى الآخر.
ثم إنه لا يخفى أن المشهور أنه لا فرق في هاتين الصورتين بين الركعات والأفعال
وكذا لا فرق في صورة وجود الرابطة بين كون شك أحدهما مبطلا أم لا، ولا بين
كون الرابطة شكا أيضا أم لا، ولا بين اختلاف المأمومين أيضا في الشك الذي
انفردوا به أو اتفاقهم. فإن المدار على وجود الرابطة وعدمه، فالأول كما لو شك
أحدهما بين الواحدة والثنتين والثلاث والآخر بين الثنتين والثلاث. فإنهم يرجعون
إلى الشك بين الثنتين والثلاث والرابطة هنا شك، وبه يحصل المثال الثاني أيضا،
والثالث كالمثال المتقدم من شك أحدهما بين الثنتين والثلاث والآخر بين الثلاث
والأربع فإن الرابطة الثلاث يعملون عليها من غير احتياط. والرابع كما إذا شك
أحدهم بين الواحدة والثنتين والثلاث والآخر بين الثنتين والثلاث والأربع والثالث
بين الثنتين والثلاث والخمس والرابطة هنا هو الشك بين الاثنتين والثلاث فيرجع
الجميع إليه ويعملون بمقتضاه. والخامس هو عدم وجود الرابطة مع التعدد كما لو
277

شك أحدهم بين الثنتين والثلاث الأخر بين الأربع والخمس وآخر بين الثنتين والأربع.
(المقام الثاني) - في السهو ولنذكر أولا الأخبار المعلقة بذلك ثم نعطف
الكلام على ما ذكره الأصحاب وما يفهم من الأخبار في هذا الباب مستمدين منه عز
شأنه الهداية إلى جادة الصواب:
فمن الأخبار المشار إليها ما تقدم في المقام الأول، ومنها - ما رواه الكليني
والشيخ (طيب الله تعالى مرقديهما) عن زرارة (1) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الإمام يضمن صلاة القوم؟ قال لا ".
ومنها - ما رواه في الفقيه في الصحيح عن زرارة (2) قال: " سألت
أحدهما (عليهما السلام) عن رجل صلى بقوم ركعتين ثم أخبرهم أنه لم يكن على وضوء؟
قال يتم القوم صلاتهم فإنه ليس على الإمام ضمان ".
وما رواه في الفقيه في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال:
" قلت أيضمن الإمام الصلاة؟ قال لا ليس بضامن ".
وما روياه أيضا في الكتابين المذكورين عن الحسين بن بشير كما في التهذيب
وابن كثير كما في الفقيه - والرجلان مجهولان - عن أبي عبد الله عليه السلام (4) " أنه سأله
رجل عن القراءة خلف الإمام فقال لا إن الإمام ضامن للقراءة وليس يضمن الإمام
صلاة الذين خلفه إنما يضمن القراءة ".
وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن معاوية بن وهب (5) قال:
" قلت لأبي عبد الله عليه السلام أيضمن الإمام صلاة الفريضة فإن هؤلاء يزعمون أنه يضمن؟
فقال لا يضمن أي شئ يضمن إلا أن يصلي بهم جنبا أو على غير طهر ".

(1) الوسائل الباب 30 من الجماعة. وفي الفروع ج 1 ص 105 والتهذيب ج 1
ص 329 و 330 والوافي باب " ضمان الإمام... " والوسائل " سألت أحدهما ع ".
(2) الوسائل الباب 36 من الجماعة
(3) الوسائل الباب 30 من الجماعة
(4) الوسائل الباب 30 من الجماعة
(5) الوسائل الباب 36 من الجماعة
278

وما رواه في التهذيب والفقيه عن عمار بن موسى الساباطي في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " سألته عن الرجل سها خلف إمام بعد ما افتتح الصلاة
فلم يقل شيئا ولم يكبر ولم يسبح ولم يتشهد حتى سلم؟ فقال قد جازت صلاته وليس عليه
شئ إذا سها خلف الإمام ولا سجدتا السهو لأن الإمام ضامن لصلاة من خلفه ".
وما رواه الشيخ عن عمار الساباطي في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال:
" سألته عن الرجل ينسي وهو خلف الإمام إن يسبح في السجود أو في الركوع أو
ينسى أن يقول بين السجدتين شيئا؟ فقال ليس عليه شئ ".
وعن عمار أيضا في الموثق (3) قال: " سألته عن الرجل يدخل مع الإمام
وقد سبقه الإمام بركعة أو أكثر فسها الإمام كيف يصنع؟ فقال إذا سلم الإمام
فسجد سجدتي السهو فلا يسجد الرجل الذي دخل معه وإذا قام وبنى على صلاته
وأتمها وسلم سجد لرجل سجدتي السهو... إلى أن قال: وعن رجل سها خلف الإمام فلم
يفتتح الصلاة؟ قال يعيد الصلاة ولا صلاة بغير افتتاح ".
وعن عبد الرحمان بن الحجاج في الصحيح (4) قال: " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول أقيموا صفوفكم؟ قال يتم صلاته ثم
يسجد سجدتين. فقلت سجدتا السهو قبل التسليم هما أو بعد؟ قال بعد ".
وعن منهال القصاب (5) - في الصحيح إليه وهو مجهول - قال: " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام أسهو في الصلاة وأنا خلف الإمام؟ قال فقال إذا سلم فأسجد
سجدتين ولا تهب ".
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الكلام في هذه الأخبار يقع في مواضع:
(الأول) - ما اشتمل عليه بعضها من ضمان الإمام وبعض آخر من عدم
الضمان يمكن الجمع بينها بوجوه:

(1) الوسائل الباب 24 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 24 من الخلل في الصلاة
(3) الوسائل الباب 24 من الخلل في الصلاة
(4) الوسائل الباب 4 و 5 من الخلل في الصلاة. والشيخ يرويه عن الكليني
(5) الوسائل الباب 24 من الخلل في الصلاة
279

(أحدهما) - ما ذكره الصدوق (قدس سره) حيث قال بعد ايراد رواية
أبي بصير: ليس هذا بخلاف خبر عمار وخبر الرضا عليه السلام (1) لأن الإمام ضامن
لصلاة من صلى خلفه متى سها عن شئ منها غير تكبيرة الاحرام وليس بضامن لما
يتركه المأموم متعمدا.
و (ثانيها) - ما ذكره (طاب ثراه) أيضا حيث قال: ووجه آخر وهو
أنه ليس على الإمام ضمان لاتمام الصلاة بالقوم فربما حدث به حادث قبل أن يتمها
أو يذكر أنه على غير طهر. ثم استشهد برواية زرارة المتقدمة.
و (ثالثها) - أن يكون المراد بالضمان ضمان القراءة وبعدمه سائر الأذكار
والأفعال. وإليه يشير خبر الحسين بن بشير أو ابن كثير المتقدم.
و (رابعها) - ما ذكره بعض مشايخنا الكرام (رفع الله أقدارهم في دار
السلام) وهو أن يكون المراد بالضمان الإثم والعقاب على الاخلال بالشرائط
والواجبات من جهة المأمومين وبعدمه عدم الإثم إذا كان ذلك سهوا، أو عدم
التأثير في بطلان صلاة المأمومين مطلقا كما يومئ إليه بعض الأخبار السالفة،
أو عدم وجوب اعلامهم بذلك كما يشير إليه أيضا بعض الأخبار. انتهى.
والظاهر بعده.
و (خامسها) - وهو الأظهر حمل ما دل على الضمان على التقية وإليه تشير
صحيحة معاوية بن وهب ويعضده ما نقله في المنتهى من أنه أطبق الجمهور إلا مكحول
على أنه لا سهو على المأموم (2).
(الثاني) - لو اشترك الإمام والمأموم في السهو فالظاهر أنه لا خلاف ولا
إشكال في وجوب العمل عليهما بما يقتضيه حكم ذلك السهو اتفقا في خصوصه أو
اختلفا، فالأول كما إذا تركا سجدة واحدة سهوا فذكراها بعد الركوع فإنهما يمضيان
في الصلاة ويقضيان السجود بعدها اتفاقا ويسجدان للسهو بناء على المشهور من وجوب

(1) ص 279 و 269
(2) المغني ج 2 ص 41
280

سجود السهو في هذا الموضع، ولو ذكراها قبل الركوع فإنهما يجلسان ويأتيان بها ثم
يستأنفان الركعة. والثاني كما إذا ذكر الإمام السجدة المنسية بعد الركوع والمأموم
قبله فإنه يأتي المأموم بها ثم يلحق الإمام وأما الإمام فإنه يقضيها بعد صلاته كما تقدم
وفي السجود للسهو ما مر. ولو كانا قد نسيا السجدتين معا وذكرهما الإمام بعد الركوع
والمأموم قبله بطلت صلاة الإمام وأما المأموم فإنه يأتي بهما وينفرد ويتم صلاته.
(الثالث) - لو اختص السهو بالمأموم فلا خلاف ولا إشكال في عدم
وجوب شئ لذلك على الإمام، إنما الخلاف بالنسبة إلى المأموم في أنه هل يجب
عليه الاتيان بموجب ذلك السهو أم لا؟ والأشهر الأظهر أنه يحب عليه الاتيان
بموجبه، وذهب الشيخ في الخلاف والمبسوط إلى أنه لا حكم لسهو المأموم هنا
ولا يجب عليه سجود السهو بل ادعى عليه الاجماع، واختاره المرتضى (رضي الله عنه) ونقله عن جميع الفقهاء إلا مكحولا (1) ومال إليه الشهيد في الذكرى والمحقق في
المعتبر على اختلاف بينهما في بعض الأحكام كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى في المقام.
قال في الذكرى: ولا حكم لسهو المأموم الموجب لسجدتي السهو في حال
الانفراد بمعنى أنه لو فعل المأموم موجب سجدتي السهو كالتكلم ناسيا أو نسيان
السجدة أو التشهد لم تجبا عليه وإن وجب قضاء السجدة والتشهد، وكذا لو نسي
ذكر الركوع أو السجود أو الطمأنينة فيهما لم يسجد لهما وإن أوجبنا السجود للنقيصة
وذلك كله ظاهر قول الشيخ في الخلاف والمبسوط واختاره المرتضى ونقله عن
جميع الفقهاء إلا مكحولا (2) ورواه العامة عن عمر (3)... إلى آخر كلامه (قدس سره)
وقال المحقق في المعتبر - بعد نقل ذلك عن الخلاف وعلم الهدى وجميع الفقهاء
إلا مكحولا والاستدلال عليه بالرواية العامية ورواية حفص بن البختري والرواية
المتقدمة عن الرضا عليه السلام في سابق هذا المقام (4) - ما لفظه: والذي أراه أن ما يسهو

(1) المغني ج 2 ص 41
(2) المغني ج 2 ص 41
(3) سنن الدارقطني ص 145
(4) ص 258 و 269
281

عنه المأموم إن كان محله باقيا أتى به وإن تجاوز محله وكان مبطلا استأنف وإن كان
مما لا يبطل فلا قضاء عليه ولا سجود سهو عملا بالأحاديث المذكورة.
وظاهره كما ترى عدم وجوب القضاء في ما يقضي من الأجزاء المنسية لو كان
منفردا وعدم سجود السهو في ما أوجب السجود كذلك، وظاهر كلام الشهيد المتقدم
إنما هو سقوط سجود السهو خاصة وأما قضاء الأجزاء المنسية فإنه يجب.
استدل الشهيد في الذكرى على ما قدمنا نقله عنه فقال على أثر الكلام المتقدم:
ورواه العامة عن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله " أنه ليس عليك خلف الإمام سهو الإمام
كافيه وإن سها الإمام فعليه وعلى من خلفه " وهذا الحديث رواه الدارقطني (1) وفي
طريقه ضعف عند المحدثين (2) ولأن معاوية بن الحكم تكلم خلف النبي صلى الله عليه وآله فلم يأمره
بالسجود (3) وروينا في الحسن عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام (4) قال:
" ليس على الإمام سهو ولا على من خلف الإمام سهو ولا على السهو سهو ولا على
الإعادة إعادة " وقال الفاضل لو انفرد المأموم بموجب السهو وجب عليه السجدتان
كالمنفرد لقول أحدهما (عليهما السلام) (5) " ليس على الإمام ضمان " قلنا الخاص
مقدم، ويعارض بما رواه عيسى الهاشمي عن أبيه عن جده علي عليه السلام (6) أنه قال:
" الإمام ضامن " وقد يحتج بما رواه في التهذيب عن منهال القصاب، ثم نقل الرواية

(1) ص 145 من سننه ولفظه الحديث فيه هكذا قال: " ليس على من خلف الإمام
سهو فإن سها الإمام فعليه وعلى من خلفه السهو وإن سها من خلف الإمام فليس عليه
سهو والإمام كافيه ".
(2) قال في هامش سنن الدارقطني في التعليق على سند الحديث: والحديث أخرجه
البيهقي والبزار كما في بلوغ المرام والكل من الروايات فيها خارجة بن مصعب وهو ضعيف.
(3) سنن البيهقي ج 2 ص 250 وأشرنا إليه في التعليقة 5 ص 100
(4) ص 258 وفي الوسائل الباب 24 و 25 من الخلل في الصلاة
(5) ص 278 وفي الوسائل الباب 24 من الجماعة رقم 2
(6) الوسائل الباب 3 من الأذان والإقامة
282

كما قدمناه. ثم قال ويمكن حملها على الاستحباب. انتهى كلامه زيد اكرامه.
أقول: أنت خبير بأن أدلة هذا القول ترجع إلى رواية حفص وحديث
الرضا عليه السلام وموثقة عمار الأولى والثانية، والجميع لا يخلو من الاشكال فإن منها ما هو
في غاية الاجمال الموجب للقدح في الاستدلال ومنها ما هو ظاهر إلا أن تطرق الحمل
على التقية إليه متوجه لما عرفت آنفا من أن ذلك مذهب الجمهور.
فأما رواية حفص فلما تقدم من أن السهو فيها مجمل يحتمل شموله للسهو بالمعنى
المشهور وعدمه، والظاهر من مرسلة يونس وصحيحة علي بن جعفر هو حمل السهو
على الشك فيمكن أن يكون في هذه الرواية كذلك.
وأما رواية الرضا عليه السلام فهي أشد اجمالا وأكثر احتمالا وقد قيل فيها وجوه:
(أحدها) أن يكون المراد بالوهم الشك أو ما يشمله والظن، فإن المأموم الشاك
يرجع إلى يقين الإمام اتفاقا وإلى ظنه على الأشهر كما تقدم، والظان إلى يقينه على
الأشهر كما تقدم أيضا، فيصدق أنه يحمل أو هام من خلفه. وأما استثناء التكبير
فيه فلأنه مع الشك فيه لم يتحقق الدخول في الصلاة فضلا عن تحقق المأمومية
فلا يرجع إليه.
و (ثانيها) - أن يكون المراد بالوهم الأعم من الشك والسهو ويكون
المقصود بيان فضيلة الجماعة وفوائدها وأنه لا يقع من المأموم سهو وشك غالبا في
الركعات والأفعال لتذكير الإمام له. ولا يخلو من بعد.
و (ثالثها) - أن يكون المراد بالوهم ما يشمل الشك والظن والسهو أو يختص
بالسهو كما فهمه جماعة، فيدل على عدم ترتب حكم السهو على سهو المأموم كما هو
مطلوب المستدل. ومنه يظهر عدم بطلان صلاة المأموم بزيادة الركن سهوا في ما
إذا ركع أو سجد قبل الإمام أو رفع رأسه منهما قبله فإنه يرجع في تلك الصور
ولا يضره زيادة الركن.
و (رابعها) - أن يكون المراد ما يسهو عنه من الأذكار غير تكبيرة الاحرام
283

إذ ليس فيها ركن غيرها، ولعل المراد أنه يثاب عليها مع تركه لها سهوا واتيان
الإمام بها بخلاف المنفرد فإن غايته أنه لا يعاقب على تركها دون أن يثاب عليها
وحينئذ فمع تعدد ما ذكرنا من الاحتمال فكيف يصلح للاستدلال.
وأما موثقتا عمار فالأظهر حملهما على التقية، على أن الثانية منهما غير ظاهرة
لأن وجوب سجود السهو في الأمور التي اشتملت عليها إنما يتجه على قول من قال
بذلك لكل زيادة ونقيصة وهو خلاف المشهور ودليله لا يخلو من القصور كما سيتضح
لك إن شاء الله تعالى في تلك المسألة.
هذا. وأما ما يدل على القول المشهور من وجوب سجود السهو بعروض
أحد أسبابه المروية فصحيحة عبد الرحمان بن الحجاج ورواية منهال القصاب ومنها
روايات نفي الضمان وقد تقدم جميع ذلك (1).
وأما احتمال حمل صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج على أن القائل كان منفردا كما
قيل فبعيد جدا بل تعسف محض.
وأما حمل الشهيد (قدس سره) في ما تقدم من كلامه رواية منهال على
الاستحباب ففيه أن الدليل ليس منحصرا فيها مع مما عرفت في هذا الحمل في غير مقام
وأما ما ذكره (قدس سره) أيضا - من أن نفي الضمان عام ونفي السجود
خاص والخاص مقدم على العام مع المعارضة برواية عيسى بن عبد الله الهاشمي -
ففيه ما عرفت في تلك الروايات من الاجمال وتعدد الاحتمال في بعض والحمل
على التقية في آخر.
وبالجملة فإنه مع تسليم تعارض الأخبار يشكل ترك العمل بالأحكام الثابتة
بالعمومات القوية عند عروض السهو مع أنه الأوفق بالاحتياط ومؤيد بالأخبار
الدالة عليه، فالأقوى والأحوط عدم ترك سجود السهو للمأموم متى عرض له أحد
أسبابه. والله العالم.

(1) ص 279 و 278
284

(الرابع) - لو اختص السهو بالإمام كم لو تكلم ناسيا والحال أن المأموم
لم يتابعه فالمشهور سيما بين المتأخرين اختصاصه بحكم السهو، وذهب الشيخ وجملة
من أتباعه إلى أنه يجب على المأموم متابعته في سجدتي السهو وإن لم يعرض له السبب
وبهذا القول قال أكثر العامة (1).
استدل الشيخ بوجوه: (أحدها) وجوب متابعة الإمام. ورد بأنه إنما تجب
متابعته حال كونه إماما وسجدتا السهو إنما هما بعد الفراغ من الصلاة وانقضاء الائتمام
على أن صلاة المأموم لا تبنى على صلاة الإمام فقد تبطل صلاة الإمام مع صحة صلاة
المأموم كما لو تبين حدثه أو فسقه أو كفره فإن ذلك لا يقدح في صحة صلاة المأموم فكذا مع
حصول النقص فيها واستدراكه بالسجود مثلا فإنه لا يستلزم تعدى ذلك أي المأموم.
و (ثانيها) - ما رواه العامة عن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " ليس على من خلف
الإمام سهو الإمام كافيه وإن سها الإمام فعليه وعلى من خلفه " رواه الدارقطني (2)
ورد بأن الخبر من روايات العامة فلا يقوم حجة مع أنه عندهم أيضا ضعيف (3)
و (ثالثها) - موثقة عمار المتقدمة وهي الثالثة من رواياته والجواب عنه
بالحمل على التقية كما عرفت فإن القول بذلك مذهب جمهور العامة (4).
وأما ما يشعر به كلام صاحب الذخيرة - من التردد هنا والميل إلى مذهب الشيخ
لما ذكره من الدليل الأول والثالث - فهو من تشكيكاته الواهية.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الشهيد في الذكرى قد ذكر فروعا على قول الشيخ
في القاعدتين، قال (الأول) لو رأى المأموم الإمام يسجد للسهو وجب عليه
السجود وإن لم يعلم عروض السبب حملا على أن الظاهر منه أنه يؤدي ما وجب

(1) المغني ج 2 ص 41 " إذا سها الإمام فعلى المأموم متابعته في السجود سواء سها
معه أو انفرد الإمام بالسهو، قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك
وذكر إسحاق أنه اجماع أهل العلم ".
(2) ارجع إلى التعليقة 1 ص 282
(3) ارجع إلى التعليقة 2 ص 282
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
285

عليه، ولعدم شرعية التطوع بسجدتي السهو.
واعترضه المحقق الأردبيلي (قدس سره) بأنه يحتمل أن يكون عرض له
السبب في صلاة أخرى وذكره في هذا الوقت فلا يجب على المأموم متابعته.
وأورد عليه بعض مشايخنا المحققين أيضا بالنسبة إلى ادعائه عدم مشروعية
التطوع بهما أنه في محل المنع، قال إذ الأصحاب كثيرا ما يحملون الأخبار الواردة
بهما مع المعارض أو مخالفة المشهور على الاستحباب.
أقول: يمكن دفع هذا الإيراد بأن الظاهر أن مراد الشيخ الشهيد إنما هو عدم مشروعية سجدتي السهو بدون أحد الأسباب المعدودة في الأخبار وكلام
الأصحاب كما أنه يستحب السجود مطلقا بل إنما يقع ويشرع مع أحد الأسباب
المذكورة، وحينئذ فلا يرد عليه حمل الأصحاب لهما على الاستحباب باعتبار وجود
أحد الأسباب. ومرجع كلام الأصحاب إلى أصل السبب وصلوح للسببية لا إلى نفس
السجود فمن حيث عدم صلوحه للسببية لمعارض ونحوه يحملون السجود على
الاستحباب وهذا لا يأباه كلام الشهيد بناء على ما فسرناه به.
ثم ذكر جملة من الفروع التي ليس في إيرادها كثير فائدة مع ما عرفت من
ضعف القول الذي فرعت عليه.
(الخامس) - قوله عليه السلام في رواية منهال القصاب " فاسجد سجدتين ولا تهب "
يحتمل أن يكون من المضاعف أي لا تقم من مكانك حتى تأتي بهما، قال في النهاية:
فيه " لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يهبون إليها كما يهبون إلى المكتوبة " يعني
ركعتي المغرب أي ينهضون إليها. وفي القاموس الهب الانتباه من النوم ونشاط
كل سائر وسرعته. ويحتمل أن يكون على بناء الأجوف وعلى هذا فيحتمل أن
يكون المراد به عدم الخوف عليه من تشنيع الناس عليه بالسهو في الصلاة أو عدم
الخوف من المخالفين للخلاف بينهم في ذلك. والله العالم.
فائدة
روى الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب عن سماعة عن أبي عبد الله
286

عليه السلام (1) " في رجل سبقه الإمام بركعة ثم أوهم الإمام فصلى خمسا؟ قال يعيد تلك
الركعة ولا يعتد بوهم الإمام " كذا في التهذيب (2) وفي الفقيه (3) " يقضي تلك
الركعة " عوض " يعيد ".
قال في الوافي: " يعيد تلك الركعة " أي يصليها منفردا أسماها إعادة لأنه قد
فاتته مع الإمام. انتهى.
أقول: لعل المراد من كلامه أن السؤال وقع عن حكم المأموم قبل الاتمام
مع الإمام، بمعنى أنه لما صلى ثلاثا وبقيت عليه ركعة واحدة ولكن الإمام في
تلك الحال سها فزاد رابعة فما حكم المأموم في حال قيام الإمام للخامسة؟ قال يأتي بما
بقي عليه وهي الركعة التي فاتته. ولكنه عبر عن الاتيان بالإعادة، ولا يخلو
من بعد فإن ظاهر الخبر أن الرجل أكمل صلاته أربعا مع الإمام وتابعه في الخامسة
التي زادها الإمام سهوا، وحينئذ فيشكل أمره بإعادة تلك الركعة التي تابع الإمام فيها
حال سهوه لأنه يلزم أن تكون صلاته خمسا حينئذ، فإن هذا ظاهر الخبر
والاشكال فيه من جهة ما ذكرناه ظاهر أيضا، والأقرب على هذا أن قوله " يعيد
تلك الركعة " وقع تصحيف " يعتد " بالتاء الفوقانية من الاعتداد عوض الياء
التحتانية من الإعادة فإنه لا معنى لإعادة الركعة هنا بالكلية، وحاصل المعنى أنه
يعتد بتلك الركعة التي تابع فيها الإمام ولكن يجب حمله على نية الانفراد فيها أو
مشاركته للإمام في سهوه، فإن بطلان صلاة الإمام بزيادة تلك الركعة لا يوجب
بطلان صلاة المأموم لعدم حصول الزيادة في صلاته والاقتداء به فيها على تقديره
إنما وقع سهوا فلا اشكال. هذا على ما في التهذيب وأما على ما في الفقيه من
قوله " يقضي " فالمراد من القضاء مجرد الفعل كقوله " فإذا قضيت الصلاة " (4)
لا المعنى المشهور، وحاصله أن يأتي بتلك الركعة ويتم صلاته ولا يعتد ببطلان صلاة

(1) الوسائل الباب 68 من الجماعة
(2) ج 1 ص 331
(3) ج 1 ص 266
(4) سورة الجمعة، الآية 10
287

الإمام، وهو إما بقصد الانفراد إن تابع الإمام في خامسة أو أنه إنفرد من أول
الأمر ولم يتابع فيها. والله العالم.
(المسألة الثالثة عشرة) - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) من
غير خلاف يعرف بأنه لا حكم للسهو مع الكثرة لكن ظاهر جملة منهم أن المراد
بالسهو هنا الشك كما صرح به في المعتبر وهو ظاهر العلامة في المنتهى والتذكرة
واختاره في المدارك ونقل بعض مشايخنا أنه مذهب الأكثر، وظاهر آخرين -
ومنهم الشيخ وابن زهرة وابن إدريس وغيرهم والظاهر أنه المشهور - هو العموم للشك
والسهو وبه صرح شيخنا الشهيد الثاني وغيره وهو الأظهر.
والأصل في المسألة الأخبار، ومنها - ما رواه ثقة الاسلام في الصحيح
أو الحسن عن زرارة وأبي بصير (1) قالا: " قلنا له الرجل يشك كثيرا في صلاته
حتى لا يدري كم صلى ولا ما بقي عليه؟ قال يعيد. قلنا فإنه يكثر عليه ذلك كلما
أعاد شك؟ قال يمضي في شكه ثم قال لا تعودوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة
فتطمعوه فإن الشيطان خبيث معتاد لما عود فليمض أحدكم في الوهم ولا يكثرن نقض
الصلاة فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد إليه الشك. قال زرارة ثم قال إنما يريد
الخبيث أن يطاع فإذا عصى لم يعد إلى أحدكم ".
وما رواه المشايخ الثلاثة عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام (2)
قال: " إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك فإنه يوشك أن يدعك إنما هو من
الشيطان " وفي الفقيه (3) " فدعه " مكان " فامض في صلاتك ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان - والظاهر أنه عبد الله الثقة - عن
غير واحد عن أبي عبد الله عليه السلام (4) قال: " إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك "
وعن عمار الساباطي في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام (5) " في الرجل يكثر

(1) الوسائل الباب 16 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 16 من الخلل في الصلاة
(3) ج 1 ص 224
(4) الوسائل الباب 16 من الخلل في الصلاة
(5) الوسائل الباب 16 من الخلل في الصلاة
288

عليه الوهم في الصلاة فيشك في الركوع فلا يدري أركع أم لا ويشك في السجود فلا
يدري أسجد أم لا؟ يسجد ولا يركع ويمضي في صلاته حتى يستيقن يقينا "
وروى الصدوق مرسلا عن الرضا عليه السلام (1) قال: " إذا كثر عليك السهو
في الصلاة فامض على صلاتك ".
وما رواه في الفقيه والتهذيب عن علي بن أبي حمزة عن رجل صالح عليه السلام (2)
قال: " سألته عن رجل يشك فلا يدري أواحدة صلى أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا
تلتبس عليه صلاته؟ قال كل ذي؟ قال قلت نعم. قال فليمض في صلاته ويتعوذ
بالله من الشيطان الرجيم فإنه يوشك أن يذهب عنه " وهذا الخبر حمله الشيخ على
النوافل أولا ثم حمله ثانيا على كثير الشك وهو الصواب ولذا أوردناه في أخبار الباب.
إذا عرفت هذا فاعلم أن تحقيق الكلام في هذا إلمام يحتاج إلى بسطه في موارد
(الأول) - قوله عليه السلام في صحيحة زرارة وأبي بصير المتقدمة أو حسنتهما
" الرجل يشك كثيرا في صلاته " الظاهر أن المراد بالكثرة هنا كثرة أطراف الشك
ومحتملاته واو كان شكا واحدا كأن يشك لا يدري واحدة صلى أم اثنتين أم ثلاثا
أم أربعا ومن ثم أمره بالإعادة وليس المراد به كثرة أفراد الشك الذي هو محل
البحث فإنه لا إعادة معه اتفاقا نصا وفتوى إلا ما سيظهر لك إن شاء الله تعالى في
المقام من بعض الأعلام، ثم إنه لما راجعه السائل وقال: " إنه يكثر عليه ذلك
كلما أعاد شك " أمره بما هو الحكم في كثير الشك من المضي في شكه وعدم الالتفات
فإنه بكثرة ذلك عليه قد دخل تحت كثير الشك فوجب عليه ما ذكرناه من حكمه.
واحتمل المحقق الأردبيلي حمل قوله في صدر الخبر " يشك كثيرا " على كثرة
أفراد الشك أي يقع منه الشك كثيرا حتى يبلغ إلى حد لا يعرف عدد ركعاته،
ويدل الخبر على ما اختاره من التخيير في الحكم في كثير الشك بين أن يكون حكمه
المضي وعدم الالتفات أو العمل بمقتضى الشك فهو عنده مخير بين العمل بالشك

(1) الوسائل الباب 16 من الخلل في الصلاة.
(2) الوسائل الباب 16 من الخلل في الصلاة.
289

وعدم الالتفات إليه مستندا إلى أنه عليه السلام أمره أولا بالإعادة ثم لما بالغ في الكثرة
أمره بعدم الالتفات إليه.
وأنت خبير بما فيه من البعد عن سياق الخبر المذكور كما لا يخفى على المتأمل
البصير ولا ينبئك مثل خبير، فإن نهيه عليه السلام عن تعويد الخبيث وأمره بالمضي في
الشك ونهيه عن اكثار نقض الصلاة وذكر التعليلات المذكورة لا يجامع شئ منها
التخيير فضلا عن اجتماعها وصراحتها في المدعى. وبالجملة فإن معنى الخبر إنما هو
ما قدمنا ذكره من حمل الكثرة في صدر الخبر على كثرة أطراف الشك ومحتملاته
والكثرة بالمعنى المراد في المقام إنما هي ما أشار إليه السائل بعد المراجعة بقوله:
" فإنه يكثر عليه ذلك... الخ " ومن ثم أمره عليه السلام بالإعادة في الأول والمضي في الثاني
وبذلك يظهر لك أن ما ذكره المحقق المشار إليه غير موجه وإن سبقه إلى
ذلك أيضا الشهيد الأول (طاب ثراه) في الذكرى حيث إنه احتمل حمل الأمر
بالمضي في الشك على الرخصة.
قال (قدس سره) في الكتاب المذكور لو أتى بعد الحكم بالكثرة بما شك
فيه فالظاهر بطلان صلاته لأنه في حكم الزيادة في الصلاة متعمدا إلا أن يقال هذا
رخصة لقول الباقر عليه السلام (1) " فامض في صلاتك فإنه يوشك أن يدعك الشيطان ".
إذا الرخصة هنا غير واجبة. انتهى.
ولا يخفى ما فيه سيما مع عدم دلالة الخبر على ما يدعيه إن لم يدل على خلافه
كما لا يخفى على من يتدبر في ما ذكرناه ويعيه، فإن الأصل في الأوامر الواردة في
هذه الأخبار بالمضي هو الوجوب والنواهي المانعة عن تعويد الشيطان من نفسه وعن
اكثار نقض الصلاة هو التحريم، وحملهما على المجاز يحتاج إلى دليل لا بمجرد
التشهي والظن.
وأما ما يظهر من خبر علي بن أبي حمزة من أن كثرة الشك تحصل بتعدد

(1) في صحيح محمد بن مسلم ص 288
290

الاحتمالات في الشك الواحد - وقد أشرنا سابقا إلى أن مثل هذا ليس من كثرة
الشك في شئ - فينبغي حمله على علم الإمام عليه السلام من حال السائل أنه كان كثير الشك
لا من مجرد هذا السؤال أو دلالة قرائن الأحوال يومئذ على أنه لا يصدر عنه مثل
هذا الشك إلا من حيث كونه كثير الشك دائما.
(الثاني) - قد تقدمت الإشارة إلى الخلاف في أن الحكم المذكور هنا هل هو
مخصوص بالشك أو شامل له وللسهو؟ وربما رجح الأول بنسبة ذلك إلى الشيطان
والذي يقع من الشيطان إنما هو الشك وأما السهو فهو من لوازم طبيعة الانسان.
وفيه نظر لتصريح الآيات والروايات بنسبة السهو أيضا إلى الشيطان كقوله عز وجل
" وإما ينسينك الشيطان " (1) وقوله " وما أنسانيه إلا الشيطان " مع أن الشك
إنما يحصل من الشيطان فلا فرق بينهما في أن كلا منهما من الشيطان.
والظاهر عندي هو العموم لأن أخبار المسألة منها ما ورد بلفظ الشك ومنها
ما ورد بلفظ السهو والقول بالعموم جامع للعمل بالأخبار كملا وأما التخصيص
بالشك فيحتاج إلى التأويل في أخبار السهو بالحمل على الشك واخراجه عن ظاهر
حقيقته اللغوية التي هي النسيان وهو يحتاج إلى دليل مع أنه لا ضرورة تلجئ إليه.
ويؤيد ما قلناه ما تشير إليه الأخبار المذكورة من أن العلة في هذا الحكم هو
رفع الحرج والتخفيف على المكلفين لأن الإعادة موجبة للزيادة حيث إن ذلك
من الشيطان وهو معتاد لما عود، وهذا مما يجري في الشك والسهو.
وممن وافقنا في المقام الفاضل الخراساني في الذخيرة مع اقتفائه أثر صاحب
المدارك غالبا فقال: واعلم أن ظاهر عبارات كثير من الأصحاب التسوية بين الشك
والسهو في عدم الالتفات إليهما بل شمول الحكم للسهو في كلامهم أظهر. وهو
ظاهر النصوص. وفي عبارة المعتبر وكلام المصنف في عدة من كتبه اشعار
باختصاص الحكم بالشك. والأول يقتضي عدم الابطال بالسهو في الركن وعدم

(1) سورة الأنعام الآية 67
(2) سورة الكهف الآية 62
291

القضاء إذا كان السهو موجبا له، ولم أجد من الأصحاب من صرح بهما بل صرح جماعة منهم
بخلافهما مع تصريح بعضهم بسقوط سجود السهو والفرق بينه وبين القضاء محل تأمل
واحتمل الشارح الفاضل عدم وجوب القضاء. انتهى. وهو جيد وسيأتي في
المقام إن شاء الله تعالى ما فيه مزيد تحقيق لما اخترناه وتأييد لما ذكرناه.
(الثالث) - قال في المدارك: ولو كثر السهو عن واجب يستدرك إما في محله
أو في غير محله وجب الاتيان به، ولو كان عن ركن وتجاوز محله فلا بد من الإعادة
تمسكا بعموم ما دل على الحكمين المتناول لكثرة السهو وغيره السالم من المعارض.
وهل تؤثر الكثرة في سقوط سجدات السهو؟ قيل نعم وهو خيرة الذكرى دفعا
للحرج، وقيل لا وهو الأظهر لأن أقصى ما تدل عليه الروايات المتقدمة وجوب
المضي في الصلاة وعدم الالتفات إلى الشك فتبقى الأوامر المتضمنة للسجود بفعل
موجبه سالمة من المعارض. انتهى.
أقول: فيه إن هذا الكلام لا يلائم ما قدمه في صدر البحث من اختصاص
الحكم بالشك، فإن اللازم من ذلك أن كثرة السهو ليس من هذه المسألة في شئ
حتى يستثنى منه هذين الفردين. اللهم إلا أن يقال إن غرضه بيان حكم هذين
الفردين بناء على القول بالعموم. وفيه أن عبارته قاصرة عن إفادة هذا المفهوم.
وكيف كان فإنه على تقدير القول بالعموم فهل يكون الحكم في هذين الفردين
ما ذكره من عدم العمل بموجب الكثرة فيهما وبقاء حكمهما على ما كان أو أنه يجري
حكم الكثرة فيهما؟ ظاهر كلامهم الأول كما تقدمت الإشارة إليه في كلام الفاضل
الخراساني وبه صرح في الذكرى كما ذكره السيد السند هنا.
وما استدل به السيد من التمسك بعموم ما دل على الحكمين المتناول لكثرة
السهو وغيره معارض بعموم ما دل على المضي في الصلاة مع الكثرة والغاء السهو الشامل
لهذين الفردين وغيرهما، وكيف استجاز تخصيص عموم أخبار السهو في غير هذين
الموضعين وأخبار الشك بهذه الأخبار ويمنعه في هذين الموضعين مع عدم ظهور
292

الفرق في البين وهل هو إلا تحكم محض؟ وأما ما دل على وجوب الاحتياط في
أفراد الشكوك فشامل باطلاقه لكثر السهو وغيره.
وبالجملة فإنه قد تعارض هنا عمومان عموم أخبار المضي مع كثرة الشك والسهو
الشامل للسهو في ركن وغيره ولما كان في محله أو غير محله مما يقضى أو لا يقضى،
وعموم ما دل على البطلان بالسهو عن الركن حتى تجاوز محله أو دل على التدارك في المحل
والقضاء بعده الشامل لكثير السهو وغيره، فدعوى تخصيص العموم الأول بالثاني
دون العكس ترجيح من غير مرجح بل الأمر بالعكس لما ثبت في جملة أفراد الشك
وأفراد السهو في غير الموضعين المذكورين من تخصيص أدلة تلك الأحكام فليكن
مثله في هذين الفردين مؤيدا بما اشتملت عليه التعليلات في الأخبار من مراعاة حال
المكلف وتخفيف الأمر عليه وتخليصه من شباك الوسواس الخناس.
وبذلك يتبين لك أيضا ما في كلام شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) حيث إنه من جملة من مال إلى تخصيص حكم الكثرة بالشك تبعا لصاحب المدارك ومن
تقدمه حيث قال - بعد الكلام في المقام واختيار حمل الأخبار كملا على الشك -
ما صورته: بل الأصوب أن يقال شمول لفظ السهو في تلك الأخبار للسهو المقابل
للشك غير معلوم وإن سلم كونه بحسب أصل اللغة حقيقة فيه، إذ كثرة استعماله
في المعنى الآخر بلغت حدا لا يمكن فهم أحدهما منه إلا بالقرينة، وشمولها للشك
معلوم بمعونة الأخبار الصريحة، فيشكل الاستدلال على المعنى الآخر بمجرد
الاحتمال، مع أن حمله عليه يوجب تخصيصات كثيرة تخرجه عن الظهور لو كان
ظاهرا فهي، إذ لو ترك بعض الركعات أو الأفعال سهوا يجب عليه الاتيان به في
محله اجماعا، ولو ترك ركنا سهوا وفات محله تبطل صلاته اجماعا ولو كان غير ركن
يأتي به بعد الصلاة لو كان مما يتدارك، فلم يبقى للتعميم فائدة إلا في سقوط سجود السهو
وتحمل تلك التخصيصات الكثيرة أبعد من حمل السهو على خصوص الشك لو كان
بعيدا، مع أنه مدلول الروايات المضي في الصلاة وهو لا ينافي وجوب سجود السهو
293

إذ هو خارج عن الصلاة، فظهر أن من عمم النصوص لا تحصل له في التعميم فائدة. انتهى
أقول: لا يخفى أن ما ذكره وأورده وارد على من قال بهذه الاجماعات
ووافق عليها وجعلها حججا شرعية ومع ذلك كله يقول بالعموم، وأما من
لا يعتبر هذه الاجماعات ولا يجعلها دليلا شرعيا وإنما يعتمد على الروايات ويجعل
البحث منوطا بها ومعلقا عليها من غير نظر إلى خلاف أو وفاق فلا ريب أن الحق
عنده في المسألة هو ما قدمناه كما قدمناه في سابق هذا المورد وأوضحناه.
وأما دعواه - أن كثرة استعمال السهو بمعنى الشك أوجبت الاشتراك بين المعنى
الحقيقي للسهو وبين هذا المعنى المجازي لشيوعه وكثرته حتى أنه لا يحمل على أحدهما إلا
بالقرينة... الخ. - فإن فيه مع غض النظر عن المناقشة أنه وإن كان الأمر كما ذكره
إلا أن التعليلات التي اشتملت عليها الأخبار ظاهرة في العموم، فإن الغرض من
المضي في السهو والشك وعدم الالتفات إليهما إنما هو رعاية حال المكلف وتخفيف
الأمر عليه بعدم استيلاء الشيطان وتطرقه إليه وهذا أمر مشترك بين الشك
والسهو بل ربما كان أظهر في السهو كما يشعر به نقض الصلاة بمعنى ابطالها بالكلية
الناشئ عن السهو في ركن حتى تجاوز محله ونحو ذلك.
وأما قوله - مع أن مدلول الروايات المضي في الصلاة... إلى آخره - ففيه أن
الظاهر من قولهم " يمضي في شكه ويمضي في صلاته " إنما هو الكناية عن عدم
الالتفات إلى ما يوجبه الشك أو السهو من الاتيان بالمشكوك فيه أو الاحتياط أو
الاتيان بما سها عنه في محله أو فوات محله أو ما أوجباه من سجود سهو ونحوه،
وبالجملة فالمراد جعل ذلك في حكم العدم كأنه لم يمكن ثمة سهو ولا شك بالمرة، وهذا
هو المعنى الملائم لتلك التعليلات المشار إليها آنفا من التخفيف على المصلي وأن
لا يطمع الشيطان في العود إليه وهو الظاهر كما لا يخفى على الخبير الماهر.
وكيف كان فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال والاحتياط مما لا ينبغي تركه
بحال. والله العالم.
294

(الرابع) - إعلم أن ظاهر الأصحاب من غير خلاف يعرف أن حكم الشك مع
الكثرة عدم الالتفات إليه بالكلية كما تقدمت الإشارة إليه، فلو اشتمل على ما يبطلها في
غير تلك الحال من الأركان أو الأفعال لم تبطل في صورة الكثرة بل يمضي في صلاته
ويبني على وقوع المشكوك فيه وإن كان محله باقيا ركنا كان أو غيره ما لم يستلزم
الزيادة فيبني على الصحيح، وقد دلت موثقة عمار (1) على أنه بالشك في الركوع
والسجود وإن كان في محله فإنه يمضي ولا يركع ولا يسجد. وإذا ثبت ذلك في
الأركان ثبت في غيرها من الأفعال بطريق أولى، مضافا إلى الأمر بالمضي في الأخبار
وهكذا يقال بالنسبة إلى السهو على ما اخترناه من العموم. ومن جملة ذلك أيضا
صلاة الاحتياط في صور الشك المتقدمة فإنه لا يأتي بها، وتردد المحقق الأردبيلي
(طاب ثراه) في سقوط صلاة الاحتياط. ولا يخفى ما فيه.
وقد أشرنا في ما تقدم أيضا إلى أن الحكم بما ذكرناه من عدم الالتفات إلى
الشك أو السهو حتمي لظواهر الأوامر والنواهي الواردة في الأخبار، ولم يظهر
خلاف في ذلك إلا ما قدمناه عن المحقق الأردبيلي وقبله الشهيد في الذكرى.
ومقتضى كلام الأصحاب أن من كثر شكه فإنه يبني على الأكثر وتسقط عنه
صلاة الاحتياط لعلة الكثرة، واختار المحقق الأردبيلي (قدس سره) البناء على
الأقل للأصل مع العمل بعدم اعتبار الشك مع الكثرة في الجملة. ولم أقف على
قائل بذلك سواء.
ولا يخفى على الناظر في الأخبار بعين التأمل والاعتبار أنه ليس العلة في تغيير
الحكم في كثير الشك عن ما كان عليه غيره إلا مراعاة جانبه والتخفيف عيه بدفع
وساوس الشياطين عنه، والتخفيف إنما يحصل بما عليه الأصحاب من البناء على الأكثر
وجعل المشكوك فيه كأنه فعله وأتى به من غير أن يترتب على ذلك شئ زائد على
اتمامه الصلاة على تلك الحال، إذ في البناء على الأقل يحصل زيادة تكليف موجب

(1) ص 288 وفي الوسائل الباب 16 من الخلل في الصلاة
295

لإعادة الشيطان له ورغبته في تشكيكه.
وبالجملة فإن جميع ما ذكره هذا المحقق من الأقوال وخلاف الأصحاب كله
خلاف ظواهر النصوص الدالة على تسهيل التكليف مضافا إلى عموم النصوص
الدالة على أن دينه صلى الله عليه وآله سمح سهل كما تمدح به صلى الله عليه وآله (1) من قوله " بعثت بالحنيفية
السمحة السهلة ".
قال شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) بعد الكلام في الشك بنحو ما ذكرناه:
وأما السهو فقد عرفت أن المشهور بين الأصحاب عدم ترتب حكم على الكثرة فيه،
وذهب الشهيد الثاني إلى ترتب الحكم عليه مع موافقته لسائر الأصحاب في وجوب
العود إلى الفعل الذي سها فيه إذا ذكره مع بقاء محله، وقضائه بعد الصلاة مع
تذكره بعد فوات محله، وبطلان الصلاة بترك الركن أو الركعة نسيانا مع مضي
وقت التدارك وكذا زيادة الركن والركعة على التفصيل المقرر في أحكام السهو، فلم
يبق النزاع إلا في سجود السهو ويشكل الاستدلال بالنصوص على سقوطه فالأحوط
الاتيان به. واحتمل الشهيد في الذكرى اغتفار زيادة الركن سهوا، من كثير
السهو دفعا للحرج ولاغتفار زيادته في بعض المواضع. أقول طريق الاحتياط
واضح. انتهى.
أقول: أما ما ذكره من نسبة الاختصاص بالشك إلى المشهور فهو أعرف
به فإنه لم ينقل ذلك إلا عن ظاهر المحقق والعلامة. وأما تخصيص العموم بالشهيد
الثاني ففيه ما تقدم من أن ذلك مذهب الشيخ وابن زهرة وابن إدريس، نقل ذلك
الفاضل الخراساني في الذخيرة. وأما ما أورده على الشهيد الثاني فهو في محله كما
تقدمت الإشارة إليه ولكن ظواهر الأخبار - كما قدمنا بيانه - تدفع ذلك لظهور
عمومها للسهو والشك في ركن كان أو غيره في محله أو في غير محله كما تقدم تحقيقه.

(1) الوسائل الباب 48 من مقدمات النكاح وآدابه وفي نهج الفصاحة ص 219
" بعثت بالحنيفية السمحة ".
296

وأما ذكره من الاشكال في الاستدلال بالنصوص على سقوط سجدتي السهو فقد
تقدم الجواب عنه أيضا، وأن العبارة المذكورة في النصوص إنما خرجت مخرج الكناية
عن عدم الالتفات بالكلية إلى ما يترتب على ذلك السهو والشك. والله العالم.
(الخامس) - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما تتحقق به الكثرة
الموجبة لسقوط الأحكام في هذا المقام، فظاهر المشهور بين المتأخرين ومتأخريهم
هو ارجاع ذلك إلى العرف، ذهب إليه الفاضلان والشهيدان ومن بعدهم، وقال
الشيخ في المبسوط: وأما ما لا حكم له ففي اثني عشر موضعا: من كثر سهوه وتواتر
وقيل إن حد ذلك أن يسهو ثلاث مرات متوالية.
قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه: وهذا يدل على عدم الرضا بهذا القول.
وقال ابن إدريس السهو الذي لا حكم له هو الذي يكثر ويتواتر، وحده أن يسهو في شئ
واحد أو فريضة واحدة ثلاث مرات فيسقط بعد ذلك حكمه أو يسهو في أكثر
الخمس فرائض أعني ثلاث صلوات من الخمس كل منهن قام إليها فسها فيها فيسقط بعد
ذلك حكم السهو ولا يلتفت إلى سهوه في الفريضة الرابعة. وقال ابن حمزة لا حكم
له إذا سها ثلاث مرات متواليات وأطلق في فريضة أو فرائض.
وأنكر المحقق ما ذكره ابن إدريس تمام الانكار وقال بعد نقل ذلك عنه أنه
يجب أن يطالب هذا القائل بمأخذ دعواه فأنا لا نعلم لذلك أصلا في لغة ولا شرع
والدعوى من غير دلالة تحكم. انتهى.
أقول: يمكن أن يكون الوجه في ما ذكره ابن إدريس هو أن النصوص
تضمنت سقوط حكم السهو مع الكثرة ولم تحد هذه الكثرة في الأخبار بحد معين
والكثرة لغة وعرفا تحصل بثلاث مرات، إلا أنه يبقى الكلام في محلها وهو أعم من
الشئ الواحد أو الفريضة الواحدة أو الفرائض الخمس حسبما ذكره، فلو سها
أو شك في شئ واحد ثلاث مرات مضى في الرابعة ولم يلتفت، أو كان كذلك
في فريضة واحدة شخصية فإنه يمضي في الرابع ولا يلتفت، أو كان كذلك في
297

ثلاث فرائض متوالية فيسقط حكمه في الفريضة الرابعة. وهذا القول ليس بذلك
البعيد إلا أن المحقق لما كان مولعا بتتبع سقطات الشيخ المزبور والتشنيع عليه سارع
قله إلى ما ذكره.
والذي ورد في هذا المقام من الأخبار ما رواه الصدوق عن محمد بن أبي عمير
عن محمد بن أبي حمزة في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام (1) أنه قال: " إذا كان الرجل
ممن يسهو في كل ثلاث فهو ممن كثر عليه السهو " ولا يخفى ما فيه من الاجمال الموجب
لسعة دائرة الاحتمال.
قال في الذخيرة بعد الحكم بترجيح القول المشهور وهو الرجوع إلى العرف
ثم نقل الخبر: أنه يحتمل وجهين (أحدهما) أن يكون المراد الشك في جميع الثلاث
بأن يكون المراد الشك في كل واحد واحد من أجزاء الثلاث أي ثلاث كان.
و (ثانيهما) أن يكون المراد أنه كلما صلى ثلاث صلوات يقع فيها الشك بحيث لا تسلم له
ثلاث صلوات خالية من الشك ثبت له حكم الكثرة، وحينئذ يقع الاحتياج إلى
العرف أيضا إذ ليس المراد كل ثلاث صلوات تجب على المكلف على التعاقب إلى
انقضاء التكليف وإلا يلزم انتفاء حكم الكثرة وسقوطه بالكلية. وترجيح أحد
الاحتمالين على الآخر على وجه واضح لا يخلو من إشكال وإن لم يبعد ترجيح الأخير
ومع هذا فالثلاث مجمل فيحتمل أن يكون المراد الصلوات أو الفرائض أو الركعات
أو الأفعال مطلقا ولا يبعد ترجيح الأولين، ومع هذا فغاية ما يستفاد من الرواية
حصول الكثرة بذلك وهو غير مناف للعرف لا حصرها فيه فإذن لا معدل عن
الإحالة إلى العرف. انتهى.
أقول: ما ذكره من المعنى الأول فهو الذي فهمه المحقق الأردبيلي (نور الله
مرقده) من الخبر المذكور، حيث قال: ويمكن أن يكون معنى رواية محمد بن أبي
عمير أن السهو في كل واحدة واحدة من أجزاء الثلاث بحيث يتحقق في جميعه موجب

(1) الوسائل الباب 16 من الخلل في الصلاة
298

لصدق الكثرة وأنه لا خصوصية له بثلاث دون ثلاث بل في كل ثلاث تحقق
تتحقق كثرة السهو فتزول بواحدة واثنتين أيضا ويتحقق حكمها في المرتبة الثالثة
فيكون تحديد التحقق وزوال حكم الشك معا، فتأمل أنه قريب. انتهى كلامه
(علا مقامه) والظاهر أنه لا يخلو من البعد من لفظ الخبر.
وأما المعنى الثاني فالظاهر أنه الأقرب إلى لفظ الخبر وهو أن يسهو في كل
ثلاث صلوات متواليات سهوا واحدا ولا تكون ثلاث صلوات متواليات خالية من
السهو، كأن يسهو مثلا في الصبح ثم في المغرب ثم في الظهر وهكذا، فهو إنما يفيد
تحديد انقطاع كثرة السهو بخلو ثلاث فرائض متواليات من السهو فيها لا تحديد
حصول الكثرة، فإن مقتضى لفظ " كل " هو الدوام، فإن جعل ذلك باعتبار
الاستمرار إلى آخر عمره لزم أن لا يعلم كونه كثير السهو إلا بعد موته، وإن جعل
باعتبار اليوم والليلة أو الأسبوع أو الشهر فلا دلالة للخبر على شئ من ذلك، مع أنه
لا تتعدد الثلاث في اليوم والليلة وظاهر الخبر كون ذلك في زمان تتعدد فيه
الثلاث، فلا بد من الخروج عن ظاهر لفظ الخبر والرجوع إلى العرف بمعنى أنه
تكررت تلك الحال منه بحيث يقال في العرف أنه ليس له ثلاث صلوات خالية من
الشك، فيصير الخبر من هذه الجهة خاليا من الفائدة إذ ظاهر سياقه إنما هو لبيان
حكم الانقطاع فقط ففي حصول الكثرة يرجع إلى العرف وفي انقطاعها إلى خلو
ثلاث صلوات متوالية عن السهو.
ثم أقول: لا يخفى أنه لما كان من القواعد المقررة في كلامهم أنه مع عدم وجود
الحقيقة الشرعية أو العرفية الخاصة فإنه يجب حمل اللفظ على الحقيقة اللغوية
أو العرفية حيث كانت الحقيقة اللغوية أو العرفية، وحيث كانت الحقيقة اللغوية
هنا غير معلومة حملوا لفظ الكثرة على العرف والعادة.
قال شيخنا الشهيد الثاني في الروض: والمرجع في الكثرة إلى العرف لعدم
تقديرها شرعا، وقيل تتحقق بالسهو في ثلاث فرائض متوالية أو في فريضة واحدة
299

ثلاث مرات، والظاهر أنه غير مناف للعرف. وفي حكمه السهو ثلاثا في فريضتين
متواليتين، وربما خصها بعضهم بالسهو في ثلاث فرائض لقول الصادق عليه السلام في
رواية ابن أبي عمير (1) " إذا كان الرجل ممن يسهو في كل ثلاث فهو ممن يكثر عليه
السهو " وهي غير صريحة في ذلك فإن ظاهرها أن المراد وجود الشك في كل ثلاث
بحيث لا تسلم له ثلاث صلوات خالية من شك. ولم يقل أحد بانحصار الاعتبار
في ذلك. انتهى.
وأنت خبير بما في حوالة الأحكام الشرعية على العرف من الاشكال كما نبهنا
عليه في غير مقام مما تقدم:
أما (أولا) فلما علم اختلاف الناس والأقاليم والبلدان في العرف والعادات
فإن لكل بلد عرفا وعادة خاصة.
و (ثانيا) أنه إن أريد العرف الخاص بمعنى عرف كل بلد بالنسبة إلى من
فيها فإنه موجب لاختلاف الحكم الشرعي باختلاف الناس في عرفهم وهو غير
معهود من الشارع ولا دليل عليه بل الدليل على خلافه واضح السبيل، وإن أريد
العام فهو في تعذر الوقوف عليه والاطلاق أظهر من أن يحتاج إلى البيان. ومن ذا
الذي يدعي الإحاطة بعرف عامة البلدان في حكم واحد فضلا عن أحكام عديدة
مما ناطوه بالعرف.
و (ثالثا) أن المفهوم من الأخبار أنه مع تعذر الوقوف على المعنى المراد
من اللفظ وما عنى به وقصده الشارع فإن الواجب الوقوف عن الفتوى والعمل
بالاحتياط متى احتيج إلى العمل بذلك لدخول هذا الفرد في الشبهات المأمور فيها
بذلك (2) والاحتياط في المقام بالعمل بأحكام الشك و السهو ثم الإعادة من رأس.

(1) الوسائل الباب 16 من الخلل في الصلاة. وابن أبي عمير روى هذه الرواية عن
محمد بن أبي حمزة عن الصادق " ع " وقد تقدمت ص 298
(2) الوسائل الباب 12 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به
300

ثم إنه على تقدير تخصيص الكثرة بالثلاث فهل الحكم بتعلق بالثالثة أو
الرابعة؟ قولان، قال في الروض: ومتى حكم بثبوتها بالثلاثة تعلق الحكم بالرابع
ويستمر إلى أن يخلو من السهو والشك فرائض يتحقق بها الوصف فيتعلق به حكم
السهو الطارئ وهكذا. انتهى.
وتمسك القائلون بذلك - على ما نقله بعض مشايخنا (رضوان الله عليهم) - بأن
حصول الثلاث سبب لتحقق حكم الكثرة والسبب مقدم على المسبب. ويرد عليه أن
تقدم السبب ذاتي ولا تنافيه المعية الزمانية. مع أن التقدم الزماني لا يخل هنا بالمقصود
وظاهر ما قدمنا نقله عن المحقق الأردبيلي تعلق الحكم بالثالث. واحتمل في
الذكرى حصول الكثرة بالثانية، قال: ويظهر من قوله عليه السلام في حسنة حفص بن
البختري (1) " ولا على الإعادة إعادة " أن السهو يكثر بالثانية. إلا أن يقال يختص
بموضع وجوب الإعادة. انتهى.
أقول: قد قدمنا أن الأظهر في معنى هذه العبارة هو أنه لو صدر منه شك
أو سهو موجب لإعادة الصلاة ثم حصل في الصلاة المعادة ما يوجب الإعادة أيضا
فإنه لا يعيد ويلتفت إليه بل يتم صلاته، ولا منافاة بينه وبين التحديد الواقع
في صحيحة محمد بن أبي عمير (2) إذ لا يلزم أن يكون عدم الإعادة في الصلاة المعادة
إنما هو لحصول الكثرة بل هما حكمان شرعيان بينهما عموم وخصوص من وجه،
إذ السهو الموجب للكثرة لا ينحصر في ما كان سببا للإعادة، والسهو في المعادة
لا يستلزم كثره السهو (3) وإن اجتمع الحكمان في بعض الموارد ولا تنافي بينهما.
وقد عرفت أن ظاهر كلام الذكرى أن الإعادة تستلزم الكثرة، ويظهر
من المدارك موافقته على ذلك حيث قال بعد نقل عبارة الذكرى المتقدمة: وهو
كذلك إلا أني لا أعلم بمضمونها قائلا.

(1) ص 258
(2) راجع التعليقة 1 ص 300
(3) العبارة في ما وقفنا عليه من النسخ الخطية هكذا " والإعادة لا تستلزم كثرة السهو "
301

قال شيخنا المجلسي بعد نقل ذلك عنه: أقول لما لم يعلم تحقق اجماع على خلافه
والرواية المعتبرة دلت عليه فلا مانع من القول به ولذا مال إليه والدي العلامة
(قدس الله روحه) والأحوط الاتمام والإعادة رعاية للمشهور بين الأصحاب. انتهى.
أقول: إن كان مراده وكذا مراد السيد السند بتقوية ما ذكره في الذكرى
ودلالة الرواية عليه بالنسبة إلى عدم الإعادة في الصلاة المعادة لو حصل فيها موجب
الإعادة فهو جيد إلا أنه بعيد عن سياق كلام الذكرى، وإن أراد بالنسبة إلى حصول
الكثرة وأن عدم الإعادة في الصلاة المعادة إنما هو من حيث حصول الكثرة كما هو
ظاهر كلام الذكرى وكلام السيد أيضا ففيه أن الرواية لا دلالة فيها على ذلك ومجرد
نفي الإعادة لا دلالة فيه على أن ذلك لحصول الكثرة. وبالجملة فإن الظاهر أن
كلام شيخنا المشار إليه لا يخلو من غفلة. والله العالم.
(المسألة الرابعة عشرة) - قد تقدم في صور الشكوك الأربعة وجوب صلاة
الاحتياط ولم تتعرض ثمة للبحث عنها ولا عن أحكامها وتحقيق ذلك هنا يقع في مواضع:
(الأول) - الظاهر من كلام الأصحاب وجوب تكبيرة الاحرام في صلاة
الاحتياط بل كاد أن يكون اتفاقا بينهم، إلا أن بعض متأخري أصحابنا نقل عن
القطب الراوندي في شرح النهاية الطوسية أنه قال: من أصحابنا من قال إنه لو شك
بين الاثنتين والأربع أو غيرهما من تلك الأربعة فإذا سلم قام ليضيف ما شك فيه
إلى ما يتحقق قام بلا تكبيرة الاحرام ولا تجديد نية ويكتفي في ذلك بعلمه وإرادته
ويقول لا تصح نية مترددة بين الفريضة والنافلة على الاستئناف وأن صلاة واحدة
تكفيها نية واحدة وليس في كلامهم ما يدل على خلافه. وقيل ينبغي أن ينوي أنه
يؤدي ركعات الاحتياط قربة إلى الله ويكبر ثم يصلي. انتهى.
وهذا القول وإن لم يشتهر نقله بين الأصحاب إلا أن اطلاق الأخبار المتقدمة
في الأمر بالاحتياط يعضده، فإن أقصى ما تضمنته تلك الأخبار أنه يقوم ويركع
ركعة أو ركعتين من قيام أو جلوس، وليس فيها على تعددها وكثرتها تعرض
302

لذكر تكبيرة الاحرام كما لا يخفى على من راجعها مع اشتمالها على قراءة الفاتحة والتشهد
والتسليم. والمقام فيها مقام البيان لأنها مسوقة لتعليم المكلفين، فلو كان ذلك
واجبا لذكر ولو في بعض كما ذكر غيره مما أشرنا إليه.
والذي وقفت عليه من عبائر جملة من المتقدمين وجل المتأخرين خال من
ذكر التكبير أيضا.
نعم روى الشيخ في التهذيب عن زيد الشحام (1) قال: " سألته عن الرجل
يصلي العصر ست ركعات أو خمس ركعات؟ قال إن استيقن أنه صلى خمسا أو ستا
فليعد، وإن كان لا يدري أزاد أم نقص فليكبر وهو جالس ثم ليركع ركعتين يقرأ
فيهما بفاتحة الكتاب في آخر صلاته ثم يتشهد ".
فإن ظاهره أن هاتين الركعتين إنما هما للاحتياط وإن كان الاحتياط هنا غير
مشهور في كلام الأصحاب إلا أن ظاهر الصدوق في المقنع القول بذلك، وقد تقدم
الكلام في ذلك في المسألة العاشرة، وحينئذ فيمكن أن تخصص تلك الأخبار بهذا
الخبر. وكيف كان فالاحتياط يقتضي الوقوف على القول المشهور.
(الثاني) - لو فعل المبطل قبل الاتيان بصلاة الاحتياط فهل تبطل الفريضة
ويسقط الاحتياط أم تبقى على الصحة ويجب الاتيان بالاحتياط؟ قولان يلتفتان
إلى أن صلاة الاحتياط هل هي جزء من الفريضة المتقدمة أم هي صلاة برأسها
خارجة عن تلك الصلاة؟ فالأول مبني على الأول والثاني على الثاني. والقول بالبطلان
منقول عن ظاهر الشيخ المفيد واختاره العلامة في المختلف والشهيد في الذكرى.
وإلى الثاني ذهب جمع: منهم - ابن إدريس والعلامة في الإرشاد والظاهر أنه الأشهر
في كلام المتأخرين.
قال في الذكرى: ظاهر الفتاوى والأخبار وجوب تعقيب الاحتياط الصلاة
من غير تخلل حدث أو كلام أو غيره حتى ورد وجوب سجدتي السهو للكلام قبله

(1) الوسائل الباب 14 من الخلل في الصلاة
303

ناسيا كما مر، وقال ابن إدريس لا تفسد الصلاة بالحدث قبله لخروجه عن الصلاة
بالتسليم وهذا فرض جديد. وهو ضعيف لأن شرعيته ليكون استدراكا للفائت
من الصلاة فهو على تقدير وجوبه جزء من الصلاة فيكون الحدث واقعا في
الصلاة فيبطلها. انتهى.
واستدل العلامة في المختلف على ما ذهب إليه من الابطال بتخلل الحدث
بوجوه (أحدها) أن الاحتياط معرض لأن يكون تماما للصلاة فكما تبطل الصلاة
بالحدث المتخلل بين أجزائها المحققة فكذا ما هو بمنزلتها. و (ثانيها) قوله عليه السلام
في آخر رواية ابن أبي يعفور المتقدمة في مسألة الشك بين الاثنتين والأربع (1)
" فإن كان صلى ركعتين كانت هاتان تمام الأربع وإن كان صلى أربعا كانت هاتان نافلة
وإن تكلم فليسجد سجدتي السهو ". و (ثالثها) قوله عليه السلام في رواية أبي بصير المتقدمة (2)
" إذ لم تدر أربعا صليت أم ركعتين فقم واركع ركعتين " والفاء للتعقيب وايجاب التعقيب
ينافي تسويغ الحدث. و (رابعها) قوله عليه السلام في صحيحة زرارة المتقدمة (3) " وإذا
لم يدر في ثلاث هو أو في أربع... قام فأضاف إليها أخرى " فإن جعل القيام جزء
يقتضي تعقيب فعله بالشرط.
هذا حاصل ما استدلوا به على هذه القول وما يمكن تكلفه له من الأدلة.
ورده جملة من متأخري المتأخرين (أما الأول) فلأن شرعية فعل الاحتياط
استدراكا للفائت لا يقتضي جزئيته من الصلاة، مع أنه منفصل عنها بما يوجب
الانفصال والانفراد من النية والتكبير والتسليم. و (أما الثاني) فمع عدم صحة الرواية
فهي غير صريحة في المدعى لاحتمال أن يكون المراد سجود السهو للكلام الصادر في أثناء
الصلاة أو أثناء صلاة الاحتياط لا الكلام المتخلل بين الصلاتين، على أن ترتب
السجود عليه غير صريح في تحريمه، مع أنه لو سلم تحريمه لا يلزم منه بطلان
الصلاة به. و (أما الثالث) فبعد تسليم دلالة الفاء الجزائية على التعقيب مع - أنه

(1) ص 237 و 238
(2) ص 238.
(3) ص 233
304

قد منعه بعض العلماء، وأن مجرد الحدث مناف للتعقيب الذي دلت عليه الفاء - فإنا
نقول ليس المراد بها هنا التعقيب بدلالة ذكر " ثم " في مثل هذا الموضع في بعض
الأخبار كصحيحة محمد بن مسلم وحسنة الحلبي ورواية ابن أبي يعفور وعدم ذكر
شئ منهما في بعض الأخبار أيضا كحسنة زرارة (1) وبالجملة فإنه لا يخفى على المتتبع
أن الفاء في أمثال هذا المقام منسلخة عن معنى التعقيب وإنما المراد منها مجرد ترتب
ما بعدها على السابق، ومع تسليم ذلك لا يلزم منه بطلان الصلاة بترك المبادرة
وإنما اللازم منه وجوب المبادرة وهو غير محل البحث. و (أما الرابع) فإنه لا يعتبر
في الجزاء أن يكون بعد الشرط بلا فصل، مع أن ذلك لا يقتضي إلا مجرد الوجوب
وهو غير محل البحث أيضا.
أقول: والتحقيق إن هذه التعليلات المذكورة كما عرفت عليلة وقصارى
ما تدل عليه أخبار الاحتياط هو وجوب المبادرة به بعد اتمام الصلاة وهو غير
موجب لبطلان ما تقدم بالحدث المتجدد بينهما، مع ما ورد من أن تحليل الصلاة
التسليم (2) وهو عام وتخصيصه بغير موضع النزاع يحتاج لي دليل وليس فليس، وبذلك
يظهر قوة ما ذهب إليه ابن إدريس. ويؤيده أيضا ما ورد من الأخبار الدالة على صحة
الصلاة مع تخلل الحدث قبل التسليم (3) بناء على استحباب التسليم كما هو أحد الأقوال
أو كونه واجبا خارجا كما هو المختار، فإنها شاملة باطلاقها لهذا الموضع وتخصيصها
يحتاج إلى مخصص وليس فليس.
وكيف كان فإنه وإن كان الأرجح لما ذكرناه هو القول بالصحة إلا أن المسألة
لما كانت خالية من النصوص بالخصوص فالأحوط الاتيان بالاحتياط ثم إعادة
الصلاة من رأس.
ثم اعلم أن العلامة في المختلف أورد على ابن إدريس التناقض بين فتواه بعدم

(1) ص 237 و 233
(2) الوسائل الباب 1 من التسليم
(3) الوسائل الباب 13 من التشهد و 3 من التسليم و 1 من قواطع الصلاة
305

البطلان بالحدث المتخلل وقوله بجواز التسبيح، لأن الأول يقتضي كونها صلاة
منفردة والثاني يقتضي كونها جزء.
قال في الذكرى: ويمكن دفعه بأن التسليم جعل لها حكما مغايرا للجزء باعتبار
الانفصال عن الصلاة ولا ينافي ذلك تبعية الجزء في باقي الأحكام. قال في المدارك
بعد نقل ذلك: وهو جيد لو ثبت التبعية بدليل من خارج لكنه غير ثابت بل
الدليل قائم على خلافه. انتهى. وهو جيد.
أقول: لا يخفى أن ظاهر الأخبار الدالة على أنه مع ظهور تمام الصلاة
فالاحتياط نافلة ومع ظهور النقصان فهو متمم هو أن هذه الصلاة ذات جهتين فهي
من جهة صلاة مستقلة برأسها ومن جهة أخرى تكون سادة للنقص الواقع في الصلاة
وبالنظر إلى هذا الوجه الأخير جوز ابن إدريس إلا أن الأخبار كما ستعرف
إن شاء الله تعالى تدفعه.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن ظاهر الأصحاب ترتب الوجهين المتقدمين في صلاة
الاحتياط على الأجزاء المنسية فلو فاتته السجدة أو التشهد أو أبعاضه على القول
بوجوب القضاء ففعل المنافي قبل الاتيان بها ففيه الوجهان المتقدمان في الاحتياط.
قال في الذكرى: وأولى بالبطلان عند بعضهم للحكم بالجزئية هنا يقينا،
ولا خلاف في أنه يشترط فيها ما يشترط في الصلاة حتى الأداء في الوقت، فإن فات الوقت
ولما يفعلها تعمدا بطلت صلاته عند بعض الأصحاب لأنه لم يأت بالماهية على وجهها،
وإن كان سهوا لم تبطل عنده ونوى بها القضاء وكانت مترتبة على الفوائت قبلها
أبعاضا كانت أو صلوات مستقلة. انتهى.
أقول: أما ما نقله من الأولوية استنادا إلى الحكم بالجزئية يقينا فلا يخلو
من شئ، إذ لو تم ذلك لوجب الحكم ببطلان الصلاة وبتخلل الأركان بين محلها
أولا ومحل تلافيها أخيرا على أنه ليس كذلك، وبالجملة فإنه لا ريب في خروجها
عن محض الجزئية، ووجوب الاتيان بها بعد الصلاة حكم آخر. وأما ما ذكره
306

من كونها مترتبة على الفوائت قبلها فلم نقف له على دليل بل اطلاق الأدلة يقتضي انتفاءه.
وبالجملة فحيث كانت المسألة كسابقتها خالية من النصوص فالاحتياط فيها
مطلوب وإن كان الظاهر هو القول بالصحة كما عرفت في تلك المسألة. والله العالم.
(الثالث) - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) تعين الفاتحة في
صلاة الاحتياط، وذهب ابن إدريس إلى التخيير بينها وبين التسبيح. والقول
الأول هو المعتضد بالنصوص المتقدمة الصريحة في وجوب قراءة الفاتحة فهيا،
ولا ينافي ذلك اطلاق بعض الأخبار بذكر ركعة أو ركعتين من غير تعرض لذكر
الفاتحة، فإنه محمول على تلك الأخبار حمل المطلق على المقيد كما هو القاعدة المشهورة
المنصوصة أيضا.
وأما ما ذكره في الذخيرة هنا - من احتمال حمل الأخبار الدالة على التعيين على
الاستحباب حتى ادعى أنه لا ترجيح لأحد التأويلين على الآخر -
ففيه (أولا) ما عرفت من أن هذه القاعدة في الجمع بين الأخبار وإن اشتهر
العمل بها بين الأصحاب بل لا عمل لهم على غيرها في جميع الأبواب إلا أنه لا دليل
عليها من سنة ولا كتاب بل ظاهر الأدلة المذكورة ردها، فإن الحمل على الاستحباب
مجاز لا يجوز القول به إلا مع القرينة الصارفة عن الحمل على الحقيقة وليس فليس.
و (ثانيا) أن اللازم بمقتضى ما ذكره أنه يتخير بين القراءة وعدمها وإن
كانت القراءة أفضل ولا قائل به ولا دلالة في ذلك على قول ابن إدريس.
وبالجملة فإن ما ذكره لا أعرف له وجها وجيها وإنما التجأ إلى موافقة القول
المشهور لقوله صلى الله عليه وآله (1) " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " قال وإن لم يصل إلى حد
الحقيقة فالحمل عليه أقرب. ولا يخفى عليك ما فيه من الوهن لما عرفت في غير
مقام مما تقدم من أن اطلاق الأحكام في الأخبار إنما يحمل على الأفراد الشائعة
المتكثرة فإنها هي التي يتبادر إليها الاطلاق دون الفروض النادرة، على أنك قد عرفت

(1) في صحيح مسلم ج 2 ص 9 " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب "
307

أن صلاة الاحتياط غير متمحضة للاستقلال والمتبادر من الخبر إنما هو الصلاة
المستقلة. وبالجملة فالأولى في الاستدلال على ذلك أنما هو ما ذكرناه.
ونقل عن ابن إدريس أنه احتج بأن الاحتياط قائم مقام الركعتين الأخيرتين
فيثبت فيه ما يثبت في مبدله. وضعفه أظهر من أن يتصدى إلى بيانه. والله العالم.
(الرابع) - الظاهر أنه لا خلاف ولا إشكال في صحة الصلاة لو ذكر تمامها
بعد الاتيان بصلاة الاحتياط لدلالة الأخبار على ذلك وأن الاحتياط هنا يكون
نافلة. أما لو ذكر في حال الاحتياط والحال هذه فهل يقطع الاحتياط لظهور
الاستغناء عنه أم يتمه؟ الأظهر التخيير في ذلك وإن كان الأفضل الاتمام حيث إنه
بظهور الاستغناء عنه يكون نافلة ومن شأن النافلة ذلك.
أما لو ذكر نقصان صلاته فلا يخلو إما أن يذكر بعد الفراغ من الصلاة
والاحتياط معا لو بعد الفراغ من الصلاة وقبل الاحتياط أو في أثناء الاحتياط
فههنا صور ثلاث:
(الأولى) - أن يذكر بعد الفراغ من الصلاة والاحتياط معا والمشهور عدم
الالتفات مطلقا، وعليه تدل ظواهر الأخبار المصرحة بأنه متى أتى بالاحتياط
فإن كانت صلاته تامة كان احتياطه نافلة وإن كانت ناقصة كان متمما.
وذهب بعض الأصحاب إلى البطلان في صورة المخالفة يعني مخالفة الاحتياط للناقص
الذي ظهر نقصه كما إذا كان الشك بين الثنتين والثلاث والأربع وقد احتاط بركعتين
من قيام ثم ركعتين من جلوس ثم ظهر له بعد ذلك كون ما صلى ثلاث ركعات.
ولعل وجه البطلان عنده من حيث لزوم اختلال نظم الصلاة حيث إنه متى ذكر
أن الناقص ركعة والمبدو به من الاحتياط إنما هو الركعتان من قيام وهو مخالف
للناقص والمطابق له إنما هو الركعتان من جلوس وهي المتأخرة فيلزم اختلال نظم
الصلاة. وفيه أن ذلك إنما يشكل إذا قلنا بأن صلاة الاحتياط جزء لا صلاة
مستقلة وقد عرفت في ما تقدم أن الأظهر هو الاستقلال فلا اشكال.
308

(الثانية) - أن يذكر بعد الفراغ من الصلاة وقبل الاحتياط، وحينئذ
فلا يخلو أما أن يكون قد فعل منافيا يبطل الصلاة أم لا، وعلى الثاني لا اشكال
في وجوب الاتمام ثم السجود للسهو لما زاده من التشهد والتسليم، وعلى الأول
يبني على مسألة من فعل المنافي بعد تسليمه على ركعتين من كون ذلك المنافي مبطلا عمدا
لا سهوا أو عمدا وسهوا أو غير مبطل. وقد تقدم تحقيق ذلك في المسألة المذكورة.
(الثالثة) - أن يذكر النقص في أثناء الاحتياط، وحينئذ إما أن يكون ذلك الاحتياط
مطابقا للناقص كما إذا شك بين الثنتين والثلاث فأتم وشرع في
ركعة الاحتياط من قيام ثم ذكر في أثنائها النقصان، أو غير مطابق كما إذا شك
بين الثنتين والثلاث والأربع ثم شرع في الركعتين من قيام وذكر في أثنائها نقصان
ركعة. فعلى الأول هل تبطل الصلاة ويستأنف نظرا إلى أن القدر المعلوم ثبوته
من تلك الأدلة ورودها بالنسبة إلى الشك المستمر إلى الفراغ من الاحتياط، فإن
هذا الترديد المتقدم في الأخبار إنما هو بالنظر إلى صلاته واقعا بمعنى أنه إن كانت
في الواقع صلاته تامة فاحتياطه نافلة وإن كانت ناقصة فاحتياطه متمم لا بالنظر
إلى ظهور ذلك للمكلف وإن أمكن الجرئ على ذلك في بعض المواضع ولهذا لم تجد
لهذه الصور التي فرعها الأصحاب في هذا المقام في الأخبار أثرا، أو يجب الاتمام
نظرا إلى عموم الأدلة؟ قولان. وعلى الثاني فهل يتم الاحتياط ولا شئ عليه
أو يقتصر على القدر المطابق إن لم يتجاوزه أو يبطل الاحتياط ويرجع إلى حكم
تذكر النقصان أو تبطل الصلاة؟ احتمالات والاحتياط في مثل هذه المواضع
المشتبهة الخالية من النصوص واجب. والله العالم.
فروع
(الأول) - قال في الذكرى: لو صلى قبل الاحتياط غيره بطل فرضا كان
أو نفلا ترتب على الصلاة السابقة أولا، لأن الفورية تقتضي النهي عن ضده
309

وهو عبادة. هذا إذا كان متعمدا ولو فعل ذلك سهوا وكانت نافلة بطلت، وكذا
إذا كانت فريضة لا يمكن العدول فيها أما لاختلاف نوعها كالكسوف وأما لتجاوز
محل العدول، ويحتمل الصحة بناء على أن الاتيان بالمنافي قبله لا يبطل الصلاة
وإن أمكن العدول يحتمل قويا صحته كما يعدل إلى جميع الصلاة.
(الثاني) - يترتب الاحتياط ترتب المجبورات، وهو بناء على أنه لا يبطله
فعل المنافي، وكذا الأجزاء المنسية تترتب، ولو فانته سجدة من الأولى وركعة احتياط
قدم السجدة، ولو كانت من الركعة الأخيرة احتمل تقديم الاحتياط لتقدمه عليها
وتقديم السجدة لكثرة الفصل بالاحتياط بنيها وبين الصلاة.
(الثالث) لو أعاد الصلاة من وجب عليه الاحتياط لم يجزئ لعدم اتيانه
بالمأمور به، وربما احتمل الاجزاء لاتيانه على الواجب وزيادة.
كذا صرح بذلك في الذكرى. وفي كثير منها اشكال والاحتياط في أمثال
هذه المواضع مطلوب على كل حال كما عرفت في غير موضع مما تقدم.
خاتمة في أحكام سجدتي السهو
اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في موجب سجدتي السهو على أقوال
متعددة وآراء متفرقة، فقال ابن أبي عقيل: الذي تجب فيه سجدتا السهو عند آل
الرسول صلى الله عليه وآله شيئان: الكلام ساهيا خاطب المصلي نفسه أو غيره، والآخر
دخول الشك عليه في أربع ركعات أو خمس فما عداها.
والشيخ المفيد في المقنعة قد عد ثلاثة مواضع تجب فيها سجدتا السهو
أحدها - السهو عن سجدة حتى يفوت محلها، ونسي التشهد ولم يذكر حتى يركع
في الثالثة، ومن تكلم ناسيا. ولم يذكر شيئا آخر ولم ينص على عدد.
وقال في الرسالة الغرية: لو نسي التشهد الأول وذكره بعد الركوع مضى في
صلاته فإذا سلم من الرابعة سجد سجدتي السهو، وكذلك أن تكلم ناسيا في صلاته
فليسجد بعد التسليم سجدتي السهو، وإن لم يدر أزاد سجدة أو نقص سجدة أو زاد
310

ركوعا أو نقص ركوعا ولم يتيقن ذلك وكان الشك له فيه حاصلا بعد تقضي وقته
وهو في الصلاة سجد سجدتي السهو، قال وليس لسجدتي السهو موضع في الشك في
الصلاة إلا في هذه الثلاثة المواضع والباقي بين مطرح أو متدارك بالجبران أو فيه إعادة.
وقال ثقة الاسلام في الكافي بعد تقسيمه مواضع السهو الواردة في الأخبار
إلى ما يجب على الساهي فيه إعادة الصلاة وهي سبعة مواضع ثم عدها، وما لا يجب
فيها إعادة الصلاة وتجب فيها سجدتا السهو: الذي يسهو فيسلم في الركعتين ثم يتكلم من
غير أن يحول وجهه ويتصرف عن القبلة، قال فعليه أن يتم صلاته ثم يسجد سجدتي
السهو، والذي ينسى تشهده ولا يجلس في الركعتين وفاته ذلك حتى يركع في الثالثة
فعليه سجدتا السهو وقضاء تشهده إذا فرغ من صلاته، والذي لا يدري أربعا صلى
أو خمسا عليه سجدتا السهو، والذي يسهو في بعض صلاته فيتكلم بكلام لا ينبغي له
مثل أمر ونهي من غير تعمد فعليه سجدتا السهو، فهذه أربعة مواضع تجب فيها
سجدتا السهو... إلى آخر كلامه.
وقال الشيخ في المبسوط: وأما ما يوجب الجبران بسجدتي السهو فخمسة
مواضع: من تكلم في الصلاة ساهيا، ومن سلم في الأولتين ناسيا، ومن نسي
التشهد الأول حتى يركع في الثالثة، ومن ترك واحدة من السجدتين حتى يركع في ما
بعد، ومن شك بين الأربع والخمس، قال وفي أصحابنا من قال إن من قام في حال
قعود أو قعد في حال قيام فتلافاه كان عليه سجدتا السهو. وقال في الجمل ما يوجب
الجبران بسجدتي السهو أرقعة مواضع، وعد ما تقدم وأسقط التشهد.
وقال في الخلاف: وسجدتا السهو لا تحبان في الصلاة إلا في أربعة مواضع
(أحدها) إذا تكلم في الصلاة ناسيا. و (الثاني) إذا سلم في الصلاة في غير موضع
السلام ناسيا. و (الثالث) إذا نسي سجدة واحدة ولا يذكر حتى يركع في الركعة
التي بعدها. و (الرابع) إذا نسي التشهد الأول ولا يذكر حتى يركع في الثالثة،
فإن هذه المواضع يجب عليه المضي في الصلاة ثم سجدتا السهو بعد التسليم، قال وأما
311

ما عدا ذلك فهو كل سهو يلحق الانسان ولا يجب عليه سجدتا السهو فعلا كان أو
قولا زيادة كان أو نقصانا متحققة كانت أو متوهمة وعلى كل حال، قال وفي
أصحابنا (رضوان الله عليهم) من قال عليه سجدتا السهو في كل زيادة ونقصان.
وفي الاقتصاد مثل الجمل.
وقال السيد المرتضى في الجمل: تجب سجدتا السهو في خمسة مواضع: في نسيان
السجدة والتشهد ولم يذكر حتى يركع. وفي الكلام ساهيا، وفي القعود حالة القيام
وبالعكس، وفي الشك بين الأربع والخمس.
وقال أبو جعفر بن بابويه، ولا تجب سجدتا السهو إلا على من قعد في حال
قيام أو قام في حال قعود أو ترك التشهد أو لم يدر أزاد أو نقص. ثم قال في
موضع آخر: وإن تكلمت في صلاتك ناسيا فقلت " أقيموا صفوفكم " فأتم صلاتك
واسجد سجدتي السهو.
وقال في المقنع: واعلم أن السهو الذي تجب فيه سجدتا السهو هو أنك إذا
أردت أن تقعد قمت وإذا أردت أن تقوم قعدت، قال وروي أنه لا يجب عليك
سجدتا السهو إلا أن سهوت في الركعتين الأخيرتين لأنك إذا شككت في الأولتين
أعدت الصلاة، قال وروي أن سجدتي السهو تجب على من ترك التشهد. وأوجب
أبوه سجدتي السهو في نسيان التشهد وفي الشك بين الثلاث والأربع إذا ذهب
وهمه إلى الرابعة.
وأوجب سلار سجدتي السهو في نسيان التشهد والسجدة والكلام ناسيا
والقعود في حالة القيام وبالعكس. وأوجبهما أبو الصلاح على من شك في كمال
الفرض وزيادة ركعة عليه فيلزمه أن يتشهد ويسلم ويسجد بعد التسليم سجدتي السهو
وعلى من جلس ساهيا في موضع قيام وبالعكس وعلى من تكلم ساهيا وعلى الساهي
عن سجدة وعلى من يسهو عن ركعة أو اثنتين ويسلم ثم يذكر ذلك قبل أن ينصرف
فيلزمه التلافي وسجدتا السهو والتسليم. وابن البراج أوجبهما في ما أوجبهما السيد
312

المرتضى وزاد التسلم في غير موضعه، وكذا ابن حمزة إلا أنه أسقط التسليم في غير
موضعه وجعل عوضه السهو عن سجدتين من الأخيرتين.
وقال ابن إدريس: اختلفت أصحابنا في ما يوجب سجدتي السهو فذهب بعضهم
إلى أنها أربعة مواضع وقال آخرون في خمسة مواضع وقال الباقون الأكثرون
المحققون في ستة مواضع، قال وهو الذي اخترناه لما فيه من الاحتياط لأن
العبادات يجب أن يحتاط لها ولا يحتاط عليها. والمواضع التي عدها نسيان السجدة
والتشهد والكلام ناسيا والتسليم في غير موضعه والقعود حالة القيام وبالعكس
والشك بين الأربع والخمس.
وقال المحقق في المعتبر بوجوبهما في نسيان السجدة والتشهد والسلام والكلام
والشك بين الأربع والخمس، وحكى القيام والقعود ورده برواية سماعة الآتية إن شاء
الله تعالى، وحكى الزيادة والنقصان والخلاف فيه والمستمسك من الجانين ولم يرجح
شيئا في البين. وقال ابن عمه نجيب الدين في الجامع بمقالته وحكى القيام والقعود.
وقال العلامة في المنتهى بوجوبهما في الكلام سهوا والتسليم في غير موضعه
كالأولتين من الرباعيات والثلاثية والأولية من الثنائية، والشك بين الأربع والخمس
والقعود في حال قيام وبالعكس (1) والسهو عن السجدة الواحدة. وفي المختلف أنهاه
إلى ستة مواضع: الكلام ناسيا والتسليم في غير موضعه وترك التشهد ناسيا
وترك السجدة كذلك ومن شك بين الأربع والخمس و من شك فلا يدري
زاد أو نقص.
هذا ما وقفت عليه من كلام الأصحاب واختلافهم في هذا الباب والواجب أن
نبين من ذلك مما ذكره الأصحاب كلا أو بعضا ما اقترن بالأخبار عنهم (عليهم السلام)
ودلت عليه الأدلة في المقام وذلك في مواضع:
(الأول) الكلام ناسيا، والمشهور بين الأصحاب وجوبهما بل نقل العلامة

(1) سيأتي في الموضع السابع حكاية عدم الوجوب فيهما عن المنتهى
313

في المنتهى اجماع الأصحاب عليه إلا أنه نقل في الذخيرة عن المختلف والذكرى أنهما
نقلا خلاف ابني بابويه في ذلك. وأنت خبير بأنه قد تقدم النقل عن ابن بابويه بأن
قال: " وإن تكلمت في صلاتك ناسيا فقلت " أقيموا صفوفكم " فأتم صلاتك
واسجد سجدتي السهو " إلا أن يحمل كلامه على وجوب سجدتي السهو في خصوص
هذا الكلام كما هو ظاهر عبارته لا مطلق الكلام كما فهمه الأصحاب من الخبر الوارد
بهذه العبارة، نعم عبارة أبيه ظاهرة في عدم عد الكلام في ما يوجب سجود السهو
حيث اقتصر على ذينك الموضعين. إلا أنه يمكن القول بأن كلامه غير دال على
الحصر في الموضعين المذكورين وغايته أن يكون مطلقا بالنسبة إلى غير ذينك
الموضعين لما ستعرف إن شاء الله تعالى من دلالة الأخبار على جملة من المواضع
الزائدة عليهما فيبعد منه الاقتصار على ذينك الموضعين والحصر فيهما.
ويدل على المشهور ما رواه الشيخ في الصحيح عن بعد الرحمان بن الحجاج (1)
قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول " أقيموا
صفوفكم "؟ قال يتم صلاته ثم يسجد سجدتين. فقلت سجدتا السهو قبل التسليم هما
أو بعد؟ قال بعد " والظاهر فيه كما فهمه الأصحاب إن ذكر قوله " أقيموا صفوفكم "
إنما خرج مخرج التمثيل فيكون الخبر دالا على السجود لمطلق الكلام لا التخصيص
كما هو ظاهر عبارة الصدوق المتقدمة.
ورواية عبد الله بن أبي يعفور المتقدمة في المسألة الثامنة (2) وقوله فيها: " وإن
تكلم فليسجد سجدتي السهو ".
والظاهر أنه لا فرق في وجوب السجود بين التكلم في الصلاة ناسيا أو ظانا
الخروج من الصلاة.
ويدل على ذلك ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن سعيد الأعرج (3)

(1) الوسائل الباب 4 و 5 من الخلل في الصلاة والشيخ يرويه عن الكليني
(2) ص 237 و 238
(3) الفروع ج 1 ص 99 والتهذيب ج 1 ص 234 وفي الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة
314

قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول صلى رسول الله صلى الله عليه وآله ثم سلم في ركعتين
فسأله من خلفه يا رسول الله صلى الله عليه وآله أحدث في الصلاة شئ؟ فقال وما ذلك؟ قالوا
إنما صليت ركعتين، فقال أكذلك يا ذا اليدين؟ - وكان يدعى ذا الشمالين - فقال
نعم. فبنى على صلاته فأتم الصلاة أربعا. وقال إن الله عز وجل هو الذي أنساه
رحمة للأمة، ألا ترى لو أن رجلا صنع هذا لعير وقيل ما تقبل صلاتك، فمن
دخل عليه اليوم ذلك قال قد سن رسول الله صلى الله عليه وآله وصارت أسوة. وسجد
سجدتين لمكان الكلام ".
إلا أنه قد ورد في مقابلة هذا الخبر في خصوص السجدتين المذكورتين ما رواه
الشيخ في الموثق بعبد الله بن بكير عن زرارة (1) قال: " سألت أبا جعفر عليه السلام هل
سجد رسول الله صلى الله عليه وآله سجدتي السهو قط؟ فقال لا ولا يسجدهما فقيه ".
قال في التهذيب: الذي أفتى به ما تضمنه هذا الخبر وأما الأخبار التي قدمناها
من أن النبي صلى الله عليه وآله سها فسجد فإنها موافقة للعامة وإنما ذكرناها لأن ما تتضمنه من
الأحكام معمول بها على ما بيناه.
ثم إن مما يدل على عدم السجدتين في هذا الموضع عدة أخبار أيضا: منها
ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (2) " في الرجل يسهو في
الركعتين ويتكلم؟ قال يتم ما بقي من صلاته تكلم أو لم يتكلم ولا شئ عليه ".
وعن زيد الشحام (3) قال: سألته عن الرجل... ثم ساق الخبر كما في صحيح
زرارة المذكور (4) إلى أن قال: وإن هو استيقن أنه صلى ركعتين أو ثلاثا ثم انصرف
وتكلم فلم يعلم أنه لم يتم الصلاة فإنما عليه أن يتم الصلاة ما بقي منها فإن نبي الله صلى الله عليه وآله صلى
بالناس ركعتين ثم نسي حتى أنصرف فقال له ذول الشمالين يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحدث

(1) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة.
(2) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة.
(3) الوسائل الباب 3 و 14 من الخلل في الصلاة
(4) ص 233 وخبر الشحام تقدم صدره في ص 247 و 303
315

في الصلاة شئ؟ فقال أيها الناس أصدق ذو الشمالين؟ فقالوا نعم لم تصل إلا ركعتين.
فقام فأتم ما بقي من صلاته.
وعن الفضيل بن يسار في الصحيح (1) قال: " قلت لأبي جعفر عليه السلام أكون
في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا؟ فقال انصرف ثم توضأ وابن علي
ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمدا وإن تكلمت ناسيا فلا شئ
عليك فهو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسيا... الحديث ".
وعن محمد بن مسلم في الصحيح (2) " في رجل صلى ركعتين من المكتوبة
فسلم وهو يرى أنه قد أتم الصلاة وتكلم ثم ذكر أنه لم يصل غير ركعتين؟ فقال يتم
ما بقي من صلاته ولا شئ عليه ".
وأنت خبير بأن هذه الأخبار غير صريحة بل ولا ظاهرة في المنافاة لاحتمال
قوله " ولا شئ عليه " يعني من إعادة الصلاة وصحيحة الفضيل ظاهرة في هذا المعنى،
أو لا شئ عليه من الإثم. والأول أقرب. وأما حمل الروايات المتقدمة على
الاستحباب كما اختاره بعض الأصحاب فظني بعده لما عرفت ما في هذا الحمل في غير
باب، ويعضد الأخبار المتقدمة شهرة العمل بها بين الأصحاب وأنها الأوفق بالاحتياط
وعدم ظهور الأخبار الأخيرة في المنافاة.
وأما ما أيد به بعضهم القول بالعدم - من حديث علي بن النعمان الرازي (3)
المشتمل على أنه سلم في المغرب في الركعتين الأولتين سهوا وتكلم فأعاد أصحابه
الصلاة وهو لم يعد بل أتم بركعة، حيث إن ظاهره أنه لم يسجد سجدتي السهو وإلا
لذكر والصادق عليه السلام صوب فعله - ففيه ما قدمنا بيانه في المقام الثاني في ما يبطل
الصلاة من المطلب الأول في قواطع الصلاة (4) وبالجملة فالأظهر عندي هو القول
المشهور لما عرفت. والله العالم.

(1) الوسائل الباب 1 من قواطع الصلاة
(2) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة.
(3) ص 24
(4) ص 24
316

(الثاني) - من سلم في غير موضعه ناسيا، والمشهور وجوب السجود فيه
بل نقل العلامة في المنتهى الاتفاق على ذلك ونسبه المحقق إلى علمائنا مؤذنا
بدعوى الاجماع عليه.
وأنت خبير بأنه يظهر من عبائر جملة ممن قدمنا كلامهم سقوط السجود في
هذا الموضع كابن أبي عقيل والشيخ المفيد والمرتضى وابن زهرة وسلار وابن حمزة.
احتج العلامة في المختلف على ذلك بأنه لما كان في غير موضعه كان كلاما غير
مشروع صدر نسيانا من المصلي فيدخل في مطلق الكلام. واحتج على ذلك في بعض
كتبه بصحيحة سعيد الأعرج المتقدمة بالتقريب الذي ذكره في المختلف.
وفيه أن الظاهر من الصحيحة المذكورة أن المراد بالكلام فيها إنما هو ما تكلم
صلى الله عليه وآله به بعد التسليم وخاطب به القوم لا نفس التسليم.
واحتج المحقق بما رواه عمار في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " أنه سأله عن
رجل صلى ثلاث ركعات فظن أنها أربع فسلم ثم ذكر أنها ثلاث؟ قال يبني على صلاته
متى ما ذكر ويصلي ركعة ويتشهد ويسلم ويسجد سجدتي السهو ".
وقال في كتاب الفقه الرضوي (2): " وكنت يوما عند العالم ورجل سأله عن
رجل سها فسلم في ركعتين من المكتوبة ثم ذكر أنه لم يتم صلاته؟ قال فليتمها ويسجد
سجدتي السهو " فإن الظاهر أن المراد بالسهو في الركعتين يعني التسليم على الركعتين
لقوله " ثم ذكر أنه لم يتم صلاته " وحينئذ فيكون ذلك دالا على وجوب سجدتي
السهو للتسليم في غير موضعه.
إلا أنه يمكن تطرق القدح إلى دلالة رواية عمار بأنه يجوز أن يكون السجود
لغير التسليم وذلك فإنه قد جلس في الثالثة وتشهد وسلم وكل من الجلوس والتشهد
صالح لأن يكون سببا للسجود فيجوز أن يكون السجود لأجل الجلوس في موضع

(1) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة
(2) ص 10
317

القيام أو لزيادة التشهد فلا يكون الخبر ظاهرا في المدعى. وبنحو ذلك يمكن القول
في عبارة كتاب الفقه (1).
ويدل على عدم الوجوب في هذه الصورة صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة في
سابق هذا الموضع ورواية علي بن النعمان الرازي المشار إليها ثمة ورواية زيد
الشحام (2) وفيه ما عرفت مما قدمنا ذكره.
نعم يمكن أن يستدل على ذلك بصحيحة الحارث بن المغيرة ورواية أبي بكر
الحضرمي وحسنة الحسين بن أبي العلاء المتقدم جميع ذلك في صدر المسألة الرابعة
من المطلب الثاني (3).
إلا أنه يمكن الجواب عن ذلك بأن مساق الأخبار المذكورة إنما هو في بيان
صحة الصلاة وعدم بطلانها ومقام البيان فيها إنما تعلق بذلك، فغايتها أن
تكون مطلقة بالنسبة إلى وجوب سجدتي السهو. إلا أن صحة هذا الكلام يتوقف
على وجوب المخصص وقد عرفت أن رواية عمار قاصرة عن ذلك. والاحتياط لا يخفى.
قال في المدارك - بعد نقل الاتفاق في الصورة المذكورة على وجوب السجود
عن العلامة في المنتهى - ما لفظه: واستدل عليه بصحيحة سعيد الأعرج الواردة
في حكاية تسليم النبي صلى الله عليه وآله على ركعتين في الرباعية وتكلمه مع ذي الشمالين في ذلك
حيث قال في آخرها: " وسجد سجدتين لمكان الكلام " وفي الدلالة نظر إذ من
المحتمل أن يكون الموجب للسجود التكلم الواقع بعد التسليم كما هو مذهب الكليني
رضي الله عنه ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم، ثم
ساق الرواية كما قدمناه، ثم قال لأنا نجيب عنه بالحمل على نفي الإثم أو الإعادة كما
تقدم ولولا الاتفاق على هذا الحكم لأمكن الجمع بين الروايتين بحمل الأولى على
الاستحباب. انتهى كلامه زيد مقامه.
وفيه (أولا) أن جعله ما ذكره احتمالا في الرواية مشعر بكون الظاهر من

(1) سيأتي في موضعين من ص 319 تأييد ظهورهما
(2) ص 316 و 125 و 315
(3) ص 125 و 126
318

الرواية هو ما ذكره العلامة من حمل الكلام على التسليم لأن هذه العبارة إنما ترمي
في هذا المقام، مع أنه ليس الأمر كذلك عند النظر في الخبر بعين التحقيق بل هذا
الاحتمال الذي ذكره هو ظاهر الخبر بل ربما يدعى تعينه، فإن المتبادر من الكلام
إنما هو الكلام الأجنبي من الصلاة لا أجزاء الصلاة المعدودة منها وأما أجزاء
الصلاة فإنه لو أريد التعبير عنها فإنما يعبر عنها بصورتها من سجود أو تسليم أو تشهد
أو نحو ذلك مع التقييد بالسهو أو العمد، والمراد به في الخبر إنما هو كلامه صلى الله عليه وآله
مع ذي الشمالين أو مع الصحابة ومخاطبته لهم، فركونه (قدس سره) إلى ما ذكروه
من المعنى السحيق البعيد عن جادة التحقيق حتى أنه يجعل ما قابله احتمالا مخالفا للظاهر
ليس مما ينبغي، بل الرواية المذكورة ظاهرة الدلالة في أن المراد إنما هو كلامه صلى الله عليه وآله
مع المأمومين. والظاهر أن الحامل لهم على الاستدلال بهذه الرواية إنما هو ضيق
الخناق بعد دعوى الاتفاق في عدم الدليل من الأخبار مع ما عرفت من ظهور الدلالة
في موثقة عمار إلا أنها لم تجر يومئذ على خواطرهم فالتجأوا إلى هذه الرواية بالتقريب
المتقدم في كلام المختلف.
و (ثانيا) - أن هذه الرواية قد تضمنت وقوع السهو منه صلى الله عليه وآله من اتفاقهم
على عدم جوازه عليه صلى الله عليه وآله وردهم لأخباره أو حملهم لها على التقية وطعنهم على
الصدوق وشيخه ابن الوليد حيث جوزا ذلك، فكيف قبلوها هنا واعتمدوا في
الاستدلال عليها وحكموا أنه صلى الله عليه وآله سها وسجد للسهو؟ ما هذا إلا تناقض ظاهر
كما لا يخفى على كل ناظر.
و (ثالثا) - دلالة موثقة عمار المتقدمة على الحكم المذكور وظهورها فيه تمام
الظهور ولقد كانت هي الأولى بالايراد والاستدلال بها على المراد مع اعتضادها
بكلامه عليه السلام في كتاب الفقه وقد قدمنا بيانه.
و (رابعا) - قوله " ولولا الاتفاق على هذا الحكم " نظرا إلى دعوى العلامة
ذلك مع أنه في غير موضع من شرحه طعن في أمثال هذه الدعاوى وناقش في هذه
319

الاجماعات ولا سيما مع ظهور المخالف هنا كما اعترف به من أن مذهب ثقة الاسلام
في المقام هو نفي السجود في هذه الصورة وهو من قدماء المحدثين ورؤساء أساطين
الدين وهو أعرف من العلامة (رضوان الله عليهما) بمواقع الأحكام في تلك الأيام
لأنه في عصرهم (عليهم السلام) فإنه قال في الكتاب المذكور - في ضمن عده ما يجب
فيه سجدتا السهو وما لا يجب - ما صورته: ومنها مواضع لا يجب لها سجدتا
السهو... إلى أن قال والذي يسلم في الركعتين الأولتين ثم يذكر فيتم قبل أن يتكلم
فلا سهو عليه. وهو ظاهر الجماعة الذين قدمنا ذكرهم في صدر الكلام.
و (خامسا) - ما ذكر من الحمل على الاستحباب الذي اتخذوه ذريعة في هذه
الأبواب مع ما فيه من الخروج عن جادة التحقيق والصواب. والله العالم.
(الثالث) من شك بين الأربع والخمس، وقد تقدم تحقيق البحث في ذلك
في المسألة العاشرة في بيان الخلاف في المسألة ونقل الأخبار الدالة على القول المشهور
وقد عرفت من جملة من العبارات المتقدمة عدم ذكر هذا الموضع في موجبات
سجود السهو. ولم نقف للنافين على دليل والعلامة في المختلف إنما استدل لهم
بأصالة البراءة ثم رده بأن الأصل يخرج عنه بالدليل المنافي. وهو جيد.
وقد تقدم في المسألة الثامنة (1) رواية أبي بصير الدالة على سجود السهو في
الشك بين الاثنتين والأربع وقد تقدم تحقيق القول في ذلك.
(الرابع والخامس) - نسيان السجدة الواحدة وذكرها بعد تجاوز المحل
ونسيان التشهد وذكره بعد تجاوز المحل، وقد تقدم تحقيق القول في ذلك في المسألة
الرابعة من مسائل المطلب الثاني من هذا المقصد (2).
(السادس) - الشك بين الثلاث والأربع مع غلبة الظن بالأربع، قال
الصدوق بوجوب سجدتي السهو في الموضع المذكور، ونسب في الذكرى إلى الصدوقين
القول بوجوبهما في كل شك ظن الأكثر وبنى عليه، قال في الذكرى: لو ظن الأكثر

(1) ص 238
(2) في المسألة الخامسة ص 150 و 154
320

بنى عليه لما سلف ولا يجب معه سجدتا السهو للأصل ولعدم ذكرهما في أحاديث
الاحتياط هنا ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. وأوجبهما الصدوقان ولعله
لرواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " إذا ذهب وهمك إلى
التمام ابدأ في كل صلاة فاسجد سجدتين بغير ركوع أفهمت؟ قلت نعم " وحملت
على الاستحباب. انتهى.
أقول: روى ثقة الاسلام في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي
عن أبي عبد الله عليه السلام (2) في حديث قال: " وإن كنت لا تدري ثلاثا صليت أم
أربعا ولم يذهب وهمك إلى شئ فسلم ثم صلى ركعتين وأنت جالس تقرأ فيهما بأم الكتاب
وإن ذهب وهمك إلى الثلاث فقم فصل الركعة الرابعة ولا تسجد سجدتي السهو،
فإن ذهب وهمك إلى الأربع فتشهد وسلم ثم اسجد سجدتي السهو " وهذا الحديث
كما ترى مع صحة سنده صريح في ما ذكره الصدوقان وبه يحصل الجواب عما ذكره في
الذكرى من عدم ذكر السجدتين في هذا الموضع في أحاديث الاحتياط فإن هذا
من أحاديث الاحتياط وهو صريح في ذلك مع اعتضاده بخبر إسحاق بن عمار
المذكور في كلامه.
ثم إن الظاهر أن ما نقله عن الصدوقين في المقام إنما استندا فيه إلى كتاب الفقه
الرضوي حيث إنه أفتى فيه بمضمون صحيحة الحلبي أو حسنته المذكورة كما هي
عادتهما المعروفة وطريقتهما المألوفة كما عرفت وستعرف إن شاء الله تعالى حث قال
عليه السلام (3) " وإن لم تدر ثلاثا صليت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى شئ فسلم ثم صل
ركعتين وأربع سجدات وأنت جالس تقرأ فيهما بأم القرآن، وإن ذهب وهمك
إلى الثالثة فقم فصل الركعة الرابعة ولا تسجد سجدتي السهو، وإن ذهب وهمك
إلى الأربع فتشهد وسلم واسجد سجدتي السهو ". انتهى.

(1) الوسائل الباب 7 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 10 من الخلل في الصلاة
(3) ص 10
321

وقد ظهر من ذلك أنه قد تطابق على هذا الحكم صحيحة الحلبي أو حسنته ورواية
إسحاق بن عمار وكلامه عليه السلام في هذا الكتاب فلا مجال للتوقف فيه مع عدم المنافي.
وبذلك يظهر ما في كلام شيخنا المجلسي في البحار حيث قال - بعد ذكر رواية
إسحاق وحسنة الحلبي أو صحيحته وأن الحكم بذلك لا يخلو من قوة - ما لفظه:
ولكن موثقة أبان عن أبي العباس ظاهرة في عدم الوجوب فيمكن حمله على
الاستحباب. انتهى. والرواية التي أشار إليها هي ما رواه الراوي المذكور عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " إذا لم تدر ثلاثا صليت أو أربعا ووقع رأيك على
الثلاث فابن علي الثلاث وإن وقع رأيك على الأربع فسم وانصرف وإن اعتدل
وهمك فانصرف وصل ركعتين وأنت جالس ".
وأنت خبير بأن غاية هذه الرواية أن تكون مطلقة بالنسبة إلى الحكم المذكور
فيجب تقييدها بالأخبار المتقدمة وحملها عليها من قبيل حمل المطلق على المقيد فلا
منافاة. ولا يخفى على المتتبع أن أحكام المسألة الواحدة لا تكاد تجتمع في خبر
واحد وإنما تؤخذ من مجموع أخبارها بضم بعضها إلى بعض وحمل مطلقها على مقيدها
ومجملها على مفصلها وعامها على خاصها ونحو ذلك.
وبما حققناه يظهر قوة القول المذكور وإن كان خلاف ما هو المشهور
لاعتضاده بالدليل المأثور. والله العالم.
(السابع) القيام في موضع قعود وبالعكس، صرح به الصدوق والمرتضى
وسلار وأبو الصلاح وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس والعلامة، وخالف
فيه الشيخان والكليني والشيخ علي بن بابويه وابن أبي عقيل وابن الجنيد والمحقق
وابن عمه الشيخ نجيب الدين في الجامع وهو اختيار العلامة في المنتهى وقد تقدم
ذلك في عبائر الجماعة المذكورة، والأخبار في المسألة أيضا ظاهرة الاختلاف.
احتج في المختلف بأنه زاد على صلاته وكل من زاد على صلاته وجب عليه

(1) الوسائل الباب 7 من الخلل في الصلاة
322

سجود السهو، أما الصغرى فظاهرة وأما الكبرى فلأن الشك في الزيادة والنقيصة
يقتضي وجوب السجدتين كما تقدم فاليقين بهما أولى. انتهى.
ومما يدل على الوجوب من الأخبار ما رواه الشيخ عن منهال القصاب (1)
قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام أسهو في الصلاة وأنا خلف الإمام؟ فقال إذا سلم
فاسجد سجدتين ولا تهب ".
قال في المختلف بعد ايراده دليلا على ذلك: وجه الاستدلال أنه علق وجوب
السجدتين على السهو المطلق وهو يتناول صورة النزاع.
وعن عمار الساباطي في الموثق (2) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن السهو
ما يجب فيه سجدتا السهو؟ فقال إذا أردت أن تقعد فقمت أو أردت أن تقوم فقعدت
أو أردت أن تقرأ فسبحت أو أردت أن تسبح فقرأت فعليك سجدتا السهو وليس
في شئ مما تتم به الصلاة سهو ".
إلا أن في هذه الرواية ما يضعف الاحتجاج بها حيث قال بعد السؤال الأول
وهو ما قدمناه (3) " وعن الرجل إذا أراد أن يقعد فقام ثم ذكر من قبل أن يقوم شيئا
أو يحدث شيئا؟ قال ليس عليه سجدتا السهو حتى يتكلم بشئ " وهذه المناقضة في
الخبر قد أوردها جملة من مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين.
ويمكن الجواب عنها بأنه لما استفيد من السؤال الأول أن سجود السهو إنما
هو بالاتيان بالقيام كملا في موضع القعود وبالعكس سأل ثانيا بأنه لو ذكر قبل أن
يأتي بشئ من القيام بالكلية أو يفعل شيئا مطلقا أجاب عليه السلام بأنه لا سجود للسهو
هنا إلا أن يتكلم بشئ. وهو معنى صحيح لا منافاة فيه للحكم الأول كما لا يخفى.
بقي الكلام في ما ذكره عليه السلام من عد التسبيح في موضع القراءة أو القراءة
في موضع التسبيح ساهيا من الموجبات، ويمكن حمله على أن السجود حينئذ لوقوع

(1) الوسائل الباب 24 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 32 من الخلل في الصلاة
(3) الوسائل الباب 32 من الخلل في الصلاة
323

القراءة أو التسبيح في غير محلهما وزيادتهما في الصلاة، هذا إذا كان الذكر في موضع
السهو وتلافي ما أخل به وإن كان بعد التجاوز فيكون لنقصان القراءة أو التسبيح،
والجميع مبني على وجوب السجدتين لكل زيادة ونقيصة كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ثم إن القراءة في موضع التسبيح يمكن حمله على الأخيرتين بناء على تعين
التسبيح كما هو ظاهر الأخبار المتقدمة في المسألة وبه قال بعض الأصحاب إلا أنه
خلاف المشهور من التخيير، وسجود السهو هنا متى حملنا الخبر على هذا الموضع
لا يتجه إلا على ما ذكرناه إذ مع التخيير لا معنى لسجود السهو. ويحتمل على بعد
الحمل على تسبيح الركوع والسجود بأن يقرأ ساهيا في الموضعين أو أحدهما. ووجوب
سجدتي السهو هنا نقله في الخلاف عن الشافعي (1).
ومنها - ما رواه ثقة الاسلام بسند فيه محمد بن عيسى عن يونس - وهو ضعيف
عند جمع وصحيح عند آخرين - عن معاوية بن عمار (2) قال: " سألته عن الرجل
يسهو فيقوم في حال قعود أو يقعد في حال قيام؟ قال يسجد سجدتين بعد التسليم
وهما المرغمتان ترغمان الشيطان ".
ومما يدل على خلاف ما دلت على هذه الأخبار ما رواه في الكافي عن سماعة
في الموثق (3) قال: " من حفظ سهوه وأتمه فليس عليه سجدتا السهو إنما السهو على من
لم يدر أزاد في صلاته أم نقص منها " ورواه في الفقيه عن أبي عبد الله عليه السلام مثله (4).

(1) لم أقف عليه بالخصوص في ما اطلعت عليه من كتب العامة إلا أنه يفهم من
ما ذكره الشيرازي الشافعي في المهذب ج 1 ص 90 حيث قال " وإن قرأ في غير موضع القراءة
سجد لأنه قول في غير موضعه فصار كالسلام " بضميمة ما تقدم ج 8 ص 271 التعليقة 1
من منع الجمهور من القراءة في الركوع والسجود، وكذا يفهم من عبارة الأم ج 1 ص
114 " قال الشافعي سجود السهو كله عندنا في الزيادة والنقصان قبل السلام وهو الناسخ
والآخر من الأمرين " بالضميمة المتقدمة.
(2) الوسائل الباب 32 من الخلل في الصلاة.
(3) الوسائل الباب 23 من الخلل في الصلاة
(4) الوسائل الباب 23 من الخلل في الصلاة
324

وما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام (1)
" في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام فذكر وهو قائم أنه لم يسجد؟
قال فليسجد ما لم يركع فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنه لم يسجد فليمض على صلاته
حتى يسلم ثم يسجدها فإنها قضاء " وفي مضمونها صحيحة أبي بصير مع اشتمالها زيادة
على هذه الرواية على قوله: " وليس عليه سهو " فهي صريحة في نفي سجدتي السهو
وقد تقدمتا في المسألة الرابعة من المطلب الثاني من هذا المقصد (2).
وبالجملة فإن جملة روايات نسيان السجدة وكذا روايات نسيان التشهد وأنه
يرجع إليهما ما لم يركع ما بين ظاهر وصريح في نفي السجدتين، وروايات السجدة
وذكر أنها بعد الركوع ظاهرة أيضا في قضاء السجدة خاصة من غير سجود وإن كان
المشهور في كلامهم وجوب السجود كما تقدم.
واستدل العلامة في المنتهى على ما اختاره فيه من عدم السجود بما رواه
الشيخ في الموثق عن الحلبي (3) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يسهو
في الصلاة فينسى التشهد؟ فقال يرجع فيتشهد. فقلت أيسجد سجدتي السهو؟
فقال لا ليس في هذا سجدتا السهو " قال: وهذا من صورة النزاع.
أقول: الاستدلال بهذا الخبر إنما يتم مع الحمل على التشهد الأول أما مع
الحمل على الثاني فلا، والاستدلال مستند هنا إلى اطلاق الخبر. والجمع بين
الأخبار في هذا المقام لا يخلو من الاشكال، وجملة من متأخري المتأخرين جمعوا
بين الأخبار هنا بحمل أخبار السجود على الاستحباب كما هي القاعدة المطردة عندهم
في جميع الأحكام والأبواب. ولا يبعد عندي حمل أخبار السجود على التقية فإن
القول بوجوب السجود هنا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأتباعهما (4) والله العالم.

(1) الوسائل الباب 14 من السجود
(2) في المسألة الخامسة ص 136
(3) الوسائل الباب 9 من التشهد
(4) البحر الرائق ج 2 ص 105 والمحلى ج 4 ص 160 والمبسوط ج 1 ص 220
والمهذب للشيرازي الشافعي ج 1 ص 90 ويفهم أيضا مذهب الشافعي في ذلك مما تقدم
في التعليقة 1 ص 324.
325

الثامن - كل زيادة ونقيصة، وهذا القول نقله الشيخ في الخلاف عن بعض
الأصحاب كما تقدم في نقل عبارته، وظاهر الأكثر عدم عده في موجبات السجود
و جملة عبائر من قدمنا نقل كلامه خالية من ذلك، وقال في الدروس إنه لم يظفر
بقائله ولا بمأخذه مع أنه من القائلين به في اللمعة وجعله في الألفية أحوط ونقله في
الذكرى عن الفاضل واختاره بعد ذلك من بين الأقوال، ونقله شيخنا الشهيد الثاني
في شرح اللمعة عن الصدوق أيضا واختاره في كتاب الروض، ونقل هذا القول
عن الصدوق قد وقع في التحرير للعلامة ثم قال: وهو الأقوى عندي.
ويمكن أن يستدل عليه بما رواه الشيخ عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا
عن سفيان بن السمط عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " تسجد سجدتي السهو في كل
زيادة تدخل عليك أو نقصان " وردها جملة من متأخري المتأخرين بضعف الاسناد
وربما استدل على ذلك أيضا بصحيحة الحلبي الواردة في الشك بين الأربع
والخمس (2) وقوله عليه السلام فيها " أم نقصت أم زدت " فإنه إذا وجب السجود بالشك
في الزيادة والنقيصة ففي صورة اليقين أولى.
ويظهر من المبسوط أن قولهم بالسجود للزيادة والنقصان شامل للمستحبات
وظاهر العلامة تخصيصه بالواجبات، وقال ابن الجنيد بوجوبهما في خصوص
القنوت إن تركه، وعد أبو الصلاح من جملة موجباتهما لحن القراءة سهوا.
وأنت خبير بأن جملة الأخبار المتقدمة الدالة على عدم سجدتي السهو في
المواضع المتقدمة كلها دالة على عدم الوجوب، ومنها أخبار السجدة والتشهد وذكرهما
قبل الركوع أو بعده، فإن أخبارهما في الحالتين دالة على عدم الوجوب. نعم أخبار
التشهد دلت على السجود لنقص التشهد لا لزيادة القيام الذي ذكره قبل ركوعه أو

(1) الوسائل الباب 32 من الخلل في الصلاة.
(2) ص 328
326

بعده، ومنها أخبار نسيان القراءة في الصلاة كصحيحة محمد بن مسلم وصحيحة زرارة
وموثقة منصور بن حازم ورواية معاوية بن عمار وغيرها من الأخبار الدالة على
ذلك، ومنها أخبار الجهر والاخفات كصحيحة زرارة والأخبار الواردة في نسيان
ذكر الركوع، إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في جملة من الأحكام مما تدل على عدم
السجود في هذه المقامات، وبعض منها صريح في المطلوب وبعض باعتبار عمومه
واطلاقه وبعض باعتبار السكوت عن سجدتي السهو في مقام البيان. ومنه يظهر
قوة القول المشهور إلا أن الاحتياط يقتضي الاتيان بالسجود حيث لا محمل للخبر
المذكور ظاهرا مع احتمال حمله على الزيادة والنقصان في الركعات لا مطلقا، وكيف
كان فهو مردود إلى قائله عليه السلام. والله العالم.
التاسع - الشك في الزيادة والنقيصة. ذهب إليه العلامة كما تقدم في عبارته في
المختلف، قيل وهو ظاهر ما نقله الشيخ في الخلاف عن بعض الأصحاب. وفيه ما لا
يخفى، وكلام الصدوق في الفقيه يحتمله وقد تقدم نقل عبارته في المقام. ويحتمل
أن يكون مراده زيادة الركعة أو نقصانها. وإلى هذا القول مال شيخنا الشهيد الثاني
في الروض وكذا إلى ما قبله كما قدمنا ذكره. وذهب المفيد في الغرية كما قدمناه في
عبارته إلى وجوبهما إن لم يدر زاد سجدة أو نقص سجدة أو زاد ركوعها أو نقص
ركوعا ولم يتيقن ذلك وكان الشك بعد تقضي وقته. والمشهور بين الأصحاب هو عدم
الوجوب في جميع ما ذكر.
أقول: ويدل على هذا القول جملة من الأخبار: منها - ما رواه الصدوق
في الفقيه في الصحيح عن الفضيل بن يسار (1) " أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن السهو
فقال من حفظ سهوه فأتمه فليس عليه سجدتا السهو وإنما السهو على من لم يدر أزاد
في صلاته أم نقص منها ".
وما رواه الكليني والشيخ عنه عن سماعة في الموثق (2) قال قال " من حفظ

(1) الوسائل الباب 23 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 23 من الخلل في الصلاة
327

سهوه فأتمه فليس عليه سجدتا السهو إنما السهو على من لم يدر أزاد في صلاته
أم نقص منها ".
وعن زرارة في الصحيح أو الحسن (1) قال: " سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول
قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أزاد أم نقص فليسجد
سجدتين وهو جالس وسماهما رسول الله صلى الله عليه وآله المرغمتين " واطلاق هذه الأخبار
شامل للأفعال والأعداد.
واحتج جملة من الأصحاب لهذا القول أيضا بصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله
عليه السلام (2) قال: " إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهد وسلم
واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهد فيهما تشهدا خفيفا ".
وأنت خبير بأن هذه الرواية محتملة لوجهين (أحدهما) حمل الزيادة والنقيصة
على أن يكونا من أسباب سجدتي السهو كما دلت عليه الأخبار المتقدمة، وحينئذ
فتكون الرواية مشتملة على سببين من الأسباب المذكورة وهي الشك بين الأربع
والخمس والشك في الزيادة والنقيصة. و (ثانيهما) أن يكون المراد إنما هو بيان
نوع واحد من الأسباب المذكورة وهو الشك بين الأربع والخمس والنقيصة عن
الأربع والزيادة عن الخمس، فيكون تقدير الكلام إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا
أم نقصت من الأربع أم زدت على الخمس، وحينئذ فيشمل كل شك بين الأربع
والخمس والأزيد منهما والأنقص كالشك بين الثلاث والأربع والخمس والست
والشك بين الاثنتين والأربع والخمس والسبع مثلا. نعم لا بد من استثناء ما تعلق
به الشك في الأولتين بالأخبار الدالة على الابطال ويبقى ما سوى ذلك، وعلى هذا
الاحتمال فلا تصلح الرواية هنا للاستدلال. والظاهر هو الاحتمال الأول المؤيد
بالأخبار المذكورة، وعلى هذا فتجب سجدتا السهو في جميع صور الشكوك المتقدمة.
وتمام الكلام في المقام يتوقف على بسطه في مقامات (الأول) المشهور بين

(1) الوسائل الباب 14 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 14 من الخلل في الصلاة
328

الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن موضع السجدتين المذكورتين بعد التسلم سواء كانتا لزيادة أو نقصان، ونقله في المختلف عن ابن أبي عقيل والشيخ في المبسوط والشيخ
المفيد والسيد المرتضى، قال وهو الظاهر من كلام علي بن بابويه وأبي الصلاح وهو
قول سلار والصدوق ابن بابويه. وقيل إنهما إن كانتا للزيادة فمحلهما بعد التسليم
وإن كانتا للنقيصة فمحلهما قبله، ونسبه في المعتبر إلى قوم من أصحابنا ونقله في المختلف
عن ابن الجنيد، قال وقال ابن الجنيد إن كان السهو للزيادة كان محلهما بعد التسليم وإن
كان للنقصان كان قبل التسليم. والشهيد في الذكرى نقل كلام ابن الجنيد ولم يذكر
هذه العبارة التي ذكرها في المختلف، ثم قال وليس في هذا كله تصريح بما يرويه بعض
الأصحاب أن ابن الجنيد قائل بالتفصيل، نعم هو مذهب أبي حنيفة من العامة (1)
والظاهر أن ذكر العلامة هذه العبارة إنما وقع من كلامه بناء على اشتهار النقل بذلك
عن ابن الجنيد. واحتمال أن يكون ابن الجنيد قال ذلك في غير الموضع الذي نقله
عنه في الذكرى بعيد. ونقل المحقق في الشرائع قولا بأن محلهما قبل التسليم مطلقا
قال في المدارك والقول بأنهما قبل التسليم منقول عن بعض علمائنا ولم نظفر بقائله.
ثم إنه مما يدل على القول المشهور وهو المؤيد المنصور جملة من الأخبار:
منها - صحيحة ابن أبي يعفور الواردة في نسيان التشهد (2) حيث قال فيها
" وإن لم يذكر حتى يركع فليتم صلاته ثم يسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يتكلم ".
وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا كنت لا تدري

(1) المذكور في كتب العامة - كالمحلى ج 4 ص 171 وعمدة القارئ ج 3 ص 738
ونيل الأوطار ج 3 ص 135 وبدائع الصنائع ج 1 ص 172 والفقه على المذاهب الأربعة
ج 1 ص 350 وكذا كتب الخاصة كالمنتهى ج 1 ص 418 - نسبة التفصيل المذكور إلى
مالك وأن أبا حنيفة يقول بأن محله بعد السلام والشافعي يقول بأنه قبل السلام.
(2) الوسائل الباب 7 من التشهد
(3) الوسائل الباب 14 من الخلل في الصلاة
329

أربعا صليت أم خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم بعدهما ".
ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " إذا لم تدر خمسا صليت
أم أربعا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك وأنت جالس ثم سلم بعدهما ".
وصحيحة عبد الرحمان بن الحجاج (2) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول: أقيموا صفوفكم "؟ فقال يتم صلاته ثم يسجد
سجدتين. فقلت سجدتا السهو قبل التسليم هما أو بعد؟ قال بعد ".
ورواية عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي
(عليهم السلام) (3) قال: " سجدتا السهو بعد التسليم وقبل الكلام ".
إلى غير ذلك من الأخبار المتقدمة في مواضع وجوب سجدتي السهو.
ومما يدل على القول بالتفصيل ما رواه الشيخ في الصحيح عن سعد بن سعد
الأشعري (4) قال: " قال الرضا عليه السلام في سجدتي السهو إذا نقصت قبل التسليم وإذا
زدت فبعده " قال شيخنا الصدوق إني أفتي به في حال التقية (5).
وأما القول بأنهما قبل التسليم مطلقا فربما كان مستنده ما رواه الشيخ عن محمد
ابن سنان عن أبي الجارود (6) قال: " قلت لأبي جعفر عليه السلام متى أسجد سجدتي السهو؟
قال قبل التسليم فإنك إذا سلمت فقد ذهبت حرمة صلاتك ".
وأجاب الشيخ في الإستبصار عن هذه الرواية ورواية سعد بن سعد بالحمل على
ضرب من التقية، قال لأنهما موافقان لمذهب كثير من العامة (7) ونقل عن ابن
بابويه أنه قال إنما أفتي بهما في حال التقية. وهو جيد.
وأما ما ذكره في الذخيرة - من قوله ويمكن الجمع بين الأخبار بالتخيير أيضا

(1) الوسائل الباب 14 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 4 و 5 من الخلل في الصلاة
(3) الوسائل الباب 5 من الخلل في الصلاة
(4) الوسائل الباب 5 من الخلل في الصلاة
(5) ارجع إلى التعليقة 1 ص 329
(6) الوسائل الباب 5 من الخلل في الصلاة
(7) ارجع إلى التعليقة 1 ص 339 وإلى الاستدراكات
330

إلا أن الترجيح للتأويل المذكور - فضعيف لأن التخيير (أولا) فرع قيام المعارض
بالمعارضة والأمر هنا ليس كذلك كما عرفت. و (ثانيا) عدم وجود المحمل الشرعي
وقد عرفت أن الحمل على التقية أحد المحامل الشرعية المنصوصة عن أهل العصمة
(عليهم السلام) فلا معدل عنه إلى هذه الوجوه التخريجية. والله العالم.
(الثاني) - المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) استحباب التكبير
فيهما واستدلوا عليه بما رواه الصدوق في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله
عليه السلام (1) قال: " سألته عن سجدتي السهو هل فيهما تكبير أو تسبيح؟ فقال لا إنما
هما سجدتان فقط فإن كان الذي سها هو الإمام كبر إذا سجد وإذا رفع رأسه ليعلم من
خلفه أنه قد سها، وليس عليه أن يسبح فيهما ولا فيهما تشهد بعد السجدتين ".
وأنت خبير بما في الدلالة من القصور لاختصاص ذلك بالإمام مضافا إلى
ما دلت عليه من نفي التسبيح فيهما والتشهد مع دلالة الأخبار على ذلك، وبالجملة
فإن ما يقولون به لا تدل عليه وما تدل عليه الرواية لا يقولون به فلا وجه للتعلق بها.
(الثالث) - المشهور وجوب التشهد فيهما والتسليم، بل قال الفاضلان في
المعتبر والمنتهى إنه قول علمائنا أجمع، واستدلا على وجوب التشهد بقول الصادق
عليه السلام (2) في صحيحة الحلبي " واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهد فيهما تشهدا
خفيفا " وعلى وجوب التسليم بقوله عليه السلام في صحيحة ابن سنان (3) " إذا كنت
لا تدري أربعا صليت أم خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم بعدهما ".
أقول: ومما يدل على ذلك موثقة أبي بصير (4) قال: " سألته عن الرجل
ينسى أن يتشهد؟ قال يسجد سجدتين يتشهد فيهما ".
ورواية علي بن أبي حمزة (5) قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام إذا قمت في الركعتين

(1) الوسائل الباب 20 من الخلل في الصلاة
(2) ص 328
(3) الوسائل الباب 14 من الخلل في الصلاة
(4) الوسائل الباب 7 من التشهد (5) الوسائل الباب 26 من الخلل في الصلاة
331

الأولتين ولم تتشهد... إلى أن قال: فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما ثم تشهد
التشهد الذي فاتك " والمعنى أنه ينوي بتشهده في السجدتين قضاء ما فاته من التشهد كما
قدمنا تحقيقه في المسألة.
ورواية الحسن الصيقل عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " في الرجل يصلي الركعتين
من الوتر ثم يقوم فينسى التشهد حتى يركع ويذكر وهو راكع؟ قال يجلس من ركوعه
فيتشهد ثم يقوم فيتم. قال قلت أليس قلت في الفريضة إذا ذكره بعد ما ركع مضى
ثم سجد سجدتين بعد ما ينصرف بتشهد فيهما؟ قال ليس النافلة مثل الفريضة ".
وصحيحة علي بن يقطين (2) قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل
لا يدري كم صلى واحدة أو اثنتين أو ثلاثا؟ قال: يبني على الجزم ويسجد سجدتي
السهو ويتشهد خفيفا ".
ورواية سهل بن اليسع عن الرضا عليه السلام أنه قال: " يبني على يقينه ويسجد
سجدتي السهو بعد التسليم ويتشهد تشهدا خفيفا ".
وقال العلامة في المختلف: الأقرب عندي أن ذلك كله للاستحباب بل
الواجب فيه النية لا غير، واستدل عليه بأصالة البراءة ورواية عمار المتقدمة.
قال في المدارك: ويؤيده انتفاء الأمر بالتسليم في صحيحة الحلبي والأمر بالتشهد
في صحيحة ابن سنان مع ورودهما في مقام البيان. انتهى.
وفيه أن أصل الدليل عليل لا اعتماد عليه ولا تعويل فلا ينفع هذا التأييد مع
بطلان ما يبني عليه، أما الأصل فإنه يجب الخروج عنه بالدليل وقد عرفته مما
أوردناه من الأخبار المذكورة. وأما رواية عمار فهي مردودة بما اعترف به في
المقام من ضعفها فلا تنهض حجة في مقابلة تلك الأخبار، مضافا إلى ما في متنها

(1) الوسائل الباب 8 من التشهد
(2) الوسائل الباب 15 من الخلل في الصلاة
(3) الوسائل الباب 13 من الخلل في الصلاة
332

من التهافت والمخالفات كما سيأتي ايضاحه إن شاء الله تعالى. ووجود هذه الأحكام
في أخبار متفرقة وعدم اجتماعها في خبر واحد لا يمنع من العمل بها لوجود النظير
في جملة من المسائل بأن بضم بعض أخبار المسألة إلى بعض فيجتمع من المجموع جملة
الأحكام، وغاية ما فيها اطلاق بعض بالنسبة إلى الآخر فيحمل المطلق على المقيد
عملا بالقاعدة المقررة. وما ادعاه من أن المقام مقام البيان فيجب فيه ذكر جملة
الأحكام ممنوع كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في المقام.
وبالجملة فإن ما ذكره بمحل من الضعف وإن كان قد تبعه في ذلك صاحب الذخيرة
فقال - بعد الإشارة إلى بعض الأخبار الدالة على وجوب ذكرهما وما دل على عدم
ذكرهما مع وروده في مقام البيان - ما صورته: فيحصل الجمع بين الأخبار بحمل ما دل
على التشهد والتسليم على الاستحباب فإذا قول المصنف في المختلف قوي. انتهى.
(الرابع) - المشهور وجوب الذكر فيهما وتردد فيه المحقق في الشرائع، قال
في المدارك منشأ التردد من اطلاق قوله عليه السلام (1) " فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك
ثم سلم بعدهما " وقوله عليه السلام (2) " واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهد فيهما
تشهدا خفيفا " وغير ذلك من الأخبار الكثيرة المتضمنة لاطلاق الأمر بالسجود
من غير تعرض للذكر ولو كان واجبا لذكر في مقام البيان... ويدل على عدم الوجوب
صريحا رواية عمار المتقدمة حيث قال: " وليس عليه أن يسبح فيهما " ومن رواية
الحلبي الصحيحة عن الصادق عليه السلام (3) الدالة بظاهرها على الوجوب... إلى أن قال
وجزم المصنف في النافع والمعتبر بعدم وجوب الذكر مطلقا وهو غير بعيد وإن
كان العمل بمضمون هذه الرواية أولى وأحوط. انتهى.
وتبعه في ذلك في الذخيرة كما هي عادته غالبا فقال: وهل يجب فيهما الذكر
مطلقا؟ المشهور نعم خلافا للمحقق في المعتبر والمسنف في المنتهى وهو لا يخلو من قوة

(1) ص 329 و 330
(2) 328
(3) ص 334
333

نظرا إلى اطلاق الأمر بالسجود من غير تعرض للذكر في مقام البيان.
أقول - وبالله التوفيق إلى هداية الطريق - الأظهر عندي هو القول المشهور من
وجوب الذكر في السجدتين المذكورتين وأن المراد به الذكر المخصوص في هذا
الموضع لا مطلق الذكر.
والمستند في ما قلناه ما رواه في الكافي والتهذيب عن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال " يقول في سجدتي السهو بسم الله وبالله اللهم صلى على محمد
وآل محمد. قال الحلبي وسمعته مرة أخرى يقول فيهما بسم الله وبالله السلام عليك
أيها النبي ورحمة الله وبركاته " ورواه الصدوق في الفقيه (2) في الصحيح عن الحلبي...
الحديث إلا أن فيه " وصلى الله على محمد وآل محمد " وفي بعض نسخ الفقيه مثل
ما نقلناه عن الكافي أيضا، ورواه الشيخ عن عبيد الله الحلبي في الحسن عن أبي عبد الله
عليه السلام (3) مثل ما في الفقيه لكن فيه " والسلام " بإضافة الواو؟ والظاهر اجزاء الكل
إلا أن تطرق السهو إلى زيادة هذه الواو في رواية الشيخ غير بعيد لما علم من عدم
محافظته على ضبط الأخبار فالأحوط أن لا يؤتى بها.
وقال عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي (4): " وقال يقول في سجدتي السهو
بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآل محمد وسلم. وسمعته مرة أخرى يقول بسم الله
وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ".

(1) الفروع ج 1 ص 99 وفي الوسائل الباب 20 من الخلل في الصلاة، وقد سقط
النقل عن الكافي في الطبع الحديث من الوسائل. والظاهر أن كلمة " التهذيب " في المتن
هنا من سهو القلم أو زيادة النساخ لأن لفظ الحديث في التهذيب يختلف عن لفظه في الكافي
وسينقله عن التهذيب مستقلا.
(2) ج 1 ص 226 وفي الوسائل في الباب 20 من الخلل في الصلاة.
(3) التهذيب ج 1 ص 191 ولفظه هكذا " قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في
سجدتي السهو... " وفي الوسائل في الباب 20 من الخلل في الصلاة.
(4) ص 10
334

وأما ما يتوهم - من اطلاق سجدتي السهو في تلك الأخبار التي استند إليها
المحقق الذي هو منشأ هذا الخلاف فتبعه من تبعه فيه من الأسلاف والاخلاف
استنادا إلى أنه لو كان الذكر واجبا فيهما لذكر لأن المقام مقام البيان وحيث لم يذكر
علم أنه غير واجب -
ففيه أن المقام وإن كان مقام بيان إلا أنه ليس لبيان سجدتي السهو وكيفيتهما
وأحكامهما كما توهموه وإنما هو لبيان أحكام أخر وذكر سجدتي السهو إنما وقع
استطرادا لبيان أحكام تلك المسائل.
وها أنا أسوق لك جملة من أخبارهم التي استندوا إليها ليظهر لك صحة ما ذكرناه:
ففي صحيحة الحلبي (1) " إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت
فتشهد وسلم واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهد فيهما تشهدا خفيفا ".
وفي رواية عبد الله بن سنان (2) " فإن كنت لا تدري أربعا صليت أم خمسا
فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم بعدهما ".
وفي حسنة زرارة (3) " إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أزاد أم نقص
فليسجد سجدتين وهو جالس... الحديث ".
وفي موثقة إسحاق بن عمار (4) " إذا ذهب وهمك إلى التمام ابدأ في كل صلاة
فاسجد سجدتين بغير ركوع " إلى غير ذلك من الأخبار التي ذكر فيها سجود السهو.
فإنه لا يخفى أن المقام إنما هو في بيان تلك الموجبات للسجود وأن من جملة ما يترتب
على حصول تلك الأسباب سجود السهو، فذكر سجود السهو إنما وقع استطرادا لما
يترتب على الأسباب لا أن المقام مقام بيان السهو وما يترتب عليه ويتعلق به
من الأحكام. نعم ربما عبروا (عليهم السلام) بمجرد الاتيان بالسجدتين وربما
أضافوا إلى ذلك بعض أحكامهما من كونهما بعد التسليم وكونه يسلم فيهما وكونه يتشهد

(1) الوسائل الباب 14 من الخلل في الصلاة.
(2) الوسائل الباب 14 من الخلل في الصلاة.
(3) الوسائل الباب 14 من الخلل في الصلاة.
(4) الوسائل الباب 7 من الخلل في الصلاة
335

فيهما، وحينئذ فغاية الأخبار المذكورة أن تكون مطلقة بالنسبة إلى أحكام السجدتين
حيث لم يتعرض لذكر شئ منها فيهما والقاعدة تقتضي حمل مطلقها على مقيدها.
وأما صحيحتا الحلبي الواردتان بالذكر فيهما فإن المقام فيهما مقام البيان
لسجدتي السهو وما يجب فيهما من الذكر وإنما سيقتا لذلك فيجب تقييد اطلاق
تلك الأخبار بهما.
وبالجملة فإنك إذا لاحظت روايات المسألة كملا وضممت مطلقها إلى مقيدها
ومجملها إلى مفصلها ظهر لك صحة ما قلناه وقوة ما ادعيناه.
وأما رواية عمار (1) فهي لا تبلغ حجة في معارضة صحيحتي الحلبي ولا غيرهما
من الأخبار المشار إليها آنفا، مضافا إلى نفي التشهد فيها مع استفاضة الأخبار به كما
عرفت، وما تضمنته من ايجاب التكبير على الإمام إذا سها مع أنهم لا يقولون
به، مع ما في روايات عمار من الغرائب التي قد تقدم الطعن عليه بذلك من جملة من
الأصحاب. وحملها بعض الأصحاب على التقية لموافقة ما اشتملت عليه لجملة من
العامة (2) وهو جيد. على أن الرواية إنما تضمنت نفي التسبيح فيهما يعني مثل
تسبيح سجود الصلاة وهو كذلك، وهو لا يستلزم نفي غيره من الذكر الذي اشتملت
عليه صحيحتا الحلبي. وبالجملة فالأظهر عندي هو القول المشهور لما عرفت.
ثم إن المحقق في المعتبر طعن في صحيحة الحلبي بأنها منافية للمذهب من حيث
تضمنها وقوع السهو من الإمام، قال ثم لو سلمناه لما وجب فيهما ما سمعه لاحتمال أن
يكون ما نقله على وجه الجواز لا اللزوم.

(1) ص 331
(2) اشتملت الرواية على متابعة المأموم للإمام في السجود إذا كان السهو من الإمام
وقد تقدم في ص 285 أنه مذهب العامة. وقد اختلفوا في التشهد والسلام لهما على أقوال كما
في عمدة القارئ ج 3 ص 745 و 746 وفيه أيضا ج 3 ص 738 التكبير مشروع لسجود
السهو بالاجماع.
336

ورد بأن سماع ذلك من الإمام لا يستلزم وقوع السهو عنه لجواز كونه اخبارا
عما يقال فيهما بل الظاهر أنه هو المراد لقوله عليه السلام في الرواية المتقدمة (1) بنقل
صاحبي الكافي والفقيه قال: يقول في سجدتي السهو بسم الله... الحديث ".
وأما ما ذكره - من أنه لو سلم وجوب الذكر فيهما فإنه لا يتعين فيهما ما سمعه
لاحتمال أن يكون على وجه الجواز لا اللزوم - ففيه ما حققناه في مسألة الابتداء
بالأعلى في غسل الوجه من كتاب الطهارة من أن فعله عليه السلام إذا وقع بيانا للمجمل
وجب اتباعه وتعين فعله والأمر هنا كذلك. وقد تقدم تحقيق المسألة في الموضع
المذكور. والله العالم.
وقد تلخص مما حققناه في المقام أن الواجب فيهما هو الذكر المذكور في
الأخبار - وجوز الشيخ في المبسوط فيهما ما شاء من الأذكار ولا أعرف له دليلا
- والتشهد والتسليم، ونقل عن أبي الصلاح هنا أنه ينصرف منهما بالسلام على محمد
صلى الله عليه وآله ولم ينقلوا عليه دليلا. والمراد بالتشهد الخفيف فيهما هو الاقتصار على
الواجب منه كما ذكره بعض الأصحاب. ويحتمل - ولعله الأقرب - الحمل على التشهد
الخالي من الأذكار الطويلة المستحبة في التشهد وإن اشتمل على بعض المستحبات.
(الخامس) - قال في المدارك: ويجب فيهما السجود على الأعضاء السبعة
ووضع الجبهة على ما يصح السجود عليه. لأنه المعهود من لفظ السجود في الشرع
فينصرف إليه اللفظ عند الاطلاق. وفي وجوب الطهارة والستر والاستقبال
قولان أحوطهما الوجوب. انتهى.
أقول: لا يخفى أن دعوى أن المعهود من لفظ السجود ما ذكره لا يخلو
من بعد، لأن هذا إنما يتم في سجود الصلاة حيث إنه اشترط فيه ذلك لا مطلق
السجود، كيف؟ وهو قد قال في سجود التلاوة: وفي اشتراط وضع الجبهة على
ما يصح السجود عليه والسجود على الأعضاء السبعة واعتبار المساواة بين المسجد

(1) ص 334
337

والموقف نظر، ولا ريب أن اعتبار ذلك أحوط. انتهى. وما نحن فيه كذلك
ولو تم ما ذكره هنا لجرى في سجود التلاوة أيضا لأن المسألتين من باب واحد وهو
قد تنظر فيه وإنما تمسك بالاحتياط فكذا القول في هذه المسألة، لأن المسألة خالية
من النص ولفظ السجود من حيث هو لا يدل على ذلك. لكن يقين البراءة من
التكليف الثابت بيقين يقتضي ما ذكره. وأما ما ذكره من وجوب الطهارة والستر
والاستقبال فالأمر فيه كذلك أيضا لعدم النص إلا أن المفهوم من ظاهر النصوص
الدالة على الفورية والمبادرة بهما بعد التسليم وقبل الكلام (1) ذلك بناء على ما هو
الغالب من حال المكلف من بقائه على الحال التي كان عليها في الصلاة. وبالجملة
فإنه لا مستمسك في هذا المقام زيادة على الاحتياط ويقين البراءة من التكليف
الثابت. والله العالم.
(السادس) - المشهور بين الأصحاب أنه لو تركهما عمدا لم تبطل صلاته ووجوب
عليه الاتيان بهما وإن طالت المدة، إذ غاية ما يفهم من الأخبار هو وجوبهما
لا اشتراط صحة الصلاة بهما.
ونقل عن الشيخ في الخلاف اشتراط صحة الصلاة بهما، قال في الذخيرة
وهو أحوط، ثم قال وتحقيق الأمر مبني على أن الصلاة اسم للأركان مطلقا أو
مقيدا باستجماعها شرائط الصحة، وعلى الأول يقوى الأول وعلى الثاني الثاني لتوقف
اليقين بالبراءة عليه. انتهى.
وفيه أنه لا ريب أن الصلاة اسم لهذه الأفعال المخصوصة التي مفتاحها التكبير
وتحليلها التسليم (2) وهو اتفاق نصا وفتوى. ولا ريب أن المكلف متى سلم فقد
تمت صلاته ومضت على الصحة ما لم يعرض لها شئ من القواطع المتقدمة، وايجاب
الشارع بعد ذلك بعض الأفعال - تداركا لخلل واقع فيها غير مبطل لها مثل صلاة
الاحتياط وقضاء السجدة أو التشهد على القول به أو سجود السهو مثلا - لا يدل على

(1) ص 330
(2) الوسائل الباب 1 من التسليم
338

اشتراط صحتها به وأنه إن لم يأت به بطلت صلاته لعدم الدليل على ذلك، ومجرد
الأمر بتلك الأشياء لا يدل عليه بل غايته التأثيم بالاخلال بذلك كما تقدم تحقيقه.
ويدل على وجوب الاتيان بهما متى نسيهما ثم ذكر بعد ذلك ما رواه الشيخ
في الموثق عن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " سألته عن الرجل إذا سها في
الصلاة فينسى أن يسجد سجدتي السهو؟ قال يسجدهما متى ذكر ".
والمفهوم من الأخبار كما تقدمت الإشارة إليه وجوبهما فورا لاشتمال الأخبار
على أن محلهما بعد التسليم وقبل الكلام إلا أنه قد روى الشيخ عن عمار في الموثق
عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " سألته عن الرجل يسهو في صلاته فلا يذكر ذلك
حتى يصلي الفجر كيف يصنع؟ قال لا يسجد سجدتي السهو حتى تطلع الشمس
ويذهب شعاعها " والظاهر أنه لا قائل به من الأصحاب (رضوان الله عليهم).
(السابع) - قال في الذكرى: لو جلس في موضع قيام ناسيا ولما يتشهد
كالجلوس على الأول أو الثالثة صرف إلى جلسة الاستراحة ولا سجود عليه على
الأقوى، وإن تشهد وجب السجود للتشهد لا للجلوس على الأصح. وفي الخلاف
إن كان الجلوس بقدر الاستراحة ولم يتشهد فلا سجود عليه وإن تشهد أو جلس
بقدر التشهد سجد على القول بالزيادة والنقيصة وفي المختلف إن جلس ليتشهد
ولم يتشهد فالزائد على جلسة الاستراحة يوجب السجود والظاهر أنه مراد الشيخ.
ولكن في وجوب السجود للزائد عن قدرها للتشهد اشكال لأن جلسة الاستراحة
لا قدر لها بل يجوز تطويلها وتركه فإن صرف الجلوس للتشهد إليها فلا يضر طولها
وإن لم يصرف فلا ينفع قصرها في سقوط سجود السهو. انتهى كلامه زيد اكرامه.
أقول: لا يخفى أن الأفعال تابعة للقصود و النيات فهيا تصير عبادة تارة ولغوا
أخرى، وهذا الجالس في أحد هذين الموضعين إن قصد بجلوسه جلسة الاستراحة
خاصة طول أو قصر فلا اشكال، وإن قصد به التشهد ولم يأت بالتشهد فالحق ما قاله

(1) الوسائل الباب 32 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 32 من الخلل في الصلاة
339

في المختلف من أن ما زاد على جلسة الاستراحة يوجب سجدتي السهو بناء على القول
بأنهما لكل زيادة ونقيصة لتحقيق حصول الزيادة. وقول شيخنا (قدس سره) هنا
- ولكن في وجوب السجود للزائد عن قدرها للتشهد اشكال... إلى آخره - مردود
بأنه إنما قصد الجلوس للتشهد وبهذا الفصد يكون هذا الجلوس زيادة في الصلاة حيث إنه غير محل التشهد، نعم استثنى منه قدر ما يحصل به جلوس الاستراحة حيث إنه لا يشترط في الاتيان به قصد الاستراحة به بل يكفي الاتيان به كيف اتفق وبه
تتحقق سنة الاستراحة ولو اتفق وقوعه سهوا. وقوله - فإن صرف الجلوس
للتشهد إليها... إلى آخره - لا أعرف له وجها فإن المفروض أن هذا الجلوس جميعه إنما
وقع بقصد التشهد مع زيادته على ما هو المتعارف من جلسة الاستراحة لا أنه
صرف جلوس التشهد الزائد إلى جلسة الاستراحة ونوى به أنه من الاستراحة
والفرق بين الأمرين واضح. والله العالم.
(الثامن) - اختلف الأصحاب في ما لو تعدد الموجب للسجود فهل يتداخل
مطلقا أو لا مطلقا أو التداخل إن تجانس السبب وإلا فلا؟ أقوال: وإلى الأول
ذهب في المبسوط وجعل التعدد أحوط، وإلى الثاني ذهب العلامة في المختلف وجمع
من المتأخرين، وإلى الثالث ذهب ابن إدريس، قال في كتابه: إن تجانس اكتفى
بالسجدتين لعدم الدليل ولقولهم (عليهم السلام) (1) " من تكلم في صلاته ساهيا
تجب عليه سجدتا السهو، ولم يقولوا دفعة واحدة أو دفعات، فأما إذا اختلف
الجنس فالأولى عندي بل الواجب الاتيان عن كل جنس بسجدتي السهو لعدم الدليل
على تداخل الأجناس بل الواجب اعطاء كل جنس ما يتناوله اللفظ لأنه قد تكلم
وقام في حال قعود وقالوا (عليهم السلام) " من تكلم تجب عليه سجدتا السهو (2) ومن
قام في حال قعود تجب عليه سجدتا السهو " (2) وهذا قد فعل الفعلين فيجب عليه

(1) هذا مضمون ما يدل على ذلك راجع ص 314
(2) هذا مضمون ما يدل على ذلك راجع ص 314
(3) هذا مضمون ما استدل به لذلك راجع ص 323
340

امتثال الأمر، ولا دليل على التداخل لأن الفرضين لا يتداخلان بلا خلاف
محقق. انتهى.
واستدل العلامة في المختلف على ما ذهب إليه من عدم التداخل وأطال بما
لا يرجع إلى طائل، ومرجعه إلى وجوب تعدد المسبب بتعدد السبب وإلا لزم
تخلف المعول عن علته التامة لغير مانع أو تعدد العلل المستقلة على المعلول الواحد
الشخصي وكل واحد منهما محال فالملزوم محال، ثم أطال في بيان هذه المقدمات.
وأنت خبير بأن هذا إنما يجري في العلل العقلية لا العلل الشرعية فإنها ليست من
قبيل العلل العقلية التي يدور المعلول مدارها وجودا وعدما وإنما هي معرفات كما
تقدم التصريح به في غير موضع، وهذا أمر ظاهر لمن تدبر الأخبار المنقولة في
كتاب علل الشرائع وما اشتملت عليه من العلل لتلك الأحكام.
وقال في الذكرى: والأقرب عدم التداخل لقيام السبب واشتغال الذمة، ولما
روي عن النبي صلى الله عليه وآله (1) قال: " لكل سهو سجدتان ".
وفيه أنه لو ثبت الخبر المذكور لكان حجة واضحة إلا أن الظاهر أنه ليس من
طرقنا وإنما هو من طريق العامة. وأما التعليل. وأما التعليل بما ذكره فستعرف ما فيه مما يبين
عن ضعف باطنه وخافيه.
والأقرب - كما استقربه جمع من أفاضل متأخري المتأخرين - هو القول
بالتداخل مطلقا لما روي عنهم (عليهم السلام) (2) بأسانيد عديدة " إذا اجتمعت
لله عليك حقوق أجزأك عنها حق واحد " وما ذكره العلامة من وجوب تعدد
المسببات بتعدد الأسباب إنما هو في الأسباب الحقيقية التي يدور المسبب فيها مدار
السبب وجودا وعدما، وكذا قولهم " إنه لا يجوز اجتماع علتين على معلول واحد "
إنما هو في تلك العلل العقلية لا الشرعية، ألا ترى أنه قد ورد في تعليل وجوب

(1) في سنن أبي داود ج 1 ص 374 " لكل سهو سجدتان بعد ما يسلم "
(2) الوسائل الباب 43 من الجنابة
341

العدة على المطلقة أن ذلك لاستبراء الرحم من الولد (1) مع وجوب العدة وإن كان
قد فارقها قبل الطلاق بعشر سنين مثلا، وورد علة استحباب غسل الجمعة أن
الأنصار كانت تحضر الصلاة وتأتي من نواضحها فيتأذى الناس بريح آباطهم فأمر
صلى الله عليه وآله بالغسل لذلك (2) مع ما عرفت من عموما الاستحباب لمن كان ريحه أطيب
من ريح المسك بل جواز تقديمه وقضائه، إلى غير ذلك من العلل التي يقف عليها المتتبع.
وقال في الذخيرة حيث اختار التداخل: لنا أن الأمر مطلق فيحصل
الامتثال بفرد واحد من المأمور به، فإنهم (عليهم السلام) قالوا " إذا تكلم سجد
للسهو (3) وإذا سلم في غير موضعه سجد للسهو " وليس في أحد النصين تقييد للسجود
بكونه سجودا مغايرا لسجود يتدارك به خلل آخر بل النص مطلق فيحصل امتثال كل
من التكليفين بكل ما كان فردا للسجود.
ويمكن تطرق المناقشة إليه بأن المتبادر من قوله " إذا تكلم سجد للسهو " مثلا
هو أن ذلك السجود للكلام خاصة والاكتفاء به عن السلام وغيره يحتاج إلى دليل
ومجرد عدم التقييد للسجود بكونه سجودا مغايرا لسجود يتدارك به خلل آخر لا يكفي
في الاكتفاء به، فإنه متى انصرف هذا السجود إلى الكلام مثلا بهذا الخبر وتعين
ترتبه عليه فدخول غيره من الأسباب ومشاركته لهذا السبب يتوقف على الدليل.
وبالجملة فالأظهر إنما هو الاستناد إلى ما ذكرنا من عموم النص المتقدم.
ومما يستأنس به لذلك - بل يمكن أن يكون دليلا واضحا في المقام وإن لم
يخطر ببال أحد من علمائنا الأعلام رفع الله تعالى أقدارهم في دار السلام -

(1) الوسائل الباب 30 من العدد
(2) الوسائل الباب 6 من الأغسال المسنونة
(3) هذا مضمون ما يدل على ذلك راجع ص 314
(4) يمكن أن يكون ذكر هذا المضمون من باب المثال إذ ورود ما يدل على ذلك محل
الكلام كما تقدم في الأمر الثاني ص 317 وكما تقدم من صاحب الذخيرة في المسألة الثانية من
المسائل التي عقدها تعليقا على بيان العلامة " قدس سره " أسباب سجود السهو.
342

موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " أنه سأله عن رجل صلى ثلاث ركعات
فظن أنها أربع فسلم ثم ذكر أنها ثلاث؟ قال يبني على صلاته ويصلي ركعة ويتشهد
ويسلم ويسجد سجدتي السهو ".
والتقريب فيها أنه جلس في موضع قيام وهو أحد موجبات سجود السهو كما
تقدم ودلت عليه جملة من الأخبار، وتشهد وهو أحد الموجبات بناء على القول
بالزيادة والنقصان (2) وسلم وهو كذلك، فهذه موجبات ثلاثة للسجود مع أنه عليه السلام
لم يأمره إلا بسجود واحد.
ونحوها عبارة كتاب الفقه المتقدمة مع هذه الرواية في الموضع الثاني من
صدر الخاتمة (3).
إلا أن الاستدلال بهذين الخبرين إنما يقوم دليلا واضحا مع اتفاق الأخبار
على سببية هذه الأسباب الثلاثة وقد عرفت الاختلاف في كل واحد من المواضع
الثلاثة. والله العالم.
(التاسع) - قال شيخنا الشهيد (عطر الله مرقده) في الذكرى: ينبغي ترتيبه
بترتيب الأسباب.
ولو كان هناك ما يقضي من الأجزاء قدمه على سجدتي السهو وجوبا
على الأقوى. ولو تكلم ونسي سجدة سجدها أو لا ثم سجد لسهوها وإن كان متأخرا
عن الكلام لارتباطه بها، ويحتمل تقديم سجود الكلام لتقدم سببه. ولو ظن أن
سهوه كلام فسجد له فتبين أنه كان نسيان سجدة فالأقرب الإعادة بناء على أن تعيين
السبب شرط وهو اختيار الفاضل. ولو نسي سجدات أتى بها متتاليا وسجد للسهو
بعدها وليس له أن يخلله بينها على الأقرب صونا للصلاة عن الأجنبي. انتهى.

(1) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة
(2) الظاهر منه " قدس سره " عند تحريره لهذه المسألة ص 154 أنه بنفسه موجب
للسجود وإن لم يجب لكل زيادة ونقصان.
(2) ص 317
343

وفي أكثر هذه الأحكام تأمل سيما بعد ما عرفت من أن عمدة ما يقضي عندهم
من الأجزاء المنسية هو السجدة والتشهد، وقد عرفت أن الروايات الواردة بقضاء
السجدة ليس فيها ما يدل على سجود السهو بل الذي فيها إنما يدل على عدمه،
والروايات الواردة في التشهد لا دلالة فيها على قضاء التشهد كما يدعونه وإنما تضمنت
سجود السهو خاصة، ومع الاغماض عن ذلك والنظر إلى استدلالهم فما اشتمل منها
على قضاء التشهد ليس فيه تعرض للسجود بالكلية وما اشتمل منها على السجود
ليس فيه تعرض لذكر القضاء بالكلية.
(العاشر) - المشهور بين الأصحاب (عطر الله مراقدهم) أن وجوب السجدتين
المذكورتين فوري مستندين إلى كون الأمر للفور. وفيه منع ظاهر لما صرح به
محققو الأصوليين في المسألة من عدم ذلك كما لا يخفى على من راجع كتبهم.
واستندوا أيضا إلى الأخبار المتقدمة الدالة على ايقاعهما جالسا قبل أن يتلكم
وأنهما بعد السلام وقبل الكلام (1).
وأورد عليه بأن غاية ما تدل عليه كون ايقاعهما قبل الكلام ولا تلازم
بينه وبين الفورية.
أقول: لا يخفى أنه وإن كان هذا الوجه لا يصلح دليلا إلا أن اشعاره بالفورية
ظاهر، فإن المتبادر - من كونه بعد السلام وقبل الكلام كما اشتمل عليه بعض
الأخبار مع حمل البعدية على البعدية القريبة كما هو المتبادر من الاطلاق - هو الفورية به
وظاهر الشهيد في الألفية جعل الفورية مستحبة فيهما حيث قال: ولا يجب
فعلهما في الوقت ولا قبل الكلام والأولى وجوبه. قال شيخنا الشهيد الثاني في
الشرح: لورود أخبار كثيرة وفيها اشعار بالفورية، ولما كانت الأخبار ليست
سليمة من الطعن لم يكن التزام مدلولها متعينا بل أولى. ثم نقل القول بالفورية عن
الذكرى. وظاهر كلامه (قدس سره) أن سبب العدول إلى استحباب الفورية

(1) ص 330
344

دون الوجوب إنما هو من حيث عدم سلامة الأخبار المشار إليها من الطعن.
والظاهر أن مراده الطعن في الدلالة لما قدمنا ذكره وإلا فجملة من الأخبار المشار إليها
لا طعن فيها من حيث السند.
ثم إنه على القولين المذكورين لا يقدح تأخيرهما في صحة الصلاة ويجب الاتيان
بهما وإن طالت المدة.
ونقل أيضا عن ظاهر العلامة في النهاية استحباب الفورية.
وظاهر جملة من الأصحاب تحريم سائر المنافيات قبلهما، وربما كان التفاتهم إلى
أن الأمر بهما بعد التسليم وقبل الكلام الذي هو من المنافيات وتخصيصه بالذكر حيث
إن الغالب وقوعه بعد الفراغ وذكره إنما خرج مخرج التمثيل لذلك. وبه يظهر ما في
رد بعض المتأخرين لما ذكروه بأنه غير مستفاد من الأخبار. وكيف كان
فالاحتياط يقتضيه البتة.
وذهب جماعة من الأصحاب إلى وجوب ايقاعهما في وقت الصلاة التي لزمتا
بسببها ولم يذكروا له دليلا معتمدا، وظاهر الألفية كما تقدم في عبارتها الاستحباب.
وظاهر أكثر الأصحاب الاتفاق على أنه لو أخل بالفور أو الوقت أو تكم عمدا
أو سهوا لا تبطل الصلاة به ولا يسقط السجود إذ لا دليل يدل على اشتراط صحة
الصلاة به كما تقدم ذكره، وتدل عليه رواية عمار المتقدمة في المقام السادس وكذا
روايته الثانية المذكورة ثمة (1) إلا أن موردهما النسيان. وظاهر الثانية وقوع السهو
في الصلاة السابقة على الفجر.
تتمة تشتمل على فائدتين
(الأولى) - الأظهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في التخيير في النافلة بين البناء
على الأكثر أو الأقل لو عرض له الشك فيها مع أفضلية البناء على الأقل، قال في
المدارك: لا ريب في أفضلية البناء على الأقل لأنه المتيقن، وأما جواز البناء على

(1) ص 339
345

الأكثر فقال المصنف في المعتبر أنه متفق عليه بين الأصحاب، واستدل عليه بأن
النافلة لا تجب بالشروع فكان للمكلف الاقتصار على ما أراد. ثم قال في المدارك:
وهو استدلال ضعيف إذ ليس الكلام في جواز القطع وإنما هو في تحقيق الامتثال
بذلك وهو يتوقف على الدليل إذ مقتضى الأصل عدم وقوع ما تعلق به الشك.
انتهى. وهو جيد.
أقول يمكن أن يستدل لأفضلية البناء على الأقل هنا بما رواه ثقة الاسلام في
الكافي مرسلا (1) قال " وروي أنه إذا سها في النافلة بنى على الأقل " والظاهر من
ايراده هذا الخبر هو التنبيه على الفرق بين الفريضة والنافلة، فإن حكم الفريضة
- كما قدمنا تحقيقه - هو البناء على الأكثر مطلقا وما ورد فيها من البناء على الأقل
فقد بينا وجهه، وأما النافلة فإن الحكم فيها هو البناء على الأقل لهذا الخبر. وأما
ما ذكره أصحابنا من جواز البناء على الأكثر فالظاهر أنه لا مستند له إلا ما يدعونه
من الاتفاق كما سمعت من عبارة المعتبر.
قال في المدارك: واعلم أنه لا فرق في مسائل السهو والشك بين الفريضة
والنافلة إلا في الشك في الأعداد فإن الثنائية من الفريضة تبطل بذلك بخلاف النافلة،
وفي لزوم سجود السهو فإن النافلة لا سجود فيها بفعل ما يوجبه في الفريضة للأصل
وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (2) قال: " سألته عن السهو
في النافلة؟ قال ليس عليك سهو " انتهى. وهو جيد. والظاهر من صحيحة محمد بن مسلم
المذكورة أن السهو في النافلة لا يوجب ما يوجبه السهو في الفريضة من سجدتي
السهو أو غيرهما فمعنى قوله " ليس عليك سهو " رفع أحكام السهو بالكلية.
وأما ما ورد في بعض الأخبار من الإعادة بالشك في الوتر فحمله الأصحاب

(1) الوسائل الباب 18 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 18 من الخلل في الصلاة، وفيه هكذا " ليس عليك شئ " وكذا
في الفروع ج 1 ص 100 والتهذيب ج 1 ص 234 والوافي باب " من لا يعتد بشكه.. "
346

على الاستحباب دون البطلان وقد تقدم ذكره.
وروى الشيخ في الصحيح عن عبيد الله الحلبي (1) قال: " سألته عن رجل
سها في ركعتين من النافلة فلم يجلس بينهما حتى قام فركع في الثالثة؟ قال يدع ركعة ويجلس
ويتشهد ويسلم ثم يستأنف الصلاة بعد ".
وهذا الخبر مؤيد لما ذكرناه في معنى صحيحة محمد بن مسلم من العموم فإنه في
هذه الصورة المفروضة قد صلى النافلة ثلاث ركعات ولم يذكر إلا في حال ركوعه في
الثالثة فأمره عليه السلام بإلغاء الركعة الثالثة والبناء على الركعتين الأولتين ولم يحكم ببطلان
النافلة للزيادة كما حكموا به في الفريضة. وفي معناها رواية الحسن الصيقل المتقدمة
في المقام الثالث (2) والله العالم.
(الثانية) - روى ثقة الاسلام والصدوق عن السكوني عن أبي عبد الله
عليه السلام (3) قال: " أتى رجل النبي صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله أشكو إليك ما ألقى من الوسوسة
في صلاتي حتى لا أدري ما صليت من زيادة أو نقصان؟ فقال: إذا دخلت في
صلاتك فاطعن فخذك الأيسر بإصبعك اليمنى المسبحة ثم قل: بسم الله وبالله توكلت على
الله أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. فإنك تنحره وتطرده ".
وروى الصدوق في الفقيه (4) عن عمر بن يزيد في الصحيح أنه قال " شكوت
إلى أبي عبد الله (عليه السلام) السهو في المغرب فقال صلها بقل هو الله أحد وقل يا أيها
الكافرون ففعلت ذلك فذهب عني ".
وعن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد الله عليه السلام (5) قال: " أتى النبي صلى الله عليه وآله رجل
فقال يا رسول الله لقيت من وسوسة صدري شدة وأنا رجل معيل مدين محوج؟
فقال له كرر هذه الكلمات " توكلت على الحي الذي لا يموت والحمد لله الذي لم يتخذ

(1) الوسائل الباب 18 من الخلل في الصلاة
(2) ص 332
(3) الوسائل الباب 31 من الخلل في الصلاة.
(4) ج 1 ص 224
(5) ج 1 ص 224
347

صاحبة ولا ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره وتكبيرا "
قال فلم يلبث أن عاد إليه فقال يا رسول الله صلى الله عليه وآله أذهب الله عني وسوسة صدري
وقضى ديني ووسع رزقي " نسأل الله أن يذهب عنا وسوسة الصدور وينجينا
من عداوة الشيطان الرجيم في الورود والصدور ويقضي عنا ديون الدنيا والآخرة
ويصلح لنا الأمور ويوسع في أرزاقنا ويقينا كل محذور.
إلى هنا انتهى الكلام في المجلد الثالث (1) من كتاب الحدائق الناضرة في
أحكام العترة الطاهرة ويتلوه إن شاء الله تعالى المجلد الرابع في صلاة الجمعة وما
يتبعها من الصلوات والملحقات وفق الله لاتمامه والفوز بسعادة ختامه ودفع
عنا عوائق هذه الأيام وما تبديه ولا سيما عروض الأمراض والأسقام وبوائقها
التي لا تنيم ولا تنام. وكان ذلك في الأرض المقدسة التي على التقوى مؤسسة
كربلاء المعلى على ساكنها وأجداده وأبنائه صلوات ذي العلا في اليوم الأول من
الشهر المبارك شهر رمضان ختم بالخير والعافية والرضوان من السنة الثامنة والسبعين
بعد المائة والألف من الهجرة النبوية على مهاجرها وآله أفضل التحية.
الباب الثالث
في بقية الصلوات وفيه فصول
(الفصل الأول) - في صلاة الجمعة وفيه مقدمة ومطالب:
أما المقدمة ففي فضل يوم الجمعة وليلته، روى في الكافي عن أبي بصير (2) قال
" سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول ما طلعت الشمس بيوم أفضل من يوم الجمعة ".

(1) هذا بحسب تقسيمه " قدس سره " وأما بحسب تقسيمنا فهذا هو الجزء التاسع
وينتهي - حفظا للتوازن بين الأجزاء - بنهاية المطلب الأول في بيان حكم صلاة الجمعة في
زمن الغيبة، ويبتدئ الجزء العاشر من المطلب الثاني في شروط وجوب الجمعة.
(2) الوسائل الباب 40 من صلاة الجمعة وآدابها
348

وعن أحمد بن محمد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (1) قال: " قال رسول الله
صلى الله عليه وآله أن يوم الجمعة سيد الأيام يضاعف الله تعالى فيه الحسنات ويمحو فيه السيئات
ويرفع فيه الدرجات ويستجيب فيه الدعوات ويكشف فيه الكربات ويقضي فيه
الحوائج العظام، وهو يوم المزيد لله فيه عتقاء وطلقاء من النار، وما دعا به أحد عن
الناس وعرف حقه وحرمته إلا كان حقا على الله تعالى أن يجعله من عتقائه وطلقائه
من النار، فإن مات في يومه وليلته مات شهيدا وبعث آمنا، وما استخف أحد بحرمته
وضيع حقه إلا كان حقا على الله عز وجل أن يصليه نار جنهم إلا أن يتوب ".
وعن أبان عن الصادق عليه السلام (2) قال: " إن للجمعة حقا وحرمة فإياك أن
تضيع أو تقصر في شئ من عبادة الله تعالى والتقرب إليه بالعمل الصالح وترك المحارم
كلها، فإن الله يضاعف فيه الحسنات ويمحو فيه السيئات ويرفع فيه الدرجات. وذكر
أن يومه مثل ليلته فإن استطعت أن تحييها بالصلاة والدعاء فافعل فإن ربك ينزل في أول
ليلة الجمعة إلى السماء الدنيا فيضاعف فيه الحسنات ويمحو فيه السيئات وإن الله واسع كريم "
أقول: الظاهر كما استظهره في الوافي وقوع التقديم والتأخير في قوله في الخبر
" يومه مثل ليلته " سهوا من بعض النقلة وأنه إنما كان " ليلته مثل يومه ".
وعن ابن أبي يعفور عن الباقر عليه السلام (3) قال: " قال له رجل كيف سميت
الجمعة؟ قال إن الله عز وجل جمع فيها خلقه لولاية محمد صلى الله عليه وآله ووصيه في الميثاق
فسماه يوم الجمعة لجمعه فيه خلقه ".
وعن جابر عن الباقر عليه السلام (4) قال: " سئل عن يوم الجمعة وليلتها فقال
ليلتها ليلة غراء ويومها يوم أزهر، وليس على وجه الأرض يوم تغرب فيه

(1) الوسائل الباب 40 من صلاة الجمعة وآدابها
(2) الوسائل الباب 40 من صلاة الجمعة وآدابها
(3) الوسائل الباب 40 من صلاة الجمعة وآدابها. والسند فيه هكذا: عن ابن أبي يعفور عن أبي حمزة عن أبي جعفر " ع " وكذا في الفروع ج 1 ص 115. وفي
التهذيب ج 1 ص 246 عن الكليني كما في المتن وكذا في الوافي باب فضل يوم الجمعة وليلته.
(4) الوسائل الباب 40 من صلاة الجمعة وآدابها.
349

الشمس أكثر معافى من النار، من مات يوم الجمعة عارفا بحق أهل البيت (عليهم
السلام) كتب الله تعالى له براءة من النار وبراءة من عذاب القبر، ومن مات ليلة
الجمعة أعتق من النار ".
وعن إبراهيم ابن أبي البلاد عن بعض أصحابه عن الباقر أو الصادق (عليهما
السلام) (1) قال: " ما طلعت الشمس بيوم أفضل من يوم الجمعة وأن كلام الطير
فيه إذا لقي بعضها بعضا سلام يوم صالح ".
وعن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا (عليه السلام) (2) قال: " قلت له بلغني أن
يوم الجمعة أقصر الأيام؟ قال كذلك هو. قلت جعلت فداك كيف ذاك؟ قال إن
الله تعالى يجمع أرواح المشركين تحت عين الشمس فإذا ركدت الشمس عذب الله أرواح
المشركين بركود الشمس ساعة فإذا كان يوم الجمعة لا يكون للشمس ركود رفع الله
تعالى عنهم العذاب لفضل يوم الجمعة فلا يكون للشمس ركود ".
وروى في الفقيه (3) مرسلا قال: " سئل الصادق عليه السلام عن الشمس كيف
تركد كل يوم ولا يكون لها يوم الجمعة ركود؟ قال لأن الله تعالى جعل يوم الجمعة أضيق
الأيام. فقيل له ولم جعله أضيق الأيام؟ قال لأنه لا يعذب المشركين في ذلك اليوم
لحرمته عنده ".
وروى في الفقيه والتهذيب عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (4) قال:
" أن الله تبارك وتعالى لينادي كل ليلة جمعة من فوق عرشه من أول الليل إلى آخره
ألا عبد مؤمن يدعوني لآخرته ودنياه قبل طلوع الفجر فأجيبه؟ ألا عبد مؤمن
يتوب إلى من ذنوبه قبل طلوع الفجر فأتوب عليه؟ ألا عبد مؤمن قد قترت عليه

(1) الوسائل الباب 40 من صلاة الجمعة وآدابها
(2) الفروع ج 1 ص 116 وفي الوسائل الباب 40 من صلاة الجمعة وآدابها
(3) ج 1 ص 145 وفي الوسائل الباب 40 من صلاة الجمعة وآدابها
(4) الوسائل الباب 44 من صلاة الجمعة وآدابها. والرواية عن أبي جعفر (ع)
350

رزقه يسألني الزيادة في رزقه قبل طلوع الفجر فأزيده وأوسع عليه؟ ألا عبد
مؤمن سقيم يسألني أن أشفيه قبل طلوع الفجر فأعافيه؟ ألا عبد مؤمن محبوس
مغموم يسألني أن أطلقه من حبسه وأخلي سربه؟ ألا عبد مؤمن مظلوم يسألني أن
آخذ له بظلامته قبل طلوع الفجر فأنتصر له وآخذ له بظلامته؟ قال فلا يزال ينادي
بهذا حتى يطلع الفجر ".
وروى في الفقيه عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني عن إبراهيم بن أبي محمود (1)
قال: " قلت للرضا عليه السلام ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول الله
صلى الله عليه وآله أنه قال إن الله تبارك تعالى ينزل في كل ليلة جمعة إلى السماء الدنيا؟ فقال عليه السلام
لعن الله المحرفين الكلم عن مواضعه والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله كذلك أنما قال إن الله تبارك وتعالى ينزل ملكا إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير وليلة
الجمعة من أول الليل فيأمره فينادي هل من سائل فاعطيه؟ هل من تائب فأتوب
عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ يا طالب الخير أقبل ويا طالب الشر أقصر. فلا
يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر فإذا طلع الفجر عاد إلى محله من ملكوت السماء.
حدثني بذلك أبي عن جدي عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله ".
أقول: يمكن أن يكون وجه الجمع بين هذا الخبر وما تقدم في حديث أبان
بحمل تحريف الكلم عن مواضعه في هذا الخبر على فهم المخالفين من هذا الحديث
الذي نقلوه عنه صلى الله عليه وآله التجسيم وأن نزوله عز وجل إنما هو باعتبار نزول من يأمره
بذلك، فإن هذا المجاز شائع في الكلام كما تقول " قتل الملك فلانا " باعتبار أمره
بذلك، ويكون الخبر الذي " نقله عليه السلام هنا إنما هو عبارة عن معنى ذلك الخبر وأن
المراد به ذلك لا ما فهموه من التجسيم وجواز الانتقال عليه عز وجل كما هو
مذهب الحنابلة (2).

(1) الوسائل الباب 44 من صلاة الجمعة وآدابها
(2) نسبه إليهم العلامة " قدس سره " في (نهج الحق وكشف الصدق) وأنكر النسبة
ابن روزبهان وأيد القاضي التستري في إحقاق الحق نسبة المصنف إليهم بنسبة الفخر
الرازي ذلك إليهم في رسالته في ترجيح مذهب الشافعي، راجع دلائل الصدق للحجة
المظفر ج 1 ص 133. وفي كتاب السنة لأحمد بن حنبل ص 48 و 49 " والله تعالى سميع
لا يشك.. إلى أن قال: ويبصر ويضحك... قم قال وينزل تبارك وتعالى كل ليلة جمعة إلى
السماء الدنيا كيف يشاء " 42: 11 ليس كمثله شئ وهو السميع البصير " وقلوب العباد
بين إصبعين من إصبع الرب وخلق الله عز وجل آدم " عليه السلام " بيده والسماوات
والأرض يوم القيامة في كفه ويخرج قوما من النار بيده وينظر أهل الجنة إلى وجهه ويرونه
فيكرمهم ويتجلي لهم فيعطيهم ".
351

وروى في الفقيه (1) مرسلا قال: " وروي أنه ما طلعت الشمس في يوم
أفضل من يوم الجمعة وكان اليوم الذي نصب فيه رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين
عليه السلام بغدير خم يوم الجمعة، وقيام القائم عليه السلام يكون في يوم الجمعة، وتقوم القيامة
في يوم الجمعة يجمع الله تعالى فيه الأولين والأخرى، قال الله عز وجل: ذلك يوم
مجموع له الناس وذلك يوم مشهود " (2).
وروي محمد عن الصادق عليه السلام في قول يعقوب لبنيه: سوف أستغفر لكم
ربي (4) قال: " آخرها إلى السحر ليلة الجمعة ".
وروى أبو بصير عن أحدهما (عليهما السلام) (5) قال: " إن العبد المؤمن
ليسأل الله عز وجل الحاجة فيؤخر الله عز وجل قضاء حاجته التي سأل إلى يوم
الجمعة ليخصه بفضل يوم الجمعة ".
وروى داود بن سرحان عن الصادق عليه السلام (6) في قول الله عز وجل: وشاهد
ومشهود (7) قال " الشاهد يوم الجمعة ".

(1) ج 1 ص 272
(2) سورة هود الآية 105
(3) الوسائل الباب 44 من صلاة الجمعة وآداب
(4) سورة يوسف الآية 99
(5) الوسائل الباب 44 من صلاة الجمعة وآداب
(6) الوسائل الباب 40 من صلاة الجمعة وآدابها
(7) سورة البروج الآية 3
352

قال في مجمع البيان (1) في تفسير قوله تعالى " وشاهد ومشهود " فيه أقوال
(أحدها) - أن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة عن أبي عباس وقتادة، وروى
ذلك عن الباقر والصادق (عليهما السلام) وعن النبي صلى الله عليه وآله أيضا وسمي يوم الجمعة
شاهدا لأنه يشهد على كل عامل بما عمل فيه، وفي الحديث " ما طلعت الشمس على
يوم ولا غرب على يوم أفضل منه وفيه ساعة لا يوافقها من يدعو فيها الله تعالى
بخير إلا استجاب له ولا استعاذ من شر إلا أعاذه منه " ويوم عرفة مشهود يشهد
الناس فيه موسم الحج وتشهده الملائكة. و (ثانيها) أن الشاهد يوم النحر والمشهود
يوم عرفة عن إبراهيم. و (ثالثها) أن الشاهد محمد صلى الله عليه وآله والمشهود يوم القيامة عن
ابن عباس في رواية أخرى وسعيد بن المسيب وهو المروي عن الحسن بن علي
(عليهما السلام) وروي أن رجلا دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فإذا رجل
يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال فسألته عن الشاهد والمشهود فقال: نعم الشاهد
يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة. فجزته إلى آخر يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله
فسألته عن ذلك فقال نعم: أما الشاهد فيوم الجمعة وأما المشهود فيوم النحر. فجزتهما
إلى غلام كأن وجهه الدينار وهو يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله فسألته عن ذلك
فقال: نعم أما الشاهد فمحمد صلى الله عليه وآله وأما المشهود فيوم القيامة، أما سمعته سبحانه
يقول " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا " (2) وقال " ذلك يوم
مجموع له الناس وذلك يوم مشهود " (3) فسألت عن الأول فقالوا ابن عباس
وسألت عن الثاني فقالوا ابن عمر وسألت عن الثالث فقالوا الحسن ابن علي (عليهما
السلام). و (رابعها) أن الشاهد يوم عرفة والمشهود يوم الجمعة، وعن أبي الدرداء
عن النبي صلى الله عليه وآله قال: " أكثروا الصلاة على يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده
الملائكة وإن أحدا لا يصلي علي إلا عرضت على صلاته حتى يفرغ منها. قال

(1) ج 5 ص 466
(2) سورة الأحزاب الآية 44
(3) سورة هود الآية 105
353

فقلت وبعد الموت؟ فقال إن الله تعالى حرم على الأرض أن تأكل أجساد
الأنبياء فنبي الله حي يرزق " و (خامسها) أن الشاهد الملك يشهد على ابن آدم
والمشهود يوم القيامة عن عكرمة، وتلا هاتين الآيتين " وجاءت كل نفس معها
سائق وشهيد " (1) " وذلك يوم مشهود " (2) و (سادسها) أن الشاهد الذين
يشهدون على الناس والمشهود هم الذين يشهد عليهم عن الجبائي. و (سابعها) الشاهد
هذه الأمة والمشهود سائر الأمم لقوله " لتكونوا شهداء على الناس (3) " عن الحسن
ابن الفضل. و (ثامنها) الشاهد أعضاء بني آدم والمشهود هم لقوله تعالى " يوم تشهد
عليهم ألسنتهم... الآية " (4) و (تاسعها) الشاهد الحجر الأسود والمشهود الحاج.
و (عاشرها) الشاهد الأيام والليالي والمشهود بنو آدم، وينشد للحسين بن علي عليه السلام
مضى أمسك الماضي شهيدا معدلا * وخلفت في يوم عليك شهيد
فإن أنت بالأمس اقترفت إساءة * فقيد باحسان وأنت حميد
ولا ترج فعل الخير يوما إلى غد * لعل غدا يأتي وأنت فقيد
(الحادي عشر) الشاهد الأنبياء والمشهود محمد صلى الله عليه وآله لقوله سبحانه " وإذ أخذ
الله ميثاق النبيين... إلى قوله فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين " (5)
(الثاني عشر) الشاهد الخلق والمشهود الحق " وفي كل شئ له آية تدل على أنه واحد "
وقيل الشاهد الله والمشهود لا إله إلا الله لقوله تعالى: " شهد الله أنه لا إله إلا
هو... الآية " (6). انتهى.
وروى الصدوق في الفقيه عن المعلي بن خنيس عن الصادق عليه السلام (7) أنه قال
" من وافق منكم يوم الجمعة فلا يشتغلن بشئ غير العبادة فإن فيه يغفر للعباد وتنزل
عليهم الرحمة ".

(1) سورة ق الآية 20
(2) سورة هود الآية 105
(3) سورة البقرة الآية 137
(4) سورة النور الآية 24
(5) سورة آل عمران الآية 75
(6) سورة آل عمران الآية 16
(7) الوسائل الباب 40 من صلاة الجمعة وآدابها
354

قال: وروى الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام (1) أنه قال: " ليلة
الجمعة ليلة غراء ويومها يوم أزهر من مات ليلة الجمعة كتب الله له براءة من ضغطة القبر
ومن مات يوم الجمعة كتب الله له براءة من النار ".
وعن هشام بن الحكم في الصحيح عن الصادق عليه السلام (2) " في الرجل يريد
أن يعمل شيئا من الخير مثل الصدقة والصوم ونحو هذا؟ قال يستحب أن يكون
ذلك يوم الجمعة فإن العمل يوم الجمعة يضاعف ".
وروى في الخصال بسنده عن النبي صلى الله عليه وآله (3) قال: " إن ليلة الجمعة ويوم
الجمعة أربع وعشرون ساعة لله عز وجل في كل ساعة ستمائة ألف عتيق من النار ".
وعن ابن أبي عمير عن غير واحد عن الصادق عليه السلام (4) قال: " السبت لنا
والأحد لشيعتنا والاثنين لأعدائنا والثلاثاء لبني أمية (لعنهم الله) والأربعاء يوم
شرب الدواء والخميس تقضى فيه الحوائج والجمعة للتنظيف وهو عيد المسلمين وهو
أفضل من الفطر والأضحى، ويوم غدير خم أفضل الأعياد وهو الثامن عشر من
ذي الحجة. ويخرج قائمنا أهل البيت يوم الجمعة وتقوم القيامة يوم الجمعة، وما من
عمل أفضل يوم الجمعة من الصلاة على محمد وآله "
إلى غير ذلك من الأخبار وفي ما ذكرناه كفاية لذوي الاعتبار.
المطلب الأول
في بيان حكم صلاة الجمعة في زمن الغيبة ونقل الأقوال والأخبار وبيان ما هو
المختار الظاهر من الآية وأحاديث العترة الأطهار (صلوات الله عليهم آناء الليل
والنهار " إلا أنا قبل الخوض في المقام نقدم من التحقيق الظاهر لذوي الأفهام ما عسى
به تنكشف غشاوة الإبهام وتنجلي به غياهب الظلام:
فنقول: لا ريب أن الظاهر من الأخبار حتى كاد أن يكون كالشمس الساطعة

(1) الوسائل الباب 40 من صلاة الجمعة وآدابها
(2) الوسائل الباب 40 من صلاة الجمعة وآدابها
(3) الوسائل الباب 40 من صلاة الجمعة وآدابها
(4) الوسائل الباب 40 من صلاة الجمعة وآدابها
355

على جميع الأقطار هو الوجوب العيني الذي لا يختلجه الشك منها والانكار متى
لوحظت في حد ذاتها بعين الانصاف والاعتبار إلا أن الشبهة قد دخلت على
جل أصحابنا (رضوان الله عليهم) في هذه المسألة من وجهين فأسقطوا بذلك فيها
الوجوب العيني من البين: (أحدهما) عدم جواز العمل بخبر الواحد فإن بعضا منهم
منع من العمل به وبعضا توقف في ذلك وتحقيق ذلك في الأصول. و (ثانيهما) من
أخذ الاجماع مدركا شرعيا كالكتاب والسنة النبوية وجعله دليلا مرعيا يعتمد عليه
في الأحكام الشرعية، فالكلام هنا يقع في مقامين:
(الأول) - في العمل بخبر الواحد فإنا نقول بتوفيق الله تعالى وهدايته
وعنايته: أن أخبارنا المروية في كتب الأخبار المصنفة من علمائنا الأبرار وإن صدق
عليها أخبار الآحاد باعتبار المقابلة المتواتر إلا أنها قد اعتضدت بالقرائن الدالة
على صحتها عن الأئمة الطاهري كما صرح به جملة من علمائنا المحققين: منهم - شيخ
الطائفة في صدر كتاب الإستبصار وكتاب العدة وغيره في غيرهما، بل صرح بذلك
المرتضى (رضي الله عنه) الذي هو أحد المنقول عنه تلك المقالة كما نقله عنه في المعالم.
ولا يخفى أن عمل أصحابنا (رضوان الله عليهم) قديمهم وحديثهم مجتهدهم وأخباريهم
إنما هو على هذه الأخبار وبناء مذهبهم إنما هو عليها، وقد قيض الله تعالى بلطيف
حكمته ومنيف عنايته أقواما من الثقات الصادقين في زمن الأئمة الطاهرين (صلوات
الله عليهم أجمعين) لجمع الأخبار المسموعة عنهم (عليهم السلام) وتدوينها
في الأصول المشهورة وهي أربعمائة أصل كما صرح به جملة من الأصحاب وأمروا
من أهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين) بتدوينها وحفظها لعلهم بما يحدث
من التقية والحيرة بعد غيبة قائمهم (عليهم السلام) وانسداد أبواب استفادة الأحكام
التي كانت في زمانهم وزمان نواب قائمهم مشرعة لجملة الأنام فالعمل والمدار في الإيراد
والاصدار إنما هو على هذه الأخبار كما لا يخفى على ذوي البصائر والأبصار.
ولنكتف هنا بنقل كلام المحقق المدقق صاحب المعالم في المقام ونذكره مع
طوله لجودة محصوله وإن طال به زمام الكلام فنقول:
356

قال المحقق المذكور بعد أن ذكر أولا أن خبر الواحد يفيد العلم مع انضمام
القرائن إليه واحتجاجه بما ذكره من الحجج عليه، ثم ذكر أن ما عرى من خبر
الواحد عن القرائن المفيدة للعلم يجوز التعبد به عقلا، وهل هو واقع أو لا؟
خلاف بين الأصحاب، فذهب جمع من المتقدمين كالمرتضى وابن زهرة وابن البراج
وابن إدريس إلى الثاني وصار جمهور المتأخرين إلى الأول وهو الأقرب، ثم
استدل على ذلك بوجوه ثم ذكر الأول والثاني ثم قال ما صورته: الثالث - اطباق
قدماء الأصحاب الذين عاصروا الأئمة (عليهم السلام) وأخذوا منهم أو قاربوا
عصرهم على رواية أخبار الآحاد وتدوينها والاعتناء بحال الرواة والتفحص عن
المقبول والمردود والبحث عن الثقة والضعيف واشتهار ذلك بينهم في كل عصر من تلك
الأعصار وفي زمان إمام بعد إمام ولم ينقل عن أحد منهم انكار لذلك أو مصير إلى
خلافه ولا روي عن الأئمة (عليهم السلام) حديث يضاده مع كثرة الروايات عنهم
في فنون الأحكام، قال العلامة في النهاية: أما الإمامية فالأخباريون منهم لم يعولوا
في أصول الدين وفروعه إلا على أخبار الآحاد المروية عن الأئمة (عليهم السلام)
والأصوليون منهم كأبي جعفر الطوسي وغيره وافقوا على قبول الخبر الواحد في
الفروع ولم ينكره أحد سوى المرتضى وأتباعه لشبهة حصلت لهم. وحكى المحقق عن
الشيخ سلوك هذا الطريق في الاحتجاج للعمل بأخبارنا المروية عن الأئمة (عليهم السلام)
مقتصرا عليه فادعى الاجماع على ذلك وذكر أن قديم الأصحاب وحديثهم إذا طولبوا
بصحة ما أفتى به المفتي منهم عولوا على المنقول في أصولهم المعتمدة وكتبهم المدونة
فيسلم له خصمه منهم الدعوى في ذلك، وهذه سجيتهم من زمن النبي صلى الله عليه وآله إلى زمن
الأئمة (عليهم السلام) فلولا أن العمل بهذه الأخبار جائز لأنكروه وتبرأوا من
العامل به. وموافقونا من أهل الخلاف احتجوا بمثل هذه الطريقة أيضا فقالوا إن
الصحابة والتابعين أجمعوا على ذلك بدليل ما نقل عنهم من الاستدلال بخبر الواحد
وعملهم به في الوقائع المختلفة التي لا تكاد تحصى، وقد تكرر ذلك مرة بعد
أخرى وشاع وذاع بينهم ولم ينكر عليهم أحد وإلا لنقل، وذلك يوجب العلم العادي
357

باتفاقهم كالقول الصريح. (الرابع) - أن باب العلم القطعي بالأحكام الشرعية التي لم تعلم
بالضرورة من الدين أو من مذهب أهل البيت (عليهم السلام) في نحو زماننا منسد
قطعا، إذ الموجود من أدلتها لا يفيد غير الظن لفقد السنة المتواترة وانقطاع طريق
الاطلاع على الاجماع من غير النقل بخبر الواحد ووضوح كون أصالة البراءة لا تفيد
غير الظن وكون الكتاب ظني الدلالة، وإذا تحقق انسداد باب العلم في حكم شرعي
كان التكليف فيه بالظن قطعا، والعقل قاض بأن الظن إذا كانت له جهات متعددة
تتفاوت بالقوة والضعف فالعدول عن القوي منها إلى الضعيف قبيح، ولا ريب
أن كثيرا من أخبار الآحاد يحصل بها من الظن ما لا يحصل بشئ من سائر الأدلة
فيجب تقديم العمل بها. ثم ساق الكلام في الذب عن ما ذكره في المقام ورد حجج
أولئك الأعلام على ما ذهبوا إليه من ذلك القول الناقص العيار والقليل المقدار،
إلى أن قال: وقد أورد السيد على نفسه في بعض كلامه سؤالا هذا لفظه: فإن قيل
إذا سددتم طريق العمل بالأخبار فعلى أي شئ تعولون في الفقه كله؟ وأجاب بما
حاصله أن معظم الفقه يعلم بالضرورة من مذهب أئمتنا (عليهم السلام) فيه بالأخبار
المتواترة وما لم يتحقق ذلك فيه - ولعله الأقل - يعول فيه على اجماع الإمامية. وذكر
كلاما طويلا في بيان ما يقع فيه الاختلاف بينهم ومحصوله أنه إذا أمكن تحصيل
القطع بأحد الأقوال من طرق ذكرناها تعين العمل عليه وإلا كنا مخيرين بين الأقوال
المختلفة لتعذر ذليل التعيين. ولا ريب أن ما ادعاه من علم معظم الفقه بالضرورة
وبإجماع الإمامية أمر ممنوع في هذا الزمان وأشباهه والتكليف فيها بحصول العلم غير جائز
والاكتفاء بالظن في ما يتعذر فيه العلم مما لا شك فيه ولا نزاع - وقد ذكره في غير
موضع من كلامه أيضا - فتستوي حينئذ الأخبار وغيرها من الأدلة المفيدة للظن في
الصلاحية لاثبات الأحكام الشرعية في الجملة كما حققناه، مع أن السيد قد اعترف
في جواب المسائل التبانيات بأن أكثر أخبارنا المروية في كتبنا معلومة مقطوع على
صحتها أما بالتواتر وأما بإمارة وعلامة دلت على صحتها وصدق رواتها فهي موجبة
للعلم مقتضية للقطع وإن وجدناها مودعة في الكتب بسند مخصوص من طريق الآحاد.
358

إلى هنا ما نقلناه من كلام المحقق المشار إليه آنفا وهو جيد وجيه كما لا يخفى
على الفطن النبيه إلا أن جعله (قدس سره) الأخبار تبعا لما ذكره غيره من علمائنا
الأبرار من قبيل أخبار الآحاد العارية عن القرائن الموجبة للعلم بصحتها محل
مناقشة بطول بذكرها الكلام.
ثم إن مما يدل على الاعتماد على أخبار الآحاد وصحة العمل بها ما روي عنه
صلى الله عليه وآله (1) في خطبة الغدير وغيرها من قوله " فليبلغ الشاهد الغائب " وقوله صلى الله عليه وآله
في خطبته في مسجد الخيف المروية في الكافي وغيره عن الصادق عليه السلام (2) " رحم
الله امرأ سمع مقالتي فبلغها كما سمعها فرب حامل فقه ليس بفقيه... الحديث "
وحديث (3) " من حفظ على أمتي أربعين حديثا " وما علم من إرساله صلى الله عليه وآله وكذا
أمير المؤمنين عليه السلام بعده في وقت خلافته إلى جباية الخراج والصدقات والمقاسمات
بل غير ذلك من الولايات إلى البلدان البعيدة آحاد الناس ممن لم يبلغ عددهم التواتر
فإن جميع ذلك ونحوه مما يدل على أن المرجع في العمل بالأخبار ليس إلا إلى
ما يقتضي سكون النفس واطمئنان الخاطر لا إلى ما يقتضي القطع واليقين بصحة
المخبر به من عدد أو قرينة كما توهمه من لم يعض بضرس قاطع على تتبع السير

(1) الوسائل الباب 8 من صفات القاضي والغدير ج 1 ص 33
(2) الوسائل الباب 8 من صفات القاضي عن الكافي بطريقين ولفظ الأول هكذا:
" نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها من لم يسمعها فرب حامل فقه غير فقيه
ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه.. " والثاني بمعناه بأدنى تفاوت في اللفظ. وفي مجمع
البحرين نقل الحديث في مادة " نضر " هكذا " نضر الله امرأ " وفي مستدرك الوسائل
الباب 8 من صفات القاضي نقله بلفظ " نضر " أيضا إلا في رواية عوالي اللئالي فإن فيها
" رحم " وفي رسالة الأصول للشافعي في مقدمة كتاب الأم ص 65 نقل الحديث كما في الوسائل
(3) نقله في الوسائل بطرق متعددة في الباب 8 من صفات القاضي وفيها هكذا:
" من حفظ من أمتي... " أو " من حفظ من شيعتنا... " نعم اللفظ في رواية الخصال
كما في المتن وكذا في المستدرك الباب 8 من صفات القاضي عن العوالي.
359

والأخبار ولم يعط التأمل حقه في الآثار.
وبالجملة فإن ما ذهب إليه أولئك المتقدم ذكرهم من المنع من العمل بخبر
الواحد ودعوى كون أخبارنا المذكورة من جملة ذلك في البطلان أظهر من أن يحتاج
إلى مزيد بيان، إذ ليس مع رد هذه الأخبار المدونة في كتب الأصحاب إلا الخروج
من هذا الدين أو العمل على غير مذهب ودين، وذلك فإنه ليس بعد هذه الأخبار
عندهم إلا الكتاب والاجماع ودليل العقل، ولا ريب أن الكتاب لما هو عليه
من الاجمال وقبول الاحتمال لا يفي بالمراد، وأما الاجماع فقد عرفت وستعرف
ما فيه من أنه ليس في عده إلا تكثير السواد وتضييع المداد، وأما دليل العقل فأضعف
ومع تسليمه فهو لا يأتي على جميع الأحكام.
ثم إنه مما يزيد ما ذكرناه تأييدا ويعلى مناره تشييدا ما استفاض بل تواتر
معنى بين الخاصة والعامة من قوله صلى الله عليه وآله (1) " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله
وعترتي أهل بيتي لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض "
وهو مروي بطرق عديدة ومتون متقاربة، ونحوه خبر (2) " أهل بيتي كسفينة نوح
من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق ".

(1) في الوسائل الباب 5 من صفات القاضي " قد تواتر بين العامة والخاصة عن النبي " ص "
أنه قال " إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وأنهما
لن يفترقا حتى يردا على الحوض " ورواه الترمذي في سننه ج 13 ص 200 و 201
باختلاف يسير في اللفظ ومسلم في صحيحه ج 7 ص 122 و 123 وأحمد في مسنده ج 3
ص 14 و 17 و 26 و 59 و ج 4 ص 366 والدارمي في سننه ج 2 ص 432، وقد ذكر
الشيخ قوام الدين الوشنوي في رسالته " حديث الثقلين " المطبوعة بالقاهرة باشراف
دار التقريب ص 6 مصادر هذا الحديث من كتب العامة وهي كثيرة وذكر فيها اختلاف
المتن أيضا. وقد روي الحديث أيضا في كتب العامة بلفظ الكتاب والسنة دون العترة وقد
ذكر مصادر ذلك في مفتاح كنوز السنة ص 447.
(2) الوسائل الباب 5 من صفات القاضي ونقله في الغدير ج 2 ص 301
عن مستدرك الحاكم ج 3 ص 151 عن أبي ذر وصححه. ولفظه فيه " مثل أهل بيتي فيكم
مثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق " ونقله أيضا عن تاريخ الخطيب ج 12 ص 91
وكثير من غيرهما. قال وأشار إليه الإمام الشافعي بقوله المأثور عنه في رشفة الصادي ص 24
ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم * مذاهبهم في أبحر الغي والجهل
ركبت على اسم الله في سفن النجا * وهم أهل بيت المصطفى خاتم الرسل
وأمسكت حبل الله وهو ولاؤهم * كما قد أمرنا بالتمسك بالحبل
360

والتقريب فيهما هو دلالتهما على أن النجاة والأمن من الوقوع في مهاوي
الضلال إنما هو في التمسك بحبل الآل (عليهم صلوات ذي الجلال) والاقتداء بهم في
الأقوال والأفعال، وحينئذ فأما أن يخص هذا بزمان وجودهم (صلوات الله عليهم)
وما قاربه واللازم منه تضييع باقي الأمة إلى يوم القيامة، لأنه صلى الله عليه وآله كان عالما بامتداد
أمته إلى يوم القيامة وكان عالما بأن زمان وجود الأئمة (عليهم السلام) إلى وقت
الغيبة إنما هو زمان يسير، وعلى هذا فلو قصر الأمر بالتمسك بهم على زمان وجودهم
وما قاربه فاللازم ما ذكرناه وهو مما يقطع بفساده، وأما أن يجعل هذا الخطاب
للأمة والأمر لهم بالاتباع والتمسك إلى يوم القيامة وهو لا يتم إلا بالعمل بهذه الأخبار المروية عن أبنائه الأطهار التي هي محل البحث، إذ لا طريق في مثل زماننا
هذا وأمثاله من أزمان الغيبة إلى اتباعهم والأخذ بدينهم والتمسك بهم سواها. وهذا
بحمد الله سبحانه ظاهر لا سترة عليه.
ثم لا يخفى أن ظاهر الخبرين المذكورين الإشارة إلى سد باب التمسك بسوى
الثقلين المذكورين حيث كان رفع الضلال على وجه الشمول لأفراده وأفراد زمانه
والنجاة ليس مرتبا إلا على التمسك بهما، وبالجملة فإن التمسك بهما طريق علم أنها
مخلصة من الضلال على كل حال وأما غير مما فما أشد الاشكال فيه والاعضال سيما مع
عدم ورود الإذن بالأخذ به في حال من الأحوال.
(المقام الثاني) في الاجماع وقد تقدم في مقدمات الكتاب نزر من القول
361

في بيان بطلان القول به والاعتماد عليه في الأحكام الشرعية وعدم كونه مدركا لها
وإن اشتهر في كلامهم عده من المدارك القطعية كالكتاب العزيز والسنة النبوية،
ونزيده هنا بمزيد من التحقيق الرشيق والتدقيق الأنيق:
فنقول: قد عرفت مما قدمنا في المقام الأول دلالة خبر الثقلين على أن ما يعمل
به أو عليه من حكم فرعي أو مدرك أصلي يجب أن يكون متمسكا فيه بكتاب الله
تعالى وأخبار العترة على ما مر من البيان لتحقيق الأمن من الضلال والنجاة من
أهوال المبدأ والمال، والزاعم لكون ذلك مدركا شرعيا زائدا على ما ذكره
صلى الله عليه وآله يحتاج إلى إقامة البرهان والدليل وليس له إلى ذلك سبيل إلا مجرد القال والقيل
ومن الظاهر عند التأمل بعين الانصاف وتجنب العصبية للمشهورات الموجبة
للاعتسافات إن عد أصحابنا (رضوان الله عليهم) الاجماع مدركا إنما اقتفوا فيه
العامة العمياء لاقتفائهم لهم في هذا العلم المسمى بعلم أصول الفقه وما اشتمل عليه من
المسائل والأحكام والأبحاث وهذه المسألة من أمهات مسائله، ولو أن لهذا العلم
من أصله أصلا أصيلا لخرج عنهم (عليهم السلام) ما يؤذن بذلك، إذ لا يخفى على من
لاحظ الأخبار أنه لم يبق أمر من الأمور التي يجري عليها الانسان في ورود أو
صدور من أكل وشرب ونوم ونكاح وتزويج وخلاء وسفر وحضر ولبس ثياب
ونحو ذلك إلا وقد خرجت الأخبار ببيان السنن فيه وكذا في الأحكام الشرعية
نقيرها وقطميرها، فكيف غفلوا (عليهم السلام) عن هذا العلم مع أنه كم زعموه
مشتمل على أصول الأحكام الشرعية فهو كالأساس لها لابتنائها عليه ورجوعها إليه
هذا، وعلماء العامة كالشافعي وغيره في زمانهم (عليهم السلام) كانوا عاكفين على
هذه العلوم تصنيفا وتأليفا واستباطا للأحكام الشرعية بها وجميع ذلك معلوم للشيعة
في تلك الأيام فكيف غفلوا عن السؤال منهم عن شئ من مسائله؟ ومع غفلة الشيعة
كيف رضيت الأئمة (عيلهم السلام) بذلك لهم ولم يهدوهم إليه ولم يوقفوهم عليه؟
مع كون مسائله أصولا للأحكام كما زعمه أولئك الأعلام، ما هذا إلا عجب عجيب
362

كما لا يخفى على الموفق المصيب (1).

(1) أقول: إن توقف معرفة الأحكام الشرعية واستنباطها من أدلتها على الأبحاث
الأصولية من الوضوح بمكان لا مجال للشك فيه والارتياب، فإنه بعد ما كان معظم الأحكام الشرعية نظريا تتوقف معرفته على البحث والاستدلال كما هو واضح ولم تكن دليلية أدلتها
مستغنية عن الاثبات أصبح من الضروري لمن يريد التفقه في الدين ومعرفة أحكام سيد
المرسلين " ص " أن يمهد الطريق لذلك بنحو يقطع بكونه طريقا بحكم الشارع تأسيسا أو
إمضاء ويبحث عن كل ما يأمن بسلوكه واتباعه مسؤولية مخالفة الحكم الشرعي المعلوم له
اجمالا بالالتفات إلى الشريعة الاسلامية والاعتقاد والتدين بها وأن المسائل المتكفلة
بالبحث عن ذلك هي مسائل أصول الفقه، ووجه التسمية مذكور في المتن. وأن الأمور التي
يلزم أن يبحث عنها الفقيه في المسائل الأصولية أربعة: " الأول " الحجج فيبحث في كل
ما يحتمل فيه الحجية والدليلية كالخبر الواحد والشهرة الفتوائية والاجماع وظواهر الكتاب
المجيد، ومن ذلك بحث التعادل والترجيح لأنه بحث عن الحجة في فرض التعارض
" الثاني " ظواهر المواد والهيئات الافرادية والتركيبية التي تستعمل في الكتاب والسنة
وغيرهما في مقام بيان الحكم بوجه كلي من دون اختصاص بمورد دون مورد كالأمر
والنهي والعام والمطلق وغير ذلك مما يبحث عنه في مباحث الألفاظ مما يلزم تشخيص
مدلوله وظهوره بعد الفراغ عن حجية الظهور " الثالث " الملازمات العقلية كالملازمة بين
وجوب الشئ ووجوب مقدمته والملازمة بين وجوب الشئ وحرمة ضده والملازمة بين
حرمة العبادة أو المعاملة وفسادها والملازمة بين وجوب الشئ وعدم حرمة مقارنه وملابسه
وبين حرمة الشئ وعدم وجوب مقارنه، ويعبر عن البحث في الأخير ببحث اجتماع الأمر
والنهي، وكالملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع. ولا مناص للفقيه من البحث في هذه
الملازمات لينتهى بالدليل القطعي إلى الملازمة أو عدمها وبذلك يستكشف الحكم الشرعي
" الرابع " الأصول العملية وهي القواعد التي ينتهي إليها الفقيه بعد فحصه وعجزه عن الظفر
بالدليل على الحكم الشرعي فيبحث عن وظيفته في هذا الفرض من الاستصحاب والبراءة
والاحتياط والتخيير حسب اختلاف الموارد. وهنا يقع البحث عن الوظيفة الشرعية أولا
وعن الوظيفة العقلية ثانيا على تقدير عدم الانتهاء إلى الوظيفة الشرعية. هذه هي مباحث
الأصول التي تبتني عليها معرفة الأحكام الشرعية ولا يستغني الفقيه عن الاستعانة بها في
استنباط الأحكام بنحو يكون معذورا وآمنا من المسؤولية في المخالفة ولا تكون فتواه
مصداقا لعنوان التشريع، وما خرج عن هذه الأمور فليس البحث فيه من المسائل الأصولية
نعم قد تذكر في كتب الأصول بعض المباحث الخارجة عن العناوين الأربعة استطرادا
لتشريح الأذهان ولا يوجب ذلك هدم البحث الأصولي وقلعه من أساسه بما اشتمل عليه
من المسائل والأحكام والأبحاث على حد تعبيره " قدس سره " وكيف كان فيندفع ما ذكره
" أولا " بما تقدم. و " ثانيا " بالنقض بتحريره المسائل الأصولية في مقدمات كتابه وسيره
عليها في الأبحاث الفقهية. و " ثالثا " أن القواعد الأصولية - وإن لم ترد في كلامهم " ع "
بعنوانها الخاص - قد وردت متفرقة في الكتاب والسنة في ضمن الآيات والروايات التي
يستدل بها في المباحث الأصولية كالآيات والروايات التي يستدل بها على حجية الخبر الواحد
على تقدير تمامية الدلالة وكالأخبار العلاجية لتعارض الخبرين وأخبار الاستصحاب على
تقدير جريانه في الشبهات الحكمية وأخبار للبراءة والاحتياط وكقوله " ع " " علينا أن
نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرعوا " المتقدم ج 1 ص 133 فإنه شامل للقواعد
الأصولية والفقهية وكالأخبار الآمرة بطرح الخبر المخالف للكاتب وأنه باطل وزخرف
فإنها تتضمن قاعدتين أصوليتين: إحداهما عدم حجية الخبر المخالف للكتاب. الثانية - حجية
ظواهر الكتاب كما يدل عليه قوله " ع " في رواية عبد الأعلى المتقدمة ج 1 ص 151
" يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله ". و " رابعا " أن علماء العامة - كما هو واضح - لم
يرجعوا إلى الأئمة " ع " في شئ من الأحكام الشرعية ولم يعترفوا لهم بالمرجعية فيها
واستقلوا في فهم الكتاب والسنة والتزموا بحجية القياس والاستحسان وعملوا بالمصالح
المرسلة، إلى غير ذلك من الاستنباطات الظنية المتبعة عندهم، ولم يعملوا بمقتضى حديث الثقلين
الذي أناط الأمن من الضلال بالتمسك بالكتاب والعترة وجعل العترة عدل الكتاب في
المرجعية في أمر الدين، وقد وردت عنهم " ع " الأخبار الكثيرة في ذم هذه الطريقة
والنهي عن الاستقلال في الفتوى وأنهم هم المرجع في الأحكام الشرعية مع الكتاب، فهذا
النحو من الأصول المبتنى على الاستقلال في الفتوى والاستغناء عن الأئمة " ع " وعدم
الأخذ منهم " ع " قد منعوا عنه وأسقطوه عن درجة الاعتبار بالكلية، وأما علم الأصول
المتبع عند فقهاء الإمامية فمرجعه في الحجج والتعارض بينها وفي الأصول العملية الشرعية
هو الكتاب والأخبار الواردة عن المعصومين " صلوات الله عليهم أجمعين " ولا يتخطى فيه
قيد شعرة عن أقوالهم تصريحا أو إمضاء، ومرجعه في الملازمات والأصول العقلية حكم العقل
القطعي من حيث كشفه عن الحكم الشرعي أو من حيث المنجزية والمعذرية. ومن الواضح
عدم توجه الاعتراض على هذا النحو أصلا لاختلافه تمام من حيث المدرك والدليل عن
علم الأصول المتبع عند العامة وتقيده بالمتابعة لأقوال العترة " ع " والاستناد إلى حديث
الثقلين وتقيد ذاك بعدم المتابعة لهم، فكيف ينسب علم الأصول المدون على ضوء حديث
الثقلين ونحوه والمبتنى على اتباع الحجتين إلى من لم يرجع في الأحكام إلى العترة أصلا واستقل
عنها تماما. وبذلك يتضح أيضا حال الاجماع المتبع عند الإمامية وأنه لا يمت إلى اجماع العامة
بصلة إذ بعد أن كان اعتباره عند الإمامية من حيث كشفه عن قول المعصوم - وإن اختلفوا
في وجهه - ولم يكن له من حيث كونه اتفاقا أية قيمة عندهم كان مؤسسا على أساس التمسك
بالعترة وسائرا على النهج الذي سنه حديث الثقلين وغيره مما يؤدي مؤداه. ولا ينحصر التمسك
بالعترة بالعمل بأخبارهم فإن تعيين النبي " ص " المرجع بعده في شرعه والتأكيد الصادر
منه " ص " في هذا الشأن في حديث الثقلين وغيره إنما هو في قبال من علم " ص " أنهم يرومون
عزل العترة بعده عن هذا المنصب والاستغناء عنهم والاكتفاء بكتاب الله تعالى بزعمهم
كما جرى ذلك على لسان بعضهم عندما طلب النبي " ص " ما يكتب به كتابا يضمن سلامة
الأمة بعده من الضلال فحال بينه وبين ذلك وقال " يكفينا كتاب الله " ونسب إليه " ص "
ما أوجب عدم الأثر في ما يكتبه بل اخلاله بمقام النبوة كما أشار إليه بقوله " ص " " أبعد الذي قلتم "
راجع مفتاح كنوز السنة ص 445 فالمخالف لمدلول الحديث هم الذين لم يعترفوا للعترة بمقامها
الشامخ ولم يرجعوا إليهم في أمر الدين واكتفوا بالكتاب بزعمهم وأما من يرى أن
العترة عدل الكتاب ويرجع في الدين إليهما معا ولا يرجع إلى الكتاب إلا بعد الفحص
عن ما ورد من العترة في بيانه ويأخذ أقوالهم " ع " مما ورد من الأخبار عنهم ويستكشفها
أيضا من اتفاق أصحابهم وتابعيهم ولا يتخطاها أصلا فهو ليس مخالفا لحديث الثقلين
قطعا فكيف تنسب إلى مثل هذا الشخص في استكشافه قول العترة من اتفاق أصحابهم
وتابعيهم المتابعة لمن خالف النبي " ص " في شأن العترة ولم يرجع إليهم في أمر الدين
أصلا، وقد اعترف هو " قدس سره " بحجيته وكشفه عن قول المعصوم في موردين، راجع
ج 1 ص 36. نعم استند الفقهاء في موارد كثيرة إلى الاجماع وليس فيها اتفاق أوليس
الاتفاق فيها كاشفا عن قول المعصوم بنظر الآخرين كما أنه قد يناقش بعض في كاشفية
الاتفاق كلية، ولا يصحح شئ من ذلك هذه النسبة إليهم وإنما تتوجه عليهم المناقشة بعدم
تحقق الكاشف فقط. وقد وجه بعض الفقهاء هذه الدعاوى بما ذكره " قدس سره " ج 1
ص 39 و 40. بما ذكرناه يتضح جليا أن ما ذكره " قدس سره " في شأن علم الأصول
عموما والاجماع خصوصا لا يمكن المساعدة عليه بوجه من الوجوه. ولعله " قدس سره "
كتب ذلك قبل أن يكتب المقدمة الثانية عشرة من مقدمات الكتاب التي عقدها لبيان
الفرق بين المجتهد والأخباري فإنها إذا كانت متأخرة عن ما ذكره في المقام يمكن أن تكون
رجوعا عنه وبمراجعتها يظهر ذلك جليا.
363

ومما يعضد ما ذكرناه بأوضح تأييد رسالة الصادق عليه السلام إلى الشيعة وأمره لهم
364

بمدارستها والتعهد لها المروية في روضة الكافي (1) بأسانيد ثلاثة ونحن ننقل
موضع الحاجة منها:
قال عليه السلام " أيتها العصابة المرحومة المفلحة إن الله عز وجل أتم لكم ما آتاكم
من الخير، واعلموا أنه ليس من علم الله تعالى ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق
الله في دينه بهوى ولا رأي ولا مقاييس، قد أنزل الله تعالى القرآن وجعل فيه
تبيان كل شئ وجعل القرآن ولتعلم القرآن أهلا، لا يسع أهل علم القرآن الذين آتاهم
الله علمه أن يأخذوا فيه بهوى ولا رأي ولا مقاييس، أغناهم الله تعالى عن ذلك بما
آتاهم من علمه وخصهم به ووضعه عندهم كرامة من الله تعالى أكرمهم بها وهم أهل
الذكر الذين أمر الله تعالى هذه الأمة بسؤالهم (2) وهم الذين قد سبق في علم الله تعالى
أن من يتبعهم ويصدق أثرهم أرشدوه وأعطوه من علم القرآن ما يهتدي به إلى الله

(1) ص 5 وفي الوسائل الباب 6 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به
(2) سورة النحل الآية 45
366

بإذنه وإلى جميع سهل الحق، وهم الذين لا يرغب عنهم ولا عن سألتهم وعن علمهم
الذي أكرمهم الله تعالى به وجعله عندهم إلا من سبق عليه في علم الله تعالى الشقاء في
أصل الخلق تحت الأظلة، فأولئك الذين يرغبون عن سؤال أهل الذكر وأولئك الذين
يأخذون بأهوائهم وآرائهم ومقاييسهم حتى دخلهم الشيطان، لأنهم جعلوا أهل
الايمان في علم القرآن عند الله كافرين وجعلوا أهل الضلالة في علم القرآن عند الله
مؤمنين وحتى جعلوا ما أحل الله في كثير من الأمر حراما وجعلوا ما حرم الله تعالى
في كثير من الأمر حلالا فذلك أصل ثمرة أهوائهم، وقد عهد إليهم رسول الله صلى الله عليهم وآله
قبل موته فقالوا نحن بعد ما قبض الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وآله يسعنا أن نأخذ بما
اجتمع عليه رأي الناس بعد قبض الله تعالى رسوله وبعد عهده الذي عهد إلينا
وأمرنا به مخالفا لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله فما أحد على الله تعالى ولا أبين
ضلالة ممن أخذ بذلك وزعم أن ذلك يسعه، والله إن لله تعالى على خلقه أن يطيعوه
ويتبعوا أمره في حياة محمد صلى الله عليه وآله وبعد موته... الحديث ".
أقول: وكما يستفاد من هذا الخبر أن أصل الاجماع من مخترعات العامة
وبدعهم يستفاد منه أن الرجوع إلى القرآن وأخذ الأحكام منه يتوقف على تفسيرهم
(عليهم السلام) وبيان معانيه عنهم، ومنه يعلم أن الأخبار كالأصل لمعرفة الكتاب
وحل مشكلاته وبيان مفصلاته وتفسير مجملاته وتعيين المراد من أحكامه وبيان
إبهامه، وهو المشار إليه في خبر الثقلين بعدم الافتراق بين العترة والقرآن بمعنى
أن القرآن لما كان المرجع فيه إليهم وأحكامه لا تؤخذ إلا منهم (عليهم السلام)
فهو لا يفارقهم وأنه لما كانت أفعالهم وأقوالهم (عليهم السلام) مقتبسة من القرآن
فهم لا يفارقونه.
وكيف كان فهذا الخبر الشريف ظاهر في ما دل عليه خبر الثقلين من أن الاعتماد ليس إلا على القرآن والأخبار وأن ما عداهما فهو ساقط عن درجة
النظر إليه والاعتبار.
367

ولا يخفى أن تكرر كلامه عليه السلام ومقابلته عدم الأخذ عنهم عليهم السلام بالرأي
والهوى والمقاييس مما يشير إلى أن الاستناد إلى هذا الاجماع من جملة الهوى والرأي حيث إنه لما لم يكن مستندا إليهم (عليهم السلام) حيث لم يأمروا به ولم يشيروا إليه بالكلية
فهو إنما استند إلى رأي ذلك القائل به وهواه، ولهذا إن أصحابنا لما اقتفوهم في جعله
من مدارك الأحكام الشرعية عدلوا عن معناه عند العامة بأنه عبارة عن اجماع الناس
إلى اعتبار دخول المعصوم عليه السلام فيه وكشفه عن دخوله وأن الحجة في ذلك إنما هو
قول المعصوم عليه السلام.
على أن التحقيق أن الذين هم الأصل في الاجماع كالشيخ والمرتضى قد كفونا مؤنة
القدح فيه وبيان بطلانه بما وقع لهم من دعوى الاجماعات المتناقضة تارة ودعوى
الاجماع على ما تفرد به أحدهما تارة أو تبعه عليه شذوذ من أصحابه كما لا يخفى على
المطلع على أقوالهم، وقد وقفت على رسالة لشيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) قد عد
فيها الاجماعات التي ناقض الشيخ فيها نفسه في مسألة واحدة انتهى عددها إلى نيف
وسبعين مسألة، قال (قدس سره) فيها: أفردناها للتنبيه عن أن لا يغتر الفقيه
بدعوى الاجماع فقد وقع فيه الخطأ والمجازفة كثيرا من كل واحد من الفقهاء سيما
من الشيخ والمرتضى، قال ومما ادعى الاجماع من كتاب النكاح دعواه في الخلاف...
ثم ساق الكلام في تعداد تلك المسائل إلى آخرها بما يقرب مما ذكرنا.
قال شيخنا زين الملة والدين في رسالته التي في هذه المسألة: الاجماع عند
أصحابنا إنما هو حجة بواسطة دخول قول المعصوم عليه السلام في جملة أقوال القائلين
والعبرة عندهم إنما هي بقوله دون قولهم، وقد اعترفوا بأن قولهم " الاجماع حجة "
إنما هو مشي مع المخالف حيث إنه كلا حق في نفسه وإن كان حيثية الحجية مختلفة
عندنا وعندهم على ما هو محقق في محله، وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من العلم
بدخول قول المعصوم عليه السلام في جملة أقوالهم حتى يتحقق حجية قولهم ومن أين لهم
العلم في أمثال هذه المواضع مع عدم وقوفهم على خبره فضلا عن قوله عليه السلام؟ وأما
368

ما اشتهر بينهم - من أنه متى لم يعلم في المسألة مخالف أو علم مع معرفة أصل المخالف
ونسبه يتحقق الاجماع ويكون حجة ويجعل قول الإمام في الجانب الذي لا ينحصر
ونحو ذلك مما بينوه واعتمدوه - فهو قول مجانب للتحقيق جدا ضعيف المأخذ،
ومن أين يعلم أن قوله عليه السلام وهو بهذه الحالة من جملة أقوال هذه الجماعة المخصوصة دون
غيرهم من المسلمين خصوصا في هذه المسألة فإن قوله بالجانب الآخر أشبه وبه أولى
لموافقته لقول الله تعالى ورسوله والأئمة (صلوات الله عليهم) على ما قد عرفت.
ثم متى بلغ قول أهل الاستدلال من أصحابنا في عصر من الأعصار السالفة حدا لا ينحصر و
لا يعلم به بلد القائل ولا نسبه وهم في جميع الأعصار محصورون منضبطون بالاشتهار
والكتابة والتحرير لأحوالهم على وجه لا يتخالجه شك ولا تقع معه شبهة، ومجرد
احتمال وجود واحد منهم مجهول الحال مغمور في جملة الناس مع بعده مشترك من
الجانبين، فإن هذا إن أثر كان احتمال وجوده مع كل قائل ممكنا ومثل هذا لا يلتفت
إليه أصلا ورأسا، وقد قال المحقق في المعتبر - ونعم ما قال - الاجماع حجة بانضمام
المعصوم عليه السلام فلو خلا المائة من فقهائنا من قوله لما كان حجة ولو حصل في اثنين لكان
قولهما حجة لا باعتبار اتفاقهما بل باعتبار قوله عليه السلام فلا تغتر إذا بمن يتحكم فيدعي الاجماع
باتفاق الخمسة والعشرة من الأصحاب مع جهالة قول الباقين إلا مع العلم القطعي بدخول
الإمام عليه السلام في الجملة. انتهى. ومن أين يحصل العلم القطعي بموافقة قوله عليه السلام لأقوال
الأصحاب مع هذا الانقطاع المحض والمفارقة الكلية والجهل بما يقوله على الاطلاق
من مدة تزيد عن ستمائة سنة. انتهى ما أردنا نقله من كلامه زيد في مقامه.
وقال في المسالك - في مسألة " ما لو أوصى له بأبيه فقبل الوصية " بعد الطعن في
الاجماع - ما هذا لفظه: وبهذا يظهر جواز مخالفة الفقيه المتأخر لغيره من المتقدمين
في كثير من المسائل التي ادعوا فيها الاجماع إذا قام عنده الدليل على ما يقتضي خلافهم
وقد اتفق لهم ذلك كثيرا ولكن زلة المتقدم متسامحة بين الناس دون المتأخر.
وقال بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين: ومن جملة ما عد
مدركا من المدارك الأصلية لفروع الأحكام ما يسمونه إجماعا المفسر عند العامة
369

باتفاق فقهاء أمة محمد صلى الله عليه وآله في عصر على أمر شرعي وعند الخاصة باتفاق الفرقة
المحقة منها فيه عليه. وقد حاولت العامة في استخراج مدرك حجيته من الكتاب
بأدلة (1) كلها مزيفة ومن السنة بخبر رووه عنه صلى الله عليه وآله (2) " لا تجتمع أمتي على
خطأ " وفيه من النقوض ما هو مذكور في محله ولا طائل في ذكره، وأما أصحابنا
الذين حذوا حذو العامة في عده مدركا فحاولوا في الاستدلال على حجيته بأنه إذا تحقق
اتفاق فقهاء الطائفة المحقة على أمر اقتضى دخول المعصوم عليه السلام فيهم لكونه من الفقهاء
وعدم خلو عصر من معصوم يكون قوله حجة والحجة حينئذ قوله والاجماع كاشف
عنه. وهذا اقرار بأنه ليس دليلا وإن كان كاشفا عنه وليس في عده من الأدلة إلا
تكثير العدد وإطالة الطريق وايهام جواز خلو العصر من معصوم حجة كما هو
معتقد أولئك الذين هم عن الحق بمرمى سحيق، ولذا خلا ظاهر الكتاب وما وصل
إلينا من أخبار العترة الطاهرة عن ما يشعر بالأمر بالعمل بما يسمى اجماعا.
وقال (قدس سره) في موضع آخر: ثم إنه على تقدير ما ذكروه في بيان
الاجماع وحجيته أن الحجة إنما هو دخول المعصوم فإن علم دخوله فلا بحث ولا
مشاحة في اطلاق اسم الاجماع عليه ثم اسناد الحجية إليه ولو تجوزا فيهما، وإن لم

(1) استدلوا من الكتاب - كما في أصول الفقه لأبي زهرة ص 193 و 140 بقوله
تعالى " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله
ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا " قال: وإن هذا النص الكريم أثبت أن اتباع غير سبيل
المؤمنين حرام لأن من يفعل ذلك يشاقق الله ورسوله ويصليه الله تعالى جهنم وساءت
مصيرا وإذا كان اتباع غير سبيل المؤمنين حراما فإن اتباع سبيلهم واجب ومن يخالفهم
ويقرر نقيض رأيهم لا يكون متبعا لسبيلهم. ونقل في الهامش عن الغزالي المناقشة في
دلالة الآية وغيرها من أدلتهم واستدلوا من السنة بما دل على عدم اجتماع الأمة على الضلال
وأن ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وبأن عمل الصحابة على أن ما يجمعون عليه
حجة، ونقل عن الشافعي وجها اعتباريا وهو في رسالته ص 65 في مقدمة كتاب الأم.
(2) مفتاح كنوز السنة ص 63 " إن أمتي لا تجتمع على ضلالة "
370

يعلم فإن ظن ولو بمعاضدة خبر واحد يحكي فعله أو قوله أو تقريره فكذلك وإلا
فليس نقل الاجماع بمجرده موجبا للظن بدخول المعصوم ولا كاشفا عنه كما
زعموه. ثم إن العلم بدخول المعصوم في زمان ظهوره وانحصار حملة الحديث في قوم
معروفين أو بلدة محصورة ممكن أما في مثل زماننا هذا كزمان الغيبة الكبرى فالحق
أنه لا طريق إلى العلم به - لأنه إنما يكون بطريق التواتر بأن ينقله في كل طبقة
جماعة يؤمن تواطؤهم على الكذب مستندون إلى الحس بمعاينة أعمال جميع من
يتوقف انعقاد الاجماع عليه أو سماع أقوالهم على وجه لا يمكن حمل القول والعمل
على نوع من التقية ونحوها مع تشتتهم وانتشارهم في أقطار الأرض وانزوائهم في
الطوامير والسراديب وحرصهم على أن لا يطلع عليهم ولا على عقائدهم ومذاهبهم
وهو كما لا يخفى ممتنع عادة - ولا إلى ظنه بنقله بطريق الآحاد لما ذكرنا من التشتت
والانزواء المانعين من اطلاع آحاد الناس.
وقال المحقق الشيخ حسن (قدس سره) في المعالم - بعد أن أسلف أنه يتجه
أن يقال إن المدار في الحجية على العلم بدخول المعصوم عليه السلام من غير حاجة إلى اشتراط
اتفاق جميع المجتهدين أو أكثرهم ولا سيما معروفي النسب، ونقل عن المحقق في المعتبر
ما تقدم نقله في كلام والده مما يتضمن التصريح باشتراط العلم القطعي بدخول المعصوم
عليه السلام في حجية الاجماع - ما هذا لفظه: هنا فوائد (الأولى) الحق امتناع الاطلاع
عادة على حصول الاجماع في زماننا وما ضاهاه من غير جهة النقل، إذ لا سبيل إلى
العلم بقول الإمام كيف وهو موقوف على وجود المجتهدين المجهولين ليدخل في
جملتهم ويكون قوله مستورا بين أقوالهم وهذا مما يقطع بانتفائه، فكل اجماع يذكر
في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) مما يقرب من عصر الشيخ إلى زماننا هذا
وليس مستندا إلى نقل متواتر أو آحاد حيث يعتبر أو مع القرائن المفيدة للعلم فلا بد أن
يراد به ما ذكره الشهيد (قدس سره) من الشهرة، وأما الزمان السابق على ما ذكرنا
المقارب لعصر ظهور الأئمة (عليهم السلام) وامكان الاطلاع على أقوالهم فيمكن فيه
371

حصول الاجماع والعلم بطريق التتبع، وإلى مثل هذا نظر بعض علماء أهل الخلاف
حيث قال: والانصاف يقتضي أن لا طريق إلى معرفة حصول الاجماع إلا في زمن
الصحابة حيث كان المؤمنون قليلين لا يتعذر معرفتهم بالتفصيل.
وقال الفاضل المولى محمد باقر الخراساني (قدس سره) صاحب الذخيرة
والكفاية في رسالته في المسألة بعد الكلام في المسألة: (فإن قلت) الآية والأخبار
كما ذكرت دالة على الوجوب العيني إلا أن الأصحاب نقلوا الاجماع على انتفاء الوجوب
العيني، وممن نقل ذلك العلامة في النهاية والتذكرة والشيخ على والشهيد الثاني في شرح
اللمعة وشرح الألفية وهو ظاهر كلام المحقق والشهيد، والاجماع الذي نقله هؤلاء
الأعيان من فضلاء أصحابنا حجة إذ التعويل في موارد الاجماع والخلاف على قولهم
فإذن سقط القول بالوجوب العيني، واعترف جماعة منهم بأن الكتاب والسنة
دالان على الوجوب العيني لكن دعاهم إلى عدم القول به اجماع الأصحاب (رضوان
الله عليهم) على انتفائه (قلت) هذا هو الداء العضال والشبهة التي بها زلت أقدام
وعدلت عن الحق أقوام وأخطأت التحقيق أفهام لكنه عند الفحص الصحيح
والنظر بمكان من الضعف، ثم أطال في بيان عدم تحققه وامكانه زمن الغيبة إلى أن قال: (الثاني) نجد في كثير من المسائل ادعى بعضهم الاجماع عليه مع وجود
الخلاف فيه بل من المدعي نفسه في كتاب آخر سابق عليه أو لاحق به، وكذلك نجد
بعض من ادعى الاجماع على حكم وادعى آخر الاجماع على خلافه حتى قد يتفق
ذلك من المدعي نفسه، وحسبك في هذا الباب ما وقع للسيد المرتضى والشيخ
أبي جعفر في الانتصار والخلاف مع كونهما إمامي الطائفة ومقتدييها، ومن أغرب
ذلك دعوى السيد المرتضى في الكتاب المذكور اجماع الإمامية على وجوب التكبيرات
الخمس في كل ركعة للركوع والسجود والقيام منهما، ثم ساق جملة من اجماعاته التي من
هذا القبيل، ثم نقل ذلك عن العلامة وعن المحقق الشيخ على.
ولهذا الفاضل المذكور في الذخيرة بحث طويل في الطعن في الاجماع في باب
372

غسل الجنابة في مسألة الوطء في الدبر وقد أشبع الكلام فيه ونفى كونه من الأدلة
الشرعية وإنما غايته الصلوح للتأييد.
وأما صاحب المدارك فإنه نقل في الكتاب المذكور أنه صنف رسالة في رد
الاجماع وابطاله.
فإن قيل: إن هؤلاء المذكورين كثيرا ما يستندون إليه في جملة من المسائل.
(قلنا) نعم ربما يستسلقونه مجازفة في مواضع وربما مما قيدوه بقولهم " إن تم " أو
" إن ثبت " وأما في مقام التحقيق فإنهم يمزقونه تمزيقا ويجعلونه حريقا. وعلى
هذا النهج كلام جملة من متأخري المتأخرين.
وبالجملة فإن ملخص القول في ذلك هو أنه غير متحقق الوقوع ولا الامكان
لما عرفت من اتفاق كلمة هؤلاء الأعيان، وغاية ما ربما يتشبث به الخصم هو أن
الاجماع المنقول بخبر الواحد حجة وهو باطل من وجوه:
الأول - أنه حيث قد عرفت ما وقع لهم من الاختلاف والاضطراب في
دعوى الاجماع كما قدمنا نقله عن رسالة شيخنا الشهيد الثاني من ضبط جملة من
الاجماعات التي ادعى الشيخ فيها الاجماع على حكم وأدعى الاجماع على خلافه وهكذا
دعاوى المرتضى الاجماع على ما يتفرد به ونحوه غيره، فإنه لا وثوق حينئذ بنقلهم لهذا
الاجماع في هذه المسألة فلعله من قبيل تلك الاجماعات التي نفاها عليهم من تأخر عنهم.
الثاني - أنه مع غض النظر عن ذلك فإنه من المقرر في كلامهم والجاري في
قواعدهم أنهم لا يجمعون بين الدليلين متى تعارضا إلا مع التكافؤ في الصحة وإلا
فتراهم يطرحون المرجوح أو يأولونه بما يرجع به إلى الراجح، ولا ريب في أن
هذا الاجماع المدعى إنما هو في قوة خبر مرسل بل أضعف فلا يقوم بمعارضة
ما سنذكره إن شاء الله تعالى من الأخبار المستفيضة الصحيحة الصريحة فالواجب
طرحه من البين.
الثالث - أنه من القواعد المقررة عن أهل العصمة (عليهم السلام) عرض
373

الأخبار في مقام الاختلاف على الكتاب العزيز والأخذ بما وافقه وما خالفه
يضرب به عرض الحائط (1) فإذا كانت أخبارهم الصحيحة الصريحة ترد مع مخالفة
الكتاب العزيز فكيف هذا الاجماع الذي يرجع في التحقيق إلى قول جماعة
قليلة من الأصحاب؟
الرابع - تحقق الخلاف في المسألة كما سيأتي إن شاء الله تعالى نقله عن جماعة
من متقدمي الأصحاب كالشيخ المفيد والكليني والصدوق وأبي الصلاح والكراجكي
بل هو ظاهر غيرهم من المتقدمين كما ذكره شيخنا زين الدين في الرسالة وتلميذه الشيخ
حسين بن عبد الصمد في كتاب العقد الطهماسي، وسيأتي نقل كلامهما إن شاء الله تعالى
وحينئذ فكيف تتم دعوى الاجماع والحال كما عرفت؟
الخامس - أنهم عللوا هذا الاجماع بعلة ضعيفة روما لتقويته وزيادته على
سائر الاجماعات كما سيأتي نقلة عن المحقق في المعتبر، وسيأتي الكلام عليها وبيان
ضعفها إن شاء الله تعالى عند نقل القول بالتخيير.
السادس - أن ظاهر كلام أكثرهم أن هذا الشرط إنما هو عند حضور الإمام عليه السلام والتمكن منه كما أومأ إليه المحقق (قدس سره) حيث شبهه بالقضاء، فإن التعيين
في القضاء عندهم إنما هو عند حضور الإمام عليه السلام وأما مع غيبته فيجب على الفقهاء
القيام به مع تمكنهم منه.
وأظهر منها عبارة الشهيد في الذكرى حيث قال: التاسع - إذن الإمام كما كان
النبي صلى الله عليه وآله يأذن لأئمة الجماعات وأمير المؤمنين عليه السلام بعده وعليه اتفاق الإمامية، هذا
مع حضور الإمام وأما مع غيبته كهذا الزمان ففي انعقادها قولان... إلى آخر كلامه
وسيأتي نقله إن شاء الله تعالى بتمامه.
ونحوه كلام شيخنا الشهيد الثاني في الروضة وقال (قدس سره): إن الذي
يدل عليه كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن موضع الاجماع المدعى إنما هو

(1) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به
374

حال حضور الإمام وتمكنه والشرط المذكور حينئذ إنما هو إمكانه لا مطلقا في وجوبها
عينا لا تخييرا كما هو مدعاهم حال الغيبة، لأنهم يطلقون القول باشتراطه في الوجوب
ويدعون الاجماع عليه أولا ثم يذكرون حال الغيبة وينقلون الخلاف فيه ويختارون
جوازها حينئذ أو استحبابها معترفين بفقد الشرط. هكذا عبروا به في المسألة
وصرحوا به في الموضعين، فلو كان الاجماع المدعى لهم شاملا لموضع النزاع لما
ساغ لهم نقل الخلاف بعد ذلك بل اختيار جواز فعلها بدونه أيضا، فإنهم يصرحون
بأنه شرط للوجوب ثم يذكرون الحكم حال الغيبة ويجعلون الخلاف في الاستحباب
فلا يعبرون عن حكمها حينئذ بالوجوب، وهو دليل بين على أن الوجوب الذي
يجعلونه مشروطا بالإمام وما في معناه إنما هو حيث يمكن أو في الوجوب العيني
حال حضوره بناء منهم على أن ما عداه لا يسمونه واجبا وإن أمكن اطلاقه عليه من
حيث إنه واجب تخييري. وعلى هذا الوجه يسقط الاستدلال بالاجماع في موضع
النزاع لو سلمنا تمامه في غيره،
السابع - أن كلامهم في الإذن لا يخلو من تشويش لدلالة بعض عباراتهم على أن المراد الإذن لخصوص شخص بعينه لهذه الصلاة بخصوصها أو لما يشملها وبعض
يدل على الإذن العام الشامل للفقيه، وبعضها على الأعم الأشمل لكل من يصلح للإمامة
وعلى هذا تسقط فائدة النزاع.
قال الشيخ في الخلاف - بعد أن اشترط أولا في الجمعة الإمام أو نائبه ونقل
فيه الاجماع - ما هذا لفظه (فإن قيل) أليس قد رويتم في ما مضى من كتبكم أنه
يجوز لأهل القرى والسواد من المؤمنين إذا اجتمعوا العدد الذي تتعقد بهم أن
يصلوا جمعة؟ (قلنا) ذلك مأذون فيه مرغب فيه فجرى مجرى أن ينصب الإمام
من يصلي بهم. انتهى. وظاهره أن الإذن الذي ادعى الاجماع على اشتراطه
أو لا يشمل الإذن العام كما ينادي به قوله " فجرى مجرى أن ينصب الإمام من يصلي
بهم " وحينئذ فإذا قام الإذن العام مقام النصب الخاص فأي مانع من الوجوب العيني
375

ولهذا نسب الوجوب العيني إلى الشيخ في الخلاف لظاهر هذه العبارة، قالوا: وقوله
" مأذون ومرغوب " لا ينافي ذلك.
أقول: فلينظر العاقل الفطن المنصف المتقيد بقيود الشريعة في هذا الاجماع
المدعى في هذا المقام والمعول عليه عند هؤلاء الأعلام ما هو عليه من الضعف
وتطرق الطعن إليه الظاهر لكل ناظر من الأنام، وهل يستجيز مؤمن يخاف الله
تعالى أن يخرج عن ظواهر الأخبار الساطعة الأنوار المستفيضة الصحيحة الصريحة
مضافا إلى الآية الشريفة (1) بهذا الاجماع (2) الذي لما عرفت تمجه الطباع مضافا إلى
ما عرفت في أصل الاجماع. ثم إنه كيف يشترط في العمل بالكتاب والسنة عمل
الشيخ والمرتضى وأتباعهما بذلك (3) وأي فرق بين الشيخ ومن تبعه في هذه المسألة
وبين الشهيد الثاني ومن تأخر عنه؟ حيث تعتبر أقوال أولئك ولا تعتبر أقوال

(1) سورة الجمعة الآية 9
(2) قد ظهر بما تقدم ص 365 في التعليقة 1 ص 363 أن هذا الاجماع إن كان بنظر الفقيه
كاشفا عن قول المعصوم فلا مناص له من رفع اليد عن ظهور الأخبار والآية في الوجوب
التعييني إن تم ظهورهما فيه عنده لأن قول المعصوم المستكشف بالاجماع يكون قرينة قطعية
على عدم إرادة الظاهر منهما، وإن لم يكن كاشفا عنه عنده فلا مسوغ لتقديمه على ظهور الآية
والأخبار إلا إذا كان قائلا بحجية الشهرة الفتوائية وكانت الشهرة متحققة في جانب نفي
الوجوب التعييني بنظره فإنه يمكن القول بترجيحها على ظهور الأدلة لكونها قرينة على عدم
إرادة الظاهر منها كالخبر الصحيح الصريح في نفي الوجوب التعييني.
(3) لم يعتبر فقيه من فقهاء الإمامية عمل الشيخ والمرتضى وأتباعهما بالكتاب في
العمل به ولا وجه لتوهم ذلك وإنما المعتبر فيه عند الفقهاء الرجوع إلى ما ورد عن الأئمة " ع "
في بيانه فإن ورد شئ عنهم " ع " يكون بيانا فهو المتبع وإلا كان ظاهره حجة خلافا
لبعض حيث أوقف جواز العمل به في كل مورد على ورود البيان عنهم " ع " وقد تقدم
الكلام منه " قدس سره " في هذا الموضوع في المقدمة الثالثة ج 1 ص 27 وإن أردت تجلي
الحقيقة في هذا البحث فارجع إلى البيان لآية الله الخوئي ج 1 ص 182.
376

هؤلاء مع أنه لا ريب عند كل ناظر وسامع ممن عرف الرجال بالحق لا الحق بالرجال
أن هؤلاء أدق فهما وأذكى ذهنا وأشد تيقظا وأكثر تتبعا وأقرب إلى الصواب (1)
وابتداء الفحص والتحقيق وتر ك التقليد للسلف نشأ من زمن الشهيد الأول وإن
أحدث المحقق والعلامة شيئا من ذلك.
قال شيخنا الشهيد الثاني في الدراية: إن أكثر الفقهاء الذين نشأوا بعد الشيخ
كانوا يتبعونه في الفتوى تقليدا له لكثرة اعتقادهم فيه وحسن ظنهم به فلما جاء
المتأخرون وجدوا أحكاما مشهورة قد عمل بها الشيخ ومتابعوه فحسبوها شهرة بين
العلماء وما دروا أن مرجعها إلى الشيخ (قدس سره) وأن الشهرة إنما حصلت
بمتابعته. ثم قال: وممن اطلع على هذا الذي تبينته وتحققته من غير تقليد الشيخ
الفاضل سديد الدين محمود الحمصي والسيد رضي الدين بن طاووس وجماعة، قال
السيد (قدس سره) في كتابه المسمى بالبهجة لثمرة المهجة: أخبرني جدي الصالح
ورام بن أبي فراس (قدس الله تعالى روحه) أن الحمصي حدثه أنه لم يبق للإمامية
مفت على التحقيق بل كلهم حاك. وقال السيد عقيب ذلك: والآن قد ظهر أن الذي
يفتى به ويجاب على سبيل ما حفظ من كلام العلماء المتقدمين. انتهى.
أقول: ومن ابطال هذين الأصلين يظهر بطلان ما ابتنى عليهما من القول

(1) المعروف بين الفقهاء عدم جواز العمل بالخبر الذي يعرض عنه القدماء منهم
وإن كان واجدا لشروط الحجية، والسر في ذلك أن اعراضهم عنه مع كونه بمرأى منهم
يكشف عن اطلاعهم على خلل فيه يوجب سقوطه عن الحجية، وبهذا يظهر وجه اعتبار
عمل المتقدمين وأن عمل المتأخرين دون المتقدمين لا أثر له لأن الأخبار إنما وصلت إلى
المتأخرين من طريق المتقدمين وعصرهم قريب من عصر الأئمة " ع " فيمكن أن يطلعوا
على ما لا يطلع عليه المتأخرون مما يكشف عن وجود خلل في الخبر ولهذا ينسب إلى بعضهم
أن الخبر المعرض عنه كلما ازداد صحة ازداد وهنا. وأما كون المتأخرين أدق فهما فهذا
شئ لا يرتبط بناحية سند الخبر والاطلاع على أن فيه خللا أو لا ولا دخل له فيه
أصلا وهو واضح.
377

بالتحريم في هذه المسألة كما هو القول النادر الشديد الندور، والقول بالوجوب
التخييري كما هو بين جملة من المتأخرين مشهور، ومنه يظهر قوة القول بالوجوب
العيني المؤيد بالآية والأخبار والمنصور كما سيأتي أدلته إن شاء الله تعالى ساطعة
الظهور كالنور على الطور.
وإذ قد عرفت ذلك فلنشرع الآن في الأقوال المذكورة في المسألة وما يتعلق
بها من الكلام وتحقيق البحث فيها وما ذكر فيها من نقض وإبرام مستمدين منه
سبحانه التوفيق للسلامة من زلل الأقدام وزيغ الأفهام متوسلين في ذلك بأهل الذكر
(عليهم السلام):
فنقول: ينبغي أن يعلم أولا أن هنا مقامات (الأول) أنه هل يشترط الإمام المعصوم في الجمعة أو نائبه أم لا؟ (الثاني) أنه هل هذا الشرط شرط في الانعقاد أو
الوجوب؟ (الثالث) أن هذا الشرط مخصوص بزمان الحضور أو يشمل الغيبة
أيضا؟ (الرابع) أن المراد بالنائب هل هو الخاص أو العام الذي يشمل الفقيه حال
الغيبة أو الأعم الشامل لإمام الجماعة؟ (الخامس) أن وجوبها على تقدير اشتراط
الفقيه عيني أو تخييري؟ أقوال ولكل من هذه الشقوق قائل، والذي استقر عليه
رأي جملة من محققي متأخري المتأخرين وهو الحق اليقين الذي لا يداخله الظن
ولا التخمين هو أن وجوب هذه الفريضة مع اجتماع شرائطها الآتية إن شاء الله
تعالى كغيرها من الفرائض اليومية لا توقف فيها على حضور الإمام ولا غيبته
ولا أذنه ولا غير ذلك وقوفا على ظواهر الأدلة الواردة فيها من الكتاب والسنة.
ولا خلاف بين أصحابنا في جوبها عينا مع حضوره عليه السلام أو نائبه الخاص وإنما
الخلاف في زمن الغيبة وعدم وجود الإذن على الخصوص على أقوال:
(الأول) القول بالوجوب العيني وهو المختار المعتضد بالآية والأخبار وبه صرح
جملة من مشاهير علمائنا الأبرار (رضوان الله عليهم) متقدميهم ومتأخريهم:
أحدهم - الشيخ المفيد (قدس سره) حيث قال في المقنعة: واعلم أن الرواية
378

جاءت عن الصادقين (عليهم السلام) (1) " أن الله جل جلاله فرض على عباده من
الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة لم يفرض فيها الاجتماع إلا في صلاة الجمعة خاصة
فقال جل من قائل: يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى
ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون " (2) وقال الصادق عليه السلام (3)
" من ترك الجمعة ثلاثا من غير علة طبع الله على قلبه " ففرضها - وفقك الله - الاجتماع
على ما قدمناه إلا أنه بشريطة حضور إمام مأمون على صفات يتقدم الجماعة ويخطبهم
خطبتين يسقط بهما وبالاجتماع عن المجتمعين من الأربع ركعات ركعتان، وإذا حضر
الإمام وجبت الجمعة على سائر المكلفين إلا من عذره الله تعالى منهم، وإن لم يحضر
إمام سقط فرض الاجتماع، وإن حضر إمام يخل شرائطه بشريطة من يتقدم فيصلح به
الاجتماع فحكم حضوره حكم عدم الإمام. والشرائط التي تجب في من يجب معه الاجتماع
أن يكون حرا بالغا طاهرا في ولادته مجنيا من الأمراض الجذام والبرص خاصة
في خلقته مسلما مؤمنا معتقدا للحق في ديانته مصليا للفرض في ساعته، فإذا كان
كذلك واجتمع معه أربعة نفر وجب الاجتماع. ومن صلى خلف إمام بهذه
الصفات وجب عليه الانصات عند قراءته والقنوت في الأولى من الركعتين في فريضته
ومن صلى خلف إمام بخلاف ما وصفناه رتب الفرض على المشروح في ما قدمناه.
ويجب حضور الجمعة مع من وصفناه من الأئمة فرضا ويستحب مع من خالفهم
تقية. انتهى.
وظاهر الشيخ في التهذيب موافقته في ذلك حيث إنه بعد نقل هذا الكلام
استدل له بجملة من الأخبار الآتية إن شاء الله تعالى الدالة على ما نقله عنه ولم يتعرض
لتأويلها ولا الجواب عنها كما هو دأبه في ما يخالف اختياره.

(1) المقنعة ص 27 وفي الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة وآدابها
(2) سورة الجمعة الآية 9
(3) المقنعة ص 27 وفي الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة وآدابها
379

وقال (قدس سره) في كتاب الاشراف باب عدد ما يجب به الاجتماع في
صلاة الجمعة: عدد ذلك ثمانية عشرة خصلة: الحرية والبلوغ والتذكير وسلامة العقل
وصحة الجسم والسلامة من العمى وحضور المصر والشهادة للنداء وتخلية السرب
ووجود أربعة نفر بما تقدم ذكره من هذه الصفات ووجود خامس يؤمهم له صفات
يختص بها على الإيجاب: ظاهر الايمان والطهارة في المولد من السفاح والسلامة
من ثلاثة أدواء البرص والجذام والمعرة بالحدود المشينة لمن أقيمت عليه في الاسلام
والمعرفة بفقه الصلاة والافصاح بالخطبة والقرآن وإقامة فرض الصلاة في وقتها
من غير تقديم ولا تأخير عنه بحال والخطبة بما تصدق عليه من الكلام. وإذا
اجتمعت هذه الثمانية عشرة خصلة وجب الاجتماع في الظهر يوم الجمعة على ما ذكرناه
وكان فرضها على النصف من فرض الظهر للحاضر في سائر الأيام. انتهى. وهو
صريح في أن المعتبر في إمام الجمعة هو المعتبر في إمام الجماعة.
والمراد من الوجوب في عبارته هو الوجوب العيني لأن ذلك هو ظاهر
الاطلاق والمنصرف إليه اللفظ بالاتفاق سيما مع قوله في العبارة الأولى: ويجب
الحضور مع من ذكرناه فرضا.
ثم عقب ما ذكره في كتاب الاشراف بقوله: باب من يجتمع في الجمعة وهو
خمسة نفر في عدد الإمام والشاهدين والمشهود عليه والمتولي لإقامة الحدود. وهو
ظاهر بل صريح في أن المعتبر حضور قوم بعدد المذكورين لا عينهم كما توهمه من
ذهب إلى ذلك استنادا إلى خبر محمد بن مسلم الآتي إن شاء الله تعالى (1) وإن اشتمل
على سبعة بزيادة القاضي والمدعى.
الثاني - الشيخ أبو الصلاح الحلبي في كتابه الكافي حيث قال: لا تنعقد الجمعة
إلا بإمام الملة أو منصوب من قبله أو من تتكامل له صفات إمام الجماعة عند تعذر
الأمرين. هذه عبارته وهي صريحة الدلالة في الاكتفاء عند تعذر الإمام ومنصوبه

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة الجمعة وآدابها
380

بإمام الجماعة، وليس في عبارات الأصحاب في هذا الباب أجلى ولا أوضح منها،
ويؤكد ذلك قوله في باب الجماعة من الكتاب المذكور: وأولى الناس بها إمام الملة
أو من نصبه فإن تعذر الأمران لم تنعقد إلا بإمام عدل... إلى آخره. ومنه يعلم أن
حكم الجمعة والجماعة عنده أمر واحد.
ومراده بالوجوب العيني كما صرح به أخيرا في كتابه حيث قال بعد ذلك:
وإذا تكاملت هذه الشروط انعقدت جمعة وانتقل فرض الظهر من أربع ركعات
إلى ركعتين بعد الخطبة، وتعين فرض الحضور على كل رجل مسلم بالغ سليم مخلى
السرب حاضر بيته وبينها فرسخان فما دونهما ويسقط فرضها عن من عداه فإن
حضرها تعين عليه فرض الدخول فيها جمعة.
ومن العجيب مع تصريحه بذلك في الكتاب المذكور ما اتفق لشيخنا الشهيد
في البيان حيث إنه نقل عنه القول بعدم شرعيتها في حال الغيبة كما ذهب إليه سلار
وابن إدريس مع تصريحه كما سمعت بالوجوب العيني، مع أنه نقل عنه في كتاب
نكت الارشاد القول بالاستحباب الراجع إلى الوجوب التخييري وكذا نقله عنه
العلامة في المختلف، وكل من النقلين كما ترى ليس في محله لما عرفت من تصريحه
بالوجوب العيني.
الثالث - الشيخ أبو الفتح الكراجكي في كتابه المسمى بتهذيب المسترشدين
قال - بعد أن ذكر جملة من أحكام الجمعة وأن العدد المعتبر فيها خمسة - ما هذا
لفظه: وإذا حضرت العدة التي يصح أن تنعقد بحضورها الجماعة يوم الجمعة وكان
إمامهم مرضيا متمكنا من إقامة الصلاة في وقتها وايراد الخطبة على وجهها وكانوا
حاضرين آمنين ذكورا بالغين كاملين العقول أصحاء وجبت عليهم فريضة الجمعة جماعة
وكان على الإمام أن يخطب بهم خطبتين ويصلي بهم بعدهما ركعتين... إلى آخره. وهذه
العبارة أيضا صريحة في الاكتفاء للجمعة بإمام مرضي الجماعة وهي لعمومها لحال
الحضور والغيبة كعبارة المفيد في الإشراف.
381

الرابع - الشيخ عماد الدين الطبرسي في كتاب نهج العرفان إلى هداية الايمان
حيث قال بعد نقل الخلاف بين المسلمين في وجوب الجمعة: إن الإمامية أكثر
ايجابا للجمعة من الجمهور ومع ذلك يشنعون عليهم بتركها حيث إنهم لم يجوزوا الائتمام
بالفاسق ومرتكب الكبائر والمخالف في العقيدة الصحيحة. وتقريب الدلالة فيها -
على ما ذكره شيخنا زين الدين في رسالة الجمعة - أن العلة في ترك الشيعة الإمامية
صلاة الجمعة والتهاون بها ما عهد من قاعدة مذهبهم أنهم لا يقتدون بالمخالف ولا
الفاسق والجمعة إنما تقع في الأغلب من أئمة المخالفين ونوابهم فكانوا متهاونين بها
لهذا الوجه، فتركهم الجمعة لهذه العلة لا لأمر آخر فلو كانوا يشترطون في وجوبها
بل في جوازها مطلقا إذن الإمام المفقود حال الغيبة أصلا أو أكثريا بالنسبة إلى
الموضع الذي يحضر فيه النائب بل في زمان حضوره أيضا لعدم تمكنه غالبا من
نصب الأئمة لها حينئذ أيضا ولا مباشرتها بنفسه لما تصور العاقل أن الإمامية أكثر
ايجابا لها من العامة، لأن ذلك معلوم البطلان ضرورة وإنما يكونون أكثر ايجابا
من حيث إنهم لا يشترطون فيها المصر كما يقوله الحنفي ولا جوفه ولا حضور أربعين
كما يقوله الشافعي (1) ويكتفون في ايجابها بإمام يقتدى به أربعة مكلفون بها،
فيظهر بذلك كونهم أكثر ايجابا من الجمهور وإنما منعهم من إقامتها غالبا ما ذكرناه
من فسق الأئمة. انتهى.
الخامس - شيخنا ثقة الاسلام الكليني (قدس سره) في الكافي حيث قال في
كتاب الصلاة: باب " وجوب الجمعة وعلى كم تجب " ثم نقل صحيحة محمد بن مسلم
وأبي بصير عن الصادق عليه السلام (2) " إن الله تعالى فرض في كل سبعة أيام
خمسا وثلاثين صلاة: منها صلاة واجبة على كل مسلم أن يشهدها إلا خمسة...

(1) عمدة القارئ ج 3 ص 263 والبحر الرائق ج 2 ص 151 ونيل الأوطار
ج 3 ص 287 والمهذب ج 1 ص 110 والفقه على المذاهب الأربعة ج 1 291 و 292
(2) الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة وآدابها
382

إلى آخرها، وصحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام (1) " فرض الله تعالى على الناس من
الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة: منها صلاة واحدة فرضها الله عز وجل في جماعة
وهي الجمعة... إلى آخرها " وسيأتي نقلها بتمامها. ثم روى أخبارا أخر في تعيين
العدد ووجوب حضور من كان على رأس فرسخين واشتراط الفصل بن الجمعتين
بثلاثة أميال واقتصر على ذلك. وهو ظاهر في أن مذهبه وما يفتى به هو الوجوب
العيني من دون شرط إذن ولا تجويز الترك إلى بدل، إذ لو كان يعتقد شيئا من ذلك
أو وصل إليه حديث بذلك لذكره ولو إشارة. وإنما نسبنا ذلك إليه مذهبا لما صرح
به في صدر كتابه من قوله لبعض إخوانه الذي صنف لأجله الكتاب الذي شكى
إليه أن أمورا قد أشكلت عليه لا يعرف وجهها وأنه يجب أن يكون عنده كتاب
كاف يجمع من جميع فنون العلم ما يكتفي به المتعلم ويرجع إليه المسترشد ويأخذ منه
من يريد علم الدين الآثار الصحيحة عن الصادقين (عليهم السلام) والسنن القائمة
التي عليها العمل وبها يؤدي فرض الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وآله: وقد يسر الله تعالى
وله الحمد تأليف ما سألت... إلى آخره.
السادس - شيخنا رئيس المحدثين الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين
ابن بابويه القمي في كتاب الفقيه حيث قال فيه - بعد أن قدم ما صدر به كتابه من أنه إنما قصد إلى ايراد ما يفتي به ويحكم بصحته ويعتقد أنه حجة بينه وبين ربه -
باب " وجوب الجمعة وفضلها ومن وضعت عنه والصلاة والخطبة فيها " قال أبو جعفر
الباقر عليه السلام لزرارة بن أعين " إنما فرض الله عز وجل على الناس من الجمعة إلى
الجمعة خمسا وثلاثين صلاة: منها صلاة واحدة فرضها الله عز وجل في جماعة وهي
الجمعة... " ثم ذكر الحديث بتمامه. وهو ظاهر بل صريح بالنظر إلى ما صرح به في
صدر كتابه (2) في أن مذهبه وما يفتي به هو مضمون هذه الرواية. ولا ريب أن

(1) الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة وآدابها
(2) تقدم منه " قدس سره " ص 115 خروجه عن هذه القاعدة في مواضع عديدة
383

مقتضى مضمونها هو الوجوب العيني من غير شرط ولا تخيير فإن أصحابنا المخالفين
لنا في المسألة - كما عرفت آنفا وستعرف - معترفون بدلالة هذه الأخبار على الوجوب
العيني وإنما صرفهم عنها ما يزعمه شذوذ منهم أنها أخبار آحاد وآخرون الاجماع على
نفي الوجوب العيني فيرتكب التأويل فيها بالحمل على الوجوب التخييري جمعا بين
الأدلة، وحينئذ فمن ليس لهذا الاجماع عده عين ولا أثر كالصدوق ونحوه من
المتقدمين الذين لا يتجاوزون مدلول الأخبار وبها افتاؤهم وعليها عملهم مع الكتاب
العزيز على ممر الأدوار والأعصار فلا ريب في نسبة هذا القول إليه بذكره هذه الأخبار ونقلها في كتابه بعد أن يعنون الباب بالوجوب.
وقال (قدس سره) في المقنع في باب صلاة الجمعة: وإن صليت الظهر مع
الإمام بخطبة صليت ركعتين وإن صليت بغير خطبة صليتا أربعا وقد فرض الله
تعالى من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة: منها صلاة واحدة فرضها الله تعالى في
جماعة وهي الجمعة ووضعها عن تسعة: الصغير والكبير والمجنون والمسافر والعبد
والمرأة والمريض والأعمى ومن كان على رأس فرسخين، ومن صلاها وحده فليصلها
أربعا كصلاة الظهر في سائر الأيام.
قال شيخنا الشهيد الثاني في الرسالة الموضوعة في المسألة: ودلالة هذه العبارة
على المراد واضحة من وجوه: (منها) قوله " وإن صليت الظهر مع الإمام... إلى
آخره " فإن المراد بالإمام حيث يطلق في مقام الاقتداء من يقتدى به في الصلاة
أعم من كونه السلطان العادل أو غيره. وهذه العبارة خلاصة قول الصادق عليه السلام
في موثقة سماعة (1) حيث سأله عن الصلاة يوم الجمعة فقال: " أما مع الإمام
فركعتان وأما من يصلي وحده فهي أربع ركعات بمنزلة الظهر يعني إذا كان إمام يخطب
فإذا لم يكن إمام يخطب فهي أربع ركعات وإن صلوا جماعة " هذا آخر الحديث
والصدوق طريقته في هذا الكتاب أن يذكر متون الأحاديث مجردة عن الأسانيد

(1) الوسائل الباب 5 من صلاة الجمعة وآدابها
384

ولا يغيرها غالبا. وأيضا فلا يمكن حمله على السلطان من وجه آخر وهو أنه ليس
بشرط باجماع المسلمين فإن الشرط عند القائل به هو أو من نصبه ولا شك أن
منصوبه غيره. و (منها) قوله " تسقط عن تسعة " وعدهم، وهو مدلول رواية زرارة
المتقدمة (1) الدالة على المطلوب، فإن مفهومها عدم سقوطها عن غيرهم فيتناول
موضع النزاع. و (منها) قوله " ومن صلاها وحده فليصلها أربعا " وهذا يقابل قوله
سابقا " وإن صليت الظهر مع الإمام " ومقتضاه أن من صلاها في جماعة مطلقا يصليها
اثنتين كما تقدم. ولا تعرض لجميع العبارة باشتراط السلطان العادل وما في معناه
مطلقا. انتهى كلامه.
وقال (قدس سره) في الأمالي في وصف دين الإمامية: والجماعة يوم الجمعة
فريضة واجبة وفي سائر الأيام سنة فمن تركها رغبة عنها وعن جماعة المسلمين من
غير علة فلا صلاة له. ووضعت الجمعة عن تسعة: عن الصغير والكبير والمجنون
والمسافر والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومن كان على رأس فرسخين. انتهى.
وتأويلها بالتخصيص بزمان الحضور - مع أنه بصدد بيان مذهب الإمامية للعمل به في
جميع الأحوال والأزمان - تعسف محض لا يخفى على ذوي الأذهان والأفهام.
هذا ما وقفت عليه من كلام المتقدمين وأما المتأخرون عن عصر شيخنا
الشهيد الثاني ممن قال بهذا القول فهم أكثر من أن يأتي عليهم قلم الاحصاء وإن يدخلوا
في حيز الاستقصاء إلا أنه لا بأس بذكر جملة من مشاهيرهم ونقل عبائرهم في المقام
تتمة لما قدمناه من متقدمي علمائنا الأعلام:
السابع - شيخنا الشيخ زين الدين في رسالته المشهورة وهو أول من كشف
الغطاء عن هذه المسألة بعد اندراسها وأحيى رسومها بعد انطماسها، وقد تقدم
وسيأتي إن شاء الله تعالى نقل جملة من كلماته.
الثامن - حافده سيد المحققين السيد محمد في كتاب المدارك، قال بعد نقل

(1) ص 383
385

جملة من الأخبار الآتية إن شاء الله تعالى: فهذه الأخبار الصحيحة الطرق الواضحة
الدلالة على وجوب الجمعة على كل مسلم عدا ما استثنى تقتضي الوجوب العيني، إذ
لا اشعار فيها بالتخيير بينها وبين فرد آخر خصوصا قوله عليه السلام (1) " من ترك الجمعة
ثلاث جمع متواليات طبع الله على قلبه " فإنه لو جاز تركها إلى بدل لم يحسن هذا
الاطلاق، وليس فيها دلالة على اعتبار حضور الإمام عليه السلام أو نائبه بوجه بل
الظاهر من قوله عليه السلام (2) " فإن كان لهم من يخطب جمعوا " وقوله (3) " فإذا اجتمع
سبعة ولم يخافوا أمهم بعضهم وخطبهم " خلافه كما سيجئ تحقيقه إن شاء الله تعالى
وقال جدي في رسالته الشريفة التي وضعها في هذه المسألة بعد أن أورد نحو ما
أوردناه من الأخبار ونعم ما قال: فكيف يسع المسلم الذي يخاف الله تعالى إذا
سمع مواقع أمر الله ورسوله والأئمة (صلوات الله عليهم) بهذه الفريضة وايجابها
على كل مسلم أن يقصر في أمرها ويهملها إلى غيرها ويتعلل بخلاف بعض العلماء فيها
وأمر الله ورسوله وخاصته (صلوات الله عليهم) أحق ومراعاته أولى، فليحذر الذين
يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم " (4) ولعمري لقد
أصابهم الأمر الأول فليرتقبوا الثاني إن لم يعف الله ويسامح (5) نسأل الله العفو
والرحمة بمنه وكرمه. انتهى.

(1) الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة وآدابها.
(2) الوسائل الباب 2 من صلاة الجمعة وآدابها
(3) الوسائل الباب 2 من صلاة الجمعة وآدابها
(4) سورة النور الآية 63
(5) أقول: إن كان نظره " قدس سره " في ما ذكره إلى الفقيه وهو من تكون
وظيفته الرجوع في معرفة الأحكام الشرعية إلى الأدلة واستنباطها منها فاللازم على مثل
هذا الشخص في هذه المسألة - كسائر المسائل الفقهية - أن يفحص بالمقدار الميسور له عن
أدلتها وينظر فيها ويستفرغ وسعه ويعمل غاية جهده في ذلك ولا يكون منه أدنى تهاون في
هذا الشأن، ويلزمه العمل على طبق ما يؤدي إليه نظره إن أدى إلى اللزوم، ويجزئه ذلك أن
أدى إلى عدم اللزوم ويكون معذورا في مخالفة الواقع إن كانت كما هو واضح، وعليه فإن
تم بنظره ظهور الآية والأخبار في الوجوب التعييني وتحقق عنده الاجماع الكاشف
عن قول المعصوم على عدم الوجوب التعييني فاللازم عليه أن يفتي بالوجوب التخييري لأن
قول المعصوم يكون قرينة قطعية على عدم إرادة الظاهر منهما، وإن لم يتحقق عنده الاجماع
على ذلك فمن الواضح أنه يجب عليه الجري على ظواهر الأدلة الفتوى على طبقها، وهل
يحتمل في حق فقيه من فقهائنا أن يقصر في أمر الحكم الشرعي ويفتي بما لا يعتقد صحته
بينه وبين الله ويعرض عن أمر الله تعالى ورسوله " صلى الله عليه وآله " المعلوم له بالدليل
ويتعلل في ذلك بخلاف بعض العلماء؟ كلا ثم كلا، وإنما الخلاف والاشكال في تشخيص
أمر الله وأنه بأي شئ تعلق. نعم هنا شئ ربما يوجب اطمئنان الفقيه بعدم كون الحكم
هو الوجوب التعييني وإن تم بنظره ظهور الآية والأخبار فيه ولم يقم عنده اجماع على
الخلاف وهو أنه إذا كان الفرض يوم الجمعة هو صلاة الجمعة على التعيين لكان اللازم - مع
ظهور الآية فيه وورود الأخبار الكثيرة عنهم " ع " في شأنها بحد لم يخرج في حكم مسألة
من مسائل الفقه ما خرج عنهم " ع " في هذه المسألة من الأخبار البالغة في الاشتهار
والانتشار والتهديد والتشديد والحث الأكيد إلى حد لا يقبل الانكار كما ذكر ذلك المصنف
" قدس سره " في نهاية القول الثاني من الأقوال - اشتهار هذا الحكم بين أصحاب الأئمة " ع "
والفقهاء وتسالمهم عليه بل كونه من الأمور الواضحة الضرورية بين جميع الشيعة كسائر
الفرائض اليومية، وحيث إن الأمر ليس كذلك بالوجدان - بل عمل الطائفة على عدم
الوجوب التعييني في سائر الأعصار والأمصار كما ذكره الشهيد في كلامه الآتي ص 392
- يكشف ذلك عن أن الحكم الواضح المعروف بين أصحاب الأئمة " ع " لم يكن
ذلك وإلا لاستمر ضوح الحكم إلى يومنا هذا وتواتر بحيث لم يكن فيه مجال للشك
والارتياب. هذا كله إذا كان نظره إلى الفقيه الذي وظيفته الاستنباط وإذا كان نظره إلى
من لم يبلغ مرتبة الاستنباط فمن الواضح أن وظيفته الرجوع إلى الفقيه وأخذ الحكم الشرعي
منه، وكل ما يفتي به من يجب عليه الرجوع إليه فهو حكم الله في حقه وليس له العمل بما
يفهمه من الأخبار. وبما ذكرناه يظهر ما في الكلام المذكور من التهويل من دون أن
يقتضيه دليل.
386

التاسع - شيخنا الفاضل الشيخ حسين بن عبد الصمد تلميذ شيخنا الشهيد الثاني
387

ووالد شيخنا البهائي، قال في رسالته المعروفة بالعقد الطهماسي: تتمة مهمة - ومما
يتحتم فعله في زماننا صلاة الجمعة أما لدفع تشنيع أهل السنة إذ يعتقدون أنا نخالف
الله والرسول صلى الله عليه وآله واجماع العلماء في تركها وظاهر الحال معهم، وأما بطريق
الوجوب الحتمي والاعراض عن الخلاف لضعفه لقيام الأدلة القاطعة الباهرة على
وجوبها من القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومين الصحيحة الصريحة التي
لا تحتمل التأويل بوجه، وكلها خالية من اشتراط الإمام والمجتهد بحيث إنه لم تحضرني
مسألة من مسائل الفقه عليها أدلة بقدر أدلة صلاة الجمعة من كثرتها وصحتها والمبالغة
فيها، ولم نقف لمن اشترط المجتهد على دليل ناهض وكيف مع معارضة القرآن
والأحاديث الصحيحة، ولا قال باشتراطه أحد من العلماء المتقدمين ولا المتأخرين
ما عدا الشهيد في اللمعة وفي باقي كتبه وافق العلماء ولم يشترطه نعم تبعه عليه المحقق
الشيخ على. ثم قال وملخص الأقوال ثلاثة: الوجوب الحتمي من غير تعرض
للمجتهدين وهو ظاهر كلام كل العماء المتقدمين وجماعة من المتأخرين. والثاني -
الوجوب التخييري بينها وبين الظهر وهو مذهب المتأخرين ما عدا سلار وابن
إدريس، وادعوا عليه الاجماع ولم يشترطوا مجتهدا. والثالث - المنع منها حال
الغيبة مطلقا سواء حضر المجتهد أو لا وهو مذهب سلار وابن إدريس، واتفق الكل
على ضعف دليله وبطلانه. والذي يصلي الجمعة يكون قد برئت ذمته وأدى الفرض
بمقتضى كلام الله ورسوله والأئمة (صلوات الله عليهم) وجميع العلماء، وخلاف
سلار وابن إدريس والشيخ لا يقدح في الاجماع لما تقرر من قواعدنا أن خلاف
الثلاثة والأربعة بل والعشرة والعشرين لا يقدح في الاجماع إذا كانوا معلومي النسب
وهذا من قواعدنا الأصولية الاجماعية، والذي يصلي الظهر تصح صلاته على مذهب
هذين الرجلين والمتأخرين لأنهم ذهبوا إلى التخيير ولا تصح بمقتضى كلام الله
ورسوله صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومين والعلماء المتقدمين " فأي الفريقين أحق بالأمن أن كنتم تعلمون " (1) نعم لو أراد أحد تمام الاحتياط للخروج من خلاف هذين

(1) سورة الأنعام الآية 81
388

الرجلين صلى الظهر بعدها. وليهيئ تاركها الجواب لله تعالى لو سأله يوم القيامة لم
تركت صلاة الجمعة وقد أمرت بها في كتابي العزيز على أبلغ وجه وأمر بها رسولي
الصادق عليه السلام على آكد وجه وأمر بها الأئمة الهادون (عليهم السلام) وأكدوا
فيها غاية التأكيد ووقع اجماع المسلمين على وجوبها في الجملة؟ فهل يليق من العاقل
الرشيد أن يقول تركتها لأجل خلاف سلار وابن إدريس؟ ما هذا إلا عمي أو تعامى
أو تعصب مضر بالدين أجارنا الله وإياكم منه وجميع المسلمين (1) انتهى كلامه زيد مقامه
العاشر - الفاضل المحقق الشيخ حسن ابن شيخنا الشهيد الثاني في رسالته
الموسومة بالاثني عشرية وابنه الفاضل الشيخ محمد، قال في الرسالة: شرط
وجوب الجمعة الآن حضور خمسة من المؤمنين فما زاد ويتأكد في السبعة وأن يكون
فيهم من يصلح للإمامة ويتمكن من الخطبة. وقال ابنه الفاضل في شرح هذه الرسالة
مشيرا إلى الأخبار المتقدمة: وهذه الأخبار كما ترى مطلقة في وجوب الجمعة عينا
والحمل على التخييري موقوف على قيام ما يصلح للدلالة على وجوب الآخر وإلا
فالدلالة على الفرد المذكور وحده لا يعتريه شوب الارتياب ولا يخفى مفادها على ذوي
الألباب. وما ينقل من الاجماع على انتفاء العيني في زمن الغيبة فقد سمعت الكلام
في نظيره. انتهى.
الحادي عشر - الشيخ الفقيه الزاهد الشيخ فخر الدين بن طريح النجفي في شرح
الرسالة المتقدمة، حيث قال: إما في زمن الغيبة كهذا الزمان الذي عبر عنه
المصنف بالآن فللعلماء في انعقادها وعدمه أقوال ثلاثة... إلى أن قال: و (ثالثها)
الوجوب العيني من غير تعرض للمجتهد وهو ظاهر كلام أكثر المتقدمين كما نقل
عنهم، وما ظفرنا فيه شاهد على هذا النقل كعبارة المفيد في المقنعة فإنها صريحة في
عدم اشتراط الإمام أو نائبه في الوجوب العيني وقد نقل ذلك عنه في كتاب
الإشراف، ثم ساق ملخص العبارة ونقل القول بذلك من جملة ممن قدمنا ذكره، إلى

(1) راجع التعليقة 5 ص 386 لتظهر لك حقيقة الحال
389

أن قال: وما ادعوه من الاجماع غير تام فإنه لو تم فإنما هو بنقل الواحد، وعلى
تقدير تسليم حجيته لا يزيد عن الخبر بل ربما يكون بمنزلة الخبر المرسل فإذا عارض
الأخبار رجعنا إلى الترجيح ورجحان الأخبار هنا غير خفي لصراحتها. ثم قال
ولله در الشهيد الثاني حيث قال في بعض كتبه كيف يسع المسلم... إلى آخر ما قدمناه.
الثاني عشر - الفقيه المحدث محمد تقي المشهور بالمجلسي والد شيخنا صاحب
البحار في رسالة مبسوطة ألفها في تحقيق هذه المسألة واثبات الوجوب العيني من
غير اشتراط، وقد أبلغ الكلام فيها غايته وجاوز نهايته بنقل آيات باهرة وأخبار
كثيرة ظاهرة وذكر وجوه دلالتها متعاضدة متكاثرة، قال (قدس سره) فذلكة:
فصار مجموع الأخبار مائتي حديث، فالذي يدل على الوجوب بصريحه من الصحاح
والحسان والموثقات وغيرها أربعون حديثا، والذي يدل بظاهره على الوجوب
خمسون حديثا، والذي يدل على المشروعية في الجملة أعم من أن يكون عينيا أو
تخييريا تسعون حديثا، والذي يدل بعمومه على وجوب الجمعة وفضلها عشرون حديثا
ثم الذي يدل بصريحه على وجوب الجمعة إلى يوم القيامة حديثان، والذي يدل
على عدم اشتراط الإذن بظاهره ستة عشر حديثا بل أكثرها كذلك كما مرت
الإشارة إليه في تضاعيف الفصول، وأكثرها أيضا يدل على الوجوب العيني
كما أشير إليه، فظهر من هذه الأخبار المتواترة الواضحة الدلالة التي لا يشوبها
شك ولا يحوم حولها شبهة من طرف سيد الأنبياء والمرسلين والأئمة الطاهرين
(صلوات الله عليهم أجمعين) أن صلاة الجمعة واجبة على كل مسلم عدا ما استثنى.
وليس في هذه الأخبار مع كثرتها تعرض لشرط الإمام ولا من نصبه ولا
لاعتبار حضوره في ايجاب هذه الفريضة العظيمة، فكيف يليق بالمؤمن الذي
يخاف الله إذا سمع مواقع أمر الله ورسوله وأئمته (صلوات الله عليهم أجمعين)
وايجابها على كل مسلم وعلى كل مؤمن وعلى كل عاقل أن يقصر في أمرها ويتعلل
بخلاف سلار وابن إدريس فيها مع اتفاق كافة العلماء على وجوبها؟ وأمر الله تعالى
ورسوله وأئمته (صلوات الله عليهم أجمعين) أحق مراعاته أولى " فليحذر الذين
390

يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم " (1) انتهى.
الثالث عشر - الفقيه الفاضل المولى محمد باقر السبزواري في رسالة ألفها في الوجوب
العيني في هذه المسألة فإنه قال فيها - بعد نقل الأدلة والبراهين على الوجوب العيني بلا
شرط - ما صورته: ومما ذكرنا ظهر أن الذي يقتضيه التحقيق والأدلة القاهرة
الظاهرة أن صلاة الجمعة في زمن الغيبة واجبة عينا وأنه لا يعتبر فيها الفقيه بل يكفي
العدل الجامع لشرائط الإمامة... إلى أن قال فلا يليق اهمالها وتعطيلها وهجرها
استنادا إلى العلل العلية والأهواء الردية ومع ذلك فقد أهمل الناس مثل هذه الفريضة
المؤكدة وتركوها وهجروها في بلاد المؤمنين مع انتفاء التقية من قبل المخالفين.
وقال في موضع آخر من هذه الرسالة أيضا: وما كان حق هذه الفريضة
العظيمة من فرائض الدين أن يبلغ التهاون بها إلى هذا الحد مع أن شرائط الوجوب
متحققة في أكثر بلاد الايمان خصوصا في هذه الأعصار والأزمان، والعجب كل
العجب من طائفة من المسلمين كيف يقدمون على إنكار هذه الفريضة العظيمة
ويشنعون على من فعلها أو قصد الاتيان بها ويبالغون في ذلك أشد المبالغة من غير
أن يكونوا على بينة ويتمسكوا في ذلك بحجة؟ فيا عجبا كيف جرأتهم على الله تعالى
ورسوله صلى الله عليه وآله واقدامهم على الحق وأهله. وسيجمع الله بين الفريقين في موقف
واحد هناك ويرفع حجاب كل مكتوم ويعرف الظالم من المظلوم " وسيعلم الذين
ظلموا أي منقلب ينقلبون " (2) فإلى الله المشتكى في كل حال وعليه التوكل في
المبدأ والمال. انتهى.
الرابع عشر - المحدث الكاشاني وله في المسألة رسالة اختار فيها الوجوب
العيني، قال في صدر الرسالة المذكورة: مقدمة - اعلم أيدك الله بروح منه أن
وجوب صلاة الجمعة أظهر من الشمس في رابعة النهار وأنه مما اتفق عليه علماء
الاسلام في جميع الأعصار وسائر الأمصار والأقطار كما صرح به جم غفير من

(1) التعليقة 5 ص 386
(2) سورة الشعراء الآية 228 ويرجع إلى التعليقة 5 ص 386
391

الأخبار، وأن جميع علماء الاسلام طبقة بعد طبقة قاطعون بأن النبي صلى الله عليه وآله استمر
بفعلها على الوجوب العيني طول حياته المقدسة وأن النسخ لا يكون بعده، ولم يذهب إلى
اشتراط وجوبها بشرط يوجب سقوطها إلا رجل أو رجلان من متأخري فقهائنا
الذين هم أصحاب الرأي والاجتهاد دون الأخباريين من القدماء الذين هم لا يتجاوزون
مدلول ألفاظ الكتاب والسنة وأخبار أهل البيت (عليه السلام) (1) فإنه لا خلاف
بينهم في وجوبها العيني الحتمي وعدم سقوطها أصلا إلا للتقية، كما لا اختلاف في
ألفاظ القرآن والحديث في ذلك، وإنما وقعت في الشبهة أصحاب الآراء من المتأخرين
لما رأوا من ترك أجلة الأصحاب لها برهة من الزمان دون برهة فزعموا أن لها شرطا آخر
غير ما ثبت من الأخبار الصحيحة وأنه قد يوجد وقد لا يوجد وإلا لما تركها هؤلاء
الأجلاء وقتا دون وقت كما قال الشيخ الشهيد (قدس سره) بعد اثباته الوجوب
العيني بالبرهان: إلا أن عمل الطائفة على عدم الوجوب العيني في سائر الأعصار
والأمصار (2) واتفقت آراؤهم على أن ذلك الشرط إنما هو حضور السلطان العادل
أو من نصبه لذلك، وكأنهم عنوا بالسلطان العادل - كما صرح به بعضهم - الإمام المعصوم عليه السلام فاشترطوا حضوره إذا تيسر كما في بلد إقامته في دولة الحق وإذنه عليه السلام
لها إذا لم يتيسر الحضور كما في البلاد الآخر ذلك الوقت، ولذلك لما رأوا أن
الأئمة كانوا كذلك يفعلون في دولتهم محقين كانوا أو مبطلين ولما رأوا أن العامة
يستدلون عليه بأن الاجتماع مظنة النزاع ومثار الفتن والحكمة موجبة لحسم مادة
الاختلاف ولن يستمر الأمر إلا مع السلطان فاستحسنوا هذا الاستدلال كما
استحسنوا أصل الاجتهاد والقول بالرأي منهم ثم زعموا أن ذلك كان شرطا لشرعية
هذه الصلاة. ثم اختلف هو هؤلاء فمنهم من عمم هذا الشرط لزمان الحضور والغيبة

(1) مقتضى كلامه (قدس سره) أن المجتهدين لا يتقيدون في استنباط الأحكام
بالكتاب والسنة وأخبار أهل البيت " ع " وقد تقدم في التعليقة 1 ص 363 ما يرتبط بالمقام
(2) ارجع إلى التعليقة 5 ص 386 فقد تقدم فيها ما يتعلق بالمقام.
392

فحكم بسقوط الصلاة في الغيبة لعدم إمكان الشرط حينئذ وهو محمد بن إدريس
صريحا وسلار بن عبد العزيز ظاهرا وهما اللذان كنينا عنهما بالرجل والرجلين، وإنما
أتينا بالترديد لاحتمال كلام سلار التأويل بما يرجع إلى الحق، ومنهم من خص
الشرط بزمان الظهور وأسقطه في زمان الغيبة لامتناعه. ثم اختلف هؤلاء فمنهم
من جعل الوجوب حينئذ حتميا من دون رخصة في تكرها فوافق رأيهم مذهب
القدماء الأخباريين وسائر الأمة، ومنهم من زعم أن في تركها حينئذ رخصة وأن
وجوبها حينئذ تخييري وأنها أفضل الفردين الواجبين تخييرا فهي مستحبة عينا
واجبة تخييرا وإليه ذهب شرذمة من مشاهيرهم، وذلك لما رأوا من ترك أصحابنا
لها في بعض الأوقات كما ذكرناه، والاشتباه وقع لهم من عبارات بعض من تقدم
عليهم ولا سيما الشيخ الطوسي الذي هو قدوتهم كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى.
وكأنهم عنوا بالتخيير - كما صرح به بعضهم - أن الناس بالخيار في انشائها وجمع العدد
لها وتعيين الإمام لأجلها فإذا فعلوا ذلك وعزموا على فعلها تعين على كل من اجتمعت
له الشرائط الأخر حضورها ولا يسع أحدا التخلف عنها حينئذ لا أن لآحاد الناس
حينئذ التخيير في حضورها وعدمه، ومنهم من زعم أن الإذن العام قائم مقام الإذن
الخاص في زمان الغيبة فاشترط فيها حضور الفقيه لأنه نائب الإمام على العموم
ومأذون من قبله في اجراء الأحكام، وإليه ذهب واحد أو اثنان من متأخريهم.
وكل من أصحاب هذه الآراء ادعى الاجماع على رأيه مع أنه لا مستند لاجماعه من
كتاب ولا سنة ولا خبر وليس لرأيه من هذه الدلائل الثلاثة عين ولا أثر. انتهى.
ما أردنا نقله من كلام المحدث المتقدم ذكره.
الخامس عشر - شيخنا غواص بحار الأنوار ومستخرج لئالئ النكت والآثار
قال (قدس سره) في كتاب البحار - بعد الأبحاث الطويلة وذكر جملة من أخبار
المسألة - تتميم: جملة القول في هذه المسألة التي تحيرت فيها الأفهام واضطربت فيها
الأعلام أنه لا أظن عاقلا يتريب في أنه لو لم يكن الاجماع المدعى فيها لم يكن لأحد
393

مجال شك في وجوبها على الأعيان في جميع الأحيان والأزمان كما في سائر الفرائض
الثابتة بالكتاب والسنة، فكما ليس لأحد أن يقول لعل وجوب صلاة العصر
وزكاة الغنم مشروطان بوجود الإمام وحضوره وإذنه فكذا ههنا لعدم الفرق بين
الأدلة الدالة عليها، لكن طرأ ههنا نقل اجماع من الشيخ وتبعه جماعة ممن تأخر
عنه كما هو دأبهم في سائر المسائل فهو عروتهم الوثقى وحجتهم العظمى به يتصاولون
فاشتهر في الأصقاع ومالت إليه الطباع، والاجماع عندنا - على ما حققه علماؤنا
في الأصول - هو قول جماعة من الأمة يعلم دخول قول المعصوم عليه السلام في أقوالهم
وحجيته إنما هو باعتبار دخول قوله عليه السلام فهو كاشف عن الحجة والحجة إنما هو
قوله عليه السلام قال المحقق في المعتبر... ثم نقل كلامه المؤذن بذلك ثم قال والاجماع بهذا
المعنى لا ريب في حجيته على فرض تحققه والكلام في ذلك. ثم إنهم (قدس الله
أرواحهم) لما رجعوا إلى الفروع كأنهم نسوا ما أسسوه في الأصول فادعوا الاجماع
في أكثر المسائل سواء ظهر الاختلاف فيها أم لا وافق الروايات المنقولة فيها أم
لا، حتى أن السيد (رضي الله عنه) وأضرابه كثيرا وما يدعون الاجماع في ما ينفردون
بالقول به أو يوافقهم عليه قليل من أتباعهم، وقد يختار هذا المدعى للاجماع قولا آخر
في كتابه الآخر، وكثيرا ما يدعى أحدهم الاجماع على مسألة ويدعى غيره الاجماع
على خلافه، فيغلب على الظن أن مصطلحهم في الفروع غير ما جروا عليه في الأصول
بأن سموا الشهرة عند جماعة من الأصحاب اجماعا كما نبه عليه الشهيد في الذكرى
وهذا بمعزل عن الحجية، ولعلهم إنما احتجوا به في مقابلة المخالفين ردا عليهم
أو تقوية لغيره الدلائل التي ظهرت لهم. ولا يخفى أن في زمان الغيبة لا يمكن
الاطلاع على الاجماع إذ مع فرض الاطلاع على مذاهب جميع الإمامية مع تفرقهم
وانتشارهم في أقطار البلاد والعلم بكونهم متفقين على مذهب واحد لا حجة فيه، لما
عرفت أن العبرة عندنا بقول المعصوم ولا يعلم دخوله فيها. وما يقال - من أنه
يجب حينئذ على المعصوم أن يظهر القول بخلاف ما أجمعوا عليه لو كان باطلا فلما لم
394

يظهر ظهر أنه حق (1) - لا يتم سيما إذا كانت في روايات أصحابنا رواية
بخلاف ما أجمعوا عليه، إذ لا فرق بين أن يكون إظهار الخلاف على تقدير
وجوبه بعنوان أنه قول فقيه وبين أن يكون الخلاف مدلولا عليه بالرواية
الموجودة في روايات أصحابنا... إلى أن قال: وأيضا دعوى الاجماع إنما نشأ من زمن
السيد والشيخ ومن عاصرهما ثم تابعهما القوم ومعلوم عدم تحقق الاجماع في زمانهم
فهم ناقلون عن من تقدمهم فعلى تقدير كون مرادهم بالاجماع هذا المعنى لكان في
قوة خبر مرسل فكيف ترد به الأخبار الصحيحة المستفيضة (2) ومثل هذا يمكن
أن يركن إليه عند الضرورة وفقد دليل آخر أصلا... إلى آخر كلامه زيد في اكرامه
فهذه جملة من عبائر من وصل إلينا كلامهم في القول بالوجوب العيني، وأما
غيرهم ممن قال بهذا القول فقد ذكرنا آنفا أن قلم الاحصاء لا يأتي عليهم إلا أن الذي
حضرني الآن منهم جماعة: منهم - المحقق العماد مير محمد باقر الداماد، قال المحدث
الكاشاني في رسالته المشار إليها آنفا أنه كان يواظب على فعلها متى تيسر له، قال
وقد صلينا معه غير مرة. ومنهم - العلامة السيد الماجد البحراني، قال المحدث
المشار إليه في الرسالة: وكان أستاذنا المتبحر السيد ماجد بن هاشم الصادقي البحراني
(طاب ثراه) من المواظبين عليها بشيراز وقد صليت معه زمانا طويلا وكنا في
ذلك الأوان نستفيد من بركات صبحته بكرة وأصيلا، وكأن يقول مقتضى الدليل

(1) اختلف الأعلام في مستند القطع برأي المعصوم " ع " من الاجماع، فقيل إنه
دخول شخصه " ع " في المجمعين ويحكى ذلك عن السيد المرتضى، وقيل إنه قاعدة اللطف
بالتقريب المذكور في المتن ويحكى ذلك عن شيخ الطائفة، وقيل إن سببه هو الحدس برأيه " ع "
ورضاه بما أجمع عليه للملازمة العادية بين اتفاق المرؤوسين المنقادين على شئ وبين رضا
الرئيس بذلك الشئ ويحكى ذلك عن بعض المتقدمين، وقيل إن سببه هو تراكم الظنون
من الفتاوى إلى حد يوجب القطع بالحكم كما هو الوجه في حصول القطع من الخبر المتواتر
وقيل إن سببه هو كشفه عن وجود دليل معتبر عند المجمعين.
(2) قد تقدم في التعليقة 5 ص 386 ما يرتبط بالمقام
395

الوجوب الحتمي ولم يثبت الاجماع على خلافه. انتهى.
وقال أيضا في الرسالة: وكان السيدان الجليلان أمير محمد زمان ولد أمير
محمد جعفر وأمير معز الدين محمد (رحمهم الله تعالى) مواظبين على هذه الصلاة بمشهد
الرضا (صلوات الله عليه) برهة من الزمان، وقد صنف أحدهما في الوجوب العيني
في زمان الغيبة رسالة رأيتها ولم تحضرني الآن. انتهى.
ومنهم - المحقق المدقق الشيخ أحمد بن الشيخ محمد بن يوسف البحراني صاحب
كتاب رياض المسائل، وله في المسألة رسالة قد رد فيها على الشيخ الفقيه الشيخ سليمان
ابن علي بن أبي ظبية الشاخوري البحراني، حيث إن الشيخ سليمان المذكور كان
يذهب إلى التحريم في هذه المسألة وكتب فيها رسالة فكتب الشيخ المحقق المذكور
رسالة في ردها ونقضها:
ومنهم - الشيخ العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني وتلميذه المحدث
الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني - وقد جرى بين الشيخ عبد الله المذكور وبين
الفاضل المشهور بالفاضل الهندي من علماء أصفهان - وكأن يقول بالتحريم -
مباحثات في المسألة وصنف الشيخ المذكور رسالة في الرد عليه سماها إسالة الدمعة
للقائل بتحريم صلاة الجمعة، كذا ذكر في بعض تحقيقاته. ولم أقف على الرسالة
المذكورة - والفاضل المشهور المولى عبد الله التستري، ونقله شيخنا المحقق المدقق
الشيخ أحمد بن الشيخ محمد بن يوسف البحراني عن الشيخ ابن ميثم البحراني صاحب
شرح نهج البلاغة.
ومنهم - الآخوند المشهور بملأ رفيعا المجاور بالمشهد الرضوي حيا وميتا
والمحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي والشيخ علي بن الشيخ جعفر بن الشيخ
علي بن سليمان البحراني والشيخ أحمد بن عبد الله البحراني أحد تلامذة شيخنا الشيخ
سليمان والفاضل الشريف الملا أبو الحسن بن الشيخ محمد طاهر المجاور بالنجف
الأشرف حيا وميتا في شرحه على المفاتيح.
396

وبالجملة فجملة من تأخر عن شيخنا الشهيد الثاني ووقفت على رسالته من
الفضلاء المحققين فكلهم على الوجوب العيني إلا الشاذ النادر ممن قال بالتحريم أو
الوجوب التخييري كما لا يخفى على من له أنس واطلاق على العلماء وسيرهم وأحوالهم.
وإنما أطلنا الكلام بنقل كلام هؤلاء الأعلام وأسماء من ذهب إلى هذا القول
وإن كان خارجا عن ما هو المقصود والمرام لما ذكره بعض الفضلاء المعاصرين (سامحه
الله بعفوه وغفرانه) مما لا يليق أن ينسب إليه في هذا المقام، حيث قال: الصنف
السادس - جماعة جاهلون قاصرون أو غافلون أو متجاهلون متغافلون وهم الذين
يقولون وجوب الجمعة في زمن الغيبة بالوجوب العيني أيضا من اليقينيات، ينسبون
فقهاءنا المتقدمين والمتأخرين إلى الاجماع على الجهل والقصور والغفلة والغرور
نعوذ بالله من هذا... إلى آخر كلامه، فإن فيه (أولا) أن القائلين بالوجوب
العيني هم الأكثر كما عرفت من كلامنا وكلام شيخنا الشهيد الثاني وغيره. و (ثانيا) أن
أحدا لم يقل ما ذكره من هذه الألفاظ الظاهرة في سوء الأدب وغاية ما ربما يقولون
أن منشأ القول بالتخيير هو الغفلة عن تتبع الأدلة واعطاء التأمل حقه في
المسألة. وهذا ليس ببدع ولا منكر كما هو شائع في كلام علمائنا جيلا بعد جيلا،
على أنه قد وقع منهم ما هو أعظم من ذلك كما سجل به المحقق والعلامة على ابن إدريس
من الطعن فيه حتى نسبوه إلى الجهل في جملة من المواضع، ومن شيخنا المفيد في
كتاب تصحيح إعتقادات الصدوق ورسالته التي في الرد عليه في عدم جواز السهو على
المعصوم كما لا يخفى على من راجعها، وهذه سجية بين العلماء جارية قديما وحديثا.
وبالجملة فكلامه - دام ظله - لا يخلو من غفلة عن تتبع أقوال من نقلنا عنه القول
بالوجوب وعدم الاطلاع على مذاهبهم وأقوالهم وعدم اعطاء النظر حقه في الأدلة
والأخبار كما لا يخفى على من جاس خلال الديار والتقط من لذيذ هذه الثمار. وفي كلامه
سلمه الله تعالى مناقشات واسعة ليس في التعرض لها كثير فائدة. فهذا ذكر من
معي وذكر من قبلي في ايجاب هذه الفريضة المعظمة والصلاة المحتمة.

(1) اقتباس من الآية 24 سورة الأنبياء
397

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الدليل على هذا القول المختار منحصر في الآية
والأخبار وهما الثقلان المأمور بالتمسك بهما من النبي المختار صلى الله عليه وآله اللذان من أخذ
بهما نجى من أهوال المبدأ والمال ومن تنكب عنهما وقع في تيه الضلال.
والكلام هنا يقع في مقامين (المقام الأول) الآية الشريفة أعني قوله عز
وجل: " يا أيها الذين أمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا
البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون " (1) والتقريب فيها اتفاق المفسرين على أن
المراد بالذكر في الآية صلاة الجمعة أو خطبتها أو هما معا، نقل ذلك غير واحد
من العلماء، والأمر للوجوب على ما تحقق في الأصول، وقد قدمنا في مقدمات
الكتاب ما يدل على ذلك من الآيات القرآنية والأخبار المعصومية، فلا حاجة
إلى الأدلة الأصولية القابلة للبحث والنزاع، ولا سيما الأوامر القرآنية فإن الخلاف
بينهم إنما هو في أوامر السنة كما تقدم ذكره في المقدمات المشار إليها. وسياق الآية
ظاهر في إرادة الصلاة أو ما يشمل الخطبة فكأنه قال: " إذا نودي للصلاة فاسعوا
إليها " وسماها ذكرا تنويها بشأنها، وبه أيضا ينادي قوله تعالى " فإذا قضيت الصلاة "
ويعضد ذلك ما رواه في الكافي عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر عليه السلام (2)
قال: " قلت له قول الله عز وجل: فاسعوا إلى ذكر الله؟ قال اعملوا وعجلوا فإنه
يوم مضيق على المسلمين فيه وثواب أعمال المسلمين فيه على قدر ما ضيق عليهم والحسنة
والسيئة تضاعف فيه. قال وقال أبو جعفر عليه السلام والله لقد بلغني أن أصحاب النبي
صلى الله عليه وآله كانوا يتجهزون للجمعة يوم الخميس لأنه يوم مضيق على المسلمين ".
أقول: الظاهر أن المراد من الخبر المذكور أنه حيث كان وقت صلاة الجمعة مضيقا
بساعة زوال الشمس - كما ستأتيك الأخبار به إن شاء الله تعالى في المقام - لا اتساع
فيه كغيره من أوقات الصلاة في سائر الأيام وقع الحث على تقطيع العلائق وإزالة

(1) سورة الجمعة الآية 9
(2) الوسائل الباب 31 من صلاة الجمعة وآدابها
398

العوائق عن الاتيان بالصلاة في ذلك الوقت إذ لا سعة فيه كما عرفت حتى أنهم كانوا
يتجهزون للفراغ للصلاة ويقضون اعراضهم التي ربما تمنع من الاتيان بها في وقتها
في يوم الخميس كما دل عليه الخبر المذكور.
والمراد بالنداء الأذان أو دخول وقته كما ذكره المفسرون، وروى الصدوق
في الفقيه مرسلا (1) قال: " روي أنه كان بالمدينة إذا أذن المؤمن يوم الجمعة نادى
مناد حرم البيع لقول الله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من
يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع " (2)
وحينئذ فالمستفاد من الآية المذكورة الأمر بالسعي إلى صلاة الجمة لكل
واحد من المؤمنين متى تحقق الأذان لها أو دخول وقته، وحيث إن الأصل عدم
التقييد بشرط يلزم عموم الوجوب بالنسبة إلى زمان الغيبة والحضور.
وقد أورد على هذا الدليل وجوه من الإيرادات لا بأس بذكرها وذكر
ما أجيب به عنها:
الأول - أن كلمة " إذا " غير موضوعة للعموم لغة فلا يلزم وجوب السعي
كلما تحقق النداء بل يتحقق بالمرة وهي عند تحقق الشرط.
والجواب عن ذلك أن " إذا " وإن لم تكن موضوعة للعموم لغة إلا أنه
يستفاد منها العموم في أمثال هذه المواضع إما بحسب الوضع العرفي أو بحسب
القرائن الدالة عليه كما قالوه في آية الوضوء وأمثالها، على أن حملها على الاهمال يجعل
الكلام خاليا من الفائدة المعتد بها وهو مما يجب تنزيه كلام الحكيم عنه. وأيضا
فإنه لا يخلو إما أن يكون المراد ايجاب السعي ولو في العمر مرة واحدة أو ايجابه
على سبيل العموم أو ايجابه بشرط حضور الإمام أو نائبه، لا سبيل إلى الأول
لمخالفته لاجماع المسلمين إذ الظاهر أنهم متفقون على أنه ليس المراد من الآية ايجاب

(1) الوسائل الباب 53 من صلاة الجمعة وآدابها
(2) سورة الجمعة الآية 9
399

السعي ولو في الجملة بحيث يتحقق بالمرة بل الظاهر المعلوم اطباقهم على أن المراد
التكرار، وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا يقبل الانكار. وأما الثالث فإنه لا سبيل
إليه أيضا لكونه خلاف الظاهر من اللفظ إذ لا دلالة اللفظ عليه ولا قرينة تؤنس
به وتشير إليه، والعدول عن الظاهر يحتاج إلى دليل قاهر. على أنك قد عرفت
وستعرف إن شاء الله تعالى أنه لا وجود لهذا الشرط الذي ذكروه ولا معنى لهذا
الاعتبار الذي اعتبروه. وحينئذ فيتعين الثاني وهو المطلوب.
وزاد بعض الأفاضل في الجواب قال: وأيضا الخطاب عام بالنسبة إلى جميع
المؤمنين سوء تحقق الشرط المدعى بالنسبة إليه أم لا فعلى تقدير تجويز إن لم يكن
المراد بالآية التكرار يلزم ايجاب السعي على من لم يتحقق الشرط بالنسبة إليه ولو
مرة ويلزم منه الدوام والتكرار لعدم القائل بالفصل. انتهى.
وبالجملة فإنه لا يخفى على المتأمل بعين التحقيق والمنصف الناظر بالفكر الصائب
الدقيق أن هذه المناقشة من المناقشات الواهية المضاهية لبيت العنكبوت وأنه لأضعف
البيوت، إذ لا يخفى على من تأمل سياق السورة المذكورة وفعله صلى الله عليه وآله مدة حياته
والخلفاء من بعده حقا أو جورا أن المراد من الآية إنما هو التكرار والاستمرار
مدى الأزمان والأعصار لا ما توهمه هذا المورد من صدق ذلك ولو مرة واحدة.
الثاني - أن الأمر في الآية معلق على ثبوت الأذان فمن أين ثبت الوجوب مطلقا؟
والجواب أنه يلزم بصريح الآية الإيجاب متى تحقق الأذان ويلزم منه الإيجاب
مطلقا لعدم القائل بالفصل واتفاق المسلمين على أن الأذان ليس شرطا لوجوب
الجمعة، ولعل فائدة التعليق على الأذان الحث على فعله لتأكد استحباب الأذان
لها حتى ذهب بعضهم إلى وجوبه لها. ويحتمل أن يكون المراد من النداء دخول
الوقت على سبيل الكناية كما ذكره في الكشاف.
(فإن قيل) لنا إن تعارض ذلك ونقول إنه يستفاد من الآية عدم وجوب
السعي عند عدم الأذان ويلزم من ذلك انتفاء الوجوب في بعض صور انتفاء الشرط
400

المتنازع فيه ويلزم منه عدم الوجوب عند عدم الشرط المذكور مطلقا لعدم
القائل بالفصل.
(قلنا) إذا حصلت المعارضة بين منطوق الكلام ومفهومه فدلالة المفهوم
مطرحة باتفاق المحققين كما حقق في محله، على أن التعليق بالأذان إنما خرج مخرج
الغالب ويعتبر في دلالة المفهوم أن لا يكون للتعليق فائدة سوى انتفاء الجزاء بانتفاء
شرطه والأمر هنا بناء على ما ذكرنا ليس كذلك.
قال شيخنا زين الملة والدين في رسالته الموضوعة في المسألة: (لا يقال)
الأمر بالسعي في الآية معلق على النداء لها وهو الأذان لا مطلقا والمشروط عدم عند
عدم شرطه فيلزم عدم الأمر بها على تقدير عدم الأذان. سلمنا لكن الأمر بالسعي
إليها مغاير للأمر بفعلها ضرورة أنهما غير أن فلا يدل على المدعى. سلمنا لكن
المحققين على أن الأمر لا يدل على التكرار فيحصل الامتثال بفعلها مرة واحدة
(لأنا نقول) إذ ثبت بالأمر أصل الوجوب حصل المطلوب لاجماع المسلمين قاطبة
فضلا عن الأصحاب على أن الوجوب غير مقيد بالأذان وإنما علقه على الأذان حثا
على فعله لها حتى ذهب بعضهم إلى وجوبه لها لذلك، وكذا القول في تعليق الأمر بالسعي
فإنه أمر بقدماتها على أبلغ وجه، وإذا وجب السعي لها وجبت هي أيضا إذ لا يحسن
الأمر بالسعي إليها وايجابه مع عدم ايجابها ولاجماع المسلمين على عدم وجوبه
بدونها، كما أجمعوا على أنها متى وجبت وجب تكرارها في كل وقت من أوقاتها على
الوجه المقرر ما بقي التكليف بها كغيرها من الصلوات اليومية والعبادات الواجبة مع
ورود الأوامر بها مطلقة كذلك، والأوامر المطلقة وإن لم تدل على التكرار لم
تدل على الوحدة فيبقى اثبات التكرار حاصلا من خارج بالاجماع والنصوص،
وسنتلو عليك ما يدل على التكرار صريحا. انتهى كلامه زيد مقامه.
قال شيخنا غواص بحار الأنوار في الكتاب المذكور - ونعم ما قال - بعد ذكر
أصل الاعتراض الذي قدمنا ذكره: والجواب أنه يلزم بصريح الآية الإيجاب متى
401

تحقق الأذان ويلزم بنه الإيجاب مطلقا، مع أنا قد قدمنا أن الظاهر أن المواد دخول
وقت النداء. واعترض عليه بوجوه سخيفة أخرى الاعراض عنها أحرى وبعضها
يتضمن الاعتراض على الله تعالى، إذ لا يتريب متتبع في أن الآية إنما نزلت لوجوب صلاة
الجمعة والحث عليها فقصورها عن إفادة المرام يؤول إلى الاعتراض على الملك العلام، ويظهر
الجواب عن بعضها مما قررناه سابقا في تفسير الآيات. ثم إن أمثال تلك الاعتراضات
إنما يحسن ممن لم يستدل في عمره بآية ولا خبر في حكم من الأحكام وأما من كان
دأبه الاستدلال بالظواهر والايهامات على الأحكام الغريبة لا يليق به تلك المناقشات
وهل توجد آية أو خبر لا يمكن المناقشة في الاستدلال به بأمثال ذلك؟ ومن
العجب أنهم يقولون ورد في الخبر أن الذكر رسول الله صلى الله عليه وآله فيمكن أن يكون المراد
به هنا السعي إليه صلى الله عليه وآله ولا يعرفون أن الأخبار الواردة في تأويل الآيات وبطونها
لا تنافي الاستدلال بظواهرها، فقد ورد في كثير من الأخبار أن الصلاة رجل
والزكاة رجل وأن العدل رسول الله صلى الله عليه وآله والاحسان أمير المؤمنين عليه السلام والفحشاء
والمنكر والبغي الثلاثة، وأمثال ذلك أكثر من أن يحصى، وشئ منها لا ينافي
العمل بظواهرها والاستدلال بها، وقد حققنا معانيها وأشبعنا الكلام فيها في
تضاعيف هذا الكتاب والله الموفق للصواب. انتهى كلامه (رفع مقامه) وهو
جيد رشيق وسيأتي في كلامنا إن شاء الله ما يؤيده من التحقيق.
الثالث - أن الخطاب إنما يتوجه إلى الموجودين عند المحققين ولا يشمل من
سيوجد إلا بدليل من خارج وليس إلا الاجماع وهو لا يجري في موضع الخلاف.
والجواب أن التحقيق - كما ذكره غير واحد من المحققين - أن الخطاب يتوجه
إلى المعدومين بتبعية الموجودين إذا كان في اللفظ ما يدل على العموم كهذه الآية وقد
حقق في محله. والاجماع على عدم اختصاص الأحكام بزمانه صلى الله عليه وآله لم يتحقق على كل
مسألة مسألة حتى يقال لا يجري في موضع الخلاف بل على هذا المفهوم الكلي مجملا وإلا
فلا يمكن الاستدلال بالآيات والأخبار على شئ من المسائل الخلافية إذا ورد بلفظ
402

الخطاب وهذا سفسطة.
على أن التحقيق أن الأخبار المستفيضة دالة على عدم اختصاص أحكام السنة
والكتاب بزمان دون وأن حلال محمد صلى الله عليه وآله) حلال إلى يوم القيامة وحرامه
حرام إلى يوم القيامة (1) بل جملة منها دالة على أن الخطابات القرآنية شاملة للموجودين
في أيامه صلى الله عليه وآله ولمن يأتي بعدهم:
روى ثقة الاسلام في الكافي (2) عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في
حديث قال: " لو كانت إذا نزلت آية على رجل ثم مات ذلك الرجل ماتت الآية
مات الكتاب ولكنه حي يجري في من بقي كما جرى في من مضى ".
وروى الصدوق في كتاب العلل عن الرضا عن أبيه (عليهما السلام) (3)
" أن رجلا سأل أبا عبد الله عليه السلام ما بال القرآن لا يزداد على النشر والدرس إلا
غضاضة؟ فقال إن الله لم يجعله لزمان دون زمان وناس دون ناس فهو في كل زمان
جديد وعند كل قوم غض إلى يوم القيامة ".
وروى في الكافي والتهذيب عن أبي عمر والزبيري عن أبي عبد الله عليه السلام (4) حين
سأله عن أحكام الجهاد وساق الخبر إلى أن قال " فمن كان قد تمت فيه شرائط الله عز وجل
التي وصف بها أهلها من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله) وهو مظلوم فهو مأذون له في الجهاد كما أذن
لهم لأن حكم الله في الأولين والآخرين وفرائضه عليهم سواء إلا من علة أو حادث يكون
والأولون والآخرون أيضا في منع الحوادث شركاء والفرائض عليهم واحدة يسأل
الآخرون عن أداء الفرائض كما يسأل الأولون ويحاسبون كما يحاسبون به... الحديث "

(1) الفصول المهمة للحر العاملي ص 84 عن الكليني، وفي أصول الكافي باب الشرائع
وفي الوسائل الباب 12 من صفات القاضي عن الباقر " ع " عن النبي " ص " قال " حلالي
حلال إلى يوم القيامة وحرامي حرام إلى يوم القيامة ".
(2) الأصول ج 1 ص 102 الطبع الحديث باب أن الأئمة هم الهداة.
(3) رواه في العيون ص 239 ونقله في البحار ج 19 باب " فضل القرآن واعجازه "
عن العيون وتفسير العياشي ولم ينقله من العلل.
(4) الوسائل الباب 9 من جهاد العدو
403

وروى في الكافي (1) عن ضريس عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال:
" إن الآية تنزل في الرجل ثم تكون في أتباعه... الحديث ".
وهذه الأخبار - كما ترى - ظاهرة في المراد لا تعتريها النقض ولا الإيراد.
قال بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين في بعض تحقيقاته: إعلم
أيدك الله تعالى أنه يدل على وجوب الجمعة عينا مطلقا كتاب الله تعالى حيث أمر
فيه المؤمنين بالسعي إلى ذكر الله وترك البيع بعد النداء للصلاة يوم الجمعة، وهذا الأمر
يعم جميعهم إلى يوم القيامة على القول بأن خطاب المشافهة يعم الكل ولا كلام فيه، وأما
على القول بأنه يخص الموجودين زمنه صلى الله عليه وآله فلا ريب أن حكمه لم ينسخ في زمنه فهو
باق بشروطه الثابتة إلى آخر التكليف لا ناسخ له بعده صلى الله عليه وآله ومنع ثبوته هنا في
بعض الأزمنة كزمان الغيبة للاجماع المنقول مما لا يليق، فإن الاجماع المدعى إنما
هو على اشتراطه بشرط ولا كلام في انتفاء المشروط حيث انتفى الشرط، إنما
الكلام في اثبات الاشتراط وهو على مدعيه وليس على المستدل اثبات العدم ويكفيه
عدم وجدان دليله واصلة العدم وهو واضح، والأمر حقيقة في الوجوب على
ما حقق. انتهى المراد من نقل كلامه زيد مقامه.
أقول: وبذلك يظهر لك ضعف ما ذهب إليه الفاضل المولى محمد باقر الخراساني
في كتاب الذخيرة من جعل الآية المذكورة من المؤيدات لا من الأدلة لهذا الإيراد
المذكور في المقام مع ما هو عليه كما عرفت من الانتقاض والانهدام، حيث قال
(قدس سره) في الكتاب المذكور بعد ذكر الروايات الدالة على ما اختاره من
الوجوب العيني: ويؤيده قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم
الجمعة... " (2) ثم ساق الآية وساق الكلام في بيان دلالتها إلى أن قال: وإنما جعلنا
الآية من المؤيدات دون الدلائل إذ لقائل أن ينازع في الآية ويقول المشهور
بين المحققين أن الخطابات القرآنية لا تشمل غير الموجودين في زمن الخطاب وإنما

(1) الأصول باب الشرك
(2) سورة الجمعة الآية 9
404

يعلم شمولها للموجودين وغيرهم بدليل من خارج من الاجماع وغيره، وعلى هذا فيجوز
أن يكون الإيجاب بالنسبة إلى الموجودين في زمن الخطاب بناء على تحقق شرط
الوجوب وهو الإمام الصالح لإمامة الجمعة ولا يلزم وجوبه بالنسبة إلى غير الموجودين
ايجابا مطلقا سوء تحقق الشرط أم لا، نعم صلاحيتها للتأييد غير منكر كما لا يخفى
على المتدبر. انتهى. إلا أنه في رسالته التي له في المسألة أورد الآية دليلا
وأجاب عن ما أورد عليها في المقام ولم يتعرض لهذا الإيراد. وكيف كان فقد عرفت
أنه لا ورود له.
الرابع - أن الأمر بها معلق على النداء لها والنداء لها يتوقف على الأمر بها للقطع
بأنها لو لم تكن مشروعة لم يصح الأذان لها فيلزم الدور. وأيضا الحكم معلق على الأذان لها
وهو لا يشرع لها إلا إذا كانت مأمورا بها وتحقق ذلك بدون الشرط المتنازع فيه ممنوع
والجواب عن ذلك ما أفاده شيخنا زين الملة والدين في الرسالة حيث قال:
مقتضى الآية أن الأمر بالسعي معلق على مطلق النداء للصلاة الصالح لجميع أفراده،
وخروج بعض الأفراد بدليل خارج واشتراط بعض الشرائط فيه لا ينافي أصل
الاطلاق، وكل ما لا يدل دليل على خروجه فالآية متناولة له وبه يحصل المطلوب
قال: ويمكن دفع الدور بوجه آخر وهو أن المعلق على النداء هو الأمر بها الدال على
الوجوب والأذان غير متوقف على الوجوب بل على أصل المشروعية فيرجع الأمر
إلى أن الوجوب متوقف على الأذان والأذان متوقف على المشروعية والمشروعية
أعم من الوجوب فلا دور. وأيضا فإن النداء المعلق على الأمر هو النداء للصلاة
يوم الجمعة أعم من كونها أربع ركعات وهي الظهر المعهودة أو ركعتين وهي الجمعة
ولا شبهة في مشروعية النداء للصلاة يوم الجمعة مطلقا وحيث ينادى لها يجب السعي
إلى ذكر الله وهي صلاة الجمعة أو سماع خطبتها المقتضي لوجوبها وكأنه تعالى قال: إذا
نودي للصلاة عند زوال يوم الجمعة فصلوا الجمعة أو فاسعوا إلى صلاة الجمعة وصلوها.
وهذا واضح الدلالة لا اشكال فيه. ولعل السر في قوله تعالى: " فاسعوا إلى ذكر الله "
405

ولم يقل " فاسعوا إليها " لئلا يلزم الاشكال المتقدم. انتهى. ومنه يعلم الجواب
عن وجهي الإيراد.
الخامس - أن مطلق النداء لها غير مراد في الأمر بالسعي عنده بل يحتمل أن
يراد به نداء خاص وهو حال وجود الإمام عليه السلام وقرينة الخصوص الأمر بالسعي
الدال على الوجوب لأن الأصحاب لا يقولون به عينا حال الغيبة بل غايتهم القول
بالوجوب التخييري ومن ثم عبر أكثرهم بالاستحباب أو الجواز حينئذ.
والجواب ما أفاده شيخنا المتقدم ذكره في الرسالة، قال: لأنا نقول لا شك أن
النداء المأمور بالسعي معه مطلق شامل باطلاقه لجميع الأزمان التي من جملتها زمان
الغيبة فيدل باطلاقه على الوجوب المضيق، والوجوب التخييري الذي ادعاه متأخرو
الأصحاب ستعرف ضعف مبناه إن شاء الله تعالى ولكن على تقدير تسليمه يمكن أن
يقال إن الأمر بالسعي المقتضي للوجوب لا ينافيه لأن الوجوب التخييري داخل
في مطلق الوجوب الذي يدل عليه الأمر وفرد من أفراده، فإن الأمر لا يدل
على وجوب خاص بل على مطلقه الشامل للعيني المضيق والتخييري والكفائي
وغيرها وإن كان اطلاقه على الفرد الأول منها أظهر وتخصيص كل منها في مورده
بدليل خارج عن أصل الأمر الدال على ماهية الوجوب الكلية كما لا يخفى.
السادس - أن الأمر بالسعي على تقدير النداء المذكور ليس عاما بحيث يشمل
جميع المكلفين للاجماع على أن الوجوب مشروط بشرائط خاصة كالعدد والجماعة
وغيرهما، وإذا كان مشروطا بشرائط غير معينة في الآية كانت مجملة بالنسبة إلى
الدلالة على الوجوب المتنازع فلا يثبت بها المطلوب.
والجواب ما أفاده شيخنا المذكور (منحه الله بالقرب والحبور) قال: لأنا نقول
مقتضى الأمر المذكور واطلاقه يدل على وجوبها على كل مؤمن وتبقى دلالة باقي
الشروط من خارج، فكل شرط يدل عليه دليل صالح يثبت به ويكون مقيدا لهذا
406

الأمر المطلق وما لا يدل عليه دليل صالح تبقى دلالة هذه الآية الكريمة على أصل
الوجوب ثابتة مطلقا. انتهى.
أقول: والتحقيق أن هذه المناقشات في هذه الآية إنما حمل عليها التعصب للقول
المشهور وإلا فأي آية من الآيات التي استدلوا بها في الحكام بل والأخبار أيضا
لا يتطرق إليها أمثال ذلك من الاحتمالات البعيدة والتمحلات السخيفة العديدة؟
ولو قامت هذه الاحتمالات في مقابلة الظواهر لا نسد باب الاستدلال إذ لا قول
إلا وللقائل فيه مجال، فكيف تقوم الحجة لهم على مخالفيهم في الإمامة بل وأصحاب
الملل والأديان إذا قابلوهم بالاحتمالات في ما يستدلون به من الآيات والأخبار
ونحوها؟ مع أن الناظر المنصف إذا تأمل الآية المذكورة وما قرنت به في هذه
السورة من أولها إلى آخرها لا تخفى عليه دلالة الآية على ما قلناه، وهل المناقش
بهذه المناقشات الواهية إلا متعرض للرد على الله ورسوله صلى الله عليه وآله؟ إذ من المعلوم
ضرورة من الدين وجوب هذه الفريضة المعظمة ولو في الجملة، ومن المعلوم بين
الخاصة والعامة أن هذه الآية إنما نزلت في الأمر بها والحث عليها منه تعالى، والراد
لدلالة الآية راد عليه تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وآله كما لا يخفى (1) ومن أراد الاطلاع
على ما في السورة المذكورة من الايماء والإشارة إلى ما ذكرنا فليرجع إلى ما فصله
شيخنا غواص بحار الأنوار (نور الله مرقده) في الكتاب المذكور.
ثم إن مما يؤيد هذه الآية أيضا قوله عز وجل " لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن
ذكر الله " (2) حيث فسر الذكر هنا أيضا بصلاة الجمعة كما نقله جمع من الأصحاب،
وقوله عز وجل " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى " (3) حيث إن الذي عليه
المحققون أن الصلاة الوسطى هي صلاة الظهر في غير يوم الجمعة وفي يوم الجمعة هي
صلاة الجمعة لا غير، وقد مر تحقيق ذلك في مقدمات هذا الكتاب في شرح صحيحة

(1) بالرجوع إلى التعليقة 5 ص 386 يهون أمر هذا التهويل
(2) سورة المنافقين الآية 9
(3) سورة البقرة الآية 239
407

زرارة الواردة بذلك (1) بل قال جماعة من الأصحاب إنها هي الجمعة لا غير كما نقله
بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين عن الشهيد الثاني في بعض فوائده.
(المقام الثاني) - وهو الدليل الواضح الظهور بل الساطع النور الذي لا يعتريه
نقص ولا قصور إلا عند من غطت على قلبه ولبه غشاوة العصبية للقول المشهور
الأخبار المستفيضة الصحيحة الصريحة كالنور على الطور:
ومنها - صحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام (2) قال: " فرض الله على الناس من
الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة: منها صلاة واحدة فرضها الله في جماعة وهي
الجمعة ووضعها عن تسعة: عن الصغير والكبير والمجنون والمسافر والعبد والمرأة
والمريض والأعمى ومن كان على رأس فرسخين ".
أقول: لا يخفى أن غير الجمعة من هذه الفرائض المشار إليها مما لا خلاف
ولا إشكال في وجوبها عينا من غير شرط زائد على ما قرر في الصلوات اليومية،
ونظم الجمعة فيها وعدها معها أظهر ظاهر في أنها مثلها في الوجوب العيني مع استكمال
ما دلت عليه الأخبار واتفقت عليه علماؤنا الأبرار من الشرائط فيها. وادعاء
الوجوب التخييري على بعض الوجوه موجب لتهافت الكلام واختلاف حكم
الفرائض بغير مائز. وأيضا لو كان وجوبها تخييريا على بعض الوجوه لاستثنى
ذلك الوجه كما استثنى المملوك والمسافر وغيرهما، فإن استثناه هؤلاء إنما هو من
الوجوب العيني لا مطلق الوجوب لوجوبها عليهم لو حضروا وإنما لهم الخيرة
في الحضور كما تقرر عندهم فالوجوب التخييري ثابت لهم فلا وجه لاستثنائهم
دون شركائهم.
وأما تخصيص الوجوب بزمان حضور الإمام عليه السلام فغير جائز (أما أولا) فلأنه
خلاف الظاهر فيحتاج إلى دليل واضح وليس فليس كما ظهر وسيظهر إن شاء الله
تعالى تمام الظهور.

(1) ج 6 ص 20 و 21
(2) الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة وآدابها
408

و (أما ثانيا) فلأنه إن أريد بزمان حضوره زمان ظهوره على وجه الشوكة
والسلطنة والاستيلاء كما نقل عن جماعة منهم التصريح به فاللازم حينئذ خروج
أكثر الجمعات وأكثر الناس عن هذا الحكم لأن أيام ظهور الإمام على وجه السلطنة
والاستيلاء قليلة جدا بالنسبة إلى غيرها، ويلزم منه خروج أكثر أفراد العام وهو
غير جائز عند المحققين وسياق الخبر ظاهر في رده، وهل يستقيم في الطباع السليمة
تجويز أن يكون المعصوم عليه السلام في بيان الحكم الشرعي وإفادته يبالغ في وجوب شئ
ويقول إنه واجب على كل مسلم في كل أسبوع إلا جماعة خاصة ويقرنه بصلوات
واجبة التكرار في اليوم والليلة ومع ذلك لا يثبت الحكم لأحد من أهل عصره
ولا لمعظم المسلمين بل إنما ثبت لقليل مضوا في زمان التي صلى الله عليه وآله وزمان خلافة
أمير المؤمنين عليه السلام وسوف يثبت في آخر الزمان بعد ظهور القائم عليه السلام ليس إلا؟
وإن أريد بزمن الحضور ما هو أعم من السلطنة والاستيلاء فلا وجه للتخصيص
المذكور، إذ لا فرق بين حضوره مع الخوف وبين غيبته في عدم تمكنه من الصلاة
بنفسه ولا بتعيين نائب عنه الذي هو مناط الوجوب العيني عند من نفاه في زمن الغيبة
ومنها - صحيحة أبي بصير ومحمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام (1) قال: " إن
الله فرض في كل سبعة أيام خمسا وثلاثين صلاة: منها صلاة واجبة على كل مسلم أن
يشهدها إلا خمسة: المريض والمملوك والمسافر والمرأة والصبي ".
والتقريب في هذا الخبر كما في سابقه من المبالغة والتأكيد والاتيان بلفظ
الفرض الدال على تأكد الوجوب كما في سابقه الصريح بلفظ " كل " الذي هو
أوضح الألفاظ في العموم في الموضعين مع الاستثناء الموجب لزيادة التأكيد في
العموم والشمول لسائر الأزمنة كالصلوات الأخر التي جمع بينها وبين الجمعة في الحكم.
ومنها - صحيحة زرارة (2) قال: " قلت لأبي جعفر عليه السلام على من تجب

(1) الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة وآدابها
(2) الوسائل الباب 2 من صلاة الجمعة وآدابها
409

الجمعة؟ قال تجب على سبعة نفر من المسلمين ولا جمعة لأقل من خمسة من المسلمين
أحدهم الإمام فإذا اجتمع سبعة ولم يخافوا أمهم بعضهم وخطبهم ".
قال بعض المحدثين من متأخري المتأخرين: وهذا نص في عدم اشتراط الإذن
الذي ادعوه، وأن مرادهم بالإمام في مثل هذا الموضع إمام الصلاة لا المعصوم عليه السلام
فإن سموا مثل هذا إذنا من الإمام واكتفوا به فهو ثابت إلى يوم القيامة لكل من
يصلح لأن يخطب ويؤم.
ومنها - صحيحة منصور بن حازم عن الصادق عليه السلام (1) قال: " يجمع القوم
يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زادوا فإن كانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم. والجمعة
واجبة على كل أحد لا يعذر الناس فيها إلا خمسة: المرأة والمملوك والمسافر والمريض
والصبي " قال بعض المحدثين " يجمع القوم " بتشديد الميم أي يصلون الجمعة.
ومنها - صحيحة عمر بن يزيد عنه عليه السلام (2) " إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلوا
في جماعة وليلبس البرد والعمامة ويتوكأ على قوس أو عصى وليقعد قعدة بين الخطبتين
ويجهر بالقراءة ويقنت في الركعة الأولى منهما قبل الركوع ".
ومنها - صحيحة الفضل بن عبد الملك (3) قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول
إذا كان قوم في قرية صلوا الجمعة أربع ركعات فإن كان لهم من يخطب بهم جمعوا إذا كانوا
خمسة نفر وإنما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين " أقول: وهذا نص أيضا في عدم
اشتراط إذن الإمام أو حضوره إلا أن يكتفوا بمثل هذا الإذن العام.
ومنها - صحيحة زرارة (4) قال: " قال أبو جعفر عليه السلام الجمعة واجبة على
من أن صلى الغداة في أهله أدرك الجمعة وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إنما يصلي العصر

(1) الوسائل الباب 2 و 1 من صلاة الجمعة وآدابها
(2) الوسائل الباب 6 من صلاة الجمعة وآدابها
(3) الوسائل الباب 2 و 3 من صلاة الجمعة وآدابها
(4) الوسائل الباب 4 من صلاة الجمعة وآدابها
410

في وقت الظهر في سائر الأيام كي إذا قضوا الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وآله رجعوا إلى
رحالهم قبل الليل وذلك سنة إلى يوم القيامة ".
ومنها - صحيحة أبي بصير ومحمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام (1) قال: " من ترك
الجمعة ثلاث جمع متوالية طبع الله على قلبه ".
ومنها - صحيحة زرارة (2) قال " حثنا أبو عبد الله عليه السلام على صلاة الجمعة حتى
ظننت أنه يريد أن نأتيه فقلت نغدو عليك؟ فقال لا إنما عنيت عندكم " (3).

(1) الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة
(2) الوسائل الباب 5 من صلاة الجمعة
(3) أورد الوحيد البهبهاني " قدس سره " في تعليقته على المدارك على عد المصنف
هذه الصحيحة من أدلة الوجوب التعييني بما ملخصه: أن الاستدلال بها على مدعاه في غاية
الغرابة لأن الحث لا يدل على أزيد من الترغيب بل لا خفاء في ظهوره في الاستحباب،
أضف إلى ذلك أن زرارة مع عدالته وجلالته وفقاهته كيف يروي عن الباقر " ع " في
مرات متعددة ما يدل على وجوب الجمعة تعيينا ويكون شاملا له ويضبطه في أصله المشتهر
بين الشيعة ويرويه الأجلة عنه ويدونونه في أصولهم ومع ذلك يتركها حتى يحتاج إلى حث
الصادق " ع " عليها، وكيف يكتفي " ع " بالحث ولم ينفعه الإيجاب والتشديد والتأكيد
المتعدد من الباقر " ع " وفظاعة عدم الاتيان بها وشناعته، وكان المناسب أن يستفسر " ع "
أولا عن سبب تركه فإن اعتذر بوجه صحيح تركه على حاله وإلا بين خطأه فإن لم يرتدع
عن تركها أنكر عليه أشد الانكار وهدده بأزيد مما صدر من الباقر " ع " وهو " ع " قد
أنكر على حماد عدم اتيانه بالصلاة بحدودها تامة مع أنها من المستحبات بقوله " ع "
" ما أقبح بالرجل منكم... " بل كانوا ينكرون " ع " ترك مثل غسل الجمعة والنوافل اليومية
ونحو ذلك فكيف بمثل هذه الفريضة من مثل هذا الجليل ولا سيما بعد ايجابات سابقة
كثيرة أكيدة شديدة رواها هو بنفسه وكذا نظراؤه كابن مسلم وأبي بصير وغيرهما من
الأجلة ودونوها في أصولهم المشهورة، على أنهم كانوا دائما يقرأون القرآن وسورة الجمعة
ويفهمون المعنى أحسن منا وكذا الأخبار الصادرة عن المعصومين " ع " ولا سيما ما رووه
بأنفسهم وكان بامكانهم الرجوع إلى المعصوم (ع) في معرفة القيود والشروط... إلى أن قال
بعد كلام من هذا القيل: ومما يدل بظاهره على عدم الوجوب عينا ما رواه الشيخ في
مصباحه والصدوق في أماليه بسند صحيح أنه " ع " قال: " إني أحب للرجل أن
لا يخرج من الدنيا حتى يتمتع ولو مرة ويصلي الجمعة ولو مرة " ثم قال: ويظهر منه " قدس
سره " في المصباح أن مستند التخيير عندهم هو هذا الحديث ثم قال ما ملخصه: ويؤيده أيضا
رواية عبد الملك فإن المراد من الهلاك فيها الموت لا الوقوع في العذاب لأن المناسب لذلك
التعليل بترك الفريضة لا الاتيان بالواو الحالية، والظاهر من الخبر أن ترك
عبد الملك للجمعة لم يكن عصيانا بل من جهة أنه لم يكن يدري ما يصنع حيث كان
يعتقد أنه لا يجوز أن تقام بغير المنصوب من قبل الإمام فأزال الله حيرته بقوله (ع) " صلوا
جماعة " أي لا تتوقف إقامتها على المنصوب، ولو كان تركه للتقية لم يكن لسؤاله مناسبة وكذا
جوابه (ع) والمستفاد من الخبر - كما لا يخفى على المتأمل فيه - أن منشأ التوبيخ فيه هو
عدم صدور الفريضة منه أصلا بحيث لو تحققت منه مرة لم يتوجه التوبيخ إليه ولو كان
المراد الوجوب التعييني لكان المناسب أن يقول له كيف تترك فريضة الله في مدة عمرك
مرة واحدة لا أن يقول له كيف ينقضي عمرك ولم تتحقق من فريضة الله أصلا... إلى
آخر كلامه في المقام ومن أراد الاطلاع عليه فليراجعه.
411

ومنها - موثقة عبد الملك عن الباقر عليه السلام (1) قال " مثلك يهلك ولم يصل فريضة
فرضها الله؟ قال قلت كيف أصنع؟ قال صلوا جماعة يعني صلاة الجمعة ".
ومنها - حسنة محمد بن مسلم بإبراهيم بن هاشم التي هي عندنا وعند جملة من
المحققين من الصحيح على الاصطلاح الغير الصحيح (2) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الجمعة فقال تجب على من كان مهنا على رأس فرسخين فإن زاد على ذلك فليس عليه شئ "
ومنها - حسنة محمد بن مسلم وزرارة - بإبراهيم الذي قد عرفت أن حديثه عندنا
من الصحيح - عن أبي جعفر عليه السلام (3) قال: " تجب الجمعة على كل من كان منها
على فرسخين ".
ومنها - موثقة سماعة (4) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة يوم

(1) الوسائل الباب 5 من صلاة الجمعة وآدابها
(2) الوسائل الباب 4 من صلاة الجمعة وآدابها
(3) الوسائل الباب 4 من صلاة الجمعة وآدابها
(4) الوسائل الباب 5 من صلاة الجمعة وآدابها
412

الجمعة؟ فقال أما مع الإمام فركعتان وأما من يصلي وحده فهي أربع ركعات بمنزلة
الظهر يعني إذا كان إمام يخطب فإن لم يكن إمام يخطب فهي أربع ركعات وإن
صلوا جماعة ".
ومنها - موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام (1) أنه قال: " صلاة الجمعة مع
الإمام ركعتان فمن صلى وحده فهي أربع ركعات ".
ومنها - صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (2) قال: " سألته
عن أناس في قرية هل يصلون الجمعة جماعة؟ قال نعم يصلونها أربعا إذا لم يكن
من يخطب ".
ومنها - حسنة زرارة (3) قال: " كان أبو جعفر عليه السلام يقول لا تكون الخطبة
والجمعة وصلاة ركعتين على أقل من خمسة رهط: الإمام وأربعة ".
ومنها - صحيحة زرارة برواية الفقيه (4) قال: " قال زرارة قلت له على من
تجب الجمعة؟ قال تجب على سبعة نفر من المسلمين ولا جمعة لأقل من خمسة من
المسلمين أحدهم الإمام فإذا اجتمع سبعة ولم يخافوا أمهم بعضهم وخطبهم ".
ومنها - ما نقله جمع من الأصحاب: منهم - شيخنا الشهيد الثاني في رسالته والمحدث
الكاشاني في الوافي (5) وغيرهما من الأخبار المرسلة عنه صلى الله عليه وآله من ترك ثلاث
جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه ".
وعنه صلى الله عليه وآله " من ترك ثلاث جمع متعمدا من غير علة ختم الله على قلبه
بخاتم النفاق ".
وعنه صلى الله عليه وآله " لينتهين أقوام عن ودعهم الجماعات أو ليختمن الله على قلوبهم

(1) الوسائل الباب 6 من صلاة الجمعة وآدابها
(2) الوسائل الباب 3 من صلاة الجمعة وآدابها
(3) الوسائل الباب 2 من صلاة الجمعة وآدابها
(4) الوسائل الباب 2 من صلاة الجمعة وآدابها
(5) باب (وجوب صلاة الجمعة وشرائطها) والرسالة ص 54 و 55 و 61
413

ثم ليكونن من الغافلين ".
وعنه صلى الله عليه وآله في خطبة طويلة حث فيها على صلاة الجمعة " إن الله تبارك وتعالى
قد فرض عليكم الجمعة فمن تركها في حياتي أو بعد موتي وله إمام عادل استخفافا بها
أو جحودا لها فلا جمع الله شمله ولا بارك له في أمره، ألا ولا صلاة له ألا ولا زكاة
له ألا ولا حج له ألا ولا صوم له ألا ولا بر له حتى يتوب " قال في الوافي: قوله
صلى الله عليه وآله " وله إمام عادل " ليس في بعض الروايات، ورواه العامة هكذا " وله إمام
عادل أو فاجر " (1) انتهى،
وعنه صلى الله عليه وآله " كتبت عليكم الجمعة فريضة واجبة إلى يوم القيامة ".
وعنه صلى الله عليه وآله " الجمعة واجبة على كل مسلم إلا أربعة: عبد مملوك أو امرأة أو
صبي أو مريض ".
ومنها - ما نقله شيخنا مفيد الطائفة (2) قال: واعلم أن الرواية جاءت عن
الصادقين (عليهم السلام) " أن الله جل جلاله فرض على عباده من الجمعة إلى الجمعة
خمسا وثلاثين صلاة لم يفرض فيها الاجتماع إلا في صلاة الجمعة خاصة فقال عز من
قائل: يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله
وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون " (3).
ومنها - صحيحة زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام (4) قال: " صلاة الجمعة
فريضة والاجتماع إليها فريضة مع الإمام فإن ترك رجل من غير علة ثلاث جمع
فقد ترك ثلاث فرائض، ولا يدع ثلاث فرائض من غير علة إلا منافق " رواه
الصدوق في كتاب المجالس (5).

(1) سنن ابن ماجة ج 1 ص 334 باب (فرض الجمعة) وفيه هكذا " وله إمام عادل
أو جائر "
(2) ص 27
(3) سورة الجمعة الآية 9
(4) الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة وآدابها
(5) ص 290
414

ومنها - ما رواه في كتاب ثواب الأعمال في الصحيح أو الموثق عن أبي بصير
ومحمد بن مسلم (1) قالا " سمعنا أبا جعفر عليه السلام يقول: من ترك الجمعة ثلاثا متوالية
بغير علة طبع الله على قلبه ".
ومنها - ما رواه في كتاب عقاب الأعمال في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر
عليه السلام) (2) قال: " صلاة الجمعة فريضة والاجتماع إليها فريضة مع الإمام... ".
أقول: فلينظر العاقل المنصف إلى ما دلت عليه هذه الأخبار من الدلالة
الصريحة الواضحة على وجوب هذه الفريضة المعظمة وجوبا عينيا من غير ما زعموه
من الشرائط التي تمحلوها بمجرد آرائهم وعقولهم، وهل ورد في مسألة من مسائل
الفقه المسلمة بينهم مثل ما ورد في هذه المسألة من الأخبار؟ ولا معارض لها إلا
ما يدعونه ويصولون به من الاجماع على نفي الوجوب العيني زمن الغيبة وقد عرفت
آنفا ما فيه مما أوضح فساد باطنه وخافيه، وقصاراه مع تسليمه أنه في قوة خبر
مرسل ومن المقرر في كلامهم والمتفق عليه من قواعدهم أنهم لا يجمعون بين الأدلة
إلا مع التكافؤ في الصحة، وهل يبلغ هذا الاجماع على تقدير ما ذكرنا إلى مقاومة
خبر من هذه الأخبار فضلا عنها كلها حتى أنه يجب تخصيصها به؟ ما هذا إلا قلة
تأمل وانصاف بل عدم صيانة وعفاف وجرأة تامة على ترك هذه الفريضة
الجليلة نعوذ بالله من زيغ الأفهام وطغيان الأحلام وزلل أقدام الأقلام في أحكام
الملك العلام (3).
وممن اعترف بما قلناه من دلالة الأخبار المذكورة على الوجوب العيني شيخنا
الشهيد في الذكرى إلا أنه تعلل بأن عمل الطائفة على عدم الوجوب العيني في سائر
الأعصار والأمصار.
وفيه أنك قد عرفت من كلام المشايخ الذين قدمنا نقل عبائرهم دلالة كلامهم

(1) الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة وآدابها
(2) الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة وآدابها
(3) ارجع إلى التعليقة 5 ص 386 والتعليقة 3 ص 411 والتعليقة الآتية على كلام الشهيد الثاني
415

على الوجوب العيني كالشيخ المفيد وثقة الاسلام والصدوق في كتبهم المتقدم ذكرها
وغيرهم ما بين في ذلك وظاهر، والظاهر أن جملة المتقدمين وإن لم يبلغ إلينا
كلامهم كانوا كذلك فإن هذا القول الذي ادعاه إنما ثبت عن الشيخ والمرتضى ومن
تأخر عنهما وإلا فمن تقدمهما لم يصرح بشئ من ذلك، ويوضح صحة ما قلناه إن
جملة المتقدمين كانوا من أرباب النصوص الذين لا يعولون إلا عليها بالخصوص
وليس لهذا الاجماع في هذه المسألة ولا في غيرها في كلامهم عين ولا أثر، وكتبهم
التي تشتمل على مذاهبهم إنما تضمنت النصوص خاصة وفتاويهم فيها يعلم من تبويب
الأبواب للنصوص التي ينقلونها كما عرفت من الصدوق وثقة الاسلام، ونصوص
هذه المسألة كما عرفت كلها دالة على الوجوب العيني، ولعله لما ذكرنا نقل جملة من
متأخري أصحابنا المتأخرين القائلين بالوجوب العيني عن القدماء هذا القول مع أنه لم
يوجد مصرح منهم بذلك إلا من قدمنا نقله عنه من المشايخ المتقدم ذكرهم وما ذكرناه
واضح في صحة نسبة القول إليهم بذلك. وبالجملة فدعوى شيخنا المشار إليه اتفاق
الطائفة على ما ذكره دعوى عارية عن البرهان يكذبها صريح العيان (1).
قال المحدث الكاشاني في كتاب الوافي - بعد نقل أخبار المسألة المذكورة في
الكتب الأربعة - ما لفظه: لا يخفى دلالة هذه الأخبار المستفيضة على وجوب
صلاة الجمعة على كل مسلم عدا من استثنى من غير شرط سوى ما ذكر كوجوب سائر
الصلوات اليومية وجوب حتم وتعيين من غير تخيير في تركها ولا توقف على حضور
معصوم أو إذن منه (صلوات الله عليه) وذلك لأنه ليس في شئ منها ذكر لشئ
من ذلك وأوامر الشارع إنما تكون شاملة للأزمان والأشخاص إلا ما خرج بدليل
خاص، فما زعمته طائفة من متأخري أصحابنا من التخيير في هذه الصلاة في
زمن غيبة الإمام أو عدم جواز فعلها حينئذ أو عدم جوازه مطلقا من دون إذن منه
فلا وجه له ولا دليل عليه من كتاب ولا سنة (2).

(1) ارجع إلى التعليقة 5 ص 386 والتعليقة 3 ص 411 والتعليقة الآتية على
كلام الشهيد الثاني (قدس سره)
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
416

وقال شيخنا زين المحققين في الرسالة بعد نقل الآية ونعض ما قدمناه من
الأخبار: فهذه الأخبار الصحيحة الطرق الواضحة الدلالة التي لا يشوبها شك ولا
تحوم حولها شبهة من طرق أهل البيت (عليهم السلام) في الأمر بصلاة الجمعة
والحث عليها وايجابها على كل مسلم عدا من استثنى والتوعد على تركها بالطبع على
القلب الذي هو علامة الكفر والعياذ بالله كما تبه عليه في كتابه العزيز. وتركنا
ذكر غيرها من الأخبار الموثقة وغيرها حسما لمادة النزاع ودفعا لشبهة المعارضة في
الطريق، وليس في هذه الأخبار مع كثرتها تعرض لشرط الإمام ولا من نصبه
ولا لاعتبار حضوره في ايجاب هذه الفريضة المعظمة، فكيف يسع المسلم الذي
يخاف الله تعالى إذا سمع مواقع أمر الله ورسوله وأئمته (عليهم السلام) بهذه الفريضة
وايجابها على كل مسلم أن يقصر في أمرها ويهملها إلى غيرها ويتعلل بخلاف بعض
العلماء فيها؟ وأمر الله ورسوله وخاصته (عليهم السلام) أحق ومراعاته أولى " فليحذر
الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم " (1) ولعمري لقد
أصابهم الأمر الأول فليرتقبوا الثاني إن لم يعف الله ويسامح نسأل الله العفو والرحمة.
وقد تحصل بهذين الدليلين أن من كان مؤمنا فقد خل تحت نداء الله وأمره في الآية
الكريمة بهذه الفريضة العظيمة ونهيه عن الانتهاء عنها، ومن كان مسلما فقد دخل تحت
قول النبي صلى الله عليه وآله وقول الأئمة (عليهم السلام) أنها واجبة على كل مسلم، ومن كان عاقلا
فقد دخل تحت تهديد قوله تعالى " ومن يفعل ذلك - يعني الانتهاء عنها - فأولئك هم
الخاسرون " (2) وقولهم (عليهم السلام) " من تركها على ذلك الوجه طبع الله على قلبه "
لأن من موضوعه لمن يعقل إن لم تكن أعم، فاختر لنفسك واحدة من هذه الثلاث
وانتسب إلى اسم من هذه الأسماء أعني الايمان أو الاسلام أو العقل وادخل تحت مقتضاه
أو اختر قسما رابعا إن شئت. نعوذ بالله من قبح الزلة وسنة الغفلة (3).

(1) سورة النور الآية 63
(2) سورة المنافقين الآية 9
(3) ارجع إلى التعليقة 5 ص 386 ففيها ما يتعلق بالمقام. وقال الوحيد البهبهاني
(قدس سره) في تعليقته على المدارك تعليقا على نقل المصنف عبارة رسالة جده: في
هذه الرسالة ما لا يرضى المتأمل أن ينسب إلى جاهل فضلا عن العاقل فضلا عن الفقيه فضلا
عن الشهيد (قدس سره) فإنه ما كان يرضى أن ينسب الفسق إلى المجاهر بالفسق فكيف يحكم
بفسق علمائنا وفقهائنا العظام الزهاد الكرام الثقاة العدول بلا كلام، أمناء الله في الحلال
والحرام والمروجين لحلالهم وحرامهم وحجج الله على الأنام بعد الأئمة، المتكفلين لأيتامهم
والمؤسسين لشرعهم وأحكامهم، وعليهم المدار في الدين والمذهب في الأعصار والأمصار،
الراد عليهم كالراد على الله، إلى غير ذلك مما ورد عن الله تعالى ورسوله (ص) والأئمة
(عليهم السلام) حيث قال بعد التوبيخ والتقريع والتشنيع والتفظيع: " فليحذر الذين
يخالفون عن أمره... " مع أن الجماعة الذين كانوا تاركين أكثرهم كان تركهم من جهة التقية
ومنهم الشهيد الثاني ومن كان متمكنا منها أكثرهم كانوا يصلونها لكونها واجبة عندهم وإن
كان بالوجوب التخييري ومستحبة عندنا عينا، ومن لا يصلي أما لأنه كانا يعتقد الحرمة
فكيف يمكنه فعل الحرام وكيف يتأتى منه قصد القربة؟ فما ندري أن الشنيعة على أي جماعة
وأي شخص؟... إلى أن قال: وقيل إنه كتبها في الطفولية وصغر السن. وحاشاه ثم حاشاه من
هذه الشنائع والقبائح كيف وهو في جميع تأليفاته المعلومة أنها منه اختار عدم الوجوب
العيني... إلى آخر كلامه وقد أطنب فيه ومن أراد الاطلاع عليه فليراجعه.
417

ثم إنه اعترض على نفسه بأن دلالة هذه الأخبار مطلقة فلا ينافي تقييدها
بشرط من دليل خارج.
وأجاب بأن مقتضى القواعد الأصولية وجوب اجرائها على اطلاقها والعمل
على مدلولها إلى أن يتحقق الدليل المقيد، وسنبين إن شاء الله تعالى أنه غير متحقق.
ثم اعترض على نفسه ثانيا بأنه يجوز استناد الوجوب في خبري حث زرارة
وعتاب عبد الملك إلى إذن الإمامين (عليهما السلام) كما نبه عليه العلامة في النهاية بقوله:
لما أذنا لزرارة وعبد الملك جاز لوجود المقتضي وهو إذن الإمام عليه السلام.
وأجاب بأن المعتبر عند القائل بهذا الشرط كون إمام الجمعة الإمام عليه السلام أو من
نصبه وليس في الخبرين أن الإمام نصب أحد الرجلين إماما لصلاة الجمعة وإنما أمرهما
418

بصلاتها أعم من فعلهما لها إمامين أو مؤتمين وليس في الخبرين زيادة على غيرهما
من الأوامر الواقعة بها من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله والأئمة (عليهم السلام) لسائر
المكلفين، فإن كان هذا كافيا في الإذن فلتكن تلك الأوامر كافية ويكون كل مكلف
جامع لشرائط الإمامة مأذونا فيها منهم أو كل مكلف مطلقا مأذونا فيها ولو بالائتمام
بغيره كما يقتضيه الاطلاق، إذ لا فرق في الشرع بين الأمر الخاص والعام من حيث العمل
بمقتضاه. وأيضا فأمرهما (عليهما السلام) للرجلين ورد بطريق يشمل الرجلين وغيرهما
من المكلفين أو من المؤمنين كقوله " صلوا جماعة " وقول زرارة " حثنا أبو عبد الله
عليه السلام على صلاة الجمعة " وقوله " إنما عنيت عندكم " من غير فرق بين المخاطبين وغيرهما
إلا في قوله عليه السلام " مثلك يهلك ولم يصل فريضة فرضها الله " وذلك أمر خارج عن
موضع الدلالة، وعلى تقدير اختصاص المخاطبين فظاهر رواية زرارة أنهم كانوا
بحضرته عليه السلام جماعة ولم يعين أحدا منهم للإمامة ولا خصه بالأمر والحث. انتهى.
الثاني من الأقوال في المسألة القول بالوجوب التخييري، والمراد به - كما تقدم
في كلام المحدث الكاشاني (قدس سره) نقله عن بعض أصحاب هذا القول - أن
للناس الخيار في انشائها وجميع العدد لها وتعيين الإمام لها فإذا فعلوا ذلك تعين على
كل من اجتمعت له الشرائط حضورها والاتيان بها ويصير الوجوب حينئذ عينيا
لا أن لآحاد الناس التخيير في حضورها وعدمه بعد اجتماع الإمام والعدد المشترط
معه. والظاهر أن البعض المصرح بما ذكر هو شيخنا الشهيد في كتاب نكت الإرشاد
حيث صرح - بعد قول المصنف: وفي استحبابها حال الغيبة وامكان الاجتماع
قولان - بأن الاستحباب إنما هو في الاجتماع لها في الحالة المذكورة لا في ايقاع الجمعة
فإنه مع الاجتماع يجب الايقاع وتتحقق البدلية عن الظهر.
واستدلوا على هذا القول بأدلة أقواها وأمتنها بزعمهم أن الكتاب والسنة
وإن دلا على الوجوب العيني إلا أنه يعارضهما الاجماع المدعى على اشتراط الإمام
أو إذنه في الوجوب العيني ويرجع إلى الاجماع على نفي الوجوب العيني زمان الغيبة.
419

قال شيخنا الشهيد الثاني في الروض - حيث إنه في أول الأمر قبل تسريح
النظر وامعان الفكر في أدلة المسألة من الجماعة القائلين بالقول المشهور - ما لفظه بعد
الكلام في المسألة وذكر الآية وجملة من روايات المسألة: والدليل الدال على
الوجوب أعم من الحتمي والتخييري ولما انتفى الحتمي في حال الغيبة بالاجماع تعين
الحمل على التخييري ولولا الاجماع على عدم العيني لما كان لنا عنه عدول. انتهى.
وقال (قدس سره) في الروضة بعد الكلام في المسألة: ولولا دعواهم
الاجماع على عدم الوجوب العيني لكان القول به في غاية القوة. انتهى.
وشيخنا الشهيد في الذكرى بسبب هذا الاجماع قد تخطى بعد اختياره القول المشهور
إلى القول بالتحريم في المسألة وتبع ابن إدريس حيث إنه إن عمل بمقتضى الأدلة المذكورة
فاللازم هو الوجوب العيني، قال في الكتاب المذكور في تعداد شروط الوجوب:
التاسع - إذن الإمام كما كان النبي صلى الله عليه وآله يأذن لأئمة الجمعات وأمير المؤمنين عليه السلام بعده
وعليه اطباق الإمامية، هذا مع حضور الإمام وأما مع غيبته كهذا الزمان ففي انعقادها
قولان أصحهما وبه قال معظم الأصحاب الجواز إذ أمكن الاجتماع والخطبتان،
ويعلل بأمرين: أحدهما - أن الإذن حاصل من الأئمة الماضين (عليهم السلام) فهو
كالإذن من إمام الوقت، وإليه أشار الشيخ في الخلاف، ويؤيده صحيح زرارة (1) قال:
" حثنا أبو عبد الله عليه السلام... الحديث كما تقدم " ثم قال: ولأن الفقهاء حال الغيبة يباشرون
ما هو أعظم من ذلك بالإذن كالحكم والافتاء فهذا أولى. والتعليل الثاني أن الإذن
إنما يعتبر مع إمكانه أما مع عدمه فيسقط اعتباره ويبقى عموم القرآن والأخبار
خاليا من المعارض، وقد روي عمر بن يزيد... ثم ساق الرواية وقد تقدمت (2) ثم
نقل بعدها موثقة عبد الملك (3) ثم: في أخبار كثيرة مطلقة والتعليلان حسنان
والاعتماد على الثاني. ثم نقل عن الفاضلين سقوط وجوب الجمعة حال الغيبة وعدم
سقوط الاستحباب، قال وظاهرهما أنه أتى بها كانت واجبة مجزئة عن الظهر

(1) ص 411
(2) ص 410
(3) ص 412
420

والاستحباب إنما هو في الاجتماع أو بمعنى أنها أفضل الأمرين الواجبين على التخيير
ثم قال: وربما يقال بالوجوب المضيق حال الغيبة لأن قضية التعليلين ذلك فما الذي
اقتضى سقوط الوجوب؟ إلا أن عمل الطائفة على عدم الوجوب العيني في سائر
الأعصار والأمصار، ونقل الفاضل فيه الاجماع. وبالغ بعضهم فنفى الشرعية أصلا
ورأسا وهو ظاهر كلام المرتضى وصريح سلار وابن إدريس وهو القول الثاني من
القولين بناء على أن إذن الإمام شرط الصحة وهو مفقود... إلى أن قال: وهذا
القول متوجه وإلا لزم الوجوب العيني. انتهى ملخصا.
وبالجملة فإنهم مصرحون بأن مقتضى الكتاب والسنة هو الوجوب العيني كما
عرفت وإنما صرفهم عنه الاجماع حيث إنه أحد الأدلة الشرعية والجمع بينه وبين
دليلي الكتاب والسنة يقتضي حمل الوجوب على الوجوب التخييري كما هو المشهور
فيبقى الكلام معهم في هذا الاجماع وحجيته وقد عرفت مما حققناه آنفا ما يبطل التمسك
به والاعتماد عليه.
ونزيده تأكيدا (أولا) - أنه لا ريب أن هؤلاء المتأخرين إنما تلقوا هذا
الاجماع من الشيخ والمرتضى اللذين هما أصل الخلاف في هذه المسألة، وقد قدمنا لك
ما في دعاويهم الاجماع في غير مقام من المجازفة والمساهلة سيما ما عدده شيخنا الشهيد
الثاني في رسالته التي قدمنا ذكرها، وحينئذ فهل يثق أحد ممن وقف على ذلك بالركون
إلى هذا الاجماع والخروج به عن صريح قول الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله الصريحين
في الوجوب العيني بمزيد التأكيد والتشديد؟ ما هذه إلا جرأة تامة على الله
ورسوله وأئمته صلى الله عليه وآله. والتستر بأن الاجماع المنقول بخبر الواحد مقبول لا يخفى
ما فيه بعد ما عرفت.
و (ثانيا) - أنه مع تسليم قبوله فهو لا يخرج عن أن يكون من قبيل خبر مرسل
في الباب وهو مما لا يعارض به تلك الأدلة الصحيحة الصريحة من السنة والكتاب،
وتخصيصها به متوقف على كونه في الصحة والصراحة مثلها ليجب الجمع بينه وبينها
421

وإلا فهو مما يرى به جزافا كما هو المقرر في قواعدهم فإنهم لا يجمعون بين الدليلين
إلا مع التكافؤ في الصحة والصراحة وإلا فتراهم يطرحون المرجوح. وهذا
بحمد الله سبحانه واضح للمنصف غاية الوضوح.
و (ثالثا) - ما عرفته في ما تقدم من اتفاق كلمات جملة من علمائنا الأعلام
على تعذر الاجماع في زمن الغيبة لما وجهوه به من الوجوه النيرة الظاهرة التي لا يتطرق
المنع إليها إلا بطريق المكابرة.
وجملة منهم قد تمحلوا لتصحيح هذا الاجماع المدعى في المقام فاصطنعوا له
دليلا ليجدوا إليه سبيلا، فقالوا - كما تقدمهم فيه العامة العمياء (1) وكم قد تبعوهم في
أمثال هذه الظلماء - إن الاجتماع لما كان مظنة النزاع ومثار الفتن والحكمة موجبة
لحسم مادة الاختلاف فالواجب قصر الأمر في ذلك على الإمام بأن يكون هو
المباشر لهذه الصلاة أو الإذن فيها وأن النبي صلى الله عليه وآله ومن بعده من الخلفاء كانوا
يعينون أئمة الجمعات.
قال المحقق في المعتبر: مسألة - السلطان العادل أو نائبه شرط في وجوب الجمعة
وهو قول علمائنا، ثم نقل الخلاف فيه عن فقهاء العامة، ثم قال والبحث في مقامين
(أحدهما) في اشتراط الإمام أو نائبه والمصادمة مع الشافعي (2) ومعتمدنا فعل النبي

(1) قال في بدائع الصنائع ج 1 ص 261 " شرط أداء الجمعة عندنا السلطان حتى
لا تجوز إقامتها بدون حضرته أو حضرة نائبه خلافا للشافعي فلم يعتبر السلطان، ولنا أن
النبي (ص) شرط الإمام لالحاق الوعيد بتارك الجمعة بقوله في الحديث عنه (ص) " وله
إمام عادل أو جائر " ولأنه لو لم يشترط السلطان لأدى إلى الفتنة لأن هذه الصلاة تؤدى بجمع
عظيم والتقدم على جميع أهل المصر يعد من باب الشرف والرفعة فيتسارع إلى ذلك كل من
جبل على علو الهمة والميل إلى الرئاسة فيقع بينهم التجاذب والتنازع فيؤدي ذلك إلى التقاتل
ففوض ذلك إلى الوالي ليقوم به أو ينصب من رآه أهلا له فيمتنع غيره من الناس عن
المنازعة لما يرى من طاعة الوالي أو خوفا من عقوبته ".
(2) بدائع الصنائع ج 1 ص 261 وفي المغني ج 2 ص 330 " اختلفت الرواية
في شرط إذن الإمام والصحيح لا يشترط إذن الإمام وبه قال مالك والشافعي وأبو ثور
والثانية هو شرط روي ذلك عن الحسن والأوزاعي وحبيب بن ثابت وأبي حنيفة " وفي
البحر الرائق لابن نخيم الحنفي ج 2 ص 144 " وشرطها السلطان العادل والجائر والمتغلب "
422

صلى الله عليه وآله فإنه كان يعين لإمامة الجمعة وكذا الخلفاء بعده كما يعين للقضاء، فكما لا يصح للانسان
أن ينصب نفسه قاضيا من دون إذن الإمام فكذا إمام الجمعة. وليس هذا قياسا بل
استدلالا بالعمل المستمر في الأعصار فمخالفته خرق للاجماع. ثم أيده برواية محمد
ابن مسلم (1) قال: " لا تجب الجمعة على أقل من سبعة: الإمام وقاضيه ومدعي حقا
ومدعى عليه وشاهدان ومن يضرب الحدود بين يدي الإمام " ثم قال: المقام الثاني
- اشتراط عدالة السلطان وهو انفراد الأصحاب خلافا للباقين (2) وموضع النظر
أن الاجتماع مظنة النزاع ومثار الفتن غالبا والحكمة موجبة لحسم مادة الهرج وقطع نائرة
الاختلاف ولن يستمر إلا مع السلطان. ثم المعنى الذي باعتباره توقفت نيابة
إمامة الجمعة على إذن الإمام يوجب عدالته إذ الفاسق يسرع إلى بواعث طبعه ومرامي
أهويته لا إلى مواقع المصلحة فلا يتحقق حسم مادة الهرج على الوجه الصواب
ما لم يكن العادل. ولأن الفاسق لا يكون إماما فلا يكون له أهلية الاستنابة
(لا يقال) لو لزم ما ذكرتم لما انعقدت الجمعة ندبا مع عدمه لانسحاب العلة في
الموضعين وقد أجزتم ذلك إذا أمكنت الخطبة، لأنا نجيب بأن الندب لا تتوفر
الدواعي على اعتماده فلا يحصل الاجتماع المستلزم للفتن إلا نادرا... إلى آخر كلامه
(زيد في مقامه) ونحوه كلام العلامة في التذكرة فإنه يحذو حذوه غالبا في كتبه
ولا سيما المنتهى والتذكرة.
وجملة من أصحاب هذا القول أيدوا ذلك بما تقدم (3) من حديثي زرارة

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة الجمعة وآدابها
(2) المغني ج 2 ص 189 والبحر الرائق ج 2 ص 144 وبدائع الصنائع ج 1 ص 261
(3) ص 411 و 412
423

وعبد الملك الدال أولهما على قوله " حشا أبو عبد الله عليه السلام... إلى آخره " وثانيهما على
قوله عليه السلام " مثلك يهلك ولم يصل فريضة فرضها الله " باعتبار أن ظاهر الخبرين
يشعر بأن الرجلين كانا متهاونين بالجمعة مع أنهما من أجلاء الأصحاب وفقهاء
أصحابهما (عليهما السلام) ولم يقع منهما انكار بليغ عليهما بل حثاهما على فعلها فدل
ذلك على أن الوجوب ليس عينيا وإلا لأنكرا عليهما بتركها كمال الانكار، نعم يستفاد
من حثهما وقوله عليه السلام " فريضة فرضها الله " وجوبها في الجملة فيحمل على التخييري (1)
أقول - وبالله سبحانه الاستعانة والتوفيق إلى هداية سواء الطريق وإزالة
شبه التعويق -: لا يخفى ما في هذا الكلام من انحلال الزمام واختلال النظام بعد
ما عرفت في المقام ولكن لا مندوحة عن بيان ما فيه مما يكشف عن فساد باطنه
وخافيه وذلك من وجوه:
(الأول) - ما ادعاه من الاجماع على اشتراط السلطان العادل أو نائبه في
وجوب الجمعة فإن فيه (أولا) ما عرفت من الطعن في الاجماع وعدم تحققه في زمن
الغيبة ولا سيما بعد وجود المخالف كما تقدم، ولا ريب أن هذا الاشتراط مذهب
المخالفين كالحنفية وغيرهم (2) وأصحابنا قد تبعوهم فيه كما تبعوهم في حجية الاجماع
والاعتماد عليه ونحو ذلك مما استحسنوه من أصولهم فلا اعتداد به ولا سيما في مقابلة
الأخبار التي قدمناها بل لو فرضنا وجود خبر بهذا الشرط لوجب حمله على التقية
لما عرفت، بل لقائل أن يقول لو قلبت هذه الدعوى بأن يدعى الاجماع على
الوجوب العيني لكان وجها إذ لا كلام في الوجوب زمانه صلى الله عليه وآله إلى أن مات بغير
نسخ ومقتضى الأصل والاستصحاب والأدلة الشرعية بقاؤه، أما الأولان
فظاهران. وأما الثالث فللخبر المسلم (3) " حلال محمد صلى الله عليه وآله حلال إلى يوم القيامة
وحرامه حرام إلى يوم القيامة " ووجوب التأسي به في ما علم جهة وجوبه معلوم. ومجرد

(1) ارجع إلى التعليقة 3 ص 411 ليتضح لك المطلب المذكور تماما
(2) ارجع إلى التعليقة 2 ص 422
(3) ارجع إلى التعليقة 1 ص 403
424

احتمال أن يكون الوجوب مقيدا بشرط حاصل بالنسبة إليه صلى الله عليه وآله وغير حاصل
بالنسبة إلينا يتوقف على اثباته بالدليل القاطع، ولقوله عليه السلام (1) " إياك أن تنقض
اليقين بالشك " وما تقدم (2) في حديث أبي عمرو الزبيري من قول الصادق عليه السلام
" لأن حكم الله في الأولين والآخرين وفرائضه عليهم سواء إلا من علة أو حادث
يكون، والأولون والآخرون أيضا في منع الحوادث شركاء والفرائض عليهم واحدة
يسأل الآخرون عن أداء الفرائض كما يسأل عنه الأولون ويحاسبون كما يحاسبون به "
ويعضد ذلك ويؤكده ويعلى منارة ويشيده ما قدمنا الإشارة إليه من أن
الوجوب العيني مذهب قدماء أصحابنا بالتقريب الذي ذكرناه ذيل الأخبار المتقدمة.
وأما الشيخ (قدس سره) فإن كلامه في كتبه في هذه المسألة لا يخلو من اضطراب
وهو إلى القول بالوجوب العيني في زمن الغيبة أقرب منه إلى الوجوب التخييري
الذي ادعوه كما لا يخفى على من راجع كلامه في الخلاف والمبسوط والنهاية،
ولم يظهر هذا القول صريحا إلا من المحقق والعلامة والشهيد في غير الذكرى وأما
من تأخر عن شيخنا زين الملة والحق والدين بعد تصنيفه هذه الرسالة فإنهم كلهم
إلا الشاذ النادر على القول بالوجوب العيني كما أسلفنا لك نقل كلام جملة من مشاهيرهم
فينحصر الخلاف هنا في المحقق والعلامة والشهيد، وقد قرروا أن مخالفة معلوم النسب
غير قادح، ولهذا أن شيخنا المشار إليه (قدس سره) في الرسالة لم يذكر القول
بالتخيير في جملة أقوال المسألة التي عدها وتعرض لنقضها ايذانا بشذوذه وضعفه
وإنما أشار إليه في ضمن بعض المباحث:
فقال: واعلم أنه قد ظهر من كلام بعض المتأخرين أن الوجوب العيني

(1) لم نقف في أخبار الاستصحاب على لفظ " إياك " وإنما الوارد في مضمرة زرارة
الأولى " ولا ينقض اليقين أبدا بالشك " وفي الثانية " فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك "
وقد تقدمتا ج 1 ص 143 و ج 5 ص 427
(2) ص 403
425

منتف في هذه الصلاة حال الغيبة وإنما يبقى الجواز بالمعنى الأعم، والمراد منه استحبابها
بمعنى كونها أفضل الفردين الواجبين تخييرا أعني الجمعة والظهر لا أنه ينوي
الاستحباب لأن ذلك منتف عنها على كل حال باجماع المسلمين بل إما تجتمع شرائطها
فتجب أو تنتفى فتسقط، وقد عرفت أيضا أن هذا الحكم وهو وجوبها تخييرا وإن
كان أفضل الفردين لا دليل عليه إلا ما ادعوه من الاجماع ولم يدعه منهم صريحا
سوى ما ظهر من عبارة التذكرة ودونها في الدلالة عبارة الشهيد في الذكرى، فإنه قال فيها: إذا عرفت ذلك فقد قال الفاضلان يسقط وجوب الجمعة حال الغيبة ولا يسقط
الاستحباب، وظاهرهما أنه لو أتى بها كانت واجبة مجزئة عن الظهر... إلى قوله ونقل
الفاضل فيه الاجماع - وقد تقدمت العبارة المذكورة كملا - ثم قال: وفي هذه العبارة مع
ما اشتملت عليه من المبالغة اشعار بعدم ظهور الاجماع عنده ومن ثم نسبه إلى الفاضل،
وقد عرفت مما حكيناه من عبارات المتقدمين ما يقدح في الاجماع وعمل الطائفة معا،
ولعله أشار بقوله: " وربما قيل بالوجوب المضيق " إلى ذلك. والظاهر أن عمل الطائفة
لا يتم إلا في المتأخرين منهم أو من بعضهم لا من الطائفة مطلقا لما سمعت من كلام
المتقدمين الذين هم عمدة فقهاء الطائفة. وما اقتصرت على من ذكرت لخصوصية
قولهم في ذلك بل لعدم وقوفي على مصنفاتهم ولا على باقي مصنفات من ذكرت، وفي
وجود ما نقلته في ما حضرني من ذلك دليل بين على أن ذلك من الأحكام المقررة
عندهم المفروغ عنها لأن أحدا منهم لم نقل في ذلك خلافا فكيف يتم للمتأخرين
الحكم بخلافه؟ ولا يخفى عليك أن مجرد عمل الطائفة على هذا الوجه لا يكون
حجة ولا قريبا منها خصوصا مع دلالة الأدلة القاطعة من الكتاب والسنة على
خلاف ذلك فكيف مع انحصار القول في قليل منهم؟ والقدح في ذلك بمعلومية
نسب المخالف مشترك الالزام إن لم يكن في جانب المخالف أرجح لما عرفت من أن
القائل بالوجوب العيني أكثر من القائل بالتخييري مع اشتراكهما في الوصف (1).

(1) لا يخفى أن عمل الطائفة في مثل هذه المسألة يكشف بنحو القطع عن مطابقته
للحكم الشرعي، إذ لازم المخالفة بينهما هو خفاء الحكم على الطائفة وهو في مثل هذه
المسألة التي تعم بها البلوى وفي هذه الفريضة المعظمة التي إقامتها من أعظم شعائر الدين مع
كثرة ما ورد فيها من الآية والأخبار الواضحة الدلالة - كما ادعوا - والتأكيدات
والتشديدات - مستحيل عادة كما يظهر ذلك جليا بالرجوع إلى التعليقة 5 ص 386، وقد
تقدم عن الشهيد (قدس سره) ص 415 أن عمل الطائفة على عدم الوجوب العيني في
سائر الأعصار والأمصار. وصرح الشهيد الثاني (قدس سره) بذلك في رسالته ص 60
حيث قال في الجواب عن استئناس بعض الأصحاب للوجوب التخييري بظاهر روايتي
زرارة وعبد الملك - والذي يظهر لي أن السر في تهاون الجماعة بصلاة الجمعة ما عهد من قاعدة
مذهبهم لأنهم لا يقتدون بالمخالف ولا بالفاسق والجمعة إنما تقع في الأغلب من أئمة
المخالفين ونوابهم... إلى أن قال فكانوا يتهاونون بها لهذا الوجه، ولما كانت الجمعة من
أعظم فرائض الله تعالى وأجلها ما رضي الإمام (ع) لهم بتركها مطلقا فلذلك حثهم على
فعلها حيث يتمكنون منها. وعلى هذا الوجه استمر حالها مع أصحابنا إلى هذا الزمان فأهمل
لذلك الوجوب العيني وأثبت التخييري لوجه نرجو من الله تعالى أن يعذرهم فيه وآل الحال
منه إلى تركها رأسا في أكثر الأوقات ومعظم الأصقاع مع إمكان إقامتها على وجهها. وما
كان حق هذه الفريضة المعظم أن يبلغ بها هذا المقدار من التهاون بمجرد هذا العذر الذي
يمكن رفعه في كثير من بلاد الايمان سيما هذا الزمان. انتهى. فهو (قدس سره) يصرح
بأن السيرة مستمرة من زمن الأئمة (ع) إلى زمانه على ترك الجمعة، وقد تقدم في كلام
الفقيه السبزواري (قدس سره) ص 391 ما هو صريح في ذلك أيضا، فاستمرار السيرة
العملية على ترك الجمعة - من زمن الأئمة " ع " إلى زماننا هذا في جميع بلاد الشيعة إلا في
بعض الأزمنة والأمكنة على وجه الندور غير قابل للانكار. ولا يخفى أن ما صرح به
الشهيد الثاني " قدس سره " من استمرار السيرة على الترك يناقض ما أفاده في كلامه المنقول
في المتن من انحصار القائل بالوجوب التخييري في قليل من المتأخرين إلا أن يلتزم بما
لا يمكن أن يلتزم به أحد من الإمامية وهو أن معظم فقهاء الإمامية كانوا يرون الوجوب
التعييني وأطبقوا على مخالفة فتاويهم واستمروا على ترك هذه الفريضة المعظمة من دون
مسوغ. وبذلك تعرف ما في كلام المحدث الكاشاني المتقدم ص 391 و 392 من
نسبة القول بالوجوب التخييري إلى طائفة من متأخري الأصحاب، وقد نسبه المصنف
" قدس سره " إلى المشهور ص 408 و 420 و 421 ولكنه سينفي الشهرة عنه في ما سيأتي
من كلامه بعد الوجه الخامس.
426

انتهى كلامه زيد مقامه. وهو صريح في ما قلناه وواضح في ما ادعيناه.
427

(الثاني) - ما استندوا إليه من قولهم: أن الاجتماع مظنة النزاع والفتن.
والجواب عنه ما أفاده شيخنا الشهيد الثاني في الرسالة حيث قال (قدس سره) ونعم
ما قال: وبقي من استدلاله أن الاجتماع مظنة النزاع الذي لا يندفع إلا بالإمام
العادل أو من نصبه. وهذا بالاعراض عنه حقيق بل ينبغي رفعه من البين وستره
فإن اجتماع المسلمين على طاعة الله تعالى لو توقف على حضور الإمام العادل وما في
معناه لما قام للاسلام نظام ولا ارتفع له مقام، ولا ارتاب مريب من الاجتماع في
سائر الصلوات وحضور الخلق عرفات وغيرها من القربات وبها شرف مقامهم
وتضاعف ثوابهم ولم يختل نظامهم، بل وجدنا الخلل حال وجوده وحضوره
أكثر والاختلاف أزيد كما لا يخفى على من وقف على سيرة أمير المؤمنين عليه السلام في
زمن خلافته وحاله مع الناس أجمعين وحال غيره من أئمة الضلال وانتظام الأمر
وقلة الخلاف والشقاق في زمنهم. وبالجملة فالحكمة الباعثة على الإمام أمر آخر
وراء مجرد الاجتماع في حال الصلاة وغيرها من الطاعات. انتهى.
أقول: لا يخفى عليك ما في الركون إلى هذه التعليلات الواهية - في مقابلة
ما قدمناه من الآية الشريفة والأخبار المنيفة ودفعها عن ما دلت عليه هذه الترهات
وتزييفها بهذه الخرافات - من المجازفة في أحكام الملك العلام، ولو تم ما ذكروه
للزم ترك سائر الاجتماعات والجماعات في سائر الفرائض اليومية وغيرها من الصلوات
كالاجتماع لصلاة العيدين والاستسقاء والكسوفين والجنائز وأفعال الحج كالوقوفين
- كما تقدم في كلام شيخنا - وأفعال منى.
وما اعتذر به في المعتبر - من أن وجوب الاجتماع مظنة ذلك دون الجواز
إذ لا تتوفر الدواعي على الحضور الجائز توفرها على الحضور الواجب - مما لا يسمن
428

ولا يغني من جوع، لأنا نرى بالفعل في جميع الأوقات التي مرت بنا وبمن
تقدمنا في زمن الغيبة ما وقع من الاجتماع في هذه الفرائض المعدودة والكثرة مثل
ما في الاجتماع الواجب للجمعة مع أنه لم يترتب عليه مفسدة ولا ضرر وليس العيان
كالخبر. على أن الأخبار المتقدمة المصرحة بوجوب الجمعة قد دلت على اشتراط
الوجوب بعدم خوف ضرر أو حدوث فتنة كما يرشد إليه قولهم (عليهم السلام)
" ولم يخافوا " (1) ومعه فلا جواز فضلا عن الوجوب. على أنا نقول مجرد حصول
النزاع على شئ لا يقتضي عدم شرعيته فإنه أمر ينشأ من فعل المكلفين من غير أن
يكون لأصل الحكم الشرعي مدخل فيه، ولو كان الأمر كما ذكروا لبطل كثير من
الأحكام التي هي أعظم من ما نحن فيه بل ما اخضر للاسلام عود ولا استقام له عمود.
ثم إنه لا يخفى عليك أن المحقق المذكور ونحوه قد تبعوا في ذلك علماء العامة،
قال بعض محققي متأخري المتأخرين من مشايخنا الأخباريين بعد نسبة اشتراط
حصول الإمام أو نائبه إلى أبي حنيفة وأتباعه من المخالفين القائلين بهذا الاشتراط
ما سوى الحسن البصري والأوزاعي وحبيب بن أبي ثابت بل محمد بن الحسن أيضا
وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه (2): وعمدة مستندهم أن الاجتماع مظنة
النزاع ومثار الفتن والحكمة موجبة لحسم مادة الاختلاف ولن يستمر إلا مع
السلطان (3). انتهى. وهو كما ترى عين ما قدمنا نقله عنهم (رضوان الله عليهم) ".
(الثالث) - ما ذكروه من أن النبي صلى الله عليه وآله والخلفاء من بعده كانوا يعينون
أئمة للجماعات.
وفيه (أولا) - أنه منقوض بالوجوب التخييري الذي ذهبوا إليه إذ لا فرق
بين الوجوبين في ذلك فكيف أثبتوه في أحدهما ونفوه في الآخر؟
و (ثانيا) - بالنقض بإمامة الجماعة والأذان فإنهم كانوا يعينون لأمثال ذلك
أيضا فيلزم بمقتضى ما ذكروه سقوطهما زمن الغيبة.

(1) ص 413
(2) المغني ج 2 ص 330
(3) ارجع إلى التعليقة 1 و 2 ص 422
429

و (ثالثا) - بالقضاء كما اعترفوا به فيلزم سقوطه وعدم مشروعيته في زمن
الغيبة مطلقا ويلزم تعطيل الأحكام، فإن أجيب بأنه قد ورد عنهم (عليهم السلام)
الإذن بالقضاء بقولهم (1) " انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا
وحرامنا وعرف أحكامنا فارضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما... الحديث "
ونحوه غيره، قلنا قد ورد أيضا في ما قدمناه من الأخبار (2) ما يدل على أنه إذا كان قوم
في قرية ولهم من يخطب جمعوا أي صلوا الجمعة. وفي آخر (3) " إذا كانوا سبعة يوم
الجمعة فليصلوا في جماعة " ونحو ذلك مما تقدم.
و (رابعا) - مع تسليم اطراده في جميع الأمة نمنع دلالته على الشرطية بل
هو أعم منها والعام لا يدل على الخاص.
قال بعض مشايخنا المحققين: والظاهر أن التعيين إنما هو لحسم مادة النزاع في
هذه المرتبة ورد الناس إلى منصوبه من غير تردد واعتمادهم على تقليده بغير ريبة كما أنهم كانوا يعينون لإمامة الجماعة والأذان مع عدم توقفهما على إذن الإمام اجماعا.
وأيضا فإن حسن الأدب يقتضي أن يرجع القوم في مهمات أمورهم إلى رأي سيدهم
وإمامهم إذا كان فيهم بل غير هذا لا يكون، ولا يلزم من ذلك تعطيل الأمور
وتركها رأسا إذا لم يوجد فيهم الإمام إلا إذا علم أن لوجوده وإذنه مدخلا ودون
ثبوته في ما نحن فيه خرط القتاد. انتهى.
أقول: ويؤيده رواية حماد عن الصادق عن أبيه عن علي (عليهم السلام) (4) قال
" إذا قدم الخليفة مصرا من الأمصار جمع بالناس ليس لأحد ذلك غيره " فإنه يدل
بالمفهوم على جواز تجميع غير الإمام إذا لم يكن هو شاهدا وتقديمه من حيث كونه

(1) في مقبولة عمر بن حنظلة المروية في الوسائل بالتقطيع في الباب 1 و 9 و 11 و 12
من صفات القاضي وتقدم ما يتعلق بالترجيح منها ج 1 ص 91
(2) ص 410
(3) ص 410
(4) الوسائل الباب 20 من صلاة الجمعة وآدابها
430

إماما ظاهرا. ونحن لا ننكر تقدم الإمام أو نائبه إذا وجد أحدهما وإنما نمنع
سقوط التقديم عند عم حضور أحدهما. على أنك قد عرفت أن أصل هذا
الاشتراط إنما هو من العامة تبعهم فيه من تبعهم توهما أنه مذهبنا، وأخبارنا وكلام
قدمائنا كما عرفت خال من ذلك.
(الرابع) - ما ذكره من رواية محمد بن مسلم (1) فقد أجاب عنه شيخنا
الشهيد الثاني في الرسالة بوجوه نذكر المعتمد منها ملخصا:
(أحدها) - الطعن في سند الرواية بأن في طريقها الحكم بن مسكين وهو
مجهول وما هذا شأنه يرد الحديث لأجله، وشهرته بين الأصحاب على وجه العمل
بمضمونه بحيث يجبر ضعفه ممنوعة فإن مدلوله لا يقول به الأكثر.
و (ثانيها) - أن الخبر متروك الظاهر لأن مقتضى الظاهر أن الجمعة لا تنعقد
إلا باجتماع هؤلاء، واجتماعهم جميعا ليس بشرط اجماعا وإنما الخلاف في حضور
أحدهم وهو الإمام، فما يدل عليه الخبر لا يقول به أحد وما استدل به منه لا يدل
عليه بخصوصه (فإن قيل) حضور غيره خرج بالاجماع فيكون هو المخصص لمدلول
الخبر فتبقى دلالته على ما لم يجمع عليه باقية (قلنا) يكفي في اطراحه وتهافته مع
ضعفه مخالفة أكثر مدلوله لاجماع المسلمين وما الذي يضطر معه إلى العمل ببعضه
مع هذه الحالة العجيبة.
و (ثالثها) - أن مدلوله من حيث العدد وهو السبعة متروك أيضا ومعارض
بالأخبار الصحيحة الدالة على اعتبار الخمسة خاصة (2) وما ذكر فيه السبعة غير هذا
فإنه نفى فيه وجوبها عن أقل من سبعة.
و (رابعها) - أنه مع تقدير سلامته من هذه القوادح يمكن حمله على حالة
إمكان حضور الإمام وأما مع تعذره فيسقط اعتباره جمعا بين الأدلة. ويؤيده

(1) ص 423
(2) الوسائل الباب 2 من صلاة الجمعة، وقد تقدم بعضها ص 410 و 413
431

اطلاق الوجوب فيه الدال بظاهره على الوجوب العيني المشروط عند من اعتبر
هذا الحديث بحالة الحضور، وأما حالة الغيبة فلا يطلقون على حكم الصلاة اسم
الوجوب بل الاستحباب بناء على ذهابهم إلى الوجوب التخييري مع كون الجمعة
أفضل الفردين الواجبين تخييرا.
و (خامسها) - حمل العدد في الخبر المذكور على اعتبار حضور قوم من
المكلفين بها بعدد المذكورين أعني حضور سبعة وإن لم يكونوا عين المذكورين نظرا
إلى فساد حمله على ظاهره من اعتبار أعيان المذكورين لاجماع المسلمين على عدم
اعتباره. وقد نبه على هذا التأويل شيخنا المتقدم السعيد أبو عبد الله المفيد في كتاب
الإشراف فقال: وعددهم في عدد الإمام والشاهدين والمشهود عليه والمتولي لإقامة الحدود
أقول: قد تقدم ذلك في عبارته المقولة من الكتاب المذكور، وهذا
الوجه عندي أقرب الوجوه في معنى الخبر فإنهم (عليهم السلام) كثيرا ما يأتون
بمثل ذلك في قال التعليل تقريبا للأذهان، والغرض هنا بيان علية السبعة في
الوجوب دون ما زاد وما نقص فعلله عليه السلام بأن الإمام بحسب العادة والطريقة
المستمرة لا يخلو من هؤلاء من حيث ترافع الناس إليه وإقامة الحدود بين يديه فلا بد
من هذه السبعة فجعل في الجمعة هذا العدد لذلك.
ثم ذكر وجها سادسا وهو لا يخلو من تكلف وغموض والغرض منه تكثير
الجواب فلم تتعرض لنقله.
ثم قال: و (سابعها) - أن العمل بظاهر الخبر يقتضي أن لا يقوم نائبه مقامه
وهو خلاف اجماع المسلمين.
و (ثامنها) - أنه معارض بما رواه محمد بن مسلم - راوي هذا الحديث - في
الصحيح عن أحدهما (عليهما السلام) (1) قال: " سألته عن أناس في قرية هل
يصلون الجمعة جماعة؟ قال نعم يصلون أربعا إذا لم يكن من يخطب " ومفهوم الشرط

(1) الوسائل الباب 3 من صلاة الجمعة وآدابها
432

أنه إذا كان فيهم من يخطب يصلون الجمعة ركعتين، وهي عامة في من يمكنه الخطبة
الشامل لمنصوب الإمام وغيره، ومفهوم الشرط حجة عند المحققين، وإذا
تعارضت رواية الرجل الواحد سقط الاستدلال فكيف مع حصول الترجيح لهذا
الجانب بصحة طريقه وموافقته لغيره من الأخبار الصحيحة وغير ذلك؟ انتهى ملخصا
أقول: و (تاسعها) ما ذكره بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين من
إرادة التمثيل دون التخصيص، وحذف المضاف خصوصا لفظ " مثل " كثير.
و (عاشرها) ما ذكره من أن تخصيصهم بالذكر ليس لاختصاص مطلق
الوجوب بهم لما مر بل لاختصاص الوجوب المطلق بهم بمعنى أن عند اجتماع هذه
السبعة يكون وجوب الجمعة وجوبا مطلقا لا يتوقف على شرط آخر لتحقق جميع
شرائط الوجوب وارتفاع جميع موانعه حتى الخوف عند اجتماعهم، فإن وجود
من هو معد للقضاء وآخر يضرب الحدود من جهته عليه السلام عند ثبوته لأحد المتداعيين
على الآخر بالشاهدين يقتضي بسطة اليد وانتفاء الخوف بخلاف ما لو اجتمعت
سبعة سواهم وإن كان المعصوم أحدهم فإنه يجامع الخوف فلا يتحقق الوجوب إذ
هو مشروط بفقده.
وقد يزاد هذا الجواب ايضاحا وتقريرا بأن يقال: لا ريب أنه ليس المراد
حصر متعلق الوجوب في السبعة بمعنى السقوط عن غيرهم بل إن اجتماع هذه السبعة
بأعيانها سبب لتعلق الوجوب المطلق بكل واحد منهم وبغيرهم ممن تعلق به الخطاب
بوجوب الجمعة، فليس تخصيص السبعة المعينة بالذكر إلا بيانا لسبب الوجوب
المطلق لا حصرا لمتعلق الوجوب فيها. ف‍ " على " للسببية. فتأمل فإنه من غوامض
الأسرار وعرائس الأفكار.
و (حادي عشرها) ما ذكره أيضا من أنه بتقدير تسليم أن ذكر أعيان السبعة
لبيان متعلق الوجوب دون سببه - مع ما قد عرفت من وضوح فساده - لا يدل
على انتفاء الوجوب عند انتفائها إلا من حيث المفهوم، وهو - بعد تسليم أنه مفهوم
433

وصف وأنه حجة وأن الخبر صحيح - واجب الطرح عند معارضة ما هو أقول منه
من مناطيق الكتاب والسنة وعموماتها. انتهى. وهو جيد نفيس.
(الخامس) ما اعتضد به جملة منهم من خبري زرارة وعبد الملك بالتقريب
المتقدم في كلامهم، فإن فيه أنه لا ريب أن ذلك الزمان الذي كانا فيه زمان تقية
وخوف وكانت الشيعة لا يتمكنون من إقامة الجمعة منفردين عن المخالفين لاشتراطها
بإذن الخليفة، وإمام ذلك الوقت والأئمة المنصوبون لها كانوا من المخالفين المنصوبين
من أئمة الضلال، وهم لا يجوزون الاقتداء بهم وإنما يصلون يوم الجمعة وغيره في
بيوتهم ثم يخرجون إلى جماعتهم ويصلون معهم تقية يجعلونها نافلة أو يصلون معهم
ويقرأون لأنفسهم فيصيرون منفردين، وربما صلوا الجمعة معهم بهذه الكيفية ثم
صلوا على أثرها ركعتين كما فعله أمير المؤمنين عليه السلام في صلاته خلف اللصوص الثلاثة
وهذا هو السبب في تركهم الجمعة يومئذ، وهذه إحدى الشبه الباعثة لمتأخري
أصحابنا على القول بالتخيير في هذه الفريضة فإنهم ظنوا أن ترك أصحاب الأئمة
(عليهم السلام) لها زمانا وصلاتها زمانا آخر إنما كان لذلك، وليس الأمر كما
زعموه بل إن السر في ذلك هو ما ذكرناه، وكأنه لما كان في الوقت الذي صدر
منهما (عليهما السلام) ما ذكر في هذين الخبرين كانت سورة التقية أهون وهو زمن
الباقر والصادق (عليهما السلام) لم يرضوا للشيعة بتركها بل حثوهم على فعلها سرا في
بيوتهم ولم يرضوا لهم بترك هذه الفريضة الجليلة واهمالها مع إمكان الاتيان بها على
الوجه المذكور (1).
وملخص الكلام في هذا المقام أن العمدة في ثبوت هذا القول هو الاجماع
المدعى على اشتراط الإمام أو نائبه في هذه الفريضة كما سمعته من كلام شيخنا المجلسي
المتقدم ذكره وقوله فيه: لو لم يك الاجماع المدعى فيها لم يكن لأحد مجال شك

(1) ارجع إلى التعليقة 5 ص 386 والتعليقة 3 ص 411 والتعليقة 1 ص 426
لتتجلى لك الحقيقة.
434

في وجوبها على الأعيان في جميع الأحيان والأزمان... إلى آخر ما قدمنا ذكره.
وأنت قد عرفت ما في ثبوت الاجماع وأن دونه خرط القتاد وخصوصا في هذه
المسألة كما هو ظاهر لمن وفق للسداد والرشاد، ولهذا أن جملة من أفاضل المتأخرين
عن عصر شيخنا الشهيد الثاني إلا الشاذ النادر ممن لا يعبأ به ولا يعد قوله في أقوال
العلماء المشهورين كلهم على القول بالوجوب العيني كما أسلفنا لك نقل أسماء جملة ممن
حضرنا كلامهم واطلعنا على مذهبهم. وأما من أخذته العصبية للقول بالتخيير الذي
ظن بزعمه أنه المشهور - مع أن الأمر بالعكس (1) كما عرفت مما قدمناه في هذه
السطور، لما اعتراه في ذهنه من الفتور والقصور فحاد عن هذا القول المؤيد
المنصور بالآيات والروايات الساطعة الظهور - فهو أقصى نصيبه في المقام وغاية حظه
من الافهام. ويا عجبا أنهم يستندون إلى الآيات القرآنية في جملة من الأحكام مع أنه ليس فيها ما هو أظهر دلالة وأوضح مقالة من آية الجمعة (2) المشتملة على مزيد
التأكيد والحث الشديد ويستندون في الأحكام إلى خبر أو خبرين من الأخبار ولو
بالاطلاق أو العموم كما هو مسلم بينهم ومعلوم، ويقابلون هذه الأخبار الواضحة
الظهور كالنور على الطور بما عرفت من التمحلات البعيدة والتأويلات الغير السديدة،
مع أن لم يخرج في حكم مسألة من مسائل الفقه ما خرج عنهم (عليهم السلام) في
هذه المسألة من الأخبار البالغة في الاشتهار والانتشار والتهديد والتشديد والحث
الأكيد إلى حد لا يقبل الانكار، إلا أنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي
في الصدور (3) ولله در من قال:
لقد أسمعت لو ناديت حيا * ولكن لا حياة لمن تنادي
ونار لو نفخت بها أضاءت * ولكن أنت تنفخ في رماد (4)

(1) قد وصف القول بالتخيير بالشهرة في ما تقدم من كلامه ص 408 و 420 و 421
(2) سورة الجمعة الآية 9
(3) سورة الحج الآية 45 " فإنها لا تعمى... "
(4) ارجع إلى التعليقة 5 ص 386 والتعليقة 3 ص 411 والتعليقة 1 ص 426
لتتجلى لك الحقيقة ويهون عليك التهويل
435

(الثالث) - من الأقوال في المسألة المذكورة القول بالتحريم في زمن الغيبة،
وهذا القول صريح أن ابن إدريس وسلار وظاهر المرتضى في أجوبة المسائل الميافارقيات
والعلامة في المنتهى وجهاد التحرير والشهيد في الذكرى، وهؤلاء الثلاثة في غير هذه
الكتب المذكورة قد وافقوا أصحاب القول بالتخيير. وأنت خبير بأن من عدا
الأولين فإن كلامهم في المسألة صار متعارضا فيصير من قبيل ما قيل: تعارضا
تساقطا. وأما نقل القول به عن الشيخ في الخلاف فهو ليس بصحيح كما لا يخفى على من
راجع العبارة المذكورة. وأما نقله عن أبي الصلاح فقد بينا آنفا فساده.
ولنذكر في هذا المقام جملة ما وصل إلينا من أدلة أصحاب هذا القول مما ذكره
ابن إدريس وغيره وهي ثلاثة:
(الأول) - أن وجوب الظهر ثابت بيقين ولا يعدل عنه إلا بيقين مثل فلا
تقابله وتزيله صلاة مشكوك فيها، لأن اليقين لا ينقضه الشك أبدا للاجماع ولما
رواه زرارة في الصحيح عن الباقر عليه السلام (1) " ليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك أبدا "
والجواب - والله الهادي إلى جادة الصواب - أن نقول (أولا) - إنه إن أراد
بالظهر الثابت وجوبها بيقين الفريضة الواجبة عند الظهيرة مقدمة على غيرها ليكون
يقينية وجوبها شاملا لجميع الأحوال والأوضاع فيكون متناولا لموضع النزاع،
فنحن قائلون به ولكن لا يجديه نفعا إذ هي بهذا المعنى شاملة لذات الركعتين
المفروضتين قبل أن تسن الزيادة وبعدها مع الخطبتين وبدونهما ولذات الأربع،
وتيقن وجوب مفهوم كلي لا ينقض تيقن وجوب جزئي خاص منه إلا بدليل
خارج، والثابت وجوبه بيقين في موضع النزاع ذلك المفهوم الكلي، والمشكوك
فيه خصوصية أحد الفردين: الأربع بدون الخطبة أم الاثنين معها، وهما سيان في
تعلق الشك بهما، فأين العدول عن اليقين إلى الشك وأين نقضه به؟ إذ تيقن وجوب
ذلك المفهوم لا ينقضه الشك في أن ذلك الوجوب المحقق بأي الفردين على الخصوص

(1) الوسائل الباب 41 و 44 من النجاسات
436

يتعلق أو أنه بأي الفردين يتحقق. وإن أراد بالظهر الثابتة بيقين ذات الأربع
أو مقصورتها بلا تعويض الخطبتين، ففيه أنه إن أراد عموم وجوبها بالنسبة إلى
جميع المكلفين في جميع الأزمان فهو أوضح واضح في البطلان، إذ عينية الركعتين
بالخطبتين على بعض المكلفين في بعض الأزمان وتحريم فعل الأربع حينئذ على ذلك
البعض في ذلك البعض غني عن البيان في المقام إذ هو من ضروريات دين الاسلام،
وإن أراد أن يقين وجوبها ثابت في الجملة فلا يجديه نفعا إذ يقين وجوب الجمعة
ثابت كذلك. وإن أراد أن وجوب الظهر ثابت في يوم الجمعة باعتبار تناول عموم
وجوب خمس فرائض كما يوم إحداها الظهر ففيه - بعد تسليم اختصاص الظهر بما
هو قسيم للركعتين ذات الخطبتين لا ما يعمهما - أنه أول المسألة ومحل البحث وهل
الكلام والنزاع إلا في ذلك؟ وتناول عمومات وجوب الجمعة في يومها لموضع
النزاع أقوى والعمل به أظهر وأولى. وإن أراد معنى آخر غير ما ذكرنا فلا بد من
بيانه حتى ننظر فيه.
و (ثانيا) - أن ما ذكره من الدليل مقلوب عليه في المقام بالنظر إلى أصل مشروعية
الصلاة وما ورد في ذلك عنهم (عليهم السلام) فإن الثابت بأصل الشرع إنما هو
ركعتان على جميع الناس في جميع الأزمان مقرونة بالخطبتين في يوم الجمعة. ثم
زيد فيهما حضرا في غير يوم الجمعة وبقي يوم الجمعة والسفر على ما كان عليه الأمر سابقا.
والذي يفصح عن ذلك ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (1) في حديث طويل قال فيه: " وقال تعالى: حافظوا على الصلوات
والصلاة الوسطى (2) وهي صلاة الظهر وهي أول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله
وهي وسط النهار ووسط صلاتين بالنهار: صلاة الغداة وصلاة العصر، وفي بعض
القراءة، حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين "

(1) الوسائل الباب 2 من أعداد الفرائض
(2) سورة البقرة الآية 239
437

قال: ونزلت هذه الآية يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وآله في سفر فقنت فيها وتركها على
حالها في السفر والحضر وأضاف للمقيم ركعتين، وإنما وضعت الركعتان اللتان
أضافهما النبي صلى الله عليه وآله يوم الجمعة للمقيم لمكان الخطبتين مع الإمام فمن صلى يوم الجمعة
في غير جماعة فليصلها أربع ركعات كصلاة الظهر في سائر الأيام ".
والتقريب فيها أن قوله عليه السلام " وتركها رسول الله صلى الله عليه وآله على حالها في السفر
والحضر " مع قوله: " وأضاف للمقيم ركعتين " صريح في بقاء يوم الجمعة على حكم
الركعتين وتساوي حالها في الحالين لأن ضمير " تركها " راجع إلى صلاة الجمعة المدلول
عليها بسياق الكلام وأن اختلاف الحالين باعتبار إضافة الركعتين للمقيم إنما هو في
غيرها، إلا أنه لما كان مقتضى ذلك نفي الأربع فيها مطلقا حتى بالنسبة إلى من لم
يصل الجمعة ذات الخطبتين لفقد شرائطها أو لتعمد تفويتها استدرك عليه السلام بما هو
كالتخصيص فقال " وإنما وضعت الركعتان... إلى قوله كصلاة الظهر في سائر الأيام "
وفي ذلك إشارة إلى أن صلاة الظهر كما تطلق على الأربع في سائر الأيام كذا تطلق
على الركعتين مع الخطبتين في يوم الجمعة وإلا لم يكن للتشبيه معنى.
ونحوه في ذلك - وإن كان ليس فيه من مزيد البيان ما في الخبر المتقدم - ما رواه
ثقة الاسلام في الحسن عن زرارة عن الباقر عليه السلام (1) قال: " عشر ركعات: ركعتان
من الظهر وركعتان من العصر وركعتا الصبح وركعتا المغرب وركعتا العشاء الآخرة...
إلى أن قال وهي الصلاة التي فرضها الله تعالى على المؤمنين في القرآن وفوض إلى محمد
صلى الله عليه وآله... إلى أن قال فزاد رسول الله صلى الله عليه وآله في صلاة المقيم غير المسافر ركعتين في الظهر
والعصر والعشاء الآخرة وركعة في المغرب للمقيم والمسافر " ونحوها غيرها.
الثاني - أن شرط انعقاد الجمعة الإمام أو من نصبه لها اجماعا وفي حال الغيبة
الشرط منتف فينتفي المشروط.
والجواب منع هذا الشرط مطلقا ولو مع حضور الإمام كما تقدم بيانه، والاجماع

(1) الوسائل الباب 13 من أعداد الفرائض
438

قد عرفت ما فيه. وما اعتمدوه في تقريب هذا الاجماع والدلالة عليه - من فعل
النبي صلى الله عليه وآله والخلفاء من بعده وأنه مع عدمه يكون موجبا للفتنة والاختلاف
فقد عرفت ما فيه أيضا في ما تقدم مشروحا مبرهنا بما لا يحوم حوله للمتأمل الطالب
للحق شك ولا شبهة.
ونزيده بيانا وتأكيدا فنقول (أولا) - أنه على تقدير إمكان انعقاد مثل هذا
الاجماع فلا بد من نقله مسلسلا من زمان الانعقاد إلى زمان النزاع ولو آحادا إن
اكتفينا به وليس فليس، فلم يبق إلا اجماع منقول بخبر واحد مرسل، فإن نقلة هذا
الاجماع كان إدريس والمقداد وغيرهما ليس أحد منهم ممن عاين سيرة الأئمة (عليهم
السلام) فيكف يمكن نقلها فضلا عن أنها مجمع عليها بدون واسطة بل لا بد من
وسائط معلومة تنتهي إلى من عاين تلك السيرة، وليس لناقل هذا الاجماع دليل
يلجأ إليه ولا مستمسك يعتمد عليه سوى ما عرفت من دعوى أن النبي صلى الله عليه وآله
والخلفاء الراشدين بعده كانوا يباشرون هذه الصلاة أو يعينون لها من يقوم بها كما
عرفت، مع أن المباشرة والتعيين الثابتين أعم من الواجبين بالأصالة أو بالعارض
ولو باعتبار مصلحة مدنية والندبين والمختلفين، ولا دلالة للعام على الخاص ولو
دل لدل تعيين المؤذنين وأئمة الجماعات وسقاة الحج وقابضي مفاتيح الكعبة وإمارة
الحجيج ونحو ذلك على الوجوب، وشئ من ذلك ليس بواجب إلا لعروض عارض
مدني، وبالجملة فإنه إنما يدل على رجحان عارض يختلف باختلاف المعين والمعين
والزمان والمكان والسكان لا رجحان أصلي شرعي لا يختلف باختلافها فأين دلالته
على الوجوب الشرعي المدعى؟
ثم من العجب العجاب عند ذوي البصائر والألباب والدعوى التي هي أبعد شئ
من الصواب ادعاء الاجماع على سنة من سنن النبي صلى الله عليه وآله بل على سيرة من سيره لم
يخرج عن مستودعي سره وخازني علمه أهل بيت العصمة والطهارة فيها نبأ من
الأنباء الأحادية يدل على ثبوتها ولو دلالة إيماء وإشارة، هذا والصوارف عن نقلها
439

من جهة التقية - حيث كان مقتضاها أشبه بمذهب أبي حنيفة (1) - مصروفة والبواعث
عليها - لشدة الحاجة إلى الحكم المبني عليه - بالتحقيق معروفة، أو ما علموا أنه ليس
لسره وسريرته وسنته مظهر سوى ما ظهر منهم (عليهم السلام) من الآثار؟ أو ما
سمعوا مناديهم ينادي أن لا شئ من الحق والصواب في أيدي الناس إلا ما برز من
وراء تلك الحجب والأستار؟
قال بعض المحققين من متأخري المتأخرين: ولعل تعيين من يباشر صلاة
الجمعة كان من جملة المحدثات التي أحدثها من كان بعده صلى الله عليه وآله وبدعهم التي لم يجر عليها
قلم التغيير أو آراء أبي حنيفة التي بنيت أكثرها على الاستحسان وملائمة طباع سلاطين
الوقت والمنصوبين من قبلهم من قاض أو أمير ثم عمت البلية فسرى الاشتباه إلى
هذه الفرقة الناجية وانقدح في بعض الأذهان حيث كان منسوبا إلى سيرة النبي
صلى الله عليه وآله وصادف قلوبا عن التحلي بحلية ما هو الحق الواقعي خالية كما قيل " وصادف
قلبا خاليا فتمكنا " وانضاف إلى ذلك عموم التقية المقتضية لعدم مباشرتهم (عليهم
السلام) وشيعتهم تلك الوظيفة إلا سرا ولزوم حضورهم جمعة أهل الخلاف
وجماعاتهم وحثهم عليها نهيا وأمرا. ولعل الله أن يجعل هذه الشبهة في حق من ذهب
إلى الابداع أو التخيير علة وعذرا (2). انتهى كلامه زيد مقامه. وهو جيد نفيس
مؤيد لما قلناه مؤكد لما سطرناه.
و (ثانيا) - ما أجاب به شيخنا زين المحققين في الرسالة من أنه على تقدير تسليمه
لا يلزم منه تحريم فعلها حال الغيبة مطلقا كما زعمه هذا القائل، فإن الفقهاء نواب
الإمام على العموم لقول الصادق عليه السلام (3) " انظروا إلى رجل منكم قد روى حديثنا
ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فارضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم
حاكما... الحديث " وغيره مما في معناه. وجعله حاكما من قبله (عليه السلام) على العموم

(1) ارجع إلى التعليقة 1 و 2 ص 422
(2) ارجع إلى التعليقة 5 ص 386 والتعليقة 3 ص 411 والتعليقة 1 ص 426
ليتضح لك الحق.
(3) ارجع إلى التعليقة 1 ص 430
440

الشامل للمناصب الجليلة التي هي وظيفة الإمام كالقضاء وإقامة الحدود وغيرها فتدخل
فيه الصلاة المذكورة بطريق أولى لأن شرطيتها به أضعف. ومن ثم اختلف فيها
بخلاف هذه المناصب فإنها متوقفة على إذنه قطعا... إلى أن قال: ومع هذا كله فعمدة
الأمر عندي على منع الاجماع المذكور على وجه يوجب مدعاهم، ثم أطال بذكر وجه ذلك
(الثالث) - أنه يلزم من عدم القول به الوجوب العيني لافضاء الأدلة إليه
والمسوغون لها لا يقولون به كما أشار إليه في الذكرى مما قدمناه من نقل عبارته في
صدر القول الثاني.
والجواب عنه (أولا) - أن تقريره وصحة دليله مبني على عدم ثبوت الوجوب
العيني وقد عرفت ثبوته بالآيات الشريفة والأخبار الصحيحة الصريحة المنيفة.
و (ثانيا) - ما ذكره شيخنا زين المحققين في الرسالة من أنه مع تسليم عدم
الوجوب العيني أن بعض الأخبار المتقدمة دال على الوجوب المطلق أعني الوجوب
الكلي المحتمل لكل واحد من أفراده المنقسم إليها كالعيني والتخييري وغيرهما وإن
كان ظاهرا في أحدها إلا أن الصارف عنه موجود وهو الاجماع الذي زعمه القائل
وأي صارف عن هذا الفرد أكبر من الاجماع إذا تم فيحمل على غيره من الأفراد
والاجماع منحصر في إرادة أحد الفردين العيني أو التخييري فإذا انتفى الأول بقي
الآخر، هذا على تقدير انسداد باب القول بالوجوب العيني وإن قامت عليه الأدلة
ودلت عليه عبارات الأصحاب، لكن قد عرفت أن دليله قائم والقائل به من
الأصحاب موجود ودعوى الاجماع على عدمه ممنوعة. ثم غايته أنه نقل اجماع بخبر
الواحد وهو غير مفيد هنا لأن دليل القائل بحجيته من الأصوليين - مع ظهور
الخلاف فيه - أنه مفيد للظن المجوز للعمل بمقتضاه، وهو منتف هنا خصوصا
مع ما قد اطلعنا عليه من ظهور خطأهم في هذه الدعوى كثيرا، ويكفيك في نقل
العلامة الاجماع وظهور خلاف ما نقله في كثير من كتبه من الاجماع على أن
الكعبين هما مفصل الساق والقدم مع ظهور الاجماع على عدمه من جميع الأصحاب
441

بل من المسلمين... إلى أن قال: وكيف يحصل الظن بنقل الاجماع في مسألة ظاهرة
الخلاف واضحة الأدلة على ما خالفه: وأما ما اتفق لكثير من الأصحاب
- خصوصا المرتضى في الانتصار والشيخ في الخلاف مع أنهما إماما الطائفة
ومقتدياها في دعوى الاجماع على مسائل كثيرة مع اختصاصهما بذلك القول من بين
الأصحاب أو شذوذ الموافق لهما - فهو كثير لا يقتضي الحال ذكره. ثم نقل جملة من
اجماعات المرتضى (رضي الله عنه) التي هي من هذا القبيل... إلى أن قال: ولو ضممنا
إليه ما ادعاه كثير من المتأخرين خصوصا الشيخ على لطال الخطب، ومن غريبها
دعوى الشيخ على في شرح الألفية الاجماع، ثم ساق جملة من دعاويه الاجماع التي
هي من هذا القبيل... إلى أن قال: ولو أتيت لك على جميع ما ذكره من ذلك في
رسائله ومسائله لطال وفي هذا القدر كفاية، فإذا أضفت هذا إلى ما قررناه سابقا
كفاك في الدلالة على حال هذا الاجماع ونقله بخبر الواحد المنقول به الاجماع.
والله يشهد - وكفى به شهيد - أن ليس الغرض من كشف هذا كله إلا بيان الحق
الواجب المتوقف عليه لقوة عسر الفطام عن المذهب الذي تألفه الأنام ولولاه
لكان لنا عنه أعظم صارف والله تعالى يتولى أسرار عباده. انتهى كلامه زيد مقامه
وعلت في الفردوس أقدامه.
وبعض المجتهدين من متأخري المتأخرين من علماء بلادنا البحرين قد اختار
القول بالتحريم في هذه المسألة وكتب فيها رسالة ذكر فيها زيادة على ما نقلناه من
الأدلة، ولولا أن هذا القول لمزيد ظهور ضعفه وشذوذ القائل به سيما في زماننا
هذا غني عن الإطالة في رده لتعرضنا لنقل أدلته وبيان ما فيها من القصور.
وأظهرها شبهة في ما يدعيه قول زين العابدين عليه السلام في الصحيفة (1) " اللهم
هذا يوم مبارك ميمون والمسلمون فيه مجتمعون في أقطار أرضك... إلى أن قال
اللهم إن هذا المقام لخلفائك وأصفيائك ومواضع أمنائك في الدرجة الرفيعة التي

(1) في دعائه (ع) في الأضحى والجمعة رقم 48
442

اختصصتهم بها قد ابتزوها وأنت المقدر لذلك... إلى قوله عليه السلام حتى عاد صفوتك
وخلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزين يرون حكمك مبدلا وكتابك منبوذا... إلى قوله
(عليه السلام) وعجل الفرج والروح والنصرة والتمكين والتأييد لهم ".
وجه الاستدلال أن الإشارة في قوله " هذا المقام " ترجع إلى الجمعة والعيد
والخطبة، وقوله " لخلفائك " يدل على الاختصاص بهم، وكذا قوله عليه السلام " قد
اختصصتهم بها " وقوله " قد ابتزوها " فإن الابتزاز هو الاستيلاء والأخذ قهرا.
والجواب عنه من وجوه (أحدها) - احتمال أن يكون المشار إليه إنما هو
الخلافة الكبرى لظهور آثارها في هذا اليوم لما فيه من الحكم العظيمة بظهور دولتهم
وتمكنهم وأمرهم ونهيهم وهدايتهم العباد وارشادهم واقتداء الخلق بهم، وإلى ذلك
يشير قوله عليه السلام " حتى عاد صفوتك وخلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزين يرون حكمك
مبدلا وكتابك منبوذا وفرائضك محرفة عن جهات أشراعك وسنن نبيك متروكة "
إذ من الظاهر أن الأمور المذكورة مما يترتب على الخلافة الكبرى والولاية العظمى.
و (ثانيها) - أن اللام كما يحتمل الملك والاختصاص يحتمل الاستحقاق
ولا دلالة لاستحقاق شخص لأمر على نفي استحقاق غيره لذلك الأمر إذ ليس
معناه إلا استيهاله إياه وكونه أهلا له وهو لا يدل على الاختصاص به وإلا لرجع
الاستحقاق إليه فلم يكن لجعله معنى آخر وجه ويؤيده ما نقله بعض مشايخنا
المحققين من متأخري المتأخرين عن المحقق الدواني في حواشيه على شرح المختصر
للعضدي من أن هذا الاختصاص ليس بمعنى الحص بل يكفي فيه ارتباط مخصوص
كما يقال: الجل للفرس. قيل ومن هنا نجد فرقا بينا بين قولنا " الحمد لله " وقولنا
" لله الحمد " وقولنا " الأمر لله " و " لله الأمر ".
و (ثالثها) - حمل الخلفاء على ما هو أعم من الإمام الشامل لعلماء الشيعة
وفقهائهم لأنهم ورثة علومهم ورواة أحاديثهم التي من أخذ منها أخذ بحظ وافر
لأن العلماء لم يورثوا درهما ولا دينارا وإنما ورثوا علما من علومهم، ويؤيده
443

ما رواه الصدوق وغيره عنه صلى الله عليه وآله (1) قال: " اللهم ارحم خلفائي. قيل
يا رسول الله صلى الله عليه وآله ومن خلفاؤك؟ قال الذين يأتون من بعدي يروون حديثي
وسنتي " وفي رواية أخرى (2) زاد: " ويعلمون الناس بعدي " على أنه لا بد للخصم
من الحمل على المعنى العام الشامل للمنصوب الخاص والتفاوت بالشدة والشعف إن
أوجب الحمل على الأشد تعين الحمل على الأخص، ودعوى صدق اسم خليفة
الله على المأذون له إذنا خاصا دون الإذن العام محل منع.
و (رابعها) - أن عطف الأصفياء على الخلفاء يوذن بالمغايرة كما هو مقتضى
الأصل فيمكن أن يكون المراد بالخلفاء هم (عليهم السلام) أو هم ومنصوبوهم
على الخصوص وبالأصفياء عدول الشيعة، والتأسيس أولى من التأكيد.
و (خامسها) - بتقدير استفادة الحصر من هذه العبارة فإنها في قوة قولك " ليس
هذا المقام إلا لخلفائك... إلى آخره " فالحصر هنا ليس منحصرا في الحقيقي بل يعمه
والإضافي، وكثرة استعماله وشيوعه في الإضافي غير منكور ولا مدافع بل في ما
نحن فيه من قصر الموصوف على الصفة لا يصدق إلا إضافيا كما حقق في محله، ودعوى
كونه مجازا فيه غير مسموع، وحينئذ فليس المراد إلا أن هذا المقام مقصور على
الاتصاف بكونه لخلفاء الله قصرا إضافيا افراديا أو قلبيا أو تعيينيا ردا على من
اعتقد مشاركة أعدائهم لهم (عليهم السلام) أو اختصاصهم به دونهم أو تردد في
ذلك، ولا يلزم من ذلك نفي أن يقوم بهذا المقام أولياؤهم المعترفون بأن يدهم يد
فرعية لاحظ لها في الشركة فضلا عن الاختصاص والابتزاز.
و (سادسها) - بتقدير تسليم الدلالة بطريق الحصر على نفي الاستحقاق عن ما
سوى الخلفاء والأصفياء بالمعنى الخاص فهو عام مخصوص بما قدمنا من الأدلة الدالة
على عموم الإذن بالتصرف في هذا الحق حضورا وغيبة بل الأمر به من غير
تخصيص للإذن بمخاطب دون مخاطب ولا في زمان دون زمان، هذا وهم مضطرون

(1) الوسائل الباب 8 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به
(2) الوسائل الباب 8 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به
444

لادراج النائب الخاص إلى ما وجهنا به هذا الدليل لكونه مشترك الورود علينا
وعليهم فما وجهوه به فنحن نوجهه بمثله وقد كفيناهم - ولله الحمد - مؤنة خطبه.
(الرابع) - من الأقوال في المسألة وجوب الصلاة المذكورة وجوبا تخييريا
حال الغيبة لكن بشرط حضور الفقيه الجامع لشرائط الفتوى وإلا لم تشرع، وهذا
القول مذهب المحقق الشيخ على (قدس سره) قد رجحه ونصره واعتنى به واستدل
عليه، وربما نسب إلى ظاهر كلام العلامة في التذكرة والنهاية والشهيد في اللمعة
والدروس القول بذلك أيضا، ورد بعدم ظهور الدلالة.
والأصل في هذا القول أن إذن الإمام معتبر فيها فمع حضوره يعتبر حضوره
أو نائبه ومع غيبته يقوم الفقيه المذكور مقامه لأنه نائبه على العموم.
وعمدة ما استدل به على هذا الشرط وجوه ثلاثة (الأول) - أن النبي صلى الله عليه وآله
كان يعين لإمامة الجمعة وكذا الخلفاء من بعده كما يعين للقضاء، وكما لا يصح أن ينصب
الانسان نفسه قاضيا بدون إذن الإمام فكذا إمام الجمعة. قالوا وليس هذا قياسا
بل استدلالا بالعمل المستمر في الأعصار والأمصار ومخالفته خرق للاجماع.
(الثاني) - رواية محمد بن مسلم قال: " لا تجب الجمعة على أقل من
سبعة... الحديث " وقد تقدم (1).
(الثالث) - أنه اجماع كما نقله جماعة من الأصحاب: منهم - المحقق نجم الدين
ابن سعيد في المعتبر والعلامة جمال الدين بن المطهر والشهيد في الدروس والذكرى
والاجماع المنقول بخبر الواحد حجة فكيف بنقل هؤلاء الأعيان.
وأجيب عن الأصل المذكور بأنه لو ثم لزمهم القول بوجوبها مع الفقيه عينا
على حد وجوبها مع الإمام ونائبه الخاص قضية لوجود الشرط، وهؤلاء المتأخرون
لا يقولون به بل يجعلونها حال الغيبة مستحبة بمعنى أنها أفضل الفردين الواجبين
على التخيير فهي مستحبة عينا واجبة تخييرا فما يقتضيه دليلهم لا يقولون به

(1) ص 423
445

وما يقولون به لا يقتضيه دليلهم. على أنهم يعتبرون في هذه الحال عدم وجود
شرط الوجوب الذي هو الإمام أو نائبه كما وقع في عبائرهم وحكاية كلامهم، فلا
فرق حينئذ بين وجود الفقيه وعدمه حيث لا يوجد هذا الشرط بل إما أن يحكموا
بوجوبها نظرا إلى أن الشرط المذكور إنما يعتبر مع إمكانه لا مطلقا أو يحكموا بعدم
مشروعيتها التفاتا إلى فقد الشرط.
فإن قيل: إنهم يختارون الأول وهو حصول الشرط بوجود الفقيه ولكن
الوجوب العيني منتف بالاجماع كما ندعيه فقلنا بالوجوب التخييري حيث دل الدليل
على الوجوب ولم يكن القول الأول.
قلنا: قد اعترفتم في كلامكم بفقد الشرط في هذه الحالة وهو خلاف ما التزمتموه
هنا ودعوى الاجماع المذكور ممنوعة.
أقول: مدار هذه الأقوال الخارجة عن جادة الاعتدال وثبوتها على هذا
الاجماع الذي يدعونه في المسألة وببطلانه يبطل ما فرعوه عليه وقد عرفت - بحمد الله
سبحانه الملك المنان - بطلانه بأوضح بيان. وأما ما ذكره من الوجوه الثلاثة
للاستدلال على هذا الاجماع فقد عرفت الكلام فيها منقحا. والله العالم.
قد تم الجزء التاسع من كتاف الحدائق الناظرة في أحكام العترة الطاهرة
ويتلوه الجزء العاشر والحمد لله أولا وآخرا
446