الكتاب: الحدائق الناضرة
المؤلف: المحقق البحراني
الجزء: ١٠
الوفاة: ١١٨٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق : محمد تقي الإيرواني
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية - قم المقدسة
ردمك:
ملاحظات:

كتاب
الحدائق الناضرة
في
أحكام العترة الطاهرة
تأليف
العالم البارع الفقيه المحدث الشيخ يوسف البحراني قدس سره
المتوفى سنة 1186 هجرية
حققه وعلق عليه
محمد تقي الإيرواني
الجزء العاشر
منشورات
جماعة المدرسين في الحوزة العلمية
في قم المقدسة
1

بسم الله الرحمن الرحيم
المطلب الثاني
في شروط وجوب الجمعة وهي أمور: أحدها الإمام، وثانيها العدد،
وثالثها الخطبتان، ورابعها الجماعة وخامسها أن لا يكون هناك جمعة أخرى
دون ثلاثة أميال، وسادسها الوقت، فالكلام في هذا المطلب يقتضي بسطه
في مقاصد:
(الأول) في الإمام ويشترط فيه أمور: (الأول) - البلوغ فلا تصح إمامة
الصبي وإن كان مميزا، وقال العلامة في المنتهى أنه لا خلاف فيه، مع أن المنقول عن
الشيخ في الخلاف والمبسوط جواز إمامة الصبي المراهق المميز العاقل في الفرائض
وهو ظاهر في ثبوت الخلاف في المسألة، وأما ما أوله به في المدارك من الحمل على
غير الجمعة - حيث قال: والظاهر أن مراده بالفرائض ما عدا الجمعة - فلا يظهر له
وجه سيما مع دلالة ظواهر جملة من الأخبار على ذلك:
ومنها - ما رواه ثقة الاسلام في الكافي في الحسن أو الصحيح بإبراهيم بن
هاشم عن عبد الله بن المغيرة عن غياث بن إبراهيم البتري الثقة عن أبي عبد الله
2

(عليه السلام) (1) قال: " لا بأس بالغلام الذي لم يبلغ الحلم أن يؤم القوم وأن يؤذن ".
وفي الموثق عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " تجوز
صدقة الغلام وعتقه ويؤم الناس إذا كان له عشر سنين ".
وفي رواية طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) (3)
قال: " لا بأس أن يؤذن الغلام الذي لم يحتلم وأن يؤم ".
وهذه الأخبار كما ترى ظاهرة الدلالة في ما نقل عن الشيخ وبها يترجح
ما ذهب إليه.
قال في المدارك بعد تأويله كلام الشيخ بما قدمنا نقله عنه: وكيف كان
فالأصح اعتبار البلوغ مطلقا لأصالة عدم سقوط التكليف بالقراءة بفعل الصبي،
ولأن غير المكلف لا يؤمن من اخلاله بواجب أو فعل محرم فلا يتحقق الامتثال،
ويؤيده رواية إسحاق بن عمار عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم
السلام) (4) أنه قال: " لا بأس أن يؤذن الغلام قبل أن يحتلم ولا يؤم حتى يحتلم "
أقول: لا يخفى أن ما ذكره من التعليلات لا وجه له في مقابلة ما نقلناه
من الروايات وهل هو إلا من قبيل الاجتهاد في مقابلة النص، وأما ما ذكره من
الأصل فيجب الخروج عنه بالدليل وقد عرفته. بقي الكلام في الخبر الذي نقله
ويمكن حمله على غير المميز.
وظاهر المحقق الأردبيلي (قدس سره) تقوية هذا القول لولا الاجماع المدعى
من العلامة في المنتهى، قال: ولولا الاجماع المنقول في المنتهى لأمكن القول بصحة
إمامة الصبي المميز مع الاعتماد عليه لأن عبادته شرعية، وقد صرح به في المنتهى في
كتاب الصوم وغيره. انتهى.
أقول: قد عرفت في المطلب المتقدم ما في هذه الاجماعات وأنه ليس فيها
إلا تكثير السواد وإضاعة المداد ولا سيما في مقابلة الأخبار الظاهرة في المراد.

(1) الوسائل الباب 14 من صلاة الجماعة.
(2) الوسائل الباب 14 من صلاة الجماعة.
(3) الوسائل الباب 14 من صلاة الجماعة.
(4) الوسائل الباب 14 من صلاة الجماعة.
3

ثم إن في هذه الرواية التي اعتمد عليها في المدارك زيادة مؤكدة لما أراده
ولم ينقلها حيث قال بعد قوله: " ولا يؤم حتى يحتلم ": " فإن أم جازت صلاته
وفسدت صلاة من خلفه " ويمكن حملها أيضا على تأكد الكراهة جمعا بين الأخبار
كما هي قاعدتهم في هذا المضمار.
وبالجملة فالظاهر عندي هو قوة ما ذهب إليه الشيخ وإن كان الاحتياط في ما
ذهبوا إليه. والله العالم.
الثاني - العقل فلا تنعقد إمامة المجنون قولا واحدا لعدم الاعتداد بفعله.
بقي الكلام في ما لو كان يعتريه الجنون أدوارا فهل تجوز إمامته في حال الإفاقة؟
الظاهر ذلك وهو المشهور وبه صرح العلامة في باب الجماعة من التذكرة على ما نقل
عنه إلا أنه قطع في باب الجمعة من التذكرة على ما حكي عنه بالمنع من إمامته مستندا
إلى إمكان عروضه حال الصلاة له، ولأنه لا يؤمن احتلامه في حينه بغير شعوره
فقد روي أن المجنون يمني في حال جنونه (1) ولهذه العلة نقل عن العلامة في النهاية
أنه يستحب له الغسل بعد الإفاقة. ولا يخفى ضعف ما استند إليه من التعليلين المذكورين
الثالث - الايمان وهو عبارة عن الاقرار بالأصول الخمسة التي من جملتها إمامة
الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) ولا خلاف بين الأصحاب في اشتراطه.
وعليه تدل الأخبار المتظافرة، ومنها ما رواه في الكافي عن زرارة باسنادين
أحدهما من الصحاح أو الحسان بإبراهيم بن هاشم (2) قال: " كنت جالسا عند
أبي جعفر (عليه السلام) ذات يوم إذا جاءه رجل فدخل عليه فقال له جعلت فداك أني رجل

(1) علل في التذكرة في المسألة 3 من البحث الثاني في السلطان من صلاة الجمعة منع
إمامة الأدواري بوجوه ثلاثة وهي الوجهان المتقدمان في المتن وأنه ناقص عن المراتب
الجليلة. وأما الرواية فهي من كلام السبزواري في الذخيرة في شروط النائب ولم يستند
إليها في التذكرة.
(2) الوسائل الباب 5 من صلاة الجماعة.
4

جار مسجد لقومي فإذا أنا لم أصل معهم وقعوا في وقالوا هو هكذا وهكذا؟ فقال أما
لئن قلت ذاك لقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من سمع النداء فلم يجبه من غير علة فلا
صلاة له. فخرج الرجل فقال له لا تدع الصلاة معهم وخلف كل إمام. فلما خرج
قلت له جعلت فداك كبر على قولك لهذا الرجل حين استفتاك فإن لم يكونوا مؤمنين؟
قال فضحك (عليه السلام) ثم قال ما أراك بعد إلا ههنا يا زرارة فأية علة تريد أعظم من أنه
لا يؤتم به؟ ثم قال يا زرارة أما تراني قلت صلوا في مساجدكم وصلوا مع أئمتكم؟ ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي عبد الله البرقي (1) قال " كتبت إلى
أبي جعفر (عليه السلام) جعلت فداك أيجوز الصلاة خلف من وقف على أبيك وجدك
(صلوات الله عليهما)؟ فأجاب لا تصل وراءه ".
وما رواه في الفقيه والتهذيب في الصحيح عن إسماعيل الجعفي (2) قال:
" قلت لأبي جعفر (عليه السلام) رجل يحب أمير المؤمنين (عليه السلام) ولا يتبرأ من عدوه ويقول
هو أحب إلى ممن خالفه؟ فقال هذا مخلط وهو عدو فلا تصل خلفه ولا كرامة
إلا أن تتقيه ".
وما رواه في التهذيب عن إبراهيم بن شيبة (3) قال: " كتبت إلى أبي جعفر
(عليه السلام) أسأله عن الصلاة خلف من يتولى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يرى المسح على
الخفين أو خلف من يحرم المسح وهو يمسح؟ فكتب أن جامعك وإياهم موضع فلم
تجد بدا من الصلاة فأذن لنفسك وأقم فإن سبقك إلى القراءة فسبح ".
وما رواه الكليني في الحسن عن زرارة (4) قال: " سألت أبا جعفر (عليه السلام)
عن الصلاة خلف المخالفين؟ فقال ما هم عندي إلا بمنزلة الجدر ".
وعن أبي علي بن راشد (5) قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) إن مواليك قد اختلفوا
فأصلي خلفهم جميعا؟ فقال لا تصل إلا خلف من تثق بدينه ".

(1) الوسائل الباب 10 من صلاة الجماعة.
(2) الوسائل الباب 10 من صلاة الجماعة.
(3) الوسائل الباب 33 من صلاة الجماعة.
(4) الوسائل الباب 10 من صلاة الجماعة.
(5) الوسائل الباب 10 من صلاة الجماعة.
5

وما رواه الكشي في كتاب الرجال عن يزيد بن حماد عن أبي الحسن (عليه السلام) (1)
قال: " قلت له أصلي خلف من لا أعرف؟ فقال لا تصل إلا خلف من تثق بدينه "
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة مما يدل على بطلان عبادة المخالفين وعدم
الاعتداد بالصلاة خلفهم.
الرابع - طهارة المولد وهو أن لا يعلم كونه ابن زنا، وهو مذهب الأصحاب من
غير خلاف ينقل.
ويدل عليه ما رواه في الفقيه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) مرسلا ورواه الشيخ
في التهذيب في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال: قال أمير المؤمنين
(عليه السلام) لا يصلين أحدكم خلف المجذوم والأبرص والمجنون والمحدود وولد الزنا
والأعرابي لا يؤم المهاجرين ".
وما رواه ثقة الاسلام في الكافي عن أبي بصير - والظاهر أنه ليث المرادي
بقرينة رواية عبد الله بن مسكان عنه - عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " خمسة
لا يؤمون الناس على كل حال: المجذوم والأبرص والمجنون وولد الزنا والأعرابي ".
وما رواه في الفقيه عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (4) أنه قال: " خمسة
لا يؤمون الناس ولا يصلون بهم صلاة فريضة في جماعة: الأبرص والمجذوم وولد
الزنا والأعرابي حتى يهاجر والمحدود ".
ولا عبرة بمن تناله الألسن وكذا لا تقدح ولادة الشبهة ولا كونه مجهول الأب
كما صرح به جملة من الأصحاب، لأصالة عدم المانع مع وجود المقتضي. وربما قيل
بالكراهة لنفرة النفس من من هذا شأنه الموجبة لعدم كمال الاقبال على العبادة،

(1) الوسائل الباب 12 من صلاة الجماعة.
(2) الوسائل الباب 15 من صلاة الجماعة عن الكافي والفقيه وكذا في الوافي باب
(صفة إمام الجماعة...) ولم نعثر عليه في التهذيب في مظانه.
(3) الوسائل الباب 15 من صلاة الجماعة.
(4) الوسائل الباب 15 من صلاة الجماعة.
6

قال في الذكرى: وفي كراهة الائتمام بهؤلاء قول لا بأس به لنقصهم وعدم
كمال الانقياد إلى متابعتهم. انتهى.
الخامس - الذكورة فلا تصح إمامة المرأة ولا الخنثى لعدم جواز إمامتهما
للرجال كما سيأتي في باب الجماعة إن شاء الله تعالى، قال في التذكرة يشترط في إمامة
الرجال الذكورة عند علمائنا أجمع وبه قال عامة العلماء (1) ولا ريب في اشتراطها
بناء على أن الجمعة لا تنعقد بالمرأة ولا بالخنثى.
السادس - السلامة من البرص والجذام والحد الشرعي والأعرابية، أما
الأول والثاني فاختلف الأصحاب في جواز إمامتهما، فقال الشيخ في النهاية والخلاف
بالمنع من ذلك مطلقا وهو اختيار العلامة في المنتهى والسيد السند في المدارك،
وقال المرتضى في الإنتصار وابن حمزة بالكراهة، وقال الشيخ في المبسوط وابن
البراج وابن زهرة بالمنع من إمامتهما إلا بمثلهما، وقال ابن إدريس يكره إمامتهما
في ما عدا الجمعة والعيد وأما فيهما فلا يجوز.
والذي وقفت عليه من أخبار المسألة ما تقدم (2) من صحيحتي زرارة وأبي بصير
ورواية محمد بن مسلم الدال جميعه على النهي عن الصلاة خلفهما.
ومنها - ما رواه الشيخ عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن (عليه السلام) (3)
قال: لا يصلي بالناس من في وجهه آثار ".
وما رواه الشيخ عن عبد الله بن يزيد (4) قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
المجذوم والأبرص يؤمان المسلمين؟ قال نعم قلت هل يبتلي الله بهما المؤمن؟ قال نعم

(1) في المغني ج 2 ص 199 (لا يصح أن يأتم الرجل بالمرأة بحال في فرض ولا
نافلة في قول عامة الفقهاء) وفي بدائع الصنائع ج 1 ص 262 (المرأة لا تصلح للإمامة في
سائر الصلوات ففي الجمعة أولى) وفي ص 227 صرح بعدم صلوح المرأة لإمامة الرجال. وفي
بداية المجتهد ج 1 ص 132 (الجمهور على أنه لا يجوز أن تؤم المرأة الرجال).
(2) ص 6
(3) الوسائل الباب 15 من صلاة الجماعة.
(4) الوسائل الباب 15 من صلاة الجماعة.
7

وهل كتب الله البلاء إلا على المؤمن ".
وما رواه أحمد بن محمد بن خالد البرقي في كتاب المحاسن في الحسن عن الحسين بن
أبي العلاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " سألته عن المجذوم والأبرص منا أيؤمان المسلمين؟
قال نعم وهل يبتلي الله بهذا إلا المؤمن وهل كتب الله البلاء إلا على المؤمنين ".
وروى الصدوق في كتاب الخصال في الصحيح على الأظهر عن الأصبغ بن
نباتة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (2) قال: " ستة لا ينبغي أن يؤموا الناس: ولد الزنا
والمرتد والأعرابي بعد الهجرة وشارب الخمر والمحدود والأغلف " ولفظ " لا ينبغي "
في الخبر المذكور مراد به التحريم كما هو شائع في الأخبار.
وجملة من المتأخرين جمعوا بين الأخبار بحمل الأخبار الأولة على الكراهة.
والشيخ حمل رواية عبد الله بن يزيد على الضرورة في الجماعة بأن لا يوجد غيرهما أو
يكونا إمامين لأمثالهما، ولا يخلو من بعد.
وظاهر صاحب المدارك بل صريحة العمل بالروايات الأولة حيث إن فيها
الصحيح وهو يدور مداره غالبا، وطعن في رواية عبد الله بن يزيد بضعف السند
بجهالة الراوي، ثم قال بعد كلام في البين: نعم لو صح السند لأمكن حمل النهي الواقع
في الأخبار المتقدمة على الكراهة كما هو مذهب المرتضى (قدس سره).
وقال في الذكرى بعد نقل الجمع بين الأخبار بحمل الأخبار الأول على الكراهة:
ويلزم منه استعمال المشترك في معنييه لأن النهي في ولد الزنا والمجنون محمول على
المنع من النقيض قطعا فلو حمل على المنع لأمن النقيض في غيرهما لزم المحذور.
ويمكن أن يقال لا مانع من استعمال المشترك في معنييه، وإن سلم فهو مجاز لا مانع
من ارتكابه انتهى.
أقول: والمسألة عندي لا تخلو من شوب التوقف فإن الأخبار المتقدمة مع

(1) الوسائل الباب 15 من صلاة الجماعة وفي المحاسن ص 326.
(2) الوسائل الباب 14 من صلاة الجماعة (وهل كتب البلاء)
8

صحة سند أكثرها صريحة في التحريم والحمل على الكراهة مجاز لا يصار إليه إلا مع
القرينة ولا قرينة فيها تؤذن بذلك، ووجود المخالف ليس قرينة إذ يحتمل الحمل
على معنى آخر من تقية ونحوها. ويحتمل العكس أيضا. وبالجملة فإنه لا يحضرني الآن
مذهب المخالفين في هذه المسألة (1) ولعل أخبار أحد الطرفين إنما خرج مخرج التقية
وأما القولان الآخران فلم نقف لهما على دليل. والله العالم.
وأما الثالث وهو المحدود فإن كان قبل التوبة فلا إشكال في عدم جواز
الائتمام به لفسقه، وإن كان بعدها فقد حكم الأكثر بكراهة إمامته، وعلله في المعتبر
بنقص رتبته عن منصب الإمامة وإن زال فسقه بالتوبة. ونقل عن أبي الصلاح
أنه منع من إمامة المحدود بعد التوبة إلا بمثله. ورده الأكثر بأن المحدود ليس
أسوأ حالا من الكافر وبالتوبة واستجماع الشرائط تصح إمامته. أقول: ومما ردوا
به كلام أبي الصلاح يعلم الرد لما ذكروه من الكراهة أيضا فإن الظاهر أنهم لا يقولون
بكراهة الائتمام بالكافر بعد الاسلام إذا استجمع شرائط الإمامة فالمحدود
بطريق أولى بمقتضى ما ذكروه والظاهر حمل الأخبار المتقدمة الدالة على النهي عن
الائتمام به على ما قبل التوبة لظهور الفسق المانع من ذلك.
وأما الرابع وهو الأعرابي فالمراد به الأعرابي بعد الهجرة كما أفصح به
خبر الأصبغ بن نباتة وخبر محمد بن مسلم وعليهما يحمل ما أطلق في غيرهما، والوجه
في المنع من إمامته ظاهر لاخلاله بالواجب عليه وهو الهجرة واصراره على الترك
بغير عذر شرعي، وسيأتي إن شاء الله تعالى في جملة من الأخبار الدالة على عدد الكبائر
أن من جملتها التعرب بعد الهجرة إلا أن تحققه في مثل هذه الأزمنة غير معلوم.
والأصحاب في هذه المسألة منهم من أطلق المنع كالشيخ وجماعة ومنهم من
أطلق الكراهة.

(1) في بدائع الصنائع ج 1 ص 156 (تجوز إمامة العبد والأعرابي والأعمى وولد
الزنا وعليه قول العامة لقوله صلى الله عليه وآله: صلوا خلف من قال لا إله إلا الله).
9

وفصل في المعتبر في ذلك بما يرجع إلى الفراق بين من لا يعرف محاسن
الاسلام ولا وصفها فالأمر كما ذكروه من المنع وبين من وصل إليه ما يكفيه اعتماده
ويدين به ولم يكن تلزمه المهاجرة وجوبا جاز أن يؤم.
وفيه أن ما ذكره لا اختصاص له بالأعرابي كما لا يخفى بل الأظهر كما عرفت
إنما هو ما قلناه لأنه الذي دلت عليه الأخبار المذكورة.
نعم قد روى الحميري في كتاب قرب الإسناد بإسناده عن جعفر بن محمد عن
أبيه عن علي (عليه السلام) (1) في حديث قال: " وكره أن يؤم الأعرابي لجفائه عن
الوضوء والصلاة ".
وملخص الكلام في ما يفهم من هذه الأخبار هو المنع والتحريم في من ترك
الهجرة مع وجوبها عليه والجواز على كراهة في من لم يكن كذلك مع عدم كماله في
معرفة أحكام الطهارة والصلاة. ويحتمل حمل أخبار المنع على ما إذا كان يؤم
بالمهاجرين كما يستفاد من صحيح زرارة المتقدم في اشتراط طهارة المولد.
السابع - العدالة وهي مما طال فيها الكلام بين علمائنا الأعلام بابرام النقض
ونقض الابرام وصنفت فيها الرسائل وتعارضت فيها الدلائل فلا جرم إنا أرخينا
للقلم عنانه في هذا الميدان وأعطينا المسألة حقها من البينان بما لم يسبق إليه سابق من
علمائنا الأعيان:
والكلام فيها يقع في مقامات (الأول) - لا خلاف بين الأصحاب (رضوان
الله عليهم) في اشتراط عدالة إمام الجماعة مطلقا ونقل اجماعهم على ذلك جمع كثير
منهم، بل نقل ذلك عن بعض المخالفين وهو أبو عبد الله البصري محتجا باجماع أهل
البيت (عليهم السلام) (2) وأن اجماعهم حجة.

(1) الوسائل الباب 14 من صلاة الجماعة
(2) ذكر ذلك الشيخ في الخلاف ص 82 نقلا عن السيد المرتضى ولم يتعرض له
السيد في الإنتصار والناصريات وأبو عبد الله البصري كما في المنتظم لابن الجوزي ج 7
ص 107 يعرف بالجعل سكن بغداد وكان من شيوخ المعتزلة وصنف على مذاهبهم
وانتحل في الفروع مذهب أهل العراق. وذكر المصنف (قدس سره) في لؤلؤة البحرين
عند ذكر الشيخ المفيد نقلا عن الشيخ ورام أن الشيخ المفيد اشتغل بالعربية على الشيخ
أبي عبد الله المروف بجعل.
10

واحتج الأصحاب على ذلك بقوله عز وجل " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا
فتمسكم النار " (1) والفاسق ظالم لقوله تعالى " ومن يتعد حدود الله فقد ظلم
نفسه " (2) والائتمام ركون لأن معنى الركون هو الميل القلبي.
أقول: لا يخفى أن غاية ما يدل عليه هذا الدليل هو عدم جواز إمامة الفاسق
خاصة وهو أخص من المدعى إذا المدعى اعتبار العدالة بأحد المعاني الآتية إن شاء
الله تعالى المؤذن بعدم ثبوتها لمجهول الحال أيضا والدليل المذكور لا يشمله.
والعمدة في الاستدلال على ذلك إنما هي الأخبار الواضحة المنار، ومنها
ما رواه الشيخ عن خلف بن حماد عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " لا تصل
خلف الغالي وإن كان يقول بقولك والمجهول والمجاهر بالفسق وإن كان مقتصدا "
ورواه الصدوق في الفقيه مرسلا (4) وفي أوله " ثلاثة لا يصلى خلفهم... إلى
آخر ما ذكر ".
وما رواه الشيخ في الصحيح إلى سعد بن إسماعيل عن أبيه (5) قال: " قلت
للرضا (عليه السلام) رجل يقارف الذنوب وهو عارف بهذا الأمر أصلي خلفه؟ قال لا "
ومعنى " يقارف " أي يقارب، قال في النهاية: قارف الذنب وغيره إذا داناه ولاصقه
وهو كناية عن فعل الذنوب.
وما رواه الكليني والشيخ عن أبي علي بن راشد (6) قال: " قلت لأبي جعفر

(1) سورة هود الآية 115
(2) سورة الطلاق الآية 1
(3) الوسائل باب 10 من صلاة الجماعة وكلمة (وأمانته) في التهذيب
(4) الوسائل الباب 11 من صلاة الجماعة وفي الخصال ج 1 ص 74.
(5) الوسائل الباب 11 من صلاة الجماعة.
(6) الوسائل باب 10 من صلاة الجماعة وكلمة (وأمانته) في التهذيب
11

(عليه السلام) أن مواليك قد اختلفوا فأصلي خلفهم جميعا؟ فقال لا تصل إلا خلف من تثق
بدينه وأمانته ".
وما رواه الشيخ عن إبراهيم بن علي المرافقي وأبي أحمد عمرو بن الربيع
البصري عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (1) " أنه سئل عن القراءة خلف
الإمام فقال إذا كنت خلف الإمام تولاه وتثق به فإنه يجزئك قراءته، وإن أحببت
أن تقرأ فاقرأ في ما يخافت فيه فإذا جهر فانصت قال الله تعالى: " وانصتوا لعلكم
ترحمون " (2) قال فقيل له فإن لم أكن أثق به فأصلي خلفه واقرأ؟ قال لا صل قبله
أو بعده... الحديث ".
وما رواه في الفقيه عنه (صلى الله عليه وآله) (3) " إمام القوم وافدهم فقدموا أفضلكم " قال
وقال على (عليه السلام) (4) " إن سركم أن تزكوا صلاتكم فقدموا خياركم ".
وما رواه في كتاب قرب الإسناد في المواثق عن جعفر بن محمد عن آبائه
(عليهم السلام) (5) " أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال إن أئمتكم وفدكم إلى الله تعالى فانظروا من
توفدون في دينكم وصلاتكم ".
وعن أبي ذر (6) " أن إمامك شفيعك إلى الله عز وجل فلا تجعل شفيعك
سفيها ولا فاسقا، إلى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبع.
(المقام الثاني) - في بيان معنى العدالة وأنها عبارة عماذا ونقل أقوال جملة
من علمائنا الأعلام رفع الله تعالى أقدارهم في دار المقام:
فنقول: إعلم أن العدالة لغة مأخوذة من العدل وهو القصد في الأمور ضد
الجور " وقيل من العدالة بمعنى الاستواء والاستقامة كما يقال " هذا عدل هذا " أي

(1) الوسائل الباب 31 و 6 من صلاة الجماعة. والراوي الثاني عنون في كتب الرجال
في (عمر) بلا واو
(2) سورة الأعراف الآية 203.
(3) الوسائل الباب 26 من صلاة الجماعة. والحديث
(4) الوسائل الباب 26 من صلاة الجماعة. والحديث
(5) الوسائل الباب 26 من صلاة الجماعة. والحديث (4) عن النبي صلى الله عليه وآله
(6) الوسائل الباب 11 من صلاة الجماعة
12

مساو له، واعتدل الشيئان أي تساويا، وفي اصطلاح أرباب الحكمة وأهل العرفان
عبارة عن تعديل قوى النفس وتقويم أفعالها بحيث لا يغلب بعض على بعض.
وتوضيح ذلك أن للنفس الانسانية قوة عاقلة هي مبدأ الفكر والتمييز والشوق إلى
النظر في الحقائق والتأمل في الدقائق، وقوة غضبية هي مبدأ الغضب والجرأة لدفع
المضار والاقدام على الأهوال والشوق إلى التسلط على الرجال، وقوة شهوية هي
مبدأ طلب الشهوة واللذات من المآكل والمشارب والمناكح وسائر الملاذ البدنية
والشهوات الحسية، وهذه القوى متباينة جدا فمتى غلب أحدها انقهرت الباقيات
وربما أبطل بعضها فعل بعض، والفضيلة البشرية تعديل هذه القوى لأن لكل
من هذه القوى طرفي أفراط وتفريط، فأما القوة العاقلة فالسفاهة والبلاهة والقوة
الغضبية التهور والجبن والقوة الشهوية الشره وخمود الشهوة، فالقوة العاقلة تحصل
من تعديلها فضيلة العلم والحكمة والغضبية تحصل من تعديلها فضيلة الشجاعة والقوة
الشهوية تحصل من تعديلها فضيلة العفة، وإذا حصلت هذه الفضائل الثلاث التي هي
في حاق الأوساط وتعادلت حصل منها فضيلة رابعة وملكة راسخة هي أم الفضائل
وهي المعبر عنها بالعدالة، فهي إذا ملكة نفسانية تصدر عنها المساواة في الأمور
الصادرة عن صاحبها، وتحت كل واحدة من هذه الفضائل الثلاث المتقدمة فضائل
أخرى وكلها داخلة تحت العدالة فهي دائرة الكمال وجماع الفضائل على الاجمال.
وأما في اصطلاح أهل الشرع الذي هو المقصود الذاتي بالبحث فأقوال:
(الأول) ما هو المشهور بين أصحابنا المتأخرين من أنها ملكة نفسانية تبعث على ملازمة
التقوى والمروة، واحترزوا بالملكة عما ليس كذلك من الأحوال المنتقلة بسرعة
كحمرة الخجل وصفرة الوجل بمعنى أن الاتصاف بالوصف المذكور لا بد أن يكون
من الملكات الراسخة التي يعسر زوالها.
واختلف كلامهم في معنى التقوى، فقيل هي اجتناب الكبائر والصغائر من
المكلف العاقل، ونسبه شيخنا الشهيد الثاني إلى جماعة من أجلاء الأصحاب كالشيخ
13

المفيد والتقى أبي الصلاح الحلبي والقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي وأبي عبد الله
محمد بن منصور بن إدريس الحلي العجلي) (1) وأبي الفضائل الطبرسي حاكيا ذلك عن

(1) بمناسبة تعرض المصنف (قدس سره) لذكر ابن إدريس بهذا النحو رأيت أن
أتعرض في المقام لما ذكره صاحب كشف الظنون عند تعرضه للكتب المؤلفة في الفقه على
مذهب الإمامية ج 2 ص 1286 فإنه علق على هذا العنوان في ذيل الصفحة هكذا: يطلقون
ابن إدريس على الشافعي. ثم قال في بيان الكتب هكذا: البيان والذكرى شرائع الاسلام
وحاشيته القواعد النهاية. ثم قال: ومن أقوالهم الباطلة عدم وجوب الوضوء للصلاة
المندوبة.. إلى آخر ما ذكره من الأحكام الباطلة بنظره، وعد منها استحباب غسل يوم
الغدير وهو العاشر من ذي الحجة. وقال ج 2 ص 1281: والكتب المؤلفة على مذهب الإمامية الذين ينتسبون إلى مذهب ابن إدريس أعني الشافعي كثيرة: منها شرائع الاسلام
وحاشيته والبيان والذكرى والقواعد والنهاية. أقول ما أدري من أين أتى هذا المتتبع
المحقق بهذا التحقيق النفيس وكيف أدى تحقيقه وتتبعه إلى اغفال محمد بن إدريس العجلي
الحلي من قائمة علماء الإمامية واغفال كتابه السرائر من قادمة كتبهم حتى حكم بأن المراد
ب‍ (ابن إدريس) في كلامهم هو محمد بن إدريس الشافعي القرشي وليته رجع على الأقل إلى
لسان الميزان لابن حجر العسقلاني ج 5 ص 65 حيث يقول محمد بن إدريس العجلي الحلي
فقيه الشيعة وعالمهم له تصنيف في فقه الإمامية ولم يكن للشيعة في وقته مثله مات سنة سبع
وتسعين وخمسمائة. انتهى. نعم ليس هذا بغريب ممن يكتب ويؤلف ويحكم بما تشتهيه
نفسه ويقتضيه تعصبه ويتجنب ما يفرضه الوجدان والضمير من التتبع والتحقيق ليفهم
من هو ابن إدريس في كلام الإمامية وليفهم أنه لا علاقة لمذهب الإمامية بمذهب الشافعي
إلا التضاد كغيره من المذاهب فإن أساسه ومنبعه هو ما خلفه النبي صلى الله عليه وآله في الأمة وأوصى
باتباعه والتمسك به وجعله المرجع في أمور الدين وأناط به الأمن من الضلال من بعده
وهو الكتاب والعترة كما هو نص حديث الثقلين الثابت من الطريقين راجع ج 9 ص 360
من الحدائق، فمذهب الإمامية يستقي أحكامه من منبع الكتاب والعترة ولا ارتباط له لمذهب
الشافعي أصلا وإنما يذكر قوله كغيره بعنوان (الشافعي) عند نقل الأقوال. ومما ذكرناه تظهر
قيمة منقولاته الأخر كنسبة عدم وجوب الوضوء للصلاة المندوبة إلى الإمامية الذي هو
افتراء محض عليهم وهذه كتب الشيعة منتشرة في البلاد، وكجعل الغدير اليوم العاشر
من ذي الحجة، كما يظهر أنه لا قيمة لحكمه وحكم غيره ببطلان أقوالهم بعد ابتنائها على
الأساس الذي أسسه مشرع الشريعة صلى الله عليه وآله والرجوع فيها إلى المرجع الذي عينه في حديث
الثقلين وغيره. ولتزداد بصيرة في ما قلناه راجع ج 1 ص 452 من كشف الظنون حيث
يقول: تفسير الطوسي هو أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي فقيه الشيعة الشافعي (كان
ينتمي إلى مذهب الشافعي) المتوفى سنة ستين وأربعمائة (561) سماه مجمع البيان لعلوم القرآن
واختصر الكشاف وسماه جوامع الجامع وابتدأ بتأليفه في سنة 542 قال السبكي وقد
أحرقت كتبه عدة نوب بمحضر من الناس. فانظر كيف صار مجمع البيان للشيخ الطوسي
بدل التبيان وكيف صار فقيه الشيعة شافعيا، وراجع ج 2 ص 1602 منه حيث يقول
مجمع البيان في تفسير القرآن للشيخ أبي علي فضل بن الحسين الطبرسي المشهدي الشيعي.
ثم إن في ريحانة الأدب ج 5 ص 246 ما ترجمته: ابن إدريس محمد بن أحمد أو محمد بن
منصور بن أحمد بن إدريس بن حسين المكنى ب‍ (أبي عبد الله). وبالمراجعة لرجال الشيخ
المامقاني (قدس سره) ج 2 باب (محمد) يتضح وجه الترديد في نسبه.
14

أصحابنا من غير تفصيل. وقيل باجتناب الكبائر كلها وعدم الاصرار على الصغائر
أو عدم كونها أغلب فلا تقدح الصغيرة النادرة، وألحقوا بها ما يؤول إليها بالعرض
وإن غايرها بالأصل كترك المندوبات المؤدي إلى التهاون بالسنن في أظهر الوجهين
ونسبه شيخنا البهائي في كتاب الحبل المتين إلى الأصحاب.
وكذا اختلفت أقوالهم في الكبائر وسيأتي الكلام فيها إن شاء الله تعالى في المقام
الثالث مفصلا مشروحا.
وفسروا المروة باتباع محاسن العادات واجتناب مساويها وما تنفر عنه النفس
من المباحات ويؤذن بدناءة النفس وخستها كالأكل في الأسواق والمجامع والبول في
الشوارع وقت سلوك الناس وكشف الرأس في المجامع وتقبيل زوجته وأمته في
المحاضر ولبس الفقيه لباس الجندي والمضايقة في اليسير الذي لا يناسب حاله ونقل
الماء والأطعمة بنفسه ممن ليس أهلا لذلك إذا كان عن شح وظنة ونحو ذلك،
15

ويختلف ذلك بحسب اختلاف الأشخاص والأعصار والأمصار والمقامات.
والحق - كما ذكره جملة من أفاضل متأخري المتأخرين - أنه لا دليل على اعتبار
المروة في معنى العدالة، بل الظاهر أن تعريف العدالة بالملكة المذكورة لا مستند له من
الأخبار أيضا ولذا لم يذكره القدماء وإنما وقع ذلك في كلام العلامة ومن تأخر عنه
والظاهر أنه اقتفى في ذلك العامة حيث أنهم عرفوها بذلك.
قال في الذخيرة بعد ذكر التعريف المشار إليه: ولم أجد ذلك في كلام من
تقدم على المصنف وليس في الأخبار منه أثر ولا شاهد عليه في ما أعلم وكأنهم اقتفوا
في ذلك أثر العامة حيث يعتبرون ذلك في مفهوم العدالة ويوردونه في كتبهم. انتهى
أقول: وما ذكروه في معنى المروة مع كونه لا دليل عليه من الأخبار يدفعه
ما ورد عنه (صلى الله عليه وآله) أنه كان يركب الحمار العاري ويردف خلفه وأنه كان يأكل
ماشيا إلى الصلاة بمجمع من الناس في المسجد وأنه كان يحلب الشاة ونحو ذلك.
ولا يخفى أنه قد ورد هنا جملة من الأخبار في معنى المروة وليس في شئ منها

(1) في المغني ج 9 ص 167 (العدل هو الذي تعتدل أحواله في دينه وأفعاله ففي
الدين لا يرتكب كبيرة ولا يداوم على صغيرة وأما المروءة فيجتنب الأمور الدنيئة المزرية
به كأن ينصب مائدة في السوق ويأكل والناس ينظرون إليه أو يمد رجليه بحضرتهم أو
يخاطب أهله بالخطاب الفاحش، ومن ذلك ارتكاب الصناعات الدنيئة كالكناسة وأمثالها)
وفي بدائع الصنائع ج 6 ص 268 ذكر خلافا في تعريفها فعند بعضهم العدل من لم يطعن
عليه في بطن أو فرج وعند آخر من لم يعرف عليه جريمة في دينه وعند ثالث من غلبت
حسناته سيئاته.
(2) في أخلاق النبي صلى الله عليه وآله ص 61 (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يركب الحمار بغير
سرج) وفي ص 63 (عاد سعدا وأردف خلفه أسامة بن زيد وكان يجلس على الأرض ويأكل على الأرض) وفي المواهب اللدنية كما في شرحها للزرقاني ج 4 ص 246 (كان صلى الله عليه وآله
يحلب شاته وكان أنس رديف رسول الله صلى الله عليه وآله عند رجوعهم من خيبر) وقد أورد جميع
ذلك في البحار ج 6 باب مكارم أخلاقه صلى الله عليه وآله إلا أنا لم نعثر على ما ذكره من أكله ماشيا.
16

ما ذكروه، ومنها ما رواه الكليني في روضة الكافي (1) بإسناده عن جويرية
قال: " اشتددت خلف أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال لي يا جويرية أنه لم يهلك هؤلاء
الحمقى إلا بخفق النعال خلفهم ما جاء بك؟ قلت جئت أسألك عن ثلاث: عن الشرف
وعن المروة وعن العقل؟ قال: أما الشرف فمن شرفه السلطان وأما المروة فاصلاح
المعيشة وأما العقل فمن اتقى الله عقل ".
وما روي عن الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (2) قال:
" قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ستة من المروة ثلاثة منها في الحضر وثلاثة منها في السفر،
فأما التي في الحضر فتلاوة كتاب الله وعمارة مساجد الله واتخاذ الإخوان في الله
وأما التي في السفر فبذل الزاد وحسن الخلق والمزاج في غير معاصي الله تعالى ".
وما رواه الصدوق في الفقيه في باب المروة في السفر عن الصادق (عليه السلام) (3)
حيث قال فيه: " المروة والله أن يضع الرجل خوانه بفناء داره، والمروة مروتان
مروة في الحضر ومروة في السفر، فأما التي في الحضر فتلاوة القرآن ولزوم
المساجد والمشي مع الإخوان في الحوائج والنعمة ترى على الخادم أنها تسر الصديق
وتكبت العدو، وأما التي في السفر فكثرة الزاد وطيبه وبذله لمن كان معك وكتمانك
على القوم أمرهم بعد مفارقتك إياهم وكثرة المزاح في غير ما يسخط الله "
ثم إنه لا يخفى أنه قد ورد في بعض الأخبار ما يدل على اعتبار المروة في
العدالة لكن لا بالمعنى الذي ذكروه وهو ما روي عن أبي الحسن الرضا عن آبائه
عن علي (عليه السلام) (4) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من عامل الناس فلم
يظلمهم وحدثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم فهوم من كملت مروته وظهرت عدالته
ووجبت أخوته وحرمت غيبته " فإن المروة هنا لم يعتبر فيها إلا الخصال الثلاث
وهي واجبة بناء على وجوب الوفاء كما هو الظاهر، وهو اختيار شيخنا أبي الحسن

(1) ص 241.
(2) الوسائل الباب 49 من آداب السفر.
(3) الوسائل الباب 49 من آداب السفر.
(4) الوسائل الباب 1 من الشهادات.
17

الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني، وقد نقل أنه كتب رسالة شريفة في وجوب الوفاء
بالوعد ولم أقف عليها. وما ذكره (قدس سره) هو ظاهر الآية الشريفة أعني
قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا
ما لا تفعلون " (1).
ونقل شيخنا المشار إليه في رسالته الصلاتية عن بعض معاصريه - وكتب في
الحاشية أنه المحقق المدقق الشيخ أحمد بن محمد بن يوسف البحراني - أنه استدل على
اعتبار المروة في معنى العدالة بقول الكاظم (عليه السلام) في حديث هشام بن الحكم المروي
في الكافي (2) " لا دين لمن لا مروة له ولا مروة لمن لا عقل له، واعترضه بأنه
خفي عليه أن استعمال المروة بالمعنى الذي ذكره الأصحاب غير معروف في كلامهم
(عليه السلام) وحينئذ فالأظهر حملها على بعض المعاني المروية عنهم (عليهم السلام)
في تفسيرها. وهو جيد، وأشار بالمعاني المروية عنه (عليه السلام) إلى
ما قدمنا ذكره من الأخبار الواردة بتفسيرها. ثم قال، ويمكن حملها على كمال
الانسانية وهو فعل ما يليق وترك ما لا يليق.
أقول: ويؤيده أن المروة لا نعتبر في أصل الدين اجماعا فلا بد أن يحمل نفي
الدين عن من لا مروة له على نفي الكمال فتحمل المروة على كمال الانسانية كما فسرها
به بعض شارحي الكتاب.
(الثاني) - القول بأنها عبارة عن مجرد الاسلام مع عدم ظهور الفسق،
ونقل هذا القول عن جماعة من المتقدمين كابن الجنيد والشيخ في الخلاف والشيخ
المفيد في كتاب الإشراف بل ادعى في الخلاف الاجماع عليه ودلالة الأخبار،
وقال (3) البحث عن عدالة الشهود ما كان في أيام النبي (صلى الله عليه وآله) ولا أيام الصحابة

(1) سورة الصف الآية 2 و 3.
(2) الأصول ج 1 ص 19 الطبع الحديث.
(3) في كتاب آداب القضاء من الخلاف ص 231.
18

ولا أيام التابعين وإنما هو شئ أحدثه شريك بن عبد الله القاضي (1) ولو كان شرطا
لما أجمع أهل الأمصار على تركه. انتهى.
أقول: وممن انتصر لهذا القول وبلغ في ترجيحه الغاية الشهيد الثاني في المسالك
وتبعه فيه جملة ممن تأخر عنه سيما سبطه السيد السند في المدارك والمحدث الكاشاني
والفاضل الخراساني صاحب الذخيرة والكفاية.
أقول: وهذا القول وما قبله وقعا على طرفي الافراط والتفريط في المقام لأن
العدالة بالمعنى الأول لا تكاد توجد إلا في المعصوم أو من قرب من مرتبته كما
لا يخفى على ذوي الأفهام، مع أنه لا يمكن الاطلاع عليها إلا بعد مدة مديدة
ومخالطة أكيدة وتعمق شديد ولربما لا يتيسر ذلك وبه تنسد أبواب الأمور المشروطة
بالعدالة مثل الجمعات والجماعات والفتاوى والشهادات، وأما العدالة بالمعنى الثاني
فقد أنجز الأمر فيها إلى اثباتها للمخالفين وأعداء الدين والنصاب الذين هم أشد
نجاسة من الكلاب كما وردت به الرواية عن أهل بيت النبوة الأطياب (2) وسيظهر
ذلك في ما يأتي قريبا إن شاء الله تعالى في المقام.
وقال شيخنا المشار إليه في كتاب المسالك: إذا شهد عند الحاكم شهود فإن عرف
فسقهم فلا خلاف في رد شهادتهم من غير احتياج إلى بحث وإن عرف عدالتهم
قبل شهادتهم ولا حاجة إلى التعديل وإن لم يعرف حالهم في الفسق والعدالة فإن لم
يعرف اسلامهم وجب البحث أيضا وهذا كله مما لا خلاف فيه، وإن عرف
اسلامهم ولم يعرف شيئا آخر من جرح وتعديل فهذا مما اختلف فيه الأصحاب
والمشهور بينهم خصوصا المتأخرين منهم أنه يجب البحث عن عدالتهم ولا يجوز

(1) ذكر صاحب الوسائل في عنوان الباب 6 من أبواب كيفية الحكم أن الحاكم إذا
اشتبه عليه عدالة الشهود وفسقهم سأل عنهم حتى يعرفهم وذكر في الباب حديثا عن تفسير
الإمام العسكري عليه السلام يتضمن أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يبحث عن عدالة الشهود إذا
لم يعرفهم.
(2) ج 5 ص 187.
19

الاعتماد على ظاهر الاسلام، ثم أورد الآية (1) ورواية ابن أبي يعفور بطريق
الشيخ في التهذيب (2) دليلا لهم وطعن في دلالة الآية وسند الرواية، ثم نقل عن الشيخ
في الخلاف وابن الجنيد والمفيد في كتاب الإشراف ظاهرا الاكتفاء بمجرد الاسلام
ثم قال: وباقي المتقدمين لم يصرحوا في عباراتهم بأحد الأمرين بل كلامهم محتمل لهما،
ثم أود جملة من الروايات الدالة بظاهرها على مجرد الاكتفاء بظاهر الاسلام وسننقلها
جميعا إن شاء الله تعالى في المقام، ثم قال: وهذا القول أمتن دليلا وأكثر رواية
وحال السلف يشهد به وبدونه لا تكاد تنتظم الأحكام للحكام خصوصا في المدن
الكبيرة والقاضي القادم إليها من بعد لكن المشهور الآن بل المذهب خلافه. انتهى ملخصا
أقول: فيه (أولا) - ما أشرنا إليه آنفا من أنه قد انجر الأمر بناء على هذا القول
من هذا القائل ومن تبعه فيه إلى الحكم بعدالة المخالفين والنصاب من ذوي الأذناب، وهذا
من البطلان أظهر من أن يخفى على أحد من ذوي الايمان فضلا عن العلماء الأعيان
كما يأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى قريبا.
و (ثانيا) - دلالة ظاهر الآية الشريفة على خلاف ما يدعيه أعني قوله عز
وجل " واشهدوا ذوي عدل منكم " (3) فإنها صريحة الدلالة في اعتبار أمر آخر
وراء الاسلام لأن الخطاب فيها للمسلمين وضمير " منكم " راجع إليهم فهي دالة على
اسلام الشاهدين فيكون قوله " ذوي عدل " دالا على العدالة بعد حصول الاسلام
فهي أمر زائد على مجرد الاسلام.
وأما ما أجاب به (قدس سره) في المسالك - وإن اقتفاه فيه من تبعه في ذلك
من أن غاية ما تدل عليه الآية الاتصاف بأمر زائد على مجرد الاسلام فنحمله على عدم
ظهور الفسق -
ففيه أنه لا ريب أن المتبادر من لفظ العدالة لغة وعرفا وشرعا - كما سيظهر

(1) سورة الطلاق الآية 2
(2) ستأتي ص 25.
(3) سورة الطلاق الآية 2
20

لك إن شاء الله تعالى من الأخبار عبارة عن أمر وجودي وصفة ثبوتية ولا سيما
صحيح ابن أبي يعفور فإنه ظاهر في ذلك غاية الظهور لا مجرد أمر عدمي، فإذا قيل
" فلان عدل أو ذو عدالة " فإنما يراد به أن له أوصافا وجودية توجب صدق هذا
العنوان عليه وهو كونه معروفا بالصلاح والتقوى والعفاف ونحو ذلك.
ويؤيد ما ذكرناه ما روي في تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) بسنده عن النبي
(صلى الله عليه وآله) (1) قال في قوله تعالى: واستشهدوا شهيدين من رجالكم (2) قال " ليكونا
من المسلمين منكم فإن الله تعالى إنما شرف المسلمين العدول بقبول شهاداتهم وجعل
ذلك من الشرف العاجل لهم ومن ثواب دنياهم ".
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) (3) في قوله عز وجل: ممن ترضون من الشهداء (4)
قال: " ممن ترضون دينه وأمانته وصلاحه وعفته وتيقظه في ما يشهد به وتحصيله
وتمييزه فما كل صالح مميز ولا كل محصل مميز ".
وبالجملة فاطلاق العدالة على مجرد عدم ظهور الفسق أمر لا يفهم من حاق
اللفظ ولا يتبادر إلى فهم فاهم بالكلية فالحمل عليه إنما هو من قبيل المعميات والألغاز
الذي هو بعيد بمراحل عن الحقيقة بل المجاز، ولو قامت هذه التأويلات السخيفة
البعيدة في مقابلة الظواهر المتبادرة إلى الأفهام لم يبق دليل على حكم من الأحكام من
أصول وفروع إذ لا لفظ إلا وهو قابل للاحتمال ولا قول إلا وللقائل فيه مجال،
فبماذا يقيمون الحجج على المخالفين في الإمامة بل منكري التوحيد والنبوة إذا قامت مثل
هذه التأويلات الغثة وعورض بها ما يتبادر من الأدلة؟
و (ثالثا) أن ما طعن به على الرواية المذكورة بضعف السند مردود -
بناء على صحة هذا الاصطلاح - بأنه وإن كان السند كذلك في التهذيب إلا أن
الرواية المذكورة في الفقيه (5) صحيحة وهي صريحة في رد ما ذهب إليه فتكون

(1) الباب 41 من الشهادات
(2) سورة البقرة الآية 282
(3) الباب 41 من الشهادات
(4) سورة البقرة الآية 282
(5) ستأتي ص 15.
21

من أقوى الحجج عليه.
و (رابعا) أن ما نقله - من القول بالاسلام عن هؤلاء الثلاثة الذين ذكرهم
وأن ما عداهم من المتقدمين لم يصرحوا في عباراتهم بأحد الأمرين - مردود بأن
هؤلاء الثلاثة وإن صرحوا بما ذكره في هذه الكتب التي أشار إليها إلا أنهم صرحوا
في غيرها بخلافه وقد تعارضت أقوالهم فتساقطت، وإلا فإنه كما يتمسك هو بأقوالهم
في هذه الكتب كذلك يتمسك خصمه بأقوالهم التي بخلافها في غير هذه الكتب.
ودعوى أن غيرهم لم يصرحوا بأحد الأمرين مردود بما سيظهر لك إن شاء الله
تعالى في البين.
وها نحن ننقل جملة من عبائر من وصل إلينا كلامهم لتقف على حقيقة الحال
وتكون ممن يعرف الرجال بالحق لا الحق بالرجال.
فنقول: قال الشيخ في النهاية: العدل الذي يجوز قبول شهادته للمسلمين وعليهم
هو أن يكون ظاهره ظاهر الايمان ثم يعرف بالستر والصلاح والعفاف والكف
عن البطن والفرج واليد واللسان ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها
النار من شرب الخمر والزنا والربا وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وغير ذلك الساتر
لجميع عيوبه ويكون متعاهدا للصلوات الخمس مواظبا عليهن حافظا لمواقيتهن متوفرا
على حضور جماعة المسلمين غير متخلف عنهم إلا لمرض أو علة أو عذر.
وقال الشيخ المفيد: العدل من كان معروفا بالدين والورع عن محارم الله تعالى.
وقال ابن البراج: العدالة معتبرة في صحة الشهادة على المسلم وتثبت في الانسان
بشروط وهي البلوغ وكمال العقل والحصول على ظاهر الايمان والستر والعفاف
واجتناب القبائح ونفي التهمة والظنة والحسد والعداوة.
وقال أبو الصلاح: العدالة شرط في قبول الشهادة على المسلم ويثبت حكمها بالبلوغ
وكمال العقل والايمان واجتناب القبائح أجمع وانتفاء الظنة بالعداوة والحسد والمنافسة
وقال ابن الجنيد: فإذا كان الشاهد حرا بالغا مؤمنا عاقلا بصيرا معروف النسب
22

مرضيا غير مشهور بكذب في شهادته ولا بارتكاب كبيرة ولا مقام على صغيرة حسن
التيقظ عالما بمعاني الأقوال عارفا بأحكام الشهادة غير معروف بحيف على معامل
ولا بتهاون بواجب من علم أو عمل ولا معروف بمباشرة أهل الباطل ولا الدخول
في جملتهم ولا بالحرص على الدنيا ولا بساقط المروة بريئا من أقوال أهل البدع
التي توجب على المؤمنين البراءة من أهلها فهو من أهل العدالة المقبولة شهادتهم.
وقال الشيخ في المبسوط: العدالة في اللغة أن يكون الانسان متعادل الأحوال
متساويا، وفي الشريعة هو من كان عدلا في دينه عدلا في مروته عدلا في أحكامه،
فالعدل في الدين أن يكون مسلما لا يعرف منه شئ من أسباب الفسق، وفي المروة
أن يكون مجتنبا للأمور التي تسقط المروة مثل الأكل في الطرقات ومد الأرجل بين الناس
ولبس الثياب المصبغة، والعدل في الأحكام أن يكون بالغا عاقلا، فمن كان عدلا في
جميع ذلك قبلت شهادته ومن لم يكن عدلا لم تقبل شهادته.
نقل جميع هذه الأقوال العلامة في المختلف، قال: والتحقيق أن العدالة
كيفية نفسانية راسخة تبعث المتصف بها على ملازمة التقوى والمروة وتتحقق
باجتناب الكبائر وعدم الاصرار على الصغائر. انتهى.
وأنت خبير بأن هذه العبارات عدا عبارتي المبسوط والمختلف كلها ظاهرة الدلالة
في القول الثالث الذي سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى وهو المختار من بين هذه الأقوال،
وبه يظهر لك صحة ما ذكرناه من تعارض أقوال هؤلاء الثلاثة الذين تقدم النقل عنهم
وتصريح جملة من غيرهم بما ذكرناه من العدالة التي هي أمر زائد على مجرد الاسلام.
و (خامسا) أن ما استند إليه من الأخبار معارض بما هو أوضح وأصرح
مع قبول ما ذكره للتأويل والرجوع إلى الروايات الدالة على ما ادعيناه كما سيأتي
ذكر ذلك أن شاء الله تعالى مشروحا مبرهنا.
(الثالث) من الأقوال في المسألة أنها عبارة عن حسن الظاهر وهو قول أكثر
متأخري المتأخرين مستندين فيه صحيح ابن أبي يعفور الآتي إن شاء
23

الله تعالى (1) إلا أنهم اكتفوا من حسن الظاهر بما هو القشر الظاهر ولم يعطوا
التأمل حقه في الرواية المذكورة وما تدل عليه مما سنكشف عنه نقاب الابهام
إن شاء الله تعالى لكل ناظر.
وظاهر كلامهم أن المراد بحسن الظاهر هو أن لا يظهر منه ما يوجب الفسق
من ارتكاب الكبائر والاصرار على الصغائر. وأنت خبير بأن هذا المعنى لا يخرج
عن القول الثاني فإن القائلين بالاسلام اعتبروا عدم ظهور الفسق.
ومن العجب أنهم يستندون في هذا القول إلى صحيح ابن أبي يعفور مع أنه
بالتعمق في معناه - كما سنوضحه لك إن شاء الله تعالى - بعيد عن هذا المعنى الذي
ذكروه بمراحل.
ومن هذه الأقوال الثلاثة يظهر وجه الخلاف الذي ذكروه في أن الأصل
في المسلم هل هو العدالة أو الفسق أو التوقف؟ فذهب بعضهم إلى أن الأصل فيه
العدالة، وهذا مما يتفرع على تفسير العدالة بمجرد الاسلام كما هو القول الثاني،
ويعرف مستنده من الأخبار الواردة في ذلك وقد عرفت وستعرف إن شاء الله تعالى
الجواب عنها، وذهب آخرون إلى أن الأصل فيه الفسق استنادا إلى أن الأصل التكليف
واشتغال الذمة بالعبادات والتكاليف، والأصل عدم خروجه عن عهدتها حتى يعلم
قيامه بها. وهذا مناسب للقول الأول لأن الأصل عدم حصول الملكة المذكورة
حتى يحصل الاطلاع عليها ولكنه بمحل من الضعف لدلالة الأخبار على حسن
الظن بالمؤمن وحمل أفعاله على الصحة والمشروعية.
والتحقيق في المسألة هو القول الثالث وهو التوقف حتى يعلم أحد الأمرين من
عدالة أو فسق، وهذا هو الأنسب بالقول الثالث الذي اخترناه.
وكيف كان فلنشتغل بنقل الأخبار الواردة في المقام ليظهر لك صحة ما ذكرناه
من هذا الكلام فنقول:

(1) ص 25.
24

المقام الثالث - في نقل الأخبار الواردة، وها نحن ننقل ما وصل إلينا منها مبتدئين
بما يدل على ما اخترناه وينادى بما قلناه عاطفين الكلام على نقل الأخبار التي استند إليها
أولئك الأعلام مذيلين لها بما يقتضيه المقام من نقض (وابرام) بتوفيق الملك العلام
وبركة أهل البيت (عليه السلام):
فنقول: من الأخبار الدالة على ما اخترناه صحيحة عبد الله بن أبي يعفور
وهذه الرواية رواها الصدوق في الصحيح والشيخ في التهذيب بطريق غير صحيح (1)
وفي المتن في الكتابين تفاوت بالزيادة والنقصان ونحن ننقلها كما نقلها في الوافي (2) عن
الكتابين معلما لموضع الاختصاص بعلامة وموضع الاشتراك بما يدل على ذلك:
فرويا بسنديهما عن عبد الله بن أبي يعفور قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ فقال إن
تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان، وتعرف باجتناب
الكبائر التي أوعد الله عليها النار من شرب الخمر والزنا والربا وعقوق الوالدين
والفرار من الزحف وغير ذلك، والدلالة على ذلك كله أن يكون ساتر الجميع
عيوبه حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه ويجب عليهم
تزكيته واظهار عدالته في الناس ويكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهن
وحفظ مواقيتهن بحضور جماعة من المسلمين وأن لا يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم
إلا من علة (فقيه) فإذا كان كذلك لازما لمصلاه عند حضور الصلوات الخمس فإذا
سئل عنه في قبيلته ومحلته قالوا ما رأينا منه إلا خيرا مواظبا على الصلاة متعاهدا
لأوقاتها في مصلاه فإن ذلك يجيز شهادته وعدالته بين المسلمين (ش) (3) وذلك أن
الصلاة ستر وكفارة للذنوب (فقيه) وليس يمكن الشهادة على الرجل بأنه يصلي إذا كان
لا يحضر مصلاه ويتعاهد جماعة المسلمين، وإنما جعل الجماعة والاجتماع إلى الصلاة.

(1) الوسائل الباب 41 من الشهادات
(2) ج 9 ص 149.
(3) إشارة إلى مورد الاشتراك بين الكتابين.
25

لكي يعرف من يصلي ومن يحفظ مواقيت الصلاة ممن يضيع (ش)
ولولا ذلك لم يكن لأحد أن يشهد على آخر بصلاح لأن من لا يصلي لا صلاح له
بين المسلمين (يب) لأن الحكم جرى من الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) بالحرق في جوف
بيته (فقيه) فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) هم بأن يحرق قوما في منازلهم لتركهم الحضور
لجماعة المسلمين وقد كان فيهم من يصلي في بيته فلم يقبل منه ذلك وكيف تقبل شهادة
أو عدالة بين المسلمين ممن جرى الحكم من الله ومن رسوله (صلى الله عليه وآله) فيه بالحرق في
جوف بيته بالنار (ش) وقد كان (صلى الله عليه وآله) يقول لا صلاة لمن لا يصلي في المسجد مع
المسلمين إلا من علة (يب) وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا غيبة إلا لمن صلى في بيته ورغب
عن جماعتنا، ومن رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته وسقطت بينهم
عدالته ووجب هجرانه وإذا رفع إلى إمام المسلمين أنذره وحذره فإن حضر جماعة
المسلمين وإلا أحرق عليه بيته ومن لزم جماعتهم حرمت عليهم غيبته وثبتت عدالته بينهم،
أقول: لا يخفى أن هذه الرواية قد اشتملت على شيئين في حصول العدالة
وأنها عبارة عنهما (الأول) - أنه لا بد في ثبوتها من معرفته بالستر والعفاف وكف
البطن والفرج.. إلى آخره، والعطف هنا من قبيل عطف الخاص على العام
تفصيلا للاجمال في المقام، ولا ريب أن اشتراط معرفته بالكف عن هذه
الأشياء يتوقف على نوع معاشرة واختبار مطلع على باطن الأحوال، وذلك أنك
لا تقول " فلان معروف بالشجاعة " إلا بعد أن تعرف حاله في ميدان القتال
ومنازلة الأبطال فإذا كان ممن يقتل الرجال ولا يولي الدبر في موضع النزال ويقاوم
الشجعان ويصادم الفرسان صح وصفه بالشجاعة وإن تفاوتت أفرادها شدة وضعفا
وهكذا لا تقول " فلان معروف بالطب والحكمة في الأبدان " إلا إذا كان ممن علم
تأثير أدويته وجودة قريحته في شفاء المرضى والاطلاع على معرفة العلل والأدواء
ونحو ذلك، وحينئذ فلا يقال فلان معروف بكف البطن والفرج واليد واللسان
ونحو ذلك إلا بعد اختباره بالمعاملات والمحاورات الجارية بين الناس كما لو وقع في
26

يده مال لغيره أمانة أو تجارة أو نحو ذلك، أو جرى بينه وبين غيره خصومة
أو نزاع وإن اعتدى عليه، فإن كان ممن لا يتعدى في ذلك الحدود الشرعية
والنواميس المرعية فهو هو وإلا فلا، وأما من لم يحصل الاطلاع على باطن أحواله
بوجه وإن رؤي ملازما على الصلاة أو الدرس أو التدريس والافتاء فضلا عن أن
يكون من الغثاء فهو من قبيل مجهول الحال لا يصدق عليه أنه يعرف بذلك بل
يحتمل أن يكون كذلك وأن لا يكون، وكم قد رأينا في زماننا من هو ملازم للصلاة
والدعاء وسائر العبادات بل التصدر للتدريس والفتوى وإمامة الجماعة حتى إذا صار
بينه وبين أحد معاملة الدرهم والدينار أو وقع في يده مال طفل أو مسجد أو وقف
أو نحو ذلك انقلب إلى حالة أخرى وصار همه التوصل بالغلبة والاستيلاء بكل وجه
ممكن وإن تفاوتت في ذلك أفراد الناس باعتبار تفاوت المقامات، ونحو ذلك فيما إذا
اعتدى عليه معتد باللسان أو سلب المال فربما قابله بأزيد مما اعتدى عليه وربما
استنكف عن ذلك حياء من الناس في الظاهر ولكن يتربص به الغوائل وينصب له
شباك العداوة ولو أنه قابل بالصفح والحلم والعفو لكان هو هو.
وبالجملة فإنه إنما تعرف أحوال الناس وما هم عليه من هذه الأشياء المذكورة
في الخبر وحسن وقبح وعدالة وفسق بالابتلاء والامتحان في المعاملات والمحاورات
والمخاصمات، فيجب أن ينظر حاله لو كان له على غيره مال في الاقتضاء ولو كان لغيره
عليه مال في القضاء وكيف حاله في الغضب إن اعتدى أحد عليه وما الذي يجري منه
لو أساء أحد إليه ونحو ذلك، فإن كان في جميع ذلك إنما يقابل بالرضا والانقضاء
وحسن المعاملة في القضاء والاقتضاء والجري على قواعد الشريعة المحمدية ولا يستفزه
الغضب في الخروج عن تلك الطريقة العلية فهو هو وإلا فليس بذلك.
وهذا هو الذي لحظه (عليه السلام) في الخبر وبه تشهد رؤية العيان وعدول الوجدان
ولا سيما في هذا الزمان، وهذا هو الذي يتبادر من العبارة المذكورة أعني قولنا إن
العدالة عبارة عن حسن الظاهر أي حسن ما يظهر منه بعد الابتلاء والامتحان
27

والاختبار بما ذكرنا ونحوه. وأما مجرد رؤية الرجل على ظاهر الايمان عالما فاضلا
أو جاهلا خاملا وإن لم يظهر منه ما يوجب الفسق فهو مجهول الحال ولم يظهر منه
ما يوجب وصفه بالعدالة المذكورة في هذا الخبر، فإن عدم ظهور ما يوجب الفسق
لا يدل على العدم والشرط كما عرفت من الرواية ظهور العدم لا عدم الظهور والفرق
بين المقامين واضح.
ومما يؤيد ما ذكرناه من الفحص والمعاشرة قوله (عليه السلام) " فإذا سئل عنه في قبيلته
ومحلته.. إلى آخره "، فإنه صريح كما ترى في وجوب السؤال، وتخصيص القبيلة
والمحلة من حيث إنهم أقرب إلى الاطلاع على أحواله بالمعاشرة والمخالطة كما لا يخفى.
(فإن قيل) إنه يصدق على من لم يظهر منه ما يوجب الفسق أنه معروف
بالتقوى والعفاف (قلنا) هذا كلام مجمل، فإن أريد من لم يظهر منه في موضع تقضي
العادة الجارية بين الناس بالاظهار فهو عين ما نقوله فمرحبا بالوفاق، فإن من
اعتدى عليه بيد أو لسان أو سلب مال وكف لسانه ويده عن الاعتداء ولم يتجاوز
الحدود الشرعية في الاقتضاء أو وقع في يده شئ من الحطام الحرام فكف نفسه عنه
فهذا هو الذي ندعيه وأما من لم يكن كذلك بأن لم تصل يده إلى شئ أو لم يحصل له من
يعتدي عليه فلا يوصف بالكف لأن الكف إنما يقال في موضع يقتضي البسط
ألا ترى أنه لا يقال للزاهد في الدنيا من حيث إنها زاهدة فيه أنه زاهد حقيقة
ويترتب عليه ما أعده الله للزاهدين وإنما يقال لمن تمكن منها ووقعت في يده فكف
يده عنها ومنع نفسه من الدخول فيها والتعرض لها؟ ثم ألا ترى أن شر خلق الله
الكلاب والسباع وأنت إذا قابلتها باللطف والاكرام تكون معك في تمام الألفة
والصحبة وإذا قابلتها بالتعدي ترى ما يظهر منها من الشر والجرأة؟
(فإن قيل) إن قوله (عليه السلام) في الخبر " والدلالة على ذلك أن يكون ساتر الجميع
عيوبه " ظاهر في أنه يكفي في الحكم بعدالته أنه يظهر من حاله أنه ساتر لعيوبه بمعنى
أنه لم يظهر منه فسق كما أشار إليه في المدارك، قال (قدس سره) في الكتاب
28

المذكور بعد ذكر الرواية: ويستفاد من هذه الرواية أنه يقدح في العدالة فعل
الكبيرة التي أوعد الله عليها النار وأنه يكفي في الحكم بها أن يظهر من حال المكلف
كونه ساترا لعيوبه ملازما لجماعة المسلمين. انتهى.
أقول: كما أنه يستفاد من الرواية قدح فعل الكبيرة في العدالة كذلك يستفاد
منها قدح فعل الصغيرة فلا وجه لتخصيص الكبيرة بالذكر بل ربما أوهم أن فعل
الصغيرة غير مخل بالعدالة وهو وإن وافق مذهبه في اكتفائه في معنى العدالة بمجرد
الاسلام إلا أن الخبر ظاهر في ما قلناه من قدح فعل الصغيرة، فإن قوله (عليه السلام) " إن
تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن.. إلى آخره " راجع إلى اجتناب الصغائر ثم
عطف عليها اجتناب الكبائر، وملخصه أنه يجب أن يعرف بالتقوى والعفاف
عن كل صغيرة وكبيرة، ولا يخفى أنه لا يمكن ذلك إلا بالمعاشرة والاطلاع على أحواله
كما قدمنا ذكره.
وأما ما ذكره - بقوله " ويكفي في الحكم أن يظهر من حال المكلف كونه
ساترا لعيوبه " إشارة إلى ما يدعونه من أن حسن الظاهر عبارة عن أن لا يظهر منه
عيب للناس ولا فسق - فقد عرفت ما فيه وأنه كلام مجمل ولكنه ليس هو المراد
هنا من كلامه وإنما كلامه (عليه السلام) هنا وقع من قبيل الاجمال بعد التفصيل، فإنه بعد
أن فسر العدالة بأنها عبارة عن أن يعرف بكذا وكذا الراجع إلى أنه لا بد من
العلم بتقواه وكفه عن هذه الأشياء أجمل ذلك فقال: ومجمله أن لا يقف أحد على عيب
يذم به بل يكون صلاحه وتقواه وما علم منه ساترا لعيوبه بغلبته عليها واضمحلالها
به فلا يجوز لهم بعد ذلك البحث والتفتيش عنه أنه هل له عثرات وعيوب أم لا؟
وأنت إذا أعطيت التأمل حقه في معنى هذه الرواية كما شرحناه وأوضحناه
وجدتها قريبة من القول المشهور بين المتأخرين وأنه لا فرق بينها وبين ما ذهبوا
إليه إلا من حيث اعتبارهم كون التقوى ملكة وقد عرفت أنه لا دليل عليه وإلا
فاشتراط العلم بالصلاح والتقوى والعفاف وعدم الاخلال بالواجبات واجتناب
29

المحرمات مما لا شك فيه وهو الذي صرحت به أيضا عبائر المتقدمين التي قدمنا نقلها
الثاني - التعاهد للصلوات الخمس بالحضور مع جماعة المسلمين، وهذا الشرط
وإن لم يذكره أحد من الأصحاب بل ربما صرحوا بأن الاحلال بالمندوبات لا يقدح في
وصف العدالة واستثنى بعضهم ما إذا كان على وجه يؤذن بالتهاون وعدم المبالاة
بكمالات الشرع فجعله قادحا، إلا أن هذا الخبر كما عرفت قد تضمن هذا الشرط
على أبلغ وجه وأوكده فيجب القول به ويتعين العمل عليه ونحن تبع لأقوالهم
(عليهم السلام) لا لأقوال الفقهاء إلا أن تعتضد بأخبارهم في المقام. وبذلك
أيضا صرح شيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني (نور الله مرقده)
في بعض أجوبته.
ثم إن الظاهر أنه (عليه السلام) إنما آثر الصلاة جماعة في كونها مظهرا للعدالة ودليلا
عليها من حيث استفاضة الأخبار بأن الصلاة عمود الدين (1) وأن بقبولها تقبل
سائر الأعمال وإن كانت باطلة وبردها ترد سائر الأعمال وإن كانت صحيحة (2) وأنها
معيار الكفر والايمان (3) وأنها متى أتى بها في وقتها بحدودها كانت كفارة للذنوب
الواقعة في ذلك اليوم (4) وأنها كما قال عز وجل: " تنهى عن الفحشاء والمنكر " (5)
واعتبار حضور الجماعة فيها ليعلم الاتيان بها ويمكن الحكم على الآتي بها بالعدالة كما
صرح به في الخبر.
ومن الأخبار الدالة على ما اخترناه زيادة على هذه الصحيحة الصريحة في
المراد العارية عن وصمة الاعتراض والايراد ما ذكره الإمام العسكري (عليه السلام)

(1) الوسائل الباب 6 و 8 من أعداد الفرائض ونوافلها
(2) الوسائل الباب 8 من أعداد الفرائض ونوافلها
(3) الوسائل الباب 11 من أعداد الفرائض ونوافلها.
(4) الوسائل الباب 2 و 7 من أعداد الفرائض ونوافلها.
(5) سورة العنكبوت الآية 44.
30

في تفسيره (1) في تفسير قوله تعالى " ممن ترضون من الشهداء " (2) قال: " يعني ممن
ترضون دينه وأمانته وصلاحه وعفته وتيقظه في ما يشهد به وتحصيله وتمييزه فما
كل صالح مميز ولا محصل ولا كل محصل مميز صالح، وإن من عباد الله لمن هو أهل لصلاحه
وعفته ولو شهد لم تقبل شهادته لقلة تمييزه، فإذا كان صالحا عفيفا مميزا محصلا
مجانبا للعصبية والهوى والميل والتحامل فذلك الرجل الفاضل.. الحديث " وهو
جار على ما تقدم في جملة من عبارات أصحابنا المتقدمين التي قدمناها والخبر المذكور
ظاهر الدلالة واضح المقالة في ما ادعيناه.
ويعضد ذلك جملة من الأخبار وإن لم تكن مثل هذين في الوضوح والظهور
السالم من الانكار.
منها - ما رواه الشيخ الصدوق في الخصال عن الرضا عن آبائه عن علي (عليهم
السلام) (3) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من عامل الناس فلم يظلمهم وحدثهم فلم
يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروته وظهرت عدالته ووجبت أخوته
وحرمت غيبته ".
وما رواه فيه أيضا بسنده عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال
" ثلاث من كن فيه أوجبت له أربعا على الناس: من إذا حدثهم لم يكذبهم وإذا وعدهم
لم يخلفهم وإذا خالطهم لم يظلمهم، وجب أن تظهر في الناس عدالته وتظهر فيهم
مروته وأن تحرم عليهم غيبته وأن تجب عليهم أخوته ".
أقول: لا يخفى عليك ما في دلالة هذين الخبرين على ما ادعيناه زيادة
على الصحيحة المتقدمة من اعتبار المعاشرة والمخالطة في معرفة العدالة لتصريحهما بأن
العدالة تثبت بهذه الأمور المعدودة فيهما ومن الظاهر أن هذه الأمور لا تحصل إلا

(1) تفسير الصافي في تفسير الآية وفي الوسائل في الباب 41 من الشهادات
(2) سورة البقرة الآية 282
(3) الوسائل الباب 41 من الشهادات.
(4) الوسائل الباب 41 من الشهادات.
31

بالمخالطة والمعاشرة حسبما قدمنا تحقيقه، وبالجملة فإنهما واضحان كالخبرين السابقين
في المراد عاريان عن وصمة الإيراد إلا عند من أعمى الله بصر بصيرته بالعناد (واللداد).
ومنها - ما رواه أبو بصير في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " لا بأس
بشهادة الضيف إذا كان عفيفا صائنا ".
ومنها - رواية العلاء بن سيابة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) " في المكاري والملاح
والجمال؟ قال: وما بأس بهم تقبل شهادتهم إذا كانوا صلحاء.
ورواية عمار بن مروان (3) " في الرجل يشهد لابنه والابن لأبيه والرجل
لامرأته؟ قال: لا بأس بذلك إذا كان خيرا ".
ورواية سماعة (4) قال: " سألته عن رجل مات وله بنون وبنات صغار
وكبار من غير وصية وله خدم ومماليك وعقد كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك
الميراث؟ قال إن قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كأنه فلا بأس ".
والتقريب فيها - كما ذكره الأصحاب - أن هذا من الأمور الحسبية الراجعة إلى
الحاكم الشرعي أو عدول المؤمنين وهو (عليه السلام) قد ناط ذلك بالثقة خاصة لا من اتصف
بمجرد الاسلام.
ورواية هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) في حديث في الوكالة قال (عليه السلام)
والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلغه أو يشافه بالعزل عن الوكالة "
والتقريب بنحو ما تقدم حيث إن الوكيل لا ينعزل عن الوكالة إلا بعد العلم بالعزل
كما صرح به الأصحاب (رضوان الله عليهم) وهو (عليه السلام) قد جعل خبر الثقة قائما مقام
المشافهة، ولفظ الثقة هنا يساوق لفظ العدل في الأخبار المتقدمة فهي بمعنى العدل.

(1) الوسائل الباب 41 من الشهادات
(2) الوسائل الباب 34 من الشهادات. وأبو عبد الله يروي عن أبي جعفر (عليه السلام).
(3) الوسائل الباب 41 من الشهادات
(4) الوسائل الباب 88 من الوصايا. وفي نسخ الحدائق (رفاعة)
(5) الوسائل الباب 2 من الوكالة.
32

وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " لو كان الأمر إلينا
لأجزنا شهادة الرجل إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس ".
ورواية محمد بن مسلم (2) قال: " قدم رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) بالكوفة
فقال إني طلقت امرأتي بعدما طهرت من محيضها قبل أن أجامعها؟ فقال أمير المؤمنين
(عليه السلام) أشهدت رجلين ذوي عدل كما قال الله تعالى؟ فقال: لا، فقال أذهب فإن
طلاقك ليس بشئ ".
ورواية جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) قال: " شهادة القابلة جائزة على أنه
استهل أو برز ميتا إذا سئل عنها فعدلت ".
إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على اعتبار عدالة الشاهد كما لا يخفى على من
راجعها من مظانها مثل مسألة رؤية الهلال والطلاق والشهادات والدين ونحوها وإن
اختلفت في تأدية ذلك اجمالا وتفصيلا، فربما عبر في بعضها بالشاهدين بقول
مطلق وربما عبر بالعدلين وربما عبر بالأوصاف التي هي شرط في حصول العدالة
اجمالا أو تفصيلا.
ولا ريب أن ضم الأخبار بعضها إلى بعض وحمل مطلقها على مقيدها ومجملها
على مفصلها يقتضي أن العدالة أمر زائد على مجرد الاسلام أو الايمان.
ولا يخفى أيضا أن مقتضى العمل بتلك الأخبار التي استندوا في الاكتفاء
بمجرد الاسلام إليها طرح هذه الأخبار مع اعتضادها بالآية الشريفة حسبما قدمناه
وعمل جملة من متقدمي الأصحاب كما قدمنا من نقل عباراتهم، على أن تلك الأخبار
التي استندوا إليها غير واضحة الدلالة كما سنكشف عنه إن شاء الله تعالى نقاب
الابهام في المقام بتوفيق الملك العلام وبركة أهل الذكر (عليهم السلام).

(1) الوسائل الباب 14 من كيفية الحكم و 41 من الشهادات
(2) الوسائل الباب 10 من مقدمات الطلاق وشرائطه
(3) الوسائل الباب 24 و 41 من الشهادات.
33

وها نحن نسوقها لك على التفصيل مذيلين لها بما لا يخفى صحته وقوته على ذوي
الفهم من ذوي التحصيل فنقول:
(الأولى والثانية) صحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) " في أربعة شهدوا
على رجل محصن بالزنا فعدل منهم اثنان ولم يعدل الآخران؟ قال إذا كانوا أربعة من
المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور أجيزت شهادتهم جميعا وأقيم الحد على الذي
شهدوا عليه، إنما عليهم أن يشهدوا بما أبصروا وعلموا وعلى الوالي أن يجيز شهادتهم
إلا أن يكونوا معروفين بالفسق ".
وما رواه الصدوق في كتاب المجالس بإسناده عن صالح بن علقمة عن أبيه (2)
قال: " قال الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) وقد قلت له يا ابن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) أخبرني عن من تقبل شهادته ومن لا تقبل؟ فقال يا علقمة كل من
كان على فطرة الاسلام جازت شهادته. قال فقلت له تقبل شهادة المقترف للذنوب؟
فقال يا علقمة لو لم تقبل شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت إلا شهادة الأنبياء
والأوصياء لأنهم هم المعصومون دون سائر الخلق، فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا
أو يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة والستر وشهادته مقبولة وإن كان
في نفسه مذنبا.. الحديث ".
وهذان الخبران أظهر ما استدل به للقول المذكور وأنت خبير بأن الخبر
الثاني ضعيف باصطلاحهم فلا يصلح للاستدلال ولا يمكنهم الاحتجاج به إلا أنه
حيث كان الأمر عندنا خلاف ما اصطلحوا عليه أوردناه دليلا لهم وتكلفنا الجواب
عنه حسما لمادة الشبهة.
والجواب عنهما (أولا) أنهما لا يبلغان قوة في معارضة الأخبار التي قدمناها
المترجحة بالآية المتقدمة، وقد ورد عنهم (عليه السلام) في القواعد المقررة
والضوابط المعتبرة التي قرروها أنه مع اختلاف الأخبار يجب عرضها على كتاب

(1) الوسائل الباب 41 من الشهادات.
(2) الوسائل الباب 41 من الشهادات.
34

الله تعالى والأخذ بما وافقه ورمي ما خالفه، ولا ريب أن الروايات المتقدمة موافقة
للآية في اشتراط العدالة التي هي أمر زائد على مجرد الاسلام كما تقدم ايضاحه، وهذان
الخبران على خلاف ما دلت عليه الآية فيجب طرحهما وردهما إلى قائلهما بمقتضى
القاعدة المذكورة.
و (ثانيا) - بالحمل على التقية التي هي في الأحكام الشرعية أصل كل بلية،
ويعضده ما ذكره بعض أصحابنا من أن بعض العامة يذهب إلى أن الأصل في المسلم
العدالة (1) ويعضده أيضا ما ذكره الشيخ في الخلاف من أن البحث عن عدالة
الشهود ما كان في أيام النبي (صلى الله عليه وآله) ولا أيام الصحابة ولا أيام التابعين وإنما هو شئ
أحدثه شريك بن عبد الله القاضي (2) ولو كان شرطا لما أجمع أهل الأمصار على
تركه. فإنه دال بأوضح دلالة على أن قضاة العامة من وقت الصحابة إلى وقت
شريك المذكور كانوا على الحكم بالعدالة بمجرد الاسلام، ومن الظاهر أن القضاء
والحكم بعد موت النبي (صلى الله عليه وآله) إنما كان في أيديهم ومتى ثبت ذلك اتجه حمل ما دل من

في المغني ج 9 ص 64 في مسألة قبول شهادة مجهول الحال عن أحمد أن ظاهر
المسلمين العدالة فيحكم بشهادتهما إذا عرف اسلامهما بظاهر الحال، وقال عمر: المسلمون
عدول بعضهم على بعض. ثم ذكر أن أعرابيا جاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فشهد برؤية الهلال
فقال له النبي (صلى الله عليه وآله) أتشهد أن لا إله إلا الله؟ فقال نعم. فقال أتشهد أني رسول الله؟ قال نعم
فصام وأمر الناس بالصيام. ثم اختار ابن قدامة كون العدالة شرطا فيجب البحث عنها وبه
قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد. وفي بدائع الصنائع ج 6 ص 27 أن أبا حنيفة يعتبر العدالة
الظاهرة لا الحقيقية ودليله قوله تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) أي عدلا فوصف
سبحانه مؤمني هذه الأمة بالوساطة وهي العدالة وقال عمر (عدول بعضهم على بعض)
فصارت العدالة أصلا في المؤمنين وزوالها بعارض. وفي البحر الرائق ج 7 ص 69 عن
أبي حنيفة يقتصر الحاكم على ظاهر العدالة في المسلم ولا يسأل حتى يطعن الخصم لقوله صلى الله عليه وآله
الناس عدول بعضهم على بعض.
(2) ارجع إلى التعليقة 3 ص 18 و 1 ص 19.
35

أخبارنا على مجرد الاكتفاء بالاسلام على التقية. وأما ما يوجد في كلام متأخري
علمائهم من تفسير العدالة بالملكة فلعله حدث أخيرا من زمن شريك ونحوه كما حدث
ذلك لمن تبعهم من متأخري أصحابنا (رضوان الله عليهم) مع عدم وجوده في
كلام متقدميهم.
و (ثالثا) أنه متى قيل بما دل عليه الخبران المذكوران ونحوهما من أن العدالة
عبارة عن مجرد الاسلام فاللازم من ذلك طرح تلك الأخبار الصحيحة الصريحة
في أن العدالة عبارة عن أمر زائد على مجرد الاسلام من التقوى والصلاح والعفاف
ونحو ذلك من تلك الأوصاف وكذا مخالفة الآية وهو مما لا يلتزمه محصل،
فالواجب حمل الخبرين المذكورين على ما ذكرناه من التقية وإلا فطرحهما بموجب
تلك القاعدة المتقدمة الواضحة.
و (رابعا) أنه يحتمل تقييد الخبرين المذكورين بما قدمنا من الأخبار وذلك فإن
غاية هذين الخبرين أن يكونا مطلقين بالنسبة إلى اشتراط العدالة وطريق الجمع في مثل
هذا المقام حمل المطلق على المقيد، وإلى ذلك يشير كلام المحدث الكاشاني في الوافي حيث
أنه نقل في أول الباب صحيحة ابن أبي يعفور المتقدمة (1) ثم نقل بعدها رواية اللاعب
بالحمام المتضمنة لنفي البأس عن قبول شهادته إذا لم يعرف بفسق (2) ثم نقل خبر حريز
المذكور ومرسلة يونس الآتية إن شاء الله تعالى ثم قال ما صورته: والجمع بين هذه الأخبار يقتضي تقييد مطلقها بمقيدها أعني تقييد ما سوى الأول بما في الأول من التعاهد
للصلوات والمواظبة على الجماعات إلا من علة وأنه الميزان في معرفة العدالة.. الخ.
(الثالثة) مرسلة يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " خمسة أشياء
يجب على الناس أن يأخذوا فيها بظاهر الحكم: الولايات والتناكح والمواريث والذبائح
والشهادات، فإذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت شهادته ولا يسأل عن باطنه ".

(1) ص 25
(2) الوسائل الباب 41 من الشهادات
(3) الوسائل الباب 22 من كيفية الحكم.
36

والجواب (أولا) بضعف السند الذي به يضعف عن معارضة ما قدمنا من
الآية والأخبار.
و (ثانيا) بأن قوله (عليه السلام) في آخر الخبر " فإذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت
شهادته " بالدلالة على ما ندعيه أشبه، ولعله استدراك منه (عليه السلام) بالنسبة إلى الشهادة
دون تلك الأشياء المعدودة، وذلك فإنه إنما يحكم على ظاهره بالمأمونية مع العلم بما
يوجب ذلك من الصفات المتقدمة في تلك الروايات المكنى بها عن العدالة وإلا
فمجهول الحال الذي إنما رؤي حال الحضور عند الحاكم الشرعي للشهادة مثلا كيف
يوصف بكون ظاهره مأمونا وهو مجهول، إذ مجرد الاسلام لا يكفي في المأمونية
لأن الظاهر الذي يوجب الحكم عليه بالمأمونية إنما هو معرفته في عباداته ومعاملاته
ونحو ذلك لا الظاهر الذي هو عبارة عن رؤية شخصه وكونه مسلما.
ولو قيل: إن المراد إنما هو ظاهر الاسلام لأن الأصل في المسلم الستر والعفاف
(قلنا) هذا الأصل ممنوع وضرورة العيان وعدول الوجدان في أبناء نوع الانسان
ولا سيما في هذه الأزمان أعدل شاهد في البيان بل الأصل إنما هو مجهولية الحال
حتى يظهر أحد الأمرين من العدالة والفسق.
و (ثالثا) ما ذكره المحدث الكاشاني في معنى الخبر المذكور حيث قال في
كتاب الوافي بعد نقله ما صورته: بيان - يعني أن المتولي لأمور غيره إذا ادعى نيابته
مثلا أو وصايته والمباشر لامرأة إذا ادعى زواجها والمتصرف في تركة الميت إذا
ادعى نسبه وبائع اللحم إذا ادعى تذكيته والشاهد على أمر إذا ادعى العلم به ولا معارض
لأحد من هؤلاء تقبل أقوالهم ولا يفتش عن صدقهم حتى يظهر خلافه بشرط أن يكون
مأمونا بحسب الظاهر. انتهى. وحاصله الرجوع إلى قبول قول من ادعى شيئا
ولا معارض له وهي مسألة أخرى خارجة عن ما نحن فيه.
(الرابعة) موثقة عبد الله بن أبي يعفور عن أخيه عبد الكريم عن أبي جعفر (عليه السلام) (1)
قال: " تقبل شهادة المرأة والنسوة إذا كن مستورات من أهل البيوتات معروفات

(1) الوسائل الباب 41 من الشهادات.
37

بالستر والعفاف مطيعات للأزواج تاركات للبذاء والتبرج إلى الرجال في أنديتهم ".
والجواب أن هذه الرواية لما ندعيه أقرب وبما ذهبنا إليه أنسب فإنه (عليه السلام)
قد شرط في صحة شهادتهن أمورا زائدة على الاسلام لا بد أن يعرف اتصافهن بها
وهي العفاف والتقوى وترك المعاصي والمحرمات التي ربما صدر منهن في تلك المقامات
(الخامسة والسادسة) رواية عبد الرحيم القصير (1) قال: " سمعت أبا جعفر
(عليه السلام) يقول إذا كان الرجل لا تعرفه يؤم الناس فقرأ القرآن فلا تقرأ خلفه
واعتد بصلاته ".
ومرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) " في قوم خرجوا
من خراسان أو بعض الجبال وكان يؤمهم رجل فلما صاروا إلى الكوفة علموا أنه يهودي؟
قال لا يعيدون ".
والجواب أن هذين الخبرين معارضان عموما بما تقدم من صحيحة ابن أبي يعفور
وغيرها الدالة على اشتراط العدالة وموردها وإن كان الشاهد إلا أن الظاهر كما صرح
به جملة من الأصحاب أن العدالة المعتبرة بأي معنى أخذت فإنه لا فرق فيها بين
الشاهد والإمام ونحوهما، وخصوصا بجملة من الأخبار: منها رواية أبي علي بن
راشد ورواية خلف بن حماد ورواية إبراهيم بن علي المرافقي وأبي أحمد عمرو بن الربيع
البصري ونحوها من الروايات المتقدم جميع ذلك في المقام الأول.
وبالجملة فما ذكرناه من الروايات عموما وخصوصا إن لم يكن أرجح ولا سيما
مع اعتضادها بعمل الطائفة المحقة سلفا وخلفا في الإمامة فلا أقل أن يكون معارضا
لهما فلا يمكن التعلق بهما، وحملهما على التقية أقرب قريب لاتفاق العامة على جواز
الصلاة خلف كل بر وفاجر (3) فكيف المجهول الحال.

(1) الوسائل الباب 12 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 37 من صلاة الجماعة
(3) في المغني ج 2 ص 189 (الجمع والأعياد تصلي خلف كل بر وفاجر وقد كان
أحمد يشهدهما مع المعتزلة وكذلك العلماء الذين في عصره، ولأن هذه الصلاة من شعائر
الاسلام الظاهرة وتليها الأئمة دون غيرهم فتركها خلفهم يفضي إلى تركها بالكلية) وفي
بدائع الصنائع ج 1 ص 156 (تجوز الصلاة خلف الفاسق في قول العامة لما روي من
قوله (صلى الله عليه وآله) (صلوا خلف كل بر وفاجر) والحديث وإن ورد في الجمع والأعياد لتعلقهما
بالأمراء وأكثرهم فساق لكنه بظاهره حجة في ما تحن فيه إذ العبرة بعموم اللفظ لا خصوص
السبب) وفي البداية لابن رشد ج 1 ص 123 طبع سنة 1339 (اختلفوا في إمامة الفاسق
فردها قوم باطلاق وأجازها قوم باطلاق وفرق قوم بين أن يكون فسقه مقطوعا به أو غير
مقطوع له ففي مقطوع الفسق تعاد الصلاة خلفه واستحبت الإعادة في مظنون الفسق
في الوقت..)
38

وبهذين الخبرين مع رواية عمر بن يزيد الآتية إن شاء الله تعالى استدل
شيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني (قدس سره) في أجوبة
المسائل الشوشترية على ما اختاره من أن العدالة عبارة عن حسن الظاهر، وهو
مؤذن بصحة ما قدمنا نقله عنهم من أنهم إنما جمدوا على القشر الظاهر من هذا اللفظ
ولم يعطوا التأمل حقه كما لا يخفى على الخبير الماهر، وأن قولهم بذلك يرجع إلى
مذهب المفسرين للعدالة بمجرد الاسلام، مع أنهم زعموا كونه قولا ثالثا في المقام
والحال كما ترى مما هو ظاهر لذوي الأفهام، على أنه أيضا يمكن تأويل رواية
عبد الرحيم بأن صلاة الناس خلفه بمنزلة الشهادة على عدالته سيما إذا كان فيهم من
يعتقد عدالته وإن كان ظاهر الأصحاب أنه لا يجوز ذلك إلا بعد الفحص والسؤال
وحمل مرسلة ابن أبي عمير على أن ذلك اليهودي أظهر لهم الصلاح حتى حصل لهم
الاعتقاد بعدالته.
(السابعة) رواية عمر بن يزيد (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن إمام
لا بأس به في جميع أموره عارف غير أنه يسمع أبويه الكلام الغيظ الذي يغيظهما
اقرأ خلفه؟ قال لا تقرأ خلفه ما لم يكن عاقا قاطعا ".
والجواب أنه لا ريب أن هذا الخبر بظاهره دال على عدم ثبوت العقوق باسماع
أبويه الكلام الغيظ الذي يغيظهما ولا شك ولا اشكال في ثبوت العقوق بذلك لأن

(1) الوسائل الباب 11 من صلاة الجماعة.
39

الآية الشريفة (1) دلت على تحريم التأفيف الذي هو كناية عن مجرد التضجر،
وفي الخبر عنه (عليه السلام) " لو علم الله شيئا هو أدنى من أف لنهى عنه " رواه في الكافي (2)
ورواه أيضا بطريق آخر (3) وزاد فيه " وهو من أدنى العقوق ومن العقوق أن
ينظر الرجل إلى والديه فيحد النظر إليهما " وروى فيه أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال
" من نظر إلى أبويه ماقت وهما ظالمان له لم يقبل الله له صلاة ".
وحينئذ فيجب الحكم بفسق الإمام المذكور، وسيأتي إن شاء الله تعالى عد
العقوق في الكبائر بل هو من أكبرها، وبذلك يظهران الخبر المذكور على ظاهره
لا يجوز الاعتماد عليه ولا الاستناد في حكم شرعي إليه. ويمكن تأويله بأن يكون
المراد بقوله (عليه السلام) " ما لم يكن عاقا قاطعا " بمعنى مصرا على ذلك من غير توبة إلى أبويه وأن
يسترضيهما ويصلحهما ويعتذر إليهما بحيث يرضيان عنه. وبالجملة فإن الخبر المذكور
لما عرفت مطرح ولا بأس بارتكاب التأويل فيه وإن بعد تفاديا من طرحه.
(الثامنة والتاسعة) ما رواه الصدوق باسناد ظاهره الصحة عن عبد الله بن
المغيرة (5) قال: " قلت للرضا (عليه السلام) رجل طلق امرأته وأشهد شاهدين ناصبين؟
قال كل من ولد على الفطرة وعرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته ".
وحسنة البزنطي عن أبي الحسن (عليه السلام) (6) أنه قال له " جعلت فداك كيف طلاق
السنة؟ فقال يطلقها إذا طهرت من حيضها قبل أن يغشاها بشاهدين عدلين كما قال الله في
كتابه فإن خالف ذلك رد إلى كتاب الله. فقلت فإن أشهد رجلين ناصبين على الطلاق

(1) (فلا تقل لهما أف) سورة بني إسرائيل الآية 24.
(2) الأصول باب العقوق ولفظه هكذا (أدنى العقوق أف ولو علم الله شيئا أهون منه
لنهى عنه) وفي آخر (أيسر) بدل (أهون)
(3) الأصول باب العقوق واللفظ كما ذكر في المتن
(4) الأصول باب العقوق
(5) الوسائل الباب 41 من الشهادات
(6) الوسائل الباب 10 من مقدمات الطلاق وشرائطه.
40

أيكون طلاقا؟ فقال من ولد على الفطرة أجيزت شهادته على الطلاق بعد أن
يعرف منه خير ".
قال في المسالك بعد ايراد الخبر الثاني في كتاب الطلاق: وهذه الرواية
واضحة الاسناد والدلالة على الاكتفاء بشهادة المسلم في الطلاق. ولا يرد أن قوله
" بعد أن يعرف منه خير " ينافي ذلك لأن الخير قد يعرف من المؤمن وغيره وهو
نكرة في سياق الاثبات لا يقتضي العموم فلا ينافيه مع معرفة الخير منه بالذي
أظهره من الشهادتين والصلاة والصيام وغيرها من أركان الاسلام أن يعلم منه
ما يخالف الاعتقاد الصحيح لصدق معرفة الخير منه معه. وفي الخبر - مع تصديره
باشتراط شهادة العدلين ثم الاكتفاء بما ذكر - تنبيه على أن العدالة هي الاسلام فإذا
أضيف إلى ذلك أن لا يظهر الفسق كان أولى. انتهى.
واقتفاه في هذه المقالة سبطه السيد السند في شرح النافع فقال بعد نقل كلامه
المذكور وذكر الرواية الأولى ما صورته: وهو جيد والرواية الأولى مع صحة
سندها دالة على ذلك أيضا فإن الظاهر أن التعريف في قوله (عليه السلام) فيها " وعرف
بالصلاح في نفسه " للجنس لا للاستغراق، وهاتان الروايتان مع صحتهما سالمتان من
المعارض فيتجه العمل بهما انتهى.
واقتفاهما في ذلك المحدث الكاشاني في المفاتيح والفاضل الخراساني كما هي
عادتهما غالبا.
أقول: وهذا ما أشرنا إليه آنفا من أنه قد انجر الأمر من القول بمجرد
الاسلام إلى الحكم بعدالة النصاب وذوي الأذناب.
وكيف كان فهذا الكلام باطل ومردود من وجوه (الأول) ما قدمنا بيانه
من الآية والأخبار المتقدمة الدالة على أن العدالة أمر زائد على مجرد الاسلام مع
دلالة جملة منها على أن ذلك عبارة عن التقوى والصلاح والعفاف ونحوها. وبذلك
يظهر لك ما في قول سبطه السيد السند أنهما سالمتان من المعارض فيتجه العمل بهما.
41

(الثاني) أنه لا خلاف بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) من هؤلاء القائلين
بهذا القول وغيرهم في كفر الناصب ونجاسته وحل دمه وماله وأن حكمه حكم الكافر
الحربي، وإنما الخلاف في المخالف الغير الناصب هل يحكم باسلامه كما هو المشهور
بين المتأخرين أم بكفره كما هو المشهور بين المتقدمين؟ والروايتان قد اشتملنا
على السؤال عن شهادة الناصبين على الطلاق فكيف يتم الحكم بالاسلام ثم صحة
الطلاق فرعا على ذلك مع الاتفاق نصا وفتوى على الكفر كما عرفت؟ إلا أن
يريدوا بالاسلام مجرد الانتحال للاسلام وحينئذ فتدخل فيه الخوارج والمجسمة
والمشبهة فتكون ظلمات بعضها فوق بعض.
ثم لو تنزلنا عن ذلك وحملنا الناصب في الخبرين على المخالف كما ربما يدعيه
الخصم حيث إن مذهبهم الحكم باسلام المخالفين فإنا نقول إن قبول شهادة المخالف
مخالف للأدلة الشرعية كتابا وسنة الدالة على عدم قبول شهادة الفاسق والظالم (1) وأي
فسق وظلم أظهر من الخروج من الايمان والاصرار على ذلك الاعتقاد الفاسد المترتب
عليه ما لا يخفى من المفاسد.
وأما ما أجاب به المحدث الكاشاني في المفاتيح تبعا للمسالك - من أن الفسق
إنما يتحقق بفعل المعصية مع اعتقاد كونها معصية لا مع اعتقاد كونها طاعة والظلم
إنما يتحقق بمعاندة الحق مع العلم به - فهو مردود بأنه لو تم هذا الكلام المنحل الزمام
المموه الفاسد الناشئ من عدم اعطاء التأمل حقه في هذه المقاصد لاقتضى قيام العذر
للمخالفين وعدم استحقاق العذاب في الآخرة ولا أظن هؤلاء القائلين يلتزمونه،
وذلك فإن المكلف إذا بذل جده وجهده في طلب الحق وأتعب الفكر والنظر في
ذلك وأداه نظره إلى ما كان باطلا في الواقع لعروض الشبهة له فلا ريب في أنه يكون

(1) أما الكتاب فقوله تعالى في سورة الحجرات الآية 6 (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا..)
وقوله تعالى في سورة هود الآية 115 (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) وأما السنة فيرجع
فيها إلى الوسائل الباب 30 من الشهادات.
42

معذورا عقلا ونقلا لعدم تقصيره في السعي لطلب الحق وتحصيله الذي أمر به وكذا
يقوم العذر لمنكري النبوات وأهل الملل والأديان وهذا في البطلان أظهر من أن يحتاج
إلى بيان. وبالجملة فإنه إن كان هذا الاعتقاد الذي جعله طاعة وعدم العلم بالحق
الذي ذكره إنما نشأ عن بحث ونظر يقوم بهما العذر شرعا عند الله فلا مناص عن ما
ذكرناه وإلا فلا معنى لكلامه بالكلية كما هو الظاهر لكل ذي عقل وروية.
(الثالث) أنه قد استفاضت الروايات والأخبار عن الأئمة الأبرار
(عليهم السلام) - كما بسطنا عليه الكلام في كتاب الشهاب الثاقب في بيان معنى
الناصب - بكفر المخالفين ونصبهم وشركهم وأن الكلب واليهودي خير منهم (1)
وهذا مما لا يجامع الاسلام البتة فضلا عن العدالة، واستفاضت أيضا بأنهم ليسوا
من الحنيفية على شئ (2) وأنهم ليسوا إلا مثل الجدر المنصوبة (3) وأنه لم يبق في
يدهم إلا مجرد استقبال القبلة (4) واستفاضت بعرض الأخبار على مذهبهم والأخذ
بخلافه (5) واستفاضت أيضا ببطلان أعمالهم (6) وأمثال ذلك من ما يدل على خروجهم
عن الملة المحمدية والشريعة النبوية بالكلية والحكم بعدالتهم لا يجامع شيئا من
ذلك كما لا يخفى.
(الرابع) أنه يلزم من ما ذكره - من أن الخير نكرة في سياق الاثبات فلا يعم
وكذا قول سبطه: إن التعريف في قوله (عليه السلام) " وعرف بالصلاح في نفسه " للجنس
لا للاستغراق - دخول أكثر الفسقة والمردة في هذا التعريف إذ ما من فاسق في
الغالب إلا وفيه صفة من صفات الخير فإذا جاز اجتماع العدالة مع فساد العقيدة

(1) ارجع إلى ج 5 ص 185 و 187.
(2) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به.
(3) الوسائل الباب 10 من صلاة الجماعة.
(4) في الفصول المهمة للحر العاملي ص 74 الباب 29 عن أبي عبد الله عليه السلام قال
(والله ما بقي في أيديهم شئ من الحق إلا استقبال القبلة).
(5) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به.
(6) الوسائل الباب 29 من مقدمة العبادات.
43

جاز مع شرب الخمر والزنا واللواط ونحو ذلك بطريق أولى، بل يدخل في ذلك
الخوارج والمرجئة وأمثالها من الفرق التي لا خلاف في كفرها حيث إن الخير
بهذا المعنى حاصل فيهم فتثبت عدالتهم بذلك وإن كانوا فاسدي العقيدة نعوذ بالله من
زلل الأقدام وطغيان الأقلام.
(الخامس) قوله " إن الخير يعرف من المؤمن.. إلى قوله لصدق معرفة
الخير منه " فإن فيه زيادة على ما تقدم أن الأخبار الصحيحة الصريحة قد استفاضت
ببطلان عبادة المخالفين لاشتراط صحة العبادة بالاقرار بالولاية بل ورد عن الصادق
(عليه السلام) (1) " سواء على الناصب صلى أم زنى " والمراد بالناصب هو مطلق المخالف كما
حققناه في كتاب الشهاب الثاقب وحينئذ فأي خيرته في أعمال من قام الدليل على بطلانها
وأنها في حكم العدم، وكونها في الظاهر بصورة العبادة لا يجدي نفعا لأن خيرية الخير
وشرية الشر إنما هو باعتبار ما يترتب على كل منهما من النفع والضرر كما ينادي به
الحديث النبوي (2) " لا خير بخير بعده النار ولا شر بشر بعده الجنة ".
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الذي ظهر لي في معنى الخبرين المذكورين أنهما إنما
خرجا مخرج التقية، وتوضيح ذلك أنه قد ظهر بما قدمناه من الوجوه أن المخالف
ناصبيا كان بالمعنى الذي يدعونه أو غيره لا خير فيه بوجه من الوجوه فخرج من
البين بذلك، ولو حمل الخير في الخبر على مطلق الخير كما ادعاه في المسالك لجامع
الفسق البتة إذ لا فاسق متى كان مسلما إلا وفيه خير وهو باطل اجماعا نصا وفتوى
لدلالة الآية (3) والرواية (4) على رد خبر الفاسق، فلا بد من حمل الخير على أمر

(1) روضة الكافي ص 160 (لا يبالي الناصب صلى أم زنى).
(2) المفردات للراغب مادة (خير) وفي تاج العروس مادة (خير) نقلا من
المفردات للراغب والبصائر لصاحب القاموس.
(3) قوله تعالى في سورة الحجرات الآية 6 (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا..)
(4) الوسائل الباب 30 من الشهادات.
44

زائد على مجرد الاسلام، ووجه الاجمال في هذه العبارة في الخبرين إنما هو التقية
التي هي في الأحكام الشرعية أصل كل بلية، وذلك أن السائل في الخبر الثاني لما
سأله عن كيفية طلاق السنة أجاب (عليه السلام) بالحكم الشرعي الواضح وهو أن يطلقها إذا
طهرت من حيضها قبل أن يغشاها بشاهدين عدلين كما قال الله عز وجل في كتابه (1)
فإن خالف ذلك رد إلى الكتاب بمعنى أنه يبطل ما أتى به من الطلاق لمخالفته
الكتاب، ولا ريب أن الطلاق بشهادة الناصب باطل بمقتضى هذا التقرير عند
كل ذي أنس بأخبار أهل البيت ومعرفة مذهبهم (عليه السلام) وما يعتقدونه في
مخالفيهم من الكفر والشرك والعداوة والنصب فيجب رد من أشهدهما على طلاق
إلى كتاب الله الدال على بطلان هذا الطلاق لاشتراط عدالة الشاهد بنص الكتاب
لكن لما سأل السائل بعد ذلك عن خصوص ذلك وكان المقام لا يتقضى الافصاح
بالجواب ب‍ " لا أو نعم " أجمل (عليهم السلام) في الجواب بما فيه إشارة إلى أنه لا يجوز ذلك
بعبارة موهمة للجواز فقال (عليه السلام) " كل من ولد على الفطرة الاسلامية وعرف فيه
خير جازت شهادته " وهذا في بادئ النظر يعطي ما توهمه هؤلاء من كون الناصب
تجوز شهادته لأنه ولد على فطرة الاسلام وفيه خير إلا أنه لما كان الناصب بمقتضى
مذهبهم (عليه السلام) من أخبارهم وتتبع سيرهم لا خير فيه ولا صلاح بالكلية
لما أسلفنا ذكره وجب اخراجه في المقام وحمل العبارة المذكورة على من عداه.
ومن ما ذكرنا يعلم الكلام في الرواية الأولى. وبذلك يظهر لك زيادة على ما قدمناه
ما في كلام السيد السند وقوله إن الروايتين سالمتان من المعارض.
وبالجملة فإن الواجب في الاستدلال بالخبر في هذا الموضع وغيره النظر إلى
انطباق موضع الاستدلال على مقتضى القواعد المعتبرة والقوانين المقررة في
الأخبار فمتى كان الخبر مخالفا لها وخارجا عنها وجب طرحه وامتنع الاستناد إليه
وإن كان صحيح السند صريح الدلالة لاستفاضة أخبارهم (عليهم السلام) بعرض

(1) قوله تعالى في سورة الطلاق الآية 2 (واشهدوا ذوي عدل منكم).
45

الأخبار على كتاب الله تعالى والسنة النبوية ولكن عادة أصحاب هذا الاصطلاح
ولا سيما السيد صاحب المدارك الدوران مدار صحة السند فمتى كان السند صحيحا لم
ينظر إلى ما في متن الخبر من العلل كما قدمنا التنبيه عليه في غير موضع من ما تقدم.
وبالجملة فكلام هؤلاء الأعيان في هذا المكان أظهر في البطلان من أن يحتاج إلى
زيادة على ما ذكرنا من البيان. والله العالم.
(المقام الرابع) في الكبائر وعددها وأنها عبارة عماذا وأنه هل جميع الذنوب
كبائر أو بعضها صغائر وبعضها كبائر؟
والكلام هنا يقع في موضعين (الأول) في الكبائر وعددها، اعلم أنه قد
اختلفت كلمة العلماء في تفسير الكبيرة على أقوال منتشرة، فقال قوم هي كل ذنب توعد
الله تعالى عليه بالعقاب في الكتاب العزيز، وقال آخرون هي كل ذنب رتب عليه
الشارع حدا أو صرح بالوعيد، وقال طائفة هي كل معصية تؤذن بقلة اكتراث
فاعلها بالدين، وقال جماعة هي كل ذنب علمت حرمته بدليل قاطع، وقيل كل ما
توعد عليه توعدا شديدا في الكتاب أو السنة، وقيل هي ما نهى الله عنه في سورة
النساء من أولها إلى قوله تعالى " أن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه.. الآية " (1) وقال
قوم أنها سبع: الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله وقذف المحصنة وأكل مال
اليتيم والربا والفرار من الزحف وعقوق الوالدين، وقيل إنها تسع بزيادة السحر
والالحاد في بيت الله أي الظلم فيه، إلى غير ذلك من الأقوال الكثيرة المنسوبة
إلى العامة (2).
والمختار من هذه الأقوال الأول والظاهر أنه المشهور بين أصحابنا بل قال

(1) الآية 35.
(2) في بدائع الصنائع ج 6 ص 268 (اختلف في ماهية
الكبائر والصغائر فقال بعضهم ما فيه حد في كتاب الله فهو كبيرة وما ليس فيه حد فهو
صغيرة، وقال بعضهم ما يوجب الحد كبيرة. وما لا يوجبه صغيرة، وقال بعضهم كل ما جاء
مقرونا بوعيد فهو كبيرة.
46

بعض أفاضل متأخري المتأخرين بعد نسبة هذا القول إلى الشهرة بينهم: ولم أجد
في كلامهم اختيار قول آخر.
ويدل على هذا القول جملة من الأخبار: منها - ما رواه ثقة الاسلام في الكافي
في الصحيح عن الحسن بن محبوب (1) قال: " كتب معي بعض أصحابنا إلى أبي الحسن (عليه السلام)
يسأله عن الكبائر كم هي وما هي؟ فكتب الكبائر من اجتنب ما وعد الله عليه النار كفر
عنه سيئاته إذا كان مؤمنا، والسبع الموجبات: قتل النفس الحرام وعقوق الوالدين
وأكل الربا والتعرب بعد الهجرة وقذف المحصنة وأكل مال اليتيم والفرار من الزحف "
قال بعض مشايخنا المعاصرين قوله (عليه السلام): " والسبع الموجبات " معناه أنها أكبر
الكبائر وأشدها حتى أنها أوجبت النار لفاعلها، ومن المستبين أن الإيجاب والحتم
أمر آخر فوق الابعاد لا يتطرق إليه الاخلاف بخلاف الوعيد المطلق فإن اخلافه
حسن كما تقرر في الكلام، فهذه السبع لعظمها كأنها أوجبت فلا ينافي ما تضمنه
صدر الخبر من تفسيرها بما وعد الله عليه النار.
ومنها - ما رواه في الكتاب المذكور عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
" في قول الله عز وجل: أن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم
مدخلا كريما؟ قال: الكبائر التي أوجب الله عز وجل عليها النار " ومثله في تفسير
العياشي عن كثير النواء عن الباقر (عليه السلام) (3).
وما رواه في الفقيه عن عباد بن كثير النواء قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام)
عن الكبائر فقال كل ما أوعد الله عليه النار ".

(1) الوسائل الباب 45 من جهاد النفس
(2) الوسائل الباب 44 من جهاد النفس. وفي الطبعة القديمة ورد هذا الحديث بهذا
اللفظ عن أبي جميلة أيضا وهو تكرار له بهذا العنوان إذ لا حديث لأبي جميلة وفي الكافي غير
حديث الحلبي وإنما يرويه أبو جميلة عن الحلبي.
(3) مستدرك الوسائل الباب 46 من جهاد النفس.
(4) الوسائل الباب 45 من جهاد النفس
47

ومنها - صحيحة ابن أبي يعفور المتقدمة (1) قوله (عليه السلام) فيها " وتعرف
باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار من شرب الخمر.. إلى آخر ما تقدم ".
وروى الثقة الجليل علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) (2) قال: " سألته
عن الكبائر التي قال الله عز وجل: أن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم
وندخلكم مدخلا كريما؟ قال التي أوجب عليها النار ".
وأما ما اشتمل على الحصر في عدد معين - مثل ما رواه في الكافي عن محمد بن
مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " سمعته يقول الكبائر سبع: قتل المؤمن متعمدا
وقذف المحصنة والفرار من الزحف والتعرب بعد الهجرة وأكل مال اليتيم ظلما
وأكل الربا بعد البينة وكل ما أوجب الله تعالى عليه النار ".
وعن عبيد بن زرارة في الحسن (4) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
الكبائر فقال هن في كتاب على (عليه السلام) سبع: الكفر بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين
وأكل الربا بعد البينة وأكل مال اليتيم ظلما والفرار من الزحف والتعرب بعد
الهجرة. قال فقلت فهذا أكبر المعاصي؟ قال نعم. قلت فكل درهم من مال
اليتيم ظلما أكبر أم ترك الصلاة؟ قال ترك الصلاة. قلت: فما عددت ترك الصلاة
في الكبائر؟ فقال أي شئ أول ما قلت لك؟ قال قلت الكفر. قال فإن تارك
الصلاة كافر يعني من غير علة ".
وعن مسعدة بن صدقة (5) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول الكبائر
القنوط من رحمة الله واليأس من روح الله والأمن من مكرا لله وقتل النفس
التي حرم الله وعقوق الوالدين وأكل مال اليتيم ظلما وأكل الربا بعد البينة والتعرب
بعد الهجرة وقذف المحصنة والفرار من الزحف ".
أقول: هذا الخبر قد اشتمل على عشر من الكبائر واحتمل بعض المحدثين.

(1) ص 25.
(2) الوسائل الباب 45 من جهاد النفس.
(3) الوسائل الباب 45 من جهاد النفس.
(4) الوسائل الباب 45 من جهاد النفس.
(5) الوسائل الباب 45 من جهاد النفس.
48

أن عطف قوله: " اليأس " على القنوط عطف بيان، قال: لعدم التغاير بينهما في
المعنى إذ لا فرق بينا بين اليأس والقنوط ولا بين الروح والرحمة. انتهى.
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " سمعته يقول: الكبائر سبعة
منها قتل النفس متعمدا والشرك بالله العظيم وقذف المحصنة وأكل الربا بعد البينة
والفرار من الزحف والتعرب بعد الهجرة وعقوق الوالدين وأكل مال اليتيم ظلما
قال: والتعرب والشرك واحد ".
أقول: قوله " والتعرب والشرك واحد " لعله اعتذار عن ما يتراءى من
المخالفة بين قوله " سبعة " والتفصيل لكونها ثمانية -
فيمكن دفع المنافاة بينه وبين ما تقدم بأن مراتب الكبائر مختلفة وأن السبع
المذكورة في هذه الأخبار أكبر من ما عداها، ولا ينافي ذلك أن كل ما أوعد الله عليه
النار كبيرة. ويحتمل حمل هذه الأخبار الأخيرة على التمثيل لا الحصر ويؤيده
اختلافها في بعض الأفراد المعدودة فيها.
ويؤيد ما قلنا من أن ذكر هذه السبع ونحوها إنما هو من حيث كونها أكبر
ما رواه في التهذيب عن أبي الصامت عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " أكبر الكبائر
سبع: الشرك بالله العظيم وقتل النفس التي حرم الله تعالى إلا بالحق وأكل مال يتيم
وعقوق الوالدين وقذف المحصنات والفرار من الزحف وانكار ما أنزل الله عز وجل "
هذا، وقد روى في الكافي والفقيه عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني (3) قال:
" حدثني أبو جعفر الثاني (عليه السلام) قال سمعت أبي (عليه السلام) يقول سمعت أبي موسى بن جعفر
(عليه السلام) يقول: دخل عمرو بن عبيد على أبي عبد الله (عليه السلام) فلما سلم وجلس تلا هذه الآية
" الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش " (4) ثم أمسك فقال له أبو عبد الله (عليه السلام)
ما أسكتك؟ قال أحب أن أعرف الكبائر من كتاب الله تعالى فقال نعم يا عمرو
أكبر الكبائر الاشراك بالله يقول الله تعالى " من يشرك بالله فقد حرم الله عليه

(1) الوسائل الباب 45 من جهاد النفس
(2) الوسائل الباب 45 من جهاد النفس
(3) الوسائل الباب 45 من جهاد النفس
(4) النجم الآية 33.
49

الجنة " (1) وبعده الإياس من روح الله لأن الله تعالى يقول " لا ييأس من روح الله
إلا القوم الكافرون " (2) ثم الأمن لمكر الله لأن الله تعالى يقول: " فلا يأمن
مكر الله إلا القوم الخاسرون " (3) ومنها عقوق الوالدين لأن الله تعالى جعل العاق
جبارا شقيا (4) وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق لأن الله تعالى يقول " فجزاؤه
جهنم خالدا فيها.. إلى آخر الآية " (5) وقذف المحصنة لأن الله تعالى يقول " لعنوا
في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم " (6) وأكل مال اليتيم لأن الله تعالى يقول " إنما
يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا " (7) والفرار من الزحف لأن الله تعالى
يقول: " ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب
من الله ومأواه جهنم وبئس المصير " (8) وأكل الربا لأن الله تعالى يقول: " الذين
يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " (9)
والسحر لأن الله تعالى يقول: ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق " (10)
والزنا لأن الله تعالى يقول: " ومن يفعل ذلك يلق آثاما يضاعف له العذاب يوم
القيامة ويخلد فيه مهانا " (11) واليمين الغموس الفاجرة لأن الله تعالى يقول:
" الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة " (12)
والغلول لأن الله تعالى يقول: " ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة " (13) ومنع
الزكاة المفروضة لأن الله تعالى يقول " فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم " (14)

(1) سورة المائدة الآية 76
(2) سورة يوسف الآية 87
(3) سورة الأعراف الآية 97
(4) سورة مريم الآية 33
(5) سورة النساء الآية 95
(6) سورة النور الآية 23
(7) سورة النساء الآية 11
(8) سورة الأنفال الآية 16
(9) سورة البقرة الآية 276
(10) سورة البقرة الآية 96
(11) سورة الفرقان الآية 68 و 69
(12) سورة آل عمران الآية 71
(13) سورة آل عمران الآية 155
(14) سورة التوبة الآية 35.
50

وشهادة الزور وكتمان الشهادة لأن الله يقول " ومن يكتمها فإنه آثم قلبه " (1)
وشرب الخمر لأن الله تعالى نهى عنها (2) كما نهى عن عبادة الأوثان (3) وترك
الصلاة متعمدا أو شيئا مما فرض الله تعالى لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " من ترك
الصلاة متعمدا فقد برئ من ذمة الله وذمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونقض العهد وقطيعة
الرحم لأن الله تعالى يقول: " أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار " (4) قال فخرج
عمرو وله صراخ من بكائه وهو يقول هلك من قال برأيه ونازعكم في الفضل والعلم "
أقول: وهذه الرواية قد اشتملت من عدد الكبائر على إحدى وعشرين
والكلام فيها ينبغي أن يكون على نحو ما قدمناه من أن الكبائر كثيرة وايثار هذه
الأعداد بالذكر لكونها أكبر من البواقي أو يحمل على أن وقوعها أكثر فوقع
الاهتمام بذكرها ليحترزوا عنها وإن تفاوتت هذه الأعداد أيضا في ذلك بالشدة
والضعف، مع أن في أكثرها إشارة اجمالية إلى غيرها لاشتراكها في العلة وهي
الوعيد. ومن ما يعضده ما نقله جملة من أصحابنا عن ابن عباس أن الكبيرة ما نهى الله
سبحانه عنه قيل، هي سبع قال: هي إلى السبعين أقرب. وفي رواية إلى السبعمائة.
(الموضع الثاني) - قد اختلف أصحابنا (رضوان الله عليهم) في أنه هل يكون كل
معصية كبيرة وأن اطلاق الصغيرة على بعضها إنما هو مجاز بالإضافة إلى ما فوقها أو
أنها حقيقة في القسمين فمنها ما يكون كبيرة ومنها ما يكون صغيرة؟ قولان ذهب
إلى الأول جمع من الأصحاب ونقل عن الشيخ المفيد وابن البراج وأبي الصلاح
والشيخ في العدة والشيخ أبي على الطبرسي وابن إدريس، فكل ذنب عندهم كبيرة
لاشتراكها في مخالفة أمر الله تعالى إلا أنه ربما أطلق الصغيرة على بعض الذنوب
بالإضافة إلى ما فوقه كالقبلة مثلا بالنسبة إلى الزنا وإن كانت كبيرة بالنسبة إلى
مجرد النظر.

(1) سورة البقرة الآية 283 (2) سورة المائدة الآية 92
(3) سورة الحج الآية 31 (4) سورة الرعد الآية 25.
51

قال الشيخ أبو علي المذكور في تفسيره مجمع البيان (1) بعد نقله هذا القول:
وإلى هذا ذهب أصحابنا فإنهم قالوا المعاصي كلها كبيرة لكن بعضها أكبر من بعض
وليس في الذنوب صغيرة وإنما يكون صغيرا بالإضافة إلى ما هو أكبر منه ويستحق
العقاب عليه أكثر.
وظاهر عبارته أن ذلك اتفاقي بين من تقدم عليه من أصحابنا وربما ظهر ذلك
أيضا من كلام الشيخ في العدة وابن إدريس.
قال شيخنا البهائي (زاده الله بهاء وشرفا) في كتاب الأربعين بعد نقل ذلك
عنه: لا يخفى أن كلام الشيخ الطبرسي مشعر بأن القول بأن الذنوب كلها كبائر متفق
عليه بين الإمامية وكفى بالشيخ ناقلا:
" إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام "
قيل: ولهذا القول شواهد في الأخبار مثل ما دل على أن كل معصية شديدة (2)
وما دل على أن كل معصية قد توحب لصاحبها النار (3) وما دل على التحذير من
استحقار الذنب واستصغاره (4) وأمثال ذلك.
ويؤيده ما رواه الكليني عن عبد الله بن سنان باسناد يحتمل الصحة عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال: " لا صغيرة مع الاصرار ولا كبيرة مع الاستغفار ".
وما رواه ابن بابويه باسناد ضعيف عن النبي (صلى الله عليه وآله) (6) قال: " لا تحتقروا
شيئا من الشر وإن صغر في أعينكم ولا تستكثروا شيئا من الخير وإن كثر في أعينكم
فإنه لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الاصرار ".
وجه التأييد أن المراد بالاصرار الإقامة على الذنب لعدم التوبة والاستغفار
كما قال جماعة من المفسرين في قوله تعالى: " ولم يصروا على ما فعلوا " (7)
.

(1) ج 3 ص 38
(2) الوسائل الباب 38 من جهاد النفس.
(3) الوسائل الباب 38 و 39 من جهاد النفس.
(4) الوسائل الباب 42 من جهاد النفس
(5) الوسائل الباب 47 من جهاد النفس
(6) الوسائل الباب 42 من جهاد النفس
(7) سورة آل عمران 129.
52

أقول: يمكن تطرق النظر إلى ما ذكره بأن يقال (أولا) أن ما ذكره من
هذه الأدلة معارض بما سيأتي إن شاء الله تعالى في أدلة القول الآخر مما هو
أوضح دلالة.
و (ثانيا) أنه يمكن أن يقال إن احتقار الذنب واستصغاره أمر زائد على
أصل الذنب فلعله لانضمام ذلك إلى أصل الذنب يكون كبيرة، ويؤيده ما يظهر
من كلام أهل اللغة، قال الجوهري " أصررت على الشئ أي أقمت ودمت " وقال
ابن الأثير: " أصر على الشئ اصرارا إذا لزمه وداومه وثبت عليه " وفي القاموس
" أصر على الأمر لزمه " فإن ظاهر هذا الكلام إن الاصرار عبارة عن العزم
على المعاودة والمداومة على ذلك الذنب.
وقال شيخنا الشهيد في قواعده على ما نقله بعض الأصحاب بعد تقسيمه
الاصرار إلى فعلي وحكمي: الفعلي هو الدوام على نوع واحد من الصغائر بلا توبة
أو الاكثار من جنسها بلا توبة والحكمي هو العزم على تلك الصغيرة بعد الفراغ
منها، أما لو فعل الصغيرة ولم يخطر بباله بعدها توبة ولا عزم على فعلها فالظاهر أنه
غير مصر. انتهى. وهو ظاهر في ما قلناه وواضح في ما ادعيناه.
إلا أنه قد روى في الكافي عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) " (1) في قول الله
تعالى: ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون (2) قال الاصرار أن يذهب الذنب فلا
يستغفر الله ولا يحدث نفسه بتوبة فذلك الاصرار ".
فإن ظاهره أن الاصرار يتحقق بالذنب مع عدم التوبة والاستغفار وهو
ظاهر في أن من لا يخطر بباله بعد الذنب توبة ولا عزم على فعلها يكون مصرا،
وحينئذ تكون كبيرة بمقتضى الأخبار الدالة على أنه لا صغيرة مع الاصرار (3)
ويكون دليلا ظاهرا لهذا القول.

(1) الوسائل الباب 47 من جهاد النفس
(2) سورة آل عمران الآية 129.
(3) الوسائل الباب 47 من جهاد النفس
53

وفيه أنه وإن كان الأمر كذلك إلا أنه مع ضعف سنده معارض بما سيأتي
إن شاء الله تعالى من الأدلة الدالة على القول الآخر الظاهرة في الرجحان عليه.
هذا، ولهم في تفسير الاصرار أقوال مختلفة، فقيل أنه عبارة عن الاكثار من
الصغائر سواء كان من نوع واحدا ومن أنواع مختلفة، وقيل إنه عبارة عن المداومة
على نوع واحد منها، ونقل بعضهم قولا بأن المراد به عدم التوبة، قال في البحار
بعد نقله: وهو ضعيف وقد تقدم في كلام شيخنا الشهيد في قواعده تقسيم الاصرار
إلى فعلي وحكمي.. إلى آخر ما قدمناه من كلامه، قال في البحار وارتضاه جماعة من
المتأخرين. وأنت خبير بأن النصوص خالية من بيان مخصوص ذلك صريحا إلا
ما يفهم من رواية جابر وظاهر جملة من الأصحاب الاعراض عن ما دلت عليه والميل
إلى ما اخترناه من المعنى المذكور المأخوذ فيه العزم على العود.
قال بعض المحققين من متأخري المتأخرين: وبالجملة ظاهر الجمع بين الروايات
والأخبار الواردة في هذا الباب أن العدل واقعا من يكون ارتكابه للمعاصي على سبيل
الندرة بحيث يكون عامة أو قامة متجانبا عنها بحيث إن صدر منه شئ تذكر واستغفر
كما قال سبحانه " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا
لذنوبهم " (1) فحينئذ إن صدر منه صغيرة ولو غير مرة وغفل عن توبته لا يضر "
ذلك ولم يصر بذلك مصرا. انتهى.
الثاني من القولين المذكورين هو أن الذنوب تنقسم إلى كبائر وصغائر، ونقل
عن الشيخ في المبسوط وابن حمزة والفاضلين وجمهور المتأخرين، والظاهر أنه الأقرب
ويشهد له قوله تعالى " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم " (2)
فإنها ظاهرة في أن اجتناب الكبائر مكفر للصغائر. وأما على مذهب من ذهب
إلى أن الذنوب كلها كبائر فلا معنى للآية إذ ليس هنا ذنب غير الكبائر.
وأجيب عن ذلك بأن من عن له ذنبان أحدهما أكبر من الآخر ودعت نفسه

(1) سورة آل عمران الآية 129 (2) سورة النساء الآية 35
54

إليهما بحيث لا يتمالك فترك الأكبر وفعل الأصغر فإنه يكفر عنه الأصغر لما استحقه
من الثواب على ترك الأكبر كمن عن له التقبيل والنظر بشهرة فكف عن
التقبيل وارتكب النظر.
وهذا الجواب ذكره في كنز العرفان وأورده البيضاوي في تفسيره ونقله
شيخنا البهائي في كتاب الأربعين وأمر بالتأمل فيه، ثم إنه بين وجه التأمل في حاشية
الكتاب بما هو ظاهر في بطلان هذا الجواب، حيث قال: إنه يلزم منه أن من
كف نفسه عن قتل شخص وقطع يده مثلا يكون مرتكبا للصغيرة وتكون مكفرة
عنه، اللهم إلا أن يراد بالأصغر ما لا أصغر منه وهو في هذا المثال أقل ما يصدق
عليه الضرر لا قطع اليد. وفيه ما فيه فليتأمل. انتهى. وهو جيد وجيه.
ويدل على ذلك أيضا ما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا (1) قال: " قال
الصادق (عليه السلام) من اجتنب الكبائر كفر الله عنه جميع ذنوبه وذلك قول الله عز وجل
إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما " (2).
ويشهد أيضا قوله تعالى: " الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا
اللمم " (3) واللمم عبارة عن الصغائر أو نوع خلص منها:
ففي الكافي (4) عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
" هو الذنب يلم به الرجل فيمكث ما شاء الله ثم يلم به بعد ".
وعنه (عليه السلام) (5) في تفسير الآية المذكورة قال: " الهنة بعد الهنة أي الذنب
بعد الذنب يلبه العبد ".
قال في كتاب مجمع البحرين ومطلع النيرين: قال ابن عرفة اللمم عند العرب أن
يفعل الانسان الشئ في الحين لا يكون له عادة، ويقال اللمم هو ما يلم به العبد من

(1) الوسائل الباب 44 من جهاد النفس
(2) سورة النساء الآية 35.
(3) سورة النجم الآية 33.
(4) الأصول ج 2 ص 441 باب اللمم. والحديث (5) عن أحدهما (ع)
(5) الأصول ج 2 ص 441 باب اللمم. والحديث (5) عن أحدهما (ع)
55

ذنوب صغار بجهالة ثم يندم ويستغفر ويتوب فيغفر له، وفي الحديث " (1) اللمم
ما بين الحدين حد الدنيا و الآخرة " وفسر حد الدنيا بما فيه الحدود كالسرقة والزنا
والقذف وحد الآخرة بما فيه العذاب كالقتل وعقوق الوالدين وأكل الربا، فأراد
أن اللمم ما لم يوجب عليه حدا ولا عذابا، وقيل والاستثناء منقطع. ويجوز أن يكون
إلا اللمم صفة أي كبائر الإثم والفواحش غير اللمم. انتهى كلامه زيد اكرامه.
ويدل على هذا القول أيضا ما ورد في جملة من الأخبار في ثواب بعض
الأعمال أنه يكفر الذنوب ما عدا الكبائر، وتشهد له أيضا الأخبار الكثيرة الدالة
على تفسير الكبائر وأنها ما أوعد الله عليها النار وتفصيلها وعدها في أشياء مخصوصة
وما ورد عنه (صلى الله عليه وآله) في حديث " إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " رواه الصدوق
في الفقيه (3) مرسلا عنه (صلى الله عليه وآله) إلى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبع.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه متى زالت العدالة بارتكاب بعض الذنوب فإنه
لا خلاف في أنها تعود بالتوبة وكذا من حد في معصية ثم تاب فإنه يرجع إلى العدالة
ونقل عن بعض الأصحاب دعوى الاجماع على ذلك.
وإنما الخلاف في أن مجرد إظهار التوبة والندم هل يكفي في ذلك أم لا؟
فالمشهور على ما نقله بعض الأصحاب أنه لا يكفي في ذلك مجرد إظهار التوبة إذ
لا يؤمن أن يكون له في الاظهار غرض فاسد بل لا بد من الاختبار مدة يغلب معها
الظن بأنه أصلح سريرته وأنه صادق في توبته، وقيل إنه يعتبر اصلاح العمل وأنه
يكفي في ذلك عمل صالح ولو ذكرا وتسبيح، وقيل إنه يكفي في ذلك تكرير إظهار
التوبة والندم ومجرد استمراره على التوبة.
وذهب الشيخ في المبسوط إلى الاكتفاء في قبول الشهادة باظهار التوبة عقيب

(1) نهاية ابن الأثير مادة (لمم).
(2) الوسائل الباب 45 من جهاد النفس.
(3) الوسائل الباب 46 من جهاد النفس.
56

قول الحاكم له " تب أقبل شهادتك " لصدق التوبة المقتضي لعود العدالة. ورد بأن
المقتضي لعود العدالة التوبة المعتبرة شرعا لا مطلق التوبة.
أقول: الظاهر من الأخبار الواردة في المقام هو قوة ما ذكره الشيخ:
منها - ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (1) قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحدود إن تاب تقبل شهادته؟ فقال إذا تاب - وتوبته أن يرجع
من ما قال ويكذب نفسه عند الإمام وعند المسلمين فإذا فعل - فإن على الإمام أن يقبل
شهادته بعد ذلك ".
وعن أبي الصباح الكناني بسند معتبر (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن القاذف بعد ما يقام عليه الحد ما توبته؟ قال يكذب نفسه " قلت أرأيت إن
أكذب نفسه وتاب أتقبل شهاد ته؟ قال نعم ".
وما رواه الشيخ عن أبي الصباح أيضا (3) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن القاذف إذا أكذب نفسه وتاب أتقبل شهادته؟ قال نعم ".
وما رواه في التهذيب والكافي عن يونس عن بعض أصحابه عن أحدهما (عليه
السلام) (4) قال: " سألته عن الذي يقذف المحصنات تقبل شهادته بعد الحد إذا
تاب؟ قال نعم. قلت وما توبته؟ قال يجئ فيكذب نفسه عند الإمام ويقول
قد افتريت على فلانة ويتوب من ما قال ".
وبالجملة فإن هذا القول هو الظاهر من هذه الأخبار كما ترى وإن كان الاحتياط
سيما بالنظر إلى أحوال أبناء الزمان هو القول المشهور. وقول ذلك للقائل - في رد
كلام الشيخ " إن المقتضي لعود العدالة التوبة المعتبرة شرعا لا مجرد التوبة " مشيرا إلى أن التوبة المعتبرة شرعا هي ما ذكروه في القول المشهور من أنه لا بد من الاختبار
مدة - جيد لو كان ما ذكروه مستندا إلى دليل شرعي مع أنا لم نقف في الأخبار على

(1) الوسائل الباب 37 من الشهادات
(2) الوسائل الباب 36 من الشهادات
(3) الوسائل الباب 36 من الشهادات
(4) الوسائل الباب 36 من الشهادات
57

ما يدل عليه بل الذي نقلناه من الأخبار بخلافه كما رأيت. والله العالم.
(المقام الخامس) - إعلم أنه قد صرح جملة من أصحابنا: منهم - شيخنا
العلامة المجلسي في كتاب البحار وشيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني
وتلميذه المحدث الشيخ عبد الله بن صالح البحراني بأن العدالة المشترطة في الإمامة
والشهادة والقضاء والفتوى أمر واحد بأي الأقوال الثلاثة المتقدمة فسرت كان
جميع من ذكر مشتركين فيها، وقد جرينا على هذا القول سابقا في جملة من زبرنا
ورسائلنا،
والذي ظهر لنا الآن بعد التأمل في الأخبار بعين الفكر والاعتبار أن
العدالة في الحاكم الشرعي من قاض ومفت أخص من ما ذكر من معنى العدالة بأي
المعاني المتقدمة اعتبرت لأنه نائب عن الإمام (عليه السلام) وجالس في مجلس النبوة والإمامة
ومتصدر للقيام بتلك الزعامة فلا بد فيه من مناسبة للمنوب عنه بما يستحق به النيابة
وذلك بأن يكون متصفا بعلم الأخلاق الذي هو السبب الكلي المقرب من الملك
الخلاق وهو تحلية النفس بالفضائل وتخليتها من الرذائل وإن كان هذا العلم الآن قد
عفت مراسمه وانطمست في هذه الأزمنة معالمه وإنما المدار بين الناس الآن على العلم
بهذه العلوم الرسمية المجامعة للفسق في جل من تسمى بها.
ويكفيك في صحة ما ذكرناه قول أمير المؤمنين (عليه السلام) لشريح " يا شريح
جلست مجلسا لا يجلسه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي ".
ويدل على ما ذكرناه جملة من الأخبار، ومنها ما رواه الثقة الجليل أبو منصور
أحمد بن أبي طالب الطبرسي في كتاب الإحتجاج (2) بسنده إلى الإمام العسكري
(عليه السلام) - وهو موجود أيضا في تفسيره - عن الرضا (عليه السلام) قال: " قال علي بن الحسين
(عليه السلام) إذا رأيتم الرجل قد حسن سمته وهديه وتماوت في منطقه وتخاضع في حركاته
فرويدا لا يغرنكم فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا وركوب المحارم منها لضعف

(1) الوسائل الباب 3 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به
(2) ص 164.
58

نيته ومهانته وجبن قلبه فينصب الدين فحاله فهو لا يزال يختل الناس بظاهره فإن
تمكن من حرام اقتحمه، فإذا وجدتموه يعف عن الحرام فرويدا لا يغرنكم
فإن شهوات الخلق مختلفة فما أكثر من ينبو عن المال الحرام وإن كثر ويحمل نفسه
على شوهاء قبيحة فيأتي منها محرما، فإذا وجدتموه يعف عن ذلك فرويدا لا يغرنكم
حتى تنظروا ما عقله فما أكثر من ترك ذلك أجمع ثم لا يرجع إلى عقل متين فيكون
ما يفسده بجهله أكثر من ما يصلحه بعقله فإذا وجدتم عقله متينا فرويدا لا يغرنكم
حتى تنظروا مع هواه يكون على عقله أم يكون مع عقله على هواه وكيف محبته
للرياسات الباطلة وزهده فيها فإن في الناس من خسر الدنيا والآخرة يترك الدنيا
للدنيا ويرى أن لذة الرياسة الباطلة أفضل من لذة الأموال والنعم المباحة المحللة فيترك
ذلك أجمع طلبا للرياسة حتى " إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم
ولبئس المهاد " (1) فهو يخبط خبط عشواء يقوده أول باطل إلى أبعد غايات الخسارة
ويمده ربه بعد طلبه لما لا يقدر عليه في طغيانه فهو يحل ما حرم الله تعالى ويحرم
ما أحل الله لا يبالي بما فات من دينه إذا سلمت له رياسته التي قد شقى من أجلها
" فأولئك الذين غضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم عذابا مهينا " (2) ولكن الرجل
كل الرجل نعم الرجل هو الذي جعل هواه تبعا لأمر الله تعالى وقواه مبذولة في رضي
الله يرى الذل مع الحق أقرب إلى عز الأبد من العز في الباطل ويعلم أن قليل ما يحتمله
من ضرائها يؤديه إلى دوام النعيم في دار لا تبيد ولا تنفد وأن كثير ما يلحقه من
سرائها إن اتبع هواه يؤديه إلى عذاب لا انقطاع له ولا زوال، فذلكم الرجل نعم
الرجل فبه فتمسكوا وبسنته فاقتدوا وإلى ربكم به فتوسلوا فإنه لا ترد له دعوة
ولا تخيب له طلبة ".

(1) سورة البقرة الآية 202.
(2) يمكن أن يكون من تطبيق الآية 83 و 84 من سورة البقرة عليه وهي قوله تعالى
ولما جاءهم كتاب من عند الله.. إلى قوله وللكافرين عذاب مهين.
59

أقول: وقد اضطرب في التفصي عن هذا الخبر شيخنا الشيخ سليمان وتلميذه
المحدث المتقدم ذكرهما بناء على ما قدمنا نقله عنهما من حكمهما باتحاد معنى العدالة في
كل من اشترط اتصافه بها، فقال المحدث الصالح المذكور - في كتاب منية الممارسين
في أجوبة الشيخ ياسين بعد الكلام في العدالة وما به تتحقق ونقل هذا الخبر -
ما صورته: أنه محمول على تعريف الإمام والولي ومن يحذو حذوهما من خواص
الصلحاء وخلص أهل الايمان الذين لا تسمح الأعصار منهم إلا بافراد شاذة وآحاد
نادرة، ويرش إليه قوله (عليه السلام): " فذلكم الرجل فبه فتمسكوا وبسنته
فاقتدوا " بل لا يبعد أن يكون مراده الإمام خاصة، ويرشد إليه قوله في آخر
الحديث " فإنه لا ترد له دعوة ولا تخيب له طلبة " ويكون غرضه الرد على الزيدية
ومن حذا حذوهم من القائلين بالاكتفاء في الإمام بظهور الصلاح والورع، كيف
وما ذكر لا يتحقق إلا في الأولياء الكمل فلو اعتبر ذلك لعظم الخطب واختل النظام
وانسد باب القضاء والفتيا والتقليد والشهادات والجمعة والجماعات والطلاق وغير
ذلك. هكذا حققه شيخنا في الكتاب المذكور وهو متين جدا. أقول: أشار
بذلك إلى ما نقله في أثناء كلامه المتقدم في المسألة عن شيخه المذكور في كتابه
العشرة الكاملة.
ثم قال (قدس سره) وأقول: إن سياق الحديث دال بجملة على أن
المراد تصعيب أمر الإمامة وتشديد أمرها وقرينة الرياسة عليه شاهدة كما لا يخفى
وإلا فلا يستقيم حمله على غيره أصلا قطعا لما تقدم في رواية ابن أبي يعفور (1) من
المعارضة الصريحة من قوله (عليه السلام) حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من
عثراته وعيوبه يجب عليهم تزكيته واظهار عدالته في الناس وما تقدم في رواية
علقمة وغيرها مما هو صريح في المعارضة واضح في المناقضة ولا يجوز التعارض
في كلامهم (عليهم السلام) ولا التناقض مع أن هذه الرواية شاذة فالترجيح للأكثر

(1) ص 25.
60

المشهور بين الأصحاب المتلقاة بينهم بالقبول المعتمد عليها في الفتوى وقد أجمعوا
على ترك العمل بظاهر هذه الرواية وقد قال الصادق (عليه السلام) (1) خذ بما اشتهر بين
أصحابك ودع الشاذ الذي ليس بمشهور فإن المجمع عليه لا ريب فيه والله الهادي.
انتهى كلامه زيد مقامه.
أقول: لا ريب أن الذي أوجب لها (نور الله مرقديهما) ارتكاب هذه
التأويلات البعيدة والتمحلات السخيفة الغير السديدة إنما هو صعوبة المخرج من هذه
الشروط المذكورة التي اشتمل عليها الخبر وعدم سهولة القيام بها كما أمر سيما مع
قولهم بعموم ذلك في إمام الجماعة والشاهد وإلا فمع تخصيص الخبر بالنائب عنهم
(عليهم السلام) في القضاء والفتوى لا استبعاد فيه عند من تأويل في غيره من
الأخبار المؤيدة له كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى. وصعوبة الأمر بالنسبة إلى القضاء
والفتوى اللذين هما من خواص النائب عنهم (عليهم السلام) لا يوجب طعنا في
الخبر فإنه إنما نشأ من المكلفين باخلالهم بما أخذ عليهم في الجلوس في هذا المجلس
الشريف والمحل المنيف فإنه مقام خطير ومنصب كبير كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى
وأكد الشبهة المذكورة ما اشتهر بين الناس في أكثر الأعصار والأمصار من أن
النائب عنهم (عليهم السلام) هو كل من كانت له اليد الطولى والمرتبة العليا في هذه
العلوم الرسمية وإن لم يتصف بشئ من علم الأخلاق سيما إن هذا العلم اندرست
مراسمه وانطمست معالمه كما أشرنا إليه آنفا.
والذي يدل على ما قلناه من خروج هذا الخبر بالنسبة إلى النائب عنهم (عليهم
السلام) (أولا) ما ذكره الإمام العسكري (صلوات الله عليه) في التفسير المتقدم
ذكره من الكلام قبل هذا الخبر ثم صب عليه هذا الخبر وصاحب الاحتجاج إنما
أخذه من الكتاب المذكور:

(1) في مقبولة عمر بن حنظلة الواردة في الوسائل في الباب 9 من صفات القاضي.
61

قال (عليه السلام) (1): حدثني أبي عن جدي عن أبيه عن رسول (صلى الله عليه وآله) إن الله تعالى لا
يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبضه بقبض العلماء فإذا لم ينزل عالم إلى عالم
يصرف عنه طلاب حطام الدنيا وحرامها ويمنعون الحق أهله ويجعلونه لغير أهله
واتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا. وقال أمير المؤمنين
(عليه السلام) يا معشر شيعتنا المنتحلين لمودتنا إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن تفلتت
منهم الأحاديث أن يحفظوها وأعيتهم السنة أن يعوها فاتخذوا عباد الله خولا وماله
دولا فذلت لهم الرقاب وأطاعهم الخلق أشباه الكلاب ونازعوا الحق أهله وتمثلوا
بالأئمة الصادقين (عليهم السلام) وهم من الكفار الملاعين فسئلوا فانفوا أن
يعترفوا بأنهم لا يعلمون فعارضوا الدين بآرائهم فضلوا وأضلوا أما لو كان الدين
بالقياس لكان باطن الرجلين أو لي بالمسح من ظاهرهما. وقال الرضا (عليه السلام) قال علي بن
الحسين (عليهما السلام): إذا رأيتم الرجل.. الحديث إلى آخره.
وهو كما ترى واضح في ما ادعيناه وسياق كلامه (عليه السلام) وإن كان بالنسبة إلى علماء
العامة إلا أنه شامل لمن حذا حذوهم في الاخلال بتلك الشروط سيما مع ما في الرواية
المذكورة والدخول في هذا الأمر خطير مع الاتصاف بتلك الأمور المذكورة.
و (ثانيا) ما رواه ثقة الاسلام في الكافي بسنده عن أبي عبد الله عن
أمير المؤمنين (عليهما السلام) (2) أنه كان يقول يا طالب العلم إن العلم ذو فضائل
كثيرة فرأسه التواضع وعينه البراءة من الحسد وأذنه الفهم ولسانه الصدق وحفظه
الفحص وقلبه حسن النية وعقله معرفة الأشياء والأمور ويده الرحمة ورجله زيارة
العلماء وهمته السلامة وحكمته الورع ومستقره النجاة وقائده العافية ومركبه الوفاء
وسلاحه لين الكلام وسيفه الرضا وقوسه المداراة وجيشه محاورة العلماء ومآله
الأدب وذخيرته اجتناب الذنوب وزاده المعروف ومأواه الموادعة ودليله الهدى

(1) مستدرك الوسائل الباب 10 رقم 6 والباب 6 رقم 33 من صفات القاضي
(2) الأصول ج 1 ص 48.
62

ورفيقه محبة الأخيار.
أقول: أنظر أيدك الله تعالى إلى ما دل عليه هذا الخبر الشريف من جعله هذه
الأخلاق الملكوتية أجزاء من العلم وآلات له وأسبابا وأعوانا فكيف يكتفى في
علم العالم والرجوع إليه والاعتماد في الأحكام الشرعية عليه بمجرد اتصافه بالعلوم
الرسمية وعدم اتصافه بهذه الأخلاق الملكوتية.
قال المحقق المدقق ملا محمد صالح المازندراني في شرحه على الكتاب ما صورته:
نبههم على أن العلم إذا لم تكن معه هذه الفضائل التي بها تظهر آثاره فهو ليس بعلم
حقيقة ولا يعد صاحبه عالما.. إلى أن قال - بعد شرح الفضائل المذكورة - ما لفظه:
وهي أربعة وعشرون فضيلة من فضائل العلم فمن اتصف بالعلم واتصف علمه بهذه
الفضائل فهو عالم رباني وعلمه نور إلهي متصل بنور الحق مشاهد لعالم التوحيد بعين
اليقين ومن لم يتصف با لعلم أو اتصف به ولم يتصف علمه بشئ من هذه
الفصائل فهو جاهل ظالم لنفسه بعيد عن عالم الحق وعلمه جهل وظلمة يرده إلى أسفل
السافلين وما بينهما مراتب كثيرة متفاوتة بحسب تفاوت التركيبات في القلة
والكثرة وبحسب ذلك يتفاوت قربهم وبعدهم عن الحق والكل في مشيئة الله
تعالى انشاء قربهم ورحمهم وإن شاء طردهم وعذبهم. انتهى كلامه علت في الخلد
أقدامه. وهو كما ترى صريح في ما قلناه واضح في ما ادعيناه.
وروى في الكتاب المذكور (1) بسنده إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: طلبة
العلم ثلاثة فأعرفهم بأعيانهم وصفاتهم: فصنف يطلبه للجهل والمراء وصنف يطلبه
للاستطالة والختل وصنف يطلبه للفقه والعقل فصاحب الجهل والمراء مؤذ ممار
متعرض للمقال في أندية الرجال يتذاكر العلم وصفة الحلم قد تسربل بالخشوع
وتخلى من الورع فدق الله تعالى من هذا خيشومه وقطع منه حيزومه وصاحب
الاستطالة والختل ذو خب وملق يستطيل على مثله من أشباهه ويتواضع للأغنياء

(1) الأصول ج 1 ص 49.
63

من دونه فهو لحلوائهم هاضم ولدينه حاطم فأعمى الله على هذا خبره وقطع من آثار
العلماء أثره وصاحب الفقه والعقل ذو كآبة وحزن وسهر قد تحنك في برنسه
وقام الليل في حندسه يعمل ويخشى وجلا داعيا مشفقا مقبلا على شأنه عارفا بأهل
زمانه مستوحشا من أوثق إخوانه فشد الله من هذا أركانه وأعطاه يوم القيامة
أمانه " إلى غير ذلك من الأخبار المذكورة في الكتاب المذكور وغيره.
أقول: حينئذ فإذا كانت العلماء كما ذكره (عليه السلام) من هذه الصفات الذميمة
والأخلاق الغير القويمة فكيف يكتفى بمجرد ظاهر الاتصاف بهذه العلوم الرسمية
وعدم استنباط أحوالهم وتمييز الفرد الذي يجوز الاقتداء به؟ وهل كلام الإمام زين العابدين (عليه السلام) في ذلك إلا لاستعلام هذا الفرد المشار إليه في هذا الخبر
من هذين الفردين المشابهين له في بادئ النظر؟ ولا ريب أنه لاشتراكهم في بادئ
الأمر في الخضوع والخشوع والاتصاف بهذه العلوم الرسمية يدق الفرق ويحتاج
إلى مزيد تلطف وتأمل.
ويؤيد ما قلناه ما ذكره المحدث الكاشاني في بعض رسائله حيث قال: إن
من أهل الشقاء لمن يبطن شقاءه فيلتبس أمره على الذين لا يعلمون ثم إنه ليتوغل
في الخفاء لتوغله في الشقاء فيذهب على الألباء أولي الذكاء حتى أنهم يحسبون أنهم
مهتدون لشدة الشبه بين الفريقين وكثرة الشبه بين النجدين ولبس النفاق
بالاذعان لمكان النفاق في نوع الانسان وكلما كان أحد المتقابلين من الآخر أبعد
كان الاشتباه أكثر وأشد فإن أرباب الرياسة الدينية أمرهم في الأغلب غير مبين
لمكان المرائين وهذه هي المصيبة الكبرى في الدين والفتنة العظمى لبيضة المسلمين
وهي التي أوقعت الجماهير في الحرج وأما لتهم عن سبيل المخرج إذ من الواجب
اتباع الأذناب للرأس والرأس قد خفى في نفاق الناس ولذلك تقاتل الفئة التي تبغي
حتى تفئ إلى أمر الله. انتهى.
وبالجملة فإنه لما كان علم الأخلاق الذي هو عبارة عن تحلية النفس بالفضائل
64

وتخليتها من الرذائل أحد أفراد العلوم بل هو أصلها وأساسها الذي عليه مدارها بل
هو رأيها وهو الممدوح في الآيات والأخبار بقوله تعالى (إنما يخشى الله من عباده
العلماء) (1) وقوله (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا
قومهم إذا رجعوا إليهم.. الآية) (2) فإن الخشية والانذار إنما يترتب على علوم
الآخرة لا هذه العلوم الرسمية وكذلك الأخبار، وقد عرفت من الأخبار وكلام
جملة من علمائنا الأبرار أن من العلماء من هو خال من تلك العلوم أو متصف بأضدادها
مع تلبسه بلباس العلماء الأبرار واظهار الخشوع والخضوع والانكسار وقد دلت
الأخبار على الحث والتأكيد على المنع عن الركون إلى هؤلاء والانخداع بما يظهرونه
والاغترار فالواجب حينئذ هو البحث والفحص عن أحوال العلماء والتمييز بين الفسقة
منهم والأبرار كما نص عليه الخبر المشار إليه وغيره من الأخبار الجارية في هذا المضمار.
وأيضا فإنه لا تتحقق نيابة هذا العالم وصحة تقليده ووجوب متابعته إلا بوجود
شروطها ومن جملتها العلم باتصافه بتلك الصفات الجليلة والتخلي من كل منفصة ورذيلة
والأخبار التي دلت على الاكتفاء في العدالة بحسن الظاهر كما هو الأظهر
أو الاسلام إنما موردها الشاهد والإمام ولا دلالة فيها على التعرض للنائب عنهم
(عليهم السلام) الذي هو محل البحث في المقام، وحينئذ فلا معارض لهذا الخبر وأمثاله
في ما ادعيناه ولا مناقض له في ما قلناه.
وبذلك يظهر لك ما في كلام ذينك الفاضلين من القصور لعدم اعطائهما التأمل
حقه في الأخبار وما أطال ذلك الشيخ الصالح بعد نقل كلام أستاذه من المعارضة
بصحيحة عبد الله بن أبي يعفور ونحوها وطعنه في الخبر المذكور بالشذوذ مع ما عرفت
من تأيده بالأخبار الواضحة المنار وكلام جملة من علمائنا الأبرار.
ومن أراد الوقوف على صحة ما ذكرناه زيادة على ما رسمناه في هذا الكتاب
فليرجع إلى كتابنا الدرر النجفية (3) فإنه قد أحاط بأطراف الكلام بابرام النقض ونقض

(1) سورة الفاطر الآية 25 (2) سورة التوبة الآية 123
(3) سيأتي في الاستدراكات ما يتعلق بالمقام إن شاء الله تعالى
65

الابرام في هذا المقام ونقل جملة وافرة من أخبار هم (عليهم السلام) وجملة من
كلمات علمائنا الأعلام الجارية على وفق تلك الأخبار المذكورة في المقام. والله
الهادي لمن يشاء.
(المقام السادس) إذا علم المكلف من نفسه الفسق مع كونه على ظاهر العدالة
بين الناس فهل يجوز له الدخول في الأمور المشروطة بالعدالة من الإمامة في الجمعة
والجماعة والشهادة والحكم بين الناس والفتوى ونحو ذلك أم لا؟
ظاهر جملة من الأصحاب: منهم - شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الأول
قال في الكتاب المذكور - في الكلام على شاهدي الطلاق بعد أن ذكر أنه لا يقدح
فسقهما واقعا مع ظهور عدالتهما بالنسبة إلى غيرهما - ما صورته: وهل يقدح
فسقهما في نفس الأمر بالنسبة إليهما حتى أنه لا يصح لأحدهما أن يتزوج بها أم لا
نظرا إلى حصول شرط الطلاق وهو العدالة ظاهرا؟ وجهان، وكذا لو علم
الزوج فسقهما مع ظهور عدالتهما ففي الحكم بوقوع الطلاق بالنسبة إليه حتى
تسقط عنه حقوق الزوجية ويستبيح أختها والخامسة وجهان، والحكم بصحته
فيها لا يخلو من قوة.
وظاهر شيخنا أبو حسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني موافقته في ذلك
حيث إنه في بعض أجوبة المسائل سئل عن ذلك فأجاب بعد الاستشكال وقال
بالنسبة إلى الحكم الأول الذي تقدم في عبارة المسالك: وأما بالنسبة إليهما ففيه
كلام والحكم بالصحة لا يخلو من قوة. وقال بعد الحكم الثاني: وللتوقف في
المسألة مجال وإن كانت الصحة غير بعيدة. وظاهر الفاضل المولى محمد باقر الخراساني
في الكفاية موافقته في الأول دون الثاني.
وأنت خبير بأن مقتضى كلامهم هنا جواز الإمامة في الجمعة والجماعة والفتوى
والحكم وجواز اقتداء من علم الفسق مع ظهور العدالة لأن الجميع من باب واحد.
وظاهر المحدث الصالح الشيخ عبد الله به صالح حيث إنه من رؤوس الأخباريين
66

التوقف في المقام حيث قال: ولو نواها - يعني الإمامة - وعد نفسه من أحد الشاهدين
وكان تائبا عن المعاصي جاز له ذلك أما لو كان مصرا على المعاصي مرتكبا للكبائر
فاشكال وللأصحاب فيه قولان: أحدهما الجواز لأن المدار إنما هو على اعتقاد
المؤتم أو المطلق وبناء الأمور على الظاهر دون الباطن، ومن حيث إنه اغراء
بالقبيح لأنه عالم بفسق نفسه فكيف يتقلد ما ليس له خصوصا في الجماعة الواجبة كالجمعة.
والأحكام الشرعية إنما جرت على الظاهر إذا لم يكن الاطلاع على الباطن وهو مطلع
على حقيقة الأمر. والأول أوفق بالقواعد الأصولية إلا أنه لما لم يكن نص في
المسألة واعتقادنا أن لا مناط في الأحكام الشرعية سواه وجب الوقوف عن الحكم
والعمل بالاحتياط في العلم والعمل ورد ما لم يأتنا به علم من أهل العصمة (عليهم
السلام لقول الصادق (عليه السلام) (1) " ارجه حتى تلقى إمامك فإن الوقوف عند الشبهات
خير من الاقتحام في الهلكات " انتهى.
أقول - وبالله سبحانه الاستعانة ومنه التوفيق لبلوغ كل مأمول - لا يخفى أن ما
ذكروه (قدس الله أسرارهم) من جواز تقلد العالم بفسق نفسه للأمور المشروطة بالعدالة
وإن كان مما يتراءى في بادئ النظر صحته بناء على ما ذكره المحدث المذكور من أن المدار
في الصحة والبطلان إنما هو على اعتقاد المؤتم أو المطلق وأن الأمور إنما بنيت على
الظاهر، ويؤيده أيضا تحريم أو كراهة إظهار الانسان عيوب نفسه للناس ووجوب
أو استحباب سترها ووجوب ستر غيره عليه لو اطلع على معصية منه إلا أن
الذي ظهر لي من التأمل في المقام ومراجعة أخبارهم (عليهم السلام) خلاف ذلك
وتوضيح ذلك أن ظاهر الآية (2) والأخبار الدالة على النهي عن قبول خبر
الفاسق (3) والنهي عن الصلاة خلفه (4) إنما هو من حيث الفسق لأن التعليق على

(1) في مقبولة عمر بن حنظلة الواردة في الوسائل في الباب 9 من صفات القاضي
(2) قوله تعالى (إن جاءكم فاسق بنبأ..) في سورة الحجرات الآية 6
(3) الوسائل الباب 30 من الشهادات (4) الوسائل الباب 11 من صلاة الجماعة.
67

الوصف يشعر بالعلية وهو مشعر بأن الفاسق ليس أهلا لهذا المقام ولا صالحا لتقلد
هذه الأحكام، وإذا كان الشارع لم يره أهلا لذلك ولا صالحا لسلوك هذه المسالك
فهو في معنى منعه له عن ذلك فادخاله نفسه في ما لم يره الله أهلا له وتعرضه له
موجب لمخالفته له (عز وجل) ومجرد تدليس وتلبيس حمله عليه إبليس. وجواز اقتداء
الناس به وقبول شهادته من حيث عدم ظهور فسقه لهم لا يدل على جواز الدخول
لأن حكم الناس في ذلك على حدة وحكمه وهو في نفسه على حدة والكلام إنما هو في
الثاني وأحدهما لا يستلزم الآخر. ونظره في الأحكام الشرعية غير عزيز فإن
لحم الميتة حكمه في حد ذاته الحرمة وعدم جواز أكله وبالنسبة إلى من لا يعلم بكونه
ميتة جواز أكله.
ويؤيد ما قلناه ظواهر جملة من الأخبار مثل صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: خمسة لا يؤمون الناس على كل حال: المجذوم والأبرص والمجنون
وولد الزنا والأعرابي ونحوها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام)
وقد تقدمت (2).
والتقريب فيهما أن ظاهرهما توجه النهي إلى هؤلاء عن الإمامة بالناس لأنهم
ليسوا من أهلها باعتبار ما هم عليه من الأمور المذكورة المانعة من أهلية الإمامة،
وبعض الأخبار وإن ورد أيضا في نهي الناس عن الائتمام بهم إلا أنه إنما يتوجه
إلى المؤتمين وأما في هذين الخبرين الصحيحين فإنما هو متوجه إلى الإمام بأن لا يكون
من أحد هؤلاء فلو فرضنا عدم علم الناس بما هم عليه من هذه الصفات المانعة من
الائتمام مع اعتقادهم العدالة فيهم فإنه يجوز لهم الاقتداء بهم بناء على الظاهر إلا أنه
بمقتضى هاتين الصحيحتين لا يجوز لهم الإمامة لما هم عليه من الموانع المذكورة وإن
خفيت على الناس، ولا أظن أحدا يخالف في ما قلناه. وهذا بعينه جار في الفاسق
الذي هو محل البحث بأن كان عالما بفسق نفسه وإن خفي على الناس.

(1) الوسائل الباب 15 من صلاة الجماعة (2) ص 6.
68

ويؤيد ما ذكرنا ما ورد في أخبار الفتوى والحكم مثل ما تقدم قريبا من
قول أمير المؤمنين (عليه السلام) (1) لشريح يا شريح جلست مجلسا لا يجلسه إلا نبي أو وصي
نبي أو شقي وقول أبي عبد الله (عليه السلام) (2) (اتقوا الحكومة إنما هي للإمام
العالم بالقضاء العادل في المسلمين كنبي أو وصي نبي) والأخبار المانعة من تقليد
العلماء واتباعهم إلا بعد معرفة عدالتهم كحديث علي بن الحسين (عليه السلام) المتقدم
ذكره (3) ونحوه، فإن الجميع ظاهر في النهي عن من لم يكن مستكملا لأسباب النيابة
وشرائطها وأهلية الحكم والفتوى ولا ريب أن من أعظم الأسباب المانعة الفسق
فهي ظاهرة في منع الفاسق من الجلوس في هذا المقام وإن كان ظاهر العدالة بين
الأنام وعدم جواز تقلده للأحكام. وجواز تقليد الناس له من حيث عدم ظهور
فسقه لهم لا يدل على جوازه له لأنه عالم بأن الشارع قد منع الناس من اتباع الفاسق
وتقليده وليس إلا من حيث فسقه، فالفسق صفة مانعة من تقلد هذه الأمور عند
الله جل شأنه فكيف يجوز له مخالفة ذلك وتقلد الأمور بناء على ظن الناس العدالة
فيه؟ وقد عرفت أن حكم الناس غير حكمه في ذاته.
وكلام من قدمنا كلامه وإن كان مخصوصا بمسألة الشهادة والإمامة إلا أن
الحكم في المواضع الثلاثة واحد، فإن مبنى الكلام هو أنه هل يكتفى بظهور العدالة
في جواز التقلد للأمور المشروطة بها وإن لم يكن كذلك واقعا أم لا بد من ثبوتها
واقعا؟ فالاشكال والكلام جار في جميع ما يشترط فيه العدالة وهذا أحدها،
وحينئذ فما ذكروه إنما جرى مجرى التمثيل لا الحصر.
ومن أظهر الأدلة على ما قلناه ما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر
نقلا من كتاب السياري (4) قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) قوم من مواليك

(1) الوسائل الباب 3 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به
(2) الوسائل الباب 3 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به
(3) ص 58
(4) الوسائل الباب 11 من صلاة الجماعة
69

يجتمعون فتحضر الصلاة فيقدم بعضهم فيصلي بهم جماعة؟ فقال إن كان الذي يؤم
بهم ليس بينه وبين الله طلبة فليفعل.
وهو كما ترى ظاهر الدلالة صريح المقالة في أنه لا يجوز الإمامة لمن علم من
نفسه الفسق حتى يتوب توبة نصوحا ويقلع عنه اقلاعا صحيحا. ومورد الخبر
وإن كان الإمامة إلا أنه جار في غيرها بالتقريب الذي تقدم ذكره.
(فإن قلت) إنكم قد فسرتم العدالة في ما سبق بحسن الظاهر المجامع للفسق
باطنا وكلامكم هنا يشعر بأن العدالة لا يجوز مجامعتها للفسق باطنا لمنعكم له من الدخول
في الأمور المشروطة بالعدالة إذا علم من نفسه الفسق؟
(قلت) لا يخفى أن العدالة بالنسبة إلى المكلف المتصف بها غيرها بالنسبة إلى
غيره ممن يتبعه، فإنها بالنسبة إليه عبارة عن عدم اتصافه بما يوجب الفسق والخروج
عن العدالة وهو الذي أشار إليه صحيح ابن أبي يعفور من اتصافه بالستر والعفاف
إلى آخر تلك الأوصاف كما تقدم ايضاحه، وبالنسبة إلى غيره عبارة عن عدم ظهور
ما يوجب الفسق منضما إلى معرفته بتلك الأوصاف المذكورة في الخبر، وعلى هذا
فمن ظهر منه ذلك مع كونه واقعا ليس كذلك يكون عدلا في الظاهر يجوز قبول
شهادته والائتمام به وامتثال أوامره وأحكامه وفتاويه وإن كان فاسقا في الباطن يحرم
عليه الدخول في تلك الأمور ويأثم ويؤاخذ بالدخول فيها وإن صح اتباع الناس له
فهو له حكم في حد ذاته وللناس معه حكم آخر، نظير من صلى بالناس على غير طهارة
متعمدا مع اعتقاد الناس فيه العدالة فإن صلاتهم تكون صحيحة لحصول شرطها
المذكور وصلاته هو تكون باطلة لفوات شرطها بالنسبة إليه، وصحة صلاتهم
خلفه لا توجب له جواز الإمامة بهم بناء على اعتقادهم فيه العدالة فكذا ما نحن
فيه. ومنشأ الوهم في كلام الجماعة المتقدم ذكرهم أنهم رتبوا العدالة والاتصاف بها
على اعتقاد الغير من مطلق مثلا ومؤتم ومستفت ونحوهم وغفلوا عنها بالنسبة إلى من
يتصف بها، وقد عرفت من ما حققناه أن لها اعتبارا بالنسبة إلى من يتصف بها غيره
70

بالنسبة إلى غيره من هؤلاء المذكورين ونحوهم.
ومما يؤيد ما ذكرنا أيضا صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع (1) قال: مات
رجل من أصحابنا ولم يوص فرفع أمره إلى قاضي الكوفة فصير عبد الحميد القيم
بماله وكان الرجل خلف ورثة صغارا ومتاعا وجواري فباع عبد الحميد المتاع فلما
أراد بيع الجواري ضعف قلبه في بيعهن إذ لم يكن الميت صير إليه وصية وكان قيامه
بهذا بأمر القاضي لأنهن فروج، قال فذكرت ذلك لأبي جعفر (عليه السلام) فقلت له يموت
الرجل من أصحابنا ولم يوص إلى أحد ويخلف جواري فيقيم القاضي رجلا منا
ليبيعهن أو قال يوم بذلك رجل منا فيضعف قلبه لأنهن فروج فما ترى في ذلك
القيم؟ فقال إذا كان القيم به مثلك ومثل عبد الحميد فلا بأس فإن المراد منه المماثلة
في الوثاقة والعدالة.
ورواية سماعة (2) قال: سألته عن رجل مات وله بنون وبنات صغار وكبار
من غير وصية وله خدم ومماليك وعقد كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك الميراث؟ قال إن قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كله فلا بأس.
ولا ريب إنما تضمنه هذان الخبران من جملة المواضع المشترط فيها العدالة
باتفاق الأصحاب لأن هذا من الأمور الحسبية التي صرحوا بأنها ترجع إلى الفقيه
الجامع للشرائط وهو النائب عنهم (عليهم السلام) ومع تعذره يقوم بها عدول
المؤمنين، وهما ظاهران في اشتراط عدالة القائم بذلك في نفسه وحد ذاته لا بالنظر
إلى الغير فإنه إنما رخص له الدخول بشرط اتصافه بذلك.
ويؤيد ذلك بأوضح تأييد ويشيده بأرفع تشييد أن الظاهر المتبادر من الآية
والأخبار المصرح فيها بالعدالة واشتراطها في الشاهد مثل قوله عز وجل (واشهدوا

(1) الوسائل الباب 16 من عقد البيع وشروطه.
(2) الوسائل الباب 88 من الوصايا. والرواية في نسخ الحدائق (رفاعة) والصحيح
ما هنا كما تقدم في ص 32.
71

ذوي عدل منكم) (1) وقولهم (عليهم السلام) (2) (يطلقها بحضور عدلين) و (إذا
أشهد عدلين) ونحو ذلك هو اتصاف الشاهد بالعدالة في حد نفسه وذاته لا بالنظر
إلى غيره إذا لا يخفى أن قولنا فلان عدل وفلان ثقة مثل قولنا فلان عالم وشجاع
وجواد ونحو ذلك، ومن المعلوم أن المراد في جميع ذلك إنما هو اتصافه بهذه الصفات
في حد ذاته غاية الأمر أنه قد يتطابق علم المكلف والواقع في ذلك وقد يختلفان بأن
يكون كذلك في نظر المكلف وإن لم يكن واقعا وحينئذ فيلزم كلا حكمه، فيلزم من
اعتقد عدالته بحسب ما يظهر من حاله جواز الاقتداء به مثلا وقبول شهادته ويلزمه
هو عدم جواز الدخول في ذلك وكذا يلزم من اطلع على فسقه عدم جواز الاقتداء
به وحينئذ فإذا كان المراد من الآية والأخبار المشار إليها إنما هو اتصافه في حد
ذاته فكيف يجعل المناط في حصول العدالة باعتبار الغير كما توهموه وبنوا عليه
ما بنوا من الفروع المذكورة؟ ولا ريب أنه متى كان ذلك إنما هو بالنسبة إليه في
حد ذاته فإنه لا يجوز له الدخول في ما هو مشروط بالعدالة البتة.
وبذلك يظهر لك ما في كلام صاحب المسالك ومن تبعه من الوهن والقصور ولا سيما
في فرضه الثاني وهوما إذا علم الزوج فسقهما فطلق بحضورهما مع ظهور عدالتهما بين
الناس فإنه أوهن من بيت العنكبوت وأنه لأوهن البيوت، ومقتضى تجويزه الطلاق
هنا جواز اقتداء من علم فسق الإمام به في الصلاة مع ظهور عدالته بين الناس وهكذا
قبول فتواه وأحكامه، والجميع في البطلان أوضح من أن يحتاج إلى بيان عنده ذوي
الأفهام والأذهان. والعجب من شيخنا الشيخ سليمان المتقدم ذكره في تردده أولا
ثم ميله إلى ما في المسالك من غير ايراد دليل متعمد ولا بيان مستند إلا مجرد التقليد
لما في المسالك، ونحوه الفاضل الآخر. وبالجملة فالطلاق في الصورتين المفروضتين
مما لا اشكال في بطلانه ولا سيما الثانية. والله العالم بحقائق أحكامه.
(المقصد الثاني) في العدد، لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)

(1) سورة الطلاق الآية 2.
(2) الوسائل الباب 10 من مقدمات الطلاق وشرائطه
72

- كما نقله غير واحد معتمديهم - في اعتبار العدد واشتراطه في صحة صلاة
الجمعة ووجوبها، إنما الخلاف في أقله وفيه قولان (أحدهما) - وهو المشهور أنه
خمسة الإمام وأربعة معه من المتصفين بالصفات الآتية إن شاء الله تعالى، وهو قول
الشيخ المفيد والمرتضى وابن الجنيد وابن إدريس والمحقق والعلامة
وغيرهم، و (ثانيهما) - أنه سبعة في الوجوب العيني وخمسة في الوجوب التخييري
ذهب إليه الشيخ وابن البراج وابن زهرة وهو المنقول عن الصدوق وإليه مال
الشهيد في الذكرى.
واستدل للقول الأول بالآية (1) والتقريب فيها أن الأمر للوجوب ثبت
الاشتراط بالخمسة بالاتفاق عليها والأخبار الكثيرة (2) والزائد منتف لفقد الدليل
وعندي أن الاستدلال بالآية في هذا المقام محل نظر: فإن الآية مطلقة
وليس فيها إشارة فضلا عن التصريح باشتراط العدد ولا كميته، وتقييدها بأخبار
الخمسة يرجع إلى الاستدلال بأخبار الخمسة لا إلى الآية من حيث هي.
والتحقيق أن المرجع في الاستدلال إنما هو الأخبار وهي مختلفة أيضا كما ستقف
عليها إن شاء الله تعالى:
ومنها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (3) قال: يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زاد فإن كانوا أقل من
خمسة فلا جمعة لهم.
وما رواه الكليني والشيخ في الصحيح أو الحسن عن زرارة (4) قال: كان
أبو جعفر (عليه السلام) يقول: لا تكون الخطبة صلاة ركعتين على أقل من خمسة
رهط: الإمام وأربعة.

(1) قوله تعالى في سورة الجمعة الآية 9 (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من
يوم الجمعة..)
(2) الوسائل الباب 2 من صلاة الجمعة.
(3) الوسائل الباب 2 من صلاة الجمعة.
(4) الوسائل الباب 2 من صلاة الجمعة.
73

وما رواه الشيخ في الموثق عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
(لا تكون جمعة ما لم يكن القوم خمسة).
وعن الفضل بن عبد الملك في الصحيح (2) قال: (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول
إذا كان قوم في قرية صلوا الجمعة أربع ركعات فإن كان لهم من يخطب بهم جمعوا إذا
كانوا خمسة نفر.. الحديث).
وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن الصادق (عليه السلام) (3) قال في صلاة
العيدين: (إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنهم يجمعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة)
وعن زرارة في الصحيح (4) قال: (قلت لأبي جعفر (عليه السلام) على من تجب
الجمعة؟ قال تجب على سبعة نفر من المسلمين ولا جمعة لأقل من خمسة من المسلمين
أحدهم الإمام فإذا اجتمع سبعة ولم يخافوا أمهم بعضهم وخطبهم).
وما رواه في الخصال في الصحيح عن عاصم بن حميد عن أبي بصير عن
أبي جعفر (عليه السلام) (5) قال: (لا تكون الجمعة بأقل من خمسة).
. وما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (6) قال: تجب الجمعة
على سبعة نفر من المسلمين ولا تجب على أقل منهم: الإمام وقاضيه والمدعي حقا
والمدعى عليه والشاهدان والذي يضرب الحدود بين يدي الإمام.
وعن عمر بن يزيد في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (7) قال: إذا كانوا سبعة
يوم الجمعة فليصلوا في جماعة.
وما رواه الكشي في كتاب الرجل عن علي بن محمد بن قتيبة عن الفضل بن
شاذان عن ابن أبي عمير عن غير واحد من أصحابنا عن محمد بن حكيم وغيره عن
محمد بن مسلم عن محمد بن علي عن أبيه عن جده عن النبي (صلى الله عليه وآله) (8) في الجمعة قال:
إذا اجتمع خمسة أحدهم الإمام فعليهم أن يجمعوا.
أقول: الظاهر من مجموع هذه الأخبار باعتبار ضم بعضها إلى بعض هو ما ذهب

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة الجمعة.
(2) الوسائل الباب 2 من صلاة الجمعة.
(3) الوسائل الباب 2 من صلاة الجمعة.
(4) الوسائل الباب 2 من صلاة الجمعة.
(5) الوسائل الباب 2 من صلاة الجمعة.
(6) الوسائل الباب 2 من صلاة الجمعة.
(7) الوسائل الباب 2 من صلاة الجمعة.
(8) الوسائل الباب 2 من صلاة الجمعة.
74

إليه الشيخ فإنه الذي تجتمع عليه الأخبار، وأما العمل بالقول المشهور فهو موجب
لطرح أخبار السبعة من البين مع ما يشير إليه بعضها من أن أخبار الخمسة إنما أريد
بها التخيير مثل قوله (عليه السلام) في رواية محمد بن مسلم تجب على سبعة نفر ولا تجب
على أقل منهم يعني أنها تجب عينا على السبعة ولا تجب عينا على أقل منهم، لأن
هذا المعنى هو الذي يجتمع به مع الأخبار المتقدمة الدالة على الخمسة، وقوله في
صحيحة زرارة تجب على سبعة نفر ولا جمعة لا قل من خمسة فإن النفي هنا متوجه
إلى كل من العيني والتخييري بمعنى أن الأقل من خمسة لا وجوب عليهم مطلقا
ومفهومه أن الخمسة تجب عليهم مع حكمه أولا وأخيرا بتخصيص الوجوب بالنسبة
ولا وجه للجمع إلا باعتبار جعل الوجوب في جانب السبعة عينيا وفي جانب الخمسة
تخييريا، ونحو ذلك التخيير بين الخمسة والسبعة في صحيحة الحلبي فإنه لا وجه له إلا
باعتبار ما ذكرناه. وصحيحة عمر بن يزيد قد اختصت بالسبعة ومفهوم الشرط فيها
يدل على نفي الوجوب عن الأقل من سبعة مع دلالة الأخبار المتقدمة على الوجوب
بالخمسة ولا وجه للجمع إلا ما ذكرناه. ولو جعل شرط الوجوب الخمسة خاصة كما هو
المشهور لكان ذكر السبعة في جميع هذه الأخبار لغوا بل مفسدا لمعنى الأخبار
المذكورة، على أن أخبار الخمسة لا ظهور فيها فضلا عن الصراحة في الوجوب
العيني كما لا يخفى.
قال المحقق (قدس سره) في المعتبر - بعد نقل رواية محمد بن مسلم دليلا
لقول الشيخ بالسبعة وصحيحة زرارة الأولى وموثقة ابن أبي يعفور دليلا للقول
المشهور - ما صورته: ونحن نرى العمل على الوجوب مع الخمسة لأنها أكثر ورودا
ونقلة ومطابقة لدلالة القرآن. ولو قال - أخبار الخمسة لا تتضمن الوجوب وليس
البحث في الجواز بل في الوجوب ورواية محمد بن مسلم تتضمن سقوط الوجوب
عن من قل عددهم عن سبعة فكانت أدل على موضع النزاع - قلنا ما ذكرته وإن
كان ترجيحا لكن روايتنا دالة على الجواز ومع الجواز تجب للآية فلو عمل
75

برواية محمد بن مسلم لزم تقييد الأمر المطلق المتيقن بخبر الواحد ولا كذا مع العمل
بالأخبار التي اخترناها، على أنه لا يمكن العمل برواية محمد بن مسلم لأنه خص
السبعة بمن ليس حضورهم شرطا فسقط اعتبارها. انتهى.
وأنت خبير بما فيه ما عرفت فإن دليل السبعة غير منحصر في رواية محمد
ابن مسلم المذكورة بل قد عرفت دلالة جملة من الروايات على ذلك بالتقريب الذي
ذكرناه واللازم من ما ذهب إليه هو طرحها على كثرتها وصحة بعضها وهو بعيد عن
جادة الانصاف والصواب سيما مع إمكان الجمع بين الجميع بما ذكرناه. وأما دعواه
مطابقة أخبار الخمسة لظاهر القرآن فهو ممنوع لأن الآية كما عرفت لا اشعار فيها
باشتراط عدد فضلا عن كونه خمسة وإنما هي مطلقة، وتقييدها بالأخبار يتوقف
أولا على النظر في أخبار المسألة والجمع بينها على وجه يرفع التنافي بينها وتجتمع عليه
في البين فيخصص بها اطلاق الآية حينئذ، وإلا فكما أنه يدعى تقييدها بأخبار
الخمسة فللخصم أن يقيدها بأخبار السبعة على الوجه الذي يقوله وهو الحق الحقيق
بالاتباع لأنه هو الذي تجتمع عليه أخبار المسألة ويندفع به عنها التنافي والتدافع.
وأما طعنه في رواية محمد بن مسلم بأنه آحاد فهو وارد عليه في أخبار الخمسة أيضا
وأما طعنه - بأنه خص السبعة بمن ليس حضورهم شرطا فسقط اعتبارها - فقد تقدم
الجواب عنه بأن ذكر هؤلاء إنما وقع على سبيل التمثيل كما تقدم تحقيقه، على أن
ذلك أيضا وارد عليه في استناد إلى هذه الرواية في اشتراط الوجوب العيني بحضور
الإمام فإنه أحد السبعة أيضا كما تقدم تحقيقه.
وأجاب العلامة عن قوله (عليه السلام) في الرواية ولا تجب على أقل منهم تارة
بالحمل على ما كان أقل من خمسة ولا يخفى تعسفه، وتارة باستضعاف السند بالحكم بن
مسكين. والله العالم.
قال شيخنا في الذكرى - ونعم ما قال - بعد نقل رواية زرارة وصحيحة
منصور الدالتين على القول المشهور ورواية محمد بن مسلم الدالة على القول الآخر
76

ما لفظه: وهذان الخبران كالمتعارضين فجمع الشيخ
أبو جعفر الطوسي بالحمل على الوجوب العيني في السبعة والوجوب التخييري في
الخمسة وهو حمل حسن ويكون معنى قوله (عليه السلام) ولا تجب على أقل منهم نفي الوجوب
الخاص أي العيني لا مطلق الوجوب لئلا يتناقض الخبران المرويان بعدة أسانيد.
والمحقق في المعتبر لحظ هذا ثم قال: هذا وإن كان مرجحا لكن روايتنا دالة على
الجواز ومع الجواز تجب لقوله تعالى فاسعوا إلى ذكر الله.. " فلو عمل برواية
محمد بن مسلم.. " إلى آخر ما قدمناه من عبارته. ثم قال (قدس سره) قلت: الجواز
لا يستلزم الوجوب وإلا لوجبت عينا حال الغيبة، والاحتجاج بعموم القرآن
وارد فيه، والأمر المطلق مسلم ولكن الاجماع على تقييده بعدد مخصوص حتى
قال الشافعي وأحمد أربعون وأبو حنيفة أربعة أحدهم الإمام ومصير الأصحاب
إلى ذلك العدد مستند إلى الخبر وهو من الطرفين في حيز الآحاد فلا بد من التقييد
به. (فإن قال) - صاحب السبعة موافق على الخمسة فاتفقا على التقييد بها فيؤخذ
المتفق عليه - (قلنا) هذا من باب الأخذ بأقل ما قيل وقد توهم بعض الأصوليين أنه
حجة بل اجماع وقد بينا ضعفه في الأصول. انتهى. وهو جيد وجيه كما لا يخفى
على الفطن النبيه.
فروع
(الأول) مذهب الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف
أن اشتراط العدد إنما هو في الابتداء لا في الاستدامة فلو أحرموا جميعا ثم انفضوا
إلا الإمام أو أحد العدد المعتبر أتمها جمعة.
وعللوه (أولا) بالنهي عن قطع العمل. و (ثانيا) بأن اشتراط استدامة
العدد منفي بالأصل وأنه لا يلزم من اشتراطه ابتداء اشتراطه استدامة كالجماعة

(1) المغني لابن قدامة الحنبلي ج 2 ص 327 و 328 والبحر الرائق لابن نجيم الحنفي
ج 2 ص 150.
77

وكعدم الماء في حق المتيمم.
واعترف الشيخ في الخلاف بأنه لا نص لا صحابنا فيه، قال لكنه
قضية المذهب لأنه دخل في الجمعة وانعقدت بطريقة معلومة فلا يجوز
ابطالها إلا بيقين.
أقول: لا ريب أن ما ذكروه هو مقتضى الاحتياط فينبغي أن يجعل الدليل
هو ذلك لا ما ذكروه من هذه التعليلات الواهية التي لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية. وقد تقدم في مقدمات الكتاب أن الاحتياط في مثل هذا المقام واجب
فإنه دليل شرعي كما عليه جملة من الأخبار مؤيدا بأخبار الاحتياط العامة وتمام
الاحتياط صلاة الظهر بعدها.
ثم إن ظاهر عبارة شيخنا في الذكرى اعتبار احرام الجميع من الإمام
والمأمومين فلو حصل التفرق والانفضاض بعد ذلك وجب الاتمام جمعة على من
بقي وإن كان واحدا، وهو ظاهر كلام المحقق في الشرائع أيضا، وظاهره في
المعتبر عدم اعتبار ذلك بل الاكتفاء بإحرام الإمام حيث قال: لو أحرم فانفض
العدد المعتبر أتم جمعة لا ظهرا. ثم استدل بأن الصلاة انعقدت ووجب الاتمام
لتحقق شرائط الوجوب ومنع اشتراط استدامة العدد. وإليه مال في المدارك،
وهو جيد لانسحاب الدليل المتقدم في هذا المواضع أيضا من ما ذكروه (رضوان الله
عليهم) وما ذكرناه.
وأما اعتبار بقاء واحد مع الإمام أو اثنين أو انفضاضهم بعد صلاة ركعة
تامة في وجوب الاتمام أو اعتبار بقاء جميع العدد فهو منسوب إلى الشافعي (1) إلا أن العلامة في التذكرة وافقه في اعتبار الركعة في وجوب الاتمام لقول النبي (صلى الله عليه وآله) (2)

(1) المغني ج 2 ص 333 وفتح الباري ج 2 ص 290
(2) في سنن ابن ماجة ج 1 ص 346 (قال رسول الله صلى الله عليه وآله من أدرك من الجمعة ركعة فليصل إليها أخرى)
وفي سنن البيهقي ج 3 ص 204 (إذا أدركت من الجمعة فأضف إليها أخرى..).
78

" من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها أخرى " ورده جملة ممن تأخر عنه بأنه
دلالة له على المطلوب، وهو جيد إذ لا دلالة فيه على أن من لم يدرك ركعة قبل
انفضاض العدد يقطع الصلاة. نعم لا عبرة بانفضاض الزائد على العدد المعتبر
مع بقاء ذلك العدد سواء شرعوا في الصلاة أم لا اتفاقا.
(الثاني) لو انفضوا قبل تلبس الإمام بالصلاة أو انفض ما يسقط به العدد المعتبر
سقطت الجمعة سقوطا مراعى بعدم عودهم أو عدم حصول من تنعقد به سواء كان
في أثناء الخطبة أو بعدها قبل الدخول في الصلاة، فلو عادوا بعد انفضاضهم
والوقت باق وجبت. قالوا ولو انقضوا في حال الخطبة بنى الإمام على ما تقدم
منها وأتمها إذا لم يطل الفصل ومعه في أحد الوجهين لحصول مسمى الخطبة وأصالة
عدم اشتراط الموالاة، ولو أتى غيرهم ممن لم يسمع الخطبة أعاد الخطبة من رأس.
واستشكله في الذكرى بأنه لا يؤمن انفضاضهم ثانيا لو اشتغل بالإعادة فيصير ذلك
عذرا في ترك الجمعة.
(الثالث) قال في الذكرى: لو حضر عدد آخر بعد التحريمة فتحرموا ثم
انفض الأولون لم يضر لأن الانعقاد قد تم بالواردين. قاله في التذكرة، ويشكل
بأن من جملة الأولين الإمام فكيف تنعقد بدونه إلا أن يقال ينصبون الآن إماما
أو يكون قد انفض من عدا الإمام أو يكون ذلك على القول باعتبار الركعة لأنه
لو لم تعتبر الركعة في بقاء الصحة كان بقاء الإمام وحده كافيا في الصحة ولا يكون في
حضور العدد الآخر فائدة تصحح الصلاة. انتهى.
أقول: لا يخفى أن هذا الاشكال إنما يتجه لو قلنا بأنه لو أحرم الإمام مع
العدد المعتبر ثم انفض الإمام مع بعض العدد فإنه لا يجب الاتمام جمعة لعدم
الإمام كما هو ظاهر الذكرى حيث قال في أول المسألة: العدد إنما هو شرط في
الابتداء لا في الاستدامة فلو تحرموا بها ثم انفضوا إلا الإمام أتمها جمعة للنهي عن
ابطال العمل.. إلى آخره. ونحوها عبارته في الدروس، وربما كان فيه اشعار
79

بأنه لو انفض الإمام مع بعض العدد فإنه لا يجب على الباقين الاتمام جمعة كما هو صريح
كلامه هنا والفرق بين العدد الأول والثاني لا يظهر له وجه هنا. والمحقق في الشرائع
قد صرح بوجوب الاتمام جمعة بعد انفضاض العدد وإن لم يبق إلا واحد سواء كان
إماما أو مأموما. وبالجملة فإن استشكاله هنا إن كان مبنيا على الفرق بين العددين
فلا أعرف له وجها في البين، وإن كان لما يشعر به كلامه الذي ذكرناه من تخصيص
الاتمام بالإمام أو من بقي معه دون بعض المأمومين فهو محتمل إلا أن كلام المحقق
في الشرائع كما ترى صريح في خلافه وكذا ظاهر كلامه في البيان، وكذلك شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك صرح بأنه مع انفضاض الإمام وبقاء العدد كلا أو بعضا
فإنهم يقدمون إماما يتم بهم إن أمكن وإلا أتموا فرادى. وهو صريح في جواز الاتمام
بغير إمام مع تعذره.
فائدة - يحسن التنبيه عليها في المقام بل هي من أهم المهام، وهي أنه متى كان
العدد المذكور شرطا في وجوب الجمعة عينا وبدونه لا يحصل الوجوب فاللازم من
ذلك هو سقوط الجمعة رأسا لأنه بموجب ذلك لا تجب على هؤلاء الخمسة أو السبعة
الجمعة لعدم حصول الشرط المذكور ومتى لم تجب عليهم لم تجب على غيرهم لأن الوجوب
على غيرهم مشروط بحضورهم والحال أن الحضور غير واجب عليهم، هذا خلف.
والجواب أنه لا شك أن الوجوب العيني مشروط بحضورهم موضع الجمعة
ولكن حضور العدد المذكور واجب وجوبا كفائيا على كافة المسلمين المتصفين
بصفات المكلفين بوجوب الجمعة لا يختص به خمسة دون خمسة ولا سبعة دون سبعة
فلو أخلوا جميعا بالحضور شملهم الإثم واستحقوا العقاب يترك الواجب المذكور
ثم إنه متى حضر العدد المذكور سقط بهم الوجوب الكفائي وتوجه الوجوب العيني
إلى عامة المكلفين المتصفين بصفات التكليف بهذه الفريضة. وكذا القول في ما لو
تعددت الأئمة فإنه يجب على واحد منهم الحضور في موضع إقامة الجمعة وجوبا
كفائيا مع بقية العدد فإن أخلوا جميعا شملهم الإثم وإن حضر واحد منهم صار
80

الوجوب عينيا بالنسبة إلى كافة المكلفين.
(المقصد الثالث) في الخطبتين، وتحقيق الكلام في المقام يتوقف على بسطه
في موارد (الأول) - أجمع الأصحاب (رضوان الله عليهم) وأكثر العامة (1) على أن الخطبتين شرط في انعقاد الجمعة، قال في المدارك: لأن النبي (صلى الله عليه وآله) خطب
خطبتين امتثالا للأمر المطلق فيكون بيانا له، وقد ثبت في الأصول أن بيان
الواجب واجب.
أقول: فيه (أولا) إنا لم نقف على الأمر المطلق إذا ليس إلا القرآن العزيز
وهو غير مشتمل على الأمر بالخطبة كما لا يخفى، إلا أن يكون مراده الأمر بالسعي
في الآية والمراد السعي إلى الصلاة. وفيه أن دخول الخطبتين تحت الصلاة غير
ظاهر واحتمال اطلاقها عليهما مجاز لا يترتب عليه البيان إنما يرجع إلى ما دل
عليه اللفظ حقيقة ويتبادر منه فهما.
والأظهر الاستدلال على ذلك بما رواه المحقق في المعتبر نقلا من جامع
البزنطي عن داود بن الحصين عن أبي العباس عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال:
" لا جمعة إلا بخطبة وإنما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين ".
و (ثانيا) أن هذا الكلام ينقض ما تقدم منه في باب الوضوء في مسألة
وجوب غسل الوجه من الأعلى حيث قد ذهب إلى الاستحباب ثمة مع دلالة
الوضوءات البيانية واشتمالها على الغسل من الأعلى فهي مفسرة لاجمال الآية ومبينة
له مع أنه منع من ذلك ثمة، قد وقد تقدم تحقيق الكلام معه في ذلك في المسألة المذكورة.

(1) في شرح النووي على صحيح مسلم ج 6 ص 150 (قال القاضي ذهب عامة العلماء
إلى اشتراط الخطبتين لصحة الجمعة وعن الحسن البصري وأهل الظاهر ورواية ابن
الماجشون عن مالك أنها تصح بلا خطبة) وفي المهذب للشيرازي الشافعي ج 1 ص 111
(ولا تصح الجمعة حتى يتقدمها خطبتان).
(2) الوسائل الباب 6 من صلاة الجمعة.
81

والتحقيق الرجوع في ذلك إلى الأخبار فإنها ظاهرة الدلالة واضحة المقالة في
المطلوب، ومنها الرواية المذكورة وهي صريحة في المطلوب ويعضدها ما تقدم في
الروايات التي قدمناها دليلا على وجوب صلاة الجمعة وهي الثالثة والخامسة والسادسة
والثالثة عشرة والخامسة عشرة والسادسة عشرة والسابعة عشرة (1).
. وقد صرح الأصحاب بأنه يجب فيهما أمور (الأول) التقديم على الصلاة فلو
بدأ بالصلاة لم تصح الجمعة، قال في المدارك: هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب
بل قال في المنتهى إنه لا يعرف فيه مخالفا، والمستند فيه فعل النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة
(عليهم السلام) والصحابة والتابعين والأخبار المستفيضة الواردة بذلك كرواية
أبي مريم عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال: سألته عن خطبة رسول الله (صلى الله عليه وآله)
أقبل الصلاة أو بعدها؟ فقال قبل الصلاة ثم يصلي انتهى.
أقول: العجب منه ومن صاحب المنتهى في دعواهما عدم الخلاف في المسألة
مع أن الصدوق قد صرح في جملة من كتبه مثل الفقيه وعيون الأخبار والعلل
بالخلاف في ذلك فأوجب تأخير الخطبة عن الصلاة وادعى أن تقديمها بدعة عثمانية.
ومن كلامه في ذلك ما ذكره في كتاب عيون الأخبار (3) بعد أن نقل حديث
علل الفضل بن شاذان الدال على وجوب تقديمهما في الجمعة وتأخيرهما في العيدين وبيان
العلة في ذلك حيث قال: قال مصنف هذا الكتاب جاء هذا الخبر هكذا، والخطبة في
الجمعة والعيدين بعد الصلاة لأنهما بمنزلة الركعتين الأخيرتين وأول من قدم الخطبتين
عثمان بن عفان.. إلى آخر كلامه.
وفي كتاب من لا يحضره الفقيه (4) روى حديثا عن الصادق (عليه السلام) بهذه
الصورة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) أول من قدم الخطبة على الصلاة يوم الجمعة
عثمان لأنه كان إذا صلى لم يقف الناس على خطبته وتفرقوا وقالوا ما نصنع بمواعظه

(1) ج 9 ص 409 إلى 413
(2) الوسائل الباب 15 من صلاة الجمعة
(3) ص 258
(4) ج 1 ص 278 وفي الوسائل الباب 15 من صلاة الجمعة
82

وهو لا يتعظ بها وقد أحدث ما أحدث فلما رأى ذلك قدم الخطبتين على الصلاة.
وقال المحدث الكاشاني في الوافي بعد نقل هذا الخبر: كذا وجدنا الحديث
في نسخ الفقيه وكأنه قد وقعت لفظة الجمعة مكان لفظة العيد سهوا ثم صار ذلك
سببا لايراد الصدوق الحديث في باب الجمعة وزعمه وروده فيه كما يظهر من بعض
تصانيفه الأخر، وذلك لما ثبت وتقرر أن الخطبة في الجمعة قبل الصلاة وهذا من ما لم
يختلف فيه أحد في ما أظن وقد مضت الأخبار في ذلك. أيضا إنما ورد حديث
عثمان في العيدين كما مر في هذا الباب مرتين. انتهى.
وكيف كان فما ذكره الصدوق وهم صرف وغفلة محضة عن تدبر الأخبار
المستفيضة بتقديمهما في صلاة الجمعة.
ومنها زيادة على الروايتين المتقدمتين ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح
أو الحسن عن محمد بن مسلم (1) قال: سألته عن الجمعة فقال أذان وإقامة يخرج الإمام
بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب ولا يصلي الناس ما دام الإمام على المنبر ثم يقعد
الإمام على المنبر قدر ما يقرأ قل هو الله أحد ثم يقوم فيفتتح خطبته ثم ينزل فيصلي
بالناس ثم يقرأ بهم في الركعة الأولى بالجملة وفي الثانية بالمنافقين.
وما روياه أيضا في الموثق عن سماعة (2) قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) ينبغي
للإمام الذي يخطب الناس يوم الجمعة أن عمامة في الشتاء والصيف ويتردى
ببرد يمني أو عدني ويخطب وهو قائم: يحمد الله ويثني عليه ثم يوصي بتقوى الله
ويقرأ سورة من القرآن قصيرة ثم يجلس ثم يقوم فيحمد الله ويثني عليه ويصلي على
محمد (صلى الله عليه وآله) وعلى أئمة المسلمين (عليهم السلام) ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات، فإذا
فرغ من هذا قام المؤذن فأقام فصلى بالناس ركعتين يقرأ في الأولى بسورة الجمعة
وفي الثانية بسورة المنافقين.

(1) الوسائل الباب 6 و 25 من صلاة الجمعة
(2) الوسائل الباب 24 و 25 من صلاة الجمعة.
83

وما روياه في الصحيح عن محمد بن مسلم (1) قال: إذا خطب الإمام يوم
الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلم حتى يفرغ الإمام من خطبته فإذا فرغ الإمام من
الخطبتين تكلم ما بينه وبين أن يقام للصلاة وإن سمع القراءة أم لم يسمع أجزأه
ونحوه صحيحة أخرى لمحمد بن مسلم بهذا المضمون (2).
وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبد الله به سنان عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (3) قال: " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي الجمعة حين الجمعة تزول الشمس قدر شراك
ويخطب في الظل الأول فيقول جبرئيل يا محمد (صلى الله عليه وآله) قد زالت الشمس فأنزل فصل
وإنما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين فهي صلاة حتى ينزل الإمام ".
(الثاني) القيام حال الخطبة، ولا خلاف في وجوبه مع الامكان ونقل عليه
في التذكرة الاجماع، والمستند فيه ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن
وهب (4) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) إن أول من خطب وهو جالس معاوية
واستأذن الناس في ذلك من وجع كان بركبتيه وكان يخطب خطبة وهو جالس وخطبة
وهو قائم هم يجلس بينهما. ثم قال: الخطبة وهو قائم خطبتان يجلس بينهما جلسة
لا يتكلم فيها قدر ما يكون فصل ما بين الخطبتين.
وعن عمر بن يزيد في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) في حديث قال:
وليقعد قعدة بين الخطبتين ".
وروى الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره في الصحيح عن ابن مسكان
عن أبي بصير (6) " أنه سأل عن الجمعة كيف يخطب الإمام؟ قال يخطب قائما إن الله تعالى
يقول: وتركوك قائما (7)
"

(1) الوسائل الباب 14 من صلاة الجمعة.
(2) الوسائل الباب 14 من صلاة الجمعة.
(3) الوسائل الباب 8 من صلاة الجمعة.
(4) الوسائل الباب 16 من صلاة الجمعة
(5) الوسائل الباب 16 من صلاة الجمعة
(6) الوسائل الباب 16 من صلاة الجمعة
(7) سورة الجمعة الآية 11.
84

ولو منعه مانع فالظاهر جواز الجلوس كما صرح به جملة من الأصحاب
(رضوان الله عليهم) وفي وجوب الاستنابة في هذه الحالة اشكال.
قالوا: ولو خطب جالسا مع القدرة بطلت صلاته من علم بذلك من
المأمومين، أما من لم يعلم بذلك فقد قطعوا بصحة صلاته بناء على أن الظاهر من
حال المسلم خصوصا العدل أن يكون جلوسه في حال الخطبة لعذر ولم يفصلوا بين
تجدد العلم بعد الصلاة وعدم تجدده، وجعلوه مثل صلاة الإمام محدثا فإن صلاة
من لم يعلم بحدثه صحيحة وإن تجدد العلم بعد الصلاة. وفيه أن قيام الدليل في المحدث
في صورة ما إذا علم المأموم بعد الصلاة على صحة الصلاة لا يستلزم الصحة في ما نحن
فيه لعدم الدليل كما في المحدث.
قالوا: ويجب في القيام الطمأنينة كما في البدل لتوقف البراءة اليقينية عليه.
وفيه إشكال.
وقال في المدارك: ويجب في القيام الطمأنينة للتأسي ولأنهما بدل من الركعتين.
وفيه (أولا) ما صرح به هو وغيره من المحققين من أن التأسي لا يصلح دليلا
للوجوب كما حققوه في الأصول لأن فعلهم (عليهم السلام) أعم من ذلك.
و (ثانيا) أن البدلية على تقدير صحة الاستدلال بها لا تقتضي أن تكون من
كل وجه: وغابة ما يمكن أن يقال إن المسألة لما كانت عارية من النص فالاحتياط
فيها واجب وهو لا يحصل إلا بما ذكروه من الطمأنينة.
(الثالث) اتحاد الخطيب والإمام على أظهر القولين وأشهرهما وهو اختيار
الراوندي في أحكام القرآن: وقواه العلامة في المنتهى والشهيد في الذكرى
واختاره السيد السند في المدارك، ونقل عن العلامة في النهاية القول بجواز المغايرة
معللا بانفصال كل من العبادتين عن الأخرى، وبأن غاية الخطبتين أن يكونا
كالركعتين ويجوز الاقتداء بإمامين في صلاة واحدة.
قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه: ويتوجه على الأول منع الانفصال
85

شرعا، سلمنا الانفصال لكن ذلك لا يقتضي جواز الاختلاف إذا لم يرد فيه نقل
على الخصوص لعدم تيقن البراءة مع الاتيان به. وعلى الثاني بعد تسليم الأصل
أنه قياس محض.
واستشكل في الذخيرة في هذا المقام فقال: والمسألة محل اشكال ينشأ من
أن المنقول من فعل النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) الاتحاد فيجب عدم التعدي
منه وقوفا في الوظائف الشرعية على القدر الثابت المتيقن، ومن اطلاق الأمر
بالصلاة في الآية والأخبار والاشتراط يتقدر بقدر الدليل والدليل لا يقتضي
الخصوصية المذكورة في الخطبتين. والاحتياط واضع. وانتهى.
أقول: أما ما ذكره في الوجه الثاني من اطلاق الآية فمسلم وأما اطلاق
الأخبار فممنوع فإن بعضها وإن كان مطلقا كما ادعاه إلا أن جملة منها ظاهرة
في الاتحاد كالأخبار المتقدمة في الأمر الأول، ونحوها أيضا صحيحة إلى أبي بصير
المنقولة من تفسير علي بن إبراهيم فإنها قد اشتملت على أن الخطيب هو الإمام وأنه
بعد الخطبة يصلي بالناس، وحينئذ فما أطلق من الأخبار إن وجد يحمل على هذه الأخبار حمل المطلق على المقيد وبذلك يقيد اطلاق الآية أيضا.
ويدل على ما ذكرناه ما سيأتي إن شاء الله تعالى من الأخبار الدالة على النهي
عن الكلام والإمام يخطب ونحوها، فإن المراد بالإمام فيها هو إمام الجماعة الذي
يصلي بعد الخطبة وإلا فلا معنى للتعبير بلفظ الإمام في المقام لو كان الخطيب غيره.
وحمله على إمام في الجملة وإن لم يكن في تلك الصلاة لا يرتكبه إلا من لم يكن له ذوق
ولا روية في فهم معاني الكلام كما لا يخفى على ذوي الأفهام. وبالجملة فإن ما ذكره
من الاستشكال من الأوهام السخيفة بلا اشكال.
(الرابع) الفصل بين الخطبتين بجلسة خفيفة على الأشهر الأظهر، واستدل
عليه في المدارك بالتأسي، وقد عرفت ما فيه قريبا.
والأظهر الاستدلال على ذلك بالأخبار، ومنها ما تقدم قريبا في صحيحة
86

معاوية بن وهب (1) وهو قوله (عليه السلام) فيها " الخطبة وهو قائم خطبتان يجلس بينهما
جلسة لا يتكلم فيها قدر ما يكون فصل ما بين الخطبتين ".
وتقدم أيضا في صحيحة عمر بن يزيد (2) قال: وليقعد قعدة بين الخطبتين
وتقدم في موثقة سماعة (3) بعد ذكر الخطبة الأولى قال (عليه السلام) " ثم يجلس ثم يقوم
فيحمد الله تعالى ".
وفي صحيحة محمد بن مسلم المروية في الكافي في خطبة يوم الجمعة عن الباقر
(عليه السلام) (4) قال بعد ذكر الخطبة الأولى بطولها " ثم اقرأ سورة من القرآن وادع ربك
وصل على النبي (صلى الله عليه وآله) وادع للمؤمنين والمؤمنات ثم تجلس قدر ما تمكن هنيهة
ثم تقوم فتقول الحمد لله " ثم ساق الخطبة الثانية.
وفي صحيحة محمد بن النعمان أو غيره المروية في الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5)
أنه ذكر خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم الجمعة " الحمد لله أهل الحمد.. ثم ساق الخطبة
إلى أن قال: ثم جلس قيلا ثم قام فقال الحمد لله " ثم ساق الخطبة الثانية.
وفي معناها ما رواه في الفقيه من خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) (6) وفيها بعد ذكر
الخطبة الأولى " ثم يجلس جلسة خفيفة ثم يقوم فيقول الحمد لله... إلى آخر الخطبة ".
وهذه الأخبار ونحوها ما بين ما تضمن حكاية فعلهم (عليهم السلام) ذلك
وما بين ما تضمن الأمر باللام وما تضمن الأمر بالجملة الفعلية وهو ظاهر في الوجوب
واشتمال الأخبار على بعض المندوبات لا يقدح في الدلالة لأن ما قام الدليل على
استحبابه يجب ارتكاز التجوز في الأمر به وما لم يقم على استحبابه دليل فيجب حمل
الأمر به على ظاهره من الوجوب وبه يتم المطلوب.
وأما ما ذكره المحقق في المعتبر من ما يؤذن بتردده في المقام - حيث قال:
وهل الجلسة بين الخطبتين واجبة؟ فيه تردد، وجه الوجوب فعل النبي والأئمة

(1) ص 84.
(2) ص 84.
(3) ص 83
(4) الوسائل الباب 25 من صلاة الجمعة
(5) روضة الكافي ص 173 وفي الوافي باب خطبة صلاة الجمعة
(6) الوسائل الباب 25 من صلاة الجمعة
87

(صلوات الله عليهم) بعده. وما روى عن أهل البيت (عليهم السلام) من طرق
أحدها ما رواه معاوية بن وهب، ثم ذكرها كما ذكرناه: ثم قال ووجه الاستحباب
أنه فصل بين ذكرين جعل للاستراحة فلا يتحقق فيه معنى الوجوب، ولأن فعل
النبي (صلى الله عليه وآله) كما يحتمل أن يكون تكليفا يحتمل أن يكون للاستراحة وليس فيه معنى
التعبد، ولأنا لا نعلم الوجه الذي أوقعه عليه فلا تجب المتابعة. انتهى.
ولا يخفى ما فيه من النظر الظاهر في كل من الوجهين، أما الأول فمرجعه
إلى التأسي وقد عرفت أنه ليس بدليل على الوجوب، وإليه أشار في آخر كلامه
بقوله: ولأنا لا نعلم الوجه الذي أوقعه عليه يعني من وجوب واستحباب لأن
الاتيان به أعم منهما.
وأما الثاني فيرجع إلى العلة المستنبطة التي لا اعتماد عليها في الأحكام،
والوجه في الوجوب إنما هو ورود الأمر بذلك في الأخبار المتقدمة ونحوها وإن
كان أمرا بالجملة الفعلية أو باللام، فإن التحقيق أنه لا فرق بين الأمر بصيغة
" افعل " ولا بين الصيغتين المذكورتين كما حققناه في مقدمات الكتاب وبه صرح
جملة من محققي الأصحاب، ويدل على ذلك أيضا صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة
وقوله فيها يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب.. إلى آخره " فإنه
ظاهر في بيان الكيفية الواجبة ومن جملتها الجلوس بين الخطبتين.
قالوا: ويجب في الجلوس الطمأنينة وينبغي أن يكون بقدر قراءة سورة
" قل هو الله أحد " كما تضمنته صحيحة محمد بن مسلم المذكورة.
قيل: ولو عجز عن القيام فخطب جالسا فصل بينهما بسكتة، واحتمال العلامة
في التذكرة الفصل بالاضطجاع.
وهل يجب السكوت حال الجلوس؟ قيل نعم لما تقدم في صحيحة معاوية
ابن وهب من قوله " جلسة لا يتكلم فيها " ورد باحتمال أن يكون المراد لا يتكلم
فيها بشئ من الخطبة. والظاهر بعده.

(1) ص 83.
(2) ص 84.
88

ثم إن ههنا أشياء أخر وقع الخلاف فيها وجوبا واستحبابا في الخطبتين سيأتي
إن شاء الله تعالى التنبيه عليها.
(المورد الثاني) اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما يجب اشتمال كل
من الخطبتين عليه، فقال الشيخ في المبسوط: أقل ما تكون الخطبة أربعة أصناف:
حمد الله تعالى والصلاة على النبي وآله (صلى الله عليه وآله) والوعظ وقراءة سورة خفيفة من
القرآن. ومثله قال ابن حمزة.
وقال في الخلاف: أقل ما تكون الخطبة أن يحمد الله تعالى ويثني عليه ويصلي
على النبي (صلى الله عليه وآله) ويقرأ شيئا من القرآن ويعظ الناس.
وابن إدريس وافق المبسوط في موضع من كتابه وأوجب السورة الخفيفة
وخالفه في آخر، وقال في وصف الخطبة: ويوشح خطبته بالقرآن ومواعظه
وآدابه. ولم يذكر السورة.
وقال أبو الصلاح: لا تنعقد الصلاة إلا بإمام... إلى أن قال: وخطبة في أول
الوقت مقصورة على حمد الله تعالى والثناء عليه بما هو أهله والصلاة على محمد
والمصطفين من آله (صلوات الله عليهم) ووعظ وزجر. ولم يتعرض لشئ
من القرآن بالكلية.
وقال الشيخ في الإقتصاد: أقل ما يخطب به أربعة أشياء: الحمد والصلاة
على النبي وآله (صلى الله عليه وآله) والوعظ وقراءة سورة خفيفة من القرآن بين الخطبتين.
وقال في النهاية: ينبغي أن يخطب الخطبتين ويفصل بينهما بجلسة ويقرأ سورة
خفيفة ويحمد الله تعالى في خطبته ويصلي على النبي (صلى الله عليه وآله) ويدعو لأئمة المسلمين
(عليهم السلام) ويدعو أيضا للمؤمنين ويعظ ويزجر وينذر ويخوف. ومثله قال
ابن البراج وابن زهرة.
وقال القطب الراوندي في الرائع: الخطبة شرط في صحة الجمعة وأقل ما يكون
أن يحمد الله تعالى ويصلي على النبي وآله (صلى الله عليه وآله) ويعظ الناس ويقرأ سورة قصيرة من
89

القرآن، وقيل يقرأ شيئا من القرآن.
وقال ابن الجنيد عن الخطبة الأولى: ويوشحها بالقرآن. وعن الثانية:
إن الله يأمر بالعدل والاحسان.. إلى آخر الآية (1).
وقال المرتضى في المصباح: يحمد الله ويمجده ويثني عليه ويشهد لمحمد (صلى الله عليه وآله)
بالرسالة ويوشح الخطبة بالقرآن ثم يفتتح الثانية بالحمد والاستغفار والصلاة على
النبي (صلى الله عليه وآله) والدعاء لأئمة المسلمين.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الذي يظهر من كلام الفاضلين أن وجوب الحمد
والصلاة على النبي وآله (صلوات الله عليهم) والوعظ موضع وفاق بين علمائنا
وأكثر العامة (2) لعدم تحقق الخطبة عرفا بدون ذلك، واستدل عليه في المنتهى
بأمور واهية ليس في التعرض لها كثير فائدة.
وقد وقع الخلاف هنا في مواضع: (الأول) - هل تجب القراءة في
الخطبتين كما هو المشهور أم لا كما هو مذهب أبي الصلاح؟ (الثاني) - أنه على
تقدير الوجوب هل الواجب سورة كاملة أو آية تامة الفائدة؟ (الثالث) - أنه
على الأول أعني السورة الكاملة هل الواجب سورة كاملة فيها أو في الأولى

(1) سورة النحل الآية 92.
(2) في المغني ج 2 ص 304 (يشترط لكل واحدة من الخطبتين حمد الله تعالى
والصلاة على رسوله (صلى الله عليه وآله) ويحتمل أن لا تجب الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) لأن النبي (صلى الله عليه وآله)،
لم يذكر في خطبته ذلك) وفي ص 305 (وقال أبو حنيفة لو أتى بتسبيحة واحدة أجزأ) وفي
شرح النووي على صحيح مسلم ج 6 ص 150 (قال الشافعي لا تصح الخطبتان إلا بحمد الله
والصلاة على رسول (الله صلى الله عليه وآله) فيهما والوعظ وهذه الثلاثة واجبات في الخطبتين، وقال مالك
وأبو حنيفة والجمهور يكفي من الخطبة ما يقع عليه السلام وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومالك في رواية
عنه تكفي تحميدة أو تسبيحة أو تهليلة. وهذا ضعيف لأنه لا يسمى خطبة) وفي المهذب ج 1
ص 111 (فرض الخطبة أربعة أشياء: يحمد الله تعالى ويصلي على النبي (صلى الله عليه وآله) والوصية
بتقوى الله وقراءة آية من القرآن).
90

خاصة؟ وعلى الثاني أعني الآية التامة الفائدة فهل هي فيهما أو في الأولى خاصة؟
(الرابع) - هل تجب الشهادة لمحمد (صلى الله عليه وآله) بالرسالة في الأولى كما هو ظاهر المرتضى
أم لا؟ (الخامس) - هل يجب الاستغفار والدعاء لأئمة المسلمين كما هو ظاهر
المرتضى أيضا أم لا؟ هذا ما وصل إلينا من كلام متقدمي الأصحاب في الباب.
والواجب الرجوع إلى الأخبار إلا أن الظاهر أنه ليس في شئ منها تصريح
بأقل الواجب كما وقع في عبائر الأصحاب بحيث لا يجزئ ما دونه.
وكيف كان فمن تلك الأخبار موثقة سماعة (1) قال: قال " أبو عبد الله (عليه السلام)
ينبغي للإمام الذي يخطب الناس يوم الجمعة أن يلبس عمامة في الشتاء ويتردى
ببرد أو أدنى ويخطب وهو قائم: يحمد الله ويثني عليه ثم يوصي بتقوى الله
ويقرأ سورة من القرآن قصيرة ثم يجلس ثم يقوم فيحمد الله ويثني عليه ثم يصلي
على محمد (صلى الله عليه وآله) وعلى أئمة المسلمين (عليهم السلام) ويستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات
فإذا فرغ من هذا أقام المؤذن فصلى بالناس ركعتين.. الحديث. "
ومنها - ما رواه ثقة الاسلام في الكافي (2) في الصحيح عن محمد بن مسلم
" أن أبا جعفر (عليه السلام) خطب خطبتين في الجمعة، ثم نقلهما بتمامهما، والأولى منهما
قد اشتملت على حمد الله والشهادتين والصلاة على النبي وآله (صلى الله عليه وآله) والوعظ، قال
ثم اقرأ سورة من القرآن وادع ربك وصل على النبي (صلى الله عليه وآله) وادع
للمؤمنين والمؤمنات ثم تجلس.. وتضمنت الثانية الحمد والشهادتين والوعظ والصلاة
على محمد (صلى الله عليه وآله) بقوله اللهم صل على محمد عبدك ورسولك سيد المرسلين وإمام المتقين
ورسول رب العالمين. قال: ثم تقول اللهم صل على أمير المؤمنين ووصى رسول
رب العالمين، ثم تسمى الأئمة (عليهم السلام) حتى تنتهي إلى صاحبك، ثم تقول
اللهم افتح له فتحا يسيرا وانصره نصرا عزيزا اللهم اظهر به دينك وسنة نبيك حتى

(1) الوسائل الباب 24 و 25 من صلاة الجمعة.
(2) ج 1 ص 117 وفي الوسائل الباب 25 من صلاة الجمعة.
91

لا يستخفى بشئ من الحق مخافة أحد من الخلف.. ثم ساق الدعاء لصاحب الأمر
إلى أن قال: ويكون آخر كلامه أن يقول إن الله يأمر بالعدل والاحسان.. وذكر
الآية كملا، ثم قال ثم يقول اللهم اجعلنا ممن تذكر فتنفعه الذكرى ثم ينزل.
ومنها - ما رواه في الكافي (1) أيضا في الصحيح أو الحسن عن الحسن بن
محبوب عن محمد بن النعمان أو غيره عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه ذكر هذه الخطبة
لأمير المؤمنين (عليه السلام) يوم الجمعة، والأولى منهما طويلة مشتملة على التحميد والشهادتين
والوعظ ثم سورة العصر ثم قال: إن الله وملائكته يصلون على ا لنبي (صلى الله عليه وآله)
ثم ذكر الآية وأردفها بمزيد الصلاة والدعاء للنبي (صلى الله عليه وآله) إلى أن قال: ثم جلس قليلا
ثم قام فقال الحمد لله.. وذكر الخطبة الثانية وهي مشتملة على الحمد والاستعاذة وطلب
العصمة من الذنوب ومساوئ الأعمال ومكاره الآمال ثم الدعاء للمؤمنين والمؤمنات
ومنها - ما رواه في الفقيه (2) مرسلا، قال: خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) في الجمعة
فقال... ثم ساق الخطبة الأولى وهي مشتملة على التحميد والثناء على الله سبحانه
والشهادتين والوعظ ثم سورة التوحيد أو " قل يا أيها الكافرون " أو " إذا زلزلت "
أو " ألهاكم التكاثر " أو " العصر " قال وكان من ما يدوم عليه " قل هو الله أحد " ثم
يجلس جلسة خفيفة ثم يقوم فيقول.. ثم ذكر الخطبة الثانية وهي مشتملة على
التحميد مختصرا وكذلك الشهادتان ثم الصلاة على النبي وآله (صلى الله عليه وآله) ثم الدعاء على أهل
الكتاب ثم الدعاء بنصر جيوش المسلمين وسراياهم ثم الدعاء للمؤمنين ثم الآية
" إن الله يأمر بالعدل والاحسان.. إلى آخرها (3) ".
أقول: قد اتفقت هذا الأخبار بالنسبة إلى الخطبة الأولى على اشتمالها على
التحميد والوعظ وقراءة سورة كاملة وهي تمام ما اختصت به موثقة سماعة

(1) الروضة ص 173 وفي الوافي باب خطبة صلاة الجمعة
(2) ج 1 ص 275 وفي الوسائل الباب 25 من صلاة الجمعة.
(3) سورة النحل الآية 92.
92

واشتركت الروايات الثلاث التي بعدها في الاشتمال على الشهادتين زيادة على ذلك،
وحينئذ فيخص بها اطلاق موثقة سماعة ويجب تقييدها بها، واختصت الرواية
الثانية بزيادة الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) والأحوط إضافتها لذلك.
وأما بالنسبة إلى الخطبة الثانية فقد اتفق الجميع على التحميد خاصة واشترك
ما عدا الرواية الثالثة في إضافة الصلاة على النبي وآله (صلوات الله عليهم) واشتركت
الأولى والثانية في إضافة أئمة المسلمين إلى الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) اجمالا في الأولى
وتفصيلا في الثانية وبه يجب تقييد ما خلا ذلك من الأخبار المذكورة، واشتركت
الرواية الثانية والرابعة في إضافة الآية المتقدمة في آخر الخطبة وبه يقيد اطلاق
الروايتين الخاليتين من ذلك، واتفق الجميع في عدم ذكر الوعظ في الثانية.
ثم إنه لا يخفى ما بين ما دلت عليه هذه الأخبار وبين ما ذكره الأصحاب
(رضوان الله عليهم) في المقام من المنافاة وعدم الالتئام ولا سيما بالنسبة إلى ايجابهم
السورة في الخطبة الثانية كما هو ظاهر المشهور، قال في الذكرى قال ابن الجنيد والمرتضى:
وليكن في الأخيرة قوله تعالى " إن الله يأمر بالعدل والاحسان.. الآية ".
وأورده البزنطي في جامعه. وبالنسبة إلى ايجابهم الوعظ في الخطبة الثانية
وكذا بالنسبة إلى عدم ذكرهم الشهادتين سوى المرتضى (رضي الله عنه) فإنه ذكر
الشهادة بالرسالة ولم يذكر الشهادة بالتوحيد والأخبار قد اشتملت عليهما ونحو
ذلك. إلا أن بعض الأخبار الواردة في ذكر الخطبة غير ما أشرنا إليه اشتمل
على الوعظ في الثانية أيضا. والاحتياط لا يخفى.
وينبغي التنبيه على أمور
(الأول) قد صرح العلامة والشهيد وجماعة بأنه يجب في الخطبتين التحميد
بصيغة " الحمد لله " ورده جملة من تأخر عنهم بصدق الخطبة مع الاتيان بالتحميد
كيف اتفق.

(1) تقدم الوعظ فيها في الصحيحة ص 91
(2) سورة النحل الآية 92.
93

أقول: لا ريب أن موثقة سماعة وإن اشتملت على مطلق التحميد لقوله
" يحمد الله ويثني عليه " إلا أن الثلاث التي بعدها كلها قد اشتملت على لفظ " الحمد
لله " في أول كل من الخطبتين فلا يبعد أن يحمل عليها اطلاق موثقة سماعة المذكورة
وبه يظهر قوة ما ذكره الأولون.
(الثاني) ذكر جمع من الأصحاب أنه يجب الترتيب في أجزاء الخطبة بتقديم
الحمد ثم الصلاة ثم الوعظ ثم القراءة فلو خالف أعاد على ما يحصل به الترتيب،
قال في المدارك: وهو أحوط وإن كان في تعينه نظر.
أقول: ما ذكروه (رضوان الله عليهم) مبني على ما تكرر في عبائرهم من
ايجاب هذه الأربعة في كل من الخطبتين وقد عرفت ما بين كلامهم وبين الأخبار
المتقدمة من المدافعة في البين، والذي يتلخص من الأخبار بتقريب ما قدمنا
ذكره من ضم بعضها إلى بعض بالنسبة إلى الخطبة الأولى هو الاتيان بالتحميد أولا
ثم الشهادتين بالتوحيد أولا ثم بالرسالة ثم إضافة الصلاة بعدهما احتياطا ثم
الوعظ ثم قراءة كاملة، وأما بالنسبة إلى الخطبة الثانية فالتحميد أولا ثم
الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) ثم أئمة المسلمين تفصيلا ثم الآية المتقدمة. وأما أن ذلك
على جهة الوجوب أو الاستحباب فاشكال ينشأ من أن هذه الكيفية التي ورد بها
النص فيقين البراءة يتوقف عليها ومن احتمال خروجها مخرج الاتفاق سيما أن الخطب
المذكورة مشتملة على تكرار وزيادة أشياء أخر فيها. وبالجملة فالاحتياط في الوقوف
على ما دلت عليه الأخبار وإن كان لا اشعار فيها بالوجوب.
(الثالث) المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) المنع من الخطبة
بغير العربية للتأسي، قال في المدارك: وهو حسن.
أقول: قد عرفت أن التأسي لا يصلح لأن يكون دليلا لحرمة ولا وجوب
كما صرح به هو وغيره من المحققين ولكنه في أمثال هذه المواضع يستسلقه وهو
غير جيد. نعم يمكن أن يقال إن يقين البراءة موقوف على ذلك وأنها عبادة
94

والعبادات توقيفية يتبع فيها ما رسمه صاحب الشريعة، وهذا هو الذي جاء عنهم
(عليهم السلام).
ولو لم يفهم العدد العربية ولا أمكن التعلم قيل تجب العجمية لأن مقصود
الخطبة لا يتم بدون فهم معانيها. واحتمل في المدارك سقوط الجمعة لعدم ثبوت
مشروعيتها على هذا الوجه.
أقول: والأقرب وجوب العربية في الصورة المذكورة، والتعليل بأن
المقصود من الخطبة فهم العدد لمعانيها مع تسليم وروده لا يقتضي كونه كليا فإن
علل الشرع ليست عللا حقيقة يدور المعلول مدارها وجودا وعدما وإنما هي معرفات
وتقريبات إلى الأذهان كما لا يخفى على من راجع كتاب العلل وما اشتملت عليه
أخباره من العلل. على أن البلدان التي فتحت من العجم والروم ونحوهما وعينت
فيها الأئمة للجمعات والجماعات لم ينقل أنهم كانوا يترجمون لهم الخطب ولو وقع
لنقل ومنه زمان خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) وكيف كان فالأحوط الخطبة بالعربية
وترجمة بعض الموارد التي يتوقف عليها المقصود من الخطبة.
(الرابع) قال شيخنا المجلسي (قدس سره) في كتاب البحار: والأولى والأحوط
أن يراعي الخطيب أحوال الناس بحسب خوفهم ورجائهم فيعظهم مناسبا لحالهم وللأيام
والشهور والوقائع الحادثة وأمثال تلك الأمور كما يومئ إليه بعض الأخبار ويظهر
من الخطب المنقولة. انتهى. وهو جيد.
(الخامس) روى الصدوق في كتاب العلل والعيون في علل الفضل بن شاذان
عن الرضا (عليه السلام) (1) قال: وإنما جعلت خطبتين لتكون واحدة للثناء على الله تعالى
والتمجيد والتقديس لله عز وجل، والآخر للحوائج والأعذار والانذار والدعاء
ولما يريد أن يعلمهم من أمره ونهيه ما فيه الصلاح والفساد. انتهى.
أقول: ظاهره أن إحدى الخطبتين إنما تشتمل على الثناء والتمجيد والتقديس

(1) الوسائل الباب 25 من صلاة الجمعة.
95

لله عز وجل والأخرى لما ذكره (عليه السلام) وأنت خبير بأنه لا ينطبق على ما قدمناه من
الأخبار ولا كلام الأصحاب وصاحبه (عليه السلام) أعلم بذلك.
(المورد الثالث) اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) وفي وجوب
الاصغاء للخطبة والطهارة فيهما من الحدث أو منه ومن الخبث وفي تحريم الكلام
حل الخطبة من المأمومين والإمام وكذا في وجوب رفع الصوت لاستماع العدد.
والكلام هنا يقع في مواضع (الأول) - في وجوب الاصغاء وعدمه ممن
يمكن في حقه السماع والاصغاء والانصات لها والاستماع، والمشهور وجوبه
وذهب الشيخ في المبسوط والمحقق في المعتبر إلى أنه مستحب.
احتج الأولون بأن فائدة الخطبة لا تحصل إلا به. قال في الذخيرة: وفيه
منع واضح لمنع كون الفائدة منحصرة في استماع كل منهم جميع الخطبة، قال: ولو
قصد بهذا الاستدلال على وجوب اصغاء الزائد على العدد كان أخفى دلالة. انتهى.
أقول: والأظهر الاستدلال على القول المشهور بالأخبار الدالة على النهي عن
الكلام والإمام يخطب (1) فإنه لا وجه للنهي في المقام إلا من حيث وجوب الاصغاء
للخطبة والاستماع لها، ونقل غير واحد من أصحابنا عن البزنظي في جامعه
أنه قال إذا قام الإمام يخطب وجب على الناس الصمت وهو من قدماء الأصحاب
وأجلاء الثقات من أصحاب الرضا (عليه السلام).
والأصحاب أيضا قد اختلفوا في تحريم الكلام، فالمشهور التحريم فمنهم من
عمم الحكم بالنسبة إلى المستمعين والخطيب ومنهم من خصه بالمستمعين، وذهب
الشيخ في المبسوط وموضع من الخلاف والمحقق إلى الكراهة، وهو جار على نحو
ما قدمناه عنهم من القول بعدم وجوب الاستماع، وإلى القول بالكراهة مال الفاضل
الخراساني في الذخيرة أيضا.
والأظهر عندي هو القول المشهور من وجوب الاستماع وتحريم الكلام

(1) الوسائل الباب 14 من صلاة الجمعة
(2) المعتبر ص 206
96

للأخبار المشار إليها، ومنها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: إذا خطب الإمام يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلم حتى يفرغ
الإمام من خطبته فإذا فرغ الإمام من الخطبتين تكلم ما بينه وبين أن تقام الصلاة ".
ومنها - ما رواه في الفقيه مرسلا (2) قال ": قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لا كلام
والإمام يخطب ولا التفات إلا كما يحل في الصلاة، وإنما جعلت الجمعة ركعتين من
أجل الخطبتين جعلتا مكان الركعتين الأخيرتين فهي صلاة حتى ينزل الإمام ".
وظاهر هذا الخبر كما ترى أنه ما دام الإمام يخطب فإن الإمام والحاضرين معه
في صلاة حتى ينزل فلا يتكلم هو ولا هم ولا يلتفتون إلا كما يلتفتون حال الصلاة
ومنه يفهم وجوب الطهارة أيضا على الإمام وعليهم من الحدث والخبث. هذا
مقتضى ظاهر الخبر المذكور.
ومنها - ما رواه في الفقيه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: " لا بأس أن يتكلم الرجل إذا فرغ الإمام من الخطبة يوم الجمعة ما بينه
وبين أن تقام الصلاة " فإنه يشعر بالبأس قبل الفراغ.
ومنها - ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم (4) قال:
" سألته عن الجمعة فقال أذان وإقامة يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب
ولا يصلي الناس ما دام الإمام على المنبر... الحديث " فإنه إذا امتنعت الصلاة التي
هي عبادة امتنع الكلام الذي هو لغو غالبا.
ومنها - ما رواه الصدوق في كتاب المجالس عن بكر بن محمد (5) ورواه أيضا
عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الإسناد عن بكر بن محمد عن الصادق عن
آبائه (عليهم السلام) (6) قال: " قال أمير المؤمنين (ع) الناس في الجمعة على ثلاثة

(1) الوسائل الباب 14 من صلاة الجمعة
(2) الوسائل الباب 14 من صلاة الجمعة
(3) الوسائل الباب 14 من صلاة الجمعة
(4) الوسائل الباب 25 من صلاة الجمعة.
(5) الوسائل الباب 58 من صلاة الجماعة.
(6) الوسائل الباب 58 من صلاة الجماعة.
97

منازل: رجل شهدها بانصات وسكون قبل الإمام وذلك كفارة لذنوبه من الجمعة
إلى الجمعة الثانية وزيادة ثلاثة أيام لقوله تعالى (من جاء بالحسنة فله عشر
أمثالها) (1) ورجل شهدها بلغط وملق وقلق فذلك حظه، ورجل شهدها والإمام
يخطب فقام يصلي فقد أخطأ السنة وذلك ممن سأل الله عز وجل إن شاء أعطاه
وإن شاء حرمه ".
وروى الصدوق في المجالس بسنده في مناهي النبي (صلى الله عليه وآله) (2) (أنه نهى عن
الكلام يوم الجمعة والإمام يخطب ومن فعل ذلك فقد لغى فلا جمعة له).
وروى في كتاب قرب الإسناد عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن
جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (3) (أن عليا (عليه السلام) كان يكره رد السلام
والإمام يخطب).
وفيه بهذا الاسناد عن علي (عليه السلام) (4) قال: (يكره الكلام يوم الجمعة والإمام
يخطب وفي الفطر والأضحى والاستسقاء).
قال شيخنا المجلسي في كتاب البحار بعد نقل هذين الخبرين: بيان - كراهة
رد السلام لعله محمول على التقية إذ لا يكون حكمها أشد من الصلاة. ويمكن حمله
على ما إذا رد غيره، قال العلامة في النهاية: ويجوز رد السلام بل يجب لأنه كذلك
في الصلاة ففي الخطبة أولى. وكذا يجوز تسميت العاطس، وهل يستحب؟ يحتمل
ذلك لعموم الأمر به، والعدم لأن الانصات أهم وأنه واجب على الأقرب انتهى.
والكراهة الواردة في الكلام غير صريحة في الكراهة المصطلحة لما عرفته مرارا.
وظاهره شمول الحكم لمن لم يسمع الخطبة أيضا. قال العلامة في النهاية: وهل
يجب الانصات على من لم يسمع الخطبة؟ الأولى المنع لأن غايته الاستماع فله أن

(1) سورة الأنعام الآية 161.
(2) ص 255 ورواه في الفقيه أيضا في المناهي، راجع الوسائل الباب 14 من صلاة
الجمعة
(3) الوسائل الباب 14 من صلاة الجمعة.
(4) الوسائل الباب 14 من صلاة الجمعة.
98

يشغل بذكر وتلاوة. ويحتمل الوجوب لئلا يرتفع اللغط ولا يتداعى إلى منع
السامعين من السماع. انتهى كلام شيخنا المذكور وهو ظاهر في اختياره القول المشهور
ومنها - ما رواه في كتاب قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى
(عليه السلام) (1) قال: (سألته عن الإمام إذا خرج يوم الجمعة هل يقطع خروجه الصلاة
أو يصلي الناس وهو يخطب؟ قال لا تصلح الصلاة والإمام يخطب إلا أن يكون قد
صلى ركعة فيضيف إليها أخرى ولا يصلي حتى يفرغ الإمام من خطبته).
ومنها - ما ذكره في كتاب الفقه الرضوي (2) قال: (وقال أمير المؤمنين
(عليه السلام) لا كلام والإمام يخطب يوم الجمعة ولا التفات وإنما جعلت الجمعة ركعتين من
أجل الخطبتين جعلتا مكان الركعتين الأخيرتين فهي صلاة حتى ينزل الإمام).
وفي كتاب دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال:
(إذا قام الإمام يخطب فقد وجب على الناس الصمت).
وعن علي (عليه السلام) (4) أنه قال: (لا كلام والإمام يخطب ولا التفات إلا كما
يحل في الصلاة).
وعن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (5) أنه قال: (لا كلام
حتى يفرغ الإمام من الخطبة فإذا فرغ منها فتكلم ما بينك وبين افتتاح الصلاة
إن شئت).
وعن علي (عليه السلام) (6) أنه قال: (يستقبل الناس الإمام عند الخطبة بوجوههم
ويصغون إليه).
وعن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (7) أنه قال: (إنما جعلت الخطبة

(1) الوسائل الباب 58 من صلاة الجمعة.
(2) ص 11.
(3) مستدرك الوسائل الباب 12 من صلاة الجمعة.
(4) مستدرك الوسائل الباب 12 من صلاة الجمعة.
(5) مستدرك الوسائل الباب 12 من صلاة الجمعة.
(6) مستدرك الوسائل الباب 12 من صلاة الجمعة.
(7) مستدرك الوسائل الباب 6 من صلاة الجمعة.
99

عوضا عن الركعتين اللتين أسقطتا من صلاة الظهر فهي كالصلاة لا يحل فيها إلا
ما يحل في الصلاة).
أقول: ومن هذه الأخبار يظهر قوة القول المشهور وضعف ما ذكره في
الذخيرة في الجواب عن صحيحة محمد بن مسلم الأولى (1) من أن لفظ (لا ينبغي)
ظاهر في الكراهة، فإن فيه أن ظهوره في الكراهة إنما هو باعتبار عرف الناس
وأما باعتبار عرفهم (عليهم السلام) فإن ورود هذا اللفظ في التحريم ولفظ
(ينبغي) في الوجوب مما لا يحصى كثرة في الأخبار كما لا يخفى على من جاس خلال
الديار، فهو وإن كان في عرفهم (عليهم السلام) متشابها محتملا للأمرين إلا أنه
بانضمام ما ذكرناه من الأخبار سيما ما دل على النهي وما دل على أنه في صلاة حتى
ينزل الإمام ونحو ذلك - يتحتم حمله على التحريم.
والظاهر تحريم الكلام أو كراهته على القولين المذكورين في ما بين الخطبتين
لما تقدم في صحيح محمد بن مسلم وغيره (2) من النهي حتى يفرغ من خطبته حتى إذا
فرغ تكلم ما بينه وبين أن تقام الصلاة، والمراد من الفراغ من خطبة الفراغ
من كلتا الخطبتين.
والظاهر أن غاية النهي عن الكلام التحريم على تقدير القول به لا بطلان
الصلاة أو الخطبة فإنه لم يصرح أحد من القائلين بالتحريم بالبطلان في هذا الموضع
في ما أعلم، وبذلك أيضا صرح بعض متأخري متأخرين.
والظاهر أنه يجب الاصغاء ويحرم الكلام على من يمكن في حقه السماع
فالبعيد الذي لا يسمع والأصم لا يجب عليهما ولا يحرم لعدم الفائدة، وقد تقدم
في عبارة النهاية احتمال الوجوب وهو الأحوط.
قيل: ولا يحرم غير الكلام من ما يحرم في الصلاة خلافا للمرتضى. أقول: ظاهر
خبر الفقه الرضوي المتقدم نقله المانع من الالتفات موافقة المرتضى (رضي الله

(1) ص 97.
(2) ص 97.
100

عنه) في ما ذهب إليه هنا ومثله أخبار كتاب دعائم الاسلام.
ولا فرق في تحريم الكلام بين الإمام والمأموم لظاهر الخبرين المتقدمين أعني
صحيحة عبد الله بن سنان (1) ومرسلة الفقيه (2) وربما فرق بينهما وخص التحريم
بغير الإمام لتكلم النبي (صلى الله عليه وآله) حال الخطبة (3).
أقول: حديث تكلم النبي (صلى الله عليه وآله) حال الخطبة إنما هو من طريق العلامة كما
ذكره أصحابنا في مطولاتهم فلا يقوم حجة ولكنهم (رضوان الله عليهم)
أمثال هذه الأحاديث ويستدلون بها في مقام المجازفة وهو غير جيد.
(الثاني) في وجوب الطهارة وعدمه، اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم)
في وجوب طهارة الخطيب من الحدث حال الخطبة فذهب الشيخ في المبسوط
والخلاف إلى الوجوب ومنعه ابن إدريس والفاضلان.
وبالأول صرح شيخنا الشهيد الثاني في الروض، وكذلك ظاهره القول بتحريم
الكلام على الخطيب والمأمومين. واحتج على الثاني بأن فائدة الخطبة لا تتم إلا
بالاصغاء. وعلى الأول بصحيحة عبد الله به سنان عن الصادق (عليه السلام) (4) إنما جعلت
الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين فهي صلاة حتى ينزل الإمام قال فجعل (عليه السلام)
الخطبتين صلاة وكل صلاة تجب فيها الطهارة ويحرم الكلام. ولا يرد أن ذلك
في الصلاة الشرعية وليست مرادة هنا بل إما المعنى اللغوي أو التشبيه بحذف أداته
فلا تتم كلية الكبرى. ثم أجاب بأن اللفظ يجب حمله على المعنى الشرعي ومع تعذره
يحمل على أقرب المجازات إلى الحقيقة المتعذرة وهو يستلزم المطلوب فتجب مساواتهما
للصلاة في كل ما لا يدل على خلافه دليل يجب المصير إليه. وللتأسي في الطهارة

(1) الوسائل الباب 6 و 8 من صلاة الجمعة
(2) ص 97.
(3) في عمدة القارئ ج 3 ص 312 ذكر حديث جابر أن سليك الغطفاني دخل يوم
الجمعة المسجد ورسول الله " صلى الله عليه وآله " على المنبر يخطب فقعد سليك قبل أن يصلي (تحية المسجد)
فقال له النبي صلى الله عليه وآله أصليت ركعتين؟ قال لا. فقال قم فاركعهما.
(4) الوسائل الباب 6 و 8 من صلاة الجمعة
101

بالنبي والأئمة (صلوات الله عليهم) وهذا هو الأجود. انتهى.
وبما قرره من التقريب في الاستدلال بالرواية يندفع ما أجاب به سبطه
السيد السند عن الرواية المذكورة من أن وجوب التماثل بين الشيئين لا يستلزم أن يكون من جميع الوجوه، فإن هذا الجواب لا يندفع به ما قرره جده. نعم يمكن
الجواب عنه بما ذكره الشهيد في شرح الإرشاد من أن المراد بالصلاة هنا الدعاء
لاشتمالها على الدعاء وهو أولى من حمله على المجاز الشرعي لأن الحقيقة اللغوية خير
من المجاز الشرعي. انتهى.
وأما ما أجاب به في الذخيرة عن الخبر المذكور - من أن المتبادر منه بقرائن
المقام أن الخطبة كالصلاة في وجوب الاتيان بها أو غير ذلك - فإنه وإن
تم له في صحيحة ابن سنان إلا أنه لا يتم في رواية الفقيه المتقدم نقلها وكذا في رواية
كتاب دعائم الاسلام عن أمير المؤمنين (عليه السلام) المانعة من الالتفات إلا كما يحل في
الصلاة معللا ذلك بأن الخطبتين عوض عن الركعتين فهي صلاة ما دام الإمام يخطب
حسبما ذيلنا به الرواية المذكورة، وبه يظهر قوة القول المشهور. وكيف كان
فاقتضاء الاحتياط له يوجب الوقوف عليه.
قال شيخنا الشهيد الثاني في الروض: وقد علم من الدليل أن الطهارة من
الحدث والخبث شرط وبذلك صرح الشهيد في البيان، وفي الذكرى والدروس خصها
بالحدثية لا غير، ولعل الأقوال حينئذ ثلاثة. مقتضى الدليل أيضا وجوبها
على الإمام والمأموم لكن لم نقف على قائل بوجوبها على المأموم كما ذكروه في الكلام
فلذلك قيدناه بالخطيب. انتهى.
أقول: لا يخفى أن خبر الفقيه المتقدم مشعر بالوجوب على المأموم لما دل
عليه من المنع عن الالتفات إلا على نحو الصلاة، فإن منعه من الالتفات من حيث
كونه في الصلاة ما دام الإمام يخطب ظاهر في أنه يجب أن يكون على طهارة بطريق
أولى. ونحوه الخبر الأخير من أخبار دعائم الاسلام.
102

(الثالث) في وجوب الاسماع وعدمه، قال شيخنا الشهيد الثاني في الروض
وهل يجب اسماع من يمكن سماعه من غير مشقة وإن زاد على العدم؟ نظر من وجوب
الاصغاء عليه كما سيأتي وهو لا يتم إلا باسماعه، ومن كون الوجوب بالنسبة إلى
الزائد عن العدد مشروطا بامكان السماع كما سيأتي فلا منافاة. وربما قيل بعدم
وجوب الاسماع مطلقا لأصالة البراءة وإن وجب الاستماع لتغاير محل الوجوبين فلا
يستلزم وجوب الاصغاء على المأموم وجوب الاسماع على الخطيب، ولأن وجوبه
مشروط بامكان السماع كما مر. ووجوب الاصغاء غير مختص بالعدد لعدم الأولوية
نعم سماع العدد شرط في الصحة ولا منافاة بينهما فيأثم من زاد وإن صحت الخطبة كما أن الكلام لا يبطلها أيضا وإن حصل الإثم. انتهى.
وقال في المدارك بعد ذكر المصنف (قدس سره) التردد في المسألة: منشأه
أصالة عدم الوجوب وأن الغرض من الخطبة لا يحصل بدون الاسماع، والوجوب
أظهر للتأسي وعدم تحقق الخروج عن العهدة بدونه، ويؤيده ما روي (أن
النبي (صلى الله عليه وآله) كان إذا خطب يرفع صوته كأنه منذر جيش) انتهى. وفيه
ما لا يخفى فإن غاية ما تدل عليه أدلته هو الاستحباب لا الوجوب والاحتياط
لا يخفى.
(المورد الرابع) اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في وقت الخطبة
فذهب جملة: منهم - المرتضى وابن أبي عقيل وأبو الصلاح إلى أن وقتها بعد الزوال
فلا يجوز تقديمها عليه واختاره العلامة ونسبه في الذكرى إلى معظم الأصحاب وإليه
مال في المدارك، وقال الشيخ في الخلاف يجوز أن يخطب عند وقوف الشمس فإذا
زالت صلى الفرض. وقال في النهاية والمبسوط: ينبغي للإمام إذا قرب من
الزوال أن يصعد المنبر ويأخذ في الخطبة بمقدار ما إذا خطب الخطبتين زالت

(1) في سنن البيهقي ج 3 ص 206 عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله " صلى الله عليه وآله "
إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش.
103

الشمس فإذا زالت نزل فصلى بالناس. واختاره ابن البراج. وذهب ابن حمزة
إلى وجوب صعود الإمام المنبر بمقدار ما إذا خطب الخطبتين زالت الشمس وأن
يخطب قبل الزوال، واختاره المحقق وإليه ذهب في الذخيرة قال: ومال إليه الشهيدان
استدل القائلون بالأول بوجوه: منها - قوله تعالى: (إذا نودي للصلاة
من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) (1) فأوجب السعي بعد النداء الذي هو عبارة
عن الأذان اجماعا فلا يجب السعي قبله.
ومنها - صحيحة محمد بن مسلم أو حسنته (2) قال: (سألته عن الجمعة فقال
أذان وإقامة يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب ولا يصلي الناس ما دام
الإمام على المنبر.. الحديث).
قالوا: ويؤيده أن الخطبتين بدل الركعتين فكما لا يجوز ايقاع المبدل قبل
الزوال فكذا البدل تحقيقا للبدلية، وأنه يستحب صلاة ركعتين عند الزوال وإنما
يكون ذلك إذا وقعت الخطبة بعد الزوال لأن الجمعة عقيب الخطبة فلو وقعت الخطبة
قبل الزوال تبعتها صلاة الجمعة فينتفي استحباب صلاة ركعتين والحال هذه.
أقول: ويدل عليه ما رواه الشيخ في التهذيب عن عبد الله بن ميمون
عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا خرج إلى الجمعة قعد على
المنبر حتى يفرغ المؤذنون).
وأجاب الفاضل الخراساني في الذخيرة عن هذه الأدلة، قال: والجواب
عن الأول أنه موقوف على عدم جواز الأذان يوم الجمعة قبل الزوال وهو ممنوع
(لا يقال) قد مر سابقا أن عدم جواز ايقاع الأذان قبل دخول وقت الصلاة اتفاقي
بين علماء الاسلام (لأنا نقول) الخطبتان بمنزلة بعض الصلاة فإذا دخل وقت

(1) سورة الجمعة الآية 9.
(2) الوسائل الباب 25 من صلاة الجمعة
(3) الوسائل الباب 28 من صلاة الجمعة.
104

الخطبتين فكأنه دخل وقت الصلاة، وبالجملة القدر المسلم حصول الاتفاق على عدم
جواز الأذان قبل وقت الخطبتين لا وقت الصلاة على أن هذا لازم على المانعين أيضا
إذ على قولهم وقت الصلاة بعد الزوال بمقدار الخطبتين فإذا جاز الأذان في أول الزوال
يلزم جوازه قبل دخول وقت الصلاة. وبما ذكرنا يعلم الجواب عن الثاني، على أن
الخبر غير دال على وجوب ما اشتمل عليه بقرينة ذكر ما لا خلاف في استحبابه
وأما الأخيران فضعفها ظاهر لا يحتاج إلى الإطالة. انتهى.
أقول: لا يخفى ما في هذا الجواب من التمحل البعيد والتكليف الغير السديد
(أما أولا) فإن ما ادعاه من أن الخطبتين بمنزلة بعض الصلاة فمسلم إلا أن ما ادعاه
من أن لهما وقتا على حدة خارجا عن الأوقات المحدودة شرعا ممنوع أتم المنع، لأن
الأوقات ولا سيما وقت الظهر محدودة آية ورواية لقوله تعالى (أقم الصلاة لدلوك
الشمس) (1) المفسر في صحيحة زرارة (2) بزوالها الشامل ليوم الجمعة وغيره صليت
فيه الجمعة أم لا، ولو كان هنا وقت آخر للخطبة زائد على الأوقات المحدودة
لوقعت الإشارة إليه في روايات الأوقات على كثرتها وتعددها سيما مع تكرر صلاة
الجمعة في جميع الأعصار والأمصار كالصلوات اليومية، والاستناد في هذا الوقت إلى
هذا الخبر معارض بالأخبار (3) واتفاق الأصحاب على أنه لا يجوز الأذان إلا بعد
دخول الوقت كما اعترف به، والمراد بالوقت فيها هو الوقت المحدود آية ورواية
وهو زوال الشمس بالنسبة إلى الظهر مثلا، فإنه هو المتبادر الذي ينساق إليه
الاطلاق دون هذا الفرد النادر لو سلمنا وجود دليل عليه. وكون الخطبتين صلاة
لا يقتضي أن يجعل لها وقت آخر بل المراد أنها يدخل وقتها بالزوال كما يدخل
وقت الأربع الركعات لأن الخطبتين فيها بمنزلة الأخيرتين من الأربع كما أشارت

(1) سورة بني إسرائيل الآية 80.
(2) الوسائل الباب 2 من أعداد الفرائض ونوافلها.
(3) الوسائل الباب 8 من الأذان والإقامة.
105

إليه الأخبار المستفيضة بأن وقت صلاة الجمعة زوال الشمس (1) فإن لفظ الصلاة
هنا مراد به ما يعم الخطبتين، لما عرفت مما قدمنا من الأخبار من أنهما صلاة ما دام
الإمام يخطب قد منع فيهما ما منع في الصلاة من الأمور المتقدم ذكرها في الأخبار (2)
وكلام الأصحاب. وما توهمه (قدس سره) - كما يشير إليه قوله على أن هذا لازم على
المانعين أيضا.. إلى آخره من حمل لفظ الصلاة على مجرد الركعتين في هذه الأخبار -
غلط محض، فإن صلاة حيثما أطلقت في مثل هذه الأخبار وكلام الأصحاب
إنما يتبادر منها ما يعم الخطبتين إلا مع القرينة الصارفة عن ذلك كما لا يخفى
على المتأمل المنصف.
و (أما ثانيا) فلما نقله ابن إدريس في كتاب السرائر (3) عن البزنطي في كتاب
النوادر قال بعد ذكر حديث يتضمن الركعتين اللتين قبل الزوال (4): قال صاحب
الكتاب وهو أحمد بن محمد بن أبي نصر صاحب الرضا (عليه السلام): ومن أراد أن يصلي الجماعة
فليأت بما وصفناه مما ينبغي للإمام أن يفعل فإذا زالت الشمس قام المؤذن فأذن وخطب
الإمام وليكن من قوله في الخطبة.. وأورد دعاء تركت ذكره. هذا كلام ابن إدريس
في كتابه. وأنت خبير بما فيه من الدلالة الظاهرة على صحة ما قلناه مما هو المعمول
عليه عند كافة الأصحاب من أن الأذان في صلاة الجمعة وغيرها إنما هو بعد الزوال
وكلام هذا الثقة الجليل لا يقصر عن خبر لما علم من عدم اعتماد أمثاله من ثقات
الأصحاب وأجلائهم في الفتوى إلا على قول المعصومين (عليهم السلام).
وبالجملة فإن كلام هذا الفاضل عندي بمحل سحيق عن التحقيق وإن تبعه فيه
شيخنا المجلسي في البحار كما هي عادته غالبا.
واستدل القائلون بالقول الثاني بما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن

(1) الوسائل الباب 8 من صلاة الجمعة.
(2) ص 96 إلى 102
(3) ص 465
(4) الوسائل الباب 11 من صلاة الجمعة رقم 15.
106

سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي الجمعة حين تزول
الشمس قدر شراك ويخطب في الظل الأول فيقول جبرئيل (عليه السلام) يا محمد (صلى الله عليه وآله) قد
زالت الشمس فأنزل فصل).
وجه الاستدلال أن المستفاد من الظل الأول ما كان قبل حدوث الفيئ
بقرينة قول جبرئيل يا محمد (صلى الله عليه وآله) قد زالت الشمس فأنزل وتحديد الزوال
في أول الخبر بقدر الشراك بناء على أنه مقدار قيل لا يكاد يحصل اليقين بالزوال
قبل ذلك. كذا ذكره في الذخيرة.
وفيه أنه كما يحتمل أن يكون الأمر في الخبر المذكور ما ذكره كذلك يحتمل أن
يكون المعنى فيه ما صرح به السيد السند في المدارك حيث قال - بعد نقل تأويل
العلامة في المختلف للخبر المذكور ورده بالبعد والمخالفة لمقتضى الظاهر - ما لفظه:
نعم يمكن القدح فيها بأن الأولية أمر إضافي يختلف باختلاف المضاف إليه فيمكن
أن يراد به أول الظل وهو الفيئ الحاصل بعد الزوال بغير فصل كما يدل عليه قوله
(عليه السلام) (أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يصلي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك) فإن
اتيانه بالصلاة بعد زوال الشمس عن دائرة نصف النهار قدر شراك يستدعي وقوع
الخطبة أو شئ منها بعد الزوال فيكون معنى قول جبرئيل يا محمد (صلى الله عليه وآله) قد زالت
الشمس فأنزل وصل إنها قد زالت قدر الشراك فأنزل وصل، وكيف كان فهذه
الرواية مجملة المتن فلا تصلح معارضا لظاهر القرآن والأخبار المعتبرة. انتهى.
وهو جيد وجيه.
وبالجملة فإن الرواية المذكورة بالنظر إلى ظاهر قوله (عليه السلام) (يخطب في الظل
الأول) وقول جبرئيل (عليه السلام) (يا محمد (صلى الله عليه وآله) قد زالت الشمس فأنزل) ظاهرة الدالة
في ما ذهبوا إليه ومقتضاه أن الصلاة حينئذ تكون في أول الزوال كما يدعونه أيضا،
إلا أن قوله (عليه السلام) في صدر الخبر (كان يصلي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك)

(1) الوسائل الباب 8 من صلاة الجمعة.
107

ظاهر المنافرة للمعنى المتقدم ولهذا ارتكبوا التأويل في صدر الخبر وبالنظر إلى
صدر الخبر الظاهر في تأخير الصلاة عن أول الزوال بحيث تقع الخطبة أو بعض
منها بعد الزوال يعضد القول الأول ومن ثم ارتكبوا التأويل في بقية الخبر.
وكيف كان فهذه الرواية باعتبار ما هي عليه من هذا الاجمال وقبول الاحتمال
لا تقوم بمعارضة ما قدمناه من الأدلة للقول الأول آية ورواية.
وما أجيب به عنها من جواز تقديم الأذان في صلاة الجمعة على الزوال
يحتاج إلى دليل قاطع لمخالفته لاتفاق الأصحاب والأخبار على أنه لا يجوز الأذان
قبل الوقت المحدود شرعا إلا في صلاة الصبح خاصة كما تقدم في بحث الأوقات (1)
ولو كان الأذان في صلاة الجمعة كذلك كما يدعيه هذا القائل لكان أولى بالذكر من
أذان صلاة الصبح الذي تكاثرت به الأخبار مع أنه لم ترد به إشارة فضلا عن التصريح
وبما ذكرنا يظهر لك قوة القول الأول مع تأيده بموافقة الاحتياط كما اعترف
به أصحاب القول الثاني وجعلوه وجه الجمع بين الأخبار فحملوا ما دل على التأخير
إلى الزوال على الأولوية. وفيه منع ظاهر فإنها صريحة في الوجوب آية ورواية.
وفي حملهم الأخبار المذكورة على الأولوية اعتراف منهم بأن الأذان فيها بعد الزوال
ردا على ما تكلفه هذا الفاضل.
ولا يبعد عندي حمل هذه الرواية على التقية (2) ومذهب العامة في المسألة

(1) ج 7 ص 394.
(2) في البحر الرائق ج 2 ص 156 (الصحيح في المذهب أن الأذان الذي يجب
ترك البيع به بعد الزوال إذا الأذان قبله ليس بأذان) وفي عمدة القارئ ج 3 ص 279
(أجمع العلماء على أن وقت الجمعة بعد زوال الشمس إلا ما روي عن مجاهد يجوز فعلها وقت
صلاة العيد لأنها عيد. وقال أحمد تجوز قبل الزوال وقال الجرمي يجوز فعلها في الساعة
السادسة) وفي البداية ج 1 ص 144 (الجمهور على أن وقت الجمعة وقت الظهر أعني
وقت الزوال وأنها لا تجوز قبل الزوال، وقال أحمد تجوز قبل الزوال. وأما الأذان فجمهور
الفقهاء اتفقوا على أن وقته إذا جلس الإمام على المنبر.
108

وإن لم يكن معلوما إلا أن شيخنا الشهيد في الذكرى نقل بعد قول الشيخ والمحقق
بالجواز قبل الزوال والاستدلال عليه بما رواه العامة عن أنس (1) (أن النبي (صلى الله عليه وآله)
كان يصلي إذا زالت الشمس) قال: وظاهره أن الخطبة وقعت قبل ميلها. ثم أردفها
بصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة (2). ونقل العلامة في المنتهى من أخبارهم أيضا
عن سلمة بن الأكوع (3) قال: (كنا نجمع مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا زالت الشمس
ثم نرجع نتتبع الفيئ) والمراد نصلي معه جماعة كما هو ظاهر اللفظ، والصلاة معه
إذا زالت الشمس مستلزمة لتقدم الخطبتين على الزوال.
والعلامة في المنتهى حيث اختار فيه القول المشهور حمل الرواية على ما يوافق
ما اختاره اعتضادا بها فقال: والجمعة إنما هي الخطبتان والركعتان. والظاهر من اللفظ
إنما هو ما قلنا سيما مع اعتضاده بالرواية الأخرى. والله العالم
(المورد الخامس) في أمور أخر يجب التنبيه عليها: منها - أنهم صرحوا
بأن حضور العدد شرط في صحة الخطبة كما هو شرط في صحة الصلاة، قال في
الخلاف: ومن شرطها العدد كما هو شرط في الصلاة فلو خطب من دونه ثم أحرم
مع العدد لم يصح وبه قال الشافعي ولم يشترطه أبو حنيفة (4). وقال في الذكرى:
ولم أقف على مخالف فيه منا وعليه عمل الناس في سائر الأعصار والأمصار، وخلاف
أبي حنيفة (5) هنا مسبوق بالاجماع وملحوق به أعني الاجماع الفعلي بين المسلمين.
ومنها - أن المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن أذان المؤذن
يكون عند صعود الإمام المنبر وجلوسه لرواية عبد الله بن ميمون التقدمة في سابق
هذا المورد (6) وقوله (ع) (فيها كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا خرج إلى الجمعة قعد)

(1) في صحيح البخاري باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس عن أنس (كان النبي صلى الله عليه وآله
يصلي الجمعة حين تميل الشمس).
(2) ص 106 و 107
(3) صحيح مسلم ج 3 ص 9 باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس.
(4) المغني ج 2 ص 332 والمهذب ج 1 ص 111
(5) المغني ج 2 ص 332 والمهذب ج 1 ص 111
(6) ص 104.
109

حتى المنبر حتى يفرغ المؤذنون.
وقال أبو الصلاح: إذا زالت الشمس أمر مؤذنيه بالأذان فإذا فرغوا منه صعد
المنبر وخطب. وعليه تدل مضمرة محمد بن مسلم المتقدمة ثمة (1) وقوله فيها (يخرج
الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر..)
ويؤيد الرواية الأولى ما رواه في كتاب دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد
(عليهما السلام) (2) قال في حديث: (وإذا صعد الإمام جلس وأذن المؤذنون بين
يديه فإذا فرغوا من الأذان قام فخطب.. الحديث)
ولم يحضرني الآن وجه جمع بين الأخبار إلا القول بالتخيير بين الأمرين أو
حمل مضمرة محمد بن مسلم على الرخصة وإن كان السنة أن يكون الأذان بعد جلوس
الإمام على المنبر، ويؤيده شهرة الحكم بذلك بين الخاصة والعامة (3).
ومنها - أنه يستحب للخطيب السلام بعد ركوبه المنبر عند أكثر الأصحاب
لما رواه الشيخ عن عمرو بن جميع رفعه عن علي (عليه السلام) (4) أنه قال: (من السنة إذا
صعد الإمام المنبر أن يسلم إذا استقبل الناس) قال في الذكرى: وعليه عمل الناس.
ونقل عن الشيخ في الخلاف أنه قال لا يستحب التسليم. قال في الذكرى:
وكأنه لم يثبت عنده سند الحديث. وقال في الذخيرة: وكأنه نظر إلى ضعف
سند الرواية.
أقول: بل الظاهر أنه لم تخطر الرواية المذكورة بخاطره يومئذ وإلا فإنه يتمسك
في جملة من الأحكام بالروايات العامية فضلا عن مثل هذه الرواية، وضعف
السند بهذا الاصطلاح المحدث غير معمول عليه بين المتقدمين من الشيخ وغيره بل
الأظهر هو ما ذكرناه.

(1) ص 104.
(2) مستدرك الوسائل الباب 6 و 14 من صلاة الجمعة
(3) المغني ج 2 ص 296 و 297 والبداية ج 1 ص 144.
(4) الوسائل الباب 28 من صلاة الجمعة.
110

ومنها - استحباب استقبال الناس بوجهه حال الخطبة واستقبال الناس له لما
رواه في الكافي عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله) كل واعظ قبلة. يعني إذا خطب الإمام الناس يوم الجمعة ينبغي للناس أن يستقبلوه)
وروى في الفقيه مرسلا (2) قال: (قال النبي (صلى الله عليه وآله) كل واعظ قبلة وكل
موعوظ قبلة للواعظ. يعني في يوم الجمعة والعيدين وصلاة الاستسقاء في الخطبة
يستقبلهم الإمام ويستقبلونه حتى يفرغ الإمام من خطبته).
ومنها - الاعتماد حال الخطبة على سيف أو قوس أو عصا لما في صحيحة
عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) وفيها (وليلبس الإمام البرد والعمامة ويتوكأ
على قوس أو عصا.. الحديث).
ومنها - التعمم شتاء كان أو قيظا والارتداء ببرد يمني أو عدني أو غيرهما لما
تقدم في صحيحة عمر بن يزيد، ولما رواه سماعة عن الصادق عليه السلام (4) في الموثق قال:
(قال أبو عبد الله عليه السلام ينبغي للإمام الذي يخطب الناس يوم الجمعة أن يلبس عمامة في
الشتاء والصيف ويرتدي ببرد يمني أو عدني.. الحديث).
ومنها - أن يقوم على مرتفع من منبر ونحوه لما تقدم في جملة من الأخبار (5)
ومنها - كونه بليغا بمعنى جمعه بين الفصاحة التي هي خلوص الكلام من
التعقيد وضعف التأليف ومن كونها غريبة وحشية وبين القدرة على تأليف الكلام
المطابق لمقتضى الحال مع الاحتراز عن الإيجاز المخل والتطويل (الممل) ليكون كلامه
أوقع في القلوب وبه يحصل الأثر المراد من الخطبة والمطلوب.
ومنها - مواظبته على الطاعات والانزجار عن المحرمات بل المكروهات

(1) الوسائل الباب 53 من صلاة الجمعة.
(2) الوسائل الباب 53 من صلاة الجمعة.
(3) الوسائل الباب 6 من صلاة الجمعة
(4) الوسائل الباب 24 من صلاة الجمعة
(5) ص 97 و 99 و 104 و 110.
111

ولا سيما المواظبة على الصلوات في أوقاتها والجماعات والجمعات واتصافه بما يأمر به
وينهى عنه ليكون وعظه أبلغ تأثيرا في القلوب، وقد قيل إن ما خرج من اللسان
لا يتجاوز الأذان وما خرج من القلب فموقعه القلب.
(المقصد الرابع) - في الجماعة، واشتراطها بالجملة اجماعي نصا وفتوى، أما
الثاني فلما نقله جملة من الأصحاب وأما الأول فللأخبار المستفيضة: منها - قول
أبي جعفر (عليه السلام) في صحيحة زرارة المتقدمة (1) في عد الروايات الدالة على الوجوب
العيني منها صلاة واحدة فرضها الله في جماعة وهي الجمعة وقول الصادق (عليه السلام)
في صحيحة عمر بن يزيد (2) (إذا كانوا سبعة فليصلوا في جماعة إلى غير
ذلك من الروايات المتقدمة ثمة ونحوها، فلا يصح الانفراد بها وإن حصل العدد
بل لا بد من الارتباط الحاصل من صلاة الإمام والمأمومين.
وتتحقق الجماعة بنية اقتداء المأمومين بالإمام فلو أخلوا بها أو بعضهم لم تنعقد
الجمعة متى كان أحد العد المعتبر لأنه يعتبر في الانعقاد نية العدد المعتبر ولم تصح
صلاة المخل وإن كان زائدا على العدد.
قالوا: وهل يجب على الإمام هنا نية الإمامة؟ نظر من حصول الإمامة إذا
اقتدي به، ومن وجوب نية كل واجب. انتهى. وهو ضعيف لما عرفت مما حققناه
في معنى النية في غير مقام، وكلامهم هنا كما في غير هذا المواضع أيضا - مبنى على
النية بالمعنى المشهور بينهم وهو الحديث النفسي والتصوير الفكري وليس هو النية
حقيقة كما عرفت.
ويجب التنبيه هنا على أمور: الأول - قال شيخنا الشهيد في الذكرى: لو
بأن للعدد أن الإمام محدث فإن كان العدد لا يتم بدونه فالأقرب أنه لا جمعة لهم
لانتفاء الشرط، وإن كان العدد حاصلا من غيره صحت صلاتهم عندنا لما يأتي
إن شاء الله تعالى في باب الجماعة. وربما افترق الحكم هنا وهناك لأن الجماعة شرط في

(1) ج 9 ص 408
(2) الوسائل الباب 6 من صلاة الجمعة
112

الجمعة ولم يحصل في نفس الأمر بخلاف باقي الصلوات، فإن القدوة إذا فأتت فيها
يكون قد صلى منفردا وصلاة المنفرد هناك صحيحة بخلاف الجمعة.
وقال في المدارك بعد نقل ذلك عنه: أقول إنه لا يخفى ضعف هذا الفرق
لمنع صحة الصلاة هناك على تقدير الانفراد لعدم اتيان المأموم بالقراءة التي هي من
وظائف المنفرد، وبالجملة فالصلاتان مشتركتان في الصحة ظاهرا وعدم استجماعهما
الشرائط المعتبرة في نفس الأمر، فما ذهب إليه أولا من الصحة غيد بعيد، بل
لو قيل بالصحة مطلقا وإن لم يكن العدد حاصلا من غيره لا مكن لصدق الامتثال
واطلاق قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيحة زرارة (1) (وقد سأله عن قوم صلى بهم
إمامهم وهو غير طاهر أتجوز صلاتهم أم يعيدونها؟ قال لا إعادة عليهم تمت
صلاتهم عليه هو الإعادة وليس عليه أن يعلمهم، هذا عنه موضوع انتهى.
أقول: ما ذكرناه (قدس سره) جيد، ويعضده أن الأحكام الشرعية من
وجوب وتحريم وصحة وبطلان ونحوها إنما نيطت بنظر المكلف وعلمه لا بالواقع
ونفس الأمر كما تقدم تحقيقه في غير مقام، لما علم عقلا ونقلا من أن الشارع لم
يجعل نفس الأمر مناطا للأحكام الشرعية وإلا لزم التكليف بما لا يطاق فإن ذلك
لا يعلمه إلا هو سبحانه والمناط إنما هو علم المكلف في تحليل أو تحريم أو صحة أو
بطلان ونحو ذلك، وبه يتجه الحكم بالصحة في الصورة التي حكم ببطلان الجمعة
فيها وهو ما إذا كان العدد لا يتم بدونه فإن الصلاة صحيحة بالنظر إلى ظاهر الأمر
وانتفاء الشرط بحسب الواقع غير ملتفت إليه لما عرفت ويخرج الخبر المذكور
شاهدا على ذلك.
(الثاني) - لو عرض للإمام عارض من موت أو اغماء أو حدث لم تبطل
الصلاة وجاز للمأمومين أن يقدموا من يتم بهم الصلاة، أما الأول فلأن الأصل
صحة الصلاة والحكم بالابطال يتوقف على دليل شرعي وليس فليس، وأما الثاني

(1) الوسائل الباب 36 من صلاة الجماعة.
113

فلثبوت ذلك في مطلق الجماعة كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في باب صلاة الجماعة.
وهل الاستخلاف هنا وجوبا أو استحبابا؟ صرح العلامة في المنتهى
بالأول وجزم ببطلان الصلاة بدونه محافظة على اعتبار الجماعة فيها استدامة
كما تعتبر ابتداء.
وفيه أن الظاهر أن الجماعة إنما تعتبر ابتداء لا استدامة كما صرح به غير واحد
من الأصحاب، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في فروع المقصد الثاني في العدد.
وبه يعلم الوجه في الثاني وإن كان الأحوط ما ذكره (قدس سره).
ولو لم يتفق في الجماعة من هو بشروط الإمامة أتموا فرادى جمعة لا ظهر أو
وهل يشترط مع الاستخفاف استئناف نية القدوة؟ الأظهر ذلك لانتفاء
القدوة الأولى بما عرض للإمام مما أوجب خروجه مع وجوب نية تعيين الإمام
كما سيجئ إن شاء الله تعالى في باب الجماعة. وقيل لا يشترط لتنزيل الخليفة منزلة
الأول. فيه ما عرفت من وجوب نية التعيين.
(الثالث) - لو ركع مع الإمام في الأولى وزوحم عن السجود فليس له
السجود على ظهر غيره بل إن أمكنه السجود بعد قيام الصفوف وسجد والتحق
بالإمام في الركوع الثاني وجب وأجزأه، وما حصل من الاخلال بالمتابعة في
الركن مغتفر بالعذر كما سيأتي بيانه في محله إن شاء الله تعالى.
وإن لم يمكنه السجود حتى ركع الإمام ثانيا فليس له الركوع معه لئلا يلزم
زيادة ركن في الصلاة فتبطل فإذا سجد سجد معه ونوى بسجدتيه الركعة الأولى ثم أتم
صلاته بعد تسليم الإمام فإن صلاته تصح اجماعا.
ولو لم ينو بسجدتيه الأولى بل نوى الثانية أم لم ينو شيئا فأقوال: أحدها - بطلان
صلاته وعليه الشيخ في النهاية وأكثر المتأخرين والظاهر أنه المشهور، والظاهر أن
وجهه - كما ذكره في المدارك - عدم الاعتداد بهما لعدم نيتهما للأولى استلزام إعادتهما
زيادة الركن في الصلاة.
114

وقال في المبسوط إنه إن لم ينو بهما الأولى لم يعتد بهما ويستأنف سجدتين
للركعة الأولى ثم يستأنف بعد ذلك ركعة أخرى وقد تمت جمعة، قال وقد روي
أنه تبطل صلاته. ونحو قال في الخلاف على ما نقل عنه، وهو مذهب السيد
المرتضى في المصباح.
وقال ابن إدريس إنما تبطل إذا نوى أنهما للثانية لا بترك نية أنهما للأولى.
ورده العلامة بأن أفعال المأموم تابعة لإمامه فالاطلاق ينصرف إلى ما نواه الإمام
وقد نوى الثانية فينصرف فعل المأموم إليه.
وقال المحقق في المعتبر بعد ذكر رواية حفص الآتية إن شاء الله تعالى وردها
بضعف السند وأنه لا عبرة بها: فالأشبه ما ذكره في النهاية. وهو مؤذن
باختيار مذهب الشيخ في النهاية من القول بالبطلان.
وفي المعتبر علل البطلان الذي ذهب إليه الشيخ في النهاية متى لم ينو
بالسجدتين الأولى بأنه قد زاد ركنا وهو السجدتان فتبطل صلاته كما لو زاد ركعة،
قال: ويؤيد ذلك ما رواه زرارة وبكير ابنا أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (إذا
استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها واستقبل صلاته استقبالا إذا كان قد
استيقن يقينا) ثم نقل نحوها رواية أبي بصير وعلل في المدارك وجه البطلان
بما قدمنا نقله عنه، والظاهر أن المرجع إلى أمر واحد فإنه متى كانتا غير معتد بهما
لزم زيادة الركن.
وظاهر الشهيد في الذكرى اختيار القول بالصحة كما ذهب إليه الشيخ في المبسوط
فإنه بعد أن نقل عن المعتبر رد الرواية بضعف السند قال ما لفظه: قلت ليس
ببعيد العمل بهذه الرواية لاشتهارها بين الأصحاب وعدم وجود ما ينافيها، وزيادة
السجود مغتفرة في المأموم كما لو سجد قبل إمامه، وهذا التخصيص يخرج الروايات
الدالة على الابطال عن الدلالة. وأما ضعف الراوي فلا يضر مع الاشتهار، على

(1) الوسائل الباب 19 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 19 من الخلل في الصلاة
115

أن الشيخ في الفهرست قال إن كتاب حفص معتمد عليه. انتهى. وأشار
بالروايات الدالة على الابطال إلى ما أورده المحقق (قدس سره) من الروايات الدالة
على ابطال الصلاة بزيادة الركن فيها.
وقال في المدارك بعد أن رد الرواية بضعف السند وأنه لا عبرة بها كما ذكره
في المعتبر: والأصح البطلان إن نوى بهما الثانية كما اختاره المصنف أما مع
الذهول عن القصد فتنصرفان إلى الأولى. انتهى. وهو راجع إلى ما قدمنا نقله
عن ابن إدريس.
وظاهر القائلين بالبطلان هو العموم بمعنى أنه متى لم ينو بهما الأولى بطلت
صلاته أعم من أن ينوي بهما الثانية أو لم ينو بهما شيئا، ولهذا اعترض العلامة
على مذهب ابن إدريس بما قدمنا ذكره. والظاهر أن ما ادعاه كل منهما من الانصراف
إلى الأولى أو الثانية لا يخلو من نظر لما سيأتي إن شاء الله تعالى في المقام، وحينئذ
فتكون الأقوال في المسألة ثلاثة: البطلان مطلقا والصحة مطلقا والتفصيل الذي
ذهب إليه ابن إدريس.
والرواية المشار إليها في المقام ما رواه الشيخ وابن بابويه عن حفص بن
غياث (1) قال: (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في رجل أدرك الجمعة وقد ازدحم
الناس وكبر مع الإمام وركع ولم يقدر على السجود وقام الإمام والناس في الركعة
الثانية وقام هذا معهم فركع الإمام ولم يقدر هذا على الركوع في الركعة الثانية من
الزحام وقدر على السجود كيف يصنع؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام) أما الركعة الأولى فهي
إلى عند الركوع تامة فلما لم يسجد لها حتى دخل في الركعة الثانية لم يكن له ذلك فلما
سجد في الثانية فإن كان نوى أن هذه السجدة هي للركعة الأولى فقد تمت له الأولى
فإذا سلم الإمام قام فصلى ركعة يسجد فيها ثم يتشهد ويسلم، وإن كان لم ينو أن تكون
تلك السجدة للركعة الأولى لم تجزئ عنه الأولى ولا الثانية عليه أن يسجد سجدتين

(1) الوسائل الباب 17 من صلاة الجمعة.
116

وينوي أنهما للركعة الأولى وعليه بعد ذلك ركعة ثانية يسجد فيها قال حفص:
وسألت عنها ابن أبي ليلى فما طعن فيها ولا قارب.
. أنت خبير بأن الرواية المذكورة لا معارض لها في البين واطراحها بمجرد
ضعف السند بهذا الاصطلاح الغير المعتمد غير مرضي سيما مع ما ذكره شيخنا
الشهيد من شهرة الرواية بين الأصحاب. إلا أن الرواية المذكورة غير صريحة
الدلالة في ما يدعونه من الصحة مع زيادة سجدتين أخريين وذلك فإنه مبني على أن يكون
قوله وعليه أن يسجد سجدتين.. الخ معطوفا على جواب الشرط بمعنى أنه إذا لم
ينو أن تكون تلك السجدة للركعة الأولى فإنها لا تجزئ عن الأولى ولا عن الثانية
والواجب عليه في الصورة المذكورة أن يسجد.. إلى آخره، وهذا المعنى غير متعين
في الرواية بل من الممكن حمل قوله (عليه السلام) (وعليه أن يسجد.. الخ) على أن يكون
كلاما مستأنفا مؤكدا لما تقدم، ويكون حاصل المعنى أنه إذا لم ينو أن تكون تلك
السجدة التي سجدها للركعة الأولى فإنها لا تجزئ عنه للأولى ولا للثانية بل الواجب
عليه من أول الأمر أنه متى حصلت له فرصة للسجود في الركعة الثانية أن ينوي بها
الأولى وعليه بعد ذلك ركعة ثانية. وبذلك يظهر لك أن الأقوى في المسألة هو
القول بالبطلان كما هو المشهور بين المتأخرين.
فروع
(الأول) - تقدم النقل عن ابن إدريس وصاحب المدارك بأنه لو سجد
وذهل عن نية كونهما للأولى أو الثانية فإن ذلك ينصرف إلى الأولى وعلى هذا تصح
صلاته في الصورة المذكورة، وإلى هذا القول مال شيخنا الشهيد الثاني في كتاب
روض الجنان ونقل أيضا عن المحقق الشيخ على.
وعلله في الروض بحمل الاطلاق على ما في ذمته، قال: فإنه لا تجب
لكل فعل من أفعال الصلاة نية وإن كان المصلي مسبوقا وإنما يعتبر للمجموع النية أولها
وقد تقدم النقل عن العلامة بأنه اختار البطلان معللا بانصراف الاطلاق إلى
117

الركعة الثانية لأن أفعال المأموم تابعة لأفعال إمامه فالاطلاق ينصرف إلى ما نواه
الإمام وقد نوى الثانية فينصرف فعل المأموم إليه.
ورد بأن وجوب المتابعة لا يصير المنوي للإمام منويا للمأموم كما في كل
مسبوق ولا يصرف فعله علما في ذمته والأصل يقتضي الصحة.
أقول لا يخفى أن التعليل الأول أيضا لا يخلو من خدش فإن قوله - لا تجب
لكل فعل من أفعال الصلاة نية - على اطلاقه ممنوع لأن هذا إنما يتم في مقام الاتيان
بالفعل في محله على الترتيب الشرعي الذي وضعت عليه الصلاة، أما في ما نحن فيه
من هذه الصورة التي صار السجود فيها في غير مقامه صالحا في حد ذاته لأن يكون
للركعة الأولى أو الثانية وإن بطلت الصلاة على تقدير جعله للثانية فإنه لا يتعين
لأحدهما إلا مع النية، وانصرف الاطلاق إلى ما في ذمته لو تم لورد عليهم ايجاب
القيود في النية كما صرحوا به من وجوب نية الأداء والقضاء والوجوب والاستحباب
وكونها ظهرا أو عصرا ونية الرفع في الطهارة والاستباحة ونحو ذلك، فإنه بمقتضى
هذا الكلام لو نوى (أصلي قربة إلى الله أو أتوضأ قربة إلى الله) صح ذلك وانصرف
الاطلاق إلى ما في ذمته وهم لا يقولون به كما لا يخفى على من وقف على كلامهم
في بحث النية.
هذا، والمفهوم من الرواية المتقدمة - حيث دلت على أنه إذا لم ينو بتلك
السجدة الركعة الأولى الذي هو أعم من نية الثانية وعدم النية بالكلية فإنها لا تجزئ
للأولى ولا للثانية - هو البطلان في الصورة المذكورة ولكن الجماعة المذكورين حيث
اطرحوا الرواية لضعف سندها أعرضوا عن العمل بما دلت عليه مطلقا، والمتجه
عندنا هو العمل بما دلت عليه لعدم تعويلنا على هذا الاصطلاح المحدث وعدم
المعارض لها، ولو سلمت من الاحتمال الذي قدمنا ذكره لحكمنا بالصحة في أصل
المسألة كما ذهب إليه في المبسوط ولكنها غير ظاهرة فيه لما عرفت.
(الثاني) - لو سجد ولحق الإمام راكعا في الثانية وجب عليه المتابعة وأدرك
118

الجمعة وأتم صلاته مع الإمام بلا إشكال ولا خلاف، إنما الخلاف في ما لو أدركه
رافعا فقيل بوجوب الانفراد حذرا من مخالفة الإمام في الأفعال لتعذر المتابعة
، وقيل بوجوب المتابعة وحذف الزائد كمن تقدم الإمام سهوا في ركوع أو سجود،
وقيل بالتخيير بين أن يجلس حتى يسجد الإمام ويسلم ثم ينهض إلى الثانية وبين أن
يقعد ويعدل إلى الانفراد.
(الثالث) - لو لم يتمكن من السجود في ثانية الإمام أيضا حتى قعد الإمام
للتشهد ففي فوات الجمعة عدمه اشكال من عدم ادراك الركعة الثانية، ومن ادراكها
حكما. أقول: ويرجع الثاني إلى ما تقدم من أن الجماعة والعدد شرط في صحة صلاة
الجمعة ابتداء لا استدامة. هذا إذا أتى بالسجود قبل تسليم الإمام أما لو لم يأت به
إلا بعده فقد قال في المنتهى أن الوجه هنا فوات الجمعة قولا واحدا لأن ما يفعله بعد
التسليم لم يكن في حكم صلاة الإمام. وتنظر فيه بعض الأفاضل قال: لمنع اشتراط
الجماعة في صحة صلاة الجمعة إلا في الابتداء.
ثم إن قلنا بفوات الجمعة فهل يعدل بنيته إلى الظهر أو يستأنف؟ احتمالان
وقرب العلامة الثاني، وربما يوجه بأن كلا منهما صلاة منفردة عن الأخرى في
الشرائط والأحكام والأصل عدم جواز العدول بالنية من فرض إلى آخر لقوله
(عليه السلام) (1) (وإنما لكل امرئ ما نوى) وأن النية إنما تعتبر في أول العبادات
لقوله (عليه السلام) (2): إنما الأعمال بالنيات.) وربما يوجه الأول بأن الجمعة ظهر
مقصورة فإذا جاز العدول من السابقة المغايرة فههنا أولى.
وأنت خبير بما في هذه التعليلات والتوجيهات من عدم الصلاحية لتأسيس
الأحكام الشرعية، والمسألة لا تخلو من الاشكال لعدم الدليل في المقام.
(الرابع) - لو زوحم عن الركوع والسجود معا صبر حتى يتمكن منهما
ثم يلتحق بالإمام، لما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن

(1) الوسائل الباب 5 من مقدمة العبادات
(2) الوسائل الباب 5 من مقدمة العبادات
119

أبي الحسن (عليه السلام) (1) (في رجل صلى في جماعة يوم الجمعة فلما ركع الإمام ألجأه الناس
إلى جدار أو أسطوانة فلم يقدر على أن يركع ولا يسجد حتى رفع القوم رؤوسهم
أيركع ثم يسجد ثم يقوم في الصف؟ قال لا بأس بذلك).
وكذا الحكم في ما لو زوحم عن ركوع الأولى فإنه يصبر حتى يلتحق بالإمام
في ركوع الثانية فإنه يركع معه وتصير له الأولى ثم يأتي بالثانية بعد تسليم الإمام.
أما لو لم يدركه إلا بعد الرفع من الأخيرة ففي ادراك الجمعة بذلك وعدمه
قولان ثانيهما للمحقق في المعتبر وأو لها لجمع من الصحاب: منهم - الشهيد في
الذكرى والمحقق الشيخ على استنادا إلى عموم الرواية المذكورة.
قال في الذكرى: ولو لحقه بعد رفعه من الثانية فالأقرب الاجزاء لأنه أدرك
ركعة مع الإمام حكما وإن لم يكن فعلا والرواية تشمله، ووجه المنع أنه لم يلحق
ركوعا مع الإمام. انتهى.
أقول: لا يخفى ضعف ما قربه، أما التعليل الأول فعليل كما لا يخفى، وأما
الرواية فإن ظاهر (ثم يقوم في الصف) هو ادراك الركعة الثانية كملا والركوع مع
الإمام فيها. نعم يمكن توجيه ما ذكره بما تقدم من أن الجماعة شرط في الابتداء
لا في الاستدامة وحينئذ فيمكن الاستناد إلى عموم ما دل على وجوب الجمعة
وتعينها. والله العالم.
(الأمر الرابع) - أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أنه تدرك الجمعة بادراك ركعة مع الإمام، نقل الاتفاق على ذلك جملة منهم.
ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمان بن العرزمي عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (إذا أدركت الإمام يوم الجمعة وقد سبقك بركعة فأضف
إليها ركعة أخرى واجهر فيها وإن أدركته وهو يتشهد فصل أربعا).

(1) الوسائل الباب 17 من صلاة الجمعة. ولفظ الرواية في الفقيه ج 1 ص 270
هكذا (أيركع ثم يسجد ويلحق بالصف وقد قام القوم أم كيف يصنع؟ فقال يركع
ويسجد ثم يقوم في الصف ولا بأس بذلك).
(2) الوسائل الباب 26 من صلاة الجمعة.
120

وعن الفضل بن عبد الملك في الصحيح (1) قال: (قال أبو عبد الله (عليه السلام) من
أدرك ركعة فقد أدرك الجمعة).
وما رواه الكليني والشيخ عن الحلبي في الصحيح أو الحسن (2) قال: (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن من ليدرك الخطبة يوم الجمعة فقال يصلي ركعتين فإن فاتته
الصلاة فلم يدركها فليصل أربعا. وقال إذا: أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة
الأخيرة فقد أدركت الصلاة وإن أنت أدركته بعد ما ركع فهي الظهر أربع ركعات)
وما رواه الصدوق عن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) أنه قال:
(إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الجمعة وإن أدركته بعد
ما ركع فهي أربع بمنزلة الظهر).
وعن الفضل بن عبد الملك في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: (إذا
أدرك الرجل ركعة فقد أدرك الجمعة وإن فاتته فليصل أربعا).
ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (5) قال: (لا تكون الجمعة إلا لمن أدرك الخطبتين) فإنه محمول على الفضل
والاستحباب جمعا.
وبالجملة فالحكم المذكور اتفاقي وإنما الخلاف في ما به تدرك الركعة فالمشهور
أنه يتحقق بادراك الإمام راكعا، وإليه ذهب الشيخ في الخلاف والمرتضى وكافة

(1) الوسائل الباب 26 من صلاة الجمعة.
(2) الوسائل الباب 26 من صلاة الجمعة. وفي نسخ الحدائق هكذا (عن من يدرك
الجمعة) والصحيح ما هنا. وأيضا في الفروع ج 1 ص 119 والتهذيب ج 1 ص 322
اللفظ هكذا (فهي الظهر أربع).
(3) الوسائل الباب 26 من صلاة الجمعة. وفي الفقيه ج 1 ص 270 هكذا (فقد
أدركت الصلاة).
(4) الوسائل الباب 26 من صلاة الجمعة.
(5) الوسائل الباب 16 من صلاة الجمعة. وفي التهذيب ج 1 ص 323 هكذا
(الجمعة لا تكون).
121

المتأخرين، وذهب الشيخان في المقنعة والنهاية وكتابي الأخبار إلى أن المعتبر
إدراك تكبير الركوع.
والأظهر الأول، ويدل عليه جملة من الأخبار: منها - ما رواه الصدوق في
الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) أنه قال: (إذا أدركت الإمام وقد
ركع فكبرت قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدركت الركعة وإن رفع رأسه قبل أن
تركع فقد فاتتك الركعة).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن سليمان بن خالد (2) ورواه الكليني في الصحيح
أيضا عن سليمان بن خالد (3) قال: (قال أبو عبد الله (عليه السلام) في الرجل إذا أدرك الإمام وهو
راكع فكبر وهو مقيم صلبه ثم ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة)
وما رواه الصدوق في الفقيه عن أبي أسامة (4) (أنه سأله (عليه السلام) عن رجل
انتهى إلى الإمام وهو راكع؟ قال إذا كبر وأقام صلبه ثم ركع فقد أدرك).
وما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (5) (قال إذا دخلت المسجد والإمام راكع فظننت أنك إن مشيت إليه رفع رأسه
قبل أن تدركه فكبر واركع فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك فإذا قام فالحق بالصف
وإن جلس فاجلس مكانك فإذا قام فالحق بالصف ورواه الشيخ عن عبد الرحمن
بسند صحيح أيضا (6).

(1) الوسائل الباب 45 من صلاة الجماعة. وفيه هكذا (فكبرت وركعت) وفي الفقيه
ج 1 ص 254 كما هنا.
(2) الوسائل الباب 45 من الجماعة. واللفظ في التهذيب ج 1 ص 258 كما هنا وفي
روايته الأخرى ص 330 أسقط لفظ الركعة.
(3) الوسائل الباب 45 من الجماعة. وفي الفروع ج 1 ص 106 باسقاط لفظ
الركعة أيضا.
(4) الوسائل الباب 45 من صلاة الجماعة.
(5) الوسائل الباب 46 من الجماعة. وليس في الفقيه ج 1 ص 254 (قبل أن
تدركه) بعد قوله (رفع رأسه) وإنما هو في رواية التهذيب ج 1 ص 258.
(6) الوسائل الباب 46 من الجماعة.
122

وما رواه الشيخ عن معاوية بن شريح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (إذا
جاء الرجل مبادرا والإمام راكع أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع)
وعن جابر الجعفي (2) قال: (قلت لأبي جعفر (عليه السلام) إني أؤم قوما فأركع
فيدخل الناس وأنا راكع فكم أنتظر؟ فقال ما أعجب ما تسأل عنه انتظر مثلي
ركوعك فإن انقطعوا وإلا فارفع رأسك).
وفي الفقيه (3) (قال رجل لأبي جعفر (عليه السلام) إني إمام مسجد الحي فأركع بهم
وأسمع خفقان نعالهم وأنا راكع؟ فقال اصبر ركوعك ومثل ركوعك فإن انقطعوا
وإلا فانتصب قائما).
هذا ما حضرني من الروايات الدالة على المشهور.
وأما ما يدل على القول الثاني فهو ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم
عن أبي جعفر (عليه السلام) (4) قال قال لي: (إن لم تدرك القوم قبل أن يكبر الإمام
للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة).
وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) (5) قال قال: (لا تعتد
بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام).
وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) (6) قال: (إذا أدركت
التكبيرة قبل أن يركع الإمام فقد أدركت الصلاة).
وروى الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم (7) قال: (قال أبو عبد الله
(عليه السلام) إذا لم تدرك تكبيرة الركوع فلا تدخل في تلك الركعة.
وروى الشيخ في التهذيب عن يونس الشيباني عن أبي عبد الله (عليه السلام) (8) قال: (إذا

(1) الوسائل الباب 4 من تكبيرة الاحرام و 45 من الجماعة
(2) الوسائل الباب 50 من الجماعة.
(3) ج 1 ص 255 وفي الوسائل الباب 50 من الجماعة
(4) الوسائل الباب 44 من الجماعة.
(5) الوسائل الباب 44 من الجماعة.
(6) الوسائل الباب 44 من الجماعة.
(7) الوسائل الباب 44 من الجماعة.
(8) الوسائل الباب 13 من الأذان والإقامة.
123

دخلت من باب المسجد فكبرت وأنت مع إمام عادل ثم مشيت إلى الصلاة أجزأك
ذلك وإذا الإمام كبر للركوع كنت معه في الركعة لأنه إذا أدركته وهو راكع لم تدرك
التكبير لم تكن معه في الركوع.
وجملة من الأصحاب جمعوا بين هذه الأخبار بحمل النهي في الصحيحة الأولى
وعدم الاعتداد في الثانية على الكراهة ونفى الاعتداد في الفضيلة ويكون الغرض
التحريض على كمال السعي في عدم التأخير. قالوا وإنما حملنا هذه الأخبار على ذلك
رعاية لقاعدة الجمع وابقاء للأخبار الكثيرة على ظاهرها فإن هذه الأخبار الأصل
فيها محمد بن مسلم وهو واحد بخلاف الأخبار الأولة.
وأنت خبير بأن مرجع هذا الجمع إلى التخيير في الدخول بعد فوات التكبير
وأن الأولى عدمه لأنه مكروه باعتبار النهي المتقدم، وهذا إنما يتم في غير الجمعة
مما جاز للمكلف الاتيان به جماعة وفرادى دون الجمعة التي قام الدليل على وجوبها
عينا كما هو المختار الذي عليه جل علمائنا الأبرار، إلا أن تحمل هذه الأخبار بكلا
طرفيها من الأخبار الدالة على ادراك الركعة حال الركوع والأخبار الدالة على العدم إلا
مع إدراك تكبيرة الاحرام على غير الجمعة، وهو مشكل لأنه يلزم منه بقاء حكم الجمعة
مبهما في الصورة المذكورة.
ورجح بعض فضلاء متأخري المتأخرين وجوب الدخول في الجملة حال
الركوع نظر إلى أن الأخبار السابقة الدالة على وجوب ادراك صلاة الجمعة المتحقق
بالدخول معهم في الصلاة في الصورة المذكورة أخص مطلقا من الأخبار المذكورة
والخاص مقدم على العام.
وفيه - مع غموض ما ذكره - أنه إن أراد دلالتها على وجوب الدخول حال
الركوع فإن ظاهر صحيحتي الحلبي المتقدمتين (1) في عداد تلك الروايات إنما هو العكس
فإن الظاهر من قوله (عليه السلام) فيهما فإن أدركته بعد ما ركع فهي الظهر أنه متى أدركه

(1) ص 121.
124

حال الركوع فهي الظهر بمعنى عدم ادراك الركعة وفوات الجمعة بادراكه حال الركوع
ولهذا أن بعضهم احتمل اختصاص الجمعة بذلك نظرا إلى هاتين الروايتين وإن كان
الحكم في غيرها ما دلت عليه تلك الأخبار من ادراك الركعة بادراك الإمام راكعا وإن
احتمل حمل الروايتين المذكورتين على الادراك بعد فوات الركوع. ويمكن ترجيح
هذا المعنى بالنظر إلى تلك الأخبار الكثيرة فتحمل هاتان الصحيحتان على ذلك جمعا بينها
وبين تلك الأخبار. ويؤيده أن قوله (عليه السلام) (إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة
الأخيرة فقد أدركت الجمعة) أعم من أن يكون الادراك قبل تكبير الركوع أو بعده
ومتى شمل الادراك بعده فإنه لا ينطبق على القول الثاني.
وبالجملة فالأحوط في صلاة الجمعة أنه متى لم يدرك تكبير الركوع ويدخل معه
قبل الركوع هو الاتمام جمعة ثم الإعادة ظهرا لما عرفت من ظاهر الصحيحتين المذكورتين
هذا، وظاهر المحدث الكاشاني في الوافي - بعد نقل بعض الأخبار الدالة على
ادراك الركعة بادراك الركوع وأخبار محمد بن مسلم الدالة على العدم إلا مع ادراك
التكبير - هو موافقة الشيخ في الجمع بين الأخبار بما ذكره في التهذيبين حيث قال:
ولا تنافي بين هذه الأخبار الأربعة والخبرين الأولين لجواز سماع التكبير من بعيد
قبل بلوغ الصف. كذا في التهذيبين، وتدل عليه الأخبار الواردة في ركوع المسبوق
وسجوده قبل لحوقه الصف كما مر في باب التقدم إلى الصف والتأخر عنه. انتهى.
وأشار بالأخبار الأربعة إلى أخبار محمد بن مسلم.
وأنت خبير بأن حاصل هذا الجمع هو حمل ادراك تكبيرة الركوع في روايات
محمد بن مسلم على مجرد سماعه وإن دخل في الصلاة بعد ذلك حال الركوع لا توقف
الدخول في الصلاة على كونه قبل تكبير الإمام للركوع كما زعمه ذلك القائل، وحينئذ
فتحمل الأخبار الأولة الدالة على ادراك الصلاة بادراك الركوع على سماع تكبيرة
الركوع قبل الدخول في الصلاة، وعلى هذا فلو لم يسمع تكبيرة الركوع امتنع دخوله
في حال الركوع. ولا يخفى ما فيه من البعد.
125

وما استند إليه من الأخبار التي أحالها على الباب المذكور لا اشعار فيها بشئ
مما ادعاه، فإن منها صحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله المتقدمة (1) مدلولها هو دخول
المأموم والإمام راكع وخاف من المشي إليه رفع رأسه من الركوع فإنه يكبر في محله
ثم يلحق بالصف، وليس فيها كما ترى إشارة فضلا عن التصريح بسماع تكبيرة
الركوع بل هي بالدلالة على العدم أنسب وإلى ذلك أقرب حيث دلت على أنه دخل
والإمام راكع وذلك بعد تكبير الركوع البتة، فظاهر أنه لم يشهد تكبير الركوع
كما لا يخفى.
ومن أخبار الباب المذكور بالنسبة إلى هذه المسألة ما رواه في التهذيب
والفقيه عن إسحاق بن عمار (2) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أدخل المسجد
وقد ركع الإمام فاركع بركوعه وأنا وحدي واسجد فإذا رفعت رأسي أي شئ أصنع؟
فقال قم فاذهب إليهم فإن كانوا قياما فقم معهم وإن كانوا جلوسا فاجلس معهم
والتقريب فيها كما في سابقتها.
ومنها - ما رواه الشيخان المذكوران في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما
(عليهما السلام) (3) (أنه سئل عن الرجل يدخل المسجد فيخاف أن تفوته
الركعة؟ فقال يركع قبل أن يبلغ القوم ويمشي وهو راكع حتى يبلغهم وهي كما
ترى مجملة محتملة للأمرين.
وبالجملة فإن هذه الأخبار التي زعم الاستناد إليها في هذا الجمع قد دلت على
ما دلت عليه روايات القول المشهور، وأنت خبير بأن ظهور التدافع بين هذه
الروايات وروايات محمد بن مسلم أمر ظاهر والتأويلات التي نقلناها عنهم قد عرفت
ما فيها فلم يبق إلا الترجيح بينها والظاهر كونه في جانب أخبار القول المشهور لكثرتها،
ومن جملة طرق الترجيح المروية في مقبولة عمر بن حنظلة (4) الترجيح بالشهرة يعني

(1) ص 122
(2) الوسائل الباب 46 من الجماعة
(3) الوسائل الباب 46 من الجماعة
(4) الواردة في الوسائل في الباب 9 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به.
126

في الرواية لقوله (عليه السلام) (خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر) وهي في
جانب تلك الأخبار لتعدد رواتها وانحصار أخبار القول المقابل في محمد بن مسلم
ويونس الشيباني، وحينئذ فالواجب بمقتضى هذه القاعدة الشريفة هو العمل على تلك
الأخبار وارجاء هذه الأخبار إلى قائلها. والله العالم.
فرعان
(الأول) إعلم أنه قد صرح جملة من الصحاب (رضوان الله عليهم) بأن
المعتبر على تقدير القول المشهور في ادراك الركعة حال الركوع هو اجتماعهما في
قوس الراكع بحيث يكبر ويركع ويجتمع في ذلك الحد، وعليه تدل صحيحة
سليمان بن خالد وصحيحة الحلبي المتقدمتان (1).
وهل يقدح فيه شروع الإمام في الرفع مع عدم تجاوز ذلك الحد؟ وجهان
للأول ظاهر قوله (عليه السلام) في صحيحة الحلبي المتقدمة (2) (إذا أدركت الإمام وقد ركع
فكبرت قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدركت الركعة) ونحوها صحيحة سليمان بن خالد
المتقدمة (3) أيضا حيث إنه علق الحكم على رفع الرأس، وللثاني حمل الرفع في
الخبرين على كماله أو على ما يخرجه عن حده لأن ما دونه في حد العدم. وظاهر
السيد السند في المدارك استظهار الأول.
واشترط العلامة في التذكرة ذكر المأموم قبل رفع الإمام، هكذا نقله عنه
في المدارك ثم قال: ولم نقف على مأخذه. والذي نقله عنه جده في الروض إنما هو
اشتراط ادراك ذكر الركوع ثم قال: ولا شاهد له. وكتاب التذكرة لا يحضرني
الآن لا حقق منه الحال (4).

(1) ص 122.
(2) ص 122.
(3) ص 122.
(4) قال في الفرع الرابع من فروع المسألة الثانية من مسائل البحث الرابع من
مباحث صلاة الجمعة: لو كبر للاحرام والإمام راكع ثم رفع الإمام قبل ركوعه أو بعده
قبل الذكر فقد فاتته تلك الركعة.
127

ثم إن مما يدل على ما ذكره في التذكرة بناء على ما نقله في الروض ما رواه
الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن صاحب
الزمان عجل الله تعالى فرجه (1) (أنه كتب إليه يسأله عن الرجل يلحق الإمام وهو
راكع فيركع معه ويحتسب بتلك الركعة فإن بعض أصحابنا قال إن لم يسمع تكبيرة
الركوع فليس له إن يعتد بتلك الركعة؟ فأجاب عليه السلام إذا لحق مع الإمام من تسبيح
الركوع تسبيحة واحدة اعتد بتلك الركعة وإن لم يسمع تكبيرة الركوع) ونحوها
رواية أخرى لا يحضرني الآن محلها (2).
(الثاني) - لو كبر وركع ثم شك هل كان الإمام راكعا أو رافعا لم تكن له
جمعة ووجب عليه صلاة الظهر إن كان ذلك في الركعة الثانية وإلا فجمعة إن كان في
الركعة الأولى، والوجه فيه أن الشرط ادراك الإمام راكعا ولم يحصل لمكان الشك
ولتعارض أصلي عدم الادراك وعدم الرفع فيتساقطان ويبقى المكلف تحت عهدة
التكليف وليس إلا الظهر لفوات الجمعة. والله العالم.
(المقصد الخامس) - في وحدة الجمعة بمعنى أن لا تكون هناك جمعة أخرى
دون ثلاثة أميال وهو اجماعي بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) خلافا لمخالفيهم
حيث لم يعتبروا ذلك (3) وبه تظافرت أخبارهم (عليهم السلام):

(1) الوسائل الباب 45 من الجماعة
(2) لم نعثر عليها بعد الفحص في مظانها
(3) في بدائع الصنائع ج 1 ص 260 اختلفوا في تعددها في المصر الواحد فعن
محمد لا بأس بإقامتها في موضعين أو ثلاثة، وروى محمد عن أبي حنيفة أنه يجوز الجمع في
موضعين أو أكثر من ذلك، وفي رواية عن أبي يوسف لا يجوز إلا إذا كان بين الموضعين
نهر عظيم كدجلة ليكون بمنزلة المصرين وكان يأمر بقطع الجسر يوم الجمعة لينقطع الوصل
وفي رواية يجوز في موضعين إذا كان المصر عظيما ولا يجوز في ثلاثة وأما إن كان بينهما نهر
صغير فلا يجوز فإن أدوها في موضعين فالجمعة لمن سبق منهما وعلى الآخرين أن يعيدوا
الظهر ومع الشك لا تجوز صلاتهم. أقول: وفي أيام المعز البويهي كانت تقام الجمعة في
جامع الخليفة وجامع السلطان وجامع براثا وجامع الحنابلة في بغداد.
128

ومنها - ما رواه ثقة الاسلام في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم عن
أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: (يكون بين الجماعتين ثلاثة أميال يعني لا تكون جمعة إلا
في ما بينه وبين ثلاثة أميال وليس تكون جمعة إلا بخطبة، قال فإذا كان بين الجماعتين
في الجمعة ثلاثة أميال فلا بأس أن يجمع هؤلاء ويجمع هؤلاء).
وما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في الموثق عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال:
(إذا كان بين الجماعتين ثلاثة أميال فلا بأس أن يجمع هؤلاء ويجمع هؤلاء ولا يكون
بين الجماعتين أقل من ثلاثة أميال.
وقد صرح بعض الأصحاب بأنه يعتبر الفرسخ من المسجد إن صليت فيه وإلا
فمن نهاية المصلين. ويشكل الحكم في ما لو يبلغ النصاب بين بعض المأمومين وبين
الجمعة الأخرى ممن كان زائدا على العدد المشترط في وجوب الجمعة، فهل يختص
البطلان بهم لاستجماع صلاة من عداهم لشرائط الصحة واختصاص فوات الشرط
المذكور بهم أو تبطل صلاة الجميع لانتفاء الشرط المعتبر في صحة الجماعتين بناء على
أن المجموع جماعة واحدة؟ وجهان، استقرب في المدارك الأول وفي الذخيرة
الثاني، والمسألة محل تردد وإن كان ما اختاره في المدارك لا يخلو من قوة.
ولو اتفق وقوع جمعتين في مسافة فرسخ فههنا صور: الأولى - أن تسبق
إحداهما ولو بتكبيرة الاحرام ولا ريب في صحة السابقة وبطلان اللاحقة لاستجماع
الأولى لشرائط الصحة بسبقها واختلال اللاحقة بفوات الشرط المذكور، قال في
التذكرة إن ذلك - أي صحة السابقة وبطلان اللاحقة - مذهب علمائنا أجمع. وحينئذ
فيجب على اللاحقة الإعادة ظهرا إن لم تدرك الجمعة مع الفرقة الأولى أو التباعد بما
يصح به التعدد.
واعتبر شيخنا الشهيد الثاني في صحة صلاة الأولى عدم العلم بصلاة الأخرى
وإلا لم تصح صلاة كل منهما، قال: ويشترط أيضا عدم علم كل من الفريقين بصلاة

(1) الوسائل الباب 7 من صلاة الجمعة
(2) الوسائل الباب 7 من صلاة الجمعة
129

الأخرى وإلا لم يصح كل منهما للنهي عن الانفراد بالصلاة عن الأخرى المقتضي للفساد
واعترضه سبطه في المدارك فقال بعد نقل ذلك عنه: ولمانع أن يمنع تعلق
النهي بالسابقة مع العلم بالسبق، أما مع احتمال السبق وعدمه فيتجه ما ذكره لعدم
جزم كل منهما بالنية لكون صلاته في معرض البطلان. انتهى. وهو جيد.
ويعضده أن النهي إنما وقع عن التعدد في مسافة الفرسخ وهو لا يحصل
بالنسبة إلى السابقة لأنها حال وقوعها لم تقارنها جمعة في ذلك الوقت ليصح اطلاق
التعدد عليها وإنما حصل ذلك بعد انعقادها على الصحة وإنما يتجه التعدد بالنسبة إلى
اللاحقة، نعم يجب أن يعتبر في السابقة العلم بالسبق كما هو المفروض أو الظن مع
تعذره بأن يعلم أو يظن انتفاء جمعة أخرى مقارنة لها أو سابقة عليها إذا مع تساوي
احتمال السبق وعدمه لا يحصل العلم بامتثال التكليف، وهذا هو الذي يتجه فيه
كلام شيخنا المتقدم ذكره لعدم جزم كل منهما بالنية لكون صلاته في معرض البطلان
وهل يفرق في الحكم ببطلان اللاحقة بين علمهم بسبق الأولى وعدمه؟
ظاهر عبارات الأصحاب العموم، ويشكل باستحالة توجه النهي إلى الغافل والأحكام الشرعية لم تجعل منوطة بالواقع ونفس الأمر وإنما نيطت صحة وبطلانا وتحليلا
وتحريما ونحو ذلك بعلم المكلف، فإذا كان المكلف حال إقامة الجمعة لا يعلم سبق جمعة
عليه وإن كان كذلك واقعا فكيف يحكم ببطلان جمعة؟ على أن شرطية الوحدة
على هذا الوجه غير معلوم.
(الثانية) - أن تقترنا وقد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بالبطلان
فيهما لامتناع الحكم بصحتهما من حيث الاخلال بالشرط المذكور ولا أولوية
لإحداهما فيكون البطلان ثابتا لهما. وثبوت الأولوية لإحداهما بناء على المشهور
بين المتأخرين من اعتبار الإذن أو الفقيه يتحقق بكون أحدهما مأذونا له أو فقيها
دون الآخر، وأما على ما اخترناه - كما عليه أكثر المتقدمين وجملة من متأخري
المتأخرين من عدم اعتبار شئ من ذلك - فلا وجه لما ذكر من الأولوية. وبالجملة
130

فإنه لا ريب ولا خلاف في الحكم ببطلانهما في الصورة المذكورة وحينئذ فتجب
عليهما الجمعة مجتمعين أو متفرقين بالمسافة المذكورة إن بقي وقتها وإلا أعاد الظهر.
قالوا: ويتحقق الاقتران بتكبيرة الاحرام من الإمامين دون غيرها من
الأفعال لأن بها يحصل الدخول في الصلاة والتحريم بها. وهو جيد.
وأما ما ذكره في الذخيرة - بعد أن نقل ذلك عن علمائنا وأكثر العامة (1)
من أن الروايات التي هي الأصل في هذا الحكم غير ناهضة باثبات هذا التحديد
فإذن التعويل على الاجماع إن ثبت - ففيه أن الأمر وإن كان كما ذكره لكن من
الظاهران انعقاد الجمعة إنما يتحقق بتكبيرة الاحرام والروايات قد دلت بمفهومها
على النهي عن جمعتين في فرسخ فبضم تلك المقدمة التي قدمناها إلى مفهوم الأخبار
المذكورة ينتج أن النهي إنما يتوجه إلى اللاحقة إن حصل السبق بها كما في الصورة
الأولى وإليهما إن حصل الاتفاق فيها دفعة واحدة، فالاقتران والسبق إنما يتحقق
بها فإن اتفقا فيها دفعة واحدة تحقق الاقتران وإن تقدم أحدهما بها حصل السبق.
نعم هنا أقوال أخر للعامة في اعتبار السبق والاقتران فبعضهم ناط ذلك بالخطبتين
لقيامهما مقام ركعتين وبعضهم ناط ذلك بالفراغ فإن تساويا فيه بطلتا وإن تقدمت
إحداهما بالسلام صحت وبطلت الأخيرة (2) وبالجملة فما ذكره الأصحاب في المقام
جيد لا تعتريه شبهة الابهام.
قال في الذخيرة: واطلاق كلام الأصحاب وصريح بعضهم يقتضي عدم
الفرق بين ما إذا علم كل فريق بالاحرام أم لا مع حصول العلم بالاقتران بعد الفراغ.
ويشكل بأن الاتيان بالمأمور به ثابت لكل من الفريقين لاستحالة تكليف الغافل وعدم
ثبوت شرطية الوحدة على هذا الوجه. انتهى. وهو جيد وقد تقدم في آخر
الصورة المتقدمة ما يؤكده.
وقال شيخنا في الروض بعد أن ذكر أن الاقتران يتحقق بتكبيرة الاحرام

(1) الوجيز للغزالي ج 1 ص 27.
(2) الوجيز للغزالي ج 1 ص 27.
131

ما لفظه: ويتحقق ذلك بشهادة عدلين ويتصور ذلك بكونهما غير مخاطبين بالجمعة
وهما في مكان يسمعان التكبيرتين. أقول: لا يخفى ندرة هذا الفرض بل ربما
يدعى عدم إمكان وقوعه وبه يشكل ابتناء حكم شرعي عليه.
(الثالثة) - الاشتباه وله صورتان: الأولى - أن تكون الجمعة السابقة
متحققة لكن حصل الاشتباه فيها سواء علم حصول جمعة سابقة متعينة واشتبهت
بأن عرض له النسيان بعد العلم بالتعيين أو علم حصول جمعة سابقة في الجملة ولم تتعين،
والوجه في وجوب الإعادة في الصورتين المذكورتين وجود الشك في حصول
شرائط الصحة وهو موجب لبقاء المكلف تحت عهدة التكليف حتى يتحقق الامتثال
واختلف الأصحاب هنا في أنه هل الواجب على الفرقتين صلاة الظهر أو
الجمعة؟ فالأكثر على الأول، قالوا للعلم بوقوع جمعة صحيحة فلا تشرع جمعة أخرى
عقيبها إلا أنه حيث لم تكن متعينة في إحدى الفرقتين وجبت الظهر عليهما لعدم
حصول البراءة بدون ذلك.
وذهب الشيخ في المبسوط إلى أنهم يصلون جمعة مع اتساع الوقت والظهر
مع تضيقه، وعلله بعض الأصحاب بأن الحكم بوجوب الإعادة عليهما يقتضي
عدم كون الصلاة الواقعة منهما مقبولة في نظر الشارع.
قال في المدارك: وهذا متجه لأن الأمر بصلاة الجمعة عام وسقوطها بهذه
الصلاة التي ليست مبرئة للذمة غير معلوم.
وتوضيحه أن الذمة مشغولة بالجمعة بيقين إذ هي فرض المكلف فلا تبرأ الذمة
منها إلا بيقين الاتيان بها، قولهم - إن العلم حصل بوقوع جمعة صحيحة فلا تشرع
جمعة أخرى - مسلم لو علمت وعلم موضعها في أي الفريقين وأما مع جهل موضعها
فلا. بما ذكرناه يظهر قوة قول الشيخ (قدس سره).
وعلى المشهور فلو تباعد الفريقان بالنصاب فإن خرج أحدهما عن المصر وأعادوا
جميعا الجمعة لم تصح لامكان كون من تأخرت جمعة هم المتخلفون في المصر فلا تسوغ فيه
132

جمعة أخرى، أما لو خرجوا عنه جميعا وتباعدوا بالنصاب مع سعة الوقت تعين
عليهم فعل الجمعة قطعا.
الثانية - أن لا تكون الجمعة السابقة متحققة لحصول الاشتباه بالسبق
والاقتران، واختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في حكم هذه الصورة أيضا
فذهب الشيخ في المبسوط ومن تبعه إلى وجوب الإعادة جمعة مع بقاء الوقت لعين
ما تقدم في سابق هذه الصورة.
وذهب العلامة في جملة من كتبه إلى وجوب الجمع بين الفرضين لأن الواقع
إن كان الاقتران فالفرض الجمعة وإن كان السبق فالظهر فلا يحصل يقين البراءة بدونهما
ويمكن خدشه بأن ما ادعاه من أن السبق من حيث هو - يعني بالنسبة إلى
الواقع - يقتضي وجوب الظهر ممنوع وإنما يقتضي ذلك مع العلم به فإن الأحكام الشرعية كما عرفت إنما تبنى على علم المكلف لا على نفس الأمر والواقع، وحينئذ فلو
سبقت أحداهما مع جهل موضعها لم يسقط عنه وجوب الجمعة لما عرفت آنفا.
واحتمل العلامة في التذكرة وجوب الظهر خاصة لأن الظاهر صحة أحداهما
لندور الاقتران جدا فكان جاريا مجرى المعدوم، وللشك في شرط صحة الجمعة وهو عدم
سبق أخرى وهو يقتضي الشك في المشروط. وفيه أنا لا نسلم أن شرط صحة الجمعة
عدم سبق أخرى بل يكفي في الصحة عدم العلم بسبق أخرى. وبما ذكرنا يظهر
قوة ما ذهب إليه الشيخ هنا أيضا وإن كان الاحتياط في ما ذكره من الجمع بين
الفرضين. والله العالم.
(المقصد السادس) - في الوقت، اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم)
في وقت الجمعة أولا وآخرا، فأما الأول فالأظهر الأشهر أنه زوال الشمس، وقال
الشيخ في الخلاف: وفي أصحابنا من أجاز الفرض عند قيام الشمس، وقال واختاره
علم الهدى. قال ابن إدريس بعد نقل ذلك عن الشيخ (قدس سره) ولعل شيخنا سمعه من
المرتضى (قدس سره) مشافهة فإن الموجود في مصنفات السيد موافق للمشهور من
133

عدم جواز ايقاعها قبل تحقق الزوال. أقول: ويدل على القول المشهور الأخبار
المستفيضة الآتية إن شاء الله تعالى.
وأما الآخر فالمشهور بين المتأخرين أنه يمتد إلى أن يصير ظل كل شئ مثله
بل قال العلامة في المنتهى إنه مذهب علمائنا أجمع. وقال أبو الصلاح إذا مضى
مقدار الأذان والخطبة وركعتي الفريضة فقد فاتت ولزم أداؤها ظهرا. وقال الشيخ
في المبسوط إن بقي من وقت الظهر قدر خطبتين وركعتين خفيفتين صحت الجمعة.
وقال ابن إدريس يمتد وقتها بامتداد وقت الظهر، واختاره الشهيد في الدروس
والبيان. وقال الجعفي وقتها ساعة من النهار.
وأنت خبير بما في جل هذه الأقوال من الانحراف عن جادة الاعتدال،
أما القول المشهور فإنا لم نقف له على دليل وبذلك اعترف في الذكرى فقال: إنا لم
نقف لهم على حجة إلا أن النبي صلى الله عليه وآله كان يصلي في هذا الوقت، قال ولا دلالة
فيه لأن الوقت الذي كان يصلي فيه ينقض عن هذا المقدار غالبا ولم يقل أحد
بالتوقيت بذلك الناقص. وأما قول ابن إدريس فأظهر ضعفا لما فيه من اطراح
الأخبار الصحاح الصراح الآتية إن شاء الله تعالى. وأما عبارة الشيخ في المبسوط
فهي غير خالية من الاجماع وتعدد الاحتمال، فإنه إن أراد بوقت الفريضة هو
الوقت الاختياري لها بناء على مذهبه أو الفضيلة بناء على قول الأكثر فهو يرجع
إلى القول المشهور، وإن أراد الوقت الذي هو أعم فهو يرجع إلى قول ابن إدريس
وكيف كان فالواجب أولا نقل الأخبار المتعلقة بالمقام وبيان ما يظهر منها
على وجه يكشف عن المسألة نقاب الابهام:
فنقول: من الأخبار المذكورة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة قال:
(سمعت أبا جعفر (ع) يقول إن من الأمور أمورا مضيقة وأمورا موسعة وإن
الوقت وقتان والصلاة مما فيه السبعة فربما عجل رسول الله صلى الله عليه وآله وربما أخر إلا

(1) الوسائل الباب 8 من صلاة الجمعة.
134

صلاة الجمعة فإن صلاة الجمعة من الأمور المضيقة (1) إنما لها وقت واحد حين تزول
ووقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر الأيام.
وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) (2) قال: (وقت
صلاة الجمعة عند الزوال ووقت العصر يوم الجمعة وقت صلاة الظهر في غير يوم الجمعة
ويستحب التبكير به).
وعن عبد الله بن سنان في الصحيح (3) قال: (لا صلاة نصف النهار
إلا يوم الجمعة).
وعن ذريح في الصحيح (4) قال: (قال أبو عبد الله (ع) صل الجمعة بأذان
هؤلاء فإنهم أشد شئ مواظبة على الوقت).
وعن علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) (5) قال: سألته عن الزوال يوم
الجمعة ما حده؟ قال إذا قامت الشمس صل الركعتين فإذا زالت الشمس فصل الفريضة)
وما رواه الصدوق عن عبيد الله الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6)
أنه قال: (وقت الجمعة زوال الشمس ووقت صلاة الظهر في السفر زوال الشمس
ووقت العصر يوم الجمعة في الحضر نحو من وقت الظهر في غير يوم الجمعة).
وعن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) (7) قال: (وقت صلاة الجمعة

(1) اللفظ المذكور مطابق لما في الوافي باب (وقت صلاة الجمعة وعصرها) وفي
التهذيب ج 1 ص 249 والوسائل هكذا (من الأمر المضيق).
(2) الوسائل الباب 8 من صلاة الجمعة. والراوي في بعض النسخ (ابن مسكان)
راجع التهذيب الطبع الحديث ج 3 ص 13.
(3) الوسائل الباب 8 من صلاة الجمعة
(4) الوسائل الباب 3 من الأذان والإقامة
(5) قرب الإسناد ص 98 وفي الوسائل الباب 11 من صلاة الجمعة.
(6) الوسائل الباب 8 من صلاة الجمعة
(7) لم نقف في كتب الحديث على رواية لزرارة بهذا اللفظ وقد أوردها السبزواري
في الذخيرة في هذه المسألة في أول مبحث صلاة الجمعة. وفي المقام صحيحة لربعي
وموثقة لسماعة وردت في فروع الكافي ج 1 ص 117 والتهذيب ج 1 ص 248 وفي
الوسائل في الباب 8 من صلاة الجمعة رقم 8 و 14 باللفظ الآتي: (وقت الظهر يوم الجمعة
حين تزول الشمس) ولم يذكرها المصنف (قدس سره) في رويات المسألة فيمكن أن يكون قد حصل تصحيف في السند وتغيير في المتن فجاءت الرواية المذكورة باللفظ المذكور
في المتن منسوبة إلى زرارة كما في الذخيرة. ولا يخفى أن الرواية المذكورة قد رويت في
الكافي مسندة إلى أبي عبد الله عليه السلام من طريقين وفي التهذيب موقوفة على سماعة من طريقين
أيضا. وفي الباب روايات أخر دالة على المطلوب لم ينقلها راجع الوافي باب (وقت صلاة
الجمعة وعصرها) والوسائل الباب 8 من صلاة الجمعة رقم 2 و 4 و 7 و 9 و 21 وسينقل
(قدس سره) الرواية رقم 9.
135

يوم الجمعة ساعة تزول الشمس).
وما رواه الشيخ عن عبد الله بن عجلان (1) قال: (قال أبو جعفر (عليه السلام) إذا
كنت شاكا في الزوال فصل الركعتين وإذا استيقنت الزوال فصل الفريضة).
وما رواه الكليني عن ابن أبي عمير (2) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
الصلاة يوم الجمعة فقال نزل بها جبرئيل مضيقة إذا زالت الشمس فصلها. قال قلت
إذا زالت الشمس صليت ركعتين ثم صليتها قال فقال أبو عبد الله (عليه السلام) أما أنا إذا
زالت الشمس لم أبدأ بشئ قبل المكتوبة قال القاسم (3) وكان ابن بكير يصلي
الركعتين وهو شاك في الزوال فإذا استيقن الزوال بدأ بالمكتوبة في يوم الجمعة.
وعن ابن سنان (4) قال: (قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا زالت الشمس يوم
الجمعة فابدأوا بالمكتوبة).
وعن الفضيل بن يسار في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) (5) قال (إن من الأشياء
أشياء موسعة وأشياء مضيقة فالصلاة مما وسع فيها تقدم مرة وتؤخر أخرى والجمعة مما
ضيق فيها فإن وقتها يوم الجمعة ساعة تزول ووقت العصر فيها وقت الظهر في غيرها).

(1) الوسائل الباب 8 من صلاة الجمعة.
(2) الفروع ج 1 ص 117 وفي الوسائل في الباب 8 من صلاة الجمعة.
(3) وهو الراوي عن ابن أبي عمير.
(4) الوسائل الباب 8 من صلاة الجمعة.
(5) الوسائل الباب 8 من صلاة الجمعة.
136

وما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا (1) قال: (قال أبو جعفر (عليه السلام) وقت
صلاة الجمعة يوم الجمعة ساعة تزول الشمس ووقتها في السفر والحضر واحد وهو
من المضيق وصلاة العصر يوم الجمعة في وقت الأولى في سائر الأيام).
وروى فيه أيضا (2) قال: (قال أبو جعفر (عليه السلام) أول وقت الجمعة ساعة
تزول الشمس إلى أن تمضي ساعة فحافظ عليها.. الخبر).
وعن سفيان بن السمط (3) قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن وقت صلاة
العصر يوم الجمعة فقال في مثل وقت الظهر في غير يوم الجمعة).
وقال في الفقه الرضوي (4): (وقت الجمعة زوال الشمس ووقت الظهر في
السفر زوال الشمس ووقت العصر يوم الجمعة في الحضر نحو وقت الظهر في غير
يوم الجمعة).
وروى الشيخ في كتاب المتهجد عن محمد بن مسلم (5) قال: (سألت أبا عبد الله
(ع) عن صلاة الجمعة قال وقتها إذا زالت الشمس فصل الركعتين قبل الفريضة فإن
أبطأت حتى يدخل الوقت هنيئة فابدأ بالفريضة ودع الركعتين حتى تصليهما
بعد الفريضة).
وعن إسماعيل بن عبد الخالق (6) قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن وقت
الصلاة فقال جعل الله لكل صلاة وقتين إلا الجمعة في السفر والحضر فإنه قال وقتها
إذا زالت الشمس وهي في ما سوى الجمعة لكل صلاة وقتان.. الحديث).
وعن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (ع) (7) قال: (أول وقت الجمعة ساعة
تزول الشمس إلى أن تمضي ساعة فحافظ عليها فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لا يسأل الله
عبد فيها خيرا إلا أعطاه الله).
وعن حريز (8) قال: (سمعته يقول أما أنا إذا زالت الشمس يوم الجمعة

(1) الوسائل الباب 8 من صلاة الجمعة
(2) الوسائل الباب 8 من صلاة الجمعة
(3) الوسائل الباب 9 من صلاة الجمعة
(4) ص 11.
(5) الوسائل الباب 8 من صلاة الجمعة
(6) الوسائل الباب 8 من صلاة الجمعة
(7) الوسائل الباب 8 من صلاة الجمعة
(8) الوسائل الباب 8 من صلاة الجمعة
137

بدأت بالفريضة وأخرت الركعتين إذا لم أكن صليتهما).
وأنت خبير بأن هذه الأخبار على كثرتها واستفاضتها قد اشتركت في الدلالة
على أن أول وقت الجمعة التي هي عبارة عن الخطبتين والركعتين كما تقدم تحقيقه هو
الزوال وأنه يجب المبادرة إليها فيه حتى أن الركعتين لا تزاحمها بل تقدم في وقت
الشك في الزوال ومتى تحقق بدئ بالواجب، وأن وقتها مضيق بهذا الوقت يعني
يجب الشروع فيها بعد تحقق الزوال بالاتيان بالأذان ثم الخطبتين ثم الركعتين حتى
يفرغ لا اتساع فيه كغيرها من الصلوات التي تقبل التأخير عن الأول، وهي
صريحة في بطلان قولي الأكثر وابن إدريس فإن وقت صلاة العصر في ذلك اليوم
هو وقت الظهر في سائر الأيام يعني بالنسبة إلى التطوع، وقد تكاثرت الأخبار
وعليه بنيت هذه الأخبار بأن وقت الظهر في سائر الأيام بعد القدمين وأن اختزال
القدمين من أول الظهر لمكان النافلة كما تقدم تحقيق جميع ذلك في مبحث الأوقات.
وأنت إذا ضممت هذه الأمور بعضها إلى بعض ظهر لك أن وقت الجمعة من أول
الزوال إلى مضي قدمين ومتى خرج هذا المقدار خرج وقتها ووجب الاتيان بها
ظهرا، ومن هنا ثبت التضييق فيها وعدم الامتداد. ولا ينافي ذلك خبر الساعة
فإنها تطلق عرفا على الزمان القليل وهو المراد هنا لا الساعة النجومية أو الساعات
التي ينقسم إليها النهار.
وظني أن كلام أبي الصلاح والجعفي يرجعان إلى معنى واحد وهو ما دلت عليه
هذه الأخبار بالتقريب الذي أوضحناه، وأن ما أوردوه على أبي الصلاح في هذا
المقام لا ورود له عليه.
وأما ما ذكره المحقق - من أنه لو صح ما ذكره لما جاز التأخير عن الزوال
بالنفس الواحد، وبأن النبي صلى الله عليه وآله كان يخطب في الظل الأول فيقول جبرئيل:
(يا محمد صلى الله عليه وآله قد زالت الشمس فأنزل وصل) وهو دليل على جواز تأخير الصلاة
عن الزوال بقدر قول جبرئيل (ع) ونزوله ودعائه أمام الصلاة ولو كان مضيقا لما
138

جاز ذلك - فضعفه أظهر من أن يحتاج إلى بيان، لأن عبارته في المقام إنما خرجت
مخرج التجوز والتوسع لا أن مراده الحصر الحقيقي في ما ذكره بحيث يخل به النفس
أو قول جبرئيل، ومثله في كلام البلغاء والفصحاء وكلام الأئمة (عليهم السلام) أكثر
من أن يحصى.
نعم قال في الذخيرة - في رد كلام أبي الصلاح بعد رد كلام المحقق بالضعف -
ما لفظه: نعم يمكن دفعه بالأخبار الدالة على جواز ركعتي الزوال بعد دخول
وقت الفريضة.
وفيه أن أكثر الأخبار الواردة في ذلك - ومنها ما نقلناه هنا كرواية علي بن
جعفر ورواية عبد الله بن عجلان ورواية ابن أبي عمير ورواية محمد بن مسلم ورواية
حريز قد صرحت بتأخير الركعتين متى تيقن الزوال، مضافا إلى الأخبار الدالة
على توقيت الجمعة بالزوال وأن وقتها مضيق فيه، وكذلك الأخبار الدالة على أنه
لا تطوع وقت الفريضة، وحينئذ فما دل على جواز الركعتين بعد الزوال لا بد من
ارتكاب التأويل فيه، ويمكن حملها على الرخصة في بعض الأوقات فلا ينافي توقيت
الجمعة بالزوال كما في سائر الرخص لا أن ذلك يكون وقتا للركعتين دائما بحيث يجوز
مزاحمة الفريضة بهما.
ومما يدل على ما قلناه أيضا من عدم مزاحمتهما للفريضة زيادة على ما قدمناه
من الأخبار ما رواه في التهذيب عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) (1) قال:
(سألته عن ركعتي الزوال يوم الجمعة قبل الأذان أو بعده؟ فقال قبل الأذان).
وعن حسين بن عثمان عن ابن أبي عمير في الصحيح (2) قال: (حدثني أنه
سأله عن الركعتين اللتين عند الزوال يوم الجمعة قال فقال أما أنا فإذا زالت الشمس
بدأت بالفريضة).

(1) الوسائل الباب 11 من صلاة الجمعة
(2) الوسائل الباب 8 من صلاة الجمعة.
139

وبما حققناه في المقام وكشفنا عنه نقاب الابهام يظهر لك ضعف ما ذكره في
المدارك ومثله في الذخيرة من أن المسألة قوية الاشكال فإنه لا إشكال بحمد الله
الملك المتعال بالنظر إلى ما سردناه من الأخبار وأوضحناه من البيان الظاهر لأولي
الألباب والأفكار.
بقي الكلام هنا في مواضع: الأول - قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله
عليهم): منهم - الشيخ وجماعة أنه لو خرج الوقت وقد تلبس بها ولو بالتكبير فإنه يجب
اتمامها جمعة، واحتجوا عليه بأن الوجوب متحقق باستكمال الشرائط فيجب اتمامها.
وأورد عليه بأن جملة الشرائط الوقت فما لم يتحقق لم يتحقق التكليف بالفعل فإن
التكليف بالفعل يستدعي زمانا يسعه. والظاهر أنه لما ذكر اعتبر الشهيد ومن
تأخر عنه ادراك ركعة من الوقت لقوله (ع) (1) (من أدرك من الوقت ركعة
فكأنما أدرك الوقت).
قال السيد السند في المدارك - بعد قول المصنف (قدس سره) ولو خرج
الوقت وهو فيها أتمها جمعة إماما كان أو مأموما - اطلاق العبارة يقتضي وجوب
اكمالها بمجرد التلبس بها في الوقت ولو بالتكبير وبه صرح الشيخ وجماعة، واحتج
عليه في المعتبر بأن الوجوب يتحقق باستكمال الشرائط فيجب اتمامها. ويتوجه
عليه أن التكليف بفعل موقت يستدعي زمانا يسعه لامتناع التكليف بالمحال ولا يشرع

(1) لم نقف على الرواية بهذا اللفظ وإنما المروي من طريق العامة عنه صلى الله عليه وآله هكذا: (ومن
أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) وفي خصوص العصر أيضا، وقد ورد في خصوص
الصبح أيضا من الطريقين، راجع الوسائل الباب 30 من مواقيت الصلاة والحدائق ج 6
ص 275 و 277 وصحيح مسلم ج 2 ص 103 باب (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك
الصلاة) وفيه في بعض الطرق (من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة)
وفي مجالس ابن الشيخ الطوسي عن أبي هريرة قال (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا جئتم إلى الصلاة
ونحن في السجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئا ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة)
راجع الوسائل الباب 41 من الجماعة.
140

فعله في خارجه إلا أن يثبت من الشارع شرعية فعله في خارج الوقت، ومن ثم
اعتبر العلامة ومن تأخر عنه ادراك الركعة في وقت كاليومية لعموم قوله (ع) (من
أدرك من الوقت ركعة فكمن أدرك الوقت كله) وهو أولى. انتهى. وحذا حذوه
في الذخيرة واختار ما اختاره.
أقول: لا يخفى ما ذكره (قدس سره) وإن تبعه من تبعه فيه منظور
فيه من وجهين: أحدهما - قوله ويتوجه عليه أن التكليف بفعل موقت.. إلى
آخره فإنه ينبغي أن يعلم أن هنا مقامين: (الأول) أن يدخل في الصلاة بانيا على
امتداد الوقت وسعته ثم يظهر في الأثناء عدم ذلك. و (الثاني) أن يعلم قبل الدخول
في الصلاة عدم سعة الوقت فهل يجب عليه الدخول فيها والحال هذه أم لا؟ والظاهر
من كلام المصيف (قدس سره) في هذه المقالة إنما هو الأول فإنه قد صرح بالثاني
في المقالة الآتية بعد ذلك أن شاء الله تعالى، واعتراض الشارح عليه إنما يتوجه
بناء على الثاني ذلك فإنه متى دخل في الصلاة بناء على سعة الوقت واستكمال شرائط
الوجوب بحسب نظره كان دخوله مشروعا غاية الأمر أنه انكشف بعد ذلك ضيق
الوقت عن اتمامها، وهذا لا يصلح للمانعية عن وجوب الاتمام كما في غير هذا الموضع
ومنه ما لو دخل في صلاة الكسوف وصلى بعضا ثم انجلى الكسوف فإن صحيحة
زرارة (1) قد صرحت بوجوب اتمام الصلاة وإن كان المشهور بين الأصحاب
(رضوان الله عليهم) أنه لو قصر الوقت عنها سقطت لاستحالة التكليف بشئ يقصر
وقته عنه، والجمع بين كلامهم وبين الرواية لا يحصل إلا بالفرق بين الابتداء
والاستدامة بمعنى أنه لا تكليف بذلك قبل الشروع في الفعل أما لو شرع بناء على
سعة الوقت وامتداده ثم ظهر ضيقه عن الاتيان بالصلاة فإنه يجب التمام كما دلت
عليه الصحيحة المذكورة فكذا في ما نحن فيه وحينئذ فيجب الاتمام. وقوله في
الجواب - أن التكليف بفعل موقت يستدعي زمانا يسعه.. إلى آخره - إنما يتجه

(1) الوسائل الباب 7 من صلاة الكسوف والآيات رقم 6.
141

في ما لو علم ضيق الوقت قبل الدخول فإن التكليف بالدخول والحال كذلك يستلزم
ما ذكره، أما لو لم يعلم بل دخل بانيا على السعة فإنه لا يتوجه عليه هذا الجواب
للفرق عندهم بين أصل الدخول وبين الاستدامة كما تقدم التصريح به في مسألة العدد
في ما لو انفض العدد بعد الدخول ولم يبق إلا واحد مثلا فإنهم أوجبوا عليه
الاتمام جمعة.
وثانيهما - قوله: (من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت
كله) فإنه ربما يتسارع إلى الفهم أن هذا الخبر من جملة أخبارنا المروية في كتب
الأخبار فيجوز الاستناد إليه في إثبات الأحكام الشرعية كما اختاره هنا بقوله بعد
ذكر الخبر المذكور (وهو أولى) مع أنا قدمنا في مبحث الأوقات أن الظاهر أن
هذا الخبر إنما هو من طريق المخالفين، وإليه يشير أيضا كلام السيد المذكور في
شرح قول المصنف في مبحث الأوقات (ولو زال المانع فإن أدرك الطهارة وركعة
من الفريضة لزمه أداؤها) حيث إنه نقل هذا الخبر مرسلا عن النبي (صلى الله عليه وآله) ثم آخر
عنه صلى الله عليه وآله أيضا (1) ثم قال ومن طريق الأصحاب ثم نقل رواية الأصبغ بن نباتة
وموثقة عمار الساباطي (2) الدالتين على أن من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع
الشمس فقد أدرك الغداة وقد تقدم منا (3) تحقيق الكلام في هذا المقام والبحث مع
الأصحاب في تعميم الحكم مع اختصاص الأخبار المروية من طريقنا بصلاة الصبح
نعم ظاهرهم دعوى الاجماع على ما ذكروه من العموم، وبه يظهر أن المسألة هنا
لا تخلو من الاشكال لعدم النص المعتمد عليه في هذا المجال. والله سبحانه وأولياؤه
أعلم بحقيقة الحال.
الثاني - لو تيقن أو غلب على ظنه قبل الدخول أن الوقت لا يسع
للجمعة وجبت صلاة الظهر، صرح به جملة من الأصحاب: منهم المحقق في

(1) ج 6 ص 275.
(2) الوسائل الباب 30 من مواقيت الصلاة.
(3) ج 6 ص 275.
142

الشرائع وهو ما أشرنا إليه آنفا من أن المصنف صرح بالثاني في المقالة الآتية.
والسيد السند هنا بناء على اعتراضه على العبارة المتقدمة قال هنا أيضا بعد
ذكره عبارة المصنف المذكورة: هذا بظاهره مناف لما سبق من أن من تلبس بالجمعة
في الوقت يجب عليه اتمامها فإنه يقتضي باطلاقه جواز الشروع فيها مع ضيق الوقت
وأجيب عنه بأن الشروع فيها إنما يشرع إذا ظن ادراك جميعها.. إلى أن قال:
ومن ثم ذهب جمع من الأصحاب إلى وجوب الدخول في الصلاة متى علم أنه يدرك
ركعة بعد الخطبتين لعموم (من تدرك..) بل صرح العلامة في النهاية بوجوب
الدخول في الصلاة مع أدرك الخطبتين وتكبيرة الاحرام خاصة وهو بعيد. انتهى
أقول: قد قدمنا لك أن مراد المصنف بالعبارة صريحها كما ترى إنما هو من دخل في
الصلاة بناء على سعة الوقت يقينا أو ظنا، وهذه العبارة صريحها كما ترى إنما هو من
علم أو ظن قبل الدخول ضيق الوقت عن الجمعة فإنه تجب عليه الصلاة ظهرا، فموضوع
تلك المسألة غير موضوع هذه المسألة، ويشير إلى ذلك كلامه في المعتبر الذي ذكره
الشارح في المسألة المتقدمة، وصورته بتمامه هكذا: قال الشيخ إذا انعقدت الجمعة
فخرج وقتها ولم يتم أتمها جمعة وبه قال مالك، وقال الشافعي بقاء الوقت شرط فإذا
خرج أتمها ظهرا، وقال أبو حنيفة تبطل (1) لنا - أن الوجوب تحقق باستكمال الشرائط
فيجب اتمامها. انتهى. فإن هذا الخلاف إنما يترتب على من تبين له ضيق الوقت
بعد الدخول بناء على سعة لا من علم بضيقه أو لا ثم دخل والحال هذه، فدعوى
الشارح منافاة هذا الكلام لما سبق - وأن اطلاق عبارته الأولى يقتضي جواز
الشروع فيه مع يقينه ضيق الوقت - ليس في محله. وكيف كان فحمل كلامه على
ما يندفع به التنافي في عبارتيه أولى وأظهر سيما مع كونه وجها واضحا صحيحا.
بقي الكلام في ما ذكره المصنف في هذه المقالة - من أنه لو تيقن أو ظن
عدم سعة الوقت فإنه لا يشرع له الجمعة بل يجب أن يصلي ظهرا، وما أورده

(1) المغني ج 2 ص 318 والمدونة ج 2 ص 149.
143

الشارح عليه في ما طوينا ذكره من أن قوله (ع) (من أدرك ركعة من الوقت)
يعمم الجميع.. إلى آخر الكلام -
فإن فيه (أولا) - أن ظاهر كلام الشارح في المقالة السابقة يعطي منع الدخول
مع تيقن سعة الوقت أو ظنها وهو الذي رد به الخبر المذكور هنا حيث قال ثمة:
ويشكل بأن الواجب الموقت يعتبر وقوعه في الوقت فمع الشك فيه لا يحصل يقين
البراءة بالفعل.. إلى آخره، فإنه ظاهر في عدم جواز الدخول وإن تيقن بقاء ركعة
بل لا بد من وقت يسع الجميع كما هو ظاهر كلام الشافعي المتقدم.
وثانيا - ما أشرنا إليه آنفا من أن هذا الخبر لم يثبت وروده من طريقنا (1)
فلا يمكن الاعتماد عليه في هذا المحل ولا غيره وإن كثر تناقله في كلامهم وتداوله على
رؤوس أقلامهم، وبه يظهر لك ما في هذا الكلام من تكرار هذا الخبر وما
يتفرع عليه من الأحكام وما ذكره من التعرض في المقام بالنقض والابرام، فإنه
بناء على ما عرفت نفخ في غير ضرام. وبه يتبين أن من ذهب إلى وجوب الدخول
في الصلاة متى علم إدراك ركعة من الوقت إن استند إلى هذا الخبر فقد عرفت ما فيه،
وإن استند إلى الاجماع كما تقدم نقله عنهم في باب الأوقات فقد عرفت أيضا ما في
باطنه وخافيه.
الثالث - قال المحقق في الشرائع: ولو تيقن أن الوقت يتسع للخطبة وركعتين
خفيفتين وجبت الجمعة. قال السيد السند بعد نقل العبارة المذكورة: الضابط
في ذلك تيقن اتساع الوقت للمقدار الواجب من الخطبتين والصلاة دون المسنون
منهما. قيل وكذا تجب الجمعة مع ظن اتساع الوقت أو الشك في السعة وعدمها
لأصالة بقاء الوقت. ويشكل بأن الواجب الموقت يعتبر وقوعه في الوقت فمع الشك
فيه لا يحصل يقين البراءة بالفعل، والاستصحاب هنا إنما يفيد ظن البقاء وهو غير
كاف في ذلك. انتهى.

(1) ارجع إلى التعليقة 1 ص 140.
144

أقول: العجب منه (قدس سره) وتناقض كلامه في هذا المقام واضطرابه
على وجه لا يمكن الاصلاح فيه والالتئام. فإن مقتضى كلامه هنا كما سمعت أنه
لا يشرع الدخول في الصلاة إلا مع تيقن سعة الوقت للخطبة والصلاة وإن كانتا
مخففتين وجعل ذلك ضابطا كليا قانونا جليا، مع أنه صرح في شرح قول المصنف
(ولو خرج الوقت وهو فيها أتمها جمعة) بالاكتفاء بادراك ركعة كما قدمنا نقله عنه عملا
بخبر (من أدرك من الوقت ركعة) ومثله أيضا في شرح قول المصنف (وإن تيقن
أو غلب على ظنه أن الوقت لا يتسع لذلك) فإنه قال في ما طوينا ذكره من كلامه:
وأجيب عنه بأن الشروع فيها إنما يشرع إذا ظن إدراك جميعا لأنها لا يشرع فيها
القضاء وإنما وجب الاكمال مع التلبس بها في الوقت للنهي عن ابطال العمل.
وأورد عليه أن قوله (ع) (من أدرك من الوقت ركعة) يعم الجميع. وأجيب بأن
هذا الحديث مقيد بقيد يستفاد من خارج وهو كون الوقت صالحا للفعل للقطع بأن
ما لا يصلح للفعل يمتنع وقوعه فيه. وفيه نظر فإنه إن أريد بصلاحية الوقت للفعل
إمكان ايقاعه فيه فهو متحقق هنا وإن أريد غير ذلك فلا دليل عليه ومن ثم ذهب
جمع من الأصحاب.. إلى آخر ما تقدم في الموضع الثاني. وفيه - كما ترى - خروج
عن ذلك الضابط الكلي الذي قرره سابقا من أنه لا بد من تيقن اتساع الوقت
للمقدار الواجب في صحة الدخول وأنه لا يكفي الظن حيث إنه هنا بعد أن أجاب
عن الخبر بتقييده بهذا الضابط تنظر في ذلك واكتفى بمجرد إمكان اتساعه. بالجملة
فإن اضطراب كلامه في هذه المقالات الثلاث لا يخفى على المتأمل. وأما ما علل به
هنا وجوب الاكمال مع التلبس بها في الوقت من النهي عن ابطال العمل فهو ضعيف
والحق كما قدمناه وهو أنه لا يشرع الدخول فيها إلا مع تيقن سعة الوقت أو ظنه.
ثم إنه لو ظهر الضيق بعد الدخول والحال هذه فوجوب الاتمام عليه إنما هو
من حيث إن اشتراط السعة إنما هو في الابتداء لا في الاستدامة، فمتى دخل بناء على
السعة وجب الاتمام وإن كان خارج الوقت لعين ما تقدم في اشتراط العدد وما قدمناه
من مسألة صلاة الكسوف ونحو ذلك.
145

هذا هو التحقيق في المقام وهو الذي يرجع إليه كلام المحقق وغيره من الأعلام
فعليه اعتمد ودع عنك فضول الكلام. والله سبحانه وأولياؤه أعلم بحقائق الأحكام.
الرابع - لو كان ممن تجب عليه الجمعة فصلي الظهر والحال هذه فالواجب عليه
السعي إلى الجمعة فإن أدركها وإلا أعاد ظهره ولم يجزئه ما صنع أولا، لأنه في تلك
الحال قد أتى بغير ما هو الواجب عليه والمخاطب به فلا تبرأ ذمته بل يبقى تحت عهدة
التكليف إلى أن يأتي بالجمعة إن أمكن وإلا فالظهر لتعينها بعد فوات الجمعة. ولا فرق
في ذلك بين العمد والنسيان ولا بين أن يظهر في نفس الأمر الوجوب أم لا.
نعم لو صلى الظهر ناسيا وظهر عدم التمكن من الجمعة فاشكال وظاهر المدارك
والذخيرة إمكان القول بالاجزاء والصحة.
ولو لم تكن شرائط الجمعة مجتمعة لكن يرجو اجتماعها قبل خروجه فهل يجوز
له تعجيل الظهر والاجتزاء بها وإن أقيمت الجمعة بعد ذلك أم يجب الصبر إلى أن يظهر
الحال؟ وجهان واستجود في المدارك الثاني، قال: لأن الواجب بالأصل هو الجمعة
وإنما يشرع فعل الظهر إذا علم عدم التمكن من الجمعة في الوقت. ونحوه في الذخيرة أيضا.
ولقائل أن يقول إن هذا التعليل ربما أمكن قلبه فيكون بالدلالة على الأول أنسب
وذلك لأن أصالة الجمعة إنما يتم مع اجتماع شرائطها والحال أنها حينئذ غير مجتمعة
ومشروعية الظهر ظاهرة لأنه مخاطب بها في ذلك الوقت فلو أوقعها فيه صحت لذلك
وانتظار التمكن وعدمه إلى آخر الوقت لا دليل عليه إذ لعله يخترمه الموت في
تلك الحال فيكون قد ضيع فرضا واجبا عليه. والله العالم.
(المطلب الثالث) - في من تجب عليه الجمعة ويراعى فيه شروط تسعة، والأصل
في هذه الشروط الأخبار المتكاثرة عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام):
ومنها - ما رواه ثقة الاسلام في الصحيح عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن
أبي عبد الله (ع) (1) قال: (إن الله عز وجل فرض في كل سبعة أيام خمسا

(1) الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة
146

ثلاثين صلاة: منها - صلاة واجبة على كل مسلم أن يشهدها إلا خمسة: المريض
والمملوك والمسافر والمرأة والصبي).
وما رواه الصدوق عن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر (ع) (1) أنه قال:
(إنما فرض الله على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة: منها - صلاة واحدة
فرضها الله في جماعة وهي الجمعة، ووضعها عن تسعة: عن الصغير والكبير والمجنون
والمسافر والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومن كان على رأس فرسخين) ورواه
الكليني في الصحيح أو الحسن (2) ورواه أيضا الشيخ الفقيه أبو محمد جعفر بن أحمد
ابن علي القمي في كتاب العروس بإسناده عن زرارة (3) وقال بعد نقله:
وروي مكان (المجنون) (الأعرج).
ومنها - ما رواه الشيخ عن منصور عن أبي عبد الله (ع) (4) في حديث قال:
(الجمعة واجبة على كل أحد لا يعذر الناس فيها إلا خمسة: المرأة والمملوك
والمسافر والمريض والصبي).
ومنها - ما في بعض خطب أمير المؤمنين (ع) المروية في الفقيه (5) وفي
المتهجد (6) وفيها (الجمعة واجبة على كل مؤمن إلا على الصبي والمريض والمجنون
والشيخ الكبير والأعمى والمسافر والمرأة والعبد المملوك ومن كان على رأس فرسخين)
أقول: وقد ظهر من هذه الأخبار باعتبار ضم بعضها إلى بعض أن الشروط
المعتبرة في التكليف بالجمعة تسعة وضم إليها أيضا المطر لما سيأتي إن شاء الله تعالى
فتكون عشرة:

(1) الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة.
(2) الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة.
(3) مستدرك الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة.
(4) الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة.
(5) ج 1 ص 276 وفي الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة
(6) ص 268 وفي مستدرك الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة. واللفظ فيه هكذا
(الجمعة واجبة على كل مؤمن إلا الصبي والمرأة والعبد والمريض) وقد أورد تمام الخطبة
في المستدرك عن المصباح في الباب 19 من صلاة الجمعة.
147

أولها وثانيها - البلوغ والعقل ويجمعها التكليف، ولا ريب في اشتراطه في
هذه الصلاة وغيرها اتفاقا نصا وفتوى فلا تجب على المجنون والصبي وإن كان مميزا
نعم تصح من المميز تمرينا وتجزئه عن الظهر. ولو أفاق المجنون في وقت الصلاة
خوطب بها خطابا مراعى ببقاء الإفاقة إلى آخر الصلاة.
وثالثها - الذكورة وهي مما ادعى عليها الاجماع حتى من العامة أيضا (1) وعلى
ذلك تدل الأخبار المتقدمة، ويخرج بقيد الذكورة المرأة والخنثى.
ويمكن المناقشة في السقوط عن الخنثى لانتفاء ما يدل على اشتراط الذكورة
وإنما الموجود في الأخبار المتقدمة استثناء المرأة ممن تجب عليه الجمعة، والخنثى
لا يصدق عليها أنها امرأة ومن ثم وقع الخلاف فيها، فقيل بالسقوط عنها للشك
في سبب الوجوب واختاره الشهيد، وقيل بالوجوب عليها لعموم الأوامر خرج
من ذلك المرأة بالأخبار المتقدمة فتبقى الخنثى تحت عموم الأوامر. وقربه الشهيد الثاني
وربما أورد عليه بأن دخول الخنثى في المستثنى منه مشكوك فيه بمعنى أنه غير
معلوم شمول عموم الأوامر لها.
ويمكن توجيه بأن اطلاق الأخبار وعمومها إنما ينصرف إلى الأفراد
المتكررة الوقوع الشائعة فإنها هي المتبادر إلى الذهن من الاطلاق والخنثى فرد نادر
بل غايته مجرد الفرض.
وبالجملة فظاهر الأخبار المذكورة حيث خص السقوط بالمرأة وهي غير داخلة
تحت هذا اللفظ هو الوجوب عليها إلا أنه بالنظر إلى ما ذكرنا من التقريب في عدم
دخولها أيضا في المستثنى منه يقرب السقوط عنها، وبه يظهر أن المسألة غير خالية
من شوب الاشكال.
ورابعها - الحرية فلا تجب على العبد باتفاق الأصحاب نقله جملة منهم كالمحقق
في المعتبر والعلامة في المنتهى والشهيد في الذكرى، ولا فرق في ذلك بين القن

(1) المغني ج 2 ص 327 والبداية ج 1 ص 143 والبدائع ج 1 ص 262.
148

والمدبر والمكاتب الذي لم يؤد شيئا لصدق المملوك على جميع هذه الأفراد.
وإنما الخلاف والاشكال في المبعض إذا هاياه مولاه واتفقت الجمعة في نوبته
فالمشهور سقوط الوجوب عنه وذهب الشيخ في المبسوط إلى وجوبها عليه.
وهذا الخلاف راجع إلى ما تقدم في الخنثى فإن الأخبار هنا إنما دلت على
استثناء العبد والمملوك ممن تجب عليه الجمعة وهذا العنوان لا يصدق على المبعض
وحينئذ فلا تسقط عنه الجمعة لدخوله تحت عموم الخطاب وعدم المسقط في هذا
الباب، واشتراط الحرية غير معلوم من الأخبار ليقال بعدم حصول الشرط
المذكور فيه فيسقط عنه وبه يظهر قوة مذهب الشيخ في المبسوط ولذلك استحسنه
في المدارك وكذا في الذخيرة، وهو كذلك لما عرفت.
وهل تجب الجمعة على المملوك لو أمره مولاه؟ فيه إشكال ينشأ من اطلاق
الأخبار بالسقوط، ومن أن الظاهر أن الوجه في السقوط إنما هو رعاية لحق مولاه
فمتى أمره زال المانع.
وخامسها - الحضر فلا تجب الجمعة على المسافر اتفاقا، تقله الفاضلان والشهيد
والمشهور أن المراد به السفر الشرعي الموجب للقصر وعلى هذا فتجب الجمعة على
ناوي الإقامة عشر أو المقيم في بلد ثلاثين يوما، ونقل في المنتهى الاجماع عليه. وكذا
تجب على كثير السفر والعاصي به كما صرح به الشهيد في الذكرى وغيره في غيره
وقال في المنتهى: لم أقف على قول لعلمائنا باشتراط الطاعة في السفر لسقوط الجمعة
ثم قرب الاشتراط، قال بعض مشايخنا: والمسألة لا تخلو من الاشكال وإن كان
ما قربه قريبا.
ومن حصل في أحد مواضع التخيير فالظاهر عدم وجوب الجمعة عليه كما
استظهره جملة من مشايخنا لعموم أدلة المسافر وشمولها له وإن جاز له الاتمام بدليل
من خارج، ونقل عن العلامة في التذكرة القول بالوجوب، وقيل بالتخيير بين
الفعل وتركه وهو اختيار الشهيد في الدروس.
149

وسادسها وسابعها - السلامة من العمى والمرض ونقل الفاضلان وغيرهما
عليه اتفاق الأصحاب مضافا إلى ما دل على ذلك من الأخبار المتقدمة، ولا ينافيه
سقوط الأعمى من أخبار الخمسة لامكان دخوله في المريض المذكور فيها، على أن
غاية ما تدل عليه هو الاطلاق بالنسبة إلى الوجوب عليه وعدمه وهو مقيد بالأخبار
الأخر من قبيل حمل المطلق على المقيد.
واطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في العمى والمرض بين
ما يشق معهما الحضور وعدمه، وبهذا التعميم صرح العلامة في التذكرة على ما نقل
عنه، واعتبر شيخنا الشهيد الثاني فيهما تعذر الحضور أو المشقة التي لا يتحمل مثلها
عادة أو خوف زيادة المرض. وهو تقييد للنص بغير دليل.
واعلم أن الشيخ قد عد في جملة من كتبه العرج أيضا وجعله من جملة الأعذار
المانعة من السعي إلى الجمعة وكذا العلامة في بعض كتبه حتى أنه قال في المنتهى أنه
مذهب علمائنا أجمع لأنه معذور بالعرج لحصول المشقة في حقه ولأنه مريض
فسقطت عنه. ولا يخفى ما في التعليلين المذكورين من الوهن. وقيده في التذكرة
بالعرج البالغ حد الاقعاد ونقل اجماع الأصحاب عليه.
ولم يذكره المفيد ولا المرتضى في جملة الأعذار إلا أن المرتضى في المصباح
- على ما نقله عنه في المعتبر والذكرى - قال: وقد روي أن العرج عذر.
قال في المعتبر: فإن كان يريد به المقعد فهو أعذر من المريض والكبير
لأنه ممنوع من السعي فلا يتناوله الأمر بالسعي وإن لم يرد ذلك فهو في حيز المنع.
أقول: هذا الكلام من المحقق لا يخلو من غرابة فإن المرتضى (قدس سره)
إنما نسب ذلك إلى الرواية فتفصيله هذا وجعله ما عدا المقعد في حيز المنع إن قصد
به الرد على المرتضى فهو ليس في محله لأن المرتضى لم يذكر ذلك فتوى منه، وإن
قصد الرد على الرواية فهو يرجع إلى الرد الإمام وهو ترى. نعم لو طعن
في الخبر بالارسال وعدم ثبوته لكان في محله.
150

ويعضد ما ذكره المرتضى (قدس سره) من الرواية ما تقدم نقله من كتاب
العروس من الرواية المرسلة أيضا (1).
والظاهر - كما اختاره في التذكرة والذكرى - هو وجوب الحضور عليه مع
الامكان لعموم أدلة الوجوب وعدم وجود ما يصلح للتخصيص سوى هاتين المرسلتين
والظاهر أنهما لا يبلغان قوة في تخصيص الأدلة الدالة على شمول الوجوب لهذا الفرد
سيما مع كونه الأوفق بالاحتياط.
وثامنها - الكبر والشيخوخة والظاهر أن المراد من يشق عليه الحضور من
جهة كبر السن وبلوغه حد الشيخوخة، قال في المنتهى: ولا تجب على الشيخ الكبير
وهو مذهب علمائنا. وقيده في القواعد بالبالغ حد العجز أو المشقة الشديدة، ونحوه
في الروض أيضا. وبعض الأصحاب عبر هنا بالهم كما في الشرائع وهو بكسر الهاء
الشيخ الفاني، وبعضهم عبر بالكبير المزمن كما في الإرشاد، قال في الروض بحيث
يعجز عن السعي إليها أو تحصل له مشقة لا تتحمل عادة. والكل تقييد للنص من
غير دليل فإن النصوص مطلقة مترتبة على صدق الكبر كما في صحيحة زرارة (2)
أو بإضافة الشيخوخة كما في رواية الخطبة.
وتاسعها - المطر قال في التذكرة إنه لا خلاف فيه بين جملة العلماء. ويدل عليه
صحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (ع) (3) قال: (لا بأس أن
تترك الجمعة في المطر).
وألحق العلامة ومن تأخر عنه بالمطر الوحل والحر والبرد الشديدين إذا
خاف الضرر معها، ولا بأس به تفصيا من لزوم الحرج المنفي بالآية والرواية (4)
وأما ما لم يخف معه الضرر فيشكل الحاقه بالمطر لعدم صدقه عليهما.

(1) ص 147
(2) ص 147
(3) الوسائل الباب 23 من صلاة الجمعة. واللفظ في كتب الحديث (تدع) بدل
(تترك).
(4) ج 1 ص 151.
151

وألحق به في الروض احتراق الخبز وفساد الطعام وغيره، قال في المدارك
وينبغي تقييده بالمضر فوته. وعندي فيه نظر
وبالجملة فالظاهر عدم الترك إلا بما ورد به النص من تلك الأعذار إلا مع
خوف الضرر الشديد ولا سيما للإمام.
وقال في المعتبر: قال علم الهدى وروي أن من يخاف على نفسه ظلما أو ماله
فهو معذور وكذا من كان متشاغلا بجهاز ميت أو تعليل والد ومن يجري مجراه من
ذوي الحرمات الأكيدة يسعه التأخر.
وعاشرها - عدم البعد بأكثر من فرسخين، وقد اختلف الأصحاب (رضوان
الله عليهم) في تحديد البعد المقتضي لسقوط السعي إلى الجمعة، فالمشهور أن حده أن يكون أزيد من فرسخين وإليه ذهب الشيخان والسيد المرتضى وأبو الصلاح وسلار
وابن إدريس والفاضلان. وقال الشيخ أبو جعفر ابن بابويه في المقنع: وضعها الله
تعالى عن تسعة.. إلى أن قال ومن كان على رأس فرسخين. ورواه في من
لا يحضره الفقيه (1) وذكره في كتاب الأمالي في وصف دين الإمامية، وهو قول
ابن حمزة، وهو ظاهر في السقوط عن من كان على رأس فرسخين فلا تجب إلا على
من نقص عن الفرسخين، والأول صريح في الوجوب على من كان على رأس
فرسخين وإنما تسقط بالزيادة عنهما فتدافع القولين ظاهر.
وقال ابن أبي عقيل: ومن كان خارجا من مصر أو قرية إذا غدا من أهله
بعد ما يصلي الغداة فيدرك الجمعة مع الإمام فاتيان الجمعة عليه فرض وإن لم يدركها
إذا غدا إليها بعد صلاة الغداة فلا جمعة عليه.
وقال ابن الجنيد: ووجوب السعي إليها على من سمع النداء بها أو كان يصل
إلى منزله إذا راح منها قبل خروج نهار يومه. وهو يناسب قول ابن أبي عقيل.
ويدل على الأول ما رواه ثقة الاسلام في الصحيح أو الحسن عن محمد بن

(1) الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة
152

مسلم عن أبي جعفر (ع) (1) قال: (تجب الجمعة على من كان منها على رأس فرسخين)
وما رواه الكليني والشيخ في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم أيضا (2)
قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن الجمعة فقال تجب على كل من كان منها على رأس
فرسخين فإن زاد على ذلك فليس عليه شئ) وروى هذه الرواية في المعتبر (3) والذكرى
عن محمد بن مسلم وحريز عن الصادق (ع).
وروى في كتاب دعائم الاسلام عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) (4)
أنه قال: (تجب الجمعة على من كان منها على فرسخين إذا كان الإمام عدلا).
ويدل على الثاني ما تقدم في صحيحة زرارة ورواية خطبة أمير المؤمنين (ع) (5)
حيث جعل فيها من كان على رأس فرسخين من الأعذار الموجبة لسقوطها.
ويدل على القولين الأخيرين صحيحة زرارة (6) قال: (قال أبو جعفر (ع)
الجمعة واجبة على من إذا صلى الغداة في أهله أدرك الجمعة، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنما
يصلي العصر في وقت الظهر في سائر الأيام كي إذا قضوا الصلاة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)
رجعوا إلى رحالهم قبل الليل وذلك سنة إلى يوم القيامة).
وأجاب عن هذه الرواية في الذكرى بالحمل على الفرسخين جمعا. وأجاب
الشيخ عنها بالحمل على الاستحباب. وإليه مال في المدارك وتبعه جملة ممن تأخر عنه
بقي الكلام في التعارض بين أخبار القولين المتقدمين، وجملة من الأصحاب
قد ذكروا الجمع بينها وجهين (أحدهما) أن يكون المراد بمن كان على رأس فرسخين
في أخبار السقوط يعني أزيد من فرسخين فأطلق رأس فرسخين على ما فيه زيادة
يسيرة، قيل: ويؤيده أن الغالب حصول العلم بكون المسافة فرسخين عند العلم
بكونها أزيد من غير انفكاك بينهما فإن العلم بمقدار الفرسخين من غير زيادة نادر
جدا. و (ثانيهما) حمل الوجوب في ما دل على الوجوب في الفرسخين على الاستحباب

(1) الوسائل الباب 4 من صلاة الجمعة.
(2) الوسائل الباب 4 من صلاة الجمعة.
(3) ص 5، 2 وفي الذكرى التنبيه العاشر من تنبيهات الأمر الرابع من الشرط الثالث
(4) مستدرك الوسائل الباب 4 من صلاة الجمعة
(5) ص 147.
(6) الوسائل الباب 4 من صلاة الجمعة.
153

المؤكد. قيل ويرجح الأول كثرة الأخبار والشهرة وعموم الآية.
أقول: لا يخفى أن هذا الخلاف قليل الجدوى فإن محل الخلاف هو الحصول
على رأس فرسخين بلا زيادة ولا نقصان ولا ريب أنه نادر جدا والاحتياط ظاهر.
وتمام تحقيق الكلام في هذا المطلب يتوقف على بسطه في مقامين:
المقام الأول - قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن من
لا تلزمه الجمعة من المكلفين الذكور إذا حضر موضع الجمعة جاز له فعلها تبعا وأجزأته عن
الظهر، واحترزوا بالمكلفين عن الصبي والمجنون فإنها لا تجب عليهما ولا تنعقد بهما
لعدم التكليف في حقهما،
وبالذكر عن المرأة فلا تجب عليها أيضا وإن حضرت
وإنما الكلام هنا في ما عدا ذلك.
وظاهر كلامهم الاجماع على الحكم المذكور، قال في المنتهى: لا خلاف
في أن العبد والمسافر إذا صليا الجمعة أجزأتهما عن الظهر. وحكى نحو ذلك في
البعيد، وقال في المريض: لو حضر وجبت عليه وانعقدت به وهو قول أكثر
أهل العلم. وقال في الأعرج: لو حضر وجبت عليه وانعقدت به بلا خلاف.
وعنه أيضا في التذكرة أنه قال لو حضر المريض والمحبوس بعذر المطر والخوف
وجبت عليهم وانعقدت بهم اجماعا. وقال في النهاية من لا تلزمه الجمعة إذا حضرها
وصلاها انعقدت جمعة وأجزأته. وعلله بتعليل ضعيف.
ويدل على الحكم المذكور ما رواه الشيخ عن حفص بن غياث (1) قال:
(سمعت بعض مواليهم يسأل ابن أبي ليلى عن الجمعة هل تجب على المرأة والعبد
والمسافر؟ فقال ابن أبي ليلى لا تجب الجمعة على واحد منهم ولا الخائف. فقال الرجل
فما تقول إن حضر واحد منهم الجمعة مع الإمام فصلاها معه هل تجزئه تلك الصلاة
عن ظهر يومه؟ فقال نعم. فقال له الرجل وكيف يجزئ ما لم يفرضه الله عليه
عما فرضه الله عليه وقد قلت إن الجمعة لا تجب عليه ومن لم تجب الجمعة عليه فالفرض عليه

(1) التهذيب ج 1 ص 251 وفي الوسائل الباب 18 من صلاة الجمعة.
154

أن يصلي أربعا، ويلزمك فيه معنى أن الله فرض عليه أربعا فكيف أجزأ عنه
ركعتان؟ مع ما يلزمك أن من دخل في ما لم يفرضه الله عليه لم يجزئ عنه مما فرض
الله عليه؟ فما كان عند ابن أبي ليلى فيها جواب وطلب إليه أن يفسرها له فأبى ثم
سألته أنا عن ذلك ففسرها لي فقال: الجواب عن ذلك أن الله عز وجل فرض
على جميع المؤمنين والمؤمنات ورخص للمرأة والمسافر والعبدان لا يأتوها فلما
حضروها سقطت الرخصة ولزمهم الفرض الأول فمن أجل ذلك أجزأ عنهم.
فقلت عن من هذا؟ فقال عن مولانا أبي عبد الله (ع) وهذه الرواية كما ترى صريحة
في دخول المرأة في الحكم المذكور خلافا لما هو المتكرر في كلامهم والمشهور
كما سيأتي تحقيقه.
ونحوها أيضا صحيحة أبي همام عن أبي الحسن (ع) (1) أنه قال: (إذا صلت
المرأة في المسجد مع الإمام يوم الجمعة الجمعة ركعتين فقد نقصت صلاتها وإن صلت في
المسجد أربعا نقصت صلاتها، لتصل في بيتها أربعا أفضل).
والتقريب فيها أن نقص الصلاة بالصاد المهملة يقتضي اجزاءها في الجملة. كذا
قوله (لتصل في بيتها أفضل) نعم لو كانت بالضاد المعجمة انتفت دلالتها على
الاجزاء بل دلت على نقيضه.
وربما أشكل ذلك نظرا إلى ما دلت عليه الأخبار المتقدمة من سقوط الجمعة
عن هؤلاء المعدودين وبها خصت الآية وعموم الأخبار الدالة على وجوب الجمعة
عليهم لولا هذه الأخبار، فالقول بعود الوجوب عليهم بعد الحضور يحتاج إلى دليل
قاطع، والرواية الأولى من هاتين الروايتين ضعيفة السند بالراوي والمنقول عنه
فلا تقوم حجة في تخصيص الأخبار المذكورة الدالة على السقوط، والثانية وإن
كانت صحيحة إلا أنها أخص من المدعى، ومن ثم استشكل في المدارك ومثله
الفاضل الخراساني في المسألة. نعم لو ثبت الاجماع المدعى في المقام تم البحث إلا

(1) الوسائل الباب 22 من صلاة الجمعة.
155

أنك قد عرفت ما في دعوى هذه الاجماعات من المجافات.
لكن قد ورد ما يعضد هذين الخبرين بالنسبة إلى المسافر أيضا كما رواه الصدوق
في كتاب الأمالي في المجلس الثالث بسنده عن الباقر (ع) (1) قال: (أيما مسافر
صلى الجمعة رغبة فيها وحبا لها أعطاه الله أجر مائة جمعة للمقيم) ورواه في كتاب
ثواب الأعمال في الموثق عن سماعة عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) مثله (2)
وفيه تأييد ظاهر للقول بالوجوب وإن كان أخص من المدعى أيضا.
والاحتياط يقتضي إما عدم حضور هؤلاء موضع الجمعة أو الجمع بين الفرضين
احتياطا إن حضروا.
المقام الثاني - الظاهر أنه لا خلاف بينهم في انعقاد الجمعة بما عدا المرأة
والعبد والمسافر إما هؤلاء أو واحد منهم لو كان من جملة العدد الذي هو شرط
الوجوب وهو السبعة أو الخمسة فهل تنعقد الجمعة به ويحصل شرط الوجوب أم لا؟
أما المرأة فالظاهر أنه لا خلاف في عدم انعقاد الجمعة بها وإنما الخلاف في الوجوب
عليها لو حضرت وعدمه.
والذي يدل على الحكم الأول مضافا إلى الاجماع المذكور الأخبار، ففي صحيحة
زرارة أو حسنته (3) (لا تكون الخطبة والجمعة وصلاة ركعتين على أقل من خمسة
رهط) والرهط - على ما في الصحاح - ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة
وفي صحيحة منصور (4) (يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة لا أقل)
والقوم - على ما ذكره في الصحاح - الرجال دون النساء.
وقوله (ع) في ثالثة (5) (جمعوا إذا كانوا خمسة نفر) قال في الصحاح:

(1) الوسائل الباب 19 من صلاة الجمعة
(2) الوسائل الباب 19 من صلاة الجمعة
(3) الوسائل الباب 2 من صلاة الجمعة.
(4) الوسائل الباب 2 من صلاة الجمعة وقوله (خمسة لا أقل) نقل بالمعنى كما يظهر
بالرجوع إلى ص 73
(5) الوسائل الباب 2 من صلاة الجمعة رقم 6.
156

النفر بالتحريك عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة.
وهذه الأخبار كما ترى بالنظر إلى ما نقلناه من كلام أهل اللغة متطابقة الدلالة
على أن العدد المشترط في الجمعة لا بد أن يكونوا من الرجال.
وأما الكلام بالنسبة إلى الحكم الثاني فظاهر الشيخين في المقنعة والنهاية هو
الوجوب على المرأة لو حضرت، قال في المقنعة: وهؤلاء الذين وضع الله عنهم
الجمعة متى حضروها لزمهم الدخول فيها وأن يصلوها كغيرهم ويلزمهم استماع الخطبة
وصلاة ركعتين، ومتى لم يحضروها لم تجب عليهم وكان عليهم الصلاة أربع ركعات
كفرضهم في سائر الأيام. ومقتضاه كما ترى وجوبها على الجميع مع الحضور من
غير استثناء. واستدل عليه الشيخ في التهذيب برواية حفص المتقدمة، ونحوه في
النهاية. وبه صرح ابن إدريس فقال بوجوبها على المرأة عند الحضور غير أنها
لا تحسب من العدد، وتدل عليه رواية حفص المتقدمة.
وقال في المبسوط: أقسام الناس في الجمعة خمسة: من تجب عليه وتنعقد به وهو
الذكر الحر البالغ العاقل الصحيح السليم من العمى والعرج والشيخوخة التي لا حراك
معها الحاضر ومن بحكمه، ومن لا تجب عليه ولا تنعقد به وهو الصبي والمجنون والعبد
والمسافر والمرأة لكن يجوز لهم فعلها ألا المجنون، ومن تنعقد به ولا تجب عليه
وهو المريض والأعمى والأعرج ومن كان على رأس أكثر من فرسخين، ومن
تجب عليه ولا تنعقد به وهو الكافر لأنه مخاطب بالفروع عندنا. والظاهر - كما
ذكره بعض الأصحاب - أن مراده بنفي الوجوب في موضع جواز الفعل نفي الوجوب
العيني لأن الجمعة لا تقع مندوبة اجماعا.
وقطع المحقق في المعتبر بعدم الوجوب على المرأة حيث قال: إن وجوب
الجمعة عليها مخالف لما عليه اتفاق فقهاء الأمصار. وطعن في رواية حفص المتقدمة
بضعف حفظ وجهالة المروي عنه. وظاهره عدم جواز الفعل أيضا.
قال في المدارك: وهو متجه لولا رواية أبي همام المتقدمة: ثم قال (قرس سره)
157

والحق أن الوجوب العيني منتف قطعا بالنسبة إلى كل من سقط عنه الحضور وأما
الوجوب التخييري فهو تابع لجواز الفعل فمتى ثبت الجواز ثبت الوجوب ومتى
انتفى انتفى. انتهى.
أقول: لا يخفى أن ظاهر كلمة الأصحاب وكذا ظاهر رواية حفص المتقدمة
إنما هو الوجوب العيني بعد الحضور لأن ظاهر الجميع هو أن الساقط عن هؤلاء إنما
هو السعي فمتى تكلفوه وحضروا صار الوجوب عينيا وتعين عليهم الصلاة جمعة، وهذا
الوجوب التخييري الذي اختاره لا أعرف له وجها، نعم يبقى الكلام في الأفراد
المختلف فيها وهو أمر آخر.
ومما ذكرنا ظهر أن المرأة عدم الجمعة بها وإن وجبت عليها بالحضور
كما ذكره الشيخان وابن إدريس.
ويعضد ذلك ما رواه الحميري في كتاب قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن
أخيه الكاظم (ع) (1) قال: (سألته عن النساء هل عليهن من صلاة العيدين وصلاة
الجمعة ما على الرجال؟ قال نعم) والظاهر حمله على الحضور في موضع الجمعة جمعا
بينه وبين الأخبار الدالة على السقوط عنها.
وأنت خبير بأن هذه الرواية مع ضمها إلى روايتي حفص وأبي همام المتقدمتين
لا تقصر عن تخصيص تلك الأخبار الدالة على السقوط، وتؤيدها رواية المجالس
المتقدمة وإن كانت بخصوص المسافر.
وأما العبد والمسافر لو حضرا فقال الشيخ في الخلاف والمحقق في المعتبر وابن
إدريس أنها تنعقد بهما لأن ما دل على اعتبار العدد مطلق فيتناولهما كما يتناول غيرهما.
وهو جيد إلا أنه لا يتم في ما إذا كان العدد منحصرا في المسافرين وإن زعمه شيخنا
الشهيد لما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في المقام.
وذهب جمع من الأصحاب: منهم - الشيخ في المبسوط كما تقدم في عبارته وابن

(1) الوسائل الباب 18 من صلاة الجمعة
158

حمزة والعلامة في بعض كتبه إلى أنها لا تنعقد بهما، لأنهما ليسا من أهل فرض
الجمعة كالصبي، ولأن الجمعة إنما تصح من المسافر تبعا لغيره فكيف يكون متبوعا؟
ولأنه لو جاز ذلك لجاز انعقادها بالمسافرين وإن لم يكن معهم حاضر.
وأجيب بأن الفرق بينهما وبين الصبي عدم التكليف في الصبي دون المسافر
والعبد، وبمنع التبعية للحاضر، والالتزام بانعقاد ها بجماعة المسافرين.
وفيه نظر كما أشرنا إليه. نعم يمكن منع الملازمة بجواز ذلك مع المنع من انعقادها
بجماعة المسافرين وهذا هو المفهوم من الأخبار. وأما ما ذكره في الذكرى - من أن
الظاهر أن الاتفاق واقع على صحتها بجماعة المسافرين واجزائها عن الظهر - فإن ظاهر
الأخبار منعه لاستفاضتها بأن المسافر فرضه في السفر إنما هو الظهر دون الجمعة:
ومنها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) (1)
قال: (قال لنا صلوا في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة).
وعنه في الصحيح أيضا (2) قال: (سألته عن صلاة الجمعة في السفر قال
تصنعون كما تصنعون في الظهر ولا يجهر الإمام فيها بالقراءة وإنما يجهر إذا
كانت خطبة).
وعن جميل في الصحيح (3) قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن الجماعة يوم
الجمعة في السفر قال تصنعون كما تصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر ولا يجهر
الإمام إنما يجهر إذا كانت خطبة).
وما رواه الصدوق في الصحيح عن ربعي بن عبد الله وفضيل عن أبي عبد الله
(ع) (4) أنه قال: (ليس في السفر جمعة ولا فطر ولا أضحى) ورواه البرقي في
المحاسن بسنده عن العلاء بن الفضيل عن أبي عبد الله (ع) ورواه بسند آخر عن ربعي

(1) الوسائل الباب 73 من القراءة في الصلاة.
(2) الوسائل الباب 73 من القراءة في الصلاة.
(3) الوسائل الباب 73 من القراءة في الصلاة.
(4) الوسائل الباب 19 من صلاة الجمعة.
(5) الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة.
159

عن أبي عبد الله (ع) (1).
إلى غير ذلك من الأخبار الصريحة في أن فرض المسافر إنما هو الظهر، وحينئذ
فما ادعاه من انعقاد ها بالمسافرين مردود بهذه الأخبار. نعم لما دل خبر حفص
على أنه نع حضور المسافر لموضع الجمعة المنعقدة بالحاضرين تجب عليه صلاة الجمعة
وكذا خبر كتاب الجالس وجب القول بالصحة في المواضع المذكور سواء كان
الحاضر إماما أو مأموما فإنه تجب عليه الصلاة كذلك وتنعقد به على القول بذلك
كما هو الأظهر.
ومما ذكرنا ظهر الوجوب على المرأة والعبد والمسافر لو حضروا وهو مورد
رواية حفص المتقدمة، فيكون الاجزاء في غيرهم بطريق أولى لأنه متى ثبت ذلك في
محل الخلاف ففي ما لم يحصل فيه خلاف سيما مع ادعاء العلامة في ما قدمنا نقله عنه الاجماع
على الصحة والاجزاء عن الظهر بطريق أولى. وقد اشتمل النص المذكور على تعليل
حكمة الوجوب بما يوجب اطراده في الباقين.
ثم إنه مما يدل على بطلان ما نقله في الذكرى من الاتفاق على الانعقاد بجماعة
المسافرين ما صرح به الشيخ في المبسوط حيث قال: والمسافر يجوز أن يصلي الجمعة
بالمقيمين وإن لم يكن واجبا عليه إلا أنه لا يصح منه ذلك إذا أتى بالخطبتين ويكون
العدد قد تم بغيره. حيث إنه اشترط في صحة صلاته مع كونه مسافرا أن يتم العدد
بغيره من الحاضرين. وبالجملة فإن كلام شيخنا المذكور المشار إليه هنا لا يخلو من
غفلة. والله العالم.
(المطلب الرابع) في اللواحق والكلام فيه ينتظم في مسائل
(الأولى) الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تحريم السفر يوم الجمعة بعد
الزوال وقبل الصلاة، ونقل الاجماع على ذلك جماعة: منهم - العلامة في المنتهى
والتذكرة وإليه ذهب أكثر العامة (2).

(1) الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة
(2) المغني ج 2 ص 362.
160

واستدل عليه في التذكرة بقوله صلى الله عليه وآله (1) (من سافر من دار إقامته يوم الجمعة
دعت عليه الملائكة لا يصحب في سفره ولا يعان على حاجته) قال: والوعيد
لا يترتب على المباح.
أقول: لا يخفى على من راجع الأخبار ما وقع لهم (عليهم السلام) من التأكيد
في المكروهات بما يكاد يلحقها بالمحرمات وفي المستحبات بما يكاد يدخلها في حيز
الواجبات، هذا مع تسليم ثبوت الخبر المذكور.
ثم إنهم استدلوا على ذلك أيضا بأن ذمته مشغولة بالفرض والسفر مستلزم
للاخلال به فلا يكون سائغا.
وفيه أن صحة هذا الدليل مبنية على أن الأمر بالشئ يستلزم النهي عن ضده
الخاص وهو مما لم يقم عليه دليل بل الأدلة على خلافه واضحة السبيل كما أوضحناه في
بعض المباحث المتقدمة.
وأورد عليه أيضا أنه على هذا التقدير يلزم من تحريم السفر عدم تحريمه
وكل ما أدى وجوده إلى عدمه فهو باطل، أما الملازمة فلأنه لا مقتضى لتحريم السفر
إلا استلزامه لفوات الجمعة كما هو المفروض، ومتى حرم السفر لم تسقط الجمعة
كما تقدم فلا يحرم السفر لانتفاء المقتضي، وأما بطلان اللازم فظاهر. كذا
ذكره في المدارك.
وفيه أن هذا الإيراد مختص بصورة إمكان الجمعة في الطريق كما ذكره جده في
كتاب الروض لا تحريم السفر مطلقا كما ذكره حيث قال في الروض: ولا فرق
في التحريم بين أن يكون بين يديه جمعة أخرى يمكن ادراكها في الوقت وعدمه
لاطلاق النهي مع احتمال عدم التحريم في الأول لحصول الغرض. ويضعف بأن
السفر إن ساغ أوجب القصر فتسقط الجمعة حينئذ فيؤدي إلى سقوطها فيحرم فلا
تسقط عنه فيؤدي التحريم إلى عدمه وهو دور. انتهى.

(1) المغني ج 1 ص 362.
161

وبالجملة فإن كلام السيد (قدس سره) وايراده ما ذكره على تحريم السفر
مطلقا خلاف ما صرح به غيره كما سمعت من كلام جده، فإنهم إنما أوردوا ذلك على
من جوز السفر إذا كان بين يدي المسافر جمعة يدركها قبل فوات الوقت كما هو ظاهر
سوق الكلام المذكور.
هذا وقد أجاب الفاضل الخراساني في الذخيرة عن الإيراد المذكور بأنا لا نسلم
أن علة حرمة السفر استلزام السفر للفوات ولا أن علتها حصول الفوات في الواقع
أو على تقدير السفر بل علة حرمة السفر استلزام جوازه لجواز تفويت الواجب
وجواز تفويت الواجب منتف فيكون ملزومه وهو جواز السفر منتفيا فحرمة
السفر ليست مستلزمة لانتفاء العلة المقتضية لحرمته. انتهى.
وكلامه هذا متجه على تقدير ما اختاره في مسألة استلزام الأمر بالشئ النهي
عن ضده الخاص من القول بذلك، أما على ما اخترناه وهو اختيار جملة من
المحققين: منهم - شيخنا الشهيد الثاني وسبطه صاحب المدارك وغير هما فلا وجه له
وبالجملة فإن المسألة خالية من النص الصريح في ذلك والركون إلى التعليلات
العقلية قد عرفت ما فيه في غير موضع مما تقدم.
نعم يمكن الاستدلال على ذلك بفحوى قوله تعالى: (وذروا البيع) (1)
والتقريب أن الظاهر أن النهي عن البيع إنما وقع لمنافاته السعي إلى الجمعة كما يشعر به
التعليل المستفاد من قوله سبحانه: (ذلكم خير لكم) (2) فيكون السفر المنافي
كذلك أيضا.
ويعضد ذلك ما رواه الصدوق في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله
(ع) (3) قال: إذا أردت الشخوص في يوم عيد فانفجر الصبح وأنت في البلد
فلا تخرج حتى تشهر ذلك العيد وإذا حرم السفر الموجب لتفويت صلاة العيد

(1) سورة الجمعة الآية 9.
(2) سورة الجمعة الآية 9.
(3) الوسائل الباب 37 من صلاة العيد.
162

حرم السفر الموجب لتفويت صلاة الجمعة بطريق أولى.
ويؤكده أيضا قول أمير المؤمنين (ع) في كتابه للحارث الهمداني على ما نقله
الرضي (قدس سره) في كتاب نهج البلاغة (1) (لا تسافر في يوم الجمعة حتى تشهد
الصلاة إلا ناضلا في سبيل الله أو في أمر تعذر به) وأصل المناضلة المراماة يقال
ناضله إذا راماه (2) والمراد هنا الجهاد والحرب في سبيل الله.
وما رواه الكفعمي في كتاب المصباح (3) عن الرضا (ع) قال: (ما يؤمن
من سافر يوم الجمعة قبل الصلاة أن لا يحفظه الله تعالى في سفره ولا يخلفه في أهله
ولا يرزقه من فضله).
وما رواه في الفقيه والخصال عن السري عن أبي الحسن علي بن محمد (عليهما
السلام) (4) قال: (يكره السفر والسعي في الحوائج يوم الجمعة بكرة من أجل الصلاة
فأما بعد الصلاة فجائز يتبرك به بحمل الكراهة فيها على التحريم كما هو شائع في
الأخبار بقرينة خبري المصباح ونهج البلاغة، والاطلاق في يوم الجمعة محمول
على ما بعد الزوال مع احتمال العموم أيضا وإن كان المشهور الكراهة بالمعنى
الاصطلاحي الأصولي في اليوم.
ومما يزيد ذلك تأكيدا ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني في رسالة اكمال الجمعة كما
نقله عنه في كتاب البحار (5) قال: وعن النبي صلى الله عليه وآله (من سافر يوم الجمعة دعا

(1) ج 3 ص 143 مطبعة الاستقامة وبهامشه شرح محمد عبده
(2) قال المجلسي في البحار ج 18 الصلاة ص 726 بعد نقل الخبر: بيان فاصلا
أي شاخصا قال تعالى (فلما فصلت العير) فضبطه بالفاء والصاد المهملة كما في نهج البلاغة
ج 3 ص 143 المطبوع بمطبعة الاستقامة حيث ضبط كذلك وقال المعلق في الهامش:
أي خارجا ذاهبا.
(3) ص 184
(4) الوسائل الباب 52 من صلاة الجمعة
(5) ج 18 الصلاة ص 731 وفي المستدرك في الباب 44 من صلاة الجمعة إلى قوله:
(ولا تقضى له حاجة).
163

عليه ملكاه أن لا يصاحب في سفره ولا تقضى له حاجة) قال: وجاء رجل إلى
سعيد بن المسيب يوم الجمعة يودعه فقال لا تعجل حتى تصلي فقال إذن تفوتني
أصحابي ثم عجل فكان سعيد يسأل عنه حتى قدم قوم فأخبروه أن رجله انكسرت
فقال سعيد إني كنت لأظن أن يصيبه ذلك. وروي أن صيادا كان يخرج
في يوم الجمعة لا يمنعه مكان الجمعة من الخروج فخسف به وببغلته فخرج الناس وقد
ذهبت بغلته في الأرض فلم يبق منها إلا أذناها وذنبها. وروي أن قوما خرجوا في
سفر حين حضرت الجمعة فاضطرم عليهم خباؤهم نارا من غير نار يرونها. انتهى
ما ذكره في الرسالة المذكورة.
وبالجملة فاجماع الأصحاب قديما وحديثا على الحكم المذكور - حيث لم ينقل فيه
مخالف مع تأيده بما ذكرناه من هذه الأخبار واعتضاده بالاحتياط في الدين - دليل
قوي متين كما لا يخفى على الحاذق المكين، فلا ضرورة إلى ما ذكروه من تلك التعليلات
العليلة مع عرفت فيها من المناقضات والمعارضات. والله العالم.
بقي في المقام فوائد يجب التنبيه عليها: (الأولى) قال شيخنا الشهيد الثاني في
الروض: ومتى سافر بعد الوجوب كان عاصيا فلا يترخص حتى تفوت الجمعة فيبتدئ
السفر من موضع تحقق الفوات، قاله الأصحاب وهو يقتضي عدم ترخص
المسافر الذي يفوت بسفره الاشتغال بالواجب من تعلم ونحوه أو يحصل في الحال
الإقامة أكثر من حالة السفر لاستلزامه ترك الواجب المضيق فهو أولى من الجمعة
خصوصا مع سعة وقتها ورجاء حصول جمعة أخرى أو لا معه واستلزامه الحرج،
وكون أكثر المكلفين لا ينفكون عن وجوب التعلم فيلزم عدم تقصير هم وفوات
أغراضهم التي يتم بها نظام النوع غير ضائر والاستبعاد وغير مسموع، ولأن الكلام
في السفر الاختياري الذي لا يتعارض فيه وجوبان. انتهى.
واعترضه المحقق الأردبيلي على ما نقل تلميذه السيد السند في المدارك
قال: واعترضه شيخنا المحقق بأن هذا كله مبني على أن الأمر بالشئ يستلزم النهي عن
164

ضده الخاص وهو لا يقول به بل يقول ببطلانه. ثم أجاب عن هذا الاقتضاء
مع تسليم تلك المقدمة بمنع منافاة السفر غالبا للتعلم إذ التعلم في السفر متيسر
غالبا بل ربما كان أيسر من الحضر، وبأنه ليس في الكتاب والسنة وما يدل
على وجوب التعلم على الوجه الذي اعتبره المتأخرون بل المستفاد منهما خلاف ذلك
كما يرشد إليه تيمم عمار (1) وطهارة أهل قبا (2) ونحو ذلك، ثم أطال الكلام في ذلك
وقوى عدم الوجوب والاكتفاء في الاعتقادات الكلامية بإصابة الحق كيف اتفق
وإن لم يكن عن دليل. ثم قال في المدارك بعد نقله: وهو قوي متين.
وقال الفاضل الخراساني في الذخيرة بعد نقل ذلك عنهما، وهو عند التأمل
لا يوافق القواعد الصحيحة العدلية على ما أظن.
أقول: أما ما اعترض به المحقق المذكور - من أن كلام شيخنا المتقدم ذكره
مبني على تلك القاعدة وهو لا يقول بها - فيمكن الجواب عنه بأن هذا الكلام منه إنما

(1) الوسائل الباب 11 من التيمم رقم 2 و 4 و 5 و 8 و 9.
(2) في الدر المنثور للسيوطي ج 3 ص 278 في تفسير قوله تعالى في سورة التوبة
الآية 109 (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون
أن يتطهروا والله يحب المطهرين) ذكر تسعة عشر حديثا عن أبي هريرة وابن عباس
ومجمع بن يعقوب بن مجمع وعويم بن ساعدة الأنصاري وعبد الله بن سلام والشعبي وأبي أمامة
وعبد الله بن الحارث بن نوفل وعطاء وخزيمة بن ثابت وأبي أيوب الأنصاري وابن عمر
وسهل الأنصاري وقتادة أن الطهور في هذه الآية الغسل بالماء من البول والغائط، ونص
الحديث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لأهل قبا إن الله قد أثنى عليكم خيرا وذكر الآية فما هذا
الطهور؟ فقالوا إنا نغسل بالماء مخرج البول والغائط. وفي رواية أبي أيوب وجابر بن عبد الله
وأنس بن مالك قالوا له نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة. قال فهل مع ذلك غيره؟ قالوا لا
غير أن أحدنا إذا خرج إلى الغائط أحب أن يستنجي بالماء قال (صلى الله عليه وآله) هو ذاك فعليكموه.
وذكر الشيخ الطوسي في التبيان ج؟ ص 858 طبع إيران الرواية عن النبي (صلى الله عليه وآله) وزاد
عليه في مجمع البيان أنه مروي عن السيدين الباقر والصادق (عليهما السلام).
165

وقع إلزاما للأصحاب القائلين بذلك مع قولهم بهذه القاعدة فلا يرد عليه ما أورده.
وأما قوله في جواب منع السفر عن التعلم - بأن التعلم في السفر متيسر غالبا بل ربما
كان أيسر - ففيه أنه إن أراد تيسره في السفر بل ربما كان أيسر حال الاشتغال
بالسفر والسير والسري في الطريق فهو ممنوع كما هو ظاهر، وإن أراد بعد الوصول
والاستقرار في البلدة التي قصدها فهو كما ذكره ألا إن مراد شيخنا المذكور إنما هو
الأول فلا يرد عليه أيضا ما أورده. وأما قوله - إنه ليس في الكتاب والسنة.. إلى
آخر ما ذكره مما يدل على الاكتفاء بإصابة الحق كيف اتفق - فهو جيد. وقول
الفاضل الخراساني من أنه عند التأمل لا يوافق القواعد الصحيحة العدلية مردود بما
حققناه في مقدمة الأوقات من هذا الكتاب في مسألة ما لو صلى جاهلا بالوقت فإنا
نقلنا كلامه في المسألة المذكورة وما أورده على المحقق المذكور مما يوضح ما ذكره
هنا من هذا الاجمال وبينا ما فيه من الضعف والاختلال.
وبالجملة فإن ثبوت العصيان بالسفر المذكور الموجب لعدم الترخص إنما يتم
بناء على ثبوت القائدة المذكورة والحق عندي عدم ثبوتها كما تقدم تحقيقه في بعض
مباحث هذا الكتاب. والله العالم.
(الثانية) لو كان بين يدي المسافر جمعة أخرى يعلم ادراكها في محل الترخص
فهل يكون السفر سائغا أم لا؟ قد تقدم في كلام شيخنا الشهيد في الروض ما يدل
على العدم لقوله: لا فرق في التحريم بين أن يكون بين يديه جمعة أخرى يمكن
إدراكها في الوقت وعدمه. ونحوه كلامه في المسالك أيضا، واختاره سبطه السيد
السند في المدارك. ونقل عن المحقق الشيخ على في شرح القواعد القول بالجواز، قال
لحصول الغرض وهو فعل الجمعة بناء على أن السفر الطارئ على الوجوب لا يسقطه
كما يجب الاتمام في الظهر على من خرج بعد الزوال. قال في المدارك: ويضعف
باطلاق الأخبار المتضمنة لسقوط الجمعة عن المسافر وبطلان القياس مع أن الحق
تعين القصر في صورة الخروج بعد الزوال كما سيجئ بيانه إن شاء الله تعالى. انتهى
166

أقول: قد عرفت أن شيخنا الشهيد في الروض ومثله في المسالك أيضا إنما
استند في تحريم السفر في هذه الصورة إلى ما ذكره من لزوم توقف وجود الشئ
على عدمه وإن عبر عنه بالدور تجوزا، فإن السفر إن ساغ أوجب القصر فتسقط
الجمعة حينئذ لعدم وجوبها على المسافر، وحاصل كلام المحقق الشيخ على يرجع إلى
منع هذه المقدمة أعني قوله إذا وجب القصر سقطت الجمعة بتخصيص السقوط بما
إذا لم يكن السفر طارئا على الوجوب أما لو كان السفر طارئا على الوجوب فلا كما في
المثال الذي نظر به.
وأما ما أجاب به في المدارك - من الاستناد إلى اطلاق الأخبار بسقوط الجمعة
عن المسافر - فيمكن الجواب عنه بأن الاطلاق إنما ينصرف إلى الأفراد المتكررة
المتكثرة الشائعة وهو السفر قبل حصول الوجوب دون هذا الفرد النادر الوقوع.
وأما ما طعن به من بطلان القياس فالظاهر أن المحقق المذكور إنما قصد بذلك التنظير
لدفع الاستبعاد. وأما قوله - إن الحق تعين القصر في صورة الخروج بعد الزوال -
ففيه أنه وإن كان ذلك هو الذي اختاره لكن الرواية الدالة عليه لا تخلو من العلة
كما سيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى في محله مع شهرة القول بما ذكره المحقق المذكور
وتأيده بظواهر كثير من الأخبار كما سيأتي إن شاء الله تعالى بيان ذلك.
وإلى القول بالجواز كما ذهب إليه المحقق المذكور ذهب الفاضل الخراساني في
الذخيرة أيضا ونقله عن بعض الأصحاب غير المحقق المذكور آنفا قال لنا - إن مقتضى
التحريم تفويت الجمعة وهو غير لازم في صورة التمكن إذا لا مانع من إقامة الجمعة في
السفر (فإن قلت) فعلى هذا يلزم أن تكون الجمعة في السفر واجبة عليه مع أنه خلاف
النصوص (قلت) التخصيص لازم في النصوص الدالة على عدم وجوب الجمعة
على المسافر بأن تخص بمسافر لم يتوجه إليه التكليف قبل السفر، بيان ذلك أن ههنا
حكمين عامين (أحدهما) إن كان حاضر تجب عليه صلاة الجمعة. و (ثانيهما) أن كل
مسافر لا تجب عليه صلاة الجمعة، والمكلف قبل انشاء السفر داخل في موضوع
167

الحكم الأول ومقتضاه ايجاب الجمعة عليه سواء أوقعه في حال الحضور أو في حال
السفر إذ لا تقييد بشئ منهما فإذا تركها في حال الحضور ثم سافر وجب عليه الاتيان
بها في هذه الحالة، فالحكم الأول بعمومه اقتضى وجوب الجمعة عليه في حال
السفر على أن يكون القيد قيدا للوجوب، ومقتضى عموم الحكم الثاني عدم
الوجوب عليه في الصورة المذكورة فلا بد من ابقاء أحدهما على المعمول والتخصيص
في الآخر، والترجيح للتعميم الأول للاجماع على وجوب الجمعة على الحاضر
مطلقا من غير أن يكون مشروطا بعدم صدق السفر عليه لاحقا. انتهى.
أقول: مخلص كلامه قد رجع إلى ما ادعاه من الاجماع على التعميم الأول
مع أنه معارض بالاجماع أيضا على التعميم الثاني كما عرفت مما قدمنا نقله عن الفاضلين
والشهيد من دعوى الاجماع على اشتراط الحضر وأنها لا تجب على المسافر، وهو
أعم من أن يدخل عليه وقت الوجوب في الحضر أم لا، بل قد اعترف هو بذلك
في صدر هذا الكلام حيث قال: ولو كان بين يدي المسافر جمعة أخرى يعلم إدراكها
في محل الترخص جاز سفره كما ذهب إليه بعض الأصحاب واختاره المدقق الشيخ
على، وذهب جماعة إلى عموم التحريم في الصورتين، والاجماع المنقول سابقا
يعم الجميع. ثم قال: لنا.. إلى آخر ما قدمنا نقله. وبذلك يظهر لك أن ما أطال
به الكلام تطويل بغير طائل وكلام لا يرجع إلى حاصل.
ويبقى ما ذكره من تعارض العمومين المذكورين كتعارض الاجماعين المنقولين
والأظهر في الجواب إنما هو ما قدمنا ذكره من منع شمول اطلاق الأخبار الدالة
على سقوط الجمعة عن المسافر لهذا الفرد.
وكيف كان فالمسألة لخلوها عن النص الواضح لا تخلو من الاشكال والاحتياط
فيها واجب على كل حال. والله العالم.
(الثالثة) لو كان بعيدا عن الجمعة بفرسخين فما دون فخرج مسافرا في صوب
الجمعة، فقيل يجب عليه الحضور عينا وإن صار في محل الترخص، لأنه لولاه
168

لحرم عليه السفر، ولأن من هذا شأنه يجب عليه السعي قبل الزوال فيكون سبب
الوجوب سابقا على السفر كما في الاتمام لو خرج بعد الزوال.
واحتمل الشهيد في الذكرى عدم كون هذا المقدار محسوبا من المسافة لوجوب
قطعه على كل تقدير ويجري مجرى الملك في أثناء المسافة. ثم قال: ويلزم من هذا
خروج قطعة من السفر عن اسمه بغير موجب مشهور.
قال في المدارك بعد نقله عنه ذلك: ويضعف بأن وجوب قطعه على كل
تقدير لا يخرجه عن كونه جزء من المسافة المقصودة. ثم قال: ولو قيل باختصاص
تحريم السفر بما بعد الزوال وأن وجوب السعي إلى الجمعة قبله للبعيد إنما يثبت مع
عدم انشاء المكلف سفرا مسقطا للوجوب لم يكن بعيدا من الصواب. انتهى.
وقال الفاضل الخراساني في الذخيرة: والظاهر عندي انشاء السفر إذا
كان قبل زمان تعلق وجوب السعي وهو زمان لا يدرك الجمعة إن أخر السعي سقطت
الجمعة وإلا وجبت عليه وإن صدق عليه اسم المسافر، ووجهه يعلم مما حققناه
سابقا. انتهى.
أقول. لا يخفى أن ظاهر القول الأول هو أنه متى سافر قبل الزوال وجب
عليه حضور الجمعة لما ذكره من التعليلين وهو راجع إلى المسألة المسابقة حتى بالغ في
الذكرى في نفي السفر عنه ما دام في هذه المسافة.
وظاهر ما ذكره في المدارك اختصاص تحريم السفر بما بعد الزوال كما هو
المفروض في أصل المسألة وأما قبله فلا. وأجاب عن التعليلين المذكورين في القول
الأول بالمنع في هذه الصورة وتخصيص ذلك بما إذا لم ينشئ المكلف سفرا مسقطا
للوجوب دون ما نحن فيه من انشاء السفر المسقط. وفيه أن عموم الأدلة
والروايات الواردة في وجوب الحضور على من كان على رأس فرسخين فما دون
شامل لموضع البحث فإنها أعم من ذلك اعترف به في المسألة المتقدمة.
وظاهر كلام الذخيرة أنه إن شاء السفر قبل زمان تعلق وجوب السعي
169

بالذمة وهو الزمان الذي يدرك فيه الجمعة بحيث لو أخر عنه فاتت فإنه يسقط عنه
وجوب حضورها وإن وقع في ذلك الزمان وجب عليه الحضور. ووجهه بالنسبة
إلى الأول أنه حال انشاء السفر غير مكلف ولا مخاطب بالجملة فيكون سفره مشروعا
كما لو سافر قبل الزوال في المسألة المتقدمة. ووجهه بالنسبة إلى الثاني ما قدمنا نقله
عنه من أنه لا مانع من إقامة الجمعة في السفر لأنه قد تعلق به الخطاب فيجب عليه
إقامتها وليس ثمة مانع إلا السفر وهو لا يمنع من ذلك بالتقريب الذي قدمه، وقد
عرفت ما فيه.
وبالجملة فإن المسألة لما كانت عارية من النص كثرت فيها الاحتمالات، وقد
عرفت مما ذكرنا في غير موضع مما تقدم عدم صلوح أمثال هذه التعليلات لتأسيس
الأحكام الشرعية، فالوقوف على جادة الاحتياط في أمثال هذه المقامات عندنا
من الواجبات. والله العالم.
(الرابعة) قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو كان
السفر واجبا كالحج والغزو أو مضطرا إليه انتفى التحريم، قال في الروض: وإنما
يحرم مع الاختيار وعدم وجوبه فلو كان مضطرا إليه بحيث يؤدي تركه إلى فوات
الغرض أو التخلف عن الرفقة التي لا يستغنى عنها أو كان سفر حج أو غزو يفوت
الغرض منهما مع التأخر فلا يحرم. وعلى هذا المنوال كلام جملة منهم.
ويدل عليه ما قدمنا نقله (1) عن كتاب نهج البلاغة من قول أمير المؤمنين
(ع) في كتابه للحارث الهمداني (لا تسافر يوم الجمعة حتى تشهد الصلاة إلا ناضلا (2)
في سبيل الله أو في أمر تعذر به).
وأما ما ذكره في الذخيرة هنا - حيث قال: لو كان السفر واجبا كالحج والغزو
مع التضيق أو مضطرا إليه ارتفع التحريم على اشكال في السفر الواجب. انتهى -
فلعل الوجه في هذا الاشكال الذي ذكره هو تعارض الواجبين من السفر والجمعة

(1) ص 163.
(2) ارجع إلى التعليقة 2 ص 163.
170

فتقديم وجوب السفر على وجوب الجمعة يحتاج إلى دليل.
(الخامسة) قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يكره السفر يوم الجمعة
بعد طلوع الفجر، والظاهر أنه مجمع عليه بينهم بل وأكثر العامة على ذلك أيضا (1)
كما نقل عن التذكرة، وذكر فيها أنه لا يكره ليلة الجمعة اجماعا.
ويدل عليه مضافا إلى الاتفاق المذكور ما قدمنا نقله (2) من خبر السري
المنقول في الفقيه والخصال عن الهادي (ع) قال: (يكره السفر والسعي في الحوائج
يوم الجمعة بكرة من أجل الصلاة فأما بعد الصلاة فجائز يتبرك به) مع احتمال حمل
الكراهة فيه على التحريم كما قدمنا ذكره.
ولم أقف على من استدل على الحكم المذكور بهذا الخبر وإنما استندوا فيه إلى
اطلاق الخبر النبوي الذي قدمنا نقله عن التذكرة (3) ونبهنا على أن الظاهر أنه
عامي وهو قوله (صلى الله عليه وآله): (من سافر من دار إقامته يوم الجمعة دعت عليه
الملائكة.. الخ) مع أن هذا الخبر الذي ذكرناه أوضح دلالة وسندا.
واحتمل المحدث الكاشاني في المفاتيح التحريم في هذا المقام وهو ظاهر
اطلاق ما قدمناه من رواية مصباح الكفعمي عن الرضا (ع) وخبر الحارث الهمداني (4)
واحتمال حمل الكراهة على التحريم في الخبر المتقدم، وتعضده الرواية التي قدمنا
نقلها عن رسالة شيخنا الثاني وإن كان الظاهر أنها من طرق العامة. وعلل الحكم
المذكور في المفاتيح قال: لأنه مأمور بالسعي إلى الجمعة من فرسخين فكيف يسعى عنها.
وبذلك يظهر أن ما احتمله (طاب ثراه) قريب لا استبعاد فيه إلا من حيث مخالفة

(1) في شرح الزرقاني على مختصر أبي الضياء في فقه مالك ج 2 ص 64 (يكره السفر
يومها لمن تلزمه بعد الفجر وجاز قبله وحرم بالزوال قبل النداء) ونقل الشوكاني في نيل
الأوطار ج 3 ص 195 عن مالك وأحمد والشافعي في القديم والأوزاعي جواز السفر من
طلوع الفجر إلى الزوال، وحكاه ابن قدامة عن أكثر أهل العلم.
(2) ص 163
(3) ص 161.
(4) ص 163.
171

الشهرة وإلا فظواهر ما ذكرناه من الأدلة تقتضيه. والله العالم.
المسألة الثانية - الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
في تحريم البيع بعد النداء للصلاة يوم الجمعة بل نقل الاجماع عليه في المنتهى والتذكرة
ويدل عليه قوله عز وجل (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر
الله وذروا البيع) (1) فإن مفاده الأمر بترك البيع بعد النداء فيكون حراما.
وروى في الفقيه مرسلا (2) قال: (وروي أنه كان بالمدينة إذا أذن المؤذن
يوم الجمعة نادى مناد (حرم البيع حرم البيع) لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا
نودي للصلاة من يوم الجمعة.. الآية).
والظاهر أن المراد بالبيع في الآية ما هو أعم منه ومن الشراء لاطلاقه شرعا
عليه، وبذلك صرح جملة من الأصحاب.
وإنما الخلاف والاشكال في هذا المقام في مواضع: الأول - المفهوم من
كلام جملة من الأصحاب: منهم - العلامة في المنتهى والشيخ في الخلاف إناطة
التحريم بالأذان وإن تأخر عن الزوال أخذا بظاهر الآية فالبيع بعد الزوال وقبل
الأذان غير محرم، قال في المنتهى: وإذا صعد الخطيب المنبر ثم أذن المؤذن حرم
البيع وهو مذهب علماء الأمصار.. إلى أن قال: ولا يحرم بزوال الشمس ذهب
إليه علماؤنا أجمع بل يكون مكروها. ونسبه إلى جملة التابعين وأكثر أهل العلم

(1) سورة الجمعة الآية 9.
(2) الوسائل الباب 53 من صلاة الجمعة.
(3) في المغني ج 2 ص 297 (النداء الذي كان على عهد رسول (الله صلى الله عليه وآله) هو
النداء عقيب جلوس الإمام على المنبر فتعلق الحكم به دون غيره، ولا فرق بين أن يكون
ذلك قبل الزوال أو بعده) وفي عمدة القارئ ج 3 ص 282 قال صاحب الهداية: المعتبر
في وجوب السعي وحرمة البيع هو الأذان الأصلي الذي كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)
بين يدي المنبر، وفي فتاوى العتابي هو المختار وبه قال الشافعي وأحمد وأكثر فقهاء الأمصار
172

ونسب إلى مالك وأحمد تحريم البيع بعد الزوال (1). وظاهره كما ترى دعوى الاجماع
على الحكم المذكور مع أنه في الإرشاد علق الحكم على الزوال.
وقال في الخلاف: يحرم البيع إذا جلس الإمام على المنبر بعد الأذان ويكره
بعد الزوال قبل الأذان. انتهى.
أقول: والأقرب عندي ما ذكره شيخنا في الروض من إناطة ذلك بالزوال
فإن الظاهر أن التعليق في الآية على الأذان إنما خرج مخرج الغالب المتكرر من
وقوع الأذان متى تحقيق الزوال.
قال (قدس سره) بعد ذكر عبارة المصنف الدالة على تعليق الحكم على
الزوال: وإنما علقه المصنف على الزوال لأنه السبب الموجب للصلاة، والنداء
اعلام بدخول الوقت فالعبرة به فلو اتفق تأخير الأذان عن أول الوقت نادرا لم
يؤثر في التحريم السابق لوجود العلة ووجوب السعي المترتب على دخول الوقت
وإن كان في الآية مترتبا على الأذان، إذا لو فرض عدم الأذان لم يسقط وجوب

(1) في المغني ج 2 ص 297 (حكى القاضي رواية عن أحمد أن البيع يحرم بزوال
الشمس وإن لم يجلس الإمام على المنبر) وحكاه في عمدة القارئ ج 3 ص 272 عن
الضحاك والحسن وعطاء، وفي المدونة ج 1 ص 143 (قال أبو القاسم قال مالك إذا قعد
الإمام يوم الجمعة على المنبر فأذن المؤذن فعند ذلك يكره البيع والشراء وإن اشترى رجل
أو باع في تلك الساعة فسخ ذلك البيع) وفي ص 144 (قال مالك إذا أذن المؤذن وقعد
الإمام على المنبر منع الناس من البيع والشراء وفي كفاية الطاب الرباني لرسالة القيرواني
في مذهب مالك ج 1 ص 283 (يحرم حين الأذان بين يدي الإمام البيع بين اثنين تلزمهما
الجمعة أو أحدهما فإن وقع فسخ) وفي تفسير القرطبي ج 18 ص 108 (في وقت تحريم البيع
قولان: الأول من بعد الزوال إلى الفراغ منها قاله الضحاك والحسن وعطاء. الثاني من
وقت أذان الخطبة إلى وقت الصلاة قاله الشافعي، ومذهب مالك أن يترك البيع إذا نودي
للصلاة ويفسخ عنده ما وقع من البيع في ذلك الوقت) فالقول المذكور لم ينسب إلى مالك
بل نسب إليه القول المشهور.
173

السعي فإن المندوب لا يكون شرطا للواجب، وأكثر الأصحاب علقوا التحريم
على الأذان لظاهر الآية بل صرح بعضهم بالكراهة بعد الزوال قبل الأذان وهو
أوضح دلالة وإن كان ما هنا أجود. انتهى. وهو جيد.
ويميل إليه أيضا كلام المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد حيث قال: والظاهر أن النداء كناية عن دخول الوقت فلو لم يناد يحرم أيضا ويجب السعي، فقول
المصنف (بعد الزوال) إشارة إلى تفسير الآية أحسن من كلام غيره (بعد النداء) إذ
دليل التحريم ظاهر الآية فإنه إذا كان ترك البيع واجبا كما يدل عليه (وذروا) يكون
الفعل حراما لأن الأمر بالسعي للفور لترتبه على (إذا).. إلى آخر كلامه زيد في مقامه
وبذلك يظهر لك ما في كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة حيث قال: ثم
لا يخفى أن المذكور في عبارت الأصحاب تحريم البيع بعد الأذان حتى أن المصنف في
المنتهى والنهاية نقل اجماع الأصحاب على عدم تحريم البيع قبل النداء ولو كان بعد
الزوال. ثم نقل ما قدمنا نقله عن المنتهى إلى أن قال فما اختاره في هذا الكتاب
من إناطة التحريم بالزوال واختاره الشارح الفاضل محل تأمل. انتهى، فإن فيه
أنه لا مجال للتأمل هنا إلا أن كان باعتبار مخالفة الاجماع المنقول وفيه ما قد عرفت
ولا سيما ما شرحناه آنفا من أحوال هذه الاجماعات وبه صرح هو أيضا في كتابه
في غير موضع، إلا أن مقتضى النظر في الأدلة وتحقيق ما هو الحق المستفاد منها إنما
هو في ما ذكره هذان الفاضلان المحققان كما لا يخفى على من أعطى التأمل حقه في ما
ذكراه فإنه جيد متين وجوهر ثمين كما لا يخفى على الحاذق المكين.
الثاني - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في غير البيع من العقود
والايقاعات كالصلح والإجارة والنكاح والطلاق ونحوها، فألحقها العلامة (قدس
سره) وجماعة بالبيع للمشاركة في العلة المومأ إليها في قوله سبحانه تعالى (ذلك خير
لكم) (1) وإنما خص البيع بالذكر لأن فعله كان أكثريا لأنهم كانوا يهبطون إلى

(1) سورة الجمعة الآية 9.
174

المدينة من سائر القرى لأجل البيع والشراء. وأيضا فإن ظاهر الآية يقتضي
وجوب السعي بعد النداء على الفور لا من جهة الأمر لعدم دلالته على الفورية كما
تقرر في الأصول بل من جهة أن الأمر بترك البيع والسعي إلى الصلاة قرينة إرادة
المسارعة فيكون كل ما نافاها كذلك.
أقول: ويعضد ذلك رواية السري المتقدمة (1) وإن كانت بلفظ الكراهة
إلا أنك قد عرفت أن حملها على التحريم غير بعيد وقد دلت على كراهة السعي في
الحوائج الذي هو أعم من العقود أيضا كما ذهب إليه بعضهم في المقام.
وقال المحقق في المعتبر: وهل يحرم غير البيع من العقود؟ الأشبه في
المذهب لا خلافا لطائفة من الجمهور (2) لاختصاص النهي بالبيع فلا يتعدى إلى غيره
واستشكله العلامة في جملة من كتبه نظرا إلى العلة المومأ إليها في الآية كما قدمنا
ذكره ومن ثم مال في جملة من كتبه إلى الالحاق بالبيع، وظاهره في المدارك الميل
إلى ذلك، والظاهر أنه هو المشهور بين المتأخرين.
وقال في الذكرى: ولو حملنا البيع على المعاوضة المطلقة الذي هو معناه الأصلي
كان مستفادا من الآية تحريم غيره. ويمكن تعليل التحريم بأن الأمر بالشئ
يستلزم النهي عن ضده ولا ريب أن السعي مأمور به فيتحقق النهي عن كل ما ينافيه
من بيع وغيره وهذا أولى، وعلى هذا يحرم غير العقود من الشواغل عن السعي. انتهى
وأورد عليه أما بالنسبة إلى الأولى فإن حمل البيع على مطلق المعاوضة على
الأعيان والمنافع خلاف المعنى الشرعي والعرفي. وعلى الثاني أنه خلاف ما ذهب
إليه في مواضع من كتابه من أن الأمر بالشئ لا يقتضي النهي عن ضده الخاص.
أقول: والحق في المقام أن يقال إن المسألة لما كانت خالية من النص الصريح
كان الاحتياط فيها واجبا وهو في جانب القول بالتحريم ويخرج ما ذكرناه من الوجوه

(1) ص 163
(2) المغني ج 2 ص 298 وعمدة القارئ ج 3 ص 282.
175

المتقدمة الدالة على التحريم شاهدا. والله العالم.
الثالث - لو كان أحد المتعاقدين ممن لا يجب عليه السعي ففي التحريم عليه
خلاف فذهب جمع من المتأخرين إلى التحريم وآخرون إلى الجواز بالنسبة إليه وإن
حرم بالنسبة إلى الآخر، وإلى الثاني ذهب المحقق وفاقا للشيخ حيث أنه كرهه.
حجة الأولين أنه معاونة على الحرام وقد نهى سبحانه عنها بقوله:
(ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) (1).
وقال في الذكرى: لو كان أحد المتبايعين ممن لا يخاطب بالسعي كان سائغا بالنظر
إليه حراما بالنظر إلى من يجب عليه السعي، وقال الشيخ: يكره للأول لأنه إعانة
على الفعل المحرم. وقال الفاضل التعليل يقتضي التحريم لقوله تعالى (ولا تعاونوا
على الإثم والعدوان) (2) ثم قوى التحريم عليه أيضا وهو قوي. انتهى.
أقول: والكلام في هذه المسألة كما في سابقتها فإنها عارية عن النص والاحتياط
فيها مطلوب لما عرفت.
الرابع - لو أوقع البيع في الحال المنهي عنه فهل ينعقد البيع وإن أثم
أو يبطل؟ قولان مبنيان على أن النهي في غير العبادات هل يقتضي الفساد أم لا؟
فذهب العلامة وجملة من الأصحاب - والظاهر أنه المشهور بين المتأخرين - إلى انعقاده
بناء على ما تقرر عندهم في الأصول من أن النهي في غير العبادات لا يقتضي الفساد
ونقله الشيخ عن بعض الأصحاب، وذهب جمع من الأصحاب: منهم - الشيخ في
المبسوط والخلاف وابن الجنيد إلى عدم الانعقاد بناء على أن النهي مفسد مطلقا.
أقول: والتحقيق عندي في هذا المقام كما أودعناه في جملة من زبرنا سابقا
على هذا الكتاب هو أن يقال لا يخفى أن القاعدة التي بنوا عليها الكلام في المقام
من أن النهي في غير العبادات لا يقتضي الفساد وإن اشتهرت وتكررت في كلامهم
وتداولتها رؤوس أقلامهم إلا أنا نرى كثيرا من عقود المعاملات قد حكموا ببطلانها

(1) سورة المائدة الآية 3.
(2) سورة المائدة الآية 3.
176

من حيث النهي الوارد عنها في الروايات، ومن تتبع كتاب البيع وكتاب النكاح
عثر على كثير منها وذلك كبيع الخمر والخنزير والعذرة وبيع الغرر ونحو ذلك،
والعقد على أخت الزوجة وابنتها وأمها ونحو ذلك، وما ذكروه من القاعدة المشار
إليها اصطلاح أصولي لا تساعد عليه الأخبار بحيث يكون أصلا كليا وقاعدة مطردة
بل المفهوم منها كون الأمر كذلك في بعض وبخلافه في آخر كما أشرنا إليه.
ويخطر بالبال في الجمع بين الأخبار المتصادمة في هذا المجال أن يقال إن النهي
الواقع في الأخبار كان باعتبار عدم قابلية المعقود عليه للدخول تحت مقتضى
العقد فإنه يبطل العقد رأسا كالأشياء التي ذكرناها، فإن الظاهر أن النهي عنها إنما
وقع من حيث عدم قابليتها للانتقال إلى ما أريد نقلها إليه. وإن كان لا كذلك بل
باعتبار أمر خارج من زمان أو مكان أو قيد خارج أو نحو ذلك مما لا مدخل له في
أصل العوضين فالحكم فيه ما ذكروه من صحة العقد وإن حصل الإثم باعتبار مخالفة
النهي، ومنه البيع وقت النداء فإن النهي عنه وقع من حيث الزمان فيقال بصحة
البيع حينئذ لعدم تعلق النهي بذات شئ من العوضين باعتبار عدم قابليته للعوضية
وإنما وقع باعتبار أمر خارج عن ذلك وإن أثم باعتبار إيقاعه في ذلك الزمان
المنهي عن الايقاع فيه.
ويؤيد هذا التفصيل بعد أن هجر بالفكر الكليل والذهن العليل ما وقفت
عليه في كلام شيخنا الشهيد الثاني (أعلى الله مرتبته ونور تربته) في كتاب المسالك
في مسألة العقد على بنت الأخ أو الأخت وادخالها على العمة والخالة واختيارهما في
فسخه حيث أنه قال: قيل في المسألة المذكورة ببطلان العقد. وقيل بالصحة وأن
للعمة والخالة الخيار في فسخه وعدمه. وقد استدل القائل بالبطلان بالنهي عنه
ورده في المسالك بأن النهي لا يدل على الفساد في المعاملات. ثم قال بعد ذلك:
(فإن قيل) النهي في المعاملات وأن لم يدل على الفساد بنفسه لكنه إذا دل على
عدم صلاحية المعقود عليها للنكاح فهو دال على الفساد من هذه الجهة كالنهي عن
177

نكاح الأخت وكالنهي عن بيع الغرر، والنهي في محل النزاع من هذا القبيل
(قلنا) لا نسلم دلالته هنا على عدم صلاحية المعقود عليها للنكاح فإنها عند الخصم
صالحة له ولهذا صلحت مع الإذن بخلاف الأخت وبيع الغرر فإنها لا يصلحان
أصلا، وصلاحية الأخت على بعض الوجوه كما لو فارق الأخت لا يقدح لأنها
حينئذ ليست أخت الزوجة بخلاف بنت الأخت ونحوها فإنها صالحة للزوجية مع
كونها بنت أخت الزوجة، والأخبار قد دلت على النهي عن تزويجها وقد عرفت
أنه لا يدل على الفساد، فصار النهي عن هذا التزويج من قبيل ما حرم لعارض كالبيع وقت
النداء لا لذاته، والعارض هو عدم رضا الكبيرة فإذا لحقه الرضا زال النهي. انتهى
وقد ظهر منه ما ذكرناه من التفصيل باعتبار رجوع النهي تارة إلى
المعقود عليه من حيث عدم صلاحيته للدخول تحت مقتضى العقد فيكون العقد
لذلك فاسدا وتارة من حيث أمر خارج فلا يلزم الفساد، ومنه ما نحن فيه
من مسألة البيع بعد النداء ومسألة بنت الأخ والأخت كما اختاره (قدس سره)
فإن النهي إنما وقع باعتبار أمر خارج هو الزمان في الأول وعدم رضا العمة والخالة
في الثاني، وحينئذ فيكون العقد صحيحا في الأول وإن أثم وفي الثاني صحيحا مراعى
بالرضا وعدمه. والله العالم.
(المسألة الثالثة) - قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن
الأذان الثاني يوم الجمعة بدعة.
وقد وقع الخلاف هنا في موضعين: الأول - في أنه هل يكون حراما
لكونه بدعة أو مكروها؟ فقال الشيخ في المبسوط إنه مكروه وتبعه المحقق في
المعتبر، وذهب ابن إدريس إلى الأول وهو المشهور بين المتأخرين.
احتج القائلون بالتحريم بأن الاتفاق واقع على أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يفعله ولا
أمر بفعله وهو عبادة يتوقف فعلها على المشروعية وإذا لم يشرع كان بدعة كالأذان
178

للنافلة وروي أن أول من فعله عثمان (1) ونقل عن الشافعي أنه قال ما فعله النبي
(صلى الله عليه وآله وأبو بكر وعمر أحب إلي (2) وقيل إن أول من فعله معاوية (3).
واحتجوا أيضا برواية حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه (عليهما
السلام) (4) قال: (الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة) وسمي ثالثا بالنسبة إلى الأذان والإقامة الموظفين.
قال في المعتبر: الأذان الثاني بدعة وبعض أصحابنا يسميه الثالث لأن النبي (صلى الله عليه وآله)
شرع للصلاة أذانا وإقامة فالزيادة ثالث على تربيت الاتفاق، وسميناه ثانيا لأنه
يقع عقيب الأذان الأول وما بعده يكون إقامة والتفاوت لفظي، فمن قال بأنه بدعة
احتج برواية حفص بن غياث: ثم ذكر الرواية ثم قال لكن حفص المذكور ضعيف
وتكرار الأذان غير محرم لأنه ذكر يتضمن التعظيم للرب لكن حيث لم يفعله النبي
(صلى الله عليه وآله) ولم يأمر به كان أحق بوصف الكراهية وبه قال الشيخ في المبسوط. وقيل أول

(1) في البخاري باب الأذان يوم الجمعة عن السائب بن يزيد (كان النداء يوم الجمعة
أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وآله وأبي بكر وعمر فلما كان عثمان وكثر
الناس زاد النداء الثالث على الزوراء) وفي عمدة القارئ ج 3 ص 290 عن سليمان بن
موسى أول من زاد الأذان بالمدينة عثمان وعن ابن عمر الأذان الأول بدعة وعن الزهري
أول من أحدث الأذان الأول عثمان يؤذن لأهل السوق وعن معاذ بن عمر لما كانت خلافة
عمر وكثر المسلمون أمر مؤذنين أن يؤذنا للناس بالجمعة خارجا عن المسجد حتى يسمع
الناس الأذان وأمر أن يؤذن بين يديه كما كان يفعل المؤذن بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وبين يدي أبي بكر ثم قال عمر أما الأذان الأول فنحن ابتدعناه لكثرة المسلمين فهو سنة
من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ماضية. وقيل أول من أحدث الأذان الأول بمكة الحجاج
وبالبصرة زياد، وإنما سمي ثالثا باعتبار عدد الإقامة لأنها اعلام مثله.
(2) في الأم للشافعي ج 1 ص 173 (الأمر الذي على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحب إلي)
(3) الأم للشافعي ج 1 ص 173.
(4) الوسائل الباب 49 من صلاة الجمعة.
179

من فعل ذلك عثمان وقال عطاه أول من فعله معاوية (1) قال الشافعي: ما فعله النبي
(صلى الله عليه وآله) وأبو بكر وعمر أحب إلى (2) انتهى كلامه زيد مقامه.
وأنت خبير بما فيه من الوهن الذي لا يخفى على الفطن النبيه فإن مجرد كون
الأذان ذكر يتضمن التعظيم لا يوجب المشروعية فإن الصلاة أيضا كذلك مع أنه
لو صلى انسان فريضة أو نافلة زائدة على الموظف شرعا بقصر أنها مستحبة أو واجبة
في هذا الزمان أو المكان أو على كيفية مخصوصة لم يرد بها الشرع فإنه لا خلاف في
البدعية والتشريع وأنه فعل محرما، ولهذا خرجت الروايات بتحريم صلاة
الضحى (3) مع أنها عبادة تتضمن التعظيم لكن لما اقترنت بقصر التوظيف في هذا
الوقت مع عدم ثبوته شرعا حصلت البدعية والتحريم فيها، وحينئذ فهذا الأذان
الثاني كذلك، وعدم فعل النبي صلى الله عليه وآله ولا أمره به مما يوجب التحريم كما قدمنا ذكره
لا الكراهة، وبالجملة فإن كلامه (قدس سره) هنا غير موجه كما عرفت.
وأما رده رواية حفص بضعف الراوي فقال في الذكرى بأنه لا حاجة إلى
الطعن في السند مع قبول الرواية للتأويل وتلقى الأصحاب لها بالقبول، بل الحق
أن لفظ البدعة غير صريح في التحريم فإن المراد بالبدعة ما لم يكن في عهد النبي
صلى الله عليه وآله ثم تجدد بعده وهو ينقسم إلى محرم ومكروه. انتهى.
وفيه أن الظاهر المتبادر من لفظ البدعة سيما بالنسبة إلى العبادات إنما هو
المحرم، ولما رواه الشيخ عن زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل عن الصادقين (عليهما
السلام) (4) (أن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها إلى النار).
وبالجملة فالأظهر كما عرفت هو التحريم، وأما رواية حفص فإنه يحتمل
حمل الثالث فيها على الأذان الواقع للعصر كما ذكره بعض أفاضل متأخري المتأخرين.

(1) الأم للشافعي ج 1 ص 173.
(2) الأم للشافعي ج 1 ص 173.
(3) الوسائل الباب 31 من أعداد الفرائض ونوافلها
(4) الوسائل الباب 10 من أبواب نافلة شهر رمضان.
180

الثاني - في تفسير الأذان الثاني فقيل هو ما وقع ثانيا بالزمان بعد أذان آخر
واقع في الوقت من مؤذن واحد أو قاصد كونه ثانيا سواء كان بين يدي الخطيب
أو على المنارة أو غيرهما.
وقيل ما وقع ثانيا بالزمان والقصد لأن الواقع أولا هو المأمور به والمحكوم
بصحته فيكون التحريم متوجها إلى الثاني.
وقيل إنه ما لم يكن بين يدي الخطيب لأنه الثاني باعتبار الاحداث سواء وقع
أولا أو ثانيا بالزمان:
لما رواه الشيخ عن عبد الله بن ميمون عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال:
(كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتى يفرغ المؤذنون).
ورد بضعف سند الرواية ومعارضتها بحسنة محمد بن مسلم أو صحيحته
قال: (سألته عن الجمعة فقال أذان وإقامة يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر..
الحديث) وهو صريح في استحباب الأذان قبل صعود الإمام المنبر فيكون
المحدث غيره.
وقال ابن إدريس الأذان الثاني ما يفعل بعد نزول الإمام مضافا إلى الأذان
الذي عند الزوال. وهو غريب فإنه لم يقل أحد ولا ورد خبر بالأذان بعد نزول الإمام
أقول: قال شيخنا أمين الاسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان في تفسير
قوله تعالى (إذا نودي..) (3) أي إذا أذن لصلاة الجمعة وذلك إذا جلس الإمام
على المنبر يوم الجمعة، وذلك لأنه لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله نداء سواه، قال
السائب بن يزيد كان لرسول الله صلى الله عليه وآله مؤذن واحد بلال فكان إذا جلس على المنبر
أذن على باب المسجد فإذا نزل أقام للصلاة ثم كان أبو بكر وعمر كذلك حتى إذا كان

(1) الوسائل الباب 28 من صلاة الجمعة.
(2) الوسائل الباب 6 و 25 من صلاة الجمعة.
(3) سورة الجمعة الآية 9.
181

عثمان وكثر الناس وتباعدت المنازل زاد أذانا فأمر بالتأذين الأول على سطح دار له
بالسوق يقال لها الزوراء وكان يؤذن له عليها فإذا جلس عثمان على المنبر أذن مؤذنه
فإذا نزل أقام للصلاة فلم يعب ذلك عليه (1) انتهى.
وفيه دلالة على أن المراد بالثاني هو ما لم يكن بين يدي الخطيب بعد صعوده
المنبر لأنه هو المسنون الموظف فما عداه تقدم أو تأخر يكون بدعة كما هو القول
الثالث من الأقوال المتقدمة.
وأما الإيراد عليه بمضمرة محمد بن مسلم وأن رواية القداح ضعيفة ففيه
أن اشتهار الحكم بين الخاصة والعامة (2) بمضمون الرواية المذكورة جابر لضعفها
بناء على القول بهذا الاصطلاح المحدث. وأما مضمرة محمد بن مسلم فتحمل على
الرخصة. والله العالم.
(المسألة الرابعة) إذا لم يكن إمام الجمعة ممن يصح الاقتداء به تخير المكلف متى
ألجأته التقية والضرورة إلى الصلاة معه بين الصلاة قبل الفريضة ثم يصلي معه نافلة
وبين أن يصلي معه ثم يتمها بركعتين بعد فراغه وفي الأفضل منهما تردد.
ومما يدل على الأول من الأخبار ما رواه الشيخ في التهذيب عن أبي بكر
الحضرمي (3) قال: (قلت لأبي جعفر (ع) كيف تصنع يوم الجمعة؟ قال كيف تصنع
أنت؟ قلت أصلي في منزلي ثم أخرج فأصلي معهم. قال كذلك أصنع أنا).
وعن عبد الله به سنان في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) قال: (ما من

(1) البخاري باب الأذان يوم الجمعة وباب التأذين عند الخطبة والأم للشافعي ج 1
ص 173 وسنن أبي داود ج 1 ص 285 وسنن النسائي ج 1 ص 207 وسنن ابن ماجة
ج 1 ص 348 وسنن البيهقي ج 1 ص 192 وفيها هكذا (فثبت الأمر على ذلك) وفي
بعضها (فثبت حتى الساعة) وربما كان (فلم يعب ذلك عليه) نقلا بالمضمون.
(2) ارجع إلى التعليقة 3 ص 110.
(3) الوسائل الباب 29 من صلاة الجمعة
(4) الوسائل الباب 6 من صلاة الجماعة عن الصدوق.
182

عبد يصلي في الوقت ويفرغ ثم يأتيهم ويصلى معهم وهو على وضوء إلا كتب الله له
خمسا وعشرين درجة).
ومما يدل على الثاني ما رواه في الكافي عن حمران بن أعين قال: (قلت
لأبي جعفر (ع) جعلت فداك إنا نصلي مع هؤلاء يوم الجمعة وهم يصلون في الوقت
فكيف نصنع؟ فقال صلوا معهم. فخرج حمران إلى زرارة فقال له قد أمرنا أن
نصلي معهم بصلاتهم فقال زرارة ما يكون هذا إلا بتأويل. فقال له حمران قم حتى
تسمع منه قال فدخلنا عليه فقال له زرارة جعلت فداك إن حمران زعم أنك أمرتنا
أن نصلي معهم فأنكرت ذلك؟ فقال لنا: كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يصلي
معهم الركعتين فإذا فرغوا قام فأضاف إليهما ركعتين).
وما رواه في التهذيب في الحسن أو الموثق عن زرارة عن حمران قال:
(قال لي أبو عبد الله (ع) إن في كتاب علي (ع) إذا صلوا الجمعة في وقت فصلوا
معهم، قال زرارة قلت له هذا ما لا يكون، اتقاك، عدو الله اقتدى به؟ قال حمران
كيف اتقاني وأنا لم أسأله هو الذي ابتدأني وقال في كتاب علي (ع) إذا صلوا الجمعة
في وقت فصلوا معهم كيف يكون في هذا منه تقية؟ قال قلت قد اتقاك وهذا مما لا يجوز
حتى قضى إنا اجتمعنا عند أبي عبد الله (ع) فقال له حمران أصلحك الله حدثت هذا
الحديث الذي حدثني به أن في كتاب علي (ع) إذا صلوا الجمعة في وقت فصلوا معهم
فقال هذا ما لا يكون، عدو الله فاسق لا ينبغي لنا أن نقتدي به ولا نصلي معه.
فقال أبو عبد الله (ع) في كتاب علي (ع) إذا صلوا الجمعة في وقت فصلوا معهم ولا
تقومن من مقعدك حتى تصلي ركعتين أخريين. قلت فأكون قد صليت أربعا لنفسي
لم اقتد به؟ فقال نعم. فسكت وسكت صاحبي ورضينا.
وفي الصحيح أو الحسن عن زرارة (3) قال: (قلت لأبي جعفر (ع) إن

(1) الوسائل الباب 29 من صلاة الجمعة.
(2) التهذيب ج؟ ص 253 وفي الوسائل الباب 29 من صلاة الجمعة.
(3) الوسائل الباب 29 من صلاة الجمعة.
183

أناسا رووا عن أمير المؤمنين (ع) أنه صلى أربع ركعات بعد الجمعة لم يفصل بينهن
بتسليم؟ فقال يا زرارة إن أمير المؤمنين (ع) صلى خلف فاسق فلما سلم وانصرف قام
أمير المؤمنين (ع) فصلى أربع ركعات لم يفصل بينهن بتسليم فقال له رجل إلى جنبه
يا أبا الحسن صليت أربع ركعات لم تفصل بينهن بتسليم فقال إنهن أربع ركعات
مشبهات فسكت، فوالله ما عقل ما قال له وهذا الخبر يدل على وجه ثالث وهو
الاتيان بالفرض بعد الصلاة معهم نافلة.
هذا، وظاهر خبري حمران المذكورين الإشارة إلى صحة القاعدة المشهورة في
كلام الأصحاب من حمل المطلق على المقيد وتقييده به، حيث إنه أخبره أولا بما
يدل على جواز الصلاة معهم مطلقا وظاهره صحة الاقتداء بهم كما توهمه حمران ثم
بعد المراجعة أخبرهم بالمخصص وهو أنه لا يقوم من مقامه حتى يضيف إليها ركعتين
أخريين، فدل على اختصاص جواز الصلاة معهم بهذا الوجه.
ونحو هذين الخبرين في ذلك ما رواه في الكافي والتهذيب عن الحسن بن
الجهم (1) قال: (سألت أبا الحسن (ع) عن رجل مات.. إلى أن قال: قلت
ما تقول في الصبي لأمه إن تحلل؟ قال نعم إن كان لها ما ترضيه أو تعطيه. قلت فإن لم
يكن لها؟ قال فلا. قلت فقد سمعتك تقول إنه يجوز تحليلها؟ فقال إنما أعني بذلك إذا
كان لها) ونحو ذلك في الأخبار كثير يقف عليه المتتبع. والله العالم.
(المسألة الخامسة) في آداب الجمعة وما يستحب في يومها، ومنها - الغسل
في هذا اليوم وقد تقدم الكلام فيه في كتاب الطهارة في باب الأغسال منقحا موضحا.
ومنها - التنفل في هذا اليوم وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) هنا
لاختلاف الأخبار في مواضع:
الأول - في عدد النوافل فالمشهور أنها عشرون ركعة، وقلا ابن الجنيد إنها
اثنتان وعشرون ركعة، وقال الصدوقان زيادة الأربع الركعات للتفريق فإن قدمت

(1) الوسائل الباب 4 من الضمان.
184

النوافل وأخرتها فهي ست عشرة ركعة.
والواجب نقل الأخبار المتعلقة بذلك ليعلم بذلك مستند هذه الأقوال، فمنها
ما رواه الشيخ في الصحيح عن يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح (ع) (1) قال:
(سألته عن التطوع في يوم الجمعة قال إذا أردت أن تتطوع في يوم الجمعة في غير سفر
صليت ست ركعات ارتفاع النهار وست ركعات قبل نصف النهار وركعتين إذا زالت
الشمس قبل الجمعة وست ركعات بعد الجمعة).
وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر في الصحيح عن محمد بن عبد الله (2) قال:
(سألت أبا الحسن (ع) عن التطوع يوم الجمعة فقال ست ركعات في صدر النهار
وست ركعات قبل الزوال وركعتان إذا زالت وست ركعات بعد الجمعة، فذلك عشرون
ركعة سوى الفريضة ورواه في الإستبصار (3) عن ابن أبي نصر قال: (سألت
أبا الحسن... الحديث).
واحتمال سقوط محمد بن عبد الله من هذا السند قائم كما أن احتمال زيادته في
ذلك السند قائم أيضا إلا أن الأمر في ذلك هين عندنا بل عند جملة من أهل هذا
الاصطلاح حيث إن الطريق إلى ابن أبي نصر صحيح مع كونه ممن اجتمعت العصابة
على تصحيح ما يصح عنه وموافقة هذا الخبر لصحيح يعقوب المتقدم.
وما رواه في الكافي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (4) قال: (قال أبو الحسن

(1) الوسائل الباب 11 من صلاة الجمعة
(2) التهذيب ج 1 ص 323 وفي الوسائل الباب 11 من صلاة الجمعة
(3) ج 1 ص 410 الطبع الحديث وفيه (إذا زالت الشمس)
(4) الوسائل الباب 11 من صلاة الجمعة. ورواه الشيخ في التهذيب ج 1 ص 248
عن الكليني هكذا: (الصلاة النافلة يوم الجمعة ست ركعات صدر النهار وركعتان إذا زالت
الشمس ثم صل الفريضة ثم صل بعدها ست ركعات) وفي الإستبصار ج 1 ص 409 الطبع
الحديث رواه هكذا: (الصلاة النافلة يوم الجمعة ست ركعات صدر النهار وست ركعات عند
ارتفاعه وركعتان إذا زالت الشمس ثم تصلي الفريضة ثم صل بعدها ست ركعات).
185

(ع) صلاة النافلة يوم الجمعة ست ركعات بكرة وست ركعات صدر النهار وركعتان
إذا زالت الشمس ثم صل الفريضة وصل بعدها ست ركعات) وفي الفقيه (1) نسب
مضمون هذا الحديث إلى رسالة أبيه إليه، وزاد: وفي نوادر أحمد بن محمد بن عيسى
(وركعتين بعد العصر).
وعن مراد بن خارجة (2) قال: (قال أبو عبد الله (ع) أما أنا فإذا كان يوم
الجمعة وكانت الشمس من المشرق بمقدارها من المغرب في وقت صلاة العصر صليت
ست ركعات فإذا انتفخ النهار صليت ستا فإذا زاغت أو زالت صليت ركعتين ثم
صليت الظهر ثم صليت بعدها ستا) أقول: النفخ كناية عن ارتفاع النهار يعني
وقت الضحى، يقال انتفخ النهار إذا علا.
وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب حريز (3) قال:
(قال أبو بصير قال أبو جعفر (ع) إن قدرت يوم الجمعة أن تصلي عشرين ركعة
فافعل ستا بعد طلوع الشمس وستا قبل الزوال إذا تعالت الشمس - وافصل بين كل
ركعتين من نوافلك بالتسليم - وركعتين قبل الزوال وست ركعات بعد الجمعة).
وروى الشيخ في كتاب المجالس بسنده عن زريق عن أبي عبد الله (ع) (4)
قال (كان أبو عبد الله (ع) ربما يقدم عشرين ركعة يوم الجمعة في صدر النهار فإذا كان
عند زوال الشمس أذن وجلس جلسة ثم أقام وصلى الظهر وكان لا يرى صلاة عند
الزوال إلا الفريضة ولا يقدم صلاة بين يدي الفريضة إذا زالت الشمس وكان يقول
هي أول صلاة فرضها الله تعالى على العباد صلاة الظهر يوم الجمعة مع الزوال.

(1) ج 1 ص 267 و 268.
(2) الوسائل الباب 11 من صلاة الجمعة. وفي التهذيب ج 1 ص 248 رواه عنه
هكذا (ارتفع) بدل (انتفخ). وفي الإستبصار ج 1 ص 410 الطبع الحديث والفروع
ج 1 ص 119 (فإذا زاغت الشمس أو زالت)
(3) الوسائل الباب 11 من صلاة الجمعة.
(4) الوسائل الباب 13 من صلاة الجمعة.
186

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لكل صلاة أول وآخر لعلة يشغل سوى صلاة الجمعة وصلاة
المغرب وصلاة الفجر وصلاة العيدين فإنه لا يقدم بين يدي ذلك نافلة. قال وربما
كان يصلي يوم الجمعة ست ركعات إذا ارتفع النهار وبعد ذلك ست ركعات أخر
وكان إذا ركدت الشمس في السماء قبل الزوال أذن وصلى ركعتين فما يفرغ إلا مع
الزوال ثم يقيم للصلاة فيصلي الظهر ويصلي بعد الظهر أربع ركعات ثم يؤذن ويصلي)
ركعتين ثم يقيم ويصلي العصر.
أقول: ما اشتمل عليه هذا الخبر من تقدم الأذان على الزوال وصلاة
ركعتين غريب مخالف للأخبار وكلام الأصحاب وكذا الأذان للعصر في يوم الجمعة.
وروى الصدوق في كتاب العلل عن الفضل بن شاذان عن الرضا (ع) (1)
قال: (إنما زيد في صلاة السنة يوم الجمعة أربع ركعات تعظيما لذلك اليوم وتفرقة
بينه وبين سائر الأيام).
أقول: هذا ما وقعت عليه من الأخبار الدالة على العشرين كما هو
القول المشهور.
وأما ما يدل على أنها ست عشرة فمنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن سليمان
ابن خالد (2) قال: (قلت لأبي عبد الله (ع) النافلة يوم الجمعة؟ قال ست ركعات قبل
زوال الشمس وركعتان عند زوالها، والقراءة في الأولى بالجمعة وفي الثانية بالمنافقين
وبعد الفريضة ثمان ركعات).
وعن سعيد الأعرج في الصحيح (3) قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن
صلاة النافلة يوم الجمعة فقال ست عشرة ركعة قبل العصر ثم قال وكان علي (ع)
يقول ما زاد فهو خير. وقال إن شاء رجل أن يجعل منها ست ركعات في صدر
النهار وست ركعات نصف النهار ويصلي الظهر ويصلي معها أربعة ثم يصلي العصر).
وأما ما يدل على أنها اثنتان وعشرون ركعة فهو ما رواه الشيخ في الصحيح

(1) الوسائل الباب 11 من صلاة الجمعة.
(2) الوسائل الباب 11 من صلاة الجمعة.
(3) الوسائل الباب 11 من صلاة الجمعة.
187

عن سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (ع) (1) قال: (سألته عن
الصلاة يوم الجمعة كم ركعة هي قبل الزوال؟ قال ست ركعات بكرة وست بعد ذلك
اثنتا عشرة ركعة، وست ركعات بعد ذلك، ثماني عشرة ركعة، وركعتان بعد
الزوال، فهذه عشرون ركعة، وركعتان بعد العصر، فهذه اثنتان وعشرون ركعة).
قال في المعتبر: وهذه الرواية انفردت بزيادة ركعتين وهي نادرة. وقد تقدم
كلام الفقيه نقلا عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسى بزيادة ركعتين بعد العصر زيادة
على العشرين المذكورة في حديثه وهو مؤيد لهذه الرواية.
وأما ما يدل على ما ذكره الصدوقان من التفصيل المتقدم نقله عنهما من أنه
مع التفريق يصلي عشرون ومع الجمع في وقت واحد يصلي ست عشرة ركعة فهو
مأخوذ مما ذكره الرضا (ع) في كتاب الفقه (2) حيث قال: لا تصل يوم الجمعة
بعد الزوال غير الفرضين والنوافل قبلهما أو بعدهما... وفي نوافل يوم الجمعة زيادة
أربع ركعات يتمها عشرين ركعة يجوز تقديمهما في صدر النهار وتأخيرها إلى بعد
صلاة العصر... فإن استطعت أن تصلي يوم الجمعة إذا طلعت الشمس ست ركعات
وإذا انبسطت ست ركعات وقبل المكتوبة ركعتين وبعد المكتوبة ست ركعات
فافعل، فإن صليت نوافلك كلها يوم الجمعة قبل الزوال أو أخرتها إلى بعد المكتوبة
أجزأك وهي ست عشرة ركعة، وتأخيرها أفضل من تقديمها، وإذا زالت الشمس
يوم الجمعة فلا تصل إلا المكتوبة.
بقي الكلام في الجمع بين هذه الأخبار المنقولة في المقام على وجه ويحصل به
الالتئام والانتظام، والظاهر أنه ليس إلا التخيير وحمل الزائد على الأقل على
الفضل والاستحباب كما يشير إليه قوله (ع) في صحيحة سعيد الأعرج بعد ذكر الست
عشرة ركعة (كان علي (ع) يقول ما زاد فهو خير).
الثاني - في وقت النوافل المذكورة فذهب الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف

(1) الوسائل الباب 11 من صلاة الجمعة
(2) ص 11 و 12.
188

والمصباح والشيخ المفيد في المقنعة وتبعهما جملة من المتأخرين إلى استحباب تقديم
نوافل الجمعة كلها على الفريضة بأن يصلي ستا عند انبساط الشمس وستا عند ارتفاعها
وستا قبل الزوال وركعتين بعد الزوال، وقال المفيد حين تزول تستظهر بهما في
تحقق الزوال، والظاهر من كلام السيد وابن أبي عقيل وابن الجنيد استحباب
ست منها بين الظهرين، ونقل عن الصدوق استحباب تأخير الجميع وليس في كلامه
ما يشير إليه كما ستطلع عليه إن شاء الله تعالى.
ولا بأس بنقل جملة من عبارات الأصحاب في الباب ليزول به الشك عن ما
نقلناه والارتياب فنقول:
قال السيد المرتضى (قدس سره): يصلي عند انبساط الشمس ست ركعات
فإذا انتفخ النهار وارتفعت الشمس صلى ستا فإذا زالت الشمس صلى ركعتين فإذا صلى
الظهر صلى بعدها ستا.
وقال الشيخ في النهاية: وتقدم نوافل الجمعة كلها قبل الزوال، هذا هو الأفضل
في يوم الجمعة خاصة، وإن صلى ست ركعات عند انبساط الشمس وست ركعات
عند ارتفاعها وركعتين عند الزوال وست ركعات بين الظهر والعصر لم يكن أيضا به
بأس، وإن أخر جميع النوافل إلى بعد العصر جاز له ذلك إلا أن الأفضل ما قدمناه
ومتى زالت الشمس ولم يكن قد صلى من نوافله شيئا أخرها إلى بعد العصر. وقال في
الخلاف: يستحب يوم الجمعة تقديم نوافل الظهر قبل الزوال.
وقال في المبسوط: تقديم النوافل يوم الجمعة خاصة قبل الزوال أفضل وفي
غيرها من الأيام لا يجوز، ويستحب أن يصلي ست ركعات عند انبساط الشمس
وست ركعات عند ارتفاعها وست ركعات إذا قرب من الزوال وركعتين عند الزوال
وإن فصل بين الفرضين بست ركعات على ما ورد به بعض الروايات (1) كان أيضا
جائزا، وإن أخر جميع النوافل إلى بعد العصر جاز أيضا غير أن الأفضل ما قلناه.

(1) الوسائل الباب 11 من صلاة الجمعة.
189

وقال الشيخ المفيد: وصل ست ركعات عند انبساط الشمس وستا عند
ارتفاعها وستا قبل الزوال وركعتين حين تزول تستظهر بهما في تحقق الزوال.
ثم قال في موضع آخر: وقت النوافل للجمعة في يوم الجمعة قبل الصلاة لا بأس
بتأخيرها إلى بعد العصر.
وقال ابن أبي عقيل: وإذا تعالت الشمس صلى ما بينها وبين الزوال أربع عشرة
ركعة فإذا زالت الشمس فلا صلاة إلا الفريضة ثم يتنفل بعدها بست ركعات ثم
يصلي العصر، كذلك فعله رسول الله (صلى الله عليه) وآله (1) فإن خاف الإمام إذا تنفل أن يتأخر
العصر عن وقت الظهر في سائر الأيام صلى العصر بعد الفراغ من الجمعة ثم يتنفل
بعدها بست ركعات، هكذا روي عن أمير المؤمنين (ع) (2) أنه ربما كان يجمع
بين صلاة الجمعة العصر ويصلي يوم الجمعة بعد طلوع الشمس وبعد العصر.
وقال أبو الصلاح: يستحب لكل مسلم تقديم دخول المسجد لصلاة النوافل
بعد الغسل ويلزم من حضره قبل الزوال أن يقدم النوافل عدا ركعتي الزوال فإذا
زالت الشمس صلاهما.
وقال ابن الجنيد: الذي يستحب عند أهل البيت (عليه السلام) من
نوافل الجمعة ست ركعات ضحوة النهار وست ركعات ما بين ذلك وبين انتصاف النهار
وركعتا الزوال وبعد الفريضة ثمان ركعات منها ركعتان نافلة العصر.
وقال ابن البراج: يصلي ست ركعات عند انبساط الشمس وستا عند ارتفاعها
وستا قبل الزوال وركعتين حين تزول الشمس استظهارا للزوال.
وقال الشيخ علي بن بابويه: فإن استطعت أن تصلي يوم الجمعة إذا طلعت الشمس
ست ركعات وإذا انبسطت ست ركعات وقبل المكتوبة ركعتين وبعد المكتوبة
ست ركعات فافعل، فإن قدمت نوافلك كلها في يوم الجمعة قبل الزوال أو أخرتها إلى
بعد المكتوبة فهي ست عشرة ركعة وتأخيرها أفضل من تقديمها. أقول: وهذه

(1) لم نقف في الأخبار بعد الفحص في مظانها على ما يدل على هذه النسبة.
(2) لم نقف في الأخبار بعد الفحص في مظانها على ما يدل على هذه النسبة.
190

عين عبارة الفقه الرضوي التي قدمناها.
وقال ابنه في المقنع: إن استطعت أن تصلي يوم الجمعة إذا طلعت الشمس
ست ركعات وإذا انبسطت ست ركعات وقبل المكتوبة ركعتين وبعد المكتوبة
ست ركعات فافعل، وإن قدمت نوافلك كلها يوم الجمعة قبل الزوال أو أخرتها إلى بعد
المكتوبة فهي ست عشرة ركعة، وتأخيرها أفضل من تقديمها في رواية زرارة بن
أعين، وفي رواية أبي بصير (1) تقديمها أفضل من تأخيرها. وهو كما ترى يرجع
إلى ما قدمناه من عبارة كتاب الفقه الرضوي أيضا إلا أنه (ع) حكم في الكتاب
بكون التأخير أفضل من التقديم وفي عبارة المقنع نسب أفضلية التأخير إلى رواية
زرارة وأفضلية التقديم إلى رواية أبي بصير. وهاتان الروايتان وإن لم تصلا إلينا
ولكن كفى بنقله لهما لأنه هو الصدوق في ما يقول.
ومما يدل على أفضلية التأخير ما رواه الشيخ عن عقبة بن مصعب (2) قال:
(سألت أبا عبد الله (ع) فقلت أيما أفضل أقدم ركعات يوم الجمعة أو أصليها بعد
الفريضة؟ فقال لا بل تصليها بعد الفريضة).
وعن سليمان بن خالد (3) قال: (قلت لا بي عبد الله (عليه السلام) أقدم يوم
الجمعة شيئا من الركعات؟ قال نعم ست ركعات. قلت فأيهما أفضل أقدم الركعات
يوم الجمعة أم أصليها بعد الفريضة؟ قال تصليها بعد الفريضة أفضل).
ومما يدل على أفضلية التقديم زيادة على رواية أبي بصير التي أشار إليها في
المقنع رواية زريق المتقدم نقلها عن كتاب مجالس الشيخ (4).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين (5) قال: (سألت أبا الحسن

(1) نقل في الوسائل هذه العبارة من المقنع في الباب 13 من صلاة الجمعة.
(2) الوسائل الباب 13 من صلاة الجمعة.
(3) الوسائل الباب 13 من صلاة الجمعة.
(4) ص 186.
(5) الوسائل الباب 11 من صلاة الجمعة.
191

(عليه السلام) عن النافلة التي تصلي يوم الجمعة قبل الجمعة أفضل أو بعدها؟ قال
قبل الصلاة).
والشيخ قد جمع بين هذه الأخبار بناء على ما ذهب إليه من أفضلية التقديم
بحمل الخبرين الأولين على ما إذا أدركه الوقت ولم يصلها بعد، وعلل الأفضلية في
خبر علي بن يقطين بأنه لا يأمن أن يخترم فيفوته ثواب النافلة. وهو جيد،
ويعضده استحباب الجمع بين الفرضين يوم الجمعة وعدم الفصل بالنافلة وكذا الأخبار
الدالة على أن وقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر الأيام (1).
الثالث - في وقت ركعتي الزوال هل هو حال الزوال كما تدل عليه التسمية
أم لا بل يكون قبله أو بعده؟ قولان ظاهر ما قدمناه من كلام السيد المرتضى وكلام
الشيخ في النهاية والمبسوط وكلام ابن الجنيد وأبي الصلاح هو الأول، وظاهر
كلام ابن أبي عقيل الثاني، وظاهر كلام الشيخ المفيد وابن البراج الأول أيضا مع
احتمال الحمل على الثاني بأن تكون صلاة الركعتين في موضع الشك في الزوال
وعدم تحققه.
ومما يدل على الأول من الروايات المتقدمة في المقام صحيحة يعقوب بن يقطين
ورواية محمد بن عبد الله ورواية أحمد بن محمد بن أبي نصر ومراد بن خارجة وصحيحة
سليمان بن خالد وصحيحة سعد بن سعد الأشعري.
وأما ما يدل على الثاني منها فرواية أبي بصير المنقولة من كتاب السرائر ورواية
زريق المنقولة عن كتاب مجالس الشيخ وكلامه (عليه السلام) في كتاب الفقه الرضوي
ومنها - صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) (2) قال:

(1) الوسائل الباب 8 و 9 من صلاة الجمعة
(2) تقدمت هذه الرواية ص 135 ولم يصفها بالصحة كما لم يصفها بذلك السبزواري
في الذخيرة عندما تعرض لها في وقت صلاة الجمعة في أول مبحث صلاة الجمعة وكذلك صاحب
المدارك، وقد تقدم في التعليقة 5 ص 135 تخريجها من قرب الإسناد حيث لم نجدها في الوافي
في مظانها وقد نقلها في الوسائل في الباب 11 من صلاة الجمعة من السرائر وقرب الإسناد
ولم نقف على نقلها من التهذيب كما هو ظاهره (قدس سره) في ما يأتي وكما هو ظاهر
صاحب الذخيرة حيث عدها في سياق روايات الشيخ.
192

(سألته عن الزوال يوم الجمعة ما حده؟ قال إذا قامت الشمس صل الركعتين فإذا
زالت الشمس فصل الفريضة).
وما رواه الشيخ عن عبد الله به عجلان (1) قال: (قال أبو جعفر (ع) إذا
كنت شاكا في الزوال فصل الركعتين وإذا استيقنت الزوال فصل الفريضة).
. ما رواه الكليني عن ابن أبي عمير (2) قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن
الصلاة يوم الجمعة فقال نزل بها جبرئيل (ع) مضيقة إذا زالت الشمس فصلها. قال
قلت إذا زالت الشمس صليت ركعتين ثم صليتها قال فقال أبو عبد الله (ع) أما أنا
إذا زالت الشمس لم أبدأ بشئ قبل المكتوبة) قال القاسم: وكان ابن بكير يصلي
الركعتين وهو شاك في الزوال فإذا استيقن الزوال بدأ بالمكتوبة في يوم الجمعة.
وعن ابن سنان (3) قال: (قال أبو عبد الله (ع) إذا زالت الشمس يوم
الجمعة فابدأ بالمكتوبة).
ومنها - ما رواه الشيخ في المتهجد عن محمد بن مسلم وما رواه فيه عن حريز (4)
وما رواه في التهذيب عن علي بن جعفر (5) غير الرواية المتقدمة، وما رواه عن
ابن أبي عمير في الصحيح (6) غير روايته المتقدمة، والكل قد تقدم في المقصد السادس
في الوقت من مقاصد المطلب الثاني.

(1) الوسائل الباب 11 من صلاة الجمعة وفي التهذيب ج 1 ص 248 والاستبصار
ج 1 ص 412 عبد الرحمن بدل عبد الله.
(2) الفروع ج 1 ص 117 وفي الوسائل الباب 8 من صلاة الجمعة.
(3) الوسائل الباب 8 من صلاة الجمعة
(4) ص 137.
(5) تقدمت ص 139 وظاهر كلامه أن الرواية المتقدمة من روايات التهذيب ويدل
عليه نقلها في ما يأتي من قرب الإسناد وقد تقدم في التعليقة 2 ص 192 بيان خلاف ذلك.
(6) تقدم ص 139.
193

ومنها - ما رواه في كتاب قرب الإسناد (1) عن عبد الله بن الحسن عن جده
علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال: (سألته عن الزوال يوم الجمعة ما حده؟
قال إذا قامت الشمس صل الركعتين فإذا زالت فصل الفريضة وإذا زالت الشمس قبل أن تصلي الركعتين فلا تصلهما وابدأ بالفريضة واقض الركعتين بعد الفريضة. قال:
وسألته عن ركعتي الزوال يوم الجمعة قبل الأذان أو بعده؟ قال قبل الأذان).
وما رواه في مستطرفات السرائر نقلا من جامع البزنطي عن عبد الكريم بن
عمرو بن سليمان بن خالد عن عبد الله (ع) (2) قال: (قلت له أيما أفضل أقدم
الركعتين يوم الجمعة أو أصليهما بعد الفريضة؟ قال تصليهما بعد الفريضة) وذكر
أيضا عن رجل أبي عبد الله (ع) (3) قال: (سألته عن الركعتين اللتين قبل
الزوال يوم الجمعة قال أما أنا فإذا زالت الشمس بدأت بالفريضة).
ويؤيد هذه الأخبار وجوه (أحدها) صراحتها في المدعى كما لا يخفى على من
أمعن النظر في مضامينها بخلاف تلك الأخبار فإنه من المحتمل قريبا حمل قولهم
(وركعتين إذا زالت) أي قارب زوالها وهو وقت قيامها أو الشك في الزوال فإن باب
المجاز واسع. و (ثانيها) الأخبار المتكاثرة بأن وقت الجمعة ساعة تزول وأنه مضيق
و (ثالثها) الأخبار الدالة على المنع من النافلة بعد دخول وقت الفريضة وهي
مستفيضة صحيحة صريحة كما قدمناها في بحث الأوقات (لا يقال) إنه يجوز تخصيصها
بهذه الأخبار الدالة على جواز هاتين الركعتين بعد الزوال (لا نا نقول) التخصيص
بها إنما يتم لو سلمت من المعارض ولا سيما مع ترجحه عليها بما ذكرنا.
و (رابعا) أنه الأوفق بالاحتياط في الدين.
وبالجملة فالأقرب عندي هو القول الثاني أما عرفت. والله العالم.
ومنها - المباكرة إلى المسجد للإمام وغيره لما رواه الكليني والشيخ في الصحيح

(1) ص 98 وفي الوسائل الباب 11 من صلاة الجمعة.
(2) الوسائل الباب 11 من صلاة الجمعة.
(3) الوسائل الباب 11 من صلاة الجمعة.
194

عن عبد الله بن سنان (1) قال: (أبو عبد الله (ع) فضل الله يوم الجمعة على غيره
من الأيام وإن الجنان لتزخرف وتزين يوم الجمعة لمن أتاها وإنكم تتسابقون إلى
الجنة على قدر سبقكم إلى الجمعة وإن أبواب أسماء لتفتح لصعود أعمال العباد).
وعن جابر (2) قال: (كان أبو جعفر (ع) يبكر إلى المسجد يوم الجمعة حين
تكون الشمس قدر رمح فإذا كان شهر رمضان يكون قبل ذلك، وكان يقول إن لجمع
شهر رمضان على جمع سائر الشهور فضلا كفضل شهر رمضان على سائر الشهور)
وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر (ع) (3) قال: (إذا كان يوم
الجمعة نزل الملائكة المقربون معهم قراطيس من فضة وأقلام من ذهب فيجلسون
على أبواب المساجد على كراسي من نور فيكتبون الناس على منازلهم الأول والثاني
حتى يخرج الإمام فإذا خرج الإمام طووا صحفهم، ولا يهبطون في شئ من الأيام إلا في
يوم الجمعة يعني الملائكة المقربين) ونحوه روى في الفقيه عن أبي جعفر (ع) مرسلا (4).
وما رواه الصدوق في كتاب الأمالي بسنده عن أمير المؤمنين (ع) (5) أنه قال: (إذا كان يوم الجمعة خرج أحلاف الشياطين يزينون أسواقهم ومعهم الروايات
وتقعد الملائكة على أبواب المساجد فيكتبون الناس على منازلهم حتى يخرج الإمام،
فمن دنا إلى الإمام وأنصت واستمع ولم يلغ كان له كفلان من الأجر: ومن تباعد
عنه فاستمع وأنصت ولم يلغ كان له كفل من الأجر، ومن دنا من الإمام ولغى
ولم يستمع كان عليه كفلان من الوزر، ومن قال لصاحبه (صه) فقد تكلم ومن

(1) الوسائل الباب 42 من صلاة الجمعة. والشيخ يرويه عن الكليني.
(2) الوسائل الباب 27 من صلاة الجمعة
(3) الوسائل الباب 27 من صلاة الجمعة. ونقل فيه أن الشيخ رواه عن الكليني
(4) الوسائل الباب 27 من صلاة الجمعة إلى قوله (طووا صحفهم).
(5) الوافي باب التبكير إلى الجمعة فإنه بعد نقل أخبار من الباب قال: (بيان الأخبار
في فضل الجمعة أكثر من أن تحصى) ثم ذكر عدة أخبار من الأمالي منها هذا الخبر.
195

تكلم فلا جمعة له. ثم قال علي (ع) هكذا سمعت نبيكم (صلى الله عليه وآله).
وعن جابر عن أبي جعفر (ع) (1) قال: (قلت له قول الله تعالى:
(فاسعوا إلى ذكر الله؟ قال قال: اعملوا وعجلوا فإنه يوم مضيق على المسلمين
فيه وثواب أعمال المسلمين فيه على قدر ما ضيق عليهم والحسنة والسيئة تضاعف
فيه. قال وقال أبو جعفر (ع) والله لقد بلغني أن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله كانوا يتجهزون
للجمعة يوم الخمسين لأنه يوم مضيق على المسلمين) إلى غير ذلك من الأخبار.
ومنها - التطيب ولبس افخر الثياب وتسريح اللحية وقلم الأظفار وأخذ
الشارب والخروج على سكينة ووقار والدعاء حال الخروج إلى الجمعة وكثرة الصلاة
على محمد وآله (صلوات الله عليهم) في ذلك اليوم:
روى ثقة الاسلام في الكافي عن هشام بن الحكم (2) قال: (قال أبو عبد الله
(ع) ليتزين أحدكم يوم الجمعة: يغتسل ويتطيب ويسرح لحيته ويلبس أنظف ثيابه
وليتهيأ للجمعة وليكن عليه في ذلك اليوم السكينة والوقار وليحسن عبادة ربه وليفعل
الخير ما استطاع فإن الله يطلع على الأرض ليضاعف الحسنات).
وعن زرارة في الصحيح أو الحسن (3) قال: (قال أبو جعفر (ع) لا تدع
الغسل يوم الجمعة فإنه سنة وشم الطيب والبس صالح ثيابك وليكن فراغك من الغسل
قبل الزوال فإذا زالت فقم وعليك السكينة والوقار).
وقال الرضا (ع) في كتاب الفقه الرضوي (4): وعليكم بالسنن يوم الجمعة وهي
سبعة: اتيان النساء وغسل الرأس واللحية بالخطمي وأخذ الشارب وتقليم الأظفار
وتغيير الثياب ومس الطيب، فمن أتى بواحدة من هذه السنن نابت عنهن وهي الغسل
وأفضل أوقاته قبل الزوال.
وقد قدمنا جملة من الأخبار المتعلقة بالغسل يوم الجمعة في فصل الأغسال من

(1) الوسائل الباب 31 من صلاة الجمعة. والرواية عن الكليني والشيخ
(2) الوسائل الباب 47 من صلاة الجمعة.
(3) الوسائل الباب 47 من صلاة الجمعة.
(4) ص 11.
196

كتاب الطهارة (1) وجملة من الأخبار في استحباب التطيب وأخذ الشارب وتقليم
الأظفار والنورة في آخر كتاب الطهارة (2).
وروى الشيخ في التهذيب (3) عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (ع) قال:
(ادع في العيدين ويوم الجمعة إذا تهيأت للخروج بهذا الدعاء: اللهم من تهيأ وتعبأ وأعد
واستعد الوفادة إلى مخلوق رجاء رفده طلب نائله وجوائزه وفواضله ونوافله فإليك
يا سيدي وفادتي وتهيئتي واعدادي واستعدادي رجاء رفدك وجوائزك
ونوافلك فلا تخيب اليوم رجائي يا من لا يخيب عليه سائل ولا ينقصه نائل، فإني لم
آتك اليوم بعمل صالح قدمته ولا شفاعة مخلوق رجوته ولكن أتيتك مقرا بالظلم
والإساءة لا حجة لي ولا عذر فأسألك يا رب أن تعطيني مسألتي وتقلبني برغبتي ولا
تردني مجبوها ولا خائبا يا عظيم يا عظيم يا عظيم أرجوك للعظيم أسألك يا عظيم أن
تغفر لي العظيم لا إله إلا أنت اللهم صل على محمد وآل محمد وارزقني خير هذا اليوم
الذي شرفته وعظمته وتغسلني فيه من جميع ذنوبي وخطاياي وزدني من فضلك
إنك أنت الوهاب.
وروى في الكافي عن عمر بن يزيد (4) قال: (قال لي أبو عبد الله (ع)
يا عمر إنه إذا كان ليلة الجمعة نزل من السماء ملائكة بعدد الذر في أيديهم أقلام الذهب
وقراطيس الفضة لا يكتبون إلى ليلة السبت إلا الصلاة على محمد وآل محمد فأكثر
منها. وقال يا عمران من السنة أن تصلي على محمد وأهل بيته في كل جمعة ألف مرة
وفي سائر الأيام مائة مرة).
وروى الصدوق في الفقيه في الصحيح عن عبد الله بن سنان عنه (ع) (5) قال:
(إذا كانت عشية الخميس ليلة الجمعة نزلت ملائكة من السماء معها أقلام الذهب وصحف

(1) ج 4 ص 217
(2) ج 5 ص 540 إلى 576
(3) ج 3 ص 142 الطبع الحديث وفي الوافي باب التبكير إلى الجمعة
(4) الوسائل الباب 43 من صلاة الجمعة.
(5) الوسائل الباب 43 من صلاة الجمعة.
197

الفضة لا يكتبون عشية الخميس وليلة ويوم الجمعة ويوم الجمعة إلى أن تغيب الشمس إلا
الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله.
وروى في الكافي عن عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله (ع) (1)
قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله أكثروا من الصلاة على في الليلة الغراء واليوم
الأزهر ليلة الجمعة ويوم الجمعة. فسئل إلى كم الكثير؟ فقال إلى مائة وما زادت
فهو أفضل).
وعن المفضل عن أبي جعفر (ع) (2) قال: (ما من شئ يعبد الله به يوم
الجمعة أحب إلى من الصلاة على محمد وآل محمد).
وعن سهل رفعه (3) قال قال: (إذا صليت يوم الجمعة فقل: اللهم صل على
محمد وآل محمد الأوصياء المرضيين بأفضل صلواتك وبارك عليهم بأفضل بركاتك
والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته. فإنه من قالها في دبر العصر كتب
الله له مائة ألف حسنة ومحا عنه مائة ألف سيئة وقضى له بها مائة ألف حاجة ورفع
له بها مائة ألف درجة).
وجملة من الأصحاب قد ذكروا في مستحبات يوم الجمعة حلق الرأس. وأنكر
جمع ممن تأخر عنهم الوقوف فيه على أثر، وعلله المحقق في المعتبر بأنه يوم اجتماع
الناس فيجتنب ما ينفر.
أقول: ويمكن الاستدلال على ذلك بما رواه في الفقيه مرسلا عن الصادق
(ع) قال: (إني لأحلق في كل جمعة في ما بين الطلية إلى الطلية والتقريب فيه أن
المتبادر من الحلق هو حلق الرأس، والحمل على حلق العانة بعيد لأن المستفاد من
الأخبار أنهم كانوا يطلونها بالنورة سيما مع ملازمتهم على النورة بعد ثلاثة أيام

(1) الوسائل الباب 43 من صلاة الجمعة
(2) الوسائل الباب 43 من صلاة الجمعة
(3) الفروع ج 1 ص 119 وفي الوسائل الباب 48 من صلاة الجمعة.
(4) الوسائل الباب 60 من آداب الحمام
198

ونحوها كما تقدم في الاستطابة من آخر كتاب الطهارة (1) فتكون العانة داخلة في
الطلية المذكورة في الخبر. والله العالم.
الفصل الثاني في صلاة العيدين
وهما اليومان المعلومان وأحدهما عيد وياؤه منقلبة عن (واو) لأنه مأخوذ
من العود إما لكثرة عوائد الله تعالى فيه عباده وأما لعود السرور والرحمة
بعوده، والجمع أعياد على غير القياس لأن حق الجمع رد الشئ إلى أصله، قيل
وإنما فعلوا ذلك للزوم الياء في مفرده أو للفرق بين جمعه وجمع عور الخشب.
وتفصيل الكلام في هذا المقام يقع في بحوث: الأول - في وجوبها وما يتبعه
وفيه مسائل:
الأولى - أجمع الأصحاب (رضوان الله عليهم) على وجوبها كما نقله جماعة:
منهم - المحقق والعلامة في جملة من كتبه، والأصل في ذلك مضافا إلى الاجماع
المذكور الكتاب والسنة، قال الله عز وجل: (قد أفلح من تزكى وذكر اسم
ربه فصلى) (2) فقد ذكر جمع من المفسرين في معنى هذه الآية أن المراد بالزكاة زكاة
الفطرة والصلاة صلاة العيد.
ويدل عليه من الأخبار ما رواه في الفقيه مرسلا (3) قال: (وسئل الصادق
(ع) عن قول الله عز وجل: قد أفلح من تزكى؟ قال من أخرج الفطرة. فقيل له
وذكر اسم ربه فصلى؟ قال خرج إلى الجبانة فصلى).
وروى حماد بن عيسى عن حريز عن أبي بصير وزرارة (4) قالا: (قال
أبو عبد الله (ع) أن من تمام الصوم اعطاء الزكاة يعني الفطرة كما أن الصلاة على النبي
(صلى الله عليه وآله) من تمام الصلاة لأنه من صام ولم يؤد الزكاة فلا صوم له تركها متعمدا ولا

(1) ج 5 ص 540
(2) سورة الأعلى الآية 14 و 15.
(3) الوسائل الباب 17 من صلاة العيد
(4) الوسائل الباب 1 من زكاة الفطرة.
199

صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي وآله (صلوات الله عليهم) إن الله عز وجل قد بدأ
بها قبل الصلاة فقال: (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى).
وفي تفسير علي بن إبراهيم (1) قوله: (قد أفلح من تزكى)؟ قال زكاة الفطرة
إذا أخرجها قبل صلاة العيد، وذكر اسم ربه فصلى؟ قال صلاة الفطر والأضحى.
واستدل جملة من الأصحاب: منهم - السيد السند في المدارك على ذلك بقوله
عز وجل (فصل لربك وانحر) (2) قال قيل هي صلاة العيد ونحر البدن للأضحية. وقال
في المعتبر قال أكثر المفسرين المراد صلاة العيد وظاهر الأمر الوجوب. وبنحو
ما ذكره في المدارك صرح في الذكرى أيضا.
أقول: لم أقف في الأخبار على تفسير الآية بهذا المعنى وإنما الذي ورد فيها
التفسير بمطلق الصلاة والمراد بالنحر رفع اليدين حال التكبير حذاء الوجه، وقد
تقدمت الأخبار بذلك في المسألة الثالثة من الفصل الثاني في تكبيرة الاحرام من
كتاب الصلاة (3).
وأما السنة فمنها أنه قد روى الصدوق والشيخ (عطر الله مرقديهما) في
الصحيح عن جميل (4) قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن التكبير في العيدين قال
سبع وخمس. وقال صلاة العيدين فريضة. قال سألته ما يقرأ فيهما؟ قال والشمس
وضحاها وهل أتاك حديث الغاشية وأشباههما).
وعن جميل في الصحيح عن الصادق (ع) (5) أنه قال: (صلاة العيدين
فريضة وصلاة الكسوف فريضة).

(1) ص 721
(2) سورة الكوثر الآية 2
(3) ج 8 ص 43.
(4) الوسائل الباب 11 من صلاة العيد، واللفظ من أوله إلى آخره للشيخ
ولم يرو الصدوق منه إلا قوله (صلاة العيدين فريضة) كما سيأتي في الرواية الأخرى
فإنها للصدوق.
(5) الوسائل الباب 1 من صلاة العيد و 1 من صلاة الكسوف.
200

وروى الشيخ في التهذيب عن أبي أسامة عن أبي عبد الله (ع) (1) قال:
(صلاة العيدين فريضة وصلاة الكسوف فريضة).
قال في الفقيه بعد نقل صحيحة جميل الثانية: يعني أنهما من صغار الفرائض
وصغار الفرائض سنن لرواية حريز عن زرارة عن أبي جعفر (ع) (2) قال:
(صلاة العيدين مع الإمام سنة). ومراده بهذا الجمع بين الخبرين بأنه لا منافاة بين
كونها سنة وبين كونها فريضة. وفيه ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى. والشيخ
في التهذيبين قد فسر السنة بما علم وجوبه بالسنة لئلا ينافي كونها فريضة يعني واجبة.
وفي كل من الجمعين نظر، أما ما ذكره الصدوق فإنا لا نعرف له مستندا لأن
الفرض إن أريد به ما وجب بالكتاب ويقابله اطلاق السنة بمعنى ما وجب بالسنة
فإنه لا فرق بين كبار الفرائض ولا صغارها في المعنى المذكور، واطلاق السنة على
صغار الفرائض دون كبارها مع كون السنة بمعنى ما ثبت وجوبه بالنسبة لا معنى له ههنا
لأن هذه الفريضة مما ثبت وجوبها بالكتاب كما عرفت من الأخبار المتقدمة بتفسير
قوله تعالى: (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى) (3) فلا معنى لوجوبها بالسنة.
وأظهر منه بطلانا حمل السند على المتبادر منها وهو المستحب.
وأما كلام الشيخ فيدفعه دلالة الآية بمعونة الأخبار الواردة بتفسيرها بصلاة
العيدين، وحينئذ فتكون الفريضة في خبر جميل بمعنى ما ثبت وجوبه بالكتاب
لا بمعنى الواجب المقابل بالسند بمعنى المستحب.
والظاهر في الجمع بين الخبرين المذكورين كما ذكره المحدث الكاشاني في
الوافي - إنما هو حمل الفريضة في الخبر المذكور على معنى ما ثبت وجوبه بالكتاب
والسنة، وفي خبر حريز عن زرارة إنما أريد بها أن السنة في فرض هذه الصلاة أن

(1) الوسائل الباب 1 من صلاة العيد و 1 من صلاة الكسوف.
(2) الوسائل الباب 1 من صلاة العيد.
(3) سورة الأعلى الآية 14 و 15.
201

تكون مع الإمام فمن صلاها بدون الإمام معتقدا وجوبها فقد خالف السنة كما تدل
عليه الأخبار الآتية من أنه لا صلاة إلا مع إمام يعني واجبة.
إلا أن لقائل أن يقول إن ما استدل به من الآيتين المتقدمتين لا دلالة فيهما
على الوجوب نصا بل ولا ظاهرا، أما الثانية فلعدم ورد نص فيها بما ذكروه
كما عرفت وأما الأولى فإن غاية ما تدل عليه هو مدح المزكى والمصلي بأنه قد أفلح وهذا
لا ظهور له في الوجوب وإن أفهمه افهاما ضعيفا، وحينئذ فيكون المراد بالفرض
في الأخبار المتقدمة إنما هو بمعنى الواجب كما هو أحد اطلاقيه، ويؤيده إضافة صلاة
الكسوف وأنها فريضة في صحيحة جميل الثانية ورواية أبي أسامة مع أنها غير
مذكورة في القرآن.
وقال في كتاب الفقه الرضوي (1): إن الصلاة في العيدين واجبة... إلى أن
قال: وإن صلاة العيدين مع الإمام مفروضة ولا تكون إلا بإمام وخطبة... إلى أن
قال أيضا: وصلاة العيدين فريضة واجبة مثل صلاة يوم الجمعة إلا على خمسة... إلى
آخر ما سيأتي من نقل تتمة العبارة المذكورة إن شاء الله تعالى.
(المسألة الثانية) - المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) - بل
نقل جملة منهم الاجماع عليه - أنه يشترط في صلاة العيد ما يشترط في الجمعة من
الشروط المتقدمة وقد تقدم أنها خمسة، إلا أن الخلاف هنا قد وقع في الخطبتين كما
سيأتي إن شاء الله تعالى ذكره في المقام:
أحدها عندهم - السلطان العادل أو من نصبه، وظاهر العلامة في المنتهى دعوى
الاجماع على هذا الشرط.
واحتج عليه بصحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) (2) قال: (ليس في الفطر
والأضحى أذان ولا إقامة... إلى أن قال: ومن لم يصل مع إمام في جماعة فلا صلاة له
ولا قضاء عليه).

(1) ص 12.
(2) الوسائل الباب 2 و 7 من صلاة العيد.
202

صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (1) قال: (سألته عن
الصلاة يوم الفطر والأضحى فقال ليس صلاة إلا مع إمام.
ورواية معمر بن يحيى عن أبي جعفر (ع) (2) قال: (لا صلاة يوم الفطر
والأضحى إلا مع إمام).
أقول: من الأخبار بهذا المعنى ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع) (3) قال: (من لم يصل مع إمام في جماعة يوم العيد فلا صلاة له
ولا قضاء عليه).
وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (4)
قال: (لا صلاة يوم الفطر والأضحى إلا مع إمام عادل).
وعن سماعة في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) (لا صلاة في
العيدين إلا مع إمام وإن صليت وحدك فلا بأس).
ونحوه كلام المحقق وتبعهما جماعة ممن تأخر عنهما.
إلا أن جملة من متأخري المتأخرين الذين جرت عادتهم بدقة النظر في الاحكام
والتأمل التام في أخبارهم (عليهم السلام) قد طعنوا في هذا الشرط فمنهم من استشكله
وصارت المسألة عنده في قالب الاشكال، ومنهم من خالفهم وجزم بمنع ما ذكروه.
ومنشأ ذلك عند الأولين هو احتمال حمل الإمام في الأخبار المذكورة على
ما هو أعم من إمام الأصل وإمام الجماعة، وإلى هذا ذهب المحدث الكاشاني في الوافي
والمفاتيح فإنه جعل هذه الأخبار متشابهة باعتبار احتمال إرادة المعصوم منها وليست
محكمة في أحد المعنيين، وعند الآخرين هو أن الظاهر منهما إنما هو إمام الجماعة خاصة.
قال في المدارك بعد نقل الاستدلال عن العلامة بما قدمناه من الأخبار:
وعندي في هذا الاستدلال نظر إذا الظاهر أن المراد بالإمام هنا إمام الجماعة لا إمام

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة العيد.
(2) الوسائل الباب 2 من صلاة العيد.
(3) الوسائل الباب 2 من صلاة العيد.
(4) الوسائل الباب 2 من صلاة العيد.
(5) الوسائل الباب 2 من صلاة العيد.
203

الأصل كما يظهر من تنكير الإمام لفظ الجماعة وقوله (عليه السلام) (1) في صحيحة
ابن سنان (من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل وليتطيب بما وجد وليصل
وحده كما يصلي في الجماعة) وفي موثقة سماعة (2) (لا صلاة في العيدين إلا مع إمام
وإن صليت وحدك فلا بأس) قال جدي (قدس سره) في روض الجنان: ولا مدخل
للفقيه حال الغيبة في وجوبها في ظاهر الأصحاب وإن كان ما في الجمعة من الدليل قد
يتمشى هنا إلا أنه يحتاج إلى القائل، ولعل السر في عدم وجوبها حال الغيبة مطلقا
بخلاف الجمعة أن الواجب الثابت في الجمعة إنما هو التخييري كما مر أما العيني فهو منتف
بالاجماع والتخييري في العيد غير متصور إذ ليس معها فرد آخر يتخير بينها وبينه
فلو وجبت لوجبت عينا وهو خلاف الاجماع. قلت: الظاهر أنه أراد بالدليل
ما ذكره في الجمعة من أن الفقيه منصوب من قبله عموما فكان كالنائب الخاص وقد بينا
ضعفه في ما سبق. وأما ما ذكره من السر فكلام ظاهري إذ لا منافاة بين كون
الوجوب في الجمعة تخييريا وفي العيد عينيا إذا اقتضته الأدلة. وبالجملة فتخصيص
الأدلة الدالة على الوجوب بمثل هذه الروايات لا يخلو من اشكال، وما ادعوه من
الاجماع فغير صالح للتخصيص أيضا لما بيناه غير مرة من أن الاجماع إنما يكون حجة
مع العلم القطعي بدخول قول الإمام في أقوال المجمعين وهو غير متحقق هنا، ومع
ذلك فالخروج من كلام الأصحاب مشكل واتباعهم بغير دليل أشكل. انتهى.
وقال في الذخيرة بعد ذكر نحو ما ذكره في المدارك أولا: ويؤيد الوجوب
ما دل على وجوب التأسي بالنبي (صلى الله عليه وآله) في ما علم كونه صدر عنه على جهة الوجوب
وإن كان لنا فيه نوع تأمل إذ الأمر ههنا كذلك فإن وجوبها عليه (صلى الله عليه وآله) ثابت باجماع
الأصحاب، مع أن التمسك بأصل عدم الوجوب في ما ثبت وجوبه عليه (صلى الله عليه وآله) محل
اشكال، فإذن القول بعدم الوجوب في غاية الاشكال والاجتراء على الحكم بالوجوب

(1) الوسائل الباب 3 من صلاة العيد.
(2) الوسائل الباب 2 من صلاة العيد.
204

مع عدم ظهور مصرح به من الأصحاب لا يخلو من اشكال. وطريق الاحتياط واضح
وقال شيخنا المجلسي في كتاب البحار - بعد نقل كلام الفاضلين بالاشتراط
واستدلالهما بالاجماع وبعض الأخبار المتقدمة - ما لفظه: وفيه نظر إذ الظاهران
المراد بالإمام في هذه الأخبار إمام الجماعة لا إمام الأصل كما يشعر به تنكير الإمام
ولفظة الجماعة في بعض الأخبار ومقابلة إن صليت وحدك مما يعين هذا.
وقوله (لا صلاة) يحتمل (كاملة) كما هو الشائع في هذه العبارة، وفي صحيحة عبد الله
ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) (من لم يشهد جماعة الناس في العيدين
فليغتسل وليتطيب بما وجد وليصل وحده كما يصلي في الجماعة) ويؤيد الوجوب ما دل
على وجوب التأسي بالنبي (صلى الله عليه وآله) في ما علم صدوره عنه على وجه الوجوب والأمر
هنا كذلك قطعا. وبالجملة ترك هذه الفريضة بمحض الشهرة بين الأصحاب جزأة
عظيمة مع أنه لا ريب في رجحانه، ونية الوجوب لا دليل عليها لعل القربة كافية
في جميع العبادات كما عرفت سابقا. انتهى.
أقول: معظم الاشكال عند هؤلاء بعد اجماع هذه الأخبار هو عدم
تصريح أحد ممن ذهب إلى الوجوب العيني في الجمعة زمان الغيبة بالوجوب العيني
هنا، وأنت خبير بأن مقتضى حكمهم في العيدين بأنها جارية على نحو صلاة الجمعة
في شروط الوجوب هو تبعية صلاة العيدين لصلاة الجمعة كيف كانت، فإن هذا
الكلام قد صرح به الجميع ممن حكم بالوجوب التخييري في الجمعة زمان الغيبة أو
التحريم أو الوجوب العيني، وحينئذ فاللازم من ذلك أن كل من اشترط في الجمعة
شرطا من حضور إمام الأصل أو نائبه أو انعقادها بإمام الجماعة أو وجوبها عينا به
فإنه يجريه في صلاة العيدين، وبه يظهر أن كل من قال بالوجوب العيني زمان الغيبة
في الجمعة فهو قائل به في العيدين أيضا.
قال شيخنا المفيد في المقنعة في باب صلاة العيدين: وهذه الصلاة فرض

(1) الوسائل الباب 3 من صلاة العيد.
205

لازم لجمع من لزمته الجمعة على شرط حضور الإمام سنة على الانفراد عند عدم
حضور الإمام.
وهو كما ترى صريح في ما قلناه واضح في ما ادعيناه فإنه حكم بأن صلاة
العيدين فرض عيني لكل من لزمته الجمعة، وقد عرفت مذهبه في الجمعة وشرطها
عنده إنما هو إمام الجماعة وهي واجبة عينية عنده باجتماع شرائطها المتقدمة التي من
جملتها إمام الجماعة، ومقتضى ذلك وجوب صلاة العيدين عينا متى حصلت تلك الشروط
وقوله هنا (على شرط حضور الإمام... إلى آخره) أراد به بيان التفرقة
بين الجمعة والعيدين بحصول الاستحباب في هذه دون تلك فجعل مدار الوجوب
والاستحباب على حضور الإمام وعدم حضوره فمتى صلى مع الإمام فهي واجبة
عينا ومتى تعذر الصلاة معه فهي مستحبة فرادى بخلاف الجمعة فإنه مع عدم الإمام
تسقط بالكلية. والمراد بالإمام في كلامه هو إمام الجماعة الذي تقدم تصريحه به
في صلاة الجمعة.
وأما ما ذهب إليه بعض من الاستحباب جماعة فهو باطل كما سيجئ بيانه إن
شاء الله تعالى بل هي أما واجبة عينا إن وجد الإمام وكملت باقي الشروط وإلا صليت
فرادى استحبابا. وجميع ما ذكرنا بحمد الله سبحانه ظاهر لا خفاء عليه.
وأما توهم حمل الأخبار المتقدمة على إمام الأصل فقد عرفت ما فيه من كلام
مشايخنا المذكورين (رضوان الله عليهم) فإنه جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه.
ويؤيد ما ذكرناه من عدم اشتراط إمام الأصل في هذه الصلاة ما نقله في
كتاب البحار (1) عن الصدوق في كتاب ثواب الأعمال حيث أنه نقل فيه خبرا
عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ثواب صلاة أربع
ركعات على كيفية مخصوصة بعد صلاة العيد ثم قال (قدس سره) هذا لمن كان
إمامه مخالفا فيصل معه تقية ثم يصلي هذه الأربع ركعات للعيد فأما من كان

(1) ج 18 الصلاة ص 861 والعبارة فيها تلخيص ونقل بالمضمون.
206

إمامه موافقا لمذهبه وإن لم يكن مفروض الطاعة لم يكن له أن يصلي بعد ذلك حتى
تزول الشمس. انتهى.
وهو صريح كما ترى في أن مذهبه (قدس سره) صحة الصلاة بإمام الجماعة
وعدم اشتراط إمام الأصل، وبه يظهر لك ما في دعوى الاجماع على اشتراط هذه
الصلاة بإمام الأصل مع تصريح هذا العمدة الذي هو من أهل الصدر الأول الذين
عليهم المعول بجوازها مع إمام الجماعة كما سمعت. وأما احتمال الحمل على صلاة
مستحبة فغير جيد لما سنبين إن شاء الله تعالى من أنه لا مستند له ولا دليل عليه
وإن ذكره جلهم.
وبالجملة فإن عدم ذكر قدماء أصحابنا للوجوب العيني في هذه الصلاة إنما هو
باعتبار احالتهم لأحكام هذه الصلاة على صلاة الجمعة
فهو آت في هذه الصلاة، فلا يتوهم من سكوتهم عن التصريح به هنا نفيه عن هذه
الصلاة وإن قالوا به في الجمعة فهو غلط محض كما أوضحناه لك في عبارة المقنعة.
ومما يؤيد ذلك الأخبار الآتية إن شاء الله تعالى الدالة على تعليم الأئمة (عليهم
السلام) لأصحابهم كيفية الصلاة وآدابها وأحكامها وما يتعلق بالإمام فيها فإن جميع
ذلك قرينة واضحة على أنها يتأتى من أصحابهم أن يصلوها بغير المعصوم إذ مع
الاختصاص بالمعصوم لا يظهر لهذا التعليم كثير فائدة كما لا يخفى على المتأمل المنصف.
وثانيها - العدد وقد أجمع الأصحاب (رضوان الله عليهم) على اعتباره هنا،
ويدل عليه صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: (في صلاة
العيدين إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنهم يجمعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة)
وروى في كتاب دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال: (في صلاة العيدين إذا كان القوم خمسة فصاعدا مع إمام في مصر فعليهم أن

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة الجمعة و 39 من صلاة العيد.
(2) مستدرك الوسائل الباب 31 من صلاة العيد.
207

يجمعوا للجمعة والعيدين.
ونقل عن ابن عقيل أنه ذهب إلى اشتراط السبعة هنا مع أنه اكتفى في
الجمعة بخمسة. ورده بعض الأصحاب بعدم المستند.
أقول: الظاهر من كلام ابن أبي عقيل وصول المستند إليه بذلك وإن لم يصل
إلينا حيث قال - على ما نقله عنه في المختلف - ولا عيد مع الإمام ولا مع امرأة
في الأمصار بأقل من سبعة من المؤمنين فصاعدا ولا جمعة بأقل من خمسة، ولو كان
إلى القياس سبيل لكانا جميعا سواء ولكنه تعبد من الخالق سبحانه. وهو كما ترى
ظاهر في وصول المستند إليه،
وثالثها - الجماعة وقد تقدمت جملة من الأخبار الدالة على ذلك (1).
ورابعها - الوحدة قال في المدارك وظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم)
اشتراطها حيث أطلقوا مساواتها للجمعة في الشرائط، ونقل عن الحلبيين التصريح
بذلك محتجين بأنه لم ينقل عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه صلى في زمانه عيدان في بلد كما لم ينقل
أنه صليت جمعتان وبما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال:
(قال الناس لأمير المؤمنين (عليه السلام) ألا تخلف رجلا يصلي في العيدين؟ قال لا أخالف
السنة) وهما لا يدلان على المنع ومن ثم توقف العلامة في التذكرة والنهاية في اشتراط
ذلك وهو محله. انتهى.
أقول: الظاهر أن مرجع التعليل المنقول عن الحلبيين إلى أن العبادات لما
كانت توقيفية من الشارع وجوبا وندبا وتعددا واتحادا وكمية وكيفية ونحو ذلك
فالواجب الوقوف على ما علم منهم (صلوات الله عليهم) بقول أو عمل، وغاية
ما يفهم من الأخبار هو جواز صلاة واحدة في المصر وتوابعه إلى امتداد مسافة
الفرسخ فثبوت الثانية ومشروعيتها في هذه المسافة يتوقف على الدليل. وهذا
الكلام موجه صحيح دال على المدعى بأوضح دلالة كما يخفى وبه يقيد اطلاق الأخبار

(1) ص 202 و 203.
(2) الوسائل الباب 17 من صلاة العيد.
208

الدالة على الوجوب فلا يمكن الاستناد إليها في المقام.
وأما الرواية فلا اشكال في أن ظاهرها هو أنه لما كان (ع) يصحر بصلاة العيدين
كما هو السنة فيها قالوا له أن يخلف في المصر من يصلي العيدين بمن تخلف من الضعفة
والعجزة عن الخروج فأجاب بأني لا أخالف السند، والمراد بالسنة يعني وحدة
الصلاة في الفرسخ فإنه واجب بالسنة النبوية واطلاق السنة على ما وجب بالسنة
شائع في الأخبار كما قدمنا ذكره في مسألة غسل الجمعة من كتاب الطهارة، لا أن المراد
بالسنة المستحب كما ربما يتوهم، وعلى هذا المعنى بنى الاستدلال بالرواية وهو معنى
واضح لا غبار عليه.
وبنحو هذه الرواية روى في كتاب دعائم الاسلام عن علي (ع) (1) أنه (قيل
له يا أمير المؤمنين (ع) لو أمرت من يصلي بضعفاء الناس يوم العيد في المسجد؟
قال أكره أن أستن سنة لم يستنها رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وروى شيخنا المجلسي في كتاب البحار (2) نقلا من كتاب عاصم بن حميد عن محمد
ابن مسلم قال: (سمعت أبا عبد الله (ع) يقول قال الناس لعلى (ع) ألا تخلف رجلا يصلي
بضعفة الناس في العيدين؟ قال فقال لا أخالف السنة.
ونحوه بهذا المضمون روى في المحاسن عن رفاعة (3) قال: (سمعت
أبا عبد الله (ع)... الحديث.)
ومما يؤيد ذلك ما تقدم (4) في صحيحة زرارة من أن (من لم يصل مع إمام في
جماعة فلا صلاة له ولا قضاء عليه) ونحوه في صحيحته الأخرى (5) وهو شامل
باطلاقه لما لو لم يكن ثمة إمام أو كان ولكن فاتته الصلاة معه. معنى (لا صلاة له)
يعني وجوبا وإلا فالاستحباب لا ريب فيه نصا وفتوى، ففي الصحيح لابن سنان (6)

(1) مستدرك الوسائل الباب 14 من صلاة العيد.
(2) ج 18 الصلاة ص 863.
(3) البحار ج 18 الصلاة 860.
(4) ص 202.
(5) ص 203.
(6) الوسائل الباب 3 من صلاة العيد.
209

(من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل وليتطيب بما وجد وليصل وحده)
ونحوه غيره مما سيأتي إن شاء الله تعالى.
والتقريب في هذه الأخبار أنه لو شرعت الصلاة مرة أخرى في البلد لما حسن
هذا الاطلاق في هذه الأخبار بأن يقال (لا صلاة ولا قضاء عليه) أو يقال:
(فليصل وحده) لامكان الاجتماع على جماعة أخرى كما لا يخفى.
وأما ما ذكره الشهيد ومن تأخر عنه - من أن هذا الشرط إنما يعتبر مع
وجوب الصلاتين فلو كانتا مندوبتين أو إحداهما لم يمنع التعدد - ففيه أنه لم يقم لنا دليل
على استحباب الجماعة في العيدين كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى في مسألة على حدة
وإلى ذلك أشار في المدارك أيضا حيث قال بعد نقل ذلك عن الشهيد: وليس في
النصوص دلالة على شئ من ذلك. انتهى.
وقال في الذكرى: مذهب الشيخ في الخلاف ومختار صاحب المعتبر أن الإمام
لا يجوز له أن يخلف من يصلي بضعفة الناس في البلد. ثم أورد صحيحة ابن مسلم (1) ثم
قال ونقل في الخلاف عن العامة (أن عليا (ع) (2) خلف من يصلي بالضعفة) وأهل
البيت (عليهم السلام) أعرف. انتهى.
خامسها - الخطبتان وقد اختلف فيهما كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم)
فقال الشيخ في المبسوط في باب صلاة العيدين: وشرائطها شرائط الجمعة سواء في العدد
والخطبة وغير ذلك. وهو ظاهر في قوله بشرطيتهما في العيدين، وبه قال ابن
إدريس والعلامة في المنتهى حيث قال: والخطبتان واجبتان كوجوبهما في الجمعة
ولا نعرف خلافا بين المسلمين في كونهما بعد الصلاة إلا من بني أمية (3) ثم ذكر
أيضا أنه لا يجب حضورهما ولا استماعهما بغير خلاف. ونحو ذلك ذكر في
التذكرة أيضا.

(1) ص 208.
(2) المغني ج 2 ص 373
(3) المغني ج 2 ص 384.
210

وقال المحقق في المعتبر: والخطبتان مستحبتان فيهما بعد الصلاة ولا يجب
حضورهما ولا استماعهما أما استحبابهما فعليه الاجماع.
وقال الشهيد في الذكرى: المشهور بين الأصحاب في ظاهر كلامهم استحباب
الخطبتين في صلاة العيدين وصرح به في المعتبر وأوجبهما ابن إدريس والفاضل
والروايات مطلقة. ونقل بعض الأخبار الدالة على الخطبة ثم قال والعمل بالوجوب
أحوط نعم ليستا شرطا في صحة الصلاة بخلاف الجمعة.
وقال السيد في المدارك - في شرح قول المصنف: وفي واجبة مع وجود
الإمام... إلى آخره - إن الشيخ صرح في المبسوط باشتراطهما في هذه الصلاة فقال
شرائطها شرائط الجمعة سواء في العدد والخطبة وغير ذلك. ثم ذكر أنه الظاهر
من عبارة الشرائع حيث أطلق مساواتها للجمعة في الشرائط. ثم ذكر أن العلامة
جزم في جملة من كتبه بعدم اعتبار هذا الشرط هنا. ثم قال وهو كذلك تمسكا
بالأصل والتفاتا إلى كونهما متأخرتين عن الصلاة ولا يجب استماعهما اجماعا فلا
تكونان شرطا فيها.
وقال في موضع آخر - في شرح قول المصنف: الثالثة الخطبتان في العيد بعد
الصلاة وتقديمهما بدعة - ولم يتعرض المصنف في هذا الكتاب لبيان حال الخطبتين
من حيث الوجوب والاستحباب ونقل عنه في المعتبر أنه جزم بالاستحباب وادعى
عليه الاجماع، وقال العلامة في جملة من كتبه بالوجوب، واحتج عليه في التذكرة
بورود الأمر بهما وهو حقيقة في الوجوب. وكأنه أراد بالأمر ما يستفاد من الجملة
الخبرية فإنا لم نقف في ذلك على أمر صريح. والمسألة محل تردد وكيف كان فيجب القطع
بسقوطهما حال الانفراد للأصل السالم من المعارض.
وقال أيضا - في شرح قول المصنف: ولا يجب استماعهما بل يستحب - هذا
الحكم مجمع عليه بين المسلمين حكاه في التذكرة والمنتهى مع تصريحه في الكتابين
بوجوب الخطبتين وهو دليل قوي على الاستحباب وروى العامة عن عبد الله بن
211

السائب (1) قال: (شهدت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) العيد فلما قضى الصلاة قال إنا
نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب).
وإلى القول بالاستحباب مال الفاضل الخراساني في الذخيرة والمحدث
الكاشاني في المفاتيح.
والأظهر عندي هو القول بالوجوب، ويدل عليه قول الرضا (ع) في
كتاب الفقه الذي قد ظهر لك في غير موضع مما قدمنا وسيجئ أمثاله اعتماد الصدوقين
سيما الأول عليه وافتاؤهما بعبائر الكتاب كما كشفنا عنه النقاب في غير باب من
الأبواب حيث قال (ع) (2) (فإن صلاة العيدين مع الإمام فريضة ولا تكون
إلا بإمام وخطبة).
مما يعضد ذلك ويؤيده بأوضح تأييد ما رواه الصدوق في كتاب العلل
والعيون من علل الفضل بن شاذان عن الرضا (ع) (3) قال: (إنما جعلت الخطبة
يوم الجمعة قبل الصلاة وجعلت في العيدين بعد الصلاة لأن الجمعة أمر دائم يكون في
الشهر مرارا وفي السنة كثيرا فإذا كثر على الناس ملوا وتركوه وتفرقوا عنه والعيد
إنما هو في السنة مرتان والزحام فيه أكثر والناس فيه أرغب وإن تفرق بعض
الناس بقي عامتهم).
والتقريب فيه أنه لو كان ما يدعونه من الاستحباب حقا لكان هو الأولى
بأن يذكر علة للفرق في الخبر بأن يقال إنما أخرت لأن استماعها غير واجب حيث
أنها مستحبة فمن شاء جلس لاستماعها ومن شاء انصرف، وظاهر الخبر إنما هو وجوبها
في الصلاتين وإن اختلفتا بالتقدم والتأخر للعلة المذكورة في الخبر. ويؤيده توقف يقين

(1) نيل الأوطار ج 3 ص 376 عن النسائي وابن ماجة وأبي داود ونقله في
الوسائل في الباب 30 من صلاة العيد من مجالس ابن الشيخ عن عبد الله بن السائب
باختلاف في اللفظ.
(2) ص 12.
(3) الوسائل الباب 11 من صلاة العيد.
212

البراءة عليه لأنه المعهود من فعلهم والمأثور من أوامرهم (عليهم السلام).
وذكر الخطبتين في بيان كيفية الصلاة أيضا ظاهر في ذلك إذ قضية الذكر في
بيان كيفية الواجب الوجوب في جميع ما اشتملت عليه الكيفية وخروج بعض الأفراد
التي قام الدليل من خارج على استحبابها لا يقتضي خروج ما لم يقم عليه دليل.
هذا، وما ذكره في المدارك هنا لا يخلو من نوع تشويش واضطراب بل النظر
الظاهر في ما أيد به ذلك من عدم وجوب استماعهما بل الاستحباب.
أما الأول فلأن مقتضى كلامه الأول هو اختيار الاستحباب صريحا وظاهر
الثاني بل صريحه التردد والتوقف في المسألة. وأيضا ظاهر كلامه الأول أن العلامة
في جملة من كتبه جزم بالاستحباب وظاهر كلامه الثاني خلافه وأنه جزم بالوجوب
ثم أورد دليله، ومقتضى الدليل الذي نقله لازم له حيث أنه صرح في مواضع
من كتابه بأنه لا فرق في دلالة الأمر على الوجوب بين كونه بلفظ الأمر أو بالجملة
الخبرية، وحينئذ فالظاهر أن منشأ التردد عنده هو معارضة دعوى الاجماع
الذي ذكره في المعتبر مع ما عرفت من طعنه في هذه الاجماعات.
وأما الثاني - وهو ما ذكره في كلامه الثالث من أن تصريح العلامة في الكتابين
بالاجماع على عدم وجوب استماع الخطبتين دليل قوي على الاستحباب ففيه أن
خطبة الجمعة مع الاتفاق على وجوبها وأنها شرط في صحة الصلاة قد وقع الخلاف
في وجوب استماعها فممن ذهب إلى عدم وجوب استماعها الشيخ في المبسوط والمحقق
في المعتبر مع قولهما بوجوبها وشرطيتها في صحة الصلاة وتردد في الشرائع، ولم
نره في تلك المسألة بعد أن نقل قولهما المذكور رد عليهما بأنه يلزم منه المناقضة لأن
القول بالوجوب يستلزم القول بوجوب الاستماع وعدم وجوب الاستماع يستلزم
الاستحباب كما ذكره هنا. وبالجملة فإنه كما أن أصل وجوب الخطبة متوقف على
الدليل كذلك وجوب الاستماع يتوقف عليه ولا ملازمة بينهما، وما علل به
وجوب الاستماع في خطبة الجمعة في مقام الرد على صاحب المعتبر من انتفاء فائدة
الخطبة بدون الاستماع فهي علة مستنبطة ترجع إلى مجرد الاستعباد، ومع فرض
213

وجودها في نص فإنه يمكن الجواب عنها بأن علل الشرع ليست عللا حقيقية يجب
اطرادها كالعلل العقلية التي يدور المعلول مدارها وجودا وعدما وإنما هي معرفات
وموضحات لنوع مناسبة أو بيان حكمة أو نحو ذلك كما لا يخفى على من أحاط خبرا
بالعلل المذكورة في أخبار علل الشرائع والأحكام.
وأما ما ذكره في كلامه الثالث من الخبر العامي للتأييد به - ولعله من حيث إن الشيخ في كتاب المجالس (1) - فضعفه أظهر من أن يمكن الاعتماد عليه في
تأسيس حكم شرعي به.
وبالجملة فإن مقتضى ظواهر الأخبار كما ذكره في التذكرة واعترف به في
المدارك هو الوجوب مع اعتضاده بما ذكرناه من خبري كتاب الفقه والعلل
والعيون، وليس في الأخبار ما يدل على الاستحباب ولا يشير إليه إلا ما ربما
يتوهم من كونهما بعد الصلاة وهو محض خيال قاصر.
وأما دعوى عدم اشتراطهما في صحة الصلاة -. كذا دعوى ما يلازمه
ويقتضيه من عدم وجوب حضورهما واستماعهما - فلم نقف له على دليل أزيد من
دعوى الاجماع، مع ما عرفت من دلالة ظاهر كلام الشيخ في المبسوط بل ظاهر
كل من أطلق الحكم بكون شرائط العيد شرائط الجمعة من غير تعرض لعدم وجوب
ما ذكروه على خلاف هذا الاجماع.
قال بعض المحققين من متأخري المتأخرين بعد ذكر نحو ما ذكرناه: إنا
لا نعرف لهم دليلا سوى الاجماع المسبوق بخلاف الشيخ صريحا بل سائر أرباب
النصوص أيضا حيث لم يتعرضوا لاستثناء هذا من شرائط الجمعة لا صريحا ولا
ضمنا سوى خبر عامي ضعيف السند نقله الشيخ أولا من كتب المخالفين في مجالسه (2)
مع أنه لم يعمل به على ما يظهر من كلامه ثم اشتهر بين من بعده فاستدلوا به من غير
وجدان شاهد من روايات أهل البيت (عليهم السلام) ولا مؤيد، إذ لو كان

(1) الوسائل الباب 30 من صلاة العيد.
(2) الوسائل الباب 30 من صلاة العيد.
214

لنقلوه قطعا مع خلو الكتب عنه اليوم أيضا والخبر ما رواه من طريق العامة
عن عطاء عن عبد الله بن السائب ثم ساق الخبر كما قدمنا نقله من المدارك. ثم قال:
والذي يظهر من فحوى كلام أصحابنا أن أصل مناط حكمهم في جميع ما ذكروا من
نفي الاشتراط وعدم وجوب الحضور والاستماع بل أصل استحباب الخطبتين هذا
الخبر فإن عليه مبنى الاجماع الذي ذكروه. انتهى كلامه (زيد مقامه) وهو جيد
متين كما لا يخفى على الحاذق المكين.
المسألة الثالثة - قد اشتهر في كلام متأخري الأصحاب أنه مع اختلال شرائط
الوجوب أو بعضها فإنه يستحب أن تصلي جماعة وفرادى، قال في المعتبر: وتستحب
مع عدم الشرائط أو بعضها جماعة وفرادى في السفر والحضر وتصلي كما تصلي في
الجماعة. وقال القطب الراوندي من أصحابنا من ينكر الجماعة في صلاة العيد سنة
بلا خطبتين لكن جمهور الإمامية يصلون هاتين الصلاتين جماعة وعملهم حجة.
أقول: وتصريح المحقق ومن تأخر عنه بذلك معلوم من كتبهم وعليه العامة
أيضا فإنهم بين قائل بتعين الاستحباب جماعة وقائل بالتخيير بين الجماعة والانفراد
وهو قول أكثرهم (1).
وقال الشيخ المفيد بعد ذكر ما قدمنا نقله عنه من أنها فرض لجميع من لزمته
الجمعة على شرط حضور الإمام سنة على الانفراد مع عدم حضور الإمام: ومن
فاتته صلاة العيد جماعة صلاها وحده كما يصلي في الجماعة ندبا مستحبا.
وقال الشيخ في المبسوط: متى تأخر عن الحضور لعارض صلاها في المنزل
منفردا ستة وفضيلة. ثم قال: ومن لا تجب عليه صلاة العيد من المسافر والعبد

(1) المذكور في المعتبر والتذكرة والمنتهى نسبة هذا القول إلى الشافعي وأحمد في
إحدى الروايتين وفي الأخرى لا تصلي إلا في جماعة وهو قول أبي حنيفة، وأضاف في
المنتهى الحسن البصري إلى الشافعي وأحمد. راجع المهذب ج 1 ص 120 والانصاف
ج 2 ص 426 وعمدة القارئ ج 3 ص 399 والبحر الرائق ج 2 ص 175.
215

وغيرهما يجوز لها إقامتها منفردين سنة.
وقال السيد المرتضى في المسائل الناصرية: هما سنة تصلي على الانفراد عنه فقد
الإمام أو اختلال بعض الشرائط.
وأنت خبير بأن ظاهر عبارة الشيخ المفيد والشيخ في المبسوط والمرتضى هنا هو
استحباب الصلاة منفردا بعد فوات الصلاة الواجبة ولم يتعرضوا للاستحباب جماعة.
وقال أبو الصلاح: فإن اختل شرط من شرائط العيد سقط فرض الصلاة
وقبح الجمع فيها مع الاختلال وكان كل مكلف مندوبا إلى هذه الصلاة في منزله
والاصحار بها أفضل.
وقال ابن إدريس: معنى قول أصحابنا (على الانفراد) ليس المراد بذلك أن
يصلي كل واحد منهم منفردا بل الجماعة أيضا عند انفرادها من دون الشرائط مسنونة
مستحبة قال ويشتبه على بعض المتفقهة هذا الموضع بأن يقول على الانفراد أراد
مستحبة إذا صلاها كل واحد وحده قال لأن الجمع في صلاة النوافل لا يجوز وإذا عدمت
الشرائط صارت نافلة فلا يجوز الاجتماع فيها، قال محمد بن إدريس وهذا قلة بصيرة
من قائله بل مقصود أصحابنا على الانفراد ما ذكرناه من انفرادها عن الشرائط.
وقال العلامة في المختلف ونعم ما قال: وتأويل ابن إدريس بعيد مع أنه
روى النهي عمار بن موسى عن أبي عبد الله (ع) (1) قال: (قلت له هل يؤم الرجل
بأهله في صلاة العيدين في السطح أو بيت؟ قال لا يؤم بهن ولا يخرجن ولو كانت
الجماعة مستحبة لاستحبت هنا إذ المستحب في حق الرجل مستحب في حق المرأة
إلا ما خرج بالدليل، إلا أن فعل الأصحاب في زماننا الجمع فيها. ثم نقل ملخص
كلام الراوندي الذي قدمناه بتمامه.
وقال الشهيد في الذكرى: وتفارق الجمعة عند الأصحاب بأنها مع عدم الشرائط
تصلي سنة جماعة وهو أفضل وفرادى، وكذلك يصليها من تجب عليه من المسافر

(1) الوسائل الباب 28 من صلاة العيد.
216

والعبد والمرأة ندبا إن لم يقم في البلد فرضها مع الإمام. ثم نقل كلام السيد المرتضى
وأبي الصلاح وابن إدريس والراوندي. ثم قال ونص عليه الشيخ في الحائريات. ثم قال
وقد روى عمار عن الصادق (ع) ثم ساق الرواية كما قدمناه، ثم قال: وربما يفهم منه
نفي الجماعة فيها وكذلك في رواية سماعة عنه (ع) (1) قال: (لا صلاة في العيدين إلا
مع الإمام فإن صليت وحدك فلا بأس) وقد يجاب عن رواية عمار بنفي تأكيد الجماعة
بالنساء، وعن الثانية أن المراد بها إذا كانت فريضة لا تكون إلا مع الإمام كما قاله في
التهذيب، وقد روى عبد الله بن المغيرة (2) قال: (حدثني بعض أصحابنا قال سألت
أبا عبد الله (ع) عن صلاة الفطر والأضحى فقال صلهما ركعتين في جماعة وغير جماعة)
وظاهر هذا عموم الجماعة. انتهى.
أقول: لا يخفى أن ظاهر مرسل عبد الله بن المغيرة المذكور إنما هو بيان أن
صلاة العيد ركعتان صليت وجوبا في الجماعة أو ندبا بغير جماعة. وفيه إشارة للرد
على من قال بالأربع ركعات متى فاتت الصلاة مع الإمام. وإن لم يكن ما ذكرناه
هو الأظهر فلا أقل من أن يكون مساويا لما ذكره وبه يسقط الاستدلال
بالخبر المذكور.
ثم أقول: لا يخفى أن الأخبار قد تكاثرت بالصلاة منفردا مع عدم الإمام
بالكلية أو عدم ادراك الصلاة معه ولم نقف في الأخبار على ما يقتضي توظيف
الجماعة في هذه الصورة بل ظاهر خبر عمار المتقدم كما عرفت هو التصريح بالمنع منها
وأماما يدل على استحباب الصلاة وحده مع عدم الجماعة فمن ذلك موثقة
سماعة المتقدمة (3) وصحيحة عبد الله بن سنان (4) قال: (من لم يشهد جماعة الناس في
العيدين فليغتسل وليتطيب بما وجد وليصل في بيته وحده كما يصلي في الجماعة).

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة العيد.
(2) الوسائل الباب 5 من صلاة العيد.
(3) الوسائل الباب 2 من صلاة العيد.
(4) الوسائل الباب 3 من صلاة العيد.
217

وموثقة الحلبي (1) قال: (سئل أبو عبد الله (ع) عن الرجل لا يخرج في يوم
الفطر والأضحى أعليه صلاة وحده؟ قال نعم.
وعن سماعة في الموثق عن أبي عبد الله (ع) (2) قال: (قلت له متى نذبح؟
قال إذا انصرف الإمام. قلت فإذا كنت في أرض ليس فيها إمام فأصلي بهم جماعة؟
فقال إذا استقلت الشمس. وقال لا بأس أن تصلي وحدك ولا صلاة إلا مع إمام)
ومرسلة عبد الله بن المغيرة المتقدمة، وقد عرفت أن المراد بقوله فيها (في جماعة)
إنما هو حال الوجوب وحينئذ يكون غير الجماعة عبارة عن الانفراد وهو المستحب
وصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع) (3) قال: (مرض أبي يوم
الأضحى فصلى في بيته ركعتين ثم ضحى).
واحتمل في الوافي في هذا الخبر الوجوب مع اختصاص الحكم بالإمام وأيده
بما رواه الشيخ عن الحلبي (4) قال: (سئل أبو عبد الله (ع) عن الإمام لا يخرج يوم
الفطر والأضحى أعليه صلاة وحده؟ قال نعم واحتمل الاستحباب مع عموم الحكم
كما تقدم في الأخبار المذكورة.
وظني أن ما ذكره من الاحتمال الأول بعيد وتوهم الوجوب من قوله (ع) في
رواية الحلبي (أعليه) معارض بما تقدم في موثقة الحلبي (5) من قوله (الرجل لا يخرج
في يوم الفطر والأضحى أعليه صلاة وحده؟ قال نعم) وحينئذ فالمراد بقوله (عليه)
في كلتا الروايتين إنما هو مطلق الثبوت الشامل للوجوب والاستحباب، على أن وجه
الخصوصية هنا غير ظاهر، وحينئذ فالرواية منتظمة مع ما ذكرناه من الأخبار.
ولا ينافي ذلك ما في رواية هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد الله (ع) (6)
من قوله: (فقلت أرأيت إن كان مريضا لا يستطيع أن يخرج أيصلي في بيته؟ قال لا)
وفي رواية محمد بن قيس عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (7) قال: (إنما الصلاة

(1) الوسائل الباب 3 من صلاة العيد. والظاهر أن الرقم (4) عين الرقم (1) ولفظ (الإمام) في الوافي
(2) الوسائل الباب 2 من صلاة العيد.
(3) الوسائل الباب 3 من صلاة العيد. والظاهر أن الرقم (4) عين الرقم (1) ولفظ (الإمام) في الوافي
(4) الوسائل الباب 3 من صلاة العيد. والظاهر أن الرقم (4) عين الرقم (1) ولفظ (الإمام) في الوافي
(5) الوسائل الباب 3 من صلاة العيد. والظاهر أن الرقم (4) عين الرقم (1) ولفظ (الإمام) في الوافي
(6) الوسائل الباب 2 من صلاة العيد.
(7) الوسائل الباب 2 من صلاة العيد.
218

يوم العيد على من خرج إلى الجبانة ومن لم يخرج فليس عليه صلاة.
وفي صحيحة زرارة (1) حيث قال (ع) (ومن لم يصل مع إمام في جماعة فلا
صلاة له ولا قضاء عليه) فإن الوجه فيها الحمل على نفي الوجوب جمعا بين الأخبار.
وفي هذه الأخبار رد على ما نقل عن الصدوق في المقنع حيث قال: ولا
يصليان إلا مع الإمام جماعة. وابن أبي عقيل حيث قال: من فاتته الصلاة مع الإمام
لم يصلها وحده. ولعلهما قد استندا إلى ما ذكرناه من هذه الروايات الأخيرة. إلا أنه يمكن تأويل كلامهما بما أو لنا به الأخبار المذكورة إذ من البعيد عدم اطلاعهما
على الأخبار الدالة على الانفراد مع كثرتها وتعددها وأبعد منه الاطلاع عليها
وطرحها من البين.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنا لم نقف لما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم)
من الاستحباب جماعة مع اختلال بعض شروط الوجوب على دليل.
وغاية ما استدل به في ذكرى كما تقدم مرسلة عبد الله بن المغيرة وقد عرفت
الجواب عنها، مع معارضتها - لو سلمت من الاحتمال الذي ذكرناه - بموثقة عمار
المتقدمة (2) وإن تأولها بالبعيد والاحتمال الغير السديد.
وغاية ما تعلق به الراوندي هو عمل جمهور الإمامية وصلاتهم لها جماعة
استحبابا حال الغيبة. ولا يخفى ما فيه إذ رب مشهور لا أصل له ورب متأصل
ليس بمشهور، سيما مع ورود الأخبار المتقدمة الدالة على التقييد بالوحدة والانفراد
في الاتيان بها مع اختلال شرط الوجوب، مع عدم وجود المعارض الصريح بل
وجود المؤيد الفصيح كما عرفت من موثقة عمار، فكيف يمكن التعلق بعملهم
وفعلهم في مقابلة هذه الأخبار وخصوصا مع موافقة ما يفعلونه للعامة كما تقدمت
الإشارة إليه (3) وأما ايقاع القدماء لها كذلك إن ثبت فلعله بناء على الوجوب كما هو
ظاهر ما تقدم من عدم الدليل على اشتراط إمام الأصل في وجوبها فتوهم من اشترطه

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة العيد
(2) ص 216
(3) ص 215.
219

أن فعلهم لها على جهة الاستحباب وسيأتي ما يؤيده.
وبالجملة فالظاهر هو انحصار الاستحباب في الانفراد كما هو مفاد الأخبار
المتقدمة مع كونه خلاف جميع العامة.
وكيف كان فالاستحباب جماعة إنما يتجه على ما هو المشهور من اشتراط وجوب
العيدين وجوبا عينيا بإمام الأصل، ولا ريب أن هذا الشرط مختل زمان الغيبة ولهذا
نقل القطب الراوندي والعلامة في المختلف - على ما قدمنا نقله عنهما - أن عمل الأصحاب
على الصلاة جماعة استحبابا زمان الغيبة، إلا أنك قد عرفت أنه لا مستند له.
وأما على ما هو الظاهر من كلام جملة من محققي متأخري المتأخرين - وهو
الظاهر أيضا ممن قال بالوجوب العيني حال الغيبة من المتقدمين حيث إنهم يجعلون
شرائط الجمعة ثابتة لصلاة العيد من أن صلاة العيد زمن الغيبة كصلاة الجمعة واجبة
عينا والإمام المشترط فيها إنما هو إمام الجماعة - فيشكل التعدد جماعة فيها في مسافة
الفرسخ كما عليه علماء زماننا الآن فإنهم يصلون جماعات عديدة في البلد الواحد مع
ترجيحهم هذا القول الذي أشرنا إليه قولهم باشتراط الوحدة فيها كما في الجمعة،
لأنه متى صليت في مسافة الفرسخ بناء على ما ذكرنا امتنعت الصلاة ثانيا لعين ما تقرر
في صلاة الجمعة من عدم مشروعية الجمعة الثانية في المسافة المذكورة.
وربما كان مستندهم في جواز التعدد في الصورة المذكورة ما تقدم نقله عن
شيخنا الشهيد من أن شرط الوحدة في فرسخ إنما يعتبر مع وجوب الصلاتين فلو
كانتا مندوبتين أو إحداهما لم يمتنع التعدد.
وفيه أن كلام شيخنا المذكورة مبني على اشتراط المعصوم في الوجوب العيني
فهي الآن عنده مستحبة فلا يشترط فيها هذا الشرط إذ هو مخصوص بالواجبة،
وأما عنده الوجوب زمن الغيبة عملا باطلاق الأخبار المتقدمة الدالة على
الوجوب من غير ما يصلح لتقييدها بوجود إمام الأصل كما يدعونه وقد حصل باقي
الشروط فإن الوجوب يكون عينيا عنده فلا بد من اعتبار الوحدة فيها كما في الجمعة
220

التي قد حملوها عليها، على أن ما ادعاه الشهيد من مشروعية الجماعة وإن كانت مستحبة
محل المنع كما عرفت.
وبالجملة فإن ما يفعله علماء زماننا كما حكيناه عنهم مما لا أعرف له وجه صحة
على كل من القولين، أما على القول المشهور - من اشتراط الوجوب العيني بوجود إمام
الأصل فتكون في زمن الغيبة مستحبة - ففيه أنه مع تسليم ذلك فإن غاية ما دلت عليه
الأخبار هو استحبابها فرادى لا جماعة كما تقدم تحقيقه، سيما مع دلالة الأخبار
المتكاثرة على عدم مشروعية الجماعة في صلاة النافلة إلا في مواضع مخصوصة وليس
هذا منها، وأما على القول المختار - من وجوبها حال الغيبة عينا انعقادها بإمام
الجماعة حسبما مر في الجمعة - فإنها باستكمال الشروط من وجود الإمام وامكان الخطبة
والعدد والجماعة والكون في فرسخ تكون واجبة عينا فمتى أقيمت وجب على كل من
في مسافة الفرسخ السعي إليها والحضور فيها وكيف يتجه صلاتها ثانيا ندبا بناء على
الحال المذكورة. ثم لو فرضنا تخلف بعض عن الحضور لعذر أو لغير عذر فغاية
ما دلت عليه الأخبار أنه يصليها منفردا.
وبالجملة فالحكم فيها كما في الجمعة إلا أنها تزيد هنا باستحباب الصلاة فرادى مع
عدم ادراك الجماعة أو تعذر حضورها، وأما الصلاة جماعة فكما أنه تحريم الجمعة الثانية
بعد إقامتها أولا كذلك تحريم صلاة العيد ثانيا جماعة بعد الاتيان بها أولا، ولهذا إنا
نعجل الصلاة بها حال طلوع الشمس ليتوجه البطلان إلى من صلى بعدنا. والله العالم
المسألة الرابعة - ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) الاتفاق على سقوط
صلاة العيدين عن كل من تسقط عنه صلاة الجمعة، قال في التذكرة إنما تجب صلاة العيد
على من تجب عليه الجمعة عند علمائنا أجمع. وقال في المنتهى لا نعرف فيه خلافا.
قال في المدارك: ويدل عليه أصالة براءة الذمة من وجوب هذه الصلاة على
من لا تجب عليه الجمعة السالمة عن ما يصلح للمعارضة لانتفاء ما يدل على العموم
في من تجب عليه.
221

وفيه نظر ظاهر وكيف لا والأخبار التي قدمناها في المسألة الأولى ظاهرة
الدلالة في العموم فإنه لا ريب أن الخطاب فيها راجع إلى جميع المكلفين فإن قولهم
(عليهم السلام) (1): (صلاة العيدين فريضة وصلاة الكسوف فريضة) يعني
على كل مكلف إلا ما خرج بدليل وارد عنهم (عليهم السلام) وإلا لزم مثله في
صلاة الكسوف التي قرنها بها مع أن هذا القائل لا يلتزمه، وحينئذ فالواجب
الوقوف على ما دل على خروجه من هذا العموم ويبقى ما عداه داخلا تحت
خطاب التكليف.
والذي وقفت عليه في الأخبار من الأفراد المستثناة عن الدخول منها المسافر
لصحيحة زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) (2) قال: (إنما صلاة العيدين على المقيم
ولا صلاة إلا بإمام).
وصحيحة ربعي والفضيل بن يسار عن أبي عبد الله (ع) (3) قال: ليس
في السفر جمعة ولا فطر ولا أضحى.
وما رواه البرقي في كتاب المحاسن بسنده عن العلاء بن الفضيل عن أبي عبد الله
(ع) (4) قال: (ليس في السفر جمعة ولا أضحى ولا فطر) قال ورواه أبي عن
خلف بن حماد عن ربعي عن أبي عبد الله (ع) مثله (5).
وروى في كتاب دعائم الاسلام عن علي (ع) (6) أنه قال: (ليس على
المسافر جمعة ولا عيد).
أقول: دلالة هذه الروايات على السقوط عن المسافر واضحة مضافا إلى
الاجماع المتقدم نقله.

(1) الوسائل الباب 1 من صلاة العيد و 1 من صلاة الكسوف.
(2) الوسائل الباب 8 من صلاة العيد.
(3) الوسائل الباب 8 من صلاة العيد.
(4) الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة رقم 29.
(5) الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة رقم 29.
(6) مستدرك الوسائل الباب 5 من صلاة العيد.
222

وأما ما رواه في التهذيب والفقيه عن سعد بن سعد عن أبي الحسن الرضا
(ع) (1) قال: (سألته عن المسافر إلى مكة وغيرها هل عليه صلاة العيدين الفطر
والأضحى؟ قال نعم إلا بمنى يوم النحر) فقد حمله الشيخ على الاستحباب، والظهر
- كما ذكره في الوافي - أن يقيد الاستحباب بما إذا شهد المسافر بلدة يصلي فيها العيد فإنه
يستحب له حضوره كما في الجمعة لا أنه ينشئ صلاة العيد في سفره.
ونحو هذه الرواية أيضا موثقة سماعة (2) قال: (سألته عن صلاة العيد قال
في الأمصار كلها إلا في يوم الأضحى بمعنى فإنه ليس يومئذ صلاة ولا تكبير).
وأنت خبير بأن هذه الرواية ليست نصا في عدم السقوط عن المسافر
بل ربما كان استثناء الأضحى بمنى مشعرا بالسقوط عن المسافر فتكون منطبقة على
الأخبار المتقدمة.
ومنها - النساء لما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
(ع) (3) قال: (إنما رخص رسول الله (صلى الله عليه وآله) للنساء العواتق في الخروج في
العيدين للتعرض للرزق).
وعن عمار بن موسى في الموثق عن أبي عبد الله (ع) (4) قال: (قلت له
هل يؤم الرجل بأهله في صلاة العيدين في السطح أو بيت؟ فقال لا يؤم بهن ولا
يخرجن وليس على النساء خروج. وقال اقلوا لهن من الهيئة حتى لا يسألن الخروج)
وما رواه في كتاب معاني الأخبار عن محمد بن شريح (5) قال: (سألت
أبا عبد الله (ع) عن خروج النساء في العيدين فقال لا إلا العجوز عليها منقلاها
يعني الخفين).
ودلالة هذه الروايات أيضا على السقوط عن النساء واضحة مضافا إلى
الاجماع المتقدم.

(1) الوسائل الباب 8 من صلاة العيد
(2) الوسائل الباب 8 من صلاة العيد
(3) الوسائل الباب 28 من صلاة العيد.
(4) الوسائل الباب 28 من صلاة العيد.
(5) الوسائل الباب 28 من صلاة العيد.
223

إلا أن بإزاء هذه الأخبار ما يدل بظاهره على وجوب الخروج عليهن مثل
ما رواه في قرب الإسناد (1) عن علي بن جعفر عن أخيه (ع) قال: (سألته عن النساء
هل عليهن صلاة العيدين والتكبير؟ قال نعم قال وسألته عن النساء هل عليهن من
صلاة العيدين والجمعة ما على الرجال؟ قال نعم. قال وسألته عن النساء هل عليهن
من التطيب والتزين في الجمعة والعيدين ما على الرجال؟ قال نعم).
وما رواه في كتاب الذكرى (2) قال روى ابن أبي عمير في الصحيح عن جماعة
منهم حماد بن عثمان وهشام بن سالم عن الصادق (ع) أنه قال: (لا بأس بأن تخرج
النساء في العيدين للتعرض للرزق).
ومن الذكرى أيضا (3) قال روى إبراهيم بن محمد الثقفي في كتابه باسناده إلى
علي (ع) قال: (لا تحبسوا النساء عن الخروج في العيدين فهو عليهن واجب)،
وحملها الأصحاب على الاستحباب، والمشهور استحباب صلاة العيد لكل من
سقطت عنه إلا الشواب وذوات الهيئة من النساء فإنه يكره لهن الخروج إليها.
قال في الذكرى: قال الشيخ لا بأس بخروج العجائز ومن لا هيئة لهن من
النساء في صلاة الأعياد ليشهدن الصلاة ولا يجوز ذلك لذوات الهيئات منهن
والجمال. وفي هذا الكلام أمران (أحدهما) أن ظاهره عدم الوجوب عليهن ولعله
لما رواه ابن أبي عمير في الصحيح عن جماعة ثم ساق الرواية كما تقدمت. ثم قال
إلا أنه لم يخص فيها العجائز وقد روى عبد الله بن سنان قال: إنما رخص رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ثم ساق الخبر كما قدمناه (4) ثم قال والعواتق الجواري حين يدركن. ولكنه معارض
بما رواه أبو إسحاق إبراهيم الثقفي في كتابه باسناده إلى علي (ع) ثم ذكره كما تقدم
ثم قال ولأن الأدلة عامة للنساء (الأمر الثاني) إن الشيخ منع خروج ذوات الهيئات

(1) ص 100 وفي الوسائل الباب 18 من صلاة الجمعة و 28 من صلاة العيد والثالث
في الباب 47 من صلاة الجمعة.
(2) الوسائل الباب 28 من صلاة العيد.
(3) الوسائل الباب 28 من صلاة العيد.
(4) ص 223.
224

والجمال والحديث دال على جوازه للتعرض للرزق اللهم إلا أن يريد به المحصنات
أو المملكات كما هو ظاهر كلام ابن الجنيد حيث قال: وتخرج إليها النساء العواتق والعجائز
ونقله الثقفي عن نوح بن دراج من قدماء علمائنا. انتهى كلامه في الذكرى ملخصا.
ومنها - المريض لما رواه الشيخ والصدوق في الحسن بل الصحيح عن هارون
ابن حمزة الغنوي عن أبي عبد الله (ع) (1) قال: (الخروج يوم الفطر والأضحى
إلى الجبانة حسن لمن استطاع الخروج إليها. فقلت أرأيت إن كان مريضا لا يستطيع
أن يخرج أيصلي في بيته؟ قال لا) وقد تقدم أن المراد بقوله (لا) نفي الوجوب لما
عرفت سابقا من استحبابها فرادى بالنصوص المتقدمة.
ومنها - العبد ويدل عليه وعلى الأفراد المتقدمة أيضا قول الرضا (ع) في
كتاب الفقه (2) (وصلاة العيدين فريضة واجبة مثل صلاة الجمعة إلا على خمسة:
المريض والمرأة والمملوك والصبي والمسافر).
هذا ما وقفت عليه من الأخبار الدالة على الاستثناء في هذه الصلاة وبموجبه
يبقى ما عدا هؤلاء المذكورين داخلين تحت خطاب التكليف إلا أن يقال باستثنائها
بالأدلة العامة كالأعمى والكبير السن لحصول الحرج والمشقة في السعي عليهما.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد صرح الأصحاب باستحباب الصلاة لهؤلاء فرادى
وجماعة بناء على ما يدعونه من مشروعية الجماعة استحبابا في هذه الصلاة، ويدل
عليه فرادى بالنسبة إلى المسافر والمرأة ما تقدم من الأخبار المحمولة على الاستحباب
وعلى المريض صحيحة منصور بن حازم المتقدمة (3) في حكاية الصادق عن أبيه
(عليهما السلام) أنه مرض يوم الأضحى فصلى في بيته ركعتين ثم ضحى.
قال في المدارك: وقد حكم الأصحاب باستحبابها أيضا لمن لا تجب عليه الجمعة
كالمسافر والعبد والمرأة، وهو حسن وإن أمكن المناقشة فيه بعدم الظفر بما يدل عليه
بالخصوص. نعم روى سعد بن سعد الأشعري في الصحيح عن الرضا (ع) ثم ساق الرواية

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة العيد
(2) ص 12.
(3) ص 218.
225

كما تقدمت في المقام ثم قال: وهي محمولة على الاستحباب جمعا بينها وبين قوله (ع)
في صحيحة زرارة (1) (إنما صلاة العيدين على المقيم) انتهى كلامه زيد مقامه.
والعجب منه (قدس سره) أنه مع اعترافه بعدم الظفر بما يدل عليه بالخصوص
كيف حكم باستحسان ما ذكره الأصحاب وإن كان بغير دليل مع مناقشاته للأصحاب
في ما قامت الأدلة عليه بزعم أنها ضعيفة باصطلاحه وإن كانت مجبورة بالشهرة بينهم
فكيف يوافقهم هنا من غير دليل بالكلية؟ وربما أوهم قوله: (ما يدل عليه
بالخصوص) على وجود دليل بطريق العموم وليس كذلك.
وبالجملة فإن الذي وقفنا عليه من أخبار المسألة هو ما ذكرناه إلا أن ثبوت
الاستحباب بها في المقام عندي لا يخلو من الاشكال لما أشرنا إليه في غير موضع مما تقدم
من أن الاستحباب حكم شرعي يتوقف على الدليل الواضح، ومجرد اختلاف
الأخبار ليس بدليل إذ مبنى القول بالاستحباب هنا على الجمع بين الأخبار وإلا فلو
خلينا وأدلة الثبوت لكانت دالة على الوجوب إلا أن ضرورة الجمع بينهما وبين
الأخبار الدالة على السقوط أوجب حملها على الاستحباب. وأيضا فإن اخراج
ما ظاهره الوجوب عن حقيقة يحتاج إلى القرينة واختلاف الأخبار ليس
من قرائن المجاز. ومحل الاشكال في روايات النساء حيث إن ظاهر جملة منها
الوجوب عليهن وإلا فروايات المسافر لا إشكال فيها متى حملنا صحيحة سعد بن سعد
على ما قدمنا ذكره من أن المراد بها صلاة المسافر مع من يصليها من الحاضرين
دون أن ينشئ صلاة وحده أو جماعة مسافرين. وأما رواية سماعة فقد عرفت أنها
غير ظاهرة الدلالة. ويمكن حمل ما دل على الوجوب في النساء على العجائز منهن
فلا ينحصر الجمع في الاستحباب كما ادعوه والله العالم.
المسألة الخامسة - أجمع الأصحاب (رضوان الله عليهم) - كما حكاه العلامة
في التذكرة والنهاية - على أن وقت صلاة العيدين ما بين طلوع الشمس إلى الزوال.

(1) ص 221.
226

قال في المدارك بعد نقل ذلك: ومستنده حسنة زرارة (1) قال: (قال
أبو جعفر (ع) ليس في الفطر والأضحى أذان ولا إقامة أذانهما طلوع الشمس إذا
طلعت خرجوا) وموثقة سماعة (2) قال: (سألته عن الغدو إلى المصلى في الفطر
والأضحى فقال بعد طلوع الشمس) ثم نقل عن الشيخ في المبسوط أن وقتها
إذا طلعت الشمس وارتفعت وانبسطت. ثم قال: وهو أحوط. ومقتضى
الروايتين أن وقت الخروج إلى المصلى بعد طلوع الشمس، وقال المفيد إنه يخرج قبل
طلوعها فإذا طلعت صبر هنيئة ثم صلى. انتهى.
أقول: لا يخفى أن المدعى في كلامهم هو امتداد الوقت من طلوع الشمس
إلى الزوال والخبران المذكوران اللذان جعلهما مستندا لهذه الدعوى إنما يدلان
على التوقيت بطلوع الشمس بمعنى أنه إذا طلعت الشمس خرجوا إلى الصلاة ولا دلالة
فيهما على ما يدعونه من الامتداد إلى الزوال فهما غير منطبقين على المدعى بتمامه.
ومما يدل أيضا على ما دل عليه الخبران المذكوران ما رواه السيد العابد الزاهد
المجاهد رضي الدين علي بن طاووس (قدس سره) في كتاب الاقبال (3) باسناده إلى
يونس بن عبد الرحمان عن عبد الله بن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال:
(كان رسول الله صلى الله عليه وآله يخرج بعد طلوع الشمس).
وروى فيه (4) بسنده إلى محمد بن هارون بن موسى باسناده إلى زرارة عن
أبي جعفر (عليه السلام) قال: (لا تخرج من بيتك إلا بعد طلوع الشمس).
وفي حديث خروج الرضا (عليه السلام) إلى صلاة العيد بتكليف المأمون
المروي في كتابي الكافي وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) (5) (فلما طلعت
الشمس قام فاغتسل وتعمم ثم ساق الخبر في كيفية خروجه (عليه السلام).

(1) الوسائل الباب 29 من صلاة العيد.
(2) الوسائل الباب 29 من صلاة العيد.
(3) الوسائل الباب 18 من صلاة العيد.
(4) الوسائل الباب 18 من صلاة العيد.
(5) الوسائل الباب 19 من صلاة العيد.
227

ولم أقف في الأخبار بعد التتبع التام على ما يدل على الامتداد إلى الزوال كما
ذكروه ولا أعرف لهم مستندا غير الاجماع الذي ادعوه مع ظهور الخلاف من ظاهر
عبارتي الشيخين المنقولتين.
والعجب من السيد السند (طاب ثراه) أنه مع مناقشاته الأصحاب وعدوله
عن ما عليه اتفاقهم في جملة من الأحكام كما لا يخفى على من له أنس بكتابه مع قيام الأدلة
على ما يدعونه بمناقشاته في أسانيد أدلتهم والجمود هنا على ما ذكروه من غير دليل.
وأعجب منه استدلاله لهم بهذين الخبرين والحال كما عرفت.
نعم ربما يشير إلى ما ذكروه من الامتداد صحيحة محمد بن قيس الدالة على
قضاء صلاة العيد في الغد مع ثبوت الرؤية بعد الزوال (1) لقوله فيها (إذا شهد
عند الإمام شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بالافطار في ذلك
اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس فإن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بافطار
ذلك اليوم وأخر الصلاة إلى الغد.
قال في الوافي: هكذا وجد في النسخ والظاهر سقوط (وصلى بهم) بعد
قوله في (ذلك اليوم) أولا ويجوز أنه قد اكتفى عنه بالظهور. انتهى.
أقول: أنت خبير بأنه مع تسليم صحة ما ذكره فغاية ما يدل عليه الخبر
ثبوت الامتداد في هذه الصورة ولعله مقصور عليها من حيث الضرورة وعدم
إمكان الصلاة في ذلك الوقت المذكور في الأخبار لفواته فلا يثبت به الحكم كليا
وإلا فمن المحتمل قريبا في الخبر المذكور أن جملة (وأخر الصلاة إلى الغد) مستأنفة
لا معطوفة على الجملة الجزائية، وحاصل الكلام أنه أمر بالافطار مع ثبوت الرؤية
قبل الزوال أو بعد الزوال وعلى كل منهما أخر الصلاة إلى الغد لفوات وقتها.
ويؤيده اطلاق الخبر الذي معه وهو مرفوعة محمد بن أحمد (2) قال: (إذا

(1) الوسائل الباب 9 من صلاة العيد. وتتمة الرواية هكذا (فصلى بهم).
(2) الوسائل الباب 9 من صلاة العيد.
228

أصبح الناس صياما ولم يروا الهلال وجاء قوم عدول يشهدون على الرؤية فليفطروا
وليخرجوا من الغد أول النهار إلى عيدهم) فإنه كما ترى مطلق في كون ثبوت الرؤية
قبل الزوال أو بعده.
قال في الوافي بعد ذكر هذا الخبر أيضا: يعني إذا شهدوا بعد فوات الوقت.
ومراده يعني بعد الزوال الذي هو آخر الوقت بقرينة كلامه الأول.
ولا يخفى عليك أن صحة هذه التأويلات التي ذكرها في ذيل كل من هذين الخبرين
موقوفة على قيام الدليل على ما ادعوه من الامتداد إلى الزوال وقد عرفت أنه لا
دليل عليه، وحينئذ فلا ثمرة لهذه التأويلات واخراج الأخبار عن ظاهرها
من غير معارض.
ويعضد ما ذكرناه ما رواه في كتاب دعائم الاسلام عن علي (ع) (1) (في
القوم لا يرون الهلال فيصبحون صياما حتى يمضي وقت صلاة العيد من أول النهار
فيشهد شهود عدول أنهم رأوه من ليلتهم الماضية؟ قال يفطرون ويخرجون من
غد فيصلون صلاة العيد في أول النهار) فإنها كما ترى ظاهرة الدلالة في أن وقت صلاة
العيد أول النهار وهو بعد طلوع الشمس كما صرحت به الأخبار المتقدمة، وأن الشهود
إذا كانوا إنما شهدوا بعد مضي ذلك الوقت أفطر الناس وأخروا صلاة العيد إلى الغد
وبالجملة فإنه لا يظهر لما ذكروه (رضوان الله عليهم) دليل غير الاجماع الذي
ادعوه، وطرح هذه الأخبار التي قدمناها مع صحة بعضها صراحة الجميع في مقابلة هذا
الاجماع مما لا يتجشمه ذو دين سيما مع ظهور القدح في اجماعاتهم كما تقدم في صلاة
الجمعة وفي هذا الاجماع بخصوصه بمخالفة الشيخين المذكورين كما أشرنا إليه. وحمل
تلك الأخبار على معنى تتفق به مع الاجماع المذكور غير ظاهر.
وأنت خبير بأن البحث في هذه المسألة نظير ما تقدم في وقت صلاة الجمعة
حيث إن أكثر الأصحاب على الامتداد فيه إلى المثل ومنهم من زاد على ذلك وجعله

(1) مستدرك الوسائل الباب 6 من صلاة العيد.
229

ممتدا بامتداد وقت الظهر ومنهم من خصه بساعة الزوال، وهذا هو المؤيد بالأخبار
كما قدمنا بيانه وشيدنا أركانه.
وظاهر صاحب المدارك في تلك المسألة الميل إلى ما دلت عليه تلك الأخبار
المخالفة للقول المشهور وهنا الميل إلى القول المشهور مع عدم الدليل عليه بل قيام
الدليل على خلافه، وسؤال الفرق متجه. والله العالم.
المسألة السادسة - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في قضاء صلاة
العيد وعدمه لو زالت الشمس ولم تصل بالكلية وكذا لو صليت ولكن فات ذلك
بعض المكلفين، ثم على تقدير القول بالقضاء في الصورة الثانية فهل تقتضي
ركعتين أم أربعا؟
والكلام هنا يقع في مقامين: (الأول) في القضاء وعدمه لو لم تصل بالكلية
قال في المختلف: لو لم تثبت رؤية الهلال إلا بعد الزوال أفطر وسقطت الصلاة فرضا
ونفلا، وقال ابن الجنيد إن تحققت الرؤية بعد الزوال افطروا وغدوا إلى العيد، لنا
أن الوقت قد فات والأصل عدم القضاء فإنه إنما يجب بأمر متجدد ولم يثبت بل قد
ورد أن من فاتته مع الإمام فلا قضاء عليه (1) ولأن شرطها شرط الجمعة ومن شرائط
الجمعة بقاء الوقت فكذا ما ساواها. احتج القائلون بالقضاء بما ورد من أن من فاتته
صلاة فريضة فليقضها كما فاتته (2) والجواب المراد بذلك الصلاة اليومية لظهورها
عند الاطلاق. انتهى.
وقال الشهيد في الذكرى: لو ثبت الرؤية من الغد فإن كان قبل الزوال صليت
العيد وإن كان بعده سقطت إلا على القول بالقضاء. وقال ابن الجنيد إن تحققت الرؤية
بعد الزوال أفطروا وغدوا إلى العيد لما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) (3) أنه قال: (فطركم
يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون عرفتكم يوم تعرفون) وروي (4) (أن ركبا

(1) ص 203.
(2) الوسائل الباب 6 من قضاء الصلوات.
(3) كنز العمال ج 4 ص 302 والمهذب للشيرازي ج 1 ص 121.
(4) سنن البيهقي ج 4 ص 249.
230

شهدوا عنده (صلى الله عليه وآله) أنهم رأوا الهلال فأمرهم أن يفطروا وإذا أصبحوا أن يغدوا
إلى مصلاهم) وهذه الأخبار لم تثبت من طرقنا. انتهى. وعلى هذا النهج كلام غيرهم
من المتأخرين بل ظاهر العلامة في المنتهى كون ذلك متفقا عليه عندنا.
أقول: العجب منهم (رضوان الله عليهم) في ما ذكروه في هذا المقام مع
وجود الأدلة على القضاء في الصورة المذكورة وهو ما قدمناه في سابق هذه المسألة
من صحيحة محمد بن قيس ومرفوعة محمد بن أحمد ورواية كتاب الدعائم، وظاهر
الكليني والصدوق أيضا القول بذلك حيث أنه في الكافي (1) قال: (باب ما
يجب على الناس إذا صح عندهم بالرواية يوم الفطر بعدما أصبحوا صائمين) ثم أورد
الخبرين المتقدمين. وأما الصدوق فإنه قال أيضا (2): باب ما يجب على الناس
إلى آخر ما ذكره الكليني ثم أورد رواية محمد بن قيس ثم قال وفي خبر ثم أورد
مرفوعة محمد بن أحمد المذكورة مؤيدا ذلك بما قدمه في صدر كتابه.
(الثاني) في القضاء لو لم تدرك الصلاة مع الجماعة، وقد اضطرب كلامهم
في هذا المقام والمشهور عدم القضاء
قال في المدارك بعد قول المصنف (ولو فاتت لم تقض) ما صورته: اطلاق
العبارة يقتضي عدم الفرق في الصلاة بين كونها فرضا أو نفلا وفي الفوات بين أن
يكون عمدا أو نسيانا، وبهذا التعميم صرح في التذكرة وقال إن سقوط القضاء مذهب
أكثر الأصحاب. وقال الشيخ في التهذيب من فاتته الصلاة يوم العيد لا يجب عليه
القضاء ويجوز أن يصلي إن شاء ركعتين وإن شاء أربعا من غير أن يقصد بها القضاء
وقال ابن إدريس يستحب قضاؤها. وقال ابن حمزة إذا فاتت لا يلزم قضاؤها إلا
إذا وصل في حال الخطبة وجلس مستمعا لها. وقال ابن الجنيد من فاتته ولحق
الخطبتين صلاها أربعا مفصولات يعني بتسليمتين. ونحوه قال علي بن بابويه إلا أنه
قال يصليها بتسليمة. والأصح السقوط مطلقا. ثم استدل على ذلك بأن القضاء

(1) الفروع ج 1 ص 210.
(2) الفقيه ج 2 ص 109.
231

فرض مستأنف فيتوقف على الدلالة ولا دلالة، وبصحيحة زرارة (1) الدلالة على أن
من لم يصل مع الإمام في جماعة يوم العيد فلا صلاة له ولا قضاء عليه. ثم نقل عن
القائلين بأنها أربع الاحتجاج برواية أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن آبائه
(عليهم السلام) (2) قال: (من فاتته صلاة العيد فليصل أربعا ثم أجاب بالطعن
في السند وبمنع الدلالة فإن الأربع لا يتعين كونها قضاء. انتهى.
أقول: لا يخفى ما في كلامهم هنا من الاجمال بل الاختلال وذلك أنك قد
عرفت في سابق هذه المسألة أنهم أجمعوا على أن وقت صلاة العيد ممتد إلى الزوال
وحينئذ فالقضاء الذي هو عبارة عن فعل العبادة في خارج وقتها لا يصدق إلا على
ما كان بعد الزوال مع أن ظاهر كلامهم واختلافهم هنا يعطي أن المراد بالقضاء
إنما هو ما بعد فوات الجماعة كما يعطيه مذهب ابن حمزة وابن الجنيد وابن بابويه من
فرضهم المسألة في من لحق الخطبة واستمع لها فإنه يصلي بعدها ركعتين أو أربعا على
الخلاف، وهذا لا يسمى قضاء وإنما يرجع إلى ما قدمناه من أن من لم يدرك الجماعة
أو كان له عذر عن حضورها فإنه يستحب له أن يصلي صلاة العيد ركعتين، وهذا
هو الذي دلت عليه الأخبار المتقدمة واتفقت عليه كلمات الأصحاب، وإنما وقع
الخلاف والاشكال في كون ذلك الاستحباب مخصوصا بالفرادى أو يشمل الجماعة
أيضا، وحينئذ فذكر هذه المسألة هنا ونقل هذه الأقوال مما لا وجه له ولا معنى بالكلية
إذ القضاء كما يدعونه غير متجه كما عرفت.
(فإن قيل) يمكن حمل القضاء في كلامهم هنا على مجرد الاتيان بها فالقضاء
بمعنى الفعل كما في قوله سبحانه وتعالى (فإذا قضيت الصلاة) (3).
(قلنا) الحمل على هذا المعنى ينافيه مقابلة هذه الأقوال بسقوط القضاء الذي

(1) ص 203.
(2) الوسائل الباب 5 من صلاة العيد. والسند هكذا (عن أبيه عن علي قال).
(3) سورة الجمعة الآية 9.
232

هو المشهور، إذ ليس المراد بالقضاء هنا إلا الاتيان بها خارج الوقت كما عرفت من
احتجاج صاحب المدارك، مع أن المشهور استحباب الاتيان بها مع اختلال الشرائط
فرادى وجماعة كما تقدم، فلو كان مرادهم بالقضاء إنما هو مجرد الفعل لكان معنى القول
المشهور بأنه لا قضاء يعني لا تفعل بعد ذلك مع أن المشهور هو فعلها كما عرفت.
وبالجملة فإن كلامهم هنا لا يخلو من تشويش واجمال كما أوضحناه بحمد الملك المتعال.
نعم هذا الخلاف إنما يتجه على ما اخترناه وصرحنا به آنفا من أن وقت
صلاة العيد هو طلوع الشمس إلى أن يأتي بها جماعة فلو فات هذا الوقت وانقضت
صلاة الجماعة فيه صدق القضاء لخروج الوقت الذي ذكرناه، وهذا هو الذي دلت
عليه صحيحة زرارة المذكورة (1) فاطلاق القضاء فيها مؤيد لما اخترناه من تخصيص
الوقت بما قلناه، ففيها تأييد ظاهر لما ذكرناه من الوقت وإن خالف المشهور فإن ذلك
هو مقتضى الأدلة كما عرفت وهذا الخبر من جملتها.
بقي الكلام هنا في أشياء: أحدها - أن ظاهر كلام المدارك عدم وجود دليل
لا بن حمزة في ما نقله عنه من تخصيصه وجوب القضاء بما إذا وصل حال الخطبة
وجلس مستمعا، حيث ذكر الدليل للقول المشهور ولمذهب ابن الجنيد وابن بابويه
ولم يتعرض لدليل ابن حمزة، وقد استدل له في المختلف برواية زرارة عن عبد الله
(ع) (2) قال قال: (إذا أدركت الإمام على الخطبة تجلس حتى يفرغ من
خطبته ثم تقوم فتصلي.. الحديث) وهي ظاهرة الدلالة على القول المذكور.
وثانيا - في ما دل على الصلاة أربع ركعات والمروي في كتب الأخبار المشهورة
هو ما قدمناه من رواية أبي البختري ونحوها في كتاب دعائم الاسلام حيث روى
فيه عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (3) (أنه سئل عن الرجل لا يشهد العيد

(1) ص 219
(2) الوسائل الباب 8 من صلاة العيد. والرواية كما في المختلف أيضا هكذا
قال: (قلت أدركت الإمام علي الخطبة؟ قال تجلس حتى يفرغ من خطبته ثم تقوم فتصلي)
(3) مستدرك الوسائل الباب 2 و 3 من صلاة العيد.
233

هل عليه أن يصلي في بيته؟ قال نعم ولا صلاة إلا مع إمام عدل، ومن يشهد من
رجل أو امرأة صلى أربع ركعات ركعتين للعيد وركعتين للخطبة، وكذلك من لم
يشهد العيد من أهل البوادي يصلون لأنفسهم أربعا).
والأظهر عندي حمل ما دل على الأربع التقية لما ذكره بعض مشايخنا
المحققين من متأخري المتأخرين من أن جمعا من العامة ذهبوا إلى ذلك مع اختلافهم
أيضا في أنها تقضي بسلام واحد أو سلامين، ورووا عن ابن مسعود مضمون هذا
الخبر (1) بل رووا عن علي (ع) في حديث هذه صورته (2) (قيل لعلى (ع)

(1) في البداية لابن رشد ج 1 ص 201 (اختلفوا في من تفوته صلاة العيد مع الإمام
فقال قوم يصلي أربعا قال به أحمد، وقال قوم يقضيها على صفة صلاة الإمام وبه قال الشافعي
وأبو ثور، وقال قوم بل ركعتين لا يجهر فيهما ولا يكبر تكبيرة العيد، وقال قوم إن صلى
الإمام في المصلى صلى ركعتين وإن صلى في غير المصلى صلى أربع ركعات، وقال قوم لا قضاء
عليه وبه قال مالك وأصحابه) وفي المغني ج 2 ص 390 (من فاتته صلاة العيد فلا قضاء
عليه لأنها فرض كفاية وقام بها من حصلت به الكفاية فإن أحب قضاءها فهو مخير إن شاء
صلاها أربعا إما بسلام واحد وإما بسلامين، روى هذا عن ابن مسعود وهو قول الثوري
ثم ذكر رواية هزيل بن شرحبيل أنه قيل لعلي عليه السلام (لو أمرت رجلا يصلي بضعفة الناس
هونا في المسجد الأكبر قال إن أمرت رجلا يصلي بهم أمرت أن يصلي بهم أربعا) وروي
أنه استخلف أبا مسعود فصلى بهم في المسجد وقال أحمد أنها قضاء صلاة عيد فكان
أربعا كالجمعة. وإن شاء صلى ركعتين كصلاة التطوع وهذا قول الأوزاعي، وإن شاء صلاها
على صفة صلاة العيد بتكبير، نقل ذلك عن أحمد واختاره الجوزجاني وهو قول النخعي
ومالك والشافعي وأبي ثور وابن المنذر) وفي الانصاف في الفقه الحنبلي ج 2 ص 433
ذكر أن أشهر الروايات عن أحمد قضاؤها على صفة صلاة العيد، ثم ذكر رواية عنه أنه
يقضيها أربعا بلا تكبير بسلام واحد ورواية أخرى قضاءها أربعا بلا تكبير بسلام
أو سلامين.
(2) المغني ج 2 ص 372 قال: وروينا عن علي أنه قيل له... ولم ينسبه إلى مصدر
من مصادر الحديث.
234

قد اجتمع في المسجد ضعفاء الناس وعميانهم فلو صليت بهم في المسجد فقال أخالف
السنة إذن ولكن نخرج إلى المصلى واستخلف من يصلي بهم في المسجد أربعا) وقد
عرفت مما قدمناه (1) من أخبار أهل البيت (عليهم السلام) انكار استخلافه (ع) ردا
لهذا الخبر.
وثالثها - أن الروايات المتقدمة في المقام الأول صريحة كما عرفت وجوب
القضاء لو فات وقت الصلاة، وصحيحة زرارة المذكورة في هذا المقام صريحة في العدم
والذي يظهر لي من الجمع بينهما هو حمل الروايات الأولة على فوات الصلاة من
أصلها بحيث لم تصل بالكلية فإنه يجب القضاء على عامة المكلفين بها أداء من الإمام
والمأمومين كما هو موردها، والصحيحة المذكورة على الاتيان بالصلاة وفواتها بالنسبة
إلى بعض المكلفين كما هو مورد أيضا، فيحمل كل منهما على مورده.
ورابعها - أنه مع وجوب القضاء كما دلت عليه الأخبار الأولة فما السبب في
التأخير إلى الغد ولم لا يقع في ذلك اليوم بعينه؟ فإن القضاء لا يختص بوقت بل ربما
تعين ساعة الذكر كما تقدم في قضاء اليومية، ولعل الوجه في ذلك هو تحصيل مثل
الوقت الموظف الذي هو عبارة عن أول النهار من اليوم الثاني كما صرحت به
تلك الأخبار. وبالجملة فإنه بعد ورود الأخبار عنهم (عليهم السلام) بذلك يجب
القول بها ولا يجب علينا طلب العلة وهو مرجوع إليهم (عليهم السلام).
وظاهر كلام شيخنا المجلسي في البحار كونها في الصورة المذكورة أداء، قال
وظاهر الروايات كونها أداء. أقول وعلى هذا يزول الاشكال. ثم نقل عن العامة
أنهم اختلفوا في ذلك فذهب بعضهم إلى أنه يأتي بها في الغد قضاء وبعضهم أداء
وبعضهم نفوها مطلقا (2) ثم قال ولعل الأحوط إذا فعلها أن لا ينوي الأداء ولا

(1) ص 208 و 209.
(2) عمدة القارئ ج 3 ص 399 ونيل الأوطار ج 3 ص 163 والانصاف ج 2
ص 420 و 426.
235

القضاء. انتهى. والله العالم.
(المسألة السابعة) لو اتفق العيد والجمعة فقد اختلف الأصحاب (رضوان
الله عليهم) في ذلك، فقال الشيخ في جملة من كتبه أنه يتخير من صلى العيد في حضور
الجمعة وعدمه، ونحوه قال الشيخ المفيد في المقنعة ورواه ابن بابويه في كتابه،
واختاره ابن إدريس، وإليه ذهب أكثر المتأخرين بل نسبة العلامة في المنتهى
إلى من عدا أبي الصلاح وفي الذكرى إلى الأكثر، ونقل عن ابن الجنيد في ظاهر
كلامه اختصاص الترخيص بمن كان قاضي المنزل، واختاره العلامة في بعض كتبه.
وقال أبو الصلاح قد وردت الرواية إذا اجتمع عيد وجمعة أن المكلف مخير في حضور
أيهما شاء، والظاهر في المسألة وجوب عقد الصلاتين وحضورهما على من خوطب
بذلك. وقريب منه كلام ابن البراج وابن زهرة.
والذي وقفت عليه من الأخبار في هذه المسألة ما رواه الصدوق في الفقيه
في الصحيح عن الحلبي (1) (أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن الفطر والأضحى إذا
اجتمعا يوم الجمعة قال اجتمعا في زمان علي (ع) فقال من شاء أن يأتي الجمعة فليأت
ومن قعد فلا يضره وليصل الظهر. وخطب علي (ع) خطبتين جمع فيهما خطبة العيد
وخطبة الجمعة).
وما رواه في الكافي عن سلمة عن أبي عبد الله (ع) (2) قال: (اجتمع عيدان
على عهد أمير المؤمنين (ع) فخطب الناس هذا يوم اجتمع فيه عيدان فمن
أحب أن يجمع معنا فليفعل ومن لم يفعل فإن له. رخصة يعني من كان متنحيا).
وما رواه في التهذيب عن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (عليهما
السلام) (3) (أن علي بن أبي طالب (ع) كان يقول إذا اجتمع عيدان للناس في
يوم واحد فإنه ينبغي للإمام أن يقول للناس في خطبته الأولى أنه قد اجتمع لكم

(1) الوسائل الباب 15 من صلاة العيد.
(2) الوسائل الباب 15 من صلاة العيد.
(3) الوسائل الباب 15 من صلاة العيد.
236

عيدان فأنا أصليهما جميعا فمن كان مكانه قاصيا فأحب أن ينصرف عن الآخر
فقد أذنت له.
وما رواه في كتاب دعائم الاسلام عن علي (ع) (1) (أنه اجتمع في خلافته
عيدان في يوم واحد جمعة وعيد فصلى بالناس صلاة العيد ثم قال قد أذنت لمن كان
مكانه قاصيا - يعني من أهل البوادي - أن ينصرف ثم صلى الجمعة بالناس في المسجد).
واختار في المدارك القول الأول واستدل عليه بصحيحة الحلبي المذكورة ثم
نقل احتجاج ابن الجنيد برواية إسحاق بن عمار ونحوها رواية سلمة، ثم قال
والجواب بعد تسليم السند منع الدلالة على اختصاص الرخصة بالنائي فإن استحباب
إذن الإمام في الخطبة للنائي في عدم الحضور لا يقتضي وجوب الحضور على غيره.
ثم قال احتج القائلون بوجوب الصلاتين بأن دليل الحضور فيهما قطعي وخبر الواحد
المتضمن لسقوط الجمعة والحال هذه إنما يفيد الظن فلا يعارض القطع. وأجاب
عنه في الذكرى بأن الخبر المتلقى بالقبول المعمول عليه عند معظم الأصحاب في قوة
المتواتر فيلحق بالقطعي، وبأن نفي الحرج والعسر يدل على ذلك أيضا فيكون الخبر
معتضدا بالكتاب العزيز. هذا كلامه (قدس سره) وفيه بحث طويل ليس هذا
محله. انتهى. أقول ومنه يعلم أدلة الأقوال في المقام وما يتعلق بها من النقض والابرام
والتحقيق عندي في هذه المسألة أن يقال لا ريب أن من يرى العمل بهذا
الاصطلاح فإن الأظهر من هذه الأقوال عنده هو القول الأول للصحيحة المذكورة
وضعف ما عارضها من الروايات المذكورة، وأما ما عارضها من الأدلة الدالة على
وجوب الجمعة كتابا وسنة فالظاهر أنها تخصص بها كما وقع لهم في غير موضع من
تخصيص عموم أدلة الكتاب والسنة بالخبر الصحيح، وأما من لا يرن العمل به
بل يحكم بصحة جميع الأخبار الواردة ولكن يحكم بالحاقه بالصحيح لشهرته بين
الأصحاب وتلقيه بالقبول كما سمعت من كلام الذكرى فإنه يجب أن يكون الأظهر عنده

(1) مستدرك الوسائل الباب 12 من صلاة العيد.
237

هو ما ذكره ابن الجنيد.
وتوضيحه أن صحيحة الحلبي وإن دلت باطلاقها على السقوط عن كل من حضر
العيد من أهل المصر وغيرهم من أهل القرى إلا أن الروايات الأخر قد خصت
الرخصة بالنائي من أهل القرى، فيجب حمل اطلاق الصحيحة المذكورة على ما فصلته
هذه الروايات حمل المطلق على المقيد كما هو القاعدة المسلمة بينهم. وأما قوله في
المدارك - في منع دلالة الروايتين المذكورتين في كلامه: أن إذن الإمام للنائي في
عدم الحضور لا يقضي وجوب الحضور على غيره - فهو مغالطة لأن أحدا
لا يدعى ذلك وإنما الوجه في ذلك هو أن الأدلة من الكتاب والسنة قد دلت على
وجوب الجمعة فسقوطها يحتاج إلى دليل، والروايات هنا مع صحتها كما هو المفروض
قد دل بعضها على السقوط مطلقا وبعضها على تخصيص السقوط بالنائي، ومقتضى الجمع
حمل مطلقها على مقيدها وبها حينئذ يخص عموم الكتاب والسنة، واللازم من ذلك
هو ما قلناه من تخصيص الرخصة بالنائي خاصة.
وبذلك يظهر لك ضعف قول من ذهب إلى السقوط مطلقا كما هو القول الأول
لما فيه من اطراح هذه الأخبار مع إمكان الجمع بينها وبين الصحيحة المذكورة بما
ذكرناه، وضعف قول من ذهب إلى الوجوب مطلقا كما هو قول أبي الصلاح ومن معه
لما ذكرنا من تخصيص تلك الأدلة بهذه الأخبار بعد جمعها على ذلك الوجه الواضح المنار
وأماما ذكره في الذكرى - من أن البعد والقرب من الأمور الإضافية
فيصدق القاضي على من بعد بأدنى بعد فيدخل الجميع إلا من كان مجاورا للمسجد، وجعل
هذا وجه جمع بين الأخبار ومن ثم قال بالقول الأول مع ما ذكره من الاعتماد على
روايتي إسحاق وسلمة - فبعده أظهر من أن يخفى، إذ المتبادر عرقا من القاضي هنا
إنما هو من كان خارجا عن المصر وهم أصحاب القرى الخارجة كما صرح به صاحب
كتاب الدائم، وهذا هو المعنى الذي فهمه عامة الأصحاب لأنه هو المتبادر
المنساق إلى الفهم في هذا الباب، وقد اعترف هو نفسه بذلك أيضا فقال بعد ذكر
238

ما قدمنا نقله عنه: وربما صار بعض إلى تفسير القاصي بأهل القرى دون أهل البلد
لأنه المتعارف. انتهى. وتخصيصه بالبعض المؤذن بوجود بعض آخر قائل بما
ذهب إليه لا وجه له فإن من أمعن النظر في كلام الأصحاب لا يخفى عليه أن ما ذكره
(قدس سره) مخصوص به.
ثم على تقدير القول المشهور من تخيير الجميع المؤذن بسقوط الوجوب عنهم
فهل يجب الحضور على الإمام أم لا؟ قطع جمع من الأصحاب: منهم - المرتضى
في المصباح على ما نقل عنه بوجوب الحضور عليه فإن اجتمع معه العدد صلى الجمعة
وإلا سقطت وصلى الظهر.
قال في المدارك وربما ظهر من الشيخ في الخلاف تخيير الإمام أيضا
ولا بأس به. انتهى.
أقول: لا يخفى ثبوت البأس في ما نفي عنه البأس (أما أولا) فللأدلة العامة
في وجوب الحضور للجمعة وهي قطعة لا معارض لها هنا.
و (أما ثانيا) فلقوله (ع) في خبر إسحاق به عمار (1) (فأنا أصليهما جميعا)
وقوله (ع) في خبر سلمة (أن يجمع معنا) وفي خبر الدعائم (2) (قد أذنت لمن كان
مكانه قاصيا).
وبالجملة فإن المفهوم من هذه الأخبار أن التخيير إنما هو للمأمومين كما تشعر
به الصحيحة المذكورة أو لخصوص القاصي كما تشعر به الروايات الأخر.
قال في الذكرى: تنبيه - ظاهر كلام الشيخ في الخلاف تخيير الإمام أيضا وصرح
المرتضى بوجوب الحضور عليه وهو الأقرب لوجود المقتضي مع عدم المنافي، ولما
مر في خبر إسحاق (وأنا أصليهما جميعا) انتهى. وهو جيد.
ونقل في الذخيرة القول بالوجوب على الإمام عن أبي الصلاح وابن البراج
والمحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى والشهيد في الذكرى وهو الحق في المسألة.

(1) ص 236
(2) ص 237.
239

ثم إنهم صرحوا بأنه يستحب للإمام الاعلام بذلك في الخطبة تأسيا بأمير
المؤمنين (ع) (1) وهو جيد. وهو العالم.
البحث الثاني - في الكيفية وكيفيتها أن يكبر تكبيرة الاحرام ويقرأ الحمد
وسورة ثم يكبر بعد القراءة على الأظهر ثم يقنت بالمرسوم حتى يكبر خمسا ثم يكبر
ويركع فإذا سجد السجدتين قام وقرأ الحمد وسورة ثم يكبر أربعا ويقنت بعد كل
تكبيرة ثم يكبر خامسة للركوع ويركع، فيكون الزائد على المعتاد تسع تكبيرات خمس
في الأولى وأربع في الثانية.
والأصل في هذه الكيفية الأخبار الواردة عن أهل العصمة (عليهم السلام)
ومنها - ما رواه ثقة الاسلام في الكافي عن معاوية بن عمار (2) قال: (سألته عن
صلاة العيدين فقال ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شئ وليس فيهما أذان ولا إقامة،
يكبر فيهما اثنتي عشرة تكبيرة: يبدأ فيكبر يفتتح الصلاة ثم يقرأ فاتحة الكتاب
ثم يقرأ (والشمس وضحاها) ثم يكبر خمس تكبيرات ثم يكبر ويركع فيكون
يركع بالسابعة ثم يسجد سجدتين ثم يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب (وهل أتاك حديث
الغاشية) ثم يكبر أربع تكبيرات ويسجد سجدتين ويتشهد ويسلم. قال: وكذلك
صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله) والخطبة بعد الصلاة وإنما أحدث الخطبة قبل الصلاة
عثمان... الحديث).
ومنها - ما رواه عن علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله (ع) (3) (في صلاة
العيدين قال يكبر ثم يقرأ ثم يكبر خمسا ويقنت بين كل تكبيرتين ثم يكبر السابعة
ويركع بها، ثم يسجد ثم يقوم في الثانية فيقرأ ثم يكبر أربعا ويقنت بين كل
تكبيرتين ثم يكبر ويركع بها).
ومنها - ما رواه الشيخ في التهذيب عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) (4)

(1) كما دلت عليه صحيحة الحلبي ورواية سلمة المتقدمتان ص 236
(2) الوسائل الباب 10 من صلاة العيد.
(3) الوسائل الباب 10 من صلاة العيد.
(4) الوسائل الباب 10 من صلاة العيد.
240

قال: (التكبير في الفطر والأضحى اثنتا عشرة تكبيرة: يكبر في الأولى واحدة
ثم يقرأ ثم يكبر بعد القراءة خمس تكبيرات والسابعة يركع بها، ثم يقوم في الثانية
فيقرأ ثم يكبر أربعا والخامسة يركع بها... الحديث).
وعن يعقوب بن يقطين في الصحيح (1) قال: (سألت العبد الصالح (ع)
عن التكبير في العيدين أقبل القراءة أو بعدها؟ وكم عدد التكبير في الأولى وفي
الثانية والدعاء بينهما وهل فيهما قنوت أم لا؟ فقال تكبير العيدين للصلاة قبل
الخطبة يكبر تكبيرة يفتتح بها الصلاة ثم يقرأ ويكبر خمسا ويدعو بينهما ثم يكبر
أخرى ويركع بها فذلك سبع تكبيرات بالتي افتتح بها، ثم يكبر في الثانية خمسا:
يقوم فيقرأ ثم يكبر أربعا ويدعو بينهن ثم يكبر التكبيرة الخامسة).
وعن إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (ع) (2) (في صلاة العيدين قال يكبر
واحدة يفتتح بها الصلاة ثم يقرأ أم الكتاب وسورة ثم يكبر خمسا يقنت بينهن
ثم يكبر واحدة ويركع بها، ثم يقوم فيقرأ أم القرآن وسورة، يقرأ في الأولى
(سبح اسم ربك الأعلى) وفي الثانية (والشمس وضحاها) ثم يكبر أربعا ويقنت
بينهن ثم يركع بالخامسة).
وعن محمد بن مسلم (3) قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن التكبير في الفطر
والأضحى فقال ابدأ فكبر تكبيرة ثم تقرأ ثم تكبر بعد القراءة خمس تكبيرات ثم
تركع بالسابعة، ثم تقوم فتقرأ ثم تكبر أربع تكبيرات ثم تركع بالخامسة.
وعن سماعة في الموثق (4) قال: (سألته عن الصلاة يوم الفطر فقال ركعتين
بغير أذان ولا إقامة، وينبغي للإمام أن يصلي قبل الخطبة، والتكبير في الركعة
الأولى يكبر ستا ثم يقرأ يكبر السابعة ثم يركع بها فتلك سبع تكبيرات، ثم يقوم
في الثانية فيقرأ فإذا فرغ من القراءة كبر أربعا ثم يكبر الخامسة ويركع بها... الحديث)
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

(1) الوسائل الباب 10 من صلاة العيد.
(2) الوسائل الباب 10 من صلاة العيد.
(3) الوسائل الباب 10 من صلاة العيد.
(4) الوسائل الباب 10 من صلاة العيد.
241

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد وقع الخلاف هنا في مواضع: (الأول) في
التكبيرات الزائدة وهي التكبيرات التسع هل هي واجبة أو مستحبة؟ فالذي عليه
الأكثر - ومنهم السيد المرتضى وابن الجنيد وأبو الصلاح وابن إدريس - الوجوب
وقال الشيخ المفيد في المقنعة: من أخل بالتكبيرات التسع لم يكن مأثوما إلا أنه يكون تاركا سنة ومهملا فضلة. وهو صريح في الاستحباب.
واستدل له الشيخ في التهذيب بصحيحة زرارة (1) قال: (إن عبد الملك بن
أعين سأل أبا جعفر (ع) عن الصلاة في العيدين فقال الصلاة فيهما سواء: يكبر الإمام
تكبيرة الصلاة قائما كما يصنع في الفريضة ثم يزيد في الركعة الأولى ثلاث تكبيرات
وفي الأخرى ثلاثا سوى تكبيرة الصلاة والركوع والسجود، وإن شاء ثلاثا وخمسا
وإن شاء خمسا وسبعا بعد أن يلحق ذلك إلى وتر) قال الشيخ: ألا ترى أنه جوز
الاقتصار على الثلاث تكبيرات وعلى الخمس تكبيرات وهذا يدل على أن الاخلال
بها لا يضر الصلاة.
وإلى هذا القول مال جملة من المتأخرين: منهم - المحقق في المعتبر وغيره.
وأجاب في الإستبصار عن هذه الرواية وما في معناها بالحمل على التقية لموافقتها
لمذهب كثير من العامة (2) قال ولسنا نعمل به واجماع الفرقة المحقة على ما قدمناه.
واستدل في المدارك للقول المشهور - حيث اختاره وجعله الأصح - بالتأسي
وظاهر الأمر.
وأنت خبير بأن استدلاله بالتأسي هنا لا وجه له وإن وقع منه مثله في غير
موضع كما وقع منه رد ذلك أيضا في غير موضع، وهذا من جملة المواضع التي
اضطرب فيها كلامه كما تقدمت الإشارة إليه في مواضع من الكتاب. والتأسي إنما
يمكن الاستدلال به على الوجوب في ما علم وجوبه على المعصوم (ع) لا مطلقا كما

(1) الوسائل الباب 10 من صلاة العيد.
(2) نيل الأوطار ج 3 ص 253 والبحر الرائق ج 2 ص 160.
242

صرحوا به في الأصول. نعم الاستدلال بظاهر الأمر جيد.
ثم إن مما يؤيد ما ذكره الشيخ من صحيحة زرارة ما رواه عن هارون بن حمزة
الغنوي عن أبي عبد الله (ع) (1) قال: (سألته عن التكبير في الفطر والأضحى
قال خمس وأربع فلا يضرك إذا انصرفت على وتر) قوله (خمس وأربع) يعني خمس
في الأولى وأربع في الثانية من غير إضافة تكبيرة الاحرام ولا تكبيرة الركوع.
وقوله (فلا يضرك إذا انصرفت على وتر) يعني أن السنة في التكبيرات هو ذكرنا
من التسع على الوجه المذكور إلا أنه لا يضرك الاقتصار على ما دون ذلك مع كون
اتمام التكبير على وتر فيهما معا كما في الخبر أو في كل واحدة كما في صحيحة
زرارة المذكورة.
وقال في كتاب الفقه الرضوي (2) بعد أن ذكر أولا كيفية الصلاة على نحو
ما قدمناه في الأخبار: وروي أن أمير المؤمنين (ع) صلى بالناس صلاة العيد
فكبر في الركعة الأولى بثلاث تكبيرات وفي الثانية بخمس تكبيرات وقرأ فيهما
(سبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية) وروي أنه كبر في الأولى بسبع
وكبر في الثانية بخمس وركع بالخامسة، وقنت بين كل تكبيرتين.
وكيف كان فالأقرب هو القول المشهور مع تأيده بالاحتياط وتوقف الخروج
عن عهدة التكليف على الاتيان بذلك وتعين حمل ما خالفه على التقية (3) كما صرح
به في الإستبصار. والله العالم.
الثاني - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في التكبير في الركعتين هل
هو بعد القراءة فيهما معا أو في الثانية خاصة وأما الأولى فقبلها أو يفرق في الثانية
فتجعل واحدة قبل القراءة والباقي بعدها؟ على أقوال، والمشهور الأول ونقله في
المدارك عن معظم الأصحاب، قال: ومنهم - الشيخ والمرتضى وابن بابويه وابن

(1) الوسائل الباب 10 من صلاة العيد.
(2) ص 12.
(3) التعليقة 2 ص 242.
243

أبي عقيل وابن حمزة وابن إدريس، وقال ابن الجنيد التكبير في الأولى قبل القراءة
وفي الثانية بعدها، وقال الشيخ المفيد يكبر للقيام إلى الثانية قبل القراءة ثم يكبر
بعد القراءة ثلاثا ويقنت ثلاثا. وهذا القول نقله في المختلف عن السيد المرتضى
والشيخ المفيد وأبي الصلاح وابن البراج وابن زهرة.
قال (قدس سره) في الكتاب المذكور: مسألة - قال الشيخ يبدأ بعد
تكبيرة الاحرام بالقراءة ثم يكبر التكبيرات للقنوت في الركعة الأولى وفي الثانية
يكبر أيضا بعد القراءة، وهو قول السيد المرتضى وابن أبي عقيل وابن حمزة وابن
إدريس وابن بابويه والمفيد وأبي الصلاح وابن البراج وابن زهرة، ألا إن السيد
المرتضى قال: فإذا نهض إلى الثانية كبر وقرأ ثم كبر الباقي بعد القراءة. وكذا قال
المفيد وأبو الصلاح وابن البراج وابن زهرة. والظاهر أن مرادهم بالتكبير السابق
على القراءة في الركعة الثانية هو تكبيرة القيام إليها. ثم نقل مذهب ابن الجنيد.
أقول: وظاهره أنه قول مشهور بين المتقدمين فاقتصاره في المدارك على
نقل ذلك عن الشيخ المفيد خاصة غفلة منه عن ملاحظة ما في المختلف بل عده ابن
بابويه والمرتضى من جملة القائلين بالقول المشهور مع أن الأمر ليس كذلك، أما
المرتضى فلما عرفت من عبارة المختلف وأما ابن بابويه فلما ذكره في الفقيه حيث
قال: يبدأ الإمام فيكبر واحدة ثم يقرأ الحمد (وسبح اسم ربك الأعلى) ثم يكبر
خمسا يقنت بين كل تكبيرتين ثم يركع بالسابعة ويسجد سجدتين فإذا نهض إلى الثانية
كبر وقرأ (الحمد والشمس وضحاها) ثم كبر تمام أربع تكبيرات مع تكبيرة
القيام ثم يركع بالخامسة.
بقي الكلام في مستند هذا القول حيث أنه خلاف ما صرحت به أخبار المسألة
مما تقدم وسيأتي إن شاء الله تعالى، وعدم وصول المستند إلينا لا يدل على العدم
فإن هؤلاء الأجلاء لا يقولون بذلك إلا مع وصول النص إليهم إلا أنا غير مكلفين
به مع عدم وصوله إلينا. وأما مستند القول المشهور فهو ما قدمناه من الأخبار.
244

وأما ما ذهب إليه ابن الجنيد فيدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله
ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) (1) قال: (التكبير في العيدين في الأولى سبع قبل
القراءة وفي الأخيرة خمس بعد القراءة).
وعن إسماعيل بن سعد الأشعري في الصحيح عن الرضا (ع) (2) قال:
(سألته عن التكبير في العيدين قال التكبير في الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة
وفي الأخيرة خمس تكبيرات بعد القراءة).
وعن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله وحماد عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) (3)
(في صلاة العيدين قال تصل القراءة بالقراءة، وقال تبدأ بالتكبير في الأولى ثم تقرأ
ثم تركع بالسابعة).
وعن سماعة في الموثق (4) قال: (سألته عن الصلاة يوم الفطر فقال ركعتين
بغير أذان ولا إقامة... الخبر وقد تقدم في البحث.
ومنها - ما رواه الصدوق في الفقيه عن أبي الصباح الكناني قال:
(سألت أبا عبد الله (ع) عن التكبير في العيدين فقال اثنتا عشرة سبع في الأولى
وخمس في الأخيرة، فإذا قمت في الصلاة فكبر واحدة وتقول أشهد أن لا إله إلا
الله... ثم ساق التكبيرات والأدعية بعدها إلى أن قال وتقرأ الحمد (وسبح اسم ربك
الأعلى) وتكبر السابعة وتركع وتسجد وتقوم وتقرأ الحمد (والشمس وضحاها) وتقول
الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله... ثم ساق التكبيرات وأدعيتها.
وأجاب الشيخ في التهذيبين عن هذه الروايات بأنها موافقة لمذهب بعض
العامة (6) قال في المعتبر بعد نقل ذلك عنه: وليس هذا التأويل بحسن فإن ابن بابويه
ذكر ذلك في كتابه بعد أن ذكر في خطبته أنه لا يودعه إلا ما هو حجة، قال

(1) الوسائل الباب 10 من صلاة العيد.
(2) الوسائل الباب 10 من صلاة العيد.
(3) الوسائل الباب 10 من صلاة العيد.
(4) الوسائل الباب 10 من صلاة العيد.
(5) الوسائل الباب 26 من صلاة العيد.
(6) نيل الأوطار ج 3 ص 253.
245

والأولى أن يقال فيه روايتان أشهرهما بين الأصحاب ما اختاره الشيخ. قال في
المدارك بعد نقل ذلك: وهو حسن.
أقول - وبالله سبحانه التوفيق إلى هدايته سواء الطريق - ما ذكره هذان
الفاضلان محل نضر عندي من وجوه:
الأول - أنه لا يخفى على من تأمل كتاب من لا يحضره الفقيه ونظره ولاحظه
بعين التدبر والتفكر أنه لم يبق مصنفه على هذه القاعدة التي ذكرها في صدر كتابه (1)
أو أنه أراد بها معنى غير ما يتسارع إليه فهم الناظر فيها، حيث أنه أورد في الكتاب
جملا من الأخبار الظاهرة التناقض من غير تعرض للجمع بينهما وجملا من الأخبار
الشاذة النادرة الظاهرة في الموافقة للعامة وجملا من الأخبار المخالفة لما عليه كافة علماء
الفرقة سلفا وخلفا مثل خبر الوضوء والغسل بماء الورد (2) وخبر نقض الطهارة
بمجرد مس الذكر (3) وخبر طهارة جلد الميتة (4) وأمثال ذلك مما مر بنا حال قراءة

(1) ج 1 ص 6.
(2) الوسائل الباب 3 من الماء المضاف عن الكليني ورواها الشيخ في التهذيب ج 1
ص 62 عن الكليني وكذا في الإستبصار ج 1 ص 14 والصدوق لم يورد ذلك في الفقيه
بنحو الرواية وإنما ذكره ج 1 ص 6 بنحو الفتوى. هذا على تقدير أن تكون العبارة
كما نقلها المصنف (قدس سره) ج 1 ص 394 هكذا (ولا بأس بالوضوء والغسل من
الجنابة والاستياك بماء الورد) وأما على تقدير أن تكون العبارة كما هي في الفقيه هكذا
(ولا بأس بالوضوء منه والغسل من الجنابة والاستياك بماء الورد) فلا دلالة لها على
جواز الوضوء والغسل بماء الورد أصلا وإنما تتعرض للاستياك بماء الورد فقط إذ هي
واردة عقيب خبر بلوغ الماء القلتين وأنه لا ينجسه شئ فهي ناظرة إلى جواز الوضوء
والغسل من الماء البالغ قلتين وضمير (منه) راجع إليه.
(3) الوسائل الباب 9 من نواقض الوضاء عن الشيخ ولم يورده في الفقيه بنحو
الرواية وإنما ذكره ج 1 ص 39 بنحو الفتوى.
(4) الوسائل الباب 34 من النجاسات.
246

بعض الأخوان في الكتاب علينا. وبالجملة فإنا قد صار الأمر عندنا في عبارته
المذكورة بناء على ما وقفنا عليه في كتابه مما لا شك في عدم العمل بها على ظاهرها
كما يقف عليه المتتبع البصير ولا ينبئك مثل خبير.
الثاني - أن ما ذكروه - من حجية ما ذكره ابن بابويه في كتابه بناء على
ما قدمه في صدره - لا نراهم يقفون عليه دائما ولا يجعلونه كليا وإنما يدورون فيه
مدار أغراضهم ومقاصدهم، فتارة يحتجون بما في الكتاب بناء على القاعدة المذكورة
في صدره وتارة يرمون أخباره بضعف السند إذا لم تكن صحيحة باصطلاحهم
ويغمضون النظر عن هذه القاعدة ويلغون ما فيها من الفائدة كما يخفى على من تتبع
كتاب المدارك في غير مقام. ومقتضى الوقوف على هذه القاعدة هو الجواب عن
أخباره بغير ضعف السند كما لا يخفى.
الثالث - أن مرجع كلام هذا القائل إلى التخيير، وفيه أنه لا يخفى أن التخيير
حكم شرعي يتوقف على ثبوت الدليل الواضح كغيره من الأحكام الشرعية، ومجرد
اختلاف الأخبار لا يصلح لأن يكون دليلا على ذلك وإلا لكان ذلك قاعدة كلية
في مواضع اختلاف الأخبار ولا أظن هذا القائل يلتزمه، والأخبار المذكورة
عارية عن الإشارة فضلا عن الدالة الظاهرة على ما ادعاه.
الرابع - أن الأئمة (عليهم السلام) قد قرروا لنا قواعد لاختلاف الأخبار
وأمروا بالرجوع إليها في الترجيح بينها وأخذ بالراجح في هذا المضمار ومنها العرض
على مذهب العامة والأخذ بخلافه (1).
والعامة وإن كانوا في هذه المسألة مختلفين أيضا إلا أن جملة منهم - كما نقله في
المنتهى - على التقديم مطلقا وجملة منهم على التقديم على القراءة في الأولى والتأخير
في الثانية كما هو مذهب ابن الجنيد، ونقل الأول في المنتهى عن الشافعي قال: وهو
المروي عن أبي هريرة والفقهاء السبعة وعمر بن عبد العزيز والزهري ومالك والليث

(1) الوسائل الباب من 9 صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به
247

وأحمد في إحدى الروايتين، ونقل الثاني عن أحمد في الرواية الأخرى وابن مسعود
وحذيفة وأبي موسى والحسن وابن سيرين والثوري، قال وبه قال أصحاب الرأي (1)
ومنه يظهر أن أخبار القول المشهور سالمة من تطرق احتمال التقية بالكلية
حيث لا قائل منهم بالتأخير في الركعتين معا وهذه الأخبار موافقة لأهل القول الثاني
الذين من جملتهم أبو حنيفة وأتباعه وهم المشار إليهم بأصحاب الرأي، ولا ريب
أن مذهب أبي حنيفة في عصره كان في غاية القوة والشيوع كما لا يخفى على من لاحظ
السير والأخبار فيتعين حملها على التقية.
ولكن بعض المتصلفين من أصحاب هذا الاصطلاح كما أشرنا إليه في غير
موضع مما تقدم يتهافتون على صحة الأسانيد فإذا كان الخبر صحيحا باصطلاحهم
جمدوا عليه وإن كان مضمونه مخالفا للقواعد الشرعية ومشتملا على العلل الظاهرة
غير الخفية، ومتى كان الخبر ضعيفا باصطلاحهم أعرضوا عنه وإن اعتضد
بموافقة الأصول والكتاب والشهرة بين الأصحاب إلا أن تلجئهم الحاجة إليه
فيغمضون عن ذلك.
ومما يعضد ما ذكرناه اتفاق الأصحاب على العمل بمضمون ما قدمناه من
الأخبار والاعراض عن هذه الأخبار قديما وحديثا سوى ابن الجنيد الذي قد طعنوا
عليه بموافقته للعامة في جملة فتاواه بل عمله بالقياس الذي هو من أصول العامة. وبالجملة
فالحق هو القول المشهور.
وقد وافقنا في هذا المقام الفاضل الخراساني في الذخيرة مع اقتفائه أثر صاحب
المدارك في جل الأحكام والجمود على أقواله وأدلته وتشييدها، فقال بعد نقل
الجمع بين الأخبار بحمل أخبار ابن الجنيد على التقية: وهو حسن. وقال بعد نقل
كلام المعتبر الذي استحسنه صاحب المدارك: وفيه تأمل لا يخفى على المتدبر.
وبالجملة فالجمع بما ذكره الشيخ (قدس سره) بين الأخبار جيد لا يعتريه عند

(1) نيل الأوطار ج 3 ص 253.
248

الانصاف شبهة الانكار. والله العالم.
الثالث - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في القنوت بعد التكبيرات
السبع هل هو واجب أو مستحب؟ فالأكثر على الأول وهو الذي عليه المعول
ونص المرتضى كما ذكره في الذكرى على أنه مما انفرد به الإمامية، وقال الشيخ في
الخلاف أنه مستحب لأن الأصل براءة الذمة من الوجوب.
وظاهر صاحب المدارك الميل إلى ذلك فإنه بعد أن احتج للقول الأول
بروايتي يعقوب بن يقطين وإسماعيل بن جابر (1) نقل عن الشيخ في الخلاف القول
بالاستحباب والاحتجاج عليه بأصالة براءة الذمة من الوجوب. قال وجوابه أن
الأصل يصار إلى خلافه لدليل وقد بيناه. ثم قال: وقد يقال إن هاتين الروايتين
لا تنهضان حجة في اثبات حكم مخالف للأصل خصوصا مع معارضتهما بعدة أخبار
واردة في مقام البيان خالية من ذكر القنوت.
وأنت خبير بما فيه كما لا يخفى على الفطن النبيه (أما أولا) فلأنه قد حكم
بصحة رواية يعقوب بن يقطين في صدر هذه المقالة في الاستدلال على بيان الكيفية
والأمر كذلك وإن ذكرها هنا عارية عن وصف الصحة، وحينئذ فتمسكه بالأصل
في مقابلة الخبر الصحيح الصريح الذي هو دليل شرعي عنده خروج عن قاعدته في
هذا الكتاب بل القاعدة المتفق عليها بين الأصحاب.
و (أما ثانيا) فإن الفضل بالقنوت والأمر به هنا ليس منحصرا في هاتين الروايتين
بل هو موجود في جملة من الأخبار:
ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (2) قال: (سألته
عن الكلام الذي يتكلم به في ما بين التكبيرتين في العيدين فقال ما شئت من
الكلام الحسن).

(1) ص 241.
(2) الوسائل الباب 26 من صلاة العيد.
249

وفي رواية علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله (ع) (1) قال في الركعة الأولى:
(ثم يكبر خمسا ويقنت بين كل تكبيرتين... إلى أن قال في الثانية: ثم يكبر أربعا
فيقنت بين كل تكبيرتين).
وفي رواية بشر بن سعيد عن أبي عبد الله (ع) (2) قال: (تقول في دعاء
العيدين بين كل تكبيرتين: الله ربي... إلى آخره).
وفي رواية محمد بن عيسى بن أبي منصور عن أبي عبد الله (ع) (3) قال: (تقول
بين كل تكبيرتين في صلاة العيدين: اللهم أهل الكبرياء...)
وفي رواية جابر عن أبي جعفر (ع) (4) قال: (كان أمير المؤمنين (ع) إذا
كبر في العيدين قال بين كل تكبيرتين: أشهد أن لا إله إلا الله.. إلى آخره.)
وفي موثقة سماعة (5) (وينبغي أن يتضرع بين كل تكبيرتين ويدعو الله) ولفظ
(ينبغي) في الأخبار كما قدمنا بيانه مشترك بين الوجوب والاستحباب.
وفي رواية الكناني (6) (فكبر واحدة وتقول أشهد أن لا إله إلا الله.. إلى
آخره) ثم ساق التكبيرات والأدعية على أثرها.
وفي كتاب الفقه الرضوي (7) (تكبير في الركعة الأولى سبع تكبيرات وفي
الثاية خمس تكبيرات تقنت بين كل تكبيرتين، والقنوت أن تقول.. إلى آخره).
و (أما ثالثا) فإن ما ذكره - من المعارضة بعدة من الأخبار الواردة في مقام
البيان خالية من ذكر القنوت - مردود بأن غايتها أن تكون مطلقة بالنسبة إلى
الاتيان بالقنوت وعدمه لا أنها دالة على نفيه، ومقتضى الجمع بينها وبين ما ذكرنا
من الأخبار هو حمل اطلاقها على هذه الأخبار المقيدة كما هو مقتضى القاعدة المطردة
على أنه يمكن أن يقال - بل هو الظاهر لا على طريق الاحتمال - أن كون المقام في تلك
الأخبار مقام البيان إنما هو بالنسبة إلى التكبيرات كما وكيفا لاختلاف الأخبار

(1) الوسائل الباب 10 من صلاة العيد
(2) الوسائل الباب 26 من صلاة العيد
(3) الوسائل الباب 26 من صلاة العيد
(4) الوسائل الباب 26 من صلاة العيد
(5) الوسائل الباب 10 من صلاة العيد
(6) الوسائل الباب 26 من صلاة العيد
(7) ص 12.
250

- كما عرفت آنفا في ذلك وكون بعضها إنما خرج مخرج التقية كما قدمنا ذكره في
روايات ابن الجنيد الدالة على أن التكبير في الأولى قبل القراءة (1) وكما تقدم نقله (2)
عن الشيخ في الإستبصار في الجواب عن رواية عبد الملك بن أعين الدالة في التكبير
على التخيير (إن شاء ثلاثا وخمسا وسبعا بعد أن يلحق ذلك إلى وتر)
ونحوها مما قدمنا ذكره، وحينئذ فإذا كان الاختلاف في التكبير على هذا الوجه
يكون الغرض من هذه الأخبار البيان بالنسبة إلى الوجه المذكور لا بالنسبة إلى
كيفية الصلاة، ويعضد ذلك أن هذه الروايات التي زعم ورودها في مقام البيان
إنما تضمنت التكبير خاصة دون غيره مما يتعلق بكيفية الصلاة.
ومن ذلك يظهر لك أن الظاهر هو القول المشهور من الوجوب في القنوت
لوقوع الأمر به في جملة من هذه الأخبار وإن كان بالجملة الفعلية ويعضده توقف
يقين البراءة عليه.
وبذلك يتبين لك أيضا ما في كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة حيث أنه
تبع صاحب المدارك في الاستناد إلى مقام البيان في تلك الأخبار الخالية من ذكر
القنوت كما هي عادته غالبا. والله العالم.
الرابع - أجمع الأصحاب (رضوان الله عليهم) على وجوب قراءة سورة بعد
الحمد وأنه لا يتعين في ذلك سورة مخصوصة قاله في التذكرة، وإنما اختلفوا في
الأفضل، فنقل عن الشيخ في الخلاف والمفيد والسيد المرتضى وأبي الصلاح وابن
البراج وابن زهرة أنه الشمس في الأولى والغاشية في الثانية، وقال الشيخ في المبسوط
والنهاية أنه يقرأ في الأولى الأعلى وفي الثانية الشمس، وهو قول ابن بابويه في المقنع
ومن لا يحضره الفقيه.
وقال في الذكرى: يجب قراءة الحمد وسورة معها كسائر الفرائض، ولا
خلاف في عدم تعين سورة وإنما الخلاف في الأفضل، فذهب جماعة إلى أنه يقرأ

(1) ص 245.
(2) ص 242.
251

الأعلى في الأولى والشمس في الثانية، وقال آخرون الشمس في الأولى والغاشية في
الثانية، وهذان القولان مشهوران، وقال علي بن بابويه يقرأ في الأولى الغاشية
وفي الثانية الأعلى، وقال ابن أبي عقيل يقرأ في الأولى الغاشية وفي الثانية والشمس.
وقال في المدارك بعد ذكر القول الأول: وعليه دلت صحيحة جميل (1) لأنه
قال: (سألته ما يقرأ فيهما؟ قال والشمس وضحاها وهل أتاك حديث الغاشية
وأشباههما) ثم نقل القول الثاني وذكر أنه رواه إسماعيل بن جابر عن الباقر (ع) (2)
ثم رد الرواية بضعف السند وقال: والعمل على الأول لصحة مستنده. انتهى.
أقول: لا يخفى أن هذه الصحيحة التي نقلها دليلا للقول الأول واختاره
لأجلها لا دلالة فيها على ذلك إذ لا اشعار فيها فضلا عن التصريح أو الظهور بما
ذكره هؤلاء المشار إليهم، فإن المدعى في كلامهم هو أفضلية الشمس في الأولى
والغاشية في الثانية. وغاية ما تدل عليه هذه الرواية هو أنه يقرأ في صلاة العيدين
هاتين السورتين وأشباههما في الطول من غير تعرض لا فضلية هاتين السورتين على
غيرهما ولا تعرض لوظيفة الركعة الأولى والثانية من هذه السور، وإنما الدليل
على هذا القول ما رواه في الكافي بطريق فيه محمد بن عيسى عن يونس عن معاوية
ابن عمار وقد تقدمت في صدر البحث (3) وهذه الرواية هي الرواية الصريحة في هذا
القول وهي التي اعتمد عليها القائلون به، والظاهر أنه إنما عدل عنها لضعف سندها
ولم ير في هذا الباب رواية صحيحة السند إلا هذه الرواية فالتجأ إلى الاستدلال بها
على القول المذكور، وهي عن الدلالة بمعزل لما عرفت من أنها لا خصوصية فيها
لهاتين السورتين بل هما وما شابههما ومن الظاهر دخول سورة الأعلى ونحوها في
ذلك المشابه، ولا تعرض فيها لبيان وظيفة كل ركعة والمدعى ذلك وهو محل الخلاف
إذ لا خلاف ولا نزاع في اجزاء هذه السور كيف اتفق إنما الخلاف في بيان الفضيلة
في التوظيف وتخصيص كل ركعة بسورة فكيف تصلح هذه الرواية للمدعى والحال

(1) الوسائل الباب 10 من صلاة العيد
(2) ص 241
(3) ص 240.
252

كما عرفت؟ ولكن ضيق الخناق في هذا الاصطلاح أوجب لهم الوقوع في أمثال
ما قلناه من المجازفات التي تتطرق إليها المناقشات، والواجب بمقتضى العمل
باصطلاحه هو ضرب الصفح عن الكلام في هذه المسألة وترجيح شئ من القولين
لأن أخبار القولين كلها ضعيفة باصطلاحه، وهذا أحد مفاسد هذا الاصطلاح الذي
هو إلى الفساد أقرب من الصلاح.
وكيف كان فالذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذا المقام ما عرفته من
رواية معاوية بن عمار (1) وفيها والشمس وضحاها في الأولى والغاشية في الثانية،
ورواية إسماعيل بن جابر (2) وفيها سبح اسم ربك الأعلى في الركعة الأولى وفي
الثانية والشمس وضحاها، والأولى دليل القول الأول والثانية دليل القول الثاني كما
عرفت، ورواية أبي الصباح الكناني المتقدم نقلها عن الفقيه (3) وفيها سبح اسم
ربك الأعلى في الركعة الأولى والشمس وضحاها في الركعة الثانية وهي موافقة لرواية
إسماعيل بن جابر فتكون دليلا للقول الثاني.
وقال (ع) في كتاب الفقه الرضوي (4): واقرأ في الركعة الأولى هل أتاك
حديث الغاشية وفي الثانية والشمس وضحاها أو سبح اسم ربك الأعلى.. إلى أن
قال وروي أن أمير المؤمنين (ع) صلى بالناس صلاة العيد فكبر في الأولى بثلاث
تكبيرات وفي الثانية بخمس تكبيرات وقرأ فيهما بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك
حديث الغاشية.
وفي صحيحة جميل المذكورة آنفا أن الذي يقرأ فيهما الشمس وضحاها وهل أتاك
حديث الغاشية وأشباههما.
وأنت خبير بأنه من المحتمل قريبا أن تعيين بعض هذه السور في الركعة
الأولى والثانية إنما وقع على جهة التمثيل لا الاختصاص على جهة الأفضلية كما ادعوه
فإنه لا قرينة في شئ من هذه الأخبار تؤنس بهذه الأفضلية ولا اشعار بالكلية وإنما
غاية ما تدل عليه أنه يقرأ فيها سورة كذا، ويعضد ذلك اطلاق صحيحة جميل واطلاق

(1) ص 240.
(2) ص 241.
(3) ص 245.
(4) ص 12.
253

ما نقله في كتاب الفقه عن أمير المؤمنين (ع) ويشير إليه قوله (ع) في كتاب الفقه
وفي الثانية والشمس وضحاها أو سبح اسم ربك الأعلى. ومن كلامه (ع) في الفقه
يعلم مستند الشيخ علي بن بابويه وابن أبي عقيل في ما تقدم نقله عنهما حيث إنهما
اتفقا على الغاشية في الأولى واختلفا في الثانية فأحدهما ذكر سورة الشمس والآخر
سورة الأعلى، والرواية المذكورة قد دلت على التخيير في الثانية بين هاتين
السورتين. والله العالم.
الخامس - المشهور أنه لا يتعين في القنوت لفظ مخصوص للأصل، وما
رواه محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما السلام) (1) قال (سألته عن الكلام
الذي يتكلم به في ما بين التكبيرتين في العيد فقال ما شئت من الكلام الحسن)
ويعضده اختلاف الروايات في القنوت المرسوم عنهم (عليهم السلام).
وربما ظهر من عبارة الشيخ أبي الصلاح قصر الوجوب بما ورد عنهم (عليهم
السلام) فإنه قال: فليزمه أن يقنت بين كل تكبيرتين فيقول: اللهم أهل الكبرياء
والعظمة.. إلى آخره. قال في الذكرى فإن أراد به الوجوب تخييرا والأفضلية
فحق وإن أراد به الوجوب عينا فممنوع. وهو جيد.
أقول: ومن الأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) في القنوت في هذه
الصلاة ما رواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن عيسى بن أبي منصور عن أبي عبد الله
(ع) (2) قال: (تقول بين كل تكبيرتين في صلاة العيدين: اللهم أهل الكبرياء
والعظمة، وأهل الجود والجبروت وأهل العفو والرحمة وأهل التقوى والمغفرة
أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ولمحمد صلى الله عليه وآله ذخرا ومزيدا أن
تصلي على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت على عبد من عبادك وصل على ملائكتك
ورسلك واغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات،
اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبادك المرسلون وأعوذ بك من شر ما عاذ بك

(1) الوسائل الباب 26 من صلاة العيد.
(2) الوسائل الباب 26 من صلاة العيد.
254

منه عبادك المرسلون).
وعن جابر عن أبي جعفر (ع) (1) قال: (كان أمير المؤمنين (ع) إذا كبر
في العيدين قال بين كل تكبيرتين: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد
أن محمدا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله اللهم أهل الكبرياء...) وذكر الدعاء المتقدم إلى آخره
وعن بشر بن سعيد عن أبي عبد الله (ع) (2) قال: (تقول في دعاء العيدين
بين كل تكبيرتين: الله ربي أبدا والإسلام ديني أبدا ومحمد نبيي أبدا والقرآن كتابي
أبدا والكعبة قبلتي أبدا وعلى وليي أبدا والأوصياء أئمتي أبدا - وتسميهم إلى
آخرهم - ولا أحد إلا الله).
وما رواه في التهذيب والفقيه عن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني (3)
قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن التكبير في العيدين فقال اثنتي عشرة سبع في الأولى
وخمس في الأخيرة فإذا قمت في الصلاة فكبر واحدة وتقول أشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله اللهم أنت أهل الكبرياء
والعظمة وأهل الجود والجبروت والقدرة والسلطان والعزة أسألك في هذا اليوم
الذي جعلته للمسلمين عيدا ولمحمد صلى الله عليه وآله ذخرا ومزيدا أن تصلي على محمد وآل محمد
وأن تصلي على ملائكتك المقربين وأنبيائك المرسلين وأن تغفر لنا ولجميع المؤمنين
والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم إني أسألك من
خير ما سألك عبادك المرسلون وأعوذ بك من شر ما عاذ منه عبادك المخلصون،
الله أكبر أول كل شئ وآخره وبديع كل شئ ومنتهاه وعالم كل شئ ومعاده
ومصير كل شئ ومرده ومدبر الأمور وباعث من في القبور قابل الأعمال مبدئ
الخفيات معلن السرائر، الله أكبر عظيم الملكوت شديد الجبروت حي لا يموت
دائم لا يزول إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون: الله أكبر خشعت لك
الأصوات وعنت لك الوجوه وحارت دونك الأبصار وكلت الألسن عن عظمتك

(1) الوسائل الباب 26 من صلاة العيد.
(2) الوسائل الباب 26 من صلاة العيد.
(3) الوسائل الباب 26 من صلاة العيد.
255

والنواصي كلها بيدك ومقادير الأمور كلها إليك لا يقضي فيها غيرك ولا يتم منها شئ
دونك، الله أكبر أحاط بكل شئ حفظك وقهر كل شئ عزك ونفذ كل شئ
أمرك وقام كل شئ بك وتواضع كل شئ لعظمتك وذل كل شئ لعزتك واستسلم
كل شئ لقدرتك وخضع كل شئ لملكك الله أكبر، وتقرأ الحمد وسبح اسم ربك
الأعلى وتكبر السابعة وتركع وتسجد وتقوم وتقرأ الحمد والشمس وضحاها وتقول
الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وآله عبده
ورسوله، اللهم أنت أهل الكبرياء والعظمة... تتمه كله كما قلت أول التكبير
يكون هذا القول في كل تكبيرة حتى تتم خمس تكبيرات).
وقال الرضا (ع) في كتاب الفقه (1) (تقنت بين كل تكبيرتين والقنوت أن
تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد صلى الله عليه وآله عبده ورسوله
اللهم أنت أهل الكبرياء والعظمة وأهل الجود والجبروت وأهل العفو والمغفرة
وأهل التقوى والرحمة أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ولمحمد صلى الله عليه وآله
ذخرا ومزيدا أن تصلي على محمد وآل محمد وأسألك بهذا اليوم الذي شرفته وكرمته
وعظمته وفضلته بمحمد صلى الله عليه وآله أن تغفر لي ولجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين
والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك مجيب الدعوات يا أرحم الراحمين).
وقال الشيخ في المجتهد (2) في القنوت: ثم يرفع يديه بالتكبير فإذا كبر قال
اللهم أهل الكبرياء والعظمة وأهل الجود والجبروت وأهل العفو والرحمة وأهل
التقوى والمغفرة أسألك بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ولمحمد (ص
ذخرا ومزيدا أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تدخلني في كل خير أدخلت فيه
محمدا وآل محمد وأن تخرجني من كل سوء أخرجت منه محمدا وآل محمد صلواتك عليه
وعليهم اللهم إني أسألك خير ما سألك عبادك الصالحون وأعوذ بك مما استعاذ منه
عبادك الصالحون.

(1) ص 12
(2) ص 454 وفي آخره (عبادك المخلصون).
256

قال شيخنا المجلسي في البحار: وأما ما ذكره الشيخ في المصباح فلم أره في رواية
والظاهر أنه مأخوذ من رواية معتبرة عنده اختاره فيه إذ لا سبيل إلى الاجتهاد
في مثل ذلك. انتهى.
أقول: ويعضده ما ذكره السيد الزاهد العابد رضي الدين بن طاووس (عطر
الله مرقده) في كتاب الاقبال حيث قال: واعلم إنا وقفنا على عدة روايات في صفات
صلاة العيد باسنادنا إلى ابن أبي قرة وإلى أبي جعفر بن بابويه وإلى أبي جعفر الطوسي وها
نحن نذكر رواية واحدة، ثم ذكر رواية المتهجد كما ذكرنا من القنوت وغيره مما لم نذكره.
بقي الكلام هنا فوائد تتعلق بالمقام وبها يتم ما يتعلق به من الأحكام:
الأولى - لا يخفى أن ظاهر الروايات المتقدمة أن القنوتات في الركعة الأولى
إنما هي أربعة وفي الثانية إنما هي ثلاثة لنصها على أن القنوت بين التكبيرات وقضية
البينية أنه لا قنوت بعد التكبير الخامس في الركعة الأولى ولا بعد الرابع في الركعة
الثانية، وبذلك عبر الشيخ في النهاية والمبسوط والصدوق في الفقيه وغيرهما،
والمعروف من كلام جل الأصحاب أن القنوت بعدد التكبيرات وأنه بعد كل تكبير
قنوت فتكون القنوتات في الأولى خمسة وفي الثانية أربعة، وقد تقدم في كلام
الشيخ المفيد ومن تبعه أن التكبيرات في الركعة الثانية بعد القراءة ثلاث ومعها
ثلاثة قنوتات.
ويمكن حمل البينية في الأخبار على الأغلب بمعنى أنه لما كان أكثر القنوتات
واقعا بين التكبيرات - إذ لا يتخلف عن ذلك إلا القنوت الذي بعد التكبيرة
الخامسة في الركعة الأولى والذي بعد الرابعة في الركعة الثانية - صح اطلاق البينية على
الجميع تجوزا وباب المجاز واسع.
وعلى ذلك يحمل كلام من عبر بهذه العبارة من الأصحاب، قال في المدارك بعد
قول المصنف (ثم يكبر أربعا ويقنت بينها أربعا) ما لفظه: واعلم أن في قول المصنف
- ثم يكبر أربعا ويقنت بينها أربعا - تجوزا لأنه إذا كانت التكبيرات أربعا لم يتحقق
257

كون القنوت بينها أربعا بل ثلاثا وكان الأظهر أن يقول بعد كل تكبيرة. ثم ذكر أن
المستفاد من الروايات سقوط القنوت بعد الخامسة والرابعة. إلا أنه يمكن خدشه
بأن الحمل على خلاف الظاهر لا يصار إليه إلا مع المعارض ولا معارض هنا من
الأخبار والمعارضة إنما هي في كلام الأصحاب.
وربما يستعان على ما ذكرنا من الحمل برواية الكناني المتقدمة (1) المشتملة
على خمسة قنوتات بعد خمس تكبيرات في الركعة الأولى وأربعة في الثانية وإن كانت
الرواية قد اشتملت على تقديم التكبيرات والقنوتات على القراءة كما تقدم، واشتملت
على تكبير سادس بعد التكبيرات الخمس وأدعيتها والجميع خلاف ما عليه جل
الأصحاب والأخبار إلا أن ذلك أمر خارج عن ما نحن فيه.
وبالجملة فالمسألة غير خالية من شوب الاشكال والأحوط هو الاتيان بالقنوت
الخامس والرابع من غير أن يعتقد به الوجوب.
الثانية - قال في الذكرى: يستحب التوجه بالتكبيرات المستحب تقديمها في
اليومية ودعواتها سواء قلنا بأن تكبير العيد قبل القراءة أو بعدها، وربما خطر لبعضهم
سقوط دعاء التوجه إن قلنا بتقديم التكبير، ولا أرى له وجها لعدم المنافاة بين
التوجه والقنوت بعده. انتهى.
أقول: ما ذكره هنا من استحباب التكبيرات المستحبة للتوجه في اليومية
في هذه الصلاة زيادة على التكبيرات الموظفة فيها لم أقف عليه في كلام غيره من الأصحاب
بل ظاهر كلامهم وكذا ظاهر الأخبار الواردة في بيان الكيفية - كما قدمنا شطرا
منها - إنما هو أنه يكبر تكبيرة الاحرام ثم يقرأ ثم يأتي بالتكبيرات الموظفة كما
هو أحد القولين أو يأتي بعد تكبيرة الاحرام بالتكبيرات الموظفة لهذه الصلاة
مقدمة على القراءة ثم يقرأ بعدها كما هو القول الآخر، ففي رواية معاوية بن عمار
المتقدمة في صدر البحث (2) (يبدأ فيكبر ويفتتح الصلاة ثم يقرأ فاتحة الكتاب...)

(1) ص 255.
(2) ص 240.
258

وفي رواية علي بن أبي حمزة (يكبر ثم يقرأ ثم يكبر خمسا) وفي رواية أبي بصير
(يكبر في الأولى واحدة ثم يقرأ ثم يكبر بعد القراءة خمس تكبيرات) وفي صحيحة
يعقوب بن يقطين يكبر تكبيرة يفتتح بها الصلاة ثم يقرأ ويكبر خمسا وفي رواية
إسماعيل الجعفي (يكبر واحدة يفتتح بها الصلاة ثم يقرأ أم الكتاب وسورة ثم
يكبر خمسا) وعلى هذا النهج جملة روايات المسألة كما لا يخفى على من راجعها، وهذه
الروايات المذكورة كلها قد تقدمت في صدر البحث (1) ونحوها الروايات الواردة
بتقديم التكبيرات على القراءة وهي متفقة في عدم ذكر هذه التكبيرات التي ادعى
استحبابها في هذه الصلاة. نعم قد تقدم في الفصل الثاني في تكبيرة الاحرام من
الباب الثاني في الصلوات اليومية (2) أن من جملة الأقوال في استحباب هذه التكبيرات
هو استحبابها في الفرائض مطلقا وكذا في النوافل مطلقا ولعله هنا بنى على ذلك
ونحن قد أوضحنا المسألة في المقام المشار إليه وبينا أن الأخبار الواردة بهذه
التكبيرات وإن كانت مطلقة إلا أن اطلاقها محمول على الفريضة اليومية لأنها المتبادرة
من الاطلاق، وقد تقدم تحقيق الكلام في ذلك مستوفى.
وكيف كان فمن الظاهر بل الصريح في عدم استحباب هذه التكبيرات في هذه
الصلاة ما رواه الصدوق في كتابي العلل والعيون عن عبد الواحد بن عبدوس عن
علي بن محمد بن قتيبة عن الفضل بن شاذان عن الرضا (ع) في العلل التي رواها
عنه (ع) قال في الخبر: فإن قال فلم جعل سبع في الأولى وخمس في الأخيرة ولم
يسو بينهما؟ قيل لأن السنة في صلاة الفريضة أن يستفتح بسبع تكبيرات فلذلك
بدئ هنا بسبع تكبيرات وجعل في الثانية خمس تكبيرات لأن التحريم من
التكبير في اليوم والليلة خمس تكبيرات وليكون التكبير في الركعتين جميعا
وترا وترا... الحديث وهو ظاهر كما ترى في أن هذه السبع الموظفة في هذه الصلاة

(1) ص 240 و 241.
(2) ج 8 ص 52
(3) الوسائل الباب 10 من صلاة العيد
259

إنما جعلت سبعا في الركعة الأولى عوضا عن السبع الافتتاحية التي في الصلوات اليومية
وقضية ذلك عدم الاتيان بتلك السبع الافتتاحية الموظفة في اليومية، وإلا لزم الجمع
بين العوض والمعوض عنه، فكيف يجمع بينهما كما ذكره (قدس سره) والمراد
بالفريضة في هذا الخبر الصلاة اليومية، وفيه اشعار بما قدمنا ذكره من أن اطلاق
تلك الأخبار الدالة على استحباب التكبيرات الافتتاحية محمول على الصلوات
اليومية. والله العالم.
الثالثة يستحب رفع اليدين في كل تكبيرة كما في تكبيرات الصلاة اليومية
وبه صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم).
ويدل عليه ما رواه الشيخ في التهذيب عن يونس (1) قال: (سألته عن
تكبير العيدين أيرفع يده مع كل تكبيرة أم يجزئه أن يرفع في أول تكبيرة؟ فقال
يرفع مع كل تكبيرة).
الرابعة - قال في المدارك: لو نسي التكبيرات أو بعضها حتى ركع مضى في
صلاته ولا شئ عليه لأنها ليست أركانا ولعموم قوله (ع) في صحيحة زرارة (2)
(لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود وهل
تقضى بعد الصلاة؟ أثبته الشيخ لقوله (ع) في صحيحة ابن سنان (3) (إذا نسيت
شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا ثم ذكرت فاصنع الذي فاتك سهوا)
ونفاه المصنف في المعتبر ومن تأخر عنه لأنه ذكر تجاوز محله فيسقط للأصل السالم
من المعارض. انتهى. وظاهره التوقف في المسألة حيث اقتصر على نقل القولين
وما استدل به كل منهما في البين ولم يرجح شيئا منهما.
وقال في الذكرى: لو نسي التكبيرات أو بعضها حتى يركع مضى في صلاته

(1) الوسائل الباب 30 من صلاة العيد.
(2) الوسائل الباب 29 من القراءة في الصلاة.
(3) الوسائل الباب 12 من الركوع و 23 و 26 من الخلل.
260

ولا شئ عليه إذ ليست أركانا وهل تقضى بعد الصلاة؟ أثبته الشيخ ولعله لما
سبق من الرواية في باب السهو المتضمنة لقضاء الفائت من الصلاة بعدها، ونفاه
في المعتبر وتبعه الفاضل لأنه ذكر تجاوز محله فيسقط بالنافي السليم من المعارض.
وكأنه عنى بالنافي دلالة الأصل على عدم القضاء وأن الفائت لا يجب قضاؤه
وعنى بالمعارض الأمر الجديد الدال على القضاء فإنه منفي، وللشيخ أن يبدي وجود
المعارض وهي الرواية المشار إليها. انتهى.
أقول: ومنه يعلم ذكر صاحب المدارك صحيحة ابن سنان دليلا للشيخ
إنما هو منه (قدس سره) لا أن الشيخ استدل بها كما يوهمه ظاهر كلامه، ومنه يعلم
أيضا أن توقفه في المسألة كما حكيناه عنه لا وجه له بعد استدلاله بالصحيحة المذكورة
والواجب عليه حينئذ أن يجيب عن كلام المحقق الذي نقله عنه - من سقوط القضاء
بالأصل السالم من المعارض - بأن المعارض موجود وهو هذه الصحيحة كما هو ظاهر
كلام الذكرى.
هذا، ويمكن أن يقال إن المحقق إنما نفى وجوب القضاء هنا بنا على ما يختاره
في هذه التكبيرات من الاستحباب كما تقدم نقله عنه في الموضع الأول وإن كان
تعليله ربما أشعر بأن ذلك بناء على القول بالوجوب.
وأما صحيحة ابن سنان التي استدلوا بها هنا للشيخ فقد تقدم الكلام عليها
وعلى أمثالها مما دل على ذلك أيضا في المسألة الخامسة من المطلب الثاني في السهو من
كتاب الصلاة (1) فإن جميع الأخبار المشار إليها قد اشتركت في الدلالة على قضاء
ما نسيه من الأفعال كائنا ما كان وإن كان ركنا، ولم يقل به أحد منهم وإنما أوجبوا
قضاء أشياء معينة كالتشهد والسجدة الواحدة والقنوت بالأدلة الخاصة المتعلقة بذلك
وأبطلوا الصلاة بنسيان الركن كالركوع والسجدتين، وبالجملة فإنها على اطلاقها غير
معمول عليها فلا يمكن الاستناد إليها، ومن ذلك يعلم قوة ما ذهب إليه المحقق وغيره

(1) ج 9 ص 141.
261

من عدم وجوب القضاء لعدم الدليل الواضح على ذلك مضافا إلى أصالة العدم. والله العالم
وهل تجب سجدتا السهو لنسيان التكبير هنا كلا أو بعضا؟ صرح ابن الجنيد
بذلك فقال على ما نقله عنه في المختلف: ولو نسي بعض التكبير رجع فتممه ما لم
يركع وإن تجاوز الركوع وأيقن بالترك سجد سجدتي السهو. انتهى. وجعله في
الذكرى احتمالا فقال: ويحتمل أيضا وجوب سجدتي السهو بناء على تناول أدلة
الوجوب في اليومية لهذه الصورة وهو قول ابن الجنيد. انتهى.
الخامسة - لو قلنا بتقديم التكبير على القراءة في الأولى كما هو أحد القولين
فنسى التكبير حتى قرأ قال في المعتبر: لم يعد إليه لفوات محله. وقال في الذكرى
وليس ببعيد وجوب استدراكه أو ندبه على اختلاف القولين لأنه محل في الجملة
ولهذا كان التكبير في الثانية واقعا فيه، ولأن الروايات المتضمنة لتأخره عن
القراءة في الركعتين أقل أحوالها أن يقتضي استدراكه إذا نسي. وفي التذكرة
أوجب استدراكه وتوقف في إعادة القراءة من حيث عدم وقوعها في محلها وصدق
القراءة. قال في الذكرى والأولى إعادتها، ثم قال ولو ذكر في أثنائها قطعها وأتى به
ثم استأنف القراءة، ولا يقتضي التكبير عندنا في الركوع لما فيه من تغيير هيئة الصلاة
وإذا قلنا بقضاء التكبير أو استدراكه فالقنوت تابع. والظاهر وجوب الاستقبال
فيهما لأنهما جزءان مما يجب فيه الاستقبال وكذا يعتبر بقية شرائط الصلاة. انتهى
كلامه زيد مقامه.
السادسة - لو أدرك بعض التكبيرات مع الإمام دخل معه فإذا ركع الإمام
فإن أمكنه الاتيان به وبالقنوت مخففا واللحوق بالإمام في الركوع فلا اشكال،
وإلا فإن قلنا بالاستحباب في التكبير والقنوت فإنه يركع الإمام حينئذ إذ لا يجوز
له ترك المتابعة الواجبة لأجل أمر مندوب، وإن قلنا بالوجوب فيهما كما هو المختار
فعلى قول الشيخ بالقضاء في ما تقدم فإنه يتابع هنا ويقضي بعد الفراغ، وأما مع
عدم العمل بهذا القول فإنه يحتمل المنع من الاقتداء في هذه الصورة أعني إذا علم
262

عدم اللحوق به، فلو اقتدى ولما يعلم ولم يمكنه الجمع بين المتابعة وبين التكبير فإنه
ينوي الانفراد. ويحتمل جواز الاقتداء ويسقط القنوت ويأتي بالتكبير ولاء.
ويشكل بأن الأصل عدم سقوط فرض المكلف بفعل غيره إلا في ما دل عليه الدليل.
والعلامة مع قوله بوجوبهما أسقطه مع عدم إمكان الاتيان به ولم يوجب
قضاءه بعد التسليم حتى لو أدرك الإمام راكعا كبر ودخل معه واجتزأ بالركعة
عنده ولا يجب القضاء.
وفيه ما عرفت، ويعضده أيضا أن المتابعة وإن كانت واجبة إلا أن وجوبها
ليس جزء من الصلاة من حيث هي صلاة بخلاف التكبير والقنوت فإنهما واجبان
ومن جملة أجزاء الصلاة الواجبة لأن كلامنا مبني على القول بالوجوب فكيف تصح
الصلاة مع فوات بعض واجباتها عمدا؟ وسقوطه بفعل الغير قد عرفت أنه متوقف
على الدليل. والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال لعدم الدليل الواضح في هذا
المجال. والله العالم.
السابعة - قال في الذكرى: لا يتحمل الإمام هذا التكبير ولا القنوت وإنما يتحمل
القراءة، ويحتمل تحمل الدعاء ويكفي عن دعاء المأمومين، وهذا لم أقف فيه على نص
ولو قلنا بالتحمل فيه فدعا المأموم فلا بأس سواء كان بدعاء الإمام أو غيره. وعدم
تحمل الإمام القنوت في اليومية يدل بطريق أولى على عدم تحمله هنا. انتهى.
أقول: قد عرفت آنفا أن سقوط الواجب عن المكلف بفعل غيره يتوقف
على الدليل وهو قد اعترف بعدم الوقوف هنا على نص، فما ذكره من احتمال تحمل
الإمام القنوت بعيد جدا سيما مع ما ذكره من الأولوية في آخر كلامه.
الثامنة - قال في الذكرى أيضا: لو شك في عدده بنى على الأقل لأنه المتيقن،
وفي انسحاب الخلاف في الشك في الأولتين المبطل للصلاة هنا احتمال إن قيل
بوجوبه، ولو تذكر بعد فعله أنه كان قد كبر لم يضر لعدم ركنيته. وكذا الشك
في القنوت. انتهى.
263

وهو جيد إلا أن ما ذكره من احتمال في انسحاب الخلاف في الشك في
الأولتين المبطل للصلاة هنا محل نظر، لما قدمنا تحقيقه من أن الشك المبطل في الأولتين
إنما هو الشك في أعداد الركعات لا في سائر الواجبات، وحينئذ فلا وجه لهذا الاحتمال
في المقام. والله العالم.
البحث - في سنن هذه الصلاة وما يلحق بها، فمنها الاصحار بها إلا في
مكة المعظمة وعليه اجماع علمائنا وأكثر العامة (1).
ومستنده التأسي به (ص) فإنه كان يصحر بها، لما رواه الشيخ في الصحيح عن
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) (2) أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يخرج حتى ينظر
إلى آفاق السماء وقال لا يصلين يومئذ على بساط ولا بارية).
وما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى رفعه عن أبي عبد الله (ع) (3) قال:
(السنة على أهل الأمصار أن يبرزوا من أمصارهم في العيدين إلا أهل مكة فإنهم
يصلون في المسجد الحرام ورواه في الفقيه عن حفص بن غياث عن جعفر
عن أبيه (عليهما السلام) مثله (4).
وما رواه في الكافي عن ليث المرادي عن أبي عبد الله (ع) (5) قال: (قيل
لرسول الله صلى الله عليه وآله يوم فطر أو يوم أضحى لو صليت في مسجدك؟ فقال إني لأحب
أن أبرز إلى آفاق السماء.

(1) الأم للشافعي ج 1 ص 207 والمغني ج 2 ص 372 وعمدة القارئ ج 3
ص 370 والفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 313. وفي البحر الرائق ج 2 ص 159
عن التجنيس (الصحيح عند عامة المشايخ السند في صلاة العيد الخروج إلى الجبانة وإن كان
يسعهم المسجد الجامع) ولم يستثن مكة.
(2) الوسائل الباب 17 من صلاة العيد.
(3) الوسائل الباب 17 من صلاة العيد.
(4) الوسائل الباب 17 من صلاة العيد. وفي النسخ هكذا (عن حفص بن غياث
عن أبيه عن جعفر عن أبيه) وحيث إن كلمة (عن أبيه) الأولى زائدة حذفناها واللفظ في
الفقيه ج 1 ص 321 هكذا (وروى حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه).
(5) الوسائل الباب 17 من صلاة العيد.
264

وما رواه في الفقيه عن ابن رئاب عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) (1)
قال: (لا ينبغي أن تصلى صلاة العيدين في مسجد مسقف ولا في بيت إنما تصلى في
الصحراء أو في مكان بارز).
وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن الفضيل عن أبي عبد الله (ع) (2)
قال: (أتى أبي بالخمرة يوم الفطر فأمر بردها ثم قال: هذا يوم كان رسول الله صلى الله عليه وآله
يحب أن ينظر فيه إلى آفاق السماء ويضع جهته على الأرض).
وما رواه في الفقيه في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما
السلام) (3) (أنه كان إذا خرج يوم الفطر والأضحى أبى أن يؤتى بطنفسة يصلي
عليها يقول هذا يوم كان رسول الله صلى الله عليه وآله يخرج فيه حتى يبرز لآفاق السماء ثم يضع
جبهته على الأرض).
وروى في كتاب الاقبال (4) قال: (روى محمد بن أبي قرة في كتابه باسناده إلى
سليمان بن حفص عن الرجل (ع) قال: (الصلاة يوم الفطر بحيث لا يكون على
المصلى سقف إلا السماء).
وألحق ابن الجنيد بمسجد مكة شرفها الله تعالى مسجد المدينة. وصحيحة معاوية
ابن عمار وكذا رواية ليث المرادي (5) وصحيحة الحلبي (6) صريحة في رده.
ولو كان هناك عذر من مطر أو خوف أو وحل أو نحوها فلا بأس بصلاتها
في المسجد دفعا للمشقة اللازمة من الخروج.
ومنها - السجود على الأرض دون غيرها مما يصح السجود عليه إظهارا لمزيد
التذلل فيها، وعليه يدل ما تقدم من صحيحة الحلبي (7) وصحيحة الفضيل (8).
ويظهر من صحيحة معاوية بن عمار (9) استحباب الصلاة على الأرض بحيث
لا يكون تحته بساط ولا بارية ولا نحوهما بل يكون مباشرا للأرض في قيامه وجلوسه

(1) الوسائل الباب 17 من صلاة العيد.
(2) الوسائل الباب 17 من صلاة العيد.
(3) الوسائل الباب 17 من صلاة العيد.
(4) الوسائل الباب 17 من صلاة العيد.
(5) ص 264.
(6) الوسائل الباب 17 من صلاة العيد.
(7) الوسائل الباب 17 من صلاة العيد.
(8) الوسائل الباب 17 من صلاة العيد.
(9) ص 264.
265

ونحوها ما رواه في الكافي عن معاوية عن أبي عبد الله (ع) (1) في حديث
(أنه سأله عن صلاة العيدين فقال ركعتان... إلى أن قال: ويخرج إلى البر حيث ينظر
إلى آفاق السماء ولا يصلي على حصير ولا يسجد عليه وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله
يخرج إلى البقيع فيصلي بالناس).
وما رواه في كتاب الاقبال عن محمد بن الحسن بن الوليد بإسناده عن
أبي عبد الله (ع) (2) قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يخرج حتى ينظر إلى آفاق
السماء وقال لا تصلين يومئذ على بارية أو بساط. يعني في صلاة العيدين).
وقال في كتاب الفقه الرضوي (3) (وإذا أردت الصلاة فابرز تحت السماء وقم
على الأرض ولا تقم على غيرها... إلى آخره).
وقل من نبه على هذا الحكم من أصحابنا (رضوان الله عليهم).
ومنها - أن يقول المؤذن عوض الأذان والإقامة - فإنه لا أذان ولا إقامة
لغير الخمس - الصلاة (ثلاثا).
ويدل على ذلك ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن إسماعيل بن جابر
عن أبي عبد الله (ع) (4) قال: (قلت له أرأيت صلاة العيدين هل فيهما أذان
وإقامة؟ قال ليس فيهما أذان ولا إقامة ولكن ينادي الصلاة (ثلاث مرات)
وليس فيهما منبر، المنبر لا يحرك من موضعه ولكن يصنع للإمام شبه المنبر من طين
فيقوم عليه فيخطب الناس ثم ينزل).
والأخبار بأنه ليس فيها أذان ولا إقامة كثيرة قد تقدم جملة منها.
قال في الذكرى: لا أذان لصلاة العيد بل يقول المؤذن الصلاة (ثلاثا) ويجوز
رفعها باضمار خبر أو مبتدأ ونصبها باضمار (احضروا أو ائتوا) وقال ابن أبي عقيل
يقول (الصلاة جامعة). ولم نقف على مستنده.

(1) الوسائل الباب 17 من صلاة العيد.
(2) الوسائل الباب 17 من صلاة العيد.
(3) صلاة البحار ص 862.
(4) الفقيه ج 1 ص 322 وفي الوسائل الباب 7 و 33 من صلاة العيد.
266

وظاهر الأصحاب كما ذكره في الذكرى أن النداء بذلك ليعلم الناس بالخروج
إلى المصلى، لأنه أجري مجرى الأذان الذي يحصل به الاعلام بالوقت، ومقتضى
ذلك أن يكون قبل القيام للصلاة بل في أول الخروج إليها، ولا ينافي ذلك ما ورد
في صحيحة زرارة عن الباقر (ع) (1) من قوله (ليس فيهما أذان ولا إقامة أذانهما
طلوع الشمس فإذا طلعت خرجوا) لجواز الجمع بينهما بحصول ذلك بكل من الأمرين
استظهارا، وتعدد العلل الشرعية لمعلول واحد كثير في الأخبار كما لا يخفى على من
جاس خلال الديار حتى قال الصدوق في بعض تلك المواضع أن هذا مما يزيد تأكيدا
وتقوية. ويحتمل أيضا حمل خبر زرارة على من كان عالما بأن وقتها الذي يخرج
فيه طلوع الشمس يعني عالما بالوقت الشرعي لها وخبر إسماعيل بن جابر على من ليس
كذلك ليحصل له العلم بالخروج لها.
ونقل عن أبي الصلاح أن محله بعد القيام إلى الصلاة فإذا قال المؤذن ذلك
كبر الإمام تكبيرة الاحرام ودخل بهم في الصلاة، وإلى هذا مال بعض محققي
متأخري المتأخرين.
ومنها - الخروج بعد الغسل متطيبا لا بسا أحسن أثوابه متعمما شتاء
كان أو قيظا.
أما الغسل فلما تقدم من الأخبار في باب الأغسال من كتاب الطهارة، ومن
ذلك ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار (2) قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن
الرجل ينسى أن يغتسل يوم العيد حتى يصلي قال إن كان في وقت فعليه أن يغتسل
ويعيد الصلاة فإن مضى الوقت فقد جازت صلاته.

(1) الوسائل الباب 7 من صلاة العيد. واللفظ كما في الفروع ج 1 ص 128
والتهذيب ج 1 ص 289 هكذا (ليس في يوم الفطر والأضحى أذان ولا إقامة أذانهما
طلوع الشمس إذا طلعت خرجوا...).
(2) الوسائل الباب 16 من الأغسال المسنونة.
267

ومن ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
(ع) (1) قال: (من لم يشهد جماعة الناس يوم العيدين فليغتسل وليتطيب بما وجد
وليصل وحده كما يصلي في الجماعة، وقال: خذوا زينتكم عند كل مسجد (2) قال
العيدان والجمعة).
وروى الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب مجمع البيان عن أبي جعفر (ع) (3)
في قوله تعالى: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) أي خذوا ثيابكم التي تتزينون بها
للصلاة في الجمعات والأعياد).
وقال الرضا (ع) في كتاب الفقه (4) (وإذا أصبحت يوم الفطر اغتسل وتطيب
وتمشط والبس أنظف ثيابك وأطعم شيئا قبل أن تخرج إلى الجبانة فإذا أردت الصلاة
فابرز تحت السماء وقم على الأرض ولا تقم على غيرها وأكثر من ذكر الله تعالى).
ومنها - خروج الإمام ماشيا حافيا مشمرا ثيابه داعيا بالمأثور عليه السكينة
والوقار معتما شاتيا كان أو قائظا ببرد أو حلة.
ويدل على هذه الأحكام حديث خروج الرضا (ع) (5) إلى صلاة العيد
بأمر المأمون له (ع) وهو مشتمل على سنن عديدة وهو مروي في الكافي وغيره
من كتب الصدوق وفيه لما حضر العيد بعث المأمون إلى الرضا (ع) يسأله أن يركب
ويحضر العيد ويصلي... إلى أن قال فقال يا أمير المؤمنين إن أعفيتني من ذلك فهو أحب
إلي وإن لم تعفني خرجت كما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين (ع) فقال المأمون
اخرج كيف شئت، وأمر المأمون القواد والناس أن يركبوا (6) إلى باب أبي الحسن
(ع) قال فحدثني ياسر الخادم أنه قعد الناس لأبي الحسن (عليه السلام) في الطرقات
والسطوح الرجال والنساء والصبيان واجتمع القواد والجند على باب أبي الحسن

(1) الوسائل الباب 14 من صلاة العيد
(2) سورة الأعراف الآية 29.
(3) الوسائل الباب 14 من صلاة العيد
(4) صلاة البحار ص 862
(5) الأصول ج 1 ص 489 وفي الوسائل الباب 19 من صلاة العيد.
(6) (يبكروا) خ ل.
268

(عليه السلام) فلما طلعت الشمس قام فاغتسل وتعمم بعمامة بيضاء من قطن ألقى
طرفا منها على صدره طرفا بين كتفيه وتشمر ثم قال لجميع مواليه افعلوا مثل ما
فعلت ثم أخذ بيده عكازا ثم خرج ونحن بين يديه وهو حاف قد شمر سراويله إلى
نصف الساق وعليه ثبات مشمرة فلما مشى ومشينا بين يديه رفع رأسه إلى السماء
وكبر أربع تكبيرات فخيل إلينا أن السماء والحيطان تجاوبه، والقود والناس على
الباب قد تهيأوا ولبسوا السلاح وتزينوا بأحسن زينة، فلما طلعنا عليهم بهذه
الصورة وطلع الرضا (عليه السلام) وقف على الباب وقفة ثم قال: الله أكبر الله
أكبر الله أكبر الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام
والحمد لله على ما أبلانا. نرفع بها أصواتنا، قال ياسر فتزعزعت مرو بالبكاء
والضجيج والصياح لما نظروا إلى أبي الحسن (عليه السلام) وسقط القواد عن دوابهم
ورموا بخفافهم لما رأوا أبا الحسن (عليه السلام) حافيا وكان يمشي ويقف في كل
عشر خطوات ويكبر ثلاث تكبيرات، قال ياسر فتخيل إلينا أن السماء والأرض
والجبال تجاوبه وصارت مرو ضجة واحدة من البكاء، وبلغ المأمون ذلك فقال له
الفضل بن سهل ذو الرياستين يا أمير المؤمنين إن بلغ الرضا (عليه السلام) المصلى
على هذا السبيل افتتن به الناس والرأي أن تسأله أن يرجع فبعث إليه المأمون فسأله
الرجوع فدعا أبو الحسن (عليه السلام) خفه فلبسه وركب ورجع).
وفي هذا الخبر الشريف جملة من الفوائد: منها - أن رسول الله صلى الله عليه وآله وعليا
(عليه السلام) كانا يخرجان بهذه الكيفية.
ومنها - استحباب التشمير للثياب والسراويل لكل من الإمام والمأموم
والمشي حافيا للكل أيضا والتعمم على النحو المذكور، وهذا هو السنة في التعمم
لا ما اشتهر من التحنك كما قدمنا تحقيقه في بحث اللباس من كتاب الصلاة
ومنها - أن تكون العمامة بيضاء من القطن.

(1) ج 7 ص 127 و 128.
269

ومنها - مشي الإمام وبيده عكاز وقد روي نحوه عن رسول الله صلى الله عليه وآله:
روى في الفقيه عن إسماعيل بن مسلم عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) (1)
قال (كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله عنزة في أسفلها عكاز يتوكأ عليها ويخرجها في العيدين
يصلي إليها).
وفي صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) في حديث في
أحوال النبي صلى الله عليه وآله إلى أن قال: وكان له عنزة يتكئ عليها ويخرجها في العيدين فيخطب بها
والظاهر الاختصاص بالإمام فقط وظاهر الخبرين استحباب العنزة مطلقا.
ومنها - الاشتغال بالتكبير والدعاء في طريقه مما ذكر هنا وغيره مما تقدم
ويأتي إن شاء الله تعالى، ومنها الوقوف حال التكبير.
وروى في كتاب دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (3) أنه قال: (وينبغي لمن خرج إلى العيد أن يلبس أحسن ثيابه ويتطيب بأحسن طيبه
وقال عز وجل (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) (4) قال ذلك في العيدين
والجمعة، قال ينبغي للإمام أن يلبس يوم العيد بردا وأن يعتم شاتيا كان أو صائفا.
وعن علي (عليه السلام) أنه كان يمشي في خمس مواطن حافيا ويعلق نعليه بيده
اليسرى وكان يقول إنها مواطن لله تعالى وأحب أن أكون فيها حافيا: يوم الفطر
ويوم النحر ويوم الجمعة وإذا عاد مريضا وإذا شهد جنازة) انتهى ما نقلناه من
كتاب الدعائم.
وفي صحيحة محمد بن مسلم (5) (لا بد من العامة والبرد يوم الأضحى والفطر
فأما الجمعة فإنها تجزئ بغير عمامة وبرد).
وفي صحيحة الحلبي (6) (قلت تجوز صلاة العيدين بغير عمامة؟ قال نعم والعمامة

(1) الوسائل الباب 11 من صلاة العيد.
(2) الوسائل الباب 11 من صلاة العيد.
(3) مستدرك الوسائل الباب 11 و 8 و 15 من صلاة العيد
(4) سورة الأعراف الآية 29.
(5) الوسائل الباب 11 من صلاة العيد.
(6) الوسائل الباب 11 من صلاة العيد.
270

أحب إلي) وظاهره العموم للإمام والمأموم.
وفي صحيحة معاوية (1) (وينبغي للإمام أن يلبس يوم العيدين بردا ويعتم
شاتيا كان أو قائظا.
وفي تفسير العياشي بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) (في قول الله
تعالى: خذوا زينتكم عند كل مسجد؟ قال الأردية في العيدين والجمعة).
وفي صحيحة عبد الله بن سنان عنه (ع) (3) قال: (سمعته يقول كان رسول الله
صلى الله عليه وآله يعتم في العيدين شاتيا كان أو قائظا ويلبس درعه وكذلك ينبغي للإمام، ويجهر
بالقراءة كما يجهر في الجمعة.
وفي صحيحة أبي بصير (4) (ينبغي للإمام أن يلبس حلة ويعتم) ولعل المراد
بالحلة هنا الرداء حيث إن الحلة المشهورة لا تكون إلا من الحرير كما صرحوا به.
ومنها - الذهاب إلى المصلى من طريق والعود منه من آخر، بل الظاهر من
الأخبار الاستحباب مطلقا:
روى الصدوق في الفقيه عن السكوني (5) (أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا خرج إلى
العيدين لم يرجع في الطريق الذي بدأ فيه يأخذ في طريق غيره).
وروى في الكافي عن موسى بن عمر بن بزيع (6) قال: (قلت للرضا (ع)
أن الناس رووا أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا أخذ في طريق رجع في غيره فهكذا
كان؟ قال فقال. نعم فأنا أفعله كثيرا ثم قال: أما إنه أرزق لك.
وروى ابن طاووس في كتاب الاقبال بإسناده عن أبي محمد هارون بن موسى
التلعكبري بإسناده عن الرضا (ع) (7) قال (قلت له يا سيدي إنا نروي عن النبي

(1) الوسائل الباب 11 من صلاة العيد
(2) مستدرك الوسائل الباب 11 من صلاة العيد.
(3) الوسائل الباب 11 من صلاة العيد
(4) الوسائل الباب 11 من صلاة العيد
(5) الوسائل الباب 36 من صلاة العيد.
(6) الوسائل الباب 36 من صلاة العيد.
(7) ص 283 وفي الوسائل الباب 36 من صلاة العيد.
271

صلى الله عليه وآله أنه كان إذا أخذ في طريق لم يرجع فيه وأخذ في غيره، فقال هكذا كان
نبي الله صلى الله عليه وآله يفعل وهكذا أفعل أنا وهكذا كان أبي يفعل وهكذا فافعل فإنه أرزق
لك؟ وكان النبي صلى الله عليه وآله يقول هذا أرزق للعباد).
وروى في كتاب دعائم الاسلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله (1) (أنه كان إذا
انصرف من المصلى يوم العيد لم ينصرف على الطريق الذي خرج عليه).
منها - أن يطعم قبل خروجه يوم الفطر وبعد رجوعه في يوم الأضحى
والأفضل في الأول أن يكون افطاره على حلو والمروي التمر، وفي الافطار على التربة
الحسينية كلام، والأفضل في الثاني الأكل من أضحيته.
فههنا مقامات: الأول في الفرق بين العيدين بالافطار في الأول قبل
الخروج وفي الثاني بعد الرجوع.
ويدل عليه صحيحة حريز عن زرارة المروية في الفقيه عن أبي جعفر
(ع) (2) قال: (لا تخرج يوم الفطر حتى تطعم شيئا ولا تأكل يوم الأضحى إلا من
هديك وأضحيتك إن قويت عليه وإن لم تقو فمعذور. قال وقال أبو جعفر (ع) كان
أمير المؤمنين (ع) لا يأكل يوم الأضحى شيئا حتى يأكل من أضحيته ولا يخرج
يوم الفطر حتى يطعم ويؤدي الفطرة. قال وكذلك نفعل نحن).
وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) (3)
قال: (أطعم يوم الفطر قبل أن تخرج إلى المصلى).
وروى فيه وفي الفقيه عن جراح المدائني عن أبي عبد الله (ع) (4) قال:
(أطعم يوم الفطر قبل أن تصلي ولا تطعم يوم الأضحى حتى ينصرف الإمام).
وروى في الفقيه مرسلا (5) قال (كان علي (ع) يوم يأكل يوم الفطر قبل أن يغدو

(1) مستدرك الوسائل الباب 29 من صلاة العيد.
(2) الوسائل الباب 12 من صلاة العيد.
(3) الوسائل الباب 12 من صلاة العيد.
(4) الوسائل الباب 12 من صلاة العيد.
(5) الوسائل الباب 12 من صلاة العيد.
272

إلى المصلى ولا يأكل يوم الأضحى حتى يذبح)
وروى في التهذيب في الموثق عن سماعة عن أبي عبد الله (ع) (1) قال:
(الأكل قبل الخروج يوم العيد وإن لم تأكل فلا بأس) أقول: يعني عيد الفطر كما
تقدم في الأخبار.
المقام الثاني - في ما يستحب الافطار عليه في الفطر، فروى الشيخان في الكافي
والفقيه عن علي بن محمد النوفلي (2) قال: (قلت لأبي الحسن (ع) إني أفطرت يوم
الفطر على طين وتمر؟ فقال لي جمعت بركة وسنة).
وقال في كتاب الاقبال: روى ابن أبي قرة بإسناده عن الرجل (ع) (3) قال:
(كل تمرات يوم الفطر فإن حضرك قوم من المؤمنين فأطعمهم مثل ذلك).
وفي كتاب الفقه الرضوي (4) (والذي يستحب الافطار عليه يوم الفطر
الزبيب والتمر، وأروي عن العالم (ع) الافطار على السكر، وروي أفضل ما يفطر عليه
طين قبر الحسين (ع).
قال في المدارك: ويستحب يوم الفطر الافطار على الحلو لما روي (5) (أن
النبي صلى الله عليه وآله كان يأكل قبل خروجه تمرات ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أقل أو أكثر)
ولا يجوز الافطار على التربة الحسينية إلا بقصد الاستشفاء لمن كان به علة كغيره
من الأيام. انتهى.
وقال في الذكرى: قال كثير من الأصحاب يستحب الافطار يوم الفطر على الحلو
لما روي (6) (أن النبي صلى الله عليه وآله كان يأكل قبل خروجه في الفطر تمرات ثلاثا أو خمسا
أو سبعا أو أقل أو أكثر) ولو أفطر على التربة الحسينية (على مشرفها الصلاة والسلام)
لعلة به فحسن وإلا فالأقرب التحريم، والأفضل الافطار على الحلاوة وأفضلها

(1) الوسائل الباب 12 من صلاة العيد.
(2) الوسائل الباب 13 من صلاة العيد
(3) الوسائل الباب 13 من صلاة العيد
(4) ص 25
(5) مستدرك الحاكم ج 1 ص 294.
(6) مستدرك الحاكم ج 1 ص 294.
273

السكر، وروى تربة الحسين (ع) والأول أظهر لشذوذ الرواية وتحريم الطين على
الاطلاق إلا ما خرج بالدليل من التربية للاستشفاء. انتهى.
أقول: أما ما ذكروه من الافطار على الحلو بقول مطلق فلم أقف فيه على خبر
والذي وقفت عليه ما قدمت من الأخبار الدالة على التمر وزاد في كتاب الفقه الزبيب،
وأما السكر فقد ذكره الشهيد كما عرفت، ولعله استند فيه إلى رسالة علي بن الحسين
ابن بابويه الذي قد عرفت أنه يفتي فيها غالبا بعبارات هذا الكتاب، ولعله كان في
الرسالة المذكورة أو أنه ذكره أحد من المتقدمين فذكره الشهيد كذلك، وكيف
كان فالمستند فيه هو هذا الكتاب وبه يظهر ما في اعتراض بعض متأخري المتأخرين
على الشهيد بعدم وجود المستند فيه. ولعل من عبر بالحلو بقول مطلق حمل ما ذكر
من التمر ونحوه هنا على التمثيل. وأما الرواية التي نقلوها عن النبي صلى الله عليه وآله فالظاهر أنها
من طريق العامة التجأوا إلى الاستدلال بها حيث لم تحضرهم هذه الروايات التي
ذكرناها فإني بعد التتبع لم أقف عليها في كتب أخبارنا، وأيضا فإن بعض محققي
متأخري أصحابنا (رضوان الله عليهم) أسندها إلى العامة (1).
المقام الثالث - في الكلام على التربة الحسينية (على مشرفها أفضل الصلاة
والتحية) والظاهر اتفاق الأصحاب (رضوان الله عليهم) على جواز الأكل منها
لقصد الاستشفاء وعليه تدل جملة من الأخبار، إنما الخلاف في الأكل للتبرك
فظاهر جملة من الأخبار المنع إلا أنه روي الجواز في العيد كما عرفت من رواية النوفلي
المتقدمة ورواية كتاب الفقيه (2) وروي في افطار يوم عاشوراء أيضا.
قال شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب البحار: وأما الأكل بمحض
التبرك فالظاهر عدم الجواز للتصريح به في بعض الأخبار وعموم بعضها، لكن ورد في
بعض الأخبار جواز افطار العيد به وافطار يوم عاشوراء أيضا وجوزه فيهما
بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) ويخلو من قوة، والاحتياط في الترك إلا

(1) مستدرك الحاكم ج 1 ص 294.
(2) ص 273.
274

أن يكون به مرض يقصد الاستشفاء.
وقال المحقق الأردبيلي (قدس سره) بعد ذكر المسألة: ولا بد إن يكون بقصد
الاستشفاء وإلا فيحرم ولم يحصل له الشفاء كما في رواية أبي يحيى (1) ويدل عليه
غيرها أيضا، وقد نقل أكله يوم عاشوراء بعد العصر وكذا الافطار به في يوم العيد
ولم تثبت صحته فلا يؤكل إلا للشفاء.
وظاهر كلامه (قدس سره) رد خبري الجواز في هذين الموضعين لضعف
السند بناء على هذا الاصطلاح حيث أنه (قدس سره) من القائلين به والعاكفين
عليه، وظاهر كلام شيخنا المجلسي (قدس سره) القول بمضمون الخبرين والظاهر أنه لكونهما خاصين وتلك الأخبار مطلقة فالعمل بهما مقدم كما هو القاعدة،
وكلامه (قدس سره) مبني على إلغاء هذا الاصطلاح كما هو المعروف من طريقته.
والظاهر أن الرواية المشار إليها في الجواز يوم عاشوراء هو ما ذكره الشيخ
في المتهجد (2) قال: ويستحب صوم هذا العشر فإذا كان يوم عاشوراء أمسك عن الطعام
والشراب إلى بعد العصر ثم يتناول شيئا يسيرا من التربة. ولم يذكر شيخنا المجلسي في
كتاب البحار دليلا سواها في هذا الحكم.
ومن الأخبار الواردة في المسألة ما رواه في كتاب كامل الزيارات (3) عن
أحدهما (عليهما السلام) قال: قلت له ما تقول في طين قبر الحسين (عليه السلام)؟
قال يحرم على الناس أكل لحومهم ويحل لهم أكل لحومنا ولكن الشئ اليسير منه مثل
الحمصة) وظاهر الخبر الجواز بهذا المقدار وإن لم يكن بقصد الاستشفاء.
ومنها - ما رواه فيه أيضا بسنده عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (4) قال: (كل طين حرام على بني آدم ما خلا طين قبر أبي عبد الله (عليه
.

(1) ص 276.
(2) ص 538
(3) ص 285 و 286 وفي الوسائل الباب 74 من المزار عن الشيخ عن ابن قولويه
(4) الوسائل الباب 59 من الأطعمة المحرمة
275

السلام) من أكله من وجع شفاء الله) وظاهره يشير إلى الجواز بقصد الشفاء إلا أنه غير صريح بل ولا ظاهر في المنع من غيره.
ومنها - ما رواه في كتاب دعوات الراوندي عن سدير عن الصادق (عليه
السلام) (1) أنه قال (من أكل من طين قبر الحسين (عليه السلام) غير مستشف به
فكأنما أكل من لحومنا وهو صريح في التحريم إلا بقصد الاستشفاء ويمكن تقييده
بالأخبار المتقدمة.
ومنها - ما رواه في كتاب العلل (2) عن أبي يحيى الواسطي عن رجل قال:
(قال أبو عبد الله (عليه السلام) الطين حرام أكله كلحم الخنزير ومن أكله ثم مات
فيه لم أصل عليه إلا طين القبر، فمن أكله بشهوة لم يكن فيه شفاء).
ورواه الكليني في الكافي (3) وابن قولويه في كتاب الزيارات (4) عن
الكليني وفيهما (حرام أكله... إلى قوله إلا طين القبر فإن فيه شفاء من كل داء
ومن أكله بشهوة لم يكن فيه شفاء وليس فيه دلالة صريحة بل ولا ظاهرة على
التحريم بقصد التبرك كما هو محل الخلاف.
والظاهر أن جملة (فإن فيه شفاء من كل داء) سقطت من قلم صاحب العلل
أو من بعض الرواة حيث إنها الأنسب بسياق الخبر ورواية الشيخين المذكورين لها
وهذه هي الرواية التي أشار إليها المحقق الأردبيلي (نور الله مرقده) وادعى دلالتها
على التحريم إلا بقصد الاستشفاء والحال فيها كما ترى.
وبالجملة فالأخبار المدعى دلالتها على التحريم مطلقا وإن كان للتبرك لا بقصد
الشفاء لا صراحة فيها ولا ظاهرية بذلك كما عرفت إلا رواية سدير وقد عرفت
قيام الاحتمال بتقييدها، وروايتا النوفلي وكتاب الفقه الرضوي صريحتان

(1) البحار ج 14 ص 323.
(2) ص 179 وفي الوسائل الباب 59 من الأطعمة المحرمة
(3) الفروع ج 2 ص 156 وفي الوسائل الباب 59 من الأطعمة المحرمة
(4) ص 286 وفي الوسائل الباب 59 من الأطعمة المحرمة.
276

في الجواز للتبرك ورواية المصباح في يوم عاشوراء. وقضية الجمع بين أخبار المسألة
تقييد ما يدعى دلالته على التحريم باطلاقه وقصر الحكم بالتحريم على ما عدا
المواضع الثلاثة المذكورة في ما قدمناه من الأخبار. والاحتياط لا يخفى. والله العالم
ومنها - التكبير في الفطر عقيب أربع صلوات أولها المغرب وآخرها صلاة
العيد، وضم الصدوق إلى هذه الصلوات الأربع صلاة الظهرين، وضم ابن الجنيد النوافل
أيضا، وفي الأضحى عقيب خمس عشرة صلاة أولها ظهر يوم النحر لمن كان بمنى وفي
الأمصار عقيب عشر صلوات أولها ما تقدم.
وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع: (الأول) اختلف الأصحاب (رضوان
الله عليهم) في وجوب هذا التكبير واستحبابه في عيد الفطر فنقل عن المرتضى
(رضي الله عنه) القول بالوجوب والمشهور الاستحباب.
ويدل على ما ذهب إليه المرتضى من الوجوب في الفطر الآية أعني قوله
عز وجل: (ولتكبروا الله على ما هداكم) (1).
وروى الصدوق (قدس سره) في كتاب الخصال بإسناده عن الأعمش عن
جعفر بن محمد (عليهما السلام) (2) في حديث شرائع الدين قال: (والتكبير في
العيدين واجب أما في الفطر ففي خمس صلوات يبتدأ به من صلاة المغرب ليلة الفطر
إلى صلاة العصر من يوم الفطر، وهو أن يقال: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله
والله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أبلانا. لقوله عز وجل
(ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم... الحديث).
والتقريب فيه أنه قد فسر (ع) الآية بهذا التكبير الواقع في الفطر، والأوامر
القرآنية للوجوب اجماعا إلا ما قام الدليل على خلافه، ويعضده تصريح الخبر
بالوجوب أيضا.

(1) سورة البقرة الآية 181.
(2) الوسائل الباب 20 من صلاة العيد.
277

ونحوه ما رواه الصدوق في كتاب عيون الأخبار عن الفضل بن شاذان عن
الرضا (ع) (1) (أنه كتب إلى المأمون: والتكبير في العيدين واجب في الفطر في دبر خمس
صلوات ويبدأ به في دبر صلاة المغرب ليلة الفطر) ورواه الحسن بن علي بن شعبة في
كتاب تحف العقول مرسلا (2).
وقال في المدارك - بعد نقل القول بالاستحباب عن أكثر الأصحاب والوجوب
عن المرتضى ما لفظه: والذي وقفت عليه في هذه المسألة رواية سعيد النقاش (3)
قال: (قال أبو عبد الله (ع) أما أن في الفطر تكبيرا ولكنه مسنون. قال قلت
وأين هو؟ قال في ليلة الفطر في المغرب والعشاء الآخرة وفي صلاة الفجر وصلاة
العيد ثم يقطع. قال قلت كيف أقول؟ قال تقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا
الله والله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا. وهو قول الله سبحانه: ولتكملوا
العدة ولتكبروا الله على ما هداكم) (4) وهي صريحة في الاستحباب وينبغي العمل بها في
كيفية التكبير ومحله وإن ضعف سندها لأنها الأصل في هذا الحكم. انتهى.
ولا يخفى عليك ما فيه (أما أولا) فلما ادعاه من أن الذي وقف عليه إنما
هو هذه الرواية وأنها الأصل في هذا الحكم مع ما عرفت مما قدمناه من الروايتين
في هذه المسألة.
ومن رواياتها أيضا ما رواه ثقة الاسلام في الكافي في الصحيح أو الحسن عن
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) (5) قال: (تكبر ليلة الفطر وصبيحة الفطر
كما تكبر في العشر).
أقول: الظاهر أن المراد بالعشر يعني عشر صلوات في الأمصار في الأضحى
والمراد استحباب التكبير أو وجوبه في هذا الموضع كما في ذلك الموضع، ولا يلزم
منه اتحاد الكيفية.
و (أما ثانيا) فإن ما ذكره - من أن هذه الرواية هي الأصل في هذا الحكم

(1) الوسائل الباب 20 من صلاة العيد
(2) الوسائل الباب 20 من صلاة العيد
(3) الوسائل الباب 20 من صلاة العيد
(4) البقرة الآية 181.
(5) الوسائل الباب 20 من صلاة العيد
278

وأنه ينبغي العمل بها وإن ضعف سندها - إنما ألجأه إليه ضيق الخناق في هذا
الاصطلاح الذي هو إلى الفساد أقرب من الصلاح وذلك فإن الخبر الضعيف
عنده ليس بدليل شرعي ومن عادته وقاعدته رد الأخبار الضعيفة في كتابه،
وبموجب ذلك أنه لا يصلح لتأسيس الأحكام الشرعية ولا يجوز بناؤها عليه ومن
قاعدته تقديم العمل بالبراءة الأصلية على الأخبار الضعيفة، فكيف خرج عن قاعدته
هنا واحتج بهذه الحجة الواهية التي هي لبيت العنكبوت - وأنه لأوهن البيوت -
مضاهية؟ على أنك قد عرفت وجود الأخبار في الحكم المذكور غير هذه الرواية
كرواية معاوية بن عمار، فإنها قد تضمنت الأمر بالتكبير وإن لم تدل على كيفية،
ورواية الأعمش وإن اشتملت على كيفيته إلا أن في رواية الأعمش زيادة على ما نقله
ورواية النقاش في آخر التكبير (والحمد لله على ما أبلانا) وهذه الزيادة أيضا
موجودة في رواية النقاش بنقل الصدوق لها في الفقيه (1) وأما على نقل الشيخ في
التهذيب (2) وهو الذي أخذ منه فهو كما نقله هنا. وبالجملة فهو معذور في ما ذكره
حيث لم يعط التأمل حقه في تتبع الأخبار والوقوف عليها في مظانها وإن لم يكن
معذورا حقيقة لما ذكرناه.
وكيف كان فإن ظاهر رواية النقاش هو الاستحباب، إذ الظاهر من قوله
(مسنون) إنما هو المستحب لا ما ثبت وجوبه بالسنة كما يدل عليه السياق، وعلى
ذلك تحمل الآية المذكورة في الخبر، لأنه لو أريد بها الوجوب لكان حق العبارة في
الخبر أن يقال إنه مفروض أي واجب بالكتاب، ويؤيد ذلك ما يأتي في صحيحة
علي بن جعفر (3) وأما لفظ الوجوب في الخبرين المتقدمين ففيه ما عرفت مما قدمناه
في غير موضع من مباحث الكتاب من أن هذا اللفظ من الألفاظ المتشابهة، فإنه وإن
كان في اصطلاح أرباب الأصول بمعنى ما يترتب العقاب على تركه لكنه في الأخبار أعم

(1) الوسائل الباب 20 من صلاة العيد.
(2) ج 1 ص 290 عن الكليني. (3) ص 281.
279

من ذلك كما لا يخفى على من تدبر الأخبار وجاس خلال الديار.
الثاني - في وجوبه أو استحبابه في عيد الأضحى، والمشهور الاستحباب
أيضا ونقل عن المرتضى وابن الجنيد والشيخ في الإستبصار الوجوب.
قال في المدارك بعد ذكر المصنف تكبير الأضحى: المشهور بين الأصحاب أن
ذلك على سبيل الاستحباب أيضا، وقال المرتضى وابن الجنيد والشيخ في الإستبصار
بالوجوب لما رواه محمد بن مسلم في الحسن (1) قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن
قول الله عز وجل: واذكروا الله في أيام معدودات (2) قال التكبير في أيام التشريق
من صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث وفي الأمصار عشر
صلوات فإذا نفر الناس النفر الأول أمسك أهل الأمصار انتهى. ثم نقل
الاختلاف في الكيفية.
أقول: ظاهر كلامه (زيد في مقامه) - حيث ذكر أن المشهور هو الاستحباب
ولم ينقل عليه دليلا ثم نقل القول بالوجوب وأورد له دليلا الحسنة المذكورة ثم
تجاوز عن المقام إلى نقل الاختلاف في الكيفية، ولم يرجح شيئا من القولين ولم
يتكلم بشئ في البين - هو التوقف في الحكم بل ربما أشعر بالميل إلى الوجوب حيث
نقل ما يدل عليه ولم يطعن فيه بشئ كما هي عادته إذا لم يرتض القول بالخبر، مع عدم
تعرضه لنقل دليل مقابله.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بالمسألة الحسنة التي ذكرها، ولا يخفى
أن وصفه لها بالحسن إنما هو بإبراهيم بن هاشم الذي قد عرفت اضطراب كلامه فيه
ما بين أن يرد روايته بالضعف وما بين أن يصفها بالحسن كما هنا وما بين أن يصفها

(1) الوسائل الباب 21 من صلاة العيد. وفيه كما في الفروع ج 1 ص 306 (فإذا
نفر بعد الأولى) وفي التهذيب ج 1 ص 523 عن الكليني والوافي باب التكبير في أيام
التشريق من الحج كما هنا.
(2) سورة البقرة الآية 199.
280

بالصحة كما أشرنا إليه في الأبحاث المتقدمة.
ومنها - موثقة عمار عن أبي عبد الله (ع) (1) قال: (التكبير واجب في دبر
كل صلاة فريضة أو نافلة أيام التشريق).
ومنها - صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) (2) قال:
(سألته عن التكبير أيام التشريق أواجب هو؟ قال يستحب وإن نسي فلا شئ
عليه... الحديث).
ومنها - صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) (في
قول الله عز وجل: واذكروا الله في أيام معدودات (4) قال هي أيام التشريق كانوا إذا
أقاموا بمنى بعد النحر تفاخروا فقال الرجل منهم كان أبي يفعل كذا وكذا فقال الله
عز وجل: فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا (5)
قال والتكبير: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد الله
أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام).
وجملة من الأخبار إنما تضمن السؤال عنه أو بيان كيفية من غير اشعار
بوجوب أو استحباب.
وأنت خبير بأنه وإن كان ظاهر ما عدا صحيحة علي بن جعفر من هذه الأخبار هو الوجوب إلا أن ظاهر الصحيحة المذكورة بل صريحها هو الاستحباب
لأنه لا مجال للتأويل هنا في لفظ الاستحباب فيها فيجب حمل ما عداها من الأخبار
عليها، وكذلك الآية المذكورة في حسنة محمد بن مسلم وصحيحة منصور.
ومما يؤيد القول بالاستحباب صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما
السلام) (6) قال: (سألته عن التكبير بعد كل صلاة فقال كم شئت إنه ليس شئ

(1) الوسائل الباب 21 من صلاة العيد
(2) الوسائل الباب 21 و 23 من صلاة العيد
(3) الوسائل الباب 21 من صلاة العيد
(4) سورة البقرة الآية 199.
(5) سورة البقرة الآية 196 (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله...)
(6) الوسائل الباب 24 من صلاة العيد.
281

موقت. يعني في الكلام) وظاهر هذه الرواية العموم لكل من تكبير الفطر والأضحى
وأظهر منه قوله في هذا الحديث على ما نقله في مستطرفات السرائر من جامع
البزنطي بسنده صحيح أيضا (1) عوض هذه العبارة قال: (كم شئت إنه ليس بمفروض)
ويشعر به أيضا قوله (ع) في موثقة عمار المتقدمة (2) (واجب في دبر كل صلاة فريضة
أو نافلة) مع دلالة رواية داود بن فرقد (3) على أنه ليس في النافلة تكبير. والله العالم.
الثالث - في كيفيته وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك
فقال ابن أبي عقيل إن كيفية: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد
على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام والحمد لله ما أولانا. ولم يذكر
تكبير الفطر.
وقال ابن الجنيد في كيفية تكبير الفطر: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله
والله أكبر الله أكبر ولله الحمد لله أكبر على ما هدانا. وفي الأضحى الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد لله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة
الأنعام والحمد لله على ما أولانا.
وروى الصدوق في من لا يحضره الفقيه (4) عن علي (ع) أنه كان يقول في
دبر كل صلاة في عيد الأضحى: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله
أكبر ولله الحمد. ولم يذكر تكبير الفطر.
وفي المقنع (5) في صفة تكبير الأضحى: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله
والله أكبر ولله الحمد والله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا والله أكبر على
ما رزقنا من بهيمة الأنعام.

(1) الوسائل الباب 24 من صلاة العيد.
(2) ص 281.
(3) ص 288.
(4) ج؟ ص 308 وفي الوسائل الباب 21 من صلاة العيد
(5) مستدرك الوسائل الباب 17 من صلاة العيد.
282

وقال الشيخ المفيد في تكبير الفطر: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله
أكبر والحمد لله على ما هدانا وله الشكر على ما أولانا. وفي الأضحى الله أكبر الله
أكبر لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله على ما رزقنا من بهيمة الأنعام.
وقال الشيخ في النهاية في صفة تكبير الفطر: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا
الله والله أكبر ولله الحمد الحمد لله على ما هدانا وله الشكر على ما أولانا. وفي
الأضحى كذلك إلا أنه يزيد فيه (ورزقنا من بهيمة الأنعام) وكذلك في المبسوط
وقال في الخلاف: صفة التكبير أن يقول الله أكبر والله أكبر ولا إله إلا الله
والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. ولم يفصل بين العيدين.
هذا ما وقفت عليه من الأقوال المنقولة في المختلف، وأقوال من تأخر عنه
أيضا مختلفة في ذلك كما يخفى على من راجعها.
وأما الأخبار الواردة في ذلك فأما بالنسبة إلى عيد الفطر فالذي وقفت عليه
ما تقدم في رواية الأعمش المنقولة من كتاب الخصال ورواية سعيد النقاش (1).
والذي في الأولى: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد الله
أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أبلانا.
والذي في الثانية برواية الصدوق (2) مثل هذه الرواية وأما برواية الكليني
والشيخ عنه (3) فإنهما أسقطا قوله في آخر الرواية: (والحمد لله على ما أبلانا) كما
أشرنا إليه آنفا.
وروى في كتاب الاقبال (4) قال: روينا باسنادنا إلى أبي محمد هارون بن موسى
التلعكبري باسناده إلى معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول إن في الفطر
تكبيرا. قلت متى؟ قال في المغرب ليلة الفطر والعشاء وصلاة الفجر وصلاة العيد ثم
ينقطع وهو قول الله تعالى: ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم (5) والتكبير

(1) ص 277 و 278
(2) الوسائل الباب 20 من صلاة العيد
(3) الوسائل الباب 20 من صلاة العيد
(4) ص 271
(5) سورة البقرة الآية 181.
283

أن يقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد على ما هدانا
أقول: وهذه كيفية أخرى أيضا. والعمل بالصورة التي اتفقت عليها رواية
الأعمش ورواية النقاش بناء على نقل الصدوق لها هو الأحوط وإن كان القول
بالتخيير بين ما ورد هو الوجه في الجمع بين الأخبار.
وأنت خبير بأن ما قدمنا نقله عن ابن الجنيد والشيخ المفيد وكذلك الشيخ
في النهاية والمبسوط من صورة تكبير الفطر مع اختلافه لا ينطبق شئ منه على ما دل
عليه الخبران المذكوران، وحمله على وصول أخبار لهم مما ذكره كل منهم مع عدم
وصول شئ منها لنا وإن أمكن لكنه بعيد، وأبعد منه أن يكون ما قاله كل منهم عن
اجتهاد في المسألة إذ لا مسرح للاجتهاد في مثل ذلك.
وأما بالنسبة إلى عيد الأضحى فالأخبار فيه أشد اختلافا وأبعد ائتلافا،
قال المدارك: واختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في كيفية التكبير في
الأضحى والأجود العمل بما رواه معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) (1)
قال: (والتكبير أن يقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر
ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام والحمد لله
على ما أبلانا) انتهى.
أقول: لا أعرف لهذه الأجودية وجها إلا من حيث صحة سند هذه
الرواية باصطلاحه، وقد عرفت أن صحيحة منصور بن حازم المتقدمة (2) قد تضمنت
التكبير في الأضحى بوجه آخر، وفي صحيحة زرارة أو حسنته بإبراهيم بن هاشم
الذي قدمنا قريبا عنه عد حديثه في الحسن عن أبي جعفر (ع) (3) (يقول فيه: الله
أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا
الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام) وهذه أيضا كيفية ثالثة.
وبذلك يظهر لك أنه لا وجه لهذه الأجودية وترجيح تلك الرواية لأجلها

(1) الوسائل الباب 21 من صلاة العيد
(2) ص 281.
(3) الوسائل الباب 21 من صلاة العيد
284

إلا من حيث غفلته وقت التصنيف عن هذين الروايتين كما يشعر به قوله في رواية
النقاش (إنه لم يقف في تلك المسألة إلا عليها) مع وجود الأخبار التي ذكرناها ثمة.
ثم إن في صحيحة علي بن جعفر المروية في كتابه وهي مروية في كتاب قرب الإسناد (1) عن أخيه (ع) قال: (تقول الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر
الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام
وهذه الكيفية مطابقة لما ورد في صحيحه زرارة أو حسنته المتقدمة (2).
وفي رواية الأعمش المنقولة من كتاب الخصال التي قدمنا ذكرها في تكبير
الفطر (3) قال في آخرها. (وبالأضحى في الأمصار في دبر عشر صلوات.. إلى أن قال
ويزاد في هذا التكبير: والله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام) وهذه أيضا كيفية رابعة
وما يأتي نقله من كتاب الفقه الرضوي وهي كيفية خامسة أيضا. والعمل بكل
ما ورد حسن إن شاء الله تعالى.
فائدة
قد تقدم في كلام ابن الجنيد ذكر التكبير في صدر التكبير المسنون في الأضحى
ثلاث مرات والموجود في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) وكذا في الأخبار
إنما هو مرتان، وأخبار المسألة على كثرتها وتعدد في الكتب الأربعة وغيرها
لم تشتمل إلا على المرتين، قال المحقق في الشرائع بعد قوله الله أكبر مرتين، وفي
الثالثة تردد. والظاهر أنه إشارة إلى ما نقلناه عن ابن الجنيد كما تقدم تصريحه به في
عبارته المتقدمة. وكيف كان فإنه لا وجه لهذا التردد بمجرد وجود القائل بذلك
مع عدم وجود ما يدل عليه من الأخبار، اللهم إلا أن يكون وصل إليه لم يصل
إلينا وهو بعيد.
الرابع - ما تقدم نقله عن الصدوق من زيادة فريضتين على الأربع المشهورة

(1) الوسائل الباب 21 من صلاة العيد
(2) ص 284
(3) الوسائل الباب 20 من صلاة العيد.
285

قد صرح به في المقنع حيث قال بأنه عقيب ست صلوات أخيرتها صلاة العصر يوم
الفطر. والأصحاب لم يذكروا له مستندا بل صرح الشهيد في الذكرى بعدم وقوفه
على مأخذه.
قال بعض الأصحاب بعد نقل ذلك من الذكرى: الظاهر أن مأخذه ما أشار إليه
في الفقيه عند نقل رواية سعيد (1) حيث قال وفي غير رواية سعيد وفي الظهر والعصر
أقول: بل الظاهر أن مأخذه إنما هو كتاب الفقه الرضوي الذي قد عرفت
في غير مقام مما تقدم اعتماده وكذا أبوه في الرسالة على أخذ عبارات هذا
الكتاب والافتاء بها.
قال (ع) في الكتاب المذكور (2) (وكبر بعد المغرب والعشاء الآخرة والغداة
وصلاة العيد والظهر والعصر كما تكبر أيام التشريق: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا
الله والله أكبر الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا وأبلانا والحمد لله
بكرة وأصيلا).
وقد تقدم (3) في رواية الأعمش المنقولة من الخصال أنه في خمس صلوات
يبتدأ به من صلاة المغرب ليلة الفطر إلى صلاة العصر. والظاهر أن مراده بالخمس
مع لزوم كونها ستا يعني من اليومية فلا ينافي كونها ستا مع صلاة العيد.
ويشير إلى هذا القول أيضا ما رواه في عيون الأخبار في حديث عن الفضل
ابن شاذان عن الرضا (ع) (4) في كتابه إلى المأمون (والتكبير في العيدين واجب
في الفطر في دبر خمس صلوات ويبدأ به في دبر صلاة المغرب ليلة الفطر) واجمال
هذه الرواية يعلم من رواية الخصال.
ويدل على هذا القول أيضا ما رواه العياشي في تفسيره عن سعيد، والظاهر أنه النقاش المتقدم حيث نقل عنه تلك الرواية المتقدمة في تفسيره (5) ثم قال وعن

(1) الوسائل الباب 20 من صلاة العيد
(2) ص 25
(3) ص 277.
(4) الوسائل الباب 20 من صلاة العيد
(5) مستدرك الوسائل الباب 16 من صلاة العيد.
286

سعيد عن أبي عبد الله (ع) (1) قال: (إن في الفطر تكبيرا. قال قلت ما تكبير
إلا في يوم النحر؟ قال فيه تكبير ولكنه مسنون: في المغرب والعشاء والفجر والظهر
والعصر وركعتي العيد).
وبذلك يظهر لك ما في كلام من رد على الصدوق هنا بعدم وجود المستند، لعدم
اعطاء التأمل حقه في تتبع الأخبار.
ولم أقف على من تعرض للجواب عن هذه الأخبار حيث إن الأكثر كما
عرفت لم يطلعوا عليها بالكلية، وغاية ما أجاب به بعض محققي متأخري المتأخرين
بعد أن ذكر رواية الأعمش المنقولة في الخصال أن قال: ولا يخفى أن الاستناد إلى
ما هو المنجبر بعمل الأصحاب والمروي في الكتب الأربعة أولى. ولا يخفى ما فيه
سيما بعد ما عرفت من تعدد الرواية بذلك.
وأما ما ذكره ابن الجنيد من ضم النوافل فإن العلامة في المختلف نقل عنه
القول بالوجوب عقيب الفرائض المذكورة والاستحباب عقيب النوافل، ونقل
عنه أنه احتج بأنه تكبير مستحب وذكر مندوب إليه فيكون مشروعا، ثم أجاب
عنه بما حاصله أنا نسلم أن التكبير مستحب لكن من حيث أنه تكبير أما من حيث
أنه تكبير العيد فنمنع مشروعيته.
وظاهره في المنتهى انكار القول المذكور ونسبه للشافعي (2) ونقل استدلاله
عليه بما نقله في المختلف عن ابن الجنيد ثم رده بمثل ما رده في المختلف.
أقول: لا يخفى أن جملة من الروايات قد صرحت بالاستحباب بعد النوافل مثل

(1) مستدرك الوسائل الباب 16 من صلاة العيد.
(2) في المهذب للشيرازي الشافعي ج 1 ص 122 (وهل يكبر خلف النوافل؟ فيه
طريقان، من أصحابنا من قال يكبر قولا واحدا لأنها صلاة راتبة فأشبهت الفرائض، ومنهم
من قال لا يكبر لأن النفل تابع للفرض والتابع لا يكون له تبع) وفي الأم ج 1 ص 214
(ويكبر خلف النوافل وخلف الفرائض وعلى كل حال) وفي المغني ج 2 ص 395 (وقال
الشافعي يكبر عقيب كل صلاة فريضة كانت أو نافلة منفردا صلاها أو في جماعة).
287

ما في صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (ع) (1) قال: (سألته عن النوافل أيام
التشريق هل فيها تكبير؟ قال نعم وإن نسي لا بأس).
وفي موثقة عمار المتقدمة في الموضع الثاني (2) (واجب في دبر كل صلاة
فريضة أو نافلة أيام التشريق).
وفي رواية حفص بن غياث باسناده إلى علي (ع) الآتية قريبا إن شاء
الله تعالى (3) (وعلى من صلى تطوعا).
إلا أن في صحيحة داود بن فرقد (4) - قال: (قال أبو عبد الله (ع) التكبير
في كل فريضة وليس في النافلة تكبير أيام التشريق) - ما يدل على نفي ذلك.
والجمع بين هذه الصحيحة الروايات المتقدمة لا يخلو من اشكال إلا أن
يحمل هذه الصحيحة على نفي الوجوب والأخبار المتقدمة على تأكيد الاستحباب
إلا أن ذلك لا يوافق مراد الأصحاب (رضوان الله عليهم) حيث إن التكبير
عندهم بعد الفريضة أو نافلة إنما هو على جهة الاستحباب وبموجبه يكون النفي في
الصحيحة المذكورة متوجها إلى نفي التوظيف مطلقا وإن كان ما ذكرناه من الجمع
موافقا لما نقله في المختلف عن ابن الجنيد. وجملة من أصحابنا نقلوا الأخبار المذكورة
مع ما هي عليه من التعارض ولم يتعرضوا لوجه الجمع بينها.
وبالجملة فالظاهر من الأخبار هو ما ذكره ابن الجنيد من الاستحباب عقيب
النافلة، وحينئذ يحمل النفي في صحيحة داود بن فرقد على نفي تأكد الاستحباب مثل
الفريضة. وأما على القول المشهور من تخصيص الاستحباب بالفريضة فيشكل
الجمع بين أخبار المسألة كما عرفت.
هذا، والظاهر الاستحباب في هذا التكبير للرجال والنساء والمصلي جماعة

(1) الوسائل الباب 25 من صلاة العيد عن كتاب علي بن جعفر.
(2) ص 28.
(3) ص 289.
(4) الوسائل الباب 25 من صلاة العيد.
288

أو منفردا، قال في الذكرى: هذا التكبير مستحب للمنفرد والجامع والحاضر
والمسافر والبلدي والقروي والذكر والأنثى والحر والعبد للعموم. انتهى.
وهو كذلك.
ومن الأخبار المتعلقة بذلك ما رواه الشيخ في التهذيب عن حفص بن غياث
عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (1) قال: (قال علي (ع) الرجال والنساء
أن يكبروا أيام التشريق في دبر الصلوات وعلى من صلى وحده وعلى من صلى تطوعا)
وعن علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى (ع) (2) قال: (سألته عن
النساء هل عليهن التكبير أيان التشريق؟ قال نعن ولا يجهرن. قال: وسألته عن
الرجل يصلي وحده أيام التشريق هل عليه تكبير؟ قال نعم وإن نسي فلا بأس.
قال: وسألته عن التكبير أيام التشريق هل يرفع فيه اليدين أم لا؟ قال يرفع يده
شيئا أو يحركها) وروى هذا الخبر بكماله الحميري في قرب الإسناد عن علي بن جعفر
عن أخيه موسى (ع) في الصحيح مثله (3).
ولو نسيه حتى قام من موضعه سقط الاتيان به لما رواه الشيخ في الموثق عن
عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع) (4) قال: (سألته عن الرجل ينسى أن يكبر
أيام التشريق قال إن نسي حتى قام من موضعه فليس عليه شئ).
الخامس - المعروف من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) بحيث لم يظهر
فيه مخالف أن أول التكبير في الأضحى ظهر يوم النحر إلى تمام خمس عشرة صلاة
وهو غداة اليوم الثالث عشر لمن كان بمنى ناسكا أو غير ناسك، وعشر صلوات أخيرتها
غداة اليوم الثاني عشر لمن كان من أهل الأمصار أو نفر اليوم الثاني عشر من منى.

(1) الوسائل الباب 22 من صلاة العيد.
(2) الوسائل الباب 22 من صلاة العيد عن كتاب علي بن جعفر والسؤال الأول
نقله من التهذيب أيضا في نفس الباب رقم (1).
(3) الوسائل الباب 22 من صلاة العيد.
(4) التهذيب ج؟ ص 523 وفي الوسائل الباب 23 من صلاة العيد.
289

قال بعض محققي متأخري المتأخرين: هذا مما تفردنا به أيضا ولم يقل به
أحد من العامة، فإن أحدا منهم لم يفرق بين من بمنى ومن بغيرها (1) ومع هذا
أوله عند أكثرهم من صلاة الفجر يوم عرفة وآخره عند الشافعي وجماعة العصر من آخر
أيام التشريق، وعند أبي حنيفة وجمع منهم العصر من يوم النحر، وفي قول آخر
للشافعي يكبر من المغرب ليلة النحر إلى الصبح من آخر أيام التشريق، وقال جمع
منهم من الظهر يوم النحر إلى الظهر من يوم النفر، ولهم أقوال أخر شاذة (2) انتهى.
وبالجملة فإن المتفق عليه عندنا هو تحديد الوقت أولا وآخرا بما قدمنا ذكره
إلا أن بعض الأخبار الواردة في المسألة ربما ظهر منه المنافاة فلا بأس ببسط أخبار
المسألة الواردة في ذلك عنهم (عليه السلام) ما كان موافقا أو مخالفا ليحصل به
الوقوف على ما تضمنته من الأحكام فلا نحتاج إلى إعادته في كتاب الحج وإن كان
هو الأنسب بالمقام فنقول:
من الأخبار الواردة في ذلك ما رواه ثقة الاسلام والشيخ في الصحيح أو
الحسن عن زرارة (3) قال: (قلت لأبي جعفر (ع) التكبير أيام التشريق في دبر
الصلوات؟ فقال التكبير بمنى في دبر خمس عشرة صلاة وفي سائر الأمصار في دبر
عشر صلوات، وأول التكبير في دبر صلاة الظهر يوم النحر يقول فيه: الله
أكبر... إلى آخر ما تقدم في الموضع الثالث. ثم قال (ع) وإنما جعل في سائر
الأمصار في دبر عشر لأنه إذا نفر الناس في النفر الأول أمسك أهل

(1) في عمدة القارئ ج 3 ص 383 (حكى ابن المنذر عن ابن عيينة واستحسنه
أحمد إن أهل منى يبدأون من ظهر يوم النحر وأهل الأمصار من صبح يوم عرفة وإليه
مال أبو ثور).
(2) المغني ج 2 ص 393 وفتح الباري ج 2 ص 316 وعمدة القارئ ج 3 ص 283
(3) الوسائل الباب 21 من صلاة العيد. والرواية عن أبي جعفر (عليه السلام) كما في الفروع
ج 1 ص 306 والتهذيب ج 1 باب الرجوع إلى منى والوافي باب التكبير في العيدين، إلا أنها
في الوسائل عن أبي عبد الله (عليه السلام).
290

الأمصار عن التكبير وكبر أهل منى ما داموا بمنى إلى النفر الأخير).
وما رواه ثقة الاسلام (عطر الله مرقده) في الكافي في الصحيح أو الحسن
عن محمد بن مسلم (1) قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله عز وجل:
واذكروا الله في أيام معدودات (2) قال التكبير في أيام التشريق من صلاة الظهر من
يوم النحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث وفي الأمصار عشر صلوات، فإذا نفر
الناس النفر الأول أمسك أهل الأمصار ومن أقام بمنى فصلى بها الظهر والعصر فليكبر)
وهذه الرواية قد دلت على أنه من أقام بمنى في اليوم الثالث عشر وصلى بها
الظهر والعصر فليكبر، وفيه زيادة فريضتين هي الظهر والعصر على الخمس عشرة المحدودة
وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
(ع) (3) قال: (التكبير أيام التشريق من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الظهر
من آخر أيام التشريق إن أنت أقمت بمنى وإن أنت خرجت فليس عليك التكبير،
والتكبير أن يقول الله أكبر... الحديث) وقد تقدم في الموضع الثالث في كلام
صاحب المدارك.
وهذه الرواية بهذه الصورة في الكافي (4) والظاهر أن لفظ (الظهر) الأخير
تحريف الفجر كما هو الموجود في التهذيب (5) ولهذا إن صاحب الوافي إنما نقلها (6)
برواية التهذيب، وعليه فلا اشكال في الخبر المذكور.

(1) الوسائل الباب 21 من صلاة العيد. وقوله (فإذا نفر الناس النفر الأول)
مطابق لرواية التهذيب ج 1 ص 523 عن الكليني، وفي الفروع ج 1 ص 306 (فإذا نفر
بعد الأولى)
(2) سورة البقرة الآية 199.
(3) الوسائل الباب 21 من صلاة العيد.
(4) الموجود في الكافي ج 1 ص 306 هكذا (إلى صلاة العصر من آخر أيام
التشريق وكذا في الوسائل.
(5) ج 1 ص 523.
(6) في باب التكبير أيام التشريق من أفعال العمرة والحج.
291

وما رواه الشيخ في التهذيب عن غيلان (1) قال: (سألت أبا الحسن (ع)
عن التكبير في أيام الحج من أي يوم يبتدئ به وفي أي يوم يقطعه؟ وهو بمنى وسائر
الأمصار سواء أو بمنى أكثر؟ فقال التكبير بمنى يوم النحر عقيب صلاة الظهر إلى
صلاة الغداة من يوم النفر فإن أقام الظهر كبر وإن أقام العصر كبر وإن أقام المغرب
لم يكبر، والتكبير بالأمصار يوم عرفة صلاة الغداة إلى النفر الأول صلاة الظهر
وهو وسط أيام التشريق).
وهذه الرواية فيها من الاشكال مثل ما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم من
زيادة فريضتين.
قال بعض المحققين من متأخري المتأخرين في الجواب عن الخبرين المذكورين:
يحتمل أن يكون المرادان من نفر في النفر الأول من غير أن يصلي الظهرين بمنى فأخيرتها
الفجر، وإن أقام إلى أن صلاهما فليكبر بعدهما أيضا ولا سيما إذا كان مراده البيتوتة
الأخيرة. ويحتمل أن يكون هذا في النفر الأخير أي من لم ينفر في الأخير إلى
صلاة الظهرين فليكبر بعدهما أيضا إما تقية لكونه مذهب جمع منهم وأما لاستحبابه
بالنسبة إلى هذا واقعا. انتهى.
أقول: والظاهر هو الحمل على التقية كما أشار إليه (قدس سره) فإنه
لا وجه لهذه المخالفة مع اتفاق الأصحاب (رضوان الله عليهم) على الحكم
المذكور سلفا وخلفا كما تقدمت الإشارة إليه المعتضد بالأخبار الكثيرة إلا التقية
ويؤيده التتمة التي في رواية غيلان (والتكبير بالأمصار يوم عرفة... إلى آخره)
فإنه موافق لمذهب جمع من العامة (2) ولهذا أن الشيخ (قدس سره) قال في الجواب
عن هذا الخبر أنه موافق للعامة ولسنا نعمل به.
السادس قال تعض المحققين من مشايخنا من متأخري المتأخرين: واعلم أن

(1) الوسائل الباب 21 من صلاة العيد.
(2) ارجع إلى التعليقة 1 ص 290.
292

ظاهر ما رواه الصدوق عن علي (ع) (أنه كان إذا صلى كل صلاة يبدأ بهذا التكبير) أي
مقدما على سائر التعقيب (1) وكذا يظهر من ما مر من تكبير علي (ع) في أول خطبته (2)
وكذا من ما نقل من حكاية الرضا (ع) من أنه حين ما خرج من بيته نادى بالتكبير
وكلما مشى عشر خطوات وقف فنادى بالتكبير (3) وكذا يظهر من غيرهما أيضا عدم
اختصاص هذا التكبير بتعقيب الصلاة بل الظاهر استحبابه في (؟ ذينك) الوقتين أيضا
ولا سيما وقت الذهاب إلى المصلى. انتهى.
ولا يخفى ما فيه فإنه وإن أمكن احتماله إلا أن ظواهر الأخبار تعطي أن
التكبير الذي وقع الاختلاف في كيفية نصا وفتوى إنما هو التكبير المخصوص
بأعقاب الصلوات، وقد تقدم أن من جملة أحكامه أنه متى نسيه حتى قام من مكانه
فلا قضاء عليه، ولو كان التكبير المذكور إنما هو الموقت كما زعمه (قدس سره) لما
حسن نفي القضاء مع بقاء الوقت، ومثله نفى البأس عن من نسي وقد صلى وحده
كما تقدم في صحيحة علي بن جعفر (4) فإنه لو كان الاستحباب لهذا الوقت لما حسن نفي
البأس عن من نسيه دبر الصلاة إلى غير ذلك من المؤيدات لما ذكرناه كما لا يخفى
على المتأمل. وجميع ما عده من المواضع المشتملة على تكبيرهم (عليهم السلام)
فالظاهر أنها وظائف أخر ومستحبات على حدة كما لا يخفى، خصوصا مع عدم انطباق
التكبير في هذه المواضع التي ذكرها على شئ من الكيفيات الواردة في الأخبار
المتضمنة لكيفية ذلك التكبير المخصوص وتفسيره ما في الآية الشريفة بهذه الكيفية
الواردة عقيب الصلوات. والله العالم.
ومنها - كراهة التنفل قبلها وبعدها إلى الزوال إلا بمسجد النبي صلى الله عليه وآله فإنه يصلي
فيه ركعتين قبل خروجه إلى المصلى.
والأصل في ذلك الأخبار المتكاثرة وقد مر طرف منها، ومنها ما رواه
الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله (ع) (5) قال: (صلاة العيدين مع

(1) الفقيه ج 1 ص 328
(2) الفقيه ج 1 ص 328
(3) ص 268
(4) ص 289
(5) الوسائل الباب 1 من صلاة العيد.
293

الإمام سنة وليس قبلها ولا بعدها صلاة ذلك اليوم إلى الزوال).
وفي صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) (1) (صلاة العيدين ركعتان
بلا أذان ولا إقامة ليس قبلها ولا بعدهما شئ).
وفي صحيحة حريز المروية في التهذيب عن أبي جعفر (ع) (2) قال:
(لا تقض وتر ليلتك إن كان فاتك حتى تصلي الزوال في يوم العيدين) وفي الفقيه
رواها عن حريز عن زرارة عن أبي عبد الله (ع) مثله (3).
وروى الشيخ في التهذيب عن زرارة عن أبي عبد الله (ع) (4) قال: (صلاة
العيدين مع الإمام سنة وليس قبلها ولا بعدها صلاة ذلك اليوم إلى الزوال فإن
فاتك الوتر في ليلتك قضية بعد الزوال) ومطلق هذه الأخبار يحمل على مقيدها.
وروى الشيخان ثقة الاسلام والصدوق (عطر الله مرقديهما) في الكافي
والفقيه من محمد بن الفضل الهاشمي عن أبي عبد الله (ع) (5) قال: (ركعتان من
السنة ليس تصليان في موضع إلا بالمدينة قال تصلي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله في
العيد قبل أن يخرج إلى المصلى ليس ذلك إلا بالمدينة لأن رسول الله صلى الله عليه وآله فعله).
وقد وقع الخلاف هنا في مواضع (أحدها) أن المشهور كما عرفت هو الكراهة
ونقل في الذكرى عن ابن زهرة وابن حمزة أنهما قالا لا يجوز التنفل قبلها ولا بعدها.
وظاهرهما التحريم كما ترى. وقال أبو الصلاح لا يجوز التطوع ولا القضاء قبل
صلاة العيد ولا بعدها حتى تزول الشمس. وظاهره كما ترى التحريم أيضا، وربما
أشعر بتحريم قضاء الفريضة أيضا إلا أن يحمل على قضاء النافلة كما دل عليه
الخبران المتقدمان.

(1) الوسائل الباب 7 من صلاة العيد
(2) الوسائل الباب 7 من صلاة العيد، والسند مطابق للوافي باب آداب العيدين، وفي
التهذيب ج 1 ص 214 والوسائل عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام.
(3) الوسائل الباب 7 من صلاة العيد
(4) الوسائل الباب 1 من صلاة العيد.
(5) الوسائل الباب 7 من صلاة العيد
294

وقال في المختلف بعد نقل العبارة المذكورة: وهذه عبارة ردية فإنها توهم
المنع من قضاء الفرائض إذ قضاء النوافل داخل تحت التطوع، فإن قصد بالتطوع
ابتداء النوافل وبالقضاء ما يختص بقضاء النوافل فهو حق في الكراهة، وإن قصد
المنع من قضاء في الفرائض فليس كذلك وتصير المسألة خلافية. ثم احتج على وجوب
القضاء في الفرائض بعموم الأمر بالقضاء وقوله (ع) (1) (من فاتته صلاة فريضة
فوقتها حين يذكرها) ثم قال فإن احتج بما رواه زرارة في الحسن عن الباقر (ع) (2)
(وليس قبلها ولا بعدها صلاة) أجبنا بأن المراد بذلك النوافل جمعا بين الأدلة
وما أظنه يريد سوى ما قصدناه. انتهى. وهو جيد.
ثانيها - قد عرفت استثناء الركعتين في مسجد النبي صلى الله عليه وآله من الكراهة حيث
أنهما تستحبان فيه قبل الخروج، وهو المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله
عليهم) ونقل في المختلف والذكرى عن الصدوق في المقنع والشيخ في الخلاف اطلاق
الكراهة وعدم الاستثناء، ونقل في الذكرى استنادهما إلى حسنة زرارة المتقدمة
ورده بأن اطلاق الرواية المذكورة محمول على الروايات المقيدة الدالة على استثناء
الركعتين في مسجد النبي صلى الله عليه وآله. وهو كذلك.
وثالثها - أنه نقل في المختلف والذكرى عن ابن الجنيد أنه قال: ولا يستحب
التنفل قبل الصلاة ولا بعدها للمصلي في موضع التعبد، فإن كان الاجتياز بمكان
شريف كمسجد الحرام أو مسجد الرسول صلى الله عليه وآله فلا أحب اخلاءه من ركعتين قبل
الصلاة وبعدها، وقد روي عن أبي عبد الله (ع) (أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يفعل
ذلك في البدأة والرجعة في مسجده) انتهى.
وأنت خبير بأن كلامه هذا يشعر بالمخالفة في مقامين (أحدهما) - في الحاق

(1) هذا المضمون يستفاد مما ورد من الأحاديث في الوسائل في الباب 63 من مواقيت
الصلاة و 1 من قضاء الصلوات.
(2) الوسائل الباب 1 من صلاة العيد.
295

المسجد الحرام وكل مكان شريف بمسجد النبي صلى الله عليه وآله وقد عرفت أن الاستثناء
نصا وفتوى مقصور على مسجد النبي صلى الله عليه وآله. و (ثانيهما) - استحباب الركعتين بعد
الرجوع، والموجود في النص وعليه اتفقت كلمة الأصحاب إنما هو قبل الخروج.
ونقل عنه في المختلف أنه احتج بمساواة المسجد الحرام لمسجد الرسول صلى الله عليه وآله
في أكثر الأحكام فيساويه في هذا الحكم، والابتداء كالرجوع فيتساويان. ثم أجاب
عنه بالمنع من التساوي في المقامين للحديث. وأشار بالحدث إلى ما قدمه من رواية
محمد بن الفضل الهاشمي التي ذكرناها.
أقول: الظاهر أن ما ذكره من مستند ابن الجنيد إنما هو من كلامه كما هي قاعدته
في الكتاب المذكور غالبا، والذي يقرب عندي أن مستنده بالنسبة إلى الالحاق
إنما هو شرف المكان كما يشير إليه قوله الاجتياز بمكان شريف) وفيه أن هذه
العلة مستنبطة فالعمل بها قياس محض، وبالنسبة إلى استحباب الركعتين بعد إنما هو
الخبر الذي نقله عن أبي عبد الله (ع) من أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يفعل في البدأة
والرجعة في مسجده، وحينئذ فإن ثبت الخبر المذكور فلا اعتراض عليه في ذلك ويبقى
محل الإيراد على كلامه بالنسبة إلى الأول.
ورابعها - ما ذكره في الذكرى عن الفاضلين من جواز صلاة التحية إذا صليت
في مسجد لعموم الأمر بالتحية، ثم أجاب عنه بأن الخصوص مقدم على العموم.
أقول: التحقيق أن هنا عمومين قد تعارضا وهو صلاة التحية فإن ظاهر النصوص
استحبابها مطلقا في يوم العيد وغيره، وكراهية الصلاة يوم العيد قبل صلاة العيد
وبعدها أعم من أن تصلي في مسجد أو غيره، فقول شيخنا المذكور إن الخصوص
مقدم على العموم لا أعرف له وجها، فإنه كما يحتمل العمل بعموم الأمر بالتحية
الشامل ليوم العيد وغيره وتقييد الكراهة في العيدين بما عدا صلاة التحية كما
ذكره الفاضلان يمكن أيضا العمل بعموم ما دل على كراهية التنفل يوم العيد الشامل
لصلاة التحية وغيرها وتخصيص عموم صلاة التحية بغير يوم العيد. وبالجملة تخصيص
296

أحد العامين بالآخر يحتاج إلى دليل من خارج وإلا فالاحتمال قائم من الطرفين
كما عرفت.
وخامسها - ما رواه الصدوق (قدس سره) في كتاب ثواب الأعمال عن
محمد بن إبراهيم عن عثمان بن محمد وأبي يعقوب القزاز معا عن محمد بن يوسف عن
محمد بن شعيب عن عاصم بن عبد الله عن إسماعيل بن أبي زياد عن سليمان التيمي عن
أبي عثمان النهدي عن سلمان (رضي الله عنه) (1) قال (قال رسول الله صلى الله عليه وآله من صلى
أربع ركعات يوم الفطر بعد صلاة الإمام يقرأ في أولاهن (سبح اسم ربك الأعلى)
فكأنما قرأ جميع الكتب كل كتاب أنزله الله تعالى، وفي الركعة الثانية (والشمس
وضحاها) فله من الثواب ما طلعت عليه الشمس، وفي الثانية (والضحى) فله من
الثواب كمن أشبع جميع المساكين ودهنهم ونظفهم، وفي الرابعة (قل هو الله أحد)
ثلاثين مرة غفر الله ذنوب خمسين سنة مستقبلة وخمسين سنة مستدبرة).
وهذا الخبر كما ترى مخالف لما تكاثرت به الأخبار واجتمعت عليه كلمة جل
الأصحاب (رضوان الله عليهم) من عدم الصلاة في هذا الوقت، ولهذا قال
الصدوق (قدس سره) في الكتاب المذكور بعد نقله ما صورته: أقول - وبالله
التوفيق - أن هذا الثواب هو لمن كان إمامه مخالفا لمذهبه فيصلي معه تقية ثم يصلي هذه
الأربع ركعات للعيد ولا يعتد بما صلى خلف مخالفه، فأما من كان إمامه يوم العيد
إماما من الله تعالى عز وجل واجب الطاعة على العباد فصلى خلفه صلاة العيد لم يكن
له أن يصلي بعد ذلك صلاة حتى تزول الشمس، وكذا من كان إمامه موافقا لمذهبه
وإن لم يكن مفروض الطاعة وصلى معه العيد لم يكن له أن يصلي بعد ذلك صلاة
حتى تزول الشمس. انتهى.
وأنت خبير بما فيه من البعد عن سياق الخبر المذكور سيما مع ما قدمناه من
أن استحباب الاتيان بها مع اختلال الشرائط إنما هو بالاتيان بركعتين كما تصلى في

(1) الوسائل الباب 6 من صلاة العيد. وفيه (شبيب) بدل (شعيب).
297

الجماعة لا بأربع كما دل عليه الخبر المذكور وإن كان قد قيل بالأربع أيضا ودل
عليه بعض الأخبار الضعيفة التي قدمنا أن الأظهر حملها على التقية، ولو
صح سند الخبر المذكور لأمكن تخصيص تلك الأخبار به إلا أنه لضعفه وشذوذه
وندوره لا يمكن التعلق به، ولا أعرف جوابا عنه إلا الارجاء فيه إلى قائله لو
ثبت عنه صلى الله عليه وآله إلا أن الظاهر أن الخبر عامي ورجاله إنما هم من العامة وحينئذ
فلا حاجة إلى تكلف الجواب عنه.
وأما ما ذكره الصدوق من الجواب عنه فبعيد إلا أن مذهبه في القضاء مع
اختلال الشروط هو الصلاة أربعا كما ذكره في الهداية، ومن أجل ذلك حمل الأربع
المذكورة هنا على أنها صلاة العيد المقضية بعد فوات شرطها. والله العالم.
ومنها - كراهة نقل المنبر من المسجد بل يعمل له شبه المنبر من طين، ونقل
عليه في الذكرى الاجماع.
ويدل عليه ما رواه الصدوق عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله (ع) (1)
قال: (قلت له أرأيت صلاة العيدين هل فيهما أذان وإقامة؟ قال ليس فيهما
أذان ولا إقامة ولكن ينادى: الصلاة ثلاث مرات وليس فيهما منبر، المنبر
لا يحرك من موضعه ولكن يصنع للإمام شئ شبه المنبر من طين فيقوم عليه
فيخطب الناس ثم ينزل).
ومنها - كراهة الخروج بالسلاح، قال في الذكرى: لمنافاته الخضوع
والاستكانة، ولو خاف عدوا لم يكره لما روي عن السكوني عن الصادق عن الباقر
(عليهما السلام) (2) أنه قال: (نهي النبي صلى الله عليه وآله أن يخرج السلاح في العيدين إلا
أن يكون عدو ظاهر).
ومنها - كراهة السفر بعد الفجر من يوم العيد، وتردد المحقق في الشرائع في

(1) الوسائل الباب 7 و 33 من صلاة العيد.
(2) الوسائل الباب 16 من صلاة العيد.
298

التحريم ثم قال الأشبه الجواز.
قال في المدارك: منشأ التردد أصالة الجواز السالمة عن معارضة الاخلال
بالواجب، وقوله (ع) في رواية أبي بصير (1) (إذا أردت الشخوص في يوم عيد
فانفجر الصبح وأنت بالبلد فلا تخرج حتى تشهد ذلك العيد قال في الذكرى: ولما
لم يثبت الوجوب حمل، النهي عن السفر على الكراهة. ويشكل بعدم المنافاة بين
الأمرين حتى يتوجه الحمل لكن الراوي وهو أبو بصير مشترك بين الثقة والضعيف
فلا يصح التعليق بروايته والخروج بها عن مقتضى الأصل. انتهى ما ذكره
في المدارك.
أقول: لا إشكال في أن ظاهر النهي في الرواية المذكورة هو التحريم،
وجواب صاحب الذكرى - بأنه لما لم يدخل وقت الصلاة ولم يتحقق وجوبها والخطاب
بها يحمل النهي على الكراهة - فيه ما ذكره السيد (قدس سره) من أن التحريم لا
يتوقف على دخول وقتها إذ لا منافاة بين التحريم وبين عدم وجوبها إذ يجوز أن يكون التحريم لأمر آخر.
وجواب صاحب المدارك بضعف الرواية مردود بأن الراوي عن أبي بصير
هنا عاصم بن حميد، وقد تقرر في كلامهم أنه متى كان الراوي عن أبي بصير عاصم بن
حميد أو عبد الله بن مسكان فهو ليث المرادي الثقة الجليل القدر، والراوي هنا عنه
عاصم بن حميد فتكون الرواية صحيحة، ولهذا إن صاحب الذخيرة وصفها بالصحة
ولكن أجاب عنها بعدم انتهاض الدلالة على التحريم خصوصا إذا لم يكن القول
بذلك مشهورا بين الأصحاب. ولا يخفى ما فيه إذ لا أعرف لهذا الجواب وجها
إلا من حيث ما تكرر في كلامه - كما نبهنا عليه في غير مقام - من أن الأوامر والنواهي
عنده في الأخبار لا تدل على الوجوب والتحريم إلا باعتبار اعتضادها بالشهرة بين
الأصحاب. وقد أوضحنا ما فيه من الوهن والبطلان في غير مما تقدم.

(1) الوسائل الباب 27 من صلاة العيد.
299

وبالجملة فإنه لا خلاف كما ذكره في التذكرة في الجواز السفر قبل الفجر،
ولا خلاف أيضا بينهم في ما أعلم في التحريم بعد طلوع الشمس، والبحث هنا يجري
على حسب ما تقدم في تحريم السفر بعد الزوال يوم الجمعة على من وجبت عليه الجمعة
وإنما الاشكال في ما بعد الفجر وقبل طلوع الشمس، وقد عرفت الكلام في ذلك
والاحتياط لا يخفى.
الفصل الثالث
في صلاة الآيات
والكلام فيها يقع في بيان سببها وكيفيتها وأحكامها فههنا بحوث ثلاثة:
الأول - في السبب وفيه مسائل (الأولى) أجمع علماؤنا (رضوان الله عليهم)
على وجوب الصلاة بكسوف الشمس وخسوف القمر، حكاه الفاضلان في المعتبر
والمنتهى، وأضاف في التذكرة الزلزلة فادعى دخولها تحت الاجماع المذكور، ونقل
المحدث الكاشاني في المفاتيح أنه قيل باستحبابها في الزلزلة، ولم نقف على قائل بذلك
بل صريح عبارة التذكرة كما ذكرنا دعوى الاجماع على وجوب الصلاة لها، وقريب
منه عبارة المحقق في المعتبر حيث نسبه إلى الأصحاب، نعم ذكر في المختلف أن
أبا الصلاح لم يتعرض لغير الكسوفين، وقال في الذكرى إن ابن الجنيد لم يصرح
بالوجوب هنا ولكن ظاهر كلامه ذلك حيث قال: تلزم الصلاة عند كل مخوف سماوي
وكذا ابن زهرة. ولعل المحدث المذكور بنى على ذلك.
ومن الأخبار الدالة على وجوب هذه الصلاة ما رواه الصدوق في الصحيح عن
جميل بن دراج عن أبي عبد الله (ع) (1) قال: (صلاة العيدين فريضة وصلاة
الكسوف فريضة).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (ع) (2) قال

(1) الوسائل الباب 1 من صلاة العيد و 1 من صلاة الكسوف
(2) الوسائل الباب 4 و 1 من صلاة الكسوف.
300

(وقت صلاة الكسوف في الساعة التي تنكسف... إلى أن قال: وقال أبو عبد الله
(ع) هي فريضة).
وروى الشيخ المفيد في المقنعة مرسلا (1) قال: (وروي عن رسول الله
صلى الله عليه وآله أنه قال صلاة الكسوف فريضة).
(وروى الشيخ عن محمد بن حمران في حديث صلاة الكسوف (2) قال:
(وقال أبو عبد الله (ع) هي فريضة) وبإسناده عن أبي أسامة عن أبي عبد الله
(ع) (3) قال: (صلاة الكسوف فريضة) وبإسناده عن جميل بن دراج عن
أبي عبد الله (ع) (4) قال: (صلاة الكسوف فريضة).
وروى في الكافي عن علي بن عبد الله (5) قال: (سمعت أبا الحسن موسى
(ع) يقول إنه لما قبض إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله جرت فيه ثلاث سنن، أما
واحدة فإنه لما مات انكسفت الشمس فقال الناس انكسف الشمس لفقد ابن
رسول الله صلى الله عليه وآله فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أيها
الناس إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى يجريان بأمره مطيعان له لا ينكسفان
لموت أحد ولا لحياته فإذا انكسفتا أو واحدة منهما فصلوا ثم نزل فصلى بالناس
صلاة الكسوف).
وروى الصدوق عن سليمان الديلمي عن أبي عبد الله (ع) (6) قال: (إذا أراد
الله أن يزلزل الأرض أمر الملك أن يحرك عروقها فتحرك بأهلها. قلت فإذا كان
ذلك فما أصنع؟ قال صل صلاة الكسوف) ونحو ذلك ما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى
في صحيحة الرهط.
وأما غير هذه الأسباب الثلاثة المتقدمة فإن المشهور هو الوجوب لجميع
الأخاويف السماوية وبه قال الشيخ في الخلاف والمفيد والمرتضى وابن الجنيد وابن

(1) الوسائل الباب 1 من صلاة الكسوف.
(2) الوسائل الباب 1 من صلاة الكسوف.
(3) الوسائل الباب 1 من صلاة الكسوف.
(4) الوسائل الباب 1 من صلاة الكسوف.
(5) الوسائل الباب 1 من صلاة الكسوف.
(6) الفقيه ج 1 ص 343 والعلل ص 186 وفي الوسائل الباب 2 و 13 من صلاة الكسوف.
301

أبي عقيل وابنا بابويه وسلار وابن البراج وابن إدريس وجمهور المتأخرين، ونقل
الشيخ في الخلاف اجماع الفرقة عليه.
وقال الشيخ في النهاية: صلاة الكسوف والزلازل والرياح المخوفة والظلمة
الشديدة فرض واجب لا يجوز تركها على حال. ونحوه قال في المبسوط. وقال
في كتاب الجمل: صلاة الكسوف فريضة في أربعة مواضع: عند كسوف الشمس
وخسوف القمر والزلازل والرياح السوداء المظلمة. ونحوه قال ابن حمزة. وقد
تقدم النقل عن أبي الصلاح أنه لم يتعرض لغير الكسوفين.
وقال المحقق في الشرائع بعد ذكر كسوف الشمس وخسوف القمر والزلزلة:
وهل تجب لما عدا ذلك من ريح مظلمة وغيرها من أخاويف السماء؟ قيل نعم وهو
المروي، وقيل لا بل تستحب، وقيل تجب للريح المخوفة والظلمة الشديدة
حسب. انتهى.
وقال في المعتبر بعد ذكر الكسوفين والزلزلة: وهل تصلى لأخاويف السماء
كالظلمة الشديدة والصحيحة والرياح؟ قال الشيخ في الخلاف نعم وبه قال علم الهدى
وابن الجنيد والمفيد وسلار، واقتصر الشيخ على الرياح الشديدة والظلم الشديدة
وقال في الذكرى بعد ذكر الكسوفين والاستدلال عليهما بالاجماع والأخبار:
وأما باقي الآيات فلها صور تجب الصلاة أيضا للزلزلة نص عليه الأصحاب، وابن الجنيد
لم يصرح به ولكن ظاهر كلامه ذلك حيث قال تلزم الصلاة عند كل مخوف سماوي
وكذا ابن زهرة، وأما أبو الصلاح فلم يتعرض لغير الكسوفين، لنا فتوى
الأصحاب وصحاح الأخبار كرواية عمر بن أذينة عن رهط ثم ساق الرواية كما
ستأتي (1) إن شاء الله تعالى، إلى أن قال: (الثانية) - الرجفة وقد تضمنته الرواية
وصرح به ابن أبي عقيل وهو ظاهر الأصحاب أجمعين (الثالثة) - الرياح المخوفة
ومنهم من قال الرياح العظيمة، وقال المرتضى الرياح العواصف، أطلق المفيد الرياح

(1) في أول البحث الثاني في الكيفية.
302

(الرابعة) - الظلمة الشديدة ذكره الشيخ وابن البراج وابن إدريس. (الخامسة) الحمرة
الشديدة ذكرها الشيخ في الخلاف. (السادسة) - باقي الآيات المخوفة ذكره الشيخ
والمرتضى في ظاهر كلامه، وصرح ابن أبي عقيل بجميع الآيات وابن الجنيد على
ما نقلناه عنه وابن البراج وابن إدريس وهو ظاهر المفيد، ودليل الوجوب في جميع
ما قلناه - مع فتوى المعتبرين من الأصحاب - ما رواه زرارة ومحمد بن مسلم... ثم
ساق الرواية كما سنذكره إن شاء الله تعالى (1).
أقول: ومن هذه العبارات التي نقلناها يظهر أن ما نقله في الشرائع من
القول بالاستحباب في ما عدا الكسوفين والزلزلة - من الريح المظلمة والأخاويف
السماوية أو تخصيص الوجوب بالريح المخوفة والظلمة الشديدة وأن ما عداها يستحب
الصلاة فيه - إنما نشأ من حيث عدم عد هذه الأشياء في ما تجب له الصلاة كما وقع
للشيخ في النهاية حيث اقتصر على عد الكسوفين والزلزلة والريح المخوفة والظلمة
الشديدة، وهو الذي أشار إليه في عبارته في الشرائع بقوله: وقيل تجب للريح المخوفة
والظلمة الشديدة حسب. يعني زيادة على الكسوفين والزلزلة. وإليه أشار في المعتبر
بقوله: واقتصر الشيخ على الرياح الشديدة. وكما وقع لأبي الصلاح من حيث
الاقتصار على الكسوفين ولم يتعرض لغيرهما.
وأنت خبير بأن مجرد ذكر بعض الأسباب وعدم ذكر غيرها لا يستلزم
القول بالانحصار لا سيما مع التصريح الذي وقع منه في الخلاف مقرونا بدعوى
الاجماع كما عرفت، فإنا لم نجد قولا صريحا بالاستحباب ولا مصرحا بالانحصار اللازم
منه ذلك بل ولا مستندا لشئ مما هنالك، فالقول بالاستحباب في تلك المواضع بمجرد
ذلك لا يخلو من مسامحة.
ومما ذكرنا يظهر أن ما ذكره المحدث الكاشاني في المفاتيح - تبعا لظاهر عبارة
الشرائع مما يوهم الناظر وجود القول بالاستحباب صريحا - مما لا ينبغي.

(1) ص 304.
303

وكيف كان فالظاهر هو القول المشهور ويدل عليه جملة من الأخبار: منها -
ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم (1)
قالا: (قلنا لأبي جعفر (ع) أرأيت هذه الرياح والظلم التي هل يصلى لها؟ فقال
كل أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصل له صلاة الكسوف حتى يسكن)
وما رواه في الفقيه في الصحيح عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله (2) (أنه سأل
الصادق (ع) عن الريح والظلمة تكون في السماء والكسوف؟ فقال الصادق (ع)
صلاتهما سواء).
وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عمر بن أذينة عن رهط عن
كليهما (عليهما السلام) ومنهم من رواه عن أحدهما (عليهما السلام) (3) (أن صلاة
كسوف الشمس والقمر والرجفة والزلزلة عشر ركعات.. الخبر) كما سيأتي إن شاء
الله تعالى تمامه قريبا (4) إلى أن قال في آخر الخبر: والرهط الذين رووه الفضيل
وزرارة وبريد ومحمد بن مسلم.
وعن محمد بن مسلم وبريد بن معاوية في الصحيح عن أبي جعفر وأبي عبد الله
(عليهما السلام) (5) قالا: (إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات فصلها
ما لم تتخوف أن يذهب وقت الفريضة).
وفي كتاب الفقه الرضوي (6) (وإذا هبت ريح صفراء أو سوداء أو حمراء
فصل لها صلاة الكسوف، وكذلك إذا زلزلت الأرض فصل صلاة الكسوف).
وروى في كتاب دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (7)
قال: (يصلى في الرجفة والزلزلة والريح العظيمة والآية تحدث وما كان

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة الكسوف
(2) الوسائل الباب 2 من صلاة الكسوف
(3) الوسائل الباب 7 من صلاة الكسوف
(4) في أول البحث الثاني في الكيفية.
(5) الوسائل الباب 5 من صلاة الكسوف
(6) ص 12.
(7) مستدرك الوسائل الباب 2 من صلاة العيد.
304

مثل ذلك كما يصلى في صلاة كسوف الشمس والقمر سواء).
وقال في الذخيرة: والأمر وإن لم يكن واضح الدلالة على الوجوب في أخبارنا
إلا أن عمل الأصحاب وفهمهم مما يعيننا على الحكم به.
أقول: قد عرفت في غير موضع مما تقدم ما في مثل هذا الكلام الواهي
الذي هو لبيت العنكبوت - وأنه لأوهن البيوت - مضاهى، فإنه مؤذن بأن اعتماده
في الأحكام الشرعية إنما هو على تقليد الأصحاب حيث إن الأدلة قاصرة عنده عن
اثبات الأحكام في جميع الأبواب، وحينئذ فلا معنى لمناقشاته لهم في جملة من
المواضع ورده عليهم كما لا يخفى على من راجع الكتاب.
والظاهر أن المراد بالأخاويف يعني ما يحصل منه الخوف لعامة الناس، قال في
المدارك: ولو كسف بعض الكواكب أو كسف بعض الكواكب لأحد النيرين
كما يقال إن الزهرة رؤيت في جرم الشمس كاسفة لها فقد استقرب العلامة في التذكرة
والشهيد في البيان عدم وجوب الصلاة بذلك، لأن الموجب لها الآية المخوفة لعامة
الناس وأغلبهم لا يشعرون بذلك، واحتمل في الذكرى الوجوب لأنها من الأخاويف
والأجود إناطة الوجوب بما يحصل منه الخوف كما تضمنته الرواية. انتهى. وهو
جيد، وأشار بالرواية إلى صحية زرارة ومحمد بن مسلم (1).
المسألة الثانية - الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في
أن أول وقت هذه الصلاة في الكسوفين هو ابتداؤه بل قال المنتهى إنه قول
علماء الاسلام.
ومستنده من الأخبار قول الصادق (ع) في صحيحة جميل المتقدمة (2) (وقت
صلاة الكسوف في الساعة التي تنكسف عند طلوع الشمس وعند غروبها..
الحديث كما تقدم).
ويدل عليه جملة من الأخبار الدالة على تعليق الوجوب على حصول الانكساف

(1) ص 304.
(2) ص 300 و 301.
305

مثل قولهما (عليهما السلام) في صحيحة محمد بن مسلم وبريد (1) (إذا وقع الكسوف
أو بعض هذه الآيات فصلها).
وقول أبي عبد الله (ع) في صحيحة أبي بصير (2) (إذا انكسف القمر
والشمس فافزعوا إلى مساجدكم).
وقوله (ع) في رواية ابن أبي يعفور (3) (إذا انكسفت الشمس والقمر
فانكسف كلها فإنه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى إمام يصلي بهم) ونحوها غيرها.
وإنما الخلاف في آخره والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
الأخذ في الانجلاء وإليه ذهب الشيخان وابن حمزة وابن إدريس والمحقق في النافع
والعلامة في جملة من كتبه.
وذهب المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى إلى أن آخره تمام الانجلاء
واختاره الشهيد والسيد في المدارك ونقل أيضا عن ظاهر المرتضى وابن أبي عقيل وسلار
وهو الظاهر من الأخبار فإنه وإن لم يرد التصريح فيها بالتحديد أولا وآخرا
إلا أن مقتضى ما قدمنا ذكره من تعليق الوجوب في الأخبار على وجود الكسوف
أنه ممتد بامتداده وثابت بثبوته. ودعوى كونه يفوت الوجوب بمجرد الأخذ في
الانجلاء تخصيص للأخبار المذكورة من غير مخصص فيستمر إلى تمام الانجلاء.
ويعضده ما رواه الشيخ عن عمار الساباطي في الموثق عن أبي عبد الله (ع) (4)
قال قال: (إن صليت الكسوف إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس والقمر
وتطول في صلاتك فإن ذلك أفضل وإن (؟ أجبت) أن تصلي فتفرغ من صلاتك قبل أن
يذهب الكسوف فهو جائز).
والتقريب فيه أنه دل على التخيير بين أن يطول في صلاته بقدر مدة الكسوف
ويفرغ بانجلائه كملا وهو أفضل وبين أن يفرغ قبل الانجلاء، وقضية جعل الغاية

(1) ص 304.
(2) الوسائل الباب 6 من صلاة الكسوف.
(3) الوسائل الباب 12 من صلاة الكسوف
(4) الوسائل الباب 8 من صلاة الكسوف.
306

الذهاب الذي هو عبارة عن الانجلاء التام هو كون ما قبله وقتا للصلاة الذي من جملته
الأخذ في الانجلاء وما بعده إلى أن ينجلي بتمامه.
ويزيده تأييدا أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (1) قال:
(قال أبو عبد الله (ع) صلاة الكسوف إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد) ولو خرج
الوقت بالأخذ في الانجلاء كما ادعوه لما استحبت الإعادة كما هو المشهور كما أنها
لا تستحب بعد تمام الانجلاء أو وجبت كما هو القول الآخر، وهو في غاية
الوضوح والظهور.
ولم أقف للقول الآخر على دليل غير مجرد الشهرة، وجملة من المتأخرين تكلفوا له
الاستدلال بما رواه الشيخ عن حماد بن عثمان في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) (2)
قال: (ذكروا عنده انكساف الشمس وما يلقى الناس من شدته فقال إذا انجلى منه
شئ فقد انجلى).
قال في المعتبر: فإن احتج الشيخ بما رواه حماد... ثم ساق الرواية المذكورة
إلى أن قال: فلا حجة في ذلك لاحتمال أن يكون أراد تساوي الحالين في زوال الشدة
لا بيان الوقت. انتهى.
قالوا: وتظهر الفائدة في نية القضاء أو الأداء لو شرع في الانجلاء، وكذا في
ضرب زمان التكليف الذي يسع الصلاة وفي ادراك ركعة.

(1) الوسائل الباب 8 من صلاة الكسوف.
(2) الوسائل الباب 4 من صلاة الكسوف. والرواية في التهذيب ج 3 ص 291 الطبع
الحديث هكذا (ذكرنا انكساف القمر وما يلقى الناس من شدته قال فقال أبو عبد الله عليه السلام
إذا انجلى منه شئ فقد انجلى) وفي الفقيه ج 1 ص 347 هكذا (ذكروا عنده انكساف
القمر وما يلقى الناس من شدته فقال عليه السلام إذا انجلى منه شئ فقد انجلى) راجع الوافي أيضا
باب فرض صلاة الكسوف.
307

فرع
قالوا: لو غابت الشمس أو القمر بعد الكسوف وقبل الانجلاء وجبت الصلاة
أداء إلى أن يتحقق الانجلاء، وكذا لو سترها غيم أو طلعت الشمس على القمر، صرح
بذلك جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) وهو كذلك عملا باطلاق الأمر
وعدم العلم بانقضاء الوقت المقتضي لفوات الأداء. وعلله في الذكرى بالعمل
بالاستصحاب، والظاهر أن مرجعه إلى ما ذكرنا من استصحاب عموم الدليل إلى
أن يقوم الرافع.
وقال في الذكرى: ولو اتفق أخبار رصديين عدلين بمدة المكث أمكن
العود إليهما، ولو أخبرا بالكسوف في وقت مترقب فالأقرب أنهما ومن أخبراه بمثابة
العالم، وكذا لو اتفق العلم بخبر الواحد للقرائن. وقال في المدارك بعد نقله عنه:
ولا ريب في الوجوب حيث يحصل العلم للسامع أو يستند أخبار العدلين إليه.
المسألة الثالثة - قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو لم
يتسع وقت الكسوف للصلاة ولو أخف صلاة لم تجب الصلاة لاستحالة التكليف
بعبادة موقتة في وقت لا يسعها. كذا قال في المدارك وتبعه غيره في ذلك.
ومقتضى ذلك أن المكلف لو اتفق شروعه في الصلاة في ابتداء الوقت فتبين ضيقه
عنها وجب القطع لانكشاف عدم الوجوب.
وعندي في كل من الحكمين اشكال، أما الأول ففيه (أولا) أن ما ذكروه
من القاعدة التي بنوا عليها في هذا الموضع وغيره مما لم يقم عليه دليل شرعي وإن
كانت هذه القاعدة عندهم من الأدلة العقلية التي يوجبون تقديمها على الأدلة السمعية
إلا أن الأمر عندنا بالعكس، وبالجملة فالاعتماد على هذه القواعد الأصولية سيما مع
معارضة الأخبار لها كما سيظهر لك في هذا المقام مما لا معول عليه عندنا.
و (ثانيا) - أنه إن تم ما ذكروه فإنه إنما يتم في التكليف بالموقت، وكون ما ذكروه
غير الزلزلة لا سيما ما سوى الكسوفين من قبيل الوقت لتلك الصلاة ممنوع، لاحتمال
308

كون ما سوى الكسوفين بل هما أيضا من قبيل السبب كالزلزلة عندهم فتكون الصلاة
حينئذ واجبة وإن قصر الوقت.
وبالجملة فالظاهر هو الرجوع إلى ما يستفاد من الأخبار الواردة في المقام من
هذا المكان وغيره من الأحكام، ولعل ظاهر الأخبار حيث وردت بوجوب الصلاة
بالكسوف على الاطلاق من غير تقييد بقصر المدة وطولها مشعر بكون الكسوف
سببا للإيجاب لا وقتا، وغيره بالطريق الأولى لا سيما مع اشتراكها معه في اطلاق
أخبارها أيضا.
ومن تأمل في مضامين الأخبار التي قدمناها لا يخفى عليه قوة ما ذكرناه، مثل
قوله (ع) في صحيحة محمد بن مسلم وبريد (1) (إذا وقع الكسوف أو بعض هذه
الآيات فصلها.. الحديث) ونحوها غيرها مما علق فيه وجوب الصلاة على مجرد
حصول تلك الآية من غير تقييد فيها بقصر ولا طول.
وإلى ما اخترناه من عدم التوقيت في سائر الآيات غير الكسوفين مال الشهيد.
في الدروس بل جزم به واختاره العلامة في جملة من كتبه نظرا إلى اطلاق الأمر.
وتزدد المحقق في المعتبر هنا والظاهر أن وجهه ما ذكر من القاعدة المذكورة
ومن اطلاق الأخبار المذكورة في المقام.
ويميل إلى ما اخترناه كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة حيث قال: والظاهر أن الأدلة غير دالة على التوقيت بل ظاهرها سببية الكسوف لايجاب الصلاة. انتهى
وأما ما ربما يدل على التوقيت وإليه استند القائل بذلك - من قوله (ع) في
صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة (2) (: كل أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو
فزع فصل له صلاة الكسوف حتى يسكن) بناء على أن (حتى) هنا إما أن تكون
لانتهاء الغاية أو للتعليل، وعلى الأول يثبت التوقيت صريحا وعلى الثاني يلزم التوقيت
أيضا لاستلزام انتفاء العلة انتفاء المعلول -

(1) ص 304.
(2) ص 304.
309

فيمكن الجواب عنه محل النزاع هو التوقيت الذي يقتضي السقوط بقصر
الوقت لا ما يقتضي لزوم الإطالة إذا طال والفرق بين الأمرين ظاهر
للناظر المنصف.
وبذلك يظهر ما في كلامه في المدارك حيث قال - بعد ذكر الخلاف في الرياح
والأخاويف وأنه هل يترتب وجوبها على سعة الآية للصلاة أم لا، ونقل القول بالثاني
عن الشهيد في الدروس والعلامة في جملة من كتبه كما قدمنا ذكره - ما لفظه: والأصح
الأول لقوله (ع): (كل أخاويف السماء...) إلى آخر ما قدمناه من الرواية وبيان
وجه الدلالة، وقد عرفت ما فيه.
وبالجملة فإن ما ذكرناه من اطلاق الأوامر بذلك ظاهر لا ينكر وبه يتم
الاستدلال على الوجه الأظهر. والرواية المذكورة قاصرة عن إفادة الدلالة على ما ادعوه
لما بيناه في معناها. والله العالم.
وأما الثاني فإنه لا يخفى أنه قد روى زرارة ومحمد بن مسلم في الصحيح عن
أبي جعفر (ع) في حديث يأتي بكماله إن شاء الله تعالى في المقام الآتي (1) قال:
(فإن انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك فأتم ما بقي) وهذا كما ترى ظاهر في رد ما
ذكروه من هذا التفريع، وبذلك صرح العلامة في المنتهى أيضا حسبما دلت عليه
الصحيحة المذكورة.
ويعضده أيضا قول الرضا (ع) في كتاب الفقه الرضوي (2) (وإن انجلى
وأنت في الصلاة فخفف).
وعلى هذا فيمكن الفرق بين ما إذا تبين ضيق الوقت قبل الشروع في الصلاة
وبين ما إذا دخل بانيا على اتساعه وتبين الضيق في الأثناء ويخص كلام الأصحاب
(رضوان الله عليهم) بالأول بل الظاهر أنه هو مرادهم، وحينئذ فلا منافاة في
الصحيحة المذكورة لما صرحوا به لأن موردها تبين ذلك في الأثناء. وبالجملة فإنه

(1) البحث الثاني في الكيفية وفي الوسائل الباب 7 من صلاة الكسوف
(2) ص 12.
310

يفرق بين الابتداء والاستدامة فسعة الوقت إنما تكون شرطا في الابتداء لا في
الاستدامة، وقد مر نظائره في فصل صلاة الجمعة.
وبما ذكرنا يظهر عدم صحة هذا التفريع الذي ذكره السيد السند وإن تبعه
فيه غيره كما هي عادتهم غالبا.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قال في المعتبر: الخامس - لو ضاق وقت الكسوف
عن ادراك ركعة لم تجب، وفي وجوبها مع قصور الوقت عن أخف صلاة تردد.
ونحوه في المنتهى حيث قال: الخامس تضيق وقت الكسوف حتى لا يدرك
ركعة لم تجب، ولو أدركها فالوجه الوجوب لأن ادراك الركعة بمنزلة ادراك الصلاة.
ثم قال: السادس - لو قصر الوقت عن أقل صلاة يمكن لم تجب على اشكال.
أقول: لا يخفى أن ما ذكراه (عطر الله مرقديهما) من التردد كما في عبارة
المعتبر والاشكال كما في عبارة المنتهى فإن الظاهر أن وجهه هو ما أشرنا إليه آنفا
من أن هذه الآيات من كسوف وغيره هل هي من قبيل الأوقات فيعتبر فيها ما يعتبر
في الوقت من سعة لايقاع الفريضة أم من قبيل الأسباب فيكفي وجوده في الجملة؟
وقد عرفت أن مقتضى القاعدة المتقدمة بناء على الأول عدم الوجوب ومقتضى
اطلاق الأخبار بناء على الثاني الوجوب، فلحصول التعارض بين القاعدة المذكورة
واطلاق الأخبار حصل التردد والاشكال. إلا أن قولهما بوجوبها بادراك ركعة وعدمه
مع عدم ادراكها إنما يتجه على القول بالتوقيت وصريح كلامهما في المقام التردد
والتوقف في ذلك كما أوضحناه، والجمع بين هذين الكلامين لا يخلو من غفلة.
على أن ما ذكراه من التعليق على ادراك ركعة استنادا إلى ما اشتهر بينهم من قوله
صلى الله عليه وآله (من أدرك ركعة فقد أدرك الوقت) مع الاغماض عن المناقشة في صحة
وثبوته كما تقدم الكلام فيه (1) إنما ينصرف إلى الصلاة اليومية كما هو مورد الخبر
المذكور، وانسحابه إلى غيرها لا يخلو من الاشكال. والله العالم.

(1) ص 14 و 142.
311

المسألة الرابعة - قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن وقت
الزلزلة مدة العمر وأنه يصليها أداء وإن سكنت وهو قول المعظم منهم، وحكى
الشهيد في البيان قولا بأنها تصلى بعد سكونها بينة القضاء.
وللأول اطلاق الأمر الخالي من التقييد الدال على أن مجرد حصولها سبب
لوجوب الفعل من غير أن يكون موقتا بزمانها. وبذلك يظهر ما في شك العلامة
في ذلك على ما نقله عنه في الذكرى حيث قال: وشك فيه الفاضل لمنافاته للقواعد
الأصولية من امتناع التكليف بفعل في زمان لا يسعه. فإن هذا الشك إنما يتجه
لو قلنا بأن الزلزلة وقت للصلاة وأما على تقدير جعلها سببا كما هو الظاهر من كلامهم
فلا وجه له.
قال في المدارك: وألحق العلامة في التذكرة بالزلزلة الصحيحة ثم قال: وبالجملة
كل آية يقصر وقتها عن العبادة يكون وقتها دائما أما ما ينقص عن فعلها وقتا دون
وقت فإن وقتها مدة الفعل فإن قصر لم تصل.
ثم أورد عليه بأنه يشكل بأنه لا يلزم من عدم قصور زمان الآية عن مقدار
الصلاة كونها موقتة بل الحق أن التوقيت إنما يثبت إذا ورد التصريح بتحديد زمان
الفعل وبدونه يكون وقته العمر. انتهى. وهو جيد.
وبه يظهر أن كلماتهم في هذه المسألة لا تخلو من نوع غفلة أو تساهل، منه
ما قدمنا نقله عنهم من قولهم إن وقت الزلزلة العمر ويصليها أداء وإن سكنت، فإن
مقتضى كون وقتها العمر أن الزلزلة إنما هي من قبيل الأسباب فمتى حصلت طالت أو
قصرت وجب الاتيان بها واشتغلت الذمة بها إلى أن يأتي بها لا تقدير لها بوقت ولا
تحديد لها بحد، ومقتضى قولهم يصليها أداء وإن سكنت أنها من قبيل الأوقات لأن
الأداء والقضاء إنما يطلقان في مقام التوقيت فمتى أتى بالفريضة في الوقت سمي أداء
وفي خارجه قضاء فصدر العبارة وعجزها لا يخلو من مدافعة.
وأجاب المحقق الشيخ على (قدس سره) عن ذلك في بعض حواشيه بما يحقق
312

ما ذكرناه من المقال بل يزيد في الاشكال، فقال: وإنما كانت هذه الصلاة أداء لأن
الاجماع واقع على كون هذه الصلاة موقتة والتوقيت يوجب نية الأداء، ولما كان وقتها
لا يسعها وامتنع فعلها فيه وجب المصير إلى كون ما بعده صالحا لايقاعها فيه حذرا
من التكليف بالمحال وبقي حكم الأداء مستصحبا لانتفاء الناقل عنه، وروعي فيها
الفورية من حيث إن فعلها خارج وقت السبب إنما كان بحسب الضرورة فاقتصر في
التأخير على قدرها. وفي ذلك جمع بين القواعد المتضادة وهي توقيت هذه الصلاة
مع قصر وقتها واعتبار سعة الوقت لفعل العبادة. انتهى.
وليت شعري بأي دليل ثبت التوقيت في هذه الصلاة وأي خبر دل عليه؟ بل
اطلاق الأخبار كما عرفت على خلافه، فإنه مؤذن بالسببية وأن الزلزلة من قبيل
الأسباب لهذه الصلاة كما عرفت مما قدمناه، وأعجب من ذلك دعواه الاجماع على
التوقيت مع اتفاقهم على أنها تمتد بامتداد العمر.
والاعتذار بما ذكره من هذا الكلام المنحل الزمام لا يسمن ولا يغني من
جوع، فإن ظاهره أن الغرض من ارتكاب هذا التكلف هو الجمع بين القواعد
المتضادة، وقد عرفت أنه لا مستند لهذه القواعد إلا مجرد اصطلاحهم على ذلك في
الأصول التي بنوا عليها ودونوها، فإن ما ذكره من قاعدة توقيت هذه الصلاة مع
قصر وقتها لا دليل عليه بل الدليل واضح في خلافه كما أشرنا إليه آنفا، إذ ظاهر
اطلاق الأخبار إنما هو السببية دون التوقيت. وما ذكره من قاعدة اعتبار سعة
الوقت بناء على ما ذكروه من امتناع التكليف في زمان لا يسعه فقد عرفت أيضا
أنه لا دليل عليه.
ونظير هذه القاعدة مسألة من استطاع الحج ثم بادر في عام الاستطاعة ومات
في الطريق، فإن المشهور بينهم سقوط القضاء لعدم استقرار الحج في ذمته وظهور
كون هذا الزمان الذي بادر فيه إلى أن مات لا يسع الحج ولا يصح وقوع التكليف
فيه لذلك، فهو راجع إلى هذه المسألة، مع أن ظواهر الأخبار - وبه قال الشيخان
313

وغيرهما - هو وجوب القضاء، وهم إنما منعوا القضاء استنادا إلى هذه القاعدة العقلية
مع أن النصوص على خلافها واضحة جلية، وهو مؤيد لما ذكرناه من عدم جواز
الاعتماد على هذه القواعد الأصولية وإنما المدار على النصوص المعصومية والسنة
النبوة وإن كان المشهور بينهم تقديم الأدلة العقلية على الأدلة السمعية كما نقلناه في
مقدمات الكتاب، والله الهادي إلى جادة الصواب.
وقال الشهيد في الذكرى: وحكم الأصحاب بأن الزلزلة تصلى أداء طول
العمر لا بمعنى التوسعة فالظاهر كون الأمر هنا على الفور بل على معنى نية
الأداء وإن أخل بالفورية لعذر أو غيره. انتهى.
قال في المدارك بعد نقل ذلك: وما ذكره أحوط وإن أمكن المناقشة فيه
بانتفاء ما يدل على الفورية هنا على الخصوص، والأمر المطلق لا يقتضي الفورية كما
بيناه مرارا. انتهى.
أقول: والتحقيق إن النزاع في كونها تصلى بينة الأداء أو القضاء لا ثمرة فيه
لعدم قيام دليل على ذلك كما سلف مرار في بحث نية الوضوء من كتاب الطهارة
وغيره، وأما الفورية فالأمر فيها على ما ذكره السيد السند (قدس سره) والله العالم.
المسألة الخامسة - لو لم يعلم بالآية المخوفة إلا بعد انقضائها لم يجب القضاء إلا
في الكسوف إذا احترق القرص كله، وأما مع العلم فإن ترك عامدا أو ناسيا وجب
القضاء فههنا مقامات ثلاثة:
المقام الأول - أن لا يعلم بتلك الآية المخوفة التي هي غير الكسوف إلا بعد
انقضائها وخروج وقتها، والظاهر أنه لا خلاف في سقوط القضاء.
قال في المدارك بعد ذكر الحكم المذكور: وهذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه
مخالفا، ثم قال ويدل عليه ما أسلفناه مرارا من أن القضاء فرض مستأنف فيتوقف
على الدليل وبدونه يكون منفيا بالأصل، وتشهد له الروايات المتضمنة لسقوط
314

القضاء في الكسوف إذا لم يستوعب الاحتراق (1) مع أنه أقوى للاجماع على أنه
موجب للصلاة واستفاضة النصوص به. انتهى.
أقول: ما ذكره من الدليل الأول جيد، وأما الاستشهاد بالروايات التي ذكرها
بالتقريب المذكور فلا يخفى ما فيه كما قدمناه في غير مقام من أن بناء الأحكام الشرعية
على مثل هذه التعليلات عليل.
واحتمل شيخنا الشهيد الثاني في الروض وجوب القضاء هنا لوجود السبب
وعموم قوله (ع) (2) (من فاتته فريضة...)
قال في المدارك: وهو ضعيف لأن السبب إنما وجد في الأداء خاصة وقد سقط
بفوات محله، والفريضة لا عموم فيها بحيث يتناول موضع النزاع بل المتبادر منها اليومية
أقول: قد عرفت مما قدمنا تحقيقه أن الظاهر من اطلاق الأخبار بالنسبة
إلى جملة الآيات حتى الكسوفين إنما هو السببية دون التوقيت وأن كلامهم هنا والتعبير
بالأداء والقضاء مشعر بالتوقيت، فمن المتحمل قريبا أن يكون مراد شيخنا الشهيد
الثاني بالقضاء هنا مجرد الفعل وأن هذه الآيات من قبيل الأسباب لا الأوقات كما يشير
إليه قوله (لوجود السبب) وحاصل كلامه أنه متى وجد السبب ثبت الفعل لعين
ما ذكروه في الزلزلة. وبالجملة فإنه على تقدير القول بأنها أسباب كما هو ظاهر اطلاق
الأخبار فإنه تجب الصلاة مطلقا من غير تقييد بوقت لوجود السبب، إلا أن دليله
الثاني ربما نافر ما قلناه. وكيف كان فما ذكرناه جيد بالنظر إلى الأخبار وأما بالنظر
إلى كلامهم وهو الذي بنى الإيراد عليه في المدارك فالأمر فيه كما ذكره. وأما منع
العموم في الفريضة ودعوى تبادر اليومية فلا يخلو من الاشكال.
وقال في المدارك في شرح قول المصنف وفي غير الكسوف لا يجب القضاء:

(1) الوسائل الباب 10 من صلاة الكسوف.
(2) هذا مضمون ما دل على وجوب القضاء وقد ورد في الوسائل في الباب 1 و 2 و 6
من قضاء الصلوات.
315

واعلم أنه ليس في العبارة دلالة على حكم صلاة الزلزلة إذا لم يعلم المكلف بحصولها حتى
انقضت، وقد صرح العلامة في التذكرة بسقوطها فقال: أما جاهل غير الكسوف
مثل الزلزلة والرياح والظلمة الشديدة فالوجه سقوطها عنه عملا بالأصل السالم من
المعارض. وهو غير بعيد وإن كان الاتيان بالصلاة هنا أحوط. انتهى.
أقول: ما ذكره - من أنه ليس في العبارة دلالة على حكم صلاة الزلزلة - فيه أن
اطلاق العبارة وقوله (غير الكسوف) شامل للزلزلة كغيرها، والعبارة ظاهرة
بالنظر إلى ما قلناه في سقوط القضاء مع الجهل بالزلزلة، ولا فرق بين هذه العبارة
وما نقله عن العلامة في التذكرة إلا باعتبار الاتيان بالأمثلة لهذا الاطلاق في عبارة
العلامة وعدم الاتيان بها في هذه العبارة، بل عبارة العلامة وتمثيله بهذه الأشياء
قرينة ظاهرة في العموم كما ادعيناه، إذ لو لم تكن العبارة بمقتضى اطلاقها عامة لما
صح التمثيل.
وفي الذخيرة اعتراض كلام التذكرة هنا فقال: وفيه نظر لأن المعارض
موجود وهو عموم ما دل على وجوب الصلاد للزلزلة من غير توقيت ولا تقييد
بالعلم المقارن لحصولها، ولهذا قال في النهاية: ويحتمل في الزلزلة قويا الاتيان بها لأن
وقتها العمر. انتهى كلامه.
أقول: فيه أن ما ذكره من هذه المعارضة في الزلزلة جار أيضا في غيرها، فإن
أدلة الآيات والأخبار الواردة بها كذلك مطلقة غير مقيدة بوقت ولا بالعلم المقارن
لحصولها مثل قولهما (عليهما السلام) في صحيحة محمد بن مسلم وبريد (1) (إذا وقع الكسوف
أو بعض هذه الآيات فصلها ما لم تتخوف أن يذهب وقت الفريضة) وما تقدم من
عبارة كتاب الفقه الرضوي وغيرها مما هو مطلق كما ذكرناه، فالواجب عليه حينئذ
القول بوجوب القضاء في جميع الآيات بالتقريب الذي ذكره.
وبالجملة فإن كلماتهم في هذه المقامات لا تخلو من التشويق والاضطراب

(1) الوسائل الباب 5 من صلاة الكسوف.
316

والتحقيق كما عرفته أنه إن قلنا بالتوقيت وأن هذه الآيات من قبيل الأوقات اتجه
ما ذكروه هنا من سقوط القضاء مطلقا في الزلزلة وغيرها، إلا أن تستثنى الزلزلة من
ذلك بناء على ظاهر اتفاقهم على الخروج من قاعدة التوقيت فيها كما عرفت، وإن
قلنا فيها بالسببية كما هو ظاهر اطلاق الأخبار فالواجب هو الصلاة متى حصلت
الآية ولفظ الأداء والقضاء في كلامهم هنا لا معنى له بناء على ذلك، لكن توجه
الخطاب إلى الجاهل بعد العلم لا يخلو من اشكال. والله العالم.
المقام الثاني - أن لا يعلم بالكسوف حتى خرج الوقت وزال السبب، والحكم
فيه أنه إن لم يستوعب الاحتراق فالحكم فيه كما تقدم من عدم القضاء وإن احترق
القرص كله وجب القضاء
قال في المدارك: هذا قول معظم الأصحاب (رضوان الله عليهم) بل قال في
التذكرة أنه مذهب الأصحاب عدا المفيد (قدس سره) انتهى.
أقول: تخصيص الخلاف بالشيخ المفيد مؤذن بعدم المخالف سواه والحال
أن الخلاف في ذلك منقول عن جمع من مشاهير المتقدمين: منهم - الشيخ على
ابن بابويه في الرسالة وابنه في المقنع والسيد المرتضى في الجمل وأجوبة المسائل
المصرية وأبو الصلاح.
قال شيخنا المفيد (عطر الله مرقده) في المقنعة: إذا احترق القرص كله ولم
تكن علمت به حتى أصبحت صليت صلاة الكسوف جماعة، وإن احترق بعضه
ولم تعلم به حتى أصبحت صليت القضاء فرادى. قال في المدارك: ولم نقف لهذا
التفصيل على مستند. انتهى.
وقال الشيخ علي بن بابويه (نور الله ضريحه) على ما نقله عنه في الذكرى
بعد نقل كلام الشيخ المفيد المذكور: إذا انكسفت الشمس أو القمر ولم تعلم فعليك
أن تصليها إذا علمت به، وإن تركتها متعمدا حتى تصبح فاغتسل وصلها، وإن لم
يحترق كله فاقضها ولا تغتسل. ثم قال في الذكرى: وكذا قال ابنه في المقنع. ثم قال
317

(قدس سره) وظاهر هؤلاء وجوب القضاء على الجاهل وإن لم يحترق جميع القرص
ولعله لرواية لم نقف عليها. ومثل ذلك نقل في المختلف عن المرتضى وأبي الصلاح
وتحقيق الكلام هنا يقع في موضعين: الأول - المشهور بين الأصحاب
(رضوان الله عليهم) عدم وجوب القضاء على الجاهل بالكسوف إلا مع الاحتراق
فإنه يجب، وذهب هؤلاء الفضلاء إلى القضاء مع عدم احتراق القرص كله، وقد
اعتراضهم جملة ممن تأخر عنهم بعدم الوقوف على دليله بل دلالة الأخبار على خلافه
وفيه ما سيظهر لك إن شاء الله تعالى من الدليل على القول المذكور.
والذي يدل على ما هو المشهور من وجوب القضاء مع الاحتراق كملا وعدمه
مع عدمه ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله
(ع) (1) قال: (إذا انكسفت الشمس كلها واحترقت ولم تعلم وعلمت بعد ذلك فعليك
القضاء وإن لم يحترق كلها فليس عليك قضاء).
قال في الكافي (2) بعد نقل هذه الرواية: وفي رواية أخرى (إذا علم بالكسوف
ونسي أن يصلي فعليه القضاء وإن لم يعلم به فلا قضاء عليه هذا إذا لم يحترق كله).
وما رواه ابن بابويه عن محمد بن مسلم والفضيل بن يسار في الصحيح (3)
(أنهما قالا قلنا لأبي جعفر (ع) أيقضى صلاة الكسوف من إذا أصبح فعلم وإذا
أمسى فعلم؟ قال إن كان القرصان احترقا كلهما قضيت وإن كان إنما احترق بعضهما
فليس عليك قضاؤه).
وما رواه الشيخ عن حريز (4) قال: (قال أبو عبد الله (ع) إذا انكسف
القمر ولم تعلم به حتى أصبحت ثم بلغك فإن كان احترق كله فعليك القضاء وإن لم
يكن احترق كله فلا قضاء عليك.
وأما ما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة عن أبي جعفر (ع) (5) - قال (انكسفت
الشمس وأنا في الحمام فعلمت بعد ما خرجت فلم إقض).

(1) الوسائل الباب 10 من صلاة الكسوف.
(2) الوسائل الباب 10 من صلاة الكسوف.
(3) الوسائل الباب 10 من صلاة الكسوف.
(4) الوسائل الباب 10 من صلاة الكسوف.
(5) الوسائل الباب 10 من صلاة الكسوف.
318

وعن الحلبي (1) قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن صلاة الكسوف تقضى
إذا فاتتنا؟ قال ليس فيها قضاء، وقد كان في أيدينا أنها تقضى).
وعن علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) في الصحيح (2) قال: (سألته عن
صلاة الكسوف هل على من تركها قضاء؟ قال إذا فاتتك فليس عليك قضاء).
ورواها علي بن جعفر في كتاب المسائل والحميري في قرب الإسناد عنه عن
أخيه (ع) (3) وابن إدريس في مستطرفات السرائر عن جامع البزنطي عن
الرضا (ع) (4).
وما رواه الشيخ عن حريز عن من أخبره عن أبي عبد الله (ع) (5) قال: (إذا
انكسف القمر فاستيقظ الرجل فكسل أن يصلي فليغتسل من غد وليقض الصلاة
وإن لم يستيقظ ولم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلا القضاء بغير غسل) -
فهي محمولة على ما تقدم من التفصيل في الروايات المتقدمة، فأما الثلاث الأول
فهي محمولة على عدم استيعاب الاحتراق القرص والرابعة على الاستيعاب.
وأما ما يدل على القول الآخر فهو ما وقفت عليه في كتاب الفقه الرضوي
ولا يخفى أن عبارة الشيخ علي بن بابويه التي ذكرها في الذكرى كما قدمنا ذكره ومثله
العلامة في المختلف عين عبارة الفقه الرضوي، وبه يظهر أن دليله في المسألة إنما
هو الكتاب المذكور على ما عرفت سابقا في غير مقام وستعرف أمثاله إن شاء الله
تعالى في جملة من الأحكام.
إلا أن كلامه (ع) في الكتاب في هذا المقام غير خال من الاشكال، وذلك
فإنه (ع) صرح قبل هذه العبارة بيسير بما يدل على عدم القضاء في الصورة المذكورة
وهذه العبارة التي نقلوها عن الشيخ علي بن بابويه قبلها كلام يمكن ارتباطها به
وبه تنتفى دلالتها على ما ذكروه.
وها أنا أسوق لك عبارة الكتاب المتعلقة بالمقام قال (ع) (6): وإن علمت

(1) الوسائل الباب 10 من صلاة الكسوف.
(2) الوسائل الباب 10 من صلاة الكسوف.
(3) الوسائل الباب 10 من صلاة الكسوف.
(4) الوسائل الباب 10 من صلاة الكسوف.
(5) الوسائل الباب 10 من صلاة الكسوف.
(6) ص 12.
319

بالكسوف فلم يتيسر لك الصلاة فاقض متى شئت، وإن أنت لم تعلم بالكسوف في
وقته ثم علمت بعد ذلك فلا شئ عليك ولا قضاء. ثم ذكر (ع) كلاما آخر أجنبيا لا تعلق
له بالمسألة إلى أن قال: وإذا احترق القرص كله فاغتسل، وإن انكسفت الشمس
أو القمر ولم تعلم به فعليك أن تصليها إذا علمت، فإن تركتها متعمدا حتى تصبح فاغتسل
وصل، وإن لم يحترق القرص فاقضها ولا تغتسل. انتهى.
وصدر كلامه (ع) كما ترى ظاهر في عدم القضاء مع عدم العلم، وهو وإن كان
مطلقا بالنسبة إلى الاحتراق وعدمه إلا أنه يجب حمله على عدم الاحتراق بقرينة
العبارة الأخيرة، والظاهر أن معنى العبارة الثانية هو أنه متى احترق القرص كله
فعليه الغسل وأنه مع الانكساف في صورة الاحتراق وعدم العلم عليه القضاء متى
علم، وإن علم وتركها حينئذ متعمدا مع الاحتراق حتى يصبح اغتسل وصلى، وإن
تركها عندا والحال أنه لم يحترق القرص فعليه القضاء بغير غسل، وحينئذ فقوله:
(وإن لم يحترق القرص راجع إلى الترك عمدا يعني أن الترك عمدا موجب للقضاء
لكن مع الاحتراق يضم إليه الغسل ومع عدم الاحتراق لا يضم إليه.
وعلى هذا فلا منافاة في العبارة لما تقدم من كلامه (ع) ولا دلالة فيها على
ما نقلوه عن ابن بابويه، لأن صدر العبارة التي نقلوها مبني على قوله (ع) قبل ذلك
(وإذا احترق القرص كله فاغتسل) وهم لم ينقلوا عن ابن بابويه هذه الجملة المتقدمة ومن
حذفها نشأ الاشكال، ولو اعتبر انقطاع العبارة عن هذه الجملة المتقدمة كما هو ظاهر نقلهم
للزم المنافاة المناقضة في كلامه (ع) لأن صدر هذا الكلام الذي نقلوه يدل بظاهره على
وجوب القضاء مع عدم العلم احترق أم لم يحترق، والكلام الأول الذي نقلناه يدل
على عدم وجوب القضاء في صورة الجهل احترق أم لم يحترق، والجمع بين الكلامين
لا يتم إلا بما ذكرناه من ارتباط هذه الجملة بالعبارة التي نقلوها.
ولا أدري أن حذف هذه الجملة وقع من الشيخ المذكور أو ممن نقل عنه حيث
اقتطع هذه العبارة من كلامه بناء على ظن استقلالها وتمامها كما يتراءى في بادئ النظر
320

ورسالة الشيخ المذكور غير موجودة الآن، إلا أن الأقرب أن ذلك إنما وقع ممن نقل
كلامه حيث إن عبارات رسالته عين عبارات الكتاب غالبا في كل مقام. وبما
ذكرنا يتأكد كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في عدم الوقوف على مستند هذا
القول. والله العالم.
الموضع الثاني - أن ما نقل عن الشيخ المفيد (قدس سره) - من التفصيل مع
عدم العلم بين احتراق القرص فيصلي جماعة وعدم الاحتراق فيصلي فرادى - الظاهر أنه
مبني على وجوب القضاء على الجاهل، وحينئذ فيرجع إلى مذهب ابني بابويه المنقول
عنهما في الذكرى والمختلف من أنه إذا احترق القرص كله صلى في جماعة وإن احترق
بعضه صلاها فرادى.
واستدل لهم في المختلف برواية ابن أبي يعفور عن الصادق (ع) (1) قال:
(إذا انكسفت الشمس والقمر فانكسف كلها فإنه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى إمام
يصلي بهم وأيهما كسف بعضه فإنه يجزئ الرجل أن يصلي وحده) وستأتي تتمة
الكلام في هذه المسألة في استحباب الجماعة في هذه الفريضة.
والظاهر أن الشيخ المفيد (قدس سره) وكلامه في القضاء إنما بنى على ما بنى
عليه ابنا بابويه وإن كان كلامهما في الأداء من الرواية المذكورة أو غيرها لا من
حيث خصوصية الجاهل في الصورة المذكورة، ومرجع الجميع إلى أن صلاة الكسوف
مع وجوبها أداء أو قضاء تصلى جماعة في صورة الاحتراق والاستيعاب وفرادى
مع عدم ذلك.
المقام الثالث - أن يعلم الآية الموجبة للصلاة ويترك الصلاة عامدا أو ناسيا
والمشهور وجوب القضاء عليه، وقال الشيخ في النهاية والمبسوط لا يقضي الناسي
ما لم يستوعب الاحتراق وهو اختيار ابن حمزة وابن البراج، ونقل عن ظاهر
المرتضى في المصباح عدم وجوب القضاء ما لم يستوعب وإن تعمد الترك، وعن

(1) الوسائل الباب 12 من صلاة الكسوف.
321

ابن إدريس ايجاب القضاء مع احتراق القرص وعدمه عند احتراق البعض، وهو
يرجع إلى قول السيد.
احتج الأولون بوجوه: منها - الأخبار الدالة على قضاء ما فات من الصلوات
من غير استفصال.
ومن هذه الأخبار قول أبي جعفر (ع) في صحيحة زرارة (1) (أربع
صلوات يصليها الرجل في كل ساعة: صلاة فاتتك متى ذكرتها أديتها... الحديث).
وقوله (ع) في صحيحة أخرى لزرارة (2) (وقد سأله عن رجل صلى بغير
طهور أو نسي صلاة أو نام عنها: يقضيها إذا ذكرها).
واعترض هذه الروايات في المدارك بأنه لا عموم لها على وجه يتناول صورة
النزاع، قال ولهذا لم يحتج بها الأصحاب (رضوان الله عليهم) على وجوب القضاء
مع انتفاء العلم بالسبب، ومرجع كلامه إلى ما ذكرناه في غير موضع مما تقدم من أن
اطلاق الأخبار إنما ينصرف إلى الأفراد الشائعة المتكررة دون الأفراد النادرة
الوقوع سيما إذا لم يكن العموم مستندا إلى الأداة الموضوعة له.
ومنها مرسلة حريز وقد تقدمت في سابق هذا المقام (3) وموثقة عمار
الساباطي عن أبي عبد الله (ع) (4) قال: (وإن أعلمك أحد وأنت نائم فعلمت ثم
غلبتك عينك فلم تصل فعليك قضاؤها).
ورد في المدارك الأولى بأنها قاصرة بالارسال واطباق الأكثر على ترك
العمل بظاهرها وأما رواية عمار فباشتمالها على جماعة من الفطحية. ثم قال ومن
ذلك يظهر قوة ما ذهب إليه الشيخ من عدم وجوب القضاء على الناسي إذا لم يستوعب
الاحتراق بل رجحان ما ذهب إليه المرتضى (قدس سره) من عدم وجوب القضاء

(1) الوسائل الباب 2 من قضاء الصلوات.
(2) الوسائل الباب 1 و 2 من قضاء الصلوات
(3) ص 319.
(4) الوسائل الباب 10 من صلاة الكسوف.
322

مطلقا إلا مع الاستيعاب، ويدل عليه مضافا إلى الأصل ما رواه الشيخ في الصحيح
عن علي بن جعفر (أنه سأل أخاه موسى (ع)... الخبر) وقد تقدم في سابق هذا
المقام (1) ثم قال بعدها: دلت الرواية على سقوط قضاء صلاة الكسوف مع الفوات
مطلقا خرج من ذلك ما إذا استوعب الاحتراق فإنه يجب القضاء بالنصوص الصحيحة
فيبقى الباقي مندرجا في الاطلاق. انتهى.
أقول: لما كان نظر السيد السند (قدس سره) في الاستدلال مقصورا على
صحاح الأخبار اختار هنا مذهب السيد المرتضى (رضي الله عنه) لدلالة ظاهر صحيحة
علي بن جعفر المذكورة عليه.
ومثلها ما رواه البزنطي صاحب الرضا (ع) على ما نقله ابن إدريس في
مستطرفات السرائر (2) قال: (سألته عن صلاة الكسوف هل على من تركها
قضاء؟ قال إذا فاتتك فليس عليك قضاء).
ويدل على هذا القول أيضا رواية الحلبي (3) قال: (سألت أبا عبد الله (ع)
عن صلاة الكسوف تقضى إذا فاتتنا؟ قال ليس فيها قضاء، وقد كان في أيدينا
أنها تقضى).
وما رواه في كتاب دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (4)
أنه سئل عن الكسوف والرجل نائم ولم يدر به أو اشتغل عن الصلاة في
وقته هل عليه أن يقضيها؟ قال لا قضاء في ذلك وإنما الصلاة في وقته فإذا انجلى
لم تكن صلاة).
ومما يدل على القول المشهور موثقة عمار الساباطي المذكورة (5) وما في كتاب
الفقه الرضوي (6) من قوله (ع) (وإن علمت بالكسوف فلم يتيسر لك الصلاة

(1) ص 319.
(2) الوسائل الباب 10 من صلاة الكسوف.
(3) الوسائل الباب 10 من صلاة الكسوف.
(4) مستدرك الوسائل الباب 9 من صلاة الكسوف.
(5) ص 322.
(6) ص 12.
323

فاقض متى شئت) وقال أيضا: (إذا احترق القرص كله فاغتسل.. إلى آخر
ما تقدم) (1) فإنه واضح الدلالة في وجوب القضاء في الصورة المذكورة.
وأما الاستدلال للقول المشهور بمرسلة حريز (2) كما ذكره جملة من الأصحاب
فظني بعده، إذا الأقرب حمل هذه الرواية على صورة الاحتراق الموجب للقضاء
مطلقا علم أو لم يعلم وأنه مع العلم والتفريط يضم الغسل إلى القضاء ومع العلم
يقضي بلا غسل.
وأنت خبير بأن من يحكم بصحة الأخبار كملا ولا يلتفت إلى هذا الاصطلاح
فالواجب عنده الجمع بين هذه الأخبار، وذلك بتقييد اطلاق الأخبار الدالة على نفي
القضاء بصورة عدم العلم مع عدم الاستيعاب فإنه لا قضاء في هذه الصورة كما دريت
من الأخبار المتقدمة المفصلة) وبالجملة فإن رواية عمار ورواية كتاب الفقه مفصلة
وتلك الروايات مجملة والمفصل يحكم على المجمل، ولعل في عدوله (ع) في صحيحتي
علي بن جعفر والبزنطي المتقدمتين عن لفظ الراوي في سؤاله إلى التعبير بلفظ الفوات
اشعارا بما ذكرنا.
وأما الجمع بين الأخبار - بحمل ما دل على القضاء على الاستحباب وبقاء تلك
الأخبار على اطلاقها كما احتمله بعض فضلاء الأصحاب -
ففيه (أولا) أن مقتضى القاعدة المشهورة إنما هو ما قلناه من حمل المطلق على
المقيد والمجمل على المفصل، وإلى هذه القاعدة تشير جملة من الأخبار أيضا وبها
صرح الصدوق في كتاب الاعتقادات.
و (ثانيا) - ما قدمناه في غير مقام من أن هذه القاعدة وإن اشتهرت بينهم
وعكف عليها أولهم وآخرهم إلا أنه لا مستند لها من سنة ولا كتاب بل ظواهر
الأدلة ردها وابطالها، فإن الحمل على الاستحباب مجاز لا يصار إليه إلا مع القرينة
واختلاف الأخبار ليس من قرائن المجاز الموجبة لا خراج اللفظ عن حقيقته.

(1) ص 319 و 320
(2) ص 319.
324

ومما يؤيد القول المشهور هو أنه قد علم اشتغال الذمة بيقين العلم بالسبب
واهمال المكلف، ومن هنا استدل الأصحاب بالأخبار العامة في وجوب القضاء،
ويقين البراءة لا يحصل إلا بالقضاء. والله العالم
البحث الثاني في الكيفية وهي أن يحرم ثم يقرأ الحمد وسورة ثم يركع ثم
يرفع رأسه ويقوم ويقرأ الحمد وسورة ثم يركع، يفعل هكذا خمس مرات، ثم
يسجد بعد القيام من الركوع الخامس سجدتين ثم يقوم فيصلي الركعة الثانية كذلك
ويتشهد ويسلم، ويجوز أن يقرأ بعد الحمد بعض سورة فيقوم من الركوع ويتم
تلك السورة بغير قراءة الحمد، وإن شاء وزع السورة على الركعات أو بعضها.
والمستند في هذه الكيفية جمل ء من النصوص: منها - ما رواه الشيخ عن
عمر بن أذينة عن رهط في الصحيح عن الباقر والصادق، ومنهم من رواه عن أحدهما
(عليهما السلام) (1) (أن صلاة كسوف الشمس والقمر والرجفة والزلزلة عشر
ركعات وأربع سجدات صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله والناس خلفه في كسوف الشمس
ففرغ حين فرغ وقد انجلى كسوفها، ورووا أن الصلاة في هذه الآيات كلها سواء
وأشدها وأطولها كسوف الشمس: تبدأ فتكبر بافتتاح الصلاة ثم تقرأ أم الكتاب
وسورة ثم تركع ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع
الثانية ثم ترفع رأسك من الركوع فيقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع الثالثة ثم
ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع الرابعة ثم ترفع رأسك
من الركوع فتقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع الخامسة فإذا رفعت رأسك قلت
(سمع الله لمن حمده) ثم تخر ساجدا فتسجد سجدتين، ثم تقوم فتصنع مثل
ما صنعت في الأولى. قال قلت وإن هو قرأ سورة واحدة في الخمس ركعات ففرقها
بينها؟ قال أجزأه أم القرآن في أول مرة، وإن قرأ خمس سور فمع كل سورة أم
الكتاب. والقنوت في الركعة الثانية قبل الركوع إذا فرغت من القراءة ثم تقنت

(1) الوسائل الباب 7 من صلاة الكسوف.
325

في الرابعة مثل ذلك ثم في السادسة ثم في الثامنة ثم في العاشرة والرهط الذين رووه
الفضيل وزرارة وبريد بن معاوية ومحمد بن مسلم.
ومنها - ما رواه في الكافي في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم (1) قالا:
(سألنا أبا جعفر (ع) عن صلاة الكسوف كم هي ركعة وكيف نصليها؟ فقال هي
عشر ركعات وأربع سجدات: تفتتح الصلاة بتكبيرة وتركع بتكبيرة وترفع رأسك
بتكبيرة إلا في الخامسة التي تسجد فيها وتقول (سمع الله لمن حمده) وتقنت في كل
ركعتين قبل الركوع وتطيل القنوت والركوع على قدر القراءة والركوع والسجود
فإن فرغت قبل أن ينجلي فاقعد وادع الله حتى ينجلي، فإن انجلى قبل أن تفرغ من
صلاتك فأتم ما بقي، وتجهر بالقراءة. قال قلت كيف القراءة فيها؟ فقال إن قرأت
سورة في كل ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب وإن نقصت من السورة شيئا فاقرأ من حيث
نقصت ولا تقرأ فاتحة الكتاب. قال وكان يستحب أن يقرأ فيها الكهف والحجر
إلا أن يكون إماما يشق على من خلفه. وإن استطعت أن تكون صلاتك بارزا
لا يجنك بيت فافعل. وصلاة كسوف الشمس أطول من صلاة كسوف القمر وهما
سواء في القراءة والركوع والسجود).
ومنها - ما رواه الصدوق في الصحيح (2) قال: (سأل الحلبي أبا عبد الله (ع)
عن صلاة الكسوف كسوف الشمس والقمر قال عشر ركعات وأربع سجدات:
تركع خمسا ثم تسجد في الخامسة ثم تركع خمسا ثم تسجد في العاشرة، وإن شئت
قرأت سورة في كل ركعة وإن شئت قرأت نصف سورة في كل ركعة، فإذا قرأت
سورة في كل ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب، وإن قرأت نصف سورة أجزأك أن
لا تقرأ فاتحة الكتاب إلا في أول ركعة حتى تستأنف أخرى، ولا تقل (سمع
الله لمن حمده) في رفع رأسك من الركوع إلا في الركعة التي تريد أن تسجد فيها.
قال في الفقيه (3) وروى عمر بن أذينة أن القنوت في الركعة الثانية قبل الركوع

(1) الوسائل الباب 7 من صلاة الكسوف.
(2) الوسائل الباب 7 من صلاة الكسوف.
(3) الوسائل الباب 7 من صلاة الكسوف.
326

ثم في الرابعة ثم في السادسة ثم في الثامنة ثم في العاشرة. ثم قال (1) وإن لم تقنت
إلا في الخامسة والعاشرة فهو جائز لورود الخبر به.
وما رواه الشيخ عن أبي بصير (2) قال: (سألته عن صلاة الكسوف فقال
عشر ركعات وأربع سجدات: تقرأ في كل ركعة منها مثل ياسين والنور ويكون ركوعك
مثل قراءتك وسجودك مثل ركوعك. قلت فمن لم يحسن ياسين وأشباهها؟ قال
فليقرأ ستين آية في كل ركعة فإذا رفع رأسه من الركوع فلا يقرأ بفاتحة الكتاب.
قال فإن أغفلها أو كان نائما فليقضها).
ومنها - ما ذكره الرضا (ع) في كتاب الفقه (3) قال: (إعلم يرحمك الله
أن صلاة الكسوف عشر ركعات بأربع سجدات: تفتتح الصلاة بتكبيرة واحدة ثم
تقرأ الفاتحة وسورا طوالا وطول في القراءة والركوع والسجود ما قدرت فإذا فرغت
من القراءة ركعت ثم رفعت رأسك بتكبير ولا تقول (سمع الله لمن حمده) تفعل
ذلك خمس مرات ثم تسجد سجدتين، ثم تقوم فتصنع مثل ما صنعت في الركعة
الأولى، ولا تقرأ سورة الحمد إلا إذا انقضت السورة فإذا بدأت بالسورة بدأت
بالحمد، وتقنت بين كل ركعتين وتقول في القنوت: إن الله يسجد له من في
السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والشجر والدواب وكثير من
الناس وكثير حق عليه العذاب اللهم صل على محمد وآل محمد اللهم لا تعذبنا بعذابك
ولا تسخط بسخطك علينا ولا تهلكنا بغضبك ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا
واعف عنا واغفر لنا واصرف عنا البلاء يا ذا المن والطول. ولا تقول (سمع الله
لمن حمده) إلا في الركعة التي تريد أن تسجد فيها. وتطول الصلاة حتى ينجلي،
وإن انجلى وأنت في الصلاة فخفف، وإن صليت وبعد لم ينجل فعليك الإعادة أو
الدعاء والثناء على الله وأنت مستقبل القبلة).

(1) الوسائل الباب 7 من صلاة الكسوف.
(2) الوسائل الباب 7 من صلاة الكسوف.
(3) ص 12.
327

ومنها - ما رواه في كتاب دعائم الاسلام (1) قال: وعن جعفر بن محمد (ع)
قال: (صلاة الكسوف في الشمس والقمر وعند الآيات واحدة وهي عشر ركعات
وأربع سجدات: يفتتح الصلاة بتكبيرة الاحرام ويقرأ بفاتحة الكتاب وسورة
طويلة ويجهر فيها بالقراءة ثم يركع ويلبث راكعا مثل ما قرأ ثم يرفع رأسه ويقول
عند رفعه (الله أكبر) ثم يقرأ كذلك فاتحة الكتاب وسورة طويلة ثم كبر وركع
الثانية (2) فأقام راكعا مثل ما قرأ ثم رفع رأسه وقال الله أكبر ثم قرأ بفاتحة
الكتاب وسورة طويلة ثم كبر وركع الثالثة فأقام راكعا مثل ما قرأ ثم رفع رأسه
وقال (الله أكبر) ثم قرأ بفاتحة الكتاب وسورة طويلة فإذا فرغ منها قنت ثم
كبر وركع الرابعة فأقام راكعا مثل ما قرأ ثم رفع رأسه وقال الله أكبر ثم قرأ
فاتحة الكتاب وسورة طويلة فإذا فرغ منها كبر وركع الخامسة فأقام مثل ما قرأ
فإذا رفع رأسه منه قال: (سمع الله لمن حمده) ثم يكبر ويسجد فيقيم ساجدا مثل
ما ركع ثم يرفع رأسه فيكبر ويجلس شيئا بين السجدتين يدعو ثم يكبر ويسجد
سجدة ثانية يقيم فيها ساجدا مثل ما أقام في الأولى، ثم ينهض قائما ويصلي أخرى على
نحو الأولى يركع فيها خمس ركعات ويسجد سجدتين ويتشهد تشهدا طويلا، والقنوت
بعد كل ركعتين كما ذكرنا في الثانية والرابعة والسادسة والثامنة والعاشرة ولا يقول:

(1) مستدرك الوسائل الباب 6 من صلاة الكسوف.
(2) كتب في هامش الطبعة القديمة في هذا الموضع هكذا: (كذا في بعض النسخ
وفي بعضها (الثالثة) بدل (الثانية) وكذا وجدنا الرواية في البحار ولم يحضرني كتاب دعائم
الاسلام حتى أراجعه لكن الظاهر أنه سقط بعد لفظ (الثانية) بيان القيام بعد الركوع
الثاني والركوع الثالث والله العالم) أقول: العبارة في البحار ج 18 الصلاة ص 908 كما
ذكر المعلق وهكذا هي أيضا في مستدرك الوسائل ولكنها في دعائم الاسلام ج 1 ص
240 طبعة مصر تامة وقد جرينا في هذه الطبعة على ذلك، إلا أن بين المستدرك وكتاب
الدعائم المطبوع بمصر اختلافا في بعض ألفاظ هذا الحديث في غير المورد الساقط من
المستدرك وقد أوردناها في طبق المستدرك إلا في ما نرى خلافه مناسبا.
328

(سمع الله لمن حمده) إلا في الركعتين اللتين يسجد عنهما وما سوى ذلك يكبر كما
ذكرنا. فهذا معنى قول أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) في صلاة
الكسوف في روايات شئ عنه (ع) حذفنا ذكرها اختصارا. وإن قرأ في صلاة
الكسوف بطوال المفصل ورتل القرآن فذلك أحسن وإن قرأ بغير ذلك فليس فيه
توقيت ولا يجزئ غيره، وقد روينا عن علي (ع) (1) (أنه قرأ في الكسوف
سورة المثاني وسورة الكهف وسورة الروم وسورة ياسين وسورة والشمس
وضحاها. وروينا عن علي (ع) (2) (أنه صلى صلاة الكسوف فانصرف قبل أن
ينجلي فجلس في مصلاه يدعو ويذكر الله وجلس الناس كذلك يدعون ويذكرون
حتى انجلت).
وأما ما رواه الشيخ في التهذيب عن أبي البختري عن أبي عبد الله (ع) - (3)
(أن عليا (ع) صلى في كسوف الشمس ركعتين في أربع سجدات وأربع ركعات: قام
فقرأ ثم ركع ثم رفع رأسه فقرأ ثم ركع ثم قام فدعا مثل ركعته ثم سجد سجدتين ثم
قام ففعل مثل ما فعل في الأولى في قراءته وقيامه وركوعه وسجوده).
وعن يونس بن يعقوب (4) قال: (قال أبو عبد الله (ع) انكسف القمر
فخرج أبي وخرجت معه إلى المسجد الحرام فصلى ثماني ركعات كما يصلي ركعة وسجدتين) -
فقد حملهما الشيخ على التقية قال لموافقتهما لمذهب بعض العامة (5).

(1) مستدرك الوسائل الباب 8 من صلاة الكسوف.
(2) مستدرك الوسائل الباب 7 من صلاة الكسوف.
(3) الوسائل الباب 7 من صلاة الكسوف.
(4) الوسائل الباب 7 من صلاة الكسوف.
(5) في عمدة القارئ ج 3 ص 468 أول باب الكسوف (عند الليث بن سعد
ومالك والشافعي وأحمد وأبي ثور صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجودان
فتكون الجملة أربع ركوعات وأربع سجدات في ركعتين. وعند طاووس وحبيب بن
أبي ثابت وعبد الملك بن جريح ركعتان في كل ركعة أربع ركوعات وسجدتان فتكون الجملة ثمان
ركوعات وأربع سجدات ويحكى هذا عن علي وابن عباس. وعند قتادة وعطاء بن
أبي رباح وإسحاق وابن المنذر ركعتان في كل ركعة ثلاث ركوعات وسجدتان فتكون
الجملة ست ركوعات وأربع سجدات. وعند سعيد بن جبير وإسحاق بن راهويه في رواية
ومحمد بن جرير الطبري وبعض الشافعية لا توقيت فيها بل يطيل أبدا ويسجد إلى أن تنجلي
الشمس. وعند إبراهيم النخعي وسفيان الثوري وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ركعتان في
كل ركعة ركوع واحد وسجدتان كسائر صلاة التطوع. ويروى عن أبي حنيفة إن شاءوا
صلوها ركعتين وإن شاءوا أربعا، وفي البدائع وإن شاءوا أكثر من ذلك. وعند
الظاهرية أن كسفت الشمس ما بين طلوعها إلى صلاة الظهر صلاها ركعتين وما بين الظهر إلى
الغروب صلاها أربعا وفي خسوف القمران كان بعد صلاة المغرب إلى العشاء الآخرة صلى
ثلاث ركعات كالمغرب وإن كان بعد العتمة إلى الصبح صلى أربعا) وفي سنن البيهقي ج 3.
ص 321 نقل رواية عائشة المتضمنة أن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى ركعتين جملتها أربع
ركوعات وأربع سجدات. وفي ص 315 نقل رواية جابر المتضمنة أنه صلى الله عليه وآله صلى ركعتين
جملتها ست ركوعات وأربع سجدات وفي ص 329 نقل رواية أبي بن كعب المتضمنة
أنه صلى الله عليه وآله صلى ركعتين في كل ركعة خمس ركوعات وسجدتان. ثم نقل عن الحسن البصري
أن عليا (عليه السلام) صلى في كسوف الشمس خمس ركعات وأربع سجدات. وفي ص؟ 33 نقل
رواية حنش بن ربيعة المتضمنة أن عليا (عليه السلام) صلى ركعتين في ثمان ركوعات وأربع سجدات
329

وروى الشيخ في التهذيب عن روح بن عبد الرحيم (1) قال: (سألت
أبا عبد الله (ع) عن الكسوف تصلى جماعة؟ قال جماعة وغير جماعة).
وعن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) (2) قال: (إذا انكسفت الشمس
والقمر فانكسف كلها فإنه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى إمام يصلي بهم وأيهما كسف
بعضه فإنه يجزئ الرجل أن يصلي وحده... الحديث).
وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من جامع البزنطي صاحب
الرضا (ع) (3) قال: (سألته عن القراءة في صلاة الكسوف قال تقرأ في كل ركعة
فاتحة الكتاب. قال وإذا ختمت سورة وبدأت بأخرى فاقرأ فاتحة الكتاب
وإن قرأت سورة في ركعتين أو ثلاث فلا تقرأ فاتحة الكتاب حتى تختم السورة

(1) الوسائل الباب 12 من صلاة الكسوف
(2) الوسائل الباب 12 من صلاة الكسوف
(3) الوسائل الباب 7 من صلاة الكسوف.
330

ولا تقل (سمع الله لمن حمده) في شئ من ركوعك إلا الركعة التي تسجد فيها).
وعن علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى (ع) مثله (1) ونحوه في قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه (ع) (2).
أقول: الكلام في هذه الأخبار وما اشتملت عليه من الأحكام يقع في مواضع:
الأول - المستفاد من هذه الأخبار التخيير بين قراءة سورة كاملة بعد الحمد في
كل قيام بين تفريق سورتين على العشر بأن يكون في كل خمس سورة وإن كان
الأول أفضل وإن يفرق سورتين على الخمس. وكيف كان فإنه متى أتم السورة وجب
قراءة الحمد، وهذا هو المشهور بين الأصحاب.
وقال ابن إدريس إنه يستحب له قراءة الحمد في الصورة المذكورة محتجا بأن
الركعات كركعة واحدة.
واعترضه المحقق في المعتبر بأنه خلاف فتوى الأصحاب والمنقول عن أهل
البيت (عليهم السلام). وهو جيد.
وقال الشهيد في الذكرى (3): فإن احتج ابن إدريس برواية عبد الله بن سنان عن
الصادق (ع) - قال: (انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فصلى
ركعتين قام في الأولى فقرأ سورة ثم ركع فأطال الركوع ثم رفع رأسه فقرأ سورة
ثم ركع فأطال الركوع ثم رفع رأسه فقرأ سورة ثم ركع فأطال الركوع ثم رفع رأسه
فقرأ سورة ثم ركع، فعل ذلك خمس مرات قبل أن يسجد ثم سجد سجدتين، ثم قام في
الثانية ففعل مثل ذلك، فكان له عشر ركعات وأربع سجدات والتوفيق بينها وبين
باقي الروايات بالحمل على استحباب قراءة الفاتحة مع الاكمال - فالجواب أن تلك
الروايات أكثر وأشهر وعمل الأصحاب بمضمونها فتحمل هذه الرواية على أن
الراوي ترك ذكر الحمد للعلم به لتوافق تلك الروايات الأخرى. انتهى. وهو جيد.

(1) الوسائل الباب 7 من صلاة الكسوف.
(2) الوسائل الباب 7 من صلاة الكسوف.
(3) في النظر الثاني من صلاة الآيات في الإشارة إلى المدارك.
331

أقول: لم أقف على هذه الرواية إلا في كتاب الذكرى فإنه لم ينقلها صاحب
الوافي الجامع لأخبار الكتب الأربعة ولا صاحب الوسائل مع جمعه لما زاد عنها
ولا شيخنا المجلسي في البحار مع تصديه فيه لنقل جملة الأخبار، والظاهر أنه غفل
عنها وإلا لنقلها عن الذكرى كما هو مقتضى قاعدته من التصدي لنقل جميع الأخبار
وإن كانت من كتب الفروع.
ويظهر من اطلاق صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة (1) جواز التفريق
بأن يبعض سورة واحدة في إحدى الركعتين ويقرأ في الأخرى خمسا والجمع في
الركعة الواحدة بين الاتمام والتبعيض بأن يتم سورة مثلا في القيام الأول ويبعض
سورة في الأربعة الباقية، وعلى ذلك تدل صحيحة البزنطي المنقولة في مستطرفات
السرائر ونحوها صحيحة علي بن جعفر المتقدمتان (2) أيضا. وبالجملة فالذي يظهر
من الأخبار هو جواز التبعيض في القيامات الخمسة أو بعضها مع الاتمام في بعض
وأنه يتخير في ذلك وإن كان الأفضل قراءة خمس سور في كل ركعة.
وأما ما ذكره في المدارك - من قوله: ولا ريب أن الاحتياط يقتضي الاقتصار
على قراءة خمس سور في كل ركعة أو تفرق سورة على الخمس - فالظاهر أنه بنى على
ما احتمله الشهيد في الذكرى هنا حيث قال: ويحتمل أن ينحصر المجزئ في سورة
واحدة أو خمس سور لأنها إن كانت ركعة وجبت الواحدة وإن كانت خمسا فالخمس
فيمكن استناد ذلك إلى تجويز الأمرين وليس بين ذينك واسطة. انتهى.
أقول: أنت خبير بأنه لا وجه له بعد ما عرفت من دلالة صحيحة البزنطي
وعلي بن جعفر (3) على جواز التفريق في ركعتين أو في ثلاث إلا أنه يمكن الاعتذار
عنهما بعدم وقوفهما على الخبرين المذكورين، على أن اطلاق غيرهما من الأخبار
المتقدمة ظاهر في ذلك أيضا سيما قوله (ع) في صحيحة الحلبي وإن شئت قرأت

(1) ص 326
(2) ص 330 و 331.
(3) ص 330 و 331.
332

سورة في كل ركعة وإن شئت قرأت نصف سورة في كل ركعة... الحديث)
وقد تقدم (1).
وظاهر الأخبار وكلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) وجوب اتمام سورة
في الخمس لصيرورتها بمنزلة ركعة فتجب الحمد وسورة.
بقي الكلام في ما لو جمع في ركعة بين الاتمام والتبعيض فأتم في القيام
الأول مثلا وبعض في البواقي فهل يجوز أن يسجد قبل اتمام السورة؟ فيه وجهان،
قال في الذخيرة: ولعل الأقرب الجواز.
أقول: يمكن توجيه الأقربية باطلاق الأخبار المتقدمة الدالة على جواز
التبعيض أعم من أن يتم السورة في ركعة واحدة أم لا.
وقال العلامة: الأقرب أنه يجوز أن يقرأ في الخمس سورة وبعض أخرى فإذا
قام في الثانية فالأقرب وجوب الابتداء بالحمد لأنه قيام من سجود فوجب فيه الفاتحة
قال: ويحتمل ضعيفا أن يقرأ من الموضع الذي انتهى إليه أولا من غير أن يقرأ
الفاتحة لكن يجب أن يقرأ الحمد في الثانية بحيث لا يجوز الاكتفاء بالحمد مرة
في الركعتين. انتهى.
أقول: ويمكن ترجيح ما استضعفه بقوله (ع) في صحيحة زرارة ومحمد بن
مسلم (2) (وإن نقصت من السورة شيئا فاقرأ من حيث نقصت ولا تقرأ فاتحة
الكتاب) وقوله (ع) في كتاب الفقه الرضوي (3) (ولا تقرأ سورة الحمد إلا إذا انقضت
السورة) وقوله (ع) في صحيحتي البزنطي وعلي بن جعفر (4) (فلا تقرأ فاتحة الكتاب
حتى تختم السورة) فإن الجميع كما ترى ظاهر في أنه ما لم يتم السورة التي بعضها فلا يقرأ
فاتحة الكتاب وأنه يجب القراءة من موضع القطع، والأخبار المذكورة بعمومها
شاملة لموضع المسألة.
وذكر الشهيدان (طاب ثراهما) أنه متى ركع عن بعض سورة تخير في القيام

(1) ص 326
(2) ص 326
(3) ص 327
(4) ص 330 و 331.
333

بعده بين القراءة من موضع القطع وبين القراءة من أي موضع شاء من السورة
متقدما أو متأخرا وبين رفضها وقراءة غيرها.
واحتمل في الذكرى أمرا رابعا وهو أن له إعادة البعض الذي قرأه من السورة
بعينه، قال فحينئذ هل يجب قراءة الحمد؟ يحتمل ذلك لابتدائه بسورة ويحتمل عدمه لأن
قراءة بعضها مجزئ فقراءة جميعها أولى، هذا إن قرأ جميعها وإن قرأ بعضها فأشد إشكالا.
قال في المدارك بعد نقل ذلك: أقول إن في أكثر هذه الصور اشكالا، فإن
مقتضى قوله (ع) (فإن نقصت من السورة شيئا فاقرأ من حيث نقصت) تعين القراءة من
موضع القطع فلا يكون العدول إلى غيره من السورة والقراءة من غيرها جائزا. انتهى.
وهو جيد لما عرفت من الأخبار. والله العالم.
الثاني - قد تضمنت صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم (1) الأمر بالجلوس والدعاء
حتى ينجلي الكسوف متى فرغ من الصلاة ولم ينجل، وعبارة كتاب الفقه (2) الإعادة
أو الدعاء في الصورة المذكورة، ورواية كتاب دعائم الاسلام (3) الجلوس والدعاء
وقد روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (4) قال: (قال أبو عبد الله
(ع) صلاة الكسوف إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد).
والمستفاد من هذه الأخبار بعد ضم بعضها إلى بعض هو وجوب الجلوس
والدعاء أو الإعادة حتى ينجلي مخيرا بينهما وهو صريح عبارة كتاب الفقه.
والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذا المقام أنه يستحب له
الإعادة متى فرغ ولم ينجل، ونقل عن ظاهر المرتضى وأبي الصلاح وسلار وجوب
الإعادة، وعن ابن إدريس أنه منع الإعادة وجوبا واستحبابا.
قال في المدارك: لنا على الاستحباب ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية
ابن عمار... ثم ساق الرواية المذكورة إلى أن قال: لنا على انتفاء الوجوب قوله (ع)

(1) ص 326.
(2) ص 327
(3) ص 328
(4) الوسائل الباب 8 من صلاة الكسوف.
334

في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم (1) (وإن فرغت قبل أن ينجلي فاقعد وادع الله
حتى ينجلي) وقد يقال إن الجمع بين الروايات يقتضي القول بوجوب الإعادة والدعاء
تخييرا إلا إني لا أعلم به قائلا. انتهى. وتبعه في الذخيرة في هذا المقام.
وأنت خبير بأن ظاهر كلام الصدوق في الفقيه هو القول بالوجوب فيهما
تخييرا حيث قال: وإذا فرغ الرجل من صلاة الكسوف ولم تكن انجلت فليعد
الصلاة وإن شاء قعد ومجد الله تعالى حتى ينجلي. انتهى.
ثم إنه لا يخفى عليك ما في استدلاله بصحيحة معاوية بن عمار على الاستحباب
وإن كان قد جرى على هذه الطريقة في غير باب، فإن الرواية قد تضمنت الأمر
بالإعادة وهو حقيقة في الوجوب كما صرح به في غير موضع من هذا الكتاب
فكيف تكون دالة على الاستحباب؟ وكان الأولى في التعبيران يجعل مستند
الاستحباب الجمع بين الروايتين المذكورتين.
وزاد في الذخيرة بعد اختيار الاستحباب كما ذكره في المدارك التأييد بموثقة
عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع) (2) قال: (إن صليت الكسوف إلى أن يذهب
الكسوف عن الشمس والقمر وتطول في صلاتك فإن ذلك أفضل، وإن أحببت
أن تصلي فتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز).
وأنت خبير بأن غاية ما تدل عليه الرواية هو اطلاق جواز الفراغ قبل
الانجلاء، ولا ينافيه وجوب الإعادة أو الجلوس حتى يحصل تمام الانجلاء حسبما دلت
عليه الأخبار المتقدمة.
وبالجملة فعبارة كتاب الفقه صريحة في الوجوب تخييرا والظاهر أنها مستند
الصدوق كما عرفت في غير مقام، ورواية كتاب الدعائم المروية عن علي (ع) أيضا
ظاهرة في وجوب الجلوس، والصحيحتان الأخرتان (3) لا وجه للجمع بينهما إلا بما

(1) ص 326.
(2) الوسائل الباب 8 من صلاة الكسوف
(3) ص 334.
335

ذكرناه من الوجوب تخييرا، فرد هذه الروايات - على ما هي عليه من الصحة والصراحة
في بعض والظاهرية في آخر بهذه الرواية مع قبولها التأويل بما ذكرناه - مما لا يلتزمه
محصل. والله العالم.
الثالث - ما ذكره (ع) في كتاب الفقه الرضوي (1) من قوله (وتطول الصلاة
حتى ينجلي) مما يصلح لأن يكون مستندا للأصحاب (رضوان الله عليهم) حيث صرحوا
بأن من جملة مستحبات هذه الصلاة أن يطول بقدر الكسوف وهم قد استدلوا على ذلك
بموثقة عمار المتقدمة (2) ويمكن الاستدلال عليه أيضا بقوله (ع) في صحيحة الرهط
المتقدمة (3) في حكاية صلاته صلى الله عليه وآله ففرغ حين فرغ وقد انجلى كسوفها).
وقيل إن الاستدلال بهذا الخبر لا يخلو من شوب التأمل لجواز أن يكون
ذلك من باب الاتفاق. وفيه أن الظاهر من نقله (ع) ذلك إنما هو العمل بما تضمنه
النقل إذ لا معنى لنقل الأمور الاتفاقية مع عدم ترتب شئ عليها من الأحكام الشرعية، ويمكن استناد ذلك إلى علمه صلى الله عليه وآله بوقت تمام الانجلاء فأطال الصلاة على
حسب علمه وفرغ بتمام الانجلاء.
بقي هنا شئ وهو أن الحكم باستحباب الإطالة على الوجه المذكور لا يتم إلا
مع العلم بذلك أو الظن الحاصل بأخبار رصدي أما بدونه فلا، وحينئذ فلا يبعد
أن يكون التخفيف في الصلاة أولى وجبت الإعادة أو الجلوس لو فرغ قبل الانجلاء
على أحد القولين أو استحبت على القول المشهور حذرا من خروج الوقت قبل
الاتمام. كذا قيل وهو مبني على أنه مع خروج الوقت قيل الاتمام يجب القطع وقد
بينا سابقا ضعفه وإن الواجب هو الاتمام في الصورة المذكورة. والله العالم.
الرابع - ظاهر قوله (ع) في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم (4) (وكان
يستحب أن يقرأ فيها الكهف والحجر إلا أن يكون إماما يشق على من خلفه)
استحباب التطويل في الصلاة بقراءة السور الطول إلا في الجماعة إذا كان يشق ذلك

(1) ص 327.
(2) ص 335.
(3) ص 325.
(4) ص 326.
336

على من خلفه، وبكل من الحكمين صرع الأصحاب (رضوان الله عليهم).
أما الأول فيدل عليه مضافا إلى هذا الخبر ما تقدم من كلام الرضا (ع) في
كتاب الفقه ورواية كتاب دعائم الاسلام ورواية أبي بصير المتقدم ذلك كله (1) وقد
دلت رواية أبي بصير المذكورة أيضا على استحباب التطويل في ركوعه مثل قراءته
وسجوده مثل ركوعه، وإليه يشير أيضا قوله (ع) في كتاب الفقه (وطول في القراءة
والركوع والسجود ما قدرت) ونحوه في رواية كتاب الدعائم.
وينبغي تقييد ذلك بسعة الوقت كما صرح به بعضهم أيضا.
وأما الثاني فيدل عليه مضافا إلى الرواية المذكورة أخبار صلاة الجماعة فإنها
استفاضت بالأمر بالتخفيف والاسراع رعاية لحال المأمومين فإن فيهم الضعيف
وصاحب الحاجة ونحوهما (2).
إلا أنه قد روى الصدوق في الفقيه مرسلا (3) قال: (انكسفت الشمس
على عهد أمير المؤمنين (ع) فصلى بهم حتى كان الرجل ينظر إلى الرجل قد ابتلت
قدمه من عرقه).
وروى الشيخ في التهذيب بسنده عن القداح عن جعفر عن أبيه عن آبائه
(عليهم السلام) (4) قال: (انكسفت الشمس في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله فصلى
بالناس ركعتين وطول حتى غشى على بعض القوم ممن كان وراءه من طول القيام).
وظاهر المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في الوسائل العمل بهذين
الخبرين حيث قال: استحباب إطالة الكسوف بقدره حتى للإمام (5) ثم
أورد الخبرين المذكورين ولم يجب عن صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم بشئ بل لم ينقل منها
الموضع المتعلق بهذا الحكم في كتابه بالكلية وإنما ذكر منها ما يتعلق بكيفية الصلاة
في باب كيفية صلاة الكسوف (6) وهو غفلة من (طاب ثراه).

(1) ص 327 و 8؟ 3
(2) الوسائل الباب 69 من صلاة الجماعة.
(3) الوسائل الباب 9 من صلاة الكسوف
(4) الوسائل الباب 9 من صلاة الكسوف
(5) الوسائل الباب 9 من صلاة الكسوف
(6) ذكرها هناك بتمامها.
337

وبالجملة فالجمع بين الروايات هنا لا يخلو من اشكال سيما مع اعتضاد صحيحة
زرارة ومحمد بن مسلم بأخبار الجماعة المستفيضة بالأمر بالتخفيف وعدم الإطالة
رعاية لحال المأمومين، إلا أن يقال باختصاص ذلك بهما (صلوات الله عليهما) في هذه
الصلاة بخصوصها لأجل بسطها على مقدار زمان الكسوف. وفيه ما فيه. والله العالم
الخامس - أنه يستفاد من الأخبار المتقدمة استحباب التكبير عند الرفع من
كل ركوع إلا الخامس والعاشر فإنه يقول (سمع الله لمن حمده) وهذا التكبير من
خصوصيات هذه الصلاة،
وأنه يقنت خمس قنوتات، والجميع مما خلاف فيه بين
الأصحاب (رضوان الله عليهم).
إلا أن الشهيد في البيان قال إنه يجزئ القنوت على الخامس والعاشر وأقله على
العاشر. قال في المدارك ولم نقف على مأخذه.
أقول: إن كان مراده أنه لم يقف على مأخذه ولو بالنسبة إلى الخامس
والعاشر ففيه ما قدمنا نقله عن الصدوق من قوله (وإن لم تقنت إلا في الخامسة والعاشرة
فهو جائز لورود الخبر به) وإن أراد من حيث الاكتفاء بالعاشر خاصة فهو كذلك
ولعله لمجرد اعتبار كون هذه الصلاة في الحقيقة ركعتين فالقنوت إنما هو في الثانية.
ومن مستحبات هذه الصلاة أيضا الجهر بالقراءة، قال في المنتهى إنه مذهب
علمائنا وأكثر العامة (1) وقد تقدم ذلك في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم (2)

(1) في عمدة القارئ ج 3 ص 501 حكى الترمذي عن مالك والشافعي وأحمد
وإسحاق الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف، وفي شرح مسلم للنووي مذهبنا ومذهب مالك
وأبي حنيفة والليث بن سعد وجمهور الفقهاء أنه يسر في كسوف الشمس ويجهر في خسوف
القمر. وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن وأحمد وإسحاق يجهر فيهما. وحكى الرافعي
عن الصيدلاني مثله عند أبي حنيفة. وقال محمد بن جرير الطبري الجهر والأسرار سواء
قال العيني وما حكاه النووي عن مالك هو المشهور عنه، وقال ابن العربي روى المصريون
عنه أنه يسر وروى المدنيون عنه أنه يجهر والجهر عندي أولى.
(2) ص 6؟ 3.
338

ومن مستحباتها أيضا أن يكون بارزا تحت السماء لما في الصحيحة المشار إليها
من قوله (ع) (فإن استطعت أن تكون صلاتك بارزا لا يحبك بيت فافعل).
إلا أن جملة من الأخبار قد دلت على الفزع إلى المساجد كما في صحيح أبي بصير (1)
قال: (انكسف القمر وأنا عند أبي عبد الله (ع) في شهر رمضان فوثب وقال إنه
كان يقال إذا انكسف القمر والشمس فافزعوا إلى مساجدكم).
وفي كتاب المجالس بإسناده عن محمد بن عمارة عن أبيه عن الصادق عن أبيه
(عليهما السلام) (2) قال: (إن الزلازل والكسوفين والرياح الهائلة من علامات
الساعة فإذا رأيتم شيئا من ذلك فتذكروا قيام الساعة وافزعوا إلى مساجدكم).
ويمكن الجمع بأن الفزع إلى المساجد لا يستلزم الصلاة تحت سقوف المساجد
بل يمكن إن تصلي على سطوح المساجد وفي فضائها البارز من غير سقف، هذا إذا
كانت مسقفة كما هو الآن صار معمولا وأما على ما هو السنة في المساجد من جعلها
مكشوفة فلا اشكال.
وينبغي أن يعلم أن جملة هذه الأحكام وإن كان موردها صلاة الكسوف إلا أن المفهوم من الأخبار أن صلاة الكسوف هي الصلاة في سائر الآيات فجميع
الأحكام المترتبة على صلاة الكسوف تترتب على الصلاة لغير الكسوف من الآيات
إلا التطويل فإن ظاهر الأخبار اختصاصه بالكسوفين كما مر.
ومما يدل على أن صلاة الآيات هي صلاة الكسوف صحيحة زرارة ومحمد بن
مسلم (3) قالا (قلنا لأبي جعفر (ع) أرأيت هذه الرياح والظلم التي تكون هل يصلى
لها؟ فقال كل أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصل لها صلاة الكسوف
حتى تسكن).
وروى في كتاب الدعائم عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (4) أنه قال:

(1) الوسائل الباب 6 من صلاة الكسوف
(2) الوسائل الباب 2 من صلاة الكسوف.
(3) الوسائل الباب 2 من صلاة الكسوف.
(4) مستدرك الوسائل الباب 2 من صلاة الكسوف.
339

(يصلى في الرجفة والزلزلة والريح العظمة والآية تحدث وما كان مثل ذلك
كما يصلى في صلاة كسوف الشمس والقمر سواء).
ومن مستحبات هذه الصلاة أيضا الجماعة، قال في التذكرة إنه قول علمائنا أجمع
ويدل عليه ما تقدم (1) في صحيحة الرهط من قوله (ع) (صلاها رسول الله
صلى الله عليه وآله والناس خلفه).
وما تقدم (2) في الموضع الرابع من خبري الصدوق والقداح في صلاة
رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي (ع) بالناس وقد غشي على بعض القوم وابتلت أقدامهم
من العرق.
وقد تقدمت (3) رواية روح بن عبد الرحيم الدالة على أنها تصلى جماعة
وغير جماعة.
ونحوها رواية محمد بن يحيى الساباطي عن الرضا (ع) (4) قال: سألته عن
صلاة الكسوف تصلى جماعة أو فرادى؟ قال أي ذلك شئت).
وقد دلت رواية ابن أبي يعفور المتقدمة (5) على تأكد استحباب الجماعة
مع الاحتراق.
وقال الصدوقان: إذا احترق القرص كله فصلها في جماعة وإن احترق بعضه
فصلها فرادى. ويمكن حمل كلامهما على ما حملت عليه رواية ابن أبي يعفور من تأكد
الجماعة مع الاحتراق وعدمه مع العدم.
قال في الذكرى: إنهما إن أرادا نفي تأكد الاستحباب مع احتراق البعض
فمرحبا بالوفاق، وإن أرادا نفي استحباب الجماعة وترجيح الفرادى طولبا بدليل المنع
وصرح الشهيد في البيان بجواز اقتداء المفترض بالمتنفل في هذه الصلاة
وبالعكس كاليومية. قال في المدارك ومثله في الذخيرة: وهو حسن.

(1) ص 325
(2) ص 347.
(3) ص 330
(4) الوسائل الباب 12 من صلاة الكسوف.
(5) ص 330
340

أقول: الظاهر أن مرادهم اجراء حكم اليومية في ما لو صليت فرادى فإنه
يستحب إعادتها جماعة لو وجدت الجماعة إماما كان أو مأموما في هذه الصلاة، فإنها
هي الصورة التي يمكن فيها اقتداء المفترض بالمتنفل وبالعكس.
وأنت خبير بأنه مع قطع النظر عن القاعدة المشهورة في كلامهم - من أن
اطلاق الأخبار إنما ينصرف إلى الأفراد المتكثرة المتكررة دون النادرة، وصلاة
الآيات بالنسبة إلى الصلاة اليومية من هذا القبيل - فإن لقائل أن يقول إن جملة من
أخبار تلك المسألة ظاهرة في اليومية بخصوصها مثل صحيحة سليمان بن خالد (1) قال:
(سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل دخل المسجد وافتتح الصلاة فبينما هو قائم يصلي
إذ أذن المؤذن وأقام الصلاة قال فليصل ركعتين ثم ليستأنف الصلاة مع الإمام...
الحديث) وفي جملة من تلك الأخبار (تقام الصلاة) و (أقيمت الصلاة) والإقامة
إنما تكون في اليومية. وبالجملة فسياق أكثر تلك الأخبار ظاهر في اليومية حمل ما أطلق
على الباقي ممكن، وبه يظهر أن دعوى شمولها لهذه الصلاة لا يخلو من اشكال.
تفريع
لو أدرك المأموم الإمام قبل الركوع الأول أو في أثنائه أدرك الركعة
بغير اشكال.
إنما الاشكال في ما لو لم يدركه حتى رفع رأسه من الركوع الأول، والذي
صرح به جمع من الأصحاب: منهم - المحقق في المعتبر والعلامة في جملة من كتبه
والشهيد في الذكرى هو فوات تلك الركعة المشتملة على الركوعات الخمسة فلا يجوز له
الدخول فيها بل يصبر إلى أن يسجد ويقوم ويدخل معه في أول قيامه، والوجه
في ذلك هو لزوم أحد محذورين مع الدخول بعد فوات الركوع الأول، وهو إما
تخلف المأموم عن الإمام إن تدارك الركوع بعد سجود الإمام وأما تحمل الإمام الركوع
إن رفض الركوع وسجد بسجود الإمام.

(1) الوسائل الباب 56 من صلاة الجماعة. وهي أجنبية عن المورد.
341

ونقل عن العلامة أنه احتمل في التذكرة جواز الدخول معه في هذه الحالة
فإذا سجد الإمام لم يسجد هو بل ينتظر الإمام إلى أن يقوم فإذا ركع الإمام أول
الثانية ركع معه عن ركعات الأولى فإذا انتهى إلى الخامس بالنسبة إليه سجد ثم لحق
بالإمام ويتم الركعات قبل سجود الثانية.
قال في المدارك: ويشكل بأن فيه تخلف المأموم عن الإمام في ركن وهو
السجدتان من غير ضرورة ولا دليل على جوازه.
أقول: لا يخفى على من تأمل كلامهم ما وقع لهم فيه من النقض والابرام وما
هو عليه من الاختلاف والتناقض الظاهر لذوي الأفهام.
والتحقيق أن الكلام في هذه المسألة وجواز الدخول في الصورة المفروضة
وعدمه مبني على مسألة أخرى وهو أنه هل يجوز للمأموم التخلف عن الإمام لغير
عذر بركن أو ركنين أم لا يجوز ذلك؟ والذي صرح به جملة منهم في باب صلاة
الجماعة هو الجواز.
وممن صرح بذلك الشهيد في الذكرى حيث قال: ولا يتحقق فوات القدوة
بفوات ركن ولا أكثر عندنا، وفي التذكرة توقف في بطلان القدوة بالتأخير
بركن، والمروي بقاء القدوة رواه عبد الرحمان عن أبي الحسن (ع) (1) في من لم
يركع ساهيا حتى انحط الإمام للسجود أنه يركع ويلحق به. انتهى ومثل ذلك كلامه
في الدروس. وظاهر قوله (عندنا) مؤذن بدعوى الاتفاق على الحكم المذكور.
وقال المحقق الشيخ على في رسالته الجعفرية: ولو تخلف المأموم بركن
أو أكثر لم تنقطع القدوة. وقال الشارح الجواد - في شرح الرسالة المذكورة تعليلا
للحكم المذكور - ما لفظه: لثبوتها وأن زوالها بعد ذلك يحتاج إلى دليل والأصل
عدمه ولرواية عبد الرحمان... ثم ساق الرواية المذكورة ثم نقل التوقف عن العلامة
في التذكرة واستبعده بناء على ما ذكره من الدليل.

(1) الوسائل الباب 64 من صلاة الجماعة.
342

وأنت خبير بأنه يأتي على ما ذكره هؤلاء أن المأموم يجوز له الدخول في
صلاة الكسوف بعد مضي ركوع بل ركوعين أو أكثر ثم يتابع الإمام حتى إذا سجد
الإمام أتم ما بقي عليه من الركوعات وإن فاتته المتابعة في السجود ثم يلتحق به في
الركعة الثانية بعد السجود، وكذا يفعل في الركعة الثانية إذا فاته شئ من ركوعاتها.
والسيد السند في المدارك لما كان مذهبه عدم جواز التخلف عن الإمام بركن
منع هنا من الدخول فيها في الصورة المذكورة إلا أنه إنما علل ذلك بعدم الدليل على
جواز التخلف، وللخصم أن يقابله بأن الأصل الجواز وعدم الابطال بالتخلف
حتى يقوم دليل على خلافه كما سمعت من كلام الشارح الجواد في شرح الرسالة.
والأظهر عندي في المسألة المفرع عليها هو وجوب المتابعة وعدم جواز
التخلف بركن لغير عذر فضلا عن الأكثر.
(أما أولا) فلأن الرواية التي استندوا إليها موردها العذر وهو سهو المأموم
وهذا غير محل النزاع، فالاستناد إليها في عموم الحكم لا يخلو من مجازفة.
و (أما ثانيا) فإن صحيحة زرارة (1) - الواردة في حكم المسبوق وأنه يقرأ
في كل ركعة مما أدرك بأم الكتاب وسورة فإن لم يدرك السورة تامة أجزأته
أم الكتاب، وصحيحة معاوية بن وهب (2) في من أدرك الإمام في آخر صلاته
وهي أول صلاة الرجل فلا يمهله حتى يقرأ هل يقضي القراءة في آخر صلاته؟ قال
نعم - تمنع ما ذكروه فإنهما ظاهرتان في وجوب المتابعة وعدم جواز التخلف عن
الركوع وإن كان للاشتغال بواجب كالقراءة المفروضة فيهما، فإن الاجتزاء بأم
الكتاب كما تضمنته الرواية الأولى وعدم امهال الإمام كما تضمنته الثانية إنما هو لخوف
رفع الإمام رأسه من الركوع قبل اتمام القراءة والدخول معه في الركوع، والثانية
قد تضمنت أنه يترك القراءة بالكلية ويقضيها في آخر الصلاة محافظة على ادراك
الركوع معه، وحينئذ فإذا امتنع التخلف وإن كان لأجل الاشتغال بواجب

(1) الوسائل الباب 47 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 47 من صلاة الجماعة
343

فكيف يجوز ذلك مطلقا كما ادعوه؟ وبذلك يظهر أن ما ذكروه لا يخلو من غفلة
عن اعطاء التأمل حقه في ملاحظة الأدلة.
و (أما ثالثا (فإن شيخنا الشهيد قد خالف قوله وناقض نفسه في ما قدمنا نقله
عنه مما ظاهره دعوى الاجماع عليه كما أشرنا إليه آنفا في باب الجماعة بما ذكره هنا في
صلاة الآيات، حيث صرح بالمنع من الدخول تبعا للفاضلين كما قدمنا ذكره في الصورة
المفروضة حذرا من لزوم التخلف عن الإمام بركن أو أكثر، فقال بعد ذكر
صورة المسألة ما ملخصه: فإن قلنا بالمتابعة فالأصح عدم سلامة الاقتداء لاستلزامه
محذورين أما التخلف عن الإمام أو تحمل الإمام الركوع، لأنه إن أتى بما بقي عليه
قبل أن يسجد مع الإمام لزم المحذور الأول، وإن رفض الركوعات وسجد
بسجود الإمام لزم الثاني... إلى أن قال (فإن قيل) لم لا يأتي المأموم بما بقي عليه ثم
يسجد ثم يلحق الإمام في ما بقي من الركوعات؟ وليس في هذا إلا تخلف عن الإمام
لعارض وهو غير قادح في الاقتداء لما سيأتي (قلنا) إن من قال إن التخلف عن
الإمام يقرح فيه فوات الركن فعلى مذهبه لا يتم هذا ومن اغتفر ذلك فإنما يكون
عند الضرورة كالمزاحمة ولا ضرورة هنا فحينئذ يستأنف المأموم النية... إلى آخر كلامه
فانظر إلى صراحته في المخالفة لما قدمنا نقله عنه من كلامه في باب الجماعة الدال
على جواز التخلف بركن أو أكثر وإن كان لا لعذر، وقوله هنا إن التخلف
بركن منحصر في قولين أما الجواز مع الضرورة أو البطلان.
وأشار بالمزاحمة إلى ما ورد في صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج عن أبي الحسن (1)
(في رجل صلى في جماعة يوم الجمعة فلما ركع الإمام ألجأه الناس إلى جدار أو أسطوانة
فلم يقدر على أن يركع ولا أن يسجد حتى رفع القوم رؤوسهم أيركع ثم يسجد ثم

(1) الوسائل الباب 17 من صلاة الجمعة. واللفظ في الفقيه ج 1 ص 270 هكذا
(أيركع ثم يسجد ويلحق بالصف وقد قام القوم أم كيف يصنع؟ فقال يركع ويسجد ثم
يقوم في الصف ولا بأس بذلك).
344

يقوم في الصف؟ قال بأس) وهذا كما ترى مثل صحيحة المتقدمة في أن موردها العذر
وبما أوضحناه في المقام وكشفنا عنه نقاب الابهام بما لم يسبق إليه سابق من
علمائنا الأعلام ظهر أنه لا يجوز الدخول مع الإمام بعد فوات شئ من الركوعات
في الركعة الأولى خوفا من الوقوع في المحذور المذكور بل يصبر إلى أن يسجد
ويقوم للركعة الثانية. ولو أدركه كذلك في الثانية لم يدخل معه وعدل إلى
الانفراد. والله العالم.
البحث الثالث في الأحكام وما يتبعها في المقام، أقول: قد قدمنا أكثر
الأحكام في البحثين المتقدمين وبقي الكلام في ما يتعلق بهذه الصلاة في مواضع:
الأول - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه إذا حصل الكسوف
في وقت فريضة حاضرة، فإن تضيق وقت إحداهما تعينت للأداء اجماعا ثم يصلي
بعدها ما اتسع وقتها، وإن تضيقا معا قدمت الحاضرة، قالوا لأنها أهم في نظر
الشارع، وقال في الذكرى إنه لا خلاف فيه، وإن اتسع الوقتان فالمشهور أنه
مخير في الاتيان بأيهما شاء.
وقال في من لا يحضره الفقيه: لا يجوز أن يصليها في وقت فريضة حتى يصلي
الفريضة، وإذا كان في الصلاة الكسوف ودخل عليه وقت الفريضة فليقطعها
وليصل الفريضة ثم يبني على ما فعل من صلاة الكسوف. انتهى.
وهو ظاهر اختيار الشيخ في النهاية حيث قال: إن بدأ بصلاة الكسوف
ودخل عليه وقت الفريضة قطعها وصلى الفريضة ثم رجع وتمم صلاته. ومثله في
المبسوط إلا أنه قال فيه باستئناف صلاة الكسوف، كذا نقله في المختلف، ونقل
هذا القول فيه عن ابني بابويه وابن البراج.
واختار في المدارك القول المشهور قال: لنا إنهما واجبان اجتمعا ووقتهما
موسع فيتخير المكلف بينهما. ولنا أيضا أن فيه جمعا بين ما تضمن الأمر بتقديم
345

الفريضة الحاضرة كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (1) قال: (سألته
عن صلاة الكسوف في وقت الفريضة فقال ابدأ بالفريضة) وبين ما تضمن الأمر
بتقديم الكسوف كصحيحة محمد بن مسلم وبريد بن معاوية عن أبي جعفر وأبي عبد الله
(عليهما السلام) (2) قالا: (إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات صليتها ما لم
تتخوف أن يذهب وقت الفريضة فإن تخوفت فابدأ بالفريضة واقطع ما كنت فيه
من صلاة الكسوف فإذا فرغت من الفريضة فارجع إلى حيث كنت قطعت
واحتسب بما مضى) انتهى.
أقول لا يخفى أن ما قدمناه من عبارة الصدوق في من لا يحضره الفقيه
مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي وإن كان بأدنى تغيير في اللفظ حيث قال (ع) (3)
(ولا تصلها في وقت الفريضة حتى تصلي الفريضة فإذا كنت فيها ودخل عليك
وقت الفريضة فاقطعها وصل الفريضة ثم ابن علي ما صليت من صلاة الكسوف
ومن ذلك يعلم أن مستند الصدوق وكذا أبوه في الرسالة إنما هو الكتاب المذكور
على ما عرفت سابقا وستعرف أمثاله لاحقا إن شاء الله تعالى.
ومن أخبار المسألة زيادة على ما ذكرنا قوله في صحيحة محمد بن مسلم المتقدم
نقلها عن صاحب المدارك تتمة لما ذكره منها: (فقيل له في وقت صلاة الليل فقال
صل صلاة الكسوف قبل صلاة الليل).
ومنها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي أيوب إبراهيم بن عثمان عن
أبي عبد الله (ع) (4) قال: (سألته عن صلاة الكسوف قبل أن تغيب الشمس
ونخشى فوت الفريضة فقال اقطعوها وصلوا الفريضة وعودوا إلى صلاتكم).
وعن محمد بن مسلم في الصحيح (5) قال: قلت لأبي عبد الله (ع) جعلت
فداك ربما ابتلينا بالكسوف بعد المغرب قبل العشاء الآخرة فإن صلينا الكسوف

(1) الوسائل الباب 5 من صلاة الكسوف.
(2) الوسائل الباب 5 من صلاة الكسوف.
(3) ص 12
(4) الوسائل الباب 5 من صلاة الكسوف.
(5) الوسائل الباب 5 من صلاة الكسوف.
346

خشينا أن تفوتنا الفريضة؟ فقال إذا خشيت ذلك فاقطع صلاتك واقض فريضتك
ثم عد فيها. قلت فإذا كان الكسوف آخر الليل فصلينا صلاة الكسوف فاتتنا
صلاة الليل فبأيتهما نبدأ؟ فقال صل صلاة الكسوف واقض صلاة الليل حين تصبح)
وقال في كتاب دعائم الاسلام: وعن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (1) أنه قال: (في من وقف في صلاة الكسوف حتى دخل عليه وقت الصلاة؟ قال
يؤخرها ويمضي في صلاة الكسوف حتى يصير إلى آخر الوقت فإن خاف فوت
الوقت قطعها وصلى الفريضة. وكذلك إذا انكسفت الشمس أو انكسف القمر في
وقت صلاة الفريضة بدأ بصلاة الفريضة قبل صلاة الكسوف).
أقول: ويستنبط من هذه الأخبار أحكام: منها - إنه لا يخفى أن ظاهر
صحيحة محمد بن مسلم الأولى هو وجوب تقديم الفريضة في حال سعة الوقت، وكذا
ظاهر كلامه (ع) في كتاب الفقه الرضوي حيث نهى أولا عن صلاة الكسوف في
وقت الفريضة وأوجب قطعها متى دخل عليه وقت الفريضة وهو فيها وأن يصلي
الفريضة أولا وهو عين مذهب الصدوق كما علمت وظاهر صحيحة محمد بن مسلم
وبريد بن معاوية هو تقديم صلاة الكسوف في حال سعة الوقتين إلى أن يتضيق
وقت الحاضرة.
والعجب أن الصدوق قد نقل هذه الصحيحة في كتابه ثم عقبها بهذه الفتوى
ووجه التدافع بينهما ظاهر، ولم يجب عن الرواية المذكورة بشئ مع ظهورها
في خلاف ما أفتى به.
ولهذا أن صاحب المدارك اعترضه في هذا المقام فقال بعد نقل كلامه:
ومقتضاه جواز القطع بل وجوبه إذا دخل وقت الفريضة وهو بعيد جدا، فإن
الرواية التي أوردها في كتابه في هذا المعنى عن بريد ومحمد بن مسلم صريحة في الأمر
بصلاة الكسوف ما لم يتخوف أن يذهب وقت الفرضية، وإذا جاز ابتداء صلاة

(1) مستدرك الوسائل الباب 4 من صلاة الكسوف.
347

الكسوف والحال هذه فلا وجه لوجوب قطعها بدخول الوقت بل ولا لجوازه.
أقول: قد عرفت أن مستند الصدوق (قدس سره) في هذه الفتوى إنما هو
كتاب الفقه الرضوي، نعم جمعه في كتابه بين هذه الفتوى وهذه الرواية مع ما عرفت
لا يخلو من مدافعة لما قرره في صدر كتابه من القاعدة.
ويخطر بالبال العليل والفكر الكليل في الجمع بين هذه الأخبار على وجه تندفع
به هذه المناقضة عن الصدوق (قدس سره) ويزول به التنافي بين أخبار المقام أن
يقال لا ريب في دلالة صحيحة محمد بن مسلم وعبارة كتاب الفقه الرضوي على
ما ذهب إليه الصدوق من وجوب تقديم الحاضرة في حال السعة، وأما صحيحة
محمد بن مسلم الأخيرة وصحيحة أبي أيوب فظاهرهما أنه مع خوف فوات فضيلة أول
الوقت يقطع صلاة الكسوف لو شرع فيها ويبدأ بالفريضة، وهو ظاهر في تأييد
ما دلت عليه صحيحة محمد بن مسلم الأولى وعبارة كتاب الفقه الرضوي.
قال شيخنا الشهيد في الذكرى بعد ايراد هذين الخبرين الأخيرين أعني خبري
محمد بن مسلم وأبي أيوب: ولعل الجماعة يتمسكون بهاتين الروايتين على التقديم مع
السعة وعلى القطع مع دخول الوقت والبناء، وهما صحيحتان إلا أن دلالتهما على
ذلك غير صريحة. انتهى.
أقول: بل متمسك الجماعة خصوصا الصدوقين (قدس سرهما) إنما هو
عبارة كتاب الفقه الصريحة بل هي عين عبارة الصدوقين كما عرفت.
وكيف كان فإن كلا منهما مؤذن بما ذكرنا من التأييد وإن لم تكونا صريحتين
في الحكم المذكور إلا أن رواية محمد بن مسلم الأولى وعبارة كتاب الفقه صريحتان في
ذلك، وحينئذ فلم يبق في المقام إلا صحيحة محمد بن مسلم وبريد لانحصار المخالفة
ظاهرا فيها، وتطبيقها على هذه الأخبار ممكن بحمل وقت الفريضة فيها على وقت
الفضيلة كما صرحت به صحيحة الثانية وصحيحة أبي أيوب جمعا بين الأخبار،
ووجهه ما قدمنا بيانه وشيدنا أركانه وبنيانه في مبحث الأوقات من اطلاق الوقت
348

في كثير من الأخبار على وقت الفضيلة خاصة لا ما يشمل وقت الاجزاء.
وبالجملة فإن عبارة كتاب الفقه الرضوي قد صرحت بالنهي عن صلاة
الكسوف في وقت الفريضة حتى يصلي الفريضة والنهي حقيقة في التحريم، وصحيحة
محمد بن مسلم الأولى قد صرحت بالأمر بالبدأة بالفريضة في الصورة المذكورة والأمر
حقيقة في الوجوب، وأيد ذلك الصحيحتان الأخريان لدلالتهما على قطع صلاة
الكسوف محافظة على تحصيل فضيلة أول الوقت بلفظ الأمر الظاهر في الوجوب فحمل
هذه الصحيحة الباقية على ما ذكرنا لتجتمع به مع باقي أخبار المسألة على معنى واحد
ليس ببعيد بل هو أقرب قريب، والاستبعاد في ذلك أن حصل فإنما هو من حيث
الألف بالمشهورات وإلا فما ذكرنا في مقام الجمع بين الأخبار شائع ذائع في
كلامهم. وبه يظهر قوة ما ذهب إليه الصدوق ومن حذا حذوه في المقام وتزول
عنه غشاوة الاشكال والابهام.
ومنها - أن ما تضمنته صحيحة محمد بن مسلم الأولى من الأمر بتقديم صلاة
الكسوف على صلاة الليل فهو مما لا خلاف فيه، قال في المنتهى إنه قول علمائنا
أجمع. ويدل عليه زيادة على هذه الصحيحة صحيحته الأخرى مع بريد بن معاوية
المتقدمة أيضا. وفي معنى صلاة الليل غيرها من النوافل المرتبة.
قال في الذكرى: لو كانت صلاة الليل منذورة فكالفريضة الحاضرة في التفصيل
السالف، وهل ينسحب فيها قول البناء وكذا في كل صلاة منذورة تزاحم صلاة
الكسوف؟ الظاهر لا اقتصارا على موضع النص مع المخالفة للأصل. انتهى.
أقول: لا يخفى أن لفظ الفريضة في أخبار الكسوف المتقدمة إنما ينصرف
إلى اليومية إذ هي المتبادرة من الاطلاق لا كل واجب، وحينئذ فكون صلاة الليل
المنذورة أو غيرها من الصلوات المنذورة كالفريضة الحاضرة محل اشكال كما لا يخفى
لعدم الدليل في المقام زيادة على الأخبار المذكورة التي قد عرفت اختصاصها باليومية
ومنها - أنه مع القطع والرجوع إلى صلاة الفريضة فهل يبني على ما قطع
349

ويتم ما مضى من صلاة الكسوف أو يعيد صلاة الكسوف من رأس؟ قولان المشهور
الأول وعليه تدل الأخبار المتقدمة كصحيحة محمد بن مسلم وبريد وصحيحة محمد بن
مسلم الثانية وصحيحة أبي أيوب وعبارة كتاب الفقه الرضوي (1).
وذهب الشيخ في المبسوط إلى أن من قطع صلاة الكسوف لخوف فوات
الفريضة وجب عليه استئنافها من رأس، واختاره في الذكرى قال لأن البناء بعد تخلل
الصلاة الأجنبية لم يعهد من الشارع تجويزه في غير هذا الموضع. والاعتذار - بأن
الفعل الكثير مغتفر هنا لعدم منافاته للصلاة - بعيد فإنا لم نبطلها بالفعل الكثير
بل بحكم الشارع بالابطال والشروع في الحاضرة فإذا فرع منها فقد أتى بما يخل بنظم
صلاة الكسوف فيجب إعادتها من رأس تحصيلا ليقين البراءة. انتهى.
وظاهر المحقق في المعتبر التردد في ذلك وهو اجتهاد محض في مقابلة النصوص
وهو غير جيد سيما منهما على الخصوص.
وفيه زيادة على ما قلناه إنه قد تقدم في المسألة الثالثة من المطلب الثاني في
السهو من كتاب الصلاة (2) رواية عبد الله بن جعفر الحميري عن الناحية المقدسة
الصاحبية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام والتحية (أنه سأله عن رجل صلى الظهر
ودخل في صلاة العصر فلما أن صلى من صلاته العصر ركعتين استيقن أنه صلى الظهر
ركعتين كيف يصنع؟ فأجاب (ع) إن كان أحدث بين الصلاتين حادثة يقطع بها
الصلاتين أعاد الصلاتين، وإن لم يكن أحدث حادثة جعل الركعتين الأخيرين تتمة
لصلاة الظهر وصلى العصر بعد ذلك) وقد قدمنا في المسألة المذكورة أن جمعا من
الأصحاب ذهبوا إلى القول بمضمون الخبر المذكور ومنهم الشهيد وكذلك الشهيد
الثاني (عطر الله مرقديهما).
وأنت خبير بأن ما أورده في هذه المقام جار في العمل بمضمون هذا الخبر
بل العمل بمضمون هذا الخبر أشكل والأمر فيه أشد وأعضل، فإن القطع والبناء في

(1) ص 346.
(2) ج 9 ص 122.
350

صلاة الكسوف في الصورة المذكورة مستند إلى الأخبار الصحيحة الصريحة المسألة
عن المعارض، والعمل بهذا الخبر - مع استلزامه لتخلل الركعتين المشتملتين على
عدة من الأركان المتفق على ابطالها الصلاة عمدا وسهوا من النية وتكبيرة الاحرام
والركوع والسجود - معارض بالأخبار الكثيرة الدالة على أن الحكم في مثل ذلك
إنما هو النقل إلى الظهر بأن ينوي بالركعتين الأولين الظهر ويتم الركعتين الباقيتين
بهذه النية ثم يصلي العصر، ولم يعهد من الشارع اغتفار زيادة هذه الأركان المتعددة
في أثناء الصلاة الواحدة.
وبالجملة فإنه لا مستمسك لما ذكره إلا مجرد الاستبعاد وهو مردود بهذه
الرواية التي ذهب هو نفسه إلى القول بمضمونها، ولا فرق بين الصورتين إلا أن
الشارع حكم في تلك الصورة بالابطال ثم العود وفي هذه الصورة الابطال أيضا
متحقق في ما أتى به من الظهر ركعتين إذ لا خلاف ولا إشكال في بطلانهما، مع أنه
(ع) جوز اتمامها بما بقي عليه من ركعتي العصر التي ذكر النقصان في أثنائها، فمرجع
الصورتين إلى أمر واحد كما لا يخفى. والله العالم.
ومنها - أن ما دلت عليه رواية كتاب دعائم - من أن من وقف في صلاة
الكسوف حتى دخل عليه وقت صلاة فإنه يتم صلاة الكسوف أولا إلى أن يضيق
وقت الفريضة - وإن وافق كلام جمهور الأصحاب وصحيحة محمد بن مسلم وبريد
المتقدمة إلا أنه خلاف ظاهر باقي أخبار المسألة، والتأويل الذي ذكرناه في
صحيحة محمد بن مسلم وبريد بعيد في هذه الرواية، وكيف كان فهي لا تبلغ قوة في
معارضة ما ذكرناه من الأخبار مع ما عرفت آنفا من عدم صلوح أخبار هذا الكتاب
لتأسيس الأحكام وإن صلحت للتأييد.
الموضع الثاني - قال في المعتبر: لو اشتغل بالحاضرة مع ضيق وقتها فانجلى
الكسوف ولم يحصل تفريط فالأشبه أنه لا قضاء لعدم استقرار الوجوب. انتهى
أقول: الظاهر أن مراده أنه لو وقع تأخير الفريضة إلى آخر وقتها واتفق
351

الكسوف في ذلك الوقت وانجلى مدة اشتغاله بالفريضة، فإن كان تأخير الفريضة
إلى آخر وقتها لم ينشأ من تفريط واعمال في تأخيرها بل كان ذلك لعذر شرعي من
حيض أو اغماء أو جنون أو نحو ذلك من الأعذار فلا قضاء لصلاة الكسوف
لعدم استقرار الوجوب، وإن كان عن تفريط فالأشبه القضاء لاستناد الفوات
إلى تفريطه بتأخير الفريضة إلى آخر وقتها.
وفيه أنه يمكن أن يقال إن التأخير إلى ذلك الوقت كان مباحا له له ثم تعين عليه
بسبب التضيق ولزم من ذلك الفوات، فهو في هذه الحال غير متمكن من فعل الكسوف
فلا يجب الأداء لعدم التمكن ولا القضاء لعدم الاستقرار، لأنه لم يمض عليه بعد
وقوع الكسوف زمان يمكن الأداء فيه ليحصل به استقرار الوجوب.
وتؤيده الأخبار المتقدمة الدالة على أنه بعد زوال السبب فلا قضاء مثل
رواية الحلبي (1) قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن صلاة الكسوف تقضى إذا
فاتتنا؟ قال ليس فيها قضاء) ونحوها صحيحة البزنطي المنقولة في السرائر ورواية
كتاب دعائم الاسلام المتقدم جميعه في المقام الثالث من المسألة الخامسة من البحث
الأول (2) ونحوها صحيحة علي بن جعفر المتقدمة في المقام الثاني.
إلا أنه قد تقدم حمل هذه الروايات على صورة الجهل بالكسوف وعدم
استيعاب الاحتراق جمعا بينها وبين ما دل على الأمر بالقضاء.
وكيف كان فالقضاء هو الأحوط سيما مع ما قدمناه من حمل الأخبار على
السببية دون التوقيت.
الثالث - قال في الذكرى: لو جامعت صلاة العيد بأن تجب بسبب الآيات
المطلقة أو بالكسوفين نظرا إلى قدرة الله تعالى وإن لم يكن معتادا. على أنه قد اشتهر
أن الشمس كسفت يوم عاشوراء لما قتل الحسين (ع) كسفة بدت الكواكب نصف

(1) الوسائل الباب 10 من صلاة الكسوف
(2) ص 323
(3) ص 319
352

النهار فيها، رواه البيهقي وغيره (1) وقد قدمنا (2) أن الشمس كسفت يوم مات إبراهيم
ابن النبي صلى الله عليه وآله وروى الزبير بن بكار في كتاب الأنساب أنه توفي في العاشر من
شهر ربيع الأول (3) وروى الأصحاب أن من علامات المهدي (ع) كسوف الشمس
في النصف الأول من شهر رمضان (4) فحينئذ إذا اجتمع الكسوف والعيد فإن
كانت صلاة العيد نافلة قدم الكسوف وإن كانت فريضة فكما مر من التفصيل في
الفرائض، نعم تقدم على خطبة العيدين إن قلنا باستحبابها كما هو المشهور. انتهى
الرابع - قال في الذكرى أيضا: هل يشترط في وجوب صلاة الكسوف اتساع
الوقت لجميعها أم يكفي ركعة بسجدتيها أم يكفي مسمى الركوع لأنه يسمى ركعة لغة
وشرعا في هذه الصلاة أم لا؟ احتمالات، من تغليب السبب فلا يشترط شئ من
ذلك فتكون كالزلزلة. إلا أن هذا الاحتمال مرفوض بين الأصحاب، ومن اجرائها
مجرى اليومية فتعتبر الركعة، ومن خروج اليومية بالنص فلا يتعدى إلى غيرها. انتهى
أقول: لا يخفى أن الاحتمال الأخير وإن كان مرفوضا بين الأصحاب
(رضوان الله عليهم) إلا أنه هو الظاهر من اطلاق أخبار الباب كما تقدم نبذة من
الكلام فيه في المسألة الثالثة من البحث الأول (5).
الخامس - قال في الذكرى أيضا: لو اجتمعت آيتان فصاعدا في وقت واحد
كالكسوف والزلزلة والريح المظلمة فإن اتسع الوقت للجميع تخير في التقديم،
ويمكن وجوب تقديم الكسوف على الآيات لشك بعض الأصحاب في وجوبها،

(1) في مجمع الزوائد ج 9 ص 197 (لما قتل الحسين بن علي عليه السلام انكسفت الشمس
حتى بدت الكواكب نصف النهار وظننا أنها هي).
(2) تقدم ص 301.
(3) في عمدة القاري ج 3 ص 472 (كانت وفاة إبراهيم (عليه السلام) يوم الثلاثاء لعشر
خلون من ربيع الأول سنة 10 ودفن بالبقيع) وفي المواهب اللدنية كما في شرحها للزرقاني
ج 3 ص 212 نحوه.
(4) البحار ج 13 ص 61 و 162
(5) ص 308.
353

وتقديم الزلزلة على الباقي لأن دليل وجوبها أقوى. ولو اتسع لصلاتين فصاعدا
وكانت الصلوات أكثر مما يتسع له احتمل قويا هنا تقد يم الكسوف ثم الزلزلة ثم
يتخير في باقي الآيات، ولا يقضي ما لا يتسع له إلا على احتمال عدم اشتراط سعة
الوقت للصلاة في الآيات. ولو وسع واحدة لا غير فالأقرب تقديم الكسوف
للاجماع عليه، وفي وجوب صلاة الزلزلة هنا أداء وقضاء وجهان، وعلى قول
الأصحاب بأن اتساع الوقت ليس بشرط يصليها من بعد قطعا. وكذا الكلام في
باقي الآيات. انتهى.
فائدة بها التمام والختام
قال في من لا يحضره الفقيه في العلل التي ذكرها الفضل بن شاذان النيشابوري
عن الرضا (ع) (1) قال: (إنما جعلت للكسوف صلاة لأنه من آيات الله تعالى
لا يدرى الرحمة ظهرت أم لعذاب؟ فأحب النبي صلى الله عليه وآله أن تفزع أمته إلى خالقها
وراحمها عند ذلك ليصرف عنهم شرها ويقيهم مكروهها كما صرف عن قوم يونس (ع)
حين تضرعوا إلى الله عز وجل، وإنما جعلت عشر ركعات لأن أصل الصلاة التي
نزل فرضها من السماء أولا في اليوم والليلة إنما هي عشر ركعات فجمعت تلك الركعات
ههنا، وإنما جعل فيها السجود لأنه لا تكون صلاة فيها ركوع إلا وفيها سجود
ولأن يختموا صلاتهم أيضا بالسجود والخضوع، وإنما جعلت أربع سجدات لأن
كل صلاة نقص سجودها من أربع سجدات لا تكون صلاة، لأن أقل الفرض من
السجود في الصلاة لا يكون إلا أربع سجدات، وإنما لم يجعل بدل الركوع سجود
لأن الصلاة قائما أفضل من الصلاة قاعدا، ولأن القائم يرى الكسوف والأعلى
والساجد لا يرى، وإنما غيرت عن أصل الصلاة التي افترضها الله لأنها تصلى لعلة
تغير أمر من الأمور وهو الكسوف فلما تغيرت العلة تغير المعلول).

(1) الفقيه ج 1 ص 342 وفي الوسائل الباب 1 من صلاة الكسوف
354

وروى ثقة الاسلام في الكافي والصدوق في الفقيه والشيخ علي بن إبراهيم
في تفسيره (1) بأسانيدهم عن علي بن الحسين (ع) قال: (إن من الأوقات التي
قدرها الله للناس مما يحتاجون إليه البحر الذي خلقه الله بين السماء والأرض، قال وإن
الله قد قدر فيها مجاري الشمس والقمر والنجوم والكواكب وقدر ذلك كله على الفلك
ثم وكل بالفلك ملكا معه سبعون ألف ملك فهم يديرون الفلك فإذا أداروه دارت
الشمس والقمر والنجوم والكواكب معه فنزلت في منازلها التي قدرها الله تعالى فيها
ليومها وليلتها، فإذا كثرت ذنوب العباد وأراد الله أن يستعتبهم بآية من آياته أمر
الملك الموكل بالفلك أن يزيل الفلك الذي عليه مجاري الشمس والقمر والنجوم
والكواكب فيأمر الملك أولئك السبعين ألف ملك أن يزيلوه عن مجاريه فيزيلونه
فتصير الشمس في ذلك البحر الذي يجري في الفلك، قال فيطمس ضوؤها ويتغير لونها
فإذا أراد الله أن يعظم الآية طمس الشمس في البحر على ما يحب الله أن يخوف
خلقه بالآية قال وذلك عند انكساف الشمس، قال وكذلك يفعل بالقمر،
قال فإذا أراد الله أن يجليها أو يردها إلى مجراها أمر الملك الموكل بالفلك أن يرد الفلك
إلى مجراه فيرد الفلك فترجع الشمس إلى مجراها، قال فتخرج من الماء وهي كدرة،
قال والقمر مثل ذلك، قال ثم قال علي بن الحسين (ع) أما إنه لا يفزع لهما ولا يرهب
بهاتين الآيتين إلا من كان من شيعتنا، فإذا كان كذلك فافزعوا إلى الله تعالى ثم
ارجعوا إليه).
ولصاحب الوافي هنا كلام بعد ذكر هذا الخبر في كتاب الروضة يجري على
مذاقة ومذاق أمثاله من أراده فليراجعه.
ولله در شيخنا المجلسي (قدس سره) حيث أشار إليه معرضا عنه بقوله في
كتاب البحار: وربما يأول البحر بكل الأرض والقمر والأحوط في أمثاله ترك

(1) الروضة ص 83 والفقيه ج 1 ص 340 وفيه (الآيات) بدل (الأوقات
وفي الروضة (الأقوات) وفي الوسائل الباب 1 رقم 4 من صلاة الكسوف.
355

الخوض فيها وعدم انكارها ورد علمها إليهم (عليهم السلام) كما ورد ذلك في
أخبار كثيرة. انتهى.
وقال الصدوق في الفقيه بعد نقل خبر علي بن الحسين (ع): إن الذي يخبر به
المنجمون من الكسوف فيتفق كما يذكرونه ليس من هذه الكسوف في شئ وإنما
يجب الفزع إلى المساجد والصلاة عند رؤيته لأنه مثله في المنظر وشبيه له في المشاهدة
كما أن الكسوف الواقع مما ذكره سيد العابدين (ع) إنما وجب الفزع فيه إلى المساجد
والصلاة لأنه آية تشبه آيات الساعة، وكذلك الزلازل والرياح والظلم وهي
آيات تشبه آيات الساعة فأمرنا بتذكر القيامة عند مشاهدتها والرجوع إلى الله تعالى
ذكره. انتهى.
قال شيخنا المجلسي في البحار بعد نقل ذلك عنه: وما ذكره متين إذا رئي
وقوع الكسوفين غير الوقت الذي يمكن وقوعهما عند المنجمين كالكسوف والخسوف
في يوم شهادة الحسين (ع) وليلته، وما روي أنه يقع عند ظهور القائم (ع) من
الكسوفين في غير أوانهما (1) ويحتمل أيضا أن يتفق عندما يخبره المنجمون
ما ورد في الخبر.
ونحوه قول والده (طاب ثراه) في حاشيته على الفقيه حيث قال يحتمل أن يكون غيره كما يقع في بعض الأوقات على خلاف قول المنجمين وشاهدناه مرارا.
ويحتمل أن يكون ما ذكره (ع) هو ما ذكره المنجمون، ولا استبعاد في أن يقدر
الله حركتهما بحيث تصير الشمس تجتمع مع القمر محاذاة والقمر مع الأرض ويحصل
الكسوف والخسوف ليخاف العباد ويرجعوا إلى ربهم ويتذكروا بها آيات الساعة
كما قال الله تعالى (إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت) (2) انتهى.
أقول: ما ذكره (قدس سره) من مشاهدة الكسوف والخسوف مرارا
على خلاف قول المنجمين لا يخلو من غرابة فإنه لم ينقل مثل ذلك إلا في مقام

(1) ارجع إلى التعليقة 1 و 4 ص 353.
(2) سورة التكوير الآية 2 و 3.
356

المعاجز الغريبة كشهادة الحسين (ع) (1) وقيام القائم (ع) (2) ونحوهما كما وقع في
كلام ابنه وتقدم في كلام الشهيد في الذكرى. والله العالم.
وروى في الكافي عن عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله (ع) (3) قال (إن
الحوت الذي يحمل الأرض أسر في نفسه أنه إنما يحمل الأرض بقوته فأرسل الله
إليه حوتا أصغر من شبر وأكبر من فتر (4) فدخل في خياشيمه فصعق فمكث بذلك
أربعين يوما ثم إن الله تعالى رؤوف به ورحمه وخرج، فإذا أراد الله تعالى بأرض
زلزلة بعث ذلك الحوت إلى ذلك الحوت فإذا رآه اضطرب فتزلزلت الأرض).
وروى في الفقيه (5) مرسلا قال: (قال الصادق (ع) إن الله خلق الأرض
فأمر الحوت فحملتها فقالت حملتها بقوتي فبعث الله إليها حوتا قدر فتر فدخلت في
منخرها فاضطربت أربعين صباحا، فإذا أراد الله تعالى أن يزلزل أرضا تراءت لها
تلك الحوتة الصغيرة فتزلزلت الأرض خوفا).
وروى الصدوق في الفقيه (6) مرسلا قال: (قال الصادق (ع) إن ذا
القرنين لما انتهى إلى السد جاوزه فدخل في الظلمات فإذا بملك قائم على جبل طوله
خمسمائة ذراع فقال له الملك يا ذا القرنين أما كان خلفك مسلك؟ فقال له ذو القرنين
من أنت؟ فقال أنا ملك من ملائكة الرحمان موكل بهذا الجبل وليس من جبل
خلقه الله تعالى إلا وله عرق متصل بهذا الجبل فإذا أراد الله عز وجل أن يزلزل
مدينة أوحى إلى فزلزلتها.
ورواه الشيخ في التهذيب عن جميل عن أبي عبد الله (ع) (7) قال: (سألته

(1) ارجع إلى التعليقة 1 ص 353
(2) ارجع إلى التعليقة 4 ص 353.
(3) الروضة ص 255.
(4) الفتر سعة ما بين السبابة والابهام إذا فتحتهما.
(5) ج 1 ص 342 وفيه (فرقا) بدل (خوفا)
(6) ج 1 ص 342
(7) ج 3 ص 290 الطبع الحديث.
357

عن الزلزلة قال أخبرني أبي عن آبائه (عليهم السلام) قال قال رسول الله
صلى الله عليه وآله... الحديث).
وروى في الفقيه (1) مرسلا قال: (قال الصادق (ع) إن الله تبارك وتعالى
أمر الحوت بحمل الأرض وكل بلد من البلدان على فلس من فلوسه فإذا أراد الله
تعالى أن يزلزل أرضا أمر الحوت أن يحرك ذلك الفلس فيحركه ولو رفع الفلس
لانقلبت الأرض بإذن الله تعالى).
وروى فيه (2) قال: (وسأل سليمان الديلمي أبا عبد الله (ع) عن الزلزلة
ما هي؟ فقال آية. فقال وما سببها؟ قال إن الله تعالى وكل بعروق الأرض ملكا فإذا
أراد الله إن يزلزل أرضا أوحى إلى ذلك الملك أن حرك عرق كذا وكذا قال فيحرك
ذلك الملك عرق تلك الأرض التي أمر الله تعالى فتتحرك بأهلها. قال قلت فإذا
كان ذلك فما أصنع؟ قال صل صلاة الكسوف فإذا فرغت خررت لله ساجدا
وتقول في سجودك: يا من يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن
أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا يا من يمسك السماء أن تقع على الأرض
إلا بإذنه أمسك عنا السوء إنك على شئ قدير).
قال في الفقيه (3) بعد نقل هذه الأخبار: والزلزلة تكون من هذه الوجوه
الثلاثة وليست هذه الأخبار مختلفة.
وقال شيخنا المجلسي في البحار بعد نقل جملة من هذه الأخبار: يمكن الجمع بين
هذه الأخبار باجتماع تلك العلل عند الزلزلة أو بأنها تكون على هذه الوجوه مرة
لعلة ومرة أخرى لأخرى كما ذكره في الفقيه. ويمكن أن يكون ترائى الحوت
للزلزلة الشاملة لجميع الأرض ورفع الفلس للزلزلة الشديدة الخاصة ببعض البلاد
وتحريك العرق للخاصة الغير الشديدة.

(1) ج 1 ص 343.
(2) ج 1 ص 343 وفي الوسائل الباب 2 من صلاة الكسوف
(3) ج 1 ص 343.
358

وقال والده (طاب ثراه) في شرحه على الفقيه: إعلم أن الصدوق ذكر
طرق هذه الأخبار وفيها جهالة وارسال ولما كانت مختلفة ظاهرا جمع بينها بأن
الزلزلة تكون لهذه الأسباب حتى لا تكون بينهما منافاة. ويمكن الجمع بينها على
تقدير صحتها بوجه آخر بأن تكون عروق البلدان بيد الملك الذي على جبل قاف
المحيط بجميع الأرض ويكون كل بلد على فلس من فلوس الحوت الحامل لها بقدرة
الله تعالى وإذا أراد الله تعالى أن يزلزل أرضا أمر الملك أن يحرك عرق تلك الأرض
وأمر الحوتة الصغيرة أن تتراءى للحوت الكبير حتى يفزع لها فيحرك الفلس الذي
وقعت عليه الأرض التي أراد الله زلزلتها. انتهى.
وروى في الفقيه (1) عن علي بن مهزيار قال: (كتبت إلى أبي جعفر (ع)
وشكوت إليه كثرة الزلازل في الأهواز وقلت ترى لي التحويل عنها؟ فكتب
لا تتحولوا عنها وصوموا الأربعاء والخميس والجمعة واغتسلوا وطهروا ثيابكم وابرزوا
يوم الجمعة وادعوا الله تعالى فإنه يرفع عنكم. قال ففعلنا فسكنت الزلازل).
الفصل الرابع
في صلاة الأموات
والبحث في من يصلي عليه ومن يصلي والكيفية والأحكام المتعلقة بالمقام،
وحينئذ فتحقيق الكلام في هذا الفصل يتوقف على بسطه في مطالب أربعة:
المطلب الأول - في من يصلي عليه وفيه مسائل (الأولى) لا خلاف في
وجوب الصلاة على المؤمن وهو المسلم المعتقد لإمامة الأئمة الاثني عشر (عليهم
السلام) كما أنه لا خلاف ولا إشكال في عدم الوجوب بل عدم الجواز إلا للتقية
على الخوارج والنواصب والغلاة والزيدية ونحوها ممن يعتقد خلاف ما علم
من الدين ضرورة.

(1) ج 1 ص 343 وفي الوسائل الباب 13 من صلاة الكسوف.
359

وإنما الخلاف في غير من ذكرنا من المخالفين الذين قد اشتهر بين متأخري
أصحابنا الحكم باسلامهم، فقال الشيخ في جملة من كتبه وابن الجنيد والمحقق وأكثر
المتأخرين بالوجوب.
وقال الشيخ المفيد (قدس سره): ولا يجوز لأحد من أهل الايمان أن يغسل
مخالفا للحق في الولاية ولا يصلي عليه إلا أن تدعو ضرورة إلى ذلك من جهة التقية.
وظاهر الشيخ في التهذيب موافقته في ذلك حيث أنه احتج له بأن المخالف
لأهل البيت كافر فيجب أن يكون حكمه حكم الكفار إلا ما خرج بالدليل، وإذا
كان غسل الكافر لا يجوز فيجب أن يكون غسل المخالف أيضا غير جائز. وأما
الصلاة عليه فتكون على حد ما كان يصلي النبي صلى الله عليه وآله والأئمة (عليهم السلام)
على المنافقين.
وإلى هذا القول ذهب أبو الصلاح وابن إدريس وسلار، وهو الحق الظاهر
بل الصريح من الأخبار لاستفاضتها وتكاثرها بكفر المخالف ونصبه وشركه وحل
ماله ودمه كما بسطنا عليه الكلام بما لا يحوم حوله شبهة النقض والابرام في كتاب
الشهاب الثاقب في بأن معنى الناصب وما يترتب عليه من المطالب.
والقول بالكفر هو المشهور بين الأصحاب من علمائنا المتقدمين (رضوان
الله عليهم أجمعين) كما نقله الشيخ ابن نوبخت من متقدمي أصحابنا في كتابه فص الياقوت
حيث قال: دافعوا النص كفرة عند جمهور أصحابنا، ومن أصحابنا من يحكم
بفسقهم... إلى آخره. وقال العلامة في شرحه على الكتاب المذكور المسمى
بأنوار الملكوت: أما دافعوا النص على أمير المؤمنين (ع) بالإمامة فقد ذهب أكثر
أصحابنا إلى كفرهم لأن النص معلوم بالتواتر من دين محمد صلى الله عليه وآله فيكون ضروريا أي
معلوما من دينه صلى الله عليه وآله بالضرورة فجاحده يكون كافرا كمن يجحد وجوب الصلاة وصوم
رمضان. ثم نقل الأقوال الأخر. وبذلك صرح في باب الزكاة من كتاب المنتهى
وهو ظاهر الكليني في الكافي والمرتضى واختاره جملة من أفاضل متأخري المتأخرين
360

ولا بأس بذكر جملة من الأخبار الدالة على ما ادعيناه من الكفر والنصب
والشرك وحل المال والدم ليعلم أن ما ذهب إليه المتأخرون - من الحكم باسلامهم حتى
فرعوا عليه هنا وجوب الصلاة عليهم ونحوه من أحكام الاسلام - نفخ في غير ضرام
وغفلة عن النظر بعين التحقيق في أخبارهم (عليهم السلام).
فمن ذلك ما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر (1) في ما استطرفه من
كتاب مسائل الرجال ومكاتباتهم لمولانا أبي الحسن الهادي (ع) في جملة مسائل محمد
ابن علي بن عيسى قال: كتبت إليه أسأله عن الناصب هل أحتاج في امتحانه إلى
أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت واعتقاده بإمامتها؟ فرجع الجواب: من كان
على هذه فهو ناصب).
ومعنى الخبر هو أنه لما استفاضت الأخبار عنهم (عليهم السلام) بكفر الناصب
وشركه ونجاسته وحل ماله ودمه كتب إليه يسأله عن معنى الناصب ومظهر النصب
بما يعرف حتى تترتب عليه الأحكام المذكورة وأنه هل يحتاج إلى شئ زائد على
مجرد تقديم الجبت والطاغوت واعتقاده إمامتهما؟ فرجع الجواب أن مظهر النصب
والعداوة لأهل البيت (عليهم السلام) هو مجرد التقديم والقول بإمامة الأولين. وهو
ظاهر الدلالة في الرد على ما اشتهر بين متأخري أصحابنا من جعلهم الناصب أخص من
المخالف. نعم يجب أن يستثنى من عموم هذا الخبر المستضعف الذي دلت الأخبار على
اسلامه ووجوب اجراء أحكام الاسلام عليه في دار الدنيا وأنه في الآخرة من
المرجأين لأمر الله تعالى.
ومنها - ما رواه الصدوق في كتاب العلل (2) بسنده عن عبد الله بن سنان
عن الصادق (ع) قال: (ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت (عليهم السلام)
لأنك لا تجد رجلا يقول أنا أبغض محمدا وآل محمد صلى الله عليه وآله ولكن الناصب من نصب لكم

(1) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس و 68 من القصاص في النفس.
(2) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس و 68 من القصاص في النفس.
361

وهو يعلم أنكم تتولونا وأنكم من شيعتنا).
ومنها - ما رواه في كتاب معاني الأخبار بسند معتبر عن المعلى بن خنيس (1)
قال: (سمعت أبا عبد الله (ع) يقول ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت (عليهم
السلام) لأنك لا تجد أحدا يقول أنا أبغض محمدا وآل محمد صلى الله عليه وآله ولكن الناصب
من نصب لكم وهو يعلم أنكم تتولونا وتتبرأون من أعدائنا).
وحاصل معنى الخبرين أنه لا ينحصر الناصب في من أظهر بغضنا بلسانه
وجاهر بعداوتنا لأنه لو كان كذلك لم يوجد ناصب بالكلية لأنك لا تجد أحدا
ويتظاهر بعداوتنا ويعلن ببغضنا وإنما الناصب لنا والعدو هو من أبغضكم وهو يعلم
أنكم من شيعتنا تتولونا وتتبرأون من أعدائنا، وعلى هذا فالنصب والعداوة للشيعة
من حيث التشيع مظهر للنصب لهم (عليهم السلام).
ويدل على ذلك بأوضح دلالة ما رواه الصدوق في كتاب الأمالي (2) عن
أمير المؤمنين (ع) قال: (من سره أن يعلم أمحب لنا أم مبغض فليمتحن قلبه فإن
كان يحب وليا لنا فليس بمبغض وليا لنا فليس بمحب لنا... الحديث)
ونحوه أخبار عديدة.
ومن هذه الأخبار يعلم أن مظهر النصب والعداوة لهم (عليهم السلام) منحصر
في أمرين: تقديم الجبت والطاغوت واظهار العداوة للشيعة.
وقد وافقنا في هذا المقام من متأخري علمائنا الأعلام شيخنا الشهيد الثاني
في الروض في باب السؤر حيث قال - بعد قول المصنف وسؤر الكافر والناصب -
ما هذا لفظه: والناصب من نصب العداوة لأهل البيت (عليهم السلام) أو لأحدهم
وأظهر البغضاء لهم صريحا أو لزوم ككراهة ذكرهم ونشر فضائلهم والاعراض عن
مناقبهم من حيث إنها مناقبهم والعداوة لمحبيهم من حيث محبتهم، وروى الصدوق ابن
بابويه عن عبد الله بن سنان عن الصادق (ع) ثم ساق الخبر الأول ثم قال وفي بعض الأخبار

(1) الوسائل الباب 68 من القصاص في النفس
(2) ارجع إلى الاستدراكات
362

أن كل من قدم الجبت والطاغوت فهو ناصب. واختاره بعض الأصحاب إذ لا
عداوة أكثر ممن قدم المنحط عن مراتب الكمال وفضل المنخرط في سلك الأغبياء
والجهال على من تسنم أوج الجلال حتى شك في أنه الله المتعال. انتهى كلامه (زيد
مقامه) وهو الحق الذي لا تعتريه شبهة ولا اشكال وإن خالفه في مواضع من كلامه
في أمثال هذا المجال.
ومنها - ما رواه في الكافي عن أبي جعفر (ع) (1) قال (إن الله تعالى نصب
عليا (ع) علما بينه وبين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا ومن جهله
كان ضالا) وبهذا المضمون أخبار عديدة في الكتاب المذكور وغيره.
ونحوه ما رواه في الكافي أيضا عن أبي عبد الله (ع) (2) قال: (أهل الشام
شر من أهل الروم وأهل المدينة شر من أهل مكة وأهل مكة يكفرون بالله جهرة)
وعنه (ع) (3) (إن أهل مكة ليكفرون بالله جهرة وإن أهل المدينة أخبث
من أهل مكة أخبث منهم سبعين ضعفا).
وعن أبي مسروق (4) قال: (سألني أبو عبد الله (ع) عن أهل البصرة فقلت
مرجئة وقدرية وحرورية فقال لعن الله تلك الملل الكافرة المشركة التي لا تعبد الله
على شئ) إلى غير ذلك من الأخبار.
وقد ساعدتها على ذلك جملة من الآيات القرآنية وما ورد في تفسيرها عن
الأئمة المعصومين (عليهم السلام) بتفسير الكفر فيها بإنكار ولاية علي (ع)
رواها في الكافي (5).
ومنها - ما رواه الصدوق في كتاب العلل في الموثق عن عبد الله بن أبي يعفور
عن أبي عبد الله (ع) (6) في حديث قال فيه بعد أن ذكر اليهودي والنصراني

(1) الأصول ج 1 ص 437 الطبع الحديث وفي الوسائل الباب 6 من حد المرتد
(2) الأصول ج 2 ص 409 الطبع الحديث
(3) الأصول ج 2 ص 410 الطبع الحديث
(4) الأصول ج 2 ص 409 الطبع الحديث
(5) باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية من كتاب الحجة
(6) الوسائل الباب 11 من الماء المضاف.
363

والمجوسي قال: (والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم إن الله لم يخلق خلقا أنجس من
الكلب وإن الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه) وفي معناه أخبار عديدة تقدمت
في باب النجاسات من كتاب الطهارة (1).
ومنها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله
(ع) (2) قال: (خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس).
وما رواه عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) (3) في حديث قال:
(ولولا أنا نخاف عليكم أن يقتل رجل منكم برجل منهم - ورجل منكم خير من ألف
رجل منهم ومائة ألف منهم - لأمرناكم بالقتل لهم ولكن ذلك إلى الإمام).
وروى الكليني والشيخ في الصحيح عن بريد بن معاوية العجلي (4) قال:
(سألت أبا جعفر (ع) عن مؤمن قتل ناصبا معروفا بالنصب على دينه غضبا لله
ورسوله صلى الله عليه وآله أيقتل به؟ قال أما هؤلاء فيقتلونه به ولو رفع إلى إمام عادل
ظاهر لم يقتله. قلت فيبطل دمه؟ قال لا ولكن إن كان له ورثة فعلى الإمام أن
يعطيهم الدية من بيت المال لأن قاتله إنما قتله غضبا لله ولإمام المسلمين) وفي معناه غيره
ومن أراد استقصاء الوقوف على جملة هذه الأخبار وما يتعلق بها من البحث
والنقض والابرام فليرجع إلى كتابنا الشهاب الثاقب المتقدم ذكره فإنه شاف واف
بالمراد عار عن تطرق وصمة النقض والايراد. والله الهادي إلى الرشاد.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن من أوجب الصلاة على هؤلاء بناء على الحكم
باسلامهم احتج على ذلك بما رواه الشيخ عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عن أبيه
(عليهما السلام) (5) قال: (صل على من مات من أهل القبلة وحسابه على الله).

(1) ج 5 ص 187
(2) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس
(3) الوسائل الباب 95 من ما يكتسب به
(4) الوسائل الباب 68 من القصاص في النفس، ويرجع فيه إلى الاستدراكات
(5) الوسائل الباب 37 من صلاة الجنازة.
364

وما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه آبائه (عليهم السلام) (1)
قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله صلوا على المرجوم من أمتي وعلى القاتل نفسه من أمتي
لا تدعوا أحدا من أمتي بلا صلاة).
والجواب عن ذلك - مع الاغماض عن ضعفهما وعدم قيامهما بالمعارضة
لا يسر يسير مما قدمناه من الأخبار مما ذكرناه وما لم نذكره - أن هذا المستدل لا يقول
بهما على اطلاقهما لشمولهما للفرق التي قدمنا سابقا الاتفاق على كفرها فلا بد من
تخصيصهما بغيرهم، وليس تخصيصهما بما ذكروه من الأدلة الدالة على كفر تلك الفرق
أولى من تخصيصهما بما قدمنا ذكر بعضه من الأخبار الدالة على نصب المخالف وكفره
وشركه ونحو ذلك، واحتمال الخروج مخرج التقية فيهما ظاهر لا ينكر إلا ممن صد
عن قبول الحق في ما ذكرناه من الأخبار واستكبر.
قال في المدارك في هذا المقام - بعد نقل القول المشهور والاستدلال له
بالروايتين المذكورتين ثم نقل قول الشيخ المفيد ومن تبعه - ما لفظه: وهو غير
بعيد لأن الاجماع إنما انعقد على وجوب الصلاة على المؤمن، والروايات التي استدل
بها على العموم لا تخلو من ضعف في سند أو قصور في دلالة، والوجوب التمسك
بمقتضى الأصل إلى أن يقوم على الوجوب دليل يعتد به. انتهى.
أقول: قد سبق له نظير هذا الكلام المنحل الزمام في مسألة غسل الميت
من كتاب الطهارة حيث قال بعد نقل كلام الشيخ المفيد المنقول هنا: والمسألة قوية
الاشكال وإن كان الأظهر عدم وجوب تغسيل غير المؤمن. انتهى.
وفيه (أولا) أن مقتضى الحكم باسلامهم كما هو مذهبه في المسألة تبعا لجده
والمحقق قبله وأمثالهم هو ترتب أحكام الاسلام واجراؤها عليهم مما يتعلق بالحياة
والممات، فكما يجوز الحكم بمناكحتهم وموارثتهم وطهارتهم وحقن دمائهم وأموالهم
بل عدالتهم كما عرفت مما تقدم في مسألة العدالة من باب صلاة الجمعة المترتب جميع
ذلك على الاسلام، فكذا يجب الحكم بغسلهم والصلاة عليهم فإن جميع ذلك من

(1) الوسائل الباب 37 من صلاة الجنازة.
365

توابع الاسلام وأحكامه المترتبة عليه، وتوقفه هنا على الدليل بخصوص هذين
الحكمين لا معنى له، لأن تلك الأحكام التي أجروها عليهم في حال الحياة أنما أجروها تبعا
للاسلام وتفريعا عليه لا لخصوص أدلة دلت عليها بالنسبة إلى المخالف وإن زعموا
ورود ذلك في بعض هذا الأشياء المعدودة، والذي دلت عليه هذه الأدلة الواردة
عنهم (عليهم السلام) إنما هو خلاف ما يدعونه من تلك الأحكام.
و (ثانيا) أن الأصحاب في هذه المسألة على قولين (أحدهما) القول بالكفر
وعدم جواز تغسيلهم والصلاة عليهم، و (ثانيهما) القول بالاسلام ووجوب الحكمين
المذكورين، والقول بالاسلام وعدم جواز الحكمين المذكورين خرق للاجماع المركب
وقد عرفت أنه في غير موضع من كتابه يراعي الاجماع ويتشبث به وإن خالف
نفسه في مواضع أخر. وظاهر قوله هنا - إن الاجماع إنما انعقد على وجوب الصلاة
على المؤمن - هو الاعتماد على الاجماع فكيف يخرج عنه باحداث القول باسلامهم بل
عدالتهم مع عدم جواز تغسيلهم والصلاة عليهم؟
وبالجملة فالبناء لما كان على غير أساس تطرق إليه الانتقاض والانطماس فإن
كفرهم من المشهورات في أخبارهم (عليهم السلام) بل وربما يدعى أنه من ضروريات
مذهبهم كما لا يخفى على من اطلع على ما أوردناه في كتابنا المشار إليه آنفا من الأخبار
وجاس خلال الديار. والله الهادي لمن يشاء.
بقي الكلام في ما دل عليه خبر السكوني (1) من حيث تضمنه الصلاة على
القاتل نفسه مع ما ورد في جملة من الأخبار أنه من أهل النار (2) ويمكن أن يقال إنه
بقتل نفسه لا يخرج عن الاسلام بل غايته أن يكون من أهل الكبائر المستحقين
للنار أيضا، وقد دل صحيح هشام بن سالم المروي في الفقيه (3) على أن شارب

(1) ص 365
(2) الوسائل الباب 5 من القصاص في النفس
(3) الوسائل الباب 37 من صلاة الجنازة. ورواه في التهذيب ج 1 ص 345.
366

الخمر والزاني والسارق يصلي عليهم إذا ماتوا. وبالجملة من حيث عدم الخروج عن
الايمان تدركهم الشفاعة ويكونون بذلك من أهل الجنة كما دل عليه قوله صلى الله عليه وآله (1)
(إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) هذا مع عدم حصول التوبة وإلا فيسقط
البحث. والله العالم.
المسألة الثانية - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الحد الذي يجب
فيه الصلاة على الطفل، فالأشهر الأظهر هو بلوغ ست سنين، ذهب إليه الشيخ وابن
البراج وابن حمزة وابن زهرة وسلار والمتأخرون ونقل المرتضى فيه الاجماع
وكذا العلامة في المنتهى، وقال الشيخ المفيد في المقنعة لا يصلى على الصبي حتى يعقل
الصلاة. ونحوه قال الجعفي والصدوق في المقنع، والظاهر أن هذا القول يرجع إلى
الأول. وقال ابن الجنيد تجب على المستهل يعني من رفع صوته بالبكاء. وقال ابن
أبي عقيل لا تجب على الصبي حتى يبلغ.
ويدل على القول الأول وهو المختار ما رواه ثقة الاسلام في الصحيح عن
زرارة (2) قال: (مات ابن لأبي جعفر (ع) فأخبر بموته فأمر به فغسل وكفن
ومشى معه وصلى عليه وطرحت خمرة فقام عليها ثم قام على قبره حتى فرغ منه ثم
انصرف وانصرفت معه حتى إني لأمشي معه فقال أما إنه لم يكن يصلي على مثل هذا -
وكان ابن ثلاث سنين - كان علي (ع) يأمر به فيدفن ولا يصلي عليه ولكن الناس
صنعوا شيئا (3) فنحن نصنع مثله. قال قلت فمتى تجب عليه الصلاة؟ فقال

(1) الوسائل الباب 47 من جهاد النفس
(2) الوسائل الباب 13 من صلاة الجنازة
(3) في المغني ج 2 ص 522 (السقط وهو الولد تضعه المرأة ميتا أو لغير تمام فأما
إن خرج حيا واستهل فإنه يغسل ويصلى عليه بغير خلاف، وقال ابن المنذر أجمع أهل العلم
على أن الطفل إذا عرفت حياته واستهل يصلى عليه وإن لم يستهل قال أحمد إذا أتى له أربعة
أشهر غسل وصلي عليه وهذا قول سعيد بن المسيب وابن سيرين وإسحاق، وصلى ابن
عمر على ابن لابنته ولد ميتا، وقال الحسن وإبراهيم والحكم وحماد ومالك والأوزاعي
وأصحاب الرأي لا يصلى عليه حتى يستهل، وللشافعي قولان كالمذهبين. وأما من لم
يأت له أربعة أشهر فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه ويلف في خرقة ويدفن ولا نعلم فيه خلافا
إلا عن ابن سيرين فإنه قال يصلى عليه إذا علم أنه نفخ فيه الروح، وحديث الصادق المصدق يدل
على أنه لا ينفخ فيه إلا بعد أربعة أشهر وقبل ذلك لا يكون نسمة) ونحو ذلك في البدائع ج 1
ص 302 والمهذب ج 1 ص 34 وبداية المجتهد ج 1 ص 22 والمدونة ج 1 ص 162.
367

إذا عقل الصلاة وكان ابن ست سنين... الحديث).
وما رواه الصدوق في الصحيح عن عبيد الله الحلبي وثقة الاسلام في الصحيح
أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) (1) (أنه سئل عن الصلاة على الصبي متى
يصلى عليه؟ فقال إذا عقل الصلاة. قلت متى تجب الصلاة عليه؟ قال إذا كان
ابن ست سنين والصيام إذا أطاقه).
قلت: والمراد بالوجوب هنا ليس المعنى الشرعي بل مجرد الثبوت فإن صلاة
الصبي مستحبة تمرينا، والمعنى أنه متى يعقل الصلاة بحيث يؤمر بها تمرينا؟ فقال
إذا كان ابن ست سنين.
والذي يكشف عن هذا المعنى ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في الصحيح
عن أحدهما (عليهم السلام) (2) (في الصبي متى يصلى عليه؟ قال إذا عقل الصلاة.
قلت متى يعقل الصلاة وتجب عليه؟ قال لست سنين).
أقول: ومن هذه الروايات علم صحة ما حملنا عليه كلام الشيخ المفيد من
رجوعه إلى القول المشهور خلافا لمن زعم المغايرة فعده في مقابلة القول المشهور
وعده قولا برأسه.
وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (3) قال: (صلى أبو جعفر (ع) على ابن له
له صبي صغير له ثلاث سنين ثم قال لولا أن الناس يقولون إن بني هاشم لا يصلون على

(1) الوسائل الباب 13 من صلاة الجنازة.
(2) الوسائل الباب 3 من أعداد الفرائض ونوافلها.
(3) الوسائل الباب 15 من صلاة الجنازة.
368

الصغار من أولادهم ما صليت عليه) قال (1): (وسئل (ع) متى تجب الصلاة عليه؟ قال
إذا عقل الصلاة وكان ابن ست سنين).
وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى
(ع) (2) قال: (سألته عن الصبي أيصلى عليه إذا مات وهو ابن خمس سنين؟ قال
إذا عقل الصلاة صلى عليه).
أقول: قد عرفت من الأخبار السابقة ما يكشف اجمال هذا الخبر فإنها قد
فسرت من يعقل الصلاة بأنه من كان ابن ست سنين.
وقال الرضا في كتاب الفقه (3) (واعلم أن الطفل لا يصلى عليه حتى يعقل الصلاة)
ويدل على ما ذهب إليه الجنيد ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن
سنان عن أبي عبد الله (ع) (4) قال: (لا يصلى على المنفوس وهو المولود الذي لم
يستهل ولم يصح ولم يورث من الدية ولا من غيرها، وإذا استهل فصل عليه وورثه)
وعن علي بن يقطين في الصحيح (5) قال: (سألت أبا الحسن (ع) لكم
يصلى على الصبي إذا بلغ من السنين والشهور؟ قال يصلى عليه على كل حال إلا أن
يسقط لغير تمام).
وعن أحمد بن محمد رجل عن أبي الحسن الماضي (ع) (6) قال: قلت لكم
يصلى على الصبي؟... الحديث مثله.
وعن السكوني عن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) (7) قال: (يورث
للصبي ويصلى عليه إذا سقط من بطن أمه فاستهل صارخا وإذا لم يستهل صارخا لم
يورث ولم يصل عليه).

(1) الوسائل الباب 13 من صلاة الجنازة.
(2) الوسائل الباب 13 من صلاة الجنازة.
(3) ص 19.
(4) الوسائل الباب 14 من صلاة الجنازة.
(5) الوسائل الباب 14 من صلاة الجنازة.
(6) الوسائل الباب 14 من صلاة الجنازة.
(7) الوسائل الباب 14 من صلاة الجنازة.
369

وأجاب الشيخ ومن تبعه من الأصحاب عن هذه الأخبار بالحمل على
الاستحباب أو التقية (1).
وفي الأول ما عرفت في غير مقام، مع أنه لا وجه للحمل على ذلك بعد
قول الباقر (ع) في صحيحة زرارة السابقة صدر الأخبار أما إنه لم يكن يصلى على
مثل هذا وأن عليا (ع) كان يأمر به فيدفن ولا يصلي عليه).
ويدل على ذلك أيضا ما رواه ثقة الاسلام في الصحيح أو الحسن عن
زرارة (2) قال: (رأيت ابنا لأبي عبد الله (ع) في حياة أبي جعفر (ع) يقال له
عبد الله فطيم قد درج فقلت له يا غلام من ذا الذي إلى جنبك؟ لمولى لهم فقال هذا
مولاي فقال له المولى يمازحه لست لك بمولى. فقال ذلك شر لك. فطعن في جنان
الغلام (3) فمات فأخرج في سفط إلى البقيع، فخرج أبو جعفر (ع) وعليه جبة خز
صفراء وعمامة خز صفراء ومطرف خز أصفر فانطلق يمشي إلى البقيع وهو معتمد
على والناس يعزونه على ابن ابنه فأما انتهى إلى البقيع تقدم أبو جعفر (ع) فصلى
عليه وكبر عليه أربعا ثم أمر به فدفن، ثم أخذ بيدي فتنحى بي ثم قال إنه لم يكن
يصلى على الأطفال إنما كان أمير المؤمنين (ع) يأمر بهم فيدفنون من وراء ولا يصلى
عليهم وإنما صليت عليه من أجل أهل المدينة كراهية أن يقولوا لا يصلون
على أطفالهم) (4).
والعجب أنه مع صراحة الخبرين في التقية وعدم مجال للحمل على هذا الاستحباب

(1) ارجع إلى التعليقة 3 ص 367.
(2) الفروع ج 1 ص 56 وفي الوسائل الباب 15 من صلاة الجنازة
(3) كذا في التهذيب ج 1 ص 311 والوافي ج 13 ص 75، وفي فروع الكافي
ج 1 ص 56 والاستبصار ج 1 ص 479 الطبع الحديث هكذا (فطعن في جنازة الغلام)
وفي هامش الكافي المطبوع بإيران هكذا: قوله (فمات) تفسير لقوله (فطعن في جنازة
الغلام) والعرب تقول طعن فلان في جنازته ورمى في جنازته إذا مات (المغرب).
(4) ارجع إلى التعليقة 3 ص 367.
370

يحتملونه هنا جريا على قاعدتهم في جميع الأبواب وحرصا عليه مع ما عرفت أنه
لا دليل عليه من سنة ولا كتاب.
ويزيد ذلك تأكيد ما رواه في الكافي عن علي بن عبد الله (1) قال: (سمعت
أبا الحسن موسى (ع) يقول لما قبض إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله جرت فيه ثلاث
سنن، أما واحدة فإنه لما مات انكسفت الشمس فقال الناس انكسفت الشمس لفقد
ابن رسول الله صلى الله عليه وآله فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
يا أيها الناس إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يجريان بأمره مطيعان لا ينكسفان
لموت أحد ولا لحياته فإذا انكسفتا أو واحدة منهما فصلوا ثم نزل عن المنبر فصلى بالناس
صلاة الكسوف فلما سلم قال يا علي قم فجهز ابني فقام علي (ع) فغسل إبراهيم وحنطه
وكفنه ثم خرج به ومضى رسول الله صلى الله عليه وآله حتى انتهى به إلى قبره فقال الناس إن
رسول الله صلى الله عليه وآله نسي أن يصلي على إبراهيم لما دخله من الجزع عليه فانتصب قائما ثم
قال يا أيها الناس أتاني جبرئيل بما قلتم زعمتم أني نسيت أن أصلي على ابني لما دخلني من
الجزع ألا وإنه ليس كما ظننتم ولكن اللطيف الخبير فرض عليكم خمس صلوات
وجعل لموتاكم من كل صلاة تكبيرة وأمرني أن لا أصلي إلا على من صلى... الحديث).
قال في المدارك - بعد ايراد أخبار ابن الجنيد صحيحة زرارة الواردة في
موت ابن أبي جعفر (ع) ورواية موت إبراهيم - والمسألة محل اشكال إلا أن المقام
مقام استحباب والأمر فيه هين.
أقول: قد عرفت أنه لا إشكال بحمد الملك المتعال بعد ما عرفت من حمل
أخبار ابن الجنيد على التقية ووضوح صحيحتي زرارة في ذلك، قد عرفت أن من
القواعد المأثورة التي استفاضت بها الأخبار عرض الأخبار في مقام الاختلاف
على مذهب العامة والأخذ بخلافه، وحينئذ فأي اشكال يبقى في هذا المجال؟ والظاهر أن منشأ هذا الاشكال عنده إنما هو من حيث صحة مستند ابن الجنيد في ما ذهب إليه

(1) الفروع ج 1 ص 57 وفي الوسائل الباب 15 من صلاة الجنازة
371

وهو بناء على شدة تمسكه بهذا الاصطلاح المحدث يحوم حول الأسانيد ويدور
مدارها صحة وضعفا ولا ينظر إلى متن الخبر ومخالفته القواعد الشرعية والسنة
المحمدية أم لا؟ وأما قوله إلا أن المقام مقام استحباب والأمر فيه هين - فإنه ليس
في محله لأن الاستحباب إنما صاروا إليه جمعا بين الأخبار بزعمهم وإلا فمذهب ابن
الجنيد إنما هو القول بالوجوب وأخباره ظاهرة في الوجوب وهي صحيحة صريحة
فكيف يكون المقام مقام استحباب والأمر فيه هين؟ على أنه لا منافاة بين صحة
الخبر عنهم (عليهم السلام) وخروجه مخرج التقية حتى يحصل الاشكال عنده، فإنهم
إنما وضعوا هذا الاصطلاح للتحرز من العمل بالأخبار المكذوبة بزعمهم، ومتى ثبت
كون سندها صحيحا علم أنها صدق، وحينئذ فصحة الأخبار إنما تنافي كونها مكذوبة
لا كونها خرجت مخرج التقية. وبالجملة فكلامه (قدس سره) هنا لا أعرف
له وجه استقامة.
والذي يدل على ما ذهب إليه ابن أبي عقيل على ما نقله عنه أن الصلاة استغفار
للميت ودعاء له ومن لم يبلغ لا حاجة له إلى ذلك.
وما رواه عمار في الموثق عن أبي عبد الله (ع) (1) (أنه سئل المولود ما لم
يجر عليه القلم هل يصلى عليه؟ قال لا إنما الصلاة على الرجل والمرأة إذا جرى
عليها القلم).
قال في المدارك: وأجيب عن الأول بالمنع من كون الصلاة لأجل الدعاء للميت
أو لحاجته إلى الشفاعة لوجوبها على النبي صلى الله عليه وآله والأئمة (عليهم السلام) ونحن محتاجون
إلى شفاعتهم. وعن الرواية بالطعن في السند باشتماله على جماعة من الفطحية ولا
تنهض حجة في معارضة الأخبار الصحيحة، قال في الذكرى: ويمكن أن يراد يجري
القلم مطلق الخطاب الشرعي والتمرين خطاب شرعي. انتهى.
أقول: ومما يدل على هذا القول زيادة على الموثق المذكورة ما رواه في

(1) الوسائل الباب 14 من صلاة الجنازة.
372

الكافي عن هشام (1) قال: (قلت لأبي عبد الله (ع) إن الناس يكلمونا ويردون
علينا قولنا إنه لا يصلى على الطفل لأنه لم يصل، فيقولون لا يصلى إلا على من صلى؟
فنقول نعم. فيقولون أرأيتم لو أن رجلا نصرانيا أو يهوديا أسلم ثم مات من
ساعته فما الجواب فيه؟ فقال قولوا لهم أرأيتم لو أن هذا الذي أسلم الساعة افترى على
انسان ما كان يجب عليه في فريته؟ فإنهم سيقولون يجب عليه الحد فإذا قالوا هذا
قيل لهم فلو أن هذا الصبي الذي لم يصل افترى على انسان هل كان يجب عليه الحد؟ فإنهم
سيقولون لا فيقال لهم صدقتم إنما يجب أن يصلى على من وجبت عليه الصلاة والحدود
ولا يصلى على من لم تجب عليه الصلاة ولا الحدود) وظاهر الخبر المذكور شهرة
الحكم بما تضمنه يومئذ حتى عند المخالفين حيث إن ظاهره أنهم كانوا يطعنون
على الشيعة بذلك.
وجمع المحدث الكاشاني في الوافي بين هذين الخبرين وبين أخبار القول المشهور
بحمل تلك الأخبار على الاستحباب، قال في الكتاب المذكور بعد ذكر هذا الخبر:
لا منافاة بين هذا الخبر والذي قبله لأن الأول محمول على جواز الصلاة واستحبابها
على من عقلها والثاني على حتمها ووجوبها على من أدرك، فمتى تستحب الصلاة للصبي
تستحب عليه ومتى تجب تجب ومتى لا يعقلها وتجب عليه ولا تستحب. انتهى.
ولا يخفى بعده إلا أن الظاهر أنه لا مندوحة عنه في هذا المقام حيث إن
هذين الخبرين كالصريحين في التخصيص بالبلوغ.
وأما حمل موثقة عمار على بلوغ ست سنين وأن المراد يجري القلم يعني جريه
بالتكليف التمريني كما نقله في المدارك عن الذكرى وعليه جمد في المختلف وتبعهما
صاحب الوسائل - فظني بعده بل عدم صحته، لأنه (ع) عبر بالحصر في الرجل والمرأة
وأنه لا يصلى عليهما إلا إذا جرى عليهما القلم، ولا يخفى أن المفهوم من تتبع
الأخبار وعليه يساعد العرف أن الرجل والمرأة لا يطلقان إلا على البالغ، وعلى

(1) الوسائل الباب 15 من صلاة الجنازة.
373

هذا فقوله (إذا جرى عليهما القلم) بعد ذكر الرجل والمرأة إما احتراز عن المجنون
بعد البلوغ حيث أنه مرفوع عنه القلم أو يكون في مقام البدل من الرجل والمرأة.
وبالجملة فإن من يعمل على هذا الاصطلاح المحدث فلا ريب ولا اشكال عنده
في ترجيح القول المشهور وأما من لا يعمل عليه فالحكم لا يخلو عنده من الاشكال
والاحتياط فيه مطلوب على كل حال.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد روى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبد الله
ابن بكير عن قدامة بن زائدة (1) قال: (سمعت أبا جعفر (ع) يقول إن رسول الله
صلى الله عليه وآله صلى على ابنه إبراهيم فكبر عليه خمسا).
ولا يخفى ما فيه من المدافعة للأخبار المتقدمة الدالة على القول المشهور ولا سيما
رواية علي بن عبد الله (2) الواردة في موت إبراهيم صريحة في أنه صلى الله عليه وآله لم يصل عليه.
وحمل هذه الرواية على التقية كما حملنا عليها روايات ابن الجنيد غير ممكن هنا
لعدم جواز التقية في حقه صلى الله عليه وآله مع منافاة التكبير خمسا لذلك، والحمل على التقية في
النقل وإن أمكن لكن ذكر التكبير خمسا في الخبر ينافر ذلك.
وأما ما ذكره في الوسائل من الاحتمالات في الجمع بين الخبرين المذكورين
- من أنه يحتمل في الخبر الأول نفي الوجوب ويحتمل النسخ وأنه صلى الله عليه وآله صلى بعد قولهم
أو لعله صلى عليه غيره بأمره ولم يصل عليه هو فيصدق النفي حقيقة والاثبات مجازا
عقليا - فلا يخفى ما فيه لأن الخبرين تصادما في وقوع الصلاة وعدمها لا في الأمر
حتى يحتمل نفي الوجوب والنسخ.
وبالجملة فوجه الجمع عندي غير ظاهر والأول منهما هو المعتضد بالأخبار
الكثيرة مضافا إلى اتفاق جمهور الأصحاب على القول بها، وإنما يبقى الاشكال في هذا
الخبر الأخير وهو مردود إلى قائله وهو أعلم بما قال. والله العالم.
(المسألة الثالثة) - المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لو

(1) الوسائل الباب 5 و 14 من صلاة الجنازة
(2) ص 371.
374

وجد بعض الميت فإن كان فيه الصدر أو وجد الصدر وحده غسل وكفن وصلي عليه
ودفن ذكره الشيخ وجملة من الأصحاب بل صرح العلامة في جملة من كتبه بأن صدر
الميت كالميت في جميع أحكامه وأطلق.
والأخبار في هذه المسألة مع كثرتها لا تخلو من التنافر والاضطراب:
ومنها ما رواه الشيخ والصدوق عن الفضل بن عثمان الأعور عن أبي عبد الله (ع) (1)
(في الرجل يقتل فيوجد رأسه في قبيلة ووسطه وصدره ويداه في قبيلة والباقي منه
في قبيلة؟ فقال ديته على من وجد في قبيلته صدره ويداه والصلاة عليه) قوله
(ووسطه إلى قوله في قبيلة) ليس في التهذيب والظاهر أنه سقط سهوا من قلمه كما
لا يخفى على من له أدنى أنس بطريقته في الكتاب المذكور.
وبهذا الخبر والخبر الآتي بنقل المحقق في المعتبر عن جامع البزنطي استدل
العلامة على ما ذكره من أن صدر الميت كالميت في جميع أحكامه، مع أنهما لم يشتملا
على أزيد من الصلاة فلا دلالة فيهما على وجوب الغسل والتكفين، إلا أن يدعى
استلزام الصلاة لوجوب الغسل والتكفين. قال في المدارك: وهو ممنوع.
ومنها - ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في الصحيح عن علي بن
جعفر عن أخيه موسى (ع) (2) (أنه سأله عن الرجل يأكله السبع أو الطير فتبقى
عظامه بغير لحم كيف يصنع به؟ قال يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن وزاد في
الكافي والتهذيب (3) (وإذا كان الميت نصفين صلى على النصف الذي فيه القلب
ومثلها مع الزيادة رواية القلانسي عن أبي جعفر (ع) مثله (4).
وظاهر هذين الخبرين بالنسبة إلى مجموع العظام هو المساواة للميت إلا في
الحنوط وهو ظاهر لفوات محله، وأما بالنسبة إلى النصف الذي فيه القلب على
رواية الشيخين المذكورين وكذا ورواية القلانسي أن الصدر ليس كالميت في ما يدعونه
من جميع الأحكام، لأنهما (عليهما السلام) أوجبا في العظام الخالية من اللحم - حيث

(1) الوسائل الباب 38 من صلاة الجنازة. والحديث (1) في
الوسائل والفقيه ج 1 ص 104 عن الصادق عن أبيه (عليه السلام).
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
375

إنها مجموع بدن الميت كما تفيده إضافة الجمع - الأحكام الأربعة المذكورة. وأما الصدر
فلم يتعرض فيه إلا إلى الصلاة، والدفن وإن لم يذكر إلا أنه معلوم من الأخبار الأخر
ومنها - حسنة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) (1) قال: (إذا قتل قتيل فلم
يوجد إلا لحم بلا عظم لم يصل عليه وإن وجد عظم بلا لحم صلى عليه) وظاهرها
أنه يصلى على العظم مجردا مطلقا ولا قائل به ومن أجل ذلك حملت على الاستحباب
والأظهر عندي هو حمل هذه الرواية على سابقتها بمعنى أنه إن وجد من هذا
القتيل بعد قتله جميع لحمه إلا أنه لأعظم فيه فإنه لا يصلى عليه، وإن وجدت عظامه
كملا خالية من اللحم صلى عليها، وبه تنطبق على الرواية المتقدمة. ولا استبعاد في
ذلك إلا من حيث اطلاق العظم على المجموع ومثله في باب التجوز الواسع كثير.
ومنها - رواية عبد الله بن الحسين عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (ع) (2)
قال: (إذا وسط الرجل نصفين صلى على الذي فيه القلب) هكذا في رواية الكليني.
وفي الفقيه (3) عن الصادق (ع) قال: (إذا وسط الرجل بنصفين صلى على
النصف الذي فيه القلب وإن لم يوجد منه إلا الرأس لم يصل عليه وهذه الزيادة قد
رواها في الكافي مرسلا (4) بعد نقل حسنة محمد بن مسلم فقال: (وروي أنه
لا يصلى على الرأس إذا أفرد من الجسد).
وهذه الرواية مثل روايتي الفضل الأعور وعلي بن جعفر المتقدمتين
في الدلالة على وجوب الصلاة على الصدر أو ما فيه الصدر من غير تعرض فيه
لغير الصلاة.
ومنها. رواية محمد بن خالد عن من ذكره عن أبي عبد الله (ع) (5) قال: (إذا

(1) الوسائل الباب 38 من صلاة الجنازة
(2) الفروع ج 1 ص 58 وفي الوسائل الباب 38 من صلاة الجنازة
(3) ج 1 ص 104 وفي الوسائل الباب 38 من صلاة الجنازة
(4) الوسائل الباب 38 من صلاة الجنازة
(5) الوسائل الباب 38 من صلاة الجنازة. والسند هكذا: (عن بعض أصحابه
عن أبي عبد الله عليه السلام.
376

وجد الرجل قتيلا فإن وجد له عضو تام صلى عليه ودفن وإن لم يوجد له عضو تام
لم يصل عليه ودفن) وهذه الرواية نقلها في الكافي مسندة كما ذكرنا، وروى في الفقيه
مرسلا عن الصادق (ع) مثله (1).
وهذه الرواية بالنظر إلى ظاهرها لم يقل بها أحد إلا الصدوق بناء على قاعدته
المذكورة في صدر كتابه. وربما حمل العضو هنا على ما فيه القلب، وبعده ظاهر
وبعض القائلين بالقول المشهور أطرح هذا الخبر وبعض حمله على الاستحباب
وهو الأحوط.
ومنها - رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام) (2)
(أن عليا (ع) وجد قطعا من ميت فجعت ثم صلى عليها ثم دفنت) رواها الصدوق
والشيخ ويمكن تقييد اطلاقها بوجود العضو الذي فيه القلب في جملة تلك القطع.
ومنها - ما رواه في الفقيه مرسلا عن الصادق (ع) (أنه سئل عن رجل
قتل ووجد أعضاؤه متفرقة كيف يصلى عليه؟ قال يصلى على الذي فيه قلبه).
ويمكن الاستدلال بهذا الخبر للقول المشهور من وجوب الصلاة على الصدر
لأنه محل القلب فيكون هو العضو الذي فيه القلب، ومنه يظهر التأييد لما احتملناه
في سابق هذا الخبر.
ومنها - رواية طلحة بن زيد عن أبي عبد الله (ع) (4) قال: (لا تصل على
عضو رجل من رجل أو يد أو رأس منفردا فإذا كان البدن فصل عليه وإن كان
ناقصا من الرأس واليد والرجل.
ووجوب الصلاة على البدن وإن لم تكن معه هذه الأعضاء ظاهر بعد ما عرفت
من تصريح الأخبار بوجوب الصلاة على ما فيه القلب. وأما النهي عن الصلاة على

(1) الفقيه ج 1 ص 104 وفي الوسائل الباب 38 من صلاة الجنازة.
(2) الوسائل الباب 38 من صلاة الجنازة
(3) الوسائل الباب 38 من صلاة الجنازة
(4) التهذيب ج؟ ص 345 وفي الوسائل الباب 38 من صلاة الجنازة.
377

تلك الأعضاء منفردة فهو المعروف بين الأصحاب إلا أنه ينافيه ما تقدم من رواية
محمد بن خالد (1) وما يأتي من رواية ابن المغيرة (2).
ومنها ما رواه المحقق في المعتبر نقلا من جامع البزنطي عن أحمد بن محمد بن
عيسى عن بعض أصحابه رفعه (3) قال: (المقتول إذا قطع أعضاؤه يصلى على
العضو الذي فيه القلب).
وهذا الخبر ظاهر في القول المشهور لأن العضو الذي فيه القلب هو الصدر
أعم من أن يكون معه أعضاء أخر من رأس ويد ونحو ذلك أم لا، ومنه يعلم -
وكذا من مرسلة عبد الله بن الحسين المتقدم نقلها عن صاحب الكافي ومثلها مرسلة
الفقيه - أن ذكر اليد في رواية الفضل بن عثمان الأعور مع كونها في كلام السائل
لا توجب تقييدا بأنه لا بد في الصلاة على الصدر من كون اليد معه كما توهمه
صاحب المعتبر وغيره.
ومنها - ما رواه في الكتاب المذكور أيضا عن ابن المغيرة (4) قال: (بلغني
عن أبي جعفر (ع) أنه يصلى على كل عضو رجلا كان أو يدا أو الرأس جزء فما
زاد، فإذا نقص عن رأس أو يد أو رجل أم يصل عليه).
وهذا الخبر مما يوافق ظاهر رواية محمد بن خالد المتقدمة من الصلاة على العضو
التام، قال الذكرى بعد نقلهما: وهذان الخبران مطروحان مع ارسالهما. وقد قدمنا
أن حملهما على الاستحباب طريق الاحتياط، إلا أن رواية طلحة بن زيد المتقدمة
قد دلت على النهي عن الصلاة على هذه الأعضاء الثلاثة، وأيدها بالنسبة إلى الرأس
رواية الصدوق ومرسلة الكافي المتقدمتان في أنه لو لم يوجد إلا الرأس فلا يصلى
عليه، وبه يشكل الحكم بالاستحباب إذ أقل مراتب النهي الكراهة وهي لا تجامع
الاستحباب، وأما مجرد الجواز فلا وجه له في العبادات.

(1) ص 376 و 377.
(2) الوسائل الباب 38 من صلاة الجنازة.
(3) الوسائل الباب 38 من صلاة الجنازة.
(4) الوسائل الباب 38 من صلاة الجنازة.
378

وقد تلخص مما ذكرنا ذيل هذه الأخبار أن الواجب الصلاة على العظام كملا
كما تضمنته صحيحة علي بن جعفر وكذا على النصف الذي فيه القلب، والقول بوجوب
الصلاة على الصدر كما هو المشهور ليس ببعيد أيضا كما أشرنا إليه آنفا، وأما الرأس
واليد والرجل كل منها على حدة فقد عرفت تصادم الأخبار فيها على وجه لا يمكن
الجمع بينها. والله العالم.
فروع
الأول قال في الذكرى: إذا صلى على الصدر أو قلنا بالصلاة على العضو
التام فالشرط فيه موت صاحبه اجماعا، وهل ينوي الصلاة عليه خالية أو على
الجملة؟ قضية المذهب الصلاة عليه خاصة إذ لا صلاة على الغائب، فلو وجد الباقي
وجبت الصلاة على ما لم يصل عليه. انتهى.
الثاني - قال في الذكرى أيضا: لو اشتبه المسلم بالكافر فالأقرب الصلاة على
الجميع بنية الصلاة على المسلمين لتوقف الواجب عليه، وروى حماد بن يحيى عن
الصادق (ع) (1) (أن النبي صلى الله عليه وآله في يوم بدر أمر بمواراة كميش الذكر أي صغيره
وقال إنه لا يكون إلا في كرام الناس) وأورده الشيخ في الخلاف (2) والمبسوط عن
علي (ع) فحينئذ يمكن العمل به في الصلاة في كل مشتبه لعدم تعقل معنى في اختصاص
الشهيد. وفي المبسوط أورد الرواية في اشتباه قتلى المسلمين بالمشركين وبنى عليها
الصلاة ثم قوى ما قلناه أولا واحتاط بأن يصلى على كل واحد واحد بشرط اسلامه
قال في المعتبر: ولو قيل بمواراة الجميع ترجيحا لجانب حرمة المسلم كان صوابا.
وهذا فيه طرح للرواية لضعفها والصلاة على الجميع حينئذ بطريق الأولى.
الثالث - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الصلاة على ولد الزنا
تفريعا على الخلاف في اسلامه وكفره، فكل من حكم بالاسلام كالشيخ وأتباعه
- وهو المشهور بين المتأخرين - أوجبوا الصلاة عليه، ونقل الشيخ فيه في الخلاف

(1) الوسائل الباب 39 من الدفن
(2) ص 109.
379

الاجماع، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وآله (1) (صلوا على من قال لا إله إلا الله) وبرواية
طلحة بن زيد عن الصادق (ع) المتقدمة في المسألة الأولى (2).
ومنع ابن إدريس من الصلاة عليه واحتج بأنه كافر بالاجماع. ورده في
المختلف بأنه أي اجماع حصل على كفر ولد الزنا بل أي دليل دل على ذلك؟
قال في الذكرى بعد نقل قول الشيخ في الخلاف ودعواه الاجماع: ويشكل
قبل بلوغه إذ لا إلحاق له بأحد الأبوين، ويمكن تبعية الاسلام هنا للغة كالتحريم،
ويؤيد الاسلام تبعية الفطرة.
أقول: ونحن قد أشبعنا الكلام في مسألة ابن الزنا في الفصل السابع من
المقصد الأول في النجاسات من كتاب الطهارة (3) وذكرنا أن جملة من الأصحاب
كالمرتضى والصدوق قالوا بكفره، وقضية القول بالكفر المنع من الصلاة كما صرح

(1) في كنز العمال ج 8 ص 83 عن حلية الأولياء والطبراني عن ابن عمر عنه صلى الله عليه وآله
(صلوا على من قال لا إله إلا الله وصلوا وراء من قال لا إله إلا الله) ورواه في مجمع
الزوائد ج 2 ص 67 عن الطبراني في الكبير ثم قال فيه محمد بن الفضل بن عطية وهو
كذاب. وفي سنن البيهقي ج 4 ص 19 (قال الشيخ قد روي في الصلاة على كل بر وفاجر
والصلاة على من قال لا إله إلا الله أحاديث كلها ضعيفة غاية الضعف) وفي نيل الأوطار ج 3
ص 139 حديث (صلوا خلف من قال لا إله إلا الله وصلوا على من قال لا إله إلا الله)
أخرجه الدارقطني وفي اسناده عثمان بن عبد الرحمن كذبه يحيى بن معين ورواه أيضا من
وجه آخر عنه وفي اسناده خالد بن إسماعيل وهو متروك ورواه أيضا من وجه آخر عنه
وفي اسناده أبو الوليد المخزومي وقد خفي حاله على الضياء المقدسي وتابعه أبو البختري
وهب بن وهب وهو كذاب. ورواه أيضا والطبراني من طريق مجاهد عن ابن عمر وفيه
محمد بن الفضل وهو متروك وله طريق آخر عند ابن عمر وفيه عثمان بن عبد الله بن العاص
وقد رماه ابن عدي بالوضع. انتهى وهذا الحديث استدل به ابن قدامة في المغني ج 2 ص
559 في الصلاة على سائر المسلمين من أهل الكبائر والمرجوم في الزنا وغيره. ونحوه في بداية
المجتهد ج 1 ص 219 والمحلى ج 5 ص 171
(2) ص 364.
(3) ج 5 ص 190.
380

به ابن إدريس، إلا أني لم أقف على مذهبهم في هذه المسألة.
وقد حققنا ثمة أن المستفاد من الأخبار الواردة فيه أن له حالة غير حالتي
الايمان والكفر الحقيقيين لأنه بالنسبة إلى أحكامه في الدنيا - من الحكم بنجاسته
وكون ديته دية اليهود والنصارى وعدم قبول قبول شهادته وعدم جواز إمامته في الصلاة
كما دلت على جميع ذلك الأخبار - لا يمكن الحكم بايمانه لأن سلب هذه الأحكام عنه
لا يجامع الايمان، ولا يمكن الحكم بكفره بالنظر إلى أنه متدين بظاهر الايمان كما
هو المفروض، ومن ذلك يعلم أن الحكم بوجوب الصلاة عليه لا يخلو من الاشكال
لعدم الوقوف على خبر نفيا أو اثباتا في ذلك يتضح به الحال.
الرابع - قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يلحق بالمسلم
الواجب الصلاة عليه الطفل البالغ ست سنين، ولا خلاف ولا اشكال فيه إذا
كان متولدا من مسلم كما تقدم الكلام فيه.
فأما إذا كان لقيطا في دار الاسلام أو دار الكفر وفيها مسلم يمكن تولده منه
ذكرا كان الملحق بالمسلم أو أنثى حرا كان أو عبدا فظاهر كلام الأصحاب أنه كذلك
أيضا تغليبا للاسلام، بل صرح جملة منهم بالحاق الطفل المسبي المتولد من كافر بالسابي
إذا كان مسلما فيتبعه في الطهارة والحكم بالاسلام، ومقتضاه وجوب الصلاة عليه أيضا
وقد قدمنا في آخر المسألة الثالثة من المسائل الملحقة بالفصل السابع في الكافر
من المقصد الأول في النجاسات من كتاب الطهارة ضعف ما ذهبوا إليه من الحكم
بالطهارة والإسلام بالنسبة إلى المسبي ولحوقه بالسابي.
وأما حكم اللقيط في دار الاسلام أو دار الحرب وفيها من يمكن تولده منه
من المسلمين فلا يحضرني الآن دليل من الأخبار يدل عليه، والشهيدان في الذكرى
والروض إنما عللاه بتغليب الاسلام، وأنت خبير بما في هذا التعليل من عدم
الصلاح لتأسيس الأحكام. والله العالم.
المطلب الثاني - في من يصلي والكلام فيه يقع في أيضا في مسائل: الأولى - لا خلاف
381

بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما أعلم في أن أولى الناس بالميت يعني الأحق
بالقيام بأحكامه من غسل. صلاة ونحوهما أولاهم بميراثه يعني أن من يرث من
الأقرباء أولى ممن لا يرث بالكلية، وأما تقدم بعض الورثة على بعض فسيأتي
الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
قال في المدارك: وهذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب وظاهرهم أنه
مجمع عليه، واستدلوا عليه بقوله تعالى (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض) (1)
وما رواه الكليني عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (ع) (2) قال:
(يصلي على الجنازة أولى الناس بها أو يأمر من يحب) وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر
عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) (3) قال: (يصلي على الجنازة أولى الناس بها أو
يأمر من يحب) وفي الجميع نظر أما الآية الشريفة فلانتفاء العموم فيها على وجه يتناول
موضع النزاع. وأما الروايتان فضعيفتا السند بالارسال واشتمال سند الثانية على سهل بن
زياد وهو عامي، ومع ذلك فليس فيها تصريح بأن المراد الأولوية في الميراث، مع أن مقتضى ما ذكروه من تقدم بعض الوراث على بعض كالأب على الابن وإن كان
أقل نصيبا منه كون المراد بالأولى ذلك البعض لا مطلق الوارث. ولو قيل إن المراد
بالأولى هنا أمس الناس بالميت رحما وأشدهم به علاقة من غير اعتبار لجانب الميراث
لم يكن بعيدا. انتهى.
أقول: فيه (أولا) أنه قد تقدم منه نظير هذا الكلام في مسألة غسل الميت
في كتاب الطهارة وقد قدمنا ثمة (4) تحقيق الكلام في المقام وبينا ضعف ما توهمه
وإن تبعه فيه جملة من الأعلام، وملخصه أن المراد بالأولى في جميع أحكام الميت
من غسل وصلاة وتلقين وقضاء عبادات ونحوها إنما هو الولي المالك للتصرف
والتدبير كولى الطفل وليس المراد به الجري على صيغة التفضيل كما توهمه، وأما

(1) سورة الأنفال الآية 76.
(2) الوسائل الباب 23 من صلاة الجنازة
(3) الوسائل الباب 23 من صلاة الجنازة
(4) ج 3 ص 378.
382

كون الولي المشار إليه هو من كان أولى بالميراث فقد دلت عليه صحيحة حفص التي
قدمناها ثمة (1) ومن أراد تحقيق الحال في صحة ما ذكرنا من المقال فليرجع إلى
الموضع المشار إليه من كتاب الطهارة.
ثم إن من قبيل الروايتين المذكورتين قول الرضا (عليه السلام) في كتاب
الفقه (2) (ويصلي عليه أولى الناس به).
وثانيا - أن ما ذكره من عدم العموم في الآية على وجه يتناول موضع النزاع
ممنوع لو كان المراد من الآية العموم كما توهمه إلا أن الأمر ليس كذلك بل الذي
دلت عليه أخبار أهل البيت (عليهم السلام) - الذي نزل ذلك القرآن فيه فهم
أعرف الناس بباطنه وخافيه - أن مورد الآية إنما هو بالنسبة إلى الميراث بمعنى أن
من كان أقرب إلى الميت في النسب فهو أولى بميراثه، وقد عرفت مما قدمناه سابقا من
التحقيق وأشرنا إليه هنا أن ولي الميت المالك للتصرف في أموره هو الأولى بميراثه
فتكون الآية بمعونة الأخبار الدالة على ما ذكرنا دالة أيضا على الأولوية في الأحكام
المذكورة وإن كان بطريق الاشعار والفحوى لأنها قد دلت على أن الأقرب من
أولى الأرحام هو الأولى بالميراث وكل من كان أولى بالميراث فهو الأولى بالميت في
جميع أحكامه بالأخبار المشار إليها.
وأما الأخبار الواردة في معنى الآية فمنها - ما رواه في الكافي عن الصادق
عليه السلام (3) قال (كان علي (صلوات الله عليه) إذا مات مولى له وترك ذا قرابة لم يأخذ
من ميراثه شيئا ويقول: وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض) (4).
وما رواه فيه عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) (5) قال:
(قضى أمير المؤمنين (ع) في خالة جاءت تخاصم في مولى رجل فقرأ هذه الآية: وأولو
الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) (6).

(1) ج 3 ص 378
(2) ص 20
(3) الوسائل الباب 1 من ميراث ولاء العتق
(4) سورة الأنفال الآية 76.
(5) الوسائل الباب 1 من ميراث ولاء العتق
(6) سورة الأنفال الآية 76.
383

وفي تفسير العياشي عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام (1) قال: (الخال
والخالة يرثون إذا لم يكن معهم أحد غيرهم إن الله يقول (وأولو الأرحام بعضهم
أولى ببعض في كتاب الله) (2) إذا التقت القرابات فالسابق أحق بالميراث من قرابته،
والمراد بالسابق يعني الأقرب إليه.
وروى فيه عن زرارة عن أبي جعفر (ع) (3) (في قول الله عز وجل: وأولو
الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) (4) أن بعضهم أولى بالميراث من بعض لأن
أقربهم إليه رحما أولى به).
وفي تفسير الثقة الجليل علي بن إبراهيم بن هاشم (5) أن هذه الآية نسخت
قوله تعالى: والذين عقدت أيمانكم فأتوهم نصيبهم) (6).
وبمثل ذلك صرح شيخنا أمين الاسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان (7) ونقله
عن ابن عباس والحسن وجماعة من المفسرين، قال: قالوا صار ذلك نسخا لما قبله
من التوارث بالمعاقدة والهجرة وغير ذلك من الأسباب فقد كانوا يتوارثون
بالمواخاة وأن النبي صلى الله عليه وآله كان آخى بين المهاجرين والأنصار. انتهى.
ومما يزيد ذلك ايضاحا وتأكيدا أن ثبوت الميراث بالقرابة وهم غير أصحاب
الفروض إنما استندوا فيه إلى هذه الآية باجماع الأصحاب والأخبار إلى ذكرنا
بعضها في أصل المسألة.
ويمكن أن يقال إن المراد بالآية إنما هو العموم وورود هذا الفرد في هذه الأخبار لا يقتضي قصر الحكم عليه إذ لا دلالة في شئ منها على ذلك وإنما غايتها
الدلالة على دخول هذا الفرد تحت هذه الآية.

(1) الوسائل الباب 5 من ميراث الأعمال والأخوال.
(2) سورة الأنفال الآية 76.
(3) الوسائل الباب 8 من موجبات الإرث
(4) سورة الأنفال الآية 76.
(5) تفسير الصافي عنه ص 121.
(6) سورة النساء الآية 37
(7) ج 3 - 4 ص 563
384

ويؤيد ما قلناه ورود بعض الأخبار في استدلال علي (ع) على استحقاق
الإمامة وراثة من إبراهيم (على نبينا وآله وعليه السلام) في مقام الرد على معاوية
كما نقلناه في كتابنا سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد.
ومما يزيد ما ذكرناه في أصل المسألة تأييدا ويعلى مناره تشييدا ما رواه في
الكافي في الصحيح عن بريد الكناسي عن أبي جعفر (ع) (1) قال: (ابنك أولى
بك من ابن ابنك وابن ابنك أولى بك من أخيك. قال وأخوك لأبيك وأمك أولى
بك من أخيك لأبيك. قال وأخوك لأبيك أولى بك من أخيك لأمك. قال وابن
أخيك لأبيك وأمك أولى بك من ابن أخيك لأبيك. قال وابن أخيك من أبيك أولى
بك من عمك. قال وعمك أخو أبيك من أبيه وأمه أولى بك من عمك أخي أبيك
من أبيه قال وعمك أخو أبيك لأبيه أولى بك من عمك أخي أبيك لأمه. قال وابن
عمك أخي أبيك من أبيه وأمه أولى بك من ابن عمك أخي أبيك لأبيه. قال وابن
عمك أخي أبيك من أبيه أولى بك من ابن عمك أخي أبيك لأمه) فإن الأولوية في
الخبر كما ترى دائرة مدار الإرث فمن كان الوارث فهو الأولى من غير الوارث.
وفيه دلالة أيضا على أن الأكثر إرثا أولى من الأقل كما صرح به لأصحاب
(رضوان الله عليهم).
و (ثالثا) أن ما طعن به على الخبرين المذكورين لا يقوم حجة على المتقدمين
ممن لا أصل لهذا الاصطلاح عندهم ولا على من لا يقول به من المتأخرين بل ولا
على من قال به منهم أيضا حيث إن ضعفهما مجبور بالاتفاق الذي قد حكاه في ما
قدمناه من كلامه، على أنه قد وافقهم في مواضع عديدة مما تقدم في العمل بالأخبار
الضعيفة المجبورة باتفاق الأصحاب كما نبهنا عليه ثمة، بل تبعهم في بعض المواضع

(1) الوسائل الباب 1 من موجبات الإرث والباب 13 من ميراث الإخوة والأجداد
و 4 من ميراث الأعمام والأخوال، ويرجع في ضبط اسم الراوي إلى ج 1 ص 82.
385

مع اعترافه بعدم الدليل لهم وقال إنه لا خروج عن ما عليه الأصحاب، ولكنه
(رضوان الله عليه) ليس له قاعدة يقف عليها ولا قاعدة يرجع إليها.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد قال شيخنا الشهيد الثاني في الروض: واعلم أن
ظاهر الأصحاب أن إذن الولي إنما تتوقف عليها الجماعة لا أصل الصلاة لوجوبها
على الكفاية فلا تناط برأي أحد من المكلفين فلو صلوا فرادى بغير إذن أجزأ.
وقال في المدارك بعد نقل ذلك: وقد يقال إنه لا منافاة بين كون الوجوب
كفائيا وبين إناطته برأي بعض المكلفين على معنى أنه إن قام به سقط الفرض عن
غيره، وكذا إن أذن لغيره وقام به ذلك الغير، وإلا سقط اعتباره وانعقدت الصلاة
جماعة وفرادى بغير إذنه، ومع ذلك فلا بأس بالمصير إلى ما ذكره قصرا لما خالف
الأصل على موضع الوفاق إن تم وحملا للصلاة في قوله (ع) (1) (يصلي على الجنازة
أولى الناس بها) على الجماعة لأنه المتبادر. انتهى.
أقول: حيث قد اشتهر في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير
خلاف يعرف أن أحكام الميت واجبة كفائية على كافة المسلمين ممن علم بالموت
وظاهر الخبرين المتقدمين أعني بهما مرسلة ابن أبي عمير والبزنطي اختصاص
ولاية الصلاة بالولي حصل هذا الاشكال في المقام واحتيج إلى التفصي في الجواب
عن ذلك، وظاهر كلام شيخنا الشهيد الثاني في الروض الجمع بين الأخبار بتخصيص
أخبار الولي ومن يأمره بالإمامة خاصة لا أصل الصلاة، وظاهر كلام السيد السند
هو تخصيص للوجوب كفاية بالولي بمعنى أنه يجب على الولي أو من يأمره القيام
بذلك، فإن قام به سقط الفرض عن الغير وإلا سقط اعتبار الولي ووجب على الكافة
صلاة كان أو غيرها.
وأنت خبير بأن منشأ الاشكال كما عرفت من دعوى كون أحكام الميت واجبة
كفائية على جميع من علم بذلك، وهذه الدعوى لم نجد لها مستندا في الأخبار كما

(1) ص 382.
(2) ص 382.
386

قدمنا ذكره وأوسعنا نشره في مسألة غسل الميت من كتاب الطهارة سوى ما يظهر
من كلامهم من الاتفاق على هذا الحكم حتى من متأخري المتأخرين الذين عادتهم المناقشة
في طلب الدليل، فإنه لم يناقش أحد منهم في هذا الحكم بل تلقوه بالقبول والتسليم،
والمفهوم من الأخبار الواردة في أحكام الأموات هو توجه الخطاب إلى الولي من
غسل وصلاة وتكفين وتلقين ونحوها، ولو كان الأمر على ما ذكروه من الوجوب
كفائيا على كافة المسلمين فكيف تخرج الأخبار في هذه الأحكام بما ذكرناه؟ وهم
لما نظروا إلى هذين الخبرين في مسألة الصلاة الدالين على اختصاص الولي بها أوردوا
هذا الاشكال وأجابوا عنه بما عرفت، والحال أن الأمر ليس مختصا بالصلاة كما
لا يخفى على المتتبع بل هو عام لجملة أحكام الميت وحينئذ فقول شيخنا الشهيد الثاني
في الجواب هنا بما ذكره وإن تم بالنسبة إلى الصلاة إلا أنه لا يحسم مادة الاشكال
بالنسبة إلى غيرها من الأحكام التي ورد الخطاب فيها للولي خاصة، وما ذكره السيد
السند جيد لو قام الدليل على الوجوب الكفائي الذي يدعونه.
نعم يمكن أن يقال بالوجوب على سائر المسلمين كفاية مع تعذر الولي أو
اخلاله بالقيام بذلك كما تدل عليه أخبار العراة الذين مروا بميت قذفه البحر إلى
الساحل فإنهم أمروا بالصلاة عليه ودفنه (1) ونحوها ما تقدم في صحيحة علي بن
جعفر في أكيل السبع تبقى عظامه (2) قال: (يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن) فإنها
تدل باطلاقها على ذلك وقوله صلى الله عليه وآله (3) (لا تدعوا أحدا من أمتي بغير صلاة)
وقول الباقر (ع) (4) (صل على من مات من أهل القبلة وحسابه على الله تعالى).
ثم إنه مع وجود الولي فإن كان متصفا بشرائط الإمامة جاز له التقدم والاستنابة
وإلا تعين عليه الاستنابة وليس لأحد أن يتقدم بدون إذنه.
بقي هنا شئ وهو أن ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) اشتراط العدالة في إمام

(1) الوسائل الباب 36 من صلاة الجنازة.
(2) ص 375
(3) في رواية السكوني ص 365
(4) في رواية طلحة ص 364.
387

هذه الصلاة كالصلاة اليومية وغيرها من الصلوات، ويظهر من العلامة في المنتهى
الاتفاق على ذلك.
وقال في الذخيرة: ولولا ذلك - يعني دعوى الاتفاق - لكان للمنازعة فيه محال
لعموم النص وعدم كونها صلاة حقيقة فلا يعتبر فيها ما يعتبر في الصلاة الحقيقية كما
يستفاد من بعض الأخبار السابقة. انتهى.
أقول: وما ذكره لا يخلو من قرب لما تكرر في الأخبار من قولهم (عليهم
السلام) (1) (إنما هو تكبير وتسبيح كما تسبح في بيتك من غير طهر) ونحو ذلك
مضافا إلى عدم ما يدل على ما يدل على ما ذكروه في شئ من أخبار هذه الصلاة، وكأنهم نظروا
إلى مجرد صدق الصلاة عليها.
المسألة الثانية - قد صرح جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن الأب
أولى من الابن، والوالد أولى من الجد والأخ والعم، والأخ من الأب والأم أولى
ممن يتقرب بأحدهما.
والأول متفق عليه كما نقله في المدارك، واستدل عليه بأن الأب أشفق على
الميت من الابن وأرق عليه فيكون دعاؤه أقرب إلى الإجابة. ورد بأن ذلك إنما
يصلح توجيها للنص لا دليلا برأسه. وعلل الثاني بما تقدم من الأولوية في الميراث
ونقل عن ابن الجنيد أنه جعل الجد هنا أولى من الأب والابن محتجا بأن
منصب الإمامة أليق بالأب من الولد والجد أب الأب فكان أولى من الأب.
ورده في المختلف بأن الأولى بالميراث أولى لعموم الآية (2).
قال في المدارك بعد نقل كلام المختلف: وقد عرفت ما فيه. وعلى ما احتملناه
من معنى الأولوية يقرب ما ذكره ابن الجنيد.
أقول: قد عرفت مما قدمناه صحة الاستدلال بالآية على ما ذكره الأصحاب

(1) الوسائل الباب 21 من صلاة الجنازة.
(2) (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض) سورة الأنفال الآية 76
388

(رضوان الله عليهم) بمعونة الأخبار المتقدمة، وقد عرفت أن ما احتمله في معنى
الأولى ساقط لا اعتماد عليه، وأن ما ذكره الأصحاب من أن الولي هو الأولى بالميراث
هو الظاهر من الأخبار. على أن ما احتمله لا ينطبق على مذهب ابن الجنيد لأنه فسر
الأولى - كما تقدم - بمن كان أمس الناس بالميت رحما وأشدهم به علاقة، ولا ريب
إن أبا الميت أشد به علاقة وأمس به رحما.
وعلل تقديم الأخ من الأبوين على الأخ من الأب خاصة بأنه لا يرث معه
وأما على الأخ من الأم فعلله في المنتهى بأنه أكثر نصيبا في الميراث، وبأن الأم
لا ولاية لها في الصلاة فمن يتقرب بها أولى.
أقول: والوجه هو التعليل الأول كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى في المقام
والثاني وإن قال في المدارك إنه لا بأس به فالبأس فيه أظهر من أن يخفى على ذوي
الأفهام، فإن ما ذكره من الأولوية لا وجه له مع عدم صحة بناء الأحكام الشرعية
على أمثال هذه التعليلات العليلة.
ونقل في المعتبر عن الشيخ في المبسوط أنه قال: الأب أولى الأقارب ثم الولد
ثم ولد الولد ثم الجد من قبل الأب ثم الأخ من قبل الأب والأم ثم الأخ من قبل
الأب ثم الأخ من قبل الأم ثم العم ثم الخال ثم ابن العم ثم ابن الخال، ثم قال وبالجملة
من كان أولى بميراثه كان أولى بالصلاة عليه.
قال في المدارك: ومقتضى ذلك أن ترتب الأولياء على هذا الوجه لأولوية
الإرث وهو مشكل فإنه إن أراد بالأولوية أن من يرث أولى ممن لا يرث لم يلزم
منه أولوية بعض الورثة على بعض كالأب على الابن والجد على الأخ والعم على
الخال، وإن أراد بها كثرة النصيب انتقض بالأب فإنه أولى من الابن مع أنه أقل
نصيبا منه، وكذا الجد فإنه أولى من الأخ مع تساويهما في الاستحقاق. إلا أن
يقال إن التخلف في هاتين الصورتين لعارض وهو قوة جانب الأب والجد
باختصاصهما بزيادة الحنو والشفقة وحصول النسل منهما، لكن في ذلك خروج
389

عن اعتبار الإرث. ولو حمل الأولى هنا على المعنى الذي ذكرناه وجب الرجوع
في تحقيق الأولوية إلى العرف وسقط جانب الإرث مطلقا. انتهى كلامه (زيد مقامه)
أقول: لا يخفى على من تأمل في ما حققناه في المقام مما دلت عليه أخبارهم
(عليهم السلام) ولا سيما صحيحة بريد الكناسي (1) أن ولي الميت هو الأولى بميراثه
بمعنى من يرث دون من لا يرث.
ويستفاد من صحيحة بريد المذكورة أنه مع تعدد الوارث فمن كان أكثر
نصيبا فهو الولي كما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) وبه صرح في المنتهى في ما
قدمنا نقله عنه، وأشرنا إلى أنه هو الوجه في ما علل به الحكم المتقدم لهذه الصحيحة
الصريحة في ذلك.
وأما مع تساوي الورثة في الميراث فالمفهوم من صحيحة محمد بن الحسن الصفار
المروية بطرق المشايخ الثلاثة (2) - قال: (كتبت إلى أبي محمد الحسن رجل مات
وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام وله وليان هل يجوز لهما أن يقضيا عنه
جميعا خمسة أيام الوليين وخمسة أيام الأخر؟ فوقع عليه السلام: يقضي عنه أكبر
ولييه عشرة أيام ولاء إن شاء تعالى) ونحوه قول الرضا عليه السلام في كتاب الفقه
الرضوي (3) (وإذا كان للميت وليان فعلى أكبرهما من الرجلين أن يقضي عنه فإن
لم يكن له ولي من الرجال قضى عنه وليه من النساء) - إن الولي شرعا هو الأكبر.
كما أنه مع تعددهم ذكورة وأنوثة فالولاية للذكر دون الأنثى كما تشعر به صحيحة
حفص الواردة في القضاء أيضا (4) لقوله فيها: (قلت إن كان أولى الناس به امرأة

(1) ص 385.
(2) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان. وفي الفروع ج 1 ص 197
والتهذيب ج 1 ص 421 كما في الوسائل أيضا هكذا (كتبت إلى الأخير ع) نعم في الفقيه ج 2
ص 98 التصريح بالاسم المبارك.
(3) ص 25.
(4) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان.
390

فقال لا إلا الرجال، فإنها شاملة باطلاقها لما لو اختصت بالولاية أو شاركها رجل،
والتقريب فيها أن ولي الميت المخاطب بوجوب القضاء عنه هو الذي جعل إليه أحكام
الميت من غسل وتكفين وتلقين وصلاة نحوها كما تقدم تحقيقه.
بقي الاشكال في ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) من صورة اجتماع
الأب والابن فإنهم جزموا بأن الولاية للأب إلا أنهم لم يأتوا عليه بدليل سوى
ما عرفت من ذلك التخريج العليل، وهو كما ترى مخالف لمقتضى القاعدة المستفادة من
الصحيحة المتقدمة (1) من حيث أنه يفهم منها أن الأكثر نصيبا من الوراث هو الولي
للميت وبموجبه تكون الولاية للولد دون الأب. وبالجملة فإنه لا مستند لهذا الحكم
مع مخالفته لظاهر الصحيحة المذكورة إلا مجرد كلام الأصحاب وفيه ما لا يخفى على
ذوي الأفهام والألباب. ويعضد ما ذكرناه تصريح النص بسقوط ولاية الأب مع
الزوج وعليه الأصحاب من غير خلاف يعرف، فيمكن أن يكون مع الولد
كذلك. والله العالم.
المسألة الثالثة - لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أن الزوج
أولى بزوجته من جميع قراباتها، قال في الذكرى لا أعرف فيه مخالفا من
الأصحاب. وقال في المدارك: هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب.
أقول: والذي يدل عليه من الأخبار ما رواه المشايخ الثلاثة في الكتب
الثلاثة عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: (قلت له المرأة تموت من
أحق الناس بالصلاة عليها؟ قال زوجها. قلت الزوج أحق من الأب والولد والأخ؟
قال نعم ويغسلها).
ويعضد هذه الرواية ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله
(ع) قال (الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها).
واعترض في المدارك هنا بأن الرواية ضعيفة السند لاشتراك راويها وهو

(1) ص 385.
(2) الوسائل الباب 24 من صلاة الجنازة.
(3) الوسائل الباب 24 من صلاة الجنازة.
391

أبو بصير بين الثقة والضعيف، بل الظاهر أنه الضعيف الضرير بقرينة أن الراوي عنه
قائده وهو على بي أبي حمزة البطائني، وقال النجاشي إنه كان أحد عمد الواقفية، وفي
الطريق القاسم بن محمد وهو واقفي أيضا، قال وروى الشيخ في الصحيح عن حفص
ابن البختري عن أبي عبد الله (ع) (1) (في المرأة تموت ومعها أخوها وزوجها أيهما
يصلى عليها؟ فقال أخوها أحق بالصلاة عليها) وعن عبد الرحمان بن أبي عبد الله (2)
قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة على المرأة الزوج أحق بها أو الأخ؟ قال
الأخ) ثم أجاب عنهما بالحمل على التقية (2) وهو يتوقف على وجود المعارض. انتهى
أقول: لا يخفى أن المعارض عند الشيخ وأمثاله من المتقدمين ممن لا يرى
العمل بهذا الاصطلاح موجود، وكذا عند من يعمل به بالنظر إلى جبر الخبر باتفاق
الأصحاب على العمل بمضمونه، ولا سيما أن الرواية قد رواها المشايخ الثلاثة
بأسانيد عديدة، وهو من أقوى المرجحات لصحتها وثبوتها ولا سيما صاحب الفقيه
بناء على ما قدمه في صدر كتابه من القاعدة التي قد احتج بها السيد المذكور في جملة
من المواضع لجبر الخبر الضعيف الذي يتمسك به، وما تضمنته الرواية متفق عليه
بين الأصحاب سلفا وخلفا كما يشير إليه كلامه المتقدم نقله، ولكنه لما رأى صحة
سند رواية حفص المذكورة جمد عليها كما هي عادته من دورانه مدار صحة السند
وإن اشتمل المتن على خلل وعلل، وقد تقدم منه في مسألة غسل الميت من كتاب
الطهارة المناقشة في ذلك أيضا استنادا إلى الصحيحة المذكورة بعد أن أورد دليلا
للقول المشهور رواية إسحاق بن عمار المتقدمة ثم نقل عن المعتبر أن مضمون
الرواية متفق عليه. ثم قال: قلت إن كانت المسألة اجماعية فلا بحث وإلا أمكن
المناقشة فيها بضعف السند. ونحن قد قدمنا في غير مقام أن هذه المناقشات الواهية
لا تقوم حجة على المتقدمين لعدم الدليل على هذا الاصطلاح، وأما المتأخرون
فضعف هذه الأخبار عندهم مجبور بالاتفاق على القول بمضمونها، والحكم بما دلت

(1) الوسائل الباب 24 من صلاة الجنازة.
(2) الوسائل الباب 24 من صلاة الجنازة.
(3) ارجع إلى التعليقة 1 ص 393.
392

عليه الصحيحة التي جمد عليها معمول عليه عند العامة (1) وقد تقرر في القاعدة
المنصوصة عن أهل البيت (عليه السلام) عرض الأخبار على مذهبهم والأخذ
بخلافه (2) ومقتضاه حمل الصحيحة المذكورة على التقية كما ذكره الشيخ.
وكيف كان فاطلاق الأخبار التي هي مستند الحكم المذكور دال على أنه لا فرق
بين الدائم والمستمتع بها ولا بين الحرة والمملوكة، فعلى هذا يكون الزوج أولى
من سيد المملوكة لو كانت لغيره.
ولا يلحق بالزوج الزوجة في هذا الحكم لعدم النص، وذهب بعض الأصحاب
إلى مساواتها للزوج لشمول اسم الزوج لها لغة كما قال الله تعالى (وأصلحنا له زوجه) (3)
ويضعف بأن ذلك إنما يتم مع اطلاق ولاية الزوج لا مع التصريح بأنه أحق بامرأته
كما تضمنه الخبر أن اللذان هما مستند الحكم المذكور (4).
المسألة الرابعة - لو حضر إمام الأصل فإنه أولى من الولي كائنا من كان
لقيامه مقام النبي صلى الله عليه وآله الذي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم (5).
وقوله صلى الله عليه وآله (6) في خطبة الغدير (ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا بلى

(1) في الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 481 (عند الحنفية والحنابلة الزوج
يتأخر في الصلاة على الميت عن ذوي الأرحام، وعند الشافعية يتقدم الأولى فالأولى في الميراث
وعند المالكية بعد أن ذكر الترتيب في من يصلى عليه من السلطان وغيره قال لا حق لزوج
الميت في التقدم) وفي المغني ج 2 ص 483 (أما زوج المرأة وعصبتها فظاهر كلام الخرقي
تقديم العصبات وهو أكثر الروايات عن أحمد وهو قول سعيد بن المسيب والزهري وبكير
ابن الأشبح ومذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي إلا أن ابن حنيفة يقدم زوج المرأة على
ابنها، وروي عن أحمد تقديم زوج المرأة على العصبات لأن أبا بكرة صلى على امرأته
ولم يستأذن إخوتها).
(2) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يقضي به
(3) سورة الأنبياء الآية 9.
(4) ص 391.
(5) لقوله تعالى في سورة الأحزاب الآية 6: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)
(6) الغدير لآية الله الأميني ج 1 ص 11 و ص 294 إلى 313.
393

يا رسول الله قال من كنت مولاه فعلى مولاه).
وما رواه في الكافي والتهذيب عن طلحة بن زيد عن الصادق (ع) (1) قال:
(إذا حضر الإمام الجنازة فهو أحق الناس بالصلاة عليها).
وما رواه الشيخ في التهذيب عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن
آبائه (عليهم السلام) (2) قال: (قال أمير المؤمنين (ع) إذا حضر سلطان من
سلطان الله جنازة فهو أحق بالصلاة عليها إن قدمه ولي الميت وإلا فهو غاصب
فإن الظاهر أن المراد بالسلطان هنا هو الإمام المعصوم لأن سلطنته من جهة الله تعالى
على عباده سلطنة حقيقية.
وظاهر اطلاق الخبر الأول عدم التوقف على إذن الولي، وهو ظاهر أبي الصلاح
حيث قال: الإمام أولي فإن تعذر حضوره وإذنه فولي الميت. إلا أن ظاهر الخبر
الثاني التوقف على الأذان فإن لم يأذن له الولي فإنه يكون غاصبا لحق الإمام (ع) وهذا
هو المنقول عن الشيخ في المبسوط استنادا إلى الخبر المذكور وبه صرح العلامة
في المنتهى.
وظاهر الشهيد في الذكرى العمل على الخبر الأول وتأول الخبر الثاني بالحمل
على غير إمام الأصل، قال لأن تنكيره مشعر بالكثرة وفيه اشعار باستحباب
تقديم الولي إياه. انتهى.
والظاهر بعده فإن نسبة السلطنة إلى كونها من الله عز وجل لا تتبادر إلا إلى
إمام الأصل، والأخبار المتقدمة قد عرفت صراحتها مع كثرتها واستفاضتها في
أن الأولى بالميت هو الأولى بميراثه من غير تقييد إلا أن قضية أولويته (ع) مطلقا
بالناس من أنفسهم تمنع من توقف تقديمه على الإذن. وبذلك يظهر أن المسألة
لا تخلو من شوب الاشكال.
وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في الروض عدم التوقف على إذن الولي في الصورة

(1) الوسائل الباب 23 من صلاة الجنازة
(2) الوسائل الباب 23 من صلاة الجنازة
394

المذكورة كما اختاره في الذكرى.
وكيف كان فالكلام في هذه المسألة تكلف مستغنى عنه الآن إلى أن يظهر
صاحب الزمان عجل الله فرجه.
ونقل عن ابن الجنيد أن الأولى الإمام ثم خلفاؤه ثم إمام القبيلة كباقي الصلوات
أقول: وفي هذا اسقاط لولاية الولي المنصوص عليه إلا أن يخص بفقده
أو طفوليته وعدم لياقته للصلاة والإذن فيها.
المسألة الخامسة - قال الشيخ المفيد: إذا حضر الصلاة رجل من بني هاشم كان
أولى بالتقديم للصلاة عليه بتقديم وليه له، ويجب على الولي تقديمه وإن لم يقدمه
لم يجز له التقدم.
قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه: فإن أراد المفيد (قدس سره) بالرجال الذي
أشار إليه إمام الأصل فهو حق وإلا فهو ممنوع بل الأولى للولي التقديم أما الوجوب
فلا، لنا عموم الآية (1) انتهى.
وقال في الذكرى: قال ابن بابويه والشيخان والجعفي وأتباعهم الهاشمي أولى
وبالغ المفيد (قدس سره) فأوجب تقديمه، وربما حمل كلامه على إمام الأصل وهو
بعيد لأنه قال: (وإن حضر رجل من فضلاء بني هاشم) وهو صريح في كل واحد
من فضلائهم، ولم أقف على مستنده، والصدوق عزاه إلى أبيه في رسالته، ولم
يذكر في التهذيب عليه دليلا، وفي المعتبر احتج بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله (2) (قدموا

(1) (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) سورة الأنفال الآية 76.
(2) في الجامع الصغير للسيوطي ج 2 ص 85 عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله
(قدموا قريشا ولا تقدموها وتعلموا منها ولا تعلموها) وفيها عن عبد الله بن السائب
(قدموا قريشا ولا تقدموها وتعلموا من قريش ولا تعلموها، ولولا أن تبطر قريش
لا خبرتها ما لخيارها عند الله تعالى) وفيه عن علي عليه السلام (قدموا قريشا ولا تقدموها
ولولا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لها عند الله تعالى) قال المناوي في شرح الجامع الصغير
ج 4 ص 512 استدل بهذه الأحاديث على تقديم قول الشافعي على غيره ورده عياض بأن
المراد منها الخلافة وقد قدم النبي صلى الله عليه وآله ابن حذيفة في الصلاة وخلفه قريش.
395

قريشا ولا تقدموها) ولم نستثبته في رواياتنا مع أنه أعم من المدعى. انتهى.
أقول: قال الصدوق في الفقيه: وقال أبي في رسالته إلى: إعلم يا بني أن
أولى الناس بالصلاة على الميت من يقدمه ولي الميت، فإن كان في القوم رجل من
بني هاشم فهو أحق بالصلاة عليه إذا قدمه ولي الميت فإن تقدم من غير أن يقدمه
ولي الميت فهو غاصب. انتهى.
وهذه العبارة عين عبارة كتاب الفقه الرضوي بتغيير ما حيث قال (ع) (1)
واعلم أن أولى الناس بالصلاة على الميت الولي أو من قدمه الولي، فإن كان في القوم
رجل من بني هاشم فهو أحق بالصلاة عليه إذا قدمه الولي فإن تقدم من غير أن يقدمه
الولي فهو غاصب. انتهى.
ومن ذلك علم أن مستند علي بن بابويه في ما ذكره في الرسالة والشيخ
المفيد في ما تقدم نقله عنه إنما هو هذا الكتاب كما أشرنا إليه في غير مقام، إلا أن
الكتاب المذكور حيث لم يصل إلى المتأخرين أنكروا الوقوف على المستند.
ولعل السبب في عدم اشتهار هذا الكتاب ووصوله إلى الشيخ الطوسي (قدس
سره) ومن كان في عصره هو أن نسخة الكتاب في الصدر الأول لعلها كانت عزيزة
الوجود ولم تصل إلا إلى الشيخ علي بن بابويه وابنه الصدوق، ولما كان كل منهما
قد أخذ عبائر الكتاب وأفتى بها كما حكيناه في غير موضع مما تقدم وسيأتي في
هذا الكتاب وفي كتاب الزكاة والحج والصوم ونحو ذلك أيضا أخفيا الكتاب فلم
ينتشر ولم يشتهر إلى هذا العصر الأخير كما ذكره شيخنا غواص بحار الأنوار
في مقدمة كتاب البحار وكذا أبوه (قدس سره) كما وجدته بخطه من حكاية أصل
الوقوف على الكتاب المذكور، ولذا لم تر لنقل عبائره والاستدلال بها أثرا في غير
كلام الصدوقين وإن وجد قيلا في عبائر الشيخ المفيد (قدس سره) أيضا، ولعله

(1) ص 19
396

للأخذ عنهما. والله العالم.
المسألة السادسة - لو أوصى الميت إلى شخص بأن يعليه فالمنقول عن
ابن الجنيد وجوب تقديمه، قال في المختلف: قال ابن الجنيد الموصى إليه أولى بالصلاة
من القرابات. ولم يعتبر علمائنا ذلك، لنا عموم قوله تعالى (وأولو الأرحام بعضهم
أولى ببعض) (1) احتج بعموم قوله (فمن بدله بعد ما سمعه) (2) والجواب الوجوب
مختص بالحقوق لقوله (إن ترك خيرا) انتهى.
ونقل عنه في الذكرى الاستدلال باشتهار ذلك بين السلف كوصية الأول
بصلاة الثاني ووصية الثاني بصلاة صهيب ووصية عائشة بصلاة أبي هريرة ووصية
ابن مسعود بصلاة الزبير ووصية ابن جبير بصلاة أنس ووصية أبي شريحة بصلاة زيد
ابن أرقم فجاء عمرو بن حريث أمير الكوفة ليتقدم فأعلمه بوصيته فقدم زيدا (3)
ولأن ايصاءه إليه لظنه فيه مزيد فلا ينبغي منعه منها. ثم قال في الذكرى: والفاضل
(قدس سره) قال الوارث أولى وهو أقرب للآية والخبر (4) وفعل المذكورين ليس
حجة وجاز أن يكون برضاء الوارث ونحن لا نمنعه لذا رضي بل يستحب له إنفاذه
مع الأهلية. انتهى. وهو جيد.
والأظهر التمسك في ذلك بالأخبار الدالة على اختصاص الصلاة بمن هو
الأولى بالميراث كما تقدم تحقيقه في المسألة الأولى، وتخصيصها يحتاج إلى دليل
واضح. وعموم آية (فمن بدله بعد ما سمعه) (5) معارض بعموم (وأولو الأرحام
بعضهم أولى ببعض) (6).

(1) سورة الأنفال الآية 76 وسورة الأحزاب الآية 6.
(2) سورة البقرة الآية 177
(3) ذكر ذلك كله في المغني ج 2 ص 48.
(4) إمام الآية فقوله تعالى (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) في
سورة الأنفال الآية 76، وإمام الخبر فروايتا ابن أبي عمير والبزنطي المتقدمتان ص 382
(5) سورة البقرة الآية 177
(6) سورة الأنفال الآية 76 وسورة الأحزاب الآية 6.
397

وشيخنا الشهيد الثاني في الروض اقتصر على نقل القولين ودليلهما ولم يرجح
شيئا في البين.
المسألة السابعة - لو تساوى الأولياء في مرتبة الولاية قال الشيخ في المبسوط
والخلاف يقدم الأقرأ فالأفقه فالأسن، وتبعه الفاضلان في المعتبر والتذكرة
لعموم قوله صلى الله عليه وآله (1) (يؤمكم أقرؤكم) وزاد في المبسوط بعد الأسن قال: فإن
تساووا أقرع بينهم.
وقال فيه أيضا إن الحر أولى من العبد والذكر أولى من الأنثى إذا كان ممن
يعقل الصلاة. وتبعه ابن إدريس. وهو يشعر بأن التمييز كاف في الإمامة كما أفتى
به في المبسوط والخلاف في جماعة اليومية.
أقول: أما أولوية الذكر على الأنثى فقد صرح به جملة منهم (رضوان الله
عليهم) بل قال في المنتهى إنه لا خلاف فيه، وحكى بعض المتأخرين قولا باشتراك
الورثة في الولاية.
واستدل في المدارك للقول الأول قال وربما كان مستنده قوله (ع) (2) (يصلي
على الجنازة أولى الناس بها) ومع وجود الذكر يصدق كونه أولى فيتعلق به الحكم.
وفيه أن ما ذكره نوع مصادرة فإنه عين الدعوى، فإن أراد باعتبار كون
الذكر أكثر ميراثا فهو لا يتم كليا لتخلفه في ما لو انحصرت الولاية في الأخ من
قبل الأم مع الأخت من قبل الأبوين فإنها أكثر ميراثا بموجبه تكون الولاية لها
دونه. نعم يمكن استفادة ما ذكره من صحيحة حفص بالتقريب الذي ذكرناه فيها
كما تقدم في المسألة الثانية (3).
هذا إذا كانت الأنثى في طبقة الذكر كما هو المفروض وإن كانت جملة من
عبائر الأصحاب مطلقة في ذلك.
أما لو لم يكن في طبقتها ذكر فالظاهر اختصاصها بالولاية لما رواه الصدوق

(1) في سنن أبي داود ج 1 ص 159 عنه صلى الله عليه وآله (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله).
(2) ص 382
(3) ص 390
398

والشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع) (1) قال: (قلت المرأة تؤم
النساء؟ قال لا إلا على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها تقوم وسطهن في الصف فتكبر
ويكبرن) ورواه الشيخ بسنده آخر في الموثق وبسند ثالث في الضعيف (2).
وأما أولوية الحر على العبد وإن كان العبد أقرب فالظاهر أنه لا خلاف فيه لأنه
لا يرث مع الحر، ويعضده أنه محجور من التصرف في نفسه فكذا في غيره.
وأما ما ذكروه - من تقديم الأقرأ فالأفقه فالأسن كما قدمناه وهو خيرة
الأكثر أو تقديم الأفقه ثم الأقرأ ثم الأسن كما هو خيرة العلامة في القواعد
والتحرير والمحقق في الشرائع - فلم نقف له على نص في هذا المقام، وكأنهم بنوا
الحكم هنا على ما ذكروه في جماعة اليومية.
قال في الذكرى بعد نحو ما ذكرنا: ولم نقف لهم على مأخذ ذلك في
خصوصية الجنازة، وظاهرهم الحاقها بجماعة المكتوبة وهي مرجحة بهذه الأوصاف
كلها، ولكن ذكر العبد هنا مشكل لأنه لا إرث له فيخرج عن الولاية. والمحقق
في الشرائع قدم الأفقه على الأقرأ، وهو متوجه لأن القراءة هنا ساقطة إلا أنه خلاف
فتوى الأصحاب بتقديم الأقرأ في الجماعة على الاطلاق وخلاف فتواه وفتوى الشيخ
في هذه المسألة. انتهى.
وما علل به توجه تقديم الأفقه على الأقرأ من أن القراءة هنا ساقطة قد
أورد عليه بأن مرجحات القراءة معتبرة في الدعاء ولولا ذلك لسقط الترجيح
بالقراءة مطلقا، وانتقل جماعة: منهم - الشيخ إلى القرعة بعد التساوي في السن كما
تقدم ذكره، واعتبر بعضهم بعد الأسن الأقدم هجرة ثم الأصبح وجها، لما سيأتي إن
شاء الله تعالى في باب الجماعة منقحا موضحا.
المسألة الثامنة - قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو كان المؤتم في
صلاة الجنازة واحد وقف خلف الإمام ولم يقف إلى جنبه كما في جماعة اليومية،

(1) الوسائل الباب 25 من صلاة الجنازة و 20 من صلاة الجماعة.
(2) الوسائل الباب 25 من صلاة الجنازة و 20 من صلاة الجماعة.
399

وإذا اقتدى النساء بالرجل وقفن خلفه ولو كان فيهن حائض انفردت عن صفهن
استحبابا، ولو اجتمع الرجال والنساء وقفن النساء خلف الرجال.
والذي يدل على الحكم الأول ما رواه ثقة الاسلام والصدوق عن اليسع بن
عبد الله القمي (1) قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل يصلي على الجنازة وحده؟
قال نعم. قلت فاثنان يصليان عليها؟ قال نعم ولكن يقوم الآخر خلف
الآخر ولا يقوم بجنبه).
وعلى الحكم الثاني ما سيأتي في باب الجماعة من أن مواقف النساء خلف الرجال
وعدم جواز محاذاة المرأة للرجال.
وعلى الحكم الثالث ما رواه الشيخ في الحسن عن محمد بن مسلم (2) قال:
(سألت أبا عبد الله (ع) عن الحائض تصلي على الجنازة؟ قال نعم ولا تقف معهم
وتقف مفردة).
وعلى الحكم الرابع ما رواه الكليني عن السكوني عن أبي عبد الله (ع) (3)
قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله خير الصفوف في الصلاة المقدم وخير الصفوف في
الجنائز المؤخر. قيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله ولم؟ قال صار سترة للنساء).
أقول: ما دلت عليه هذه الرواية بظاهرها - من أن أفضل الصفوف في
صلاة الجماعة اليومية الصف الأول وهو الأقرب إلى القبلة وفي صفوف صلاة
الجنائز هو الصف الأخير - هو الذي عليه جملة الأصحاب استنادا إلى هذه الرواية.
إلا أن شيخنا المجلسي في كتاب البحار قد استظهر من الخبر معنى آخر وطعن
في المعنى المشهور بوجوه ذكرها ثمة.
قال: والذي يفهم من الرواية وهو الظاهر منها لفظا ومعنى أن المراد بالصفوف

(1) الوسائل الباب 28 من صلاة الجنازة.
(2) الوسائل الباب 22 من صلاة الجنازة.
(3) الوسائل الباب 29 من صلاة الجنازة.
400

في الصلاة صفوف جميع الصلوات الشاملة لصلاة الجنازة وغيرها، والمراد بصفوف
الجنائز إنما هو الجنائز المختلفة إذا وضعت بين يدي الإمام للصلاة عليها، وأن
المراد خير الصفوف في الصلاة الصف المقدم أي ما كان أقرب إلى القبلة وخير
الصفوف في الجنائز المؤخر أي ما كان أبعد من القبلة وأقرب إلى الإمام، ولما كان
الأشرف في جميع المواضع متعلقا بالرجال صار كل من الحكمين سببا لسترة النساء
لأن تأخرهن في الصفوف سترة لهن وتأخر جنائزهن لكونه سببا لبعدهن عن الرجال
المصلين سترة لهن، فاستقام التعليل في الجزءين وسلم الكلام عن ارتكاب الحذف
والمجاز وصار الحكم مطابقا لما دلت عليه الأخبار. والعجب من الأصحاب كيف
غفلوا عن هذا الاحتمال الظاهر وذهبوا إلى ما يحتاج إلى تلك التكلفات البعيدة
الركيكة، فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين. انتهى. وهو جيد كما لا يخفى
على الفطن النبيه.
إلا أنه قال (ع) في كتاب ألفية الرضوي (1) (وأفضل المواضع في الصلاة
على الميت الصف الأخير) وهو كما ترى موافق لما ذكره الأصحاب (رضوان الله
عليهم) وفهموه من خبر السكوني.
وقال الصدوق في الفقيه: وأفضل المواضع في الصلاة على الميت الصف الأخير
والعلة في ذلك أن النساء كن يختلطن بالرجال في الصلاة على الجنائز فقال النبي صلى الله عليه وآله
(أفضل المواضع في الصلاة على الميت الصف الأخير) فتأخرن إلى الصف الأخير
فبقي فضله على ما ذكره (ع). وصدر عبارته كما ترى عين عبارة كتاب الفقه.
ومن الظاهر أن العلة التي ذكرها إنما أخذها من نص وصل إليه بذلك لأنه
من أرباب النصوص الذين لا يعولون إلا عليها بالخصوص دون التخريجات العقلية
وحينئذ فتكون هذه رواية ثانية مطابقة لما في كتاب الفقه، وما ذكره شيخنا
المشار إليه وإن تم رواية السكوني إلا أنه لا يتم في هذين الخبرين.

(1) ص 19.
401

ويمكن الجمع بين ما ذكره وذكرناه بأن ما ذكره المتقدمون من هذا الحكم
لا ينحصر دليله في الرواية المذكورة، لما عرفت في غير موضع أنه كثيرا ما يذكرون
الأحكام التي لم تصل أدلتها إلى المتأخرين فيعترضونهم تارة بعدم وجود الدليل -
ودليله موجود في هذا الكتاب كما مر بيانه في غير مقام - وربما يتكلفون لهم الاستدلال
بخبر أو دليل عقلي، ومن المحتمل أن الأمر هنا من هذا القبيل فإن المتأخرين حيث
لم يصل إليهم إلا هذا الخبر استدلوا به ظنا منهم أنه الدليل والحال أن الدليل شئ
غيره مما ذكرناه، والخبر المذكور إنما خرج على الوجه الذي ذكره شيخنا المشار
إليه. والله العالم.
المطلب الثالث - في الكيفية وهي على ما تضمنه كلام الأصحاب (رضوان الله
عليهم) أن يكبر تكبيرة الاحرام ثم يتشهد عقيبها الشهادتين ثم يكبر ثانية ثم يصلي
على النبي صلى الله عليه وآله ثم يكبر ثالثة ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ثم يكبر رابعة ويدعو
للميت إن كان مؤمنا ثم خامسة وينصرف.
والمستند في هذه الكيفية ما رواه ثقة السلام في الكافي عن محمد بن مهاجر
عن أمة أم سلمة (1) قالت (سمعت أبا عبد الله (ع) يقول كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا
صلى على ميت كبر وتشهد ثم كبر وصلى على الأنبياء ودعا ثم كبر ودعا للمؤمنين ثم
كبر الرابعة ودعا للميت ثم كبر وانصرف، فلما نهاه الله عن الصلاة على المنافقين
كبر وتشهد ثم كبر وصلى على النبيين ثم كبر ودعا للمؤمنين ثم كبر الرابعة وانصرف)
ورواه الصدوق في العلل (2) بوجه أبسط وفيه في التكبير الثاني على المؤمن
(فصلى على النبي صلى الله عليه وآله عوض قوله في رواية الكافي (على الأنبياء) ومثلها في
الصلاة على المنافق. وفي الفقيه (3) نقل متن الخبر قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله
إذا صلى على ميت... وساق الخبر، وفيه في التكبير الثاني وفي الموضعين (ثم كبر

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة الجنازة. وفي آخر الرواية هكذا (ولم يدع للميت)
(2) ص 109.
(3) ج 1 ص 100.
402

فصلى على النبي صلى الله عليه وآله.
وفي معنى هذه الرواية ما رواه الشيخ في التهذيب عن إسماعيل بن همام عن
أبي الحسن (ع) (1) قال: (قال أبو عبد الله (ع) صلى رسول الله صلى الله عليه وآله على جنازة
فكبر عليه خمسا وصلى على آخر فكبر عليه أربعا، فأما الذي كبر عليه خمسا فحمد
الله ومجده في التكبيرة الأولى ودعا في الثانية للنبي صلى الله عليه وآله ودعا في الثالثة للمؤمنين
والمؤمنات ودعا في الرابعة للميت وانصرف في الخامسة. وأما الذي كبر عليه
أربعا فحمد الله ومجده في التكبيرة الأولى ودعا لنفسه وأهل بيته صلى الله عليه وآله في الثانية ودعا
للمؤمنين والمؤمنات في الثالثة وانصرف في الرابعة ولم يدع له لأنه كان منافقا).
وتحقيق الكلام في هذا المقام يقع في مواضع: (الأول) المشهور بين
الأصحاب (رضوان الله عليهم) وجوب الدعاء بين التكبيرات، بل قال في الذكرى
إن الأصحاب بأجمعهم يذكرون ذلك في كيفية الصلاة كابني بابويه والجعفي والشيخين
وأتباعهما وابن إدريس ولم يصرح أحد منهم بندب الأذكار، والمذكور في بيان
الواجب ظاهره الوجوب. وذهب المحقق في الشرائع صريحا وفي النافع ظاهرا
إلى الاستحباب.
والأظهر الأول لوقوع الأمر به في الأخبار المتكاثرة الآتية في المقام
ووقوع ذلك في بيان كيفية الواجب كما في رواية أبي بصير (2) (أنها خمس تكبيرات
بينهن أربع صلوات).
ولم نقف لما ذكره المحقق على مستند واضح إلا أنه قال السيد السند في المدارك:
وربما كان مستنده اطلاق الروايات المتضمنة لأن الصلاة على الميت خمس تكبيرات
الواردة في مقام البيان الدالة بظاهرها على عدم وجوب ما عدا ذلك. انتهى.
أقول: ومن الأخبار المشار إليها ما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح عن

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة الجنازة.
(2) الوسائل الباب 5 من صلاة الجنازة رقم 12.
403

أبي عبد الله (ع) (1) قال: (التكبير على الميت خمس تكبيرات) وفي معناها غيرها.
وأنت خبير بأن اطلاق هذه الأخبار يجب تقييده بما أشرنا إليه من تلك
الأخبار حملا للمطلق على المقيد كما هي القاعدة المسلمة بينهم. وما ذكره من كون
هذه الأخبار واردة في مقام البيان يمكن أن يجاب عنه بعد الاغماض عما ذكرنا بأنه
من الجائز أن المراد إنما هو بيان كمية التكبير لوقوع الاختلاف فيه بين الخاصة
والعامة (2) لا بيان كيفية الصلاة كما ادعاه. وظاهر صاحب المدارك حيث نقل
الحجة المذكورة للمحقق ولم يطعن فيها بشئ الجمود عليها، وفيه ما عرفت.
الثاني - أنه على تقدير القول بالوجوب فهل يتعين فيها شئ مخصوص أم لا؟
ظاهر المشهور بين المتأخرين الأول، فإنه قد صرح العلامة ومن تأخر عنه

(1) الوسائل الباب 5 من صلاة الجنازة.
(2) في بدائع الصنائع ج 1 ص 312 (اختلفت الروايات في فعل رسول الله صلى الله عليه وآله
فروى عنه الخمس والسبع والتسع وأكثر من ذلك إلا أن آخر فعله صلى الله عليه وآله كان أربع
تكبيرات، وعمر جمع الصحابة حين اختلفوا في عدد التكبير وقال إنكم اختلفتم في عدد
التكبير ومن يأتي بعدكم يكون أشد منكم اختلافا فانظروا آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله
على جنازة فخذوا به فوجدوه أنه صلى الله عليه وآله صلى على امرأة فكبر أربعا فاتفقوا على ذلك
فكان هذا دليلا على كون التكبيرات في صلاة الجنازة أربعا) وفي شرح صحيح مسلم للنووي على
هامش ارشاد الساري ج 4 ص 284 (كان النبي صلى الله عليه وآله يكبر أربعا وخمسا وستا وسبعا وثمانيا
حتى مات النجاشي فكبر عليه أربعا وثبت على ذلك. واختلفت الصحابة في ذلك من ثلاث
تكبيرات إلى تسع، وروي عن علي عليه السلام أنه كان كبر على أهل بدر ستا وعلى سائر
الصحابة خمسا وعلى غيرهم أربعا. وانعقد الاجماع بعد ذلك على الأربع، ولا نعلم أحدا من
فقهاء الأمصار يخمس إلا ابن أبي ليلى) وفي عمدة القارئ ج 4 ص 26 (فرقة تكبر سبعا
وفرقة تكبر ثلاثا وقيل ست، وقال القاضي أبو محمد أكثره سبع تكبيرات وأقله ثلاث.
وذهبت الشيعة وابن أبي ليلى وزيد بن أرقم إلى الخمس وتبعهم الظاهرية وأبو يوسف من
أصحاب أبي حنيفة).
404

بوجوب التشهد في الأولى والصلاة على النبي وآله صلى الله عليه وآله في الثانية والدعاء للمؤمنين
والمؤمنات في الثالثة والدعاء للميت في الرابعة.
ونقل عن ابن الجنيد أنه ليس في الدعاء بين التكبيرات شئ موقت لا يجوز
غيره، وإلى هذا مال جماعة من متأخري المتأخرين، وهو ظاهر الشهيد في الذكرى
أيضا، وهو الأظهر.
ويدل عليه ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم وزرارة في الصحيح (1) (أنهما
سمعا أبا جعفر (ع) يقول ليس في الصلاة على الميت قراءة ولا دعاء موقت إلا أن
تدعو بما بدا لك، وأحق الأموات أن يدعى له أن يبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله.
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم وزرارة ومعمر
ابن يحيى وإسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (ع) (2) قال: (ليس في الصلاة على الميت
قراءة ولا دعاء موقت تدعو بما بدا لك، وأحق الموتى أن يدعى له المؤمن وأن يبدأ
بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله.
ويؤيده ما رواه الشيخ عن يونس بن يعقوب في الموثق (3) قال: (سألت
أبا عبد الله (ع) عن الجنازة أيصلي عليها على غير وضوء؟ فقال نعم إنما هو تكبير
وتسبيح وتحميد وتهليل... الحديث).
الثالث - أنه على تقدير القول المشهور من وجوب الأذكار الأربعة المتقدمة
لا يتعين فيها لفظ مخصوص وبه صرح كثير من الأصحاب، قال شيخنا الشهيد في
الذكرى: والمشهور توزيع الأذكار على ما مر ونقل الشيخ فيه الاجماع. ولا ريب
أنه كلام الجماعة إلا ابن أبي عقيل والجعفي فإنهما أوردا الأذكار الأربعة عقيب كل تكبيرة
وإن تخالفا في الألفاظ، قال الفاضل وكلاهما جائز. قلت لاشتمال ذلك على الواجب
والزيادة غير منافية مع ورود الروايات بها وإن كان العمل بالمشهور أولى، وينبغي

(1) الوسائل الباب 7 من صلاة الجنازة.
(2) الوسائل الباب 7 من صلاة الجنازة.
(3) الوسائل الباب 21 من صلاة الجنازة. والرواية للكليني والشيخ يرويها عنه
405

مراعاة هذه الألفاظ تيمنا بما ورد عنهم (عليهم السلام). انتهى.
أقول: والأخبار الواردة في المسألة مع كثرتها وتعددها لا تجد فيها خبرا
يوافق الآخر في تعيين الأذكار وتشخيصها، ولنورد منها جملة في المقام لتحيط خبرا
بما اشتملت عليه من الكلام:
فمنها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي ولاد ورواه ثقة الاسلام باسنادين
أحدهما من الصحيح أو الحسن عنه (1) قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن التكبير
على الميت فقال خمس: تقول في أولاهن أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
اللهم صل على محمد وآل محمد. ثم تقول: اللهم إن هذا المسجى قدامنا عبدك وابن عبدك
وقد قبضت روحه إليك وقد احتاج إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه اللهم إنا لا نعلم من
ظاهره إلا خيرا وأنت أعلم بسريرته اللهم إن كان محسنا فزد في احسانه وإن كان
مسيئا فتجاوز عن سيئاته. ثم تكبر الثانية وتفعل ذلك في كل تكبيرة).
ومنها - ما رواه في الكافي عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله
(ع) (2) قال: (تكبر ثم تشهد ثم تقول إنا لله وإنا إليه راجعون الحمد لله رب
العالمين رب الموت والحياة صل على محمد وأهل بيته جزى الله عنا محمدا صلى الله عليه وآله خير
الجزاء بما صنع بأمته وبما بلغ من رسالات ربه. ثم تقول اللهم عبدك ابن عبدك
ابن أمتك ناصيته بيدك خلا من الدنيا واحتاج إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه
اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا، اللهم إن كان محسنا فزد في احسانه
وتقبل منه وإن كان مسيئا فاغفر له ذنبه وارحمه وتجاوز عنه برحمتك، اللهم ألحقه
بنبيك وثبته بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم اسلك بنا وبه سبيل
الهدى اهدنا وإياه صراطك المستقيم اللهم عفوك عفوك. ثم تكبر الثانية وتقول
مثل ما قلت حتى تفرغ من خمس تكبيرات).
ومنها - ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن أبي عبد الله

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة الجنازة.
(2) الوسائل الباب 2 من صلاة الجنازة.
406

(ع) (1) (في الصلاة على الميت؟ قتل تكبر ثم تصلي على النبي صلى الله عليه وآله ثم تقول اللهم
عبدك ابن عبدك ابن أمتك لا أعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به مني، اللهم إن كان محسنا
فزد في احسانه وتقبل منه وإن كان مسيئا فاغفر له ذنبه وافسح له في قبره واجعله
من رفقاء محمد صلى الله عليه وآله. ثم تكبر الثانية وتقول، اللهم إن كان زكيا فزكه وإن كان
خاطئا فاغفر له. ثم تكبر الثالثة وتقول: اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده.
ثم تكبر الرابعة وتقول: اللهم اكتبه عندك في عليين واخلف على عقبه في الغابرين
واجعله من رفقاء محمد صلى الله عليه وآله. ثم كبر الخامسة وانصرف).
ومنها - ما رواه في الكافي والتهذيب في الموثق عن سماعة (2) قال: (سألته
عن الصلاة على الميت فقال تكبر خمس تكبيرات تقول أول ما تكبر: أشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل على محمد
وآل محمد وعلى الأئمة الهداة واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل
في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم، اللهم اغفر لأحيائنا وأمواتنا من
المؤمنين والمؤمنات وألف قلوبنا على قلوب أخيارنا وأهدانا لما اختلف فيه من الحق
بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. فإن قطع عليك التكبيرة الثانية فلا
يضرك تقول: اللهم عبدك ابن عبدك وابن أمتك أنت أعلم به مني افتقر إلى رحمتك
واستغنيت عنه اللهم فتجاوز عن سيئاته وزد في احسانه واغفر له وارحمه ونور له
في قبره ولقنه حجته وألحقه بنبيه صلى الله عليه وآله ولا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده. تقول
هذا حتى تفرغ من خمس تكبيرات وزاد في التهذيب (3) (فإذا فرغت سلمت
عن يمينك).
قال في الوافي ذيل هذا الخبر: قوله (ع) (فإن قطع عليك التكبيرة الثانية فلا
يضرك) كأنه أريد به أنك إن كنت مأموما لمخالف فكبر الإمام الثانية قبل فراغك
من هذا الدعاء أو بعده وقبل الاتيان بما يأتي فلا يضرك ذلك القطع بل تأتي بتمامه

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة الجنازة.
(2) الوسائل الباب 2 من صلاة الجنازة.
(3) الوسائل الباب 2 من صلاة الجنازة.
407

أو بما يأتي بعد الثانية بل الثالثة والرابعة حتى تتم الدعاء. وقوله (ع) (تقول اللهم)
أي تقول هذا بعد ذاك سواء قطع عليك بأحد المعنيين أو لم يقطع، وفي التهذيب
(فقل) بدل (تقول) وقوله في آخر الحديث (تقول هذا) يعني تكرر المجموع أو
هذا الأخير ما بين كل تكبيرتين. وفي التهذيب (حين تفرغ) مكان (حتى تفرغ)
وعلى هذا يكون معناه أن تأتي بالدعاء الأخير بعد الفراغ من الخمس. وفيه بعد
والظاهر أنه تصحيف. والتسليم شاذ ولهذا ترك في الكافي ما تضمنه من الأخبار
رأسا ولم يورده في هذا الخبر، وحمله في التهذيب على التقية (1) وينافيه ذكر الخمس
في عدد التكبيرات. انتهى.
ومنها - ما رواه في التهذيب عن كليب الأسدي (2) قال: (سألت أبا عبد الله
(ع) عن التكبير على الميت فقال بيده: خمسا. قلت كيف أقول إذا صليت عليه؟
قال تقول: اللهم عبدك احتاج إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه اللهم إن كان محسنا
فزد في احسانه وإن كان مسيئا فاغفر له).
أقول: الظاهر أن المراد هو الاتيان بهذا الدعاء بين كل تكبيرتين وأما
احتمال أنه بعد الرابعة بالخصوص بعد الاتيان بما هو الموظف في روايتي أم سلمة
وإسماعيل بن همام (3) فالظاهر بعده.
ومنها - ما رواه في التهذيب في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله
(ع) (4) قال: (سألته عن الصلاة على الميت فقال تكبر ثم تقول إنا لله وإنا إليه
راجعون، إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا

(1) في المهذب ج 1 ص 133 (في الأم يكبر في الرابعة ويسلم مثل تسليم الصلاة،
وهل يسلم تسليمة أو تسليمتين؟ على ما ذكرناه في الصلاة) وفي المغني ج 2 ص 491
(يسلم تسليمة واحدة عن يمينه بعد التكبير للرابعة) وفي البدائع ج 1 ص 313 (يكبر
للرابعة ويسلم تسليمتين).
(2) الوسائل الباب 2 من صلاة الجنازة
(3) ص 403.
(4) الوسائل الباب 2 من صلاة الجنازة
408

تسليما، اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد كما صليت وباركت على
إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم صل على محمد وعلى أئمة المسلمين اللهم صل
على محمد وعلى إمام المسلمين، اللهم عبدك فلان وأنت أعلم به اللهم ألحقه بنبيه محمد صلى الله عليه وآله
وافسح له في قبره ونور له فيه وصعد روحه ولقنه حجته واجعل ما عندك خيرا له
وارجعه إلى خير مما كان فيه، اللهم عندك نحتسبه فلا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده، اللهم
عفوك عفوك. تقول هذا كله في التكبيرة الأولى ثم تكبر الثانية وتقول: اللهم عبدك
فلان اللهم ألحقه بنبيه محمد صلى الله عليه وآله وافسح له في قبره ونور له فيه وصعد روحه ولقنه
حجته واجعل ما عندك خيرا له وارجعه إلى خير مما كان فيه، اللهم عندك نحتسبه فلا
تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده، اللهم عفوك اللهم عفوك. تقول هذا في الثانية والثالثة
والرابعة فإذا كبرت الخامسة فقل: اللهم صل على محمد وآل محمد اللهم اغفر للمؤمنين
والمؤمنات وألف بين قلوبهم وتوفني على ملة رسولك صلى الله عليه وآله اللهم اغفر لنا
ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك
رؤوف رحيم، اللهم عفوك اللهم عفوك. وتسلم).
قال في الوافي في ذيل هذا الخبر: وما ذكر من الدعاء بعد الخامسة والتسليم
شاذ وكذا في الخبر الآتي كما أشرنا إليه من قبل.
ومنها - ما رواه في التهذيب عن يونس عن أبي عبد الله (ع) (1) قال: (الصلاة
على الجنائز التكبيرة الأولى استفتاح الصلاة والثانية يشهد أن لا إله إلا الله وأن
محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله والثالثة الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وعلى أهل بيته والثناء على الله
تعالى والرابعة له والخامسة يسلم ويقف مقدار ما بين التكبيرتين ولا يبرح حتى يحمل
السرير من بين يديه).
ومنها - ما في كتاب الفقه الرضوي حيث قال (ع) (2): (وارفع يديك

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة الجنازة.
(2) ص 19.
409

بالتكبير الأول وقل أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده
ورسوله وأن الموت حق والجنة حق والنار حق والبعث حق وأن الساعة آتية لا ريب
فيها وأن الله يبعث من في القبور. ثم كبر الثانية وقل: اللهم صل على محمد
وآل محمد أفضل ما صليت وباركت ورحمت وترحمت وسلمت على إبراهيم وآل
إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. ثم تكبر الثالثة وتقول: اللهم اغفر لي ولجميع
المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات تابع اللهم بيننا
وبينهم في الخيرات إنك مجيب الدعوات وولي الحسنات يا أرحم الراحمين. ثم
تكبر الرابعة وتقول: اللهم إن هذا عبدك وابن عبدك وابن أمتك نزل بساحتك
وأنت خير منزول به اللهم أنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا، اللهم إن كان
محسنا فزد في احسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته واغفر لنا وله، اللهم احشره
مع من يتولاه ويحبه وأبعده ممن يتبرأه ويبغضه، اللهم ألحقه بنبيك وعرف بينه وبينه
وارحمنا إذا توفيتنا يا إله العالمين. ثم تكبر الخامسة وتقول: ربنا آتنا في الدنيا
حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. ولا تسلم ولا تبرح من مكانك حتى ترى
الجنازة على أيدي الرجال).
وقال (ع) في مواضع آخر (1): (إذا أردت أن تصلي على الميت فكبر عليه
خمس تكبيرات، يقوم الإمام عند وسط الرجل وصدر المرأة، ويرفع اليد بالتكبير
الأول ويقنت بين كل تكبيرتين، والقنوت ذكر الله والشهادتان والصلاة على محمد
وآله والدعاء للمؤمنين والمؤمنات، هذا في تكبيرة بغير رفع اليدين ولا تسليم لأن
الصلاة على الميت إنما هو دعاء وتسبيح واستغفار.. وساق الكلام إلى أن قال:
وتقول في التكبيرة الأولى في الصلاة على الميت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب
العالمين رب الموت والحياة وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته وجزى الله محمدا

(1) ص 20.
410

صلى الله عليه وآله عنا خير الجزاء بما صنع لأمته وما بلغ من رسالات ربه. ثم تقول اللهم
عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيته بيدك تخلى من الدنيا واحتاج إلى عندك
نزل بك وأنت خير منزول به افتقر إلى رحمتك وأنت غني من عذابه، اللهم إنا
لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا اللهم إن كان محسنا فزد في احسانه وتقبل منه
وإن كان مسيئا فاغفر له ذنبه وارحمه وتجاوز عنه برحمتك، اللهم ألحقه بنبيك وثبته
بالقول الثابت في الدنيا والآخرة، اللهم اسلك بنا وبه سبيل الهدى واهدنا وإياه
صراطك المستقيم اللهم عفوك عفوك. ثم تكبر الثانية وتقول مثل ما قلت حتى
تفرغ من خمس تكبيرات. وقال ليس فيها تسليم... إلى آخره.
وقال أيضا في الكتاب المذكور (1): باب آخر في الصلاة على الميت قال:
تكبر ثم تصلي على النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته، ثم تقول اللهم عبدك وابن عبدك وابن
أمتك لا أعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به، اللهم إن كان محسنا فافسح له في قبره
واجعله من رفقاء محمد صلى الله عليه وآله. ثم تكبر الثانية فقل: اللهم إن كان زاكيا فزكه وإن
كان خاطئا فاغفر له. ثم تكبر الثالثة فقل: اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده. ثم
تكبر الرابعة وقل: اللهم اكتبه عندك في عليين واخلف على أهله في الغابرين واجعله
من رفقاء محمد صلى الله عليه وآله. ثم تكبر الخامسة وتنصرف.
أقول: ما ذكره (ع) في هذا الباب الأخير هو رواية زرارة المتقدم نقلها عن
الكافي وهي الثالثة من الروايات المتقدمة، وما ذكره في سابق هذه الكيفية هو
مضمون حسنة الحلبي المتقدم نقلها عن الكافي أيضا وهي الثانية بتغيير يسير،
ولعله من قلم النساخ في إحدى النسختين وأما الأولى مما ذكره (ع) فهو من
خصوصيات الكتاب وهي راجعة إلى الرواية المشهورة إلا أن تلك مجملة وهذه
مفصلة فتكون مؤيدة لها وعاضدة لما دلت عليه من التوزيع على النحو المخصوص.
وذكره (ع) هذه الكيفيات الثلاث مشعر بأن الأمر في ذلك موسع وأنه ليس فيه

(1) ص 21.
411

تعيين لفظ مخصوص كما يفهم من الروايات الأخر التي سردناها أيضا
وإن كان الأفضل العمل بالرواية المشهورة المعتضدة بعمل الأصحاب بمضمونها سلفا وخلفا.
وبذلك يظهر لك ما في كلام صاحب المدارك هنا حيث قال بعد أن نقل عن
المصنف أن أفضل ما يقال في صلاة الجنازة ما رواه محمد بن مهاجر عن أمه أم
سلمة (1): وكأن وجه الدلالة على أفضلية ما تضمنته الرواية قوله (ع): (كان
رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صلى على ميت كبر وتشهد فإن لفظ (كان) يشعر بالدوام وأقل
مراتب مواظبة النبي صلى الله عليه وآله على ذلك الرجحان.. إلى أن قال: والأولى والأفضل
اعتماد ما تضمنته الروايات المعتبرة عن أئمة الهدى (عليهم السلام) ثم نقل صحيحة
أبي ولاد وحسنة الحلبي وحسنة زرارة.
أقول: لا يخفى أن وجه هذه الأفضلية عنده إنما نشأت من حيث اعتبار
أسانيد هذه الأخبار باصطلاحه فإن فيها الصحيح والحسن بخلاف رواية ابن المهاجر
المعتضدة برواية إسماعيل بن همام حيث أنهما ضعيفتا السند باصطلاحه.
وفيه أنهما وإن ضعف سندهما بهذا الاصطلاح إلا أن عمل الطائفة سلفا وخلفا
بما اشتملتا عليه هو المرجح لهما، فإنه لم ينقل عن أحد القول بما دلت عليه هذه الأخبار التي نوه بها وإن صح سندها حتى من أصحاب هذا الاصطلاح بل الكل
متفقون على القول بمضمون الروايتين المذكورتين، وكم من رواية صحيحة قد أعرض
عنها الأصحاب حتى مثل هذا القائل إذا أعوزتهم الحيلة فيها، ومنه يعلم أنه ليس المدار
على الصحة بهذا المعنى المحدث وإنما المدار على الصحة بالمعنى القديم المعمول عليه بين
جمهور القدماء الذين ليس لهذا الاصطلاح عندهم أثر. على أن هذه الأخبار التي
استند إليها غير متفقة على نمط واحد بل هي مختلفة كما عرفت.
وكيف كان فالظاهر هو القول المشهور وحمل هذه الأخبار على الرخصة والتوسعة
كما يشير إليه ايراده (ع) في كتاب الفقه هذه الكيفيات الثلاث. والله العالم.

(1) ص 402.
412

الرابع - ظاهر خبري أم سلمة وإسماعيل بن همام المتقدمين (1) أنه صلى الله عليه وآله
في صلاته على المنافق انصرف بعد التكبير الرابع ولم يدع له ولا عليه، وعلى هذا
فالمراد بقوله (ع) في حديث أم سلمة (فلما نهاه الله عن الصلاة على المنافقين) إنما
هو بمعنى الدعاء لهم لا أن النهي عن أصل الصلاة، لأن الخبرين صريحان في أنه
صلى الله عليه وآله صلى عليهم بعد النهي إنما ترك الدعاء لهم بعد الرابعة خاصة. وبالجملة فظاهر
الخبرين المذكورين أنه ينصرف بمجرد التكبير الرابع في الصلاة على المنافق كما ينصرف
بالخامس في الصلاة على المؤمن.
وما احتمله بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين - من أن المراد
الانصراف باتمام دعاء الرابعة جمعا بينه وبين ما دل على الدعاء على المنافق كما سيأتي
في الأخبار - فلا يخفى بعده وركاكته بالنظر إلى ظاهر سياق الخبرين المذكورين.
وبما ذكرنا صرح شيخنا الشهيد في الذكرى فقال: والظاهر أن الدعاء على هذا القسم
غير واجب لأن التكبير عليه أربع وبها يخرج من الصلاة. قال في المدارك: وهو
غير جيد فإن الدعاء للميت أو عليه لا يتعين وقوعه بعد الرابعة كما بيناه.
أقول: أشار بما بينه إلى ما اختاره - كما قدمنا نقله عنه - من العمل بتلك
الروايات الصحيح بعضها والحسن بعضها وطرح روايتي أم سلمة وإسماعيل بن همام.
وفيه أن كلام شيخنا الشهيد مبني على العمل بهذين الخبرين الذين هنا مستند الأصحاب
في تفريق الأدعية وتوزيعها على التكبيرات كما هو القول المشهور بين كافة الأصحاب
سلفا وخلفا. والأخبار التي أشار إليها لم يقل بها أحد سواه ومن تبعه، ولا ريب
أن الخبرين المذكورين واضحا الدلالة في ما ذكره الشهيد من الانصراف بمجرد
التكبير الرابع وعدم الدعاء مطلقا.
نعم يبقى الكلام في الجمع بين هذين الخبرين وبين الأخبار الدالة على الدعاء
على المنافق كما عليه الأصحاب (رضوان الله عليهم) وقد عرفت بعد ما احتمله بعض

(1) ص 402 و 403.
413

المحققين في الجمع بين هذه الأخبار كما أشرنا إليه آنفا.
ويمكن التوفيق بينها بأن يقال لا يخفى أن ما دل على الانصراف بعد الرابعة
إنما ورد في صلاته صلى الله عليه وآله على منافقي زمانه وحكاية صلاته عليهم، وما ورد
في الدعاء عليهم إنما ورد في الصلاة على النصاب والمخالفين من أهل السنة وإن عبر
عنهم بالمنافقين أيضا في بعض الأخبار.
وها أنا أسوق ما وقفت عليه من الأخبار في ذلك لتطلع على صحة ما هنالك،
فمن ذلك ما رواه في الكافي عن عامر بن السمط عن أبي عبد الله (ع) (1) (أن
رجلا من المنافقين مات فخرج الحسين بن علي (عليهما السلام) يمشي معه فلقيه مولى
له فقال له الحسين (ع) أين تذهب يا فلان؟ فقال له مولاه أفر من جنازة هذا المنافق
أن أصلي عليها. فقال له الحسين (ع) أنظر أن تقوم على يميني ما تسمعني أقول فقل
مثله. فلما أن كبر عليه وليه قال الحسين (ع): الله أكبر العن فلانا عبدك ألف لعنة
مؤتلفة غير مختلفة اللهم أخز عبدك في عبادك وبلادك وأصله حر نارك وأذقه
أشد عذابك فإنه كان يتولى أعداءك ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك صلى الله عليه وآله
وما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) (2)
قال: (إذا صليت على عدو الله فقل: اللهم إن فلانا لا نعلم منه إلا أنه عدو لك
ولرسولك صلى الله عليه وآله اللهم فاحش قبره نارا واحش جوفه نارا وعجل به إلى النار فإنه
كان يتولى أعداءك ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك اللهم ضيق عليه قبره.
وإذا رفع فقل اللهم لا ترفعه ولا تزكه).
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم عن أحدهما
(عليهما السلام) (3) قال: (إن كان جاحدا للحق فقل: اللهم املأ جوفه نارا
وقبره نارا وسلط عليه الحيات والعقارب وذلك قاله أبو جعفر (ع) لامرأة سوء
من بني أمية صلى عليها أبي، وقال هذه المقالة واجعل الشيطان لها قرينا).

(1) الوسائل الباب 4 من صلاة الجنازة.
(2) الوسائل الباب 4 من صلاة الجنازة.
(3) الوسائل الباب 4 من صلاة الجنازة.
414

وقال في كتاب الفقه الرضوي (1) في تتمة العبارة الأولى مما قدمنا نقله عنه:
وإذا كان الميت مخالفا فقل في تكبيرك الرابعة: اللهم اخز عبدك وابن عبدك هذا اللهم
أصله حر نارك اللهم أذقه أليم عذابك وشديد عقوبتك وأورده نارا واملأ جوفه نارا
وضيق عليه لحده فإنه كان معاديا لأوليائك ومتواليا لأعدائك. اللهم لا تخفف عنه
العذاب واصبب عليه العذاب صبا. فإذا رفع جنازته فقل اللهم لا ترفعه ولا تزكه).
وهذه الروايات كلها كما ترى ظاهرة في المخالف من أهل السنة، وحينئذ
فيجب أن يقصر كل من هذه الأخبار والخبرين المتقدمين على مورده.
ولا ينافي ذلك ما ورد في حديث عبد الله بن أبي وهو ما رواه في الكافي في
الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (ع) (2) قال (لما مات عبد الله بن أبي بن سلول حضر

(1) ص 19.
(2) الوسائل الباب ب 4 من صلاة الجنازة وقد ورد مضمون هذا الحديث في روايات
العامة. ففي البخاري باب الكفن في القميص (أن ابنه عبد الله جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وطلب
منه قميصه والصلاة عليه والاستغفار له فأجابه رسول الله صلى الله عليه وآله إلى ما أراد فلما قام ليصلي
عليه جذبه عمر وقال أليس نهاك الله أن تصلي على المنافقين؟ فقال أنا بين خيرتين قال: (استغفر
لهم أو لا تستغفر لهم أن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم فصلى عليه) وفي تفسير
ابن كثير ج 2 ص 378 (قال عمر بن الخطاب لما قام النبي صلى الله عليه وآله ليصلي عليه تحولت
حتى قمت في صدره وقلت أعلى عدو الله القائل يوم كذا وكذا تصلي؟ ورسول الله صلى الله عليه وآله
يتبسم حتى إذا أكثرت عليه قال آخر عني يا عمر إني خيرت فاخترت ولو أعلم أني زدت
على السبعين يغفر له لفعلت. ثم صلى عليه ومشى معه وقام على قبره حتى فرغ منه. قال عمر
فعجبت من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وآله والله ورسوله أعلم) وفي تفسير السراج المنير
ج 1 ص 612 للخطيب الشربيني وأسباب النزول للواحدي ص 193 وروح المعاني
للآلوسي ج 10 ص 154 (لما أكثر عليه عمر بن الخطاب قال له رسول الله (إن قميصي
لا يغني عنه من الله شيئا وإني أؤمل أن يدخل في الاسلام بسببه كثير) فيروى أنه أسلم
ألف من الخزرج. وقد أوردوا هذه القصة في تفاسيرهم في تفسير قوله تعالى في سورة
التوبة الآية 85 (ولا تصل على أحد منهم).
415

النبي صلى الله عليه وآله جنازته فقال عمر لرسول الله يا رسول الله صلى الله عليه وآله ألم ينهك الله أن تقوم
على قبره؟ فسكت فقال يا رسول الله صلى الله عليه وآله ألم ينهك الله أن تقوم على قبره؟ فقال له
ويلك وما يدريك ما قلت؟ إني قلت: اللهم احش جوفه نارا واملأ قبره نارا واصله
نارا. قال أبو عبد الله (ع) فأبدى من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما كان يكره)
فإنه يمكن تخصيص الخبر به حيث أنه كان رأس النفاق (1) على أن الخبر غير
ظاهر في كونه (صلى الله عليه وآله) صلى عليه وإنما فيه أنه حضر جنازته ومجرد
الحضور لا يستلزم الصلاة.
ومما يعضد الأول أعني تخصيص الخبر به ما صرح به شيخنا المفيد (عطر الله
مرقده) في كتاب المقنعة (2) حيث قال: روي عن الصادقين (عليهم السلام) أنهم
قالوا (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي على المؤمنين ويكبر خمسا ويصلي
على أهل النفاق سوى من ورد النهي عن الصلاة عليهم فيكبر أربعا) فإنه يدل على

(1) في تفسير الخازن ج 3 ص 108 نقلا عن شرح مسلم للقرطبي (كان ابن
أبي رأسا في المنافقين وأعظمهم نفاقا وأشدهم وكان المنافقون كثيرين بلغوا ثلثمائة رجل
ومائة وسبعين امرأة وانتهب إليه رئاسة الخزرج فلما ظفر النبي صلى الله عليه وآله) وانصرف الخزرج
إليه حسد رسول الله صلى الله عليه وآله وبالغ في العداوة له. وكان ولده عبد الله من خيار الصحابة
وأصدقهم اسلاما وأكثرهم عادة وأشرحهم صدرا بارا بأبيه مع كفره ونفاقه، قال للنبي صلى الله عليه وآله
إنك لتعلم أني أبر الناس بأبي وإن أمرتني لآتيك برأسه فعلت وأخشى أن تأمر أحدا بقتله
فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل أبي فاقتله فأكون قد قتلت مؤمنا بكافر؟ فقال نبي
الحنان صلى الله عليه وآله لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه بل أحسن صحبته وبر به وترفق به
ما صحبنا) وفي أسد الغابة ج 3 ص 197 (أن الخزرج أجمعوا على أن يتوجوه ويملكوه
أمرهم قبل الاسلام فلما جاء صلى الله عليه وآله رجعوا عن ذلك فحسد رسول الله صلى الله عليه وآله وأخذ به.
العزة وأضمر النفاق وهو القائل في غزوة بني المصطلق (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن
الأعز منها الأذل) سورة المنافقين الآية 8.
(2) الوسائل الباب 5 من صلاة الجنازة.
416

أن النهي إنما هو عن أناس مخصوصين، ولا ريب أن رأس المنافقين الذي نزلت
فيه سورة المنافقين هو عبد الله المذكور.
على أن حديث الحسين (ع) غير صريح ولا ظاهر في كونه صلى عليه الصلاة
المعهودة وإنما تضمن أنه دعا عليه، فإن قوله (فلما أن كبر عليه وليه قال الحسين (ع) الله
أكبر اللهم العن فلانا... إلى آخره) ظاهر في أنه دعا عليه في أول تكبيرة ثم لم
يزل يكرر ذلك في كل تكبيرة.
وبالجملة فإنك قد عرفت مما قدمنا ذكره في المطلب الأول أن المخالف لا يصلى
عليه إلا أن تجلئ التقية إلى ذلك، وحينئذ فمتى صلى عليه فهو مخير بين الدعاء عليه
بعد كل تكبيرة - كما هو ظاهر خبر الحسين (ع) بالتقريب الذي ذكرناه، وعليه
يحمل ما بعده أيضا من خبري الحلبي ومحمد بن مسلم فإنهما ظاهران في الاطلاق -
وبين الدعاء بعد الرابعة كما هو صريح عبارة كتاب الفقه الرضوي. وأما روايتا
أم سلمة وإسماعيل بن همام (1) فقد عرفت أنهما مخصوصتان بمنافقي أهل زمانه صلى الله عليه وآله
لأجل تألف الناس، مع الخبرين ليس فيهما دعاء له ولا عليه. والله العالم.
الخامس - روى الصدوق في كتاب العلل بسنده عن أبي بصير (2) قال:
(قلت لأبي عبد الله (ع) لأي علة تكبر على الميت خمس تكبيرات ويكبر مخالفونا
أربع تكبيرات؟ قال لأن الدعائم التي بنى عليها الاسلام خمس: الصلاة والزكاة والصوم
والحج والولاية لنا أهل البيت، فجعل الله للميت من كل دعامة تكبيرة، وأنكم أقررتم
بالخمس كلها وأقر مخالفوكم بأربع وأنكروا واحدة، فمن ذلك يكبرون على موتاهم
أربع تكبيرات وتكبرون خمسا).
وروى في كتاب عيون الأخبار بسنده عن الحسن بن النضر (3) قال:
(قال الرضا (ع) ما العلة في التكبير على الميت خمس تكبيرات؟ قلت رووا أنها

(1) ص 402 و 403.
(2) الوسائل الباب 5 من صلاة الجنازة.
(3) الوسائل الباب 5 من صلاة الجنازة.
417

اشتقت من خمس صلوات. فقال هذا ظاهر الحديث فأما في وجه آخر فإن الله فرض
على العباد خمس فرائض: الصلاة والزكاة والصوم الحج والولاية فجعل للميت من كل
فريضة تكبيرة واحدة، فمن قبل الولاية كبر خمسا ومن لم يقبل الولاية كبر أربعا،
فمن أجل ذلك تكبرون خمسا ومن خالفكم يكبر أربعا).
أقول: المعنى في هذين الخبرين أن العلة في فرض الله سبحانه خمس تكبيرات
في الصلاة على الميت المؤمن هو فرض هذه الفرائض الخمس عليه في حال الحياة
فجعل له بعد الموت من كله فريضة تكبيرة، ولما كانت الشيعة الإمامية ممن وفق في
الحياة للقيام بالفرائض الخمس المذكورة كان الواجب عندهم في التكبير على الميت هذا
العدد فحصل لهم التوفيق بالفرضين حياة وموتا، والمخالف لما سلب التوفيق للقيام
بالفريضة الخامسة وهي الولاية في الحياة سلب التوفيق لتكبيرها بعد الموت، فحصل
لهم من الشبهة في الحالين الناشئة عن الخذلان وسلب التوفيق ما أوجب لهم ترك
الولاية في الحياة وترك التكبير بعد الموت.
ولعل الشبهة الموجبة لتركهم التكبير الخامس ما ورد في بعض الأخبار عنه
صلى الله عليه وآله أنه كان يكبر أربعا على بعض الأموات ولم يتفقهوا إلى أن ذلك إنما هو
في ما إذا كان الميت منافقا كما صرحت به أخبار أهل البيت (عليهم السلام)
من أنه صلى الله عليه وآله كان يصلي على بعض خمس تكبيرات وعلى أناس أربعا وأنه إذا كبر
أربع تكبيرات اتهم بالنفاق.
وربما أكد ذلك عندهم اصرار الشيعة على الخمس حيث إنهم يتعمدون مخالفتهم
وإن اعترفوا بأن السنة النبوية في ما عليه الشيعة، بل قد صرح بهذا الوجه بعض
شراح صحيح مسلم على ما نقله بعض أصحابنا (رضوان الله عليهم) حيث قال نقلا عنه:
إنما ترك القول بالتكبيرات الخمس في صلاة الجنازة لأنه صار علما للتشيع. وقال
عبد الله المالكي المغربي في كتابه المسمى بفوائد مسلم (1) - كما نقله بعض أصحابنا

(1) لم نعثر على هذين الكتابين ولكنه غير بعيد بعدما ذكر الغزالي في الوجيز ج 1 ص 47 أن تسنيم القبور أفضل من التسطيح مخالفة لشعار الروافض. (وفي المهذب ج 1
ص 107 (قال أبو علي الطبري في زماننا يسنم القبر لأن التسطيح من شعار الرافضة)
ويرجع في ذلك إلى التعليقة 2 ص 466 ج 8.
418

أيضا - أن زيدا كبر خمسا على جنازة، قال وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يكبرها، وهذا
المذهب الآن متروك لأنه صار علما على القول بالرفض. وقد أوردنا في كتابنا
سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد جملة من مخالفاتهم التي من هذا القبيل.
قال شيخنا الشهيد في الذكرى يجب فيها خمس تكبيرات لخبر زيد بن أرقم أنه
كبر على جنازة خمسا وقال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يكبرها، أورده مسلم (1) وأكثر
المسانيد، ولفظ (كان) يشعر بالدوام، والأربع وإن رويت فالاثبات مقدم على
النفي وجاز أن يكون راوي الأربع لم يسمع الخامسة أو نسيها، قال بعض العامة
الزيادة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وآله والاختلافات المنقولة في العدد من جملة
الاختلاف في المباح والكل شائع. وفي كلام بعض شراح مسلم إنما ترك القول
بالخمس لأنه صار علما للقول بالتشيع وهذا عجيب. انتهى.
هذا، وأما الأخبار الدالة على أنه صلى الله عليه وآله كان يكبر على المنافقين أربعا فإنه
لا منافاة فيها لهذه العلة المذكورة في هذين الخبرين، لأن هذه العلة إنما ذكرت بالنسبة
إلى من دخل في الاسلام وصدق به ودان به من الأنام دون من لم يصدق به من
المنافقين في زمنه (صلى الله عليه وآله) وحينئذ فصلاته عليهم أربعا الظاهر أنها إنما
وقعت للتمييز بينهم وبين المؤمنين واظهار بغضهم ونفاقهم بين العالمين، والمخالفون
لخذلانهم وسلب توفيقهم للولاية قد دخلوا في زمرتهم والتحقوا بهم. والله العالم.
السادس - لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أن الواجب في
الصلاة على الميت المؤمن خمس تكبيرات وبه استفاضت الأخبار عنهم (عليهم السلام)

(1) ج 1 ص 352 باب الصلاة على القبر من كتاب الجنائز، وأورده البيهقي في
السنن وابن ماجة والنسائي وأبو داود.
419

وقد مر جملة منها في المباحث المتقدمة ولا سيما الأخبار المتضمنة لعلة الخمس المذكورة
ومنها - ما رواه الصدوق والشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن
أبي عبد الله (ع) (1) أنه قال: (لما مات آدم فبلغ إلى الصلاة عليه فقال هبة الله
لجبرئيل تقدم يا رسول الله فصلى على نبي الله فقال جبرئيل إن الله أمرنا بالسجود
لأبيك فلسنا نتقدم أبرار ولده وأنت من أبرهم فتقدم فكبر عليه خمسا عدة الصلوات
التي فرضها الله على أمة محمد (صلى الله عليه وآله) وهي من السنة الجارية في ولده
إلى يوم القيامة).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) (2)
قال: (التكبير على الميت خمس تكبيرات).
وعن إسماعيل بن سعد الأشعري في الصحيح عن أبي الحسن الرضا (ع) (3)
قال: (سألته عن الصلاة على الميت فقال أما المؤمن فخمس تكبيرات وأما المنافق
فأربع، ولا سلام فيها).
وعن أبي بصير عن أبي جعفر (ع) (4) قال: (كبر رسول الله (صلى الله
عليه وآله) خمسا).
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) (5) قال: (التكبير على الميت خمس
تكبيرات).
وما رواه في الكافي عن أبي بكر الحضرمي (6) قال: (قال أبو جعفر (ع)
يا أبا بكر هل تدري كم الصلاة على الميت؟ قلت لا. قال خمس تكبيرات. فتدري
من أين أخذت الخمس؟ قلت لا. قال أخذت الخمس تكبيرات من الخمس صلوات
من كل صلاة تكبيرة).
وعن سليمان بن جعفر الجعفري عن أبيه عن أبي عبد الله (ع) (7) قال (قال

(1) الوسائل الباب 5 من صلاة الجنازة.
(2) الوسائل الباب 5 من صلاة الجنازة.
(3) الوسائل الباب 5 من صلاة الجنازة.
(4) الوسائل الباب 5 من صلاة الجنازة.
(5) الوسائل الباب 5 من صلاة الجنازة.
(6) الوسائل الباب 5 من صلاة الجنازة.
(7) الوسائل الباب 5 من صلاة الجنازة.
420

رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن الله فرض الصلاة خمسا وجعل للميت من كل
صلاة تكبيرة).
وما رواه الشيخ عن قدامة بن زائدة (1) قال: (سمعت أبا جعفر (ع) يقول إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلى على ابنه إبراهيم فكبر عليه خمسا) إلى
غير ذلك من الأخبار.
ومقتضى ذلك أنه لا يجوز الزيادة على ذلك بقصد أنها من الصلاة لأنه
تشريع محض. وهل تبطل الصلاة بالزيادة؟ قيل لا لخروجه بالخامسة من الصلاة.
ولا يجوز النقيصة عن ذلك إلا مع إمكان التدارك.
وأما ما يدل على خلاف ذلك - مثل ما رواه الشيخ عن جابر (2) قال:
(سألت أبا جعفر (ع) عن التكبير على الجنازة هل فيه شئ مؤقت؟ فقال لا
كبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحد عشر وتسعا وسبعا وخمسا وستا وأربعا) -
فقد أجاب الشيخ عنه فقال: ما تضمن هذا الخبر من زيادة التكبير على
الخمس مرات متروك بالاجماع، ويجوز أن يكون (ع) أخبر عن فعل النبي (صلى الله
عليه وآله) بذلك لأنه كان يكبر على جنازة واحدة أو اثنتين فكان يجاء بجنازة
أخرى فيبتدئ من حيث انتهى خمس تكبيرات فإذا أضيف إلى ما كان كبر زاد على
الخمس تكبيرات، وذلك جائز على ما سنبينه في ما بعد إن شاء الله تعالى. وأما ما يتضمن
من الأربع تكبيرات فمحمول على التقية لأنه مذهب المخالفين (3) أو يكون أخبر
عن فعل النبي (صلى الله عليه وآله) مع المخالفين والمتهمين بالاسلام لأنه (صلى الله
عليه وآله) كذا كان يفعل. انتهى.
وربما حمله بعض الأصحاب على الاستحباب إذا التمس أهل الميت ذلك وفي

(1) الوسائل الباب 5 و 14 من صلاة الجنازة.
(2) الوسائل الباب 6 من صلاة الجنازة.
(3) ارجع إلى التعليقة 2 ص 404.
421

بعض الأخبار إشارة إليه. وبالجملة فالمفهوم من الأخبار هو وجوب الخمس في الصلاة
على المؤمن وأما المنافق والمخالف فالأربع كما تقدم. والله العالم.
السابع - لا يخفى أن لهذه الصلاة واجبات ومندوبات، وتحقيق الكلام في ذلك
يقع في مقامين (الأول) في ما يجب فيها:
ومنها - النية وهي قصد الفعل طاعة لله، قالوا: ولا يجب فيها التعرض
للوجه ولا للأداء والقضاء.
أقول: والأمر في النية - كما عرفت في المباحث المتقدمة - مفروع عنه عندنا
ونعني بها النية الحقيقية لا هذه النية الافتعالية كما تقدم تحقيقه.
ومنها - وجوب الاستقبال من المصلي ولا خلاف فيه، واستدلوا على ذلك
بأنه هو المنقول عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) فيجب
تحصيلا للبراءة اليقينية لعدم ثبوت شرعيتها على وجه آخر.
ومثل هذا التعليل وإن جرت لهم فيه مناقشات في غير هذا الموضع إلا أنه
في هذا الموضع مسلم الثبوت بين أصحاب تلك المناقشات.
قال في الذكرى: يجب فيها استقبال المصلي الحاقا لها بسائر الصلوات.
ولا يخفى ما فيه كيف كان فيقين البراءة يقتضيه.
نعم إنما يجب ذلك مع الامكان فلو تعذر من المصلي أو الجنازة كالمصلوب
الذي يتعذر إنزاله سقط الوجوب.
وروى الكليني في الصحيح إلى أبي هاشم الجعفري (1) قال: (سألت الرضا
(ع) عن المصلوب فقال أما علمت أن جدي صلى على عمه؟ قلت أعلم ذلك ولكني
لا أفهمه مبينا. قال أبينه لك: إن كان وجه المصلوب إلى القبلة فقم على منكبه الأيمن
وإن كان قفاه إلى القبلة فقم على منكبه الأيسر فإن بين المشرق والمغرب قبلة وإن
كان منكبه الأيسر إلى القبلة فقم على منكبه الأيمن وإن كان منكبه الأيمن إلى القبلة

(1) الوسائل الباب 35 من صلاة الجنازة.
422

فقم على منكبه الأيسر، وكيف كان منحرفا فلا تزايلن مناكبه وليكن وجهك إلى ما
بين المشرق والمغرب ولا تستقبله ولا تستدبره البتة. قال أبو هاشم وقد فهمته
إن شاء الله تعالى فهمته والله).
قال في الذكرى: وهذه الرواية وإن كانت غريبة نادرة كما قال الصدوق وأكثر
الأصحاب لم يذكروا مضمونها في كتبهم إلا أنه ليس لها معارض ولا راد، وقد قال
أبو الصلاح وابن زهرة يصلي على المصلوب ولا يستقبل وجهه الإمام في التوجه فكأنهما
عاملان بها، وكذا صاحب الجامع الشيخ نجيب الدين بن سعيد، والفاضل في المختلف
قال إن عمل بها فلا بأس، وابن إدريس نقل عن بعض الأصحاب أنه إن صلى عليه
وهو على خشية استقبل بوجهه وجه المصلى عليه ويكون هو مستدبر القبلة، ثم
حكم بأن الأظهر إنزاله قد بعد الثلاثة والصلاة عليه. قلت هذا النقل لم أظفر به
وانزاله قد يتعذر كما قضية زيد (ع). انتهى.
وقال في المختلف بعد ذكر الحكم المذكور: ويحمل الصلب على من وجب عليه
قودا وفي حق المحارب إذا قتل فإنه يقتل ويصلب بعد أن يؤمر بالغسل والكفن.
ومنها - القيام مع القدرة اجماعا ومع العجز يصلي بحسب الامكان، قال في
الذكرى بعد دعوى الاجماع على وجوبه: بل هو الركن الأظهر لأن النبي (صلى الله
عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) والصحابة صلوا عليها قياما والتأسي واجب
خصوصا في الصلاة لقول النبي (صلى الله عليه وآله) (1) (صلوا كما رأيتموني
أصلي) ولأن الأصل بعد شغل الذمة عدم البراءة إلا بالقيام فيتعين. انتهى.
والكلام فيه كما عرفت في الأول لأنه مسلم الصحة بينهم لا راد ولا مناقش فيه.
وفي الاكتفاء بصلاة العاجز مع وجود من يمكنه القيام اشكال، من
صدق الصلاة الواجبة بالنسبة إلى ذلك المصلي، ومن نقصها ووجود من يأتي بالصلاة
الكاملة. ورجح في المدارك الثاني معللا بأن الأصل عدم السقوط بغير الصلاة الكاملة

(1) مسند أحمد ج 5 ص 53.
423

وجعل الأول احتمالا. وظاهره في الذكرى وكذا الفاضل الخراساني في الذخيرة
التوقف، وهو كذلك لعدم الدليل الواضح في المقام.
ومنها - وجوب الستر مع الامكان على خلاف فيه، فجزم العلامة (قدس سره)
بعدم اعتباره، قال لأنه دعاء. وقال في الذكرى: الأقرب وجوب ستر العورة مع
الامكان الحاقا لها بسائر الصلوات وبحكم التأسي. ثم قال: وقال الفاضل ليس الستر
شرطا في صلاة الجنازة لأنها دعاء. وثم أجاب عنه وقال: قلت لا ريب أنها تسمى
صلاة وإن اشتملت على الدعاء فتدخل تحت عموم الصلاة، ويعارض بوجوب القيام
والاستقبال فيها. انتهى.
أقول: لا يخفى ما في كلامه (قدس سره) من الوهن وتطرق المناقشة إليه
بأن الاطلاق أعم من الحقيقة، والاستدلال على الوجوب بالالحاق بسائر الصلوات
والتأسي مجازفة محضة في الأحكام الشرعية المطلوب فيها الثبوت بالأدلة القطعية دون
مجرد التخمينات الظنية وإلا كان قولا على الله بغير علم، وقد استفاضت الآيات
والروايات بالنهي عنه، ومن ذلك يظهر لك أن لا مستند لهم في جميع هذه الأحكام
أزيد من الاتفاق الاجماع الذي يدعونه، فإن جميع ما ذكروه من هذه التعليلات
العليلة وإن جرى الخلف فيها على ما جرى عليه السلف لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية، وليس في المقام دليل شرعي يمكن التمسك به سوى الاحتياط فإنه في مواضع
الاشتباه واجب كما قدمنا تحقيقه في غير مقام.
قال في الذكرى: وفي وجوب إزالة الخبث عنه وعن ثوبه نظر من الأصل
وأنها دعاء وأخفية الخبث بالنسبة إلى الحدث ومن ثم صحت الصلاة مع الخبث
لا مع بقاء حكم الحدث، ومن اطلاق التسمية بالصلاة التي يشترط فيها ذلك
والاحتياط. ولم أقف في هذا على نص ولا فتوى. انتهى.
أقول: ضعف الوجه الثاني أظهر من أن يحتاج إلى بيان، سيما بعد ما عرفت
في ما قدمناه مما ظاهرهم الاتفاق عليه في هذا المكان، ويزيده تأييدا ما في موثقة
424

يونس بن يعقوب (1) (في الصلاة على الجنازة من غير وضوء؟ قال نعم إنما هو
تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل كما تكبر وتسبح كما تكبر وتسبح في بيتك) وما في صحيحة الحلبي الواردة
في جواز الصلاة حين تغيب الشمس وحين تطلع (2) قال (إنما هو استغفار).
ومنها - وجوب الاستقبال بالميت بأن يوضع رأسه عن يمين المصلي مستلقيا
ورجلاه إلى يسار المصلي، قال ابن حمزة بحيث لو اضطجع على يمينه لكان بإزاء القبلة
وعللوه بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وآله والأئمة (عليهم السلام) وعدم يقين الخروج من
العهدة بدونه.
والأظهر الاستدلال عليه بما رواه الشيخ في الموثق عن عمار عن أبي عبد الله
(ع) (3) (أنه سئل عن ميت صلى عليه فلما سلم الإمام فإذا الميت مقلوب رجلاه
إلى موضع رأسه قال: يسوى وتعاد الصلاة عليه وإن كان قد حمل ما لم يدفن فإن
دفن فقد مضت الصلاة ولا يصلى عليه وهو مدفون).
والحكم المذكور مما لا خلاف فيه بينهم، لكن ينبغي أن يعلم أن ذلك إنما يعتبر
بالنسبة إلى غير المأموم ولا بد أيضا من تقييده بصورة الامكان، فلو تعذر
كالمصلوب الذي يتعذر إنزاله سقط كما تقدم (4) في صلاة الصادق (ع) على عمه
زيد مصلوبا.
ومنها - أنهم صرحوا بأنه لا يجوز الصلاة عليه إلا بعد تغسيله وتكفينه إلا أن يتعذر الكفن فإنه يجعل في قبره وتستر عورته ويصلى عليه.
والحكم الأول مما ظاهرهم الاتفاق عليه، قال المدارك: هذا قول العلماء
كافة لأن النبي صلى الله عليه وآله هكذا فعل وهكذا الصحابة والتابعون فيكون الاتيان بخلافه
تشريعا محرما.

(1) الوسائل الباب 21 من صلاة الجنازة
(2) الوسائل الباب 20 من صلاة الجنازة.
(3) الوسائل الباب 19 من صلاة الجنازة
(4) في حديث أبي هاشم ص 422.
425

والأظهر في الاستدلال على عدم الجواز في الصورة المذكورة هو وجوب
الاحتياط في مقام الاشتباه (حلال بين وحرام بين شبهات بين ذلك) (1) والحكم
الشرعي في الشبهات هو الوقوف عن الفتوى والعمل بالاحتياط في مقام العمل
وفعل ذلك الشئ، وحينئذ فالأحوط وجوبا أن لا يصلى عليه إلا بعد الغسل والتكفين
وأما الحكم الثاني فيدل عليه ما رواه الشيخ والصدوق في الموثق عن عمار بن
موسى الساباطي (2) قال: (قلت لأبي عبد الله (ع) ما تقول في قوم كانوا في سفر
لهم يمشون على ساحل البحر فإذا هم برجل ميت عريان قد لفظه البحر وهم عراة وليس
عليهم إلا إزار كيف يصلون عليه وهو عريان وليس معهم ثوب يكفنونه به؟
قال يحفر له ويوضع في لحده ويوضع اللبن على عورته فتستر عورته باللبن وبالحجر
ثم يصلى عليه ثم يدفن. قلت فلا يصلى عليه إذا دفن... الحديث).
وما رواه في التهذيب عن محمد بن أسلم عن رجل من أهل الجزيرة (3)
قال: (قلت لأبي الحسن الرضا (ع) قوم كسر بهم مركب في بحر فخرجوا يمشون
على الشط فإذا هم برجل ميت عريان والقوم ليس عليهم إلا مناديل متزرين بها وليس
عليهم فضل ثوب يوارون به الرجل فكيف يصلون عليه وهو عريان؟ فقال إذا لم
يقدروا على ثوب يوارون به عورته فليحفروا قبره ويضعوه في لحده ويوارون
عورته بلبن أو أحجار أو تراب ثم يصلون عليه ثم يوارونه في قبره. قلت ولا
يصلون عليه وهو مدفون بعد ما يدفن؟ قال لا لو جاز ذلك لأحد لجاز
لرسول الله صلى الله عليه وآله فلا يصلى على المدفون ولا على العريان) ومقتضى اطلاق الأمر
بالستر إناطته عدم بوجود الناظر.
وذكر الشهيد في الذكرى أنه إن أمكن ستره بثوب صلى عليه قبل الوضع في
اللحد وتبعه الشهيد الثاني مصرحا بالوجوب، والرواية الثانية دالة عليه وإن كان اطلاق

(1) الوسائل الباب 12 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به
(2) الوسائل الباب 36 من صلاة الجنازة
(3) الوسائل الباب 36 من صلاة الجنازة
426

الأولى يدفعه والظاهر أنه كذلك. قال في المدارك بعد نقل كلام الذكرى: ولا
ريب في الجواز نعم يمكن المناقشة في الوجوب.
المقام الثاني في المستحبات: ومنها - أن يقف الإمام عند وسط الرجل
وصدر المرأة على المشهور، وقال الشيخ في الإستبصار إنه يقف عند رأس
المرأة وصدر الرجل.
ويدل على الأول ما رواه الشيخ في الحسن عن عبد الله بن المغيرة عن بعض
أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) (1) قال: (قال أمير المؤمنين علية السلام من صلى على امرأة
فلا يقوم في وسطها ويكون مما يلي صدرها وإذا صلى على الرجل فليقم في وسطه).
وعن جابر عن أبي جعفر (ع) (2) قال: (كان رسول الله يقوم من
الرجل بحيال السرة ومن النساء أدون من ذلك قبل الصدر).
ويدل على ما ذهب إليه الشيخ ما رواه هو وقبله الكليني عن موسى بن بكر عن
أبي الحسن (ع) (3) قال: (إذا صليت على المرأة فقم عند رأسها وإذا صليت على
الرجل فقم عند صدره، والشيخ في التهذيب حمل الصدر في هذا الخبر على الوسط
والرأس على الصدر، قال لأنه يعبر عن الشئ باسم ما يجاوره، والأظهر الجمع بين
الأخبار بالتخيير.
ومنها - استحباب الطهارة والظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان
الله عليهم) في عدم اشتراط الطهارة من الحدث في الصلاة على الميت، نقل اتفاقهم
عليه العلامة في التذكرة.
ويدل عليه جملة من الأخبار: منها - ما رواه الكليني في الصحيح عن محمد بن
مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (4) قال: (سألته عن الرجل تفجأه الجنازة
وهو على غير طهر؟ قال فليكبر معهم).
وما رواه الكليني والشيخ في الموثق وابن بابويه باسناد فيه ضعف عن يونس

(1) الوسائل الباب 27 من صلاة الجنازة.
(2) الوسائل الباب 27 من صلاة الجنازة.
(3) الوسائل الباب 27 من صلاة الجنازة.
(4) الوسائل الباب 21 من صلاة الجنازة.
427

ابن يعقوب (1) قال: (سألت أبا عبد الله علية السلام عن الجنازة أصلي عليها على غير
وضوء؟ فقال نعم إنما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل كما تسبح وتكبر في بيتك
على غير وضوء).
وعن محمد بن مسلم في الصحيح أو الحسن (2) قال: (سألت أبا عبد الله (ع)
عن الحائض تصلي على الجنازة؟ قال نعم ولا تقف معهم تقف مفردة كذا في
التهذيب، وفي الكافي (3) (ولا تصف معهم).
وعن عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (ع) (4) قال: (قلت
تصلي الحائض على الجنازة؟ قال نعم ولا تصف معهم وتقوم مفردة).
وما رواه الشيخ عن سماعة في الموثق عن أبي عبد الله (ع) (5) (عن
المرأة الطامث إذا حضرت الجنازة؟ قال تتيمم وتصلي عليها وتقوم وحدها بارزة
عن الصف)
وعن عبد الله بن المغيرة غن رجل عن أبي عبد الله (ع) (6) قال: (سألته عن
الحائض تصلي على الجنازة؟ فقال نعم. ولا تقف معهم والجنب يصلي على الجنازة)
وقال (ع) في الفقه الرضوي (7): ولا بأس أن يصلى الجنب على الجنازة
والرجل على غير وضوء الحائض إلا أن الحائض تقف ناحية ولا تختلط بالرجال
وإن كنت جنبا وتقدمت للصلاة عليها فتيمم أو توضأ وصل عليها، وقد أكره أن
يتوضأ انسان عمدا للجنازة لأنه ليس بالصلاة إنما هو التكبير، والصلاة هي التي فيها
الركوع والسجود. انتهى.
أقول: ما دل عليه جملة من هذه الأخبار من تأخر الحائض يحتمل أن يكون
المراد تأخرها ولو عن من تكون بصفها من النساء كما هو ظاهر الأصحاب، قال في

(1) الوسائل الباب 21 من صلاة الجنازة.
(2) الوسائل الباب 22 من صلاة الجنازة.
(3) الوسائل الباب 22 من صلاة الجنازة.
(4) الوسائل الباب 22 من صلاة الجنازة.
(5) الوسائل الباب 22 من صلاة الجنازة.
(6) الوسائل الباب 22 من صلاة الجنازة.
(7) ص 19.
428

التذكرة: وإذا صلوا جماعة ينبغي أن يتقدم الإمام والمؤتمون خلفه صفوفا، وإن
كان فيهم نساء وقفن أخر الصفوف، وإن كان فيهم حائض انفردت بارزة عنهم
وعنهن. ونحوه قال في المنتهى.
ويحتمل أن يكون المراد تأخرها عن صف الرجال فلا اختصاص له بالحائض
بل هذا حكم مطلق النساء، ويؤيده لفظ الرجال في عبارة كتاب الفقه الرضوي
وتذكير ضمير (معهم) في الروايات المتقدمة، ومن ثم قال في الذكرى: وفي انفراد
الحائض هنا نظر، من خبر محمد بن مسلم فإن الضمير يدل على الرجال واطلاق
الانفراد يشمل النساء، وبه قطع في المبسوط وتبعه ابن إدريس والمحقق. انتهى.
والاستدلال بهذه الأخبار على تأخرها عن النساء كما ذكره الأصحاب
(رضوان الله عليهم) لا يخلو من الاشكال ولم أقف على غيرها في هذا المجال.
وأما ما اشتملت عليه عبارة كتاب الفقه الرضوي من الوضوء للجنب فلم أقف
عليه إلا في الكتاب دون غيره من الأخبار وكلام الأصحاب وإنما المذكور التيمم
للمحدث وإن أمكن الغسل والوضوء. وأما قوله: (وأكره أن يتوضأ انسان عمدا
للجنازة) فالظاهر أن المراد بقوله عمدا يعني بنية الوجوب إذ لا خلاف في
الاستحباب نصا وفتوى. والله العالم.
وأما ما يدل على الحكم الأول فمنه ما رواه الكليني والشيخ عنه عن صفوان بن
يحيى عن عبد الحميد بن سعد (1) قال: (قلت لأبي الحسن الجنازة يخرج بها
ولست على وضوء فإن ذهبت ا توضأ فأتتني الصلاة أيجزئني أن أصلي عليها وأنا على غير
وضوء؟ قال تكون على طهر أحب إلى).
وقد تقدم في باب التيمم جوازه مع وجود الماء في صلاة الجنازة إذا خاف
فوت الصلاة محافظة على الطهارة بالممكن.

(1) الوسائل الباب 21 من صلاة الجنازة.
429

ويدل عليه ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن (1) قال: (سئل أبو عبد الله
عن الرجل تدركه الجنازة وهو على غير وضوء فإن ذهب يتوضأ فأتته الصلاة
عليها؟ قال يتيمم ويصلي).
وأطلق الشيخ وجماعة جواز التيمم لصلاة الجنازة مع وجود الماء لموثقة
سماعة (2) قال (سألته عن رجل مرت به جنازة وهو على غير وضوء كيف
يصنع؟ قال يضرب بيديه على حائط اللبن فيتيمم).
أقول: يمكن تقييد اطلاقها بما دلت عليه رواية الحلبي المذكورة من خوف
فوت الصلاة فلا يحتاج إلى الطعن فيها بضعف السند كما ذكره في المدارك.
ومنها - استحباب نزع النعلين حال الصلاة وهو مذهب الأصحاب (رضوان
الله عليهم) لا يعلم فيه مخالف كما ذكره غير واحد منهم.
والأصل فيه ما رواه الشيخ عن سيف بن عميرة عن أبي عبد الله (ع) (3)
قال (لا يصلى على الجنازة بحذاء ولا بأس بالخف) وهو مؤذن بتخصيص النهي
بالنعل خاصة كما هو المصرح به في كلام الأصحاب لأن الحذاء هو النعل، قال في
النهاية الحذاء بالمد النعل.
واستحب المحقق في المعتبر الحفاء، قال لأنه موضع اتعاظ فناسب التذلل
بالحفاء ولقول النبي صلى الله عليه وآله (4) (من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار
وقال الصدوق في الفقيه: وقال أبي في رسالته إلى (لا تصل على الجنازة بنعل
حذو ولا تجعل ميتين على جنازة).
أقول: هذه العبارة عين كلام الرضا (ع) في كتاب الفقه الرضوي وكذا

(1) الوسائل الباب 21 من صلاة الجنازة. والراوي هو الحلبي
(2) الوسائل الباب 21 من صلاة الجنازة.
(3) الوسائل الباب 26 من صلاة الجنازة.
(4) الجامع الصغير للسيوطي ج 2 ص 164.
430

ما ذكره في الفقيه بعدها أيضا حيث قال: ولا تصل على الجنازة بنعل حذو
ولا تجعل ميتين على جنازة واحدة... إلى آخره.
قيل أراد بالنعل الانتعال وهو لبس النعل، وفي الصحاح: نعلت وتنعلت إذا
احتذيت. وإضافته إلى الحذو لعله بمعنى الحذاء للتوضيح. وقيل يحتمل أن يكون
مرادهم بنعل الحذو والحذاء غير العربية من النعال الهندية والعجمية الساترة لظهر
القدم أو أكثره بغير ساق.
وقال الصدوق في المقنع على ما نقله في الذكرى: وروي أنه لا يجوز للرجل
أن يصلي على الجنازة بنعل حذو، وكان محمد بن الحسن يقول: كيف تجوز صلاة الفريضة
ولا تجوز صلاة الجنازة. وكان يقول لا نعرف النهي عن ذلك إلا من رواية محمد بن
موسى الهمداني (1) وكان كذابا، وقال الصدوق: وصدق في ذلك إلا أني لا أعرف
عن غيره رخصة وأعرف النهي وإن كان من غير ثقة ولا يرد الخبر بغير خبر
معارض. قال في الذكرى بعد نقل ذلك: قلت: وروى الكليني عن عدة عن سهل
ابن زياد عن إسماعيل بي مهران عن سيف بن عميرة ما قلناه (2) وهذا طريق غير
طريق الهمداني إلا أن يفرق بين الحذاء ونعل الحذو. انتهى.
أقول: لا يخفى أن ظاهر كلام الصدوق في عدوله عن مذهب شيخه هنا أن
الخبر وإن كان ضعيفا عنده فإنه يعمل به إذا لم يكن معارض أقوى وأما مع وجود
المعارض الأقوى فإنه يطرح ولا يجب تحصيل وجه يحمل عليه، وهو خلاف
ما عليه ظهر الأصحاب قديما وحديثا، فإن الظاهر من كلامهم - كما دلت عليه الآية
والرواية (3) - أن خبر الفاسق من كذاب وغيره لا يثبت به حكم شرعي فكيف

(1) الرواية المشار إليها لم نقف عليها في كتب الحديث. والعبارة المنقولة عن المقنع
لم نجدها في المقنع المطبوع في مظانها.
(2) ص 430
(3) أما الآية فقوله تعالى في سورة الحجرات الآية 6 (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا)
وأما الرواية فيمكن أن يستفاد ذلك من ما ورد في الباب 11 من صفات القاضي وما يجوز
أن يقضي به من الوسائل من الأحاديث الظاهرة في إناطة أخذ الحكم من الراوي بكونه
ثقة ومأمونا، وتعضده الأخبار الواردة في عدم قبول شهادة الفاسق في الباب 30 من
الشهادات من الوسائل.
431

يتوقف رده على خبر معارض؟ وأعجب من ذلك عدم تنبه شيخنا الشهيد (قدس
سره) لما قلناه.
والعجب أيضا من شيخنا الصدوق أن عبارة أبيه في الرسالة إليه المأخوذة كما
عرفت من كتاب الفقه الرضوي الذي اعتمد عليه هو وأبوه في جميع أبواب الفقه مما
عرفت وستعرف إن شاء الله تعالى قد دلت على النهي عن ذلك فكيف لم يستند
إلى ذلك واستند إلى رواية الهمداني مع اعترافه بأن راويها كذاب. اللهم إلا أن يقال
إن عبارة كتاب الفقه لا صراحة فيها في الدلالة على التحريم كما هو ظاهر عبارته
في المقنع من قوله (لا يجوز) والكلام إنما هو في التحريم كما تؤذن به هذه العبارة
وحينئذ يكون هذا بحثا آخر خارجا عن ظاهر كلام الأصحاب. والله العالم.
ومنها - استحباب ترتيب الجنائز متى تعددت بالذكورة والأنوثة والصغر
والكبر والحرية والمملوكية.
وينبغي أن يعلم أولا أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) كما
نقله في المنتهى في جواز الصلاة الواحدة على الجنائز المتعددة. واستشكل جمع من
الأصحاب الصلاة الواحدة في صورة اجتماع الصبي الذي لم يبلغ الست مع غيره ممن
تجب الصلاة عليه لاختلاف الوجه، والحق أنه لا اشكال بحمد الملك المتعال كما
سيأتي بيانه في المقام إن شاء الله تعالى.
وقد صرح جملة من الأصحاب بأن الأفضل التفريق بأن يصلى على كل جنازة
على حيالها قال في الذكرى: والتفريق أفضل ولو كان على كل طائفة لما فيه من
تكرار ذكر الله وتخصيص الدعاء الذي هو أبلغ من التعميم، إلا أن يخاف حدوث
أمر على الميت فالصلاة الواحدة أولى فيستحب إذا اجتمع الرجل والمرأة محاذاة
432

صدرها لوسطه ليقف الإمام موقف الفضيلة وأن يلي الرجل الإمام ثم الصبي لست
ثم العبد ثم الخنثى ثم المرأة ثم الطفل لدون ست ثم الطفلة، وجعل ابن الجنيد
الخصي بين الرجل والخنثى، ونقل في الخلاف الاجماع على تقديم الصبي الذي
تجب عليه الصلاة إلى الإمام على المرأة، ثم قال: وأطلق الصدوقان تقديم الصبي إلى
الإمام. وفي النهاية أطلق تقديم الصبي إلى القبلة. انتهى.
أقول: ما ذكره من تقييد الطفل بكونه لدون ست سنين مبني على ما قدمنا نقله
عنهم مما اشتهر بينهم أنه يستحب الصلاة عليه حيث إنهم جعلوا ذلك وجه جمع بين
أخبار المسألة، ومن أجل ذلك استشكل بعضهم - كما قدمنا ذكره - في الصلاة الواحدة
في هذه الحال لاختلاف الوجه.
قال في المدارك - بعد قول المصنف ولو كان طفلا جعل وراء المرأة - ما لفظه
المراد بالطفل هنا من لا تجب الصلاة عليه كما نص عليه في المعتبر، واستدل على
استحباب جعله وراء المرأة بأن الصلاة لا تجب عليه وتجب على المرأة ومراعاة
الواجب أولى فتكون مرتبتها أقرب إلى الإمام. وقال ابنا بابويه يجعل الصبي إلى
الإمام والمرأة إلى القبلة وأسنده المصنف في المعتبر إلى الشافعي (1) واستحسنه لما
رواه الشيخ عن ابن بكير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (ع) (2) قال: (توضع
النساء مما يلي ا لقبلة والصبيان دونهن والرجال دون ذلك) قال: وهذه الرواية وإن
كانت ضعيفة لكنها سليمة من المعارض ولا بأس به. واستشكل جمع من الأصحاب
الاجتزاء بالصلاة الواحدة هنا لاختلاف الوجه، وصرح العلامة في التذكرة بعدم

(1) في الأم ج 1 ص 244 (إذا اجتمعت جنائز رجال ونساء وصبيان خناثى
جعل الرجال مما يلي الإمام وقدم إلى الإمام أفضلهم ثم الصبيان يلونهم ثم الخناثى يلونهم ثم
النساء خلفهم مما يلي القبلة) وفي الوجيز ج 1 ص 46 (إذا اجتمعت الجنائز يقرب من
الإمام الرجل ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة).
(2) الوسائل الباب 32 من صلاة الجنازة.
433

جواز جمع الجميع بنية واحدة متحدة الوجه. ثم قال ولو قيل باجزاء الواحدة المشتملة
على الوجهين بالتقسيط أمكن. وهو مشكل لأن الفعل الواحد الشخصي لا يتصف
بوصفين متنافيين. وقال في الذكرى إنه يمكن الاكتفاء بنية الوجوب لزيادة الندب
تأكيدا. وهو مشكل أيضا لأن الوجوب مضاد للندب فلا يكون مؤكدا له.
والحق أنه إن لم يثبت الاجتزاء بالصلاة الواحدة بنص أو اجماع وجب نفيه لأن
العبادة كيفية متلقاة من الشارع فيقف اثباتها على النقل، وإن ثبت الاجتزاء بذلك
كان الاشكال مندفعا بالنص كما في تداخل الأغسال الواجبة والمستحبة، وعلى هذا
فيكون المراد أن الغرض المطلوب من الصلاة على الطفل يتأدى بالصلاة الواجبة على
هذا الوجه كما تتأدى وظيفة غسل الجمعة بايقاع غسل الجنابة في ذلك اليوم. انتهى.
وإنما أطلنا الكلام بنقله بالتمام لتطلع بذلك على كلامهم في المقام وما وقع
لهم من النقض والابرام وإن كان نفخا في غير ضرام كما لا يخفى على من أعطى التأمل
حقه في أخبارهم (عليهم السلام).
وذلك أن منشأ الشبهة التي أوجبت لهم هذا الاضطراب والوقوع في هذا
الاشكال الذي اختلفت في المخرج عنه كلمة الأصحاب هو الأخبار الدالة على مذهب
ابن الجنيد وهو وجوب الصلاة على من استهل وإن لم يبلغ ست سنين، وهم قد
جمعوا بينها وبين الأخبار المقيدة للوجوب بست سنين بالحمل على الاستحباب كما
هي القاعدة عندهم في جميع الأبواب، ونحن قد أوضحنا في ما تقدم (1) خروجها
مخرج التقية بغير شك ولا ارتياب، والصبيان الذين قد تضمنتهم مرسلة ابن بكير
المذكورة إنما أريد بهم من تجب الصلاة عليه ممن بلغ ست سنين فصاعدا لا الأطفال
الذين لم يبلغوا ذلك. ومع فرض التصريح بالأطفال الذين لم يبلغوا هذا المبلغ فإنه
يجب حمل الرواية على التقية لو كان الأمر كذلك كما حملت عليه تلك الأخبار.
وأما ما نقله عن ابن بابويه من قوله: (يجعل الصبي إلى الإمام والمرأة إلى

(1) ارجع إلى التعليقة 3 ص 367 و ص 370.
434

القبلة) فإنما أراد به الصبي الذي تجب الصلاة عليه لا الطفل الذي هو محل البحث
وكيف لا وهو قد روى في الكتاب صحيحة زرارة وعبيد الله بن علي الحلبي (1)
الدالة على (أن الصبي تجب عليه الصلاة إذا عقل الصلاة. قلت متى تجب الصلاة
عليه؟ قال إذا كان ابن ست سنين ثم قال وصلى أبو جعفر عليه السلام على ابن له صبي
صغير له ثلاث سنين. ثم قال لولا أن الناس يقولون إن بني هاشم لا يصلون على
الصغار من أولادهم ما صليت عليه، وهذا مضمون صحيحة زرارة التي قدمناها في
تلك المسألة (2) ومن هنا يعلم أن مذهبه موافق للمشهور في تخصيص الوجوب بمن بلغ
ستا وأن من نقص عن ذلك إنما يصلى عليه تقية، وحينئذ فكيف ينظم عبارته
بمجرد تضمنها لفظ الصبي في هذه المسألة المخصوصة ويخصها بمن لم يبلغ هذا المقدار.
وبالجملة فإن نقل الرواية المذكورة وكلام الصدوق المذكور هنا مغالطة أو غفلة ظاهرة.
وبذلك يظهر لك ما في قوله: وأسنده المصنف في المعتبر إلى الشافعي واستحسنه
لما رواه.. إلى آخره. ثم قال ولا بأس به، فإن فيه أن قول الشافعي (3) بذلك
إنما هو لوجوب الصلاة عندهم على الأطفال الذين لم يبلغوا الست (4) كما هو مذهب
ابن الجنيد فهو صحيح على مذهبهم وأما عندنا فلا، والخبر الذي قد استند إليه قد
عرفت الوجه فيه، وبه يظهر أن نفيه البأس عن ذلك محل البأس بلا شبهة ولا
التباس. على أنه لم يقم لنا دليل على اعتبار نية الوجه لا في هذا الموضع ولا في
غيره، فالاشكال بسبب ذلك كما ذكروه ليس في محله كما لا يخفى على من راجع ما حققناه
في بحث النية في كتاب الطهارة.
ثم إنه مما يدل على تقديم الرجل إلى الإمام وتأخير المرأة أخبار عديدة منها
صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (5) قال: (سألته عن الرجال

(1) ص 367 و 368
(2) ص 367 و 368
(3) ارجع إلى التعليقة 1 ص 433
(4) ارجع إلى التعليقة 3 ص 367.
(5) الوسائل الباب 32 من صلاة الجنازة.
435

والنساء كيف يصلى عليهم؟ قال الرجال إمام النساء مما يلي الإمام يصف بعضهم
على أثر بعض).
وصحيحة زرارة والحلبي عن أبي عبد الله (ع) (1) قال: (في الرجل والمرأة
كيف يصلى عليهما؟ قال يجعل الرجل والمرأة ويكون الرجل مما يلي الإمام).
وقال في كتاب الفقه الرضوي (2): فإذا اجتمع جنازة رجل وامرأة
وغلام ومملوك فقدم المرأة إلى القبلة واجعل المملوك بعدها واجعل الغلام بعد
المملوك والرجل بعد الغلام مما يلي الإمام ويقف الإمام خلف الرجل في وسطه ويصلى
عليهم جميعا صلاة واحدة.
ومما يدل على تقديم الحر على العبد والكبير على الصغير رواية طلحة بن زيد
عن أبي عبد الله (ع) (3) قال: (كان إذا صلى على المرأة والرجل قدم المرأة
وأخر الرجل، وإذا صلى على العبد والحر قدم العبد وأخر الحر، وإذا صلى على
الصغير والكبير قدم الصغير وأخر الكبير)، بحمل التقديم فيها على التقديم إلى القبلة
جمعا بينها وبين الأخبار المتقدمة.
ويحتمل أن يكون هذا الخبر على وجه الجواز والتخيير بين الأمرين،
ويؤيده ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبيد الله الحلبي (4) قال: (سألته
عن الرجل والمرأة يصلى عليهما قال يكون الرجل بين يدي المرأة مما يلي القبلة فيكون
رأس المرأة عند وركى الرجل مما يلي يساره ويكون رأسها أيضا مما يلي يسار الإمام
ورأس الرجل مما يلي يمين الإمام) فإن هذا الخبر كما ترى ظاهر بل صريح في خلاف
الصورة المتقدمة، ولا طريق إلى الجمع بينه وبين ما قدمناه من الأخبار إلا بالقول
بالتخيير كما هو ظاهر الشيخ في الإستبصار.
ومما يدل على كون الترتيب المذكور على وجه الاستحباب دون الوجوب
صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) (5) قال: (لا بأس بأن يقدم الرجل

(1) الوسائل الباب 32 من صلاة الجنازة
(2) ص 19.
(3) الوسائل الباب 32 من صلاة الجنازة
(4) الوسائل الباب 32 من صلاة الجنازة
(5) الوسائل الباب 32 من صلاة الجنازة
436

وتؤخر المرأة ويؤخر الرجل وتقدم المرأة يعني في الصلاة على الميت) ويحتمل
ما عرفت من التخيير أيضا، وبالأول قال في التهذيب وبالثاني في الإستبصار، والظاهر أنه الأقرب لما عرفت من صحيحة عبيد الله الحلبي المذكورة.
ثم إن أطلاق أكثر الأخبار الواردة في المقام دال على وضع الجنائز مع
الاختلاف قدام الإمام بأن تكون في صف واحد إلى جهة القبلة كل ميت بجنب
الآخر، إلا أنه يقدم من حقه التقديم إلى الإمام ويؤخر من حقه التأخير على
ما تقدم في عبارة الذكرى.
وظاهر موثقة عمار أنه متى تعددت الجنائز جعلت صفا واحدا مثل الدرج
بحيث يحمل رأس الثاني عند ألية الأول، ولو كان فيها جنائز النساء جعلت في
الصف أيضا ولكن بعد تمام صف الرجال فيجعل رأس المرأة عند ألية الرجل
الأخير وهكذا، وأن الإمام يقوم وسط الرجال.
وهي ما رواه في الموثق عن أبي عبد الله (ع) (1) (في الرجل يصلي على ميتين
أو ثلاثة موتى كيف يصلى عليهم؟ قال إن كان ثلاثة أو اثنين أو عشرة أو
أكثر من ذلك فليصل عليهم صلاة واحدة، يكبر عليهم خمس تكبيرات كما يصلى على
ميت واحد وقد صلى عليهم جميعا: يضع ميتا واحدا ثم يجعل الآخر إلى ألية الأول
ثم يجعل رأس الثالث إلى ألية الثاني شبه المدرج حتى يفرغ منهم كلهم ما كانوا، فإذا
سواهم هكذا قام في الوسط فكبر خمس تكبيرات يفعل كما يفعل إذا صلى على ميت واحد
سئل فإن كان الموتى رجالا ونساء؟ قال يبدأ بالرجال فيجعل رأس الثاني إلى ألية الأول
حتى يفرغ من الرجال كلهم ثم يجعل رأس المرأة إلى ألية الرجل الأخير ثم يجعل
رأس المرأة الأخرى إلى ألية المرأة الأولى حتى يفرغ منهم كلهم، فإذا سوى هكذا
قام في الوسط وسط الرجال فكبر وصلى عليهم كما يصلي على ميت واحد).
قال في الذكرى: لو اجتمع الرجال صفوا مدرجا يجعل رأس الثاني إلى

(1) الوسائل الباب 32 من صلاة الجنازة.
437

ألية الأول وهكذا ثم يقوم الإمام في الوسط، ولو كان معهم نساء جعل رأس
المرأة الأولى إلى ألية الرجل الأخير ثم الثانية إلى ألية الأولى وهكذا، ثم يقوم
الإمام في وسط الرجال ويصلي عليهم صلاة واحدة، روى ذلك كله عمار عن
الصادق (ع) (1). انتهى.
أقول: رواية عمار قد رواها الكليني في الكافي (2) والشيخ في التهذيب (3) وهي
في الكافي كما نقلناه وذكره شيخنا المذكور، وأما في التهذيب فإن فيه (ثم يجعل
رأس المرأة الأخرى إلى رأس المرأة الأولى) ومثله في المنتهى، والظاهر أنه أخذه
من التهذيب، ولا يبعد أنه سهو من قلم الشيخ فإن الموافق لسياق الرواية إنما هو
ما في الكافي. وظاهر كلام شيخنا الشهيد في الذكرى تخصيص اطلاق تلك الروايات
بهذه الرواية.
وكيف كان فعندي في العمل برواية عمار اشكال، فإنه متى طال الصف وقام
الإمام في وسط الرجال فإن قرب الإمام إلى الجنازة التي يقوم بحذائها كما هو السنة
في الصلاة قلى الجنازة لزم تأخر ميمنة الصف خلفه وإن بعد على وجه تكون الميمنة
قدامه لزم خلاف السنة في الصلاة. ولم أر من تعرض لهذا الاشكال في هذا
المجال. والله العالم.
ومنها - استحباب كثرة المصلين، قال في الذكرى: يستحب كثرة المصلين
لرجاء مجاب الدعوة فيهم وفي الأربعين بلاغ، ففي الصحاح عن النبي صلى الله عليه وآله (4) (ما من
مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله
فيه) وروينا عن عمر بن يزيد عن الصادق (ع) (5) (إذا مات المؤمن فحضر جنازته

(1) الوسائل الباب 32 من صلاة الجنازة.
(2) الفروع ج 1 ص 48.
(3) ج 1 ص 344.
(4) صحيح مسلم ج 1 ص 351 وسنن البيهقي ج 4 ص 30.
(5) الوسائل الباب 90 من الدفن.
438

أربعون رجلا من المؤمنين فقالوا: اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا
قال الله تعالى قد أجزت شهادتكم وغفرت له ما عملت مما لا تعلمون) والمائة
أبلغ لما في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وآله (1) (ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين
يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه.
أقول: ومما يدل على ذلك من طريقنا ما نقله شيخنا المجلسي (قدس سره)
في البحار (2) عن كتاب الزهد للحسين بن سعيد عن إبراهيم بن أبي البلاد عن سعد
الإسكاف عن أبي جعفر قال: (كان في بني إسرائيل عابد فأعجب به داود (ع)
فأوحى الله تعالى إليه لا يعجبك شئ من أمر فإنه مراء، قال فمات الرجل فإني داود
(ع) فقيل له مات الرجل فقال ادفنوا صاحبكم قال فأنكرت ذلك بنو إسرائيل
وقالوا كيف لم يحضره؟ قال فلما غسل قام خمسون رجلا فشهدوا بالله ما يعلمون إلا
خيرا فلما صلوا عليه قام خمسون رجلا فشهدوا بالله أنهم ما يعلمون إلا خيرا
قال فأوحى الله عز وجل إلى داود (ع) ما منعك أن تشهد فلانا؟ قال الذي أطلعتني
عليه من أمره، قال إنه كان كذلك ولكن شهده قوم من الأحبار والرهبان فشهدوا
أنهم ما يعلمون إلا خيرا فأجزت شهادتهم عليه وغفرت له مع علمي فيه).
ثم قال شيخنا المذكور في تتمة كلامه المتقدم: وأقل الفضل اثنان لما في الصحاح عنه
صلى الله عليه وآله (3) (أيما مؤمن شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة. قلنا وثلاثة؟ قال وثلاثة.
قلنا واثنان؟ قال واثنان. ثم لم نسأله عن الواحد) وعنه صلى الله عليه وآله من الصحاح (4)
(أنهم مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال النبي وجبت ثم مروا بأخرى فأثنوا
عليها شرا فقال وجبت فقليل له صلى الله عليه وآله ما وجبت؟ فقال هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له

(1) صحيح مسلم ج 1 ص 350 وسنن البيهقي ج 4 ص 30.
(2) ج 18 الطهارة ص 280.
(3) صحيح البخاري باب ثناء الناس على الميت كتاب الجنائز.
(4) صحيح مسلم ج 1 ص 351 باب من يثني عليه خير أو شر
439

الجنة وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار، المؤمنون شهداء الله في الأرض) قال
الفاضل: وليكونوا ثلاثة صفوف لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله (1) (من صلى عليه ثلاثة
صفوف فقد أوجب قلت: الخبر عامي ولكن فضائل الأعمال ربما تثبت بالخبر
الضعيف. انتهى.
أقول: لا يخفى ما في اعتراضه على الفاضل بأن الخبر عامي مع أن جل
أخباره التي أوردها في المقام عامية، والاعتذار الذي ذكره مما لا يسمن ولا يغني من
جوع كما تقدم تحقيقه. والله العالم.
ومنها - استحباب رفع اليدين بالتكبيرات كملا، أما استحباب الرفع في
التكبير الأول فهو مجمع عليه كما نقله غير واحد من الأصحاب وإنما الخلاف في
البواقي والأظهر أنه كذلك، وهو اختيار الفاضلين وظاهر الشيخ في كتابي الأخبار
وإليه يميل كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة، والمشهور العدم وأنه غير مستحب
وذهب إليه الشيخ المفيد والمرتضى والشيخ في النهاية والمبسوط وابن إدريس وغيرهم
ويدل على الأول ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمان العرزمي عن
أبي عبد الله (ع) (2) قال: (صليت خلف أبي عبد الله على جنازة فكبر خمسا
يرفع يده في كل تكبيرة).
وعن يونس (3) قال: (سألت الرضا قلت جعلت فداك أن الناس
يرفعون أيديهم في التكبير على الميت في التكبيرة الأولى ولا يرفعون في ما بعد ذلك
فاقتصر على التكبيرة الأولى كما يفعلون أو أرفع يدي في كل تكبيرة؟ فقال ارفع
يدك في كل تكبيرة).
وعن محمد بن عبد الله بن خالد مولى بني الصيداء (4) (أنه صلى خلف جعفر بن
محمد على جنازة فرآه يرفع يديه في كل تكبيرة).

(1) سنن أبي داود ج 3 ص 202
(2) الوسائل الباب 10 من صلاة الجنازة
(3) الوسائل الباب 10 من صلاة الجنازة
(4) الوسائل الباب 10 من صلاة الجنازة
440

ويدل على الثاني ما رواه الشيخ عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عن علي
(عليهما السلام) (1) (أنه كان لا يرفع يده في الجنازة إلا مرة واحدة يعني في التكبير).
وعن إسماعيل بن إسحاق بن أبان الوراق عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (2)
قال: (كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) يرفع يده في أول التكبير على
الجنازة ثم لا يعود حتى ينصرف).
وحملهما الشيخ في التهذيبين تارة على الجواز ورفع الوجوب وأخرى على
التقية، قال لموافقته لمذهب كثير من العامة (3). أقول: وإليه يشير قوله في رواية
يونس (إن الناس يرفعون أيديهم في التكبير على الميت في التكبيرة الأولى).
وقال المحقق في المعتبر بعد ايراد أخبار الطرفين: ما دل على الزيادة أولى
ولأن رفع اليدين مراد الله في أول التكبير وهو دليل الرجحان فيسوغ في الباقي
تحصيلا للأرجحية، ولأنه فعل مستحب فجاز أن يفعل مرة ويخل به أخرى
فلذلك اختلفت الروايات فيه.
واعترضه في الذكرى فقال بعد نقل كلامه: قلت رواية النقيصة ندل على
نفي الزائد صريحا فهما متعارضان في الاثبات والثاني مرغوب عنه، والثالث لا بأس به
لولا أن (كان) تشعر بالدوام. ثم قال ولو حملت رواية عدم الرفع على التقية كما قاله
الشيخ أمكن لأن بعض العامة يرى ذلك (4) وبالجملة الخروج عن جمهور الأصحاب
بخبر الواحد فيه ما فيه. انتهى.
ولا يخفى ما فيه فإن ترجيح العمل بالشهرة التي هي عبارة عن الشهرة في

(1) الوسائل الباب 10 من صلاة الجنازة.
(2) الوسائل الباب 10 من صلاة الجنازة.
(3) في المغني ج 2 ص 490 (أجمع أهل العلم على أن المصلي على الجنائز يرفع يديه
في أول تكبيرة يكبرها، وكان يرفع عند كل تكبيرة ابن عمر وسالم وعمر بن عبد العزيز
وعطاء وقيس بن أبي حازم والزهري وإسحاق وابن المنذر والأوزاعي والشافعي، وقال
مالك والثوري وأبو حنيفة لا يرفع يده إلا في الأولى لأن كل تكبيرة مقام ركعة ولا ترفع
الأيدي في جميع الركعات).
(4) تقدم آنفا تحت رقم 3.
441

الفتوى لم يقم عليه دليل، والمرجحات المنصوصة عن أصحاب العصمة (عليهم
السلام) وإن تضمنت الترجيح بها لكن المراد إنما هو الشهرة في الرواية، وهو في
جانب الروايات الدالة على الاستحباب في الجميع لا سيما مع صحة سند الرواية الأولى،
مضافا إلى الترجيح بالعرض على مذهب العامة والعامة وإن كانوا هنا على قولين أيضا
إلا أن العدم مذهب أبي حنيفة ومالك والثوري (1) ولا يخفى قوة مذهب أبي حنيفة
وشيوعه في الصدر الأول وإلى ذلك تشير رواية يونس كما عرفت. وأيضا فإن من
القواعد المنصوصة (2) - وإن كان الأصحاب قد أعرضوا عنها كملا كما نبهنا عليه في
غير مقام مما تقدم - أنه متى ورد خبر عن أولهم (عليهم السلام) وخبر عن آخرهم
فإنه يؤخذ بالأخير، وروايتا العدم قد وردتا عن الباقر والصادق (عليهم السلام)
ورواية الاستحباب قد وردت عن الرضا فيكون الترجيح بمقتضى هذه القاعدة
في جانب الاستحباب. والله العالم.
منها - استحباب أن لا يبرح من مكانه حتى ترفع الجنازة إماما كان أو مأموما
كما صرح به جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) وخصه الشهيد بالإمام تبعا لابن
الجنيد، وقال في الروض: ويستحب لكل مصل تأسيا به (ع) نعم لو فرض صلاة
جميع الحاضرين استثنى منهم أقل ما يمكن به رفع الجنازة. والأقرب القول الأول،
فروى الشيخ عن حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام)
(أن عليا كان إذا صلى على جنازة لم يبرح من مصلاه حتى يراها على
أيدي الرجال).
وفي رواية يونس المتقدمة (4) في الموضع الثالث (ولا يبرح حتى يحمل
السرير من بين يديه).

(1) ارجع إلى التعليقة (3) و (4) ص 441.
(2) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به
(3) الوسائل الباب 11 من صلاة الجنازة
(4) ص 409.
442

وفي كتاب الفقه الرضوي (1) بعد ذكر الصلاة: ولا تبرح من مكانك حتى
ترى الجنازة على أيدي الرجال.
ومنها - استحباب الدعاء له عقيب الرابعة إن كان مؤمنا وعليه إن كان مخالفا
وبدعاء المستضعف إن كان كذلك وبدعاء المجهول إن كان مجهولا وبدعاء الأطفال
إن كان طفلا.
وفسر ابن إدريس المستضعف بمن لا يعرف اختلاف الناس في المذاهب ولا
يبغض أهل الحق على اعتقادهم. وعرفه في الذكرى بأنه الذي لا يعرف الحق ولا
يعاند فيه ولا يوالي أحدا بعينه. وحكى عن المفيد في الغرية أنه عرفه بأنه الذي
يعرف بالولاء ويتوقف عن البراء. وهذه التعريفات متقاربة في المعنى.
والمفهوم من الأخبار أن المستضعف هو من لا يعرف الولاية ولم ينكر،
ففي الخبر (2) (قلت هل يسلم الناس حتى يعرفوا ذلك؟ قال لا إلا المستضعفين
من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا (3) قلت
من هو؟ قال أرأيتم خدمكم ونساءكم ممن لا يعرف... الحديث) وقد ورد في تفسير
الآية المذكورة (4): لا يستطيعون حيلة إلى الكفر فيكفرون ولا يهتدون سبيلا
إلى الايمان فيؤمنوا. وأما المجهول فالمراد به من جهل دينه ومذهبه.
وأما الأخبار الدالة على ما ذكرنا من هذه الأحكام فأما بالنسبة إلى المستضعف
والمجهول فما رواه ثقة الاسلام في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما
السلام) (5) قال: (الصلاة على المستضعف والذي لا يعرف: الصلاة على النبي
صلى الله عليه وآله والدعاء للمؤمنين والمؤمنات يقول: ربنا اغفر للذين تابوا وا تبعوا سبيلك

(1) ص 19.
(2) تفسير البرهان ج 1 ص 406 الطبع الثاني نقلا بالمعنى
(3) سورة النساء الآية 100. وكلمة (الذين) ليست في الآية.
(4) تفسير البرهان ج 1 ص 406 الطبع الثاني نقلا بالمعنى
(5) الوسائل الباب 3 من صلاة الجنازة
443

وقهم عذاب الجحيم... إلى آخر الآيتين) (1) والمراد بالذي لا يعرف يعني مذهبه
كما سيأتي التصريح به في الخبر الآتي. والآية الثانية هكذا: (ربنا وأدخلهم
جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت
العزيز الحكيم).
وما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر
(ع) (2) أنه قال: (الصلاة على المستضعف والذي لا يعرف مذهبه: يصلي على
النبي صلى الله عليه وآله ويدعو للمؤمنين وللمؤمنات ويقول: اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا
سبيلك وقهم عذاب الجحيم).
وما رواه في الكافي في الصحيح عن عمر بن أذينة عن الفضيل بن يسار عن
أبي جعفر (ع) (3) قال: (إذا صليت على المؤمن فادع له واجتهد له في الدعاء وإن
كان واقفا مستضعفا فكبر وقل: اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم
عذاب الجحيم).
والظاهر أن المراد بقوله (واقفا) أي متحيرا في دينه، وهو يرجع إلى
المستضعف بالمعنى الذي قدمنا دلالة الآية عليه وتفسيرها به. وأما الحمل على الوقف
على أحد الأئمة (عليهم السلام) فبعيد، وأبعد منه ما وقع من تبديل لفظ (واقفا)
ب‍ (منافقا) كما وقع في كلام بعض أصحابنا.
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن وفي الفقيه في الصحيح عن الحلبي
عن أبي عبد الله (ع) (4) قال: (إن كان مستضعفا فقل: اللهم اغفر للذين تابوا
واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم، وإذا كنت لا تدري ما حاله فقل: اللهم إن
كان يحب الخير وأهله فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه، وإن كان المستضعف منك
بسبيل فاستغفر له على وجه الشفاعة لا على وجه الولاية).

(1) سورة المؤمن الآية 7 و 8. والآية الأولى: (ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما
فاغفر للذين...)
(2) الوسائل الباب 3 من صلاة الجنازة.
(3) الوسائل الباب 3 من صلاة الجنازة.
(4) الوسائل الباب 3 من صلاة الجنازة.
444

قال في الوافي: بيان - (منك بسبيل) أي له عليك حق، ويعني بالولاية ولاية
أهل البيت (عليهم السلام) يعني حق من لا ولاية له عليك لا يوجب أن تدعو له
كما تدعو لأهل الولاية بل يكفي لذلك أن تستغفر له على وجه الشفاعة. انتهى
ولا يخفى من تكلف وبعد.
والظاهر - والله سبحانه وقائله أعلم - أن المراد بقوله (إن منك بسبيل)
أي قريبا منك في النسب، والمراد بالولاية إنما هي الأخوة الايمانية فإن المؤمنين
بعضهم أولياء بعض، والمراد أنه إن كان قريبا لك في النسب فاستغفر له على وجه
الشفاعة والالتماس لا على جهة الأخوة الايمانية الموجبة لمزيد الجد والاجتهاد في
الدعاء له كما يشير إليه قوله في حديث الفضيل المتقدم (1) (إذا صليت على المؤمن
فادع له واجتهد له في الدعاء) ولعل السر في ذلك هو أن المستضعف لما كان من
المرجأين لأمر الله إما يتوب عليه وإما يعذبه كما دلت عليه الأخبار فلا ينبغي الحتم
عليه سبحانه والالحاح في الدعاء بل ينبغي أن يكون بطريق الالتماس والشفاعة.
وما رواه في الكافي عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (ع) (2) قال:
(تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وآله رسول الله اللهم صل على
محمد عبدك ورسولك، اللهم صل على محمد وآل محمد وتقبل شفاعته وبيض وجهه
وأكثر تبعه اللهم اغفر لي وارحمني وتب على اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك
وقهم عذاب الجحيم. فإن كان مؤمنا دخل فيها وإن كان ليس بمؤمن خرج عنها).
وعن ثابت بن أبي المقدام (3) قال (كنت مع أبي جعفر (ع) فإذا بجنازة لقوم
من جيرته فحضرها وكنت قريبا منه فسمعته يقول: اللهم إنك أنت خلقت هذه
النفوس وأنت تميتها وأنت تحييها وأنت أعلم بسرائرها وعلانيتها منا ومستقرها
ومستودعها، اللهم وهذا عبدك ولا أعلم منه سوء وأنت أعلم به وقد جئناك شافعين له

(1) ص 444
(2) الوسائل الباب 3 من صلاة الجنازة
(3) الوسائل الباب 3 من صلاة الجنازة
445

بعد موته كان مستوجبا فشفعنا فيه واحشره مع من كان يتولاه).
قال في الوافي في الحاشية: هذا الخبر أورده في الكافي في باب الصلاة على
المؤمن (1) والأنسب أن يورد في هذا الباب كما فعلناه لأن الدعاء المذكور من قبيل
دعاء المستضعفين والمجهولين كما لا يخفى.
أقول: الظاهر أن مبنى ما ذكره في الكافي من حمل هذا الخبر على المؤمن هو
قوله في الخبر (من جيرته) أي جيرانه ويبعد على هذا أن يكون داخلا في المجهول
الذي لا يعرف مذهبه ولا دينه، نعم ظاهر الدعاء المذكور أنه ليس بمؤمن على اليقين
والظاهر أنه من المستضعفين الذين هم أكثر الناس يومئذ كما يفهم من الأخبار، والمراد
به كما قدمنا ذكره من لا يعرف ولا ينكر.
وأنت خبير بأن المفهوم من هذه الأخبار على كثرتها هو أن الصلاة على هذا
الصنف هو مجرد التكبير وقول هذا المذكور في هذه الأخبار وإن اختلفت فيه زيادة
ونقصانا لا ما يفهم من كلام الأصحاب من كون ذلك بعد التكبيرة الرابعة كما قدمنا
ذكره في صدر هذا الكلام وكذا في ما يأتي من الأخبار الصلاة على المخالف فإنها كذلك،
والأخبار المتقدمة في بيان كيفية الصلاة - منها ما اشتمل على توزيع الأذكار بين
التكبيرات الخمس ومنها ما اشتمل على جمع الأذكار بينها - موردها إنما هو المؤمن ولم
يتعرض في شئ منها الذكر المخالف والمستضعف والمجهول، نعم في خبر أم سلمة وإسماعيل

(1) هذا الخبر أورده في الكافي ج 1 ص 51 باب الصلاة على المستضعف وعلى من
لا يعرف، وحاشية الوافي ليست على هذا الخبر وإنما هي على خبر إسماعيل بن عبد الخالق بن
عبد ربه، فإن صاحب الوافي قد ذكره آخر باب الصلاة على المستضعف بعد حديث ثابت
ابن أبي المقدام، وقد أورده في الكافي في باب الصلاة على المؤمن وفي الوسائل في الباب 2
من صلاة الجنازة رقم 4 ولم يذكره المصنف (قدس سره) هنا. واحتمال سقوطه من قلم
النساخ ينفيه ما في المتن ففي توجيه ايراده في الكافي في باب الصلاة على المؤمن من الاستفادة
من لفظ (جيرته) الوارد في حديث ابن أبي المقدام فإن هذا اللفظ لا وجود له في
حديث إسماعيل.
446

ابن همام (1) نقل صلاة الرسول صلى الله عليه وآله على المنافق بتوزيع الأذكار الثلاثة خاصة
من غير ذكر دعاء للمنافق أو عليه، وقد تقدم الكلام في ذلك.
وظاهر كلام الأصحاب الاتفاق على ما قدمنا ذكره في صدر المسألة من أن
الأدعية المختصة بهذه الأصناف محلها بعد التكبيرة الرابعة، وفي فهمه من الأخبار
كما عرفت اشكال إلا ما ربما يظهر من عبارة كتاب الفقه الرضوي الآتية في المقام
إن شاء الله تعالى.
وأما بالنسبة إلى الطفل فهو ما رواه الشيخ عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي
عن آبائه عن علي (عليهم السلام) (2) (في الصلاة على الطفل أنه كان يقول: اللهم
اجعله لأبويه ولنا سلفا وفرطا وأجرا) أقول (الفرط) بفتح الراء هو من يتقدم
القوم ليصلح لهم ما يحتاجون إليه مما يتعلق بالمراد، قال النبي صلى الله عليه وآله (3) (أنا فرطكم
على الحوض) قال ابن الأثير: أي متقدمكم إليه يقال فرط يفرط فهو فارط وفرط
إذا تقدم وسبق القوم ليرتاد لهم الماء ويهئ لهم الدلاء والأرشية، ومنه الدعاء
للطفل الميت (اللهم اجعله لنا فرطا) أي أجرا يتقدمنا. انتهى. ومن ذلك ما سيأتي
في عبارة الفقه أيضا إن شاء الله تعالى.
وأما بالنسبة إلى المخالف فمنها ما تقدم في الموضع الرابع من حديث عامر بن
السمط وصحيحة الحلبي وصحيحة محمد بن مسلم أو حسنته (4).
ومنها - ما في كتاب الفقه الرضوي حيث قال (ع) في الموضع الأول (5) من
المواضع الثلاثة التي قدمنا نقلها عنه في الموضع الثالث بعد ذكر الصلاة على المؤمن
بالتكبيرات الخمس والأدعية بينها موزعة (وإذا كان الميت مخالفا فقل في تكبيرك
الرابعة اللهم اخز عبدك... إلى آخر ما تقدم في الموضع المذكور، إلى أن قال: واعلم أن

(1) ص 402 و 403
(2) الوسائل الباب 12 من صلاة الجنازة
(3) كنز العمال ج 7 ص 221 كتاب القيامة باب الحوض
(4) ص 414.
(5) ص 415.
447

الطفل لا يصلى عليه حتى يعقل الصلاة فإذا حضرت مع قوم يصلون عليه فقل: اللهم
اجعله لأبويه ولنا ذخرا ومزيدا وفرطا وأجرا، وإذا صليت على مستضعف
فقل: اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم، وإذا لم تعرف
مذهبه فقل: اللهم هذه النفس التي أنت أحييتها وأنت أمتها دعوت فأجابتك اللهم ولها
ما تولت واحشرها مع من أحبت وأنت أعلم بها).
وظاهر هذا الكلام محتمل لكون هذه الأدعية بعد الرابعة كما صرح به في
المخالف، ويحتمل أن تكون صورة الصلاة هكذا مستقلة كما هو ظاهر الأخبار المتقدمة
وقال (ع) في الصورة الثالثة (1) من الكيفيات التي ذكرها بعد التكبيرات
الأربع والأدعية بينها المختصة بالصلاة على المؤمن (ثم تكبر الخامسة وتنصرف
وإذا كان ناصبا فقل: اللهم إنا لا نعلم إلا أنه عدو لك ولرسولك اللهم فاحش جوفه
نارا وقبره نارا وعجله إلى النار فإنه كان يتولى أعداءك ويعادي أولياءك ويبغض
أهل بيت نبيك صلى الله عليه وآله اللهم ضيق عليه قبره. وإذا رفع فقل: اللهم لا ترفعه ولا تزكه
وإن كان مستضعفا فقل: اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم،
وإذا لم تدر ما حاله فقل: اللهم إن كان يحب الخير وأهله فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه)
والكلام هنا كما تقدم من ظهور كون الصلاة على هؤلاء بهذا النحو من غير
التكبيرات الخمس التي في الصلاة على المؤمن والاحتياط في ما قاله الأصحاب والله العالم
ومنها - استحباب الصلاة في المواضع المعتادة، ذكره جملة من الأصحاب
(رضوان الله عليهم) وعللوه بأنه ليكون طريقا إلى تكثير المصلين لأن السامع
بموته يقصدها للصلاة عليه فيها فيكون ذلك طريقا إلى تكثير المصلين الذي قد قدمنا
أنه من مستحبات هذه الصلاة أيضا. ولم أقف في ذلك على نص.
نعم وقع الخلاف في الصلاة في المسجد كراهة وعدمها والمشهور الكراهة
في جميع المساجد إلا مكة المشرفة.

(1) ص 21.
448

استنادا إلى الجمع بين ما رواه الشيخ عن أبي بكر بن عيسى بن أحمد العلوي (1)
قال: (كنت في المسجد وقد جيئ بجنازة فأردت أن أصلي عليها فجاء أبو الحسن
الأول (ع) فوضع مرفقه في صدري فجعل يدفعني حتى أخرجني من المسجد ثم قال
يا أبا بكر إن الجنائز لا يصلى عليها في المسجد).
وبين ما رواه في الصحيح عن الفضل بن عبد الملك (2) قال: (سألت
أبا عبد الله (ع) هل يصلى على الميت في المسجد؟ قال نعم) ورواه في الفقيه أيضا
عن الفضل في الصحيح (3).
وما رواه عن الفضل بن عبد الملك أيضا (4) قال: (سألته عن الميت هل
يصلى عليه في المسجد؟ قال نعم وما رواه أيضا عن محمد بن مسلم عن أحدهما
(عليهما السلام) مثله (5).
وأما استثناء مسجد مكة فقد ذكره الشيخ في الخلاف واحتج عليه باجماع
الفرقة عقيب ذكر الكراهة والاستثناء.
وعلله العلامة في المنتهى بأن مكة كلها مسجد فلو كرهت الصلاة في بعض
مساجدها لزم التعميم فيها أجمع وهو خلاف الاجماع. وتبعه الشهيد في ذلك.
وأورد عليه بأن مسجدية ما خرج عن المسجد الحرام منها ليس على حد
المساجد لجواز تلويثه بالنجاسة واللبث فيه للجنب ونحو ذلك بخلاف المسجد.
والله العالم.
المطلب الرابع - في الأحكام، وقد تقدم جملة منها في ما قدمناه من الأبحاث
المتقدمة وبقي الكلام هنا في مسائل:
الأولى - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تكرار الصلاة على الميت
فالمشهور الكراهة، وقال ابن أبي عقيل لا بأس بالصلاة على من صلى عليه مرة

(1) الوسائل الباب 30 من صلاة الجنازة.
(2) الوسائل الباب 30 من صلاة الجنازة.
(3) الوسائل الباب 30 من صلاة الجنازة.
(4) الوسائل الباب 30 من صلاة الجنازة.
(5) الوسائل الباب 30 من صلاة الجنازة.
449

فقد صلى أمير المؤمنين (ع) على سهل بن حنيف خمس مرات (1) وقال ابن إدريس
تكره جماعة وتجوز فرادى لتكرار الصحابة الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله (2) وقال الشيخ
في الخلاف من صلى على جنازة يكره له أن يصلى عليها ثانيا. وهو مشعر باختصاص
الكراهة بالمصلى المتحد. وقال الشهيد في الذكرى ظاهر هم اختصاص الكراهة بمن
صلى على الميت لما تلوناه عنهم من جواز الصلاة ممن فاتته على القبر أو يريدون
بالكراهة قبل الدفن حتى ينتظم الكلام. واحتمل الشيخ في الإستبصار استحباب
التكرار من المصلي الواحد وغيره، وللعلامة قول بكراهة تكرار الصلاة إذا خاف
على الميت، وله أيضا قول بكراهة التكرار عند الخوف عليه أو مع منا فاته التعجيل
وقيد شيخنا الشهيد الثاني الكراهة بكون التكرار من المصلي الواحد أو يكون
منافيا للتعجيل. هذا ما وقفت عليه من أقوال الأصحاب المتعلقة بهذه المسألة.
وأما الأخبار فهي مختلفة في ذلك ومنها نشأ الاختلاف بين الأصحاب في
هذا الباب: وها أنا أسوق ما وقفت عليه منها مذيلا لها بما رزقني الله سبحانه فهمه منها
فمنها - ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن أبي مريم الأنصاري عن
أبي جعفر (ع) (3) (أنه سأله كيف صلى على النبي صلى الله عليه وآله؟ قال سجى بثوب وجعل
وسط البيت فإذا دخل قوم داروا به وصلوا عليه ودعوا له ثم يخرجون ويدخل
آخرون ثم دخل علي (ع) القبر... الحديث).
وما رواه في الكافي عن أبي مريم الأنصاري عن أبي جعفر (ع) (4) قال:
(قلت له كيف كانت الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله؟ قال لما غسله أمير المؤمنين (ع) وكفنه
سجاه ثم أدخل عليه عشرة فداروا حوله ثم وقف أمير المؤمنين (ع) في وسطهم فقال إن الله وملائكته يصلون على النبي صلى الله عليه وآله يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا
تسليما (5) فيقول القوم كما يقول حتى صلى عليه أهل المدينة وأهل العوالي).

(1) الوسائل الباب 6 ه من صلاة الجنازة.
(2) الوسائل الباب 6 ه من صلاة الجنازة.
(3) الوسائل الباب 6 ه من صلاة الجنازة.
(4) الأصول ج 1 ص 450 باب مولد النبي (صلى الله عليه وآله) ووفاته.
(5) سورة الأحزاب الآية 56.
450

وما رواه في الكافي (1) عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (ع)
قال: (أتى العباس أمير المؤمنين (ع) فقال يا علي إن الناس قد اجتمعوا أن
يدفنوا رسول الله صلى الله عليه وآله في بقيع المصلى وأن يؤمهم رجل منهم فخرج أميرا المؤمنين
(ع) إلى الناس فقال: يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وآله إمام حيا وميتا، وقال إني
أدفن في البقعة التي أقبض فيها. ثم قام على الباب فصلى عليه ثم أمر الناس عشرة عشرة
يصلون عليه ثم يخرجون).
وما رواه في الكتاب المذكور (2) عن جابر عن أبي جعفر (ع) قال (لما قبض
النبي صلى الله عليه وآله صلت عليه الملائكة والمهاجرون والأنصار فوجا فوجا. قال وقال
أمير المؤمنين (ع) سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في صحته وسلامته: إنما أنزلت
هذه الآية على في الصلاة على بعد قبض الله لي: إن الله وملائكته يصلون على النبي
يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) (3).
وما رواه الثقة الجليل أحمد بن أبي طالب الطبرسي في كتاب الإحتجاج عن
سليم بن قيس عن سلمان الفارسي في حديث يصف فيه تغسل علي (ع) له صلى الله عليه وآله (4)
قال فيه (فلما غسله وكفنه أدخلني وأدخل أبا ذر والمقداد وفاطمة وحسنا وحسينا
(عليهم السلام) فتقدم وصففنا خلفه فصلى عليه ثم أدخل عشرة من المهاجرين
وعشرة من الأنصار فيصلون ويخرجون حتى لم يبق أحد من المهاجرين والأنصار
إلا صلى عليه).
وأنت خبير بأنه ربما ظهر من التأمل في هذه الأخبار الواردة في صلاة الناس
على النبي صلى الله عليه وآله فوجا فوجا إنما هو بمعنى الدعاء خاصة وأنه لم يصل عليه الصلاة
المعهودة إلا علي (ع) مع هؤلاء النفر الذين تضمنهم حديث الاحتجاج، وإليه

(1) الأصول باب مولد النبي صلى الله عليه وآله ووفاته وفي الوسائل الباب 6 من صلاة الجنازة.
(2) الأصول باب مولد النبي صلى الله عليه وآله ووفاته
(3) سورة الأحزاب الآية 56.
(4) الوسائل الباب 6 من صلاة الجنازة.
451

تشير أيضا صحيحة الحلبي أو حسنته (1) وقوله فيها: (ثم قام علي (ع) على الباب
فصلى عليه ثم أمر الناس... إلى آخره) فإن ظاهر صحيح أبي مريم الأول (2)
وقوله فيه (فإذا دخل قوم داروا به وصلوا ودعوا له أنهم يحيطون به من جميع
الجهات ويدعون له وهكذا من يدخل بعدهم. وكذا قوله في حديثه الثاني (ثم أدخل
عليه عشرة فداروا حوله - يعني بعد ما صلى عليه أمير المؤمنين (ع) كما دل عليه خبر
الاحتجاج - ثم وقف أمير المؤمنين (ع) في وسطهم فقال... الحديث) فإنه ظاهر في أن
الصلاة كانت بهذه الكيفية كما يدل عليه قوله (فيقول القوم كما يقول) وإليه يشير
قوله في حديث جابر (إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في حال صحته أن هذه الآية
نزلت عليه في الصلاة عليه بعد الموت) ولا ريب أن الصلاة في الآية إنما هي
بمعنى الدعاء.
ولم أقف على من تنبه لهذا الاحتمال الذي ذكرناه إلا الفاضل محمد تقي المجلسي
في حواشي التهذيب حيث على كتب على حديث أبي مريم الأنصاري الأول منهما
ما صورته: يمكن أن يكون المراد طافوا به احتراما له صلى الله عليه وآله ثم صلوا عليه بعد
أو أنهم جعلوه قبلة وتوجهوا إليه من كل جانب عند الصلاة عليه. ويحتمل أن
يكون المراد بالصلاة هنا الدعاء وكان صلاة الناس عليه هكذا وإنما صلى عليه
الصلاة المخصوصة أمير المؤمنين (ع) وخواصه كما دل عليه خبر أورده في كتاب
الإحتجاج (3). انتهى.
أقول: وما احتمله (قدس سره) غير بعيد للتقريب الذي قدمناه في جملة
من أخبار الصلاة عليه (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين) وعلى هذا
يسقط الاستدلال بهذه الأخبار على جواز التكرار.
ومنها - ما رواه الشيخ في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله

(1) الوسائل الباب 6 من صلاة الجنازة.
(2) ص 450.
(3) 451.
452

(ع) (1) قال: (كبر أمير المؤمنين (ع) على سهل بن حنيف وكان بدريا خمس
تكبيرات ثم مشى ساعة ثم وضعه وكبر عليه خمسة أخرى فصنع ذلك حتى كبر
عليه خمسا وعشرين تكبيرة).
وعن عمرو بن شمر (2) قال: (قلت لجعفر بن محمد (عليهما السلام) جعلت
فداك إنا نتحدث بالعراق أن عليا (عليه السلام) صلى على سهل بن حنيف فكبر عليه
ستا ثم التفت إلى من كان خلفه فقال إنه كان بدريا؟ قال فقال جعفر (عليه السلام)
إنه لم يكن كذا ولكنه صلى عليه خمسا ثم رفعه ومشى به ساعة ثم وضعه فكبر عليه
خمسا ففعل ذلك خمس مرات حتى كبر عليه خمسا وعشرين تكبيرة).
وعن عقبة (3) قال: (سئل جعفر (عليه السلام) عن التكبير على الجنائز
فقال ذاك إلى أهل الميت ما شاءوا كبروا. فقيل إنهم يكبرون أربعا؟ فقال ذاك
إليهم ثم قال أما بلغكم أن رجلا صلى عليه على (عليه السلام) فكبر عليه خمسا حتى
صلى عليه خمس صلوات يكبر في كل صلاة خمس تكبيرات؟ قال ثم قال إنه بدري
عقبي أحدي وكان من النقباء الذين اختارهم رسول الله صلى الله عليه وآله من الاثني عشر نقيبا
وكانت له خمس مناقب فصلى عليه لكل منقبة صلاة).
أقول: والمذكور في الخبر في تعداد المناقب إنما هو أربع مناقب مع قوله
(عليه السلام) إن له خمس مناقب وإن تعداد الصلاة خمسا كان بإزاء المناقب الخمس
ولعل المنقبة الخامسة هو اخلاص الرجل في التشيع والولاء لأمير المؤمنين وأهل
بيته (عليهم السلام) وإنه كان من السابقين الذين رجعوا إليه بعد ارتداد الناس.
وأما ما تضمنه الخبر من عدم التحديد في التكبير وإن ذلك إلى أهل الميت
يكبرون ما شاءوا فترده الأخبار المستفيضة المتقدمة في الموضع التاسع (4) وقد مر
نظير هذا الخبر في عدم التوقيت في التكبير، وحمل الجميع على التقية متعين.

(1) الوسائل الباب 6 من صلاة الجنازة.
(2) الوسائل الباب 6 من صلاة الجنازة.
(3) الوسائل الباب 6 من صلاة الجنازة.
(4) ص 419 وهو الموضع السادس.
453

قال في المنتهى: وهي خمس تكبيرات بينها أربعة أدعية وعليه علماؤنا أجمع
وبه قال زيد بن أرقم وحذيفة بن اليمان، وقال الشافعي يكبر أربعا وبه قال
الأوزاعي والثوري وأبو حنيفة ومالك وداود وأبو ثور، وقال محمد بن سيرين
وأبو السقيا جابر بن زيد يكبر ثلاثا، ورواه الجمهور عن ابن عباس، وقال عبد الله بن
مسعود يكبر ما كبر الإمام أربعا وخمسا وسبعا وتسعا، وعن أحمد روايات
إحداها يكبر أربعا والأخرى يتابع الإمام إلى خمس والأخرى يتابعه إلى سبع (1)
وبذلك يظهر أنه لم يوافق الإمامية في هذه المسألة إلا زيد بن أرقم وحذيفة بن اليمان
من الصحابة وأما علماؤهم فكما عرفت من الاختلاف.
وبالجملة فإن كلمة الأصحاب قديما وحديثا متفقة على الخمس في المؤمن وقد
عضدها الأخبار المستفيضة المتقدم كثير منها في الموضع المشار إليه وأقوال العامة
كما ترى، وحينئذ فلا وجه لما دل على خلاف ما قلناه إلا التقية.
ثم لا يخفى أن خبر عقبة المذكور وإن لم يصرح فيه باسم سهل بن حنيف
المذكور لكنه هو المراد قطعا من الخبر المذكور بقرينة الأخبار الأخر.
ومنها - ما رواه في الكافي عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع) (2) قال (كبر
رسول الله صلى الله عليه وآله على حمزة سبعين تكبيرة، وكبر علي (ع) عندكم على سهل بن حنيف
خمسا وعشرين تكبيرة، قال كبر خمسا خمسا كلما أدركه الناس قالوا يا أمير المؤمنين لم
ندرك الصلاة على سهل فيضعه فيكبر عليه خمسا حتى انتهى إلى قبره خمس مرات).
وعن زرارة عن أبي جعفر (ع) (3) قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وآله على
حمزة سبعين صلاة).
ومنها - قول أمير المؤمنين (ع) على ما نقله في كتاب نهج البلاغة (4) (أن
قوما استشهدوا في سبيل الله من المهاجرين ولكل فضل حتى إذا استشهد شهيدنا قيل

(1) عمدة القارئ ج 4 ص 26 و 129 ونيل الأوطار ج 4 ص 51 وشرح المهذب
ج 5 ص 231
(2) الوسائل الباب 6 من صلاة الجنازة
(3) الوسائل الباب 6 من صلاة الجنازة
(4) ج 3 ص 35.
454

سيد الشهداء، وخصه رسول الله صلى الله عليه وآله بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه).
ونحوه ما نقله شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب البحار (1) عن
كتاب الهداية للحسين بن حمدان الحصيني بسنده عن سيدنا أبي محمد العسكري (ع)
في حديث طويل يتضمن قتل حمزة (ع) وحزن النبي صلى الله عليه وآله له قال فيه: (وأمره الله
أن يكبر عليه سبعين تكبيرة ويستغفر له ما بين كل تكبيرتين منها فأوحى الله تعالى
إليه أني قد فضلت عمك حمزة بسبعين تكبيرة لعظمته عندي وكرامته على... الحديث)
وما رواه الصدوق في كتاب عيون الأخبار (2) عن الرضا عن آبائه عن الحسين
ابن علي (عليهم السلام) قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وآله كبر على حمزة خمس تكبيرات
وكبر على الشهداء بعد حمزة خمس تكبيرات فلحق حمزة سبعون تكبيرة).
ورواه في صحيفة الرضا (ع) باسناده إلى أمير المؤمنين (ع) (3) قال (رأيت النبي
صلى الله عليه وآله كبر على عمه حمزة خمس تكبيرات وكبر على الشهداء بعد حمزة خمس تكبيرات
فلحق حمزة بسبعين تكبيرة ووضع يده اليمنى على اليسرى).
أقول: ومن هذين الخبرين يظهر أن السبعين تكبيرة على حمزة وقعت في
صلوات متعددة كل صلاة منها خمس تكبيرات ويعضده الاتفاق كما عرفت، وعليه
دلت النصوص المستفيضة أن صلاة الميت لا تزيد على خمس تكبيرات، وحينئذ
تكون هذه السبعون عبارة عن أربع عشرة صلاة، ويمكن أن يكون الوجد في ذلك
هو أنه لما صلى على حمزة بخمس تكبيرات جيئ بجماعة بعد جماعة فكان يصلي على
كل جماعة بخمس تكبيرات وكان يشركهم في الصلاة وحمزة مع كل جماعة حتى إذا
انتهت الصلاة عليهم صارت الصلوات أربع عشرة صلاة ولحق حمزة من الجميع سبعون
تكبيرة. إلا أن ظاهر كلام أمير المؤمنين (ع) في كتاب النهج وكذا ظاهر خبر

(1) ج 18 الطهارة ص 285.
(2) ص 210 وفي الوسائل الباب 6 من صلاة الجنازة.
(3) مستدرك الوسائل الباب 6 من صلاة الجنازة.
455

الحصيني يدل على وقوع ذلك في صلاة واحدة وأن ذلك فضيلة ومزية اختص بها
حمزة (رضي الله عنه) دون غيره، فلا منافاة فيه للأخبار التي وقع الاتفاق عليها
من أن صلاة الميت لا تزيد على خمس تكبيرات.
ومنها ما رواه في التهذيب عن جابر عن أبي جعفر (ع) (1) قال: (قلت
له أرأيت إن فأتتني تكبيرة أو أكثر؟ قال تقضي ما فاتك. قلت أستقبل القبلة؟
قال بلى وأنت تتبع الجنازة فإن رسول صلى الله عليه وآله خرج إلى جنازة امرأة من بني
النجار فصلى عليها فوجد الحفرة لم يمكنوا فوضعوا الجنازة فلم يجئ قوم إلا قال
لهم صلوا عليها).
وعن عمار بن موسى في الموثق عن أبي عبد الله (ع) (2) قال (الميت يصلى عليه
ما لم يوار بالتراب وإن كان قد صلى عليه).
وعن يونس بن يعقوب في الموثق عن أبي عبد الله (ع) (3) قال: (سألته عن
الجنازة لم أدركها حتى بلغت القبر أصلي عليها؟ قال إن أدركتها قبل أن تدفن فإن
شئت فصل عليها).
أقول: هذه جملة ما وقفت عليه من الأخبار الدالة على جواز التكرار.
وأما الأخبار الدالة على العدم فمنها - ما رواه الشيخ عن وهب بن وهب عن
جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (4) (أن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى على جنازة فلما فرغ
جاءه أناس فقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وآله لم ندرك الصلاة عليها فقال لا يصلى على جنازة
مرتين ولكن ادعوا لها.
وعن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) (5) قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله
صلى على جنازة فلما فرغ جاء قوم فقالوا فاتتنا الصلاة عليها فقال إن الجنازة لا يصلى
عليها مرتين ادعوا له وقولوا خيرا.

(1) الوسائل الباب 17 و 6 من صلاة الجنازة
(2) الوسائل الباب 6 من صلاة الجنازة.
(3) الوسائل الباب 6 من صلاة الجنازة.
(4) الوسائل الباب 6 من صلاة الجنازة.
(5) الوسائل الباب 6 من صلاة الجنازة.
456

وما رواه في كتاب قرب الإسناد عن الحسين بن ظريف عن الحسين بن
علوان عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (1) (أن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى على
جنازة فلما فرغ جاء قوم لم يكونوا أدركوها فكلموا رسول الله صلى الله عليه وآله أن يعيد الصلاة
عليها فقال لهم قد قضيت الصلاة عليها ولكن ادعوا لها).
إذا عرفت ذلك فاعلم أن ما ورد في الأخبار من التعدد في الصلاد على سهل
ابن حنيف فهو محمول على خصوصية الرجل المذكور لما صرحت به رواية عقبة
المتقدمة، وبه يظهر ضعف ما ذكره في المدارك من تخصيصه استحباب الإعادة
بمن لم يصل للتأسي وانتفاء ما ينهض حجة على اختصاص الحكم بذلك الشخص.
وهو غفلة منه عن هذه الرواية حيث إنه إنما أورد حسنة الحلبي وما ورد من الأخبار
بالنسبة إلى حمزة (سلام الله عليه) فإن حملنا السبعين على كونها في صلاة واحدة كما
هو الظاهر من كلام أمير المؤمنين (ع) في كتاب نهج البلاغة وخبر الحصيني المتقدم
لم تكن هذه الأخبار من محل البحث في شئ، لأن الكلام في تعداد الصلاة
وتكررها وهذه صلاة واحدة غاية الأمر أنه زيد في تكبيراتها الموظفة لمزية هذا
الشخص واظهار فضله كما صرح به خبر الحصيني، وإن حملنا السبعين على كونها في
صلوات متعددة كما هو ظاهر خبر كتاب عيون الأخبار وخبر الصحيفة الرضوية
فالظاهر حمل التكرار هنا أيضا على المزية والفضيلة. وأما أخبار الصلاة على الرسول
صلى الله عليه وآله فأظهر في الفضيلة والمزية، وإن حملناها على الاحتمال الذي قدمنا ذكره
خرجت عن محل البحث.
وبالجملة فإن حمل الأخبار في هذه المواضع الثلاثة على الاختصاص لمزيد
الفضيلة مما لا يمكن انكاره سيما خبر سهل بن حنيف الصريح في أن كل صلاة بإزاء
منقبة من مناقبه وحديث حمزة، وحينئذ فلا يمكن الاستناد إليها في عموم الحكم
وشموله لجميع الأموات.

(1) الوسائل الباب 6 من صلاة الجنازة.
457

بقي الكلام في الأخبار والجمع بينها وهو ممكن بأحد وجهين: (الأول) حمل
الأخبار الدالة على التكرار على أن الصلاة فيها بمعنى الدعاء لا الصلاة المعهودة،
ويؤيده ما يأتي إن شاء الله تعالى في مسألة الصلاة على القبر. و (الثاني) حمل
الأخبار الدالة على النهي عن التكرار على التقية فإن العلامة في المنتهى نقل القول
بالكراهة عن ابن عمر وعائشة وأبي موسى والأوزاعي وأحمد والشافعي ومالك
وأبي حنيفة وأسنده أيضا إلى علي (ع) (1) ولعله الأقرب ويعضده أن أكثر
روايات النهي من العامة.
ومما ذكرنا يظهر ضعف الأقوال المتقدمة، أما القول بالكراهة مطلقا كما
هو المشهور عملا بالأخبار الدالة على النهي فينا فيه ظاهر أمر النبي صلى الله عليه وآله بالصلاة لمن
أتى في رواية جابر (2) وكذلك التزام أمير المؤمنين (ع) في الصلاة على سهل بن
حنيف بالأمر المكروه خمس مرات، وأظهر منه صلاة النبي صلى الله عليه وآله على عمه
(رضي الله عنه) ومثله صلاة الناس على النبي صلى الله عليه وآله. وأما ما ذكره ابن إدريس من
كراهة الصلاة جماعة فترده أخبار سهل بن حنيف وتكرار أمير المؤمنين (ع) الصلاة
عليه جماعة خمس مرات وكذا أخبار حمزة (سلام الله عليه) (3) وأما تخصيص
الكراهة بالمصلى نفسه كما نقل عن الشيخ في الخلاف فينافيه مورد الأخبار الثلاثة
الدالة على النهي، فإن موردها من لم يصل. وأما تخصيص الكراهة بما خيف على
الميت أو بضم منافاة التعجيل فلم نقف له على مستند، وربما كان المستند حمل أخبار
النهي على ذلك، وأنت خبير بأنه لا اشعار في شئ منها بذلك فضلا عن التصريح

(1) عمدة القارئ ج 4 ص 135 وشرح المهذب ج 5 ص 249 وفي المغني ج 2 ص
512 (من صلى مرة فلا يسن له إعادة الصلاة عليها، وإذا صلى على الجنازة مرة لم توضع
لأحد يصلي عليها، قال القاضي لا يحسن بعد الصلاة عليه ويبادر بدفنه، وقال ابن عقيل
لا ينتظر به أحد، فأما من أدرك الجنازة فمن لم يصل فله أن يصلي عليها فعل ذلك علي عليه السلام
وأنس وسلمان بن ربيعة وأبو حمزة ومعمر بن سمير) وفي المهذب ج 1 ص 134 نحوه.
(2) ص 456.
(3) ص 454 و 455.
458

به أو ظهوره فيه. وبالجملة فالظاهر عندي من أخبار المسألة هو ما ذكرته. والله العالم.
المسألة الثانية - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الصلاة على القبر،
فقال الشيخان (عطر الله مرقديهما) من لم يدرك الصلاة على الميت صلى على القبر
يوما وليلة فإن زاد على ذلك لم تجز الصلاة عليه، وهو اختيار ابن إدريس وابن
البراج وابن حمزة وبه صرح المحقق في الشرائع والعلامة في الإرشاد. واطلاق كلامهم
يقتضي جواز الصلاة عليه وإن كان قد صلى عليه. ولم يقدر ابن أبي عقيل وعلي بن بابويه
لها وقتا بل قالا من لم يدرك الصلاة على الميت صلى على القبر، وقربه الشهيد في البيان
وقال ابن الجنيد يصلى عليه ما لم تتغير صورته، وقال سلار يصلى عليه إلى ثلاثة أيام وجعله
الشيخ في الخلاف رواية، وقال في المختلف: والأقرب عندي أنه إن لم يصل على الميت
أصلا بل دفن بغير صلاة صلى على قبره وإلا فلا. وحكم المحقق في المعتبر بعدم وجوب
الصلاة بعد الدفن مطلقا قال ولا امنع الجواز. واستدل في المعتبر على عدم
الوجوب بأن المدفون خرج بدفنه من أهل الدنيا فساوى من فنى في قبره، وعلى الجواز
بالأخبار الواردة بالإذن في الصلاة على القبر كصحيحة هشام بن سالم ثم ساق الخبر
كما يأتي إن شاء الله تعالى (1) وقال في المدارك: والأصح ما اختاره المصنف من عدم
الوجوب بعد الدفن مطلقا لكن لا يبعد اختصاص الجواز بيوم الدفن. انتهى.
وإلى ما ذكره المحقق في المعتبر مال العلامة في المنتهى. هذا ما حضرني من أقوالهم.
وأما الأخبار الواردة في هذه المسألة فمنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن هشام
ابن سالم عن أبي عبد الله (ع) (2) قال: (لا بأس أن يصلي الرجل على الميت
بعد ما يدفن).
وما رواه الشيخ في التهذيب مسندا عن مالك مولى الجهم عن أبي عبد الله
(ع) والصدوق في الفقيه مرسلا عن أبي عبد الله (ع) (3) قال: (إذا فاتتك الصلاة
على الميت حتى يدفن فلا بأس بالصلاة عليه وقد دفن).

(1) الوسائل الباب 18 من صلاة الجنازة.
(2) الوسائل الباب 18 من صلاة الجنازة.
(3) الوسائل الباب 18 من صلاة الجنازة.
459

وما رواه الشيخ عن عمرو بن جميع عن أبي عبد الله (ع) (1) قال: (كان
رسول الله صلى الله عليه وآله إذا فاتته الصلاة على الميت صلى على القبر).
وعن محمد بن أسلم عن رجل من أهل الجزيرة (2) قال: (قلت للرضا (ع)
يصلى على المدفون بعد ما يدفن؟ قال لا لو جاز لأحد لجاز لرسول الله صلى الله عليه وآله قال بل
لا يصلى على المدفون ولا على العريان).
وما رواه في الكافي والتهذيب عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (3) قال (سئل عن ميت صلى عليه فلما سلم الإمام إذا الميت مقلوب رجلاه
إلى موضع رأسه؟ قال يسوى وتعاد الصلاة عليه وإن كان قد حمل ما لم يدفن،
فإن كان قد دفن فقد مضت الصلاة ولا يصلى عليه وهو مدفون).
وقد تقدم (4) في المسألة المتقدمة في موثقة يونس بن يعقوب (إن أدركتها
قبل أن تدفن فإن شئت فصل عليها).
وفي موثقة عمار (5) (الميت يصلى عليه ما لم يوار بالتراب وإن كان قد
صلى عليه).
وما رواه الكافي والتهذيب في تتمة حديث عمار المتقدم في الموضع السابع
من البحث المتقدم (6) قال: (قلت فلا يصلى عليه إذا دفن؟ قال لا لا يصلى على
الميت بعد ما يدفن ولا يصلى عليه وهو عريان حتى توارى عورته).
وما رواه في التهذيب في الصحيح عن حريز عن محمد بن مسلم أو زرارة
قال: (الصلاة على الميت بعد ما يدفن إنما هو الدعاء. قال قلت فالنجاشي لم يصل
عليه النبي صلى الله عليه وآله؟ فقال لا إنما دعا له).
وعن جعفر بن عيسى (8) قال (قدم أبو عبد الله (ع) مكة فسألني عن عبد الله

(1) الوسائل الباب 18 من صلاة الجنازة.
(2) الوسائل الباب 18 من صلاة الجنازة.
(3) الوسائل الباب 19 من صلاة الجنازة
(4) ص 456
(5) ص 456
(6) ص 426.
(7) الوسائل الباب 18 من صلاة الجنازة.
(8) الوسائل الباب 18 من صلاة الجنازة.
460

ابن أعين فقلت مات. فقال مات؟ أفتدري موضع قبره؟ قلت نعم. قال فانطلق بنا
إلى قبره حتى نصلي عليه قلت نعم. فقال لا ولكن نصلي عليه ههنا، فرفع يديه
واجتهد في الدعاء وترحم عليه).
وقال في كتاب الفقه الرضوي (1) (فإن لم تلحق الصلاة على الجنازة حتى
يدفن الميت فلا بأس بأن تصلي بعد ما دفن).
هذه جملة ما حضرني من أخبار المسألة وهي ظاهرة الاشكال لما بينها من
التدافع في هذا المجال، وما ذهب إليه الأصحاب في وجوه الجمع بينها لا يخلو من
الاشكال والاختلال:
أما ما ذكره الشيخان ومن تبعهما فلعدم وجود المستند لما ذكروه من التقدير
باليوم والليلة، وكذا قول سلار إلى ثلاثة أيام وقول ابن الجنيد، فإن الجميع خال
من الدليل، وقد اعترف بذلك الفاضلان في المعتبر والمنتهى.
وأما ما ذكره العلامة في المختلف - من حمل أخبار المسألة على من دفن بغير
صلاة فأوجب الصلاة عليه وحمل أخبار المنع على من صلى عليه - ففيه أن ظاهر موثقة
عمار الواردة في الصلاة على المقلوب رأسه إلى موضع رجليه (2) يدل على المنع
وإن لزم دفنه بغير صلاة، لأن من صلى عليه صلاة باطلة كمن لم يصل عليه بالكلية
مع المعارضة باحتمال حمل الصلاة في أخبار الجواز على مجرد الدعاء كما تدل عليه
مضمرة زرارة ورواية جعفر المذكورتان (3).
وأما ما ذكره بعضهم - من حمل أخبار المنع على الكراهة وحينئذ تجوز
الصلاة عليه على كراهة إذا كان الميت قد صلى عليه وإلا فتجب الصلاة عليه عملا
بالأخبار العامة الدالة على وجوب الصلاة على الميت مطلقا من غير استثناء (4) وأن
المعارض المذكور يضعف عن المعارضة.

(1) ص 19
(2) ص 460.
(3) ص 460.
(4) الوسائل الباب 37 من صلاة الجنازة.
461

ففيه ما قد عرفت مرارا من أن الأحكام المودعة في الأخبار إنما تحمل على
الأفراد المتكررة الشائعة وهل التي يتبادر إليها الاطلاق دون الفروض النادرة الشاذة
التي ربما لا توجد إلا بطريق الاحتمال.
وأما ما ذكره في المعتبر - ومال إليه في المدارك من عدم الوجوب بعد الدفن
وإن جاز ذلك - فليس فيه تعرض لأخبار المنع ولا بيان الوجه فيه مع كونها ظاهرة
بل بعضها صريحا في المنع، وحينئذ فقوله بالجواز مع معارضتها بأخبار المنع من
غير أن يجب عنها لا وجه له. نعم ربما كان التفاتهم إلى أن أخبار المنع ضعيفة
السند لا تعارض الصحيحة التي ذكروها، ولعله لهذا الوجه جمد في المدارك على
ما ذهب إليه صاحب المعتبر، على أن ما علل به في المعتبر عدم الوجوب في هذا
المقام عليل لا يعتمد عليه، وإن كان الأولى التمسك بأصالة العدم حتى يقوم دليل
الوجوب، لأن أخبار الصلاة المطلقة لا عموم فيها على وجه يشمل محل
البحث لما عرفت.
وبالجملة فإن حمل روايات الجواز على مجرد الدعاء غير بعيد لما عرفت من
الخبرين المتقدمين. إلا أن المسألة بعد لا تخلو من شوب الاشكال والاحتياط
يقتضي ترك الصلاة على من صلى عليه والاقتصار على مجرد الدعاء على من لم يصل
عليه بل على من صلى عليه أيضا. والله العالم.
المسألة الثالثة - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو فات المأموم
بعض التكبيرات أتم بعد فراغ الإمام ولاء، وأنه لو سبق الإمام ببعض التكبيرات
استحب له الإعادة مع الإمام، فالكلام هنا يقع في موضعين:
الأول - من فاته بعض التكبيرات مع الإمام، والحكم فيه كما ذكروه
(رضوان الله عليهم).
ويدل عليه جملة من الأخبار: منها - ما رواه الصدوق الشيخ في الصحيح عن
462

الحلبي عن أبي عبد الله (ع) (1) قال: (إذا أدرك الرجل التكبيرة والتكبيرتين من
الصلاة على الميت فليقض ما بقي متتابعا).
وما رواه في التهذيب في الصحيح عن عيص بن القاسم (2) قال: (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يدرك من الصلاة على الميت تكبيرة
قال يتم ما بقي).
وعن خالد بن ماد القلانسي عن رجل عن أبي جعفر (ع) (3) قال: (سمعته
يقول في الرجل يدرك مع الإمام في الجنازة أو تكبيرة أو تكبيرتين؟ فقال يتم التكبير
وهو يمشي معها فإذا لم يدرك التكبير كبر عند القبر، فإن كان أدركهم وقد دفن
كبر على القبر).
أقول: ربما أشعر هذا الخبر بجواز الصلاة على الميت بعد الدفن وإن كان
قد صلى عليه، إذ الظاهر من قوله كبر على القبر يعني التكبير المعهود في الصلاة
وهو كناية عن الصلاة الكاملة كما وقع التعبير به في جملة من الأخبار. ولا مجال
لحمل الصلاة هنا على مجرد الدعاء كما ذكرناه في المسألة المتقدمة، فإن هذا الاحتمال
إنما يجري لو كان التعبير بلفظ الصلاة التي معناها لغة إنما هو الدعاء لا في لفظ التكبير
وفي الخبر على ما ذكرناه رد على ما ذهب إليه في المختلف من تخصيص الصلاة بعد
الدفن بمن لم يصل عليه وأما من صلى عليه فإنه لا يصلى عليه. حيث إن الظاهر أن
هؤلاء الذين دفنوه إنما يدفنونه بعد الصلاة عليه البتة. وأما احتمال كون التكبير
على القبر في الصورة المذكورة ولاء كما في صورة فوات بعض التكبيرات مع الإمام
فالظاهر بعده.
وعن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) (4) قال: (إذا أدرك الرجل
التكبيرة والتكبيرتين من الصلاة على الميت فليقض ما بقي متتابعا).
وعن زيد الشحام (5) قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن الصلاة على الجنائز

(1) الوسائل الباب 17 من صلاة الجنازة. والحديث (4) عين (1).
(2) الوسائل الباب 17 من صلاة الجنازة. والحديث (4) عين (1).
(3) الوسائل الباب 17 من صلاة الجنازة. والحديث (4) عين (1).
(4) الوسائل الباب 17 من صلاة الجنازة. والحديث (4) عين (1).
(5) الوسائل الباب 17 من صلاة الجنازة. والحديث (4) عين (1).
463

إذا فات الرجل منها التكبيرة أو الثنتان أو الثلاث قال يكبر ما فاته).
وحمل مطلق هذه الأخبار على مقيدها يقتضي الاتيان بالتكبير الفائت ولاء
من غير الأذكار الموظفة.
وفي كتاب الفقه الرضوي (1) (فإذا فاتك مع الإمام بعض التكبير ورفعت
الجنازة فكبر عليها تمام الخمس وأنت مستقبل القبلة).
وروى الثقة الجليل علي بن جعفر (رضي الله عنه) في كتاب المسائل عن
أخيه موسى بن جعفر (ع) (2) قال: (سألته عن الرجل يدرك تكبيرة أو ثنتين
على ميت كيف يصنع؟ قال يتم ما بقي من تكبيره ويبادره دفعة ويخفف).
وأما ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار أبي عبد الله عن أبيه (عليهما
السلام) (3) (أن عليا (ع) كان يقول لا يقضى ما سبق من تكبير الجنائز) وفي
بعض النسخ (ما بقي) - فقد حمله الشيخ في التهذيبين على القضاء مع الدعاء، قال
لأنه إنما يقضى متتابعا من دون فصل بالدعاء كما كان يبتدأ به. وقال في الوافي:
وفيه بعد والأولى أن يحمل على عدم الوجوب. انتهى. أقول: ويؤيده الاتفاق
على الوجوب الكفائي ولا ريب أنه قد سقط الوجوب حينئذ عن هذا المصلي بصلاة
القوم على الجنازة.
وقال في الذكرى بعد ذكر الخبر: وحمله الشيخ على القضاء الخاص وهو
القضاء مشفوعا بالدعاء لا القضاء المتتابع. قلت يريد به نفي وجوب الدعاء لحصوله من
السابقين ولأنه موضع ضرورة لا نفي جوازه لدلالة ما يأتي عليه، بل يمكن وجوبه
مع الاختيار لعموم أدلة الوجوب وعموم قول النبي صلى الله عليه وآله (4) (ما أدركتم فصلوا

(1) ص 19.
(2) الوسائل الباب 17 من صلاة الجنازة
(3) الوسائل الباب 17 من صلاة الجنازة
(4) في المغني ج 2 ص 495 قوله صلى الله عليه وآله (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا)
وفي لفظ (فاقضوا).
464

وما فاتكم فاقضوا) فحينئذ تحمل رواية إسحاق على غير المتمكن من الدعاء بتعجيل
رفعها، وعليه يحمل قول الصادق (ع) في رواية الحلبي (فليقض ما بقي متتابعا)
إلى أن قال: بعد ذكر رواية القلانسي: وهذا يشعر بالاشتغال بالدعاء إذ لو وإلى
لم يبلغ الحال إلى الدفن. انتهى.
أقول: ظاهر كلامه (قدس سره) تخصيص التكبير ولاء بصورة عدم
التمكن من الأذكار بينها، ونقل ذلك عن العلامة في بعض كتبه بل نسبه شيخنا
المجلسي (قدس سره) في كتاب البحار إلى الأكثر حيث قال: وقال الأكثر إن
أمكن الدعاء يأتي بأقل المجزئ وإلا يكبر ولاء من غير دعاء. انتهى. وربما يشير
إلى ذلك قوله (ع) في صحيحة علي بن جعفر المتقدم نقلها عن كتابه (ويبادره
دفعة ويخفف).
ويشكل بأن ظاهر الأخبار المذكورة بالنظر إلى حمل مطلقها على مقيدها هو
التكبير ولاء أمكن الاتيان بالأذكار قبل وقوع ما ينافي ذلك من العبد والانحراف
عن الميت والقبلة أم لم يمكن، والتخصيص بما ذكروه يحتاج إلى دليل واضح.
وما استند إليه من العموم على وجه يشمل محل البحث ممنوع. والحديث الذي نقله
غير معلوم كونه من طرقنا بل الظاهر أنه من الأخبار العامية التي يستسلقونها في
أمثال هذه المقامات، ويعضد ذلك ما أشرنا إليه آنفا من أن قضية الوجوب الكفائي
سقوط الوجوب في الصورة المذكورة، وبه يظهر أنه لا شمول لأدلة الوجوب لموضع
البحث كما ذكرنا.
وأما دعواه اشعار رواية القلانسي بالاشتغال بالدعاء ففيه أن الظاهر من
الرواية بعد التأمل فيها أن التكبير على القبر بعد الدفن إنما هو في صورة ما لو لم يدرك
التكبير مع الإمام بالكلية كما أوضحناه آنفا، لا أنه أدرك بعضها وقضى البعض
الباقي بعد الدفن حتى يدعى أنه لو والى لم يبلغ الحال إلى الدفن
وكيف كان فالاحتياط في ما ذكروه (رضوان الله عليهم) والله العالم.
465

الثاني - قال في الذكرى: لو سبق المأموم بتكبيرة فصاعدا متعمدا أثم وأجزأ،
ولو كان ناسيا أو ظانا فلا إثم وأعادها معه ليدرك فضيلة الجماعة، وفي إعادة العامد
تردد من حيث المساواة لليومية في عدم إعادة العامد ولأنها أركان زيادتها كنقصانها
ومن أنها ذكر الله تعالى فلا تبطل الصلاة بتكرره.
وقال في كتاب الروض: ويستحب للمأموم إعادة ما سبق به من التكبير
على الإمام ظانا أو ناسيا ليدرك فضيلة الجماعة كما يرجع إليه في اليومية لو ركع أو
رفع قبله ولا تنقطع بذلك القدوة، ولو كان متعمدا ففي الإعادة اشكال من أن
التكبير ركن فزيادته كنقصانه ومن كونه ذكر الله تعالى. ولا ريب أن عدم العود هنا
أولى. وهو راجع إلى ما في الذكرى إلا أنه هنا رجح في العامد عدم العود وفي الذكرى
ظاهره التوقف حيث اقتصر على ذكر الوجهين الموجبين للاشكال.
وقال في المسالك - بعد قول المصنف: إذا سبق المأموم بتكبيرة أو ما زاد
استحب له إعادتها مع الإمام - ما لفظه: إن سبقه سهوا أو ظنا أنه كبر أما لو
تعمد استمر متأنيا حتى يلحقه الإمام ويأثم في الأخير. أقول. وهذا احتمال ثالث
زائد على ما في الذكرى والروض.
وقال في المدارك - بعد ذكر حكم الساهي والظان وأنهما يعيدان مع الإمام
وحكم العامد وأنه يستمر متأنيا حتى يلحقه الإمام كما في المسالك - ما لفظه: وفي
الحكمين معا اشكال خصوصا الثاني، لأن التكبير الواقع في هذا الموضع على هذا
الوجه منهي عنه والنهي في العبادة يقتضي الفساد، بل لو قيل بوجوب الإعادة مع
العمد كان جيدا إن لم تبطل الصلاة بذلك. انتهى.
أقول: لا يخفى أن المسألة خالية من النص، وجميع ما ذكر فيها من التعليلات
معلول لا يمكن الاعتماد عليه، واستشكال صاحب المدارك في محله، ومن ثم إن
الفاضل الخراساني في الذخيرة اقتصر على نقل الأقوال. والله العالم.
المسألة الرابعة - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لو حضرت
466

جنازة في أثناء الصلاة على أخرى تخير بين قطع الصلاة الأولى واستئناف صلاة
واحدة عليهما وبين أن يتم الصلاة على الأولى ويستأنف على الثانية، ذكره الصدوقان
والشيخ وأتباعه وهو المشهور. وقال ابن الجنيد على ما نقل عنه يجوز للإمام
جمعهما إلى أن يتم الثانية خمسا وإن شاء أن يومئ إلى أهل الأولى ليأخذوها
ويتم على الثانية خمسا.
استدل المتأخرون على القول الأول بما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن
علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (ع) (1) (في قوم كبروا على جنازة تكبيرة أو
تكبيرتين ووضعت معها أخرى؟ قال إن شاءوا تركوا الأولى حتى يفرغوا من
التكبير على الأخيرة وإن شاءوا رفعوا الأولى وأتموا ما بقي على الأخيرة كل
ذلك لا بأس به).
قال في الذكرى: والرواية قاصر الدلالة عن إفادة المدعى إذ ظاهرها أن
ما بقي من تكبير الأولى محسوب للجنازتين فإذا فرغ من تكبير الأولى تخيروا بين
تركها بحالها حتى يكملوا التكبير على الأخيرة وبين رفعها من مكانها والاتمام على
الأخيرة وليس في هذا دلالة على ابطال الصلاة على الأولى بوجه. هذا مع تحريم
قطع العبادة الواجبة.
أقول: ما ذكره (قدس سره) في بيان معنى ظاهر الرواية جيد وقد اقتفاه
في ذلك جملة من متأخري المتأخرين.
والتحقيق عندي في هذا المقام وإن غلفت عنه علماؤنا الأعلام أن المتقدمين
سيما الصدوقين إنما اعتمدوا في هذا الحكم واستندوا إلى عبارة كتاب الفقه الرضوي حيث
أنه (ع) قد صرح بذلك وقد عرفت في غير موضع مما قدمناه وستعرف إن شاء الله تعالى
أمثاله في ما يأتي أن كثيرا من الأحكام التي ذكرها المتقدمون واعترضهم المتأخرون
بعدم وجود المستند لها فإن مستنداتها قد ظهرت من هذا الكتاب ومن جملة ذلك

(1) الوسائل الباب 34 من صلاة الجنازة.
467

هذه المسألة إلا أن المتأخرين لما نقلوا الحكم المذكور عن كلام المتقدمين ولم يصل
إليهم مما يظن دلالته عليه إلا هذه الصحيحة جعلوها دليلا للمتقدمين في ما نقلوه عنهم
واعترضوها بما عرفت.
والحق أن دليلهم ليس إلا عبارة الكتاب المذكور حيث قال (ع) (1) (وإن
كنت تصلي على الجنازة وقد جاءت أخرى فصل عليها صلاة واحدة بخمس تكبيرات
وإن شئت استأنف على الثانية).
والصدوق في الفقيه قد أخذ معنى العبارة المذكورة فقال: ومن كبر على
جنازة تكبيرة أو تكبيرتين فوضعت جنازة أخرى معها فإن شاء كبر الآن عليهما
خمس تكبيرات وإن شاء فرغ من الأولى واستأنف الصلاة على الثانية. انتهى
نعم صحيحة علي بن جعفر المذكورة ظاهرة في مذهب ابن الجنيد ومنطبقة
عليه فهي دليله ودليل المشهور إنما هي العبارة المذكورة.
وظاهر كلام الشيخ في كتابي الأخبار القول بالتشريك أيضا كما هو مذهب ابن
الجنيد حيث أنه - بعد أن نقل رواية جابر المتقدمة (2) عن أبي جعفر (ع) الدالة
على التكبير على الميت إحدى عشر وتسعا وسبعا وخمسا وستا وأربعا - قال ما تضمنه
هذا الخبر من زيادة التكبير على الخمس مرات متروك بالاجماع ويجوز أن يكون عليه السلام
أخبر عن فعل النبي صلى الله عليه وآله بذلك لأنه كان يكبر على جنازة واحدة أو اثنتين فكان
يجاء بأخرى فيبتدئ من حيث انتهى خمس تكبيرات فإذا أضيف إلى ما كان كبر
زاد على الخمس تكبيرات وذلك جائز على ما سنبينه في ما بعد إن شاء الله تعالى. انتهى
ومما حررناه في المقام يظهر لك أن في المسألة قولين: (أحدهما) - القول
بالتشريك كما ذهب إليه ابن الجنيد وهو ظاهر الشيخ كما عرفت، وعليه تدل صحيحة
علي بن جعفر المذكورة (الثاني) - القول بالتخيير بين القطع والاستئناف عليهما
والاتمام على الأولى ثم الصلاة على الثانية كما هو القول المشهور، ومستنده ما عرفت

(1) ص 19.
(2) ص 421.
468

من كلامه في كتاب الفقه. والقول بالتخيير بين الأمرين المذكورين في هذين
الخبرين جمع بين الدليلين.
ثم إنه على تقدير القول بالتشريك فإن قلنا بالاكتفاء بمجرد الأذكار والأدعية
كيف اتفق من غير توظيف شرعي فلا اشكال، وإن قلنا بالقول المشهور من
التوظيف لكل تكبيرة بوظيفة مخصوصة فإنه يجب الاتيان بعد كل تكبيرة من
التكبيرات المشتركة بوظيفة الصلاتين من الأدعية والأذكار، فلو أتى بالجنازة
الثانية بعد تكبيرتين ووقع التشريك في الثالثة دعا بعدها لوظيفة الأولى بدعاء المؤمنين
ولوظيفة الثانية بالشهادتين وهكذا.
هذا. وما ذكره الشهيد في الذكرى في آخر عبارته المتقدمة من قوله (هذا مع
تحريم قطع العبادة الواجبة) فقد اعترض عليه في الذخيرة فقال: وأما ما ذكره - من
تحريم قطع العبادة الواجبة ووافقه غير واحد من المتأخرين فحكموا بتحريم القطع
هنا إلا لضرورة - فغير مسلم إذ عمدة ما يعول عليه في هذا الباب هو الاجماع وهو غير
تام في موضع النزاع. وأما الاستناد إلى قوله تعالى: (ولا تبطلوا) (1) فغير تام
كما بيناه في المباحث السالفة. انتهى.
أقول: ويعضد ما ذكره (قدس سره) عبارة كتاب الفقه التي هي مستند
القول المشهور من جواز القطع كما عرفت، وبالجملة فإن دعواهم تحريم قطع الواجب
مطلقا ممنوع لعدم الدليل عليه، نعم قام الدليل عندي على ذلك في الصلاة اليومية
فإنه يحرم قطعها كما تقدم تحقيقه في كتاب الصلاة (2) وما عدا ذلك فلا أعرف له
دليلا بل الدليل على خلافه - كما عرفت في هذا المقام - واضح السبيل. والله العالم.
المسألة الخامسة - قد صرح غير واحد من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه
لا قراءة عندنا في هذه الصلاة ولا تسليم.
والكلام هنا يقع في مقامين (الأول) بالنسبة إلى القراءة والذي يدل على

(1) سورة محمد الآية 35
(2) ج 9 ص 101.
469

عدمها من الأخبار ما رواه ثقة الاسلام في الصحيح عن محمد بن مسلم وزرارة
ومعمر بن يحيى وإسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (ع) (1) قال: (ليس في الصلاة
على الميت قراءة ولا دعاء موقت تدعو بما بدا لك... الحديث) وقد تقدم.
وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم وزرارة (2) (أنهما سمعا أبا جعفر
(ع) يقول ليس في الصلاة على الميت قراءة ولا دعاء موقت.. الحديث) وقد مر أيضا
ويؤيده ما في كثير من الأخبار (3) (إنما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل).
وقد ورد بإزاء هذه الأخبار ما ظاهره المعارضة كما رواه الشيخ عن عبد الله
ابن ميمون القداح عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (4) (أن عليا (ع) كان
إذا صلى على ميت يقرأ بفاتحة الكتاب ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله.
وعن علي بن سويد عن الرضا (ع) (5) في ما نعلم قال: (في الصلاة على الجنائز
تقرأ في الأولى بأم الكتاب وفي الثانية تصلي على النبي صلى الله عليه وآله... الحديث) وقد
تقدم أيضا (6).
وهذان الخبران محمولان عند الأصحاب على التقية (7) قال الشيخ بعد ذكر خبر
علي بن سويد: أول ما فيه أن الراوي شاك في كونه الرضا (ع) وكما يكون شاكا
يجوز أن يكون قد وهم في القراءة، ولأنه رواه بطريق آخر عن الكاظم (ع)
واضطراب النقل دليل الضعف، وإن صح حمل على التقية. ثم إنه حمل أيضا خبر
القداح على التقية (8).

(1) الوسائل الباب 7 من صلاة الجنازة.
(2) الوسائل الباب 7 من صلاة الجنازة.
(3) هذا المضمون لم نقف عليه في غير موثقة يونس بن يعقوب الواردة في الوسائل
في الباب 7 و 9 و 17 من صلاة الجنازة، نعم ورد في بعض الأخبار التعبير عن صلاة الميت
بأنها شفاعة وليست بصلاة فيها ركوع وسجود كما في الباب 5 و 8 أو أنها دعاء ومسألة كما
في الباب 21 أو أنها استغفار كما في الباب 20 من صلاة الجنازة
(4) الوسائل الباب 7 من صلاة الجنازة.
(5) الوسائل الباب 7 من صلاة الجنازة.
(6) لم يتقدم.
(7) في المغني ج 2 ص 485 (قراءة الفاتحة واجبة في صلاة الجنازة بعد التكبيرة
الأولى وبه قال الشافعي وإسحاق وروي عن ابن عباس، وقال الثوري والأوزاعي
وأبو حنيفة لا يقرأ فيها شئ من القرآن لأن ابن مسعود قال إن النبي صلى الله عليه وآله لم يوقت
فيها قولا ولا قراءة) وفي بداية المجتهد ج 1 ص 215 (قال مالك وأبو حنيفة ليس فيها
قراءة إنما هو الدعاء).
(8) تقدم آنفا تحت رقم 7.
470

قال في الذكرى: فرع - قال الشيخ في الخلاف تكره القراءة. وكأنه نظر إلى أنه
تكليف لم يثبت شرعيته. ويمكن أن يقال بعدم الكراهة لأن القرآن في نفسه
حسن ما لم يثبت النهي عنه والأخبار خالية من النهي وغايتها النفي وكذا كلام
الأصحاب لكن الشيخ نقل الاجماع بعد ذلك وقد يفهم منه الاجماع على الكراهية
ونحن لم نر أحدا ذكر الكراهة فضلا عن الاجماع عليها. انتهى.
ولا يخفى ما فيه على الفطن النبيه وذلك فإن البحث ليس في جواز قراءة القرآن
من حيث هو قرآن حتى أنه يحتج بأن القرآن في نفسه حسن، بل محل البحث في أنه
هل القراءة هنا جزء من الصلاة من واجباتها أو مستحباتها كما هو عند العامة أم لا؟
والاتفاق من الأصحاب على عدم ذلك كما يفهم من شيخنا الشهيد الثاني في كتاب
الروض حيث قال: ولا قراءة فيها واجبة ولا مندوبة اجماعا. وأما قوله
- والأخبار خالية من النهي وغايتها النفي - فإنه مردود بأن اثبات القراءة في هذه
الصلاة هو المحتاج إلى الدليل لا نفيها حتى يدعى أن الأخبار لا تدل على النهي.
وبالجملة فإن العبادات الشرعية توقيفية من الشارع فبأي كيفية علمت من الشارع
يجب الوقوف عليها، وحيث إن اجماع الأصحاب كما عرفت على عدم توظيفها
لا وجوبا ولا استحبابا وقد تأيد بالأخبار المتقدمة الدالة على نفيها، فالمعلوم هو
عدم دخولها في الكيفية المذكورة. بقي ما دل على ثبوتها من الخبرين المتقدمين
فحيث كانا مخالفين لما عليه الأصحاب والأخبار وكانا موافقين لكثير من العامة تعين
حملهما على التقية بغير اشكال.
والعجب من صاحب الذخيرة حيث نقل كلامه وجمد عليه ولم يتعرض لما
فيه مما ذكرنا من التنبيه، والسبب في ذلك هو ما قدمنا ذكره في غير موضع من
471

الغائهم الاعتماد على هذه القواعد المنصوصة عن أئمتهم (عليه السلام) واتخذوا لهم
قواعد أخر عكفوا عليها في جميع أبواب الفقه. والله العالم.
الثاني - بالنسبة إلى التسليم والذي يدل على عدمه في هذه الصلاة من الأخبار
ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا
(ع) (1) قال: (سألته عن الصلاة على الميت قال أما المؤمن فخمس تكبيرات وأما
المنافق فأربع ولا سلام فيها).
وما رواه في الكافي في الصحيح عن الحلبي وزرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله
(عليهما السلام) (2) قالا: (ليس في الصلاة على الميت تسليم).
وعن الحلبي (3) قال: (قال أبو عبد الله ليس في الصلاة على المت تسليم).
وما رواه الحسن بن علي بن شعبة في كتاب تحف العقول عن الرضا (ع) (4)
في كتابه إلى المأمون قال: (والصلاة على الجنازة خمس تكبيرات وليس في
صلاة الجنازة تسليم لأن التسليم في صلاة الركوع والسجود وليس لصلاة الجنازة
ركوع ولا سجود).
وفي كتاب الفقه الرضوي نحو ذلك في الموضع الأول والثاني وقد تقدم
جميع ذلك في الموضع المشار إليه (5) إلى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليه المتتبع
وبإزاء هذه الروايات مما يدل على التسليم موثقة عمار المتقدمة في المطلب
الثالث في الكيفية ومثلها رواية يونس المتقدمة ثمة أيضا (6) وغيرهما والجميع
محمول عند أصحابنا على التقية (7).
قال في الذكرى: أجمع الأصحاب على سقوط التسليم فيها وظاهر هم عدم
مشروعيته فضلا عن استحبابه قال في الخلاف وليس فيها تسليم واحتج عليه

(1) الوسائل الباب 9 من صلاة الجنازة
(2) الوسائل الباب 9 من صلاة الجنازة
(3) الوسائل الباب 9 من صلاة الجنازة
(4) الوسائل الباب 9 من صلاة الجنازة
(5) ص 410 و 411
(6) ص 409.
(7) ارجع إلى التعليقة 1 ص 473.
472

الفرقة ونقل عن العامة التسليم على اختلافهم في كونه فرضا أو سنة (1)
وقال ابن الجنيد: ولا يستحب التسليم فيها فإن سلم الإمام فواحدة عن يمينه. وهذا
يدل على شرعيته للإمام وعدم استحبابه لغيره أو على جوازه للإمام من غير
استحباب بخلاف غيره. واحتج المرتضى بعد الاجماع بأن مبناها على التخفيف
ولهذا حذف فيها الركوع والسجود فغير منكر أن يحذف التسليم. وقال ابن أبي عقيل
لا تسليم لأن التسليم في الصلاة التي فيها الركوع والسجود ولذلك لا تسليم في صلاة
الخوف التي ليس فيها ركوع ولا سجود. لنا على عدمه في الجملة اطباق الأصحاب
على تركه علما وعملا، وخبر الحلبي عن الصادق (ع) (2) (ليس في الصلاة على الميت
تسليم) وعن الحلبي بطريق آخر وعن زرارة عن الباقر والصادق (عليهما
السلام) (3) (ليس في الصلاة على الميت تسليم) وعن إسماعيل بن سعد الأشعري
عن الرضا (ع) (4) (لا سلام فيها) وفي خبر أم سلمة (5) (ثم كبر وانصرف)
ولم يذكر التسليم وكذا في أكثر الأخبار وقد أورد في التهذيب التسليم في
أربعة أخبار: مضمر سماعة (6) (فإذا فرغت سلمت عن يمينك) وهو يعطي التسليم
مطلقا وخبر الحسن بن أحمد المنقري عن يونس عن الصادق (ع) (7) (والخامسة
يسلم ويقف مقدار ما بين التكبيرتين ولا يبرح حتى يحمل السرير من بين يديه)
وخبر عمار عن الصادق (ع) (8) (سئل عن ميت صلى عليه فلما سلم الإمام فإذا الميت

(1) في المغني ج 2 ص 491 (اختار القاضي أن المستحب تسليمتان وتسليمة واحدة
تجزئ وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي قياسا على سائر الصلوات) وفي ص 492 قال:
(الواجب في صلاة الجنازة النية والتكبيرات والقيام وقراءة الفاتحة والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله
وأدنى دعاء للميت وتسليمة واحدة) وفي بداية المجتهد لابن رشد ج 1 ص 216 (الجمهور
على أن التسليم واحد وسبب الخلاف في الواحدة والاثنتين هو اختلافهم في التسليم في
الصلاة المكتوبة فمن قال بالواحدة هناك قال به هنا ومن قال بالاثنتين قال به هنا).
(2) الوسائل الباب 9 من صلاة الجنازة.
(3) الوسائل الباب 9 من صلاة الجنازة.
(4) الوسائل الباب 9 من صلاة الجنازة.
(5) ص 402.
(6) 407.
(7) ص 409.
(8) ص 425.
473

مقلوب) وهذان يدلان على تسليم الإمام والثاني منهما حكاية فعل الإمام إلا أنه
لم يذكر انكار المعصوم (ع) إياه وخبر عمار عنه (عليه السلام) (1) قال (سألته
عن الصلاة على الميت فقال يكبر... إلى قوله عفوك عفوك وتسلم) وهذا كالأول في
اطلاق التسليم. وهي بأسرها ضعيفة الاسناد معارضة للمشهور محمولة على التقية (2)
وأما شرعية التسليم استحبابا أو جواز فالكلام فيه كالقراءة إذ الاجماع المعلوم إنما
هو على عدمه وجوبه ومع التقية لا ريب فيه. انتهى كلامه زيد مقامه.
وإنما نقلناه بطوله لجودة محصوله وإحاطته بأطراف الكلام من نقل الأقوال
والأخبار ومجمل القول فيه - كما قدمنا ذكره في القراءة - إن العبادات مبنية على
التوقيف من الشارع والأخبار هنا وإن كانت قد تعارضت فيه إلا أن مقتضى
القاعدة المأثورة عن أصحاب العصمة (صلوات الله عليهم) في اختلاف الأخبار
وعرضها على مذهب العامة والأخذ بما خافه هو نفي التسليم في هذه الصلاة وجوبا
واستحبابا وأما الجواز فإنه لا معنى له هنا لأن التسليم عبادة فإن شرعت فهي
لا تخرج عن الوجوب أو الاستحباب وإلا فالاتيان بها بقصد كونها جزء من
الصلاة مع عدم ثبوت الوجوب والاستحباب تشريع محض كما نبه عليه في
صدر كلامه.
وقال في الروض: ولا تسليم أيضا واجبا ولا مندوبا باجماع الأصحاب
قال في الذكرى: وظاهر هم عدم مشروعيته وما ورد باثباته من الأخبار محمول على
التقية لأنه مذهب العامة (3) مع كونها ضعيفة.
أقول: وبذلك يظهر لك ضعف ما ذهب إليه ابن الجنيد فإنه موافق
لأقوال العامة.
المسألة السادسة - لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز
ايقاع صلاة الجنازة الأوقات ما لم تزاحم صلاة فريضة حاضرة ولا كراهة

(1) ص 408.
(2) ارجع إلى التعليقة 1 ص 473.
(3) ارجع إلى التعليقة 1 ص 473.
474

أيضا لها وإن كان في الأوقات المكروهة.
قال في المعتبر: يصلى على الجنازة في الأوقات الخمسة المكروهة ما لم يتضيق
وقت فريضة حاضرة، وبه قال الشافعي وأحمد وقال الأوزاعي تكره في
الأوقات الخمسة وقال أبو حنيفة ومالك لا يجوز عند طلوع الشمس وغروبها وقيامها (1)
وقال العلامة في التذكرة: ويصلى على الجنازة في الأوقات الخمسة المكروهة ذهب إليه
علماؤنا أجمع. وقال في الذكرى لا كراهة في فعلها في الأوقات الخمسة في أشهر
الأخبار لأنها دعاء مجرد وواجبة وذات سبب.
أقول: أما ما يدل من الأخبار على عدم الكراهة في الأوقات الخمسة المشار
إليها مضافا إلى ما نقل من الاجماع فمنه ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي عبيد الله بن علي
الحلبي عن أبي عبد الله (ع) (2) قال: (لا بأس بالصلاة على الجنائز حين تغيب
الشمس وحين تطلع إنما هو استغفار).
وما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع)
قال: (يصلى على الجنازة في كل ساعة أنها ليست بصلاة ركوع ولا سجود وإنما تكره
الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها التي فيها الخشوع والركوع والسجود ولأنها
تغرب بين قرني شيطان وتطلع بين قرني شيطان) ورواه الشيخ أيضا مثله.

(1) في المغني ج 2 ص 554 (قال أحمد تكره الصلاة على الميت عند طلوع الشمس
ونصف النهار وعند غروب الشمس، وعن ابن عمر وعطاء والنخعي والأوزاعي والثوري
وإسحاق وأصحاب الرأي جواز الصلاة على الميت في هذه الأوقات الثلاث، وحكى عن أحمد جوازها في هذه الأوقات وهو قول للشافعي) وفي بداية المجتهد لابن رشد المالكي
ج 1 ص 222 (قال قوم لا يصلى على الجنازة في الأوقات الثلاثة وقت المغرب والطلوع
والزوال، وقال قوم لا يصلى في الغروب والطلوع فقط، وقال قوم لا يصلى عليها في
الأوقات الخمسة التي ورد النهي عن الصلاة فيها وبه قال عطاء والنخعي وأبو حنيفة، وقال
الشافعي يصلى عليها في كل وقت لأن النهي إنما هو خارج على النوافل لا على السنن)
(2) الوسائل الباب 20 من صلاة الجنازة.
(3) الوسائل الباب 20 من صلاة الجنازة.
(4) الوسائل الباب 20 من صلاة الجنازة.
475

وعن محمد بن مسلم (1) قال: (سألت أبا عبد الله هل يمنعك شئ من
هذه الساعات عن الصلاة على الجنائز؟ قال: لا).
وما رواه في كتاب دعائم الاسلام عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما
السلام) (2) قال: (لا بأس بالصلاة على الجنازة حين تطلع الشمس وحين تغرب
وفي كل حين إنما هو استغفار).
وروى الصدوق في كتاب عيون الأخبار وفي كتاب العلل بإسناده عن الفضل
ابن شاذان عن الرضا (ع) (3) قال: (فإن قال فلم جوزتم الصلاة عليه قبل المغرب
وبعد الفجر؟ قيل إن هذه الصلاة إنما تجب في وقت الحضور والعلة وليست هي
موقتة كسائر الصلوات وإنما هي صلاة تجب في وقت حدوث الحدث وليس للانسان
فيه اختيار وإنما هو حق يؤدى وجائز أن تؤدى الحقوق في أي وقت كان إذا
لم يكن الحق موقتا).
وأما ما رواه الشيخ في التهذيب عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله
(ع) (4) قال: (يكره الصلاة على الجنائز حين تصفر الشمس وحين تطلع)
فقد حمل الشيخ وجه الكراهة على التقية لموافقة الخبر مذهب العامة (5) وهو جيد
لما عرفت.
وأما لو زاحمت صلاة الميت فريضة حاضرة فقال في المعتبر إنه يتخير ما لم
يخف على الميت أو يخف فوت الحاضرة جمعا بين رواية جابر عن الباقر (ع) (6)
(وسأله عن الصلاة على الجنازة في وقت مكتوبة فقال فجل الميت إلى قبره إلا أن تخاف
فوت الفريضة) ورواية هارون بن حمزة عن الصادق (ع) (7) (إذا دخل وقت
المكتوبة فابدأ بها قبل الصلاة على الميت إلا أن يكون مبطونا أو نفساء أو نحو

(1) الوسائل الباب 20 من صلاة الجنازة.
(2) مستدرك الوسائل الباب 18 من صلاة الجنازة
(3) الوسائل الباب 20 من صلاة الجنازة.
(4) الوسائل الباب 20 من صلاة الجنازة.
(5) التعليقة 1 ص 475
(6) الوسائل الباب 31 من صلاة الجنازة.
(7) الوسائل الباب 31 من صلاة الجنازة.
476

ذلك) قال ومع التعارض يتعين التخيير.
أقول: ويعضد الرواية الثانية ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر
عن أخيه (ع) (1) قال: (سألته عن صلاة الجنائز إذا احمرت الشمس أتصلح
أو لا؟ قال لا صلاة في وقت صلاة. وقال: إذا وجبت الشمس فصل المغرب ثم
صل على الجنائز).
وظاهر المحدث الكاشاني في الوافي حمل الخبر الأول على وقت الفضيلة فمعنى
قوله: إلا أن يخاف أن يفوت وقت الفريضة) أي وقت فضيلتها ومعناه أنه يبدأ
بالصلاة على الميت إلا أن يخاف فوت وقت الفضيلة والخبرين الآخرين على ما إذا
ضاق وقت الفضيلة فإنه يقدم الحاضرة.
وقال في الذكرى بعد نقل كلام المعتبر: قلت الأقرب استحباب تقدم
المكتوبة ما لم يخف على الميت لا فضيلتها وعموم أحاديث فضلية أول الوقت.
وقال الشيخ في المبسوط: إذا تضيق وقت فريضة بدأ بالفرض ثم الصلاة على
الميت إلا أن يكون الميت يخاف من ظهور حادثة فيه فحينئذ يبدأ بالصلاة عليه. قال
في المختلف بعد نقل ذلك عنه: وهذا كلام غير معتمد لأن مع تضيق وقت الحاضرة
تتعين ولا يجوز الاشتغال بغيرها سواء خيف على الميت أو لا. انتهى. وظاهر
كلام ابن إدريس أنه مع تضيق وقت الحاضرة تكون مقدمة على الاطلاق كما جزم
به في المختلف.
أقول: من المحتمل قريبا أن مراد الشيخ هنا وقت الفريضة يعني
وقت فضيلتها فإن اطلاق الوقت عليه بقول مطلق غير عزيز في الأخبار كما تقدم
ذكره في باب الأوقات وحينئذ فمعناه ما قدمناه نقله سابقا عن المحدث الكاشاني
وهو أنه تقدم الصلاة على الميت إلا إذا ضاق وقت الفضيلة فإنه تقدم الفريضة
الحاضرة إلا أن يخاف على الميت من حادثة فإنه تقدم صلاة الميت ويكون هذا

(1) الوسائل الباب 31 من صلاة الجنازة.
477

من قبيل الأعذار في التأخير عن وقت الاختيار إلى الوقت الثاني الذي هو وقت
أصحاب الأعذار ولعل هذا من جملة الأعذار عنده وحينئذ فلا يرد عليه
ما ذكره في المختلف. والله العالم.
الفصل الخامس في الصلوات المندوبة
وقد تقدم الكلام في الرواتب منها في محلها وبقي ما عداها وهو مما لا حصر له
لقوله صلى الله عليه وآله (1) (الصلاة خير موضوع من شاء استقل ومن شاء استكثر) إلا
أنا نذكر هنا ما ذكره أصحابنا (رضوان الله عليهم) من مهمات هذه الصلوات جريا
على وتيرتهم في ما قعدوا فيه وقاموا وأسامة لسرح اللحظ حيث أساموا وذلك يقع
في مطالب:
المطلب الأول - في صلاة الاستسقاء وهو طلب السقيا من الله عز وجل يعني
نزول المطر عند الحاجة إليه.
وقد كان مشروعا في الزمن الأول والملل السابقة قال الله تعالى: (وإذ
استسقى موسى لقومه) (2).
وروى الصدوق (عطر الله مرقده) عن الصادق (ع) (3) قال: (إن
سليمان بن داود (ع) خرج ذات يوم مع أصحابه يستسقى فوجد نملة قد رفعت
قائمة من قوائمها إلى السماء وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك ولا غنى
بنا عن رزقك فلا تهلكنا بذنوب بني آدم. فقال سليمان (ع) لأصحابه ارجعوا
فقد سقيتم بغيركم).
وهي مستحبة عند غور الأنهار وفتور الأمطار لكون ذلك علامة غضب

(1) الوسائل الباب 42 من أحكام المساجد والمستدرك الباب 10 من أعداد الفرائض
(2) سورة البقرة الآية 57.
(3) الفقيه ج 1 ص 333 وفي الوسائل الباب 1 من صلاة الاستسقاء.
478

الله تعالى على عباده كما رواه الشيخ في التهذيب مرسلا عن النبي صلى الله عليه وآله (1) قال: (إذا
غضب الله تعالى على أمة ثم لم ينزل بها العذاب غلت أسعارها وقصرت أعمارها ولم تربح
تجارها ولم تزك ثمارها ولم تعذب أنهارها وحبس عنها أمطارها وسلط عليها أشرارها)
وعن عبد الرحمن بن كثير عن الصادق (ع) (2) قال: (إذا فشت أربعة
ظهرت أربعة: إذا فشا الزنا ظهرت الزلازل وإذا أمسكت الزكاة هلكت الماشية
وإذا جار الحكام في القضاء أمسك القطر من السماء وإذا خفرت الذمة نصر
المشركون على المسلمين).
واستحبابها ثابت بالاجماع والنصوص أما الأول فقد نقله العلامة في
التذكرة والمنتهى قال: أجمع كل من يحفظ عنه العلم على استحباب صلاة الاستسقاء
إلا أبا حنيفة فإنه قال ليس له صلاة بل مجرد الدعاء (3).
وها أنا أذكر أولا ما وقفت عليه من الأخبار في المقام ثم أعطف إن شاء
الله تعالى الكلام على ما دلت عليه وصرحت به علماؤنا الأعلام:
الأول - ما رواه في الكافي عن مرة مولى محمد بن خالد (4) قال: (صاح أهل
المدينة إلى محمد بن خالد في الاستسقاء فقال لي: انطلق إلى أبي عبد الله (ع) فاسأله
ما رأيك؟ فإن هؤلاء قد صاحوا إلى فأتيته فقلت له فقال لي قل له فليخرج قلت له متى
يخرج جعلت فداك؟ قال يوم الاثنين. قلت كيف يصنع؟ قال يخرج المنبر ثم
يخرج يمشي كما يمشي يوم العيدين وبين يديه المؤذنون في أيديهم عنزهم حتى إذا انتهى
إلى المصلي يصلي بالناس ركعتين بغير أذان ولا إقامة ثم يصعد المنبر فيقلب رداءه
فيجعل الذي على يمينه على يساره والذي على يساره على يمينه ثم يستقبل القبلة فيكبر الله

(1) الوسائل الباب 7 من صلاة الاستسقاء.
(2) الوسائل الباب 7 من صلاة الاستسقاء.
(3) في المغني ج 2 ص 430 (قال أبو حنيفة لا تسن الصلاة للاستسقاء ولا الخروج
لها... إلى أن قال: وخالفه أبو يوسف ومحمد بن الحسن فوافقا سائر العلماء)
(4) الوسائل الباب 1 من صلاة الاستسقاء.
479

مائة تكبيرة رافعا بها صوته ثم يلتفت الناس عن يمينه فيسبح الله مائة تسبيحة
رافعا بها صوته ثم يلتفت إلى الناس عن يساره فيهلل الله مائة تهليلة رافعا بها
صوته ثم يستقبل الناس فيحمد الله مائة تحميدة ثم يرفع يديه فيدعو ثم يدعون
فإني لأرجو ا أن لا يخيبوا. قال ففعل فلما رجعنا قالوا هذا من تعليم جعفر) وفي
رواية يونس (1) (فما رجعنا حتى أهمتنا أنفسنا).
الثاني - ما رواه في الكتاب المذكور في الصحيح أو الحسن عن هشام بن الحكم
عن أبي عبد الله (ع) (2) قال: (سألته عن صلاة الاستسقاء فقال مثل صلاة
العيدين: يقرأ فيها ويكبر كما يقرأ ويكبر فيها يخرج الإمام ويبرز إلى مكان
نظيف في سكينة ووقار وخشوع ومسكنة ويبرز معه الناس فيحمد الله ويمجده
ويثني عليه ويجتهد في الدعاء ويكثر من التسبيح والتهليل والتكبير ويصلي مثل
صلاة العيدين ركعتين في دعاء ومسألة واجتهاد فإذا سلم الإمام قلب ثوبه وجعل
الجانب الذي على المنكب الأيمن على المنكب الأيسر والذي على الأيسر على الأيمن
فإن النبي صلى الله عليه وآله كذلك صنع).
الثالث - ما رواه عن محمد بن يحيى رفعه عن أبي عبد الله (ع) (3) قال: (سألته
عن تحويل النبي صلى الله عليه وآله رداءه إذا استسقى فقال علامة بينه وبين أصحابه يحول الجدب
خصبا) ورواه في الفقيه مرسلا (4) والشيخ في التهذيب مسندا عن ابن محبوب عن
علي بن السندي عن محمد بن عمرو بن سعيد عن محمد بن يحيى الصيرفي عن محمد بن سفيان
عن رجل عن أبي عبد الله مثله (5).
الرابع - ما ذكره في الكافي (6) قال: (وفي رواية ابن المغيرة قال (يكبر في
صلاة الاستسقاء كما يكبر في العيدين في الأولى سبعا وفي الثانية خمسا ويصلي قبل
الخطبة ويجهر بالقراءة ويستسقى وهو قاعد).

(1) الوسائل الباب 1 من صلاة الاستسقاء
(2) الوسائل الباب 1 من صلاة الاستسقاء
(3) الوسائل الباب 3 من صلاة الاستسقاء.
(4) الوسائل الباب 3 من صلاة الاستسقاء.
(5) الوسائل الباب 3 من صلاة الاستسقاء.
(6) الوسائل الباب 1 من صلاة الاستسقاء
480

الخامس - ما رواه في الكافي (1) عن أبي العباس عن أبي عبد الله (ع) قال:
(أتى قوم رسول الله فقالوا له إن بلادنا قد قحطت وتوالت السنون علينا فادع
الله يرسل السماء علينا فأمر رسول الله بالمنبر فأخرج واجتمع الناس فصعد
رسول الله ودعا وأمر الناس أن يؤمنوا... الحديث).
السادس - ما رواه في التهذيب عن حماد السراج (2) قال: (أرسلني محمد بن
خالد إلى أبي عبد الله (ع) أقول له إن الناس قد أكثروا على في الاستسقاء فما رأيك
في الخروج غدا؟ فقلت ذلك لأبي عبد الله (ع) فقال لي قل له ليس الاستسقاء
هكذا فقل له يخرج فيخطب الناس ويأمرهم بالصيام اليوم وغدا ويخرج بهم اليوم
الثالث وهم صيام. قال فأتيت محمدا فأخبرته بمقالة أبي عبد الله (ع) فجاء فخطب الناس
وأمرهم بالصيام كما قال أبو عبد الله (ع) فلما كان في اليوم الثالث أرسل إليه ما رأيك في
الخروج؟) وفي غير هذه الرواية (3) أنه أمره (ع) أن يخرج يوم الاثنين فيستسقى.
السابع ما رواه في التهذيب في الموثق عن عبد الله بن بكير (4) قال (سمعت
أبا عبد الله (ع) يقول في الاستسقاء قال يصلي ركعتين ويقلب رداءه الذي على يمينه
فيجعله على يساره والذي على يساره على يمينه ويدعو الله فيستسقى).
الثامن - ما رواه عن أبي البختري عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام) (5)
أنه قال: (مضت السنة أنه لا يستسقى إلا بالبراري حيث ينظر الناس إلى السماء
ولا يستسقى في المساجد إلا بمكة) ورواه في الفقيه مقطوعا مرسلا (6).
التاسع - ما رواه عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام) (7)

(1) الروضة ص 207 وفي الوسائل الباب 1 و 9 من صلاة الاستسقاء
(2) الوسائل الباب 2 من صلاة الاستسقاء
(3) الوسائل الباب 2 من صلاة الاستسقاء
(4) الوسائل الباب 3 من صلاة الاستسقاء
(5) الوسائل الباب 4 من صلاة الاستسقاء. وفي التهذيب ج 1 ص 297 والوسائل
(عن أبيه عن علي) وفي الوافي كما هنا.
(6) ج 1 ص 334
(7) الوسائل الباب 5 من صلاة الاستسقاء.
481

(إن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى للاستسقاء ركعتين وبدأ بالصلاة قبل الخطبة وكبر سبعا
وخمسا وجهر بالقراءة).
العاشر - ما رواه في الفقيه مرسلا (1) قال: (قال أبو جعفر (ع) كان
رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي للاستسقاء ركعتين ويستسقي وهو قاعد. وقال بدأ بالصلاة
قبل الخطبة وجهر بالقراءة).
الحادي عشر - ما رواه في التهذيب عن إسحاق بن عمار في الموثق عن
أبي عبد الله (ع) (2) قال: (الخطبة في الاستسقاء قبل الصلاة ويكبر في الأولى
سبعا وفي الأخرى خمسا).
الثاني عشر - ما رواه في عيون الأخبار عن الحسن بن علي العسكري عن
الرضا (عليهم السلام) (3) في حديث (إن المطر احتبس فقال له المأمون لو دعوت
الله عز وجل فقال الرضا نعم. قال: فمتى تفعل ذلك؟ وكان يوم الجمعة
فقال يوم الاثنين فإن رسول الله أتاني البارحة في منامي ومعه أمير المؤمنين (ع)
فقال يا بني انتظر يوم الاثنين وأبرز إلى الصحراء واستسق فإن الله عز وجل سيسقيهم
بك. قال فلما كان يوم الاثنين خرج إلى الصحراء ومعه الخلائق).
الثالث عشر - ما رواه في كتاب قرب الإسناد عن الحسن بن ظريف عن
الحسين بن علوان عن جعفر أن أبيه عن علي (عليهم السلام) (4) قال: (كان
رسول الله صلى الله عليه وآله يكبر في العيدين والاستسقاء في الأولى سبعا وفي الثانية خمسا
ويصلي قبل الخطبة ويجهر بالقراءة).
الرابع عشر - ما ذكره الرضا (ع) في كتاب الفقه (5) حيث قال: إعلم
يرحمك الله أن صلاة الاستسقاء ركعتان بلا أذان ولا إقامة: يخرج الإمام يبرز

(1) الوسائل الباب 1 من صلاة الاستسقاء
(2) الوسائل الباب 5 من صلاة الاستسقاء
(3) الوسائل الباب 2 من صلاة الاستسقاء
(4) الوسائل الباب 1 من صلاة الاستسقاء
(5) ص 15.
482

إلى تحت السماء ويخرج المنبر والمؤذنين أمامه فيصلي بالناس ركعتين ثم يسلم ويصعد
المنبر فيقلب رداءه الذي على يمينه على يساره والذي على يساره على يمينه مرة
واحدة ثم يحول وجهه إلى القبلة فيكبر مائة تكبيرة يرفع بها صوته ثم
يلتفت عن يمينه ويساره إلى الناس فيهلل مائة تهليلة رافعا صوته ثم يرفع يديه
إلى السماء فيدعو الله ويقول: اللهم صل على محمد وآل محمد اللهم اسقنا غيثا مغيثا
مجلجلا طبقا مطبقا جللا مونقا راجيا غدقا مغدقا طيبا مباركا هاطلا مهطلا متهاطلا
رغدا هنيئا مريئا دائما رويا سريعا عاما مسبلا نافعا غير ضار تحيي به العباد والبلاد
وتنبت به الزرع والنبات وتجعل فيه بلاغا للحاضر منا والباد اللهم أنزل علينا من
بركات سمائك ماء طهورا وأنبت لنا من بركات أرضك نباتا مسيغا وتسقيه مما خلقت
أنعاما وأناسي كثيرا اللهم ارحمنا بالمشايخ ركعا وصبيان رضع وبهائم رتع وشبان
خضع قال وكان أمير المؤمنين يدعو عند الاستسقاء بهذا الدعاء يقول:
يا مغيثنا ومعيننا على ديننا ودنيانا بالذي تنشر علينا من الرزق نزل بنا عظيم لا يقدر
على تفريجه غير منزله عجل على العباد فرجه فقد أشرفت الأبدان على الهلاك فإذا
هلكت الأبدان هلك الدين يا ديان العباد ومقدر أمورهم بمقادير أرزاقهم لا تحل
بيننا وبين رزقك وهبنا ما أصبحنا فيه من كرامتك معترفين قد أصيب من لا ذنب
له من خلقك بذنوبنا ارحمنا بمن جعلته أهلا لاستجابة دعائه حين يسألك يا رحيم
لا تحبس عنا ما في السماء وانشر علينا نعمك وعد علينا برحمتك وابسط علينا كنفك
وعد علينا بقبولك واسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ولا تهلكنا بالسنين ولا
تؤاخذنا بما فعل المبطلون وعافنا يا رب من النقمة في الدين وشماتة القوم الكافرين
يا ذا النفع والنصر إنك إن أجبتنا فبجودك وكرمك ولاتمام ما بنا من نعمائك وإن ترددنا
فبلا ذنب منك لنا ولكن بجنايتنا على أنفسنا فاعف عنا قبل أن تصرفنا واقلبنا
بانجاح الحاجة يا الله. انتهى.
هذا مجموع ما حضرني من الأخبار في هذا المقام والكلام فيها يقع في مواضع:
483

الأول: أن ما دل عليه الخبر الثاني من أن كيفية هذه الصلاة مثل كيفية
صلاة العيدين في القراءة والتكبيرات والقنوتات مما اتفقت عليه كلمة الأصحاب
(رضوان الله عليهم) وحكى الاجماع عليه في المنتهى إلا أنهم قالوا يجعل مواضع
القنوت الذي في العيدين الدعاء هنا بالرحمة واستعطاف الله عز وجل بارسال الغيث.
بقي الكلام في أنه هل يدخل الوقت في اطلاق المماثلة أو يخص بمجرد الكيفية
دون الأمور الخارجة؟ قولان.
وبالأول صرح جملة من الأصحاب: منهم - شيخنا الشهيد الثاني في الروض
حيث قال بعد قول المصنف (كالعيد) ما لفظه: في كونها ركعتين بين طلوع الشمس
والزوال يقرأ فيهما ما مر ويكبر فيهما التكبيرات الزائدة ويقنت بعد كل تكبيرة
منها. انتهى. والظاهر أنه اقتفى أثر الشهيد في البيان حيث قال: ووقتها وقت العيد.
ونقل في الذكرى عن ظاهر كلام الأصحاب أن وقتها وقت صلاة العيدين
ونقل عن ابن أبي عقيل التصريح بأن الخروج في صدر النهار وعن أبي الصلاح
عند انبساط الشمس وابن الجنيد بعد صلاة الفجر قال: والشيخان لم يعينا وقتا إلا
أنهما حكما بمساواتها للعيد.
وبالثاني صرح الفاضلان بل قال في النهاية وفي أي وقت خرج جاز وصلاها
إذ لا وقت لها اجماعا. ونحوه قال في التذكرة ثم قال: والأقرب عندي ايقاعها
بعد الزوال لأن ما بعد العصر أشرف قال في الذكرى: ونقله ابن عبد البر عن
جماعة العلماء من العامة. وقال في البيان بعد قوله المتقدم نقله عنه: وربما قيل بعد
الزوال وهو مشهور بين العامة (1).

(1) في المغني ج 2 ص 432 (ليس لصلاة الاستسقاء وقت معين إلا أنها لا تفعل
في وقت النهي بغير خلاف والأولى فعلها في وقت العيد. ثم قال وقال ابن عبد البر الخروج
إليها عند زوال الشمس عند جماعة العلماء إلا أبا بكر بن حزم وهذا على سبيل الاختيار،
وفي بداية المجتهد ج 1 ص 198 (قال جماعة العلماء إن الخروج لها عن الخروج لصلاة
العيدين إلا أبا بكر بن محمد بن عمر بن حزم قال الخروج لها عند الزوال).
484

أقول: لا ريب في أن الأخبار المتقدمة مطلقة لا إشارة فيها فضلا عن التصريح
إلى وقت معين واستفادة التوقيف من المماثلة للعيدين لا يخلو من بعد لوقوع المخالفة
بينهما في مواضع عديدة وما ذكره كل من هؤلاء من تعيين وقت مخصوص بأن
يكون بعد الفجر كما نقل عن ابن الجنيد أو صدر النهار كما عن ابن أبي عقيل أو
انبساط الشمس عند أبي الصلاح فلم نقف له على مستند وبذلك يظهر أرجحية القول
الثاني. وأما ايقاعها بعد الزوال فقد عرفت أنه مذهب العامة كما ذكره ابن عبد البر
من علمائهم. والله العالم.
الثاني - قد دلت الرواية الأولى والثانية عشرة على استحباب الخروج يوم
الاثنين وبه صرح الصدوق والشيخ وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس وغيرهم
والظاهر أن المشهور في كلام المتأخرين التخيير بين يوم الاثنين ويوم الجمعة بل نقل
عن الشيخ المفيد وأبي الصلاح أنهما لم يذكر سوى الجمعة وعن ابن الجنيد وابن
أبي عقيل وسلار أنهم لم يعينوا يوما ونقله في الذكرى عن الشيخ المفيد أيضا
ولعله في غير المقنعة.
وعلل جملة من الأصحاب إضافة الجمعة إلى الاثنين والتخيير بينهما بشرف الجمعة
وكونه محلا لإجابة الدعاء وقد ورد (1) (أن العبد يسأل الله الحاجة فيؤخر
إجابتها إلى يوم الجمعة) وهو حسن.
ولعل من عين الجمعة خاصة وكذا من لم يعين يوما مع ورود النص بيوم الاثنين
نظر إلى ما ورد من الأخبار في ذم يوم الاثنين وأنه يوم نحس لا تطلب فيه
الحوائج وأن بني أمية تتبرك به وتتشأم به آل محمد صلى الله عليه وآله لقتل الحسين (ع) فيه
حتى ورد أن من صامه أو طلب الحوائج فيه متبركا به حشر مع بني أمية (2) وأن

(1) الوسائل الباب 41 من صلاة الجمعة.
(2) الوسائل الباب 21 من الصوم المندوب و 4 و 6 و 7 من آداب السفر.
485

هذه الأخبار ظاهرة الرجحان على الخبرين على الخبرين المذكورين.
والحق أنه لولا النص ولا سيما الخبر الثاني عشر المشتمل على أمر النبي صلى الله عليه وآله
للرضا (ع) بالخروج فيه لكان ينبغي المنع من الخروج فيه لما عرفت إلا أنه بعد
الخبرين المذكورين المعتضدين بفتوى الأصحاب بذلك لا بد من التسليم لامكان
وجود خصوصية فيه لا نعلمها. والله العالم.
الثالث - قد تضمنت الرواية السادسة أنه يستحب للإمام أن يخطب الناس
ويأمرهم في جملة خطبته بالصيام ثلاثة أيام ويكون الثالث هو يوم الخروج واطلاق
غيرها من الأخبار يكون محمولا عليها ويمكن حمل هذه الرواية على الفضل
والاستحباب وإن جاز الاستسقاء بدون صيام إلا أن الظاهر من كلام الأصحاب
هو الأول.
الرابع - من مستحبات هذه الصلاة أن يصحر بها كما في العيدين وادعى على
ذلك الاجماع جمع منا ويدل عليه مضافا إلى الاجماع المذكور والتأسي بالنبي صلى الله عليه وآله
الرواية الثامنة والثانية عشرة صريحا وأكثر الروايات ظاهرا فإن المراد من الخروج
فيها سيما مع نقل المنبر وخروج المؤذنين بين يدي الإمام إنما هو إلى الصحراء
وعلى ذلك يحمل قوله في الخبر الثاني (إلى مكان نظيف) وفي الرابع عشر (يبرز
إلى تحت السماء).
نعم دلت الرواية الثامنة على استثناء مكة وأنه يصلى في مسجدها ومنه يعلم
أن أهل مكة يستسقون في مسجدها قال في المنتهى وهو قول علمائنا أجمع وأكثر
أهل العلم لا والحق ابن الجنيد به مسجد المدينة ولم نقف على مستنده بل ظاهر الخبر
الخامس يرده. وجمع من الأصحاب كالمفيد وابن أبي عقيل لم يستثنوا المسجد الحرام
على ما حكاه الشهيد في الذكرى.
الخامس - يستحب أن يكونوا حال الخروج حفاة بالسكينة والوقار كما ذكره
الأصحاب إلا أن الحفاء غير مذكور في الأخبار وإنما عللوه بأنه أقرب إلى الخشوع
486

والتذلل المطلوب في هذا المقام. وأما الخروج بالسكينة والوقار فقد دل عليه
الخبر الثاني ويشير إليه قوله في الخبر الأول (ثم يخرج يمشي كما يمشي يوم العيدين)
مع ما تقدم من استحباب ذلك في الخروج إلى العيد.
السادس - ومن المستحبات التي ذكرها الأصحاب (رضوان الله عليهم) هنا
مع خلو النصوص منها أنهم يخرجون معهم الشيوخ والأطفال والعجائز والبهائم.
قالوا: لأنه أقرب إلى الرحمة وأسرع إلى الإجابة استنادا إلى ما روي عن
النبي صلى الله عليه وآله (1) أنه قال (لولا أطفال رضع وشيوخ ركع وبهائم رتع لصب
عليكم العذاب صبا).
وزاد بعضهم أنه يفرق بين الأطفال وأمهاتهم ليكثروا من الضجيج والبكاء
ويكون سببا لادراك الرحمة.
أقول: وربما يؤيد ما ذكروه من اخراج هؤلاء بما تقدم في الخبر الرابع عشر
من قوله: (اللهم ارحمنا بالمشايخ ركعا... الخ)
وما ورد في الخطب من قوله (ع) (2) (اللهم ارحم أنين الآنة وحنين الحانة
أرحم تحيرها في مراتعها وأنينها في مرابضها).
ويعضده أيضا خبر استسقاء سليمان بن داود (ع) المتقدم (3) وقول النملة
ما قالت إلا أن الحكم لا يخلو من شوب الاشكال.
قال في المنتهى: ويمنع أهل الذمة والكفار من الخروج معهم لقوله تعالى
(وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) (4) ثم ذكر ما روى عن الصادق (ع) (5)

(1) في الجامع الصغير ج 2 ص 132 والسنن الكبرى ج 3 ص 245 عنه صلى الله عليه وآله
(لولا شباب خشع وبهائم رتع وشيوخ ركع وأطفال رضع لصب عليكم العذاب صبا).
(2) التهذيب ج 3 ص 151 والفقيه ج 1 ص 335 الطبع الحديث.
(3) ص 478
(4) سورة الرعد الآية 15
(5) ص 488.
487

في حكاية دعاء فرعون حين غار ماء النيل. ورجح عدم المنع.
أقول: ومما يؤيد عدم المنع خروج المنافقين مع النبي صلى الله عليه وآله فإنهم أكثر
الناس أو كثير منهم يومئذ وكذا خروج المخالفين مع الرضا (ع) كما تضمنه الخبر
الثاني عشر فإنهم الأكثر يومئذ بغير شك.
ويعضده أيضا ما ورد في بعض الأخبار (1) من أن الله عز وجل ربما حبس
الإجابة عن المؤمن لحب سماع دعائه وتضرعه والحاحه ويعجل الإجابة للكافر
لبغض سماع صوته على أنهم يطلبون ما ضمنه الله لهم من رزقهم وهو سبحانه
لا يخلف الميعاد.
وأما خبر فرعون المشار إليه فهو ما رواه الصدوق عن الصادق (ع) أنه
جاء أصحاب فرعون إليه فقالوا غار ماء النيل وفيه هلاكنا فقال انصرفوا اليوم فلما
كان من الليل توسط النيل ورفع يديه إلى السماء وقال: اللهم إنك تعلم أني لا علم أنه
لا يقدر على أن يجئ بالماء إلا أنت فجئنا به. فأصبح الماء يتدفق.
السابع - ومن المستحبات هنا أيضا أن يقلب الإمام رداءه إذا صعد المنبر
بعد الصلاة فيجعل الذي على يمينه على يساره وبالعكس وقد تقدم في الخبر الأول
والثاني والثالث والسابع والرابع عشر.
وقال شيخنا الشهيد الثاني في الروضة: ولو جعل مع ذلك أعلاه أسفله وظاهره
باطنه كان حسنا ويترك محولا حتى ينزع. انتهى. وفيه ما لا يخفى على المتأمل.
والظاهر من الأخبار أن التحويل إنما هو من الإمام مرة واحدة بعد الصلاة
وصعود المنبر إلا أن في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) هنا نوع تشويش
واضطراب فإن بعضهم ذكر أن هذا التحويل بعد الفراغ من الخطبة.
ولعل هذا القائل نظر إلى الظاهر الخبر الثالث وقوله (تحويل النبي صلى الله عليه وآله رداءه
إذا استسقى) يعنى إذا فرغ من الخطبة.

(1) الوسائل الباب 21 من الدعاء
(2) الفقيه ج 1 ص 334.
488

وفيه - مع كونه من كلام السائل - أن المراد به إنما هو إذا أراد الاستسقاء كما
يظهر من الأخبار الباقية.
وقال الشيخ المفيد وسلار وابن البراج: يحول الإمام رداءه ثلاث مرات:
بعد الفراغ من الصلاة وبعد الصعود على المنبر وبعد الفراغ من الخطبة.
وفيه ما سيظهر لك إن شاء الله تعالى من أن هذا وإن توهم في بادئ الرأي
قبل اعطاء التأمل حقه في الأخبار إلا أنه يرجع عند التأمل إلى أمر واحد
كما ستقف عليه.
وفي المبسوط أثبته للمأموم وفي الخلاف خصه بالإمام وقال في الروض:
ولا فرق في ذلك بين الإمام وغيره ومن ثم أطلقه المصنف وللشيخ قول
باختصاصه بالإمام وتبعه المحقق في الشرائع والعلتان توجبان الاشتراك. انتهى.
أقول: وتحقيق المقام أما بالنسبة إلى وقت التحويل فإن المستفاد من الأخبار
أنه بعد الفراغ من الصلاة وصعود الإمام المنبر قبل الخطبة.
ومن الأخبار الواضحة في ذلك الخبر الأول وقوله (ع) فيه (فإذا انتهى إلى
المصلى صلى بالناس ركعتين بغير أذان ولا إقامة ثم يصعد المنبر فيقلب رداءه... الخ)
وقوله (ع) في الخبر الرابع عشر (يصلي بالناس ركعتين ثم يسلم ويصعد
المنبر فيقلب رداءه).
وأما قوله (ع) في الخبر الثاني (إذا سلم الإمام قلب ثوبه... الخ) فالمراد منه
بعد صعود المنبر وإن كان صعود المنبر غير مذكور في الخبر إلا أن اطلاقه محمول
على الخبرين المفصلين المذكورين حمل المطلق على المقيد. ولا يخفى أن الخبر المذكور
في حد ذاته لا يخلو من اجمال بالنسبة إلى ما فصلته باقي الأخبار.
وأما قوله (ع) في الحديث السابع (يصلي ركعتين ويقلب رداءه) فالحكم فيه
كما ذكرنا في سابقه من تقييد اطلاقه بالخبرين المتقدمين بمعنى أنه بعد أن يصلي ركعتين
ويصعد المنبر يقلب رداءه.
489

وبالجملة فإن ذكر القلب بعد الصلاة لا ينافي صعود المنبر بعد الصلاة والقلب
بعد الصعود إذ البعدية المذكورة صادقة بذلك وليس هنا مدة بين الفراغ وصعود
المنبر حتى يلزم أن يقال إن المتبادر من البعدية البعدية القريبة فإنها في ما ذكرناه
قريبة غير بعيدة كما لا يخفى.
وأما بالنسبة إلى اختصاص الإمام بذلك أو شمول الحكم للمأموم فلا يخفى
أنه بناء على ما ذكرنا من حمل مطلق الأخبار على مقيدها يكون ذلك مختصا بالإمام
واثباته للمأموم يحتاج إلى دليل وليس فليس. ومع العمل باطلاق هذين الخبرين وعدم
تقييدهما بالخبرين الأخيرين يلزم استحباب القلب مرتين: إحداهما بعد الصلاة إماما
كان أو مأموما وثانيتهما بعد صعود المنبر بالنسبة إلى الإمام. إلا أن مقتضى القاعدة
المعمول عليها إنما هو الأول. والله العالم.
الثامن - ما دل عليه الخبر الأول - من تكبير الإمام إلى القبلة مائة مرة ثم
يسبح عن يمينه مائة تسبيحة وعن يساره يهلل مائة تهليلة ثم يستقبل الناس فيحمد
الله مائة تحميدة - هو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وبه قال
الشيخ وأتباعه.
وقال الشيخ المفيد يكبر إلى القبلة مائة ويسبح إلى اليمين مائة ويحمد إلى اليسار
مائة ويستغفر عند استقبال الناس مائة ونقل ذلك في المختلف عن أبي الصلاح
وسلار وابن البراج.
والشيخان قد اتفقا في التكبير والتسبيح واختلفا بعد ذلك فالشيخ الطوسي
جعل التهليل إلى اليسار مائة ثم التحميد عند استقبال الناس مائة كما هو المشهور
والشيخ المفيد جعل عند الالتفات إلى اليسار التحميد وعند استقبال الناس الاستغفار
ولم يذكر التهليل بالكلية.
والصدوق وافق الشيخين في التكبير والتسبيح إلى القبلة واليمين وخالف الشيخ
الطوسي في التهليل والتحميد فعكس فيهما حيث إن الشيخ جعل التهليل إلى اليسار
490

والتحميد عند استقبال الناس وهو جعل التحميد إلى اليسار والتهليل عند استقبال الناس.
وأنت خبير بأنا لم نقف في هذا المقام إلا على الرواية الأولى وهي صريحة في
القول المشهور وعبارة كتاب الفقه الرضوي ونسخة الكتاب لا تخلو من
الغلط وما نقلناه هنا صورة ما في النسخة التي تحضرني والظاهر أنها غير خالية من
الغلط والظاهر أن ما ذهب إليه الصدوق إنما أخذه من الكتاب على النهج الذي عرفته
غالبا. وكيف كان فالظاهر هو القول المشهور.
ثم إن الأصحاب قد ذكروا متابعة المأمومين للإمام في هذه الأذكار ومنهم
الشيخ المفيد في المقنعة وغيره ممن تأخر عنه وأما إنهم يلتفتون معه إلى هذه
الجهات كما يلتفت فلم أقف عليه في كلامهم وظاهر هم إنما هو المتابعة في هذه
الأذكار وكذا في رفع الصوت بها وعن ابن الجنيد أنهم يتابعونه في التكبير
بدون رفع الصوت والنص الذي هو مستند هذا الحكم وهو الخبر الأول وكذا
الخبر الرابع عشر خال من ذلك بل ظاهره الاختصاص بالإمام.
التاسع - ما اشتملت عليه الرواية الأولى - من أنه بعد الأذكار المذكورة يرفع
يديه فيدعو ثم يدعون - الظاهر أنه هو المراد بالاستسقاء في الأخبار وكذا التعبير
بالخطبة فإن المراد إنما هو هذا الدعاء والابتهال والتضرع إليه سبحانه ولهذا
وقع في عبائر الأصحاب (رضوان الله عليهم): ثم يخطب ويبالغ في السؤال. إلا أن
خطبة علي (ع) المشهورة في الاستسقاء (1) تدل على استحباب الخطبة بالمعنى المشهور
والظاهر أن كلا من الأمرين جائز ومنه يفهم تقديم الذكر على الخطبة وهو
مذهب ابن أبي عقيل والشيخ وابن حمزة وهو المشهور بين المتأخرين.
ونسب في الذكرى القول بأن الذكر بعد الخطبة إلى المشهور قال في الكتاب
المذكورة: والمشهور أن هذا الذكر يكون بعد الخطبتين وقال ابن أبي عقيل والشيخ
وابن حمزة قبلهما وفي تعليم الصادق (ع) (2) محمد بن خالد أنه يصعد المنبر فيقلب

(1) التهذيب ج 3 ص 151 والفقيه ج 1 ص 335 الطبع الحديث
(2) ص 479.
491

رداءه ثم بالأذكار قال (ثم يرفع يديه ويدعو) ولم يذكر الخطبة بعد ذلك
وظاهره أن هذه الأذكار تفعل على المنبر فكأنها من جملة الخطبة ولو فعل ذلك
جاز. انتهى. وفي البيان أن كلا الأمرين جائزان.
ثم إن ظاهر الخامس الاكتفاء بتأمين الناس دون المتابعة في الدعاء
كما دل عليه الخبر الأول ولعل الوجه التخيير جمعا بين الخبرين المذكورين.
وقد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن الأفضل في الخطبة
والدعاء هو المأثور عن أصحاب العصمة (صلوات الله عليهم) وهو كذلك وقد مر
ما اشتمل عليه كلامه (ع) في كتاب الفقه إلا أن نسخة الكتاب المنقول منه لا تخلو
من الغلط.
وقال شيخنا المفيد في المقنعة بعد ذكر الأذكار التي إلى الجهات الأربع: ثم
حول وجهه إلى القبلة فدعا ودعا الناس معه فقال: اللهم رب الأرباب ومعتق
الرقاب ومنشئ السحاب ومنزل القطر من السماء ومحيي الأرض بعد موتها يا فالق
الحب والنوى ويا مخرج الزرع والنبات ومحيي الأموات وجامع الشتات اللهم اسقنا
غيثا مغيثا غدقا مغدقا هنيئا مريئا تنبت به الزرع وتدر به الضرع وتحيي به الأرض
بعد موتها وتسقي به مما خلقت أنعاما وأناسي كثيرا.
العاشر - المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو استحباب
الخطبة بعد الصلاة بل قال في التذكرة إنه قول علمائنا أجمع وعليه تدل الرواية
التاسعة والعاشرة والرابعة عشرة وأما ما دلت عليه الرواية الحادية عشرة من كون
الخطبة قبل فقد ردها الشيخ في التهذيب بأنها غير معمول عليها لأن الأخبار
تضمنت أن هذه الصلاة كالعيدين وقد بينا أن صلاة العيدين الخطبة بعدها فيجب أن
تكون هذه الصلاة جارية مجراها. انتهى. وهو جيد.
قال في المختلف: المشهور أن الإمام يصلي ركعتي الاستسقاء ثم يصعد المنبر
ويخطب وقال ابن إدريس في بعض الروايات أن هذه الخطبة تكون قبل الصلاة
492

وقال ابن الجنيد ويصعد الإمام قبل الصلاة وبعدها ثم قال: لنا - حديث
مرة مولى خالد... ثم ساق الحديث (1) ثم ذكر رواية إسحاق بن عمار التي تضمنت تقديم
الخطبة على الصلاة وردها بما ذكره الشيخ. ثم قال: وأحسن حديث بلغنا في هذا الباب
ما رواه هشام بن الحكم (2) وساق الخبر ثم قال وهذا الحديث وإن دل بقوله (مثل صلاة
العيدين) على ما قلناه لكن دلالة على ما اختاره ابن الجنيد أقوى. انتهى ملخصا
أقول: لا ريب أنه وإن كان هذا الخبر صحيح السند لكن دلالته على
ما ذكره لا تخلو من اجمال واشكال لعدم التعرض لذكر الخطبة فيه صريحا ويمكن
فهمها من قوله (ع) (فيحمد الله ويمجده... إلى آخره) بناء على أن الخطبة عبارة
عن ذلك وإن قدم في اللفظ إلا أن عطف الصلاة عليه بالواو التي هي لمطلق الجمع
وطريق الجمع بينه وبين باقي الأخبار هو حمل هذه الأذكار على الخطبة وجعلها
مؤخرة عن الصلاة من قبيل حمل المجمل على المبين والمطلق على المقيد فلا منافاة
في الخبر المذكور ولا دلالة فيه على كون الخطبة قبل الصلاة ولا صعود المنبر قبل
الصلاة كما لا يخفى.
هذا. وقد قدمنا أن المراد بالخطبة هنا ما هو أعم من المعنى المشهور فيها أو
مجرد الدعاء والتضرع والابتهال.
وقال في الذكرى: يستحب أن يخطب بالمأثور عن أهل البيت (عليهم السلام)
وقد ذكر في التهذيب (3) خطبة بليغة لأمير المؤمنين (ع) (الحمد لله سابغ النعم...
إلى آخرها) ولو خطب بغير ذلك مما يتضمن حمدا وثناء ووعظا جاز. والظاهر أن الخطبة الواحدة غير كافية بل يخطب اثنتين تسوية بينها وبين صلاة العيد.
ويستحب المبالغة في التضرع والالحاح في الخطبتين وخصوصا الثانية. انتهى.
أقول: لا يخفى أن ما علل به تثنية الخطبتين من التسوية بين هذه الصلاة

(1) تقدم ص 479
(2) ص 480.
(3) ج 3 ص 151 وفي الفقيه ج؟ ص 335 الطبع الحديث.
493

وصلاة العيد لا يخلو من نظر فإن المشابهة لا تقتضي المساواة من جميع الوجوه
سيما مع دلالة جملة من النصوص كما عرفت على الاكتفاء بمجرد الدعاء عن الخطبة
المؤذن بأن المراد بالخطبة ذلك.
الحادي عشر - من وظائف هذه الصلاة اخراج المنبر إلى الصحراء كما دل
عليه الخبر الأول والخامس والرابع عشر وقد صرح المرتضى وجماعة بأنه يخرج
ويحمل بين يدي الإمام إلى الصحراء ونسب ابن إدريس إلى بعض أصحابنا أنه قال: المنبر لا يخرج بل يستحب أن يكون مثل منبر العيد معمولا من الطين. ثم قال إنه الأظهر في الرواية (1) والقول بثبوت هذه الصلاة كصلاة العيد. وهو اجتهاد
في مقابلة النصوص اللهم إلا أن يكون لم يطلع على الأخبار المذكورة.
ومنها - خروج المؤذنين بين يديه أيضا وفي أيديهم عنزهم كما دل عليه
الخبر الأول.
الثاني عشر - ما دل عليه الخبر الأول والربع عشر من عدم الأذان والإقامة
مما دل عليه اجماع الأصحاب (رضوان الله عليهم) كما ذكره الفاضلان في المعتبر
والمنتهى بل قال في المنتهى: وعليه اجماع كل من يحفظ عنه العلم.
وصرحوا بأنه يقول المؤذن: الصلاة (ثلاثا) وكأنه مأخوذ من التشبيه
بصلاة العيد التي يقال فيها ذلك فإن أخبار المسألة التي قدمناها خالية من ذلك ولا
أعرف غيرها اللهم إلا أن يكون وصل إليهم ما لم يصل إلينا.
الثالث عشر - من وظائف هذه الصلاة استحباب الجهر بالقراءة كما دل عليه
الخبر الرابع والتاسع والعاشر والثالث عشر وبه صرح الأصحاب أيضا وأضافوا
إلى ذلك الجهر بالقنوت كما في صلاة العيدين ولا بأس به تحقيقا للمشابهة.
الرابع عشر - قال في الذكرى: يجوز الاستسقاء بغير صلاة أما في خطبة

(1) يمكن أن يكون نظره إلى حديث هشام ص 480 المتضمن للمماثلة بين الصلاتين.
494

الجمعة والعيدين أو في أعقاب المكتوبات أو يخرج الإمام إلى الصحراء فيدعو
والناس يتابعونه.
أقول: ويدل على ما ذكره من الفرد الأخير ظاهر الخبر الخامس فإنه لم
يشتمل على أزيد من صعود رسول الله صلى الله عليه وآله المنبر بعد اجتماع الناس والاستسقاء
بالدعاء وأمر الناس أن يؤمنوا.
الخامس عشر - قد صرح جملة الأخبار من الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن هذه
الصلاة تصلى جماعة وفرادى وإن كان الجماعة أفضل.
وأنت خبير بأن ظواهر جملة الأخبار التي قدمناها وهي أخبار المسألة التي
وقفنا عليها متفقة على الجماعة ولم أقف على خبر ظاهر في جواز صلاتها فرادى
كما ذكروه اللهم إلا أن يكون قاسوها على العيدين لقضية التشبيه. وفيه ما فيه.
السادس عشر - قد تضمن الخبر الرابع أنه يستسقي وهو قاعد والحديث
العاشر أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يستسقي وهو قاعد مع أن أحدا من الأصحاب
لم يعدوا ذلك من مستحبات هذه الصلاة بل ظاهر كلامهم إنما هو الوقوف حال
الاستسقاء والدعاء والخطبتين، ولم أطلع في كلامهم على من تعرض لما دل عليه
هذان الخبران من القعود حال الاستسقاء والكلام فيه نفيا أو اثباتا. وحمل ذلك
على العذر في بعض الأوقات ينافيه لفظ (كان) في الحديث العاشر الدال على استمرار
ذلك في جميع الأوقات أو أكثرها.
السابع عشر - ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه يستحب أن يكرر
الخروج لو تأخرت الإجابة وربما ادعى عليه الاجماع ولم أقف عليه في النصوص إلا أنه ربما أمكن الاستناد فيه إلى العمومات الدالة على الحث على الدعاء وتكراره
وأن الله سبحانه ربما أخر الإجابة لحب سماعه صوت عبده المؤمن فلا ينبغي اليأس
والقنوط بعدم الإجابة أول مرة (1) على أن حديث سليمان (ع) (2) قد دل على تكرار

(1) الوسائل الباب 21 من الدعاء
(2) 478 ولم يذكر فيه تكرار الخروج.
495

الخروج ثلاث مرات وأن قول النملة ما قالت كما قدمنا إنما هو في المرة الثالثة.
فائدة
قد ورد الدعاء لدفع المطر مع كثرة وخوف ضرره كما ورد لقلته وحصول
الضرر بذلك:
روى في الكافي (1) بسنده عن رزيق أبي العباس عن أبي عبد الله (ع) قال:
(أتى قوم رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وآله أن بلادنا قد قحطت
وتوالت السنون علينا فادع الله تعالى يرسل السماء علينا فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله بالمنبر
فأخرج واجتمع الناس فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله ودعا وأمر الناس أن يؤمنوا فلم
يلبث أن هبط جبرئيل (ع) قال يا محمد صلى الله عليه وآله أخبر الناس أن ربك قد وعدهم أن يمطروا
يوم كذا وكذا وساعة كذا وكذا فلم يزل الناس ينتظرون ذلك اليوم وتلك الساعة
حتى إذا كانت تلك الساعة أهاج الله تعالى ريحا فأثارت سحابا وجللت السماء وأرخت
عزاليها فجاء أولئك النفر بأعيانهم إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وآله ادع
الله لنا أن يكف السماء عنا فإنا كدنا أن نغرق فاجتمع الناس ودعا النبي صلى الله عليه وآله وأمر
الناس أن يؤمنوا على دعائه فقال له رجل من الناس يا رسول الله صلى الله عليه وآله أسمعنا
فإن كل ما تقول ليس نسمع فقال قولوا: اللهم حوالينا ولا علينا اللهم صبها في
بطون الأودية وفي منابت الشجر وحيث يرعى أهل الوبر اللهم اجعلها رحمة ولا
تجعلها عذابا).
المطلب الثاني في صلاة التسبيح
وها نحن نذكر الأخبار المتعلقة بهذا المقام ونذيلها إن شاء الله تعالى بما يفهم
منها من الأحكام:
الأول - ما رواه في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) (2) قال: (قال

(1) الروضة ص 217 وفي الوسائل الباب 1 من صلاة الاستسقاء.
(2) الوسائل الباب 1 من صلاة جعفر.
496

رسول الله صلى الله عليه وآله لجعفر يا جعفر ألا أمنحك ألا أعطيك ألا أحبوك؟ فقال له
جعفر (ع) بلى يا رسول الله صلى الله عليه وآله قال فظن الناس أنه يعطيه ذهبا أو فضة فتشوف
الناس لذلك فقال له إني أعطيك شيئا إن أنت صنعته في كل يوم كان خيرا لك من
الدنيا وما فيها وإن صنعته بين يومين غفر لك ما بينهما أو كل جمعة أو كل شهر أو
كل سنة غفر لك ما بينهما تصلي أربع ركعات: تبتدئ فتقرأ وتقول إذا فرغت:
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. تقول ذلك خمس عشرة مرة بعد
القراءة فإذا ركعت قلته عشر مرات فإذا رفعت رأسك من الركوع قلته عشر مرات
فإذا سجدت قلته عشر مرات فإذا رفعت رأسك من السجود فقل بين السجدتين عشر
مرات فإذا سجدت الثانية فقل عشر مرات فإذا رفعت رأسك من السجدة الثانية قلت
عشر مرات وأنت قاعد قبل أن تقوم فذلك خمس وسبعون تسبيحة في كل ركعة:
ثلاثمائة تسبيحة في أربع ركعات: ألف ومأتا تسبيحة وتهليلة وتكبيرة وتحميدة.
إن شئت صليتها بالنهار وإن شئت صليتها بالليل).
الثاني - ما رواه في الفقيه عن أبي حمزة الثمالي - في القوي وقيل في الصحيح كما
عده العلامة - عن أبي جعفر (ع) (1) قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله لجعفر بن أبي طالب (ع) يا جعفر ألا أمنحك ألا أعطيك ألا أحبوك ألا أعلمك صلاة إذا
أنت صليتها لو كنت فررت من الزحف وكان عليك مثل رمل عالج وزبد البحر
ذنوبا غفرت لك؟ قال بلى يا رسول الله صلى الله عليه وآله قال تصلي أربع ركعات إذا شئت
إن شئت كل ليلة وإن شئت كل يوم وإن شئت فمن جمعة إلى جمعة وإن شئت فمن
شهر إلى شهر وإن شئت فمن سنة إلى سنة تفتتح الصلاة ثم تكبر خمس عشرة
مرة: تقول الله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ثم تقرأ الفاتحة
وسورة وتركع وتقولهن في ركوعك عشر مرات ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولهن
عشر مرات وتخر ساجدا وتقولهن عشر مرات في سجودك ثم ترفع رأسك من

(1) الوسائل الباب 1 من صلاة جعفر.
497

السجود فتقولهن عشر مرات ثم تخر ساجدا فتقولهن عشر مرات ثم ترفع رأسك
من السجود فتقولهن عشر مرات ثم تنهض فتقولهن خمس عشرة مرة ثم تقرأ الفاتحة
وسورة ثم تركع فتقولهن عشر مرات ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولهن عشر مرات
ثم تخر ساجدا فتقولهن عشر مرات ثم ترفع رأسك من السجود فتقولهن عشر مرات
ثم تسجد فتقولهن عشر مرات ثم ترفع رأسك من السجود فتقولهن عشر مرات ثم
تتشهد وتسلم، ثم تقوم وتصلي ركعتين أخراوين تصنع فيهما مثل ذلك ثم تسلم.
ثم قال أبو جعفر (ع) فذلك خمس وسبعون مرة في كل ركعة ثلاثمائة تسبيحة تكون
ثلاثمائة مرة في الأربع الركعات: ألف ومائتا تسبيحة يضاعفها الله تعالى ويكتب لك
بها اثني عشرة ألف حسنة، الحسنة منها تكون مثل أحد وأعظم).
الثالث - ما رواه الشيخ عن صفوان عن بسطام في الصحيح عن أبي عبد الله
(ع) (1) قال: (قال له رجل جعلت فداك أيلتزم الرجل أخاه؟ فقال نعم إن
رسول الله صلى الله عليه وآله يوم افتتح خيبر أتاه الخبر أن جعفرا قد قدم فقال والله ما أدري
بأيهما أنا أشد سرورا بقدوم جعفر أم بفتح خيبر، قال فلم يلبث أن جاء جعفر (ع)
قال فوثب رسول الله صلى الله عليه وآله فالتزمه وقبل ما بين عينيه، قال فقال له الرجل: الأربع
ركعات التي بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر جعفرا أن يصليها؟ فقال لما قدم عليه
قال له يا جعفر ألا أعطيك ألا أمنحك ألا أحبوك؟ قال فتشوف الناس ورأوا أنه
يعطيه ذهبا أو فضة قال بلى يا رسول الله صلى الله عليه وآله قال صل أربع ركعات متى ما صليتهن
غفر الله لك ما بينهن، إن استطعت كل يوم وإلا فكل يومين أو كل جمعة أو كل شهر
أو كل سنة فإنه يغفر لك ما بينهما. قال كيف أصليها؟ قال تفتتح الصلاة ثم تقرأ
ثم تقول خمس عشرة مرة وأنت قائم: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله
أكبر. فإذا ركعت قلت ذلك عشرا وإذا رفعت رأسك فعشرا وإذا سجدت فعشرا
وإذا رفعت رأسك فعشرا وإذا سجدت الثانية فعشرا وإذا رفعت رأسك فعشرا،

(1) الوسائل الباب 1 من صلاة جعفر.
498

فذلك خمس وسبعون تكون ثلاثمائة في أربع ركعات فهن ألف ومائتان. وتقرأ
في كل ركعة بقل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون.
الرابع - ما في الكافي والتهذيب: وفي رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن
(ع) (1) (يقرأ في الأولى إذا زلزلت وفي الثانية والعاديات وفي الثالثة إذا جاء نصر
الله وفي الرابعة بقل هو الله أحد. قلت فما ثوابها؟ قال لو كان عليه مثل رمل عالج
ذنوبا غفر له. ثم نظر إلى فقال: إنما ذلك لك ولأصحابك).
الخامس - ما رواه في الكافي عن ذريح عن أبي عبد الله (ع) (2) قال:
(تصليها بالليل وتصليها بالنهار وتصليها في السفر بالليل والنهار، فإن شئت فاجعلها
من نوافلك).
السادس - ما في الفقيه (3) قال: وفي رواية ابن المغيرة أن الصادق (ع)
قال: اقرأ في صلاة جعفر بقل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون).
السابع - ما رواه عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) (4) قال قال: (صل
صلاة جعفر أي وقت شئت من ليل أو نهار، وإن شئت حسبتها من نوافل الليل وإن
شئت حسبتها من نوافل النهار تحسب لك من نوافلك وتحسب لك من صلاة جعفر.)
الثامن - ما رواه في التهذيب مسندا عن إبراهيم بن أبي البلاد (5) قال:
(قلت لأبي الحسن (ع) - وفي الفقيه مرسلا (6) عن إبراهيم عن أبي الحسن (ع) يعني
موسى بن جعفر - أي شئ لمن صلى صلاة جعفر؟ قال لو كان عليه مثل رمل عالج
وزبد البحر ذنوبا لغفرها الله له. ثم قال قلت هذه لنا؟ قال فلمن هي إلا لكم خاصة.
قال قلت فأي شئ أقرأ فيها قال وقلت أعترض القرآن؟ قال لا اقرأ فيها إذا زلزلت
الأرض وإذا جاء نصر الله وإنا أنزلناه في ليلة القدر وقل هو الله أحد).

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة جعفر.
(2) الوسائل الباب 5 من صلاة جعفر.
(3) الوسائل الباب 2 من صلاة جعفر.
(4) الوسائل الباب 5 من صلاة جعفر.
(5) الوسائل الباب 2 من صلاة جعفر.
(6) الوسائل الباب 2 من صلاة جعفر.
499

التاسع - ما رواه في الكافي عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) (1) قال:
(قلت له من صلى صلاة جعفر هل يكتب له من الأجر مثل ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله
لجعفر؟ قال أي والله) ورواه في الفقيه مرسلا (2).
العاشر - ما رواه في التهذيب في الصحيح عن ذريح عن أبي عبد الله (ع) (3)
قال: (إن شئت صل صلاة التسبيح بالليل وإن شئت بالنهار وإن شئت في السفر
وإن شئت جعلتها من نوافلك وإن شئت جعلتها من قضاء صلاة).
الحادي عشر - ما رواه في الكافي والتهذيب عن علي بن سليمان (4) قال:
(كتبت إلى الرجل (ع) أسأله ما تقول في صلاة التسبيح في المحل؟ فكتب إذا كنت
مسافرا فصل).
الثامن عشر - ما رواه في التهذيب عن سعد عن عبد الله بن جعفر عن علي بن
الريان، وفي الفقيه عن علي بن الريان (5) أنه قال: (كتبت إلى الماضي الأخير (ع)
أسأله عن رجل صلى صلاة جعفر ركعتين ثم تعجله عن الركعتين الأخيرتين حاجة
أو يقطع ذلك بحادث يحدث أيجوز له أن يتمها إذا فرغ من حاجته وإن قام عن مجلسه
أم لا يحتسب بذلك إلا أن يستأنف الصلاة ويصلي الأربع ركعات كلها في مقام واحد؟
فكتب: بلى إن قطعه عن ذلك أمر لا بد منه فليقطع ثم ليرجع فليبن على ما بقي
منها إن شاء الله تعالى.
الثالث عشر - ما رواه في الكافي عن أبان (6) قال: (سمعت أبا عبد الله (ع)
يقول: من كان مستعجلا يصلي صلاة جعفر مجردة ثم يقضي التسبيح وهو ذاهب
في حوائجه).

(1) الوسائل الباب 1 من صلاة جعفر
(2) الوسائل الباب 1 من صلاة جعفر
(3) الوسائل الباب 5 من صلاة جعفر.
(4) الوسائل الباب 5 من صلاة جعفر.
(5) الوسائل الباب 6 من صلاة جعفر.
(6) الوسائل الباب 8 من صلاة جعفر.
500

الرابع عشر - ما رواه في الفقيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) (1) قال
(إذا كنت مستعجلا فصل صلاة جعفر مجردة ثم اقض التسبيح).
الخامس عشر - ما رواه في الكافي عن الحسن بن محبوب رفعه (2) قال:
(تقول في آخر سجدة من صلاة جعفر: يا من لبس العز والوقار يا من تعطف
بالمجد وتكرم به يا من لا ينبغي التسبيح إلا له يا من أحصى كل شئ علمه يا ذا النعمة
والطول يا ذا المن والفضل يا ذا القدرة والكرم أسألك بمعاقد العز من عرشك
وبمنتهى الرحمة من كتابك وباسمك الأعظم الأعلى وكلماتك التامات أن تصلي على
محمد وآل محمد وإن تفعل بي كذا وكذا).
السادس عشر - ما رواه الثقة الجليل أحمد بن أبي طالب الطبرسي في كتاب
الاحتجاج (3) مما ورد عن صاحب الزمان (عجل الله فرجه) إلى محمد بن عبد الله
ابن جعفر الحميري في جواب مسائله حيث سأله عن صلاة جعفر إذا سها
في التسبيح في قيام أو قعود أو ركوع أو سجود وذكر في حالة أخرى قد صار فيها
من هذه الصلاة هل يعيد ما فاته من ذلك التسبيح في الحالة التي ذكره أم يتجاوز في
صلاته؟ التوقيع: إذا سها في حالة عن ذلك ثم ذكر في حالة أخرى قضى ما فاته في
الحالة التي ذكره) ورواه الشيخ في كتاب الغيبة باسناده فيه (4).
السابع عشر - ما رواه في الكتاب المذكور أيضا عن محمد بن عبد الله بن جعفر
الحميري عن صاحب الزمان (عجل الله فرجه) (5) (أنه كتب إليه يسأله عن صلاة
جعفر بن أبي طالب في أي وقت أفضل أن تصلى فيه؟ وهل فيها قنوت؟ وإن كان
ففي أي ركعة منها؟ فأجاب أفضل أوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة ثم في أي

(1) الوسائل الباب 8 من صلاة جعفر
(2) الوسائل الباب ب 3 من صلاة جعفر
(3) الوسائل الباب 9 من صلاة جعفر
(4) الوسائل الباب 9 من صلاة جعفر
(5) الوسائل الباب 4 من صلاة جعفر.
501

الأيام شئت وأي وقت صليتها من ليل أو نهار فهو جائز. والقنوت فيها مرتان
في الثانية قبل الركوع وفي الرابعة بعد الركوع. وسألته عن صلاة جعفر في السفر هل
يجوز أن تصلى أم لا؟ فأجاب يجوز ذلك).
الثامن عشر - ما ذكره الرضا (ع) في كتاب الفقه الرضوي (1) قال: (عليك
بصلاة جعفر بن أبي طالب فإن فيها فضلا كثيرا، وقد روى أبو بصير عن أبي عبد الله
(ع) أنه من صلى صلاة جعفر كل يوم لا تكتب عليه السيئات وتكتب له بكل
تسبيحة فيه حسنة وترفع له درجة في الجنة فإن لم يطق كل يوم ففي كل جمعة فإن لم يطق
ففي كل شهر فإن لم يطق ففي كل سنة فإنك إن صليتها محي عنك ذنوبك ولو كانت مثل
رمل عالج أو مثل زبد البحر، وصل أي وقت شئت من ليل أو نهار ما لم يكن في
وقت فريضة، فإذا شئت حسبتها من نوافلك، وإن كنت مستعجلا صليت مجردة
ثم قضيت التسبيح. فإذا أردت أن تصلي فافتتح الصلاة بتكبيرة واحدة ثم اقرأ
في أولها بفاتحة الكتاب والعاديات وفي الثانية إذا زلزلت وفي الثالثة إذا جاء نصر
الله وفي الرابعة قل هو الله أحد وإن شئت كلها بقل هو الله أحد، وإن نسيت التسبيح
في ركوعك أو سجودك أو في قيامك فاقض حيث ذكرت على أي حال تكون.
تقول بعد القراءة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة
مرة وتقول في ركوعك عشر مرات وإذا استويت قائما عشر مرات وفي سجودك
وبين السجدتين عشرا عشرا فإذا رفعت رأسك تقول عشرا قبل أن ننهض فذلك
خمس وسبعون مرة، ثم تقوم في الثانية وتصنع مثل ذلك ثم تشهد وتسلم وقد مضى
لك ركعتان، ثم تقوم وتصلي ركعتين أخريين على ما وصفت لك، فيكون التسبيح
والتهليل والتحميد والتكبير في أربع ركعات ألف مرة ومائتي مرة. وتصلي بها
متى شئت ومتى ما خف عليك فإن في ذلك فضلا كثيرا. فإذا فرغت تدعو بهذا
الدعاء... ثم ساق الدعاء.

(1) ص 15.
502

التاسع عشر - ما رواه الصدوق في كتاب عيون الأخبار عن رجاء بن
أبي الضحاك (1) أنه حكى في حديث له صلاة الرضا (ع) ونقل فيه أنه كان يصلي في
آخر الليل أربع ركعات بصلاة جعفر (ع) يسلم في كل ركعتين ويقنت في كل ركعتين
في الثانية قبل الركوع وبعد التسبيح ويحتسب بها من صلاة الليل... الخبر.
هذا ما حضرني من الروايات المتعلقة بهذه الصلاة.
والكلام فيها يقع في مواضع: الأول - أن أكثر الأخبار المذكورة في
المقام دلت على أن التسبيح حال القيام بعد القراءة وأن صورته (سبحان الله والحمد لله
ولا إله إلا الله والله أكبر) وهو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
ذهب إليه الشيخان وابن الجنيد وابن إدريس وابن أبي عقيل والمتأخرون، وقد دل
الخبر الثاني على كونه قبل القراءة وأنه الله أكبر إلى آخر ما هو مذكور في الخبر.
وظاهر الصدوق في الفقيه العمل بالخبر المذكور في الموضعين حيث قال في
الكتاب المذكور (2) بعد نقله الخبر المشار إليه: وقد روى أن التسبيح في صلاة
جعفر بعد القراءة وأن ترتيب التسبيح (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله
أكبر) فبأي الحديثين أخذ المصلي فهو مصيب وجائز له. انتهى.
وظاهره الجمع بين الأخبار بالتخيير في الموضعين، وهو جيد إلا أن الأحوط
والأولى العمل بالقول المشهور لتكاثر الأخبار بتأخير التسبيح عن القراءة وأنه
بالصورة المشهورة دون هذه الصورة التي نقلها في خبر الثمالي.
الثاني - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في قراءتها فالمشهور أنه يقرأ
في الأولى بعد الحمد الزلزلة وفي الثانية والعاديات وفي الثالثة النصر وفي الرابعة
التوحيد، وهو اختيار السيد المرتضى وابن الجنيد والصدوق وأبي الصلاح وابن
البراج وسلار، وقال ابن بابويه: يقرأ في الأولى والعاديات وفي الثانية الزلزلة وفي

(1) الوسائل الباب 13 من أعداد الفرائض رقم 24
(2) ج 1 ص 348 وفي الوسائل الباب 1 من صلاة جعفر.
503

الباقيتين كما تقدم، قال وإن شئت صلها كلها بالتوحيد. وقال الصدوق في المقنع
بالتوحيد في الجميع وعن ابن أبي عقيل في الأولى الزلزلة وفي الثانية النصر وفي الثالثة
والعاديات وفي الرابعة قل هو الله أحد.
أقول: والذي يدل على المشهور من الأخبار المتقدمة الخبر الرابع وما سيأتي
إن شاء الله تعالى في خبر المفضل بن عمر عن أبي عبد الله (ع) (1) في نوافل شهر رمضان
وفيه (تقرأ في صلاة جعفر في الركعة الأولى الحمد وإذا زلزلت وفي الثانية الحمد والعاديات
وفي الثالثة الحمد وإذا جاء نصر الله وفي الرابعة الحمد وقل هو الله أحد... الحديث)
والذي يدل على ما ذهب إليه الشيخ علي بن الحسين بن بابويه الخبر الثامن عشر
كما هي قاعدته المطردة ومنه أخذ عبارته في هذا الموضع غيره.
وأما القولان الباقيان فلم نقف لهما على مستند والذي وردت به الأخبار هو
ما عرفت من القول المشهور وقول علي بن بابويه.
وفي الخبر الثالث: يقرأ في كل ركعة بقل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون
ونحوه في الخبر السادس، والظاهر أنه على جهة التخيير بين هاتين السورتين أو قراءة
إحداهما في موضع والأخرى في آخر.
وفي الخبر الثامن أنه يقرأ فيها إذا زلزلت الأرض وإذا جاء نصر الله وإنا أنزلناه
وقل هو الله أحد، والظاهر أن المراد الترتيب في هذه السور وإن كان العطف
بالواو لا يدل عليه إلا أنه كثير الوقوع في الأخبار. والعمل بكل ما روي حسن
إن شاء الله تعالى.
الثالث - قال في الذكرى: وهي بتسليمتين على الأظهر ويظهر من الصدوق
في المقنع أنه يرى أنها بتسليمة واحدة وهو نادر. انتهى. وتبعه في هذه المقالة جملة
ممن تأخر عنه.
أقول: صورة عبارة المقنع على ما نقله في البحار هكذا: تبدأ فتكبر ثم

(1) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.
504

تقرأ فإذا فرغت من القراءة فقل (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر)
خمس عشرة مرة فإذا ركعت قلتها عشرا فإذا رفعت رأسك من الركوع قلتها
عشرا فإذا سجدت قلتها عشرا فإذا رفعت رأسك من السجود قلتها عشرا فإذا
سجدت قلتها عشرا فإذا رفعت رأسك من السجود الثاني قلتها عشرا وأنت جالس
قبل أن تقوم فذلك خمس وسبعون تسبيحة وتحميدة وتكبيرة وتهليلة في كل
ركعة: ثلاثمائة في أربع ركعات فذلك ألف ومأتان، وتقرأ فيها قل هو الله أحد
وروي: اقرأ في الركعة الأولى من صلاة جعفر الحمد وإذا زلزلت وفي الثانية الحمد
والعاديات وفي الثالثة الحمد وإذا جاء نصر الله وفي الرابعة الحمد وقل هو الله أحد. انتهى
وأنت خبير بأنه لا دلالة في هذه العبارة على ما ادعاه من أن الأربع بتسليمة
واحدة، إذ الظاهر أن الغرض من سياق هذا الكلام إنما هو بيان مواضع التسبيح
وقدره كما يشير إليه قوله (فذلك خمس سبعون... إلى آخره) ومن ثم إنه لم يتعرض
لذكر الركعة الثانية ولا للتشهد ولا للقنوت، وأما لما ذكرناه من أن الغرض من سياق
الكلام إنما هو ما ذكرناه أو من حيث ظهور ذلك فاكتفى بظهوره عن ذكره.
ويؤيد ما قلناه إن سياق عبارته المذكورة وقعت على نحو عبارة الخبر الأول والثالث
فإن السياق في الجميع واحد، فإن كانت عبارة المقنع بهذه الكيفية دالة على ما قاله
فكذلك عبارة كل من الخبرين المذكورين تدل على ذلك. وبالجملة فإن ما ذكره
(قدس سره) وإن تبعه فيه من تبعه لا يخلو من قصور تأمل في العبارة المذكورة.
وبما ذكرنا من عدم ظهور ما ادعاه في الذكرى من هذه العبارة صرح شيخنا
المجلسي (قدس سره) في البحار أيضا حيث قال بعد نقل عبارة المقنع التي قدمناها
نقلا عنه وذكر كلام الذكرى - ما صورته: وأقول لا دلالة في عبارة المقنع إلا
من حيث أنه لم يذكر التسليم ولعله أحاله على الظهور كالتشهد والقنوت وغيرهما
والعمل على المشهور. انتهى.
إلا أن العلامة في المختلف قال: قال أبو جعفر بن بابويه (قدس سره) في
505

كتاب المقنع: وروي أنه بتسليمتين. وهو يشعر أنه يقول بأنها بتسليمة واحدة
والمشهور الأول. انتهى.
وعلى هذا فالظاهر أن كلام شيخنا في الذكرى إنما ابتنى على هذا الكلام الذي
نقله في المختلف إلا أن شيخنا المجلسي كما عرفت إنما عزاه إلى العبارة التي نقلها عنه
في البحار. وبالجملة فإن كتاب المقنع لا يحضرني الآن ليمكن معرفة صحة أحد النقلين
وفساد الآخر في البين.
الرابع - المشهور أنه يستحب العشر بعد السجدة الثانية من الركعة الأولى
قبل القيام إلى الثانية وكذا من الركعة الثالثة قبل القيام إلى الرابعة، وذهب إليه
الشيخان والمرتضى وابن بابويه وأبو الصلاح وابن البراج وسلار وغيرهم.
وقال ابن أبي عقيل: ثم يرفع رأسه من السجود وينهض قائما ويقول ذلك
عشرا ثم يقرأ.
ولم نقف له على دليل لأن ما قدمناه من الأخبار ما بين صريح الدلالة وظاهرها
على القول الشهور، ففي الرواية الأولى فإذا رفعت رأسك من السجدة الثانية قلت
عشر مرات وأنت قاعد قبل أن تقوم وفي الرواية الثانية (ثم ترفع رأسك من
السجود فتقولهن عشر مرات ثم تنهض فتقولهن خمس عشرة مرة) وهاتان الروايتان
صريحتان كما ترى في المدعى، وفي الرواية الثالثة (وإذا رفعت رأسك فعشرا فذلك
خمس وسبعون) وهي ظاهرة لأنه رتب ذلك على رفع الرأس ولم يذكر النهوض،
وفي الرواية الثامنة عشرة (فإذا رفعت رأسك تقول عشرا قبل إن تنهض وهي
صريحة في المدعى كما ترى. ولعله وصل إليه في ذلك ما لم يصل إلينا حيث أنه من
قدماء الأصحاب.
الخامس - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز احتسابها من
النوافل الراتبة الليلية والنهارية، صرح به الشيخ علي بن بابويه وابن أبي عقيل
وغيرهما. وقال ابن الجنيد: ولا أحب احتسابها من شئ من التطوع الموظف
506

عليه ولو فعل وجعلها قضاء للنوافل أجزأه.
وأنت خبير بأن جملة من الأخبار المتقدمة ظاهرة في الدلالة على القول
المشهور كالخبر الخامس والسابع والعاشر والثامن عشر والتاسع عشر، وقد تضمن
الخبر العاشر جواز جعلها قضاء للنوافل وهو الذي رخصه ابن الجنيد، وحينئذ فلا
وجه لمنع ابن الجنيد من احتسابها من النوافل أداء. وحمله على الغفلة عن هذه الأخبار وعدم اطلاعه عليها بعيد، وعلى الاطلاع عليها والقول بخلافها أبعد.
وقال في الذكرى: ويظهر من بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز
جعلها من الفرائض أيضا إذ ليس فيه تغيير فاحش.
أقول: ربما أشعر نقله (قدس سره) للقول المذكور وعدم تعرضه لرده
اختياره القول بجوازه، وإليه يميل كلام بعض مشايخنا المحققين من متأخري
المتأخرين، وهو محل اشكال وأي تغيير أفحش مما عليه هذه الصلاة بالنسبة إلى
غيرها من الصلوات الخالية من هذه الأذكار.
وبالجملة فإن العبادات توقيفية فإذا كان المرسوم عن صاحب الشرع هو ايقاع
الفريضة على النحو الذي وردت عنه صلى الله عليه وآله فتغييرها إلى كيفية أخرى - ولو بزيادة
أذكار وأدعية وتسبيحات خارجة من الموظف فيها سيما مع كثرته وتفاحشه كما في
هذه الصلاة - يتوقف على الدليل.
ويعضد ما قلناه عدم حصول يقين البراءة إلا بما ذكرناه. ويعضده أيضا
المقابلة بالنوافل الحاضرة فإن قوله في الخبر المذكور (وإن شئت جعلتها من نوافلك)
أي الحاضرة المؤداة فيكون قوله وإن شئت جعلتها من قضاء صلاة يعني قضاء النوافل
وحاصله التخيير بين جعلها من النوافل المؤداة والمقضية. والله العالم.
السادس - الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أن
فيها قنوتين في الثانية من الركعتين الأولتين والثانية من الركعتين الأخيرتين وأنه بعد
القراءة وقبل الركوع فيهما، ويدل على ذلك صريحا الخبر التاسع عشر مضافا إلى
507

الأخبار العامة في قنوت سائر الصلوات (1).
والمستفاد من الخبر السابع عشر أن قنوت الركعتين الأولتين قبل الركوع وقنوت
الركعتين الأخيرتين بعد الركوع، ولم أقف على من تنبه له من الأصحاب، ولعله من
حيث عدم رواية الخبر في كتب الحديث الأربعة التي مدار استدلالهم عليها ورجوعهم
إليها. وبالجملة فإن الأظهر هو ما دلت عليه الأخبار العامة وخصوص الخبر التاسع
عشر، وهذا الخبر مرجوع إلى قائله (ع).
السابع - قد اشتملت جملة من الأخبار المتقدمة على أحكام عديدة لذوي
الأعذار في هذه الصلاة:
أحدها - ما اشتمل عليه الخبر الثالث عشر والرابع عشر من جواز الصلاة
مجردة عن التسبيح إذا أعجلت به حاجة ثم يقضي التسبيح وهو ذاهب.
وثانيها - ما اشتمل عليه الخبر الثاني عشر من أنه لو صلى منها ركعتين ثم أعجلته
الحاجة أو أحدث حدثا فإنه يبني على ما صلى أولا بعد زوال العارض ويتم بالركعتين
الباقيتين، والأحوط أن يفرق فيها إلا لعذر وقوفا على ظاهر الخبر وإن كان
الظاهر الجواز مطلقا.
وثالثها - ما دل عليه الخبر السادس عشر من أنه إذا سها عن التسبيحات في
بعض أحوال هذه الصلاة قضاها في الحال التي يذكرها فيها، فإن كان يفوته سهوا
في حال القيام ثم يذكره في حال الركوع أو سجود فإنه يقضي ما فاته كلا أو بعضا
في تلك الحال.
الثامن - قد تكرر في الأخبار المتقدمة أن وقتها أي وقت شاء من ليل
أو نهار وأنها جائزة سفرا وحضرا، إلا أن الخبر السابع عشر قد صرح بأن
أفضل أوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة، ويحتمل أن يكون بعده في الفضل جعلها
من نوافل الليل كما يشعر به الخبر التاسع عشر من مداومة الرضا (ع) على جعلها
منها كما ينبئ عنه لفظ (كان).

(1) الوسائل الباب 3 من القنوت.
508

فائدة
قال في الذكرى: زعم بعض متعصبي العامة أن الخطاب بهذه الصلاة وتعليمها
كان للعباس عم النبي صلى الله عليه وآله ورواه الترمذي (1) ورواية أهل البيت (عليهم السلام)
أوفق إذ أهل البيت أعلم بما في البيت، على أنه يمكن أن يكون قد خاطبهما بذلك في
وقتين ولا استبعاد فيه. انتهى.
أقول - بل الظاهر أن هذا الخبر إنما هو من مخترعات الأموية بغضا لعلى (ع)
ومن يمت به ولا سيما أخيه المذكور، ونسبوه للعباس ليكون أدخل في العقول
وتلقيه بالقبول. وقد ذكرنا في كتاب سلاسل الحديد بحثا رشيقا في اختراعهم
الأحاديث الكاذبة في زمان معاوية تقربا إليه. والله العالم.
المطلب الثالث في نافلة شهر رمضان
والكلام فيها يقع في مقامين: الأول - استحباب هذه النافلة مذهب أكثر
الأصحاب (رضوان الله عليهم) بل نقل عن سلار دعوى الاجماع عليه.
ونقل في المعتبر قال وقال بعض أصحاب الحديث منا لم يشرع في شهر رمضان
زيادة نافلة عن غيره، وذكر بعض الأصحاب أن علي بن بابويه وابن أبي عقيل لم
يتعرضا لها بنفي ولا اثبات وأن الصدوق وقال لا نافلة فيه زيادة على غيره.
ورد هذا النقل عن الصدوق جمع من محققي متأخري المتأخرين بأن كلامه في
الفقيه لا يدل على نفي المشروعية بل الظاهر أنه إنما ينفي تأكد الاستحباب لصراحته
بأنه لا يرى بأسا بالعمل بما ورد فيها من الأخبار، ولهذا قال في المدارك: والظاهر أنه لا خلاف في جواز الفعل وإنما الكلام في التوظيف.
أقول: صورة ما ذكره الصدوق في الكتاب المذكور أنه قال - في باب

(1) سنن الترمذي مع شرحه لابن العربي ج 2 ص 267. وقد ضعف السيوطي في
اللئالئ المصنوعة ج 2 ص 21 أحاديث هذه الحبوة في العباس.
509

الصلاة في شهر رمضان من كتاب الصوم بعد ذكره الأخبار الآتية الدالة على عدم
الزيادة في شهر رمضان - ما لفظه: وممن روى الزيادة في التطوع في شهر رمضان
زرعة عن سماعة وهما واقفيان، قال سألته.. وساق الحديث الدال على ذلك (1)
ثم قال قال مصنف هذا الكتاب (رحمة الله) إنما أوردت هذا الخبر في هذا الباب
مع عدولي عنه وتركي لاستعماله ليعلم الناظر في كتابي هذا كيف يروي ومن رواه وليعلم
من اعتقادي فيه أنى لا أرى بأسا باستعماله. انتهى والظاهر أن مرجعه إلى
ما ذكروه من عدم تأكد الاستحباب.
وأما قوله في المدارك - إنه لا خلاف في جواز الفعل وإنما الكلام في التوظيف -
فلا يخلو من الاشكال الظاهر، وذلك لأن الجواز هنا لا معنى له فإنها عبادة فإن
ثبت شرعيتها وتوظيفها ترتب عليه الاستحباب وإلا كانت محرمة وغير مشروعة،
ألا ترى أن صلاة الضحى لما لم تثبت شرعيتها صرحت الأخبار ببدعيتها وتحريمها (2)
وليست من الأمور المباحة التي تتصف بالجواز.
ثم إن مما يدل على عدم توظيف هذه النافلة ما رواه الصدوق عن عبد الله بن
سنان بسندين صحيحين ورواه الشيخ عنه أيضا بسند صحيح (3) (أنه سأل
أبا عبد الله (ع) عن الصلاة في شهر رمضان فقال ثلاث عشرة ركعة منها الوتر
وركعتان قبل صلاة الفجر، كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي ولو كان فضلا لكان
رسول الله صلى الله عليه وآله أعمل به وأحق).
وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي والشيخ عنه أيضا في الصحيح (4)
بتفاوت ما في المتن قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن الصلاة في شهر رمضان
فقال ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتا الصبح قبل الفجر، كذلك كان رسول الله

(1) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.
(2) الوسائل الباب 31 من أعداد الفرائض ونوافلها
(3) الوسائل الباب 9 من نافلة شهر رمضان.
(4) الوسائل الباب 9 من نافلة شهر رمضان.
510

صلى الله عليه وآله يصلي وأنا كذلك أصلي ولو كان خيرا لم يتركه رسول الله صلى الله عليه وآله.
وما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم (1) باسناد لا يبعد الحاقه بالموثقات قال:
(سمعت أبا عبد الله (ع) يقول كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صلى العشاء الآخرة آوى
إلى فراشه لا يصلي شيئا إلا بعد انتصاف الليل لا في شهر رمضان ولا في غيره).
ونقل المحقق في المعتبر (2) الاحتجاج للنافين بما رواه الأصحاب عن محمد
ابن مسلم قال: (سمعت إبراهيم بن هشام (3) يقول هذا شهر رمضان فرض الله
صيامه وسن رسول الله صلى الله عليه وآله قيامه. فذكرت ذلك لأبي جعفر (ع) فقال كذب ابن
هشام كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتان قبل
الفجر في شهر رمضان وغيره).
وأما الأخبار الدالة على استحباب هذه الصلاة فهي كثيرة جدا تفصيلا
واجمالا.
ومن الثاني ما رواه الشيخ في الموثق - وعده في المنتهى في الصحيح - عن
أبي بصير (4) (أنه سأل أبا عبد الله (ع) أيزيد الرجل الصلاة في رمضان؟ قال نعم
إن رسول الله صلى الله عليه وآله قد زاد في رمضان في الصلاة).
ونحوها صحيحة البقباق وعبيد بن زرارة عنه (ع) (5) قال: (كان رسول الله
صلى الله عليه وآله يزيد في صلاته في شهر رمضان: إذا صلى العتمة صلى بعدها فيقوم الناس خلفه
فيدخل ويدعهم ثم يخرج أيضا فيجيئون ويقومون خلفه فيدخل ويدعهم (مرارا)

(1) الوسائل الباب 9 من نافلة شهر رمضان.
(2) ص 225.
(3) لم يذكره الذهبي في ميزان الاعتدال وابن حجر في تهذيب التهذيب والبخاري
في التاريخ الكبير وابن أبي حاتم الرازي في الجرح والتعديل. نعم في لسان الميزان ج 1
ص 122 وميزان الاعتدال ج 1 ص 34 إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني مات
سنة 238. فلا ينطبق على المذكور في هذه الرواية.
(4) الوسائل الباب 2 من نافلة شهر رمضان.
(5) الوسائل الباب 2 من نافلة شهر رمضان.
511

قال وقال لا تصل بعد العتمة في غير شهر رمضان وبهذا النحو رواية جابر ورواية
محمد بن يحيى ورواية أبي خديجة (1).
ومن الأول رواية المفضل بن عمر عن أبي عبد الله (ع) (2) أنه قال: (يصلي
في شهر رمضان زيادة ألف ركعة. قال قلت ومن يقدر على ذلك؟ قال ليس حيث
تذهب أليس يصلي في شهر رمضان زيادة ألف ركعة: في تسع عشرة منه في كل ليلة
عشرين ركعة وفي ليلة تسع عشرة منه مائة ركعة وفي ليلة إحدى وعشرين مائة ركعة
وفي ليلة ثلاث وعشرين مائة ركعة ويصلي في ثمان ليال منه في العشر الأواخر
ثلاثين ركعة؟ فهذه تسعمائة وعشرون ركعة. قال: قلت جعلني الله فداك فرجت
عني لقد كان ضاق بي الأمر فلما أن أتيت لي بالتفسير فرجت عني فكيف تمام الألف
ركعة؟ قال تصلي في كل جمعة في شهر رمضان أربع ركعات لأمير المؤمنين (ع)
وتصلي ركعتين لابنة محمد صلى الله عليه وآله وتصلي بعد الركعتين أربع ركعات لجعفر الطيار (ع)
وتصلي في ليلة في العشر الأواخر لأمير المؤمنين (ع) عشرين ركعة وتصلي في
عشية الجمعة ليلة السبت عشرين ركعة لابنة محمد صلى الله عليه وآله. ثم قال اسمع وعه وعلم ثقات
إخوانك هذه الأربع والركعتين فإنهما أفضل الصلوات بعد الفرائض... إلى آخرها)
إلى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عن نشرها المقام.
والشيخ بعد ذكر الأخبار المتقدمة عدا خبر المعتبر قال: فالوجه في هذه الأخبار وما جرى
مجراها إنه لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي صلاة النافلة جماعة في
شهر رمضان ولو كان فيه خير لما تركه صلى الله عليه وآله ولم يرد أنه لا يجوز أن يصلي
على الانفراد.
واحتج على هذا التأويل بما رواه عن زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل في
الصحيح (3) قالوا: (سألناهما عن الصلاة في رمضان نافلة بالليل جماعة؟

(1) الوسائل الباب 2 من نافلة شهر رمضان.
(2) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان
(3) الوسائل الباب 10 من نافلة شهر رمضان.
512

فقالا إن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا صلى العشاء الآخرة انصرف إلى منزله ثم يخرج من
آخر الليل إلى المسجد فيقوم فيصلي، فخرج في أول ليلة من شهر رمضان ليصلي كما
كان يصلي فاصطف الناس خلفه فهرب منهم إلى بيته وتركهم، ففعلوا ذلك ثلاث ليال
فقام في اليوم الرابع على منبره فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن الصلاة
بالليل في شهر رمضان النافلة في جماعة بدعة وصلاة الضحى بدعة ألا فلا تجمعوا
ليلا في شهر رمضان لصلاة الليل ولا تصلوا صلاة الضحى فإن ذلك معصية، ألا وإن
كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها إلى النار. ثم نزل وهو يقول قيل في سنة خير
من كثير في بدعة) ألا ترى أنه لما أنكر الصلاة في شهر رمضان أنكر الجماعة فيها
ولم ينكر نفس الصلاة ولو كان نفس الصلاة منكرا مبتدعا لا نكره كما أنكر الجماعة فيها.
ورد هذا التأويل جملة من أفاضل متأخري المتأخرين بالبعد وهو كذلك.
وفيه أيضا أن الرواية التي أوردها موردها إنما هو الجماعة في صلاة الليل لا في الصلاة
التي هي محل البحث حتى يتم قوله (أنكر الجماعة فيها ولم ينكر الصلاة) فإن الصلاة
التي اجتمعوا خلفه فيها إنما هي صلاة الليل كما هو ظاهر سياق الخبر، وحينئذ فلا حجة
في ما أورده كما لا يخفى.
والعلامة في المختلف قد أجاب عن صحيحة عبد الله بن سنان بجواز أن يكون
السؤال وقع عن النوافل الراتبة هل تزيد في شهر رمضان أو لا؟ فأجاب (ع) بعدم
الزيادة، فإنه نقل عن ابن الجنيد أنه قال: وقد روي عن أهل البيت (عليهم
السلام) زيادة في صلاة الليل على ما كان يصليها الانسان في غيره أربع ركعات تتمة
اثنتي عشرة ركعة. وهذا التأويل أيضا لا يخلو من بعد وإن كان أقل من الأول.
وقال المحدث الكاشاني (طاب ثراه) في الوافي بعد نقل أخبار الطرفين:
أقول من حاول أن لا يبعد في التأويل كثيرا ولا يرد أحد الحديثين فالصواب أن
يحمل حديث الاثبات على التقية (1) أو حديث النفي كونها سنة موقوفة

(1) ارجع إلى التعليقة 2 ص 514.
513

موظفة لا ينبغي تركها كالرواتب اليومية بل إن كانت فهي من التطوعات التي من
أحبها وقوى عليها فعلها كما يشعر به حديث سماعة وغيره.
وهو وإن كان بعيدا أيضا إلا أنه أقل بعدا مما تقدم، وجه البعد أما بالنسبة
إلى أخبار القول المشهور فإن تكاثرها واستفاضتها - بل ربما يدعى تواترها معنى اجمالا
وتفصيلا كما لا يخفى على من راجعها - يبعد خروجها كملا مخرج التقية سيما مع اقترانها
بفتوى الطائفة قديما وحديثا إلا الشاذ. وأما بالنسبة إلى حمل أخبار القول بنفيها
على نفي التأكيد ففيه أن الأخبار قد تصادمت في فعل النبي صلى الله عليه وآله لها وعدمه، فهذه الأخبار ظاهرا أن النبي صلى الله عليه وآله لم يفعل ذلك مدة حياته وتلك الأخبار قد تكاثرت
وتعاضدت بأنه كان يصليها، ولا معنى هنا للجمع بالتأكيد وعدمه بل ليس إلا
الترجيح لأخبار أحد الطرفين ورمي الآخر من البين.
وبالجملة فإن المسألة من مشكلات المسائل وإليه يميل كلام صاحب المدارك
وإن كان قد قوى بعد ذلك القول المشهور بما ذكره من الوجوه.
وبعض المحققين من متأخري المتأخرين القائلين بالقول المشهور حمل الأخبار
الدالة على نفي هذه النافلة على التقية، قال لأنها موافقة لبعض ما روته العامة كما في
صحيح البخاري (1) (أنه قيل لعائشة كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله في شهر
رمضان؟ فقالت ما كان يزيد في شهر رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة
يصلي أربع ركعات ثم يصلي أربعا ثم يصلي ثلاثا قال ولهذا جعل ابن طاووس من
جملة محامل هذه الأخبار التقية متأيدا بما تقدم في رواية ابن مطهر من تكذيب
الراوي والدعاء عليه، وربما يؤيده أيضا ما مر سابقا من حديث جابر، وأما تلك
الأخبار فهي مع كثرتها ليست بهذه المثابة لأن العامة إنما يقولون بالتراويح
وهي عند أكثرهم كما ذكرنا سابقا ستمائة ركعة في كل ليلة عشرون ركعة بعد العشاء
وعند مالك في كل ليلة ست وثلاثون ركعة بعد العشاء أيضا (2) وكلاهما مخالفان لما

(1) ج 1 ص 175 باب القيام بالليل في رمضان وغيره.
(2) المغني ج 2 ص 167 وعمدة القارئ ج 3 ص 598.
514

ذكر في تلك الأخبار، مع أن في مفصلات تلك الأخبار ذكرت أشياء مباينة
لمذاهب العامة كما هو واضح على من تأمل فيها فلا يناسب حملها على التقية، ومن
احتمل ذلك فيها لم يلاحظها حق ملاحظتها. انتهى.
وأشار برواية ابن مطهر إلى ما رواه الشيخ عن أحمد بن محمد بن مطهر (1)
قال (كتبت إلى أبي محمد (ع) إن رجلا روى عن آبائك (عليهم السلام) أن رسول الله
صلى الله عليه وآله ما كان يزيد من الصلاة في شهر رمضان على ما كان يصليه في سائر الأيام؟
فوقع كذب فض الله فاه صلى في كل ليلة من شهر رمضان عشرين ركعة إلى عشرين
من الشهر... الحديث) وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى، وقد روى الكليني هذا الخبر
أيضا (2) بهذا اللفظ في تكذيب الراوي ومتنه أبسط.
إلا أن ما دل عليه هذا الخبر معارض بمثله مما تقدم نقله (3) عن المحقق في المعتبر
من تكذيب أبي جعفر (ع) لمن نقل عن النبي صلى الله عليه وآله أنه سن هذه الصلاة ثم ذكر (ع)
أنه صلى الله عليه وآله إنما كان يصلي الليل خاصة. وبذلك يظهر لك قوة الاشكال الذي
أشرنا إليه آنفا.
وأما حديث جابر الذي أشار إليه فهو ما رواه عن أبي عبد الله (ع) (4) أنه قال له: (إن أصحابنا هؤلاء أبوا أن يزيدوا في صلاتهم في شهر رمضان وقد زاد
رسول الله صلى الله عليه وآله في صلاته في شهر رمضان أقول: لا يبعد أن حصول المخالفة من
أصحابه (ع) يومئذ إنما كان لعدم ثبوت المشروعية عندهم، ويحمل كلامه (ع) في قوله
(وقد زاد رسول الله صلى الله عليه وآله على الخروج مخرج التقية في النقل وإلا فلا معنى لكونهم
أصحابه (ع) مع عدم علمهم بقوله (ع). ومن المحتمل قريبا في خبر أحمد بن محمد بن
مطهر الحمل على ما ذكرنا من أن تكذيب الراوي والدعاء عليه إنما وقع تقية لاظهار

(1) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.
(2) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.
(3) ص 511.
(4) الوسائل الباب 2 من نافلة شهر رمضان.
515

ذلك الرجل ما هو مأمور باظهار خلافه.
وبالجملة فذيل الكلام واسع في المقام وباب الاحتمال غير منغلق كما لا يخفى على
ذوي الأفهام، والأمر هنا باعتبار تعارض الأخبار متردد بين الاستحباب والتحريم
وطريق الاحتياط في مثله الترك لذلك، إلا أنه يشكل بشهرة عمل الأصحاب بأخبار
الاستحباب. والله العالم.
المقام الثاني - في كيفية هذه الصلاة وقد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم)
لها صورتين (الأولى) - أن يصلي في عشرين ليلة من الشهر كل ليلة عشرين ركعة
ثمان منها بعد المغرب واثنتا عشرة بعد العشاء الآخرة، هذا هو المشهور بين الأصحاب
وخير الشيخ في النهاية بين ذلك وبين جعل اثنتي عشرة ركعة بين العشاءين وثمان بعد
العشاء، واختاره المحقق في المعتبر.
ويدل على القول المشهور رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) (1) وفيها
(فصل يا أبا محمد زيادة في رمضان فقال كم جعلت فداك؟ فقال في عشرين ليلة
تمضي في كل ليلة عشرين ركعة ثماني ركعات قبل العتمة واثنتي عشرة ركعة بعدها سوى
ما كنت تصلي قبل ذلك... الحديث).
وفي رواية محمد بن أحمد بن مطهر المروية في الكافي عن أبي محمد (ع) (2)
(صل في شهر رمضان في عشرين ليلة في كل ليلة عشرين ركعة ثماني بعد المغرب
واثنتي عشرة بعد العشاء الآخرة).
وفي رواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (ع) (3) قال: (كان رسول الله
صلى الله عليه وآله... إلى أن قال منذ أول ليلة إلى تمام عشرين ليلة في كل ليلة عشرين ركعة ثماني ركعات
منها بعد المغرب واثنتي عشرة بعد العشاء الآخرة... الحديث).
وفي رواية أبي بصير الأخرى عن أبي عبد الله (ع) (4) (صل في العشرين
من شهر رمضان ثمانيا بعد المغرب واثنتي عشرة ركعة بعد العتمة) ونحو ذلك في رواية

(1) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.
(2) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.
(3) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.
(4) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.
516

محمد بن سليمان عن عدة من الأصحاب (1) ورواية الحسن بن علي عن أبيه (2).
والذي يدل على عكس ذلك موثقة سماعة (3) قال: (سألته عن رمضان.. إلى أن قال: كان يصلي قبل ذلك من هذه العشرين اثنتي عشرة ركعة بين المغرب والعتمة
وثماني ركعات بعد العتمة... الحديث).
وأصحاب القول الثاني قالوا بالتخيير جمعا بين الأخبار الأولة وبين هذه الموثقة
والأظهر العمل بالأخبار الكثيرة لترجحها بالكثرة وقول جمهور الأصحاب بها
واحتمال حمل الموثقة المذكورة على وجه آخر غير التخيير. هذا بالنسبة إلى
ما يفعل في العشرين ليلة.
وأما ما يصلي في العشر الباقية فهي ثلاثون ركعة في كل ليلة وقد اختلف
هنا في تقسيم هذه الثلاثين، فالمشهور أنه يصلي منها ثمان بعد المغرب والباقي بعد العشاء
الآخرة، صرح به العلامة في المنتهى، ونقل عن أبي الصلاح وابن البراج أنه يصلي
اثنتي عشرة ركعة بعد المغرب والباقي بعد العشاء الآخرة، وخير المحقق بين الصورتين
والذي يدل على الأول وهو المشهور قول الصادق (ع) في رواية أبي بصير
وهي الأول من روايتيه المتقدمتين (4) (فإذا دخل العشر الأواخر فصل ثلاثين
ركعة في كل ليلة ثماني ركعات قبل العتمة واثنتين وعشرين ركعة بعدها... الخبر).
وقول أبي جعفر (ع) في خبر الحسن بن علي عن أبيه (وفي العشر
الأواخر ثماني ركعات بين المغرب والعتمة واثنتين وعشرين ركعات بعد العتمة).
وقول أبي الحسن (ع) في رواية محمد بن سليمان عن عدة من أصحابنا (6)
(فلما كان في ليلة اثنتين وعشرين زاد في صلاته فصلى ثماني ركعات بعد المغرب واثنتين
وعشرين ركعة بعد العشاء الآخرة.
وأما ما يدل على القول الثاني فمنه قول أبي محمد (ع) في رواية محمد بن أحمد

(1) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.
(2) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.
(3) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.
(4) ص 516.
(5) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.
(6) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.
517

ابن مطهر في الكافي (1) (وصل فيها ثلاثين ركعة اثنتي عشرة بعد المغرب وثماني
عشرة بعد العشاء الآخرة).
وقول أبي عبد الله (ع) في رواية مسعدة (2) (ويصلي في العشر الأواخر في
كل ليلة ثلاثين ركعة اثنتي عشرة منها بعد المغرب وثماني عشرة بعد العشاء الآخرة
ومن هنا جمع المحقق بين هذه الأخبار بالتخيير.
والحاصل مما ذكرناه سبعمائة ركعة. ثم إنه يصلي ثلاثمائة ركعة تمام الألف
منها مائة ركعة في الليلة التاسعة عشرة ومائة في ليلة إحدى وعشرين ومائة في ليلة
ثلاث وعشرين. هذه إحدى الصورتين المشار إليهما آنفا، ونسب القول بهذه الصورة
في الذكرى إلى طائفة من أصحابنا وفي المنتهى إلى أكثر الأصحاب.
والصورة الثانية نسبها في الذكرى إلى أكثر الأصحاب، وعلى هذه الصورة
رتب الشيخ الدعوات المختصة بالركعات في المصباح وهي أنه يقتصر في ليالي الأفراد
على المائة في كل ليلة منها، وعلى هذه فتبقى عليه ثمانون ركعة وظائف هذه الثلاث على
تقدير الصورة الأولى، قالوا ويفرقها على الشهر بهذه الكيفية: يصلي في كل جمعة عشر
ركعات أربعا منه بصلاة علي (ع) وركعتين بصلاة فاطمة (عليها السلام) وأربعا
بصلاة جعفر (رضوان الله عليه) وفي ليلة آخر جمعة من الشهر يصلي عشرين ركعة
بصلاة علي (ع) وفي عشيتها ليلة السبت عشرين بصلاة فاطمة (عليها السلام)
والمستند في هذه الصورة رواية المفضل بن عمر المتقدمة (3).
إذا عرفت ذلك فاعلم إنا لم نقف في الروايات الواردة في هذا الباب على
ما يقتضي هذه الكيفية على التفصيل الذي ذكره الأصحاب لمزيد اختلافها وعدم
إئتلافها إلا أنه يمكن حصول ذلك من مجموعها باعتبار ضم بعضها إلى بعض.
قال الشهيد في الذكرى: والمشهور أنها ألف ركعة زيادة على الراتبة رواه

(1) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.
(2) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.
(3) ص 512.
518

جميل بن صالح عن الصادق (ع) (1) وعلي بن أبي حمزة أيضا (2) وإسحاق بن عمار
عن أبي الحسن (ع) وسماعة بن مهران عن الصادق (ع) (3).
وربما أشعر هذا الكلام بأن هؤلاء قد رووا الألف على الوجه الذي ذكره
الأصحاب مع أن الأمر ليس كذلك، فإن رواية جميل بن صالح إنما تضمنت استحباب
الاكثار من الصلاة في شهر رمضان وغيره في اليوم والليلة وأن عليا (ع) كان يصلي
ألف ركعة في اليوم والليلة، ورواية علي بن أبي حمزة (4) عارية عن زيادة المئات في ليالي
الأفراد، ورواية إسحاق بن عمار إنما تضمنت ذكر المئات خاصة في ليالي الأفراد (5)
وروايتا ابن مطهر المنقولتان في الكافي والتهذيب (6) تضمنتا اسقاط المائة من ليلة
تسع عشرة، وفي موثقة لسماعة (7) صلاة مائة ركعة لكل من ليلتي تسع عشرة
وثلاث وعشرين ولم يتعرض لزيادة على ذلك، ورواية مسعدة مثل روايتي ابن
مطهر في ذكر جملة النوافل الموظفة كما ذكره الأصحاب إلا أنه أسقط مائة ركعة من ليلة
تسع عشرة، ومثل ذلك أيضا موثقة أخرى لسماعة (8) وفي رواية لأبي بصير أيضا
ذكر العشرين ركعة إلى تمام عشرين يوما من الشهر ومائة ركعة في الليلة التي يرجى فيها
ما يرجى ولم يذكر فيها سوى ذلك، وفي رواية محمد بن سليمان عن العدة اسقاط
وظيفة ليلة تسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين من العدد المتقدم ذكره
والاقتصار في كل منها على مائة ركعة، وبموجبه قد نقص من الألف ثمانون ركعة ولم
يتعرض لها كما تعرض لها في خبر المفضل المتقدم. وأما رواية المفضل المذكورة (9)

(1) الوسائل الباب 5 من نافلة شهر رمضان.
(2) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.
(3) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.
(4) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.
(5) إن كان المراد من رواية إسحاق رواية محمد بن سليمان عن العدة ومنهم إسحاق
ابن عمار وسماعة فسيأتي التعرض منه (قدس سره) لها بعد أسطر وإن كان غيرها فلم
نقف عليها في كتب الحديث.
(6) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.
(7) الوسائل الباب 1 من نافلة شهر رمضان وليس فيها تسع عشرة وإنما جاء فيها
ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين.
(8) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.
(9) ص 512.
519

فإنها ظاهرة في الصورة الثانية كما قدمنا ذكره إلا أنها مجملة في تقسيم العشرين والثلاثين
وقد عرفت الخلاف في الموضعين نصا وفتوى.
هذا مجمل الكلام في روايات المسألة وما اشتملت عليه، وبه يظهر ما ذكرناه
من عدم وجود المستند لما ذكره الأصحاب من الكيفية في الصورة الأولى، وأما
الثانية فليس في مستندها إلا الاجمال الذي ذكرناه وإلا فالعدد تام كما لا يخفى.
قال السيد الزاهد العابد المجاهد رضي الدين بن طاووس (عطر الله مرقده)
في كتاب الاقبال نقلا عن الرسالة الغرية للشيخ المفيد (طيب الله مضجعه) قال يصلي
في العشرين ليلة كل ليلة عشرين ركعة ثماني بين العشاءين واثنتي عشرة بعد العشاء الآخرة
ويصلي في العشر الأواخر كل ليلة ثلاثين ركعة ويضيف إلى هذا الترتيب في ليلة تسع
عشرة وليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين كل ليلة مائة ركعة وذلك تمام الألف
ركعة، قال: وهي رواية محمد بن أبي قرة في كتاب عمل شهر رمضان في ما أسنده
عن علي بن مهزيار عن مولانا الجواد (ع) (1). وظاهر هذا الكلام كما ترى ورود
الخبر بهذه الكيفية.
ونحو ذلك ما ذكره شيخنا المفيد (روح الله تعالى روحه) في كتاب مسار
الشيعة (2) قال: (أول ليلة من شهر رمضان فيها الابتداء بصلاة نوافل شهر رمضان
وهي ألف ركعة من أول الشهر إلى آخره بترتيب معروف في الأصول عن الصادقين
(عليهم السلام)... إلى آخره.
فوائد
الأولى - المشهور أن الوتيرة تصلي بعد وظيفة العشاء من تلك النوافل لتكون
خاتمة النوافل، ونقل عن سلار أنها مقدمة على الوظيفة المذكورة، وقد تقدم في
آخر المسألة الثانية من المقصد الثاني في مواقيت الرواتب من المقدمة الثالثة في المواقيت
من كتاب الصلاة (3) نبذة من الكلام في هذا المقام.

(1) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.
(2) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.
(3) ج 6 ص 223.
520

ويدل على ما ذكره سلار هنا قوله (ع) في رواية محمد بن سليمان عن عدة من
أصحابنا (1) (فلما صلى العشاء الآخرة وصلى الركعتين اللتين كان يصليهما بعد العشاء
الآخرة وهو جالس في كل ليلة قام فصلى اثنتي عشرة ركعة... إلى أن قال في الخبر
المذكور: فلما أقام بلال لصلاة العشاء الآخرة خرج النبي صلى الله عليه وآله فصلى بالناس فلما
انفتل صلى الركعتين وهو جالس كما كان يصلي في كل ليلة ثم قام فصلى مائة ركعة).
أقول: وهذا الخبر قد جاء على خلاف ما صرح به الأصحاب (رضوان الله
عليهم) من جعل الوتيرة خاتمة صلاته في تلك الليلة كما أنه اشتمل على خلاف ما دلت
عليه الأخبار الكثيرة - كما قدمنا ذكره في المقدمة الثانية من مقدمات كتاب الصلاة -
من أنه صلى الله عليه وآله ما كان يصلي الوتيرة معللا في بعضها بأنه يعلم أنه يعود ولا يموت في
تلك الليلة مع دلالة ظاهر هذا الخبر على المداومة عليها. وبالجملة فهو لا يخلو من
الاشكال في الموضعين المذكورين. والله سبحانه وقائله أعلم.
وقال في الذكرى: وأما الوتيرة فالمشهور أنها تفعل بعد وظيفة العشاء لتكون
خاتمة النوافل، وقال سلار بل الوتيرة مقدمة على الوظيفة وهي في رواية محمد بن سليمان
عن الرضا (ع) والظاهر أيضا جواز الأمرين. انتهى.
الثانية - لا ريب أن الجماعة في هذه النافلة محرمة عند أصحابنا (رضوان الله
عليهم) وقد تكاثرت به أخبارهم (عليهم السلام):
ومنها - ما رواه في التهذيب والفقيه عن زرارة ومحمد بن مسلم الفضيل عن
أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) (2) قالوا (سألناهما عن الصلاة في شهر
رمضان نافلة بالليل جماعة فقالا إن النبي صلى الله عليه وآله... الحديث) وقد تقدم في المقام
الأول (3) إلا أن مورد الخبر كما ذكرناه ثمة إنما هو الجماعة في صلاة الليل.

(1) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان
(2) الوسائل الباب 10 من نافلة شهر رمضان
(3) ص 512.
521

وما رواه في الكافي (1) عن سليم بن قيس في خطبة لأمير المؤمنين (ع) قال:
فيها (قد علمت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله صلى الله عليه وآله متعمدين لخلافه
ناقضين لعهده مغيرين لسنته ولو حملت الناس على تركها... لتفريق عني جندي حتى أبقى
وحدي أو مع قليل من شيعتي... إلى أن قال: والله لقد أمرت الناس إلا يجتمعوا
في شهر رمضان إلا في فريضة وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة فنادى بعض
أهل عسكري ممن يقاتل معي: يا أهل الاسلام غيرت سنة عمر ينهانا عن الصلاة في
شهر رمضان تطوعا... الحديث).
وما رواه الشيخ في الموثق عن عمار عن أبي عبد الله (ع) (2) قال: (سألته
عن الصلاة في رمضان في المساجد فقال لما قدم أمير المؤمنين (ع) الكوفة أمر الحسن بن علي (ع) أن ينادى في الناس: لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة. فنادى في
الناس الحسن بن علي (ع) بما أمره به أمير المؤمنين (ع) فلما سمع الناس مقالة الحسن
بن علي (ع) صاحوا واعمراه واعمراه فلما رجع الحسن إلى أمير المؤمنين (ع) قال
له ما هذا الصوت؟ فقال يا أمير المؤمنين الناس يصيحون واعمراه واعمراه فقال
أمير المؤمنين (ع) قل لهم صلوا).
وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب أبي القاسم جعفر بن
محمد بن قولويه عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) (3) قالا لما كان أمير المؤمنين
(ع) بالكوفة أتاه الناس فقالوا له اجعل لنا إماما يؤمنا في شهر رمضان فقال لا، ونهاهم
أن يجتمعوا فيه، فلما أمسوا جعلوا يقولون ابكوا شهر رمضان واشهر رمضاناه، فأتى
الحارث الأعور في أناس فقال يا أمير المؤمنين (ع) ضج الناس وكرهوا قولك
قال فقال عند ذلك دعوهم وما يريدون ليصل بهم من شاءوا. ثم قال: ومن يتبع
غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) ورواه العياشي
522

في تفسيره عن حريز عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما السلام) مثله (1).
وما رواه الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول عن الرضا (ع) (2) قال:
(ولا يجوز التراويح في جماعة).
أقول: وسيأتي تمام الكلام في ذلك في بحث صلاة الجماعة إن شاء الله تعالى.
الثالثة - قال في الذكرى: لو فات شئ من هذه النوافل ليلا فالظاهر أنه يستحب
قضاؤها نهارا لعموم قوله تعالى (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة) (3) وما ورد
في تفسيره مما أسلفناه من قبل، وبذلك أفتى ابن الجنيد قال: وكذا لو فاتته الصلاة في
ليلة الشك ثم ثبتت الرؤية. انتهى.
وقال في المدارك: قال الشهيد في الذكرى ولو فات شئ من هذه النوافل ليلا
فالظاهر أنه يستحب قضاؤها نهارا. وهو غير واضح. انتهى
أقول: لا يخفى أن الشهيد كما نقلناه من عبارته قد استدل على ذلك بعموم
الآية وما ورد في تفسيرها من الأخبار كما قدمه، ولا ريب أن ظاهر الآية دال على
ما ذكره والأخبار الواردة في تفسيرها تساعده.
ومنها - قول الصادق (ع) في ما رواه الفقيه (4) (كل ما فاتك بالليل فاقضه
بالنهار قال الله تعالى: وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد
شكورا. يعني أن يقضي الرجل ما فاته بالليل بالنهار وما فاته بالنهار بالليل) وفي
معنى هذه الرواية غيرها.
وبذلك يظهر لك ما في قوله (وهو غير واضح) وكان الواجب عليه ذكر
الجواب عن دليله المذكور ليندفع عنه ما في كلامه من القصور. والجواب بحمل ذلك
على غير هذه النافلة من الصلاة اليومية والنافلة الراتبة يحتاج إلى مخصص، فإن عموم

(1) الوسائل الباب 10 من نافلة شهر رمضان.
(2) الوسائل الباب 10 من نافلة شهر رمضان.
(3) سورة الفرقان الآية 63.
(4) الوسائل الباب 57 من المواقيت.
523

الآية والخبر المذكور شامل لموضع البحث.
الرابعة - ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لا فرق في استحباب
هذه الصلاة بين الصائم وغيره عملا بمقتضى العموم، وزاد في الروض التعليل بأنها
عبادة زيدت لشرف الزمان فلا تسقط بسقوط الصوم عن المسافر ونحوه. ثم نقل
أن في كلام بعض الأصحاب ما يدل على اختصاصه بالصائم، قال في الذخيرة: وهو
ظاهر أبي الصلاح.
الخامسة - ما ذكر في خبر المفضل (1) - في تفريق الثمانين الباقية من الصلاة
في كل جمعة عشر ركعات - الظاهر أنه مبني على الغالب من اشتمال الشهر على أربع
جمعات، فلو اتفق فيه خمس جمع ففي كيفية بسط الثمانين احتمالات أقربها - كما استظهره
في الذخيرة - سقوط العشر في الجمعة الأخيرة لاعطاء كل جمعة حقها.
المطلب الرابع في جملة من الصلوات
الأولى - صلاة الاستخارة وينبغي أن يعلم أولا أن الاستخارة هي طلب
الخيرة من الله تعالى قاله في القاموس النهاية وغيرهما. وقال ابن إدريس:
الاستخارة
في كلام العرب الدعاء، وقال أيضا معنى (استخرت الله) استدعيت ارشادي، قال
وكان يونس بن حبيب اللغوي يقول إن معنى (استخرت الله) استفعلت الله الخير أي
سألت الله أن يوفقني خير الأشياء التي أقصدها.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن المفهوم من الأخبار أنها قد جاءت فيها على معان
عديدة: منها - ما ورد بمعنى طلب الخيرة من الله تعالى كما قدمنا نقله عن القاموس
والنهاية بمعنى أنه يسأل الله في دعائه أن يجعل له الخير ويوفقه في الأمر الذي يريده.
وعلى هذا المعنى يحمل ما رواه في الكافي عن عمرو بن حريث في الصحيح على
الأظهر (2) قال: (قال أبو عبد الله (ع) صل ركعتين واستخر الله فوالله ما استخار
الله مسلم إلا خار له البتة).

(1) ص 512.
(2) الوسائل الباب 1 من صلاة الاستخارة.
524

وفي رواية أخرى عنه (ع) (1) (من استخار الله راضيا بما صنع الله خار
الله له حتما وفي معناهما أخبار أخر أيضا.
ومنها - ما ورد بمعنى طلب تيسر ما فيه الخيرة كما في حسنة مرازم المروية في
الفقيه (2) قال: (قال لي أبو عبد الله (ع) إذا أراد أحدكم شيئا فليصل ركعتين ثم ليحمد
الله وليثن عليه ويصلي على محمد صلى الله عليه وآله وعلى أهل بيته ويقول: اللهم إن كان هذا الأمر
خيرا لي في ديني ودنياي فيسره لي وقدره وإن كان غير ذلك فاصرفه عني. فسألته
أي شئ أقرأ فيهما؟ فقال اقرأ فيهما ما شئت وإن شئت قرأت فيهما قل هو الله أحد
وقل يا أيها الكافرون... الخبر) وبمضمونه بتفاوت يسير رواية جابر عن أبي جعفر
(ع) (3) وهذا المعنى قريب من المعنى الأول بل الظاهر أن مآلهما غالبا إلى واحد بحيث
تحمل الأخبار الأول على هذا.
ومنها - ما ورد بمعنى طلب العزم على ما فيه الخير كما في موثقة ابن أسباط (4)
قال: (قلت لأبي الحسن الرضا (ع) جعلت فداك ما ترى آخذ برا أو بحرا فإن
طريقنا مخوف شديد الخطر؟ فقال اخرج برا ولا عليك أن تأتي مسجد رسول الله
صلى الله عليه وآله وتصلي ركعتين في غير وقت فريضة ثم تستخير الله مائة مرة ومرة ثم تنظر
فإن عزم الله لك على البحر... الخبر).
وموثقة الحسن بن علي بن فضال (5) قال: (سأل الحسن بن الجهم أبا الحسن
(ع) لابن أسباط فقال ما ترى له - وابن أسباط حاضر ونحن جميعا - يركب البحر أو البر
إلى مصر؟ وأخبره بخير طريق البر فقال البر، وأت المسجد في غير وقت صلاة الفريضة
فصل ركعتين واستخر الله مائة مرة ثم انظر أي شئ يقع في قلبك فاعمل به).
وهذه الثلاثة المعاني تكون بالصلاة والدعاء وربما تكون بالدعاء خاصة كما

(1) الوسائل الباب 1 و 7 من صلاة الاستخارة.
(2) الوسائل الباب 1 من صلاة الاستخارة.
(3) الوسائل الباب 1 من صلاة الاستخارة.
(4) الوسائل الباب 1 من صلاة الاستخارة.
(5) الوسائل الباب 1 من صلاة الاستخارة.
525

روى في الفقيه عن معاوية بن ميسرة عن أبي عبد الله (ع) (1) قال: (ما استخار
الله عبد سبعين مرة بهذه الاستخارة إلا رماه الله بالخيرة يقول: يا أبصر الناظرين
ويا أسمع السامعين ويا أسرع الحاسبين ويا أرحم الراحمين ويا أحكم الحاكمين صل على
محمد وأهل بيته وخر لي في كذا وكذا).
وفي صحيحة حماد عن ناجية عن الصادق (ع) (2) أنه كان إذا أراد شراء العبد
أو الدابة أو الحاجة الخفيفة أو الشئ اليسير استخار الله عز وجل فيه سبع مرات
فإذا كان أمرا جسيما استخار الله فيه مائة مرة.
إلا أنه يحتمل أيضا تقييد هذه الأخبار بما تقدم بأن يكون هذا الدعاء مضافا
إلى الصلاة.
ومنها - ما ورد بمعنى طلب تعرف ما فيه الخيرة، وهذا هو المعروف الآن بين
الناس، ولكن لا بد هنا من انضمام شئ آخر إلى الصلاة والدعاء معا أو الدعاء وحده
من الرقاع أو البنادق أو فتح المصحف أو أخذ السبحة أو القرعة أو الأخذ
من لسان المشاور.
فمن الأخبار الواردة بذلك ما رواه الكليني والشيخ عن هارون بن خارجة عن
أبي عبد الله (ع) (3) ورواه الشيخ المفيد وابن طاووس ورواية ابن طاووس بعدة
طرق أنه قال (ع) (إذا أردت أمرا فخذ ست رقاع فاكتب في ثلاث منها: بسم الله
الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة افعل. وفي ثلاث منها:
بسم الله الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة لا تفعل. ثم
ضعها تحت مصلاك ثم صل ركعتين فإذا فرغت فاسجد سجدة وقل فيها مائة مرة:
أستخير الله برحمته خيرة في عافية. ثم استو جالسا وقل: اللهم خر لي واختر لي
في جميع أموري في يسر منك وعافية. ثم اضرب بيدك إلى الرقاع فشوشها وأخرج

(1) الوسائل الباب 5 من صلاة الاستخارة.
(2) الوسائل الباب 5 من صلاة الاستخارة.
(3) الوسائل الباب 2 من صلاة الاستخارة.
526

واحدة واحدة فإن خرج ثلاث متواليات (افعل) فافعل الأمر الذي تريده،
وإن خرج ثلاث متواليات (لا تفعل فلا تفعله، وإن خرجت واحدة (افعل)
والآخر (لا تفعل) فاخرج من الرقاع إلى خمس فانظر أكثرها فاعمل به ودع السادسة
لا تحتاج إليها).
ومنها - ما رواه الكليني والشيخ عن علي بن محمد رفعه عنهم (عليهم السلام) (1)
(أنه قال لبعض أصحابه وقد سأله عن الأمر يمضي فيه ولا يجد أحدا يشاوره كيف
يصنع؟ قال شاور ربك قال فقال له كيف؟ قال انو الحاجة في نفسك ثم اكتب رقعتين
في واحدة (لا) وفي واحدة (نعم) واجعلهما في بندقتين من طين ثم صل ركعتين
واجعلهما تحت ذيلك وقل: يا الله إني أشاورك في أمري هذا وأنت خير مستشار
ومشير فأشر على بما فيه صلاح وحسن عاقبة. ثم ادخل يدك فإن كان فيها (نعم)
فافعل وإن كان فيها (لا) فلا تفعل هكذا شاور ربك).
وقد ذكر السيد الزاهد العابد المجاهد رضي الدين علي بن طاووس (عطر الله
مرقده) في رسالة الاستخارات أنواعا عديدة في الاستخارة بالرقاع والبنادق والقرعة
وأنكرها ابن إدريس تمام الانكار وقال إنها من أضعف أخبار الآحاد وشواذ الأخبار لأن
رواتها فطحية ملعونون مثل زرعة وسماعة وغيرهما فلا يلتفت إلى ما اختصا بروايته،
قال: والمحصلون من أصحابنا ما يختارون في كتب الفقه إلا ما اخترناه ولا يذكرون
البنادق والرقاع والقرعة إلا في كتب العبادات دون كتب الفقه، وذكر أن الشيخين
وابن البراج لم يذكروها في كتبهم الفقهية. ووافقه المحقق هنا فقال: وأما الرقاع
وما يتضمن (افعل ولا تفعل) ففي حيز الشذوذ فلا عبرة بها.
قال في الذكرى: وانكار ابن إدريس الاستخارة بالرقاع لا مأخذ له مع
اشتهارها بين الأصحاب وعدم راد لها سواه ومن حذا حذوه كالشيخ نجم الدين،
قال وكيف تكون شاذة وقد دونها المحدثون في كتبهم والمصنفون في مصنفاتهم وقد

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة الاستخارة. والشيخ يرويه عن الكليني.
527

صنف السيد العالم العابد صاحب الكرامات الظاهرة والمآثر الباهرة رضي الدين
أبو الحسن علي بن طاووس الحسيني (قدس سره) كتابا ضخما في الاستخارات واعتمد
فيه على روايات الرقاع وذكر من آثارها عجائب وغرائب أراه الله تعالى إياه، وقال إذا
توالى الأمر في الرقاع فهو خير محض وإن توالى النهي فذلك الأمر شر محض وإن
تفرقت كان الخير والشر موزعا بحسب تفرقها على أزمنة ذلك الأمر بحسب ترتبها. انتهى
ومن الاستخارات الاستخارة بالعدد، قال في الذكرى: ولم تكن هذه
مشهورة في العصور الماضية قبل زمان السيد الكبير العابد رضي الدين محمد بن
محمد الآوي الحسيني المجاور بالمشهد المقدس الغروي (رضي الله عنه) وقد رويناها
عنه وجميع مروياته عن عدة من مشايخنا عن الشيخ الكبير الفاضل جمال الدين بن
المطهر عن والده (رضي الله عنهما) عن السيد رضي الدين عن صاحب الأمر (عليه
الصلاة والسلام) (1) يقرأ الفاتحة عشرا وأقله ثلاث مرات ودونه مرد ثم يقرأ
القدر عشرا ثم يقول هذا الدعاء ثلاثا: اللهم إني أستخيرك لعلمك بعاقبة الأمور
وأستشيرك لحسن ظني بك في المأمول والمحذور، اللهم إن كان الأمر الفلاني مما قد
نيطت بالبركة اعجازه وبواديه وحفت بالكرامة أيامه ولياليه فخر لي اللهم فيه خيرة
ترد شموسه ذلولا وتقعض أيامه سرورا، اللهم إما أمر فأئتمر وإما نهي فأنتهي،
اللهم إني أستخيرك برحمتك خيرة في عافية. ثم يقبض على قطعة من السبحة
ويضمر حاجته إن كان عدد تلك القطعة زوجا فهو افعل وإن كان فردا لا تفعل أو
بالعكس. ثم قال في الذكرى وقال ابن طاووس (قدس سره) في كتاب الاستخارات
وجدت بخط أخي الصالح الرضي الآوي محمد بن محمد الحسيني ضاعف الله سيادته
وشرف خاتمته ما هذا لفظ: عن الصادق (ع) (2) من أراد أن يستخير الله تعالى
فليقرأ الحمد عشر مرات وإنا أنزلناه عشر مرات ثم يقول... وذكر الدعاء إلا أنه قال
عقيب (والمحذور): اللهم إن كان أمري هذا قد نيطت. وعقيب (سرورا): يا الله إما

(1) الوسائل الباب 8 من صلاة الاستخارة.
(2) الوسائل الباب 8 من صلاة الاستخارة.
528

أمر فأئتمر وإما نهي فأنتهي، اللهم خر لي برحمتك خيرة في عافية ثلاث مرات
ثم يأخذ كفا من الحصى أو سبحة. انتهى.
بيان: قوله في الدعاء المذكور (نيطت) من ناط الشئ بالشئ علقه به
وربطه، واعجاز الشئ أواخره جمع عجز، وبواديه أوله جمع بادية، وبادئ
الرأي أوله، وحفه يحفه إذا أحاطه قال الله عز وجل (حافين من حول العرش) (1)
أي مستديرين، والكرامة مصدر كرم، و (خر لي) بمعنى أجعل لي فيه الخير
(وخيرة) بكسر الخاء المعجمة وسكون الياء اسم مصدر من قولك (خار الله لك
كذا) وأما (خيرة) بكسر الخاء وفتح الياء كعنبة فهو اسم مصدر من قولك (خار الله اختاره الله)
كما ورد في زيارته صلى الله عليه وآله (السلام عليك يا خيرة الله) و (ترد) أي تغير وتحول
ومن ثم تعدى إلى مفعولين، و (شموس) على وزن فعول كصبور للمبالغة والماضي
شمس بفتح الميم يشمس على مثال كتب يكتب، وشمس الفرس يشمس شماسا بكسر
الشين وشموسا بضمها بمعنى حزن ومنع ظهره أن يركب، والذلول خلافه من
الذل بالذال المعجمة مكسورة ومضمومة ضد الصعوبة، تقول ذل يذل ذلا فهو
ذلول، والمعنى فخر لي خيرة تسهل صعبه تيسر عسيره، و (تقعض) بالقاف
والعين المهملة والضاد المعجمة على وزن يكتب مضارع (قعض) مثال كتب بمعنى
عطف، قال في الصحاح قعضت العود عطفته كما تعطف عروش الكرم والهودج.
أقول: وفي هذا الباب استخارة غريبة لم أقف عليها إلا في كلام والدي
(قدس سره) قال (طيب الله ثراه وجعل الجنة مثواه) في كتاب السعادات: خيرة
مروية عن الإمام الناطق جعفر بن محمد الصادق (ع) (يقرأ الحمد مرة والاخلاص
ثلاثا ويصلي على محمد وآله خمس عشرة مرة ثم يقول: اللهم إني أسألك بحق الحسين
وجده وأبيه وأمة وأخيه والأئمة التسعة من ذريته أن تصلي على محمد وآل محمد وأن
تجعل لي الخيرة في هذه السبحة وأن تريني ما هو أصلح لي في الدين والدنيا، اللهم

(1) سورة الزمر الآية 75.
529

إن كان الأصلح في ديني ودنياي وعاجل أمري وآجله فعل ما أنا عازم عليه فأمرني
وإلا فانهني إنك على كل شئ قدير. ثم يقبض قبضة من السبحة ويعدها (سبحان الله
والحمد لله ولا إله إلا الله) إلى آخر القبضة. فإن كان الآخر (سبحان الله) فهو مخير
بين الفعل والترك وإن كان (الحمد لله) فهو أمر وإن كان (لا إله إلا الله) فهو نهي).
ثم قال (قدس سره) أقول: لا يخفى على المتأمل بعين البصيرة أن هذه
الاستخارة الشريفة أيضا تضمنت تقسيم الأمر المستخار فيه إلى أمر ونهي ومخير
والأكثر في الاستخارات إنما تضمنت الأمر والنهي، بل هذه الرواية أيضا تضمنت
ما يقتضي الانحصار فيهما لقوله (ع) (وإلا فانهني) ولم يذكر التخيير في الدعاء
وذكره في آخر الرواية، والذي ينبغي أن يقال في وجه الجمع أن الأمر والنهي هنا
ليس على نحوهما في العبادات من البلوغ إلى حد الوجوب والتحريم بل أنه لمجرد
الارشاد والاستصلاح، إذ الغرض من الاستخارة طلب ما هو الأصلح والأنجح لما
في الدخول في الأمور والتهجم عليها من غير استخارة من احتمال تطرق المهالك
وعدم الأمن من المعاطب في جميع المسالك، وأقله احتمال حرمان المطلوب وعدم
الظفر بالأمر المحبوب كما جاء في الخبر (1) (من شقاء عبدي أن يعمل الأعمال فلا
يستخيرني) ولأنه بعد الاستخارة يكون آمنا من تطرق أسباب الحرمان وسالما
من آفات العطب والخذلان، فكان العمل بالاستخارة أمرا راجحا وطريقا واضحا
عند كل من له عقل سليم وذهن قويم، وحيث كان راجحا بترتب المنافع واندفاع
المكاره ومرجوحا بالعكس من ذلك أو متساوي الطرفين بأن يكون الأمر أن الفعل
والترك سواء في ترتب الأمرين كالأمر الذي يتخير فيه الانسان لا يخلو من
الثلاثة الأقسام كما دلت عليه الرواية الشريفة وأما الروايات المنحصرة في الأمر والنهي
فالظاهر أن الأمر فيها ما يشتمل الراجح والمساوي بأن يراد به القدر الأعلم أعني
الأمن من الضرر سواء كان فيه مصلحة أو عدم مشقة أو انتفاء المفسدة فقط.

(1) الوسائل الباب 7 من صلاة الاستخارة.
530

وبالجملة أن الأمر الخارج في هذه الاستخارة نص في رجحان الفعل المأمور به واشتماله
على المصلحة والمنفعة، والتخيير فيها بمعنى مساواة الفعل والترك بلا رجحان لأحدهما
على الآخر، والنهي نص في مرجوحية ذلك الأمر وعدم حصول مصلحة فيه
ووجود مفسدة، وأما الأمر في ذات الوجهين فقد عرفت أنه القدر الأعم أعني
الأمن من الضرر سواء حصلت فيه مصلحة أو لا، ومن ثم يجوز نظرا إلى ذلك
أخذ خيرة أخرى على مقابل ذلك الأمر المأمور به، فإن خرجت أمرا كذلك
دل على تساوي الأمرين والتخيير بينهما، وإن خرجت نهيا دل على رجحان ذلك
الأمر المأمور به أو لا. وأما بالنظر إلى هذه الرواية المشتملة على الشقوق الثلاثة
فلا ينبغي معاودة الخيرة في مقابل ما خرج مطلقا لاشتمالها على التفصيل القاطع
للاحتمال. والله العالم. انتهى كلامه طيب الله مرقده وأعلى في جوار الأئمة مقعده
فائدتان
الأولى - المستفاد من الأخبار استحباب الاستخارة لكل شئ وتأكدها
حتى في المستحبات، وإن الأفضل وقوعها في الأوقات الشريفة والأماكن المنيفة
والرضا بما خرجت به وإن كرهته النفس.
ومما يؤكد هذا ما رواه ابن طاووس بأسانيد عن الصادق (ع) (1) قال (كنا
نتعلم الاستخارة كما نتعلم السورة من القرآن. ثم قال ما أبالي إذا استخرت الله على أي
جنبي وقعت) وفي رواية أخرى (على أي طريق وقعت).
وروى البرقي في المحاسن عن محمد بن مضارب (2) قال: (قال أبو عبد الله
(ع) من دخل في أمر بغير استخارة ثم ابتلى لم يؤجر ورواه ابن طاووس
بأسانيد عديدة (3) وفيه دلالة على ذم تارك الاستخارة في الأمور التي يأتي بها.
وروى في المحاسن أيضا عنه (ع) (4) أنه قال (قال الله عز وجل من شقاء

(1) الوسائل الباب 1 و 7 من صلاة الاستخارة.
(2) الوسائل الباب 7 من صلاة الاستخارة.
(3) الوسائل الباب 7 من صلاة الاستخارة.
(4) الوسائل الباب 7 من صلاة الاستخارة.
531

عبدي أن يعمل الأعمال فلا يستخيرني).
وروى في المحاسن أيضا بإسناده عن عثمان بن عيسى عن بعض أصحابه (1)
قال: (قلت لأبي عبد الله (ع) من أكرم الخلق على الله؟ قال أكثرهم ذكرا لله
وأعملهم بطاعته. قلت من أبغض الخلق إلى الله؟ قال من يتهم الله. قلت واحد
يتهم الله؟ قال نعم من استخار الله فجاءته الخيرة بما يكره فسخط فذلك الذي يتهم الله)
وروى الشيخ في التهذيب عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده عن علي
(عليه السلام) (2) قال: (قال الله عز وجل إن عبدي يستخيرني فأخير له فيغضب)
الثانية - المفهوم من ظواهر الأخبار الواردة في الاستخارة أن صاحب
الحاجة هو المباشر للاستخارة ولم أقف على نص صريح أو ظاهر في الاستنابة فيها
إلا أن من عاصرناهم من العلماء كلهم على العمل بالنيابة.
ولم أقف أيضا في كلام أحد من أصحابنا على من تعرض للكلام في ذلك إلا
على كلام المحقق الشريف ملا أبي الحسن العاملي المجاور بالنجف الأشرف حيا
وميتا في شرحه على المفاتيح وشيخنا أبي الحسن الشيخ سليمان البحراني في كتاب
القوائد النجفية.
أما الأول منهما فإنه قال في بحث صلاة الاستخارة: ثم لا يخفى أن المستفاد
من جميع ما مر أن الاستخارة ينبغي أن تكون ممن يريد الأمر بأن يتصداها هو
بنفسه، ولعل ما اشتهر من استنابة الغير على جهة الاستشفاع، وذلك وإن لم نجد
له نصا إلا أن التجربات تدل على صحته.
وأما الثاني منهما فإنه قال: فائدة في جواز النيابة عن الغير في الاستخارة، لم
أقف على نص في جواز النيابة ويمكن الاستدلال على ذلك بوجوه، ثم ذكر
وجوها عشرة أكثرها عليلة قد اعترف بالطعن فيها وأقربها إلى الاعتبار وجوه
أربعة (أحدها) ما ذكره من قوله: من القواعد إن كل ما يصح مباشرته يصح

(1) الوسائل الباب 7 من صلاة الاستخارة.
(2) الوسائل الباب 7 من صلاة الاستخارة.
532

التوكيل فيه إلا في مواضع مخصوصة ذكره العلماء واختلفوا في أشياء منها وليس
هذا الموضع من تلك المواضع. و (ثانيها) ما ذكره من أن العلماء في زماننا
مطبقون على استعمال ذلك ولم نجد أحدا من مشايخنا الذين عاصرناهم يتوقف فيه
ونقلوا عن مشايخهم نحو ذلك. ولعله كاف في مثل ذلك. و (ثالثها) - أن الاستخارة
مشاورة لله تعالى كما ورد به النص عن مولانا الصادق (ع) (1) ولا ريب أن المشاورة
تصح النيابة فيها، فإن من استشار أحدا فقد يستشير بنفسه وقد يكلف من يستشير له
كما في استشارة علي بن مهزيار للجواد (ع) (2) و (رابعها) أن مشاورة المؤمن نوع
من أنواع الاستخارة وقد ورد في رواية علي بن مهزيار ما هو صريح في النيابة فيها
ولا فرق بين هذا النوع وغيره.. إلى أن قال (قدس سره) فهذه عشرة وجوه
ومجموعها يصلح مدركا لمثل هذا الأمر ومسلكا لهذا الشأن وإن تطرق على بعضها
المناقشة. والله العالم. انتهى كلامه زيد مقامه.
أقول: ومما خطر على البال في هذه الحال أنه لا ريب أن الاستخارة بأي
المعاني المتقدمة ترجع إلى الطلب منه سبحانه، ولا ريب أنه من المتفق عليه بين
ذوي العقول وساعدت عليه النقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله هو أن من طلب حاجة
من سلطان عظيم الشأن فإن الأنجح في قضائها والأرجح في حصولها وامضائها هو أن
يوسط بعض مقربي حضرة ذلك السلطان في التماسها منه بحيث يكون نائبا عن صاحب
الحاجة في سؤالها من ذلك السلطان، والنيابة في الاستخارة منه سبحانه من هذا
القبيل، وهذا بحمد الله أوضح برهان على ذلك ودليل. والله العالم.
الثانية - صلاة يوم الغدير والعيد الكبير وهو اليوم الثامن عشر من
ذي الحجة الحرام.

(1) الوسائل الباب 4 و 5 من صلاة الاستخارة وتقدم ص 527 حديث علي بن محمد
(2) الوسائل الباب 5 من صلاة الاستخارة.
533

رواها الشيخ في التهذيب (1) بسند فيه محمد بن موسى الهمداني - وهو مجروح عند
علماء الرجال - عن علي بن الحسين العبدي قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (ع) يقول
صيام يوم غدير خم يعدل صيام عمر الدنيا عاش انسان ثم صام ما عمرت الدنيا
لكان له ثواب ذلك، وصيامه يعدل عند الله عز وجل في كل عام مائة حجة ومائة
عمرة مبرورات متقبلات، وهو عيد الله الأكبر، وما بعث الله عز وجل نبيا قط إلا
وتعيد في هذا اليوم وعرف حرمته، واسمه في السماء يوم العهد المعهود وفي الأرض
يوم الميثاق المأخوذ والجمع المشهود، ومن صلى فيه ركعتين - يغتسل عند زوال
الشمس من قبل أن تزول مقدار نصف ساعة يسأل الله عز وجل يقرأ في كل ركعة
سورة الحمد وعشر مرات قل هو الله أحد وعشر مرات آية الكرسي وعشر مرات
إنا أنزلناه - عدلت عند الله عز وجل مائة ألف حجة ومائة ألف عمرة، وما سأل
الله عز وجل حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيت له كائنة ما كانت الحاجة
وإن فاتتك الركعتان والدعاء قضيتهما بعد ذلك: ومن فطر فيه مؤمنا كان كمن أطعم
فئاما وفئاما... فلم يزل يعد إلى أن عقد بيده عشرا، ثم قال وتدري كم الفئام؟ قلت
لا. قال مائة ألف كل فئام كان له ثواب من أطعم بعددها من النبيين والصديقين
والشهداء في حرم الله عز وجل وسقاهم في يوم ذي مسغبة، والدرهم فيه بألف ألف
درهم. قال لعلك ترى أن الله عز وجل خلق يوما أعظم حرمة منه لا والله لا والله
لا والله. ثم قال وليكن من قولكم إذا التقيتم أن تقولوا: الحمد لله الذي أكرمنا
بهذا اليوم وجعلنا من الموفين بعهده إلينا وميثاقه الذي واثقنا به من ولاية ولاة أمره
والقوام بقسطه ولم يجعلنا من الجاحدين والكذابين بيوم الدين. ثم قال وليكن من
دعائك في دبر هاتين الركعتين أن تقول ربنا إننا سمعنا مناديا... الدعاء إلى آخره)
وهو مذكور في المصباح (2).

(1) ج 3 ص 143 الطبع الحديث وفي الوسائل الباب 3 من بقية الصلوات المندوبة
(2) ص 521.
534

ويعضد هذا الخبر ما رواه الشيخ في المصباح (1) والشيخ المفيد وغيره عن
داود بن كثير عن أبي هارون العبدي قال: (دخلت على أبي عبد الله (ع) في اليوم
الثامن عشر من ذي الحجة فوجدته صائما فقال لي هذا يوم عظيم... إلى أن قال فقيل
له ما ثواب صوم هذا اليوم؟ قال إنه يوم عيد وفرح وسرور ويوم صوم شكرا لله
وأن صومه يعدل صوم ستين شهرا من الأشهر الحرم، ومن صلى فيه ركعتين أي
وقت شاء وأفضله قرب الزوال وهي الساعة التي أقيم فيها أمير المؤمنين (ع) بغدير
خم علما للناس... فمن صلى في ذلك الوقت ركعتين ثم سجد يشكر الله مائة مرة ودعا
بعقب الصلاة أجابه).
وكذا يؤيده ما رواه أيضا (2) عن زياد بن محمد عنه (ع) وذكر الحديث في
فضل هذا اليوم إلى أن قال (ع) (ينبغي لكم أن تتقربوا فيه إلى الله عز وجل بالبر
والصدقة والصلاة وصلة الرحم... الخبر).
وكذا ما رواه فرات بن إبراهيم في تفسيره (3) بإسناده عن فرات بن أحنف
عنه (ع) أنه قال في فضل هذا اليوم (أنه يوم عبادة وصلاة وشكر لله... الخبر).
وما رواه ابن طاووس في كتاب الاقبال (4) عن المفضل عنه (ع) أنه قال
في فضل هذا اليوم أنه ليوم صيام وقيام اطعام وصلة الإخوان).
والظاهر أن ما ذكرناه من هذه الأخبار مع ما اشتهر من التسامح في أدلة
السنن صار سببا في اشتهار هذه الصلاة بين قدماء الأصحاب ومتأخريهم، ولم يعبأوا
بما ذكره الصدوق وشيخه محمد بن الحسن بن الوليد على ما نقله عنه في باب صوم
التطوع حيث أنه بعد أن روى ثواب صوم الغدير قال: وأما خبر صلاة يوم
غدير خم والثواب المذكور فيه لمن صامه فإن شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد (قدس
سره) كان لا يصححه ويقول إنه من طريق محمد بن موسى الهمداني وكان غير ثقة

(1) ص 513 وفي الوسائل الباب 3 من بقية الصلوات المندوبة.
(2) ص 512 وفيه بدل الصدقة الصوم
(3) ص 12.
(4) ص 466.
535

وكل ما لم يصححه ذلك الشيخ ولم يحكم بصحته من الأخبار فهو عندنا متروك غير
صحيح. واعترضه المحقق في المعتبر بأنه قد وردت في هذه الصلاة روايات منها
رواية داود بن كثير. وفيه أنك قد عرفت أن الرواية المذكورة لم تشتمل على هذه
الصلاة كما ادعاه وإنما دلت على صلاة ركعتين مطلقا، لكن ربما يشير إلى ذلك أفضلية
قرب الزوال كما تضمنته رواية العبدي: نعم هي من المؤيدات كما ذكرناه.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه نقل في المختلف عن أبي الصلاح أنه قال في صفة صلاة
الغدير: ومن وكيد السنة الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله في يوم الغدير وهو الثامن عشر من
ذي الحجة الحرام بالخروج إلى ظاهر المصر وعقد الصلاة قبل أن تزول الشمس بنصف
ساعة لمن تتكامل له صفات إمامة الجماعة بركعتين، يقرأ في كل ركعة منهما الحمد وسورة
الاخلاص عشرا وسورة القدر عشرا وآية الكرسي عشرا ويقتدي به المؤتمون وإذا
سلم دعا بدعاء هذا اليوم ومن صلى خلفه. وليصعد المنبر قبل الصلاة فيخطب خطبة
مقصورة على حمد الله والثناء عليه والصلاة على محمد وآله الطاهرين والتنبيه على عظم
حرمة يومه وما أوجب الله فيه من إمامة أمير المؤمنين (ع) والحث على امتثال أمر الله
سبحانه ورسوله، ولا يبرح أحد من المأمومين والإمام يخطب فإذا انقضت الخطبة
تصافحوا وتهانأوا وتفرقوا. انتهى.
أقول: وهذا الكلام قد دل على جملة من الأحكام منها ما ذكر في كلام
علمائنا الأعلام ومنها ما لم يذكر في هذا المقام ولا علم من نصوصهم (عليهم السلام)
فمنها - القراءة والظاهر أنه لا خلاف في تقديم التوحيد بعد الحمد وإنما
الخلاف في آية الكرسي و (إنا أنزلناه) وتقديم أحداهما على الأخرى، والنص وإن
كان العطف فيه بالواو التي هي لمطلق الجمع إلا أن الترتيب الذكري وقع بتقديم آية
الكرسي على (إنا أنزلناه) وبه صرح ابن إدريس، ثم نقل أن بالعكس أيضا رواية
قال على ما نقله عنه في المختلف: يقرأ في كل واحدة منهما الحمد مرة و (قل هو الله
أحد) عشر مرات وآية الكرسي عشر مرات و (إنا أنزلناه) عشر مرات وروي
536

أن آية الكرسي تكون أخيرا وقبلها (إنا أنزلناه) قال في المختلف: وهذا يدل
على أن الواو قصد بها هنا الترتيب. والشيخ رتب كترتيبه بالواو وكذا سلار.
وأما أبو الصلاح وابن البراج وكذا الشيخ المفيد فإنهم قالوا يقرأ في كل واحدة منهما
الحمد مرة وسورة الاخلاص عشر مرات و (إنا أنزلناه) عشر مرات وآية الكرسي
عشر مرات. قال في المختلف: فإن قصدوا بالواو هنا الترتيب صارت المسألة خلافية
وإلا فلا. وكيف كان فالأحوط الاتيان بالترتيب الذي اشتملت عليه الرواية لاحتمال
كون الترتيب الذكري فيه منظورا لحكمه لا نعلمها وإن عبر فيه بالواو فإن مثله في
كلامهم (عليهم السلام) غير عزيز.
ومنها - ذكر الجماعة في هذه الصلاة والخطبة والخروج إلى الصحراء، ولهذا
قال العلامة في المختلف بعد نقل عبارته المذكورة: ولم يصل إلينا حديث يعتمد عليه
يتضمن الجماعة فيها ولا الخطبة بل الذي ورد صفة الصلاة والدعاء بعدها.
أقول: من المحتمل قريبا أنه أخذ الخطبة من فعل النبي صلى الله عليه وآله يوم غدير خم
فإنه خطب في ذلك اليوم أمرهم بالتصافح وأن يهئ بعضهم بعضا (1) وأخذ
الصحراء من كونه صلى الله عليه وآله كان ذلك اليوم في الصحراء.
وأما ذكره الصلاة جماعة فلا نعرف له مستندا أصلا بل سيأتي في باب صلاة
الجماعة إن شاء الله تعالى ما يظهر منه كونها بدعة محرمة.
وأما ما تشبث به بعض المتأخرين - من الاستدلال على الجماعة في هذه
الصلاة بأمره صلى الله عليه وآله أن ينادي في الناس (الصلاة جامعة)
ففيه أولا - أن الأخبار الواردة في يوم الغدير خالية من ذكر هذه الصلاة
في ذلك الموضع.

(1) لم يذكر في الأحاديث تهنئة بعض المسلمين لبعضهم وإنما الموجود فيها تهنئتهم
لعلي عليه السلام لما أفرد له النبي صلى الله عليه وآله خيمة ودخلوا عليه يهنئونه بالولاية ومن جملتهم عمر
راجع الغدير ج 1 ص 245.
537

وثانيا - أن النداء بهذه العبارة كان متعارفا في طلب اجتماع الناس واعلامهم
بذلك ليحضروا وإن لم تكن ثمة صلاة كما لا يخفى على من جاس خلال الديار وتصفح
الأخبار. ومن المحتمل أن مذهب أبي الصلاح القول بجواز الجماعة في غير الفريضة
مطلقا فذكرها في هذه الصلاة بناء على ذلك. والله العالم.
الثالثة صلاة أول ذي الحجة كذا ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم)
ولا يخفى أنه محتمل لأمرين (أحدهما) أن يكون المراد به ما ذكره الشيخ في
المصباح (1) حيث قال: ويستحب فيه - يعني في أول ذي الحجة - صلاة فاطمة (عليها
السلام). ثم روى أنها أربع ركعات مثل صلاة أمير المؤمنين (ع) كل ركعة بالحمد
مرة وخمسين مرة (قل هو الله أحد) إلا أن الشيخ نقل قبل كلامه هذا أن ذلك
اليوم يوم تزويج فاطمة (عليها السلام) فمن المحتمل قريبا أن نقل الشيخ هذه الصلاة
لأجل التناسب لا لرواية تدل عليه، وهذا فهمه الكفعمي حيث قال (2): وفي أول
يوم من ذي الحجة تزوج على بفاطمة (عليهما السلام) فصل فيه صلاة فاطمة (عليها
السلام). وعلى هذا فلا وجه لذكر هذه الصلاة سيما أن كثيرا منهم عد صلاة فاطمة
(عليها السلام) مع هذه الصلاة.
وثانيهما - أن يكون المراد به ما نقله شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في
البحار من ورود بعض الأخبار بصلاة ركعتين في هذا اليوم قبل الزوال بنصف
ساعة بكيفية صلاة الغدير، ولعل هذا الاحتمال أوفق بالعد في هذا المقام وإن كان
لم يذكر هذه الصلاة أكثر علمائنا الأعلام (رضوان الله عليهم).
الرابعة - صلاة يوم المبعث وصلاة ليلته، أما صلاة اليوم فقد رواها ثقة
الاسلام في الكافي عن علي بن محمد رفعه (3) قال: (قال أبو عبد الله (ع) يوم سبعة

(1) ص 465 وفي الوسائل الباب 10 من بقية الصلوات المندوبة.
(2) ص 659.
(3) الوسائل الباب 9 من بقية الصلوات المندوبة.
538

وعشرين من رجب بنى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله من صلى فيه أي وقت شاء اثنتي عشرة
ركعة يقرأ في كل ركعة بأم القرآن وسورة ما تيسر فإذا فرغ وسلم جلس مكانه ثم
قرأ أم القرآن أربع مرات والمعوذات الثلاث كل واحدة أربع مرات فإذا فرغ
وهو في مكانه قال: (لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله وسبحان الله ولا حول ولا
قوة إلا بالله) أربع مرات ثم يقول: الله ربي لا أشرك به شيئا (أربع مرات)
ثم يدعو فلا يدعو بشئ إلا استجيب له... الخبر).
وقد روى هذه الرواية الشيخ (1) نقلا من الكافي والشيخ المفيد في المقنعة وكتاب
مسار الشيعة لكن بدون قوله (والمعوذات الثلاث كل واحدة أربع مرات) وكأنه سقط
من القلم، لأن الشيخ روى هذه الصلاة بعينها في المصباح (2) مع ما يقرأ بعدها عن
الريان بن الصلت عن أبي جعفر الثاني (ع) بما هذه صورته قال: صام أبو جعفر
(ع) لما كان ببغداد يوم النصف من رجب ويوم سبع وعشرين منه وصام معه جميع
حشمه وأمرنا أن نصلي هذه الصلاة التي هي اثنتا عشرة ركعة تقرأ في كل ركعة الحمد
وسورة فإذا فرغت قرأت الحمد أربعا و (قل هو الله أحد) أربعا والمعوذتين أربعا
وقلت: لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا
بالله العلي العظيم (أربعا) الله الله ربي لا أشرك به شيئا (أربعا) لا أشرك بربي أحدا
(أربعا). ومن هذه الرواية يعلم أن المراد بالمعوذات الثلاث في الرواية المتقدمة هي
التوحيد مع المعوذتين.
وأما صلاة ليلة المبعث فهي أيضا اثنتا عشرة ركعة، والظاهر أن المستند فيها
ما ذكره الشيخ في المصباح (3) في ليلة النصف من رجب حيث روى عن داود بن
سرحان عن أبي عبد الله (ع) قال (تصلي ليلة النصف من رجب اثنتي عشرة ركعة تقرأ في كل
ركعة الحمد وسورة فإذا فرغت من الصلاة قرأت بعد ذلك الحمد والمعوذتين وسورة

(1) الوسائل الباب 9 من بقية الصلوات المندوبة.
(2) الوسائل الباب 9 من بقية الصلوات المندوبة.
(3) الوسائل الباب 5 من بقية الصلوات المندوبة.
539

الاخلاص وآية الكرسي أربع مرات وتقول بعد ذلك: سبحان الله والحمد لله ولا
إله إلا الله والله أكبر (أربع مرات) ثم تقول: الله الله ربي لا أشرك به شيئا ما شاء
الله لا قوة إلا بالله العلي العظيم. وتقول في ليلة سبع وعشرين مثله).
قال بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين: والظاهر أن قوله
(وتقول... إلى آخره) من تتمة الحديث وأن المراد مجموع الصلاة والأقوال،
وعلى هذه فهي كصلاة يومه والتفاوت اليسير في الذكر وكذا زيادة آية الكرسي غير
مناف في أمثال هذه الأشياء. انتهى. وفيه أن ظاهر هذه العبارة بناء على تسليم
كونها من الحديث إنما هو قول هذه الأذكار لا نفس الصلاة.
والأظهر أن المراد بصلاة الليلة المذكورة إنما هو ما رواه الشيخ في المصباح
أيضا (1) مرسلا عن أبي جعفر (ع) أنه قال (إن في رجب ليلة هي خير مما
طلعت عليه الشمس وهي ليلة سبع وعشرين من رجب نبئ رسول الله صلى الله عليه وآله في
صبيحتها وإن للعامل فيها من شيعتنا أجر عمل ستين سنة. قيل له وما العمل فيها أصلحك
الله؟ قال إذا صليت العشاء الآخرة وأخذت مضجعك ثم استيقظت أي ساعة شئت
من الليل إلى قبل الزوال صليت اثنتي عشرة ركعة تقرأ في كل ركعة الحمد وسورة
من خفاف المفصل إلى الجحد فإذا سلمت في كل شفع جلست بعد التسليم وقرأت
الحمد سبعا والمعوذتين سبعا (وقل هو الله أحد) و (قل يا أيها الكافرون) سبعا
سبعا (وإنا أنزلناه) وآية الكرسي سبعا سبعا، وقل بعقب ذلك الدعاء...)
وذكر الدعاء.
وروى الشيخ في المصباح أيضا (2) عن صالح بن عقبة عن أبي الحسن موسى
ابن جعفر (ع) أنه قال: (صل ليلة سبع وعشرين من رجب أي وقت شئت من
الليل اثنتي عشرة ركعة تقرأ في كل ركعة الحمد والمعوذتين وقل هو الله أحد (أربع
مرات) فإذا فرغا قلت وأنت في مكانك أربع مرات: لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله

(1).
(2) ص 566 وفي الوسائل الباب 9 من بقية الصلوات المندوبة.
540

وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله. ثم ادع بعد ذلك بما شئت والعمل بكل
من الروايتين حسن إن شاء الله تعالى.
الخامسة - صلاة ليلة النصف من شعبان، وقد ورد في هذه الليلة صلوات
عديدة: منها ما رواه الكليني مرفوعا عن أبي عبد الله (ع) (1) قال: (إذا كان
ليلة النصف من شعبان فصل أربع ركعات تقرأ في كل ركعة الحمد مرة و (قل هو الله
أحد) مائة مرة فإذا فرغت فقل: اللهم إني إليك فقير... الدعاء) ورواه الشيخ
المفيد في كتاب مسار الشيعة مرسلا (2) ورواه الشيخ في التهذيب عن الكليني وفي
المصباح عن أبي يحيى الصنعاني عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) (3) ثم قال
ورواه عنهما ثلاثون رجلا ممن يوثق بهم.
ومنها - ما رواه الشيخ في المصباح عن أبي يحيى عن أبي عبد الله ورواه أيضا
ابنه في أماليه باسناد متصل عن أبي يحيى عنه (ع) (4) قال: (سئل الباقر (ع) عن
فضل ليلة النصف من شعبان، وذكر فضائل تلك الليلة إلى أن قال أبو يحيى فقلت
لسيدنا الصادق (ع) وأي شئ أفضل الأدعية؟ فقال إذا أنت صليت العشاء
الآخرة فصل ركعتين تقرأ في الأولى الحمد وسورة الجحد واقرأ في الركعة الثانية
الحمد وسورة التوحيد فإذا أنت سلمت قلت: (سبحان الله) ثلاثا وثلاثين مرة و (الحمد
لله) ثلاثا وثلاثين مرة و (الله أكبر) أربعا وثلاثين مرة ثم قل... وذكر الدعاء
وهو مذكور في المصباح.
ومنها - ما رواه الشيخ في المصباح أيضا عن عمرو بن ثابت عن محمد بن مروان
عن الباقر (ع) (5) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله من صلى ليلة النصف من شعبان
مائة ركعة وقرأ في كل ركعة الحمد مرة و (قل هو الله أحد) عشر مرات لم يمت حتى يرى
منزله في الجنة أو يرى له).
ومنها - ما رواه أيضا في المصباح عن محمد بن صدقة العنبري (6) قال حدثنا

(1) الوسائل الباب 8 من بقية الصلوات المندوبة.
(2) الوسائل الباب 8 من بقية الصلوات المندوبة.
(3) الوسائل الباب 8 من بقية الصلوات المندوبة.
(4) الوسائل الباب 8 من بقية الصلوات المندوبة.
(5) الوسائل الباب 8 من بقية الصلوات المندوبة.
(6) الوسائل الباب 8 من بقية الصلوات المندوبة.
541

موسى بن جعفر عن أبيه (عليهم السلام) قال: (الصلاة ليلة النصف من شعبان
أربع ركعات تقرأ في كل ركعة الحمد مرة وقل هو الله أحد مائتين وخمسين مرة ثم
تدعو بعد التسليم... وذكر الدعاء) (1) ثم روى الصلوات آخر من طرق العامة (2)
والعمل بكل من هذه الروايات حسن والجمع أحسن.
السادسة - صلاة الهدية وهي التي تجعل هدية للمعصومين (عليهم السلام)
يعني النبي صلى الله عليه وآله والزهراء والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين).
والظاهر أن المراد بها ما رواه الشيخ في المصباح (3) حيث قال: روي عنهم
(عليهم السلام) أنه يصلي العبد في يوم الجمعة ثماني ركعات: أربعا يهدي إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله وأربعا يهدي إلى فاطمة الزهراء (عليها السلام) ويوم السبت أربع ركعات
تهدى إلى أمير المؤمنين (ع) ثم كذلك كل يوم إلى واحد من الأئمة (عليهم السلام)
إلى يوم الخميس أربع ركعات تهدى إلى جعفر بن محمد (عليهما السلام) ثم في يوم الجمعة
أيضا ثماني ركعات أربع ركعات تهدى إلى رسول الله وأربع ركعات إلى فاطمة
(عليها السلام) ثم يوم السبت أربع ركعات تهدى إلى موسى بن جعفر (ع) ثم كذلك
إلى يوم الخميس أربع ركعات تهدى إلى صاحب الزمان (ع).
ويحتمل أن يكون مرادهم بها ما رواه السيد رضي الدين بن طاووس في كتاب
جمال الأسبوع (4) قال: حدثنا أبو محمد الصيمري عن أحمد بن عبد الله البجلي
باسناده يرفعه إليهم (عليهم السلام) قال: (من جعل ثواب صلاته لرسول الله صلى الله عليه وآله
وأمير المؤمنين (ع) والأوصياء من بعده (عليهم السلام) ضعف الله ثواب
صلاته أضعافا مضاعفة حتى ينقطع النفس ويقال له قبل أن تخرج روحه من جسده
يا فلان هديتك إلينا وألطافك لنا فهذا يوم مجازاتك ومكافأتك فطب نفسا وقر عينا
بما أعد الله لك وهنيئا لك بما صرت إليه. فقلت كيف يهدي صلاته ويقول؟ قال

(1) المصباح ص 582.
(2) الوسائل الباب 8 من بقية الصلوات المندوبة.
(3) الوسائل الباب 44 من بقية الصلوات المندوبة.
(4) الوسائل الباب 44 من بقية الصلوات المندوبة.
542

ينوي ثواب صلاته لرسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة (عليهم السلام) ولو أمكنه أن يزيد
على صلاة الخمسين شيئا ولو ركعتين في كل يوم ويهديها إلى واحد منهم: يفتتح
الصلاة في الركعة الأولى مثل افتتاح صلاة الفريضة بسبع تكبيرات أو ثلاث مرات
أو مرة في كل ركعتين ويقول بعد تسبيح الركوع والسجود ثلاث مرات: (صلى الله
على محمد وآله الطيبين الطاهرين) في كل ركعة فإذا تشهد وسلم قال: اللهم أنت السلام
ومنك السلام... إلى آخر الدعاء).
السابعة - صلاة الحاجة، وصلاة الحاجة كثيرة مذكورة في الكتب الأربعة
وغيرها لا سيما مصباحي الشيخ والكفعمي، ولنذكر منها واحدة مشتملة على صلاة
الهدية لرسول الله صلى الله عليه وآله.
وهي ما رواه ثقة الاسلام والصدوق (عطر الله مرقديهما) بسند موثق عن
عبد الرحيم القصير (1) وهو مجهول قال: (دخلت على أبي عبد الله (ع) فقلت له
جعلت فداك أني اخترعت دعاء قال دعني من اختراعك إذا نزل بك أمر فافزع إلى
رسول الله صلى الله عليه وآله وصل ركعتين تهديهما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله. قلت كيف أصنع؟
قال تغتسل وتصلي ركعتين تستفتح بهما افتتاح الفريضة وتشهد تشهد الفريضة فإذا
فرغت من التشهد وسلمت قلت: اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يرجع
السلام اللهم صل على محمد وآل محمد وبلغ روح محمد مني السلام وأرواح الأئمة
الصادقين سلامي واردد على منهم السلام والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته، اللهم
إن هاتين الركعتين هدية مني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأثبني عليهما ما أملت ورجوت فيك
وفي رسولك يا ولي المؤمنين. ثم تخر ساجدا وتقول: يا حي يا قيوم يا حي
لا يموت يا حي لا إله إلا أنت يا ذا الجلال والاكرام يا أرحم الراحمين (أربعين مرة)
ثم ضع خدك الأيمن فتقولها أربعين مرة ثم ضع خدك الأيسر فتقولها أربعين مرة
ثم ترفع رأسك وتمد يدك وتقول ذلك أربعين مرة ثم ترد يدك إلى رقبتك

(1) الوسائل الباب 28 من بقية الصلوات المندوبة.
543

وتلوذ بسبابتك وتقول ذلك أربعين مرة ثم خذ لحيتك بيدك اليسرى وابك أو تباك
وقل: يا محمد يا رسول الله صلى الله عليه وآله أشكو إلى الله وإليك حاجتي وإلى أهل بيتك الراشدين
حاجتي وبكم أتوجه إلى الله في حاجتي. ثم تسجد وتقول: يا الله يا الله - حتى ينقطع
نفسك - صل على محمد وآل محمد وافعل بي كذا وكذا. قال أبو عبد الله (ع) فأنا
الضامن على الله أن لا يبرح حتى تقضي حاجته).
وقد ورد في أخبار عديدة الاكتفاء بمطلق الصلاة والدعاء في طلب الحاجة
كما في موثقة الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله (ع) (1) قال: (إذا أردت حاجة
فصل ركعتين وصل على محمد وآل محمد وسل تعطه).
ويظهر من بعضها استحباب أن يكون ذلك في الأماكن المشرفة كما في صحيحة
الحلبي (2) قال: (شكى رجل حاله إلى أبي عبد الله (ع) فأمره أن يأتي مقام رسول الله
صلى الله عليه وآله بين القبر والمنبر فيصلي ركعتين... الخبر) وفي رواية أخرى (3) (وإن شئت
ففي بيتك) وفي روايات عديدة (4) الأمر بدخول المسجد والصلاة والدعاء.
ويظهر من بعضها اشتراط الاقلاع من الذنوب كما في رواية يونس بن عمار (5)
قال (شكوت إلى أبي عبد الله (ع) رجلا كان يؤذيني فقال لي ادع عليه فقلت قد دعوت
عليه فقال ليس هكذا ولكن اقلع عن الذنوب وصم وصل وتصدق فإذا كان آخر
الليل فاسبغ الوضوء ثم قم فصل ركعتين وادع... الخبر) ومنه يظهر استحباب كون
ذلك في الأوقات الشريفة وبعد الصوم والصلاة، ويؤيده غيره من الأخبار أيضا.
الثامنة - صلاة الشكر وهي التي تستحب عند تجدد النعمة ومن ذلك لبس
الثوب الجديد:

(1) الوسائل الباب 28 من بقية الصلوات المندوبة.
(2) الوسائل الباب 22 من بقية الصلوات المندوبة.
(3) الوسائل الباب 33 من بقية الصلوات المندوبة.
(4) الوسائل الباب 22 و 28 و 29 من بقية الصلوات المندوبة.
(5) الوسائل الباب 33 من بقية الصلوات المندوبة.
544

روى ثقة الاسلام والصدوق في الخصال عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله
(ع) (1) قال: (قال أمير المؤمنين (ع) إذا كسا الله المؤمن ثوبا جديدا فليتوضأ
وليصل ركعتين يقرأ فيهما أم الكتاب وآية الكرسي و (قل هو الله أحد) و (إنا
أنزلناه) ثم ليحمد الله الذي ستر عورته وزينه في الناس، وليكثر من قول (لا حول
ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) فإنه لا يعصي الله فيه وله بكل سلك فيه ملك يقدس
له ويستغفر ويترحم عليه).
وروى الكليني عن هارون بن خارجة الثقة عن أبي عبد الله (ع) (2) قال:
(قال في صلاة الشكر إذا أنعم الله عليك بنعمة فصل ركعتين تقرأ في الأولى بفاتحة
الكتاب و (قل هو الله أحد) وتقرأ في الثانية بفاتحة الكتاب (وقل يا أيها
الكافرون) وتقول في الركعة الأولى في ركوعك وسجودك: الحمد لله شكرا شكرا وحمدا،
وتقول في الركعة الثانية في ركوعك وسجودك: الحمد لله الذي استجاب دعائي
وأعطاني مسألتي).
ومن الروايات الواردة في الصلاة عند لبس الثوب الجديد ما رواه الصدوق
في المجالس وفي ثواب الأعمال وما في أمالي الشيخ (قدس سره) وفي كتاب
كشف الغمة (3).
التاسعة - صلاة تحية المسجد وهي ما رواه الصدوق في الفقيه عن الصادق
(ع) (4) في حديث المناهي قال: (قال رسول الله لا تجعلوا المساجد طرقا
حتى تصلوا فيها ركعتين).
وما رواه في معاني الأخبار والخصال بإسناده عن أبي ذر (رضي الله عنه (5)

(1) الوسائل الباب 26 من أحكام الملابس
(2) الوسائل الباب 35 من بقية الصلوات المندوبة
(3) الوسائل الباب 26 من أحكام الملابس
(4) الوسائل الباب 67 من أحكام المساجد
(5) الوسائل الباب 42 من أحكام المساجد.
545

قال: (دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو في المسجد جالس فقال يا أبا ذر إن
للمسجد تحية. قلت وما تحية؟ قال ركعتان تركعهما... الخبر) ورواه الشيخ
أيضا في كتاب المجالس بإسناده عن أبي ذر (رضي الله عنه) في وصية النبي صلى الله عليه وآله (1).
والمشهور أن هذه الصلاة قبل الجلوس استحبابا، وهو الظاهر من فحاوي
الأخبار وإن لم تدل عليه صريحا. قالوا ويكفي فيها الفريضة أو نافلة غيرها.
العاشرة - صلاة هدية الميت ليلة الدفن وهذه الصلاة لم نظفر بها في كتب
الأخبار مسندة عن أحد الأئمة الأبرار (صلوات الله عليهم) وإنما رواها الكفعمي
في مصباحه (2) كتاب الموجز لابن فهد وهو نقلها عن النبي صلى الله عليه وآله.
قال (قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا يأتي على الميت أشد من أول ليلة فارحموا
موتاكم بالصدقة فإن لم تجدوا فليصل أحدكم ركعتين: يقرأ في الأولى الحمد وآية الكرسي
وفي الثانية الحمد والقدر عشرا فإذا سلم قال: اللهم صل على محمد وآل محمد وابعث
ثوابهما إلى قبر فلان. فإنه تعالى يبعث من ساعته ألف ملك إلى قبره مع كل ملك
ثوب وحلة... الخبر).
قال وفي رواية أخرى (3) (يقرأ بعد الحمد التوحيد مرتين في الأولى وفي
الثانية بعد الحمد التكاثر عشرا ثم الدعاء المذكور) ثم نقل الكفعمي عن والده رواية
ثالثة (4) مثل الرواية الثانية لكن بزيادة آية الكرسي مرة في الركعة الأولى.
وروى هذه الصلاة السيد رضي الدين بن طاووس في كتاب فلاح السائل عن
حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وآله بالرواية الثانية.
وأما ما اشتهر الآن بين الناس من استحباب أربعين رجلا يصلون هذه الصلاة
ليلة الدفن فلم أقف له على مستند ولا قول معتمد.

(1) الوسائل الباب 42 من أحكام المسجد.
(2) الوسائل الباب 44 من بقية الصلوات المندوبة.
(3) الوسائل الباب 44 من بقية الصلوات المندوبة.
(4) ارجع إلى الاستدراكات رقم (37).
546

والذي يقرب عندي أن أخبار هذه الصلاة إنما هي من روايات العامة (1)
وإليه يشير كلام بعض مشايخنا المعاصرين حيث قال: وهذه الصلاة وإن لم يظهر كونها
مروية من طريق أهل البيت (عليهم السلام) لكن يعضدها ما ورد من الأخبار
الدالة على انتفاع الميت من الأعمال الصالحة بفعل غيره (2) وعلى التأكيد في ذلك،
وهي متفرقة في أبواب الوقوف والصدقات والصلاة والحج والصوم والجنائز، ثم
ذكر من ذلك ما رواه الصدوق في الصحيح عن عمر بن يزيد الثقة الجليل (3) قال:
(قلت لأبي عبد الله (ع) أيصلى عن الميت؟ قال نعم حتى أنه يكون في ضيق فيوسع
الله عليه ذلك الضيق ثم يؤتى فيقال له خفف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك
عنك) ثم نقل جملة من الأخبار التي من هذا الباب وستأتي إن شاء الله تعالى في باب
القضاء عن الميت.
أقول: والحكم عندي لا يخلو من نوع اشكال، فإن ما ذكره وإن كان
كذلك من حيث الاهداء للميت لكن شرعية هذه الصلاة على هذا الوجه المخصوص
من الكيفية والزمان وكمية العدد المشهور فيها ونحو ذلك لما لم يثبت من طريق أهل
البيت (عليهم السلام) فهو لا يخلو من احتمال البدعية وعدم المشروعية، فإن
العبادة وإن كانت من حيث كونها عبادة راجحة ومستحبة لكن لو انضم إلى ذلك أمر
آخر من التخصيص بكيفية مخصوصة أو زمان مخصوص أو نحو ذلك من المشخصات مع
عدم ثبوت ذلك شرعا فإنه يكون تشريعا، ألا ترى أن الأخبار قد استفاضت بتحريم
صلاة الضحى (4) مع كونها صلاة والصلاة خير موضوع (5) إلا أنه لما انضم إلى

(1) لم نقف عليها في كتبهم بعد الفحص حتى أن ابن قدامة في المغني ج 2 ص 567
ذكر ما ينتفع به الميت من دعاء واستغفار وغير ذلك ولم يذكر هذه الصلاة.
(2) الوسائل الباب 28 من الاحتضار.
(3) الوسائل الباب 28 من الاحتضار.
(4) الوسائل الباب 31 من أعداد الفرائض ونوافلها.
(5) ارجع إلى التعليقة 1 ص 478.
547

ذلك تخصيص استحبابها بهذا الوقت المخصوص والعدد المخصوص ونحو ذلك من
الخصوصيات مع عدم ثبوت ذلك شرعا حصلت الحرمة وصارت بدعة، والحكم كذلك
في هذه الصلاة مع عدم ثبوت مشروعيتها على هذا الوجه المذكور عن أهل البيت
(عليهم السلام) واحتمال كون تلك الأخبار من طرق العامة كما لا يخفى. والله العالم.
الحادية عشرة - صلاة الاستطعام أي الصلاة له عند الجوع رواها الكليني
والشيخ عن شعيب العقرقوفي (1) قال: (قال أبو عبد الله (ع) من جاع فليتوضأ
وليصل ركعتين ثم يقول: يا رب إني جائع فاطعمني. فإنه يطعم من ساعته).
الثانية عشرة - صلاة الحبل بمعنى أن يطلب أن يحبل له رواها الشيخ والكليني
عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) (2) قال: من أراد أن يحبل له فليصل ركعتين
بعد الجمعة يطيل فيهما الركوع والسجود ثم يقول: اللهم إني أسألك بما سألك به
زكريا إذ قال رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين، اللهم هب لي ذرية طيبة
إنك سميع الدعاء اللهم باسمك استحللتها وفي أمانتك أخذتها فإن قضيت لي في رحمها
ولدا فاجعله غلاما ولا تجعل للشيطان فيه نصيبا ولا شركا).
إلى غير ذلك من الصلوات المذكورة في كتب الدعاء كالمصباح للشيخ ومصباح
الكفعمي وغيرهما ومن أرادها فليرجع إليها، والاشتغال بغيرها مما هو أهم في المقام
أولى من التطويل بذكرها زيادة على ما ذكرنا. والله العالم.
تم الجزء العاشر من كتاب الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة
ويتلوه الجزء الحادي عشر والحمد لله أولا وآخرا.

(1) الوسائل الباب 25 من بقية الصلوات المندوبة.
(2) الوسائل الباب 38 من بقية الصلوات المندوبة.
548