الكتاب: الحدائق الناضرة
المؤلف: المحقق البحراني
الجزء: ٨
الوفاة: ١١٨٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق وإشراف: محمد تقي الإيرواني
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك:
ملاحظات:

الحدائق الناضرة
في
أحكام العترة الطاهرة
تأليف
العالم البارع الفقيه المحدث الشيخ يوسف البحراني قدس سره
المتوفى سنة 1186 هجرية
حققه وعلق عليه وأشرف على طبعه
محمد تقي الإيرواني
الجزء الثامن
مؤسسة النشر الاسلامي (التابعة)
لجماعة المدرسين بقم المشرفة (إيران)
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الباب الثاني
في الصلوات اليومية وما يلحق بها من قواطعها وسهوها وشكوكها، والبحث فيه
يقع في مقصدين:
(الأول) - في الصلاة والواجب على عادتنا في الكتاب أن نذكر هنا جملة
من الأخبار المشتملة على أفعال الصلاة وآدابها:
فمن ذلك ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في الكافي والتهذيب
والفقيه والمجالس وغيرها، رووا في الصحيح والحسن عن حماد بن عيسى (1) قال:
" قال: لي أبو عبد الله (عليه السلام): يوما يا حماد تحسن أن تصلي؟ قال فقلت يا سيدي أنا
أحفظ كتاب حريز في الصلاة، قال لا عليك يا حماد قم فصل قال فقمت بين يديه متوجها
إلى القبلة فاستفتحت الصلاة فركعت وسجدت فقال يا حماد لا تحسن أن تصلي ما أقبح
بالرجل منكم يأتي عليه ستون سنة أو سبعون سنة فلا يقيم صلاة واحدة بحدودها تامة.
قال حماد: فأصابني في نفسي الذل فقلت: جعلت فداك فعلمني الصلاة، فقام أبو عبد الله

(1) الوسائل الباب 1 من أفعال الصلاة
2

(عليه السلام) مستقبل القبلة منتصبا فأرسل يديه جميعا على فخذيه قد ضم أصابعه وقرب
بين قدميه حتى كان بينهما قدر ثلاث أصابع منفرجات واستقبل بأصابع رجليه جمعيا
القبلة لم يحرفهما عن القبلة وقال بخشوع: " الله أكبر " ثم قرأ الحمد بترتيل و " قل هو الله
أحد " ثم صبر هنيهة بقدر ما يتنفس وهو قائم ثم رفع يديه حيال وجهه وقال " الله أكبر "
وهو قائم ثم ركع وملأ كفيه من ركبتيه منفرجات ورد ركبتيه إلى خلفه حتى استوى
ظهره حتى لو صب عليه قطرة من ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره ومد عنقه وغمض
عينيه ثم سبح ثلاثا بترتيل فقال: " سبحان ربي العظيم وبحمده " ثم استوى قائما فلما
استمكن من القيام قال " سمع الله لمن حمده " ثم كبر وهو قائم ورفع يديه حيال وجهه
ثم سجد وبسط كفيه مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه وقال " سبحان
ربي الأعلى وبحمده " ثلاث مرات ولم يضع شيئا من جسده على شئ منه وسجد على
ثمانية أعظم: الكفين والركبتين وأنامل ابهامي الرجلين والجبهة والأنف، وقال: سبعة منها
فرض يسجد عليها وهي التي ذكرها الله عز وجل في كتابه وقال " وإن المساجد لله فلا تدعوا
مع الله أحدا " (1) وهي الجبهة والكفان والركبتان والابهامان، ووضع الأنف على الأرض
سنة. ثم رفع رأسه من السجود فلما استوى جالسا قال: " الله أكبر " ثم قعد على فخذه
الأيسر وقد وضع ظاهر قدمه الأيمن على بطن قدمه الأيسر فقال: " أستغفر الله ربي
وأتوب إليه " ثم كبر وهو جالس وسجد السجدة الثانية وقال كما قال في الأولى ولم
يضع شيئا من بدنه على شئ منه في ركوع ولا سجود وكان مجنحا ولم يضع ذراعيه على
الأرض، فصلى ركعتين على هذا ويداه مضمومتا الأصابع وهو جالس في التشهد فلما
فرغ من التشهد سلم فقال يا حماد هكذا صل ".
وروى ثقة الاسلام في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (2)

(1) سورة الجن، الآية 18
(2) الوسائل الباب 1 من أفعال الصلاة
3

قال: " إذا قمت في الصلاة فلا تلصق قدمك بالأخرى ودع بينهما فصلا إصبعا أقل ذلك
إلى شبر أكثره، وأسدل منكبيك وأرسل يديك ولا تشبك أصابعك وليكونا على فخذيك
قبالة ركبتيك وليكن نظرك إلى موضع سجودك، فإذا ركعت فصف في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر وتمكن راحتيك من ركبتيك وتضع يدك اليمنى على ركبتك
اليمنى قبل اليسرى، وبلع أطراف أصابعك عين الركبة وفرج أصابعك إذا وضعتها على
ركبتيك فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك، وأحب إلي
أن تمكن كفيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة وتفرج بينها وأقم صلبك
ومد عنقك وليكن نظرك إلى ما بين قدميك، فإذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير
وخر ساجدا وابدأ بيديك فضعهما على الأرض قبل ركبتيك تضعهما معا ولا تفرش
ذراعيك افتراش السبع ذراعيه ولا تضعن ذراعيك على ركبتيك وفخذيك ولكن تجنح
بمرفقيك ولا تلصق كفيك بركبتيك ولا تدنهما من وجهك بين ذلك حيال منكبيك
ولا تجعلهما بين يدي ركبتيك ولكن تحرفهما عن ذلك شيئا وابسطهما على الأرض
بسطا واقبضهما إليك قبضا وإن كان تحتهما ثوب فلا يضرك وإن أفضيت بهما إلى
الأرض فهو أفضل، ولا تفرجن بين أصابعك في سجودك ولكن ضمهن جميعا، قال
وإذا قعدت في تشهدك فالصق ركبتيك بالأرض وفرج بينهما شيئا وليكن ظاهر قدمك
اليسرى على الأرض وظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى وأليتاك على الأرض
وطرف ابهامك اليمنى على الأرض، وإياك والقعود على قدميك فتتأذى بذلك ولا تكن
قاعدا على الأرض فتكون إنما قعد بعضك على بعض فلا تصبر للتشهد والدعاء ".
بيان: الظاهر أن انكار الصادق (عليه السلام) على حماد في صلاته وتعليمه إنما
هو بالنسبة إلى سنن الصلاة وآدابها لا بالنسبة إلى واجباتها وإلا لأمره بقضاء ما مضى
من صلواته، على أن مثل حماد (رضوان الله عليه) أجل قدرا من أن يجهل الواجب
عليه كما يشير إليه قوله: " أنا أحفظ كتاب حريز في الصلاة " وبذلك يظهر لك
4

ما في كلام السيد المحدث السيد نعمة الله الجزائري (قدس سره) في مسألة معذورية
الجاهل من دعواه جهل حماد بالأحكام الواجبة وأن الإمام (عليه السلام) لم يأمره بالقضاء
من حيث معذورية الجاهل. وقد نقلنا كلامه في كتاب الدرر النجفية في الدرة التي في
مسألة معذورية الجاهل.
ويؤيد ما ذكرناه ما صرح به شيخنا الشهيد في الذكرى، قال: والظاهر أن صلاة
حماد كانت مسقطة للقضاء وإلا لأمره بقضائها ولكنه عدل به إلى الصلاة التامة. والظاهر أن صلاته (عليه السلام) لم تكن صلاة حقيقية بل كانت لمجرد التعليم للكلام في أثنائها
كما حكاه الراوي إلا أن يحمل على أن الكلام إنما كان بعدها ولكن حماد حكاه في
أثنائها للبيان وربطه بما يتعلق به.
قوله: " ما أقبح بالرجل منكم.. " قال شيخنا البهائي في كتاب الحبل المتين: فصل
بين فعل التعجب وبين معموله وهو مختلف فيه بين النحاة فمنعه الأخفش والمبرد وجوزه
المازني والفراء بالظرف ونقلا عن العرب أنهم يقولون " ما أحسن بالرجل أن يصدق "
وصدوره من الإمام (عليه السلام) من أقوى الحجج على جوازه، والجار في قوله (عليه
السلام) " منكم " حال من الرجل أو وصف له فإن المعرف بلام العهد الذهني في حكم
النكرة، والمراد ما أقبح بالرجل من الشيعة أو من صلحائهم.
قوله: " وقرب بين قدميه حتى كان بينهما قدر ثلاث أصابع منفرجات " هذا
هو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) حيث صرحوا بأنه يستحب أن يكون
بينهما ثلاث أصابع منفرجات إلى شبر إلا أن ظاهر صحيحة زرارة المتقدمة وقوله في
صدرها " إصبعا أقل ذلك إلى شبر " ربما نافى هذا الخبر. وأجاب عنه شيخنا البهائي
في الحبل المتين بأنه لعل المراد به طول الإصبع لا عرضه. الظاهر من الصحيحة المذكورة
أن التحديد بالإصبع إلى قدر شبر إنما هو في حال القيام وأما حال الركوع فإنه يكون بينهما
قدر شبر، والمفهوم من كلام الأصحاب العموم.
5

قوله: " ثم قرأ الحمد بترتيل " الترتيل لغة التأني وتبيين الحروف بحيث يتمكن
السامع من عدها مأخوذ من قولهم " ثغر رتل ومرتل " إذا كان مفلجا وبه فسر قوله تعالى
" ورتل القرآن ترتيلا " (1) وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) (2) " أنه حفظ الوقوف
وبيان الحروف " أي مراعاة الوقف التام والحسن والاتيان بالحروف على الصفات المعتبرة
من الهمس والجهر والاستعلاء والاطباق والغنة وأمثالها، والترتيل بكل من هذين
التفسيرين مستحب، ومن حمل الأمر في الآية على الوجوب فسر الترتيل باخراج
الحروف من مخارجها على وجه تتميز ولا يندمج بعضها في بعض.
قوله " صبر هنيهة " في بعض نسخ الحديث " هنية " بضم الهاء وتشديد الياء
بمعنى الوقت اليسير تصغير " هنة " بمعنى الوقت، وربما قيل " هنيهة " بابدال الياء هاء
وأما " هنيئة " بالهمزة فغير صواب نص عليه في القاموس، كذا أفاد شيخنا البهائي
في الحبل المتين إلا أن شيخنا المجلسي نقل أن أكثر النسخ هنا بالهمزة وفي المجالس وبعض
نسخ التهذيب بالهاء.
قوله " بقدر ما يتنفس " في بعض النسخ " بقدر ما تنفس " فيكون الضمير
راجعا له (عليه السلام) وفي بعضها " يتنفس " بالمضارع المبني للمجهول، وفيه دلالة على
استحباب السكتة بعد السورة وأن حدها بقدر النفس، قال في الذكرى: من المستحبات
السكوت إذا فرغ من الحمد والسورة وهما سكتتان لرواية إسحاق بن عمار عن الصادق
(عليه السلام) (3) المشتملة على أن أبي بن كعب قال " كانت لرسول الله (صلى الله
عليه وآله) سكتتان: إذا فرغ من أم القرآن وإذا فرغ من السورة " وفي رواية حماد
تقدير السكتة بعد السورة بنفس. وقال ابن الجنيد روى سمرة وأبي بن كعب عن
النبي (صلى الله عليه وآله) (4) إن السكتة الأولى بعد تكبيرة الافتتاح والثانية بعد

(1) سورة المزمل الآية 4
(2) الوافي باب سائر أحكام القراءة
(3) الوسائل الباب 46 من القراءة
(4) تيسير الوصول ج 2 ص 229
6

الحمد، ثم قال والظاهر استحباب السكوت عقيب الحمد في الأخيرتين قبل الركوع وكذا
عقيب التسبيح. انتهى. وسيجئ تمام الكلام في ذلك أن شاء الله تعالى في
مستحبات القراءة.
قوله " ثم سجد وبسط كفيه مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال
وجهه " ربما نافاه قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة المتقدم " ولا تجعلهما بين يدي
ركبتيك ولكن تحرفهما عن ذلك شيئا " والجواب عن ذلك ما أفاده شيخنا البهائي
(عطر الله مرقده) قال: وقوله (عليه السلام) " ولا تجعلهما بين يدي ركبتيك "
أي لا تجعلهما في نفس قبلة الركبتين بل احرفهما عن ذلك قليلا. ولا ينافي هذا ما في
حديث حماد من أنه (عليه السلام) بسط كفيه بين يدي ركبتيه لأن المراد بكون
الشئ بين اليدين كونه بين جهتي اليمين والشمال وهو أعم من المواجهة الحقيقية والانحراف
اليسير إلى أحد الجانبين ويستعمل ذلك في كل من المعنيين. فاستعمل في هذا الحديث
في الأول وفي الآخر في الثاني، قال صاحب الكشاف في قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا
لا تقدموا بين يدي الله ورسوله " (1) حقيقة قولهم: " جلست بين يدي فلان " أن
يجلس بين الجهتين المسامتتين ليمينه وشماله قريبا منه فسميت الجهتان يدين لكونهما على
سمت اليدين مع القرب منهما توسعا كما يسمى الشئ باسم غيره إذا جاوره وداناه. انتهى
قوله " فصلى ركعتين على هذا " قال شيخنا في البحار قال الشيخ البهائي (قدس
سره) هذا يعطي أنه (عليه السلام) قرأ سورة التوحيد في الركعة الثانية أيضا وهو ينافي
ما هو المشهور بين أصحابنا من استحباب مغايرة السورة في الركعتين وكراهة تكرار
الواحدة فيهما إذا أحسن غيرها كما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) (2)
ويؤيده ما مال إليه بعضهم من استثناء سورة الاخلاص من هذا الحكم وهو جيد

(1) سورة الحجرات الآية 1
(2) الوسائل الباب 6 من القراءة في الصلاة
7

ويعضده ما رواه زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) من " أن رسول الله (صلى الله
عليه وآله) صلى ركعتين وقرأ في كل منهما قل هو الله أحد " وكون ذلك لبيان الجواز
بعيد. انتهى كلام شيخنا المشار إليه.
قوله في صحيح زرارة " وبلع أطراف أصابعك عين الركبة " ضبطه شيخنا
البهائي (زاده الله بهاء وشرفا) باللام المشددة والعين المهملة من البلع أي اجعل أطراف
أصابعك بالغة عين الركبة، وقال: وهذا كما سيجيئ في بحث الركوع من قوله (عليه
السلام) (2) " وتلقم بأطراف أصابعك عين الركبة " أي تجعل عين الركبة كاللقمة
لأطراف الأصابع. وربما يقرأ " وبلغ " بالغين المعجمة وهو تصحيف. انتهى.
قوله في الحديث المذكور " واقبضهما إليك قبضا " قال شيخنا البهائي (قدس سره)
ولعل المراد بقبض الكفين في قوله (عليه السلام) " واقبضهما إليك قبضا " إنه إذا رفع
رأسه من السجدة الأولى ضم كفيه إليه ثم رفعهما بالتكبير لا أنه برفعهما بالتكبير وعن
الأرض برفع واحد، وفي كلام الشيخ الجليل علي بن بابويه (قدس سره) ما يفسر
ذلك فإنه قال: إذا رفع رأسه من السجدة الأولى قبض يديه إليه قبضا فإذا تمكن من
الجلوس رفعهما بالتكبير. انتهى كلام شيخنا المشار إليه.
وفي نظري القاصر أن ما ذكره في معنى العبارة المذكورة لا يخلو من بعد وقياسه
على عبارة الشيخ المذكور قياس مع الفارق فإن سياق عبارة الخبر أن الأمر بقبضهما إليه
قبضا إنما هو حال السجود فإن ما قبل هذه الجملة وما بعدها كله في آداب حال السجود
ولا تعلق له بالرفع من السجود، وحمل هذه الجملة من بين هذه الجمل التي قبلها وبعدها على

(1) الوسائل الباب 7 من القراءة في الصلاة
(2) يشير " قدس سره " إلى صحيح زرارة الذي سيذكره المصنف " قدس سره " في
مستحبات الركوع والمروي في الوسائل في الباب 1 من أبواب الركوع وقد ضبطه هناك
كذلك كما في التهذيب ج 1 ص 156.
8

المعنى الذي ذكره خروج عن ظاهر السياق والنظام بل من قبيل الألغاز الذي يبعد
تصوره عن الأفهام، ولا إشارة في هذه العبارة إلى التكبير فضلا عن التصريح كما وقع
التصريح به في عبارة الشيخ المذكور. وأما عبارة الشيخ المذكور فإنها صريحة في الرفع
من السجود والتكبير بعده.
ثم إنه (قدس سره) كتب في الحاشية على هذا الموضوع: كان قدماء علمائنا (قدس
الله أرواحهم) يحافظون على لفظ الرواية أو ما قرب منه في كتب الفروع. انتهى.
أقول: مراده بهذا الكلام الإشارة إلى أن الشيخ علي بن بابويه إنما ذكر هذه
العبارة أخذا من الحديث المذكور وأن الشيخ المذكور فهم منه ما فهمه هو (قدس سره)
وهو غلط محض (أما أولا) فلما ذكرناه. و (أما ثانيا) فلأن كلام الشيخ المذكور إنما
أخذه من عبارة كتاب الفقه الرضوي على الطريقة التي عرفت في غير موضع مما تقدم
حيث قال (عليه السلام) في الكتاب المذكور (1) " ثم ارفع رأسك من السجود واقبض
إليك قبضا وتمكن من الجلوس.. الحديث " ومراده قبض يديه إليه قبضا بعد الرفع
إلى أن يجلس ولكنه لم يذكر التكبير بعد الجلوس كما ذكره الشيخ المذكور.
والظاهر عندي من معنى الكلام المذكور في صحيحة زرارة إنما هو قبض الكفين
إليه حال السجود بمعنى أن لا يباعدهما عنه بل يدنيهما منه ويجعلهما محاذيين للمنكبين
كما تضمنته الرواية.
وروى ثقة الاسلام (عطر الله مرقده) في الكافي عن زرارة (2) قال: " إذا
قامت المرأة في الصلاة جمعت بين قدميها ولا تفرج بينهما وتضم يديها إلى صدرها لمكان
ثدييها فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلا تطأطئ كثيرا فترتفع عجيزتها،
فإذا جلست فعلى ألييها ليس كما يقعد الرجل، وإذا سقطت للسجود بدأت بالقعود بالركبتين
قبل اليدين ثم تسجد لاطئة بالأرض، فإذا كانت في جلوسها ضمت فخذيها ورفعت

(1) ص 8
(2) الوسائل الباب 1 من أفعال الصلاة
9

ركبتيها من الأرض، وإذ نهضت انسلت انسلالا لا ترفع عجيزتها أولا " قال في الذكرى
هذه الرواية موقوفة على زرارة لكن عمل الأصحاب عليها. انتهى.
وروى في الكافي التهذيب عن ابن أبي يعفور في الموثق عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) قال: " إذا سجدت المرأة بسطت ذراعيها ".
وعن عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال:
" سألته عن جلوس المرأة في الصلاة؟ قال تضم فخذيها ".
وروى ابن بكير عن بعض أصحابنا (3) قال: " المرأة إذا سجدت تضممت
والرجل إذا سجد تفتح ".
وقال في كتاب الفقه الرضوي (4): والمرأة إذا قامت إلى صلاتها ضمت برجليها
ووضعت يديها على صدرها من مكان ثدييها فإذا ركعت وضعت يديها على فخذيها ولا تطأطئ
كثيرا لئلا ترتفع عجيزتها، فإذا سجدت جلست ثم سجدت لاطئة بالأرض فإذا أرادت
النهوض تقوم من غير أن ترفع عجيزتها، فإذا قعدت للتشهد رفعت رجليها وضمت
فخذيها. انتهى.
أقول: قد ذكر الشيخ وجمع من الأصحاب أن حكم المرأة في الصلاة حكم الرجل
إلا في الجهر والاخفات وفي مواضع أخرى مذكورة في صحيحة زرارة.
وروى في الكافي عن الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (5)
قال: " إذا قمت في الصلاة فعليك بالاقبال على صلاتك فإنما يحسب لك منها ما أقبلت
عليه ولا تعبث فيها بيدك ولا برأسك ولا بلحيتك ولا تحدث نفسك ولا تتثأب ولا
تتمط ولا تكفر فإنما يفعل ذلك المجوس، ولا تلثم ولا تحتفز ولا تفرج كما يتفرج البعير
ولا تقع على قدميك ولا تفترش ذراعيك ولا تفرقع أصابعك فإن ذلك كله نقصان من

(1) الوسائل الباب 3 من السجود
(2) الوسائل الباب 1 من التشهد
(3) الوسائل الباب 3 من السجود
(4) ص 9
(5) الوسائل الباب 1 من أفعال الصلاة
10

الصلاة، ولا تقم إلى الصلاة متكاسلا ولا متناعسا ولا متثاقلا فإنها من خلال النفاق فإن
الله تعالى نهى المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة وهم سكارى (1) يعني سكر النوم. وقال
للمنافقين: وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا " (2).
وقال (عليه السلام) في كتاب الفقه الرضوي (3): فإذا أردت أن تقوم إلى
الصلاة فلا تقم إليها متكاسلا ولا متناعسا ولا مستعجلا ولا متلاهيا ولكن تأتيها على السكون
والوقار والتؤدة، وعليك بالخشوع والخضوع متواضعا لله عز وجل متخاشعا عليك خشية
وسيماء الخوف راجيا خائفا بالطمأنينة على الوجل والحذر، فقف بين يديه كالعبد الآبق
المذنب بين يدي مولاه فصف قدميك وانصب نفسك ولا تلتفت يمينا ولا شمالا
وتحسب كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، ولا تعبث بلحيتك ولا بشئ من
جوارحك ولا تفرقع أصابعك ولا تحك بدنك ولا تولع بأنفك ولا بثوبك، ولا تصل
وأنت متلثم، ولا يجوز للنساء الصلاة ومن متنقبات، ويكون بصرك في موضع سجودك
ما دمت قائما، وأظهر عليك الجزع والهلع والخوف وارغب مع ذلك إلى الله عز وجل ولا
تنكئ مرة على رجلك ومرة على الأخرى، وتصلي صلاة مودع ترى أنك لا تصلي أبدا
واعلم أنك بين يدي الجبار ولا تعبث بشئ من الأشياء ولا تحدث لنفسك وافرغ قلبك
وليكن شغلك في صلاتك وارسل يديك الصقهما بفخذيك، فإذا افتتحت الصلاة فكبر
وارفع يديك بحذاء أذنيك ولا تجاوز بابهاميك حذاء أذنيك، ولا ترفع يديك بالدعاء
في المكتوبة حتى تجاوز بهما رأسك ولا بأس بذلك في النافلة والوتر، فإذا ركعت فالقم
ركبتيك راحتيك وتفرج بين أصابعك واقبض عليهما، وإذا رفعت رأسك من الركوع
فانتصب قائما حتى ترجع مفاصلك كلها إلى المكان ثم اسجد وضع جبينك على الأرض
وارغم على راحتيك واضمم أصابعك وضعهما مستقبل القبلة، وإذا جلست فلا تجلس

(1) سورة النساء الآية 46
(2) سورة النساء الآية 141
(3) ص 7
11

على يمينك لكن انصب يمينك واقعد على ألييك، ولا تضع يديك بعضهما على بعض ولكن
ارسلهما إرسالا فإن ذلك تكفير أهل الكتاب، ولا تتمط في صلاتك ولا تتجشأ وامنعهما
بجهدك وطاقتك، فإذا عطست فقل " الحمد الله " ولا تطأ موضع سجودك ولا تتقدم
مرة ولا تتأخر أخرى، ولا تصل وبك شئ من الأخبثين وإن كنت في الصلاة فوجدت
غمزا فانصرف إلا أن يكون شيئا تصبر عليه غير اضرار بالصلاة، واقبل على الله
بجميع القلب وبوجهك حتى يقبل الله عليك، وأسبغ الوضوء وعفر جبينيك في التراب،
وإذا أقبلت على صلاتك أقبل الله عليك بوجهه وإذا أعرضت أعرض الله عنك. وأروي
عن العالم (عليه السلام) أنه قال ربما لم يرفع من الصلاة إلا النصف أو الثلث أو السدس
على قدر اقبال العبد على صلاته وربما لا يرفع منها شئ ترد في وجهه كما يرد الثوب
الخلق وتنادي ضيعتني ضيعك الله كما ضيعتني ولا يعطي الله القلب الغافل شيئا. وروي
إذا دخل العبد في صلاته لم يزل الله ينظر إليه حتى يفرغ منها. وقال أبو عبد الله (عليه
السلام) إذا أحرم العبد في صلاته أقبل الله عليه بوجهه ويوكل به ملكا يلتقط
القرآن من فيه التقاطا فإن أعرض أعرض الله عنه ووكله إلى الملك. انتهى كلامه في
الكتاب المذكور.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الصلاة تشتمل على الواجب والمستحب ونحن نذكر سياقها
حسب ما ذكره أصحابنا (رضوان الله عليهم) من جعل مطرح البحث فيها الواجبات الثمانية
المشهورة ونزيد بذكر القنوت في أثنائها وإن كان مستحبا عندنا، وننبه على مستحباتها كل
في موضعه من غير أن نفردها بعنوان على حدة كما فعله جملة من الأعلام فإن هذا أليق بالترتيب
والنظام، ونفرد ذكر الأخيرتين بالبحث على حدة لا كما ذكره أصحابنا من جعله في بحث
القراءة والسبب في مخالفتنا لهم في ذلك هو أن الظاهر أنهم إنما جعلوه في بحث القراءة من
حيث إن القراءة في الأخيرتين هي الأصل عندهم والتسبيح إنما هو فرع عليها كما لا يخفى
على من لاحظ كلامهم، ونحن لما كان الظاهر عندنا أن الواجب في الأخيرتين إنما هو
12

التسبيح إما عينا كما هو اختيار بعض متأخري متأخرينا (رضوان الله عليهم) أو تخييرا
مع كونه الأفضل كما هو المقطوع به من أخبار أهل الذكر (عليهم السلام) كان افراد
ذلك بالبحث هو الأليق بالترتيب والنظام كما لا يخفى على الفطن الأريب وجملة ذوي
الأفهام، ولطول البحث في المقام كما سنشرحه لك إن شاء الله تعالى بما لم يسبق إليه
سابق من علمائنا الأعلام، ولما يتعلق بذلك من الأحكام الخاصة التي لم تحم حولها الأقلام
وحينئذ فالكلام في هذا المقصد يقع في فصول عشرة:
الفصل الأول في النية
وقد تقدم البحث فيها في كتاب الطهارة في نية الوضوء بما لم يسبق إليه سابق
من علمائنا الأعلام بتحقيق وتدقيق - يكشف نقاب الاجمال عنها الإبهام بجميع أحكامها
ومتعلقاتها - للنصوص مطابق وللأخبار موافق ولكن لا بأس بنقل بعض كلماتهم في
هذا المقام وبيان ما فيها من الاختلال وعدم الانتظام في سلك ذلك النظام:
فنقول قال السيد السند (قدس سره) في مدارك الأحكام - بعد قول المصنف
وحقيقتها استحضار صفة الصلاة في الذهن والقصد بها إلى أمور أربعة: الوجوب أو الندب
والقربة والتعيين وكونها أداء أو قضاء - ما لفظه: اعلم أن النية عبارة عن أمر واحد بسيط
وهو القصد إلى الفعل لكن لما كان القصد إلى الشئ المعين موقوفا على العلم به وجب
لقاصد الصلاة احضار ذاتها في الذهن مطلقا وصفاتها التي يتوقف عليها التعيين ثم القصد
إلى فعل هذا المعلوم طاعة لله وامتثالا لأمره. وقد أحسن شيخنا الشهيد في الذكرى
حيث قال بعد أن ذكر نحو ذلك: وتحقيقه أنه إذا أريد نية الظهر مثلا فالطريق إليها
احضار المنوي بمميزاته عن غيره في الذهن فإذا حضر قصد المكلف إلى ايقاعه تقربا إلى
الله تعالى، وليس فيه ترتيب بحسب التصور وإن وقع ترتيب فإنما هو بحسب التعبير عنه
بالألفاظ إذ من ضرورتها ذلك، فلو أن مكلفا أحضر في ذهنه الظهر الواجبة المؤداة
13

ثم استحضر قصد فعلها تقربا وكبر كان ناويا. إذا عرفت ذلك فنقول إنه يعتبر في نية
الصلاة القربة وهي الطاعة لله، ثم ساق الكلام في تلك الأمور الأربعة التي ذكرها
المصنف بنقض وإبرام، إلى أن قال. وبالجملة فالمستفاد من الأدلة الشرعية سهولة الخطب
في أمر النية وأن المعتبر فيها قصد الفعل المعين طاعة لله تعالى خاصة، وهذا القدر أمر
لا يكاد ينفك عنه عاقل متوجه إلى ايقاع العبادة ومن هنا قال بعض الفضلاء لو كلف
الله تعالى بالصلاة أو غيرها من العبادات بغير نية لكان تكليفا بما لا يطاق. وقال
بعض المحققين لولا قيام الأدلة على اعتبار القربة وإلا لكان ينبغي أن يكون هذا من
باب " اسكتوا عما سكت الله عنه " (1) وذكر الشهيد (قدس سره) في الذكرى أن
المتقدمين من علمائنا ما كانوا يذكرون النية في كتبهم الفقهية بل كانوا يقولون أول
واجبات الوضوء غسل الوجه وأول واجبات الصلاة تكبيرة الاحرام. وكأن وجهه أن
القدر المعتبر من النية أمر لا يكاد يمكن الانفكاك عنه وما زاد عليه فليس بواجب،
ومما يؤيد ذلك عدم ورود النية في شئ من العبادات على الخصوص بل خلو الأخبار
الواردة في صفة وضوء النبي (صلى الله عليه وآله) وغسله وتيممه (2) من ذلك، وكذا
الرواية المتضمنة لتعليم الصادق (عليه السلام) (3) لحماد الصلاة حيث قال فيها: إنه (عليه
السلام) قام واستقبل القبلة وقال بخشوع " الله أكبر " ولم يقل فكر في النية ولا تلفظ
بها ولا غير ذلك من هذه الخرافات المحدثة، ويزيده بيانا ما رواه الشيخان في الكافي
والتهذيب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن الحلبي
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: " إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما
بسطا ثم كبر ثلاث تكبيرات.. " ثم ساق الرواية كما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى.

(1) الشهاب في الحكم والآداب ص 15 وارجع أيضا إلى ج 1 ص 156
(2) الوسائل الباب 15 من الوضوء و 32 من الجنابة و 11 من التيمم
(3) ص 2
(4) الوسائل الباب 8 من تكبيرة الاحرام
14

أقول: لقد أجاد في هذا الكلام الأخير بما أفاد وطابق السداد لكنة ناقض
نفسه في ما صدر به الكلام وأيده بما استحسنه من كلام الذكرى في ذلك المقام وكذا
بما ذكره بعد ذلك في مسألة مقارنة النية حيث احتذى حذو أولئك الأعلام.
وتوضيح ذلك أن مقتضى كلامه الأول الذي في صدر البحث أنه لا بد من
احضار المنوي أولا في الذهن بجميع مميزاته عن غيره فإذا أحضر قصد إلى ايقاعه تقربا
إلى الله تعالى، ولا ريب في مدافعته لما ذكره أخيرا بقوله " وبالجملة فالمستفاد من الأدلة
الشرعية.. إلى آخر الكلام " فإن مقتضى الكلام الأول كما عرفت أنه لا بد لقاصد
الصلاة عند التكبير من احضار ذاتها وتصورها وتصور صفاتها التي يتوقف عليها التعيين ثم
القصد بعد ذلك إلى فعل هذا المعلوم طاعة لله، فلا بد على هذا من زمان يحصل فيه هذا
التصور والاستحضار وملاحظة المميزات وتخليصها من شباك وساوس إبليس وما يوقعه
في ذلك الوقت من الوسوسة والتلبيس حتى يكبر بعده، وأين هذا من مقتضى الكلام
الأخير من أن النية أمر جبلي لا ينفك عنه العاقل حتى لو كلف الله العمل بغير نية لكان
تكليفا بما لا يطلق، ثم أيد ذلك بعدم ذكر النية في كلام المتقدمين وكذا في الأخبار؟
وعلى هذا فأين ما ذكره أولا من وجوب احضار المنوي في ذلك الوقت وأين تصوره
وتصور مميزاته ثم القصد إليه وأنه لا يجوز له الدخول في الصلاة إلا بعد هذه التصورات
ونحوها مما اعترف أخيرا بأنه من الخرافات؟ وبالجملة فإن ظاهر كلامه الأخير يعطي
أن ما ذكره أولا من جملة تلك الخرافات التي أشار إليها وإن كانت أقل مما ذكره غيره.
وتحقيق هذا المقام بما لا يحوم حوله النقض والابرام وإن تقدم في كتاب الطهارة
كما أشرنا إليه إلا أنه ربما تعذر على الناظر في هذا المقام الرجوع إليه لعدم وجود
الكتاب عنده مع أن ما ذكرناه هنا فيه مزيد ايضاح على ما تقدم:
فنقول وبالله سبحانه الثقة والهداية لادارك المأمول ونيل المسؤول: لا ريب أن
أفعال العقلاء كلها من عبادات وغيرها لا تصدر إلا عن تصور الدواعي الباعثة على الاتيان
15

بها وهي المشار إليها في كلامهم بالعلل الغائية، مثلا - يتصور الانسان أن دخوله على زيد
وزيارته له وخدمته له موجب لاكرامه له، وكتابة هذا الكتاب موجب لانتفاعه به،
وتزويجه امرأة موجب لكسر الشهوة الحيوانية أو حصول النسل، ونحو ذلك من
الدواعي الحاملة على الأفعال، فإذا تصورت النفس هذه الأغراض انبعث منها شوق إلى
جذبها وتحصيلها فقد يتزايد هذا الشوق ويتأكد ويسمى بالإرادة، فإذا انضم إلى القدرة
التي هي هيئة للقوة الفاعلة انبعثت تلك القوة لتحريك العضلات إلى ايقاع تلك الأفعال
وايراد ها وتحركت إلى اصدارها وايجادها لأجل غرضها الذي تصورته أولا، فانبعاث
النفس وتوجهها وقصدها إلى ما فيه غرضها هو النية، نعم قد يحصل بسبب تكرار الفعل
والاعتياد عليه نوع ذهول عن تلك العلة الغائية الحاملة على الفعل إلا أن النفس بأدنى
توجه والتفات تستحضر ذلك كما هو المشاهد في جملة أفعالنا المتكررة منا، وحينئذ
فليست النية بالنسبة إلى الصلاة إلا كغيرها من سائر أفعال المكلف من قيامه وقعوده
وأكله وشربه ومغداه ومجيئه ونكاحه ونومه ونحو ذلك من الأفعال التي تتكرر منه،
ولا ريب أن كل عاقل غير غافل ولا ذاهل لا يصدر عنه فعل من هذه الأفعال إلا
بقصد ونية سابقة عليه مع أنه لا يتوقف شئ من ذلك على هذا الاستحضار الذي
ذكروه والتصوير الذي صوروه.
وإن أردت مزيد ايضاح لما قلناه فانظر إلى نفسك إذا كنت جالسا في مجلسك
ثم دخل عليك رجل عزيز حقيق بالقيام له تواضعا ففي حال دخوله قمت له اجلالا واكراما
كما هو الجاري في رسم العادة فهل يجب عليك أن تتصور أولا في ذهنك وخيالك معنى
من المعاني وقصدا من القصود بأن تقصد أني أقوم لهذا الرجل اجلالا له واعظاما لقدره
وإلا لكان قيامك وتواضعك بغير نية فلا يسمى تواضعا ولا تستحق عليه مدحا ولا
ثوابا أم يكفي مجرد قيامك في تلك الحال ويصدق أنه وقع منك التعظيم له والاجلال؟
وهذا شأن الصلاة وأن المكلف إذا دخل عليه وقت الظهر مثلا وهو عالم بوجوب ذلك
16

الفرض عليه وعالم بكيفيته وكميته وكان الحامل له على الاتيان به هو التقرب إلى الله
عز وجل ثم قام من مكانه وسارع إلى الوضوء ثم توجه إلى مسجده ووقف في مصلاه
وأذن وأقام ثم قال " الله أكبر " ثم استمر في صلاته فإن صلاته صحيحة شرعية مشتملة
على النية، وهذا هو الذي دلت عليه الأخبار كما أشار إليه في آخر كلامه.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الذي أوقع الناس بالنسبة إلى النية في شباك الوسواس
الخناس هو أن جملة من المتأخرين عرفوا النية شرعا بأنها القصد المقارن للفعل، قالوا فلو
تقدمت عليه ولم تقارنه سمي ذلك عزما لا نية، ثم اختلفوا في المقارنة فما بين من فسرها
بامتداد النية بامتداد التكبير وما بين من فسرها بجعل النية بين الألف والراء وما بين
من فسرها بأن يأتي بالنية أولا ثم يبتدئ بالتكبير بلا فصل بينهما وهذا كله يعطي أن
مرادهم بالنية إنما هو الكلام النفسي والتصوير الفكري الذي يحدثه المكلف في نفسه
ويتصوره في فكره بما يترجمه قوله " أصلي فرض الظهر - مثلا - أداء لوجوبه قربة إلى
الله تعالى " وقد عرفت أن النية ليست حقيقة إلا ما ذكرناه أولا، وبذلك يظهر لك
ما في كلامه الأول من قوله: " لكن لما كان القصد إلى الشئ المعين موقوفا على العلم به
وجب لقاصد الصلاة احضار ذاتها.. إلى آخره " من عدم الملازمة فإنا لا نمنع من وجوب
القصد ومعرفة المقصود بجميع ما يتوقف عليه ولكنا نقول إن الجميع قد صار معلوما
للمكلف قبل ذلك فمتى دخل عليه الوقت وقام قاصدا للصلاة على الوجه الذي قدمناه
فإنه يكفي مجرد ذلك القصد والعلم الأولين لاستمراره عليهما وعدم تحوله عنهما فلا يتوقف
على استحضار آخر كما في سائر أفعال المكلف، ولا فرق بين سائر أفعاله، وبين عبادته
إلا باعتبار اشتراط القربة في العبادة وهو لا يوجب هذا الاستحضار بل هو كأصل النية
مستحضر من أول الأمر مقارن له غير مفارق.
وكأنهم توهموا أنه ما لم يحصل الاستحضار المذكور والمقارنة بهذه النية التي
ذكروها يصير الدخول في الصلاة عاريا عن النية لأن النية السابقة غير كافية عندهم لامكان
17

تجدد الغفلة بعدها فيصير الفعل بغير نية. وفيه - مع قطع النظر عن أنه لا يكون كليا - أنه
ليس العبادة إلا كسائر أفعال المكلف كما عرفت والقدر المعلوم فيها هو ما ذكرناه لا
ما ذكروه، فإنه لا يجب في جملة الأفعال بعد تصور الدواعي الحاملة عليها أن يكون
ذلك حاضرا في باله وجاريا على خياله لا يغيب عن تصوره في تلك المدة فإنه وإن زال
لكن الذهن متى التفت إليه وجده كذلك وإن اشتغل بفكر آخر أو كلام في البين فإنه
لا ينافي حضور ذلك في باله.
قال بعض المحققين من متأخري المتأخرين - ونعم ما قال - إنه لما كانت النية
عبارة عن القصد إلى الفعل بعد تصور الداعي والحامل عليه - والضرورة قاضية بما نجده
في سائر أفعالنا بأنه قد يعرض لنا مع الاشتغال بالفعل الغفلة عن ذلك القصد والداعي في
أثناء الفعل بحيث إنا لو رجعنا إلى وجداننا لرأينا النفس باقية على القصد الأول ومع ذلك
لا نحكم على أنفسنا ولا يحكم عليكم علينا غيرنا بأن ما فعلناه وقت الذهول والغفلة بغير نية
وقصد بل المعلوم أنه أثر ذلك القصد والداعي السابقين - كان الحكم في العبادة
كذلك إذ ليس العبادة إلا كغيرها من الأفعال الاختيارية للمكلف والنية ليست إلا
عبارة عما ذكرناه. انتهى وهو جيد رشيق.
هذا، وأما باقي الأبحاث المتعلقة بالنية في هذا المقام مما ذكره أصحابنا (رضوان
الله عليهم) فقد تقدم الكلام فيه في بحث نية الوضوء مستوفى فليراجع.
الفصل الثاني
في تكبيرة الاحرام
وفيه مسائل: (الأولى) لا خلاف بين الأصحاب بل أكثر علماء الاسلام في أن تكبيرة الاحرام جزء من الصلاة وركن فيها تبطل الصلاة بتركها عمدا وسهوا.
18

ويدل على ذلك جملة من الأخبار: منها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة (1)
قال: " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح قال يعيد "
وما رواه في الكافي عن أبي العباس البقباق وابن أبي يعفور عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) أنه قال: " في الرجل يصلي فلم يفتتح بالتكبير هل تجزئه تكبيرة
الركوع؟ قال لا بل يعيد صلاته إذا حفظ أنه لم يكبر ".
وما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن عبيد بن زرارة (3) قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أقام الصلاة ونسي أن يكبر افتتح الصلاة؟
قال يعيد الصلاة ".
وعن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهم السلام) (4) " في الذي يذكر أنه لم
يكبر في أول صلاته؟ فقال إذا استيقن أنه لم يكبر فليعد ولكن كيف يستيقن ".
وعن ذريح في الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5): " سألته عن الرجل
ينسى أن يكبر حتى قرأ؟ قال يكبر ".
وعن الحسن بن علي بن يقطين عن أخيه عن أبيه في الصحيح (6) قال: " سألت
أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل ينسى أن يفتتح الصلاة حتى يركع؟ قال يعيد الصلاة "
وفي الموثق عن عمار (7) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل
سها خلف الإمام فلم يفتتح الصلاة؟ قال يعيد الصلاة ولا صلاة بغير افتتاح.. الحديث "
فهذه جملة من الأخبار الصريحة في الدلالة على المطلوب إلا أنه قد ورد أيضا بإزائها
ما يدل على خلاف ذلك:
ومنه - ما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (8) قال: " سألته عن رجل نسي أن يكبر حتى دخل في الصلاة؟ فقال أليس

(1) الوسائل الباب 2 من تكبيرة الاحرام
(2) الوسائل الباب 3 من تكبيرة الاحرام
(3) الوسائل الباب 2 من تكبيرة الاحرام
(4) الوسائل الباب 2 من تكبيرة الاحرام
(5) الوسائل الباب 2 من تكبيرة الاحرام
(6) الوسائل الباب 2 من تكبيرة الاحرام
(7) الوسائل الباب 2 من تكبيرة الاحرام
(8) الوسائل الباب 2 من تكبيرة الاحرام
19

كان من نيته أن يكبر؟ قلت نعم. قال فليمض في صلاته ".
وما رواه في الفقيه مرسلا عن الصادق (عليه السلام) (1) أنه قال: " الانسان
لا ينسى تكبيرة الافتتاح ".
وما رواه في التهذيب والفقيه في الصحيح عن أحمد بن محمد أبي نصر عن
أبي الحسن الرضا (عليه السلام) (2) قال: " قلت له رجل نسي أن يكبر تكبيرة
الافتتاح حتى كبر للركوع؟ فقال أجزأه ".
وما رواه الشيخ عن أبي بصير في الموثق أو الضعيف أو الصحيح (3) قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل قام في الصلاة ونسي أن يكبر فبدأ بالقراءة؟ فقال إن ذكرها وهو قائم قبل أن يركع فليكبر وإن ركع فليمض في صلاته ".
وما رواه في الفقيه في الصحيح وكذا في التهذيب في الصحيح أيضا عن زرارة
عن أبي جعفر (عليه السلام) (4) قال: " قلت له الرجل ينسى أول تكبيرة من الافتتاح؟
فقال إن ذكرها قبل الركوع كبر ثم قرأ ثم ركع وإن ذكرها في الصلاة كبرها في قيامه في
موضع التكبيرة قبل القراءة أو بعد القراءة. قلت فإن ذكرها بعد الصلاة؟ قال فليقضها
ولا شئ عليه ".
وأجاب الشيخ عن هذه الأخبار بالحمل على من لا يتيقن الترك بل شك فيه.
أقول: وهذا الحمل وإن أمكن في بعضها ولو على بعد إلا أنه في بعض آخر لا يخلو من
تعسف والوجه على ما ظهر في ذلك أنما هو الحمل على التقية وإن لم يعلم به قائل منهم
كما حققناه في المقدمة الأولى من مقدمات الكتاب، لأن عمل الطائفة المحقة على الأخبار
الأولة فيتعين أن يكون ذلك مذهبهم (عليهم السلام) ولا وجه لهذه الأخبار بعد ذلك
إلا ما قلناه لأنها متى ثبتت عنهم والمعلوم من مذهبهم خلافها فلا وجه لخروجها عنهم إلا

(1) الوسائل الباب 2 من تكبيرة الاحرام.
(2) الوسائل الباب 3 من تكبيرة الاحرام
(3) الوسائل الباب 2 من تكبيرة الاحرام.
(4) الوسائل الباب 2 من تكبيرة الاحرام.
20

مجرد القاء الخلاف بين الشيعة في ذلك لدفع الشنعة عنهم كما تقدم تحقيقه في المقدمة
المذكورة، على أن القول بذلك منقول عن جملة من المخالفين: منهم - الزهري والأوزاعي
وسعيد بن المسيب الحسن وقتادة والحكم (1) فعل لمذهب هؤلاء شهرة وصيتا في
ذلك الوقت أوجب خروج هذه الأخبار موافقة لهم، وقد نقل عنهم في المنتهى أنه إذا
أخل المصلي بتكبيرة الاحرام عامدا أعاد صلاته ولو أخل بها ناسيا أجزأته تكبيرة الركوع
وكيف كان فالحمل فيها على ما ذكرناه متعين إذ ليس مع عدم ذلك إلا طرحها وردها
لما عرفت من اجماع الطائفة على العمل بتلك الأخبار. والله العالم.
(المسألة الثانية) - المشهور نصا وفتوى استحباب التوجه في أول الصلاة بست
تكبيرات مضافة إلى تكبيرة الاحرام وهي واجبة كما تقدم، وكيفية التوجه بالجميع أن يكبر
ثلاثا ثم يدعو بالمرسوم ثم اثنتين ثم يدعو اثنتين ثم يتوجه.
والمشهور بين الأصحاب أنه يتخير في السبع أيها شاء نوى بها تكبيرة الاحرام
فيكون ابتداء الصلاة بها، قال في المدارك: والمصلي بالخيار إن شاء جعلها الأخيرة وأتى
بالست قبلها وإن شاء جعلها الأولى وأتى بالست بعدها وإن شاء جعلها الوسطى، والكل
حسن لأن الذكر والدعاء لا ينافي الصلاة. ثم نقل عن الشهيد في الذكرى أن الأفضل
جعلها الأخيرة ثم قال ولا أعرف مأخذه. أقول: ما نقله عن الذكرى من جعلها الأخيرة
قد صرح به الشيخ في المصباح وتبعه في ذلك جمع: منهم - شيخنا الشهيد (قدس سره)
وغيره، وربما كان منشأ ذلك كون دعاء التوجه بعدها. وفيه أنه لا يصلح دليلا لذلك.
ثم أقول: الظاهر عندي من التأمل في أخبار المسألة أنها الأولى خاصة، وممن تفطن
إلى ذلك من محققي متأخري المتأخرين شيخنا البهائي في حواشي الرسالة الاثني عشرية
والمحدث الكاشاني في الوافي والسيد الفاضل المحدث السيد نعمة الله الجزائري بل صرح
بتعيين الأولى لذلك.

(1) عمدة القارئ ج 3 ص 2 عن الزهري الاكتفاء بنية التكبير وعن الباقين القول بالاستحباب
21

ومن الأخبار الدالة على ذلك صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) قال: " إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا ثم كبر ثلاث
تكبيرات.. الحديث ".
والتقريب فيه أن الافتتاح إنما يصدق بتكبيرة الاحرام والواقع قبلها من التكبيرات
بناء على ما زعموه ليس من الافتتاح في شئ، وتسمية ما عدا تكبيرة الاحرام بتكبيرات
الافتتاح إنما يصدق بتأخيرها عن تكبيرة الاحرام التي يقع بها الافتتاح حقيقة والدخول
في الصلاة وإلا كان من قبيل الإقامة ونحوها مما يقدم قبل الدخول في الصلاة.
ومما يدل على ذلك بأوضح دلالة صحيحة زرارة (2) قال: " قال أبو جعفر
(عليه السلام) الذي يخاف اللصوص والسبع يصلي صلاة المواقفة إيماء.. إلى أن قال
ولا يدور إلى القبلة ولكن أينما دارت دابته غير أنه يستقبل القبلة بأول تكبيرة
حين يتوجه ".
ومما يدل على ذلك صحيح زرارة الوارد في علة استحباب السبع بابطاء الحسين
(عليه السلام) عن الكلام (3) حيث قال فيه " فافتتح رسول الله (صلى الله عليه وآله)
الصلاة فكبر الحسين (عليه السلام) فلما سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) تكبيره
عاد فكبر وكبر الحسين (عليه السلام) حتى كبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)
سبع تكبيرات وكبر الحسين (عليه السلام) فجرت السنة بذلك ".
والتقريب فيه أن التكبير الذي كبره (صلى الله عليه وآله) هو تكبيرة الاحرام
التي وقع الدخول بها في الصلاة لاطلاق الافتتاح عليها والعود إلى التكبير ثانيا وثالثا إنما
وقع لتمرين الحسين (عليه السلام) على النطق كما هو ظاهر السياق.

(1) الوسائل الباب 8 من تكبيرة الاحرام
(2) الوسائل الباب 3 من صلاة الخوف
(3) الوسائل الباب 7 من تكبيرة الاحرام
22

وروى السيد الزاهد العابد المجاهد رضي الدين بن طاووس (عطر الله مرقده)
في كتاب فلاح السائل هذه القصة عن الحسن (عليه السلام) (1) قال في الحديث الذي
نقله: " فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) حامله على عاتقه وصف الناس خلفه
وأقامه عن يمينه فكبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وافتتح الصلاة فكبر الحسن
(عليه السلام) فلما سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته تكبير الحسن
(عليه السلام) عاد فكبر وكبر الحسن حتى كبر سبعا فجرت بذلك سنة بافتتاح الصلاة بسبع
تكبيرات " وهو أوضح من أن يحتاج إلى بيان.
ومما يدل على ذلك أيضا صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
" قلت الرجل ينسى أول تكبيرة من الافتتاح.. الحديث المتقدم (2) في سابق هذه
المسألة " وهو صريح في أن تكبيرة الاحرام هي الأولى.
ولا ينافي ذلك اشتمال الخبر على ما لا يقول به الأصحاب كما عرفت فإنه يجب
ارتكاب التأويل في موضع المخالفة كما في غيره، وقد صرحوا بأن رد بعض الخبر لمعارض
أقوى لا يمنع من العمل بما لا معارض له وما هو إلا كالعام المخصوص والمطلق المقيد في
العمل بالباقي بعد التخصيص والتقييد.
فائدة
من الأخبار الواردة في قضية الحسين (عليه السلام) أيضا ما رواه الشيخ في
التهذيب في الصحيح عن حفص - والظاهر أنه ابن البختري - عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (3) قال: " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان في الصلاة وإلى جانبه
الحسين بن علي (عليهما السلام) فكبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم يحر الحسين

(1) مستدرك الوسائل الباب 5 من تكبيرة الاحرام
(2) ص 20
(3) الوسائل الباب 7 من تكبيرة الاحرام
23

(عليه السلام) التكبير ثم كبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم يحر الحسين التكبير
ولم يزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يكبر ويعالج الحسين (عليه السلام) التكبير فلم يحر
حتى أكمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبع تكبيرات فأحار الحسين (عليه السلام)
التكبير في السابعة فقال أبو عبد الله (عليه السلام) فصارت سنة "
بيان: قال في الوافي المحاورة المجاوبة والتحاور التجاوب، يقال كلمته فما أحار لي
جوابا، ولعل المراد أن الحسين (عليه السلام) وإن كبر في كل مرة إلا أنه لم يفصح
بها إلا في المرة الأخيرة، وبهذا يجمع بين الخبرين الأخيرين. انتهى.
بقي الكلام في أنهم (عليهم السلام) ينطقون ساعة الولادة كما وردت به
الأخبار فكيف يمتنع عليهم النطق في هذه الصورة؟ وأجاب عنه في البحار بأنه لعل
ذلك كان عند الناس وأن التخوف كان من الناس لا منه (صلى الله عليه وآله).
أقول: وفيه بعد ويمكن أن يقال لا يخفى على المتأمل في أخبارهم والمتطلع في أحوالهم
أنهم (عليه السلام) في مقام إظهار المعجز لهم حالات غير حالات الناس وأما في غير ذلك
فإنهم يقدرون أنفسهم بالناس في صحة ومرض وغناء وفقر ونزول بلاء ونحو ذلك، وهذا
من جملته فإنهم (عليهم السلام) لا ينطقون إلا إذا أنطقهم الله تعالى كما ينطق سائر
الصبيان ولا يطلبون منه إلا ما يقدره ويرده فليس لهم إرادة زائدة على إرادته تعالى بهم
(عليهم السلام) وإن كانوا لو شاءوا لفعلوا ما يريدون. وهذا هو الجواب الحق في
المقام لا يعتريه نقض ولا ابرام.
ثم إن من العلل الواردة في هذه التكبيرات الست المذكورة ما رواه في الفقيه
عن هشام بن الحكم عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) (1) وهي " أن
النبي (صلى الله عليه وآله) لما أسرى به إلى السماء قطع سبع حجب فكبر عند كل
حجاب تكبيرة فأوصله الله تعالى بذلك إلى منتهى الكرامة ".

(1) الوسائل الباب 7 من تكبيرة الاحرام
24

قال في الفقيه (1) أيضا: وذكر الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) لذلك
علة أخرى وهي أنه إنما صارت التكبيرات في أول الصلاة سبعا لأن أصل الصلاة ركعتان
واستفتاحهما بسبع تكبيرات: تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع وتكبيرتي السجدتين
وتكبيرة الركوع في الثانية وتكبيرتي السجدتين، فإذا كبر الانسان في أول صلاته سبع
تكبيرات ثم نسي شيئا من تكبيرات الافتتاح من بعد أو سها عنها لم يدخل عليه
نقص في صلاته.
قال في الوافي: لعل المراد باستفتاح الركعتين بالسبع التكبيرات التي يستفتح
بها كل فعل ولهذا لم يعد منها الأربع التي بعد الرفع من السجدات. انتهى. وهو جيد.
قال في الفقيه بعد ذكر هذه الأخبار كملا: وهذه العلل كلها صحيحة وكثرة العلل
للشئ تزيده تأكيدا ولا يدخل هذا في التناقض. انتهى.
تتميم
من العجب في هذا المقام ما وقع لشيخنا المجلسي ووالده (عطر الله مرقديهما)
من الكلام المنحل الزمام والمختل النظام حيث قال في كتاب البحار: وظاهر خبر الحسين
(عليه السلام) أن النبي (صلى الله عليه وآله) جعلها الأولى ولهذا ذهب بعض المحدثين
إلى أن تعيين الأولى متعين. ويمكن المناقشة فيه بأن كون أول وضعها لذلك لا يستلزم
استمرار هذا الحكم، مع أن العلل الواردة فيها كثيرة وسائر العلل لا يدل على شئ. وكان
الوالد (قدس سره) يميل إلى أن يكون المصلي مخيرا بين الافتتاح بواحدة وثلاث وخمس
وسبع ومع اختيار كل منها يكون الجميع فردا للواجب المخير كما قيل في تسبيحات
الركوع والسجود. وهذا أظهر من أكثر الأخبار كما لا يخفى على المتأمل فيها بل بعضها
كالصريح في ذلك. وما ذكروه من أن كلا منها قارنتها النية فهي تكبيرة الافتتاح إن

(1) الوسائل الباب 7 من تكبيرة الاحرام
25

أرادوا نية الصلاة فهي مستمرة من أول التكبيرات إلى آخرها، مع أنهم جوزوا تقديم
النية في الوضوء عند غسل اليدين لكونه من مستحبات الوضوء فأي مانع من تقديم نية
الصلاة عند أول التكبيرات المستحبة فيها؟ وإن أرادوا نية كونها تكبيرة الاحرام فلم يرد
ذلك في خبر، وعمدة الفائدة التي تتخيل في ذلك جواز ايقاع منافيات الصلاة في أثناء
التكبيرات، وهذه أيضا غير معلومة إذ يمكن أن يقال بجواز ايقاع المنافيات قبل السابعة
وإن قارنت نية الصلاة الأولى لأن الست من الأجزاء المستحبة أو لأنه لم يتم الافتتاح
بعد بناء على ما اختاره الوالد (قدس سره) لكنهم نقلوا الاجماع على ذلك، وتخيير الإمام
في تعيين الواحدة التي يجهر بها يومئ إلى ما ذكروه إذ الظاهر أن فائدة الجهر علم المأمومين
بدخول الإمام في الصلاة، والأولى والأحوط رعاية الجهتين معا بأن يتذكر النية عند كل
واحدة منها ولا يوقع مبطلا بعد التكبيرة الأولى، ولولا ما قطع به الأصحاب من بطلان
الصلاة إذا قارنت النية تكبيرتين منها لكان الأحوط مقارنة النية للأولى والأخيرة
معا. انتهى.
أقول: فيه من المناقشات الدالة على بطلانه وانهدام أركانه ما لا يحصى ولا يعد
إلا أنا نذكر ما خطر بالبال على سبيل الاستعجال.
فنقول: أما قوله " ويمكن المناقشة فيه بأن كون أول وضعها لذلك لا يستلزم استمرار
هذا الحكم " فإن فيه أنه لا ريب أن العبادات الشرعية مبنية على التوقيف عن صاحب
الشريعة كما اعترف به هو وغيره فإذا علم من الشارع أنه جعل الأولى من هذه التكبيرات
للاحرام وابتداء الصلاة وافتتاحها فإنه يلزم استمرار الحكم بذلك حتى يثبت النسخ لهذا
الحكم ويقوم دليل أقوى على الخروج عنه.
وأما قوله: " مع أن العلل الواردة فيها كثيرة وسائر العلل لا يدل على شئ "
ففيه (أولا) أن هذه العلل إنما هي للتكبيرات الزائدة لا تعلق لها بتكبيرة الاحرام.
و (ثانيا) أن خلوا الأخبار الدالة على بعض تلك العلل من هذا الحكم وكونها مجملة في
26

ذلك لا ينافي ما بين فيه الحكم المذكور كهذا الخبر، ومقتضى القاعدة حمل اجمال تلك
الأخبار على هذا الخبر، على أن الدلالة على ما ذهب إليه القائل بالتعيين لا ينحصر في
هذ الخبر كما توهمه بل هو مدلول أخبار عديدة كما عرفت.
وأما ما نقله عن أبيه - وإن كان ظاهره تأييده وتشييده حمية لوالده - فهو في البطلان
أظهر من أن يحتاج إلى بيان كما لا يخفى على ذوي الأفهام والأذهان إلا أنا نشرح ذلك
بوجه يظهر منه البطلان كالعيان لكل انسان:
وذلك (أولا) أن كلامه مبني على التخيير كما هو المشهور في كلام الأصحاب
وقد عرفت أن النصوص على خلافه.
و (ثانيا) أنه لا يخفى على من أحاط خبرا بالأخبار وجاس خلال تلك الديار أن
المستفاد منها على وجه لا يداخله الشك والانكار أن الافتتاح والدخول في الصلاة إنما
هو بتكبيرة واحدة لا بأكثر وهي التي مضى عليها الناس في صدر الاسلام برهة من الأزمان
والأعوام، وما عداها فإنما يزيد استحبابا للعلل المذكورة في الأخبار وإن استصحب
استحبابها في جميع الأدوار والأعصار فهي ليست من الافتتاح والتحريم حقيقة في شئ
وإن سميت بذلك مجازا للمجاورة بالتقريب المتقدم، وقد تقدم لك في صدر الفصل من
الروايات الظاهرة في وحدة تكبيرة الاحرام قوله في صحيحة زرارة (1) " سألت أبا جعفر
(عليه السلام) عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح قال يعيد " وقوله (عليه السلام) (2)
في مرسلة الفقيه " الانسان لا ينسى تكبيرة الافتتاح " وقوله في صحيحة البزنطي (3)
" رجل نسي أن يكبر تكبيرة الافتتاح " وفي صحيحة زرارة (4) " ينسى أول تكبيرة من
الافتتاح " وفي جملة من الأخبار (5) " أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان
أوجز الناس في الصلاة كان يقول الله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم " إلى غير ذلك من

(1) الوسائل الباب 2 من تكبيرة الاحرام
(2) الوسائل الباب 2 من تكبيرة الاحرام
(3) ص 20
(4) ص 20
(5) الوسائل الباب 1 من تكبيرة الاحرام
27

الأخبار فإنها صريحة في كون الافتتاح إنما هو بواحدة، وما أجمل في الأخبار فهو محمول
على ذلك جريا على القاعدة المعلومة.
و (ثالثا) أن ما ذكره تشريع ظاهر لأن المعلوم مما قدمناه في الوجه الثاني وكذا
عن النبي (صلى الله عليه وآله) قبل حصول هذه العلة الموجبة للزيادة إنما هو تكبيرة
واحدة يحرم بها وهي المشار إليها بقولهم (1) " تحريمها التكبير " ثم إنه زاد هذه التكبيرات
الست أخيرا للعلل المذكورة فصارت مستحبة في الصلاة كزيادة النوافل التي زادها لمولد
الحسنين وفاطمة (صلوت الله عليهم) كما تقدم في بحث الأوقات (2) وجرت بذلك السنة
ولا مدخل لها في التحريم والافتتاح بل هي أذكار مستحبة في هذا المكان، ويشير إلى
ذلك ما تقدم (3) في حديث الحسين (عليه السلام) من قوله (عليه السلام) " فجرت
السنة بذلك " ومثله في صحيحة حفص في قضية الحسين (عليه السلام) (4) إلا أن فيه أن
الحسين لم يكبر إلا في السابعة، قال (عليه السلام) في تمام الحديث " فصارت سنة "
ويعضده ما تقدم في الأخبار من الدلالة على وحدة تكبيرة الاحرام، وحينئذ فإذا كان المعلوم
من صاحب الشريعة أن التكبير الواجب إنما هو تكبيرة واحدة وهي التي تعقد بها الصلاة
فالزيادة عليها تشريع محض، ومجرد استحباب هذه التكبيرات في هذا الموضع لا يوجب
جعلها في هذه المرتبة بل تصريحهم (عليهم السلام) باستحبابها دليل على عدم وجوبها
والاستفتاح في الصلاة بها كالتكبيرة الأصلية غاية الأمر أنه قد اشتبه على أصحابنا بعد زيادة
هذه الست وصيرورة التكبيرات سبعا محل تكبيرة الاحرام منها هل هي أولا أو أخيرا أو
وسطا؟ فقالوا بالتخيير لذلك، وبالتأمل في أخبارهم (عليه السلام) يعلم أنها الأولى وأن
الزيادة وقعت بعدها كما قدمنا بيانه وأوضحنا برهانه.
وبذلك يظهر لك ما في قياسه ذلك على تسبيح الركوع والسجود فإنه قياس مع
الفارق وتشبيه غير مطابق، فإن التخيير ثمة ثابت ومعلوم نصا وفتوى وأما هنا فقد

(1) الوسائل الباب 1 من تكبيرة الاحرام
(2) ج 6 ص 58
(3) ص 22 و 23
(4) ص 22 و 23
28

عرفت على ما اخترناه قيام الدليل على التعيين في التكبيرة الأولى وأما على ذكره الأصحاب
فقد عرفت أن معناه التخيير في واحدة من هذه السبع أيها يريد جعلها تكبيرة الافتتاح لعدم معلومية محلها بعد شرع الست معها لا بمعنى التخيير بين أن يجعل الاحرام بواحدة
أو ثلاث أو سبع كما ذكره فإنه منه عجيب، وأعجب منه قوله " وهذا أظهر من أكثر
الأخبار وبعضها كالصريح في ذلك " والظاهر أنه أشار بذلك إلى حسنة الحلبي المتقدمة
وقوله فيها " إذا افتتحت الصلاة فارفع يديك ثم ابسطهما بسطا ثم كبر ثلاث تكبيرات
ثم قل اللهم أنت الملك الحق.. الخبر " وفيه أن سياق الخبر إنما هو في ذكر الأدعية
الموظفة بين التكبيرات السبع وبيان محالها، والحديث كما قدمنا ظاهر في كون التحريم
وقع بالتكبيرة الأولى وهي التي افتتح بها والتكبيرتان اللتان بعدها إنما ضما إليها لبيان
وقوع الدعاء المذكور بعد الثلاث لأنك قد عرفت من الأخبار المتقدمة وما حققناه آنفا
وحدة تكبيرة الاحرام، فتوهم كون الثلاث هنا للاحرام كما ظنه توهم بارد وإنما العلة
في ذلك هو ما ذكرناه.
ولعل من مواضع الشبهة أيضا عنده ما في حسنة زرارة (1) من قوله (عليه
السلام) " أدنى ما يجزئ من التكبير في التوجه تكبيرة واحدة وثلاث تكبيرات
أحسن وسبع أفضل " وقوله في صحيحة الحلبي (2): " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن أخف ما يكون من التكبير في الصلاة؟ قال ثلاث تكبيرات " وقوله (عليه السلام)
في رواية أبي بصير (3) " إذا افتتحت الصلاة فكبر إن شئت واحدة وإن شئت
ثلاثا وإن شئت خمسا وإن شئت سبعا فكل ذلك مجزئك غير أنك إذا كنت إماما لم
تجهر إلا بتكبيرة ".
وأنت خبير بأن مطرح هذه الأخبار والغرض منها إنما هو بيان الرخصة في هذه

(1) الوسائل الباب 1 من تكبيرة الاحرام
(2) الوسائل الباب 12 من تكبيرة الاحرام
(3) الوسائل الباب 12 من تكبيرة الاحرام
29

التكبيرات الست المستحبة بتركها والاقتصار على تكبيرة الافتتاح أو الاتيان بثلاث منها
تكبيرة الافتتاح ونحو ذلك من الأعداد المذكورة لا أن المعنى أنه يحصل الافتتاح بكل
من هذه الأعداد فيكون واجبا مخيرا كما زعمه، وبما ذكرناه صرح جملة من الأصحاب
في الباب.
وأما قوله: " وما ذكروه من أن كلا منها قارنتها النية فهي تكبيرة الاحرام إن
أرادوا نية الصلاة.. الخ " ففيه أنا نختار الشق الثاني وهو نية كونها تكبيرة الاحرام،
قوله " لم يرد ذلك في خبر " مردود بأنه وإن لم يرد بهذا العنوان ولكن مفاد الأخبار
الدالة على الافتتاح بتلك التكبيرة وتسميتها تكبيرة الافتتاح كما تقدم ذلك بالتقريب
الذي قدمناه، ومما يوضح ذلك أنه من المعلوم أولا أن الشارع قد جعل التكبير محرما
بقوله (1) " تحريمها التكبير وتحليلها التسليم " والتكبير من حيث هو لا يكون محرما ولا
موجبا للدخول في الصلاة إلا إذا اقترن بالقصد إلى ذلك فما لم ينو بالتكبير الاحرام
ويقصد به الافتتاح للصلاة لا يصير محرما ولا موجبا للافتتاح، ويعضده أن العبادات
موقوفة على القصود والنيات
وأما قوله: " ويمكن أن يقال بجواز ايقاع المنافيات قبل السابعة وإن قارنت نية
الصلاة الأولى لأن الست من الأجزاء المستحبة " فعجيب من مثله (قدس سره) لما
عرفت من أنه متى قصد بالأولى الافتتاح والدخول في الصلاة فإنه تحرم عليه المنافيات لما
ورد عنهم (عليهم السلام) (2) " تحريمها التكبير " بمعنى أنه يحرم عليه بالتكبير ما حل له
قبله وليس الدخول في الصلاة متوقفا على أزيد من الواحدة كما عرفت، فكيف يجوز له
ايقاع المنافيات وهو قد دخل في الصلاة بمجرد كونه في الست المستحبة؟ وإلا لجاز ايقاع
المنافيات في القنوت بناء على استحبابه وإن كان في أثناء الصلاة.
وأما قوله: " أو لأنه لم يتم الافتتاح بعد بناء على قول الوالد " ففيه أن ما نسبه

(1) الوسائل الباب 1 من تكبيرة الاحرام
(2) الوسائل الباب 1 من تكبيرة الاحرام
30

للوالد بعيد شارد أوهن من بيت العنكبوت وأنه لأوهن البيوت ولو أنه أخفاه ولم يظهر
شيئا من هذا الكلام لكان أولى بالمحافظة على علو المقام.
وبالجملة فإن كلامه هنا مزيف لا يخفى ما فيه على الفطن اللبيب وأضعف منه كلام
أبيه، وإنما أطلنا الكلام في نقض ابرامه وتمزيق سمط نظامه لئلا يغتر به من لم يعض
على المسألة بضرس قاطع فإن نور الحق بحمد الله سبحانه واضح ساطع. والله العالم.
فروع
(الأول) - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف بأنه
لو كبر ونوى الافتتاح ثم كبر ثانية ونوى الافتتاح بطلت صلاته فإن كبر ثالثا بالنية
المذكورة انعقدت الصلاة وهذا الحكم مبني على أن زيادة الركن موجبة للبطلان
كنقصانه. وهو على اطلاقه مشكل وأخبار هذه المسألة قد دلت على البطلان بترك
التكبير عمدا أو سهوا وأما بطلانها بزيادته فلم نقف له على نص. وكون الركن تبطل
الصلاة بزيادته ونقيصته عمدا وسهوا مطلقا وإن اشتهر ظاهرا بينهم إلا أنه على اطلاقه
مشكل لتخلف جملة من الموارد عن الدخول تحت هذه الكلية كما يأتي بيانه كله في محله،
ومن ثم قال في المدارك في هذا المقام: ويمكن المناقشة في هذا الحكم أعني البطلان بزيادة
التكبير إن لم يكن اجماعيا فإن أقصى ما يستفاد من الروايات بطلان الصلاة بتركه عمدا
وسهوا وهو لا يستلزم البطلان بزيادته. انتهى.
(الثاني) - التكبير الواجب المنقول عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأئمة
الهدى (عليهم السلام) بصيغة " الله أكبر " فيتعين الاتيان بها لأنها عبادة مبنية على
التوقيف وهذا هو الذي ورد فيها، فلو زاد حرفا أو نقص حرفا أو عوض كلمة مكان
كملة أو نحو ذلك مما يتضمن الخروج عن هذه الصيغة بطلت صلاته اتفاقا إلا من ابن
الجنيد فإنه نقل عنه في الذكرى القول بانعقادها بلفظ " الله أكبر " وإن كان مكروها
31

وهو شاذ. وعلى هذا لا تجزي الترجمة للقادر على التعليم حتى يضيق الوقت فيحرم
بترجمتها عند الأصحاب مراعيا الترتيب فيقول الأعجمي مثلا " خدا بزرگتر است "
ولا خلاف بين أصحابنا بل وأكثر العامة في ذلك، وقال بعض العامة يسقط التكبير عن من
هذا شأنه كالأخرس (1) وهو محتمل. ولم أقف في المسألة على نص وإن كان ما ذكروه
لا يخلو من قرب. قالوا: والأخرس ينطق على قدر ما يمكنه فإن عجز عن النطق بالكلية
عقد قلبه بها مع الإشارة بإصبعه كما يشير إليه خبر السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: " تلبية الأخرس وتشهده وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه "
وربما احتج بعضهم أيضا بأن تحريك اللسان كان واجبا مع القدرة على النطق فلا يسقط
بالعجز عنه إذ لا يسقط الميسور بالمعسور (3) وفيه ما فيه، ولولا اشعار الرواية المذكورة
بذلك لأمكن احتمال ما ذكره بعض العامة من سقوط الفرض بالعجز. وكيف كان فما
ذكره الأصحاب هو الأولى.
(الثالث) - لا ريب أن التكبير جزء من الصلاة فيعتبر فيه من الشروط
ما يعتبر في الصلاة من الطهارة والستر والاستقبال والقيام في موضعه ونحو ذلك فلو كبر
قاعدا أو آخذا في القيام مع القدرة لم تنعقد صلاته، قال في الذكرى: فلو كبر وهو آخذ
في القيام أو وهو هاو إلى الركوع يتفق للمأموم فالأقرب البطلان لأن الانحناء ليس
قياما حقيقيا، وهل تنعقد نافلة؟ الأقرب المنع لعدم نيتها، ووجه الصحة حصول التقرب
والقصد إلى الصلاة والتحريم بتكبيرة لا قيام فيها وهي من خصائص النافلة. انتهى.
ولا يخفى ضعف ما ذكره من الوجه في الانعقاد فإن القصد إلى الصلاة مطلقا غير كاف
في الانعقاد ما لم يقصد الفرض إن كان فرضا أو النافلة إن كان كذلك.

(1) المغني ج 1 ص 463 والمهذب ج 1 ص 70
(2) الوسائل الباب 59 من القراءة
(3) عوائد النراقي ص 88 وعناوين مير فتاح ص 146 عن عوالي اللئالي عن علي (ع)
32

ثم إنه في الذكرى نقل عن الشيخ أنه جوز أن يأتي ببعض التكبير منحنيا ثم
قال: ولم نقف على مأخذه. وهو كذلك.
وقال في المدارك: قال جدي (قدس سره) وكما يشترط القيام وغيره من الشروط
في التكبير كذا يشترط في النية فإذا كبر قاعدا أو آخذا في القيام وقعت النية أيضا على
تلك الحالة فعدم الانعقاد مستند إلى كل منهما ولا يضر ذلك لأن علل الشرع معرفات
لا علل حقيقية. وفيه نظر لانتفاء ما يدل على اعتبار هذه الشرائط في النية على الخصوص
كما تقدم تحقيقه إلا أن المقارنة المعتبرة للتكبير تدفع فائدة هذا الاختلاف. انتهى.
أقول: لا ريب أن هذا الكلام مبني على النية المشهورة في كلامهم التي هي عبارة
عن التصوير الفكري وهو ما يترجمه قول المصلي " أصلي فرض الظهر - مثلا - أداء قربة إلى
الله تعالى " ثم يقارن بها التكبير، وقد عرفت أن هذه ليست هي النية بل النية هي القصد
البسيط المصاحب له من حال قيامه إلى الوضوء والاتيان به ثم توجهه إلى مصلاه ثم صلاته
إلى أن يفرغ منها لا اختصاص له بوقت دون وقت لا حال دون حال حتى يأتي بالفعل
ويفرغ كما في سائر الأفعال التي تصدر عن المكلفين.
(الرابع) - قد عرفت أن النية أمر قلبي سواء كانت بالمعنى المشهور أو المعنى
الذي ذكرناه لكن الأصحاب بناء على المعنى المشهور من التصوير الفكري على الوجه
المتقدم قالوا لو تلفظ به بلسانه بأن قال " أصلي فرض الظهر - مثلا - أداء لوجوبه قربة إلى
الله " ثم يقارن به التكبير فإنه يلزم أحد محذورين على تقدير الدرج الذي تحصل به المقارنة
أما قطع همزة " الله " فليزم مخالفة القانون اللغوي لأنها همزة وصل وأما وصلها فيلزم
مخالفة القانون الشرعي لأن المنقول عن الشرع قطعها، ومن هنا قيل إنه يحرم التلفظ
بالنية لاستلزام أحد المحذورين، قال في الذخيرة: ولو فرض تلفظ المصلي بها كان كلاما
لغوا مخالفا للمعهود المنقول عن صاحب الشرع فلا عبرة بها فحينئذ وصل التكبير بها يوجب
مخالفة المعهود من صاحب الشرع من القطع. ونقل عن بعض المتأخرين وجواز الوصل
33

حينئذ عملا بظاهر القانون العربي وفيه أن ايراد الكلام المتصل به أمر مستحدث مبتدع
لم يعهد من الشارع فلا يوجب سقوط التكليف بما ثبت وجوبه من قطع الهمزة كما
لا يخفى. وظاهر هذا الكلام أنه في الصورة المذكورة يقطع الهمزة مراعاة للجانب
الشرعي. وفيه أن المقتضي للسقوط كونها في الدرج حيث إنها همزة وصل ولا مدخل
لكون ذلك الكلام معتبرا عند الشارع أو غير معتبر.
أقول: ما ذكروه من أن المنقول عن صاحب الشرع قطع الهمزة لا أعرف له مستندا
ولا به رواية إلا ما ذكروه هنا من حيث إن النية التي يقارن بها التكبير أمر قلبي فليس ههنا
كلام قبلها يوجب كونها في درج الكلام. وفيه أن حسنة الحلبي المشتملة على الأدعية بين
التكبيرات بأن يكبر ثلاثا ثم يدعو ثم يكبر اثنتين ثم يدعو ثم يكبر اثنتين ثم يدعو مع قولهم
بالتخيير في تكبيرة الاحرام بين هذه السبع موجب لوقوع كلام قبل تكبيرة الاحرام
فمن الممكن الجائز قصد الاحرام بإحدى التكبيرات المتوسطة مع درج الكلام فتسقط
الهمزة لا بد لنفيه من دليل. إلا أن يقال إن المعلوم من الشرع هو تعيين هذا اللفظ للاحرام
وعقد الصلاة فكما لا يجوز الزيادة فيه لا يجوز النقيصة منه وبمقتضى ما ذكرتم يلزم سقوط
الهمزة في الدرج فلا يكون آتيا بالمأمور به، وحينئذ فالواجب الوقوف بعد تمام الدعاء ثم
الابتداء بالتكبير، قال في الروض: واعلم أن الاخلال بحرف من التكبير يتحقق بوصل
إحدى الهمزتين في الكلمتين فإن وصل الهمزة اسقاط لها بالكلية كما ذكره أهل العربية
من أن همزة الوصل تسقط في الدرج. ووجه البطلان مع وصل همزة " أكبر " ظاهر
لأنها همزة قطع وأما همزة " الله " فلأنها وإن كانت همزة وصل إلا أن سقوط همزة
الوصل إنما هو في الدرج في كلام متصل بها قبلها ولا كلام قبل التكبير لأن النية إرادة
قلبيه.. إلى آخر كلامه زيد في مقامه. وفيه ما عرفت والجواب كما تقدم.
وكما تبطل بالاخلال بحرف منها كذا تبطل بالزيادة ولو بحرف فيها كما تقدم، فلو
مد همزة " الله " بحيث تصير استفهاما فمع القصد تبطل قطعا وبدونه على الأصح فإن
34

الدلالة غير متوقفة على القصد وخروج ذلك عن المعهود من صاحب الشريعة. ويحتمل
عدم البطلان من حيث إن الاشباع بحيث يحصل به الحرف شائع في كلام العرب. وتحصيل
يقين البراءة يوجب الوقوف على الأول. وكذا الكلام في لفظ " أكبر " فلو أشبع
الفتحة حتى صارت ألفا فصار " اكبار " وهو الطبل ذو وجه واحد فإنه يبطل مع القصد
يقينا وكذا مع عدمه على الأصح لما عرفت.
(الخامس) - صرح جملة من الأصحاب بأنه يشترط القصد بالتكبير إلى
الافتتاح. ولا ريب فيه لما تقدم فلو قصد به تكبير الركوع لم تنعقد صلاته، ويدل عليه
صحيح البقباق وابن أبي يعفور المتقدم (1) وأما ما عارضه من صحيحة أحمد بن محمد بن
أبي نصر المتقدمة (2) فقد عرفت الوجه فيها وفي أمثالها.
ولو قصدهما معا كما في المأموم فقيل بالاجزاء ذهب إليه ابن الجنيد والشيخ في
الخلاف محتجا باجماع الفرقة ورواه الشيخ عن معاوية بن شريح عن الصادق (عليه
السلام) (3) قال: " إذا جاء الرجل مبادرا والإمام راكع أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله
في الصلاة والركوع " والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) العدم استنادا إلى أن الفعل الواحد لا يتصف بالوجوب والاستحباب.
قال في الذكرى: ويمكن حمل كلام الشيخ والرواية على أن المراد سقوط تكبير
الركوع هنا ويكون له ثوابه لاتيانه بصورة التكبير عند الركوع لا على أن المصلي قصدهما
معا لأن الفعل لا يكون له جهتا وجوب وندب، ولو قلنا بوجوب تكبير الركوع - كما يجيئ
وقد صرح به الشيخ هنا في الخلاف - لم تجزي الواحدة لأن تداخل المسببات مع اختلاف
الأسباب خلاف الأصل. وكذا لو نذر تكبير الركوع لم تجزي الواحدة، وحينئذ لو
قصدهما معا فالأقرب عدم تحريمه بالصلاة لعدم تمحض القصد إليها ولا صلاته نفلا أيضا
لعدم نيته ولأن السبب الواحد لا يجزي عن السببين، فعلى هذا لو نوى المتنفل بالتكبيرة

(1) 19 و 20
(2) 19 و 20
(3) الوسائل الباب 4 من تكبيرة الاحرام. والرواية عن معاوية بن شريح عن أبيه
35

الواحدة تكبيرة الاحرام والركوع لم تحصلا ولا أحدهما. وعندي في هذه المسألة نظر
لأن الأسباب قد تتداخل وجوبا كما في اجزاء الغسل الواحد للجنب وماس الميت وندبا
كما في اجزاء الغسل المندوب عن أسباب كثيرة، والفعل الواحد قد يحصل به الوجوب
والندب كما في الجمع بين الصلاة على البالغ ستا والناقص عنها. انتهى. وإنما نقلناه بطوله
لإحاطته بأطراف الكلام في المقام.
والتحقيق عندي ما اختاره أخيرا وهو ظاهر الخبر المذكور، وتأويله بما ذكروه
من غير معارض - إلا ما ذكروه من هذه التعليلات العليلة - مجازفة.
ونظير هذا الخبر أيضا ما رواه البرقي في كتاب المحاسن في الموثق عن عمار
الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) " عن رجل جاء مبادرا والإمام راكع
فركع؟ قال أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع ".
وقد تقدم في مسألة تداخل الأغسال من كتاب الطهارة أنه لا مانع من تداخل
المسببات مع تعدد الأسباب فإن العلل الشرعية معرفات لا علل حقيقة فلا يضر تواردها
على أمر واحد.
(المسألة الثالثة) - يستحب في هذا المقام أمور: (الأول) أن يسمع الإمام
من خلفه التكبير ويستحب للمأموم الاسرار بها وبغيرها ويتخير المنفرد، ونقل في الذكرى
عن الجعفي أنه أطلق استحباب رفع الصوت بها، قال في المدارك ولا نعرف مأخذه.
والذي يدل على الحكم الأول من الأخبار صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) قال: " إذا كنت إماما فإنه يجزئك أن تكبر واحدة تجهر فيها وتسر ستا ".
وروى الصدوق في كتاب عيون الأخبار والخصال بسنده عن أبي علي الحسن
ابن راشد (3) قال: " سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن تكبير الافتتاح

(1) الوسائل الباب 4 من تكبيرة الاحرام
(2) الوسائل الباب 12 من تكبيرة الاحرام
(3) الوسائل الباب 12 من تكبيرة الاحرام
36

فقال سبع؟ قلت روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه كان يكبر واحدة؟ فقال إن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يكبر واحدة يجهر بها ويسر ستا " وروي في الخصال
عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) الحديث الأول (1).
وقد تقدم قريبا (2) في رواية أبي بصير قوله (عليه السلام): " أنك إذا كنت
إماما لم تجهر إلا بتكبيرة ".
ويدل على الحكم الثاني ما ورد في موثقة أبي بصير (3) من أنه ينبغي للإمام أن
يسمع من خلفه كل ما يقول وللمأموم أن لا يسمع الإمام شيئا مما يقول. ولا منافاة بين
ما دل عليه هذا الخبر من أنه ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كل ما يقول وبين ما دلت
عليه الأخبار المتقدمة من استحباب اسراره بما عدا تكبيرة الاحرام، لأن عموم هذا الخبر
مخصوص بما دلت عليه تلك الأخبار كما هو قضية اجتماع المطلق والمقيد والخاص والعام
فلا تغتر بما يفعله من يدعي أنه من أهل العلم في هذه الأزمان وليس بذلك من الاجهار
بمجموع تكبيرات الافتتاح عملا بعموم هذه الخبر اللازم منه إلغاء ما دلت عليه تلك
الأخبار من الأسرار.
وأما ما يدل على الثالث فأصالة البراءة من الأمرين.
و (الثاني) - ما ذكره جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) من أنه
يستحب ترك الاعراب في آخر التكبير لما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) (4)

(1) الوسائل الباب 12 من تكبيرة الاحرام
(2) ص 29
(3) الوسائل الباب 52 من الجماعة
(4) في الاقناع للخطيب الشربيني ج 1 ص 107 " لو لم يجزم الراء من " أكبر "
لم يضر خلافا لما اقتضاه كلام ابن يونس في شرح التنبيه، واستدل له الدميري بقوله (ص)
" التكبير جزم " وقال الحافظ ابن حجر لا أصل له وإنما هو قول النخعي وعلى تقدير
وجوده معناه عدم التردد فيه " وفي تحفة المحتاج لابن حجر ج 1 ص 233: حديث
" التكبير جزم " لا أصل له وعلى فرض صحته المراد منه عدم مده كما حملوا الخبر
الصحيح " السلام جزم ".
37

أنه قال: " التكبير جزم " أقول: الظاهر أن هذه الرواية عامية ذكرها أصحابنا في هذا
المقام لعمومها. والذي وقفت عليه من الأخبار الدالة على جزم التكبير هو ما تقدم في
أخبار الأذان ولا عموم فيها بحيث يشمل تكبيرات الافتتاح وغيرها. ولا بأس بمتابعتهم
لكن لا باعتقاد الاستحباب لعدم الدليل الواضح عليه.
و (الثالث) - استحباب التوجه - زيادة على التوجه بتكبيرة الاحرام - بست
تكبيرات أو بما دونها مما دلت عليه الأخبار:
ومنها - رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " إذا افتتحت
الصلاة فكبر إن شئت واحدة وإن شئت ثلاثا وإن شئت خمسا وإن شئت سبعا فكل
ذلك مجزئ عنك غير أنك إذا كنت إماما لم تجهر إلا بتكبيرة ".
وصحيحة زيد الشحام (2) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الافتتاح؟
قال تكبيرة تجزئك. قلت فالسبع؟ قال ذلك الفضل ".
وروى في الكافي عن زرارة في الصحيح أو الحسن (3) قال: " أدنى ما يجزي
من التكبير في التوجه تكبيرة واحدة وثلاث تكبيرات أحسن وسبع أفضل ".
وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال:
" إذا كنت إماما أجزأتك تكبيرة واحدة لأن معك ذا الحاجة والضعيف والكبير ".
وقال في الفقيه، وقد تجزئ في الافتتاح تكبيرة واحدة (5) وكان رسول الله
(صلى الله عليه وآله) أتم الناس صلاة وأوجزهم كان إذا دخل في الصلاة قال الله أكبر
بسم الله الرحمن الرحيم.

(1) الوسائل الباب 7 من تكبيرة الاحرام
(2) الوسائل الباب 1 من تكبيرة الاحرام
(3) الوسائل الباب 1 من تكبيرة الاحرام
(4) الوسائل الباب 1 من تكبيرة الاحرام
(5) الوسائل الباب 1 من تكبيرة الاحرام
38

وروى في التهذيب في الصحيح عن الحلبي (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن أخف ما يكون من التكبير في الصلاة؟ قال ثلاث تكبيرات فإذا كانت قراءة
قرأت مثل قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون، وإذا كنت إماما فإنه يجزئك أن تكبر
واحدة تجهر فيها وتسر ستا ".
وعن زرارة في الموثق (2) قال: " رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) أو سمعته
استفتح للصلاة بسبع تكبيرات ولاء ".
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " سألته عن أدنى
ما يجزئ في الصلاة من التكبير؟ قال تكبيرة واحدة ".
وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) (4) قال: " التكبيرة
الواحدة في افتتاح الصلاة تجزئ والثلاث أفضل والسبع أفضل كله ".
وربما يستفاد من صحيحة معاوية بن عمار - ونحوها كلام الفقيه الذي هو لا يكون
إلا عن الرواية أيضا - عدم تأكد استحباب التكبيرات الزائدة على تكبيرة الاحرام
للإمام ولم أقف على من قال به من علمائنا الأعلام.
و (الرابع) - الدعاء بين هذه التكبيرات فمن ذلك ما تضمنته صحيحة الحلبي
أو حسنته كما رواه في الكافي عنه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال: " إذا
افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا ثم كبر ثلاث تكبيرات ثم قل اللهم أنت
الملك الحق لا إله إلا أنت سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي إنه لا يغفر الذنوب
إلا أنت. ثم تكبر تكبيرتين ثم قل لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك
والمهدي من هديت لا ملجأ منك إلا إليك سبحانك وحنانيك تباركت وتعاليت

(1) الوسائل الباب 12 من تكبيرة الاحرام
(2) الوسائل الباب 7 من تكبيرة الاحرام
(3) الوسائل الباب 1 من تكبيرة الاحرام
(4) الوسائل الباب 1 من تكبيرة الاحرام
(5) الوسائل الباب 8 من تكبيرة الاحرام
39

سبحانك رب البيت. ثم تكبر تكبيرتين ثم تقول وجهت وجهي للذي فطر السماوات
والأرض عالم الغيب والشهادة حنيفا مسلما وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي
ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. ثم
تعوذ من الشيطان الرجيم ثم اقرأ فاتحة الكتاب ".
بيان: " لبيك وسعديك " قال في النهاية: لبيك أي إجابتي لك يا رب وهو
مأخوذ من " لب بالمكان والب " إذا أقام به " والب على كذا " إذا لم يفارقه، ولم
يستعمل إلا على لفظ التثنية في معنى التكرير أي إجابة بعد إجابة، وهو منصوب على
المصدر بعامل لا يظهر كأنك قلت " ألب البابا بعد الباب " وقيل معناه اتجاهي وقصدي
يا رب إليك من قولهم " داري تلب دارك " أي تواجهها. وقيل معناه اخلاصي لك من
قولهم " حب لباب " إذا كان خالصا محضا ومنه لب الطعام ولبابه. انتهى. وزاد في
القاموس معنى آخر قال: أو معناه محبتي لك من امرأة لبة محبة لزوجها. وفي النهاية
" سعديك " أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة أو اسعادا بعد اسعاد ولهذا
ثنى وهو من المصادر المنتصبة بفعل لا يظهر في الاستعمال، قال الجوهري لم يسمع
" سعديك " مفردا. انتهى.
وروى السيد الزاهد العابد المجاهد رضي الدين بن طاووس في كتاب فلاح
السائل بسنده فيه عن ابن أبي نجران عن الرضا (عليه السلام) (1) قال: " تقول بعد
الإقامة قبل الاستفتاح في كل صلاة: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة بلغ محمدا
(صلى الله عليه وآله) الدرجة والوسيلة والفضل والفضيلة، بالله استفتح وبالله استنجح
وبمحمد رسول الله وآل محمد (صلى الله عليه وعليهم) أتوجه اللهم صل على محمد وآل
محمد واجعلني بهم عندك وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ".
بيان: " الدعوة التامة " أي الأذان والإقامة فإنهما دعوة إلى الصلاة وتمامهما في إفادة

(1) مستدرك الوسائل الباب 9 من القيام
40

ما وضعا له ظاهرا وهي الصلاة فالمصدر بمعنى المفعول. " والصلاة القائمة " أي في هذا
الوقت إشارة إلى قوله " قد قامت الصلاة " أو القائمة إلى يوم القيامة، والدرجة المختصة
به (عليه السلام) في القيامة هي الشفاعة الكبرى، والوسيلة هي المنبر المعروف الذي
يعطيه الله في القيامة كما ورد في الأخبار.
وروى في التهذيب في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1)
قال: " يجزئك في الصلاة من الكلام في التوجه إلى الله سبحانه أن تقول: وجهت وجهي
للذي فطر السماوات والأرض على ملة إبراهيم حنيفا مسلما وما أنا من المشركين أن
صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين.
ويجزئك تكبيرة واحدة ".
وروى السيد الزاهد العابد رضي الدين بن طاووس في كتاب فلاح السائل
بسنده عن ابن أبي عمير عن الأزدي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) في حديث أنه قال: " كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول لأصحابه من أقام الصلاة وقال قبل أن
يحرم ويكبر - يا محسن قد أتاك المسئ وقد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسئ وأنت
المحسن وأنا المسئ فبحق محمد وآل محمد صل على محمد وآل محمد وتجاوز عن قبيح ما تعلم
مني - فيقول الله يا ملائكتي اشهدوا أني قد عفوت عنه وأرضيت عنه أهل تبعاته ".
وقال الشهيد في الذكرى إنه قد ورد هذا الدعاء عقيب السادسة إلا أنه لم يذكر
فيه " فبحق محمد وآل محمد " وإنما فيه " وأنا المسئ فصل على محمد وآل محمد.. إلى آخره "
وروى الطبرسي في الاحتجاج (3) قال: " كتب الحميري إلى القائم (عليه
السلام) يسأله عن التوجه للصلاة أن يقول " على ملة إبراهيم ودين محمد صلى الله عليه
وآله " فإن بعض أصحابنا ذكر أنه إذا قال " على دين محمد " فقد أبدع لأنا لم نجده في

(1) الوسائل الباب 8 من تكبيرة الاحرام
(2) مستدرك الوسائل الباب 9 من القيام
(3) الوسائل الباب 8 من تكبيرة الاحرام
41

شئ من كتب الصلاة خلا حديثا واحدا في كتاب القاسم بن محمد عن جده الحسن بن
راشد أن الصادق (عليه السلام) قال للحسن كيف تتوجه؟ قال أقول " لبيك وسعديك "
فقال له الصادق (عليه السلام) ليس عن هذا أسألك كيف تقول " وجهت وجهي
للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما "؟ قال الحسن أقوله: فقال له الصادق (عليه
السلام) إذا قلت ذلك فقل: على ملة إبراهيم ودين محمد ومنهاج علي بن أبي طالب
والائتمام بآل محمد حنيفا مسلما وما أنا من المشركين؟ فأجاب (عليه السلام) التوجه
كله ليس بفريضة والسنة المؤكدة فيه التي هي كالاجماع الذي لا خلاف فيه: وجهت
وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما على ملة إبراهيم ودين محمد (صلى الله
عليه وآله) وهدى أمير المؤمنين (عليه السلام) وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي
ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين اللهم اجعلني
من المسلمين أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم. ثم تقرأ
الحمد " قال الفقيه الذي لا يشك في علمه: الدين لمحمد (صلى الله عليه وآله) والهداية
لعلي أمير المؤمنين (عليه السلام) لأنها له (صلى الله عليهما) وفي عقبة باقية إلى يوم
القيامة فمن كان كذلك فهو من المهتدين ومن شك فلا دين له ونعوذ بالله من الضلالة
بعد الهدى.
(والخامس) - رفع اليدين بالتكبير وقد وقع الخلاف هنا في مواضع: (الأول)
الرفع فالمشهور الاستحباب ونقل عن المرتضى أنه أوجب رفع اليدين بالتكبير في جميع
الصلاة ونقل عنه أنه احتج عليه باجماع الفرقة، قال في المدارك: وهو أعلم بما ادعاه.
أقول: لو رجع السيد (رضي الله عنه) إلى الآية والأخبار لوجدها ظاهرة
الدلالة على ما ذهب إليه على وجه لا يتطرق إليه النقض ولا الطعن عليه ولكنه (رضي
الله عنه) - كما أشرنا إليه في ما سبق - قليل الرجوع إلى الأخبار وإنما يعتمد على أدلة
واهية لا تقبلها البصائر والأفكار من تعليل عقلي أو دعوى اجماع مع أنه لا قائل به سواه كما
42

لا يخفى على من راجع مصنفاته (رضي الله عنه).
وبيان صحة ما ذكرناه أن مما يدل على القول المذكور قوله تعالى " فصل لربك
وانحر " (1) لورود الأخبار في تفسيرها كما سيأتي بأن المراد بالنحر هنا إنما هو رفع
اليدين بالتكبير في الصلاة، والأوامر القرآنية عندهم على الوجوب إلا ما قام الدليل على خلافه
ومن ذلك الأخبار المتكاثرة ومنها - صحيحة الحلبي المتقدمة (2) وفيها " إذا
افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا ثم كبر ثلاث تكبيرات.. ".
ومنها - صحيحة معاوية بن عمار (3) قال: " رأيت أبا عبد الله (عليه السلام)
إذا كبر في الصلاة يرفع يديه حتى يكاد يبلغ أذنيه ".
وفي صحيحة أخرى له (4) قال: " رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) حين افتتح
الصلاة رفع يديه أسفل من وجهه قليلا ".
وفي صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (5) " إذا قمت في الصلاة
فكبرت فارفع يديك ولا تجاوز بكفيك أذنيك أي حيال خديك ".
وفي صحيحة صفوان بن مهران الجمال (6) قال: " رأيت أبا عبد الله (عليه السلام)
إذا كبر في الصلاة يرفع يديه حتى يكاد يبلغ أذنيه ".
وفي صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (7) " في قول الله
عز وجل: فصل لربك وانحر (8) قال هو رفع يديك حذاء وجهك ".
وروى أمين الاسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان في تفسير الآية المذكورة

(1) سورة الكوثر، الآية 2
(2) ص 39
(3) لم نقف في كتب الحديث على رواية لمعاوية بن عمار بهذا اللفظ، نعم نسب في
المدارك والذخيرة هذا النص إلى معاوية بن عمار.
(4) الوسائل الباب 9 من تكبيرة الاحرام
(5) الوسائل الباب 10 من تكبيرة الاحرام
(6) الوسائل الباب 9 من تكبيرة الاحرام
(7) الوسائل الباب 9 من تكبيرة الاحرام
(8) سورة الكوثر، الآية 2
43

عن عمر بن يزيد (1) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في قوله تعالى " فصل
لربك وانحر " هو رفع يديك حذاء وجهك " قال وروى عنه عبد الله بن سنان مثله (2).
وروى فيه أيضا عن جميل (3) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
" فصل لربك وانحر "؟ فقال بيده هكذا يعني استقبل بيديه حذاء وجه القبلة في
افتتاح الصلاة ".
ثم روى فيه أيضا عن مقاتل بن حيان عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين
(عليه السلام) (4) " لما نزلت هذه السورة قال النبي (صلى الله عليه وآله) لجبرئيل
(عليه السلام) ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي؟ قال ليست بنحيرة ولكن يأمرك إذا
تحرمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع وإذا
سجدت فإنه صلاتنا وصلاة الملائكة في السماوات السبع فإن لكل شئ زينة وأن زينة الصلاة
رفع الأيدي عند كل تكبيرة " ورأوه الشيخ الطوسي في مجالسه وكذا ابنه في مجالسه (5)
فهذه الروايات الأربع تضمنت تفسير الآية.
ومن أخبار المسألة ما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (6) في وصية النبي لعلي (عليه السلام) " وعليك أن ترفع يديك في صلاتك..
الحديث " إلى غير ذلك من الأخبار الآتية إن شاء الله تعالى.
وأنت خبير بأن جملة منها قد دلت على حكاية فعلهم (عليهم السلام) وجملة
قد دلت على الأمر بذلك وجملة على تفسير الآية بذلك ولم نقف في الأخبار على
ما يخالفها ويضادها.
وغاية ما استدلوا به على عدم الوجوب كما ذكره بعض متأخري المتأخرين صحيحة
علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) (7) قال: على الإمام أن يرفع يده في الصلاة
وليس على غيره أن يرفع يده في الصلاة " قالوا: والظاهر أنه لا قائل بالفصل بين الإمام

(1) الوسائل الباب 9 من تكبيرة الاحرام
(2) الوسائل الباب 9 من تكبيرة الاحرام
(3) الوسائل الباب 9 من تكبيرة الاحرام
(4) الوسائل الباب 9 من تكبيرة الاحرام
(5) الوسائل الباب 9 من تكبيرة الاحرام
(6) الوسائل الباب 9 من تكبيرة الاحرام
(7) الوسائل الباب 9 من تكبيرة الاحرام
44

وغيره فعدم وجوبه على غير الإمام يوجب تعدي الحكم إليه، ولهذا ذكر الشيخ أن
المعنى في هذا الخبر أن فعل الإمام أكثر فضلا وأشد تأكيدا وإن كان فعل المأموم
أيضا فيه فضل. انتهى.
ولا يخفى ما في هذا الاستدلال من ظهور الاختلال ومنافاته لظاهر الخبر المذكور
مضافا إلى عدم الصراحة بل الظهور في محل ذلك الرفع ولعله في القنوت. وبالجملة معارضة
تلك الأخبار الكثيرة الصحيحة الصريحة بهذه الرواية المجملة المتهافتة الدلالة لا تخلو من
تعسف. نعم لقائل أن يقول إن ايجاب الرفع في ما عدا تكبيرة الاحرام المتفق على
وجوبها وتكبيري الركوع والسجود على القول بوجوبهما لا يخلو من اشكال إذ متى
كان أصل التكبير مستحبا لزم أن يكون ما تعلق به من شرط وصفة ونحوهما مستحبا كما
هو مقتضى القواعد العقلية والنقلية، وكيف كان فقول السيد (رضي الله عنه) بمحل من
القوة والاحتياط يقتضي المحافظة عليه.
وأما ما أطال به في الذخيرة - انتصارا للقول المشهور ونقل معان متعددة للآية
من كلام المفسرين - فلا طائل تحته بعد ما عرفته، والاعتماد على كلام المفسرين في مقابلة
تفسير أهل البيت (عليهم السلام) خروج عن الدين كما لا يخفى على الحاذق المسكين وقد
تقدم ايضاحه في غير مقام مما تقدم. نعم ما ذكره من رواية حريز عن رجل عن
أبي جعفر (عليه السلام) - (1) قال: " قلت له فصل لربك وانحر؟ قال النحر الاعتدال
في القيام أن يقيم صلبه ونحره " - مسلم إلا أنه لا منافاة فيها لما دلت عليه تلك الأخبار حتى
يعترض بها لامكان تفسير الآية بالأمرين وبه يجمع بين الأخبار، ومثله في القرآن غير
عزيز فإن القرآن ذلول ذو وجوه (2).
(الثاني) - قد اختلفت عبارات الأصحاب في بيان حد الرفع، فقال الشيخ الرفع

(1) الوسائل الباب 2 من القيام
(2) مجمع البيان طبع صيدا ج 1 ص 13 عن النبي (ص)
45

المعتبر في تكبيرة الاحرام وغيرها أن يحاذي بيديه شحمتي أذنيه. وعن ابن أبي عقيل
يرفعهما حذو منكبيه أو حيال خديه لا يجاوز بها أذنيه. وقال ابن بابويه يرفعهما إلى النحر
ولا يجاوز بهما الأذنين حيال الخد. وقال الفاضلان في بحث الركوع من المعتبر والمنتهى
في تكبير الركوع يرفع يديه حيال وجهه، وفي رواية إلى أذنيه وبه قال الشيخ. وقال
الشافعي إلى منكبيه (1) وبه رواية عن أهل البيت (عليهم السلام).
أقول: قد تقدم في الأخبار الواردة في هذا المقام في الموضع الأول صحيحة معاوية
ابن عمار " وفيها يرفع يديه حتى يكاد يبلغ أذنيه " (2) وفي صحيحته الثانية " أسفل
من وجهه قليلا " وفي صحيحة زرارة " ولا تجاوز بكفيك أذنيك أي حيال خديك "
وفي صحيحة صفوان مثل صحيحة معاوية بن عمار الأولى، وفي صحيحة عبد الله بن سنان
" حذاء وجهك " ومثله في رواية جميل. هذا ما تقدم في المقام.
وفي صحيحة حماد بن عيسى المتقدمة (3) في تعليم الصادق (عليه السلام) في
تكبيره للسجود " ورفع يديه حيال وجه ".
وفي راوية أبي بصير (4) قال: أبو عبد الله (عليه السلام) إذا دخلت
المسجد فاحمد الله واثن عليه وصل على النبي (صلى الله عليه وآله) فإذا افتتحت الصلاة
فكبرت فلا تجاوز أذنيك ولا ترفع يديك بالدعاء في المكتوبة تجاوز بهما رأسك ".
وعن منصور بن حازم (5) قال: " رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) افتتح
الصلاة فرفع يديه حيال وجهه واستقبل القبلة ببطن كفيه ".
وفي الصحيح عن ابن سنان (6) قال: " رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) يصلي يرفع

(1) الأم ج 1 ص 90
(2) تقدم عدم الوقوف على رواية لمعاوية بن عمار بهذا اللفظ
(3) ص 3
(4) الوسائل الباب 39 من المساجد و 9 من تكبيرة الاحرام
(5) الوسائل الباب 9 من تكبيرة الاحرام
(6) الوسائل الباب 9 من تكبيرة الاحرام
46

يديه حيال وجهه حين استفتح " وعن زرارة في الصحيح أو الحسن عن أحدهما (عليهما
السلام) (1) قال: " ترفع يديك في افتتاح الصلاة قبالة وجهك ولا ترفعهما كل ذلك "
وفي كتاب الفقه الرضوي (2) " فإذا افتتحت الصلاة فكبر وارفع يديك بحذاء
أذنيك ولا تجاوز بإبهاميك حذاء أذنيك ولا ترفع يديك بالدعاء في المكتوبة حتى تجاوز بهما
رأسك ولا بأس بذلك في النافلة والوتر ".
والمفهوم من هذه الأخبار باعتبار ضم بعضها إلى بعض هو أن أعلى مراتب
الرفع إلى ما سامت الأذنين كما يشير إليه قوله في صحيحة زرارة الأولى " ولا تجاوز
بكفيك أذنيك " ومثله في رواية أبي بصير وعبارة كتاب الفقه، وأقل مراتبه أن يكون
أسفل من وجهه قليلا كما في صحيحة معاوية بن عمار الثانية، والظاهر أنها هي التي أشار
إليها ابن بابويه بقوله، " يرفعهما إلى النحر " فإنه أسفل من الوجه قليلا وإلا فلفظ النحر لم
أقف عليه في شئ من الأخبار التي وصلت إلي وهي جملة ما ذكرته هنا. وبهذا يجمع بين
الأخبار المذكورة وما دل عليه خبر أبي بصير وكذا كلامه (عليه السلام) في كتاب
الفقه من النهي عن رفع اليدين بالدعاء في المكتوبة حتى يجاوز بهما الرأس، والظاهر أنه
هو المراد من الخبر المروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) على ما ذكره جمع من
الأصحاب (رضوان الله عليهم):
قال في الذكرى: روى ابن أبي عقيل قال جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (3)
" أن النبي (صلى الله عليه وآله) مر برجل يصلي وقد رفع يديه فوق رأسه فقال ما لي
أرى أقواما يرفعون أيديهم فوق رؤوسهم كأنها آذان خيل شمس؟ " انتهى. ونحوه روى
في المعتبر والمنتهى عن علي (عليه السلام) (4)

(1) الوسائل الباب 10 من تكبيرة الاحرام
(2) ص 7
(3) مستدرك الوسائل الباب 8 من تكبيرة الاحرام
(4) الوسائل الباب 10 من تكبيرة الاحرام
47

قال شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب البحار: روى المخالفون هذه
الرواية في كتبهم فبعضهم روى " آذان خيل "، وبعضهم " أذناب خيل " قال في النهاية
" ما لي أراكم رافعي أيديكم في الصلاة كأنها أذناب خيل شمس؟ " هي جمع شموس وهي
النفور من الدواب الذي لا يستقر لشغبه وحدته. انتهى. والعامة حملوها على رفع الأيدي
في التكبير (1) لعدم قولهم بشرعية القنوت في أكثر الصلوات وتبعهم الأصحاب

(1) قال في بدائع الصنائع ج 1 ص 207: " وأما رفع اليدين عند التكبير فليس
بسنة في الفرائض عندنا إلا في تكبيرة الافتتاح.. إلى أن قال في ضمن الاستدلال: وروي
أنه صلى الله عليه وآله رأى بعض أصحابه يرفعون أيديهم عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع
فقال ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس؟ اسكنوا في الصلاة " وقال في
نيل الأوطار ج 2 ص 191 في مبحث رفع الأيدي عند التكبير: احتج من قال بعدم
الاستحباب بحديث جابر بن سمرة عند مسلم وأبي داود قال " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله
فقال ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس اسكنوا في الصلاة " وأجيب عن
ذلك بأنه ورد على سبب خاص فإن مسلما رواه أيضا من حديث جابر بن سمرة قال " كنا إذا
صلينا مع النبي صلى الله عليه وآله قلنا السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله - وأشار بيديه
إلى الجانبين - فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله علام تومؤون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس؟ إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله " وفي هامش المنتقى ج 1 ص 461 في التعليق على الحديث باللفظ الثاني المنسوب إلى أحمد ومسلم وبلفظ آخر
للنسائي وهو " كنا نصلي خلف النبي صلى الله عليه وآله فقال ما بال هؤلاء يسلمون بأيديهم كأنها
أذناب خيل شمس؟ إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يقول السلام عليكم السلام عليكم "
قال قد احتج به الأحناف على ترك رفع اليدين عند الركوع والرفع منه، قال البخاري في
جزء رفع اليدين: فأما احتجاج بعض من لا يعلم بحديث وكيع عن الأعمش عن المسيب
ابن رافع عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة قال: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وآله ونحن
رافعوا أيدينا الحديث فإنما كان هذا في التشهد لا في القيام كان يسلم بعضهم على بعض
فنهى النبي صلى الله عليه وآله عن رفع الأيدي في التشهد ولا يحتج بهذا من له حظ من العلم.
48

فاستدلوا بها على كراهة تجاوز اليد عن الرأس في التكبير، ولعل الرفع للقنوت منها أظهر
ويحتمل التعميم أيضا والأحوط الترك فيهما معا. انتهى كلام شيخنا المشار إليه.
أقول: والظاهر هو ما استظهره من الحمل على القنوت، وينبغي أن يخص بالفريضة
كما تضمنه الخبران المتقدمان ولا بأس بذلك في النافلة كما تضمنته عبارة كتاب الفقه.
وأما الحمل على رفع اليدين في التكبير كما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) فالظاهر
بعده عن سياق الخبر وإن كان الحكم كذلك كما يدل عليه النهي عن الرفع في التكبير
عما زاد على محاذاة الأذنين إلا أن الخبر المذكور ليس مرادا به ذلك بل المراد به
ما اشتمل عليه خبر أبي بصير وكلامه (عليه السلام) في الكتاب المذكور.
(الثالث) المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه يبتدئ في
التكبير بابتداء رفع يديه وينتهي بانتهائه ويرسلهما بعد ذلك، قال في المعتبر: وهو قول
علمائنا. ونحوه كلام العلامة في المنتهى. وعللوه بأنه لا يتحقق رفعهما بالتكبير إلا بذلك
وعلى هذا جرى في المدارك والذخيرة وغيرهما.
مع أن في المسألة قولين آخرين (أحدهما) إنه يبتدئ بالتكبير حال ارسالهما.
وقيل إنه يبتدئ بالتكبير عند انتهاء الرفع فيكبر عند تمام الرفع ثم يرسل يديه. وهذا هو
الظاهر من صحيحة الحلبي أو حسنته المتقدمة (1) لقوله (عليه السلام) " إذا افتتحت
الصلاة أي إذا أردت افتتاح الصلاة كما في قوله عز وجل " فإذا قرأت القرآن " (2)
و " إذا قمتم إلى الصلاة " (3) فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا ثم كبر ثلاث تكبيرات "
وأجاب العلامة عن هذه الرواية بحمل " ثم " على الانسلاخ عن معنى التراخي.
وأما ما تمسكوا به من أن الرفع بالتكبير لا يتحقق إلا بذلك فهو جيد لو وجدت
هذه العبارة في شئ من أخبار المسألة وقد تقدم لك ذكرها وإن وجد ذلك فإنما هو في
كلام الأصحاب ولا حجة فيه.

(1) ص 39
(2) سورة النحل والمائدة، الآية 100 و 9
(3) سورة النحل والمائدة، الآية 100 و 9
49

وقريب من صحيحة الحلبي في ذلك صحيحة صفوان المتقدمة (1) وقوله: " إذا
كبر في الصلاة يرفع يديه حتى يكاد يبلغ أذنيه " فإن المراد إذا أراد التكبير كما تقدم
فيدل على أن الرفع متقدم على وقوع التكبير واقع عند إرادته وأما كون التكبير عند انتهاء
الرفع أو حال الارسال فهي مجملة في ذلك فهي موافقة للقول المشهور ومحتملة للقولين الآخرين.
وقال العلامة في التذكرة: قال ابن سنان (2) " رأيت الصادق (عليه السلام) يرفع
يديه حيال وجهه حين استفتح " وظاهره يقتضي ابتداء التكبير مع ابتداء الرفع وانتهاءه مع انتهائه وهو أحد وجهي الشافعية والثاني يرفع ثم يكبر عند الارسال وهو عبارة بعض
علمائنا. وظاهر كلام الشافعي أنه يكبر بين الرفع والارسال (3) انتهى.
أقول: لا ريب أن ظاهر صحيحة الحلبي المتقدمة ما عرفت من الدلالة على القول
الثالث وقريب منها صحيحة صفوان بالتقريب الذي ذكرناه، وهذه الرواية ظاهرة
أيضا في القول المشهور كما ذكره شيخنا المذكور وإن أمكن التأويل فيها بحمل قوله:
" استفتح " على إرادة الاستفتاح كما في الخبرين الآخرين، وبذلك تنطبق على الخبرين
المذكورين ويكون الجميع دليلا للقول الثالث. وأما حملها على ظاهرها فيوجب المناقضة
بينها وبين الخبرين الأولين، إلا أن يجاب عن صحيحة الحلبي بما ذكره العلامة من حمل
" ثم " على الانسلاخ من معنى التراخي وعن صحيحة صفوان بأن المراد بقوله " إذا
كبر " أي إذا ابتدأ في التكبير فيصير ابتداء التكبير بابتداء الرفع كما هو القول المشهور،
وبذلك تبقى المسألة في قالب الاشكال في البين لتصادم الاحتمال من الطرفين.
(الرابع) ذهب جمع من الأصحاب إلى استحباب ضم الأصابع حين الرفع
ونقل الفاضلان عن المرتضى وابن الجنيد تفريق الابهام وضم الباقي، ونقله في الذكرى
عن المفيد وابن البراج وابن إدريس وجعله أولى وأسنده إلى الرواية.

(1) ص 43 و 46
(2) ص 43 و 46
(3) شرح صحيح مسلم للنووي الشافعي على هامش ارشاد الساري ج 3 ص 4 والأم للشافعي ج 1 ص 90
50

أقول: ظاهر كلامهم في هذا المقام أن ضم الأصابع بعضها إلى بعض متفق عليه
في ما عدا الابهام والخلاف إنما هو فيها ضما وتفريقا. ولم أقف لهم على دليل لا في موضع
الوفاق ولا في موضع الخلاف.
وظاهر صاحب المدارك الاستناد في أصل المسألة إلى خبر حماد (1) حيث قال:
ولتكن الأصابع مضمومة كما يستفاد من رواية حماد في وصف صلاة الصادق
(عليه السلام).
وأنت خبير بأن خبر حماد لم يشتمل على رفع اليدين في تكبيرة الاحرام فضلا
عن كونها في حال الرفع مضمومة الأصابع أم لا، وقد صرح بالرفع في تكبير الركوع
وتكبير السجود ولكنه أيضا غير متضمن لضم الأصابع، نعم ذكر في صدر الرواية
قال: " فقام أبو عبد الله (عليه السلام) مستقبل القبلة منتصبا فأرسل يديه جميعا على فخذيه
قد ضم أصابعه " فضم الأصابع في الخبر وقع في حال الاسدال على الفخذين، وحينئذ
فلا دلالة فيه على ما ادعوه إلا أن يدعى استصحاب تلك الحال إلى حال الرفع. وفيه
من البعد ما لا يخفى.
وظاهر الشهيد في الذكرى وصول النص إليه بالتفريق في الإبهام والضم حيث
قال: ولتكن الأصابع مضمومة وفي الإبهام قولان وفرقه أولى، واختار ابن إدريس
تبعا للمفيد وابن البراج وكل ذلك منصوص. انتهى.
نعم روى شيخنا المجلسي في كتاب البحار (2) عن زيد النرسي في كتابه عن
أبي الحسن الأول (عليه السلام) " أنه رآه يصلي فكان إذا كبر في الصلاة الزق أصابع
يديه الإبهام والسبابة والوسطى والتي تليها وفرج بينها وبين الخنصر ثم يرفع يديه بالتكبير
قبالة وجهه ثم يرسل يديه ويلزق بالفخذين ولا يفرج بين أصابع يديه فإذا ركع كبر
ورفع يديه بالتكبير قبالة وجهه ثم يلقم ركبتيه كفيه ويفرج بين الأصابع فإذا اعتدل لم

(1) ص 2
(2) ج 84 بحار الأنوار ص 225 ج 12
51

يرفع يديه وضم الأصابع بعضها إلى بعض كما كانت ويلزق يديه مع الفخذين ثم يكبر
ويرفعهما قبالة وجهه كما هي ملتزق الأصابع فيسجد... الحديث " وهو وإن تضمن ضم
الأصابع إلا أنه تضمن تفريق الخنصر دون الإبهام فهو لا يصلح لأن يكون دليلا في
المقام، وظاهره ضم الأصابع كملا في تكبير السجود.
(المسألة الرابعة) قد تقدم استحباب إضافة ست تكبيرات للافتتاح مع
تكبيرة الاحرام وهو مما لا خلاف فيه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وإنما الخلاف
في عموم هذا الحكم للفرائض والنوافل أو لخصوص الفرائض أو بانضمام مواضع مخصوصة
من النوافل لا جميعها كما هو القول الأول؟ أقوال، وبالأول صرح المحقق في المعتبر
والعلامة وابن إدريس واختاره السيد السند في المدارك والظاهر أنه المشهور بين الأصحاب
ونقل عن المرتضى (رضي الله عنه) في المسائل المحمدية أنه خصها بالفرائض دون النوافل
وعن ابن الجنيد أنه خصها بالمنفرد.
وقال الشيخ المفيد (نور الله مرقده) يستحب التوجه بسبع تكبيرات في سبع
صلوات. قال الشيخ في التهذيب ذكر ذلك علي بن الحسين في رسالته ولم أجد به خبرا مسندا
وتفصيلها ما ذكره: أول كل فريضة وأول ركعة من صلاة الليل وفي المفردة من الوتر وفي أول
ركعة من ركعتي الزوال وفي أول ركعة من نوافل المغرب وفي أول ركعة من ركعتي
الاحرام، فهذه الستة مواضع ذكرها علي بن الحسين (قدس سره) وزاد الشيخ يعني
المفيد الوتيرة. انتهى.
أقول: ينبغي أن يعلم أن ما ذكره علي بن الحسين (قدس سره) في رسالته إنما
أخذه من كتاب الفقه الرضوي على ما عرفت وستعرف في غير مقام مما تقدم وسيأتي
حيث قال (عليه السلام) في الكتاب المذكور " ثم افتتح بالصلاة وتوجه بعد التكبير
فإنه من السنة الموجبة في ست صلوات وهي أول ركعة من صلاة الليل والمفردة من الوتر
وأول ركعة من نوافل المغرب وأول ركعة من ركعتي الزوال وأول ركعة من ركعتي
52

الاحرام وأول ركعة من ركعات الفرائض " انتهى. ورواه الصدوق في كتاب الهداية
مرسلا ومن الظاهر أنه من هذا الكتاب كما عرفت.
احتج السيد السند (قدس سره) في المدارك على ما اختاره من القول الأول
باطلاق الأحاديث، قال وقد تقدم طرف منها في ما سبق ثم قال: وروى الشيخ في الصحيح
عن زيد الشحام (1) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الافتتاح؟ قال تكبيرة
تجزئك. قلت: فالسبع؟ قال ذلك الفضل " وروى ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن
أبي جعفر (عليه السلام) " أنه خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الصلاة
وقد كان الحسين (عليه السلام) أبطأ... الحديث " وقد تقدم قريبا (2) ثم نقل حسنة
الحلبي أو صحيحته المتقدمة (3) المشتملة على التكبيرات السبع والأدعية الثلاثة بينها.
أقول: ما ذكره من اطلاق الأحاديث أشار به إلى الأخبار التي قدمناها في
الأمر الثالث من المسألة الثالثة، وأنت خبير بأنه وإن كان الأمر كما ذكره بالنسبة إلى
اطلاق الأخبار إلا أنه مدخول بأنه من المحتمل قريبا حمل الاطلاق على الفريضة سيما
اليومية التي هي الفرض المتكرر الشائع المتبادر إلى الذهن عند الاطلاق كما صرحوا به في
غير موضع سيما أن جملة منها ظاهرة كالصريح في الفريضة كأخبار العلل بزيادة هذه
التكبيرات من أحاديث الحسين (عليه السلام) وأخبار الحجب فإنها كلها ظاهرة
كالصريح في الفريضة وأخبار الإمام فإنها كذلك.
وأنت إذا راجعت الأخبار وتأملتها بعين التفكر والاعتبار وضممت بعضها إلى
بعض ظهر لك صحة ما قلناه وقوة ما اخترناه وبذلك يظهر لك قوة ما ذكره علي بن
الحسين بن بابويه لاعتماده فيه على الكتاب المذكور.
ويعضده أيضا ما رواه السيد الزاهد العابد المجاهد رضي الدين بن طاووس

(1) الوسائل الباب 1 من تكبيرة الاحرام
(2) ص 22
(3) ص 39
53

(رضوان الله عليه) في كتاب فلاح السائل عن التلعكبري عن محمد بن همام عن عبد الله
ابن علاء المذاري عن ابن شمون عن حماد عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه
السلام) (1) قال قال: " افتتح في ثلاثة مواطن بالتوجه والتكبير: في أول الزوال وصلاة
الليل والمفردة من الوتر، وقد يجزئك في ما سوى ذلك من التطوع أن تكبر تكبيرة
لكل ركعتين ".
وظاهر الخبر أن المراد ثلاثة مواطن يعني بعد الفرائض كما يشير إليه قوله " قد
يجزئك في ما سوى ذلك من التطوع " وقد حمله ابن طاووس في الكتاب المذكور على
التأكيد في هذه الثلاثة بعد تخصيصه الاستحباب بسبعة مواضع بالحاق الفريضة وأولى
نافلة المغرب والوتيرة وركعتي الاحرام. وظاهره كما ترى موافقة الشيخ المفيد (قدس
سره) في ضم الوتيرة إلى الستة المتقدمة في كتاب الفقه الرضوي.
وقال شيخنا المجلسي في البحار بعد نقله كلام علي بن بابويه المطابق لعبارة كتاب
الفقه كما عرفت: ويمكن حمله على تأكد الاستحباب في تلك المواضع لا نفيه عن غيرها.
وفيه أن ذلك فرع الدليل الظاهر في العموم وقد عرفت ما فيه.
(المسألة الخامسة) - قال شيخنا الشهيد في الذكرى: زاد ابن الجنيد بعد التوجه
استحباب تكبيرات سبع و " سبحان الله " سبعا و " الحمد لله " سبعا و " لا إله إلا الله "
سبعا من غير رفع يديه ونسبه إلى الأئمة (عليهم السلام) وروى زرارة عن الباقر
(عليه السلام) (2) " إذا كبرت في أول الصلاة بعد الاستفتاح إحدى وعشرين
تكبيرة ثم نسيت التكبير أجزأك " انتهى.
أقول: ظاهر كلامه (قدس سره) في نقل مذهب ابن الجنيد أنه يستحب
سبع تكبيرات سوى التكبيرات الافتتاحية المشهورة ويمكن حمل التوجه على الكناية

(1) مستدرك الوسائل الباب 5 من تكبيرة الاحرام
(2) الوسائل الباب 6 من تكبيرة الاحرام
54

عن تكبير الاحرام خاصة فتكون السبع المذكورة بعدها، وكيف كان فهو مخالف لما
عليه الأصحاب.
وقال في النفلية: وروى التسبيح بعده سبعا والتحميد سبعا. قال شيخنا الشهيد
الثاني في شرحها: ذكره ابن الجنيد ونسبه إلى الأئمة (عليهم السلام) ولم نقف عليه وكذا
اعترف المصنف في الذكرى بذلك. انتهى.
أقول: قد روى الصدوق في كتاب العلل في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر
(عليه السلام) (1) وذكر حديث تكبيرات الافتتاح ثم قال: " قال زرارة فقلت
لأبي جعفر (عليه السلام) فكيف نصنع؟ قال تكبر سبعا وتحمد سبعا تسبح سبعا وتحمد
الله وتثني عليه ثم تقرأ " ولعل هذا الخبر هو المستند لما ذكره ابن الجنيد إلا أن ابن الجنيد
ذكر التهليل سبعا والخبر خال من ذلك ولعل الخبر عنده كان كذلك، ويؤيده ما نقله
بعض مشايخنا عن بعض الثقات أنه رأى هذا الخبر في بعض النسخ بعد قوله " وتسبح
سبعا " و " تهلل سبعا " كما ذكره ابن الجنيد.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن ما ذكره في النفلية بعيد الانطباق على مذهب ابن الجنيد
وإن كان شيخنا الشهيد الثاني قد فسره به، لأن ابن الجنيد كما عرفت ذكر التسبيح
سبعا والتهليل سبعا ومع فرض أن يكون المصنف فهم من التكبير سبع في كلام ابن الجنيد
التكبيرات السبع بإضافة تكبيرة الاحرام إليها فلم يذكره لموافقته لكلام الأصحاب وإنما
أراد التنبيه على ما لم يتعرضوا له إلا أنه ينافيه حذف التهليل وعدم ذكره. ولعل المصنف
اطلع على رواية زرارة المذكورة وأشار بقوله " روى " إليها لا إلى ما نقل عن ابن الجنيد
دعوى الرواية به فإنه بعيد عن ظاهر هذه العبارة، وكلامه إلى الانطباق على ظاهر الصحيحة
المذكورة - بحمله التكبير سبعا فيها على تكبيرات الافتتاح المشهورة فلم يذكره وإنما

(1) الوسائل الباب 11 من تكبيرة الاحرام
55

ذكر التسبيح والتحميد كما في الخبر أقرب - منه إلى الانطباق على كلام ابن الجنيد
كما فهمه الشارح.
وأما رواية زرارة التي ذكرها فصورتها على ما رواه الشيخ في التهذيب في
الصحيح الصدوق أيضا في الصحيح عن زرارة (1) قال: " قال أبو جعفر (عليه
السلام) إذا أنت كبرت في أول صلاتك بعد الاستفتاح بإحدى وعشرين تكبيرة ثم
نسيت التكبير كله ولم تكبر أجزأك التكبير الأول عن تكبير الصلاة كلها ".
والخبر المذكور محمول على الرباعية والمراد بالاستفتاح الاحرام أي إذا كبرت بعدها
إحدى وعشرين تكبيرة وهي مجموع التكبيرات المستحبة في الرباعية، إذ في كل ركعة
خمس تكبيرات واحدة للركوع ولكل سجدة اثنتان فيكون في الأربع الركعات
عشرون تكبيرة وتكبيرة القنوت وهي تمام العدد المذكور فإذا نسيت جميع التكبيرات
المستحبة في أماكنها أجزأك عنها التكبير الأول على إرادة الجنس أي الإحدى والعشرين
المتقدمة أولا، فعلى هذا يكون في الثلاثية ست عشرة تكبيرة وفي الثنائية إحدى عشرة
كل ذلك سوى تكبيرة الافتتاح.
ويؤكد ذلك وإن كان واضحا ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " التكبير في صلاة الفرض -
الخمس الصلوات - خمس وتسعون تكبيرة منها تكبيرات القنوت خمس " ورأوه أيضا عن
علي عن أبيه عن ابن المغيرة (3) وفسرهن: في الظهر إحدى وعشرون تكبيرة وفي العصر
إحدى وعشرون تكبيرة وفي المغرب ست عشرة تكبيرة وفي العشاء الآخرة إحدى
وعشرون تكبيرة وفي الفجر إحدى عشرة تكبيرة وخمس تكبيرات القنوت في
خمس صلوات.

(1) الوسائل الباب 6 من تكبيرة الاحرام
(2) الوسائل الباب 5 من تكبيرة الاحرام
(3) الوسائل الباب 5 من تكبيرة الاحرام
56

أقول: ظاهر هذه الأخبار طرح الست المستحبة الافتتاحية، ولعل طرحها في
صحيحة زرارة محمول على الاكتفاء بتلك التكبيرات التي يقدمها وفي هذين الخبرين
باعتبار تأكد هذه التكبيرات زيادة عليها فإنها من أصل الصلاة قبل تلك الست التي تجددت
لتلك العلل المذكورة. والله العالم.
الفصل الثالث في القيام
وفيه مسائل: (الأولى) - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن
القيام ركن في الصلاة متى أخل به مع القدرة عمدا أو سهوا بطلت صلاته، قال في المعتبر
وعليه أجماع العلماء.
وفي تعيين الموضع الركني منه أقوال: فنقل عن العلامة الحكم بركنيته كيف اتفق
وفي المواضع التي لا تبطل بزيادته يكون مستثنى بالنص كغيره. وقيل إن الركن منه ما اتصل
بالركوع. ولم نقف لهما على دليل. وقيل إنه تابع لما وقع فيه ومنقسم بانقسامه في الركنية
والوجوب والاستحباب.
وهذا القول الأخير نقل عن شيخنا الشهيد (قدس سره) قال إن القيام بالنسبة
إلى الصلاة على أنحاء: فالقيام في النية شرط كالنية، والقيام في التكبير تابع له في الركنية
والقيام في القراءة واجب غير ركن، والقيام المتصل بالركوع ركن فلو ركع جالسا بطلت
صلاته وإن كان ناسيا، والقيام من الركوع واجب غير ركن إذ لو هوى من غير رفع
وسجد ناسيا لم تبطل صلاته، والقيام في القنوت تابع له في الاستحباب.
واستشكل ذلك المحقق الشيخ علي بأن قيام القنوت متصل بقيام القراءة فهو في
الحقيقة كله قيام واحد فكيف يتصف بعضه بالوجوب وبعضه بالاستحباب؟
ورد بأن مجرد اتصاله به مع وجود خواص الندب فيه لا يدل على الوجوب
والحال أنه ممتد يقبل الانقسام إلى الواجب والندب.
57

واعترض بأن القيام المتصل بالركوع هو بعينه القيام في القراءة إذ لا يجب قيام
آخر بعدها قطعا فكيف يجتمع فيه الركنية وعدمها؟
وأجيب بأنه لا يلزم من اتصاله بالركوع كونه للقراءة بل قد يتفق لا معها كناسي
القراءة فإن القيام كاف وإن وجب سجود السهو، وكذا لو قرأ جالسا ناسيا ثم قام
وركع تأدى الركن به من غير قراءة، وعلى تقدير القراءة فالركن منه هو الأمر الكلي
وهو ما صدق عليه اسم القيام متصلا بالركوع وما زاد على ذلك موصوف بالوجوب
لا غير، وهذا كالوقوف بعرفة من حيث هو كلي ركن ومن حيث الاستيعاب
واجب لا غير.
واعترض أيضا بأنه على تقدير اتصاله بالركوع لا يتصور زيادته ونقصانه لا غير
حتى ينسب بطلان الصلاة إليه، فإن الركوع ركن قطعا وهواما مزيد أو ناقص وكل منهما
مبطل من جهة الركوع، فلا فائدة في اطلاق الركنية على القيام.
وأجيب بأن استناد البطلان إلى مجموع الأمرين غير ضائر فإن علل الشرع معرفات
للأحكام لا علل عقلية فلا يضر اجتماعها.
وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في الروضة أنه لا مستند للركنية في القيام إلا الاجماع
ولولاه لأمكن القدح في ركنيته لأن زيادته ونقصانه لا يبطلان إلا مع اقترانه بالركوع ومعه
يستغني عن القيام لأن الركوع كاف في البطلان. انتهى.
وقال في الروض: وحيث قد نقل المصنف الاتفاق على ركنية القيام ولم تتحقق
ركنيته إلا بمصاحبة الركوع خصت بذلك إذ لا يمكن القول بعد ذلك بأنه غير ركن
مطلقا لأنه لا يصح خلاف الاجماع، بل لو قيل بأن القيام ركن مطلقا أمكن وعدم بطلان
الصلاة بزيادة بعض أفراده ونقصها لا يخرجه عن الركنية فإن زيادته ونقصانه قد اغتفرا
في مواضع كثيرة للنص فليكن هذا منها بل هو أقوى في وضوح النص. انتهى.
أقول: والتحقيق في المقام بتوفيق الملك العلام وبركة أهل الذكر (عليهم الصلاة
58

والسلام) أن يقال لا اشكال ولا ريب في أن القيام في الصلاة في الجملة مما دل على وجوبه
الكتاب العزيز والسنة المطهرة.
(أما الأول) فقوله عز وجل " الذين يذكرون الله قياما " (1) فروى الكليني
في الحسن عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) في هذه الآية قال " الصحيح
يصلي قائما، وقعودا المريض يصلي جالسا، وعلى جنوبهم الذي يكون أضعف من المريض
الذي يصلي جالسا ".
وروى العياشي في تفسيره عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) قال:
" سمعته يقول في قول الله تعالى الذين يذكرون الله... (4) قياما الأصحاء وقعودا يعني
المرضى وعلى جنوبهم قال اعل ممن يصلي جالسا وأوجع ".
وفي تفسير النعماني بسنده عن علي (عليه السلام) (5) في حديث قال فيه:
" وأما الرخصة فهي الاطلاق بعد النهي... إلى أن قال ومثله قوله عز وجل فإذا قضيتم
الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم (6) ومعنى الآية أن الصحيح يصلي قائما
والمريض يصلي قاعدا ومن لم يقدر أن يصلي قاعدا صلى مضطجعا ويومئ إيماء. فهذه رخصة
جاءت بعد العزيمة ".
و (أما الثاني) فمنه ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن زرارة (7) قال:
" قال أبو جعفر (عليه السلام) في حديث: وقم منتصبا فإن رسول لله (صلى الله عليه
وآله) قال من لم يقم صلبه فلا صلاة له " ورواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن
زرارة مثله (8).
وروى في الكافي في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (9)

(1) سورة آل عمران، الآية 188
(2) الوسائل الباب 1 من القيام
(3) مستدرك الوسائل الباب 1 من القيام
(4) سورة آل عمران، الآية 188
(5) الوسائل الباب 1 من القيام
(6) سورة النساء الآية 104
(7) الوسائل الباب 2 من القيام
(8) الوسائل الباب 2 من القيام
(9) الوسائل الباب 2 من القيام
59

قال: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام) من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له "
ورواه البرقي في المحاسن عن أبي بصير مثله (1).
وظاهر هذين الخبرين الركنية لدلالتهما على وجوب الانتصاب في الصلاة بلا
انحناء ولا انخناس فإن الصلب هو عظم من الكاهل إلى العجب وهو أصل الذنب وإقامته
تستلزم الانتصاب فالاخلال بذلك عمدا أو سهوا موجب لبطلان الصلاة (ولو قيل) إن
لفظ " لا صلاة له " قد استعمل كثيرا في نفي الكمال دون نفي الصحة (قلنا) لا ريب
أن هذا الاستعمال مجاز خلاف حقيقة اللفظ المذكور، وقيام الدليل على المجاز في تلك
المواضع لا يستلزم الخروج عن الحقيقة مطلقا بل الواجب حمل اللفظ على حقيقته إلى أن
يقوم صارف عن ذلك، سيما مع تأكد هذين الخبرين بالأخبار الكثرة الدالة على وجوب
القيام كما ستعرف إن شاء الله تعالى.
نعم يبقي الكلام في أنه من المعلوم أن القيام ليس بركن في جميع الحالات لأن
من نسي القراءة أو أبعاضها أو جلس في موضع القيام لا يجب عليه إعادة الصلاة، ومن
جلس في موضع قيام ساهيا أو زاده ساهيا لا تبطل صلاته، وحينئذ فيمكن أن يقال
بتخصيص الركن بما قارن الركوع خاصة وهو الأمر الكلي منه كما تقدم، ويجاب عن
الإيراد بامكان استناد البطلان إلى الركوع بالجواب المتقدم من جواز الاستناد إليهما
معا. ويمكن أن يقال إن القيام كيف اتفق ركن وعدم البطلان بزيادته ونقصانه مستثنى
بالنص، فإنه مع تصريحهم بل اتفاقهم على ركنية الركوع قد استثنوا مواضع منه لقيام
الدليل عليها، كما لو سبق المأموم إمامه سهوا بالركوع ثم تبين له أنه لم يركع بعد فإنه يعود
ويركع معه ونحو ذلك مما يأتي إن شاء الله تعالى. أو يقال بالتفصيل الذي ذكره شيخنا
الشهيد (قدس سره). وبالجملة فالمفهوم من الأدلة كما ذكرناه هو الركنية في الجملة وأما
تعيين موضع الركن منه فغير معلوم.

(1) الوسائل الباب 2 من القيام
60

والحق في المقام أن يقال لا ريب أن تسميتهم هذه الأشياء بالأركان وتفسيرهم
الركن بأنه ما تبطل به الصلاة عمدا وسهوا والواجب ما تبطل به عمدا لا سهوا إنما هو أمر
اصطلاحي لا أثر له في النصوص مع انخرام هذه القاعدة عليهم في كثير من المواضع كما
عرفت وستعرف إن شاء الله تعالى، فالواجب الوقوف في جزئيات الأحكام على
النصوص الواردة في كل منها بالعموم أو الخصوص والغاء هذه القاعدة التي لا ثمرة لها
ولا فائدة. والله العالم.
(المسألة الثانية) المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وجوب
الاستقلال في القيام بمعنى أن لا يستند إلى شئ بحيث لو أزيل السناد سقط، ونقل عن
أبي الصلاح أنه ذهب إلى جواز الاستناد على الوجه المذكور وإن كان مكروها.
استدل القائلون بالقول المشهور بما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " لا تمسك بخمرك وأنت تصلي ولا تستند إلى
جدار إلا أن تكون مريضا " والخمر بالخاء المعجمة والميم المفتوحتين ما وراءك من شجر ونحوه.
وأضافوا إلى ذلك أن ذلك هو المتبادر من معنى القيام ودليل التأسي، وصحيحة
حماد بن عيسى المتقدمة في تعليم الصادق (عليه السلام) الصلاة.
والذي يدل على القول الثاني ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن
أخيه موسى (عليه السلام) (2) قال: " سألته عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط
المسجد وهو يصلي أو يضع يده على الحائط وهو قائم من غير مرض ولا علة؟ فقال
لا بأس. وعن الرجل يكون في صلاة فريضة فيقوم في الركعتين الأوليين هل يصلح له
أن يتناول جانب المسجد فينهض يستعين به على القيام من غير ضعف ولا علة؟
قال لا بأس به ".
وما رواه الشيخ في الموثق عن عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)

(1) الوسائل الباب 10 من القيام
(2) الوسائل الباب 10 من القيام
(3) الوسائل الباب 10 من القيام
61

قال:، سألته عن الرجل يصلي متوكأ على عصا أو على حائط؟ فقال لا بأس بالتوكؤ
على عصا والاتكاء على الحائط ".
وعن سعيد بن يسار (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التكأة
في الصلاة على الحائط يمينا وشمالا فقال لا بأس ".
إذا عرفت ذلك فاعلم أن من ذهب إلى القول الأول حمل هذه الأخبار على
الاستناد الذي لا يكون فيه اعتماد محتجين بأن الاستناد والاتكاء في تلك الأخبار أعم
مما فيه اعتماد أولا اعتماد فيه فيحمل على ما لا اعتماد فيه جمعا بين الأخبار. ومن ذهب إلى
العمل بهذه الروايات الأخيرة حمل صحيحة عبد الله بن سنان على الكراهة. والظاهر هو الثاني
ويؤيد حمل الاستناد في تلك الأخبار على ما فيه اعتماد قوله في صحيحة علي
ابن جعفر " من غير مرض ولا علة " فإن من شأن المريض والعليل الاعتماد لمزيد
الضعف كما لا يخفى.
ويؤيده بأوضح تأييد لا يخفى على جملة الأنام فضلا عن ذوي الأحلام والأفهام -
وإن لم يتنبه له أحد من علمائنا الأعلام - أن الاتكاء لغة يطلق على ما فيه اعتماد، قال
الفيومي في كتاب المصباح المنير: اتكأ وزن افتعل ويستعمل بمعنيين أحدهما الجلوس مع
التمكن والثاني القعود مع تمايل متعمدا على أحد الجانبين، صرح بذلك في مادة " تكأ "
وقال أيضا في مادة " وكأ " وتوكأ على عصاه اعتمد عليها، إلى أن قال قال ابن الأثير والعامة
لا تعرف الاتكاء إلا الميل في القعود متعمدا على أحد الشقين وهو يستعمل في المعنيين
جميعا، يقال اتكأ إذا أسند ظهره أو جنبه إلى شئ متعمدا عليه وكل من اعتمد على
شئ فقد اتكأ عليه. انتهى.
وحينئذ فمتى كان الاتكاء حقيقة في الاعتماد فالواجب الحمل عليه حتى تقوم
قرينة المجاز الموجبة للخروج عنه، ومجرد وجود الخبر الدال على خلاف ذلك ليس من قرائن

(1) الوسائل الباب 10 من القيام
62

المجاز الموجب لحمل هذه الأخبار على خلاف معناها، وحينئذ فدعوى أنه أعم مما فيه
اعتماد أولا اعتماد فيه كما بنى عليه جوابهم عن تلك الأخبار ممنوعة لما عرفت من
كلام أهل اللغة، وعلى هذا فالواجب في مقام التعارض الرجوع إلى المرجحات ولا ريب
أنها في جانب هذه الروايات الثلاث فيجب جعل التأويل في تلك الرواية كما تقدم.
فروع
(الأول) - قد صرح جمع من الأصحاب: منهم - السيد السند في المدارك
بوجوب الاعتماد على الرجلين معا في القيام ولم أقف له على دليل، والفاضل الخراساني
في الذخيرة إنما استند في ذلك إلى كونه المتبادر من الأمر بالقيام منتصبا. وفيه منع ظاهر
وعلله في الذكرى بعدم الاستقرار وللتأسي بصاحب الشرع. وفيه منع أيضا فإن الاستقرار
لا يتوقف على الاعتماد عليهما معابل يحصل الاستقرار بالاعتماد على واحدة. وأما التأسي فقد
صرحوا في الأصول بأنه لا يجوز أن يكون دليلا للوجوب فإن فعلهم (عليهم السلام)
أعم من ذلك، مع أنه قد روى الكليني في الصحيح عن محمد بن أبي حمزة عن أبيه (1) قال:
" رأيت علي بن الحسين (عليه السلام) في فناء الكعبة في الليل وهو يصلي فأطال
القيام حتى جعل يتوكأ مرة على رجله اليمنى ومرة أخرى على رجله اليسرى... الحديث "
وهو كما ترى ظاهر الدلالة واضح المقالة في ما ذكرناه ولا معارض له سوى ما ذكروه
من تلك التعليلات العليلة.
ثم إنه لا يخفى أيضا حصول المدافعة بين القول بوجوب الاعتماد على الرجلين وبين
القول بجواز الاعتماد اختيارا على الحائط ونحوه كما ذهب إليه في المدارك وكذا غيره
ممن اختار القول بالجواز هناك وأوجب الاعتماد على الرجلين هنا، فإنهم قد فسروا الاعتماد
ثمة بأنه لو سقط السناد سقط المصلي ومن الظاهر في هذه الحال أنه لا اعتماد على الرجلين.
وايجابهم الاعتماد على الرجلين في القيام هنا لم يقيدوه بمادة مخصوصة بل ظاهرهم أنه من

(1) الوسائل الباب 3 من القيام
63

جملة واجبات الصلاة مطلقا. وبالجملة فإن التناقض بين القولين ظاهر كما ترى.
نعم لو رفع إحدى رجليه من الأرض بالكلية وإنما وضع واحدة واعتمد عليها
فلا اشكال في البطلان لوقوعه على خلاف الوجه المتلقى من صاحب الشريعة أمرا وفعلا
إلا أنه روى الحميري في كتاب قرب الإسناد عن عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) في حديث قال: " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد ما عظم
أو بعد ما ثقل كان يصلي وهو قائم ورفع إحدى رجليه حتى أنزل الله تعالى: طه ما أنزلنا
عليك القرآن لتشقى (2) فوضعها ".
والواجب حمله على النسخ بالآية المذكورة المصرحة بالنهي والأخبار الدالة على
القيام على القدمين، قال أمين الاسلام الطبرسي (قدس سره) (3) روي " أن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) كان يرفع إحدى رجليه في الصلاة ليزيد تعبه فأنزل الله تعالى
الآية فوضعها " قال وروي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) ولعله أشار إلى هذه الرواية
وقد روى أيضا في تفسير الآية المذكورة (4) " أنه (صلى الله عليه وآله) كان
يقوم على أصابع رجليه في الصلاة حتى تورمت فأنزل الله تعالى عليه طه - بلغة طي يا محمد
(صلى الله عليه وآله) - ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ".
ويمكن أن يكون الصلاة كانت مشروعة على هذه الكيفيات ثم نسخ ذلك فوجب
الاعتماد على الرجلين معا كما عليه اتفاق الأصحاب وغيرهم. والله العالم.
(الثاني) - لو أخل بالاستقلال على تقدير القول المشهور فالظاهر من كلام
الأصحاب بطلان الصلاة لو تعمد ذلك للنهي عن الصلاة كذلك والنهي في العبادة موجب
للبطلان. ويمكن أن يقال إن النهي إنما هو عن الاستناد وهو أمر خارج عن الصلاة
وإن كان مقارنا لها فلا يلزم من النهى عنه النهي عن الصلاة، فغاية ما يلزم من ذلك

(1) الوسائل الباب 3 من القيام
(2) سورة طه الآية 1
(3) مجمع البيان ج 4 ص 2
(4) الوسائل الباب 3 من القيام
64

الإثم خاصة وتصح صلاته نظير ما تقدم من البحث في الصلاة في الثوب والمكان المغصوبين
وأما ما أطال به في الذخيرة من الاستدلال على البطلان فظني أنه لا يرجع إلى طائل.
وكيف كان فلا ريب أن الاحتياط في ما ذكروه. وأما مع النسيان فالظاهر الصحة كما
صرح به جملة من الأصحاب أيضا.
(الثالث) - يجب مع الاستقلال نصب فقار الظهر بفتح الفاء وهو عظامه
المنتظمة في النخاع التي تسمى خرز الظهر جمع فقرة بكسرها، ويحصل الاخلال بذلك
بالانحناء والميل إلى اليمين واليسار على وجه لا يعد منتصبا عرفا.
ويدل على ذلك ما تقدم في خبر حماد من قوله " فقام أبو عبد الله (عليه السلام)
مستقبل القبلة منتصبا " وقد تقدم أن معنى الانتصاب إقامة الصلب، وأن " من لم يقم
صلبه فلا صلاة له " (1) وعدم إقامة الصلب يحصل بالميل إلى أحد الجانبين على الوجه
المتقدم أو الانحناء أو الانخناس.
والظاهر أنه لا يخل بالانتصاب اطراق الرأس وإن كان الأفضل إقامة النحر كما
تقدم (2) في مرسلة حريز من قوله (عليه السلام) في تفسير قوله عز وجل " فصل لربك
وانحر " (3) " النحر الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه ونحره ".
ونقل عن أبي الصلاح استحباب إرسال الذقن إلى الصدر. ويرد بعدم المستند
بل هذا الخبر - كما ترى - ظاهر في رده.
(الرابع) - قد صرح جملة من الأصحاب بأنه لا يجوز تباعد ما بين الرجلين بما
يخرج عن حد القيام. والظاهر أن مستندهم في ذلك العرف فإن من أفحش في التباعد
بينهما لا يعد قائما عرفا.
أقول: المفهوم من الأخبار كما تقدم في شرح صحيحة حماد أن نهاية التباعد بينهما
إلى قدر شبر والاحتياط يقتضي أن لا يزيد على ذلك فإنه من المحتمل قريبا أن يكون

(1) الوسائل الباب 2 من القيام
(2) ص 45
(3) سورة الكوثر، الآية 2
65

هذا غاية الرخصة في التباعد بينهما ويقين البراءة يقتضي الوقوف على ذلك.
(الخامس) - الظاهر أنه لا اشكال في جواز الاستعانة في حال النهوض
والاعتماد على شئ ينهض به كما دلت عليه صحيحة علي بن جعفر المتقدمة. ونقل عن
بعض المتأخرين - والظاهر أنه المحقق الثاني في شرح القواعد أنه جعل حكمه حكم
الاستناد في حال القيام، وفيه أنه لا دليل عليه بل الدليل كما ترى واضح في خلافه.
(المسألة الثالثة) - لو عجز عن القيام على الوجه المتقدم فإن أمكن الصلاة قائما
معتمدا في جميعها أو بعضها أو كيف أمكن وجب أولا فإن عجز عن ذلك أنتقل إلى الجلوس
وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع: (الأول) الظاهر أنه لا خلاف بينهم في أنه
لو أمكنه القيام ولو في بعض الصلاة وجب أن يقوم بقدر المسكنة منتصبا أو منحنيا مستقلا
أو متعمدا ولو مع تعذر الركوع والسجود فإنه يجب عليه القيام في موضعه وإن أومأ
للركوع وكذا للسجود بعد الجلوس إذ لا يسقط وجوب أحدهما مع إمكانه بتعذر الآخر
ويدل على بعض هذه الأحكام ما رواه الشيخ والكليني في الصحيح عن جميل (1)
قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) ما حد المرض الذي يصلي صاحبه قاعدا؟
فقال إن الرجل ليوعك ويحرج ولكنه أعلم بنفسه إذا قوى فليقم ".
وأيده بعضهم بقوله (صلى الله عليه وآله) (2) " إذا أمرتكم بشئ فأتوا منه
ما استطعتم " وقوله (عليه السلام) (3) " لا يسقط الميسور بالمعسور ".
وما ذكرناه - من أنه مع إمكان القيام وتعذر الركوع والسجود فإنه يومئ للركوع
قائما وللسجود جالسا قد ادعى عليه في المنتهى الاجماع.
وعلى هذا لو قدر على الجلوس والانحناء للركوع والسجود ولم يقدر عليه قائما

(1) الوسائل الباب 6 من القيام
(2) صحيح مسلم ج 1 ص 513 والنسائي ج 2 ص 1
(3) عوائد النراقي ص 88 وعناوين مير فتاح ص 146 عن عوالي اللئالي عن علي (ع)
66

أومأ في حال القيام ولا ينتقل إلى الجلوس في الركوع. ويمكن أن يقال إنه يجلس في
الصورة المذكورة ويأتي بالركوع الذي هو الانحناء لأن الركوع قد وردت به الآية وهو
عبارة عن مطلق الانحناء ولا تخصيص فيه بكون الانحناء في حال القيام، قال في القاموس
وكل شئ يخفض رأسه فهو راكع. وعلى هذا يكون الانحناء واجبا كما أن القيام واجب
وحينئذ فيأتي بالقيام في موضعه فإذا أراد الركوع جلس وركع جالسا. وهذا هو الأوفق
بالأصول والقواعد المقررة عندهم إلا أن المشهور هو الأول بل ظاهرهم كما عرفت الاتفاق عليه
(الثاني) - لو عجز بالكلية ولو على بعض الوجوه المتقدمة انتقل إلى الجلوس
وهو اجماعي، نقل الاجماع على ذلك غير واحد: منهم - المحقق والعلامة.
وتدل عليه الأخبار الكثيرة، ومنها صحيحة جميل المتقدمة قريبا وحسنة أبي حمزة
المتقدمة في المسألة الأولى.
وما رواه الشيخ عن محمد بن إبراهيم عن من أخبره عن الصادق (عليه السلام) (1)
قال: " يصلي المريض قائما فإن لم يقدر على القيام صلى جالسا " وأسنده في الفقيه إلى
الصادق (عليه السلام) (2).
ونقل مرسلا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) (3) أنه قال " المريض يصلي
قائما فإن لم يستطع صلى جالسا " إلى غير ذلك من الأخبار.
وإنما الخلاف بين الأصحاب في حد العجز المسوغ للقعود فالمشهور أن حده
العجز عن القيام أصلا وهو مستند إلى علمه بنفسه " بل الانسان على نفسه بصيرة " (4)
ونقل عن الشيخ المفيد (قدس سره) أن حد العجز الذي ينتقل معه إلى الجلوس أن
لا يتمكن من المشي بمقدار زمان الصلاة.
واستدل على القول المشهور بما تقدم من صحيحة جميل، وما رواه الشيخ في

(1) الوسائل الباب 1 من القيام
(2) الوسائل الباب 1 من القيام
(3) الوسائل الباب 1 من القيام
(4) سورة القيامة، الآية 14
67

الصحيح عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن من أخبره عن أبي جعفر (عليه السلام) (1)
" أنه سئل ما حد المرض " وروى الكليني في الصحيح أو الحسن عن ابن أذينة (2)
قال: " كتبت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) أسأله ما حد المرض الذي يفطر فيه صاحبه
والمرض الذي يدع صاحبه الصلاة قائما؟ قال: بل الانسان على نفسه بصيرة (3) ذاك
إليه هو أعلم بنفسه ".
والتقريب فيها أنه لو كان للعجز حد معين كما هو مقتضى القول الثاني لبينه
(عليه السلام) في الجواب ولم يجعله راجعا إلى العم بنفسه الذي هو عبارة عن القدرة
على القيام وعدمها كما هو الظاهر.
ونحوه ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة (4) قال: " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن حد المرض الذي يفطر فيه الصائم ويدع الصلاة من قيام؟ فقال: بل
الانسان على نفسه بصيرة (5) وهو أعلم بما يطيقه ".
ويدل على ما نقل عن الشيخ المذكور ما رواه الشيخ عن سليمان بن حفص
المروزي (6) قال: " قال الفقيه المريض إنما يصلي قاعدا إذا صار بالحال التي لا يقدر
فيها أن يمشي مقدار صلاته إلى أن يفرغ قائما ".
وردها في المدارك (أولا) بضعف السند بجهالة الراوي. و (ثانيا) بأن
ما تضمنته من التحديد غير مطابق للاعتبار فإن المصلي قد يتمكن أن يقوم بمقدار صلاته
ولا يتمكن من المشي بمقدار زمانها وقد يتمكن من المشي ولا يتمكن من الوقوف، قال
وربما كان ذلك كناية عن العجز عن القيام. انتهى.
أقول: ما ذكره (قدس سره) من الطعن في الخبر بالضعف ورميه له من البين
قد عرفت ما فيه (أولا) فيما تقدم من أن هذا الإيراد غير وارد على المتقدمين الذين

(1) الوسائل الباب 6 من القيام
(2) الوسائل الباب 6 من القيام
(3) سورة القيامة، الآية 14
(4) الوسائل الباب 6 من القيام
(5) سورة القيامة، الآية 14
(6) الوسائل الباب 6 من القيام
68

لا أثر لهذا الاصطلاح عندهم ولا غيرهم ممن لا يرى العمل به أيضا. و (ثانيا) أن ما ذكره
من رد الخبر هنا أيضا من متفرداته وإن تبعه فيه من تبعه فإن جملة أرباب هذا الاصطلاح
من المتأخرين قد عملوا بالخبر وفزعوا عليه كما سيظهر لك في المقام إن شاء الله تعالى.
وفي الذكرى بعد أن اختار القول المشهور عملا بالأخبار المتقدمة حمل رواية
المروزي على من يتمكن من القيام إذا قدر على المشي للتلازم بينهما غالبا، قال فلا يرد
جواز انفكاكهما ثم قال: فرع لو قدر على القيام ولم يقدر على المشي وجب. ولو عجز
عن القيام مستقرا وقدر على القيام ماشيا أو مضطربا من غير معاون ففي ترجيحه على
القيام ساكنا بمعاون أو على القعود لو تعذر المعاون نظر أقربه ترجيحهما عليه، لأن
الاستقرار ركن في القيام إذ هو المعهود من صاحب الشرع. وقال الفاضل يجب المشي
ولا يصلي قاعدا. انتهى.
وما اختاره من تقديم الصلاة جالسا هو ظاهر المحقق الشيخ علي أيضا في شرح
القواعد مستندا إلى أن الطمأنينة أقرب إلى حال الصلاة من الاضطراب عرفا وشرعا
والخشوع الذي هو روح العبادة بها يتحقق. وفيه أن الاعتماد في تأسيس حكم شرعي
على مثل هذه التعليلات مشكل كما أشرنا إليه في غير موضع.
وقال شيخنا الشهيد الثاني في الروض: ولا يعتبر القدرة على المشي بل لو أمكن
القيام من دونه وجب لأنه المقصود الذاتي، وربما قيل باشتراطه لرواية سليمان المروزي
عن الكاظم (عليه السلام) (1) " المريض إنما يصلي قاعدا إذا صار إلى الحال التي لا يقدر
فيها على المشي مقدار صلاته " وحملها الشهيد على من يتمكن من القيام إذا قدر على المشي
للتلازم بينهما غالبا، قال فلا يرد جواز انفكاكهما. وفيه نظر لأنه تخصيص للعام من غير
ضرورة، مع أن الرواية تدل على أن من قدر على القيام ماشيا لا يصلي جالسا بمعنى أن
القيام غير مستقر مرجح على القعود مستقرا وهو اختيار المصنف، فلا يحتاج إلى تكلف

(1) الوسائل الباب 6 من القيام
69

البحث عن التلازم بين القيام والمشي غالبا. ورجح في الذكرى الجلوس في هذه الصورة
محتجا بأن الاستقرار ركن في القيام إذ هو المعهود من صاحب الشرع. والخبر حجة عليه
وكون الاستقرار واجبا في القيام لا يستلزم تقديم الجلوس على القيام بدونه فإن المشي
يرفع وصف القيام وهو الاستقرار والجلوس يرفع أصله وفوات الوصف خاصة أولى من
فوات الموصوف، ومن ثم اتفق الجماعة على أن من قدر على القيام معتمدا على شئ وجب
مقدما على الجلوس مع فوات وصف القيام وهو الاستقلال. نعم بالغ المصنف فرجح
القيام ماشيا مستقلا عليه مع المعاون. ويضعف بأن الفائت على كل تقدير وصف من
القيام أحدهما الاستقرار والآخر الاستقلال فلا وجه لترجيح الثاني، نعم يتجه ترجيح
الأول لما تقدم في حجة ترجيح القعود على المشي إذ لا معارض لها هنا، ولأنه أقرب إلى
هيئة المصلي، فظهر من ذلك أن التفصيل أجود من اطلاق المصنف ترجيح المشي عليهما
واطلاق الشهيد القول بترجيحهما عليه. انتهى. وهو جيد وإنما نقلناه بطوله لجودة محصوله
وإحاطته بأطراف الكلام في المقام.
إلا أن فيه أن ما ذكره من كون الاستقرار وصفا للقيام... إلى آخر ما فرعه
على ذلك يمكن خدشه بأن الظاهر أن الاستقرار ليس من أوصاف القيام بل هو وصف
من أوصاف المصلي معتبر في صحة صلاته قائما كان أو قاعدا مع الامكان فترجيح القيام عليه
يحتاج إلى دليل، ولأنه يجتمع هو وضده مع القيام والقعود فلا اختصاص له بالقيام. نعم
جوابه يصلح إلزاما للشهيد حيث إن ظاهره ذلك وأما في التحقيق فلا، وعلى هذا
فالأولى الرجوع إلى دلالة الخبر على الحكم المذكور من تقديم الصلاة ماشيا على الصلاة
جالسا مستقرا.
أقول: والحق أن الخبر المذكور محتمل لمعنيين (أحدهما) ما ذكره شيخنا الشهيد
(قدس سره) في الذكرى من أن من يقدر على المشي بقدر الصلاة يقدر على الصلاة غالبا،
وعلى هذا فلا يكون في الخبر منافاة للقول المشهور فإن مرجعه إلى أنه إنما يصلي قاعدا إذا لم يقدر
70

على القيام. و (ثانيهما) ما فهمه الأكثر من أن قدر على المشي مصليا ولم يقدر على
القيام مستقرا فحكمه الصلاة ماشيا دون الصلاة جالسا، إلا أن الظاهر هو رجحان الاحتمال
الثاني وبه يظهر قوة ما ذكره في الروض واختاره من القول بتقديم الصلاة ماشيا على
الصلاة جالسا مستقرا كما هو المنقول عن الشيخ المفيد (قدس سره) وهو اختيار
العلامة أيضا على ما نقله عنه في الذكرى كما تقدم في الروض إلا أنه بالغ في ذلك أيضا
فقال بتقديم الصلاة ماشيا على الصلاة قائما معتمدا، والمشهور بين الأصحاب هو تقديم
القيام مطلقا مستقلا أو معتمدا وإنما الخلاف في ما لو تمكن من الصلاة ماشيا هل بقدم
على الجلوس مستقرا أم لا؟
ومن ذلك ظهر أن في المسألة أقوالا ثلاثة (أحدها) ما ذهب إليه الشيخ المفيد
وشيخنا الشهيد الثاني من أنه متى قدر على الصلاة ماشيا بعد تعذر الصلاة قائما معتمدا فإنه
يقدمه على الجلوس. و (ثانيها) ما نقل عن العلامة من ترجيح الصلاة ماشيا على الصلاة
جالسا مستقرا وقائما مستقرا متعمدا. و (ثالثها) ما ذكره في الذكرى من ترجيح القيام
معتمدا مستقرا ثم الجلوس مستقرا على الصلاة ماشيا وهو عكس ما ذهب إليه العلامة.
(الثالث) - إعلم أن العجز المسوغ للقعود وكذا في سائر المراتب الآتية
يتحقق بحصول الألم الشديد الذي لا يتحمل ولا يعتبر العجز الكلي، وبه صرح غير
واحد من الأصحاب في جملة من الأبواب، وهو المفهوم أيضا من ظاهر السنة والكتاب.
وكما أنه يجوز الانتقال إلى المرتبة الدنيا مع العجز عن المرتبة العليا بحصول الألم
الشديد كذلك يجوز الانتقال عنها بأخبار الطبيب بالبرء في المرتبة الدنيا بعلاج ونحوه.
كما يدل عليه صحيحة محمد بن مسلم (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
الرجل والمرأة يذهب بصره فيأتيه الأطباء فيقولون نداويك شهرا أو أربعين ليلة مستلقيا
كذلك يصلي؟ فرخص في ذلك وقال فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه (2) ".

(1) الوسائل الباب 7 من القيام
(2) سورة البقرة، الآية 168
71

وموثقة سماعة (1) قال: " سألته عن الرجل يكون في عينيه الماء فينزع الماء منها فيستلقي
على ظهره الأيام الكثيرة أربعين يوما أو أقل أو أكثر فيمتنع من الصلاة الأيام وهو على
حال؟ فقال لا بأس بذلك وليس شئ مما حرم الله إلا وقد أحله الله لمن اضطر إليه ".
وما رواه الحسين بن بسطام في كتاب طب الأئمة بسنده عن عبد الله بن المغيرة
عن نزيع المؤذن (2) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إني أريد أن اقدح عيني؟
فقال استخر الله وافعل. فقلت هم يزعمون أنه ينبغي للرجل أن ينام على ظهره كذا و كذا
ولا يصلي قاعدا؟ قال افعل ".
قوله في الخبر الأول " كذلك يصلي " على الاستفهام بحذف الهمزة أي أكذلك يصلي؟
وظاهر الأخبار جواز العمل بقول الأطباء في ترك القيام وإن كانوا غير عدول
بل فسقة أو كفارا، والظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في هذا الحكم ولا غيره
من الأحكام.
قال العلامة في التذكرة: لو كان به رمد وهو قادر على القيام فقال العالم بالطب
إذا صلى مستلقيا رجى له البرء جاز ذلك، وبه قال أبو حنيفة والثوري وقال مالك
والأوزاعي لا يجوز لأن ابن عباس لم يرخص له الصحابة في الصلاة مستلقيا (3) انتهى
وظاهره أن الخلاف إنما هو بين العامة دون الخاصة.
وخبر ابن عباس المشار إليه في كلامه هو ما روى (4) من أن ابن عباس (رضي
الله عنه) لما كف بصره أتاه رجل فقال له إن صبرت على سبعة أيام لا تصلي إلا مستلقيا
داويت عينيك ورجوت أن تبرأ فأرسل إلى بعض الصحابة كأم سلمة وغيرها يستفتيهم
في ذلك فقالوا لومت في هذه الأيام ما الذي تصنع في الصلاة؟ فترك المعالجة.
أقول: والخبر المذكور عامي لا يعارض ما ذكرناه من أخبارهم (عليهم السلام) ومن
البعيد بل إلا بعد أن ابن عباس مع عدم علمه بالمسألة يستفتي الصحابة مع وجود الحسن والحسين

(1) الوسائل الباب 1 و 7 من القيام
(2) الوسائل الباب 1 و 7 من القيام
(3) المغني ج 2 ص 147
(4) المغني ج 2 ص 147
72

(عليهما السلام) معه وهو عالم بإمامتهما ووجوب الطاعة لهما.
(الرابع) - أنه مع الانتقال إلى القعود فإنه لا يختص بكيفية وجوبا بل يجلس
كيف اتفق، نعم يستحب له أن يتربع قارئا ويثني رجليه راكعا ويتورك بين السجدتين
وعند التشهد. وفسروا التربع هنا بأن ينصب فخذيه وساقيه كهيئة جلوس المرأة في الصلاة
وقد تقدم وجه الاشكال في هذه المسألة في الفوائد الملحقة بالأخبار المذكورة في صدر
المقدمة الأولى من المقدمات المتقدمة في الباب الأول (1) وفسروا تثنية رجليه بأن يفترشهما
تحته ويجلس على صدورهما بغير اقعاء
والذي وقفت عليه الأخبار الجارية في هذا المضمار ما رواه الشيخ عن حمران
ابن أعين عن أحدهما (عليهما السلام) (2) قال: " كان أبي إذا صلى جالسا تربع
فإذا ركع ثنى رجليه ".
وما رواه الصدوق عن معاوية بن ميسرة (3) " أنه سأل أبا عبد الله (عليه
السلام) قال أيصلي الرجل وهو جالس متربع ومبسوط الرجلين؟ فقال لا بأس بذلك "
وما رواه الشيخ في الموثق عن عبد الله بن مغيرة وصفوان بن يحيى ومحمد بن
أبي عمير عن أصحابهم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) " في الصلاة في المحل؟ فقال
صل متربعا وممدود الرجلين وكيف أمكنك ".
وما رواه في الكافي عن معاوية بن ميسرة (5) " أن سنانا سأل أبا عبد الله (عليه
السلام) عن الرجل يمد إحدى رجليه بين يديه وهو جالس؟ قال لا بأس. ولا أراه إلا
قال في المعتل والمريض " قال الكليني وفي حديث آخر (6) يصلي متربعا ومادا رجليه
كل ذلك واسع " وتمام الكلام في هذا المقام قد تقدم في الموضع المشار إليه آنفا.
(الخامس) - الظاهر أنه لا خلاف في أن القاعد إذ تمكن من القيام للركوع
فإنه يجب عليه القيام ليركع عن قيام، لما تقدم من أن القيام المقارن للركوع ركن تبطل

(1) ج 6 ص 66
(2) الوسائل الباب 11 من القيام
(3) الوسائل الباب 11 من القيام
(4) الوسائل الباب 11 من القيام
(5) الوسائل الباب 11 من القيام
(6) الوسائل الباب 11 من القيام
73

الصلاة بتركه عمدا أو سهوا وحينئذ فمع القدرة عليه يجب الاتيان به.
والظاهر أنه لا تجب الطمأنينة في هذا القيام لأن وجوبها إنما كان لأجل القراءة
وقد أتى بها، قال في الذكرى: ولو خف بعد القراءة وجب القيام للركوع وهل تجب
الطمأنينة في هذا القيام قبل الهوى؟ قال الفاضل لا تجب بناء على أن القيام إنما تجب
الطمأنينة فيه لأجل القراءة وقد سقطت. ويحتمل الوجوب (أما أولا) فلضرورة كون
الحركتين المتضادتين في الصعود والهبوط بينهما سكون فينبغي مراعاته ليتحقق الفصل بينهما.
و (أما ثانيا) فلأن ركوع القائم يجب أن يكون عن طمأنينة وهذا ركوع قائم.
(وأما ثالثا) فلأن معه يتيقن الخروج عن العهدة. أقول: فيه ما عرفت في غير مقام
من عدم صلاحية أمثال هذه التخريجات لتأسيس حكم شرعي، ويزيده بيانا أن الأول
من هذه التعليلات خارج عن محل البحث، فإن الكلام في وجوب ذلك من حيث
ترتب صحة الصلاة عليه لا من حيث حصول الفصل بين الحركتين المتضادتين. والثاني
على تقدير تسليمه إنما يثبت في صلاة القائم وأما في صلاة الجالس فيحتاج إلى دليل،
وقياس أحدهما على الآخر قياس مع الفارق لأن الصورة المقاس عليها حال اختيار والمقيسة
حال اضطرار. والثالث غاية ما يفيده الأولوية والاستحباب دون الوجوب لأنه نوع
احتياط. ثم قال في الذكرى: ولا يستحب إعادة القراءة هنا لعدم الأمر بتكرارها في
الركعة الواحدة وجوبا ولا ندبا. وهو جيد. ثم قال ولو خف في ركوعه قاعدا قبل الطمأنينة
وجب اكماله بأن يرتفع منحنيا إلى حد الراكع وليس له الانتصاب لئلا يزيد ركوعا ثم يأتي
بالذكر قائما لأنه لم يكن أكمله، فإن اجتزأنا بالتسبيحة الواحدة لم يجز البناء هنا لعدم سبق
كلام تام إلا أن نقول هذا الفصل لا يقدح بالموالاة، وإن أوجبنا التعدد أتى بما بقي قطعا. ولو
خف بعد الطمأنينة قام للاعتدال من الركوع وجبت الطمأنينة في الاعتدال. ولو خف بعد
الاعتدال من الركوع قبل الطمأنينة فيه قام ليطمئن. ولو خف بعد الطمأنينة في الاعتدال فالأقرب
وجوب القيام ليسجد عن قيام كسجود القائم، وفي وجوب الطمأنينة في هذا القيام بعد إلا إذا
74

عللناه بتحصيل الفصل الظاهر بين الحركتين فتجب الطمأنينة. انتهى. وفي كثير من
هذه المواضع اشكال لعدم الدليل الواضح فيها كما لا يخفى على المتأمل إلا أنه يمكن اندراجها
تحت القواعد المقررة في أمثال هذه المقامات. والله العالم.
(المسألة الرابعة) - لو عجز عن القعود مستقلا فإنه يقعد معتمدا أو منحنيا
ومع العجز عن ذلك فإنه يصلي مضطجعا مقدما للجانب الأيمن على الأيسر وقيل بالتخيير
بينهما، ومع العجز عن الجانبين يصلي مستلقيا.
وتفصيل هذه الجملة أنه لا خلاف بينهم في أنه لو عجز عن القعود بجميع وجوهه
المتقدمة فإنه ينتقل إلى الاضطجاع، ويدل عليه زيادة على الاتفاق عدة من الروايات:
منها - ما تقدم (1) من الروايات التي في تفسير قوله عز وجل: " الذين يذكرون
الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ".
ومنها - ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة (2) قال: " سألته عن المريض
لا يستطيع الجلوس قال فليصل وهو مضطجع وليضع على جبهته شيئا إذا سجد فإنه يجزئ
عنه ولن يكلف الله ما لا طاقة له به ".
وعن عمار في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " المريض إذا لم
يقدر أن يصلي قاعدا كيف قدر صلى أما أن يوجه فيومئ إيماء، وقال يوجه كما يوجه الرجل
في لحده وينام على جنبه الأيمن ثم يومئ بالصلاة فإن لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن
فكيف ما قدر فإنه له جائز ويستقبل بوجهه القبلة ثم يومئ بالصلاة إيماء ".
وروى المحقق في المعتبر قال: " روى أصحابنا عن حماد (4) عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال " المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعدا يوجه كما يوجه الرجل في لحده
وينام على جانبه الأيمن ثم يومئ بالصلاة فإن لم يقدر على جانبه الأيمن فكيف ما قدر فإنه

(1) ص 59
(2) الوسائل الباب 1 من القيام
(3) الوسائل الباب 1 من القيام
(4) مستدرك الوسائل الباب 1 من القيام
75

جائز ويستقبل بوجهه القبلة ثم يومئ بالصلاة إيماء " وهذا الخبر نقله أيضا الشهيدان في
الذكرى والروض.
وظاهر الفاضل الخراساني في الذخيرة أن هذه الرواية رواية عمار المذكورة وأن
المحقق في المعتبر أسندها إلى حماد وتبعه الشهيدان، حيث قال بعد موثقة عمار المذكورة:
وفي متن هذه الرواية اضطراب ونقلها في المعتبر بوجه آخر وتبعه على ذلك الشهيدان
وهو هذا " المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعدا يوجه كما يوجه الرجل في لحده " وهي على هذا
الوجه تسلم من الاضطراب وأسندها إلى حماد وهي كذلك في بعض نسخ التهذيب. انتهى
وظني بعد ما تمحله وما أدري ما الحامل له على ذلك مع أن المحقق في المعتبر
كثيرا ما ينقل أخبارا زائدة على ما في الكتب الأربعة من الأصول التي عنده. وما
ذكره من التعلل بالاضطراب وأنه برواية المحقق تسلم من الاضطراب فلا يخفى على المتتبع
لروايات عمار ما في كثير منها من الغرائب والاضطراب كما نبهنا عليه في غير موضع مما
تقدم. ونسخ المعتبر وكذا كتابي الشهيدين متفقة على حماد دون عمار. وبالجملة فالظاهر
عندي أنها رواية مستقلة متنا وسندا.
وروى الصدوق مرسلا عن النبي (صلى الله عليه وآله) (1) قال: " قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) المريض يصلي قائما فإن لم يستطع صلى جالسا فإن لم
يستطع صلى على جنبه الأيمن فإن لم يستطع صلى على جنبه الأيسر فإن لم يستطع استلقى
وأومأ إيماء وجعل وجهه نحو القبلة وجعل سجوده أخفض من ركوعه ".
وروى في الكافي عن محمد بن إبراهيم عن من حدثه عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) قال: " يصلي المريض قائما فإن لم يقدر على ذلك صلى قاعدا فإن لم يقدر
صلى مستلقيا يكبر ثم يقرأ فإذا أراد الركوع غمض عينيه ثم يسبح ثم بفتح عينيه ويكون
فتح عينيه رفع رأسه من الركوع فإذا أراد أن يسجد غمض عينيه ثم يسبح فإذا سبح فتح

(1) الوسائل الباب 1 من القيام. والرواية (2) جارية على الوافي دون الوسائل والكافي
(2) الوسائل الباب 1 من القيام. والرواية (2) جارية على الوافي دون الوسائل والكافي
76

عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود ثم يتشهد وينصرف ".
وروى في التهذيب بسنده عن محمد بن إبراهيم عن من حدثه عن أبي عبد الله
(عليه السلام) ورأوه في الفقيه مرسلا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" يصلي المريض قائما فإن لم يقدر على ذلك صلى جالسا فإن يقدر على ذلك صلى مستلقيا
يكبر ثم يقرأ فإذا أراد الركوع غمض عينيه ثم يسبح فإذا سبح فتح عينيه فيكون فتح
عينيه رفع رأسه من الركوع فإذا أراد أن يسجد غمض عينيه ثم يسبح فإذا سبح فتح
عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود ثم يتشهد وينصرف ".
وروى الصدوق في كتاب عيون أخبار الرضا عن عبد السلام بن صالح الهروي
وبأسانيد ثلاثة أخرى عن الرضا عن آبائه (عليهم السلام) (2) قال: " قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله) إذا لم يستطع الرجل أن يصلي قائما فليصل جالسا فإن لم يستطع
فليصل مستلقيا ناصبا رجليه حيال القبلة يومئ إيماء ".
وقال في كتاب دعائم الاسلام (3) " وروينا عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي
(عليهم السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) سئل عن صلاة العليل فقال يصلي
قائما فإن لم يستطع صلى جالسا.. إلى أن قال فإن لم يستطع أن يصلي جالسا صلى مضطجعا
لجنبه الأيمن ووجهه إلى القبلة فإن لم يستطع أن يصلي على جنبه الأيمن صلى مستلقيا
ورجلاه مما بلي القبلة يومئ إيماء ".
وبالجملة فإن الأخبار وكلام الأصحاب متفق على الانتقال إلى الاضطجاع بعد
تعذر القعود وإنما الخلاف في الموضعين المذكورين في كيفية الاضطجاع التي ينتقل إليها
فظاهر الأخبار كما عرفت وظاهر كلام جملة من الأصحاب التخيير بين الاضطجاع على
الجانب الأيمن الجانب الأيسر وبه صرح الشيخ في موضع من المبسوط وهو ظاهر

(1) الوسائل الباب 1 من القيام
(2) الوسائل الباب 1 من القيام
(3) مستدرك الوسائل الباب 1 من القيام
77

المحقق في الشرائع والنافع والعلامة في الإرشاد.
وقال في المعتبر: ومن عجز عن القعود صلى مضطجعا على جانبه الأيمن مومئا وهو
مذهب علمائنا، ثم قال: وكذا لو عجز عن الصلاة على جانبه صلى مستلقيا. ولم يذكر
الجانب الأيسر، ونحوه في المنتهى. وظاهر هما تعيين الجانب الأيمن خاصة.
وقال العلامة في التذكرة بعد أن ذكر الاضطجاع على الجانب الأيمن: ولو اضطجع
على شقه الأيسر مستقبلا فالوجه الجواز. وظاهره التخيير أيضا وبه قطع في النهاية لكنه
قال إن الأيمن أفضل.
وجزم الشهيد ومن تأخر عنه بوجوب تقديم الأيمن على الأيسر وهو الأظهر بحمل
مطلق الأخبار على مقيدها، ويدل على ما قلناه صريحا مرسلة الصدوق عن النبي (صلى
الله عليه وآله) وهو ظاهر روايتي عمار وحماد المتقدمتين، ودعوى الاتحاد بعيد كما
عرفت، والتقريب فيهما قوله (عليه السلام) " فإن لم يقدر على جانبه الأيمن
فكيف ما قدر " وإن كان يقتضي استواء الاستلقاء والاضطجاع على الأيسر عند تعذر
الأيمن إلا أن قوله " ويستقبل بوجهه القبلة " يدل على الانتقال إلى الأيسر لأن به
يحصل الاستقبال بالوجه حقيقة دون الاستلقاء. وأما ما في بقية رواية عمار من التهافت
كما في كثير من رواياته فلا يضر بعد ظهور المطلوب منها.
وبذلك يظهر ضعف القول بالتخيير استنادا إلى اطلاق بعض أخبار المسألة،
وأضعف منه قوله من اقتصر على الجانب الأيمن ثم الاستلقاء مع تعذره ولم يذكر الجانب
الأيسر كما هو ظاهر الفاضلين في المعتبر والمنتهى وإن دل عليه الخبر المتقدم نقله عن
كتاب دعائم الاسلام، إلا أنه معارض بما نقلناه من الأخبار الثلاثة مضافا إلى ما عرفت
من عدم الاعتماد على أخبار الكتاب المذكور وإن صلحت للتأييد. وبالجملة فإن فيه إلغاء
لهذه الأخبار التي ذكرناها.
بقي الكلام في الأخبار الدالة على الانتقال إلى الاستلقاء بعد تعذر الجلوس،
78

قال في المعتبر بعد نقل رواية حماد المتقدمة: وفي رواية محمد بن إبراهيم عن من حدثه
عن أبي عبد الله (عليه السلام) ثم ساق الخبر كما قدمناه، ثم قال وهذه تدل على انتقاله
بعد العجز عن الصلاة قاعدا إلى الاستلقاء لكن الرواية الأولى أشهر وأظهر بين الأصحاب
لأنها مسندة وهذه مجهولة الراوي. وقال في المدارك: وربما وجد في بعضها أنه ينتقل إلى
الاستلقاء بالعجز عن الجلوس وهو متروك. انتهى.
وبالجملة فإن هذه الأخبار لا قائل بها ويؤيد ضعفها والاعراض عنها أنها مخالفة
لظاهر الآية أعني قوله سبحانه " الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم " (1)
التي قدمنا تفسيرها بالأخبار الدالة على التفصيل بالصلاة قائما أو قاعدا إن ضعف عن القيام
أو على الجنب إن ضعف عن القعود، ومن الظاهر عدم دخول المستلقي في ذلك.
والأظهر حمل هذه الأخبار على التقية (2) كما صرح به شيخنا المجلسي في البحار
وبذلك أيضا صرح الفاضل الخراساني في الذخيرة فقال بعد ذكر خبر عمار ومرسلة محمد
ابن إبراهيم: والجمع بين الروايتين بحمل المرسلة المذكورة على التقية غير بعيد. انتهى
وبذلك يظهر لك قوة ما اخترناه.
وتمام التحقيق في المقام يتوقف على بيان أمور: (الأول) المشهور أنه يجب الايماء
في حالتي الصلاة مضطجعا على جنبه أو مستلقيا بالرأس إن أمكن وإلا فبالعينين لكل
من الركوع والسجود.

(1) سورة آل عمران الآية 191
(2) قال في بدائع الصنائع ج 1 ص 605: فإن عجز عن القعود يستلقي ويومئ
إيماء.. إلى أن قال وما ذكرناه هو المشهور من الروايات، ثم نقل رواية عن ابن عمر
عن النبي (ص) تدل على ذلك وعلله بايماء المستلقي برأسه إلى القبلة بخلاف ما إذا صلى
على الجنب فإنه ينحرف عنها ولا يجوز ذلك من غير ضرورة، ثم قال وروى عمران بن
حفص قال: " مرضت فعادني رسول الله (ص) فقال صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن
لم تستطع فعلى جنبك تومئ إيماء " وبه أخذ إبراهيم النخعي والشافعي.
79

ومتى كان الايماء بالرأس فليكن الايماء للسجود أخفض من الركوع كما تقدم في
مرسلة الفقيه عنه (صلى الله عليه وآله).
وروى في الفقيه مرسلا (1) قال: " أمير المؤمنين (عليه السلام) دخل
رسول الله (صلى الله عليه وآله) على رجل من الأنصار وقد شبكته الريح فقال يا رسول الله
(صلى الله عليه وآله) كيف أصلي؟ فقال إن استطعتم أن تجلسوه وإلا فوجهوه
إلى القبلة ومروه فليوم برأسه إيماء ويجعل السجود أخفض من الركوع وإن كان لا يستطيع
أن يقرأ فاقرأوا عنده واسمعوه ".
وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) قال: " سألته عن المريض إذا لم يستطع القيام والسجود؟ قال يومئ برأسه
إيماء، وأن يضع جبهته على الأرض أحب إلي ".
وروى في الفقيه والتهذيب عن إبراهيم بن أبي زياد الكرخي (3) قال: " قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل شيخ كبير لا يستطع القيام إلى الخلاء لضعفه ولا يمكنه
الركوع والسجود؟ فقال ليوم برأسه إيماء وإن كان له من يرفع الخمرة إليه فليسجد
فإن لم يمكنه ذلك فليوم برأسه نحوه القبلة إيماء.. الحديث ".
وأما أنه مع العجز عن الايماء بالرأس فبالعينين وهو عبارة عن تغميضهما حال
الركوع والسجود كما تقدم في مرسلة محمد بن إبراهيم برواية المشايخ الثلاثة (4) إلا أن
موردها الاستلقاء ومورد الايماء بالرأس في الروايات المتقدمة الاضطجاع على أحد الجانبين
والأصحاب قد رتبوا بينهما في كل من الموضعين، والوقوف على ظاهر الأخبار أولى إلا
مع عدم إمكان الايماء بالرأس من المضطجع فإنه لا مندوحة عن الانتقال إلى الايماء
بالعينين. ولعل الأخبار إنما خرجت مخرج الغالب من أن النائم على أحد جنبيه لا يصعب
عليه الايماء برأسه والمستلقي لمزيد الضعف لا يمكنه الايماء بالرأس.

(1) الوسائل الباب 1 من القيام
(2) الوسائل الباب 1 من القيام
(3) الوسائل الباب 1 من القيام
(4) هكذا العبارة في النسخ
80

(الثاني) - الظاهر أنه لا خلاف بينهم في أنه لو قدر المريض الذي فرضه الايماء
بالرأس سواء كان جالسا أو مضطجعا على رفع موضع السجود والسجدة عليه وجب ذلك
لصدق السجود عليه شرعا وإن تعذر بعض شروطه للضرورة، قال في المدارك: وإنما
يجزئ الايماء إذا لم يمكن أن يصير بصورة الساجد بأن يجعل مسجده على شئ مرتفع
يضع جبهته عليه. وقال في الذكرى: ولو أمكن تقريب مسجد إليه ليضع عليه جبهته ويكون
بصورة الساجد وجب.
ويدل عليه رواية الكرخي المتقدمة وكذا صحيحة الحلبي أو حسنته المتقدمة فإن
قوله (عليه السلام) " وأن يضع جبهته على الأرض " إنما هو برفع ما يسجد عليه، فإن
مورد الخبر من تعذر عليه السجود وكان حكمه الايماء، والمراد بالأرض شئ منها يرفع إليه
وما رواه الشيخ في الحسن عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) قال: " لا يصلي على الدابة الفريضة إلا مريض يستقبل به القبلة وتجزئه
فاتحة الكتاب، ويضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شئ ويومئ في النافلة إيماء ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال
" سألته عن المريض فقال يسجد على الأرض أو على المروحة أو على سواك يرفعه وهو
أفضل من الايماء، إنما كره من كره السجود على المروحة من أجل الأوثان التي كانت تعبد
من دون الله وأنا لم نعبد غير الله عز وجل قط فاسجد على المروحة أو على عود أو على سواك "
وعن أبي بصير (3) قال: " سألته عن المريض هل تمسك له المرأة شيئا يسجد
عليه؟ قال لا إلا أن يكون مضطرا ليس عنده غيرها وليس شئ مما حرم الله إلا وقد
أحله لمن اضطر إليه ".
(الثالث) - هل يجب أن يضع على جبهته شيئا حال الايماء أو يستحب؟

(1) الوسائل الباب 14 من القبلة
(2) الوسائل الباب 15 من ما يسجد عليه
(3) الوسائل الباب 1 من القيام
81

قيل بالأول لظاهر ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة (1) قال: " سألته عن
المريض لا يستطيع الجلوس؟ قال فليصل وهو مضطجع وليضع على جبهته شيئا إذا سجد
فإنه يجزئ عنه ولن يكلف الله ما لا طاقة له به ".
وما رواه الحميري في كتاب قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي
ابن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) (2) قال: " سألته عن المريض الذي لا يستطيع
القعود ولا الايماء كيف يصلي وهو مضطجع؟ قال يرفع مروحة إلى وجهه ويضع على جبينه
ويكبر هو.. الحديث ".
قال في الذكرى بعد نقل موثقة سماعة: قلت يمكن أن يراد به مع اعتماده على ذلك
الشئ وهذا لا ريب في وجوبه، ويمكن أن يكون على الاطلاق أما مع الاعتماد فظاهر
وأما مع عدمه فلأن السجود عبارة عن الانحناء وملاقاة الجبهة ما يصح السجود عليه باعتماد
فإذا تعذر ذلك وملاقاة الجبهة ممكنة وجب تحصيله لأن الميسور لا يسقط بالمعسور (3)
فإن قلنا به أمكن انسحابه في المستلقي. انتهى.
أقول: لا يخفى أن مورد الموثقة المذكورة وكذا الرواية الثانية إنما هو وضع
شئ على الجبهة لا وضع الجبهة على شئ والاعتماد إنما يتم مع الثاني لا الأول.
وظاهر السيد في المدارك الاستحباب فإنه قال بعد أن ذكر حسنة الحلبي المتقدمة
المشتملة على قوله: " وأن يضع جبهته على الأرض أحب إلي " ما لفظه: ويستفاد من هذه
الرواية استحباب وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه حال الايماء، ويدل عليه أيضا
صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ثم ساق الرواية المتقدمة، ثم قال: وقيل
بالوجوب لأن السجود عبارة عن الانحناء، ثم ذكر تعليل الذكرى المتقدم ثم قال
ويؤيده مضمرة سماعة، ثم قال وفي التعليل نظر وفي الرواية ضعف إلا أن العمل بما

(1) الوسائل الباب 1 من القيام
(2) الوسائل الباب 1 من القيام
(3) عوائد النراقي ص 88 وعناوين مير فتاح ص 146 عن عوالي اللئالي عن علي (ع)
82

تضمنته أحوط. انتهى.
أقول: أنت خبير بما ذكرناه أن الكلام هنا يقع في مقامين (أحدهما) وضع
الجبهة على ما يصح السجود عليه، و (الثاني) وضع ما يصح السجود عليه على الجبهة كما
أشرنا إليه في المقام من الصورتين المذكورتين، وأن الصورة الأولى تتعين وتجب مع
الامكان كما عرفت ومحل الخلاف إنما هو الثانية، وحسنة الحلبي وصحيحة زرارة
المذكورتان موردهما الصورة الأولى لا الثانية كما يظهر من كلامه غاية الأمر أنهما ليستا في
الصراحة مثل رواية الكرخي وحسنة عبد الرحمان بن أبي عبد الله البصري.
والظاهر أن السبب في حمله لهما على ما ذكره هو ما صرح به في صدر البحث كما
قدمنا نقله عنه من أنه متى أمكن أن يرفع له شيئا يسجد عليه فلا يجوز له الايماء وهاتان
الروايتان ربما ظهر منهما التخيير مع استحباب وضع الجبهة على الأرض لقوله في الأولى
" أحب إلي " وفي الثانية " وهو أفضل من الايماء " وحينئذ فلا يصح حملهما على إمكان
رفع شئ يسجد عليه لأن ذلك واجب البتة فيتعين حملهما على وضع شئ على الجبهة كما
تضمنته موثقة سماعة.
وفيه أن هذه العبارة كثيرا ما يرمى بها في مقام الوجوب كما قدمنا الإشارة إليه
في مبحث الأوقات في معنى قولهم (عليهم السلام) (1) " إن الوقت الأول أفضل "
من أنه لا يستلزم حصول فضل في الوقت الثاني، فمعنى كون الصلاة بهذه الكيفية أحب
إليه وأفضل ليس على معنى التفضيل، وهو كثير في الكلام كقولهم " السيف أمضى
من العصا " وقوله تعالى: " ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة " (2) ولا ريب في
كون الواجب أحب وأفضل.
ويؤيد ما ذكرناه أن مورد الخبرين كما عرفت هو أن يضع جبهته على الأرض
ويسجد على الأرض أو على مروحة أو سواك والوضع على الأرض والسجود يقتضي

(1) الوسائل الباب 3 من المواقيت
(2) سورة الجمعة الآية 11
83

الاعتماد غالبا، لا أنه يضع الأرض أو المروحة والسواك على جبهته كما هو مدلول موثقة
سماعة وأحدهما غير الآخر.
وبالجملة فالظاهر من الخبرين إنما هو ما قلناه من جعلهما من أدلة المسألة التي
لا خلاف فيها هو وجوب رفع ما يسجد عليه إذا أمكن كما هو ظاهرهما، وما يتوهم
من منافاة تلك العبارة فيندفع بما ذكرناه ومثله في الأخبار غير عزيز.
وأما ما ذكره في الذكرى في موثقة سماعة أولا من احتمال حملها على الاعتماد على
ذلك الشئ فبعيد جدا كما عرفت وإنما معناها الظاهر هو وضع شئ على الجبهة.
بقي الكلام في توجيه وجوب ذلك بالتقريب الذي ذكره فإنه محل اشكال لعدم
ثبوت الخبر الذي ذكره، فإنا لم نقف عليه مسندا في كتب الأخبار وإنما يتناقله الفقهاء
في كتب الفروع مع ما فيه من الاجمال المانع من الاستناد إليه في الاستدلال.
وبالجملة فالواجب من السجود يقينا هو الانحناء إلى أن يضع جبهته على الأرض
باعتماد ومع تعذر هذه الكيفية فايجاب غيرها يحتاج إلى دليل. نعم قام الدليل في صورة
ما إذا أمكن أن يرفع إليه شئ يسجد عليه كما قدمنا ذكره في الأخبار وبقي الباقي وبذلك
يظهر حمل الرواية على الاستحباب. والله العالم.
(المسألة الخامسة) - قد صرح الأصحاب بأنه لو تجدد عجز القائم قعد ولو
تجددت قدرة العاجز عن القيام قام وتفصيل هذا الاجمال يقع في مقامين:
(الأول) - أن من كان يصلي قائما فتجدد له العجز عن القيام قعد ومن كان
يصلي قاعدا فتجدد له العجز عن القعود اضطجع، وبالجملة فكل من تجدد له العجز في
مرتبة عليا انتقل إلى أدناها.
ثم إنه متى كان تجدد العجز قبل القراءة فإنه يقرأ قاعدا وإن كان في أثناء القراءة
فلا اشكال في أنه يبنى على ما أتى به من القراءة حال القيام.
وإنما الاشكال في أنه هل يقرأ في حال الانتقال أم لا؟ وجهان بل قولان،
84

ظاهر المشهور الأول وعللوه بالمحافظة على القراءة في المرتبة العليا مهما أمكن لأن حالة
الهوى أعلى من حالة القعود فتكون أولى بالقراءة لكونها أقرب إلى ما كان عليه. وقيل
بالثاني لاشتراط القراءة بالطمأنينة والاستقرار فيترك القراءة إلى أن يستقر.
والشهيد قد وافق المشهور في سائر كتبه إلا أنه استشكل في الذكرى فقال: ويقرأ
في انتقاله إلى ما هو أدنى لأن تلك الحال أقرب إلى ما كان عليه. ويشكل بأن الاستقرار
شرط مع القدرة ولم يحصل وتنبه عليه رواية السكوني عن الصادق (عليه السلام) (1)
" في المصلي يريد التقدم؟ قال يكف عن القراءة في مشيه حتى يتقدم ثم يقرأ " وقد عمل
الأصحاب بمضمون الرواية. انتهى.
وأجاب في الروض عن ذلك بأن الاستقرار شرط في القراءة مع الاختيار لا مطلقا
وحصوله بعد الانتقال إلى الأدنى يوجب فوات الحالة العليا بالكلية وعلى تقدير القراءة
يفوت الوصف خاصة وهو الاستقرار وفوات الوصف أولى من فوات الموصوف والصفة
أو الموصف وحده، وقد تقدم الكلام على نظيره في ما لو تعارض الصلاة قائما غير
مستقر وجالسا مستقرا. وأما الرواية فعلى تقدير الالتفات إليها لا حجة فيها على محل
النزاع بوجه لأن الحالتين متساويتان في الاختيار بخلاف المتنازع. انتهى.
أقول: لا ريب أن المسألة خالية من النص واثبات الأحكام الشرعية بمثل هذه
التعليلات قد عرفت ما فيه في غير موضع مما تقدم، إلا أنا نقول على سبيل المجاراة معهم
بناء على قواعدهم أن قول شيخنا في الروض بأن الاستقرار شرط في القراءة مع الاختيار
صحيح، وهو هنا كذلك أيضا فإن الاضطرار إنما تعلق هنا بالانتقال من حال القيام إلى
حال القعود والشارع قد جعل القعود بمنزلة القيام، وأما بالنسبة إلى القراءة فالواجب أن
يراعى فيها شرطها وهو الاستقرار والطمأنينة فينبغي أن يترك القراءة بعد الانتقال حتى
يستقر جالسا. وما عللوا به الوجوب في حال الانتقال - من أن حال الهوى أعلى من حال

(1) الوسائل الباب 34 من القراءة
85

القعود فيكون أولى بالقراءة - عليل إذ الواجب عندنا في تأسيس الأحكام الشرعية هو
الاعتماد على النصوص الجلية دون التخريجات العقلية. وما ذكره ههنا في كلامه على الشهيد
من أن الاستقرار وصف للقراءة حسبما قدمه في المسألة التي أشار إليها قد بينا ضعفه في تلك
المسألة وقلنا إن الاستقرار واجب من واجبات الصلاة إن قارن القراءة أو القيام ونحوهما
قالوا: وإن كان بعد الفراغ من القراءة ركع جالسا وإن كان في أثناء الركوع فإن
كان بعد الذكر جلس مستقرا للفصل بينه وبين السجود بدلا عن القيام من الركوع
وإن لم يمكنه رفع رأسه في حالة هويه، ولو كان قبل الذكر ففي الركوع جالسا أو الاجتزاء
بما حصل من الركوع وجهان مبنيان على أن الركوع هل يتحقق بمجرد الانحناء إلى أن
يصل كفاه ركبتيه والباقي من الطمأنينة والرفع أفعال خارجة؟ والأصح أن مسمى
الركوع يتحقق بمجرد الانحناء المذكور فلا يركع جالسا مرة أخرى لئلا يلزم زيادة
الركن، إلى غير ذلك من الفروع التي رتبوها. وإنما ذكرنا ما ذكرناه أنموذجا من كلامهم
ومن أراد مزيد تحقيق كلامهم والرجوع إلى نقضهم في ذلك وابرامهم فليرجع إلى
مطولاتهم (رضوان الله عليهم).
(الثاني) إن من كان يصلي قاعدا مثلا فتجددت له القدرة على القيام أو
مضطجعا فتجددت له القدرة على الجلوس وهكذا من كان في حالة دنيا وقدر على حالة
عليا، قالوا إنه ينتقل إليها تاركا للقراءة إن كانت القدرة في أثنائها أو قبلها لانتقاله إلى
الحالة العليا ويبنى على ما قرأ في الحالة الدنيا، وقيل يجوز الاستئناف بل هو أفضل لتقع
القراءة متتالية في الحالة العليا. يشكل باستلزامه زيادة الواجب مع حصول الامتثال
وسقوط الفرض بما أتى به أولا.
ولو خف بعد القراءة وجب القيام للهوى للركوع ليركع عن قيام لما تقدم من أن
القيام الركني إنما يتحقق مع اتصاله بالركوع.
أقول: وقد تقدم الكلام في وجوب الطمأنينة في هذا القيام وعدمه وأن الأظهر
86

العدم وخالف في ذلك الشهيد في الذكرى وقد نقلنا كلامه وبينا ما فيه.
قالوا: ولو خف في الركوع قبل الطمأنينة وجب اكماله بأن يرتفع منحنيا إلى حد
الراكع وليس له الانتصاب لئلا يزيد ركنا ثم يأتي بالذكر الواجب من أوله وإن كان قد أتى
ببعضه بناء على الاجتزاء بالتسبيحة الواحدة فلا يجوز البناء على بعضها لعدم سبق كلام
تام، ويحتمل ضعيفا البناء بناء على أن هذا الفصل يسير لا يقدح في الموالاة. ولو أوجبنا
تعدد التسبيح وكان قد شرع فيه فإن كان أثناء تسبيحة استأنفها كما مر وإن كان بين
تسبيحتين أتى بما بقي واحدة كان أو اثنتين.
ولو خف بعد الذكر فقد تم ركوعه فيقوم معتدلا مطمئنا. ولو خف بعد الاعتدال
من الركوع قام ليسجد عن قيام ثم إن لم يكن قد اطمأن وجبت في القيام وإلا كفى
ما يتحقق به الفصل بين الحركتين المتضادتين.
أقول: وأكثر ما ذكروه في هذا المقام لا يخرج عن القواعد الشرعية والضوابط
المرعية ولا بأس بالعمل به. والله العالم.
(المسألة السادسة) - من المستحبات في هذا المقام أما بالنسبة إلى القائم فأمور:
(منها) أن يفرق الرجل بين قدميه من ثلاث أصابع إلى شبر وقد تقدم الكلام
في ذلك في البيان المتعلق برواية حماد في أول المقصد، وأما المرأة فإنها تجمع بين قدميها
كما تقدم في رواية زرارة في الموضع المشار إليه.
و (منها) أن يستقبل بأصابع رجليه جميعا القبلة كما تضمنته رواية حماد المذكورة
و (منها) أن يرسل يديه على فخذيه مضمومة الأصابع لقول حماد في خبره
" فأرسل يديه جميعا على فخذيه قد ضم أصابعه... الحديث " وظاهره ضم الابهام إلى
الأصابع، وفي صحيح زرارة المتقدم ثمة " واسدل منكبيك وارسل يديك ولا تشبك
أصابعك وليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك " وأما المرأة فإنها تضم يديها إلى صدرها
لمكان ثدييها كما تقدم في رواية زرارة المشار إليها.
87

و (منها) إقامة نحره لما تقدم (1) في مرسلة حريز الواردة في تفسير قوله عز وجل
" فصل لربك وانحر " قال: " النحر الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه ونحره " ونقل
عن أبي الصلاح أنه يستحب أن يرسل ذقنه إلى صدره حال القيام والخبر المذكور حجة عليه.
و (منها) النظر إلى موضع سجوده نظر تخشع وخضوع لا نظر تحديق إليه لقوله
(عليه السلام) في صحيحة زرارة المتقدمة في صدر المقصد، " وليكن نظرك إلى موضع
سجودك " وقوله (عليه السلام) في كتاب الفقه الرضوي (2) " ويكون بصرك في
موضع سجودك ما دمت قائما ".
و (منها) ما ذكره الشهيد في النفلية وهو عدم التورك وهو الاعتماد على إحدى الرجلين
تارة وعلى الأخرى، وعد في الذكرى في المستحبات أن يثبت على قدميه ولا
يتكئ مرة على هذه ومرة على الأخرى ولا يتقدم مرة ويتأخر أخرى قال قاله الجعفي.
أقول: ويدل عليه قوله (عليه السلام) في كتاب الفقه الرضوي (3) " ولا تتكئ
مرة على رجلك ومرة على الأخرى ".
ثم إنه لا يخفى أنه قد تقدم أن مذهب الأصحاب وجوب الاعتماد على الرجلين
وظاهره أن الاتكاء على إحداهما مناف للاعتماد عليهما إذا الاتكاء هو الاعتماد لغة وعرفا،
فكيف حكموا هنا بالكراهة ومقتضى ما ذكروه ثمة هو التحريم لا الكراهة؟ مع أنه
قد تقدم خبر أبي حمزة الدال على أن علي بن الحسين (عليهما السلام) كان يطول
القيام يتوكأ مرة على رجله اليمنى ومرة على رجله اليسرى.
و (منها) لزوم السمت الذي يتوجه إليه فلا يلتفت إلى أحد الجانبين لما روى عنه
(صلى الله عليه وآله) (4) من قوله " أما يخاف الذي يحول وجهه في الصلاة أن يحول الله
وجهه وجه حمار؟ " قال شيخنا الشهيد الثاني في شرح النفلية ووجه التخويف العظيم أن
الغرض من الصلاة الالتفات إلى الله تعالى والملتفت فيها يمينا وشمالا ملتفت عن الله وغافل

(1) ص 65
(2) ص 7
(3) ص 7
(4) البحار ج 18 الصلاة ص 201
88

عن مطالعة أنوار كبريائه ومن كان كذلك فيوشك أن تدوم تلك الغفلة عليه فيتحول
وجه قلبه كوجه قلب الحمار في قلة غفله للأمور العلوية وعدم اكرامه بشئ من العلوم
والقرب من الله تعالى.
و (منها) ما ذكره الصادق (عليه السلام) في خبر أبان ومعاوية بن وهب وهو
ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في الصحيح عن أبان ومعاوية بن وهب (1)
قالا " قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا قمت إلى الصلاة فقل اللهم إني أقدم إليك محمدا
(صلى الله عليه وآله) بين يدي حاجتي وأتوجه به إليك فاجعلني به وجيها عندك في الدنيا
والآخرة ومن المقربين واجعل صلاتي به مقبولة وذنبي به مغفورا ودعائي به مستجابا
إنك أنت الغفور الرحيم ".
وروى في الكافي عن أحمد بن محمد البرقي عن بعض أصحابنا رفعه (2) قال:
" تقول قبل دخولك في الصلاة اللهم إني أقدم محمدا نبيك (صلى الله عليه وآله) بين
يدي حاجتي وأتوجه به إليك في طلبتي فاجعلني به وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين
اللهم اجعل صلاتي بهم مقبولة وذنبي بهم مغفورا ودعائي بهم مستجابا يا أرحم الراحمين "
وروى الشيخ في التهذيب عن صفوان الجمال (3) قال: شهدت أبا عبد الله (عليه
السلام) استقل القبلة قبل التكبير فقال اللهم لا تؤيسني من روحك ولا تقنطني من
رحمتك ولا تؤمني مكرك فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون (4). قلت جعلت
فداك ما سمعت بهذا من أحد قبلك؟ فقال إن من أكبر الكبائر عند الله اليأس من روح
الله والقنوط من رحمة الله والأمن من مكر الله ".
وروى في الكافي عن علي بن النعمان عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليهم
السلام) (5) قال: " كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول من قال هذا القول كان

(1) الوسائل الباب 15 من القيام. والرواية (3) للكليني لا للشيخ كما في الوسائل والوافي باب القيام إلى الصلاة
(2) الوسائل الباب 15 من القيام. والرواية (3) للكليني لا للشيخ كما في الوسائل والوافي باب القيام إلى الصلاة
(3) الوسائل الباب 15 من القيام. والرواية (3) للكليني لا للشيخ كما في الوسائل والوافي باب القيام إلى الصلاة
(5) الوسائل الباب 15 من القيام. والرواية (3) للكليني لا للشيخ كما في الوسائل والوافي باب القيام إلى الصلاة
(4) سورة الأعراف، الآية 97 " فلا يأمن. "
89

مع محمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله) إذا قام من قبل أن يستفتح الصلاة: اللهم إني
أتوجه إليك بمحمد وآل محمد وأقدمهم بين يدي صلاتي وأتقرب بهم إليك فاجعلني بهم
وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين أنت مننت علي بمعرفتهم فاختم لي بطاعتهم ومعرفتهم
وولايتهم فإنها السعادة اختم لي بها إنك على كل شئ قدير ثم تصلي... الحديث ".
و (منها) ما ذكره الرضا (عليه السلام) في كتاب الفقه الرضوي (1) وأسنده
في الذكرى إلى الصدوق ومن الظاهر أنه إنما أخذه من الكتاب المذكور، قال (عليه
السلام): " إذا أردت أن تقوم إلى الصلاة فلا تقم إليها متكاسلا ولا متناعسا ولا مستعجلا
ولا متلاهيا ولكن تأتيها على السكون والوقار والتؤدة وعليك بالخشوع والخضوع متواضعا
لله عز وجل متخاشعا عليك خشية وسيما الخوف راجيا خائفا بالطمأنينة على الوجل والحذر
فقف بين يديه كالعبد الآبق المذنب بين يدي مولاه فصف قدميك وانصب نفسك
ولا تلتفت يمينا وشمالا وتحسب أنك تراه فإن لم يكن تراه فإنه يراك، ولا تعبث
بلحيتك ولا بشئ من جوارحك ولا تفرقع أصابعك ولا تحك بدنك ولا تولع بأنفك
ولا بثوبك، ولا تصل وأنت متلثم ولا يجوز للنساء الصلاة وهن متنقبات، ويكون
بصرك في موضع سجودك ما دمت قائما، وأظهر عليك الجزع والهلع والخوف وارغب
مع ذلك إلى الله عز وجل، ولا تتكئ مرة على رجلك ومرة على الأخرى، وتصلي صلاة
مودع ترى أنك لا تصلي أبدا، واعلم أنك بين يدي الجبار ولا تعبث بشئ من الأشياء
ولا تحدث لنفسك وافرغ قلبك وليكن شغلك في صلاتك وارسل يديك ألصقهما بفخذيك
فإذا افتتحت الصلاة فكبر... إلى آخره " وأما بالنسبة إلى القعود فقد تقدم في الموضع
الرابع من المسألة الثالثة (2). والله العالم.

(1) ص 7
(2) ص 73
90

الفصل الرابع
في القراءة والنظر في واجباتها ومستحباتها ولواحقها وحينئذ فيجب بسط الكلام
فيها في بحوث ثلاثة (الأول) في واجباتها وفيه مسائل: (الأولى) لا خلاف نصا
وفتوى في وجوب قراءة الحمد عينا في الصلاة الواجبة في ركعتي الصبح وأوليي الصلوات
الباقية، وعليه عمل النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) من بعده
وبه استفاضت أخبارهم.
إنما الخلاف في الركنية وعدمها فالمشهور - بل ادعى عليه الشيخ (قدس سره) في
الخلاف الاجماع - على العدم، ونقل في المبسوط عن بعض أصحابنا القول بركنيتها.
ويدل على المشهور ما رواه الكليني في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن
أحدهما (عليهما السلام) (1) قال: " إن الله عز وجل فرض الركوع والسجود، والقراءة
سنة فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة ومن نسي القراءة فقد تمت صلاته ولا شئ
عليه " ورواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) مثله (2).
وروى في الفقيه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) قال:
" لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود، ثم قال القراءة
سنة والتشهد سنة ولا تنقض السنة الفريضة ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)
قال: " قلت الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الأوليين فيذكر في الركعتين
الأخيرتين أنه لم يقرأ؟ قال أتم الركوع والسجود؟ قلت نعم. قال إني أكره أن أجعل
آخر صلاتي أولها ".

(1) الوسائل الباب 27 من القراءة
(2) الوسائل الباب 27 من القراءة
(3) الوسائل باب 29 من القراءة
(4) الوسائل الباب 30 من القراءة
91

وعن أبي بصير في الموثق (1) قال: " إذا نسي أن يقرأ في الأولى والثانية أجزأه
تسبيح الركوع والسجود، وإن كانت الغداة فنسى أن يقرأ فيها فليمض في صلاته " إلى
غير ذلك من الأخبار الدالة على صحة الصلاة مع نسيانها.
وربما استدل على القول بالركنية بما رواه محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر
(عليه السلام) (2) قال: " سألته عن الذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته؟ قال
لا صلاة له إلا أن يقرأ بها في جهر أو إخفات " وحملها الأصحاب على ترك القراءة عمدا
جمعا بينها وبين ما تقدم من الأخبار.
وعندي في المقام اشكال لم أعثر على من تنبه له ولا نبه عليه وهو أن الفرض
الذي تجب إعادة الصلاة بتركه عمدا أو نسيانا هو ما ثبت وجوبه بالكتاب العزيز
وأما ما ثبت وجوبه بالسنة فهو واجب لا تبطل الصلاة بتركه سهوا، وبذلك صرح
الأصحاب وإليه تشير صحاح زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمات، مع أنه قد ورد في القرآن
العزيز ما يدل على الأمر بالقراءة في الصلاة كقوله عز وجل " فاقرأوا ما تيسر من
القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله
وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرأوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة " (3) وهي ظاهرة
في ما ذكرناه.
وبعض الأصحاب استدل بالآية على وجوب القراءة في الصلاة من حيث دلالة
الأمر على الوجوب وأجمعوا على أنها لا تجب في غير الصلاة فتجب فيها. وبعض استدل
بالتقريب المذكور على وجوب السورة حيث قالوا الأمر للوجوب وما تيسر عام فوجب
قراءة كل ما تيسر لكن وجوب الزائد على مقدار الحمد والسورة منفي بالاجماع فيبقى
وجوب السورة سالما عن المعارض. وفيه ما سيأتي عند ذكر المسألة إن شاء الله تعالى.

(1) الوسائل الباب 29 من القراءة
(2) الوسائل الباب 1 و 27 من القراءة
(3) سورة المزمل، الآية 20
92

ويعضد هذه الآية أيضا قوله عز وجل " ورتل القرآن ترتيلا " (1) وقوله:
" فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله " (2) فإنهم قد استدلوا على استحباب الاستعاذة في
الصلاة بهذه الآية.
وبذلك ينبغي أن تكون القراءة فريضة كالركوع والسجود، وهذه الآيات في
دلالتها على ما قلناه لا تقصر عن آيات الركوع والسجود من قوله عز وجل " واركعوا
مع الراكعين " (3) وقوله " يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا " (4) ونحوهما.
وبالجملة فإن دلالتها على ما ذكرناه أظهر من أن يذكر. ولعل من ذهب إلى الركنية نظر
إلى دلالة هذه الآيات فتكون من قبيل الركوع والسجود وفرائض الصلاة. إلا أن
الأخبار كما عرفت قد صرحت بأنها ليست بفريضة وأن الصلاة لا تبطل بتركها سهوا
كالفرائض من الركوع والسجود، والأمر في ذلك مرجوع إليهم (عليهم السلام)
فليس لنا إلا الانقياد والتسليم بعد ثبوت الحكم عنهم (عليهم السلام).
ثم إن من الأخبار الدالة على ما ذكرناه من وجوب القراءة صحيحة محمد بن
مسلم الأخيرة ورواية أبي بصير (5) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل
نسي أم القرآن؟ فقال إن كان لم يركع فليعد أم القرآن ".
وعن سماعة في الموثق (6) قال: " سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى
فاتحة الكتاب؟ قال فليقل استعيذ بالله من الشيطان الرجيم إنه هو السميع العليم ثم ليقرأها
ما دام لم يركع فإنه لا قراءة حتى يبدأ بها في جهر أو إخفات ".
وروى الصدوق بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) (7)
أنه قال: " إنما أمر الناس بالقراءة في الصلاة لئلا يكون القرآن مهجورا منسيا وليكون

(1) سورة المزمل، الآية 4
(2) سورة النحل، الآية 100
(3) سورة البقرة، الآية 40
(4) سورة الحج، الآية 76
(5) الوسائل الباب 28 من القراءة
(6) الوسائل الباب 28 من القراءة
(7) الوسائل الباب 1 من القراءة
93

محفوظا مدروسا فلا يضمحل ولا يجهل، وإنما بدئ بالحمد دون سائر السور لأنه ليس
شئ من القرآن والكلام جمع فيه من جوامع الخير والحكمة ما جمع في سورة الحمد...
الحديث " قال: وقال الرضا (عليه السلام) " إنما جعل القراءة في الركعتين الأوليين
والتسبيح في الأخيرتين للفرق بين ما فرض الله من عنده وبين ما فرضه الرسول
(صلى الله عليه وآله).
وروى محمد بن الحسين الرضي في كتاب المجازات النبوية عنه (صلى الله عليه وآله) (1)
" كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج " إلى غير ذلك من الأخبار.
وتنقيح الكلام في المقام لئلا يتطرق إليه النقض والابرام يتوقف على بيان
جملة من الأحكام: (الأول) قد عرفت بما ذكرنا من الأخبار مضافا إلى اتفاق علمائنا
الأبرار وجوب الحمد في كل من الثنائية وأوليي غيرها، وهل تتعين الفاتحة في النافلة؟
الأشهر الأظهر ذلك لأن الصلاة كيفية متلقاة من الشرع فيجب الوقوف فيها على ما ثبت
نقله عن الشارع. ونقل عن العلامة في التذكرة أنه لا يجب قراءة الفاتحة فيها للأصل. وقيل
عليه أنه إن أراد الوجوب بالمعنى المصطلح الشرعي فهو حق لأن الأصل إذا لم يكن واجبا
لم تجب أجزاؤه، وإن أراد ما يعم الوجوب الشرطي بحيث تنعقد النافلة بدون القراءة
- وهو الظاهر من كلامه - فهو ممنوع وسند المنع ما ذكرنا آنفا. أقول: ولو تم ما
ذكره لجرى في جميع واجبات الصلاة من ذكر الركوع والسجود والتشهد ونحوها
والظاهر أنه لا يلتزمه.
(الثاني) - قد صرح الأصحاب من غير خلاف يعرف في الباب بأنه يجب
قراءة الحمد أجمع ولا تصح الصلاة مع الاخلال ولو بحرف واحد منها عمدا حتى التشديد
لأن الاتيان بها إنما يتحقق مع الاتيان بجميع أجزائها فيلزم من الاخلال بالجزء الاخلال
بها، ومن الحروف التشديد في مواضعه فإنه حرف وزيادة: أحدهما الحرف والآخر ادغامه

(1) الوسائل الباب 1 من القراءة
94

في حرف آخر، والادغام بمنزلة الاعراب لا يجوز الاخلال به فالاخلال بالادغام اخلال
بشيئين حينئذ، ولو فكه بطلت وإن لم يسقط الحرف لزوال الادغام وعدم وقوع
القراءة على الكيفية المنزلة.
وكما تبطل بالاخلال بحرف تبطل أيضا بترك الاعراب والمراد به ما يشمل الحركات
البنائية، ولا فرق في الاخلال بين كونه مغيرا للمعنى كضم تاء " أنعمت " أولا كفتح
دال " الحمد " وإن كان قد ورد في الشواذ لأن الاعراب كيفية للقراءة وكما وجب
الاتيان بحروفها وجب الاتيان بالاعراب المتلقى من صاحب الشرع.
وحكى في المعتبر عن بعض الجمهور أنه لا يقدح في الصحة الاخلال بالاعراب
الذي لا يغير المعنى لصدق القراءة معه، قال في المدارك وهو منسوب للمرتضى في بعض
رسائله ثم قال ولا ريب في ضعفه.
ثم قال ولا يخفى أن المراد بالاعراب هنا ما تواتر نقله في القرآن لا ما وافق العربية
لأن القراءة سنة متبعة، وقد نقل جمع من الأصحاب الاجماع على تواتر القراءات
السبع (1) وحكى في الذكرى عن بعض الأصحاب أنه منع من قراءة أبي جعفر ويعقوب
وخلف وهي كمال العشر ثم رجح الجواز لثبوت تواترها كتواتر السبع. قال المحقق
الشيخ علي بعد نقل ذلك وهذا لا يقصر عن ثبوت الاجماع بخبر الواحد فيجوز القراءة
بها. وهو غير جيد لأن ذلك رجوع عن اعتبار التواتر. وقد نقل جدي (قدس سره)
عن بعض محققي القراء أنه أفرد كتابا في أسماء الرجال الذين نقلوا هذه القراءات في كل
طبقة وهم يزيدون عما يعتبر في التواتر، ثم حكى عن جماعة من القراءة أنهم قالوا ليس
المراد بتواتر السبع والعشر أن كل ما ورد من هذه القراءات متواتر بل المراد انحصار
التواتر الآن في ما نقل من هذه القراءات فإن بعض ما نقل عن السبعة شاذ فضلا عن

(1) القراء السبعة هم عبد الله بن عامر وعبد الله بن كثير وعاصم وأبو عمرو بن العلاء
وحمزة بن زيات ونافع والكسائي.
95

غيرهم. وهو مشكل جدا لكن المتواتر لا يشتبه بغيره كما يشهد به الوجدان.
وعلى هذا المنوال من الحكم بتواتر هذه القراءات عنه (صلى الله عليه وآله) جرى
كلام غيره من علمائنا في هذه المجال، وهو عند من رجع إلى أخبار الآل (عليهم
صلوات ذي الجلال) لا يخلو من الاشكال وإن اشتهر في كلامهم وصار عليه مدار نقضهم
وابرامهم حتى قال شيخنا الشهيد الثاني في شرح الرسالة الألفية مشير إلى القراءات السبع:
فإن الكل من عند الله تعالى نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين (صلى الله
عليه وآله) تخفيفا على الأمة وتهوينا على أهل هذه الملة (1) انتهى.
وفيه (أولا) أن هذا التواتر المدعى إن ثبت فإنما هو من طريق العامة الذين

(1) قال آية الله الأستاذ السيد أبو القاسم الخوئي دام ظله في البيان ج 1 ص 92:
ذهب جمع من علماء أهل السنة إلى تواترها - القراءات - عن النبي (ص) ونقل عن
السبكي القول بتواتر القراءات العشر، وأفرط بعضهم فزعم أن من قال إن القراءات السبع
يلزم فيها التواتر فقوله كفر، ونسب هذا الرأي إلى مفتي البلاد الأندلسية (أبي سعيد
فرج بن لب) والمعروف عند الشيعة أنها غير متواترة بل القراءات بين ما هو اجتهاد من
القارئ وبين ما هو منقول بخبر الواحد، واختار هذا القول جماعة من المحققين من أهل
السنة وغير بعيد أن يكون هذا هو المشهور بينهم، وقد حقق - دامت بركاته - البحث
تحقيقا وافيا بما لا مزيد عليه وبرهن على عدم تواترها - بعد بيان حال القراء - بما حاصله
(1) أن استقراء حال القراء يورث القطع بأن القراءات نقلت إلينا بأخبار الآحاد فليست هي
متواترة عن القراء (2) وأن التأمل في الطرق التي أخذ القراء عنها يدل بالقطع على أنها إنما
نقلت إليهم بطريق الآحاد (3) وأن اتصال الأسانيد بهم أنفسهم يقطع التواتر حتى لو كان
متحققا في جميع الطبقات فإن كان قارئ إنما ينقل قراءته بنفسه (4) وأن احتجاج كل قارئ
على صحة قراءته واعراضه عن قراءة غيره دليل قطعي على استنادها إلى اجتهادهم دون
التواتر عن النبي (ص) وإلا لم يحتج إلى الاحتجاج (5) أضف إلى ذلك إنكار جملة من الأعلام
على جملة من القراءات ولو كانت متواترة لما صح هذا الانكار. ومن أراد التفصيل
فليرجع إليه.
96

هم النقلة لتلك القراءات والرواة لها في جميع الطبقات وإنما تلقاها غيرهم عنهم وأخذوها
منهم، وثبوت الأحكام الشرعية بنقلهم وإن ادعوا تواتره لا يخفى ما فيه.
و (ثانيا) ما ذكره الإمام الرازي في تفسيره الكبير حيث قال على ما نقله
بعض محدثي أصحابنا (رضوان الله عليهم): اتفق الأكثرون على أن القراءات
المشهورة منقولة بالتواتر، وفيه اشكال لأنا نقول إن هذه القراءات منقولة بالتواتر، وإن الله خير المكلفين بين هذه القراءات فإن كان كذلك كان ترجيح بعضها على
بعض واقعا على خلاف الحكم الثابت بالتواتر فوجب أن يكون الذاهبون إلى ترجيح
البعض على البعض مستوجبين للفسق إن لم يلزمهم الكفر، كما ترى أن كل واحد من
هؤلاء القراء يختص بنوع معين من القراءة ويحمل الناس عليه ويمنعهم من غيره،
وإن قلنا بعدم التواتر بل ثبوتها من طرق الآحاد فحينئذ يخرج القرآن عن كونه مفيدا
للجزم والقطع وذلك باطل قطعا. انتهى.
والجواب عن ذلك بما ذكره شيخنا الشهيد الثاني الذي هو أحد المشيدين
لهذه المباني وهو ما أشار إليه سبطه هنا من أنه ليس المراد بتواترها أن كل ما ورد متواتر
بل المراد انحصار المتواتر الآن في ما نقل إلا من القراءات فإن بعض ما نقل عن السبعة
شاذ فضلا عن غيرهم كما حققه جماعة من أهل هذا الشأن. انتهى -
منظور فيه من وجهين (أحدهما) ما ذكره سبطه في الجواب عن ذلك من أن
المتواتر لا يشتبه بغيره كما يشهد به الوجدان فلو كان بعضها متواترا كما ادعاه لصار
معلوما على حدة لا يشتبه بما هو شاذ نادر كما ذكره والحال أن الأمر ليس كذلك.
و (ثانيهما) ما ذكره في شرح الألفية مما قدمنا نقله عنه فإن ظاهره كون جميع
تلك القراءات مما ثبت عن الله عز وجل بطريق واحد وهو ما ادعوه من التواتر.
وبالجملة فإنه لو كان هنا شئ متواتر من هذه القراءات في الصدر الأول أعني زمن
أولئك القراء أو كلها متواترة لم يجز هذا التعصب الذي ذكره الرازي بين أولئك القراء في حمل
97

كل منهم الناس على قراءته والمنع من متابعة غيره، وهذا كما نقل عن النحويين من
التعصب من كل منهم في ما ذهب إليه ونسبة غيره إلى الغلط مع أنهم الواسطة في النقل
عن الغرب ومذاهبهم في النحو كاشفة عن كلام العرب في تلك المسائل. والاشكال
الذي ذكره الرازي ثمة جار أيضا في هذا المقام كما لا يخفي على ذوي الأفهام.
و (ثالثا) وهو العمدة أن الوارد في أخبارنا يدفع ما ذكروه فروى ثقة الاسلام
في الكافي عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " إن القرآن واحد نزل
من عند الواحد ولكن الاختلاف يجيئ من قبل الرواة ".
وروى فيه أيضا في الصحيح عن الفضيل بن يسار (2) قال: " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام) إن الناس يقولون نزل القرآن على سبعة أحرف؟ فقال كذبوا أعداء الله
ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد ".
قال المحدث الكاشاني في كتاب الصافي بعد نقل الخبرين المذكورين والمقصود
منهما واحد وهو أن القراءة الصحيحة واحدة إلا أنه (عليه السلام) لما علم أنهم فهموا
من الحديث الذي رووه صحة القراءات جميعا مع اختلافها كذبهم. انتهى.
ويقرب من ذلك ما رواه في الكافي أيضا في الصحيح إلى المعلي بن خنيس (3)
قال: " كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) ومعنا ربيعة الرأي فذكر القرآن فقال
أبو عبد الله (عليه السلام) إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضال فقال ربيعة
الرأي ضال؟ فقال نعم. ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام) أما نحن فنقرأ على قراءة أبي ".
قال في كتاب الوافي: والمستفاد من هذا الحديث أن القراءة الصحيحة هي قراءة
أبي وأنها الموافقة لقراءة أهل البيت (عليهم السلام) إلا أنها اليوم غير مضبوطة عندنا
إذ لم تصل إلينا قرائته في جميع ألفاظ القرآن. انتهى.
أقول: لعل كلامه (عليه السلام) في آخر الحديث إنما وقع على سبيل التنزل

(1) الوافي ج 5 باب " اختلاف القراءات "
(2) الوافي ج 5 باب " اختلاف القراءات "
(3) الوافي ج 5 باب " اختلاف القراءات "
98

والرعاية لربيعة الرأي حيث إنه معتمد العامة في وقته تلافيا لما قاله في حق ابن مسعود
وتضليله له مع أنه عندهم بالمنزلة العليا سيما في القراءة وإلا فإنهم (عليهم السلام) لا يتبعون
أحدا وإنما هم متبوعون لا تابعون.
ثم اعلم أن العامة قد رووا في أخبارهم أن القرآن قد نزل على سبعة أحرف كلها
شاف واف (1) وادعوا تواتر ذلك عنه (صلى الله عليه وآله) واختلفوا في معناه إلى
ما يبلغ أربعين قولا أشهرها الحمل على القراءات السبع.
وقد روى الصدوق (قدس سره) في كتاب الخصال (2) باسناده إليهم (عليهم
السلام) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاني آت من الله عز وجل يقول إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد فقلت يا رب وسع على أمتي فقال إن
الله يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف ".
وفي هذا الحديث ما يوافق خبر العامة المذكورة مع أنه (عليه السلام) قد نفى
ذلك في الأحاديث المتقدمة وكذبهم في ما زعموه من التعدد، فهذا الخبر بظاهره مناف
لما دلت عليه تلك الأخبار والحمل على التقية أقرب قريب فيه وإن احتمل أيضا حمل السبعة
الأحرف فيه على اللغات يعني سبع لغات كما قاله ابن الأثير في نهايته في تفسير حديثهم المتقدم،
قال أراد بالحرف اللغة أي سبع لغات من لغات العرب أي أنها مفرقة في القرآن فبعضه بلغة
قريش وبعضه بلغة هذيل وبعضه بلغة هوازن وبعضه بلغة اليمن وليس معناه أن يكون في
الحرف الواحد سبعة أوجه، على أنه قد جاء في القرآن ما قرئ بسبعة وعشرة... ومما يبين
ذلك قول ابن مسعود إني قد سمعت القراء فوجدتهم متقاربين فاقرأوا كما علمتم إنما هو مثل
قول أحدكم هلم وتعال وأقبل. وفيه أقوال غير ذلك هذا أحسنها. انتهى.
ثم إن الذي يظهر من الأخبار أيضا هو وجوب القراءة بهذه القراءات المشهورة
لا من حيث ما ذكروه من ثبوتها وتواترها عنه (صلى الله عليه وآله) بل من حيث

(1) تفسير الطبري ج 1 ص 9
(2) ج 2 ص 11
99

الاستصلاح والتقية.
فروى في الكافي بسنده إلى بعض الأصحاب عن أبي الحسن (عليه السلام) (1)
قال: " قلت له جعلت فداك إنا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها ولا
نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم فهل نأثم؟ فقال لا اقرأوا كما تعلمتم فسيجئ من يعلمكم "
وروى فيه بسنده إلى سالم بن سلمة (2) قال: " قرأ رجل على أبي عبد الله (عليه
السلام) - وأنا أستمع - حروفا من القرآن ليس على ما يقرأها الناس؟ فقال أبو عبد الله
(عليه السلام) كف عن هذه القراءة اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم... الحديث "
وبالجملة فالنظر في الأخبار وضم بعضها إلى بعض يعطي جواز القراءة لنا بتلك
القراءات رخصة وتقية وإن كانت القراءة الثابتة عنه (صلى الله عليه وآله) إنما هي واحدة
وإلى ذلك أيضا يشير كلام شيخ الطائفة المحقة (قدس سره) في التبيان حيث
قال: إن المعروف من مذهب الإمامية والتطلع في أخبارهم ورواياتهم أن القرآن نزل
بحرف واحد على نبي واحد غير أنهم أجمعوا على جواز القراءة بما يتداوله القراء وأن
الانسان مخير بأي قراءة شاء قرأ، وكرهوا تجريد قراءة بعينها. انتهى ومثله أيضا كلام
الشيخ أمين الاسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان حيث قال: الظاهر من مذهب الإمامية أنهم أجمعوا على القراءة المتداولة بين القراء وكرهوا تجريد قراءة مفردة والشائع
في أخبارهم (عليهم السلام) أن القرآن نزل بحرف واحد. انتهى.
وكلام هذين الشيخين (عطر الله مرقديهما) صريح في رد ما ادعاه أصحابنا
المتأخرون (رضوان الله عليهم) من تواتر السبع أو العشر، على أن ظاهر جملة من
علماء العامة ومحققي هذا الفن انكار ما ادعى هنا من التواتر أيضا.

(1) الوسائل الباب 74 من القراءة. وقد صححنا الحديث على كتب الحديث
ارجع إلى الوافي باب " اختلاف القراءات " وأصول الكافي باب " أن القرآن يرفع
كما أنزل " والنوادر.
(2) تقدم آنفا
100

قال الشيخ العلامة شمس الدين محمد بن محمد الجزري الشافعي المقرئ في كتاب
النشر للقراءات العشر (1) على ما نقله بعض مشايخنا المعاصرين: كل قراءة وافقت
العربية ولو بوجه ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا وصح سندها فهي القراءة
الصحيحة التي لا يجوز ردها ولا يحل انكارها بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها
القرآن ووجب على الناس قبولها سواء كانت عن الأئمة السبعة أم العشرة أم غيرهم من
الأئمة المقبولين، ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة أطلق عليها ضعيفة أو شاذة
أو باطلة سواء كانت عن السبعة أم عن من هو أكبر منهم، هذا هو الصحيح عند أئمة
التحقيق من السلف والخلف صرح بذلك الإمام الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعيد
الداني ونص عليه في غير موضع الإمام أبو محمد مكي بن أبي طالب وكذلك الإمام أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي وحققه الإمام الحافظ أبو القاسم عبد الرحمان بن إسماعيل
المعروف بأبي شامة وهو مذهب السلف الذي لا يعرف عن أحد منهم خلافه، قال
أبو شامة في كتابه (المرشد الوجيز): فلا ينبغي أن يغتر بكل قراءة تعزى إلى واحد
من هؤلاء الأئمة السبعة ويطلق عليها لفظ الصحة وأنها هكذا أنزلت إلا إذا دخلت في
ذلك الضابط، وحينئذ لا ينفرد بنقلها مصنف دون غيره ولا يختص ذلك بنقلها عنهم بل إن نقلت عن غيرهم من القراء فذلك لا يخرجها عن الصحة فإن الاعتماد على استجماع
تلك الأوصاف لا على من تنسب إليه فإن القراءات المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة
وغيرهم منقسمة إلى المجمع عليه والشاذ غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم وكثرة الصحيح
المجتمع عليه في قراءتهم تركن النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما ينقل عن غيرهم. انتهى
وهو - كما ترى - صريح في أن المعيار في الصحة إنما هو على ما ذكروه من الضابط
لا على مجرد وروده عن السبعة فضلا عن العشرة وأن العمل على هذا الضابط المذكور

(1) ج 1 ص 9. واسم الكتاب في النسخة المطبوعة وفي كشف الظنون ج 2 ص
1952 " النشر في القراءات العشر "
101

مذهب السلف والخلف فكيف يتم ما ادعاه أصحابنا (رضوان الله عليهم) من
تواتر هذه السبع؟
ويؤيد ذلك ما نقله شيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني قال
سمعت شيخي علامة الزمان وأعجوبة الدوران يقول إن جار الله الزمخشري ينكر تواتر
السبع ويقول إن القراءة الصحيحة التي قرأ بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنما هي
في صفتها وإنما هي واحدة والمصلي لا تبرأ ذمته من الصلاة إلا إذا قرأ بما وقع فيه
الاختلاف على كل الوجوه كمالك وملك وصراط وسراط وغير ذلك. انتهى. وهو
جيد وجيه بناء على ما ذكرنا من البيان والتوجيه ولولا ما رخص لنا به الأئمة (عليهم
السلام) من القراءة بما يقرأ الناس لتعين عندي العمل بما ذكره.
ثم أقول: ومما يدفع ما ادعوه أيضا استفاضة الأخبار بالتغيير والتبديل في جملة
من الآيات من كلمة بأخرى زيادة على الأخبار المتكاثرة بوقوع النقص في القرآن
والحذف منه كما هو مذهب جملة من مشايخنا المتقدمين والمتأخرين (1).
ومن الأول ما ورد في قوله عز وجل: " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة " (2)
ففي تفسير العياشي عن الصادق (عليه السلام) (3) " أنه قرأ أبو بصير عنده هذه الآية
فقال (عليه السلام) ليس هكذا أنزلها الله تعالى وإنما نزلت وأنتم قليل " وفي آخر
" وما كانوا أذلة وفيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإنما نزل ولقد نصركم

(1) ذكر آية الله الأستاذ الخوئي دام ظله في البيان ج 1 ص 139 أن المشهور بين
علماء الشيعة ومحققيهم بل المتسالم عليه بينهم هو القول بعدم التحريف وأنه ذهب إليه جماعة
من المحدثين من الشيعة وجمع من علماء أهل السنة كما نسبه إليهم الرافعي في اعجاز القرآن
ص 41. وقد أجاب عن الروايات التي تمسك بها القائلون به بنحو لا يبقى مجال للتشكيك
ومن أراد فليرجع إلى البيان ج 1 ص 175.
(2) سورة آل عمران الآية 119
(3) تفسير الصافي في تفسير الآية
102

الله ببدر وأنتم ضعفاء "
وما ورد في قوله عز وجل " لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار " (1)
ففي الاحتجاج عن الصادق (عليه السلام) والمجمع عن الرضا (عليه السلام) (2)
" لقد تاب الله بالنبي عن المهاجرين " والقمي عن الصادق (عليه السلام) " وهكذا
أنزلت " وفي الاحتجاج عنه (عليه السلام) (3) " وأي ذنب كان لرسول الله (صلى
الله عليه وآله) حتى تاب منه؟ إنما تاب الله به على أمته ".
وما ورد في قوله تعالى " وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم
الأرض.. الآية " (4) ففي المجمع عن السجاد والباقر والصادق (عليهم السلام) (5)
" أنهم قرأوا خالفوا " والقمي عن العالم (عليه السلام) (6) والكافي والعايشي عن
الصادق (عليه السلام) مثله (7) قال: " ولو كانوا خلفوا لكانوا في حال طاعة ".
وما ورد في قوله عز وجل " له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من
أمر الله " (8) ففي تفسير القمي عن الصادق (عليه السلام) (9) " أن هذه الآية قرئت
عنده فقال لقارئها ألستم عربا فكيف تكون المعقبات من بين يديه؟ وإنما المعقب من خلفه
فقال الرجل جعلت فداك كيف هذا؟ فقال إنما أنزلت (له معقبات من خلفه ورقيب من
بين يديه يحفظونه بأمر الله) ومن ذا الذي يقدر أن يحفظ الشئ من أمر الله؟ وهم الملائكة
المقربون الموكلون بالناس " ومثله في تفسير العياشي (10).
وأنت خبير بأن ظواهر هذه الآيات لا تنطبق على ما نطقت به هذه الروايات
إلا بارتكاب التكلفات والتعسفات.

(1) سورة التوبة، الآية 118
(2) تفسير الصافي في تفسير الآية
(3) تفسير الصافي في تفسير الآية
(4) سورة التوبة، الآية 119
(5) تفسير الصافي في تفسير الآية
(6) تفسير الصافي في تفسير الآية
(7) تفسير الصافي في تفسير الآية
(8) سورة الرعد، الآية 12
(9) تفسير الصافي في تفسير الآية
(10) تفسير الصافي في تفسير الآية
103

ونحو ذلك ما ورد في قوله عز وجل " فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن " (1)
ففي الكافي عن الصادق (عليه السلام) (2) إنما أنزلت " فما استمتعتم به منهن إلى أجل
مسمى فآتوهن أجورهن " والعياشي عن الباقر (عليه السلام) (3) أنه كان يقرأها
كذلك. وروته العامة أيضا عن جمع من الصحابة (4).
وما رواه الشيخ في التهذيب عن غالب بن الهذيل (5) قال: " سألت أبا جعفر
(عليه السلام) عن قول الله عز وجل " فامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين " (6)
على الخفض هي أم على النصب؟ قال بل هي على الخفض " مع أن قراءة النصب إحدى
القراءات السبع (7).
ومثله ما ورد في قوله تعالى " سلام على آل ياسين " (8) فإنها قراءة أهل البيت
(عليهم السلام) وبها وردت أخبارهم (9) مع أن قراءة " الياسين " إحدى القراءات
السبع (10) إلى غير ذلك من المواضع التي لا يسع المقام الاتيان عليها.
وأما أخبار القسم الثاني فهي أكثر وأعظم من أن يأتي عليها قلم البيان في هذا
المكان، واللازم أما العمل بما قالوه من أن كل ما قرأت به القراء السبعة وورد عنهم في
اعراب أو كلام أو نظام فهو الحق الذي نزل به جبرئيل (عليه السلام) من رب العالمين
على سيد المرسلين، وفيه رد لهذه الأخبار على ما هي عليه من الصحة والصراحة والاشتهار
وهذا مما لا يكاد يتجرأ عليه المؤمن بالله سبحانه ورسوله (صلى الله عليه وآله) والأئمة

(1) سورة النساء، الآية 24
(2) الوسائل الباب 1 من المتعة
(3) تفسير الصافي في تفسير الآية
(4) تفسير القرطبي ج 5 ص 139
(5) الوسائل الباب 25 من الوضوء
(6) سورة المائدة، الآية 6
(7) وهي قراءة نافع وابن عامر والكسائي وعاصم كما في مجمع البيان ج 2 ص 163
(8) سورة الصافات، الآية 130
(9) تفسير الصافي في تفسير الآية
(10) وهي قراءة ابن عامر ونافع كما في مجمع البيان ج 4 ص 456
104

الأطهار (عليهم السلام) وأما العمل بهذه الأخبار وبطلان ما قالوه وهو الحق الحقيق
بالاتباع لذوي البصائر والأفكار. والله العالم.
(الثالث) - لا خلاف بين الأصحاب في أن البسملة آية من الفاتحة ومن كل
سورة تجب قراءتها معها ما عدا سورة براءة، وعليه تدل الأخبار المتكاثرة:
فروى ثقة السلام في الكافي عن معاوية بن عمار (1) قال: " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام) إذا قمت للصلاة اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة القرآن؟ قال نعم.
قلت فإذا قرأت فاتحة الكتاب اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم مع السورة؟ قال نعم ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (2) قال: " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن السبع المثاني والقرآن العظيم هي الفاتحة؟ قال نعم. قلت بسم الله
الرحمن الرحيم من السبع؟ قال نعم هي أفضلهن ".
وعن معاوية بن عمار في الصحيح (3) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
إذا قمت إلى الصلاة اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة القرآن؟ قال نعم. قلت فإذا قرأت
فاتحة الكتاب اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم مع السورة؟ قال نعم ".
وما رواه في الكافي عن يحيى بن أبي عمران الهمداني (4) قال: " كتبت إلى
أبي جعفر (عليه السلام) جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ ببسم الله الرحمن الرحيم
في صلاته وحده في أم الكتاب فلما صار إلى غير أم الكتاب من السورة تركها فقال
العياشي ليس بذلك بأس؟ فكتب بخطه يعيدها مرتين على رغم أنفه يعني العياشي ".
قوله " يعيدها " يعني الصلاة وحمله على البسملة بعيد وقوله " مرتين " يتعلق بقوله
" كتب " لا بقوله " يعيدها " إذ لا معنى لإعادة الصلاة مرتين. والعياشي إن حمل على الرجل
المشهور صاحب التفسير المشهور هو محمد بن مسعود العياشي فينبغي تخصيصه بكون ذلك في
أول أمره فإنه كان من فضلاء العامة ثم استبصر ورجع إلى مذهب الشيعة فالحمل عليه بالتقريب

(1) الوسائل الباب 11 من القراءة والرواية (3) يرويها الشيخ عن الكليني
(2) الوسائل الباب 11 من القراءة والرواية (3) يرويها الشيخ عن الكليني
(3) الوسائل الباب 11 من القراءة والرواية (3) يرويها الشيخ عن الكليني
(4) الوسائل الباب 11 من القراءة والرواية (3) يرويها الشيخ عن الكليني
105

المذكور غير بعيد (1) ويحتمل غيره من المشهورين في ذلك الوقت.
وروى العياشي في تفسيره عن يونس بن عبد الرحمان عن من رفعه (2) قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم " (3) قال هي
سورة الحمد وهي سبع آيات منها بسم الله الرحمن الرحيم، وإنما سميت المثاني لأنها
تثنى في الركعتين ".
ومنه عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) (4) قال: " سرقوا أكرم
آية في كتاب الله: بسم الله الرحمن الرحيم ".
ومنه عن صفوان الجمال (5) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) ما أنزل الله
من السماء كتابا إلا وفاتحته بسم الله الرحمن الرحيم وإنما كان يعرف انقضاء السورة بنزول
بسم الله الرحمن الرحيم ابتداء للأخرى ".
ومنه عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده عن علي (عليه السلام) (6) قال:
" بلغه أن أناسا ينزعون بسم الله الرحمن الرحيم فقال هي آية من كتاب الله أنساهم
إياها الشيطان ".
ومنه عن خالد بن المختار (7) قال: " سمعت جعفر بن محمد (عليهما السلام)

(1) قال في ريحانة الأدب ج 3 ص 142 في ترجمة العياشي: لم نظفر بتاريخ وفاته
إلا أنه يظهر من طبقته أنه من أعلام أواخر القرن الثالث بل يحتمل أنه تجاوزه إلى القرن
الرابع أيضا. وفي الذريعة ج 4 ص 195 عده من طبقة ثقة الاسلام الكليني. وقد عنونه
الشيخ الطوسي في كتاب الرجال في باب من لم يرو عنهم " ع " وبهذا يبعد الحمل عليه لبعد
كونه في أول أمره معاصرا للجواد " ع " بحيث يكون مفتيا. وفي الطبعة الحديثة من فروع
الكافي ج 1 ص 313 " العباسي " بالباء الموحدة والسين المهملة، وفي التعليقة " 2 " منه
قال: هو هشام بن إبراهيم العباسي وكان يعارض الرضا والجواد " ع ".
(2) مستدرك الوسائل الباب 1 من القراءة
(3) سورة الحجر، الآية 87
(4) مستدرك الوسائل الباب 8 من القراءة
(5) مستدرك الوسائل الباب 8 من القراءة
(6) مستدرك الوسائل الباب 8 من القراءة
(7) مستدرك الوسائل الباب 8 من القراءة
106

يقول ما لهم قاتلهم الله عمدوا إلى أعظم آية في كتاب الله فزعموا أنها بدعة إذا أظهروها؟
وهي بسم الله الرحمن الرحيم ".
ومنه عن محمد بن مسلم (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول
الله عز وجل " ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم " (2) فقال فاتحة الكتاب يثنى
فيها القول. قال: وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن الله تعالى من علي بفاتحة
الكتاب من كنز الجنة، فيها " بسم الله الرحمن الرحيم " الآية التي يقول الله تعالى فيها
" وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا " (3) و " الحمد لله رب
العالمين " دعوى أهل الجنة حين شكروا لله حسن الثواب " مالك يوم الدين " قال
جبرئيل ما قالها مسلم قط إلا صدقه الله وأهل سماواته " وإياك نعبد " اخلاص للعبادة
" وإياك نستعين " أفضل ما طلب به العباد حوائجهم " اهدنا الصراط المستقيم صراط
الذين أنعمت عليهم " صراط الأنبياء وهم الذين أنعم الله عليهم " غير المغضوب عليهم "
اليهود " ولا الضالين " النصارى " إلى غير ذلك من الأخبار الآتي ذكر جملة منها
إن شاء الله تعالى.
وهذه الأخبار - كما ترى - ظاهرة في أن البسملة جزء من الفاتحة بل من كل سورة
تجب قراءتها مع كل منها. والمشهور بين الأصحاب أنها آية من كل سورة صرح به
الشيخ في الخلاف والمبسوط وبه قطع عامة المتأخرين. ونقل عن ابن الجنيد أنها في الفاتحة
بعضها وفي غيرها افتتاح لها. وهو متروك واثباتها في المصاحف مع كل سورة مع محافظتهم
على تجرده مما ليس منه دليل على ضعف ما ذهب إليه.
ثم لا يخفي أنه قد ورد جملة من الأخبار أيضا مما هو ظاهر المنافاة للأخبار المتقدمة
ومنها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (4) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه

(1) البحار ج 18 الصلاة ص 236
(2) سورة الحجر، الآية 87
(3) سورة بني إسرائيل، الآية 46
(4) الوسائل الباب 12 من القراءة
107

السلام) عن الرجل يكون إماما فيستفتح بالحمد ولا يقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " فقال
لا يضره ولا بأس " وهو محمول على التقية.
ومنها - ما رواه عن زكريا بن إدريس القمي (1) قال: " سألت أبا الحسن الأول
(عليه السلام) عن الرجل يصلي بقوم يكرهون أن يجهر ب‍ " بسم الله الرحمن الرحيم "
فقال لا يجهر " وهو صريح في التقية وعليه يحمل الخبر الأول كما ذكرنا.
ومنها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن علي الحلبي ومحمد بن علي الحلبي
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) " أنهما سألاه عن من يقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم "
حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب قال نعم إن شاء سرا وإن شاء جهرا. فقالا أفيقرأها مع
السورة الأخرى؟ فقال لا ".
ومنها - ما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (3)
قال: " سألته عن الرجل يفتتح القراءة في الصلاة أيقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم "؟
قال نعم إذا افتتح الصلاة فليقلها في أول ما يفتتح ثم يكفيه ما بعد ذلك ".
وعن مسمع في الحسن أو الموثق (4) قال: " صليت مع أبي عبد الله (عليه السلام)
فقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين " ثم قرأ السورة التي بعد الحمد ولم
يقرأ، " بسم الله الرحمن الرحيم " ثم قام في الثانية فقرأ الحمد ولم يقرأ " بسم الله الرحمن
الرحيم " ثم قرأ بسورة أخرى ".
ولعل الصحيحين الأولين هما مستند ابن الجنيد في ما تقدم نقله عنه، والشيخ
قد أجاب عنهما في التهذيب بالحمل على ما إذا كان في صلاة النافلة وقد قرأ من السورة
الأخرى بعضها ويريد أن يقرأها فحينئذ لا يقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " والظاهر بعده.
وقال في المدارك: والحق أن هذه الروايات إنما تدل على عدم وجوب قراءة
البسملة عند قراءة السورة، وربما كان الوجه فيه عدم وجوب قراءة السورة كما هو

(1) الوسائل الباب 12 من القراءة
(2) الوسائل الباب 12 من القراءة
(3) الوسائل الباب 12 من القراءة
(4) الوسائل الباب 12 من القراءة
108

أحد قولي الأصحاب.
أقول: والظاهر عندي أن هذه الأخبار إنما خرجت مخرج التقية كما صرح به
في الإستبصار، وإلى ذلك تشير روايات العياشي المتقدمة وهي رواية أبي حمزة ورواية
عيسى بن عبد الله ورواية خالد بن المختار. والله العالم.
(الرابع) - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن من لا يحسن
الفاتحة يجب عليه التعلم فإن ضاق الوقت وأمكن الصلاة مأموما أو القراءة من مصحف
إن أحسن ذلك وجب. وقيل بجواز القراءة من المصحف مطلقا وهو ظاهر الخلاف
والمبسوط وبه صرح الفاضلان معللين بأن الواجب مطلق القراءة. ومنع ذلك الشهيد ومن
تبعه للمتمكن من الحفظ.
واستدل على الأول بما رواه الشيخ في الصحيح إلى الحسن بن زياد الصيقل (1)
قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما تقول في الرجل يصلي وهو ينظر في المصحف
يقرأ فيه يضع السراج قريبا منه؟ فقال لا بأس بذلك ".
إلا أنه قد روى الحميري في كتاب قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه
موسى (عليه السلام) (2) قال: " سألته عن الرجل والمرأة يضع المصحف أمامه ينظر
فيه ويقرأ ويصلي؟ قال لا يعتد بتلك الصلاة ".
وأما ما أجاب به في الذخيرة عن هذا الخبر - من حمله على الكراهة حيث اختار
القول الأول - ففيه ما عرفت في غير موضع مما تقدم.
على أنه يمكن الجمع بين الخبرين بحمل الأول على النافلة والثاني على الفريضة، وإلى
هل التفصيل ذهب شيخنا الشهيد الثاني وجمع من الأصحاب في المسألة مع أنه لم ينقلوا
خبر علي بن جعفر المذكور وإنما ذهبوا إلى ذلك يجعله وجه جمع بين التعليلات التي
ذكروها من الطرفين وهي عليلة، وكان الأولى بكل من القائلين الاستناد إلى ما يوافقه

(1) الوسائل الباب 41 من القراءة
(2) الوسائل الباب 41 من القراءة
109

من الروايتين. وبالجملة فإن ما ذكرناه وجه حسن في الجمع بين الخبرين.
ويمكن حمل خبر الصيقل أيضا على حال الضرورة كمحل المسألة وهو ظاهر
الذكرى حيث إنه بعد أن اختار المنع محتجا بأن المأمور به القراءة على ظهر القلب إذ هو
المتبادر إلى الأفهام ثم احتج بخبر عامي قدمه وهو ما رواه عبد الله بن أبي أوفى (1) " أن
رجلا سأل النبي (صلى الله عليه وآله) فقال إني لا أستطيع أن أحفظ شيئا من القرآن فماذا
أصنع؟ فقال له قل سبحان الله والحمد الله " فقال هنا في الاستدلال به: ولأن النبي (صلى
الله عليه وآله) لم يأمر الأعرابي بالقراءة من المصحف، ثم قال: وروى الحسن الصيقل
وساق الحديث المذكور. وظاهره حمله على الضرورة في الصورة المذكورة وإلا فالخبر
باعتبار اطلاقه ظاهر المنافاة لما ذكره فيكون حجة عليه فالواجب الجواب عنه.
ثم إنه مع تعذر الائتمام والقراءة من المصحف فالمستفاد من كلامهم (رضوان الله
عليهم) أنه إما أن يحسن بعض الفاتحة أو لا يحسن شيئا بالكلية، وعلى الأول فإما أن يكون
ما يحسنه آية تامة أم أقل، وعلى الثاني فإما أن يحسن غيرها من القرآن أم لا فههنا صور:
(الأولى) - أن يحسن بعض الفاتحة وكان آية تامة الظاهر أنه لا خلاف
في قراءتها كما ذكره غير واحد منهم.
وهل يقتصر على الآية التي يأتي بها أو يجب التعويض عن باقي الفاتحة بتكرار
تلك الآية أو بغيرها من القرآن أو الذكر مع تعذر الأولين؟ قولان، ظاهر الفاضلين في
المعتبر والمنتهى الأول واختاره في المدارك تمسكا بمقتضى الأصل السالم من المعارض.
واختار العلامة في بعض كتبه على ما نقل عنه التعويض، ونسبه شيخنا الشهيد الثاني في

(1) في سنن أبي داود ج 1 ص 220 عن عبد الله بن أبي أوفى قال " جاء رجل إلى
النبي " صلى الله عليه وآله " فقال إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا فعلمني ما يجزئني منه قال قل سبحان
الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لا حول ولا قوة إلا بالله.. الحديث "
110

الروض إلى المشهور بين المتأخرين، واحتج بعموم " فاقرأوا ما تسير من القرآن " (1)
قال خرج منه ما اتفق على عدم وجوبه وأخرجه الدليل فيبقى الباقي ولا دليل على
الاكتفاء ببعض الفاتحة. انتهى.
ثم إنه على تقدير وجوب التعويض كما هو مقتضى هذا القول فلو علم غيرها من
القرآن فهل يعوض عن الفائت بقراءة ما يعلمه من الفاتحة مكررا بحيث يساويها أم يأتي
ببدله من سورة أخرى؟ قولان، وعلل الأول بأنه أقرب إليها من غيرها، والثاني بأن
الشئ الواحد لا يكون أصلا وبدلا. والتعليلان كما ترى.
(الثانية) - أن يحسن بعض آية وفي وجوب قراءتها عليه هنا أقوال: الأول
الوجوب لما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) (2) " فإن كان معك قرآن فاقرأ به "
الثاني - عدمه استنادا إلى أن النبي أمر الأعرابي أن يحمد الله ويكبره ويهلله، وقوله
" الحمد لله " بعض آية ولم يأمره بتكرارها. واستحسن هذا القول في المعتبر.
الثالث - وجوب قراءتها إن كانت قرآنا وهو المشهور بين المتأخرين.
(الثالثة) - أن لا يحسن شيئا من الفاتحة يحسن غيرها من القرآن، والمشهور
أنه يجب عليه أن يقرأ بدلها من غيرها، قيل إنه يتخير بينه وبين الذكر وهو اختيار
المحقق في الشرائع.
ويمكن الاستدلال على الثاني بما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن
الصادق (عليه السلام) (3) قال: " إن الله فرض من الصلاة الركوع السجود ألا
ترى لو أن رجلا دخل في الاسلام ثم لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبر ويسبح ويصلي "

(1) سورة المزمل، الآية 19
(2) في المنتقى لابن تيمية على هامش نيل الأوطار ج 2 ص 188 عن رفاعة بن
رافع " علم رسول الله " صلى الله عليه وآله " رجلا الصلاة فقال إن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمد الله
وكبره وهلله ثم اركع " (3) الوسائل الباب 3 من القراءة
111

ثم إنه هل يجب مساواة ما يأتي به من غيرها لها في المقدار أم لا؟ ظاهر الشيخ
في المبسوط والمحقق في المعتبر الثاني وظاهر المشهور بين المتأخرين الأول. وعلى هذا
القول فهل تجب المساواة في الحروف أو الآيات أو فيهما؟ أقوال.
(الرابعة) - أن لا يحسن شيئا من القرآن والمشهور أنه يسبح الله تعالى ويهلله
ويكبره، وذكر الشيخ في الخلاف الذكر والتكبير وذكر بعضهم التحميد والتسبيح
والتهليل والتكبير، الموجود في الرواية المتقدمة التي هي مستند هذا الحكم التكبير والتسبيح
قال في الذكرى: ولو قيل بتعين ما يجزئ في الأخيرتين من التسبيح كان
وجها لأنه قد ثبت بدليته عن الحمد في الأخيرتين فلا يقصر بدل الحمد في الأوليين
عنهما. انتهى. وجعله في المدارك أحوط.
وفيه منع ظاهر (أما أولا) فلأن الرواية التي هي مستند هذا الحكم قد اشتملت
على بيان الوظيفة القائمة مقال الحمد فالعدول عنها بمجرد هذه التخريجات لا يخرج عن
الاجتهاد في مقابلة النص.
و (أما ثانيا) فإن ما بنى عليه من بدلية التسبيح عن الحمد في الأخيرتين - بمعنى
أن الأصل في الأخيرتين إنما هو القراءة والتسبيح إنما جعل عوضا عنها - وإن اشتهر بينهم
إلا أنه ممنوع أشد المنع لما سيظهر لك إن شاء الله تعالى في المسألة المذكورة من أن الأمر إنما
هو بالعكس كما استفاضت به أخبار أهل الذكر (عليهم السلام).
ثم إنه هل يجب مساواة ما يأتي به من الذكر للفاتحة أم لا؟ المشهور بين المتأخرين
الأول ونفاه المحقق في المعتبر، قال: وقولنا " بقدر القراءة " نريد به الاستحباب لأن
القراءة إذا سقطت لعدم القدرة سقطت توابعها وصار ما تيسر من الذكر والتسبيح
كافيا. انتهى.
ولو لم يحسن الذكر قال في النهاية يقوم بقدر القراءة ثم يركع إذ لا يلزم من سقوط
الواجب سقوط غيره. انتهى.
112

إذا عرفت ذلك فاعلم أن أكثر ما نقلناه من الأقوال خال من النصوص ولذا
اقتصرنا في ذلك على مجرد النقل، والاحتياط في أمثال هذه المواضع مما لا ينبغي تركه
بل الظاهر أنه الحكم الشرعي كما تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب.
فرع
متى قلنا بوجوب القراءة من المصحف فلو توقف تحصيل المصحف على شراء
أو استئجار أو استعارة وجب ذلك تحصيلا للواجب بقدر الامكان، وكذا لو احتاج إلى
مصباح للظلمة المانعة من القراءة.
(الخامس) - اتفق الأصحاب على أنه لا يجوز القراءة بغير العربية فلا تجزئ
الترجمة لأن الترجمة مغايرة للمترجم، ولقوله عز وجل " إنا أنزلناه قرآنا عربيا " (1)
ووافقنا على ذلك أكثر العامة.
وقال أبو حنيفة تجزئ الترجمة لقوله سبحانه " لأنذركم به ومن بلغ " (2) وإنما
ينذر كل قوم بلسانهم (3).
وفيه (أولا) أن أخبارنا دالة على أن المراد بمن بلغ الأئمة (عليهم السلام) فهو
عطف على الفاعل في قوله " لأنذركم ".
و (ثانيا) أنه مع تسليم عطفه على المفعول فإن الانذار بالقرآن لا يستلزم نقل
اللفظ بعينه إذ مع ايضاح المعنى بالترجمة يصدق أنه أنذرهم بخلاف موضع البحث المطلوب
فيه صورة المنزل.
ولو عجز عن العربية في القراءة ولم يمكنه إلا الترجمة انتقل إلى الذكر بالعربية،
فإن عجز أيضا قالوا وجبت الترجمة، وفي تقديم أي الترجمتين قولان، رجح بعض ترجمة
القرآن لأنها أقرب إليه من ترجمة الذكر، ووجه القول الآخر فوات الغرض من القرآن

(1) سورة يوسف، الآية 2
(2) سورة الأنعام، الآية 19
(3) المغني ج 1 ص 486 وبدائع الصنائع ج 1 ص 112
113

وهو نظمه المعجز بخلاف الذكر.
واتفقوا أيضا على وجوب الترتيب في كلماتها وآيها على الوجه المنقول. ولا ريب
فيه لتعلق الأوامر بالقرآن على الكيفية التي نزلت وأتى بها صاحب الشريعة، فلو خالف
عامدا أعاد الصلاة على ما قطع به الأصحاب.
قال في المدارك: وهو جيد إن لم يتداركها قبل الركوع لا مطلقا لأن المقروء على
خلاف الترتيب وإن لم يصدق عليه اسم السورة لكن لا يخرج بذلك عن كونه
قرآنا. انتهى. هو جيد. ولو كان ناسيا قالوا يستأنف القراءة ما لم يركع وهو على
اطلاقه محل بحث فإنه إنما يتم إذا لم يمكن البناء على السابق لفوات الموالاة وإلا بنى عليه
وأتم القراءة كما لو قرأ آخر الحمد ثم قرأ أولها.
(السادس) - الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في أن من واجبات القراءة
اخراج الحروف من مخارجها المقررة، والظاهر أن الوجه فيه هو أنه لما كان القرآن عربيا
نزل بلغة العرب فكل ما اقتضته اللغة العربية وبنيت عليه من اخراج الحروف من مخارجها
والتشديد في موضعه المقرر والادغام والمد على الوجوه المذكورة في محلها والاعراب ونحو
ذلك مما بنيت عليه اللغة المذكورة وكان من أصولها المقررة فإنه مما يجب الاتيان به،
لأن الواجب القراءة باللغة العربية فكل ما كان من أصولها التي لا تحقق لها إلا به فإنه يجب
وما ليس كذلك مثل الجهر والهمس والاستعلاء والاطباق والترتيل والوقف والتفخيم
والترقيق ونحوها فإنه لا يجب بل هو من المحسنات.
قال شيخنا الشهيد الثاني في كتاب روض الجنان في شرح قول المصنف: " ويجب
اخراج الحروف من مواضعها " ما صورته: ويستفاد من تخصيص الوجوب بمراعاة المخارج
والاعراب في ما تقدم عدم وجوب مراعاة الصفات المقررة في العربية من الجهر والهمس
والاستعلاء والاطباق ونظائرها، وهو كذلك بل مراعاة ذلك مستحبة. انتهى.
ونقله عنه المحقق الأردبيلي واستحسنه، ثم قال المحقق المشار إليه في موضع
114

آخر - في تعليل عدم اجزاء قراءة القرآن في الصلاة بالترجمة - ما صورته: يشعر بعدم اجزاء
ترجمة القرآن مطلقا ومعلوم من وجوب القراءة بالعربية المنقولة تواترا عدم الاجزاء وعدم
جواز الاخلال بها حرفا وحركة بنائية واعرابية وتشديدا ومدا واجبا وكذا تبديل
الحروف وعدم اخراجها من مخارجها لعدم صدق القرآن فتبطل الصلاة.. إلى آخر
كلامه زيد في مقامه.
وعلى هذا النهج كلام غيرهما ومرجعه إلى الفرق بين ما كان من أصول القراءة
التي بنيت عليه اللغة العربية وغيره وأنه مع الاخلال بشئ من أصول القراءة تبطل
الصلاة لعدم صدق الاتيان بالقرآن كما ذكره المحقق المذكور في آخر كلامه. ويزيد ذلك
ايضاحا أن مع عدم اخراج الحروف من مخارجها المقررة ربما اختلف المعنى باختلاف المخرجين
كما في " الضالين " بالضاد والظاء فإنه على الأول من الضلال وعلى الثاني من باب " ظل
يفعل كذا " إذا فعله نهارا.
(المسألة الثانية) - اتفق الأصحاب من غير خلاف يعرف على أنه يجوز
الاقتصار على الحمد بغير سورة في النوافل وفي الفرائض في حال الاضطرار كالخوف وضيق
الوقت بحيث إن قرأ السورة خرج الوقت وكذا مع عدم إمكان التعلم.
وإنما الخلاف في وجوب السورة مع السعة والاختيار وامكان التعلم فالمشهور
الوجوب وبه صرح الشيخ في كتابي الأخبار والخلاف والجمل وهو اختيار السيد المرتضى
وابن أبي عقيل وأبي الصلاح وابن البراج وابن إدريس وغيرهم عليه أكثر المتأخرين.
وذهب الشيخ في النهاية إلى الاستحباب وهو اختيار ابن الجنيد وسلار ومال إليه في المعتبر
والمنتهى وعليه جمع من متأخري المتأخرين كالسيد السند في المدارك والفاضل الخراساني
في الذخيرة وغيرهما.
والواجب أولا نقل الأخبار المتعلقة بالمقام وتذييلها بما يفهم من مضامينها من
الأحكام ليتضح به الحال وما هو الأولى بالاختيار في هذا المجال:
115

فأقول وبالله سبحانه التوفيق لبلوغ المأمول: من الأخبار المذكورة التي استدل
بها على الاستحباب ما رواه الشيخ عن علي بن رئاب في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) قال: " سمعته يقول إن فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة ".
وفي الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " إن فاتحة
الكتاب وحدها تجزئ في الفريضة ".
أقول: وهاتان الروايتان من أقوى أدلة القول بالاستحباب وعليهما اعتمد في
المدارك لصحتهما وصراحتهما بزعمه، قال والتعريف في الفريضة ليس للعهد لعدم تقدم
معهود ولا للحقيقة لاستحالة إرادته ولا للعهد الذهني لانتفاء فائدته فيكون للاستغراق. انتهى
والشيخ قد حمل هذين الخبرين في التهذيبين على حال الضرورة دون الاختيار
وهو أقرب قريب في المقام لما رواه في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (3) قال: " لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين
الأوليين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوف شيئا " وبمضمونها أخبار أخر، وقضية
اطلاق الخبرين الأولين وتقييد هذه الأخبار حمل الخبرين الأولين على هذه الأخبار
كما هو القاعدة.
وبما ذكرنا هنا صرح العلامة في المنتهى حيث نقل عن الشيخ الاحتجاج على
الاستحباب بصحيحة الحلبي المذكورة في كلام السيد السند وأجاب عنها بالحمل على
حال الضرورة والاستعجال وأورد الأخبار الدالة على جواز الاقتصار على الحمد في
الحالين المذكورين.
ومع الاغماض عن ذلك فاحتمال التقية فيهما مما لا ريب فيه ولا مرية تعتريه، ومن
ذلك يظهر لك ضعف الاستدلال بالخبرين المذكورين لقيام ما ذكرنا من الاحتمالين في البين
ومنها - صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) (4)

(1) الوسائل الباب 2 من القراءة
(2) الوسائل الباب 2 من القراءة
(3) الوسائل الباب 2 من القراءة
(4) الوسائل الباب 4 من القراءة
116

قال: " سألته عن رجل قرأ في ركعة الحمد ونصف سورة هل يجزئه في الثانية أن لا يقرأ
الحمد ويقرأ ما بقي من السورة؟ قال يقرأ الحمد ثم يقرأ ما بقي من السورة ".
وصحيحة زرارة (1) قال: " قلت لأبي جعفر (عليه السلام) رجل قرأ سورة
في ركعة فغلط أيدع المكان الذي غلط فيه ويمضي في قراءته أو يدع تلك السورة ويتحول
عنها إلى غيرها؟ قال كل ذلك لا بأس به وإن قرأ آية واحدة فشاء أن يركع بها ركع ".
وصحيحة إسماعيل بن الفضل (2) قال: " صلى بنا أبو عبد الله أو أبو جعفر (عليه السلام)
فقرأ بفاتحة الكتاب وآخر سورة المائدة فلما سلم التفت إلينا فقال أما أني أردت أن أعلمكم "
ونحو ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن عمر بن يزيد (3) قال: " قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام) أيقرأ الرجل السورة الواحدة في الركعتين من الفريضة؟
قال لا بأس إذا كانت أكثر من ثلاث آيات ".
وهي وإن احتملت الحمل على تكرار السورة في الركعتين إلا أن التقييد بأكثر
من ثلاث آيات لا يظهر له معنى إلا حمل الخبر على قسمة السورة في الركعتين.
وأصرح منه ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبان بن عثمان عن من أخبره عن
أحدهما (عليهما السلام) (4) قال: " سألته هل تقسم السورة في ركعتين؟ فقال نعم
اقسمها كيف شئت ".
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) " أنه سئل عن السورة أيصلي
الرجل بها في ركعتين من الفريضة؟ قال نعم إذا كانت ست آيات قرأ بالنصف منها
في الركعة الأولى والنصف الآخر في الركعة الثانية ".
وهذه الرواية نقلها المحقق في المعتبر (6) عن حريز بن عبد الله عن أبي بصير

(1) الوسائل الباب 4 من القراءة
(2) الوسائل الباب 5 من القراءة
(3) الوسائل الباب 6 من القراءة
(4) الوسائل الباب 4 من القراءة
(5) الوسائل الباب 5 من القراءة
(6) ص 174
117

والظاهر أنه نقلها من كتاب حريز.
وصحيحة علي بن يقطين (1) قال: " سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن
تبعيض السورة فقال أكره ذلك ولا بأس به في النافلة ".
وقد تقدم في ما يدخل في سلك هذه الأخبار صحيحة محمد بن مسلم وصحيحة
الحلبيين وحسنة مسمع أو موثقته السابقات في الحكم الثالث من المسألة المتقدمة.
أقول: وهذه الأخبار وإن دلت بحسب ما يترائى منها على ما ذكروه إلا أن
باب الاحتمال فيها مفتوح، فإن اطلاق جملة منها قابل للحمل على النافلة وما هو صريح في
الفريضة أو ظاهر فيها فحمله على التقية أقرب قريب وكذلك باقي الأخبار. وبالجملة فإن
اتفاق العامة على استحباب السورة وجواز تبعيضها (2) مما أوهن الاستناد إليها وأضعف
الاعتماد عليها إلا أن أصحابنا (سامحهم الله تعالى بغفرانه) لما اطرحوا هذه القواعد المنصوصة
عن أئمتهم (عليه السلام) ونبذوها وراء ظهورهم - كما قدمنا بيانه في غير مقام مما
تقدم - اتسع لهم المجال في مثل هذه الأقوال. والله العالم بحقيقة الحال.
وعلى هذا فالمراد بقوله (عليه السلام) في صحيحة إسماعيل بن الفضل " إنما
أردت أن أعلمكم " يعني جواز التبعيض للتقية، وقوله (عليه السلام) في صحيحة علي بن
يقطين " أكره ذلك " إنما هو بمعنى التحريم لا المعنى المصطلح فإنه اصطلاح عرفي طارئ
وورود الكراهة بمعنى التحريم في الأخبار أكثر كثير كما اعترف به جملة من الأصحاب
وقد تقدم بيانه في غير مقام. هذا ما يتعلق بالكلام على الأخبار الدالة على الاستحباب
وأما الأدلة التي استدلوا بها على الوجوب منها الآية أعني قوله عز وجل " فاقرأوا
ما تيسر من القرآن " (3) فإن الأمر حقيقة في الوجوب.
ومنها - صحيحة منصور بن حازم (4) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام)

(1) الوسائل الباب 4 من القراءة
(2) المغني ج 1 ص 491 و ص 493
(3) سورة المزمل، الآية 20
(4) الوسائل الباب 4 من القراءة
118

لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر ".
وأجاب في المدارك عن الآية بأنه لا دلالة لها على المدعى بوجه لأن موردها
التهجد ليلا كما يدل عليه السياق، ولأن الظاهر أن " ما " ليست اسما موصولا بل نكرة تامة
فلا تفيد العموم بل يكون حاصل المعنى اقرأوا مقدار ما أردتم وأحببتم. وأما الرواية
فلا تخلوا من ضعف في السند والدلالة لأن في طريقها محمد بن عبد الحميد وهو غير موثق
مع أن النهي فيها وقع عن قراءة الأقل من سورة والأكثر وهو في الأكثر محمول على
الكراهة كما سنبينه فيكون في الأقل كذلك حذرا من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه. انتهى
أقول: ما ذكره في معنى الآية وإن أمكن المناقشة فيه بما يطول به الكلام إلا أن
الظاهر أن الآية لا تصلح هنا للاستدلال لما هي عليه من التشابه وقيام الاحتمال.
وأما ما ذكره في الجواب عن صحيحة منصور من الطعن في السند والدلالة فهو
مردود، أما الطعن من جهة السند ففيه أن منعه من توثيق محمد بن عبد الحميد ممنوع،
والظاهر أنه اعتمد في ذلك على عبارة العلامة في الخلاصة وما كتبه جده (قدس الله
أرواحهم) في حواشيها، حيث قال العلامة في الخلاصة: محمد بن عبد الحميد بن سالم العطار
أبو جعفر روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) وكان ثقة من أصحابنا
الكوفيين. انتهى. فكتب شيخنا الشهيد الثاني في الحاشية: هذه عبارة النجاشي وظاهرها
أن الموثق الأب لا الابن. انتهى.
وأنت خبير بأن ما ذكره في المدارك وإن احتمل بالنسبة إلى عبارة العلامة في
الخلاصة إلا أنه لا يتم في عبارة النجاشي التي أخذ منها العلامة هذه العبارة فإن هذه العبارة
بعينها في كتاب النجاشي وبعدها بلا فصل: له كتاب النوادر.. إلى آخره. وحينئذ
فمرجع ضمير " له " هو مرجع ضمير " كان " كما لا يخفى على العارف بأسلوب الكلام من
الأعيان، ولا معنى لرجوع الضمير الأولى إلى الأب والثاني إلى الابن للزوم التفكيك في الضمائر
وهو معيب في كلام الفصحاء بل من قبيل التعمية والألغاز. ويؤيده أيضا أن محمد صاحب
119

الترجمة فجميع ما يذكر فيها يرجع إليه إلا مع قرينة خلافه، ولهذا عد العلامة في الخلاصة
طريق الصدوق إلى منصور بن حازم في الصحيح مع أن محمد المشار إليه في الطريق،
وجزم بتوثيقه جملة من علمائنا الأعلام منهم الميرزا محمد صاحب كتاب الرجال وشيخنا
المجلسي في الوجيزة وشيخنا أبو الحسن في البلغة وغيرهم.
ومن مواضع الاشتباه في مثل ذلك ما ذكره النجاشي في ترجمة الحسن بن علي بن
النعمان حيث قال الحسن بن علي بن النعمان مولى بني هاشم أبوه علي بن النعمان ثقة ثبت له
كتاب نوادر صحيح الحديث كثير الفوائد.. الخ. والسيد السند صاحب المدارك
كتب في حواشيه على الخلاصة على هذا الموضع حيث نقل العلامة فيها هذه العبارة
ما صورته: استفاد منه بعض مشايخنا توثيقه وعندي في ذلك توقف والمصنف (قدس
سره) جعل حديثه في الصحيح في المنتهى في بحث التخيير في المواضع الأربعة وكأنه
ظهر له توثيقه ولا يبعد استفادته من هذه العبارة. انتهى.
أقول: والذي وقفت عليه في كلام أصحابنا (رضوان الله عليهم) من علماء
الرجال وغيرهم هو توثيق الحسن بن علي بن النعمان المذكور ولم يتوقف أحد منهم في
ذلك، وهو بناء منهم على أنه إذا كانت الترجمة لرجل فجميع ما يذكر فهيا إنما يعود إليه
كما هو في كتب الرجال المعول عليها إلا مع قرينة خلافه كما أشرنا آنفا إليه، وحينئذ
فما توهمه (قدس سره) في هذا المقام ظاهر السقوط عند علمائنا الأعلام.
وأما الطعن في الرواية من حيث الدلالة بأن النهي عن الأكثر محمول على الكراهة
ففيه أن ما وجه به الكراهة - وهو الذي أشار إليه بقوله " سنبينه " من قيام الدليل
عنده على جواز القران في الفريضة فتحمل هذه الرواية ونحوها مما دل على النهي عن
القران على الكراهة جمعا - مدفوع بما سيجئ تحقيقه إن شاء الله تعالى في المسألة من أن المستفاد من الأخبار هو التحريم. نعم يمكن توجيه ذلك بغير ما وجهه (قدس سره)
وهو أن ظاهر الأخبار الكثيرة الدالة - كما قلنا - على تحريم القران هو أنه عبارة عن الجمع
120

بين سورتين بعد الحمد لا مجرد الزيادة على سورة. ولو ادعى أيضا شمول القران لذلك
بمجرد هذه الرواية كما ذهب إليه البعض فيمكن توجبه الكراهة حينئذ باستفاضة الروايات
واتفاق الأصحاب على جواز العدول عن سورة إلى أخرى في الجملة وإن اختلفوا في
تحديده فإنه يدل على جواز قراءة ما زاد على سورة فيجب حمل النهي هنا عما زاد على
الكراهة البتة وبذلك يضعف الاعتماد في الوجوب عليها.
ومنها - صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" من غلط في سورة فليقرأ قل هو الله أحد.. ثم ليركع " حتى أنه يفهم من بعضهم
وجوب قراءة " قل هو الله أحد " في هذه الصورة.
وفيه أن هذه الرواية معارضة بصحيحة زرارة (2) قال: " قلت لأبي جعفر
(عليه السلام) رجل قرأ سورة في ركعة فغلط أيدع المكان الذي غلط فيه ويمضي في
قراءته أو يدع تلك السورة ويتحول منها إلى غيرها؟ فقال كل ذلك لا بأس به وإن قرأ آية
واحدة فشاء أن يركع بها ركع " والاحتمال المخرج عن الاستدلال قائم من الطرفين
وجار في الروايتين.
ومنها - صحيحة محمد بن إسماعيل (3) قال: " سألته قلت أكون في طريق مكة
فننزل للصلاة في مواضع فيها الأعراب أنصلي المكتوبة على الأرض فنقرأ أم الكتاب
وحدها أم نصلي على الراحلة فنقرأ فاتحة الكتاب والسورة؟ فقال إذا خفت فصل على
الراحلة المكتوبة وغيرها وإذا قرأت الحمد وسورة أحب إلي ولا أرى بالذي فعلت بأسا "
وهذه الرواية مما استدل به المحدث الشيخ محمد بن الحسن العاملي في كتاب
الوسائل على الوجوب حيث إنه اختار فيه ذلك وهي بالدلالة على العدم أشبه، قال
(قدس سره) بعد نقلها: أقول لولا وجوب السورة لما جاز لأجله ترك الواجب
من القيام وغيره. انتهى.

(1) الوسائل الباب 43 من القراءة
(2) الوسائل الباب 4 من القراءة
(3) الوسائل الباب 4 من القراءة
121

وفيه أن معنى الرواية إنما هو أن السائل لما سأل أنه إذا تعارضت الصلاة على
الأرض مع ترك السورة للخوف مع الصلاة في المحمل وقراءة السورة فأيهما يختار؟ أجاب
(عليه السلام) بأنك إذا خفت فالصلاة في المحمل أولى. وليس في ذلك دلالة على أنه
من حيث المحافظة على السورة وإن كان ذلك هو مراد السائل ومفهوم السؤال إلا أنهم
(عليهم السلام) قد يجيبون بما هو أعم من السؤال بل قد يجيبون بقواعد كلية للمسؤول
عنه وغيره ومن الظاهر بل الأظهر أن أولوية الصلاة في المحمل إنما هو من حيث الاقبال
على العبادة وفراغ البال الذي هو روحها. ويؤيد الاستحباب هنا قوله: " وإذا قرأت
الحمد وسورة - يعني في صلاتك في المحمل - فهو أحب إلي " فإن مرمى هذه العبارة
إنما هو الاستحباب.
ومنها - جملة من الأخبار قد تضمنت نفي البأس عن الاقتصار على الفاتحة لمن
أعجلت به حاجة، وهو يدل بمفهومه على ثبوت البأس لمن ليس كذلك.
وفيه (أولا) أن ثبوت البأس أعم من التحريم. و (ثانيا) أن ما دل على الاستحباب -
كما تقدم - صريح الدلالة على ذلك بمنطوقه والمفهوم لا يعارض المنطوق.
وربما يستدل على الوجوب بالأخبار الدالة على النهي عن القران في الفريضة بأن
يقال النهي حقيقة في التحريم ولا وجه لتحريم ذلك إلا من حيث إنه يلزم زيادة واجب
في الصلاة عمدا وهو مبطل لها.
وفيه (أولا) - أن ذلك مبني على تحريم القران فلا يقوم هذا الدليل حجة على
من يحكم بالكراهة.
و (ثانيا) - أن العبادة واجبة كانت أو مستحبة توقيفية من الشارع فمن الجائز
كون السورة مستحبة والنهي عن الاتيان بها ثانية لكونه خلاف الموظف شرعا، وكما
أن التشريع يحصل بزيادة الواجب باعتقاد أنه واجب ومشروع كذلك يحصل باعتقاد
زيادة المستحب باعتقاد توظيفه واستحبابه في ذلك المكان أو زمان من الأزمان، وأما
122

من حيث كونه قرانا فلا تبطل به سواء قلنا بوجوب السورة أو استحبابها.
نعم ربما يمكن الاستدلال على ذلك بالأخبار الدالة على تحريم العدول من سورة
التوحيد والجحد إلى ما عدا سورتي الجمعة والمنافقين واتفاق جمهور الأصحاب على ذلك.
ومن تلك الأخبار صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" إذا افتتحت صلاتك بقل هو الله أحد وأنت تريد أن تقرأ غيرها فامض فيها ولا ترجع
إلا أن تكون في يوم الجمعة.. الحديث ".
وصحيحة ابن أبي نصر (2) قال: " يرجع من كل سورة إلا من قل هو الله
أحد وقل يا أيها الكافرون " إلى غير ذلك من الأخبار الآتية إن شاء الله تعالى في موضعها
وجه الاستدلال بها أنه لولا وجوب السورة هنا لما حرم العدول عنها وليس
وجوبها ناشئا عن مجرد الشروع فيها، إذ لا شئ من المستحب يجب بالشروع فيه إلا
ما خرج بدليل خاص كالحج، ومتى حرم العدول عنها وجب اتمامها، ومتى ثبت الوجوب
في هاتين السورتين ثبت في غيرها إذ لا قائل بالفصل، وجواز العدول في غيرهما مع
الاتيان بسورة كاملة بعد ذلك لا ينافي أصل الوجوب بل يؤكده. وهذا أقوى ما يمكن
أن يستدل به على الوجوب وإن كان بعض مقدماته لا يخلو من المناقشة.
وبما قررناه وأوضحناه يظهر لك أن المسألة محل توقف واشكال وأن الاحتياط
فيها لازم على كل حال، فإن ما استدل به على الوجوب كما عرفت لا ينهض بالدلالة
الواضحة التي يمكن بناء حكم شرعي عليها، وما استدل به على الاستحباب وإن كان
واضح الدلالة إلا أن اتفاق العامة على القول بمضمونها يضعف الاعتماد عليها والرجوع
إليها لما استفاض في الأخبار من الأمر بمخالفتهم ولو في غير مقام اختلاف الأخبار. والله العالم
فروع
(الأول) - يجب الترتيب بين الحمد والسورة بتقديم الحمد أولا ثم السورة

(1) الوسائل الباب 69 من القراءة
(2) الوسائل الباب 35 من القراءة
123

فلو أخل أعاد السورة بعدها أو غيرها.
وقد وقع الخلاف هنا في موضعين: (أحدهما) أنه لو قدم السورة عامدا فهل
تبطل الصلاة أم يجب استئناف السورة أو غيرها وتصح صلاته؟ قولان، صرح جماعة
من الأصحاب بالأول: منهم - الشهيد في كتبه الثلاثة والشهيد الثاني في المسالك والعلامة
في المنتهى والقواعد وهو ظاهر المحقق الشيخ علي في الشرح حيث علل ذلك بثبوت
النهي في المأتي به جزء من الصلاة المقتضي للفساد، وبالجملة فالظاهر أنه المشهور. وظاهر
اطلاق عبارة المحقق في الشرائع الثاني واختاره في المدارك ولم أقف على مصرح به سواه
حيث قال - بعد قول المصنف: ولو قدم السورة على الحمد أعادها أو غيرها - ما لفظه:
اطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين العامد والناسي وهو كذلك، وجزم الشارح
(قدس سره) ببطلان الصلاة مع العمد وهو غير واضح. أقول: وتخصيصه المخالفة
بالشارح فيه نوع اشعار بأن الأكثر على خلافه مع أن الأمر ليس كذلك فإن ما ذكره
جده هو الذي صرح به جملة من وقفت على كلامه في المسألة ولم أقف على من صرح
بخلافه سواه في كتابه المذكور.
بقي الكلام في الدليل على البطلان وقد عرفت ما ذكره المحقق الشيخ على من
الدليل على ذلك، وعلله العلامة في المنتهى بأن المنقول عن النبي (صلى الله عليه وآله)
وأفعال الأئمة (عليهم السلام) الترتيب وهذه الأمور إنما ثبتت توقيفا. انتهى.
وكل من التعليلين لا يخلو من النظر الظاهر كما لا يخفى على الخبير الماهر
(أما الأول) فلأن النهي هنا غير موجود إذ لا نص في المسألة إلا أن يبنى على المسألة
الأصولية وهو أن الأمر بالشئ يستلزم النهي عن ضده الخاص وهو مأمور هنا بقراءة
السورة بعد الحمد. والقول بمقتضى هذه القاعدة عندنا غير ثابت إذ لا دليل عليه
كما تقدم تحقيقه.
و (أما الثاني) فمرجعه إلى أنه لم يأت بالمأمور به على وجهه فيبقى تحت عهدة
124

التكليف، وفيه أن ذلك لا يستلزم بطلان الصلاة لامكان تداركه ما لم يركع فيجب
عليه قراءة تلك السورة أو سورة أخرى بعد الحمد وتصح صلاته. ولو قيل - بأنه مع
اعتقاده الترتيب على الوجه الذي أتى به يكون مشرعا فتبطل صلاته مع تعمده للنهي عن
ذلك القصد - فالجواب أنه متى تدارك ذلك قبل الركوع كما ذكرنا فقد حصل امتثال
الأمر بالترتيب والنهي إنما توجه إلى أمر خارج عن الصلاة وهو القصد فلا يكون
موجبا لبطلانها.
وربما قيل هنا بالتفصيل بين ما إذا كان عازما على إعادتها فتصح الصلاة أولا
فتبطل، ووجهه غير ظاهر.
الثاني - أنه لو قدم السورة ساهيا فظاهرهم الاتفاق على عدم إعادة الصلاة
وأنه يجب إعادة السورة أو غيرها بعد الحمد وإنما الخلاف في أنه هل يجب إعادة الحمد
أيضا أم لا؟ قولان، قال المحقق الشيخ علي في شرح القواعد بعد قول المصنف:
" ونسيانا يستأنف القراءة " ما لفظه: ظاهر هذه العبارة وغيرها كعبارته في التذكرة
والنهاية استئناف القراءة من أولها فيعيد الحمد والسورة معا. وهو بعيد لأن الحمد
إذا وقعت بعد السورة كانت قراءتها صحيحة فلا مقتضى لوجوب إعادتها بل يبنى
عليها ويعيد السورة خاصة. انتهى. وهو جيد. وظاهر عبارة المدارك في هذا المقام
أن هذا الخلاف في صورة تقديم السورة عامدا، والظاهر أنه غفلة منه (قدس سره)
فإن الموجود في كلامهم كما سمعت من كلام المحقق المذكور أن هذا الخلاف إنما هو في
صورة التقديم ناسيا وأما في صورة التقديم عامدا فهو كما قدمنا بيانه. ثم إنه قد صرح
غير واحد منهم بأن الجاهل هنا كالعامد. هذا كله على تقدير وجوب السورة كما لا يخفى.
(الثاني) - قد صرح الأصحاب بأنه لا يجوز أن يقرأ من السور ما يفوت بقراءته الوقت
بأن يقرأ سورة طويلة مع علمه بأن الوقت لا يسع لها، قالوا فإنه إذا كان عامدا تبطل صلاته
لثبوت النهي عن فواتها المقتضي للفساد إذا خرج شئ من الصلاة وإن قل عن وقتها، وإن
125

كان ناسيا بأن قرأ سورة طويلة بظن طول الوقت ثم تبين الضيق وجب العدول إلى غيرها
وإن تجاوز النصف محافظة على فعل الصلاة في وقتها.
ولا يخفى أن الحكم المذكور مبني على القول بوجوب السورة وتحريم ما زاد عليها
وإلا فلا يتجه المنع، أما على القول بالاستحباب فظاهر لجواز قطعها اختيارا وأما على
القول بالوجوب مع تجويز الزيادة فلأنه يعدل إلى سورة قصيرة وما أتى به من القراءة غير
مضر. ولم أقف في أصل المسألة على نص مضافا إلى ما عرفت من الاشكال في وجوب
السورة وعدمه.
(الثالث) - يعتبر في السورة على تقدير القول بالوجوب ما قدمنا ذكره
في الفاتحة من وجوب التعلم لو لم يحسن سورة، فلو تعلم بعضها وضاق الوقت فقد صرحوا
بأنه يأتي بما تعلمه.
وأما وجوب التعويض بالتكرار وغيره إنما هو في ما لو جهل الفاتحة فإنها الأصل
في القراءة فلا يجوز خلو الصلاة منها أو بدلها أما لو علمها بتمامها وإنما جهل السورة فإنه
يقرأ ما تيسر منها من غير تعويض عن الفائت بقرآن أو ذكر لسقوط اعتبارها مع
الضرورة كما عرفت، والجهل بها مع ضيق الوقت قريب منها إن لم يكن أولى، ولأن
التعويض على خلاف الأصل فيقتصر فيه على موضع الوفاق.
ومنه يعلم أنه لو جهلها رأسا سقط اعتبارها مع ضيق الوقت وأجزأت الفاتحة.
وفي المنتهى أن الحكم اجماعي فلا مساغ للتوقف فيه.
وكذا الكلام في الوجوب عن ظهر القلب وجواز ذلك من المصحف اختيارا
أو اضطرارا على الخلاف الذي تقدم ذكره في الفاتحة. وكذا وجوب القراءة بالعربية
فلا تجزئ الترجمة على ما تقدم ذكره والاعراب أيضا حسبما تقدم.
(الرابع) - قال في الذكرى: قراءة الأخرس تحريك لسانه بها مهما أمكن
126

وعقد قلبه بمعناها لأن الميسور لا يسقط بالمعسور (1) وروى في الكافي عن السكوني
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " تلبية الأخرس وتشهده وقراءته للقرآن في
الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه " وهذا يدل على اعتبار الإشارة بالإصبع في القراءة
كما مر في التكبير. ولو تعذر إفهامه جميع معانيها أفهم البعض وحرك لسانه به وأمر
بتحريك اللسان بقدر الباقي تقريبا وإن لم يفهم مفصلا. وهذه لم أر فيها نصا. والتمتام
والفأفاء والألثغ والأليغ يجب عليهم السعي في اصلاح اللسان ولا يجوز لهم الصلاة مع سعة
الوقت مهما أمكن التعلم فإن تعذر ذلك صحت القراءة بما يقدرون عليه، والأقرب عدم
وجوب الائتمام عليهم لأن صلاتهم مشروعة. انتهى. أقول وبنحو ذلك صرح غيره.
وأنت خبير بأنه لا اشكال في ما ذكروه من وجوب تحريك اللسان للنص المذكور
ويعضده أن الواجب في القراءة شيئان أحدهما تحريك اللسان والثاني القراءة على الوجه
المخصوص فمع تعذر القراءة يبقى وجوب تحريك اللسان بحاله. وأما وجوب عقد القلب
بمعناها فهو وإن كان مشهورا في كلامهم إلا أنه خال من الدليل. ونقل في المنتهى عن
الشيخ الاكتفاء بتحريك اللسان.
والمراد بعقد القلب بها على ما يستفاد من كلامه جمع: منهم - العلامة وغيره هو
أن يقصد كون هذه الحركة حركة قراءة لتتميز بذلك عن حركته في غيرها، وكأنهم لحظوا
أن حركة اللسان أعم من القراءة فلا تنصرف إليها إلا بالقصد والنية. والمفهوم من كلام
الشهيد في الدروس والبيان - وهو صريحه في هذا الكلام المنقول هنا - أن المراد بعقد القلب
قصد معاني الحمد والسورة وتصورها بقلبه حيث صرح في أثناء الكلام توضيحا لما قدمه
أولا بأنه لو تعذر افهامه جميع معانيها أفهم البعض وحرك لسانه به وأمر بتحريك اللسان بقدر
الباقي وإن لم يفهم معناه مفصلا. والظاهر بعده لعدم الدليل عليه كما اعترف به من أنه لم

(1) عوائد النراقي ص 88 وعناوين مير فتاح ص 146 عن عوالي اللئالي عن علي " ع "
(2) الوسائل الباب 59 من القراءة
127

يربه نصا بل لم يقم دليل على ذلك في الصحيح فضلا عن الأخرس. وبالجملة فهذا من قبيل
" اسكتوا عما سكت الله عنه " كما تقدم ذكره في مقدمات الكتاب (1) وقد مر مزيد بيان له أيضا
بقي هنا شئ وهو أن ظاهر النص إضافة الإشارة بإصبعه إلى تحريك لسانه الذي
هو بدل عن قراءته وتكبيره وتشهده فيصير داخلا في البدلية. والخبر لا معارض له في
ذلك وظاهر عبارة شيخنا المشار إليه أيضا ذلك ولا بأس به.
وأما ما ذكره بالنسبة إلى التمتام والفأفاء والألثغ والأليغ فهو جيد، ويدل عليه
ما رواه الحميري في كتاب قرب الإسناد عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة (2)
قال: " سمعت جعفر بن محمد (عليهما السلام) يقول إنك قد ترى من المحرم من العجم
لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح وكذلك الأخرس في القراءة في الصلاة والتشهد
وما أشبه ذلك فهذا بمنزلة العجم المحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح
ولو ذهب العالم المتكلم الفصيح حتى يدع ما قد علم أنه يلزمه ويعمل به وينبغي له أن يقوم
به حتى يكون ذلك منه بالنبطية والفارسية لحيل بينه وبين ذلك بالأدب حتى يعود إلى
ما قد علمه وعقله، قال ولو ذهب من لم يكن في مثل حال الأعجم المحرم ففعل فعال
الأعجمي والأخرس على ما قد وصفنا إذا لم يكن أحد فاعلا لشئ من الخير ولا يعرف
الجاهل من العالم ".
أقول: في النهاية فيه " فأرسل إلى ناقة محرمة " أي التي لم تركب ولم تذلل. وفي
الصحاح جلد محرم أي لم تتم دباغته وسوط محرم أي لم يلن بعد وناقة محرمة أي لم تتم
رياضتها بعد، وقال كل من لا يقدر على الكلام أصلا فهو أعجم ومستعجم، والأعجم الذي
لا يفصح ولا يبين كلامه. انتهى.
أقول: ومنه يعلم أن اطلاق المحرم في الخبر على من لا يمكنه الاتيان بالقراءة

(1) ج 1 ص 50 وقد رواه القاضي محمد بن سلامة المغربي الشافعي في كتابه الشهاب
في الحكم والآداب في باب الألف المقطوع والموصول
(2) الوسائل الباب 67 من القراءة
128

ونحوها على وجهها من اخراج الحروف من مخارجها أولا يفصح به لشبهه بالدابة ونحوها
من الأشياء المعدودة في عدم لين لسانه وتذليله بالنطق. وحاصل معنى الخبر الفرق بين
من يمكنه الاتيان بالقراءة والأذكار والأدعية في صلاة أو غيرها على وجهها ولو بالتعلم
وبين من لا يمكنه، وأن القادر على الاتيان بذلك على وجهه ولو بالتعلم لا يجزئه غير ذلك
وجهله مع إمكان التعلم ليس بعذر شرعي.
والمستفاد من بعض الأخبار أن من لا يقدر على اصلاح لسانه ويقرأ ويدعو
على تلك الحال فإن الله سبحانه بمزيد فضله وكرمه يوكل الملائكة باصلاحه فلا يرفع إليه
إلا على الهيئة والكيفية المأمور بها:
روى في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: " قال النبي (صلى الله عليه وآله) إن الرجل الأعجمي من أمتي
ليقرأ القرآن بعجميته فترفعه الملائكة على عربيته ".
وقد ورد في الحديث المشهور عنه (صلى الله عليه وآله) (2) " أن سين بلال
عند الله شين ".
(المسألة الثالثة) - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) من متقدميهم
ومتأخريهم وجوب الجهر في الصبح أوليي المغرب والعشاء الاخفات في الباقي فإن عكس
عامدا عالما وجبت عليه إعادة الصلاة، ونقل عن ابن الجنيد أنه يجوز العكس ولكن يستحب
أن لا يفعله وهو قول السيد المرتضى في المصباح. وإلى هذا القول مال جملة من متأخري
المتأخرين: أولهم - على الظاهر السيد السند (قدس سره) في المدارك وتبعه فيه جملة ممن
تأخر عنه كما هي عادتهم غالبا.
والأظهر عندي هو القول المشهور، ولنكتف هنا في بيان ما اخترناه بنقل ما ذكره

(1) الوسائل الباب 30 من قراءة القرآن
(2) الشهاب في الحكم والآداب للقاضي محمد بن سلامة المغربي الشافعي المتوفى 454 باب الألف المقطوع والموصول
129

السيد المشار إليه والكلام على كلامه وبيان ضعفه في نقضه وإبرامه:
قال (قدس سره) بعد نقل القولين المذكورين: احتج الشيخ (قدس سره)
بما رواه زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " قلت له رجل جهر بالقراءة
في ما لا ينبغي أن يجهر فيه أو أخفى في ما لا ينبغي الاخفاء فيه؟ فقال أي ذلك فعل متعمدا
فقد نقض صلاته عليه الإعادة، فإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شئ عليه "
وجه الدلالة قوله (عليه السلام) " أي ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته وعليه الإعادة "
فإن " نقض " بالضاد المعجمة كناية عن البطلان والإعادة إنما تثبت مع اشتمال الأولى على
نوع من الخلل. واحتج الشهيد في الذكرى على الوجوب أيضا بفعل النبي (صلى الله عليه وآله)
والتأسي به واجب. وهو ضعيف جدا فإن التأسي في ما لا يعلم وجهه مستحب لا واجب
كما قرر في محله. واحتج القائلون بالاستحباب بأصالة البراءة من الوجوب، وقوله تعالى
" ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا " (2) وجه الدلالة أن النهي
لا يجوز تعلقه بحقيقة الجهر والاخفات لامتناع انفكاك الصوت عنهما بل المراد - والله أعلم -
ما ورد عن الصادق (عليه السلام) (3) في تفسير الآية وهو تعلق النهي بالجهر العالي
الزائد عن المعتاد والاخفات الكثير الذي يقصر عن الاسماع والأمر بالقراءة المتوسطة بين
الأمرين وهو شامل للصلوات كلها. وما رواه علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى
(عليه السلام) (4) قال: " سألته عن الرجل يصلي من الفرائض ما يجهر فيه بالقراءة هل
عليه أن لا يجهر؟ قال إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر " وأجاب عنها الشيخ بالحمل على التقية
لموافقتها لمذهب العامة (5) قال المصنف (قدس سره) وهو تحكم من الشيخ فإن بعض

(1) الوسائل الباب 26 من القراءة
(2) سورة بني إسرائيل، الآية 110
(3) الوسائل الباب 33 من القراءة
(4) الوسائل الباب 25 من القراءة
(5) في البحر الرائق ج 1 ص 302 " الجهر في الصلاة الجهرية واجب على الإمام فقط
وهو أفضل في حق المنفرد وهي صلاة الصبح والركعتان الأوليان من المغرب والعشاء.. "
130

الأصحاب لا يرى وجوب الجهر بل يستحبه مؤكدا. والتحقيق أنه يمكن الجمع بين الخبرين
بحمل الأول على الاستحباب أو حمل الثاني على التقية، ولعل الأول أرجح لأن الثانية
أوضح سندا وأظهر دلالة مع اعتضادها بالأصل وظاهر القرآن. انتهى.
أقول: وعدي فيه نظر من وجوه (أحدها) - نقله رواية زرارة عارية عن وصف
الصحة حيث إنه نقلها عن الشيخ وهي وإن كانت في كتابيه كذلك لكنها من روايات
الصدوق في الفقيه وطريقه إلى زرارة في أعلى مراتب الصحة فتكون الرواية صحيحة، وبه
يظهر ضعف ما ذكره أخيرا من دعواه كون صحيحة علي بن جعفر أوضح سندا بناء على
نقله لها عن الشيخ (قدس سره).
و (ثانيها) - أنه مما يدل على هذا القول أيضا صحيحة زرارة الأخرى عنه
(عليه السلام) (1) قال: " قلت له رجل جهر بالقراءة في ما لا ينبغي الجهر فيه أو أخفى في ما
لا ينبغي الاخفاء فيه، وترك القراءة في ما ينبغي القراءة فيه أو قرأ في ما لا ينبغي القراءة
فيه؟ فقال أي ذلك فعل ناسيا أو ساهيا فلا شئ عليه ".
وما رواه في الفقيه في علل الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) (2) " أن
الصلوات التي يجهر فيها إنما هي في أوقات مظلمة فوجب أن يجهر فيها ليعلم المار أن هناك
جماعة.. الحديث ".
ومثله ما رواه الصدوق أيضا في حكاية صلاة النبي (صلى الله عليه وآله) بالملائكة
في ابتداء الصلاة (3) قال: " سأل محمد بن عمران أبا عبد الله (عليه السلام) قال لأي علة
يجهر في صلاة الجمعة وصلاة المغرب وصلاة العشاء الآخرة وصلاة الغداة وسائر الصلوات الظهر والعصر لا يجهز فيهما؟ قال لأن النبي (صلى الله عليه وآله) لما أسرى به إلى السماء
كان أول صلاة فرض الله عليه الظهر يوم الجمعة فأضاف إليه الملائكة تصلي خلفه وأمر نبيه (صلى
الله عليه وآله) أن يجهر بالقراءة ليبين لهم فضله ثم فرض عليه العصر ولم يضف إليه أحدا

(1) الوسائل الباب 26 من القراءة
(2) الوسائل الباب 25 من القراءة
(3) الوسائل الباب 25 من القراءة
131

من الملائكة وأمره أن يخفى القراءة لأنه لم يكن وراءه أحد، ثم فرض عليه المغرب وأضاف
إليه الملائكة فأمره بالاجهار وكذلك العشاء الآخرة، فلما كان قرب الفجر نزل ففرض
الله عليه الفجر فأمره بالاجهار ليبين للناس فضله كما بين للملائكة فلهذه العلة يجهر
فيها.. الحديث ".
والتقريب في خبر الفضل ظاهر لتصريحه بالوجوب وفي خبر محمد بن عمران
لتضمنه الأمر من الله سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله) بالجهر والاخفات في تلك
الصلوات، وأوامره ونواهيه عز وجل للوجوب والتحريم بلا خلاف، وإنما الخلاف
في الأوامر والنواهي التي في ألسنة " فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة
أو يصيبهم عذاب أليم " (1) ومتى ثبت الحكم في حقه (صلى الله عليه وآله) ثبت في أمته
بدليل استدلال الصادق (عليه السلام) بذلك على أصل الحكم المذكور، وهو بحمد الله
سبحانه ظاهر لك ناظر.
و (ثالثها) - استدلاله بالآية فإنه وإن كان الأمر كما ذكره وقرره إلا أن
هذا الاجمال الذي دلت الآية غير معمول عليه لاتفاق الأخبار وكلمة الأصحاب
على انقسام الصلاة إلى جهرية واخفاتية وتعيين الجهرية في صلوات مخصوصة والاخفاتية
في صلوات مخصوصة، وقد دلت الأخبار المتقدمة على وجوب الجهر في الجهرية والاخفات
في الإخفاتية فلا بد من تخصيص هذ الاجمال بهذه الأخبار المشار إليها، وحينئذ فيصير
معنى الآية لا تجهر في الجهرية جهرا عاليا زائدا على المعتاد ولا تخافت في الإخفاتية إخفاتا
لا تسمع نفسك. واللازم من ذلك الجهر في الجهرية بدون الحد المذكور والاخفات في
الإخفاتية فوق الحد المذكور، ومنه يظهر عدم جواز الاستناد إلى الآية في المقام لما هي
عليه من الجمال المنافي لما فصلته أخبارهم (عليهم السلام).
ومن الأخبار الواردة بتفسير الآية المذكورة ما رواه العياشي عن سماعة بن

(1) سورة النور، الآية 63
132

مهران عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) " في قول الله عز وجل: ولا تجهر بصلاتك
ولا تخافت بها (2)؟ قال المخافتة ما دون سمعك والجهر أن ترفع صوتك شديدا ".
وما رواه الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره عن إسحاق بن عمار عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (3) " في قوله تعالى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها؟ قال الجهر
بها رفع الصوت والتخافت ما لم تسمع بإذنك واقرأ ما بين ذلك ".
وبهذا الاسناد عنه (عليه السلام) (4) قال: " الاجهار رفع الصوت عاليا
والمخافتة ما لم تسمع نفسك ".
وروى العياشي في سبب النزول عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر
وأبي عبد الله (عليهما السلام) (5) " في قوله ولا تجهر بصلاتك.. الآية؟ قال كان
رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا كان بمكة جهر بصلاته فيعلم بمكانه المشركون فكانوا
يؤذونه فأنزلت هذه الآية عند ذلك " ونحوه روى الطبرسي عنهما (عليهما السلام) (6).
أقول: وهذه الأخبار وإن كان فيها أيضا نوع اجمال بالنسبة إلى الوسط الذي
بين الجهر والاخفات المنهي عنهما إلا أنه قد علم من الأخبار المشار إليها آنفا أن هذا
الحد الوسط له فردان: (أحدهما) الجهر في الجهرية دون الحد المنهي عنه. و (ثانيهما) الاخفات
في الإخفاتية فوق الحد المنهي عنه، لأن الجهر والاخفات - كما سيأتي إن شاء الله تعالى
تحقيقه - حقيقتان متضادتان، وبالجملة فإنك إذا ضممت أخبار المسألة كملا بعضها إلى بعض
فإنه لا مندوحة عن التخصيص في كل من الموضعين بما ذكرنا.
قال شيخنا المجلسي (قدس الله روحه) في كتاب البحار في معنى الآية: يحتمل
أن يكون الغرض بيان حد الجهر في الصلاة مطلقا أو للإمام، وهذا وجه قريب لتفسير الآية

(1) مستدرك الوسائل الباب 26 من القراءة
(2) سورة بني إسرائيل، الآية 110
(3) الوسائل الباب 33 من القراءة
(4) مستدرك الوسائل الباب 26 من القراءة
(5) مستدرك الوسائل الباب 26 من القراءة
(6) ج 3 ص 446
133

أي ينبغي أن يقرأ في ما يجهر فيه من الصلوات بحيث لا يتجاوز الحد في العلو ولا يكون
بحيث لا يسمعه من قرب منه فيكون إخفاتا أو لا يسمعه المأمومون فيكون مكروها. انتهى
وبذلك يظهر لك ما في قوله أخيرا " وهو شامل للصلوات كلها " فإنه ناشئ عن عدم
ملاحظة الأخبار الواردة في المقام وما اشتملت عليه مما يوجب تقييد هذا الاجمال كما
لا يخفى على ذوي الأفهام.
و (رابعها) ما ذكره من الوجهين في الجمع بين الخبرين المنقولين في كلامه
واختياره الاستحباب منهما، فإن فيه ما عرفت في غير مقام مما سبق أنه (أولا) لم يقم
عليه دليل وإن اشتهر بينهم (رضوان الله عليهم) جيلا بعد جيل. و (ثانيا) أن الاستحباب
حكم شرعي لا يصار إليه إلا بدليل واضح ومجرد اختلاف الأخبار ليس بدليل على ذلك
و (ثالثا) أن الاستحباب مجاز لا يصار إليه إلا بالقرينة ومجرد اختلاف الأخبار ليس
من قرائن المجاز، ومن المعلوم أنه لولا وجود صحيحة علي بن جعفر في البين لما كان
معدل عن الحكم بمقتضى صحيحة زرارة المذكورة والقول بالوجوب كما لا يخفى. و (رابعا)
أنه من الجائز بل هو المتعين أن يجعل التأويل في جانب صحيحة علي بن جعفر بأن تحمل
على التقية وهو مقتضى القاعدة المنصوصة عن أهل العصمة (عليهم السلام) في مقام
اختلاف الأخبار فإن العامة كلهم على الاستحباب كما هو مذهب ابن الجنيد على ما نقله
في المعتبر، ولكنهم (رضوان الله عليهم) ألغوا هذه القواعد الواردة عن أئمتهم (عليهم
السلام) واتخذوا قواعد لا أصل لها في الشريعة. و (خامسا) تأيد صحيحة زرارة
بالروايات التي قدمناها.
و (خامسها) - ما ذكره من أظهرية دلالة صحيحة علي بن جعفر فإنه في الضعف
والبطلان أظهر من أن ينكر، وكيف وصحيحة زرارة دلت على أن الإخفاتية
لا يجوز الجهر فيها والجهرية لا يجوز الاخفات فيها، وهذا وإن كان في كلام السائل إلا أن
الإمام (عليه السلام) قرره عليه وأجابه بما يطابقه ويدل عليه، ودلت أيضا على وجوب
134

الإعادة بعد حكمه بكون ذلك نقضا للصلاة إذا كانت المخالفة والاخلال عن عمد. وكل
واحد من هذه الوجوه يكفي في الدلالة لو أنفرد فكيف مع الاجتماع، وحينئذ فلا وجه
لدعواه أن صحيحة علي بن جعفر أظهر دلالة، ومن المعلوم أن ترك المستحبات لا يوجب
الإعادة من رأس.
و (سادسها) - ما ذكره من الاعتضاد بالأصل وظاهر القرآن، فإن في الأول منهما
أن الأصل يجب الخروج عنه مع قيام الدليل على خلافه وقد عرفت الدليل من الصحيحة
المذكورة وصحيحته الثانية والأخبار التي معها. وفي الثاني أنه بمقتضى ما أوضحناه أن الآية
لا دلالة لها على ما ادعاه.
هذا. وأما ما ذكره الفاضل الخراساني في الذخيرة في هذا المقام - حيث إنه ممن
تبع السيد السند كما هي عادته في أغلب الأحكام فزاد في تأييد مقالته ما زعمه من الابرام
من ظهور لفظ " لا ينبغي " في الاستحباب ون " نقص " في الرواية بالصاد المهملة أي
نقص ثوابه وأنه يحتمل حمل الأمر بالإعادة على الاستحباب فيكون المراد المبالغة في
استحبابه - فهو من جملة تشكيكاته الضعيفة واحتمالاته السخيفة، ولو قامت مثل هذه
التكلفات في الأخبار والتمحلات التي تبعد عن مذاق الأفكار لم يبق دليل يعتمد عليه
إلا وللقائل فيه مقال وإن سخف وبعد ذلك الاحتمال، ومع هذا فإنا نوضح بطلان
ما اعتمده بأوضح بيان:
فنقول: أما ما ذكره من ظهور لفظ " لا ينبغي " في الاستحباب إن أراد في عرف
الناس فهو كذلك ولكن لا ينفعه، وإن أراد في عرفهم (عليهم السلام) فهو ممنوع أشد
المنع كما لا يخفى على من غاص بحار الأخبار وجاس خلال تلك الديار، وبذلك اعترف جملة
من علمائنا الأبرار، وقد حضرني الآن من الأخبار التي استعمل فيها لفظ " ينبغي ولا ينبغي "
في الوجوب التحريم ما ينيف على ثلاثين حديثا. والتحقيق في المقام هو ما قدمنا ذكره من أن هذا اللفظ من الألفاظ المتشابهة في كلامهم (عليهم السلام) فلا يحمل على أحد معنييه
135

إلا بقرينة ظاهرة والقرينة في ما ندعيه من المعنى واضحة من الجواب كما لا يخفى
على ذوي الألباب.
وأما ما ذكره من لفظ " نقص " وأنه بالصاد فإنه مع تسليم صحته فهو مؤيد لما
ندعيه، وذلك فإن المتبادر من النقص في الشئ إنما هو عدم الاتيان به تاما فمعنى نقص
الصلاة عدم الاتيان بها تامة، وهذا هو المعنى الذي ينطبق عليه الأمر بالإعادة كما لا يخفى
على من اتخذ الانصاف سجية وعادة. وأما حمل النقص على نقص الثواب كما زعم فهو
معنى مجازي خلاف الظاهر لا يصار إليه إلا مع المعارض الراجح كما لا يخفى على الخبير
الماهر. وأما حمل الإعادة على الاستحباب فقد عرفت ما فيه.
وبالجملة فإنك إذا رجعت إلى القواعد الشرعية الواردة عن الذرية المصطفوية (عليهم
أفضل الصلاة والتحية) يظهر لك أن القول المشهور هو المؤيد المنصور وأن القول الآخر
بمحل من الضعف والقصور.
وأما ما ذكره من المحقق - ردا على الشيخ في حمله صحيحة علي بن جعفر على التقية
من أنه تحكم لأن بعض الأصحاب ذهب إلى القول بمضمونها - ففيه أن ظاهر هذا الكلام
يعطي أنه لا يصح حمل الخبر على التقية إلا إذا كان ذلك الخبر مطرحا عند جميع الأصحاب
بحيث لا يقول به قائل في ذلك الباب، وهذا غريب من مثل هذا المحقق النحرير وتحكم
محض بل سهو في هذا التحرير، ولعله لهذا اطرحوا قاعدة عرض الأخبار في مقام
الاختلاف على التقية مع أنها في اختلاف الأخبار هي أصل كل بلية كما نبهنا عليه في
مقدمات الكتاب، ولا يخفى أن الأخبار الخارجة عنهم (عليهم السلام) بالاختلاف
في الأحكام لا وجه للاختلاف فيها سوى التقية كما حققناه في مقدمات الكتاب، ولكن
العامل بذلك الخبر الخارج مخرج التقية إنما عمل به من حيث ثبوته عنهم (عليهم السلام)
ولا علم له بكونه خرج مخرج التقية، ولهذا وردت الأخبار عنهم (عليهم السلام) بالرخصة
بالعمل بالأخبار الخارجة مخرج التقية حتى يعلم بأنها إنما خرجت كذلك فيكون حينئذ
136

مخاطبا بترك العمل بها إذا لم تلجئه التقية للعمل بها وما نحن فيه من هذا القبيل. وبالجملة
فإن الأخبار المستفيضة بالترجيع بمخالفة العامة في مقام اختلاف الأخبار أعم مما ذكره
فإنه متى ما وافق أحد الخبرين العامة وخالفهم الآخر وجب تركه عمل به أو لم يعلم به
ولهذا ترى الأصحاب في مقام البحث والترجيح يستدل أحدهم بخبر ويجيب عنه الآخر
بالحمل على التقية. والله العالم.
تنبيهات
(الأول) - قد صرح جملة من الأصحاب: منهم - المحقق وابن إدريس
والعلامة والشهيد وغيرهم بأن أقل الجهر أن يسمع القريب منه تحقيقا أو تقديرا وأقل
الاخفات أن يسمع نفسه لو كان سامعا، وادعى عليه الفاضلان في المعتبر والمنتهى الاجماع
وقال الشهيد في الذكرى: أقل الجهر أن يسمع من قرب منه إذا كان يسمع وحد
الاخفات اسماع نفسه إن كان يسمع وإلا تقديرا، قال في المعتبر وهو اجماع العلماء ولأن
ما لا يسمع لا يعد كلاما ولا قراءة.
وقال ابن إدريس في السرائر: وأدنى حد الجهر أن تسع من على يمينك أو شمالك
ولو علا صوته فوق ذلك لم تبطل صلاته، وحد الاخفات أعلاه أن تسمع أذناك القراءة
وليس له حد أدنى بل إن لم تسمع أذناه القراءة فلا صلاة له وإن سمع من على يمينه أو شماله
صار جهرا فإذا فعله عامدا بطلت صلاته. انتهى.
وقال السيد السند في المدارك بعد قول المصنف " وأقل الجهر أن يسمعه القريب
الصحيح السمع إذا استمع والاخفات أن يسمع نفسه إن كان يسمع ": هذا الضابط ربما
أوهم بظاهره تصادق الجهر والاخفات في بعض الأفراد وهو معلوم البطلان لاختصاص
الجهر ببعض الصلوات والاخفات ببعض وجوبا أو استحبابا. والحق أن الجهر
والاخفات حقيقتان متضادتان يمتنع تصادقهما في شئ من الأفراد. ولا يحتاج في كشف
مدلولهما إلى شئ زائد على الحوالة على العرف انتهى.
137

والظاهر أن مبنى ما ذكره السيد (قدس سره) من الاعتراض على الضابط
المذكور هو أنه فهم من عبارة الفاضلين والشهيد عطف الاخفات في عبائرهم على المضاف
إليه في قولهم " أقل الجهر أن يسمع القريب منه والاخفات " يعني أقل الاخفات
واللازم من هذا تصادق الجهر والاخفات في اسماع القريب بأن يكون ذلك أعلى مراتب
الاخفات لأن أقله اسماع نفسه وأكثره اسماع القريب وأقل مراتب الجهر كما صرحوا به،
وحينئذ فيكون بينهما عموم وخصوص من وجه وتصير هذه الصورة مادة الاجتماع والحال
أن المفهوم من النصوص الدالة على انقسام الصلاة إلى جهرية واخفاتية خلافه.
وأنت خبير بأن كلام الجماعة المذكورين وإن أوهم في بادئ النظر ما
ذكره إلا أن الظاهر أن ما ذكروه من تعريف الاخفات ليس بيانا للمرتبة الدنيا منه
بل إنما هو بيان لمعنى حقيقة الاخفات وأنه عبارة عما ذكروه وأنه ليس معطوفا على
المضاف إليه بل على المضاف والواو للاستئناف. وبالجملة فالظاهر أنهم إنما قصدوا بذلك
بيان معنى الاخفات وأنه عبارة عن اسماع الانسان نفسه حقيقة أو تقديرا وأما ما زاد
عليه فهو جهر تبطل الصلاة به كما هو صريح عبارة ابن إدريس وإليه يشير آخر عبارة
العلامة في المنتهى حيث قال بعد تحديد الاخفات بأن يسمع نفسه أو بحيث
يسمع لو كان سامعا: وإنما حددناه بما قلنا لأن ما دونه لا يسمى كلاما ولا قرآنا وما زاد
عليه يسمى جهرا. انتهى. وهو ظاهر في أن اسماع القريب جهر عنده لا إخفات بل
الاخفات خاص باسماع نفسه.
وقال المحقق الشيخ علي في شرح القواعد: الجهر والاخفات حقيقتان متضادتان
كما صرح به المصنف في النهاية عرفيتان يمتنع تصادقهما في شئ من الأفراد ولا يحتاج في
كشف مدلولهما إلى شئ زائد على الحوالة على العرف.. إلى أن قال - بعد ذكر تعريف
المصنف له بأن أقل الجهر اسماع القريب تحقيقا أو تقديرا - ما صورته: وينبغي أن يزاد
فيه قيد آخر وهو تسميته جهرا عرفا وذلك بأن يتضمن إظهار الصوت على الوجه المعهود.
138

ثم قال بعد قوله: " وحد الاخفات اسماع نفسه تحقيقا أو تقديرا " ولا بد من زيادة قيد
آخر وهو تسميته مع ذلك إخفاتا بأن يتضمن إخفات الصوت وهمسه وإلا لصدق هذا الحد
على الجهر، وليس المراد اسماع نفسه خاصة لأن بعض الاخفات قد يسمعه القريب ولا يخرج
بذلك عن كونه إخفاتا. انتهى.
وقال شيخنا الشهيد الثاني في الروض: واعلم أن الجهر والاخفات كيفيتان متضادتان
لا يجتمعان في مادة كما نبه عليه في النهاية، فأقل السر أن يسمع نفسه لا غير تحقيقا أو تقديرا
وأكثره أن لا يبلغ أقل الجهر، وأقل الجهر أن يسمع من قرب منه إذا كان صحيح السمع
مع اشتمال القراءة على الصوت الموجب لتسميته جهرا عرفا، وأكثره أن لا يبلغ العلو المفرط
وربما فهم بعضهم أن بين أكثر السر وأقل الجهر تصادقا وهو فاسدا لأدائه إلى عدم تعيين
أحدهما لصلاة لامكان استعمال الفرد المشترك حينئذ في جميع الصلوات وهو خلاف الواقع
لأن التفصيل قاطع للشركة. انتهى.
وظاهر كلام هذين الفاضلين أنه لا بد في صدق الجهر وحصوله من اشتمال الكلام
على الصوت وهذا هو منشأ الفرق بين الجهر والاخفات، فإن اشتمل الكلام على الصوت
سمي جهرا أسمع قريبا أو لم يسمع وإن لم يشتمل عليه سمي إخفاتا كذلك. وبنحو ما ذكره
الفاضلان المذكوران صرح المحقق الأردبيلي (قدس سره) والظاهر أنه قول كافة
من تأخر عنهما.
وفيه من المخالفة لكلام أولئك الفضلاء ما لا يخفى فإنهم - كما عرفت - جعلوا
أقل مراتب الجهر أن يسمع من قرب منه اشتمل على صوت أو لم يشتمل وأن الاخفات
عبارة عن اسماع نفسه اشتمل على صوت أو لم يشتمل وادعى الفاضلان على ذلك الاجماع
كما تقدم، واللازم من ذلك أن من قرأ في الصلوات الإخفاتية بحيث يسمعه من قرب
منه وإن لم يشتمل على صوت فإن صلاته تبطل بذلك وهو صريح كلام ابن إدريس كما
تقدم، مع أن صريح كلام هؤلاء المتأخرين وهو أنه متى كان كذلك فإن الصلاة صحيحة.
139

والعرف يساعد ما ذكره المتأخرون فإن مجرد سماع القريب مع عدم الاشتمال على
الصوت الظاهر أنه لا يطلق عليه الجهر عرفا. وبالجملة فالمتبادر عرفا من الجهر هو ما اشتمل
على هذا الجرس الذي هو الصوت وإن كان خفيا وما لم يشتمل عليه فإنما يسمى إخفاتا
وإن سمعه القريب. وأما ما ذكره شيخنا المشار إليه في آخر كلامه بقوله: " وربما فهم
بعضهم.. الخ " فقد عرفت وجهه مما تقدم.
وكيف كان فإنه لا يعتد في الاخفات بما دون اسماع نفسه لما عرفت من الأخبار
المتقدمة من تفسير الاخفات المنهي عنه بما لا يسمع نفسه.
ويؤيده ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن أبي جعفر
(عليه السلام) (1) قال: " لا يكتب من القرآن والدعاء إلا ما أسمع نفسه ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: " سألته هل يقرأ الرجل في صلاته وثوبه على فيه؟ قال لا بأس بذلك إذا أسمع
أذنيه الهمهمة ". وأما ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه
السلام) - (3) قال: " سألته عن الرجل يصلح له أن يقرأ في صلاته ويحرك لسانه
بالقراءة في لهواته من غير أن يسمع نفسه؟ قال لا بأس أن لا يحرك لسانه يتوهم توهما " -
فقد حمله الشيخ في التهذيب على من يصلي مع قوم لا يقتدي بهم واستدل عليه
بما رواه عن محمد بن أبي حمزة عن من ذكره (4) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام)
يجزئك من القراءة معهم مثل حديث النفس ".
أقول: وقريب منه أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين (5)
قال " سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يصلي خلف من لا يقتدي بصلاته

(1) الوسائل الباب 33 من القراءة
(2) الوسائل الباب 33 من القراءة
(3) الوسائل الباب 33 من القراءة
(4) الوسائل الباب 52 من القراءة
(5) الوسائل الباب 52 من القراءة
140

والإمام يجهر بالقراءة؟ قال اقرأ لنفسك وإن لم تسمع نفسك فلا بأس ".
(الثاني) - المشهور في كلامهم أنه لا جهر على النساء في موضع الجهر بل
الحكم مختص بالرجال، وادعى عليه الفاضلان والشهيدان اجماع العلماء فيكفيها اسماع نفسها تحقيقا أو تقديرا. ولو جهرت ولم يسمعها الأجنبي فقد صرحوا بصحة صلاتها
لحصول الامتثال أما لو سمعها فالمشهور عندهم البطلان للنهي في العبادة المستلزم للفساد.
والظاهر أن مرادهم بالنهي هنا هو أن صوت المرأة عورة فهي منهية عن اسماعه الأجنبي
وأنت خبير بأنه لم يقم عندنا ما يدل على ما ادعوه من كون صوتها عورة وأنها منهية
عن اسماعه الأجنبي بل ظاهر الأخبار الدالة على تكلم فاطمة (عليها السلام) مع الصحابة
في مواضع عديدة ولا سيما في المخاصمة في طلب ميراثها والاتيان بتلك الخطبة الطويلة
المشهورة كما نقلناها لطولها في كتابنا سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد وتكلم
النساء في مجلس الأئمة (عليهم السلام) هو خلاف ما ذكروه.
ثم إنه مع تسليم صحة ما ذكروه فالنهي هنا إنما توجه إلى أمر خارج عن الصلاة وإن
كان مقارنا كما تقدم البحث فيه في مسألة الصلاة في المكان والثوب المغصوبين. وبالجملة
فإن كلامهم هنا لا يخلو من ضعف لعدم الدليل عليه بل قيام الدليل على خلافه كما عرفت
أقول: والذي وقفت عليه في هذا المقام من الأخبار ما رواه الشيخ في القوي
عن علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) (1) قال: " سألته عن المرأة
تؤم النساء ما حد رفع صوتها بالقراءة والتكبير؟ فقال بقدر ما تسمع ".
وعن علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) (2) قال:
" سألته عن المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها بالقراءة والتكبير؟ قال قدر ما تسمع "
وما رواه في قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن
أخيه مثله (3) وزاد قال: " وسألته عن النساء هل عليهن الجهر بالقراءة في الفريضة؟ قال

(1) الوسائل الباب 31 من القراءة
(2) الوسائل الباب 31 من القراءة
(3) الوسائل الباب 31 من القراءة
141

لا إلا أن تكون امرأة تؤم النساء فتجهر بقدر ما تسمع قراءتها ".
أقول: ظاهر هذه الأخبار أنه لا جهر على النساء كما ذكره الأصحاب إلا إذا
كانت تؤم النساء فإنها تجهر ولكن لا تجاوز بجهرها اسماع نفسها، واطلاق الأخبار الأولة
يحمل على الخبر الأخير. وهذه المرتبة وإن كانت في عبارات الفاضلين والشهيدين وابن
إدريس كما تقدم من مراتب الاخفات وهي حد الاخفات عندهم إلا أنه بالنظر إلى كلام
المتأخرين الذين جعلوا المدار في الفرق بين الجهر والاخفات هو وجود الصوت وعدمه
لا مانع من جعلها من مراتب الجهر إذا اقترنت بالصوت وإن كان خفيا. ويمكن حينئذ
الفرق بين حال امامتها وغيرها باعتبار الصوت وعدمه بمعنى أنها تقرأ في الموضعين بقدر
ما تسمع نفسها إلا أنه في حال الإمامة يكون مقرونا بصوت خفي وفي غيرها بغير صوت،
وأما كون ذلك في مقام سماع الأجنبي أو عدمه فغير معلوم من الأخبار وإنما هو من
تكلفات الأصحاب في هذا الباب. بقي الكلام في أنها لو أجهرت زيادة على ذلك
فقضية الأصل جوازه وإن كان خلاف الأفضل كما صرحوا به في مقام عدم سماع الأجنبي
لها. هذا بالنسبة إلى الصلاة الجهرية.
وأما بالنسبة إلى الصلاة الإخفاتية فالظاهر من كلام الأكثر وجوب الاخفات
عليها في موضعه ولم أقف على مصرح به إلا أنه يظهر من تخصيصهم استثناء النساء
بصورة وجوب الجهر على الرجل. قيل وربما أشعر بعض عباراتهم بثبوت التخيير لها
مطلقا. وقال المحقق الأردبيلي (قدس سره) أنه لا دليل على وجوب الاخفات على
المرأة في الإخفاتية، واختاره جملة ممن تأخر عنه: منهم - الفاضل الخراساني وشيخنا
المجلسي، وكيف كان فالأحوط العمل بالقول المشهور لحصول البراءة اليقينية على تقديره
(الثالث) - وجوب الجهر على تقدير القول به إنما هو في القراءة خاصة ولا
يجب في شئ من أذكار الصلاة لأصالة العدم.
ولما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين عن أبي الحسن موسى (عليه
142

السلام) (1) قال: " سألته عن التشهد والقول في الركوع والسجود والقنوت للرجل أن
يجهر به؟ قال إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر ".
والظاهر أن ذكر هذه الأشياء في الرواية إنما هو على وجه التمثيل فيكون الحكم شاملا لجميع أذكار الصلاة إلا ما خرج بالدليل، ومنه القراءة أو التسبيح في الأخيرتين
فإن الحكم فيها ذلك إلا أن ظاهر الأصحاب وجوب الاخفات فيه، وفي هذه الأزمان
اشتهر بين جملة من أبناء هذا الزمان القول بوجوب الجهر فيه والكل بمعزل عن الصواب
وسيجئ إن شاء الله تحقيق المقام في الفصل الموضوع لهذه المسألة. وبالجملة فالظاهر أنه لا خلاف ولا اشكال في ما عدا هذا الموضوع في أن المصلي مخير بين الجهر والاخفات
نعم يستحب للإمام الجهر في هذه المواضع لما في موثقة أبي بصير (2) من أنه ينبغي للإمام
أن يسمع من خلفه كل ما يقول وللمأموم أن لا يمسع الإمام شيئا مما يقول.
(الرابع) - لا خلاف بين الأصحاب هنا في معذورية الجاهل وهذا أحد
الموضعين الذين خصوهما بالاستثناء في كلامهم، ويدل على ذلك ما تقدم في صحيحتي
زرارة. ولو ذكر في الأثناء لم يجب عليه الاستئناف كما صرح به بعض الأصحاب،
واطلاق الصحيحتين المذكورتين دال عليه. والناسي أيضا كذلك كما دل عليه الصحيحان
المذكوران، فلو خافت في موضع الجهر أو جهر في موضع الاخفات جاهلا أو ناسيا فلا
شئ عليه وصحت صلاته ولا يجب بالاخلال بهما سجود سهو لاطلاق الرواية. والظاهر أنه لا خلاف في جميع هذه الأحكام.
(الخامس) - حكم القضاء حكم الأداء في ذلك بلا خلاف كما ذكره في المنتهى

(1) الوسائل الباب 20 من القنوت، واللفظ كما في التهذيب ج 1 ص 163 والوسائل
والوافي باب الجهر والاخفات هكذا: " سألت أبا الحسن الماضي " ع " عن الرجل هل يصلح
له أن يجهر بالتشهد والقول في الركوع والسجود والقنوت؟ قال.. "
(2) الوسائل الباب 52 من صلاة الجماعة
143

سواء كان القضاء في ليل أو نهار، قال في المنتهى: قد أجمع أهل العلم على الاسرار في
صلاة النهار إذا قضيت في ليل أو نهار وكذا صلاة الليل إذا قضيت بالليل جهر بها وإذا
قضاها بالنهار جهر بها عندنا، وبه قال أبو حنيفة وأبو ثور وابن المنذر، وقال الشافعي
يسر بها (1).. إلى آخره.
بقي الكلام في ما لو كان يقضي عن غيره واختلف حكم القاضي والمقضي عنه
كالرجل يقضي عن المرأة والمرأة تقضي عن الرجل، فإن الرجل يجب عليه الجهر في
الجهرية والمرأة يجب عليها الاخفات في الجهرية في مقام سماع الأجنبي عند الأصحاب،
فلو أرادت المرأة القضاء عن الرجل صلاته الجهرية في مقام يسمع صوتها الأجانب فمقتضى
القاعدة الأولة وجوب الجهر عليها كما فاتت ذلك الرجل، ومقتضى ما صرحوا به من
عدم جواز الجهر لها بالنسبة إلى صلاتها أنه يكون الحكم كذلك بالنسبة إلى هذه الصلاة
التي تقضيها عن الغير، وكذا لو أراد الرجل أن يقضي عن المرأة صلاة جهرية وجب
عليه الاخفات فيها أو استحب فإن مقتضى القاعدة أنه يقضيها إخفاتا لأن الفائتة كانت
كذلك، ومقتضى اطلاق الأخبار الدالة على وجوب الجهر في هذه الصلاة وأن المرأة
إنما وجب عليها الاخفات أو استحب لخصوص مادة وهو تحريم اسماع صوتها الأجنبي
أو كراهة ذلك مطلقا هو وجوب الجهر عملا بالاطلاق إذ المخصص المذكور غير موجود
هنا. ولم أقف في هذا المقام على كلام لأحد من علمائنا الأعلام والأقرب الأنسب
بالقواعد هنا هو الاعتبار بحال القاضي لا المقتضي عنه لما عرفت في تعليل كل من المسألتين
هذا كله بناء على قواعد الأصحاب في تحريم سماع صوت المرأة وأما على ما ذكرناه
واخترناه فلا اشكال.
(السادس) - المستحب في نوافل النهار الاخفات وفي نوافل الليل الاجهار
بالقراءة، قال في المنتهى: وهو مذهب علمائنا أجمع.

(1) المغني ج 1 ص 570
144

أقول: ويدل عليه جملة من الأخبار: منها - ما رواه الشيخ عن الحسن بن علي
ابن فضال عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " السنة في صلاة
النهار بالاخفات والسنة في صلاة الليل بالاجهار ".
ومما يدل على جواز الجهر نهارا وإن كان خلاف الأفضل ما رواه الشيخ في الموثق
عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " سألته عن الرجل هل يجهر بقراءته
في التطوع بالنهار؟ فقال نعم ".
(المسألة الربعة) - اختلف الأصحاب في حكم القران بين السورتين في الفريضة
فقال الشيخ في النهاية والمبسوط أنه غير جائز بل قال في النهاية أنه مفسد للصلاة ونحو منه
كلامه في الخلاف، وإليه ذهب المرتضى في الإنتصار ونقل اجماع الفرقة عليه واختاره
في المسائل المصرية الثالثة أيضا، لكن نقل في التذكرة عن المرتضى القول بكراهة
القرآن ولعله في موضع آخر من مصنفاته. والعلامة اختلف اختياره في هذه المسألة في كتبه
فاختار التحريم في التحرير والقواعد والارشاد والمختلف ومال إليه الشهيد في رسالته وإليه
ذهب أبو الصلاح على ما رأيته في كتابه الكافي حيث قال: ولا يجوز أن يقرأ مع فاتحة
الكتاب بعض سورة ولا أكثر من سورة. انتهى. وممن صرح بذلك الصدوق في
الفقيه حيث قال: ولا تفرق بين سورتين في فريضة فأما في النافلة فاقرن ما شئت.
وذهب الشيخ في الإستبصار إلى الكراهة واختاره ابن إدريس والمحقق وجمهور
المتأخرين ومتأخريهم.
والظاهر عندي هو القول بالتحريم، ومما يدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن
أحدهما (عليهما السلام) (3) قال: " سألته عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة فقال
لا لكل سورة ركعة ".

(1) الوسائل الباب 22 من القراءة
(2) الوسائل الباب 22 من القراءة
(3) الوسائل الباب 8 من القراءة
145

وصحيحة منصور بن حازم (1) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) لا تقرأ
في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر ".
والسيد السند في المدارك حيث اختار القول المشهور بين المتأخرين نقل هذه
الصحيحة في أدلة القول بالتحريم عارية عن وصف الصحة ثم طعن فيها في آخر كلامه بأنها
ضعيفة الاسناد، وسند هذه الرواية قد اشتمل على محمد بن عبد الحميد وسيف بن عميرة.
والظاهر أن طعنه فيها بالضعف لاشتمال سندها على محمد بن عبد الحميد كما عرفت من كلامه فيه آنفا وقد تقدم الجواب عنه منقحا. ويحتمل أيضا بالنظر إلى سيف بن عميرة
حيث نقل ابن شهرآشوب أنه ثقة واقفي وعليه فتكون الرواية في الموثق والموثوق عندهم
من قسم الضعيف إلا أن المشهور خلافه، وقد وثقه الشيخ والعلامة والشهيد في كتاب
نكت الارشاد في بحث نكاح الأمة بإذن المولى، قال بعد أن نقل الطعن عليه بالضعف:
والصحيح أنه ثقة. وبه صرح خاتمة المحدثين المجلسي في وجيزته وشيخنا الشيخ سليمان
في بلغته، فالحديث صحيح بلا شبهة ولا ريب.
ومن الأخبار الدالة على ذلك أيضا موثقة زرارة (2) قال: " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الرجل يقرن بين السورتين في الركعة فقال إن لكل سورة حقا
فاعطها حقها من الركوع والسجود ".
أقول: وحق السورة من الركوع والسجود هو أن يأتي بهما بعد السورة بلا فصل
فإذا قرن بين سورتين فقد ترك حق الأولى. وتوثيق هذا الخبر إنما هو بعبد الله بن
بكير الذي قد عد في من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه فلا يقصر خبره
عن رتبة الصحيح بناء على اصطلاحهم.
ومن ذلك ما رواه الشيخ عن عمر بن يزيد (3) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام) أقرأ سورتين في ركعة؟ قال نعم. قلت أليس يقال أعط كل سورة حقها من

(1) الوسائل الباب 4 من القراءة
(2) الوسائل الباب 8 من القراءة
(3) الوسائل الباب 8 من القراءة
146

الركوع والسجود؟ فقال ذلك في الفريضة فأما في النافلة فليس به بأس ".
ومن ذلك ما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب حريز عن زرارة
عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " لا تقرن بين سورتين في الفريضة في ركعة
فإن ذلك أفضل " ولا يتوهم من قوله " فإن ذلك أفضل " الدلالة على الاستحباب فإن
استعمال أفعل التفضيل بمعنى أصل الفعل شائع.
وما رواه في كتاب الخصال بسنده فيه إلى علي (عليه السلام) في حديث
الأربعمائة (2) قال: " أعطوا كل سورة حقها من الركوع والسجود ".
وما رواه في كتاب قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه
السلام) (3) قال: " سألته عن رجل قرأ سورتين في ركعة؟ قال إذا كانت نافلة فلا
بأس وأما الفريضة فلا يصلح ".
وما رواه في آخر السرائر بالسند المتقدم عن أبي جعفر (عليه السلام) (4)
قال: " لا قران بين سورتين في ركعة ولا قران بين أسبوعين في فريضة ونافلة
ولا قران بين صومين ".
وما رواه في المعتبر والمنتهى من جامع البزنطي عن المفضل (5) قال: " سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلا الضحى وألم
نشرح والفيل ولإيلاف ".
وما رواه في كتاب الهداية للصدوق مرسلا (6) قال: " قال الصادق (عليه
السلام) لا تقرن بين السورتين في الفريضة وأما في النافلة فلا بأس ".
وقال في كتاب الفقه الرضوي (7) قال العالم (عليه السلام) لا تجمع بين

(1) الوسائل الباب 8 من القراءة
(2) الوسائل الباب 8 من القراءة
(3) الوسائل الباب 8 من القراءة
(4) الوسائل الباب 8 من القراءة
(5) المعتبر ص 178 والمنتهى ص 276 والوسائل الباب 10 من القراءة
(6) مستدرك الوسائل الباب 6 من القراءة
(7) ص 11
147

السورتين في الفريضة ".
أقول: هذا مجموع ما وقفت عليه من الأخبار الدالة على التحريم وهي في الدلالة
والظهور كالنور على الطور.
احتج السيد السند في المدارك على القول بالكراهة حيث اختاره بالأصل
والعمومات وما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين (1) قال: " سألت أبا الحسن
(عليه السلام) عن القران بين السورتين في المكتوبة والنافلة قال لا بأس " وفي
الموثق عن زرارة (2) قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام) إنما يكره أن يجمع بين
السورتين في الفريضة فأما النافلة فلا بأس " ثم نقل كلام ابن إدريس بأن الإعادة
وبطلان الصلاة يحتاج إلى دليل وأصحابنا قد ضبطوا قواطع الصلاة وما يوجب الإعادة
ولم يذكروا ذلك في جملتها والأصل صحة الصلاة والإعادة والبطلان يحتاج إلى دليل،
ثم نقل عن القائلين بالتحريم الاحتجاج بصحيحة محمد بن مسلم التي قدمناها في أول
الأخبار ثم صحيحة منصور بن حازم معبرا عنها بلفظ رواية منصور، ثم قال والجواب
الحمل على الكراهة جمعا بين الأدلة. أما البطلان فاحتج عليه في المختلف بأن القارن
بين السورتين غير آت بالمأمور به على وجهه فيبقى في عهدة التكليف. وهو ضعيف فإن
الامتثال حصل بقراءة السورة الواحدة والنهي عن الزيادة لو سلمنا أنه للتحريم فهو أمر
خارج عن العبادة فلا يترتب عليه الفساد. انتهى.
وفيه نظر من وجوه: (الأول) - أن ما احتج به من الأصل والعمومات وأيده
بنقل كلام ابن إدريس المذكور فهو مردود بما ذكرناه من الأخبار فإنها في ما ادعيناه واضحة
المنار مع تعددها وكثرتها وهم يخرجون عن الأصل بأقل من ذلك كما لا يخفى على
الخبير المنصف.
(الثاني) - أن ما احتج به من صحيحة علي بن يقطين فهي محمولة على التقية

(1) الوسائل الباب 8 من القراءة
(2) الوسائل الباب 8 من القراءة
148

كما صرح به جملة من الأصحاب: منهم - شيخنا المجلسي في البحار وإن رجح القول
بالكراهة تبعا للجماعة، قال: ويمكن الجمع بين الأخبار بوجهين (أحدهما) حمل أخبار المنع
على الكراهة. و (ثانيهما) حمل أخبار الجواز على التقية والأول أظهر والثاني أحوط. انتهى
أقول: لا أعرف لهذه الأظهرية وجها سوى متابعة المشهور بين المتأخرين لما
عرفت (أولا) مما حققناه في غير مقام مما سبق من أن الجمع بين الأخبار بالكراهة
والاستحباب مما لا مستند له من سنة ولا كتاب مع خروجه عن القواعد الشرعية
والضوابط المرعية، لأن الحمل على ذلك مجاز لا يصار إليه إلا منع القرينة ولا قرينة هنا
سوى اختلاف أخبار المسألة وهذا ليس من قرائن المجاز سيما مع ظهور محمل سواه.
و (ثانيا) أن القاعدة المنصوصة عن أصحاب العصمة (عليهم السلام) في أمثال
هذا المقام هو الترجيح بين الأخبار بالعرض على مذهب العامة والأخذ بخلافه، والخروج
عن قواعدهم (عليهم السلام) التي قرروها وضوابطهم التي ذكروها بمجرد التشهي
رد عليهم في ما ذكروه.
و (ثالثا) أن من ضوابطهم المقررة أنهم يعلمون بالمرجحات ويجعلون التأويل في
طرف الخبر المرجوح، ولا ريب أن ما ذكرناه من الأخبار وإن لم يتفطنوا لها ولم ينقلوها
أكثر عددا وظهور رجحانها على هذه الرواية ظاهر، فالواجب جعل التأويل في جانب
هذه الرواية ووجه التأويل بالحمل على التقية ظاهر فيها كما اعترفت به، فأي أظهرية في ما
ادعاه مع التأويل في ما ذكرناه؟ ما هذه إلا مجازفات نشأت من الاستعجال وعدم اعطاء
النظر حقه في هذا المجال.
(الثالث) - أن ما احتج به من موثقة زرارة - مع قطع النظر عن كونه يرد الأخبار
الموثقة ويرميها بالضعف ويطرحها كما لا يخفى على من عرف طريقته في الكتاب
المذكور - مردود بأنه مبني على كون الكراهة في عرفهم (عليهم السلام) بهذا المعنى المصطلح
وهو قد اعترف في غير موضع من شرحه وصرح بكون استعمالها في الأخبار بمعنى
149

التحريم شائعا كثيرا بل ربما ترجح على المعنى الأصولي، فكيف يتم له الاستدلال
بالخبر المذكور والحال كما ترى؟
(الرابع) - ما أجاب به عن الروايتين المنقولين في كلامه حجة للقائلين بالتحريم
من حملها على الكراهة فإن فيه ما عرفت مما قدمنا ذكره على كلام شيخنا المجلسي
(قدس سره) ونزيده تأكيدا بأن نقول إنه إذا كان العمل عندهم في الجمع بين الأخبار
في جميع الأحكام من أول أبواب الفقه إلى آخرها إنما هو على هذه القاعدة من حمل
الأوامر على الاستحباب والنواهي على الكراهة كما لا يخفى على الخائض في كلامهم
والناظر في نقضهم وابرامهم فلمن خرجت هذه الأخبار المستفيضة بهذه القواعد المقررة
عنهم (عليهم السلام) في الأخبار المتعارضة، أهنا شريعة غير هذه الشريعة أو خوطب بها
أحد غيرهم؟ ما هذه إلا غفلة عجيبة سامحنا الله وإياهم.
(الخامس) - قوله في رد كلام العلامة " وهو ضعيف.. إلى آخره " فإن فيه ما كتبه
عليه الفاضل الشيخ محمد بن الشيخ حسن ابن شيخنا الشهيد الثاني في حاشية الكتاب
حيث قال - ونعم ما قال - لا يخلو كلام شيخنا من نظر، لأن الظاهر من القرآن قصد
الجمع بين السورتين لأن العدول لا ريب في جوازه مع الشرط المذكور فيه، وحينئذ
فكلام العلامة متوجه لأن قصد السورتين يقتضي عدم الاتيان بالمأمور به إذ المأمور به
السورة وحدها. وقول شيخنا - أن النهي عن الزيادة نهى عن أمر خارج - إنما يتم لو تجدد
فعل الزيادة بعد فعل الأولى قصدا للسورة الأولى منفردة وأين هذا من القران؟ انتهى.
وبما حررناه وأوضحناه يظهر لك قوة القول بالتحريم وأن القول بالكراهة
إنما نشأ عن عدم اعطاء التأمل حقه في الأخبار والتتبع لها والنظر فيها بعين الفكر
والاعتبار. والله العالم.
وفي المقام فوائد يجب التنبيه عليها: (الأولى) قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك:
ويتحقق القران بقراءة أزيد من سورة وإن لم يكمل الثانية بل بتكرار السورة الواحدة
150

أو بعضها ومثله تكرار الحمد. انتهى.
وفيه (أولا) أن أخبار القران التي قدمناها كلها قد اشتملت على السورة بمعنى أن
القران إنما هو عبارة عن قراءة سورة ثانية تامة، وليس فيها ما ربما يحتمل ما ذكره إلا
صحيحة منصور بن حازم لقوله (عليه السلام) (1) " بأقل من سورة ولا بأكثر "
والواجب حمل اطلاقها على ما صرحت به تلك الأخبار العديدة من أن القران هو الجمع
بين السورتين. و (ثانيا) أنه لا خلاف في جواز العدول في الجملة ولا ريب في حصول
الزيادة على سورة مع أنه لا قائل بالتحريم. وبالجملة فالظاهر ضعف ما ذكره (قدس سره)
(الثانية) - الظاهر أن موضع الخلاف في القران جواز أو تحريما بالسورة تامة
أو ما دونها هو ما إذا قصد بقراءته كونه جزء من القراءة الواجبة، فإن الظاهر أنه لا خلاف
في جواز القنوت ببعض الآيات وإجابة المسلم بلفظ القرآن والإذن للمستأذن بقوله:
" ادخلوها بسلام آمنين " (2) ونحو ذلك.
(الثالثة) - ينبغي أن يعلم أن محل الخلاف بغير خلاف يعرف هو الفريضة
وأما النافلة فلا بأس بالقران فيها كما تقدم التصريح به في رواية عمر بن يزيد ورواية
قرب الإسناد ومرسلة الصدوق في كتاب الهداية.
ويزيد ذلك تأكيدا ما رواه الشيخ عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (3) قال: " لا بأس أن تجمع في النافلة من السور ما شئت ".
وعن محمد بن القاسم (4) قال: " سألت عبدا صالحا (عليه السلام) هل يجوز
أن يقرأ في صلاة الليل بالسورتين والثلاث؟ فقال ما كان من صلاة الليل فاقرأ بالسورتين
والثلاث وما كان من صلاة النهار فلا تقرأ إلا بسورة سورة " وفيه دلالة على ترجيح
ترك القران في النافلة النهارية.

(1) ص 146
(2) سورة الحجر، الآية 46
(3) الوسائل الباب 8 من القراءة
(4) الوسائل الباب 8 من القراءة
151

(الرابعة) - يجب أن يستثنى من الحكم بتحريم القران أو كراهة في الفريضة
صلاة الآيات لما سيأتي إن شاء الله تعالى بيانه من جواز تعدد السورة فيها. والله العالم.
(المسألة الخامسة) - المشهور بين الأصحاب تحريم قراءة العزائم الأربع في
الفرائض بل نقل عليه الاجماع جملة من الأصحاب: منهم - المرتضى في الانتصار والشيخ
في الخلاف وابن زهرة في الغنية والعلامة في النهاية. وخالف في ذلك ابن الجنيد فقال
لو قرأ سورة من العزائم في النافلة سجد وإن كان في فريضة أومأ فإذا فرغ قرأها وسجد.
ومن أخبار المسألة ما رواه ثقة الاسلام والشيخ عن زرارة عن أحدهما (عليهما
السلام) (1) قال: " لا تقرأ في المكتوبة بشئ من العزائم فإن السجود زيادة في
المكتوبة " وهذه الرواية كما ترى صريحة في القول المشهور.
ما رواه الشيخ في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
" أنه سئل عن الرجل يقرأ بالسجدة في آخر السورة قال يسجد ثم يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب
ثم يركع ويسجد ".
ما رواه في الكافي والتهذيب عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: " إن صليت مع قوم فقرأ الإمام " اقرأ باسم ربك الذي خلق " أو شيئا من
العزائم وفرغ من قراءته ولم يسجد فأومئ إيماء، والحائض تسجد إذا سمعت السجدة "
ما رواه الشيخ في التهذيب عن سماعة (4) قال " من قرأ " اقرأ باسم ربك " فإذا
ختمها، فليسجد فإذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب وليركع. قال وإن ابتليت بها مع إمام
لا يسجد فيجزئك الايماء والركوع ولا تقرأ في الفريضة اقرأ في التطوع ".
عن وهب بن وهب عن أبي عبد الله عن أبيه عن علي (عليه السلام) (5) أنه قال: " إذا كان آخر السورة السجدة أجزأك أن تركع بها ".

(1) الوسائل الباب 40 من القراءة
(2) الوسائل الباب 37 من القراءة
(3) الوسائل الباب 38 من القراءة
(4) الوسائل الباب 37 و 40 من القراءة
(5) الوسائل الباب 37 من القراءة
152

عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما السلام) (1) قال: " سألته عن
الرجل يقرأ السجدة فينساها حتى يركع ويسجد قال يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم "
عن عمار بن موسى في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) " عن الرجل
يقرأ في المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم؟ فقال إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها
وإن أحب أن يرجع فيقرأ سورة غيرها ويدع التي فيها السجدة فيرجع إلى غيرها. وعن
الرجل يصلي مع قوم لا يقتدي بهم فيصلي لنفسه وربما قرأوا آية من العزائم فلا يسجدون
فيها فكيف يصنع؟ قال لا يسجد ".
عن علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى (عليه السلام) (3) قال: " سألته
عن إمام قوم قرأ السجدة فأحدث قبل أن يسجد كيف يصنع؟ قال يقدم غيره فيتشهد
ويسجد وينصرف هو وقد تمت صلاتهم " وروى الحميري في كتاب قرب الإسناد مثله (4)
إلا أنه قال: " يقدم غيره فيسجد ويسجدون وينصرف فقد تمت صلاتهم ".
ما رواه الثقة الجليل عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الإسناد عن عبد الله
ابن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) (5) قال: " سألته عن
الرجل يقرأ في الفريضة سورة النجم أيركع بها أو يسجد ثم يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال يسجد
ثم يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب ويركع ولا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة " ورواه علي بن
جعفر في كتابه مثله (6) إلا أنه قال: " فيقرأ بفاتحة الكتاب ويركع وذلك زيادة في
الفريضة فلا يعودن يقرأ السجدة في الفريضة ".
هذا ما حضرني من الأخبار في المسألة ولا يخفى ما هي عليه من التدافع الظاهر لكل
ناظر، إلا أنه يمكن أن يقال بتوفيق الملك المتعال وبركة الآل عليهم صلوات ذي الجلال:

(1) الوسائل الباب 39 من القراءة
(2) الوسائل الباب 30 و 38 من القراءة
(3) الوسائل الباب 40 من القراءة
(4) الوسائل الباب 40 من القراءة
(5) الوسائل الباب 40 من القراءة
(6) الوسائل الباب 40 من القراءة
153

أما الخبر الأول فإنه ظاهر - كما أشرنا إليه آنفا - في القول المشهور. وأما الثاني
فليس فيه تصريح بكون القراءة في الفريضة فيحمل على النافلة لما سيأتي إن شاء الله تعالى
من جواز ذلك فيها.
وأما الثالث فيحمل على الصلاة خلف المخالف وأنه مع الالجاء والضرورة يومئ
إيماء، يؤيده ما في موثقة سماعة من الأمر بالايماء في هذه الصورة، وما في آخر رواية
عمار من الأمر له في هذه الصورة بعدم السجود لا ينافيه الايماء كما في هذين الخبرين
فيجب تقييد اطلاق خبر عمار بهذين الخبرين.
وأما الرابع فصدره كالخبر الثاني مطلق فيحمل على النافلة كما حملنا عليه ذلك
الخبر وعجزه يحمل على ما عرفت في الخبر الثالث، وقوله في آخر الخبر " لا تقرأ في
الفريضة اقرأ في التطوع " صريح الدلالة على القول المشهور من النهي عن القراءة في الفريضة
وصريح في جواز ذلك في النافلة كما أشرنا إليه آنفا.
وأما الخامس فقد حمله الشيخ (قدس سره) على ما إذا كان مع قوم لا يتمكن
معهم من السجود. ولا بأس به في مقام الجمع. وأما السادس فهو مطلق أيضا فيحمل
على النافلة جمعا.
وأما السابع فيمكن حمله على من شرع في السورة ساهيا ثم ذكر قبل قراءة
السجدة فإن حكمه أن يقرأ سورة أخرى غيرها إن أوجبنا السورة وتغتفر له هذه الزيادة
وإن اكتفينا بالتبعيض في السورة فإنه يكتفي بما قرأ ويتم صلاته. وفي الخبر بناء على
ما ذكرنا إيماء إلى عدم جواز قراءة السجدة في الصلاة ففيه تأييد للقول المشهور.
وأما الثامن فهو ظاهر في قراءة العزائم في الفريضة، وحمله على النافلة بعيد لعدم
جواز الجماعة فيها إلا في مواضع نادرة. ويمكن الجواب عنه بالحمل على النسيان كما قدمناه
في الخبر السابع أو على التقية وهو الأقرب.
بقي الكلام في معنى الخبر وقد قال شيخنا (قدس سره) في البحار أنه يحتمل وجوها:
154

(الأول) أن يكون فاعل التشهد والسجود والانصراف الإمام الأول فيكون التشهد
محمولا على الاستحباب للانصراف من الصلاة، والسجود للتلاوة لعدم اشتراط الطهارة
فيه (الثاني) أن يكون فاعل الأولين الإمام الثاني بناء على أن الإمام قد ركع معهم فالمراد
بقول المسائل " قبل أن يسجد " قبل سجود الصلاة لا سجود التلاوة. ولا يخفى بعده
(الثالث) أن يكون فاعل التشهد الإمام الثاني أي يتم الصلاة بهم، وعبر عنه بالتشهد
لأنه آخر أفعالها، ويسجد الإمام الأول للتلاوة وينصرف. (الرابع) أن يكون فاعل
الأولين الإمام الثاني ويكون المراد بالتشهد اتمام الصلاة بهم وبالسجود سجود التلاوة
أي يتم الصلاة بهم ويسجد للتلاوة بعد الصلاة. وأما على ما في قرب الإسناد فالمعنى
يسجد الإمام الثاني بالقوم أما في أثناء الصلاة كما هو الظاهر أو بعدها على احتمال بعيد
وينصرف أي الإمام الأول بعد السجود منفردا أو قبله بناء على اشتراط الطهارة فيه وهو
أظهر من الخبر. انتهى.
وأما الخبر التاسع فينبغي حمله على الناسي أو التقية، وفي خبر كتاب قرب الإسناد
" ولا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة " وقوله في خبر الكتاب " وذلك زيادة في الفريضة
فلا يعودن يقرأ السجدة في الفريضة " وهو مؤيد للقول المشهور، وخبر الكتاب أوضح
دلالة في ذلك فإنه لو كان قراءته لها لا عن أحد الوجهين لم يكن لذكر هذا الكلام مزيد
فائدة إن لم يكن منافيا.
وعلى ما ذكرناه تجتمع الأخبار المذكورة في المقام ويظهر قوة القول المشهور بما
لا يعتريه وصمة النقض والابرام عند من يعمل بأخبار أهل البيت (عليهم السلام).
وأما ما ذكره في المدارك - بعد طعنه في روايتي زرارة وموثقة سماعة بضعف
السند من القول بالجواز عملا بظاهر الصحاح المذكورة حيث إنه ممن يدور مدار صحة
الأسانيد ولا ينظر إلى ما اشتملت عليه متون الأخبار من العلل كما بيناه غير مرة - فهو
جيد على أصله الغير الأصيل، على أن صحيحة علي بن جعفر المنقولة في كتابه ظاهرة في ما
155

دلت عليه الروايتان المشار إليهما من النهي عن قراءة العزيمة في الفريضة مع اجماع المخالفين
واتفاقهم على الجواز كما نقله في المعتبر.
وبالجملة فإنه مع العمل بجملة أخبار المسألة كما هو الحق الحقيق بالاتباع فالحكم في
المسألة هو ما أوضحناه وشرحناه وعليه تجتمع الأخبار على وجه صحيح العيار واضح المنار
إلا أنه ينبغي الكلام هنا في مواضع: (الأول) - قال في المدارك - بعد
ذكر عبارة المصنف الدالة على أنه لا يجوز أن يقرأ في الفرائض شيئا من سور العزائم -
ما صورته: هذا هو المشهور بين الأصحاب واحتجوا عليه بأن ذلك مستلزم لأحد
محذورين: أما الاخلال بالواجب إن نهيناه عن السجود وأما زيادة سجدة في الصلاة متعمدا
إن أمرناه به. ولا يخفى أن هذا مع ابتنائه على وجوب اكمال السورة وتحريم القران إنما
يتم إذا قلنا بفورية السجود مطلقا وأن زيادة السجدة مبطل كذلك وكل من هذه
المقدمات لا يخلو من نظر. انتهى.
أقول: بل الظاهر أن النظر إنما هو في كلامه (قدس سره) لا في كلام الأصحاب
(أما أولا) فإن ما ذكره من ابتناء ما ذكروه على وجوب اكمال السورة وتحريم
القران مما لا أعرف له وجها وجيها وإن كان قد تقدمه فيه المحقق في المعتبر، وذلك لأن غاية
ما دل عليه النهي - وهو ظاهر اطلاق الأصحاب - أنه لا يجوز قراءة سورة العزيمة في
الصلاة لأحد محذورين سواء أوجبنا السورة أو جعلناها مستحبة وذلك كما تقدم أن
الأصحاب في السورة على قولين الوجوب والاستحباب، والمراد هنا أن هذه السورة
التي تقرأ في هذا الموضع وجوبا أو استحبابا لا يجور أن تكون سورة من سور العزائم
الأربع للزوم المحذور. هذا غاية ما يفهم من النص واطلاق كلامهم ولا ترتب لذلك على
جواز القران ولا عدمه، فلو قلنا إن السورة مستحبة فإن هذه السورة لا تصلح للاتيان
بوظيفة الاستحباب للعلة المذكورة، وكذا لو قلنا بجواز القران فإنه لا منافاة بالتقريب
المذكور. وبالجملة فإن الغرض إنما هو التنبيه على أن هذه السورة لا يجوز قراءتها في الصلاة
156

كغيرها من سور القرآن بأي كيفية كانت، وهذا معنى صحيح لا يترتب عليه شئ مما
ذكره هو وغيره. بقي الكلام في أنه لو قرأ منها ما عدا موضع السجدة فهل تصح صلاته
ويمضي فيها أم لا؟ وهي مسألة أخرى يترتب الكلام فيها على وجوب السورة وعدمه،
وكذا لو عدل إلى سورة أخرى بعد أن قرأ منها بعضا فهل تصح صلاته أيضا أم لا؟
وهي مسألة أخرى أيضا مبنية على تحريم القران وأنه أعم من زيادة سورة كاملة أو بعض
منها وقد تقدم الكلام فيه، وهذا هو مطمح نظره في اعتراضه على كلام الأصحاب
والحق أن هذا شئ خارج عما نحن فيه كما عرفت.
و (أما ثانيا) فإن ما ذكره - من النظر في فورية سجود التلاوة وفي الابطال بزيادة
السجدة - مردود، أما فورية السجود فلأنه لا خلاف بين الأصحاب في الفورية مطلقا
وهو ممن صرح بذلك فقال في بحث السجود وذكر سجدة التلاوة بعد قول المصنف:
" ولو نسيها أتى بها في ما بعد " ما هذا لفظه: أجمع الأصحاب على أن سجود التلاوة
واجب على الفور.. الخ. وقضية الوجوب فورا هو أنه يجب عليه السجود بعد قراءتها
في الصلاة البتة والاستثناء في هذا المكان يحتاج إلى دليل وليس فليس، بل اعترف بذلك
في هذا المقام في الرد على ابن الجنيد حيث نقل عنه أنه يومئ إيماء فإذا فرغ قرأها
وسجد، فقال في الرد عليه: وهو مشكل لفورية السجود. ولو تم ما ذكره من النظر الذي
أورده على كلام الأصحاب في الفورية فأي اشكال هنا يلزم به كلام ابن الجنيد؟ فانظر
إلى هذه المخالفات في مقام واحد ليس بين الكلامين إلا أسطر يسيرة. وأما الابطال
بالسجدة فقد صرحت به رواية زرارة المتقدمة بقوله " فإن السجود زيادة في المكتوبة "
أي زيادة مبطلة وإلا فالزيادات فيها كثيرة، وقوله في صحيحة علي بن جعفر المذكورة
في كتابه " فإن ذلك زيادة في الفريضة فلا يعودن يقرأ السجدة في الفريضة " ويشير
إليه قوله في موثقة عمار " إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها.. الخ ".
(الثاني) - قال شيخنا الشهيد الثاني في الروض تفريعا على القول بالتحريم مطلقا
157

إن قرأ العزيمة عمدا بطلت صلاته بمجرد الشروع في السورة وإن لم يبلغ موضع السجود
للنهي المقتضي للفساد.
أقول: فيه أن الظاهر من الأخبار كما عرفت هو أن العلة في التحريم إنما هو محذور
السجود وعدمه فإنه إن سجد لزم بطلان الصلاة بزيادة السجدة وإن لم يسجد لزم الاخلال
بالواجب الفوري وبذلك علله الأصحاب أيضا، وحينئذ فالنهي في الحقيقة لم يتوجه إلى
مجرد القراءة بل إنما توجه إلى قراءة السجدة. نعم يتجه ما ذكره لو أوجبنا السورة تامة
وحرمنا الزيادة عليها لأن اللازم من قراءتها باعتقاد كونها الواجب في هذا المكان مع
عدم جواز السجود زيادة واجب إن أتى بسورة بعدها والاخلال بواجب إن اقتصر عليها
(الثالث) - قال في الذكرى: لو قرأ العزيمة سهوا في الفريضة ففي الرجوع عنها ما لم
يتجاوز النصف وجهان مبنيان على أن الدوام كالابتداء أولا؟ والأقرب الأول، وإن تجاوز
ففي جواز الرجوع أيضا وجهان من تعارض عمومين أحدهما المنع من الرجوع هنا مطلقا
والثاني المنع من زيادة سجدة وهو أقرب، وأن منعناه أومأ بالسجود ثم يقضيها
ويحتمل وجوب الرجوع ما لم يتجاوز السجدة وهو قريب أيضا مع قوة العدول مطلقا
ما دام قائما. وابن إدريس قال: إن قرأها ناسيا مضى في صلاته ثم قضى السجود
بعدها وأطلق. انتهى.
وقال في الروض: إن قرأها سهوا فإن ذكر قبل تجاوز السجدة عدل إلى غيرها
وجوبا سواء تجاوز النصف أم لا مع احتمال عدم الرجوع لو تجاوز النصف لتعارض عمومي
المنع من الرجوع بعده والمنع من زيادة سجدة فيومئ للسجود بها ثم يقضيها، وإن لم
يذكر حتى تجاوز السجدة ففي الاعتداد بالسورة وقضاء السجدة بعد الصلاة لانتفاء المانع
أو وجوب العدول مطلقا ما لم يركع لعدم الاعتداد بالعزيمة في قراءة الصلاة فيبقى وجوب
السورة بحاله لعدم حصول المسقط لها وجهان ومال في الذكرى إلى الثاني، وعلى ما بيناه
من أن الاعتماد في تحريم العزيمة على السجود يتجه الاجتزاء بها حينئذ، وقال ابن إدريس
158

ثم نقل قوله المتقدم ذكره.
أقول: لا يخفى أن المسألة المذكورة لما كانت عارية عن النص كثرت فيها
الاحتمالات قربا وبعدا واختلفت فيها الأفهام نقضا وإبراما إلا أن الأقرب إلى القواعد
الشرعية والضوابط المرعية هو أنا متى قلنا بوجوب سورة كاملة لا زيادة عليها وقلنا
بالنهي عن العزائم وبطلان الصلاة بها لما عرفت فإن الواجب على من قرأها ساهيا هو
العدول عنها متى ذكر ولم يقرأ السجدة وأن يقرأ غيرها، وهذه الزيادة مغتفرة لمكان
السهو كسائر الزيادات الواقعة في الصلاة مما لا تبطل الصلاة به تجاوز النصف أم لم يتجاوز
وهذا هو الذي اختاره في الروض. وأما احتماله فيه عدم الرجوع لو تجاوز النصف - بناء
على عموم الأخبار المانعة من جواز العدول من سورة إلى أخرى مع تجاوز النصف - ففيه
أن هذه الأخبار لا وجود لها وإنما وقع ذلك في كلام الأصحاب كما سيأتي ذكره قريبا
إن شاء الله تعالى في مسألة العدول.
وبذلك يظهر لك ما في كلام صاحب المدارك هنا أيضا ردا على جده حيث إن
جده كما عرفت اختار ما اخترناه من العدول قبل بلوغ السجدة وإن تجاوز النصف فاعترض
عليه بأنه مشكل لاطلاق الأخبار المانعة من جواز العدول من سورة إلى أخرى مع تجاوز
النصف. انتهى. وفيه أنه قد اعترف في بحث صلاة الجمعة بعدم وجود النص المذكور
في هذا المقام حيث إن المصنف ذكر أنه يستحب العدول إلى سورة الجمعة والمنافقين
ما لم يتجاوز نصف السورة فقال (قدس سره): أما استحباب العدول مع عدم تجاوز
النصف في غير هاتين السورتين فلا خلاف فيه بين الأصحاب، إلى أن قال وأما تقييد
الجواز بعدم تجاوز النصف فلم أقف له على مستند واعترف الشهيد في الذكرى بعدم
الوقوف عليه أيضا. انتهى. وحينئذ فأين هذه الأخبار المانعة من جواز العدول مع
تجاوز النصف التي أورد بها الاشكال على جده؟ وبذلك يظهر لك ما في كلام الذكرى
في هذا المقام.
159

وعلى ما ذكرناه هنا تحمل موثقة عمار كما أشرنا إليه آنفا من حملها على الساهي
وأنه يعدل إلى سورة أخرى. هذا كله في ما لو ذكر قبل قراءة السجدة وأما لو قرأ
السجدة أيضا ساهيا ولم يذكر إلا بعد قراءتها فاشكال لما ذكره من الاحتمالين في
المقام. والله العالم.
(الرابع) - الظاهر أنه لا خلاف في جواز قراءة العزائم في النوافل وعلى ذلك
تدل موثقة سماعة المتقدمة حيث قال فيها " ولا تقرأ في الفريضة اقرأ في التطوع " وهو
مبني على اغتفار زيادة السجدة في التطوع، وحينئذ فإذا قرأها في أثناء القراءة سجد ثم قام
وأتم القراءة وركع، ولو كانت السجدة في آخر السورة فقد صرح بعضهم بأنه بعد السجود
يقوم ثم يقرأ الحمد استحبابا ليكون ركوعه عن قراءة واستند في ذلك إلى رواية الحلبي
المتقدمة بحملها على النافلة، ونقل عن الشيخ أنه يقرأ الحمد وسورة أو آية معها. ولو
نسي السجدة حتى ركع سجد إذا ذكر لصحيحة محمد بن مسلم بحملها على النافلة كما تقدم،
وبذلك صرح العلامة من غير خلاف يعرف، ويعضده أن السجود واجب وسقوطه
يحتاج إلى دليل، ومجرد السهو عنه في محله لا يصلح لأن يكون دليلا على السقوط ويخرج
النص شاهدا على ذلك.
(الخامس) - قال في المنتهى: يستحب له إذا رفع رأسه من السجود أن يكبر
رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" إذا قرأت شيئا من العزائم التي يسجد فيها فلا تكبر قبل سجودك ولكن تكبر حين ترفع رأسك، والعزائم أربعة.. الحديث ".
وروى في المنتهى عن الشيخ أنه روى في الموثق عن سماعة قال: " قال
أبو عبد الله (عليه السلام) إذا قرأت السجدة فاسجد ولا تكبر حتى ترفع رأسك "

(1) الوسائل الباب 42 من قراءة القرآن
160

وهذه الرواية لم أقف عليها في الوافي ولا في الوسائل في جملة أخبار العزائم (1)
مع أنها في التهذيب في باب كيفية الصلاة وصفتها والمفروض من ذلك والمسنون من
الزيادات (2) والله العالم.
البحث الثاني في مستحباتها
والمسنون في هذا المقام أمور: منها - الاستعاذة قبل القراءة في الركعة الأولى من
كل صلاة، ويدل على ذلك ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (3) وذكر دعاء التوجه بعد تكبيرة الاحرام ثم قال: " ثم
تعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثم اقرأ فاتحة الكتاب ".
والكلام هنا يقع في مواضع: " (الأول) المشهور أنها مستحبة ونقل فيه الشيخ
في الخلاف الاجماع منا، وقال أمين الاسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان: والاستعاذة
عند التلاوة مستحبة غير واجبة بلا خلاف في الصلاة وخارج الصلاة. ونقل في الذكرى
عن الشيخ أبي علي القول بالوجوب فيها، قال وللشيخ أبي علي بن الشيخ الأعظم أبي جعفر
الطوسي قول بوجوب التعوذ للأمر به وهو غريب، لأن الأمر هنا للندب اتفاقا وقد
نقل فيه والده في الخلاف الاجماع، وقد روى الكليني عن أبي جعفر (عليه السلام) (4)
قال: " إذا قرأت بسم الله الرحمان الرحيم فلا تبالي أن لا تستعيذ ". انتهى. أقول ويؤيده
ما ذكره الصدوق (5) قال: " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتم الناس صلاة
وأوجزهم، كان إذا دخل في صلاته قال الله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم " انتهى. إلا أنه
يمكن أن يقال إنه لما كان (صلى الله عليه وآله) ليس للشيطان عليه سبيل فلا يثبت

(1) رواها في الوافي في باب " سجدات القرآن وذكرها " وفي الوسائل في الباب 42 من
قراءة القرآن
(2) ج 1 ص 219
(3) الوسائل الباب 57 من القراءة
(4) الوسائل الباب 58 من القراءة
(5) الوسائل الباب 58 من القراءة
161

الحكم المذكور بتركه الاستعاذة. وفيه أن الأئمة (عليهم السلام) كذلك مع أن الأخبار دلت
على وقوع الاستعاذة منهم في الصلاة، والغرض منها بالنسبة إليهم (عليهم السلام) إنما هو
تعليم الشيعة وإقامة السنة. وبالجملة فالقول المشهور هو الظاهر كما لا يخفى.
وقال شيخنا المجلسي في البحار - بعد نقل كلام شيخنا الشهيد في الذكرى بطوله
المشتمل على بعض الأخبار - ما لفظه: ولولا الأخبار الكثيرة لتأتي القول بوجوب
الاستعاذة في كل ركعة يقرأ فيها بل في غير الصلاة عند كل قراءة ولكن الأخبار
الكثيرة تدل على الاستحباب وتدل بظواهرها على اختصاصه بالركعة الأولى والاجماع
المنقول والعمل المستمر مؤيد، ومن مخالفة ولد الشيخ يعمل معنى الاجماع الذي ينقله والده
(قدس الله روحيهما) وهو أعرف بمسلك أبيه ومصطلحاته. انتهى.
أقول: الظاهر أن منشأ تقوية القول بالوجوب هو ورود ذلك في الآية مطلقا في
الصلاة وغيرها وأوامر القران للوجوب بلا خلاف إلا ما يخرج بدليل. وأما ما ذكره
من أن الأخبار الكثيرة تدل على خلاف ظاهر الآية فظني بعده بل ظاهرها إنما هو
التأييد لما دلت عليه الآية حيث تضمنت الأمر بالاستعاذة كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى
نعم الخبر الذي رواه عن الكافي وهو خبر فرات بن أحنف عن أبي جعفر (عليه
السلام) المذكور المؤيد بما نقلناه عن الصدوق الذي هو في قوة خبر مرسل والاجماع
المدعى في المسألة مما يدافع ذلك. وأما كون محله في الصلاة الركعة الأولى فتدل عليه
صحيحة الحلبي أو حسنته المتقدمة لكن لا دلالة فيها على الاختصاص كما ذكره (قدس سره)
(الثاني) المشهور في كيفيتها أنها " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " قال شيخنا
الشهيد الثاني في شرح النفلية بعد ذكر المصنف لها: وهذه الصيغة محل وفاق رواها
أبو سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله) (1) أقول: وهذه الرواية نقلها في

(1) في نيل الأوطار ج 2 ص 213 " عن أبي سعيد الخدري عن النبي " صلى الله عليه وآله " أنه
كان إذا قام إلى الصلاة استفتح ثم يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
من همزة ونفخه ونفثه. رواه أحمد والترمذي. وقال ابن المنذر جاء عن النبي " ص "
أنه كان يقول قبل القراءة " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " ثم قال في الشرح: حديث أبي سعيد
أخرجه أيضا أبو داود والنسائي.
162

الذكرى، قال في الاستدلال على استحباب الاستعاذة: ولما رواه أبو سعيد الخدري " أن
النبي (صلى الله عليه وآله) كان يقول قبل القراءة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (1)
ثم قال بعد كلام في البين: وصورته ما روى الخدري. أقول الظاهر أن الرواية المذكورة
عامية كما لا يخفى، ونقل عن الشيخ المفيد (قدس سره) " أعوذ بالله السميع العليم من
الشيطان الرجيم " نقله عنه في الذكرى، وعن ابن البراج " أعوذ بالله السميع العليم من
الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم ".
والذي وصل إلي من الأخبار في هذا المقام ما رواه الشهيد في الذكرى عن البزنطي
عن معاوية بن عمار عن الصادق (عليه السلام) (2) " في الاستعاذة؟ قال أعوذ بالله
السميع العليم من الشيطان الرجيم ".
وروى الشيخ عن سماعة في الموثق (3) قال: " سألته عن الرجل يقوم في الصلاة
فينسى فاتحة الكتاب؟ قال فليقل استعيذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع
العليم، ثم ليقرأها ما دام لم يركع ".
وروى الحميري في كتاب قرب الإسناد عن حنان بن سدير في الموثق (4) قال:
" صليت خلف أبي عبد الله (عليه السلام) المغرب فتعوذ باجهار: أعوذ بالله السميع
العليم من الشيطان الرجيم وأعوذ بالله أن يحضرون.. الحديث " وهذه الرواية نقلها
في الذكرى أيضا عن حنان بن سدير مثله إلا أنه لم يذكر لفظ " المغرب " والرواية الأولى
موافقة لما نقل عن الشيخ المفيد.
وقال شيخنا الشهيد الثاني في شرح النفلية (5) وروى هشام بن سالم عن أبي عبد الله

(1) الوسائل الباب 57 من القراءة
(2) الوسائل الباب 57 من القراءة
(3) الوسائل الباب 57 من القراءة
(4) الوسائل الباب 57 من القراءة
(5) ص 81
163

(عليه السلام) " استعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم أعوذ بالله أن يحضرون
إن الله هو السميع العليم ".
وفي كتاب تفسير الإمام العسكري (1) قال (عليه السلام): " أما قولك الذي
ندبك الله إليه وأمرك به عند قراءة القرآن أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان
الرجيم.. الحديث " وهو مثل رواية معاوية بن عمار المتقدمة في الدلالة على ما ذهب
إليه الشيخ المفيد (قدس سره).
وقال (عليه السلام) في كتاب الفقه الرضوي (2) في سياق ذكر تكبيرات
الافتتاح وأدعيتها: " ثم افتتح الصلاة وارفع يديك، ثم ذكر تكبيرات الافتتاح إلى أن قال
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم " وهذه الرواية أيضا
مطابقة لمذهب الشيخ المذكور كالروايتين المذكورتين.
ويزيده تأييدا ما في رواية كتاب دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد (عليهما
السلام) (3) قال: " تعوذ بعد التوجه من الشيطان الرجيم تقول أعوذ بالله السميع
العليم من الشيطان الرجيم.. الحديث ".
وبه يتبين قوة القول المذكور إن كان خلاف ما هو المشهور الذي قد عرفت أنه
لا مستند له إلا تلك الرواية العامية وأما باقي روايات المسألة فلا بأس بالعمل بها إلا أن
ما اخترناه أرجح.
(الثالث) - المشهور بين الأصحاب - بل نقل عن الشيخ في الخلاف دعوى
الاجماع عليه - هو استحباب الاخفات بالاستعاذة، قال شيخنا في الذكرى: يستحب
الاسرار بها ولو في الجهرية، قاله الأكثر ونقل الشيخ فيه الاجماع منا، ثم قال وروى حنان
بن سدير ثم ساق الرواية كما قدمنا ذكرها ثم قال ويحمل على الجواز.

(1) الوسائل الباب 14 من قراءة القرآن
(2) ص 7
(3) مستدرك الوسائل الباب 43 من القراءة
164

وقال شيخنا المجلسي في البحار بعد نقل رواية حنان بن سدير المذكورة من كتاب
قرب الإسناد ثم نقل كلام الذكرى المتعلق بهذا المقام: أقول لم أر مستندا للاسرار والاجماع
لم يثبت والرواية تدل على استحباب الجهر خصوصا للإمام لا سيما في المغرب إذ الظاهر اتحاد
الواقعة في الروايتين، ويؤيده عموم ما ورد في اجهار الإمام في سائر الأذكار إلا
ما أخرجه الدليل. نعم ورد في صحيحة صفوان (1) قال: " صليت خلف أبي عبد الله
(عليه السلام) أياما فكان يقرأ في فاتحة الكتاب " بسم الله الرحمن الرحيم " فإذا كانت
صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم الله الرحمن الرحيم وأخفى ما سوى ذلك " وأنه
يدل على استحباب الاخفات في الاستعاذة لأن قوله " ما سوى ذلك " يشملها. ويمكن
أن يقال لعله لم يتعوذ في تلك الصلوات والاستدلال موقف على الاتيان. بها وهو بعيد
إذ تركه (عليه السلام) الاستعاذة في صلوات متوالية بعيد. لكن دخولها في " ما سوى
ذلك " غير معلوم إذ يتحمل أن يكون المراد ما سوى ذلك من القراءة أو الفاتحة بل هو
الظاهر من السياق وإلا فمعلوم أنه (عليه السلام) كان يجهر بالتسبيحات والتشهدات
والقنوتات وسائر الأذكار، والاستعاذة ليست بداخلة في القراءة ولا في الفاتحة بل هي
من مقدماتها. والله العالم. انتهى. وهو جيد.
(الرابع) - قال شيخنا الشهيد الثاني في شرح النفلية بعد نقل الصورة المشهورة
والصورة المذكورة في رواية هشام وهي " استعيذ بالله " ما صورته: والمعنى في " أعوذ
واستعيذ " واحد قال الجوهري عذت بفلان واستعذت به أي لجأت إليه. وفي " أستعيذ "
موافقة لفظ القرآن إلا أن " أعوذ " في هذا المقام أدخل في المعنى وأوفق لامتثال الأمر
الوارد بقوله " فاستعذ " (2) لنكتة دقيقة هي أن السين والتاء شأنهما الدلالة على الطلب
فوردتا في الأمر ايذانا بطلب التعوذ، فمعنى " استعذ " أي اطلب منه أن يعيذك وامتثال
الأمر أن يقول " أعوذ بالله " أي التجئ إليه لأن قائله متعوذ قد عاذ والتجأ والقائل " أستعيذ "

(1) الوسائل الباب 57 من القراءة
(2) سورة النحل، الآية 98
165

ليس بعائذ إنما هو طالب العياذ به كما يقول " أستخير الله " أي أطلب خيرته " وأستقيل "
أي أطلب إقالته " واستغفر " أي اطلب مغفرته، لكنها هنا قد دخلت في فعل الأمر
وفي امتثاله بخلاف الاستعاذة، وبذلك يظهر الفرق بين الامتثال بقوله " أستغفر الله "
دون " أستعيذ بالله " لأن المغفرة إنما تكون من الله فيحسن طلبها والالتجاء إنما يكون
من العبد فلا يحسن طلبه. فتدبر ذلك فإنه لطيف، ويظهر منه أن كلام الجوهري ليس
بذلك الحسن وقد رده جماعة من المحققين.
واعترضه شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني (عطر الله مرقده)
في كتاب الفوائد النجفية فقال بعد نقل ذلك عنه: أقول لا يخفى على المتأمل بعين البصيرة
أن ما أفاده الشيخ (قدس سره) من النكتة التي سماها دقيقة ظاهرة الاختلاف كما لا يخفى
على أرباب الكمال، لأنه إذا كان معنى " استعذ " اطلب منه أن يعيذك فامتثال الأمر
بقوله " أستعيذ " ظاهر لا سترة فيه لأن معناه أطلب من الله أن يعيذني لأن السين
والتاء شأنهما الدلالة على الطلب كما لا يخفى. وأما الامتثال بقوله " أعوذ بالله " فغير
ظاهر إلا بجعل هذه الجملة مرادا بها الطلب والدعاء، وأما إذا بقيت على ظاهرها من الأخبار
بالالتجاء إلى الله فظاهر عدم تحقق الامتثال بها لما علمت. ومن العجب قوله " لأن قائله
متعوذ قد عاذ والتجأ والقائل " أستعيذ " ليس بعائذ وإنما هو طالب العياذ به " فإنه كلام
متهافت مختل النظام إذ ظاهر أن القائل باللفظين أراد طلب الإعاذة منه سبحانه لكن
دلالة اللفظ الثاني عليه ظاهرة قضية السين والتاء وأما دلالة الأول فبناء على إرادة
الانشاء لا الأخبار والامتثال في الأول أوضح قطعا، وكأنه بنى ما ذكره على أن معنى
" أستعيذ " أطلب اللجوء إلى الله تعالى فإن معنى " استعذ بالله " أي اطلب منه أن
يعيذك فلا يكون الأول امتثالا للثاني. ولا يخفى ما فيه من التحكم والتمحل لظهور أنه
إذا كان معنى الأمر ما ذكره انسحب مثله في " أستعيذ " ضرورة. وما أعجب من
يتحكم فيفصل بين الفعلين في المعنى المأخوذ فيهما ليترتب عليه ما تخيله من عدم صلاحية
166

الأول للامتثال. فتأمل في المقام وبالله سبحانه الاعتصام. انتهى كلام شيخنا المذكور.
ومنها - الجهر بالبسملة في مقام الاخفات وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله
عليهم) في ذلك فالمشهور استحبابه في أول الحمد والسورة في الركعتين الأولتين
والأخيرتين للإمام والمنفرد، وقال ابن إدريس باختصاص ذلك بالركعتين الأولتين
دون الأخيرتين فإنه لا يجوز الجهر فيهما. ونقل عن ابن الجنيد اختصاص ذلك بالإمام،
وقال ابن البراج يجب الجهر بها في ما يخافت به وأطلق، وقال أبو الصلاح يجب الجهر بها
في أولتي الظهر والعصر في كل من الحمد والسورة.
واختار السيد السند في المدارك القول الأول واحتج عليه بما رواه الشيخ في
الصحيح عن صفوان (1) قال: " صليت خلف أبي عبد الله (عليه السلام) أياما فكان
يقرأ في فاتحة الكتاب " بسم الله الرحمن الرحيم " فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة
جهر ببسم الله الرحمن الرحيم وأخفى ما سوى ذلك " وفي الحسن عن عبد الله بن يحيى
الكاهلي (2) قال: " صلى بنا أبو عبد الله (عليه السلام) في مسجد بني كاهل فجهر
مرتين ببسم الله الرحمن الرحيم " قال وقد تقرر في الأصول استحباب التأسي في ما لا يعلم
وجوبه بدليل من خارج. والظاهر عدم اختصاص الاستحباب بالإمام وإن كان ذلك
مورد الروايتين، لأن المشهور من شعار الشيعة الجهر بالبسملة لكونها بسملة حتى قال ابن
أبي عقيل تواترت الأخبار عنهم (عليهم السلام) أن لا تقية في الجهر بالبسملة. وروى
الشيخ في المصباح عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) (3) أنه قال: " علامات المؤمن
خمس صلاة الإحدى والخمسين وزيارة الأربعين والتختم باليمين وتعفير الجبين والجهر
ببسم الله الرحمن الرحيم " انتهى. وهو جيد.

(1) الوسائل الباب 11 من القراءة
(2) الوسائل الباب 11 من القراءة
(3) الوسائل الباب 56 من المزار والرواية فيه عن أبي محمد العسكري " ع " وكذا في
البحار ج 85 الصلاة ص 349 والمصباح ص 551.
167

إلا أن ظاهر الخبرين الأولين مع اختصاصهما بالإمام كما اعترف به أن الجهر إنما
هو في الأولتين خاصة، أما الأول فبتقريب قوله: " فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها " وقد
عرفت أن انقسام الصلاة إلى جهرية واخفاتية إنما هو باعتبار القراءة في الأولتين.
وأما الثاني فبتقريب قوله " مرتين " يعني في الفريضة فمرة في الفاتحة ومرة في السورة.
ويعضد ذلك عدم معلومية كون الإمام (عليه السلام) يختار القراءة في الأخيرتين بل
الظاهر من الأخبار - كما سيأتي إن شاء الله تعالى في محلها مكشوفة النقاب مرفوعة
الحجاب - أنهم إنما كانوا يسبحون وأن القراءة في هذه المسألة مرجوحة وأخبارها إنما
خرجت مخرج التقية (1) وإن كان ذلك خلاف المشهور عندهم كما سيتضح لك إن شاء الله
تعالى في ذلك المجال. وبموجب ما ذكرناه فالخبران المذكوران لا دلالة لهما على عموم
المدعى ولم يبق إلا ظاهر ما نقله من حديث علامات المؤمن وحديث شعار الشيعة،
والاستدلال بهما على ذلك لا يخلو من نظر وإن أوهم اطلاقهما ذلك، فإن الاطلاق إنما
ينصرف إلى الفرد الشائع المتكثر وهو القراءة في الأولتين دون الأخيرتين كما سيظهر
لك من الأخبار وإن كان القراءة أرجح في الدوران في كلامهم والاشتهار.
ومن الأخبار في المقام أيضا ما رواه ثقة الاسلام في روضة الكافي (2) في الحسن
أو الصحيح عن سليم بن قيس في خطبة طويلة يذكر فيها احداث الولاة الذين كانوا قبله
فقال: " قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله)

(1) قال في بدائع الصنائع ج 1 ص 111 في بيان محل القراءة المفروضة: محلها
الركعتان الأوليان عينا في الصلاة الرباعية وهو الصحيح من مذهب أصحابنا، وعند الشافعي
يقرأ في كل ركعة وعند مالك في ثلاث ركعات وعند الحسن البصري في ركعة واحدة. وأما
الأخيرتان فروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه مخير بين القراءة بفاتحة الكتاب والتسبيح
والسكوت لما روي عن علي " ع " وابن مسعود قالا " المصلي بالخيار في الأخيرتين إن شاء
قرأ وإن شاء سبح وإن شاء سكت "
(2) ص 59 الطبع الحديث
168

متعمدين لخلافه ناقضين لعهده مغيرين لسنته.. أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم (عليه
السلام) فرددته إلى الموضع، ثم ساق جملة من بدع الثاني إلى أن قال: وألزمت الناس
الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.. الحديث ".
وما رواه في التهذيب عن أبي حمزة (1) قال: " قال علي بن الحسين (عليهما
السلام) يا ثمالي إن الصلاة إذا أقيمت جاء الشيطان إلى قرين الإمام فيقول هل ذكر
ربه؟ فإن قال نعم ذهب وإن قال لا ركب على كتفيه وكان إمام القوم حتى ينصرفوا.
قال فقلت جعلت فداك أليس يقرأون القرآن؟ قال بلى ليس حيث تذهب يا ثمالي إنما هو الجهر ببسم الرحمن الرحيم " والظاهر أيضا من هذه الرواية إنما هو القراءة في
الأولتين. قال في الوافي: المراد بقرين الإمام الملك الموكل به. أقول بل الظاهر أن المراد
إنما هو الشيطان الموكل به فإن لكل مكلف ملكا وشيطانا موكلين به هذا يهديه وهذا
يغويه والأنسب بسؤال الشيطان هو قرينه دون الملك.
وما رواه في الكافي عن صفوان الجمال (2) قال: " صليت خلف أبي عبد الله
(عليه السلام) أياما فكان إذا كانت صلاة لا يجهر فيها جهر ببسم الله الرحمن الرحيم
وكان يجهر في السورتين جميعا ".
وروى الصدوق بسنده إلى الأعمش عن جعفر بن محمد (عليه السلام) (3)
في حديث شرائع الدين قال " والاجهار ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة واجب ".
وروى في كتاب عيون الأخبار بأسانيد عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه
السلام) (4) " أنه كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع صلواته بالليل والنهار ".

(1) الوسائل الباب 21 من القراءة
(2) الوسائل الباب 21 من القراءة
(3) الوسائل الباب 21 من القراءة
(4) حديث الفضل بن شاذان المتضمن لكتاب الرضا " ع " إلى المأمون في شرائع
الدين هكذا " والاجهار ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع الصلوات سنة " وأما اللفظ المذكور
في المتن فهو حديث رجاء بن أبي الضحاك عن الرضا " ع ". راجع الوسائل الباب 21 من
القراءة والبحار ج 85 الصلاة ص 349 و 350 والعيون ص 266 و 319. ولعله
سقط من قلم النساخ شئ من عبارة الكتاب.
169

وبالجملة فإن بعض هذه الأخبار باطلاقه وإن تناول الأخيرتين مع اختيار القراءة
فيهما إلا أن الحمل على الفرد الشائع كما أشرنا إليه ممكن.
احتج ابن الجنيد على ما نقل عنه بأن الأصل وجوب المخافتة بالبسملة في ما
يخافت به لأنها بعض الفاتحة خرج الإمام بالنص والاجماع فيبقى المنفرد على الأصل.
وجوابه منع أن الأصل وجوب المخافتة فيها بل الأصل عدمه، ومع الاغماض عن ذلك
فالأصل المذكور يجب الخروج عنه بالدليل وهو ما ذكرناه من الأخبار الزائدة على أخبار الإمام
وأما قول ابن إدريس باختصاص الحكم بالأولتين فاعترض عليه بأنه تحكم لا دليل
عليه. قيل: وكأنه نظر إلى أن الأصل في استحباب الجهر بالبسملة هو التأسي بهم
(عليهم السلام) وذلك لا يتم في الأخيرتين إذ لم يثبت أنهم يقرأون في الأخيرتين أم
يسبحون فكيف يثبت جهرهم بالبسملة فيهما؟
أقول: لا ريب أنه بالنظر إلى اطلاق جملة من هذه الأخبار فإنه يضعف قول
ابن إدريس إلا أنه بالنظر إلى ما ذكرنا من حمل الاطلاق على الفرد المتكثر يقوى ما ذكره،
وهو الأظهر لما سيجئ إن شاء الله تعالى في فصل ذكر الأخيرتين من مرجوحية القراءة
وأن العمل فيهما إنما هو على التسبيح.
احتج الموجبون بأنهم (عليهم السلام) كانوا يداومون عليه ولو كان مسنونا
لا خلوا به في بعض الأوقات. وضعفه ظاهر فإنهم كانوا يداومون أيضا على المستحبات،
مع أن صحيحة الحلبيين المتقدمة في الحكم الثالث من المسألة الأولى (1) ظاهرة في رد هذا
القول لتضمنها التخيير بين السر والجهر.
ومن الأخبار الدالة على القول المشهور والظاهرة فيه تمام الظهور على الوجه الذي
قدمناه ما ورد في كتاب تأويل الآيات الباهرة نقلا من تفسير محمد بن العباس بن

(1) ص 108
170

ماهيار بسنده فيه إلى أبي بصير (1) قال: " سأل جابر الجعفي أبا عبد الله (عليه السلام)
عن تفسير قوله عز وجل " وإن من شيعته لإبراهيم " (2) فقال إن الله لما خلق إبراهيم
كشف له عن بصره فنظر فرأى نورا إلى جنب العرش فقال إلهي ما هذا النور؟ فقال
له هذا نور محمد (صلى الله عليه وآله) صفوتي من خلقي. ورأي نورا إلى جنبه فقال
إلهي وما هذا النور؟ فقيل له هذا نور علي بن أبي طالب (عليه السلام) ناصر ديني.
ورأي إلى جنبهم ثلاثة أنوار فقال إلهي وما هذه الأنوار؟ فقيل له هذا نور فاطمة
(عليها السلام) فطمت محبيها من النار ونور ولديها الحسن والحسين (عليهما السلام)
فقال إلهي وأرى أنوارا تسعة قد حفوا بهم؟ قيل يا إبراهيم هؤلاء الأئمة (عليهم السلام)
من ولد علي وفاطمة. فقال إلهي أرى أنوارا قد احدقوا بهم لا يحصى عددهم إلا أنت؟
قيل يا إبراهيم هؤلاء شيعتهم شيعة علي (عليه السلام). فقال إبراهيم (عليه السلام)
وبم تعرف شيعته؟ قال بصلاة الإحدى والخمسين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم والقنوت
قبل الركوع والتختم باليمين. فعند ذلك قال إبراهيم اللهم اجعلني من شيعة أمير المؤمنين
(عليه السلام) قال فأخبر الله في كتابه فقال وإن من شيعته لإبراهيم ".
وروى الشيخ حسن بن سليمان في كتاب المحتضر نقلا من كتاب السيد حسن
ابن كبش باسناده إلى الصادق (عليه السلام) (3) قال: " إذا كان يوم القيامة تقبل
أقوام على نجائب من نور ينادون بأعلى أصواتهم " الحمد الله الذي أنجز لنا وعده الحمد لله
الذي أورثنا أرضه نتبوأ من الجنة حيث نشاء " قال فتقول الخلائق هذه زمرة الأنبياء
فإذا النداء من عند الله عز وجل هؤلاء شيعة علي بن أبي طالب وهو صفوتي من عبادي
وخيرتي. فتقول الخلائق إلهنا وسيدنا بم نالوا هذه الدرجة؟ فإذا النداء من قبل الله
عز وجل نالوها بتختمهم باليمين وصلاتهم إحدى وخمسين واطعامهم المسكين وتعفيرهم

(1) البحار ج 85 الصلاة من 80
(2) سورة الصافات، الآية 81
(3) البحار ج 85 الصلاة ص 81
171

الجبين وجهرهم في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم " وإنما أطلنا بذكر هذين الخبرين لما فيهما
من البشارة الفاخرة لشيعة العترة الطاهرة جعلنا الله تعالى منهم بمنه وفضله.
ومنها - ترتيل القراءة وقد أجمع العلماء كافة على استحبابه في القراءة في الصلاة
وغيرها لقوله عز وجل " ورتل القرآن ترتيلا " (1).
وروى الشيخ باسناده في الصحيح عن أبي عبد الله البرقي وأبي أحمد يعني محمد بن
أبي عمير جميعا عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " ينبغي
للعبد إذا صلى أن يرتل في قراءته فإذا مر بآية فيها ذكرا الجنة وذكر النار سأل الله الجنة
وتعوذ بالله من النار، وإذا مر ب‍ " يا أيها الناس ويا أيها الذين آمنوا " يقول لبيك ربنا ".
قال في الصحاح: الترتيل في القراءة الترسل فيها التبيين من غير بغي. وفي النهاية
التأني فيها والتمهل وتبيين الحروف والحركات تشبيها بالثغر المرتل وهو المشبه بنور
الأقحوان. وفي المغرب الترتيل في الأذان وغيره أن لا يعجل في إرسال الحروف بل
يتثبت فيها ويبينها تبيينا ويوفيها حقها من الاشباع من غير اسراع من قولهم ثغر مرتل ورتل
مفلج مستوي الثنية حسن التنضيد. وقال في القاموس رتل الكلام ترتيلا أحسن تأليفه
وترتل فيه ترسل. وقال في الكشاف ترتيل القرآن قراءته على ترسل وتؤده بتبيين
الحروف واشباع الحركات حتى يجئ المتلو منه شبيها بالثغر المرتل وهو المفلج المشبهة
بنور الأقحوان، وأن لا يهذه هذا ولا يسرده سردا حتى يشبه المتلو في تتابعه الثغر
الألص. انتهى. هذا ما قاله أهل اللغة.
وأما الفقهاء فقال المحقق في المعتبر: هو تبيينها من غير مبالغة، قال وربما كان واجبا
إذا أريد به النطق بالحروف بحيث لا يدمج بعضها في بعض، ويمكن حمل الآية عليه لأن
الأمر عند الاطلاق للوجوب. ونحوه قال العلامة في المنتهى وقال الشهيد في الذكرى
هو حفظ الوقوف وأداء الحروف. وقال العلامة في النهاية هو بمعنى بيان الحروف

(1) سورة المزمل، الآية 4
(2) الوسائل الباب 18 من القراءة
172

واظهارها ولا يمد بحيث يشبه الغناء.
وقال أمين الاسلام الطبرسي في مجمع البيان أي بينه بيانا واقرأه على هينتك.
وقيل معناه ترسل فيه ترسلا، وقيل تثبت فيه تثبتا، وروى عن أمير المؤمنين (عليه
السلام) في معناه (1) أنه قال: " بينه بيانا ولا تهذه هذ الشعر ولا تنثره نثر الرمل ولكن
أقرع به القلوب القاسية ولا يكونن هم أحدكم آخر السورة " وروى أبو بصير عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) في هذا قال " هو أن تتمكث فيه وتحسن به صوتك " انتهى.
وعده الشهيد في النفلية من المستحبات وقال هو تبيين الحروف بصفاتها المعتبرة
من الهمس والجهر والاستعلاء والطباق والغنة وغيرها والوقف التام والحسن وعند
فراغ النفس مطلقا. وفسر الشهيد الثاني في شرحها التام بالذي لا يكون لما قبله تعلق بما
بعده لفظا ولا معنى، والحسن بالذي يكون له تعلق من جهة اللفظ دون المعنى، ثم قال
ومن هنا يعلم أن مراعاة صفات الحروف المذكورة وغيرها ليس على وجه الوجوب كما
يذكره علماء فنه مع إمكان أن يريدوا تأكيد الفضل كما اعترفوا به في اصطلاحهم على
الوقف الواجب، ثم قال ولو حمل الأمر بالترتيل على الوجوب كان المراد ببيان الحروف
اخراجها من مخارجها على وجه يتميز بعضها عن بعض بحيث لا يدمج بعضها في بعض
وبحفظ الوقوف مراعاة ما يخل بالمعنى ويفسد التركيب ويخرج عن أسلوب القرآن الذي
هو معجز بغريب أسلوبه وبلاغة تركيبه. انتهى.
وقال الشيخ البهائي في كتاب الحبل المتين: الترتيل التأني وتبيين الحروف بحيث
يتمكن السامع من عدها مأخوذ من قولهم ثغر رتل ومرتل إذا كان مفلجا، وبه فسر
في قوله تعالى: " ورتل القرآن ترتيلا " (3) وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) (4)
" أنه حفظ الوقوف وبيان الحروف " أي مراعاة الوقف التام والحسن والاتيان بالحروف

(1) الوسائل الباب 21 من قراءة القرآن
(2) الوسائل الباب 21 من قراءة القرآن
(3) سورة المزمل، الآية 4
(4) الوافي باب سائر أحكام القراءة وباب ترتيل القرآن بالصوت الحسن
173

على الهيئات المعتبرة من الجهر والهمس والاستعلاء والاطباق والغنة وأمثالها والترتيل
بكل من هذين التفسيرين مستحب، ومن حمل الأمر في الآية على الوجوب فسر الترتيل
باخراج الحروف من مخارجها على وجه تتميز ولا يندمج بعضها في بعض. انتهى.
وقد ظهر بما ذكرنا أن المراد من الترتيل عند أهل اللغة هو الترسل والتأني وعليه
حمل الآية جملة من أصحابنا وغيرهم، وهو ظاهر خبر البرقي وابن أبي عمير المتقدم ذكره
وهو أيضا ظاهر الخبر المتقدم نقله عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في تفسير الطبرسي
لكن لما روى الخاص والعام عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (1) وكذا عن ابن عباس
تفسيره بحفظ الوقوف وأداء الحروف - وإن كنت لم أقف على هذه الرواية مسندة في
شئ من كتب الأخبار إلا أنها في كلامهم وعلى رؤوس أقلامهم في غاية الاشتهار،
وفي بعض الروايات " وبيان الحروف " - تمسك به أصحاب التجويد وفسروه بهذا
الوجه الذي سمعته من كلام شيخنا الشهيد الثاني وشيخنا البهائي (عطر الله مرقديهما)
وتبعهم الشيخان المذكوران وجمع ممن تأخر عن شيخنا الأول من الأصحاب في تفسيرهم
الحديث بذلك حيث فسروه على قواعدهم ومصطلحهم. والأظهر عندي هو ما ذكره أهل
اللغة لاعتضاده بالأخبار المتقدم ذكرها وعدم ثبوت الخبر الدال على ما ذكره أهل التجويد
وإن تبعهم فيه من تبعهم من أصحابنا (رضوان الله عليهم) ويحتمل أن يكون الخبر من
طرق العامة وإن استسلقه أصحابنا في هذا المقام.
ولشيخنا محمد تقي المجلسي كلام جيد في المقام نقله عنه ابنه (رفع الله مقامهما
في دار السلام) قال الترتيل الواجب هو أداء الحروف من المخارج وحفظ أحكام
الوقوف بأن لا يقف على الحركة ولا يصل بالسكون فإنهما غير جائزين باتفاق القراء
وأهل العربية، والترتيل المستحب هو أداء الحروف بصفاتها المحسنة لها وحفظ الوقوف
التي استحبها القراء وبينوها في تجاويدهم، والحاصل أنه إن حملنا الترتيل في الآية على

(1) الوافي باب سائر أحكام القراءة وباب ترتيل القرآن بالصوت الحسن
174

الوجوب كما هو دأبهم في أوامر القرآن فليحمل على ما اتفقوا على لزوم رعايته من حفظ
حالتي الوصل والوقف وأداء حقهما من الحركة والسكون أو الأعم منه ومن ترك الوقف
في وسط الكلمة اختيارا، ومنع الشهيد من السكوت على كل كلمة بحيث يخل بالنظم فإن
ثبت تحريمه كان أيضا داخلا فيه، ولو حمل الأمر على الندب أو الأعم كان مختصا أو شاملا
لرعاية الوقف على الآيات مطلقا كما ذكره جماعة من أكابر أهل التجويد، ويشمل أيضا
على المشهور رعاية ما اصطلحوا عليه من الوقف اللازم والتام والحسن والكافي والجائز
والمجوز والمرخص والقبيح، لكن لا يثبت استحباب رعاية ذلك عندي لأن تلك الوقوف
من مصطلحات المتأخرين ولم تكن في زمان أمير المؤمنين (عليه السلام) فلا يمكن حمل
كلامه عليه، إلا أن يقال غرضه (عليه السلام) رعاية الوقف على ما يحسن بحسب المعنى
على ما يفهمه القارئ ولا ينافي هذا حدوث تلك الاصطلاحات بعده. ويرد عليه أيضا
أن هذه الوقوف إنما وضعوها على حسب ما فهموه من تفاسير الآيات وقد وردت أخبار
كثيرة كما سيأتي في أن معاني القرآن لا يفهمها إلا أهل البيت (عليهم السلام) الذين
نزل عليهم القرآن، ويشهد له أنا نرى كثيرا من الآيات كتبوا فيها نوعا من الوقف
بناء على ما فهموه ووردت الأخبار المستفيضة بخلاف ذلك المعنى كما أنهم كتبوا الوقف
اللازم في قوله سبحانه " وما يعلم تأويله إلا الله " (1) على آخر الجلالة لزعمهم أن الراسخين
في العلم لا يعلمون تأويل المتشابهات وقد وردت الأخبار المستفيضة في أن الراسخين هم
الأئمة (عليهم السلام) وهم يعلمون تأويلها، مع أن المتأخرين من مفسري العامة والخاصة
رجحوا في كثير من الآيات تفاسير لا توافق ما اصطلحوا عليه في الوقوف. ولعل
الجمع بين المعنيين - لورود الأخبار على الوجهين وتعميمه بحيث يشمل الواجب والمستحب
من كل منهما حتى أنه يراعى في الوقف ترك قلة المكث بحيث ينافي التثبت والتأني وكثرة
المكث بحيث ينقطع الكلام ويتبدد النظام فيكره أو يصل إلى حد يخرج عن كونه قارئا

(1) سورة آل عمران، الآية 5
175

فيحرم على المشهور - أولى وأظهر تكثير للفائدة ورعاية لتفاسير العلماء واللغويين وأخبار
الأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) والله يعلم حقائق كلامه المجيد. انتهى
كلامه زيد مقامه. وإنما نقلناه بطوله لجودة معناه ومحصوله.
وروى الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) (1) قال
" سألته عن الرجل يقرأ فاتحة الكتاب وسورة أخرى في النفس الواحد؟ فقال إن شاء
قرأ في نفس وإن شاء في غيره ".
وعن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (2) " أن رجلا من
أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) كتب إلى أبي بن كعب كم كانت لرسول الله
من سكتة؟ قال كانت له سكتتان: إذا فرغ من أم القرآن وإذا فرغ من السورة ".
وروى في الكافي عن محمد بن يحيى باسناد له عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: " يكره أن يقرأ قل هو الله أحد في نفس واحد ".
ومنها - ما ذكره جمع من الأصحاب من أنه يستحب أن يقرأ في الصلاة بسور
المفصل وهي من سورة محمد (صلى الله عليه وآله) إلى آخر القرآن، فيقرأ مطولاته في الصبح
وهي من سورة محمد إلى " عم " ومتوسطاته في العشاء وهي من سورة " عم " إلى " والضحى "
وقصاره في الظهرين والمغرب وهي من الضحى إلى آخر القرآن، وأنه يستحب في غداة
الخميس والاثنين بسورة " هل أتى " وفي المغرب والعشاء ليلة الجمعة والأعلى وفي
الظهرين بالجمعة والمنافقين وفي نوافل النهار بالسور القصار ويسر بها وفي نوافل الليل
بالسور الطوال ويجهر بها، وأن يقرأ في أولتي صلاة الليل بقل هو الله أحد ثلاثين مرة.
وتفصيل هذه الجملة يتوقف على بسط الكلام في مقامات: (الأول) لا يخفى أن
ما ذكروه (رضوان الله عليهم) من استحباب القراءة بسور المفصل على التفصيل المذكور
لم أجد له مستندا في أخبارنا بعد التتبع التام وبذلك اعترف جملة من محققي متأخري

(1) الوسائل الباب 46 من القراءة
(2) الوسائل الباب 46 من القراءة
(3) الوسائل الباب 46 من القراءة
176

المتأخرين كالسيد السند في المدارك حيث قال بعد نقل ذلك: وليس في أخبارنا تصريح
بهذا الاسم ولا تحديده وإنما رواه الجمهور عن عمر بن الخطاب (1). انتهى. " ومن هنا
يعلم أن الظاهر أن أصحابنا قد تبعوا في ذلك العامة، ولا يخفى أن كلام العامة أيضا هنا
لا يخلو من اختلاف إلا أن المشهور بينهم هو ما ذكر هنا.
قال في القاموس: المفصل كمعظم من القرآن من الحجرات إلى آخرة في الأصح
أو من الجاثية أو القتال أو (ق) عن النووي، أو الصافات أو الصف أو (تبارك) عن
ابن أبي الصيف، أو (إنا فتحنا) عن الدزماري، أو (سبح اسم ربك الأعلى) عن الفركاح
أو الضحى عن الخطابي (2). انتهى.
وقال في كتاب مجمع البحرين: وفي الحدث " فضلت بالمفصل " (3) قيل سمي
به لكثرة ما يقع فيه من الفصول بالتسمية بين السور، وقيل لقصر سوره. واختلف
في أوله فقيل من سورة (ق) وقيل من سورة محمد (صلى الله عليه وآله) وقيل من سورة
الفتح، وعن النووي مفصل القرآن من سورة محمد (صلى الله عليه وآله) إلى آخر
القرآن وقصاره من الضحى إلى آخره ومطولاته إلى عم ومتوسطاته إلى الضحى. وفي
الخبر " المفصل ثمان وستون سورة " انتهى.
أقول: ربما أشعر كلامه بأن الأخبار المذكورة في كلامه مروية من طرقنا ولم
أقف على من نقلها كذلك سواه والظاهر أنها من طرق العامة وإن تناقلها أصحابنا
في كتب الفروع. نعم وقفت على ذلك في كتاب دعائم الاسلام إلا أنه من كلامه ولم

(1) في بدائع الصنائع ج 1 ص 205 كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري
أن اقرأ في الفجر والظهر بطوال المفصل وفي العصر والعشاء بأوساط المفصل وفي المغرب
بقصار المفصل.
(2) فتح الباري ج 2 ص 170
(3) تفسير ابن كثير ج 1 ص 34.
177

يسنده إلى رواية حيث قال (1) " ولا بأس بأن يقرأ في الفجر بطوال المفصل وفي الظهر
والعشاء الآخرة بأوساطه وفي العصر والمغرب بقصاره ".
وكيف كان فالواجب الرجوع في ذلك إلى الأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام)
وهي كثيرة لا بأس بذكر ما يسعه المقام منها:
فمنها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (2) قال: " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام) القراءة في الصلاة فيها شئ موقت؟ قال لا إلا الجمعة يقرأ فيها بالجمعة
والمنافقين. قلت فأي السور يقرأ في الصلاة؟ قال أما الظهر والعشاء الآخرة يقرأ فيهما
سواء والعصر والمغرب سواء وأما الغداة فأطول، فأما الظهر والعشاء الآخرة فسبح
اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها ونحوهما، وأما العصر والمغرب فإذا جاء نصر الله والفتح
وألهاكم التكاثر ونحوهما، وأما الغداة فعم يتساءلون وهل أتاك حديث الغاشية ولا أقسم
بيوم القيامة وهل أتى على الانسان حين من الدهر ".
وعن أبان في الصحيح عن عيسى بن عبد الله القمي عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (3) قال: " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي الغداة بعم يتساءلون
وهل أتاك حديث الغاشية ولا أقسم بيوم القيامة وشبهها، وكان يصلي الظهر بسبح اسم
والشمس وضحاها وهل أتاك حديث الغاشية وشبهها، وكان يصلي المغرب بقل هو الله
أحد وإذا جاء نصر الله والفتح وإذا زلزلت، وكان يصلي العشاء الآخرة بنحو ما يصلي
في الظهر والعصر بنحو من المغرب ".
وقال في كتاب الفقه الرضوي (4) وقال العالم (عليه السلام) اقرأ في صلاة الغداة
المرسلات وإذا الشمس كورت ومثلهما من السور، وفي الظهر إذا السماء انفطرت وإذا

(1) مستدرك الوسائل الباب 36 من القراءة
(2) الوسائل الباب 70 و 48 من القراءة
(3) الوسائل الباب 48 من القراءة
(4) ص 11
178

زلزت ومثلهما، وفي العصر العاديات والقارعة ومثلهما، وفي المغرب والتين وقل هو الله
أحد ومثلهما، وفي يوم الجمعة وليلة سورة الجمعة والمنافقين.
وقال شيخنا الصدوق في الفقيه: أفضل ما يقرأ في الصلوات في اليوم والليلة في الركعة
الأولى الحمد وإنا أنزلناه وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد إلا في صلاة العشاء الآخرة
ليلة الجمعة، إلى أن قال وإنما يستحب قراءة القدر في الأولى والتوحيد في الثانية لأن
القدر سورة النبي وأهل بيته (عليهم السلام) فيجعلهم المصلي وسيلة إلى الله لأنه بهم
وصل إلى معرفته، وأما التوحيد فالدعاء على أثرها مستجاب وهو قنوت. انتهى.
ويشهد له جملة من الأخبار: منها - ما رواه الكليني عن أبي علي بن راشد (1) قال:
" قلت لأبي الحسن (عليه السلام) جعلت فداك أنك كتبت إلى محمد بن الفرج تعلمه أن
أفضل ما يقرأ في الفرائض أنا أنزلناه وقل هو الله أحد، وإن صدري ليضيق بقراءتهما في
الفجر؟ فقال (عليه السلام) لا يضيقن صدرك بهما فإن الفضل والله فيهما ".
وفي حديث عمر بن أذنية وغيره عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) في كيفية الصلاة
قال: " إن الله أوحى إلى نبيه (صلى الله عليه وآله) ليلة الاسراء في الركعة الأولى أن
اقرأ قل هو الله أحد فإنها نسبتي ونعتي ثم أوحى الله إليه في الثانية بعد ما قرأ الحمد أن اقرأ
إنا أنزلناه في ليلة القدر فإنها نسبتك ونسبة أهل بيتك إلى يوم القيامة ".
وروى الصدوق في الفقيه (3) قال " حكى من صحب الرضا (عليه السلام) إلى
خراسان أنه كان يقرأ في الصلوات في اليوم والليلة في الركعة الأولى الحمد وأنا أنزلناه
وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد.. الحديث ".
أقول: الظاهر أنه إشارة إلى ما رواه (قدس سره) في كتاب عيون أخبار
الرضا (عليه السلام) بسنده عن رجاء بن أبي الضحاك (4) قال: " كان الرضا (عليه
السلام) في طريق خراسان قرأته في جميع المفروضات في الأولى الحمد وأنا أنزلناه

(1) الوسائل الباب 23 من القراءة
(2) الوسائل الباب 23 من القراءة
(3) الوسائل الباب 23 من القراءة
(4) الوسائل الباب 23 من القراءة
179

وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد إلا في صلاة الغداة والظهر والعصر يوم الجمعة فإنه
كان يقرأ فيها بالحمد وسورة الجمعة والمنافقين، وكان يقرأ في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة في الأولى الحمد وسورة الجمعة وفي الثانية الحمد وسبح اسم ربك الأعلى، وكان
يقرأ في صلاة الغداة يوم الاثنين ويوم الخميس في الأولى الحمد وهل أتى على الانسان
وفي الثانية الحمد وهل أتاك حديث الغاشية.. الحديث ".
وروى في كتاب العيون أيضا بسنده عن أبي الحسن الصائغ عن عمه (1) قال:
" خرجت مع الرضا (عليه السلام) إلى خراسان فما زاد في الفرائض على الحمد وإنا
أنزلناه في الأولى والحمد وقل هو الله أحد في الثانية ".
وروى السيد الزاهد العابد رضي الدين بن طاووس (قدس سره) في كتاب
فلاح السائل بسنده فيه عن محمد بن الفرج (2) " أنه كتب إلى الرجل (عليه السلام)
يسأله عما يقرأ في الفرائض وعن أفضل ما يقرأ فيها؟ فكتب (عليه السلام) إليه أن أفضل
ما يقرأ في الفرائض إنا أنزلناه في ليلة القدر وقل هو الله أحد ".
وروى الشيخ في كتاب الغيبة والطبرسي في الإحتجاج (3) " أنه كتب محمد
ابن عبد الله بن جعفر الحميري إلى صاحب الزمان (عليه السلام) في ما كتبه وسأله عما
روى في ثواب القرآن في الفرائض وغيرها أن العالم (عليه السلام) قال عجبا لمن يقرأ
في صلاته إنا أنزلناه في ليلة القدر كيف تقبل صلاته، وروى ما زكت صلاة لم يقرأ فيها
بقل هو الله أحد. وروى من قرأ في فرائضه (الهمزة) أعطى من الثواب قدر الدنيا، فهل
يجوز أن يقرأ (الهمزة) ويدع هذه السور التي ذكرناها مع ما قد روي أنه لا تقبل صلاة
ولا تزكو إلا بهما؟ التوقيع: الثواب في السور على ما قد روي، وإذا ترك سورة مما فيها
الثواب وقرأ قل هو الله أحد وإنا أنزلناه لفضلهما أعطى ثواب ما قرأ وثواب السورة
التي ترك، ويجوز أن يقرأ غير هاتين السورتين وتكون صلاته تامة ولكنه يكون

(1) البحار ج 85 الصلاة ص 339
(2) مستدرك الوسائل الباب 19 من القراءة
(3) الوسائل الباب 23 من القراءة
180

قد ترك الأفضل ".
ومن الأخبار الدالة على التأكيد في سورة التوحيد واستحباب قراءة الجحد أيضا
ما رواه في الكافي عن يعقوب بن شعيب في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: " كان أبي يقول قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن وقل يا أيها الكافرون ربع القرآن "
وعن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال " من مضى به
يوم واحد فصلى فيه بخمس صلوات ولم يقرأ فيها بقل هو الله أحد قيل له يا عبد الله
لست من المصلين ".
وروى الشيخ في التهذيب عن محمد بن أبي طلحة خال سهل بن عبد ربه عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " قرأت في صلاة الفجر بقل هو الله أحد وقل
يا أيها الكافرون وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله ".
وروى الصدوق في كتاب ثواب الأعمال بسنده عن الحسين بن أبي العلاء عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: " من قرأ قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد
في فريضة من الفرائض غفر الله له ولوالديه وإن كان شقيا حي من ديوان الأشقياء
وأثبت في ديوان السعداء وأحياه الله سعيدا وأماته شهيدا وبعثه شهيدا " إلى غير ذلك
من الأخبار الدالة على جملة من السور.
(المقام الثاني) - في ما يقرأ في مغرب وعشاء يوم الجمعة والغداة والظهر
والعصر منه، أما المغرب والعشاء فالمشهور أنه يقرأ الجمعة في الأولى والأعلى في الثانية
في كل منهما، ذهب إليه الشيخ في النهاية والمبسوط والمرتضى وابن بابويه وأكثر الأصحاب.
ومستنده رواية أبي بصير (5) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) اقرأ في
ليلة الجمعة بالجمعة وسبح اسم ربك الأعلى وفي الفجر سورة الجمعة وقل هو الله أحد.. ".

(1) الوسائل الباب 24 من القراءة
(2) الوسائل الباب 24 من القراءة
(3) الوسائل الباب 24 من القراءة
(4) الوسائل الباب 24 من القراءة
(5) الوسائل الباب 49 من القراءة
181

ونحوه روى الحميري في كتاب قرب الإسناد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي
عن الرضا (عليه السلام) (1) " أنه يقرأ في ليلة الجمعة بالجمعة وسبح اسم ربك الأعلى
وفي الغداة الجمعة وقل هو الله أحد " والمراد يعني في كل من الفرضين.
والخلاف هنا واقع في كل من الفرضين، أما في المغرب فمن الشيخ حيث قال
في المصباح والاقتصاد تقرأ في ثانية المغرب قل هو الله أحد:
لما رواه أبو الصباح الكناني (2) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا
كان ليلة الجمعة فاقرأ في المغرب سورة الجمعة وقل هو الله أحد وإذا كانت العشاء
الآخرة فاقرأ سورة الجمعة وسبح اسم ربك الأعلى فإذا كانت صلاة الغداة يوم الجمعة فاقرأ
سورة الجمعة وقل هو الله أحد ".
وأما في العشاء الآخرة فمن ابن أبي عقيل حيث قال إنه يقرأ في ثانية العشاء
ليلة الجمعة سورة المنافقين، ومستنده ما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز وربعي
رفعاه إلى أبي جعفر (عليه السلام) (3) قال: " إذا كانت ليلة الجمعة يستحب أن يقرأ
في العتمة سورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون وفي صلاة الصبح مثل ذلك وفي صلاة الجمعة
مثل ذلك وفي صلاة العصر مثل ذلك " قال في الذكرى: والأول أظهر وأشهر في الفتوى.
أقول: لا يخفى أن المقام مقام استحباب فلا مشاحة.
وأما الصبح فالمشهور أنه يقرأ بسورة الجمعة في الأولى والتوحيد في الثانية،
وقال ابن بابويه والمرتضى في الإنتصار يقرأ بالمنافقين في الثانية.
ويدل على الأول ما تقدم من رواية أبي بصير ورواية أبي الصباح الكناني
وما رواه الكليني في الصحيح عن الحسين بن أبي حمزة (4) قال: " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام) بما أقرأ في صلاة الفجر في يوم الجمعة؟ فقال اقرأ في الأولى بسورة الجمعة

(1) الوسائل الباب 70 من القراءة
(2) الوسائل الباب 49 من القراءة
(3) الوسائل الباب 49 من القراءة
(4) الوسائل الباب 49 من القراءة
182

وفي الثانية بقل هو الله أحد ثم اقت حتى تكونا سواء ".
ويدل على الثاني مرفوعة حريز وربعي المتقدمة وما رواه الصدوق في كتاب
العلل في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) في حديث طويل يقول
" اقرأ سورة الجمعة والمنافقين فإن قراءتهما سنة يوم الجمعة في الغداة والظهر والعصر ولا
ينبغي لك أن تقرأ بغيرهما في صلاة الظهر يعني يوم الجمعة إماما كنت أو غير إمام ".
وقال في كتاب الفقه الرضوي (2) " اقرأ في صلاة الغداة يوم الجمعة سورة
الجمعة في الأولى وفي الثانية المنافقين وروى قل هو الله أحد ".
وروى فيها الجمعة وسبح اسم ربك الأعلى، رواه الحميري في كتاب قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) (3) قال قال: " يا علي بم تصلي
في ليلة الجمعة؟ قلت بسورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون. فقال رأيت أبي يصلي ليلة الجمعة
بسورة الجمعة وقل هو الله أحد وفي الفجر بسورة الجمعة وسبح اسم ربك الأعلى وفي
الجمعة بسورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون ".
وظاهر هذه الرواية أن الجمعة والتوحيد ليلة الجمعة في كل من الفرضين ففيه دلالة
على ما ذهب إليه الشيخ (قدس سره) في المصباح والاقتصاد في المغرب وأما في العشاء
فلم أقف على قائل به إذا الخالف كما عرفت في سورة الأعلى والمنافقين وأما التوحيد
فلم يقل به أحد في ما أعلم.
وأما الظهر فالمشهور فيها استحباب الجمعة والمنافقين، وقال ابن بابويه في الفقيه
لا يجوز أن يقرأ في ظهر يوم الجمعة بغير سورة الجمعة والمنافقين فإن نسيتهما أو واحدة
منهما في صلاة الظهر وقرأت غيرهما ثم ذكرت فارجع إلى سورة الجمعة والمنافقين ما لم تقرأ
نصف السورة فإن قرأت نصف السورة فتمم السورة واجعلهما ركعتي نافلة وسلم فيهما
وأعد صلاتك بسورة الجمعة والمنافقين، وقد رويت رخصة في القراءة في صلاة الظهر بغير

(1) الوسائل الباب 49 من القراءة
(2) ص 11
(3) الوسائل الباب 49 من القراءة
183

سورة الجمعة والمنافقين لا استعملها ولا أفتى بها إلا في حال السفر والمرض وخيفة فوت
حاجة. انتهى. ومراده بالظهر ما هو أعم من الجمعة والظهر لأنه متى ثبت الحكم في
الظهر ففي الجمعة بطريق الأولى ولا سيما أن أخباره التي استند إليها فإنما هي في الجمعة.
ومنشأ هذا الخلاف اختلاف الأخبار ظاهرا في هذه المسألة فروى الكليني والشيخ
عنه في الصحيح أو الحسن عن عمر بن يزيد (1) قال " أبو عبد الله (عليه السلام)
من صلى الجمعة بغير الجمعة والمنافقين أعاد الصلاة في سفر أو حضر " والثابت في السفر إنما
هو الظهر لا الجمعة.
وروى الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (2) قال: " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن القراءة في الجمعة إذا صليت وحدي أربعا أجهر بالقراءة؟ قال نعم
وقال اقرأ بسورة الجمعة والمنافقين في يوم الجمعة ".
وروى الكليني أيضا في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه
السلام) (3) قال: " إن الله أكرم بالجمعة المؤمنين فسنها رسول الله (صلى الله عليه وآله)
بشارة لهم والمنافقين توبيخا للمنافقين لا ينبغي تركهما فمن تركهما متعمدا فلا صلاة له "
وعن الحسين بن عبد الملك الأحول عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)
قال: " من لم يقرأ في الجمعة الجمعة والمنافقين فلا جمعة له ".
وقد تقدم في صحيحة زرارة المنقولة في كتاب العلل (5) " أنه لا ينبغي أن يقرأ
بغير الجمعة والمنافقين في صلاة الظهر يعني في يوم الجمعة ".
وروى الشيخ في الصحيح عن صباح بن صبيح (6) قال " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام) رجل أراد أن يصلي الجمعة فقرأ بقل هو الله أحد؟ قال يتمها ركعتين

(1) الوسائل الباب 72 من القراءة
(2) الوسائل الباب 73 من القراءة
(3) الوسائل الباب 70 من القراءة
(4) الوسائل الباب 70 من القراءة
(5) الوسائل الباب 49 من القراءة
(6) الوسائل الباب 72 من القراءة
184

ثم يستأنف " ورواه الكليني مرسلا (1).
وروى ثقة الاسلام في الصحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) قال: " ليس في القراءة شئ موقت إلا الجمعة يقرأ بالجمعة والمنافقين "
وروى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (3) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام) القراءة في الصلاة فيها شئ موقت؟ قال لا إلا الجمعة يقرأ فيها بالجمعة والمنافقين "
وعن سليمان بن خالد في الصحيح (4) في حديث " أنه سأل أبا عبد الله (عليه
السلام) عن الجمعة فقال القراءة في الركعة الأولى بالجمعة وفي الثانية بالمنافقين ".
وروى الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين (5) قال: " سألت أبا الحسن الأول
(عليه السلام) عن الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمدا؟ فقال لا بأس بذلك "
وعن علي بن يقطين (6) قال " سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الجمعة في
السفر ما أقرأ فيهما؟ قال اقرأهما بقل هو الله أحد ".
وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (7) قال:
" سمعته يقول في صلاة الجمعة لا بأس بأن تقرأ فيها بغير الجمعة والمنافقين إذا كنت مستعجلا "
وعن محمد بن سهل عن أبيه (8) قال: " سألت أبا الحسن (صلوات الله عليه) عن
الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمدا؟ قال لا بأس ".
وعن يحيى الأزرق (9) قال: " سألت أبا الحسن (عليه السلام) قلت رجل
صلى الجمعة فقرأ سبح اسم ربك الأعلى وقل هو الله أحد؟ قال أجزأه ".
وقال في كتاب الفقه الرضوي (10) " وتقرأ في صلواتك كلها يوم الجمعة وليلة
الجمعة سورة الجمعة والمنافقين وسبح اسم ربك الأعلى، وإن نسيتهما أو واحدة منهما

(1) الوسائل الباب 72 من القراءة
(2) الوسائل الباب 70 من القراءة
(3) الوسائل الباب 70 من القراءة
(4) الوسائل الباب 70 من القراءة
(5) الوسائل الباب 71 من القراءة
(6) الوسائل الباب 71 من القراءة
(7) الوسائل الباب 71 من القراءة
(8) الوسائل الباب 71 من القراءة
(9) الوسائل الباب 71 من القراءة
(10) ص 12
185

فلا إعادة عليك، فإن ذكرتها من قبل أن تقرأ نصف سورة فارجع إلى سورة الجمعة وإن
لم تذكرها إلا بعد ما قرأت نصف سورة فامض في صلاتك ".
أقول: هذه جملة أخبار المسألة والصدوق قد حمل الأخبار الدالة على مطلق الأمر
بهاتين السورتين في الجمعة التي هي أعم - كما عرفت - من الواجبة أو الظهر على الوجوب
مستندا إلى صحيحة عمر بن يزيد الدالة على الإعادة لو أخل بهما، وصحيحة محمد بن
مسلم الدالة على أن من تركهما متعمدا فلا صلاة له، ورواية الأحول عن أبيه الدالة على أن لم يقرأ هما فلا جمعة له، ورواية صباح بن صبيح الدالة على اتمام ركعتين ثم الاستئناف
لو تركهما. ثم إنه حمل الروايات الدالة بظاهرها على صحة الجمعة مع قراءة غير السورتين
المذكورتين على السفر أو المرض أو الحاجة. وفيه أن بعض تلك الأخبار وإن أمكن فيه
ما ذكره إلا أن صحيحة علي بن يقطين ورواية محمد بن سهل قد صرحتا بأن من قرأ
بغير السورتين المذكورتين متعمدا فلا بأس ومفاد التعمد هو عدم العذر، وحينئذ فلا
يجري حمله المذكور فيهما مع إمكان التأويل في ما استند إليه بالحمل على تأكيد الاستحباب
وله نظائر في الأخبار كما لا يخفى على من جاس خلال الديار. وأما قوله (عليه السلام)
" لا صلاة له أو لا جمعة له " فقد ورد نظيره " أن من تكلم في أثناء الخطبة فلا جمعة
له " (1) و " لا صلاة لجار المسجد إلا فيه " (2) ونحو ذلك. وأما الإعادة لو تركهما
فإنه قد ورد نظيره في تارك الأذان والإقامة ونحو ذلك، على أن الإعادة في رواية صباح إنما
هي في صلاة الجمعة ومدعاه أعم منها ومن الظهر فلا تنهض دليلا له. وحمل الجمعة على الظهر
وإن أمكن إلا أنه مجاز لا يصار إليه إلا مع القرينة. وبالجملة فالظاهر هو القول المشهور
وحمل هذه الأخبار على ما ذكرناه.
وأما العصر فالمشهور فيها استحباب السورتين المذكورتين والصدوق قد وافق هنا.

(1) الوسائل الباب 14 من صلاة الجمعة
(2) الوسائل الباب 2 من أحكام المساجد
186

على الاستحباب حيث قال: " ولا بأس أن تصلي العشاء والغداة والعصر بغير الجمعة والمنافقين إلا أن الأفضل في أن تصليها بالجمعة والمنافقين " والمستند هنا في استحباب
السورتين المذكورتين ما تقدم في مرفوعة حريز وربعي، وردها في المدارك بالضعف
ثم قال إلا أن هذا المقام يكفي فيه مثل ذلك وفيه نظر قد تقدم ذكره مرارا مع أنه قد
تقدم في صحيحة زرارة المنقولة من كتاب العلل ما يدل على ذلك أيضا ولكنه لم يقف
عليها، ونحو ذلك ما تقدم في رواية رجاء بن أبي الضحاك عن الرضا (عليه السلام) في
طريق خراسان.
وقال في المدارك بعد نقل كلام الصدوق المتقدم: والمعتمد استحباب قراءتهما في
الجمعة خاصة لما رواه الشيخ، ثم نقل صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة الدالة على أنه ليس
في الصلاة شئ موقت إلا الجمعة، إلى أن قال وأما الاستحباب في صلاة الظهر فلم أقف على
رواية تدل بمنطوقها عليه
أقول: قد تقدم في صحيحة زرارة المنقولة من كتاب العلل " اقرأ بالسورتين
في ظهر الجمعة إماما كنت أو غير إمام " وكذا في صحيحة الحلبي أو حسنته التصريح بذلك
حيث قال: " إذا صليت وحدي أربعا أجهر بالقراءة؟ قال نعم، وقال اقرأ بسورة الجمعة
والمنافقين يوم الجمعة " فإنها كما ترى صريحة في القراءة في الظهر. والعجب أنه استدل
بصدر الرواية على جواز الجهر.
بقي هنا شئ يجب التنبيه عليه وهو أن المحقق (قدس سره) في الشرائع نقل
قولا بوجوب السورتين في الظهر والعصر، والمنقول عن ابن بابويه كما تقدم إنما هو
الوجوب في الظهر خاصة، واستنكر هذا القول جملة من المتأخرين من حيث عدم الوقوف
عليه إلا من عبارة المحقق المذكور، وحمله في المدارك على الغفلة بعد نقل كلام ابن بابويه
في كتابه الكبير فتوهم من ظاهر أول العبارة العموم للظهر والعصر والحال أن آخرها
صريح في الظهر خاصة.
187

(المقام الثالث) - في ما يقرأ في صبحي الاثنين والخميس والمشهور أنه يستحب
أن يقرأ فيهما " هل أتى على الانسان ".
وقد تقدم في حديث رجاء بن أبي الضحاك المنقول من كتاب العيون " أن الرضا
(عليه السلام) كان يقرأ في صلاة الغداة يوم الاثنين ويوم الخميس في الأولى الحمد
وهل أتى على الانسان وفي الثانية الحمد وهل أتاك حديث الغاشية ".
وقال الصدوق في الفقيه: في صلاة الغداة يوم الاثنين ويوم الخميس في الركعة
الأولى الحمد وهل أتى على الانسان وفي الثانية الحمد وهل أتاك حديث الغاشية، فإن من
قرأهما في صلاة الغداة يوم الاثنين ويوم الخميس وقاه الله شر اليومين، وقد حكى من
صحب الرضا (عليه السلام) إلى خراسان لما أشخص إليها أنه كان يقرأ في صلاته
بالسور التي ذكرناها فلذلك اخترناها من بين السور بالذكر في هذا الكتاب. انتهى.
وأشار بذلك إلى ما قدمه من أفضلية سورتي التوحيد وإنا أنزلناه وما يقرأ في يوم الجمعة
وليلتها وما يقرأ في غداة الخميس والاثنين وقد تقدم ذلك في الحديث المشار إليه.
وروى الشيخ أبو علي بن شيخنا أبي جعفر الطوسي (قدس سره) في كتاب
المجالس في الصحيح إلى علي بن عمر العطار (1) قال: " دخلت على أبي الحسن العسكري
(عليه السلام) يوم الثلاثاء فقال لم أرك أمس؟ قلت كرهت الحركة في يوم الاثنين. قال يا علي
من أحب أن يقيه الله شر يوم الاثنين فليقرأ في أول ركعة من صلاة الغداة هل أتى
على الانسان، ثم قرأ أبو الحسن (عليه السلام) فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم
نضرة وسرورا (2) ".
وروى في كتاب ثواب الأعمال بسنده عن عمرو بن جبير العزرمي عن أبيه عن
أبي جعفر (عليه السلام) (3) قال: " من قرأ هل أتى على الانسان في كل غداة خميس

(1) الوسائل الباب 4 من آداب السفر
(2) سورة هل أتى، الآية 11
(3) الوسائل الباب 50 من القراءة
188

زوجه الله تعالى من الحور العين ثمانمائة عذراء وأربعة آلاف ثيب من الحوراء من الحور العين
وكان مع محمد صلى الله عليه وآله ".
(المقام الرابع) - ما ذكروه بالنسبة إلى نوافل الليل والنهار من القراءة بالسور
الطوال والقصار والجهر والاخفات، فأما الأول فلم أقف له على مستند من الأخبار وبذلك
اعترف في المدارك فقال: لم أقف على رواية تدل بمنطوقها عليه، ثم قال وربما أمكن
الاستدلال عليه بفحوى صحيحة محمد بن القاسم (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) هل يحوز أن يقرأ في صلاة الليل بالسورتين والثلاث... الخبر " وقد تقدم
في مسألة حكم القران في الفريضة. وأما الثاني فقال في المعتبر إنه قول علمائنا أجمع
ويدل عليه ما رواه الشيخ عن الحسن بن علي بن فضال عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: " السنة في صلاة النهار بالاخفات والسنة في صلاة الليل بالاجهار "
قال في المعتبر: والرواية وإن كانت ضعيفة السند مرسلة لكن عمل الأصحاب على
ذلك. انتهى. وأما استحباب التوحيد ثلاثين مرة في الركعتين الأولتين من صلاة
الليل فقد تقدم الكلام فيه مشروحا في المقدمة الأولى من مقدمات الباب الأول
من هذا الكتاب.
ومنها - استحباب الجهر بالظهر في يوم الجمعة إماما كان أو منفردا على الأشهر
الأظهر، وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) هنا بعد الاتفاق على استحباب
الجهر في صلاة الجمعة، فقيل بالاستحباب كما ذكرنا وهو المشهور، قال الصدوق أبو جعفر
ابن بابويه بعد نقل صحيحة عمران الحلبي الآتية (3) وهذه رخصة الأخذ بها جائز والأصل
أنه إنما يجهر فيها إذا كانت خطبة فإذا صلاها الانسان وحده فهي كصلاة الظهر في سائر
الأيام يخفى فيها القراءة وكذلك في السفر من صلى الجمعة جماعة بغير خطبة جهر بالقراءة

(1) الوسائل الباب 8 من القراءة وهي هكذا " سألت عبدا صالحا... " في المدارك والوسائل
(2) الوسائل الباب 22 من القراءة
(3) الوسائل الباب 73 من القراءة
189

وإن أنكر ذلك عليه. وقال السيد المرتضى في المصباح: والمنفرد بصلاة الظهر يوم الجمعة
فقد روي أنه يجهر بالقراءة استحبابا، وروي أن الجهر إنما يستحب لمن صلاها مقصورة
بخطبة أو صلاها أربعا ظهرا في جماعة ولا جهر على المنفرد. وقال ابن إدريس: وهذا
الثاني هو الذي يقوى في نفسي وأعتقده وأفتي به، لأن شغل الذمة بواجب أو ندب
يحتاج إلى دليل شرعي لا صالة براءة الذمة والرواية مختلفة فوجب الرجوع إلى الأصل،
ولأن الاحتياط يقتضي ذلك لأن تارك الجهر تصح صلاته اجماعا وليس كذلك الجاهر
بالقراءة. ونقل المحقق في المعتبر عن بعض الأصحاب المنع من الجهر في الظهر مطلقا
وقال إن ذلك أشبه بالمذهب.
أقول: وتحقيق المسألة كما هو حقها بنقل أخبارها وبيان الجمع بنيها كما سيأتي
إن شاء الله تعالى في باب صلاة الجمعة.
ومنها - السكوت بعد القراءة كما تقدم في رواية حماد وحكايته صلاة الصادق
(عليه السلام) تعليما له، قال فيه " ثم قرأ الحمد بترتيل وقل هو الله أحد ثم صبر هنية
بقدر ما يتنفس وهو قائم ثم قال الله أكبر ".
قال شيخنا في الذكرى: يستحب السكوت إذا فرغ من الحمد والسورة فهما سكتتان
لرواية إسحاق بن عمار عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) (1) " أن رجلين من
أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) اختلفا في سكتة رسول الله (صلى الله عليه
وآله) فكتب إلى أبي بن كعب كم كانت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) من سكتة؟
قال كانت له سكتتان: إذا فرغ من أم القرآن وإذا فرغ من السورة " وفي رواية حماد
تقدير السكتة بعد السورة بنفس. وقال ابن الجنيد روى سمرة وأبي بن كعب عن النبي
(صلى الله عليه وآله) (2) " أن السكتة الأولى بعد تكبيرة الاحرام والثانية بعد الحمد "
ثم قال (قدس سره) فرع - الظاهر استحباب السكوت عقيب الحمد في الأخيرتين قبل

(1) الوسائل الباب 46 من القراءة
(2) تيسير الوصول ج 2 ص 229 وفيه " الثانية بعد الحمد وسورة "
190

الركوع وكذا عقيب التسبيح. انتهى.
وروى الصدوق في كتاب الخصال عن الخليل عن الحسين بن حمدان عن إسماعيل
بن مسعود عن يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن (1) " أن سمرة
بن جندب وعمران بن حصين تذاكرا فحدث سمرة أنه حفظ عن رسول الله (صلى
الله عليه وآله) سكتتين سكتة إذا فرغ من قراءته عند ركوعه ثم إن قتادة ذكر السكتة
الأخيرة إذا فرغ من قراءة " غير المغضوب عليهم ولا الضالين " أي حفظ ذلك سمرة
وأنكره عليه عمران بن حصين قال فكتبنا في ذلك إلى أبي بن كعب وكان في كتابه
إليهما أو في رده عليهما أن سمرة قد حفظ " قال الصدوق (قدس سره) أن النبي (صلى
الله عليه وآله) إنما سكت بعد القراءة لئلا يكون التكبير موصولا بالقراءة وليكون بين
القراءة والتكبير فصل، وهذا يدل على أنه لم يقل آمين بعد فاتحة الكتاب سرا ولا جهرا
لأن المتكلم سرا أو علانية لا يكون ساكتا وفي ذلك حجة قوية للشيعة على مخالفيهم في
قولهم آمين بعد الفاتحة ولا قوة إلا بالله. انتهى.
أقول: الذي يقرب عندي في هذا المقام أن السكوت المستحب إنما هو ما دل
عليه خبر حماد المشار إليه وأما ما عدا ذلك من كونه بعد التكبير أو بعد الفاتحة فالظاهر أنه قول الجمهور (2) وظاهر رواية الخصال أنها عامية ورجالها من العامة، وحديث إسحاق
بن عمار المنقول في الذكرى لا دلالة فيه على ذلك أن لم يكن فيه إشارة إلى الدلالة
على العدم، وذلك لأن عدوله (عليه السلام) عن الافتاء بذلك كما في جملة الأحكام الشرعية التي تخرج عنه إلى الأخبار بما نقل في الخبر نوع إشارة إلى ما قلناه وإن
قصده (عليه السلام) حكاية ما عليه العامة حسب ما تضمنه حديث الخصال وإن اختلف
الحديثان في السكتة الأخرى من أنها بعد الحمد أو بعد تكبيرة الاحرام.
ثم إن ظاهر كلام الصدوق أيضا أن السكوت الذي اشتمل عليه خبر حماد ليس

(1) مستدرك الوسائل الباب 34 من القراءة
(2) المغني ج 1 ص 495
191

مستحبا من حيث هو بل من حيث استحباب إظهار همزة " الله " في التكبير ولو وصل
لزم سقوطها لأنها همزة وصل والنصوص دالة على قطعها والقطع لا يكون إلا مع السكوت
قبلها. إلا أن كلامه (قدس سره) وقوله: " وهذا يدل على أنه لم يقل آمين... إلى آخره "
لا أعرف له وجها وجيها لأن ظاهر الحديث الذي نقله أن السكتتين إحداهما بعد تكبيرة
الاحرام والأخرى بعد تمام القراءة قبل الركوع وهذا هو الذي حفظه سمرة والتأمين
إنما هو بعد الفاتحة والسكتة بعد الفاتحة إنما ذكرها قتادة. نعم كلامه يتم على تقدير
رواية إسحاق بن عمار التي نقلها في الذكرى حيث اشتملت على ذلك إلا أنه لم يلم
بها ولم ينقلها.
وقال في المنتهى: يستحب للمصلي أن يسكت بعد قراءة الحمد وبعد السورة وبه
قال أحمد والأوزاعي والشافعي وكرهه مالك وأصحاب الرأي، وقال بعضهم يسكت
عقيب الافتتاح وبعد الحمد خاصة (1) لنا ما رواه الجمهور، ثم ذكر رواية تدل على الأول
ثم قال ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن غياث بن كلوب عن إسحاق بن عمار، ثم
نقل رواية إسحاق بن عمار المتقدمة.
ومنها - ما تقدم في الفائدة العشرين من الفوائد الملحقة بأخبار المقدمة الثانية من
نقل جملة من السور التي يستحب قراءتها في النوافل فليرجع إليه من أحب الوقوف عليه.
البحث الثالث في الأحكام وفيه مسائل
(الأولى) - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن من واجبات
القراءة الموالاة فلو قرأ خلالها من غيرها فإن كان عمدا فظاهر الشهيد في الذكرى بطلان
الصلاة ونقل عن الشيخ في المبسوط أنه يستأنف القراءة ولا تبطل الصلاة، ولو كان
ناسيا استأنف القراءة على ما صرح به في الذكرى، وفي المبسوط أنه يبني على ما قرأ

(1) بداية المجتهد لابن رشد ج 1 ص 113
192

أولا، وفي الدروس تبع الشيخ في استئناف القراءة في صورة العمد ونسب ما اختاره في
الذكرى من البطلان إلى لفظ " قيل " مؤذنا بتمريضه وضعفه وأما في صورة النسيان
فكما في الذكرى من إعادة القراءة، وبهذا يصير هذا قولا ثالثا في المسألة وهو ظاهر
المحقق في الشرائع والعلامة في الإرشاد وإليه جنح في المدارك أيضا، وفي البيان كما في
الذكرى من الحكم ببطلان الصلاة في صورة العمد ولم يتعرض لحكم الناسي.
أقول: أنت خبير بأن الظاهر أنه لا دليل لهم على وجوب الموالاة إلا دعوى
أن ذلك هو المفهوم من القراءة، وزاد بعضهم الاستناد إلى التأسي فإنه (صلى الله عليه
وآله) " وكذا الأئمة (عليهم السلام) بعده كانوا يوالون في قراءتهم مع قوله (صلى الله
عليه وآله) (1) " صلوا كما رأيتموني أصلي " ومعنى الموالاة عندهم هو أن لا يقرأ في
خلالها ولا يسكت بحيث يخرج عن كونه قارئا، واستثنوا من ذلك الدعاء فإنه جائز.
ويشكل ذلك بأن الظاهر من العرف أن نحو الكلمة والكلمتين لا يخل بالموالاة فلو قيد
الحكم المذكور في المنع من القراءة في الأثناء بما يخل بالموالاة عرفا كما قيدوا بذلك
في السكوت لكان أظهر.
ثم إن الظاهر عندي أن ما حكم به في الذكرى والبيان من بطلان الصلاة بالاخلال
بالموالاة عمدا لا يخلو من اشكال لعدم الوقوف في المسألة على نص. وفي الذكرى إنما
علل ذلك بتحقق المخالفة المنهي عنها، وحاصله أنه منهي عن تلك القراءة والنهي عن
العبادة يوجب الفساد. وفيه أن النهي غير موجود لعدم النص في المسألة إلا أن يدعى أنه
مأمور بالموالاة التي هي - كما عرفت - عبارة عن عدم القراءة خلالها والأمر بالشئ يستلزم
النهي عن ضده الخاص وهو القراءة خلالها. وتوجه المنع إلى جملة من مقدمات هذا الدليل
واضح، أما الأمر بالموالاة فغير ظاهر إلا ما عرفت من دعوى أنه المفهوم من القراءة،
ومع الاغماض عن ذلك فدعوى فوات الموالاة بمجرد القراءة ولو بمثل كلمة أو كلمتين

(1) المغني ج 1 ص 508
193

قد عرفت ما فيه، وأما الاستناد إلى قاعدة أن الأمر بالشئ يسلتزم النهي عن ضده
الخاص فقد عرفت ما فيه مما تقدم بيانه في أثناء مباحث الكتاب زيادة على ما تقدم
في المقدمات من كتاب الطهارة، ومرجعه إلى عدم ثبوت هذه القاعدة بل قيام النصوص
على خلافها فلا ثمرة لها ولا فائدة وإن أطالوا فيها الكلام بابرام النقض ونقض الابرام
إلا أنه عند من يتمسك بأخبار أهل العصمة (عليهم السلام) لا يصل إلى محل ولا مقام
وبذلك يظهر لك أن ما ذهب إليه الشيخ هو الأقرب في كل من صورتي العمد والنسيان
قال السيد السند في المدارك بعد قول المصنف " الموالاة في القراءة شرط في صحتها
فلو قرأ خلالها من غيرها استأنف القراءة " ما صورته: أما اشتراط الموالاة في القراءة
فللتأسي بالنبي (صلى الله عليه وآله) فإنه كان يوالي في قراءته، وقال (صلى الله عليه
وآله) (1) " صلوا كما رأيتموني أصلي ".
أقول: لا يخفى ما في هذا الدليل من الوهن لما صرح به هو في غير مقام من
هذا الشرح وغيره من الأصحاب من أن التأسي في ما لا يعلم وجه وجوبه بدليل من
خارج مستحب لا واجب، وقد تقدم نحو ذلك في مسألة الجهر والاخفات في شرح
قول المصنف " ويجب الجهر بالحمد أو السورة... الخ " حيث نقل ثمة عن الشهيد الاستدلال
على الوجوب بفعل النبي (صلى الله عليه وآله) والتأسي به واجب، فقال في رده: وهو ضعيف جدا فإن التأسي في ما لا يعلم وجهه مستحب لا واجب كما قرر في محله. وعين
ما أورده على الشهيد يرد عليه هنا. وبالجملة فإن هذا الموضع من جملة المواضع التي اضطرب
كلامه فيها في هذا الشرح كما نبهنا عليه في غير مقام ففي جملة من المواضع يستدل به
وفي مواضع أخرى يرد على من استدل به.
نعم يمكن أن يقال إن العبادات لما كانت مبنية على التوقيف والذي ثبت عن
صاحب الشريعة إنما هو الموالاة فيقين البراءة من التكليف الثابت في الذمة بيقين

(1) المغني ج 1 ص 508
194

والخروج عن العهدة لا يحصل إلا بذلك.
وأما ما ذكره الفاضل الخراساني في الذخيرة - من أن عموم ما دل على جواز قراءة
القرآن في أثناء الصلاة يضعف التمسك بذلك - ففيه أنا لم نقف بعد الفحص في شئ من
الأخبار على ما يدل على هذا العموم وإن اشتهر بين الأصحاب على وجه لا يكاد يوجد
له فيه مخالف، فإنهم جعلوا مما يستثنى في الصلاة الدعاء وقراءة القرآن، والأول موجود في
الأخبار أما الثاني فلم أقف على ما يدل عليه بعد الفحص والتتبع بل ربما دل بعض الأخبار
على خلافه مثل ما رواه الكليني والشيخ في الموثق عن عبيد بن زرارة (1) قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذكر السورة من الكتاب ندعو بها في الصلاة مثل (قل
هو الله أحد) فقال إذا كنت تدعو بها فلا بأس " ومفهومه حصول البأس مع عدم
قصد الدعاء بها.
ثم قال في المدارك: وقال الشيخ في المبسوط يستأنف القراءة مع العمد ويبنى على
السابق مع النسيان. وهو مشكل أيضا لفوات الموالاة الواجبة مع العمد والنسيان فلا
يتحقق الامتثال.
أقول: فيه أنه يمكن أن يقال إن مع القول بوجوب الموالاة فغاية ما يفيده الاخلال
بها عمدا بطلان القراءة فمن ثم أوجب الشيخ الإعادة واستئناف القراءة لا بطلان الصلاة
لتوقفه على الدليل، وقد عرفت مما تقدم في الكلام على كلام الذكرى أنه لا دليل على
الابطال. وأما حال السهو فإن ترك الواجب سهوا غير مبطل فيبنى كما ذكره الشيخ.
ولو سكت في أثناء القراءة بما يزيد عن العادة فلهم فيه تفصيل، فإن كن لأنه ارتج عليه
وأراد التذكر لم يضر إلا أن يخرج عن كونه مصليا، وإن سكت متعمدا لا لحاجة حتى
خرج عن كونه قارئا أعاد قرائته ولو خرج عن كونه مصليا بطلت صلاته، ولو نوى
قطع القراءة وسكت فنقل عن الشيخ الحكم بوجوب إعادة الصلاة حيث قال: " وإن

(1) الوسائل الباب 9 من القراءة
195

نوى أن يقطعها ولم يقطعها بل قرأها كانت صلاته ماضية، وإن نوى قطعها ولم يقرأ بطلت
صلاته " والمشهور الصحة، وأورد على الشيخ أنه قد ذهب في المبسوط إلى عدم بطلان
الصلاة بنية فعل المنافي. واعتذر عنه في الذكرى بأن المبطل هنا نية القطع مع القطع فهو
في الحقيقة نية المنافي مع فعله. ورده في المدارك بأنه غير جيد لأن السكوت بمجرده غير
مبطل للصلاة إذا لم يخرج به عن كونه مصليا.
ثم قال: والأصح أن قطع القراءة بالسكوت غير مبطل لها سواء حصل معه نية
القطع أم لا إلا أن يخرج بالسكوت عن كونه قارئا فتبطل القراءة أو مصليا فتبطل
الصلاة. انتهى. وهو جيد.
وبالجملة فالمسألة لما كانت عارية عن النص فالواجب فيها الوقوف على جادة
الاحتياط وهو في ما ذكره السيد المشار إليه (أفاض الله رواشح رضوانه عليه) ويعضده
أن الأصل في الصلاة الصحة حتى يقوم دليل الابطال. والله العالم.
(المسألة الثانية) - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في حكم التأمين
في الصلاة فقيل بتحريمه وبطلان الصلاة به وهو المشهور عندهم حتى أنه نقل الشيخان
والمرتضى وابن زهرة والعلامة في النهاية الاجماع عليه، وقال ابن بابويه في من لا يحضره
الفقيه: ولا يجوز أن يقال بعد فاتحة الكتاب (آمين) لأن ذلك كان يقوله النصارى.
ونقل عن ابن الجنيد أنه يجوز التأمين عقيب الحمد وغيرها، وما إليه المحقق في المعتبر
ونقله في المدارك عن شيخه المعاصر والظاهر أنه المحقق الأردبيلي كما عبر عنه في غير
موضع من الكتاب بذلك.
وأما الأخبار الواردة في المقام فمنها - ما رواه الكليني والشيخ في الحسن أو
الصحيح عن جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " إذا كنت خلف إمام
فقرأ الحمد وفرغ من قراءتها فقل أنت الحمد لله رب العالمين ولا تقل آمين ".

(1) الوسائل الباب 17 من القراءة
196

وعن معاوية بن وهب في الصحيح (1) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام) أقول (آمين) إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين؟ قال هم اليهود
والنصارى، ولم يجب في هذا ".
وعن محمد الحلبي (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) أقول إذا فرغت
من فاتحة الكتاب آمين؟ قال لا " وفي المعتبر (3) نقل هذه الرواية عن جامع البزنطي
عن عبد الكريم عن محمد الحلبي المذكور.
وعن جميل في الصحيح (4) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول
الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب آمين؟ قال ما أحسنها واخفض الصوت بها "
وروى الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب مجمع البيان عن الفضيل بن يسار
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال: " إذا قرأت الفاتحة وقد فرغت من قراءتها
وأنت في الصلاة فقل الحمد لله رب العالمين ".
وقال في كتاب دعائم الاسلام (6) " وروينا عنهم (عليهم السلام) أنهم قالوا يبتدأ
بعد بسم الله الرحمن الرحيم في كل ركعة بفاتحة الكتاب، إلى أن قال وحرموا أن يقال بعد
قراءة فاتحة الكتاب (آمين) كما يقول العامة، قال جعفر بن محمد (عليهما السلام) إنما كانت
النصارى تقولها. وعنه عن آبائه (عليهم السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله) لا تزال أمتي بخير وعلى شريعة من دينها حسنة جميلة ما لم يتخطوا القلة بأقدامهم
ولم ينصرفوا قياما كفعل أهل الكتاب ولم تكن ضجة آمين ".
هذا مجموع ما حضرني من أخبار المسألة والذي يدل منها على القول المشهور - وهو
المؤيد المنصور - صحيحة جميل أو حسنته. وهذا الترديد الذي نذكره دائما في الأسانيد
من حيث اشتمال السند على إبراهيم بن هاشم المعدود حديثه عند الأكثر في الحسن وعند

(1) الوسائل الباب 17 من القراءة
(2) الوسائل الباب 17 من القراءة
(3) ص 177
(4) الوسائل الباب 17 من القراءة
(5) الوسائل الباب 17 من القراءة
(6) مستدرك الوسائل الباب 13 من القراءة
197

جمع من أصحابنا في الصحيح، وهو الصحيح على الاصطلاح الغير الصحيح حيث اشتملت
على النهي عن قولها وهو حقيقة في التحريم، ونحوها رواية الحلبي. أما صحيحة جميل
فهي محمولة على التقية (1) ويعضد ذلك عدوله (عليه السلام) في صحيحة معاوية بن
وهب عن جواب السؤال إلى ما ذكره من تفسير " غير المغضوب عليهم ولا الضالين "
باليهود والنصارى.
وقال المحقق في المعتبر: ويمكن أن يقال بالكراهة ويحتج بما رواه الحسين بن
سعيد عن ابن أبي عمير عن جميل، ثم ذكر صحيحة جميل الثانية، ثم قال: ويطعن في
الروايتين الأولتين - يعني روايتي الحلبي - بأن إحداهما رواية محمد بن سنان وهو مطعون
فيه وليس عبد الكريم في النقل والثقة كابن أبي عمير فتكون رواية الإذن أولى لسلامة
سندها من الطعن ورجحانها، ثم لو تساوت الروايتان في الصحة جمع بينهما بالإذن
والكراهة توفيقا، ولأن رواية المنع تحتمل منع المنفرد والمبيحة تتضمن الجماعة ولا يكون
المنع في أحدهما منعا في الأخرى.
ولا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما أسلفناه، ويزيده بيانا أن راوي الرواية
المبيحة وهو جميل قد روى المنع أيضا وهي الرواية الأولى من هذه الروايات المنقولة
ولكنه لم ينقلها في كتابة وإنما نقل رواية الحلبي المروية عن الشيخ بالطريق الذي فيه
محمد بن سنان وعن جامع البزنطي بالطريق الذي فيه عبد الكريم وهو عبد الكريم بن
عمرو وهو ثقة واقفي فردها بما ذكره، وحينئذ بناء على ما ذكرناه من رواية جميل المذكورة
الدالة على النهي تكون معتضدة بالروايتين المذكورتين اللتين قد وجه الطعن إليهما فلا

(1) في البدائع ج 1 ص 207 " المستحب بعد الفاتحة أن يقول " آمين " إماما كان
أو مقتديا وهو قول عامة العلماء، وقال بعض العلماء لا يؤتى بالتأمين أصلا، وقال مالك
يأتي به المقتدي دون الإمام والمنفرد. والصحيح قول العامة " وفي المحلى ج 3 ص 262
" قول آمين يقوله الإمام والمنفرد سنة وندبا ويقوله المأموم فرضا ".
198

ترجيح لرواية الترخيص بل الترجيح لرواية المنع المعتضدة بالروايتين المذكورتين وغيرهما
ولا سيما رواية كتاب دعائم الاسلام لما عرفت فيها من الصراحة، مضافا ذلك إلى الشهرة
بين الأصحاب حتى ادعى عليه الاجماع جملة منهم كما عرفت، ومخالفة العامة القائلين
بالاستحباب، مع أن الرواية المبيحة التي اعتمدها وبنى النزاع في المسألة عليها لا نقبل
ما حملها عليه من الكراهة فإن استحسانها على سبيل التعجب ينفي الكراهة بل أقل
مراتب الاستحسان الاستحباب فكيف يمكن حملها على الجواز على كراهة كما ذهب إليه؟
بل المحمل الظاهر لها إنما هو التقية، ويشهد له ما عرفت من صحيحة معاوية بن وهب.
قال شيخنا البهائي (قدس سره) في كتاب الحبل المتين: وقد تضمن الحديث
السابع عشر عدم مشروعية قول " آمين " في الصلاة فإن عدوله (عليه السلام) عن جواب
السؤال عن قولها إلى تفسير المغضوب عليهم ولا الضالين يعطي التقية وإن بعض المخالفين كان
حاضرا في المجلس فأوهمه (عليه السلام) أن سؤال معاوية إنما هو عن المراد بالمغضوب عليهم
ولا الضالين، وربما حمل قوله (عليه السلام) " هم اليهود والنصارى " على التشنيع على
المخالفين والمراد أن الذين يقولون (آمين) في الصلاة هم يهود ونصارى أي مندرجون في
عدادهم ومنخرطون في الحقيقة في سلكهم. انتهى. أقول لا يخفى ما في قوله: " وربما
حمل قوله (عليه السلام).. الخ " من اللطف والحسن في المقام.
وقال السيد السند في المدارك: احتج الشيخ في الخلاف على التحريم والابطال
باجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في أن ذلك مبطل للصلاة، وبقول النبي (صلى الله عليه
وآله) (1) " إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الآدميين " وقول " آمين "
من كلامهم لأنها ليست بقرآن ولا دعاء وإنما هي اسم للدعاء والاسم غير المسمى، وبما
رواه في الحسن عن جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ثم نقل رواية جميل وهي
الأولى من الروايات المتقدمة ثم نقل رواية الحلبي بعدها، ثم قال: وفي كل من هذه

(1) المغني ج 1 ص 548
199

الأدلة نظر، أما الاجماع فقد تقدم الكلام فيه مرارا، وأما أن " آمين " من كلام
الآدميين لأنها أصم للدعاء وليست بدعاء فلتوجه المنع إلى ذلك بل الظاهر أنها دعاء
كقولك " اللهم استجب " وقد صرح بذلك المحقق نجم الأئمة الرضي (رضي الله عنه)
فقال: وليس ما قال بعضهم - من أن " صه " مثلا اسم للفظ (اسكت) الذي هو دال على
معنى الفعل فهو علم للفظ الفعل لا لمعناه - بشئ لأن العربي القح يقول " صه " مع أنه ربما
لا يخطر في باله لفظ " اسكت " وربما لم يسمعه أصلا، ولو قلت اسم لا صمت أو امتنع
أو اكفف عن الكلام أو غير ذلك مما يؤدي هذا المعنى لصح فعلمنا أن المقصود المعنى
لا اللفظ. وأما الروايتان فمع سلامة سندهما إنما تضمنتها النهي عن هذا اللفظ فيكون محرما
ولا يلزم كون ذلك مبطلا للصلاة، ولأن النهي إنما يفسد العبادة إذا توجه إليها أو إلى
جزء منها أو شرط لها وهو هنا إنما توجه إلى أمر خارج عن الصلاة. ثم نقل احتجاج
ابن زهرة على التحريم والابطال ثم نقل كلام المحقق في المعتبر ورده.. إلى أن قال
وقد ظهر من ذلك كله أن الأجود التحريم دون الابطال وإن كان القول بالكراهة
محتملا لقصور لروايتين عن اثبات التحريم من حيث السند وكثرة استعمال النهي في
الكراهة خصوصا مع مقابلته بأمر الندب. انتهى. أقول: وبما اختاره في المسألة من
التحريم دون الابطال يصير في المسألة أقوال ثلاثة بانضمام هذا القول إلى القولين المتقدمين
ثم إن كلامه (قدس سره) لا يخلو عندي من نظر (أما أولا) فإن طعنه في الاجماع
بما أشار إليه وإن كان حقا ولكن لا يخفى على من لاحظ كتابه كثرة تمسكه بالاجماع
في غير مقام وذبه عنه بجده وجهده في جملة من الأحكام وهو من جملة المواضع التي
اضطرب فيها كلامه في هذا الكتاب.
و (أما ثانيا) فما ذكره - من توجه المنع إلى أن " آمين " من كلام الآدميين مستندا
إلى ما ذكره المحقق المذكور - فإن فيه (أولا) أنه مع تسليمه إنما يتم لو كان معنى (آمين)
منحصرا في (اللهم استجب) لفظا أو معنى وليس كذلك بل لها معان أخر لا يتم على
200

تقديرها ما ذكره، قال في القاموس: آمين بالمد والقصر وقد يشدد الممدود ويمال أيضا
عن الواحدي في البسيط اسم من أسماء الله أو معناه " اللهم استجب أو كذلك
فليكن أو كذلك فافعل " انتهى. وقال ابن الأثير: هو اسم مبني على الفتح ومعناه
" اللهم استجب لي " وقيل معناه (كذلك فليكن) يعني الدعاء. وقال في المغرب
معناه " استجب " وقال صاحب الكشاف إنه صوت سمي به الفعل الذي هو
" استجب " كما أن " رويدا وحيهل وهلم " أصوات سميت بها الأفعال التي هي " أمهل وأسرع
وأقبل " انتهى. وقال في كتاب المصباح المنير: وآمين بالقصر في لغة الحجاز والمد اشباع
بدليل أنه لا يوجد في العربية كلمة على " فاعيل " ومعناه " اللهم استجب " وقال أبو حاتم
معناه (كذلك يكون) وعن الحسن البصري أنه اسم من أسماء الله تعالى. أقول: هذه جملة من
كلمات أساطين اللغة وأرباب العربية الذين عليهم المعول وهي متفقة في أن أحد معانيه " اللهم
استجب أو استجب " أو غيرهما من الألفاظ المذكورة التي ليست بدعاء البتة وترجيح
كلام المحقق المشار إليه على كلامهم محل نظر، على أن اللازم - مما ذكره المحقق المذكور لو
تم - عدم وجود هذا القسم الذي هو اسم الفعل بالكلية فإن كلامه هذا جار في جميع
أسماء الأفعال التي وضعت بإزائها، فهي حينئذ بمقتضى ما ذكره من قبيل الألفاظ المترادفة
مع أنه لا خلاف بين أهل العربية في أن اسم الفعل قسم من الأقسام المذكورة في كلامهم
والمبحوث عنها في كتبهم. و (ثانيا) أن الظاهر أن هذه الأخبار التي وردت بالمنع
والنهي عن التأمين لا وجه لتصريحها بذلك إلا من حيث كونه كلاما أجنبيا خارجا عن
الصلاة مبطلا لها متى وقع فيه وإلا فالنهي عنه - مع كونه دعاء كما ادعاء واستفاضة الأخبار
بجواز الدعاء في الصلاة بل استحبابه - مما لا يعقل له وجه.
و (أما ثالثا) فما طعن به على رواية جميل بقوله أولا " فمع سلامة سندها " وقوله
ثانيا " لقصور الروايتين عن اثبات التحريم من حيث السند " وهذا الطعن أنما هو من حيث
اشتمال سندها على إبراهيم بن هاشم، وهو مناف لما صرح به في غير موضع من كتابه من
201

الاعتماد على روايته وعدها في الصحيح في جملة من المواضع، وهذا من جملة المواضع التي
اضطرب فيها كلامه أيضا كما تقدمت الإشارة إليه في غير موضع. وبذلك يظهر لك أن
القول المشهور هو المؤيد المنصور.
ثم إنه نقل في المدارك عن المحقق في المعتبر والعلامة في جملة من كتبه أنهما
استدلا على أن التأمين مبطل للصلاة بأن معناه " اللهم استجب " ولو نطق بذلك لبطلت
صلاته فكذا ما قام مقامه، ثم رده بأنه ضعيف جدا فإن الدعاء في الصلاة جائز باجماع
العلماء وهذا دعاء عام في طلب استجابة جميع ما يدعى به فلا وجه للمنع منه. انتهى.
أقول: ما ذكره (قدس سره) جيد وفيه دلالة على صحة ما ألزمناه به في ما
اختاره من التحريم دون الابطال مع قوله بأنه دعاء لا اسم لما يدل على الدعاء، فإنه لا يعقل
لتحريمه وجه مع كونه دعاء كما عرفت.
(المسألة الثالثة) - المشهور في كلام المتقدمين - وبه صرح الشيخان والصدوق
والمرتضى (رضوان الله عليهم) - أن الضحى وألم نشرح وكذا الفيل ولإيلاف سورة
واحدة، والمشهور بين المتأخرين - ومنهم المحقق وربما كان أولهم - خلافه.
قال في المعتبر بعد البحث في المسألة: ولقائل أن يقول لا نسلم أنهما سورة
واحدة بل لم لا يكونان سورتين وإن لزم قراءتها في الركعة الواحدة على ما ادعوه؟
ونطالب بالدلالة على كونهما سورة واحدة، وليس قراءتهما في الركعة الواحدة دالة على
ذلك وقد تضمنت رواية المفضل تسميتهما سورتين، ونحن قد بينا أن الجمع بين السورتين
في الفريضة مكروه فتستثنيان من الكراهة. انتهى.
وقال في المدارك - بعد قول المصنف: روى أصحابنا أن الضحى وألم نشرح
سورة واحدة وكذا الفيل ولإيلاف فلا يجوز أفراد إحداهما عن صاحبتها في كل ركعة
ولا يفتقر إلى البسملة بينهما على الأظهر - ما صورته: ما ذكره المصنف من رواية الأصحاب
أن الضحى وألم نشرح سورة واحدة وكذا الفيل والايلاف لم أقف عليه في شئ من
202

الأصول ولا نقله ناقل في كتب الاستدلال. والذي وقفت عليه في ذلك روايتان -
إحداهما - رواية زيد الشحام في الصحيح (1) قال: " صلى بنا أبو عبد الله (عليه
السلام) فقرأ الضحى وألم نشرح في ركعة " والأخرى رواية المفضل (2) قال:
" سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلا
الضحى وألم نشرح وسورة الفيل ولإيلاف " ولا دلالة لهما على ما ذكروه من الاتحاد
بل ولا على وجوب قراءتهما في الركعة، أما الأولى فظاهر لأنها تضمنت أنه (عليه
السلام) قرأهما في الركعة والتأسي في ما لا يعلم وجوبه مستحب لا واجب. وأما
الثانية فلأنها مع ضعف سندها إنما تضمنت استثناء هذه السورة من النهي عن الجمع
بين السورتين في الركعة والنهي هنا للكراهة على ما بيناه في ما سبق فيكون الجمع بين
هذه السور مستثنى من الكراهة. والذي ينبغي القطع بكونهما سورتين لاثباتهما في
المصاحف كذلك كغيرهما من السور فتجب البسملة بينهما أن وجب قراءتهما معا، وهو
ظاهر المصنف في المعتبر فإنه قال بعد أن منع دلالة الروايتين على وجوب قراءتهما في
الركعة: ولقائل، ثم ساق كلامه الذي ذكرناه.
أقول: الظاهر أن منشأ الشبهة في هذه المسألة على المتأخرين (أولا) هو أنه لما
كان نظرهم غالبا مقصورا على الكتب الأربعة المشهورة وهي خالية من هذه الرواية
التي أشار إليها المحقق حصل لهم الاشكال في ذلك. و (ثانيا) وجود البسملة في كل
من السور المذكورة في المصاحف. و (ثالثا) حكمهم بكراهة القران دون تحريمه كما
سيظهر لك من كلام صاحبي المعتبر والمدارك. والجميع محل بحث ونظر كما سيظهر لك
إن شاء الله تعالى.
وتحقيق المقام بما لا يحوم حوله النقض والابرام بتوفيق الملك العلام وبركة أهل
الذكر (عليهم الصلاة والسلام) أنك قد عرفت مما قدمنا في غير موضع أن كثيرا من

(1) الوسائل الباب 10 من القراءة
(2) الوسائل الباب 10 من القراءة
203

الأحكام التي يذكرها المتقدمون وهذه الكتب المشار إليها عارية عن أدلتها فيعترض
عليهم المتأخرون بعدم وجود الدليل وربما تكلفوا لهم دليلا والحال أن أدلتها موجودة
في مواضع أخر من كتب الأخبار، ومنها هذه المسألة فإن دليلها موجود في مواضع:
منها - كتاب الفقه الرضوي الذي قد أشرنا سابقا إلى تفرده بأمثال ذلك وبه
صرح شيخنا المجلسي وولده (عطر الله مرقديهما) حيث قال (عليه السلام) (1) " ولا تقرأ
في صلاة الفريضة والضحى وألم نشرح وألم تر كيف ولإيلاف، لأنه روي أن والضحى
وألم نشرح سورة واحدة وكذلك ألم تر كيف ولإيلاف سورة واحدة.. إلى أن قال
فإن قرأت بعض هذه السور الأربع فاقرأ والضحى وألم نشرح ولا تفصل بينهما، وكذلك
ألم تر كيف ولإيلاف " انتهى.
ومنها - ما رواه الصدوق في كتاب الهداية مرسلا عن الصادق (عليه السلام) (2)
في حديث قال فيه " وموسع عليك أي سورة قرأت في فرائضك إلا أربع وهي والضحى
وألم نشرح في ركعة لأنهما جميعا سورة واحدة ولإيلاف وألم تر كيف في ركعة لأنهما
جميعا سورة واحدة، ولا تنفرد بواحدة من هذه الأربع سور في ركعة فريضة "
وبهذه الرواية أفتى في الفقيه من غير اسناد إلى الرواية كما هي عادته غالبا من الافتاء
بمضامين الأخبار.
ومنها - ما نقله شيخنا أمين الاسلام الطبرسي في مجمع البيان (3) قال: " روى
أصحابنا أن الضحى وألم نشرح سورة واحدة وكذا سورة ألم تر كيف ولإيلاف قريش "
قال وروى العياشي عن أبي العباس عن أحدهما (عليهما السلام) قال: " ألم تر كيف
فعل ربك ولإيلاف قريش سورة واحدة " قال: " وروي أن أبي بن كعب لم يفصل
بينهما في مصحفه " انتهى.

(1) ص 9
(2) البحار ج 85 الصلاة ص 45 ح 34
(3) الوسائل الباب 10 من القراءة
204

وهذه الأخبار هي مستند شهرة الحكم بين المتقدمين بالاتحاد، ويؤيدها صحيحة
زيد الشحام ورواية المفضل المتقدمتين بنقل صاحب المدارك، ورواية المفضل هذه رواها
في المعتبر من جامع أحمد بن محمد بن أبي نصر وعليهما اقتصر في المعتبر أيضا، وهاتان الروايتان
ليستا بالدليل في المسألة على الحكم المذكور كما توهماه حتى أنه بتأويلهما يسقط الدليل في
المقام، بل الدليل الواضح إنما هو ما نقلناه من الأخبار وهذان إنما خرجا بناء على
ما تضمنته هذه الأخبار من الاتحاد وإلا فهما في حد ذاتهما غير صريحين في ذلك.
ويؤيد ما ذكرناه ما صرح به الشيخ في الإستبصار من أن هاتين السورتين
سورة واحدة عند آل محمد (عليهم السلام) وينبغي أن يقرأهما موضعا واحدا ولا يفصل
بينهما ب‍ (بسم الله الرحمن الرحيم) في الفرائض. وقال في التهذيب: وعندنا أنه لا يجوز
قراءة هاتين السورتين إلا في ركعة واحدة. وكلامه في الإستبصار مشعر باتفاق الروايات
على الاتحاد وأنه مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وكلامه في التهذيب مشعر باتفاق
الأصحاب على الحكم المذكور.
ثم إن من روايات المسألة مما لم يقف عليه صاحبا المعتبر والمدارك زيادة على
الخبرين المنقولين في كلامهما ما رواه الشيخ في الصحيح عن زيد الشحام (1) قال:
" صلى بنا أبو عبد الله (عليه السلام) فقرأ بنا بالضحى وألم نشرح " وحملها الشيخ على أنه قرأهما في ركعة واحدة كما في روايته المتقدمة.
وروى الشيخ في الصحيح عن زيد الشحام (2) قال: " صلى بنا أبو عبد الله
(عليه السلام) فقرأ في الأولى والضحى وفي الثانية ألم نشرح لك صدرك " وحملها
في التهذيبين على قراءتهما في النافلة.
والأقرب عندي حمل الرواية الثانية على جواز التبعيض فيكون سبيلها سبيل ما دل
على التبعيض في السورة كغيرها من الأخبار فبعين ما تحمل عليه تلك الأخبار عند من

(1) الوسائل الباب 10 من القراءة
(2) الوسائل الباب 10 من القراءة
205

أوجب السورة كاملة تحمل عليه هذه الرواية. وهذان الخبران كانا أولى بالاستدلال
لصاحبي المعتبر والمدارك لو اطلعا عليهما.
وبالجملة فالظاهر من الأخبار هو الاتحاد كما عليه متقدمو الأصحاب ويؤيده
ارتباط المعنى بين السورتين. بقي الكلام في توسط البسملة بينهما في المصاحف وهذا
من أعظم الشبهة في ذهاب المتأخرين إلى خلاف ما عليه المتقدمون.
وفيه (أولا) أنك قد عرفت من عبارة كتاب الفقه عدم الفصل بينهما بالبسملة متى أراد
قراءتهما معا، وما نقله في مجمع البيان عن أبي بن كعب من عدم اثباته البسملة في مصحفه.
و (ثانيا) أن الاستدلال باثباتها في المصاحف إنما يتم لو كان هذا القرآن الموجود
بأيدينا جمع الإمام (عليه السلام) وليس كذلك لاتفاق الأخبار وكلمة الأصحاب وغيرهم
على أنه جمع الخلفاء الثلاثة (1) وأما القرآن الذي جمعه (عليه السلام) فلم يخرج ولم يظهر

(1) أورد المجلسي في الباب 7 ج 19 من البحار الأخبار الواردة في هذا الموضوع
وقد وردت روايات من طريق العامة تتضمن أن جمع القرآن كان بعد النبي " ص " وأن
المتصدي لذلك هو زيد بن ثابت بأمر أبي بكر، أو هو أبو بكر نفسه وإنما طلب من زيد أن
ينظر في ما جمعه من الكتب، أو هو زيد وعمر على اختلاف بين الروايات في ذلك، وقد
أوردها في كنز العمال ج 2 ص 361 من الطبعة الثانية، وهناك روايات تدل على جمعه في
زمن النبي " ص " كما في منتخب كنز العمال ج 2 ص 48 و 52 وصحيح البخاري ج 6 ص
102 والاتقان ج 1 ص 124، وقد أورد آية الله الأستاذ الخوئي أدام الله ظله الطائفتين
من الروايات في البيان في بحث صيانة القرآن من التحريف من ص 136 إلى 181 في الشبهة
الثانية من شبه القائلين بالتحريف ص 156 التي ملخصها أن كيفية جمع القرآن مستلزمة في
العادة لوقوع التحريف، وقد حقق البحث تحقيقا وافيا وأثبت عدم صلوح هذه الروايات -
من جهة كونها أخبار آحاد ومن جهة تناقضها في نفسها ومن جهة معارضاتها العديدة -
لاثبات ذلك وأن القرآن بمقتضى الأدلة التي ذكرها كان مجموعا في زمن النبي " ص " فلا مجال
لدعوى التحريف من هذه الجهة.
206

لأحد حتى يقوم القائم (عليه السلام) وتقرير الأئمة (عليهم السلام) على هذا القرآن
أعم من ذلك لما تقدم في القراءات السبع.
وحينئذ إذا دلت الأخبار على أنهما سورة واحدة كما عرفت وأنهما تقرءان معا
في ركعة واحدة مع تحريم القران بين السورتين كما قدمنا تحقيقه وأوسعنا مضيقه فقد علم
من ذلك أن وجود البسملة في المصاحف ليس بحجة - ويؤيده خلو مصحف أبي منها في
هذين الموضعين دون غيرهما (1) - وأن قراءتهما في ركعة واحدة إنما هو من حيث الاتحاد
إذ مع التعدد لا يجوز إلا على تقدير جواز القران وقد أثبتنا تخريمه، وهذا خلف.
وأما ما استند إليه في المعتبر من أن رواية المفضل قد تضمنت أنهما سورتان ففيه -
مع الاغماض عن المناقشة في السند بناء على اصطلاحهم - أنه قد أجيب عنها بحمل
الاستثناء على كونه منفصلا لا متصلا أو الحمل على التقية، والأظهر عندي أن ذلك أنما
خرج مخرج التجوز والمسامحة في التعبير من حيث إنهما باثبات البسملة في المصاحف
تسميان سورتين، ويؤيد ذلك ما في عبارة الصدوق في الفقيه ورواية كتاب الهداية
حيث أطلق على كل منهما أنهما سورة مع تصريحه بكونهما سورة واحدة، وحاصله أنهما
سورتان باعتبار الرسم في القرآن والشهرة على اللسان وإلا فهما في التحقيق سورة واحدة
وبذلك يظهر لك قوة القول المشهور وأنه المؤيد المنصور. والله العالم.
(المسألة الرابعة) - المشهور بين الأصحاب جواز العدول من سورة إلى أخرى

(1) قال الآلوسي في روح المعاني ج 30 ص 238 في سورة " لايلاف " " قالت
طائفة أنها وما قبلها سورة واحدة واحتجوا عليه بأن أبي بن كعب لم يفصل بينهما في مصحفة
بالبسملة، ثم ذكر جمعا أثبتوا الفصل في مصحف أبي والمثبت مقدم على النافي " وفيه ص
165 في سورة " ألم نشرح " " هي شديدة الاتصال بسورة الضحى حتى روى عن طاووس
وعمر بن عبد العزيز أنهما يقولان هما سورة واحدة ويقرءانها في ركعة واحدة ولم يفصلا
بينهما بالبسملة وعلى ذلك الشيعة كما حكاه الطبرسي ".
207

ما لم يبلغ نصفها أو يتجاوز نصفها على الخلاف في ذلك وأنه يحرم بعد بلوغ الحد المذكور
إلا في سورتي التوحيد والجحد فإنه يحرم العدول عنهما بمجرد الشروع فيهما أو يكره على
الخلاف إلا إلى الجمعة والمنافقين في يوم الجمعة فإنه يعدل منهما إلى السورتين المذكورتين
ما لم يبلغ النصف أو يتجاوزه على الأشهر.
وتفصيل هذه الجملة يقع في مقامات ثلاثة إلا أن الواجب أولا نقل الأخبار
المتعلقة بالمسألة فأقول:
الأول - ما رواه الكليني والشيخ عن عمرو بن أبي نصر (1) قال: " قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل يقوم في الصلاة فيريد أن يقرأ سورة فيقرأ قل هو
الله أحد وقل يا أيها الكافرون؟ فقال يرجع من كل سورة إلا من قل هو الله أحد وقل
يا أيها الكافرون ".
والثاني - ما رواه الشيخ عن الحلبي في الصحيح (2) قال: " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام) رجل قرأ في الغداة سورة قل هو الله أحد؟ قال لا بأس، ومن افتتح
بسورة ثم بدا له أن يرجع في سورة غيرها فلا بأس إلا قل هو الله أحد فلا يرجع منها إلى
غيرها، وكذلك قل يا أيها الكافرون ".
والثالث - عن عبيد بن زرارة في الموثق (3) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن رجل أراد أن يقرأ في سورة فأخذ في أخرى؟ قال فليرجع إلى السورة
الأخرى إلا أن يقرأ بقل هو الله أحد. قلت رجل صلى الجمعة فأراد أن يقرأ سورة
الجمعة فقرأ قل هو الله أحد؟ قال يعود إلى سورة الجمعة ".
الرابع - عن عبيد بن زرارة في الموثق أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)
" في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ غيرها فقال له أن يرجع ما بينه وبين أن يقرأ ثلثيها ".

(1) الوسائل الباب 35 من القراءة
(2) الوسائل الباب 35 من القراءة
(3) الوسائل الباب 69 من القراءة
(4) الوسائل الباب 36 من القراءة
208

الخامس - ما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما
السلام) (1) " في الرجل يريد أن يقرأ سورة الجمعة في الجمعة فيقرأ قل هو الله أحد؟ قال
يرجع إلى سورة الجمعة " ورواه الشيخ عن أحمد بن محمد بن أبي نصر في الصحيح مثله (2)
السادس - ما رواه الشيخ عن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: " إذا افتتحت صلاتك بقل هو الله أحد وأنت تريد أن تقرأ بغيرها فامض فيها
ولا ترجع إلا أن تكون في يوم الجمعة فإنك ترجع إلى الجمعة والمنافقين منها ".
السابع - ما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) (4) ورواه علي بن
جعفر في كتاب المسائل أيضا عن أخيه (عليه السلام) (5) قال: " سألته عن رجل أراد
سورة فقرأ غيرها هل يصلح له أن يقرأ نصفها ثم يرجع إلى السورة التي أراد؟ قال نعم
ما لم تكن قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون. وسألته عن القراءة في الجمعة بما يقرأ؟
قال بسورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون وإن أخذت في غيرها وإن كان قل هو الله أحد
فاقطعها من أولها وارجع إليها " وعبارة كتاب المسائل في السؤال الأول هكذا " هل يصلح
له بعد أن يقرأ نصفها أن يرجع.. إلى آخر ما هنا ".
الثامن - ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبيد الله بن علي الحلبي وأبي الصباح الكناني
وأبي بصير كلهم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6) " في الرجل يقرأ في المكتوبة
بنصف السورة ثم ينسى فيأخذ في أخرى حتى يفرغ منها ثم يذكر قبل أن يركع؟ قال
يركع ولا يضره ".
التاسع - ما رواه الشيخ في الصحيح عن صباح بن صبيح (7) قال: " قلت

(1) الوسائل الباب 69 من القراءة
(2) الوسائل الباب 69 من القراءة
(3) الوسائل الباب 69 من القراءة
(4) الوسائل الباب 35 و 69 من القراءة إلا أنه لم ينقل السؤال الثاني من كتابه
(5) الوسائل الباب 35 و 69 من القراءة إلا أنه لم ينقل السؤال الثاني من كتابه
(6) الوسائل الباب 36 من القراءة
(7) الوسائل الباب 72 من القراءة
209

لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل أراد أن يصلي الجمعة فقرأ بقل هو الله أحد؟ قال يتمها
ركعتين ثم يستأنف " ورواه الكليني مرسلا (1).
العاشر - ما رواه الشهيد في الذكرى نقلا من كتاب نوادر البزنطي عن أبي العباس (2)
" في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ في أخرى؟ قال يرجع إلى التي يريد وإن بلغ
النصف " وهذه الرواية نقلها في البحار (3) عن الذكرى أيضا إلا أن فيها عن أبي العباس
عن أبي عبد الله (عليه السلام) " في الرجل.. إلى آخره " والذي وفقنا عليه من نسخ
الذكرى التي عندنا هو ما نقلناه.
الحادي عشر - ما ذكره (عليه السلام) في كتاب الفقه الرضوي (4) قال:
" وقال العالم لا تجمع بين السورتين في الفريضة. وسئل عن رجل يقرأ في المكتوبة نصف
السورة ثم ينسى فيأخذ في الأخرى حتى يفرغ منها ثم يذكر قبل أن يركع؟ قال لا بأس به..
وتقرأ في صلواتك كلها يوم الجمعة وليلة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين وسبح اسم ربك
الأعلى وإن نسيتها أو واحدة منها فلا إعادة عليك فإن ذكرتها من قبل أن تقرأ نصف سورة
فارجع إلى سورة الجمعة وإن لم تذكرها إلا بعد ما قرأت نصف سورة فامض في صلاتك "
الثاني عشر - ما رواه علي بن جعفر في كتاب المسائل عن أخيه (عليه السلام) (5)
قال: " سألته عن الرجل يفتتح السورة فيقرأ بعضها ثم يخطئ فيأخذ في غيرها حتى
يختمها ثم يعلم أنه قد أخطأ هل له أن يرجع في الذي افتتح وإن كان قد ركع وسجد؟ قال إن كان لم يركع فليرجع إن أحب وإن ركع فليمض ".
الثالث عشر - ما رواه في كتاب دعائم الاسلام (6) قال: " وروينا عن جعفر بن

(1) الوسائل الباب 72 من القراءة
(2) الوسائل الباب 36 من القراءة
(3) ج 85 الصلاة ص 61 ح 49
(4) ص 11 و 12
(5) الوسائل الباب 28 من القراءة
(6) مستدرك الوسائل الباب 51 من القراءة
210

محمد (عليهما السلام) أنه قال: من بدأ بالقراءة في الصلاة بسورة ثم رأى أن يتركها
ويأخذ في غيرها فله ذلك ما لم يأخذ في نصف السورة الأخرى إلا أن يكون بدأ بقل هو
الله أحد فإنه لا يقطعها، وكذلك سورة الجمعة وسورة المنافقين في الجمعة لا يقطعهما إلى
غيرهما، وإن بدأ بقل هو الله أحد فقطعها ورجع إلى سورة الجمعة أو سورة المنافقين في
صلاة الجمعة يجزئه خاصة ".
هذا ما حضرني من روايات المسألة، والكلام في هذه الأخبار وبيان ما اشتملت
عليه من الأحكام يقع في مقامات ثلاثة:
(الأول) - في جواز العدول من سورة إلى أخرى ما عدا سورتي الجحد
والتوحيد، فقيل بجواز العدول في الصورة المذكورة ما لم يبلغ النصف وبه قال ابن إدريس
والشهيد في الذكرى والدروس وابن بابويه في الفقيه والجعفي وابن الجنيد وأسنده في
الذكرى إلى الأكثر. وقيل ما لم يتجاوز النصف وظاهره جواز العدول وإن بلغ النصف
وهو قول الشيخين الفاضلين في المعتبر والمنتهى وغيره من كتبه وعليه جملة من الأصحاب
بل قال في الذخيرة إنه المشهور ومثله شيخنا المجلسي في البحار قال بأنه المشهور. واعترف
جملة من الأصحاب: منهم - الشهيدان في الذكرى والروض وكذا من تأخر عنهما بعدم
وجود النص على شئ من هذين القولين، قال شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في
كتاب البحار: واعترف جماعة من الأصحاب بأن التحديد بمجاوزة النصف أو بلوغه غير
موجود في النصوص وهو كذلك. انتهى.
وأنت خبير بأن ما عدا روايتي كتاب الفقه وكتاب دعائم الاسلام من الروايات
المذكورة لا دلالة في شئ منها على شئ من القولين بالكلية حسبما ذكره الأصحاب
المشار إليهم آنفا وهذه هي الأخبار التي وصل نظرهم إليها من الكتب الربعة وغيرها،
وأما عبارة كتاب الفقه فإنها دالة على القول الأول. والعجب هنا من شيخنا المجلسي
(قدس سره) أنه مع تصديه في كتاب البحار لنقل عبارات هذا الكتاب وشرحها
211

كلمة كلمة كيف لم ينبه على ذلك؟ بل غاية ما ذكره هنا أن قال والجزء الأخير يدل على
اعتبار مجاوزة النصف في الجملة. انتهى. وأراد بالجزء الأخير آخر العبارة التي ذكرناها
وهي كما ترى تدل على الاعتبار ببلوغ النصف لا بمجاوزته حيث إنه (عليه السلام) قال
" إن ذكرتها من قبل أن تقرأ نصف سورة فارجع وإن لم تذكر إلا بعد ما قرأت النصف
فامض " وهو صريح في أن المدار في جواز الرجوع وعدمه على بلوغ النصف وعدمه فإن
بلغه مضى في صلاته وإلا رجع. والصدوق الذي قد نسب إليه القول ببلوغ النصف إنما
استفيد ذلك من عبارته في الفقيه بهذه العبارة وإن جعلها في الظهر خاصة ورتب عليها
وجوب السورة في الظهر حيث قال: " إن نسيتهما - يعني سورة الجمعة والمنافقين - أو واحدة
منهما في صلاة الظهر وقرأت غيرهما ثم ذكرت فارجع إلى سورة الجمعة والمنافقين ما لم
تقرأ نصف السورة فإن قرأت نصف السورة فتمم السورة واجعلها ركعتين نافلة وسلم فيهما
وأعد صلاتك " ومرجع العبارتين إلى معنى واحد وهو الاعتبار ببلوغ النصف وعدمه.
وأما عبارة كتاب دعائم الاسلام فهي صريحة في القول الثاني حيث رتب جواز
الرجوع على عدم الدخول في النصف الآخر من السورة التي قرأها فلو دخل فيه مضى
وهذا معنى ما عبروا به من تجاوز النصف.
بقي الكلام في الاعتماد على الكتابين المذكورين، أما كتاب الفقه فقد تقدم الكلام
فيه غير مرة وأنه باعتماد الصدوقين عليه وافتائهما بعباراته لا يقصر عن غيره من كتب
الأخبار، وقد نبهنا في غير موضع على أن كثيرا من الأحكام التي ذكرها المتقدمون ولم
يصل دليلها إلى المتأخرين فاعترضوا عليهم بعدم وجود الدليل قد وجدنا أدلتها في هذا
الكتاب، وهذا منها فإن عبارة الصدوق هنا كما ترى موافقة لعبارة الكتاب وإن
كان إنما رتبها على الظهر خاصة بناء على مذهبه من وجوب السورتين فيها. وأما كتاب
دعائم الاسلام فأخباره صالحة للتأييد البتة والغرض هنا التنبيه على ما وصل إلينا من أخبار
المسألة. والعجب هنا أيضا من شيخنا المجلسي مع تصديه لنقل أخبار الكتاب المذكور
212

والبحث فيها وبيانها وايضاحها أغمض النظر عن هذه العبارة ولم يتكلم فيها ولو بالإشارة
وظاهره - كما عرفت من كلامه المنقول آنفا - الجمود على ما ذكره جملة ممن قدمنا نقل ذلك
عنه وعنهم من عدم وجود نص على شئ من ذينك القولين.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن ما دلت عليه عبارة كتاب الفقه وكذا عبارة الصدوق
معارض بما دلت عليه الرواية السابعة من حكمه (عليه السلام) بأن من أراد قراءة سورة
فقرأ غيرها فإنه يجوز له الرجوع إلى التي أرادها أولا وإن قرأ نصف السورة التي شرع
فيها وكذا الرواية العاشرة والرواية الرابعة، وفي هذه الرواية رد أيضا للقول بتجاوز
النصف فإن ما قبل الثلثين كما يشمل بلوغ النصف يشمل بلوغ ما زاد على النصف إلى أن يبلغ
الثلثين. ويدل على جواز الرجوع مطلقا في غير ما استثنى اطلاق الرواية الأولى والثانية
والثالثة، واطلاق هذه الأخبار مع تصريح تلك الأخبار الأخر كما عرفت مما يدفع رواية
كتاب الفقه، وبذلك يظهر ضعف العمل عليها والاستناد في الحكم المذكور إليها.
وبالجملة فإني لا أعرف دليلا معتمدا لهذين القولين بل الأخبار كما ترى ظاهرة
في خلافه رأي العين، والشيخ (قدس سره) لما حكى كلام الشيخ المفيد بالتحديد
بمجاوزة النصف لم يذكر له دليلا إلا الرواية الثامنة، ومن الظاهر أنها لا دلالة فيها على
شئ من التحديدين بالكلية وإنما غاية ما تدل عليه صحة الصلاة عند العدول بعد النصف
في حال النسيان وهو مع كونه مخصوصا بالنسيان لا يقتضي عدم جواز العدول بعد مجاوزة
النصف إلا بمفهوم اللقب وهو مما لا حجة فيه عند محققي الأصوليين.
واحتمل الشهيد في الذكرى ارجاع قول الشيخ بمجاوزة النصف إلى القول ببلوغ
النصف ليطابق كلام الأكثر، قال - بعد نقل جملة من العبارات الدالة على بلوغ النصف -
ما لفظه: فتبين أن الأكثر اعتبروا النصف والشيخ اعتبر مجاوزة النصف ولعل مراده
بلوغ النصف. انتهى.
وفيه (أولا) أن ما ذكره جيد بالنسبة إلى ما ادعاه من أن الأكثر على القول ببلوغ
213

النصف والمخالف إنما هو الشيخ خاصة أو مع الشيخ المفيد، أما على تقدير ما قدمنا نقله عن
جملة من الأصحاب من أن المشهور إنما هو مذهب الشيخ فلا وجه له. و (ثانيا) أنه أي
فائدة في ارجاع مذهب الشيخ إلى قول الأكثر بناء على كلامه والحال أنه لا دليل عليه
في المقام كما اعترف به في صدر كلامه. و (ثالثا) أن الشيخ كما عرفت قد أورد الرواية
الثامنة دليلا على ما ادعاه وهي صريحة في العدول مع بلوغ النصف، وهل ما ذكره (قدس
سره) إلا صلح مع عدم تراضي الخصمين؟
والعلامة في النهاية قد وجه كلام الشيخين ومن تبعهما بالبناء على تحريم القران،
قال: وكما لا يجوز القران بين سورتين فكذا لا يجوز بين السورة ومعظم الأخرى.
ولا يخفى ما فيه.
وشيخنا الشهيد الثاني في الروض لما اختار التحديد ببلوغ النصف استدل عليه وفاقا
للمحقق الشيخ على بقوله تعالى " ولا تبطلوا أعمالكم " (1) فإن الانتقال من سورة إلى
أخرى ابطال للعمل.
وفيه منع ظاهر فإن الانتقال المذكور من حيث هو انتقال ليس ابطالا للعمل
وإلا لصدق على الانتقال قبل بلوغ النصف بل الظاهر من ابطال العمل إنما هو اسقاطه
عن درجة الانتفاع به وعدم ترتب الثواب عليه بالمرة بأن يكون فعله كلا فعل، وعلى
هذا لا يتم الاستدلال بالآية إلا إذا ثبت أن الانتقال عن السورة يوجب ارتفاع ثوابها
بالكلية وهو غير واضح بل المعلوم خلافه. ويعضد ما ذكرناه أن بعض المفسرين حمل
الابطال على ابطال الأعمال بالكفر والنفاق وعلى هذا يدل سياق الآية، وبعض على الابطال
بالرياء والسمعة، وبعض على الابطال بالمعاصي والكبائر، وهذه الوجوه الثلاثة ذكرها في
مجمع البيان. وبالجملة فالقول المذكور بمحل من البعد والقصور. ثم إنه لو سلم دلالتها على ما ادعاه
لوجب تخصيصها بالنصوص المتقدمة الدالة عموما وخصوصا على الرجوع بعد بلوغ النصف

(1) سورة محمد، الآية 33
214

كما خصصت بالاجماع والأخبار قبل بلوغ النصف.
نعم ادعى جماعة من الأصحاب: منهم - الشهيد الثاني في الروض المحقق الأردبيلي
فشرح الارشاد الاجماع على عدم جواز العدول بعد تجاوز النصف فإن تم كان هو
الوجه لا ما ذكروه من هذه التخريجات الواهية، وحينئذ يجعل النهي عن ابطال العمل
مؤيدا له والأخبار دليلا على جواز العدول في النصف فما دونه، وتحمل الرواية الرابعة
الدالة على جواز العدول في ما بينه وبين ثلثي السورة على الشروع في النصف الثاني
جمعا بين الأخبار كما ذكره بعض الأعلام. إلا أن تحقق الاجماع المذكور مشكل لما عرفت
في مقدمات الكتاب. ومن ذلك يظهر لك قوة القول بجواز العدول مطلقا للأصل
مضافا إلى اطلاق الأخبار المتقدمة والأوامر المطلقة في القراءة لصدقها بعد العدول أيضا
والأخبار المتقدمة الصريحة في جواز العدول ولو بعد مجاوزة النصف. والله العالم.
(المقام الثاني) - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لا يجوز
العدول عن سورتي التوحيد والجحد إلى غيرهما سوى ما سيأتي بل متى شرع فيهما وجب
اتمامهما، صرح به الشيخان والمرتضى وابن إدريس والعلامة وغيرهم ونقل المرتضى في
الانتصار اجماع الفرقة عليه. وخالف المحقق في المعتبر فذهب إلى الكراهة. وتوقف
فيه العلامة في المنتهى والتذكرة، وظاهر الفاضل الخراساني في الذخيرة أيضا
التوقف في ذلك.
والذي يدل على على القول المشهور ما تقدم من الرواية الأولى والثانية والثالثة
والسادسة والسابعة.
وقال المحقق في المعتبر بعد أن نقل عن السيد المرتضى (قدس سره) القول
بالتحريم: الوجه الكراهة لقوله تعالى " فاقرؤا ما تيسر من القرآن " (1) قال ولا تبلغ
الرواية قوة في تخصيص الآية.

(1) سورة المزمل، الآية 20
215

وضعفه ظاهر (أما أولا) فلاجمال الآية المذكورة وقد حققنا في مقدمات
الكتاب عدم جواز الاستدلال بمجملات القرآن ومتشابهاته إلا بتفسير منهم (عليهم السلام)
و (أما ثانيا) - فإنه مع تسليم دلالة الآية على ما ادعاه فإن الروايات المذكورة
لصحتها وصراحتها وتعددها موجبة لتخصيص الآية، وقد خصصوا آيات القرآن بما هو
أقل عددا من هذه الأخبار كما لا يخفى على من جاس خلال تلك الديار.
و (أما ثالثا) فإن الآية المذكورة مخصصة عندهم بما إذا لم يتجاوز النصف أو لم
يبلغه فإنهم يحرمون العدول بعد الحدين المذكورين على اختلاف القولين مع أن الدليل
في ما نحن فيه أقوى وأظهر.
وأما ما ذكره الفاضل الخراساني في الذخيرة - حيث قال: والأصل في هذا
الباب الروايتان السابقتان أعني رواية عمرو بن أبي نصر ورواية الحلبي ودلالتهما
على التحريم ليس بواضح، إلى أن قال والتوقف في هذا المقام في موضعه إلا أن مقتضاه
عدم العدول تحصيلا للبراءة اليقينية. انتهى - فهو من جملة تشكيكاته الواهية لأنه مبني
على ما تفرد به مما نبهناك عليه مرارا من عدم دلالة الأوامر والنواهي في الأخبار على
الوجوب والتحريم وقد أوضحناه في غير مقام مما تقدم.
فرع
لو قلنا بتحريم العدول كما هو الأشهر الأظهر فخالف وعدل إلى غيرهما فهل تبطل صلاته
أم غاية ما يترتب عليه الإثم خاصة؟ لم أقف فيه على نص من الأخبار ولا تصريح لأحد
من الأصحاب إلا على كلام للوالد العلامة (أفاض الله عليه الكرامة) حيث قال - بعد أن
اعترف أيضا بعدم الوقوف على نص من الأخبار ولا كلام لا حد من الأصحاب - ما لفظه:
ولا يبعد القول ببطلان العبادة بذلك لأن النهي حينئذ راجع إلى جزء العبادة فيبطلها
لأن النهي عن الرجوع عنهما إلى غيرهما نهى في الحقيقة عن قراءة غيرهما مع أنه مأمور
216

باتمامهما فعند العدول عنهما وقراءة غيرهما يكون آتيا بما نهى عنه تاركا لما أمر به فيكون باقيا
تحت العهدة فتبطل عبادته حينئذ، فتأمل. انتهى. وهو جيد.
(المقام الثالث) - المشهور جواز العدول من التوحيد والجحد إلى الجمعة
والمنافقين، وقال المحقق في الشرائع في أحكام صلاة الجمعة: وإذا سبق الإمام إلى قراءة
سورة فليعدل إلى الجمعة والمنافقين ما لم يتجاوز نصف السورة إلا في سورة الجحد والتوحيد.
وظاهره عدم جواز العدول عنهما ولو إلى الجمعة والمنافقين، وربما ظهر ذلك من كلام المرتضى
(قدس سره) في الإنتصار حيث قال: ومما انفردت به الإمامية حظر الرجوع من سورة
الاخلاص وروي قل يا أيها الكافرون أيضا إذا ابتدأ بها، ثم نقل الاجماع عليه. وظاهره
عموم المنع حيث لم يستثن هاتين السورتين، قيل وهو ظاهر اطلاق ابن الجنيد أيضا.
ويدل على القول المشهور الخبر الثالث من الأخبار المتقدمة والخبر الخامس والخبر
السادس والسابع، وقد تقدم في الرواية التاسعة جواز العدول إلى النفل كما ذهب إليه
الصدوق في ظهر الجمعة وقد تقدم بيانه. والظاهر الجمع بينها وبين الأخبار المذكورة
بالتخيير في مورد الرواية المذكورة وهو صلاة الجمعة. ومنع ابن إدريس من العدول إلى
النفل هنا بناء على أصله الغير الأصيل من عدم العمل بخبر الواحد مع تحريم قطع الصلاة
الواجبة. ولا ريب أن ما ذكره أحوط.
وأما القول الثاني فلعل مستنده اطلاق جملة من الأخبار المتقدمة الدالة على أنه
بالشروع في التوحيد والجحد فإنه لا يجوز العدول عنهما كالرواية الأولى من الروايات
المتقدمة والثانية والثالثة والسؤال الأول من الرواية السابعة. وفيه أن مقتضى القاعدة
تقييد اطلاق هذه الأخبار بالأخبار المتقدمة فإنها مفصلة والمفصل يحكم على المجمل.
بقي الكلام هنا في مواضع: (الأول) أن النصوص المتقدمة المتعلقة بالمقام الثاني
قد دلت على عدم جواز العدول عن سورتي التوحيد والجحد إلى غيرهما ونصوص هذا
المقام إنما دلت على جواز العدول إلى سورتي الجمعة والمنافقين من التوحيد خاصة وأما
217

سورة الجحد فلم يدل على جواز العدول عنها دليل، فبقي عموم الأخبار الدالة على عدم
جواز العدول عنها على حاله لا مخصص له والتخصيص إنما وقع في الأخبار المتعلقة بالتوحيد،
والأصحاب قد شركوا بين السورتين في جواز العدول عنهما إلى سورتي الجمعة والمنافقين
والدليل كما ترى لا ينهض بذلك.
واستند بعضهم في الجواب عن هذا الاشكال إلى التمسك بالاجماع المركب وهو
إن كان من أجاز العدول من التوحيد إجازة من الجحد. وبعض استند إلى طريق
الأولوية. وضعف الجميع عني عن البيان.
نعم ربما يستفاد ذلك من الرواية السابعة وقوله فيها " وإن أخذت في غيرها
وإن كان قل هو الله أحد فاقطعها من أولها وارجع إليها " وجه الدلالة دخول سورة
الجحد في ذلك الغير المأمور بقطعه. إلا أنه لا يخلو من شئ فإن تقييد اطلاق تلك
الأخبار باطلاق هذا الخبر ليس أولى من تقييد اطلاق هذا الخبر باطلاق تلك
الأخبار، وبالجملة فههنا اطلاقان تعارضا وتقييد أحدهما بالآخر لازم لكن لا بد لتعيين
أحدهما من ترجيح.
وبذلك يظهر أن الأظهر عدم جواز العدول عن سورة الجحد مطلقا لا إلى هاتين
السورتين ولا إلى غيرهما، ويؤيده أنه الأوفق بالاحتياط.
(الثاني) - أنه قد صرح جملة من الأصحاب - بل الظاهر أنه المشهور - بجواز
العدول عن سورتي التوحيد والجحد هنا إلى سورتي الجمعة والمنافقين باشتراط عدم بلوغ
النصف أو تجاوزه كما تقدم من القولين السابقين، وكثير من عباراتهم مجمل لا تقييد فيه
بذلك والأخبار كما عرفت عارية عن هذا التقييد.
واستدل شيخنا الشهيد الثاني ومثله المحقق الشيخ علي على ذلك بالجمع بين الرواية
التاسعة الدالة على أن من صلى الجمعة وقرأ بقل هو الله أحد فإنه يتمها ركعتين ثم يستأنف
وبين الروايات المتقدمة الدالة على العدول، قال في الروض: وإنما اعتبروا فيهما عدم بلوغ
218

النصف جمعا بين ما دل على جواز العدول منهما كصحيحة محمد بن مسلم وغيرها وبين
ما روى عن الصادق (عليه السلام) ثم ذكر الرواية التاسعة المشار إليها، قال فإن العدول
من الفريضة إلى النافلة بغير ضرورة غير جائز لأنه في حكم ابطال العمل المنهي عنه فحملت
هذه الرواية على بلوغ النصف والأولى محمولة على عدمه. انتهى.
وفيه (أولا) أن الجمع بين الروايات لا ينحصر في ما ذكره بل يمكن الجمع بينها
بالتخيير كما قدمنا الإشارة إليه، وهو إنما ألجأه إلى القول المذكور ضرورة الجمع والجمع
يحصل بما ذكرنا. وما ذكر من الجمع بالتخيير ظاهر الكليني في الكافي حيث إنه بعد نقل
صحيحة محمد بن مسلم الدالة على العدول قال (1) " وروى أيضا يتمها ركعتين ثم يستأنف "
و (ثانيا) أنك قد عرفت مما قدمنا أنه لا دليل من الأخبار على هذا التقييد
من أصله فالقول به كائنا ما كان قول بلا دليل.
و (ثالثا) أنه مخالف لما عليه الأصحاب فإن العدول إلى النافلة عندهم غير مقيد
ببلوغ النصف بل يجوز مطلقا تبعا لاطلاق النص.
و (رابعا) أن قوله - إن العدول إلى النافلة بغير ضرورة غير جائز - مردود بما
ذكروه ودلت عليه الأخبار من العدول لاستدراك الجماعة، وقطع الفريضة لتدارك
الأذان والإقامة، فإن كانت هذه الأشياء من الضرورات التي يجوز لأجلها القطع أو
العدول فكذا في ما نحن فيه وإلا فاشتراط الضرورة في جواز العدول ممنوع.
(الثالث) - أنه قد صرح المحققان الفاضلان المحقق الشيخ علي وشيخنا الشهيد
الثاني (عطر الله مرقديهما) بأن جواز العدول من التوحيد والجحد إلى السورتين
المذكورتين مشروط بكون قراءتهما على وجه السهو والنسيان، وحينئذ فلو كان عمدا فإنه
لا يجوز له الرجوع عملا باطلاق أخبار المقام الثاني.
والظاهر مستندهم في ذلك قوله في الرواية الخامسة " في الرجل يريد أن يقرأ

(1) الوسائل الباب 69 من القراءة
219

سورة الجمعة في الجمعة فيقرأ قل هو الله أحد؟ " ونحوها غيرها من روايات المسألة،
فإن ظاهرها أن القصد كان لسورة الجمعة وأن قراءة التوحيد إنما وقع لا عن قصد بل سهوا
وفيه أن هذه العبارة كما تحتمل ما ذكروه كذلك تحتمل الحمل على العامد أيضا
بأن يكون قد قصد أولا إلى سورة الجمعة ثم بدا له فقصد إلى التوحيد، على أن ظاهر
الرواية السابعة شمول العامد لقوله بعد الأمر بقراءة سورتي الجمعة والمنافقين " وإن
أخذت في غيرها.. إلى آخره " فإن الأخذ في الغير أعم من أن يكون عمدا أو سهوا
ونحوها رواية كتاب دعائم الاسلام.
والتحقيق ما ذكره العلامة الوالد (قدس سره) هنا حيث قال بعد الكلام
في المسألة: وبالجملة فإن المفهوم من الروايات أن المصلي إذا قرأ سورة التوحيد وكان في
قصده قراءة غيرها فلا يرجع عنها إلا إلى السورتين، وهذا المعنى لا خصوص له بالناسي
بل ينطبق على العامد ويصح حمل اللفظ عليه، على أن رواية علي بن جعفر المذكورة آنفا
لا وجه لقصرها على حال النسيان لظهور شمولها لحال العامد أيضا بل هي فيه أظهر. وبهذا
يندفع ما يقال إن الخروج عن مقتضى الأخبار الصحيحة الصريحة في المنع عن العدول من
سورة التوحيد بل والجحد أيضا بناء على ما مر بمجرد الاحتمال غير جيد بل ينبغي
الاقتصار فيها على المتيقن من حال الناسي لأنه متيقن الإرادة منها ومتفق عليه بين
الأصحاب، لأن ذلك مبني على ظهور الأخبار في الناسي ليكون متيقن الإرادة منها
بخلاف العامد لكونه حينئذ خلاف الظاهر منها، أما من لا يسلم ظهورها فيه كما هو
مقتضى كلام الأكثر فيكون اللفظ محتملا لهما على سواء والخروج فيهما عن مقتضى
الأخبار الصحيحة الصريحة في المنع على حال واحدة، نعم لا يبعد أن الأخبار في الناسي
أظهر منها في حال العامد وهو لا يقتضي إلا أولوية العدول فيه لا خصوصيته به والكلام
فيه. فتأمل المقام فإنه حري بالتأمل التام. انتهى كلامه رفع مقامه.
(الرابع) - أنه لا يخفي أن الأخبار المتعلقة بهذا المقام الدالة على القول المشهور
220

- كما قدمنا الإشارة إليها من العدول عن التوحيد والجحد إلى سورتي الجمعة والمنافقين -
موردها إنما هو صلاة الجمعة وليس فيها مار بما يوهم خلاف ذلك إلا قوله في الرواية
السادسة " إلا أن تكون في يوم الجمعة " ويجب حمله على صلاة الجمعة كما صرحت به بقية
أخبار المسألة حمل المطلق على المقيد، ويعضد ذلك الروايات الدالة على تحريم العدول عن
هاتين السورتين أعني التوحيد والجحد مطلقا فيجب الاقتصار في التخصيص على مورد
النصوص والمتيقن بالخصوص وهو صلاة الجمعة خاصة.
وأما ما قيل هنا في تأييد ما ذكرنا - من أن استحباب قراءة السورتين إنما ثبت
بالروايات الصحيحة في صلاة الجمعة خاصة دون ما سواها وهو قرينة قوية على اختصاص
العدول إليهما بها. انتهى - ففيه أنه غلط محض نشأ من الركون إلى ما ذكره في المدارك
كما قدمنا نقله عنه وأوضحنا فساده بالأخبار الدالة على استحباب السورتين المذكورتين
في غير صلاة الجمعة من المواضع المذكورة في الأخبار المتقدمة ثمة.
وبذلك يظهر لك ما في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في المقام من
الخروج عن جادة أخبارهم (عليهم السلام) فإنهم قد اختلفوا في مواضع العدول زيادة
على صلاة الجمعة التي هي مورد الأخبار المذكورة كما عرفت، فبعض أثبت هذا الحكم
في الظهر وعليه المحقق وابن إدريس والعلامة في المنتهى وقبلهم الصدوق في الفقيه كما تقدم
نقل عبارته بذلك، وقال الجعفي بثبوته في صلاة الجمعة والصبح والعشاء، قال (قدس
سره) على ما نقله عنه في الذكرى: وإن أخذت في سورة وبدا لك في غيرها فاقطعها
ما لم تقرأ نصفها إلا قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون، فإن كنت في صلاة الجمعة
والصبح يومئذ والعشاء الآخرة ليلة الجمعة فاقطعها وخذ في سورة الجمعة وإذا جاءك
المنافقون. وقال الشهيد الثاني في الروض بثبوته في الجمعة وظهرها أو ظهريها.
أقول: والظاهر أن ما ذهب إليه هؤلاء الفضلاء (قدس الله أسرارهم) قد
بنوه على ما ثبت عندهم من المواضع التي يستحب فيها قراءة السورتين المذكورتين،
221

فكل موضع ثبت فيه استحباب قراءة هاتين السورتين حكموا بجواز العدول عن سورتي
التوحيد والجحد إليهما تحصيلا لفضليتهما في ذلك الموضع، وقد تقدم نقل مذاهبهم في
محل السورتين المذكورتين ونقل مذهب الجعفي باستحبابهما في هذه المواضع التي نقلت عنه
هنا، فكأنهم بنوا الحكم على عموم الأخبار الدالة على استحباب هاتين السورتين سواء
كان ابتداء أو مع العدول عن سورتي الجحد والتوحيد.
وفيه أن الأخبار الدالة على أنه بالشروع في الجحد والتوحيد فإنه لا يجوز العدول
عنهما مطلقا شاملة باطلاقها لسورتي الجمعة والمنافقين وغيرهما، وقد وردت بإزائها روايات
مخصصة بالعدول منهما إلى هاتين السورتين في هذا الموضع المخصوص أعني صلاة الجمعة
خاصة، فالقول بالعدول وتخصيص تلك الأخبار في غير الجمعة يحتاج إلى دليل، ومجرد
استحباب هاتين السورتين في هذه المواضع لا يكفي في التخصيص كما لا يخفى. والله العالم.
تنبيهات
(الأول) - المشهور في كلام الأصحاب ولا سيما المتأخرين من العلامة ومن
تأخر عنه أنه مع العدول يجب أن يعيد البسملة لأن البسملة آية من كل سورة وقد قرأها
أولا بنية السورة المعدول عنها فلا تحسب من المعدول إليها، ولأن البسملة لا يتعين كونها
من سورة إلا بالقصد. وصرحوا أيضا بأنه يعيدها لو قرأها بعد الحمد من غير أن
يقصد بها سورة معينة بعد القصد، حيث إن البسملة صالحة لكل سورة فلا تتعين لإحدى
السور إلا بالتعيين والقصد بها إلى إحداها وبدونه يعيدها بعد القصد.
وجملة من المتأخرين فرعوا على هذا الأصل تفاصيل في كلامهم فقالوا لا يشترط
في الحمد القصد ببسملة معينة لتعينها ابتداء فيحمل اطلاق النية على ما في ذمته، وكذا لو
عين له سورة معينة بنذر أو شبهه أو ضاق الوقت إلا عن أقصر سورة أو لا يعلم إلا تلك
السورة فإنه يسقط القصد كالحمد، لأن السورة لما كانت متعينة بتلك الأسباب اقتضت
222

نية الصلاة ابتداء قراءتها في محلها كما اقتضت ايقاع كل فعل في محله وإن لم يقصده عند
الشروع فيه.
قالوا: ومحل القصد حيث يفتقر إليه عند الشروع في قراءة السورة، وهل يكفي
القصد المتقدم على ذلك في جملة الصلاة بل قبلها؟ نظر، من أن السورة كاللفظ المشترك
يكفي في تعيين أحد أفرادها القرينة وهي حاصلة في الجميع، ومن عدم المخاطبة بالسورة
فلا يؤثر قصدها، والاقتصار على موضع اليقين طريق البراءة. واختار الشهيد في بعض
فتاويه الاجزاء في الجميع ونفى عنه البعد في الروض. قالوا ولو كان معتادا لسورة
مخصوصة فالوجهان، والاجزاء هنا أبعد.
ولو جرى لسانه على بسملة وسورة فهل يجزئ المضي عليها أم تجب الإعادة؟
نظر واستقرب الشهيد الاجزاء، واحتج عليه في الذكرى برواية أبي بصير وهي الثامنة
من الروايات المتقدمة المنسوبة إلى ثلاثة أحدهم أبو بصير، إلى غير ذلك من كلامهم في
هذا المقام وما أوسعوا فيه من تفريع الأحكام وما وقع لهم فيه من النقض والابرام.
وقد رده جملة من أفاضل متأخري المتأخرين - أولهم في ما أظن المحقق الأردبيلي -
بأن ما ذكروه من أنه يحتاج إلى النية لاشتراك البسملة بين السور فلا تتعين للسورة إلا
بالنية غير واضح، لأن نية الصلاة تكفي لا جزائها بالاتفاق ولو فعلت مع الغفلة والذهول
ويكفيه قصد فعلها في الجملة، واتباع البسملة بالسورة يعين كونها جزء لها وذلك كاف،
وبالجملة فأنا لا نسلم أن للنية مدخلا في صيرورة البسملة جزء من السورة بل متى أتى بمجرد
البسملة فقد أتى بشئ يصلح لأن يكون جزء لكل سورة فإذا أتى ببقية الأجزاء فقد
أتى بجميع أجزاء هذه السورة المخصوصة ولا فساد في ذلك. و دعوى تميز بسملة كل
سورة عن بسملة الأخرى يحتاج إلى دليل وليس فليس. ولو تم ما ذكروه للزم أن يكون
كل كلمة مشتركة بين سورتين تحتاج إلى القصد مثل " الحمد لله " والظاهر أنه لا يقولون به.
والتحقيق عندي في أمثال هذا المقام هو أن يقال لا ريب أنهم لا يختلفون في أصالة العدم
223

وأن الأصل عدم الوجوب في شئ إلا مع قيام الدليل عليه إذ لا تكليف إلا بعد البيان
ولا مؤاخذة إلا بعد إقامة البرهان، وعدم الدليل دليل العدم. وما ادعوه هنا - من
وجوب القصد بالبسملة إلى سورة معينة فلو بسمل لا بقصد فإنه يجب إعادتها بعد القصد
- لم يأتوا عليه بدليل واضح سوى ما عرفت من التعليل العليل الذي لا يشفي العليل ولا
ببرد الغليل مع استفاضة الأخبار عنهم (عليهم السلام) بالسكوت عما سكت الله عنه (1)
والنهي عن تكلف الدليل في ما لم يرد عنهم (عليهم السلام) فيه دليل واضح:
ومن ذلك ما رواه الشيخ في التهذيب بسنده فيه عن إسحاق بن عمار عن جعفر
عن أبيه (عليهما السلام) (2) " أن عليا (عليه السلام) كان يقول: الربائب عليكم
حرام مع الأمهات التي قد دخل بهن في الحجور كن وغير الحجور سواء، و الأمهات مبهمات
دخل بالبنات أم لم يدخل بهن فحرموا ما حرم الله وأبهموا ما أبهم الله ".
وما رواه الشيخ المفيد (عطر الله مرقده) في كتاب المجالس (3) بسنده عن
أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن الله حد
لكم حدودا فلا تعتدوها وفرض عليكم فرائض فلا تضيعوها وسن لكم سننا فاتبعوها
وحرم عليكم حرمات فلا تنتهكوها وعفا عن أشياء رحمة منه لكم من غير نسيان فلا تتكلفوها " وما رواه في الفقيه (4) من خطبة أمير المؤمنين وقوله (عليه السلام) فيها " أن الله
حد حدودا فلا تعتدوها وفرض فرائض فلا تنقصوها وسكت عن أشياء لم يسكت عنها
نسيانا فلا تتكلفوها رحمة من الله لكم فاقبلوها ".

(1) روى القاضي محمد بن سلامة القضاعي المغربي في كتابه الشهاب في الحكم والآداب
في باب الألف المقطوع والموصول عن النبي " ص " أنه قال " اسكتوا عما سكت الله عنه،
(2) الوسائل الباب 18 و 20 من ما يحرم بالمصاهرة
(3) ص 94 من المطبوع بالمطبعة الحيدرية في النجف
(4) باب " نوادر الحدود " وفي الوسائل الباب 12 من صفات القاضي وما يقضى به
224

مضافا إلى ما ورد في الآيات القرآنية والسنة النبوية من النهي عن القول بغير علم
ولا أثر وارد من الكتاب أو السنة " أتقولون على الله ما لا تعلمون " (1)
" ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا (2) " ونحوهما من الآيات والأخبار الكثيرة
الدالة على الوقوف والتثبت والرد إليهم (عليهم السلام) في ما لم يرد فيه أمر منهم، وفي
حديث أبي البريد المروي في الكافي عن الصادق (عليه السلام) (3) " أما أنه شر
عليكم أن تقولوا بشئ ما لم تسمعوه منا " ونحوه من الأخبار الواردة في هذا المضمار كما
لا يخفى على ذوي البصائر والأفكار، ولا ريب أن بناء الأحكام الشرعية على هذه
التخريجات الفكرية خروج عن منهاج السنة النبوية لانحصار أدلة الأحكام في القرآن العزيز
وأخبارهم (عليهم السلام).
(الثاني) - قال شيخنا الشهيد الثاني في الروض - بعد البحث في المسألة بنحو
ما قدمناه في صدور المقام المتقدم اعتراضا على عبارة المصنف وهي قوله: ومع العدول
يعيد البسملة وكذا يعيدها لو قرأها بعد الحمد من غير قصد سورة بعد القصد - ما صورته:
بقي في المسألة اشكال وهو أن حكمه بإعادة البسملة لو قرأها من غير قصد بعد القصد إن
كان مع قراءتها أولا عمدا لم يتجه القول بالإعادة بل ينبغي القول ببطلان الصلاة للنهي
عن قراءتها من غير قصد وهو يقتضي الفساد، وإن كان قرأها ناسيا فقد تقدم القول
بأن القراءة خلالها نسيانا موجب لإعادة القراءة من رأس، فالقول بإعادة البسملة وما
بعدها لا غير لا يتم على تقديري العمد والنسيان، والذي ينبغي القطع بفساد القراءة
على تقدير العمد للنهي، وهو الذي اختاره الشهيد في البيان وحمل الإعادة هنا على قراءتها
ناسيا. انتهى.
أقول فيه (أولا) إن ما ادعاه على تقدير القراءة عمدا - من بطلان الصلاة للنهي

(1) سورة الأعراف، الآية 27
(2) سورة الأنعام، الآية 21
(3) الوسائل الباب 7 من صفات القاضي وما يقضي به. والراوي هاشم صاحب البريد
225

عن قراءتها من غير قصد - مردود بأنه أي نهي هنا ورد بما ذكره وأي حديث دل على
ما سطره؟ وغاية ما يمكن أن يقال بناء على أصولهم العديمة النوال أنه مأمور بالقصد إلى
البسملة كما عرفت من كلامهم المتقدم آنفا والأمر بالشئ يستلزم النهي عن ضده الخاص.
وقد عرفت مما حققناه آنفا أنه لا دليل على هذه الدعوى إلا مجرد تخريجات لا تصلح
لتأسيس الأحكام الشرعية، ومع تسليم صحة ذلك فإن استلزام الأمر بالشئ النهي عن ضده
الخاص وإن ذهب إليه جمع منهم إلا أن مذهبه (قدس سره) العدم كما صرح به في
كتابه المشار إليه، وبذلك يظهر فساد ما ذكره وبنى عليه.
و (ثانيا) أن ما ذكره بناء على تقدير القراءة ناسيا - من أنه تقدم القول بأن القراءة
خلالها نسيانا موجب لإعادة القراءة من رأس - غفلة عجيبة من مثله (قدس سره) فإن محل
البحث هنا إنما هو الاتيان بالبسملة بعد الحمد والقراءة بتلك البسملة بغير قصد واللازم من
البسملة والقراءة بغير قصد بناء على دعواه وجوب القصد هو إعادة ما قرأه بعد القصد، والذي
تقدم في مسألة وجوب الموالاة إنما هو القراءة في خلال آيات الحمد والسورة وأين هذا من ذاك؟
ولم يذكر في ما تقدم حكم القراءة بين سورة الحمد والسورة التي بعدها، وغاية ما يلزم هنا هو
قراءة القرآن في الصلاة وهو مما لا خلاف بينهم في جوازه ولا تعلق له بمسألة وجوب الموالاة
التي هي عبارة عن أن لا يقرأ خلال الفاتحة والسورة غيرهما، وجميع ما فرعه إنما هو من
فروع وجوب الموالاة ومذهب الشهيد الذي نقله إنما هو في الموالاة كما قدمنا نقله، وما
نحن فيه ليس من مسألة الموالاة في شئ. وجميع ما ذكرنا ظاهر بحمد الله لا سترة عليه.
(الثالث) المستفاد من الأخبار المتقدمة أنه لا فرق في جواز العدول حيث
يصح بين أن يكون دخوله في السورة المعدول عنها بقصد أو بغيره، وعلى الأول فقد
يكون عدوله عنها مقصودا لذاته بأن يبدو له العدول إلى غيرها فيعدل أو لنسيانها بأن يحمله
نسيانها على قصد غيرها أو غير مقصود بأن يتمادى به السهو والنسيان إلى أن يدخل في
الثانية من غير قصد، وعلى الثاني لا فرق بين أن تكون السورة المعدول إليها مما سبق
226

قصدها أم لا، فهذه صور خمس كلها مستفادة من النصوص المتقدمة:
أما الصورة الأولى - وهي أن يقصد سورة فيبدو له في قصد غيرها - فهي مستفادة
من الرواية الثانية من الروايات المتقدمة.
وأما الصورة الثانية وهي أن يقصد سورة فينساها فيتعمد العدول إلى غيرها،
والثالثة - وهي أن يقصد سورة فينساها فينجر به الذهول والنسيان إلى أن يدخل في
غيرها من غير قصد - فهما مستفادتان من اطلاق الرواية الثامنة، فإن قوله فيها " ثم ينسى
فيأخذ في أخرى " يحتمل أن يكون المراد فينسى ما هو فيه فيعمد إلى الدخول في أخرى
أو ينسى ما هو فيه فيشرع بطريق السهو والنسيان في أخرى، والثانية من هاتين
الصورتين مستفادة من الرواية الثانية عشرة، فإن قوله فيها " ثم يعلم أنه قد أخطأ " ظاهر
في أن دخوله في الثانية إنما كان عن سهو وخطأ لا عن تعمد، بمعنى أنه استمر به السهو
بعد شروعه في الأولى إلى أن دخل في الثانية وفرغ منها ثم ذكر بعد ذلك.
والصورة الرابعة - وهي أن يشرع في السورة لا بطريق القصد بل بعد القصد
لسورة أخرى فيغفل عنها إلى أن يدخل في الثانية سهوا فيعدل عنها إلى الأولى المقصودة
أولا - مستفادة من أكثر الأخبار كالرواية الأولى والثالثة والرابعة والتاسعة، لظهور
شمولها لذلك بل هو أظهر من احتمالها لإرادة قراءة سورة فينساها فيعمد إلى قراءة غيرها
لأجل النسيان ثم يذكر فيعدل إلى السورة لا مقصودة أولا. وهذا الاحتمال الثاني قد تضمن
كون المعدول عنه والمعدول إليه كلاهما مقصودين ولكن كان المعدول إليه مقصودا قبل
المعدول عنه لكن عرض نسيانه فلا يبعد دخولها في الصورة الأولى لشمولها من حيث
اطلاقها لذلك، وتكون هذه الأخبار من حيث احتمالها لذلك شاهدة له وإن حصلت
صورة سادسة لأن فيها زيادة اعتبار ليس في الأولى فلا بأس به.
والصورة الخامسة - وهي أن يكون شروعه في السورة لا بطريق القصد فيبدو له
في أثنائها العدول إلى أخرى لم تكن مقصودة قبل - ربما تشملها الرواية الثانية، فإن قوله
227

فيها " ومن افتتح بسورة " أعم من أن يكون بطريق القصد أو جرى ذلك على لسانه
من غير قصد وإن كان الظاهر هو الأول. وبالجملة ففي جميع هذه الصور يصح العدول
بغير اشكال. والله العالم.
(الرابع) - المستفاد من الأخبار المذكورة بمعونة ما تقدم تحقيقه أنه لا يجب
في الصلاة قصد سورة معينة قبل البسملة خلافا للمشهور بين أصحابنا (رضوان الله عليهم)
وذلك لأن نية الصلاة كافية لاجزائها اجماعا وإن فعلت حال الغفلة والذهول، فلو جرى
لسانه ابتداء على سورة أخرى من غير قصد أو قصد سورة فقرأ غيرها نسيانا صحت
الصلاة ولم يجب عليه العدول إلى سورة أخرى وإن تذكر قبل الركوع، للأصل وحصول
الامتثال المقتضي للاجزاء وهي الأخبار المتقدمة خصوصا الرواية الثامنة.
وقال الشهيد (قدس سره) في الذكرى - بعد ما صرح بوجوب أن يقصد
بالبسملة سورة معينة - ما نصه: أما لو جرى لسانه على بسملة وسورة فالأقرب الاجزاء
لرواية أبي بصير السالفة ولصدق الامتثال، وروى البزنطي عن أبي العباس " في الرجل
يريد أن يقرأ السورة فيقرأ في أخرى... " الرواية العاشرة من الروايات المتقدمة (1) ثم
قال: قلت وهذا حسن ويحمل كلام الأصحاب والروايات على من لم يكن مريدا غير هذه
السورة، لأنه إذا قرأ غير ما أراده لم يعتد به ولهذا قال " يرجع " فظاهره تعين الرجوع. انتهى
كلامه. وحاصله الفرق بين الصورتين المذكورتين سابقا والاجزاء في الصورة الأولى
لما ذكره دون الثانية أعني ما تعلق القصد بغيرها نسيانا، فإن كلامه (قدس سره) يعطي
وجوب العدول عنها لو ذكرها قبل الركوع لرواية البزنطي المذكورة حيث جعل ظاهرها
تعين الرجوع، وأظهر منها في الدلالة على ذلك موثقة عبيد بن زرارة الأولى لتضمنها
الأمر بالرجوع. وقد جعل (قدس سره) محل جواز العدول وعدمه في الروايات
وكلام الأصحاب ما إذا تعلق قصده بغير السورة التي قرأها كما في الصورة الأولى من

(1) ص 210
228

الصور الخمس المتقدمة.
وفي ما ذكره (قدس سره) من جميع ذلك نظر: (أما أولا) فلأن ما دل على
الاجزاء وعدم تعين الرجوع في الصورة الأولى قائم بعينه في الصورة الثانية لموافقة
الأصل وحصول الامتثال ولرواية أبي بصير التي أوردها على الاجزاء في الصورة
الأولى وهي صحيحة الحلبي والكناني وأبي بصير ومن حيث الاشتراك صح نسبتها إلى
كل من الثلاثة، فإن ظاهرها بل صريحها تعلق القصد والإرادة بغير ما قرأه ناسيا.
والعجب منه كيف استدل بها على الأولى مع أنها صريحة الدلالة على الثانية.
و (أما ثانيا) فإنه لو كان تعلق القصد بغير هذه السورة موجبا لعدم الاعتداد
بها كما ذكره حتى وجب لأجله العدول عنها إلى ما قصده أولا لم يكن فرق في ذلك بين بلوغ
النصف وما قبله وما بعده بل ولو فرغ من السورة قبل الركوع، فإنه يجب في جميع ذلك
الرجوع مطلقا بمقتضى ما ذكره من عدم الاعتداد مع دلالة رواية البزنطي التي أوردها
دالة على تعين الرجوع على عدم جواز الرجوع بعد تجاوز النصف ودلالة موثقة عبيد
ابن زرارة الثانية على عدم جوازه بعد الثلثين كما هو ظاهر.
و (أما ثالثا) فلدلالة الروايات على أن الرجوع في هذه الصورة على سبيل الجواز
والتخيير دون الوجوب والتعيين كما هو ظاهر موثقة عبيد بن زرارة المذكورة، حيث
قال فيها " له أن يرجع ما بينه وبين ثلثيها " ونحوه صحيحة علي بن جعفر الأولى فإن
مفادها الجواز دون الوجوب، وصحيحة الثانية صريحة في التخيير حيث قال: " فليرجع
إن أحب " وحينئذ فيحمل ما دل على الأمر بالرجوع صريحا أو ظاهرا على الاستحباب
دون الإيجاب.
و (أما رابعا) فلأنه لو كان الحكم في هذه الصورة وجوب الرجوع لما ذكره
من عدم الاعتداد لم يكن لاستثناء سورتي التوحيد والجحد من ذلك وجه لاشتراك الجميع
في عدم الاعتداد الموجب لتعيين المعدول إليه حينئذ، مع دلالة أكثر الروايات الدالة
229

على هذا الحكم على استثناء هاتين السورتين منه ووجوب المضي فيهما وعدم جواز
الرجوع كما عليه الأصحاب.
وبالجملة فالظاهر من الروايات استحباب العدول من كل سورة دخل فيها بغير
قصد غير السورتين المذكورتين وإن جاز له المضي فيها، إذ هو الظاهر مما تضمنته من الأمر
بالرجوع صريحا أو ظاهرا، وظاهر الأصحاب أيضا الاتفاق على جواز الرجوع هنا دون
وجوبه. والله العالم.
تتمة تشتمل على فوائد
(الأولى) - نقل في الذكرى عن ابن أبي عقيل (قدس سره) أنه قال لا يقرأ
في الفريضة ببعض السورة ولا بسورة فيها سجدة مع قوله بأن السورة غير واجبة. وقال
أيضا من قرأ في صلاة السنن في الركعة الأولى ببعض السورة وقام في الركعة الأخرى
ابتدأ من حيث بلغ ولم يقرأ بالفاتحة. قال في الذكرى: وهو غريب والمشهور قراءة الحمد
وقد روى سعد بن سعد عن الرضا (عليه السلام) (1) " في من قرأ الحمد ونصف
سورة هل يجزئه في الثانية أن لا يقرأ الحمد ويقرأ ما بقي من السورة؟ فقال يقرأ الحمد
ثم يقرأ ما بقي من السورة " والظاهر أنه في النافلة.
(الثانية) - أجمع علماؤنا وأكثر العامة على أن المعوذتين من القرآن العزيز
وأنه يجوز القراءة بهما في الصلاة المفروضة، وروى منصور بن حازم (2) قال " أمرني
أبو عبد الله (عليه السلام) أن أقرأ المعوذتين في المكتوبة " وعن صفوان الجمال في
الصحيح (3) قال: " صلى بنا أبو عبد الله (عليه السلام) المغرب فقرأ بالمعوذتين، ثم قال
هما من القرآن " وعن صابر مولى بسام (4) قال " أمنا أبو عبد الله (عليه السلام) في صلاة

(1) الوسائل الباب 4 من القراءة
(2) الوسائل الباب 47 من القراءة
(3) الوسائل الباب 47 من القراءة. ولم تجد في شئ من كتب الأخبار قوله: " ثم
قال هما من القرآن " وآخر الرواية هكذا " فقرأ بالمعوذتين في الركعتين "
(4) الوسائل الباب 47 من القراءة
230

المغرب فقرأ المعوذتين ثم قال: هما من القرآن ".
قال في الذكرى: ونقل عن ابن مسعود أنهما ليستا من القرآن وإنما أنزلتا لتعويذ
الحسن والحسين (عليهما السلام) وخلافه انقرض واستقر الاجماع الآن من العامة
والخاصة على ذلك (1) انتهى.
أقول: روى الحسين بن بسطام في كتاب طب الأئمة عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) " أنه سئل عن المعوذتين أهما من القرآن؟ قال (عليه السلام) هما من
القرآن. فقال الرجل أنهما ليستا من القرآن في قراءة ابن مسعود ولا في مصحفه؟
فقال (عليه السلام) أخطأ ابن مسعود أو قال كذب ابن مسعود هما من القرآن. قال
الرجل أفأقرأ بهما في المكتوبة؟ قال نعم ".
وروى علي بن إبراهيم في تفسيره بسنده عن أبي بكر الحضرمي (3) قال:

(1) في الدر المنثور للسيوطي ج 6 ص 416 وروح المعاني للآلوسي ج 30 ص 279
" أخرج الإمام أحمد والبزار والطبراني وابن مردويه من طرق صحيحة عن ابن مسعود
أنه كان يحك المعوذتين من المصحف ويقول لا تخلطوا القرآن بما ليس منه أنهما ليستا من
كتاب الله إنما أمر النبي " ص " أن يتعوذ بهما. وكان ابن مسعود لا يقرأهما. وقال البزار
لم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة. وصح عن النبي " ص " أنه قرأ بهما في الصلاة
وأثبتتا في المصحف " وفي ارشاد الساري ج 7 ص 442 " وقع الخلاف في قرآنيتهما ثم
ارتفع الخلاف ووقع الاجماع عليه فلو أنكر أحد قرآنيتهما كفر " وفي عمدة القارئ
ج 9 ص 298 مثله. وفي فتح الباري ج 8 ص 525 " وقد تأول القاضي أبو بكر الباقلاني
في كتاب الإنتصار وتبعه عياض وغيره فقال لم ينكر ابن مسعود كونهما من القرآن وإنما
أنكر اثباتهما في المصحف، فإنه كان يرى أن لا يكتب في المصحف شيئا إلا أن يأذن
النبي " ص " فيه وكأنه لم يبلغه الإذن فهذا تأويل منه وليس جحدا لكونهما قرآنا.
وهذا تأويل حسن إلا أن الرواية الصحيحة جاءت عنه أنهما ليستا من القرآن إلا أن
يحمل القرآن على المصحف ".
(2) الوسائل الباب 47 من القراءة
(3) الوسائل الباب 47 من القراءة
231

" قلت لأبي جعفر (عليه السلام) إن ابن مسعود كان يمحو المعوذتين من المصحف؟ فقال
كان أبي يقول إنما فعل ذلك ابن مسعود برأيه وهما من القرآن ".
وهذه الأخبار كما ترى متفقة الدلالة على ما عليه الأصحاب إلا أن كلامه (عليه
السلام) في كتاب الفقه الرضوي صريح الدلالة في ما نقل عن ابن مسعود حيث قال
(عليه السلام) (1): وأن المعوذتين من الرقية ليستا من القرآن أدخلوهما في القرآن،
وقيل إن جبرئيل (عليه السلام) علمهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أن قال
أيضا: وأما المعوذتين فلا تقرأهما في الفرائض ولا بأس في النوافل. انتهى. والأقرب
حمله على التقية.
(الثالثة) - قال في الذكرى: لا قراءة عندنا في الأخيرتين زائدا على الحمد
فرضا ولا نفلا وعليه الاجماع منا، وفي الجعفريات (2) عن النبي (صلى الله عليه وآله)
" أنه كان يقرأ في ثالثة المغرب: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك
رحمة إنك أنت الوهاب " (3) قال: وهو محمول على ايرادها دعاء لا أنه جزء من الصلاة.
(الرابعة) - روى الشيخ في التهذيب عن زرارة (4) قال: " قلت لأبي جعفر
(عليه السلام) أصلي بقل هو الله أحد؟ فقال نعم قد صلى رسول الله (صلى الله عليه
وآله) في كلتا الركعتين بقل هو الله أحد لم يصل قبلها ولا بعدها بقل هو الله أحد أتم
منها " قال في الذكرى بعد نقل هذا الخبر: قلت تقدم كراهة أن يقرأ بالسورة الواحدة في
الركعتين فيمكن أن يستثنى من ذلك " قل هو الله أحد " لهذا الحديث ولاختصاصها
بمزيد الشرف، أو فعله النبي (صلى الله عليه وآله) لبيان جوازه.
أقول: المشهور في كلام الأصحاب كراهة قراءة السورة الواحدة في الركعتين
استنادا إلى رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) (5) قال: " سألته

(1) ص 9
(2) ص 41
(3) سورة آل عمران الآية 8
(4) الوسائل الباب 7 من القراءة
(5) الوسائل الباب 6 من القراءة
232

عن الرجل يقرأ سورة واحدة في الركعتين من الفريضة وهو يحسن غيرها فإن فعل فما
عليه؟ قال إذا أحسن غيرها فلا يفعل وإن لم يحسن غيرها فلا بأس " وجملة من الأصحاب
قد استثنوا من هذا الحكم سورة التوحيد للخبر المذكور أولا، ونحوه صحيحة حماد بن
عيسى الواردة في تعليم الصادق (عليه السلام) له الصلاة (1) حيث قال فيها: " ثم قرأ
الحمد بترتيل وقل هو الله أحد، وساق الكلام في حكاية صلاته (عليه السلام) إلى أن قال:
فصلى ركعتين على هذا ".
(الخامسة) - روى السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) أنه قال:
" في الرجل يصلي في موضع ثم يريد أن يتقدم؟ قال يكف عن القراءة في مشيه حتى يتقدم
إلى الموضع الذي يريد ثم يقرأ " قال في الذكرى: قلت هذا الحكم مشهور بين الأصحاب،
وهل الكف واجب؟ توقف فيه بعض المتأخرين، والأقرب وجوبه الظاهر الرواية، وأن
القرار شرط في القيام. انتهى. وقال العلامة في المنتهى إذا أراد الرجل أن يتقدم في
صلاته سكت عن القراءة ثم تقدم لأنه في تلك الحال غير واقف، ويؤيده ما رواه الشيخ
(قدس سره)، ثم ذكر الرواية.
(السادسة) - قد ورد في صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن (عليه السلام) (3)
" في المصلي خلف من لا يقتدى بصلاته والإمام يجهر بالقراءة؟ قال اقرأ لنفسك وإن لم
تسمع نفسك فلا بأس ".
وفي مرسلة علي بن أبي حمزة عن الصادق (عليه السلام) (4) " يجزئك إذا
كنت معهم من القراءة مثل حديث النفس ". قال في الذكرى: قلت هذا يدل على الاجتزاء بالاخفات عن الجهر للضرورة وعلى

(1) ص 2
(2) الوسائل الباب 34 من القراءة
(3) الوسائل الباب 52 من القراءة
(4) الوسائل الباب 52 من القراءة، والمرسل في كتب الحديث هو محمد بن أبي حمزة
233

الاجتزاء بما لا يسمعه عما يجب اسماعه نفسه للضرورة أيضا ولا يلزم فيها سقوط القراءة لأن
الميسور لا يسقط بالمعسور (1) انتهى.
الفصل الخامس في الركوع
وهو لغة الانحناء، يقال ركع الشيخ أي انحنى من الكبر، وفي الشرع انحناء
مخصوص، قال في القاموس ركع المصلي ركعة وركعتين وثلاث ركعات محركة: صلى،
والشيخ انحنى كبرا أو كبا على وجهه وافتقر بعد غنى وانحطت حاله، وكل شئ يخفض
رأسه فهو راكع، والركوع في الصلاة أن يخفض رأسه بعد قومة القراءة حتى تنال
راحتاه ركبتيه. انتهى.
ووجوبه ثابت بالنص والاجماع في كل ركعة مرة إلا في صلاة الآيات كما سيجئ
إن شاء الله تعالى في محله، وقد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه ركن تبطل
الصلاة بتركه عمدا وسهوا وكذا زيادته إلا ما استثنى.
ومن الأخبار الدالة على ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " إن الله فرض من الصلاة الركوع والسجود ألا ترى
لو أن رجلا دخل في الاسلام لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبر ويسبح ويصلي؟ ".
وفي الصحيح عن رفاعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " سألته
عن الرجل ينسى أن يركع حتى يسجد ويقوم؟ قال يستقبل ".
وعن إسحاق بن عمار في الصحيح (4) قال: " سألت أبا إبراهيم (عليه السلام)
عن الرجل ينسى أن يركع؟ قال يستقبل حتى يضع كل شئ من ذلك موضعه ".

(1) عوائد النراقي ص 88 وعناوين مير فتاح ص 146 عن عوالي اللئالي عن علي " ع "
(2) الوسائل الباب 3 من القراءة
(3) الوسائل الباب 10 من الركوع
(4) الوسائل الباب 10 من الركوع
234

وعن أبي بصير قال: " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل نسي
أن يركع؟ قال عليه الإعادة ".
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " إذا أيقن الرجل أنه
ترك ركعة من الصلاة وقد سجد سجدتين وترك الركوع استأنف الصلاة ".
وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (3) قال: " الصلاة ثلاثة أثلاث: ثلث طهور وثلث ركوع وثلث سجود ".
وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما السلام) (4) قال: " إن
الله فرض الركوع والسجود... ".
وروى الشيخ في الصحيح بإسناده عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (5) قال: " إن الله فرض من الصلاة الركوع والسجود... الحديث ".
وروى الصدوق في الصحيح عن زرارة عن أحدهما (عليهم السلام) (6) قال:
" إن الله فرض الركوع والسجود والقراءة سنة... الحديث ".
وعن زرارة (7) قال: " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الفرض في الصلاة
فقال الوقت والطهور والقبلة والتوجه والركوع والسجود والدعاء. قلت ما سوى ذلك؟
قال سنة في فريضة ".
وروى الشيخ في الصحيح عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) (8)
في حديث " أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول إن أول صلاة أحدكم الركوع

(1) الوسائل الباب 10 من الركوع
(2) الوسائل الباب 10 من الركوع
(3) الوسائل الباب 9 من الركوع
(4) الوسائل الباب 9 من الركوع
(5) الوسائل الباب 9 من الركوع
(6) الوسائل الباب 9 من الركوع
(7) الوسائل الباب 9 من الركوع
(8) الوسائل الباب 9 من الركوع، والموجود في التهذيب ج 1 ص 161 هكذا
" وكأن يقول - يعني أمير المؤمنين " ع " - أول صلاة أحدكم الركوع " من دون إضافة
السجود ولا سؤال آخر، وكذا في الوافي والوسائل.
235

والسجود. قيل هل نزل في القرآن؟ قال نعم قول الله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا
اركعوا واسجدوا " (1).
وعن سماعة في الموثق (2) قال: " سألته عن الركوع والسجود هل نزل في
القرآن؟ قال نعم قول الله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا (3)... الخبر "
أقول: وهذان الخبران ظاهران في وجود الحقائق الشرعية ردا على من أنكر ذلك.
والقول بركنية الركوع في الصلاة في كل ركعة هو المشهور وذهب الشيخ في
المبسوط إلى أنه ركن في الأولين وفي ثالثة المغرب دون غيرها، وسيجئ انشاء الله تعالى
تحقيق البحث في المسألة في محلها.
ثم إنه لا يخفى أن الركوع يشتمل على الواجب والمستحب فتحقيق الكلام فيه
حينئذ يحتاج إلى بسطة في مقامين:
(الأول) في الواجب والواجب فيه أمور: (الأول) الانحناء بقدر ما تصل
يداه ركبته ويمكن وضعهما على الركبتين، أما وجوب الانحناء فلا شك فيه لأن الركوع
كما عرفت عبارة عن الانحناء لغة وشرعا فما لم يحصل الانحناء لا يصدق الاتيان بالركوع.
وأما التحديد بما ذكر فقد نقل الفاضلان في المعتبر والمنتهى والشهيدان عليه اجماع العلماء
كافة إلا من أبي حنيفة (4) واستدلوا على ذلك بوجوه:
(أحدها) أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يركع كذلك فيجب التأسي به.
و (ثانيها) - صحيحة حماد المتقدمة في أول الباب (5) وقوله فيها: " ثم ركع
وملأ كفيه من ركبتيه منفرجات ورد ركبتيه إلى خلفه حتى استوى ظهره حتى لو صب

(1) سورة الحج، الآية 76
(2) الوسائل الباب 5 و 9 من الركوع
(3) سورة الحج، الآية 76
(4) في الفقيه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 231 " عند الحنفية يحصل الركوع
بطأطأة الرأس بأن ينحني انحناء يكون إلى حال الركوع أقرب "
(5) ص 2، وليس في كتب الحديث " ثلاث مرات " بعد ذكر الركوع
236

عليه قطرة من ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره، ومد عنقه وغمض عينيه ثم سبح ثلاثا
بترتيل فقال سبحان ربي العظيم وبحمده (ثلاث مرات).. الحديث ".
و (ثالثها) - صحيحة زرارة المتقدمة ثمة أيضا (1) حيث قال (عليه السلام) فيها
" وتمكن راحتيك من ركبتيك وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى وبلع
بأطراف أصابعك عين الركبة وفرج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك، فإن وصلت أطراف
أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك، وأحب إلي أن تمكن كفيك من ركبتيك
فتجعل أصابعك في عين الركبة وتفرج بينها، وأقم صلبك ومد عنقك وليكن نظرك
إلى ما بين قدميك " قال في المدارك: وهذان الخبران أحسن ما وصل إلينا في هذا الباب.
ونقل المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى عن معاوية بن عمار وابن مسلم
والحلبي (2) قالوا: " وبلع بأطراف أصابعك عين الركبة فإن وصلت أطراف أصابعك
في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك، وأحب أن تمكن كفيك من ركبتيك فإذا
أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير وخر ساجدا " والظاهر أن هذه الرواية قد نقلها
المحقق من الأصول التي عنده ولم تصل إلينا إلا منه (قدس سره) وكفى به ناقلا.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا خلاف بين الأصحاب في ما أعلم أنه لا يجب وضع
اليدين على الركبتين وقد نقلوا الاجماع على ذلك، وإنما المعتبر وصولهما بحث لو أراد
الوضع لوضعهما والوضع إنما هو مستحب.
وإنما الخلاف في القدر المعتبر في الوصول من اليد، فالمشهور على ما ذكره
شيخنا في البحار أن الانحناء إلى أن تصل الأصابع إلى الركبتين هو الواجب والزائد مستحب
وقال الشهيد في البيان الأقرب وجوب انحناء تبلغ معه الكفان ركبتيه ولا يكفي بلوغ
أطراف الأصابع وفي رواية " بكفي ". وبذلك صرح الشهيد الثاني في الروض والروضة

(1) ص 3، وكلمة (بلع) بالعين المهملة كما في الوافي باب الركوع
(2) المعتبر ص 179 والمنتهى ج 1 ص 281
237

والمحقق الشيخ علي، وظاهر عبارة المعتبر وصول الكفين إلى الركبتين، وفي عبارة العلامة
في التذكرة وصول الراحتين وادعيا عليه الاجماع إلا من أبي حنيفة (1) وفي المنتهى
تبلغ يداه إلى ركبتيه، ونحوها عبارة الشهيد في الذكرى، وهو ظاهر في الاكتفاء بوصول
جزء من اليد. ويمكن حمل عبارة المعتبر والتذكرة على المسامحة في التعبير لأنه في المعتبر
قد استدل - كما عرفت - بالرواية المنقولة عن الثلاثة المتقدمين وهي صريحة في الاكتفاء
بوصول رؤوس الأصابع، وكذلك صحيحة زرارة المتقدمة هنا لقوله: " فإن وصلت
أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك " وبذلك يظهر لك ما في كلام
المشايخ الثلاثة المتقدم ذكرهم من أن وصول شئ من رؤوس الأصابع إلى الركبتين غير كاف
قال في الروض بعد نقل قول الباقر (عليه السلام) في صحيحة زرارة " وتمكن
راحتيك من ركبتيك ". والمراد بالراحة الكف ومنها الأصابع، ويتحقق بوصول جزء
من باطن كل منهما لا برؤوس الأصابع. انتهى. وفيه أن سياق عبارة الرواية ينادي
بأن ما استند إليه هنا إنما هو على جهة الأفضلية لا أنه الواجب الذي لا يجزئ ما سواه
لتصريحه في الرواية بما ذكرناه أولا ثم قال بعده: " وأحب إلي أن تمكن كفيك من
ركبتيك " وبذلك يظهر أن ما ذكره ناشئ عن الغفلة عن مراجعة الخبر.
بقي هنا شئ وهو أن المحقق في المعتبر والعلامة في التذكرة ادعيا الاجماع إلا
من أبي حنيفة (2) على ما ذكراه من وصول الكفين أو الراحتين إلى الركبة، والعلامة
في المنتهى والشهيد في الذكرى ادعيا الاجماع على ما ذكراه من وصول اليد الصادق
بوصول رؤوس الأصابع إلى الركبة، والتدافع في نقل هذا الاجماع ظاهر من الكلامين
فلا بد من حمل إحدى العبارتين على التساهل في التعبير وارجاعها إلى العبارة الثانية،
ونحن قد أشرنا إلى أن التجوز والتساهل قد وقع في عبارتي المعتبر والتذكرة لما ذكرناه

(1) في الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 231 " عند الحنفية يحصل الركوع
بطأطأة الرأس بأن ينحني انحناء يكون إلى حال الركوع أقرب ".
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
238

من استدلال المحقق على ما ذكره بالرواية المنقولة عن الرواة الثلاثة المتقدمين وهي
صريحة في خلاف ظاهر كلامه ونحوه صحيحة زرارة كما عرفت، فلو لم يحمل كلامه على
ما ذكرناه لم يتم استدلاله بالخبر المذكور.
والفاضل الخراساني في الذخيرة مال إلى أن التجوز والمسامحة في عبارتي المنتهى
والذكرى فيجب ارجاعهما إلى عبارتي المعتبر والتذكرة مستندا إلى أن الذي يقع في
الخاطر من وضع اليد وصول شئ من الراحة، وتشعر بذلك الأدلة التي في الكتابين
سيما الذكرى، فإنه قال فيه بعد نقل قول الباقر (عليه السلام) في صحيحة زرارة
" وتمكن راحتيك من ركبتيك " وهو دليل على الانحناء هذا القدر لأن الاجماع على عدم
وجوب وضع الراحتين. فإذن لا معدل عن العمل بما ذكره المدققان لتوقف البراءة اليقينية
عليه، ولا تعويل على ظاهر الخبر إذا خالف فتاوى الفرقة. انتهى.
وفيه (أولا) أنك قد عرفت صراحة الروايتين المتقدمتين في الاكتفاء ببلوغ
رؤوس الأصابع، ويؤكده تصريحه (عليه السلام) في صحيحة زرارة بالأفضلية في
وضع الكفين بقوله " وأحب إلي " والواجب هو العمل بالأخبار لا بالأقوال العارية
عن الأدلة وإن ادعى فيها الاجماع.
و (ثانيا) - ما ذكره - من أن الذي يقع في الخاطر من وضع اليد وصول شئ
من الراحة - فإنه ممكن لو كان عبارة المنتهى والذكرى كما ذكره من وضع اليد والذي
فيهما إنما هو " إلى أن تبلغ اليد " والفرق بين العبارتين ظاهر فإن بلوغ اليد يصدق ببلوغ
رؤوس الأصابع.
و (ثالثا) - أن استدلال الشهيد في الذكرى بما ذكره من صحيحة زرارة وقوله:
" وهو دليل على الانحناء هذا القدر " إنما وقع في مقام الاستدلال على أصل الانحناء
ردا على أبي حنيفة وإلا فالرواية المذكورة صريحة كما عرفت في أن هذه الكيفية إنما هي
على جهة الفضل والاستحباب.
239

و (رابعا) - ما ذكره من رد الخبر إذا خالف فتاوى الفرقة إنما يتم مع الاغماض
عما فيه إذا ثبت هنا اجماع على ما يدعيه، وهو لم ينقل إلا عبارتي المعتبر والتذكرة خاصة
مع مخالفة ظاهر عبارتي المنتهى والذكرى لذلك، فأين فتاوى الفرقة التي ينوه بها والحال
كما ترى؟ على أنك قد عرفت مما قدمنا نقله عن شيخنا المجلسي (قدس سره) في البحار
أن المشهور إنما هو ما اخترناه من الاكتفاء برؤوس الأصابع، ما هذه إلا مجازفات
محضة ودعاوى صرفة.
و (خامسا) - أن الشهيد الثاني وإن صرح بما ذكره في الروض والروضة إلا أنه قد صرح بما ذكرناه في المسالك، حيث قال: والظاهر الاكتفاء ببلوغ الأصابع، وفي
حديث زرارة المعتبر " فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك
ذلك وأحب إلى أن تمكن كفيك " انتهى. وهو عدول عما ذكره في الروض والروضة
ولا شك أن كلامه هنا هو المؤيد بالدليل كما عرفت. وكيف كان فالاحتياط في الانحناء
إلى وصول الكف والراحة.
ثم لا يخفى أن ظاهر أخبار المسألة هو الوضع لا مجرد الانحناء بحيث لو أراد لوضع
وأن الوضع مستحب كما هو المشهور في كلامهم والدائر على رؤوس أقلامهم، فإن هذه الأخبار ونحوها ظاهرة في خلافه ولا مخصص لهذه الأخبار إلا ما يدعونه من الاجماع
على عدم وجوب الوضع.
فوائد
(الأولى) - اعتبار مقدار وصول اليد إلى الركبتين بالانحناء احتراز عن
الوصول بغير انحناء، فإنه لا يكفي في صدق الركوع ولا يسمى ركوعا كالانخناس بأن
يخرج ركبتيه وهو مائل منتصب فإنه لا يجزئه، وكذا لو جمع بين الانحناء والانخناس
بحيث لولا الانخناس لم تبلغ اليدان لم يجزئ.
240

(الثانية) - الراكع خلقة يستحب أن يزيد الانحناء يسيرا ليفرق بين قيامه
وركوعه، قاله الشيخ واختاره في المعتبر لأن ذلك حد الركوع فلا يلزم الزيادة عليه،
وإليه مال في المدارك. وجزم المحقق في الشرائع والعلامة في جملة من كتبه بالوجوب
ليكون فارقا بين حالة القيام وحالة الركوع فإن المعهود افتراقهما. ورد بمنع وجوب الفرق
على العاجز. والمسألة خالية من النص والاحتياط فيها مطلوب بالاتيان بانحناء يسير.
(الثالثة) - يجب أن يقصد بهويه الركوع، فلو هوى لسجدة العزيمة في النافلة
أو هوى لقتل حية أو لقضاء حاجة - فلما انتهى إلى حد الراكع أراد أن يجعله ركوعا
وكذا لو هوى للسجود ساهيا فلما وصل إلى قوس الركوع ذكر فأراد أن يجعله ركوعا - فإنه
لا يجزئ ويجب عليه الرجوع والانتصاب ثم الهوى بقصد الركوع فإن الأعمال بالنيات (1)
كما تقدم تحقيقه في مبحث نية الوضوء من كتاب الطهارة. ولا يلزم من ذلك زيادة
ركوع لأن الأول ليس بركوع. والظاهر أنه لا خلاف في الحكم المذكور.
(الرابعة) - لو تعذر الانحناء للركوع أتى بالمقدور، ولا يسقط الميسور
بالمعسور (2) و " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " (3) ولو أمكن ايصال إحدى اليدين
دون الأخرى لعارض في إحدى الشقين وجب خاصة. ولو أمكنه الانحناء إلى أحد
الجانبين فظاهر المبسوط الوجوب. ولو افتقر إلى ما يعتمد عليه في الانحناء وجب ولو
تعذر ذلك أجزأ الايماء برأسه، لما رواه الشيخ عن إبراهيم الكرخي (4) قال: " قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء ولا يمكنه الركوع
والسجود؟ فقال ليومئ برأسه إيماء وإن كان له من يرفع الخمرة إليه فليسجد فإن لم يمكنه
ذلك فليومئ برأسه نحو القبلة إيماء ".

(1) الوسائل الباب 5 من مقدمة العبادات
(2) عوائد النراقي ص 88 وعناوين مير فتاح ص 146 عن عوالي اللئالي عن علي " ع "
(3) سورة البقرة، الآية 286
(4) الوسائل الباب 1 من القيام و 20 من السجود
241

(الخامسة) - لو كانت يداه في الطول بحيث تبلغ ركبتيه من غير انحناء - أو
قصيرتين بحيث لا تبلغ مع الانحناء، ونحوهما المقطوعتان - انحنى كما ينحني مستوى الخلقة
حملا لألفاظ النصوص على ما هو الغالب المتكرر كما عرفت في غير موضع.
(السادسة) - لو لم يضع يديه على ركبتيه وشك بعد انتصابه هل أكمل الانحناء
أم لا؟ احتمالان ذكرهما العلامة والشهيدان (أحدهما) العود لعموم رواية أبي بصير عن
الصادق (عليه السلام) (1) " في رجل شك وهو قائم فلا يدري أركع أم لم يركع قال يركع "
وكذا رواية عمران الحلبي (2) (ثانيهما) العدم لأن الظاهر منه اكمال الركوع، ولأنه في
المعنى شك بعد الانتقال. أقول: الظاهر هو الوجه الثاني فإن المتبادر من رواية أبي بصير
المذكورة - وكذا رواية الحلبي وهي ما رواه في الموثق (3) قال: " قلت الرجل يشك
وهو قائم فلا يدري أركع أم لا؟ قال فليركع " - إنما هو من لم يأت بالانحناء بالكلية
وشك في أن قيامه هذا هل هو قيام قبل الركوع والانحناء فيجب الركوع عنه أو قيام
بعده فيجب أن يسجد عنه؟ فإنه يصدق عليه أنه شك في المحل فيجب الاتيان بالمشكوك
فيه، وأما من انحنى وشك بعد رفعه في بلوغه المقدار الواجب في الانحناء فإنه يدخل تحت
قاعدة الشك بعد الدخول في الغير وتجاوز المحل.
(الثاني) - الطمأنينة بضم الطاء وسكون الهمزة بعد الميم وهي عبارة عن سكون
الأعضاء واستقرارها في هيئة الراكع بقدر الذكر الواجب في الركوع، ووجوبها بهذا
القدر مما لا خلاف فيه ونقل الاجماع عليه الفاضلان وغيرهما، وإنما الخلاف في الركنية
فذهب الشيخ في الخلاف إلى أنها ركن، والمشهور العدم وهو الأصح لما سيأتي إن شاء الله
تعالى من عدم بطلان الصلاة بتركها سهوا.
والأصحاب لم يذكروا هنا دليلا على الحكم المذكور من الأخبار وظاهر هم انحصار
الدليل في الاجماع، مع أنه قد روى ثقة الاسلام في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن

(1) الوسائل الباب 12 من الركوع. والرواية رقم (2) هي رقم (3)
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
242

أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس
في المسجد إذ دخل رجل فقام يصلي فلم يتم ركوعه ولا سجوده فقال (صلى الله عليه
وآله) نقر كنقر الغراب لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتن على غير ديني " ورواه
البرقي في المحاسن عن ابن فضال عن عبد الله بن بكير عن زرارة نحوه (2).
وفي الذكرى يجب الركوع بالاجماع ولقوله تعالى " واركعوا مع الراكعين " ولما
روى (3) " أن رجلا دخل المسجد ورسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس في ناحية المسجد
فصلى ثم جاء فسلم عليه فقال (صلى الله عليه وآله) وعليك السلام ارجع فصل فإنك لم تصل
فرجع فصلى ثم جاء فقال له مثل ذلك فقال له الرجل في الثالثة علمني يا رسول الله (صلى الله عليه
وآله) فقال إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك
من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع رأسك حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن
ساجدا ثم ارفع حتى تستوي قائما ثم افعل ذلك في صلاتك كلها " أقول: وهذا الخبر لم
أقف عليه في ما وصل إلي من كتب الأخبار حتى كتاب البحار إلا في كتاب الذكرى.
ولو كان مريضا لا يتمكن من الطمأنينة سقطت عنه لأن الضرورات تبيح المحظورات
وما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر (4) والحكم المذكور مما لا خلاف فيه ولا اشكال
يعتريه، إنما الخلاف في أنه لو تمكن من مجاوزة الانحناء أقل الواجب والابتداء بالذكر
عند بلوغ حده واكماله قبل الخروج منه فهل يجب ذلك؟ قيل نعم استنادا إلى أن الذكر
في حال الركوع واجب والطمأنينة واجب آخر ولا يسقط أحد الواجبين بسقوط الآخر
واستحسنه الفاضل الخراساني في الذخيرة وجعله في المدارك أولى. وقيل لا لأصالة العدم
وإليه ذهب الشهيد في الذكرى، قال (قدس سره) بعد ذكر الطمأنينة أولا: ويجب

(1) الوسائل الباب 3 من الركوع
(2) الوسائل الباب 3 من الركوع
(3) مستدرك الوسائل الباب 1 من أفعال الصلاة عن عوالي اللئالي مثله
(4) الوسائل الباب 3 من قضاء الصلوات
243

كونها بقدر الذكر الواجب لتوقف الواجب عليها، ولا يجزئ عن الطمأنينة مجاوزة الانحناء
القدر الواجب ثم العود إلى الرفع مع اتصال الحركات لعدم صدقها حينئذ، نعم لو تعذرت
أجزأ زيادة الهوى ويبتدئ بالذكر عند الانتهاء إلى حد الراكع ينتهي بانتهاء الهوى، وهل
يجب هذا الهوى لتحصيل الذكر في حد الراكع؟ الأقرب لا للأصل فحينئذ يتم الذكر رافعا
رأسه. انتهى. والمسألة لعدم النص محل اشكال والاحتياط يقتضي الاتيان بما ذكروه
من الكيفية المذكورة وإن لم يقم دليل واضح على الوجوب.
ولو أتى بالذكر من دون الهوى أو رفع قبل اكماله فظاهر الشهيد الثاني في الروض
بطلان صلاته إن كان عامدا قال لتحقق النهي، وإن كان ناسيا استدركه في محله إن
أمكن. وظاهر الشهيد في الدروس والعلامة القول بمساواة العامد للناسي إذا استدركه
في محله، قال في الروض وليس بجيد. ويتحقق التدارك في الأول بالهوى ثم الاتيان
بالذكر وفي الثاني بالاتيان به مطمئنا قبل الخروج عن حد الراكع.
(الثالث) - رفع الرأس منه حتى يقوم منتصبا فلا يجوز أن يهوي للسجود قبل
الانتصاب إلا لعذر.
ويدل عليه جملة من الأخبار ففي صحيحة حماد (1) بعد ذكر الركوع قال: " ثم
استوى قائما فلما استمكن من القيام قال: سمع الله لمن حمده.. الحديث ".
وفي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " إذا رفعت
رأسك من الركوع فأقم صلبك فإنه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه " ومثلها روايته الأخرى (3)
وفي كتاب الفقه الرضوي (4) " وإذا رفعت رأسك من الركوع فانتصب قائما
حتى ترجع مفاصلك كلها إلى المكان ثم اسجد ".
(الرابع) - الطمأنينة قائما ولا حد لها بل يكفي مسماها وهو ما يحصل به
الاستقرار والسكون، ولا خلاف في وجوبها بل نقل عليه الاجماع جمع منهم.

(1) ص 2
(2) الوسائل الباب 16 من القراءة
(3) الوسائل الباب 16 من القراءة
(4) ص 7
244

وذهب الشيخ هنا إلى الركنية أيضا، ورد بقوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة (1)
" لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود ".
والظاهر من الأخبار وكلام الأصحاب أنه لا فرق في ذلك بين الفريضة والنافلة
ونقل جمع من الأصحاب عن العلامة في النهاية القول بأنه لو ترك الاعتدال في الرفع من
الركوع أو السجود في صلاة النفل عمدا لم تبطل صلاته لأنه ليس ركنا في الفرض فكذا
في النفل. وهو ضعيف مردود بأن جميع ما يجب في الفريضة فهو شرط في صحة النافلة
فلا معنى للتخصيص بهذا الموضع، إلا أن يمنع وجوبه في الفريضة وهو لا يقول به بل
صرح في جميع كتبه بخلافه. نعم خرج من ذلك السورة على القول بوجوبها في الفريضة
بدليل خاص وغيرها يحتاج إلى دليل أيضا وليس فليس. وقوله - إنه ليس ركنا.. الخ -
كلام مزيف لا معنى له عند المحصل.
(الخامس) - التسبيح وقد وقع الخلاف هنا في موضعين (أحدهما) أنه هل الواجب في حال الركوع والسجود هو التسبيح خاصة أو يجزئ مطلق الذكر؟
قولان مشهوران (الثاني) إنه على تقدير القول الأول من تعين التسبيح فقد اختلفوا
في الصيغة الواجبة منه على أقوال، ونحن نبسط الكلام في المقامين بنقل الأخبار
والأقوال وما سنح لنا من المقال في هذا المجال بتوفيق الملك المتعال وبركة الآل (عليهم
صلوات ذي الجلال):
(الموضع الأول) - اعلم أنه قد اختلف الأصحاب في أن الواجب في الركوع
والسجود هل هو مطلق الذكر أو يتعين التسبيح؟ قولان: والأول منهما مذهب الشيخ في
المبسوط والجمل والحلبيين الأربعة، وإليه ذهب جملة من المتأخرين: منهم - شيخنا الشهيد
الثاني وسبطه في المدارك وغيرهما. والثاني مذهب الشيخ في باقي كتبه والشيخ المفيد
والمرتضى وابني بابويه وأبي الصلاح وابن البراج وسلار وابن حمزة وابن الجنيد، وادعى

(1) الوسائل الباب 29 من القراءة و 10 من الركوع
245

عليه السيد المرتضى في الإنتصار والشيخ في الخلاف وابن زهرة في الغنية الاجماع. والظاهر أنه المشهور بين المتقدمين ونسبه في الذكرى إلى المعظم. وللشيخ في النهاية قول آخر يؤذن
بكونه ثالثا في المسألة حيث جوز أن يقال بعد التسبيح في الفريضة " لا إله إلا الله والله
أكبر " مع أنه قال فيه: والتسبيح في الركوع فريضة من تركه عمدا فلا صلاة له.
والذي يدل على الأول من الأخبار ما رواه ثقة الاسلام والشيخ في كتابيهما
عن هشام بن سالم في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " سألته يجزئ عني
أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود: لا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر؟ قال نعم
كل هذا ذكر الله " ولفظ " والحمد لله " ليس في رواية الكافي وإنما هو في التهذيب.
وما رواه الشيخ في الصحيح عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) قال: " قلت له يجزئ أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود:
لا إله إلا الله والله أكبر؟ قال نعم كل هذا ذكره الله ".
ورواه في الكافي في الصحيح عن هشام بن الحكم (3) قال: " قال أبو عبد الله (عليه
السلام) ما من كلمة أخف على اللسان منها ولا أبلغ من " سبحان الله ". قال قلت يجزئني
في الركوع والسجود أن أقول مكان التسبيح: لا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر؟ قال نعم كل
ذا ذكر الله " وروى هذا الخبر ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب النوادر
لمحمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن محمد عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم نحوه (4)
وأيد هذا القول في المدارك بما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمان بن
أبي نجران عن مسمع أبي سيار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال: " يجزئك من
القول في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات أو قدرهن مترسلا وليس له ولا كرامة أن يقول

(1) الوسائل الباب 7 من الركوع. و " كل هذا ذكر الله " في الرقم 1 ليس في الكافي
(2) الوسائل الباب 7 من الركوع. و " كل هذا ذكر الله " في الرقم 1 ليس في الكافي
(3) الفروع ج 1 ص 91 وفي الوسائل الباب 7 من الركوع
(4) الوسائل الباب 7 من الركوع. و " كل هذا ذكر الله " في الرقم 1 ليس في الكافي
(5) الوسائل الباب 5 من الركوع
246

سبح سبح سبح ". والظاهر أن عده هذه الرواية من المؤيدات دون أن تكون دليلا أما من حيث إن الراوي لها مسمع أبي سيار وهو يطعن في حديثه في مواضع من شرحه وإن عده
حسنا تارة وصحيحا أخرى في مواضع أخر ولهذا وصف الحديث بالصحة إلى عبد الرحمان
ابن أبي نجران مؤذنا بانتهاء صحة الحديث إليه، ويحتمل أن يكون من حيث اجمال متنها
بقوله " أو قدرهن " لاحتمال أن يكون قدرهن من الذكر، ويحتمل أن يكون قدرهن
من تسبيحة واحدة كبرى.
ومثلها حسنة أخرى لمسمع أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" لا يجزئ الرجل في صلاته أقل من ثلاث تسبيحات أو قدرهن " هذا ما يتعلق
من الأخبار بالقول المذكور.
وأما ما يدل على القول الآخر فروايات عديدة تأتي إن شاء الله تعالى في المقام الآتي
والذي يظهر لي في وجه الجمع بين أخبار القولين على وجه يندفع به التنافي في البين
أن يقال إن المفهوم من الأخبار أن التسبيح هو الأصل والذكر وقع رخصة كما يشير إليه
هنا ما تقدم في أخبار الهشامين من قولهما " يجزئ أن يقول مكان التسبيح " وحينئذ فتحمل
روايات التسبيح على الأفضلية وروايات الذكر على الرخصة والأجزاء، وهذا كما في غسل
الجنابة ترتيبا وارتماسا فإن الأصل فيه هو الأول وهو الذي استفاضت به الأخبار وعليه
عمل النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار والثاني ورد في خبرين رخصة كما
أشرنا إلى ذلك ثمة. ولعله على هذا بنى الشيخ (قدس سره) في عبارته في النهاية حيث
صرح بأن الفريضة التسبيح مع قوله بجواز ابداله بالذكر المذكور في كلامه، وبذلك
يندفع ما أورده عليه المتأخرون من التناقض في كلامه. ولم أقف للقائلين بتعين التسبيح
على جواب عن هذه الروايات الدالة على الاجتزاء بمطلق الذكر والله العالم.

(1) الوسائل الباب 5 من الركوع
247

(الموضع الثاني) - إعلم أنه قد اختلف أصحاب القول بتعين التسبيح في ما
يجب منه على أقوال: (أحدها) القول بجواز التسبيح مطلقا وهو منقول عن السيد المرتضى
(رضي الله عنه) و (ثانيها) وجوب تسبيحة واحدة كبرى وهي " سبحان ربي العظيم
وبحمده " وهو قول الشيخ في النهاية. و (ثالثها) تسبيحة واحدة كبرى أو ثلاث صغريات
وهي " سبحان الله " ثلاثا، ونقل عن ظاهر ابني بابويه وهو ظاهر التهذيب كما ذكره
في المدارك. و (رابعها) وجوب ثلاث مرات على المختار وواحدة على المضطر، وهو
منقول عن أبي الصلاح، ونقل عنه في المختلف أنه قال أفضله " سبحان ربي العظيم
وبحمده " ويجوز " سبحان الله " وهو ظاهر في تخيير المختار بين ثلاث صغريات أو كبريات
و (خامسها) وجوب ثلاث تسبيحات كبريات، نسبه العلامة في التذكرة إلى بعض
علمائنا. هذا ما وقفت عليه من الأقوال في المسألة.
وأما الأخبار الجارية في هذا المضمار (فأحدها) ما رواه الشيخ في التهذيب عن هشام
ابن سالم (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التسبيح في الركوع والسجود
فقال تقول في الركوع " سبحان ربي العظيم " وفي السجود " سبحان ربي الأعلى "
الفريضة من ذلك تسبيحة والسنة ثلاث والفضل في سبع "
الثاني - ما رواه عن عقبة بن عامر الجهني (2) قال: " لما نزلت فسبح باسم
ربك العظيم (3) قال لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) اجعلوها في ركوعكم، فلما
نزلت " سبح اسم ربك الأعلى " (4) قال لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)
اجعلوها في سجودكم ".
الثالث - ما رواه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (5)
قال: " قلت له ما يجزئ من القول في الركوع والسجود؟ فقال ثلاث تسبيحات في

(1) الوسائل الباب 4 من الركوع
(2) الوسائل الباب 21 من الركوع
(3) سورة الواقعة، الآية 73
(4) سورة الأعلى، الآية 1
(5) الوسائل الباب 4 من الركوع
248

في ترسل وواحدة تامة تجزئ ".
الرابع - ما رواه عن علي بن يقطين في الصحيح عن أبي الحسن الأول (عليه
السلام) 1) قال: " سألته عن الركوع والسجود كم يجزئ فيه من التسبيح؟ فقال ثلاثة
وتجزئك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض ".
قال في الوافي الظاهر أن المراد بالتسبيح " سبحان الله " ويحتمل التام. ولعل السر
في اشتراط إمكان الجبهة من الأرض في الاجتزاء بالواحدة تعجيل أكثر الناس في
ركوعهم وسجودهم وعدم صبرهم على اللبث والمكث فمن أتى منهم بواحدة فربما يصدر
منه بعضها في الهوى أو الرفع، فلا بد لمن هذه صفته أن يأتي بالثلاث ليتحقق لبثه
بمقدار واحدة.
الخامس - ما رواه عن الحسن بن علي بن يقطين عن أخيه الحسين بن علي بن
يقطين في الصحيح عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) (2) قال: " سألته عن الرجل
يسجد كم يجزئه من التسبيح في ركوعه وسجوده؟ فقال ثلاث وتجزئه واحدة ".
السادس - ما رواه عن مسمع في الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
" يجزئك من القول.. الخبر " وقد تقدم في المقام الأول (3).
السابع - ما رواه عن سماعة في الموثق (4) قال: " سألته عن الركوع والسجود هل
نزل في القرآن.. الخبر وقد تقدم، إلى أن قال فقلت كيف حد الركوع والسجود؟ فقال
أما ما يجزئك من الركوع فثلاث تسبيحات تقول سبحان الله سبحان الله (ثلاثا).. الحديث "
ويأتي إن شاء الله تعالى.
الثامن - ما رواه عن معاوية بن عمار في الصحيح (5) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام) أخف ما يكون من التسبيح في الصلاة قال ثلاث تسبيحات مترسلا تقول سبحان

(1) الوسائل الباب 4 من الركوع
(2) الوسائل الباب 4 من الركوع
(3) ص 246
(4) الوسائل الباب 5 من الركوع
(5) الوسائل الباب 5 من الركوع
249

الله سبحان الله سبحان الله ".
التاسع - ما رواه عن مسمع في الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" لا يجزئ الرجل في صلاته أقل من ثلاث تسبيحات أو قدرهن "
العاشر - ما رواه عن أبي بصير (2) قال: " سألته عن أدنى ما يجزئ من
التسبيح في الركوع والسجود؟ فقال ثلاث تسبيحات ".
الحادي عشر - ما رواه عن أبي بكر الحضرمي (3) قال قال أبو جعفر (عليه
السلام): " أتدري أي شئ حد الركوع والسجود؟ قلت لا. قال تسبح في الركوع
ثلاث مرات " سبحان ربي العظيم وبحمده " وفي السجود " سبحان ربي الأعلى وبحمده "
ثلاث مرات، فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته ومن نقص ثنتين نقص ثلثي صلاته ومن
لم يسبح فلا صلاة له ".
الثاني عشر - ما رواه عن أبان بن تغلب في الصحيح (4) قال: " دخلت على
أبي عبد الله (عليه السلام) وهو يصلي فعددت له في الركوع والسجود ستين تسبيحة "
الثالث عشر - ما رواه عن حمزة بن حمران والحسن بن زياد (5)، قالا " دخلنا
على أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده قوم فصلى بهم العصر وقد كنا صلينا فعددنا له
في ركوعه " سبحان ربي العظيم " أربعا أو ثلاثا وثلاثين مرة. وقال أحدهما في حديثه
" وبحمده " في الركوع والسجود ".
الرابع عشر - ما رواه في كتاب العلل بسنده عن هشام بن الحكم عن أبي الحسن

(1) الوسائل الباب 5 من الركوع
(2) الوسائل الباب 5 من الركوع
(3) الوسائل الباب 4 من الركوع وما ذكره في المتن لفظ الكافي كما في نفس الباب من الوسائل
وفي ج 1 من الفروع ص 91 وأما لفظ التهذيب ج 1 ص 156 فهو هكذا " قلت لأبي
جعفر " ع " أي شئ حد الركوع والسجود؟ قال تقول: سبحان ربي العظيم وبحمده " ثلاثا "
في الركوع، وسبحان ربي الأعلى وبحمده " ثلاثا " في السجود فمن نقص.. الحديث "
(4) الوسائل الباب 6 من الركوع
(5) الوسائل الباب 6 من الركوع
250

موسى (عليه السلام) (1) قال: " قلت لأي علة يقال في الركوع " سبحان ربي
العظيم وبحمده " ويقال في السجود " سبحان ربي الأعلى وبحمده "؟ قال يا هشام إن
الله تبارك وتعالى لما أسرى بالنبي (صلى الله عليه وآله) وكان من ربه كقاب قوسين
أو أدنى رفع له حجابا من حجبه فكبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبعا حتى
رفع له سبع حجب فلما ذكر ما رأى من عظمة الله ارتعدت فرائصه فابترك على ركبتيه
وأخذ يقول " سبحان ربي العظيم وبحمده " فلما اعتدل من ركوعه قائما ونظر إليه في
موضع أعلى من ذلك الموضع خر على وجهه وجعل يقول " سبحان ربي الأعلى وبحمده "
فلما قال سبع مرات سكن ذلك الرعب فلذلك جرت به السنة ".
الخامس عشر - ما رواه إبراهيم بن محمد الثقفي في كتاب الغارات عن عباية (2)
قال: " كتب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى محمد بن أبي بكر أنظر ركوعك وسجودك
فإن النبي (صلى الله عليه وآله) كان أتم الناس صلاة وأحفظهم لها وكان إذا ركع قال:
" سبحان ربي العظيم وبحمده " ثلاث مرات، وإذا رفع صلبه قال: سمع الله لمن حمده
اللهم لك الحمد ملء سمواتك وملء أرضيك وملء ما شئت من شئ، فإذا سجد قال:
" سبحان ربي الأعلى وبحمده " ثلاث مرات ".
السادس عشر - ما رواه الصدوق في كتاب الهداية مرسلا (3) قال: " قال
الصادق (عليه السلام) سبح في ركوعك ثلاثا: تقول " سبحان ربي العظيم وبحمده "
ثلاث مرات، وفي السجود " سبحان ربي الأعلى وبحمده " ثلاث مرات، فإن الله عز وجل
لما أنزل على نبيه (صلى الله عليه وآله) " فسبح باسم ربك العظيم " (4) قال النبي (صلى

(1) الوسائل الباب 7 من تكبيرة الاحرام و 21 من الركوع
(2) مستدرك الوسائل الباب 13 و 16 من الركوع
(3) مستدرك الوسائل الباب 16 و 4 من الركوع
(4) سورة الواقعة، الآية 73
251

الله عليه وآله) اجعلوها في ركوعكم فلما أنزل الله " سبح اسم ربك الأعلى " (1) قال اجعلوها في سجودكم، فإن قلت سبحان الله سبحان الله سبحان الله أجزأك، وتسبيحة
واحدة تجزئ للمعتل والمريض والمستعجل ".
السابع عشر - ما رواه في كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم (2)
قال: " سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن معنى قوله: سبحان ربي العظيم
وبحمده.. الحديث ".
الثامن عشر - ما ذكره في كتاب الفقه الرضوي (3) قال: " فإذا ركعت فمد
ظهرك ولا تنكس رأسك وقل في ركوعك بعد التكبير: اللهم لك ركعت.. ثم ساق
الدعاء إلى أن قال بعد تمامه: سبحان ربي العظيم وبحمده، ثم ساق الكلام في السجود
كذلك إلى أن قال: سبحان ربي الأعلى وبحمده ".
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الظاهر أن مستند القول الأول وهو القول بجواز
التسبيح مطلقا هو العمل بأخبار المسألة كملا والاكتفاء بكل ما ورد، ومرجعه إلى التخيير
بين جملة الصور الواردة في الأخبار، إلا أن ظاهره الاكتفاء ولو بتسبيحة صغرى
لصدق التسبيح بها مع دلالة جملة من الأخبار على أن أدنى ما يجزئ ثلاث صغريات.
وهذا القول قد اختاره الفاضل الخراساني في الذخيرة واستدل عليه بالرواية
الرابعة والخامسة فإنهما دالتان على جواز الاكتفاء بواحدة ويحمل الأخبار المعارضة لهما على
الاستحباب جمعا بين الأدلة. وأراد بالأخبار المعارضة ما دل على أن أقل المجزئ ثلاث
صغريات كالرواية السابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة.
وفيه أن الروايتين اللتين استند إليهما غير صريحتين بل ولا ظاهرتين في ما
ادعاه لجواز أن يكون المراد بالواحدة تسبيحة كبرى، ومرجعه إلى التخيير بين ثلاث

(1) سورة الأعلى، الآية 1
(2) مستدرك الوسائل باب نوادر ما يتعلق بأبواب الركوع
(3) ص 8
252

صغريات وواحدة كبرى، فإن جعل كل منهما في قالب الاجزاء يقتضي كونهما في
مرتبة واحدة، ويشير إلى ما ذكرناه ما قدمناه من كلام صاحب الوافي، ويعضد ما ذكرناه
الخبر الثالث حيث إنه جعل المجزئ ثلاث تسبيحات في ترسل وواحدة تامة والمراد
ثلاث صغريات بتأن وتثبت أو واحدة تامة كبرى. نعم قد ورد في الخبر السادس عشر
ما يدل على الاكتفاء بواحدة صغرى للمعتل والمريض والمستعجل. وبذلك يظهر لك أن
القول المذكور لا مستند له من الأخبار.
وأما القول الثاني فاستدل عليه في المدارك بالخبر الأول. وفيه أن الخبر ليس فيه
" وبحمده " كما هو المذكور في كلام الشيخ (قدس سره) فلا ينطبق على تمام المدعى
إلا بتكلف. والأظهر الاستدلال عليه بالخبر الحادي عشر - ولا ينافيه نقص الصلاة
بنقص واحدة أو اثنتين إذا المراد نقص ثوابها - والخبر الرابع عشر والخامس عشر
والسابع عشر والثامن عشر وكذا حديث حماد بن عيسى المتقدم في أول الباب (1).
وأما القول الثالث فاستدل عليه في المدارك بالخبر الثالث والخبر الثامن. وفيه
أن الثاني لا دلالة فيه على تمام المدعى، فإن القول المذكور مشتمل على التخيير بين
واحدة كبرى وثلاث صغريات والرواية إنما اشتملت على ثلاث تسبيحات صغريات.
وكونها أخف ما يقال في التسبيح لا يستلزم خصوصية كون الفرد الآخر تسبيحة كبرى
كما لا يخفى، والدليل إنما هو الأول. ويدل عليه أيضا الحديث الرابع والخامس بالتقريب
الذي قدمنا ذكره من حملهما على ما دل عليه الخبر الثالث.
وأما القول الرابع فاستدل عليه في المدارك بالخبر الحادي عشر. وفيه (أولا) أن الخبر
المذكور غير منطبق على القول المشار إليه بكلا طرفيه إذ لا تصريح في الخبر المذكور بحكم
المضطر. و (ثانيا) أن ظاهر القول المذكور وجوب الثلاث والخبر المذكور لا دلالة له على ذلك،
لأن نقصان ثلث الصلاة لمن ترك واحدة وثلثيها لمن ترك ثنتين إنما هو بمعنى نقص

(1) ص 2
253

ثوابها فغاية ما يفهم منه الفضل والاستحباب في الاتيان بالزائد على واحدة، وحينئذ فلا
يكون منطبقا على القول المذكور.
والأظهر الاستدلال له بالخبر السادس عشر فإنه مشتمل على حكم المختار والمضطر،
وأن المختار مخير بين ثلاث كبريات وثلاث صغريات حسب ما تقدم نقله عن المختلف في نقله عن
ذلك القائل ما يؤذن بالتخيير بين ثلاث كبريات وثلاث صغريات، وبالجملة فالرواية منطبقة
على القول المذكور من جميع جهاته كما لا يخفي فهي الأولى بأن تجعل دليلا له. إلا أنها
معارضة بالخبر الثالث لدلالته على حصول الواجب بواحدة كبرى وثلاث صغريات
فالواجب حمله على الفضل والاستحباب، ومنه يظهر أنه لا دليل للقول المذكور.
وأما القول الخامس فلم أقف له على دليل ظاهر من الأخبار.
بقي الكلام في شئ آخر وهو أنه على تقدير القول بمطلق الذكر كما هو أحد
القولين أو كون ذلك رخصة وإن كان الأصل إنما هو التسبيح كما قدمنا ذكره فاللازم
الاكتفاء بتسبيحة واحدة صغرى لحصول الذكر بذلك مع أنك قد عرفت من جملة من
الأخبار أن أقل المجزئ ثلاث تسبيحات صغريات والواحدة إنما هي لذوي الأعذار.
وهذا الاشكال قد تنبه له في الروض حيث إنه اختار الاكتفاء بمطلق الذكر،
وأجاب عنه وقال بعد نقل جملة من أخبار القولين: والتحقيق أنه لا منافاة بين هذه الأخبار الصحيحة من الجانبين فإن التسبيحة الكبرى وما يقوم مقامها تعد ذكر
الله فتكون أحد أفراد الواجب التخييري المدلول عليه بالأخبار الأولى، فإنها دلت
على أجزاء ذكر الله وهو أمر كلي يتأدى في ضمن التسبيحة الكبرى والصغرى المكررة
والمتحدة فيجب الجميع تخييرا. وهذا مع كونه موافقا للقواعد الأصولية جمع حسن بين
الأخبار فهو أولى من اطراح بعضها أو حملها على التقية وغيرها. نعم رواية معاوية بن
عمار عن الصادق (عليه السلام) (1) - حين " سأله عن أخف ما يكون من التسبيح في

(1) الوسائل الباب 5 من الركوع
254

الصلاة فقال ثلاث تسبيحات مترسلا تقول سبحان الله سبحان الله سبحان الله " - قد تأبى
هذا الحمل لكن لا صراحة فيها بأن ذلك أخف الواجب فيحمل على أخف المندوب فإنه
أعم منهما إذ لم يبين فيه الفرد المنسوب إليه الأخفية. انتهى.
وفي هذا الحمل الذي ذكره (قدس سره) من البعد ما لا يخفى سيما مع دلالة
الخبر التاسع الذي هو نظيره في هذا المعنى على أنه لا يجزئ الرجل في صلاته أقل من
ثلاث تسبيحات أو قدرهن، وفي الخبر العاشر " أدنى ما يجزئ من التسبيح ".
ويمكن أن يقال في الجواب عن هذا الاشكال - بناء على ما اخترناه من أن الأصل
هو التسبيح والاكتفاء بمطلق الذكر إنما وقع رخصة - أن المستفاد من أخبار التسبيح
كما عرفت هو أن الواجب منه إنما هو تسبيحة كبرى أو ثلاث صغريات، وحينئذ فيجب
التخصيص في أخبار الذكر بما ذكرنا من أخبار التسبيح الدالة على الصورة المذكورة
بمعنى أنه لا يجزئ من التسبيح أقل مما ذكرنا وكل ما صدق عليه الذكر فإنه يجرئ ما عدى
ما نقص من التسبيح عما ذكرنا. هذا أقصى ما يمكن أن يقال.
والعجب هنا أن العلامة في المنتهى قال اتفق الموجبون للتسبيح من علمائنا على أن
الواجب من ذلك تسبيحة واحدة تامة كبرى صورتها " سبحان ربي العظيم وبحمده (1) "
أو ثلاث صغريات صورتها " سبحان الله " ثلاثا مع الاختيار، ومع الضرورة تجزئ
الواحدة الصغرى لرواية زرارة، والاجتزاء بالواحدة الكبرى دل عليه قول أبي عبد الله
(عليه السلام) في حديث هشام بن سالم " تقول في الركوع سبحان ربي العظيم،
الفريضة.. " ثم ساق الخبر كما تقدم، ثم قال وعلى قيام الثلاث الصغرى مقامها ما رواه
الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار، ثم ساق الرواية كما تقدمت، ثم قال الاجتزاء
بواحدة صغرى في حال الضرورة مستفاد من الاجماع. انتهى. ولا يخفى ما فيه بعد
الإحاطة بما تلوناه عليك فلا ضرورة في الإعادة.

(1) ليس في المنتهى المطبوع " وبحمده " في ذكر الركوع
255

تذييل جليل
قال شيخنا البهائي (قدس سره) في كتاب الحبل المتين: ومعنى " سبحان ربي
العظيم وبحمده " أنزه ربي عن كل ما لا يليق بعز جلاله تنزيها وأنا متلبس بحمده على
ما وفقني له من تنزيهه وعبادته، كأنه لما أسند التسبيح إلى نفسه خاف أن يكون في هذا
الاسناد نوع تبجح بأنه مصدر لهذا الفعل فتدارك ذلك بقوله وأنا متلبس بحمده على أن
صيرني أهلا لتسبيحه وقابلا لعبادته، على قياس ما قاله جماعة من المفسرين في قوله تعالى
حكاية عن الملائكة " ونحن نسبح بحمدك " (1) فسبحان مصدر بمعنى التنزيه كغفران
ولا يكاد يستعمل إلا مضافا منصوبا بفعل مضمر كمعاذ الله وهو هنا مضاف إلى المفعول
وربما جوز كونه مضافا إلى الفاعل، والواو في " وبحمده " حالية وربما جعلت عاطفة.
و " سمع الله لمن حمده " بمعنى استجاب لكل من حمده، وعدي باللام لتضمنه معنى
الاصغاء والاستجابة، والظاهر أنه دعاء لا مجرد ثناء كما يستفاد مما رواه المفضل عن
الصادق (عليه السلام) (2) قال: " قلت له جعلت فداك علمني دعاء جامعا فقال لي أحمد
الله فإنه لا يبقى أحد يصلي إلا دعا لك يقول سمع الله لمن حمده ". انتهى كلامه زيد اكرامه
(المقام الثاني) - في ما يستحب في الركوع وهي أمور: (منها) التكبير له
على المشهور بين الأصحاب، ونقل عن ابن أبي عقيل القول بوجوب تكبير الركوع
والسجود وهو اختيار سلار ونقله الشيخ في المبسوط عن بعض أصحابنا، وتردد فيه
المحقق في الشرائع ثم استظهر الندب.
قال في المدارك: منشأ التردد من ورود الأمر به في عدة أخبار كقول أبي جعفر
(عليه السلام) في صحيحة زرارة (3) " إذا أردت أن تركع فقل وأنت منتصب

(1) سورة البقرة، الآية 28
(2) الوسائل الباب 17 من الركوع
(3) الوسائل الباب 1 من الركوع
256

الله أكبر ثم اركع " وفي صحيحة أخرى له عنه (عليه السلام) (1) " ثم تكبر وتركع "
ومن أصالة البراءة من الوجوب، واشتمال ما فيه ذلك الأمر على كثير من المستحبات،
وموثقة أبي بصير (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أدنى ما يجزئ من التكبير
في الصلاة؟ قال تكبيرة واحدة " والمسألة محل اشكال إلا أن المعروف من مذهب الأصحاب
هو القول بالاستحباب. انتهى. وعلى هذا النهج كلام غيره أيضا.
أقول: لقائل أن يقول إن أصالة البراءة يجب الخروج عنها بالدليل وهو هنا
الأمر الذي هو حقيقة في الوجوب كما قرر في محله، واشتمال ما فيه ذلك الأمر على كثير من
المستحبات لا يستلزم حمل ذلك الأمر على الاستحباب إذ ليس هذا أحد قرائن المجاز فإن
كثيرا من الأخبار قد اشتمل على الصنفين المذكورين، وقيام الدليل على استحباب تلك
الأشياء المذكورة لا يقتضي استحباب ذلك في ما لا دليل فيه.
ويؤيد القول بالوجوب ما ذكره في كتاب الفقه الرضوي (3) حيث قال (عليه
السلام): " واعلم أن الصلاة ثلث وضوء وثلث ركوع وثلث سجود، وأن لها أربعة آلاف
حد، وأن فروضها عشرة: ثلاثة منها كبار وهي تكبيرة الاحرام والركوع والسجود،
وسبعة صغار وهي القراءة وتكبير الركوع وتكبير السجود وتسبيح الركوع وتسبيح السجود
والقنوت والتشهد، وبعض هذه أفضل من بعض ". انتهى.
وأما موثقة أبي بصير التي أوردها فظني أنها ليست على ما فهمه منها، فإن الظاهر أن السؤال في هذه الرواية إنما هو بالنسبة إلى التكبيرات الافتتاحية وأدنى ما يجزئ منها
لا تكبيرات الصلاة ليدخل فيه تكبير الركوع والسجود كما ظنه.
ومن هذا القبيل رواية أبي بصير أيضا عنه (عليه السلام) (4) قال: " إذا

(1) الوسائل الباب 2 من الركوع. واللفظ هكذا " وكبر ثم اركع: كما سيأتي منه
" قدس سره " ص 258 رقم 3
(2) الوسائل الباب 1 من تكبيرة الاحرام
(3) ص 8
(4) الوسائل الباب 7 من تكبيرة الاحرام
257

افتتحت الصلاة فكبر إن شئت واحدة وإن شئت ثلاثا وإن شئت خمسا وإن شئت
سبعا.. الحديث ".
وصحيحة الشحام (1) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الافتتاح؟
قال تكبيرة تجزئك. قلت فالسبع؟ قال ذلك الفضل ".
وهذا الرواية إنما خرجت هذا المخرج وأن كانت مجملة ليست كهذين الخبرين
في التقييد بالافتتاح ومقتضى المقام وقرائن الكلام يومئذ كانت ظاهره في ذلك ونحوه
في الأخبار غير عزيز.
وبالجملة فالمسألة غير خالية من الاشكال والاحتياط فيها مطلوب على كل حال، ولولا
اتفاق الأصحاب قديما وحديثا إلا ابن أبي عقيل - مع إمكان ارجاع كلامه إلى ما ذكروه -
لكان القول بالوجوب متعينا.
و (منها) - رفع اليدين بالتكبير قائما قبل الركوع حتى يحاذي أذنيه على نحو
ما تقدم تحقيقه في بحث تكبيرة الاحرام.
ويدل على ذلك قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة (2): " إذا أردت أن
تركع فقل وأنت منتصب: الله أكبر، ثم اركع وقل اللهم: لك ركعت.. الحديث ".
وفي صحيحته الأخرى عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) قال: قال " إذا أردت
أن تركع وتسجد فارفع يديك وكبر ثم اركع واسجد ".
وفي صحيحة حماد المتقدمة أول الباب (4) في وصف صلاة الصادق (عليه السلام)
" أنه رفع يديه حيال وجهه وقال الله أكبر وهو قائم ثم ركع ".
وقال الشيخ في الخلاف: ويجوز أن يهوي بالتكبير. قيل فإن أراد الجواز المطلق
فهو متجه وإن أراد المساواة في الفضيلة فهو ممنوع. ذكر ذلك جمع من المتأخرين.

(1) الوسائل الباب 1 من تكبيرة الاحرام
(2) الوسائل الباب 1 من الركوع
(3) الوسائل الباب 2 من الركوع
(4) ص 2
258

وقد تقدم نقل الخلاف في رفع اليدين في التكبير وجوبا واستحبابا وكذا الكلام
في نهاية الرفع وحده في الموضع المشار إليه آنفا.
فائدة
روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (1) قال: " رأيت أبا عبد الله
(عليه السلام) يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع وإذا سجد وإذا رفع رأسه
من السجود وإذا أراد أن يسجد الثانية ".
وعن ابن مسكان في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " في
الرجل يرفع يديه كلما أهوى للركوع والسجود وكلما رفع رأسه من ركوع أو سجود؟
قال هي العبودية ".
وقد وقع الخلاف في ما دل عليه هذان الخبران من رفع اليدين بعد الركوع
والسجود في موضعين:
(أحدهما) في ثبوته واستحبابه كما هو ظاهر الخبرين المذكورين وبه قال ابنا بابويه
وصاحب الفاخر ونفاه ابن أبي عقيل والمحقق والعلامة، وأكثرهم لم يتعرضوا لذلك
بنفي ولا اثبات، قال في المعتبر: رفع اليدين بالتكبير مستحب في كل رفع ووضع إلا في
الرفع من الركوع فإنه يقول " سمع الله لمن حمده " من غير تكبير ولا رفع يد وهو مذهب
علمائنا. انتهى. وقال الشهيد في الذكرى بعد نقل الخبرين المذكورين: لم أقف على
قائل باستحباب رفع اليدين عند الرفع من الركوع إلا ابني بابويه وصاحب الفاخر ونفاه ابن
أبي عقيل والفاضل وهو ظاهر ابن الجنيد، والأقرب استحبابه لصحة سند الخبرين وأصالة
الجواز وعموم " أن الرفع زينة الصلاة واستكانة من المصلي " (3) وحينئذ يبتدئ بالرفع عند

(1) الوسائل الباب 2 من الركوع
(2) الوسائل الباب 2 من الركوع
(3) الوسائل الباب 9 من تكبيرة الاحرام رقم " 11 " و " 14 " والباب 2 من
الركوع رقم " 3 " و " 4 " و " 8 "
259

ابتداء رفع الرأس وينتهي بانتهائه وعليه جماعة من العامة (1) انتهى. ونقل هذا الكلام
عن الذكرى في كتاب الحبل المتين ونفى عنه البأس، وظاهر المدارك أيضا إلى الميل إلى ذلك
و (ثانيهما) في التكبير مصاحبا للرفع فأثبته بعض الأصحاب ومنهم - المحدث السيد
نعمة الله الجزائري (قدس سره) في رسالته (التحفة) وادعى أن الخبرين المذكورين
صريحان في ذلك. وهو عجيب فإنهما كما عرفت لم يتضمنا إلا الرفع خاصة. وممن بالغ
في ذلك وأطال الاستدلال عليه شيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن الحاج صالح
البحراني في بعض أجوبة المسائل وادعى ما ادعاه السيد المزبور من ظهور الخبرين في
التكبير وادعى أيضا تصريح ابن بابويه وصاحب الفاخر بذلك. وأنت خبير بأن الخبرين
المذكورين لا دلالة فيهما على مما ادعياه كما عرفت، وأما كلام صاحب الفاخر فلا يحضرني
الآن، وأما كلام الصدوق في الفقيه فهو بهذه العبارة " ثم ارفع رأسك من الركوع
وارفع يديك واستو قائما ثم قل سمع الله لمن حمده والحمد لله رب العالمين، ثم ذكر الدعاء
إلى أن قال واهو إلى السجود. وهي كما ترى خالية من ذلك.
ومن ذلك يظهر أن الأقوال في المسألة ثلاثة (أحدها) نفي الرفع كما هو قول
ابن أبي عقيل ومن تبعه. و (ثانيها) اثباته كما دل عليه الخبران. و (ثالثها) القول
بالرفع وإضافة التكبير. والأول والثالث طرفا افراط وتفريط، لأن الأول فيه رد للحكم
مع وجود النص الصحيح الصريح الدال على ذلك، والثالث يتضمن زيادة ليس لها في
النص أثر، وأحسن الأمور وسطها.
والشيخ المحدث الصالح المشار إليه قد أطال في الاستدلال على ما ادعاه بما لا
مزيد طائل في التعرض إليه، وعمدة ما استدل به التلازم بين الرفع والتكبير، قال (قدس
سره): الأول أنه لما ثبت استحباب الرفع ثبت استحباب التكبير لعدم انفكاك الرفع
عن التكبير شرعا إذ لم يعهد من الشارع رفع بدون تكبير وإنما ذكر الملزوم وهو الرفع

(1) ص 50
260

مع إرادة التكبير لأن التكبير لازم للرفع تنبيها على تأكده ولزومه له بخلاف العكس. انتهى
وهذه الدعوى ممنوعة لعدم دليل على التلازم، ومجرد عدم وجود الرفع بدون
التكبير في غير هذه الصورة لا يصلح دليلا إذ هو محل النزاع، وهل هي إلا مصادرة على
المطلوب؟ وبالجملة فإن العبادات تشريعية دائرة مدار الورود عن صاحب الشرع ولا
مدخل للاستبعادات العقلية فيها، والذي ورد هو ما ترى من الرفع خاصة وما زاد
يتوقف على الدليل وليس فليس، بل لا يبعد أن الاتيان بالتكبير في الصورة المذكورة
تشريع لعدم ثبوت التعبد به.
وبالجملة فالظاهر هو القول الوسط من الأقوال الثلاثة المتقدمة، على أن احتمال
التقية في الخبرين المذكورين بالنسبة إلى هذا الحكم غير بعيد كما أشار إليه الشهيد في
الذكرى في ما قدمنا من عبارته، ويؤيد ذلك ما ذكره شيخنا المجلسي (قدس سره)
حيث قال بعد نقل كلام الذكرى: أقول: ميل أكثر العامة إلى استحباب الرفع (1) صار

(1) في فتح الباري ج 2 ص 149 باب (رفع اليدين إذا كبر وعند الركوع وإذا
رفع منه) قال " صنف البخاري في هذه المسألة جزء مفردا وحكى فيه أن الصحابة كانوا
يفعلون ذلك، وقال محمد بن نصر المروزي أجمع علماء الأمصار على مشروعية ذلك إلا أهل
الكوفة، وقال ابن عبد البر لم يرو أحد عن مالك ترك الرفع فيهما إلا ابن القاسم. ونقل
الخطابي والقرطبي أنه آخر قولي مالك وأصحهما ولم أر للمالكية دليلا على تركه. والحنفية
عولوا على رواية مجاهد أنه صلى خلف ابن عمر فلم يره يفعل ذلك.. إلى أن قال وقال
البخاري في جزئه من زعم أن رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه بدعة فقد طعن في
الصحابة فإنه لم يثبت عن أحد منهم تركه " وفي المغني ج 1 ص 497 " فإذا فرغ من القراءة
كبر للركوع ويرفع يديه كرفعه عند تكبيرة الاحرام، وبهذا قال ابن عمر وابن عباس
وجابر وأبو هريرة وابن الزبير وأنس والحسن وعطاء وطاووس ومجاهد وسالم وسعيد
ابن جبير وغيرهم من التابعين، وهو مذهب ابن المبارك والشافعي وإسحاق ومالك في إحدى
الروايتين عنه. وقال الثوري وأبو حنيفة لا يرفع يديه إلا في الافتتاح وهو قول
إبراهيم النخعي ".
261

سببا لرفع الاستحباب عند أكثرنا. انتهى. أقول ومن ذلك يعلم أنه لا يبعد حمل
الحكم المذكور على التقية حيث إنه لم يشتهر هذا الحكم في أخبارهم ولا بين متقدمي
أصحابهم (عليهم السلام).
ومما يؤيد ذلك ما وقفت عليه في كتاب المنتظم للشيخ أبي الفرج ابن الجوزي الحنبلي
في مقام الطعن على أبي حنيفة، حيث عد فيه جملة من المسائل التي خالف فيها أبو حنيفة
روايات الصحاح باجتهاده، وقد نقلت تلك المسائل في مقدمة كتاب سلاسل الحديد في
تقييد ابن أبي الحديد في جملة مطاعن أبي حنيفة، قال في كتاب المنتظم: الخامس - تعين
رفع اليدين في الركوع وعند الرفع منه وقال أبو حنيفة لا يسن، وفي الصحيحين (1)
من حديث ابن عمر " أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان إذا افتتح الصلاة رفع
يديه حتى يحاذي منكبيه وإذا أراد أن يركع وبعد ما يرفع رأسه من الركوع " إلى أن
قال: وقد رواه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نحو من عشرين صحابيا. انتهى.
أقول: لا يخفى أن تخصيص أبي حنيفة بالمخالفة في هذا الحكم مؤذن بشهرة الحكم عندهم
واتفاق من عداه على الحكم المذكور، وقد استفاضت الأخبار بمخالفة ما عليه العامة
والأخذ بخلافهم وإن كان في غير مقام تعارض الأخبار كما لا يخفى على من جاس خلال
الديار والتقط من لذيذ تلك الثمار. والله العالم.
ومنها - ما اشتملت عليه صحيحة حماد (2) من قوله: " ثم ركع وملأ كفيه من
ركبتيه منفرجات ورد ركبتيه إلى خلفه حتى استوى ظهره حتى لو صبت عليه قطرة من

(1) صحيح مسلم ج 1 ص 153 باب استحباب رفع اليدين مع تكبيرة الاحرام وعند
الركوع عن ابن عمر قال " كان رسول الله " ص " إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى تكونا
حذو منكبيه ثم كبر فإذا أراد أن يركع فعل مثل ذلك وإذا رفع من الركوع فعل مثل ذلك
ولا يفعله حين يرفع رأسه من السجود " ومثله في البخاري ج 1 ص 118.
(2) ص 2. وليس في كتب الحديث بعد ذكر الركوع " ثلاث مرات "
262

ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره، ومد عنقه وغمض عينيه ثم سبح ثلاثا بترتيل فقال
سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاث مرات) ثم استوى قائما فلما استمكن من القيام قال
" سمع الله لمن حمده " ثم كبر وهو قائم ورفع يديه حيال وجهه ثم سجد.. الحديث ".
وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " إذا أردت أن
تركع فقل وأنت منتصب " الله أكبر " ثم اركع وقل: اللهم لك ركعت ولك أسملت وبك
آمنت وعليك توكلت وأنت ربي خشع لك قلبي وسمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي
ودمي ومخي وعصبي وعظامي وما أقلته قدماي غير مستنكف ولا مستكبر ولا مستحسر
سبحان ربي العظيم وبحمده (ثلاث مرات في ترتيل) وتصف في ركوعك بين
قدميك تجعل بينهما قدر شبر، وتمكن راحتيك من ركبتيك وتضع يدك اليمنى على ركبتك
اليمنى قبل اليسرى، وبلع بأطراف أصابعك عين الركبة وفرج أصابعك إذا وضعتها على
ركبتيك، وأقم صلبك ومد عنقك وليكن نظرك بين قدميك، ثم قل: سمع الله لمن حمده
- وأنت منتصب قائم - الحمد لله رب العالمين أهل الجبروت والكبرياء والعظمة لله رب
العالمين. تجهر بها صوتك. ثم ترفع يديك بالتكبير ثم تخر ساجدا ".
وفي صحيح زرارة الآخر عن أبي جعفر (عليه السلام) المتقدم في صدر
الباب (2) " فإذا ركعت فصف في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر وتمكن راحتيك
من ركبتيك وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى وبلع بأطراف الأصابع
عين الركبة وفرج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك فإن وصلت اطرف أصابعك في
ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك، وأحب إلي أن تمكن كفيك من ركبتيك فتجعل
أصابعك في عين الركبة وتفرج بينها، وأقم صلبك ومد عنقك وليكن نظرك إلى ما بين
قدميك، فإذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير وخر ساجدا.. الحديث ".
وقال في كتاب الفقه الرضوي (3) " وإذا ركعت فألقم ركبتيك راحتيك وتفرج

(1) الوسائل الباب 1 من الركوع
(2) ص 3
(3) ص 7
263

بين أصابعك واقبض عليهما ".
وقال في موضع آخر (1): " فإذا ركعت فمد ظهرك ولا تنكس رأسك وقل في
ركوعك بعد التكبير: اللهم لك ركعت ولك خشعت وبك اعتصمت ولك أسلمت
وعليك توكلت أنت ربي خشع لك قلبي وسمعي وبصري وشعري وبشري ومخي
ولحمي ودمي وعصبي وعظامي وجميع جوارحي وما أقلت الأرض مني غير مستنكف ولا
مستكبر لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت سبحان ربي العظيم وبحمده (ثلاث
مرات) وإن شئت خمس مرات وإن شئت سبع مرات وإن شئت التسع فهو أفضل.
ويكون نظرك في وقت القراءة إلى موضع سجودك وفي الركوع بين رجليك ثم
اعتدل حتى يرجع كل عضو منك إلى موضعه وقل: سمع الله لمن حمده بالله أقوم واقعد
أهل الكبرياء والعظمة لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت ثم كبر واسجد ".
أقول: وفي هذا المقام فوائد (الأولى) ما دل عليه خبر حماد من استحباب
التغميض حال الركوع مناف لما دل عليه صحيحا زرارة من استحباب النظر إلى ما بين
القدمين، وكلامه (عليه السلام) في كتاب الفقه الرضوي، وربما جمع بينهما بالتخيير
وإلى ذلك أشار الشيخ (قدس سره) في النهاية حيث قال: وغمض عينيك فإن لم تفعل
فليكن نظرك إلى ما بين رجليك وقال في الذكرى: لا منافاة فإن الناظر إلى ما بين قدميه
تقرب صورته من صورة المغمض. وهذا الكلام محتمل لمعنيين (أحدهما) أن اطلاق
حماد التغميض على هذه الصورة الشبيهة به مجاز. و (ثانيهما) أن صورة الناظر إلى ما بين
قدميه لما كانت شبيهة بصورة المغمض ظن حماد أن الصادق (عليه السلام) كان مغمضا.
وهذان الاحتمالان ذكرهما في كتاب الحبل المتين واستظهر الأول منهما واستبعد الثاني.
(الثانية) - أن صريح خبر حماد أنه (عليه السلام) كبر للسجود قائما وظاهر
خبر زرارة كون التكبير حال الهوى للسجود، وأصرح منهما في ذلك ما رواه في الكافي

(1) ص 8
264

عن معلى بن خنيس عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال " سمعته يقول كان علي بن
الحسين (عليهما السلام) إذا هوى ساجدا انكب وهو يكبر " والجمع بالتخيير جيد وقال
في الذكرى: ولو كبر في هويه جاز وترك الأفضل. وهو مشكل بعد ورود الخبر كما عرفت.
وقال ابن أبي عقيل: يبدأ بالتكبير قائما ويكون انقضاء التكبير مع مستقره ساجدا. وخير
الشيخ في الخلاف بين هذا وبين التكبير قائما. وفيه تأييد لما ذكرناه من الجمع بين الأخبار
بالتخيير. إلا أن ما ذكره ابن أبي عقيل - من امتداد ذلك إلى أن يستقر ساجدا - فيه ما ذكره
بعضهم من أنه لا يستحب مده ليطابق الهوى لما ورد (2) " أن التكبير جزم " وقال في الذكرى:
ولا ينبغي مد التكبير قصدا لبقائه ذاكرا إلى تمام الهوى لما روى عن النبي (صلى الله
عليه وآله) (3) قال: " التكبير جزم " وبالجملة فإن غاية ما يدل عليه خبر المعلى أنه يكبر
هاويا، وأما امتداده إلى هذا المقدار فلا دلالة فيه عليه.
(الثالثة) - ظاهر الأخبار المذكورة بل صريحها أنه يأتي بالسمعلة بعد
الاستقرار قائما وهو المشهور في كلام الأصحاب، ونقل في الذكرى عن ظاهر كلام ابن
أبي عقيل وابن إدريس وصريح أبي الصلاح وابن زهرة أنه يقول " سمع الله لمن حمده "
في حال ارتفاعه وباقي الأذكار بعد انتصابه. وهو خال من المستند بل الأخبار - كما
ترى - صريحة في رده.
(الرابعة) - قد تضمنت صحيحة زرارة الأولى (4) بعد السمعلة: الحمد لله رب
العالمين.. إلى آخر الدعاء المذكور ثمة، وكذلك عبارة الفقه الرضوي بعد السمعلة:
بالله أقوم وأقعد.. إلى آخر ما هو مذكور ثمة، وهو ظاهر في العموم لجميع المصلين.
وقد نقل الفاضلان في المعتبر والمنتهى الاجماع على استحباب السمعلة للمصلي إماما كان
أو مأموما أو منفردا.

(1) الوسائل الباب 24 من السجود
(2) ص 37 وفي الوسائل الباب 15 من الأذان والإقامة
(3) ص 37
(4) ص 263
265

وفي صحيحة جميل المروية في الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) " قلت
ما يقول الرجل خلف الإمام إذا قال: سمع الله لمن حمده؟ قال يقول: الحمد لله رب العالمين
ويخفض من الصوت " وضمير " قال " يحتمل رجوعه إلى الإمام وحينئذ فالمستحب
للمأموم إنما هو " الحمد لله رب العالمين " خاصة فيمكن تخصيص الأخبار الأولة بها، ويحتمل
رجوعه إلى المأموم فيكون من قبيل الأخبار المتقدمة إلا أنه يقتصر في الذكر بعد السمعلة
على لفظ " الحمد لله رب العالمين " والظاهر أن الأول أقرب إلا أن فيه ما يوجب الخروج
عن الاجماع المدعى في المقام كما عرفت.
وقال في الذخيرة: ولو قيل باستحباب التحميد خاصة للمأموم لم يكن بعيدا لما
رواه الكليني عن جميل بن دراج في الصحيح، ثم ذكر الرواية. وفيه ما عرفت من
الاحتمالين في الرواية وكلامه لا يتم إلا على تقدير الاحتمال الأول، وفيه ما عرفت من
الخروج عن دعوى الاجماع المنقول.
ونقل في الذكرى عن الحسين بن سعيد أنه روى باسناده إلى أبي بصير عن الصادق
(عليه السلام) (2) أنه كان يقول بعد رفع رأسه " سمع الله لمن حمده الحمد لله رب العالمين الرحمن
الرحيم بحول الله وقوته أقوم وأقعد أهل الكبرياء والعظمة والجبروت " وروى أيضا باسناده
إلى محمد بن مسلم عنه (عليه السلام) (3) " إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده قال من خلفه
ربنا لك الحمد، وإن كان وحده إماما أو غيره قال: سمع الله لمن حمده الحمد الله رب العالمين "
ونقل المحقق في المعتبر عن الشيخ في الخلاف أن الإمام والمأموم يقولان: " الحمد
لله رب العالمين أهل الكبرياء والعظمة " بعد السمعلة، قال وهو مذهب علمائنا ثم نقل عن
الشافعي يقول الإمام والمأموم " ربنا ولك الحمد " وعن أحمد روايتان: إحداهما كما قال
الشافعي، والثانية لا يقولها المنفرد، وفي وجوبها عنه روايتان، وعن أبي حنيفة يقولها

(1) الوسائل الباب 17 من الركوع
(2) الوسائل الباب 17 من الركوع
(3) الوسائل الباب 17 من الركوع
266

المأموم دون الإمام (1) وأنكر في المعتبر ذلك مستندا إلى خلو أخبارنا منه وأن المنقول
فيها ما ذكره الشيخ. قال في الذكرى: والذي أنكره في المعتبر يدفعه قضية الأصل والخبر
حجة عليه وطريقه صحيح وإليه ذهب صاحب الفاخر واختاره ابن الجنيد ولم يقيده بالمأموم
أقول: الظاهر أن المحقق (قدس سره) لم يقف على الخبر الذي نقله في الذكرى
فيكون انكاره في محله لعدم وصول الخبر إليه والذي وصل إليه خال من ذلك، ويعضده
ما نقله في المدارك عن الشيخ أنه قال ولو قال " ربنا لك الحمد " لم تفسد صلاته لأنه نوع
تحميد لكن المنقول عن أهل البيت (عليهم السلام) أولى. فإنه مشعر بعدم وصول الرواية
له بذلك عن أهل البيت (عليهم السلام).
ثم أقول: من المحتمل قريبا حمل الخبر المذكور على التقية لموافقته لما عليه العامة
من استحباب هذا اللفظ وإليه يشير ما نقله في المدارك عن الشيخ (قدس سره) من
قوله " لكن المنقول عن أهل البيت أولى " والحمل على التقية لا يختص بوجود المعارض
كما عرفته غير مرة حسبما صرحت به أخبارهم (عليهم السلام).
ثم إن الخبر المنقول عندنا بلفظ " ربنا لك الحمد " بغير واو والعامة مختلفون في
ثبوتها وسقوطها بناء على اختلاف رواياتهم في ذلك، فمنهم من أسقطها لأنها زيادة لا معنى
لها وهو منقول عن الشافعي، والأكثر منهم على ثبوتها، وعلى تقدير ثبوتها فمنهم من
زعم أنها واو العطف ومنهم من زعم أنها مقحمة (2).
(الخامسة) - لا يخفى أن " سمع " من الأفعال المتعدية إلى المفعول بنفسها وعدي هنا
باللام تضمينا لمعنى (استحباب) فعدى بما يعدى به كما أن قوله تعالى " لا يسمعون إلى
الملأ الأعلى " (3) ضمن معنى الاصغاء أي يصغون فعدى ب‍ " إلى " قال في النهاية الأثيرية

(1) المغني ج 1 ص 508 و 510 والبحر الرائق ج 1 ص 316
(2) البحر الرائق ج 1 ص 316 وعمدة القارئ ج 3 ص 113 والمغني ج 1 ص 508
(3) سورة الصافات، الآية 8
267

" سمع الله لمن حمده " أي أجاب حمده وتقبله، يقال اسمع دعائي أي أجب لأن غرض السائل
الإجابة والقبول، ومنه الحديث " اللهم إني أعوذ بك من دعاء لا يسمع " أي لا يستجاب
ولا يعتد به فكأنه غير مسموع.
(السادسة) - قال في الذكرى: يستحب للإمام رفع صوته بالذكر في الركوع
والرفع ليعلم المأموم لما سبق من استحباب اسماع الإمام للمأمومين، أما المأموم فيسر
وأما المنفرد فمخير إلا التسميع فإنه جهر على اطلاق الرواية السالفة. انتهى. أقول: أشار
بالرواية إلى ما تقدم في صحيحة زرارة الأولى (1) من قوله " تجهر بها صوتك ".
(السابعة) - قال في الذكرى أيضا: ويجوز الصلاة على النبي (صلى الله عليه
وآله) في الركوع والسجود بل يستحب، ففي الصحيح عن عبد الله بن سنان (2) قال:
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يذكر النبي (صلى الله عليه وآله) وهو في
الصلاة المكتوبة أما راكعا أو ساجدا فيصلي عليه وهو على تلك الحال؟ فقال نعم
إن الصلاة على نبي الله كهيئة التكبير والتسبيح وهي عشر حسنات يبتدرها ثمانية عشر
ملكا أيهم يبلغها إياه " وعن الحلبي عنه (عليه السلام) (3) " كل ما ذكرت الله عز وجل
به والنبي (صلى الله عليه وآله) فهو من الصلاة ".
القول: روى الصدوق في كتاب ثواب الأعمال عن محمد بن أبي حمزة عن أبيه (4)
قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام) من قال في ركوعه وسجوده وقيامه: اللهم صل على
محمد وآل محمد، كتب الله له ذلك بمثل الركوع والسجود والقيام " ونحوه روى الشيخ
في التهذيب (5) إلا أن فيه " صلى الله عليه وآل محمد " وهذا الخبر هو الأليق

(1) ص 263
(2) الوسائل الباب 20 من الركوع
(3) الوسائل الباب 20 من الركوع
(4) الوسائل الباب 20 من الركوع
(5) هذه الرواية رواها الكليني في الكافي ج 1 من الفروع ص 89 ونقلها عنه في
الوافي باب الصلاة على النبي وآله " ص " وفي الوسائل في الباب 20 من الركوع ولم
ينقلاها عن التهذيب.
268

بالاستدلال على الحكم المذكور، إذ المدعى هو استحباب الصلاة ابتداء في هذه المواضع
والأخبار المذكورة إنما تدل على الاستحباب من حيث ذكره (صلى الله عليه وآله) بناء
على ما هو المشهور بينهم من استحباب الصلاة متى ذكر وإن كان الأظهر عندي القول
بالوجوب وهذا أمر عام لحال الركوع وغيره والمدعى إنما هو استحباب الصلاة في الركوع
وكذا في السجود والقيام كما دل عليه الخبر المذكور.
(الثامنة) - قد صرح جملة من الأصحاب بكراهة القراءة في الركوع
والسجود، قال في المنتهى لا تستحب القراءة في الركوع والسجود وهو وفاق لما رواه علي
(عليه السلام) " أن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى عن قراءة القرآن في الركوع
والسجود " رواه الجمهور (1) ولأنها عبادة فتستفاد كيفيتها من صاحب الشرع وقد ثبت
أنه لم يقرأ فيهما فلو كان مستحبا لنقل فعله، وقال: يستحب أن يدعو في ركوعه لأنه موضع
إجابة لكثرة الخضوع فيه. وقال في الدروس: يكره قراءة القرآن في الركوع والسجود.
وقال في الذكرى: كره الشيخ القراءة في الركوع وكذا يكره عنده في السجود والتشهد،
وقد روى العامة عن علي (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) (2) أنه قال:
" ألا إني نهيت أن أقرأ راكعا وساجدا " ولعله ثبت طريقه عند الشيخ (رحمه الله) وقد
روى في التهذيب قراءة المسبوق مع التقية في ركوعه (3) وروى عن عمار عن الصادق
(عليه السلام) (4) في الناسي حرفا من القرآن " لا يقرأ راكعا بل ساجدا ".

(1) صحيح الترمذي على هامش شرحه لابن العربي ج 2 ص 65 والمغني ج 1 ص 503
(2) سنن أبي داود ج 1 ص 232 رقم 876 عن ابن عباس عن النبي " ص "
(3) لم نقف على هذه الرواية بعد الفحص عنها في مظانها وقد صرح المصنف " قدس
سره " عند تعرضه للمسألة في صلاة الجماعة ص 256 بأنه لم يقف على مستند للقول بأن
المصلي خلف من لا يقتدي به يقرأ حال الركوع إذا ركع الإمام قبل اتمامه لفاتحة.
(4) الوسائل الباب 30 من القراءة و 8 من الركوع
269

أقول: ظاهر كلام أصحابنا في هذا المقام أنه لا سند لهذا الحكم في أخبارنا
ولذلك أن العلامة في المنتهى اقتصر على الخبر المنقول عن علي (عليه السلام) مع اعترافه
بكونه من روايات الجمهور، وإليه يشير أيضا قوله في الذكرى بعد اسناد الحكم إلى
الشيخ وتعقيبه بالخبر المذكور: " ولعله ثبت طريقه عند الشيخ ".
أقول: والذي وقفت عليه من أخبارنا في ذلك ما رواه الحميري في كتاب
قرب الإسناد عن أبي البختري عن الصادق عن أبيه عن علي (عليهم السلام) (1) قال: " لا
قراءة في ركوع ولا سجود إنما فيهما المدحة لله عز وجل ثم المسألة فابتدئوا قبل المسألة
بالمدحة لله عز وجل ثم اسألوا بعدها ".
وما رواه في الخصال عن السكوني عن الصادق عن آبائه عن علي (عليهم السلام) (2)
قال: " سبعة لا يقرأون القرآن: الراكع والساجد وفي الكنيف وفي الحمام والجنب
والنفساء والحائض ".
أقول: ما اشتمل عليه الخبر الأول من استحباب الدعاء في الركوع قد صرح
به ابن الجنيد فقال: لا بأس بالدعاء فيهما - يعني الركوع والسجود - لأمر الدين والدنيا
من غير أن يرفع يديه في الركوع عن ركبتيه ولا عن الأرض في سجوده.
وروى في كتاب معاني الأخبار عن محمد بن هارون الزنجاني عن علي بن
عبد العزيز عن القاسم بن سلام رفعه (3) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
إني قد نهيت عن القراءة في الركوع والسجود، فأما الركوع فعظموا الله فيه وأما السجود
فأكثروا فيه الدعاء فإنه قمن أن يستجاب لكم ".
أقول: والذي يقرب في الخاطر الفاتر أن أصل هذا الحكم إنما هو من

(1) الوسائل الباب 8 من الركوع.
(2) الوسائل الباب 47 من قراءة القرآن
(3) الوسائل الباب 8 من الركوع.
270

العامة (1) وأن هذه الأخبار خرجت مخرج التقية، ويعضدها أن رواتها رجال العامة،
وأن هذا الحكم إنما ذكره المتأخرون واشتهر بينهم ولا وجود له في كلام المتقدمين في ما
أظن، وقد عرفت أن أصحابنا القائلين بذلك أنما استندوا إلى ذلك الخبر العامي وهذا
الخبر الأخير يشير إليه أيضا، وكيف كان فالاحتياط في ترك ذلك.
(التاسعة) - قال في الذكرى: ظاهر الشيخ وابن الجنيد وكثير أن السبع نهاية
الكمال في التسبيح وفي رواية هشام (2) إشارة إليه، لكن روى حمزة بن حمران
والحسن بن زياد، ثم نقل الخبر وقد تقدم في الموضع الثاني من المقام الأول (3) ثم نقل
رواية أبان بن تغلب المنقولة ثمة، ثم قال قال في المعتبر الوجه استحباب ما لا يحصل معه
السأم إلا أن يكون إماما. وهو حسن. ولو علم من المأمومين حب الإطالة استحب
له أيضا التكرار.
أقول: أشار برواية هشام إلى الخبر الأول من الأخبار المتقدمة في الموضع الثاني
من المقام الأول (4) المصرحة بأن السنة ثلاث والفضل في سبع، وظاهر عبارة كتاب الفقه
المتقدمة أن الفضل في التسع، والجمع بين الأخبار لا يخلو من اشكال إلا أن المقام
مقام استحباب.
(العاشرة) - روى الحميري في كتاب قرب الإسناد بسنده عن علي بن
جعفر (5) ورواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى (عليه السلام) (6) قال:
" سألته عن تفريج الأصابع في الركوع أسنة هو؟ قال من شاء فعل ومن شاء ترك "

(1) المغني ج 1 ص 503 " يكره أن يقرأ في الركوع والسجود لما روي عن علي " ع "
أن النبي (ص) نهى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود " وفي بداية المجتهد لابن رشد
ج 1 ص 117 " اتفق الجمهور على منع قراءة القرآن في الركوع والسجود لحديث
علي (ع) في ذلك، إلى أن قال: وصار قوم من التابعين إلى جواز ذلك ".
(2) ص 248
(3) 250
(4) ص 248
(5) الوسائل الباب 22 من الركوع
(6) الوسائل الباب 22 من الركوع
271

وربما أشعر هذا الخبر بأن تفريج الأصابع ليس بسنة حال الركوع مع دلالة
الأخبار المتقدمة وغيرها على استحبابه، ولعل المراد أنه ليس بسنة مؤكدة، أوليس من
الواجبات التي علمت من جهة السنة، وبالجملة فالواجب ارتكاب التأويل في الخبر وإن
بعد لكثرة الأخبار الدالة على استحباب ذلك مع اعتضادها بفتوى الأصحاب.
وقال في المنتهى: يستحب للمصلي وضع الكفين على عيني الركبتين مفرجات
الأصابع عند الركوع، وهو مذهب العلماء كافة إلا ما روي عن ابن مسعود (1) أنه
كان إذا ركع طبق يديه وجعلهما بين ركبتيه.
وفي الذكرى عد التطبيق من مكروهات الركوع قال: ولا يحرم على الأقرب
وهو قول أبي الصلاح والفاضلين، وظاهر الخلاف وابن الجنيد التحريم، وحينئذ يمكن
البطلان للنهي عن العبادة والصحة لأن النهي عن وصف خارج.
أقول: لم أقف في الأخبار على نهي عن ذلك بل ولا ذكر لهذه المسألة بنفي أو
اثبات فالقول بالتحريم وما فرع عليه من البطلان لا أعرف له وجها.
(الحادية عشرة) - قد عد جملة من الأصحاب: منهم - الشيخ (عطر الله
مرقده) ومن تأخر عنه من مكروهات الركوع أن يركع ويداه تحت ثيابه، وقالوا يستحب
أن تكونا بارزتين أو في كمه. وقال ابن الجنيد لو ركع ويداه تحت ثيابه جاز ذلك إذا
كان عليه مئزر أو سراويل.
ويمكن الاستدلال على ما ذكروه برواية عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
" في الرجل يصلي فيدخل يده تحت ثوبه؟ قال إن كان عليه ثوب آخر إزار أو سراويل
فلا بأس ".
ونقل عن أبي الصلاح أنه قال: يكره إدخال اليدين في الكمين أو تحت الثياب.
وأطلق، ويدفعه ما رواه محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) (3)

(1) المغني ج 1 ص 499
(2) الوسائل الباب 40 من لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 40 من لباس المصلي
272

قال: " سألته عن الرجل يصلي ولا يخرج يديه من ثوبه؟ قال إن أخرج يديه فحسن
وإن لم يخرج فلا بأس ".
(الثانية عشرة) - روى في مستطرفات السرائر من كتاب الحسن بن محبوب
عن بريد العجلي (1) قال: " قلت لأبي جعفر (عليه السلام) أيهما أفضل في الصلاة كثرة
القراءة أو طول اللبث في الركوع والسجود؟ قال فقال كثرة اللبث في الركوع والسجود
في الصلاة أفضل، أما تسمع لقول الله تعالى " فاقرأوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة " (2)
إنما عنى بإقامة الصلاة طول اللبث في الركوع والسجود. قلت فأيهما أفضل كثرة القراءة
أو كثرة الدعاء؟ فقال كثرة الدعاء أفضل أما تسمع لقوله تعالى لنبيه (صلى الله عليه
وآله): قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم " (3). الفصل السادس في السجود
وهو لغة الخضوع والانحناء وشرعا عبارة عن وضع الجبهة على الأرض أو ما
أنبتت مما لا يؤكل ولا يلبس، فهو خضوع وانحناء خاص فيكون مجازا لغويا أو حقيقة
شرعية، والسجدة بالفتح الواحدة وبالكسر الاسم.
ووجوبه في الصلاة ثابت بالنص والاجماع، قال الله تعالى " اركعوا واسجدوا " (4)
وقد تقدمت جملة من الأخبار في سابق هذا الفصل دالة على وجوبه وركنيته في الصلاة.
ويجب في كل ركعة سجدتان هما ركن في الصلاة تبطل بالاخلال بهما في الركعة
الواحدة عمدا وسهوا، وقال في المعتبر إنه مذهب العلماء. قال في المدارك: والوجه
فيه أن الاخلال بالسجود مقتض لعدم الاتيان بالمأمور به على وجهه فيبقى المكلف تحت
العهدة إلى أن يتحقق الامتثال.

(1) الوسائل الباب 26 من الركوع
(2) سورة المزمل، الآية 20
(3) سورة الفرقان، الآية 77
(4) سورة الحج، الآية 76
273

ويدل عليه صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) " لا تعاد الصلاة
إلا من خمسة: الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود ".
ويظهر من كلام الشيخ في المبسوط أنهما ركن في الأوليين وثالثة المغرب بناء
على أن ناسيهما في الركعتين الأخيرتين من الرباعية يحذف الركوع ويعود إليهما. وسيجئ
تحقيق البحث في ذلك في محله من أحكام السهو.
والمشهور بين الأصحاب أن الركن من السجود هو مجموع السجدتين. وأورد
عليه لزوم بطلان الصلاة بفوات السجدة الواحدة لفوات المجموع بفوات الجزء وهو
خلاف النص والفتوى.
وأجاب الشهيد (قدس سره) بأن الركن مسمى السجود وهو الأمر الكلي
الصادق بالواحدة ومجموعهما ولا يتحقق الاخلال به إلا بتركهما معا لحصول المسمى بالواحدة
وفيه (أولا) أن فيه خروجا عن محل البحث فإن الكلام مبني على كون الركن
مجموع السجدتين كما هو المدعى أولا لا أن الركن المسمى فإنه قول آخر. و (ثانيا) لزوم
البطلان أيضا بزيادة السجدة الواحدة لحصول المسمى. وهو خلاف النص والفتوى.
والتحقيق أنه لا مناص في الجواب بعد القول بركنية المجموع إلا باستثناء هذا
الفرد الذي ذكرنا من القاعدة لدلالة النصوص على صحة الصلاة مع فوات السجدة سهوا
وكذا لو قلنا بأن الركن المسمى يكون زيادة السجدة الواحدة سهوا مستثنى من القاعدة
بالنص، وله نظائر كثيرة كما لو سبق المأموم إمامه بالركوع سهوا فإنه يرفع ويعيد
معه، ونحو ذلك.
وأما ما يدل من النصوص على صحة الصلاة مع نقصان السجدة فأخبار عديدة:
منها - صحيحة إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) " في رجل

(1) الوسائل الباب 29 من القراءة و 10 من الركوع
(2) الوسائل الباب 14 من السجود
274

نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام فذكر وهو قائم أنه لم يسجد؟ قال فليسجد
ما لم يركع فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنه لم يسجد فليمض في صلاته حتى يسلم ثم
يسجدها فإنها قضاء ".
وصحيحة عبد الله بن مسكان عن أبي بصير (1) - وهو ليث المرادي بقرينة رواية
عبد الله بن مسكان عنه - قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عمن نسي أن يسجد
سجدة واحدة فذكرها وهو قائم؟ قال يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع فإن كان قد
ركع فليمض على صلاته فإذا انصرف قضاها وحدها وليس عليه سهو " ونحوهما غيرهما كما
سيأتي إن شاء الله تعالى في باب السهو.
وذهب ابن أبي عقيل - على ما نقل عنه - إلى ركنية السجدة الواحدة وأن الصلاة
تبطل بالاخلال بها ولو سهوا استنادا إلى رواية المعلي بن خنيس (2) قال: " سألت
أبا الحسن الماضي (عليه السلام) في الرجل ينسى السجدة من صلاته؟ قال إذا ذكرها قبل
ركوعه سجدها وبنى على صلاته ثم سجد سجدتي السهو بعد انصرافه، وإن ذكرها بعد
ركوعه أعاد الصلاة. ونسيان السجدة في الأوليين الأخيرتين سواء ".
والجواب المعارضة بما هو أصح سندا وأكثر عددا وأصرح دلالة، مع أن في
رواية المعلى بن خنيس عن الكاظم (عليه السلام) اشكالا لم أقف على من تنبه له في
هذا المقام، فإن المعلى بن خنيس قتل في زمن الصادق (عليه السلام) وقضيته مشهورة
فكيف روى عن الكاظم (عليه السلام) (3) ولا سيما بهذه العبارة المشعرة بتأخره
عن الكاظم (عليه السلام) لأن قوله " سألت أبا الحسن الماضي " يدل على أن هذا
الأخبار بعد مضيه وموته (عليه السلام).

(1) الوسائل الباب 14 من السجود
(2) الوسائل الباب 14 من السجود
(3) ذكر بعضهم في وجه ذلك احتمال روايته عنه " ع " في زمان أبيه " ع " فإنه قتل
وللكاظم " ع " ست أو سبع سنين كما يحتمل أن يكون لفظ (الماضي) من زيادة الرواة
275

إذا عرفت ذلك فاعلم أن السجود يشتمل على الواجب والمستحب وأن له أحكاما
تتعلق به، وحينئذ فتحقيق الكلام فيه يتوقف على بسطه في مقامات ثلاثة:
(الأول) - في واجباته وهي أمور: (أحدها) أنه يجب السجود على سبعة
أعظم: الجبهة والكفين والركبتين وإبهامي الرجلين، هذا هو المشهور بل قيل إنه
لا خلاف فيه، وفي التذكرة أنه مذهب علمائنا أجمع، مؤذنا بدعوى الاجماع عليه.
ونقل عن المرتضى أنه جعل عوض الكفين المفصل عند الزندين. أقول وبذلك
صرح ابن إدريس في السرائر، قال: ويكون السجود على سبعة أعظم: الجبهة ومفصل
الكفين عند الزندين وعظمي الركبتين وطرفي ابهامي الرجلين، والارغام بطرف الأنف
مما يلي الحاجبين من السنن الأكيدة. انتهى.
والذي يدل على القول المشهور من الأخبار ما رواه الشيخ عن زرارة في
الصحيح (1) قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
السجود على سبعة أعظم: الجبهة واليدين والركبتين والإبهامين، وترغم بأنفك ارغاما،
فأما الفرض فهذه السبعة وأما الارغام بالأنف فسنة من النبي صلى الله عليه وآله "
وما تقدم (2) في صحيحة حماد بن عيسى من قوله " وسجد على ثمانية أعظم:
الكفين والركبتين وأنامل ابهامي الرجلين والجبهة والأنف، وقال سبعة منها فرض
يسجد عليها وهي التي ذكرها الله عز وجل في كتابه فقال: " وأن المساجد لله فلا تدعوا مع
الله أحدا " (3) وهي الجبهة والكفان والركبتان والإبهامان ووضع الأنف على الأرض سنة "
وما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الإسناد عن محمد بن عيسى
عن عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (4) قال: " يسجد
ابن آدم على سبعة أعظم: يديه ورجليه وركبتيه وجبهته ".

(1) الوسائل الباب 4 من السجود
(2) ص 2
(3) سورة الجن الآية 18
(4) الوسائل الباب 4 من السجود
276

وروى الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب مجمع البيان (1) قال: " روي أن
المعتصم سأل أبا جعفر محمد بن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) عن قوله تعالى: وأن
المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا؟ فقال هي الأعضاء السبعة التي يسجد عليها ".
أقول: وهذه الرواية التي أشار إليها في كتاب مجمع البيان هي ما رواه العياشي
عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) (2) " أنه سأله المعتصم عن السارق من أي موضع
يجب أن تقطع يده؟ فقال إن القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكف.
قال وما الحجة في ذلك؟ قال قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) السجود على سبعة
أعضاء: الوجه واليدين والركبتين والرجلين. فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق
لم يبق له يد يسجد عليها، وقال الله " وأن المساجد لله - يعني به هذه الأعضاء السبعة التي
يسجد عليها - فلا تدعوا مع الله أحدا " وما كان لله فلا يقطع.. الخبر ".
وفي كتاب الفقيه (3) في وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) لابنه محمد بن الحنفية
" قال الله وأن المساجد لله.. يعني بالمساجد الوجه واليدين والركبتين والإبهامين ".
وأما القول الآخر فلم نقف له على دليل وبذلك صرح في المدارك أيضا فقال ولم
نقف للمرتضى في اعتبار المفصل على حجة.
فوائد
(الأولى) - الظاهر من كلام الأصحاب من غير خلاف يعرف أنه يكفي
في ما عد الجبهة من هذه الأشياء المعدودة ما يصدق به الاسم ولا يجب الاستيعاب، قال
في المدارك: ولا نعرف فيه خلافا. وقال في الذخيرة: ولم نجد قائلا بخلاف ذلك، ثم
قال ويدل عليه حصول الامتثال بذلك وعموم صحيحة زرارة المشتملة على حصر ما تعاد

(1) الوسائل الباب 4 من السجود
(2) مستدرك الوسائل الباب 4 من السجود وفي الوسائل الباب 4 من حد السرقة
(3) ج 2 ص 381 طبع النجف وفي البحار ج 18 الصلاة ص 261
277

منه الصلاة (1) مضافا إلى الأصل. انتهى.
والعجب أن العلامة مع تصريحه في أكثر كتبه بهذا الحكم تردد في المنتهى في
الكفين فقال هل يجب استيعاب جميع الكف بالسجود؟ عندي فيه تردد، والحمل
على الجبهة يحتاج إلى دليل لورود النص في خصوصية الجبهة، والتعدي بالاجزاء في البعض
يحتاج إلى دليل.
(الثانية) - هل يجوز السجود على ظاهر الكفين؟ اطلاق الأخبار يدل على
ذلك لأنها وردت بلفظ اليدين في بعض والكفين في آخر، إلا أن المفهوم والمتبادر إنما هو
بطن الكفين، وقد عرفت في غير موضع مما تقدم أن اطلاق الأخبار يجب حمله على
الأفراد المعهودة الشائعة المتكثرة، وحينئذ يجب تقييد اطلاق الأخبار بذلك.
وقال في المدارك: والاعتبار في الكفين بباطنهما للتأسي. وفيه ما عرفت في غير
مقام وبه صرح هو في غير موضع من أن التأسي لا يصلح أن يكون دليلا للوجوب في
حكم من الأحكام.
وصرح العلامة في النهاية والشهيدان بعدم الاجتزاء بالظاهر، ونقله في الذكرى
عن الأكثر، ونقل في النهاية عن ظاهر علمائنا إلا المرتضى وجوب تلقي الأرض بباطن
راحتيه. وفي المنتهى لو جعل ظهور كفيه إلى الأرض وسجد عليها ففي الاجزاء نظر،
أما ظاهر الإبهامين في الرجلين لو سجد عليهما فالأقرب عندي الجواز. انتهى.
(الثالثة) - الظاهر الاكتفاء في الإبهامين بالظاهر والباطن لاطلاق الأخبار
وإن كان السجود على رؤوسهما أفضل لظاهر خبر حماد، وقد تقدم في عبارة ابن إدريس
التصريح بطرفي ابهامي الرجلين والظاهر أنه أراد به الاستحباب.
وقال الشيخ في المبسوط: إن وضع بعض أصابع رجليه أجزأه. وقال ابن زهرة
يسجد على أطراف القدمين. وقال أبو الصلاح أطراف أصابع الرجلين. ونقل في

(1) ص 274
278

الذكرى عن نهاية الشيخ ذكر الإبهامين في هذا المقام ورؤوس الأصابع في باب التحنيط
وجمع بينهما، قال في النكت لما كانت المساجد لا تنفك أن يجامعها في السجود غيرها مسح
عليه وإن لم يجب السجود عليه، وتسمى مساجد لاتفاق السجود عليها لا لوجوبه. ثم إنه
قال في الذكرى: والوجه تعين الإبهامين نعم لو تعذر السجود عليهما لعدمهما أو لقصرهما
أجزأ على بقية الأصابع. انتهى.
القول: لا يخفى أن أخبار المسألة بعض منها بلفظ الإبهامين وآخر بلفظ الرجلين،
وحمل مطلقها على مقيدها يقتضي القول بالإبهامين، وحينئذ فلا وجه للقول الآخر
ولا دليل عليه.
(الرابعة) - قالوا ويجب الاعتماد على مواضع الأعضاء بالقاء ثقله عليها فلو
تحامل عنها لم يجزئ. وعلل بأن الطمأنينة لا تحصل بهذا القدر.
أقول: الظاهر أن الوجه فيه إنما هو من حيث كون ذلك هو المتبادر من الأمر
بالسجود على الأعضاء.
ويؤيده ما تقدم في صحيحة علي بن يقطين عن الكاظم (عليه السلام) (1)
قال: " وتجزئك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض ".
ورواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) (2) قال:
" سألته عن الرجل يسجد على الحصى ولا يمكن جبهته من الأرض؟ قال يحرك جبهته
حتى يتمكن فينحي الحصى عن جبهته ولا يرفع جبهته ".
ويعضده أنه الأوفق بالاحتياط، فلو سجد على مثل الصوف والقطن وجب أن
يعتمد عليه حتى تثبت الأعضاء إن أمكن وإلا فلا يصلي عليه إلا أن يتعذر غيره، ولا
يجب المبالغة في الاعتماد بحيث يزيد على قدر ثقل الأعضاء.
(الخامسة) - قيل يجب أن يجافي بطنه عن الأرض فلو أكب على وجهه ومد

(1) الوسائل الباب 4 من الركوع
(2) الوسائل الباب 8 من السجود
279

يديه ورجليه ووضع جبهته على الأرض منبطحا لم يجزئه على ما صرح به العلامة وغيره
لأنه لا يسمى ذلك سجودا. أقول: إن عدم الاجزاء في الصورة المذكورة ليس من عدم مجافاة البطن عن
الأرض بل من حيث إن هذه الهيئة والكيفية لا تسمى سجودا وإنما تسمى نوما على
وجهه أو انبطاحا، أما لو لصق بطنه بالأرض مع كونه على هيئة الساجد مع وضع باقي المساجد
على كيفيتها الواجبة فيها فالظاهر الصحة وإن كان خلاف الأفضل.
(الثاني) - وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، وقد تقدم تحقيق ما يجوز
السجود عليه وما لا يجوز السجود عليه في المسألة السادسة من المقدمة السادسة في المكان (1)
وملخص ذلك هو الأرض أو ما أنبتت مما لا يؤكل ولا يلبس إلا القرطاس خاصة
أو ما أوجبته الضرورة، وحينئذ فلو سجد على كور عمامته لم يجزئ لكونه مما يلبس
وأطلق الشيخ في المبسوط المنع من السجود على ما هو حامل له ككور العمامة، قال في
الذكرى: فإن قصد لكونه من جنس ما لا يسجد عليه فمرحبا بالوفاق، وإن جعل المانع
نفس الحمل كمذهب العامة (2) طولب بدليل المنع.
واختلف الأصحاب هنا في ما يجب وضعه على الأرض ونحوها من الجبهة فالمشهور
الاكتفاء بالمسمى وما يصدق به الاسم كغيرها من الأفراد الأخر، وقال الصدوق في
موضعين من الفقيه وابن إدريس بتحديده بقدر الدرهم.
ومما يدل على القول المشهور ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن أحدهما
(عليهما السلام) (3) قال: " قلت له الرجل يسجد وعليه قلنسوة أو عمامة؟ فقال إذا
مس شئ من جبهته الأرض في ما بين حاجبيه وقصاص شعره فقد أجزأ عنه ".
وعن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: " ما بين قصاص الشعر
إلى طرف الأنف مسجد أي ذلك أصبت به الأرض أجزأك ".

(1) ج 7 ص 245
(2) ج 7 ص 258
(3) الوسائل الباب 9 من السجود
(4) الوسائل الباب 9 من السجود
280

وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن أبي جعفر (عليه
السلام) (1) قال: " الجبهة كلها من قصاص عشر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود
فأيما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك مقدار الدرهم ومقدار طرف الأنملة ".
وما رواه في التهذيب عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال: " سألته
عن حد السجود؟ قال ما بين قصاص الشعر إلى موضع الحاجب ما وضعت منه أجزأك "
وعن بريد بن معاوية عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) قال: " الجبهة إلى
الأنف أي ذلك أصبت به الأرض في السجود أجزأك والسجود عليه كله أفضل ".
وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (4)
قال: " سألته عن المريض كيف يسجد؟ فقال على خمرة أو على مروحة أو على سواك
يرفعه إليه وهو أفضل من الايماء، إنما كره من كره السجود على المروحة من أجل
الأوثان التي كانت تعبد من دون الله وإنا لم نعبد غير الله قط فاسجدوا على المروحة
وعلى السواك وعلى عود ".
ولم نقف للقول الآخر على دليل معتمد، قيل لعل مستند ابن بابويه وابن إدريس
وما رواه الكليني في الحسن عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام).. ثم ذكر رواية زرارة
الثانية ثم قال: وغالب استعمال الاجزاء في أقل الواجب، ثم أجاب بأن طرف الأنملة أقل
من مقدار الدرهم فلا دلالة فيها على المدعى بل هي بالدلالة على نقيضه أشبه، سلمنا لكنها
محمولة على الفضيلة جمعا بين الأدلة. انتهى. وهو جيد.
وبذلك قطع الشهيد في الذكرى في باب المكان ثم رجع عنه في هذا المقام، فقال
والأقرب أن لا ينقص في الجبهة عن درهم لتصريح الخبر وكثير من الأصحاب به فيحمل
المطلق من الأخبار وكلام الأصحاب على المقيد.

(1) الوسائل الباب 9 من السجود
(2) الوسائل الباب 9 من السجود
(3) الوسائل الباب 9 من السجود
(4) الوسائل الباب 15 من ما يسجد عليه.
281

وفيه أولا أن الكثير من الأصحاب إنما قالوا بالمسمى ولم ينقل القول بمقدار
الدرهم إلا عن ابن بابويه وابن إدريس و (ثانيا) أن ما ذكره من الحمل جيد لو وجد
ما يدل على القول بالدرهم ولم نقف في الباب إلا على رواية زرارة الثانية وقد عرفت
اشتمالها على ما ينافي ذلك من قوله " ومقدار طرف الأنملة " وحينئذ فلا بد من حمل قوله
فيها " أجزأك مقدار الدرهم " على الفضل والاستحباب وإلا فلو حمل على وجوبه وتعينه
لم يكن لقوله بعده " ومقدار طرف الأنملة " معنى بل يلزم اشتمال الخبر على حكمين متناقضين
كما لا يخفى. وبه يظهر أنه لا دليل للقول المذكور وأن المعتمد هو القول المشهور.
وربما يتوهم الاستناد في ذلك إلى ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر
عن أخيه موسى (عليه السلام) (1) قال: " سألته عن المرأة تطول قصتها فإذا سجدت وقع
بعض جبهتها على الأرض وبعض يغطيه الشعر هل يجوز ذلك؟ قال لا حتى تضع جبهتها على
الأرض " وهذه الرواية في الحقيقة غير دالة على ذلك إذ لا تعرض فيها لذكر الدرهم
بوجه وإنما غاية ما تدل عليه هو وضع الجبهة كملا وهو مما وقع الاتفاق على عدم وجوبه
والأخبار المتقدمة صريحة في خلافه فلا بد من حملها على وجه الفضل والاستحباب كما
صرح به جملة من الأصحاب.
والتحقيق عندي في هذا المقام أن الصدوق (رضي الله عنه) لم يستند في ما
ذهب إليه من هذا القول المنقول عنه هنا إلى شئ من هذه الأخبار التي تكلفوها
مستندا له، وإنما مستنده في ذلك كتاب الفقه الرضوي على النهج الذي عرفته في غير مقام
إلا أنه مع ذلك لا يخلو من الاشكال، وتفصيل هذا الاجمال هو أن يقال لا ريب أن
الصدوق في كتاب الفقيه قد ذكر هذه المسألة في موضعين (أحدهما) في باب (ما يسجد
عليه وما لا يسجد عليه) فإنه نقل في هذا الباب عن أبيه في رسالته إليه قال: وقال أبي
في رسالته إلي: اسجد على الأرض أو على ما أنبتت، وساق كلامه إلى أن قال: ويجزئك في

(1) الوسائل الباب 14 من ما يسجد عليه
282

موضع الجبهة من قصاص الشعر إلى الحاجبين مقدار درهم.. إلى آخره، ثم نقل في
الباب أيضا صحيحة زرارة المشتملة على اجزاء قدر الدرهم ومقدار طرف الأنملة (1)، ثم
نقل أيضا رواية عمار المتقدمة (2) الدالة على أن ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف
مسجد فما أصاب الأرض منه فقد أجزأك. و (ثانيهما) في باب (وصف الصلاة من
فاتحتها إلى خاتمتها) فإنه قال فيه أيضا: ويجزئك في موضع الجبهة من قصاص الشعر إلى
الحاجبين مقدار درهم. وهذه عين العبارة المتقدمة التي نقلها عن أبيه في رسالته إليه.
ولا يخفى أن هذه العبارة وما بعدها من الكلام كله مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي على
النهج الذي قدمنا ذكره في غير مقام وسيأتي أمثاله إن شاء الله تعالى في جملة من الأحكام
ومنه يعلم أن مستند الصدوقين إنما هو الكتاب المذكور، والأصحاب لعدم اطلاعهم
على ما ذكرناه تكلفوا لهم الاستدلال بهذه الأخبار وقد عرفت أنها غير صالحة للدلالة.
بقي هنا شئ وهو أن الأصحاب ينسبون إلى الصدوق في الفقيه المذاهب في المسائل
الشرعية بنقله الروايات، وقد عرفت أنه بعد ذكر ما نقله من والده المؤذن بافتائه به كما
نسبوه إليه نقل أيضا صحيحة زرارة وموثقة عمار الظاهرتين - ولا سيما الثانية - في
الاكتفاء بالمسمى ولم يتعرض للقدح فيهما ولا الجواب عنهما مع أنهما في مخالفة ما ذكره
أولا ظاهرتان كما عرفت آنفا، وبالجملة فإن نقل القول عنه بذلك مع نقله الخبرين
المذكورين لا يخلو من اشكال. والله العالم.
(الثالث) - أن ينحني حتى يساوي موضع جبهته موقفه إلا أن يكون العلو
يسيرا بقدر لبنة بفتح اللام وكسر الباء وبكسر اللام وسكون الباء، والمراد بها ما كانت
معتادة في زمن الأئمة (عليهم السلام) وقدرها الأصحاب بأربع أصابع تقريبا، ويؤبده
اللبن الموجود الآن في أبنية بني العباس في سر من رأى فإن الآجر الذي في أبنيتها
بهذا المقدار تقريبا.

(1) تقدمت ص 281
(2) ص 280
283

وأسند هذا التحديد أعني تحديد العلو الجائز باللبنة في المعتبر والمنتهى إلى الشيخ
(قدس سره) ثم قال في المنتهى " وهو مذهب علمائنا " مؤذنا بدعوى الاجماع عليه،
وكذا أسنده في الذكرى إلى الأصحاب، قال في المعتبر: لا يجوز أن يكون موضع السجود
أعلى من موقف المصلي بما يعتد به مع الاختيار وعليه علماؤنا لأنه يخرج بذلك عن الهيئة
المنقولة عن صاحب الشرع.
أقول: ويدل على ما ذكروه من التحديد باللبنة ما رواه الشيخ عن عبد الله بن
سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " سألته عن السجود على الأرض المرتفعة
فقال إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس " ومفهومه
ثبوت البأس مع الزيادة على قدر اللبنة، ومفهوم الشرط حجة شرعية كما تقدم تحقيقه في
مقدمات كتاب الطهارة.
واعترض هذه الرواية في المدارك فقال إنه يمكن المناقشة في سند الرواية بأن من
جملة رجالها النهدي وهو مشترك بين جماعة منهم من لم يثبت توثيقه، مع أن عبد الله بن سنان
روى في الصحيح (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن موضع جبهة
الساجد أيكون أرفع من مقامه؟ قال لا وليكن مستويا " ومقتضاها المنع من الارتفاع
مطلقا، وتقييدها بالرواية الأولى مشكل، انتهى.
أقول: فيه أن الظاهر أن النهدي الذي في سند هذه الرواية هو الهيثم بن أبي مسروق
بقرينة رواية محمد بن علي بن محبوب عنه والرجل المذكور ممدوح في كتب الرجال فحديثه
معدود في الحسن وله كتاب يرويه عنه جملة من الأجلاء: منهم - محمد بن علي بن محبوب
وسعد بن عبد الله ومحمد بن الحسن الصفار.
ويؤيد الخبر المذكور أيضا شهرة العمل به بين الطائفة وعدم الراد له سواه، وكذا يؤيده ما يأتي من موثقة عمار.

(1) الوسائل الباب 11 من السجود
(2) الوسائل الباب 10 من السجود
284

وحينئذ فيجب الجمع بينه وبين الصحيحة المذكورة بحمل الصحيحة المشار إليها
على الفضل والاستحباب، ويشير إلى ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن عاصم بن
حميد عن أبي بصير (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يرفع
موضع جبهته في المسجد؟ فقال إني أحب أن أضع وجهي في موضع قدمي وكرهه "
وروى هذه الرواية شيخنا المجلسي (قدس سره) في كتاب البحار (2) من كتاب
عاصم بن حميد عن أبي بصير مثله إلا أنه قال: " في مثل قدمي وكره أن يضعه الرجل "
وسياق هذه العبارة يعطي الأفضلية كما لا يخفى.
فوائد
(الأولى) - ظاهر كلام المتقدمين في هذه المسألة جواز المساواة وانخفاض
موضع السجود مطلقا وارتفاعه بقدر اللبنة وألحق الشهيدان بالارتفاع الانخفاض فقيداه
بقدر اللبنة أيضا ومنها من الزيادة على ذلك.
ويدل عليه موثقة عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) " في المريض يقوم
على فراشه ويسجد على الأرض؟ فقال إذا كان الفراش غليظا قدر آجرة أو أقل استقام
له أن يقوم عليه ويسجد على الأرض وإن كان أكثر من ذلك فلا ".
ومما يدل على جواز الانخفاض بقول مطلق ما رواه الشيخ عن صفوان عن
محمد بن عبد الله عن الرضا (عليه السلام) (4) في حديث " أنه سأله عن من يصلي وحده
فيكون موضع سجوده أسفل من مقامه؟ فقال إذا كان وحده فلا بأس ".
وهي مطلقة في قدر اللبنة وأزيد كما هو ظاهر كلام المتقدمين إلا أنه يجب
تقييدها بالموثقة المذكورة جمعا، وبه يظهر قوة ما ذكره الشهيدان. ويمكن تقييد كلام
المتقدمين بذلك أيضا.

(1) الوسائل الباب 10 من السجود
(2) ج 18 الصلاة ص 362
(3) الوسائل الباب 11 من السجود
(4) الوسائل الباب 10 من السجود
285

وأما ما ذكره في الذخيرة هنا - حيث قال: وألحق الشهيد الانخفاض بالارتفاع
وتبعه على ذلك الشهيد الثاني ولم أجده في كلام غيرهما من المتقدمين عليهما بل المستفاد
من كلامهم استحباب المساواة وعدم جواز الارتفاع بالمقدار المذكور حسب، وصرح
المصنف في النهاية بجواز الانخفاض، ونقل في التذكرة الاجماع عليه، ويدل عليه صدق
السجود معه فيحصل الامتثال، واستدل الشهيد بما رواه الشيخ في الموثق عن عمار،
ثم ساق الرواية كما قدمنا، ثم قال وهي غير ناهضة باثبات التحريم. انتهى - فهو من جملة
تشكيكاته الواهية المبنية على أصوله المخترعة التي هي لبيت العنكبوت - وأنه لأوهن
البيوت - مضاهية، فإني لا أعرف لعدم ثبوت التحريم وجها إلا ما صرح به في غير
موضع من كتابه ونقلناه عنه في غير موضع مما تقدم من دعواه عدم دلالة الأمر في أخبارنا
على الوجوب وكذا النهي غير دال على التحريم، وقد عرفت بطلان ذلك في غير مقام
مما تقدم وأنه موجب لخروج قائله من الدين من حيث لا يشعر.
والعجب هنا أن السيد السند في المدارك - بعد أن اعترض رواية عبد الله بن
سنان المتقدمة الدالة على جواز ارتفاع موضع الجبهة بقدر اللبنة ورجح العمل بالصحيحة
الدالة على المساواة - قال هنا بعد أن نقل عن الشهيد الحاق الانخفاض بالارتفاع قدر
لبنة: وهو حسن ويشهد له موثقة عمار ثم ساق الرواية كما ذكرناه.
وأنت خبير بما فيه من المناقضة الظاهرة حيث إنه استشكل في تقييد الصحيحة
المذكورة بالرواية الأولى وهو مؤذن بجموده على ظاهر الصحيحة من مساواة الموقف
للمسجد وهذه الموثقة دالة على انخفاض موضع الجبهة، وبموجب استحسانه المذكور يلزم
تقييد الصحيحة المذكورة بهذه الموثقة، مع أنك قد عرفت أن الرواية الأولى حسنة.
وبالجملة فإن الظاهر من الأخبار المذكورة في المقام بضم بعضها إلى بعض وحمل
بعضها على بعض هو أفضلية المساواة وجواز الارتفاع والانخفاض بقدر اللبنة وضعف
هذه المناقشات الواهية.
(الثانية) - صرح الشهيد باجراء الحكم المذكور في جميع المساجد، قال في
286

الذكرى في تعداد مستحبات السجود: ومنها مساواة مساجده في العلو الهبوط. وجعله
في الروض وفي المدارك أحوط. ولم أقف فيه على نص والذي وقفت عليه من نصوص
المسألة هو ما ذكرته، قال في الذخيرة: واعتبر الشهيد ذلك في بقية المساجد ولم أجده
في كلام من تقدم عليه إلا أن المصنف في النهاية قال: يجب تساوي الأعالي والأسافل
أو انخفاض الأعالي وهو ظاهر في ما ذكره والاحتياط فيه وإن كان اثبات وجوبه
محل اشكال. انتهى.
وصرح جملة منهم بأنه لا فرق في جواز الارتفاع والانخفاض بقدر اللبنة والمنع
مما زاد بين الأرض المنحدرة وغيرها لاطلاق النص. وهو جيد.
(الثالثة) - المفهوم من كلام الأصحاب من غير خلاف يعرف إلا من صاحب
المدارك ومن تبعه كالفاضل الخراساني أنه لو وقعت جبهته حال السجود على ما لا يصح
السجود عليه مما هو أزيد من لبنة ارتفاعا أو اختفاضا أو غيره مما لا يصح السجود عليه
فإنه يرفع رأسه ويضعه على ما يصح السجود عيه، وإن كان مما يصح السجود عليه ولكنه
لا على الوجه الأكمل وأراد تحصيل الفضيلة وما هو الأفضل في السجود فإنه يجر جبهته
ولا يرفعها لئلا يلزم زيادة سجود ثان.
وقال في المدارك: لو وقعت جبهته على موضع مرتفع بأزيد من اللبنة فقد قطع
المصنف وغيره بأنه يرفع رأسه ويسجد على المساوي لعدم تحقق السجود معه، ولرواية
الحسين بن حماد (1) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أسجد فتقع جبهتي على
الموضع المرتفع؟ فقال ارفع رأسك ثم ضعه " وفي السند ضعف، والأولى جرها مع
الامكان لصحيحة معاوية بن عمار (2) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا
وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها ولكن جرها على الأرض " والنبكة بالنون والباء
الموحدة مفتوحتين واحدة النبك وهي اكمة محدودة الرأس، وقيل النباك التلال الصغار

(1) الوسائل الباب 8 من السجود
(2) الوسائل الباب 8 من السجود
287

وجمع المصنف في المعتبر بين الروايتين بحمل هذه الرواية على مرتفع يصح معه السجود فيجب
للسحب لئلا يزيد في السجود. وهو بعيد. ولو وقعت الجبهة على ما لا يصح السجود عليه
جرها إلى ما يسجد عليه ولا يرفعها مع الامكان ومع التعذر يرفعها ولا شئ عليه. انتهى.
أقول: لا يخفى أن ما ذكره الأصحاب هو الأوفق بالقواعد الشرعية والضوابط
المرعية، واستبعاده هنا لا أعرف له وجها وجيها إلا مجرد صحة سند رواية معاوية بن
عمار وضعف ما عداها من الرواية التي نقلها فمن أجل ذلك جمد على اطلاقها، وهذه قاعدته
(قدس سره) كما أشرنا إليه في غير موضع مما تقدم أنه يدور مدار الأسانيد فمتى
صح السند غمض عينيه ونام عليه وأضرب عن متن الخبر سواء خالف الأصول
أو وافقها، ولم أقف على هذه الطريقة إلا في كلامه وكلام من اقتفاه وإلا فأصحاب
هذا الاصطلاح يراعون متون الأخبار صح السند أو ضعف كما في هذا الموضع وغيره
وبالجملة فما ذكره الأصحاب هو الأظهر، لأنه متى كان السجود باطلا بأن يكون على
موضع مرتفع بأزيد من لبنة أو كان على شئ لا يصح السجود عليه فإنه لا يعتبر به ولا يعد
سجودا شرعيا، فرفع الرأس منه إلى ما يصح السجود عليه غير ضائر ولا مانع منه شرعا
بخلاف ما لو وقعت جبهته على ما يصح السجود عليه فإنه بالرفع عنه والسجود مرة ثانية
يلزم زيادة سجدة في الصلاة ويكون موجبا لبطلانها، وحينئذ يجب حمل صحيحة معاوية
ابن عمار على ما ذكره في المعتبر.
ومن روايات المسألة أيضا رواية الحسين بن حماد الثانية (1) قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يسجد على الحصى؟ قال يرفع رأسه حتى يستمكن "
والظاهر حملها على عدم استقرار الجبهة وعدم حصول السجود الواجب فلا يضر رفع
رأسه والسجود مرة ثانية.
ومنها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) (2) قال: " سألته

(1) الوسائل الباب 8 من السجود
(2) الوسائل الباب 8 من السجود
288

عن الرجل يسجد على الحصا فلا يمكن جبهته من الأرض؟ فقال يحرك جبهته حتى يتمكن
فينحي الحصا عن جبهته ولا يرفع رأسه " وهي محمولة على حصول السجود الواجب
بمجرد الوضع على الحصا واستقرار الجبهة عليه فلذا منعه من الرفع، وإنما أمره بالتحريك
لأجل تحصيل الفضيلة في وقوع الجبهة كملا على الأرض.
ومنها - رواية ثالثة للحسين بن حماد أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: " قلت له أضع وجهي للسجود فيقع وجهي على حجر أو على شئ مرتفع أحول
وجهي إلى مكان مستو؟ قال نعم جر وجهك على الأرض من غير أن ترفعه " والتقريب
فيها كما تقدم في نظيرها.
ومنها - ما رواه الشيخ في كتاب الغيبة والطبرسي في الاحتجاج (2) فرواه في
كتاب الغيبة عن محمد بن أحمد بن داود القمي قال: " كتب محمد بن عبد الله بن جعفر
الحميري إلى الناحية المقدسة يسأل عن المصلي يكون في صلاة الليل في ظلمة فإذا سجد
يغلط بالسجادة ويضع جبهته على مسح أو نطع فإذا رفع رأسه وجد السجادة هل يعتد
بهذه السجدة أم لا يعتد بها؟ فوقع (عليه السلام): ما لم يستو جالسا فلا شئ عليه في
رفع رأسه لطلب الخمرة " وظاهره لا يخلو من اشكال لما يعتريه من غشاوة الاجمال
وفيه دلالة على جواز الرفع لتحصيل السجادة ثم السجود عليها مرة أخرى لعدم الاعتداد
بالسجود الأول لكونه وقع على ما لا يصح السجود عليه. إلا أن التقييد بالاستواء
جالسا وعدمه لا أعرف له وجها.
(الرابع) - الذكر حال السجود وقد تقدم الكلام في ذلك في الركوع، والبحث
في هذه المسألة حسبما تقدم ثمة خلافا واستدلالا واختيارا.
(الخامس) - الطمأنينة وقد تقدم البحث فيها ثمة أيضا، وقال في المدارك: أما
وجوب الطمأنينة بقدر الذكر الواجب فهو قول علمائنا أجمع وتدل عليه مضافا إلى التأسي

(1) الوسائل الباب 8 من السجود
(2) الوسائل الباب 8 من السجود
289

روايتا حريز وزرارة المتقدمتان. انتهى. وفيه أن التأسي لا يصلح دليلا على الوجوب كما
تقدم ذكره في غير مقام وصرح به جملة الأعلام وإن اضطرب كلامه فيه كما عرفته في ما تقدم.
وأما ما ذكره من الروايتين المشار إليهما فلم يتقدما في كلامه والظاهر أنه من سهو رؤوس
أقلامه، ونحن قد أسلفنا في فصل الركوع أنهم لم يأتوا بدليل على وجوب الطمأنينة زيادة
على الاتفاق على الحكم المذكور، وقد قدمنا ثمة (1) صحيح زرارة أو حسنة الدال على أنه
(صلى الله عليه وآله) رأى رجلا يصلي فلم يتم ركوعه ولا سجوده فقال: " نقر
كنقر الغراب لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتن على غير ديني " وهو واضح الدلالة
على وجوب الطمأنينة في كل من الموضعين، ومثله ما رواه البرقي في المحاسن قال وفي
رواية عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " أبصر
علي بن أبي طالب (عليه السلام) رجلا ينقر صلاته فقال منذ كم صليت بهذه الصلاة؟
فقال له الرجل منذ كذا وكذا. فقال مثلك عند الله كمثل الغراب إذا ما نقر لو مت مت
على غير ملة أبي القاسم محمد (صلى الله عليه وآله). ثم قال (عليه السلام) إن أسرق
الناس من سرق من صلاته ".
(السادس) - رفع الرأس بعد السجدة الأولى والجلوس مطمئنا، وهو مذهب
العلماء كافة ونقل عليه الاجماع جملة من الأعلام وتدل عليه النصوص قولا وفعلا، ولا
حد لهذه الطمأنينة بل بما يحصل مسماها.
(المقام الثاني) - في مستحبات السجود: منها - التكبير للأخذ فيه والرفع منه
على المشهور، وقد تقدم البحث في ذلك في فصل الركوع والخلاف الخلاف والدليل الدليل
وقد تقدم تحقيق القول في المسألة.
ومنها - أن يكبر قائما قبل السجود لقوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة
المتقدمة في صدر الباب (3) " فإذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير وخر ساجدا "

(1) ص 242
(2) الوسائل الباب 9 من أعداد الفرائض
(3) ص 3
290

وفي رواية المعلي بن خنيس (1) " يكبرها ويا " وقد تقدم تحقيق الكلام في ذلك في
المقام الثاني في مستحبات الركوع.
ومنها - أن يبدأ بيديه فيضعهما على الأرض قبل ركبتيه ونقل عليه الاجماع.
وعليه يدل قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة المذكور (2) " وابدأ بيديك
فيضعهما على الأرض قبل ركبتيك تضعهما معا ".
ويدل على ذلك أيضا صحيحة محمد بن مسلم (3) قال: " رأيت أبا عبد الله (عليه
السلام) يضع يديه قبل ركبتيه إذا سجد وإذا أراد أن يقوم رفع ركبتيه قبل يديه ".
ورواية الحسين بن أبي العلاء (4) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الرجل يضع يديه قبل ركبتيه في الصلاة؟ قال نعم ".
وصحيحة محمد بن مسلم (5) قال: " سئل عن الرجل يضع يديه على الأرض
قبل ركبتيه؟ قال نعم يعني في الصلاة ".
وأما ما رواه الشيخ في الموثق عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) - (6)
قال: " لا بأس إذا صلى الرجل أن يضع ركبتيه على الأرض قبل يديه ".
وعن عبد الرحمان بن أبي عبد الله في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (7)
قال: " سألته عن الرجل إذا ركع ثم رفع رأسه أيبدأ فيضع يديه على الأرض أم ركبتيه؟
قال لا يضره بأي ذلك بدأ هو مقبول منه " -
فحملهما الشيخ في التهذيبين على الضرورة ومن لا يتمكن. والأظهر حملهما على
الجواز لأن المقام مقام استحباب فلا ينافيه جواز خلافه.
بقي الكلام في أن ظاهر هذه الأخبار ولا سيما الأولى أنه يضع اليدين دفعه

(1) ص 265
(2) ص 3
(3) الوسائل الباب 1 من السجود
(4) الوسائل الباب 1 من السجود
(5) الوسائل الباب 1 من السجود
(6) الوسائل الباب 1 من السجود
(7) الوسائل الباب 1 من السجود
291

واحدة من غير ترتيب بينهما، وفي رواية عمار (1) أنه يضع اليمنى قبل اليسرى، ونقل
عن الجعفي. والعمل بالمشهور أظهر لما عرفت من الأخبار الصحيحة المذكورة.
ومنها - أن يكون حال سجوده مجنحا بالجيم ثم النون المشددة والحاء
المهملة أي رافعا مرفقيه عن الأرض جاعلا يديه كالجناحين، ونقل على استحباب
التجنيح الاجماع.
ويدل على ذلك قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة المشار إليه آنفا (2)
" ولا تفترش ذراعيك افتراش السبع ذراعيه ولا تضعن ذراعيك على ركبتيك وفخذيك
ولكن تجنح بمرفقيك... الحديث ".
وفي حديث حماد (3) " ولم يستعن بشئ من جسده على شئ منه في ركوع ولا
سجود وكان مجنحا ولم يضع ذراعيه على الأرض " أقول: قوله " وكان مجنحا " يعني في
ركوعه وسجوده، وقوله " ولم يضع ذراعيه على الأرض " عطف تفسيري على
قوله " مجنحا ".
وروى في الكافي عن حفص الأعور عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال:
" كان علي (عليه السلام) إذا سجد يتخوى كما يتخوى البعير الضامر يعني بروكه "
قال المحدث الكاشاني في الوافي: كذا في النسخ التي رأيناها من باب التفعل وضبطه
أهل اللغة من باب التفعيل، قال في النهاية: فيه " إنه كان إذا سجد خوى " أي جافى
بطنه عن الأرض ورفعه وجافى عضديه عن جنبيه حتى يخوى ما بين ذلك، ومنه حديث
علي (عليه السلام) " إذا سجد الرجل فليخو وإذا سجدت المرأة فلتحتفز ". وفي

(1) أشار إلى هذه الرواية في البحار ج 18 الصلاة ص 184 بعد أن حكى عن الذكرى
رواية السبق باليمنى اجمالا. وقد أشار المتأخرون عن المجلسي إلى رواية عمار في المقام إلا أني لم أعثر عليها في كتب الأخبار بعد الفحص في مظانها.
(2) ص 3
(3) الوسائل الباب 1 من أفعال الصلاة
(4) الوسائل الباب 3 من السجود
292

القاموس: خوى في سجوده تخوية تجافى وفرج ما بين عضديه وجنبيه. انتهى وهو
التجنيح الذي دلت عليه الأخبار المذكورة.
وروى في البحار (1) عن جامع البزنطي نقلا من خط بعض الأفاضل عن الحلبي
عن الصادق (عليه السلام) قال: " إذا سجدت فلا تبسط ذراعيك كما يبسط السبع
ذراعيه ولكن جنح بهما فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يجنح بهما حتى
يرى بياض إبطيه ".
ونقل في الذكرى عن ابن الجنيد أنه قال: لو لم يجنح الرجل كان أحب إلي. وهو
محجوج بالأخبار المذكورة.
ومنها - مماسة كفيه الأرض حال سجوده لقوله (عليه السلام) في الصحيح
المشار إليه (2): " وإن كان تحتهما ثوب فلا يضرك وإن أفضيت بهما إلى الأرض
فهو أفضل ".
وما رواه الشيخ عن السكوني عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه (عليهم
السلام) (3) " أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال ضعوا اليدين حيث تضعون الوجه فإنهما
يسجدان كما يسجد الوجه ".
وما رواه في الفقيه عن السكوني عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) (4)
" إذا سجد أحدكم فليباشر بكفيه الأرض لعل الله تعالى يدفع عنه الغل يوم القيامة "
وروى في التهذيب عن أبي حمزة (5) قال " قال أبو جعفر (عليه السلام) لا بأس
أن تسجد وبين كفيك وبين الأرض ثوبك " وهو محمول على الجواز كما تضمنه
صحيح زرارة المتقدم.

(1) ج 18 الصلاة ص 363
(2) ص 3
(3) الوسائل الباب 10 من السجود
(4) الوسائل الباب 4 من السجود
(5) الوسائل الباب 5 من ما يسجد عليه
293

ومنها - ضم الأصابع بعضها إلى بعض مستقبلا بها القبلة حال وضعها على
الأرض لقوله (عليه السلام) في الصحيح المذكور (1) " ولا تفرجن بين أصابعك
في سجودك ولكن ضمهن جميعا " وفي صحيح حماد (2) " وبسط كفيه مضمومتي
الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه ".
وظاهر الخبرين المذكورين شمول الضم للأصابع الخمس بعضها إلى بعض. ونقل
في كتاب الذكرى عن ابن الجنيد تفريق الإبهام عنها ونقله في كتاب الحبل المتين عن
بعض علمائنا، قال ولم أظفر بمستنده.
وأما استقبال القبلة بالأصابع فقد ذكره الشيخان وابن الجنيد وغيرهم ولم أظفر
بمستند إلا في كتاب الفقه الرضوي (3) حيث قال: " وضم أصابعك وضعها مستقبل القبلة "
وقد روي أيضا التفريق في وضع الأصابع رواه زيد النرسي في كتابه عن سماعة
ابن مهران (4) " أنه رأى أبا عبد الله (عليه السلام) إذا سجد بسط يديه على الأرض
بحذاء وجهه وفرج بين أصابع يديه ويقول إنهما يسجدان كما يسجد الوجه " ويمكن حمله
على الجواز جمعا أو لعذر أو خصوص الإبهام كما ذهب إليه ابن الجنيد.
ومنها - السجود على الأرض لأنه أبلغ في التذلل والخضوع ولا سيما على
التربة الحسينية (على مشرفها أفضل التحية) وقد تقدم تحقيق البحث في ذلك في آخر
المسألة السادسة من كتاب المكان (5) فليراجع.
ومنها - الارغام بأنفه أي الصاق الأنف بالرغام وهو التراب، وادعى الاجماع على
استحبابه جملة من الأصحاب، وظاهر الصدوق في من لا يحصره الفقيه الوجوب حيث
قال: الارغام سنة في الصلاة فمن تركه متعمدا فلا صلاة له.
قال في المدارك: ويدل الاستحباب مضافا إلى الاجماع صحيحتا زرارة وحماد

(1) ص 4
(2) ص 3
(3) ص 7
(4) مستدرك الوسائل الباب 20 من السجود
(5) ج 7 ص 259
294

المتقدمتان (1) وموثقة عمار عن الصادق عن آبائه عن علي (عليهم السلام) (2) أنه قال
" لا تجزئ صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين " وهي محمولة على نفي الاجزاء
الكامل. انتهى.
وفيه أن ما أورده من الأخبار لا دلالة فيه على الاستحباب بل هو بالدلالة على
خلافه أشبه. أما صحيحة زرارة فإن الذي فيها " فأما الفرض فهذه السبعة وأما الارغام
بالأنف فسنة من النبي صلى الله عليه وآله " وأما صحيحة حماد فإن الذي فيها " وسجد
على ثمانية أعظم، ثم عدها وقال سبع منها فرض يسجد عليها وهي التي ذكرها الله عز وجل
في كتابه قال وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا (3) ووضع الأنف على الأرض سنة "
وروى الصدوق في كتاب الخصال في الصحيح أو الحسن بإبراهيم عن زرارة
عن أبي جعفر (عليه السلام) (4) قال: " السجود على سبعة أعظم: الجبهة والكفين
والركبتين والإبهامين، وترغم بأنفك. أما المفترض فهذه السبعة وأما الارغام فسنة ".
وأنت خبير مما أسلفنا تحقيقه في غير مما تقدم أن لفظ السنة وإن كان من الألفاظ
المشتركة بين ما ثبت وجوبه بالسنة وبين المستحب إلا أنه متى قوبل بالفرض ترجح
كونه بالمعنى الأول، فهو إن لم يكن بمعنى الواجب هنا فلا أقل من تساوي الاحتمالين
الموجب لبطلان الاستدلال به في البين.
وأما موثقة عمار التي نقلها فهي ظاهرة الدلالة في خلاف مدعاه ولهذا احتاج
إلى ارتكاب التأويل في الاستدلال بها.
ونحوها أيضا ما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الله بن

(1) تقدمتا ص 2 و 3
(2) الوسائل الباب 4 من السجود. وفي التهذيب ج 1 ص 221 والوافي باب السجود
والوسائل هكذا " عن جعفر عن أبيه " ع " قال قال على " ع "... "
(3) سورة الجن، الآية 18
(4) الوسائل الباب 4 من السجود
295

المغيرة (1) قال: " أخبرني من سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لا صلاة لمن لم يصب
أنفه ما يصيب جبينه ".
وبذلك يظهر قوة ما نقل عن الصدوق إلا أنه يمكن الاستدلال للقول المشهور
برواية محمد بن مصادف (2) قال: " سمعت أبا عبد لله (عليه السلام) يقول إنما السجود
على الجبهة وليس على الأنف سجود " وضعف سنده بهذا الاصطلاح المحدث مجبور
بشهرة العمل به حتى ادعى الاجماع عليه كما عرفت.
وقضية الجمع بين الأخبار حمل السنة في الصحيحتين الأوليين على معنى المستحب
وحمل الخبرين الأخيرين على تأكيد الاستحباب كقوله (عليه السلام) (3) " لا صلاة
لجار المسجد إلا في المسجد ".
فوائد
(الأولى) - ظاهر كلام الأصحاب أن المراد بالارغام المستحب في هذا المقام
هو وضع الأنف على الرغام وهو التراب أو ما يصح السجود عليه مطلقا، صرح بذلك
الشهيدان ومن تأخر عنهما.
ويظهر من بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن الارغام بالأنف غير
السجود على الأنف وأنهما سنتان، قال شيخنا البهائي (قدس سره) في تفسير حديث
حماد من كتاب الأربعين الحديث: ما تضمنه الحديث من سجوده (عليه السلام) على
الأنف الظاهر أنه سنة مغايرة للارغام المستحب في السجود، فإنه وضع الأنف على
الرغام بفتح الراء وهو التراب، والسجود على الأنف - كما روي عن علي (عليه السلام) (4)
" لا تجزئ صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين " - يتحقق بوضعه على ما يصح
السجود عليه وإن لم يكن ترابا. وربما قيل الارغام يتحقق بملاصقة الأنف الأرض

(1) الوسائل الباب 4 من السجود
(2) الوسائل الباب 4 من السجود
(3) الوسائل الباب 2 من أحكام المساجد
(4) الوسائل الباب 4 من السجود
296

وإن لم يكن معه اعتماد، ولهذا فسره بعض علمائنا بمماسة الأنف التراب، والسجود يكون
معه اعتماد في الجملة، فبينهما عموم من وجه. وفي كلام شيخنا الشهيد ما يعطي أن الارغام
والسجود على الأنف أمر واحد مع أنه عد في بعض مؤلفاته كلا منهما سنة على حدة.
ثم على تفسير الارغام بوضع الأنف على التراب هل تتأدى سنة الارغام بوضعه على مطلق
ما يصح السجود عليه وإن لم يكن ترابا؟ حكم بعض الأصحاب بذلك وجعل التراب أفضل.
وفيه ما فيه، فليتأمل. انتهى.
أقول: وجه التأمل على ما ذكره في الحاشية أنه قياس مع الفارق. ثم أقول لا يخفى
أن ما ذكره شيخنا المشار إليه ورجحه - من المغايرة بين الارغام والسجود على الأنف
وأن بينهما عموما من - وجه ليس كذلك فإن الظاهر أن هذه التعبيرات في الأخبار من
لفظ الارغام في بعض ولفظ السجود في بعض إنما خرج مخرج المسامحة في التعبير وإلا
فالمراد أمر واحد وهو وضع الأنف على ما يصح السجود عليه من ارغام وغيره، وذكر
الارغام إنما هو من حيث أفضلية السجود على الأرض بالجبهة والأنف تابع لها في ذلك
ومما يشير إلى ذلك التعبير في موثقة عمار (1) بقوله (عليه السلام) " لا تجزئ صلاة
لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين " ونحوها مرسلة عبد الله بن المغيرة (2) ألا ترى
أنه عبر هنا بمجرد الإصابة التي هي أعم من السجود المأخوذ فيه الاعتماد؟ وبمقتضى كلامه
ينبغي أن يكون هذا قسما ثالثا وليس كذلك بل إنما هو مبني على التوسع في التعبير.
(الثانية) - اطلاق الأخبار المتقدمة يقتضي حصول السنة بإصابة أي جزء من
الأنف، ونقل عن المرتضى (رضي الله عنه) اعتبار إصابة الطرف الأعلى الذي يلي
الحاجبين، وهو صريح عبارة ابن إدريس التي قدمنا نقلها في صدر المقام الأول. وقال
ابن الجنيد يماس الأرض بطرف الأنف وخديه إذا أمكن ذلك للرجل والمرأة.
أقول: وربما يشير إلى قول المرتضى ما في بعض الأخبار التي لا يحضرني الآن

(1) الوسائل الباب 4 من السجود
(2) ص 295 - 296
297

موضعها عن بعض الأصحاب من أنه رأى علي بن الحسين (عليهما السلام) وعنده من
يأخذ من لحم عرنينه (1) والعرنين طرف الأنف الأعلى. والظاهر أن الأخذ منه
لكونه بكثرة السجود عليه قد مات لحمه فيكون من قبيل الثقيات التي كانت في بدنه
(عليه السلام) كالجبهة والركبتين.
ويمكن تأييد القول المشهور زيادة على اطلاق الأخبار بقوله (عليه السلام) في
كتاب الفقه الرضوي (2) " وترغم بأنفك ومنخريك في موضع الجبهة " والتقريب فيها
أن المنخرين عبارة عن ثقبي الأنف والثقبان ممتدان من رأس الأنف الأسفل إلى أعلاه
فالارغام يحصل من أسفل الأنف إلى أعلاه فأي جزء باشر به الأرض ونحوها حصلت
به سنة الارغام.
(الثالثة) - ظاهر الأخبار وكلام الأصحاب أن الارغام المستحب والسجود
على الأنف يشترط فيه ما يشترط في الجبهة مما يصح السجود فيها عليه فلا يجزئ السجود به
على ما يضع عليه سائر المساجد الباقية، واحتمل بعض مشايخنا المحققين من متأخري
المتأخرين الاكتفاء بما يضع عليه سائر المساجد والظاهر ضعفه.
ومنها - الدعاء حال السجود ولا سيما بالمأثور، روى الكليني عن عبد الرحمان
ابن سيابة (3) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أدعو وأنا ساجد؟ قال نعم
فادع للدنيا والآخرة فإنه رب الدنيا والآخرة ".
وعن عبد الله بن عجلان (4) قال: " شكوت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) تفرق
أموالنا وما دخل علينا فقال عليك بالدعاء وأنت ساجد فإن أقرب ما يكون العبد إلى الله

(1) سيأتي ص 300 في حديث الفضل بن عبد الله عن أبيه حكاية ذلك عن موسى
بن جعفر (ع)
(2) ص 9
(3) الوسائل الباب 17 من السجود
(4) الوسائل الباب 17 من السجود وفي فروع الكافي ج 1 ص 89 والوسائل
" عبد الله بن هلال ".
298

عز وجل وهو ساجد؟ قال قلت فأدعو في الفريضة وأسمي حاجتي؟ فقال نعم قد فعل ذلك
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدعا على قوم بأسمائهم وأسماء آبائهم وفعله علي (عليه
السلام) بعده " ورواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب محمد بن علي
ابن محبوب (1).
وعن زيد الشحام عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال: " ادع في طلب الرزق
في المكتوبة وأنت ساجد: يا خير المسؤولين ويا خير المعطين ارزقني وارزق عيالي
من فضلك فإنك ذو الفضل العظيم ".
وعن محمد بن مسلم في الصحيح (3) قال: " صلى بنا أبو بصير في طريق مكة
فقال وهو ساجد وقد كانت ضلت ناقة لجمالهم: اللهم رد على فلان ناقته. قال محمد
فدخلت على أبي عبد لله (عليه السلام) فأخبرته فقال وفعل؟ فقلت نعم قال وفعل؟
قلت نعم. قال فسكت. قلت فأعيد الصلاة؟ فقال لا ".
وعن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال:
" إذا سجدت فكبر وقل: اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت
وأنت ربي سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره الحمد لله رب العالمين تبارك الله
أحسن الخالقين، ثم قل سبحان ربي الأعلى (5) " ثلاث مرات " فإذا رفعت رأسك فقل
بين السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني وأجرني وادفع عني إني لما أنزلت إلي من خير
فقير تبارك الله رب العالمين ".
وعن أبي عبيدة الحذاء في الصحيح (6) قال: " سمعت أبا جعفر (عليه السلام)
يقول وهو ساجد: أسألك بحق حبيبك محمد (صلى الله عليه وآله) إلا بدلت سيئاتي
حسنات وحاسبتني حسابا يسيرا. ثم قال في الثانية: أسألك بحق حبيبك محمد (صلى الله

(1) الوسائل الباب 17 من السجود
(2) الوسائل الباب 17 من السجود
(3) الوسائل الباب 17 من السجود
(4) الوسائل الباب 2 من السجود
(5) في الكافي ج 1 ص 88 والوسائل " وبحمده "
(6) الوسائل الباب 2 من السجود
299

عليه وآله) إلا كفيتني مؤنة الدنيا وكل هول دون الجنة. وقال في الثالثة: أسألك بحق
حبيبك محمد (صلى الله عليه وآله) لم غفرت لي الكثير من الذنوب والقليل وقبلت مني
عملي اليسير. ثم قال في الرابعة: أسألك بحق حبيبك محمد (صلى الله عليه وآله) لما
أدخلتني الجنة وجعلتني من سكانها ولما نجيتني من سعفات النار برحمتك وصلى الله على محمد
وآله " إلى غير ذلك مما هو مذكور في مظانه.
ومنها - استحباب زيادة التمكن في السجود لتحصيل أثره الذي مدح الله تعالى
عليه بقوله عز وجل " سيماهم في وجوهم من أثر السجود " (1).
وروى السكوني عن الصادق (عليه السلام) (2) قال " قال علي (عليه السلام)
إني لأكره للرجل أن أرى جبهته جلحاء ليس فيها أثر السجود ".
وروى إسحاق بن الفضل عن الصادق (عليه السلام) (3) " أن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) كان يجب أن يمكن جبهته من الأرض ".
وروى الصدوق في كتاب العلل عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) (4)
قال " إن أبي علي بن الحسين (عليهما السلام) كان أثر السجود في جميع مواضع سجوده
فسمي السجاد لذلك "
وروى في الكافي عن محمد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن
الباقر (عليهم السلام) (5) قال: " كان لأبي (عليه السلام) في موضع سجوده آثار ناتية
وكان يقطعها في السنة مرتين في كل مرة خمس ثقبات فسمي ذا الثقبات لذلك ".
وروى الصدوق في كتاب عيون الأخبار بسنده عن عبد الله بن الفضل عن
أبيه (6) في حديث " أنه دخل على أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال فإذا

(1) سورة الفتح الآية 29
(2) الوسائل الباب 21 من السجود
(3) الوسائل الباب 17 من ما يسجد عليه
(4) الوسائل الباب 21 من السجود
(5) الوسائل الباب 21 من السجود
(6) الوسائل الباب 21 من السجود
300

أنا بغلام أسود بيده مقص يأخذ اللحم من جبينه وعرنين أنفه من كثرة سجوده ".
ومنها - أنه يستحب للمرأة أن ترفع شعرها عن جبهتها وإن كانت تصيب
ببعضها الأرض لزيادة التمكين:
لما رواه علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه (عليه السلام) (1) قال: " سألته
عن المرأة تطول قصتها فإذا سجدت وقع بعض جبهتها على الأرض وبعض يغطيه الشعر
هل يجوز ذلك؟ قال لا حتى تضع جبهتها على الأرض " هذا مع ما دل على عدم وجوب
استيعاب الجبهة بالسجود بل يكفي المسمى كما تقدم بيانه.
وقال ابن الجنيد: لا يستحب للمرأة أن تطول قصتها حتى يستر شعرها بعض
جبهتها عن الأرض أو ما تسجد عليه. و (منها) - كشف باقي الأعضاء، قال في المبسوط: ولم نقف على مستنده.
وأما الجبهة فلا ريب في وجوب كشفها.
ومنها - نظره في حال سجوده إلى طرف أنفه، قال في الذكرى: قاله جماعة من
الأصحاب. وهو يؤذن بعد وقوفه على مستنده، وبذلك صرح غيره أيضا.
ومستنده الذي وقفت عليه ما في كتاب الفقه الرضوي (2) حيث قال (عليه
السلام): " ويكون بصرك في وقت السجود إلى أنفك وبين السجدتين في حجرك وكذلك
في وقت التشهد ".
أقول: والمتأخرون قد نقلوا هذا الحكم وكذلك استحباب النظر في حال التشهد
إلى حجره واعترفوا بعد وجود المستند وإنما عللوا ذلك - بعد كراهة التغميض في الصلاة -
بأنه أبلغ في الخشوع والاقبال على العبادة. والخبر المذكور كما ترى صريح في ذلك
والظاهر أنه مستند الحكم عند المتقدمين سيما الصدوقين كما عرفت في غير مقام.
ومنها - أن يكون نظره في حال جلوسه بين السجدتين إلى حجره، لما عرفته

(1) الوسائل الباب 14 من ما يسجد عليه
(2) ص 8
301

من عبارة كتاب الفقه الرضوي المذكور، قال في الذكرى في تعداد مستحبات السجود:
ومنها - أن يكون نظره في حال جلوسه بين السجدتين إلى حجره، قاله المفيد
وسلار، وأطلق ابن البراج أن الجالس ينظر إلى حجره. انتهى. وهو مؤذن بما ذكرناه
آنفا كما لا يخفى.
ومنها - مساواة مسجده لموقفه لقول الصادق (عليه السلام) في ما تقدم (1):
إني أحب أن أضع وجهي في موضع قدمي. وكره رفع الجبهة عن الموقف.
وقد تقدم أنه يجوز الارتفاع والانخفاض بقدر اللبنة وإن كان الأفضل المساواة
وقال ابن الجنيد: ولا نختار أن يكون موضع السجود إلا مساويا لمقام المصلي من غير رفع
ولا هبوط فإن كان بينهما قدر أربع أصابع مقبوضة جاز ذلك مع الضرورة لا الاختيار
ولو كان علو مكان السجود كانحدار التل ومسيل الماء جاز ما لم يكن في ذلك تحرف
وتدريج وإن تجاوز أربع أصابع لضرورة. انتهى.
ومنها - وضع اليدين حال السجود حيال المنكبين لقوله (عليه السلام) في
صحيحة زرارة (2) " ولا تلزق كفيك بركبتيك ولا تدنهما من وجهك بين ذلك حيال
منكبيك " أي اجعلهما بين ذلك حيال منكبيك.
أو حيال وجهه كما هو ظاهر صحيح حماد (3) حيث قال فيه: " ثم سجد وبسط
كفيه مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه وقال سبحان ربي الأعلى
وبحمده.. الحديث ".
ومنها - أن يجلس بعد السجدة الثانية مطمئنا على المشهور وهي جلسة الاستراحة
وقال ابن الجنيد إذا رفع رأسه من السجدة الثانية في الركعة الأولى والثالثة حتى يماس
ألياه الأرض أو اليسرى وحدها يسيرا ثم يقوم جاز ذلك. وقال علي بن بابويه: لا بأس
أن لا يقعد في النافلة، كذا ذكره في الذكرى.

(1) ص 285
(2) ص 4
(3) ص 3
302

وذهب المرتضى (رضي الله عنه) إلى وجوب الجلوس هنا محتجا بالاجماع
والاحتياط، واحتج له العلامة في المختلف بما رواه الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: " إذا رفعت رأسك من السجدة الثانية في الركعة الأولى
حين تريد أن تقوم فاستو جالسا ثم قم " قال فإن ظاهر الأمر الوجوب.
واعترضه في المدارك بأنه معارض بما رواه الشيخ عن زرارة (2) قال: " رأيت
أبا جعفر وأبا عبد الله (عليهما السلام) إذا رفعا رؤوسهما من السجدة الثانية نهضا ولم
يجلسا " قال والسندان متقاربان ثم قال: ويدل على الاستحباب مضافا إلى ما سبق صحيحة
عبد الحميد بن عواض (3) " أنه رأى أبا عبد الله (عليه السلام) إذا رفع رأسه من السجدة
الثانية من الركعة الأولى جلس حتى يطمئن ثم يقوم " انتهى.
أقول: الظاهر أن عمدة أدلتهم على الاستحباب هو رواية زرارة المذكورة
والذي يظهر لي أنها إنما خرجت مخرج التقية (4):
لما رواه الشيخ في التهذيب عن الأصبغ بن نباتة (5) قال: " كان أمير المؤمنين
(عليه السلام) إذا رفع رأسه من السجود قعد حتى يطمئن ثم يقوم فقيل له يا أمير المؤمنين كان
من قبلك أبو بكر وعمر إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نهضوا على صدور أقدامهم كما تنهض

(1) الوسائل الباب 5 من السجود
(2) الوسائل الباب 5 من السجود
(3) الوسائل الباب 5 من السجود
(4) في فتح الباري ج 2 ص 304 " قال الشافعي وطائفة من أهل الحديث بمشروعية
جلسة الاستراحة وعن أحمد روايتان، وذكر الخلال أن أحمد رجع إلى القول بها ولم يستحبها
الأكثر " وفي المغني ج 1 ص 529 " اختلفت الرواية عن أحمد هل يجلس للاستراحة؟
فروى عنه لا يجلس وهو اختيار الخرقي وروى ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر
وابن عباس وبه قال مالك والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي، وقال أحمد أكثر الأحاديث
على هذا، وقال الترمذي عليه العمل عند أهل العلم، وقال أبو الزناد تلك السنة. والرواية
الثانية أنه يجلس اختارها الخلال وهو أحد قولي الشافعي ".
(5) الوسائل الباب 5 من السجود
303

الإبل؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) إنما يفعل ذلك أهل الجفاء من الناس إن
هذا من توقير الصلاة ".
ونحوه ما رواه زيد النرسي في كتابه (1) قال: " سمعت أبا الحسن (عليه
السلام) يقول إذا رفعت رأسك من آخر سجدتك في الصلاة قبل أن تقوم فاجلس
جلسه ثم بادر بركبتيك إلى الأرض قبل يديك وابسط يديك بسطا واتك عليهما ثم قم
فإن ذلك وقار المؤمن الخاشع لربه، ولا تطش من سجودك مبادرا إلى القيام كما يطيش
هؤلاء الأقشاب في صلاتهم ".
ويؤكده ما رواه الصدوق في كتاب الخصال بسند معتبر عن أبي بصير ومحمد
ابن مسلم عن أبي عبد الله عن آبائه (عليهم السلام) (2) قال: " قال أمير المؤمنين
(عليه السلام) اجلسوا في الركعتين حتى تسكن جوارحكم ثم قوموا فإن ذلك من فعلنا ".
وأما ما رواه الشيخ في التهذيب عن رحيم (3) - قال: " قلت لأبي الحسن الرضا
(عليه السلام) جعلت فداك أراك إذا صليت فرفعت رأسك من السجود في الركعة
الأولى والثالثة تستوي جالسا ثم تقوم فنضع كما تصنع؟ قال لا تنظروا إلى ما أصنع أنا
اصنعوا ما تؤمرون " - فالظاهر عندي أن السائل في هذه الرواية من المخالفين فلذا منعه
من الاقتداء به وأمره بما هم عليه من المبادرة إلى القيام وعدم الجلوس، وإلا فلو كان
من الشيعة كيف يمنعه من العمل بما صنع هو (عليه السلام) والحال أنه السنة المأمور بها
ويأمره بخلاف ذلك مما يوهم أنه مأمور به مع أنه ليس بمأمور به عندنا وإنما ذلك عند
مخالفينا؟ وقد نقل القول بذلك في المنتهى عن جمهور المخالفين ولم ينقل خلافه إلا في
رواية عن الشافعي ورواية عن أحمد وفي الروايتين الأخيرتين وفاقا للأكثر القيام من غير
جلوس (4) ومتى ثبت خروج الخبر المذكور مخرج التقية انتفى المعارض لما دلت عليه رواية

(1) مستدرك الوسائل الباب 5 من السجود
(2) مستدرك الوسائل الباب 5 من السجود
(3) الوسائل الباب 5 من السجود
(4) ص 303 التعليقة (4)
304

أبي بصير من الأمر بالجلوس وتؤكده الروايات الباقية.
وبالجملة فإن الأخبار المذكورة بعد حمل خبر زرارة على ما ذكرناه غير منافية لما
ذهب إليه السيد المرتضى (قدس سره) بل قابلة للانطباق عليه، فإن منها ما دل على
حكاية فعلهم (عليهم السلام) في الجلوس، ومنها ما دل على الأمر به، وغاية ما استدلوا
به رواية زرارة وقد عرفت الوجه فيها.
ومن العجب قول السيد السند (قدس سره): " ويدل على الاستحباب
مضافا إلى ما سبق صحيحة عبد الحميد بن عواض.. " وذلك فإن فعله (عليه السلام)
لذلك أعم من الوجوب والاستحباب بل يلزم - بما ذكره في غير موضع من الاستدلال
بالتأسي على الوجوب - دلالة الرواية المذكورة على الوجوب فأين الدلالة على الاستحباب؟
ومنها - التورك في الجلوس بين السجدتين وفي جلسة الاستراحة وكذا في التشهد
كما سيأتي إن شاء الله تعالى، بأن يجلس على وركه الأيسر ويخرج رجليه جميعا من تحته
ويجعل رجله اليسرى على الأرض وظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى ويفضي
بمقعدته إلى الأرض، هكذا فسره الشيخ (قدس سره) ومن تبعه من المتأخرين. ونقل
عن المرتضى في المصباح أنه قال: يجلس مماسا بوركه الأيسر مع ظاهر فخذه اليسرى
للأرض رافعا فخذه اليمنى على عرقوبه الأيسر وينصب طرف إبهام رجله اليمنى على الأرض
ويستقبل بركبتيه معا القبلة. وقال ابن الجنيد في الجلوس بين السجدتين إنه يضع ألييه
على بطن قدميه ولا يقعد على مقدم رجليه وأصابعهما لا يقعى اقعاء الكلب. وقال في
تورك التشهد يلزق ألييه جميعا ووركه الأيسر وظاهر فخذه الأيسر بالأرض ولا يجزئه
غير ذلك ولو كان في طين، ويجعل باطن ساقه الأيمن على رجله اليسرى وباطن فخذه
الأيمن على عرقوبه الأيسر ويلزق طرف إبهام رجله اليمنى مما يلي طرفها الأيسر بالأرض
وباقي أصابعها عاليا عليها ولا يستقبل بركبتيه جميعا القبلة.
305

أقول: والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بذلك ما تقدم في صحيحة حماد (1)
حيث قال: " ثم قعد على فخذه الأيسر وقد وضع ظاهر قدمه الأيمن على بطن قدمه الأيسر
وقال: " أستغفر الله ربي وأتوب إليه " ثم كبر وهو جالس وسجد السجدة الثانية ".
وما تقدم في صحيحة زرارة (2) قال: " وإذا قعدت في تشهدك فالصق ركبتيك
بالأرض وفرج بينهما شيئا وليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض وظاهر قدمك
اليمنى على باطن قدمك اليسرى وألياك على الأرض وطرف إبهامك اليمنى على الأرض،
وإياك والقعود على قدميك فتتأذى بذلك ولا تكون قاعدا على الأرض فيكون إنما قعد
بعضك على بعض فلا تصبر للتشهد والدعاء ".
والظاهر هو القول الأول من الأقوال الثلاثة المتقدمة لظاهر هذين الخبرين
ولا سيما الثاني، قال في الذكرى: ومنها التورك بين السجدتين بأن يجلس على وركه
الأيسر ويخرج رجليه جميعا من تحته ويجعل رجله اليسرى على الأرض وظاهر قدمه
اليمنى على باطن قدمه اليسرى ويفضي بمقعدته إلى الأرض كما في خبر حماد.. ولا يستحب
عندنا الافتراش وهو أن يثني رجله اليسرى فيبسطها ويجلس عليها وينصب رجله اليمنى
ويخرجها من تحته ويجعل بطون أصابعه على الأرض معتمدا عليها ليكون أطرافها إلى
القبلة، ويظهر من خبر زرارة عن الباقر (عليه السلام) (3) كراهته حيث قال:
" وإياك والقعود على قدميك فتتأذى بذلك ولا تكون قاعدا على الأرض إنما قعد
بعضك على بعض ". انتهى.
ومنها - الدعاء بعد الجلوس من السجدة الأولى، قال في المنتهى: إذا جلس
عقيب السجدة الأولى دعا مستحبا ذهب إليه علمائنا.
وقد تقدم في صحيحة الحلبي أو حسنته عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)

(1) ص 3
(2) ص 4
(3) ص 4
(4) ص 299
306

" فإذا رفعت رأسك فقل بين السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني وأجرني..
الدعاء إلى آخره ".
وقال في كتاب الفقه الرضوي (1) " وقل بين سجدتيك اللهم اغفر لي وارحمني
واهدني وعافني فإني لما أنزلت إلي من خير فقير، ثم اسجد الثانية ".
وفي صحيح حماد (2) " ثم رفع رأسه من السجود فلما استوى جالسا قال الله أكبر..
وقال أستغفر الله ربي وأتوب إليه، ثم كبر وهو جالس وسجد السجدة الثانية ".
ومنها - أن يدعو عند القيام معتمدا على يديه سابقا برفع ركبتيه، وهو مما لا خلاف
فيه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم).
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذا المقام ما رواه الشيخ في الصحيح
عن محمد بن مسلم في حديث قد تقدم قريبا (3) قال: " وإذا أراد أن يقوم رفع
ركبتيه قبل يديه ".
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (4) قال: " إذا سجد الرجل ثم أراد أن ينهض فلا يعجن بيديه في الأرض
ولكن يبسط كفيه من غير أن يضع مقعدته على الأرض " قال في الوافي: ولعل المراد
بقوله (عليه السلام): " من غير أن يضع مقعدته على الأرض " ترك الاقعاء.
وعن أبي بكر الحضرمي (5) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا قمت
من الركعة فاعتمد على كفيك وقل: بحول الله وقوته أقوم وأقعد، فإن عليا (عليه السلام)
كان يفعل ذلك ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (6) " إذا قمت من السجود قلت: اللهم ربي بحولك وقوتك أقوم وأقعد، وإن

(1) ص 8
(2) ص 3
(3) ص 291
(4) الوسائل الباب 19 من السجود
(5) الوسائل الباب 13 من السجود
(6) الوسائل الباب 13 من السجود
307

شئت قلت وأركع وأسجد ".
وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " إذا
قام الرجل من السجود قال بحول الله أقوم وأقعد ".
وما رواه الحميري في كتاب قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده على
ابن جعفر عن أخيه (عليه السلام) (2) قال: " سألته عن القيام من التشهد من
الركعتين الأوليين كيف يصنع يضع ركبتيه ويديه على الأرض ثم ينهض أو كيف يصنع؟ قال
ما شاء صنع ولا بأس ".
وما رواه الطبرسي في الإحتجاج (3) قال: " كتب الحميري.. " ورواه
الشيخ في كتاب الغيبة عن جماعة من مشايخه عن محمد بن أحمد بن داود القمي
عن محمد بن عبد الله الحميري (4) " أنه كتب إلى القائم (عليه السلام) يسأله عن المصلي
إذا قام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة هل يجب عليه أن يكبر، فإن بعض أصحابنا قال
لا يجب عليه التكبير ويجزئه أن يقول بحول الله وقوته أقوم وأقعد؟ فوقع (عليه السلام)
أن فيه حديثين: أما أحدهما فإنه إذا انتقل من حالة إلى حالة أخرى فعليه التكبير. وأما
الآخر فإنه روي أنه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبر ثم جلس ثم قام فليس عليه في
القيام بعد القعود تكبير وكذلك التشهد الأول يجري هذا المجرى. وبأيهما أخذت من
جهة التسليم كان صوابا ".
وما رواه في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب بسنده
عن سعد الجلاب عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال: " كان أمير المؤمنين (عليه
السلام) يبرأ من القدرية في كل ركعة ويقول بحول الله وقوته أقوم وأقعد ".
وما رواه عنه أيضا من الكتاب المذكور عن عبد الله بن سنان في الصحيح عن

(1) الوسائل الباب 13 من السجود
(2) الوسائل الباب 1 من السجود
(3) الوسائل الباب 13 من السجود
(4) الوسائل الباب 13 من السجود
(5) الوسائل الباب 13 من السجود
308

أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " إذا قمت من السجود قلت اللهم بحولك وقوتك
أقوم وأقعد وأركع وأسجد ".
وما رواه في كتاب دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (2) قال:
" إذا أردت القيام من السجود فلا تعجن بيديك يعني تعتمد عليهما وهي مقبوضة ولكن
ابسطهما بسطها واعتمد عليهما وانهض قائما ".
وعن علي (عليه السلام) (3) " أنه كان يقول إذا نهض من السجود إلى القيام
اللهم بحولك وقوتك أقوم وأقعد ".
وما رواه في كتاب زيد النرسي عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) (3) " أنه
كان إذا رفع رأسه في صلاته من السجدة الأخيرة جلس جلسة ثم نهض للقيام وبادر
بركبتيه من الأرض قبل يديه وإذا سجد بادر بهما الأرض قبل ركبتيه ".
أقول: قد اشتملت هذه الأخبار على جملة من الأحكام: (الأول) الابتداء في
الجلوس بوضع اليدين قبل الركبتين، وقد مر أنه اجماعي وتقدم ما يدل عليه من الأخبار.
(الثاني) - استحباب الابتداء عند القيام برفع الركبتين قبل اليدين
وهو أيضا اجماعي.
(الثالث) - كراهة العجن باليدين عند القيام بأن يقبضهما ويقوم عليهما مقبوضتي
الأصابع بل ينبغي أن يبسطهما ويقوم عليهما كما تضمنه صحيح الحلبي وخبر كتاب
دعائم الاسلام.
(الرابع) - رجحان الاتيان بجلسة الاستراحة وقد تقدم تحقيق القول فيها.

(1) الوسائل الباب 13 من السجود
(2) مستدرك الوسائل الباب 16 من السجود
(3) مستدرك الوسائل الباب 11 ممن السجود
(4) مستدرك الوسائل الباب 1 من السجود
309

(الخامس) - استحباب الدعاء عند القيام، قال في الذكرى في تعداد مستحبات
السجود: ومنها - الدعاء في جلسة الاستراحة بقوله " بحول الله تعالى وقوته أقوم وأقعد
وأركع وأسجد " قال في المعتبر: والذي ذكره علي بن بابويه وولده والجعفي وابن الجنيد
والمفيد وسلار وأبو الصلاح وابن حمزة - وهو ظاهر الشيخ (قدس سره) - أن هذا القول
يقوله عند الأخذ في القيام وهو الأصح، ثم استدل بجملة من الروايات المتقدمة. وهو جيد
(السادس) - التخيير بين الأدعية المذكورة في الأخبار في كل من القيام عن
التشهد وعن جلسة الاستراحة.
(السابع) - ما دل عليه خبر التوقيع المذكور من التكبير عند القيام من
التشهد الأول، والمشهور بين الأصحاب عدم مشروعيته، ونقل عن الشيخ المفيد (قدس
سره) استحباب التكبير هنا وعدم استحبابه في القنوت. واعترض عليه الشيخ في
التهذيب والشهيد في الذكرى بأنه يكون حينئذ عدد التكبير في الصلاة أربعا وتسعين مع
ورود الرواية بأن عددها خمس وتسعون، قال الشهيد (قدس سره) مع أنه روى
بعدة طرق: منها - رواية محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) (1) في القيام من
التشهد يقول " بحول الله وقوته أقوم وأقعد " وفي بعضها " بحولك وقوتك " وفي بعض
" وأركع وأسجد " ولم يذكر في شئ منها التكبير فالأقرب سقوطه للقيام وثبوته للقنوت
وبه كان يفتي المفيد (قدس سره) وفي آخر عمره رجع عنه، قال الشيخ ولست أعرف بقوله
هذا حديثا أصلا. انتهى.
وقال السيد السند في المدارك - بعد أن أورد صحيحتي عبد الله بن سنان ومحمد بن
مسلم المتقدمتين - ما لفظه: ويستفاد من هذه الرواية وغيرهما عدم مشروعية التكبير عند
القيام من التشهد وهو اختيار الشيخ وأكثر الأصحاب، وقال المفيد (قدس سره) أنه
يقوم بالتكبير، وهو ضعيف (أما أولا) فلما أوردناه من النقل و (أما ثانيا) فلأن تكبيرات

(1) الوسائل الباب 13 من السجود
310

الصلاة منحصرة في خمس وتسعين: خمس للافتتاح وخمس للقنوت والبواقي للركوع
والسجود فلو قام إلى الثالثة بالتكبير لزاد أربعا، ويدل على هذا العدد روايات: منها - ما رواه
الشيخ في الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " التكبير في
صلاة الفرض في الخمس صلوات خمس وتسعون تكبيرة: منها - تكبيرة القنوت خمس " انتهى
أقول: لقائل أن يقول إن غاية ما يستفاد من هذه الروايات التي ذكروها هو
عدم الدلالة على المشروعية لا الدلالة على العدم فإنها مطلقة ولا دلالة فيها على نفيه ولا المنع
منه، والمستلزم لعدم المشروعية إنما هو الثاني لا الأول. وأما الاستناد إلى حصر التكبيرات
في خمس وتسعين تكبيرة كما ذكروه ففيه أنه إنما يتم لو كان الحصر المذكور حقيقيا
والظاهر أنه ليس كذلك، لأن الست الافتتاحية المضافة إلى تكبيرة الاحرام مما
لا خلاف في استحبابها نصا وفتوى مع أنها غير مذكورة، وكذا استحباب الافتتاح
بإحدى وعشرين تكبيرة كما رواه زرارة في الصحيح عن الباقر (عليه السلام) (2) من أن من استفتح بها أول صلاته أجزأه عن كل تكبير في الصلاة إذا نسيه. وينبغي القول
بما دلت عليه وإن لم ينص عليه أحد في ما أعلم لصحة مستنده وصراحته، وحينئذ فمتى
كان الحصر إضافيا فلا دلالة في الأخبار المذكورة فتحمل على التكبيرات المؤكدة
والوظائف اللازمة. نعم لو احتجوا على هذه الدعوى بأن العبادات توقيفية والقول
بشئ منها من غير دليل إدخال في الدين ما ليس منه فيكون تشريعا محرما لكان له
وجه وجيه. إلا أنه يجاب حينئذ عن ذلك بخبر التوقيع المذكور. ويمكن أن يكون الشيخ
المفيد (عطر الله مرقده) إنما استند إليه، ومن المقطوع أن مثله (قدس سره)
لا يعدل عما كان عليه إلا لوضوح الدليل لديه، وعدم اطلاق الشيخ كما ذكره لا يدل على
العدم، وظاهر خبر التوقيع المذكور أن الخلاف في المسألة يومئذ كان موجودا ونسبة السائل

(1) الوسائل الباب 5 من تكبيرة الاحرام
(2) الوسائل الباب 6 من تكبيرة الاحرام
311

المحالفة إلى بعض الأصحاب يؤذن بأن الأكثر كان يومئذ على القول بالاستحباب كما لا يخفى
(الثامن) - ما يدل عليه الخبر المذكور من التخيير في مقام اختلاف الأخبار
كما نص عليه جملة من أصحابنا (رضوان الله عليهم) وجعلوه وجه جمع بين الأخبار.
وهو جيد لهذا الخبر ونحوه في بعض الأخبار أيضا.
(التاسع) - قوله (عليه السلام) في التوقيع المذكور " وأما الآخر فإنه روي
أنه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبر ثم جلس.. الخ " فإنه بما يشعر بظاهره بأن
تكبير الرفع من السجدة الثانية قبل أن يستوي جالسا وهو خلاف المفهوم من كلام الأصحاب،
ونحوه في ذلك قوله في خبر حماد (1) " ثم رفع رأسه من السجود فلما استوى جالسا
قال الله أكبر ثم قعد على جانبه الأيسر و قد وضع ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى "
قال شيخنا المجلسي (قدس سره) في البحار في شرح حديث حماد: هذا
يوهم أن التورك بعد التكبير ولم يقل به أحد وليس في رواية أخرى مثله.
أقول: في هذه الرواية كما ترى مثله، وقد مر له نظير في تكبير الأخذ في
السجدة الأولى فإن أكثر الأخبار - وهو الذي صرح به الأكثر - أنه حال القيام
وقيل يهوي بالتكبير وعليه دل بعض الأخبار المتقدمة.
ثم إن شيخنا المشار إليه احتمل أن " ثم " هنا ليست للتراخي الزماني بل للتراخي
الرتبي والترتيب المعنوي.
(المقام الثالث) - في الأحكام وفيه مسائل: (الأولى) قد عرفت في ما تقدم
استحباب التورك في جلوس الصلاة وبيان كيفيته، وقد صرح الأصحاب بكراهة الاقعاء
في جلوس الصلاة إلا أنه قد وقع الخلاف في حكمه و كيفيته فلا بد من الكلام في الموضعين
فأما في حكمه فالمشهور بين الأصحاب هو القول فيه بالكراهة بل ادعى الشيخ في الخلاف

(1) ص 3
312

عليه الاجماع. ونقل القول بالكراهة المحقق في المعتبر عن معاوية بن عمار ومحمد بن ملسم من القدماء.
ونقل عن الشيخ في المبسوط والمرتضى (رضي الله عنهما) أنهما ذهبا إلى عدم
الكراهة، قال في المبسوط حيث ذكر الجلوس بين السجدتين وبعد الثانية: الأفضل أن
يجلس متوركا وإن جلس بين السجدتين أو بعد الثانية مقعيا كان أيضا جائزا إلا أنه في
موضع آخر - حيث عد التروك المسنونة - قال: ولا يقعى بين السجدتين. وقال في النهاية:
لا بأس أن يقعد متربعا أو يقعى بين السجدتين ولا يجوز ذلك في حال التشهد. وفي
الخلاف الاقعاء مكروه.
وقال الصدوق: لا بأس بالاقعاء فيما بين السجدتين ولا بأس به بين الأولى والثانية
و بين الثالثة والرابعة ولا يجوز الاقعاء في موضع التشهدين لأن المقعي ليس بجالس إنما يكون
بعضه قد جلس على بعض فلا يصبر للدعاء والتشهد. وقال ابن إدريس: لا بأس بالاقعاء
بين السجدتين من الأولى والثانية والثالثة والرابعة، وتركه أفضل، ويكره أشد من
تلك الكراهة في حال الجلوس للتشهدين. وقد يوجد في بعض كتب أصحابنا: ولا يجوز
الاقعاء في حال التشهدين. وذلك يدل على تغليظ الكراهة لا الحظر لأن الشئ إذا كان
شديد الكراهة قيل " لا يجوز " ويعرف ذلك بالقرائن.
وإلى هذا يميل كلام العلامة (قدس سره) في المختلف حيث قال: والأقرب
عندي كراهة الاقعاء مطلقا وإن كان في التشهد آكد. وظاهر هذا الكلام هو ثبوت
الكراهة في كل جلوس وهو ظاهر الشهيدين أيضا وبه صرح العلامة في النهاية على ما نقل
عنه. وأكثر الأخبار الآتية إن شاء الله تعالى المشتملة على النهي مختصة بالجلوس بين
السجدتين والأخبار إنما تقابلت نفيا واثباتا في هذا الموضع كما ستمر بك إن شاء الله تعالى
وأما الكلام في كيفيته فقد وقع الخلاف في ذلك بين الفقهاء وأهل اللغة،
قال في الصحاح: أقعى الكلب إذا جلس على استه مفترشا رجليه وناصبا يديه، وقد جاء
313

النهي عن الاقعاء في الصلاة وهو أن يضع ألييه على عقبيه بين السجدتين، وهذا تفسير
الفقهاء، وأما أهل اللغة فالاقعاء عندهم أن يلصق الرجل ألييه بالأرض وينصب ساقيه
ويتساند إلى ظهره. وقال ابن الأثير في النهاية: فيه " أنه نهى عن الاقعاء في الصلاة "
الاقعاء أن يلصق الرجل ألييه بالأرض وينصب ساقيه وفخذيه ويضع يديه على الأرض
كما يقعى الكلب. وقيل هو أن يضع ألييه على عقبيه بين السجدتين، والقول الأول ومنه
الحديث " أنه (صلى الله عليه وآله) أكل مقعيا " أراد أنه كان يجلس عند الأكل على
وركيه مستوفزا غير متمكن.
وقال في القاموس: أقعى في جلوسه تساند إلى ما وراءه والكلب جلس على استه.
وقال المطرزي في المغرب: الاقعاء أن يلصق ألييه بالأرض وينصب ساقيه ويضع
يديه على الأرض كما يقعى الكلب. وتفسير الفقهاء أن يضع ألييه على عقبيه بين السجدتين
وقال في كتاب المصباح المنير: أقعى اقعاء ألصق ألييه بالأرض ونصب ساقيه
ووضع يديه على الأرض كما يقعى الكلب. وقال الجوهري الاقعاء عند أهل اللغة،
وأورد نحو ما تقدم وجعل مكان " وضع يديه " ويتساند إلى ظهره " وقال ابن القطاع:
أقعى الكلب جلس على ألييه ونصب فخذيه واقعي الرجل جلس تلك الجلسة. انتهى.
فهذه جملة من كلام أهل اللغة متفقة على تفسيره باقعاء الكلب على النحو
المذكور في كلامهم.
وأما الفقهاء فقال المحقق (عطر الله مرقده) في المعتبر: ويستحب الجلوس بين
السجدتين متوركا، وقال في المبسوط: الأفضل أن يجلس متوركا ولو جلس مقعيا بين
السجدتين وبعد الثانية جاز. وقال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد يجلس مفترشا لرواية أبي حميد
الساعدي (1) وكيفية التورك أن يجلس على وركه الأيسر ويخرج رجليه جميعا ويفضي
بمقعدته إلى الأرض ويجعل رجله اليسرى على الأرض وظاهر قدمه اليمنى على باطن

(1) الأم للشافعي ج 1 ص 100.
314

قدمه اليسرى، وكيفية الافتراش أن يجلس على رجله اليسرى ويخرج رجله اليمنى من
تحته وينصبها ويجعل بطون أصابعها على الأرض معتمدا عليها إلى القبلة. وقال علم الهدى
(قدس سره): يجلس مماسا بوركه الأيسر مع ظاهر فخذه اليسرى الأرض رافعا فخذه
اليمنى على عرقوبه الأيسر وينصب طرف إبهام رجله اليمنى على الأرض ويستقبل بركبتيه
معا القبلة. وما ذكره الشيخ أولى. ثم قال (قدس سره): يكره الاقعاء بين السجدتين
قاله في الجمل وبه قال معاوية بن عمار منا ومحمد بن مسلم والشافعي وأبو حنيفة وأحمد (1) وقال
الشيخ بالجواز وإن كان التورك أفضل وبه قال علم الهدى. لنا - ما رووه عن علي (عليه
السلام) (2) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا تقع بين السجدتين "
وعن أنس (3) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا رفعت رأسك من
السجود فلا تقع كما يقعي الكلب " ومن طريق الأصحاب ما رواه أبو بصير عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: " لا تقع بين السجدتين اقعاء " والدليل على أن
النهي ليس للتحريم ما رواه عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال:
" لا بأس بالاقعاء في الصلاة في ما بين السجدتين " والاقعاء أن يعتمد بصدور قدميه على
الأرض ويجلس على عقبيه. وقال بعض أهل اللغة هو أن يجلس على ألييه ناصبا فخذيه
مثل اقعاء الكلب. والمعتمد الأول لأنه تفسير الفقهاء وبحثهم على تقديره. وعلى هذا
الكلام من أوله إلى آخره جرى العلامة في المنتهى وقريب منه الشهيد في الذكرى.
وبالجملة فكلام الفقهاء متفق على تفسير الاقعاء بما اختاره المحقق وبين أنه المعمول

(1) في المغني ج 1 ص 524 " يكره الاقعاء وهو أن يفترش قدميه ويجلس على عقبيه
قال به علي (ع) وأبو هريرة وقتادة ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وعليه العمل عند
أكثر أهل العلم ".
(2) المغني ج 1 ص 524 عن ابن ماجة.
(3) المغني ج 1 ص 524 عن ابن ماجة.
(4) الوسائل الباب 6 من السجود
(5) الوسائل الباب 6 من السجود
315

عليه بين الفقهاء وأن بحثهم على تقديره. بقي الكلام في أخبار المسألة، والواجب نقلها ثم
الكلام في المقام بما سنح بتوفيق الملك العلام وبركة أهل الذكر عليهم الصلاة والسلام:
فمن أخبار المسألة ما تقدم في كلام المحقق من روايتي أبي بصير والحلبي، وما
رواه في التهذيب في الصحيح عن معاوية بن عمار ومحمد بن مسلم والحلبي (1) قالوا:
" لا تقع في الصلاة بين السجدتين كاقعاء الكلب ".
وما رواه في كتاب معاني الأخبار عن عمرو بن جميع (2) قال: " قال أبو عبد الله
(عليه السلام) لا بأس بالاقعاء في الصلاة بين السجدتين وبين الركعة الأولى والثانية
وبين الركعة الثالثة والرابعة، وإذا أجلسك الإمام في موضع يجب أن تقوم فيه فتجاف
ولا يجوز الاقعاء في موضع التشهدين إلا من علة لأن المقعي ليس بجالس إنما جلس بعضه
على بعض. والاقعاء أن يضع الرجل ألييه على عقبيه في تشهديه. فأما الأكل مقعيا فلا
بأس به فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أكل مقعيا ".
وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب حريز عن زرارة (3)
قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام) لا بأس بالاقعاء في ما بين السجدتين ولا ينبغي
الاقعاء في موضع التشهد إنما التشهد في الجلوس وليس المقعي بجالس ".
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الاقعاء بالمعنى الذي عليه الفقهاء قد صرحت به رواية
عمرو بن جميع إلا أنها دلت على المنع منه في التشهدين ونفى البأس عما عداهما، والاقعاء
بالمعنى الذي صرح به أهل اللغة قد أشارت إليه صحيحة المشايخ الثلاثة معاوية بن عمار
ومحمد بن مسلم والحلبي ودلت على النهي عنه بين السجدتين، وحينئذ فيكون كل من
المعنيين قد ورد في الأخبار لكن على الوجه الذي عرفت، وعلى هذا فيمكن الجمع بين
الروايات بحمل روايات النهي على الاقعاء المنقول عن أهل اللغة - وهو الجلوس على

(1) الوسائل الباب 6 من السجود
(2) الوسائل الباب 6 من السجود
(3) الوسائل الباب 1 من التشهد
316

الأليين ناصبا فخذيه واضعا يديه على الأرض مثل اقعاء الكلب، ورواية أبي بصير الدالة
على النهي عنه بين السجدتين وإن كانت مطلقة إلا أن رواية للمشايخ الثلاثة المصرحة بالنهي
في الصورة المذكورة قد صرحت بأنه بهذا المعنى فتحمل رواية أبي بصير عليها في ذلك -
وروايات الجواز على الاقعاء بالمعنى الذي عند الفقهاء كما صرحت به رواية عمرو بن جميع،
ورواية عبيد الله بن علي الحلبي المتقدمة الدالة على نفي البأس عنه بين السجدتين وإن
كانت مطلقة في معنى الاقعاء إلا أنه يجب حملها على رواية عمرو بن جميع التي اشتركت
معها في نفي البأس عنه في الصورة المذكورة حيث صرحت بتفسيره. وفي هذا وقوف
على ظاهر الروايات من كل من الطرفين وتقييد مجملها بمفصلها وحمل مطلقها على مقيدها.
هذا بالنسبة إلى الجلوس بين السجدتين الذي هو مورد اختلاف الأخبار فإنها
إنما تقابلت فيه خاصة.
وأما التشهد فظاهر روايتي معاني الأخبار والسرائر هو المنع من الاقعاء، وليس
لهاتين الروايتين بالنسبة إلى التشهد معارض في الأخبار بل فيها ما يؤيدهما مثل قوله (عليه
السلام) في صحيحة زرارة الدالة على النهي عن القعود على قدميه وأنه يتأذى بذلك ولا يكون
قاعدا على الأرض وإنما قعد بعضه على بعض فلا يصبر للتشهد والدعاء (1) وما توهمه صاحب
المدارك - من تعدية الحكم فيها إلى الجلوس بين السجدتين، قال فإن العلة التي ذكرها في
التشهد تحصل في غيره فيتعدى الحكم إليه - ممنوع بأن الذكر والدعاء في التشهد أكثر منهما
بين السجدتين كما لا يخفى فلا يثبت تعدي الحكم، ورواية السرائر وإن أجمل فيها الاقعاء
إلا أنه مفسر في رواية عمرو بن جميع فيحمل اجمالها على تفسير هذه.
نعم يبقى الكلام في أنه قد تقدم أن ظاهر الأخبار وكلام الأصحاب هو استحباب
التورك في جلوس الصلاة مطلقا. والوجه في الجواب عن ذلك ما ذكره الشيخ من حمل
أخبار الجواز على الرخصة والجواز وإن كان خلاف الأفضل.

(1) ص 4
317

ثم إنه من المحتمل قريبا أيضا - ولعله الأولى والأرجح في المقام - حمل روايات
نفي البأس عن الاقعاء بمعنى الجلوس على العقبين كما ذكرنا على التقية، حيث إن مذهب
جماعة من العامة استحبابه ونقلوا عن ابن عباس أنه السنة، وعن طاووس قال: رأيت
العبادلة يفعلون ذلك: عبد الله بن عمر وابن عباس وابن الزبير (1).
وقال بعض شراح صحيح مسلم في باب الاقعاء (2) بعد نقل حديث ابن عباس
أنه سنة: إعلم أن الاقعاء ورد فيه حديثان ففي هذا الحديث أنه سنة وفي حديث آخر
النهي عنه، رواه الترمذي وغيره من رواية علي (عليه السلام)، وابن ماجة من رواية
أنس، وأحمد بن حنبل من رواية سمرة وأبي هريرة، والبيهقي من رواية سمرة وأنس
وأسانيدها كلها ضعيفة. وقد اختلف العلماء في حكم الاقعاء وفي تفسيره اختلافا كثيرا
لهذه الأحاديث، والصواب الذي لا معدل عنه أن الاقعاء نوعان: (أحدهما) أن يلصق
ألييه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كاقعاء الكلب، هكذا فسره
أبو عبيدة معمر بن المثنى وصاحبه أبو عبيد القاسم بن سلام وآخرون من أهل اللغة،
وهذا النوع هو المكروه الذي ورد فيه النهي. و (النوع الثاني) أن يجعل ألييه على عقبيه بين
السجدتين، وهذا هو مراد ابن عباس أنه سنة، وقد نص الشافعي على استحبابه في
الجلوس بين السجدتين: وحمل حديث ابن عباس عليه جماعات من المحققين: منهم -
البيهقي والقاضي عياض وآخرون، قال القاضي وقد ورد عن جماعة من الصحابة والسلف
أنهم كانوا يفعلونه، قال وكذا جاء مفسرا عن ابن عباس من السنة أن تمس عقبيك
ألييك، فهذا هو الصواب في تفسير حديث ابن عباس، وقد ذكرنا أن الشافعي
نص على استحبابه في الجلوس بين السجدتين. انتهى. ومما ذكرناه يظهر قرب حمل أخبار
الجواز على التقية.

(1) المغني ج 1 ص 524
(2) شرح صحيح مسلم للنووي ج 5 ص 19
318

وقد عرفت مما قدمناه أن المراد بالاقعاء في أخبار الجواز هو الاقعاء الذي جعلوه
هنا سنة وهو الجلوس على العقبين معتمدا على صدور الرجلين هذا بالنسبة إلى ما بين
السجدتين وإلا فقد عرفت أن الاقعاء في التشهد مما لا معارض للقول بالمنع منه.
ولا يخفى أن ذكره الأصحاب - من جواز الاقعاء على كراهة في جلوس
الصلاة مطلقا مع تفسيرهم الاقعاء بالجلوس على العقبين معتمدا على صدور قدميه - ظاهر
في صحة الصلاة بجلوسه على هذه الكيفية، وهو مشكل فإن صدق الجلوس شرعا
أو عرفا على هذه الكيفية لا يخلو من بعد سيما مع تصريح الخبر بأن المقعى ليس بجالس.
والظاهر أن ما ذكره في الفقيه وصرحت به رواية عمرو بن جميع من عدم الجواز مراد
به ظاهره لا المبالغة في الكراهة كما صرح به ابن إدريس، لما عرفت من أن الجالس
على عقبيه مع اعتماده على صدور رجليه لا يصدق عليه أنه جالس كما صرحت به الرواية
وحينئذ فيجب حمل لفظ " لا ينبغي " في رواية السرائر على معنى التحريم وهو أكثر
كثير في الأخبار كما تقدم ذكره في غير مقام.
وبالجملة فالذي يتلخص مما فهمنا من أخبار المسألة هو كراهة الاقعاء بمعنى الجلوس
على الأليين كاقعاء الكلب بحمل روايات النهي على هذه الصورة كما عرفت
وأما روايات الجواز فهي محمولة على الاقعاء بالمعنى الثاني ولكن رواياته إنما خرجت
مخرج التقية وموردها بين السجدتين الذي قد عرفت من كلامهم أنه سنة، والظاهر
هو عدم جوازه لعدم صدق الجلوس معه إلا في حال التقية وإن كان ذلك خلاف ما عليه
الأصحاب كما عرفت. والله العالم.
(المسألة الثانية) - المشهور بين الأصحاب أن من كان في موضع سجوده دمل
أو جراحة أو دم يمنع من السجود عليه فإن أمكنه أن يحفر حفيرة أو يعمل شيئا مجوفا من طين
أو خشب أو نحوهما ليقع السليم من الجبهة على ما يصح السجود عليه وجب وإن تعذر
لاستغراق الجبهة بالمرض أو غير ذلك سجد على أحد الجبينين فإن تعذر فعلى ذقنه.
319

وقال الشيخ في المبسوط إن كان هناك دمل أو جراحة ولم يتمكن من السجود عليه
سجد على أحد جانبيه فإن لم يتمكن سجد على ذقنه وإن جعل لموضع الدمل حفيرة يجعلها
فيه كان جائزا. وفيه تصريح بعدم وجوب الحفيرة أولا ونحوه في النهاية. وقال ابن حمزة
يسجد على أحد جانبيها فإن لم يتمكن فالحفيرة فإن لم يتمكن فعلى ذقنه فقدم السجود على
أحد الجانبين على الحفيرة. وقال الشيخ علي بن بابويه يحفر حفيرة للدمل وإن كان بجبهته علة
تمنعه من السجود سجد على قرنه الأيمن من جبهته فإن عجز فعلى قرنه الأيسر من جبهته فإن
عجز فعلى ظهر كفه فإن عجز فعلى ذقنه. ونحوه كلام ابنه الصدوق (قدس سره).
وأما الأخبار التي وقفت عليها في هذه المسألة فمنها - ما رواه الشيخ في الموثق عن
إسحاق بن عمار عن بعض أصحابه عن مصادف (1) قال " خرج بي دمل فكنت أسجد
على جانب فرأى أبو عبد الله (عليه السلام) أثره فقال ما هذا؟ فقلت لا أستطيع أن
أسجد من أجل الدمل فإنما أسجد منحرفا. فقال لي لا تفعل ذلك ولكن احفر حفيرة
واجعل الدمل في الحفيرة حتى تقع جبهتك على الأرض ".
وما رواه في الكافي عن علي بن محمد باسناده (2) قال: " سئل أبو عبد الله (عليه
السلام) عن من بجبهته علة لا يقدر على السجود عليها قال يضع ذقنه على الأرض إن الله
تبارك وتعالى يقول: ويخرون للأذقان سجدا " (3).
وما رواه الثقة الجليل علي بن إبراهيم في كتابه في الموثق عن أبيه عن الصباح
عن إسحاق بن عمار (4) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل بين عينيه
قرحة لا يستطيع أن يسجد عليها؟ قال يسجد ما بين طرف شعره فإن لم يقدر سجد على
حاجبه الأيمن فإن لم يقدر فعلى حاجبه الأيسر فإن لم يقدر فعلى ذقنه. قلت على ذقنه؟

(1) الوسائل الباب 12 من السجود
(2) الوسائل الباب 12 من السجود
(3) سورة بني إسرائيل، الآية 108 وهي فيما وقفنا عليه من النسخ تبعا للكافي والوافي
والوسائل هكذا " ويخرون.. " والصحيح " يخرون.. " والواو من زيادة النساخ.
(4) الوسائل الباب 12 من السجود
320

قال: نعم أما تقرأ كتاب الله عز وجل: يخرون للأذقان سجدا " (1).
وقال (عليه السلام) في كتاب الفقه الرضوي (2) " فإن كان في جبهتك علة لا تقدر
على السجود أو دمل فاحفر حفيرة فإذا سجدت جعلت الدمل فيها، وإن كان على جبهتك
علة لا تقدر على السجود من أجلها فاسجد على قرنك الأيمن فإن لم تقدر عليه فعلى قرنك
الأيسر فإن لم تقدر عليه فاسجد على ظهر كفك فإن لم تقدر عليه فاسجد على ذقنك لقول
الله تبارك وتعالى: إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا..
إلى قوله ويزيدهم خشوعا " (3).
هذا ما وقفت عليه من أخبار المسألة ووصل إلي منها، والمذكور في كتب
الأصحاب منها رواية مصادف المشتملة على الحفيرة خاصة ومرسلة الكليني عن علي بن
محمد المشتملة على الوضع على الذقن من أول الأمر خاصة، ولذا احتاج في المعتبر وتبعه
في المدارك - في تتميم الاستدلال على القول المشهور من الانتقال إلى الجبينين بعد تعذر
الحفيرة - إلى تعليل عقلي فقال في المعتبر بأن الجبينين مع الجبهة كالعضو الواحد فيقوم
أحدهما مقامها للعذر، وأن السجود على أحد الجبينين أشبه بالسجود على الجبهة من الايماء
وأن الايماء سجود مع تعذر الجبهة فالجبين أولى. ونقله في المدارك عنه أيضا وجمد عليه
حيث لم يقف على دليل سواه يستند إليه.
وأنت خبير بما في الاستناد إلى هذه التعليلات العقلية من عدم الصلاحية لتأسيس
الأحكام الشرعية كما نبهت عليه في غير مقام مما تقدم.
والأظهر الاستدلال على ذلك بما في موثقة علي بن إبراهيم بحمل الحاجب الأيمن
والأيسر على الجبينين مجازا، وأظهر منها عبارة كتاب الفقه الرضوي التي منها أخذ
كلام الصدوقين كما عرفت، فإن المراد بالقرن الأيمن والأيسر هما الجبينان بلا اشكال،
ألا أنها اشتملت على الترتيب بينهما فالواجب القول به.

(1) سورة بني إسرائيل، الآية 108
(2) ص 9
(3) سورة بني إسرائيل، الآية 108 و 109
321

وأما السجود على الذقن فاستدل عليه في المدارك تبعا لصاحب المعتبر وغيره
بمرسلة الكليني، قال في المدارك بعد نقلها والاستدلال بها: وهذه الرواية وإن ضعف سندها إلا أن مضمونها مجمع عليه بين الأصحاب.
وفيه أنه كيف يكون مضمونها مجمعا عليه بين الأصحاب وهي قد دلت على الانتقال
من أول الأمر إلى السجود على الذقن والأصحاب قائلون بالحفيرة أولا ثم مع تعذرها
فالجبينان ثم مع تعذرهما فالذقن، فالسجود على الذقن إنما هو مرتبة ثالثة والرواية دالة
على أنه من أول الأمر. ولكن ضيق الخناق في هذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد أقرب
من الصلاح أوجب الوقوع في أمثال هذه التمحلات، والخبر حيث كان ضعيفا باصطلاحه
أراد التستر في العمل به على خلاف قاعدته بما ذكره، على أنه كم قد خالف الأصحاب
وناقشهم في أمثال ذلك كما لا يخفى على من له أنس بطريقته.
وبالجملة فالظاهر من هذه الأخبار التي نقلناها باعتبار ضم بعضها إلى بعض هو
القول بالحفيرة أولا إن أمكن عملا برواية مصادف، ونحوها كلامه (عليه السلام)
في كتاب الفقه. وأما مع تعذر ذلك فالروايات قد تصادمت ههنا، فأما مرسلة الكليني
فإنها دلت على الانتقال إلى الذقن، وأما موثقة إسحاق بن عمار المروية في تفسير علي
ابن إبراهيم فقد تضمنت الحاجب الأيمن ثم الأيسر ثم الذقن، وأما عبارة كتاب الفقه
فقد تضمنت القرن الأيمن ثم القرن الأيسر، وهاتان الروايتان اتفقتا على تأخير الذقن
فالعمل بهما أولى من المرسلة المذكورة وينبغي حمل الحاجب في موثقة إسحاق على الجبينين
مجازا جمعا بين الخبرين فيتم الاستدلال بهما للقول المشهور لكن باعتبار الترتيب لا كما هو
ظاهرهم من التخيير بين الجبينين لعدم المستند له في هذه الأخبار.
وأما ما ذكره في الذخيرة - من قوله: ولا ترتيب بين الجبينين لاطلاق الرواية لكن
الأولى تقديم الأيمن خروجا عن خلاف ابن بابويه - ففيه أنه لم يذكر في هذا البحث كغيره
من الأصحاب إلا رواية مصادف ومرسلة الكافي وشئ منهما لم يشتمل على الجبينين كما
322

عرفت. ووجوب السجود على أحد الجبينين إنما علله بعد دعوى أنه لا خلاف فيه بما
نقلناه عن المعتبر وزاد عليه توقف يقين البراءة من التكليف الثابت عليه، فأي رواية
هنا يعتمد في التخيير على اطلاقها؟ وبالجملة فإن كلامه هنا سهو ظاهر كما لا يخفى على
الخبير الماهر.
ومع عدم إمكان الجبينين فالذقن وهو المرتبة الثالثة والروايات متفقة عليه في الجملة
وإن اختلفت فيما قبله، وما اشتملت عليه عبارة كتاب الفقه من السجود على ظهر الكف
بعد تعذر الجبينين فهو غريب مرجوع إلى قائله (عليه السلام).
والمراد بالذقن مجمع اللحيين، وهل يجب كشفه لأجل السجود عليه؟ صرح
شيخنا الشهيد الثاني بذلك استنادا إلى أن اللحية ليست من الذقن فيجب كشفه لتصل
البشرة إلى ما يصح السجود عليه. وقيل لا يجب لاطلاق الخبر. واختاره سبطه في المدارك
قال في الذخيرة ولعله أقرب.
والمراد بالعذر هنا وفي أمثاله المشقة الشديدة التي لا تتحمل عادة وإن أمكن تحملها بعسر.
ثم إنه مع تعذر جميع ذلك ينتقل إلى الايماء كما تقدم في بحث القيام. والله العالم.
(المسألة الثالثة) - قد صرح جملة من الأصحاب بكراهة النفخ في موضع
السجود في الصلاة.
ومن الأخبار في ذلك ما رواه ثقة الاسلام في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال " قلت له الرجل ينفخ في الصلاة موضع جبهته؟ فقال لا ".
وما رواه الشيخ عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال
" لا بأس بالنفخ في الصلاة في موضع السجود ما لم يؤذ أحدا ".
وعن إسحاق بن عمار في الموثق عن رجل (3) قال: " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن المكان يكون عليه الغبار فأنفخه إذا أردت السجود فقال لا بأس "

(1) الوسائل الباب 7 من السجود
(2) الوسائل الباب 7 من السجود
(3) الوسائل الباب 7 من السجود
323

وروى الصدوق مرسلا (1) قال: " سأل رجل الصادق (عليه السلام)..
وذكر الحديث ثم قال وروي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: إنما يكره ذلك خشية
أن يؤذي من إلى جانبه ".
وروى الصدوق باسناده إلى شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق
عن آبائه (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث المناهي (2) قال:
" ونهى أن ينفخ في طعام أو شراب وأن ينفخ في موضع السجود ".
وروى في كتاب العلل عن ليث المرادي في الصحيح (3) قال: " قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل يصلي فينفخ في موضع جبهته؟ فقال ليس به بأس إنما
يكره ذلك أن يؤذي من إلى جانبه ".
وروى في كتاب المجالس بسنده عن عبد الله بن الحسين بن زيد بن علي عن أبيه
عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) (4) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله) إن الله كره لكم أيتها الأمة أربعا وعشرين خصلة ونهاكم عنها.. إلى أن قال وكره
النفخ في الصلاة " ورواه في الفقيه بإسناده عن سليمان بن جعفر عن عبد الله بن الحسين
ابن زيد مثله (5).
وعن الحسين بن مصعب (6) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام): يكره
النفخ في الرقي والطعام وموضع السجود ".
وبإسناده عن علي (عليه السلام) في حديث الأربعمائة (7) قال: " لا ينفخ
الرجل في موضع سجوده ولا ينفخ في طعامه ولا في شرابه ولا في تعويذه ".
وأنت خبير بأن ظاهر الحضرمي ومرسلة الصدوق وصحيح ليث المرادي
أن الكراهة إنما هي من حيث استلزام إيذاء أحد وهو مؤذن بعدم الكراهة من حيث
الصلاة. ويمكن تقييد اطلاق صحيح محمد بن مسلم وكذا أخبار المناهي بها إلا أن ظاهر

(1) الوسائل الباب 7 من السجود
(2) الوسائل الباب 7 من السجود
(3) الوسائل الباب 7 من السجود
(4) الوسائل الباب 7 من السجود
(5) الوسائل الباب 7 من السجود
(6) الوسائل الباب 7 من السجود
(7) الوسائل الباب 7 من السجود
324

أخبار المناهي والمتبادر منها أن الكراهة إنما هي من حيث الصلاة، وحينئذ أن يقال
بأنه وإن كان مكروها من حيث الصلاة إلا أنه أشد كراهة باعتبار الايذاء، ونفي البأس
في باقي الأخبار يحمل على أصل الجواز وهو غير مناف للكراهة بل ربما أيدها لقولهم: نفي
البأس مؤذن بالبأس.
تذنيب يشتمل على مقامين
(الأول) - في سجدات القرآن وهي خمس عشرة: منها أربع عزائم، وها أنا
أولا أبدأ بذكر الأخبار المتعلقة بذلك ثم أعطف الكلام على ما يظهر منها من الأحكام
بتوفيق الملك العلام وبركة أهل الذكر عليهم السلام:
(الأول) - ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " إذا قرأت شيئا من العزائم التي يسجد فيها فلا
تكبر قبل سجودك ولكن تكبر حين ترفع رأسك. والعزائم أربع: حم السجدة،
وتنزيل، والنجم، واقرأ باسم ربك ".
(الثاني) - ما روياه أيضا عن أبي بصير (2) قال قال: " إذا قرئ شئ من
العزائم الأربع فسمعتها فاسجد وإن كنت على غير وضوء وإن كنت جنبا وإن كانت
المرأة لا تصلي، وسائر القرآن أنت فيه بالخيار إن شئت سجدت وإن شئت لم تسجد "
(الثالث) - ما روياه أيضا عن عبد الله بن سنان (3) قال: " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن رجل سمع السجدة تقرأ؟ قال لا يسجد إلا أن يكون منصتا لقراءته
مستمعا لها أو يصلي بصلاته، فأما أن يكون يصلي في ناحية وأنت تصلي في ناحية أخرى
فلا تسجد لما سمعت ".

(1) الوسائل الباب 42 من قراءة القرآن
(2) الوسائل الباب 42 من قراءة القرآن
(3) الوسائل الباب 43 من قراءة القرآن
325

(الرابع) - ما رواه في التهذيب في الموثق عن سماعة (1) قال: " قال
أبو عبد الله (عليه السلام) إذا قرأت السجدة فاسجد ولا تكبر حتى ترفع رأسك ".
(الخامس) - ما رواه أيضا في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) " في الرجل يسمع السجدة في الساعة التي لا تستقيم الصلاة فيها
قبل غروب الشمس وبعد صلاة الفجر؟ فقال لا يسجد ".
(السادس) - ما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (3)
قال: " سألته عن الرجل يعلم السورة من العزائم فتعاد عليه مرارا في المقعد الواحد؟
قال عليه أن يسجد كلما سمعها وعلى الذي يعلمه أيضا أن يسجد ".
(السابع) - ما رواه في الكافي في الصحيح عن أبي عبيدة الحذاء عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: " إذا قرأ أحدكم السجدة من العزائم فليقل في
سجوده: سجدت لك يا رب تعبدا ورقا لا مستكبرا عن عبادتك ولا مستنكفا ولا متعظما
بل إنا عبد ذليل خائف مستجير ".
(الثامن) - ما رواه في الفقيه مرسلا (5) قال: " وروى أنه يقول في سجدة
العزائم: لا إله إلا الله حقا حقا لا إله إلا الله ايمانا وتصديقا لا إله إلا الله عبودية ورقا
سجدت لك يا رب تعبدا ورقا لا مستنكفا ولا مستكبرا بل إنا عبد ذليل خائف
مستجير. ثم يرفع رأسه ثم يكبر ".
(التاسع) - ما رواه علي بن جعفر في كتاب المسائل عن أخيه موسى (عليه
السلام) (6) قال: " سألته عن الرجل يكون في صلاة في جماعة فيقرأ انسان السجدة

(1) الوسائل الباب 42 من قراءة القرآن
(2) الوسائل الباب 43 من قراءة القرآن
(3) الوسائل الباب 45 من قراءة القرآن.
(4) الوسائل الباب 46 من قراءة القرآن
(5) الوسائل الباب 46 من قراءة القرآن
(6) الوسائل الباب 43 من قراءة القرآن
326

كيف يصنع؟ قال يومئ برأسه. قال: وسألته عن الرجل يكون في صلاته فيقرأ آخر
السجدة؟ قال يسجد إذا سمع شيئا من العزائم الأربع ثم يقوم فيتم صلاته إلا أن يكون
في فريضة فيومئ برأسه إيماء ".
(العاشر) - ما رواه في مستطرفات السرائر من كتاب النوادر لمحمد بن علي
ابن محبوب عن غياث عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) (1) قال: " لا تقضي
الحائض الصلاة ولا تسجد إذا سمعت السجدة ".
(الحادي عشر) - ما رواه أيضا بسنده عن عمار الساباطي (2) قال: " سئل
أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل إذا قرأ العزائم كيف يصنع؟ قال ليس فيها تكبير
إذا سجدت ولا إذا قمت ولكن إذا سجدت قلت ما تقول في السجود ".
(الثاني عشر) - ما رواه في كتاب العلل في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (3) قال: " سألته عن الرجل يقرأ السجدة وهو على ظهر دابته؟ قال
يسجد حيث توجهت به، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يصلي على
ناقته وهو مستقبل المدينة يقول الله عز وجل فأينما تولوا فثم وجه الله (4) " ورواه العياشي
عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله (5).
(الثالث عشر) - ما رواه في كتاب مجمع البيان (6) قال: " روى عبد الله
ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال العزائم ألم تنزيل، وحم السجدة، والنجم
إذا هوى، واقرأ باسم ربك، وما عداها في جميع القرآن مسنون وليس بمفروض ".
(الرابع عشر) - منه أيضا (7) قال: " عن أئمتنا (عليهم السلام) أن السجود

(1) الوسائل الباب 36 من الحيض
(2) الوسائل الباب 46 من قراءة القرآن
(3) الوسائل الباب 49 من قراءة القرآن
(4) سورة البقرة، الآية 109
(5) البحار ج 18 الصلاة ص 270
(6) الوسائل الباب 42 من قراءة القرآن
(7) الوسائل الباب 42 من قراءة القرآن
327

في سورة (فصلت) عند قوله: إن كنتم إياه تعبدون " (1).
(الخامس عشر) - ما رواه في كتاب عوالي اللئالئ مرسلا (2) قال:
" روى في الحديث أنه لما نزل قوله تعالى " فاسجد واقترب " (3) سجد النبي (صلى
الله عليه وآله) فقال في سجوده: أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك
وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ".
(السادس عشر) - ما رواه في مستطرفات السرائر من كتاب النوادر لأحمد
ابن محمد بن أبي نصر عن الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال!
" في من قرأ السجدة وعنده رجل على غير وضوء؟ قال يسجد ".
(السابع عشر) - ما رواه فيه أيضا من الكتاب المذكور في الصحيح عن
الحلبي (5) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) يقرأ الرجل السجدة وهو على غير
وضوء؟ قال يسجد إذا كانت من العزائم ".
(الثامن عشر) - ما رواه في كتاب الخصال في الصحيح عن داود بن
سرحان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6) قال: " إن العزائم أربع: اقرأ باسم ربك
الذي خلق، والنجم، وتنزيل السجدة، وحم السجدة ".
(التاسع عشر) - ما رواه في المعتبر نقلا من جامع البزنطي عن محمد بن مسلم عن
أبي جعفر (عليه السلام) (7) " في من يقرأ السجدة من القرآن من العزائم لا يكبر حين
يسجد ولكن يكبر إذا رفع رأسه ".
(العشرون) - ما رواه في مستطرفات السرائر نقلا من نوادر أحمد بن محمد

(1) سورة فصلت، الآية 37
(2) مستدرك الوسائل الباب 39 من القراءة في غير الصلاة
(3) سورة العلق، الآية 19
(4) الوسائل الباب 42 من قراءة القرآن
(5) الوسائل الباب 42 من قراءة القرآن
(6) الوسائل الباب 42 من قراءة القرآن
(7) الوسائل الباب 42 من قراءة القرآن
328

ابن أبي نصر عن العلاء عن محمد بن مسلم (1) قال: " سألته عن الرجل يقرأ بالسورة
فيها السجدة فينسى فيركع ويسجد سجدتين ثم يذكر بعد؟ قال يسجد إذا كانت من
العزائم، والعزائم أربع: ألم تنزيل، وحم السجدة، والنجم، واقرأ باسم ربك. وكان
علي بن الحسين (عليهما السلام) يعجبه أن يسجد في كل سورة فيها سجدة ".
(الحادي والعشرون) - ما رواه في كتاب العلل بسنده عن جابر عن
أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال: " إن أبي علي بن الحسين (عليه السلام) ما ذكر
لله نعمة عليه إلا سجد ولا قرأ آية من كتاب الله عز وجل فيها سجود إلا سجد.. إلى أن
قال فسمى السجاد لذلك ".
(الثاني والعشرون) - ما رواه في كتاب دعائم الاسلام (3) قال: مواضع
السجود في القرآن خمسة عشر موضعا أولها آخر الأعراف، وفي سورة الرعد " وظلالهم
بالغدو والآصال " (4) وفي النحل " ويفعلون ما يؤمرون " (5) وفي بني إسرائيل
" ويزيدهم خشوعا " (6) وفي كهيعص " خروا سجدا وبكيا " (7) وفي الحج " إن الله
يفعل ما يشاء " (8) وفيها " وافعلوا الخير لعلكم تفلحون " (9) وفي الفرقان " وزادهم
نفورا " (10) وفي النمل " رب العرش العظيم " (11) وفي تنزيل السجدة " وهم
لا يستكبرون " (12) وفي ص " وخر راكعا وأناب " (13) وفي حم السجدة إن
كنتم إياه تعبدون " (14) وفي آخر النجم وفي إذا السماء انشقت " وإذا قرئ عليهم
القرآن لا يسجدون " (15) وآخر " اقرأ باسم ربك ".

(1) الوسائل الباب 44 من قراءة القرآن
(2) الوسائل الباب 44 من قراءة القرآن
(3) البحار ج 18 الصلاة ص 371
(4) الآية 16
(5) الآية 50
(6) الآية 109
(7) الآية 59
(8) الآية 19
(9) الآية 76
(10) الآية 61
(11) الآية 26
(12) الآية 15
(13) الآية 23
(14) الآية 37
(15) الآية 21
329

وروينا عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) (1) أنه قال: " العزائم
من سجود القرآن أربع: في " ألم تنزيل السجدة " و " حم السجدة " والنجم " واقرأ باسم
ربك " قال فهذه العزائم لا بد من السجود فيها وأنت في غيرها بالخيار إن شئت فاسجد وإن
شئت فلا تسجد، قال وكان علي بن الحسين (عليهما السلام) يعجبه أن يسجد فيهن كلهن ".
وعن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (2) أنه قال: " من قرأ السجدة أو سمعها
من قارئ يقرأها وكان يستمع قراءته فليسجد، فإن سمعها وهو في صلاة فريضة من
غير الإمام أومأ برأسه، وإن قرأها وهو في الصلاة سجد وسجد معه من خلفه إن كان
إماما، ولا ينبغي للإمام أن يتعمد قراءة سورة فيها سجدة في صلاة فريضة ".
وعنه (عليه السلام) (3) أنه قال ": ومن قرأ السجدة أو سمعها سجد أي وقت
كان ذلك مما تجوز الصلاة فيه أو لا تجوز وعند طلوع الشمس وعند غروبها ويسجد وإن كان
علي غير طهارة، وإذا سجد فلا يكبر ولا يسلم إذا رفع وليس في ذلك غير السجود،
ويدعو في سجوده بما تيسر من الدعاء ".
وعنه (عليه السلام) (4) أنه قال: " إذا قرأ المصلي سجدة انحط فسجد ثم قام
فابتدأ من حيث وقف فإن كانت في آخر السورة فليسجد ثم يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب
ويركع ويسجد ".
وعن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) (5) أنه قال: " إذا قرأت السجدة
وأنت جالس فاسجد متوجها إلى القبلة وإذا قرأتها وأنت راكب فاسجد حيث توجهت،
فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يصلي على راحلته وهو متوجه إلى المدينة
بعد انصرافه من مكة يعني النافلة، قال وفي ذلك قول الله عز وجل: فأينما تولوا فثم
وجه الله " (6) انتهى.

(1) البحار ج 18 الصلاة ص 371
(2) البحار ج 18 الصلاة ص 371
(3) البحار ج 18 الصلاة ص 371
(4) البحار ج 18 الصلاة ص 371
(5) البحار ج 18 الصلاة ص 371
(6) سورة البقرة، الآية 109
330

أقول: والكلام في ما اشتملت عليه هذه الأخبار يقع في مواضع (الأول) وجوب
السجود في العزائم الأربع المذكورة في هذه الأخبار بقراءتها أو استماعها مما انعقد عليه
اجماع الأصحاب، وعليه دل الخبر الثاني والرابع والسادس والتاسع والثاني عشر والسادس
عشر والسابع عشر والعشرون والثاني والعشرون.
وأما ما ذكره الفاضل الخراساني في الذخيرة - بناء على أصله الغير الأصيل
وقاعدته الخالية من الدليل من أن هذه الأخبار وإن لم تكن مصرحة بالوجوب كما نبهنا
عليه كثيرا لكن انضمام عمل الأصحاب وفهمهم يقتضي المصير إلى الوجوب - ففيه
ما عرفت مما أوضحناه في غير مقام مما تقدم. والتجاؤه هنا إلى عمل الأصحاب وفهمهم
إنما نشأ من ضيق الخناق، وإلا فالواجب على الفقيه هو العمل بالأحكام الشرعية بمقتضى
الأدلة الواضحة الجلية لا تقليد العلماء وما فهموه فإنها مرتبة المقلدين القاصرين عن رتبة
الاستنباط والاستدلال، والواجب عليه بمقتضى قاعدته وعدم ثبوت الوجوب عنده من
الأخبار هو نفي الوجوب لعدم الدليل في أمثال هذا الموضع وهو خروج من الدين بما
لا يشعر به قائله وكفى به شناعة.
وكيف كان فكما أنعقد الاجماع على الوجوب في هذه المواضع الأربعة انعقد أيضا على
الاستحباب في باقي الخمس عشرة، وعليه يدل الخبر الثالث عشر والعشرون والحادي والعشرون
وبذلك يظهر لك ما في قول صاحب المدارك هنا حيث قال: وأما استحباب
السجود في غير هذه الأماكن الأربعة من المواضع الخمس عشرة فمقطوع به في كلام
الأصحاب مدعى عليه الاجماع ولم أقف فيه على نص يعتد به. انتهى. فإن فيه أنه إن
أراد بالنص الذي يعتد به ما كان صحيح السند بناء على اصطلاحه فالخبر العشرون
صحيح السند لأن البزنطي صاحب الكتاب رواه عن العلاء عن محمد بن مسلم والثلاثة
ثقات بالاتفاق، على أنه في غير موضع من كتابه يعمل بالخبر الضعيف في السنن ومتى
ظن في خبر ظاهره الوجوب أو التحريم بضعف السند حمله على الاستحباب أو الكراهة
331

تفاديا من طرحه فلا معنى لرده هنا يضعف السند. وبالجملة فالعذر له ظاهر حيث إن
نظره مقصور على أخبار الكتب الأربعة وعدم الفحص عن غيرها وهذه الأخبار خارجة
عنها، وإلا فهذه الأخبار كما ترى ظاهرة الدلالة على ذلك وفيها الصحيح باصطلاحه
لكن الحق هو الاعتذار عنه بما ذكرناه.
(الثاني) - لا خلاف بين الأصحاب في أن السجدات خمس عشرة كما فصلها
في كتاب دعائم الاسلام وادعى عليه الشهيد (قدس سره) الاجماع، قال في الذكرى: أجمع
الأصحاب على أن سجدات القرآن خمس عشرة: ثلاث في المفصل وهي في النجم وانشقت
واقرأ، واثنتا عشرة في باقي القرآن وهي في الأعراف والرعد والنحل وبني إسرائيل
ومريم والحج في موضعين والفرقان والنمل والم تنزيل و ص وحم فصلت: انتهى. ونقل
عن الصدوق ابن بابويه أنه يستحب أن يسجد في كل سورة فيها سجدة، وعلى هذا
فيدخل فيها آل عمران لقوله تعالى " يا مريم اقنتي لربك واسجدي " (1) وغيرها،
يومئ إليه الخبر الحادي والعشرون. ولا بأس بالعمل به احتياطا.
(الثالث) - لا خلاف بين الأصحاب في وجوب السجود على القارئ
والمستمع وهو المنصت، وإنما الخلاف في الوجوب على السامع من غير اصغاء، فذهب
الشيخ إلى عدم الوجوب عليه ونقل عليه الاجماع في الخلاف، وإلى هذا القول ذهب
جمع من الأصحاب: منهم - المحقق في الشرائع والعلامة في المنتهى. وقال ابن إدريس
إنه يجب على السامع وذكر أنه اجماع الأصحاب، وإليه يميل كلامه في الذكرى وبه صرح
في المسالك وعليه الأكثر من الأصحاب. وهو الأقرب كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى
استدل الشيخ بعد الاجماع بالخبر الثالث، واحتج ابن إدريس بعد الاجماع
الذي ادعاه بعموم الأمر وبالخبر الثاني.
قال في الذكرى بعد ذكر القولين والدليلين: وطريق الرواية التي ذكرها الشيخ

(1) سورة آل عمران، الآية 38
332

فيه محمد بن عيسى عن يونس، مع أنها تقتضي وجوب السجود إذا صلى بصلاة التالي
لها وهو غير مستقيم عندنا إذ لا يقرأ في الفريضة عزيمة على الأصح ولا يجوز القدوة
في النافلة غالبا، وقد نقل ابن بابويه عن ابن الوليد أنه لا يعتمد على حديث محمد بن
عيسى عن يونس. وروى العامة عدم سجود السامع عن ابن عباس وعثمان (1) ولا شك
عندنا في استحبابه على تقدير عدم الوجوب.
أقول: ما ذكره من الاشكال في مضمون الخبر جيد إلا أن الظاهر حمله على
الائتمام بالمخالف، مع أن القدوة في بعض النوافل كالاستسقاء والغدير والعيدين مع
اختلال الشرائط جائزة.
ثم إنه مما يدل على الاكتفاء. بمجرد السماع زيادة على الخبر الثاني الخبر
التاسع، ويؤيد ما دل عليه الخبر الثالث قوله في بعض أخبار الدعائم المتقدمة " أو سمعها
من قارئ يقرأها وكان يستمع قراءته " أي ينصت لها.
وبالجملة فالأخبار من الطرفين ظاهرة الدلالة على كل من القولين، قال في المدارك
بعد ذكر ما دل على السماع وما دل على الاستماع: وأنا في هذه المسألة من المتوقفين.
والحق أن الجمع بين أخبار المسألة دائر بين أمرين: أما حمل ما دل على الأمر بالسجود
بمجرد السماع على الفضيلة والاستحباب، وأما حمل ما دل على التخصيص بعد القراءة
بالاستماع دون السماع على التقية لموافقته لمذهب العامة وهو الأرجح. والاحتياط لا يخفى.
(الرابع) - قد صرح جملة من الأصحاب بأن الظاهر أن موضع السجود في
هذه الأربعة بعد الفراغ من الآية، وذهب المحقق في المعتبر إلى أن موضعه في حم السجدة

(1) المغني ج 1 ص 624 " يسن السجود للتالي والمستمع لا نعلم في هذا خلافا وأما
السامع غير القاصد للسماع فلا يستحب له. روى ذلك عن عثمان وابن عباس وعمران وبه
قال مالك، وقال أصحاب الرأي عليه السجود، وقال الشافعي لا أؤكد عليه السجود وإن
سجد فحسن ".
333

عند قوله تعالى " واسجدوا لله " (1) ونقله عن الشيخ في الخلاف.
وقال في الذكرى: موضع السجود عند التلفظ به في جميع الآيات والفراغ من
الآية فعلى هذا يسجد في فصلت عند " تعبدون " (2) وهو الذي ذكره في الخلاف
والمبسوط واحتج عليه بالاجماع وقال قضية الأصل الفور، ونقل في المعتبر عن الخلاف أنه
عند قوله تعالى " واسجدوا لله " واختاره مذهبا، وليس كلام الشيخ صريحا فيه ولا ظاهرا
بل ظاهره ما قلناه لأنه ذكر في أول المسألة أن موضع السجود في " حم " عند قوله تعالى
" واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون " (3) ثم قال وأيضا قوله " واسجدوا
لله الذي خلقهن " أمر والأمر يقتضي الفور عندنا وذلك يقتضي السجود عقيب الآية
ومن المعلوم أن آخر الآية " تعبدون " ولأن تخلل السجود في أثناء الآية يؤدي إلى
الوقوف على المشروط دون الشرط وإلى ابتداء القارئ بقوله: " إن كنتم إياه تعبدون "
وهو مستهجن عند القراء ولأنه لا خلاف فيه بين المسلمين، إنما الخلاف في تأخير السجود
إلى " يسأمون " فإن ابن عباس والثوري وأهل الكوفة والشافعي يذهبون إليه والأول هو
المشهور عند الباقين (4) فإذن ما اختاره في المعتبر لا قائل به، فإن احتج بالفور قلنا
هذا القدر لا يخل بالفور وإلا لزم وجوب السجود في باقي آي العزائم عند صيغة الأمر
وحذف ما بعده من اللفظ ولم يقل به أحد انتهى. وهو جيد، ويؤيده الخبر الرابع عشر
وما ذكره صاحب كتاب دعائم الاسلام من السجود بعد تمام الآيات المشتملة على لفظ السجدة
ومنها سورة حم فصلت.
أقول: لا يخفى أن ظواهر الأخبار التي قدمناها هو السجود عند ذكر السجدة
لتعليق لسجود في جملة منها على سماع السجدة أو قراءتها أو استماعها والمتبادر منها هو

(1) الآية 27
(2) الآية 27
(3) الآية 27
(4) عمدة القارئ ج 3 ص 507 وأحكام القرآن للجصاص الحنفي ج 3 ص 474
وبدائع الصنائع ج 1 ص 194
334

لفظ السجدة، والحمل على تمام الآية يحتاج إلى تقدير في تلك العبارات بأن يراد سماع
آية السجدة إلى آخرها. إلا أن ظاهر الأصحاب الاتفاق على أن محل السجود بعد تمام الآية
كما عرفت، وإليه يشير قول شيخنا الشهيد في آخر عبارته: وإلا لزم وجوب السجود..
إلى قوله ولم يقل به أحد. وبالجملة فإني لا أعرف لاطلاق الأخبار المذكورة مخصصا سوى
ما يدعى من الاتفاق في المقام.
قال شيخنا في كتاب البحار: رأيت في بعض تعليقات شيخنا البهائي (قدس
سره) قول بعض الأصحاب بوجوب السجود عند التلفظ بلفظ السجدة في جميع
السجدات الأربع ولم أر هذا القول في كلام غيره، وقد صرح في الذكرى بعدم القول
به فلعله اشتباه. انتهى.
أقول: لا ريب في قوة هذا القول بالنظر إلى ما ذكرناه من التقريب إلا أن
الخروج عما ظاهرهم الاتفاق عليه مشكل سيما مع عدم اخلال ذلك بالفور الواجب في
المقام كما أشار إليه شيخنا الشهيد (قدس سره) في ما تقدم من كلامه، نعم ظاهر
الخبر الرابع عشر وما ذكره في كتاب دعائم الاسلام مؤيد لما ذكره الأصحاب.
(الخامس) - الظاهر - كما استظهره جملة من الأصحاب - أن الطهارة من الحدث
غير شرط في هذا السجود، وعليه يدل الخبر الثاني والخبر السادس عشر والسابع عشر
والثاني والعشرون.
ونحو هذه الأخبار موثقة أبي عبيدة الحذاء (1) قال: " سألت أبا جعفر (عليه
السلام) عن الطامث تسمع السجدة قال إن كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها ".
ومنع الشيخ في النهاية عن سجود الحائض ونقل في الذكرى عن ابن الجنيد أن
ظاهره اعتبار الطهارة.
ويدل عليه الخبر العاشر، ونحوه أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمان

(1) الوسائل الباب 36 من الحيض
335

ابن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " سألته عن الحائض هل تقرأ
القرآن وتسجد سجدة إذا سمعت السجدة؟ قال تقرأ ولا تسجد ".
وحمله الشيخ في الإستبصار على جواز الترك، وحمله على الاستفهام الانكاري
غير بعيد بمعنى أنه يجوز لها قراءة القرآن الذي من جملته العزائم ولا يجب عليها السجود
بل تسجد كما أنها تقرأ. وأما خبر غياث المتقدم (2) فهو يضعف عن معارضة ما ذكرناه
من الأخبار. ولا يبعد عندي حمل الخبرين على التقية فإن العلامة قد نقل في المنتهى
عن أكثر الجمهور اشتراط الطهارة من الحدثين (3).
وأما ستر العورة والطهارة من الخبث واستقبال القبلة فظاهر الأكثر أنه لا خلاف
في عدم اشتراطها، قال في الذكرى أما ستر العورة واستقبال القبلة فغير شرط، وكذا
لا يشترط خلو البدن والثوب من النجاسة لاطلاق الأمر بها فالتقييد خلاف الأصل. انتهى
أقول: قد تقدم في ما ذكره في كتاب الدعائم مما رواه عن جعفر (عليه السلام) التفصيل
بين ما إذا قرأها وهو جالس فإنه يستقبل القبلة أو قرأها وهو راكب فحيث ما توجه.
إلا أن الكتاب على ما قدمنا ذكره لا تصلح أخباره للاستدلال وإنما قصارها التأييد
سيما مع ما نقله في المنتهى عن العامة من اشتراط الاستقبال فيها (4) فيضعف الاعتماد عليها
وتقييد اطلاق الأخبار كملا بها.
(السادس) - اختلف الأصحاب في باقي المساجد غير الجبهة هل يشترط
السجود عليها أيضا أم لا، وكذا في السجود على الجبهة هل يجب وضعها على ما يصح
السجود عليه في الصلاة أم يكفي على أي شئ كان؟ والأخبار المتقدمة كما عرفت مطلقة
لا اشعار فيها بالتقييد بشئ مما ذكروه في الموضعين المذكورين.
قال في الذكرى: وفي اشتراط السجود على الأعضاء السبعة أو الاكتفاء بالجبهة

(1) الوسائل الباب 36 من الحيض
(2) ص 327
(3) المغني ج 1 ص 620
(4) المغني ج 1 ص 620
336

نظر من أنه السجود المعهود ومن صدقه بوضع الجبهة، وكذا في السجود على ما يصح
السجود عليه في الصلاة من التعليل هناك بأن الناس عبيد ما يأكلون ويلبسون وهو
مشعر بالتعميم. انتهى.
أقول: أشار بالتعليل المذكور إلى ما رواه الصدوق في الصحيح عن هشام بن
الحكم (1) " أنه قال لأبي عبد الله (عليه السلام) أخبرني عما يجوز السجود عليه
وعما لا يجوز؟ قال السجود لا يجوز إلا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل
أو لبس. فقال له جعلت فداك ما العلة في ذلك؟ قال لأن السجود خضوع لله عز وجل
فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل أو يلبس لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون
والساجد في سجوده في عبادة الله عز وجل فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على
معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها ".
وعندي في ما ذكره من التعليل في كل من الموضعين نظر، أما ما علل به
اشتراط باقي المساجد من أنه السجود المعهود فإنه على اطلاقه ممنوع نعم هو معهود بالنسبة إلى
الصلاة لا مطلقا، وبالجملة فإنه قد اعترف بصدق السجود بمجرد وضع الجبهة وهو كاف
في التمسك باطلاق الأخبار المذكورة وأصالة عدم ما زاد حتى يقوم عليه دليل. وأما الخبر
المذكور فمورده أيضا إنما هو سجود الصلاة، وما تضمنه من العلة لا يخفى أنه ليس من
قبيل العلل الحقيقة التي يدور المعلول مدارها وجودا وعدما ويجب اطرادها، فإن هذه
العلل إنما هي معرفات وبيان حكمة شرعية أو مناسبة جلية للتقريب للأفهام. وبالجملة فأصالة
البراءة أقوى دليل في المقام حتى يقوم الدليل الصريح والبرهان الصحيح الموجب للخروج
عنه إذ لا تكليف إلا بعد البيان ولا حجة إلا بعد البرهان.
(السابع) - المشهور بين الأصحاب عدم التكبير لها وقال أكثر العامة
بوجوب التكبير قبلها (2) نعم يستحب التكبير عند الرفع، وظاهر الشيخ في المبسوط

(1) الوسائل الباب 1 من ما يسجد عليه
(2) المغني ج 1 ص 621
337

والخلاف والشهيد في الذكرى الوجوب.
ويدل على التكبير ما تقدم في الخبر الأول (1) وقد تضمن النهي عن التكبير
قبل السجود والأمر به حين رفع الرأس، والخبر الرابع (2) وفيه " ولا تكبر حتى
ترفع رأسك " والخبر الثامن (3) لقوله " ثم يرفع رأسه ثم يكبر " والخبر التاسع عشر (4)
وفيه " لا يكبر حين يسجد ولكن يكبر إذا رفع رأسه ".
ولعل من يظهر منه القول بوجوب التكبير نظر إلى لفظ الأمر به في هذه الأخبار
إلا أن ظاهر الخبر الحادي عشر (5) عدم التكبير مطلقا حيث قال فيه " ليس فيها
تكبير إذا سجدت ولا إذا قمت - يعني رفعت من السجود - ولكن إذا سجدت قلت
ما تقول في السجود " فإنه ظاهر في أنه ليس فيها شئ غير الذكر، ونحوه خبر الدعائم
وقوله فيه " وإذا سجد فلا يكبر ولا يسلم إذا رفع وليس في ذلك غير السجود "
والواجب حملهما على نفي الوجوب جمعا، وبه يظهر ضعف قول من ادعى وجوب التكبير
المذكور. وكيف كان قالا حوط عدم تركه. ثم إن ظاهر الأخبار الدالة عليه أنه بعد الرفع
وقبل الجلوس إلا أن يحمل على التجوز في العبارة.
(الثامن) - يستحب الذكر فيها بما تيسر وأفضله المأثور، ومنه ما تقدم في
الخبر السابع والخبر الثامن (6) وظاهر الخبر الحادي عشر (7) أنه يقول ما يقول في سجود
الصلاة، وفي خبر الدعائم (8) ما تيسر من الدعاء، وقال في المنتهى يستحب أن يقول في
سجوده " آمنا بما كفروا وعرفنا منك ما أنكروا وأجبناك إلى ما دعوا فالعفو العفو "
وقال في: الفقيه: ويستحب أن يسجد الانسان في كل سورة فيها سجدة إلا أن الواجب
في هذه العزائم الأربع، قال ومن قرأ شيئا من هذه العزائم الأربع فليسجد وليقل
" إلهي آمنا بما كفروا.. إلى آخر ما تقدم " قال ثم يرفع رأسه ويكبر.
(التاسع) قال العلامة في المنتهى: يجوز فعلها في الأوقات كلها وإن كانت

(1) ص 325
(2) ص 326
(3) ص 326
(6) ص 326
(4) ص 328
(5) ص 327
(7) ص 327
(8) ص 330
338

مما يكره فيه النوافل، وهو قول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين ومروي عن
الحسن والشعبي وسالم وعطاء وعكرمة، وقال أحمد في الرواية الأخرى إنه لا يسجد وبه
قال أبو ثور وابن عمر وسعيد بن المسيب وإسحاق، وقال مالك يكره وقراءة السجدة
في وقت النهي (1). انتهى. وظاهر تشاغله بنقل أقوال العامة خاصة أنه لا مخالف في
هذا الحكم من أصحابنا.
ويدل على الحكم المذكور اطلاق أكثر الأخبار المتقدمة، وخصوص رواية
كتاب الدعائم حيث قال (2) " ومن قرأ السجدة أو سمعها سجد أي وقت كان ذلك
مما تجوز الصلاة فيه أو لا تجوز وعند طلوع الشمس وعند غروبها " إلا أن الخبر الخامس (3)
قد دل على النهي عن السجود إذا كان في تلك الساعات.
والعلامة في المنتهى قد احتج على الحكم المذكور باطلاق الأمر بالسجود المتناول للأوقات كلها، قال ولأنها ذات سبب فجاز فعلها في وقت النهي عن النوافل كقضاء النوافل
الراتبة. ثم اعترض على نفسه برواية عمار المذكورة (4) ثم أجاب بأن رواتها فطحية فلا
تعارض ما ثبت بغيرها من الأخبار.
وأنت خبير بأن الحكم المذكور لا يخلو من اشكال لعدم المعارض للموثقة المذكورة
سوى اطلاق الأخبار الذي يمكن تقييده بالرواية المذكورة كما هو مقتضى القاعدة، ورواية
كتاب الدعائم لا تبلغ قوة في رد هذه الموثقة إلا أنها بانضمام اتفاق الأصحاب على القول
بمضمونها لا تقصر عن معارضتها، مضافا إلى ما في روايات عمار مما نبهت عليه في غير
موضع. وبالجملة فللتوقف في الحكم مجال.
(العاشر) - الظاهر أنه لا خلاف في فوريتها وقد نقلوا الاجماع على ذلك، ولو أخل
بها حتى فأتت الفورية فهل تكون أداء أو قضاء؟ قال في الذكرى يجب فضاء العزيمة مع الفوات
ويستحب قضاء غيرها، ذكره الشيخ في المبسوط والخلاف لتعلق الذمة، بالواجب أو المستحب
فتبقى على الشغل. وهل ينوي القضاء؟ ظاهره ذلك لصدق حد القضاء عليها، وفي المعتبر

(1) المغني ج 1 ص 623
(2) ص 330
(3) ص 326
(4) ص 326
339

ينوي الأداء لعدم التوقيت. وفيه منع لأنها واجبة على الفور فوقتها وجود السبب فإذا
فأت فقد فعلت في غير وقتها ولا نعني بالقضاء إلا ذلك. انتهى.
أقول: فيه أن الظاهر أن المراد من الوقت للشئ ما كان ظرفا له يقع الاتيان به
فيه كأوقات الصلوات الخمس ونحوها، والظاهر هنا بالنسبة إلى قراءة العزيمة إنما هو كونها
سببا لوجوب السجود بحيث متى أتى بها اشتغلت الذمة بالسجود كالزلزلة فإنها سبب
لوجوب الصلاة وإن قصر وقتها عن الاتيان بالصلاة فتجب الصلاة بحصولها، وقد حققنا أن
الوقت في الزلزلة هو العمر فتبقى أداء مطلقا إذ لا وقت لها فكذلك السجدة هنا تكون
أداء مطلقا لعدم التوقيت فيها، وقراءة العزيمة إنما هو سبب لوجوب الاتيان بها لا وقت له
كما ذكره لأن الاتيان بها لا يقع إلا بعد مضي القراءة وانقضائها وقضية الوقتية الوقوع في
أثناء الوقت كما عرفت، وبذلك يظهر أن ما ذكره في المعتبر هو الأقوى والمعتبر.
هذا كله بناء على وجوب الاتيان بنية الوجه كما هو المشهور بينهم وأما على
ما نختاره وهو الأصح في المسألة فالواجب الاتيان به مطلقا من غير تعرض لنية
قضاء ولا أداء.
ونظير الزلزلة في ما ذكرنا الحج أيضا فإنه بالاستطاعة يصير واجبا فيبقى وجوبه
مستقرا في جميع الأزمان فلا وقت له يوجب الاتيان به في خارجه بنية القضاء،
ونسبة قراءة السجدة إلى وجوب السجود كنسبة الاستطاعة إلى الحج والزلزلة إلى الصلاة
في كون الجميع من قبيل الأسباب.
(الحادي عشر) - قال في الذكرى: تتعدد السجدة بتعدد السبب سواء
تخلل السجود أولا لقيام السبب وأصالة عدم التداخل وروى محمد بن مسلم، ثم أورد
الخبر السادس (1).
أقول لا اشكال في التعدد مع تخلل السجود وأما مع عدمه فهو مبني على ما اشتهر

(1) ص 326
340

بينهم من أصالة عدم تداخل الأسباب، وقد عرفت في مسألة تداخل الأغسال من
كتاب الطهارة ما يبطل هذا الأصل للأحبار الكثيرة الدالة على أنه إذا اجتمعت عليك
حقوق أجزأك عنها حق واحد (1) وأما خبر محمد بن مسلم الذي استند إليه فلا دلالة فيه على
ما ادعاه، إذ غاية ما يدل عليه أنه متى قرأ السجدة وجب عليه السجود تحقيقا للفورية
التي لا خلاف فيها، وأما أنه لو قرأ مرارا متعددة من غير تخلل السجود فهل الواجب
عليه سجدة واحدة أو سجدات متعددة بعدد القراءة فلا دلالة في الخبر عليه. والله العالم
(المقام الثاني) - في سجدة الشكر وهي مستحبة عقيب الصلاة شكرا على
التوفيق لأدائها، قال في التذكرة أنه مذهب علمائنا أجمع خلافا للجمهور (2).
ويدل عليه من الأخبار ما يكاد يبلغ حد التواتر المعنوي، ومنها ما رواه الشيخ
وابن بابويه في الصحيح عن مرازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " سجدة
الشكر واجبة على كل مسلم تتم بها صلاتك وترضى بها ربك وتعجب الملائكة، منك وأن
العبد إذا صلى ثم سجد سجدة الشكر فتح الرب تبارك وتعالى الحجاب بين العبد والملائكة
فيقول يا ملائكتي انظروا إلى عبدي أدى فرضي وأتم عهدي ثم سجد لي شكرا على
ما أنعمت به عليه، ملائكتي ماذا له عندي؟ قال فتقول الملائكة يا ربنا رحمتك. ثم
يقول الرب تبارك وتعالى ثم ماذا له؟ فتقول الملائكة يا ربنا جنتك. فيقول الرب تبارك
وتعالى ثم ماذا له؟ فتقول الملائكة يا ربنا كفاية مهمة. فيقول الله تبارك وتعالى. ثم ماذا؟
فلا يبقى شئ من الخير إلا قالته الملائكة فيقول الله تبارك وتعالى يا ملائكتي ثم ماذا؟
فتقول الملائكة ربنا لا علم لنا. قال فيقول الله تبارك وتعالى اشكر له كما شكر لي واقبل

(1) الوسائل الباب 43 من غسل الجنابة
(2) في الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 425 " المالكية قالوا سجدة الشكر مكروهة.
الحنفية قالوا سجدة الشكر مستحبة ويكره الاتيان بها عقب الصلاة لئلا يتوهم العامة أنها
سنة أو واجبة ".
(3) الوسائل الباب 1 من سجدتي الشكر
341

إليه بفضلي واريه وجهي ".
أقول: في التهذيب (1) " رحمتي " مكان " وجهي " وقال في الفقيه (2): من
وصف الله تعالى ذكره بالوجه كالوجوه فقد كفر وأشرك ووجهه أنبياؤه وحججه (صلوات
الله عليهم) وهم الذين يتوجه بهم الانسان إلى الله عز وجل وإلى معرفته دينه، والنظر
إليهم في يوم القيامة ثواب عظيم يفوق كل ثواب.
وروى الشيخ في التهذيب والصدوق في الفقيه عن إسحاق بن عمار (3) قال:
" سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول كان موسى بن عمران إذا صلى لم ينفتل حتى
يلصق خده الأيمن بالأرض وخده الأيسر بالأرض ".
وروى في الفقيه مرسلا (4) قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام) أوحى الله
تعالى إلى موسى بن عمران أتدري لم اصطفيتك بكلامي دون خلقي؟ قال موسى لا
يا رب. قال يا موسى إني قلبت عبادي ظهرا وبطنا فلم أجد منهم أحدا أذل نفسا لي منك
يا موسى إنك إذا صليت وضعت خديك على التراب ".
وروى في الكافي عن جعفر بن علي (5) قال: " رأيت أبا الحسن (عليه السلام)
وقد سجد بعد الصلاة فبسط ذراعيه على الأرض وألصق جؤجؤه بالأرض في دعائه " أقول
الجؤجؤ كهدهد، الصدر ".
وعن عبد الرحمان بن خاقان (6) قال: " رأيت أبا الحسن الثالث (عليه السلام)
سجد سجدة الشكر فافترش ذراعيه وألصق صدره وبطنه بالأرض فسألته عن ذلك
فقال كذا نحب ".
وفي الكافي والفقيه عن ابن جندب (7) قال: " سألت أبا الحسن الماضي (عليه

(1) الوسائل الباب 1 من سجدتي الشكر
(2) الوسائل الباب 1 من سجدتي الشكر
(3) الوسائل الباب 3 من سجدتي الشكر
(4) الوسائل الباب 3 من سجدتي الشكر
(5) الوسائل الباب 4 من سجدتي الشكر
(6) الوسائل الباب 4 من سجدتي الشكر
(7) الفروع ج 1 ص 90 والفقيه ج 1 ص 217 والوسائل الباب 6 من سجدتي الشكر
342

السلام) عما أقول في سجدة الشكر فقد اختلف أصحابنا فيه؟ فقال قل وأنت ساجد اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك إنك أنت الله ربي والإسلام
ديني ومحمد نبيي وفلان وفلان إلى آخرهم أئمتي بهم أتولى ومن عدوهم أتبرأ. اللهم إني أنشدك
دم المظلوم (ثلاثا) وزاد في الفقيه " اللهم إني أنشدك بايوائك على نفسك لأعدائك
لتهلكنهم بأيدينا وأيدي المؤمنين " ثم اشترك الكتابان في قوله بعد ذلك " اللهم إني
أنشدك بايوائك على نفسك لأوليائك لتظفرنهم على عدوك وعدوهم أن تصلي على محمد
وعلى المستحفظين من آل محمد " في الفقيه (ثلاثا) ثم اشتركا " اللهم إني أسألك اليسر
بعد العسر (ثلاثا) ثم ضع خدك الأيمن على الأرض وتقول: يا كهفي حين تعييني المذاهب
وتضيق علي الأرض بما رحبت ويا بارئ خلقي رحمة بي وقد كنت عن خلقي غنيا صل
على محمد وعلى المستحفظين من آل محمد، ثم ضع خدك الأيسر وتقول: يا مذل كل جبار
ويا معز كل ذليل قد وعزتك بلغ مجهودي (ثلاثا) ثم تقول: يا حنان يا منان يا كاشف
الكرب العظام (ثلاثا) ثم تعود للسجود فتقول مائة مرة " شكرا شكرا " ثم تسأل
حاجتك إن شاء الله تعالى ".
قال في الوافي (1) صرح في الفقيه بأسماء الأئمة (عليهم السلام) هكذا: وعلي
إمامي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر
وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والحجة ابن الحسن بن علي
أئمتي. ومعنى أنشدك " أسألك بالله " من النشد والمراد هنا أسألك بحقك أن تأخذ بدم
المظلوم يعني الحسين (عليه السلام) وتنتقم من قاتليه وممن أسس أساس الظلم عليه وعلى أبيه
وعلى أخيه (صلوات الله عليهم). والأبواء بالمثناة التحتانية والمد: العهد، والمستحفظين بصيغة
الفاعل أو المفعول بمعنى استحفظوا الإمامة أي حفظوها أو استحفظهم الله تعالى إياها. " يا كهفي
حين تعييني المذاهب " أي يا ملجأي حين تعييني مسالكي إلى الخلق وتردد أني إليهم في

(1) باب سجود الشكر
343

تحصيل بغيتي وتدبير أموري و " تعييني " بيائين مثناتين من تحت من الاعياء أو
بنونين أولهن مشددة وبينهما مثناة تحتانية من التعنية بمعنى الايقاع في العناء. " بما رحبت "
أي بسعتها وما مصدرية.
وروى في الكافي عن سليمان بن حفص (1) قال: " كتبت إلى أبي الحسن
(عليه السلام) في سجدة الشكر فكتب إلي مائة مرة شكرا شكرا وإن شئت عفوا عفوا "
وعن محمد بن سليمان عن أبيه (2) قال: " خرجت مع أبي الحسن موسى بن جعفر
(عليه السلام) إلى بعض أمواله فقام إلى صلاة الظهر فلما فرغ خر لله ساجدا فسمعته
يقول بصوت حزين وتغرغر دموعه: رب عصيتك بلساني ولو شئت وعزتك لأخرستني
وعصيتك ببصري ولو شئت وعزتك لا كمهتني وعصيتك بسمعي ولو شئت وعزتك لأصممتني
وعصيتك بيدي ولو شئت وعزتك لكنعتني وعصيتك برجلي ولو شئت وعزتك
لجذمتني وعصيتك بفرجي ولو شئت وعزتك لعقمتني وعصيتك بجميع جوارحي التي
أنعمت بها علي وليس هذا جزاؤك مني. قال ثم أحصيت له ألف مرة وهو يقول العفو
العفو. قال ثم ألصق خده الأيمن بالأرض فسمعته وهو يقول بصوت حزين: بؤت إليك
بذنبي عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب غيرك يا مولاي " ثلاث
مرات " ثم ألصق خده الأيسر بالأرض فسمعته يقول: ارحم من أساء واقترف واستكان
واعترف (ثلاث مرات) ثم رفع رأسه ".
وروى في التهذيب في الصحيح وكذا في الفقيه عن سعد بن سعد الأشعري
عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) (3) قال: " سألته عن سجدة الشكر فقال أي
شئ سجدة الشكر؟ فقلت له إن أصحابنا يسجدون بعد الفريضة سجدة واحدة ويقولون
هي سجدة الشكر. فقال إن الشكر إذا أنعم الله على عبد النعمة أن يقول: سبحان الذي

(1) الوسائل الباب 6 من سجدتي الشكر
(2) الوسائل الباب 6 من سجدتي الشكر
(3) الوسائل الباب 1 من سجدتي الشكر
344

سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وأنا إلى ربنا لمنقلبون (1) والحمد لله رب العالمين ".
وروى الطبرسي في كتاب الاحتجاج في ما كتبه الحميري إلى القائم (عليه
السلام) (2) " يسأله عن سجدة الشكر بعد الفريضة فإن بعض أصحابنا ذكر أنها بدعة
فهل يجوز أن يسجدها الرجل بعد الفريضة؟ وإن جاز ففي صلاة المغرب هي بعد الفريضة أو
بعد الأربع ركعات النافلة؟ فأجاب (عليه السلام) سجدة الشكر من ألزم السنن
وأوجبها ولم يقل إن هذه السجدة بدعة إلا من أراد أن يحدث في دين الله بدعة. وأما الخبر
المروي فيها بعد صلاة المغرب.. الحديث " وقد تقدم في المقدمة الثانية من مقدمات
هذا الكتاب (3).
وروى الصدوق في كتاب المجالس (4) بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال ": بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسير مع بعض أصحابه
في بعض طرق المدينة إذ ثنى رجله عن دابته ثم خر ساجدا فأطال ثم رفع رأسه فعاد ثم
ركب فقال له أصحابه يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) رأيناك ثنيت رجلك عن
دابتك ثم سجدت فأطلت السجود؟ فقال إن جبرئيل (عليه السلام) أتاني فأقرأني
السلام من ربي وبشرني أنه لن يخزيني في أمتي فلم يكن لي مال فأتصدق به ولا مملوك
فأعتقه فأحببت أن اشكر ربي عز وجل ".
وروى الصدوق في العلل وفي العيون في الموثق عن علي بن الحسن بن فضال عن أبيه
عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) (5) قال: " السجدة بعد الفريضة شكر لله تعالى على
ما وفق له العبد من أداء فرضه، وأدنى ما يجزئ فيها من القول أن يقول شكرا لله شكرا لله

(1) سورة الزخرف، الآية 12
(2) الوسائل الباب 31 من التعقيب
(3) ج 6 ص 60
(4) ص 304 المجلس 76 وفي الوسائل الباب 7 من سجدتي الشكر
(5) الوسائل الباب 1 من سجدتي الشكر.
345

شكر لله (ثلاث مرات) قلت فما معنى قوله شكرا لله؟ قال: يقول هذه السجدة مني
شكرا لله عز وجل على ما وفقني له من خدمته وأداء فرضه والشكر موجب للزيادة فإن
كان في الصلاة تقصير لم يتم بالنوافل تم بهذه السجدة ".
وروى الشيخ أبو علي بن شيخنا الطوسي في كتاب المجالس بسنده عن جميل عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " أوحى الله تعالى إلى موسى بن عمران أتدري
يا موسى لم انتجبتك من خلقي واصطفيتك لكلامي؟ فقال لا يا رب. فأوحى الله إليه أني
اطلعت إلى الأرض فلم أجد عليها أشد تواضعا لي منك فخر موسى ساجدا وعفر خديه في
التراب تذللا منه لربه عز وجل فأوحى الله إليه أن أرفع رأسك يا موسى وأمر يدك في موضع
سجودك وامسح بها وجهك وما نالته من بدنك فإنه أمان من كل سقم وداء وآفة وعاهة "
وروى في كتاب العلل بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي (2) قال: " قال أبو جعفر
محمد بن علي الباقر (عليه السلام) إن أبي علي بن الحسين ما ذكر لله نعمة عليه إلا سجد
ولا قرأ آية من كتاب الله عز وجل فيها سجود إلا سجد ولا دفع الله عنه سوء يخشاه
أو كيد كائد إلا سجد ولا فرغ من صلاة مفروضة إلا سجد ولا وفق لاصلاح بين اثنين
إلا سجد، وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمى السجاد لذلك ".
أقول: وفي هذا المقام فوائد يحسن التنبيه عليها وبهش خاطر الذاكر الشاكر إليها
(الأولى) - قد أنكر هذه السجدة بعد الصلاة العامة وشدودا في انكارها مع
ورودها في أخبارهم (3) والظاهر أن السبب في ذلك مراغمة الشيعة (4) حيث شددوا في
استحبابها والملازمة عليها كما استفاضت به أخبارهم، وعلى ذلك يحمل صحيح سعد بن

(1) الوسائل الباب 5 من سجدتي الشكر
(2) الوسائل الباب 7 من سجدتي الشكر
(3) لم نعثر على خبر من طرقهم يدل على السجود بعد الصلاة وقد تقدم في التعليقة (2)
ص 341 أن المالكية كرهوا سجدة الشكر مطلقا والحنفية كرهوا سجدة الشكر بعد الصلاة
(4) ارجع إلى ج 4 ص 124 التعليقة 1 فإنك تجد هناك ما يؤيد كلامه (قدس سره)
346

سعد المتقدم عن الرضا (عليه السلام) المتضمن لإنكارها فإنه إنما خرج مخرج التقية
كما ينادي به الخبر الذي بعده بلا فصل.
وهي بعد تمام التعقيب والفراغ منه كما ينادي به ما رواه الصدوق (1) " أن
الكاظم (عليه السلام) كان يسجد بعد ما يصلي الفجر فلا يرفع رأسه حتى يتعالى النهار "
(الثانية) - يستحب فيها أن يفترش ذراعيه ويلصق صدره بالأرض كما تقدم
في رواية جعفر بن علي، وفي رواية عبد الرحمن بن خاقان (2) و " بطنه " أيضا.
(الثالثة) - يستحب فيها تعفير الخدين وهو وضعهما على العفر الذي هو
التراب، وقد تقدم في خبر إسحاق بن عمار (3) نقلا عن موسى بن عمران ومثله أخبار أخر
غيره أيضا مما ذكرنا هنا وما لم نذكره.
وقد ذكر جملة من الأصحاب: منهم - الشهيدان والسيد في المدارك استحباب
تعفير الجبينين أيضا وهما المكتنفان للجبهة. واستدل عليه في المدارك بالخبر المشهور في أن من علامات المؤمن خمسا، وعد منها تعفير الجبين (4).
وعندي في ذلك اشكال إذ لم أقف في أخبار السجود على تعددها وكثرتها على
ما يدل عليه، والاستدلال بهذا الخبر على ذلك غير ظاهر إذ من المحتمل بل هو الظاهر أن
المراد بالجبين هو الجبهة كما مر نظيره في باب التيمم من كثرة هذا الاطلاق في الأخبار
ويؤيده التعبير في الخبر بالجبين مفردا والمراد حينئذ إنما هو استحباب السجود على
الأرض. وجعل ذلك من علامات المؤمن من حيث إن المخالفين لا يرون استحباب
سجدة الشكر كما عرفت (5) كما جعل (عليه السلام) من جملة ذلك التختم باليمين

(1) الوسائل الباب 2 من سجدتي الشكر
(2) ص 342
(3) ص 342
(4) رواه الشيخ في التهذيب ج 2 ص 17 وقد تقدم في الصفحة 167 ما يتعلق به
(5) التعليقة (2) ص 341
347

ردا على المخالفين الذين يستحبون التختم باليسار (1) ومثله الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم
في مواضع إخفات القراءة فإنه في مقام الرد عليهم كما تقدم ذكره في المسألة المذكورة
وأيضا فإنه لا دلالة في الخبر المذكور على أنه بعد السجود أولا ليحصل به الفصل بين
السجدتين وتعددهما كما ذكروه قياسا على تعفير الخدين فإن الخبر لا يدل على ذلك كما
لا يخفى. وبالجملة فإن فهم ما ذكروه من هذه الرواية في غاية من الخفاء والاشكال إلا أن
يكون لهم خبر آخر ولم يوردوه ولم أقف عليه في أخبار السجود، والذي صرحوا به دليلا
لهذا الحكم إنما هو هذه الرواية كما في المسالك والمدارك وغيرهما والحال كما ترى.
(الرابعة) - قد دل خبر جميل المروي في كتاب مجالس الشيخ أبي علي على
استحباب وضع اليد بعد السجود على محل السجود وإن يمسح بها وجهه وما نالته من بدنه
وإن لم يكن به علة ولا مرض لدفع ما عساه يعرض من الأمراض في هذه الأماكن.
وقد روى في كتاب مكارم الأخلاق عن إبراهيم بن عبد الحميد (2) " أن الصادق
(عليه السلام) قال لرجل إذا أصابك هم فامسح يدك على موضع سجودك ثم أمر يدك
على وجهك من جانب خدك الأيسر وعلى جبهتك إلى جانب خدك الأيمن ثم قل بسم الله الذي
لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمان الرحيم اللهم اذهب عني الهم والحزن (ثلاثا) "
وقال شيخنا المفيد (عطر الله مرقده) في المقنعة: يضع باطن كفه الأيمن موضع
سجوده ثم يرقعها فيمسح بها وجهه من قصاص شعر رأسه إلى صدغيه ثم يمرها على باقي
وجهه ويمرها على صدره فإن ذلك سنة وفيه شفاء إن شاء الله تعالى، وقد روى عن

(1) راجع رسالة " يوم الأربعين عند الحسين ع " للعلامة الحجة السيد عبد الرزاق
المقرم ومقتل الحسين " ع " له أيضا ص 442 الطبعة الثانية فقد نقل من كتب الحنابلة
والحنفية والمالكية ترك الجهر بالبسملة ومن كتب المالكية استحباب أن يكون التختم
باليسار وكان البغوي من الشافعية يقول آخر الأمرين التختم باليسار.
(2) البحار ج 18 الصلاة ص 478
348

الصادقين (عليهم السلام) (1) أنهم قالوا " إن العبد إذا سجد امتد من عنان السماء عمود
من نور إلى موضع سجوده فإذا رفع أحدكم رأسه من السجود فليمسح بيده موضع سجوده ثم
يمسح بها وجهه وصدره فإنه لا تمر بداء إلا نقته إن شاء الله تعالى ". انتهى.
وقال في الذكرى: يستحب إذا رفع رأسه منها أن يمسح يده على موضع سجوده، ثم
يمرها على وجهه من جانب خده الأيسر وعلى جبهته إلى جانب خده الأيمن ويقول
بسم الله.. الدعاء كما تقدم. ثم قال ورواه الصدوق عن إبراهيم بن عبد الحميد عن الصادق
(عليه السلام) (2) فإنه يدفع الهم قال وفي مرفوع إليه (عليه السلام) (3) " إذا كان
بك داء من سقم أو وجع فإذا قضيت صلاتك فامسح بيدك على موضع سجودك من الأرض
وادع بهذا الدعاء وأمر يدك على موضع وجعك (سبع مرات) تقول: يا من كبس الأرض
على الماء وسد الهواء بالسماء واختار لنفسه أحسن الأسماء صل على محمد وآل محمد وافعل
بي كذا وكذا وارزقني كذا وكذا وعافني من كذا وكذا ".
(الخامسة) - قال في الذكرى: ليس في سجود الشكر تكبير الافتتاح ولا
تكبير السجود ولا رفع اليدين ولا تشهد ولا تسليم، وهل يستحب التكبير لرفع رأسه
من السجود؟ أثبته في المبسوط. وهل يشترط فيه وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه
في الصلاة؟ في الأخبار السالفة إيماء إليه والظاهر أنه غير شرط لقضية الأصل. أما وضع
الأعضاء السبعة فمعتبر قطعا ليتحقق مسمى السجود. ويجوز على الراحلة اختيارا
لأصالة الجواز. انتهى.
أقول: أما ما ذكره الشيخ في المبسوط من استحباب التكبير للرفع من هذه السجدة
فالظاهر أنه حمله على سجدة التلاوة كما عرفت من دلالة أخبارها على التكبر للرفع وإلا
فأخبار سجدة الشكر على كثرتها لا تعرض فيها لذلك كما لا يخفى على المتتبع.
وأما ما اختاره في الذكرى من عدم اشتراط وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه

(1) المقنعة ص 17
(2) الوسائل الباب 5 من سجدتي الشكر
(3) الوسائل الباب 5 من سجدتي الشكر
349

في الصلاة فجيد لقضية الأصل وعدم وجود ما يوجب الخروج عنه. وورود بعض الأخبار
بحكاية حال في ذلك لا دلالة فيه على الحصر والاختصاص، وهذا هو الذي أشار
إليه بالايماء في كلامه.
وأما ما اختاره من اشتراط وضع المساجد السبعة لأن به يتحقق مسمى السجود فمحل
اشكال لما تقدم في سجود التلاوة من اعترافه بصدق السجود بمجرد وضع الجبهة والأخبار
مطلقة وتقييدها بما زاد على وضع الجبهة مع صدق السجود بذلك يحتاج إلى دليل.
ودعوى أن السجود لا يتحقق إلا بوضع المساجد السبعة ممنوعة مخالفة لم أعترف به
سابقا من صدق ذلك بمجرد وضع الجبهة. قال شيخنا البهائي في كتاب الحبل المتين:
وهل يشترط السجود على الأعضاء السبعة أم يكتفى بوضع الجبهة؟ كل محتمل وقطع شيخنا
في الذكرى بالأول وعلله بأن مسمى السجود يتحقق بذلك. وأما وضع الجبهة على ما يصح
السجود عليه فالأصل عدم اشتراطه. انتهى. وهو جيد.
(السادسة) - قال شيخنا البهائي (عطر الله مرقده) في كتاب الحبل المتين: أطبق
علماؤنا (رضوان الله عليهم) على ندبية سجود الشكر عند تجدد النعم ودفع النقم، وقد
روي (1) " أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان إذا جاء شئ يسره خر ساجدا "
وروي (2) " أنه سجد يوما فأطال فسئل عنه فقال أتاني جبرئيل (عليه السلام) فقال
من صلى عليك مرة صلى الله عليه عشرا فخررت شكرا لله " وروي (3) " أن
أمير المؤمنين (عليه السلام) سجد يوم النهروان شكرا لما وجدوا ذا الثدية قتيلا " وكما
يستحب السجود لشكر النعمة المتجددة فالظاهر - كما قاله شيخنا في الذكرى - أنه يستحب
عند تذكر النعمة وإن لم تكن متجددة، وقد روى إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله

(1) رواه البيهقي في السنن ج 2 ص 370
(2) سنن البيهقي ج 2 ص 371 باختلاف في الحديث (2) والوافي في (سجود الشكر)
(3) سنن البيهقي ج 2 ص 371 باختلاف في الحديث (2) والوافي في (سجود الشكر)
350

(عليه السلام) (1) قال: " إذا ذكرت نعمة الله عليك وقد كنت في موضع لا يراك
أحد فالصق خدك بالأرض، وإذا كنت في ملأ من الناس فضع يدك على أسفل بطنك
واحن ظهرك وليكن تواضعا لله فإن ذلك أحب وترى أن ذلك غمز وجدته في أسفل
بطنك ". انتهى.
أقول: ومما يعضد ما ذكره ما تقدم في حديث جابر بن يزيد الجعفي عن الباقر
(عليه السلام) (2) في حكايته عن أبيه علي بن الحسين (عليه السلام) وفيه زيادات
على ما ذكروا.
ومنها - ما رواه في كتاب ثواب الأعمال عن ذريح المحاربي (3) قال: " قال
أبو عبد لله (عليه السلام) أيما مؤمن سجد لله سجدة لشكر نعمة في غير صلاة كتب الله
له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات في الجنان ".
وما رواه في كتاب البصائر عن معاوية بن وهب (4) قال " كنت مع أبي عبد الله
(عليه السلام) وهو راكب حماره فنزل وقد كنا صرنا إلى السوق أو قريبا من السوق
قال فنزل وسجد وأطال السجود وأنا انتظره ثم رفع رأسه قال فقلت جعلت فداك
رأيتك نزلت فسجدت؟ قال إني ذكرت نعمة الله علي. قال قلت قرب السوق والناس
يجيئون ويذهبون؟ قال إنه لم يرني أحد " إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة
المذكورة في مظانها.
(السابعة) - الظاهر من كلام الأصحاب وكذا من الأخبار أن سجود الشكر
المندوب إليه يتأدى بالمرة الواحدة وإن كان التعدد بالفصل بتعفير الخدين بين السجدتين أفضل، فإن كثيرا من الأخبار إنما اشتمل على سجدة واحدة وجملة منها دلت على التعدد
وكذا في كلام الأصحاب ربما عبروا بسجدة الشكر وربما عبروا بسجدتي الشكر والكل
منصوص كما عرفت، والتعدد سيما مع توسط التعفير أفضل البتة.

(1) الوسائل الباب 7 من سجدتي الشكر
(2) ص 346
(3) الوسائل الباب 7 من سجدتي الشكر
(4) الوسائل الباب 7 من سجدتي الشكر
351

(الثامنة) - قد استفاضت الأخبار باستحباب إطالة السجود فروى في الكافي
عن زيد الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) في حديث قال: " إن العبد إذا
سجد فأطال السجود نادى إبليس يا ويله أطاعوا وعصيت وسجدوا وأبيت ".
وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " مر بالنبي
(صلى الله عليه وآله) رجل وهو يعالج بعض حجراته فقال يا رسول الله (صلى الله عليه
وآله) إلا أكفيك؟ قال شأنك. فلما فرغ قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) حاجتك
قال الجنة. فأطرق رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال نعم. فلما ولى قال له يا عبد الله
أعنا بطول السجود ".
وعن عبد الحميد بن أبي العلاء (3) قال " دخلت المسجد الحرام.. ثم ساق الخبر إلى أن قال فإذا أنا بأبي عبد الله (عليه السلام) ساجدا فانتظرته طويلا فطال سجوده علي
فقمت فصليت ركعات وانصرفت وهو بعد ساجد فسألت مولاه متى سجد؟ فقال من قبل أن
تأتينا. فلما سمع كلامي رفع رأسه.. الحديث ".
وعن الوشاء (4) قال: " سمعت الرضا (عليه السلام) يقول أقرب ما يكون العبد
من الله تعالى وهو ساجد وذلك قوله تعالى: واسجد واقترب " (5).
وروى في كتاب العلل عن أبي بصير (6) قال: " قال أبو عبد الله (عليه
السلام) يا أبا محمد عليك بطول السجود فإن ذلك من سنن الأوابين " إلى غير ذلك من
الأخبار الكثيرة.
وقد روى الأصحاب (7) " أن أدنى ما يجزئ في سجدة الشكر (شكرا شكرا)
ثلاث مرات " ذكر ذلك الشهيد في الذكرى. وقد ورد في عدة أخبار عن الصادق
(عليه السلام) (8) " أن العبد إذا سجد فقال يا رب يا رب حتى ينقطع نفسه قال له الرب

(1) الوسائل الباب 23 من السجود
(2) الوسائل الباب 23 من السجود
(3) الوسائل الباب 23 من السجود
(4) الوسائل الباب 23 من السجود
(5) سورة العلق، الآية 19
(6) الوسائل الباب 23 من السجود
(7) ص 345
(8) الوسائل الباب 6 من سجدتي الشكر
352

عز وجل لبيك ما حاجتك ".
الفصل السابع في القنوت
وهو لغة الطاعة والسكون والدعاء القيام في الصلاة والامساك عن الكلام، نص
على ذلك في القاموس، وذكر ابن الأثير معاني أخر كالخشوع والصلاة والعبادة والقيام
وطول القيام. وقال الجوهري القنوت الطاعة هذا هو الأصل ومنه قوله تعالى: والقانتين
والقانتات (1) ثم سمى القيام في الصلاة قنوتا. وقريب منه كلام ابن فارس، والمراد هنا
ذكر مخصوص في موضع معين سواء كان معه رفع اليدين أم لا، وربما يطلق على الدعاء
مع رفع اليدين.
والكلام في هذا الفصل أيضا ينتظم في مسائل: (الأولى) المشهور بين
الأصحاب استحباب القنوت، وقال الصدوق في الفقيه أنه سنة واجبة من تركه عمدا
أعاد. ونقل عن ظاهر ابن أبي عقيل القول بوجوبه في الصلوات الجهرية، وإلى القول بوجوبه
كما هو ظاهر الصدوق مال شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني وذكر أنه
صنف رسالة في القول بالوجوب ولم أقف عليها.
والأصل في هذا الاختلاف اختلاف ظواهر الأخبار الواردة في المسألة،
وينبغي أن يعلم أن روايات المسألة على ثلاثة أقسام، فمنها ما يدل على القول المشهور،
ومنها ما يدل على القول الآخر، ومنها ما هو مجمل قابل للحمل على كل من القولين
وإن كان جملة من المتأخرين قد نظموه في أدلة القول الشمهور إلا أنه بمحل من القصور
كما سيظهر لك إن شاء الله. ولا بد من الاتيان على جميع أخبار المسألة وذكرها ليظهر لك
حقيقة الحال فنقول:
(الأول) - ما رواه ثقة الاسلام والشيخ في الموثق عن محمد بن

(1) سورة الأحزاب، الآية 35
353

مسلم (1) قال " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن القنوت في الصلوات الخمس؟ فقال
اقنت فيهن جميعا قال: وسألت أبا عبد الله (عليه السلام) بعد ذلك عن القنوت فقال
لي أما ما جهرت فيه فلا تشك ".
(الثاني) - ما رواه في الكافي عن أبي بصير في الموثق (2) قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن القنوت فقال في ما يجهر فيه بالقراءة. قال فقلت له إني سألت
أباك عن ذلك فقال في الخمس كلها؟ فقال رحم الله أبي إن أصحاب أبي أتوه فسألوه
فأخبرهم بالحق ثم أتوني شكاكا فأفتيتهم بالتقية ".
(الثالث) - ما رواه أيضا عن الحارث بن المغيرة (3) قال: " قال أبو عبد الله
(عليه السلام) اقنت في كل ركعتين فريضة أو نافلة قبل الركوع ".
(الرابع) - ما رواه أيضا عن عبد الرحمان بن الحجاج في الصحيح عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: " سألته عن القنوت فقال في كل صلاة فريضة ونافلة "
(الخامس) - ما رواه أيضا في الصحيح عن وهب بن عبد ربه عن أبي عبد لله
(عليه السلام) (5) قال: " من ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له ".
(السادس) - ما رواه في الكافي والتهذيب أيضا في الصحيح عن زرارة عن
أبي جعفر (عليه السلام) (6) قال: " القنوت في كل صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع ".
(السابع) - ما رواه في الكافي عن محمد بن مسلم (7) قال: " القنوت
في كل صلاة في الفريضة والتطوع ".
(الثامن) - ما رواه في التهذيب عن وهب في الصحيح عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (8) قال: القنوت في الجمعة والعشاء والعتمة والوتر والغداة فمن ترك
القنوت رغبة عنه فلا صلاة له " أقول: المراد بالعشاء هنا المغرب.

(1) الوسائل الباب 1 من القنوت
(2) الوسائل الباب 1 من القنوت
(3) الوسائل الباب 1 من القنوت
(4) الوسائل الباب 1 من القنوت
(5) الوسائل الباب 1 من القنوت
(7) الوسائل الباب 1 من القنوت
(6) الوسائل الباب 3 من القنوت
(8) الوسائل الباب 2 من القنوت
354

(التاسع) - ما رواه في التهذيب في الموثق والفقيه في الصحيح عن محمد بن
مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " القنوت في كل ركعتين في التطوع والفريضة "
وفي التهذيب (2) زيادة على ذلك: قال الحسن وأخبرني عبد الله بن بكير عن زرارة عن
أبي جعفر (عليه السلام) قال: " القنوت في كل الصلوات " قال محمد بن مسلم فذكرت
ذلك لأبي عبد الله (عليه السلام) فقال: " أما ما لا يشك فيه فما جهر فيه بالقراءة ".
(العاشر) - ما رواه الصدوق في كتاب الخصال بسنده فيه عن الأعمش عن
الصادق (عليه السلام) (3) قال: " القنوت في جميع الصلوات سنة واجبة في الركعة
الثانية قبل الركوع وبعد القراءة. وقال فرائض الصلاة سبع: الوقت والطهور والتوجه
والقبلة والركوع والسجود والدعاء ".
أقول: هذا ما يمكن الاستدلال به للقول بالوجوب من الأخبار.
(الحادي عشر) - ما رواه الشيخ عن عبد الملك بن عمرو (4) قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن القنوت قبل الركوع أو بعده؟ قال لا قبله ولا بعده ".
(الثاني عشر) - ما رواه في الصحيح عن سعد بن سعد عن أبي الحسن الرضا
(عليه السلام) (5) قال: " سألته عن القنوت هل يقنت في الصلوات كلها أم في ما يجهر
فيها بالقراءة؟ قال ليس القنوت إلا في الغداة والجمعة والوتر والمغرب ".
(الثالث عشر) - ما رواه عن يونس بن يعقوب في الموثق (6) قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن القنوت في أي الصلوات أقنت؟ فقال لا تقنت إلا في الفجر ".
(الرابع عشر) - ما رواه عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا (عليه

(1) الوسائل الباب 1 و 2 من القنوت
(2) الوسائل الباب 2 من القنوت
(3) الوسائل الباب 1 من القنوت و 1 من أفعال الصلاة
(4) الوسائل الباب 4 من القنوت
(5) الوسائل الباب 2 من القنوت
(6) الوسائل الباب 2 من القنوت
355

السلام) (1) قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام) في القنوت إن شئت فاقنت وإن
شئت لا تقنت. قال أبو الحسن (عليه السلام) وإذا كان التقية فلا تقنت وأنا أتقلد هذا "
(الخامس عشر) - ما روي عن أحمد بن محمد عنه في الصحيح (2) قال:
" قال أبو جعفر (عليه السلام) في القنوت في الفجر إن شئت فاقنت وإن شئت فلا تقنت
وقال إذا كانت تقية فلا تقنت وأنا أتقلد هذا ".
(السادس عشر) - ما رواه عن سماعة في الموثق (3) قال: " سألته عن
القنوت في الجمعة؟ فقال أما الإمام فعليه القنوت في الركعة الأولى. إلى أن قال فمن شاء
قنت في الركعة الثانية قبل أن يركع وإن شاء لم يقنت وذلك إذا صلى وحده ".
(السابع عشر) - ما رواه عن عبد الملك بن عمرو (4) قال: " قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام) قنوت الجمعة في الركعة الأولى قبل الركوع وفي الثانية بعد
الركوع؟ فقال لا قبل ولا بعد ".
أقول: هذا ما يمكن الاستدلال به للقول بالاستحباب من الأخبار الواردة
في هذا المضمار.
(الثامن عشر) - ما رواه المشايخ الثلاثة عن صفوان الجمال في الصحيح (5)
قال: " صليت خلف أبي عبد الله (عليه السلام) أياما فكان يقنت في كل صلاة يجهر فيها
ولا يجهر فيها ".
أقول: وتحقيق الكلام في هذه الأخبار أن يقال لا ريب أنه وإن كانت هذه الأخبار ظاهرة الاختلاف في المقام ومتصادمة في هذا الحكم كما في غيره من الأحكام،
والجمع بينها كما يمكن بالعمل بأخبار الاستحباب وحمل أخبار الوجوب على تأكيد

(1) الوسائل الباب 4 من القنوت
(2) الوسائل الباب 4 من القنوت
(3) الوسائل الباب 5 من القنوت
(4) الوسائل الباب 5 من القنوت
(5) الوسائل الباب 1 من القنوت
356

الاستحباب كذلك يمكن العمل بأخبار الوجوب وحمل أخبار الاستحباب على التقية (1)
إلا أن الظاهر هو ترجيح الحمل الأول (أما أولا) فلما تدل عليه قرائن ألفاظ
تلك الأخبار وعباراتها من تخصيص الصلاة الجهرية بذلك في بعض والتشريك بين
الفريضة والنافلة في بعض وتخصيص بعض أفراد الجهرية به في ثالث، فإن الظاهر أن
ذلك مبني على ترتيب هذه الأفراد في الفضل والكمال.
و (أما ثانيا) فإن بعض أخبار القول بالاستحباب لا يمكن اجراء الحمل على التقية
فيه مثل صحيحتي أحمد بن محمد بن أبي نصر (وموثقة يونس بن يعقوب) (2) الدالتين على
التخبير " إن شئت فاقنت وإن شئت فلا تقنت وإذا كانت تقية فلا تقنت " فإن ذلك
ظاهر في التخيير في حال عدم التقية وأما حال التقية فيتحتم فيها ترك القنوت.
ومن ذلك يظهر أنه مع القول بالاستحباب يمكن اجتماع الروايات عليه بحمل ما دلت
عليه تلك الأخبار من أنه " من تركه رغبة عنه فلا صلاة له " على المبالغة والتأكيد في
استحبابه كقولهم (عليهم السلام) " لا صلاة لجار المسجد إلا فيه " (3) ونحو ذلك.
وأما ما دل عليه الخبر العاشر - من قوله فيه " سنة واجبة " ونحوه ما رواه

(1) في عمدة القارئ ج 3 ص 422 " لا قنوت في شئ من الصلوات المكتوبة إنما
القنوت في الوتر قبل الركوع " وفي ص 427 حكى عن زين الدين العراقي أن أكثر السلف
على استحباب القنوت في صلاة الصبح سواء نزلت نازلة أم لا، ثم ذكر جماعة من الصحابة
والتابعين والأئمة. وناقشه العيني في هذه النسبة. ثم ذكر أن أبا حنيفة وأبا يوسف ومحمد وأحمد
وإسحاق والليث لا يرون القنوت في الصبح. وفي المحلى لابن حزم ج 4 ص 138
" القنوت حسن بعد الرفع من الركوع في آخر ركعة من كل صلاة فرض الصبح وغير
الصبح وفي الوتر " وفي ص 145 " قال أبو حنيفة لا يقنت في شئ من الصلوات كلها إلا
الوتر فإنه فيه قبل الركوع السنة كلها وقال مالك والشافعي لا يقنت في شئ من الصلوات
المفروضة إلا الصبح خاصة فعند مالك قبل الركوع وعند الشافعي بعد الركوع ".
(2) الظاهر زيادة ما بين القوسين
(3) الوسائل الباب 2 من أحكام المساجد
357

الصدوق أيضا في كتاب عيون الأخبار بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه
السلام) (1) في كتابه إلى المأمون قال: " القنوت سنة واجبة في الغداة والظهر والعصر
والمغرب والعشاء الآخرة " -
ففيه ما عرفت في غير موضع مما تقدم من اشتراك لفظ السنة وكذا لفظ الوجوب في
المعنيين المشهورين المذكورين وأنه لا يحمل شئ منهما على أحد المعنيين إلا مع القرينة،
فمن المحتمل حينئذ أن المراد بالسنة هنا المستحب وبالوجوب تأكيد الاستحباب فيكون
المراد الاستحباب المؤكد جمعا بين الأحبار وبه يرتفع عنها التنافي بخلاف الحمل على الوجوب
لما عرفت آنفا.
وأما الاستناد إلى لفظ الدعاء - في قوله في الخبر المذكور (2) " فرائض الصلاة
سبع.. " وعد منها الدعاء بحمل الدعاء على القنوت، ومثله ما رواه الصدوق في الفقيه في
الصحيح عن زرارة عن الباقر (عليه السلام) (3) قال: " الفرض في الصلاة الوقت
والطهور والقبلة والتوجه والركوع والسجود والدعاء. قلت ما سوى ذلك؟ قال سنة في
فريضة " وهذا الخبر مما استدل به شيخنا أبو الحسن المتقدم ذكره على الوجوب في هذه
المسألة قال: " والقنوت دعاء ولا يجب منه سواه " -
ففيه (أولا) أن جملة من الأخبار دلت على الاكتفاء في ذكر القنوت بالتسبيح
وهو ليس بدعاء كما في رواية حريز عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر (عليه السلام) (4)

(1) الوسائل الباب 1 من القنوت
(2) ص 355
(3) لم نعثر على هذه الرواية في الفقيه وقد رواه الكليني في فروع الكافي ج 1 ص
75 والشيخ في التهذيب ج 1 ص 175 و 204 وقد رواه عنهما في الوسائل في الباب 1 من
القبلة والباب 1 من الوضوء ونسبه هناك إلى الصدوق أيضا، وربما يشير إلى رواية الخصال
المتقدمة. ورواه في الوافي عن الكافي والتهذيب في باب (الفرض في الصلاة).
(4) الوسائل الباب 6 من القنوت
358

قال: " يجزئك من القنوت خمس تسبيحات في ترسل " ورواية أبي بصير (1) قال:
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أدنى القنوت فقال خمس تسبيحات " رواهما
الشيخ في التهذيب وقال الصدوق في الفقيه: أدنى ما يجزئ في القنوت أنواع، وعد منها
أن يقول " سبحان من دانت له السماوات والأرض بالعبودية " ومنها أن يسبح ثلاث
تسبيحات ولا ريب أن جواز التسبيح كما دل عليه الخبران المذكوران ينافي ايجاب
الدعاء بظاهر الآية على ما يدعيه الخصم. ولو أجيب باطلاق الدعاء على التسبيح مجازا
فلنا حينئذ أن نحمله على الأذكار الواقعة في الركوع والسجود أيضا لذلك.
و (ثانيا) أنه من المحتمل حمل الدعاء على الصلاة على النبي (صلى الله عليه
وآله) في التشهد فإن المشهور - بل ادعى عليه الاجماع - وجوبها وهي دعاء، وعلى
ذلك يدل بعض الأخبار الصحاح وغيرها كما يأتي تحقيقه في محله إن شاء الله تعالى.
ولو أجيب - بأن المراد بالفرض هنا ما ثبت وجوبه بالكتاب العزيز والقنوت
قد ثبت بالكتاب دون الصلاة في التشهد -.
قلنا: يشكل ذلك عليكم بعد التوجه بل يحصل الاشكال به ولو بحمل الفرض
على الواجب أيضا، فإن التوجه الذي هو عبارة عن الاقبال على العبادة مستحب
اجماعا، ولا مخرج من هذا الاشكال إلا بأن يحمل الفرض هنا على ما يشمل الواجب
والمستحب مجازا.
وما يقال - من أنه يلزم استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه وهو ممنوع عند
الأصوليين - مردود بما حققناه سابقا وأشرنا إليه في غير موضع مما تقدم من وقوع
ذلك في الأخبار كثيرا بل صرح بجوازه شيخنا الشهيد في الذكرى أيضا كما قدمناه في
كتاب الطهارة إلا أنه أيضا لا يخلو من اشكال.
واستدل شيخنا المشار إليه آنفا على الوجوب بالآية أعني قوله عز وجل: " وقوموا

(1) الوسائل الباب 6 من القنوت
359

لله قانتين " (1) قال (قدس سره) بعد ذكر الآية: قال في مجمع البيان (2) قال ابن عباس
معناه " داعين " والقنوت هو الدعاء في الصلاة حال القيام وهو المروي عن أبي جعفر
وأبي عبد الله (عليهما السلام) انتهى. وفي الكشاف فسره بذكر الله قائما ولعله
أراد به الذكر في الوقت المخصوص لا مطلق الذكر، وعلى تقديره فهو أشمل إذ المروي
عنهما (عليهما السلام) في ما يعم الذكر والدعاء. وفي بعض الأخبار الصحيحة تفسيره
بالدعاء كما أوردناه في رسالتنا المعمولة في المسألة، ويمكن حمله على ما يشمل الذكر ولو
مجازا. انتهى. ثم قال في تقرير الاستدلال: إذ لا يجوز حمله على الخضوع لأنه مجاز إذ
القنوت حقيقة شرعية في المصطلح عليه بين الفقهاء كما ذكرناه في رسالتنا القنوتية.
وأجاب جماعة من أصحابنا عن الاستدلال بالآية باحتمال الاختصاص بالوسطى واحتمال
إرادة الطاعة والخشوع وإرادة الأذكار الواجبة في الصلاة ولا يخفى ما في هذه الأجوبة
أما الأول فلأنه مع بعده لا يضر بالاستدلال لعدم القائل بالفصل. وأما الأخير فلما
بيناه فإنه حقيقة شرعية في المصطلح المتبادر وظواهر الأخبار. انتهى كلامه زيد مقامه.
وفيه نظر (أما أولا) فلما عرفت من المعاني للقنوت لغة فهو حينئذ من قبيل
الألفاظ المتشابهة التي لا يمكن الاستدلال بها إلا مع القرينة المشخصة للمراد ليندفع عنه
بذلك وصمة الإيراد.
قوله -: إن القنوت حقيقة شرعية في المعنى المدعى - قلنا إن استند في ثبوت ذلك
إلى الرواية التي نقلها عن كتاب مجمع البيان فهي معارضة بما رواه الثقة الجليل علي بن
إبراهيم القمي في تفسيره عن الصادق (عليه السلام) (3) في تفسير الآية المذكورة
قال: " قوموا لله قانتين: اقبال الرجل على صلاته ومحافظته حتى لا يلهيه ولا يشغله
عنها شئ ".

(1) سورة البقرة، الآية 239
(2) ج 1 ص 343 طبع صيدا
(3) ص 69
360

وروى العياشي عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) " في قول الله
وقوموا لله قانتين؟ قال مطيعين راغبين ".
وروى العياشي أيضا عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
" في قوله تعالى وقوموا لله قانتين؟ قال اقبال الرجل على صلاته ومحافظته على وقتها.. "
وفي رواية سماعة (3) " وقوموا لله قانتين؟ قال هو الدعاء ".
فهذه جملة من الأخبار قد اشتملت على تفسير الآية بخلاف ما ادعاه فكيف يتم
ما ادعاه من أنه حقيقة شرعية في ما ذكره؟
ودعواه التبادر ممنوعة إذ شهرة استعمال القنوت الآن بين المتشرعة في ما ذكره
لا يدل على أنه مراده (عز وجل) سيما مع ما عرفت من اختلاف الأخبار في تفسير المعنى
المراد من الآية، ومع تسليم حمل القنوت على الدعاء فالتخصيص أيضا ممنوع لجواز الحمل
على الفاتحة فإنه مشتملة على الدعاء أيضا.
و (أما ثانيا) فإن ما ذكره - في جواب من حمل الآية على الاختصاص بالصلاة
الوسطى من قوله: " إنه مع بعده لا يضر بالاستدلال " - عجيب من مثله (قدس سره)
ونسبة ذلك إلى البعد بعيد الصدور منه (قدس سره) لورود صحيحة زرارة بذلك كما
تقدمت في صدر مقدمات الكتاب (4) وهي ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة
عن أبي جعفر (عليه السلام) (5) قال: وقال " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى "
وهي صلاة الظهر وهي أول صلاة صلاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهي وسط
صلاتين بالنهار صلاة الغداة وصلاة العصر " وقوموا لله قانتين " قال وأنزلت هذه
الآية يوم الجمعة ورسول الله (صلى الله عليه وآله) في سفر فقنت فيها وتركها على
حالها في السفر والحضر.. الحديث. وهو - كما ترى - صحيح صريح في أن

(1) تفسير البرهان ج 1 ص 142
(2) تفسير البرهان ج 1 ص 142
(3) تفسير البرهان ج 1 ص 142
(4) ج 6 ص 20
(5) الوسائل الباب 2 من أعداد الفرائض
361

القنوت المأمور به في الآية إنما وقع في الوسطى وهي الجمعة، وهذا القائل إنما
استند إلى هذا النص الصحيح الصريح، فمقابلته بالاستبعاد إما غفلة أو مقابلة للنص
بالاجتهاد وهو خروج عن منهج السداد والرشاد.
و (أما ثالثا) فإن قوله: " مع عدم القائل بالفصل " أيضا لا يخلو من تعجب
لما علم منه في جميع مصنفاته أنه إذا مر به دعوى الاجماع أطال في نقضه ورده والتشنيع
على مدعيه وأبطله ومزقه فكيف يجنح إليه هنا ويتمسك به؟ ولكن ضيق الخناق في المقام
أوجب له الوقوع في هذه المشاق.
وأما ما نقل عن ظاهر ابن أبي عقيل من القول بالوجوب في الصلاة الجهرية فلعل
مستنده الخبر الأول من الأخبار المتقدمة والخبر الثامن والتاسع، والجميع كما عرفت
محمول على مزيد التأكيد في هذه الفرائض زيادة على ما يخافت فيه مع احتمال الحمل على
التقية كما يشير إليه الخبر الثاني، وفيه ما يشعر بالطعن على الشيعة في زمانه (عليه السلام)
والشكاية منهم في أنهم يذيعون أسراره كما تقدم نظيره في أخبار الأوقات.
وبما حققناه في المقام يظهر لك قوة القول المشهور وأنه المؤيد المنصور. على أن نسبة
القول بالوجوب إلى الصدوق (قدس سره) بمجرد العبارة المتقدمة لا يخلو من اشكال
لامكان حمله على تأكيد الاستحباب كما حملت عليه الرواية الواردة بذلك، لأن عادة
المتقدمين غالبا التعبير بمتون الأخبار وإن كان المراد منها خلاف ظواهرها فبعين ما يقال في
الأخبار من التأويل يجري في كلامهم أيضا، ولهذا أن بعض أصحابنا ذكر أن القائل
بالوجوب غير معلوم كما ذكره المحقق الأردبيلي وقبله المحقق فخر الملة والدين الشيخ أحمد
ابن متوج البحراني في كتاب آيات الأحكام. والله العالم.
(المسألة الثانية) - المشهور بين الأصحاب أن محله بعد القراءة وقبل الركوع
بل ادعى عليه في المنتهى الاجماع حيث قال: ومحل القنوت قبل الركوع وعليه علماؤنا.
وظاهر المحقق في المعتبر الميل إلى التخيير بين فعله قبل الركوع وبعده وإن كان
362

الأول أفضل، لما رواه الشيخ عن إسماعيل الجعفي ومعمر بن يحيى عن أبي جعفر (عليه
السلام) (1) قال: " القنوت قبل الركوع وإن شئت فبعده ".
وقال الشيخ في الجواب عن هذا الخبر أنه محمول على حال القضاء أو التقية على
مذهب العامة في الغداة. أقول: والثاني جيد لما ستعرف إن شاء الله تعالى من معارضته
بما هو أصح منه سندا ودلالة.
ويدل على القول المشهور عدة روايات: منها - الخبر الثالث والخبر السادس
من الأخبار المتقدمة.
ومنها - صحيحة يعقوب بن يقطين (2) قال: " سألت عبدا صالحا (عليه
السلام) عن القنوت في الوتر والفجر وما يجهر فيه قبل الركوع أو بعده؟ فقال قبل الركوع
حين تفرغ من قرائتك ".
وصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " ما أعرف
قنوتا إلا قبل الركوع ".
وموثقة سماعة (4) قال: " سألته عن القنوت في أي صلاة هو؟ فقال كل شئ
يجهر بالقراءة فيه قنوت، والقنوت قبل الركوع وبعد القراءة ".
وفي موثقة أبي بصير عنه (عليه السلام) (5) " كل قنوت قبل الركوع إلا الجمعة "
وما استند إليه المحقق من الخبر المذكور ضعيف لا ينهض بمقاومة خبر من هذه الأخبار بل ظاهر قوله (عليه السلام) في صحيحة معاوية بن عمار " ما أعرف قنوتا
إلا قبل الركوع " مما يؤذن برده. وكذا ما رواه الحسن بن علي بن شعبة في كتاب
تحف العقول عن الرضا (عليه السلام) في كتابه إلى المأمون (6) قال: " كل القنوت
قبل الركوع وبعد القراءة " ويشير إلى ذلك الاستثناء في موثقة أبي بصير أيضا. وبالجملة

(1) الوسائل الباب 3 من القنوت
(2) الوسائل الباب 3 من القنوت
(3) الوسائل الباب 3 من القنوت
(4) الوسائل الباب 3 من القنوت
(5) الوسائل الباب 5 من القنوت
(6) الوسائل الباب 3 من القنوت
363

فالمعتمد هو القول المشهور لما ذكرناه من الأخبار الصحيحة الصريحة الظهور ورد ذلك
الخبر إلى قائله.
نعم لو نسيه قبل الركوع ثم ذكره بعد الركوع أتى به، والظاهر أنه لا خلاف فيه إنما
الخلاف في كونه أداء وقضاء، فقال في المنتهى لا خلاف عندنا في استحباب الاتيان
بالقنوت بعد الركوع مع نسيانه قبله وأما أنه هل هو أداء أو قضاء ففيه تردد. ثم قرب كونه
قضاء. وقال الشيخ المفيد (قدس سره) في المقنعة: ولو لم يذكر القنوت حتى ركع في
الثالثة قضاه بعد الفراغ. ونحوه قال الشيخ في النهاية أيضا.
والذي يدل على استحباب الاتيان به بعد الركوع في صورة النسيان أخبار عديدة:
منها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم (1) قالا " سألنا
أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل ينسى القنوت حتى يركع؟ قال يقنت بعد الركوع فإن
لم يذكر فلا شئ عليه ".
وعن محمد بن مسلم في الصحيح (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن القنوت ينساه الرجل؟ قال يقنت بعد ما يركع فإن لم يذكر حتى ينصرف فلا شئ عليه "
وعن عبيد بن زرارة في الموثق (3) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
الرجل ذكر أنه لم يقنت حتى ركع؟ قال يقنت إذا رفع رأسه ".
والذي يدل على ما ذكره الشيخان (قدس سرهما) من الاتيان به بعد الصلاة
لو فات محمله المذكور ما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن أبي بصير (4) قال: " سمعته
يذكر عند أبي عبد الله (عليه السلام) قال في الرجل إذا سها في القنوت قنت بعد ما ينصرف
وهو جالس ".
ويدل عليه أيضا ما رواه الكليني والشيخ عن زرارة (5) قال: " قلت

(1) الوسائل الباب 18 من القنوت
(2) الوسائل الباب 18 من القنوت
(3) الوسائل الباب 18 من القنوت
(4) الوسائل الباب 16 من القنوت
(5) الوسائل الباب 16 من القنوت
364

لأبي جعفر (عليه السلام) رجل نسي القنوت فذكره وهو في بعض الطريق؟ فقال
يستقبل القبلة ثم ليقله. ثم قال إني لا كره للرجل أن يرغب عن سنة رسول الله (صلى الله
عليه وآله) أو يدعها ".
وأما ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) - " عن الرجل ينسى القنوت في الوتر أو غير الوتر؟ قال ليس عليه شئ. وقال إن ذكره وقد أهوى إلى الركوع قبل أن يضع يديه على الركبتين فليرجع قائما وليقنت ثم
يركع وإن وضع يده على الركبتين فليمض في صلاته وليس عليه شئ ".
وما رواه أيضا عنه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " إن نسي الرجل
القنوت في شئ من الصلاة حتى يركع فقد جازت صلاته وليس عليه شئ وليس له
أن يدعه متعمدا ".
وما رواه عن محمد بن سهل عن أبيه (3) قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام)
عن رجل نسي القنوت في المكتوبة؟ قال لا إعادة عليه ".
وما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمار (4) قال: " سألته عن الرجل ينسى
القنوت حتى يركع أيقنت؟ قال لا " -
فهي محمولة على نفي الوجوب وعدم بطلان الصلاة بتركه كما يفصح به بعضها.
والنهي في الخبر الأخير يحتمل زيادة على ذلك التقية كما ذكره الشيخ (قدس
سره) وروى في الفقيه مرسلا (5) قال: " سأل معاوية بن عمار أبا عبد الله (عليه السلام)
عن القنوت في الوتر قال قبل الركوع. قال فإن نسيت اقنت إذا رفعت رأسي؟ قال لا ".

(1) الوسائل الباب 15 من القنوت
(2) الوسائل الباب 15 من القنوت
(3) الوسائل الباب 15 من القنوت
(4) الوسائل الباب 18 من القنوت
(5) الوسائل الباب 18 من القنوت. ومن الواضح زيادة كلمة " مرسلا " هنا فإنه
يرويها بإسناده عن معاوية بن عمار كما صرح به في الوسائل ويظهر من مشيخته.
365

قال في الفقيه (1) بعد ذكر هذا الخبر: حكم من ينسى القنوت حتى يركع أن يقنت
إذا رفع رأسه من الركوع وإنما منع الصادق (عليه السلام) من ذلك في الوتر والغداة
خلافا للعامة لأنهم يقنتون فيهما بعد الركوع وإنما أطلق ذلك في سائر الصلوات لأن
جمهور العامة لا يرون القنوت فيها (2) انتهى.
وأنت خبير بأن الخبر الذي ذكره لم يشتمل إلا على الوتر خاصة فضم الغداة إلى
ذلك أما سهو من قلمه أو قلم الناسخين أو سقط من الخبر المذكور أو الخبر بذلك وصل
إليه ولم يذكره هنا.
هذا. وأما ما ذكره في المنتهى - من التردد في نية القضاء أو الأداء - فهو مبني
على ما هو المشهور بينهم من نية وجوب الوجه في العبادات وقد تقدم أنه لا دليل عليه
فلا ضرورة تلجئ إلى التشاغل به إلا مجرد تضييع الوقت. والله العالم.
(المسألة الثالثة) - ذكر الشيخ وأكثر الأصحاب أن أفضل ما يقال في القنوت
كلمات الفرج، وقال ابن إدريس وروى أنها أفضله، واعترف جملة من محققي متأخري
المتأخرين: منهم - السيد السند في المدارك والفاضل المجلسي في البحار بأنهم لم يقفوا في
ذلك على خبر يدل عليه. وهو كذلك نعم ورد ذلك في قنوت الجمعة ومفردة الوتر خاصة
قال في المدارك: وصورته " لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي
العظيم سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن
ورب العرش العظيم والحمد لله رب العامين " روى ذلك زرارة في الحسن عن أبي جعفر
(عليه السلام) (3) وذكر المفيد (قدس سره) وجمع من الأصحاب أنه يقول قبل التحميد
" وسلام على المرسلين " وسئل عنه المصنف في الفتاوى فجوزه لأنه بلفظ القرآن ولا
ريب في الجواز لكن جعله في أثناء كلمات الفرج مع خروجه منها ليس يجيد. انتهى.

(1) ج 1 ص 312 وفي الوسائل الباب 18 من القنوت
(2) ارجع إلى التعليقة 1 ص 357
(3) الوسائل الباب 38 من الاحتضار
366

أقول: وروى الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه في أول باب غسل
الميت (1) قال: " قال الصادق (عليه السلام) إن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
دخل على رجل من بني هاشم وهو في النزع فقال له قل: لا إله إلا الله الحليم الكريم
لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما
فيهن وما بينهن وما تحتهن ورب العرش العظيم وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
فقالها فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحمد لله الذي استنقذه من النار " ثم قال
الصدوق: هذه الكلمات هي كلمات الفرج. وهو كما ترى ظاهر في دخول " وسلام على
المرسلين " في كلمات الفرج، على أن صاحب الكافي نقل الخبر المذكور (2) عاريا
عن الزيادة المذكورة.
وقال أيضا في كتاب الهداية الذي جمع فيه متون الأخبار في تلقين الميت قال:
يلقنه عند موته كلمات الفرج: لا إله إلا الله.. وساقها كما ذكر في الفقيه.
ونحو ذلك أيضا في كتاب الفقه الرضوي (3) حيث قال (عليه السلام):
" ويستحب أن يلقن كلمات الفرج وهي لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي
العظيم سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب
العرش العظيم وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ".
والأخبار في ضبط كلمات الفرج مختلفة زيادة ونقصانا وتقديما وتأخيرا كما أوردنا
جملة منها في فصل غسل الأموات في أحكام التلقين من كتاب الطهارة فليرجع إليها من
أحب الوقوف عليها وهذا الاختلاف هنا من جملة تلك الاختلافات.
وليس فيه شئ معين ويجوز الدعاء بما سنح للدنيا والدين إلا أن الاتيان
بالمأثور أفضل:

(1) ج 1 ص 77 وفي الوسائل الباب 38 من الاحتضار
(2) ج 1 ص 35 وفي الوسائل الباب 38 من الاحتضار
(3) ص 17
367

روى الكليني والشيخ عنه في الصحيح أو الحسن عن سعد بن أبي خلف عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " يجزئك في القنوت: اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا
واعف عنا في الدنيا والآخرة إنك على كل شئ قدير ".
ورويا أيضا باسنادين مختلفين في الصحيح عن إسماعيل بن الفضل (2) قال:
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القنوت وما يقال فيه؟ قال ما قضى الله على
لسانك ولا أعلم فيه شيئا موقتا "
وروى الصدوق في الصحيح عن الحلبي (3) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن القنوت فيه قول معلوم؟ فقال اثن على ربك وصل على نبيك واستغفر لذنبك "
وعن عبد الرحمان بن أبي عبد الله في الصحيح (4) قال: " القنوت في الوتر
الاستغفار وفي الفريضة الدعاء ".
وروى الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال: " القنوت
يوم الجمعة في الركعة الأولى بعد القراءة يقول في القنوت: لا إله إلا الله الحليم الكريم
لا إله إلا الله العلي العظيم لا إلا إلا الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع
وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين، اللهم صل على محمد
وآل محمد كما هديتنا به، اللهم صل على محمد وآل محمد كما أكرمتنا به، اللهم اجعلنا ممن
اخترته لدينك وخلقته لجنتك، اللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك
رحمة إنك أنت الوهاب ".
قال في الذكرى: أفضل ما يقال فيه كلمات الفرج، قال ابن إدريس وروي أنها
أفضله. وقد ذكرها الأصحاب وفي المبسوط والمصباح هي أفضل، وروى سعد بن
أبي خلف عن الصادق (عليه السلام) ثم ساق الرواية كما قدمناه، ثم قال وعن

(1) الوسائل الباب 7 من القنوت
(2) الوسائل الباب 9 من القنوت
(3) الوسائل الباب 9 من القنوت
(4) الوسائل الباب 8 من القنوت
(5) الوسائل الباب 7 من القنوت
368

أبي بصير (1) قال: " سألته عن أدنى القنوت قال خمس تسبيحات " وقال ابن أبي عقيل
والجعفي والشيخ أقله ثلاث تسبيحات. واختار ابن أبي عقيل الدعاء بما روى عن
أمير المؤمنين (عليه السلام) في القنوت (2): " اللهم إليك شخصت الأبصار ونقلت الأقدام
ورفعت الأيدي ومدت الأعناق وأنت دعيت بالألسن وإليك سرهم ونجواهم في الأعمال
ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين، اللهم إنا نشكو إليك غيبة إمامنا
وقلة عددنا وكثرة عدونا وتظاهر الأعداء علينا ووقوع الفتن بنا ففرج ذلك اللهم بعدل
تظهره وإمام حق نعرفه إله الحق آمين رب العالمين " قال: وبلغني أن الصادق (عليه
السلام) كان يأمر شيعته أن يقنتوا بهذا بعد كلمات الفرج. قال ابن الجنيد وأدناه " رب
اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم " قال والذي استحب فيه ما يكون فيه حمد الله وثناء عليه
والصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة (صلوات الله عليهم) وأن يتخير
لنفسه من الدعاء وللمسلمين ما هو مباح له. انتهى ما ذكره في الذكرى.
وقال شيخنا المجلسي (قدس سره) في البحار بعد نقل ذلك عنه: وأقول
ليس " آمين " في هذا الدعاء في سائر الروايات كما سيأتي والأحوط تركه لما عرفته.
أقول: بل الواجب تركه لما عرفت في فصل وجوب القراءة من بطلان الصلاة بهذا اللفظ.
وفي مستطرفات السرائر نقلا من نوادر محمد بن علي بن محبوب عن عبد الله بن
هلال (3) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أن حالنا قد تغيرت؟ قال فادع
في صلاتك الفريضة. قلت أيجوز في الفريضة فأسمي حاجتي للدين والدنيا؟ قال نعم فإن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قنت ودعا على قوم بأسمائهم وأسماء آبائهم وعشائرهم
وفعله علي (عليه السلام) من بعده ".

(1) الوسائل الباب 6 من القنوت
(2) البحار ج 18 الصلاة ص 379 عن ابن أبي عقيل
(3) الوسائل الباب 17 من السجود
369

وروى الكشي في كتاب الرجال عن إبراهيم بن عقبة (1) قال: " كتبت إلى
العسكري (عليه السلام) جعلت فداك قد عرفت هؤلاء الممطورة فاقنت عليهم في
الصلاة؟ قال نعم اقنت عليهم في الصلاة ".
أقول: المراد بالممطورة الواقفية كما قال شيخنا البهائي في مقدمات كتاب مشرق
الشمسين من تسمية الواقفة يومئذ بذلك يعني الكلاب التي أصابها المطر مبالغة في نجاستهم
قال في الذكرى: يجوز الدعاء فيه المؤمنين بأسمائهم والدعاء على الكفرة
والمنافقين لأن النبي (صلى الله عليه وآله) دعا في قنوته لقوم بأعيانهم وعلى آخرين
بأعيانهم كما روى (2) أنه قال: " اللهم انج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن
أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين واشدد وطأتك على مضر ورعل وذكوان " وقنت
أمير المؤمنين (عليه السلام) في صلاة الغداة (3) فدعا على أبي موسي الأشعري وعمرو
ابن العاص ومعاوية وأبي الأعور وأشياعهم، قاله ابن أبي عقيل. انتهى.
وروى في البحار (4) من كتاب محمد بن المثنى عن جعفر بن محمد بن شريح
عن ذريح المحاربي قال: " قال الحارث بن المغيرة النصري لأبي عبد الله (عليه السلام)
أن أبا معقل المزني حدثني عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه صلى بالناس المغرب
فقنت في الركعة الثانية ولعن معاوية وعمرو بن العاص وأبا موسى الأشعري وأبا الأعور
السلمي؟ قال (عليه السلام) الشيخ صدق فالعنهم ".
وفي كتاب الفقه الرضوي (5) قال (عليه السلام): " وقل في قنوتك بعد
فراغك من القراءة قبل الركوع: اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الحليم الكريم لا إله إلا أنت العلي العظيم سبحانك رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما

(1) الوسائل الباب 13 من القنوت
(2) صحيح البخاري باب " يهوي بالتكبير حين يسجد " وفي غزوة الرجيع وأول
كتاب الاكراه
(3) المغني ج 3 ص 155
(4) ج 18 الصلاة ص 380
(5) ص 8
370

بينهن ورب العرش العظيم يا الله الذي ليس كمثله شئ صل على محمد وآل محمد واغفر لي
ولوالدي ولجميع المؤمنين والمؤمنات إنك على ذلك قادر. ثم اركع ".
وروى الصدوق في كتاب عيون الأخبار (1) عن رجاء بن أبي الضحاك في
حديث سفر الرضا (عليه السلام) إلى خراسان قال فيه " وكان قنوته في جميع صلواته:
رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم أنك أنت الأعز الأكرم.. الحديث ".
(المسألة الرابعة) - اختلف الأصحاب في جواز القنوت بالفارسية فمنعه سعد
ابن عبد الله وأجازه محمد بن الحسن الصفار واختاره ابن بابويه والشيخ في النهاية
والفاضلان وغيرهم.
لصحيحة علي بن مهزيار (2) قال: " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل
يتكلم في صلاة الفريضة بكل شئ يناجي ربه؟ قال نعم ".
قال ابن بابويه بعد نقل هذا الخبر: ولو لم يرد هذا الخبر لكنت أجيزه بالخبر
الذي روى عن الصادق (عليه السلام) أنه قال (3) " كل شئ مطلق حتى يرد فيه
نهى " والنهي عن الدعاء بالفارسية في الصلاة غير موجود والحمد لله. ونقل عن الصادق
(عليه السلام) مرسلا (4) " كل ما ناجيت به ربك في الصلاة فليس بكلام ".
واقتصر في المدارك على نقل القولين المذكورين والرواية وكلام الصدوق ولم يرجح
شيئا، ونحوه في الذخيرة وقبلهما الشهيد في الذكرى، ونقل فيه عن الفاضلين أنهما عللا
جوازه بالفارسية زيادة على الرواية بصدق اسم الدعاء عليه.
أقول: والذي يقرب عندي هو ما ذهب إليه سعد بن عبد الله من المنع والتحريم
وبيان ذلك أن الظاهر عندي من صحيحة علي بن مهزيار التي استندوا إليها أن المراد منها إنما
هو التكلم بكل شئ من المطالب الدينية والدنيوية لا باعتبار اللغات المختلفة، ولا يخفى

(1) ص 310
(2) الوسائل الباب 13 من قواطع الصلاة
(3) الوسائل الباب 19 من القنوت
(4) الوسائل الباب 19 من القنوت
371

أن هذا المعنى إن لم يكن هو الأقرب والأظهر من هذا الخبر فلا أقل أن يكون مساويا لما
ذكروه في الاحتمال وبه يتم الاستدلال على حال كما لا يخفى على من عرف الرجال
بالحق لا الحق بالرجال.
وأما ما ذكره الصدوق - من أنه بمجرد عدم ورود النهي عن الدعاء بالفارسية
يكون ذلك مجوزا للدعاء بها - ففيه أن العبادة توقيفية يجب الوقوف فيها على ما رسمه
صاحب الشريعة وعلم منه بقول أو فعل أو تقرير وشئ من الثلاثة لم يعلم منه هنا. ولو
تم ما ذكره للزم أيضا جواز الذكر في الركوع والسجود بالفارسية بناء على الاكتفاء
بمطلق الذكر ولا أظن هذا القائل يلتزمه، وقد صرح شيخنا الشهيد في الذكرى بذلك
فقال وأما الأذكار الواجبة فلا يجوز مع الاختيار.
وأما حديث " كل شئ مطلق.. " (1) فالأخباريون قاطبة وجملة من المجتهدين
على تأويله واخراجه عن ظاهره لدلالته على جواز العمل بالبراءة الأصلية في الأحكام الشرعية والتثنية فيها مع استفاضة الأخبار بالتثليث (2): " حلال بين وحرام بين
وشبهات بين ذلك " ودلالة جملة من الأخبار على رد البراءة الأصلية كما تقدم في مقدمات
الكتاب وبسطنا القول عليه زيادة على ذلك في كتابنا الدرر النجفية. والله العالم.
(المسألة الخامسة) - اختلف الأصحاب في القنوت في الجمعة فالمشهور أن
فيها قنوتين: أحدهما - في الركعة الأولى قبل الركوع، وثانيهما - في الركعة الثانية
بعد الركوع.
قال الصدوق (قدس سره) في المقنع: على الإمام قنوت في الركعة الأولى
قبل الركوع وقنوت في الثانية بعد الركوع.

(1) الوسائل الباب 19 من القنوت
(2) الوسائل الباب 12 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به
372

وقال في الفقيه (1): قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) لزرارة بن أعين
" إنما فرض الله على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة: منها - صلاة واحدة
فرضها الله عز وجل في جماعة وهي الجمعة ووضعها عن تسعة: عن الصغير والكبير والمجنون
والمسافر والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومن كان على رأس فرسخين. والقراءة فيها
بالجهر. والغسل فيها واجب. وعلى الإمام فيها قنوتان: قنوت في الركعة الأولى قبل
الركوع وفي الركعة الثانية بعد الركوع. من صلاها وحده فعليه قنوت واحد في الركعة الأولى
قبل الركوع " وتفرد بهذه الرواية حريز عن زرارة. والذي أستعمله وأفتي به ومضى
عليه مشايخي (رضوان الله عليهم) هو أن القنوت في جميع الصلوات في الجمعة وغيرها
في الركعة الثانية بعد القراءة وقبل الركوع.
وقال ابن إدريس في السرائر: ومحله بعد القراءة في الثانية وقبل الركوع وهو
قنوت واحد في الصلوات، وروى أن في الجمعة قنوتين والأظهر الأول لأن هذا مروي
من طريق الآحاد والقنوت الواحد مجمع على استحبابه.
وقال شيخنا المفيد في المقنعة - على ما نقله عنه غير واحد من الأصحاب ونسبه في
المدارك إلى جمع من الأصحاب أيضا - أن في الجمعة قنوتا واحدا في الركعة الأولى قبل
الركوع. وهو ظاهر ابن الجنيد واختاره العلامة في المختلف وكذا اختاره السيد السند
في المدارك، قال: وهو المعتمد للأخبار الكثيرة الدالة عليه.

(1) ج 1 ص 266 وفي الوسائل في الباب 1 من صلاة الجمعة و 73 من القراءة
و 6 من الأغسال المسنونة و 5 من القنوت بالتقطيع ولكن ظاهره في الباب 1 من الصلاة
الجمعة أن الحديث ينتهي بقوله " على رأس فرسخين " حيث نقل منه هذا المقدار ثم ذكر
أن الصدوق رواه في الخصال مثله وزاد " والقراءة فيها بالجهر.. " ونقله في الوافي في باب
" وجوب صلاة الجمعة وشرائطها " إلى قوله: " على رأس فرسخين " وسيأتي من المصنف
" قدس سره " ص 377 تقريب أن الباقي من الحديث لا من كلام الصدوق.
373

وظاهر السيد المرتضى (قدس سره) التردد في المسألة حيث قال في الجمل:
وعلى الإمام أن يقنت في الأولى قبل الركوع وكذلك الذين خلفه، وروى أن على الإمام
إذا صلاها جمعة مقصورة قنوتين: في الأولى قبل الركوع وفي الثانية بعد الركوع. ولم
ينص على واحد منهما.
وظاهر كلام ابن أبي عقيل وأبي الصلاح أن في الجمعة قنوتين وأنهما قبل الركوع
في كل من الركعتين، قال ابن أبي عقيل في باب الجمعة على ما نقله عنه في المختلف:
ويقنت في الركعتين جميعا. ولم يفصل موضعه. وقال في باب القنوت: وكل القنوت قبل
الركوع بعد الفراغ من القراءة. والذي ينتج من هذين الكلامين مع ضم أحدهما إلى
الآخر هو أن القنوت في الجمعة في الركعتين معا وأنه بعد القراءة وقبل الركوع، وعلى
هذا النهج كلام أبي الصلاح حيث قال في باب الجمعة: ويقنت في الركعة الأولى والثانية.
وقال في تعداد المسنونات: وأما القنوت فموضعه بعد القراءة من الركعة وقبل الركوع.
وأن خص كلامهما في باب القنوت بقنوت ما عدا الجمعة بقي ما ذكراه في الجمعة مجملا فيمكن
حمله على القول المشهور، ولعله الأقرب لما ستعرفه إن شاء الله تعالى من عدم الدليل على القنوت
قبل الركوع في كل من الركعتين.
وقد تلخص مما ذكرناه أن الأقوال في المسألة خمسة: (أحدها) القول المشهور
وهو القنوتان في الركعة الأولى قبل الركوع وفي الثانية بعده. و (ثانيها) مذهب الصدوق
في الفقيه وابن إدريس وهو قنوت واحد في الركعة الثانية بعد القراءة وقبل الركوع
و (ثالثها) مذهب الشيخ المفيد وابن الجنيد ومن تبعهما وهو قنوت واحد في الركعة
الأولى قبل الركوع. و (رابعها) مذهب السيد المرتضى (قدس سره) وهو التوقف
ويمكن حمل صدر كلامه على الفتوى بذلك، ولا ينافيه نسبة القول الثاني إلى الرواية بل
ربما يؤكده ويؤيده كما يقع كثيرا في عبائر الأصحاب. و (خامسها) مذهب ابن أبي عقيل
وأبي الصلاح بناء على الاحتمال الأول.
374

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الذي وقفت عليه من أخبار المسألة ما رواه ثقة الاسلام
في الكافي والشيخ في التهذيب عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" القنوت قنوت يوم الجمعة في الركعة الأولى بعد القراءة تقول في القنوت: لا إله إلا الله
الحليم الكريم.. الحديث ".
وما رواه ثقة الاسلام في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار (2) قال:
" سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في قنوت الجمعة إذا كان إماما قنت في الركعة
الأولي وإن كان يصلي أربعا ففي الركعة الثانية قبل الركوع ".
وما رواه الشيخ عن عمر بن حنظلة (3) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام) القنوت يوم الجمعة؟ فقال أنت رسولي إليهم في هذا إذا صليتم في جماعة ففي
الركعة الأولى وإذا صليتم وحدانا ففي الركعة الثانية ".
وعن سليمان بن خالد في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال:
" القنوت يوم الجمعة في الركعة الأولى ".
وعن أبي بصير في الموثق (5) قال: " القنوت في الركعة الأولى قبل الركوع "
وعن عمر بن يزيد في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6) قال: " إذا
كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلوا في جماعة وليلبس البرد والعمامة ويتوكأ على قوس أو عصا
وليقعد قعدة بين الخطبتين ويجهر بالقراءة ويقنت في الركعة الأولى منهما قبل الركوع ".
أقول: وهذه الأخبار ظاهرة في ما ذهب إليه الشيخ المفيد (قدس سره)
واقتصر في المدارك على الاستدلال منها بصحيحتي معاوية بن عمار وسليمان بن خالد
وأيدهما أيضا بقوله (عليه السلام) في صحيحة معاوية بن عمار (7) " ما أعرف قنوتا
إلا قبل الركوع ".

(1) الوسائل الباب 7 من القنوت
(2) الوسائل الباب 5 من القنوت
(3) الوسائل الباب 5 من القنوت
(4) الوسائل الباب 5 من القنوت
(5) الوسائل الباب 5 من القنوت
(6) الوسائل الباب 6 من صلاة الجمعة
(7) الوسائل الباب 3 من القنوت
375

ومنها - ما رواه الشيخ عن أبي بصير في الموثق (1) قال: " سأل عبد الحميد
أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا عنده عن القنوت في يوم الجمعة فقال له في الركعة الثانية
فقال له حدثنا بعض أصحابنا أنك قلت في الركعة الأولى؟ فقال في الأخيرة. وكان
عنده ناس كثير فلما رأى غفلة منهم قال يا أبا محمد هو في الركعة الأولى والأخيرة. قال
قلت جعلت فداك قبل الركوع أو بعده؟ قال كل القنوت قبل الركوع إلا الجمعة فإن
الركعة الأولى القنوت فيها قبل الركوع والأخيرة بعد الركوع ".
وعن سماعة في الموثق (2) قال: " سألته عن القنوت في الجمعة فقال أما الإمام
فعليه القنوت في الركعة الأولى بعد ما يفرغ من القراءة قبل أن يركع وفي الثانية بعد
ما يرفع رأسه من الركوع قبل السجود.. الحديث "
ومنها - ما رواه الصدوق في كتاب العلل والعيون بسنده عن الفضل بن شاذان
في العلل التي رواها عن الرضا (عليه السلام) (3) فإن قال: " فلم جعل الدعاء في
الركعة الأولى قبل القراءة ولم جعل في الركعة الثانية القنوت بعد القراءة؟ قيل لأنه أحب
أن يفتتح قيامه لربه تعالى وعبادته بالتحميد والتقديس والرغبة والرهبة ويختم بمثل ذلك "
وما رواه في كتاب الخصال عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن
الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن عبد الرحمان بن أبي نجران والحسين سعيد عن
حماد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) (4)
قال: " إنما فرض الله عز وجل من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة منها صلاة
واحدة فرضها في جماعة وهي الجمعة، ووضعها عن تسعة: عن الصغير والكبير والمجنون

(1) التهذيب ج 1 ص 250 وفي الوسائل الباب 5 من القنوت
(2) الوسائل الباب 5 من القنوت
(3) الوسائل الباب 1 من القنوت
(4) الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة
376

والمسافر والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومن كان على رأس فرسخين، والقراءة
فيها جهار، والغسل فيها واجب، وعلى الإمام فيها قنوتان: قنوت في الركعة الأولى
قبل الركوع وفي الثانية بعد الركوع ".
أقول: هذا الخبر عين الخبر الذي قدمنا نقله عن الفقيه في صدر المسألة.
والعجب من جملة من أصحابنا المحققين من متأخري المتأخرين حيث اضطربوا في قول
الصدوق ثمة بعد نقل الخبر المذكور: " وتفرد بهذه الرواية حريز عن زرارة " حيث
ظنوا أن الخبر الذي نقله عن زرارة قد تم بقوله: " ومن كان على رأس فرسخين "
وإن ما بعده من أحكام الجهر بالقراءة ووجوب الغسل ووجوب القنوتين إنما هو من
كلام الصدوق خصوصا أن الصدوق قد زاد فيها ومن صلاها وحده.. " فإنه ليس في
رواية الخصال كما عرفت. قال في المدارك: قال الصدوق في من لا يحضره الفقيه بعد أن
أورد القنوت في الركعتين على هذا الوجه: تفرد بهذه الرواية حريز عن زرارة.. إلى
آخر عبارته. ثم قال وما ذكره (رحمه الله) من رواية زرارة يصلح مستندا للقول الأول
لو كانت متصلة. والظاهر أن مراده لو كانت متصلة بالإمام (عليه السلام) لاحتمال
أن يكون ذلك قول زرارة فتكون الرواية مقطوعة موقوفة عليه وهو ناشئ عما قلناه من
حملهم تلك الأحكام على الخروج عن الرواية.
هذا ما وقفت عليه من روايات المسألة، وجملة منها - كما ترى - دالة على ما ذهب
إليه الشيخ المفيد ومن تبعه، وجملة منها دالة على القول المشهور، وبذلك يظهر ما في
مذهب الصدوق في الفقيه وابن إدريس من الضعف والقصور لأنهما إنما اعتمدا على الروايات
المطلقة في القنوت والقول بما ذهبا إليه موجب لطرح هذه الأخبار كملا مع ما عرفت
من صحتها وكثرتها وفيه من الشناعة ما لا يخفى. وأما قول ابن إدريس أنها أخبار آحاد
فهو مبني على أصله الخارج عن نهج السداد، فإن الطعن في هذه الأخبار مع تكررها في
الأصول المعتمدة وقول جمهور الطائفة المحقة بها موجب للطعن في تلك الأخبار التي اعتمدوا
377

عليها أيضا إذ الحال في الجميع واحد. وما ادعاه من اجماع الأصحاب على تلك الأخبار إنما
هو في ما عدا الجمعة وأما الجمعة فهي محل النزاع فلا يتم له التعلق بالاجماع.
بقي الكلام في الجمع بين أخبار هذين القولين فأقول - وبالله سبحانه التوفيق
إلى الهداية إلى جادة التحقيق - لا يخفى أنه مع القول بأخبار القنوت الواحد في الركعة
الأولى فإنه يلزم طرح الأخبار الأخر مع صراحتها وصحة بعضها كما عرفت وهو مما
لا يتجشمه محصل، وأما مع القول بأخبار القول المشهور فإنه يمكن أن يقال إن غاية ما تدل
عليه تلك الأخبار المقابلة وهو ثبوت القنوت في الركعة الأولى وأما بالنسبة إلى الركعة
الثانية فلا تعرض لها فيه بنفي ولا اثبات بل هي مطلقة في ذلك فاثباته في الأولى بهذه الأخبار لا ينافي ثبوته في الثانية بدليل آخر، ونظيره في الأحكام الشرعية مما استفيد
فيه الحكم من ضم روايات المسألة بعضها إلى بعض غير عزيز.
وإلى ما ذكرناه أشار المحدث الكاشاني في كتاب المعتصم حيث إن ظاهره فيه
اختيار القول المشهور، قال بعد أن أورد الروايات الدالة على مذهب الشيخ المفيد
(قدس سره): وما استدلوا به على المشهور وإن كان من حيث السند قاصرا عن
معارضة هذه الأخبار الصحاح إلا أن الأولى عدم الخروج عما عليه الأكثر سيما والسند
لا يخلو من اعتبار مع تأيده برواية حريز، بل لولا قطع هذه الرواية لكفى، على أن
متنها غير قابل للتأويل والمعارض قابل له فإن ثبوت القنوت في الركعة الأولى لدليل
لا ينافي ثبوته في الثانية أيضا لدليل آخر وإن كان ظاهر الأخبار منافيا لظاهر الأول
فإن الجمع بين الدليلين مهما أمكن أولى من طرح أحدهما. انتهى.
وأما ما ذكره الصدوق (قدس سره) - من أن القنوت في جميع الصلوات في
الجمعة وغيرها في الركعة الثانية.. إلى آخره -
ففيه (أولا) - زيادة على ما عرفت - أنه إذا استند في ذلك إلى اطلاق الروايات
الواردة في اليومية ففيه أنه مخصوص بأخبار الجمعة فإنها خاصة والخاص مقدم على العام
378

كما هو القاعدة المتفق عليها بين العلماء الأعلام، وإن استند في ذلك إلى أخبار وردت
في الجمعة بالخصوص فلم نقف ولم ينقلها ناقل في ما أعلم.
و (ثانيا) أنه لو فرض وجود حديث بذلك في خصوص الجمعة أيضا فإن ظاهر
صدر رواية أبي بصير المتقدمة (1) رده وأنه إنما خرج مخرج التقية (2) لأنه لما سأله السائل
أولا عن قنوت الجمعة أجاب بأنه في الركعة الثانية فلما راجعه بأنه نقل لنا عنك أنك قلت
في الركعة الأولى فأجاب بأنه في الأخيرة ولما رأى الغفلة من الحاضرين أسر إلى
أبي بصير أنه في الأولى والثانية. وظاهر سياق الخبر أن افتاءه (عليه السلام) للسائل
أولا إنما كان تقية لأجل الحاضرين، وحينئذ فلو ورد من خارج ما يدل على ما ادعاه
لوجب حمله بحكم هذا الخبر على التقية كما لا يخفى.
ثم إن ظاهر الخبر - كما ترى - ينادي بأنه (عليه السلام) أفتى بالقنوت في الركعة
الأولى كما تضمنته أخبار الشيخ المفيد (قدس سره) مع أنه (عليه السلام) لم يكذب
الراوي وإنما عدل إلى التشديد على القنوت في الثانية فلما رأى الفرصة أسر إلى أبي بصير
بالقنوتين. ومن هذا الخبر يفهم أن تلك الأخبار مخصوصة بهذا الخبر أما على النحو الذي
ذكرناه أو أنها خرجت لمعنى آخر وغرض آخر لا من حيث كونه هو الحكم الشرعي في

(1) ص 376
(2) مقتضى اطلاق ما تقدم عن المحلى في التعليقة 1 ص 357 استحبابه في الجمعة في الركعة
الثانية كغيرها، ومقتضى اطلاق ما حكاه عن أبي حنيفة ومالك والشافعي عدم استحبابه فيها
أصلا، وكذا ما تقدم عن عمدة القارئ، وفي الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 287 حكى
عن الحنابلة استحباب القنوت للسلطان ونائبه في النوازل إلا الجمعة. وفي شرح النووي
على صحيح مسلم ج 5 ص 176 ما ملخصه: " مذهب الشافعي أن القنوت مسنون في صلاة
الصبح دائما وأما غيرها فله فيه ثلاثة أقوال: " الأول " الصحيح المشهور وهو التفصيل
بين نزول النازلة وعدمه، " الثاني " القنوت في الحالين. " الثالث " عدمه في الحالين.
ومحله بعد رفع الرأس من الركعة الأخيرة ".
379

المسألة بل لغرض من الأغراض وإنما الحكم الشرعي هذا الذي أسره في هذا المقام.
وبالجملة فإن هذا الخبر بما اشتمل عليه من هذا التفصيل حاكم على القولين المذكورين
ومسقط لرواياتهما من البين، وبذلك يظهر قوة القول المشهور وأنه المؤيد المنصور.
وليت شعري كيف خفيت على الصدوق أخباره هذه المسألة على تعددها وكثرتها
ولم تصل إليه؟ ولعله لهذا لم ينقل شيئا منها في كتابه، ويؤيده نسبة رواية القنوتين إلى
تفرد حريز بها عن زرارة مع أنها كما عرفت موجودة في روايتي أبي بصير وسماعة،
وفي المثل المشهور الدائر: كم ترك الأول للآخر.
قال المحقق في المعتبر: والذي يظهر أن الإمام يقنت قنوتين إذا صلى جمعة
ركعتين ومن عداه يقنت مرة جامعا كان أو منفردا، ويدل على ذلك رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " كل القنوت قبل الركوع إلا الجمعة فإن القنوت
في الأولى قبل الركوع وفي الأخيرة بعد الركوع " ثم ذكر رواية سماعة المتقدمة ثم
صحيحة معاوية بن عمار ثم رواية عمر بن حنظلة.
والظاهر أنه أراد بذلك وجه الجمع بين هذه الأخبار وأنه أراد بالإمام إمام
الأصل (عليه السلام) بمعنى أنه إذا صلاها إمام الأصل جمعة ففيها قنوتان، وعلى هذا
حمل رواية أبي بصير وسماعة، وإن صلاها غيره فإن كان صلاها جمعة ولم يكن إمام
الأصل فقنوت واحد في الركعة الأولى، وعلى هذا حمل صدر صحيحة معاوية بن عمار
وصد رواية عمر بن حنظلة، وإن صلاها ظهرا جماعة أو منفردا فقنوت واحد في الركعة
الثانية، وعلى هذا يدل عجز صحيحة معاوية بن عمار وعجز رواية عمر بن حنظلة. وفيه
من البعد ما لا يخفى فإن الإمام في هذه الأخبار بل أخبار الجمعة كملا إما أن يحمل على
إمام الأصل كما هو المشهور بينهم أو الإمام مطلقا كما هو الحق، وحمله في خبر على أحدهما
وفي آخر على غيره ترجيح من غير مرجح، على أن التفصيل الذي في رواية أبي بصير

(1) المتقدمة ص 376
380

وإن لم ينقله لا يطابق ما ذكره كما لا يخفى.
وظاهر العلامة في المنتهى حمل اختلاف الأخبار على الفضيلة والكمال حيث إن المقام مقام الاستحباب، قال: وهذه الأخبار وإن اختلف في الوجه الأول فلا
يضر اختلافها إذ هو في فعل مستحب وذلك يحتمل اخلافه لا خلاف الأوقات
والأحوال فتارة يبالغ الأئمة (عليهم السلام) في الأمر بالكمال وتارة يقتصر على ما يحصل
معه بعض المندوب ولا استبعاد في ذلك. وأيده بالأخبار الدالة على عدم القنوت فيها
بالكلية وهي ما رواه الشيخ عن عبد الملك بن عمرو (1) قال: " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام) قنوت الجمعة في الركعة الأولى قبل الركوع وفي الثانية بعد الركوع؟
فقال لي لا قبل ولا بعد " وموثقة داود بن الحصين (2) قال: " سمعت معمر بن أبي رئاب
يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا حاضر عن القنوت في الجمعة فقال ليس فيها
قنوت " قال بعد ذكر هذين الخبرين: فههنا قد اقتصر على فعل الصلاة من غير قنوت
اشعارا باستحبابه وأنه ليس فيها قنوت واجب. انتهى.
ومرجع كلامه (قدس سره) إلى التخيير بين القنوت في الأولى خاصة كما
هو مذهب الشيخ المفيد (قدس سره) وأتباعه وإن كان أقل فضلا وبين القنوتين
كما هو المشهور وهو الأفضل وبين عدم القنوت بالكلية وهو المرتبة الخالية من الفضيلة
بالمرة. وهو محتمل إلا أن ظاهر رواية أبي بصير وما اشتملت عليه من الجواب ينافيه
فإنه لو كان المقام مقام تخيير لما أضرب (عليه السلام) عما أفتى به أولا من القنوت
في الركعة الأولى الذي أفتى به سابقا وأمر بالقنوتين كما لا يخفى. وأما خبر عبد الملك
ابن عمرو وكذا خبر داود بن الحصين فما حملهما عليه من نفي الوجوب كما هو أحد احتمالي
الشيخ (قدس سره) في التهذيب محتمل إلا أن الظاهر هو حملهما على التقية (3) كما

(1) الوسائل الباب 5 من القنوت
(2) الوسائل الباب 5 من القنوت
(3) ارجع إلى التعليقة 1 ص 357 و 2 ص 379
381

هو أحد الحملين في التهذيب أيضا واقتصر عليه في الإستبصار، على أن نفي الوجوب
لا يدل على الترك بالكلية وإنما يدل على الرخصة في ذلك. والله العالم.
(المسألة السادسة) - قد تقدم تصريح الأصحاب بأن أفضل ما يقال في القنوت
كلمات الفرج، بقي الكلام في جملة من المستحبات فيه أيضا:
منها - الجهرية في الجهرية والاخفاتية إماما كان أو منفردا وأما المأموم فالأفضل
له الاخفات به على المشهور، وقال المرتضى والجعفي (رضي الله عنهما) إنه تابع للصلاة
في الجهر والاخفات. وقال ابن الجنيد: يستحب أن يجهر به الإمام ليؤمن من خلفه على
دعائه. والقولان الأخيران بمحل من الضعف
فأما ما يدل على القول المشهور فما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة (1)
قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام) القنوت كله جهار " ورواه ابن إدريس في
مستطرفات السرائر نقلا من كتاب حريز عن زرارة مثله (2).
وبإسناده عن أبي بكر بن أبي سمال (3) قال: " صليت خلف أبي عبد الله
(عليه السلام) الفجر فلما فرغ من قراءته في الثانية جهر بصوته نحوا مما كان يقرأ وقال:
اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا في الدنيا والآخرة إنك على كل شئ قدير ".
وأما ما يدل على استحباب الاخفات به للمأموم فما ورد في رواية أبي بصير (4)
من أنه ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كل ما يقول ولا ينبغي لمن خلفه أن يسمعه شيئا
مما يقول. ومثله رواية حفص بن البختري عن علي (عليه السلام) (5).
ونقل عن المرتضى والجعفي الاستدلال على ما نقل عنهما بعموم قوله (عليه
السلام) (6) " صلاة النهار عجماء وصلاة الليل جهر " وفيه أن دليلنا خاص فيجب أن

(1) الوسائل الباب 21 من القنوت
(2) الوسائل الباب 21 من القنوت
(3) الوسائل الباب 21 من القنوت
(4) الوسائل الباب 6 من التشهد و 52 من الجماعة
(5) الوسائل الباب 6 من التشهد و 52 من الجماعة
(6) مستدرك الوسائل الباب 21 من القراءة عن العوالي قال النبي (ص) " صلاة النهار عجماء " وللتعليقة تتمة في الاستدراكات
382

يخصص به العموم المذكور.
وأما ما ذكره ابن الجنيد فإن أراد بقوله: " ليؤمن من خلفه على دعائه " لفظ
" آمين " فقد تقدم القول فيه وأنه مبطل للصلاة، وإن أراد الدعاء بالاستجابة فلا بأس
به إلا أنه لا ينافي استحباب ذلك للمنفرد أيضا.
وأما ما رواه الشيخ في الموثق أو الضعيف عن علي بن يقطين (1) - قال:
" سألت أبا الحسن الماضي (عليه السلام) عن الرجل هل يصلح له أن يجهر بالتشهد
والقول في الركوع والسجود والقنوت؟ فقال إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر ".
وما رواه في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه
السلام) (2) قال: " سألته عن الرجل له أن يجهر بالتشهد والقول في الركوع والسجود
والقنوت؟ فقال إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر " وروى الحميري في قرب الإسناد عن
عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر مثله (3) - فهو محمول على الجواز فلا ينافي
ما دل على الاستحباب.
ومنها - تطويل القنوت لما رواه الصدوق (4) قال " قال النبي (صلى الله عليه
وآله) أطولكم قنوتا في دار الدنيا أطولكم راحة يوم القيامة في الموقف ".
وروى في كتاب ثواب الأعمال عن أبي بصير عن أبي عبد الله عن آبائه (عليهم
السلام) عن أبي ذر (رضي الله عنه) (5) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
أطولكم قنوتا... الحديث ".
وقال الشهيد في الذكرى (6) ورد عنهم (عليهم السلام) " أفضل الصلاة ما طال
قنوتها " قال (7) وروى علي بن إسماعيل الميثمي في كتابه باسناده إلى الصادق (عليه
السلام) قال: " صل يوم الجمعة الغداة بالجمعة والاخلاص واقنت في الثانية بقدر

(1) الوسائل الباب 20 من القنوت
(2) الوسائل الباب 20 من القنوت
(3) الوسائل الباب 20 من القنوت
(4) الوسائل الباب 22 من القنوت
(5) الوسائل الباب 22 من القنوت
(6) الوسائل الباب 22 من القنوت
(7) الوسائل الباب 22 من القنوت
383

ما قمت في الركعة الأولى ".
أقول: وقد نقل شيخنا المجلسي في كتاب البحار جملة من قنوتات الأئمة (عليهم
السلام) الطويلة وعقد لها بابا على حد فقال (1): باب آخر في القنوتات الطويلة المروية عن
أهل البيت (عليهم السلام).
وينبغي أن يستثنى من ذلك صلاة الجماعة إلا مع حب المأمومين لذلك لما استفاض
في الأخبار من استحباب الاسراع فيها.
ومنها - التكبير له لما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: " التكبير في صلاة الفرض الخمس صلوات خمس وتسعون تكبيرة:
منها - تكبيرة القنوت خمس " ورواه أيضا بطريق آخر (3) وفسر فيه التكبيرات وعد منها
خمس تكبيرات القنوت في خمس صلوات.
وما رواه الشيخ عن الصباح المزبي (4) قال: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
خمس وتسعون تكبيرة في اليوم والليلة للصلوات: منها - تكبيرة القنوت ".
ونقل عن الشيخ المفيد (عطر الله مرقده) نفيه، قال الشيخ في الإستبصار
بعد نقل هذه الأخبار: هذه الروايات التي ذكرناها ينبغي أن يكون العمل عليها وبها
كان يفتي شيخنا المفيد (قدس سره) قديما ثم عن له في آخر عمره ترك العمل بها والعمل على
رفع اليدين بغير تكبير، والأول أولى لوجود الروايات بها وما عدا هذا لست أعرف به
حديثا أصلا. انتهى.
أقول: ليت شعري كيف لم يسأله عن ذلك وهو شيخه وكان ذلك في حياتهما
(رضوان الله عليهما)؟ هذا ومن المعلوم أن مثل الشيخ المفيد (قدس سره) في جلالة
شأنه وعلو مكانه لا يخرج عن هذه الأخبار من غير دليل فكيف لم يسأله عن ذلك حتى أنه يعترض عليه هنا؟

(1) ج 18 الصلاة ص 380
(2) الوسائل الباب 5 من تكبيرة الاحرام
(3) الوسائل الباب 5 من تكبيرة الاحرام
(4) الوسائل الباب 5 من تكبيرة الاحرام
384

قال في الذكرى: والمفيد لا يكبر للقنوت ويكبر عنده للقيام من التشهد فالتكبير
عنده أربع وتسعون والروايات تخالفه، مع أنه قد روى مشهورا بعدة طرق: منها - رواية
محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) (1) في القائم من التشهد يقول: " بحول لله
وقوته أقوم وأقعد " وفي بعضها (2) " بحولك وقوتك أقوم وأقعد " وفي بعضها (3)
" وأركع وأسجد " ولم يذكر في شئ منها التكبير. والأقرب سقوطه للقيا وثبوته
للقنوت وبه كان يفتي المفيد (قدس سره) وفي آخر عمره رجع عنه إلى المذكور
أولا، قال الشيخ ولست أعرف بقوله هذا حديثا أصلا. انتهى.
أقول: أما الاعتراض عليه (قدس سره) بقوله بالتكبير للقيام من التشهد فقد
تقدم العذر عنه في آخر المقام الثاني من الفصل السادس في السجود (4) وبينا الدليل في ما
ذهب إليه من التكبير المذكور. وأما نفيه تكبير القنوت فلم نقف على وجهه. والله العالم
ومنها - رفع يديه تلقاء وجهه مبسوطتين يستقبل بباطنهما السماء وظهورهما الأرض
ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) وقال الشيخ المفيد يرفع يديه حيال صدره.
وحكى في المعتبر قولا يجعل باطنهما إلى الأرض. وذكر ابن إدريس أنه يفرق الإبهام عن
الأصابع. قالوا ويستحب نظره إلى بطونهما. وعن الجعفي أنه يمسح وجهه بيديه ويمرهما
على لحيته وصدره.
أقول: أما ما ذكروه من رفع اليدين تلقاء وجهه مبسوطتين يستقبل بباطنهما
السماء فلم أقف له في الأخبار على دليل، والذي وقفت عليه صحيحة عبد الله بن سنان
الواردة في صلاة الوتر وهي ما رواه عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الصحيح (5)
قال: " تدعو في الوتر على العدو وإن شئت سميتهم وتستغفر وترفع يديك في الوتر
حيال وجهك وإن شئت تحت ثوبك " وهي مع ورودها في خصوص الوتر قاصرة

(1) الوسائل الباب 13 من السجود
(2) الوسائل الباب 13 من السجود
(3) الوسائل الباب 13 من السجود
(4) ص 310 و 311
(5) الوسائل الباب 13 و 12 من القنوت
385

عن الدلالة على المدعى.
وروى في الفقيه (1) عن أبي حمزة الثمالي قال: " كان علي بن الحسين (عليهما
السلام يقول في آخر وتره وهو قائم: رب أسأت وظلمت نفسي وبئس ما صنعت
وهذه يداي جزاء بما صنعتا قال ثم يبسط يديه جميعا قدام وجهه ويقول: وهذه رقبتي
خاضعة لك لما أتت. قال ثم يطأطئ رأسه ويخضع برقبته ثم يقول: وها أنا ذا بين يديك...
إلى آخر الدعاء ".
ومفهوم هذا الخبر أنه إنما ببسط يديه جميعا قدام وجهه عند قوله " وهذه يداي (2) "
مع أن هذا الدعاء في قنوت الوتر الذي يستحب التطويل فيه بالدعاء، والأدعية المروية
فيه والموظفة له طويلة، وهذا الكلام إنما هو في آخره كما صرح به في الخبر، فدلالة
هذا الخبر على أن بسط يده إنما هو في هذه الحال مشعر بكونهما في وقت القنوت ليستا
كذلك وهو خلاف كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذا الباب.
وقال في الذكرى: يستحب رفع اليدين تلقاء وجهه مبسوطتين يستقبل ببطونهما
السماء وبظهورهما الأرض، قاله الأصحاب وروى عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه
السلام) (3) " وترفع يديك حيال وجهك وإن شئت تحت ثوبك وتتلقى بباطنهما السماء "
ونحو ذلك ذكر الفاضل الخراساني في الذخيرة. ولم أقف على رواية عن عبد الله بن سنان
بهذه الصورة والذي وقفت عليه إنما هي الرواية الواردة في الوتر على نحو ما ذكرته.
وأما ما ذكره الشيخ المفيد (قدس سره) - من جعل اليدين حيال صدره
وكذا ما نقله في المعتبر وما ذكره ابن إدريس - فلم أقف بعد التتبع على ما يدل عليه.
وأما ما ذكروه من استحباب النظر إليهما فظاهر كلام المحقق في المعتبر والشهيد
في الذكرى يدل على وجود النص به، وما ذكروه وإن لم يرد به نص إلا أنه لا بأس به

(1) ج 1 ص 311
(2) الظاهر " وهذه رقبتي "
(3) الوسائل الباب 12 من القنوت إلى قوله " تحت ثوبك " كما ذكره " قدس سره "
386

لحبس النظر لكن لا ينبغي اعتقاد استحبابه وتوظيفه.
وأما ما نقل عن الجعفي - من مسح وجهه بيديه ويمرهما على لحيته وصدره بعد
القنوت - فلم أقف فيه على خبر بل ظاهر التوقيع المروي عن صاحب الزمان (عليه
السلام) خلافه وهو ما رواه الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري
ونحوه في قرب الإسناد (1) " أنه كتب إلى صاحب الزمان (عليه السلام) يسأله عن
القنوت في الفريضة إذا فرغ من دعائه أن يرد يديه على وجهه وصدره للحديث الذي
روى أن الله عز وجل أجل من أن يرد يدي عبد صفرا بل يملأهما من رحمته أم لا يجوز
فإن بعض أصحابنا ذكر أنه عمل في الصلاة؟ فأجاب (عليه السلام) رد اليدين من
القنوت على الرأس والوجه غير جائز في الفرائض والذي عليه العمل فيه إذا رجع
يديه في قنوت الفريضة وفرغ من الدعاء أن يرد بطن راحتيه مع صدره تلقاء ركبتيه على
تمهل ويكبر ويركع. والخبر صحيح وهو في نوافل النهار والليل دون الفرائض والعمل
به فيها أفضل ".
قال في المنتهى: هل يستحب أن يمسح وجهه بيديه عند الفراغ من الدعاء؟ قيل
نعم ولم يثبت. وقال في الذكرى: ويمسح وجهه بيديه ويمرهما على لحيته وصدره قالة
الجعفي وهو مذهب بعض العامة (2). انتهى.
وكيف كان فما اشتمل عليه الخبر من التفصيل وإن كان غير مشهور بين الأصحاب
إلا أن العمل به متيقن إذ لا معارض له في ذلك فيخص الاستحباب بالنافلة ويكره ذلك
في الفريضة. والله العالم.

(1) الوسائل الباب 23 من القنوت عن الاحتجاج وفي البحار ج 18 الصلاة
ص 377 عن قرب الإسناد (2) في شرح النووي على صحيح
مسلم ج 5 ص 176 " ما ملخصه: يستحب الجهر بالقنوت في الصلاة الجهرية ورفع
اليدين فيه ولا يمسح الوجه وقيل يمسح واتفقوا على كراهة مسح الصدر ".
387

الفصل الثامن
في ما يعمل في الركعتين الأخيرتين من الرباعية وثالثة المغرب
اتفق الأصحاب (رضوان الله عليهم) على التخيير في المواضع المشار إليها بين
التسبيح وقراءة الفاتحة وإنما وقع الخلاف في الأفضل من الأمرين المذكورين على أقوال:
أحدها - القول بأفضلية التسبيح مطلقا وهو مذهب ابن أبي عقيل والصدوقين
وابن إدريس، وإليه مال جملة من متأخري المتأخرين: منهم - المحدث الشيخ محمد بن
الحسن الحر العاملي وشيخنا الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني والشيخ محمد بن ماجد
من مجتهدي علماء البحرين، وهو المختار عندي.
وثانيها - القول بأفضلية القراءة مطلقا، ذهب إليه أبو الصلاح تقي بن نجم الحلبي
واختاره الشهيد في اللمعة وإليه مال السيد السند في المدارك.
وثالثها - القول بالتخيير مطلقا من غير تفصيل، وهو مذهب الشيخ في النهاية
والجمل والمبسوط ونقله شيخنا المجلسي (قدس سره) عنه في أكثر كتبه، وهو
ظاهر العلامة في الإرشاد والمختلف والمحقق في المعتبر.
ورابعها - القول بأفضلية القراءة للإمام والمساواة لغيره من منفرد أو مأموم
واختاره الشيخ في الإستبصار والعلامة في القواعد وقبله المحقق في الشرائع واختاره
أيضا المحقق الشيخ على في شرح القواعد ومتعلقات المختصر، وإليه ذهب الشهيد في
البيان اختاره المحقق الأردبيلي (قدس سره) في شرحه على الإرشاد.
وخامسها - القول بأفضلية القراءة للإمام وأفضلية التسبيح للمأموم وهو مذهب
العلامة في المنتهى.
وسادسها - القول بأفضلية القراءة للإمام والتسبيح للمنفرد، اختاره الشهيد في
الدروس واستحسنه العلامة في التذكرة على ما نقل عنه.
388

وسابعها - أفضلية التسبيح للإمام إذا تيقن أن ليس معه مسبوق وأفضلية القراءة
إذا تيقن دخول مسبوق أو جوزه والقراءة للمأموم والتخيير للمنفرد، ذهب إليه ابن
الجنيد على ما نقل عنه.
وأما الأخبار الواردة في المقام فهي لا يخلو من التناقض وعدم الالتئام ومن ثم
اختلفت فيها كلمات علمائنا الأعلام باختلاف الأذهان والأفهام.
والذي يدل على القول الأول وهو الذي عليه من بينها المعول جملة من الأخبار:
الأول - ما رواه الصدوق (عطر الله مرقده) في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر
(عليه السلام) (1) قال قال: " لا تقرأن في الركعتين الأخيرتين من الأربع
الركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام. قال قلت فما أقول فيهما؟ قال إن كنت
إماما أو وحدك فقل " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله " ثلاث مرات تكمله تسع
تسبيحات ثم تكبر وتركع ".
الثاني - ما رواه ثقة الاسلام في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه
السلام) (2) قال: " عشر ركعات: ركعتان من الظهر وركعتان من العصر وركعتا الصح
وركعتا المغرب وركعتا العشاء الآخرة لا يجوز الوهم فيهن ومن وهم في شئ منهن استقبل
الصلاة استقبالا... وفوض إلى محمد (صلى الله عليه وآله) فزاد النبي في الصلاة سبع ركعات
هي سنة ليس فيهن قراءة إنما هو تسبيح وتهليل وتكبير ودعاء فالوهم إنما يكون فيهن ".
الثالث - ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه
السلام) (3) قال " كان الذي فرض الله على العباد من الصلاة عشر ركعات وفيهن القراءة
وليس فيهن وهم يعني سهو فزاد رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبعا وفيهن الوهم
وليس فيهن قراءة ".

(1) الوسائل الباب 51 من القراءة
(2) الوسائل الباب 42 من القراءة
(3) الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة
389

الرابع - ما رواه الشيخ عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال:
" إن أدرك من الظهر أو من العصر أو من العشاء ركعتين وفاتته ركعتان قرأ في كل ركعة مما
أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب وسورة... إلى أن قال: فإذا سلم الإمام قام فصلى
ركعتين لا يقرأ فيهما لأن الصلاة إنما يقرأ فيها في الأولتين في كل ركعة بأم الكتاب
وسورة، وفي الأخيرتين لا يقرأ فيهما إنما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء ليس فيهما
قراءة. وإن أدرك ركعة قرأ فيها خلف الإمام فإذا سلم الإمام قام فقرأ بأم الكتاب
وسورة ثم قعد فتشهد ثم قام فصلى ركعتين ليس فيهما قراءة " وروى هذه الرواية في
الفقيه عن زرارة مثله (2) بأدنى تفاوت لا يخل بالمقصود.
أقول: لا يخفى ما في دلالة هذه الأخبار الصحاح من الصراحة في أفضلية
التسبيح بل تعينه مطلقا إماما كان أو غيره سيما الصحيحة الأولى. وظاهر هذه الأخبار
بل صريحها إنما هو تعين التسبيح دون الأفضلية للنهي عن القراءة والنفي لها إلا أنها لما
اتفقت كلمة الأصحاب على التخيير بينه وبين القراءة وعضدها بعض الأخبار الآتية
إن شاء الله تعالى فلا مندوحة عن تأويلها بما يرجع إلى ذلك بحمل النهي على الكراهة
والنفي على نفي الأفضلية الراجع إلى أقلية الثواب في القراءة. وكيف كان فهي صريحة
في الرد على ما اشتهر بين أصحابنا من أصالة القراءة في هذا الموضع وأن التسبيح إنما
هو بدل منها وقائم مقامها، ويشير إلى ذلك ما يأتي (3) في صحيحة عبيد بن زرارة
إن شاء الله تعالى مما سنشير إليه ثمة.
فإن قيل: من الجائز حمل النهي والنفي هنا على النهي عن تحتم القراءة ووجوبها
فمعنى " لا تقرأن " يعني على جهة الحتم والتعيين كما في الأوليين، وكذلك " ليس
فيهن قراءة " يعني متحتمة متعينة.
قلت: فيه (أولا) إن قوله (عليه السلام) في الصحيحة الثانية والرابعة " إنما

(1) الوسائل الباب 47 من الجماعة
(2) الوسائل الباب 47 من الجماعة
(3) ص 393
390

هو تسبيح وتكبير... إلى آخره " الدال على حصر الموظف في ذلك يمنع مما ذكرت.
و (ثانيا) - أنه لو كان النهي عن القراءة في الصحيحة بقوله " لا تقرأن " مؤكدا
بالنون إنما توجه إلى اعتقاد وجوب القراءة وتحتمها دون أصل القراءة لكان الأظهر في
جواب السائل حين قال " فما أقول؟ " إن يقال له إنك مخير بين القراءة والتسبيح لا أن
يخص الجواب بالتسبيح المؤذن بتعيينه.
وبالجملة فدلالة هذه الأخبار مع صحة أسانيدها في المدعى أظهر من أن ينكر إلا أن
أصحابنا في كتبهم المبسوطة لم يلموا بها وإن ذكر بعضهم منها خبرا واحدا.
الخامس - ما رواه في الفقيه بسند صحيح إلى محمد بن عمران العجلي (1)
" أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) لأي علة صار التسبيح في الركعتين الأخيرتين
أفضل من القراءة؟ فذكر (عليه السلام) حديث المعراج وصلاة الملائكة خلف النبي
(صلى الله عليه وآله) إلى أن قال: وصار التسبيح أفضل من القراءة في الأخيرتين
لأن النبي (صلى الله عليه وآله) لما كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة الله عز
وجل فدهش فقال " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " فلذلك صار
التسبيح أفضل من القراءة ".
السادس - ما رواه في كتاب العلل عن محمد بن أبي حمزة (2) قال " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام) لأي شئ صار التسبيح في الأخيرتين أفضل من القراءة؟ قال لأنه
لما كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة الله تعالى فدهش فقال " سبحان الله والحمد
لله ولا إله إلا الله والله أكبر " فلتلك العلة صار التسبيح أفضل من القراءة ".
أقول: والتقريب في هذين الخبرين أن قضية التعليل عموم الحكم لجميع المصلين
من إمام ومأموم ومنفرد، إذا الحكم راجع إلى الصلاة من حيث هي بمعنى أن التسبيح
فيها يرجح على القراءة بهذا الوجه ولا سيما الإمام حيث إن النبي (صلى الله عليه وآله)

(1) الوسائل الباب 25 و 51 من القراءة
(2) الوسائل الباب 25 و 51 من القراءة
391

يوم سبح كان إماما للملائكة، وذلك فإن هذا الخبر قد تضمن أيضا السؤال عن علة
الجهر قبل أن يسأله عن علة أفضلية التسبيح وفي الجواب عن علة الجهر تصريح بأنه
(صلى الله عليه وآله) كان إماما يصلي بالملائكة فليراجع.
السابع - ما رواه في الفقيه عن الرضا (عليه السلام) (1) ونحوه في كتاب العلل
عنه (عليه السلام) (2) قال: " إنما جعل القراءة في الركعتين الأولتين والتسبيح في
الأخيرتين للفرق بين ما فرضه الله تعالى من عنده وبين ما فرضه الله من عند رسوله صلى
الله عليه وآله ".
والتقريب فيه ما تقدم من أن قضية التعليل العموم لكل مصل فكما أن الحكم
في الأوليين عام بلا خلاف فكذا في الأخيرتين بمقتضى الخبر المذكور لرجوعه إلى
الصلاة من حيث هي.
الثامن - ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: " إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما فقل: الحمد لله وسبحان الله والله
أكبر " هكذا نقله في الإستبصار (4) وفي التهذيب (5) أسقط منه لفظ " الأخيرتين "
والظاهر أنه سهو من قلمه.
وقد أجيب عن الاستدلال بهذا الخبر بأن قوله " لا تقرأ فيهما " نفي لا نهي
والجملة حالية من الضمير البارز في قوله " إذا قمت " أي حال كونك غير قارئ. وإلى
هذا يشير كلام المحقق في المعتبر حيث قال: وقوله " لا تقرأ " ليس نهيا بل بمعنى " غير "
كأنه قال " غير قارئ ". انتهى. فجواب الشرط حينئذ قوله " فقل.. إلى آخره "
ولهذا قرنه بالفاء وجرد جملة النفي عنها تنبيها على ذلك.

(1) الوسائل الباب 51 من القراءة
(2) البحار ج 18 الصلاة ص 352
(3) الوسائل الباب 51 من القراءة
(4) ج 1 ص 322
(5) ج 1 ص 162 ولفظ " الأخيرتين " موجود فيه
392

وأجاب بعض مشايخنا (قدس الله أسرارهم) عن هذا الجواب بأن قوله: " لا تقرأ
فيهما " جملة خبرية وقعت صفة للركعتين لأنهما معرفتان بلام الجنس وهو قريب المسافة
من النكرات لعدم التوقيت فيه والتعيين كما في قوله: " ولقد أمر على اللئيم يسبني "
قال العلامة الزمخشري في تفسير الفاتحة في قوله تعالى " غير المغضوب عليهم ": (فإن
قلت) كيف يصح أن يكون " غير " صفة للمعرفة وهو لا يتعرف وإن أضيف إلى المعارف؟
(قلت) " الذين أنعمت عليهم " لا توقيت فيه فهو كقوله: ولقد أمر على اللئيم يسبني. انتهى
قال: والوجه في حسن هذا الوصف وملاحته في هذا المقام ما أشير إليه في صحيحتي زرارة بل
صحاحه من أن الأخيرتين لا قراءة فيهما بالأصالة بل الثابت فيهما بالأصالة هو التسبيح وأما
القراءة فهي مرجوحة وإن أجزأت لاشتمالها على التحميد والدعاء لا من حيث اختصاصها بالموضع
من حيث هي قراءة كما أشير إليه في صحيحة عبيد بن زرارة الروية في التهذيب (1) قال:
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الركعتين الأخيرتين من الظهر؟ قال تسبح وتحمد الله
وتستغفر لذنبك وإن شئت فاتحة الكتاب فإنها تحميد ودعاء " انتهى كلامه (زيد مقامه) وهو
جيد نفيس وعليه فيكون جزاء الشرط هو جملة قوله " فقل " وجملة " لا تقرأ " خبرية
وقعت صفة للركعتين. ووصف هاتين الركعتين بعدم القراءة فيهما مؤذن بمرجوحية القراءة فيهما
واختار المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتهى جعل جملة " لا تقرأ " طلبية قال:
لبعد إرادة غير النهي منه كما أوله به جماعة من الأصحاب (رضوان الله عليهم): منهم -
المحقق في المعتبر فقال إن " لا " فيه بمعنى " غير " كأنه قال " غير قارئ " مع أن التجوز
في قوله " تقرأ " بإرادة الإرادة للقراءة أو الحمل على اضمار كلمة " تريد " أقل تكلفا
مما ذكروه والكل خلاف الظاهر.. إلى أن قال: وربما يستشهد لترجيح خلاف النهي
بادخال فاء الجواب على كلمة " قل " ولو أريد النهي لكان حقها أن تقترن به. ويدفعه
بعد التنزل لتسليم تعين كونها للجواب تكثر الإشارة في ما سلف من هذا الكتاب

(1) الوسائل الباب 42 من القراءة
393

إلى قلة ضبط الكتابة للأخبار في خصوص الواو والفاء ففي الغالب يصحف أحدهما
بالآخر ويكتب الحديث بأحدهما في كتاب أو في موضع وبالآخر في غيره حتى من المصنف
الواحد فلا وثوق بهذه الشهادة في مقام التعارض. انتهى.
ولا يخفى عليك أن ما نقلناه عن شيخنا المتقدم أقرب في الجواب لانطباقه على
ما هو المتبادر من سوق الكلام سيما كون الجملة الجزائية هي قوله " فقل " فإن ما ذكره (رحمه
الله) من الجواب هنا عن ذلك وإن احتمل إلا أن فتح هذا الباب يؤدي إلى رفع
الوثوق بالأخبار والاعتماد عليها فالواجب أن لا يصار إليه إلا مع عدم المندوحة.
التاسع - ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1)
قال: " وإن كنت خلف إمام فلا تقر أن شيئا في الأولتين وأنصت لقراءته ولا تقرأن
شيئا في الأخيرتين، فإن الله عز وجل يقول للمؤمنين " وإذا قرئ القرآن - يعني في
الفريضة خلف الإمام - فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون " (2) والأخيرتان تبع
للأولتين " وهذه الرواية نقلها ابن إدريس (قدس سره) في مستطرفات السرائر (3) تتمة
لصحيحة زرارة الأولى (4).
وحاصل معنى هذه الرواية النهي عن القراءة خلف الإمام إذا دخل معه في أولتيه
والأمر بالانصات لقراءته، والنهي عن القراءة في أخيرتيه أيضا من حيث كون الأخيرتين تبعا
للأولتين. وملخصه أنه إذا دخل معه في أولتيه فلا يقرأ فيهما ولا في الأخيرتين، والعلة
في النهي في الأولتين من حيث قضية الانصات وفي الأخيرتين التبعية.
العاشر - ما رواه الصدوق في كتاب عيون الأخبار بسنده إلى ابن أبي الضحاك (5)
" أنه صحب الرضا (عليه السلام) من المدينة إلى مرو فكان يسبح في الأخراوين يقول:
" سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " ثلاث مرات ثم يركع " وربما سقط

(1) الوسائل الباب 31 من الجماعة
(2) سورة الأعراف، الآية 203
(3) ص 471
(4) ص 389
(5) الوسائل الباب 42 من القراءة
394

من بعض نسخه لفظ " والله أكبر ".
الحادي عشر - ما رواه المحقق في المعتبر عن زرارة (1) قال: " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الأخيرتين من الظهر قال تسبح وتحمد الله وتستغفر لذنبك ".
الثاني عشر - ما رواه الشيخ عن محمد بن قيس في الصحيح عن أبي جعفر (عليه
السلام) (2) قال: " كان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا صلى يقرأ في الأولتين من صلاته
الظهر سرا ويسبح في الأخيرتين من صلاته الظهر على نحو من صلاته العشاء، وكان يقرأ في
الأولتين من صلاته العصر سرا ويسبح في الأخيرتين على نحو من صلاته العشاء ".
الثالث عشر - ما رواه أيضا في الموثق عن عمار بن موسى الساباطي عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " سألته عن الرجل يدرك الإمام وهو يصلي أربع
ركعات وقد صلى الإمام ركعتين؟ قال يفتتح الصلاة ويدخل معه ويقرأ خلفه في
الركعتين.. إلى أن قال: فإذا سلم الإمام ركع ركعتين يسبح فيهما ويتشهد ويسلم ".
الرابع عشر - ما رواه المحقق في المعتبر عن علي (عليه السلام) (4) أنه قال:
" اقرأ في الأولتين وسبح في الأخيرتين ".
الخامس عشر - ما رواه في الكافي أيضا عن زرارة (5) قال: " قلت لأبي جعفر
(عليه السلام) ما يجزئ من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال إن تقول سبحان الله
والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وتكبر وتركع ".
فهذه جملة من الأخبار واضحة الدلالة في ما ادعيناه وجملة منها ظاهرة بل صريحة

(1) في المسألة الثالثة من المسائل الأربع في القراءة وفي البحار عنه ج 18 الصلاة ص
352 ومستدرك الوسائل الباب 31 من القراءة إلا أنه في النسخة المطبوعة منه المؤرخة
1318 " عبيد بن زرارة " فتتحد مع الرواية المتقدمة ص 393 ولكنها فاقدة لذيلها.
(2) الوسائل الباب 51 من القراءة
(3) الوسائل الباب 29 من صلاة الجمعة
(4) الوسائل الباب 51 من القراءة
(5) الوسائل الباب 42 من القراءة
395

في تعين التسبيح مطلقا وقد نص بعضها على الإمام بخصوصه وجملة قد صرحت بالأفضلية
مطلقا كما أشرنا إليه آنفا، وجملة قد تضمنت الأمر بذلك المؤذن لا أقل بالرجحان
والأفضلية، وجملة قد تضمنت حكاية صلواتهم (عليهم السلام) ومن الظاهر أنهم كانوا أئمة
في تلك الصلوات لأنهم أشد مواظبة على سنة الجماعة والناس أشد حرصا ومواظبة على
الاقتداء بهم ولا سيما صلاة الرسول (صلى الله عليه وآله) بالملائكة وصلاة الرضا
(عليه السلام) في طريق خراسان. وهذا كله بحمد الله سبحانه ظاهر لا يقبل
الانكار وبين لا يعتريه الاستتار.
السادس عشر - ما رواه الشيخ (قدس سره) بسنده عن سالم أبي خديجة
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في
الركعتين الأولتين وعلى الذين خلفك أن يقولوا " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر " وهم قيام فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرأوا
فاتحة الكتاب وعلى الإمام التسبيح مثل ما يسبح القوم في الركعتين الأخيرتين ".
وهذا الخبر استدل به بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين، والظاهر أن محل الاستدلال هو قوله " وعلى الإمام التسبيح.. الخ " وحينئذ فهو دليل على
أفضلية التسبيح بالنسبة إلى الإمام لا مطلقا كما هو ظاهر المستدل، ولذلك أن الفاضل
الخراساني في الذخيرة جعله من الأخبار الدالة على أفضلية التسبيح للإمام. وأياما
كان فالظاهر أن معنى قوله: " فإذا كان في الركعتين الأخيرتين " يعني إذا كان
الائتمام في الأخيرتين بأن يكون المأمومون مسبوقين بركعتين ففرض من صلى خلفه القراءة
لأنهما أولتان بالنسبة إليهم، والواجب عليهم القراءة هنا على الأظهر كما يأتي بيانه في محله.
وقوله أخيرا " في الركعتين الأخيرتين " أما أن يتعلق بالظرف أعني قوله " على الإمام "
ويكون معنى قوله " مثل ما يسبح القوم " إشارة إلى ما تقدم في صدر الحديث من

(1) الوسائل الباب 51 من القراءة
396

التسبيح وقت قراءة الإمام، وحاصله حينئذ أنه على الإمام أن يسبح في الأخيرتين مثل
تسبيح القوم خلفه في الأولتين، وأما أن يتعلق بالفعل أعني " يسبح " ويكون المعنى
حينئذ: وعلى الإمام أن يسبح في تلك الركعتين الأخيرتين اللتين على المأمومين المسبوقين
أن يقرأوا فيهما مثل تسبيح المأمومين فيهما لو كانوا غير مسبوقين. ولعل المستدل
بالرواية على الأفضلية مطلقا ناظر إلى هذا المعنى. وكيف كان فالظاهر عدم جواز حمل
الركعتين الأخيرتين في قوله: " فإذا كان في الركعتين الأخيرتين " على أن يكونا أخيرتين
بالنسبة إلى الإمام والمأموم لاستلزامه حينئذ أولوية القراءة فيهما للمأمومين والتسبيح
للإمام كما هو ظاهر اللفظ بناء على ذلك ولا قائل به بل لا دليل عليه من خارج.
والاعتماد في اثباته على مجرد هذا الاحتمال لا يخلو من الاشكال بل الاختلال، فإنه يلزم
من ذلك حصول الحشو في الكلام وهو مما يجب أن يصان عنه كلام الإمام (عليه السلام)
كما لا يخفى على ذوي الأذهان والأفهام.
السابع عشر - ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: " قلت الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الأولتين فيذكر
في الركعتين الأخيرتين أنه لم يقرأ؟ قال أتم الركوع والسجود؟ قلت نعم. قال إني أكره
أن أجعل آخر صلاتي أولها " استدل به شيخنا البهائي (قدس سره) في كتاب الحبل
المتين على استحباب التسبيح للمنفرد.
وقال العلامة في المختلف - بعد الاستدلال بالخبر المذكور على عدم تعين القراءة
في الأخيرتين لناسيهما في الأولتين ردا على من ذهب إلى ذلك - ما صورته: وهذا
الحديث كما يدل على عدم وجوب القراءة فإنه دال على أولوية التسبيح أيضا كما اختاره
ابن أبي عقيل.
هذا ما وقفت عليه من الأخبار الدالة على القول الأول.

(1) الوسائل الباب 51 من القراءة
397

وأما ما يدل على القول الثاني فرواية محمد بن حكيم (1) قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) أيما أفضل القراءة في الركعتين الأخيرتين أو التسبيح؟
فقال القراءة أفضل ".
وأنت خبير بأن هذه الرواية لضعف سندها وانحطاط عددها تقصر عن معارضة
ما قدمناه من الأخبار ولا سيما على مذاق أصحاب هذا الاصطلاح، والظاهر بل المتعين
حملها على التقية التي هي في اختلاف الأحكام الشرعية رأس كل بلية، وذلك لأن تعيين
القراءة في الأخيرتين مذهب جمهور الجمهور، فإن المنقول عن الشافعي والأوزاعي
وأحمد في إحدى الروايتين وجوب القراءة في الأخيرتين، وعن مالك وجوبها في
معظم الصلاة، وعن الحسن في كل ركعة، وعن أبي حنيفة القول بالتخيير مع فضيلة
القراءة (2) فالحمل على التقية ظاهر لا ستر عليه.
وأما ما ذكره شيخنا المجلسي (قدس سره) في البحار - حيث نقل عن العلامة في

(1) الوسائل الباب 51 من القراءة. والرواية عن أبي الحسن " ع "
(2) في شرح النووي على صحيح مسلم ج 4 ص 103 " قال الثوري والأوزاعي
وأبو حنيفة: لا تجب القراءة في الركعتين الأخيرتين بل هو بالخيار إن شاء قرأ وإن شاء
سبح وإن شاء سكت. والصحيح الذي عليه جمهور العلماء من السلف والخلف وجوب الفاتحة
في كل ركعة.. " وفي بداية المجتهد ج 1 ص 115 " أوجب بعضهم قراءة الفاتحة في كل
ركعة ومنهم من أوجبها في أكثر الصلاة ومنهم من أوجبها في نصف الصلاة ومنهم من
أوجبها في ركعة من الصلاة، وبالأول قال الشافعي وهي أشهر الروايات عن مالك وقد
روي عنه أنه إن قرأها في ركعتين من الرباعية أجزأته. وأما من يرى أنه تجزئ في ركعة
فمنهم الحسن البصري وكثير من فقهاء البصرة. وأما أبو حنيفة فيستحب عنده التسبيح فيهما
" الركعتين الأخيرتين " دون القراءة والجمهور يستحبون القراءة فيها كلها " وفي نيل الأوطار
ج 2 ص 179 " عن أبي حنيفة في الأخيرتين إن شاء سبح وإن شاء سكت "
وفي بدائع الصنائع ج 1 ص 111 مثله.
398

المنتهى القول بأفضلية القراءة للإمام والتسبيح للمأموم، قال وقواه في التذكرة، ثم قال
وهذا القول لا يخلو من قوة إذ به يجمع بين أكثر الأخبار وإن كان بعض الأخبار يأبى عنه.
وذهب جماعة من محققي المتأخرين إلى ترجيح التسبيح مطلقا وحملوا الأخبار الدالة على
أفضلية القراءة للإمام أو مطلقا على التقية لأن الشافعي وأحمد، يوجبان القراءة في الأخيرتين
ومالكا يوجبها في ثلاث ركعات من الرباعية وأبا حنيفة خير بين الحمد والتسبيح وجوز
السكوت (1) ويرد عليه أن التخيير مع أفضلية القراءة أو التفصيل بين الإمام والمنفرد
مما لم يقل به أحد من العامة فلا تقبل الحمل على التقية نعم يمكن حمل أخبار التسوية المطلقة
على التقية لقول أبي حنيفة بها. انتهى -
ففيه نظر من وجوه (أحدها) أنه لا يخفى على من لاحظ الأخبار التي قدمناها
وتدبر في ما ذيلناها به من التحقيق الرشيق أنه لا معدل عن العمل بها والقول بما دلت
عليه وهذه الرواية ظاهرة بل صريحة في المخالفة فلم يبق إلا ردها لقصورها عن المعارضة
وليس بعد العمل بما دلت عليه هذه الرواية إلا رد تلك الأخبار المستفيضة المتكاثرة
الصحيحة الصريحة في ما ادعينا وفيه من الشناعة ما لا يتجشمه محصل ولا يتفوه به
قائل، وحينئذ فيجب رد هذه الرواية إلى قائلها كما أمروا به (عليهم السلام).
و (ثانيها) - أنه مع تسليم صحة ما ذكره في نقل مذاهب العامة من عدم
تصريحهم بلا فضلية فإنه لا ينافي حمل الرواية المذكورة وأمثالها على التقية، وذلك فإنه
يمكن حمل أخبار الفاتحة على التقية باعتبار أن المتبادر من أخبار الأمر بالفاتحة للإمام هو
الوجوب كما صرح به الفاضل الأردبيلي (قدس سره) في ما يأتي من نقل كلامه،
ولا ينافيه لفظ الأفضلية في رواية محمد بن حكيم المذكورة الدالة على أن القراءة أفضل
مطلقا لأن الواجب أفضل من المندوب البتة إلا فيما استثنى، وحينئذ فتكون التقية
باعتبار مذهب الشافعي وأتباعه.

(1) ارجع إلى التعليقة 2 ص 398
399

و (ثالثها) - أن مذهب أبي حنيفة هو التخبير مع أفضلية القراءة كما نص عليه
المخذول المهان فضل الله بن روزبهان الخنجي في كتابه الذي رد فيه على كشف الحق
ونهج الصدق حيث قال (1): ومذهب أبي حنيفة أنه يقرأ في الأخيرتين بالفاتحة فقط
وهذا أفضل وإن سبح أو سكت جاز. انتهى. والعجب أنه كيف خفى ذلك على شيخنا
المشار إليه مع وفور اطلاعه.
وربما يستدل لهذا القول أيضا بما رواه الطبرسي في الاحتجاج من التوقيعات
الخارجة من الناحية المقدسة في أجوبة الحميري (2) " أنه كتب إليه يسأله عن الركعتين
الأخيرتين قد كثرت فيهما الروايات فبعض يرى أن قراءة الحمد فيهما أفضل وبعض
يرى أن التسبيح فيهما أفضل فالفضل لأيهما لنستعمله؟ فأجاب (عليه السلام) قد
نسخت قراءة أم الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح، والذي نسخ التسبيح قول
العالم (عليه السلام): كل صلاة لا قراءة فيها خداج إلا للعليل ومن يكثر عليه السهو
فيتخوف بطلان الصلاة عليه ".
وأنت خبير بما في هذا الخبر من الاجمال والاشكال الذي لا يهتدي منه إلى وجه
يبنى عليه في هذا المجال وما هذا شأنه فلا يعترض به ما قدمناه من الأخبار.
وأما القول الثالث وهو التخيير مطلقا من غير تفصيل فلا أعرف عليه دليلا من الأخبار
سوى رواية علي بن حنظلة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " سألته عن الركعتين
الأخيرتين ما أصنع فيهما؟ قال إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب وإن شئت فاذكر الله فهما سواء.
قال قلت فأي ذلك أفضل؟ قال هما والله سواء إن شئت سبحت وإن شئت قرأت "
وأنت خبير بما هي عليه من الضعف فلا تصلح لمعارضة واحد من تلك

(1) في التعليق على المسألة الحادية عشرة من الفصل الثاني في الصلاة من المسألة
الثامنة في الفقه
(2) الوسائل الباب 51 من القراءة
(3) الوسائل الباب 42 من القراءة
400

الأخبار الصحيحة الصريحة في أفضلية التسبيح فلم يبق إلا طرحها وارجاعها إلى قائلها،
إذ العمل بما دلت عليه مستلزم لطرح تلك الأخبار وهو ما لا يتجشمه من له أدنى رواية
من ذوي الأذهان والأفكار، مع إمكان حملها على التقية وإن لم يعرف بالقول بالتساوي
مطلقا قائل من العامة إذا التخير مذهب أبي حنيفة وأتباعه مع أفضلية القراءة كما تقدم (1)
وقد قدمنا في مقدمات الكتاب أن الحمل على التقية لا يتوقف على وجود القائل منهم،
وبالجملة فإنه لم يبق إلا طرحها أو حملها على التقية وإلا فالعمل بها وإن ذهب إليه من
ذهب غفلة عما قدمناه من الأخبار لا يتفوه به من وقف على ما حققناه ونقلناه من
تلك الأخبار الساطعة الأنوار والعلية المنار.
وأما الاستناد في هذا القول إلى صحيحة عبيد بن زرارة فهي بالدلالة على أفضلية
التسبيح أشبه لما عرفته آنفا، فإن قضية التعليل فيها فرعية القراءة وأصالة التسبيح كما دلت
عليه الأخبار المستفيضة المتقدمة.
وربما استدل بعضهم لهذا القول بتعارض الأخبار وتساقطها فلا يتوجه رجحان
أحد الطرفين على الآخر فيبقى التساوي مؤبدا برواية علي بن حنظلة. وهذا القول
جهل من صاحبه بما قدمناه من الأخبار إذ الظاهر أنها لم تقرع سمعه ولم تمر بنظره وهو
كذلك كما سيظهر لك إن شاء الله في البحث مع السيد السند وشيخنا المحقق الأردبيلي
فإنهما من هذا القبيل، وهذه الأخبار التي قدمناها وجمعناها لم تجتمع في كتاب بل ولا
نصفها ولا ربعها كما لا يخفى على من راجع كتبهم في هذا الباب.
وأما القول بأفضلية القراءة للإمام وهو القول الرابع والخامس والسادس وإن
اختلفوا في ما عداه فهو باعتبار المستند أظهر من سابقيه.
ويدل عليه من الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم عن

(1) في التعليقة 2 ص 398
401

أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " إذا كنت إماما فاقرأ في الركعتين الأخيرتين
بفاتحة الكتاب وإن كنت وحدك فيسعك فعلت أو لم تفعل ".
وما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (2) قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين؟ فقال الإمام
يقرأ بفاتحة الكتاب ومن خلفه يسبح.. ".
وما رواه الشيخ عن جميل بن دراج (3) قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عما يقرأ الإمام في الركعتين في آخر الصلاة؟ فقال بفاتحة الكتاب ولا يقرأ الذين خلفه
ويقرأ الرجل فيهما إذا صلى وحده بفاتحة الكتاب ".
أقول: لا يخفى أنه مع العمل بهذه الأخبار والقول بما دلت عليه فإنه يلزم طرح
ما عارضها من الأخبار الدالة على أفضلية التسبيح مطلقا أو بالنسبة إلى الإمام، وهي
الرواية الأولى من الروايات المتقدمة والثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة
والعاشرة والثانية عشرة والسادسة عشرة (4) بالتقريبات المذكورة ذيولها. وفي رد هذه
الروايات وطرحها مع صحتها وصراحتها من الشناعة ما لا يخفى، وأما مع العمل بروايات التسبيح
فحمل الأخبار المذكورة عن التقية ظاهر لا ستر عليه وواضح لا يأتيه الباطل لا من خلفه
ولا من بين يديه، لما عرفت آنفا (5) من أن مذهب جمهور الجمهور وجوب القراءة،
وأبو حنيفة وأتباعه وإن خيروا إلا أن القراءة عندهم أفضل فحمل هذه الأخبار على التقية أقرب
قريب، وقد استفاضت الأخبار عنهم (عليه السلام) بعرض الأخبار في مقام الاختلاف
على مذهب العامة والأخذ بخلافه.
وقد أيد بعض مشايخنا الحمل على التقية بما في صحيحة منصور بن حازم من لفظ
السعة للمأموم، فإن مفهومه أنه لا يسع الإمام غير القراءة للتقية وأما المأموم فيسعه تركها

(1) الوسائل الباب 51 من القراءة
(2) الوسائل الباب 42 من القراءة
(3) الوسائل الباب 42 من القراءة
(4) من ص 389 إلى 396
(5) ص 298
402

والعدول إلى التسبيح. أقول: ويعضده أن المستفاد من كثير من الأخبار أن أصحابنا
كانوا يؤمونهم في الجماعة.
وقد صرح بهذا الحمل جملة من أصحابنا المحققين من متأخري المتأخرين:
منهم - الفاضل الخراساني في الذخيرة والمحقق الشيخ حسن في المنتقى وغيرهما.
فالوجه الأظهر في أخبار القراءة مطلقا هو الحمل على التقية سيما للإمام لعظم
الخطب عليه واقتضاء الاستصلاح التقية بالنسبة إليه فلذا خصه بالقراءة في صحيحتي
منصور ومعاوية بن عمار وحثه عليها خوفا عليه من الشناعة والضرر، ومتى حملت هذه الأخبار على التقية سلمت أخبار التسبيح وتوجه العمل بها من غير معارض. ولم يقل
أحد من العامة بتعين التسبيح أو أفضلية حتى يمكن حمل أخباره على التقية بل هو عندهم
مطروح وأما أخبار القراءة فهي كما عرفت موافقة لهم. وقضية القواعد المنصوصة عنهم (عليهم
السلام) في عرض الأخبار في مقام الاختلاف هو حمل أخبار القراءة على التقية، حتى أنه قد ورد ما هو أبلغ من ذلك وهو أنه إذا لم يكن في البلد من تستفتيه في الحكم الشرعي
فاستفت قاضي البلد وخذ بخلافه، رواه الشيخ في التهذيب والصدوق في عيون الأخبار (1)
ولكن أصحابنا سامحهم الله تعالى بغفرانه واسكنهم أعلى جنانه كما نبهناك عليه في غير موضع
مما تقدم قد ألغوا هذه القواعد الواردة عنهم (عليهم السلام) واتخذوها وراء ظهورهم
واصطلحوا على قواعد لم يرد بها نص ولا أثر فاتخذوها وجه جمع بين الأخبار.
تتميم في المقام وكلام على كلام بعض الأعلام
قال السيد السند في المدارك - وهو ممن اختار القول بأفضلية القراءة مطلقا أو
للإمام كما سيظهر لك من كلامه - اختلف الأصحاب في أن الأفضل للمصلي القراءة أو
التسبيح، فقال الشيخ في الإستبصار إن الأفضل للإمام القراءة وأنهما متساويان بالنسبة

(1) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به
403

إلى المنفرد، وقال في النهاية والمبسوط هما سواء للمنفرد والإمام، وأطلق ابنا بابويه
وابن أبي عقيل أفضلية التسبيح، احتج الشيخ في الإستبصار على أفضلية القراءة للإمام
بما رواه في الصحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" إذا كنت إماما فاقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب وإن كنت وحدك
فيسعك فعلت أو لم تفعل " ونحوه روى معاوية بن عمار في الصحيح (2) قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين فقال الإمام
يقرأ بفاتحة الكتاب ومن خلفه يسبح فإذا كنت وحدك فاقرأ فيهما وإن شئت فسبح "
وعلى التساوي للمنفرد بما رواه عن عبد الله بن بكير عن علي بن حنظلة عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (3) قال: " سألته عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟ فقال إن
شئت فاقرأ فاتحة الكتاب وإن شئت فاذكر الله فهما سواء. قال قلت فأي ذلك أفضل؟
فقال هما والله سواء إن شئت سبحت وإن شئت قرأت " وهذا الجمع جيد لو كانت
الأخبار متكافئة من حيث السند لكن الرواية الأخيرة ضعيفة جدا بجهالة الراوي وبأن
من جملة رجالها الحسن بن علي بن فضال وعبد الله بن بكير وهما فطحيان. ولو قيل
بأفضلية القراءة مطلقا كما يدل عليه ظاهر صحيحتي منصور بن حازم ومعاوية بن عمار لم
يكن بعيدا من الصواب، ويؤيده رواية حكم بن حكيم (4) قال: " سألت أبا الحسن
(عليه السلام) أيما أفضل القراءة في الركعتين الأخيرتين أو التسبيح؟ فقال القراءة
أفضل " ورواية جميل (5) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عما يقرأ الإمام
في الركعتين في آخر الصلاة فقال بفاتحة الكتاب ولا يقرأ الذين خلفه ويقرأ الرجل

(1) الوسائل الباب 51 من القراءة
(2) الوسائل الباب 42 من القراءة
(3) الوسائل الباب 42 من القراءة
(4) الوسائل الباب 51 من القراءة، والراوي هو محمد بن حكيم كما سيأتي منه
" قدس سره "
(5) الوسائل الباب 42 من القراءة
404

فيهما إذا صلى وحده بفاتحة الكتاب " وصحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) وقال: " يجزئك التسبيح في الأخيرتين. قلت أي شئ تقول أنت؟ قال
اقرأ فاتحة الكتاب " ولا ينافي ذلك ما رواه عبد الله الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال ": إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما فقل الحمد لله
وسبحان الله والله أكبر " لأنا نجيب عنها بالحمل على أن " لا " نافية وتكون جملة " لا تقرأ "
حالية والمعنى إذا قمت في الركعتين الأخيرتين وأنت غير قارئ فيهما فقل كذا وكذا
أو يقال إنها ناهية والنهي إنما توجه إلى القراءة مع اعتقاد أن غير القراءة لا يجوز كما
ذكره الشيخ في الإستبصار، وبالجملة فهذه رواية واحدة فلا تترك لأجلها الأخبار المستفيضة
السليمة السند المؤيدة بعمل الأصحاب. انتهى.
أقول فيه نظر من وجوه: (الأول) أن ما نقله عن الشيخ في الإستبصار - من أنه احتج على أفضلية القراءة للإمام بصحيحة منصور بن حازم وعلى التساوي للمنفرد
برواية علي بن حنظلة - ليس في محله فإن الشيخ بعد أن عنون الباب بالتخيير بين القراءة
والتسبيح أورد من الروايات الدالة على التخيير صحيحة عبيد بن زرارة ورواية علي بن حنظلة
الدالتين على التساوي مطلقا، ثم أورد في خبر ما يخالفهما في ذلك وهي رواية محمد بن حكيم التي
نسبها هو إلى حكم بن حكيم الدالة على أفضلية القراءة مطلقا وجمع بينهما بحمل ما دل على أفضلية
القراءة على ما إذا كان إماما وحمل تلك الروايتين الدالتين على التساوي على غيره، ثم أورد
صحيحة منصور بن حازم سندا لهذا الحمل بطرفيه من أفضلية القراءة للإمام والتساوي
لغيره، والرواية كما ترى دالة على ذلك هذا خلاصة كلام الشيخ في الإستبصار وبه
يتضح لك ما في نقل السيد السند (قدس سره) من الخلل الذي لا ستر عليه ولا غبار.
(الثاني) - أن المفهوم من سياق كلامه أن الشيخ قد استدل على أفضلية
القراءة للإمام بهذه الرواية الدالة على عموم أفضلية القراءة مطلقا بحملها على الإمام،

(1) الوسائل الباب 51 من القراءة
(2) الوسائل الباب 51 من القراءة
405

وعلى التساوي للمنفرد برواية علي بن حنظلة الدالة بعمومها على المساواة مطلقا بحملها على
المنفرد ثم رد (قدس سره) الحمل المذكور بعدم تكافؤ الأخبار من حيث السند ثم رجح
أفضلية القراءة مطلقا مستند إلى العموم الذي ادعاه من تلك الصحيحة وارد فها بصحيحة
معاوية بن عمار. وهو لعمري بعيد الصدور من مثل هذا الفحل المشهور، فإن الصحيحتين
المذكورتين تناديان بالتصريح بحكم الإمام على حدة من أفضلية القراءة له وحكم المنفرد
على حدة من التخيير، فأين اطلاق أفضلية القراءة الذي جنح إليه وادعى دلالة تلك
الصحيحتين عليه؟ وما تكلفه بعض في الاعتذار عنه - من أنه يمكن تطبيقهما على أفضلية
القراءة مطلقا وتكون فائدة التفصيل فيهما بين الإمام والمنفرد تأكد الفضل في الإمام -
فتمحل ظاهر لا يلتفت إليه وتكلف متعسف لا يعول عليه. وحينئذ فرواية علي بن
حنظلة متى حملت على المنفرد كانت مؤيدة لما دلت عليه تلك الصحيحتان من حكم المنفرد
فيهما لا منافية لهما بناء على ما ادعاه من عموم أفضلية القراءة للمنفرد. نعم ذلك مدلول
رواية محمد بن حكيم التي نسبها إلى حكم بن حكيم كما رأيت في نسخ منه متعددة.
(الثالث) - أن ظاهر قوله: " ولو قيل بأفضلية القراءة مطلقا " أنه لا قائل
بذلك صريحا مع أنا قد أسلفنا نقله عن الحلبي وتبعه الشهيد في اللمعة ولعله لندرة القائل
وشذوذه خفي عليه حتى أنه قال في التهذيب إني لا أعلم قائلا بهذا المذهب. وهو حق حيث إنه إنما حدث بعده. وممن خفي عليه القول بذلك أيضا شيخنا البهائي (قدس سره) حيث إنه صرح في كتاب الحبل المتين أنه لم يطلع على قائل بأفضلية القراءة للمنفرد.
(الرابع) - أن ما استدل به على ما ادعاه من صحيحة ابن سنان منظور فيه
من حيث السند والمتن:
أما الأول فلما ذكره بعض أصحابنا من احتمال كون ابن سنان هو محمد أخو
عبد الله بن سنان الذي هو مذكور مهملا في كتب الرجال كما ذكره الشيخ في كتاب
رجاله من رجال الصادق (عليه السلام) وهو غير محمد بن سنان الزاهري الضعيف فإنه
406

لا يروي عن الصادق (عليه السلام) كما ذكر في كتب الرجال وشهد به التتبع في هذا
المجال، وقد وردت رواية محمد بن سنان بقول مطلق عن الصادق (عليه السلام) في
باب كراهة أكل الثوم من كتاب علل الشرائع (1) ووقع التصريح به في ثلاثة أحاديث
من كتاب طب الأئمة (عليهم السلام) أما الحديث الأول منه فصورته عن الوشاء
عن عبد الله بن سنان عن أخيه محمد عن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) (2) ومثله
الحديث الثاني من الكتاب المذكور (3) وفي باب مقدار الثواب في كل علة منه أيضا
عن الوشاء عن عبد الله بن سنان قال: سمعت محمد بن سنان يحدث عن الصادق
(عليه السلام) (4) وحينئذ فما أطلقوه من أنه متى وردت رواية ابن سنان عن الصادق
(عليه السلام) بغير واسطة تعين الحمل على عبد الله لكون الزاهري الضعيف لا يروي
عنه إلا بالواسطة غير جيد لأنه مبني على الحصر في عبد الله ومحمد الزاهري والحال أن
محمدا أخا عبد الله ممن يروي عنه (عليه السلام) أيضا بلا واسطة. والجواب - بأن محمدا
أخا عبد الله نادر الرواية فلا ينصرف إليه الاطلاق - مدخول بما يتناقل في كلامهم ويدور
على رؤوس أقلامهم من أنه إذا قام الاحتمال بطل الاستدلال.
وأما الثاني فإن ما ادعاه من الدلالة غير واضح البيان ولا ساطع البرهان لأنه
(قدس سره) قد اقتطع عجز الرواية واستدل به وهو وإن كان يعطي ذلك بظاهره
إلا أنه بملاحظة ما تقدمه في صدر الرواية للاحتمال فيه مجال واسع، والرواية بتمامها هي
ما رواه الشيخ عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال: " إن كنت
خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتى يفرغ وكان الرجل مأمونا على القرآن
فلا تقرأ خلفه في الأولتين. وقال يجزئك التسبيح في الأخيرتين. قلت أي شئ تقول

(1) ص 176 وفي الوسائل الباب 22 من أحكام المساجد
(2) الوسائل الباب 1 من الاحتضار
(3) الوسائل الباب 1 من الاحتضار
(4) الوسائل الباب 1 من الاحتضار
(5) الوسائل الباب 51 من القراءة
407

أنت؟ قال اقرأ فاتحة الكتاب " وكأنه (رحمه الله) بنى في اقتطاعه عجز الرواية
واعتماده عليه في الاستدلال على انقطاعه عما قبله في المعنى وأن له معنى مستقلا، وربما
كان وجهه عنده أن السائل لما سأله عما يفعل (عليه السلام) أعم من أن يكون إماما أو
مأموما أو منفردا فقال: " اقرأ فاتحة الكتاب " دل ذلك على رجحان القراءة مطلقا.
قال المحقق المدقق الشيخ حسن في كتاب منتقى الجمان بعد ذكر الرواية ما لفظه:
قلت يسبق إلى الفهم في بادئ الرأي من عجز هذا الخبر أنه في معنى الخبرين اللذين
قبله - وأشار بهما إلى صحيحتي عبيد بن زرارة ومنصور بن حازم - ثم قال وقد اعتمد ذلك
بعض المتأخرين فاقتطعه عن الصدر وأورده في حجة ترجيح قراءة الحمد للإمام حديثا
مستقلا، وبعد التأمل يرى أن ذلك أحد الاحتمالات فيه وأنه لا وجه لترجيح المصير إليه
على غيره، ثم الحق أن اقتطاع بعض الحديث وأفراده عن سائره بمجرد ظن استقلاله
أو تخيله كما اتفق لجماعة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) أمر بعيد عن الصواب فكم
من خطأ قد وقع بسببه في الاستدلال لمن لم تنكشف له بالتدبر حقيقة الحال. انتهى
هذا. والأظهر بناء على اتصال عجز الرواية بصدرها كما هو المتبادر إلى الفهم أن معنى
قوله (عليه السلام): " يجزئك التسبيح في الأخيرتين " يعني عن القراءة في الأوليين خلف
الإمام إذا كنت مأموما، وحينئذ فقول السائل " أي شئ تقول أنت؟ " يحتمل أن يكون معناه أي شئ تفتي به أنت وتحكم به من الاجتزاء بالتسبيح في الأخيرتين أو
القراءة فيهما وعلى هذا يكون قوله (عليه السلام): " اقرأ فاتحة الكتاب " فعل
أمر، وأن يكون معناه أي شئ تفعل أنت في صلاتك مأموما خلف هؤلاء من القراءة
في الأوليين أو الترك والاجتزاء بالتسبيح لأنهم (عليهم السلام) كانوا يحضرون
جمعات هؤلاء وجماعاتهم فأجاب (عليه السلام) بأنه يقرأ في الأوليين حيث إن ائتمامه
بمن لا يصح الاقتداء به. وهذا هو الأظهر في معنى الرواية وهو الذي استظهره المحدث
الكاشاني في الوافي بعد أن ذكر الاحتمال الأول أيضا. ويحتمل أيضا أن يكون معنى
408

" أي شئ تقول أنت؟ " أي شئ تفعله أنت في الركعتين الأخيرتين إذا كنت مأموما
من الاجتزاء بالتسبيح أو القراءة فيهما، وحينئذ ففيه دلالة على تخيير المأموم في الركعتين
الأخيرتين بين القراءة والتسبيح مع أفضلية القراءة. ويحتمل أيضا أن يراد منه بيان حال
المسبوق وأنه يجزئه تسبيح الإمام في الأخيرتين وإن كان المأموم مصليا للأوليين أو
الثانية في تلك الحال غير أن الأولى للإمام قراءة الحمد. وهذان الاحتمالان ذكرهما
في المنتقى زيادة على الاحتمال الذي حكاه عن ذلك البعض في ما أسلفناه من نقل عبارته.
وكيف كان فهذه الرواية لما فيها من سعة دائرة الاحتمال لا تصلح للاستدلال فإنها
بتعدد هذه الاحتمالات تكون من قبيل المتشابهات.
(الخامس) - قوله " ولا ينافي ذلك ما رواه عبد الله الحلبي في الصحيح.
إلى آخر الكلام " فإن فيه من العجب العجاب بما اشتمل عليه من الخلل والاضطراب
ما لا يخفى على من تأمل بعين الصواب:
(أما أولا) - فلحصره المنافاة في هذه الرواية وأنه بالجواب عنها يتم له ما ذكره
وهذا مصداق ما أشرنا إليه آنفا من عدم الوقوف على تلك الروايات الصحيحة الصريحة
المستفيضة المتقدمة، فليت شعري كأنها لم تمر به مدة اشتغاله بالعلوم في تلك الأيام حتى
يغمض العين عنها ولا يتعرض لشئ منها في المقام.
(وأما ثانيا) - فإن الظاهر من سياق كلامه - كما عرفت - هو الميل إلى أفضلية
القراءة مطلقا لقوله " ولو قيل بأفضلية القراءة مطلقا " وقد عرفت مما أسلفناه أنه ليس
في الأخبار ما يدل على هذا القول إلا رواية محمد بن حكيم الضعيفة السند التي لا تصلح
للاستدلال بناء على اصطلاحه ولا تعتمد. وأما ما ادعاه من دلالة صحيحتي منصور بن
حازم ومعاوية بن عمار فقد عرفت ما فيه.
و (أما ثالثا) - فإن ما ادعاه - من التأييد بعمل الأصحاب مع قوله أولا
" ولو قيل " المشعر بعدم القائل كما عرفت - لا يخلو من التشويش والاضطراب. وبالجملة
409

فإنا لم نقف على قائل بهذا القول الذي اختاره هنا سوى الحلبي والشهيد في اللمعة ولا من
الأدلة سوى رواية محمد بن حكيم المذكورة. والله العالم.
وقال المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد بعد الكلام في كمية التسبيح: وأما
التفضيل فلا شك في تفضيل القراءة عليه للإمام لصحيحة معاوية بن عمار قال: سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن القراءة.. ثم ساق الحديث، ثم قال: ولرواية جميل.. ثم
ذكرها، ثم قال: ولما ثبت جواز التسبيح للإمام أيضا بالاجماع حمل القراءة له على الأفضل
فلا ينبغي تركها، ويحمل ما في هذه للمنفرد على الجواز فقط لرواية علي بن حنظلة عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته.. ثم ساق الرواية ثم قال حمله الشيخ وغيره على
المنفرد لما مر من ترجيح القراءة للإمام، ولرواية منصور بن حازم الثقة، ثم أوردها إلى
آخرها، ثم قال: ولولا الاجماع على التخيير للإمام أيضا لكان الحمل على ظاهرها من
وجوب القراءة للإمام متعينا فتحمل على الاستحباب لذلك، ويفهم منها التسوية للمنفرد
حيث قال بعد الترجيح للإمام " وإن كنت.. " ومع ذلك لا يبعد أولوية اختيارها للمنفرد
أيضا لفضيلة الفاتحة ووجود " فاقرأوا " ووجود الخلاف في التسبيح بأنه مرة أو ثلاثا أو غيرهما
ولبعض ما مر مثل الأمر بالقراءة في صحيحة معاوية بن عمار بقوله " فاقرأ فيهما " ثم الاتيان
ب‍ " إن شئت " فإن سوق الكلام يدل على أن التسبيح رخصة، وما في رواية جميل، ولرواية
محمد بن حكيم قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام).. وساق الرواية كما قدمناه ثم قال
ولا يحتاج إلى الحمل على الإمام فقط لاحتمال كونها أفضل للإمام وكان للمنفرد أيضا
أفضل لكن دونه في الفضل ويكون الأمر للإمام والتخيير للمنفرد للمبالغة له دونه مع
عدم صحة ما يدل على التسوية في رواية علي بن حنظلة مع عمومها المتروك بالدليل
واحتمال التأويل. انتهى.
قول: انظر إلى هذا الكلام المختل النظام والمنحل الزمام فإنه - كما ترى - ظاهر
في أنه لم يقف على شئ من أخبار التسبيح التي قدمناها بالكلية ولهذا إنما استند في
410

معارضة أخبار القراءة إلى الاجماع على التسبيح وجمع بينهما بالتخيير، والظاهر أن السبب
في ذلك أن الدائر في كتبهم في مقام البحث عن الأخيرتين إنما هو هذه الأخبار التي
نقلها هنا وزاد عليها صاحب المدارك رواية الحلبي التي أجاب عنها وأما الأخبار التي قدمناها
فهي متفرقة في مواضع لم تجمع إلا في كلامنا في هذا المجال. وأصحاب التصانيف لمزيد
الاستعجال في التصنيف يقنعون بما حضر بين أيديهم من كتب من قبلهم ولا يعطون
التأمل حقه في استقصاء الأدلة من مظانها وطلبها من أماكنها ومن ثم وقعوا في ما وقعوا
فيه، والواجب في مقام البحث والتحقيق التعرض لنقل جملة أدلة المسألة والكلام فيها
وترجيح ما يرجحه والجواب عما عارضه.
وأنت خبير بأن قوله: " ولما ثبت جواز التسبيح للإمام أيضا بالاجماع.. إلى
آخره " الدال على أنه إنما صار إلى التسبيح تخييرا بالاجماع فللقائل أن يعكس عليه
هذه الدعوى ويقول إنه قد دلت صحاح زرارة على النهي عن القراءة مطلقا والنفي لها
والأمر بالتسبيح خاصة ودل غيرها من الأخبار المتقدمة على التسبيح أيضا، وما عارضها
من روايات القراءة قد حمل على التقية بمقتضى القاعدة المنصوصة عن أصحاب العصمة
(عليهم السلام) في مقام تعارض الأخبار، فلولا الاجماع على القول بالقراءة في المقام
لتعين الاقتصار على التسبيح بمقتضى ذلك إلا أن الاجماع على القراءة أوجب لنا القول
بالتخيير وحمل ما دل على تعين التسبيح والنهي عن القراءة على الأفضلية، وما ادعيناه
في المقام هو الأوفق بأخبارهم وقواعدهم (عليهم السلام).
وبالجملة فإن كلامهم (رضوان الله عليهم) في المقام لما كان مبنيا على غير أساس
تطرق إليه القدح والالتباس، وضعف كلامه (قدس سره) أظهر من أن يحتاج إلى مزيد
بيان لمن أنكشف له ما ذكرناه من نقل أخبار المسألة كملا وما وشحناها به من التحقيقات
الفائقة والتدقيقات الرائقة. والله العالم.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن تنقيح البحث في المسألة وتحقيق القول فيها كما هو حقه
411

يتوقف على ذكر مقامات:
(الأول) - في كيفية التسبيح المذكور هنا وقد اختلف الأصحاب في ذلك
على أقوال: أحدها - الاجتزاء بأربع تسبيحات: " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا
الله والله أكبر " مرة واحدة، ذهب إليه الشيخ المفيد والشيخ في الاستبصار وجمع من
المتأخرين: منهم - العلامة في المنتهى وشيخنا الشهيد الثاني في الروض حيث قال إنه أصح
الأقوال، ويدل عليه من الأخبار المتقدمة الخبر الخامس والسادس والخامس عشر
والسادس عشر.
وثانيها - أنها تسع تسبيحات: " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله " يكررها
ثلاث مرات، ذهب إليه الصدوق ابن بابويه وأسنده في المعتبر والتذكرة والذكرى إلى
حريز بن عبد الله السجستاني من قدماء الأصحاب، ونقل في المختلف عن علي بن بابويه
أنه قال: وتسبيح في الأخراوين إماما كنت أو غير إمام تقول " سبحان الله والحمد لله
ولا إله إلا الله " ثلاثا. قال فيكون الواجب عنده تسع تسبيحات ورواه ابنه في من
لا يحضره الفقيه وهو اختيار أبي الصلاح. انتهى وظاهر كلامه في المختلف أن مذهب
أبي الصلاح القول بالتسع مع أنه في المنتهى نسب إليه القول بثلاث تسبيحات كما نقله
عنه في الذخيرة ومثله شيخنا في البحار إلا أني لم أقف عليه في المنتهى كما ذكراه ولم
يذكر لأبي الصلاح هنا مذهبا بالكلية وهما أعلم بما نقلاه.
ويدل على هذا القول ما تقدم في الخبر الأول من الأخبار المتقدمة إلا أن
هذا الخبر قد نقله ابن إدريس في السرائر عن حريز عن زرارة في موضعين
بزيادة في أحدهما على ما قدمنا نقله عن الصدوق (أحدهما) في باب كيفية الصلاة (1)
وزاد فيه بعد " لا إله إلا الله " " والله أكبر " وثانيهما في آخر الكتاب في
ما استطرفه من كتاب حريز (2) ولم يذكر فيه التكبير، قال شيخنا المجلسي (قدس

(1) الوسائل الباب 51 من القراءة
(2) الوسائل الباب 51 من القراءة
412

سره) في البحار بعد نقل ذلك: والنسخ المتعددة التي رأيناها متفقة على ما ذكرناه ويحتمل
أن يكون زرارة رواه على الوجهين ورواهما حريز عنه في كتابه لكنه بعيد جدا، والظاهر
زيادة التكبير من قلمه أو من النساخ لأن سائر المحدثين رووا هذه الرواية بدون التكبير
وزاد في الفقيه وغيره بعد التسبيح " تكمله تسع تسبيحات " ويؤيده أنه نسب في المعتبر وفي
التذكرة القول بتسع تسبيحات إلى حريز وذكرا هذه الرواية. انتهى. وهو جيد وجيه.
أقول: ويدل عليه أيضا خبر ابن أبي الضحاك عن الرضا (عليه السلام) على ما سيأتي بيانه (1)
إن شاء الله تعالى.
ثم العجب هنا من شيخنا الشهيد الثاني (رفع الله درجته) في المسالك والروض حيث إنه
في الروض بعد أن اختار القول الأول قال: والثاني أحوط والثالث جائز وأما
الرابع فلا لعدم التكبير. وأراد بالثاني القول بالاثني عشر وبالثالث القول بالعشر
وبالرابع القول بالتسع. ونحوه في المسالك فمنع العمل به مع أن روايته أصح روايات
المسألة، وما ذكره من القول الثاني والثالث لا دليل عليه ما سيظهر لك
قال شيخنا المجلسي في البحار بعد أن اختار القول بمطلق الذكر: ثم الأفضل
اختيار التسع لأنه أكثر وأصح أخبار وهو مختار قدماء المحدثين الآنسين بالأخبار
المطلعين على الأسرار كحريز بن عبد الله والصدوق (قدس الله روحيهما) أقول: وهو
مذهب أبيه أيضا كما قدمنا نقله هنا عن المختلف.
وثالثها - أنها عشر بزيادة التكبير على التسع المذكورة في القول الثاني وهو
مذهب السيد المرتضى والشيخ في الجمل والمبسوط وابن إدريس وسلار وابن البراج، ولم
نقف على رواية تدل عليه وبذلك اعترف جملة من الأصحاب.
ورابعها - أنها اثنا عشر بتكرير التسبيح المذكور في الصورة الأولى ثلاثا
وهو مذهب الشيخ في النهاية والاقتصاد وهو المنقول عن ظاهر ابن أبي عقيل إلا أنه

(1) ص 414
413

قال - على ما نقله عنه في المختلف -: السنة في الأواخر التسبيح وهو أن يقول: " سبحان
الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " سبعا أو خمسا وأدناه ثلاثا في كل ركعة.
وقد اعترضه جمع من الأصحاب بعد الدليل عليه. وربما استدل عليه بما رواه
ابن إدريس في السرائر في باب كيفية الصلاة (1) إلا أنك قد عرفت ما فيه.
وربما أمكن الاستدلال بما رواه في كتاب العيون عن ابن أبي الضحاك الذي
صحب الرضا (عليه السلام) (2) إلى خراسان فقال: " كان يسبح في الأخراوين
يقول: " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " ثلا ث مرات ثم يركع " إلا أن شيخنا المجلسي (قدس سره) نقل الخبر المذكور في كتاب البحار (3) عاريا من
لفظ التكبير ثم قال: بيان - في بعض النسخ زيد في آخرها " والله أكبر " والموجود في
النسخ القديمة المصححة كما نقلناه بدون التكبير، والظاهر أن الزيادة من النساخ تبعا
للمشهور. انتهى. وعلى هذا فيكون الخبر المذكور دليلا واضحا على القول الثاني.
نعم يدل على ذلك ما في كتاب الفقه الرضوي (4) حيث قال (عليه السلام):
وفي الركعتين الأخراوين الحمد وحده وإلا فسبح فيهما ثلاثا ثلاثا تقول " سبحان الله
والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " تقولها في كل ركعة منهما ثلاث مرات.
وخامسها - وهو منقول عن ابن الجنيد أنها ثلاث تسبيحات غير مرتبة، قال -
على ما نقله عنه في المختلف -: والذي يقال في مكان القراءة تحميد وتسبيح وتكبير
يقدم ما يشاء.
واستدل له بالخبر الثامن (5) من الأخبار المتقدمة وصحيحة عبيد بن زرارة (6)
قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الركعتين الأخيرتين من الظهر قال تسبح
وتحمد الله وتستغفر لذنبك وإن شئت فاتحة الكتاب فإنها تحميد ودعاء " وهذه الرواية

(1) ارجع إلى التعليقة 1 ص 412
(2) الوسائل الباب 42 من القراءة
(3) ج 18 الصلاة ص 352
(4) ص 7
(5) ص 292
(6) الوسائل الباب 42 من القراءة
414

أسندها المحقق في المعتبر إلى زرارة ولم يذكر فيها " وإن شئت.. " والظاهر كونها
رواية أخرى غير رواية عبيد بن زرارة (1).
وسادسها - القول بالتخيير بين الصور الواردة في الأخبار، وإليه ذهب السيد
الجليل جمال الدين أبو الفضائل أحمد بن طاووس صاحب البشرى والمحقق في المعتبر
وإن جعل القول الأول أولى.
قال في المعتبر بعد نقل القول الأول والاستدلال عليه بصحيحة زرارة وهو الخبر
الخامس عشر (2) ثم القول بالتسع ونقل عليه صحيحة زرارة المتقدمة في الخبر الأول (3)
ثم القول بالاثني عشر ولم ينقل له دليلا ثم ذكر صحيحة عبيد بن زرارة إلا أنه أسندها
إلى زرارة على الوجه الذي قدمناه ثم صحيحة الحلبي التي قدمناها دليلا لابن الجنيد وهي
الخبر الثامن (4) ثم قال: اختلفت الرواية أيهما أفضل؟ ففي رواية (5) " هما سواء " وفي
أخرى (6) التسبيح وفي رواية (7) " أنه إن كنت إماما فالقراءة أفضل وإن كنت
وحدك فيسعك فعلت أو لم تفعل " والوجه عندي القول بالجواز في الكل إذ لا ترجيح
وإن كانت الرواية الأولى أولى وما ذكره في النهاية أحوط لكن ليس بلازم. انتهى.
وظاهر هذا الكلام أنه جمع بالتخيير بين روايات القراءة وروايات التسبيح
من غير تفصيل وكذلك بين أخبار صور التسبيح والمنقول عنه في المدارك ذلك بالنسبة
إلى صور التسبيح، ورواياته وكلامه كما ترى عام له وللاختلاف في ترجيح القراءة على
التسبيح وبالعكس والتفصيل فإنه اختار التخيير مطلقا وكلامه به ألصق وإليه أقرب.
وإلى هذا القول مال جملة من متأخري المتأخرين: منهم - السيد السند في المدارك
والمحقق الشيخ حسن في المنتقى والفاضل الخراساني في الذخيرة والمحدث الكاشاني في

(1) ارجع إلى التعليقة 1 ص 395
(2) ص 395
(3) ص 389
(4) ص 292
(5) علي بن حنظلة ص 400
(6) من ص 389 إلى 395
(7) منصور بن حازم 401
415

المفاتيح وهو قوي وإن كان الأول أولى.
ومما يؤيده اختلاف الأخبار في كيفية ذلك مع جودة أسانيد أكثرها وعدم مجال
الحمل فيها على غير التخيير مضافا إلى ما دل على اتساع الأمر في ذلك من الأخبار مثل
قوله في صحيحة زرارة المتقدمة (1) " إنما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء " وفي صحيحته
الأخرى (2) " تسبيح وتهليل وتكبير ودعاء " وفي صحيحة عبيد بن زرارة (3) " وإن
شئت فاتحة الكتاب فإنها تحميد ودعاء ".
ومن ذلك يظهر قوة القول الثالث فإنه لا اشكال فيه إلا من حيث زيادة التكبير
في آخره وإلا فما تضمنه من التسبيحات التسع قد عرفت دليله ويكفي في ثبوت التكبير
فيه اطلاق الصحيحتين المذكورتين. وينقل عن بعض المتأخرين التوقف في ذلك بناء
على عدم الوقوف في ذلك على نص بالخصوص والظاهر ضعفه لما قلناه.
وربما دل اطلاق هذه الصحاح المشار إليها على عدم اعتبار ترتيب معين وبذلك
صرح المحقق في المعتبر ومال إليه بعض المتأخرين، إلا أنه يمكن خدشه بأن اطلاقها
يجب تقييده بالأخبار الدالة على الترتيب مضافا إلى وجوب تحصيل يقين البراءة من
التكليف الثابت بيقين. وبما ذكرناه صرح في الذكرى فقال هل يجب الترتيب فيه كما
صوره في صحيحة زرارة؟ الظاهر ذلك أخذا بالمتيقن ونفاه في المعتبر للأصل.
هذا، ويفهم من كلام البعض اتحاد القولين الأخيرين حيث إنه استدل لابن
الجنيد بصحيحتي زرارة المشار إليهما وصحيحة عبيد بن زرارة. والظاهر تغايرهما حيث إن صريح عبارة ابن الجنيد التخصيص بالتحميد والتسبيح والتكبير فهو كسائر الأقوال
المتقدمة في التخصيص بأذكار مخصوصة وإنما يخالفها في عدم وجوب الترتيب، وصريح
المنقول عن صاحب البشرى وكذا كلام المحقق في المعتبر جواز العمل بكل ما روى
في المسألة، وأما الاستدلال لابن الجنيد بتلك الصحاح المشار إليها فغير مطابق لصريح

(1) ص 390
(2) ص 389
(3) ص 414
416

عبارته حيث إن صحيحتي زرارة عاريتان عن لفظ التحميد الموجود في عبارة ابن الجنيد
مع زيادة التهليل والدعاء فيهما وصحيحة عبيد غير متضمنة للتكبير مع زيادة الاستغفار فيها.
وبالجملة فالتغاير أمر ظاهر كما لا يخفى على كل ناظر فضلا عن الخبير الماهر.
بقي هنا شئ يجب التنبيه عليه وهو أن ظاهر رواية علي بن حنظلة ربما دلت على
اجزاء مطلق الذكر حيث قال فيها (1) " إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب وإن شئت
فاذكر الله تعالى " وقد صرح باستفادته منها جمع من أفاضل المتأخرين لكنهم ردوها
بضعف السند فلا تنهض حجة باثباته فلم يقل به أحد منهم لذلك. وظاهر شيخنا المجلسي
(قدس سره) وقبله الفاضل الخراساني في الذخيرة الميل إلى ذلك لظاهر الخبر المذكور
إلا أن ظاهر الفاضل المشار إليه التوقف بعد ذلك كما سيأتي في كلامه، وأما شيخنا المشار
إليه فظاهره الجزم بذلك حيث قال: والذي يظهر لي من مجموع الأخبار الاكتفاء بمطلق
الذكر ثم الأفضل اختيار التسع.. إلى آخر ما قدمنا نقله عنه.
أقول: لا يخفى على من لاحظ أخبار المسألة - وقد قدمناها جميعا - أنه ليس فيها
ما ربما يوهم ذلك إلا رواية علي بن حنظلة المذكورة وهي مع غض النظر عن المناقشة في
سندها فلا تبلغ قوة في معارضة الأخبار الصحاح الصراح الدالة على خصوص التسبيح
مع أنها قابلة للتأويل والحمل على تلك الأخبار بحمل الذكر فيها على التسبيح المذكور في
تلك الأخبار، ويؤيده ما في آخر الرواية المذكورة حيث قال الراوي في تمام الرواية
بعد أن أجابه (عليه السلام) بما ذكرناه " قلت فأي ذلك أفضل (2)؟ قال هما والله سواء
إن شئت سبحت وإن شئت قرأت " فإنه صريح في أن التخيير إنما هو بين القراءة
والتسبيح وهو مؤيد لحمل الذكر في الجواب الأول على التسبيح، ويعضد ذلك أن يقين
البراءة إنما يحصل بالتسبيح الذي استفاضت به الأخبار.
وقال الفاضل الخراساني في الذخيرة: وهل يجزئ مطلقا الذكر؟ يحتمل ذلك لاطلاق

(1) ص 400
(2) ص 400
417

رواية علي بن حنظلة مع كون اسنادها معتبرا إلى ابن بكير إذ ليس فيه من يتوقف في
شأنه إلا الحسن بن علي بن فضال وهو بمكان من الجلالة وكذا ابن بكير، والواسطة
بينه وبين الإمام (عليه السلام) وإن كان مجهولا إلا أن ابن بكير ممن أجمعت العصابة
على تصحيح ما يصح عنه فلا يضر جهالة حال الواسطة، وفي التعليل المذكور في خبر
عبيد بن زرارة نوع اشعار بجواز الاكتفاء بمطلق التحميد والدعاء وإن لم يكن دالا عليه
بناء على أن عدم مدخلية خصوص المادة في العلية ليس بذلك الواضح، والاشعار
المذكور مضافا إلى رجحان دعوى عدم القائل بالفصل يؤيد جواز الاكتفاء بمطلق الذكر
ويحتمل العدم لنوع تأمل في اسناد الخبر وعدم صراحته في المدعى ومخالفة ظاهره من
التسوية لم سنحققه من تفضيل التسبيح وعدم قائل بهذه التوسعة صريحا، مع أن التكليف
اليقيني يقتضي البراءة اليقينية. انتهى. والمعتمد هو ما ذكره أخيرا لما حققناه أولا.
وأما ما ذكره من الوجوه أولا فهي وجوه مدنفة عليلة ليس في التعرض لبيان ضعفها كثير
فائدة بعد ما عرفت. والله العالم.
(المقام الثاني) - المشهور بين الأصحاب بقاء التخيير لناسي القراءة في
الأوليين، وقال الشيخ في المبسوط إن نسي القراءة في الأولتين لم يبطل تخيره والأولى
القراءة لئلا تخلو الصلاة منها وقال ابن أبي عقيل من نسي القراءة في الركعتين الأولتين
وذكر في الأخيرتين سبح فيهما ولم يقرأ شيئا لأن القراءة في الركعتين الأولتين والتسبيح
في الأخيرتين.
قال في الذكرى: وقد روي أنه إذا نسي في الأولتين القراءة تعين في
الأخيرتين ولم نظفر بحديث صريح في ذلك لكن روى محمد بن مسلم عن الباقر (عليه
السلام) في ناسي الفاتحة لا صلاة له (1).
ونقل عن الشيخ في الخلاف تعين قراءة الحمد في الأخيرتين على ناسي القراءة في الأوليين

(1) الوسائل الباب 1 من القراءة
418

نقل ذلك عنه السيد السند في المدارك والمحدث الكاشاني في المفاتيح والمجلسي في البحار
والذي نقل عنه الشهيد في الذكرى أنه قال: إن نسي القراءة في الأولتين قرأ في
الأخيرتين. وهو أعم من ذلك.
وكتاب الخلاف لا يحضرني الآن لكن بعض الأصحاب قد نقل عبارته بما هذا
لفظه: تجب القراءة في الركعتين الأولتين وفي الأخيرتين والثالثة يتخير بين القراءة
والتسبيح ولا بد من واحد منهما فإن نسي القراءة في الأولتين قرأ في الأخيرتين،
وروي (1) أن التخيير قائم. وقال الشافعي تجب قراءة الحمد في كل ركعة وقال مالك
تجب القراءة في معظم الصلاة وقال داود وأهل الظاهر أنما تجب في ركعة واحدة (2)
دليلنا اجماع الفرقة وأيضا قوله تعالى " فاقرأوا ما تيسر منه " (3) وهذا قد قرأ وتكراره
يحتاج إلى دليل. وقول النبي (صلى الله عليه وآله) (4) " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب "
يدل على ذلك أيضا لأنه لم يذكر التكرار. وروى علي بن حنظلة عن أبي عبد الله (عليه
السلام) قال: " سألته عن الركعتين.. الحديث " كما تقدم (5) ثم قال ومن قال
لا يبطل التخيير مع النسيان استدل بما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه

(1) في صحيحة معاوية بن عمار الآتية
(2) في المغني ج 1 ص 485 " يجب قراءة الفاتحة في كل ركعة في الصحيح من المذهب
وهو مذهب مالك والأوزاعي والشافعي، وعن أحمد أنها لا تجب إلا في ركعتين من الصلاة
ونحوه عن النخعي والثوري وأبي حنيفة، وعن الحسن أنه إن قرأ في ركعة واحدة أجزأه
وعن مالك إن قرأ في ثلاث أجزأه لأنها معظم الصلاة " وارجع أيضا إلى التعليقة 2 ص 398
(3) سورة المزمل، الآية 20
(4) في صحيح مسلم ج 1 ص 155 باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة
والبخاري باب وجوب القراءة للإمام والمأموم عن عبادة بن الصامت عن النبي " ص "
" لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب "
(5) ص 400
419

السلام) (1) قال: " قلت الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الأولتين فيذكر في
الركعتين الأخيرتين أنه لم يقرأ؟ قال أتم الركوع والسجود؟ قلت نعم. قال إني أكره
أن أجعل آخر صلاتي أولها " وإنما قلنا الأحوط القراءة في هذه الحال لما رواه الحسين
ابن حماد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " قلت له أسهو عن القراءة في
الركعة الأولى؟ قال اقرأ في الثانية. قلت أسهو في الثانية؟ قال اقرأ في الثالثة. قلت
أسهو في صلاتي كلها؟ قال إذا حفظت الركوع والسجود فقد تمت صلاتك ". انتهى
والظاهر من هذا الكلام أن حكمه أولا بالقراءة في الأخيرتين وإن كان محتملا الوجوب
إلا أن آخر كلامه يكشف عن كون ذلك على سبيل الأولوية والاحتياط لا على جهة
التعيين كما نقله في المدارك وتبعه من تبعه عليه على عادتهم غالبا من حسن الظن به في ما
ينقله، ويؤيد ما قلناه ما ذكره في الذكرى حيث قال بعد ذكر رواية الحسين بن حماد
المذكورة: وقال في الخلاف إن نسي القراءة في الأولتين قرأ في الأخيرتين واحتج بهذه الرواية
وأورد رواية معاوية بن عمار الآتية دليلا على بقاء التخيير ثم جعل القراءة أحوط. انتهى
وبذلك يتبين لك ما في نقل أولئك الفضلاء من القصور.
وأجاب في المختلف عن رواية الحسين بأن الأمر بالقراءة لا ينافي التخيير فإن
الواجب المخير مأمور به. ونحوه الشهيد في الذكرى أيضا. وفيه أن ظاهر الأمر الإيجاب
عينا والتخيير يحتاج إلى دليل من خارج ليخرج عن ظاهر الأمر.
والتحقيق في المقام أن ما استدلوا به على التخيير في الصورة المذكورة من صحيحة
معاوية بن عمار المتقدمة فالظاهر أنه لا دلالة فيها على ما ادعوه لأن الظاهر من هذه
الرواية وروايات أخر في معناها أيضا أن المراد بجعل آخر الصلاة أولها إنما هو بقراءة
الحمد والسورة في الأخيرتين كما سيأتي في مسألة المسبوق في باب صلاة الجماعة.

(1) الوسائل الباب 30 من القراءة
(2) الوسائل الباب 30 من القراءة
420

ومن أخبارها مرسلة أحمد بن النضر عن رجل عن أبي جعفر (عليه السلام) (1)
قال " قال لي: أي شئ يقول هؤلاء في الرجل إذا فاتته مع الإمام ركعتان؟ قلت يقولون
يقرأ في الركعتين بالحمد وسورة. فقال هذا يقلب صلاته فيحمل أولها آخرها. فقلت
فكيف يصنع؟ فقال يقرأ بفاتحة الكتاب في كل ركعة ".
وبذلك يظهر أن المراد من رواية معاوية بن عمار المذكورة إنما هو المنع من قراءة
الحمد والسورة التي يترتب عليها قلب الصلاة لا قراءة الحمد وحدها التي هي أحد الفردين
المخيرين وأنها تتعين هنا من حيث النسيان أولا. وبذلك يظهر أن ما ذكره في المختلف
وتبعه عليه بعض من تأخر عنه من أن هذه الرواية كما لا دلالة لها على وجوب القراءة
فهي تدل على أفضلية التسبيح محل نظر.
ويدل على وجوب القراءة في الصورة المذكورة - زيادة على رواية الحسين بن
حماد المتقدمة بالتقريب الذي ذكرناه في بيان الاستدلال بها وجواب ما اعترضوا به على
دلالتها - صحيحة زرارة المروية في الفقيه عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال:
" قلت له رجل نسي القراءة في الأولتين فذكرها في الأخيرتين؟ فقال يقضي القراءة
والتكبير والتسبيح الذي فاته في الأولتين في الأخيرتين ولا شئ عليه ".
والظاهر أن هذه الرواية هي التي تقدمت الإشارة إليها في كلام الشهيد (قدس سره)
في الذكرى من قوله: وقد روي أنه إذا نسي في الأولتين القراءة تعين في الأخيرتين،
وذكر أنه لم يظفر بحديث صريح في ذلك فإنه ربما نقل له ذلك مجملا ولكنه لم يقف
على الخبر. والظاهر أنه هذا الخبر - فإنه كما ترى - صحيح صريح في الاتيان بالقراءة
في الأخيرتين.
وبعض المتأخرين نقل هذه الرواية عارية عن لفظ " في الأخيرتين " في آخر
الخبر وأجاب عنه بجواز أن يكون المراد أنه يقضي القراءة بعد الفراغ من الصلاة إذ

(1) الوسائل الباب 47 من الجماعة
(2) الوسائل الباب 30 من القراءة
421

ليس فيها تعيين زمان القضاء. وهو مسلم بالنسبة إلى ما نقله من الرواية العارية عن اللفظ
المشار إليه وأما على ما نقلناه من وجوده كما هو المنقول في كتب الأخبار فلا وجه لكلامه
ومن ذلك يظهر لك أن القول بوجوب القراءة في الصورة المذكورة ليس ببعيد
لظاهر الخبرين المذكورين. وتأويلهما وإن أمكن إلا أنه فرع وجود المعارض. والمعارضة
بعموم الأخبار الدالة على التخيير وشمولها للناسي وغيره معارضة بما دل على عدم صحة
الصلاة بدون الفاتحة من قوله (صلى الله عليه وآله) (1) " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب "
ونحوه، فإن أجابوا - بأنه محمول على العامد جمعا بينه وبين ما دل على صحة صلاة ناسي الفاتحة
في جميع الصلاة - أجبنا عن الأول بأنه محمول على غير الناسي جمعا ومرجعه إلى تخصيص
عموم أخبار التخيير بهذين الخبرين والعمل بالخاص مقدم كما هو القاعدة المسلمة عندهم.
وكيف كان فأولوية القراءة واستحبابها كما ذكره الشيخ مما لا يرتاب فيه وإنما
الكلام في الوجوب وقد عرفت أن ظاهر الخبرين ذلك إلا أني لم أقف على قائل به.
والله هو العالم.
(المقام الثالث) - المفهوم من كلام جملة من الأصحاب أن التخيير المجمع عليه
في الأخيرتين بين الحمد والتسبيح إنما هو في ما عدا أخيرتي المأموم في الرباعية
وأخيرته في الثلاثية، وذلك فإنهم قد اختلفوا هنا في ما يجب على المأموم وجعلوا هذا
الخلاف شعبة من الخلاف في أولتي المأموم بالنسبة إلى جواز القراءة له وعدمه.
واختلفوا في الأخيرتين هنا على أقوال نقلها شيخنا الشهيد الثاني في الروض
ولا بأس في التعرض لها وبيان ما هو الحق المستفاد من أخبار أهل الذكر (عليهم السلام) فيها:
الأول - وجوب القراءة مخيرا بينها وبين التسبيح كما لو كان منفردا جهرية
كانت الصلاة أو إخفاتية، قال وهو قول أبي الصلاح وابن زهرة. أقول وهو صريح
عبائر أكثرهم وكذا صريح كلام المرتضى (رضي الله عنه) قال: لا يقرأ المأموم خلف

(1) ارجع إلى التعليقة 4 ص 419
422

الموثوق به في الأولتين في جميع الصلوات.. إلى أن قال: وأما الأخيرتان فالأولى أن
يقرأ المأموم أو يسبح وروي أنه ليس عليه ذلك (1).
(الثاني) - استحباب قراءة الحمد وحدها في الجهرية والاخفاتية ونقله في
الروض عن الشيخ بقول مطلق ولم يسنده إلى كتاب والذي في النهاية وكذا في المبسوط
لا دلالة فيه على ذلك لأنه لم يذكر حكم الأخيرتين في كلامه فيجوز رجوعه إلى ما قدمه
في صدر كلامه من الأولتين، قال في النهاية: إذا تقدم من هو بشرائط الإمامة فلا تقرأن
خلفه سواء كانت الصلاة مما يجهر فيها بالقراءة أو لا يجهر بل تسبح مع نفسك وتحمد
الله، وإن كانت الصلاة مما يجهر فيها بالقراءة فانصت للقراءة فإن خفى عليك قراءة
الإمام قرأت لنفسك، وإن سمعت مثل الهمهمة من قراءة الإمام جاز لك أن لا تقرأ
وأنت مخير في القراءة، ويستحب لك أن تقرأ الحمد وحدها في ما لا يجهر الإمام
فيها بالقراءة وإن لم تقرأها فليس عليك شئ. انتهى. ونحوه في المبسوط، وهو ظاهر
كما ترى فيما قلناه إذ لا إشارة فيه إلى الأخيرتين بوجه بل جميع ما ذكره من الأحكام
بمقتضى سياق الكلام إنما يرجع إلى الأولتين.
(الثالث) - التخيير في الجهرية بين قراءة الحمد والتسبيح استحبابا، قال في
الروض وهو ظاهر جماعة: منهم - العلامة في المختلف أقول قال العلامة في المختلف - بعد
نقل الأقوال في مسألة القراءة خلف الإمام وشطر من أخبار المسألة - ما هذا لفظه:
والأقرب في الجمع بين الأخبار استحباب القراءة في الجهرية إذا لم يسمع ولا همهمة لا الوجوب
وتحريم القراءة فيها مع السماع لقراءة الإمام والتخيير بين القراءة والتسبيح في الأخيرتين
من الإخفاتية. وأنت خبير بأن ظاهر كلامه هو الوجوب لا الاستحباب وذلك في
الإخفاتية لا الجهرية كما نقل عنه فالنقل لا يخلو من الخلل في الموضعين المذكورين، وبالجملة

(1) الوسائل الباب 31 من الجماعة
423

فكلام العلامة هنا يرجع إلى القول الأول إلا أنه خص ذلك بالصلاة الإخفاتية وظاهر
قول الثلاثة المتقدمين العموم.
(الرابع) - سقوط القراءة والتسبيح ولم ينقل هذا القول في الروض مع أنه صريح ابن إدريس (قدس سره) حيث قال: اختلفت الرواية في القراءة خلف الإمام
الموثوق به فروي (1) أنه لا قراءة على المأموم في جميع الركعات والصلوات سواء
كانت جهرية أو إخفاتية وهي أظهر الروايات والذي تقتضيه أصول المذهب لأن الإمام
ضامن للقراءة بلا خلاف بين أصحابنا، وروي (2) أنه لا قراءة على المأموم في الأولتين
في جميع الصلوات الجهرية والاخفاتية إلا أن تكون صلاة جهر لم يسمع فيها المأموم قراءة
الإمام فيقرأ لنفسه، وروي (3) أنه ينصت في ما جهر فيه الإمام بالقراءة ولا يقرأ هو شيئا
ويلزمه القراءة في ما خافت، وروي أنه بالخيار (4) في ما خافت فيه الإمام، فأما الركعتان
الأخيرتان فقد روي (5) أنه لا قراءة على المأموم فيهما ولا تسبيح، وروي (6) أنه يقرأ
فيهما أو يسبح. والأول أظهر لما قدمناه. انتهى.
(الخامس) - التخيير بين القراءة والتسبيح والسكوت وأفضلية الأول ثم
الثاني، وهو قول ابن حمزة في الوسيلة كما نقله عنه في الذكرى. وهذا القول لم ينقله في
الروض أيضا، قال في الكتاب المذكور: وإذا اقتدى بالإمام لم يقرأ في الأولتين فإن
جهر الإمام وسمع أنصت وإن خفى عليه قرأ وإن سمع مثل الهمهمة فهو مخير وإن خافت الإمام
سبح في نفسه، وفي الأخيرتين إن قرأ كان أفضل وإن لم يقرأ جاز وإن سبح كان
أفضل من السكوت.
(السادس) - استحباب التسبيح في نفسه وحمد الله أو قراءة الحمد مطلقا،
نقله في الروض عن الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد. وعندي أن عبارته ليست

(1) الوسائل الباب 32 من الجماعة
(2) السرائر ص 61
(3) الوسائل الباب 32 من الجماعة
(4) الوسائل الباب 32 من الجماعة
(5) الوسائل الباب 32 من الجماعة
(6) الوسائل الباب 32 من الجماعة
424

صريحة في أن ذلك في الأخيرتين بل ظاهرها كونه في الأوليين، حيث قال: ولا يقرأ
المأموم في صلاة جهر بل يصغي لها فإن لم يسمع وسمع كالهمهمة أجزأه وجاز أن يقرأ،
وإن كان في صلاة إخفات سبح مع نفسه وحمد الله، وندب إلى قراءة الحمد في ما لا يجهر
فيه. ولا تعرض فيها - كما ترى - للأخيرتين بل ظاهرها أنه في الأوليين من الصلاة
الإخفاتية يستحب له التسبيح والحمد لله، ثم روي استحباب قراءة الحمد في الحال المذكورة
(السابع) - ما اختاره الفاضل الخراساني في الذخيرة من تحريم القراءة في
أخيرتي الإخفاتية حيث قال - بعد نقل جملة من عبائر الأصحاب في المقام وشطر من
أخبار مسألة القراءة خلف الإمام - ما لفظه: إذا عرفت هذا فاعلم أن الذي يترجح عندي
بالنظر إلى هذه الأخبار تحريم القراءة في الإخفاتية مطلقا سواء كانت في الأوليين أم في
الأخيرتين. انتهى.
أقول: الظاهر أن منشأ اختلاف هذه الأقوال في المقام هو اختلاف الأخبار
عنهم (عليهم السلام) في القراءة خلف الإمام واختلاف الأذهان في ذلك والأفهام
من المنع فيها عن القراءة مطلقا أو في الأوليين خاصة أو التفصيل بين الجهرية والاخفاتية.
وأنت خبير بأن ما قدمناه من الأخبار المستفيضة على أفضلية التسبيح في الأخيرتين
شاملة بعمومها أو اطلاقها للمأموم والأخبار الدالة على التخيير والتساوي أو أفضلية
القراءة كذلك شاملة لا خيرتي المأموم أيضا، ويدل على خصوص المأموم وأن الأفضل
له التسبيح الخبر الرابع وهو صحيح زرارة مكررا ذلك فيه والخبر التاسع والخبر الثالث
عشر والسادس عشر (1) بالتقريب المذكور في ذيله. وليس في أخبار القراءة خلف الإمام
التي فرعوا عليها هذا الاختلاف ما يدل على خصوص الأخيرتين بل دلالتها على ذلك أن كان إنما
هو بالاطلاق، وحينئذ فقد تعارض الاطلاقان فلا بد من تقييد أحدهما بالآخر، والظاهر أن
الأخبار الأولى أظهر في العموم والشمول لوضوح الدلالة فيها بالتقريبات التي وشحناها به كما

(1) ص 390 و 294 و 395 و 396
425

قدمناه سيما مع تأيدها بالأخبار التي أشرنا إليها مصرحة بالمأموم بخصوصه دون هذه الأخبار،
فإن من المحتمل فيها قريبا - بل هو الظاهر - اختصاص المنع من القراءة بحال المتابعة
في الأوليين للإمام وهو الموضع الذي تتعين فيه القراءة حتما وبه انقسمت الصلاة إلى
جهرية واخفاتية دون الأخيرتين بحيث لم تتعين فيهما القراءة بل كانت مرجوحة كما
أوضحناه من أولوية التسبيح. وأيضا فلو اختار الإمام القراءة كانت قراءته إخفاتية كما
هو المجمع عليه بينهم فكيف يترتب عليه حكم كلي بالنسبة إلى المأموم من تحريم القراءة
وعدمه أو التفصيل بالسماع وعدمه والانقسام باعتبار ذلك إلى الجهرية والاخفاتية؟ فإنا
وإن سلمنا جريان هذه الشقوق فيما إذا اختار الإمام القراءة المرجوحة باعتبار أنه لا منافاة
بين وجوب الاخفات والسماع والانصات كما قيل إلا أنه لا يتم في ما إذا اختار التسبيح
فكيف يصح الحكم بتحريم القراءة على المأموم مطلقا؟ مع عدم جريان الدليل على تقدير
تسليمه إلا في مادة اختيار الإمام القراءة.
والظاهر أن منشأ الشبهة في هذا الاختلاف هو ما اتفقت عليه كلمتهم من أصالة
القراءة في الأخيرتين وأن التسبيح إنما تؤتى به عوضا عنها ولذا ترى أكثر عباراتهم بالتسبيح
بلفظ البدلية عن القراءة فيقولون " ويجزئ بدلا عن القراءة التسبيح " ولا سيما بالنسبة
إلى الإمام عندهم فإن القراءة في حقه آكد، وقد عرفت أن الظاهر من الأخبار خلافه
للنهي عن القراءة في تلك الأخبار الصحاح الصراح والنفي لها ودلالة صحيحة عبيد بن
زرارة (1) على فرعية القراءة كما تقدمت الإشارة إليه. ومنه يظهر أن الأظهر هنا هو
التخيير مع أفضلية التسبيح كغيره حسبما حققناه سابقا.
ومن الأخبار التي اعتمدوها هنا في ما ذهبوا إليه وبنوا عليها صحيحة عبد الرحمان
ابن الحجاج (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة خلف الإمام اقرأ
خلفه؟ فقال أما الصلاة التي لا يجهر فيها بالقراءة فإن ذلك جعل إليه فلا تقرأ خلفه وأما

(1) ص 414
(2) الوسائل الباب 31 من الجماعة
426

الصلاة التي يجهر فيها فإنما أمر بالجهر لينصت من خلفه فإن سمعت فانصت وإن لم تسمع
فاقرأ " فإن قضية الجعل إلى الإمام في الصلاة الإخفاتية بمعنى الاعتماد على قراءته والاكتفاء
بها فلا يجوز للمأموم القراءة لذلك لا يتم كليا إلا في الأوليين لوجوب القراءة عليه فيهما
حتما وأما الأخيرتان فحيث كان مخيرا فيهما سيما مع أفضلية التسبيح له كما اخترناه فكيف
يتم الجعل إليه والاعتماد عليه في سقوط القراءة عن المأموم وتحريمها عليه؟ والحال أنه ليس
القراءة عليه واجبة بل الأفضل له التسبيح كما هو المفروض، وقضية الانصات في الجهرية
أظهر فإن تحريم القراءة من حيث وجوب الانصات لا يجري إلا في الأوليين فإن
القراءة في الأخيرتين على تقدير اختيارها إخفاتية اجماعا، وجملة الروايات الواردة في
هذا المجال كلها على هذا المنوال وإن تفاوتت في وضوح الدلالة على ذلك.
وأما ما دل على المنع من القراءة خلف الإمام بعمومه واطلاقه كقوله (عليه
السلام) (1) " من قرأ خلف إمام يأتم به فمات بعث على غير الفطرة " ونحوه فهو غير
معمول عليه عندهم على عمومه كما نبهوا عليه وشذ من قال به على عمومه.
هذا، وما نقل من الرواية في كلام جملة منهم بعدم القراءة والتسبيح كما اختاره
ابن إدريس لم أقف عليها في شئ من كتب الأخبار التي تحضرني الآن إلا أنه قد
روى الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين (2) " سألت أبا الحسن (عليه السلام)
عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام أيقرأ فيهما بالحمد وهو إمام يقتدى به؟ قال إن
قرأت فلا بأس. وإن سكت فلا بأس " ومن المحتمل أن تكون هذه الرواية هي المشار
إليها في كلامهم فإن ظاهرها التخيير بين القراءة والسكوت إلا أن القول بذلك قول
أبي حنيفة كما تقدم ذكره (3) فيجب حمل الرواية على التقية لذلك ولمعارضتها بالأخبار
المستفيضة الدال أكثرها على التسبيح وجملة منها على القراءة أو الأفضلية في أحدهما أو

(1) الوسائل الباب 31 من الجماعة
(2) الوسائل الباب 31 من الجماعة
(3) ارجع إلى التعليقة 2 ص 398
427

التخيير. وبه يظهر أن ما ذهب إليه ابن إدريس من اختيار السكوت غير جيد.
(المقام الرابع) - لو قلنا بالتخيير بين الصور المتقدمة كما هو أحد الأقوال
في المسألة - واختار المكلف الاتيان بما زاد على الأربع التسبيحات كما هو القول الأول
من الأقوال المتقدمة أو الثلاث كما هو مذهب ابن الجنيد - فهل يوصف الزائد هنا بالوجوب
أو الاستحباب؟ قولان ظاهر العلامة في كتبه الفقهية - وبه صرح في كتبه الأصولية -
الثاني محتجا عليه بجواز تركه ولا شئ من الواجب يجوز تركه.
واعترضه شيخنا الشهيد الثاني في الروض بأن قوله: " لا شئ من الواجب يجوز
تركه " إن أريد تركه مطلقا يعني ولو إلى بدل فمنعه واضح لانتقاضه بالواجبات الكلية
كالتخييرية واخوتها، وإن أريد به لا إلى بدل فمسلم لكن المتروك له هنا بدل وهو
الفرد الناقص بمعنى أن مقولية الواجب على الفرد الزائد والناقص كمقولية الكلي
على أفراده المختلفة قوة وضعفا، وحصول البراءة بالفرد الناقص لا من حيث هو
جزء الزائد بل من حيث إنه الفرد الناقص، وقد وقع مثله في تخيير المسافر بين القصر
والاتمام. وهذا هو التحقيق في المقام. انتهى
والمشهور الأول وهو الذي جزم به في الروض ونسبه في الروضة إلى ظاهر
النص والفتوى والظاهر أنه الأقوى، وعلى تقديره ففي المقام سؤالات:
أحدها - أنه لقائل أن يقول إن اللازم مما ذكر إمكان كون الزائد واجبا لكن
إذا تحققت البراءة في ضمن الفرد الناقص لم يبق دليل على وجوب الزائد فنحن
لا نستبعده لكن ننفيه حتى يقوم عليه الدليل.
هكذا قرره في الروض ثم أجاب عنه بأن الروايات الدالة على القدر الزائد الواقعة
بصيغة الأمر - كقوله (عليه السلام) في صحيحة حريز عن زرارة (1) " فقل سبحان الله
والحمد الله ولا إله إلا الله (ثلاث مرات) " وكون ذلك واقعا بيانا للواجب - تدل على

(1) ص 389
428

وصف الزائد بالوجوب ولما لم يتم وجوبه عينا للرواية الدالة على الاجتزاء بالأقل لزم
القول بوجوبه تخييرا من جهة تأدي الواجب به وحصول الامتثال.
هكذا حقق (قدس سره) الجواب والظاهر أن مراده يرجع إلى منع تحقق
البراءة في ضمن الفرد الناقص بقول مطلق بل إنما يتم ذلك فيما لو قصد الامتثال بالناقص
لكونه فردا ناقصا من أفراد الواجب الكلي بأن قصده أولا أو عدل إليه عند تمامه، أما
إذا قصد الامتثال بالكامل وايقاع الناقص ضروري من حيث إنه جزؤه فتحقق البراءة
بالفرد الناقص والحال هذه ممنوع، كما أنه لو قصد المكلف في مقام التخيير بين القصر
والاتمام الامتثال بالأربع فإنه لا يبرأ بما لو سلم ساهيا على الركعتين أو أحدث أو فعل
منافيا على القول باستحباب التسليم أو وجوبه خارجا، وحينئذ فدلالة الرواية على وصف
الزائد بالوجوب من حيث إنه جزء الواجب وهو مجموع التسبيحات التسع مثلا لا من
حيث الزيادة واطلاق الزائد عليه مجازا بالنظر إلى اختيار الفرد الناقص. هكذا ينبغي
أن يحقق كلامه وإلا فلو سلم للسائل تحقق البراءة في ضمن الفرد الناقص مطلقا وأنه
يخرج به من العهدة وجعل مطرح الكلام في الزائد خاصة لم يتم الجواب بالتزام خطابه
بالزيادة على وجه الإيجاب إذ بعد الخروج عن عهدة الخطاب كيف يبقى الإيجاب؟
وأورد بعضهم السؤال بما صورته: لقائل أن يقول لا ريب أن المكلف إذا أتى
بالتسبيحة الواحدة منها برئت ذمته بذلك ولا مجال لقصده بالثانية والثالثة الوجوب
إذ لا يعقل بعد ذلك في المأتي به وصف الوجوب.
ثم أجاب عنه بما لفظه: ولك أن تقول لا ريب أن المأمور به هنا هو الأمر الكلي
الذي هو الموصوف بالوجوب ووجوده في الخارج إنما هو في ضمن جزئياته وتحقق الكلي
في ضمن جزئياته لا يلزم أن يكون على وجه واحد بل قد يتفاوت ذلك بالقوة والضعف
فعلى هذا نقول كون التسبيحة الواحدة فردا للكلي مبرئا للذمة لا يمنع منه انضمام ما به يتحقق
الفرد الكامل ويكون ذلك طريق البراءة. انتهى.
429

وأنت خبير بما فيه مما أشرنا إليه آنفا فإنه متى سلم كون التسبيحة الواحدة التي
أتى بها أحد أفراد الكلي وأن الذمة قد برئت بالاتيان بها فبعد براءة الذمة من ذلك
الواجب الكلي بالاتيان بأحد أفراده كما هو المفروض كيف يعقل عود الوجوب واشتغال
الذمة حتى يكون انضمام ما به يتحقق الفرد الكامل طريق البراءة؟
والتحقيق في ذلك هو ما أشرنا إليه من التفصيل ودوران ذلك مدار قصد
المكلف فإنه متى قصد المكلف الصورة الناقصة من أول الأمر أو عدل إليها قبل تجاوزها
فلا ريب في صحة ما أتى به، وعلى هذا فالزيادة لا توصف بوجوب - لحصول البراءة بما
أتى به وسقوط التكليف، ولعدم تعلق النية بهذه الزيادة والعبادات تابعة للقصود
والنيات - ولا باستحباب لعدم الدليل عليه. نعم نفس الصورة الكاملة هي الموصوفة
بالوجوب لأنها أحد أفراد الكلي التخييري وبالاستحباب لأنها الفرد الكامل منه لا
هذه الزيادة كما توهموه، ومتى قصد المكلف الصورة الزائدة فالواجب هو مجموع تلك
الصورة، وما أتى به من الصورة الناقصة ضمن هذه الصورة الكاملة لا يكون مبرئا للذمة
ما لم يتعلق به قصد من أول الأمر أو عدول إليه، ولو حصل براءة الذمة بها بمجرد الاتيان
بها كما يوهمه ظاهر كلامهم للزم مثله في من قصد في مواضع التخيير أربعا ثم سلم ساهيا على
الركعتين فإنه يجتزئ بهما وتصح صلاته وإن لم يقصدهما مع أنه ليس كذلك. وبالجملة
فإن كلامهم هنا غير منقح وقد تقدم لنا تحقيق في ذلك في كتاب الطهارة في مسألة
المسح من باب الوضوء.
الثاني - أنهم صرحوا بوصف الزائد بالاستحباب مع حكمهم بوجوبه تخييرا
والوجوب والاستحباب حكمان متقابلان.
وأجاب عن ذلك جمع من الأصحاب: منهم - شيخنا الشهيد الثاني بحمل
الاستحباب على العيني، قال بعد أن جزم بالوجوب التخييري ما لفظه: ويبقى اطلاق
الاستحباب على الفرد الزائد محمولا على استحبابه عينا بمعنى كونه أفضل الفردين الواجبين
430

وذلك لا ينافي وجوبه تخييرا من جهة تأدي الواجب به وحصول الامتثال. انتهى.
أقول: وبذلك يظهر الجواب عما أورده السيد السند صاحب المدارك في المقام
من أنه إن أريد بالاستحباب المعنى العرفي وهو رجحان الفعل مع جواز تركه لا إلى بدل
لم يمكن تعلقه بشئ من أفراد الواجب التخييري، وإن أريد به كون أحد الفردين
الواجبين أكثر ثوابا من الآخر فلا امتناع فيه إلا أنه خروج عن المعنى المصطلح. انتهى
وحاصل الجواب حينئذ التزام الشق الثاني من الترديد ولا محذور فيه بعد ظهور المراد
فقد صرح به جملة من أجلاء الأصحاب.
وربما أجيب عن ذلك أيضا بالتزام الشق الأول، وجواز ترك المندوب لا إلى
بدل من جهة ندبه لا ينافي عدم جواز تركه من جهة أخرى وهي جهة وجوبه التخييري
باعتبار كونه أحد أفراد الواجب، وغاية ما يلزم اتصافه بالوجوب والاستحباب
باعتبارين ولا امتناع فيه وإنما يمتنع اتصافه بهما من جهة واحدة وهو غير لازم هنا.
وأجيب عنه أيضا بناء على ذلك بأن الاستحباب متعلق بالفرد الكامل من
أفراد المخير ويجوز تركه لا إلى بدل إذ لا يقوم مقامه في الكمال غيره، والبدل الحاصل
من فعل الواجب إنما هو بدل لهذا الفرد من حيث الوجوب لا من حيث الاستحباب.
وأنت خبير بأن هذا الجواب راجع في المعنى إلى ما قبله كما لا يخفى.
ثم إنه لا يخفى أن ظاهر كلامهم كون محل البحث ومطرح النزاع هو الزائد بعد
الاتيان بالصورة الناقصة وقد أشرنا في جواب السؤال الأول إلى عدم صحته بل ينبغي أن
يجعل مطرح البحث هو مجموع التسبيحات الزائدة وهي الاثنتا عشرة أو التسع أيهما أتى
بها فإنه الموصوف بالوجوب التخييري والاستحباب الذاتي، واتصافها بالأول لكونها
أحد أفراد الواجب التخييري وبالثاني لكونها الفرد الكامل، وكلام الأصحاب لا يخلو
من الاجمال بل الاختلال وإن أجبت تحقيق الحال زيادة على ما ذكرناه في هذا المجال
فارجع إلى ما حققناه في باب الوضوء في مسألة المسح على الرأس فإنا قد استوفينا ثمة
431

الكلام بما لا يحوم حوله نقض ولا ابرام. والله الهادي لمن يشاء.
الثالث - لو شرع في الزائد على الأقل فهل يجب عليه المضي فيه ويجب ايقاعه على
الوجه المأمور به في الواجب من الطمأنينة وغيرها من الهيئات الواجبة أم يجوز تركه
وتغييره عن الهيئة الواجبة؟ يحتمل الأول لما تقدم من كونه موصوفا بالوجوب ولا ينافيه
تركه بالكلية كما مر فيكون المكلف مخيرا ابتداء بين الشروع فيه فيوقعه على وجهه
وبين تركه، ويحتمل الثاني لأن جواز تركه أصلا قد يقتضي جواز تبعيضه وتغييره عن
وصفه مع كونه ذكر الله تعالى بطريق أولى فيبقى حاله مراعى منظورا إليه في آخره، فإن
طابق وصف الواجب كان واجبا وترتب عليه ثواب الواجب وحكمه وإلا فلا، ولا قاطع
بأحد الأمرين فليلاحظ ذلك. هكذا قرره في الروض سؤالا وجوابا. وقال بعض
مشايخنا المتأخرين بعد نقل ملخص ذلك عنه ما لفظه: أقول لا يبعد أن يقال إن قصد
الامتثال بالأقل فالحق الثاني لأن الزائد حينئذ ليس بواجب فلا محذور في تركه وتغييره
بل هو من قبيل الأذكار المأذون فيها في الصلاة عموما، وإن قصد الامتثال بالفرد
الزائد فالحق الأول لعدم تحقق الخروج عن عهدة الخطاب بالناقص كما حررناه في ما
سبق. انتهى.
أقول: وهذا الكلام ناظر إلى ما أشرنا إليه في جواب السؤال الأول ولكنه
لا يخلو من نظر، وذلك لأن ما ذكره (قدس سره) أولا بناء على قصد الامتثال بالأقل
من أنه لا محذور في ترك الزائد ولا تغييره متجه لو كان قصد المكلف من الاتيان بالزائد
مجرد الذكر فإنه لا محذور في تركه ولا تغييره عن وصفه أما لو قصد به التسبيح الموظف
في المقام كما يعطيه مراعاة حاله في آخره على ما ذكره في الروض ولم يأت به على الوجه
المأمور به مع أنه قصد أولا الامتثال بالأقل ففيه اشكال، لأنه مع قصد الامتثال بالأقل
كما لا يكون الزائد واجبا لحصول البراءة بالأقل كذلك لا يكون مستحبا لعدم الدليل
عليه. والركون في أمثال هذه المقامات إلى قضية الذكر لا يسد باب الإيراد فإن المكلف
432

لو فعل بعض الأذكار في الصلاة في مقام لم يعينه الشارع فيه معتقدا تعيينه واستحبابه
هناك كان تشريعا محرما البتة.
وما ذكره ثانيا - من أنه إن قصد الامتثال بالفرد الزائد فالحق الأول لعدم
تحقق الخروج عن عهدة الخطاب بالناقص - متجه في مقام الزيادة على الناقص كما هو
فرض المسألة، لاستلزامه مع القطع قبلها عدم الاتيان بما قصده من الفرد الزائد فلا بد أن
يوقعه على وجهه أو يتركه حذرا من تغيير الهيئة الواجبة، أما لو قطع على الناقص بعد
قصد الفرد الزائد قاصدا العدول إليه فلم لا يجوز ذلك وما المانع منه؟ وقد صرح المحقق في
المعتبر في المسألة القصر والاتمام بأنه يجوز لمن نوى الاتمام الاقتصار على الركعتين ولمن
نوى القصر الاتمام أيضا، واستحسنه في المدارك فلم لا يجوز أن يكون هنا كذلك؟
وبالجملة فإنه قد تلخص مما ذكرنا أن الأظهر في المقام أن يقال إنه متى قصد أحد
الأفراد الزائدة وتجاوز الفرد الناقص فالظاهر وجوب الاتمام لما ذكرنا، ومتى قصد
الفرد الناقص وزاد عليه قاصدا العدول إلى أحد الأفراد الزائدة وجب ذلك أيضا، لأن
الظاهر أنه لا فرق بين قصده أولا والعدول إليه ثانيا كما صرحوا به في صورة التخيير
بين القصر والاتمام، وإن قصد بالزائد مجرد الذكر فأولى بالصحة، وأما أنه يقصد به
التسبيح الموظف ويقطع بعد تجاوز المرتبة الأولى وقبل بلوغ إحدى المراتب الزائدة
ففيه اشكال لما ذكرنا.
تنبيه
لا يخفى أن ما ذكر من الخلاف في المقام وما وقع فيه من النقض والابرام جار
أيضا بالنسبة إلى القدر الزائد على المسمى في مسح الرأس كما تقدم البحث فيه في كتاب
الطهارة، وكذا في تكرير التسبيح في الركوع والسجود زيادة على القدر المجزئ
وما يتأدى به أقل الواجب.
433

ونقل بعض مشايخنا المحققين المتأخرين عن شيخنا الشهيد في الذكرى أنه
اختار هنا وجوب الزائد مع أنه اختار في المسح الزائد على المسمى الاستحباب التفاتا
إلى جواز تركه. قال وهو عجيب.
ونقل عنه ذلك في الروض تفصيلا واستحسنه، قال واستقرب شيخنا الشهيد في
الذكرى استحباب الزائد عن أقل الواجب محتجا بجواز تركه، قال هذا إذا أوقعه دفعة
واحدة ولو أوقعه تدريجا فالزائد مستحب قطعا. وهذا التفصيل حسن لأنه مع التدريج
يتأدى الوجوب بمسح جزء فيحتاج ايجاب الباقي إلى دليل والأصل يقتضي عدم الوجوب
بخلاف ما لو مسحه دفعة واحدة إذ لم يتحقق فعل الواجب إلا بالجميع. انتهى.
وقيل عليه إن ذلك مناف لما صرح به (قدس سره) في هذا المقام من وجوب
الزائد من التسبيحات كما نص عليه في الروض ونسبه في الروضة إلى ظاهر النص والفتوى
إذ التدريج هنا ضروري فينبغي القطع باستحباب الثانية والثالثة من التسبيحات.
ونقل عن شيخنا البهائي (قدس سره) أنه فرق بين المسح والتسبيح بأنه يجوز
في التسبيح قصد استحباب الزائد على الواحدة بخلاف المسح فإنه يجب قصد وجوب
الزائد مطلقا حذرا من لزوم تكرار المسح. وهو تحكم وتعليله عليل.
والذي يظهر لي أن ما ذكره الشهيدان (رفع الله مقامهما) من التفصيل المذكور
صحيح لا غبار عليه، والايراد عليهما بمسألة التسبيح لا يصغى إليه ولا يلتفت إليه لظهور
الفرق بين المقامين، لا كما نقل عن شيخنا البهائي بل من حيث إن وجه التخيير بالنسبة
إلى المسح غيره بالنسبة إلى التسبيح، فإن القول بالتخيير في التسبيح إنما أدى إليه
ضرورة الجمع بين الأخبار المختلفة في بيان كيفيته كما أشار إليه كلام الروض في ما تقدم
في جواب السؤال الأول، والقول به في المسح إنما نشأ من اطلاق الأمر الصادق بمجرد
المسمى ولو بجزء من إصبع وبالمسح بمجموع الثلاث الأصابع وما بينهما من الأفراد،
وأفراد الكلي في الأول هي مجموع كل واحدة من الصور التي وردت بها النصوص وفي
434

الثاني هو كل مسحة أوقعها المكلف دفعة أعم من أن تكون يسيرة أو مستوعبة، وحينئذ
فالمكلف إذا مسح تدريجا فقد أدى الواجب الذي هو مسمى المسح بهذا الجزء الذي
قطع عليه، فايجاب المسح على الباقي بعد القطع على ذلك الجزء الذي حصل المسمى في ضمنه
وبرئت الذمة به يحتاج إلى دليل وليس، بخلاف التسبيح فإن المكلف إذا تجاوز الصورة
الناقصة قاصدا ايجاد الكلي في ضمن إحدى الصور الزائدة لم يصدق أنه أوجد الكلي
في ضمن الناقصة، حيث إنه لم يقصدها بالكلية وإن كان حصولها ضروريا من حيث
الجزئية، والعبادات تابعة للقصود والنيات وإلا لم تكن الأفراد الزائدة أفراد للواجب
الكلي بالمرة، لأن الصورة الصغرى حاصلة في ضمنها البتة فلو كان مجرد الاتيان بها وإن
لم تكن مقصودة موجبا لحصول الكلي في ضمنها وحصول البراءة اليقينية من التكليف لزم
ما قلناه وفيه رد للأخبار الدالة على وجوبها المحمولة على الوجوب التخييري جمعا.
والظاهر أن منشأ الإيراد هو توهم كون محل الاتصاف بالاستحباب والوجوب
التخييري هو الزائد على الصورة الناقصة كما تقدمت الإشارة إليه، إذ على تقديره لو جعل
مناط الحكم بالوجوب والاستحباب هو الاتصال والانفصال تعين هنا الحكم بالاستحباب
لتحتم انفصال التسبيحة الثانية والثالثة عما قبلها.
ومما ذكرنا يعلم الكلام أيضا في تسبيح الركوع والسجود، فإن قلنا إن الواجب
فيهما هو مجرد الذكر كما هو أحد القولين كان من قبيل المسح، وإن قلنا إن
الواجب هو التسبيح المخصوص فإنه يأتي بناء على مذهب من يختار التخيير بين الأفراد
المروية أو بين بعضها ما يأتي في التسبيح في الأخيرتين على مذهب التخيير أيضا.
وقد تقدم نقل الخلاف في التسبيح على تقدير القول به في الركوع والسجود بما ينتهي
إلى خمسة أقوال.
(المقام الخامس) - في فوائد مهمة يقع بها الختام والتتمة: (الأولى) المشهور
بين الأصحاب وجوب الترتيب في هذا التسبيح وظاهر القائلين بالتخيير بين صوره
435

الواردة في الأخبار العدم، ووجه كل منهما معلوم من دليله، أما الأول فحيث استند كل
من القائلين بصورة معينة إلى خبر مخصوص قد ورد بها لزمه القول بذلك على الكيفية
الواردة، ووقوع الواو بين التسبيح والتحميد وبين التحميد والتهليل مثلا وإن كانت
للعطف الغير الموجب للترتيب فيها لكنها من كلام الإمام (عليه السلام) في بيان
الكيفية فهي جزء من أجزاء الكيفية المنقولة تختل باختلالها وليست من القول حتى
يلزم جواز تقديم بعض المعطوفات على بعض الموجب لعدم الترتيب وأما الثاني فحيث
كان مستنده الجمع بين الأخبار المختلفة في الكيفية بالزيادة والنقصان والتقديم والتأخير
مؤيدا باطلاق الصحاح المشار إليها آنفا كان عدم الترتيب متجها بناء على ذلك، وقد
صرح به من القائلين بالتخيير المحقق في المعتبر.
وبذلك يظهر ما في كلام جملة من الأعلام من الاجمال في هذا المقام، قال في
الذكرى: هل يجب الترتيب فيه كما صوره في رواية زرارة؟ الظاهر نعم أخذا بالمتيقن ونفاه
في المعتبر للأصل مع اختلاف الرواية.
وقال في المدارك: استقرب المصنف في المعتبر عدم ترتيب الذكر لاختلاف الرواية
في تعيينه وهو غير بعيد وإن كان الأحوط اتباع ما ورد به النقل بخصوصه.
وقال في الذخيرة: الأقرب عدم اشتراط الترتيب في التسبيحات وفاقا للمحقق
في المعتبر لاختلاف الروايات وهو أقوى دليل على ذلك، وخالف فيه المنصف والشهيد
أقول: لا يخفى أن محل الخلاف في كلامهم غير محرر فإن الخلاف في المسألة كما
تقدم قد بلغ إلى ستة أقوال، وهذا الخلاف إنما يترتب على القول بالتخيير خاصة الذي
هو أحد تلك الأقوال، وإلا فإن كل من ذهب إلى صورة خاصة مستندا فيها إلى رواية
مخصوصة فإن الواجب عنده هو الاتيان بما دل عليه دليله ولا معنى للخلاف فيه بعدم
الترتيب، والمحقق هنا إنما ذهب إلى عدم الترتيب من حيث قوله بالتخيير خاصة وقد
أوضحنا وجهه، والظاهر حينئذ أن من خالف المحقق هنا إلى القول بالترتيب إنما أراد
436

الاتيان بالفرد المخير بإحدى الروايات الدالة على الترتيب كان يختار مثلا صحيحة زرارة
الدالة على التسبيحات الأربع أو الصحيحة الدالة على التسع أو نحو ذلك من الأقوال
المتقدمة، ولا ريب أنه الأحوط على تقدير هذا القول.
(الثانية) - المشهور بين الأصحاب وجوب الاخفات في تسبيح الأخيرتين
بل ربما ادعى عليه الاجماع، واحتج عليه جملة من الأصحاب: منهم - الشهيد في
الذكرى بالتسوية بينه وبين المبدل، ثم قال ونفاه ابن إدريس للأصل وعدم النص قلنا
عموم الاخفات في الفريضة كالنص مع اعتضاده بالاحتياط. انتهى.
وقال في المدارك: وذكر جمع من الأصحاب أنه يجب الاخفات في هذا الذكر تسوية
بينه وبين المبدل ونفاه ابن إدريس للأصل وفقد النص. وأجاب عنه في الذكرى بأن
عموم الاخفات في الفريضة كالنص. وهو غير واضح وإن كان الاحتياط يقتضي المصير
إلى ما ذكره. انتهى.
أقول أما ما ادعوه - من وجوب كون التسبيح بدلا عن القراءة وهي إخفاتية
فيجب الاخفات في البدل أيضا - فممنوع (أولا) بأن المستفاد من الأخبار كما عرفت
هو العكس وهو أصالة التسبيح في الأخيرتين وأن القراءة فرع عليه ورخصة لا العكس
كما ذكروه وإن كان ظاهر كلامهم الاتفاق عليه كما تقدمت الإشارة إليه إلا أن اتفاق
الأخبار الصحيحة على خلافه. و (ثانيا) أنه مع تسليم البدلية فوجوب التساوي بينه
وبين المبدل منه في جميع الأحكام ممنوع.
وأما ما ادعاه - من أن عموم الاخفات في الفريضة كالنص - ففيه أن المتبادر
الظاهر من الأخبار الدلالة على الاخفات إنما هو بالنسبة إلى القراءة لا ما يشمل التسبيح
بل القراءة في الأوليين أيضا لا الأخيرتين. وانقسام الفريضة إلى جهرية واخفاتية إنما
هو بالنظر إلى القراءة في الأوليين كما تقدم تحقيقه في أخبار القراءة.
437

نعم ربما يشير إلى ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين (1) قال:
" سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام أيقرأ فيهما
بالحمد وهو أمام يقتدى به؟ قال إن قرأت فلا بأس وإن سكت فلا بأس " فإن الظاهر أن مراده بقوله " يصمت فيهما الإمام " أي يخافت ففيه إشارة إلى أن السنة في ما يؤتى
به في الأخيرتين هو الاخفات وإن كان مورد الرواية الإمام خاصة. والرواية وإن
كانت قاصرة عن إفادة العموم إلا أنها لا تخلو من نوع تأييد. ويحتمل في الرواية معنى
آخر ولعله الأظهر وهو أن المراد بالصمت في الموضعين هو السكوت، وحاصل المعنى
أنه سأل عن الركعتين اللتين يسكت فيهما الإمام - والمراد بهما الأخيرتان - هل يقرأ فيهما
بالحمد؟ فأجاب (عليه السلام) بالتخيير بين الحمد والسكوت، وقد تقدم أن ذلك مذهب
ابن إدريس، فيكون الخبر محمولا على التقية لأن ذلك مذهب أبي حنيفة كما تقدم ذكره (2).
وبالجملة فالظاهر أن هذا الذكر كسائر الأذكار التي يتخير فيها بين الجهر
والاخفات كما يشير إليه بعض الروايات وإن كان الاخفات أولى لشهرته بين الأصحاب
بل دعوى الاجماع في الباب مع تأيده بظاهر الخبر المتقدم. والله العالم.
(الثالثة) لو شرع في القراءة أو التسبيح فهل يجوز له العدول إلى الآخر أم لا؟
قال في الذكرى: الأقرب أنه ليس له العدول إلى الآخر لأنه ابطال للعمل ولو كان
العدول إلى الأفضل، مع احتمال جوازه كخصال الكفارة وخصوصا إلى الأفضل. انتهى
وقال في المدارك أيضا: الظاهر جواز العدول من كل منهما إلى الآخر خصوصا مع كون
المعدول إليه أفضل.
أقول: لا ريب في ضعف التعليل الذي ذكره في الذكرى والمسألة محل توقف
لعدم النص في المقام وإن كان القول الثاني لا يخلو من قرب.
(الرابعة) قال في الذكرى: ولو شرع في أحدهما بغير قصد إليه فالظاهر

(1) الوسائل الباب 31 من الجماعة
(2) ص 398
438

الاستمرار عليه لاقتضاء نية الصلاة فعل أيهما كان. ولو كان قاصدا إلى أحدهما فسبق
لسانه إلى الآخر فالأقرب أن التخيير باق فإن تخير غيره أتى به وإن تخير ما سبق إليه
لسانه فالأجود استئنافه لأنه عمل بغير نية. انتهى.
أقول: لا يخفى أنه لا خلاف نصا وفتوى في أن ما يأتي به من أفعال الصلاة
ساهيا صحيح وإن كان بغير نية للاكتفاء بالنية الاجمالية في أول الصلاة، فإن نية الصلاة
التي هي عبارة عن مجموع هذه الأفعال نية لكل منها، وحينئذ فإن ما سبق إليه لسانه من
جملة ذلك وإن كان في نيته وقصده سابقا على وقت الشروع فيه الاتيان بالفرد الآخر
فحكمه بوجوب الاستئناف لأنه بغير نية مما لا وجه له، على أن ما يشعر به كلامه من اشتراط
النية والقصد إلى أحدهما حسبما ذكروه في القراءة من وجوب القصد إلى سورة مخصوصة
ممنوع إذ لم يقم عليه دليل لا في هذا الموضع ولا في ذلك كما تقدم تحقيقه. ولعله بنى
هنا على ما صرحوا به في القراءة وقد عرفت أنه لا دليل عليه. وكيف كان فالأحوط
ما ذكره (قدس سره).
(الخامسة) - قال في الذكرى أيضا: تجب فيه الموالاة الواجبة في القراءة
ومراعاة اللفظ المخصوص به باللسان العربي فلا تجزئ ترجمته. نعم لو اضطر إليه ولم يمكنه
العربية فالأقرب جوازه لما سبق في التكبير والأذكار في الأوليين.
أقول: أما وجوب الموالاة فلا أعرف عليه دليلا إلا الحمل على القراءة وقضية
البدلية. وفيه ما عرفت آنفا. وباقي ما ذكره وجهه واضح.
(السادسة) - قال في الذكرى أيضا: ليس فيه بسملة لأنها جزء من القراءة لا من
التسبيح. والأقرب أنها غير مسنونة هنا ولو أتى بها لم يكن به بأس. انتهى.
أقول: ربما يشعر قوله " والأقرب أنها غير مسنونة " باحتمال كونها مسنونة
وإن كان خلاف الأقرب. وهو غير جيد لأن العبادة مبنية على التوقيف وحيث لم يرد
النص بها كان اعتقاد شرعيتها هنا تشريعا محرما، ومن ذلك يظهر لك ما في قوله:
439

ولو أتى بها لم يكن به بأس " فإن الاتيان بها إن كان لاعتقاد شرعيتها ففيه ما ذكرنا
وإن كان من حيث إنها ذكر فلا ثمرة في التخصيص بهذا المقام.
(السابعة) - قد صرح جمع من الأصحاب بأنه لو شك في عدد التسبيح بنى
على الأقل لأنه المتيقن، ولو ذكر الزيادة فلا بأس.
(الثامنة) قال في الذكرى: المشهور أنه لا يستحب الزيادة على اثني عشر.
وقال ابن أبي عقيل يقول: " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " سبعا
أو خمسا وأدناه ثلاث في كل ركعة. ولا بأس باتباع هذا الشيخ العظيم الشأن في استحباب
تكرار ذكر الله. انتهى.
وأنت خبير بما فيه، فإن الاستحباب حكم شرعي يتوقف على الدليل. وأما
ما يوهمه كلامه من كون المستند في ذلك كونه ذكرا ففيه ما أشرنا إليه مرارا من أن
ذلك نوع مجازفة في البحث، فإن قضية الذكر إنما تصلح مستندا فيما إذا كان القصد لذلك
وأما مع اعتقاد التوظيف بمحل مخصوص أو كيفية مخصوصة من غير ورود أثر بذلك فهو
تشريع محض، وبالجملة فالاحتياط في عدم تجاوز الصورة المنصوصة. والله العالم.
الفصل التاسع في التشهد
وتحقيق الكلام فيه يقع في موارد: (الأول) لا ريب أن التشهد واجب في
كل ثنائية مرة بعد الركعة الثانية وفي غيرها مرتين، أحدهما بعد الثانية وثانيهما بعد الثالثة
في الثلاثية وبعد الرابعة في الرباعية، وهو اجماعي وقد نقل الاجماع عليه عدة من مشاهير
الأصحاب: منهم - المرتضى والشيخ وابن زهرة والعلامة والشهيد وغيرهم. إلا أن
الأخبار قد اختلفت في كيفيته ووجوبه وعدمه أي اختلاف واضطربت اضطرابا
لا يرجى معه الائتلاف.
وها أنا أورد جملة ما وقفت عليه من الأخبار في المقام وأذيلها بما وفق الله تعالى
440

لفهمه منها على وجه لا يعتريه إن شاء الله نقض ولا ابرام:
فالأول - ما رواه في الكافي عن بكر بن حبيب (1) قال: " سألت أبا جعفر
(عليه السلام) عن التشهد فقال لو كان كما يقولون واجبا على الناس هلكوا إنما كان
القوم يقولون أيسر ما يعلمون، إذا حمدت الله أجزأ عنك ".
الثاني - ما رواه في الكافي والتهذيب عن بكر بن حبيب أيضا (2) قال: " قلت
لأبي جعفر (عليه السلام) أي شئ أقول في التشهد والقنوت؟ فقال قل بأحسن
ما علمت فإنه لو كان موقتا لهلك الناس ".
الثالث - ما رواه في الكافي عن سورة بن كليب (3) قال: " سألت أبا جعفر
(عليه السلام) عن أدنى ما يجزئ من التشهد فقال الشهادتان ".
الرابع - ما رواه الشيخ في الموثق عن عبد الملك بن عمرو الأحول عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: " التشهد في الركعتين الأولتين: الحمد لله أشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل على محمد وآل
محمد وتقبل شفاعته في أمته وارفع درجته ".
الخامس - ما رواه عن زرارة في الصحيح (5) قال: " قلت لأبي جعفر (عليه
السلام) ما يجزئ من القول في التشهد في الركعتين الأولتين؟ قال إن تقول: أشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له. قلت فما يجزئ من تشهد الركعتين الأخيرتين؟
قال الشهادتان ".
السادس - ما رواه عن حبيب الخثعمي عن أبي جعفر (عليه السلام) (6) يقول
" إذا جلس الرجل للتشهد فحمد الله تعالى أجزأه ".

(1) الوسائل الباب 5 من التشهد
(2) الوسائل الباب 5 من التشهد
(3) الوسائل الباب 4 من التشهد
(4) الوسائل الباب 3 من التشهد
(5) الوسائل الباب 4 من التشهد
(6) الوسائل الباب 5 من التشهد
441

السابع - ما رواه عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (1) قال: " قلت لأبي الحسن
(عليه السلام) جعلت فداك التشهد الذي في الثانية يجزئ أن أقول في الرابعة؟ قال نعم "
الثامن - ما رواه عن محمد بن مسلم في الصحيح (2) قال: " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام) التشهد في الصلاة؟ قال مرتين. قال قلت وكيف مرتين؟ قال
إذا استويت جالسا فقل: " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا
عبده ورسوله " ثم تنصرف. قال قلت قول العبد " التحيات لله والصلوات الطيبات لله "؟
قال هذا اللطف من الدعاء يلطف العبد ربه ".
التاسع - ما رواه الشيخ في الصحيح عن الفضيل وزرارة ومحمد بن مسلم
عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) قال: " إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته
فإن كان مستعجلا في أمر يخاف أن يفوته فسلم وانصرف أجزأه ".
العاشر - ما رواه عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (4) قال: " إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان
الالتفات فاحشا وإن كنت قد تشهدت فلا تعد ".
الحادي عشر - ما رواه عن زرارة في الموثق (5) قال: " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام) الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير؟ فقال تمت
صلاته وإنما التشهد سنة في الصلاة فيتوضأ ويجلس مكانه أو مكانا نظيفا فيتشهد.
الثاني عشر - ما رواه عن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) (6)

(1) الوسائل الباب 4 من التشهد
(2) الوسائل الباب 4 من التشهد
(3) الوسائل الباب 4 من التشهد
(4) الوسائل الباب 3 من التسليم
(5) الوسائل الباب 13 من التشهد وفي الوسائل " عبيد بن زرارة " وفي التهذيب
ج 1 ص 226 والوافي باب " الحدث والنوم في الصلاة " كما هنا.
(6) الوسائل الباب 13 من التشهد
442

" في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه من السجدة الأخيرة وقبل أن يتشهد؟ قال ينصرف
فيتوضأ فإن شاء رجع إلى المسجد وإن شاء ففي بيته وإن شاء حيث شاء يقعد فيتشهد ثم يسلم،
وإن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته ".
الثالث عشر - ما رواه عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما السلام) (1) في " الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهد حتى ينصرف فقال إن كان قريبا
رجع إلى مكانه فتشهد وإلا طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه، وقال إنما التشهد سنة في الصلاة "
الرابع عشر - ما رواه في المحاسن عن ابن مسكان عن أبي عبد لله (عليه
السلام) (2) قال: " سئل عن رجل صلى الفريضة فلما رفع رأسه من السجدة الثانية
من الركعة الرابعة أحدث؟ قال أما صلاته فقد مضت وأما التشهد فسنة في الصلاة فليتوضأ
وليعد إلى مجلسه أو إلى مكان نظيف فيتشهد ".
الخامس عشر - ما ذكره في الفقه الرضوي (3) حيث قال: " وأدنى ما يجزئ
من التشهد الشهادتان ".
السادس عشر - ما رواه في الخصال عن أبي بصير محمد بن مسلم عن أبي عبد الله
عن آبائه (عليهم السلام) (4) قال: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا قال العبد
في التشهد الأخير وهو جالس: " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور " ثم أحدث
حدثا فقد تمت صلاته ".
السابع عشر - ما رواه في قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه
السلام) (5) قال: " سألته عن رجل ترك التشهد حتى سلم كيف يصنع؟ قال إن ذكر قبل أن
يسلم فليتشهد وعليه سجدتا السهو وإن ذكر أنه قال " أشهد أن لا إله إلا الله " أو " بسم الله "

(1) الوسائل الباب 7 من التشهد
(2) الوسائل الباب 13 من التشهد
(3) ص 9
(4) الوسائل الباب 13 من التشهد
(5) الوسائل الباب 7 من التشهد
443

أجزأه في صلاته، وإن لم يتكلم بقليل ولا كثير حتى سلم أعاد الصلاة ".
هذا ما حضرني من الأخبار الجارية في هذا المضمار وأنت خبير بما فيها من
التدافع في وجوب التشهد وعدمه وكيفيته.
ويستفاد من هذه الأخبار أمور: (الأول) الذي يدل على وجوبه من هذه الأخبار
في الجملة الخبر الثالث والرابع والخامس والثامن والتاسع والعاشر والخامس
عشر والسادس عشر.
وأما ما دل عليه الخبر الخامس - من الاقتصار على الشهادة بالتوحيد في التشهد
الأول والشهادتين في الثاني - فقد أجاب عنه في المعتبر - بعد حكمه بوجوب الشهادتين
وايراد الأخبار المتضمنة لذلك - بأنه دال على القدر المذكور فيه وليس مانعا من وجوب
الزيادة فالعمل بما يتضمن الزيادة أولى. واقتفاه في ذلك العلامة في المنتهى.
والأظهر ما أجاب به المحقق الشيخ حسن (قدس سره) في المنتقى، قال ولعل الغرض
من السؤال استعلام كيفية التشهد وأنه هل يختلف فيه حكم الأول والأخير؟ فاكتفى في
جواب السؤال الأول بذكر كيفية الشهادة بالوحدانية اعتمادا على أن كيفية الشهادة
الأخرى التي تضم إليها متقررة معروفة، وجعل الجواب عن السؤال الثاني بشهادتين كناية
عن الاتفاق في الحكم بالنسبة إلى القدر المجزئ، وسيجئ التصريح بهذا المعنى في
خبر آخر. انتهى.
(الثاني) - إعلم أن المشهور بين الأصحاب أن التشهد الواجب إنما يحصل بأن
يقول " أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله " ثم يصلي
على النبي وآله وما زاد على ذلك فهو مندوب. وقيل الواجب " أشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل على محمد وآل محمد ".
أقول: الظاهر أن بناء القول الأول على العمل باطلاق الأخبار المتقدمة من
الاتيان بالشهادتين الصادق بما ذكروه فيكون ما زاد على ذلك مستحبا، وبناء الثاني على
444

وجود هذه الصورة في الرواية الرابعة والثامنة والسادسة عشرة، وقضية حمل مطلق الأخبار
على مقيدها ومجملها على مفصلها هو الاتيان بما اشتملت عليه الروايات المذكورة وهو
الأقرب مؤيدا بالاحتياط أيضا.
(الثالث) - أن ما دل عليه الخبر الأول والثاني - من الاكتفاء بكل ما يقول
وأنه ليس شئ واجبا وإذا حمدت الله تعالى أجزأك - فحمله جملة من الأصحاب: منهم -
السيد السند في المدارك على الضرورة أو التقية (1).
أقول: والحمل على التقية غير بعيد لكن الظاهر أنه لا ضرورة تلجئ إليه بل
الظاهر أن المراد إنما هو الأذكار الزائدة على أصل الشهادتين المنقولة في جملة من الأخبار
المذكورة زيادة على الشهادتين والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) والمراد أنه ليس
شئ من تلك الأذكار واجبا متعينا وإلا لهلك الناس حيث لا يأتون بها وبطلت صلاتهم
وإنما يأتون منها بأيسر ما يعلمونه ولو بمجرد إضافة " الحمد الله " إلى الشهادتين والصلاة لا أن
المراد بذلك الشهادتين وعدم وجوبهما، وإضافة القنوت في الخبر الثاني ظاهر في ما قلناه.
(الرابع) - أن ما دل عليه الخبر الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر
والرابع عشر من صحة الصلاة بالحدث قبل التشهد يحتمل وجوها:
أحدها - الحمل على التقية وعليه اقتصر في الذكرى فقال بعد ايراده

(1) في المهذب للشيرازي ج 1 ص 78 " أقل ما يجزئ من التشهد خمس كلمات وهي
التحيات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن
لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله " وأقل ما نصت عليه الروايات المنقولة في
عمدة القارئ ج 3 ص 180 ما في حيث سمرة وهو قولوا " التحيات لله الطيبات
والصلوات والملك لله " ثم سلموا على النبي " ص " وسلموا على أقاربكم وعلى أنفسكم..
وفي المحلى ج 3 ص 270 " قال مالك: الجلوس فرض وذكر الله تعالى فيه فرض وليس
التشهد فرضا ".
445

لجملة من الأخبار المخالفة لما عليه الأصحاب ومنها بعض الأخبار المشار إليها: ولو حملت
على التقية لكان أنسب لأنه مذهب كثير من العامة كالشافعي وأهل العراق
والأوزاعي ومالك إذ يقولون بعدم وجوب التشهد الأول، وقال بعدم وجوب التشهد
الثاني أيضا مالك وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي ورووه عن علي (عليه السلام) وسعيد
ابن المسيب والنخعي والزهري (1) انتهى. وهو جيد.
وثانيها - ما ذكره الشيخ (قدس سره) من أن هذه الأخبار إنما تنفي وجوب
ما زاد على الشهادتين ونحن نقول به وكذا قوله: " إنما التشهد سنة " أي ما زاد على
الواجب والحديث محمول على أنه لم يكمل التشهد لا أنه لم يأت به. والظاهر بعده.
وثالثها - ما يظهر من الصدوق (قدس سره) من عمله بهذه الأخبار حيث قال:
إن رفعت رأسك من السجدة الثانية في الركعة الرابعة وأحدثت فإن كنت قد قلت

(1) في بداية المجتهد لابن رشد المالكي ج 1 ص 118 " ذهب مالك وأبو حنيفة
وجماعة إلى أن التشهد ليس بواجب. وذهب الشافعي وأحمد وأبو داود إلى وجوبه " وفي
شرح الزرقاني على المواهب اللدنية ج 7 ص 328 " مذهب الشافعي أن التشهد الأول سنة
والثاني واجب وجمهور المحدثين أنهما واجبان، وقال أحمد الأول واجب يجبر تركه بسجود
السهو والثاني ركن تبطل الصلاة بتركه، وقال أبو حنيفة ومالك وجمهور الفقهاء أنهما سنتان "
وفي المغني ج 1 ص 532 " إذا صلى ركعتين جلس للتشهد وهذا الجلوس والتشهد فيه
مشروعان بلا خلاف وفي الصلاة المغرب والرباعية واجبان على إحدى الروايتين وهو مذهب
الليث وإسحاق، والأخرى ليسا بواجبين وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي لأنهما
يسقطان بالسهو فأشبها السنن " وفي ص 540 منه " التشهد والجلوس الأخير من أركان
الصلاة قال بوجوبه عمر وابنه وأبو مسعود البدري والحسن والشافعي ولم يوجبه مالك
ولا أبو حنيفة إلا أن أبا حنيفة أوجب الجلوس قدر التشهد " وفي مجمع الأنهر ج 1 ص 115
" أن تعمد الحدث بعد ما قعد قدر التشهد أو عمل ما ينافيها تمت صلاته لوجود الخروج
بصنعه وقد وجدت أركانها ".
446

الشهادتين فقد مضت صلاتك وإن لم تكن قلت ذلك فقد مضت صلاتك فتوضأ ثم
عد إلى مجلسك وتشهد. انتهى.
أقول: الظاهر أن مراده - وهو ظاهر الأخبار المذكورة - أن التشهد واجب
لكنه ليس من قبيل الأركان المفروضة التي تبطل الصلاة بتركها وإنما هو واجب بالسنة
والاخلال به وتخلل الحدث قبله غير مبطل للصلاة فيتوضأ ويأتي به.
وإلى هذا يميل كلام شيخنا المجلسي (قدس سره) في البحار أيضا حيث قال
بعد نقل الخبر الرابع عشر وذكر محمل الشيخ ثم ذكر الحمل على التقية: والأظهر حمله
على أن وجوبه يظهر من السنة لا من القرآن فيكون من الأركان والحدث الواقع بعد
الفراغ من أركان الصلاة لا يوجب بطلانها كما تدل عليه صحيحة زرارة أيضا واختاره
الصدوق ولا ينافي وجوب التشهد، وما ورد من الأمر بالإعادة في خبر قاصر السند (1)
يمكن حمله على الاستحباب والأحوط العمل بهذا الخبر ثم الإعادة. انتهى. أقول: وعلى
هذا الاحتمال لا تكون المخالفة من حيث التشهد لأنه قد أمر به في الأخبار المذكورة وإنما
تكون المخالفة والاشكال من حيث الحكم بصحة الصلاة مع تخلل الحدث. وما ادعاه
(قدس سره) من أن الحدث الواقع بعد الفراغ من الأركان لا يوجب البطلان مردود
بعموم الأخبار الدالة على بطلان الصلاة بتخلل الحدث فيها (2) وخصوص رواية الحسين
ابن الجهم الآتي جميع ذلك أن شاء الله في مسألة قواطع الصلاة، وهذه الرواية هي التي
أشار إليها بالضعف والحمل على الاستحباب.
وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال فإن هذه الأخبار الأربعة مع اعتبار
أسانيدها قد اتفقت على هذا الحكم، والحمل على التقية كما ذكره الشهيد من قول العامة
بصحة الصلاة بدون التشهد (3) ينافيه الأمر بالتشهد فيها لاتفاقها على الأمر بالاتيان

(1) الوسائل الباب 1 من القواطع الصلاة
(2) الوسائل الباب 1 من القواطع الصلاة
(3) ارجع إلى التعليقة 1 ص 446
447

به وظاهرها الوجوب. نعم لو أريد به التقية من حيث قولهم بصحة الصلاة مع تخلل
الحدث في أثنائها أمكن، فإن المحقق الشيخ حسن نقل في المنتقى أنه يعزى إلى
أبي حنيفة وجماعة من العامة القول بإعادة الوضوء لمن سبقه الحدث والبناء على ما فعله (1)
ومن ثم اختار حمل أخبار البناء على ذلك وإلا فالتقية بالمعنى الذي ذكره شيخنا المشار
إليه بعيد كما ترى.
الخامس - ظاهر الأخبار التي اشتملت على التشهد وحملنا عليها مطلق الأخبار
عدم وجوب الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) لورودها في مقام البيان خالية
من ذلك فلو كانت واجبة لذكرت فيها.
ويمكن الجواب بأن غاية ما تدل عليه هذه الأخبار هو بيان كيفية التشهد والصلاة
ليست داخلة في كيفيته بل هي واجب آخر بعد التشهد، وكون المقام مقام بيان مسلم
لكنه لبيان صورة التشهد الذي أجمل في الأخبار الباقية لا لبيان ما وجب في الصلاة
ليلزم من عدم ذكر الصلاة فيه عدم وجوبها، فغايتها أن تكون مطلقة بالنسبة إلى وجوبها
وعدمه ولا تصريح ولا إشارة فيها إلى عدم الوجوب ليحصل بها المنافاة بل غايتها كما عرفت
الاطلاق وهو مقيد بما سيأتي ذكره من الدليل على وجوبها في هذا الموضع فلا منافاة،
على أن رواية عبد الملك بن عمرو (2) قد اشتملت على ذكر الصلاة وكذا جملة من الروايات
الآتية أيضا إن شاء الله تعالى. والجواب عن ذلك - بأنها قد اشتملت على جملة من
المستحبات فيحتمل أن يكون هذا من جملتها - سيأتي جوابه.
نعم ربما أشكل ذلك بقوله في الخبر الثامن بعد ذكر الشهادتين " ثم تنصرف "
فإن الانصراف أما كناية عن الاتيان بالتسليم أو عبارة عن انقضاء الصلاة وتمامها.
وقريب منه قوله في الخبر التاسع " إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته ".

(1) في البحر الرائق لابن نجيم الحنفي ج 1 ص 367 " من سبقة الحدث توضأ وبنى
على صلاته، والبلوى فيما سبق دون ما يتعمده فلا يلحق به "
(2) ص 441
448

ويمكن الجواب عن الخبر الأول وإن بعد بأن المراد ثم تنصرف يعني بعد الاتيان
بالصلاة، ويشير إليه عطف الانصراف ب‍ " ثم " الدالة على المهلة والتراخي. وبالجملة فإنه
لما قام الدليل على الوجوب في هذا الموضع بالأخبار الصريحة الصحيحة بالتقريب الآتي
فالواجب حمل ما ينافي ذلك على ما يرجع به إليه وإن بعد في حد ذاته إلا أنه ليس ذلك
بعيدا في مقام الجمع كما وقع لهم مثله في غير موضع. وأما الخبر الثاني فيحمل على دخول
الصلاة في الشهادتين تجوزا كما أطلق التشهد على مجموع الأذكار الطويلة الآتية في رواية
أبي بصير ونحوها.
السادس - ما تضمنه الخبر السابع عشر من الأحكام لا يخلو من الاشكال في المقام
قال شيخنا المجلسي (قدس سره) في البحار بعد نقل الخبر المذكور: لم أر به عاملا من
الأصحاب بل المشهور قضاء التشهد وسجدتا السهو كما سيأتي. نعم قال ابن إدريس: إذا
كان المنسي التشهد الأخير وأحدث ما ينقض طهارته قبل الاتيان به يجب عليه إعادة
الصلاة. وهو أيضا خلاف المشهور. ويمكن حمل الخبر عليه والأظهر حمله على الاستحباب
وروى في التهذيب قريبا منه عن عمار الساباطي (1) ولو قضى التشهد وسجد للسهو ثم أعاد
الصلاة كان أحوط. انتهى.
أقول: ويخطر بالبال العليل والفكر الكليل أن المراد من الخبر المذكور أنه متى
ذكر أنه قال " أشهد أن لا إله إلا الله " أو ذكر أنه قال " بسم الله " فإنه يبني على وقوع
التشهد بمعنى أنه يبعد بعد الشروع فيه ببعض هذه العبارات أن يترك باقيه نسيانا ويسهو
عنه، أما لو علم أنه لم يتكلم بقليل ولا كثير فإن السهو عنه ممكن وحكمه حينئذ بإعادة
الصلاة محمول على حصول المنافي في البين بمعنى حصول ما يبطل الصلاة عمدا وسهوا
فإن الواجب هو الإعادة. وهو معنى صحيح لا غبار عليه وهو في باب التأويل غير
بعيد كما لا يخفى.

(1) الوسائل الباب 7 من التشهد
449

(المورد الثاني) - أفضل التشهد ما رواه الشيخ في الموثق عن أبي بصير عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " إذا جلست في الركعة الثانية فقل: بسم الله
وبالله والحمد لله وخير الأسماء لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا
(صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، أشهد
أنك نعم الرب وأن محمدا (صلى الله عليه وآله) نعم الرسول، اللهم صل على محمد وآل
محمد وتقبل شفاعته في أمته وارفع درجته. ثم تحمد الله تعالى مرتين أو ثلاثا ثم تقوم
فإذا جلست في الرابعة قلت: بسم الله وبالله والحمد لله وخير الأسماء لله، أشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا
بين يدي الساعة، أشهد أنك نعم الرب وأن محمدا (صلى الله عليه وآله) نعم الرسول
التحيات لله والصلوات الطاهرات الطيبات الزاكيات الغاديات الرائحات السابغات
الناعمات لله ما طاب وزكا وطهر و خلص وصفا فلله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة
أشهد أن ربي نعم الرب وأن محمدا (صلى الله عليه وآله) نعم الرسول، وأشهد أن
الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما
كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك
على محمد وآل محمد وسلم على محمد وآل محمد وترحم على محمد وآل محمد كما صليت وباركت
وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم صل على محمد وآل محمد واغفر لنا
ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف
رحيم، اللهم صل على محمد وآل محمد وامنن على بالجنة وعافني من النار، اللهم صل على
محمد وآل محمد واغفر للمؤمنين والمؤمنات ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات
ولا تزد الظالمين إلا تبارا. ثم قل السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام

(1) الوسائل الباب 3 من التشهد
450

على أنبياء الله ورسله السلام على جبرئيل وميكائيل والملائكة المقربين السلام على محمد
ابن عبد الله (صلى الله عليه وآله) خاتم النبيين لا نبي بعده والسلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين. ثم تسلم ".
وقال (عليه السلام) في الفقه الرضوي (1) فإذا تشهدت في الثانية فقل: بسم الله
وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلها لله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة. ولا تزد على ذلك ثم
انهض إلى الثالثة وقل إذا نهضت: بحول الله أقوم وأقعد، إلى أن قال فإذا صليت الركعة
الرابعة فقل في تشهدها: بسم الله وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلها لله، أشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين
يدي الساعة، التحيات لله والصلوات الطيبات الزاكيات الغاديات الرائحات التامات الناعمات
المباركات الصالحات لله ما طاب وزكا وطهر ونما وخلص وما خبث فلغير الله، أشهد أنك
نعم الرب وأن محمدا (صلى الله عليه وآله) نعم الرسول وأن علي بن أبي طالب (عليه
السلام) نعم المولى وأن الجنة حق والنار حق والموت حق والبعث حق وأن الساعة آتيه لا ريب
فيها وأن الله يبعث من في القبور، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا
الله، اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل محمد
أفضل ما صليت وباركت وترحمت وسلمت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك
حميد مجيد، اللهم صل على محمد المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن
والحسين وعلى الأئمة الراشدين من آل طه ويس، اللهم صل على نورك الأنور
وعلى حبلك الأطول وعلى عروتك الوثقى وعلى وجهك الأكرم وعلى جنبك الأوجب
وعلى بابك الأدنى وعلى مسلك الصراط، اللهم صل على الهادين المهديين الراشدين
الفاضلين الطيبين الطاهرين الأخيار الأبرار، اللهم صل على جبرئيل وميكائيل وإسرافيل

(1) ص 8
451

وعزرائيل وعلى ملائكتك المقربين وأنبيائك المرسلين ورسلك أجمعين من أهل السماوات
والأرضين وأهل طاعتك المتقين واخصص محمدا بأفضل الصلاة والتسليم، السلام
عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام عليك وعلى أهل بيتك الطاهرين السلام علينا
وعلى عباد الله الصالحين. ثم سلم عن يمينك وإن شئت يمينا وشمالا وإن شئت تجاه القبلة.
بيان
المشهور في كلام الأصحاب - كما ذكره الشيخ وغيره - في افتتاح التشهد " بسم الله
وبالله والأسماء الحسنى كلها لله " ورواية أبي بصير خالية من لفظ " الأسماء الحسنى كلها لله "
إلا أنها في الفقه الرضوي، والصدوق في الفقيه قد عبر بهذه العبارة والظاهر أنه أخذ
ذلك من الكتاب المذكور والجماعة تبعوا الصدوق في ذلك.
وقال الشهيد الثاني في شرح النفلية: اختصاص التحيات بالتشهد الثاني موضع وفاق
بين الأصحاب فلا تحيات في الأول اجماعا فلو أتى بها فيه لغير تقية (1) معتقدا لشرعيتها
مستحبا أثم واحتمل البطلان، ولو لم يعتقد استحبابها أثم من حيث الاعتقاد. وتوقف
المصنف في الذكرى في بطلان الصلاة حينئذ، وعدم البطلان متجه لأنه ثناء على
الله تعالى. انتهى.
وقال في الذكرى: لا تحيات في التشهد الأول باجماع الأصحاب غير أن
أبا الصلاح قال فيه " بسم الله وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلها لله، لله ما طاب
وزكا ونما وخلص وما خبث فلغير الله " وتبعه ابن زهرة.
وقال الشهيد في النفلية: وروى مرسلا عن الصادق (عليه السلام) جواز التسليم

(1) في البحر الرائق ج 1 ص 323 " إذا فرغ من سجدتي الركعة الثانية افترش
رجله اليسرى.. إلى أن قال وقرأ تشهد ابن مسعود وهو: التحيات لله والصلوات
والطيبات.. الخ. ثم قال: والقعود الأول كالثاني وتشهد وصلى على النبي ص ".
452

على الأنبياء ونبينا (صلى الله عليه وآله) في التشهد الأول ولم يثبت. قال الشارح من
حيث إرسال خبره وعد القائل به من الأصحاب. انتهى.
والتحية لغة ما يحيى به من سلام وثناء ونحوهما، وقد تفسر التحيات بالعظمة
والملك والبقاء، قال في النهاية الأثيرية: التحيات جمع تحية، قيل أراد بها السلام يقال
" حياك الله " أي سلم عليك، وقيل التحية الملك وقيل البقاء. وإنما جمع التحية لأن
ملوك الأرض يحيون بتحيات مختلفة فيقال لبعضهم " أبيت اللعن " ولبعضهم " أنعم صباحا "
ولبعضهم " عش ألف سنة " فقيل للمسلمين قولوا " التحيات لله " أي الألفاظ التي تدل
على السلام والملك والبقاء هي لله عز وجل. والتحية تفعلة من الحياة وإنما أدغمت لاجتماع
الأمثال والهاء لازمة لها والتاء زائدة. انتهى. وقيل " التحيات لله " هي أسماء الله تعالى:
السلام المؤمن المهيمن الحي القيوم يريد التحية بهذه الأسماء. وقوله " الصلوات لله "
أي الرحمة لله على العباد كقوله تعالى: أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة " (1)
وقيل الصلوات الأدعية لله. " و الغاديات " الكائنات وقت الغدو. و " الرائحات "
الكائنة في وقت الرواح وهو من زوال الشمس إلى الليل وما قبله الغدو. و " السابغات "
الكاملات الوافيات. والمراد من الناعمات ما يقرب من معنى الطيبات. و " خلص "
بفتح اللام كما ذكره ابن إدريس في السرائر.
فروع
(الأول) - قال في كتاب البحار: لو قال " أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا
(صلى الله عليه وآله) رسول الله، أو قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا (صلى الله
عليه وآله) عبده ورسوله، أو قال أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا (صلى الله عليه وآله)
عبده ورسوله " من غير واو أو غير الترتيب فلا يبعد الاجزاء والأحوط العدم. انتهى.

(1) سورة البقرة، الآية 152
453

أقول: الظاهر التفصيل في ذلك فإن قلنا إن الواجب هو الشهادتان عملا باطلاق
جملة من الأخبار المتقدمة فلا ريب في اجزاء ما ذكره من الصور وإن قلنا بتلك الصورة
المخصوصة المذكورة في الأخبار التي قدمنا ذكرها وحملنا عليها اطلاق الأخبار الباقية
فلا ريب في عدم الاجزاء، قال في الذكرى: ظاهر الأصحاب وخلاصة الأخبار الاجتزاء
بالشهادتين مطلقا فعلى هذا لا يضر ترك " وحده لا شريك له " ولا لفظ " عبده "
وفي رواية أبي بصير " وأن محمدا " بغير لفظ " أشهد " نعم لو بدل الألفاظ المخصوصة
بمرادفها من العربية أو غيرها من اللغات لم يجزئ نعم تجزئ الترجمة لو ضاق الوقت عن التعلم
(الثاني) - قد تقدم الكلام في استحباب التورك وكراهة الاقعاء في فصل
السجود، وقد ذكر الأصحاب أنه يستحب حال التشهد النظر إلى حجره وظاهر كلام
جملة من المتأخرين ومتأخريهم عدم الوقوف فيه على نص، قال في الذكرى: ويكون
نظره حل التشهد إلى حجره قاله الأصحاب. وقال في المدارك بعد ذكر المصنف
الحكم المذكور: ذكره الأصحاب ولا بأس به لما فيه من الخشوع والاقبال على عبادة
الله تعالى. انتهى.
أقول: مستند هذا الحكم مما اختص به كتاب الفقه الرضوي كما تقدم في السجود
واستحباب النظر إلى طرف أنفه فإنه لم يوجد إلا فيه أيضا، قال (عليه السلام) في
الكتاب المذكور (1): " وليكن بصرك في وقت السجود إلى طرف أنفك وبين السجدتين
في حجرك وكذا في وقت التشهد " انتهى. والظاهر أن الأصحاب تبعوا في ذلك
الصدوقين والصدوقان إنما أخذاه من الكتاب المذكور على النهج الذي تقدم ذكره
في غير موضع.
(الثالث) - قال في الذخيرة: والجاهل بالتشهد يتعلم مع السعة ومع الضيق
يأتي منه بقدر ما يعلم، وإن لم يعلم شيئا لا يبعد وجوب الجلوس بقدر حمد الله تعالى كما

(1) ص 8
454

اختاره الشهيد وقوفا على ظاهر خبر الخثعمي السابق (1) ولو لم يعلم شيئا أصلا لا يبعد
وجوب الجلوس أيضا. انتهى.
أقول: قال في الذكرى على أثر العبارة المتقدمة في الفرع الأول: والأقرب
وجوب التحميد عند تعذر الترجمة للروايتين السالفتين. انتهى. وأشار بالروايتين
السالفتين إلى ما تقدم في الخبر الأول (2) من قوله " إذا حمدت الله أجزأ عنك " وقوله
في الخبر السادس وهو خبر الخثعمي (3) " إذا جلس الرجل للتشهد فحمد الله أجزأه ".
وأنت خبير بأن هذين الخبرين غير معمول عليهما عند الأصحاب وشيخنا الشهيد
في الكتاب المذكور حيث فهم منهما الاجتزاء بذلك عن التشهد الواجب حملهما على التقية
وأما على ما حققناه آنفا فهما محمولان على الأذكار المستحبة وأنه يجزئ منها ما كان بهذا
المقدار، وأيا ما كان فلا يتم الاستناد إليهما في هذا الحكم كما لا يخفى.
وأما ما ذكره في الذخيرة - من أنه لو لم يعلم شيئا أصلا فلا يبعد وجوب الجلوس -
فكأنه بناء على أن الواجب الجلوس والتشهد معا وسقوط أحدهما لتعذره لا يسقط
وجوب الآخر كما صرحوا به في أمثال هذه المواضع. وفيه أنه وإن ترائى منه بحسب
الظاهر صحة ما ذكروه إلا أن بناء الأحكام الشرعية على مثل هذه التعليلات العقلية
لا يخلو من مجازفة كما تقدمت الإشارة إليه في غير موضع.
(الرابع) - قال في الذكرى: وعبارة الصلاة في الأشهر " اللهم صل على محمد
وآل محمد " وسبق في رواية سماعة " صلى الله عليه وآله " (4) فيمكن اختصاصه بحال
الضرورة كما تضمنته الرواية ويمكن اجزاؤه لحصول مسمى الصلاة. انتهى.
أقول: قد تقدم في المورد الأول في الرواية الرابعة الصلاة بصيغة " اللهم صل
على محمد وآل محمد " ومثله في المورد الثاني في موثقة أبي بصير في التشهد الأول والثاني
وفي عبارة كتاب الفقه الرضوي في التشهد الثاني وإن كانت هاتان الروايتان الأخيرتان

(1) ص 441
(2) ص 441
(3) ص 441
(4) ارجع إلى الاستدراكات
455

مشتملتين على جملة من المستحبات زيادة على اللفظ المذكور.
وقد روى الكليني في الصحيح أو الحسن عن عمر بن أذينة في حديث طويل
يتضمن المعراج وبدو الصلاة وحكاية صلاته (ص) بالملائكة والنبيين (1) قال فيه في حكاية
التشهد: " ثم أوحى الله إليه يا محمد (صلى الله عليه وآله) صل على نفسك وعلى أهل بيتك فقال
صلى الله علي وعلى أهل بيتي وقد فعل. ثم التفت فإذا بصفوف من الملائكة والمرسلين
والنبيين فقيل يا محمد سلم عليهم فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. الخبر ".
وبالجملة فإن الواجب هي الصلاة عليه وآله وهي كما تحصل بالجملة الانشائية تحصل
بالجملة الخبرية المراد بها الانشاء كما سيأتي تحقيقه قريبا إن شاء الله إلا أن الأحوط هو الاتيان
بلفظ " اللهم صل على محمد وآل محمد " لوروده في أكثر الأخبار.
(المورد الثالث) - الأظهر الأشهر إضافة الصلاة على النبي وآله (صلى الله عليه وآله)
إلى التشهد واقتصر في المقنع على الشهادتين ولم يذكر الصلاة على النبي وآله (صلى الله عليه
وآله) ثم قال: وأدنى ما يجزئ من التشهد أن يقول الشهادتين أو يقول " بسم الله
وبالله.. " ثم يسلم، نقل ذلك في الذكرى، ونقل عن والده في الرسالة أنه لم يذكر الصلاة
على النبي وآله في التشهد الأول، ثم قال والقولان شاذان لا يعدان ويعارضهما اجماع
الإمامية على الوجوب.
أقول: وظاهر الصدوق في الفقيه أيضا عدم وجوب الصلاة في التشهد حيث قال:
إذا رفعت رأسك من السجدة الثانية فتشهد وقل: " بسم الله وبالله والحمد الله والأسماء
الحسنى كلها لله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا (صلى الله عليه
وآله) عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة " ثم إنهض إلى الثالثة.
وقال ابن الجنيد: تجزئ الشهادتان إذا لم تخل الصلاة من الصلاة على محمد وآل
محمد في أحد التشهدين.

(1) الفروع ج 1 " النوادر " آخر كتاب الصلاة وفي الوسائل الباب 1 من أفعال الصلاة
456

قال في المدارك: واستدل عليه من طريق الأصحاب بما رواه الشيخ في الصحيح
عن أبي بصير وزرارة (1) قالا " قال أبو عبد الله (عليه السلام) من تمام الصوم اعطاء
الزكاة كما أن الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) من تمام الصلاة لأنه من صام ولم
يؤد الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمدا ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي صلى الله
عليه وآله " وقد يقال إن أقصى ما تدل عليه الرواية وجوب الصلاة على النبي وآله في
الصلاة أما كونها في كل من التشهدين فلا، على أن هذا التشبيه ربما اقتضى توجه النفي
إلى الفضيلة والكمال لا إلى الصحة للاجماع على عدم توقف صحة الصوم على اخراج
الزكاة. انتهى.
أقول: روى الصدوق في كتاب ثواب الأعمال بسنده عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) قال: " إذا صلى أحدكم ولم يصل على النبي (صلى الله عليه وآله) سلك
بصلاته غير سبيل الجنة " وروى مثله في كتاب المجالس (3) ورواه في الكافي أيضا (4)
وفيه " إذا صلى أحدكم ولم يذكر النبي (صلى الله عليه وآله) يسلك بصلاته
غير سبيل الجنة ".
وحينئذ فلقائل أن يقول لا ريب أن هذه الأخبار قد دلت على وجوب الصلاة
على النبي (صلى الله عليه وآله) في الصلاة وأن من تركها عمدا فلا صلاة له، وليست
دلالتها على الوجوب باعتبار الأمر فيها بالصلاة حتى يمكن أن يقال في الجواب إن الأمر
بذلك يتأدى بالاتيان بها في أي جزء من الصلاة فلا يدل على وجوبها في التشهد بخصوصه
بل دلالتها إنما هو بالاشعار والأخبار وأن الشارع قد جعلها من أجزاء الصلاة الواجبة وأن
الصلاة تبطل بتركها عمدا كما تبطل بترك سائر الأجزاء الواجبة كذلك. وهذه الأخبار وإن
كانت مجملة بالنسبة إلى تعيين محلها من الصلاة وبيان موقعها إلا أنا لما رجعنا إلى أفعال
الصلاة المفهومة من الأخبار والمعدودة فيها لم نجد لها موضعا نص الشارع على ذكرها

(1) الوسائل الباب 10 من التشهد
(2) الوسائل الباب 10 من التشهد
(3) الوسائل الباب 10 من التشهد
(4) الوسائل الباب 10 من التشهد
457

فيه إلا في التشهد كما ورد في رواية عبد الملك بن عمرو (1) وغيرها من الروايات
المذكورة في المقام.
وغاية ما طعن به الخصم على تلك الروايات أنها قد اشتملت على جملة من المستحبات
فيحتمل أن تكون الصلاة من تلك الجملة فلا تكون صريحة في الوجوب.
ونحن نقول إنه بمعونة هذه الروايات الدالة على جزئيتها من الصلاة يجب الحكم
بوجوبها وجزئيتها في هذا الموضع لأن الشارع كما عرفت قد أخبرنا بجزئيتها وحينئذ فلا يجوز
أن تخلو الصلاة منها ونحن لم نجد ذكره لها إلا في هذا الموضع فيتعين الحمل عليه البتة ولا
يبقى لاحتمال الاستحباب هنا مجال. ونحن لم نستدل على وجوبها بمجرد هذه الروايات
التي وردت مشتملة على التشهد بجميع المستحبات فيه حتى يتطرق إليه ما ذكروه من
الاحتمال. وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا ستر عليه ولا يأتيه النقض من خلفه ولا
من بين يديه.
ثم أقول: ومن الأدلة الظاهرة في الوجوب ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن
بإبراهيم بن هاشم في حديث طويل في المعراج (2) قال فيه في الجلوس في الركعة الثانية:
" يا محمد (صلى الله عليه وآله) إذا ما أنعمت عليك فسم باسمي فألهم أن قال " بسم الله
وبالله ولا إله إلا الله والأسماء الحسنى كلها لله " ثم أوحى الله إليه يا محمد (صلى الله عليه
وآله) صل على نفسك وعلى أهل بيتك فقال صلى الله علي وعلى أهل بيتي وقد فعل. ثم
التفت فإذا بصفوف من الملائكة والمرسلين والنبيين فقيل يا محمد (صلى الله عليه وآله) سلم
عليهم فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. الحديث ".
وأما المعارضة بأخبار التشهد المشعرة بتمام الصلاة بعد فغير مضر بما ذهبنا إليه
وبيناه في المقام، وذلك فإن غرضنا إنما هو اثبات الدليل على وجوب الصلاة في التشهد

(1) ص 441
(2) الفروع ج 1 " النوادر " آخر كتاب الصلاة.
وفي الوسائل الباب 1 من أفعال الصلاة
458

ردا على من أنكر وجود الدليل على ذلك وأما قيام دليل آخر يعارضه فيصير من قبيل
تعارض الدليلين في حكم من الأحكام وهو خارج عن محل البحث.
وأما قوله في المدارك -: " على أن هذا التشبيه ربما اقتضى توجه النفي إلى
الفضيلة والكمال.. الخ " -
ففيه (أولا) أن التشبيه لا يجب أن يكون من كل وجه. و (ثانيا) أن كونها في
المشبه كذلك لا يوجب كونها في المشبه به على نحوه، نعم لو كان الواقع في الرواية هو
العكس أعني تشبيه الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) في الصلاة بالزكاة مع الصوم يتجه
ما ذكره فإنك إذا قلت " زيد كالأسد " يعني في الشجاعة فإن المبالغة والتجوز إنما هو
في جانب المشبه وأما في جانب المشبه به فهو على الحقيقة.
على أن الفاضل المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي (قدس سره) في
الوسائل نقل عن الصدوق في الفقيه (1) صحيحة زرارة وأبي بصير بما هذه صورته قال:
" إن الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) من تمام الصلاة ولا صلاة له إذا ترك
الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله " وذكر أنه اقتطعه من حديث طويل، وظني أني
وقفت عليه في الكتاب المذكور حين قرأ بعض الإخوان علي الكتاب المذكور ولكن
لا يحضرني موضعه الآن وهو إما أن يكون رواية لتلك الصحيحة بنحو آخر أو يكون
حديثا آخر، وأيا ما كان فهو ظاهر في المراد عار عن وصمة الإيراد ويعضده الخبران
المتقدمان. وبذلك يظهر لك قوة القول المشهور وأنه المؤيد المنصور. ولا تكاد تقع
على أمثال هذه التحقيقات في غير كتبنا وزبرنا وله سبحانه المنة والحمد على مزيد أفضاله

(1) الوسائل الباب 10 من التشهد رقم (1) وقد نقل صحيحة زرارة وأبي بصير
بالمتن المتقدم عن الشيخ ص 457 في نفس الباب برقم (2) ولم ينقلها عن الفقيه مع أن الصدوق
رواها فيه في ج 2 ص 119 من الطبع الحديث وقد نقلها عنه في الوسائل في الباب (1)
من زكاة الفطرة.
459

تذييل جليل وتكميل نبيل
هل تجب الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) حيثما ذكر أم تستحب؟ المشهور
الثاني بل نقل العلامة في المنتهى والمحقق في المعتبر الاجماع عليه، قالا في الكتابين المذكورين:
لا يقال ذهب الكرخي إلى وجوبها في غير الصلاة في العمر مرة واحدة وقال الطحاوي
كلما ذكر (1) قلنا الاجماع سبق الكرخي والطحاوي فلا عبرة بتخريجهما. قال في
الذخيرة ولم أطلع على مصرح بالوجوب من الأصحاب إلا أن صاحب كنز العرفان ذهب
إلى ذلك ونقله عن ابن بابويه وإليه ذهب الشيخ البهائي في مفتاح الفلاح. وللعلامة هنا
أقوال مختلفة، قال في الكشاف (2): الصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) واجبة
وقد اختلفوا فمنهم من أوجبها كلما جرى ذكره، وفي الحديث " من ذكرت عنده
فلم يصل علي فدخل النار فأبعده الله " وروي " أنه قيل يا رسول الله (صلى الله
عليه وآله) أرأيت قول الله تعالى إن الله وملائكته يصلون على النبي (3) فقال هذا
من العلم المكنون ولولا أنكم سألتموني عنه ما أخبرتكم به، إن الله وكل بي ملكين فلا أذكر
عند عبد مسلم فيصلي علي إلا قال ذلك الملكان غفر الله لك وقال الله وملائكته جوابا
لذينك الملكين " آمين " ولا أذكر عند عبد مسلم فلا يصلي علي إلا قال ذلك الملكان
لا غفر الله لك وقال الله وملائكته لذينك الملكين " آمين " ومنهم من قال تجب في
كل مجلس مرة وإن تكرر ذكره كما قيل في آية السجدة وتسميت العاطس وكذلك في
كل دعاء في أوله وآخره، ومنهم من أوجبها في العمر مرة وكذا قال في إظهار الشهادتين
والذي يقتضيه الاحتياط الصلاة عليه عند كل ذكر لما ورد من الأخبار. انتهى.
قال الفاضل الخراساني في الذخيرة بعد الكلام في المسألة وذكر كلام صاحب

(1) فتح الباري ج 11 ص 118
(2) ج 3 ص 245
(3) سورة الأحزاب الآية 56
460

الكشاف: والأقرب عدم الوجوب للأصل المضاف إلى الاجماع المنقول سابقا وعدم
تعليمها للمؤذنين وعدم ورودها في أخبار الأذان وعدم وجودها في كثير من الأدعية
المضبوطة المنقولة عن الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) مع ذكره (صلى الله عليه وآله)
فيها، وكذلك في الأخبار الكثيرة. وما ربما يتوهم دليلا على وجوبها - كما ذكر - أمور:
(الأول) الآية (1) وقد عرفت الجواب عنه (الثاني) الروايات المنقولة عن الكشاف
(الثالث) أنها دالة على التنويه بشأنه والشكر لإحسانه المأمور بهما (الرابع) أنه لولاه
لكان كذكر بعضنا بعضا وهو منهي عنه في آية النور (2) وبهذه الوجوه الثلاثة احتج
صاحب الكنز وهو ضعيف جدا (الخامس) صحيحة زرارة السابقة (3) وجوابه ضعف
دلالة الأوامر في أخبارنا على الوجوب فلا يصلح التعويل على مجرد ذلك إذا لم تنضم إليه
قرينة أخرى خصوصا إذا عارض الاجماع المنقول، وقد ورد من طريقنا بعض الروايات
الدالة على الوجوب مثل ما رواه الكليني عن محمد بن هارون عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (4) قال: " إذا صلى أحدكم ولم يذكر النبي (صلى الله عليه وآله) في صلاته
يسلك بصلاته غير سبيل الجنة. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من ذكرت
عنده فلم يصل علي فدخل النار فأبعده الله. وقال (صلى الله عليه وآله) من ذكرت
عنده فنسى الصلاة علي خطئ به طريق الجنة " وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (5) قال " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من ذكرت عنده فنسي أن يصلي
علي خطأ الله به طريق الجنة " لكن الروايتين ضعيفتا السند جدا فلا تصلح للتعويل.
وقال بعض المتأخرين: ويمكن اختيار الوجوب في كل مجلس مرة إن صلى آخر وإن

(1) سورة الأحزاب، الآية 56
(2) سورة النور الآية 63 " لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا "
(3) تأنى ص 462
(4) الوسائل الباب 10 من التشهد
(5) الوسائل الباب 42 من الذكر
461

صلى ثم ذكر يجب أيضا كما في تعدد الكفارة بتعدد الموجب إذا تخللت وإلا فلا: وهو
ضعيف والظاهر أنه لم يقل به سواه. انتهى كلام الفاضل المذكور.
وأنت خبير بما فيه من القصور بخروجه عن الأخبار الواضحة الظهور وجموده
على متابعة المشهور بدعوى تزييفه بالاجماع مع رده له في غير موضع من كتابه وجعله
غير حاسم لمادة النزاع.
وأما رده صحيحة زرارة - وهي ما رواه المشايخ الثلاثة عنه في الصحيح عن
أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " وصل على النبي (صلى الله عليه وآله) كلما
ذكرته أو ذكره ذاكر عندك " بعدم دلالة الأوامر في أخبارنا على الوجوب - فقد أوضحنا
في ما تقدم ما فيه من الفساد فإنه موجب للخروج عن الشريعة المحمدية من حيث
لا يشعر قائله بالكلية.
ومن الأخبار الصحيحة الصريحة في الدلالة على الوجوب ما رواه الصدوق في
الفقيه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال: " لا يجزئك من
الأذان إلا ما أسمعت نفسك أو فهمته وأفصح بالألف والهاء، وصل على النبي (صلى
الله عليه وآله) كلما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو غيره ".
وما رواه في الكافي في الصحيح (3) قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام)
إذا أذنت فافصح بالألف والهاء، وصل على النبي (صلى الله عليه وآله) كلما ذكرته
أو ذكره ذاكر في أذان أو غيره ".
وفي هذين الخبرين ما يدل على ضعف قوله: " وعدم تعليمها للمؤذنين

(1) لم نعثر على رواية للشيخ " قدس سره " بهذا اللفظ وإنما الموجود في كتب
الحديث بهذا المضمون الروايتان الآتيتان عن الفقيه والكافي
(2) الوسائل الباب 35 و 42 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 15 و 42 من الأذان والإقامة
462

وعدم ورودها في أخبار الأذان " فإنهما - كما ترى - واردان في أخبار الأذان
عند تعليم المؤذنين وغيرهم ممن ذكره (صلى الله عليه وآله) ولكن باب الجواب عنهما
بأن الأمر عنده لا يدل على الوجوب مفتوح، وليت شعري إذا كانت أو أمرهم لا تدل
على الوجوب وهذه التهديدات التي تضمنتها الأخبار من عدم قبول الأعمال بدونها
والتوعد بدخول النار وأمثال ذلك لا تدل على الوجوب فأي دليل يراد ليندفع الإيراد؟
ما هذا إلا عجب عجيب من مثل هذا الفاضل الأريب.
وبالجملة فإن القول بالوجوب في المقام مما لا يعتريه غشاوة الابهام لصحة جملة من
هذه الأخبار بناء على الاصطلاح الناقص العيار ودلالة الجملة الأخرى مما ذكره وقد
عرفت استفاضة الأخبار من الخاصة والعامة على ذلك فالانكار بعد ذلك مكابرة صرفة
وممن ذهب إلى الوجوب - زيادة على ما ذكره - المحدث الكاشاني في الوافي
والمحقق المدقق المازندراني في شرحه على أصول الكافي وقد حقق ذلك في شرح باب
الدعاء من الكافي، وشيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني.
أقول: ومن الأخبار الدالة على ما قلناه زيادة على ما تقدم ما رواه في الكافي
عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " إذا ذكر النبي (صلى الله
عليه وآله) فكثروا الصلاة عليه فإنه من صلى على النبي صلاة واحدة صلى الله
عليه ألف صلاة في ألف صف من الملائكة ولم يبق شئ مما خلق الله إلا صلى على ذلك
العبد لصلاة الله عليه وصلاة ملائكته، فمن لم يرغب في هذا فهو جاهل مغرور قد برئ
الله منه ورسوله وأهل بيته " والأمر بالاكثار محمول على الاستحباب وقرينته من
سياق الخبر ظاهرة.
والمراد بالنسيان في الخبرين المتقدمين الترك كقوله تعالى: " ولقد عهدنا إلى
آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما " (2) أي ترك لا النسيان بالمعنى المعهود فإنه لا مؤاخذة

(1) الوسائل الباب 34 من الذكر
(2) سورة طه، الآية 114
463

عليه لحديث رفع القلم (1).
فروع
(الأول) - هل يختص الوجوب على القول به كما هو المختار وكذا الاستحباب
كما هو المشهور بين الأصحاب باسمه العلمي أو يتعدى إلى لقبه وكنيته وكذا ضميره
الراجع إليه؟ لم أقف لأحد من أصحابنا على كلام في ذلك غير شيخنا البهائي والمحدث
الكاشاني، أما الشيخ المذكور فإنه قال في مفتاح الفلاح بعد نقل صحيحة زرارة المتقدم
ذكرها: ولا يخفى أن قول الباقر (عليه السلام) في الحديث الأول " كلما ذكرته أو ذكره ذاكر "
يقتضي وجوب الصلاة سواء ذكره باسمه أو لقبه أو كنيته، ويمكن أن يكون ذكره بالضمير
الراجع إليه (صلى الله عليه وآله) كذلك. ولم أظفر في كلام علمائنا (قدس الله أرواحهم)
في ذلك بشئ والاحتياط يقتضي ما قلناه من العموم. وأما المحدث المشار إليه فإنه قال
في خلاصة الأذكار: ولا فرق بين الاسم واللقب والكنية بل الضمير على الأظهر. انتهى
وظاهره الجزم بذلك وظاهر الأول الاحتياط.
أقول: والذي يقرب في الخاطر العليل والفكر الكليل هو التفصيل بأنه أن
ذكره باسمه العلمي فلا ريب في الوجوب، وإن ذكره بغيره من الألقاب والكنى فإن
كان من الألفاظ التي اشتهرت تسميته بها واشتهر بها وجرت في الاطلاقات مثل
" الرسول والنبي ورسول الله وأبي القاسم " ونحو ذلك فهي ملحقة بالاسم العلمي،
وإن كان غير ذلك من الألفاظ التي يراد منها وليس كذلك مثل " خير الخلق وخير البرية والمختار " فالظاهر العدم، والظاهر أن الضمير من قبيل الثاني، والاحتياط لا يخفى.
(الثاني) - تبعية آله وعترته له (صلى الله عليه وآله) في الوجوب والاستحباب
لأن المستفاد من الأخبار دخولها في كيفية الصلاة عليه وأن المراد بالصلاة عليه كلما ذكر
هو أن يصلي عليه وعلى آله وأهل بيته لا تخصيصه بالصلاة وحده.

(1) الوسائل الباب 30 من الخلل في الصلاة
464

روى في الكافي عن عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: " سمع أبي رجلا متعلقا بالبيت وهو يقول " اللهم صل على محمد " فقال له أبي لا تبترها
لا تظلمنا حقنا قل اللهم صل على محمد وأهل بيته " وسيأتي ما يدل على ذلك أيضا.
بل قد ورد في أخبار المخالفين مثل ذلك في جملة منها وقد ذكرناها في كتاب
سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد:
منها - قوله (صلى الله عليه وآله): " لا تصلوا علي الصلاة البتراء فقالوا وما
الصلاة البتراء؟ قال تقولون " اللهم صل على محمد " وتمسكون بل قولوا اللهم صل على محمد
وآل محمد " رواه ابن حجر المتأخر في صواعقه (2) أحرقه الله بها، وهو من أنصب
النصاب المعاندين.
ومن أفحش تعصباتهم أنهم مع رواية هذه الأخبار أجمعوا على عدم جواز الصلاة

(1) الوسائل الباب 42 من الذكر
(2) ص 87 وفي كتاب زين العابدين ص 371 للعلامة الحجة السيد عبد الرزاق
المقرم عن كشف الغمة للشعراني ج 1 ص 194 قال " ص " " لا تصلوا على الصلاة البتراء
تقولون " اللهم صل محمد " وتمسكون بل قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد. فقيل له ومن
أهلك؟ يا رسول الله " ص " قال على وفاطمة والحسن والحسين ع " وفي ص 372 منه نقلا
من شرح الشفاء للخفاجي ج 1 ص 453 والصواعق المحرقة ص 88 والاتحاف بحب
الاشراف للشيرازي ص 29 واسعاف الراغبين للصبان على هامش نور الأبصار ص 121
وشرح الزرقاني على المواهب اللدنية ج 7 ص 7 ينسب إلى الشافعي في لزوم الصلاة على
الآل في الصلاة:
يا أهل بيت رسول الله " ص " حبكم * فرض من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم القدر أنكم * من لم يصل عليكم لا صلاة له
قال الخفاجي في شرح الشفاء: يحتمل أن يريد لا صلاة له صحيحة فيوافق قوله بوجوب
الصلاة على الآل ويحتمل لا صلاة له كاملة فيوافق أحد قوليه.
465

على غيره (صلى الله عليه وآله) وغير الأنبياء بل صرح جملة منهم بالمنع من ضم
آله في الصلاة إليه (1) كل ذلك عداوة وبغضا لهم (عليهم السلام) بل صرح بعضهم
بالاعتراف بذلك وأنهم إنما تركوها مراغمة للشيعة حيث إنهم يضمون أهل بيته إليه
(صلى الله عليه وآله) في الصلاة عليه (2) كما شرحناه منقحا في الكتاب المشار إليه.
(الثالث) - تأدى ذلك بذكر الصلاة عليه وعليهم كيف اتفق من قولك

(1) في المغني ج 1 ص 543 بعد ذكر خبر كعب بن عجرة الآتي قال: " ولأصحابنا
في وجوب الصلاة على آله وجهان قال بعض أصحابنا تجب الصلاة على الوجه في خبر كعب
لأنه أمر به " وفي شرح الشفاء للخفاجي ج 3 ص 453 طبع سنة 1326 عن أبي جعفر
الباقر " ع " عن ابن مسعود عن النبي " ص " " من صلى صلاة لم يصل فيها على ولا على أهل
بيتي لم تقبل منه " وصحح الدارقطني عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر " ع " قال: " لو صليت
صلاة لم أصل فيها على النبي " ص " ولا على أهل بيته لرأيت أنها لا تتم " ثم قال الخفاجي:
يفيد هذا أن الصلاة على الآل في التشهد الأخير واجبة كالصلاة عليه " ص " وفيه قولان
للشافعي والصحيح في المذهب أنها غير واجبة وأما في التشهد الأول فمن قال إنها واجبة في
الأخير قال باستحبابها. وفي تحفة المحتاج لابن حجر ج 1 ص 10 " ينبغي أن يقول بعد
الشهادة للنبي " ص " بالرسالة والصلاة عليه: " وعلى آله " لأنها مستحبة بالنص وقال بعضهم
أنها واجبة في التشهد الأخير والأصح أنها مسنونة وأقل الصلاة عليهم " اللهم صل على محمد وآله "
(2) في كتاب مقتل الحسين للعلامة الحجة السيد عبد الرزاق المقرم ص 443 من
الطبع الثاني أن الزمخشري في الكشاف في سورة الأحزاب الآية 56 عند قوله تعالى: " إن
الله وملائكته.. " قال إذا أفرد غير النبي " ص " من أهل البيت بالصلاة كما يفرد هو
بالصلاة عليه فمكروه لأنه يؤدي إلى الاتهام بالرفض وقد قال " ص " " لا تقفن مواقف
التهم " وفي فتح الباري ج 11 ص 135 " لا يفرد غير الأنبياء بالسلام عليه لكونه صار
شعارا للرافضة " وفي شرح الزرقاني على المواهب اللدنية ج 5 ص 13 " لما صار ارخاء
العذبة من الجانب الأيمن شعارا للإمامية فينبغي تجنه " وفي روح البيان ج 4 ص 142 " قال
الشيخ إسماعيل البروسوي: الأصل التختم في اليمين ولما صار شعار الظلمة جعل في اليد اليسرى "
466

" اللهم صل على محمد وآل محمد " وارداف آله بضميره، أو قولك " صلى الله عليه وآله
أو صلوات الله عليهم " وكذا ابدال الآل بعترته أهل بيته، وكل ذلك مستفاد من
الأخبار والأدعية المأثورة عنهم (صلوات الله عيلهم) ولا سيما الصحيفة السجادية،
وحينئذ فما ورد عنه (صلى الله عليه وآله) (1) " أنه لما نزلت آية قوله سبحانه: " يا أيها
الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " (2) قيل يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)
هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك؟ فقال قولوا اللهم صل على محمد وآل
محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على
إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد " - فالظاهر حمله على الفرد الأكمل من الصلاة
عليه. وهذا الخبر أيضا مروي من طرق القوم (3) كما نقلناه في الكتاب المشار إليه
آنفا. وفي هذا الخبر دلالة على ما قدمناه من دخول الآل في كيفية الصلاة عليه (صلى
الله عليه وعليهم أجمعين).
(الرابع) - لو سمع ذكره (صلى الله عليه وآله) في حال الصلاة واشتغل
باتمام صلاته ولم يصل عليه فالأشهر الأظهر صحة صلاته وإن أثم على القول بالوجوب.
وربما قيل بالبطلان بناء على أنه مأمور بالصلاة والأمر بالشئ يستلزم النهي عن ضده
الخاص، والنهي متى توجه في العبادة إلى شرطها أو جزئها أوجب فسادهما. وحيث إن
القاعدة المذكورة لم يقم دليل عندنا على صحتها كما تقدم الكلام فيه في غير موضع لم
يثبت الحكم بالبطلان، بل ناقش بعض مشايخنا المحدثين من متأخري المتأخرين في القاعدة
الثانية أيضا فقال إن النهي وإن توجه إلى شرطها وجزئها لا يكون مبطلا. ولكن الظاهر بعده
(الخامس) - ظاهر قوله في صحيحة زرارة المتقدمة: " كلما ذكرته أو ذكره
ذاكر " وجوب الفورية بها وهو كذلك. وممن صرح بذلك أيضا الفاضل المحقق المولى

(1) الوسائل الباب 35 من الذكر
(2) سورة الأحزاب، الآية 56
(3) المغني ج 1 ص 542
467

محمد صالح المازندراني في شرحه على الأصول حيث قال: ثم الظاهر من بعض الأخبار
المذكورة - حيث رتب الأمر بالصلاة على الذكر بالفاء التعقيبية - هو فوريتها فلو أهمل
الفور أثم على تقدير الوجوب ولم يسقط. وكذا الظاهر هو الأمر بها على كل أحد في
جميع الأحوال. ولو كان مشتغلا بالصلاة... ثم ذكر نحو ما ذكرنا في الفرع الرابع من
تفريع الابطال وعدمه على المسألة الأصولية واختار عدم الابطال لعدم التعويل على
تلك القاعدة الأصولية.
تذنيب
لا بأس بنقل بعض الأخبار الواردة في فضل الصلاة عليهم تقربا إلى الله تعالى
وإليهم زيادة على ما ذكرناه وتأكيدا لما سطرناه:
فمنها - ما رواه في الكافي في الصحيح عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) قال: " لا يزال الدعاء محجوبا حتى يصلي على محمد وآل محمد ".
وعن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " من دعا ولم يذكر
النبي (صلى الله عليه وآله) رفرف الدعاء على رأسه فإذا ذكر النبي رفع الدعاء ".
وعن صفوان الجمال في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال:
" كل دعاء يدعى الله تعالى به محجوب عن السماء حتى يصلي على محمد وآل محمد " صلى الله
عليه وآله ".
وعن ابن جمهور عن أبيه عن رجاله (4) قال: " قال أبو عبد الله (عليه
السلام) من كانت له إلى الله حاجة فليبدأ بالصلاة على محمد وآل محمد (صلى الله عليه
وآله) ثم يسأل حاجته ثم يختم بالصلاة على محمد وآل محمد فإن الله تعالى أكرم من أن
يقبل الطرفين ويدع الوسط إذا كانت الصلاة على محمد وآل محمد لا تحجب عنه ".

(1) الوسائل الباب 36 من الدعاء
(2) الوسائل الباب 36 من الدعاء
(3) الوسائل الباب 36 من الدعاء
(4) الوسائل الباب 36 من الدعاء
468

وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) " أن رجلا
أتى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أجعل لك
ثلث صلاتي لا بل أجعل لك نصف صلاتي لا بل أجعلها كلها لك فقال رسول الله (صلى الله
عليه وآله) إذا تكفى مؤنة الدنيا والآخرة ".
وعن أبي بكر الحضرمي (2) قال: " حدثني من سمع أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال أجعل نصف صلاتي لك
قال نعم. ثم قال أجعل صلاتي كلها لك. قال نعم. فلما مضى قال رسول الله (صلى الله
عليه وآله) كفي هم الدنيا والآخرة ".
أقول: المراد بالصلاة في هذين الخبرين الدعاء بمعنى أنه كلما دعا الله تعالى في حاجة
صلى على الرسول وآله وجعل الصلاة عليه وعلى آله أصلا وأساس لدعائه ثم بنى عليه كما
سيأتي في الأخبار الآتية الإشارة إليه إن شاء الله.
وعن مرازم (3) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) إن رجلا أتى رسول الله
(صلى الله عليه وآله) فقال يا رسول الله إني جعلت ثلث صلاتي لك فقال له خيرا
فقال يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إني جعلت نصف صلاتي لك فقال له ذاك أفضل
فقال إني جعلت كل صلاتي لك فقال إذا يكفيك الله (عز وجل) ما أهمك من أمر دنياك
وآخرتك. فقال له رجل أصلحك الله كيف يجعل صلاته له؟ فقال أبو عبد الله (عليه
السلام) لا يسأل الله شيئا إلا بدأ بالصلاة على محمد وآل محمد ".
وعن أبي بصير (4) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) ما معنى " أجعل
صلاتي كلها لك "؟ فقال يقدمه بين يدي كل حاجة فلا يسأل الله شيئا حتى يبدأ بالنبي
(صلى الله عليه وآله) فيصلي عليه ثم يسأل الله حوائجه ".

(1) الوسائل الباب 36 من الدعاء
(2) الوسائل الباب 36 من الدعاء
(3) الوسائل الباب 36 من الدعاء
(4) الوسائل الباب 36 من الدعاء
469

وروى الصدوق في كتاب ثواب الأعمال (1) بسنده عن عاصم بن ضمرة عن
أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: " الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) أمحق للخطايا
من الماء للنار والسلام على النبي (صلى الله عليه وآله) أفضل من عتق رقاب وحب
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أفضل من مهج الأنفس، أو قال ضرب السيوف
في سبيل الله ".
وعن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال: " إن عبدا مكث في النار سبعين
خريفا والخريف سبعون سنة ثم إنه سأل الله بحق محمد وأهل بيته (صلى الله عليه وآله)
لما رحمتني فأوحى الله إلى جبرئيل أن اهبط إلى عبدي فأخرجه قال يا رب وكيف لي
بالهبوط في النار؟ قال الله إني أمرتها أن تكون عليك بردا وسلاما. قال يا رب فما علمي
بموضعه قال إنه في جب في سجين. قال فهبط جبرئيل على النار على وجهه فأخرجه فقال
الله عز وجل يا عبدي كم لبثت في النار؟ قال ما أحصي يا رب. فقال وعزتي وجلالي
لولا ما سألتني به لأطلت هو أنك في النار ولكني حتمت على نفسي أن لا يسألني
أحد بحق محمد وأهل بيته (صلى الله عليه وآله) إلا غفرت له ما كان بيني وبينه وقد
غفرت لك اليوم ".
وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله) ذات يوم لأمير المؤمنين (عليه السلام) ألا أبشرك؟ قال
بلى بأبي أنت وأمي فإنك لم تزل مبشرا بكل خير. فقال أخبرني جبرئيل آنفا بالعجب فقال
أمير المؤمنين (عليه السلام) وما الذي أخبرك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
قال أخبرني أن الرجل من أمتي إذا صلى علي واتبع بالصلاة على أهل بيتي فتحت له
أبواب السماء وصلت عليه الملائكة سبعين صلاة وإنه لمذنب خطأ ثم تحات عنه الذنوب

(1) ص 84 وفي الوسائل الباب 34 من الذكر
(2) ص 84 وفي الوسائل الباب 27 من الدعاء
(3) ص 84 وفي الوسائل الباب 42 من الذكر
470

كما يتحات الورق من الشجر ويقول الله تعالى لبيك عبدي وسعديك يا ملائكتي أنتم
تصلون عليه سبعين صلاة وأنا أصلي عليه سبعمائة صلاة. فإذا صلى علي ولم يتبع بالصلاة
على أهل بيتي كان بينها وبين السماء سبعون حجابا ويقول الله (جل جلاله) لا لبيك
ولا سعديك يا ملائكتي لا تصعدوا دعاءه إلا أن يلحق بالنبي (صلى الله عليه وآله)
عترته فلا يزال محجوبا حتى يلحق بها أهل بيتي " وفي هذا الخبر دلالة على ما قدمناه سابقا
من دخول الآل في الصلاة عليه (صلى الله عليه وعليهم).
وعن الرضا (عليه السلام) (1) " من لم يقدر على ما يكفر به ذنوبه فليكثر من
الصلاة على محمد وآله فإنها تهدم الذنوب هدما ".
إلى غير ذلك من الأخبار وفي ما ذكرناه كفاية لأولي الأفكار، نسأل الله الثبات
على ولايتهم والحشر في زمرتهم إنه القادر على ما يشاء.
الفصل العاشر في التسليم
وقد وقع الخلاف فيه في مواضع: (الأول) في وجوبه واستحبابه، و (الثاني) في
دخوله في الصلاة وخروجه، و (الثالث) في كيفيته وأنه عبارة عماذا؟ وحينئذ فتحرير الكلام
في المقام وتنقيحه بما يدفع عنه تطرق النقض والابرام يتوقف على بسطه في مواضع ثلاثة:
(الأول) - في الوجوب والاستحباب، فذهب المرتضى في المسائل الناصرية
والمحمدية وأبو الصلاح وسلار وابن أبي عقيل والقطب الراوندي وصاحب الفاخر
وابن زهرة إلى الوجوب واختاره المحقق وصاحب البشرى والعلامة في المنتهى والشهيد
وهو المختار، وذهب الشيخان وابن البراج وابن إدريس إلى الاستحباب وإليه ذهب
جمهور المتأخرين.
ويدل على الوجوب وقوع الأمر به الذي هو حقيقة في الوجوب في الأخبار

(1) الوسائل الباب 34 من الذكر
471

المستفيضة: منها ما تقدم (1) في صحيحة ابن أذينة أو حسنته من حديث المعراج
وقول الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله): " سلم عليهم فقال السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته " وأوامره عز وجل للوجوب بلا خلاف إلا ما خرج بالدليل. ومنها - ما تقدم (2)
في موثقة أبي بصير المشتملة على التشهد الطويل من قوله في آخرها: " ثم تسلم " وكذا
في عبارة الفقه (3) من قوله " ثم سلم عن يمينك " إلى غير ذلك من الأخبار التي يضيق
المقام عن نقلها.
قال الفاضل الخراساني في الذخيرة في نقل أدلة القائلين بالوجوب: السابع - تعلق
الأمر وما في معناه به في أخبار كثيرة والأمر للوجوب فيكون التسليم واجبا، فمن ذلك
ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: " إذا
لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهد وسلم واسجد سجدتين بغير
ركوع... الحديث " وفي الصحيح عن ابن أبي يعفور (5) قال: " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن رجل يصلي الركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما حتى يركع؟ فقال يتم
صلاته ثم يسلم ويسجد سجدتي السهو وهو جالس قبل أن يتكلم " إلى غير ذلك من الأخبار
الكثيرة كصحيحة الحلبي (6) وصحيحة عبد الحميد بن عواض (7) ومرسلة ابن أبي يعفور
ومرسلة ابن أبي عمير (8) وحسنة زرارة الطويلة الواردة في حكم الفوائت (9) وحسنة
الحلبي الواردة في صلاة الخوف (10) وحسنة أخرى لزرارة (11) وموثقة أبي بصير (12)

(1) ص 456
(2) ص 450 و 451
(3) ص 451 و 452
(4) الوسائل الباب 14 من الخلل في الصلاة
(5) الوسائل الباب 7 من التشهد
(6) الوسائل الباب 10 من الخلل في الصلاة
(7) الوسائل الباب 2 من التسليم
(8) الوسائل الباب 13 من الخلل في الصلاة
(9) الوسائل الباب 63 من مواقيت الصلاة
(10) الوسائل الباب 2 من صلاة الخوف
(11) الوسائل الباب 9 من الخلل في الصلاة
(12) الوسائل الباب 10 من الخلل في الصلاة
472

وموثقة عمار (1) ورواية أبي بكر الحضرمي (2) ورواية الحسين بن أبي العلاء (3)
ورواية عبد الله بن أبي يعفور (4) وعبد الرحمان بن سيابة (5) وغيرها من الأخبار التي
لا مزيد فائدة في نقلها. والجواب أن دلالة الأوامر في أخبارنا على الوجوب من غير
قرينة تلتحق بها غير واضح، وعلى كل تقدير فلا معدل عن حمل الأوامر في تلك الأخبار
على الاستحباب جمعا بين الأدلة. انتهى.
وفيه ما عرفت في غير موضع من أن هذا الأمر الذي تفرد به من بين كافة العلماء
قديما وحديثا باطل موجب لخروج قائله عن الدين من حيث لا يشعر كما تقدم التنبيه
عليه في غير مقام مما تقدم، والواجب حمل هذه الأوامر على الوجوب كما على محققو
الأصوليين ودلت عليه الآيات والروايات المقدمة في مقدمات الكتاب إلى أن يظهر
خلافه. وما يدعى من أدلة الاستحباب سيأتيك الكلام عليها في الباب.
ولنكتف هنا في تحقيق ما اخترناه بنقل كلام صاحب المدارك وبيان ما فيه حيث
إنه ممن اختار القول بالاستحباب وبالغ في الاستدلال عليه ونقض ما خالفه، وبابطاله
يظهر صحة ما اخترناه زيادة على ما استندنا إليه من الأوامر المشار إليها فنقول:
قال (قدس سره) بعد ذكر الاستحباب ونقله عن جملة من الأصحاب
ما لفظه: وهو المعتمد، لنا - أن الوجوب زيادة تكليف والأصل عدمه، وما رواه الشيخ
في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6) أنه قال: " إذا
استويت جالسا فقل: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله. ثم تنصرف " وفي الصحيح عن الفضيل وزرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر

(1) الوسائل الباب 2 من الخلل في الصلاة
(2) الوسائل الباب 2 من التسليم
(3) الوسائل الباب 10 من الخلل في الصلاة
(4) الوسائل الباب 11 من الخلل في الصلاة
(5) الوسائل الباب 7 من الخلل في الصلاة
(6) الوسائل الباب 4 من التشهد
473

(عليه السلام) (1) قال: " إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته فإن كان مستعجلا
في أمر يخاف أن يفوته فسلم وانصرف أجزأه " والمراد بالاجزاء الاجزاء في حصول
الفضيلة والكمال كما يقتضيه أول الخبر. وفي الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى
(عليه السلام) (2) " وقد سأله عن المأموم يطول الإمام فتعرض له الحاجة قال يتشهد
وينصرف ويدع الإمام " وفي الموثق عن يونس بن يعقوب (3) قال: " قلت
لأبي الحسن (عليه السلام) صليت بقوم صلاة فقعدت للتشهد ثم قمت ونسيت أن أسلم عليهم
فقالوا ما سلمت علينا؟ فقال ألم تسلم وأنت جالس؟ قلت بلى. قال لا بأس عليك ولو نسيت
حتى قالوا لك ذلك استقبلتهم بوجهك فقلت السلام عليكم " ويمكن أن يستدل عليه أيضا
بصحيحة معاوية بن عمار (4) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا فرغت من
طوافك فائت مقام إبراهيم فصل ركعتين واجعله أمامك واقرأ في الأولى منهما " قل هو
الله أحد " وفي الثانية " قل يا أيها الكافرون " ثم تشهد واحمد الله تعالى واثن عليه
وصل على النبي (صلى الله عليه وآله) واسأله أن يتقبل منك.. " فإن ظاهره عدم
وجوب التسليم في ركعتي الطواف ولا قائل بالفصل. ويدل عليه أيضا أنه لو وجب التسليم
لبطلت الصلاة بتخلل المنافي بينه وبين التشهد واللازم باطل فالملزوم مثله، أما الملازمة
فاجماعية وأما بطلان اللازم فلما رواه زرارة في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) (5)
" أنه سأله عن الرجل يصلي ثم يجلس فيحدث قبل أن يسلم؟ قال تمت صلاته " وما رواه
الحلبي في الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6) قال: " إذا التفت في صلاة مكتوبة
من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا وإن كنت قد تشهدت فلا تعد "

(1) الوسائل الباب 4 من التشهد
(2) الوسائل الباب 64 من الصلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 2 من التسليم
(4) الوسائل الباب 71 من الطواف
(5) الوسائل الباب 2 من التسليم
(6) الوسائل الباب 2 من التسليم
474

وما رواه غالب بن عثمان في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " سألته
عن الرجل يصلي المكتوبة فتنقضي صلاته ويتشهد ثم ينام قبل أن يسلم؟ قال تمت صلاته
وإن كان رعافا غسله ثم رجع فسلم " انتهى.
وتوجه النظر إليه من وجوه: (الأول) أن ما ذكره من الاستدلال بالأصل
فصحيح إلا أنه يجب الخروج عنه بالدليل وهو هنا الأوامر الواردة بالتسليم التي هي
حقيقة في الوجوب باعترافه، وهي في الأخبار أكثر من أن يأتي عليها قلم الاحصاء، وقد
عرفت منها ما تقدم وستعرف إن شاء الله.
(الثاني) - استدلاله بالصحيحتين المذكورتين، فإن فيه (أولا) أنهم لا يقفون
على ظاهرهما ولا يفتون بهما لدلالتهما على عدم وجوب الصلاة على النبي وآله (صلى الله
عليه وآله) في التشهد مع اجماعهم على ذلك، وحينئذ فكيف يستندون إليهما هنا والحال
في المقامين واحد؟
و (ثانيا) - أن غاية ما يدلان عليه تمام الصلاة بعد التشهد وهو غير مناف
لمذهبنا في المسألة، فإنا نختار فيها كون التسليم واجبا خارجا فلا يرد علينا الاستدلال بهما
كما لا يخفى، على أن الثانية منهما وهي صحيحة الفضلاء الثلاثة ظاهرة في وجوب التسليم
وإن كان قد تمت صلاته بالتشهد وهو عين ما نختاره من كونه واجبا خارجا كما سيأتي
تحقيقه إن شاء الله، وحاصل معنى الخبر أنه بالفراغ من التشهد فقد تمت صلاته، فإن
كان مستعجلا في أمر يخاف فوته سلم وانصرف من غير أن يأتي ببقية الأذكار المستحبة
التي مرت في موثقة أبي بصير وعبارة الفقه الرضوي، وإن كان غير مستعجل أتى بتلك
الأذكار الموظفة مستجمعا لمستحباتها على الوجه الأكمل، وبذلك يظهر لك ما في قوله:
" والمراد بالاجزاء الاجزاء في حصول الفضيلة والكمال " من التكلف الذي لا ضرورة
تلجئ إليه في هذا المجال.

(1) الوسائل الباب 3 من التسليم
475

(الثالث) - أن ما ذكره من صحيحة علي بن جعفر فإنه لم ينقلها على وجهها
وكأنه نقلها بالمعنى وحرف لفظ التسليم إلى التشهد، وصورة الرواية هكذا: علي بن جعفر
عن أخيه موسى (عليه السلام) (1) قال: " سألته عن الرجل يكون خلف إمام فيطول
في التشهد فيأخذه البول أو يخاف على شئ أن يفوت أو يعرض له وجع كيف يصنع؟
قال يسلم وينصرف ويدع الإمام " والعجب أنه قد نقلها بهذه الصورة التي ذكرناها في
بحث صلاة الجماعة في مسألة جواز الانفراد للمأموم مع العذر، وبذلك يظهر أن هذه الرواية
مثل صحيحة الفضلاء الثلاثة المتقدمة في أنها دالة على خلاف ما يدعيه فهي عليه لا
له كما لا يخفى.
أقول: ومثل هذه الرواية أيضا صحيحة زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: " سألته عن رجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام التشهد؟ قال يسلم ويمضي
لحاجته إن أحب ".
(الرابع) - استدلاله بموثقة يونس بن يعقوب ومثلها موثقة غالب بن عثمان
فإنه لا يخلو من غرابة، إذ لا يخفى أن قاعدته في هذا الكتاب رد الأخبار الموثقة
والحكم بضعفها وأنها متى وردت من طرف الخصم طعن فيها بالضعف وردها فكيف
جاز منه الاستدلال بها هنا؟ ما هذه إلا مجازفة ظاهرة، على أن معنى هذه الرواية أعني
موثقة يونس ليس ما توهمه بل هي بالدلالة على نقيض ما يدعيه أشبه، وذلك أن الغرض
من السؤال إنما هو أن المصلي بعد أن صلى بالقوم وأتم صلاته وسلم لم يلتفت إلى القوم
بوجهه ويسلم عليهم كما هو السنة يومئذ ولا سيما في مقام التقية من التفات الإمام إلى

(1) الوسائل الباب 64 من الجماعة. ولا يخفى أن التهذيب والفقيه اختلفا في نقل
الرواية ففي التهذيب ج 1 ص 253 " يتشهد وينصرف " وفي الوسائل عنه كذلك، وفي الفقيه
ج 1 ص 261 " يسلم وينصرف " كما ذكره " قدس سره "
(2) الوسائل الباب 64 من الجماعة
476

المأمومين بوجه (1) وقوله " السلام عليكم " وإن سلم لنفسه، ولهذا قال له الإمام " ألم
تسلم وأنت جالس؟ قال بلى فقال لا بأس عليك " لاتيانه بالواجب والذي أخل به أمر
مستحب وهو الالتفات إليهم بوجهه، ثم قال له " ولو نسيت السلام عليهم حتى قالوا لك ذلك
استقبلتهم بوجهك - في مقامك ذلك - وقلت السلام عليكم " وحينئذ فالرواية كسابقتها عليه لا له
(الخامس) - استدلاله بصحيحة معاوية بن عمار فإنها (أولا) أخص من المدعى
والاستناد في التعميم إلى عدم القائل بالفصل ليس بذلك الفصل. و (ثانيا) إمكان التجوز
بل شيوعه بحمل التشهد على ما يشمل التسليم كما أنه يطلق على مجموع تلك الأذكار
الطويلة اسم التشهد. وقوله في الرواية " وأحمد الله.. الخ " المراد به بعد صلاة
الركعتين كما لا يخفى.
(السادس) - الاستدلال ببطلان الصلاة بتخلل المنافي لو كان واجبا ففيه:
(أولا) أن ما ادعاه من أن الملازمة اجماعية فهو في حيز المنع لأن جملة من الأصحاب
القائلين بالوجوب قد ذهبوا إلى كونه واجبا خارجا كما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى،
ومنهم - شيخنا الشهيد في قواعده حيث قال على ما نقله عنه بعض مشايخنا المحققين
وسيأتي نقل كلامه إن شاء الله. وبه يظهر أن دعوى الاجماع مجازفة ولو كان ثمة اجماع
لما خفي على شيخنا المشار إليه مع تبحره وسعة باعه ووفور اطلاعه.
و (ثانيا) - أن ما ذكره من الأخبار إنما يرد على من قال بكونه
واجبا داخلا ونحن وإن قلنا بكونه واجبا لكنا نقول بكونه خارجا. بقي

(1) في فتح الباري ج 2 ص 227 باب " يستقبل الإمام الناس إذا سلم " ما ملخصه " سياق
حديث سمرة بن جندب ظاهره مواظبته " ص " على استقباله المأمومين بعد السلام، والحكمة
فيه تعريف الداخل أن الصلاة قد انقضت إذ لو استمر الإمام على حاله لأوهم أنه في التشهد
وقال الزين بن المنير استقباله المأمومين يرفع الخيلاء " وفي البحر الرائق ج 1 ص 335
" جلوس الإمام مستقبل القبلة بدعة فإن شاء انحرف يمينا وشمالا وإن شاء استقبلهم بوجهه "
477

أنها مطلقة بالنسبة إلى التسليم إذ لا تعرض له فيها بنفي ولا اثبات وقضية ورود جملة من
الأخبار الدالة على الوجوب - كما عرفت وستعرف إن شاء الله تعالى - حمل اطلاق هذه الأخبار على تلك فيجب الحكم بصحة الصلاة وإن وجب عليه الاتيان بالتسليم.
ثم قال في المدارك أيضا في رد ما احتج به القائلون بالوجوب: الثالث - ما رواه
الشيخ والمرتضى وابن بابويه مرسلا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (1) أنه قال:
" قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها
التسليم " وقد رواه الكليني مسندا عن علي بن محمد بن عبد الله عن سهل بن زياد عن
جعفر بن محمد الأشعري عن القداح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله).. الحديث " وجه الاستدلال أن التسليم وقع خبرا
عن التحليل فيجب كونه مساويا للمبتدأ أو أعم منه فلو وقع التحليل بغيره لكان المبتدأ
أعم. وأيضا فإن الظاهر إرادة حصر التحليل فيه لأنه مصدر مضاف إلى الصلاة فيتناول
كل تحليل يضاف إليها. ولأن الخبر إذا كان منفردا كان هو المبتدأ بمعنى أن الذي صدق
عليه أنه تحليل للصلاة يصدق عليه التسليم. كذا قرره في المعتبر، وجوابه (أولا) بضعف
هذا الحديث، وما قيل - من أن هؤلاء الثلاثة هم العمدة في ضبط الأحاديث ولولا علمهم
بصحته لما أرسلوه - فظاهر الفساد. و (ثانيا) أن ما قرر في إفادة الحصر غير تام لأن
مبناه على دعوى كون الإضافة للعموم وهو ممنوع فإن الإضافة كما تكون للاستغراق
تكون للجنس وللعهد الذهني والخارجي كما قرر في محله. الرابع - ما رواه الشيخ عن
أبي بصير (3) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في رجل صلى الصبح فلما

(1) الوسائل الباب 1 من التسليم عن أمير المؤمنين " ع " ولم يسنده إلى رسول الله
" صلى الله عليه وآله " وهو هكذا " افتتاح الصلاة.. "
(2) الوسائل الباب 1 من التسليم وفيه " افتتاح الصلاة " أيضا.
(3) الوسائل الباب 1 من التسليم
478

جلس في الركعتين قبل أن يتشهد رعف؟ قال فليخرج فليغسل أنفه ثم ليرجع صلاته
فإن آخر الصلاة التسليم " والجواب (أولا) بالطعن في السند باشتراك أبي بصير بين
الثقة وغيره، وبأنه من جملة رجالها عثمان بن عيسى وسماعة وهما واقفيان. و (ثانيا) منع
الدلالة فإن كون التسليم آخر الصلاة لا يقتضي وجوبه فإن الأفعال تشمل الواجب
والمندوب. و (ثالثا) بأنه متروك الظاهر إذ لا نعلم بمضمونه قائلا من الأصحاب.
انتهى المقصود من كلامه زيد في مقامه.
وفيه نظر من وجوه: (الأول) ما أجاب به عن حديث " تحريمها التكبير
وتحليلها التسليم " من ضعف السند فإن فيه (أولا) ما قدمنا بيانه في غير موضع من أن الطعن
بذلك لا يقوم حجة على المتقدمين الذين لا أثر لهذا الاصطلاح الذي هو أقرب إلى
الفساد من الصلاح عندهم ولا على غيرهم ممن يرى بطلانه.
و (ثانيا) استفاضة الأخبار بذلك وإن ضعف سندها فإن تكررها في الأصول
المعتمدة برواية أجلاء مشايخ العصابة لا يقصر عن خبر صحيح باصطلاحهم كما لا يخفى
على المنصف:
ففي حديث الفضل بن شاذان المروي في العلل وعيون الأخبار (1) " إنما جعل
التسليم تحليل الصلاة ولم يجعل بدله تكبيرا أو تسبيحا أو ضربا آخر قيل لأنه لما كان
في الدخول في الصلاة تحريم الكلام للمخلوقين والتوجه إلى الخالق كان تحليلها كلام
المخلوقين والانتقال عنها وابتداء المخلوقين بالكلام إنما هو بالتسليم " وفي نسخة أخرى
" وإنما بدأ المخلوقين في الكلام أو لا بالتسليم " فانظر إلى صراحة هذا الخبر في حصر
التحليل في التسليم دون غيره من تكبير أو تسبيح أو ضرب آخر.
وفي كتاب المناقب لابن شهرآشوب عن أبي حازم (2) قال: " سئل علي بن
الحسين (عليه السلام) ما افتتاح الصلاة؟ قال التكبير. قال ما تحليلها؟ قال التسليم ".

(1) الوسائل الباب 1 من التسليم
(2) مستدرك الوسائل الباب 1 من التسليم
479

وفي عيون الأخبار في ما كتبه الرضا (عليه السلام) للمأمون (1) قال: " تحليل
الصلاة التسليم ".
وفي العلل بسنده عن المفضل بن عمر (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن العلة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة؟ قال لأنه تحليل الصلاة.. إلى أن قال: فلم صار تحليل الصلاة التسليم؟ قال لأنه تحية الملكين ".
وما رواه الصدوق في الهداية (3) قال: " قال الصادق (عليه السلام) تحريم
الصلاة التكبير وتحليلها التسليم ".
وروى الشيخ مرسلا (4) قال: " قال رجل لأمير المؤمنين (عليه السلام)
ما معنى قول الإمام: السلام عليكم؟ فقال إن الإمام يترجم عن الله تعالى ويقول في ترجمته
لأهل الجماعة أمان لكم من عذاب الله يوم القيامة ".
وما رواه الصدوق في كتاب معاني الأخبار عن عبد الله بن الفضل الهاشمي بسند
معتبر (5) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن معنى التسليم في الصلاة؟ فقال
التسليم علامة الأمن وتحليل الصلاة. قلت وكيف ذلك جعلت فداك؟ فقال الناس
في ما مضى إذا سلم عليهم وارد آمنوا شره وكانوا إذا ردوا عليه أمن شرهم وإذا لم
يسلم عليهم لم يأمنوه وإذا لم يردوا على المسلم لم يأمنهم وذلك خلق في العرب، فجعل التسليم
علامة للخروج من الصلاة وتحليلا للكلام وأمنا من أن يدخل في الصلاة ما يفسدها
والسلام اسم من أسماء الله تعالى وهو واقع من المصلي على الملكين الموكلين ".
وهذه الأخبار - كما ترى - ظاهرة في أن التسليم الذي يحصل به الإذن والتحليل
إنما هو صيغة " السلام عليكم " دون " السلام علينا " على أن من جملة من نقل الحديث

(1) الوسائل الباب 1 من التسليم
(2) الوسائل الباب 1 من التسليم
(3) مستدرك الوسائل الباب 1 من التسليم
(4) الوسائل الباب 1 من التسليم عن الصدوق ولم ينقله عن الشيخ
(5) الوسائل الباب 1 من التسليم
480

المذكور الصدوق في الفقيه وهو قد استدل بأخبار الفقيه وإن ضعفت في مواضع من شرحه
اعتمادا على ما ضمنه في صدر كتابه: " منها - في جلد الميتة يوضع فيه السمن واللبن. وقد تقدم في
كتاب الطهارة (1).
(الثاني) - ما طعن به على دلالة الخبر والمذكور من عدم إفادته الاستغراق فإنه
لا يخفى أن المتسارع إلى الفهم الصائب من هذه الأخبار التي تلوناها والمنساق إلى الذوق
الثاقب منها إنما هو بيان الحد الموجب لتحريم ما كان محللا قبل الدخول في الصلاة
وتحليل ما كان محرما بعد الدخول، فبين (عليه السلام) أن الحد الأول الذي يحرم
به ما كان محللا هو التكبير للاحرام والحد الثاني الذي يحل به ما كان محرما في الصلاة
هو التسليم. ولا ريب أن هذا المعنى إنما يتجه بناء على إفادة الإضافة العموم والاستغراق
والمفهوم من كلام علماء الفن في أمثال هذا المقام وإن كان هو استعمال الإضافة في كلا
المعنيين كما ذكره إلا أن قرينة السياق وأخبار التعليل بوجوب التسليم والاتيان به في
الصلاة ولا سيما الخبر الأول إنما تنطبق على الحمل على العموم والاستغراق في هذه
الإضافة فيجب الحمل عليه البتة كما لا يخفى، فإن المنصف تكفيه الإشارة والمتعسف لا ينتفع
ولو بألف عبارة.
(الثالث) - ما طعن به في موثقة أبي بصير (أما أولا) فما طعن به من ضعف
السند فقد عرفت أنه غير مسموع ولا معتمد، على أنه متى كانت الأخبار الموثقة ضعيفة
باصطلاحه كما طعن به في هذا الموضع وغيره فكيف يستدل بالموثقتين المتقدمتين كما
أشرنا إليه آنفا؟ ولكن هكذا طريقته في غير مقام متى احتاج إلى الاستدلال بالموثقات
استدل بها وزيفها بوجوه تخريجية ومتى استدل به الخصم طعن فيها بضعف السند، وهذه
من جملة المناقضات التي جرت له في هذا الشرح.
و (أما ثانيا) فإن ما ذكره من منع الدلالة ضعيف، فإن المتسارع إلى الفهم السليم

(1) ج 5 ص 55
481

والذوق القويم من هذه العبارة هو الأمر بالرجوع واتمام الصلاة يعني بالتشهد التسليم
عملا بمقتضى التعليل، فإن معنى " فليتم صلاته " يعني يأتي بها إلى آخرها. ثم ذكران
آخرها التسليم، وحينئذ فالأمر بالاتمام متوجه إلى الصلاة التي آخرها التسليم، نظير ذلك
قولك اكتب هذا الكتاب من أوله إلى آخره فإن آخره كذا. فإنه لا ريب أن ذلك
الآخر داخل في المأمور بكتابته، وبذلك يتضح أن التسليم في الخبر مأمور به والأمر للوجوب
كما قرر في محله. هذا وجه الاستدلال بالخبر لأن محل الاستدلال - كما توهمه - مجرد قوله
في الخبر " فإن آخر الصلاة التسليم " حتى يتوجه ما ذكره.
(الرابع) - ما ذكره بقوله: " إنها متروكة الظاهر " فإني لا أعرف له وجها
كما لا يخفى على الناظر الماهر، فإنه إن أراد من حيث اشتمال الخبر على الخروج وغسل
أنفه ثم الرجوع في صلاته ففيه أنه قد ورد الحكم بذلك في عدة من الأخبار وبه قال
الأصحاب من غير خلاف يعرف، بمعنى أن المصلي يقطع الصلاة ويزيل النجاسة ثم يرجع
في صلاته ويبنى على ما مضى ما لم يستلزم ذلك مبطلا من خارج، فالمراد بالخروج في الخبر
هو الخروج من الصلاة وقطعها لأجل إزالة النجاسة، وستأتي الأخبار بذلك في محلها
إن شاء الله تعالى.
(الموضع الثاني) - في بيان كونه واجبا خارجا، أما وجوبه فلما عرفت في
الموضع المتقدم، وأما خروجه فهو قول جمع من الأصحاب: منهم - شيخنا الشهيد في قواعده
فإن الظاهر منه ذلك حيث قال: إن صحيحة زرارة في المحدث قبل التسليم (1) " قد تمت
صلاته " وصحيحته الأخرى في من صلى خمسا (2) " إن كان جلس في الرابعة قدر
التشهد فقد تمت صلاته " لا يدل شئ منهما على عدم وجوب التسليم وإنما يدلان على
عدم جزئيته. انتهى.
واعترضه تلميذه الفاضل المقداد في شرح النافع بلزوم خرق الاجماع المركب،

(1) ص 474
(2) الوسائل الباب 19 من الخلل في الصلاة
482

قال: لأن القائل قائلان إنه إما واجب فهو جزء من الصلاة - ولهذا حصروا الواجبات في
ثمانية - أو غير واجب فيكون واحدا من مندوباتها، فالقول بكونه واجبا غير جزء خرق
للاجماع وحينئذ لا يتم حمله المذكور للرواية. انتهى. وفيه ما قدمنا تحقيقه في غير مقام
ولا سيما في مقدمات الكتاب من أن هذا الاجماع المتناقل في كلامهم والدائر على
السن أقلامهم لا يعول عليه وليس بدليل شرعي يرجع إليه، على أنه لو كان ثمة اجماع
لما خفي على شيخنا المذكور مع سعة باعه ووفور اطلاعه. والعجب من جمود صاحب المدارك
- كما قدمنا عنه - على ذلك مع ضيق ساحته في الاجماع وكثرة الجدال منه فيه والنزاع.
وممن يظهر منه الميل إلى هذا القول أيضا الجعفي صاحب الفاخر على ما نقله عنه
في الذكرى من حكمه بعدم بطلان الصلاة بتخلل الحدث مع قوله بوجوب التسليم وبه
صرح الفاضل أبو الفضائل أحمد بن طاووس الحسني صاحب كتاب البشرى حيث نقل
عنه أن التسليم واجب وإن حصل الخروج من الصلاة قبله بقوله " السلام علينا وعلى عباد
الله الصالحين " وإليه ذهب المحدث الكاشاني في المفاتيح والحر العاملي، وهو المختار
الذي تجتمع عليه الأخبار كما عرفت في ما تقدم، وهو ظاهر صحيحة الفضلاء الثلاثة
المتقدمة (1) بالتقريب الذي ذكرناه ثمة.
ويدل عليه أيضا قوله في صحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
في من نسي التشهد الأول حيث قال: " يتم صلاته ثم يسلم ".
وصحيحة سليمان بن خالد في ذلك أيضا (3) حيث قال (عليه السلام): " وإن
لم يذكر حتى يركع فليتم الصلاة حتى إذا فرغ فليسلم ".
فإن العطف في الأول على اتمام الصلاة وقوله في الثاني " حتى إذا فرغ فليسلم "
أوضح دليل على ذلك، والخبران - كما ترى - دالان على الوجوب من حيث الأمر
فيهما بالتسليم.

(1) ص 473 و 474
(2) الوسائل الباب 7 من التشهد
(3) الوسائل الباب 7 من التشهد
483

وبالجملة فإن الأخبار لما دلت على الوجوب من حيث تكرار الأمر بذلك فيها
مضافا إلى ما حققناه في الموضع الأول ودلت أخبار تخلل الحدث ونحوه قبل التسليم على
صحة الصلاة فلا وجه للجمع بين الجميع إلا بهذا القول وتخرج الصحيحتان المذكورتان
ونحوهما شاهدا على ذلك.
ويدل على ذلك أيضا الأخبار الآتية في الموضع الآتي إن شاء الله الدالة على أنه
بقوله: " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " فقد تمت صلاته وانقطعت وأن التسليم
إنما هو بعد ذلك.
نعم ربما ينقدح هنا اشكال وهو أن يقال مقتضى أخبار " تحليلها التسليم " - كما
تقدم تحقيقه - وهو أن التحليل لا يحصل إلا به فهي ظاهرة في دخوله وجزئيته ومقتضى
ما اخترتم هو حصول التحليل بغيره وإن وجب الاتيان به. وبهذا الوجه اعترض الفاضل
المقداد على شيخنا الشهيد أيضا في ما تقدم نقله عنه مما يدل على كونه واجبا خارجا.
والجواب عنه أن الذي يقتضيه الجمع بين الأدلة في هذا المقام أن التسليم وإن
كان واجبا خارجا إلا أنه لا دليل على جواز تعمد الفعل المنافي قبله، وهذا معنى كونه
تحليلا بمعنى أن ما حرم في الصلاة لا يحل للمكلف الاتيان به إلا بعد التسليم، ولا ينافي
ذلك ما لو سبقه الحدث أو غلبة النوم مثلا فإنه لا دليل على بطلان صلاته بذلك بل الأدلة
دالة كما عرفت على الصحة. ولم أقف على من نبه على هذا الاشكال من القائلين بهذا
القول، والجواب عنه هو ما ذكرنا.
قال الفاضل الخراساني في الذخيرة - بعد البحث في المسألة واختياره القول
بالاستحباب كما هو المشهور بين متأخري الأصحاب - ما صورته: وهل التسليم
جزء من الصلاة. أم خارج عنها؟ قال المرتضى لم أجد لأحد فيه نصا ويقوى عندي أنه
من الصلاة والظاهر هو الثاني، وقد تقدمت في هذا البحث روايات كثيرة دالة عليه
ويزيدها بيانا ما رواه الشيخ في الصحيح عن سليمان بن خالد، ثم ذكر صحيحة سليمان
484

ابن خالد المذكورة، ثم قال وعن الحسين بن أبي العلاء (1) قال: " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الرجل يصلي الركعتين من المكتوبة فلا يجلس بينهما حتى يركع
في الثالثة، قال فليتم صلاته ثم يسلم ويسجد سجدتي السهو وهو جالس قبل أن يتكلم "
ويدل على كونه جزء من الصلاة رواية أبي بصير المتقدمة (2) ويؤيده تأييدا ضعيفا صحيحة
الفضلاء الواردة في صلاة الخوف (3) ولا معدل عن ارتكاب التأويل في ما دل على
الجزئية لعدم انتهاضه بمقاومة الأخبار الدالة على خروجه عن الصلاة. انتهى.
وظاهره - كما ترى - القول بخروجه واستحبابه، وإلى هذا يميل كلام شيخنا
المجلسي في كتاب البحار أيضا فيصير قولا ثالثا في المسألة، لأن القول المشهور على تقدير
الوجوب هو الجزئية والقول الثاني الخروج مع الوجوب، وظاهره هنا مع اختياره
الاستحباب - كما قدمنا نقله عنه - اختيار الخروج فيصير عنده مستحبا خارجا. والظاهر أنه
أشار بقوله هنا " وقد تقدمت في هذا البحث روايات كثيرة دالة عليه " إلى روايات
صحة الصلاة مع تخلل الحدث ونحوه قبل التسليم.
ثم إن من أظهر أخبار الجزئية أخبار " تحليلها التسليم " (4) كما لا يخفى إلا أن
الواجب - كما أشرنا إليه آنفا - تخصيصها بأخبار تخلل الحدث ونحوه سهوا.
(الموضع الثالث) - في الصيغة الواجبة التي يخرج بها من الصلاة هل هي
" السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " أو " السلام عليكم "؟
وقد وقع الخلاف هنا في موضعين: (الأول) في الصيغة الواجبة في التسليم وأنها
أي الصيغتين؟ فالمشهور أنه " السلام عليكم " قال في الدروس وعليه الموجبون، وذكر
في البيان أن " السلام علينا.. " لم يوجبها أحد من القدماء وإن القائل بوجوب التسليم
يجعلها مخرجة. وذهب المحقق في كتبه الثلاثة إلى التخيير بين الصيغتين وإن الواجب

(1) الوسائل الباب 7 من التشهد
(2) ص 478 و 479
(3) الوسائل الباب 2 من صلاة الخوف
(4) ص 478
485

ما تقدم منهما. وتبعه العلامة. وأنكره الشهيد في الذكرى والبيان. فقال في الذكرى إنه
قول محدث في زمان المحقق أو قبله بزمان يسير ونقل الايماء إلى ذلك من شرح رسالة
سلار، وقال في موضع آخر إنه قوي متين إلا أنه لا قائل به من القدماء وكيف يخفى
عليهم مثله لو كان حقا؟ مع أنه قد قال بذلك في الرسالة الألفية واللمعة الدمشقية وهي من آخر
مصنفاته. وذهب صاحب الجامع يحيى بن سعيد إلى وجوب " السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين " وتعينها للخروج من الصلاة. وأنكره في الذكرى وقال إنه خروج عن الاجماع
من حيث لا يشعر به قائله. ونسب المحقق في المعتبر هذا القول إلى الشيخ وخطأه
الشهيد في هذه النسبة وذهب الجعفي صاحب الفاخر إلى وجوب " السلام عليك أيها
النبي ورحمة الله وبركاته " وهو ظاهر الشيخ المقداد في كنز العرفان.
(الثاني) - في ما يخرج به المكلف من الصلاة، فقيل بتعين الخروج ب‍ " السلام
عليكم " وهو قول أكثر القائلين بوجوب التسليم، ومنهم من قال إنه يخرج من الصلاة
بقوله " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " وإن وجب الاتيان ب‍ " السلام عليكم "
بعد ذلك وهو قول صاحب البشرى، قال في الذكرى: وقال صاحب البشرى السيد
جمال الدين بن طاووس - وهو مضطلع بعلم الحديث وطرقه ورجاله - لا مانع أن يكون
الخروج ب‍ " السلام علينا.. " وإن كان يجب " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " بعده
للحديث الذي رواه ابن أذينة عن الصادق (عليه السلام) في وصف صلاة النبي (صلى
الله عليه وآله) في السماء (1) " أنه لما صلى أمر أن يقول للملائكة السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته " إلا أن يقال هذا في الإمام دون غيره، قال ومما يؤكد وجوبه رواية زرارة
ومحمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) (2) قال: " إذا فرغ من الشهادتين فقد
مضت صلاته فإن كان مستعجلا في أمر يخاف أن يفوته فسلم وانصرف أجزأه ". وذهب

(1) ص 456
(2) الوسائل الباب 4 من التشهد و 1 من التسليم. والراوي
هو الفضيل وزرارة ومحمد بن مسلم.
486

المحقق والعلامة في المنتهى والشهيد في اللمعة إلى التخيير بينهما وأنه يخرج من الصلاة
بكل منهما ولو جمع بينهما يحصل الخروج بالمتقدم منهما. وقد تقدم انكار الشهيد لذلك في
الذكرى. وقال في البيان بعد البحث عن الصيغة الأولى: وأوجبها بعض المتأخرين وخير بينها
وبين " السلام عليكم " وجعل الثانية منهما مستحبة وارتكب جواز " السلام علينا وعلى عباد
الله الصالحين " بعد " السلام عليكم " ولم يذكر ذلك في خبر ولا مصنف بل القائلون بوجوب
التسليم واستحبابه يجعلونها مقدمة. وذهب يحيى بن سعيد إلى تعين الخروج بالصيغة الأولى.
أقول: المستفاد من الأخبار الواردة في هذا المقام أن السلام المطلق الذي هو
معدود في سياق أفعال الصلاة وواجباتها وأنه تحليل الصلاة إنما هو " السلام عليكم "
ولكن جملة من الأخبار قد صرحت أن آخر أفعال الصلاة " وهو السلام علينا وعلى
عباد الله الصالحين " وهو آخر أجزاء التشهد المستحب ومن توابعه وصرحت بأنه بها
تتم الصلاة وتنقطع ويخرج من الصلاة. ومن هنا وقع الخلاف ونشأ الاشكال الموجب
لتعدد هذه الأقوال، فيحث رأوا في الأخبار أن " السلام علينا " مخرجة من الصلاة
وقاطعة لها وهي في آخر أجزاء التشهد وانضم إلى ذلك ورود الأمر بالتسليم بقول
مطلق في جملة من الأخبار المحتملة لحمله على " السلام علينا.. " ورأوا أيضا فيها أن
" السلام عليكم " تحليل الصلاة وأذن بالانصراف منها وايذان حملوا هذه الألفاظ في
الموضعين على معنى واحد، فبعض منهم خير بين الصورتين فأيهما قدم كانت كافية في
أداء الواجب والخروج من الصلاة وكانت الثانية مستحبة، وآخرون لما رأوا أخبار
" السلام علينا.. " قاصرة عن إفادة الوجوب حملوا اطلاق الأمر بالتسليم على خصوص
" السلام عليكم " وجعلوها مستحبة وإن كانت مخرجة كما يفهم من كلام صاحب البشرى.
ومن الأخبار الواردة في المقام موثقة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: " إذا كنت إماما فإنما التسليم أن تسلم على النبي (عليه وآله السلام) وتقول

(1) الوسائل الباب 2 من التسليم
487

" السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة ثم تؤذن
القوم وتقول وأنت مستقبل القبلة " السلام عليكم " وكذلك إذا كنت وحدك تقول
" السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " مثل ما سلمت وأنت إمام، فإذا كنت في
جماعة فقل مثل ما قلت وسلم على من على يمينك وشمالك.. الحديث ".
دلت هذه الرواية على انقطاع الصلاة وتمامها بعد قول " السلام علينا.. " وذلك
يعطي أنها آخر أجزاء الصلاة وأن التسليم الذي هو " السلام عليكم " واجب خارج كما
اخترناه وهو الذي يؤذن به القوم ويرخصهم إذا كان إماما بقوله (السلام عليكم) وكذلك
إذا كان منفردا أو مأموما.
ومن ذلك رواية أبي كهمس عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " سألته
عن الركعتين الأولتين إذا جلست فيهما للتشهد فقلت وأنا جالس " السلام عليك أيها
النبي ورحمة الله وبركاته " انصراف هو؟ قال لا ولكن إذا قلت " السلام علينا وعلى
عباد الله الصالحين " فهو الانصراف " ورواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر من
كتاب النوادر لمحمد بن علي بن محبوب مثله (2).
وصحيحة الحلبي (3) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) كل ما ذكرت الله
(عز وجل) به والنبي (صلى الله عليه وآله) فهو من الصلاة فإن قلت " السلام علينا وعلى عباد
الله الصالحين " فقد انصرفت " والمراد أن ما يأتي به من الأذكار وذكر النبي (صلى الله
عليه وآله) فهو من جملة الصلاة وأجزائها وإن كان مستحبا حتى يقول " السلام علينا.. "
فإنه يخرج بعد ذلك منها.
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: " إذا كنت إماما
فإنما التسليم أن تسلم على النبي (عليه وآله السلام) وتقول " السلام علينا وعلى عباد الله

(1) الوسائل الباب 4 من التسليم
(2) الوسائل الباب 4 من التسليم
(3) الوسائل الباب 4 من التسليم
(4) الوسائل الباب 2 من التسليم. وهذه الرواية هي موثقة أبي بصير المتقدمة
488

الصالحين فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة ثم تؤذن القوم. الحديث " وسيأتي تمامه.
وحسنة ميسر عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " شيئان يفسد الناس
بهما صلاتهم.. إلى أن قال وقول الرجل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ".
وروى الصدوق في الفقيه عن الصادق (عليه السلام) (2) قال: " أفسد ابن
مسعود على الناس صلاتهم بشيئين.. إلى أن قال وبقوله السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين " يعني في التشهد الأول.
دلت هذه الأخبار - كما ترى - على أن هذه الصيغة مخرجة وقاطعة حتى أنه لو أتى
المكلف بها عمدا في التشهد الأول بطلت صلاته لأن الشارع قد وضعها لهذا المعنى فجعلها
مخرجة وقاطعة ولكن عين محلها في آخر أجزاء التشهد الثاني خاصة.
ويزيد ذلك تأييدا ما رواه الصدوق في الخصال بسنده عن الأعمش عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " لا يقال في التشهد الأول " السلام علينا وعلى
عباد الله الصالحين " لأن تحليل الصلاة هو التسليم وإذا قلت هذا فقد سلمت ".
ومعنى التحليل هنا عبارة عن انقطاع الصلاة والخروج منها ومن هنا سرى الوهم
المتقدم ذكره، فإنهم جعلوا معنى الخروج هنا وانقطاع الصلاة عبارة عن اتمام أفعال الصلاة
وواجباتها الداخلة والخارجة وعدم الإثم في ترك ما يترك بعد ذلك وفعل ما لا يجوز فعله
قبل ذلك. وليس الأمر كما ظنوه بل إنما معناه اتمام أفعال الصلاة وأجزائها الداخلة فيها
المبطل تركها للصلاة والمبطل تخلل الحدث بينها على المشهور. والمعنى الأول الذي توهموه
إنما هو التحليل في " السلام عليكم " يعني أنه يحل بهذه الصيغة ما كان محرما من غير
ترتب إثم ولا إعادة في شئ بالكلية.
ومن الأخبار في ذلك موثقة أبي بصير المتقدمة (4) في فضل التشهد المشتملة

(1) الوسائل الباب 12 من التشهد
(2) الوسائل الباب 12 من التشهد
(3) الوسائل الباب 29 من قواطع الصلاة
(4) ص 450
489

على التشهد الكامل الجامع للأذكار المستحبة حيث قال بعد سياق التشهد المستحب
وختمه ب‍ " السلام علينا وعلي عباد الله الصالحين ": " ثم تسلم " ونحوه عبارة كتاب
الفقه المذكورة بعده.
وأنت خبير بأن غاية ما يستفاد من الأخبار المذكورة بالنسبة إلى " السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين " هو كونها قاطعة للصلاة متى أتى بها ولا يستفاد منها
وجوب الاتيان بها، إذ ليس بعد هذه الأخبار الدالة على كونها قاطعة ومخرجة إلا مجرد
حكايتها في التشهد المشتمل على المستحبات العديدة وجعلها في قرن ذلك وإلا فالأوامر
التي ذكرنا دلالتها على وجوب التسليم والأخبار الدالة على أنه محلل وإذن ونحو ذلك أنما
وردت في " السلام عليكم " خاصة لا تعلق لشئ منها ب‍ " السلام علينا.. " كما لا يخفى
على من عمق النظر في الأخبار وذاق من لذيذ تلك الثمار.
قال في الذكرى بعد الكلام في المسألة: وبعد هذا فالاحتياط للدين الاتيان
بالصيغتين جمعا بين القولين وليس ذلك بقادح في الصلاة بوجه من الوجوه بادئا
ب‍ " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " لا بالعكس فإنه لم يأت به خبر منقول ولا مصنف
مشهور سوى ما في بعض كتب المحقق (قدس سره) ويعتقد ندب " السلام علينا " ووجوب
الصيغة الأخرى، وإن أبى المصلي إلا إحدى الصيغتين ف‍ " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته "
مجزئة بالاجماع. انتهى. وهو جيد وجيه متين كما لا يخفى على الحاذق المكين وإن
كان قد خالف نفسه فيه بما قدمنا نقله عنه في الرسالة واللمعة وفاقا للمحقق كما تقدم، وهو
خلاف ما ذهب إليه الفاضل يحيى بن سعيد.
تنبيهات
(الأول) - قد ذكر جملة من الأصحاب أن المستحب للإمام والمنفرد أن يسلما
تسليمة واحدة لكن الإمام يومئ بصفحة وجهه إلى يمينه والمنفرد يومئ بمؤخر عينه إلى
490

يمينه، والمؤخر كمؤمن طرفها الذي يلي الصدغ. وأما المأموم فإنه يسلم من الجانبين إذا
كان على يساره أحد وإلا فعن يمينه ويومئ بصفحة وجهه. وقال ابن الجنيد: إذا كان
إماما في صف سلم عن جانبيه. ونقل عن الصدوقين أنهما جعلا الحائط عن يسار
المأموم كافيا في التسليمتين يمينا وشمالا. وسيأتي نقل كلام ابنه في الفقيه مع دليله
وتحقيق القول فيه.
وأما الأخبار التي وقعت عليها في هذا الباب فهي لا تخلو بحسب ظاهرها من
الاختلاف والاضطراب كما هو في أكثر الأحكام المتفرقة في جملة الأبواب.
فمن ذلك: الأول - ما رواه ثقة الاسلام في الكافي في الصحيح عن أبي بصير (1)
قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا كنت في صف فسلم تسليمة عن يمينك
وتسليمة عن يسارك لأن عن يسارك من يسلم عليك وإذا كنت إماما فسلم تسليمة واحدة
وأنت مستقبل القبلة ".
الثاني - ما رواه الكليني والشيخ عن عنبسة بن مصعب (2) قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يقوم في الصف خلف الإمام وليس على يساره أحد
كيف يسلم؟ قال يسلم واحدة عن يمينه ".
الثالث - ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر (عليه السلام) (3)
قال " رأيت إخوتي موسى وإسحاق ومحمدا بني جعفر يسلمون في الصلاة عن اليمين
والشمال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " (4).
الرابع - عن عبد الحميد بن عواض في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5)
قال: " إن كنت تؤم قوما أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك وإن كنت مع إمام

(1) الوسائل الباب 2 من التسليم
(2) الوسائل الباب 2 من التسليم
(3) الوسائل الباب 2 من التسليم
(4) الموجود في التهذيب ج 1 ص 236 والوسائل والوافي باب " التسليم والانصراف "
هكذا " السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله " بالتكبير بدون كلمة " وبركاته "
(5) الوسائل الباب 2 من التسليم
491

فتسليمتين وإن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة ".
الخامس - عن منصور بن حازم في الصحيح (1) قال: " قال أبو عبد الله (عليه
السلام) الإمام يسلم واحدة ومن وراءه يسلم اثنتين فإن لم يكن عن شماله أحد سلم واحدة "
السادس - عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " إذا
كنت إماما.. الحديث وقد تقدم قريبا (3) إلى أن قال: ثم تؤذن القوم فتقول وأنت
مستقبل القبلة: السلام عليكم، وكذلك إذا كنت وحدك تقول " السلام علينا وعلى عباد
الله الصالحين " مثل ما سلمت وأنت إمام، فإذا كنت في جماعة فقل مثل ما قلت وسلم
على من على يمينك وشمالك فإن لم يكن على شمالك أحد فسلم على الذين عن يمينك ولا تدع
التسليم على يمينك وإن لم يكن على شمالك أحد ".
قال في الوافي بعد نقل هذا الخبر: ويستفاد من هذا الحديث وبعض الأخبار
السابقة أن آخر أجزاء الصلاة قول المصلي " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " وبه
ينصرف عن الصلاة وبعد الانصراف عنها بذلك يأتي بالتسليم الذي هو إذن وايذان
بالانصراف وتحليل للصلاة وهو قول " السلام عليكم " ولما اشتبه هذا المعنى على أكثر
متأخري أصحابنا اختلفوا في صيغة التسليم المحلل اختلافا لا يرجى زواله. والحمد لله على
ما هدانا. أقول وهو موافق لما قدمنا تحقيقه وأوسعنا مضيقه.
ثم قال (قدس سره): قوله (عليه السلام) في آخر الحديث " وإن لم يكن
على شمالك أحد " الظاهر أنه كان " على يمينك " فسها النساخ فكتبوا " على
شمالك " وفي بعض النسخ " إن لم يكن " بدون الواو وكأنه نشأ اسقاطه مما رأوا
من التهافت الناشئ من ذلك السهو، ويؤيد ما قلناه ما يأتي من كلام الفقيه
انتهى. وهو جيد.
السابع - ما رواه الحميري في قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى

(1) الوسائل الباب 2 من التسليم
(2) الوسائل الباب 2 من التسليم
(3) ص 487
492

(عليه السلام) (1) قال: " سألته عن تسليم الرجل خلف الإمام في الصلاة كيف؟ قال
تسليمة واحدة عن يمينك إذا كان عن يمينك أحد أو لم يكن " أقول: وفي هذا الخبر دلالة
على صحة ما ذكره المحدث الكاشاني في خبر أبي بصير من السهو.
الثامن - ما رواه المحقق في المعتبر نقلا من جامع البزنطي عن عبد الله بن
أبي يعفور (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن تسليم الإمام وهو مستقبل
القبلة؟ قال يقول السلام عليكم ".
التاسع - عن عبد الكريم عن أبي بصير (3) قال: " قال أبو عبد الله (عليه
السلام) إذا كنت وحدك فسلم تسليمة واحدة عن يمينك ".
العاشر - ما في الفقه الرضوي (4) حيث قال (عليه السلام) بعد سياق
التشهد الطويل كما تقدم في فصل التشهد وذكر " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " في
آخره " ثم سلم عن يمينك وإن شئت يمينا وشمالا وإن شئت تجاه القبلة " وظاهره التخيير
مطلقا إماما كان أو مأموما أو منفردا.
هذا ما حضرني من أخبار المسألة وسيجئ خبر آخر مع كلام الصدوق بعد
تحقيق ما في هذه الأخبار حيث إن ما فيه لا يخلو من غرابة كما سنوضحه إن شاء الله تعالى
أقول: ويستفاد من هذه الأخبار أما بالنسبة إلى الإمام فقد دل الخبر الأول
على أنه يسلم تسليمة واحدة وهو مستقبل القبلة، والخبر الرابع تضمن تسليمة واحدة
عن يمينه، والخبر الخامس تضمن أنه يسلم تسليمة واحدة ولم يعين الجهة فيها، والخبر
السادس دل على أنه يسلم مستقبل القبلة، وهو ظاهر الخبر الثامن أيضا لأن الاستقبال
وإن كان في كلام السائل إلا أن ظاهر جوابه (عليه السلام) تقريره على ذلك، وقد
تقدم في موثقة يونس بن يعقوب (5) ما يدل على أنه يسلم ويستقبلهم بوجهه، وهو مؤيد
لما دل عليه الخبر الرابع.

(1) الوسائل الباب 2 من التسليم
(2) الوسائل الباب 2 من التسليم
(3) الوسائل الباب 2 من التسليم
(4) ص 8
(5) ص 474
493

وبعض مشايخنا جمع بين الأخبار هنا بأن يبتدئ أولا إلى القبلة ثم يختمه
مائلا إلى اليمين. والظاهر بعده ولا يبعد الجمع بين الأخبار بالتخيير كما يدل عليه
ظاهر الخبر العاشر.
وأما بالنسبة إلى المأموم فقد تضمن الخبر الأول أنه يسلم تسليمة عن يمينه وتسليمة
عن يساره، وتضمن الخبر الثاني أنه يسلم واحدة عن يمينه خاصة إذا لم يكن على يساره أحد،
وتضمن الخبر الرابع أنه يسلم تسليمتين بقول مطلق، واطلاقه محمول على ما تضمنه غيره من أن إحداهما إلى اليمين والأخرى إلى اليسار متى كان على يساره أحد، والخامس تضمن أنه يسلم اثنتين إلا أن لا يكون على شماله أحد فواحدة عن اليمين، والسادس تضمن كما
تضمنه الخامس، والخبر السابع تضمن تسليمة واحدة خاصة على اليمين سواء كان أحد
عن يمينه أو لم يكن، واطلاقه في التسليمة الواحدة يحمل على ما إذا لم يكن على يساره أحد.
وبالجملة فالمفهوم من ضم هذه الأخبار بعضها إلى بعض أن المأموم يسلم واحدة عن
يمينه سواء كان عن يمينه أحد أو لم يكن ويسلم عن يساره إذا كان ثمة أحد وإلا فلا.
وأما ما ذكره في المدارك بعد ذكر الرواية الخامسة والسادسة - حيث قال: وليس
في هاتين الروايتين ولا في غيرهما مما وقفت عليه دلالة على الايماء بصفحة الوجه - ففيه
أن المتبادر من هذه الألفاظ المذكورة في الأخبار - من قولهم " سلم على من على يمينك
وشمالك " وقولهم " تسليمة واحدة عن يمينك " ونحو ذلك - التوجه بالوجه كلا أو بعضا
نحو اليمين والشمال، فإن العرف قاض بأن من قصد خطاب شخص توجه إليه بوجهه،
وأما الاكتفاء في ذلك بمجرد النية والقصد فبعيد غاية البعد. ويؤيد ما قلناه ما اشتملت
عليه الرواية السادسة من قوله في حكم الإمام " سلم وأنت مستقبل القبلة " وقوله في حكم
المأموم " سلم على من على يمينك وشمالك " فإنه لا ريب في تغاير معنى كل من العبارتين
للأخرى وليس إلا بما قلناه.
وأما الاستشكال في الانحراف حال التسليم يمينا وشمالا من حيث كراهة
494

الانحراف في الصلاة بناء على القول بكونه جزء واجبا فيمكن الجواب عنه بما ذكره في
الذكرى من تخصيص أخبار الكراهة بأخبار التسليم فيكون التسليم مستثنى من الحكم
المذكور بدليل من خارج.
وأما المنفرد فقد تضمن الخبر الرابع أنه يسلم واحدة مستقبل القبلة، وكذلك
ظاهر الخبر السادس، والخبر التاسع تضمن أنه يسلم تسليمة واحدة عن يمينه، واطلاق
الخبر العاشر يدل على التخيير بين أن يسلم عن يمينه وشماله أو واحدة
تجاه القبلة، واطلاق الخبر الثالث يدل على التسليمتين أيضا عن اليمين والشمال إلا أن
يحمل على كونهم مأمومين كما هو الأقرب من حيث مداومتهم على الصلاة خلف أئمة
ذلك الزمان وورود التسليمتين في أكثر الأخبار للمأموم خاصة.
والأصحاب - كما تقدم - ذكروا أن المنفرد يسلم تسليمة واحدة ويومئ بمؤخر عينه
إلى يمينه، والأخبار كما ترى خالية من ذلك.
وقال المحقق في المعتبر: أما الإشارة بمؤخر العين فقد ذكره الشيخ في النهاية وهو
من المستحب عنده وربما أيده ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي في جامعه
وذكر الخبر التاسع.
وأنت خبير بأن ظاهر الخبر إنما هو الايماء بالوجه إلى اليمين كما أوضحناه آنفا
وبالجملة فالايماء بمؤخر العين لا أعرف دليلا من الأخبار والجماعة قد تبعوا الشيخ كما هي
قاعدتهم غالبا لحسن الظن به والأخبار خالية منه كما ترى.
بقي الكلام في الجمع بين الخبر الدال على التسليم عن يمينه والأخبار الدالة على
التسليم مستقبل القبلة ولا أعرف له وجها إلا التخيير.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الصدوق قال في الفقيه: ثم تسلم وأنت مستقبل القبلة وتميل
بعينك إلى يمينك إن كنت إماما، وإن صليت وحدك قلت " السلام عليكم " مرة واحدة
وأنت مستقبل القبلة وتميل بأنفك إلى يمينك، وإن كنت خلف إمام تأثم به فسلم تجاه القبلة
495

واحدة ردا على الإمام وتسلم على يمينك واحدة وعلى يسارك واحدة إلا أن لا يكون
على يسارك انسان فلا تسلم على يسارك إلا أن تكون بجنب الحائط فتسلم على يسارك،
ولا تدع التسليم على يمينك كان على يمينك أحد أو لم يكن. انتهى. وقال في المقنع
نحو هذه العبارة.
وربما كان مستنده في ذلك ما رواه في علل الشرائع والأحكام بسنده فيه عن المفضل
ابن عمر (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن العلة التي من أجلها وجب
التسليم في الصلاة؟ قال لأنه تحليل الصلاة. قلت فلأي علة يسلم على اليمين ولا يسلم على
اليسار؟ قال لأن الملك الموكل يكتب الحسنات على اليمين والذي يكتب السيئات على اليسار
والصلاة حسنات ليس فيها سيئات فلهذا يسلم على اليمين دون اليسار. قلت فلم لا يقال
" السلام عليك " والملك على اليمين واحد ولكن يقال " السلام عليكم "؟ قال ليكون قد سلم
عليه وعلى من على اليسار وفضل صاحب اليمين عليه بالايماء إليه. قلت فلم لا يكون الايماء
في التسليم بالوجه كله ولكن كان بالأنف لمن يصلي وحده وبالعين لمن يصلي بقوم؟ قال
لأن مقعد الملكين من ابن آدم الشدقين فصاحب اليمين على الشدق الأيمن وتسليم
المصلي عليه ليثبت له صلاته في صحيفته، قلت فلم يسلم المأموم ثلاثا؟ قال تكون واحدة
ردا على الإمام وتكون عليه وعلى ملكيه وتكون الثانية على من على يمينه والملكين
الموكلين به وتكون الثالثة على من على يساره وملكيه الموكلين به، ومن لم يكن على يساره
أحد لم يسلم على يساره إلا أن يكون يمينه إلى الحائط ويساره إلى المصلي معه خلف الإمام
فيسلم على يساره. قلت فتسليم الإمام على من يقع؟ قال على ملكيه والمأمومين، يقول
لملكيه: اكتبا سلامة صلاتي مما يفسدها. ويقول لمن خلفه: سلمتم وأمنتم من عذاب الله تعالى
قلت فلم صار تحليل الصلاة التسليم؟ قال لأنه تحية الملكين وفي إقامة الصلاة بحدودها
وركوعها وسجودها وتسليمها سلامة العبد من النار وفي قبول صلاة العبد يوم القيامة

(1) الوسائل الباب 1 و 2 من التسليم
496

قبول سائر أعماله فإذا سلمت له صلاته سلمت جميع أعماله وإن لم تسلم صلاته وردت عليه
رد ما سواها من الأعمال الصالحة ".
أقول: الظاهر أن هذا الخبر هو مستند الصدوق في ما ذكره في هذه العبارة من
الأحكام الغريبة المخالفة لما عليه الأصحاب بل وأخبار الباب:
فمنها - الايماء بالأنف لمن يصلي وحده، فإن المشهور في كلام الأصحاب هو الايماء
بمؤخر عينه كما عرفت والذي في الأخبار هو التسليم إلى القبلة أو الايماء بوجهه إلى يمينه
كما عرفت، على أن تحقق الايماء بالأنف خاصة لا يخلو من الاشكال فإنه لا يمكن ذلك
إلا مع الايماء بالوجه، ولعل المراد الايماء القليل بالوجه بحيث ينحرف به الأنف.
ومنها - الايماء بالعين للإمام والمشهور الانحراف بالوجه، والأخبار منها ما دل
على ما هو المشهور ومنها ما دل على التسليم إلى القبلة.
ومنها - التسليم ثلاثا للمأموم والمشهور في الأخبار وكلام الأصحاب مرتان
بالتفصيل المتقدم.
ومنها - استحباب التسليم إلى الحائط إذا كان في جانب اليسار إلا أن عبارة
الحديث لا تساعده في هذا الوجه فإن ظاهرها التسليم على اليسار إذا كان الحائط على اليمين
وأما ما ذكره الشهيد في الذكرى - حيث قال بعد النقل عن ابني بابويه أنهما
جعلا الحائط على يسار المصلي كافيا في استحباب التسليمتين: ولا بأس باتباعهما لأنهما
جليلان لا يقولان إلا عن ثبت -
فلا يخفى ما فيه على الحاذق النبيه (أما أولا) فلأن الأحكام الشرعية لا يجوز
الاعتماد فيها على مجرد القول ما لم يعلم دليله إلا أن يكون مقلدا عاجزا عن استنباط
الأدلة وتحصيلها ومرتبته (قدس سره) أجل من ذلك، وقول الصدوقين بأي حكم من
الأحكام لدليل اطلعا عليه ولم يصل إلينا ولم نقف عليه لا يجوز لنا متابعتهما إلا على
ما عرفت من التقليد، وبالجملة فإن الفقيه مكلف من الله عز وجل بالعمل بما ثبت
497

عنده من الدليل ومنهى عن القول على الله بغير دليل في واجب كان أو مستحب أو محرم
أو مكروه. نعم يمكن حمل كلامه على اتباعهما في العمل بذلك دون الافتاء به إلا أن
فيه أيضا ما سيأتي.
و (أما ثانيا) - فلما ظهر لشيخنا الصدوق في جملة من المواضع من الأوهام التي
تفرد بها وربما شنع بها على من لم يوافقه عليها أتم التشنيع مع أنه لم يوافقه عليها أحد من
الأصحاب، ومنها - وجوب تأخير خطبتي الجمعة، ونحو ذلك مما يقف عليه المتتبع البصير
ولا ينبئك مثل خبير.
و (أما ثالثا) - فإن الظاهر أن مستنده في هذا الكلام وما تضمنه من الأحكام
إنما هو هذا الخبر وهو - كما ترى - لا ينطبق على ما ذكره في هذا الموضع. والله العالم.
(الثاني) - قد أشرنا في ما تقدم في صدر الموضع الثالث إلى أن الجعفي وصاحب
كنز العرفان ذهبا إلى وجوب " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ".
قال في كنز العرفان في تفسير قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا
تسليما " (1): استدل بعض شيوخنا على وجوب التسليم المخرج من الصلاة بما تقريره:
شئ من التسليم واجب ولا شئ منه في غير التشهد بواجب فيكون وجوبه في الصلاة
وهو المطلوب، أما الصغرى فلقوله " سلموا " الدال على الوجوب وأما الكبرى فللإجماع
وفيه نظر لجواز كونه بمعنى الانقياد، سلمنا لكنه سلام على النبي (صلى الله عليه وآله)
لسياق الكلام وقضية العطف وأنتم لا تقولون أنه المخرج من الصلاة بل المخرج غيره.
ثم قال واستدل بعض شيوخنا المعاصرين على أنه يجب إضافة " السلام عليك أيها النبي
ورحمة الله وبركاته " إلى التشهد الأخير بالتقريب المتقدم. قيل عليه أنه خرق للاجماع
لنقل العلامة الاجماع على استحبابه. ويمكن الجواب بمنع الاجماع على عدم وجوبه
والاجماع المنقول على مشروعيته وراجحيته وهو أعم من الوجوب والندب. ثم قال
وبالجملة الذي يغلب على ظني الوجوب. واستدل ببعض الأخبار.

(1) سورة الأحزاب الآية 56
498

وقال الجعفي في الفاخر على ما نقله عنه في الذكرى، قال قال صاحب الفاخر: أقل
المجزئ من عمل الصلاة في الفريضة تكبيرة الافتتاح وقراءة الفاتحة في الركعتين أو ثلاث
تسبيحات والركوع والسجود وتكبيرة واحدة بين السجدتين والشهادة في الجلسة الأولى
وفي الأخيرة الشهادتان والصلاة على النبي وآله (صلى الله عليه وآله) والتسليم و " السلام
عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ".
قال شيخنا الشهيد في الذكرى بعد نقل ذلك عنه: وكلامه هذا يشتمل على أشياء
لا تعد من المذهب: منها - التكبيرة الواحدة بين السجدتين، ومنها - القصر على
الشهادة في الجلسة الأولى، ومنها - وجوب التسليم على النبي (صلى الله عليه وآله)
وأما البدل عن القراءة فيريد به مع الاضطرار، صرح بذلك في غير هذا الموضع. انتهى.
أقول: لا يخفى ضعف هذا القول على من تأمل ما قدمناه من أخبار المسألة،
ومنشأ الشبهة هو لفظ التسليم فيه وقد عرفت أن مساق الأخبار الواردة بالأمر بالتسليم
وأنه مخرج وقاطع ونحو ذلك لا يتعلق بهذه الصيغة المذكورة، وأخبار تخلل الحدث بعد
التشهد (1) صريحة في صحة الصلاة، وحينئذ فأي دليل للوجوب على ذلك؟
(الثالث) - قال شيخنا الشهيد في الذكرى - بعد البحث في المسألة ونقل عبارات جملة
من الأصحاب والمناقشة في ما كان محلا للمناقشة عنده - ما لفظه: " أقول وبالله التوفيق:
هذه المسألة من مهمات الصلاة وقد طال الكلام فيها ولزم منه أمور ستة: (الأول) القول
بندبية التسليم بمعنييه كما هو مذهب أكثر القدماء، وينافيه تواتر النقل عن النبي (صلى الله
عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) بقوله " السلام عليكم " من غير بيان ندبيته
مع أنه امتثال الأمر الواجب، وقد روى الشيخ باسناده إلى أبي بصير بطريق موثق (2)
قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في رجل صلى الصبح فلما جلس
في الركعتين قبل أن يتشهد رعف؟ قال فليخرج فليغسل أنفه ثم ليرجع فليتم صلاته فإن

(1) التعليقة 1 ص 500
(2) الوسائل الباب 1 من التسليم
499

آخر الصلاة التسليم " ومثله كثير وحمله الشيخ على الأفضل، حتى أن قول سلف الأمة
" السلام عليكم " عقيب الصلاة داخل في ضروريات الدين وإنما الشأن في الندبية
أو الوجوب (الثاني) وجوب التسليم بمعنييه أما " السلام عليكم " فلاجماع الأمة وأما الصيغة
الأخرى فلما مر من الأخبار التي لم ينكرها أحد من الإمامية مع كثرتها، لكنه لم يقل
به أحد في ما علمته (الثالث) وجوب " السلام علينا.. " عينا وقد تقدم القائل به، وفيه
خروج عن الاجماع من حيث لا يشعر قائله (الرابع) وجوب " السلام عليكم " عينا
لاجماع الأمة على فعله، وينافيه ما دل على انقطاع الصلاة بالصيغة الأخرى مما لا سبيل إلى
رده فكيف يجب بعد الخروج من الصلاة؟ (الخامس) وجوب الصيغتين تخييرا جمعا
بين ما دل عليه اجماع الأمة وأخبار الإمامية، وهو قوي متين إلا أنه لا قائل به من
القدماء وكيف يخفى عليهم مثله لو كان حقا؟ (السادس) وجوب " السلام عليكم " أو
المنافي تخييرا وهو قول شنيع وأشنع منه وجوب إحدى الصيغتين أو المنافي. وبعد هذا
كله فالاحتياط للدين الاتيان بالصيغتين جمعا بين القولين وليس ذلك بقادح في الصلاة
بوجه من الوجوه بادئا ب " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " لا بالعكس فإنه لم يأت به خبر منقول ولا مصنف مشهور سوى ما في بعض كتب المحقق (قدس سره) ويعتقد
ندب " السلام علينا.. " ووجوب الصيغة الأخرى، وإن أبى المصلي إلا إحدى الصيغتين
ف‍ " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " مخرجة بالاجماع. انتهى.
وظاهره مؤذن بالتوقف في المسألة وأنه إنما صار إلى ما صار إليه أخيرا أخذا بالاحتياط.
وأنت خبير بأن ما ذكره أخيرا هو الحق المستفاد من أخبار المسألة وضم بعضها إلى بعض
كما تقدم تحقيقه، والأخبار الكثيرة التي أشار إليها بالنسبة إلى " السلام علينا.. " غايتها
- كما قدمنا تحقيقه - الدلالة على انقطاع الصلاة بعدها وهو لا يستلزم وجوبها. بوجه.
وأحاديث صحة الصلاة بتخلل الحدث بعد التشهد (1) أصرح صريح في استحبابها.

(1) الوسائل الباب 3 من التسليم و 1 من قواطع الصلاة
500

وأما صيغة " السلام عليكم " فالدليل على وجوبها بعد الاجماع المذكور استفاضة الأخبار
بالأمر بها كما تقدم بيانه. وما ذكره في الوجه الرابع من منافاة القول بوجوب " السلام
عليكم " للأخبار الدالة على الانقطاع بالصيغة الأخرى إنما يرد على القائلين بالجزئية كما
تقدم وأما من يقول بكونه واجبا خارجا فلا كما عرفت. وأما الاشكال بأخبار الحدث
قبل التسليم (1) وجعل الحدث بذلك مخرجا فقد تقدم الجواب عنه.
(الرابع) - قيل إن الواجب على تقدير القول بوجوب التسليم هو " السلام
عليكم " خاصة ونقل عن ابن بابويه وابن أبي عقيل وابن الجنيد، وقال أبو الصلاح يجب
" السلام عليكم ورحمة الله " ونقل عن ابن زهرة وجوب " السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته " وقال العلامة في المنتهى: ولو قال " السلام عليكم ورحمة الله " جاز وإن لم
يقل " وبركاته " بغير الخلاف.
أقول: لا يخفى أن الأخبار في ذلك مختلفة أيضا ففي صحيح ابن أذينة أو حسنه
المتقدم ذكره في آخر فصل التشهد (2) أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما أمره الله تعالى
بالسلام على الملائكة والنبيين قال " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ".
وفي صحيح علي بن جعفر وهو الخبر الثالث من الأخبار المتقدمة (3) حكاية
عن إخوته الذين منهم الإمام (عليه السلام) " السلام عليكم ورحمة الله (4) ".
وروى في دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (5) قال: " فإذا
قضيت التشهد فسلم عن يمينك وعن شمالك تقول " السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم
ورحمة الله " وظاهره استحباب المرتين للمنفرد أيضا.

(1) الوسائل الباب 3 من التسليم و 1 من قواطع الصلاة
(2) ص 456
(3) ص 491
(4) وردت الصيغة في الخبر المذكور مكررة كما تقدم في التعليقة (4) ص 491
(5) مستدرك الوسائل الباب 4 من التسليم
501

وفي الخبر السادس (1) من الأخبار المتقدمة أيضا " السلام عليكم " خاصة ومثله
الخبر الثامن، ومثلهما ما تقدم في موثقة يونس بن يعقوب (2) الدالة على أنه نسي السلام
على من خلفه حيث قال (عليه السلام) " ولو نسيت.. استقبلتهم بوجهك فقلت السلام
عليكم " ومورد الجميع الإمام إلا أن الظاهر أنه لا قائل بالفرق.
وفي كتاب المقنع (3) بعد ذكر التسليمات المستحبة على النبي (صلى الله عليه
وآله) والأنبياء والرسل والملائكة: فإذا كنت إماما فسلم وقل (السلام عليكم) مرة
واحدة وأنت مستقبل القبلة وتميل بعينيك إلى يمينك وإن لم تكن إماما تميل بأنفك إلى
يمينك، وإن كنت خلف إمام تأتم به فتسلم تجاه القبلة واحدة ردا على الإمام وتسلم على
يمينك واحدة وعلى يسارك واحدة.. إلى آخره. وهو جار على ما تقدم نقله عن الفقيه.
والظاهر من الجمع بين هذه الأخبار هو حمل ما زاد على " السلام عليكم " على الفضل
والاستحباب كما هو مقتضى القول الأول من الأقوال المتقدمة، ويؤيده أنه هو السلام
المعهود المتكرر بين كافة الناس والسلام في الصلاة مأخوذ منه كما يشير إليه حديث
عبد الله بن الفضل الهاشمي المتقدم في الموضع الأول (4) ونحوه حديث الفضل بن شاذان
المذكور ثمة أيضا (5).
(الخامس) - قال في الذكرى: يستحب أن يقصد الإمام التسليم على الأنبياء والأئمة
(عليهم السلام) والحفظة والمأمومين لذكر أولئك وحضور هؤلاء والصيغة صيغة خطاب
والمأموم يقصد بأولى التسليمتين الرد على الإمام، فيحتمل أن يكون على سبيل الوجوب
لعموم قوله تعالى " وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أوردوها " (6) ويحتمل أن يكون على سبيل الاستحباب لأنه لا يقصد به التحية وإنما الغرض منه الايذان بالانصراف

(1) ص 492
(2) ص 474
(3) مستدرك الوسائل الباب 2 من التسليم
(4) ص 480
(5) ص 479
(6) سورة النساء، الآية 88
502

من الصلاة كما مر في خبر أبي بصير (1) وجاء في خبر عمار بن موسى (2) قال:
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التسليم ما هو؟ فقال هو أذن " والوجهان
ينسحبان في رد المأموم على مأموم آخر، وروى العامة عن سمرة (3) قال: " أمرنا
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن نسلم على أنفسنا وأن يسلم بعضنا على بعض " وعلى
القول بوجوب الرد يكفي في القيام به واحد فيستحب للباقين، وإذا اقترن تسليم المأموم
والإمام أجزأ ولا رد هنا وكذلك إذا اقترن تسليم المأمومين لتكافؤهم في التحية. ويقصد
المأموم بالثانية الأنبياء والحفظة والمأمومين. وأما المنفرد فيقصد بتسليمه ذلك. ولو أضاف
الجميع إلى ذلك قصد الملائكة أجمعين ومن على الجانبين من مسلمي الجن والإنس كان حسنا.
وقال ابن بابويه يرد المأموم على الإمام بواحدة ثم يسلم عن جانبيه تسليمتين. وكأنه يرى
أن التسليمتين ليستا للرد بل هما عبادة محضة متعلقة بالصلاة ولما كان الرد واجبا في غير الصلاة
لم يكف عنه تسليم الصلاة، وإنما قدم الرد لأنه واجب مضيق إذ هو حق لآدمي، والأصحاب
يقولون إن التسليمة تؤدي وظيفتي الرد والتعبد به في الصلاة كما سبق مثله في اجتزاء
العاطس في حال رفع رأسه من الركوع بالتحميد عن العطسة وعن وظيفة الصلاة. وهذا
يتم حسنا على القول باستحباب التسليم وأما على القول بوجوبه فظاهر الأصحاب أن
الأولى من المأموم للرد على الإمام والثانية للاخراج من الصلاة ولهذا احتاج إلى تسليمتين.
ويمكن أن يقال ليس استحباب التسليمتين في حقه لكون الأولى ردا والثانية مخرجة
لأنه إذا لم يكن على يساره أحد اكتفى بالواحدة عن يمينه وكانت محصلة للرد والخروج
من الصلاة وإنما شرعية الثانية ليعم السلام من على الجانبين لأنه بصيغة الخطاب فإذا
وجهه إلى أحد الجانبين اختص به وبقي الجانب الآخر بغير تسليم، ولما كان الإمام غالبا
ليس على جانبيه أحد اختص بالواحدة وكذلك المنفرد، ولذا حكم ابن الجنيد بما تقدم

(1) ص 492
(2) الوسائل الباب 1 من التسليم
(3) تيسير الوصول ج 2 ص 241 و 242. ويأتي في الاستدراكات ما يتعلق بالمقام
503

من تسليم الإمام إذا كان في صف عن جانبيه. انتهى كلامه (زيد مقامه).
وهو جيد متين إلا أن للمناقشة في بعضه مجالا، ومنه - ما تأول به قول ابن بابويه
بالتسليمات الثلاث للمأموم من قوله " وكأنه يرى.. الخ " فإن فيه أن الظاهر أن ابن
بابويه إنما عول على الخبر الذي قدمنا نقله عنه من العلل، نعم ما ذكره يصلح وجه حكمة لما
اشتمل عليه الخبر المشار إليه.
(السادس) - هل يجب نية الخروج على القول بوجوب التسليم؟ الأظهر
العدم لعدم الدليل على ذلك وبذلك صرح جملة من محققي متأخري المتأخرين، وقال
في المنتهى لم أجد لأصحابنا نصا فيه. وقال الشيخ في المبسوط ينبغي أن ينوي بها ذلك.
وقال في الذكرى: ووجه الوجوب أن نظم السلام يناقض الصلاة في وضعه من
حيث هو خطاب للآدميين ومن ثم تبطل الصلاة بفعله في أثنائها عامدا وإذا لم تقترن
به نية تصرفه إلى التحليل كان مناقضا للصلاة مبطلا لها. ووجه عدم الوجوب قضية
الأصل، وأن نية الصلاة اشتملت عليه وأن كان مخرجا منها، ولأن جميع العبادات لا تتوقف
على نية الخروج بل الانفصال منها كاف في الخروج، ولأن مناط النية الاقدام على الأفعال
لا الترك لها. انتهى.
أقول: إن ما وجه به العدم من الوجوه المذكورة مضافا إلى الأصل في غاية القوة
والرزانة، وما وجه به الوجوب ضعيف سخيف لا يصلح لتأسيس الأحكام الشرعية،
فإنه وإن كان كما ذكره من كونه خطابا للآدميين وأنه تبطل الصلاة بفعله في الأثناء
صحيحا إلا أن ذلك لا يستلزم نية التحليل به، إذ المفهوم من الأخبار المتقدمة أن الشارع
قد جعله محللا بمعنى أنه متى أتى به المكلف فقد تحلل من الصلاة قصد ذلك أو لم يقصده
ونواه أو لم ينوه وتوقف التحليل به على أمر وراء الاتيان به يحتاج إلى دليل إذ لا يفهم
من الأخبار أمر وراء ذلك كما عرفت، مع ما عرفت في ما قدمناه في غير مقام
من الأخبار الدالة على السكوت عما سكت الله عنه والابهام لما أبهمه الله والنهي عن تكلف
504

ذلك (1) وكلام شيخنا المذكور هنا مؤذن بالتوقف في المسألة لم يرجح شيئا
من الوجهين.
(السابع) - هل يجوز الاكتفاء بقوله " سلام عليكم "؟ صرح المحقق في المعتبر
بذلك، قال لو قال " سلام عليكم " ناويا به الخروج فالأشبه أنه يجزئ لأنه يقع عليه
اسم التسليم، ولأنها كلمة وردت في القرآن صورتها (2).
وفيه نظر (أما أولا) فلأنه خلاف الوارد عن صاحب الشرع (صلى الله عليه
وآله). قوله - " لأنه يقع عليه اسم التسليم " - مردود بأنه وإن ورد الأمر بالتسليم بقول
مطلق في بعض الأخبار إلا أن أكثر الأخبار قد دلت على أن التسليم إنما هو بصيغة
" السلام عليكم " كما عرفت من أخبار التحليل وغيرها مما صرح بهذه الصيغة، وحمل
مطلق الأخبار على مقيدها يقتضي التخصيص بتلك الصيغة فلا يجزئ ما سواها. وبالجملة
فإنا لا نسلم وقوع التسليم الشرعي عليه.
و (أما ثانيا) فإن مجرد وروده في القرآن لا يجوز التعبد به في الصلاة ما لم يرد
به نص على الخصوص لأن العبادات توقيفية. وجميع ما ذكرناه بحمد الله سبحانه
ظاهر لا خفاء فيه.
ختام به الاتمام في التعقيب
وتحقيق القول فيه يقع في مواضع: (الأول) في معناه قال في القاموس: التعقيب
الجلوس بعد الصلاة للدعاء. وقال في المصباح المنير والتعقيب في الصلاة الجلوس بعد
قضائها لدعاء أو مسألة. وقال الجوهري: التعقيب في الصلاة الجلوس بعد أن تقضيها

(1) الشهاب في الحكم والآداب باب الألف المقطوع والموصول، والبحار ج 2
ص 272 من الطبع الحديث، وقد تقدم ما يتعلق بذلك في ج 1 ص 55.
(2) سورة الأنعام الآية 54 والأعراف الآية 44
505

لدعاء أو مسألة. ونحوه قال ابن فارس في الجمل. وفي النهاية الأثيرية: فيه " من عقب
في صلاته فهو في صلاة " أي أقام في مصلاه بعد ما يفرغ من الصلاة. وكلام أهل اللغة
كما ترى متفق الدلالة على دخول الجلوس في مفهومه. ونقل عن بعض فقهائنا أنه فسره
بالاشتغال عقيب الصلاة بدعاء أو ذكر وما أشبه ذلك ولم يذكر الجلوس، ولعل المراد بما
أشبه ذلك نحو قراءة القرآن. وهل مجرد الجلوس بعد الصلاة من غير اشتغال بما ذكر
تعقيب؟ ظاهر عبارة النهاية ذلك.
وقال شيخنا البهائي في الحبل المتين: لم أظفر في كلام أصحابنا (قدس الله أرواحهم)
بكلام شاف في ما هو حقيقة التعقيب شرعا بحيث لو نذر التعقيب لانصرف إليه ولو
نذر لمن هو مشتغل بالتعقيب في الوقت الفلاني لاستحق المنذور إذا كان مشتغلا به فيه،
وقد فسره بعض اللغويين كالجوهري وغيره بالجلوس بعد الصلاة لدعاء أو مسألة. وهذا
يدل بظاهره على أن الجلوس داخل في مفهومه وأنه لو اشتغل بعد الصلاة بالدعاء قائما
أو ماشيا أو مضطجعا لم يكن ذلك تعقيبا، وفسره بعض فقهائنا بالاشتغال عقيب الصلاة
بدعاء أو ذكر وما أشبه ذلك ولم يذكر الجلوس، ولعل المراد بما أشبه الدعاء والذكر
البكاء من خشية الله تعالى والتفكر في عجائب مصنوعاته والتذكر لجزيل آلائه وما هو
من هذا القبيل. وهل يعد الاشتغال بمجرد تلاوة القرآن بعد الصلاة تعقيبا؟ لم أظفر
في كلام الأصحاب بتصريح في ذلك والظاهر أنه تعقيب، أما لو ضم إليه الدعاء فلا كلام
في صدق التعقيب على المجموع المركب منهما، وربما يلوح ذلك من بعض الأخبار. وربما
يظن دلالة بعضها على اشتراط الجلوس في التعقيب كما روي عن أمير المؤمنين (عليه
السلام) (1) أنه قال " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيما امرء مسلم جلس في مصلاه
الذي صلى فيه الفجر يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس كان له من الأجر كحاج رسول الله
(صلى الله عليه وآله) وغفر له فإن جلس فيه حتى تكون ساعة تحل فيها الصلاة فصلى ركعتين

(1) الوسائل الباب 18 من التعقيب
506

أو أربعا غفر له ما سلف وكان له من الأجر كحاج بيت الله " وما روى عن الصادق
عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام) (1) قال: " من صلى فجلس في مصلاه إلى
طلوع الشمس كان له سترا من النار " وغيرهما من الأخبار المتضمنة للجلوس بعد الصلاة.
والحق أنه لا دلالة فيها على ذلك بل غاية ما تدل عليه كون الجلوس مستحبا أيضا أما أنه
معتبر في مفهوم التعقيب فلا، وقس عليه عدم مفارقة مكان الصلاة. وفي رواية الوليد
ابن صبيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " التعقيب أبلغ في طلب الرزق
من الضرب في البلاد. يعني بالتعقيب الدعاء بعقب الصلاة " وهذا التفسير أعني تفسير
التعقيب بالدعاء عقيب الصلاة لعله من الوليد بن صبيح أو من بعض رجال السند وأكثرهم
من أجلاء. أصحابنا وهو يعطي باطلاقه عدم اشتراطه بشئ من الجلوس والكون في المصلى
والطهارة واستقبال القبلة وهذه، الأمور إنما هي شروط كما له. فقد ورد أن المعقب ينبغي
أن يكون على هيئة المتشهد في استقبال القبلة والتورك، وأما ما رواه هشام بن سالم (3)
قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إني أخرج في الحاجة وأحب أن أكون معقبا؟
فقال إن كنت على وضوء فأنت معقب " فالظاهر أن مراده (عليه السلام) أن لمستديم
الوضوء مثل ثواب المعقب لا أنه معقب حقيقة. وهل يشترط في صدق اسم التعقيب
شرعا اتصاله بالصلاة وعدم الفصل الكثير بينه وبينها؟ الظاهر نعم وهل يعتبر في الصلاة
كونها واجبة أو تحصل حقيقة التعقيب بعد النافلة أيضا؟ اطلاق التفسيرين السابقين
يقتضي العموم وكذا اطلاق رواية ابن صبيح وغيرها، والتصريح بالفرائض في بعض
الروايات لا يقتضي تخصيصها بها والله العالم. انتهى كلامه زيد مقامه.
وقال الشهيد في الذكرى: قد ورد أن المعقب يكون على هيئة المتشهد في
استقبال القبلة وفي التورك وأن ما يضر بالصلاة يضر بالتعقيب. انتهى.

(1) الوسائل الباب 18 من التعقيب
(2) الوسائل الباب 1 من التعقيب
(3) الوسائل الباب 17 من التعقيب
507

أقول: ويشير إليه ما ورد في الأخبار (1) - كما سيأتي إن شاء الله في المقام -
أن من سبح تسبيح فاطمة (عليها السلام) قبل أن يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر
الله له " وما ورد أيضا (2) قال: " من قال في دبر صلاة الفريضة قبل أن يثني رجليه
أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي.. الحديث " وسيأتي إن شاء الله، إلا أنه يمكن
حمله على الفرد الأكمل منه. وبالجملة فإنه لا ريب في تحققه بالجلوس مشتغلا بالدعاء والمسألة
والذكر دبر الصلاة وإنما الشك في اشتراطه بالشروط المذكورة من الاستقبال والطهارة
والتورك والجلوس بحيث لا يصدق مع الاخلال بشئ منها.
وقال شيخنا المجلسي في البحار: وربما احتمل بعض الأصحاب كون محض الجلوس
بعد الصلاة بتلك الهيئة تعقيبا وإن لم يقرأ دعاء ولا ذكرا ولا قرآنا. وهو بعيد بل
الظاهر تحقق التعقيب بقراءة شئ من الثلاثة بعد الصلاة أو قريبا منها عرفا على أي
حال كان والجلوس والاستقبال والطهارة من مكملاته. نعم ورد في بعض التعقيبات ذكر
بعض تلك الشرائط كما سيأتي فيكون شرطا فيها بخصوصها في حال الاختيار وإن احتمل
أن يكون فيها أيضا من المكملات ويكون استحبابه فيها أشد منه في غيرها. والأفضل
والأحوط رعاية شروط الصلاة فيه مطلقا مع الامكان. انتهى كلامه (زيد مقامه) وهو
جيد. وأشار بقوله " نعم ورد في بعض التعقيبات.. " إلى ما ذكرنا من الخبرين ونحوهما.
وقال الشهيد في الرسالة النفلية: " ووظائفه عشرة: الاقبال عليه بالقلب والبقاء على
هيئة التشهد وعدم الكلام - أي قبله وخلاله كما ذكره في الشرح - والحدث بل الباقي
على طهارته معقب وإن انصرف، وعدم الاستدبار وعدم مزايلة المصلي أي مفارقته وكل
مناف صحة الصلاة أو كمالها. قال في الشرح هذا كله من وظائف الكمال وإلا فإنه
يتحقق بدونها. انتهى. والله العالم.

(1) الوسائل الباب 7 من التعقيب
(2) الوسائل الباب 24 من التعقيب
508

(الثاني) في فضله، قد دلت الآية واستفاضت الرواية بالحث عليه وما فيه
من مزيد النفع في الدين والدنيا:
قال الله تعالى: " فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب " (1) قال في مجمع
البيان (2): معناه فإذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء وارغب
إليه في المسألة. عن مجاهد وقتادة والضحاك ومقاتل والكلبي، وهو المروي عن
أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام). وقال الصادق (عليه السلام) هو الدعاء
في دبر الصلاة وأنت جالس. انتهى.
وروى في دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (3) أنه قال في
قول الله عز وجل: فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب قال: " الدعاء بعد الفريضة
إياك أن تدعه فإن فضله بعد الفريضة كفضل الفريضة على النافلة ".
وروى في قرب الإسناد عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (4) قال: " كان أبي يقول في قول الله تعالى فإذا فرغت فانصب وإلى
ربك فارغب: فإذا قضيت الصلاة بعد أن تسلم وأنت جالس فانصب في الدعاء من أمر
الدنيا والآخرة فإذا فرغت من الدعاء فارغب إلى الله (عز وجل) أن يتقبلها منك "
وروى في الكافي عن بزرج عمن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5)
قال: " من صلى صلاة فريضة وعقب إلى أخرى فهو ضيف الله وحق على الله تعالى
أن يكرم ضيفه ".
وروى في الكافي والفقيه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه
السلام) (6) قال: " الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفلا " وزاد في الفقيه

(1) سورة الشرح، الآية 7 و 8
(2) ج 5 ص 509
(3) مستدرك الوسائل الباب 1 من التعقيب
(4) الوسائل الباب 1 من التعقيب
(5) الوسائل الباب 1 من التعقيب
(6) الوسائل الباب 5 من التعقيب
509

" وبذلك جرت السنة ".
قيل: لعل المراد بالتنفل غير الرواتب لأنها أهم من التعقيب كما مر بيانه،
أنه لا راتبة بعد فريضة إلا نافلة المغرب وقد مضى أنه لا ينبغي تركها في سفر ولا
حضر. انتهى. وهو جيد.
وروى الشيخ في الصحيح عن الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: " التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد. يعني بالتعقيب الدعاء
بعقب الصلاة ".
أقول: المراد بالضرب في البلاد السفر للتجارة مع ما ورد (2) " أن تسعة أعشار
الرزق في التجارة " ومع ذلك فالتعقيب أبلغ منها في طلبه، ولعل ذلك لأن التاجر يتكل
على طلبه وسعيه وجده واجتهاده والمعقب إنما يتكل على الله تعالى وقد ورد (3) " أن من
كان لله كان الله له ".
وروى في الفقيه مرسلا (4) قال: " قال الصادق (عليه السلام) الجلوس بعد
صلاة الغداة في التعقيب والدعاء حتى تطلع الشمس أبلغ في طلب الرزق من الضرب
في الأرض ".
وروى في التهذيب عن عبد الله بن محمد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5)
قال: " ما عالج الناس شيئا أشد من التعقيب " قيل. المعالجة المزاولة والمداواة فكأن
المراد أنهم لا يزاولون عملا أشق عليهم منه، أو المراد أنه لا دواء أنفع لأدوائهم منه.
وروى السيد الزاهد المجاهد رضي الدين بن طاووس في كتاب فلاح السائل
باسناده إلى محمد بن علي بن محبوب عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) (6) قال:

(1) الوسائل الباب 1 من التعقيب
(2) الوسائل الباب 1 من مقدمات التجارة
(3) البحار ج 18 الصلاة ص 412
(4) الوسائل الباب 18 من التعقيب
(5) الوسائل الباب 1 من التعقيب
(6) مستدرك الوسائل الباب 1 من التعقيب
510

" قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من جلس في مصلاه ثانيا رجله وكل الله
به ملكا فقال له ازدد شرفا تكتب لك الحسنات وتمحى عنك السيئات وتثبت
لك الدرجات حتى تنصرف " وروى في كتاب دعائم الاسلام مثله (1) إلا أن فيه
" ثانيا رجليه ".
وروى في التهذيب مسندا عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) أن
أمير المؤمنين (عليه السلام) ورواه في الفقيه (3) مرسلا " أن أمير المؤمنين (عليه
السلام) قال إذا فرغ أحدكم من الصلاة فليرفع يديه إلى السماء ولينصب في الدعاء؟ فقال
ابن سبأ يا أمير المؤمنين أليس الله بكل مكان؟ قال (عليه السلام) بلى. قال فلم يرفع
يديه إلى السماء؟ قال أو ما تقرأ: " وفي السماء رزقكم وما توعدون " (4) فمن أين يطلب
الرزق إلا من موضعه، وموضع الرزق وما وعد الله السماء " قيل المراد بالسماء السحاب
وبالرزق المطر لأنه سبب الأقوات، وما توعدون أي من الثواب لأن الجنة فوق السماء السابعة
أو لأن الأعمال وثوابها مكتوبة مقدرة في السماء، والحاصل أنه لما كان تقدير الرزق
وأسبابه في السماء والمثوبات الأخروية وتقديرها في السماء ناسب رفع اليد إليها في طلب
الأمور الدنيوية والأخروية في التعقيب وغيره. وابن سبا هذا هو الذي كان يزعم أن
أمير المؤمنين (عليه السلام) إله فاستتابه أمير المؤمنين ثلاثة أيام فلم يتب فأحرقه (5).

(1) مستدرك الوسائل الباب 1 من التعقيب
(2) الوسائل الباب 29 من التعقيب
(3) الوسائل الباب 29 من التعقيب
(4) سورة الذاريات، الآية 22
(5) قال العلامة في القسم الثاني
من الخلاصة: عبد الله سبأ غال ملعون أحرقه أمير المؤمنين " ع " بالنار، كان يزعم أن عليا " ع " إله وأنه نبي. وفي تنقيح المقال ج 2 ص 183 عن الشيخ الطوسي في
باب أصحاب أمير المؤمنين " ع ": عبد الله بن سبأ الذي رجع إلى الكفر وأظهر الغلو.
وفي رجال الكشي ص 70 " أن الأئمة " ع " يبرأون منه لأنه كان يدعى النبوة ويزعم أن
عليا " ع " هو الله فاستتابه ثلاثة أيام فلم يرجع فأحرقه بالنار وأحرق سبعين رجلا ادعوا
فيه ذلك " وذلك مضمون ما رواه بطرقه عن السجاد والباقر والصادق " عليهم السلام "
وهو خمس روايات. وقد نقل في الوسائل اثنتين منها في الباب 2 من حد مرتد. أقول:
أن هذه الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت " عليهم السلام " والكلمات الصادرة من
أعلام الشيعة دليل قاطع وبرهان ساطع على سخط أئمة الشيعة وأعلامهم على هذا الرجل
وأنهم يبرأون منه لكفره وغلوه بل بعض الروايات تصرح - كما في كلام الكشي - بأن
عليا " ع " أحرق سبعين رجلا ادعوا فيه ذلك، مما يدل على تنفيذ حكم الاعدام فيه وفي
كل من قال بمقالته. ولا يخفى أن المقارنة بين الرواية المتقدمة في المتن وهذه الروايات
الخمس تقتضي أن هذا الانحراف كان في زمان متأخر عن المحاورة بينه وبين الإمام " ع "
التي اشتملت عليها الرواية. ومع هذا كله فقد وجد أعداء الشيعة في هذه الشخصية خير
وسيلة لتحطيم مذهب الشيعة الذي تأسس وتكون على ضوء قول الله تعالى في سورة
المائدة " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم
راكعون " وقول النبي " ص " في حديث الغدير " من كنت مولاه فهذا على مولاه " بعد
قوله " ص " " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم " وقول المسلمين " اللهم بلى " وقوله
" ص " " على مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار " وقوله " ص " لعلى " ع "
" أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " إلى غير ذلك مما يدل على
المطلوب، ووجدوا فيه خير وسيلة لتشويه مذهب أهل البيت " ع " الذين أنزل الله فيهم
آية التطهير وأوصى النبي " ص " بالتمسك بهم وقرنهم بالقرآن في حديث الثقلين، فجعلوه
المؤسس لمذهب التشيع والمبتدع لأصوله واعتبروه مأخوذا من اليهود، فالكشي - بعد أن
حكى عن أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ووالى عليا " ع " وكأن يقول وهو على
يهوديته في يوشع بن نون وصي موسى " ع " الغلو فقال في اسلامه بعد وفاة رسول الله " ص "
في علي " ع " مثل ذلك وكان أول من أشهر بالقول بفرض إمامة علي " ع " وأظهر البراءة
من أعدائه وكاشف مخالفيه وكفرهم - قال " فمن هنا قال من خالف الشيعة إن أصل التشيع
والرفض مأخوذ من اليهودية " وقد تصدى المؤرخون لهذا الأمر كالطبري وابن عساكر
وابن الأثير وأبي الفداء وابن كثير، وملخص ما ذكروه في هذه القصة - كما في مدخل
كتاب عبد الله بن سبأ للعلامة الأستاذ السيد مرتضى العسكري ص 2 - أن يهوديا من صنعاء
اليمن يسمى عبد الله بن سبأ ويلقب بابن الأمة السوداء أظهر الاسلام في عصر عثمان واندس
بين المسلمين وأخذ يتنقل في حواضرهم وعواصم بلادهم. الشام والكوفة والبصرة ومصر
مبشرا بأن للنبي " ص " رجعة كما أن لعيسى بن مريم رجعة وأن عليا " ع " هو وصي
محمد " ص " كما كان لكل نبي وصي وأن عليا خاتم الأوصياء كما كان محمد " ص " خاتم الأنبياء
وأن عثمان غاصب هذا الحق وظالمه فيجب مناهضته لارجاع الحق إلى أهله، وأنه بث في البلاد
الاسلامية دعاته وأشار عليهم أن يظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والطعن
في الأمراء وتبعه على ذلك جماعات من المسلمين فيهم الصحابي الكبير والتابعي الصالح كأبي
ذر وعمار بن ياسر ومحمد بن أبي حذيفة وعبد الرحمان بن عديس ومحمد بن أبي بكر وصعصعة
ابن صوحان ومالك الأشتر إلى غيرهم من أبرار المسلمين وأخيارهم، وأن الثورة ضد عثمان
كانت بتحريض السبأيين وأنهم حينما رأوا أن رؤساء الجيشين في حرب الجمل أخذوا
يتفاهمون اجتمعوا ليلا وقرروا أن يندسوا بين الجيشين ويثيروا الحرب بكرة دون علم
غيرهم ونفذوا هذا القرآن قبل أن يتنبه الجيشان وأن حرب الجمل وقعت هكذا دون أن يكون لرؤساء الجيشين فيها رأي أو علم. إلى هنا تنتهي القصة ولا يذكر بعد ذلك عن
مصيرهم شئ. وقد جاء المتأخرون من أعداء الشيعة فطبلوا وزمروا لما كتبه أسلافهم فهذا
السيد رشيد رضا يقول في كتاب السنة والشيعة ص 4 - 6 " كان التشيع للخليفة الرابع
علي بن أبي طالب " ع " مبدأ تفرق هذا الأمة المحمدية في دينها وفي سياستها وكان مبتدع
أصوله يهوديا اسمه عبد الله بن سبأ أظهر الاسلام خداعا ودعا إلى الغلو في علي " ع " لأجل
تفريق هذه الأمة وافساد دينها ودنياها عليها " ثم يسرد القصة إلى ص 6 من كتابه ويعلق
عليها بما يهوى. وهذا أحمد أمين يقول في فجر الاسلام ص 136: " وتلمح وجه شبه بين رأي
أبي ذر الغفاري وبين رأي مزدك في الناحية المالية فقط.. إلى أن يقول ولكن من أين
أتاه هذا الرأي؟ يحدثنا الطبري عن جواب هذا السؤال فيقول إن ابن السوداء لقي أبا ذر
فأوعز إليه ذلك " ثم ذكر في ص 311 و 313 و 330 ما يوافق مقالة صاحبه المتقدم
وهذا الدكتور حسن إبراهيم حسن يذكر في كتابه تاريخ الاسلام السياسي ص 347 مثل ذلك
وهكذا المستشرقون. هذا. وأن كل من تعرض لهذه القصة من المؤرخين والباحثين ما عدا
ابن عساكر أخذ هذه القصة من الطبري وأن الطبري وابن عساكر أخذاها من سيف بن
عمر التميمي البرجمي الكوفي فكل هذا البناء يبتنى على هذا الأساس إذن فلننظر إلى قيمة
هذا الأساس واعتباره، تصرح كتب الرجال في ترجمة سيف بن عمر بما يلي: " يروي عن
خلق كثير من المجهولين. ضعيف الحديث. ليس بشئ. متروك يضع الحديث. وهو في
الرواية ساقط. يروي الموضوعات عن الثقاة. عامة حديثه منكر. متهم بالوضع والزندقة "
راجع فهرست ابن النديم ص 137 وميزان الاعتدال للذهبي ج 1 ص 438 رقم 3581
وتهذيب التهذيب ج 4 ص 295 نقلا عن جماعة من علماء الرجال كابن معين وأبي حاتم
وأبي داود النسائي والدارقطني وابن عدي وابن حيان وعباس بن يحيى وغيرهم. فانظر
أيها المنصف وتأمل في هذا المنطق الذي يسوغ الاقدام على هذه العظائم والطعن بكبار
الصحابة والتابعين والحط من مقامهم بهذه القصة التي يقصها سيف بن عمر الذي ليست له
أية قيمة عند علماء الرجال بل صرحوا بوضعه الحديث وزندقته، كل ذلك لإضاعة الحقائق
والتمويه على البسطاء والسذج من الناس. هذا. ومن العجيب أن التأريخ الذي يصور
شخصية عبد الله بن سبأ بهذه الصورة حتى أوصلها الرقم القياسي في التأثير على عواطف
المسلمين وآرائهم وانتزاع عقائدهم ينهي قصته إلى حيث تقدم من إثارة حرب الجمل وبجهل
كل شئ عنها بعد ذلك. وقال أحمد أمين في هامش ص 330 من فجر الاسلام: " يذهب
بعض الباحثين إلى أن عبد الله بن سباء رجل خرافي ليس له وجود تاريخي محقق ولكنا لم نر لهم
من الأدلة ما يثبت مدعاهم " والظاهر أنه يقصد الدكتور طه حسين. هذا. وقد بحث العلامة
الأستاذ السيد مرتضى العسكري دامت بركاته الموضوع بحثا وافيا وشرحه شرحا ضافيا وكشف
الستار عن حقيقة أحاديث سيف بن عمر التي بنى عليها المؤرخون والباحثون القضايا التاريخية
المهمة في مدخل كتابه عبد الله بن سبأ ومن قبله آية الله الأميني فقد أوضح قيمة تاريخ الطبري
وغيره في الغدير ج 8 ص 324 (جزاهما الله عن الحق وأهله خير الجزاء) وكل ما تقدم
في هذه التعليقة من المصادر مأخوذ من كتاب عبد الله بن سبأ فيرجع في التفصيل إليه.
511

وروى الصدوق في الفقيه في الصحيح عن هشام بن سالم (1) قال: " قلت

(1) الوسائل الباب 17 من التعقيب
512

لأبي عبد الله (عليه السلام) أني أخرج في الحاجة وأحب أن أكون معقبا؟ فقال إن
513

كنت على وضوء فأنت معقب ".
514

وقال في الفقيه (1) قال الصادق (عليه السلام) المؤمن معقب ما دام على وضوئه "
وروى الصدوق في المجالس بسنده عن عمير بن مأمون العطاردي (2) قال:
" رأيت الحسن بن علي (عليه السلام) يقعد في مجلسه حين يصلي الفجر حتى تطلع الشمس
وسمعته يقول سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول من صلى الفجر ثم جلس
في مجلسه يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ستره الله عز وجل من النار ستره الله
من النار ستره الله من النار ".
وروى العياشي في تفسيره عن الحسين بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (3)
قال: " قلت له جعلت فداك إنهم يقولون إن النوم بعد الفجر مكروه لأن الأرزاق تقسم
في ذلك الوقت؟ فقال الأرزاق موظوفة مقسومة ولله فضل بقسمه من طلوع الفجر إلى طلوع
الشمس وذلك قوله: " واسألوا الله من فضله " (4) ثم قال وذكر الله بعد طلوع الفجر
أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الأرض " إلى غير ذلك من الأخبار.
(الثالث) - قد استفاضت الأخبار بالحث على تسبيح فاطمة الزهراء (سلام
الله عليها) وفضله في التعقيب، قال في المنتهى: أفضل الأذكار كلها تسبيح الزهراء
(سلام الله عليها) وقد أجمع أهل العلم كافة على استحبابه.
والأخبار من طرقنا وطرق المخالفين (5) أيضا متكاثرة إلا أنها لا تخلو من

(1) الوسائل الباب 17 من التعقيب
(2) الوسائل الباب 18 من التعقيب
(3) مستدرك الوسائل الباب 16 من التعقيب
(4) سورة النساء، الآية 36
(5) رواه البخاري في صحيحه ج 1 باب الذكر بعد الصلاة، ومسلم في صحيحه ج 2 ص 97
و 98 طبعة محمد علي صبيح إلا أن في بعض رواياتهم " ثلاث وثلاثون " في الثلاثة فيكون المجموع
تسعا وتسعين، وفي بعضها تمام المائة " لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو
على كل شئ قدير " وفي بعضها التكبير أربع وثلاثون وفي بعضها المجموع ثلاث وثلاثون ولم
يعنون في شئ منها بتسبيح فاطمة " ع ". نعم في ارشاد الساري ج 6 ص 112 باب
مناقب على " ع " ذكر حديث عائشة وفيه أن النبي " ص " قال لفاطمة وعلي (ع): " إذا
أخذتما مضاجعكما تكبرا أربعا وثلاثين وتسبحا ثلاثا وثلاثين وتحمدا ثلاثا وثلاثين فهو
خير لكما من خادم " ثم قال القسطلاني: في هذه الحديث منقبة ظاهرة لعلي وفاطمة " ع "
ورواه أحمد في المسند ج 1 ص 96 ومسلم في صحيحة ج 8 ص 84.
515

الاختلاف في ترتيبه فالواجب أولا سوق جملة من الأخبار الواردة فيه ثم الكلام بما
يرفع التنافي بينها في المقام وما وقفنا عليه في ذلك من كلام علمائنا الأعلام:
فمن الأخبار المشار إليها ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) عن أبي عبد الله
(عليه السلام) إلا أن ثقة الاسلام والشيخ روياه في الصحيح عن عبد الله بن
سنان (1) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) من سبح تسبيح فاطمة الزهراء (عليها
السلام) قبل أن يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر الله له، ويبدأ بالتكبير ".
وروى في الكافي عن عبد الرحمان بن أبي نجران عن رجل عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) قال: " من سبح الله في دبر الفريضة تسبيح فاطمة المائة مرة واتبعها بلا إله
إلا الله مرة غفر الله له ".
وعن أبي هارون المكفوف عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " يا أبا
هارون إنا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمة (عليها السلام) كما نأمرهم بالصلاة فلزمه فإنه
لم يلزمه عبد فشقي ".
وعن صالح بن عقبة عن عقبة عن أبي جعفر (عليه السلام) (4) قال: " ما عبد الله
بشئ من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة (عليها السلام) ولو كان شئ أفضل منه لنحله
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة (عليها السلام) "
وعن أبي خالد القماط (5) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول تسبيح

(1) الوسائل الباب 7 من التعقيب
(2) الوسائل الباب 7 من التعقيب
(3) الوسائل الباب 8 من التعقيب
(4) الوسائل الباب 9 من التعقيب
(5) الوسائل الباب 9 من التعقيب
516

فاطمة (ع) في كل يوم في دبر كل صلاة أحب إلي من صلاة ألف ركعة في كل يوم ".
وعن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " تسبيح فاطمة الزهراء (عليها
السلام) من الذكر الكثير الذي قال الله تعالى: " اذكروا الله ذكرا كثيرا " (2).
وعن محمد بن عذافر في الصحيح (3) قال: " دخلت مع أبي على أبي عبد الله
(عليه السلام) فسأله أبي عن تسبيح فاطمة (عليها السلام) فقال " الله أكبر " حتى أحصى
أربعا وثلاثين مرة ثم قال " الحمد لله " حتى بلغ سبعا وستين ثم قال " سبحان الله " حتى
بلغ مائة يحصيها بيده جملة واحدة ".
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال في تسبيح فاطمة
(عليها السلام): " تبدأ بالتكبير أربعا وثلاثين ثم التحميد ثلاثا وثلاثين ثم التسبيح
ثلاثا وثلاثين "
وعن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال: " تسبيح فاطمة
(عليها السلام) إذا أخذت مضجعك فكبر الله أربعا وثلاثين واحمده ثلاثا وثلاثين
وسبحه ثلاثا وثلاثين.. الحديث ".
ونقل في البحار (6) عن مشكاة الأنوار قال: " دخل رجل على أبي عبد الله (عليه
السلام) وكلمه فلم يسمع كلام أبي عبد الله (عليه السلام) وشكى إليه ثقلا في أذنيه فقال
ما يمنعك وأين أنت من تسبيح فاطمة (عليها السلام)؟ فقال له جعلت فداك وما تسبيح
فاطمة؟ فقال تكبر الله أربعا وثلاثين وتحمد الله ثلاثا وثلاثين وتسبح الله ثلاثا

(1) الوسائل الباب 8 من التعقيب
(2) سورة الأحزاب، الآية 41
(3) الوسائل الباب 10 من التعقيب
(4) الوسائل الباب 10 من التعقيب
(5) الوسائل الباب 12 من التعقيب
(6) ج 18 الصلاة ص 415 وتمام الحديث هكذا: " فما فعلت ذلك إلا يسيرا حتى
اذهب عني ما كنت أجده ".
517

وثلاثين تمام المائة ".
وروى الشيخ في التهذيب عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
في حديث نافلة شهر رمضان قال: " سبح تسبيح فاطمة (عليها السلام) وهو الله أكبر
أربعا وثلاثين مرة وسبحان الله ثلاثا وثلاثين مرة والحمد لله ثلاثا وثلاثين مرة فوالله
لو كان شئ أفضل منه لعلمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إياها ".
وروى في الفقيه في الصحيح عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم (2) قال:
" قال أبو جعفر (عليه السلام) إذا توسد الرجل يمينه فليقل: بسم الله.. إلى أن قال
ثم يسبح تسبيح فاطمة الزهراء (عليها السلام).. ".
وروى في الفقيه مرسلا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (3) " أنه قال لرجل
من بني سعد ألا أحدثك عني وعن فاطمة (عليها السلام)؟ أنها كانت عندي.. ثم ساق
الحديث إلى أن قال فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أفلا أعلمكما ما هو خير لكما
من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما فكبرا أربعا وثلاثين تكبيرة وسبحا ثلاثا وثلاثين
تسبيحة واحمدا ثلاثا وثلاثين تحميدة.. الحديث ".
وروى في الكافي عن داود بن فرقد عن أخيه (4) " أن شهاب بن عبد ربه
سأله أن يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) وقال قل له إن امرأة تفزعني في المنام بالليل فقال
قل له اجعل مسباحا وكبر الله أربعا وثلاثين تكبيرة وسبح الله ثلاثا وثلاثين تسبيحة
واحمد الله ثلاثا وثلاثين تحميدة وقل لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد
يحيي ويميت ويميت ويحيى بيده الخير وله اختلاف الليل والنهار وهو على كل شئ قدير (عشر
مرات) " أقول: المسباح ما يسبح به ويعد به الأذكار.

(1) الوسائل الباب 10 من التعقيب
(2) الوسائل الباب 12 من التعقيب
(3) الفقيه ج 1 ص 211، والوسائل الباب 11 من التعقيب
(4) الوسائل الباب 12 من التعقيب
518

وفي كتاب الفقه الرضوي (1) " وتسبح تسبيح فاطمة الزهراء (عليها السلام)
وهو أربع وثلاثون تكبيرة وثلاث وثلاثون تسبيحة وثلاث وثلاثون تحميدة ".
إذا عرفت ذلك فاعلم أن ظاهر الأصحاب الاتفاق على تقديم التكبير وإنما
الخلاف في تقديم التحميد على التسبيح أو العكس فالمشهور الأول.
قال في المختلف: المشهور في تسبيح الزهراء (عليها السلام) تقديم التكبير ثم التحميد ثم
التسبيح، ذكره الشيخ في النهاية والمبسوط والمفيد في المقنعة وسلار وابن البراج وابن
إدريس. وقال علي بن بابويه يسبح تسبيح فاطمة الزهراء (عليها السلام) وهو أربع وثلاثون
تكبيرة وثلاث وثلاثون تسبيحة وثلاث وثلاثون تحميدة. وهو يشعر بتقديم التسبيح على
التحميد، وكذا قال ابنه أبو جعفر وابن الجنيد والشيخ في الاقتصاد. انتهى.
وقال شيخنا البهائي في مفتاح الفلاح: اعلم أن المشهور استحباب تسبيح الزهراء
(عليها السلام) في وقتين أحدهما بعد الصلاة والآخر عند النوم، وظاهر الرواية الواردة
به عند النوم يقتضي تقديم التسبيح على التحميد، وظاهر الرواية الصحيحة الواردة
في تسبيح الزهراء (عليها السلام) على الاطلاق يقتضي تأخيره عنه. ولا بأس ببسط
الكلام في هذا المقام وإن كان خارجا عن موضوع الكتاب فنقول: قد اختلف علماؤنا
في ذلك مع اتفاقهم على الابتداء بالتكبير لصراحة صحيحة ابن سنان عن الصادق
(عليه السلام) (2) في الابتداء به، فالمشهور الذي عليه العمل في التعقيبات تقديم التحميد
على التسبيح، وقال رئيس المحدثين وأبوه وابن الجنيد بتأخيره عنه، والروايات عن أئمة
الهدى (عليهم السلام) لا تخلو بحسب الظاهر من اختلاف، والرواية المعتبرة التي
ظاهرها تقديم التحميد شاملة باطلاقها لما يفعل بعد الصلاة وما يفعل عند النوم وهي ما رواه
شيخ الطائفة في التهذيب بسند صحيح عن محمد بن عذافر، ثم ساق الحديث كما تقدم ثم قال
والرواية التي ظاهرها تقديم التسبيح على التحميد مختصة بما يفعل عند النوم، ثم أورد

(1) ص 9
(2) ص 516
519

عن الفقيه رواية علي وفاطمة (عليهما السلام) وأوردها بطولها - ونحن قدمنا (1) موضع
الحاجة منها - ثم قال ولا يخفى أن هذه الرواية غير صريحة في تقديم التسبيح على التحميد
فإن الواو لا تفيد الترتيب وإنما هي لمطلق الجمع على الأصح كما بين في الأصول، نعم
ظاهر التقديم اللفظي يقتضي ذلك وكذا الرواية السابقة غير صريحة في تقديم التحميد
على التسبيح فإن لفظ " ثم " فيها من كلام الراوي فلم يبق إلا ظاهر التقديم اللفظي أيضا
فالتنافي بين الروايتين إنما هو بحسب الظاهر، فينبغي حمل الثانية على الأولى لصحة
سندها واعتضادها ببعض الروايات الضعيفة كما رواه أبو بصير عن الصادق (عليه السلام)
ثم ساق الرواية المتقدمة (2) ثم قال: وهذه الرواية صريحة في تقديم التحميد على التسبيح
فهي مؤيدة لظاهر لفظ الرواية الصحيحة فتحمل الرواية الأخرى على خلاف ظاهر لفظها
ليرتفع التنافي بينهما كما قلنا (فإن قلت) يمكن العمل بظاهر الروايتين معا بحمل الأولى على
الذي يفعل بعد الصلاة والثانية على الذي يفعل عند النوم، وحينئذ لا يحتاج إلى صرف
الثانية عن ظاهرها فلم عدلت عنه وكيف لم تقل به؟ (قلت) لأني لم أجد قائلا بالفرق
بين تسبيح الزهراء (عليها السلام) في الحالين بل الذي يظهر بعد التتبع أن كلا من
الفريقين القائلين بتقديم الحمد وتأخيره قائل به مطلقا سواء وقع بعد الصلاة أو قبل
النوم، فالقول بالتفصيل احداث قول ثالث في مقابل الاجماع المركب. وأما ما يقال -
من أن احداث القول الثالث إنما يمتنع إذا لزم منه رفع ما أجمعت عليه الأمة كما يقال
في رد البكر الموطوءة بعيب مجانا لاتفاق الكل على عدمه بخلاف ما ليس كذلك كالقول
بفسخ النكاح ببعض العيوب الخمسة دون بعض لموافقة كل من الشطرين في شطر، وكما
نحن فيه إذ لا مانع منه مثل القول بصحة بيع الغائب وعدم قتل المسلم بالذمي بعد قول
أحد الشطرين بالثاني ونقيض الأول والشطر الثاني بعكسه - فجوابه أن هذا التفصيل إنما

(1) ص 518
(2) ص 517
520

يستقيم على مذهب العامة (1) أما على ما قرره الخاصة من أن حجية الاجماع مسببة عن كشفه
عن دخول المعصوم فلا، إذ المخالفة حاصلة وإن وافق القائل كلا من الشطرين في شطر،
وقس عليه مثال البيع والقتل. انتهى.
أقول: إن ما ذكره - من الطعن على صحيحة محمد بن عذافر من أنها غير صريحة
في تقديم التحميد على التسبيح فإن لفظ " ثم " من كلام الراوي - طريف فإنه
لا ريب في أنه وإن كان لفظ " ثم " من كلام الراوي لكن الراوي حكى فعل الإمام
(عليه السلام) لبيان كيفية التسبيح التي سأل عنها أبوه ولا ريب أن فعله (عليه السلام)
في بيان الكيفية حجة ظاهرة في الترتيب على النحو المذكور في الخبر كما في الوضوء
البياني ونحوه.
وأما ما ذكره - من عدم إمكان الجمع بين أخبار المسألة بحمل أخبار تقديم التحميد
على ما كان بعد الصلاة وأخبار تقديم التسبيح على ما كان عند النوم من حيث مخالفة
الاجماع المركب - فضعيف والاجماع على تقدير حجيته غير ثابت، وهذا الجمع جيد لو لم
يرد تقديم التسبيح في أخبار التعقيب أيضا أما مع وروده كما قدمنا ذكره في رواية
المفضل بن عمر (2) المروية في تعقيب نوافل شهر رمضان، وكذا ورد تقديم التحميد
في أخبار النوم كما في رواية هشام بن سالم المتقدمة نقلا (3) وهذا هو المانع من الحمل
المذكور لا ما ذكره (قدس سره) بناء على اقتصاره على الروايات التي نقلها حيث لم
يصل اطلاعه إلى غيرها.
وبالجملة أن صحيحة محمد بن عذافر ورواية أبي بصير ظاهرتان بل صريحتان في
القول المشهور وهما مطلقتان لا تخصيص فيهما بحال الصلاة بل اطلاقهما شامل للحالين،
ويعضدهما رواية هشام بن سالم وإن كان موردها النوم ورواية كتاب المشكاة وهي مطلقة

(1) وهو أن الاجماع حجة بما هو اجماع، راجع أصول الفقه لأبي زهرة ص 189
(2) ص 518
(3) ص 517
521

وأما الروايات الأخر الدالة بظاهر الترتيب الذكري على تقديم التسبيح في حال
النوم - كما في خبر علي وفاطمة الزهراء (عليهما السلام) وكذا خبر شهاب بن عبد ربه
أو تعقيب الصلاة كما في خبر المفضل - فالجواب عنها ممكن من وجوه: (أحدها) عدم
صراحة العطف بالواو في الدلالة على الترتيب وإن كان ظاهر الترتيب الذكري ذلك إلا أنه ينبغي أن يحمل على الأخبار الأخر المعتضدة بصحة الاسناد وشهرة القول به بين
الطائفة المحقة جمعا بين الأخبار. و (ثانيها) القول بالتخيير مطلقا. و (ثالثها) حمل هذه الأخبار على التقية (1) ويؤيده أن حديث علي مع فاطمة الزهراء (عليهما السلام) وإن
رواه في الفقيه مرسلا عن علي (عليه السلام) إلا أن ظاهر سنده في العلل (2) أن رجاله
إنما هم من العامة (3) وابن الأثير في نهايته قد شرح جملة من ألفاظه.
وروى الشيخ أبو علي ابن الشيخ الطوسي عن حمويه عن أبي الحسين عن
أبي خليفة عن محمد بن كثير عن شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة (4)

(1) اختلفت أخبار العامة في الكيفية ففي بعضها تقديم التسبيح على التحميد والتحميد
على التكبير وفي بعضها تقديم التسبيح على التكبير والتكبير على التحميد وفي بعضها تقديم
التحميد على التسبيح والتسبيح على التكبير، راجع كنز العمال ج 1 ص 116 وصحيح
البخاري باب الذكر بعد الصلاة وعمدة القارئ ج 3 ص 198 وصحيح مسلم ج 2 ص 97
و 98 طبعة محمد على صبيح. نعم في حديث على وفاطمة الزهراء " ع " المتقدم في التعليقة 5
ص 515 و 516 عن ارشاد الساري وصحيح مسلم تقديم التكبير على التسبيح والتسبيح على
التحميد كما في رواية الفقيه.
(2) الوسائل الباب 11 من التعقيب
(3) تقدم في التعليقة 5 ص 515 نقل هذا الحديث من ارشاد الساري وغيره
(4) مستدرك الوسائل الباب 8 من التعقيب، وقال فيه بعد نقل الرواية: " قلت
كذا في نسختي ونسخة الحار والظاهر أنه سقط من الأصل قوله: " ويسبح ثلاثا وثلاثين "
كما يظهر من كتب العامة وإن عكسوا الأذكار " ثم نقله من مصابيح البغوي من الصحاح
عن كعب بن عجرة. أقول رواه مسلم في صحيحة ج 2 ص 98 طبعة محمد على صبيح
هكذا: عن كعب بن عجرة عن رسول الله " ص " قال: " معقبات لا يخيب قائلهن أو
فاعلهن: ثلاث وثلاثون تسبيحة وثلاث وثلاثون تحميدة وأربع وثلاثون تكبيرة في دبر كل
صلاة " ولا يخفى أن ظاهر المستدرك والمتن أن هذا القول لكعب بن عجرة حيث لم يسند
إلى رسول الله " ص " فيهما وكذا في البحار ج 18 الصلاة ص 414 إلا أن فيه نقل هذا
الحديث عن فلاح السائل كما أن السند فيه هكذا " عن حمويه عن أبي خليفة.. " كما في
المتن وفي المستدرك بعد قوله " ابن الشيخ الطوسي في مجالسه عن أبيه " هكذا: " عن أبي عبد الله
محمد بن علي بن حمويه عن أبي خليفة.. " وفي البحار أيضا الأذكار الثلاثة مذكورة في الحديث. هذا كله في طبعة الكمباني من البحار. والتوضيح لهذه التعليقة والتعليقة " 2 " في الاستدراكات
522

قال: " معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن: يكبر أربعا وثلاثين ويحمد ثلاثا وثلاثين "
قال السيد رضي الدين بن طاووس في فلاح السائل رأيت في تأريخ نيشابور في ترجمة رجاء
ابن عبد الرحيم أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " معقبات.. " وذكر نحوه.
قال في البحار (1) رواه العامة عن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمان بن أبي ليلى
عن كعب بن عجرة (2) مثله إلا أنهم قدموا في روايتهم التسبيح على التحميد والتحميد على
التكبير ولذا قالوا بهذا الترتيب، قال في شرح السنة أخرجه مسلم (3) ثم نقله عن الآبي
في اكمال الكمال وشرح لفظ " معقبات ".
وبالجملة فإنه لما كان القول المشهور بين الطائفة المعتضد بالأخبار المتقدمة هو تقديم
التكبير ثم التحميد ثم التسبيح فلو سلمنا صراحة المخالف في المخالفة فالظاهر أنه لا محمل له
إلا التقية لموافقته لرواياتهم ولا سيما أن طريق الخبر المذكور رجالهم، ونقل الصدوق له في
الفقيه بناء على صحته عنده لا ينافي الحمل على التقية.
ثم العجب هنا من صاحب المدارك حيث قال: وربما ظهر من كلام ابن بابويه

(1) ج 18 الصلاة ص 414
(2) سند هذا الحديث ليس فيه " شعبة " في صحيح مسلم. نعم الحديث المتقدم في التعليقة " 5 " ص 515 يرويه " شعبة " عن الحكم إلا أن ابن أبي ليلى يرويه عن علي " ع " لا عن كعب
(3) ج 2 ص 98 طبعة محمد على صبيح
523

تقديم التسبيح على التحميد ولم نقف على مأخذه، مع ما عرفت من كثرة الأخبار الواردة
به في الكتب الأربعة وغيرها. وكيف كان فالعمل على القول المشهور كما عرفت.
فائدة
الأفضل أن يكون التسبيح بالتربة الحسينية (على مشرفها أفضل الصلاة والتحية)
لما ذكره في كتاب المصباح (1) قال: " روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال من أدار
الحجر من تربة الحسين (عليه السلام) فاستغفر به مرة واحدة كتب الله له سبعين مرة
وإن أمسك السبحة بيده ولم يسبح بها ففي كل حبة منها سبع مرات ".
وروى الشيخ عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري (2) قال: " كتبت إلى
الفقيه (عليه السلام) أسأله هل يجوز أن يسبح الرجل بطين القبر وهل فيه فضل؟
فأجاب - وقرأت التوقيع ومنه نسخت - يسبح به فما من شئ من السبح أفضل منه،
ومن فضله أن المسبح ينسى التسبيح ويدير السبحة فيكتب له ذلك التسبيح ".
وقال ابن بابويه في الفقيه (3) وقال - يعني الصادق (عليه السلام) -: " السجود
على طين قبر الحسين (عليه السلام) ينور إلى الأرضين السبع ومن كان معه سبحة من طين
قبر الحسين (عليه السلام) كتب مسبحا وإن لم يسبح بها " والتسبيح بالأصابع أفضل
منه بغيرها لأنها مسؤولات يوم القيامة. انتهى.
أقول: الظاهر أن قوله: " والتسبيح بالأصابع.. الخ " من كلام الصدوق
وعلى تقديره فهو محل نظر فإن هذه العلة لا تستلزم أفضلية التسبيح بالأصابع على
التسبيح بالسبحة سيما مع ما عرفت من الخبرين المذكورين.

(1) الوسائل الباب 16 من التعقيب
(2) الوسائل الباب 75 من المزار
(3) الوسائل الباب 16 من ما يسجد عليه
524

قال في مكارم الأخلاق على ما نقله في البحار (1) من مسموعات السيد
أبي البركات المشهدي روى إبراهيم بن محمد الثقفي " أن فاطمة بنت رسول الله (صلى
الله عليه وآله) كانت سبحتها من خيط صوف مفتل معقود عليه عدد التكبيرات فكانت
(عليها السلام) تديرها بيدها تكبر وتسبح إلى أن قتل حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء
(رضي الله عنه) فاستعملت تربته وعملت المسابيح فاستعملها الناس فلما قتل الحسين
(عليه السلام) عدل بالأمر إليه فاستعملوا تربته لما فيها من الفضل والمزية " وفي كتاب
الحسن بن محبوب " أن أبا عبد الله (عليه السلام) سئل عن استعمال التربتين من طين
قبر حمزة والحسين (عليه السلام) والتفاضل بينهما فقال (عليه السلام) السبحة من
طين قبر الحسين (عليه السلام) تسبح بيد الرجل من غير أن يسبح " وروي " أن
الحور العين إذا بصرن بواحد من الأملاك يهبط إلى الأرض لأمر ما يستهدين منه
السبح والترب من طين قبر الحسين (عليه السلام) " وروي عن الصادق (عليه السلام)
" أنه من أدارها مرة واحدة بالاستغفار أو غيره كتب الله له سبعين مرة وأن السجود
عليها يخرق الحجب السبع ". انتهى.
وروى في الاحتجاج (2) قال: " كتب الحميري إلى القائم (عجل الله فرجه)
يسأله هل يجوز أن يسبح الرجل بطين القبر وهل فيه فضل؟ فأجاب (عليه السلام)
يسبح به فما من شئ من التسبيح أفضل منه ومن فضله أن الرجل ينسى التسبيح ويدبر
السبحة فيكتب له التسبيح. وسئل هل يجوز أن يدبر السبحة بيده اليسرى أو لا يجوز؟
فأجاب يجوز ذلك والحمد الله ".
الرابع - في نبذة مما يستحب بعد كل صلاة، ومنه رفع اليدين بالتكبير ثلاثا:

(1) ج 18 الصلاة ص 415 وفي الوسائل الباب 16 من التعقيب
(2) ص 277 وفي الوسائل الباب 16 من التعقيب
525

روى الصدوق في العلل بسنده عن المفضل بن عمر (1) قال: " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام) لأي علة يكبر المصلي بعد التسليم ثلاثا يرفع بها يديه؟ فقال لأن النبي
(صلى الله عليه وآله) لما فتح مكة صلى بأصحابه الظهر عند الحجر الأسود فلما سلم رفع
يديه وكبر ثلاثا وقال: " لا إله إلا الله وحده وحده أنجز وعده ونصر عبده وأعز
جنده وغلب الأحزاب وحده فله الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير "
ثم أقبل على أصحابه وقال لا تدعوا هذا التكبير وهذا القول في دبر كل صلاة مكتوبة فإن
من فعل ذلك بعد التسليم وقال هذا القول كان قد أدى ما يجب عليه من شكر الله على تقوية
الاسلام وجنده " ورواه في فلاح السائل بسنده عن المفضل (2).
وروى فيه بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) قال: " إذا
سلمت فارفع يديك بالتكبير ثلاثا ".
قال في الذكرى: قال الأصحاب يكبر بعد التسليم ثلاثا رافعا بها يديه كما تقدم
ويضعها في كل مرة إلى أن تبلغ فخذيه أو قريبا منهما. وقال المفيد يرفعهما حيال وجهه مستقبلا
بظاهرهما وجهه وبباطنهما القبلة ثم يخفض يديه إلى نحو فخذيه وهكذا ثلاثا. انتهى.
وما رواه في الكافي في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (4) قال
قال: " لا تنسوا الموجبتين - أو قال عليكم بالموجبتين - في دبر كل صلاة. قلت وما
الموجبتان؟ قال تسأل الله الجنة وتعوذ بالله من النار ".
وعن داود العجلي مولى أبي المغرا (5) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول ثلاث أعطين سمع الخلائق: الجنة والنار والحور العين، فإذا صلى العبد وقال:
" اللهم اعتقني من النار وأدخلني الجنة وزوجني من الحور العين " قالت النار يا رب إن

(1) الوسائل الباب 14 من التعقيب
(2) مستدرك الوسائل الباب 12 من التعقيب والوافي باب " ما يقال بعد كل صلاة "
(3) مستدرك الوسائل الباب 12 من التعقيب والوافي باب " ما يقال بعد كل صلاة "
(4) الوسائل الباب 22 من التعقيب
(5) الوسائل الباب 22 من التعقيب
526

عبدك قد سألك أن تعتقه مني فاعتقه وقالت الجنة يا رب إن عبدك قد سألت إياي فأسكنه
وقالت الحور العين يا رب إن عبدك قد خطبنا إليك فزوجه منا، فإن هو انصرف من
صلاته ولم يسأل الله تعالى شيئا من هذا قالت الحور العين إن هذا العبد فينا لزاهد
وقالت الجنة إن هذا العبد في لزاهد وقالت النار إن هذا العبد بي لجاهل ".
وروى في الخصال بسنده عن عائذ الأحمسي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: " أربعة أعطوا سمع الخلائق: النبي (صلى الله عليه وآله) والحور العين والجنة والنار
فما من عبد يصلي على النبي (صلى الله عليه وآله) أو يسلم عليه إلا بلغه ذلك وسمعه،
وما من أحد قال: " اللهم زوجني من الحور العين " إلا سمعنه وقلن يا ربنا إن فلانا قد
خطبنا إليك فزوجنا منه، وما من أحد يقول: " اللهم أدخلني الجنة " إلا قالت الجنة اللهم
أسكنه في، وما من أحد يستجير بالله من النار إلا قالت النار اللهم أجره مني " وبهذا
المضمون أخبار عديدة.
ومنه - ما رواه في الكافي عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: " لما أمر الله تعالى هذه الآيات أن يهبطن إلى الأرض تعلقن بالعرش وقلن أي
رب إلى أين تهبطنا إلى أهل الخطايا والذنوب؟ فأوحى الله تعالى إليهن أن اهبطن فوعزتي
وجلالي لا يتلوكن أحد من آل محمد (صلى الله عليه وآله) وشيعتهم في دبر ما افترضت
عليه إلا نظرت إليه بعيني المكنونة في كل يوم سبعين نظرة أقضي له مع كل نظرة
سبعين حاجة وقبلته على ما فيه من المعاصي، وهي أم الكتاب و " شهد الله أنه لا إله
إلا هو.. " وآية الكرسي وآية الملك ".
ومنه - ما رواه الشيخ في الموثق عن عبد الله بن بكير (3) قال: " قلت لأبي عبد الله

(1) الوسائل الباب 22 من التعقيب
(2) الوسائل الباب 23 من التعقيب
(3) الوسائل الباب 15 من التعقيب. وكلمة " أولها " في الوافي فقط
527

(عليه السلام) قول الله عز وجل " اذكروا الله ذكرا كثيرا " (1) ماذا الذكر
الكثير؟ قال: أولها أن تسبح في دبر المكتوبة ثلاثين مرة ".
وعن أبي بصير (2) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) إن رسول الله (صلى
الله عليه وآله) قال لأصحابه ذات يوم أرأيتم لو جمعتم ما عندكم من الثياب والآنية
ثم وضعتم بعضه على بعض أترونه يبلغ السماء؟ قالوا لا يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فقال يقول أحدكم إذا فرغ من صلاته " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر "
ثلاثين مرة وهن يدفعن الهدم والغرق والحرق والتردي في البئر وأكل السبع وميتة
السوء والبلية التي نزلت على العبد في ذلك اليوم ".
وروى الصدوق في المجالس في الصحيح عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (3) قال: " من صلى صلاة مكتوبة ثم سبح في دبرها ثلاثين مرة لم يبق
على بدنه شئ من الذنوب إلا تنائر ".
وروى في خبر آخر في الكتاب المذكور عن الحارث بن المغيرة النصري (4)
قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول من قال: " سبحان الله والحمد لله ولا
إله إلا الله والله أكبر " أربعين مرة في دبر كل صلاة فريضة قبل أن يثني رجليه ثم
سأل الله أعطي ما سأل ".
ومنه - ما رواه ثقة الاسلام في الكافي عن الحسين بن نوير وأبي سلمة السراج (5)
قال: " سمعنا أبا عبد الله (عليه السلام) وهو يلعن في دبر كل مكتوبة أربعا من
الرجال وأربعا من النساء: فلان وفلان وفلان - ويسميهم - ومعاوية وفلانة وفلانة
وهندا وأم الحكم أخت معاوية ".

(1) سورة الأحزاب، الآية 41
(2) الوسائل الباب 15 من التعقيب
(3) الوسائل الباب 15 من التعقيب
(4) الوسائل الباب 15 من التعقيب
(5) الوسائل الباب 19 من التعقيب
528

وبإسناده عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " إذا انحرفت عن
صلاة مكتوبة فلا تنحرف إلا بانصراف لعن بني أمية ".
وما رواه الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب مرسلا عن أمير المؤمنين (عليه
السلام) (2) أنه قال: " من أحب أن يخرج من الدنيا وقد تخلص من الذنوب كما
يتخلص الذهب الذي لا كدر فيه ولا يطلبه أحد بمظلمة فليقل في دبر كل صلاة
نسبة الرب تبارك وتعالى اثنتي عشرة مرة ثم يبسط يديه فيقول: " اللهم إني أسألك
باسمك المكنون المخزون الطهر الطاهر المبارك وأسألك باسمك العظيم وسلطانك القديم
أن تصلي على محمد وآل محمد يا واهب العطايا يا مطلق الأسارى يا فكاك الرقاب من النار
أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تعتق رقبتي من النار تخرجني من الدنيا آمنا
وتدخلني الجنة سالما وأن تجعل دعائي أوله فلاحا وأوسطه نجاحا وآخره صلاحا إنك أنت
علام الغيوب " ثم قال أمير المؤمنين (عليه السلام) هذا من المخبيات مما علمني رسول الله
(صلى الله عليه وآله) وأمرني أن أعلمه الحسن والحسين (عليهما السلام) " وفي الفقيه (3)
" في دبر الصلوات الخمس " ورواه الصدوق في معاني الأخبار في الصحيح عن إبراهيم بن هاشم
وأحمد بن محمد بن عيسى معا عن علي بن الحكم عن أبيه عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (4) كما هنا إلا أنه قال " الطاهر الطهر " وقال بعد قوله
" القديم ": يا واهب العطايا يا مطلق الأسارى يا فكاك الرقاب من النار صل على محمد
وآل محمد وفك رقبتي من النار وأخرجني من الدنيا آمنا وأدخلني الجنة سالما واجعل
دعائي.. إلى آخر ما هنا.
ومنه ما رواه في قرب الإسناد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد

(1) الوسائل الباب 19 من التعقيب
(2) الوسائل الباب 29 من التعقيب
(3) الوسائل الباب 29 من التعقيب
(4) ص 46 وفي الوسائل الباب 29 من التعقيب
529

البزنطي (1) قال: " قلت للرضا (عليه السلام) كيف الصلاة على رسول الله (صلى الله
عليه وآله) في دبر المكتوبة وكيف السلام عليه؟ فقال (عليه السلام) تقول السلام
عليك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورحمة الله وبركاته السلام عليك يا محمد بن عبد الله
(صلى الله عليه وآله) السلام عليك يا خيرة الله السلام عليك يا حبيب الله السلام عليك
يا صفوة الله السلام عليك يا أمين الله أشهد أنك رسول الله وأشهد أنك محمد بن عبد الله
وأشهد أنك قد نصحت لأمتك وجاهدت في سبيل ربك وعبدته حتى أتاك اليقين فجزاك الله
يا رسول (صلى الله عليه وآله) أفضل ما جزى نبيا عن أمته اللهم صل على محمد وآل
محمد أفضل ما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ".
ومنه - ما قال في الفقه الرضوي (2): إذا فرغت من صلاتك فارفع يديك وأنت
جالس فكبر ثلاثا وقل: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له أنجز وعده ونصر عبده
وهزم الأحزاب وحده وأعز جنده وحده فله الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو
على كل شئ قدير " وتسبح بتسبيح فاطمة الزهراء (عليها السلام) وهو أربع وثلاثون
تكبيرة وثلاث وثلاثون تسبيحة وثلاث وثلاثون تحميدة ثم قل: اللهم أنت السلام ومنك
السلام ولك السلام وإليك يعود السلام سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على
المرسلين والحمد لله رب العالمين. وتقول السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته
السلام على الأئمة الراشدين المهديين من آل طه ويس. ثم تدعو بما بدا لك من الدعاء
بعد المكتوبة. انتهى.
ومنه - ما رواه في التهذيب من سلام المكي عن أبي جعفر (عليه السلام) (3)
قال: " أتى رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) يقال له شيبة الهذيل فقال يا رسول الله
(صلى الله عليه وآله) إني شيخ قد كبر سني وضعفت قوتي عن عمل كنت قد عودته

(1) الوسائل الباب 24 من التعقيب
(2) ص 9
(3) ج 1 ص 164 وفي الوسائل الباب 24 من التعقيب
530

نفسي من صلاة وصيام وحج وجهاد فعلمني يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) كلاما
ينفعني الله به وخفف علي يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال أعد فأعاد ثلاث
مرات فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما حولك شجرة ولا مدرة إلا وقد
بكت من رحمتك، فإذا صليت الصبح فقل عشر مرات " سبحان الله العظيم وبحمده
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " فإن الله يعافيك بذلك من العمى والجنون
والجذام والفقر والهرم. فقال يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذا للدنيا فما للآخرة؟
فقال تقول في دبر كل صلاة: " اللهم اهدني من عندك وأفض علي من فضلك وانشر علي
من رحمتك وأنزل علي من بركاتك " قال فقبض عليهن بيده ثم مضى فقال رجل لابن
عباس ما أشد ما قبض عليها خالك. قال فقال (صلى الله عليه وآله) أما أنه إن وافى بها
يوم القيامة لم يدعها متعمدا فتح الله له ثمانية أبواب من أبواب الجنة يدخل من أيها شاء "
قيل: المراد بقبضهن عدهن بالأصابع وضمها لهن. أقول: الظاهر حمله على
ظاهره ويكون ذلك مبالغة في حفظة لهذه الكلمات كأنها من قبيل شئ وضع في يده
فضم عليه بيده. وقيل في قوله " خالك " أي صاحبك يقال إنا خال هذا الفرس أي
صاحبه، وقيل يحتمل أن يكون عبد الله بن عباس منتسبا من جانب الأم إلى هذيل.
إلى غير ذلك مما هو مذكور في مظانه من أراده فليطلبه منها.
قد تم المجلد الأول (1) من كتاب الصلاة من الحدائق الناضرة في أحكام العترة
الطاهرة ويتلوه إن شاء الله تعالى في المجلد الثاني المقصد الثاني في ما يلحق الصلاة من
قواطعها وسهوها وشكوكها.

(1) هذا بحسب تقسيم المصنف " قدس سره " وبتقسيمنا قد تم الجزء الثامن ويتلوه
الجزء التاسع والحمد لله أولا وآخرا.
531