الكتاب: غنائم الأيام
المؤلف: الميرزا القمي
الجزء: ١
الوفاة: ١٢٣١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: عباس تبريزيان - مكتب الإعلام الإسلامي - فرع خراسان / المساعدان : عبد الحليم الحلي ، السيد جواد الحسيني
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٧ - ١٣٧٥ ش
المطبعة: مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي
ردمك: ٩٦٤-٤٢٤-١٨٢-٧
ملاحظات:

بسم الله الرحمن الرحيم
1

غنائم الأيام
في مسائل الحلال والحرام
للفقيه المحقق الميرزا أبو القاسم القمي
(1152 - 1221 ه‍)
الجزء الأول
كتاب الطهارة
تحقيق مكتب الاعلام الاسلامي - فرع خراسان
3

غنائم الأيام في مسائل الحلال والحرام ج 1
المؤلف الميرزا أبو القاسم القمي
التحقيق: مكتب الاعلام الاسلامي - فرع خراسان
المحقق: عباس تبريزيان
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة مطبعة مكتب الاعلام الاسلامي
الطبعة: الأولى 1417 ق، 1375 ش
حقوق الطبع محفوظة للناشر
4

فهرس الموضوعات
5

فهرس الموضوعات
6

فهرس الموضوعات
7

فهرس الموضوعات
8

فهرس الموضوعات
9

فهرس الموضوعات
10

فهرس الموضوعات
11

فهرس الموضوعات
12

فهرس الموضوعات
13

فهرس الموضوعات
14

فهرس الموضوعات
15

فهرس الموضوعات
16

فهرس الموضوعات
17

فهرس الموضوعات
18

فهرس الموضوعات
19

فهرس الموضوعات
20

فهرس الموضوعات
21

فهرس الموضوعات
22

مقدمة التحقيق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، وباعث الرسل بما فيه حياة أهل
الأرضين، وواهب مصابيح الظلم ومشكاة الديجور لعباده الصالحين، حمدا لا انقطاع
له ولا أمد كما هو أهله.
نصلي على خير خلقه محمد كما حمل وحيه، وبلغ رسالاته، وأحل حلاله،
وحرم حرامه. وعلى الأوصياء من بعده، ومستودع علمه، وباب حكمته، الناطقين
بحجته، والداعين إلى شريعته.
وبعد، فإن فضيلة العلم وفضيلة حامليه لا تخفى على أحد، وقد قال تعالى:
" هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " و " إنما يخشى الله من عباده
العلماء ".
وأيضا لا يخفى شرف علم الفقه وأفضليته، كما يرشد إلى ذلك التأكيد عليه كل
التأكيد في الآيات والروايات، فقد قال تعالى: " فلولا نفر من كل فرقة طائفة ليتفقهوا
في الدين ".
وأضف إلى ذلك أن فيه سعادة الدارين، فإن العلوم والتجارب والأبحاث الحديثة
أثبتت وما زالت تثبت أرقاما ذهبية خالدة في لوحة الاسلام العريقة، فقد رسم الاسلام
23

قبل ألف وأربعمائة عام المسير الذي أخذت تثبته التجارب والبحوث شيئا فشيئا، وما
زالت تبلغنا فوائد وحكم ما جاء به الاسلام من الأحكام من غرب الأرض وشرقها،،
وما زلنا نشاهد الوثائق تلو الوثائق على صحة ما نعتقده من تبعية أحكام الاسلام
للمصالح والمفاسد العائدة إلى البشر. بل كان دأب النبي (ص) والأئمة المعصومين (ع)
هو دعم التشريع ببيان بعض المصالح الدنيوية التي توصل البشر إليها اليوم، أو يمكن
التوصل إليها يوما ما، فقد نص القرآن على أن مضار الخمر أكثر من منافعه، وقد بات
هذا الشئ في أذهان مثقفي الغرب وحافظي النظم من الأمور البديهية، وكذا فقد
صار تجويز الزنا واللواط عند مدعي الحرية كارثة ووبالا أورث عندهم الداء القاتل،
بالإضافة إلى ضياع الأنساب وتفكك المجتمعات، وغيرها مما لا يحصى.
هذا بالإضافة إلى ما في التزام الجوانب العبادية والامتثال أمام الخالق والانصياع
لأوامره وحمده وتسبيحه وذكره من الاطمئنان الذي لا يمكن إدراكه بأي وسيلة
أخرى، ألا بذكر الله تطمئن القلوب.
نتيجة لوقوف الشارع والمتشرعة - يعني النبي والأئمة (ع) - على عظم خطر
الفقه، وخطر تفويت مصالح الأحكام الشرعية، فقد بذلوا كل ما بوسعهم في سبيل
نشر الأحكام الشرعية وتعليمها والحث على تطبيقها، ولم يترددوا في التضحية في
هذا السبيل، وأوقفوا أعمارهم الشريفة على ذلك.
كان نتيجة كل ذلك الاهتمام والتأكيد أن قام رجال من ذوي العقول الشامخة
والآراء الصائبة بتعلم فنون الفقه وتدوينه واستنباط أحكامه منذ بزوغ شمس الاسلام،
وعلى مر العصور والأعوام، حاملين أدواته عن السابقين إلى اللاحقين، فأبرموا
بذلك عقدة الدين القويم، ونفوا عنه تحريف الغالين، وعمروا به أرجاء الأرضين.
نتيجة ذلك الاهتمام وطروء بعض الظروف - كغيبة الإمام - أخذ الفقه يتطور
على مر الأعصار، وصارت كيفية استنباط الأحكام والفتيا بها تتغير بمرور الزمان،
وساعد على ذلك الابتعاد عن زمان صدور الأحكام والتعاليم السامية.
24

تطور الفقه
إن مسألة تعلم الأحكام وجمعها وتدوينها كانت من زمان النبي (ص)، واشتدت
بعد لحوقه بالرفيق الأعلى، وقد تخرج من مدرسة أهل البيت (ع) وعلى أيدي
الأئمة الأطهار (ع) عدة من الفقهاء العظام، نظير علي بن أبي رافع الذي كان
من خواص أمير المؤمنين (ع). وسعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وهما
من ثقات علي بن الحسين (ع).
كذا نظير زرارة بن أعين، ومحمد بن مسلم، وأبي بصير الأسدي، وجميل بن
دراج، وعبد الله بن مسكان من خريجي مدرسة الإمام الباقر والإمام الصادق (ع).
ما أجمع العلماء على فقاهة آخرين من تلاميذ الإمام موسى بن جعفر (ع)،
نظير يونس بن عبد الرحمن، وصفوان بن يحيى، ومحمد بن أبي عمير، وغيرهم،
ويعبر عنهم بأصحاب الاجماع، وحالهم وفقاهتهم معلومة لكل من راجع كتب
الحديث، وكان لأكثرهم كتب، إلا أن كتبهم كانت مقصورة على نقل الروايات
بأسنادها.
هكذا فقد كانت عملية التفقه بسماع كلام المعصوم، أو تلقي الجواب منه بعد
توجيه السؤال من دون بذل جهد، وكان الإفتاء بنقل نص الرواية مع الإسناد، واستمر
على هذا الحال طول القرون الثلاثة الأولى.
لكن قبيل وبعد غيبة الإمام الثاني عشر (عجل الله تعالى فرجه) - يعني أوائل
القرن الرابع - طرأ تغيير على كيفية الفتيا، وحل محل تلك الطريقة طريقة جديدة،
وهي إلقاء الأحكام إلى الناس بنص كلام الإمام من دون ذكر السند والإمام المنقول
عنه، أو نقل مضمونه بعد الترجيح والجمع بين الأخبار، وبهذا ترك الفقه قالب نقل
الأخبار، وخرج بقالب الإفتاء.
أول من فتح هذا الباب على مصراعيه والد الشيخ الصدوق، فألف كتاب
25

" الشرائع ". وتبعه ولده الشيخ الصدوق، فألف كتاب " المقنع " وكتاب " الهداية " على
هذه الطريقة، وتبعهما الشيخ المفيد في كتاب " المقنعة "، والشيخ الطوسي في كتاب
" النهاية ".
لما كانت متون هذه الكتب والمؤلفات هي نصوص الروايات، فلذلك صار
البعض يعتمد عليها ويعاملها معاملة الرواية عند إعواز النصوص.
في مقابل هذه الطريقة خرج بعض الفقهاء بطريقة أخرى، وهي الاعتماد على
القواعد الكلية، الأصولية والفقهية، في استنباط الأحكام، والخروج عن الأخبار،
وأول من فتح هذا الباب القديمان: ابن أبي عقيل العماني، وابن الجنيد الإسكافي،
فألف الأول كتاب " المتمسك بحبل آل الرسول "، وألف الثاني كتاب " تهذيب الشيعة
لأحكام الشريعة "، وكتاب " الأحمدي للفقه المحمدي ".
كان ابن أبي عقيل من معاصري الشيخ الكليني المتوفى عام 328، وإلا فلم
يضبط عام وفاته في الكتب.
اختار الشيخ الطوسي طريقة ثالثة تعد حدا وسطا بين الطريقتين، وهي الإفتاء
بمضامين آيات الكتاب والأخبار في أمهات المسائل وسماها الأصول، ومن ثم التفرع
على ما تقتضيه القواعد الكلية وسماها الفروع، وقد سلك هذه الطريقة في كتاب
المبسوط وكتاب الخلاف، بينما اختار طريقة القميين في كتاب النهاية، وقد ذكر ذلك
كله الشيخ في مقدمة المبسوط فراجعها.
هذه الطريقة هي الطريقة التي سادت من بعد الشيخ وغلبت، وإن كان لكل من
الطرق الأخرى أتباعها.
حوزة قم
إن أول المعاهد هو معهد الرسول الأعظم (ص)، وكان تلامذة هذا المعهد هم
أصحابه، وبالخصوص أهل بيته، فكانوا يتلقون الأحكام بالمشافهة من النبي (ص)،
26

فيسمعون منه آيات القرآن ويحفظونها، ويتعلمون منه أحكام دينهم، وينقلونها إلى
الآخرين.
يتلوه معهد كل واحد من الأئمة المعصومين عليهم السلام بنفس الطريقة،
وهكذا استمر هذا النحو إلى زمان الغيبة. فأخذت المعاهد العلمية تتأطر في اجتماع
مجاميع من العلماء والمتعلمين في بلد يتدارسون فيه الأحكام الشرعية، ويزاولون
عملية الاستنباط، ويسمى بالحوزة العلمية.
من أوائل هذه الحوزات: هي حوزة قم المقدسة، وتليها حوزة بغداد، وحوزة
النجف الأشرف، وحوزة الحلة، وحوزة جبل عامل، وحوزة كربلاء وغيرها من
الحوزات العلمية.
نخص الكلام في حوزة قم المقدسة، وقبل بيان ما يتعلق بالحوزة العلمية نتعرض
جملة إلى تاريخ مدينة قم وما يختص بها.
ذكر أهل المعاجم والتواريخ بلدة قم، وصنف الحسن بن محمد بن الحسن القمي
كتابا سماه " تاريخ قم " تعرض فيه لتاريخها وما جرى عليها على مر العصور.
ذكرها اليعقوبي في كتاب البلدان، وقال: مدينة قم الكبرى، ويقال لها
منيجان، وهي جليلة القدر، وإلى جانبها مدينة يقال لها كمندان، ولها واد يجري فيه
الماء بين المدينتين، وأهلها الغالبون عليها من مذحج، ثم من الأشعريين، وبها عجم
قدم، ومن الموالي يذكرون أنهم موال لعبد الله بن العباس بن عبد المطلب، وذكر
حصونها وأبوابها وأنهارها وقنواتها....
ذكرها ياقوت الحموي في معجم البلدان، وقال: هي مدينة إسلامية مستحدثة
لا أثر للأعاجم فيها، وأول من مصرها طلحة بن الأحوص الأشعري، وهي حسنة
طيبة، وأهلها كلهم شيعة إمامية، وكان بدء تمصيرها في أيام الحجاج بن يوسف سنة
83 هجرية، وذلك أن عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس كان أمير سجستان
من جهة الحجاج، ثم خرج عليه، وكان في عسكره سبعة عشر نفرا من علماء التابعين
27

من العراقيين، فلما انهزم ابن الأشعث ورجع إلى كابل منهزما كان في حملته إخوة
يقال لهم عبد الله بن الأحوص، وعبد الرحمن وإسحاق ونعيم وغيرهم، وهم بنو
سعد بن مالك بن عامر الأشعري، وقعوا إلى قم، وكان هناك سبع قرى، اسم إحداها
كمندان، فنزل هؤلاء الإخوة على هذه القرى حتى افتتحوها، واستولوا عليها،
واستوطنوها، واجتمع إليهم بنو عمهم، وصارت السبع قرى سبع محال بها.
كان متقدم هؤلاء الإخوة عبد الله بن سعد، وكان له ولد قد ربا بالكوفة، فانتقل
منها إلى قم، وكان إماميا، فهو الذي نقل التشيع إلى أهلها، فلا يوجد فيها سني قط.
من ظريف ما يحكى: أنه ولي عليهم وال وكان سنيا متشددا، فبلغه عنهم أنهم
لبغضهم الخلفاء لا يوجد فيهم من اسمه أبو بكر ولا عمر، فجمعهم يوما وقال
لرؤسائهم: بلغني أنكم تبغضون الخلفاء، وأنكم لبغضكم إياهم لا تسمون أولادكم
بأسمائهم، وأنا أقسم بالله العظيم لئن لم تجيئوني برجل منكم اسمه أبو بكر أو عمر،
ويثبت عندي أنه اسمه، لأفعلن بكم، ولأصنعن.
استمهلوه ثلاثة أيام، وفتشوا مدينتهم واجتهدوا فلم يروا إلا رجلا صعلوكا
حافيا عاريا أحول أقبح خلق الله منظرا اسمه أبو بكر، لأن أباه كان غريبا استوطنها
فسماه بذلك، فجاؤوا به.
فشتمهم، وقال: جئتموني بأقبح خلق الله تتنادرون علي، وأمر بصفعهم، فقال
له بعض ظرفائهم: أيها الأمير اصنع ما شئت، فإن هواء قم لا يجئ منه من اسمه
أبو بكر أحسن صورة من هذا، فغلبه الضحك وعفا عنهم. ونقل غير ذلك في وجه
نزولهم قم وعلة المقاتلة.
وعلى أي حال فإن لبلدة قم تاريخا عريقا، ومفاخر كبيرة، وخدمات جليلة في
مجال العلم والفقه، فقد خرج منها علماء عظماء، ومحدثون كبار، قاموا بحفظ
معالم الدين، وأسسوا مسيرته الفقهية وأحكموها.
وقد جاء في فضل قم وأهلها أخبار كثيرة، ففي بعضها: " إن الله احتج ببلدة قم
28

على سائر البلاد، وبأهلها على جميع أهل المشرق والمغرب من الجن والإنس، ولم
يدع الله قم وأهله مستضعفا، بل وفقهم وأيدهم، وإن البلايا مدفوعة عن قم وأهلها،
وسيأتي زمان تكون قم وأهلها حجة على الخلائق، وذلك في زمان غيبة قائمنا (ع) إلى
ظهوره، ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها، وأن الملائكة لتدفع البلايا عن قم
وأهله ".
وفي أخرى: " ستخلو كوفة من المؤمنين، ويأرز عنها العلم كما تأرز الحية في
جحرها، ثم يظهر العلم ببلدة يقال لها قم، وتصير معدنا للعلم والفضل حتى لا يبقى
في الأرض مستضعف في الدين، حتى المخدرات في الحجال، وذلك عند ظهور
قائمنا، فيجعل الله قم وأهله قائمين مقام الحجة، ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها،
ولم يبق في الأرض حجة، فيفيض العلم منها إلى سائر البلاد في المشرق والمغرب،
فتتم حجة الله على الخلق حتى لا يبقى أحد على الأرض لم يبلغ إليه الدين والعلم، ثم
يظهر القائم ويسير سببا لنقمة الله وسخطه على العباد، لأن الله لا ينتقم من العباد إلا
بعد إنكارهم حجة " وغيرها من الروايات.
والمستفاد من هذه الروايات أن قم هي مهد العلم بعد زمان الأئمة المعصومين،
ومع ذلك هي آخر مركز للعلم يحتج به الله تعالى على الخلائق، وينتشر منه العلم إلى
جميع أنحاء الأرض، وأن مركز العلم ينتقل في آخر الزمان من الكوفة إلى قم.
وكل ذلك قد تحقق وشاهدناه بأم أعيننا، فإن أول الحوزات بعد الغيبة هي حوزة
قم، وشاهدنا انتقال الحوزة في هذه الأزمنة من الكوفة إلى قم.
وهكذا كانت قم وعلى مرور الزمن مهد العلم، ويبرز بين الفترة والأخرى منها
علماء عظام وتأسست فيها مدارس.
ومن هؤلاء المحدثين والفقهاء: أبو جرير، وزكريا بن إدريس، وزكريا بن آدم،
وعيسى بن عبد الله، وإبراهيم بن هاشم، وابنه علي بن إبراهيم المحدث والمفسر
الكبير، ومحمد بن الحسن الصفار، وعلي بن إبراهيم القمي، والشيخ الصدوق،
29

والقطب الراوندي، والميرزا القمي.
وكان لإبراهيم بن هاشم الدور الكبير في نقل العلوم إلى قم، فقد قيل: إنه أول
من نشر أحاديث الكوفيين بقم، وكان شيخ القميين ووجههم، وقيل: إنه لقي
الرضا (ع).
وكذا ابنه علي بن إبراهيم القمي صاحب التفسير، فإنه من أجل رواة أصحابنا،
ونقل المشايخ الثلاثة أكثر رواياتهم عنه، ونقل هو الكثير من رواياته عن أبيه، وكان
في عصر الإمام العسكري عليه السلام.
علي بن بابويه القمي
شيخ القميين في عصره، وفقيههم ومتقدمهم وثقتهم، وبيته في قم من أعظم
بيوت الشيعة، قد نبغ منه جماعة كثيرة من أساطين العلم، وخرج منه عدة من رواد
الفضيلة وحملة الحديث والفقه، ومنهم ولده الشيخ الصدوق، وابنه الآخر
الحسين. ويكفي في تعريفه ما كتب إليه الإمام العسكري (ع) ما نصه: يا شيخي
ومعتمدي وفقيهي.
ولد أبو الحسن علي بن بابويه في قم، وكانت ولادته أواسط القرن الثالث، ونشأ
بها، وتتلمذ على العشرات من مشايخها وغيرهم، منهم سعد بن عبد الله الأشعري
القمي، وعلي بن إبراهيم بن هاشم القمي صاحب التفسير، وأبو العباس عبد الله بن
جعفر الحميري صاحب كتاب قرب الإسناد، وهو من الكتب المعتمدة عند الطائفة،
وأبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني، والقاسم بن محمد بن إبراهيم النهاوندي وكيل
الناحية، والشيخ محمد بن الحسن الصفار.
تتلمذ عليه وروى عنه في قم الكثير الذين صاروا من عظماء مؤلفي الطائفة
وعلمائها، منهم جعفر بن محمد بن قولويه القمي صاحب كامل الزيارات، وولده
الشيخ الصدوق الذي سنتكلم عنه لاحقا، وولده الآخر الحسين، وأحمد بن داود
30

القمي، والحسين بن الحسن بن محمد بن موسى بن بابويه، وزيد بن محمد بن جعفر
المعروف بابن إلياس الكوفي، وغيرهم.
أما عن رحلاته فقد قدم العراق حينا، واجتمع مع أبي القاسم الحسين بن روح،
وسأله مسائل، وقدم مرة أخرى العراق سنة 328، وأجاز في تلك السنة العباس بن
عمر.
وأما عن مصنفاته فقد قال ابن النديم في " الفهرست "، ص 277: قرأت بخط ابنه
محمد بن علي على ظهر جزء، قد أجزت لفلان بن فلان كتب أبي علي بن الحسين،
وهي مائتا كتاب، وكتبي وهي ثمانية كتب، انتهى، فهذا يدل على أن للشيخ علي بن
بابويه مائتي كتاب، ولكن لم يبين أكثرها في الفهارس، ولم ينقل أسماء سوى عشرين
منها، ولم يصل إلينا منها شئ سوى ما نقله عنها ولده في " الفقيه " و " المقنع "، وغيره
كالعلامة والمحقق، وأهم كتبه على ما يبدو كتاب " الشرائع " الذي تكلمنا عنه سابقا.
توفي - رحمه الله - في سنة 329 وهي السنة التي تناثرت فيها النجوم بعد رجوعه
من العراق إلى بلدته قم، ودفن بها، وقبره معروف فيها، وعليه قبة عالية سامية،
يزوره الصالحون، ويتبركون بصاحبه.
الشيخ الصدوق
حصن الشريعة، وجامع شتاتها، وحامل آياتها، وحافظ سنتها، أول الأعلام بعد
غياب الإمام، والسند المعتمد والبحر القمقام، جامع الحقائق، وغانم الدقائق، الفاتق
الراتق، الذي لا يخفى مقامه العلمي، محمد بن علي بن الحسين بن موسى القمي،
المعروف بالشيخ الصدوق.
وما ظنك بمن ولد بدعوة الإمام المنجي، صاحب الزمان المهدي - عجل الله فرجه -
في بيت العلم والفضيلة، وقد قال في حق أبيه: " سيولد له ولد مبارك ينفعه الله
عز وجل به وبعده أولاد ".
31

ولد في قم، ونشأ بها، وتتلمذ على أساتذتها، وتخرج على مشايخها، ودرس
فيها، ثم هاجر منها وجال في الأمصار، كنيشابور ومشهد وبغداد ومرو والكوفة ومكة
وهمدان وما وراء النهر وبلخ وسرخس وإيلاق وسمرقند وغيرها، فجمع الأحاديث،
وسمع من الكثير، وروى وسمع على مشايخ كل بلدة، حتى بلغ أساتذته والراوي
عنهم ما يقرب من ثلاثمائة عالم من الخاصة والعامة.
والقميون من أساتذته منهم أحمد بن علي بن إبراهيم القمي، وأحمد بن يحيى
العطار الأشعري القمي، وجعفر بن الحسين بن علي بن شهريار القمي شيخ أصحابنا
القميين، وأبو القاسم جعفر بن محمد بن موسى بن قولويه القمي، والحسن بن
إبراهيم بن هاشم، والحسن بن أبي علي أحمد بن إدريس الأشعري القمي، والحسين
ابن إبراهيم بن بابويه، وحمزة بن محمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، ومحمد بن الحسن بن الوليد القمي وهو أبو جعفر
شيخ القميين وفقيههم، والشيخ نجم الدين أبو سعيد محمد بن الحسن بن علي بن
محمد بن أحمد بن علي بن الصلت القمي، ومحمد بن ماجيلويه القمي، ومحمد بن
يحيى بن عمران الأشعري، وغيرهم.
وأما تلامذته فهم كثير أيضا، ومن القميين منهم: جعفر بن أحمد بن علي
أبو محمد القمي، وأبو الحسن جعفر بن حسكة القمي، والحسن بن الحسين بن علي
ابن بابويه القمي، وأبو علي الحسن بن محمد بن الحسن الشيباني القمي مؤلف تاريخ
قم، والحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي أخ الشيخ الصدوق،
وأبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان القمي، ابن أخت أبي القاسم
جعفر بن محمد بن قولويه مؤلف كتاب إيضاح دفائن النواصب، ومن غير القميين
الرجالي المعروف الشيخ النجاشي.
وأما آثاره ومصنفاته فقد تبلغ إلى ثلاثمائة مصنف، أورد النجاشي نحو مائتين من
كتبه ومصنفاته، وذكر الشيخ أربعين منها، وهي مصنفات قيمة في شتى العلوم الدينية
32

وفنونها، ومنها " من لا يحضره الفقيه " والذي هو أحد الأصول الأربعة المعتمدة اليوم،
ومنها الخصال، التوحيد، علل الشرائع، معاني الأخبار، الشرائع وغيرها.
وأما حياته فقد نذر الشيخ الصدوق نفسه للدين والعلم، ووقف عمره على جمع
الأحاديث والتصنيف في الحديث والفقه وغيرهما، وأدت مساعيه إلى حفظ كثير من
الأحاديث من الضياع، فكان له بذلك حق عظيم على عاتق الطائفة.
ومن جانب آخر فقد كان له اتصال بالملك ركن الدولة البويهي الديلمي صار سببا
لبذر البذرات الأولى لانتشار التشيع في إيران، وذلك على أثر سعاية بعض المخالفين
عليه وطعنهم على الشيعة، بعد أن بلغ صيت الشيخ الآفاق، وعرفت فضائله وسجاياه
الحسنة، وصار رئيسا لمذهب الشيعة الإمامية، ووصل ذلك إلى الملك، فاستدعاه
وطلب حضوره عنده، فلما حضر عظمه وأجلسه إلى جنبه وتلطف به، ولما استوى
المجلس قال له: إن أهل الفضل اختلفوا في أمر الشيعة وبعض معتقداتهم، وساق
الكلام في ما يذكر من القدح على مذهب الإمامية، فأجاب الشيخ بأجوبة شافية،
وأثبت أحقية المذهب ببراهين قاطعة وواضحة أثارت إعجاب الملك والحاضرين،
واعترف بصحتها المخالفون، وقد كتب تلميذه الشيخ جعفر بن محمد الدوريستي رسالة
في شرح مجلسه بحضرة ركن الدولة، وأوردها التستري في مجالس المؤمنين،
والخونساري في الروضات، وذكر النجاشي مجالس أخر غير ذلك المجلس.
ومع ذلك فقد صار مرجعا للفتيا، حيث تواترت عليه المسائل من جميع الأطراف،
ويرشدك إلى ذلك ما ذكره النجاشي من كتبه المؤلفة في جوابات المسائل، مثل كتاب
جواب المسائل الواردة من واسط، وكتاب جواب المسائل الواردة من قزوين، والمسائل
الواردة من مصر، والواردة من البصرة، والكوفة، والمدائن، ونيشابور، وغيرها.
وقد كانت ولادته في أوائل القرن الرابع ولم تضبط، وذكر النجاشي: أن علي
ابن الحسين - رحمه الله - كتب إلى الصاحب عليه السلام يسأله الولد؟ فكتب إليه: قد
دعونا لك بذلك، وسترزق ولدين ذكرين خيرين.
33

وكان ابن سورة يقول: كلما روى أبو جعفر وأبو عبد الله ابنا علي بن الحسين شيئا
يتعجب الناس من حفظهما ويقولون لهما: هذا الشأن خصوصية لكما بدعوة الإمام
لكما، وهذا أمر مستفيض في أهل قم.
وأما وفاته، فقد توفي سنة 381 ه‍ بالري، وقبره بالقرب من قبر عبد العظيم
الحسني، وعليه قبة عالية يزوره الناس ويتبركون به، وقد جدد بناءه السلطان فتح علي
شاه في القرن الرابع عشر بعد ما ظهرت له كرامة في تلك الأيام ذكرها أصحاب
المعاجم، فذكروا أنه ظهر في مرقده الشريف ثلمة وانشقاق من طغيان المطر، فلما
فتشوها وتتبعوها بقصد إصلاح ذلك الموضع بلغوا إلى سردابة فيها مدفنه الشريف،
فلما دخلوها وجدوا جثته الشريفة هناك مسجاة عارية غير بادية العورة، جسيمة وسيمة
على أظفارها أثر الخضاب، وفي أطرافها أشباه الفتائل من أخياط كفنه البالية
على وجه التراب، فشاع هذا الخبر في مدينة طهران إلى أن وصل إلى سمع السلطان
فتح علي شاه، فحضر هناك بنفسه، وأرسل جماعة من أعيان البلدة وعلمائهم إلى
داخل تلك السردابة بعد ما لم يروا أمناء دولته المصلحة في دخوله بنفسه إلى أن انتهى
الأمر عنده من كثرة من دخل وأخبر إلى مرحلة عين اليقين، فأمر بسد تلك الثلمة
وتجديد عمارة تلك البقعة.
القطب الراوندي
الشيخ الفاضل المتبحر، والفقيه المحدث، والشاعر الأديب، جامع الفضائل
والمناقب قطب الدين أبو الحسين سعيد بن هبة الله الراوندي، المدفون في صحن فاطمة
المعصومة، هو الآخر من العلماء المختصين بالتمجيد والتقدير، وله مصنفات جليلة،
كالخرائج والجرائح، وقصص الأنبياء، وفقه القرآن، وغيرها، وينقل له كرامات
آخرها أنه عند بناء صحن المعصومة الشريف انهدم قبره وظهر بدنه الشريف طريا بعد
سبعمائة عام وليس فيه أقل تغير وكأنه نائم فيه.
34

الميرزا القمي
اسمه ولقبه
هو المحقق الصمداني، والفقيه المسلم، والأصولي البارع، مقنن القوانين، وعماد
الأساطين، المجتهد المدقق النبيه، مولانا الميرزا أبو القاسم ابن المولى محمد حسن بن
نظر علي الجيلاني الشفتي الجابلاقي القمي، المعروف بصاحب القوانين، ويعرف
بالمحقق القمي، والفاضل القمي.
وإنما عرف بالمحقق لكثرة تحقيقاته، وكمال قدرته على التصرف بأدوات الاستنباط
في الأصول والفروع، وبراعته في جمعها وتوجيهها بالاتجاه المطلوب، فيجعل منها
مصبا واحدا يروي عطش الظمآن في عالم الاستنباط، ويلقي ستائر القدم والزيف
على سائر الاحتمالات.
فهو الجوالة في عالم المعاني القدسية بنفس زكية، والرائد في سماء الأدلة
القطعية، وصاحب السطوة على أوهام المتوهمين، واحتمالات المحتملين، وساد
أبواب الجهل والضلال.
فكم من باب سدها بعد تأرجحها إلى آخر الدهر السحيق، وكم من ترددات
أحكمها وصيرها جزما ويقينا، وكم من زيف أبان زيفه وبطلانه بكتاب مبين.
أقوال العلماء فيه
لقد أطنب العلماء في مدحه والثناء عليه، ولكن أنقل لك جانبا مما قيل فيه، فقد
قال السيد حسن الصدر في تكملة أمل الأمل وما أحسن ما قال وأصوبه، قال: هو
أحد أركان الدين، والعلماء الربانيين، والأفاضل المحققين، وكبار المؤسسين، وخلف
السلف الصالحين; كان من بحور العلم، وأعلام الفقهاء المتبحرين، طويل الباع، كثير
الاطلاع، حسن الطريقة، معتدل السليقة، له غور في الفقه والأصول مع تحقيقات
35

رائقة، وله تبحر في الحديث والرجال والتاريخ والحكمة والكلام، كما يظهر كل ذلك
من مصنفاته الجليلة، هذا مع ورع واجتهاد وسداد وتقوى واحتياط، ولا شك في كونه
من علماء آل محمد وفقهائهم المقتفين آثارهم، والمهتدين بهداهم، إلى آخر ما قال.
وقال المحدث النوري في خاتمة المستدرك: العالم الكامل، المحقق الجليل، الميرزا
أبو القاسم بن المولى محمد حسن الجيلاني، المتوطن في دار الإيمان قم، صاحب
الغنائم والقوانين، وقد أذعن ببلوغه الغاية في الدقة والتحقيق في الفقه والأصول من
عاصره ومن تأخر عنه من المشايخ والفحول، وكان مؤيدا مسددا، كيسا في دينه، فطنا
في أمور آخرته، شديدا في ذات الله، مجانبا لهواه، مع ما كان عليه من الرئاسة،
وخضوع ملك عصره وأعوانه له.
وقال في قصص العلماء: علم تدقيق، وعلم تحقيق، علامة فهامة، مقنن
القوانين، وناهج مناهج الصدق واليقين، قدوة العلماء العاملين، وأسوة الفقهاء
الراسخين، ورئيس الدنيا والدين، أزهد أهل زمانه، وأورع المتورعين، وأعلم وأفقه
المعاصرين، رئيس الإمامية.
وقال تلميذه الشيخ أسد الله التستري صاحب المقابس: الشيخ المعظم، العالم
العلم المقدم، مسهل سبيل التدقيق والتحقيق، مبين قوانين الأصول، ومناهج الفروع،
كما هو به حقيق، المتسنم ذروة المعالي بفضائله الباهرة، الممتطي صهوة المجد بفواضله
الزاهرة، بحر العلوم الغائص بالفوائد والفرائد، الكاشف بفكره الثاقب عن عوالي
الخرائد، شمس النجوم المشرقة بأنوار العوائد على الأماثل والأماجد، والأداني
والأباعد.
وقال في روضات الجنات: كان - رحمه الله - محققا في الأصول والعربية،
مدققا في المسائل النظرية، مؤيدا من عند الله من بدو أمره إلى النهاية، منتهيا إليه
رئاسة الإمامية بأجود العناية، وأحسن الكفاية، وشأنه أجل من أن يوصف بالبيان
والتقرير، وأدق من أن يعرف بالبنان والتحرير، وكان ورعا جليلا وجامعا نبيلا،
36

وبارعا نحريرا، ومقدما كبيرا، وأديبا ماهرا، وخطيبا باهرا، جميل السياق، جليل
الإشفاق، كثير الخشوع، غزير الدموع، دائم الأنين، وافر الحنين، باكي العينين،
زاكي الملوين، حسن المفاكهة، طيب المعاشرة، لطيف المحاورة، جيد الخط والكتابة
بقسميها المشهورين، إلى آخره.
وهكذا ساق الكلام عنه وعن مؤلفاته وأحواله ومدحه والثناء والإطراء عليه ما لم
يذكره في أحد من العلماء العظام، وليس هذا أول معجب به، ولا آخر مبهوت أمام
جلالة قدره، فكم من كاتب ترك عنان قلمه طاويا الصفحات مسحورا ببهائه، وكم من
مظهر للعجز عن إدراك فضائله، وكم من مدافع عن حريم قوانينه، فقد كتب صاحب
قصص العلماء تعليقة على القوانين دافع فيها عن الميرزا، وفند إيرادات الموردين
وسماها المحاكمات.
وقد ذكره - قدس سره - خصيمه القلبي وعنيده الواقعي محمد بن عبد النبي
النيشابوري الأخباري، الذي جعله في عداد أصحاب الرأي وأهل الاجتهاد بالباطل،
وعبر عنه وعن أتباعه وأوليائه بالبقاسمة، كما عن صاحب الرياض وأصحابه
بالأزارقة، وعن الشيخ جعفر وقومه بالأموية - لا أفلحه الله فيما قال وفعل،
ولا عاجله إلا بالخوف والوجل - قال في رجاله الكبير عند بلوغه إلى ترجمة هذا
النحرير: أبو القاسم بن الحسن الجيلاني أصلا، الجابلقي مولدا ومنشأ، القمي جوارا،
فقيه أصولي مجتهد مصوب، له كتاب القوانين في أصول الفقه، وكتاب مرشد العوام
في الفقه بالفارسية، معاصر يروي عن شيخنا محمد باقر البهبهاني " مع " انتهى،
و " مع " تعني عنده معتبر الحديث، ولعله عنى بمصوب هو قوله بحجية مطلق الظن،
وإلا فالميرزا القمي من القائلين بالتخطئة.
وقال في معجم المؤلفين: أبو القاسم بن محمد حسن الجيلاني الشفتي القمي،
فقيه، أصولي شاعر، ولد في جابلاق من أعمال رشت، وهاجر إلى العراق فمكث
في كربلاء مدة طويلة، ثم انتقل إلى إصفهان، ثم إلى شيراز، ثم إلى قم وتوفي بها،
37

ودفن في مقبرتها الشهيرة بشيخون...
وقال الزركلي: أبو القاسم بن محمد حسن القمي فقيه من علماء الإمامية يلقب
بالميرزا القمي، أصله من بلدة رشت بإيران، ومولده في قرية من توابع قم، ووفاته
بقم، له مؤلفات كثيرة بالعربية والفارسية - إلى أن قال - ورسائل كثيرة جدا قيل: إنها
تناهز الألف في مباحث شتى.
مولده
كان والد الميرزا القمي من أهل شفت من أعمال مدينة رشت من محافظة جيلان
في شمال إيران، فهاجر إلى إصفهان للتلمذ على يد ميرزا حبيب الله وميرزا هداية
الله، وعندها سافر هذان العالمان بأمر السلطان للتبليغ والقضاء والحكم إلى جابلاق
- بجيم فارسية وباء فارسية مضمومة - وهي ناحية مشتملة على ثلاثمائة قرية من توابع
دار السرور التابعة لبروجرد، فسافر والد الميرزا القمي هو وزوجته بنت ميرزا هداية
الله معهما أيضا، فولد له الميرزا القمي هناك حوالي عام 1152 ه‍، وفي عام ولادته
أقوال أخر فقيل: إنه ولد عام 1150 ه‍، أو 1151 ه‍، أو 1153 ه‍.
حياته
ولد الميرزا القمي في جابلاق التي هي من أعمال دار السرور - كما بينا - فأخذ
يرتفع على أقرانه في الفهم والإدراك، حتى إذا بلغ مبلغ الرجال، وفرغ من تشييد
مقدمات الكمال، اشتغل في علوم العربية على والده الذي هو أحد العلماء
والفضلاء، وله تأليفات، ومشهور بالزهد والعبادة.
ثم انتقل إلى بلدة خونسار في زمن رئاسة المحقق الأمير السيد حسين الخونساري
جد صاحب الروضات، فاشتغل عليه في تلك البلدة عدة سنين في الفقه والأصول
القديمة دون الجديدة، وكان السيد حسين من أعاظم الفقهاء في ذلك العصر، ومن
38

مشايخ الإجازة، وله رسالة في علم الرجال، فأجازه، وتزوج الميرزا القمي بأخته
السعيدة من شدة اتصاله به، ثم ترخص من عنده في التوجه إلى العتبات العاليات في
العراق.
فانتقل إلى النجف الأشرف حيث الأستاذ الأكبر الوحيد البهبهاني، فاشتغل عليه
سنوات عديدة إلى أن بلغ في حضرته غاية من الغايات، ونهاية من الدرايات. وقيل:
إن الوحيد البهبهاني في أوائل الأمر كان يصلي بالأجرة ويدفع ما يأخذه من هذا
الطريق إلى الميرزا القمي الذي بلغ الغاية في الفقر والفاقة، ليدير بها معاشه، ويحصل
له فراغ البال عند الاشتغال بطلب العلم، ثم إنه - قدس سره - أجاز له في الرواية
والاجتهاد، ومعروف أن الميرزا القمي جاء بعد وفاة الوحيد البهبهاني بكربلاء إلى
باب بيت الوحيد أولا فقبلها، وبعدها ذهب إلى زيارة الإمام الحسين (ع).
وقيل: إنه دخل النجف ولم يناهز العشرين عاما، ويستفاد ذلك من بعض أشعاره
بالفارسية، والذي جاء فيه:
... بهر زماني كه شدم داخل فيض
عقل گفتا " به جنان قاسم حي هشت قدم "
وكتب بعده: يوجد نكتة في تضمين كلمة " حي " فلا يعترض على ذلك.
وحساب جملة " به جنان... " الذي هو تاريخ وروده النجف 1174 ه‍، وحساب
كلمة " حي " 18، فيكون دخوله النجف في عام 1174 ه‍، عندما كان عمره 18
سنة، وفي هذه السنة شرع بالاشتغال عند الأستاذ الأكمل الوحيد البهبهاني، وهذه
الفترة هي الفترة التي استفاد فيها أعظم الاستفادة، وتحمل فيها القسط الأوفى من
العلم والترقي، فكانت منعطفا كبيرا في حياته العلمية.
وبعد أن أخذ قسطا وافيا من العلوم، وبلغ مرتبة عالية في أنواع الفنون عاد إلى
إيران إلى موطن أبيه (در باغ) وهي قرية من قرى جابلاق.
ولكن لما كانت هذه القرية صغيرة وأسباب المعاش فيها محدودة، انتقل منها إلى
39

قرية (قلعة بابو) من قرى جابلاق، وصار المتكفل بأموره الحاج محمد سلطان من أعيان
جابلاق وأرباب الثروة والتدين، وأحب الميرزا وأعانه. وقرأ عليه هناك رجلان،
أحدهما ميرزا هداية أخو الحاج محمد سلطان، والآخر علي دوستخان ابن الحاج طاهر
خان، فقرءا عليه في النحو والمنطق، في شرح الجامي وحاشية ملا عبد الله، ولم
يكن أهل تلك القرية يعرفون قدره، بل إنهم استخفوا به.
ويذكر أنه كان في تلك القرية شيخ قروي ثقل عليه وجود الميرزا القمي، فأراد
الاستخفاف به، فجمع أهل القرية وطلبوا حضور الميرزا، فقال هذا الشيخ لأهل القرية
اطلبوا من الميرزا أن يكتب حية، فكلموه في ذلك، فكتب الميرزا حية، ورسم ذلك
الشيخ صورة حية، فأرى ذلك الشيخ أهل القرية الخطين وقال لهم: انظروا أيهما
الحية، ما كتبت أنا أو ما كتب الميرزا؟ ولما كان أهل القرية أميين لا يعرفون الكتابة
رجحوا ما رسمه الشيخ، فتأثر الميرزا من ذلك.
فانتقل بعدها إلى إصفهان وأخذ يدرس في مدرسة (كاسه كران) مدة من
الزمان، فألحق به بعض علماء الدنيا أذى حسدا، لما رأى فيه من آثار الرشد.
فسافر إلى شيراز، وكان ذلك في أيام سلطنة كريم خان زند، فبقي هناك سنتين
أو ثلاثا، وأعانه الشيخ عبد المحسن أو ابنه الشيخ مفيد بمبلغ سبعين تومانا أو مائتي تومان
على اختلاف الحكايتين، فرجع إلى إصفهان، ولم يكن عنده كتب، فاشترى بعض
كتب الاستدلال واللغة والحديث، ويقال إن الكتب يومئذ كانت تباع بالوزن، فلما
استوت كفتا الميزان ومن أجل ترجيح كفة المبيع أضاف كتاب الروضة البهية إليها.
ثم رجع إلى قرية بابو، فاشتغل عليه بعض الطلاب في الفقه والأصول، ولكن لما
كان البلد خاليا من العلماء والفضلاء والطلبة وأمر معاشه فيها ضيقا، واتفق أن
استخف به بعض أهل القرية أشد من السابق لا نتعرض له، فبكى على أثر ذلك،
ورفع يديه إلى السماء وقال: اللهم لا تقدر ذلي أكثر من ذلك.
فاتفق أن طلب منه أهل قم الإقامة في بلدهم، فأجابهم إلى ذلك، وتوطن قما،
40

ودرس بها وألف كثيرا من كتبه بها، حتى أصبح من كبار المحققين وأفاضل المؤسسين،
وأعاظم الفقهاء المتبحرين، والجامعين، المتفننين، واشتهر أمره، وطار ذكره، ولقب
بالمحقق القمي، فتوجهت الناس إليه، وكثر الإقبال عليه، ورجع إليه بالتقليد، فنهض
بأعباء الخلافة والزعامة، قائما بوظائف التصنيف والتأليف والتدريس، وقد تخرج
على يده جماعة من أقطاب العلماء ورجال الدين والعمد والأركان لا يكاد يحصى
عددهم، ويروي عنه جماعة من الأعاظم، ويأتي تفصيل ذلك.
كما ويعد الميرزا القمي حلقة الوصل بين تأسيس حوزة قم، وبين تجديد حياتها
على يد الفقيه الشيخ عبد الكريم الحائري.
علو همته
إن من جملة ما يحكى عن علو همته في أمر الدراسة والمطالعة في أيام الاشتغال
بالتحصيل أنه كان إذا غلبه النوم في أواخر الليل، يضع سراجه تحت طاسة، ثم يضع
يديه عليها وجبهته الشريفة عليهما ويكتحل عليه بشئ من النوم بقدر ما تسخن
الطاسة من حرارة وهج السراج، فلا يطيق وضع يديه بعد ذلك عليها، فأعظم به من
احتمال المرارة والأذى، ومخالفة النفس والهوى، في مقام تأييد الدين المبين،
والمجاهدة في سبيل رب العالمين.
ونقل أيضا أن الميرزا القمي لما عكف على تأليف كتاب القوانين المحكمة ومن
جراء شدة تعمقه وتفكره في مسائله وبذل الجهد فيه أصيب بعد فراغه منه في سمعه
الشريف، وابتلي بثقل السامعة، وثقيل آفة الصمم دون الخفيف.
ويذكر أنه لما فرغ من كتاب القوانين ذهبوا بنسخة منه إلى حضرة مولانا السيد
مهدي بحر العلوم في النجف الأشرف على مشرفها السلام، فلما أن رآها المرحوم
السيد وأحاط خبرا ببعض مطاوي الكتاب بعد المطالعة ولم يعلم من هو مصنفه، فقال
لمن جاء بالنسخة: يا هذا لاحظت هذا الكتاب، ولم أدر ممن هو، إلا أن صاحبه قد
41

أصيب في بعض مشاعره لا محالة، أم لا بد له من آفة تنزل على سمعه أو بصره، فقيل
له: بلى إنه من تأليفات مولانا الميرزا القمي، وقد أصيب بعد فراغه منه بثقل السامعة
كما بينا، فتعجب الحاضرون والسامعون من فراسة السيد بحر العلوم، بل كرامته.
الميرزا القمي وصاحب الرياض
كان بين الميرزا القمي والسيد علي صاحب الرياض - والذي هو الآخر من تلاميذ
الوحيد البهبهاني ومن انتهت إليه الزعامة الدينية في كربلاء - مخالفات ومنافرات
كثيرة في كثير من المسائل العلمية وغيرها، فكان الميرزا يرى حرمة الزبيب المغلي في
المرق أو الطبيخ قبل ذهاب الثلثين، ويقول بنجاسته أيضا، ولكن السيد صاحب
الرياض كان يحكم بحله وطهارته، فاتفق أن السيد - رحمه الله - أضافه في سفر زيارة
له بأرض الحائر المطهر على مشرفها السلام، فلما أحضرت المائدة وبسطت ظروف
الأطعمة، ومد مولانا الميرزا يده الشريفة إلى مطبوخ كان في جملة ما أعد له من الغذاء،
ووضع اللقمة في فمه، فأحس بوجود الزبيب المغلي في ذلك المطبوخ فتغير وجهه
الشريف، وقام من فوره إلى الماء ليغسل به ما مسه، وأقبل يعاتب السيد بقوله: مرحبا
بإضافتك وإكرامك وإنعامك فقد آذيتنا وأطعمتنا النجاسة، ولم يقرب بعد ذلك يده إلى
الطعام، فأخذ السيد يد الميرزا وقال له: إما أن تثبت لي حرمة ذلك، وإن لم تستطع
فيجب عليك أن تأكله، ثم تبسم السيد، وأمر أن يؤتى بطعام آخر، فأكلا جميعا.
وكان الشيخ الفقيه السيد صدر الدين الموسوي العاملي يقول: إني في تلك الأيام
كنت هناك، فكان صاحب الرياض يضيق عليه الأمر في المناظرة في مسائل الفقه
والأصول حيثما يجده، فكان يقول لي تكلم مع هذا الرجل - يعني الميرزا - فيما يريده
من المسائل حتى تعلم أنه ليس بشئ، وإني أجدك أفضل منه يقينا، أو ما يكون قريبا
من هذا الكلام.
قال صاحب الروضات: لا يبعد كون اعتقاد صاحب الرياض في حقه كذلك،
42

وذلك لأن الميرزا كان قليل الحافظة جدا، ولا بدع له في ذلك، لما ورد في النبوي
المشهور " إن أقل ما أوتيت هذه الأمة قلة الحافظة ".
وحكي عنهما أيضا أن في مجلس من مجالس الجدل بينهما، جعل السيد يتجلد
على الميرزا رافعا صوته عليه، جاثيا إليه بركبتيه ويقول له: قل حتى أقول، فأجابه
الميرزا بصوت منخفض: اكتب حتى أكتب.
وقيل: إن أصول السيد يرجح على فقهه، وهو مسلم عند العرب والعجم، بل
مطلق البلاد الإسلامية، بينما كان فقه الميرزا يرجح على أصوله، ولكن اشتهر من
تأليفهما ما هو العكس، فاشتهر كتاب السيد في الفقه - يعني كتاب الرياض - بينما كان
كتاب القوانين للميرزا في الأصول من الشهرة كالشمس في رائعة النهار.
وفي الروضات نقل: أن صاحب القوانين كان أفضل من صاحب الرياض في
الفقه، فاشتهر كتابه في الأصول، وصاحب الرياض كان أفضل منه في الأصول،
فاشتهر كتابه في الفقه.
وقيل: إن وفاتهما كانت في عام واحد كما وقع نظير ذلك بالنسبة إلى الشاعرين
المتخاصمين في حياتهما: الفرزدق وجرير، بل نظير ذلك التوافق في وفيات المتشاحنين.
ولما جاء السيد محمد المجاهد ابن صاحب الرياض إلى قم وكان عالما، فدعاه مع
مجموعة من العلماء الميرزا القمي وكان قد كبر وصار شيخا طاعنا، فلما جاؤوا جرت
بينه وبينهم مناقشات، فقال لهم: إنما كان هدفي من احضاركم هو امتحان نفسي
واختبارها، لأني قد كبرت وضعفت قواي، فأحببت أن أتكلم معكم حتى أرى هل
بقيت عندي ملكة الاستنباط وقوة الاجتهاد أم ضعفت. فقال السيد محمد المجاهد: إذا
كانت ملكة الاستنباط هي هذه التي عندك، فأنا وأمثالي لا نملك ملكة الاستنباط إذن.
الميرزا القمي وفتح علي شاه
كان ورود الميرزا القمي إلى قم أيام السلطان فتح علي شاه القاجار، وكان السلطان
43

كثير العناية به، وكان يعظمه أشد تعظيم، ويجله أكبر إجلال، وكان يكثر زيارته
والكلام معه، حتى قيل: إنه في بعض المرات التي جاء فيها السلطان إلى قم،
فاستقبله أهلها على بوابة المدينة، وجاء الميرزا القمي لاستقباله أيضا وهو راكب على
حماره، والسلطان في موكبه وفي عربته الملوكية، فنزل منها ولم يدع الميرزا القمي
ينزل من حماره، بل أخذ زمامه واقتاده إلى باب حرم المعصومة فاطمة بنت موسى بن
جعفر (ع)، فلما سأله عن ذلك، أجابه بأنه إنما فعل ذلك لكي يعلم الناس قدر
العلماء.
ولكن يبدو من جميع ما نقل أن الميرزا القمي كان يأخذ جانب الحذر والاحتياط
في التعامل مع النظام والسلطان، وما زال يبتعد عنه، ويتخوف من الخوض في
دنياهم.
وكان فيما قال له في بعض المرات: اعدل أيها السلطان ولا تظلم لأني أتخوف
ومن جراء محبتي لك ومع الالتفات إلى قوله تعالى: * (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا
فتمسكم النار) * أن أستحق عذاب النار وغضب الجبار فأجابه السلطان: بأنه مع
الأخذ بنظر الاعتبار ما ورد في الروايات: " أن من أحب حجرا حشره الله معه يوم
القيامة " فإني أرجو ومن جراء محبتي إياك أن أحشر معك.
وأمسك الميرزا يوما بلحية السلطان وهي طويلة تجوز محزمه وقال له: احذر أن
تعمل ما يؤدي إلى أن تحرق لحيتك هذه يوم القيامة بنار جهنم.
ونقل أنهما دخلا معا يوما الحمام، فلما سلخا عنهما ثيابهما فقال له الميرزا: إنا
سوف نقبر أنا وأنت على هذا الحال، فإني سأصحب علمي، وما الذي ستصحبه أنت
معك، فتأثر السلطان وامتعظ.
وطلب السلطان يوما منه أن يزوج ابنه إحدى بنات السلطان، فلما انقضى المجلس
تضرع الميرزا إلى الله تعالى، وطلب منه أنه إن كان لا بد من ذلك، وأن ابنه سيتزوج
بنت السلطان، فليقبض روحه حتى لا يتحقق ذلك، وبعد اتمام الدعاء غرق ابن الميرزا
44

في الماء وتوفي، ولم يكن له من الذكور غيره.
وإن صح ذلك، فإنه يحكي عن عمق النفرة من السلطان وما يجري حوله، وأنه
إنما فعل ذلك حتى لا يتورط هو وابنه في دنياهم، واختار بذلك البعد عنهم.
وكما يظهر من مقدمة كتابه هذا عدم ارتياحه مما يجري حوله، وقبح ذلك الزمان
الذي يعيشه بغلبة أحزاب الشيطان، ورفع أعلام الجهل والطغيان، وإدبار آيات العلم
والعرفان، حتى كاد أن يكون أيام الجاهلية، فانظر مقدمة المؤلف.
وانتهى المحدث النوري إلى ما انتهيت إليه من حقيقة العلاقة التي كانت بين
السلطان والميرزا، فقال في خاتمة المستدرك: كان - يعني الميرزا - مؤيدا مسددا، كيسا
في دينه، فطنا في أمور آخرته، شديدا في ذات الله، مجانبا لهواه، مع ما كان عليه من
الرئاسة، وخضوع ملك عصره وأعوانه له، فما زاده إقبالهم إليه إلا إدبارا،
ولا توجههم إليه إلا فرارا.
وغاية ما ثبت من تعاطف الميرزا القمي مع البلاط هي فتواه بوجوب الدفاع مقابل
هجمات الروس على إيران، كما يظهر من بعض كتبه في باب الجهاد.
كراماته
إن كرامات الميرزا القمي كثيرة ومشهورة، وقبره في مقبرة شيخان مقابل مقبرة
زكريا بن آدم في قم يزوره العموم ويتبركون به، وخصوصا أرباب الحوائج، ومعروف
أن الدعاء عند قبره والتوسل به من أجل الظفر بالحوائج وأداء الديون وغيرها مستجاب
ومجرب وذائع.
ومن الكرامات العجيبة المنقولة عنه: أنه وجد شيخ من أهل قزوين معتكفا عند قبر
الميرزا ويقرأ القرآن ويبكي، فلما سئل عن ذلك قال: إني متأثر لأني ما عرفت قدر
الميرزا القمي ومنزلته إلا متأخرا، وسرعان ما فقدته، فإني خرجت حاجا قبل وفاة
الميرزا بعام، وقد سافرت بحرا، فاتفق أن رآني شخص وأنا أعد أموالي وأرتبها في
45

الحقيبة التي في محزمي، وبعد ساعة ارتفعت الأصوات والضجيج في السفينة، فإذا
بالرجل يدعي أنه فقد محفظته ويعطي أوصاف محفظتي ويطلب من ربان السفينة أن
يفتش المسافرين، فقرر الربان أنه إذا وجدها عند أحد ولأجل مجازاته أن يلقيه في
البحر، وبدأ بالتفتيش، فلم أجد بدا - ومن أجل حفظ نفسي - من أن ألقي تلك المحفظة
في البحر، فأخذتها، وقلت: يا أمير المؤمنين، أنت أمين الله في أرضه خذ محفظتي،
وألقيتها في البحر.
وبعد تفتيش المسافرين جميعا، التفت الربان إلى ذلك المدعي وقال له: ليس هناك
ما تدعي وتقول وقد فتشنا جميع السفينة، فلماذا تتهم الحجاج، فتلكأ لسانه وتغير لونه
وعرفوا أنه كاذب وشرير وسارق فأخذوه وألقوه في البحر.
وعلى أثر ذلك واجهت المصاعب الكثيرة في سفري، وأتممت الحج بشق الأنفس.
وجئنا إلى العراق ودخلنا النجف الأشرف، فجئت إلى حرم أمير المؤمنين (ع)
وقلت له: أعطني أمانتي التي أودعتكها في البحر، وأنا شديد الاحتياج إليها. فلما
نمت تلك الليلة رأيته (ع) في المنام وقال لي: اذهب إلى قم وخذ محفظتك من الميرزا
أبي القاسم القمي في قم، فلما استيقظت وفكرت فيما رأيت وسمعت تعجبت أنه
كيف يكون ما ألقيته في بحر عمان عند الميرزا القمي ومن هو الميرزا القمي؟!
فجئت إلى الحرم الشريف وكررت المسألة ورأيت في ليلتها ما رأيت في الليلة
السابقة، وكذا في الليلة الثالثة ولكن قلت له (ع) فيها: إني وبشق الأنفس وصلت إلى
النجف، فكيف أصل إلى قم، فقال (ع): اذهب إلى السوق الفلاني، واستلم من
الصراف الفلاني عشرين ليرة.
فلما استيقظت ذهبت إلى ذلك السوق ووصلت إلى الصراف، ولكن كنت شاكا
في أنه سيعطيني، فوقفت أمام محله مدة، فالتفت إلي وناداني وقال لي: عندك
حاجة؟ قلت: نعم، لي حوالة شفاهية، قال: كم قدرها؟ قلت: عشرون ليرة، قال:
صحيح، هل أنت من أهل قزوين؟ قلت: نعم، فأعطاني العشرين ليرة، فسافرت بها
46

إلى قم.
فلما دخلتها سألت عن الميرزا القمي فدلوني عليه، فجئت وكان مشغولا
بالتدريس، فلما انتهى الدرس طلبني وقال: ألك حاجة؟ قلت: نعم، وذكرت له
ما جرى من أوله إلى آخره، فقال الآن آتيك بها، فنهض فأخرجها من بين كتبه
وأعطاني إياها وقال لي: عد أموالك هل فيها نقص؟
فأخذتها وفتحتها فوجدتها وكما رتبتها في السفينة، فقبلت يده وخرجت من
عنده.
وجئت إلى قزوين، فقصصت القصة على زوجتي وهي لا تصدق، فأقسمت
لها، وبعد أن أيقنت قالت: يا مسكين لماذا جئت إلى قزوين ولم تبق في خدمته
وتستفيد من معنويته، خذنا إلى قم هذه الساعة، وكن في خدمته، فقررت الانتقال
إلى قم على أثر ذلك، فبعت ما عندي في قزوين وجئت إلى قم، وحينما دخلنا قما
كانت وكأنها يوم عاشوراء، غارقة في الحزن والعزاء، فلما سألت عن ذلك قيل لي:
إن الميرزا توفي، فعهدت على نفسي أن لا أفارق قبره ما دمت حيا.
مشايخه
1 - والده الملا محمد حسن الجيلاني الشفتي.
2 - السيد حسين الخونساري جد صاحب الروضات.
3 - الآقا محمد باقر الوحيد البهبهاني.
4 - الشيخ محمد مهدي الفتوني النجفي.
5 - الآقا محمد باقر الهزار جريبي.
تلاميذه والراوون عنه
1 - الشيخ الميرزا أبو طالب بن أبي المحسن الحسيني القمي صهر الميرزا القمي
47

وتلميذه، وهو من العلماء العظام، وله كتاب في أجوبة المسائل على وزن جامع
الشتات للميرزا القمي.
2 - السيد أبو القاسم الخونساري شارح كتاب الدرة للسيد بحر العلوم.
3 - الشيخ أبو القاسم الكاشاني، الذي صار بعدها مرجع الأمور بكاشان.
4 - الأقا أحمد الكرمانشاهي، حفيد الوحيد البهبهاني، وحصلت له الإجازة من
الميرزا، وهو مؤلف المحمودية في شرح الصمدية، ونور الأنوار في شرح البسملة،
وغيرهما.
5 - الملا أحمد النراقي صاحب المستند.
6 - المولى أسد الله البروجردي، وهو أستاذ الشيخ الأنصاري، وكان يعول على
إجماعاته ويجعلها محصلة.
7 - الشيخ أسد الله الدزفولي الكاظمي صاحب مقابس الأنوار.
8 - السيد إسماعيل الحسيني القمي المعروف بالواعظ.
9 - الملا عباس الكزازي العراقي.
10 - السيد عبد الله شبر صاحب التفسير.
11 - الآقا علي أشرف بن أحمد ابن المولى عبد النبي الطسوجي الآذربايجاني.
12 - علي دوستخان ابن الحاج طاهر خان.
13 - السيد محسن الأعرجي صاحب المحصول.
14 - الميرزا علي رضا الحسيني صهره.
15 - الميرزا محمد الأخباري المقتول المعروف.
16 - الميرزا محمد إبراهيم بن عبد الفتاح الحسيني المرعشي النسابة صاحب
التآليف الرشيقة.
17 - الشيخ محمد إبراهيم الكلباسي الإصفهاني صاحب الإشارات، والذي انتهت إليه الرئاسة في إصفهان.
48

18 - السيد محمد باقر الرشتي المعروف.
19 - محمد باقر الزرندي شارح بعض مباحث المعالم.
20 - السيد محمد باقر حجة الاسلام الإصفهاني صاحب مطالع الأنوار في شرح
الشرائع.
21 - محمد جعفر الكرمانشاهي البهبهاني، حفيد الوحيد البهبهاني
22 - الشيخ محمد جعفر الهمداني، الذي صدق اجتهاده.
23 - السيد محمد جواد العاملي صاحب مفتاح الكرامة.
24 - الشيخ محمد حسين القمي صاحب توضيح القوانين.
25 - الشيخ محمد علي ابن الآقا محمد باقر الهزار جريبي المازندراني النجفي.
26 - السيد محمد مهدي ابن السيد حسن ابن السيد حسين الموسوي الخونساري
صاحب الرسالة المبسوطة المشهورة في أحوال أبي بصير.
27 - الميرزا محمد يوسف بن عبد الفتاح الطباطبائي الحسني جد صاحب أعيان الشيعة.
28 - الميرزا هداية الله أخ الحاج محمد سلطان.
مصنفاته
1 - القوانين المحكمة، طبع مرارا عديدة، وقد رزق هذا الكتاب حظا وافرا، ولاقى
قبولا حسنا، حيث أصبح من الكتب الدرسية، ولم يستغن عن قراءته طالب إلى أن
ألف الخراساني الكفاية، فضعفت رغبة الناس به لطوله. وقد عنى بالقوانين جماعة،
وعلقوا عليه التعاليق، وكتبوا عليه الحواشي، وكلما اعترض عليه الرادون زادوه شهرة
وفخارا، وكلما احتشد لحده الحادون أفادوه منزلة واعتبارا.
2 - غنائم الأيام، ويأتي الكلام عنه.
3 - مناهج الأحكام، في الطهارة والصلاة وكثير من أبواب المعاملات مطبوع.
49

4 - شرح التهذيب للعلامة في الأصول.
5 - شرح شرح المختصر، في الأصول أيضا.
6 - أجوبة المسائل الفقهية وغيرها، التي جمعت وأودعت في ثلاثة مجلدات،
وطبعت تحت عنوان جامع الشتات.
7 - معين الخواص، في فقه العبادات على نحو الاختصار بالعربية.
8 - مرشد العوام لتقليد غير أولي الأفهام، كسابقه إلا أنه بالفارسية.
9 - رسالة في الأصول الخمسة الاعتقادية والعقائد الإسلامية الحقة.
10 - رسالة في قاعدة التسامح في أدلة السنن والكراهة.
11 - رسالة في جواز القضاء والتحليف بتقليد المجتهد.
12 - رسالة في عموم حرمة الربا بالنسبة إلى سائر عقود المعاوضات.
13 - رسالة مبسوطة في أبواب الفرائض والمواريث.
14 - رسالة مبسوطة في القضاء والشهادات، وهي في ثمانية آلاف بيتا.
15 - رسالة في أبواب الطلاق.
16 - رسالة في الوقف.
17 - رسالة في رد الصوفية والغلاة.
18 - ديوان شعر بالفارسية والعربية، يقرب من خمسة آلاف بيت.
19 - منظومة في علم المعاني والبيان.
20 - تعليقة على شرح اللمعة لأستاذه السيد حسين الخونساري.
21 - رسالة في الشروط الفاسدة.
22 - رسالة في معرفة من كان شيخا للإجازة.
وقيل: إنه وجد بخطه ما يؤدي أنه كتب أكثر من ألف رسالة في مسائل مخصوصة
من العلوم.
50

غنائم الأيام
المعروف أن فقه الميرزا القمي يرجح على أصوله، وكان كتابه القوانين من الشهرة
كالشمس في رائعة النهار، وهذا مما حثنا على التطلع على فقه الميرزا القمي، وكشف
السر في متانته وأرجحيته، فكانت فكرة تحقيق كتاب الغنائم وليدة هذا التفكر،
بالإضافة إلى كونه إحياءا للتراث.
وكما يظهر من مقدمة هذا الكتاب أن كتابة الغنائم كانت بعد كتابة مناهج
الأحكام المفصل، وفي أوج أيام حياة الميرزا العلمية، فكان عصارة فقهه، ومظهر نهاية
اقتداره.
ثم إن الميرزا ومن خلال كتابه هذا يبدو من منطق الاقتدار على التصرف في
أدوات الاستنباط المتعارفة وغير المتعارفة، ولذا تراه يقول في بعض الأحيان بعد إتمام
الاستدلال: كان هذا الكلام على ما جرى عليه القوم في الاستنباط، ويسنحني الآن
الكلام على طريق آخر، فتراه يترك الطريق المعهود في الاستنباط، ويدخل في تحقيق
جامع شامل يبلغ جميع جوانب البحث، ويستقصي كل ما لا يدرك، خصوصا في
الموارد التي كثر فيها القيل والقال، وصارت موردا للنزاع والترديد.
ثم إن الكتب الفقهية المصنفة وإلى هذا اليوم منها ما يعني بإيراد الفروع الأكثر،
ومنها ما يهتم بإيراد الأدلة العقلية، ومنها ما يهتم بإيراد الأدلة النقلية، ومنها ما يهتم
بنقل الأقوال، وغيرها.
ولكن ترى أن كتاب الغنائم جمع أكثر تلك الجوانب مع رعاية الاختصار، فإن
كتاب الطهارة الذي صار في مجلد واحد جمع أكثر مما جمعه كتاب الطهارة من
الحدائق من الفروع، وأشار إلى أكثر من الروايات الواردة في كتاب الطهارة من
الحدائق المطبوع في خمسة مجلدات، مع أنه تعرض إلى الأدلة العقلية بما لا يقل عما
في كتاب المستند والجواهر، ولا يقاس به كتاب الرياض، ومع كل ذلك أشار فيه إلى
51

أقوال العلماء والإجماعات المنقولة مما لا يعهد في أكثر الكتب المذكورة.
ويمتاز كتاب الغنائم أيضا بالدقة في نقل الأقوال، فإنا ومن جراء عملنا في تحقيق
كثير من الكتب الفقهية نجد أن المصنف ينسب القول إلى كتاب لا نجده فيه، أو هو أحد
محتملاته، ولكن ذلك لا نشاهده في كتاب الغنائم، ولذا لم نترك قولا في مقام
الاستخراج، إلا ما لا نتوصل إلى كتابه. ومع ذلك هو أول من أضاف أحاديث الفقه
الرضوي وتفسير الإمام العسكري إلى أحاديث الاستدلال.
ومن مختصات فقهه هو الاعتماد على الشهرة، وهمه تقوية المشهور إلى آخر
حد، وقد يخالف المشهور ويختار بعض الأقوال النادرة، ويكثر من بيان الأدلة عليها.
ولم يعتمد في كتابه هذا على ما اختاره في الأصول من حجية مطلق الظن، وتراه كثيرا
ما يعتمد على العرف والمتفاهم العرفي، ولعله أول من فتح هذا الباب في كتب
الاستدلال، ولم نعهد له سابق. ويفهم من دأبه أنه كثير العناية بما يطرح من
الإشكالات، فترى كتبه مشحونة بحواشي " منه " لدفع الإيرادات.
شعره وما قيل فيه
كان للميرزا القمي قريحة شعرية، وروح أدبية فياضة، وكان له ديوان شعر
بالفارسية والعربية، فيه ما يقرب من خمسة آلاف بيت، واخترنا من شعره ما وجد
بخطه في ترجمة شعر أنشد بالعربية في الإمام الحسين (ع).
يا نهر الفرات أيقضي السبط ظمآنا *
ومن مياهك تروى الإنس والجانا
أي فرات آيا رود سبط پيمبر از جهان *
تشنه وتو سيرگرداني زآبت إنس وجان
هلا طغوت بطوفان لتغرق *
من طغوا عليه في كالدم طوفانا
52

پس چرا طوفان نكردى تاكنى غرق بلا *
سركشانرا تاحد طوفانى زخونها شد روان
هلا تغيرت مثل النيل حين غدا *
دما عبيطا لمن عاد ابن عمرانا
پس چرا توخون نگشتي چون حسين از تو نخورد *
مثل رود نيل مصر أندر دهان قبطيان
وقال فيه السيد حسين البروجردي في نخبة المقال:
وذو القوانين فريدة الزمن *
بو القاسم الحبر المبين ابن الحسن
وشيخه الفقيه بهبهاني *
بعد وداع بان في الرضوان
وقال فيه آخر:
ليت ابن سينا درى إذ جاء مفتخرا *
باسم الرئيس بتصنيف لقانون
إن الإشارات والقانون قد جمعا *
مع الشفا في مضامين القوانين
وفاته ومقبرته
المشهور أن وفاته كانت عام 1231 هجرية، ولكن في الروضات بعد أن ذكر ذلك
قال: إن وفاته كانت في العشرة المشؤومة أوائل السبعين، وقيل في وفاته: " از أين
جهان بجنان صاحب قوانين رفت " ومقتضى كون وفاته أوائل السبعين وحساب ما قيل
53

فيها هو كونها عام 1221 ه‍، لأن ولادته كانت عام 1152. وقيل: إنه توفي عام
1233 هجرية.
وقيل: إن يوم وفاته كان على قم كيوم عاشوراء، من الحزن، والسواد،
والعزاء.
ودفن في المقبرة الكبيرة في بلدة قم الطيبة، ومرقده يزار ويتبرك به، ويقصده
أرباب الحوائج، ويسمى بمقبرة شيخان. ويراد بكلمة " شيخان " الشيخ ابن بابويه،
والشيخ الميرزا القمي.
وقال في قصص العلماء: كنت مقيما في قم، وكنت أشتغل بتدريس كتاب
القوانين للميرزا في مقبرته، وأضع الكتاب بعد الدرس على القبر الشريف، وأكرم به
من توفيق.
مصادر الترجمة
نجوم العلماء - ريحانة الأدب - آثار الحجة - نامه دانشوران - روضات الجنات -
قصص العلماء - أعيان الشيعة - گنجينه دانشمندان - ناسخ التواريخ قاجاريه - الكرام
البررة - الفوائد الرضوية - مردان علم درميدان عمل - تكملة أمل الآمل - وحيد بهبهاني
- رجال النجاشي - فهرست الشيخ - فهرست ابن النديم - خاتمة المستدرك - معجم
المؤلفين - الأعلام - المقابس، وغيره.
عملنا في التحقيق
اعتمدنا في تصحيح كتاب الغنائم على نسختين مخطوطتين وهما:
1 - نسخة مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في النجف الأشرف التي أهديت
ولحسن الحظ إلى مكتبة الإمام الرضا (ع) برقم " 15161 "، والتي كتبت في حياة
المصنف وعليها حواشي " منه دام ظله " وبلاغات يحتمل أنها كتبت حين قراءة المصنف
54

لها، أو حينما قرأت عليه. وعلى أي حال فالنسخة صحيحة للغاية، سهلت سبيل
التحقيق، وهي المعتمد عليها، وكان عليها المعول في تحقيق كتاب الطهارة، ورمزنا لها
برمز " م ".
2 - نسخة مكتبة السيد الزنجاني في زنجان التي تفضل بها سماحته دعما منه لعملية
إعادة الحياة لتراثنا المطمور، وهي أيضا مكتوبة في حياة المصنف، إلا أنها لا تبلغ
النسخة السابقة في الصحة، ولكنها نعم العون، ورمزنا لها برمز " ز ".
هذا مع الاعتماد على نسخ مخطوطة نشير إليها في الأجزاء التالية، بالإضافة إلى
النسخة الحجرية التي لا تقصر عن النسخ المخطوطة.
وأما العمل، فبعد مقابلة النسخ بأكمل المقابلة، والتدقيق في الاختلافات،
وتثبيتها على النسخة الحجرية التي طبعت أولا وقوبلت، قمنا بعملية الاستخراج وهي
كالآتي:
1 - استخراج الروايات، وكان دأبنا هو استخراج الروايات من كل المصادر المعتبرة
بالإضافة إلى الوسائل، ولما لم يذكر الميرزا القمي نصوص الروايات في أغلب
الأحيان حاولنا إيراد النصوص ومحل الاستدلال في أغلب الموارد، سدا لهذه الخلة
التي يتضمنها كتاب الغنائم وكتاب الرياض، مع تطعيم بعض الاستخراجات بالإشارة
إلى نقاط الضعف في أسانيد الروايات من أجل استفادة القارئ.
2 - استخراج الأقوال، والمراد بها الأعم من الأقوال الفقهية واللغوية والأصولية،
والتفسيرية، وغيرها، ساعين في العثور على أول القائلين عند عدم تعيينه، ومن ثم
تكثير المصادر من القائل المعين الواحد، أو الأكثر من الاثنين فيما لا يعين. هذا مع نقل
عبارات القائلين فيما كان فيه توضيح أو تردد أو غيره.
3 - تقويم النص، وهو تهذيب المتن من الأخطاء النحوية والإملائية والعلمية إن
وجدت، واختيار النسخة الصحيحة أو الأصح من بين النسخ، مع ميل منا إلى ترجيح
نسخة " م " في أغلب الأحيان، فكانت كالمعتمدة، وبذلك سلكنا حدا وسطا بين
55

التلفيق واعتماد نسخة واحدة، ومع كل ذلك نشير إلى اختلاف النسخ فيما يستوجب
ذلك.
هذا بالإضافة إلى تطعيم الهامش بالتوضيحات، وإيراد حواشي المؤلف على
الكتاب وهي كثيرة وغنية، كل ذلك مع عمل المقوم الأول من تقطيع المتن، وتزيينه
بالفواصل الجميلة، والمفككة لعقد المطالب.
4 - صياغة الهامش بلا تطويل ولا تقتير، وإن كان الهامش ثقيلا، لاحتشاد
الروايات والأقوال وحواشيه في الصفحات من جراء اختيار المصنف الاختصار في
الكلام.
5 - المراجعة النهائية، وقد راجعنا الكتاب كرات عديدة، لتجنب الكبوة،
وملاحقة ما زاغ عن البصر، وقد يتبقى من الملاحظات ما يغتفر، فإنه من مقتضى طبع
البشر.
وفي الختام نتقدم بالشكر الجزيل لمدير مكتب الإعلام الإسلامي فرع خراسان،
سماحة الأكمل السيد عباس الصالحي، فإن تحقيق هذا الكتاب وكتاب تمهيد القواعد
وطبعهما ونشرهما مرهون لإدارته الحكيمة وجهوده المتظافرة، فنسأل الله تبارك
وتعالى أن يزيد في توفيقاته وتوفيقات الإخوة مسئولي مركز التحقيقات في المكتب.
ما أتقدم بالشكر والتقدير للإخوة الأماجد في قسم الكامبيوتر، وندعو من الله
التوفيق.
آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
24 / جمادى الثاني 1414 ه‍ / مشهد المقدسة
عباس تبريزيان
56

مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنقذنا من شفا جرف الهلكات، بمتابعة أمثل الأديان. وأرشدنا
إلى سبيل ارتقاء مدارج أعلى الغرفات، باقتفاء أفضل الإنس والجان. وأوضح
محجتنا في ظلم الشبه والجهالة، بإضاءة مصابيح آيات القرآن. وأفصح حجتنا في
مهاوي الشكوك الفاسدة والأوهام الكاسدة، ببيان أهل العصمة، وتبيان مهابط التنزيل
والفرقان. صلى الله عليه وعليهم، وعلى الأصحاب المرضيين، صلاة تبلغنا إلى
منتهى الرضوان. وتسكننا منازل القدس وبحابيح الجنان.
وبعد، فهذا يا إخواني ما سمح به قلم الاستعجال، على صحائف المقال، ووسم
به مياسم الفكر والخيال، على وجوه وحوش الفرص في تقاليب الأحوال.
فإني منذ تعارفت مع الزمان، فقد أخذني على طرف الخصام لدودا، وصيرني
في بوادي العطلة (1) والحيرة هائما كؤودا، وصار علي في هزيمة صفوف جيوش
اجتهادي مجاهدا كدودا. وكلما صافيته بوجه الإقبال، أدبر عني بتخييب الآمال.
ومهما وافيته بعرض المطالب في معرض النوال، فجبهني بالرد وناقضني ببلبال

(1) في " م " بواد العزلة.
57

البال. ومتى عانقني بوجه الالتفات، فعضني بضرس النائبات. وحيثما ضيفني ببسط
موائد العطيات، أطعمني بتشعبات الأمراض (1)، وسقاني بمشارب الحسرات، فرب
فجيعة تدهش منها مشاعر الخواطر، ورب نزيلة ينهش قذى سمومها أناسي
النواظر (2).
وكم من ضنك في العيش وضيق في المعيشة؟ وكم من بائقة لا ترضى بصحبتها
العيشة؟
ومع ذلك فقد كنت أختلس من آنات غفلاته فرصا، مع ما كنت أتجرع من مشارب
الإحن وكؤوس المحن غصصا (3).
وكنت شرعت في عنفوان الشباب في استنباط المسائل من مآخذها، وأخذت في
تأليف كتاب يحتوي على مهمات مطالبها، وسميته كتاب مناهج الأحكام في مسائل
الحلال والحرام، وقصدت فيه بيان الأدلة والأقوال، وذكر ما تبتني عليه الأحكام على
التفصيل حسب ما اقتضاه الحال.
وعاقني عن ذلك بوائق الزمان وعوائق الدهر الخوان، فربما سولت لي الأيام
بمخائل تبدل الحال بأرفه من الحال، وربما سوفتني النفس بتأميل حصول الفراغ
والوقت الآمن من القلق والزلزال.
فاستصحبتني تلك الشيمة إلى الحين، وقد جاوزت الآن من الأربعين، ولم
نكتب منه بالظن والتخمين، إلا مثل العشرة بالنسبة إلى الستين، على تفرق في
الأبواب، حسب ما ساعدتني الأسباب، واتفق لي سهولة جمع المسائل في ذلك
الباب.
ثم قد رأيت ولى الشباب، وألم المشيب، وولى وجه المحبوب، وتدلت شدائد قهر

(1) في " ز ": ببشعات الاعراض، وفي " م ": بشبعات الأمراض، ونسخة في " ح ": بتشبعات.
(2) أناسي جمع انسان العين، وهو حدقتها - المصباح المنير: 26.
(3) في " ز "، " ح ": قصصا.
58

الرقيب، وطار غراب الأمل عن الهامة، وعشش البوم، وذهب يمن الأيام بأدراج
رياح الخيبة، وبقي منها الشؤم، وخفت عدم مساعدة العمر والأسباب لختم ذلك
الكتاب، وسيما مع قصور همم أهل الزمان عن مراجعة مثله، وعدم إقبالهم إليه بسبب
الإطناب، فأخذت في تأليف هذه العجالة كهيئة العجلان، واقتصرت فيه بأقل
ما يقتضيه الوقت، ويساعدني الزمان.
ثم اعلم يا أخي: إني لم أقصد من شكواي إلا النصح لك في عدم الاغترار،
وإياك وأن تسوف في طلب حصول الفراغ وتيسر القرار، فإن الراحة لم تخلق إلا في
الجنة، والفراغ والاطمئنان لم يودعا في دار البلاء والمحنة، واغتنم نفسا بعد نفس، وإن
كنت في غاية اضطراب ووجس، سيما في مثل هذا الزمان، الذي غلبت عليه أحزاب
الشيطان، ورفعت فيه أعلام الجهل والطغيان، وولت عنه آيات (1) العلم والعرفان،
واستمرت به تلك الشيمة والسجية حتى كاد أن تكون أيام الجاهلية.
هذا وإني كالآيس من إتمام ما أنا فيه إلا من روح الله، فكيف أقول برجاء إتمام
الكتاب الكبير بعد ذلك إلا أن يشاء الله.
فشرعت فيه بحول الله وقوته، مستعينا في إتمامه بعونه ومنه، وسميته كتاب
" غنائم الأيام في مسائل الحلال والحرام ".
جعلته على أقسام أربعة، في كل قسم منها كتب.

(1) في " ز ": رايات.
59

القسم الأول
في العبادات
61

وهي: ما تحتاج صحتها إلى النية. والمكلف بها هو البالغ العاقل. والمندوب ليس
بتكليف كما حقق في محله.
عبادات الصبي المميز (1) شرعية على الأقوى، لأن الأمر بالأمر أمر عرفا، والقرينة
نافية للوجوب، فيبقى الاستحباب. وللزوم الظلم عليه تعالى عن ذلك لو خلا عمله عن
الثواب.
حجة القائل بكونها تمرينية: كونه غير مكلف، وخطاب الشرع إنما يتعلق
بالمكلفين، وأنه لو كان الأمر بالأمر أمرا لكان قولك لآخر: " مر عبدك بالتجارة " عدوانا.
الجواب عن الأول: أن المندوب ليس بتكليف، وتحمل مشقة الندامة على ترك الفعل
للحرمان عن ثوابه ليس مشقة على الفعل المكلف به، وهو المراد من ظاهر التكليف (2).
عن الثاني: منع انحصار الحكم الشرعي فيه كما حقق في محله (3).
عن الثالث: بأن القرينة قائمة على كونه للارشاد.
أما استحباب تمرين الولي فلا إشكال فيه. والأخبار في مبدئه مختلفة، محمولة على

(1) المميز ليست في " م ".
(2) يعني أن المراد من التكليف هو تحميل مشقة وكلفة الفعل المكلف به على العبد دون مشقة الندامة على فوت
الثواب وأمثالها.
(3) انظر قوانين الأصول: 155.
63

مراتب التأكيد.
ثم لا إشكال في اشتراط البلوغ والعقل في التكليف، للاجماع، والأخبار (1)،
والاعتبار. وإنما الإشكال في حد البلوغ، وله علامات:
الأولى: خروج المني معتادا مطلقا للذكر والأنثى، بالإجماع، والأخبار (2)، وقوله
تعالى: * (حتى إذا بلغوا النكاح) * (3) و * (لم يبلغوا الحلم) * (4) ونحوهما مؤول بذلك،
ولا يكفي الاستعداد.
والثانية: إنبات الشعر الخشن على العانة، للاجماع، والأخبار (5). والحكم معلق (6)
عليه في الأخبار، فما ذهب إليه المشهور " من كونه علامة لسبق البلوغ، لأن الأحكام
متعلقة بالاحتلام، فلو كان غيره أيضا بلوغا لم يختص الحكم بذلك " (7) فيه ما فيه. و
كما أن السن مخصص لذلك فكذلك الإنبات. مع أنه منقوض بما لم تسبقه إحدى
العلامات جزما.
وأما شعر الإبط والفخذ وغيرهما، فلم يعتبره الأصحاب. وفي شعر اللحية
قول بالبلوغ (8)، ويشعر به بعض الأخبار (9)، ولا يخلو من قوة.
والثالثة: السن، والأقوى إكمال خمس عشرة سنة للذكر، وتسع للأنثى. للأصل،

(1) الوسائل 1: 27 أبواب مقدمة العبادات ب 3 - 4.
(2) الوسائل 1: 30 أبواب مقدمة العبادات ب 4.
(3) النساء: 6.
(4) النور: 58.
(5) الوسائل 1: 30 أبواب مقدمة العبادات ب 4.
(6) في " ح ": المعلق.
(7) كفاية الأحكام: 112.
(8) المبسوط 2: 283، الروضة البهية 2: 145.
(9) الكافي 7: 197 ح 1، الوسائل 1: 30 أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 2. وجاء فيه: أو يحتلم أو يشعر أو ينبت
قبل ذلك.
64

والأخبار المعتبرة (1)، وظاهر دعوى الاجماع من كنز العرفان في الأول (2)، وصريحها
في الثاني من ابن إدريس، حيث شنع على القائل " بكون كمال العشر بلوغا للأنثى "
بمخالفة الاجماع على التسع (3).
وقيل بإكمال أربع عشرة في الذكر (4) لرواية غير واضحة (5)، وقيل بالدخول فيه (6)
لأخبار معتبرة الأسناد (7)، معارضة بأقوى منها.
وأما الحيض والحمل فيثبت بهما البلوغ، للاجماع، والأخبار.
والمشهور والمعروف من الأصحاب كونهما مع ذلك علامة لسبق البلوغ.
فإن الحيض لا يكون إلا بإكمال التسع بالاجماع، فإمكان الحيض موجب للحكم بكونه
حيضا كما سيأتي، والحكم بكونه حيضا دليل على سبق إكمال التسع، لأن الحيض لا يكون
إلا بعد إكماله. لا أنه لا يجوز الحكم بالحيض إلا بعد العلم بإكماله حتى يلزم الدور،
فالكلام فيما جهل السن وحكم بكون الدم حيضا مع إمكانه.
وأما الحمل فلأنه مسبوق بالانزال.
ويرد على الأول أنهما قد يتقارنان في الوجود.
وعلى الثاني - مضافا إلى ذلك - أن الإنزال الذي هو نفس البلوغ: هو الخروج من
الفرج، لا النزول في الرحم، ولا الاستعداد كما مر، إلا أن يقال بعدم إمكان الحمل قبل

(1) الوسائل 1: 30 أبواب مقدمة العبادات ب 4.
(2) كنز العرفان 2: 102.
(3) السرائر 1: 367 كتاب الصيام، نقل عن الشيخ في المبسوط القول بعشر سنين، وعن نهايته القول بتسع سنين،
وقال: وهو الصحيح لأنه لا خلاف بينهم أن حد بلوغ المرأة تسع سنين.
(4) نقله عن ابن الجنيد في المختلف (الطبعة الحجرية): 423.
(5) المختلف (الطبعة الحجرية): 423.
(6) من لا يحضره الفقيه 4: 164، المدارك 6: 159، وانظر مفتاح الكرامة 5: 239.
(7) التهذيب 2: 380 ح 1588، الخصال: 495 ح 4، تفسير العياشي 2: 291 ح 71، الوسائل 1: 32 أبواب
مقدمة العبادات ب 4 ح 12، مستدرك الوسائل 1: 87 أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 8.
65

إكمال التسع، فهو أيضا مسبوق به، فحينئذ يرد عليه إمكان المقارنة في الوجود بالنسبة إلى
بلوغ التسع.
ويمكن الاعتذار عن ذلك: بأن السبق أعم من السبق بالعلية كحركة اليد والمفتاح،
فحينئذ يبقى النزاع بلا فائدة يعتد بها.
والفائدة التي ذكروها هي صحة العقد منها إذا وقع متصلا بالحيض وانعقاد النطفة،
وقل ما يحصل العلم بذلك، ولعل نظرهم إلى ترجيح الظاهر على الأصل، وهو وجيه.
ثم إن الأخبار الكثيرة المختلفة في وجوب الصلاة بالستة والثمانية والتسعة للذكر،
وبحصول خمسة أشبار، وحصول البلوغ بالعشر إذا كان بصيرا، محمولة في العبادات
على التمرين ومراتبه. وقد يعمل على بعضها في غير العبادات، كالوصايا والحدود، كما
يجئ في أبوابها، والظاهر أنها من باب الوضع، لا أن البلوغ والتكليف يختلف بحسب
الموارد. وأما العبادات فالأقوال في ثبوت الأحكام فيها منحصرة فيما ذكرنا، فلنشرع في
العبادات مقدما للأهم.
66

كتاب الطهارة
هو يستدعي رسم مقدمة وفصول:
67

أما المقدمة
فالطهارة في اللغة: النظافة والنزاهة، وفي الاصطلاح: اسم للوضوء والغسل
والتيمم.
والأظهر أنها حقيقة فيما يبيح الصلاة منها، بل ما لا يجامع (1) الحدث الأكبر على
إشكال، للتبادر، وصحة السلب عن غيرها.
بل الظاهر كونها حقيقة شرعية في ذلك أيضا، سيما في زمان الصادقين ومن بعدهما
عليهم السلام، للاستقراء، ونفي اسم الطهارة عن وضوء الحائض في بعض الأخبار.
والأظهر كونها حقيقة في إزالة الخبث أيضا، فتكون مشتركة.
ثم على الأول: الأظهر كونها مشككة، لا مشتركة بين الثلاثة، ولا متواطئة، ولا
حقيقة في المائية مجازا في الترابية.
وكل منها ينقسم إلى واجب وندب:
فالواجب من الوضوء ما كان لصلاة واجبة، أو طواف واجب، أو لمس كتابة القرآن إن
وجب.

(1) في " ز " ما يجامع.
69

والغسل يجب لهذه، ولدخول المسجدين، والمكث في سائر المساجد إن وجبا،
ولقراءة العزائم كذلك.
وأما التيمم، فيجب لما تجب فيه الطهارتان، وفي بعض مواضع أخر يأتي تفصيلها.
وقد تجب الثلاثة بنذر وشبهه.
70

الفصل الأول
في الوضوء
فيه مقاصد:
71

المقصد الأول
في أحكامه وأقسامه وموجباته
وفيه مباحث:
المبحث الأول: لا ريب في وجوب الوضوء للصلاة واشتراطها به. ومعنى
وجوب الشئ للغير: تعلق طلب الشارع به حتما لأجل تحصيل صحة الغير أو
جوازه. والطلب قد يكون بالصريح (1)، وقد يكون بالإشارة، مثل مقدمة الواجب
على ما حققناه في الأصول.
والظاهر توجه الذم إلى ترك ذلك لأجل تركه أيضا إن تعلق به الخطاب صريحا،
كما صرح به جماعة من المحققين (2)، وادعى عليه الاجماع بعضهم، وهو صريح أكثر
القائلين بوجوب المقدمة أيضا مطلقا.
ومعنى الاشتراط: هو توقف صحة الغير عليه أو جوازه. وقد يطلق عليه
الوجوب مجازا، كما في الوضوء للنافلة (3).

(1) في " م ": بالتصريح.
(2) كما في المعالم: 61.
(3) في " ز ": وضوء النافلة.
73

وأما ما يقال: من أن الوجوب للغير معناه أن تاركه يعاقب لاستلزامه ترك ذلك
الغير، فلا يفهم منه معنى إلا الشرطية (1)، فإن ترك الشرط يستلزم بطلان المشروط،
فلم يبق لفرقهم بينهما وجه، وكلماتهم كما ترى تنادي بالتفرقة.
ومما يؤيد ذلك: ما سنذكر في استحباب الوضوء للتأهب (2) للفريضة فلاحظ،
ووجوب قصد القربة في النية وعدم اشتراطها به عند السيد رحمه الله، فإن الظاهر
أنه لا ينكر الوجوب في النية (3).
فأما الدليل على وجوب الوضوء للصلاة فهو الاجماع، بل الضرورة، والأخبار
الكثيرة المعتبرة.
وكذلك اشتراطها به إجماعي، مدلول عليه بالأخبار، مثل قوله عليه السلام في
الصحيح " لا صلاة إلا بطهور " (4) فإن أقرب مجازاته نفي الصحة، وفي معناه أخبار
كثيرة. وبعد ثبوت الاشتراط يثبت دليل آخر على الوجوب، بناءا على وجوب
المقدمة أيضا.
وأما الطواف، فوجوبه له أيضا إجماعي، كما نقله جماعة (5). وتدل عليه
الأخبار، منها صحيحة محمد بن مسلم: عن رجل طاف طواف الفريضة وهو على
غير طهور، فقال: " يتوضأ ويعيد طوافه، وإن كان تطوعا توضأ وصلى ركعتين (6)

(1) في " ز " زيادة: بل مع وجوب المشروط.
(2) في " ز " زيادة: ففيه الاشتراط للوجوب.
(3) الإنتصار: 17.
(4) التهذيب 1: 49 ح 144، وص 209 ح 605، و ج 2: 140 ح 545، الاستبصار 1: 55 ح 160، الوسائل 1: 256 أبواب الوضوء ب 1 ح 1.
(5) منهم الشيخ في الخلاف 2: 322، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 578، والعلامة في المنتهى
(الطبعة الحجرية) 2:. 69.
(6) الكافي 3: 33 ح 1، وفي التهذيب 1: 102 ح 268 بتفاوت، الوسائل 1: 176 أبواب نواقض الوضوء ب 1
ح 7.
74

وهي (1) تدل على اشتراطه به أيضا، كما تدل على عدم اشتراط النافلة به.
وأما مس كتابة القرآن، فوجوبه من جهة حرمة المس على المحدث بالحدث
الأصغر، فلا يتم الواجب إلا بالوضوء.
وأما حرمة المس، فهو قول الأكثر، وادعى الشيخ الاجماع (2)، وتدل عليه
الآية (3) والأخبار، مثل موثقة أبي بصير (4)، ومرسلة حريز (5)، وغيرهما.
وأما صحيحة علي بن جعفر القائلة بحرمة كتابة القرآن من دون وضوء (6)،
فالظاهر أنه لعدم انفكاك الكتابة عن المس غالبا، وإلا فلا قائل به.
قيل بالعدم (7)، للأصل، وعدم معهودية منع الصبيان عن ذلك من السلف.
والأصل لا يعارض الدليل. والثاني ممنوع، مع أنه لا يستلزم المدعى، فإن عدم
القول بالفصل ممنوع، وكذلك وجوب المنع على الولي.
وأما القدح في دلالة الآية باحتمال إرادة اللوح المحفوظ عن مس غير الملائكة
المطهرين، فهو خروج عن الظاهر لوجوه كثيرة، مع أنه يظهر من الطبرسي الاجماع

(1) في " ز " زيادة: ركعتين.
(2) التبيان 9: 510 سورة الواقعة، قال: وقد استدل بهذه الآية على أنه لا يجوز للجنب والحائض والمحدث أن
يمسوا القرآن... وقال قوم: إنه لا يجوز أن يمسوا الكتاب الذي فيه ولا أطراف أوراقه... وعندنا أن الضمير
راجع إلى القرآن.
(3) قوله تعالى: لا يمسه إلا المطهرون - الواقعة: 79.
(4) الكافي: 3: 50 ح 5، التهذيب 1: 127 ح 343، الاستبصار 1: 113 ح 377، الوسائل 1: 269 أبواب
الوضوء ب 12 ح 1، عمن قرأ في المصحف وهو على غير وضوء قال: لا بأس، ولا يمس الكتاب.
(5) التهذيب 1: 126 ح 342، الاستبصار 1: 113 ح 376، الوسائل 1: 269 أبواب الوضوء ب 12 ح 2.
وفيها قول أبي عبد الله (ع) لولده إسماعيل: يا بني اقرأ القرآن، فقال: إني لست على وضوء، فقال: لا تمس
الكتاب، ومس الورق واقرأ.
(6) التهذيب 1: 127 ح 345، الوسائل 1: 270 أبواب الوضوء ب 12 ح 4.
(7) ذهب الشيخ في المبسوط 1: 23، وابن البراج في المهذب 1: 32، وابن إدريس في السرائر 1: 57 إلى
الكراهة، واختاره في المدارك 1: 242.
75

على رجع الضمير إلى القرآن (1).
المبحث الثاني: لا وجوب للوضوء بنفسه، إلا من جهة نذر وشبهه كما سيأتي.
وقيل بوجوب الطهارات أجمع بنفسها عند حصول أسبابها، وجوبا موسعا
لا يتضيق إلا بظن الموت (2). والحق هو الأول، فلا يتعلق غرض بوجوبه إلا تصحيح
مشروطاته.
وهذا المعنى لا يقتضي توقف الوجوب للغير على دخول وقت المشروط كما
ظن، بل مع ظن إدراكه الوقت صحيحا سالما يجب عليه الإتيان بمقدماته وجوبا
موسعا ولو قبل الوقت، إلا أن يقيد بدليل كما في خصوص الوضوء والغسل
للصلاة. ولذلك يجوز الاغتسال في أول الليل من شهر رمضان بنية الوجوب لصوم
الغد مع ظن السلامة وإدراك الصوم كما سيجئ، خلافا للمشهور.
فتظهر الثمرة بين القولين حينئذ فيما لو حصل ظن الموت قبل الوقت، فلا يجب
على المختار، بخلاف القول الآخر.
وأما تضيق وقته بتضيق المشروط، فإنما هو من جهة الوجوب الغيري الذي هو
محل الوفاق، فلا اختصاص له بأحد القولين.
وأما الثمرة في خصوص الوضوء والغسل فتحصل في عدم جواز نية الوجوب
قبل الوقت على المختار، لخصوص الدليل على عدم الوجوب قبل الوقت، بخلاف
القول الآخر.
لنا على ما اخترناه: الأصل، والإجماع نقله جماعة، منهم العلامة والمحقق

(1) مجمع البيان 5: 226.
(2) نقل عن الراوندي في الذكرى: 23، القول بوجوب الغسل لا بشرط، وقال: وربما قيل بطرد الخلاف في كل
الطهارات، لأن الحكمة ظاهرة في شرعيتها مستقلة.
76

الثاني والشهيد الثاني (1). والآية منطوقا (2)، لتبادر غرضية (3) الشرط للجزاء في مثل
هذه المادة المتكيفة بالهيئة التعليقية الشرطية. ومفهوما، لحجيته على المختار المحقق.
وصحيحة زرارة: " إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة " (4).
وتوهم إرادة الجميع - فلا يحصل من المفهوم إلا عدم البعض وهو الصلاة بعيد
عن السياق، وعن المعنى المحقق للواو، وهو مطلق الجمع، لا الترتيب ولا المعية.
وفي الأخبار الواردة في علل الوضوء وغيرها أيضا إشارات لطيفة إلى ما
ذكرنا. ويؤيده كونه مما تعم به البلوى، ويحتاج إليه الناس، ولا بد أن يكون الأمر في
مثله أوضح من أن يحتاج إلى البيان، ومع ذلك صار مهجورا مثل هذا الهجر، ولم
يلتزم المؤمنون فعلها عند حدوث الأحداث سيما الصلحاء، ولم يعهد ذلك في حق
الظانين بالموت قبل الوجوب.
وأما ما تعلق به الخصم من الإطلاقات والظواهر الكثيرة الدالة على وجوبه
بحصول الأحداث (5)، ففيه أولا: أن القرينة قائمة على كونها محمولة على ما بعد
دخول الوقت ووجوب المشروط بقرينة فهم الفقهاء وترك ظاهرها بحيث آل الأمر
إلى ما ترى، وظهورها في بيان الناقض لا الموجب، خصوصا مع تأدي نظائرها من
الواجبات الغيرية بمثلها، كغسل الثياب والأواني.
وثانيا: إنها مقيدة بما ذكرنا، أو يحمل إطلاقها على الاستحباب.
الثالث: إنما يجب الوضوء لما يجب له على غير المتطهر، وإن كان ظاهر الآية

(1) التذكرة 1: 148، جامع المقاصد 1: 263، روض الجنان: 14.
(2) قوله تعالى: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم. المائدة: 6.
(3) في " ز ": عرضية.
(4) الفقيه 1: 22 ح 67، التهذيب 2: 140 ح 546، الوسائل 1: 261 أبواب الوضوء ب 4 ح 1.
(5) انظر مدارك الأحكام 1: 10.
77

والأخبار الإطلاق أو (1) العموم، للإجماع، وعدم ثبوت تقييد إطلاقات الصلاة
باشتراط الوضوء إلا في غير المتطهر. مع أن السيد ادعى إجماع المفسرين على أن
المراد من الآية القيام من النوم (2)، وورد به الموثق (3).
فعلى هذا فيجوز للمتطهر الدخول في الصلاة، نفلا كانت الطهارة أو فرضا،
لنافلة كانت أو لفريضة، للاجماع، نقله ابن إدريس (4)، ونفى عنه الخلاف في
التذكرة (5)، وتظهر دعواه من آخرين أيضا (6).
ويدل عليه: أن الحدث حالة وجودية - كالطهارة - يوجب ارتفاعها حصول
الطهارة، أما الأول فللأخبار المستفيضة المعتبرة الواردة في علل الوضوء، ففي
الصحيح " أنه لتزكية الفؤاد " (7) ونحو ذلك. وتشير إليه الأخبار الواردة في علة نجاسة
البول والغائط، وأنها من أثر الشيطان حيث دخل في جوف آدم عليه السلام وخرج
من دبره (8). والأخبار المستفيضة الدالة على أن من بسمل (9) في أول وضوئه طهر
جميع جسده، ومن لم يسم تطهر مواضع وضوئه (10)، فهذه كلها تدل على أن خروج

(1) في " ز ": و.
(2) الإنتصار: 30.
(3) قال ابن بكير: قلت لأبي عبد الله (ع) قوله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة} ما يعني بذلك؟ قال: إذا قمتم
من النوم - التهذيب 1: 7 ح 9، الاستبصار 1: 80 ح 251، الوسائل 1: 180 أبواب نواقض الوضوء ب 3
ح 7.
(4) السرائر 1: 98.
(5) التذكرة 1: 205.
(6) كالشيخ في التهذيب 1: 201، والعلامة في المنتهى 2: 113.
(7) عيون أخبار الرضا " ع " 2: 104، 115، علل الشرائع: 257، 268، الوسائل 1: 257 أبواب الوضوء ب 1
ح 9.
(8) علل الشرائع: 275 ح 2، مستدرك الوسائل 2: 557 أبواب النجاسات ب 4 ح 4.
(9) في " ز ": يسمي.
(10) الوسائل 1: 297 أبواب الوضوء ب 26.
78

الأحداث يوجب حالة رذيلة في البدن، مسببة عن (1) غضاضة نفسانية تحصل للنفس
توجب عدم جواز الدخول في العبادة، أو عدم حصول كمالها إلا بإزالتها، ولا نعني
بالحدث إلا تلك الحالة (2).
وأما الطهارة التي هي ضدها فهي إنما تحصل بسبب الوضوء وغيره، فإذا (3)
ارتفعت تلك الحالة فلا يبقى المنع. فالمستفاد من الأخبار أن الوضوء يرفع
الحدث، ولا مانع للدخول في الصلاة بالفرض إلا الحدث.
واحتمال كون الحدث ذا مراتب يرتفع بعضها ببعض الوضوءات دون بعض،
أو حصول أحداث متعددة بالنسبة إلى المشروطات يحتاج رفع كل منها إلى وضوء،
مما لا تتطرق إليه أفهام أهل اللسان، بل ولا أفكار الفقهاء، ولا تنصرف إليه إطلاقات
الأخبار. والمستفاد منها رفع الحدث بالطهارات، لا رفع مرتبة من مراتبه، أو شأن من
شؤونه وشعبة من شعبه، والمتبادر أنهما حالتان بسيطتان لا تركب فيهما أصلا.
ويدل عليه أيضا: إطلاق صحيحة زرارة: " لا صلاة إلا بطهور " (4) وفي معناها
أخبار كثيرة، وموثقة ابن بكير: " إذا استيقنت أنك قد توضأت فإياك أن تحدث
وضوءا حتى تستيقن أنك أحدثت " (5) والأخبار المعتبرة الحاصرة للنواقض،
والإطلاقات الواردة بالمشروطات. هذا كله إذا كان الوضوء رافعا للحدث.
وأما في مثل الوضوء التجديدي، والوضوء للنوم، والوضوء للمذي
ونحو ذلك، فإن قلنا بأن الوضوء للنوم إنما هو لرفع الحدث وحصول الطهر لينام

(1) كلمة عن ليست في " ح ".
(2) في " م ": العبارة، بدل الحالة.
(3) في " م ": وإذا.
(4) التهذيب 1: 4 9 ح 144، وص 209 ح 60 5، ج 2: 140 ح 545، الاستبصار 1: 55 ح 160، الوسائل 1:
256 أبواب الوضوء ب 1 ح 1.
(5) الكافي 3: 33 ح 1، التهذيب 1: 102 ح 268، الوسائل 1: 1 76 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 7.
79

على هذه الحالة - كما هو الأظهر - فيجئ الحكم بالجواز حينئذ.
وأما الوضوء التجديدي إذا ظهر كونه محدثا قبله، فيشكل الأمر فيه، من جهة
عدم قصد الرفع والاستباحة فيه، ومن جهة إطلاق الطهر عليه في الأخبار، مثل
قولهم عليهم السلام: " الطهر على الطهر عشر حسنات " (1) ونحوه. والظاهر كونه
مجازا للمجاورة أو للشباهة، وكذلك الوضوء للمذي.
وأما في لزوم قصد الإباحة والرفع، أو أحدهما، أو الاكتفاء بقصد ما لا يجتمع
مع الحدث صحة أو كمالا من الغايات فيدل عليهما بالالتزام، أقوال واحتمالات،
الأظهر: الاكتفاء فيما نحن فيه بما يكون المقصود رفع الحدث صريحا أو
التزاما، وكذلك قصد الاستباحة فيما لا يباح إلا برفع الحدث. وأما مع قصد رفع
الحدث صريحا فلا إشكال، وسيجئ الكلام في اشتراط المذكورات في أصل النية
وعدمه.
الرابع: لا يجب الوضوء إذا شك في حصول الناقض للطهارة السابقة،
بالاجماع والأخبار المعتبرة الدالة بعمومها على عدم جواز نقض اليقين إلا بيقين،
وبخصوصها في الوضوء (2). كما يجب فيما لو شك في حصول الطهارة عقيب
الحدث بالإجماع، والأخبار العامة المتقدمة.
وكذلك يجب فيما لو تيقنهما وشك في المتأخر، سواء علم حاله قبلهما أم لا،
فإن الحالة السابقة قد انقطعت بهما جزما، إن حدثا فبالطهارة، وإن طهارة فبالحدث.
ثم لا يمكن استصحاب الطهارة اللاحقة لاحتمال تقدمه على الحدث،
ولا الحدث لاحتمال تأخر الطهارة عنه، فيتساقطان. وعموم الأدلة يقتضي

(1) الكافي 3: 72 ح 1، الوسائل 1: 264 أبواب الوضوء ب 8 ح 3.
(2) الكافي 3: 352 ح 3، التهذيب 1: 8 ح 11، وص 421 ح 1335، الوسائل 1: 174 أبواب نواقض الوضوء
ب 1، وص 332 أبواب الوضوء ب 44.
80

وجوب الوضوء.
وقيل: إن علم بالحالة السابقة فيأخذ بضدها، لأنها إن كانت طهارة فقد ارتفعت
بالحدث جزما فيستصحب الحدث لأنه يقيني، وإن كانت حدثا فقد ارتفع بالطهارة
فتستصحب لأنها يقينية (1).
وفيه: أن الطهارة أيضا يقينية في الأولى، والحدث يقيني أيضا (2) في الثانية،
فلا مرجح لاستصحاب أحدهما دون الآخر، لتساوي احتمالي تعاقب الحدثين
أو الطهارتين مع عدمه، وارتفاع الحالة الأولى لا يستلزم ارتفاع مثلها في اللاحق.
وقيل: يأخذ بمثل الحالة السابقة، وربما يوجه ذلك بتعارض الحدث والطهارة
فيتساقطان، فتبقى الحالة الأولى سالمة. وهو كما ترى.
واختار العلامة هذا المسلك (3)، لكنه أخرجه عن المسألة المفروضة، واشترط
اتحادهما في العدد، واعتبر في الحدث اللاحق الناقضية وفي الطهارة الرافعية،
فيرتفع احتمال تعاقب الطهارتين والحدثين، فالحدث الناقض يرفع الطهارة السابقة
لو علم كونها طهارة، فتكون الطهارة اللاحقة رافعة له، فهو متطهر، والطهارة
الرافعة ترفع الحدث السابق لو علم كونها حدثا، فالحدث اللاحق ناقض لها، فهو
محدث. وهذه المسألة خارجة عن صورة الشك إلا في بادئ النظر.
ثم تصوير احتمال الجهل بالحالة السابقة فرض نادر جدا إلا في بادئ النظر، وإلا
فهي إما طهارة يقينية أو حدث يقيني، أو مورد أحد المسائل الثلاث، فيجري فيها
حكم أحدها. هذا حكم أصل الوضوء.
وأما لو شك في فعل من أفعاله، فإن كان متشاغلا بالوضوء فيأتي به وبما بعده
بلا خلاف، للأصل، ونقل الاجماع، وصحيحة زرارة في خصوص وجوب إعادة

(1) الجامع للشرائع: 37، المعتبر 1: 171، جامع المقاصد 1: 237.
(2) في " م ": أيضا يقيني.
(3) المختلف 1: 308.
81

المشكوك (1)، وحسنة الحلبي وغيرها الدالة على وجوب تحصيل الترتيب، واتباع
بعض الوضوء بعضا في وجوب إعادة ما بعده (2).
وما يتراءى معارضا لهما من الأخبار فلا يقاوم ما ذكرنا، لكونها مهجورة، غير
صريحة في الخلاف.
والظاهر أن النية أيضا حكمها مثل سائر الأفعال، لظاهر الاجماع، واستصحاب
شغل الذمة.
وإن فرغ من الوضوء ودخل في فعل آخر فلا يلتفت إجماعا، لصحيحة زرارة
المتقدمة، وموثقة ابن أبي يعفور (3)، وقوية بكير بل صحيحته (4) - (5).
وأما قبل الدخول في فعل آخر، مثل إن كان قاعدا في مقامه، أو مستمرا على
حالته التي كان يتوضأ فيها، فيستفاد من كلام بعضهم كظاهر بعض الأخبار: الإتيان
به أيضا إذا لم يطل كثيرا، ولكن رواية بكير (6) المتقدمة تنفيه، وسائر الأخبار لا تثبته.
بل الظاهر أن المراد بالقيام من الوضوء الوارد في بعضها أيضا هو الفراغ.
والمعيار في الشك في الرجل اليسرى: هو وجدان نفسه متشاغلا أو غير
متشاغل، كالشك في السلام بعد الفراغ من الصلاة.
وأما لو تيقن بترك بعض الأفعال، فيأتي به وبما بعده بالاجماع والأخبار، إلا أن

(1) الكافي 3: 33 ح 2، التهذيب 1: 100 ح 261، الوسائل 1: 33 أبواب الوضوء ب 42 ح 1. وفيها: إذا كنت
قاعدا على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه أنك لم تغسله أو
تمسحه مما سمى الله ما دمت في حال الوضوء...
(2) الكافي 3: 34 ح 9، الوسائل 1: 318 أبواب الوضوء ب 35 ح 9: وهي حسنة بإبراهيم بن هاشم.
(3) التهذيب 1: 101 ح 262، الوسائل 1:. 33 أبواب الوضوء ب 42 ح 2.
(4) التهذيب 1: 101 ح 265، الوسائل 1: 331 أبواب الوضوء ب 42 ح 7.
(5) وجه الصحة: عدم القدح فيما كان أبان بن عثمان في سنده لكونه ثقة من أصحاب الاجماع، فلا يضر عدم توثيق
بكير.. مع أن الكشي روى بسند صحيح مدحا فيه أعظم من التوثيق، قال قلت له: الرجل يشك بعد ما يتوضأ،
قال: هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك (منه رحمه الله).
(6) في " م ": ابن بكير.
82

يحصل الإخلال بالموالاة كما سيجئ.
وأما ما في صحيحة زرارة من الإتيان بعد الفراغ والدخول في فعل آخر أيضا في
صورة الشك (1)، فمحمول على الاستحباب.
ولا يعتبر الشك مع الكثرة كالصلاة، للعلة المنصوصة في صحيحة زرارة
وأبي بصير: " فإن الشيطان خبيث معتاد لما عود " (2).
الخامس: الأحداث الموجبة للوضوء (3): البول والغائط والريح الخارج من
المخرج المعتاد الطبيعي بالإجماع والأخبار المستفيضة (4) الصحاح.
وأما الخارج من غيره ففيه تفصيلات وأقوال لا ترجع إلى تحقيق، والمحقق أن
المستفاد من الأخبار ليس إلا المعهود المتعارف، ولا دليل على حكم غيره إلا الاجماع
المنقول في المنتهى فيما انحصر المخرج في غير الطبيعي خلقة، أو كان الطبيعي
مسدودا (5). وأما في غيره فلا نص ولا إجماع. والأصول متعارضة، وبراءة الذمة
عن التكليف اليقيني بالصلاة لا تحصل إلا بالوضوء.
ولا عبرة بالريح الخارج من الإحليل أو قبل المرأة.
والنوم الغالب على العقل، بل على السمع، وإن كان الظاهر تلازمهما، وكون

(1) المتقدمة في ص 63.
(2) الكافي 3: 358 ح 2، التهذيب 2: 188 ح 747، الاستبصار 1: 374 ح 1422، الوسائل 5: 329 أبواب
الخلل ب 16 ح 2.
(3) الظاهر كون كل من الموجب والناقض أعم من الآخر من وجه، وإن اعتبر في الموجب ما يكون من شأنه الإيجاب
فيكون أعم مطلقا من الناقض بالفعل، والحق أن تلك الإطلاقات اعتبارات، فيعتبر كل واحد من الإطلاقات فيما
يناسبه، فمن حيث إنه يجب تسمية الوضوء يسمى ناقضا، ومن حيث إنه يترتب عليه وجوب الوضوء وجودا و
عدما يسمى سببا، واجتماع الأسباب الكثيرة الشرعية ممكن وواقع كثيرا (منه رحمه الله).
(4) في " م " زيادة: و.
(5) المنتهى 1: 188.
83

الثاني أمارة للأول، للاجماع المستفيض فيه في الجملة، والآية، سيما على ما مر من
التفسير، والأخبار المعتبرة المستفيضة.
وربما يسند إلى الصدوق الخلاف في النوم للمجتمع (1)، وإلى والده في مطلقه (2)،
لبعض الروايات الضعيفة المحمولة على التقية (3). وهو ضعيف كأصل الإسناد.
وضم العين إلى الإذن في الأحاديث وكلام الفقهاء، لتوجه النوم إليها أولا،
وإلا فهي أضعف من غير السمع أيضا.
والمشهور إلحاق كل مزيل للعقل بالنوم، كالإغماء والجنون والسكر، للاجماع،
نقله عن المسلمين في الأولين الشيخ (4)، وعن الأصحاب في الثالثة صاحب
المدارك (5)، ويظهر من غيرهما أيضا (6)، والعلة المستفادة من الأخبار في النوم وهو
ذهاب العقل.
وقد يستدل بصحيحة معمر بن خلاد (7)، ودلالتها ممنوعة (8).

(1) الفقيه 1: 38 ح 143، 148، أورد روايتين دالتين على عدم النقض في هذه الحال، وقد تعهد في أول كتابه
بأنه لا يورد إلا ما يفتي به. قال العلامة: وإن كانت هاتان الروايتان مذهبا له فقد صارت المسألة خلافية - المختلف
1: 255.
(2) نقله عنه في المختلف 1: 255.
(3) وهو خبر سماعة وخبر آخر مرسل عن الكاظم (ع) - انظر الوسائل 1: 181، أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح
11، 12. ووجه الضعف في الثاني هو الإرسال، ولعل وجه الضعف في الأول هو الكلام في سماعة وإبراهيم
بن هاشم.
(4) التهذيب 1: 5.
(5) مدارك الأحكام 1: 149.
(6) قال العلامة: إنه لم يعلم فيه مخالفا. المنتهى 1: 202.
(7) قال: سألت أبا الحسن (ع) عن رجل به علة لا يقدر على الاضطجاع، والوضوء يشتد عليه وهو قاعد مستند
بالوسائد، فربما أغفى وهو قاعد على تلك الحال، قال: يتوضأ، قلت له: إن الوضوء يشتد عليه، قال: إذا خفي
عنه الصوت فقد وجب عليه الوضوء. الكافي 3: 37 ح 14، التهذيب 1: 9 ح 14، الوسائل 1: 182 أبواب
نواقض الوضوء ب 4 ح 1.
(8) لعل وجهه أن الإغفاء لغة هو النوم.
84

والاستحاضة القليلة، قال العلامة رحمه الله: إنه مذهب علمائنا (1)، ونقل عن
ابن أبي عقيل العدم (2)، وهو مخالف للأخبار المعتبرة، وغير موافق لدليل،
وصحيحة عبد الله بن سنان (3) لا تدل على مذهبه.
وأما الكثيرة والمتوسطة فسيجئ في موجبات الغسل أنهما أيضا توجبان على
الأظهر، وسيجئ الكلام فيهما في خصوص الحالة التي توجبان فيها الغسل بعيد
هذا أيضا.
وذهب ابن الجنيد إلى موجبية المذي الواقع عقيب الشهوة، والقبلة بشهوة،
والقهقهة في الصلاة، والحقنة، ومس باطن الفرجين (4). وفاقا للصدوق في
الأخير (5) (6)، لأخبار معارضة بأقوى منها سندا، وكثرة، وعملا، واعتضادا،
وأوجه محاملها التقية، ولا يبعد الحمل على الاستحباب
السادس: الأشهر أن الحيض والنفاس والاستحاضة الموجبة للغسل ومس الميت
بعد البرد موجبات، فلا يكتفى بالغسل في الدخول فيما منعت المذكورات من
الدخول فيه، فيحصل بها حالة توجب الوضوء أيضا، سواء حصل حدث أصغر
أيضا أم لا.

(1) التذكرة 1: 99.
(2) نقله عنه في المعتبر 1: 111، والمختلف 1: 372.
(3) الكافي 3: 90 ح 5، الوسائل 2: 605 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 4 فإنه ذكر الغسل فيها ولم يذكر الوضوء.
(4) نقله عنه في المختلف 1: 257، 260، 261، 263.
(5) الفقيه 1: 39.
(6) وعن الصدوق القول بوجوب إعادة الوضوء لمن توضأ قبل الاستنجاء من البول، لصحيحة سليمان بن خالد
وموثقة أبي بصير، ولا دلالة فيهما على غير البول، واستدل في المختلف لإعادة الوضوء في الغائط بصحيحة علي
بن جعفر ولا دلالة فيها، وكيف كان فقوله ضعيف لمعارضة الروايتين بالصحاح المستفيضة وغيرها المعمول بها
عند الأكثر (منه رحمه الله).
85

وبعبارة أخرى: لا يجوز الدخول بأغسال هذه المذكورات في الصلاة ونحوها
إلا مع الوضوء، بل لا يجوز الدخول بغسل من الأغسال فيها من دون الوضوء، إلا
غسل الجنابة، فرضا كان أو نفلا، إلا أن يكون متطهرا. وهو المشهور بين
الأصحاب، وجعله الصدوق في الأمالي من دين الإمامية (1)، وخالف فيه السيد (2)
وابن الجنيد (3) وبعض المتأخرين (4).
والأول أقرب، للأصل (5). والاستصحاب. وظاهر الآية وإن فسرت بالقيام من
النوم أيضا (6)، لشمولها هؤلاء مع عدم القول بالفصل، والأخبار المتواترة الواردة في
وجوب الوضوء الدالة بعمومها وإطلاقها على ما نحن فيه (7)، وصحيحة ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان أو غيره، عن الصادق عليه السلام، قال: " في
كل غسل وضوء إلا الجنابة " (8) ومرسله كالمسند الصحيح لوجوه ذكرت في محلها،
مع أنه في المختلف بدون " أو غيره " (9) وهو ظاهر في الوجوب مثل قولهم
عليهم السلام: " في خمس من الإبل شاة " ونحوه سيما مع ملاحظة فهم الجمهور.
واستثناء غسل الميت أولى من حمله على الاستحباب، مع تبادر أغسال المكلفين من

(1) أمالي الصدوق: 515 مجلس 93.
(2) نقله عنه في المعتبر 1: 196، والمختلف 1: 340، والموجود في جمل العلم والعمل: 51، ويستبيح بالغسل
الواجب للصلاة من غير وضوء، وإنما الوضوء في غير الأغسال الواجبة.
(3) نقله عنه في المختلف 1: 340.
(4) كالمقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 132.
(5) في " ح ": للأول.
(6) المائدة: 6.
(7) الوسائل 1: 256 أبواب الوضوء ب 1.
(8) الكافي 3: 45 ح 13، التهذيب 1: 139 ح 391، الاستبصار 1: 126 ح 428، الوسائل 1: 516 أبواب
الجنابة ب 35 ح 2.
(9) المختلف 1: 340.
86

الرواية. وفي الغوالي " كل الأغسال لا بد فيها من الوضوء إلا الجنابة " (1) والسند
منجبر بالشهرة.
ويدل عليه صريح فقه الرضا أيضا (2)، ورواية علي بن يقطين (3).
حجة القول الآخر: الأصل، والإطلاقات الواردة في غسل الحيض
والاستحاضة من دون ذكر الوضوء (4)، وما ورد من أن غسل الجنابة والحيض
واحد (5).
وصحيحة محمد بن مسلم: " الغسل يجزئ عن الوضوء، وأي وضوء أطهر من
الغسل " (6).
وصحيحة حكم بن حكيم: عن غسل الجنابة، فقال: " أفض على كفك اليمنى "
إلى أن قال، قلت: إن الناس يقولون يتوضأ وضوء الصلاة قبل الغسل، فضحك
وقال: " وأي وضوء أنقى من الغسل؟ " (7).
وموثقة عمار (8)، ومرسلة حماد (9)، ومكاتبة محمد بن عبد الرحمن
الهمداني (10)، والروايات الثلاث الدالة على أن الوضوء بعد الغسل بدعة (11).
أما الأصل، فلا يقاوم الدليل، سيما في العبادات.

(1) عوالي اللآلي 2: 203 ح 110.
(2) فقه الرضا (ع): 82.
(3) التهذيب 1: 141 ح 401، الاستبصار 1: 127 ح 434، الوسائل 1: 517 أبواب الجنابة ب 35 ح 3.
(4) انظر الوسائل 2: 606 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5، 7، وص 613 أبواب النفاس ب 3 ح 8.
(5) التهذيب 1: 162 ح 463، الوسائل 2: 566 أبواب الحيض ب 23 ح 1.
(6) التهذيب 1: 139 ح 390، الاستبصار 1: 126 ح 427، الوسائل 1: 513 أبواب الجنابة ب 33 ح 1.
(7) التهذيب 1: 139 ح 392، الوسائل 1: 515 أبواب الجنابة ب 34 ح 4، وفيها زيادة: وأبلغ.
(8) التهذيب 1: 141 ح 398، الاستبصار 1: 127 ح 432، الوسائل 1: 514 أبواب الجنابة ب 34 ح 3.
(9) التهذيب 1: 141 ح 399، الاستبصار 1: 127 ح 433، الوسائل 1: 514 أبواب الجنابة ب 33 ح 4.
(10) التهذيب 1: 141 ح 397، الاستبصار 1: 126 ح 431، الوسائل 1: 513 أبواب الجنابة ب 33 ح 2.
(11) انظر الوسائل 1: 514 أبواب الجنابة ب 33 ح 6، 9، 10.
87

وأما الإطلاقات، فإنها واردة في بيان أصل وجوب الغسل ووقته، لا جميع
شرائطه وتوابعه. وكذلك المراد بالتشبيه إنما هو في أصل الغسل كما لا يخفى.
وأما الصحيحة، فمحمولة على غسل الجنابة بقرينة صحيحة حكم، وإن كان
الجواب فيها أيضا عاما، لأن الظاهر أن المراد بها الرد على العامة، وادعاء إشعار
العلة بالاطراد لعدم الفرق غريب، لأن علل الشرائع مخفية غالبا، مع أن في الأخبار
ما يدل على كون غسل الجنابة أقوى من غيره، وصرح في فقه الرضا بأنه مسقط
للوضوء، لأن أكبر الفرضين يسقط أصغرهما (1). أما السنة مثل سائر الأغسال فلا
يسقط الفريضة.
وأما سائر الأخبار فضعيفة لا جابر لضعفها.
فتبقى موثقة عمار وإطلاق الصحيحة في مقابل ما ذكرنا من الأدلة، ولا ريب
في عدم المقاومة، لموافقتها للكتاب وعمل الأصحاب.
والمشهور التخيير بين تقديم الوضوء وتأخيره، للأصل والإطلاقات.
وعن جماعة من القدماء وجوب تقديم الوضوء، لصحيحة ابن أبي عمير، عن
رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " كل غسل قبله وضوء إلا غسل
الجنابة " (2) وما دل على أن الوضوء بعد الغسل بدعة (3)، وصريح الفقه الرضوي
وغيره (4).
الأقوى الأول، فيحمل ما دل على أن تأخيره بدعة على إرادة غسل الجنابة
بملاحظة ضرب من التقية، وصحيحة ابن أبي عمير على الأفضلية، كما ذهب إليه

(1) فقه الرضا (ع): 82.
(2) الكافي 3: 45 ح 13، الوسائل 1: 516 أبواب الجنابة ب 35 ح 1.
(3) تقدمت الإشارة إليه في ص 69.
(4) فقه الرضا (ع): 82.
88

الشيخ في المبسوط (1). ولذلك لم نذكر الصحيحة في أدلة المختار، فإن اعتبار الحيثية
لا يكفي، وإرادة الواجب (2) والندب من لفظ واحد كما ترى.
مع أن هذا الإشكال يرد على صحيحته الأخرى بالنظر إلى المشروطات
المستحبة.
والتحقيق أن نحملها على الوجوب الشرطي، فيتم الوجوب (3) في الواجب،
ويصح حينئذ حمل القبلية على الأفضلية.
والمراد بالشرطية الشرطية للمشروطات لا للغسل، فلا تأثير للتقديم في صحة
الغسل، وإن كان يعصي بتأخيره على القول بوجوب التقديم.
والسر في ذلك على ما أفهم: أن المراد بتلك الأخبار بيان اسقاط الغسل للوضوء
وعدمه. فأخبار القول الآخر تفيد أن الغسل يجزئ عن الوضوء، وإجزاء شئ عن
الآخر ظاهر في ثبوت الآخر بسبب آخر. فأخبار المشهور أيضا تحمل على إرادة
عدم السقوط لا الوجوب.
وينقدح بما ذكرنا: أن الحيض والنفاس ومس الميت مثلا ليست موجبات
للوضوء، فالمراد أن (4) الغسل هل يسقط الوضوء الثابت بسبب أسبابه الموجبة أم لا؟
ولذلك ترى كلام كثير منهم خال عن ذكر المذكورات في موجبات الوضوء، بل
يظهر من الإرشاد نفي كون هذه منها (5)، فليس المراد إثبات وجوب الوضوء
للأغسال أو عند حدوث تلك الأحداث وجوبا ابتدائيا، أو نفيه، بل المراد بيان بقاء

(1) المبسوط 1: 44، وفيه: ويلزمها تقديم الوضوء ليسوغ لها استباحة الصلاة على الأظهر من الروايات، فإن
لم تتوضأ قبله فلا بد منه بعده.
(2) في " ح ": الوجوب.
(3) في " ح ": الواجب.
(4) في " ز " زيادة: يظهر.
(5) إرشاد الأذهان 1: 221.
89

التكليف الثابت بالوضوء وعدمه.
وإن تأملت في كلام من جعلها من الموجبات أيضا تعرف أن مرادهم أيضا
ذلك.
ومما يشهد بذلك: تعميم الاستدلال بهذه الأخبار في الأغسال المستحبة، مع أن
الموجب هنا منحصر في غير المذكورات كما لا يخفى.
وبالجملة: لم يظهر من أدلة المشهور - سيما مع مقابلتها لأدلة القول الآخر -
وجوب الوضوء لمس الميت مثلا.
أما الاستحاضة فالدليل على موجبيتها للوضوء ثابت من خارج كما سيجئ.
وأما الحيض فلا يكاد يتصور انفكاكه عن الأحداث الموجبة للوضوء، وكذلك
النفاس غالبا.
فلعل مسامحة كثير منهم في جعلها موجبات إنما كانت بملاحظة أغلب
الأحوال.
ويشهد بما ذكرنا كلام الشيخ في التهذيب، حيث قال في الاستدلال على
المشهور: وأقوى ما يدل على ذلك أن الوضوء فريضة لا تجوز استباحة الصلاة من
دونها إلا بدليل شرعي، وليس ههنا دليل شرعي في سقوط الطهارة بهذه الأغسال
يقطع العذر، ولا يلزمنا مثل ذلك في غسل الجنابة، لأنا لم نقل ذلك إلا بدليل، وهو
إجماع العصابة والأخبار الدالة على ذلك (1).
لا يقال: إن عموم الآية مع كون النفاس أو الحيض مثلا ناقضا ورافعا - وإن لم
يسلم كونهما موجبين - يثبت وجوب الوضوء مطلقا.
لأنا نقول: مع التسليم، إن عموم الآية بحيث يشمل ما لو لم يحصل حدث
أصغر ممنوع، لما مر في المبحث الثالث، وأوضحناه في المناهج.

(1) التهذيب 1: 142.
90

ففذلكة ما اخترناه: وجوب الوضوء للمشروطات مع حصول أسباب الوضوء
غير المذكورات بوجوب شرطي، فيتبع (1) مشروطاته في الوجوب الشرعي
واستحبابه، ولا يجب تقديمه على الغسل، ولا تأثير له في صحته، ولا في رفع
الحدث الأكبر، وإن كان الأحوط تقديمه على الغسل والإتيان به بعد حصول
المذكورات وإن لم يحصل غيرها من أسباب الوضوء أيضا.
والأظهر لزوم ترك الوضوء مع غسل الجنابة، وقيل باستحبابه لبعض
الأخبار (2)، وهو محمول على التقية.
السابع: المشهور أن السلس - وهو من لا يتمكن من استمساك بوله - يتوضأ لكل
صلاة كالمستحاضة (3). وعن المبسوط: أنه يجوز أن يصلي بوضوء واحد صلوات
كثيرة (4). وعن المنتهى: أنه يجمع بين الظهرين بوضوء واحد، وكذا العشاءين،
ويفرد كل صلاة غير هذه بوضوء (5).
حجة المشهور: عموم ما دل على الوضوء بحدوث الحدث، خرج عنه حال
الصلاة للضرورة، وبقي الباقي. وكذلك عموم * (إذا قمتم) * (6) وما في معناه.
واحتج الشيخ بعدم الدليل على تجديد الوضوء، وحمله على الاستحاضة
قياس.
ولعله منع شمول العمومين لما نحن فيه، فإن المتبادر من الحدث هو الشائع،

(1) في " ز ": يتبع.
(2) التهذيب 1: 140.
(3) انظر الخلاف 1: 249، والسرائر 1: 350، والمختلف 1: 309، وجامع المقاصد 1: 234، ومدارك الأحكام
1: 243.
(4) المبسوط 1: 68.
(5) المنتهى 2: 137.
(6) المائدة: 6.
91

وعموم (إذا قمتم) مخصص بالمحدثين كما مر، فيحتمل أن يكون مراده: منع
حدثية البول للسلس، ومنع حدثية المتقاطر منه دون المستمر إذا وجد له بول معتاد
أيضا.
و (1) موثقة سماعة، قال: سألته عن رجل أخذه تقطير في فرجه، إما دم أو
غيره، قال: " فليصنع (2) خريطة، وليتوضأ، وليصل، فإنما ذلك بلاء ابتلي به،
فلا يعيدن إلا من الحدث الذي يتوضأ منه " (3).
فإن كان المسؤول عنه هو غير البول من الدم والقيح والصديد ونحو ذلك كما هو
الظاهر، فلا دلالة للرواية، بل هي دليل على خلافه. وإن جعل المسؤول عنه أعم
بمعونة الإطلاق وترك الاستفصال، فوجه دلالتها أن يجعل الحدث الذي يتوضأ منه
كناية عن البول المتعارف وغيره من الأحداث المتعارفة، لا البول الغير المتعارف،
فلا يجب الوضوء للمتقاطر.
ولا يبعد أن يكون ذلك هو مراد الشيخ أيضا، لا نفي حدثية مطلق البول
للسلس، لأن جعل مطلق البول خارجا عن الحدث الذي يتوضأ منه بالنسبة إلى
السلس وإرادة ذلك من اللفظ إلغاز وتعمية، ولو كان الراوي يعلم ذلك فلا وجه
لسؤاله. وعلى هذا فتحصل قوة لقوله إن أراد ذلك.
وتؤيده أيضا: حسنة منصور قال، قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل
يعتريه البول، ولا يقدر على حبسه قال، فقال: " إذا لم يقدر على حبسه فالله أولى
بالعذر، يجعل خريطة " (4).
ولم نجعلها دليلا، لأن العذر لا يتم إلا بلزوم الحرج، ولا حرج فيما ذهب إليه

(1) الواو ليست في " ح ".
(2) في " ز ": فليضع.
(3) التهذيب 1: 349 ح 1027، الوسائل 1: 189 أبواب نواقض الوضوء ب 7 ح 9.
(4) الكافي 3: 20 ح 5، الوسائل 1: 210 أبواب نواقض الوضوء ب 19 ح 2.
92

المشهور. فكما أن الكون على الطهارة في الصلاة واجب، فالدخول فيها معها أيضا
واجب، ولا يسقط أحدهما بتعذر الآخر.
حجة العلامة: صحيحة حريز، عن الصادق عليه السلام أنه قال: " إذا كان
الرجل يقطر منه البول والدم إذا كان حين الصلاة اتخذ كيسا، وجعل فيه قطنا، ثم
علقه عليه، وأدخل ذكره فيه، ثم صلى، يجمع بين الصلاتين (1)، الظهر والعصر،
يؤخر الظهر ويعجل العصر بأذان وإقامتين، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء بأذان
وإقامتين، ويفعل ذلك في الصبح " (2).
وقد أورد عليها: بأن الحكمة في الجمع بين الصلاتين لعلها تقليل النجاسة أو
شئ آخر لا نعلمه، لا الجمع بوضوء واحد (3).
وهو بعيد، بل الظاهر منها ما استدل به كما في المستحاضة، وهو أحوط من
مذهب الشيخ، كما أن المشهور أحوط منهما، سيما مع ملاحظة ما سيجئ من
وجوب الوضوء والبناء إذا حصل الحدث في أثناء الصلاة في البطن، فالعمل على
المشهور.
وأما البطن - وهو الذي يعتريه غائط أو ريح على وجه لا يمكنه دفعه - فالذي
صرح به الفاضلان (4) وابن إدريس (5) والشهيد (6): أنه يجدد الوضوء لكل صلاة،
والظاهر أنه مذهب المشهور، بملاحظة حكمهم بالوضوء والبناء في الأثناء كما
سيجئ. ولم يخالفهم العلامة هنا، لكون النص مقصورا على السلس، والدليل

(1) في " ح ": يجمع بين الصلاة بين. وفي المصدر: صلاتين.
(2) الفقيه 1: 38 ح 146، الوسائل 1: 210 أبواب نواقض الوضوء ب 19 ح 1.
(3) الذخيرة: 39.
(4) المحقق في المعتبر 1: 163، والمختصر النافع 1: 6، والعلامة في القواعد 1: 205، والإرشاد 1: 223،
والنهاية 1: 68.
(5) السرائر 1: 350.
(6) البيان: 51.
93

عليه ما تقدم. ولم يظهر من المبسوط موافقته هنا لحكمه في السلس (1)، وإن كان
يظهر من الدروس نسبته إليه (2).
والأولى أن صاحب السلس إذا كان له فترة معتادة تسع الطهارة والصلاة
انتظرها. وكذا وجوب المبادرة إلى الصلاة بعد الوضوء كما قالوه، وربما احتمل
عدمه، لعموم الأدلة.
ثم إن المشهور في البطن إذا فاجأه الحدث في الصلاة أنه يتوضأ ويبني، لصحيحة
محمد بن مسلم، عن الباقر عليه السلام أنه قال: " صاحب البطن الغالب يتوضأ، ثم
يرجع في صلاته، ويتم ما بقي " (3) وموثقته - لابن بكير - مثلها (4).
ويظهر من المختلف الاستمرار على الصلاة كصاحب السلس، لأنه لو انتقضت
الطهارة انتقضت الصلاة، وليس فليس (5). ومبناه اشتراط صحة الصلاة بالطهارة
المستمرة، وأنه لا يكفي مطلق وقوع الصلاة بأجمعها على الطهارة. وهذا وإن كان
ظاهر الأدلة، ولكن تخصصه الروايتان المعتبرتان.
وقال في المختلف: إن كان يتمكن من التحفظ بمقدار الطهارة والصلاة، فيتوضأ
ويستأنف، لأنه متمكن من فعل الصلاة كاملة مع الطهارة المستمرة (6).
ولعل المشهور أيضا يكون في ذلك موافقا للمختلف، وإنما الخلاف في غير ماله
فترة يمكن فيها التحفظ، وإلا فعلى المشهور أيضا يجب البناء لا الاستئناف،
والروايتان المتقدمتان ظاهرتان في غير ماله فترة.
وأيضا الظاهر أن موضع الخلاف ما إذا تمكن من الدخول فيها مع الطهارة، وإن

(1) المبسوط 1: 68.
(2) الدروس 1: 94.
(3) الفقيه 1: 237 ح 1043.
(4) التهذيب 1: 350 ح 1036، الوسائل 1: 210 أبواب نواقض الوضوء ب 19 ح 4.
(5) المختلف 1: 311.
(6) المختلف 1: 311.
94

لم يمكن (1) ذلك فلا يجب الوضوء لما حدث في الأثناء. وكذا (2) لو تمكن من
التلبس وتكثر الحدث وتكرر بحيث يستلزم تجديد الوضوء العسر والحرج.
وأما حكم السلس لو فجأه الحدث في الأثناء، فيظهر من جماعة أنه يتوضأ
ويبني (3)، والظاهر أن مرادهم فيما لو كان له فترة يمكن فيها التحفظ بمقدار الطهارة
والصلاة، كما صرح به في الدروس (4). وعن التذكرة أنه يستمر عند عدم إمكان
التحفظ، ويتطهر ويستأنف عند الإمكان (5). وهذا أوفق بما تقدم من الأحكام،
وألصق بالقواعد والأدلة.
ولم نقف على ما دل على التوضؤ والبناء إلا رواية أبي سعيد القماط المذكورة في
التهذيب في باب أحكام السهو في الزيادات (6) (7)، وهي غير واضحة السند
والدلالة (8)، وعليك بالاحتياط في هذه المسائل، فإن أكثرها غير منقحة في كلامهم.
الثامن: يستحب الوضوء لنفسه كما أشرنا، ولأمور:
منها: الصلاة المندوبة، وتشرط به أيضا، وكلاهما إجماعي. ويدل عليه

(1) في " ز " زيادة: فيها.
(2) في " ز ": ولذا.
(3) السر 1: 350، المختصر النافع 1: 6.
(4) الدروس 1: 94.
(5) التذكرة 1: 206.
(6) التهذيب 2: 355 ح 1468.
(7) قال سمعت سأل أبا عبد الله عن رجل وجد غمزا في بطنه أو أذى أو عصرا من البول وهو في الصلاة
المكتوبة في الركعة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة، قال فقال: إذا أصاب شيئا من ذلك فلا بأس بأن يخرج
لحاجته تلك، فيتوضأ ثم ينصرف إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه، فيبني على صلاته من الموضع الذي خرج منه
لحاجته ما لم ينقض الصلاة بكلام، الحديث (منه رحمه الله).
(8) أما السند فلان فيها موسبن عمر بن يزيد ولم يوثق، وابن سنان والظاهر أنه محمد وهو ضعيف، بالإضافة إلى
أن راويها لم يوثق. وأما الدلالة فلعدم دلالتها على حكم من فجأه الحدث.
95

الأخبار عموما، مثل قولهم عليهم السلام " افتتاح الصلاة الوضوء، وتحريمها
التكبير " و " الصلاة ثلاثة أثلاث، ثلث طهور، وثلث ركوع، وثلث سجود "
و " لا صلاة إلا بطهور " وغير ذلك (1).
وخصوصا في مثل صلاة الحاجة، وصلاة الاستخارة وغيرهما.
ومنها: الطواف المندوب وسائر المناسك، للأخبار. وفي صحيحة معاوية بن
عمار إشارة إلى ما ذكر (2). وسيجئ الخلاف في اشتراط (3) الطواف به.
ومنها: قراءة كتاب الله ومسه وحمله، وهو المشهور، وعللت بالروايات (4)،
وبالتعظيم، وفي عدة الداعي ما يدل على استحبابه للقراءة (5).
ويرشد إلى حكم الأخيرين: ما ورد في حرمة مسه وكراهة حمله بلا طهر (6)،
مضافا إلى استحبابهما في نفسهما. ولو لم يكن إلا الشهرة لكفت، بل وأقل منها
أيضا، وكذا فيما سيجئ مما لم يظهر فيه نص بالخصوص للمسامحة في أدلة السنن،
كما هو مسلم عند الخاصة والعامة، منصوص عليه بالأخبار المعتبرة المستفيضة، وقد
حققنا المقال في كتاب مناهج الأحكام.
ومنها: دخول المساجد، للأخبار المستفيضة جدا (7).
ومنها: الاستدامة، وهو المراد بالكون. والتغاير بين استحباب أصل الوضوء
والوضوء للكون عليه واضح، ويدل عليه * (يحب المتطهرين) * (8) وما رواه في

(1) أنظر الوسائل 1: 256 أبواب الوضوء ب 1.
(2) الفقيه 2: 250 ح 1201، الوسائل 443 أبواب الطواف ب 38 ح 1.
(3) في " ح " زيادة: صلاة.
(4) الوسائل: 9 أبواب الوضوء ب 12.
(5) عدة الداعي: 287.
(6) التهذيب 71 ح 344، الاستبصار 1: 113 ح 378، الوسائل 1: 269 أبواب الوضوء ب 12 ح 3.
(7) الوسائل 1: 266 أبواب الوضوء ب 10.
(8) البقرة: 222.
96

البحار عن نوادر الراوندي، وعن مجالس ابن الشيخ، وفي غيرهما من الروايات
أيضا إشارات (1).
ومنها: التأهب لصلاة الفريضة قبل دخول وقتها، لإيقاعها في أول الوقت.
فلا يدخل فيه ما لو أراد تسهيل الأمر، لتعسر تأخيره حتى يدخل الوقت للبرد
أو الكسل أو غير ذلك، ويدخل فيه ما لو علم عدم تيسر الصلاة له أول الوقت، لكن
يريد التهيؤ (2) للشروع فيها أول زمان التيسر.
والدليل عليه بعد الشهرة: ما رواه في الذكرى: " ما وقر الصلاة من أخر الطهارة
لها حتى يدخل وقتها " (3).
وقضية هذه الرواية وكلام الأصحاب: أن هذا الوضوء هو وضوء الصلاة، لا أنه
مسقط عنه، إذ لم يثبت مما ذكرنا في أول الباب، إلا أن وجوبه لا يثبت إلا بعد دخول
الوقت، لخصوص (4) الآية والرواية، وإن كان مقتضى الوجوب الغيري عدم
التقييد، أما شرطيته له فلا اختصاص لها بدخول الوقت، فإذا ثبت الدليل على
استحباب التقديم فلا يلزمه حزازة.
ويمكن الاستدلال عليه بما دل على استحباب إتيان الصلاة في أول
الوقت أيضا، لأن الأول الحقيقي من أفراد الأول العرفي، فيشمله، ولا يمكن
إلا بالاتيان به قبل الوقت. مع أن عموم ما دل على حسن استباق الخيرات
والمسارعة إلى المغفرة (5) مع عدم ثبوت المنع من تقديم الشرط وشمول أدلة إثبات

(1) البحار 80: 238، 304، 312.
(2) في " ح " بالتهيؤ، وفي " ز ": للتهيؤ.
(3) الذكرى: 96.
(4) في " ز ": بخصوص.
(5) وهما قوله تعالى: واستبقوا الخيرات. آل عمران: 133، وقوله تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم.
البقرة: 148، المائدة: 48.
97

الشرط له يثبته أيضا.
ومنها: طلب الحوائج، للشهرة، ورواية عبد الله بن سنان (1 ").
ومنها: زيارة قبور المؤمنين، وعلله الشهيدان وغيرهما بالنص (2).
ومنها: صلاة الجنازة، وهو مشهور مدعى عليه الاجماع من التذكرة
والمنتهى (3). وكذلك عدم الوجوب.
والأخبار، أما في نفي الوجوب فكثيرة، بل فيها التصريح بجوازها من الجنب
والحائض (4)، وأما الاستحباب ففي رواية عبد الحميد بن سعد دلالة عليه (5).
ومنها: التجديد، وهو إجماع العلماء إلا من شذ من العامة، لاستفاضة الأخبار
من الطرفين (6).
ويستحب مطلقا، خلافا لظاهر الصدوق في التجديد الثالث (7)، وللشهيد
في أكثر من مرة لصلاة واحدة (8)، وتوقف فيه في المختلف (9)، كالشهيد فيما لو لم
يصل معه بعد.
والأقوى: الجواز مطلقا، لاطلاق الأخبار. لكن الذي ينساق من الأدلة
والأخبار والفتاوى: اعتبار فصل معتد به، بل بحيث يحتمل فيه طروء حدث ولو

(1) التهذيب 1: 359 ح 1077، الفقيه 3: 95 ح 365، الوسائل 1: 262 أبواب الوضوء ب 6 ح 1.
(2) الذكرى: 23، روض الجنان: 15.
(3) التذكرة 2: 61، المنتهى (الطبعة الحجرية) 1: 455.
(4) الوسائل 798 أبواب صلاة الجنازة ب 21، 22.
(5) الكافي 3: 178 ح 3، التهذيب 3: 203 ح 476، الوسائل 2: 798 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 2. وفيها
: قلت لأبي الحسن (ع): الجنازة يخرج بها ولست على وضوء فإن ذهبت أتوضأ فاتتني الصلاة أيجزئ لي أن
أصلي عليها وأنا على غير وضوء؟ فقال: تكون على وضوء أحب إلي.
(6) الوسائل 1: 263 أبواب الوضوء ب 8.
(7) الفقيه 1 26.
(8) الذكرى: 96.
(9) المختلف 1: 307.
98

ضعيفا، ليصدق عليه الجديد عرفا.
وأما استحباب الوضوء متكررا متعاقبا ولو عشرين مرة بدون ذلك، فهو أجنبي
بالنسبة إلى المعهود من طريقة الشرع وأهله، وإن احتمله بعض الأصحاب، وكأن
نظره إلى مثل قوله عليه السلام: " الطهر على الطهر عشر حسنات " (1) و " الوضوء
على الوضوء نور على نور " (2) وفي الدلالة تأمل.
والظاهر استحبابه على الغسل أيضا، لعموم الخبر السابق، وقول علي عليه
السلام: " الوضوء بعد الطهر عشر حسنات " (3) وكذلك استحبابه لغير الصلاة أيضا،
مثل الطواف والقراءة وغيرهما، للعموم.
ومنها: النوم، للأخبار المستفيضة (4)، ويتأكد للجنب، ففي الصحيح: " يكره
ذلك حتى يتوضأ " (5) وفي رواية: " إن الصادق عليه السلام كان ينام على ذلك إذا
أراد العود إلى الجماع " (6).
ويمكن أن يقال: إن النوم على الجنابة لا يستلزم عدم التوضؤ، لكن
يلزمه ترك الأفضل، أعني الغسل. ويمكن اختصاص الأفضلية بحال عدم إرادة
العود.
ومنها: جماع المحتلم، وعلله الشهيد بالنص (7)، وفي نزهة الناظر إشارة إلى
وجود الرواية (8)، وتكفي الشهرة أيضا.

(1) الكافي 3: 72 ح 10، الوسائل 1: 264 أبواب الوضوء ب 8 ح 3.
(2) الفقيه 1: 25 ح 82، الوسائل 1: 265 أبواب الوضوء ب 8 ح 8.
(3) المحاسن: 47 ح 63، الوسائل 1: 265 أبواب الوضوء ب 8 ح 10.
(4) الوسائل 1: 265 أبواب الوضوء ب 9.
(5) الفقيه 1: 47 ح 179، الوسائل 1: 501 أبواب الجنابة ب 25 ح 1.
(6) الفقيه 1: 47 ح 180، الوسائل 1: 501 أبواب الجنابة ب 25 ح 2.
(7) الذكرى: 23.
(8) نزهة ر: 10.
99

وللجماع بعد الجماع، وإن لم يذكره الأصحاب في الوضوءات المشهورة،
لصحيحة فلان بن محرز، رواها في كشف الغمة (1).
ومنها: جماع الحامل، كما في وصية النبي لعلي عليهما السلام (2).
ومنها: وطء جارية بعد أخرى، لرواية عثمان بن عيسى (3).
ومنها: تغسيل الجنب للميت.
ومنها: جماع غاسل الميت قبل الغسل، وتدل عليهما رواية شهاب بن عبد
ربه (4).
ومنها: مريد إدخال الميت قبره.
ومنها: تكفين الميت قبل الغسل لمن غسله.
ومنها: وضوء الميت، وسيجئ.
ومنها: ذكر الحائض وقت صلاتها على المشهور، لأخبار معتبرة ظاهرة في
الاستحباب (5). وأوجبه علي بن بابويه (6)، لصحيحة زرارة: " وعليها أن تتوضأ
وضوء الصلاة عند وقت كل صلاة، ثم تقعد في موضع طاهر، فتذكر الله
عز وجل " (7) و (8) الأول أقوى.
ومنها: وضوء ما بعد الاستنجاء للمتوضئ قبله، ولو كان قد استجمر على

(1) كشف الغمة 2: 302، الوسائل 1: 270 أبواب الوضوء ب 13 ح 2. وفيها: كان أبو عبد الله (ع) إذا جامع
وأراد أن يعاود توضأ وضوء الصلاة، وإذا أراد أيضا توضأ للصلاة.
(2) الفقيه 3: 359 ح 1712، الوسائل 1: 270 أبواب الوضوء ب 13 ح 1.
(3) التهذيب 7: 459 ح 1837، الوسائل 14: 192 أبواب مقدمات النكاح ب 155 ح 1.
(4) الكافي 3: 25 ح 1، التهذيب 1: 448 ح 1450، الوسائل 1: 526 أبواب الجنابة ب 43 ح 3.
(5) الوسائل 2: 587 أبواب الحيض ب 40.
(6) نقله عنه في الفقيه 1: 50، الهداية: 22.
(7) الكافي 3: 101 ح 4، التهذيب 1: 159 ح 456، الوسائل 2: 587 أبواب الحيض ب 40 ح 2.
(8) في زيادة: الأقوى.
100

الأشهر (1) الأقوى. وأوجبه الصدوق إذا كان من البول (2)، لرواية سليمان بن خالد
وغيرها (3). وهي معارضة بأخبار كثيرة صحيحة وغيرها (4)، فيحمل على
الاستحباب.
ومنها: الرعاف والقئ والتخليل المخرج للدم إذا كرهها الطبع، والخارج من
الذكر بعد الاستبراء من المذي والودي والوذي، والزيادة على أربعة أبيات شعر
باطل، والقهقهة في الصلاة عمدا، والتقبيل بشهوة، ومس الفرج، ومصافحة
المجوس، كما وردت في الروايات (5)، لكن يظهر من الأخبار في بعضها أنه مذهب
مغيرة بن سعيد لعنه الله، وفي بعضها أنه من باب التقية.
نعم لا يبعد القول بالاستحباب في المذي إذا كان من شهوة، بل احتماله أيضا
يكفي في الباقي.
ومنها: الوضوء عند الدخول بالزوجة لهما معا، ولم نقف على نص فيه.
وصحيحة أبي بصير ظاهرها استحباب الوضوء لصلاة الزفاف (6). وتكفي الشهرة،
بل الأقل.
وفي نزهة الناظر: الوضوء إذا قدم من سفر قبل الدخول على أهله، لما رواه
الصدوق في المقنع (7).
ومنها: كتابة القرآن، وقد مرت الإشارة إلى دليله.

(1) في " ز " زيادة: على.
(2) المقنع: 4.
(3) التهذيب 1: 49 ح 142، الاستبصار 1: 54 ح 158، الوسائل 1: 209 أبواب نواقض الوضوء ب 18 ح 9.
وفيها: في الرجل يتوضأ فينسى غسل ذكره قال: يغسل ذكره ثم يعيد الوضوء.
(4) الوسائل 1: 208 أبواب نواقض الوضوء ب 18.
(5) انظر الوسائل 1: 184 أبواب الوضوء ب 6 - 9.
(6) الكافي 5: 500 ح 1، الوسائل 14: 81 أبواب مقدمات النكاح ب 55 ح 1.
(7) نزهة الناظر: 10.
101

ومنها: وضوء الحاكم إذا جلس للقضاء كما سيجئ.
وقد ذكروا أكثر من ذلك أيضا، وبعد ما عرفت المسامحة في أدلة السنن، فتكفي
فتوى الفقيه في ذلك، والله الموفق.
102

المقصد الثاني
في أحكام التخلي وآدابه
وفيه مباحث:
الأول: يجب أن يجلس بحيث لا يرى عورته من يحرم عليه النظر إليها، كما
يجب أصل الستر عنه مطلقا، للإجماع، والأخبار الدالة على وجوب الإزار على
من دخل الحمام (1)، والمفسرة لآية * (ويحفظوا فروجهم) * (2) بذلك، الحاصرة معناه
فيه، والدالة على حرمة النظر إلى عورة المؤمن; الدالة على ما نحن فيه من جهة
كونه إعانة على الحرام (3).
وما ورد فيها من أن المراد: إن رآه وعيبه وكشف قبائحه (4)، فلا ينافي ما ذكرنا،
سيما ما ورد فيه ذكر لزوم الإزار معللا بأن عورة المؤمن على المؤمن حرام.
والعورة: هو القبل والدبر والأنثيان على الأشهر الأظهر، اقتصارا على موضع

(1) الوسائل 1: 367 أبواب آداب الحمام ب 9.
(2) النور: 31.
(3) الوسائل 1: 211 أب أب أحكام الخلوة ب 5 ح 3 - 5.
(4) الوسائل 1: 366 أبواب آداب الحمام ب 8.
103

الوفاق، والأصل عدم الزائد، والنصوص أيضا دالة عليه، منها: " أن العورة
عورتان: القبل والدبر، والدبر مستور بالأليين، فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد
سترت العورة " (1).
وقيل: من السرة إلى الركبة (2)، لرواية بشير النبال (3)، وهي ضعيفة محمولة
على الاستحباب.
وقيل: إلى نصف الساق (4)، ولا يحضرني دليله.
والمشهور حرمة استقبال القبلة واستدبارها بالبدن، فلا يجدي انحراف العورة
عن القبلة في نفي ذلك كما ظن، لأن الأول هو الظاهر من الأخبار.
والحكم مطرد حال الاستنجاء، لعموم الأخبار (5)، وخصوص رواية عمار، عن
الصادق عليه السلام: " الرجل يريد أن يستنجي كيف يقعد؟ قال: كما يقعد
للغائط " (6) ويستفاد منها مساواته في سائر الأحكام أيضا.
والدليل على أصل الحكم: الأخبار المستفيضة، وضعفها منجبر بالشهرة، مع أن
مرسلة ابن أبي عمير كالصحيحة (7)، لأنه لا يروي إلا عن ثقة، وأجمعت العصابة
على تصحيح ما يصح عنه، فلا يضر احتمال كون الإرسال عن المروي عنه.

(1) الكافي 6: 501 ح 26، التهذيب 1: 374 ح 1151، الوسائل 1: 365 أبواب آداب الحمام ب 4 ح 2.
(2) المهذب 1: 83.
(3) الكافي 6: 501 ح 22، الوسائل 1: 365 أبواب آداب الحمام ب 5 ح 1. وهي ضعيفة لاشتمال سندها على
عدة من الضعفاء والمجاهيل، كسهل بن زياد، وعثمان بن عفان السدوسي، وإسماعيل بن يسار، بالإضافة إلى
عدم توثيق راويها.
(4) الكافي في الفقه: 139.
(5) الوسائل 1: 212 أبواب أحكام الخلوة ب 2. وفي بعضها: إذا دخلت الغائط أو المخرج فلا تستقبل القبلة
ولا تستدبرها.
(6) الكافي 3: 18 ح 11، التهذيب 1: 355 ح 1061، الوسائل 1: 253 أبواب أحكام الخلوة ب 37 ح 2.
(7) الفقيه 1: 18 ح 47، التهذيب 1: 33 ح 88، الاستبصار 1: 47 ح 131، الوسائل 1: 213 أبواب أحكام
الخلوة ب 2 ح 6.
104

ولا يضر اشتمال بعضها على ذكر المستحبات أيضا، لأن الأصل إنما يخرج عنه
بالدليل.
قيل بتخصيص التحريم بالصحاري (1)، وقيل باستحباب تركه في الصحاري
فقط (2)، ولا دليل لهما يعتد به.
وذهب بعض متأخري المتأخرين إلى الكراهة مطلقا، تضعيفا لأخبار المنع (3).
وقد عرفت، وفي بعضها الأمر بالتشريق أو التغريب، ولعله للارشاد أو للاستحباب.
الثاني: يجب غسل مخرج البول بالماء بالاجماع، والصحاح المستفيضة الدالة
على وجوب غسل الذكر (4)، الظاهر في الماء، والمصرحة بعدم إجزاء غير الماء (5).
وذهب الفاضلان إلى لزوم استعمال الحجر ونحوه (6) لو لم يتمكن من استعمال
الماء، لأن المكلف به هو إزالة العين والأثر، فإذا (7) تعذرت إزالتهما لم تسقط إزالة
العين (8).
وفيه منع، لأن التكليف إنما هو بالماء، وإجراء مثل قولهم عليهم السلام: " ما
لا يدرك كله لا يترك كله " (9) و " الميسور لا يسقط بالمعسور " (10) والاستصحاب في
الأجزاء العقلية غير واضح المأخذ.

(1) المراسم: 32.
(2) المقنعة: 41.
(3) مدارك الأحكام 1: 158.
(4) الوسائل 1: 222 أبواب أحكام الخلوة ب 9، 31.
(5) التهذيب 1: 50 ح 147، الاستبصار 1: 57 ح 166، الوسائل 1: 223 أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 6.
(6) في " ز ": الحجر وغيره.
(7) في " ز ": إذا.
(8) المحقق في المعتبر 1: 126، والفاضل في المنتهى 1: 263.
(9) عوالي اللآلي 4: 58.
(10) عوالي اللآلي 4: 58.
105

والأظهر الاكتفاء بما يصدق عليه الغسل مع إزالة العين، وفاقا لجماعة من
أصحابنا (1)، لاطلاق الصحاح المستفيضة وغيرها، حيث أمر فيها بالغسل والصب.
والأكثر على أن أقل ما يجزئ: هو مثلا ما على الحشفة، لرواية نشيط بن
صالح، عن الصادق عليه السلام، قال: سألته كم يجزئ من الماء في الاستنجاء من
البول؟ فقال: " بمثلي ما على الحشفة من البلل " (2) ويمكن تنزيله على المختار، فإن
مثلي البلل أقل ما يمكن استيلاؤه على المخرج، ولا يمكن بدونه عادة، مع أن نشيطا
روى أيضا أنه يجزئ من البول أن يغسله بمثله (3).
ثم إنهم اختلفوا في تفسير المثلين، فقيل: المراد مثلا البلل، لكن مع التعدد (4).
ويرد عليه: أن كلا من البللين لا يصدق معه الغسل المعتبر المدلول عليه
بالصحاح، لعدم حصول الاستيلاء، مع منع الدلالة على التعدد.
وقيل: مثلا القطرة المتخلفة على الحشفة بعد خروج البول مع اعتبار التعدد (5).
وفيه: مع مخالفته لظاهر الرواية، ومنع دلالته على التعدد، أنه لا يقاوم
الإطلاقات، فيكفي الأقل، إلا أن يقال بانجبار سندها بالشهرة. مع أنه في نفسه
لا يخلو عن قوة.
وقيل: إن المراد الغسلة الواحدة، لاشتراط الغلبة في المطهر، وهي لا تحصل
بالمثل (6).

(1) كالسيد المرتضى في الانتصار: 16، والجمل: 50، وأبي الصلاح في الكافي في الفقه: 127، والشيخ في
الجمل والعقود: 157.
(2) التهذيب 1: 35 ح 93، وفي الاستبصار 1: 49 ح 139، والوسائل 1: 242 أبواب أحكام الخلوة ب 26
ح 5، مثلا بدل بمثلي.
(3) التهذيب 1: 35 ح 94، الاستبصار 1: 49 ح 140، الوسائل 1: 243 أبواب أحكام الخلوة ب 26 ح 7.
(4) جامع المقاصد 1: 93.
(5) جامع المقاصد 1: 94.
(6) قد يستفاد المعتبر 1: 127، حيث قال: ولأن غسل النجاسة بمثلها لا يحصل معه اليقين بغلبة المطهر على
النجاسة، ولا كذا لو غسل بمثليها.
106

ولعل الباعث لهم على حمل الرواية على التعدد هو ما ورد في اعتبار الغسلتين
في البول إذا أصاب الجسد، كما ورد في حسنة ابن أبي العلاء بل صحيحته (1) (2)،
وحسنة أبي إسحاق النحوي (3) (4)، وغيرهما، وعمل عليها الأصحاب، ونسبه في
المعتبر إلى علمائنا (5).
والإنصاف أن ظاهرها غير صورة الاستنجاء، ولا مانع من الفرق بين الاستنجاء
وغيره، وظاهر المحقق أيضا أن النسبة إلى العلماء في غير الاستنجاء، لأنه لم
يذكر ذلك في مبحث الاستنجاء، وذكره في تطهير البول عن الثوب والبدن. ولكن
الاحتياط في المرتين، والأفضل الثلاث، لصحيحة زرارة (6).
وأما الدلك، فالظاهر عدم الوجوب، للأصل، والإطلاقات، وقال الكليني:
وروي أنه ليس بوسخ ليحتاج أن يدلك (7)، انتهى.
نعم إذا جف أو اختلط به مذي أو ودي فالظاهر عدم الاكتفاء مطلقا، بل لا بد إما
من الدلك أو تكاثر الماء وتوارده حتى يحصل العلم بالزوال.
وأما مخرج الغائط، فيتخير فيه بين الماء، واستعمال جسم طاهر مزيل للعين إذا

(1) الكافي 3: 20 ح 7 التهذيب 1: 249 ح 714 وص 269 ح 790، الوسائل 1: 242 أبواب أحكام الخلوة ب
26 ح 1، والترديد في كونها حسنة أو صحيحة ناشئ من عدم توثيق راويها صريحا في كتب الرجال. انظر معجم
رجال الحديث 5: 184 / 3267.
(2) نقل عن ابن طاوس تزكية الحسين ومن يروي عنه صفوان وابن أبي عمير وهو أيضا في معنى التوثيق (منه
رحمه الله).
(3) التهذيب 1: 249 ح 716، الوسائل 1: 242 أبواب أحكام الخلوة ب 26 ح 2.
(4) هو ثعلبة بن ميمون وله مدح عظيم (منه رحمه الله تعالى).
(5) المعتبر 1: 435.
(6) التهذيب 1: 209 ح 606، الوسائل 1: 242 أبواب أحكام الخلوة ب 26 ح 6، قال: كان يستنجي من البول
ثلاث مرات.
(7) الكافي 3: 20 ح 7، الوسائل 1: 242 أبواب أحكام الخلوة ب 26 ح 3.
107

لم يتعد المخرج.
أما كفاية ذلك فإجماعية مدلولة عليها بالأخبار المعتبرة المستفيضة، منها صحاح
زرارة الأربعة (1)، ورواية بريد بن معاوية (2).
وأما موثقة عمار (3) ورواية عيسى بن عبد الله (4) وما في معناهما الدالة على عدم
كفاية الأحجار، فمحمولة على الاستحباب، لعدم المقاومة.
وفي كفاية مطلق الإنقاء، أو لزوم ثلاث مسحات وإن نقي بدونها قولان،
كاشتراط تعدد الآلة في المسحات الثلاث. والأقوى فيهما العدم، فتكفي مسحة
واحدة إذا نقي، والجهات الثلاث لجسم واحد.
لنا: حسنة ابن المغيرة، عن الكاظم عليه السلام قال، قلت له: للاستنجاء حد؟
قال: " لا حتى ينقى ما ثمة " (5) وموثقة يونس بن يعقوب قال: " يغسل ذكره ويذهب
الغائط " (6).
ولهم: الأخبار المتضمنة لذكر ثلاثة أحجار، والاستصحاب، وبعض الأخبار
العامية الدالة على عدم كفاية أقل منها.
ودلالة الأخبار على الوجوب ممنوعة، فإن في بعضها: " جرت السنة بذلك "،
وفي بعضها نقل فعل الإمام (7)، ولا يدل أحدهما على الوجوب.
مع أن مثل هذا اللفظ كثيرا ما يستعمل ويراد تعدد الفعل لا الآلة، كما يقال

(1) التهذيب 1: 46 ح 129، وص 209 ح 604، وص 49: 144، الوسائل 1: 246 أبواب أحكام الخلوة
ب 30 ح 1، 3، وص 222 ب 9 ح 1.
(2) التهذيب 1: 50 ح 147، الاستبصار 1: 57 ح 166، الوسائل 1: 246 أبواب أحكام الخلوة ب 30 ح 2.
(3) التهذيب 1: 45 ح 127، الاستبصار 1: 149، الوسائل 1: 223 أبواب أحكام الخلوة ب 10 ح 1.
(4) التهذيب 1: 45 ح 126، الاستبصار 1: 52 ح 148، الوسائل 1: 223 أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 4.
(5) الكافي 3: 17 ح 9، التهذيب 1: 28 ح 75، الوسائل 1: 227 أبواب أحكام الخلوة ب 13 ح 1.
(6) التهذيب 1: 47 ح 134، الاستبصار 1: 52 ح 151 الوسائل 1: 223 أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 5.
(7) انظر الوسائل 1: 46 أبواب أحكام الخلوة ب 30.
108

اضربه ثلاثة أسواط، فالمراد: ثلاث مسحات بالحجر، كما صرح به في الرواية
النبوية صلى الله عليه وآله وسلم: " إذا جلس أحدكم فليمسح ثلاث مسحات " (1)
مع أن القيد وارد مورد الغالب، فلا حجة فيه. والاستصحاب لا يعارض الدليل.
وبالجملة اعتبار العدد ضعيف، سيما مع الانفصال، وإلا فيلزم أن لا يجوز
التطهير بخرقة طولها عشرون ذراعا، وجاز بثلاث قطعات صغار، وهو كما ترى.
والأشهر الأظهر المدعى عليه الاجماع من العلامة والشيخ: كفاية مطلق
الجسم (3)، لاطلاق الحسنة والموثقة (2) وصحيحتي زرارة الدالتين على جواز الخرق
والمدر والكرسف (4).
وقيل بلزوم الحجر، لظاهر الروايات (5).
وهو مدفوع بمنع الدلالة إلا على الاستحباب أولا، وبالحمل على الغالب ثانيا،
وبتلك الأخبار ثالثا.
ووجوب إزالة العين إجماعي، ومنها الرطوبة.
ولا تجب إزالة الأثر، لعدم انفكاكه عن ذلك، فيلزم عدم جواز الاستنجاء بغير
الماء، وهو خلاف الاجماع.
والمراد به: هي اللزوجة المتخلفة في الموضع (6)، لا الريح واللون، فلا يضر
بقاؤهما، لصريح الحسنة المتقدمة في الأولى، ولاطلاق الموثقة وغيرها فيها

(1) ورد مضمونه في مسند أحمد 3: 336، ومجمع الزوائد للهيثمي 1: 211.
(2) المنتهى 1: 275، الخلاف 1: 106 مسألة 51.
(4) المتقدمتان في ص 90.
(5) التهذيب 1: 354 ح 1054 1، الوسائل 1: 252 أبواب أحكام الخلوة ب 35 ح 2، 3.
(6) المهذب 1: 40، قال بلزوم الحجر مع التمكن، وفي المراسم: 32 قال بعدم إجزاء إلا ما كان أصله الأرض.
(6) هذه اللزوجة يمكن أن تكون أجزاءا صغارا لطيفة لاصقت الجلد وتخللت في مساماته، ويمكن أن تكون تأثيرا
في الجلدة وانفعالا حصل من فعل النجاسة يؤثر الماء في الجلد فتحصل العين من بعد الغسل (منه رحمه الله
تعالى).
109

وفي اللون.
وكذلك الكلام في الغسل. والتشكيك بتغير الماء بالريح يدفعه احتمال كون
الريح من المحل - وإن كان حصل من تلك النجاسة - لا من النجاسة.
وكذلك التشكيك بعدم جواز انتقال الأعراض مع سلامته لا يليق بالفقه وأهله،
لبنائه على متفاهم العامة.
ولا تجب إحاطة الموضع بكل حجر، فيكفي التوزيع، للاطلاق، خلافا
للشرائع (1).
وأما طهارة الجسم، فادعى عليه الاجماع في المنتهى (2).
وأما إذا تعدى المخرج على خلاف المعتاد، فلا يجزئ إلا الماء إجماعا، نقله
الفاضلان (3)، ولعدم صدق الاستنجاء في بعض الأحيان. وليس هذا التقييد إلا في
بعض الأخبار العامية (4).
وفي وجوب غسل الجميع، أو ما تعدى المخرج إشكال، والاكتفاء بالقدر المتعدي
قوي لو لم يثبت الاجماع.
قالوا: وحينئذ تجب إزالة العين والأثر، ولعل نظرهم إلى أن النقاء والإذهاب
الواردين في الأخبار لا يحصل إلا بذلك، وحينئذ فيجب القول بالعفو والتخصيص
في الاستجمار. ويتم الكلام مع الشك في النقاء بدون زوال الأثر أيضا.
ولا تجب تنقية الباطن ولا إدخال الأنملة والقطنة، للأصل والإجماع
والأخبار (5).

(1) الشرائع 1: 11.
(2) المنتهى 1: 276.
(3) المحقق في المعتبر 1: 128، والعلامة في التذكرة 1: 125.
(4) انظر المعتبر 1: 128، وسنن البيهقي 1: 106.
(5) الوسائل 1: 245 أبواب أحكام الخلوة ب 29.
110

ويحرم الاستنجاء بالعظم والروث والمطعوم وكل محترم على المعروف من
مذهب الأصحاب، المدعى على الأولين الاجماع من المعتبر (1)، وعلى الثلاثة من
ظاهر المنتهى (2). وفي بعض الأخبار تعليل المنع في الأولين: بأنهما طعام الجن،
وذلك ما شرطوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (3).
وأما الأخير - مثل ورق المصحف والأدعية والتربة الحسينية ونحوها - فلا ريب
في حرمتها، بل قد يؤول إلى الكفر.
ثم هل يطهر الموضع أم لا؟ فيه قولان (4)، أقربهما نعم، للعمومات، ولعدم
دلالة النهي على الفساد. واستدل المانع بوجوه ضعيفة، منها خبر عامي ضعيف (5).
الثالث: يستحب ستر البدن ولو بالتباعد، للتأسي بالنبي صلى الله عليه وآله
وسلم (6). بل يمكن القول باستحباب نفس التباعد، لقول لقمان لابنه: " إذا أردت
قضاء حاجتك فأبعد المذهب في الأرض " حكى عنه الصادق عليه السلام (7).
ويمكن حمله على الصحراء كما هو ظاهر الخبر.
وتهيئة الأحجار، للخبر، ولما في جمعها بعد الحدث من خوف نشر النجاسة.
وتغطية الرأس، ونقل عليه الاجماع (8). وفي المقنعة: أن تغطية الرأس المنكشف

(1) المعتبر 1: 132.
(2) المنتهى 1: 278.
(3) انظر الوسائل 1: 251 أبواب أحكام الخلوة ب 35.
(4) المانع الشيخ في الخلاف 1: 106، والمحقق في المعتبر 1: 133، والعلامة في المنتهى 1: 279 وروى فيه عن
النبي (ص) أنهما لا يطهران.
(5) المعتبر 1: 133.
(6) شرح النفلية: 17، الوسائل 1: 215 أبواب أحكام الخلوة ب 4 ح 3.
(7) الفقيه 1: 194 ح 884، الوسائل 1: 215 أبواب أحكام الخلوة ب 4 ح 1.
(8) المعتبر 1: 133.
111

من سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (1). وفي الفقيه: أنه للاقرار بأنه غير مبرئ
نفسه من العيوب (2). وكأنه إشارة إلى ما قاله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر:
" أستحي من الله، فإني والذي نفسي بيده لأظل حين أذهب إلى الغائط متقنعا بثوبي
استحياءا من الملكين اللذين معي " (3) ولكن التقنع مستحب آخر كما في رواية
أخرى، ولا منافاة.
وربما علل بعدم وصول الرائحة الخبيثة إلى الدماغ (4).
وتقديم الرجل اليسرى عند الدخول، عكس الخروج، عكس المكان الشريف،
وتكفي الشهرة في ذلك، مع أن الاستقراء يورث الظن القوي بل القطع باحترام
اليمين، سيما في اليد، بخلاف اليسار.
والتسمية، للصحيح (5).
والدعاء بالمأثور عند الدخول، والكشف، والقعود، والحدث، والنظر إليه،
والفراغ، والخروج.
وأن يمسح بطنه عند الخروج داعيا بالمأثور.
وأن يقدم الاستنجاء من الغائط، للتنظيف، ولموثقة عمار (6).
واختيار الماء حيث يجزئ الاستجمار، للأخبار المستفيضة، منها الصحيح، بل
الصحاح (7)، والجمع أفضل، للخبر. وإطلاقه ككلام الأصحاب يشمل ما لو كان
فرضه الماء فقط أيضا، مع أنه أبلغ في التنظيف. وتقديم الحجر حينئذ، لذلك،

(1) المقنعة: 39.
(2) الفقيه 1: 17.
(3) أمالي الطوسي 147، الوسائل 1: 214 أبواب أحكام الخلوة ب 3 ح 3.
(4) كما في المقنعة: 39.
(5) التهذيب 1: 25 ح 63، الوسائل 1: 216 أبواب أحكام الخلوة ب 5 ح 1.
(6) الكافي 3: 17 ح 4، الوسائل 1: 227 أبواب أحكام الخلوة ب 14 ح 1.
(7) الوسائل 1: 249 أبواب أحكام الخلوة ب 34.
112

وللتصريح به في الخبر قال: " جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار،
ويتبع بالماء " (1).
ويستحب إيتار الأحجار، للخبر (2).
ويستحب الاستبراء على المشهور، للأخبار المعتبرة (3). خلافا للاستبصار
فأوجبه (4)، وهو ضعيف، للأصل، وعدم وضوح دلالة الأخبار على الوجوب،
وصحيحة جميل عن الصادق عليه السلام: " إذا انقطعت درة البول فصب الماء " (5)
وموثقة روح بن عبد الرحيم (6)، ورواية داود الصرمي عن الهادي عليه السلام قال:
" رأيته غير مرة يبول ويتناول كوزا صغيرا ويصب الماء عليه من ساعته " (7).
وفائدته: عدم انتقاض الوضوء والتنجس بالبلل المشتبه.
واختلف كلامهم في كيفيته، كظاهر الأخبار، وسيجئ تمام الكلام.
الرابع: يكره الجلوس مستقبلا للريح ومستدبرا لها. ولا وجه لتخصيص بعض
الأصحاب ذلك بالبول (8) مع ورود الرواية مطلقة (9). واستنباط العلة غير واضح.
وفي الخصال عن علي عليه السلام: " وإذا بال أحدكم فلا يطمحن ببوله، ولا
يستقبل الريح " (10) وهو لا يقتضي الاختصاص أيضا.

(1) التهذيب 1: 46 ح 130، الوسائل 1: 246 أبواب أحكام الخلوة ب 30 ح 4.
(2) التهذيب 1: 45 ح 126 الاستبصار 1: 52 ح 148، الوسائل 1: 223 أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 4.
(3) الوسائل 1: 225 أبواب أحكام الوضوء ب 11.
(4) الاستبصار 1: 48.
(5) التهذيب 1: 356 ح 1065، الوسائل 1: 247 أبواب أحكام الخلوة ب 31 ح 1.
(6) التهذيب 1: 355 ح 1062، الوسائل 1: 247 أبواب أحكام الخلوة ب 31 ح 4.
(7) التهذيب 1: 35 ح 95. الوسائل 1: 243 أبواب أحكام الخلوة ب 26 ح 8.
(8) الشرائع 1: 11.
(9) الوسائل 1: 212 أبواب أحكام الخلوة ب 2.
(10) الخصال: 613، 614، الوسائل 1: 249 أبواب أحكام الخلوة ب 33 ح 6.
113

ومستقبلا بفرجه النيرين - قرصهما لا جهتهما - للبول، لحسنة الكاهلي
وغيرها (1)، بل الأولى عدم الاستقبال بمطلق الفرج. بل الغائط أيضا، حملا للبول
في الروايات على الأعم، لشيوع استعماله في ذلك استهجانا للغائط، مع أن
الغالب في الظهور لجرم النيرين هو مخرج البول كما لا يخفى، لعدم اعتبار البدن
هنا في الاستقبال والاستدبار.
مع أنه قال في الفقيه: وفي خبر آخر: " لا تستقبل الهلال ولا تستدبره " (2).
ولم نقف على من صرح بكراهة الاستدبار هنا، مع دلالة الرواية عليه، بل على
اعتبار البدن أيضا.
البول في الصلبة، للتوقي، وللأخبار المعللة بعضها بذلك أيضا (3).
وفي الماء، سيما الراكد منه، فإن للماء أهلا كما في الخبر (4). والأخبار النافية
للبأس في الجاري محمولة على تخفيف الكراهة، لرواية مسمع المصرحة بالنهي عنه
إلا لضرورة (5)، وبعضهم عمم الحكم في الغائط، للأولوية (6).
وفي الطرق النافذة، وهي أعم من الشوارع، لرواية عاصم بن حميد (7).
وموارد المياه، كشطوط الأنهار المذكورة في الرواية (8)، ورؤس الآبار المذكورة
في رواية السكوني (9).

(1) التهذيب 1: 34 ح 92، الوسائل 1: 241 أبواب أحكام الخلوة ب 25 ح 2.
(2) الفقيه 1: 18 ح 48.
(3) الوسائل 1: 238 أبواب أحكام الخلوة ب 22.
(4) التهذيب 1: 34 ح 90، الاستبصار 1: 13 ح 25، الوسائل 1: 240 أبواب أحكام الخلوة ب 24 ح 3.
(5) التهذيب 1: 34 ح 90، الاستبصار 1: 13 ح 25، الوسائل 1: 240 أبواب أحكام الخلوة ب 24 ح 3.
(6) الذكرى: 20، وممن قال بكراهة التغوط في المياه الشيخ المفيد في المقنعة: 41، والشيخ الطوسي في
النهاية: 10.
(7) الكافي 3: 15 ح 2 التهذيب 1: 30 ح 78، وفي الفقيه 1: 18 ح 44 مرسلا، وفي معاني الأخبار 368
ح 1 عن أبي خالد الكابلي، الوسائل 1: 228 أبواب أحكام الخلوة ب 15 ح 1.
(8) يعني رواية عاصم بن حميد السابقة.
(9) التهذيب 1: 353 ح 1048، الخصال: 97 ح 43، الوسائل 1: 228 أبواب أحكام الخلوة ب 15 ح 3.
114

ويدخل سائر أفرادها في اللعن (1)، فإنه أيضا مكروه بعمومه، وإن فسر في رواية
عاصم بأبواب الدور، فإن الظاهر أنه من باب التمثيل.
وأفنية المساجد، لمرفوعة علي بن إبراهيم (2).
ومنازل النزال، لتلك الرواية (3).
وتحت الشجرة المثمرة، للأخبار الكثيرة المطلق بعضها، والمصرح بعضها بما فيها
ثمرتها، والمعلل بعضها بمكان الملائكة الموكلين بها، ولذلك يكون الشجر والنخل
أنسا إذا كان فيه حمله، لأن الملائكة تحضره، وفي بعضها " مساقط الثمار " المشيرة بأن
ذلك لأجل الإضرار (4).
والحق الكراهة مطلقا، لعدم المنافاة، وتأكيدها فيما وجدت فيها.
وذلك الإطلاق لا ينافي ما اخترناه في الأصول من اشتراط التلبس بالمبدأ في
صدق المشتق، لأن المبدأ هنا ليس نفس الثمر، بل الإثمار، وهو قد يراد منه الملكة
شبيه الملكة الانسانية، وقد يراد به الحال، والأظهر الأول. وأما الثمر بمعنى ذا ثمر،
كأغد البعير (5)، فهو خلاف المتبادر من مطلق اللفظ. وقد تجعل الأخبار المفصلة
قرينة لإرادة التقييد من المطلق منها، ولا حاجة إليه.
وفي الجحر (6)، لرواية عامية (7).

(1) أي مواطن اللعن، وقد ورد لفظه والنهي عن القبول فيه في رواية عاصم بن حميد.
(2) الكافي 3: 16 ح 5، التهذيب 1: 30 ح 79، الوسائل 1: 228 أبواب أحكام الخلوة ب 15 ح 2.
(3) يعني مرفوعة علي بن إبراهيم.
(4) الوسائل 1: 228 أبواب أحكام الخلوة ب 15.
(5) يعني صار ذا غدة. المنجد: 545.
(6) الجحر كل شئ تحفره الهوام والسباع لأنفسها، جمعها جحرة. القاموس المحيط 1: 400. أقول: وبعبارة أخرى
هو ثقب الحيوان.
(7) سنن أبي داود 1: 54 ح 29، سنن النسائي 1: 33، مسند أحمد بن حنبل 5: 82، وحكي أن سعد بن عبادة
بال في جحر في الشام فاستلقى ميتا فسمعت الجن تنوح عليه في المدينة وتقول:
نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة * ورميناه بسهمين فلم نخط فؤاده
انظر الطبقات الكبرى لابن سعد 3: 617.
115

وعلى القبر وبين القبور للأخبار (1).
وقائما، للأخبار، معللا بمخافة تخبيل الشيطان (2).
ومطمحا بوله إلى الهواء، رافعا به، توقيا عن الرد، وللرواية المتقدمة عن
الخصال (3). وفي روايات أخر كراهة تطمحة البول من السطح في الهواء (4). والجمع
بينها وبين ظاهر أهل اللغة (5): أن يرفع بوله ويهويه من السطح، وإلا فينافي ما دل
على ارتياد الموضع المناسب والمكان المرتفع (6)، إلا أن يخصص الارتفاع بما يحصل
معه الأمن من التلوث.
وطول الجلوس، للأخبار، معللا بايراث الباسور (7).
والسواك، للخبر، معللا بايراث البخر (8).
والكلام إلا بذكر الله، وآية الكرسي، وحكاية الأذان، كل ذلك للروايات (9).
والأكل والشرب.
والاستنجاء باليمين، لأنه من الجفاء، كما في الأخبار (10)، إلا إذا اعتلت اليسار

(1) الوسائل 1: 231 أبواب أحكام الخلوة ب 16.
(2) الوسائل 1: 228 أبواب أحكام الخلوة ب 15، 16.
(3) المتقدمة في ص 95. وهي في الخصال: 613، الوسائل 1: 249 أبواب أحكام الخلوة ب 33 ح 6. وفيها:
إذا بال أحدكم فلا يطمحن ببوله.
(4) الوسائل 1: 248 أبواب أحكام الخلوة ب 33.
(5) قالوا: طمح ببوله، إذا رماه في الهواء. الصحاح 1: 839، القاموس المحيط 1: 247.
(6) الوسائل 1: 238 أبواب أحكام الخلوة ب 22.
(7) الوسائل 1: 236 أبواب أحكام الخلوة ب 20، وفي " م " وبعض الروايات: البواسير بدل الباسور.
(8) الفقيه 1: 32 ح 110، التهذيب 1: ح 85، الوسائل 1: 237 أبواب أحكام الخلوة ب 21 ح 1، عن
محمد بن أحمد بن يحيى. والبخر نتن ريح الفم. المصباح المنير 1: 48.
(9) الوسائل 1: 218 ب أحكام الخلوة ب 6 - 8.
(10) الوسائل 1: 226 أبواب أحكام الخلوة ب 12.
116

كما في الخبر، قال في الفقيه: وقال أبو جعفر عليه السلام: " إذا بال الرجل فلا يمس
ذكره بيمينه " (1) ومنه تظهر كراهة الاستبراء باليمين أيضا (2).
والاستنجاء باليسار وفيها خاتم عليه اسم الله، ودخول الخلاء وهو عليه،
لموثقة عمار (3).
وألحق الأصحاب: أسماء الأنبياء والأئمة وفاطمة عليهم السلام (4)، ولا بأس
به. وذلك إذا قصد بها هؤلاء، فلا عبرة بالاشتراك.
هذا إذا لم يعلم وصول النجاسة، وإلا فيحرم، وقد يكفر إذا استهان بذلك.
وفي بعض الروايات الكراهة إذا كان فصه حجر زمزم (5)، وعمل بها بعض
الأصحاب (6).

(1) الفقيه 1: 19 ح 52، وفيه: وقد روي أنه لا بأس إذا كانت اليسار معتلة، الوسائل 1: 226 أبواب أحكام
الخلوة ب 12 ح 5.
(2) الفقيه 1: 19 ح 20.
(3) التهذيب 1: 31 ح 82، الاستبصار 1: 48 ح 133، الوسائل 1: 233 أبواب أحكام الخلوة ب 17 ح 5.
(4) كالعلامة والمحقق الكركي. جامع المقاصد 1: 105.
(5) الوسائل 1: 252 أبواب أحكام الخلوة ب 36.
(6) كالعلامة في القواعد 1: 181.
117

المقصد الثالث
في كيفية الوضوء
وفيه مباحث:
الأول: أجمع أصحابنا على أن الوضوء غسلتان ومسحتان، غسل الوجه
واليدين إلى المرفقين، ومسح الرأس والرجلين إلى الكعبين.
أما الوجه، فحده طولا من قصاص الشعر إلى طرف الذقن، وعرضا: ما
اشتملت عليه الإبهام والوسطى، بلا خلاف بين أصحابنا. وادعى الاجماع على
ذلك بعضهم صريحا، وجماعة منهم ظاهرا (1).
وتدل عليه: صحيحة زرارة، عن الباقر عليه السلام قال، قلت له: أخبرني
عن حد الوجه الذي ينبغي أن يوضأ، الذي قال الله عز وجل؟ فقال: " الوجه
الذي أمر الله تعالى عز وجل بغسله، الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه ولا ينقص
منه، إن زاد عليه لم يؤجر، وإن نقص منه أثم: ما دارت عليه الوسطى والإبهام، من

(1) كالمحقق في المعتبر 1: 141، والعلامة في المنتهى 1: 21، وصاحب المدارك 1: 197، وصاحب رياض
المسائل 1: 223.
118

قصاص شعر الرأس إلى الذقن، وما حوت عليه الإصبعان مستديرا فهو من الوجه،
وما سوى ذلك فليس من الوجه " فقلت له: الصدغ من الوجه؟ فقال: " لا " (1)
الحديث.
ولا نعرف خلافا في عدم وجوب غسل الصدغ، إلا عن (2) ظاهر الراوندي (3).
وذلك (4) إما من جهة هذه الرواية بتخصيص بعض أجزائها لبعض، أو لأنه خارج عن
التحديد غالبا، هذا إذا أردنا من الصدغ مجموعه، أو المراد ما لم تبلغه الإصبعان من
جملته وإن وجب جزأه الذي شملاه.
وهذا التقرير في بيان مذهب الأصحاب مبني على ما فهمه المحقق البهائي من
كلامهم (5)، وتبعه على ذلك المحقق الخونساري - رحمه الله - في شرح
الدروس (6)، غفلة عن حقيقة الحال، وزعما أن مرادهم من الصدغ هوما بين آخر
العين والأذن. ولذلك أورد المحقق البهائي عليهم بأن تحديدهم المذكور وتنزيلهم
الصحيحة عليه يوجب دخول ما هو خارج عن الحد، وهو الصدغ، نظرا إلى فتواهم

(1) الكافي 3: 27 ح 1، الفقيه 1: 28 ح 88، التهذيب 1: 54 ح 154، الوسائل 1: 283 أبواب الوضوء ب 17
ح 1، بتفاوت يسير.
(2) في " م ": من.
(3) فقه القرآن 1: 13
(4) يعني أن قولهم: " بعدم وجوب غسل الصدغ مع عدم دخول شئ منه في التحديد المجمع عليه فيه منافاة " يندفع
لمنع المنافاة مستندا بأن مرادهم بعدم وجوب غسل الصدغ عدم وجوب غسل ما لم تبلغه الإصبعان وهو ما
نذكره بقولنا " أو المراد ما لم تبلغه الإصبعان " أو بأحد الوجهين الذي ذكرناه بقولنا " أما من جهة هذه الرواية إلى
آخره " يحمل كلامهم على ظاهره من إرادة مجموع الصدغ، فإما نستدل بالرواية حيث قال في جواب سؤال
الراوي أن الصدغ من الوجه " لا " يظهر منه عدم وجوب غسل الصدغ رأسا، إلا أنه مخصص بما ذكر في أول
الرواية من التحديد بما دارت عليه الإبهام والوسطى، أو نقول: إن مجموع الصدغ خارج عن التحديد غالبا،
فظهر أن التنافي إنما يلزم لو أرادوا عدم وجوب غسل أجزاء الصدغ، وهو خارج عن مرادهم، فينزل قول الراوي
على إرادة وجوب غسل جميع الصدغ بقرينة المقابلة، فتأمل (منه رحمه الله).
(5) الحبل المتين: 14.
(6) مشارق الشموس: 101.
119

في عدم وجوب غسله، ودلالة الصحيحة عليه أيضا.
وأنت خبير بأن وجوب غسل ما تشمله الإصبعان إجماعي، مقطوع به في
كلامهم، ولم نقف على أحد منهم صرح بعدم وجوب غسل ما تشمله الإصبعان من
الصدغ بهذا المعنى، بل إما حكموا بعدم وجوب ما زاد على التحديد المذكور منه، أو
أرادوا من الصدغ معنى آخر مذكور في كتب اللغة، قال في الصحاح: الصدغ ما بين
العين والإذن، ويسمى أيضا الشعر المتدلي عليه صدغا، يقال صدغ معقرب، قال
الشاعر:
عاضها الله غلاما بعد ما * شابت الأصداغ والضرس نقد (1)
انتهى. ومراد أصحابنا في نفي وجوب غسله هو بهذا المعنى، فلاحظ كلماتهم
مصرحة بذلك. والمراد منه هو الشعر المتدلي من فوق الأذن، المتصل بالعذار،
وهو الشعر المحاذي للإذن، بينه وبين الأذن بياض، وينتهي إلى العارض، ولا ريب
أنه ممتد مع العذار بامتداد واحد، ولا تبلغه الإصبعان قطعا إلا في فرد نادر إن وجد،
فلاحظ المنتهى والذكرى وشرح القواعد والمدارك (2) وسائر الكتب تجد ما ذكرنا، فإن
شئت أذكر لك بعضها:
قال في المنتهى في تحديد الوجه: مذهب أهل البيت عليهم السلام أنه من
قصاص الشعر إلى الذقن طولا، وما دارت عليه الإبهام والوسطى عرضا - إلى أن
قال - وقال بعض الحنابلة: الصدغان من الوجه - إلى أن قال - لا يجب غسل ما خرج
عما حددناه ولا يستحب كالعذار - إلى أن قال - ولا الصدغ، وهو الشعر الذي بعد
انتهاء العذار، المحاذي لرأس الأذن، وينزل عن رأسها قليلا (3).
ثم إنهم - رحمهم الله - نزلوا الصدغ المذكور في الصحيحة أيضا على ذلك،

(1) الصحاح 4: 1323.
(2) منتهى المطلب 2: 21، الذكرى: 83، جامع المقاصد 1: 213، مدارك الأحكام 1: 198.
(3) المنتهى 2: 21.
120

وهو الظاهر منها اللائق بسؤال مثل زرارة، فإنه لا معنى للسؤال عما نص الإمام
عليه السلام على وجوبه في ضمن قوله: " ما دارت عليه الوسطى والإبهام " لأنه (1)
شامل لشئ من الصدغ بالمعنى الأول، بل أغلبه، فلا وجه لإعادة السؤال.
ومما يوضح هذا المطلب، قول الشهيد في الذكرى: والصدغ ما حاذى العذار
فوقه، وقد تضمنت الرواية المشهورة سقوط غسله، وفيها إيماء إلى سقوط غسل
العذار، مع أن الإبهام والوسطى لا تصلان إليه غالبا (2)، انتهى.
وبالجملة فالذي يظهر لي: أنه لا خلاف بين الأصحاب في وجوب غسل ما
تشمله الإصبعان من الصدغ بالمعنى الأول، وأن (3) الظاهر من الراوندي الخلاف في
المعنى الثاني كما يظهر من الذكرى، فإنه قال بعد ما نقلنا عنه: وظاهر الراوندي في
الأحكام غسل الصدغين، والرواية تنفيه.
واختلف كلامهم في العذار، فظاهر جماعة منهم دخوله (4)، وظاهر الفاضلين
الاجماع على العدم (5). ولعل النزاع بينهم يؤول إلى شمول التحديد وعدمه، وإلا
فلا نزاع، فما تبلغه الإصبعان يجب غسله وإن كان بعضا منه.
وأما العارضان، فاختلف كلامهم فيه أيضا، والظاهر أنه أيضا كذلك لما ذكرنا،
فالنافي إنما ينفي وجوب ما لا يصل إليه الإصبعان منه.
وأما النزعتان، فلا يجب غسلهما، لأن المتبادر من قصاص الشعر: قصاص
شعر الناصية، مع أنهما خارجتان عن تسطيح الوجه، داخلتان في التدوير.
وكذلك اختلف كلامهم في مواضع التحذيف، ولعل وجه المنع هو احتمال كون

(1) في " م ": بأنه.
(2) الذكرى: 83.
(3) في " م ": فإن.
(4) كالشيخ في المبسوط 1: 20، والخلاف 1: 77، والشهيد الثاني في الروضة البهية 1: 323.
(5) المحقق في المعتبر 1: 141، والعلامة في المنتهى: 21، والتحرير 1: 9 - 10.
121

شعره شعر الرأس، وإلا فهو مما تبلغه الإصبعان، فيجب غسله، والأحوط الغسل
في الجميع.
والعبرة في ذلك بمستوي الخلقة، فالأنزع والأغم (1) وقصير الأصابع وطويلها
يغسلون ما يغسله المستوي.
ثم إن شيخنا البهائي (2) حمل صحيحة زرارة على معنى آخر أوجب نقص الوجه
عما ذكره الأصحاب بكثير، وهو أنه جعل إحاطة الإصبعين حدا لكل من الطول
والعرض، بمعنى أن الخط المتوهم من قصاص الشعر إلى طرف الذقن، وهو الذي
تشتمل عليه الإصبعان غالبا إذا أثبت (3) وسطه وأدير على نفسه حتى يحصل شبه
دائرة، فذلك القدر هو الذي يجب غسله، وهو خلاف الظاهر من الرواية،
والأجنبي بالنسبة إلى مكالمات الشارع. مع أن الظاهر منه أيضا أنه يدخل في الحد
شئ من الصدغ، وهو خلاف صريح الصحيحة على ما فهمه.
وذكر الإبهام والوسطى والإصبعان في الرواية وإرادتهما بنفسهما في الجملة مما
يناسب المقام، لكونهما آلة الغسل، ومعيار التحديد. وأما على ما فهمه الشيخ
فيفوت ذلك، لأن المراد هو مقدار ما بين طرفيهما، وكذلك يخلو الحديث حينئذ عن
إفادة الإشارة بوجه ما إلى الابتداء بالأعلى، بخلاف ما فهمه الجمهور.
والمشهور وجوب البدأة من الأعلى، خلافا للسيد (4) وابن إدريس (5).
لنا: صحيحة زرارة على ما في التهذيب - في صفة وضوء رسول الله صلى الله

(1) الأغم من سال شعر رأسه حتى ضاقت جبهته وقفاه. المصباح المنير 1: 124.
(2) الحبل المتين: 14.
(3) في " ز "، " ح ": ثبت.
(4) نقله عنه في المعتبر 1: 143، والمختلف 1: 276، وقد قاله السيد المرتضى في المصباح كما في الجواهر 2:
148.
(5) السرائر 1: 99.
122

عليه وآله وسلم - عن الباقر عليه السلام: " فدعا بقدح من ماء، فأدخل يده اليمنى،
وأخذ كفا من ماء، فأسدلها على وجهه من أعلى الوجه، ثم مسح وجهه من الجانبين
جميعا، ثم أعاد يده اليسرى في الإناء، فأسدلها على يده اليمنى، ثم مسح
جوانبها، ثم أعاد اليد اليمنى في الإناء فصبها على اليسرى، ثم صنع بها كما صنع
باليمنى، ثم مسح بما بقي في يديه رأسه ورجليه ولم يعدهما في الإناء " (1).
وصحيحته الأخرى في الكافي، عنه عليه السلام: " ثم غرف فملأها ماءا،
فوضعها على جبينه " (2) الحديث، ورواها في الفقيه مرسلا، وموضع جبينه
جبهته (3). وسائر الروايات البيانية الظاهرة في ذلك (4).
وفي الفقيه بعد هذه الرواية ورواية أخرى بعدها قال، وقال الصادق عليه
السلام: " والله ما كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا مرة مرة،
وتوضأ النبي مرة مرة فقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به " (5).
وربما يستشكل بمنع الدلالة، لأن البيان إنما تجب متابعته إذا كان للمجمل،
ولا إجمال في الغسل. مع احتمال وروده مورد الغالب، فلعل ذلك لأجل الإتيان
بالكلي في ضمن فرد منه، وليس ذلك أمرا خارجا عن العادة.
وأما مرسلة الفقيه، فمع تعقبها لهذه الرواية، وبعد تسليم (6) أن عدم القبول هو
عدم الاجزاء، لا بد أن تحمل على المثل لا الشخص كما هو واضح، والمثلية في

(1) الكافي 1: 24 ح 1، التهذيب 1: 55 ح 157، الاستبصار 1: 58 ح 171، الوسائل 1: 275 أبواب الوضوء
ب 15 ح 10.
(2) الكافي 3: 25 ح 4، وفي الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 5 ح 2 جبهته ولكن في طبعة مؤسسة آل البيت
كما في المتن.
(3) الفقيه 1: 24 ح 74.
(4) انظر الوسائل 1: 271 أبواب الوضوء ب 15.
(5) الفقيه 1: 25 ح 76.
(6) في " م ": وتسليم.
123

الوضوء تحصل عرفا بمجرد الاشتراك في الغسل، فإن التماثل العرفي يتحقق بأدنى
مناسبة، مع أن سائر مشخصات ذلك الفرد لم تعتبر جزما، فعلم عدم اعتبار
الإحاطة بالجميع، هذا كله مع تسليم أنه بيان لأقل الواجب، بل المسلم إنما هو
وضوء الغالب، هذا.
ولكن اشتغال الذمة مع ملاحظة هذه الروايات، وملاحظة الاكتفاء فيها بذكر
أقل الواجب غالبا، وذكر خصوص الغسل من الأعلى مع عدم الاحتياج إلى ذلك
لو كان يكفي المطلق، سيما مع تلاحق فهم الأصحاب واستدلالهم، يوجب الظهور
فيما ذكروه. ولا أقل من الشك في الامتثال بدونه، فلا يتم الامتثال إلا بذلك.
وكذلك مرسلة الفقيه ظاهرها ذلك، فإن المماثلة المطلقة في كلام الحكيم تحمل
على العموم كما حقق في محله، وعدم تعقب الرواية المتقدمة لا يضر، لأن الظاهر
أن البيان لم يقع من الأسفل، لمرجوحيته جزما، ولعدم حصول الالتزام به من
الأكثر، واحتمال بيان الجواز لو وقع كذلك خلاف الظاهر من البيان، فالظاهر أن
البيان كان من الأعلى، وتعقبه هذا الكلام.
ويدل عليه أيضا: ما رواه في قرب الإسناد، عن أبي جرير الرقاشي قال، قلت
لأبي الحسن موسى عليه السلام: كيف أتوضأ للصلاة؟ فقال: " لا تعمق في
الوضوء، ولا تلطم وجهك بالماء لطما، ولكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله
بالماء مسحا، وكذلك فامسح الماء على ذراعيك ورأسك وقدميك " (1).
حجة السيد ومن تبعه: إطلاق الأدلة، وصدق الامتثال.
ونخصصه بما ذكرنا، وأيضا سنبين وجوب البدأة من الأعلى في اليدين،
والظاهر عدم القول بالفصل.
والمشهور عدم وجوب تخليل الشعر، لحية كان أو غيرها، خفيفا كان أو كثيفا.

(1) قرب الإسناد: 129، الوسائل 1: 280 أبواب الوضوء ب 15 ح 22.
124

وفسروا الخفيف بما ترى بشرته في مجلس التخاطب.
وعن طائفة من القدماء وجوب التخليل في الخفيف (1)، وتبعهم العلامة في
بعض أقواله (2).
والشهيد نفى الخلاف بينهم، وذكر أنهم متفقون على عدم وجوب غسل المستور
بالشعر مطلقا، والوجوب في غير المستور، وحمل كلام العلامة في التذكرة على أنه
فهم من كلام الموجبين إيجاب غسل المستور بالشعر الخفيف، واعترض عليه بأنه
خلاف ظاهر الأصحاب، حيث لا يوجبون غسل المستور مطلقا، بل إنما يوجبون
غسل الظاهر (3).
وتبعه على ذلك الشيخ علي (4) والشهيد الثاني (5) وغيرهما (6)، فنفوا الخلاف
عن وجوب غسل الظاهر من خلال الشعر الخفيف.
وأنت خبير بأنه لا وجه لتلك المحامل والخروج عن ظواهر كلماتهم، فلاحظ
كلماتهم المصرحة بما ذكرنا والظاهرة فيه، ودعوى هذا الاتفاق إنما نشأ من الشهيد،
ومنشؤه من التوهم في فهم كلام الجماعة، وشبهة أن الوجه ما يواجه به، وهذا
الظاهر من خلال الشعر الخفيف أيضا كذلك، فلا بد من غسله، لعموم الأوامر
بغسل الوجه، وهذا لا يوجب تبديل أقوال القوم، سيما مع قيام الدليل على

(1) نقله عن ابن الجنيد في المختلف 1: 280، وقد يظهر من كلام السيد في الناصريات (الجوامع الفقهية): 183،
فإنه قال: إن الأمرد وكل من لا شعر له على وجهه يجب عليه غسله فمن كان ذا لحية كثيفة تغطي بشرة وجهه وما
لا يظهر مما تغطيه اللحية لا يلزمه إيصاله الماء إليه ويجريه إجراء الماء على اللحية من غير إيصاله إلى البشرة
المستورة.
(2) المختلف 1: 281، قواعد الأحكام 1: 202، التذكرة 1: 153.
(3) الذكرى: 84.
(4) جامع الصد 1: 214.
(5) روض الجنان: 32.
(6) كصاحب المدارك 1: 203.
125

تخصيص الوجه من الأخبار كما سنذكر.
والمحقق البهائي - رحمه الله - أيضا اقتفى أثرهم في إثبات الوفاق ونفي الخلاف
في المطلبين، وجعل النزاع في صورة خاصة فقال: لا نزاع فيما يظهر في مجلس
التخاطب في كل الأحوال في وجوب غسله، كما لا نزاع في عدمه إذا لم يظهر
مطلقا، إنما النزاع فيما قد يظهر وقد لا يظهر. وهذا أيضا مما لا يرشد إليه قول
ولا دليل (1).
وكيف كان فالمتبع هو الدليل، والمشهور إنما هو المطابق للدليل، فهو المتبع، وإن
كان الأحوط التخليل في الخفيف مطلقا.
والدليل صحيحة محمد بن مسلم: عن الرجل يتوضأ، أيبطن لحيته؟
قال: " لا " (2).
وصحيحة زرارة، قلت له: أرأيت ما أحاط به الشعر؟ فقال: " كل ما أحاط الله
به من الشعر فليس على العباد أن يطلبوه، ولا يبحثوا عنه، ولكن يجرى عليه
الماء " (3).
والروايات الكثيرة الدالة على إجزاء غرفة واحدة (4)، فإنها لا تكاد تجزئ مع
وجوب ذلك.
وليس للخصم إلا ما ذكرنا من إطلاق الوجه، وهذه مقيدات، فتقدم عليه. مع
أن فيما رواه المفيد في الإرشاد في حكاية أمر الكاظم عليه السلام علي بن يقطين
بالوضوء على طريقة العامة (5)، تنبيها على أنه من بدع العامة.

(1) الحبل المتين: 15.
(2) الكافي 3: 28 ح 2، التهذيب 1: 360 ح 1084، الوسائل 1: 334 أبواب الوضوء ب 46 ح 1.
(3) الفقيه 1: 28 ح 88، الوسائل 1: 335 أبواب الوضوء ب 46 ح 3.
(4) انظر الوسائل 1: 306 أبواب الوضوء ب 31.
(5) إرشاد المفيد: 294، الوسائل 1: 312 أبواب الوضوء ب 32 ح 3.
126

وأما ما فهمه الشهيد من أن المنفي وجوبه هو المستور دون الظاهر وإن كان في
الخفيف، فمع (1) أنه خلاف ظاهر كلام القوم، وخلاف تلك الأدلة فيه: أنه غير
ممكن، إذ مع المسح وتحريك اليد وجريان الماء تنتقل الشعور من مواضعها، فربما
يغسل الموضع المستور ولا يغسل الظاهر، فلا بد من غسل الجميع من باب المقدمة،
فلا تبقى للنزاع ثمرة وفائدة إلا الفرق بين أقسام الوجوب، ولا يخفى ما فيه.
وأما على ما اخترناه من إجزاء الظاهر فيغسل الظاهر، ويمسح عليه، ولا يضر
عدم حصول غسل ما كان ظاهرا لمنع الشعر إياه، كما لا يضر غسل ما كان مستورا.
وأما غسل ما زاد على الوجه المحدود فلا إشكال في عدمه.
الثاني: يجب غسل اليدين إلى المرفقين.
والتحديد للمغسول، لأن هذه العبارة تستعمل فيه وفي تحديد الفعل (2)، كقولك
اخضب يدك إلى الزند، وصيقل سيفي إلى القبضة، ولا مرجح، إلا أن المتيقن هو
تحديد المحل.
ويجوز الابتداء من المرفقين بإجماعنا، بل العامة أيضا كما قيل (3)، ومصرح به
في الأخبار المعتبرة الكثيرة جدا (4).
وأما وجوبه، فالمشهور فيه ذلك، خلافا للسيد (5) وابن إدريس (6)، واستدلوا
بمثل ما مر، والأخبار البيانية في خصوص المرفقين أكثر وأصرح، وفي رواية الهيثم

(1) في " م ": مع.
(2) في " م ": الغسل.
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 184، قال: ومن عدا فقهاء الشيعة يجعل المتوضئ مخيرا بين الابتداء بالأصابع
أو المرفق، وجعل بعد ذلك عدم قبول صلاة من ابتدأ بالمرفق خلاف إجماع الفقهاء.
(4) انظر الوسائل 1: 271 أبواب الوضوء ب 15، وص 285 ب 19.
(5) الإنتصار: 17، رسائل الشريف المرتضى 1: 213.
(6) السرائر 1: 99.
127

بن عروة التميمي القوية عن الصادق عليه السلام، عن قول الله عز وجل: * (فاغسلوا
وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) * فقلت هكذا، ومسحت من ظهر كفي إلى المرفق؟
فقال: " ليس هكذا تنزيلها، إنما هي فاغسلوا وجوهكم وأيديكم من المرافق " ثم أمر
يده من مرفقه إلى الأصابع (1) - (2).
ودليل القول الآخر الدليل، والجواب الجواب.
ويجب إدخال المرفق في الغسل، للاجماع، والرواية المتقدمة، لا لأن الغاية
داخلة في المغيا، لأن الأصل عدمه، سواء كانا من جنس واحد أو لا، ولا لمحض
كونه مقدمة للواجب وإن كان يجب لذلك أيضا.
وتظهر الثمرة فيما لو بقي من اليد المرفق فقط، فلا يبقى وجوبه بعد انتفاء ذي
المقدمة على القول بوجوبه لكونه مقدمة.
والحق أن الظاهر من طريقة العرف ومحاورات الشارع واختلاف الفقهاء في
وجوب غسل المرفق وتفريعه على دخول الغاية في المغيا وغير ذلك: أن المرفق هو
مجموع منتهى العظمين، لا مجمع العظمين ومفصلهما، أعني به الخط المتوهم
الممتزج من الخطين الموهومين (3)، كما هو الظاهر من اللغة (4)، والموافق للاشتقاق،
فحينئذ فعلى القول بوجوب غسله بالأصالة فيجب غسله إذا بقي مصداقه، وكذلك
رأس عظم العضد فقط (وفاقا للتذكرة والذكرى) (5) للاستصحاب في الأجزاء
الخارجية.

(1) الكافي 3: 28 ح 5، التهذيب 1: 57 ح 159، الوسائل 1: 285 أبواب الوضوء ب 19 ح 1.
(2) وجدت بخط بعض الفضلاء عن كتاب الاستغاثة من بدع الثلاثة من مؤلفات أصحابنا عن الصادق عليه السلام
عن آبائه: أن التنزيل في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا
وجوهكم وأيديكم من المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم من الكعبين) (منه رحمه الله).
(3) في " ز "، " ح ": المتوهمين.
(4) القاموس المحيط 3: 244.
(5) ما بين القوسين ليس في " ح ".
128

ولصحيحة رفاعة (1) وحسنته (2).
ولصحيحة علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته
عن رجل قطعت يده من المرفق، كيف يتوضأ؟ قال: " يغسل ما بقي من عضده " (3).
وفهم جماعة من الأصحاب منها وجوب غسل نفس العضد (4)، موافقا لما نقلوه
عن ابن الجنيد، حيث قال: إذا كان أقطع من مرفقه غسل ما بقي من عضده (5)،
والعلامة في المنتهى ادعى الاجماع على عدمه (6).
ويحتمل أن يكون المراد بما بقي: ما بقي من المرفق، فتكون من تبعيضية،
لا بيانية. وكذلك كلام ابن الجنيد فلم يكن قول ابن الجنيد مخالفا لما ذكرناه، وهو
قريب.
وأما لو بقي من الساعد شئ، فوجوب الغسل اجماعي، والاستصحاب
والأخبار عموما وخصوصا دالة عليه (7)، كما أنه لو قطعت اليد من فوق المرفق
فسقوط الغسل إجماعي.
الثالث: يجب مسح الرأس والرجلين إلى الكعبين، وهو أيضا تحديد للممسوح
كما مر.
والمسح مبعض، بخلاف غسل الوجه واليدين، للاجماع، بل الضرورة

(1) التهذيب 1: 359 ح 1078، الوسائل 1: 337 أبواب الوضوء ب 49 ح 4.
(2) الكافي 3: 29 ح 8، الوسائل 1: 337 أبواب الوضوء ب 49 ح 1.
(3) الكافي 3: 29 ح 9، وفي الفقيه 1: 30 ح 99 مرسلا، الوسائل 1: 337 أبواب الوضوء ب 49 ح 2.
(4) كالعلامة في المنتهى 2: 37، وصاحب المدارك 1: 205، فجعلها الأول مخالفة للاجماع، وقال الثاني: أفتى
بمضمونها ابن الجنيد. وهو يعني أنهم فهموا منها وجوب غسل نفس العضد.
(5) نقله عنه في المختلف 1: 287.
(6) منتهى المطلب 2: 37. جعل صحيحة علي بن جعفر منافية للاجماع.
(7) انظر الوسائل 1: 337 أبواب الوضوء ب 49.
129

والأخبار الصحيحة الناصة، منها: صحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام، المعلل
إثبات التبعيض فيها بوجود الباء (1).
وإنكار سيبويه ذلك لا يضر (2)، لمعارضته بإثبات الأصمعي وأبي علي
وابن كيسان وغيرهم (3). مع أنه عليه السلام يحتمل أن يكون استدلاله بسبب تغيير
الأسلوب وتعدية ما يتعدى بالنفس بواسطة الحرف.
وخص في الرأس بمقدمه، وفي الرجل بظهر القدمين، للاجماع والصحاح (4).
ولا يجب الاستيعاب، أما الرأس فيكفي فيه المسمى على الأشهر الأقوى،
لاطلاق الآية والأخبار، وخصوص الصحاح (5).
وقيل بوجوب مقدار ثلاث أصابع (6) لصحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام:
" المرأة يجزئها من مسح الرأس أن تمسح مقدمه قدر ثلاث أصابع، لا تلقي عنها
خمارها " (7) فإن الاجزاء ظاهر في أقل الواجب.
وأجيب بأنه راجع إلى عدم إلقاء الخمار (8)، ويؤيده ما ورد في الروايات من أنها
تلقي خمارها في الصبح، أو الصبح والمغرب (9). وبالحمل على الاستحباب، لعدم

(1) الكافي 3: 30 ح 4، الفقيه 1: 56 ح 212، التهذيب 1: 61 ح 168، الاستبصار 1: 62 ح 186،
علل الشرائع: 279 ح 1، الوسائل 1: 290 أبواب الوضوء ب 23 ح 1.
(2) الكتاب 1: 9.
(3) نقله عنهم في مغني اللبيب 1: 142.
(4) انظر الوسائل 1: 289 أبواب الوضوء ب 22.
(5) الوسائل 1: 290 أبواب الوضوء ب 23 ح 1، 4، وص 289 ب 22 ح 3.
(6) الفقيه 1: 28. وقال الشيخ: لا يجوز أقل: من ثلاث أصابع مضمومة مع الاختيار، فإن خاف البرد من كشف
الرأس أجزأه مقدار إصبع واحدة. النهاية: 14.
(7) الكافي 3: 30 ح 5، التهذيب 1: 77 ح 195، الوسائل 1: 293 أبواب الوضوء ب 24 ح 3.
(8) كما في المنتهى 2: 47.
(9) الوسائل 1: 292 أبواب الوضوء ب 23 ح 5.
130

المقاومة (1)، وهو كذلك.
وكذلك رواية معمر بن عمر عنه عليه السلام قال: " يجزئ من المسح على
الرأس موضع ثلاث أصابع، وكذلك الرجل " (2).
ويظهر من بعض من لا يوجب ثلاث أصابع عدم إجزاء الأقل من مقدار
إصبع (3)، لصحيحة حماد: في الرجل يتوضأ وعليه العمامة قال: " يرفع العمامة
بقدر ما يدخل إصبعه، فيمسح على مقدم رأسه " (4) ولا دلالة فيها، مع أن الإصبع
آلة للمسح، ولا بد منه.
والظاهر أن المراد مقدار الأصابع الثلاث لا نفسها، فتكفي الإصبع الواحدة.
ثم إن كلامهم متشابه في إفادة أن المستحب المسح على هذا المقدار من عرض
الرأس أو من طوله، ويظهر من شرح الدروس اعتبار العرض (5)، ومن المدارك في
تفريع اتصاف الزائد على الإصبع بالوجوب والاستحباب بعد تحقق مقدار الإصبع
والإشكال فيه اعتبار الطول (6)، وهذا أظهر.
فيجزئ على الأول: وضع تمام إصبع واحدة طولا على عرض الرأس، وإمراره
إلى أسفل بقدر عرض إصبع أو أقل. وعلى الثاني: وضعها كذلك على طول الرأس
كما تقدم.

(1) كما في المدارك 1: 209.
(2) الكافي 3: 29 ح 1، التهذيب 1: 60 ح 167، الاستبصار 1: 60 ح 177، الوسائل 1: 294 أبواب الوضوء
ب 24 ح 5.
(3) كالشيخ في الخلاف 1: 81، والتهذيب 1: 89، والاستبصار 1: 60، وسلار في المراسم: 37،
وأبي الصلاح في الكافي في الفقه: 132، وابن البراج في المهذب 1: 44، والعلامة في المختلف 1: 289،
ناقلا له عن ابن أبي عقيل وابن الجنيد.
(4) التهذيب 1: 90 ح 238، الاستبصار 1: 60 ح 178، الوسائل 1: 289 أبواب الوضوء ب 22 ح 3.
(5) مشارق الشموس: 114.
(6) مدارك الأحكام 1: 209.
131

الأولى ملاحظتهما معا على (1) إعمال ثلاث أصابع منضمة. ويجزئ في ذلك
وضعها بالطول على عرض الرأس وإمرارها بقدر عرض إصبع.
وأما الرجل فكذلك أيضا، بلا خلاف ظاهر، وادعى عليه الفاضلان الاجماع (2).
نعم يظهر من التذكرة قول بوجوب ثلاث أصابع مضمومة (3)، ولعله لرواية
معمر المتقدمة، وهي ضعيفة (4).
وأما صحيحة البزنطي عن أبي الحسن عليه السلام: " لا، إلا بكفه كلها " (5)
فمحمولة على الاستحباب، للاجماع على نفي الاستيعاب العرضي.
وتوهم بعضهم أن المجمل والمطلق لا بد أن يحمل على المبين والمقيد، فالأولى
ذلك (6).
وأنت خبير بأن الأخبار ناصة على المطلوب، وفي كثير منها عدم إبطان
الشراكين. وفي صحيحة زرارة وبكير عن الباقر عليه السلام: أنه قال في المسح
" تمسح على النعلين، ولا تدخل يدك تحت الشراك، وإذا مسحت بشئ من رأسك
أو بشئ من قدميك ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك " (7) وفي معناها
صحيحتهما الأخرى (8) وغيرها (9).

(1) في " م ": مع، بدل على.
(2) المعتبر 1: 150، التذكرة 1: 171.
(3) التذكرة 1: 171.
(4) ولعل وجه الضعف هو أن راويها لم يوثق حتى إجمالا. راجع معجم رجال الحديث 18: 267 / 12531.
(5) الكافي 3: 30 ح 6، التهذيب 1: 64 ح 179، الاستبصار 1: 62 ح 184، قرب الإسناد: 162، الوسائل 1:
293 أبواب الوضوء ب 24 ح 4.
(6) مدارك الأحكام 1: 221.
(7) التهذيب 1: 90 ح 237، الوسائل 1: 291 أبواب الوضوء ب 23 ح 4.
(8) الكافي 3: 25 ح 5، التهذيب 1: 76 ح 191، الوسائل 1: 272 أبواب الوضوء ب 15 ح 3.
(9) انظر الوسائل 1: 290 أبواب الوضوء ب 23.
132

والنعلان إن كانتا عربيتين فلا يبقى (1) الاستيعاب الطولي، وإن كانتا غيره فينفيه
أيضا، ولكن عدم انتفائه لعله إجماعي، ولم نقف على مخالف فيه، وظاهر
الفاضلين وغيرهما الاجماع عليه (2). ونقل بعض الأصحاب عن بعضهم الاجماع
عليه أيضا (3).
وتردد فيه في المعتبر، ثم جزم به (4)، لقوله تعالى: * (إلى الكعبين) *، وكذلك
في التذكرة استند إليه (5).
وربما يستشكل في ذلك بكون التحديد للممسوح كما في اليدين.
أقول: بعد اعتبار إضافة البعض إلى الرجلين المستفاد من الباء، فالممسوح هو
جميع ذلك البعض، والغاية غاية ذلك البعض.
وأما ابتداؤها فمعلوم بملاحظة قرينتها السابقة، فقد صرح الإمام عليه السلام في
الصحيح بأن الغسل لما تعدى إلى الوجه واليدين بالنفس علمنا وجوب غسل
الجميع، ولما دخلت الباء على الرأس والرجلين علمنا البعضية، فالبعض هنا يقوم
مقام الكل، فحال ابتداء الغاية في اليد والرجلين متساو.
مع أن العلامة في التذكرة قال: ويجب استيعاب طول القدم من رؤس الأصابع
إلى الكعبين، لأنهما غاية، فيجب الانتهاء إليها، فيجب الابتداء من رؤس
الأصابع، لعدم الفارق (6). فإن الظاهر أن مراده عدم الفرق بينهما وبين اليدين،
أو عدم القول بالفرق بين الانتهاء والابتداء، و (7) بين الرجل واليد.

(1) في " ز "، " ح ": ينفي.
(2) المحقق في المعتبر 1: 150، والعلامة في التذكرة 1: 171، والمنتهى 2: 69.
(3) الحدائق الناضرة 1: 291.
(4) المعتبر 1: 152.
(5) التذكرة 1: 171.
(6) التذكرة 1: 171.
(7) في " م ": أو.
133

مع أن الأخبار المعتبرة ناطقة بذلك، منها: الصحيحة المتقدمة، فإن الظاهر أن
قوله عليه السلام: " ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع " بيان لشئ، لا للقدمين.
وصحيحة البزنطي أيضا منبهة على ذلك (1)، لأن غاية ما ظهر من التعارض رفع
وجوب الاستيعاب العرضي، فيبقى تتمة مدلولها.
وكذلك حسنة أبي العلاء (2) الآمرة بالمسح على المرارة الموضوعة على ظفر من
انقطع ظفره، ولم يكتف بمسح ما فوقه (3).
والاحتياط في المسح بجميع الكف، أما الوجوب فلا.
واختلفوا في وجوب البدأة من الأعلى، والظاهر أن الأكثر على العدم،
وهو الأقوى، للاطلاقات، ولصحيحة حماد عن الصادق عليه السلام، قال:
" لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا " (4).
وكذلك الأشهر الأقوى في مسح الرجلين جواز البدأة بالكعبين، وتشمله
الصحيحة المتقدمة، وتدل عليه رواية يونس: " الأمر في مسح الرجلين موسع،
من شاء مسح مقبلا، ومن شاء مسح مدبرا، إنه من الأمر الموسع إن شاء الله تعالى " (5).
لكن الأفضل البدأة من الأعلى في الرأس، ومن الأصابع في الرجل، بل

(1) الكافي 3: 30 ح 6، التهذيب 1: 64 ح 179، الاستبصار 1: 62 ح 184، قرب الإسناد: 162، الوسائل 1:
293 أبواب الوضوء ب 24 ح 4.
(2) كذا، والرواية في المصادر عن عبد الأعلى. ولعله تصحيف من النساخ.
(3) الكافي 3: 33 ح 4، التهذيب 1: 425 ح 1352، الاستبصار 1: 78 ح 241، الوسائل 1: 327 أبواب
الوضوء ب 39 ح 5.
(4) التهذيب 1: 58 ح 161، الاستبصار 1: 57 ح 169، الوسائل 1: 286 أبواب الوضوء ب 20 ح 1. وبنفس
الإسناد روى الشيخ عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (ع) قال: لا بأس بمسح القدمين مقبلا ومدبرا. التهذيب
1: 83 ح 217.
(5) الكافي 3: 31 ح 7، قرب الإسناد: 126، الوسائل 1: 286 أبواب الوضوء ب 20 ح 3. ولعله عبر عنها
بالرواية لأجل أنها مما تفرد به محمد بن عيسى عن يونس، وفيه إشكال معلوم.
134

الأحوط ذلك، لحصول اليقين به، وإشعار بعض الأخبار، وأما دلالة * (إلى
الكعبين) * فممنوعة لما تقدم.
ومما ذكرنا ظهرت كفاية المسح في الرأس من جانب العرض أيضا، ولا يحضرني
الآن تصريح منهم بذلك.
والظاهر الكفاية بمطلق اليد، وذكر الإصبع محمول على الغالب، ولكن الأولى
الإصبع، ثم باطن الكف، وإن تعذر فظهر الكف، وإن تعذر فالذراع، وإن كان أكثر
ما ذكر محل كلام.
ثم في دخول الكعبين في المسح وعدمه قولان، والأصل والأخبار الصحيحة
الدالة على عدم تبطين الشراكين في المسح (1) يدل على عدم الدخول، كما ذكره في
المعتبر (2). والظاهر أن الوجوب هنا من باب المقدمة، إلا أنه لا يستلزم إلا إدخال
بعضه في المسح، فإن للكعب عرضا عريضا، بخلاف المرفق. والأحوط إدخاله
بالذات أيضا، بل الإيصال إلى المفصل، بل إلى فوقه، للخروج عن الخلاف الآتي،
والإتيان بمجامع المقدمات.
فإن الكعب قد اختلف فيه كلام العلماء، فالذي عليه جمهور أصحابنا المتقدمين
والمتأخرين عدا العلامة وبعض متأخري المتأخرين: هو العظمان الناتئان على ظهر
القدم (3)، وصرح المفيد بأنه في وسط ظهر القدم ما بين المفصل والمشط (4)، والشيخ
في التهذيب ادعى الاجماع على أنه هو الكعب (5)، وكذلك المحقق في المعتبر (6).

(1) انظر الوسائل 1: 291 أبواب الوضوء ب 23 ح 3، 4، 8.
(2) المعتبر 1: 152.
(3) انظر الإنتصار: 28، والتبيان 3: 456، والخلاف 1: 92، ومجمع البيان 3: 167، والمعتبر 1: 148،
والذكرى: 88، والمدارك 1: 216.
(4) المقنعة: 44.
(5) التهذيب 1: 75.
(6) المعتبر 1: 151.
135

وعبارات علمائنا لا تقبل التأويل، وكلها متطابقة على إرادة ذلك، مصرحة باعتبار
النتوء، وكونه في ظهر القدم. وهو المطابق للاشتقاق، وكلام أكثر أهل اللغة (1).
وقال العلامة: إنه مفصل الساق والقدم، وحمل عبارات الأصحاب عليه (2)،
مع عدم انطباق واحدة منها عليه، سوى ما يتوهم من ظاهر ابن الجنيد (3)، وليس كما
يتوهم.
وربما انتصر له بعضهم: بأن المفصل محل الكعب الذي هو كعب باصطلاح أهل
التشريح، وهو ما يكون للحيوانات، ويلعب به الصبيان، وله ارتفاع ونتوء أيضا،
وهو في وسط القدم العرضي أيضا; فلا ينافي إطلاق كلماتهم.
وأنت خبير بأن ظاهر كلمات الأصحاب بل تصريحهم في اعتبار الارتفاع
والنشوز؟ لا يلائم إرادة الوهدة التي يكون في عمقها شئ له نتوء ما.
مع أن الشارع إنما يتكلم على العرف واللغة لا غير، مع أن المفصل مما لم يظهر
إطلاق الكعب عليه في كلام أهل اللغة إلا من صاحب القاموس (4). ومنشأ توهمه:
إطلاق الكعب على مفاصل قصب الرمح، وإنما هو لأجل النتوء الحاصل فيها،
لا لكونه مفصلا.
وليس إسناد الرازي اعتبار المفصل إلينا حجة (5)، مع معارضته بإسناد ابن الأثير
إلينا المعنى المشهور عندنا (")، والأخبار الصحيحة المتظافرة بما ذكرنا، مثل صحيحة

(1) العين 1: 207 قال: كعب الانسان ما أشرف فوق رسغه عند قدمه. الصحاح 1: 213، النهاية لابن الأثير 4:
178، المصباح المنير: 535، لسان العرب 1: 718.
(2) المختلف 1: 293، المنتهى 2: 74، القواعد 1: 203، وتبعه الشهيد في الألفية: 28، والمقداد في كنز العرفان
1: 18.
(3) فإنه قال: الكعب في ظهر القدم دون عظم الساق وهو المفصل الذي قدام العرقوب. نقله في المختلف 1: 293.
(4) القاموس المحيط 1: 129، قال: الكعب العظم الناشز فوق القدم، والناشزان في جانبيها.
(5) التفسير الكبير 11: 162.
(6) النهاية 4: 178.
136

البزنطي (1) وحسنة ميسر (2) وغيرهما مما دل على عدم تبطين الشراكين (3)، فإنه مانع
عن الاستيعاب الطولي على ما ذكره العلامة، وهو معتبر عنده بل مجمع عليه.
وأما العلامة فاستدل بصحيحة زرارة وبكير عن الباقر عليه السلام، قالا: فأين
الكعبان؟ قال: " ههنا " يعني المفصل دون عظم الساق، فقال: هذا ما هو؟ قال:
" هذا عظم الساق " (4).
وفي الكافي بعد قوله هذا عظم الساق: " والكعب أسفل من ذلك ".
وحسنة زرارة، وفيها " ومسح مقدم رأسه وظهر قدميه " (5).
أما الأول، ففيه أنه لا بد من حمل المفصل على المجاز بإرادة ما دون المفصل، لئلا
يتناقض مع قوله عليه السلام: " والكعب أسفل من ذلك " وإرادة التحتية من أسفل
من ذلك، بعيدة.
مع أن الظاهر أن المراد بالمفصل هو الكعب المشهور، فإنه مفصل أيضا، وتقطع
منه الرجل في السرقة، كما ورد في رواية القطع أنها تقطع من الكعب، وفي
الروايات " أنه يبقى العقب ليمشي بها، ويعبد الله تعالى بها " (6)، فعلم أن الكعب
ليس هو المفصل الذي فهمه العلامة، وإلا لم يبق هناك شئ.
سلمنا، لكنها لا تعارض ما قدمنا من الأدلة، فتحمل على الاستحباب.

(1) الكافي 3: 30 ح 6، التهذيب 1: 64 ح 179، الاستبصار 1: 62 ح 184، قرب الإسناد: 162، الوسائل 1:
293 أبواب الوضوء ب 24 ح 4، وفيها: فوضع كفه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظهر القدم.
(2) الكافي 3: 26 ح 7، التهذيب 1: 80 ح 205، الاستبصار 1: 69 ح 210، الوسائل 1: 306 أبواب الوضوء
ب 31 ح 1، وفيها: ووصف الكعب في ظهر القدم.
(3) انظر الوسائل 1: 291 أبواب الوضوء ب 23 ح 3، 4، 8.
(4) الكافي 3: 26 ح 5، التهذيب 1: 76 ح 191، الوسائل 1: 272 أبواب الوضوء ب 15 ح 3.
(5) الكافي 3: 25 ح 4، الفقيه 1: 24 ح 74، الوسائل 1: 272 أبواب الوضوء ب 15 ح 2، ولعل عدها حسنة
لوقوع إبراهيم بن هاشم في طريقها، فإنه لم يظهر توثيقه.
(6) انظر الوسائل 18: 489 أبواب حد السرقة ب 4.
137

وأما الرواية الثانية، ففيه أن تمام ظهر القدم لا يجب مسحه إجماعا منا كما تقدم،
فيحمل على ما اقتضته الأدلة.
ثم يجب أن يكون المسح ببلة الوضوء بإجماع علمائنا، وتدل عليه الأخبار
البيانية على الوجه الذي قررنا، وخصوص صحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام
" إن الله وتر يحب الوتر، فقد يجزئك من الوضوء ثلاث غرفات، واحدة للوجه،
واثنتان للذراعين، وتمسح ببلة يمناك ناصيتك، وما بقي من بلة يمناك ظهر قدمك
اليمنى، وتمسح ببلة يسراك ظهر قدمك اليسرى " (1).
وما رواه المفيد في الإرشاد في حكاية علي بن يقطين مع الرشيد، وأمر الكاظم
عليه السلام إياه بالوضوء على طريقة العامة أولا، ثم على طريقة الخاصة بعد رفع
الخوف عنه، قال: " وامسح بمقدم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك،
فقد زال ما كنا نخاف عليك والسلام " (2) والأخبار آتية (3).
هذا إذا بقي في اليد بلة، وإلا فيأخذ من لحيته أو حاجبه أو أهدابه (4) أو غير ذلك
من مظانها، بلا خلاف ظاهر بين الأصحاب، لما رواه الصدوق مرسلا عن الصادق
عليه السلام: " إن نسيت مسح رأسك فامسح عليه وعلى رجليك من بلة وضوئك،
فإن لم يكن بقي في يدك من نداوة وضوئك شئ فخذ ما (5) بقي منه في لحيتك،
وامسح به رأسك ورجليك، وإن لم يكن لك لحية فخذ من حاجبيك وأشفار عينيك،
وامسح به رأسك ورجليك، فإن لم يبق من بلة وضوئك شئ أعدت الوضوء " (6)

(1) التهذيب 1: 360 ح 1083، الوسائل 1: 306 أبواب الوضوء ب 31 ح 2.
(2) إرشاد المفيد: 294، الوسائل 1: 312 أبواب الوضوء ب 32 ح 3.
(3) في " م ": الآتية.
(4) في " ز "، " ح ": وأهدابه.
(5) في المصدر: مما، وهو أنسب.
(6) الفقيه 1: 36 ح 134، الوسائل 1: 288 أبواب الوضوء ب 21 ح 8.
138

ولا يضر الإرسال، للعمل، ورواية الفقيه، ولم يفرقوا بين النسيان وغيره.
وفي معناه روايات كثيرة دالة على أن من نسي المسح ودخل في الصلاة وتذكر:
أنه يأخذ من لحيته ويمسح، وبعضها في غير الصلاة أيضا بصيغة الأمر (1).
إلا أنه قد يناقش بأن الغالب في المتلبس بالصلاة عدم إمكان أخذ الماء الجديد،
فهو وارد مورد الغالب، وهو ممنوع.
والظاهر من الرواية موافقا لجماعة من الأصحاب: أن ذلك موقوف على جفاف
اليد (2)، واحتمل بعضهم جواز أخذ البلة وإن كانت اليد مبتلة أيضا، حملا للرواية
على الغالب (3)، وليس ببعيد، (والأول أحوط. والظاهر أن تقديم اللحية في
الرواية إرشادي، لكونه أسهل أخذا، فلا يجب الترتيب) (4).
وأما: إذا جف الجميع، فالمشهور وجوب الإعادة. والمنقول عن ابن الجنيد جواز
المسح بالماء الجديد (5)، وربما نقل عنه إطلاق الجواز إذا جفت اليد وإن بقيت البلة في
غيرها (6). وكيف كان فالمذهب الأول لما ذكرنا.
واحتجوا لابن الجنيد بصحيحة معمر بن خلاد (7)، وهي مع أنها أعم من قوله
محمولة على التقية.

(1) انظر الوسائل 1: 330 أبواب الوضوء ب 42 ح 1، 8.
(2) انظر المقنعة: 47، والمبسوط 1: 21، والمعتبر 1: 147.
(3) كصاحب المدارك 1: 213.
(4) ما بين القوسين ليس في " ز ".
(5) نقله عنه في المعتبر 1: 147، والمختلف 1: 296، وفيهما: قال ابن الجنيد: وإذا كانت بيد المتطهر نداوة يستبقيها
من غسل يده مسح بيمينه رأسه ورجله اليمنى، وبيده اليسرى رجله اليسرى، وإن لم يستبق ذلك أخذ ماءا جديدا
لرأسه ورجليه.
(6) انظر الحدائق 2: 280.
(7) التهذيب 1: 58 ح 163، الاستبصار 1: 58 ح 173، الوسائل 1: 288 أبواب الوضوء ب 21 ح 5. وفيها:
أيجزئ الرجل أن يمسح قدميه بفضل رأسه؟ فقال برأسه: لا، فقلت أبماء جديد؟ فقال برأسه: نعم. احتج بذلك
لابن الجنيد العلامة في المختلف 1: 297.
139

وأما لو لم تمكن الإعادة أيضا لكثرة الحر أو الريح، ولا إبقاء جزء من اليسرى
وصب غرفة من الماء عليه في الآخر ليبقى الماء للمسح في يده، فالمشهور جواز الماء
الجديد حينئذ، لأن ما لا يدرك كله لا يترك كله، وللاستصحاب.
ومقتضى القواعد الانتقال إلى التيمم، لعدم التمكن من الوضوء المطلوب،
وهوما يكون مسحه ببلة الوضوء، إلا أن يقال لم يثبت من أدلة وجوب المسح ببلة
الوضوء إلا حالة التمكن، لأن العمدة فيه الاجماع، وهو غير معلوم فيما نحن فيه،
ولمنع صراحة الأخبار البيانية في الوجوب، ولمنع دلالة الآخر، أو ضعفها مع عدم
الجابر فيما نحن فيه، فتبقى إطلاقات المسح بحالها، فيجوز بالماء الجديد. وفيه أيضا
إشكال.
والأحوط التأخير إن رجا التمكن، أو الجمع بينه وبين التيمم.
ولا بأس بكثرة الماء في المسح إذا سمي مسحا في العرف، وقصد به المسح أيضا.
وما ورد في الخبر " أنه يأتي على الرجل سبعون سنة ولا تقبل منه صلاة، لأنه يغسل
ما أمر الله بمسحه " (1) فهو رد على العامة. وبالجملة يصدق الامتثال بذلك.
والظاهر أن النسبة بينهما عموم من وجه، ويكفي الافتراق في الجملة في تحقق
المقابلة بينهما في الآية وغيرها، ولا يلزم التباين.
ومما ذكرنا يظهر عدم اشتراط جفاف موضع المسح، بل يجوز إذا كانت بلة
الوضوء غالبة، بل لا يبعد الجواز إذا لم تكن غالبة أيضا كما يظهر من بعضهم (2).
وعن ابن الجنيد جوازه في الماء أيضا (3).
حجة الجواز: صدق الامتثال، وحجة المنع: أنه مسح بماء جديد. والأول

(1) الكافي 3: 31 ح 9، التهذيب 1: 92 ح 246، الاستبصار 1: 64 ح 191، علل الشرائع: 289، الوسائل 1:
295 أبواب الوضوء ب 25 ح 2.
(2) كالشهيد في الذكرى: 89، وصاحب المدارك 1: 213.
(3) نقله عنه في المختلف 1: 302.
140

أظهر، والثاني أحوط.
وأما ماء اللحية المسترسلة وأطراف الوجه مما غسل من باب المقدمة، فالظاهر أنه
من ماء الوضوء، ولا يضر، مع أن اللحية بخصوصها منصوص عليها، وإطلاقها
أعم من قدر الواجب.
وأما الرطوبة التي تحصل في العمامة والقلنسوة باعتبار صب الماء أولا،
فلا تدخل في ماء الوضوء.
الرابع: يجب أن لا يكون على المغسول والممسوح حائل يمنع وصول الماء،
لعدم صدق الامتثال بدونه. فيجب تخليل الشعر في اليدين، وغسل الأظفار وإن
طالت. وفيما خرج عن حد أطراف الأصابع عرفا إشكال، والأحوط عدم الترك.
وأما الوسخ الحاصل أحيانا في أصول الأظفار، فإن كان له جسمية ظاهرة تمنع
وصول الماء فتجب إزالته (1) إذا كان ساترا للظاهر، بخلاف ما إذا ستر ما يختفي عن
الحس.
واستشكل العلامة في أصل الوجوب، من جهة عدم منع الشارع عن ذلك (2)
والصحيحة الدالة على وجوب تحريك السوار والدملج ليدخل الماء تحتهما (3) لا تدل
على وجوب ذلك كما توهم، والأحوط بل الأظهر ما اخترناه.
وأما السواد الذي يحصل في أصول الأظافير من الدخان والأوساخ الرقيقة الغير
المانعة عن الماء، فالظاهر عدم الإشكال فيها.
وأما المسح، فاشتراط عدم الحائل فيه أيضا إجماعي، والأخبار الصحيحة ناطقة

(1) في النسخ: إزالتها.
(2) منتهى المطلب 2: 39.
(3) الكافي 3: 44 ح 6، التهذيب 1: 85 ح 222، قرب الإسناد: 83، الوسائل 1: 329 أبواب الوضوء ب 41
ح 1.
141

به (1); سواء كان مثل العمامة والمقنعة، أو مثل الحناء المانعة عن وصول الماء. وبعض
الأخبار الصحيحة المجوزة للمسح فوق الحناء (2)، فمع عدم مقاومتها لأخبار المنع،
محمولة على لون الحناء، أو على الرقيق الذي لا يمنع وصول ماء المسح.
وأما الشعر، فليس بحائل إن كان من مقدم الرأس ولم يخرج بمده عن حد المقدم
بلا إشكال، بالإجماع، والأخبار، وإن خرج عن حده فتمسح أصوله، وإلا
فلا يجوز، بلا خلاف بينهم، لعدم صدق الامتثال.
والأخبار المعتبرة في عدم جواز المسح على الخفين تكاد أن تكون متواترة (3)،
حتى أن في بعضها أنه لا تقية فيها، مضافا إلى الاجماع والأخبار في منع الساتر
مطلقا.
والمذهب جوازه للضرورة، من تقية أو خوف من برد أو غيره لرواية أبي الورد (4).
والمعارض مؤول، وظاهره مهجور.
وإذا زال العذر ففي الاكتفاء به إشكال، والأحوط التجديد، بل نقضه ثم
التجديد، وسيجئ الكلام في الجبيرة.

(1) انظر الوسائل 1: 320 أبواب الوضوء ب 37، 38.
(2) الوسائل 1: 320 أبواب الوضوء ب 37 ح 2 - 4.
(3) الوسائل 1: 321 أبواب الوضوء ب 38.
(4) التهذيب 1: 362 ح 1092، الاستبصار 1: 76 ح 236، الوسائل 1: 322 أبواب الوضوء ب 38 ح 5.
وفيها: قلت فهل فيهما - يعني المسح على الخفين - رخصة؟ فقال: لا إلا من عدو تتقيه، أو من ثلج تخاف على
رجليك.
142

المقصد الرابع
في شرائطه
وفيه مباحث:
الأول: يجب الترتيب في الوضوء بتقديم الوجه، ثم اليد اليمنى، ثم اليسرى،
ثم مسح الرأس، ثم الرجلين (1)، بالاجماع، والأخبار الصحيحة (2).
بل الأقوى وجوب تقديم الرجل اليمنى أيضا، خلافا للمشهور، ووفاقا لجماعة

(1) قال في الذكرى: لا يكفي في الترتيب عدم تقديم المؤخر، بل يعتبر تقديم المقدم إذ هو المفهوم منه، وللأخبار،
فلو غسل الأعضاء معا بطل لفقد المعنى الثاني وإن وجد الأول، فحينئذ يحصل الوجه فإن أعاد الغسل الدفعي
فاليمنى، فإن أعاده فاليسرى ويمسح بمائها. ولو ارتمس ناويا صح الوجه، فإن أخرج اليدين مرتبا صحتا، أو
أخرجهما معا فاليمين إذا قصد بالاخراج الغسل، فلو كان في جار وتعاقبت الجريات ناويا صحت الأعضاء
الثلاثة، والأقرب أن هذه الهيئة كافية في الواقف أيضا لحصول مسمى الترتيب الحكمي ويمسح بماء الأولى، ولو
غسل عضوا قبل الوجه لم يعتد به، فإذا غسل الوجه صح، ولو نكس مرارا ترتب الوضوء مهما أمكن وصح إن
نوى عنده أو كان قد تقدمت النية في موضع استحباب المقدم والأقرب أنه لا يضر غروبها بعد تحقق الامتثال
فيخرج عن العهدة ويحتمل الإعادة مع الغروب لوجود الفصل بأجنبي بخلاف ما إذا أتى بأفعال الوضوء مرتبة،
انتهى ويقرب منه ما في التذكرة (منه رحمه الله).
(2) الوسائل 1: 315 أبواب الوضوء ب 34، 35.
143

من القدماء (1)، والشهيدين في اللمعة وشرحها (2)، لحسنة محمد بن مسلم (3)، وما
رواه النجاشي في كتاب الرجال عن علي عليه السلام (4)، مضافا إلى ما يستفاد من
الأخبار البيانية (5)، مع توقف اليقين بالبراءة عليه.
واستدل سائر الأصحاب بالاطلاقات، وحكموا بالأفضلية.
واستدل عليها في المعتبر (6) وغيره (7) بقوله عليه السلام: " إن الله يحب
التيامن " (8) والظاهر أنهم غفلوا عن الرواية، وإلا فهي أولى بالاستدلال. وعدم
استدلالهم لا يدل على عدم اعتنائهم بها، سيما في الاستحباب.
وروى الطبرسي في الاحتجاج، عن صاحب الأمر عليه السلام: عن المسح
على الرجلين بأيهما نبدأ، باليمين، أو نمسح عليهما جميعا معا؟ فأجاب عليه
السلام: " يمسح عليهما جميعا معا، فإن بدأ بإحداهما قبل الأخرى، فلا يبدأ إلا
باليمين " (9).
فإن نسي فخالف، فليعد بما يحصل معه الترتيب، للصحاح (10). فلو غسل وجهه
ثم يساره ثم يمينه مثلا ثم تذكر، فهل يكتفي بإعادة اليسار، أم يعيد اليمين ثم

(1) كعلي بن بابويه وابن الجنيد نقله عنهما في المختلف 1: 298، والصدوق في الفقيه 1: 28، وسلار في
المراسم: 38.
(2) الروضة البهية 1: 326.
(3) الكافي 3: 29 ح 2، الوسائل 1: 294 أبواب الوضوء ب 25 ح 1.
(4) رجال النجاشي: 7.
(5) انظر الوسائل 1: 271 أبواب الوضوء ب 15.
(6) المعتبر 1: 155.
(7) منتهى المطلب 2: 109.
(8) عوالي اللآلي 2: 200 ح 101، مستدرك الوسائل 1: 330 أبواب الوضوء ب 30 ح 3.
(9) الاحتجاج: 492، الوسائل 1: 316 أبواب الوضوء ب 34 ح 5.
(10) انظر الوسائل 1: 317 أبواب الوضوء ب 35.
144

اليسار؟ ظاهر موثقة أبي بصير (1) وما رواه الصدوق مرسلا (2) بل صريحهما
الإعادة، وسائر الأخبار الصحيحة وغيرها أيضا لا تنافيه، بل تشملها بعموم ترك
الاستفصال أيضا.
ولكن يظهر من صريح بعض فروع مسألة الترتيب في المعتبر والتذكرة
وشرح القواعد للمحقق الثاني: الاكتفاء بما صنع، فيعيد ما تقدم عليه (3)، وسائر
عبارات الفقهاء أيضا لا تنافيه، وتدل عليه الإطلاقات والعمومات. وفي شمولها
إشكال.
نعم روى في السرائر، عن نوادر البزنطي في الموثق، عن ابن أبي يعفور ما يدل
عليه (4). فإن كانت المسألة إجماعية، وإلا فيشكل ترجيح الاكتفاء إلا بملاحظة هذه
الرواية، ولم يظهر لنا الاجماع ولا دعواه من أحد، ولم أقف على أحد منهم استدل
بهذه الرواية أيضا. والاحتياط في مراعاة ظاهر الأصحاب ثم الإعادة.
الثاني: تجب الموالاة في الوضوء بالإجماع، والأخبار (5).
واختلفوا في معناها، والأكثر على أنها أن لا يؤخر بعض الأعضاء عن بعض
بمقدار ما يجف ما تقدم (6).
وجماعة منهم المفيد فسروها: بأنها عدم التفريق بين الأعضاء والتزام التتابع إلا

(1) الكافي 3: 35 ح 6، التهذيب 1: 99 ح 258، الاستبصار 1: 74 ح 227، الوسائل 1: 318 أبواب الوضوء
ب 35 ح 9.
(2) الفقيه 1: 29 ح 90، الوسائل 1: 319 أبواب الوضوء ب 35 ح 10.
(3) المعتبر 1: 156، التذكرة 1: 187، جامع المقاصد 1: 224.
(4) السرائر 3: 553، الوسائل 1: 319 أبواب الوضوء ب 35 ح 14.
(5) الوسائل 1: 314 أبواب الوضوء ب 33.
(6) منهم الشيخ في الجمل والعقود: 159، وأبو الصلاح في الكافي في الفقه: 133، وابن البراج في المهذب 1:
45، وابن حمزة في الوسيلة: 50، وابن إدريس في السرائر 1: 101.
145

لضرورة، وفي الضرورة يعتبر الجفاف (1).
الظاهر أن مرادهم بالضرورة مثل انقطاع الماء في البين، أو حصول النسيان،
أو غير ذلك.
ثم صريح بعض هؤلاء أن تركها بهذا المعنى بلا ضرورة حرام لا مبطل (2)،
وظاهر بعضهم أنه مبطل وإن لم يحصل الجفاف في غير الضرورة، وأما فيها فيراعى
الجفاف (3).
وكيف كان فظاهرهم الاتفاق على أن الجفاف مخل بالموالاة، مبطل للوضوء.
وخلافهم في اعتبار الأزيد من ذلك، وهو التتابع وعدم التفريق.
نعم يظهر من الصدوقين: أن إخلال الجفاف بالموالاة إنما هو إذا لم تحصل
الموالاة بالمعنى الثاني، بل المبطل إنما هو الجفاف الحاصل من التفريق (4). واختاره
صاحب المدارك (5) وشارح الدروس (6).
ويظهر من ذلك أن الاجماع المدعى في كلامهم على اعتبار الجفاف إنما هو فيما
حصل من جهة التفريق، ولا تفيد عباراتهم في بيان مراعاة الجفاف أيضا أزيد
من ذلك، كما أن الأخبار الدالة على مراعاة الجفاف أيضا لا يستفاد منها أزيد من ذلك.

(1) المفيد في المقنعة: 47، وممن فسرها بذلك الشيخ في النهاية: 15، والتهذيب 1: 103، والمبسوط 1: 23،
والخلاف 1: 93، والرواندي في فقه القرآن 1: 29، والمحقق في المعتبر 1: 156، والعلامة في المختلف 1:
299 وباقي كتبه.
(2) كالمحقق في المعتبر 1: 157.
(3) كالشيخ في المبسوط 1: 23. فإنه قال: الموالاة واجبة في الوضوء، وهي أن يتابع بين الأعضاء مع الاختيار فإن
خالف لم يجزئه.
(4) نقله عن علي بن بابويه في الفقيه 1: 35، والمختلف 1: 299، واختاره الصدوق في المقنع (الجوامع
الفقهية): 3.
(5) المدارك 1: 230.
(6) مشارق الشموس: 117.
146

ولكن ذلك إنما يتم في الغسل، وأما في المسح فيضر الجفاف، للزوم استئناف
الماء، وهو غير جائز إجماعا كما تقدم، وكلام الصدوقين أيضا لا يفيد ما ذكر إلا في
الغسل. وابن الجنيد أيضا إنما كان يجوز الاستئناف في حال الضرورة بالمعاني
المتقدمة، وما نحن فيه ليس منها بالفرض.
وأما الضرورة بمعنى عدم الإمكان فالكلام فيه قد تقدم.
أما الدليل على مراعاة الجفاف فهو الاجماع، وصحيحة معاوية بن عمار (1)،
وموثقة أبي بصير (2)، ومرسل الصدوق المتقدم في عدم جواز استئناف الماء
للمسح (3)، وغيرها.
ولكنها واردة فيما حصل الجفاف لانقطاع الماء في البين، أو عروض حاجة، أو
حصول نسيان، فلا تدل على اعتباره في جميع الأوقات. والإجماع المركب منتف
لما عرفت من كلام الصدوقين ومن تبعهما. مع أن كلام أصحابنا القائلين بالاعتبار
لا ينافيه (كما بينا) (4)، فلا يبعد الاقتصار على مورد الأخبار، للأصل،
والإطلاقات، وصدق الامتثال.
وأما اعتبار التتابع، فذكروا له أدلة ضعيفة، أقواها قوله عليه السلام: " إن
الوضوء لا يبعض " في موثقة أبي بصير (5)، وقوله: " أتبع وضوءك بعضه بعضا " في
حسنة الحلبي (6)، وفعلهم عليهم السلام في الوضوءات البيانية.
وكلها مدخولة، فإن الظاهر من الأول التبعض باليبس لا مطلقا، ومن الثاني

(1) التهذيب 1: 87 ح 231، الاستبصار 1: 72 ح 221، الوسائل 1: 314 أبواب الوضوء ب 33 ح 3.
(2) الكافي 3: 35 ح 7، التهذيب 1: 98 ح 255، الاستبصار 1: 72 ح 220، علل الشرائع: 289 ح 2،
الوسائل 1: 314 أبواب الوضوء ب 33 ح 2.
(3) الفقيه 1: 36 ح 134، الوسائل 1: 315 أبواب الوضوء ب 33 ح 5.
(4) في " م " مشطوبة.
(5) المتقدمة الإشارة إليها.
(6) التهذيب 1: 99 ح 259، الاستبصار 1: 74 ح 228، الوسائل 1: 318 أبواب الوضوء ب 35 ح 9.
147

وجوب مراعاة الترتيب كما يظهر بالتأمل فيهما، ويظهر الثاني من رواية
زرارة أيضا (1).
وأما البيانية، فقد يناقش فيها بعدم الدلالة على الوجوب، كما مرت الإشارة
إليه، وقد يعارض بما تقدم من الأخبار الدالة على الإعادة بما يحصل معه الترتيب
فيمن نسي الترتيب، وبما دل على أخذ الماء من اللحية وغيرها إذا نسي المسح ودخل
في الصلاة، وغيرها مما دل على عدم إضرار التفريق.
ويمكن أن يقال: اجتماع أدلتهم يورث ظنا قويا بالاعتبار، وإن كان كل منها مما
يمكن المناقشة فيه، فيحصل الشك في الامتثال بدونه. وأما المعارضات، ففيها أنها
إما مخصصات، أو غير منافيات للتتابع المعتبر (2).
ويمكن أن يجعل المعيار هو انمحاء صورة الوضوء في عرف المتشرعة، فيثبت به
مصطلح الشارع بأصالة عدم النقل، كما يتمسك بذلك في تحقيق منافاة الفعل الكثير
للصلاة، فلا ريب في أن من غسل وجهه ويده اليمنى (3) وجلس يأكل الطعام ويكلم
الجلساء مدة مديدة لا يقال له " إنه متوضئ " وإن قام بعد ذلك وتممه أيضا، بل يصح
سلب الاسم عنه، وإن بقت الرطوبة في أعضائه، فلا يكفي مطلق اعتبار الجفاف.
فالأولى تقديم اعتبار الموالاة بهذا المعنى، واشتراط الوضوء به أيضا، وأما الوجوب
الشرعي بمعنى العقاب على تركها على حدة (4) فلا نفهمه من الأدلة.
نعم تجب الموالاة أيا ما كانت من باب المقدمة.
فحينئذ فما دل على اعتبار الجفاف وعدمه في صورة التفريق لعذر مخصص لهذه

(1) الكافي 3: 34 ح 5، الفقيه 1: 28 ح 89، التهذيب 1: 97 ح 251، الاستبصار 1: 73 ح 223، الوسائل 1:
315 أبواب الوضوء ب 34 ح 1. وفيها: تابع بين الوضوء كما قال الله عز وجل ابدأ بالوجه ثم باليدين....
(2) في " م ": التتابع المعتبرة.
(3) في " م " زيادة: في فصل الشتاء في غاية رطوبة الهواء.
(4) في " ح ": حده.
148

القاعدة، كما أشرنا، أو أن المراد منها ما لم يحصل فيه التراخي بما يصح معه سلب
اسم الوضوء; بل الأولى الاقتصار على ذلك، لعدم دلالة تلك الأخبار على أزيد
منه أيضا.
والأحوط مراعاة عدم الجفاف مطلقا، فيعيد إلا في صورة عدم إمكان بقاء
الرطوبة كما مر.
ثم المراد بجفاف ما تقدم: جفاف الكل عند الأكثرين، فيكفي في الموالاة بقاء
الرطوبة في الجملة، في أي عضو كان من الأعضاء، للأصل، والإجماع على جواز
أخذ البلل من اللحية وغيرها للمسح، والأخبار الدالة عليه.
وجفاف البعض عند ابن الجنيد، فيعتبر فيها رطوبة الجميع (1). وذلك لا ينافي
تجويزه تجديد ماء المسح لو جفت اليد فيما تقدم، لأن ذلك إنما يقوله في غير حال
الضرورة بالمعنى المتقدم.
وجفاف العضو السابق عند السيد (2) وابن إدريس (3)، ولا وجه لهما يعتد به.
ثم إن الأصحاب اعتبروا في الجفاف وعدمه اعتدال الهواء، فلا يجدي بقاء
الرطوبة (4) في مدة طويلة في غاية رطوبة الهواء، كما لا يضر الجفاف السريع في
الطرف المقابل.
واعترض عليهم: بأن الحكم في الروايات التي استدلوا بها معلق على الجفاف،
وهو حقيقة في الحسي.
وقد يحمل كلامهم على أنهم أرادوا اخراج طرف الإفراط في الحرارة الغالبة.
وفيه أيضا إشكال، إلا أن يجعل ذلك من الأفراد الغير الممكنة فيها مراعاة الموالاة

(1) نقله عنه في المختلف 1: 302.
(2) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 185.
(3) السرائر 1: 101.
(4) في " م ": رطوبة.
149

كما مر في المسح.
أقول: ولعلهم فهموا من الروايات اعتبار زمان يحصل فيه الجفاف، فيكون
الجفاف كناية عن مرور زمان يحصل معه الجفاف (1)، بأن يكون المضر هي الفاصلة،
والجفاف وعدمه علامة لتحققه، فحينئذ يحمل على الأفراد المتعارفة، وهي
المعتدلة، كما في نظائره. واستخراج ذلك من الرواية دونه خرط القتاد.
وأما على ما اخترناه من تقديم اعتبار التتابع العرفي - سيما مع حمل الأخبار
المعارضة (2) على ما لم يحصل التراخي بما يصح معه سلب الاسم - فيسهل الخطب
والله العالم.
الثالث: يشترط في ماء الوضوء أمور:
الأول: أن يكون جائز التصرف، بأن يكون مباح الأصل، كالمياه التي لم يحزها
أحد قبله، أو مملوكا له بحيازة أو شراء أو استنباط، أو مأذونا فيه صريحا أو فحوى
أو بشاهد حال.
وفسر شاهد الحال: بما إذا كان هناك أمارة تشهد بأن المالك لا يكره. وظاهر ذلك
كفاية الظن برضاه، وعن ظاهر كثير من الأصحاب اعتبار العلم، والأول أوفق
بعمومات الأدلة الآتية، وحصول العلم في غاية الندرة. مع أنا نراهم يحكمون
بجواز الصلاة في الصحاري والأرحبة وغيرها بلا خلاف بينهم، مع أنه لا يحصل
في الأغلب فيها إلا الظن.
ولعل مراد من يظهر منه اعتبار العلم: هو الذي يتسامحون في إطلاق العلم عليه
في العرف، ولو نقب ودقق فيه، بل لو شكك فيه بأدنى تشكيك يزول الظن به، فضلا

(1) في " م ": جفاف.
(2) في " ز ": المتعارضة، وفي " م ": أخبار المعارضة.
150

عن علمه. كما ترى أن حلاب الأغنام والبقرات في الليالي المظلمة مع اختلاط أغنام
القوم وبقراتهم بمجرد موافقة اللون والجثة واعتيادها في الرواح والسراح،
يحلبونها، ويعتقدونها أنعامهم، ويدعون العلم، ولا يشكون في كونها أنعامهم،
مع أنه لو قيل لهم: ألا يجوز أن يكون فرد من نعم القوم مشابها لفرد من نعمك في
جميع الجزئيات، أو يتفاوت معه بتفاوت قليل يشتبه عليك في الظلمة؟ فلا يمكنه
انكار الجواز ومنع هذا الاحتمال كما لا يخفى.
وكذلك في الزوج والزوجة في الليلة المظلمة، سيما إذا حصلت المجامعة بعد
الإفاقة من النوم، لامكان نوم غير زوجته مكانها، وقد يجامعها في المنام باعتقاد أنها
زوجته، ولا ريب أن في بادئ النظر يعتقد أنه عالم بأنه يجامع زوجته، وهكذا. بل
الذي يظهر من الأدلة أن شاهد الحال أمره أسهل من ذلك أيضا.
ولا يذهب عليك أن ما ذكرناه مغاير لما يسمونه بالعلم العادي في الاصطلاح،
فإنه لا يقبل التشكيك بالنظر إلى مجرى عادة الله تعالى، كعدم انقلاب الجبل الذي
شاهدناه بالأمس ذهبا، أو صيرورة الأواني (1) التي رأيناها في البيت علماء فضلاء
عارفين بجميع العلوم، ونحو ذلك، وإن كان يجري فيه الاحتمال العقلي بالنظر إلى
قابلية المادة، وعموم قدرة الله تعالى لكل ممكن، فإن هذا علم حقيقي جزما،
بخلاف ما ذكرناه، فإن مدعيه بعد الالتفات وملاحظة الاحتمال قد لا يبقى ظنه
فضلا عن علمه، بخلاف ما نحن فيه.
وظاهر الأصحاب جواز الشرب والتوضؤ والغسل وغسل الثياب من المياه
المملوكة في الأنهار والساقيات ونحوها، إلا مع النهي أو العلم بالكراهة أو الظن
بها.
وهل ذلك من باب الإذن بشاهد الحال، أو ذلك حق في ملكهم للمسلمين كحق

(1) في " م ": الأداني.
151

الحصاد والجذاذ؟ ظاهر كثير ممن صرح بذلك كالعلامة في القواعد والتحرير (1)
والشهيد في الدروس (2) وغيرهما: أن ذلك بسبب شاهد الحال، وهو الظاهر من
الفاضل المتقي مولانا محمد تقي المجلسي في كتاب حديقة المتقين.
وأما ولده العلامة المجلسي، فيظهر منه أن ذلك حق للمسلمين، قال في شرح
التهذيب: والظاهر أن للمسلمين في المياه حق الشرب والوضوء والغسل
والاستعمالات الضرورية، كما تشهد به عادة السلف من عدم استئذان الملاك في
ذلك، والأخبار الكثيرة الدالة بفحاويها عليه، إلى آخر ما ذكره (3)، ويقرب منه ما
ذكره في رسالته الفارسية المسماة بحق اليقين، وقال: إنه الظاهر من الأخبار
المعتبرة، مثل ما ورد أن الناس في ثلاثة شرع سواء: الماء والنار والكلاء (4). وهو
الظاهر من صاحب المفاتيح في ختام كتابه (5).
ويظهر ذلك من كلام ابن إدريس أيضا، قال في السرائر: الآبار على ثلاثة
أضرب، ضرب يحفره في ملكه، وضرب يحفره في الموات ليملكها، وضرب
يحفره في الموات لا للتملك، فما يحفره في ملكه فإنما هو نقل ملكه عن ملكه، لأنه
ملك المحل قبل الحفر، والثاني إذا حفر في الموات ليتملكها فإنه يملكها بالاحياء، فإذا
ثبت هذا فالماء الذي يحصل في هذين الضربين هل يملك أم لا؟ قيل: فيه وجهان،
أحدهما أنه يملك، وهو مذهبنا، والثاني أنه لا يملكه لأنه لو ملكه لم يستبح
بالإجارة، وإنما قلنا إنه مملوك لأنه نماء ملكه، مثل ثمرة الشجرة، وإنما يستباح
بالإجارة لمجرى العادة، ولأنه لا ضرر على مالكه لأنه يستخلف في الحال بالنبع، وما

(1) قواعد الأحكام (الطبعة الحجرية) 1: 224، تحرير الأحكام 2: 133.
(2) الدروس 1: 152.
(3) ملاذ الأخيار 11: 233.
(4) حق اليقين: 588.
(5) المفاتيح 3: 336.
152

لا ضرر عليه فليس له منعه، مثل الاستظلال بحائطه، إلى آخر ما ذكره (1).
ووجه دلالته على ما ذكرنا: أنه اعتمد على جواز التصرف في الماء بعدم
الضرر، وأن ما لا يضر صاحبه التصرف فيه فليس له منعه، وهو معنى استحقاق الغير
لذلك التصرف، ويدل على ما نحن فيه بطريق أولى.
وتشكل الطريقة الأولى بالمياه المجهولة المالك، أوما علم كون مالكها صغيرا
أو مجنونا، وبأنه كيف يكفي مجرد عدم ظهور الكراهة والمنع؟! وكيف يكون ذلك
إذنا يعتمد عليه؟!
والطريقة الثانية، بأن ذلك يقتضي الإطلاق، ولا يناسب التقييد بعدم مظنة
الكراهة ونحوه إلا أن يقال: المستفاد من الأدلة هو إثبات حق محدود، فيكون ذلك
حكما مستقلا، بأن يكون الشارع اقتصر في هذا التصرف في مال الغير على عدم
ظهور كراهية، وفي معنى ظهور الكراهة التضرر بذلك، فيكون ذلك نظير الإذن
في الأكل من بيوت من ذكر في سورة النور (2).
ولعل السر في ذلك الاعتماد على غالب أحوال المسلمين، من كونهم
راضين بذلك التصرف، ولذلك لا يجب التجسس والتفحص عن حال المالك وأنه
هل له أهلية الإذن والرضا أم لا. فالمناط هو عدم تضرر المالك، أو عدم مظنة
الإكراه.
والأول يشمل مياه الصغار واليتامى، مع أنه يمكن أن يقال: إن شهادة حال
الولي بالرضا وعدم ظهور كراهته كاف، وإن كان هو الإمام، وأن الإذن في ذلك
كما هو مقتضى إطلاق الفتاوى والأخبار، فتتم الطريقة الأولى أيضا.
وممن صرح بذلك الشهيد في الذكرى في مكان المصلي والظاهر عدم الفرق

(1) السرائر 2: 383.
(2) النور: 61.
153

لاتحاد المناط، قال: لو علم الكراهية من صاحب الصحراء وشبهها امتنعت الصلاة،
لأنه كالغاصب حينئذ، ولو جهل بنى على شاهد الحال، ولو علم أنها لمولى عليه
فالظاهر الجواز، لاطلاق الأصحاب، وعدم تخيل ضرر لاحق به، فهو كالاستظلال
بحائطه، ولو فرض ضرر امتنع منه ومن غيره، ووجه المنع: أن الاستناد إلى أن
المالك أذن بشاهد الحال، والمالك هنا ليس أهلا للإذن إلا أن يقال: إن الولي أذن
هنا، والطفل لا بد له من ولي (1)، انتهى.
وصرح في المدارك أيضا بكفاية رضا الولي في مكان المصلي، لكنه يعتبر في
شاهد الحال حصول العلم (2) - (3).

(1) الذكرى: 150.
(2) مدارك الأحكام 3: 217.
(3) وحاصل استدلال المستدل على عدم الملكية يرجع إلى أنه يصح استئجار البئر جزما، ويشترط في الإجارة كون
العين المستأجرة مملوكة باقية غير تالفة، فلا يصح استئجاره، ولكن لما كان استئجار البئر مع مائها صحيحا فلا بد أن
يكون الماء غير مملوك حتى يكون التصرف فيه من جهة الإباحة بالأصالة لا من جهة وقوع الإجارة عليه حتى يرد
البحث، فتختص الإجارة بنفس البئر، ولا يشترك الماء معه فيه. وحاصل الجواب أن جواز التصرف في الماء بعد
الإجارة لا ينافي مملوكيته، ولا يثبت كون جواز التصرف من جهة ورود الإجارة عليه، بل إنما وردت الإجارة على
نفس البئر، وإنما استبيح التصرف في الماء بمجرى العادة برضا صاحبه حينئذ بذلك، ولأن صاحبه مع استيفاء وجه
الإجارة حينئذ لا يتضرر بتصرف المستأجر في ذلك الماء.. ومن هذا يظهر حكم ما نحن فيه بطريق أولى كما لا
يخفى، فعلى طريقة ابن إدريس ليس لصاحب هذا الماء منع المحتاجين عن التصرف فيه، ويلزمه أنه لو كره صاحبه
من جهة أخرى لا من جهة الضرر أيضا لا يضر في جواز الاستعمال، فإثبات هذه الطريقة في الاستدلال في غاية
الإشكال، سيما في المقام الذي استدل ابن إدريس بذلك. والأولى أن يجعل الكلام في استئجار
البئر كاستئجار الضرع للارضاع، كما أفتى به الأصحاب بجعل اللبن والماء مقصودين بالتبع في الإجارة، أو تابعا للمقصود
بالعقد، إلا أن يقال إن مراد ابن إدريس أن إجارة نفس البئر توجب منع صاحبها عن التصرف فيها، فحينئذ الماء
المملوك له في البئر ما لا منفعة في تملكه، فيصير من قبيل المباح من جهة عدم إمكان الانتفاع به للمالك، سيما مع
استخلافه بالنبع وتجدده، وأيضا الانتفاع بالبئر لا يمكن إلا بنزح الماء، ولما كانت قيمة الماء المنزوح غالبا لا تزيد
على وجه إجارة البئر، ولو رجع المالك إلى قيمة الماء يرجع المستأجر إلى وجه الإجارة، فيكون الماء حينئذ بعد
الإجارة بلا قيمة، ويكون كحطب كثير في مفازة بعيدة عن المعمورة لا يمكن إيصاله إليها إلا بإنفاق أضعاف
قيمتها، وفيه تأمل (منه رحمه الله تعالى).
154

وكيف كان فالعمدة بيان الدليل على المطلوب، ولنا عليه وجوه:
الأول: أن النسبة بين العمومات الدالة على طهورية الماء - خصوصا ما ورد في
مقام الامتنان مثل قوله تعالى: * (وأنزلنا من السماء ماء طهورا) * (1) و
* (ليطهركم) * (2) وقوله عليه السلام: " خلق الله الماء طهورا " (3) ونحو ذلك - وما دل
على حرمة التصرف في مال الغير عموم من وجه، والأولى معتضدة بالأصل
والاعتبار والعمل والاشتهار ورفع الضيق والحرج والإعسار، سيما مع ملاحظة
عمل المسلمين في الأعصار والأمصار من دون نكير.
ويظهر لمن تأمل ذلك أن ذلك كان إجماعيا، لا يتخالج فيه ريبة ولا شك، لكن
القدر المستفاد من هذه الطريقة أيضا هو ما لم يظهر التضرر والكراهة.
والثاني: أن المياه على الإباحة الأصلية، ولم يحصل اليقين برفعها إلا في غير
تلك الاستعمالات، ولا ينصرف ما دل على المنع عن التصرف في مال الغير إلى
ذلك (4).
الثالث: أنه لو توقف الاستعمال في المذكورات على الإذن لزم الحرج الشديد،
سيما في الأسفار في البلاد الكبيرة التي لم يردها قبله.
الرابع: تتبع الأخبار، مثل صحيحة ابن أبي يعفور وعنبسة بن مصعب، عن
الصادق عليه السلام، قال: " إذا أتيت البئر وأنت جنب، فلم تجد دلوا ولا شيئا
تغرف به فتيمم بالصعيد، ولا تقع في البئر، ولا تفسد على القوم ماءهم " (5).

(1) الفرقان: 48.
(2) الأنفال: 11.
(3) السرائر 1: 64، المعتبر 1: 40، الوسائل 1: 257 أبواب الوضوء ب 1 ح 9. ورواه الفخر الرازي في
التفسير الكبير 24: 95.
(4) في " م ": غير ذلك.
(5) الكافي 3: 65 ح 9، التهذيب 1: 149 ح 426، الاستبصار 1: 127 ح 435، الوسائل 1: 130 أبواب الماء
المطلق ب 14 ح 22.
155

وكل ما ورد في الأمر بالشرب (1) والتوضؤ إذا لم يتغير من الأخبار الكثيرة إما
من جهة الإطلاق أو ترك الاستفصال. ولنذكر منها واحدا، وهي موثقة
سماعة، قال: سألته عن الرجل يمر بالماء وفيه دابة ميتة قد أنتنت، قال: " إذا كان
النتن الغالب على الماء فلا تتوضأ ولا تشرب " (2) بل الظاهر منها أن الرواة كانوا
يعلمون عدم الضرر من جهة عدم رضا المالك، وإنما كان سؤالهم عن مضرة التغير
وعدمها.
وكذلك كل ما ورد في منزوحات البئر " أن بعد النزح يشرب ويتوضأ " من دون
تقييد واستفصال في البئر.
وكل ما دل على نفي البأس عن البول في الماء الجاري (3)، وهي كثيرة، وكذلك
التعليل للمنع في بعضها بأن له أهلا (4)، فإنها بالاطلاق وترك الاستفصال تدل على
جواز مثل هذا التصرف في المياه المملوكة، فالتصرف بالشرب والتوضؤ أولى
بالجواز.
ومثل صحيحة صفوان الجمال، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الحياض التي ما بين مكة إلى المدينة تردها السباع، وتلغ فيها الكلاب، ويشرب منها
الحمير، ويغتسل فيها الجنب، ويتوضأ منها، قال: " وكم قدر الماء؟ " قال: إلى
نصف الساق، وإلى الركبة، فقال: " توضأ منه " (5) مضافا إلى رواية أخرى دالة
على أن لها أهلا (6).

(1) في " ز ": وكل ما ورد في الشرب.
(2) التهذيب 1: 216 ح 624، والاستبصار 1: 12 ح 18، الوسائل 1: 104 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 6.
(3) الوسائل 1: 107 أبواب الماء المطلق ب 5.
(4) انظر الوسائل 1: 240 أبواب أحكام الخلوة ب 24 ح 3.
(5) الكافي 3: 4 ح 7، التهذيب 1: 417 ح 1317، الاستبصار 1: 22 ح 54، الوسائل 1: 119 أبواب الماء
المطلق ب 9 ح 12.
(6) الوسائل 1: 119 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 10.
156

ويقرب منها رواية أبي بصير الدالة على حكم الغدير الواقع في جانب
القرية (1).
ثم يبقى الإشكال فيما لو جمعها في مخزن كالحمام للاغتسال، والمصانع
والحياض للشرب، فإن ثبت هناك استمرار وطريقة عمل يظهر منه إما الاجماع
أو رضا المالك، فهو، وإلا فإدخاله تحت حق الغسل والشرب مشكل، فإن
أخذ الماء مجتمعا يصعب في نظر المالك، وإن كان صرفه متفرقا قد يكون أكثر
من ذلك، والمعهود المتعارف (2) في الشرب والاغتسال والتوضؤ إما الإتيان
بالمذكورات في شاطئ النهر، أو أخذ كل واحد من المسلمين بقدر حاجته في ذلك
الوقت.
والظاهر أن ما ذكرنا من الحكم لا يتفاوت في المغصوب وغيره، فإذا غصب النهر
المملوك فلا ينتفي بذلك حق شرب المسلمين وتوضئهم واغتسالهم، وهو
مستصحب، كما صرح به المرتضى (3) وغيره (4) في المكان المغصوب. نعم قد يمكن
الحكم بعدم جوازه للغاصب، لأن الظاهر كراهة المالك لذلك.
وأما ما ادعاه السيد من الاجماع على بطلان الوضوء بالماء الغصبي (5)، فالظاهر
أن مراده ما تحقق فيه الغصب، كما إذا كان محرزا في آنية، فإن الظاهر أن عدم جواز
الوضوء به إجماعي، كما هو مدعى به في كلامهم. والظاهر أن مرادهم البطلان،
وإلا فالحرمة إجماعي العلماء كافة، وصرح بإرادة ذلك السيد في المسائل
الناصرية (6)، وقد استدلوا عليه بعدم جواز اجتماع الأمر والنهي، وهو غير تام كما

(1) التهذيب 1: 417 ح 1316، الاستبصار 1: 22 ح 55، الوسائل 1: 120 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 14.
(2) في " ز "، " ح " بالتعارف.
(3) حكاه في الذكرى: 150، وحكاه في البحار 80: 282 عن الكراجكي أيضا.
(4) كالعلامة في المنتهى (الطبعة الحجرية) 1: 242.
(5) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 180 مسألة 7.
(6) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 180 مسألة 7.
157

حققناه في الأصول، وسنشير إليه في مكان المصلي أيضا.
وإنما حملنا كلام السيد على إرادة ما تحقق فيه الغصب، لأن القدر المسلم كونه
مصداقا للغصب هو ذلك، وكون ذلك التصرف في الماء المغصوب غصبا أول
الكلام.
ويشهد بما ذكرنا: استدلاله - رحمه الله - على البطلان بعدم إمكان قصد التقرب
بما كان معصية، كما هو مقتضى القاعدة الأصولية.
وإنما أطنبنا الكلام لتجدد عهد الإشكال فيه في هذه الأيام، بعد ما استمر كونه
موضوعا على طرف التمام، وعدم تكرر ذكره مستقصى في كتب الأقوام.
وأما المشتبه بالمغصوب، فقالوا (1): لا يجوز استعماله، والظاهر أن مرادهم إذا
كان من جملة المحصور، كالمشتبه بالنجس، بناءا على وجوب الاجتناب في الشبهة
المحصورة.
ولم نقف على مصرح بالاجماع على البطلان في خصوص ذلك إذا توضأ
بالجميع، فإن تم وجوب الاجتناب عن الشبهة المحصورة بأجمعها وقلنا بدلالة النهي
على الفساد حتى مثل هذا النهي المستفاد من وجوب المقدمة فيثبت فيه البطلان
حينئذ، وإلا فللتأمل فيه مجال، لعدم ثبوت الاجماع على البطلان حينئذ، لأن
المفروض حصول الطهارة بالماء المباح أيضا.
وأما لو توضأ بأحدهما، فعلى القول بوجوب اجتناب مجموع المشتبه فيبطل
أيضا، لا لما قيل: إن ذلك لأجل عدم حصول اليقين بالمأمور به، وهو الطهارة بالماء
المباح، بل لحرمة الاستعمال، ودلالة النهي على الفساد، إذ القدر المعلوم من
القاعدة الأصولية هو البطلان فيما علمت الحرمة، لا ما كان مغصوبا في نفس الأمر،
ليتحقق عدم جواز اجتماعه مع الأمر، فما لم يعلم كونه حراما - كما فيما نحن فيه -

(1) انظر القوانين: 140.
158

لا يصير موردا للقاعدة، ولم يعلم من مدعي الاجماع أيضا إلا الاجماع على
البطلان مع العلم بالغصب وحرمة التصرف، لا الاجماع على اشتراط الإباحة،
حتى يقال فيما نحن فيه: إن بطلان الوضوء بسبب عدم الإتيان بالمأمور به لا للاتيان
بالمنهي عنه، حتى يقبل منع دلالة النهي على الفساد.
والأظهر عندي عدم وجوب الاجتناب في الشبهة المحصورة، إلا فيما يحصل معه
العلم بارتكاب الحرام، كما تدل عليه صحيحة عبد الله بن سنان وغيرها في كل شئ
يكون فيه حلال وحرام (1)، ووجوب المقدمة أيضا لا يجدي فيما نحن فيه، إذ القدر
المسلم من وجوب اجتناب الحرام هوما علمت حرمته، وحينئذ فيجوز التصرف في
أحد الماءين، فإذا جاز التصرف فإنه يصح الوضوء.
وكذلك لو انقلب أحد الماءين المشتبهين بالمغصوب، خرجنا عن ذلك الأصل في
المشتبه بالنجس في خصوص الإناءين بدليل وبقي الباقي.
ثم إن ما ذكرنا من المنع إنما يتم فيما لو وجد ماءا غير المغصوب والمشتبه، وإلا
فيتعين البطلان، لعدم بقاء مورد آخر للأمر، فتتحد جهتا الأمر والنهي.
الثاني: أن يكون طاهرا، فلا تجوز الطهارة بالماء النجس، والمراد بعدم الجواز
عدم ترتب الأثر، لا الحرمة المصطلحة، إلا أن يعتقدها جائزة، اعتقادا ناشئا من غير
حجة شرعية.
وقد يستدل على الحرمة بالأخبار الكثيرة الناهية عن الوضوء به، ودلالتها غير
واضحة، إذ الظاهر منها عدم الاعتداد به، كما هو إجماعي، ومدلول عليه بالأخبار
أيضا، مثل صحيحة علي بن مهزيار، في حكاية مكاتبة سليمان بن راشد الآتية في
لباس المصلي (2)، وموثقة عمار الآمرة بإعادة الوضوء والصلاة لمن وجد في الآنية

(1) الكافي 5: 313 ح 39، التهذيب 7: 226 ح 988، الفقيه 3: 216 ح 1002.
(2) الوسائل 3: 258 أبواب لباس المصلي ب 7 ح 3.
159

التي توضأ منها فأرة متسلخة (1)، ومرسلة إسحاق (2) وغيرها.
وأما المشتبه بالنجس، فلا تجوز الطهارة به أيضا بالاجماع (3) نقله الشيخ (4)
والفاضلان (5). وتدل عليه موثقة سماعة، عن الصادق عليه السلام: في رجل معه
إناءان فيهما ماء، وقع في أحدهما قذر، لا يدري أيهما هو، وليس يقدر على ماء
غيره، قال: " يهريقهما ويتيمم " (6) وموثقة عمار عنه عليه السلام.
وقد استدل عليه أيضا بوجوه ضعيفة، أقواها: أن اجتناب النجس واجب قطعا،
وهو لا يتم إلا باجتنابهما معا، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وفيه منع ظاهر، إذ الواجب إنما هو اجتناب ما علمت نجاسته، ولا يحصل العلم
في كل منهما، فالقاعدة تقتضي جواز استعمال كل واحد منهما. والحرام إنما
هو استعمال الجميع، ونظيره في الشرع موجود، كعدم وجوب الغسل على واجدي
المني في الثوب المشترك، فلو لم يكن في المسألة إجماع ولا الخبران لحكمنا بجواز
الطهارة بأحدهما.
ومما ذكرنا تظهر سهولة الأمر في غير مورد الاجماع والخبر، كما سيجئ الكلام
في المشتبه بالنجس في مباحث النجاسات.
والظاهر عدم الفرق بين الإناءين والأكثر، كما صرح به الشيخان (7)

(1) الفقيه 1: 14 ح 26، التهذيب 1: 418 ح 1322، الوسائل 1: 106 أبواب الماء المطلق ب 4 ح 1.
(2) التهذيب 1: 419 ح 1323.
(3) في " ز ": للاجماع.
(4) الخلاف 1: 196 مسألة 153.
(5) المحقق في المعتبر 1: 103، والعلامة في التذكرة 1: 89، ونهاية الإحكام 1: 248، والمختلف 1: 248.
(6) الكافي 3: 10 ح 6، التهذيب 1: 249 ح 713، الاستبصار 1: 21 ح 48، الوسائل 1: 113 أبواب الماء
المطلق ب 8 ح 2.
(7) الشيخ المفيد في المقنعة: 69، والشيخ الطوسي في الخلاف 1: 196 مسألة 153.
160

والفاضلان (1)، وربما يتعدى إلى غير الإناء ولا يخلو عن إشكال، بل الإشكال
ثابت في الأكثر من الإناءين أيضا لما ذكرنا.
ولو انقلب أحدهما واشتبه الآخر بمتيقن الطهارة فالأظهر عدم وجوب
الاجتناب، للأصل، وعدم شمول النص، والإجماع.
وأوجب العلامة الاجتناب هنا أيضا (2)، وكذلك حكم بوجوب اجتناب ملاقي
الإناءين، وجعل حكم المشتبه حكم النجس.
وفيه أيضا منع واضح، لاستصحاب الطهارة، وعدم ثبوت حكم النجس
للمشتبه به إلا فيما ثبت فيه نص أو إجماع، وليس، فليس.
ثم إن الاشتباه بالنجس إما بأن يكون ماء طاهر وماء نجس، ثم اشتبه أحدهما
بالآخر، أو (3) يكفي أحدهما ويبقى الآخر، أو بأن يكون ماءان طاهران وعلم وقوع
النجاسة في أحدهما، ولم يدر أيهما هو.
وأما الشك في وقوع النجاسة في الماء، أو الشك في أن الواقع نجاسة أم لا،
فليس من هذا القبيل، لأصالة الطهارة، وسيجئ الكلام في تعارض البينتين في
مباحث النجاسات.
وأما الفرق بين ما لو كان الاشتباه حاصلا من حين العلم بوقوع النجاسة، وبين ما
لو طرأ الاشتباه بعد تعين النجس في نفسه، بجريان الاستصحاب في الثاني، لثبوت
المنع اليقيني فيستصحب، بخلاف الأول، فهو مما لا وجه له (4)، لعدم الفرق في
حصول أصل اليقين، فتقييد النص وإطلاق كلام الأصحاب بلا دليل كما ترى.
الثالث: أن يكون مطلقا على المشهور، المدعى عليه الاجماع، خلافا

(1) المحقق في المعتبر 1: 104، والعلامة في المنتهى 1: 177، ونهاية الإحكام 1: 248.
(2) منتهى المطلب 1: 177.
(3) في " ز ": و.
(4) هذه إشارة إلى ما ذكره في المدارك 1: 108.
161

للصدوق، حيث جوزه بماء الورد (1)، لرواية ضعيفة (2) (3). وأما سائر المياه المضافة،
فلا يجوز قولا واحدا.
والإجماع المنقول وإطلاقات الآية والأخبار سيما الحاصرة بأنه هو الماء
والصعيد (4) تدفع قول الصدوق.
ولو اشتبه المطلق بالمضاف مع فقد غيرهما، تطهر بكل منهما، لتوقف براءة
الذمة عليه، ولا يضر عدم الجزم بالنية، سيما في صورة عدم الإمكان، لعدم
الدليل.
ولا يبعد القول بالجواز مع وجود ماء مطلق يقيني، وإن كان الأحوط الاجتناب.
ولو انقلب أحدهما فقال في المدارك: إن الأصحاب قطعوا بوجوب الوضوء
بالباقي والتيمم، مقدما للأول على الثاني (5). واعترض عليه بأن الواجب إن كان
هو استعمال ما علم كونه ماءا مطلقا في الوضوء فينحصر الأمر حينئذ في التيمم،
وإن كان هو استعمال ما لم يعلم كونه مضافا فينحصر في الوضوء.
وفيه: أن الواجب استعمال الماء الواقعي، فإن الألفاظ أسام للمعاني النفس
الأمرية، فيجب الوضوء لاحتمال وجوده، ويجب التيمم لاحتمال عدمه، كما أنه
يجب الاجتناب عن المجهول الحال لاحتمال كونه فاسقا.

(1) الهداية: 13، الفقيه 1: 6، أمالي الصدوق: 514.
(2) روى يونس عن أبي الحسن (ع) في الرجل يغتسل بماء الورد ويتوضأ به للصلاة قال: لا بأس بذلك. الكافي 3:
73 ح 12، التهذيب 1: 218 ح 627، الاستبصار 1: 14 ح 27، الوسائل 1: 148 أبواب الماء المضاف ب 3
ح 1، ووجه الضعف وقوع سهل بن زياد في سندها وأنها من متفردات محمد بن عيسى عن يونس.
(3) وفرق صاحب المفاتيح بين ماء الورد هو الماء الذي وقع فيه الورد وماء الزعفران بجعل الثاني مضافا دون الأول،
وجعل الأول مثل ماء السماء تحكم بحت إلا أن يكون مراده أن ذلك مستحيل من البخار فهو ماء، وهو ممنوع
لصحة السلب وليس مراده أن ماء الورد هو الماء الذي وقع فيه الورد كما قد توجه به الرواية كما يستفاد من كتابه
الوافي (منه رحمه الله).
(4) انظر الوسائل 2: 970 أبواب التيمم ب 7 ح 6.
(5) مدارك الأحكام 1: 109.
162

والحاصل أن وجوب الوضوء معلق على نفس الماء، ووجوب التيمم على عدم
وجدان الماء، فإن كان المراد بالتعليق في التيمم أيضا هو عدم وجدان الماء في نفس
الأمر، فيتساويان في الاحتمال، ويجبان معا، لابراء (1) الذمة.
وكذلك إن استفدنا من مفهوم التعليق في التيمم على عدم وجدان الماء: التعليق
في الوضوء على وجدانه أيضا، وإن قلنا حينئذ إن الظاهر من التعليق على وجدان
الماء في الوضوء، وعلى عدمه في التيمم، هو ما لو علم بالوجدان أو ظن به، فإنهما
منتفيان فيما نحن فيه، فلا علم ولا ظن بوجدان الماء ولا بعدمه، فيتساقطان معا،
ولما كان من البديهي بقاء التكليف بطهارة، والأمر منحصر فيهما، فيجبان معا
لتحصيل البراءة، وربما يحتمل التخيير، لأصل البراءة، كما في بعض نظائره،
والأحوط، بل الأظهر ما عليه الأصحاب.
الرابع: تجب المباشرة بنفسه في حال الاختيار، للاجماع، نقله جماعة من
الأصحاب (2)، ولظاهر الأوامر، ولفحوى قوله تعالى: * (ولا يشرك بعبادة ربه
أحدا) * (3) على ما ورد تفسيره في حسنة الوشاء (4) وغيرها. وعن ابن الجنيد جواز
تولية الغير (5)، وهو ضعيف.
وأما في حال الاضطرار فتجوز توليته بمعنى وجوبها إجماعا، نقله الفاضلان في
المعتبر والمنتهى (6)، والأحوط نيتهما معا.

(1) في " ز ": ويجبان مع الإبراء.
(2) كالسيد في الإنتصار 29، قال: إنه مما انفردت به الإمامية، والعلامة في المنتهى 2: 132.
(3) الكهف: 110.
(4) الكافي 3: 69 ح 1، التهذيب 1: 365 ح 1107، الوسائل 1: 335 أبواب الوضوء ب 47 ح 1.
(5) نقله عنه في المختلف 1: 301.
(6) المعتبر 1: 175، المنتهى 2: 133.
163

الخامس: تشترط فيه النية، والأصل فيها الوجوب في كل ما لم يعلم الغرض
فيه من الأوامر، أو (1) علم أن الغرض منه بالذات هو تكميل النفس.
وأما ما علم أن المقصود منه مجرد الوصول إلى الغير - كغسل الثياب والأواني
والجهاد ونحو ذلك - فلا تشترط النية فيها، فتترتب آثار الفعل عليه فيها مع عدمها،
بل إذا وقع مع نية الخلاف وعلى وجه المعصية أيضا (فيخرج عن عهدة التكليف
بحصولها كيف اتفق، وإن حصلت له المعصية) (2)، بخلاف غيرها، فإن الامتثال
المطلوب فيها لا يحصل إلا إذا قصد بها الإطاعة، فإن مجرد موافقة المأمور به بعنوان
الاتفاق لا يسمى في العرف امتثالا.
وأما الواجبات التوصلية وإن كان يجري فيها ذلك أيضا، سيما إذا حصل الفعل
بدون اختيار المكلف، لكن المراد هنا بحصول الامتثال: هو ترتب الأثر والخروج عن
عهدة الفعل، فلا يكلف بالفعل ثانيا.
فحقيقة النية: قصد الفعل المأمور به ممتازا عما سواه لله تعالى.
فإذا كان الداعي على الفعل هو ذلك فقد حصلت النية، ولا حاجة إلى الإخطار
بالبال مفصلا في أول جزء من الأجزاء، كما فهمه أكثر المتأخرين (3).
ولذلك فلا يتفاوت الحال بين أول الشروع فيه، وحال التلبس به، فإن الداعي
لا يجب فيه التذكر، بل يكفي وجوده في الحافظة، ولا يرتفع إلا بالذهول عن
الفعل بالمرة، أو بنية الخلاف. وذلك هو المراد بالاستدامة الحكمية، فإذا كان
الداعي له في الشروع هو قصد التقرب إلى الآمر بالفعل المعين، ولو (4) كان خطوره

(1) في " ز ": و.
(2) ما بين القوسين ليس في " م " وفي " ز " بعد تلك العبارة زيادة: فيما لو نوى بها المعصية.
(3) كالوحيد البهبهاني.
(4) في " م ": فلو.
164

متقدما على زمان أول الشروع بكثير، فيكفي ويستمر ويصح إلا إذا حصل الداعي
إلى خلافه.
فظهر عدم وجوب المقارنة لأول جزئه الذي ذكره الفقهاء أيضا، ولا الاستدامة
بمعنى تجديد العزم (1) كما ذكر، لامتناع التذكر في الجميع سيما فيما بعد زمانه كما
ذكروه.
واختلفوا في وجوب قصد الوجه، معللا به وبدون التعليل، أو قصدهما معا، أو
وجه الوجه، وعدمه. وكذا في خصوص الطهارة في وجوب نية الاستباحة ورفع
الحدث معا، أو أحدهما، أو الاستباحة فقط، على أقوال. والأقوى العدم في
الجميع.
وكذا في القيود المأخوذة في غير الوضوء، أو ما عدا التقرب بالمتعين إلا إذا كان
مميزا.
فإذا تردد الأمر بين الواجب والندب - كصلاة الفجر ونافلتها - ولم يتميز الفعل
إلا بالقصد فيجب، بخلاف ما لو تردد الأمر بين وجوب الفعل وعدمه، كغسل
الجمعة. وإن أمكنه تحصيل العلم به، فلا يجب، لتعين نفس الفعل، ولا دليل على
وجوب قصد الوجه.
وكذلك إذا تردد الأمر بين الفائتة والحاضرة، ولم يتميز إلا بقصد أحدهما،
فيجب، بخلاف ما لو تردد الأمر بين صيرورة الصلاة قضاءا أو أداءا، كما لو استيقظ
قبيل (2) طلوع الشمس وتردد في الطلوع، فلا يجب قصد الأداء، ويكفي التقرب
بالفعل المعين، وهكذا.
واحتجوا لوجوب نية الوجه: بأن الفعل لما جاز وقوعه على وجه الوجوب تارة

(1) في " ح ": النية، بدل العزم.
(2) في " م ": قبل.
165

والندب أخرى فاشترط تخصيصه بأحدهما حيث يكون هو المطلوب ليحصل
الامتثال، ولا يحصل ذلك إلا بالنية.
وفيه: أنه إن أريد وجوب تعينه وتميزه حيث يشترك معه (1) فعل آخر في الهيئة مع
اختلافهما في الوجه - كالنافلة والفريضة - فهو كذلك كما أشرنا، مع أنه يحتمل المنع
فيه أيضا على القول بالتداخل فيما أمكن ذلك، كغسل الجنابة والجمعة، وكالوضوء
الواجب والمستحب.
وإن أريد أن امتثال الأمر الإيجابي لا يحصل إلا مع قصد الوجوب وإن لم تتعدد
الأوامر، ولم يشتبه المكلف به بشئ آخر، كغسل الجمعة المتردد بين الوجوب
والاستحباب، فإن المأمور به فيه متحد، وكذلك الأمر في نفس الأمر وإن اختلفت
فيه الأوامر ظاهرا، ففيه: أن الأصل عدم الاعتبار، والامتثال يحصل بإيجاد فرد من
ذلك الكلي المأمور به، وتصدق في العرف موافقة الأمر بمجرد فعله امتثالا،
ولا مدخلية لقصد الوجوب في تحققه في الخارج عرفا (2).
وأما وجه الوجه، فالمراد به: اللطف الحاصل بالإيجاب في التكاليف العقلية،
فإن امتثال السمعيات مقرب لاتباع العقليات، مثل نفس بعثة النبي صلى الله عليه
وآله وغيرها، فإنها أيضا لطف، فالغرض (3) من الإيجاب اللطف، فاللطف وجه
الإيجاب، أو شكر المنعم على قول بعضهم، فإنه وجه الإيجاب وغيره. وأما على
مذهب الأشاعرة فلا وجه، ولا مرجح.
وصرح المتكلمون: بأن حسن الفعل واستحقاق فاعله الثواب يتوقف على فعله
للوجه أو لوجهه. فإن كان مرادهم التقرب والامتثال اللازم لذلك كما هو الظاهر
فهو، وإلا فلا وجه له.

(1) في " ز ": مع.
(2) عرفا ليست في " م ".
(3) في " م ": في الغرض.
166

ومما ذكرنا ظهر أن القول " باشتراط قصد الوجه والتعليل به معا منضما إلى نية
التقرب كما يظهر من بعض الأصحاب (1) " في غاية البعد.
ولا دليل لاعتبار سائر القيود يعتد به، إلا ظاهر قوله تعالى: * (إذا قمتم إلى
الصلاة) * (2) الآية بناءا على ما تقدم من أن الظاهر منه كون الشرط غرضا للجزاء،
وأن قصد رفع الحدث مستلزم لإباحة الصلاة، فيتخير بينهما -
أو أن استلزام رفع الحدث للاستباحة لا يستلزم كون الوضوء المنوي (3) فيه رفع
الحدث مقصودا فيه الاستباحة كما هو مدلول الآية، فيتعين قصد الاستباحة (4).
أو أن كون الوضوء واجبا للصلاة لا يستلزم وجوب قصد ذلك، فإن المراد: أن
الوضوء واجب للصلاة، لا أن الوضوء الكائن للصلاة واجب، فيثبت عدم اشتراط
شئ منها (5).
واكتفى بعض من اشترط قصد الاستباحة في الوضوء للصلاة الواجبة باستباحة
أي مشروط كان وإن لم يكن فعله ممكنا (6). وهذا وهن في وهن.
وقد استدل على الجمع بينهما: بأن الحدث مانع، فيجب رفعه، وأن الاستباحة
وجه لذلك الرفع، فيجبان.
وفيه: أن وجوب الأول لا يستلزم وجوب قصده، وكذلك كون الثاني وجها
للأول.

(1) التذكرة 1: 140، جامع المقاصد 1: 201.
(2) المائدة: 60.
(3) في " ز ": منوي.
(4) لعدم انطباقه على مقتضى دليلهم المقدوح فيه، ففيه وهنان (منه رحمه الله).
(5) في " م " " ح ": منهما.
(6) قال في جامع المقاصد 1: 202 بعد نقل قول العلامة في القواعد (أو استباحة فعل مشروط بالطهارة) قال:
وتنكيره يشعر بأن المراد الاجتزاء بنية استباحة أي مشروط اتفق، فلو نوى استباحة الطواف وهو بالعراق مثلا صح
كما يحكى عن ولد المصنف، وصرح به شيخنا الشهيد في البيان. انظر البيان: 44.
167

وبأن الرفع والاستباحة قد يتفارقان في غسل الحائض بدون الوضوء، والمتيمم،
ولا يكفي قصد أحدهما عن الآخر.
ولا يخفى ضعفه، لمنع لزومه (أصلا) (1)، فضلا عن الاجتماع.
ثم إن المتداول في ألسنتهم " من اشتراط الاستباحة للصلاة في الوضوء،
واستدلالهم على ذلك بالآية " مبني على الغالب، أو على العمدة التي هي الوضوء
للصلاة، وإلا فليس كلما يشرع له الوضوء صلاة، ولا مما لا يباح إلا به، فإنه يستحب
للقراءة ولدخول المساجد ونحوهما أيضا. ففي الطواف لا بد لهم من اشتراط
استباحته، وكذلك في مس كتابة القرآن ونحوهما، بخلاف ما تقدم، فإن الوضوء
إنما هو لتحصيل كماله، فلو نوى ما يكون الوضوء مكملا له فإما أن يقصد استباحته
أو كماله أو نفسه.
فأما الأول فمقتضى أدلتهم عدم الصحة، كما حكم به الشيخ (2) وابن
إدريس (3)، لأنه مباح بدون ذلك.
وأما لو قصد الكمال، فالظاهر الصحة، لاستلزامه قصد رفع الحدث، لأن
الكمال لا يحصل إلا برفع الحدث، ومع حصوله يجوز الدخول به في المشروطات
أيضا، وكلام الشيخ وابن إدريس لا ينفيه.
وكذلك لو قصد أصل الفعل، لانصرافه إلى الوجه الصحيح، وهو تحصيل
الكمال.
وبالجملة يلزم على طريقتهم - على مجاراة (4) ما تقدم - قصد الغاية، استباحة،

(1) ليست في " م ".
(2) المبسوط 1: 19، قال: ومتى نوى استباحة فعل من الأفعال التي ليس من شرطه الطهارة لكنها مستحبة...
لم يرتفع حدثه لأن فعله ليس من شرطه الطهارة.
(3) السرائر 1: 98.
(4) في م ": محاذاة، وفي " ح ": مجازات.
168

أو كمالا، أو ما ينصرف إليهما، أو رفع الحدث على القول بالتخيير.
وعلى ما ذكرنا، فيكفي تميز الفعل عما سواه، فإن كان من الوضوءات الرافعة
فيدخل به في كل مشروط به، وإن لم يقصد الغاية بالوضوء، وإن كان قل ما يخلو
المكلف عن قصدها. ولعله السر في التزامهم قصد الاستباحة أو ما يؤول إليه،
وذلك لا يستلزم وجوب قصدها.
ويكفي قصد رفع حدث واحد وإن حصل متعددا، وكذا مشروط واحد وإن فعل
به متعددا، لما سنبينه في مسألة التداخل.
وأما لو نفى غيره ففيه إشكال، لكونه لغوا بحتا، وللزوم الجمع بين المتنافيين.
والظاهر أن ذلك محض اللعب ولا يدخل شئ في القصد، فيكون قصد العدم
كالعدم.
بقي الكلام في معنى قصد التقرب، ودليله:
قد سبق أن العرف يقتضي قصد الامتثال في صدق الإطاعة، فلا يحصل الامتثال
إلا بقصده.
ونقول ههنا: إن الأصحاب اتفقوا على وجوب قصد التقرب، كما نقله
الشيخ (1) والعلامة (2)، بل على اشتراط العبادة به.
نعم نقل عن السيد المخالفة في ذلك، فيحكم بالصحة وسقوط العقاب مع عدم
التقرب، وإن لم يحصل له ثواب، فرقا بين الاجزاء والقبول (3). والظاهر أن مراده
من عدم العقاب: هو على ترك الصلاة، لا على ترك التقرب، فينافي الاجماع على
وجوبه.

(1) نقل الشيخ الاجماع على وجوب أصل النية ولم يذكر القربة كما في الخلاف 1: 71، والمبسوط 1: 19،
وانظر مفتاح الكرامة 1: 217.
(2) المنتهى 2: 7، 14.
(3) انظر الإنتصار: 17، قال إن الصلاة المقصود بها الرياء غير مقبولة بمعنى سقوط الثواب وإن لم تجب إعادتها.
169

ويدل عليه أيضا: قوله تعالى: * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله) * (1) الآية وما دل على
حرمة الرياء وحرمة العمل المراءى فيه، كقوله تعالى: * (يراؤون الناس) * (2) و
* (لا يشرك بعبادة ربه أحدا) * (3) وغير ذلك، والنهي في العبادات مستلزم للفساد.
وذكروا في معنى القصد لله تعالى وجوها، أفضلها: الإتيان بالعبادة لكونه
تعالى أهلا لها، ثم للحياء منه والمهابة، ثم للشكر له والتعظيم، ثم لامتثال أمره
وموافقة إرادته، ثم للقرب منه والهرب عن البعد عنه، ثم لنيل الثواب عنده
أو الخلاص من عقابه.
فلم يؤخذ في النظر شئ في الأول حتى أمر الآمر، بل لأن الحسن بالذات إنما
هو للحسن بالذات.
وفي الثاني، وإن لم ينظر فيه إلى أمر الآمر أيضا، لكنه اعتبر هناك جاذب إلى
الفعل، وهو الحياء والمهابة، فكأنه شئ يضعف الاختيار، لكنه ليس بشئ تعود
فائدته إليه.
وفي الثالث لا يخلو المقام عن النظر إلى الفائدة وإن كانت متقدمة، فينزل عن
سابقيه.
وفي الرابع، ملاحظة أمره وموافقة إرادته، فالداعي الخارج عن نفس المكلف
هناك أقوى من سابقيه، فينزل عنهما.
وفي الخامس، ملاحظة الفائدة المتأخرة عن الفعل وإن كانت روحانية.
وأما الأخيران فيثوب (4) فيهما الدواعي من الملائمات الجسمانية.

(1) البينة: 5.
(2) النساء: 142.
(3) الكهف: 110.
(4) في " ز ": فيثور وقد تقرأ فينوب، وثاب هنا بمعنى رجع، ويحتمل كونها تصحيف فتكون.
170

ولا خلاف في كفاية غير الأخيرين، وفيهما خلاف عن ابن طاووس (1)، ونسبه
الشهيد في القواعد إلى الأصحاب (2) (3)، والحق خلافه، كما هو مذهب
جمهور أصحابنا، المستفاد من الآيات، كقوله تعالى: * (يدعوننا رغبا ورهبا) * (4)
و * (افعلوا الخير لعلكم تفلحون) * (5) وغير ذلك.
مضافا إلى الأخبار الكثيرة، وناهيك حسنة هارون بن خارجة، عن الصادق عليه
السلام قال: " العباد (6) ثلاثة: قوم عبدوا الله عز وجل خوفا، فتلك عبادة العبيد،
وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب، فتلك عبادة الأجراء، وقوم عبدوا الله
عز وجل حبا له; فتلك عبادة الأحرار، وهي أفضل العبادة " (7).
وكذلك الأخبار المستفيضة الدالة على أن من بلغه ثواب على عمل ففعله
التماس ذلك الثواب أوتيه وإن لم يكن كما بلغه.
ويجب أن يكون الداعي إلى الفعل هو التقرب لا غير، بأن يكون خالصا لله.
فإن انضم إليه شئ آخر، فإن كان رياءا أو سمعة، فالمشهور بطلان العبادة
- خلافا للسيد (8) - لقوله تعالى: * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) * (9)
فإن الظاهر أن اللام بمعنى الباء، وأن الدين هو الطاعة لا الملة، وأن المراد أعم من

(1) نقله عنه في روض الجنان: 27.
(2) القواعد والفوائد 1: 77، نضد القواعد الفقهية: 171.
(3) ويظهر من كلام غيره من الأصحاب أيضا كون ذلك إجماعيا، ويمكن أن يوجه بأن مرادهم من البطلان هو إذا
كان المراد محض دفع الضرر عن النفس أو جلب النفع مع قطع النظر عن كونهما صادرين عن الله تعالى وعن
كونهما طاعة، وإلا فيصير الأمر عسيرا جدا (منه رحمه الله).
(4) الأنبياء: 90.
(5) الحج: 77.
(6) في " م ": العبادة، ونسخ المصادر أيضا مختلفة.
(7) الكافي 2: 68 ح 5، الوسائل 1: 45 أبواب مقدمة العبادات ب 9 ح 1.
(8) الإنتصار: 17.
(9) البينة: 5.
171

الإخلاص عن تشريك الأوثان ونحوها، والحصر يفيد عدم كون غير الخالص مأمورا
به، فإذ لا أمر فلا امتثال.
ولأن الظاهر مما دل على حرمة الرياء في العبادات من الآيات والأخبار: هو
حرمة العبادة المراءى فيها، لا مجرد الرياء، والنهي في العبادة مستلزم للفساد.
وإن كان فعلا راجحا، فظاهرهم الاتفاق على الجواز، كضم الحمية إلى الصوم،
والإرشاد إلى الوضوء، والإعلام إلى التكبير، أو إجهاره، ونحو ذلك.
وظني أن مرادهم هنا: ما حصل الضم من جهة المكلف، بأن يكون بين الضميمة
والعبادة عموم من وجه. وأما ما نص عليه كالتسبيح في الصلاة لأجل إعلام الغير (1)
أو صلاة الليل لتوسيع الرزق (2)، ونحو ذلك مما هومن الكثرة بمكان، فليس بمحل
الإشكال، لترخيص الشارع، وإن كان من المباحات. ومن هذا الباب استيجار
الحج، والصلاة، وغيرهما (3).
وأما غير ذلك مما لا رخصة فيه ولا رجحان، كضم التبرد والتسخن إلى الوضوء
والغسل ونحو ذلك، ففيه خلاف. للمجوزين: أصالة البراءة عن التكليف، ومنع
ثبوت الوجوب، وأن اللازم واجب الحصول وإن لم ينوه.
وللنافي: اشتراط الإخلاص، وهو مناف له، فيرتفع الأصل، والنقض بالرياء،
فإن رؤية الناس أيضا لازمة وإن لم ينوها.
ويمكن دفع الأول بعدم دلالة الآية على أزيد من الإخلاص عن الشرك والرياء،
وكذلك غيرها من الأدلة، والثاني بأنه مخرج بالدليل.

(1) انظر الوسائل 4: 1255 أبواب قواطع الصلاة ب 9.
(2) انظر الوسائل 5: 271 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 39 ح 11، 13، 16، 41.
(3) ولعل من هذا الباب صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال " كان أمير المؤمنين عليه السلام
يدخل إلى أهله فيقول: عندكم شئ وإلا صمت، فإن كان عندهم شئ أتوه به وإلا صام " فإنه يدل على جواز
الصوم لعدم حصول شئ ولا ينافي القربة (منه رحمه الله).
172

نعم يرد المنع على أن اللازم واجب الحصول وإن لم ينوه على الإطلاق، فإنه لو
اختار الماء البارد أو الحار للوضوء، وكان التبرد والتسخن جزء الداعي، وبسببه
حصل المكلف ما يوجبه، فليس كذلك.
نعم يمكن ذلك فيما لو انحصر الماء في البارد مثلا، وضم إلى قصد التقرب
التبرد أيضا، وحينئذ فلنفرض النقض بالرياء في نظيره، ويجاب بما ذكرنا.
والحاصل أن الأظهر عدم البطلان بهذه الضميمة مطلقا إذا كان الداعي إلى
التقرب قويا بحيث لولاها لفعله جزما، والاحتياط مما لا ينبغي تركه.
وأما التلذذ بالماء البارد في أثناء الوضوء، فلا يضر أصلا.
بل الظاهر أن السرور برؤية أحد إياه في حال العبادة أيضا لا يبطلها إذا لم يكن
الداعي إلى الفعل هو ذلك، كما في رواية زرارة عن الباقر عليه السلام: عن الرجل
يعمل الشئ من الخير فيراه انسان فيسره، قال: " لا بأس، ما من أحد إلا ويحب (1)
أن يظهر له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك " (2).
وأما طرآن الرياء في الأثناء، بأن يصير ضميمة للداعي، فالظاهر أنه مبطل
أيضا، وظاهر المفاتيح يوهم خلافه (3).
وبالجملة الرياء أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة
الصماء، ولكن رحمة الله أيضا أوسع مما بين الأرض والسماء، حيث سن لنا الملة
السهلة السمحة الحنيفة البيضاء، وراقب أحوال القاصرين عن نيل ذرى العلياء، من
الضعفاء والنساء، وكل ميسر لما خلق.
فلو قلنا ببطلان العبادة بمجرد السرور في حال العمل باطلاع الغير و (4) جزمنا

(1) في بعض النسخ: ويجب.
(2) الكافي 2: 225 ح 18، الوسائل 1: 55 أبواب مقدمة العبادات ب 15 ح 1 بتفاوت يسير.
(3) المفاتيح 1: 49.
(4) في " م ": أو.
173

ببطلانها بالضمائم المباحة أيا ما كانت، لزم العسر الشديد، والحرج الوكيد، فعليك
بالاجتهاد والورع وتصفية النية عن كدر الشوب حسب المقدور، فإن الميسور لا يسقط
بالمعسور.
تنبيهان:
الأول: لو قصد الخروج والقطع في الأثناء فتبطل النية في اللاحق، فإن عاد قبل
فوات الموالاة، فقالوا بالصحة لجمعه شرائطها، وهو ظاهر الإطلاقات والعمومات.
الثاني: قد ذكرنا عدم اشتراط نية الوجه (1)، وهو في صورة عدم القصد مع
التذكر أو النسيان أو الاشتباه واضح، والإشكال فيما لو بدلها عمدا، فقصد
الوجوب في الندب، أو عكس. أو جهلا بالمسألة، مع إمكان التعلم.
ويظهر من بعضهم، الصحة بناءا على عدم اشتراط نية الوجه (2) - (3).
وفيه إشكال، بل الأظهر البطلان.
وأما جواز الوضوء الندب حال اشتغال الذمة بالواجب، فظاهر المشهور العدم،
والأظهر الجواز، للأصل، والإطلاقات، والأمر بالشئ لو سلم اقتضاؤه النهي عن
الضد الخاص فإنما هو في المضيق، وعدم جواز التداخل وسقوط الوجوب بالوضوء
الندبي لا يستلزم خروج الواجب عن الوجوب، فإن إطلاق الوجوب يعارضه إطلاق
الندب، فالوجوب ثابت ما لم يتحقق مسقط له.

(1) في " م ": نية الوجوب.
(2) في " م ": نية الوجوب.
(3) المعتبر 1: 139، المدارك 1: 188.
174

المقصد الخامس
في الجبائر
من كان على بعض أعضائه جبيرة ينزعها مع المكنة، وإلا مسح عليها، وكذا
العصائب التي يعصب بها الجرح والكسر، وهو مذهب علمائنا أجمع، قاله في
المنتهى، ثم قال: لا فرق في المسح بين الطهارة الكبرى والصغرى، وهو قول عامة
العلماء، لأن الضرر يلحق بنزعها فيهما (1)، والظاهر من ذلك أن وجوب الغسل مع
المكنة والاكتفاء بالمسح مع عدمها إجماعي.
ويدل على الأول أيضا: الأمر المطلق بالغسل. والظاهر أنه مخير بين النزع
وإدخال الماء تحته إن أمكن، لصدق الغسل، وعدم صراحة حسنة الحلبي الآتية في
وجوب النزع معينا.
ولموثقة عمار الدالة على وضع موضع الجبر في الماء حتى يصل إلى جلده (2)،
وإن احتمل أن تكون واردة في الغير القادر على النزع، ولكنه لم يعهد قول بذلك
التفصيل (3).

(1) منتهى المطلب 2: 130.
(2) التهذيب 1: 426 ح 1354، الاستبصار 1: 78 ح 242، الوسائل 1: 327 أبواب الوضوء ب 39 ح 7.
(3) يعني وجوب النزع أولا إن أمكن، وإلا فإدخال الماء تحته إن أمكن، وإلا فالمسح عليه (منه رحمه الله).
175

وعلى وجوب المسح عليها أيضا مضافا إلى الاجماع: حسنة الحلبي، عن
الصادق عليه السلام: عن الرجل تكون به القرحة في ذراعه، أو نحو ذلك من
موضع الوضوء، فيعصبها بالخرقة ويتوضأ ويمسح عليها إذا توضأ، قال: " إن
كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة، وإن كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثم
يغسلها " قال: وسألته عن الجرح كيف يصنع به في غسله؟ قال: " يغسل ما
حوله " (1).
وحسنة كليب الأسدي، عنه عليه السلام: عن الرجل إذا كان كسيرا، كيف
يصنع بالصلاة؟ قال: " إن كان يتخوف على نفسه، فليمسح على جبائره
وليصل " (2).
ولا ينافي ذلك صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، عن الكاظم عليه السلام: عن
الكسير تكون عليه الجبائر أو تكون به جراحة، كيف يصنع بالوضوء وعند غسل
الجنابة وغسل الجمعة؟ قال: " يغسل ما وصل إليه الغسل مما ظهر، مما ليس عليه
الجبائر، ويدع ما سوى ذلك، مما لا يستطيع غسله، ولا ينزع الجبائر، ولا يعبث
بجراحته " (3) ومرسلة الصدوق: وقد روي في الجبائر، عن الصادق عليه السلام، أنه
قال: " يغسل ما حولها " (4).

(1) الكافي 3: 33 ح 3، التهذيب 1: 362 ح 1095، الاستبصار 1: 77 ح 239، الوسائل 1: 326 أبواب
الوضوء ب 39 ح 2، وعدها حسنة لوقوع إبراهيم بن هاشم في طريقها، فإنه لم يظهر توثيقه.
(2) التهذيب 1: 363 ح 1100، الوسائل 1: 327 أبواب الوضوء ب 39 ح 8. وعدها حسنة لوقوع الكلام
في راويها وقد ضعفه البعض، ووثقه البعض الآخر برواية صفوان وابن أبي عمير عنه أو لوقوعه في
أسناد كامل الزيارات، والكل غير جيد ولم يذكر فيه إلا مدحا في الجملة. انظر معجم رجال الحديث 14:
120 / 9751.
(3) التهذيب 1: 362 ح 1094، الاستبصار 1: 77 ح 238، ورواها عن أبي الحسن الرضا (ع) في الكافي 3: 32
ح 1، الوسائل 1: 326 أبواب الوضوء ب 39 ح 1.
(4) الفقيه 1: 29 ح 94، الوسائل 1: 326 أبواب الوضوء ب 39 ح 4.
176

لأن المراد منها عدم وجوب غسل موضع الجبائر، ولا ينافي وجوب المسح
عليها.
ولا يجب إجراء الماء على الجبيرة، لعدم الدليل.
وأما استيعاب المسح، ففيه إشكال: لصدق المسح بالمسمى كالمسح في الوضوء،
ولنيابته عن الغسل. ويضعف الأول: بأن ذلك من جهة الباء. نعم لا يشترط
الاجتهاد في تتبع الأجزاء (1)، فلا يضر عدم وصول البلة إلى الجميع.
وكل ما ذكرنا يجري في موضع المسح أيضا، إلا أنه مشروط بعدم إمكان تحصيل
المسمى بدون ذلك، ولا يجب الاستيعاب فيه أيضا.
وفي معنى الجبائر والعصائب الطلاء واللصوق، لحسنة الوشاء (2)، وحسنة
عبد الأعلى مولى آل سام (3)، وغيرهما.
وفي اللصوق الذي يتضرر بإزالته مع عدم كون وضعه أولا للعلة، وإلحاقه
بالجبيرة والعصائب، إشكال. كالزائد من قدر الاحتياج في الجبائر والعصائب،
فلا تترك الاحتياط، وهو ضم التيمم.
ثم إنهم ذكروا أن المسح على الجبائر، إنما هو إذا كانت طاهرة، وإلا فيجب وضع
شئ طاهر عليها ثم مسحها. واحتمل الشهيد الاكتفاء بغسل ما حولها حينئذ
كالجرح المجرد (4)، والأول أحوط، وقيل: بل الأحوط المسح على النجس أولا، ثم
على الطاهر فوقه (5).

(1) في " م "، " ح ": الإجراء.
(2) التهذيب 1: 364 ح 1105، وفي عيون أخبار الرضا (ع) 2: 22 ح 48 بلفظ آخر، الوسائل 1: 327 أبواب
الوضوء ب 39 ح 9، 10.
(3) الكافي 3: 33 ح 4، التهذيب 1: 363 ح 1097، الاستبصار 1: 77 ح 240، الوسائل 1: 327 أبواب
الوضوء ب 39 ح 5.
(4) ذكرى الشيعة: 97.
(5) نقله عن شرح المفاتيح في مفتاح الكرامة 1: 281.
177

والإشكال إنما هو إذا لم يمكن تطهيره، وإلا فيطهر، وكان في وجوبه أيضا
إشكال.
والمناص في أمثال ذلك هو الاحتياط.
وأما الجرح المجرد، فإذا لم يمكن غسله فيجب غسل ما حوله، لصحيحة عبد الله
بن سنان (1)، وحسنة الحلبي المتقدمة (2).
وفي وجوب المسح عليه إن أمكن قولان، من جهة الأصل وظاهر النص، ومن
جهة الإتيان بشبيه الغسل عند تعذره، والأول أظهر، والثاني أحوط.
وأوجب بعض من قال بالثاني وضع شئ عليه ومسحه إن لم يمكن المسح
أيضا (3)، تفريعا على أصله، وكونه حينئذ أحوط إذا لم يكن اللصوق مانعا عن شئ
من الصحيح.
وعلى القول بعدم الوجوب، فلو وضعه فهل يجب حينئذ المسح عملا بظاهر
حسنة الحلبي، أو لا، لأن المتبادر منها العصائب المحتاج إليها أولا؟ إشكال.
وظاهرهم إلحاق القرح والكسر المجردين وغيرهما أيضا بالجرح المجرد. وعليك
بالاحتياط فيما لا يستفاد من النص.
ثم إن جماعة من متأخري المتأخرين قد اشتبه عليهم الأمر في المقام من جهة
كلمات الأصحاب، واختلاف الأخبار، وأخذوا تناقضا، واستشكلوا فيه، وهو
أنهم ذكروا في مسألة الجبيرة وجوب الوضوء على النهج المذكور، وذكروا في
مبحث التيمم أن من الأسباب الموجبة للتيمم القروح والجروح وما أشبههما
وأطلقوا، وكذلك الأخبار الصحيحة مستفيضة في وجوب التيمم على من به قرح أو

(1) الكافي 3: 32 ح 2، التهذيب 1: 363 ح 1096، الوسائل 1: 326 أبواب الوضوء ب 39 ح 3.
(2) الكافي 3: 33 ح 3، التهذيب 1: 362 ح 1095، الاستبصار 1: 77 ح 239، الوسائل 1: 326 أبواب
الوضوء ب 39 ح 2. وقد تقدمت في ص 158.
(3) كالعلامة في نهاية الإحكام 1: 66.
178

جرح، وفي بعضها الكسر أيضا (1).
وقد جمع بعضهم بين الأخبار بالتخيير، أو بحمل الموجبة على ما إذا تضرر
بغسل ما حول الجرح (2). وبعضهم بين الأقوال، بحمل قولهم في التيمم على من
استوعبت الجبيرة عضوه، أو على من كان عذره مرضا غير الجرح والقرح
والكسر (3).
وأنت خبير بأن أكثر ما ذكر لا يتم بالنظر إلى الأخبار ولا كلام الأصحاب، فإن
مطلق الأخبار يحمل على المقيد، وكذلك مطلق كلام الأصحاب، فإن مرادهم من
إطلاقهم كون الجرح والقرح سببا للتيمم هو بيان السبب في الجملة، لا في جميع
الأحوال بقرينة إجماعهم وسائر تصريحاتهم.
وعمدة ما أوقعهم في هذا التوهم: هو ما ذكره الشيخ في المبسوط والخلاف،
والعلامة في المنتهى والتذكرة، وغيرهما، قال في المبسوط: ومن كان في بعض
جسده أو بعض أعضاء طهارته ما لا ضرر عليه، والباقي عليه جراح أو ضرر في
إيصال الماء، جاز له التيمم، ولا يجب عليه غسل الأعضاء الصحيحة، وإن غسلها
وتيمم كان أحوط، سواء كان الأكثر عليلا أو صحيحا، ذكر ذلك في مبحث التيمم
بعد ما ذكر في مبحث الوضوء أحكام الجبيرة على ما تقدم من التفصيل (4)، وفي معناه سائر العبارات (5) - (6).
وظني أن ذلك ليس مخالفة لسابقه، بل هو رد على العامة، حيث ذهب أبو حنيفة

(1) الوسائل 2: 966 أبواب التيمم ب 5.
(2) مدارك الأحكام 1: 239.
(3) جامع المقاصد 1: 515.
(4) المبسوط 1: 35، 23.
(5) قد تقرأ في النسخ: العبادات.
(6) انظر الخلاف 1: 154، 158، والتذكرة 2: 170، 216، والمنتهى 2: 32 و ج 1: 128.
179

ومالك إلى أن الأعضاء أو البدن إن كان الأكثر منها صحيحا يجب غسله وإلا
فيتيمم (1) - (2)، والشافعي وأحمد إلى أنه يجب غسل ما أمكنه، ويتيمم للباقي (3).
ولما كان من المقرر الثابت عند الشيخ وسائر علمائنا وجوب العمل على مقتضى
ما تقدم في الجبائر، وكان من المفروغ عنه عندهم أن العدول إلى التيمم إنما هو بعد
العجز، فمرادهم هنا من وجوب التيمم وعدم غسل العضو الصحيح هو إذا لم
يمكن غسل العضو العليل ولو بطريق المسح على الجبيرة.
والذي يشهد بذلك ملاحظة كلماتهم فيما قبل وفيما بعد، فإنها (4) يخصص
بعضها بعضا.
قال في التذكرة في مبحث الوضوء: إذا كانت الجبائر على جميع أعضاء الغسل
وتعذر غسلها، مسح على الجميع مستوعبا بالماء، ومسح رأسه ورجليه ببقية البلل،
ولو تضرر بالمسح تيمم.
وقال أيضا: الجبيرة إن استوعبت محل الفرض مسح عليه أجمع، وغسل باقي
الأعضاء، وإلا مسح على الجبيرة، وغسل باقي العضو، ولو تعذر المسح على
الجبيرة تيمم، ولا يجب غسل باقي الأعضاء (5).
وقال في بحث التيمم: الطهارة عندنا لا تتبعض، فلو كان بعض بدنه صحيحا،
وبعضه جريحا، تيمم، وكفاه عن غسل الصحيح.
ثم قال بعد ذلك: لو تمكن من المسح بالماء على العضو الجريح، أو على جبيرة

(1) في " م "، " ح ": ولا يتيمم، قال في الخلاف 1: 154، وقال أبو حنيفة: إن كان الأكثر منها صحيحا غسل
الجميع ولا يتيمم، وإن كان الأكثر سقيما تيمم ولا يغسل.
(2) المبسوط للسرخسي 1: 122، بدائع الصنائع 1: 51، التفسير الكبير 11: 167.
(3) المجموع 2: 287 - 323، التفسير الكبير 11: 166، وانظر المغني لابن قدامة الحنبلي 1: 261.
(4) في " ز ": فإنما.
(5) التذكرة 1: 207 208.
180

وغسل الباقي، وجب، ولا يتيمم (1). وهذا صريح فيما ذكرنا.
فالحاصل أن مرادهم في هذا المقام نفي التبعيض، ومع إمكان الجبيرة فيجب
ولا يتبعض (2).
ومما أوقعهم في الحمل على التخيير: كلام العلامة في المنتهى، حيث أورد نظير
ما نقلنا عن المبسوط من الرد على العامة في التبعيض وعدم الفرق بين أقل الأعضاء
والأكثر، ثم استدل لمن أوجب الجمع منهم برواية جابر، قال: " خرجنا في سفر
فأصاب رجلا منا شجة في وجهه، ثم احتلم، فسأل أصحابه هل تجدون لي رخصة
للتيمم؟ قالوا: ما نجد لك رخصة وأنت قادر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا
على النبي صلى الله عليه وآله أخبر بذلك، فقال: قتلوه، قتلهم الله، ألا يسألوا
إذا لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم و (3) يعصب على
جرحه، ثم يمسح عليه، ثم يغسل سائر جسده " (4).
وأجاب عنه بما حاصله أن الواو بمعنى أو، يعني كان يكفيه أحد من الأمرين:
التيمم، أو التعصب والمسح وغسل سائر الأعضاء، ففهم بعضهم من ذلك أنه يقول
بالتخيير بين الأمرين (5).
أقول، أما أولا: فجواب العلامة من باب الجدل.
وثانيا: إن العمل على مقتضى الجبيرة في الوضوء إجماعي بينهم، فلا معنى
للتخيير. وعدم القول بالفرق المدعى في المنتهى إنما هو في جانب الوجوب، أو كان
نظره إلى خلاف بعض العامة في نفي الوجوب أيضا.

(1) التذكرة 2: 216، 217.
(2) في " ز ": تبعيض.
(3) في " م "، والمستدرك: أو.
(4) تفسير أبي الفتوح الرازي 1: 770، المستدرك 2: 528 أبواب التيمم ب 4 ح 4.
(5) المنتهى 2: 33.
181

وبالجملة عدم القول بالفرق في الوجوب، ولا يستلزم وجود القول بنفي
الوجوب.
وثالثا: إنه يمكن أن يكون مراد العلامة - رحمه الله - مطلق الترديد، يعني أنه
كان يكفيه التيمم أو العمل على مقتضى الجبيرة، وإن كان ذلك على الترتيب،
بتقديم الجبيرة على التيمم (1)، فالترديد بالنسبة إلى حال المكلف، لا نفس الطهارة.
ورابعا: بأنه يمكن أن يكون التيمم في الحديث بمعنى مطلق القصد، كقوله
تعالى: * (فتيمموا صعيدا طيبا) * (2).
ومما ذكرنا ظهر: أن حمل الأخبار على التخيير أيضا لا وجه له، فإن الأخبار
المجوزة للتيمم كلها مطلقة، لا إشارة في أحدها إلى جواز التيمم في صورة إمكان
الجبيرة، فتحمل على المقيدات الموجبة للمسح على الجبيرة.
مع أن كلها واردة في الغسل، وليس فيها خبر يعارض ما ورد في وجوب المسح
على الجبيرة في الوضوء.
وعدم القول بالفصل المدعى في المنتهى إنما هو على أن كل من يقول بوجوب
المسح على (3) الجبيرة في الوضوء يقول بوجوبه في الغسل، لا أن كل من لا يقول
بوجوبه في الغسل لا يقول بوجوبه في الوضوء.
فلا إشكال في تعين وجوب المسح على الجبيرة في الوضوء أصلا، وإنما
الإشكال في الغسل من جهة معارضة تلك الأخبار المطلقة بصحيحة عبد الرحمن بن
الحجاج المتقدمة (4)، وإطلاق حسنة كليب (5) وكذلك رواية جابر المتقدمة، المقتضية

(1) في " ز ": بتقديم التيمم على الجبيرة.
(2) النساء: 43.
(3) في " ز ": في.
(4) ص 158.
(5) المتقدمة ص 158.
182

للجمع بالتخيير (1)، ومن جهة خصوصية صحيحة عبد الرحمن، ودعوى الاجماع
المركب (2).
وظني أن الإشكال هنا منتف أيضا، لما عرفت ما في رواية جابر مع ضعفها، وأن
المطلق يحمل على المقيد، فلا يبقى للتخيير وجه ومستند.
نعم لما كانت الصحيحة مختصة بحكم الجبائر، فالظاهر العمل على التيمم في
غير ذي الجبيرة وإن كان كسيرا، كما صرح به في صحيحة ابن أبي عمير (3)، وإن
كان الأحوط الجمع بينه وبين الغسل حينئذ أيضا. ونهاية الاحتياط الجمع مطلقا.
وإنما أطنبنا الكلام، لكونه من مزال الأقدام.
تنبيهات:
الأول: قد يتوهم عدم اطراد حكم الجبيرة في الغسل، وقد عرفت خلافه، بل
الظاهر عدم الخلاف، فلاحظ الشرائع كيف عمم مواضع (4) الطهارة، ولم يخصص
بالوضوء (5)، وصرح في المنتهى بما تقدم (6).
وقال في الذكرى: لو كانت الجبيرة على مواضع التيمم واحتيج إليه، فكالوضوء
والغسل (7). إلى غير ذلك من العبارات الظاهرة والمصرحة، وكذلك الأخبار مثل
صحيحة عبد الرحمن وغيرها، ويظهر من ذلك اطراد الحكم في التيمم أيضا،

(1) ص 163.
(2) وفي نسخة: دعوى عدم القول بالفرق.
(3) الكافي 3: 68 ح 2، الوسائل 2: 967 أبواب التيمم ب 5 ح 4. وفيه: يتيمم المجدور والكسير بالتراب إذا
أصابته جنابة.
(4) في " م "، " ح ": بمواضع.
(5) الشرائع 1: 15، قال: من كان على بعض أعضاء طهارته جبائر....
(6) ص 163.
(7) الذكرى: 97.
183

ولا بأس به، لعموم البدلية المستفادة من الأدلة كما سيجئ.
الثاني: صرح جماعة من الأصحاب بعدم الفرق بين اشتمال الجبيرة كل العضو
وبعضه ويظهر من التذكرة: اشتمال جميع أعضاء الغسل أيضا (1)، وهو مقتضى الإطلاقات.
الثالث: لا فرق بين كون ما تحتها طاهرا أو نجسا، للاطلاق.
الرابع: لو زال المانع، ففي بقاء الطهارة قولان، أقواهما العدم، لعمومات
الطهارة. اكتفينا بها عن أصل الطهارة للضرورة، وهي باقية في غير حال الضرورة
على عمومها.
واحتجوا بأن الأمر يقتضي الاجزاء، والإعادة تحتاج إلى دليل، وبأنها طهارة
رافعة، ولا ينقضها إلا حدث.
ويرد على الأول: أن الاجزاء إنما يسلم للأمر المتعلق حال الضرورة لا مطلقا،
وذلك ليس بإعادة.
وعلى الثاني: أن ارتفاع الحدث إنما يسلم لغاية لا مطلقا كالتيمم، والأحوط
نقضها ثم تجديدها.

(1) التذكرة 1: 207.
184

المقصد السادس
في الآداب
وفيه بحثان:
الأول: يستحب عنده السواك بإجماعنا، وللأخبار، مثل قوله عليه السلام لعلي
عليه السلام: " وعليك بالسواك عند كل وضوء " رواه معاوية بن عمار في
الصحيح (1).
وفي بعضها: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند وضوء كل صلاة " (2).
وفي بعضها: " السواك شطر الوضوء " (3).
ومن نسيه قبله يستحب له فعله بعده، ففي رواية معلى بن خنيس: فيمن نسي
حتى يتوضأ قال: " يستاك ثم يتمضمض ثلاث مرات " (4).

(1) الكافي 8: 79 ح 33، الوسائل 1: 353 أبواب السواك ب 3 ح 1.
(2) الفقيه 1: 34 ح 123، الوسائل 1: 354 أبواب السواك ب 3 ح 4.
(3) الفقيه 1: 32 ح 114، الوسائل 1: 354 أبواب السواك ب 3 ح 3.
(4) المحاسن: 561 ح 947، الوسائل 1: 354 أبواب السواك ب 4 ح 1.
185

والأخبار في مطلق استحبابه تبلغ حد التواتر، وفيها كمال التأكيد.
ويجزئ للمضطر ولو بإمرار إصبع واحدة. وفي رواية السكوني: " السواك
بالابهام والمسبحة عند الوضوء سواك " (1).
ويستحب وضع الإناء الذي يغترف منها على اليمين، والاغتراف بها، قال في
المعتبر: إنه مذهب الأصحاب، لعموم ما دل على حسن التيامن، والأخبار الكثيرة
الدالة على الاغتراف باليمين (2).
ولكن في حسنة زرارة المنقولة في بيان وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله:
" فدعى بقعب فيه شئ من ماء، فوضعه بين يديه، ثم حسر عن ذراعيه، ثم غمس
فيه كفه اليمنى - إلى أن قال - ثم غمس يده اليسرى، فغرف بها ملأها، ثم وضعه
على مرفقه الأيمن " (3). وكذلك في روايات أخر (4) الاغتراف باليسرى لغسل اليد
اليمنى (5).
نعم في صحيحة محمد بن مسلم: " ثم أخذ كفا آخر بيمينه فصبه على يساره،
ثم غسل به ذراعه الأيمن " (6).
وهي مستند الأصحاب. وكذلك صحيحة زرارة وبكير (7)، والعمل على الكل
حسن إن شاء الله تعالى.

(1) التهذيب 1: 357 ح 1070، الوسائل 1: 359 أبواب السواك ب 9 ح 4، في التهذيب التسويك، وفي
الوسائل التسوك، بدل السواك.
(2) المعتبر 1: 164.
(3) الكافي 3: 25 ح 4، الفقيه 1: 24 ح 74، الاستبصار 1: 58 ح 171، الوسائل 1: 272 أبواب الوضوء ب
15 ح 2.
(4) في " ح ": في رواية أخرى.
(5) هذا مضمون رواية وردت في الكافي 3: 24 ح 1، والتهذيب 1: 55 ح 157، والاستبصار 1: 58 ح 171،
والوسائل 1: 274 أبواب الوضوء ب 15 ح 6، 10 وكذا ص 272 ح 3.
(6) الكافي 3: 24 ح 3، الوسائل 1: 274 أبواب الوضوء ب 15 ح 7.
(7) التهذيب 1: 56 ح 158، الاستبصار 1: 57 ح 168، الوسائل 1: 275 أبواب الوضوء ب 15 ح 11.
186

وأما مثل الإبريق، فيضعه على اليسار، ويصب على اليمين ويغسل بها الوجه،
ثم يصب عليها ويديرها إلى اليسار ليغسل بها اليمين.
وتستحب التسمية عند الوضوء بالاجماع، للأخبار المستفيضة (1). والأمر
بالإعادة لمن لم يسم في بعض الأخبار محمول على التأكيد.
وفي الصحيح: " إذا وضعت يدك في الماء فقل: بسم الله وبالله، اللهم اجعلني
من التوابين، واجعلني من المتطهرين، فإذا فرغت فقل: الحمد لله رب العالمين " (2).
وأفضلها: بسم الله الرحمن الرحيم.
وغسل الكفين قبل إدخالهما الإناء من النوم والبول مرة، ومن الغائط مرتين،
لصحيحة عبيد الله الحلبي (3)، وموثقة عبد الكريم بن عتبة (4); وفيهما تقييد اليد
باليمنى. ولكن حسنة حريز مطلقة (5)، ولا تنافي بينهما، وفيها استحبابه للبول أيضا
مرتين، ويمكن حملها على الأفضل.
وتخصيص الاستحباب بحال الوضوء من الإناء مع عدم مخصص صريح في
الأخبار ووجود المطلق فيها لا يخلو عن إشكال، ومراعاة توهم النجاسة في علة
الحكم أيضا ضعيف كما لا يخفى.

(1) الوسائل 1: 297 أبواب الوضوء ب 26، ورواية الإعادة هو الحديث السادس.
(2) التهذيب 1: 76 ح 192، الوسائل 1: 298 أبواب الوضوء ب 26 ح 2.
(3) الكافي 3: 12 ح 5، الوسائل 1: 301 أبواب الوضوء ب 27 ح 1. وفيها سئل كم يفرغ الرجل على يده قبل
أن يدخلها في الإناء؟ قال: واحدة من البول واثنتان من الغائط....
(4) الكافي 3: 11 ح 2، علل الشرائع: 282 ح 1، الوسائل 1: 301 أبواب الوضوء ب 27 ح 3. وفي طريقها
محمد بن سنان وهو ضعيف، لكن في التهذيب عن ابن سنان وعثمان بن عيسى، وعثمان شيخ الواقفة وأحد
الوكلاء المستبدين بمال موسى بن جعفر (ع). انظر معجم رجال الحديث 11: 117، ولكن ذكر الشيخ عمل
الطائفة برواياته لوثاقته في العدة: 381.
(5) التهذيب 1: 36 ح 97، الاستبصار 1: 50 ح 142، الوسائل 1: 301 أبواب الوضوء ب 27 ح 2. وفي
طريقها علي بن السندي ولم يثبت توثيقه. انظر معجم رجال الحديث 12: 46. وعلى أي حال ففيها: يغسل
الرجل يده من النوم مرة ومن الغائط والبول مرتين.
187

وفي استحباب الغسل عند الوضوء ثانيا إذا كان غسلها بعد الحدث إشكال،
كالاكتفاء بغسل اليدين والمضمضة والاستنشاق بعد الجنابة لمطلق الأكل والشرب.
والمضمضة، ثم الاستنشاق، ثلاثا ثلاثا.
أما الأول، فللاتفاق من غير ظاهر ابن أبي عقيل، فلا يفهم منه استحباب
ولا وجوب (1)، وللأخبار المستفيضة (2).
وأما الثاني، أي الترتيب، فللتأسي بأمير المؤمنين عليه السلام، كما في رواية
عبد الرحمن بن كثير (3).
وأما الثالث، فلما رواه ابن الشيخ في مجالسه (4)، ولما رواه المفيد في الإرشاد،
عن محمد بن إسماعيل بن الفضل: في أمر الكاظم عليه السلام علي بن يقطين
بالوضوء على طريقة العامة (5). ولكن فيها شئ، وتشير إليه رواية معلى
المتقدمة (6). مع أن فتوى الأصحاب كافية في ذلك، وقد اعترف كثير من الأصحاب
بعدم الوقوف على الدليل.
والأفضل تثليث الأكف في كل منهما.
والمضمضة: إدارة الماء في جميع فيه ثم مجه.
والاستنشاق: جذب الماء إلى داخل الأنف ورده، وليبالغ فيهما.
وفتح العين مجردا، لا منضما إلى غسل باطنها، للمضرة، وللإجماع على عدم

(1) قال ابن أبي عقيل: إنهما ليسا عند آل الرسول عليهم السلام بفرض ولا سنة. نقله عنه في المختلف 1: 278.
(2) الوسائل 1: 302 أبواب الوضوء ب 29.
(3) الكافي 3: 70 ح 6، التهذيب 1: 52 ح 153، الفقيه 1: 26 ح 84، الوسائل 1: 282 أبواب الوضوء ب 16
ح 1.
(4) أمالي الطوسي 1: 29، الوسائل 1: 279 أبواب الوضوء ب 15 ح 19.
(5) إرشاد المفيد: 294، الوسائل 1: 312 أبواب الوضوء ب 32 ح 3.
(6) في ص 167، وهي في المحاسن: 561 ح 947، الوسائل 1: 354 أبواب السواك ب 4 ح 1.
188

استحبابه، نقله الشيخ في الخلاف (1). والأصل فيه قوله صلى الله عليه وآله:
" افتحوا عيونكم عند الوضوء لعلها لا ترى نار جهنم " (2).
وأن يدعو عند كل فعل بالمأثور في رواية عبد الرحمن بن كثير وغيرها (3).
بدأة الرجل بظاهر ذراعيه، والمرأة بالباطن، لرواية محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن الرضا عليه السلام، أنه قال: " فرض الله على النساء في الوضوء أن
يبتدئن بباطن أذرعهن، وفي الرجال بظاهر الذراع " (4)، وما رواه الفقيه مرسلا عن
الرضا عليه السلام (5).
وربما يقال: ظاهرهم استحباب البدأة بما ذكر في الغسلة الأولى، ولكن
الروايتان قابلتان لإرادة كل من الغسلتين (6).
وفي المدارك: إن مقتضى كلام أكثر القدماء أن الثانية كالأولى، وعليه
العمل (7)، وكذا فهمه جده (8). وذهب جماعة منهم المحقق (9) والشهيد (10) إلى
استحباب بدأة الرجل بالظاهر في الأولى، وفي الثانية بالباطن، عكس المرأة،
والرواية لا تدل عليه.

(1) الخلاف 1: 85 مسألة 35.
(2) الفقيه 1: 31 ح 104، المقنع: 8، ثواب الأعمال: 33، علل الشرائع: 280، الوسائل 1: 341 أبواب
الوضوء ب 53 ح 1.
(3) تقدمت في ص 170، وانظر الوسائل 1: 282 أبواب الوضوء ب 16، وص 297 ب 26.
(4) الكافي 3: 28 ح 6، التهذيب 1: 76 ح 193، الوسائل 1: 328 أبواب الوضوء ب 40 ح 1، وفي طريقها
إسحاق بن إبراهيم بن هاشم القمي. وهو مجهول.
(5) الفقيه 1: 30 ح 100، الوسائل 1: 328 أبواب الوضوء ب 40 ح 2.
(6) في " ز ": قابلتان لكل من الغسلتين.
(7) المدارك 1: 249.
(8) روض الجنان: 42. قال: وجماعة من الأصحاب لم يفرقوا بين الغسلتين.
(9) الشرائع 1: 16.
(10) البيان: 50.
189

ويستحب إسباغ الوضوء، للأخبار المستفيضة (1).
وأن يكون بمد، للاجماع، والأخبار (2). وهو رطلان وربع بالعراقي، ورطل
ونصف بالمدني، للصحيح على الأشهر الأقوى.
ورواية سماعة مع ضعفها (3) لا تدل على مذهب البزنظي (4) من كونه رطلا
وربعا بالعراقي، والرطل العراقي مائة وثلاثون درهما، أحد وتسعون مثقالا على
الأصح، وتطابقه رواية الهمداني: " إن الصاع يكون في الوزن ألفا ومائة وسبعين
وزنة " (5) فإن الظاهر أن المراد من الوزنة الدرهم.
خلافا للعلامة في بعض أقواله، حيث جعله تسعين مثقالا، مائة وثمانية
وعشرين درهما، وأربعة أسباع درهم (6).
والدرهم ستة دوانيق، والدانق ثمان حبات من أوسط حب الشعير بلا خلاف -
وسيجئ الكلام في خبر المروزي الدال على خلافه (7) - فيكون المد مساويا لربع من
تبريزي يوازي ثلاثين شاهيات من فلوس بإضافة ثلاث مثاقيل صيرفيات ونصف
ونصف ثمن مثقال.
وإذا كان على وزان ثمان عباسيات من فلوس، كما هو المتداول الآن، فيكون
ربعه مع نقصان ستة مثاقيل وربع مثقال وربع ثلاثة أرباع مثقال.

(1) الوسائل 1: 342 أبواب الوضوء ب 54.
(2) الوسائل 1: 338 أبواب الوضوء ب 50.
(3) التهذيب 1: 136 ح 376، الاستبصار 1: 121 ح 411، الوسائل 1: 339 أبواب الوضوء ب 50 ح 4،
وفيها: وكان الصاع على عهده رسول الله صلى الله عليه وآله خمسة أمداد، وكان المد قدر رطل وثلاث أواق.
(4) حكاه عنه في المعتبر 2: 533.
(5) الكافي 4: 172 ح 9، التهذيب 4: 83 ح 243، الاستبصار 2: 49 ح 163، الفقيه 2: 115 ح 493، معاني
الأخبار: 249 ح 2، عيون أخبار الرضا (ع) 1: 309 ح 73، الوسائل 1: 236 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 1.
(6) التحرير 1: 62، المنتهى (الطبعة الحجرية) 1: 497.
(7) الفقيه 1: 23 ح 69، التهذيب 1: 135 ح 374، الاستبصار 1: 121 ح 410، معاني الأخبار: 249 ح 1،
الوسائل 1: 338 أبواب الوضوء ب 50 ح 3.
190

فيكون الصاع على الأول منا وأربعة عشر مثقالا وربعا، وعلى الثاني منا بنقصان
خمسة وعشرين مثقالا وثلاثة أرباع مثقال.
وربما يقال: إن ماء الاستنجاء داخل في ذلك، لأن المد يزيد على ذلك. وقد
يستشهد ببعض الروايات (1)، ولا دلالة فيها أصلا.
وأنت خبير بأن الوضوء الكامل سيما على القول باستحباب تثنية الغسلات
لا يكاد يفيه المد، إلا مع الاجتهاد.
والقول باستحبابها هو المشهور بين الأصحاب، المدعى عليه الاجماع في
السرائر (2). ويظهر من الكليني (3) والصدوق (4) والبزنظي (5) عدم الاستحباب.
ونسب الشيخ القول بالحرمة إلى بعض الأصحاب (6).
والأقوى الأول، للأخبار (7) المستفيضة، منها صحيحة معاوية بن وهب، قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الوضوء، فقال: " مثنى مثنى " (8) وبهذا المضمون
روايات كثيرة.
وظاهر الجملة الخبرية وإن كان هو الوجوب، إلا أن الاجماع على حملها على
الاستحباب، لكونه أقرب مجازاته.

(1) أشار بذلك إلى قول الشهيد في الذكرى: 95، والرواية هي رواية ابن كثير عن أمير المؤمنين (ع)، وهي في
الوسائل 1: 282 أبواب الوضوء ب 16 ح 1، وهي دالة على دخول ماء الاستنجاء فيه.
(2) السرائر 1: 100.
(3) الكافي 3: 27. قال بعد رواية عبد الكريم: هذا دليل على أن الوضوء إنما هو مرة مرة... وإن الذي جاء عنهم
أنه قال الوضوء مرتان إنما هو لمن لم يقنعه مرة.
(4) الفقيه 1: 29. قال: الوضوء مرة مرة ومن توضأ مرتين مرتين لم يؤجر.
(5) قال في نوادره: واعلم أن الفضل في واحدة واحدة ومن زاد على اثنتين لم يؤجر. نقله ابن إدريس في
مستطرفات السرائر 3: 553.
(6) الخلاف 1: 87 مسألة 38.
(7) في " م " زيادة: المعتبرة.
(8) التهذيب 1: 80 ح 208، الاستبصار 1: 70 ح 213، الوسائل 1: 310 أبواب الوضوء ب 31 ح 28.
191

وحملها على الرخصة بعيد. ولا دلالة في رواية داود الرقي عن الصادق
عليه السلام عليه - رواية الكشي - قال، فقلت: جعلت فداك، كم عدة الطهارة؟
فقال عليه السلام: " ما أوجبه الله تعالى فواحدة، وأضاف إليها رسول الله صلى الله
عليه وآله [واحدة] (1) لضعف الناس، ومن توضأ ثلاثا ثلاثا فلا صلاة له " (2) فإن
ذلك بيان علة الندب وابتداء السنة، ولذلك يطرد مع عدم اطراد العلة، ونظيره في
الشريعة كثير، مثل غسل الجمعة وغيره.
وحملها على الغرفتين أيضا بعيد، ولا دلالة لحسنة زرارة وبكير المروية في بيان
وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله حيث قالا، فقلنا: أصلحك الله فالغرفة
الواحدة تجزئ للوجه وغرفة للذراع؟ قال: " نعم، إذا بالغت فيها، والثنتان تأتيان
على ذلك كله " (3) على هذا التأويل، إذ لا مانع من كونه مستحبا على حدة إذا احتاج
الإسباغ إليه، بل ولا نرى مانعا من الغرفات الثلاث وأزيد إذا احتاج أصل الوضوء أو
إسباغه إليها.
وكذلك حملها على الغسلتين والمسحتين ردا على العامة، مؤيدا بما روي عن
ابن عباس: " إن الوضوء غسلتان ومسحتان " (4) مع عدم المنافاة بين المطلبين أيضا.
وكذلك حملها على التقية، سيما وفي بعضها أنه لا يؤجر على ما زاد على
الثنتين، وهو بدعة.
ومما يبين ما ذكرنا ويوضحه (5): تتمة رواية داود حيث دخل داود بن زربي حينئذ

(1) أضفناه من المصدر.
(2) رجال الكشي 2: 82 ح 564، الوسائل 1: 312 أبواب الوضوء ب 32 ح 2، بتفاوت يسير.
(3) الكافي 3: 25 ح 5، التهذيب 1: 81 ح 211، الاستبصار 1: 71 ح 216، الوسائل 1: 272 أبواب الوضوء
ب 15 ح 3.
(4) التهذيب 1: 63 ح 176، الدر المنثور 2: 262، تفسير الطبري 6: 82، أحكام القرآن لابن العربي 2: 575،
عمدة القاري 2: 238.
(5) في " م ": يصححه.
192

عليه عليه السلام وأمره بالغسل ثلاثا ثلاثا، إلى آخر ما أمره بالوضوء بطريق العامة
خوفا عليه من المهدي، وعمل على ذلك حتى رفع عنه الخوف، ثم اجتمعا عنده
عليه السلام وذكر حكايته مع المهدي ورفع الخوف عنه، ثم قال: " يا داود بن زربي،
توضأ مثنى مثنى، ولا تزدن عليه، فإنك إن زدت عليه فلا صلاة لك " (1).
وكذلك ما رواه المفيد في الإرشاد في حكاية علي بن يقطين نظير الحكاية
السابقة، إلى أن قال: " ابتدئ الآن يا علي بن يقطين، وتوضأ كما أمر الله تعالى،
اغسل وجهك مرة فريضة وأخرى إسباغا، واغسل يديك من المرفقين كذلك،
وامسح مقدم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك، فقد زال ما كنا نخاف
عليك والسلام " (2).
وروى في العيون عن الرضا عليه السلام أيضا: " أن الوضوء مرة فريضة واثنتان
إسباغ " (3).
وتدل عليه موثقة ابن بكير، عن الصادق عليه السلام، قال: " من لم يستيقن أن
واحدة من الوضوء تجزئه لم يؤجر على الاثنتين (4) ورواية أبي جعفر الأحول عمن
رواه، ورواية عمر بن أبي المقدام أيضا، رواهما في الفقيه (5)، إلى غير ذلك من
الأخبار.
ويؤيده: كل ما دل على رجحان الإسباغ، وكل ما دل على استحباب الوضوء
بمد (6).

(1) رجال الكشي 2: 82 ح 564، الوسائل 1: 312 أبواب الوضوء ب 32 ح 2.
(2) إرشاد المفيد: 294، الوسائل 1: 312 أبواب الوضوء ب 32 ح 3.
(3) عيون أخبار الرضا (ع) 2: 127 ح 2، الوسائل 1: 309 أبواب الوضوء ب 31 ح 23.
(4) التهذيب 1: 81 ح 213، الاستبصار 1: 71 ح 218 الوسائل 1: 307 أبواب الوضوء ب 31 ح 4.
(5) الفقيه 1: 25 ح 77، 80، الوسائل 1: 308 أبواب الوضوء ب 31 ح 15، 16.
(6) الوسائل 1: 338 أبواب الوضوء ب 50، 54.
193

واحتجوا بما روي في صفة الوضوء المتضمنة لفعلهم عليهم السلام مرة مرة في
بيان وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وغيره، وهي كثيرة معتبرة (1).
وبموثقة عبد الكريم، عن الصادق عليه السلام قال: " ما كان وضوء علي إلا مرة
مرة " (2).
وبعض الأحاديث المرسلة والضعيفة أن الوضوء مرة مرة، وفي بعضها: " إن
الوضوء واحدة فرض، واثنتان لا يؤجر، والثالثة بدعة " (3).
وحسنة ميسر، عن الباقر عليه السلام، قال: " الوضوء واحد " (4).
وصحيحة زرارة، عنه عليه السلام: " إن الله وتر يحب الوتر، فقد يجزئك من
الوضوء ثلاث غرفات، واحدة للوجه، واثنتان للذراعين، وتمسح ببلة يمناك
ناصيتك (5) الحديث.
والجواب عن الأخبار الأول بأنها في مقام بيان الواجب، فلاحظ ترك أكثر
المندوبات المهمة فيها.
وأما الموثقة، فإنها وإن كان فيها ظهور ما، لكنها تحمل على الواجب، لعدم
مقاومة المعارض.
وأما الأخبار المرسلة والضعيفة فلا جابر لها، فتحمل على ما ذكرنا. وكذلك
حسنة ميسر.
وأما صحيحة زرارة، فتنادي بكون المراد أقل الواجب، أو عدم وجوب الماء

(1) الوسائل 1: 271 أبواب الوضوء ب 15.
(2) الكافي 3: 27 ح 9، التهذيب 1: 80 ح 207، الاستبصار 1: 70 ح 212، الوسائل 1: 307 أبواب الوضوء
ب 31 ح 7، وعبد الكريم واقفي ثقة، انظر رجال النجاشي: 245 / 645.
(3) انظر الوسائل 1: 306 أبواب الوضوء ب 31.
(4) التهذيب 1: 75 ح 89، الوسائل 1: 306 أبواب الوضوء ب 31 ح 1. وأورده بلفظ " واحدة واحدة " في
الكافي 3: 26 ح 7، والتهذيب 1: 80 ح 205، والاستبصار 1: 69 ح 210.
(5) التهذيب 1: 360 ح 1083، الوسائل 1: 306 أبواب الوضوء ب 31 ح 2.
194

الجديد للمسح، أو عدم غسل الرجل.
وأما المسح فلا يستحب فيه التكرار، لعدم تبادره من تلك الأخبار. مع أن في
حكاية علي بن يقطين المتقدمة تصريحا بأن التعدد إنما هو في الغسل لا المسح، وأن
الظاهر من الإسباغ المطلوب في الأخبار إنما هو في الغسل.
وبالجملة فلا خلاف في عدم الاستحباب، قال في المعتبر: ولا تكرار في
المسح، وهو مذهب الأصحاب (1)، والمشهور الكراهة، وقيل بالحرمة (2)، والظاهر
أن مرادهم الحرمة مع اعتقاد الرجحان.
وأما بطلان الوضوء به فالظاهر العدم، ونفى عنه الخلاف في السرائر (3).
وأما الغسلة الثالثة، فالمشهور أنها حرام وبدعة، وعن ابن أبي عقيل وابن الجنيد
نفي التحريم (4). وأما الاستحباب فمنفي قولا واحدا.
لنا: ما تقدم في بعض الأخبار من التصريح بكونها بدعة، ولا ريب في حرمة
البدعة.
وما يقال: إن اعتقاد المشروعية حرام لا نفس الفعل، فهو كما ترى، فإن أصل
صلاة التراويح والأضحى حرام، لا مجرد اعتقاد مشروعيتها، فإن كل بدعة
ضلالة، وكل ضلالة سبيلها إلى النار. والمراد بالبدعة نفس الفعل المبدع.
وقد يستشكل في حرمة نفس الاعتقاد أيضا إذا كان ناشئا عن الاجتهاد أو التقليد.
وفيه: أن أحكام الشرع والعبادات لما كانت توقيفية، فابداعها من غير جهة
توظيفهم حرام، وفعل ذلك المبدع على هذا الوجه حرام.

(1) المعتبر 1: 160.
(2) الشيخ المفيد في المقنعة: 49، والشيخ الطوسي في المبسوط 1: 23.
(3) السرائر 1: 100.
(4) قال ابن أبي عقيل: فإن تعدى المرتين لا يؤجر، وقال ابن الجنيد: الثالثة زيادة غير محتاج إليها. انظر المختلف 1:
285، قال: وكلام ابن الجنيد والمفيد وابن أبي عقيل يدل على تسويغ الثالثة.
195

فالمراد من حرمة اعتقاد المشروعية في المبدعات: حرمة اعتقاد مشروعية (1) ما
لم يقم عليه دليل معتمد، سواء كان من محض الاشتهاء، أو من الاجتهاد المنبعث
عن الدليل الباطل، كالقياس والاستحسان.
فإذا اتفق اعتقاد مجتهد منا لاستحبابه، فإنما هو من جهة دليل معتمد عنده، وإن
كان خطأ في الواقع، ولا يضر ذلك، وليس ببدعة، وتكون مثل هذه الرواية الدالة
على كونه بدعة معارضة لدليله، مثل سائر الأخبار المتعارضة المتناقضة. فالذي
نقول بكونه بدعة إنما هو إذا لم يثبت لهذه الرواية معارض وكان العمل على
مقتضاه.
وبالجملة المقصود في الرواية التنبيه على ضلالة من أبدعها، وضلالة من اتبعها
من تلك الجهة، لا مطلقا.
فحينئذ نقول: لما لم يقم دليل على مشروعيتها أصلا، فنحرمها.
وأما من لا يقول بالحرمة فلعل مراده من دون جهة اعتقاد المشروعية، ودليله
الأصل، ورواية زرارة: " إن الوضوء مثنى مثنى، ومن زاد لم يؤجر عليه " (2) وعدم
الأجر عليه لا يدل على انتفاء الحرمة، والأصل لا يفيد جواز العبادة، إلا أن يكون
مراده إثبات الإباحة لا الاستحباب، وحينئذ يرجع الكلام معه إلى جواز المسح بهذا
الماء وعدمه.
وربما يستشكل بمنافاته للموالاة أيضا. ولكنه ليس بذاك لما عرفت.
وأما المسح بذلك الماء، فعلى ما ذكرنا من كون أصل الفعل بدعة وحراما،
فالظاهر بطلان أصل الوضوء، فكيف إذا مسح بذلك الماء أيضا، مع أنه ليس بماء

(1) في " م "، " ح ": مشروعيته.
(2) التهذيب 1: 80 ح 210، الاستبصار 1: 70 ح 215، الوسائل 1: 307 أبواب الوضوء ب 31 ح 5 وعبر عنها
بالرواية إشارة إلى ضعفها، ففيها القاسم بن عروة، وهو لم يوثق وطرق الشيخ إليه ضعيفة. انظر معجم رجال
الحديث 14: 26 / 9519.
196

الوضوء جزما، وقد مر أنه يجب أن يكون المسح بنداوة الوضوء.
وقيل بعدم البطلان أصلا، للأصل، وعدم دليل على البطلان، واختاره في
المعتبر (1). ولعل نظره إلى صدق ماء الوضوء عليه، وأن المراد من الأمر بالمسح
بنداوة الوضوء: هو عدم أخذ الماء الجديد محضا للمسح، وإلا فالدليل قائم على
البطلان لما عرفت.
وقيل بالبطلان إن كان المسح بماء الغسلة الثالثة، وإن كان في غير اليد اليسرى،
نظرا إلى أنه المسح بالماء الجديد (2).
وما يقال (3): " إنه مشتمل على ماء الوضوء الأصلي أيضا فيصح "، ففيه أن
المستفاد من الأخبار أن المسح لا بد أن يكون بنداوة الوضوء، والمركب من الداخل
والخارج خارج; مع أن في بعضها التنبيه على عدم المسح بالغير.
مع أن ذلك يشكل في الغسلة الثالثة بتداخل الماءين، وصيرورتهما ماء الغسلة
الثالثة، كالمطر الواقع على اليد قبل غسل اليسرى.
مع أنه يلزم على هذا جواز أخذ الماء الجديد مع بقاء الرطوبة في اليد، لصدق
المسح بماء الوضوء حينئذ في بعض الأحيان، ولم يقل به أحد.
ويظهر الفرق بين ما ذكر وبين الرطوبة القليلة الحاصلة في الرجلين حيث (4)
جوزنا المسح عليها بالتأمل.
وقيل به إذا كان من اليد اليسرى (5)، ولعله لأن غسل اليسرى مرة أو مرتين

(1) المعتبر 1: 160.
(2) الذكرى: 94، قال: وبالغ أبو الصلاح فأبطل الوضوء بالثالثة، وهو حسن إن مسح بمائها. وانظر الكافي في
الفقه: 133.
(3) نهاية الإحكام 1: 40.
(4) حيث ليست في " ز ".
(5) وقيل به: يعني وقيل بالبطلان إذا غسل اليد اليسرى ثلاثا دون غيرها. والقائل هو العلامة في نهاية الإحكام 1:
40.
197

لا يبقى معه الاحتياج إلى أخذ الماء للوضوء، فيكون ماءا جديدا، بخلاف السابق
عليه، وهو كما ترى.
الثاني: تكره الاستعانة في الوضوء بمعنى صب الماء على اليد، لرواية شهاب
بن عبد ربه (1)، ورواية الوشاء عن الرضا عليه السلام (2). وإن كان يمكن المناقشة في
الأخيرة بإرادة الصب الذي هو نفس الغسل، لقوله عليه السلام للوشاء حين سأل
عن سبب منعه إياه عن الصب: " تؤجر أنت وأوزر أنا " فإن الوزر ظاهر في الحرمة.
وتمكن إرادة ترك الأولى منه. وتكفي الرواية الأولى واحتمال الآية المفسرة في
الروايتين بذلك، بل الشهرة أيضا.
وأما النزح من البئر وإتيان الماء ونحوهما، فالظاهر عدم الكراهة، ويدل عليه أمر
علي عليه السلام ابنه محمدا بإتيان الماء في رواية عبد الرحمن بن كثير (3).
ويكره التوضؤ بالمشمس، لرواية السكوني، عن الصادق عليه السلام، عن
رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " الماء الذي يسخن بالشمس لا تتوضئوا

(1) علل الشرائع: 278 ح 1، التهذيب 1: 354 ح 1057، الوسائل 1: 335 أبواب الوضوء ب 47 ح 2،
وفيه: كان أمير المؤمنين إذا توضأ لم يدع أحدا يصب عليه الماء، فقيل له: يا أمير المؤمنين لم لا تدعهم يصبون
عليك الماء؟ فقال: لا أحب أن أشرك في صلاتي أحدا، وقال الله تبارك وتعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه
فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}.
(2) الكافي 3: 69 ح 1، التهذيب 1: 365 ح 1107، الوسائل 1: 335 أبواب الوضوء ب 47 ح 1 وفيها:
فدنوت لأصب عليه فأبى ذلك فقال: مه يا حسن، فقلت له لم تنهاني أن أصب على يديك، تكره أن أؤجر؟
قال: تؤجر أنت وأوزر أنا فقلت: وكيف ذلك؟ فقال: أما سمعت الله عز وجل يقول: {فمن كان يرجو لقاء ربه
فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}... والرواية ضعيفة بإبراهيم بن إسحاق الأحمر فهو ضعيف.
انظر رجال النجاشي: 19 / 21، والفهرست: 7.
(3) الكافي 3: 70 ح 6، الفقيه 1: 26 ح 84، التهذيب 1: 52 ح 153، المقنع: 3، الوسائل 1: 282 أبواب
الوضوء ب 16 ح 1.
198

ولا تغتسلوا به، ولا تعجنوا به، فإنه يورث البرص " (1) وفي رواية أخرى نفي البأس
عنه (2).
وتدل على الكراهة أيضا موثقة عبد الحميد أيضا، بالعلة المنصوصة في حكاية
منع الحميراء عن استعمال ماء سخنته (3) بالشمس في القمقمة (4).
ولا وجه لتخصيص الكراهة بما لو سخن في الأواني المنطبعة (5)، لعموم الرواية
الأخرى.
وأما ما يسخن في الحياض والبرك فقال العلامة رحمه الله: لا تكره الطهارة به
إجماعا (6).
وكذلك يكره بالماء الآجن، إلا إذا لم يوجد سواه، لحسنة الحلبي (7).
(وكذلك ما أصابته الفأرة والوزغة والحية والعقرب كما يستفاد من الأخبار) (8).
وكذلك يكره من سؤر الحائض المتهمة، بل قيل بكراهته مطلقا، وفي غير الوضوء
أيضا (9)، ولعل دليله: حسن الاجتناب عن الشبهات، وإلا فالأخبار لا تزيد على
بيان حكم الوضوء، بل في بعضها التصريح بجواز الشرب والنهي عن التوضؤ (10).
ومقتضى الجمع بينهما - بحمل مطلقاتها على مقيداتها - هو الاجتناب عن التوضؤ
من سؤر الحائض المتهمة.

(1) الكافي 3: 15 ح 5، التهذيب 1: 379 ح 1177، الوسائل 1: 150 أبواب الماء المضاف ب 6 ح 2.
(2) التهذيب 1: 366 ح 1114، الاستبصار 1: 30 ح 78، الوسائل 1: 151 أبواب الماء المضاف ب 6 ح 3.
(3) في " م "، " ح ": استسخنته.
(4) التهذيب 1: 366 ح 1113، الاستبصار 1: 30 ح 79، الوسائل 1: 150 أبواب الماء المضاف ب 6 ح 1.
(5) أشار به إلى قصر العلامة الحكم بالأواني المنطبعة في نهاية الإحكام 1: 226.
(6) نهاية الإحكام 1: 226.
(7) الكافي 3: 4 ح 6، التهذيب 1: 217 ح 626، الوسائل 1: 103 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 2.
(8) ما بين القوسين ليس في " ز "، " ح ".
(9) كالشيخ في المبسوط 1: 10.
(10) الوسائل 1: 168 أبواب الأسئار ب 7، 8.
199

وحكم جماعة من الأصحاب بكراهة مباشرة سؤر كل متهم بالنجاسة. ودليلهم
الاحتياط (1).
وأنت خبير بأنه ينافي المعهود من أفعالهم وأقوالهم عليهم السلام، حيث حكموا
بطهارة أواني المشركين، وبلبس الثياب التي نسجوها; بل ولبسوها (2)، وبطهارة
الثوب الذي استعاره الذمي ولبسه، وغير ذلك.
مع أن في الفقيه روى عن علي عليه السلام أنه سئل: أيتوضأ من فضل وضوء
جماعة المسلمين أحب إليك، أو يتوضأ من ركو أبيض مخمر؟ فقال: " لا، بل من
فضل وضوء جماعة المسلمين، فإن أحب دينكم إلى الله الحنيفية السمحة
السهلة " (3).
ويمكن أن يكون ذلك لأجل الرخصة وتسهيل الأمر، لئلا يقع الحرج، وإن كان
الاحتياط أيضا حسنا، لكن إذا لم ينته إلى الوسواس المولد للمعاصي الكثيرة،
الباعث على الحرمان عن لذة الطاعة.
واختلفوا في جواز الطهارة بالمستعمل في رفع الحدث الأكبر - بعد اتفاقهم على
جوازها بالمستعمل في رفع الحدث الأصغر - على قولين، الأشهر الأظهر العدم (4)،
وذهب جماعة إلى الكراهة (5).
لنا: صحيحة محمد بن مسلم، عن ماء الحمام فقال: " ادخله بإزار، ولا تغتسل
من ماء آخر، إلا أن يكون فيه جنب، أو يكثر أهله فلا يدري فيهم جنب أم لا؟ " (6)

(1) كالشهيد الأول في البيان: 101، والشهيد الثاني في الروضة البهية 1: 281.
(2) الوسائل 2: 1091 أبواب النجاسات ب 72، 73.
(3) الفقيه 1: 9 ح 16، الوسائل 1: 152 أبواب الماء المضاف ب 8 ح 3.
(4) ذهب إلى هذا القول الشيخ المفيد في المقنعة: 64، والشيخ الطوسي في المبسوط 1: 11، والصدوق في
الفقيه 1: 10.
(5) كفخر المحققين في الإيضاح 1: 19، والشهيد في البيان: 102.
(6) التهذيب 1: 379 ح 1175، الوسائل 1: 111 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 5.
200

والنهي فيه لرفع توهم الوجوب، فمعناه الجواز، وبذلك يتم الاستدلال. وحكم
المشكوك فيه مخرج بالدليل، فلا يضر بالدلالة.
ورواية عبد الله بن سنان المجبورة بالعمل (1)، ورواية حمزة بن أحمد (2)، وغيرها
من الأخبار المؤيدة للمطلوب. واستصحاب شغل الذمة.
احتجوا بالاطلاقات، وبصحيحة علي بن جعفر (3).
والمطلق لا يقاوم المقيد، ولا الصحيحة ما ذكرنا من الأدلة، مع أن فيها ما لا يخلو
عن شئ.
واعلم أن مباشرة يد الجنب للآنية التي يغتسل منها لأجل أخذ الماء لا تضر وإن
كان في الأثناء، ولا يدخل بذلك في محل النزاع، ولا وجه لتوقف بعضهم في ذلك
في الأثناء إذا وافق الجانب، فإنما الأعمال بالنيات. ولا تضره الطهارة من البقية بعد
الفراغ أيضا. ويستفاد ذلك من الأخبار أيضا (4).
وكذلك لا يضر تقاطر الماء من جسده في الإناء، وما ينتضح من الأرض منه
ويدخل في الإناء، كما يستفاد من الأخبار وكلام الأصحاب، وإن كان يظهر من
بعضهم دخوله في المتنازع (5)، ولكن الظاهر العدم.
وكيف كان، فالأخبار الخاصة بذلك ولزوم العسر والحرج يعين ما ذكرنا.
فالمراد بالمستعمل: هو القدر المعتد به من الماء المنفصل دفعة أو المجتمع بالتقاطر

(1) التهذيب 1: 221 ح 630، الاستبصار 1: 27 ح 71، الوسائل 1: 155 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 13.
وفيه: الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به من الجنابة لا يجوز أن يتوضأ منه وأشباهه.
(2) التهذيب 1: 373 ح 1143، الوسائل 1: 158 أبواب الماء المضاف ب 11 ح 1. وفيه: ولا تغتسل من البئر
التي يجتمع فيه ماء الحمام فإنه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب....
(3) التهذيب 1: 416 ح 1315، قرب الإسناد: 84، الوسائل 1: 156 أبواب الماء المضاف ب 10 ح 1. وفيه:
وإن كان في مكان واحد وهو قليل لا يكفيه لغسله فلا عليه أن يغتسل ويرجع الماء فيه فإن ذلك يجزئه.
(4) انظر الوسائل 1: 153 أبواب الماء المضاف ب 9.
(5) نقله عن أستاذه الوحيد البهبهاني في مفتاح الكرامة 1: 89.
201

في موضع.
والأظهر اشتراط الانفصال، فلو بقي في العضو لمعة لم يصبها الماء، وكان في
أطرافه من الرطوبة ما يحصل بها الغسل، يجوز صرفه إليها.
ويؤيده عدم انفكاك مطلق الطهارة عن ذلك، لتعسر أخذ الماء لكل جزء جزء
على حدة.
ومن أفراد المستعمل: ما لو غمس فيه العضو أو ارتمس فيه، والظاهر تحقق
الطهارة به، لأنه يصير مستعملا بعد تحقق الغسل، وكذلك بعد تمام الارتماس، فإن
الغسل في الارتماسي لا يتحقق إلا بانغماس الجميع.
والظاهر عدم اشتراط الخروج في تحقق الاستعمال إذا نوى الغسل قبل الدخول.
والظاهر من الأخبار وكلام الأصحاب: أن هذا الحكم في القليل، وأما الكثير
فلا، لعدم انصراف الأدلة إليه، وللزوم العسر والحرج، ولعمل الناس في كل عصر
ومصر من غير نكير، ولعدم التنبيه في الأخبار الواردة في إجزاء الارتماس على أن
ذلك إنما يكون لغسل واحد، مع عموم الابتلاء به.
ثم إن الأدلة وإن كانت أكثرها مخصوصة بالجنابة، لكن عدم القول بالفصل،
ورواية ابن سنان على وجه بعيد، وما دل على اتحاد غسل الجنابة والحيض يعمم
الحكم (1).
والمشهور كراهة التمندل بعد الوضوء، وربما نقل عن بعضهم القول بالعدم (2)،
ونسبه العلامة إلى الشيخ في الخلاف (3)، وهو غير ظاهر.
وكيف كان، فالمذهب هو الكراهة، لرواية محمد بن حمران، عن الصادق

(1) انظر الوسائل 2: 566 أبواب الحيض ب 23.
(2) نقله عن المرتضى في الذكرى: 95.
(3) قال الشيخ: لا بأس بالتمندل من نداوة الوضوء وتركه أفضل. الخلاف 1: 97 مسألة 44، ونسبه إليه في
التذكرة 1: 202، ونسبه إلى الخلاف للشيخ في المنتهى 1: 310.
202

عليه السلام: " من توضأ وتمندل كانت له حسنة، وإن توضأ ولم يتمندل كانت له
ثلاثون حسنة " (1).
وأورد عليه بالقدح في السند (2)، وبأنه يدل على قلة الثواب، وجعل الكراهة
في العبادات بمعنى أقلية الثواب محل نظر.
وفيه: أن ورود الرواية في الكافي والفقيه مع عمل الأصحاب سيما في
المكروهات يدفع الضعف. وليست الدلالة من جهة قلة الثواب حتى يكون موردا
للنظر المذكور، بل لأن التمندل عارض وحابط للحسنات الزائدة، فإن الأصل هو
عدم (3) التمندل، وليس ذلك إلا لحزازة حاصلة من جهة التمندل، وهو معنى
الكراهة. وقد يستدل بوجوه أخر ضعيفة لا حاجة إلى ذكرها.
وأما صحيحة محمد بن مسلم النافية للبأس في التمندل وغيرها (4)، فمحمولة
على نفي الحرمة وبيان الجواز.
وصحيحة منصور الدالة على فعل الصادق عليه السلام أيضا (5) محمولة على
العذر من جهة عارض.
وكذلك موثقة إسماعيل بن الفضل الدالة على مسح وجهه عليه السلام بأسفل
قميصه، وأمره ابنه إسماعيل أيضا بذلك (6).
ويحتمل أن تكون الكراهة مختصة بالتمندل، والذيل ليس بمنديل، والأحوط
الاجتناب عنه أيضا.

(1) الكافي 3: 70 ح 4، الفقيه 1: 31 ح 105، المحاسن: 429 ح 250، ثواب الأعمال: 39، الوسائل 1: 334
أبواب الوضوء ب 45 ح 5.
(2) باشتمال سندها على علي بن المعلى فإنه لم يوثق.
(3) عدم ليست في " ز "، والمراد أن الوضوء المتيقن كماله وجوازه هو مع عدم التمندل.
(4) التهذيب 1: 364 ح 1101، الوسائل 1: 333 أبواب الوضوء ب 45 ح 1.
(5) الفقيه 2: 226 ح 1065، الوسائل 1: 333 أبواب الوضوء ب 45 ح 4.
(6) التهذيب 1: 357 ح 1069، الوسائل 1: 333 أبواب الوضوء ب 45 ح 3.
203

الفصل الثاني
في الغسل
فيه مقاصد:
205

المقصد الأول
في الأغسال الواجبة
وفيه مباحث:
الأول: الاغتسال الواجب على المكلفين في خمسة مواضع: الجنابة،
والحيض، والاستحاضة، والنفاس، ومس الميت.
ويجب عليهم الغسل للميت على تفصيل يأتي.
ووجوب غير غسل المس إجماعي، وسنفرد الكلام في الأخيرين.
وأما ما سواهما، فوجوبها للصلاة الواجبة بالمعنى المتقدم في الوضوء إجماعي،
وكذلك شرطيتها لمطلق الصلاة. والأخبار ناطقة بأكثرها، وقد مر بعض الأدلة من
قوله تعالى: * (إذا قمتم إلى الصلاة - إلى قوله - فاطهروا) * (1) وقوله عليه السلام:
" إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة " (2) و " لا صلاة إلا بطهور " (3).

(1) المائدة: 6.
(2) الفقيه 1: 22 ح 67، التهذيب 2: 140 ح 546، الوسائل 1: 261 أبواب الوضوء ب 4 ح 1.
(3) التهذيب 1: 49 ح 144، الاستبصار 1: 55 ح 160، الوسائل 1: 256 أبواب الوضوء ب 1 ح 1، 6.
207

ومطلقات ما دل على وجوب الغسل للجنابة وغيرها (1) محمولة على ذلك،
وأخبار المستحاضة مصرحة (2).
لا وجه لانكار دلالة الأخبار على وجوب الغسل للصلاة.
وكذلك للطواف الواجب، للاجماع كما نقلوه (3)، ولصحيحة علي بن جعفر
وغيرها (4).
ولمس كتابة القرآن إن وجب، لحرمة مسه على الجنب والحائض، للاجماع كما
نقلوه (5).
وكذلك النفساء، للإجماع المنقول في المعتبر وغيره على أنه يحرم عليها
ما يحرم على الحائض (6)، فيتوقف إتيان الواجب على الغسل، فيجب من باب
المقدمة.
وأما الاستحاضة، ففيه قولان. للمانع: الآية، فإن عنوان المحدث صادق عليها،
فلا تمسها إلا بعد التطهر.
وللمجوز: الأصل; ومنع الدلالة، فإن الحدث من الأمور الإضافية، فإن البول
مثلا حدث بالنسبة إلى الصلاة، لا دخول المساجد وقراءة العزائم، والمسلم هنا هو
المنع عن الصلاة والطواف، والجواز في غيرهما مستصحب، سيما لو لم يطرأ
لطهارتها السابقة ناقض آخر. وكون الاستحاضة كالحدث الأصغر في إيجاب

(1) الوسائل 1: 462 أبواب الجنابة ب 1.
(2) الوسائل 2: 604 أبواب الاستحاضة ب 1.
(3) كالشهيد الثاني في روض الجنان: 16، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 1: 70.
(4) الكافي 4: 420 ح 4، التهذيب 5: 117 ح 381، الاستبصار 2: 222 ح 765، قرب الإسناد: 104،
الوسائل 9: 444 أبواب الطواف ب 38 ح 4. عن رجل طاف بالبيت وهو جنب فذكر وهو في الطواف قال:
" يقطع طوافه ولا يعتد بشئ مما طاف " وانظر باقي روايات الباب كصحيحة محمد بن مسلم.
(5) كالعلامة في المنتهى (الطبعة الحجرية) 1: 279، والشهيد الثاني في روض الجنان: 49.
(6) المعتبر 1: 257.
208

الوضوء لا يستلزم إلا وجوب الوضوء للصلاة ونحوها.
نعم يمكن أن يقال: ظاهر الآية (1) ومثل قولهم عليهم السلام: " لا يمسه وهو
على غير وضوء " و " لا تمسه من غير طهر " (2) الطهارة التي حصل موجبها للمكلف
حين المس، لكن لا يثبت من ذلك إلا عدم جواز المس إلا في حال الطهارة،
لا وجوب الطهارة للمس.
إلا أن يقال عدم جوازه إلا في هذه الحال مع وجوبه يستلزم تحصيل هذه الحالة،
فيثبت وجوبه له أيضا، أو تحمل الآية على المطهر من جميع الأحداث، بأن لا يبقى له
مانع من شئ من المشروطات بالطهارة بقرينة وقوع المطلق في كلام الحكيم،
فيستلزم ذلك لزوم ارتفاع كل ما يصدق عليه الحدث في الجملة.
وهذا مع أن المس حينئذ من العبادات، واستصحاب شغل الذمة، والشك في
الشرط، يرجح المنع، وهو الأقوى.
وكذلك يجب للمكث في المساجد ودخول المسجدين إن وجبا. أما غسل الجنابة
والحيض فللإجماع، نقله جماعة (3).
وكذلك اشتراطهما، ويدل عليه أيضا أنهما حرام على الجنب والحائض
بالاجماع والأخبار المعتبرة، ولقوله تعالى: * (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى
تغتسلوا) * (4) على التفسير الوارد في الصحيح.
وخلاف سلار وقوله بكراهة ذلك (5) ضعيف، فيتوقف الامتثال على الغسل من
باب المقدمة.

(1) قوله تعالى: * (لا يمسه إلا المطهرون) * - الواقعة: 79.
(2) انظر الوسائل 1: 269 أبواب الوضوء ب 12.
(3) كالشهيد الثاني في روض الجنان: 16، والأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 70، وصاحب المدارك 1: 15.
(4) النساء: 43.
(5) المراسم: 42.
209

وربما قيل بعدم الحرمة للحائض بعد الانقطاع ولما تغتسل، وفيه إشكال; وقياسه
على الطلاق والوقاع باطل.
ثم إنهم حكموا بحرمة وضع الجنب والحائض شيئا في المساجد، وادعى بعضهم
عليه الاجماع (1).
ويدل عليه الصحيحان الشاملان لما استلزم المكث وعدمه، والوضع من داخل
أو خارج (2)، فلا وجه للتفرقة. ومقتضى ذلك وجوب الغسل للوضع إن وجب.
وخلاف سلار وحكمه بالكراهة أيضا ضعيف (3).
وأما غسل النفاس، فيظهر مما سبق.
وأما الاستحاضة، فالأقرب فيها الجواز للأصل.
وكذلك يجب لقراءة العزائم، ويشترط به في الجنب والحائض بالاجماع
والأخبار المعتبرة (4).
والإجماع على نفس السورة، مطابقا لما رواه في المعتبر عن جامع البزنطي (5)
وإن كان في سائر الروايات نفس السجدة.
وألحق الأصحاب البسملة بقصدها أيضا.
والكلام في اعتبار انقطاع الحيض كما تقدم، وكذلك الكلام في النفساء.

(1) كابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 549، وصاحب الحدائق 3: 54.
(2) وهما صحيحة عبد الله بن سنان وفيها: عن الجنب والحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه؟ قال: نعم
ولكن لا يضعان في المسجد شيئا - الكافي 3: 51 ح 8، التهذيب 1: 125 ح 339، الوسائل 1: 490
أبواب الجنابة ب 17 ح 1. وصحيحة زرارة أوردها في الكافي 3: 106 ح 1، التهذيب 1: 397 ح 1233،
الوسائل 2: 583 أبواب الحيض ب 35 ح 1.
(3) المراسم: 42.
(4) انظر الوسائل 1: 220 أبواب أحكام الخلوة ب 7 ح 6، وص 494 أبواب الجنابة ب 19 ح 7. وفيها: قلت
الجنب والحائض يقرءان شيئا؟ قال: نعم ما شاءا إلا السجدة.
(5) المعتبر 1: 187.
210

وأما المستحاضة فلا وجه للمنع فيها.
وهل تشترط قراءة القرآن غير العزيمة بالغسل أم تجوز بدونه؟ والمشهور الجواز،
بل ادعى عليه الاجماع السيد (1) والشيخ (2) والمحقق في المعتبر (3)، وعن سلار
التحريم مطلقا (4). وعن ابن البراج تحريم ما زاد على سبع (5)، وعن بعض تحريم ما
زاد على السبعين (6).
واشتهر بين المتأخرين حمل رواية سماعة: " قال: سألته عن الجنب هل يقرأ
القرآن؟ قال: ما بينه وبين سبع آيات " (7) على الكراهة.
وربما يؤيد ذلك بحكاية عبد الله بن رواحة مع زوجته وبعض الروايات
الأخر (8)، وكلاهما عاميان.
فحمل المنع حيثما وجد على التقية أولى، لعدم مقاومتها للأخبار المتظافرة
عموما، وخصوصا الصحيحة المعتبرة جدا، فالحكم بكراهة ما زاد على السبع أيضا
في غاية الإشكال.
وكذلك يجب غسل الجنابة للدخول في الصوم الواجب، وادعى عليه الاجماع

(1) الإنتصار: 31.
(2) الخلاف 1: 100 مسألة 47.
(3) المعتبر 1: 187.
(4) حكاه في الذكرى: 34 عن كتاب الأبواب والفصول لسلار.
(5) المهذب 1: 34.
(6) حكاه في المنتهى 2: 219، وهو محكي عن القاضي كما في رياض المسائل 1: 318، ومفتاح الكرامة 1:
327. وقال في المبسوط 1: 29 والاحتياط ألا يزيد على سبع أو سبعين.
(7) التهذيب 1: 128 ح 350، الاستبصار 1: 114 ح 383، الوسائل 1: 494 أبواب الجنابة ب 19 ح 9.
(8) حكاية عبد الله بن رواحة أنه تخلص عن تهمة امرأته بشعر موهم للقراءة فقالت: صدق رسول الله وكذب
بصري، فأخبر النبي (ص) فضحك حتى بدت نواجذه. وأما الرواية التي نقلت عن علي (ع): لم يكن يحجب
النبي (ص) عن قراءة القرآن شئ سوى الجنابة (منه رحمه الله). وانظر المستدرك 1: 465 أبواب الجنابة ب 12،
والذكرى: 34، 35.
211

في السرائر (1)، وهو المشهور بين الأصحاب (2).
وظاهر إطلاقاتهم يقتضي عدم الفرق بين صوم رمضان وغيره من الواجبات.
وتردد في المنتهى في غير رمضان من جهة تعميم الأصحاب في جعل تعمد البقاء
على الجنابة من المفطرات للصوم مطلقا، ومن جهة عدم التنصيص إلا على صوم
شهر رمضان أو قضائه (3).
وكيف كان فالأقوى في شهر رمضان هو المشهور، للاجماع المنقول، والصحاح
المستفيضة (4).
ويظهر من الصدوق في المقنع عدم الوجوب (5)، ومال إليه المحقق الأردبيلي
رحمه الله (6)، لقوله تعالى: * (أحل لكم ليلة الصيام - إلى قوله - حتى يتبين) * (7)
والأخبار الصحيحة وغيرها (8).
والجواب عن الآية بمنع رجوع المخصص إلى الجملة الأولى، وبمنع عموم الليل،
سيما وهو رفع للسلب الكلي، وهي الحرمة تمام الليل، وكونه في كلام الحكيم
لا يوجب أزيد من حمل الإطلاق على ما يخرجه عن اللغوية، وهو يحصل بما يبقى
منه مقدار الغسل.
وعن الأخبار بحملها على التقية، كما ينادي بها إسنادها إلى عائشة في بعضها (9)،

(1) السرائر 1: 377.
(2) كالشيخ في المبسوط 1: 271، والعلامة في القواعد 1: 178، والشهيد الثاني في روض الجنان: 16.
(3) المنتهى (الطبعة الحجرية) 2: 566.
(4) الوسائل 7: 41 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15.
(5) المقنع (الجوامع الفقهية): 16.
(6) مجمع الفائدة 1: 71.
(7) البقرة: 187.
(8) الوسائل 7: 44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16.
(9) التهذيب 4: 210 ح 610، والاستبصار 2: 85 ح 266، الوسائل 7: 39 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13
ح 6.
212

ونسبة ذلك الفعل إليه صلى الله عليه وآله بعنوان الاستمرار في آخر (1). ولبعضها
محامل أخر.
ومثله قضاؤه، للأخبار المعتبرة (2).
وأما المستحبات، فالأقوى عندي عدم الاشتراط، لصحيحة حبيب
الخثعمي (3) وموثقة ابن بكير (4) فيجوز، وإن تعمد البقاء على الجنابة إلى الفجر.
وأما غسل الحيض فقال في المنتهى: لم أجد لأصحابنا نصا صريحا، واختار في
المنتهى اشتراطه (5)، وفي النهاية عدمه (6)، وتردد في المعتبر (7).
والأول أقرب، لموثقة أبي بصير (8)، ولتوقف اليقين بالبراءة عليه.
فلو تعذر الغسل فالأقرب وجوب التيمم بدلا عن الغسل فيهما، لما سيأتي من
وجوبه لكل ما تجب له الطهارتان، والصواب الكون عليه حتى يدخل الفجر.
وأما غسل الاستحاضة، فالمعروف من مذهب الأصحاب المدعى من بعضهم
عليه الوفاق (9) بطلان الصوم بالاخلال بالأغسال التي تجب عليها، لصحيحة علي
بن مهزيار قال، كتبت إليه: امرأة طهرت من حيضها أو من دم نفاسها في أول شهر
رمضان، ثم استحاضت وصلت وصامت شهر رمضان كله من غير أن تعمل ما
تعمله المستحاضة من الغسل لكل صلاتين، هل يجوز صومها وصلاتها أم لا؟ قال: "

(1) التهذيب 4: 213 ح 620، الاستبصار 2: 88 ح 277، الوسائل 7: 44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16
ح 5.
(2) الوسائل 7: 46 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 19.
(3) الفقيه 2: 49 ح 212، الوسائل 7: 47 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 20 ح 1.
(4) الكافي 4: 105 ح 3، الوسائل 7: 47 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 20 ح 2.
(5) المنتهى (الطبعة الحجرية) 1: 566.
(6) نهاية الإحكام 1: 21.
(7) المعتبر 1: 226.
(8) التهذيب 1: 393 ح 1213، الوسائل 7: 48 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 21 ح 1.
(9) كالشهيد الثاني في روض الجنان: 17، والسبزواري في الذخيرة: 76.
213

" تقضي صومها، ولا تقضي صلاتها، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر
فاطمة عليها السلام والمؤمنات من نسائه بذلك " (1) وفي سند الرواية ومتنها أسئلة
وأجوبة ذكرناها في كتاب مناهج الأحكام (2).
ويظهر من المدارك أن المشهور توقف الصحة على الأغسال النهارية، بلا إشكال
في عدم مدخلية الليلية (3) الآتية، ومع تردد في مدخلية الليلية الماضية (4). وقيل: لو
قدم غسل الفجر عليه فيجزئها عن الليلية (5) الماضية لو كانت تؤثر في تصحيح
الصوم، سيما على القول بالتداخل (6).
وفي كون المراد من الرواية ترك جميع أعمال المستحاضة، فيكون ذكر الغسل
لكل صلاتين بعنوان المثل، أو مجرد الغسل لكل صلاتين في الجملة أوكل ما وجب
على من وجب عليه الغسل لكل صلاتين، احتمالات. والظاهر أنه رفع للإيجاب
الكلي، فترك أحد الأغسال يكفي في بطلان الصوم والصلاة، لكنه بالنسبة إلى ذلك
اليوم. وفي استنباط حكم المتوسطة إشكال.
تنبيه:
الظاهر من كلام الجماعة وجوب الغسل للصوم قبل الفجر بمقدار أداء الغسل لو
لم يجب عليه مشروط آخر (7)، ومقتضى ما حققناه سابقا: " من أن الوجوب للغير

(1) التهذيب 4: 310 ح 937، الوسائل 2: 590 أبواب الحيض ب 41 ح 7.
(2) يمكن الطعن في السند بجهالة المكتوب إليه، ومن حيث المتن بمخالفتها لما عليه الأصحاب من وجوب قضاء
الصوم دون الصلاة.
(3) في " م ": الليلة.
(4) مدارك الأحكام 1: 19.
(5) في " ز "، " ح ": الليلة.
(6) روض الجنان: 17.
(7) الدروس 1: 99.
214

لا يستلزم دخول وقت المشروط، ولا فعلية وجوبه، بل يكفي الظن بإدراك الوقت
صحيحا سليما " جوازه في تمام الليل كنية الصوم، فيجب بوجوب موسع حين
حصول الموجب إلى أن يتضيق الوقت، كما أنه يجب على المستطيع قبل الموسم طي
المسافة ليدرك الحج في الموسم، فتجب المقدمة بوجوب موسع للظان بإدراك وقت
الواجب متلبسا بصفة التكليف. وهو مقتضى الإطلاقات والأوامر المقيد وجوبها
بالغير كما مر في الوضوء ويأتي في الغسل.
وإنما خرجنا عن مقتضى ذلك في الطهارات للصلاة لخصوص الأدلة، من
مفهوم الآية والصحيحة وغيرها، وإلا لجوزنا التوضؤ (1) والاغتسال قبل الوقت بنية
الوجوب للصلاة مع ظن إدراكها متلبسا بصفة التكليف، فيبقى غيره تحت الأصل،
ومن جملة ذلك الغسل للصوم.
ففيما ذكروه شيئان، أحدهما: مخالفته لما ذكروه في تفسير الوجوب الغيري،
وثانيهما: مخالفته لمقتضى حقيقة الواجب الغيري على ما بينا.
وبالجملة، فالأظهر: جواز الغسل للصوم بنية الوجوب في تمام الليل، ويؤيده
عدم إمكان التحديد (2)، وأن المطلوب الإصباح متطهرا.
الثاني: قد عرفت أن وجوب الأغسال للمشروطات في الجملة إجماعي، وأما
وجوبها في نفسها فقد نقلنا قولا بوجوب جميع الطهارات لنفسها، وأشرنا إلى دفعه
في الوضوء.
ونقول ههنا: إن المعروف من مذهب الأصحاب المدعى عليه الاجماع أن غير
غسل الجنابة من الأغسال أيضا لا وجوب لها في نفسها، وتشملها جميعا صحيحة

(1) في " م ": وإلا لجواز بالتوضؤ.
(2) في " ح ": التجديد.
215

زرارة (1)، والأصل، والاستصحاب، وعدم التزام المكلفين الإتيان بها عند مظنة
الموت.
وأما غسل الجنابة، فذهب جماعة من المتأخرين إلى كونه واجبا لنفسه (2)، لقوله
عليه السلام في صحيحة زرارة: " إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل " (3) وما في
معناه من الأخبار المعتبرة الكثيرة.
وفيه: أن بعد ملاحظة تأدي نظائرها من سائر الطهارات من الأحداث والأخباث
بمثل ذلك - كقولهم: وجب الوضوء، وغسل الحيض واجب، وغسل النفاس
واجب، واغسل ثوبك، وما (4) ورد في غسل الأواني، وغيرها مما لا يحصى كثرة -
مع أن المراد منها الوجوب للغير، سيما مع معهودية اشتراط الغير بها; لا يبقى
وثوق (5) بالاتكال على أصالة الحقيقة لو سلم تبادر الواجب المطلق من مطلق
الواجب. سيما مع كون المحتاج إليه العام البلوى هو الوجوب الغيري المتفق عليه،
لا الوجوب النفسي النادر الاحتياج المختلف فيه، فينصرف إليه.
ولذلك قال المحقق: اخراج غسل الجنابة من جميع ذلك تحكم بارد (6)، فالأصل
ينفيه ولا حاجة إلى دليل.
ولو سلمنا دلالة المطلقات، فنجيب عنها بتقييدها بمفهوم الآية، فإن الظاهر أن
قوله تعالى: * (وإن كنتم جنبا) * عطف على قوله: * (فاغسلوا) * والظاهر أن التقدير:
فإن كنتم محدثين بالأصغر فاغسلوا وجوهكم، وإن كنتم جنبا فاطهروا. سيما مع ما

(1) وهو قول أبي جعفر عليه السلام: إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة. الفقيه 1: 22 ح 67، التهذيب 2:
140 ح 546، الوسائل 1: 261 أبواب الوضوء ب 4 ح 1.
(2) كالعلامة في المختلف 1: 321، والمنتهى 2: 256، وفخر المحققين في الإيضاح 1: 47.
(3) التهذيب 1: 119 ح 314، الوسائل 1: 470 أبواب الجنابة ب 6 ح 5.
(4) في " م "، " ح ": ولما.
(5) في " ز ": لا يبقى وصول بها.
(6) نقله عن المسائل المصرية للمحقق في جامع المقاصد 1: 263.
216

ورد في تفسيرها من الأخبار، وادعى السيد عليه الاجماع; من كون المراد: إذا
قمتم من النوم (1)، فإن النوم مظنة الجنابة غالبا، إما بالاحتلام أو بمسبوقيته
بالجماع.
وتدل عليه: رواية محمد بن مسلم، حيث استدل عليه السلام بقوله تعالى:
* (وإن كنتم جنبا فاطهروا) * على عدم وجوب الوضوء مع غسل الجنابة (2)، وإن
كان قوله: * (وإن كنتم) * عطف على قوله: * (إذا قمتم) * لم يثبت التنافي، ولم يصح
الاستدلال.
ويدل عليه أيضا: مفهوم صحيحة زرارة (3)، وظاهر حسنة الكاهلي (4)، وغيرها
من الأخبار. وقد أطنبنا الكلام في كتاب مناهج الأحكام.
الثالث: المشهور وجوب الغسل على من مس ميتا بعد برده وقبل الغسل،
للصحاح المستفيضة (5) خلافا للسيد (6)، وليس له ما يعتمد عليه، والأصل لا يقاوم
الدليل.
والمشهور إلحاق القطعة المبانة من الحي والميت إذا كان فيها عظم، ولم ينقل

(1) الإنتصار: 30.
(2) التهذيب 1: 139 ح 389، الاستبصار 1: 125 ح 426، الوسائل 1: 516 أبواب الجنابة ب 34 ح 5.
(3) التهذيب 2: 140 ح 546، الفقيه 1: 22 ح 67، الوسائل 1: 483 أبواب الجنابة ب 14 ح 2، وفيه: إذا دخل
الوقت وجب الطهور والصلاة، ولا صلاة إلا بطهور.
(4) الكافي 3: 83 ح 1، التهذيب 1: 370 ح 1128، الوسائل 1: 483 أبواب الجنابة ب 14 ح 1، وفيه: عن
المرأة يجامعها الرجل فتحيض وهي في المغتسل فتغتسل أم لا؟ قال: قد جاءها ما يفسد الصلاة فلا تغتسل. وهي
حسنة لأن في طريق الشيخ إلى أحمد بن محمد بن عيسى أحمد بن محمد بن يحيى ولم يثبت توثيقه.
(5) الوسائل 2: 927 أبواب غسل المس ب 1.
(6) نقله عنه الشيخ في الخلاف 1: 222، وقد يستفاد من كتاب الجمل: 54 حيث قال حين عد ما يوجب الغسل:
وقد ألحق بعض أصحابنا بذلك مس الميت.
217

في التذكرة خلافا إلا من العامة (1). وعن الشيخ في الخلاف الاجماع على ذلك (2)،
وتدل عليه: مرفوعة أيوب بن نوح (3).
وتوقف في المعتبر (4) مع جزمه في النافع (5)، ولعله للإرسال، ولا وجه له مع
العمل والإجماع المنقول، واستصحاب شغل الذمة بالعبادة.
والظاهر أن مس ما لا تحله الحياة كالشعر لا يشمله الحكم وإن كان على الميت،
لعدم الانفهام من الأخبار.
وأما مس بعض الأعضاء المغسولة تماما قبل إتمام البواقي ففيه قولان، أظهرهما:
الوجوب، لعدم صدق الغسل قبل الإتمام.
وقيل: لا يجب (6)، لما ورد في غسل الجنابة: " أن ما جرى عليه الماء فقد
طهر " (7) وما ورد: " أن غسل الميت مثل غسل الجنابة " (8).
وفيه: أن التشبيه ظاهره بيان الكيفية، لا جميع الأحكام.
وظاهر الأكثر أن وجوبه للغير، من الصلاة والطواف ومس كتابة القرآن
لا غير، وظاهر المحقق الشيخ علي - حيث ادعى إطباق الأصحاب على كون وجوب
غير غسل الجنابة من الطهارات للغير - كون ذلك إجماعيا (9).

(1) التذكرة 2: 135.
(2) الخلاف 1: 701 مسألة 490.
(3) الكافي 3: 212 ح 4، التهذيب 1: 429 ح 1369، الاستبصار 1: 100 ح 325، الوسائل 2: 931 أبواب
غسل المس ب 2 ح 1، وفيه: إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة، فإذا مسه انسان فكل ما فيه عظم فقد وجب على
من يمسه الغسل، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه.
(4) المعتبر 1: 352.
(5) المختصر النافع: 15.
(6) نهاية الإحكام 1: 174، جامع المقاصد 1: 463.
(7) انظر الوسائل 1: 511 أبواب الجنابة ب 31، وص 502 ب 26.
(8) الوسائل 2: 936 أبواب غسل المس ب 7.
(9) جامع المقاصد 1: 263.
218

ويؤيده حمل النظائر عليه كما مر.
مع أن صريح فقه الرضا عليه السلام هو ذلك، بل الحكم بإعادة الصلاة إذا نسي
الغسل وصلى (1).
وهذه، مع استصحاب شغل الذمة، والإشارات الكثيرة في الروايات - وإن
لم يكن دليلا مستقلا - يقوي القول بكون المس حدثا بالنسبة إلى المشروطات
المذكورة، وكون وجوبه للغير.
وربما قيل بكونه واجبا لنفسه كغسل الجمعة والإحرام على القول بوجوبهما،
لعدم ما يدل على الاشتراط به في شئ من المشروطات.
وقد عرفت الوجه، مع أن كونهما لنفسهما على القول بالوجوب مع شذوذه
ممنوع أيضا، فإن الظاهر أنه للتطهر (2) في اليوم وللاحرام كما دلت عليه الروايات.

(1) فقه الرضا (ع): 175.
(2) في " ز ": للطهر، وفي " ح ": للتطهير.
219

المقصد الثاني
في حقيقة موجبات الغسل وما يتعلق بها
وفيه مباحث:
الأول: في الجنابة
وهي تحصل بخروج المني معتادا في أي حال من ذكر أو أنثى بعنوان اليقين،
ولا يجب الغسل مع الشك، للأصل.
ويعتبر مع الاشتباه بالصفات، من قوة الدفع، وفتور الجسد بعده، ومقارنتها
للشهوة. ويكفي في المريض الشهوة، كما في الأخبار المعتبرة (1).
ووجوب الغسل بذلك إجماعي منصوص عليه في الصحاح وغيرها (2).
وبإدخال الحشفة، أما في قبل المرأة فبالاجماع والصحاح وغيرها (3)، وأما في دبرها، فعلى المشهور المدعى عليه الاجماع من السيد (4)، المدلول عليه بقوله تعالى:
* (أو لامستم النساء) * (5) والأخبار الكثيرة، مثل صحيحة محمد بن مسلم، عن

(1) انظر الوسائل 1: 477 أبواب الجنابة ب 8.
(2) الوسائل 1: 471 أبواب الجنابة ب 7.
(3) الوسائل 1: 471 أبواب الجنابة ب 7.
(4) نقله عنه في المختلف 1: 328.
(5) النساء: 43، المائدة: 6.
220

أحدهما عليه السلام، قال: سألته متى يجب الغسل على الرجل والمرأة؟ فقال:
" إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم " (1) وفي معناها ما رواه في السرائر عن
نوادر البزنطي (2).
وحسنة داود بن سرحان، عن الصادق عليه السلام، قال: " إذا أولجه فقد وجب
الغسل والجلد والرجم، ووجب المهر كملا " (3).
وصحيحة محمد بن إسماعيل (4)، ومرسلة حفص بن سوقة المصرحة بذلك (5).
ويؤيده فحوى صحيحة زرارة القائلة: " أتوجبون عليه الجلد والرجم ولا توجبون
عليه صاعا من ماء " (6) وكل ما دل على وجوب الغسل بالجماع في الفرج، فإن الفرج
أعم.
وذهب الشيخ إلى عدم الوجوب (7)، لصحيحة الحلبي (8)، ومرفوعة البرقي (9).

(1) الكافي 3: 46 ح 1، التهذيب 1: 118 ح 310، الاستبصار 1: 108 ح 358، الوسائل 1: 469 أبواب
الجنابة ب 6 ح 1.
(2) مستطرفات السرائر 3: 557.
(3) الكافي 6: 109 ح 3، الوسائل 15: 65 أبواب المهور ب 54 ح 5.
(4) الكافي 3: 46 ح 2، التهذيب 1: 118 ح 311، الاستبصار 1: 108 ح 359، الوسائل 1: 469 أبواب
الجنابة ب 6 ح 2.
(5) التهذيب 7: 414 ح 1658، الاستبصار 1: 112 ح 373، الوسائل 1: 481 أبواب الجنابة ب 12 ح 1.
وفيها: عن الرجل يأتي أهله من خلفها، قال: هو أحد المأتيين، فيه الغسل.
(6) التهذيب 1: 119 ح 314، الوسائل 1: 470 أبواب الجنابة ب 6 ح 5.
(7) الاستبصار 1: 111، النهاية: 19.
(8) الفقيه 1: 47 ح 185، التهذيب 1: 124 ح 335، الاستبصار 1: 111 ح 370، الوسائل 1: 481
أبواب الجنابة ب 11 ح 1. عن الرجل يصيب المرأة فيما دون الفرج، قال: ليس عليها غسل، وإن لم ينزل هو
فليس عليه غسل.
(9) الكافي 3: 47 ح 8، التهذيب 1: 125 ح 336، الاستبصار 1: 112 ح 371، الوسائل 1: 481 أبواب
الجنابة ب 12 ح 2. وفيها: إذا أتى الرجل المرأة في دبرها فلم ينزل فلا غسل عليها، فإن أنزل فعليه الغسل
ولا غسل عليها.
221

ومع عدم وضوح دلالة الأولى وضعف الثانية، كيف يعارض بهما ما ذكرنا من
الأدلة، فيلزم طرحهما.
وأما في دبر الغلام، فادعى السيد فيه أيضا الاجماع، وادعى أن من قال
بالوجوب في المرأة قال به هنا (1)، وقال الشيخ: إن لأصحابنا فيه روايتين (2)،
والأقوى قول السيد، للإجماع المنقول، وفحوى الصحيحة المتقدمة (3).
وأما الوطء في فرج البهيمة، فعن الأكثر عدم الوجوب (4)، وعن السيد
الوجوب، واختاره في المختلف (5)، لفحوى الصحيحة (6).
ويشكل ذلك على القول بعدم وجوب الحد، فإن فيه خلافا، فأوجب المشهور
التعزير فقط، ولا ريب أنه أحوط (7).
ويؤيده استصحاب شغل الذمة، والشك في الشرط، هذا الكلام في الواطئ.
وأما الموطوء، فالمرأة لا خلاف فيه ولا إشكال إذا كان الوطء في قبلها.
وكذلك الموطوءة دبرا، على القول بكونه موجبا للغسل كما اخترنا، لما ادعى
السيد الاجماع على عدم الفرق، وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة،
ورواية السرائر، وغيرهما من الإطلاقات، وفحوى الصحيحة.
وكذلك الموطوء دبرا على الأظهر، للاجماع المنقول عن السيد، وفحوى الصحيحة.
ثم إن الأكثر لم يفرقوا في المفعول بين الحي والميت مطلقا.

(1) نقله في المعتبر 1: 181، والمختلف 1: 328.
(2) المبسوط 1: 27.
(3) وهي صحيحة زرارة المتقدمة وفيها: أتوجبون عليه الجلد والرجم ولا توجبون عليه صاعا من ماء.
(4) كالشيخ في المبسوط 1: 28، والمحقق في الشرائع 1: 26، وابن سعيد في الجامع للشرائع: 38.
(5) نقله عن السيد واختاره في المختلف 1: 330.
(6) وهي صحيحة زرارة المشار إليها.
(7) في " م " زيادة: بل أقوى.
222

الثاني: في الحيض
وفيه أبحاث:
الأول: قد يطلق الحيض ويراد به: الحالة المانعة عن الصلاة المعهودة.
وقد يراد به نفس الدم المعهود، وهو دم تعتاده المرأة في كل شهر غالبا، مخلوق
في رحمها لأجل مصالح، منها تغذية الجنين به وحفظه له، باكتنافه إياه وصيرورته
لبنا وغذاءا له بعد الوضع، كما يستفاد من الأخبار والتجربة والاعتبار.
والاستحاضة إنما تكون من عرض ومرض، فالأصل عدم كون الدم الخارج عن
المرأة غير الحيض، لأصالة الصحة، وعدم عروض العرض.
وهو في الأغلب حار، عبيط، أسود، له دفع وحرقة، كما يستفاد من
الأخبار (1)، ويخرج من الطرف الأيسر على الأظهر، للخبر المعتضد بالتجربة (2)
والفقه الرضوي (3).
ولما كان أغلب أحكام الشرع من باب سد الأبواب وحماية الحمى، فجعل لذلك
حدا محدودا، لتتناسق الأحكام المعلقة عليه، فجعل لأقله وأكثره حدا، ولتحققه
شرائط. فما أمكن أن يكون حيضا من جهة عدم المانع وحصول الشرائط فهو
حيض، وهو مجمع عليه، على ما نص عليه الفاضلان (4)، ومطابق للأصل
والاعتبار، ومستفاد من تتبع الأخبار.

(1) الوسائل 2: 537 أبواب الحيض ب 3 ح 1.
(2) محمد بن يحيى رفعه عن أبان قال: قلت لأبي عبد الله (ع) فتاة منا بها قرحة في جوفها والدم سائل لا تدري من
دم الحيض أو من دم القرحة؟ فقال: مرها فلتستلق على ظهرها ثم ترفع رجليها وتستدخل إصبعها الوسطى فإن
خرج الدم من الجانب الأيسر فهو الحيض وإن خرج من الجانب الأيمن فهو من القرحة. التهذيب 1: 385
ح 1185، الوسائل 2: 560 أبواب الحيض ب 16 ح 1. وعكسه في الكافي 3: 94 ح 3.
(3) فقه الرضا (ع): 193.
(4) المحقق في المعتبر 1: 203، والعلامة في المنتهى 2: 287.
223

ولا عبرة بمخالفة الصفات مع الإمكان، كما في أيام العادة للصحيح وغيره (1).
وما قيل من أن الأصل هو العمل على الصفات لحسنة حفص بن البختري
ونحوها إلا ما خرج بالدليل (2)، ففيه مع تسليم دلالتها وحجية المفهوم وعمومه: أنه
معارض بأقوى منه من الأخبار (3) المعتضدة بالاعتبار والإجماع.
فرع: لو رأت الدم ثلاثة فانقطع ورأت قبل تمام العشر، فالجميع حيض، لحسنة
محمد بن مسلم وغيرها (4)، وكذلك كلما تراه المرأة من الثلاثة إلى العشرة، وهو
المشهور بينهم.
وكذلك لو تأخر مقدار عشرة أيام، ثم رأت دما جامعا لشرائط الحيض، فهما
حيضتان.
الثاني: لا حيض قبل إكمال التسع، بالاجماع، والأخبار (5). وبعد اليأس،
وهو إكمال ستين للقرشية، والخمسين في غيرها، لمرسلة ابن أبي عمير المفصلة،
الجامعة بين ما دل على الخمسين مطلقا والستين مطلقا (6).
وقد تلحق النبطية بالقرشية، ولم نعرف مستنده.
والمعتبر الانتساب بالأب على الأظهر.
والأظهر تحققه مع الحمل كما عليه الأكثر (7). وقيل: لا حيض مع الحمل (8)،

(1) الوسائل 2: 540 أبواب الحيض ب 4 ح 1.
(2) كما في المدارك 1: 324، والحسنة فيها: إذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة - الكافي 3: 91 ح 1
التهذيب 1: 151 ح 429، الوسائل 2: 537 أبواب الحيض ب 3 ح 2. وهي حسنة بإبراهيم بن هاشم.
(3) الوسائل 2: 539 أبواب الحيض ب 4.
(4) إذا رأت الدم قبل عشرة أيام فهو من الحيضة الأولى، وإن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة. الكافي 3:
77 ح 1، التهذيب 1: 159 ح 454، الوسائل 2: 554 أبواب الحيض ب 11 ح 3.
(5) انظر الوسائل 15: 406 أبواب العدد ب 3.
(6) الكافي 3: 107 ح 3، التهذيب 1: 397 ح 1236، الوسائل 2: 580 أبواب الحيض ب 31 ح 2.
(7) كالصدوق في الفقيه 1: 51 ح 197، والسيد في الناصريات (الجوامع الفقهية): 191.
(8) هذا منقول عن المفيد وابن الجنيد في المعتبر 1: 200، والمختلف 1: 356.
224

وعن الشيخ في الخلاف الاجماع عليه إذا استبان، وقال: إنما الخلاف في غيره (1).
وقيل: ما تراه في أيام العادة حيض، وما تراه بعد عشرين يوما من العادة فليس
بحيض (2).
لنا: الأخبار المعتبرة المستفيضة جدا (3).
وللمانع رواية ضعيفة عامية (4).
وللمفصل صحيحة الحسين بن نعيم الصحاف (5)، ولا يبعد ترجيح هذا
التفصيل، لصحة الرواية، وكونها مقيدة، والأخبار المثبتة مطلقة. وخصوصا مع
أنها واردة مورد الغالب.
نعم هنا كلام آخر، فللمانع أن يقول إن الحيض مما تستبرأ به الإماء وتحصل العدة
برؤيته، فإن ذلك لأجل أنه كاشف عن عدم الحمل.
قلت: لما كان الغالب أن الحامل لا ترى الحيض، فرؤيته قرينة على عدم الحمل
غالبا، والتربص بهذا القدر مما يستبين به الحمل غالبا، فالعمدة هو مرور الزمان
الذي يحصل به الظن بعدم الحمل، ولذلك لم يعتبر الحيض في المسترابة، واكتفي
بالشهور الثلاثة، فإذا انضم إلى ذلك رؤية الدم فيقوى الظن بعدمه، وقد عرفت أن
ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض، وهذه الأخبار أيضا مما يشيد هذه القاعدة
ويؤيدها فتنبه.

(1) الخلاف 1: 239 مسألة 205.
(2) النهاية: 25، التهذيب 1: 388، الاستبصار 1: 140.
(3) الوسائل 2: 576 أبواب الحيض ب 30.
(4) رواية السكوني عن جعفر عن أبيه (ع) قال قال النبي (ص) ما كان الله ليجعل حيضا مع حبل، والسكوني
عامي. التهذيب 1: 387 ح 1196، الاستبصار 1: 140 ح 481، الوسائل 2: 579 أبواب الحيض ب 30
ح 12.
(5) الكافي 3: 95 ح 1، التهذيب 1: 388 ح 1197، الاستبصار 1: 140 ح 482، الوسائل 2: 577 أبواب
الحيض ب 30 ح 3.
225

وأقله ثلاثة أيام، وأكثره عشرة كأقل الطهر بالاجماع والأخبار (1).
والأظهر الأشهر اعتبار التوالي في الثلاثة، لأن اليقين لا يحصل إلا به،
والطهارة مستصحبة، وعمومات التكاليف ظاهرة الشمول، والأصل عدم ثبوت
التكاليف الحيضية، فلا يخرج عن هذه الأدلة إلا باليقين، وإطلاق الأخبار لا يقاوم ما
ذكر، مع أن صريح عبارة الهداية وفقه الرضا ثلاثة أيام متواليات (2).
وقد يتمسك بالتبادر.
وفيه ما لا يخفى على المتأمل المتعمق، إذ قولهم عليهم السلام: " أقل الحيض
ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام " لا يتبادر منه إلا أقل زمان الحيض (لا أقل أيام
الحيض) (3).
وانفهام اشتراط التوالي بالمعنى الأول لا يوجب اشتراطه بالمعنى
الثاني، فكون أقل أيامه أيضا ثلاثة وإن كان يفهم منه أيضا، إلا أنه لا يفهم اشتراط
التوالي بالنسبة إلى هذا المعنى.
نعم لو قيل: أقل أيام الحيض ثلاثة كما رواه في الخصال في حديث شرائع
الاسلام (4) وصرح به في الهداية (5)، فيتبادر منه المعنى الثاني، مع أنه صرح فيما
بعده بالتوالي كما ذكرنا.
فعلى هذا، فكون العشرة المحفوفة بثلاثة في أوله ويوم في آخره من جملة أكثر
الحيض إنما ثبت من دليل خارج، وما دل على عدم تجاوز حكم الحيض عن العشرة
أيام يوجب تقييد أكثر أيام الحيض بالعشرة، وإلا فلا تقييد فيه كأقل أيامه، فكان
إطلاقه يقتضي تحقق تلك العشرة أيام في خمسة عشر يوما فصاعدا.

(1) الوسائل 2: 551 أبواب الحيض ب 10.
(2) الهداية (الجوامع الفقهية): 50، فقه الرضا (ع): 192.
(3) ما بين القوسين ليس في " م "، " ز ".
(4) الخصال: 606.
(5) الهداية (الجوامع الفقهية): 50.
226

ويكفي في التوالي تحقق مسماه في كل يوم على الأشهر، فيتحقق بمجرد دخول
اليوم الثالث وإن انقطع بعد لحظة.
وقيل: يشترط اتصاله في مجموع الثلاثة (1).
وقيل: يعتبر حصوله في أول الأول وآخر الآخر، وفي أي جزء كان من
الوسط (2).
والتحقيق: أن يقال إن كان المراد من الحيض هو نفس الدم فالأقوى هو الأوسط،
وإن كان المراد حكمه، فالأقوى هو الأخير.
وأما قول المشهور فيستلزم المجاز على التقديرين، ولا يبعد ترجيح المشهور
بملاحظة استقراء أخبار الحيض.
الثالث: إذا اشتبه دم الحيض بدم العذرة فيعتبر بالقطنة، فإن خرجت مطوقة فهو
للعذرة، وإلا فهو حيض للصحاح (3).
والأولى أن تضع القطنة فتستلقي على ظهرها، وترفع رجليها، ثم تصبر هنيئة،
ثم تخرجها إخراجا رقيقا، كما ذكره الشهيد الثاني (4)، ولعله استند في ذلك إلى
مرفوعة أبان (5)، وفيه إشكال.
الرابع: المرأة تنقسم باعتبار رؤية الدم إلى: ذات عادة، ومبتدأة، ومضطربة.
والعادة تحصل باستقرار الوقت، أو العدد، أو كليهما، فأقسامها ثلاثة.
ولا تحصل إلا بتكرره مرتين، للخبرين (6)، والإجماع. فتحيض في الثالث

(1) جامع المقاصد 1: 37، المحرر (الرسائل العشر): 140.
(2) حكاه في المدارك 1: 322.
(3) الوسائل 2: 535 أبواب الحيض ب 2.
(4) المسالك 1: 56.
(5) المتقدمة في ص 205، وهي في التهذيب 1: 385 ح 1185، والوسائل 2: 560 أبواب الحيض ب 16 ح 1،
الواردة في المشتبه بدم القرحة.
(6) الوسائل 2: 559 أبواب الحيض ب 14.
227

بمجرد الرؤية في الأول والثالث للاجماع والأخبار (1).
وأما الثاني فظاهر كلام الأكثر هو ذلك أيضا، لظاهر الأخبار مثل صحيحة
محمد بن مسلم، عن الصادق عليه السلام، عن المرأة ترى الصفرة في أيامها،
فقال: " لا تصلي حتى تنقضي أيامها، فإن رأت الصفرة في غير أيامها توضأت
وصلت " (2).
ورواية يونس، عن بعض رجاله، عنه عليه السلام: " فإذا رأت المرأة الدم في
أيام حيضها تركت الصلاة، فإن استمر بها الدم ثلاثة أيام فهي حائض " (3).
ويشمله ظاهر دعواهم الاجماع، فإن الفاضلين بعد تقسيم ذات العادة وذكر
أقسامها قالا: تترك ذات العادة الصلاة والصوم برؤية الدم في أيامها، وهو مذهب
أهل العلم (4)، ثم قالا: وأما المبتدأة والمضطربة، وساقا الكلام فيهما.
ويظهر من الشهيدين الخلاف في ذلك بالحاقها بالمضطربة، لاضطرابها في
الوقت، فيجئ فيه الخلاف الآتي (5).
ولا يبعد ترجيح الأول، سيما إذا وافقت صفاته للحيض، وإن أمكن القدح بأن
ظاهر الأخبار هي الوقتية. ولعل ذلك لندرة هذا الفرض، وأن الإطلاقات محمولة
على الغالب.
والحاصل أن الذي يقوى في نفسي هو أن ذلك يصير خلقا معروفا لها، سيما إذا
تكرر وكانت المرأة سليمة، فإن الأصل عدم الاستحاضة، لما مر في البحث الأول،
وإن كان الأحوط الاستظهار.

(1) الوسائل 2: 559 أبواب الحيض ب 14.
(2) الكافي 3: 78 ح 1، التهذيب 1: 396 ح 1230، الوسائل 2: 540 أبواب الحيض ب 4 ح 1.
(3) الكافي 3: 76 ح 5، التهذيب 1: 158 ح 452، الوسائل 2: 559 أبواب الحيض ب 14 ح 3.
(4) المحقق في المعتبر 1: 213، والعلامة في المنتهى (الطبعة الحجرية) 2: 346.
(5) الشهيد الأول في البيان: 59، والشهيد الثاني في المسالك 1: 60.
228

وأما لو تقدم الدم أو تأخر بيوم أو يومين أو أكثر فظاهر الأكثرين أيضا الحكم
بالتحيض، ويدل عليه ما تقدم من العمومات، مضافا إلى موثقة سماعة وما في
معناها المصرحة بذلك (1)، ويظهر من الشهيدين أيضا الخلاف كما تقدم (2).
ثم إن ذات العادة الوقتية فقط إنما تكون مستقرة الحكم بالنظر إلى الأول.
وأما بالنظر إلى الآخر فقيل: إنها مضطربة العدد (3)، وقيل بالأخذ بالأقل
لتكرره (4)، والأول أرجح في النظر.
وأما المبتدأة، ففي استظهارها ثلاثة أيام ثم التحيض، أو التحيض أولا، قولان،
أقواهما الأول، لاستصحاب الطهارة، وعدم حصول التكاليف الحيضية، وعدم
تخصيص العمومات التكليفية الظاهرة الشمول لها.
والقاعدة المتقدمة المجمع عليها غير منطبقة عليه، لأن المدعى عليه الاجماع هو ما
يمكن أن يحكم عليه بالفعل أنه حيض، لا ما يمكن أن يكون في نفس الأمر حيضا،
وهو لا يتحقق إلا بمضي الثلاثة مع سائر شرائطها.
وكل ما استدل به في المدارك والذخيرة وغيرهما من الأخبار على القول الثاني
فهي غير واضحة الدلالة (5)، وأقواها حسنة الحفص بن البختري المعتبرة
للوصف (6)، وهي في مستمرة الدم، ولا عموم فيها يشمل ما نحن فيه. ومحل

(1) الكافي 3: 77 ح 2، التهذيب 1: 158 ح 453، الوسائل 2: 556 أبواب الحيض ب 13 ح 1. إذا رأت الدم
قبل وقت حيضها فلتدع الصلاة فإنه ربما تعجل بها الوقت.
(2) الشهيد الأول في الذكرى: 29، الشهيد الثاني في المسالك 1: 60.
(3) جامع المقاصد 1: 37.
(4) كما في منتهى المطلب 2: 315، والذكرى: 28.
(5) انظر المدارك 1: 329، ذخيرة المعاد: 64.
(6) قال: دخلت على أبي عبد الله امرأة فسألته عن المرأة يستمر بها الدم... فقال: فإذا كان للدم حرارة ودفع فلتدع
الصلاة الكافي 3: 91 ح 1، التهذيب 1: 151 ح 429، الوسائل 2: 537 أبواب الحيض ب 3 ح 2، وهي
حسنة بإبراهيم بن هاشم.
229

النزاع مطلق، وتخصيص صاحب المدارك بالمتصف بصفة الحيض توهم.
ومما ذكرنا يظهر الكلام في المضطربة.
الخامس: التلوث في الباطن حيض، فلا يحصل الطهر بمجرد انقطاع
الدم، فيجب الاستبراء بالقطنة حين الانقطاع لدون العشرة، لصحيحة محمد بن
مسلم (1).
والأولى أن تقوم فتلصق بطنها بالحائط، وترفع رجلها كما يرفع الكلب وقت
البول، كما في موثقة سماعة (2). والأولى رفع الرجل اليسرى كما في رواية
شرحبيل (3)، لكونها أوفق بما رجحنا من اعتبار الأيسر. فإن خرجت نقية فتغتسل
بالاجماع والأخبار.
وقيل: ولو اعتادت النقاء في أثناء العادة فلا يجب عليها الغسل (4)، وليس
ببعيد، عملا بالعادة.
ولو خرجت متلطخة ولو مثل رأس الذباب، فإن كانت مبتدأة فتصبر حتى تنقى
أو تمضي عشرة أيام، لما مر من أنه يمكن أن يكون حيضا فهو حيض، ولحسنة محمد
ابن مسلم وغيرها (5).
وإن كانت ذات عادة، فتستظهر بترك العبادة إذا كانت عادتها دون العشرة إلى
العشرة، على الأقوى.

(1) وفيها: إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة، فإن خرج فيها شئ من الدم فلا تغتسل... " الكافي 3:
80 ح 2، التهذيب 1: 161 ح 460، الوسائل 2: 562 أبواب الحيض ب 17 ح 1.
(2) التهذيب 1: 161 ح 462، الوسائل 2: 562 أبواب الحيض ب 17 ح 4.
(3) الكافي 3: 80 ح 3، التهذيب 1: 161 ح 461، الوسائل 2: 562 أبواب الحيض ب 17 ح 3.
(4) المدارك 1: 332.
(5) الكافي 3: 77 ح 1، التهذيب 1: 159 ح 454، الوسائل 2: 554 أبواب الحيض ب 11 ح 3. وفيها: وإذا
رأت المرأة الدم قبل عشرة فهو من الحيضة الأولى.... وهي حسنة بإبراهيم بن هاشم.
230

وقيل: تستظهر بيوم أو يومين (1)، وقيل: أو ثلاثة (2).
وطريقة الجمع بين الأخبار الواردة في كل منها: حمل ما ورد على طبق الأقوال
على مراتب عادة النساء وأمزجتهن، والمقصود اختبار الحال وأنه هل يتجاوز العشرة
أم لا.
وفي كون ذلك واجبا أو جائزا أو مستحبا أقوال، أشهرها وأظهرها الثالث،
للأخبار الدالة على سقوطه، مثل ما ورد في المستحاضة، وهي كثيرة جدا (3)، حيث
لم تؤمر فيها بالاستظهار، بل أمرت فيها بالعبادة في غير أيام إقرائها، فهي قرينة
لإرادة الاستحباب الذي هو أقل مراتب الأمر، فسقط احتجاج الأولين بكون الأمر
للوجوب، مع أن الوارد بلفظ الأمر قليل، واختلاف الأخبار في مقداره أيضا
شاهد.
والمراد من استحباب الاستظهار: رجحان الإتيان بتكاليف الحائض، والعبادة
التي لا يصح القول باستحباب تركها هي ما ثبت كونها عبادة مطلوبة، وهو أول
الكلام، فسقطت حجة القول بالجواز أيضا.
وفي ثبوت الاستظهار للمبتدأة والمضطربة إشكال، وعن الدروس التصريح
باستظهارهما (4)، وعن الذكرى إيجاب استظهار المبتدأة بيوم (5) عند رجوعها إلى
عادة نسائها (6)، لموثقة زرارة ومحمد بن مسلم (7).

(1) النهاية: 24.
(2) المدارك 1: 335.
(3) انظر الوسائل 2: 604 أبواب الاستحاضة ب 1.
(4) الدروس 1: 98.
(5) بيوم ليست في " ز ".
(6) الذكرى: 29.
(7) التهذيب 1: 401 ح 1252، الاستبصار 1: 138 ح 472، الوسائل 2: 546 أبواب الحيض ب 8 ح 1،
وفيها: يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها، ثم تستظهر على ذلك بيوم. وهي موثقة
بعلي بن الحسن بن فضال فإنه فطحي.
231

ثم المشهور أنه إذا انقطع الدم في العشرة فيحكم بكون الجميع حيضا، وتقضي
صومها.
وإذا تجاوز الدم العشرة ظهر أن ما بعد العادة طهر، فتقضي صلاة أيام الاستظهار
كصومها.
واستشكله في المدارك بعدم الدليل على جميع ذلك (1).
أقول: الدليل هو الأخبار الصحاح المستفيضة جدا، الدالة على ثبوت
الاستظهار.
ومعنى الاستظهار طلب ظهور الحال حتى يعامل مع كل من الدمين معاملته،
فحكم من تترك الصلاة في الطهر القضاء، ومن تترك في الحيض العدم، وهكذا
فالرخصة في الترك لا تستلزم سقوط القضاء.
وما في بعضها من أنها بعد أيام الاستظهار مستحاضة (2) محمول على ما بعد
العشرة كما نبهنا عليه سابقا، فالمراد أنه إن تجاوزها فمستحاضة، فلا ينافي سقوط
القضاء لو انقطع على العشرة للصلاة، كما لا ينافيه (3) وجوب قضاء الصوم، مع أنه
لا ضير في كون المراد مستحاضة ظاهرا وفي البادئ.
السادس: إذا تجاوز الدم عشرة أيام، فأما ذات العادة، فإن لم يكن لها تمييزا،
أو (4) وافق تمييزها أيام العادة، فترجع إلى عادتها، للاجماع، والأخبار.
ولو اختلفا، فإن كان بينهما أقل الطهر ففيه إشكال، من جهة الأخبار الحاكمة
باعتبار العادة مطلقا، ووجود ما يمكن أن يكون حيضا، والمنقول عن جماعة

(1) المدارك 1: 336.
(2) الوسائل 2: 556 أبواب الحيض ب 13.
(3) في " ز ": كما ينافيه.
(4) في النسخ: و.
232

جعلهما حيضا (1)، وقال في المعتبر: لا بحث في ذلك (2)، ولا يبعد ترجيحه. لكنها
بالنسبة إلى التمييز كالمبتدأة والمضطربة، فتستظهر إلى ثلاثة أيام، ثم تتحيض إلى أن
تحصل عادة أخرى بالتمييز، وإلا فإن أمكن الجمع بينهما بأن لا يتجاوز المجموع عن
العشرة فالأقرب أيضا جعلهما حيضا، لأن العادة تتقدم وتتأخر، وتزيد وتنقص،
والدم إلى العشرة مما يمكن أن يكون حيضا.
وقيل: ترجع إلى التمييز (3)، وقيل إلى العادة (4)، ويظهر وجههما مما سبق.
وإن لم يمكن الجمع فالأشهر الأظهر تقديم العادة، للأخبار الكثيرة المعتبرة
المصرحة بأن المستحاضة تجلس أيام حيضها، وتنتظر عدة ما كانت تحيض، فلتمسك
عن الصلاة عدد أيامها، من غير تفصيل بانتفاء التمييز وعدمه (5).
والظاهر أن العدد في العادة أيضا مقدم على التمييز، كما يظهر من صحيحة
محمد بن عمرو بن سعيد (6)، وصحيحة زرارة (7)، المشتملتين على حكم
الاستظهار، مضافا إلى سائر العمومات.
والشيخ في النهاية على تقديم التمييز (8)، وكذا المحقق الشيخ علي (9)، إن كانت
العادة مستفادة من التمييز، دون الأخذ والانقطاع، لئلا يزيد الفرع على الأصل،
وهو كما ترى.

(1) المدارك 2: 21.
(2) لم يذكر ذلك في المعتبر المطبوع انظر ج 1: 212، بل هذا كلام صاحب المدارك 2: 21.
(3) النهاية: 24، المبسوط 1: 48.
(4) المبسوط 1: 49.
(5) الوسائل 2: 541 أبواب الحيض ب 5.
(6) التهذيب 1: 172 ح 491، الاستبصار 1: 149 ح 515، الوسائل 2: 557 أبواب الحيض ب 13 ح 10.
(7) الكافي 3: 99 ح 4، التهذيب 1: 173 ح 496، الوسائل 2: 605 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5.
(8) النهاية: 24.
(9) جامع المقاصد 1: 308.
233

وقيل بالتخيير جمعا بين الأدلة (1).
وفيه: أن ما دل على العمل بالتمييز إنما هو فيما لم تعلم العادة، وما دل على
العادة أقوى.
وأما المبتدأة فهي أيضا ترجع إلى التمييز إن أمكنها، بأن تختلف صفات الدم،
بأن يكون بعضه بصفة دم الحيض دون بعض، كالأسود والأحمر، أو أشبه بها،
كالأحمر والأصفر، والأشقر والأصفر. والأظهر اعتبار مراتب الألوان والغلظة.
واعتبر جماعة الرائحة أيضا ومراتبها (2).
وبأن لا يكون المشابه له أقل من الثلاثة - ويعتبر فيها التوالي، والظاهر أنه لا يضر
فيه تخلل الدم الضعيف إذا حصل القوي في الأيام الثلاثة في الجملة كما مر - ولا
أكثر من عشرة، وأن لا ينقص الضعيف مع أيام النقاء من أقل الطهر.
وأصل اعتبار التمييز إجماعي، نقله الفاضلان (3)، وتدل عليه حسنة حفص بن
البختري وغيرها من الأخبار المعتبرة (4).
ولم يظهر منهم خلاف فيما اعتبر فيه، إلا ما يظهر من الشيخ في المبسوط في من
اشتراط عدم التجاوز عن العشرة (5).
ولعل وجهه أن العمل على حسنة حفص وما في معناها لا ينافي تركه فيما زاد
على العشرة لدليل (6).
وفيه: أن اعتبار الوصف للكشف عن الحيض النفس الأمري بالأمارة، والحيض
لا يزيد عن عشرة في نفس الأمر. وترجيح المتقدم بالزمان بكونه حيضا لا مرجح

(1) الوسيلة: 60.
(2) كالعلامة في النهاية 1: 135، وصاحب المدارك 2: 15.
(3) المحقق في المعتبر 1: 204، والعلامة في المنتهى 2: 322.
(4) الكافي 3: 91 ح 1، التهذيب 1: 151 ح 429، الوسائل 2: 537 أبواب الحيض ب 3 ح 1 - 3.
(5) المبسوط 1: 46.
(6) في " ز ": فيما من العشرة لدليل.
234

له، مع أن ظاهر تلك الأخبار الحكم على كل ما بالصفة بكونه حيضا، فينحصر فيما
لو لم يتجاوز. وبعض الأخبار الدالة على عدم الاعتبار متروك الظاهر.
وفي اشتراط عدم نقصان الضعيف عن أقل الطهر أيضا قول بالعدم (1)، ويظهر
وجهه وجوابه مما تقدم.
قيل: فلو رأت خمسة أسود، ثم أربعة أصفر، ثم عشرة أسود، فعلى المشهور
لا تمييز لها، وعلى هذا القول حيضها خمسة (2).
وإن لم يمكنها بفقدان أحد الأمور المذكورة، فترجع إلى عادة أقاربها، لأب
كانت أو لأم، أو لكليهما إن اتفقن، لرواية سماعة، قال: سألته عن جارية حاضت
أول حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر، وهي لا تعرف أيام إقرائها، قال: " إقراؤها مثل
إقراء نسائها، فإن كانت نساؤها مختلفات، فأكثر جلوسها عشرة أيام، وأقله ثلاثة
أيام " (3).
وضعفها (4) منجبر بعمل الأصحاب، وادعى في الخلاف الاجماع على
مضمونها (5).
وإطلاقها يشمل الحية والميتة.
والظاهر إرادة العادة المتعارفة، فيبعد أخذ المبتدأة عادة أمها في أواخر رؤيتها، بل
الظاهر اعتبار حال تقارب أسنانهن، كما قربه العلامة في النهاية (6)، ولا يبعد اعتبار

(1) نهاية الإحكام 1: 135، كشف اللثام 1: 89.
(2) المدارك 2: 15.
(3) الكافي 3: 79 ح 3، التهذيب 1: 380 ح 1181، الاستبصار 1: 138 ح 471، الوسائل 2: 547 أبواب
الحيض ب 8 ح 2.
(4) بالارسال والإضمار.
(5) الخلاف 1: 230 مسألة 197.
(6) نهاية الإحكام 1: 139.
235

أكثرهن مع الاختلاف، كما اختاره الشهيد (1).
وأما اعتبار اتحاد البلد كما اختاراه فمشكل، وخروج عن إطلاق النص. وإن
كان اعتبار الأغلب أيضا مثل ذلك، إلا أنه يمكن استفادة حكمه من الرواية وتتبع
موارد أحكام الحيض وخصوص موثقة زرارة ومحمد بن مسلم، فإن فيها: " تنظر
بعض نسائها فتقتدي بإقرائها " (2) ولكن العمل على إطلاقها بحيث يشمل الواحدة
منها أيضا متروك.
قيل: وإن اختلفن أو فقدن فإلى أقرانها (3)، أي مماثلاتها في السن. والظاهر
صدقها على من ولدن في السنة والسنتين، ويحتمل الثلاثة أيضا. وقيل: أو إلى
أقرانها (4)، ولم نقف على مستنده.
وقال الشهيدان: لفظ نسائها في رواية سماعة يشملها، لكفاية أدنى ملابسة في
الإضافة (5).
وفيه نظر، لأن المتبادر هو الأقارب.
فإن لم يمكن ذلك أيضا فتتحيض في كل شهر بسبعة على ما في رواية
يونس (6)، أو بعشرة في شهر وثلاثة في آخر، وهكذا، لموثقتي ابن بكير (7)، منضما
إلى رواية سماعة المتقدمة، وفهم الأصحاب، وإلا فالظاهر من الموثقتين الأخذ

(1) الذكرى: 30.
(2) التهذيب 1: 401 ح 1252، الاستبصار 1: 138 ح 472، الوسائل 2: 557 أبواب الحيض ب 13 ح 5.
(3) المبسوط 1: 46.
(4) العطف بأو منقول عن التلخيص للعلامة كما في مفتاح الكرامة 1: 353. والعطف بالواو في المختصر
النافع: 9.
(5) الشهيد الأول في الذكرى: 30، والشهيد الثاني في روض الجنان: 69.
(6) الكافي 3: 83 ح 1، التهذيب 1: 381 ح 1183، الوسائل 2: 547 أبواب الحيض ب 8 ح 3.
(7) التهذيب 1: 381 ح 1182 وص 400 ح 1251، الاستبصار 1: 137 ح 469، 470، الوسائل 2: 549
أبواب الحيض ب 8 ح 5، 6.
236

بثلاثة في كل شهر إلا في الدور الأول.
والأولى العمل على السبعة كما في رواية يونس، لكونها أصفى من التشويش،
وإن كان فيها أيضا التخيير بين الستة والسبعة كما اختاره بعض الأصحاب أيضا (1)،
فإن التأمل في تمام الحديث يقتضي اختيار السبعة.
والمحقق أسقط الأحاديث رأسا لضعفها، وتبع ابن الجنيد في الأخذ بالثلاثة في
كل شهر عملا بالمتيقن (2)، كما ذهب بعض فقهائنا إلى اختيار العشرة في كل
شهر (3)، لامكان كونه حيضا. وجعل في موضع من المبسوط الحيض عشرة والطهر
عشرة وهكذا (4). وعن السيد والصدوق أنها تجلس من ثلاثة إلى عشرة (5)، وظاهره
التخيير في هذه المدة. وقد يقال: إن ذلك مطابق لرواية سماعة المتقدمة، وقيل أقوال
أخر (6)، والأوجه ما اخترناه.
والتخيير بين الأقل والأكثر في المذكورات غير مضر، فإنه يرجع إلى التخيير بين
تروك الحيض وأعمال المستحاضة; فلا إشكال، مع أن التخيير بين الزائد والناقص
غير عزيز في الشرع كالقصر والإتمام ونحوه.
والظاهر أن التي رأت الدم مرارا لكنها لم يستقر لها عدد ووقت، فهي داخلة في
المضطربة، وسيجئ حكمها، ولذلك فسر المحقق المبتدأة بمن رأت الدم أول مرة (7).
وتظهر الثمرة في الرجوع إلى نسائها، فإنه معلق في الأخبار على من رأت أول الدم

(1) المختصر النافع: 9، التحرير 1: 14، نهاية الإحكام 1: 138.
(2) المعتبر 1: 210، وحكاه عن ابن الجنيد في المختلف 1: 363، والتنقيح الرائع 1: 104.
(3) قد يستفاد من كلام الصدوق في الفقيه 1: 51 فإنه قال: فإن كن نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام،
وحكاه في المعتبر 1: 209.
(4) المبسوط 1: 46.
(5) نقله عن السيد في المعتبر 1: 207. وقد نقلت كلام الصدوق آنفا.
(6) الأقوال في المسألة كثيرة فقد أحصى ست وعشرين قولا مع ذكر القائل في مفتاح الكرامة 1: 354.
(7) المعتبر 1: 207.
237

واستمر دمها.
وأما المضطربة، وهي الناسية لعادتها وقتا وعددا، وهي المسماة بالمتحيرة
عندهم، فترجع إلى التمييز، لحسنة حفص بن البختري (1)، ورواية يونس
الطويلة (2)، وغيرهما.
ومع فقد التمييز، فترجع إلى الروايات، أي السبعة أو الثلاثة والعشرة على
المشهور كما مر، ونقل الشيخ في الخلاف الاجماع عليه (3).
وذهب الشيخ في المبسوط إلى لزوم الاحتياط، بالجمع بين عمل الحيض
والاستحاضة، وغسل الحيض في كل وقت يحتمل انقطاعه (4).
ونقل ابن إدريس فيه أقوالا ستة: الأخذ بالثلاثة ثم العشرة، وبالعكس، وبسبعة
أيام، وبستة أيام، وبثلاثة أيام في كل شهر، والتحيض بعشرة والطهر بعشرة (5).
والأقوى عندي العمل بالسبعة، لرواية يونس كما يستفاد من آخرها (6)، وإن كان
يظهر من أولها تخصيص الحكم بالمبتدأة. مع أن السبعة هي الغالبة في العادة.
وموثقتا ابن بكير صريحتان في المبتدأة (7)، وأما القول بالاحتياط فهو حرج منفي في
الدين.
وأما الذاكرة للوقت فقط أو العدد فقط، فالظاهر أنهما ذات اعتبارين، فتدخلان
في المضطربة من وجه، وفي ذات العادة من آخر. فالاستدلال فيهما إنما يستنبط من

(1) الكافي 3: 91 ح 1، التهذيب 1: 151 ح 429، الوسائل 2: 537 أبواب الحيض ب 3 ح 2.
(2) الكافي 3: 83 ح 1، التهذيب 1: 381 ح 1183، الوسائل 2: 538 أبواب الحيض ب 3 ح 4.
(3) الخلاف 1: 242 مسألة 211.
(4) المبسوط 1: 51.
(5) السرائر 1: 1، 146.
(6) الكافي 3: 83 ح 1، التهذيب 1: 381 ح 1183، الوسائل 2: 547 أبواب الحيض ب 8 ح 3.
(7) التهذيب 1: 381 ح 1182 وص 400 ح 1251، الاستبصار 1: 137 ح 469، 470، الوسائل 2: 549
أبواب الحيض ب 8 ح 5، 6.
238

أدلتهما، وإلا فلا نص فيهما بالخصوص.
أما الأولى: فإن ذكرت أولها، أكملته ثلاثة باليقين، وتبقى في السبعة الباقية
المحتملة مضطربة. فعلى الاحتياط تجمع بين الأعمال الثلاثة. وعلى المشهور تجعله
مع الثلاثة إحدى الروايات.
وإن ذكرت آخرها، فتجعله نهاية الثلاثة، وتحتاط عند الشيخ في السبعة المتقدمة
بالعملين، وتتمها بإحدى الروايات على المشهور.
وإن ذكرت الوسط، حفته بيومين، وتكمله عشرة على الاحتياط، أو تسعة إن
لم يمكن جعله وسط العشرة. كما لو ذكرت أن الوسط كان يوما واحدا وهكذا.
أو تجعله وسط إحدى الروايا ت على المشهور، فيما لم يحصل لها العلم بكونه أقل
من أحدها أو أكثر، وإلا فتعمل على علمها، وكذا في جميع الصور. وعملها على
الاحتياط يظهر مما سبق.
وإن ذكرت وقتا ما، فهو المتيقن، وتكمله عشرة على الاحتياط، وتجمع فيها بين
التكاليف الثلاثة، وتجعله نهاية عشرة، تجمع فيها بين التكليفين. وعلى المشهور
تجعله إحدى الروايات، مخيرة في جعله أولا أو آخرا، أو وسطا. وعلى الاحتياط
تقضي صوم أحد عشر من شهر رمضان، مع احتمال التلفيق، وإلا فتقتصر على ما
حصل لها العلم به.
وأما الثانية: فإن وجد التمييز فكالسابقة، والأظهر تقديم العدد على التمييز، لما
تقدم من تقديم العادة مطلقا، وخصوص صحيحتي محمد بن عمرو بن سعيد (1)
وزرارة (2). وإلا فالأكثر على أنها تضع عددها حيث شاءت من الشهر. وقيل:
تجتهد، ومع عدم الأمارة تتخير، وأول الوقت أولى (3).

(1) التهذيب 1: 172 ح 491، الاستبصار 1: 149 ح 515، الوسائل 2: 557 أبواب الحيض ب 13 ح 10.
(2) الكافي 3: 99 ح 4، التهذيب 1: 173 ح 496، الوسائل 2: 605 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5.
(3) الذكرى: 32، البيان: 59.
239

ومذهب المبسوط الاحتياط في كل الزمان بما يناسبه من الأعمال الثلاثة (1).
والأول أظهر، للزوم العسر والحرج في الاحتياط، هذا إذا نقص العدد عن
نصف الزمان الذي أضلته فيه، أو ساواه.
ولو زاد، كما لو أضلت ستة في العشر الأولى أو علمت أن عددها كان ستة
وأنها كانت تمزج أحد نصفي الشهر بالآخر، فهي متيقنة بشئ، فتكمله بالعدد،
فالخامس هنا والسادس محفوظ عندها في الأول، وكذا الخامس عشر والسادس
عشر. فعلى المشهور تختار بين إكمال العدد متقدما ومتأخرا وبالتلفيق. وعلى
الاحتياط تستكملها عشرة، تجمع في الأربعة المتقدمة بين العملين، وفي المتأخرة بين
الثلاثة.
ثم إن ظاهر رواية يونس العمل بالسبعة للمضطربة مطلقا (2).
ويشكل الحكم فيما لو علمت كون دورها أزيد من شهر، ولم تعرف مقدارها،
أولم تعلم مقدار الدور، ولا أولها، فالحكم بالتحيض في كل شهر بسبعة أو ستة إما
محمول على الغالب من حصول الحيض للنساء في كل شهر، أو تعبد واطراد في
الحكم.
ويشكل الكلام في ذاكرة العدد، والبناء عليه حينئذ أيضا، إلا أنه بعد البناء
على الروايات حينئذ لا بد من ملاحظة العدد، فلا تأخذ بما أفاد الأقل منه من
الروايات.
الثالث: في النفاس
وهو دم الولادة، معها أو بعدها. والظاهر أن تعريف بعض الفقهاء بما يتعقب

(1) المبسوط 1: 51.
(2) الكافي 3: 83 ح 1، التهذيب 1: 381 ح 1183، الوسائل 2: 547 أبواب الحيض ب 8 ح 3.
240

الولادة (1) مبين على الغالب. وكيف كان فالمذهب عدهما في النفاس لشمول
الأدلة.
وأما ما تراه قبلها فليس بنفاس إجماعا.
ويتحقق بالسقط ولو مضغة إذا حصل العلم بكونه مبدأ نشوء آدمي. ويظهر كون
ذلك معتبرا مع صدق العمومات من خصوص صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج في
عدة المطلقة، فقد سمى فيها سقط المضغة بوضع الحمل، بل وكل ما علم أنه حمل (2).
وتتقوى دلالتها بانضمام صحيحة عبد الله بن سنان عن الباقر عليه السلام قال:
" إذا وضعت تزوجت، وليس لزوجها أن يدخل بها حتى تطهر " (3).
وألحق في الذكرى العلقة لو فرض العلم ولو بقول أربع من القوابل (4).
وأما النطفة، فلا وجه لذلك فيها.
وليس لقليله حد شرعا.
وأكثره أكثر الحيض مطلقا عند الأكثر، وذهب جماعة من المتأخرين إلى أن ذات
العادة تجلس عادتها، والمبتدأة، والمضطربة عشرة أيام (5). وجماعة منهم جعلوه
ثمانية عشر يوما مطلقا (6). وعن ابن أبي عقيل أنه واحد وعشرون يوما (7).

(1) كالشيخ في الجمل (الرسائل العشر): 165، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 550، وابن حمزة في
الوسيلة: 61.
(2) الكافي 6: 82 ح 9، الفقيه 3: 330 ح 598، التهذيب 8: 128 ح 443، الوسائل 15: 421 أبواب العدد ب
11 ح 1، وفيه: سألته عن الحبلى إذا طلقها زوجها فوضعت سقطا تم أو لم يتم أو وضعته مضغة فقال.... وهو
في كلام الراوي فقط.
(3) التهذيب 7: 474 ح 1901، وص 489 ح 1965، الاستبصار 3: 191 ح 692، الوسائل 15: 481 أبواب
العدد ب 49 ح 1.
(4) الذكرى: 33.
(5) كالعلامة في القواعد 1: 220، والشهيد في الذكرى: 33.
(6) كالسيد في الإنتصار: 35، وابن بابويه في الفقيه 1: 55، ونقله عن ابن الجنيد في المختلف 1: 378.
(7) نقله عنه في المعتبر 1: 253.
241

والقول الأول هو المستفاد من فحوى الأخبار المعتبرة المستفيضة جدا (1)، والتي
هي أدلة القول الثاني، فإن الاستظهار المأمور به فيها بيوم أو يومين وإلى عشرة ناظر
إلى (2) العشرة كما يظهر لمن تأملها. مضافا إلى ما مر في الحيض.
واستدل في المعتبر والمنتهى بأنه حيض في الأصل، فيعتبر فيه أكثره، وبأن
الأخذ به إجماع والأزيد منه مشكوك فيه، وجعلا تلك الأخبار مؤيدة لمذهبهما (3).
وظني أنها أدلة.
ولعل نظر المفيد أيضا إلى تلك الأخبار، حيث قال: وقد جاءت الأخبار معتمدة
أن أقصى مدة النفاس عشرة أيام، وعليها أعمل لوضوحها عندي (4).
والظاهر أن مرادهم من الاجماع المدعى في العشرة هو على إمكان كونه نفاسا،
مثل أن تكون عادتها ذلك، أو (5) انقطع الدم على العشرة (6)، لا أن العشرة دائما
نفاس بالاجماع (7).

(1) الوسائل 2: 611 أبواب النفاس ب 3.
(2) في " م " زيادة: مراد فيه، وفي " ح " زيادة: مراقبة، أقول: المراد واضح، فإن المراد بالاستظهار هو طلب ظهور
الحال، فلو لم يكن أكثره عشرة ما كان في انتظارها طلب ظهور الحال، فالذي تقتضيه أخبار الاستظهار ثبوته
للعشرة.
(3) المعتبر 1: 253، المنتهى 2: 434.
(4) المقنعة: 57.
(5) في " ز "، " ح ": و.
(6) هذه إشارة إلى بيان القدر المشترك بين الأول والثاني، ودعوى عدم الخلاف بينهما رأسا (منه رحمه الله).
(7) أي: وإن لم يكن ذلك إجماعيا، فيلزم أن يكون إجماعهم على اتحاد حكم الحائض والنفساء فيما يمكن أن
يكون نفاسا بغير صورة تجاوز العشرة، والإجماع لا يقبل التخصيص. والحاصل أن استثناء الرجوع إلى التمييز
والنساء والروايات عن دعوى الاجماع وإن كان لا يدل على الاجماع على خلافه لكن اندراج صورة الإمكان
وبقاءه تحت دعوى الاجماع بعد اخراج الرجوع منضما إلى إطلاق فتاويهم وتصريح بعضهم يدل على أن عدم
الرجوع إلى الأمور المذكورة والأخذ بالعشرة مع التجاوز إجماعي فيتم الدليل على مطلبهم بسبب الاجماع،
ولا يمكن مثل هذا الكلام في ذات العادة في صورة التجاوز عن العشرة من أنه أيضا مندرج تحت قاعدة الإمكان،
فيلزمها أن تأخذ بالعشرة، ولا ترجع إلى العادة، لاستلزامه ترك الصحاح المعمول عليها من مدعي الاجماع
المشتمل على حكم الاستظهار المستلزم للرجوع إلى العادة، فإنه قرينة على عدم دعوى الاجماع من متصدي دعواه
في هذه الصورة، فتأمل في هذه المطالب فإنها دقيقة (منه رحمه الله).
242

ويشهد بذلك أن الشيخ في التهذيب ادعى إجماع المسلمين على أن العشرة
نفاس، واستدل على ذلك بالأخبار الدالة على الأخذ بأيامها فلاحظ (1).
وبملاحظة تلك الأخبار بانضمام ما حصل من الاعتبار وتتبع سائر الأخبار من أن
ذلك من فاضل دم الحيض الذي هو غذاء الطفل يعلم الارتباط بين الدمين، ويعرف
حكم المبتدأة والمضطربة، وأنهما لا تتجاوزان عن أكثر الحيض.
وتظهر الثمرة بين القولين فيما لو جاوز العشرة، فترجع إلى العادة على
القول الثاني، لأن ذلك هو فائدة الاستظهار، وتجعل الجميع نفاسا على القول
الأول.
وظني أن مراد الأولين أيضا هو ذلك (2)، فلاحظ نهاية الشيخ، حيث اعتبر
الاستظهار إلى العشرة (3)، ولا معنى للاستظهار إلا ذلك، وكذلك غيره.
لكن صريح المعتبر وغيره أن العشرة كلها نفاس حينئذ (4)، ويلزمه كون
الاستظهار في الأخبار لغوا، فإن ثبت الاجماع فهو المتبع، ولكنه يلزم طرح تلك الأخبار.
وقد عرفت أن أقدم المتصدين لنقل الاجماع لم يطرحها (5)، بل استدل بها، وهو
الشيخ في التهذيب، هذا.
وأما المبتدأة والمضطربة، فإن انقطع دمهما على العشرة فما دون فلا إشكال،
ومع التجاوز فلم نقف في الأخبار على تصريح بحكمه، ومقتضى ارتباطه بدم

(1) التهذيب 1: 174 ذيل حديث 498.
(2) أي: الأخذ بالعشرة في غير صورة التجاوز والرجوع إلى العادة معه (منه رحمه الله).
(3) النهاية: 29.
(4) المعتبر 1: 255.
(5) أي: كون مجموع العشرة نفاسا مع التجاوز أيضا (منه رحمه الله).
243

الحيض الرجوع إلى التمييز، ثم النساء، ثم الروايات. ولكن مقتضى كلام الجماعة
الأخذ بالعشرة مطلقا، إلا أن الشهيد في البيان قال في المبتدأة إذا تجاوزت العشرة
فالأقرب الرجوع إلى التمييز ثم النساء ثم العشرة، والمضطربة إلى العشرة بعد فقد
التمييز (1) (2).
ويمكن توجيه كلامهم: بأن ما يأتي " من الاجماع على اتحاد حكم
الحائض والنفساء إلا ما استثني " يقتضي الحكم بأن كل ما يمكن أن يكون نفاسا فهو
نفاس.
وأما جريان أحكام التمييز والنساء والروايات فهو مستثنى، فتبقى المبتدأة
والمضطربة تحت حكم قاعدة الإمكان.
فحصل من جميع ما ذكرنا كون ذلك إجماعيا عندهم، وإلا فالإجماع من الأدلة
القطعية، ولا يقبل التخصيص، فحينئذ مخالفة الشهيد غير مضرة لمن سبق عليه
بدعوى الاجماع، ولا يمكن مثل هذا الكلام في ذات العادة، ولاستلزامه ترك
الصحاح الكثيرة المعمول عليها.
وأما ما دل على الثمانية عشر، فمحمولة على التقية، مع أن في تلك الأخبار ما
يدل على أن الحكم بالغسل بعد الثمانية عشر إنما كان لأن السؤال عن الحكم كان عند

(1) البيان: 67.
(2) إشارة إلى دفع ما يمكن أن يقال على ظاهر كلام الجماعة من الأخذ بالعشرة مع ملاحظة كلماتهم السابقة المذكورة
في بيان أكثر الحيض، واستدلالاتهم مبنية على ارتباط دم النفاس مع الحيض، ومقتضى ذلك رجوع المبتدأة
المتجاوز دمها عن العشرة إلى التمييز والنساء كالحيض، فإنها بظاهرها متدافعة، فيحتاج اخراج حكم المبتدأة
المذكورة عن أحكام الحيض ولم يذكروا له دليلا، ولم يظهر هنا حكمها من الأدلة السابقة. وحاصل توجيه
كلامهم أن الفاضلين ادعيا الاجماع على اتحاد أحكام الحائض والنفساء كما سيجئ ذكره فيما بعد، واستثنى من
ذلك أمورا، منها الرجوع إلى التمييز والنساء، ويبقى في جملة المستثنى منه أن ما يمكن أن يكون نفاسا في جملة
العشرة فيحكم بكون مجموع العشرة نفاسا بدليل الاجماع يرد به المقطوع به عند مدعيه، فاستثناء المذكورات شاهد
على كون الباقي داخلا في الاجماع فيكون إجماعيا (منه رحمه الله).
244

مضي تلك المدة، ولو سألت قبلها لأمرت بالغسل، وبعضها مصرحة بذلك (1). مع
أن مخالفها من الأخبار أكثر عددا، وأصح سندا، وأوضح دلالة، وأوفق بالعمومات
وعمل الأصحاب.
والعلامة في المختلف جمع بين الأخبار بحمل تلك على المبتدأة (2)، وهو كما
ترى، إذ أكثر تلك الأخبار في حكاية أسماء، وقيل: إنها تزوجت بأبي بكر بعد وفاة
جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه - بعد أن ولدت له عدة أولاد (3)، ويبعد مع ذلك
كونها مبتدأة.
قالوا: وإذا رأت الدم يوم العاشر فقط فهو النفاس، واستشكله في المدارك (4)،
ولعل دليله أن حاصل ما استفيد من الأخبار أن النفاس لا يتجاوز عن عشرة أيام من
الولادة، لا من رؤية الدم، فما تراه في ظرف العشرة فهو نفاس.
وعلى هذا فلو رأت الأول والعاشر وانقطع فالأمر أوضح لما ذكرنا، ولأن
الفاضلين (5) ادعيا إجماع أهل العلم على اتحاد أحكام الحائض والنفساء إلا في
الأقل والأكثر، فإن في أكثر النفاس خلافا، وفي الرجوع إلى عادة النساء والروايات
والتمييز، وفي مضي أقل الطهر بين نفاسين، وليس ذلك منها.
وأما لو جاوز، فالكلام فيه بالنسبة إلى ما زاد عن العادة قد مر، وأما بالنسبة

(1) انظر الوسائل 2: 612 أبواب النفاس ب 3 ح 6، 7، 11. وفي الأخير: أن أسماء سألت رسول الله (ص) وقد
أتى لها ثمانية عشر يوما قال: ولو سألت رسول الله (ص) قبل ذلك وأخبرته لأمرها بما أمرها.
(2) المختلف 1: 380.
(3) قال في أسد الغابة 5: 395 أسلمت أسماء قديما وهاجرت إلى الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب، فولدت
له بالحبشة عبد الله وعونا ومحمدا ثم هاجرت إلى المدينة، فلما قتل عنها جعفر بن أبي طالب تزوجها أبو بكر
فولدت له محمد بن أبي بكر، ثم مات عنها، فتزوجها علي بن أبي طالب (ع) فولدت له، يحيى لا خلاف في
ذلك.
(4) المدارك 2: 50.
(5) المعتبر 1: 257، المنتهى 2: 449.
245

إلى بعد العشرة فتعمل فيها ما تعمل المستحاضة، سواء صادف أيام العادة
أم لا، إلا أن يفصل أقل الطهر بينهما. ونسب الخلاف في المنتهى إلى بعض
العامة (1)، ويظهر منه (2) الفرق بين ما تراه قبل الوضع مع إمكان كونه حيضا، وما تراه
بعد أقصى النفاس; فيشترط في الثاني تخلل الطهر، دون الأول، وفي كليهما
إشكال.
وأما إذا فصل أقل الطهر، فذات العادة تأخذ بعادتها، إلا أن يمكن في حقها
حيض جديد فتتحيض بها أيضا. وقد مر الكلام في مستمرة الدم.
ويظهر بالتأمل فيما تقدم أحكام أقسام النساء.
ولا يجب تخلل أقل الطهر بين النفاسين، فلو ولدت توأمين بفاصلة أيام فما تراه
بعد كل منهما فهو نفاس مستقل.
الرابع: في الاستحاضة
دم الاستحاضة في الأغلب بارد رقيق أصفر، وكلما لم يثبت كونه من قرح أو
جرح ولم يمكن كونه حيضا أو نفاسا فهو استحاضة.
والمشهور أنها على ثلاثة أقسام: قليلة، وكثيرة، ومتوسطة. لأنه إذا اعتبر
بالقطنة، فإما أن يغمس القطنة ويثقبها ويسيل من خلفها إلى الخرقة، فكثيرة، وإن
غمس وثقب ولم يسل من خلفها، فمتوسطة. وإن لم يغمسها، فقليلة، وإن دخل
في جوف القطنة أيضا.
أما القليلة، فالمشهور أنه يجب عليها الوضوء لكل صلاة، وذهب ابن أبي عقيل

(1) المنتهى 2: 445، قال: إذا تجاوز الدم أكثر أيام النفاس فهو استحاضة سواء صادف أيام الحيض أو لم يصادف
خلافا لأحمد فإنه قال إن صادف أيام العادة فهو حيض وإلا فهو استحاضة. وانظر المغني والشرح الكبير
لابني قدامة 1: 359، 369.
(2) في " ز ": فيه.
246

إلى عدم وجوب شئ عليها (1)، وابن الجنيد إلى وجوب غسل واحد في اليوم
والليلة (2).
والأول هو المذهب، للأخبار المعتبرة، منها صحيحة معاوية بن عمار (3)،
وصحيحة الصحاف (4)، وموثقة زرارة (5).
ليس للمذهبين الآخرين ما يعتمد عليه، ولا دلالة لصحيحة عبد الله بن سنان
على الأول (6)، ولا لرواية سماعة على الثاني (7) كما توهم (8).
وأما المتوسطة، فالمشهور أيضا أنه يجب عليها مع ذلك الغسل قبل صلاة الغداة،
وذهب ابن أبي عقيل إلى اتحاد حكمها مع حكم الكثيرة، وهو وجوب ثلاثة
أغسال: غسل للصبح، وغسل للظهرين، وغسل للعشاءين. وهو المنقول عن
ابن الجنيد (9) وصاحب الفاخر، واختاره الفاضلان في المعتبر والمنتهى (10)، وجماعة

(1) نقله عنه في المعتبر 1: 244، والمختلف 1: 372.
(2) نقله عنه في المعتبر 1: 244.
(3) الكافي 3: 88 ح 2، التهذيب 1: 107 ح 277، الوسائل 2: 604 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1.
(4) الكافي 3: 95 ح 1، التهذيب 1: 388 ح 1197، الاستبصار 1: 140 ح 482، الوسائل 2: 606 أبواب
الاستحاضة ب 1 ح 7.
(5) التهذيب 1: 169 ح 483، الوسائل 2: 607 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 9. وهي موثقة بابن بكير فإنه
فطحي.
(6) الكافي 3: 90 ح 5، التهذيب 1: 171 ح 487، الوسائل 2: 605 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 4، وفيها:
المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر وتصلي الظهر والعصر... قال: وترك الوضوء يدل على عدم وجوبه.
(7) الكافي 3: 89 ح 4، التهذيب 1: 170 ح 485، الوسائل 2: 606 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 6. وفيها:
المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكل صلاتين وللفجر غسلا وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل
لكل يوم مرة والوضوء لكل صلاة.
(8) نقل احتجاجهما في المختلف 1: 373.
(9) نقله عنهما في المختلف 1: 372.
(10) المعتبر 1: 245، المنتهى 2: 412.
247

من متأخري المتأخرين (1)، للأخبار الصحيحة الدالة بعمومها على أن المستحاضة
تغتسل ثلاثة أغسال، أو الاستحاضة المثقبة للكرسف حكمها كذا.
والأقوى مذهب المشهور، لخصوص صحيحة الصحاف، ففيها: " فإن كان الدم
فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضأ ولتصل عند وقت كل
صلاة " (2) فإنها تشمل المتوسطة، ويبطل مذهب الخصم، ويثبت غسل الغداة من
دليل آخر.
وفيها أيضا: " وإن كان الدم إذا أمسكت الكرسف يسيل من خلف الكرسف
صبيبا لا يرقأ، فإن عليها أن تغتسل في كل يوم وليلة ثلاث مرات " فإن مفهومها
عدم وجوب ذلك في غير هذه الصورة.
ولصحيحة زرارة: " فإن جاز الدم الكرسف تعصبت واغتسلت ثم صلت الغداة
بغسل، والظهر والعصر بغسل، والمغرب والعشاء بغسل، وإن لم يجز الدم
الكرسف صلت بغسل واحد " (3) (4).
وقد يناقش في إضمار الرواية، وهو غير مضر، سيما من مثل زرارة. مع أنه
يظهر من الشيخ في التهذيب فيما بعد نقل هذه الرواية بورقة تخمينا أنها عن الباقر
عليه السلام.
ولموثقة سماعة قال، قال " والمستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكل
صلاتين وللفجر غسلا، وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كل يوم مرة،
والوضوء لكل صلاة " (5) والتقريب ما تقدم.

(1) كالمقدس الأردبيلي في الفائدة 1: 155، وصاحبي المدارك 2: 32، والذخيرة: 74.
(2) الكافي 3: 95 ح 1، التهذيب 1: 388 ح 1197، الاستبصار 1: 140 ح 482، الوسائل 2: 606 أبواب
الاستحاضة ب 1 ح 7.
(3) الكافي 3: 99 ح 4، التهذيب 1: 173 ح 496، الوسائل 2: 605 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5.
(4) في " ز " زيادة: وقد يثبت كون الغسل الواحد في الغداة بالاجماع على عدم غسل آخر.
(5) الكافي 3: 89 ح 4، التهذيب 1: 170 ح 485، الوسائل 2: 606 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 6.
248

والإضمار من سماعة أيضا غير مضر، سيما مع اعتضادها بعمل الأصحاب.
ولما دل بمفهوم الشرط من الأخبار المعتبرة على أن هذا الحكم مخصوص بما إذا
كان الدم صبيبا لا يرقأ (1)، والفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام صريح في مذهب
المشهور (2)، وهذه الأدلة خاصة، والخاص مقدم على العام، سيما إذا اعتضد
بالعمل وموافقة الأصل ونفي العسر والحرج.
وأما الوضوء لكل صلاة، فهو أيضا مستفاد من الأخبار، منها صحيحة الصحاف
وموثقة سماعة المتقدمتان.
ومنها خبر يونس الطويل، ففي جملته: " فلتدع الصلاة أيام إقرائها، ثم
تغتسل وتتوضأ لكل صلاة " قيل: وإن سال؟ قال: " وإن سال كالمثقب " (3) ولم
يتعرض عليه السلام في هذا المقام لحكم الغسل، وهو موافق لعموم الكتاب
أيضا.
بل ويظهر من العلامة في التذكرة إسناد وجوب الوضوء لكل صلاة إلى علمائنا
في المستحاضة مطلقا، مؤذنا بدعوى الاجماع (4).
وأما الكثيرة، فلا إشكال في حكمها، ولا خلاف. والصحاح بحكمها
ناطقة (5)، وإذا أرادت صلاة الليل فتجمع بينها وبين الغداة بغسل بلا خلاف في
ذلك.
وأما الوضوء لكل صلاة فأسنده في المختلف إلى المشهور (6)، وجعل المخالف فيه

(1) انظر الوسائل 2: 607 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 11، ومعنى يرقأ: ينقطع. مجمع البحرين 1: 194.
(2) فقه الرضا (ع): 193.
(3) الكافي 3: 83 ح 1، التهذيب 1: 381 ح 1183 الوسائل 2: 542 أبواب الحيض ب 5 ح 1، وفيها المثعب بدل
المثقب، والثعب سيل الماء في الوادي.
(4) التذكرة 1: 285.
(5) الوسائل 2: 605 أبواب الاستحاضة ب 1.
(6) المختلف 1: 371.
249

المفيد في المقنعة (1)، وقال في التذكرة: اقتصر الشيخ على الأغسال، وكذا المرتضى
وابنا بابويه، وابن إدريس أوجب الوضوء لكل صلاة، وهو حسن، وعبارة علمائنا
لا تنافي ذلك (2).
فيظهر من كلام العلامة أن المخالف في المسألة صريحا هو المفيد، ولكن المحقق في
المعتبر شنع على ابن إدريس بأن ذلك مما لم يذهب إليه أحد من طائفتنا (3)، واختار
عدم الوجوب جماعة من متأخري المتأخرين (4).
وكيف كان فرواية يونس مع عموم الآية وإطلاق إسناد العلامة في التذكرة ذلك
إلى علمائنا يرجح المشهور. ولعل قول العلامة " وعبارة علمائنا لا تنافي ذلك "
تعريض على المحقق.
ووجه العدم: هو إطلاقات الأخبار في حكم الكثيرة، حيث اقتصر فيها على
ذكر الغسل. وهو أيضا لا ينافي إثباته من خارج، كما أنه لا ينافي إثبات الوضوء مع
الغسل، إذ الظاهر أن خلاف هؤلاء في الوضوء للصلاة الثانية، وإلا فالكلام في
الوجوب مع الغسل قد عرفت.
ولو لم يثبت الدليل على وجوب الوضوء لكل صلاة مطلقا فيجزئ احتمال
العموم وشمول منع الوجوب مع الغسل على ما حققناه أيضا، من أن وجوب
الوضوء مع الأغسال ليس من تتمة الغسل، بل إنما هو الوضوء الذي تحقق موجبه،
وإن اخترنا وجوب الوضوء مع الغسل وعدم إجزائه عنه إذا حصل موجبه، وأيا ما
كان فالأحوط أن لا تترك الوضوء مطلقا.

(1) المقنعة: 57.
(2) التذكرة 1: 284، وانظر النهاية: 28، والمبسوط 1: 67 للشيخ، والمسائل الناصرية (الجوامع الفقهية:
188 للمرتضى، والفقيه 1: 50، والمقنع: 15 لابن بابويه، ونقله عن ابني بابويه في المعتبر 1: 247،
وانظر السرائر 1: 153.
(3) المعتبر 1: 247.
(4) كصاحب المدارك 2: 34، والسبزواري في الذخيرة: 75.
250

ثم إن الحكم دائر مدار تحقق الكثرة، وكذلك غيرها، فلو طرأت القلة بعد غسل
الغداة فغسلها واحد، وإن طرأت بعد الظهرين فغسلها اثنان، وكذلك لو طرأت
الكثرة على القلة بعد الصبح فتغتسل للظهرين، وإن طرأت بعدهما فللعشاءين،
وهكذا.
والأظهر اعتبار مجرد المسمى في الكثرة والتوسط، ولا يشترط استمراره،
ولا اتصال الصفة بوقت الصلاة، كما اختاره جماعة (1)، وقيل باعتبار حصول السبب
في وقت الصلاة (2). والأول هو الموافق لعمومات الأدلة. وكذلك في القليلة بالنسبة
إلى الوضوء فهي موجبة له وإن ارتفعت قبل الصلاة.
واعلم أن ظاهر جماعة من الأصحاب أن الجمع بين الصلاتين بغسل إنما هو
لتحصيل الكفاية وتسهيل الأمر، وإلا فيجوز إفراد كل صلاة بغسل (3). وذكر في
المنتهى بعد ما صرح باستحبابه: أنه لا نعرف فيه خلافا بين علمائنا، بل إنما نسب
القول بالوجوب إلى بعض العامة (4).
وفي رواية يونس الطويلة: " إن فاطمة بنت أبي حبيش كانت تغتسل لكل
صلاة " (5) فهي محمولة على الجواز.
وفي موثقة يونس بن يعقوب: " فإن رأت الدم صبيبا فلتغتسل في وقت كل
صلاة " (6).
ثم إن الأولى معاقبة الصلاة للغسل، واشترطها جماعة في صحتها (7)، وهو

(1) كالشهيد الأول في البيان: 66، والشهيد الثاني في روض الجنان: 85.
(2) الدروس 1: 99.
(3) المدارك 2: 35.
(4) المنتهى 2: 424.
(5) الكافي 3: 83 ح 1، التهذيب 1: 381 ح 1183، الوسائل 2: 542 أبواب الحيض ب 5 ح 1.
(6) التهذيب 1: 402 ح 1259، الاستبصار 1: 149 ح 516 الوسائل 2: 607 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 11.
(7) حكاه واستحسنه في المدارك 2: 35.
251

أحوط. ولا يضره تحصيل بعض المقدمات اللازمة.
وفي اشتراط معاقبة الوضوء قولان.
تنبيهان:
الأول: ذكر الأصحاب أنه يجب على المستحاضة تغيير القطنة في كل صلاة
وعدم العفو، وادعى عليه الاجماع في المنتهى (1). وألحق بذلك جماعة منهم غسل
ظاهر الفرج لو تلطخ به، بناء على عدم العفو عن هذا الدم (2). ويظهر من ذلك
الكلام في الخرقة، وسيجئ تمام الكلام.
الثاني: لا تحديد في الأخبار للقطنة، ولا لزمان رؤية الدم، والمحكم في ذلك
العادة والعرف.
الخامس: في مس الميت
وقد مر الكلام فيه، وأما الموت فسيجئ الكلام فيه وفيما يتعلق به في كتاب
الجنائز إن شاء الله تعالى.

(1) المنتهى 2: 409.
(2) كالمحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 340.
252

المقصد الثالث
في الأغسال المسنونة
وفيه بحثان:
الأول: قد عرفت أن الأغسال المتقدمة لا وجوب لها في نفسها على
التحقيق، بل وجوبها إنما هو للغير، ولكنها مستحبة في نفسها عند حصول
أسبابها، كما يستفاد من الإطلاقات، ويقتضيه الخروج عن الخلاف وطريقة الاحتياط
فيما تعارضت فيه الأدلة، وخصوص الأخبار، مثل صحيحة عبد الرحمن بن
أبي عبد الله، عن الصادق عليه السلام: عن الرجل يواقع أهله، أينام على ذلك؟
قال: " إن الله يتوفى الأنفس في منامها، ولا يدري ما يطرقه من البلية، إذا فرغ
فليغتسل " (1).
وجعلها بعضهم مؤيدة للوجوب النفسي (2)، وهو باطل، لاجماع الفريقين على
عدم الوجوب حينئذ.
وأما عموم ما دل على حسن التطهر، مثل قوله تعالى: * (إن الله يحب التوابين

(1) التهذيب 1: 372 ح 1137، الوسائل 1: 501 أبواب الجنابة ب 25 ح 4.
(2) كصاحب المدارك 1: 10.
253

ويحب المتطهرين) * (1) و " المؤمن معقب ما دام متطهرا " (2) ونحو ذلك، فلا يدل إلا
على استحباب الكون على الطهارة، هو غير ما نحن فيه كما مرت الإشارة إليه.
ويستحب أيضا لكل مندوب مشروط بالطهارة، صحة أو كمالا، كالصلاة،
والطواف، ومس كتابة القرآن، وقراءته، ودخول المساجد، وغيرها مما مر في
الوضوء مما استحب فيه الوضوء للمحدث بالحدث الأصغر، إما من جهة أن دليله ثمة
كان يقتضي استحباب مطلق الطهارة، أو لكون الغسل مجزئا عن الوضوء في
غيرها، سواء كان منفردا كغسل الجنابة، أو مع الوضوء كغسل الحيض.
لا يقال: إن الشرط حينئذ هو الوضوء، فأين استحباب الغسل.
لأنا نقول: حدث الحيض مثلا مناقض للوضوء، فلا يجدي الوضوء فقط،
فهذه الأغسال لا تشرع إلا مع حصول الأحداث الموجبة لها، المانعة عن
المشروطات.
ويظهر من المعتبر في مواضع متعددة استحباب أصل الغسل وإن لم يحصل له
سبب من الأسباب المتقدمة، ولا مما يجئ. والظاهر أنه كان من المسلمات عند
الفقهاء، فهو - رحمه الله - كثيرا ما يطعن في سند الروايات الواردة في الأغسال
الآتية، ويعتمد على أن فعل الغسل خير (3).
وصرح بذلك في المنتهى أيضا (4)، وكذلك الشهيدان (5)، ولا بأس بمتابعتهم.
ولكن الظاهر أنه لا يجزئ عن الوضوء، ولا يرفع الحدث. ويجئ على
القول بإجزاء مطلق الغسل عن الوضوء الاكتفاء به، وقد عرفت أن المذهب

(1) البقرة: 222.
(2) الفقيه 1: 359 ح 1576، الوسائل 4: 1034 أبواب التعقيب ب 17 ح 2.
(3) انظر المعتبر 1: 355، 356، قال: والغسل مستحب مطلقا.
(4) المنتهى 2: 466، قال: لأنه طاعة في نفسه.
(5) كالشهيد الأول في النفلية: 8، والذكرى: 24، والشهيد الثاني في المقاصد العلية: 40، وروض الجنان: 17.
254

هو الأول.
وهناك أغسال أخر لا تتوقف مشروعيتها على الحدث، بل تستحب للمتطهر
وغيره (1):
منها: غسل الجمعة
على المشهور، بل الظاهر عدم الخلاف، فإن نسبة القول بالوجوب إلى
الصدوق، أو هو مع أبيه (2)، إنما تتم لو كان المراد من الوجوب في كلامه هو
المصطلح الآن، وهو غير معلوم، سيما ويستفاد من أماليه أنه جعل من دين الإمامية
الإقرار بأنه ليس بفريضة (3)، فكيف يقول هو بوجوبه، أو كيف يقول هذا مع كون
أبيه قائلا بالوجوب؟
وكيف كان فالمتبع هو الدليل، والأصل عدم الوجوب، والأخبار متعارضة في
إطلاق السنة والوجوب، ودعوى ثبوت الحقيقة الشرعية فيهما متصادمة،
فيتساقطان، ويبقى الأصل سليما.
مع أن في أدلة المشهور من الأخبار قرائن جلية تدل على إرادة السنة بالمعنى
المصطلح، بل بعضها واضحة الدلالة على ذلك، مثل رواية علي بن أبي حمزة، عن
الصادق عليه السلام: عن غسل العيدين أواجب هو؟ فقال عليه السلام: " هو سنة "
قلت: فالجمعة؟ قال: " هو سنة " (4).

(1) فيما ذكرنا من التقرير تعريض على صاحب المفاتيح حيث خص استحبابها بالمتطهر، وفيه ما لا يخفى (منه
رحمه الله).
(2) نسب ذلك إليهما في المنتهى 2: 460، وقال الصدوق: وغسل يوم الجمعة واجب على الرجال والنساء....
وقال بعد ذلك: وغسل يوم الجمعة سنة واجبة. انظر الفقيه 1: 61.
(3) أمالي الصدوق: 647.
(4) التهذيب 1: 112 ح 297، الاستبصار 1: 103 ح 335، الوسائل 2: 945 أبواب الأغسال المسنونة ب 6
ح 12، والرواية فيها عن علي والظاهر أنه علي بن أبي حمزة بقرينة رواية القاسم عنه. راجع معجم رجال
الحديث 11: 228، و ج 14: 8.
255

ومثل ما دل على أن صلاة النافلة متممة صلاة الفريضة، وصيام النافلة متمم
صيام الفريضة، وغسل الجمعة متمم وضوء الفريضة (1)، وفي موضع آخر من
التهذيب " متمم وضوء النافلة " (2) إلى غير ذلك من الأدلة والأمارات.
وأما ما دل على الوجوب، فنمنع ثبوت الحقيقة الشرعية في الوجوب.
وأما ما اشتمل على الأمر وكلمة " على " فلا يبقى " مع كون غسل الجمعة معدودا
فيها في عداد المستحبات، ومنضما إلى فهم الأصحاب وطرحهم تلك الأخبار مع
كثرتها " وثوق في الدلالة على الوجوب.
ويؤيد ذلك أنه من الأمور العامة البلوى، التي يحتاج إليها الرجال والنساء في
كل أسبوع، فمن البعيد اختفاء أمر الوجوب فيه لو كان ثابتا، ولكان الناس يلتزمونه،
سيما الصلحاء والعلماء، وقد ترى خلافه.
ووقته ما بعد الفجر، فلا يجزئ قبله، للاجماع، ولإضافته إلى اليوم الظاهر في
النهار في الأخبار.
وأما بعد الفجر، فيجزئ للاجماع والأخبار المعتبرة، وسنصرح ببعضها.
ويمتد وقته إلى الزوال على المشهور، المدعى عليه الاجماع من المحقق والشهيد
والشيخ في الخلاف (3)، ولكنه في موضع من الخلاف قال: إلى أن يصلي
الجمعة (4)، فيحتمل مخالفة المشهور وعدمه، بناءا على أن الغالب الإتيان بالجمعة
أول الزوال.
مع احتمال أن يكون الاجماع المدعى وفتوى المشهور أيضا على ذلك، وذكرهم

(1) الكافي 3: 42 ح 4، التهذيب 1: 366 ح 1111، المحاسن: 313 ح 30، وانظر الوسائل 2: 944 أبواب
الأغسال المسنونة ب 6 ح 7، 16.
(2) التهذيب 1: 111 ح 293.
(3) المعتبر 1: 354، الذكرى: 24، الخلاف 1: 220.
(4) الخلاف 1: 612.
256

ما قبل الزوال من باب الغالب أيضا، فلم يلتفتوا إلى حكم النادر.
وأما الأخبار، ففي حسنة زرارة: " وليكن فراغك من الغسل قبل الزوال، فإذا
زالت فقم " (1) وفي موثقة عمار: عن الرجل ينسى الغسل حتى صلى، قال: " إن
كان في وقت فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة " (2) وفيه شئ، وهناك روايات أخر دالة
بظاهرها على ذلك، ذكرناها في المناهج.
والأحوط ترك نية الأداء والقضاء قبل صلاة الجمعة، بل قبل صلاة الظهر أيضا،
لاطلاق الصلاة.
وأما بعدهما فلا تجوز نية الأداء، للاجماعات المنقولة، وظواهر الأخبار الكثيرة.
وكلما قرب من الزوال كان أفضل، للحسنة المتقدمة وغيرها.
ولو فاته الغسل قبل الزوال، فالمشهور أنه يقضي بعد الظهر أو يوم السبت،
لموثقة سماعة (3)، وموثقة عبد الله بن بكير (4)، وغيرهما من الأخبار. وعن ظاهر
الأكثر استحباب القضاء ليلة السبت أيضا، وهو مشكل. نعم إذا خاف عدم التمكن
يوم السبت فلا بأس به، اتباعا لهم.
وفي الفقه الرضوي إلحاق سائر أيام الأسبوع (5)، ولم نقف على عامل بذلك.
والمشهور استحباب تعجيله يوم الخميس لخائف عوز الماء يوم الجمعة. وعمم

(1) الكافي 3: 417 ح 4، الوسائل 2: 943 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 5.
(2) التهذيب 1: 112 ح 298، الاستبصار 1: 103 ح 338، الوسائل 2: 948 أبواب الأغسال المسنونة ب 8
ح 1.
(3) التهذيب 1: 113 ح 300، الاستبصار 1: 104 ح 340، الوسائل 2: 949 أبواب الأغسال المسنونة ب 10
ح 3.
(4) التهذيب 1: 113 ح 301، الوسائل 2: 949 أبواب الأغسال المسنونة ب 10 ح 4، وغيرهما من أخبار
الباب.
(5) فقه الرضا (ع): 129.
257

جماعة الحكم في خائف فوت الأداء (1)، والرواية لا تدل إلا على الأول، ولا بأس
بمتابعتهم.
وألحق الشيخ بالخميس ليلة الجمعة، ناقلا عليه الاجماع (2).
وتستحب الإعادة لمن وجد الماء يوم الجمعة، لاطلاق الأخبار.
وأما لو وجده بعد الزوال إلى آخر السبت فإشكال. وإن أمكن القول به، لكون
دليل القضاء أقوى من دليل التقديم، ولاطلاقه.
ومنها: غسل العيدين
الفطر والأضحى، بلا خلاف من العلماء كافة، كما في المعتبر والمدارك (3)،
للصحاح وغيرها (4).
وقته بعد الفجر، لتعليقه على اليوم، الظاهر في النهار، وفي قرب الإسناد
رواية مصرحة بعدم الاجزاء قبل الفجر (5).
وظاهر الإطلاقات وصريح بعض الأصحاب امتداده بامتداد اليوم (6)، وقال في
المنتهى: إنه يتضيق عند الصلاة (7)، وقال في الذكرى: إنه ظاهر الأصحاب،
تخريجا من تعليل الجمعة أنه إلى الصلاة، أو إلى الزوال الذي هو وقت صلاة
العيد (8).
أقول: ويظهر ذلك من الروايات - وليس مستنده محض التخريج - مثل موثقة

(1) كالشيخ في المبسوط 1: 40، والشهيد الثاني في روض الجنان: 17، والمسالك 1: 106.
(2) الخلاف 1: 611 مسألة 377.
(3) المعتبر 1: 356، المدارك 2: 166.
(4) الوسائل 2: 954 أبواب الأغسال المسنونة ب 15، 16.
(5) قرب الإسناد: 85، الوسائل 2: 956 أبواب الأغسال المسنونة ب 17 ح 1.
(6) المدارك 2: 166.
(7) المنتهى 2: 471.
(8) الذكرى: 24.
258

عمار (1)، وما رواه الصدوق في العلل والعيون في علة الغسل (2)، وهو صريح فقه
الرضا عليه السلام (3).
ومنها: ليلة الفطر، لرواية الحسن بن راشد (4).
وأما ليلة الأضحى، فلم نقف على قول بها، ولا مستند. وفي الإقبال: وروي
أنه يغتسل قبل الغروب إذا علم أنها ليلة العيد (5). وهو ظاهر في الفطر.
ومنها: يوم عرفة، للاجماع (6)، والروايات المعتبرة (7).
ومنها: يوم التروية، لصحيحة محمد بن مسلم وغيرها (8).
ومنها: يوم الغدير، للاجماع المنقول في التهذيب (9)، ورواية علي بن الحسين
العبدي، وغيرها (10).
ومنها: يوم المباهلة، والمشهور أنه الرابع والعشرون من ذي الحجة، وقال في
المعتبر: الخامس والعشرون (11).
وفي الروايات ليس إلا المباهلة، سوى ما ذكره في المعتبر في نقل رواية سماعة،

(1) التهذيب 3: 285 ح 850، الاستبصار 1: 451 ح 1747، الوسائل 2: 956 أبواب الأغسال المسنونة ب 16
ح 3، عن الرجل ينسى أن يغتسل يوم العيد حتى صلى؟ قال: إن كان في وقت فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة،
وإن مضى الوقت فقد جازت صلاته.
(2) علل الشرائع: 285 ب 203 ح 4، عيون أخبار الرضا (ع) 2: 88 ب 33.
(3) فقه الرضا (ع): 131.
(4) الكافي 4: 167 ح 3، الفقيه 2: 109 ح 466، التهذيب 1: 115 ح 303، علل الشرائع: 388 ح 1،
الوسائل 2: 954 أبواب الأغسال المسنونة ب 15 ح 1.
(5) الإقبال: 271، الوسائل 2: 955 أبواب الأغسال المسنونة ب 15 ح 2.
(6) في " ز " زيادة: المنقول.
(7) انظر الوسائل 2: 936 أبواب الأغسال المسنونة ب 1، 2.
(8) التهذيب 1: 114 ح 302، الوسائل 2: 939 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 11.
(9) التهذيب 1: 114.
(10) التهذيب 3: 143 ح 317، الوسائل 2: 961 أبواب الأغسال المسنونة ب 28 ح 1.
(11) المعتبر 1: 357.
259

قال: " غسل يوم المباهلة واجب " (1) والمراد تأكد الاستحباب، ولكنها على ما رواه
الشيخ بدون لفظ " اليوم ".
ويحتمل الاستحباب لنفس المباهلة كما في صحيحة أبي مسروق (2).
ومنها: يوم السابع عشر من ربيع المولود.
ومنها: يوم دحو الأرض، الخامس والعشرون من ذي القعدة، ولم نقف على
مستندهما، وتكفي الشهرة.
ومنها: يوم المبعث، السابع والعشرون من رجب، وليلة النصف منه. وفي
الإقبال نقل الرواية على استحباب الغسل في أول رجب ووسطه وآخره (3).
ومنها: يوم النيروز، لرواية معلى بن خنيس (4).
والأقوى أنه يوم حلول الشمس في برج الحمل، وقيل: عاشر أيار. وقيل:
تاسع شباط. وقيل: أول يوم من فروردين القديم الفارسي (5).
والمشهور المعروف الآن بحيث لم يوجد مخالف هو ما ذكرناه، وهو المعنى
المنصرف إليه في العرف، وهو المحكم، وله شواهد من العقل والنقل ذكرها
ابن فهد - رحمه الله - في المهذب (6).
ومنها: ليلة النصف من شعبان، لرواية أبي بصير وغيرها (7).
ومنها: غسل فرادى ليالي رمضان، نقل بها الرواية في الإقبال (8). وفي كثير

(1) المعتبر 1: 357، وفي الفقيه 1: 45 ح 176، والتهذيب 1: 104 ح 270، والوسائل 2: 937 أبواب
الأغسال المسنونة ب 1 ح 3، بدون لفظ يوم.
(2) الكافي 2: 513 ح 1.
(3) الإقبال: 628، الوسائل 2: 959 أبواب الأغسال المسنونة ب 22 ح 1.
(4) مصباح المتهجد: 790، الوسائل 2: 960 أبواب الأغسال المسنونة ب 24 ح 1.
(5) انظر السرائر 1: 315، والمهذب البارع 1: 191، وجامع المقاصد 1: 75.
(6) انظر السرائر 1: 315، والمهذب البارع 1: 191، وجامع المقاصد 1: 75.
(7) التهذيب 1: 117 ح 308، الوسائل 2: 959 أبواب الأغسال المسنونة ب 23 ح 1.
(8) الإقبال: 121.
260

منها بالخصوص روايات أخر في الكتب المشهورة (1).
بل في غير الفرادى أيضا، كالرابع والعشرين بالخصوص (2).
ويتأكد في أول ليلة وليلة النصف منه، وسبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى
وعشرين، وثلاثة وعشرين، بل فيها غسلان، في طرفيها.
وفي حسنة زرارة وفضيل: أن الغسل في شهر رمضان عند وجوب الشمس
قبيله (3)، ثم يصلي، ثم يفطر (4).
روى في الإقبال الغسل في جميع ليالي العشر الآخر (5).
ومنها: غسل القاضي صلاة الكسوفين إذا تركها متعمدا مع الاستيعاب على
الأشهر، لصحيحة محمد بن مسلم، عن أحدهما عليه السلام، قال: " الغسل في
سبعة عشر موطنا - إلى أن قال - وغسل الكسوف، إذا احترق القرص كله
فاغتسل " (6).
وكذلك صحيحة حماد، عن حريز، عمن أخبره، عن الصادق عليه السلام
قال: " إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل ولم يصل، فليغتسل من غد، وليقض
الصلاة، وإن لم يستيقظ ولم يعلم بانكساف القمر، فليس عليه إلا القضاء بغير
غسل " (7).
وربما يقال باتحادها مع صحيحة محمد بن مسلم وما رواه الصدوق مرسلا عن

(1) انظر الوسائل 2: 952 أبواب الأغسال المسنونة ب 14.
(2) انظر الوسائل 2: 938 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 5.
(3) في " م ": قبله.
(4) الكافي 4: 153 ح 1، الفقيه 2: 100 ح 448، الوسائل 2: 952 أبواب الأغسال المسنونة ب 13 ح 2.
(5) الإقبال: 195، 237، الوسائل 2: 953 أبواب الأغسال المسنونة ب 14 ح 10، 14.
(6) التهذيب 1: 114 ح 302، الوسائل 2: 939 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 11.
(7) التهذيب 1: 117 ح 309، الاستبصار 1: 453 ح 1758، الوسائل 2: 960 أبواب الأغسال المسنونة
ب 25 ح 1.
261

الباقر عليه السلام (1).
وسياق هذه الروايات ينافي حمل الأمر وما في معناه على الوجوب، سيما مع
فهم الأكثر خلافه، وجعل الصدوق من دين الإمامية الإقرار بعدم وجوبه (2).
وذهب طائفة من المتأخرين إلى استحباب الغسل للأداء أيضا (3)، لظاهر
صحيحة محمد بن مسلم، وربما مال بعضهم إلى الوجوب (4).
وقد عرفت ضعف الدلالة على الوجوب، وأما الأداء ففيه: أن ذلك مسامحة
باعتبار المعهودية، وفهم الأصحاب قرينة على إرادة القضاء، مع أن الظاهر أنه سقط
منها شئ، بدليل أن الصدوق رواها بسند حسن كالصحيح في الخصال بأدنى
تغيير، وفيها: " إذا احترق القرص كله فاستيقظت ولم تصل فاغتسل واقض
الصلاة " (5) ورواه في الفقيه والهداية أيضا موافقا للخصال (6). ولذلك لم يتعرض
القدماء لغسل الأداء.
مع أنه يستلزم تأخير الواجب ليحصل العلم باستحباب الغسل إذا اطلع في أول
الاحتراق. وربما يفوت الواجب لو قلنا بفواته بالشروع في الانجلاء أو تقديم
المستحب مع عدم العلم بالتمكن من الواجب لو اطلع بعد الاحتراق.
وحمل الرواية على صورة حصل العلم له بالتمهر في النجوم ونحوه بالتمكن
فرض نادر.

(1) الفقيه 1: 44 ح 172، الوسائل 2: 937 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 4.
(2) أمالي الصدوق: 647.
(3) كصاحب المدارك 2: 170.
(4) يظهر الميل من صاحب المدارك كما في بعض نسخ المدارك المشار إليها في ج 2: 171، وكذا صاحب
الذخيرة: 8.
(5) الخصال 2: 508، الوسائل 2: 938 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 5.
(6) الفقيه 1: 44 ح 172، الهداية (الجوامع الفقهية): 49.
262

ويظهر مما نقل عن المفيد والسيد الغسل لقضاء مطلق الكسوف (1)، وهو خلاف
مقتضى الأخبار، فإنها لا تقتضي إلا صورة احتراق الجميع.
ويظهر من ابن إدريس دعوى الاجماع على خلافه، ولعله حمل إطلاق كلامهما
على احتراق الجميع (2).
وأيضا يظهر من الصدوق في الأمالي القول باستحباب الغسل في صورة احتراق
القرص كله، وإن لم يعلم به الرجل (3). ودليله أيضا غير ظاهر، ولا بأس بمتابعته.
ومنها: غسل الإحرام على المشهور، ويظهر من الشيخ في التهذيب الاجماع
على الاستحباب (4)، وكذلك من المفيد في المقنعة عدم الاختلاف في أنه سنة
مؤكدة (5)، وفي الأمالي أنه من دين الإمامية (6).
وقيل بالوجوب (7)، ويظهر من السيد - رحمه الله - أن القائل به كثير (8).
وكيف كان، فالأقوى الاستحباب، للأصل، ولظاهر الاجماعات المنقولة،
وذكره في الأخبار في عداد المستحبات وإن حكم فيها بوجوبه، لاشتراكه بينه وبين
سائر الأغسال المستحبة، وكذلك ما في معنى الوجوب، والأحوط أن لا يترك.
ومنها: الغسل للطواف والحلق والذبح ورمي الجمار، كما سيجئ في محله.
ومنها: غسل التوبة عن فسق أو كفر.

(1) نقله عن المفيد في المقنعة والسيد في المصباح في المعتبر 1: 358، وانظر المقنعة: 51.
(2) السرائر 1: 124.
(3) أمالي الصدوق: 647.
(4) التهذيب 1: 113.
(5) المقنعة: 50.
(6) أمالي الصدوق: 647.
(7) نقله عن ابن أبي عقيل في المختلف 1: 315.
(8) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 188، فإنه قال: الصحيح عندي أن غسل الإحرام سنة لكنها مؤكدة غاية
التأكيد، ولهذا اشتبه الأمر فيها على أكثر أصحابنا واعتقد أن غسل الإحرام واجب.
263

والمراد بالفسق: هو ارتكاب الكبيرة، وإن كان بالاصرار على الصغيرة، ولذلك
قال في المقنعة: وغسل التوبة من الكبائر (1)، والرواية أيضا لا تفيد إلا ذلك.
وبالجملة الفسق مقابل العدالة، ولا يصدق بمجرد فعل الصغيرة، كما سيجئ،
فلا يحسن حمل كلام الفقهاء على خلاف الظاهر. هذا إن لم نقل بأن ترك الكبائر
مكفر للصغائر، وإلا فالأمر أظهر.
والرواية التي استدلوا بها: ما رواه الكليني في الموثق، عن الصادق عليه
السلام: في حكاية دخول رجل على الصادق عليه السلام وسؤاله عن استمراره
على استماع غناء الجواري المغنيات التي كانت لجيرانه وصوت عودهن في
الكنيف (2). ولو لم نقل بكون سماع الغناء من الكبائر فيكفي كونه مصرا عليه، وإلا
فقول الزور ولهو الحديث مفسر بالغناء (2)، فيكون من الكبائر. وفي بعض الأخبار:
" إن تعليم المغنيات كفر واستماعهن نفاق " (4).
وأما الغسل للتوبة عن الكفر، فيظهر الاجماع عليه من الفاضلين (5)، ونقل في
البحار عن كتاب سلام بن أبي عمرة، عن الباقر عليه السلام ما يدل عليه (6).
وحمل الروايتين على الاستحباب مع كونهما ظاهرتين في الوجوب للأصل،
والإجماع.

(1) المقنعة: 51.
(2) التهذيب 1: 116 ح 304، الوسائل 2: 957 أبواب الأغسال المسنونة ب 18 ح 1. وفيه: قم فاغتسل وصل
ما بدا لك واستغفر الله واسأله التوبة.
(3) انظر الوسائل 12: 225 أبواب ما يكتسب به ب 99.
(4) الوسائل 12: 87 أبواب ما يكتسب به ب 16 ح 5 - 7.
(5) المعتبر 1: 359، المنتهى 2: 474.
(6) بحار الأنوار 78: 14 أبواب الأغسال ب 1 ح 17، وفيه: معروف بن خربوذ المكي عن أبي جعفر (ع)
قال: دخلت عليه فذكرت باب القدر، فقال: لا أراك إلا هناك، قال قلت: جعلت فداك إني أتوب منه، فقال:
لا والله حتى تخرج إلى بيتك وتغتسل وتتوب منه إلى الله كما يتوب النصراني من نصرانيته، قال: ففعلت.
264

ومنها: غسل زيارة النبي والأئمة عليهم السلام، للروايات الكثيرة في خصوص
النبي صلى الله عليه وآله (1)، وأمير المؤمنين (2)، والحسين (3)، وعلي بن موسى
الرضا عليهم السلام (4). وفي كامل الزيارة للكاظمين والعسكريين عليهم
السلام (5)، وما ورد في الزيارة الجامعة الكبيرة يشملهم جميعا (6). مع أن في فلاح
السائل عن مدينة العلم روى عن الصادق عليه السلام غسل الزيارة مطلقا (7).
ومنها: غسل دخول مكة، والكعبة، والحرم، والمسجد الحرام، والمدينة،
ومسجد النبي صلى الله عليه وآله، وكلها مستفادة من الأخبار (8).
ومنها: الغسل للسعي إلى رؤية المصلوب بعد ثلاثة أيام عمدا مع حصول
الرؤية، لما رواه الصدوق مرسلا: " إن من قصد إلى مصلوب فنظر إليه وجب عليه
الغسل عقوبة " (9).
وقيل بالوجوب (10)، وضعف المستند يمنعه.
وتقييدهم بما بعد ثلاثة أيام لم نقف على مستنده.
وعن الأكثر تعميم المصلوب لما كان بحق أو باطل، وعلى النهج الشرعي - من
ربطه بالشجرة مستقبل القبلة - أو غيره، وهو مقتضى الإطلاق.

(1) الوسائل 10: 266 أبواب المزار ب 6 ح 1 وص 280 ب 15 ح 1.
(2) الوسائل 10: 303 أبواب المزار ب 29.
(3) الوسائل 10: 377 أبواب المزار ب 59.
(4) الوسائل 10: 446 أبواب المزار ب 88.
(5) كامل الزيارات: 301، 313، مستدرك الوسائل 10: 364 أبواب المزار ب 70 ح 3.
(6) الفقيه 2: 370 ح 1625، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 272، التهذيب 6: 95 ح 177.
(7) نقله عنه في البحار 81: 23 ح 30، ومستدرك الوسائل 2: 520 أبواب الأغسال المسنونة ب 21 ح 1.
(8) انظر الوسائل 2: 936 أبواب الأغسال المسنونة ب 1.
(9) الفقيه 1: 45 ح 175، الوسائل 2: 958 أبواب الأغسال المسنونة ب 19 ح 3.
(10) القول بالوجوب لأبي الصلاح في الكافي في الفقه: 135، ويظهر من الصدوق في الفقيه 1: 45 ح 175.
265

ومنها: غسل قتل الوزغة على المشهور، لما رواه في الفقيه (1) والكافي، ففي
الكافي عن الصادق عليه السلام قال: " هو رجس، وهو مسخ كله، فإذا قتلته
فاغتسل " (2).
ومنها: غسل المولود حين يولد، وقيل بوجوبه (3)، لما في رواية سماعة: " أنه
واجب " (4) وفيه: أنه محمول على الاستحباب كنظائره في تلك الرواية، وغيرها.
ومنها: الغسل لصلاة الحاجة والاستخارة والاستسقاء، للروايات (5). والوجوب
في بعضها محمول على الاستحباب للاجماع.
ومنها: الغسل لمس الميت بعد غسله، لصحيحة محمد بن مسلم (6).
وقد ذكروا مواضع أخر لم نعرف مستند أكثرها، فعن ابن الجنيد: لكل مشهد
أو مكان شريف، أو يوم وليلة شريفة، وعند ظهور الآثار في السماء، وعند كل فعل
يتقرب به إلى الله ويلجأ فيه إليه (7).
وعن الشيخ في التهذيب: لمن مات جنبا، مقدما على غسل الميت، لخبر
العيص (8).

(1) الفقيه 1: 44 ح 174، وفيه: روي أن من قتل وزغا فعليه الغسل، وقال بعض مشايخنا: إن العلة في ذلك أنه
يخرج من ذنوبه فيغتسل منها.
(2) الكافي 8: 232 ح 305، الوسائل 2: 957 أبواب الأغسال المسنونة ب 19 ح 1.
(3) الوسيلة: 54.
(4) الكافي 3: 40 ح 2، الفقيه 1: 45 ح 176، التهذيب 1: 104 ح 270، الوسائل 2: 937 أبواب الأغسال
المسنونة ب 1 ح 3.
(5) الوسائل 2: 958 أبواب الأغسال المسنونة ب 20، 21. وص 937 ب 1.
(6) التهذيب 1: 114 ح 302، الوسائل 2: 939 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 11. وفيه: وإذا غسلت ميتا أو
كفنته أو مسسته بعد ما يبرد.
(7) نقله عنه في النفلية: 8.
(8) التهذيب 1: 433 ح 1386 - 1388، الاستبصار 1: 195 ح 684، الوسائل 2: 722 أبواب غسل الميت ب
31 ح 6 - 8.
266

وعن ابن زهرة: لصلاة الشكر (1)، وعن المفيد في الإشراف: لمن أهريق عليه ماء
مظنون النجاسة (2).
وفي فلاح السائل: لأخذ التربة من ضريح الحسين عليه السلام في بعض
الروايات (3)، وقال فيه: ورأيت في بعض الأحاديث من غير كتاب مدينة العلم: " إن
مولانا عليا عليه السلام كان يغتسل في الليالي الباردة طلبا للنشاط في صلاة
الليل " (4).
تنبيهان:
الأول: يؤتى كل ما يستحب للزمان، فيه. وما للمكان، قبل دخوله. وما للفعل
قبله، إلا التوبة، ورؤية المصلوب، وقتل الوزغ.
والظاهر من أبي الصلاح أن غسل الكسوف أيضا لكفارة معصية (5)، وإن جعل
للقضاء فيكون قبله.
ودلالة ما ورد في التوبة وإن كانت خفية، إلا أن الأصحاب أفتوا بذلك، بحيث
لا نعرف فيهم مخالفا، ولعله لكون التوبة فورية، والرواية أيضا لا تنافيه كما
لا يخفى على المتأمل.
والثاني: الأقرب إعادة غسل الفعل بتخلل الحدث، وما للوقت كفاه وإن
أحدث، وصرح بذلك العلامة (6) والشهيد (7).

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 555.
(2) مصنفات الشيخ المفيد 9: 18.
(3) فلاح السائل: 62.
(4) نقله عنه في المستدرك 2: 521 أبواب الأغسال المسنونة ب 23 ح 2. ولم نجده في فلاح السائل المطبوع.
(5) الكافي في الفقه: 156.
(6) منتهى المطلب 2: 480.
(7) الذكرى: 24.
267

ولا بد من تقييده بما كان قبل الفعل مما كان للفعل. وما ذكرنا مقتضى إطلاق
الأدلة، وخصوص الأخبار في بعضها، كالطواف، ودخول مكة، والإحرام،
وغيرها.
الثاني: إذا اجتمع على المكلف أغسال، فإما أن تكون واجبة، أو مستحبة، أو
مختلفة. وعلى أي تقدير، فهل يكفي غسل واحد مطلقا، أو بنية الجميع، أو تكفي
نية (1) البعض مطلقا، أوفي خصوص البعض؟ وجوه وأقوال، وسنفصلها.
والذي يقتضيه الأصل هو عدم التداخل، كما هو ظاهر كثير من الأصحاب، فإن
الظاهر من الأمر: هو وجوب الامتثال، وهو لا يتم إلا بالقصد، لأن الموافقة الاتفاقية
لا تعد امتثالا، وامتثال أحد الأمرين المتماثلين لا يسمى امتثالا للآخر، كما يشهد به
العرف والعادة، والأصل عدم الخروج عن عهدة التكليف إلا بإتيانها على حدة.
ولا ريب أن الماهيات كما تتمايز بالأجزاء الخارجية أو الذهنية الموجبة لمغايرتها
للأخرى، كذلك تتمايز بالقصد والنية فيما لا تختلف أجزاؤها، كركعتي الفجر
ونافلتها وفائتتها.
ولا ريب أن المميز هو النية.
فالاتيان بأحد المتماثلين لا يجزئ عن الآخر بحكم العرف والعقل والشرع.
وكفاك قوله عليه السلام: " إنما الأعمال بالنيات " (2) وما في معناه، وكل ما يدل على
التداخل في الأخبار كما سيأتي أيضا يدل على المغايرة كما بينا، وكذلك مثل ما ورد
في الأخبار: " من أن غسل الجنابة واجب وغسل الحيض واجب وغسل المس
واجب " ونحو ذلك، سيما بعد التأمل في مواردها، والفرق في مشروطها،
واختلافها في رفع الأحداث، وضعفها وقوتها، كما يظهر من الأخبار، فهو

(1) في " م ": بنية.
(2) أمالي الطوسي: 629، التهذيب 4: 186 ح 519، الوسائل 1: 34 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 10.
268

اسقاط، لا امتثال لكل واحد.
فما قيل: " من أن الظاهر أن الأمر بشئ من جهة أسباب مختلفة يقتضي جواز
الاكتفاء بواحد، لأن المطلوب هو المسمى، فيصدق الامتثال بذلك " (1) فهو بمعزل
عن التحقيق.
نعم إن ثبت دليل من الشرع على سقوط التكليف بالمتعدد بفعل واحد فهو
المتبع، والامتثال حينئذ إنما هو لهذا الدليل، لا للأوامر المتعددة بتعدد الأسباب.
وذلك لأن علل الشرع من قبيل المعرفات، بمعنى أنها علة حصول العلم بالشئ
لا وجوده، فلا يستحيل اجتماعها على معلول واحد، وإن كان ذلك يخالف فهم
العرف واللفظ.
ثم إن كانت الأغسال واجبة، فإن كان فيها الجنابة، فإن قصد الجميع، فيكفي
غسل واحد. وظاهرهم الاتفاق على ذلك، وحسنة زرارة بل صحيحته ناطقة به،
قال: " إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة وعرفة والنحر
والحلق والذبح والزيارة، فإذا اجتمعت لله عليك حقوق أجزأها عنك غسل واحد "
قال ثم قال: " وكذلك المرأة يجزئها غسل واحد لجنابتها وإحرامها وجمعتها وغسلها
من حيضها وعيدها " (2).
ورواية جميل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما عليه السلام، أنه قال: " إذا
اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر أجزأ عنه ذلك الغسل من كل غسل يلزمه في ذلك
اليوم " (3).
وصحيحة زرارة، عن الباقر عليه السلام: ميت مات وهو جنب، كيف يغسل،
وما يجزئه من الماء؟ قال: " يغسل غسلا واحدا، يجزئ ذلك للجنابة ولغسل الميت،

(1) الذكرى: 25.
(2) الكافي 3: 41 ح 1، الوسائل 1: 525 أبواب الجنابة ب 43 ح 1.
(3) الكافي 3: 41 ح 2، الوسائل 1: 526 أبواب الجنابة ب 43 ح 2.
269

لأنهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة " (1).
والأخبار الكثيرة الواردة في إجزاء غسل واحد لجنابة المرأة وحيضها (2).
وظاهرهم سقوط الوضوء، فإن كان إجماعا فهو، وإلا ففيه الإشكال.
وإن نوى البعض، فإن كان هو الجنابة، فالمشهور أيضا الاجزاء، وادعى عليه ابن
إدريس الاجماع (3)، وتدل عليه الأخبار المتقدمة، وإن كان يمكن المناقشة في
صحيحة زرارة، فإنها في قصد الجميع أظهر، وتكفي رواية جميل وغيرها.
وما قيل: إن النسبة بينها وبين ما دل على وجوب الغسل على الحائض مثلا
عموم من وجه، فإن مقتضى المذكورات كفاية غسل واحد سواء اغتسلت للحيض أم
لا، ومقتضى ذلك وجوب الغسل على الحائض سواء كانت معه جنابة أم لا، وهذه
أقوى لأوضحيتها (4).
ففيه: أن ما دل على وجوب غسل الحيض أعم مطلقا، لأن مقتضاها بناءا على
ما حققناه " من اقتضاء الأمر قصد خصوص الامتثال له، وعدم كفاية مطلق المماثل "
منضما إلى إطلاقها: وجوب الغسل للحيض منفردا في جميع الأوقات، والغسل
بقصد الغير أو بتشريكه مباين له، فكفاية المباين عنه في بعض الأوقات كما
هو مقتضى هذه الأخبار تقيدها وتخصصها. هذا كله إذا لم يقصد عدم رفع غير
الجنابة.
وأما لو قصد عدم رفعه ففيه إشكال، وأدرجه بعضهم في عموم الأخبار وفيه
إشكال، اللهم إلا أن يقصد بذلك تعدد الغسل - بناءا على كون التداخل رخصة

(1) الكافي 3: 154 ح 1، التهذيب 1: 432 ح 1384، الاستبصار 1: 194 ح 680، الوسائل 2: 721 أبواب
غسل الميت ب 31 ح 1.
(2) انظر الوسائل 1: 527 أبواب الجنابة ب 43.
(3) السرائر 1: 123.
(4) مشارق الشموس: 63.
270

لا عزيمة كما سنحققه - بدا له الترك أو لم يتيسر له، فلا يبعد حينئذ الاجزاء به، مع
إشكال فيه أيضا.
والكلام في الوضوء هنا مثل السابق، إلا أن الاجزاء هنا أظهر، لكونه غسل
جنابة.
وإن كان المنوي غير الجنابة، فقد نفى الفاضلان وغيرهما البحث والإشكال في
الاجزاء على قول السيد، واستشكلوا على المشهور في إجزاء الغسل فقط، ثم
استشكلوا بعد الوضوء أيضا (1).
وظني أن الفرق بين المذهبين مما لم يدل عليه دليل، ولعلهم نظروا إلى مغايرة
الأغسال حينئذ من جهة توهم كون الوضوء من متممات الغسل في غير الجنابة، وقد
حققنا سابقا خلافه، فلا منافاة بين إجزاء غسل الحيض عن الجنابة مع وجوب
الوضوء، فإن غاية ما ثبت سقوط الوضوء عن الأحداث الموجبة له إذا اغتسل غسل
الجنابة، وأما سقوطه إذا اغتسل ما يسقط غسل الجنابة فلا برهان عليه. فظهر من ذلك
أن الأظهر عدم سقوط الوضوء.
وبالجملة فكلماتهم في المسألة مضطربة غير منقحة.
وذهب جماعة من المتأخرين إلى الاجزاء، لصدق الامتثال (2).
وأدلتهم المذكورة من الطرفين متهافتة، فمما يمكن أن يعتمد عليه من
جانب العدم: أصالة عدم التداخل، ومن جانب الثبوت الأخبار. ودلالة
الأخبار غير واضحة، إذ ظاهر أكثرها قصد الجميع، وظاهر بعضها كفاية قصد

(1) انظر المعتبر 1: 361، والمنتهى 2: 244، ونهاية الإحكام 1: 112. وقول السيد: هو عدم لزوم الوضوء مع
الغسل مطلقا. انظر جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 24، والمعتبر 1: 196، والمختلف 1:
340.
(2) كالشهيد الأول في الذكرى: 25، والمقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 131، وصاحب المدارك 1:
194.
271

الجنابة فقط.
مع أن ظاهر موثقة سماعة عن الصادق والكاظم عليهما السلام، قالا في الرجل
يجامع المرأة فتحيض قبل أن تغتسل من الجنابة، قالا: " غسل الجنابة عليها
واجب " (1) لزوم قصد الجنابة إن لم نقل بإفادتها وجوب الانفراد.
ويظهر من ابن إدريس أيضا أن عدم الاجزاء أيضا إجماعي (2).
فلم يثبت ما يعتمد عليه في الخروج من الأصل، فالأحوط بل الأظهر عدم
الاجزاء. فلا بد إما من قصد الجميع أو الجنابة.
واعلم أن ظاهرهم الاجزاء عن الحدث المنوي، وإنما الإشكال في غيره. وهو
كذلك، لعدم المنافاة، فعدم الدخول في المشروط إنما هو لبقاء الجنابة، لا لعدم رفع
الحدث المنوي، وهو مقتضى كون التداخل رخصة لا عزيمة كما سيجئ، ومقتضى كون مقتضى الأمر الاجزاء وغيره.
وإن لم يكن في جملتها غسل الجنابة، فقال في شرح الدروس: الظاهر من كلام
القوم إطباقهم على جواز التداخل، سواء نوى الجميع أو البعض، أو اكتفى برفع
الحدث، أو الاستباحة (3).
وهذه الدعوى مشكلة، فإن الشهيد في البيان قطع بعدم تداخل غسل المستحاضة
المستمرة (4)، وفي الذكرى جعله أحوط لبقاء الحدث (5).
ولعله نظر إلى أن إجزاء التداخل إنما هو من جهة رفع الحدث الذي هو مشترك

(1) التهذيب 1: 395 ح 1228، الاستبصار 1: 147 ح 505، الوسائل 1: 527 أبواب الجنابة ب 43 ح 8.
وسماعة واقفي.
(2) السرائر 1: 123.
(3) مشارق الشموس: 65.
(4) البيان: 40، قال: نعم غسل المستحاضة المتحيرة لا يدخل مع غسل الحيض. ولعل " المتحيرة " تصحيف
المستمرة.
(5) الذكرى: 25.
272

بينها، وهو غير متحقق في المستحاضة المستمرة. وأنت خبير بأن الرفع المحدود أو
الاستباحة حاصلة، فيكفي في ذلك على ما ذكر.
والتحقيق: أنه إن قصد الجميع فيكفي مطلقا، لقوله عليه السلام: " إذا اجتمعت
لله عليك حقوق " (1) الظاهر في قصد الجميع، وإلا فلا، لأصالة عدم التداخل.
وإن كانت الأغسال مستحبة، فالعلامة في المنتهى وجماعة من المتأخرين على
الاكتفاء بغسل واحد (2)، وفي القواعد والتحرير والإرشاد على العدم (3)، وتبعه
الشيخ علي (4)، وهو ظاهر الدروس (5).
وفصل في المعتبر بالاجزاء إن نوى الجميع، وبالاختصاص بالمنوي لو نوى
البعض (6). وتبعه الشهيدان في ظاهر الذكرى وصريح روض الجنان (7).
وهو الأقرب، لعموم قوله عليه السلام: " إذا اجتمعت " الظاهر في قصد الجميع
ولأصالة عدم التداخل في غيره.
ويكفي القصد الاجمالي وإن لم يلتفت إليها تفصيلا ولم يتفطن لها أصلا،
ولكن لا بد أن يكون من حاله أنه لو تفطن لقصد.
وتظهر أدلة القولين الآخرين وجوابهما مما سبق.
ويظهر منهم أيضا نفي الإشكال على قول المرتضى، وفيه ما مر، مع أن بعضهم
صرح بأن المراد من المندوبات التنظيف (8)، فينوب ذلك عن رفع الحدث في

(1) انظر الوسائل 1: 525 أبواب الجنابة ب 43.
(2) المنتهى 2: 480. وكصاحبي المدارك 1: 196، والذخيرة: 9، والكفاية: 7، من المتأخرين.
(3) القواعد 1: 179، التحرير 1: 11، الارشاد 1: 221.
(4) جامع المقاصد 1: 76.
(5) الدروس 1: 88.
(6) المعتبر 1: 362.
(7) الذكرى: 25، روض الجنان: 19.
(8) الخلاف 1: 222، إلا أن كلامه في خصوص غسل الجمعة.
273

الواجبات، فيلزمهم الاكتفاء على المشهور أيضا.
وإن اختلفت الأغسال، فقيل بعدم التداخل مطلقا (1)، وقيل به مطلقا (2)، وقيل
إن نوى الجميع أو الواجب فيكفي وإلا فلا (3). نقله الشهيد الثاني عن جماعة،
وقال: لا يخلو من إشكال، لتضاد الوجه واعتبار نية السبب. وقيل بكفاية قصد
الجميع دون غيره (4)، وهو أقوى لما مر مرارا.
وأما حكاية تضاد الوجه فلا يضر على ما حققناه في الأصول من جواز اجتماع
حكمين متضادين مع تعدد الجهة والحيثية، ورواية زرارة وغيرها من أعظم الشواهد
على صحة ما حققناه.
وقد اضطرب كلامهم في توجيه المقام، ولم يأتوا بشئ يرجع إلى محصل، وقد فصلناه في كتابنا الكبير.
ولا تبعد كفاية قصد الجنابة لو كان فيها أيضا، لمرسلة جميل (5)، وإن أمكن
المناقشة في أن اللزوم فيها ظاهر في الوجوب.
وأما لو نوى الجمعة فقط مثلا، أو الواجب فقط، فالظاهر أنهما مجزئتان عن
أنفسهما، لحصول الامتثال. وأما لو اغتسل ولم ينو شيئا فلا يجزئه عن شئ.
وقد يستدل على التداخل في هذا القسم بما رواه الصدوق مقطوعا مرسلا: " إن
من جامع في أول شهر رمضان ثم نسي الغسل حتى خرج شهر رمضان عليه أن
يغتسل ويقضي صلاته وصومه، إلا أن يكون قد اغتسل للجمعة، فإنه يقضي صلاته

(1) القواعد 1: 179، الإرشاد 1: 221.
(2) البيان: 39، مجمع الفائدة 1: 79.
(3) المبسوط 1: 40، الخلاف 1: 221 مسألة 189 - 191.
(4) المعتبر 1: 361.
(5) الكافي 3: 41 ح 2، الوسائل 1: 526 أبواب الجنابة ب 43 ح 2. وفيها: إذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر
أجزأ عنه ذلك الغسل عن كل غسل يلزمه في ذلك اليوم.
274

وصيامه إلى ذلك اليوم، ولا يقضي إلى ما بعد ذلك " (1).
ولا يمكن الاعتماد على ذلك في إثبات حكم مخالف للأصول والأخبار، سيما
المتواتر من قولهم عليهم السلام: " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لامرئ ما نوى " (2)
وغيرهما.
مع أن فيها ما يخالف الأصحاب من لزوم قضاء الصوم مع نسيان الغسل.
تنبيهات:
الأول: إن تداخل العلل قد يتصور في الغايات، وقد يتصور في المبادئ، وقد
تشتبه الغايات والمبادئ في الأغسال المستحبة، ويمكن أن يجعل مثل نقص
الطهارات الواجبة علة لاستحباب غسل الجمعة، كما يستفاد من بعض الأخبار (3)،
والتطهر في اليوم أو حضور الصلاة أو جماعة المسلمين غاية، ومثل الحدث الموهوم
والجنابة الموهومة علة، والتطهر في اليوم غاية لمثل العيد وغيره، وهكذا.
فإن تعددت العلة واتحدت الغاية، فإن اتفقت - كاحتلامات وصلاة - فتتداخل
بالاجماع. وتنبه عليه الأخبار المتقدمة. لكن المتيقن هو ما لو نوى الجميع أو الجامع
بينها، كمطلق الحدث المانع. ومثله جماع واحتلام.
وفيما لو نوى رفع أحدهما مع نفي الغير إشكال.
وإن اختلفت كحيض وجنابة، أو حيض وجمعة، أو عيد وجمعة، فقد مر
حكمه مفصلا.

(1) الفقيه 2: 74 ح 321، الوسائل 7: 170 أبواب من يصح منه الصوم ب 30 ح 2.
(2) التهذيب 4: 186 ح 519 وفيه لكل امرئ، أمالي الطوسي: 262، الوسائل 1: 34 أبواب مقدمة العبادات
ب 5 ح 6، 10.
(3) الوسائل 2: 944 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 7، وفيه: وأتم وضوء الفريضة بغسل يوم الجمعة ما كان في
ذلك من سهو أو تقصير....
275

وإن اتحدت العلة وتعددت الغاية، فالظاهر أنه لا خلاف في التداخل أيضا،
سيما إذا نوى الجميع أو الجامع بينها، سواء اتفقت كصلاتين، أو اختلفت كصلاة
وطواف. ومما ذكر يظهر حكم ما لو تعددتا.
واعلم أن الكلام في تداخل الوضوء غير محرر في كلامهم، وتجري فيه
الاحتمالات المذكورة، فإن تعددت العلة واتحدت الغاية فيتداخل بلا خلاف،
ولا فرق بين المتفقة والمختلفة هنا، ويدل عليه الاجماع، وظهور أن المراد هو رفع
الحدث.
وإذا اتحدت العلة وتعددت الغاية، فإما أن تكون كلها واجبة، أو مندوبة، أو
مختلفة، والظاهر هو عدم الخلاف في التداخل في الأول.
وأما الثالث، فالمشهور عدم استحباب الوضوء حين اشتغال الذمة بالواجب،
وقد مر أن التحقيق خلافه، فلا يبعد القول بالتداخل إذا نوى الجميع أو الجامع بينها
أيضا.
وأما الثاني، فإنما يتصور فيما لو كانت الغايات مشروطات برفع الحدث، إما
صحتها أو كمالها، أو فيما لم يكن المطلوب فيها رفع الحدث أصلا، كجماع
الحامل، ووطء جارية بعد أخرى، وجماع المحتلم، ونحوها، لو أمكن تصوير تعدد
الغاية مع اتحاد العلة في هذا القسم.
وما الأول فالظاهر فيها التداخل، ويظهر وجهه ووجه أكثر ما تقدم مما مر في
تداخل الأغسال، وفي أوائل مباحث الوضوء.
وأما الثاني فالظاهر فيه عدم التداخل، للأصل، وعدم الدليل. ودلالة العلة
المنصوصة في غسل الميت المتقدمة غير واضحة.
وفي التأمل فيما ذكر يظهر حال ما لو تعددت العلة والغاية معا مطلقا. ومن
فروضه ما لو نام بعد جماع جارية واحتلم، ثم أراد وطء جارية حامل أخرى.
الثاني: الحق أن التداخل رخصة لا عزيمة، للأصل، ولدلالة الأخبار، فإن
276

الأغسال تكليفات متغايرة كما حققنا، وكل منها يوجب امتثالا.
غاية ما ثبت من الأخبار إجزاء غسل واحد عن الجميع، وهو لا ينفي جواز
الغير، بل ظاهره استحباب العدم، فإن الظاهر من الاجزاء هو أقل الواجب، كما في
الاستنجاء بالأحجار. مع أن أفضل الطاعات أحمزها. ولأنه ربما تفوت الفضيلة
كما في تقديم غسل الجمعة في أول الفجر. ولأنه محصل للاحتياط للخروج عن
الخلاف، وعن مخالفة الأخبار المتواترة بالمعنى من أن الأعمال بالنيات وغير ذلك،
وهو الظاهر من الأصحاب. وممن صرح به الفاضل الأردبيلي رحمه الله (1).
وحكم بعض المتأخرين بكونه عزيمة (2)، حيث توهم أن المطلوب هو المسمى،
وبعد حصول الطبيعة يحصل الامتثال، والأمر يقتضي الاجزاء، فلا يبقى أمر
وتكليف، فإتيانه ثانيا بدعة.
ويظهر فساده مما تقدم. مع أن البدعة هو إدخال ما ليس من الدين في الدين
بقصد أنه من الدين، لا إتيان ما يحتمل كونه منه برجاء الثواب، فسبيل الاحتياط
على هذا القول أيضا غير مسدود.
ويؤيد ما ذكرنا ما دل من الأخبار على جواز غسل الجنابة حال الحيض ونحوه.
ومما ذكرنا يظهر الحال في الوضوء وغيره.
الثالث: لا منافاة فيما اخترنا هنا من أصالة عدم التداخل، مع ما سبق منا من
جواز الدخول بالوضوء الذي قصد به رفع الحدث في كل مشروط بالطهارة، بعد
التأمل في المقامين.
وكذا لا منافاة بين القول بالتداخل هنا، مع القول بعدم جواز الدخول بطهارة
واحدة في عبادات مختلفة إلا مع ثبوته بالدليل، كما ذهب إليه شارح الدروس

(1) مجمع الفائدة والبرهان 1: 83.
(2) نقله عن والده واختاره في مستند الشيعة 1: 135.
277

وغيره ثمة، كما يظهر بالتأمل (1).
الرابع: لم نقف في كلام الأصحاب على تصريح بحكم التيمم في التداخل
وعدمه، ولا يبعد إلحاقه بمبدله بمقتضى البدلية، والله العالم.

(1) مشارق الشموس: 10.
278

المقصد الرابع
في كيفيته
وفيه مباحث:
الأول: تجب فيه المباشرة بنفسه اختيارا، بلا خلاف إلا من ظاهر ابن الجنيد (1)،
لظاهر الآية (2) والأخبار (3).
والنية مقارنة لأول أفعاله على ما مر في الوضوء.
والابتداء بغسل الرأس، ثم الجانب الأيمن، ثم الأيسر، على المشهور
المدعى عليه الاجماع من السيد (4) والشيخ (5) وابن زهرة (6) وابن إدريس (7)، وهو

(1) نقله عنه في المختلف 1: 301.
(2) وإن كنتم جنبا فاطهروا. المائدة: 6.
(3) الوسائل 1: 502 أبواب الجنابة ب 26.
(4) الإنتصار: 30.
(5) الخلاف 1: 132 مسألة 75.
(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 554.
(7) السرائر 1: 119، ولكن ليس فيه دعوى الاجماع، بل أحال ذلك على بحث الوضوء، وقد حكى فيه
الاجماع، انظر السرائر 1: 103.
279

ظاهر المنتهى (1).
ولم يذكر الصدوقان (2) وابن الجنيد (3) إلا تقديم الرأس، موافقا لظاهر الصحاح
المستفيضة وغيرها (4)، ولم يظهر منهم مثل هذه الروايات القول بعدم وجوب
الترتيب.
ومع ثبوت الترتيب بين الرأس والجسد فالظاهر عدم القول بالفصل، فيمكن
التمسك بالاجماع المركب أيضا، كما ادعاه في المنتهى والذكرى (5).
ويدل على المشهور مضافا إلى ما تقدم، واستصحاب شغل الذمة: خصوص
حسنة زرارة قال، قلت له: كيف يغتسل الجنب؟ فقال: " إن لم يكن أصاب كفه
شئ غمسها في الماء، ثم بدأ بفرجه فأنقاه، ثم صب على رأسه ثلاث أكف، ثم
صب على منكبه الأيمن مرتين، وعلى منكبه الأيسر مرتين " (6).
وقد رواه في المعتبر عن زرارة عن الصادق عليه السلام، وأورد عليه بأنه لا يدل
إلا على الترتيب بين الرأس واليمين، وتأخر اليمين عن الرأس لا ينافي تقديم
اليسار، لأن الواو لا تدل على الترتيب كتقديم الذكر (7).
وفيه: أن الظاهر من الرواية تعقيب اليمين للرأس، ويلزمه تعقيب اليسار
لليمين، وإن لم يدل اللفظ عليه لغة.
ويمكن أن يستدل عليه بما دل على أن الميت يغسل كغسل الجنابة (8)، والأخبار

(1) المنتهى 2: 195.
(2) انظر الفقيه 1: 46.
(3) انظر كلامه المنقول في الذكرى: 101.
(4) الوسائل 1: 502 أبواب غسل الجنابة ب 26.
(5) المنتهى 2: 195، الذكرى: 101.
(6) الكافي 3: 43 ح 3، التهذيب 1: 133 ح 368، الوسائل 1: 502 أبواب الجنابة ب 26 ح 2.
(7) المعتبر 1: 183.
(8) الوسائل 2: 685 أبواب غسل الميت ب 3.
280

الكثيرة الواردة في علة غسل الميت، وأنها للجنابة ولخروج المني منه (1)، ويجب
الترتيب فيه إجماعا، كما صرح به في المعتبر (2)، وادعاه في الذكرى (3)، وللأخبار
المستفيضة (4).
وكيف كان فالظاهر أنه لا ترتيب بين أجزاء كل من الجانبين كما ذكروه، وتدل
عليه صحيحة أبي بصير في حكاية اللمعة المغفلة (5).
وظاهر حسنة زرارة المتقدمة: أن العنق مع الرأس، كما صرح به جماعة (6)،
وتشعر به موثقة سماعة أيضا (1)، والأحوط: غسله بعد الرأس، ثم جعل كل نصف
منه مع جانبه.
ويكفي فيه مسمى الغسل ولا يكفي المسح، للاطلاقات، واشتراط الجريان في
بعضها.
وما ورد في بعض الروايات من الاكتفاء بمثل الدهن (8)، فهو مع معارضته بأقوى
منه (9)، محمول على المبالغة في القلة، والظاهر أنه مما لا خلاف فيه.
ويجب تخليل ما يمنع وصول الماء، لوجوب غسل جميع البدن إجماعا، ولا يتم

(1) الوسائل 2: 685 أبواب غسل الميت ب 3.
(2) المعتبر 1: 266.
(3) الذكرى: 101.
(4) الوسائل 2: 680 أبواب غسل الميت ب 2.
(5) التهذيب 1: 365 ح 1108، الوسائل 1: 524 أبواب الجنابة ب 41 ح 1. أبو عبد الله (ع) قال: اغتسل أبي من
الجنابة فقيل: له قد بقيت لمعة في ظهرك لم يصبها الماء، فقال له: ما كان عليك لو سكت، ثم مسح تلك اللمعة
بيده.
(6) كصاحب الحدائق 3: 97.
(7) التهذيب 1: 132 ح 364، الوسائل 1: 503 أبواب الجنابة ب 26 ح 8، وفيها: ثم ليصب على رأسه ثلاث
مرات ملء كفيه، ثم يضرب بكف من ماء على صدره وكف بين كتفيه ثم يفيض الماء على جسده كله....
(8) الوسائل 1: 510 أبواب الجنابة ب 31.
(9) انظر الوسائل 1: 502 أبواب الجنابة ب 26 ح 1، وص 511 ب 31 ح 3.
281

إلا بذلك، ولاطلاق الأخبار، وخصوص صحيحة حجر بن زائدة، عن الصادق
عليه السلام: " من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في النار " (1) وصحيحة علي بن
جعفر (2) وغيرها. فتجب إزالة الموانع كلها.
ولا بأس بالجسم الرقيق الذي لا يمنع الغسل العرفي، كما يستفاد من بعض
الأخبار. وعليه يحمل ما دل بظاهره على خلافه كصحيحة أبي محمود (3).
ولا يجب غسل الشعر، للأصل، وعدم صدق الجسد عليه، ولخصوص
صحيحة الحلبي (4).
وربما يتوهم من صحيحة حجر المتقدمة وجوبه، وهو في غاية البعد، لأن
الظاهر منها إرادة المقدار.
وكيف كان، فالظاهر أن عدمه إجماعي كما يظهر من المحقق (5) والشهيد (6).
ويتخير في مثل السرة والقضيب والأنثيين، والأحوط غسلها مع الجانبين.
ولا يجب غسل البواطن بلا خلاف ما دام باطنا، فيجب الغسل على مقطوع
الأنف مثلا.
وأما الثقب التي تكون في الأنف أو الأذن للحلقة ونحوها، فالأظهر أنها
لو كانت ضيقة بحيث لا يرى باطنها فهي في حكم الباطن، وصرح به جماعة من

(1) التهذيب 1: 135 ح 373، أمالي الصدوق: 391 ح 11، عقاب الأعمال: 272، الوسائل 1: 463 أبواب
الجنابة ب 1 ح 5.
(2) الكافي 3: 44 ح 6، التهذيب 1: 85 ح 221، قرب الإسناد: 83، الوسائل 1: 329 أبواب الوضوء ب 41
ح 1.
(3) الكافي 3: 51 ح 7، التهذيب 1: 130 ح 356، الوسائل 1: 509 أبواب الجنابة ب 30 ح 1. وفيه: فإذا فرغ
وجد شيئا وقد بقي من أثر الخلوق والطيب وغيره قال: لا بأس.
(4) الكافي 3: 45 ح 16، التهذيب 1: 147 ح 417، الوسائل 1: 521 أبواب الجنابة ب 38 ح 4. وفيه:
لا تنقض المرأة شعرها إذا اغتسلت من الجنابة.
(5) المعتبر 1: 194.
(6) الذكرى: 100.
282

المحققين (1)، وعن الشيخ علي وجوب الإيصال مطلقا (2)، وهو بعيد، وإن كان
أحوط.
والثاني: يجزئ عن غسل الجنابة أن يرتمس في الماء ارتماسة واحدة، للاجماع،
والأخبار، مثل صحيحة زرارة بعد ذكر غسل الجنابة: " ولو أن رجلا جنبا ارتمس في
الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك، وإن لم يدلك جسده " (3).
وحسنة الحلبي: " إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك من
غسله " (4).
ومرسلة الحلبي (5) ورواية السكوني (6).
ويرجع في الارتماسة الواحدة إلى العرف، فلا تعتبر الوحدة الحقيقية، فلا ينافيه
تخليل ما يمنع الماء.
ولا يجب انفصال الرجل من الأرض بعد الانغماس إذا نوى الغسل أول
الارتماس، بل لا يضر انغمار رجله في الوحل قبل انغماس الجميع، كما صرح به في
المنتهى (7). وكفاية قصد الغسل تحت الماء وتحريك نفسه غير منساق من الأخبار، بل
المتبادر منها الارتماس من خارج الماء.

(1) كصاحب المدارك 1: 292، وحكاه عن شيخه، والمحقق السبزواري في الذخيرة: 56، وصاحب الحدائق 3:
92.
(2) نقله عنه في المدارك 1: 292، والذخيرة: 56.
(3) التهذيب 1: 370 ح 1131، الوسائل 1: 503 أبواب الجنابة ب 26 ح 5.
(4) الكافي 3: 43 ح 5، التهذيب 1: 148 ح 423، الاستبصار 1: 125 ح 424، الوسائل 1: 504 أبواب الجنابة
ب 26 ح 12.
(5) الفقيه 1: 48 ح 191، قرب الإسناد: 162، الوسائل 1: 505 أبواب الجنابة ب 26 ح 15.
(6) الكافي 3: 22 ح 8، الوسائل 1: 504 أبواب الجنابة ب 26 ح 13.
(7) المنتهى 2: 247.
283

ويحصل الإشكال في مثل ما لو كان في الماء إلى الترقوة ونحوها، والأحوط
عدم الاجتزاء.
نعم لا يضر استنقاع القدم في الماء إلى الساق ونحوه إذا فصلهما عن الأرض.
وما ذكروه (1) من كون هذا الغسل مرتبا حكما، أو لا بد فيه من قصد الترتيب،
وتفريعهم على ذلك فروعا، مثل ما لو نذر الغسل المرتب، وما لو غفل عن لمعة (2)
من بدنه، أو حصل منها مانع، فيأتي بها وبما بعدها لو كان مرتبا، وإلا فيبطل أو نحو
ذلك، فمما لم يدل عليه دليل.
والتحقيق أن هذا الغسل نوع آخر مسقط عن نوع آخر، فإن قلنا بوجوب
إحاطة الماء جميع البدن كما هو الظاهر، فإن علم بعد الخروج ببقاء اللمعة فيجب
عليه الإعادة، وإن علم في الماء مع عدم المنافاة بالوحدة العرفية فيتداركه، وإن قلنا
بكفاية الارتماس مطلقا كما احتمله في المنتهى نظرا إلى ظاهر الروايات (3)،
فيصح (4).
وذهب الشيخ (5) والعلامة (6) إلى أن القعود تحت المجرى، والوقوف تحت المطر،
يجري مجرى الارتماس، وأنكره ابن إدريس (7) والمحقق (8)، وهذا أقوى. وصحيحة

(1) المراسم: 42، والاستبصار 1: 125، وحكاه عن بعض الأصحاب في المبسوط 1: 29.
(2) اللمعة: الموضع الذي لا يصيبه الماء في الغسل أو الوضوء من الجسد، وهذا كأنه تشبيه بما قاله ابن الأعرابي
" وفي الأرض لمعة من خلى " أي شئ قليل. المصباح المنير 2: 253.
(3) المنتهى 2: 202.
(4) نقل في المنتهى القول بوجوب الإعادة حينئذ عن والده واحتمل هو الصحة نظرا إلى الإطلاق ثم قال فالأول فيه
قوة (منه رحمه الله).
(5) المبسوط 1: 29.
(6) المنتهى 2: 198.
(7) السرائر 1: 135.
(8) المعتبر 1: 185.
284

علي بن جعفر (1) ظاهرة في إرادة الترتيب ولا تنكره (2)، فينوي الغسل ويدلك رأسه
وعنقه تحت المطر، ثم شقه الأيمن، ثم الأيسر. وعليها تحمل رواية محمد بن
أبي حمزة أيضا (3).
وأما المجرى والميزاب، فلم نقف في الأخبار على ما يدل عليهما، والكلام فيهما
أيضا كالمطر.
وما دل من الأخبار على أن غسل الحيض مثل غسل الجنابة يدل على جواز
الارتماس فيه أيضا، وكذلك في غسل الميت كما سيجئ، مع خصوص تنصيص
بعض الأخبار به.
وأما في غيرهما، فالظاهر أن الاعتماد ليس إلا على عدم القول بالفصل، كما
ادعاه في الذكرى (4).
والثالث: يجب كون الماء مباحا، مطلقا، وطاهرا.
أما الإطلاق والإباحة، فالكلام فيه كما تقدم في الوضوء.
وأما الطهارة، فهو أيضا إجماعي، ومستفاد من الأخبار.
وأما طهارة محل الغسل، فقال الشيخ في المبسوط: إن كان على بدنه نجاسة
أزالها ثم اغتسل، فإن خالف واغتسل أولا فقد ارتفع حدث الجنابة، وعليه أن يزيل

(1) فإن فيها: سألته عن الرجل هل يجزئه من غسل الجنابة أن يقوم في المطر حتى يغسل رأسه وجسده وهو يقدر
على ما سوى ذلك؟ قال: إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلك الفقيه 1: 14 ح 27، التهذيب 1: 149
ح 424، الاستبصار 1: 125 ح 425، قرب الإسناد: 85، الوسائل 1: 504 أبواب الجنابة ب 26 ح 10.
(2) في " م ": ينكره.
(3) الكافي 3: 44 ح 7، الوسائل 1: 505 أبواب الجنابة ب 26 ح 14 وفيها: رجل أصابته جنابة فقام في
المطر حتى سال على جسده أيجزئه ذلك من الغسل؟ قال نعم. والرواية عن محمد بن أبي حمزة عن رجل عن
أبي عبد الله (ع).
(4) الذكرى: 101.
285

النجاسة إن كانت لم تزل، وإن زالت بالاغتسال فقد أجزأه عن غسلها (1). وقربه
بعض متأخري المتأخرين، للاطلاقات، وعدم المقيد (2).
ورده جماعة من المتأخرين، وحكموا باشتراط طهارة المحل (3)، وهو الأقرب.
لنا: الاجماع، نقله ابن زهرة (4)، واستصحاب شغل الذمة، والأخبار الكثيرة،
مثل صحيحة حكم بن حكيم، عن الصادق عليه السلام: عن غسل الجنابة، فقال:
" أفض على كفك اليمنى من الماء فاغسلها، ثم اغسل ما أصاب جسدك من أذى، ثم
اغسل فرجك وأفض على رأسك " (5).
وصحيحة محمد بن مسلم، عن أحدهما عليه السلام، قال: سألته عن غسل
الجنابة، قال: " تبدأ بكفيك فتغسلهما، ثم تغسل فرجك، ثم تصب على رأسك "،
والأخبار بهذا المعنى كثيرة معتبرة (6).
ولا يضر اشتمالها على المستحبة، لكونها في جواب السؤال عن غسل الجنابة،
فالأصل اشتراط كل ما ذكر فيه إلا ما ثبت استحبابه من خارج.
ويمكن أن يستدل بما ورد في المستحاضة الكثيرة الدم من وجوب التعصب
والتحشي بالكرسف حال الاغتسال (7)، لعدم القول بالفرق. وبما ورد في غسل
الميت من وجوب إزالة النجاسة أولا (8)، وأفتى به في المعتبر من غير نقل خلاف،

(1) المبسوط 1: 29.
(2) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 85، والمحقق الخونساري في مشارق الشموس: 182.
(3) كالعلامة في المختلف 1: 336، والشهيد في الدروس 1: 97، والمحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 279.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 554.
(5) التهذيب 1: 139 ح 392، الوسائل 1: 503 أبواب الجنابة ب 26 ح 7.
(6) الكافي 3: 43 ح 1، التهذيب 1: 132 ح 365، الاستبصار 1: 123 ح 420، الوسائل 1: 502 أبواب الجنابة
ب 26 ح 1.
(7) الوسائل 2: 604 أبواب الاستحاضة ب 1.
(8) الوسائل 2: 680 أبواب غسل الميت ب 2.
286

وكذلك في الذكرى (1).
وهذا مع ما ورد " من أن غسل الميت مثل غسل الجنابة، أو أنه غسل جنابة " (2) يتم
المطلوب.
وإن نوقش في دلالة الأخبار وظهورها، فلا أقل من حصول الشك في
اشتراطها، والشك في الشرط مستلزم للشك في المشروط.
وكيف كان فالاجماع المنقول، والاستصحاب، وتلك المذكورات، كافية في
إثبات الحكم.
وقد يستدل عليه بأصالة عدم التداخل.
وفيه: أنه إنما يتم لو نوى التطهير عن الخبث فقط، أو نواهما معا.
أما لو نوى الغسل، فالظاهر الاجزاء، لكون إزالة الخبث توصلية غير محتاجة
إلى القصد والنية، فإن كانت محتاجة إلى الغسلتين كالبول، فيغسله أخرى، وإلا
فتكفي المرة.
وبأن طهارة ماء الغسل واجبة إجماعا، والقليل ينفعل بالملاقاة.
وفيه: أن المسلم من الاجماع هوما قبل الوصول إلى المحل، كإزالة الخبث، سيما
إذا قلنا بعدم النجاسة إلا بعد الانفصال.
وربما قيل بالصحة إذا ارتمس في الكثير للغسل مع زوال النجاسة، وهو أيضا
مشكل.
ثم إن الظاهر الاكتفاء بإزالة النجاسة عن كل عضو قبل صب الماء بنية الغسل
عليه، ولا يجب تقديمها مطلقا، وإن كان أحوط بالنظر إلى بعض الروايات.

(1) المعتبر 1: 264، الذكرى: 44.
(2) الوسائل 2: 685 أبواب غسل الميت ب 3.
287

المقصد الخامس
في الآداب والسنن واللواحق
وفيه مباحث:
الأول: يستحب الاستبراء بالبول ثم الاجتهاد للمنزل قبل الغسل، لحفظ الغسل
عن الانتقاض بالبلل المشتبه، وللأخبار المستفيضة المعتبرة (1).
وذهب جماعة إلى وجوبه (2)، ولا يساعدهم الدليل، وإن كان أحوط. فإن ما
ورد من الأخبار فيه لا دلالة فيها على الوجوب.
وما دل على وجوب إعادة الغسل لو رأى البلل بعده إن لم يستبرئ أيضا (3)
لا يدل عليه كما لا يخفى.
وكذلك صحيحة أحمد بن محمد في كيفية الغسل: " تغسل يدك اليمنى من
المرفقين إلى أصابعك، وتبول إن قدرت على البول، ثم تدخل يدك في الإناء، ثم

(1) الوسائل 1: 503 أبواب الجنابة ب 26 ح 6.
(2) كالشيخ الطوسي في المبسوط 1: 29، والاستبصار 1: 118، والديلمي في المراسم: 41، وابن حمزة في الوسيلة: 55، وابن زهرة في
الغنية (الجوامع الفقهية): 554، والشهيد في الذكرى: 103.
(3) الوسائل 1: 517 أبواب الجنابة ب 36.
288

اغسل ما أصابك منه " (1) الحديث، لا يدل على وجوب البول بملاحظة المقام.
وكذلك رواية أحمد بن هلال: " إن الغسل بعد البول، إلا أن يكون ناسيا " (2) مع
أنها ضعيفة (3).
واختلف كلام الأصحاب في كيفية الاستبراء كالأخبار، وما وجدناه من الأخبار
هي صحيحة حفص بن البختري، عن الصادق عليه السلام: في الرجل يبول،
قال: " ينتره ثلاثا، ثم إن سال حتى يبلغ الساق فلا يبالي " (4).
وحسنة محمد بن مسلم قال، قلت لأبي جعفر: رجل بال ولم يكن معه ماء،
قال: " يعصر أصل ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات، وينتر طرفه " (5) الحديث (6).
وحسنة عبد الملك بن عمرو، عن الصادق عليه السلام: في الرجل يبول، ثم
يستنجي، ثم يجد بعد ذلك بللا، قال: " إذا بال فخرط ما بين المقعدة
والأنثيين ثلاث مرات وغمز ما بينهما ثم استنجى، فإن سال حتى يبلغ السوق
فلا يبالي " (7).
وكلام بعض الأصحاب موافق لبعضها، وبعضها جامع لاثنين منها، وبعضها

(1) التهذيب 1: 131 ح 363، الاستبصار 1: 123 ح 419، الوسائل 1: 515 أبواب الجنابة ب 34 ح 3.
(2) التهذيب 1: 145 ح 410، الاستبصار 1: 120 ح 407، الوسائل 1: 519 أبواب الجنابة ب 36 ح 12.
(3) لأن الرواية مضمرة وراويها ضعيف، ضعفه الشيخ في التهذيب 9: 204، ذ. ح 812، والاستبصار 3:
28 ذ. ح 90.
(4) التهذيب 1: 27 ح 70، الاستبصار 1: 48 ح 136، الوسائل 1: 200 أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 3.
(5) الكافي 3: 19 ح 1، التهذيب 1: 28 ح 71 وص 356 ح 1063، الاستبصار 1: 49 ح 137، الوسائل 1:
225 أبواب أحكام الخلوة ب 11 ح 2.
(6) الظاهر أن مقابلة السؤال بالجواب في هذا الحديث ناظرة إلى عدم ناقضية البلل حينئذ للوضوء، لا عدم النجاسة،
ووجه خصوصية الحكم حينئذ بصورة فقدان الماء إما لأن الراوي كان جاهلا بالحكم في هذه الصورة، أو لأن الماء
قاطع للبول كما أشار إليه العلامة (منه رحمه الله).
(7) التهذيب 1: 20 ح 50، الاستبصار 1: 94 ح 303، وفي الفقيه 1: 39 ح 148 مرسلا، الوسائل 1: 200
أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 2.
289

جامع لثلاثتها، وبعضها مشتمل على التنحنح ثلاثا أيضا، والقاعدة تقتضي
التخيير.
والظاهر كفاية الاستظهار لاخراج البقايا كيف كان من هذه الوجوه المروية، لكن
الأحوط ما ذكره جماعة من الأصحاب: أن يمسح من المقعدة بقوة إلى أصل
القضيب، ثم إلى رأسه، ثم عصر الحشفة، كل واحد منها ثلاثا، مضافا إلى
التنحنح، وإن لم نقف عليه في خبر.
ويمكن جعل المراد من الموصول في " ما بينهما " في الرواية الأخيرة كناية عن
القضيب، ومرجع ضمير التثنية الأنثيين. وأرجعه بعضهم إلى المقعدة والأنثيين،
فيكون ذلك أمرا رابعا.
ثم إن من رأى بللا بعد الغسل، فإما أن يعلم أنه مني أو بول، فيعمل على
مقتضاه من الغسل والوضوء إجماعا، ذكره غير واحد من الأصحاب (1).
وإن علم أنه غيرهما، فلا يجب شئ منهما إجماعا أيضا كما يفهم من كلام
بعضهم، قاله في شرح الدروس (2).
وأما إذا اشتبه ففيه صور أربع:
الأولى: أنه بال واستبرأ قبل الغسل، فلا شئ عليه بالاجماع، والصحاح
المستفيضة، وغيرها، منها ما اشتمل على ذكر البول والاستبراء، وأنه لا شئ عليه
بعدهما. ومنها ما حكم فيها بسقوط الغسل إن بال، وعدمه إن لم يبل.
ولنذكر من الجملة صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شئ، قال: " يغتسل ويعيد الصلاة، إلا
أن يكون بال قبل أن يغتسل، فإنه لا يعيد غسله ".

(1) منهم صاحب المدارك 1: 304، والسبزواري في الذخيرة: 58، وصاحب مشارق الشموس: 172.
(2) مشارق الشموس: 172.
290

قال محمد: وقال أبو جعفر عليه السلام: " من اغتسل وهو جنب قبل أن يبول ثم
يجد بللا فقد انتقض غسله، وإن كان بال ثم اغتسل ثم وجد بللا فليس ينقض
غسله، ولكن عليه الوضوء، لأن البول لم يدع شيئا " (1).
الثانية: أنه لم يبل ولم يستبرئ، فعليه إعادة الغسل على المشهور المدعى عليه
الاجماع من ابن إدريس (2) والعلامة (3)، للأخبار الكثيرة المعتبرة، الدالة على
وجوب إعادة الغسل إذا لم يكن بال (4) كما مر.
ولا تقاومها الأخبار الضعيفة الدالة على سقوط الإعادة وإن لم يبل قبل
الغسل (5)، وربما تحمل على ما لو لم يتيسر له البول واستبرأ مع ذلك، وهو بعيد.
وظاهر الصدوق في الفقيه الاكتفاء بالوضوء، فإنه بعد ما نقل رواية الحلبي
المشتملة على وجوب الغسل إذا لم يكن بال قبل الغسل والتوضؤ إن بال، قال:
وروي في حديث آخر: " إن كان قد رأى بللا ولم يكن بال، فليتوضأ، ولا يغتسل،
إنما ذلك من الحبائل " ثم قال: إعادة الغسل أصل، وهذا الخبر رخصة (6).
وأنت خبير بأنه لا يقاوم ما مر.
الثالثة: أنه بال ولم يستبرئ، ولم نقف على مخالف في عدم وجوب الغسل
ووجوب الوضوء، وادعى عليه ابن إدريس أيضا الاجماع (7). وتدل عليه الأخبار
المتقدمة أيضا.
الرابعة: أنه استبرأ ولم يبل; والأقوى فيه لزوم إعادة الغسل لما مر من الأخبار.

(1) التهذيب 1: 144 ح 407، الاستبصار 1: 119 ح 402، الوسائل 1: 518 أبواب الجنابة ب 36 ح 6، 7.
(2) السرائر 1: 122.
(3) حكاه في الذكرى: 103، والذخيرة: 58.
(4) الوسائل 1: 517 أبواب الجنابة ب 36.
(5) الوسائل 1: 517 أبواب الجنابة ب 36.
(6) الفقيه 1: 47 ذ. ح 187.
(7) السرائر 1: 122.
291

وقيل بعدم اللزوم مطلقا (1)، وقيل بعدم اللزوم لو لم يتيسر له البول (2).
ولا دليل لهذين القولين، وقد يستدل عليهما بتأويل الروايات الضعيفة المتقدمة،
وهو كما ترى.
ثم إن الموجود في كلام الأصحاب تقييد البلل بالمشتبه، وأما الأخبار فهي متفقة
على إطلاق البلل وما في معناه، مثل لفظ شئ المنكر.
ويقع الإشكال في موضوع المسألة أنه هل هو البلل الذي لا يعلم أنه بول أو مني،
أو غيرهما، بأن يحتمل كون مجموع ذلك البلل بولا أو منيا أو غيرهما. أو أعم من
ذلك، فيدخل ما لو علم أنه مذي مثلا، ولكن يشتبه عليه أنه مختلط بالمني أو البول
أم لا، أو يعلم أنه بول، ولكن يشتبه عليه أنه مختلط بالمني أم لا.
فإن خصصنا ه بالأول فلا يجب للثاني شئ.
وعلى هذا فلو لم ير شيئا بعد الغسل، وبال باختياره بولا وافيا بعد الغسل،
فيلزم أن لا يكون عليه شئ أصلا، لعلمه بأنه بول.
ويرد عليه: أن غاية ما علمه هو أن جل الخارج بول، وأما أنه لم يختلط بشئ
من المني في المخرج فأنى له العلم به؟! وكيف يحكم بأن الخارج إنما هو البول
لا غير؟!
فالصورة المفروضة في كلام الأصحاب، المدعى عليها الاجماع إما مجرد فرض
قد يحصل بإخبار معصوم عليه السلام، وهو بعيد. أو مرادهم أن المعيار هو الخارج
بالأصل، لا بالتبع. وحينئذ فيلزمهم في المذي المظنون الاختلاط بالمني أو المتساوي
الطرفين عدم وجوب شئ، وهو بعيد.
مع أنه يظهر من كلام بعضهم في تأويل بعض الأخبار الدالة على أن الودي

(1) الشرائع 1: 20، المختصر النافع 1: 9.
(2) جامع المقاصد 1: 273.
292

يجب فيه الوضوء: أنه إذا (1) لم يستبرئ، مثل صحيحة عبد الله بن سنان (2).
ظاهر كلامهم في المشتبه هو ما يعم الاحتمال أيضا، لا خصوص الشك فقط،
ولكنه لا يستفاد منه أنه هل هو في المعنى الأول، أو أعم منه.
وبالجملة فكلام الأصحاب في ذلك غير محرر، والأخبار أيضا غير
مفصلة، والبلل الوارد فيها وإن كان مطلقا، وكذا لفظ شئ، لكن المتبادر منها
البلل المشتبه بنفسه، لا المحتمل الاختلاط. لكن يستفاد منها أن احتمال كونه ناقضا
ناقض، فإن ثبتت عليته من الأخبار فلا إشكال، وإلا فلا بد من الرجوع إلى
الأصول.
والأصول متعارضة، والإجماع المدعى في كلامهم أيضا غير متعين المورد،
واستصحاب شغل الذمة يقتضي الإعادة حتى في مثل ما لو بال مستقلا بدون سبق
بلل أصلا، سيما مع ملاحظة قوله عليه السلام: " لأن البول لم يدع شيئا " في آخر الصحيحة (3).
وبالجملة، فلوجوب الإعادة في نظري القاصر قوة (4)، مع كونه أحوط، (ولكن
المشهور أقوى) (5).
ثم إن هذا ناقض جديد، وموجب مستقل، فلا تجب إعادة ما صلى، كما هو
المعروف من الأصحاب (6)، لأن الأمر يقتضي الاجزاء.
وربما نقل عن بعض الأصحاب بطلان الغسل الأول، وإعادة الصلاة، لظاهر

(1) في " م ": إذا أنه.
(2) التهذيب 1: 20 ح 49، الاستبصار 1: 94 ح 302، الوسائل 1: 198 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 14،
وفيها: والودي فمنه الوضوء لأنه يخرج من دريرة البول، والحامل هو الشيخ في الكتابين.
(3) يعني صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة.
(4) في " م " ونسخة في الحجري: رجحان، بدل قوة.
(5) ما بين القوسين ليس في " م ".
(6) منهم ابن إدريس في السرائر 1: 123، والمحقق في المعتبر 1: 135، والعلامة في نهاية الإحكام 1: 114.
293

صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (1)، وهي مؤولة بالصلاة الواقعة بعد البلل.
وأما انزعاج المني عن مقره، فلا يمكن الاعتماد عليه في ثبوت الجنابة، بل
المعتبر هو الخروج. هذا الكلام في الرجل.
وأما المرأة، فلا قائل فيها بالوجوب، ويظهر من بعضهم استحبابه لها
بالبول (2)، ومن بعضهم بالبول أو الاجتهاد (3)، ومن بعضهم التوقف (4).
ولم نقف فيه على نص يركن إليه، ولكن لا بأس بالقول به للاستظهار.
واختلاف مخرج البول والمني لا يوجب عدم الفائدة في ذلك، إذ ربما يورث
البول حصرا في مخرج المني، فتخرج به البقايا، كما نشاهده في ارتباط التغوط
بالبول مع اختلاف مخرجهما.
وكذلك يظهر من بعضهم استحباب الاجتهاد لها بعد البول أيضا (5)، ولا بأس
بمتابعته.
وذكروا في كيفيته: أن تستبرئ بأصابعها عرضا (6)، ثم إن ظهر بلل، فإما أن
يكون فيه مني رجل أم لا.
على أي تقدير، فإما أن تعلم أن الخارج مني نفسها أم لا.
وعلى الثاني فإما أن تعلم أنه مني الرجل لا غير، أو يشتبه عليها.
فإن علمت أن الخارج مني نفسها، فيجب عليها الغسل بلا إشكال، لما مر.
كما أنه لو علمت أنه مني الرجل لا غير، فلا يجب عليها الغسل، للأصل،

(1) نقله ابن إدريس في السرائر 1: 123، والعلامة في المنتهى 2: 253.
(2) المقنعة: 54.
(3) النهاية: 21.
(4) المنتهى 2: 253.
(5) نقله عن ابن الجنيد في مشارق الشموس: 175.
(6) الروضة البهية 1: 354.
294

وعدم جواز نقض اليقين بالشك، ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله (1)، وفحوى
الروايتين الآتيتين.
وأما في صورة الاشتباه، فالأظهر أيضا عدم الوجوب، لهذه الأدلة، ولخصوص
صحيحة منصور (2) وموثقة سليمان بن خالد (3) الناطقتين بعدم وجوب الغسل،
معللا بأن ما يخرج من المرأة إنما هو من ماء الرجل، فلعله عليه السلام جعل إمكان
كونه ماء الرجل كافيا في الحكم بذلك، مع احتمال ذلك.
خالف ابن إدريس في ذلك، مستدلا بقوله عليه السلام: " الماء من
الماء " (4) - (5).
وهو مع ضعف دلالته محجوج بالأدلة المتقدمة.
ولا يتفاوت الكلام في ذلك بين ما قبل البول والاجتهاد وما بعده، لأن ما دل
على إعادة الغسل مع عدم البول إنما ورد في الرجل، فلا يقاس عليه.
وأما البلل المشتبه بالبول، فلا حكم فيه أيضا، للأصل، وعدم جواز القياس
بحكم الرجل.
الثاني: تستحب التسمية، تبعا لفتوى جماعة (7)، وللعمومات (8).

(1) الكافي 3: 49 ح 3، التهذيب 1: 146 ح 413، الوسائل 1: أبواب الجنابة ب 13 ح 3، عن المرأة تغتسل من
الجنابة ثم ترى نطفة الرجل بعد ذلك هل عليها غسل؟ فقال: لا.
(2) التهذيب 1: 148 ح 421، علل الشرائع: 287 ح 1، الوسائل 1: 482 أبواب الجنابة ب 13 ح 2، 1.
(3) التهذيب 1: 148 ح 421، علل الشرائع: 287 ح 1، الوسائل 1: 482 أبواب الجنابة ب 13 ح 2، 1.
(4) السرائر 1: 122.
(5) سنن ابن ماجة 1: 199 ح 607، صحيح مسلم 1: 269 ح 343.
(6) منهم الشيخ المفيد في المقنعة: 53، وابن البراج في المهذب 1: 46، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية):
554.
(7) الوسائل 1: 297 أبواب الوضوء ب 26، عمدة القاري 1: 25، الجامع الصغير 1: 91.
295

وغسل الكفين، للاجماع، والأخبار الكثيرة (1).
وتثليثه، لحسنة الحلبي المتقدمة في الوضوء وغيرها (2)، والأخبار فيه وإن كانت
ظاهرة في الترتيبي، ولكن لا بأس به في غيره، كما صرح به العلامة (3). وقيل
باستحباب الغسل إلى المرفقين، للأخبار المعتبرة (4)، فهو أفضل.
والمضمضة والاستنشاق بلا خلاف ظاهر، لصحيحة زرارة (5)، ورواية
أبي بصير (6). والنفي الوارد في بعض الأخبار (7) محمول على نفي الوجوب.
وإمرار اليد على الجسد بلا خلاف ظاهر، وذهب إلى وجوبه بعض العامة (8)،
ويدفعه الأصل والإطلاقات، وخصوص أخبار قد مرت الإشارة إلى بعضها.
وتخليل ما يصل إليه الماء، كالشعر الخفيف، وما تحت الثدي في المرأة، وعكن
بطن السمين، للاحتياط.
وغسل الشعر، كما يستفاد من بعض الأخبار (9).
والدعاء بالمأثور في الأثناء، وبعد الفراغ.
والغسل بصاع، بلا خلاف بيننا في عدم الوجوب، ولا في الاستحباب،

(1) الوسائل 1: 502 أبواب الجنابة ب 26، وص 528 ب 44.
(2) الكافي 3: 12 ح 5، التهذيب 1: 36 ح 96، الاستبصار 1: 50 ح 141، الوسائل 1: 301 أبواب الوضوء
ب 27 ح 1، وفيها: سألته كم يفرغ الرجل على يده اليمنى قبل أن يدخلها في الإناء؟ قال: واحدة من حدث
البول واثنتان من حدث الغائط وثلاث من الجنابة.
(3) نهاية الإحكام 1: 109.
(4) نقله عن الجعفي في الذكرى: 104، والأخبار في الوسائل 1: 503 أبواب الجنابة ب 26 ح 6، 8، 16.
(5) التهذيب 1: 370 ح 1131، وص 148 ح 422، الوسائل 1: 499 أبواب الجنابة ب 24 ح 1.
(6) التهذيب 1: 131 ح 362، الاستبصار 1: 118 ح 198، الوسائل 1: 499 أبواب الجنابة ب 24 ح 2.
(7) انظر الوسائل 1: 500 أبواب الجنابة ب 24 ح 5 - 7.
(8) قاله مالك، انظر المدونة الكبرى 1: 27، والمحلى 2: 30.
(9) روي عن النبي (ص) أنه قال: تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر، انظر السنن الكبرى 1: 175، وفي ص 179 فاغسلوا الشعر.
296

للأخبار الكثيرة (1). وزاد جماعة من الأصحاب " فما زاد " (2) ولعلهم أرادوا أن
المستحب أن لا يغتسل بأقل منه، ولا يشترط فيه عدم التجاوز عنه، إلا أن يحصل به
الإسراف، وقد تقدم مقدار الصاع.
والموالاة، كما ذكره جماعة (3)، لأنه مسارعة بالخير، وللتأسي بالمعصومين
عليهم السلام، ولحفظه عن طروء الإشكال من جهة حصول الحدث الأصغر في
الأثناء، فتحصل الشبهة والمعركة العظمى كما سيجئ.
وأما الوجوب، فالظاهر أنه لا قائل به في شئ من معنييه المتقدمين في
الوضوء، ويظهر من الشيخ (4) والعلامة (5) الاجماع على عدمه، وتدل عليه
الإطلاقات، وخصوص صحيحة هشام بن سالم: في حكاية أم إسماعيل (6)،
وحسنة إبراهيم بن عمر اليماني (7)، وغيرهما.
وتكرار الغسل ثلاثا في كل عضو. واستدل عليه بالاسباغ، وبإشارة أخبار
الصاع إليه، ولم نقف على نص في غير الرأس (8).
نعم يمكن أن يستدل عليه بما ورد في غسل الميت بالتقريب المتقدم في الترتيب.
واكتفى ابن الجنيد بالرأس، وزاد للمرتمس تثليث الغوصات، مع تخليل الشعر،

(1) الوسائل 1: 512 أبواب الجنابة ب 32.
(2) المنتهى 2: 210.
(3) كالمحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 274، والشهيدين كما في الروضة 1: 355.
(4) التهذيب 1: 135 ذ. ح 272.
(5) المنتهى 2: 206، نهاية الإحكام 1: 111.
(6) التهذيب 1: 134 ح 370، الاستبصار 1: 124 ح 422، الوسائل 1: 507 أبواب الجنابة ب 28 ح 4.
(7) نقله عن كتاب عرض المجالس للصدوق في المدارك 1: 298، الوسائل 1: 509 أبواب الجنابة ب 29 ح 4،
وفيه: لا بأس بتبعيض الغسل، تغسل يدك وفرجك ورأسك، وتؤخر غسل جسدك إلى وقت الصلاة.
(8) الوسائل 1: 523 أبواب الجنابة ب 40 ح 1، وفيه: ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله (ع): يفيض الجنب على
رأسه الماء ثلاثا لا يجزئه أقل من ذلك.
297

ومسح سائر جسده بيده في كل مرة (1)، ولم نقف على مستنده.
الثالث: تكره الاستعانة بالمعنى المتقدم في الوضوء، لظاهر الآية (2)، على ما
فسرت به في رواية الوشاء وغيرها (3)، كما تقدم.
والمشمس، لما مر.
وقال المفيد رحمه الله: لا ينبغي الارتماس في الماء الراكد، فإنه إن كان قليلا
أفسده، وإن كان كثيرا فقد خالف السنة (4). ولعل نظره في الأول إلى أنه يصير
مستعملا، والمستعمل في الحدث الأكبر غير مطهر. وقد عرفت أنه إنما يتم بالنسبة
إلى الغير، لا هذا الغسل.
وأما الثاني، فلاحتمال شمول المستعمل للكثير أيضا، وفي رواية عامية:
" لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسل فيه من جنابة " (5).
الرابع: لو أحدث في أثناء الغسل بالحدث الأصغر، فالشيخ (6) والصدوقان (7)
والعلامة (8) والشهيد الثاني (9) على البطلان والإعادة.

(1) نقله عنه في الذكرى: 105.
(2) فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا، الكهف: 110.
(3) انظر الوسائل 1: 335 أبواب الوضوء ب 47.
(4) المقنعة: 54.
(5) صحيح البخاري 1: 69، صحيح مسلم 1: 235 ح 95، سنن أبي داود 1: 66 ح 70، سنن النسائي 1: 49،
السنن الكبرى 1: 238.
(6) المبسوط 1: 30، النهاية: 22.
(7) الفقيه 1: 49.
(8) القواعد 1: 210، المنتهى 2: 254، نهاية الإحكام 1: 114، المختلف 1: 338، تحرير الأحكام 1: 13.
(9) روض الجنان: 57، الروضة البهية 1: 357، المسالك 1: 55.
298

والسيد (1) والمحقق (2) وبعض المتأخرين (3) على الصحة ووجوب الوضوء.
ابن البراج (4) وابن إدريس (4) والشيخ علي (6) على الصحة بلا وضوء.
حجة الأولين: ما رواه الصدوق في كتاب عرض المجالس على ما نقله في
المدارك (7)، وهو صريح في المطلوب، وأن الأدلة والإجماع تقتضي أن الأحداث
المعدودة أسباب لوجوب الطهارة، فالأصل فيها أن يكون كل منها سببا تاما، إلا أن
يدل الدليل على خلافه، كما في صورة التداخل وغيره، فلا بد للحدث المذكور من
رافع، وليس هو الوضوء، لعدم مجامعته لغسل الجنابة بالاجماع، ولا بعض أجزاء
الغسل، لأن أجزاء الغسل كل واحد منها مؤثر ناقص في رفع الحدث الأكبر
والأصغر معا على تقدير وجود الأصغر قبل الغسل لا غير، فتعين أن يكون هو
الغسل بتمامه.
ونوقش في الرواية بجهالة السند، وفي الاستدلال بأن الاجماع على كون هذا
الحدث سببا ممنوع، كيف وأصحاب القول الثالث لا يوجبون به شيئا، والقائلون
بالقول الأول لا يوجبون به إلا نقض ما تقدم من الغسل.
وأما الأدلة المقتضية لوجوب الوضوء من إطلاقات الأخبار، فلا يرضى المستدل
بإعمالها، ولا دليل آخر يعتمد عليه.
مع أنا نقول بكونه مؤثرا في الجملة، فلم لا يكون ذلك هو إيجاب الوضوء، فإن

(1) نقله عنه في المعتبر 1: 196.
(2) المعتبر 1: 196.
(3) كالمقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 1: 140 قال: مذهب السيد سيد المذاهب، والفاضل الهندي
في كشف اللثام 1: 84.
(4) جواهر الفقه: 12.
(5) السرائر 1: 119.
(6) جامع المقاصد 1: 276.
(7) المدارك 1: 308، وعنه في الوسائل 1: 509 أبواب الجنابة ب 29 ح 4.
299

الاجماع المدعى في عدم اجتماعه مع غسل الجنابة في موضع النزاع ممنوع كما يظهر
من مقالة السيد وأتباعه. والأخبار الدالة على عدم جواز الوضوء مع غسل الجنابة
أيضا لا يتبادر منها إلا بالنسبة إلى الوضوء للحدث الحاصل قبل الغسل كما مرت
الإشارة إليه، مع معارضتها بالأخبار الدالة على وجوب الوضوء حين حدوث
الأحداث.
سلمنا أن الوضوء غير رافع له، لم لا تكون تتمة الغسل رافعة له، وانحصار أمر
أجزاء الغسل في كونها علة ناقصة لرفع الحدثين معا أو الحدث الأكبر فقط ممنوع.
وما يتشبث به من أن اليقين برفع الحدث لا يحصل إلا بذلك فهو ممنوع، لاحتمال
أن يكون رافع هذا الحدث إنما هو البعض، مع احتمال حرمة إبطال العمل.
وحجة القول الثاني: أن الحدث الأصغر ليس موجبا للغسل ولا لبعضه، فيسقط
وجوب الإعادة، وأن الحدث المتخلل لا بد له من رافع، وهو إما الغسل بتمامه،
أو الوضوء، والأول منتف لانعدام بعضه، فتعين الوضوء. لأنه يلزم على من يكتفي
بالاتمام ولا يوجب الوضوء، أنه لو بقي من الغسل بقدر الدرهم وتغوط، أن يكتفي
عن وضوئه بغسل موضع الدرهم.
وأجيب عن ذلك (1): بأن عدم إيجابه للوضوء والغسل لا يستلزم عدم انتقاض ما
تقدم بسببه، فوجوب إعادة الغسل إنما هو للجنابة السابقة، لا لذلك الحدث.
وعن لزوم الوضوء بسبب الحدث بمثل ما تقدم.
وعن الكلام الأخير: بأنه مجرد استبعاد، مع أن النائب عن الوضوء هو الغسل
الذي يتم بغسل موضع الدرهم، لا نفس غسل هذا الموضع.
وحجة القول الأخير: إطلاقات الغسل، والأمر يقتضي الاجزاء، ونقض
الحدث للبعض المتقدم لا دليل عليه.

(1) المنتهى 2: 255.
300

وما يقال: " من أن الحدث كما ينقض الغسل الكامل فينقض بعضه بطريق أولى "
فإن أريد به النقض بمعنى إيجابه الغسل ثانيا فهو كما ترى، وإن أريد به رفع استباحة
الصلاة، فيحتاج إلى الطهارة في الجملة، فمقتضى ذلك كفاية الوضوء فقط عنه كما
في الأصل.
سلمنا، لكن لم لا يكون ذلك هو البعض الباقي من الغسل، مع أن ذلك لا يتم
على أصولنا فإنه قياس، والأولوية ممنوعة، والحجة منه ما كان من باب المفهوم من
كلام الشارع.
ولو تمسك بما دل على وجوب الوضوء بحدوث الأحداث من العمومات
والإطلاقات، فيعارض بما دل على عدم جواز الوضوء مع غسل الجنابة، هذا.
وقد ظهر لك بما ذكرنا: أن القول الأخير أظهر من غيره بالنظر إلى ظواهر
الأدلة.
ومما يبعده أن من لوازم هذا القول جواز الصلاة بمثل هذا الغسل بعد إتمامه، وإن
مضى بين الجزأين مقدار عام أو أزيد، ما لم يحصل حدث أكبر بينهما.
والانصاف أن شيئا من تلك الأدلة ليس بحيث يعتمد عليه ويركن إليه في
الفتوى، فإن الفرض من الفروض النادرة، ولا ينساق نقض ما تقدم من الغسل من
أدلة النواقض، ولا رافعية ما بقي من أدلة الطهارات، ولا إجزاء غسل الجنابة عن
الوضوء فيما نحن فيه من الأخبار الدالة على عدم اجتماع غسل الجنابة مع الوضوء،
ولا وجوب الوضوء هاهنا من أدلة موجباته، ولا غير ذلك، فإن اعتمد على الرواية
كما يظهر من الفقيه ونقله لهذا القول عن أبيه، وعمل جماعة من القدماء على
مقتضاها، فهو، وإلا فلا مناص عن الاحتياط، وهو إتمام الغسل وإعادته ثانيا، ثم
الوضوء.
أو يعيد ويتوضأ من دون إتمام الأول.
وإتمام الأول إنما هو للاحتياط عن إبطال العمل، وعن أن قصد البطلان لا يصير
301

منشأ للبطلان، فاعتباره أحوط.
وأما غير غسل الجنابة من الأغسال، فعلى قول السيد يجري الخلاف والأقوال
والأدلة، وأما على المشهور، فيسقط القول الأخير، مع إشكال فيه أيضا لو قلنا
بوجوب تقديم الوضوء على الغسل، وكونه جزء المؤثر في الحدث الأكبر أيضا،
لا (1) أنه وضوء الصلاة، وقد عرفت أن التحقيق خلافه، هذا إذا كان الغسل مرتبا.
وإن كان ارتماسيا، فالأظهر جريان الأقوال والاحتمالات فيه أيضا، لأن الظاهر
أنه تدريجي الحصول، لا كما فهمه الشهيد في الذكرى " من أنه إنما يحصل الغسل
بعد إحاطة الماء، والولوج في الماء من مقدماته " (2)، لعدم الدليل عليه.
وما ذكرناه هو الظاهر من الأخبار والأدلة.
وما يتوهم في بطلان هذا القول من استلزامه الاجتزاء ببعض الأعضاء المرتمسة
لو منعه مانع عن الباقي، يندفع بأن إبقاء العضو المرتمس إلى أن يلحقه الباقي شرط
في صحة الغسل، فالاتمام كاشف عن الاغتسال، لا أنه محصل له من حينه.
مع أنه يمكن إجراء الاحتمالات في الآن المفروض على ما احتمله الشهيد، ولكنه
بعيد، لعدم تحقيقه وتعيينه. ولا يهمنا الكلام فيه، هذا الكلام في الحدث الأصغر.
وأما الحدث الأكبر، فأما الجنابة فلا إشكال في وجوب الغسل ثانيا، وحصول
التداخل. مع إمكان تجويز إتمامه بناءا على كون التداخل رخصة، ثم الاستئناف.
وأما غيره، فلا ريب أيضا في وجوب غسل مستقل له، إنما الكلام في الاعتناء
بما تقدم.
وتظهر الفائدة في ارتفاع ما يتعلق بالحدث السابق من الموانع، فيتمه ويغتسل
للباقي على حدة، وقد مرت الإشارة إلى جوازه في المباحث السابقة.

(1) في " م ": إلا.
(2) الذكرى: 106.
302

الفصل الثالث
في التيمم
فيه مقاصد:
303

المقصد الأول
في أقسامه
وفيه مباحث:
الأول: إنه يبيح عند فقد التمكن من المائية ما تبيحه المائية، على المشهور
من أصحابنا، بل الظاهر عدم الخلاف فيه إلى زمن فخر المحققين، فإن العلامة في المنتهى
لم ينقل في المسألة خلافا إلا عن أبي مخرمة من العامة (1)، وسيجئ كلام ولده في
بعض الموارد.
لنا: ظاهر الاجماع، وقوله تعالى: * (ولكن يريد ليطهركم) * (2) بعد ذكر التيمم،
وإذا ثبت كونه مطهرا عن الجنابة والغائط كما استفيد من الآية (3)، فلا قائل بالفصل،
وإذا ثبتت الطهارة ارتفع الحدث، لما أشرنا إليه في أوائل الكتاب، وإذا ثبت ارتفاع
الحدث فلا يبقى مانع عن الدخول في المشروط. وقد مر أن الحدث حالة بسيطة
لا تركب فيه ولا تعدد، مع أن الأصل عدمه.
والعبرة بقوله تعالى: * (ليطهركم) * فلا يضر كونه من مدخولات قوله تعالى:

(1) المنتهى 3: 147.
(2) المائدة: 6.
(3) المائدة: 6.
305

* (إذا قمتم) * مع أن رفع المانع عن الصلاة لا يتحقق إلا برفع نفس الحالة، فلا يبقى
مانع.
وما يقال إن التيمم ليس برافع (1)، ففيه أن ذلك نزاع لفظي، إذ مرادنا رفع وصف
المانعية، لا ذات المانع، فالنافي إنما يصح منه منع الثاني. غاية الأمر أنه محدود
بغاية، ففي المائية يرتفع وصف المانعية مع موصوفها، وفي التيمم الوصف فقط،
ولذلك اخترنا كون الطهارة مشككة بين أقسامها، فنسبة أصل الارتفاع إلى تلك
الصفة في الوقت المحدود حقيقي، مثل ارتفاع ذات المانع في المائية، لا إضافي حتى
يتفاوت بالنسبة إلى المشروطات. مع أن المقام مقام الامتنان وإظهار النعمة ونفي
الحرج، فيناسبه التعميم.
ويدل عليه أيضا: الأخبار الصحيحة وغيرها، المستفيضة جدا، المشتملة على
مساواة التراب للماء. ففي طائفة منها " إنه أحد الطهورين " (2)، وفي أخرى " إنه
بمنزلة الماء " (3)، وفي أخرى " إن رب الماء هو رب الأرض " (4)، وفي أخرى " إن الله
جعل التراب طهورا، كما جعل الماء طهورا " (5) وفي أخرى " إنه طهور المسلم " (6)
الدالة بظاهرها على مساواتهما في الطهورية.
وهو مع قطع النظر عن ظهوره في العموم، لا بد من حمله عليه في كلام
الحكيم. وخصوص السبب في بعض الأخبار لا يوجب تخصيص العام، فالعبرة
بعموم اللفظ.

(1) إيضاح الفوائد 1: 66.
(2) التهذيب 1: 197 ح 571، الاستبصار 1: 161 ح 557، الوسائل 2: 995 أبواب التيمم ب 23 ح 6.
(3) التهذيب 1: 200 ح 581، الاستبصار 1: 163 ح 566، الوسائل 2: 990 أبواب التيمم ب 23 ح 2.
(4) الفقيه 1: 57 ح 213، المحاسن 372 ح 133، الوسائل 2: 965 أبواب التيمم ب 3 ح 1.
(5) الفقيه 1: 60 ح 223، التهذيب 1: 404 ح 1264، الوسائل 2: 995 أبواب التيمم ب 24 ح 2، وصدرها
في الكافي 3: 66 ح 3.
(6) سنن أبي داود 1: 91 ح 332، سنن البيهقي 1: 212.
306

مع أن الشباهة في مطلق الطهورية أيضا تكفي، فإن الطهارة لا تحصل إلا برفع
الحدث، ومع ارتفاعه لا يبقى مانع كما مر مرارا.
ومن الأخبار رواية أبي ذر عنه صلى الله عليه وآله، قال: يا رسول الله هلكت،
جامعت على غير ماء، قال: فأمر النبي صلى الله عليه وآله بمحمل فاستترت به،
وبماء فاغتسلت أنا وهي، ثم قال: " يا أبا ذر، يكفيك الصعيد عشر سنين " (1).
وذلك لا يتم إلا مع كفايته عن كل ما يحتاج إلى الماء.
وما يقال: " إنه صلى الله عليه وآله لعله بين لأبي ذر سابقا أن التيمم يجب لماذا،
ويستبيح لما ذا، وكان ذلك حوالة له على ما أعلمه سابقا، فلا يستفاد منه العموم "
فهو في غاية البعد، مع أن الأصل عدمه.
مع أنه أثبت الكفاية عن غسل الجنابة، فما يترتب عليه لا بد أن يترتب على
التيمم.
وقد يستشكل: بأن مقتضى هذه الأخبار كفاية التيمم لما ثبت اشتراطه بالطهارة،
لا ما اشترط بخصوص الغسل فقط كصوم الجنب.
وفيه: أن ما ثبت اشتراطه بالطهارة لا تمكن فيه إرادة المطلق تخييرا، فإن المحدث
بالأصغر لا يجوز له الغسل، وبالعكس، وهكذا.
ولو أريد المطلق ترتيبا، فيرجع إلى إرادة الأفراد، فالمحدث بالأصغر أيضا مكلف
بالوضوء أولا، فإن لم يجد فبالتيمم، وهكذا.
والقول بأن وجوب الوضوء على المحدث بالأصغر لأجل أنه طهارة بخلاف
الغسل لصوم الجنب، اعتساف.
وقوله عليه السلام: " لا صلاة إلا بطهور " (2) مع أنه ظاهر في إرادة الفرد،

(1) التهذيب 1: 195 ح 561، الفقيه 1: 59 ح 221، الوسائل 2: 995 أبواب التيمم ب 23 ح 4.
(2) التهذيب 1: 49 ح 144 وص 209 ح 605 و ج 2: 140 ح 545، الاستبصار 1: 55 ح 160، الوسائل 1:
256 أبواب الوضوء ب 1 ح 1.
307

لا يستفاد منه أن اشتراطه به باعتبار أنه طهور. والتعليق على الوصف وإن كان فيه
إشعار بالعلية، لكنه ليس بحجة، مع معارضته باحتمال إرادة الاختصار في اللفظ،
وكون المقام مقام تعميم الحكم، مع أن إبقاءه على الإطلاق يقتضي دخول التيمم
مطلقا، هذا كله مع المعارضة بما بينا من عموم البدلية، فالمراد بيان الأفراد مرتبا ومن
جملتها التيمم.
ونظير هذا الإشكال ما قيل: إن البدلية تسلم فيما ثبت فيه الاشتراط بالمائية، نظرا
إلى تسوية الماء والتراب في الأخبار، لا ما ثبت اشتراطه بخصوص أحد المائيتين.
ويظهر الجواب عنه مما تقدم.
الثاني: إنه يجب عند فقد التمكن من المائية لكل ما تجب له المائية، أما إجمالا
فلما ظهر من تلك الأخبار من عموم البدلية، وأيضا ظهر أنه يبيح ما تبيحه المائية،
فإذا ثبت اشتراط الواجب بالطهارة وتمكن منه بالفرض، فتجب من باب المقدمة.
وأما تفصيلا، فأما وجوبه للصلاة وشرطيته لها، فمما لا خلاف فيه، بل الظاهر
أنه من ضروريات الدين. وتدل عليه الآية (1)، وعموم الأخبار المتقدمة، وعموم مثل
قوله عليه السلام: " لا صلاة إلا بطهور " (2) وخصوص الأخبار الكثيرة.
وكذلك الطواف الواجب، ويدل عليه مضافا إلى إجماعهم: ظاهر الأخبار
المتقدمة، وقوله عليه السلام: " الطواف بالبيت صلاة " (3).
وأما مس كتابة القرآن الواجب، فلقوله تعالى: * (لا يمسه إلا المطهرون) * (4)

(1) المائدة: 6.
(2) التهذيب 1: 49 ح 144 وص 209 ح 605، و ج 2: 140 ح 545، الاستبصار 1: 55 ح 160، الوسائل 1:
256 أبواب الوضوء ب 1 ح 1.
(3) عوالي اللآلي 2: 167، سنن النسائي 5: 222، سنن الدارمي 2: 44.
(4) الواقعة: 79.
308

بالتقريب المتقدم، واستصحاب شغل الذمة يقتضي اشتراطه به أيضا.
وأما دخول المسجدين والمكث في المساجد إذا وجبا، فاشتراطهما بالطهارة مع
وجوبهما مضافا إلى ما تقدم من إباحة التيمم كل ما تبيحه المائية، يقتضي وجوبه
لهما.
ويشكل هذا الاستدلال: بما تقدم من أن الثابت اشتراطهما بالغسل، إلا بمطلق
الطهارة.
ويمكن دفعه: بأنهما محرمان على الحائض والجنب، والمعتبر في رفع الحيض
والجنابة هو الإطهار كما يستفاد من الآيات، وإن كان منحصرا في الغسل في الآية
الآتية، ويكفي ذلك لرفع الإشكال، سيما بعنوان الإلزام.
مع أنه يكفي الاستدلال بعموم البدلية المستفادة من الأخبار المتقدمة.
ويدل الاستصحاب المتقدم على اشتراطهما به، وقوله تعالى: * (وإن كنتم
مرضى أو على سفر) * (1) الآية بعد قوله تعالى: * (ولا جنبا إلا عابري سبيل) * (2) على
أحد الوجهين في الآية.
ويؤيده ما سيجئ من وجوب التيمم على المحتلم في أحد المسجدين.
ومنع فخر المحققين إباحة التيمم لذلك (3)، لقوله تعالى: * (حتى تغتسلوا) * (4)
فلو كانت الغاية أحد الأمرين، لم تكن الغاية غاية.
والجواب عنه أولا: بما مر من كفاية الصعيد عشر سنين في رواية أبي ذر (5)، مع
أن صلاتهم كانت غالبا في المساجد.
وثانيا: بمنع كون المراد من الصلاة مواضعها، بل المراد هو نفسها كما يستفاد من

(1) النساء: 43.
(2) النساء: 43.
(3) إيضاح الفوائد 1: 66.
(4) النساء: 43.
(5) الفقيه 1: 59 ح 221، التهذيب 1: 194 ح 561، الوسائل 2: 995 أبواب التيمم ب 23 ح 4.
309

روايات كثيرة، والمراد بعابري سبيل: المسافرون، يعني أن الجنب لا يقرب الصلاة
حتى يغتسل إلا أن يكون مسافرا لا يقدر على الماء.
ووجوه الترجيح في التفسيرين متعارضة، وعلى ما فهمه من إرادة المساجد رواية
صحيحة في العلل (1)، فبملاحظة الروايات في الموضعين تتشابه الآية.
والأولى حملها على الاستخدام، كما ذكره بعض البارعين في البلاغة.
فالتحقيق في الجواب إذن: أن الغاية واردة مورد الغالب، ولا عبرة بمفهومها،
سيما مع ما تحقق من أن التيمم بدل اضطراري.
ثم إنه (2) - رحمه الله - طرد الكلام في مس الكتابة بدعوى عدم القول بالفصل.
وكذلك في عدم جواز دخوله في المسجدين.
وربما ألزم عليه القول بعدم جواز الطواف أيضا، لاستلزامه دخول المسجدين.
وفيه إشكال، إلا أن يحرم مطلق العبور، وإلا فالطواف لا يستلزم دخول الجنب
لاحتمال حصوله في المسجد، وسيجئ تمام الكلام.
ويظهر الكلام في وجوبه لقراءة العزائم مما تقدم من العموم، ومن وجوب
المقدمة.
وكذلك لصوم الجنب والحائض وغيرهما، يظهر الوجوب من إطلاقات الأخبار
المتقدمة، واقتضائها عموم البدلية، فإن مدلول كثير منها أزيد من الإباحة، ويثبت
من كثير منها الوجوب في كل ما وجبت له المائية، مثل رواية أبي ذر (3) وغيرها.
مع أن ثبوت الإباحة كاف، فإن المراد بها هو المعنى الأعم من الأحكام الثلاثة
كما لا يخفى. ولا قائل باستحباب التيمم للصوم ولا بكراهته فيما يحضرني من
مقالاتهم.

(1) علل الشرائع: 288 باب 210.
(2) إيضاح الفوائد 1: 67.
(3) التهذيب 1: 195 ح 561، الفقيه 1: 59 ح 221، الوسائل 2: 995 أبواب التيمم ب 23 ح 4.
310

وعلى الوجوب فالأولى إبقاء التيمم حتى يصح.
الثالث: المشهور بين الأصحاب وجوب التيمم على المحتلم في أحد المسجدين
للخروج، ويظهر من الفاضلين أنه إجماعي (1)، وعن ابن حمزة أنه مستحب (2).
والأصل فيه صحيحة أبي حمزة، عن الباقر عليه السلام: " إذا كان الرجل نائما
في المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلى الله عليه وآله، فاحتلم، فأصابته جنابة،
فليتيمم، ولا يمر في المسجد إلا متيمما " (3).
ومرفوعة محمد بن يحيى عن أبي حمزة مثله، إلا أنه قال بعده: " حتى يخرج
منه ثم يغتسل، وكذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل كذلك. ولا بأس أن يمرا
في سائر المساجد ولا يجلسا فيها " (4).
ثم إن بعضهم (5) صرحوا بالوجوب ابتداءا جمودا على ظاهر الرواية (6).
وجماعة أوجبوا الغسل أولا مع الإمكان، مع الأمن من تلويث المسجد ومساواة
زمان الغسل لزمان التيمم أو نقصانه عنه (7).
احتمل بعضهم إطلاق التقديم (8)، وربما اعتذر بعضهم (9) في اعتبار المساواة

(1) المعتبر 1: 189، تذكرة الفقهاء 1: 240، المنتهى 2: 226.
(2) الوسيلة: 70.
(3) التهذيب 1: 407 ح 280، الوسائل 1: 485 أبواب الجنابة ب 15 ح 6.
(4) الكافي 3: 73 ح 14، الوسائل 1: 485 أبواب الجنابة ب 15 ح 3.
(5) نقله عن حاشية الشرائع للمحقق الكركي واختاره في المدارك 1: 20، وأطلق وجوب التيمم من غير تعرض
للغسل في الغنية (الجوامع الفقهية): 549، والشرائع 1: 3، وإرشاد الأذهان 1: 221.
(6) التهذيب 1: 407 ح 1280، الوسائل 1: 485 أبواب الجنابة ب 15 ح 6.
(7) كالمحقق في المعتبر 1: 189، والشهيد في الدروس 1: 86، والذكرى: 25، والشهيد الثاني في المسالك 1:
11، وروض الجنان: 19.
(8) الذكرى: 25.
(9) روض الجنان: 19.
311

بعدم العلم بالقائل بالاطلاق.
والأقرب تقديم الغسل مطلقا، للإطلاقات والعمومات، سيما إذا تضيق وقت
المشروط كما هنا.
والرواية (1) واردة مورد الغالب كما لا يخفى، فلا ينافيها.
والإجماع على حرمة المكث في المساجد والعمومات لا ينهض حجة على حرمة
هذا المكث، أما الاجماع فهو منتف في محل النزاع، وأما العمومات فليس فيها ما
يدل على ما نحن فيه، فلاحظها، فإنها مصرحة بحرمة القعود في المسجد،
وظاهرها الجنب من الخارج أيضا، لا من أجنب فيه. والقياس باطل.
سلمناها، لكنها مخصصة بقدر طهارة ما إجماعا، فإن كان مجملا فالعام
المخصص بالمجمل لا حجة فيه في قدر الاجمال.
وإن كان مبينا، فإما أن يكون هو التيمم، فلا دليل عليه، إذ الرواية واردة مورد
الغالب، فيبقى أن يكون هو الغسل، مع أنها معارضة بعمومات الغسل، وبينهما
عموم من وجه، بل لا يبعد ادعاء الخصوص المطلق في جانب الغسل، بأن يقال:
الرواية في قوة: فليغتسل، وإن لم يتمكن فليتيمم.
وما دل على حرمة تنجيس المسجد (") لا يثبت حرمة الغسل مطلقا، وكلامنا في
ثبوته في الجملة. مع أن بينه وبين عمومات الغسل أيضا تعارضا من وجه، أو هذه
أخص بالتقريب المتقدم، إلا أن الظاهر ثبوت الاجماع على حرمة التنجيس مطلقا،
فالصواب تقديم الغسل إلا في هذه الصورة.
فأما فرق بعضهم (3) بين المساوي وغيره، والاعتذار بعدم العلم بالقائل،
فلا يعتمد عليه. مع أن الظاهر أن دعوى الاجماع في هذه الفروع الجزئية مركبا

(1) التهذيب 1: 407 ح 1280، الوسائل 1: 485 أبواب الجنابة ب 15 ح 6.
(2) تذكرة الفقهاء 2: 433، الوسائل 3: 504 أبواب أحكام المساجد ب 24 ح 2.
(3) روض الجنان: 19.
312

أو بسيطا في غاية الخفاء.
نعم يشكل الكلام فيما لو كان زمان الخروج أقصر من زمان الغسل، بل يجري
هذا الإشكال في التيمم أيضا في هذه الصورة; ولا يبعد سقوط التكليف حينئذ
رأسا، لأن الظاهر أن تلك الطهارة لأجل أن لا يكون الكون خاليا عن الطهارة،
وحينئذ يصير الكون الخالي أكثر.
ولهذه المسألة فروع وغصون أشرنا إلى أكثرها في كتابنا الكبير.
وربما ألحقت الحائض بالجنب في هذا الحكم (1)، للمرفوع (2).
ورد بضعف السند، وحمل على الاستحباب مسامحة (3). وهو مشكل.
والظاهر أن المراد إذا طرأها الحيض، وأما إذا اتفق نقاؤها عن الحيض، بأن تدخل
فيهما سهوا أو عمدا، وحصل النقاء، ثم أرادت الخروج، فهل يجب التيمم أو
لا؟ والقول بالوجوب هنا أقوى، وإن كان في استفادته من الأدلة إشكال.
ويظهر من ذلك: الكلام في غير المحتلم في المسجدين من أقسام الجنابة.
الرابع: قد يجب التيمم بالنذر وشبهه، كما مر في أخويه.
والمراد بشبه النذر: اليمين، والعهد، والتحمل (4) عن الغير والمراد به ما ثبت في
ذمة الغير بالنذر وشبهه إن قلنا بصحة الاستئجار فيه.
أما الطهارة للصلاة المستأجرة فتندرج حينئذ فيما يجب للصلاة.
ولما كان في نذر الطهارات تفصيل وأحكام فلا بأس للتعرض لها في الجملة
بحيث يشمل الثلاثة، فنقول:

(1) كما في الذكرى: 25، والدروس 1: 86، وجامع المقاصد 1: 79.
(2) الكافي 3: 73 ح 14، الوسائل 1: 485 أبواب الجنابة ب 15 ح 3.
(3) المعتبر 1: 222.
(4) في " ز "، " ح ": والمتحمل.
313

النذر إما أن يتعلق بكل واحد من الثلاثة بالخصوص، أو الطهارة مريدا أحد
أفرادها، أو الطهارة من دون قصد فرد، لا بالعموم ولا بالخصوص.
فأما الأول، فأما الوضوء: فينعقد نذره حيث لم يكن هناك مانع، فلا ينعقد نذر
وضوء الحائض في غير وقت الصلاة، ولا وضوء الجنب، ولا التجديدي قبل الصلاة
على القول باشتراطه بفعل الصلاة. فتعميم الشهيد الثاني انعقاده دائما (1) محل
نظر.
فلو نذره مطلقا فوقته العمر، يأتي به حسبما نذر.
ولو قيده بوقت، فإن امتنع فيه شرعا فلا ينعقد نذره، وإن أمكن بالفعل
فلا إشكال.
وإن أمكن تحصيل الإمكان بالفعل، كإمكان الحدث للمتطهر حيث لم نقل بجواز
التجديد، ففي وجوبه إشكال. الأظهر العدم، وفاقا لجماعة (2)، لأن انعقاد النذر
تابع للرجحان بالفعل، لأن الراجح حقيقة في المتلبس بالمبدأ، ومجاز فيما سيتلبس
والوضوء للمتطهر لا رجحان له حينئذ. وثبوت استحباب الوضوء الرافع مطلقا
حتى يكون منذوره واجبا مطلقا حتى يثبت وجوب مقدمته من جهة أن الواجب
حينئذ هو الوضوء بعد الحدث لا الوضوء بشرط الحدث كما كان كذلك في أصل
الرجحان محل كلام، لعدم الدليل على ذلك، ولا تشمله إطلاقات الوضوء. وما
ثبت للوضوء من الاستحباب النفسي إنما هو للمحدث أو للمجدد مع حصول
الشرط.
ومن ذلك يظهر ضعف ما يقال: إن مطلق الوضوء مستحب، فيصح نذر فرده
وإن كان مرجوحا كالصلاة في الحمام (3).

(1) روض الجنان: 20.
(2) كالشهيد الثاني في روض الجنان: 20، وصاحب الذخيرة: 12.
(3) روض الجنان 20، المسالك 1: 11.
314

وقد مر ما ينفعك في هذا المقام، فإن صحة النذر إذا (1) كان المتعلق هو نفس
الخصوصية المرجوحة محل كلام.
مع أن هذا الفرد بنفسه مرجوح، بل هو كصلاة الأضحى حينئذ، والفرد الباطل
بنفسه لا يصير راجحا بسبب صدق الكلي عليه. واعتبار الجهتين إنما ينفع لو لم يثبت
بطلان الفرد بالخصوص، وعموم الوضوء مخصص بشرائط ما نحن فيه فاقدها، مع
أن ثبوت عام يظهر كون ذلك من أفراده غير معلوم. هذا كله مع أنه مفوت للكون
على الطهارة في حال التوضؤ ومقدماته، إلا أن يكون موجبا للكون على الطهارة
أزيد من السابق.
وأما الغسل، فإن قلنا باستحبابه بلا سبب كما مرت الإشارة إليه، وقلنا بجوازه
في جميع الأحوال، فينعقد نذره دائما، وإلا ففيما لم يمنعه مانع.
وإن منعناه رأسا، فينعقد حين حصول الأسباب. فلو نذر غسلا معينا فيتبعه،
ولو أطلق فيختار. ثم إن لم يوقته فوقته العمر كما مر، وإن وقته فالتفصيل المتقدم.
وربما يفرق بوجوب تحصيل السبب هنا في الصورة السابقة في مثل غسل
الجنابة، لرجحانه مطلقا، لما ورد من الثواب على فعله.
وفيه: أنه منقوض بما ورد في الوضوء، والظاهر (2) أن ما ورد فيه إنما ورد فيما
ثبت رجحانه لا مطلقا، وبالجملة لم يثبت لنا من الأدلة إلا الرجحان (3) المشروط.
وأما التيمم، فيشترط فيه عدم التمكن من استعمال الماء، فيتوقع مع الإطلاق،
ويبطل مع التعيين إذا تمكن فيه، إلا في مثل التيمم للنوم. وكذلك يختار مع الإطلاق
بالنسبة إلى الأسباب، ويقتصر على ما عين في التعيين، ولا يجب عليه تحصيل
السبب كما مر.

(1) في " ح ": ولو.
(2) في " ز ": وأن الظاهر.
(3) في " ح ": رجحان.
315

وأما الثاني (1): فيختار المكلف أي فرد شاء، ويعلم التفصيل مما مر.
وأما الثالث (2): فإن قصد المعنى الشرعي فهو، وإلا فيبنى على عرف المتشرعة.
فعلى القول باشتراكه لفظا أو معنى متواطئا فالتخيير، وعلى القول بالحقيقة والمجاز
فالمائية، وعلى القول بالتشكيك فاحتمالان: بالنظر إلى أصل البراءة واستصحاب
اشتغال الذمة. والأقوى التخيير أيضا، كما أن الأقوى التشكيك.
ولو قلنا باشتراكه بينها وبين الطهارة عن الخبث، فحيث لم تثبت قرينة، فالتخيير
أيضا.
الخامس: يستحب لما تستحب له المائية، لعموم البدلية المستفادة من صحيحة
حماد: عن الرجل لا يجد الماء، أيتيمم لكل صلاة؟ قال: " لا، هو بمنزلة الماء " (3)
ورواية أبي ذر: " يكفيك الصعيد عشر سنين " (4).
وخصه جماعة بما لو كان المبدل رافعا (5)، وزاد بعضهم التيمم بدلا عن الوضوء
لذكر الحائض (6)، واستشكل بعض المتأخرين في الرافعات أيضا (7). ويظهر وجه
الأخير وجوابه مما قدمناه.
والقول بالتفصيل ناظر إلى أن كون (8) التيمم أحد الطهورين، وكون التراب
طهورا، إنما يقتضي بدليته عن الطهور، والطهور حقيقة في الرافع كما أشرنا إليه.

(1) وهو أن يتعلق النذر بالطهارة ويريد أحد أفرادها.
(2) وهو أن ينذر الطهارة من دون قصد فرد.
(3) التهذيب 1: 200 ح 581، الاستبصار 1: 163 ح 566، الوسائل 2: 990 أبواب التيمم ب 20 ح 3.
(4) الفقيه 1: 59 ح 221، التهذيب 1: 194 ح 561، الوسائل 2: 995 أبواب التيمم ب 23 ح 4.
(5) روض الجنان: 20.
(6) جامع المقاصد 1: 79.
(7) مدارك الأحكام 1: 24.
(8) في " م "، " ز ": يكون.
316

وفيه: أن مفهوم اللقب لا حجة فيه. وكون التراب طهورا لا ينافي كونه بدلا عن
غير الطهور، كما أن كون الماء طهورا لا ينافي اتصافه بشئ آخر.
السادس: يستحب التيمم لأمور أخر غير ما تقدم.
منها: التيمم للنوم مع وجود الماء، لمرسلة الفقيه (1).
وهي إنما تدل عليه (2) لمن ذكر في الفراش أنه على غير طهور، والظاهر أنه وارد
مورد الغالب، ولذلك قال: " فليتيمم من دثاره " فلو تمكن في الفراش من الماء
أو التراب فيشكل إطلاق الاستحباب، فإن اعتمد على إطلاق الفتوى فهو، وإلا ففي
الإطلاق إشكال. إلا أن يقال المستفاد من الرواية أن غرضه عليه السلام تسهيل
الأمر، وحصول فرد من المائية يساوي الترابية في السهولة بعيد.
وأما لو وجد التراب، فيشكل تقديم الغبار، سيما إذا نام على التراب، ولم
يكن له دثار.
ومنها: التيمم لصلاة الجنازة وإن وجد الماء، للاجماع، نقله الشيخ في
الخلاف (3)، ولحسنة حماد، عن حريز، عمن أخبره، عن الصادق عليه السلام،
قال: " الطامث تصلي على الجنازة، لأنه ليس فيها ركوع ولا سجود، والجنب يتيمم
ويصلي على الجنازة " (4).
والصدوق روى عن يونس بن يعقوب جواز صلاة الجنازة من غير وضوء (5)، ثم

(1) الفقيه 1: 296 ح 1353، الوسائل 1: 265 أبواب الوضوء ب 9 ح 2.
(2) يعني: على استحباب التيمم.
(3) الخلاف 1: 725.
(4) الكافي 3: 179 ح 5، الوسائل 2: 800 أبواب صلاة الجنازة ب 22 ح 2، وفي بعض نسخ الكافي: والجنبة
تتيمم وتصلي.
(5) الفقيه 1: 107 ح 495، الكافي 3: 178 ح 1، التهذيب 3: 203 ح 475، الوسائل 2: 799 أبواب صلاة
الجنازة ب 21 ح 3.
317

قال: وفي خبر آخر أنه يتيمم إن أحب. وتشهد له موثقة سماعة أيضا (1).
ولا ينافي ما ذكرنا حسنة الحلبي (2) ورواية عبد الحميد بن سعد (3) الحاكمتان
بالتيمم في جواب من سأل عن حالة لا يتمكن من الوضوء للجنازة، فإن السؤال غير
مخصص للجواب على التحقيق.
وقد ظهر من مرسلة حريز جواز التيمم للطامث إذا أرادت صلاة الجنازة، وتدل
عليه موثقة سماعة أيضا (4).
ومنها: استحباب التجديد بحسب الصلوات، للجمع بين صحيحة أبي همام،
قال: " يتيمم لكل صلاة حتى يوجد الماء " (5) وما دل على جواز الصلوات الكثيرة
بتيمم واحد.
وهو بعيد، فإن الظاهر من الصحيحة التقييد بالحدث، كإطلاقات الوضوء.
والأولى الاستدلال بعموم البدلية، وبقوله عليه السلام: " الطهر على الطهر
عشر حسنات " (6) وبرواية السكوني (7).

(1) الفقيه 1: 107 ح 497، الوسائل 2: 801 أبواب صلاة الجنازة ب 22 ح 5.
(2) الكافي 3: 178 ح 2، الوسائل 2: 799 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 6.
(3) الكافي 3: 178 ح 3، التهذيب 3: 203 ح 476، الوسائل 2: 798 أبواب صلاة الجنازة 21 ح 2.
(4) الكافي 3: 178 ح 5، التهذيب 3: 203 ح 477، الوسائل 2: 799 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 5.
(5) التهذيب 1: 201 ح 583، الاستبصار 1: 163 ح 568، الوسائل 2: 991 أبواب التيمم ب 20 ح 4.
(6) الكافي 3: 72 ح 10، الوسائل 1: 264 أبواب الوضوء ب 8 ح 3.
(7) التهذيب 1: 201 ح 582، الاستبصار 1: 163 ح 567، الوسائل 2: 991 أبواب التيمم ب 20 ح 5، 6،
وفيها: لا يتمتع بالتيمم إلا صلاة واحدة ونافلتها، وفي أخرى: لا بأس بأن تصلي صلاة الليل والنهار بتيمم
واحد ما لم تحدث أو تصب الماء.
318

المقصد الثاني
في أسباب فقد التمكن من المائية
وفيه مباحث:
الأول: فقدان الماء بقدر ما يكفيه سبب لجواز التيمم.
ولو أمكنه التتميم بالمضاف بحيث لا يخرج عن الإطلاق وجب من باب المقدمة.
ولو لم يمكن فلا يجب استعمال البعض ولو في الغسل.
وربما نقل عن الشيخ التبعيض (1)، واحتمله العلامة في النهاية في خصوص
الغسل (2)، نظرا إلى عدم وجوب الموالاة; لجواز وجود ما يكمله.
وهو ضعيف، للآية، فإنه يصدق عليه عرفا أنه غير واجد للماء، ففرضه
التيمم (3). وهو المستفاد من الصحاح المستفيضة المشتملة على " السؤال عن جنب
يكون معه الماء بقدر الوضوء، هل يتوضأ، أو يتيمم؟ والجواب بوجوب التيمم من

(1) حكاه في روض الجنان: 119.
(2) نهاية الإحكام 1: 186.
(3) وذلك مثل قوله تعالى: فمن لم يجد - يعني إطعام عشرة مساكين - فصيام ثلاثة أيام، فإنه لا يجب إطعام أقل من عشرة
إذا تمكن منه جزما (منه رحمه الله).
319

دون تجويز التبعيض " (1) ولو جاز لأجيب به.
ولو كان معه ما يكفي الوضوء أو الغسل في غير الجنابة، فعلى قول المرتضى
يغتسل (2)، وعلى المشهور ففيه احتمالان، والأحوط تقديم الغسل.
ولو وجد ما يكفيه لإزالة النجاسة، يقدمها ويتيمم بالاجماع، نقله
الفاضلان (3)، ويؤيده أن للطهارة بدلا، بخلاف الإزالة.
وذلك فيما لم يعف عنه من النجاسات، أو فيما اضطر إليه من الثياب، وكذلك
فيما لو وجد ما يتيمم به; وإلا فالطهارة مقدمة على الإزالة، لاشتراط صحة الصلاة
بها مطلقا دون الإزالة.
فلو تطهر بالماء حينئذ فقد أخطأ. وفي بطلانها إشكال، لأن القدر الثابت من
الاجماع هو وجوب الإزالة، لا حرمة الطهارة، ليتعلق النهي بالعبادة، فيثبت
البطلان. وأما تعلق النهي المستفاد من الأمر بالإزالة بهذه الطهارة، فهو إنما يتم
لو سلم كون الأمر بالشئ مستلزما للنهي عن ضده الخاص، وأن متعلق النهي هو
الفرد لا الطبيعة.
والحاصل أن ذلك على تسليم الاستلزام يصير من باب اجتماع الأمر والنهي في
شئ مع اختلاف الجهة، وبطلانه غير واضح، كما حققناه في الأصول.
والاحتياط أن يتيمم بعد هذه الطهارة.
ثم إن فاقد الماء، إما أنه متيقن بالتمكن من تحصيله فيجب الطلب مطلقا،
أو بعدمه فلا يجب عليه الطلب مطلقا، لعدم الفائدة، كما صرح به في المدارك (4).

(1) الوسائل 2: 995 أبواب التيمم ب 24.
(2) جمل العلم والعمل: 51 قال: " ويستبيح بالغسل الواجب للصلاة من غير وضوء، وإنما الوضوء في غير
الأغسال الواجبة ".
(3) المعتبر 1: 371، التذكرة 2: 171.
(4) المدارك 2: 182.
320

ولكن الشهيد - رحمه الله - في القواعد (1) عد من جملة ما وقع التعبد المحض فيها ولا
يكاد يهتدى فيها إلى العلة " وجوب طلب المتيمم ".
وإن علم عدم الماء فلا يجوز التكليف به.
وأما إن ظن بالتمكن فالظاهر أنه يجب الطلب ما دام الظن.
وأما مع الظن بالعدم أو تساوي الطرفين، فالظاهر أن هذا المقام هو الذي عنونوا به
مسألة وجوب الطلب، وادعوا عليه الاجماع، نقله الفاضلان (2) وغيرهما.
واستدلوا عليه بظاهر الآية والأخبار، فإن عدم الوجدان لا يصدق عرفا إلا بعد
الطلب أو اليقين بالعدم.
ولكن حدده جمهور أصحابنا: بغلوة سهم في الحزنة، وغلوة سهمين في
السهلة، في الجهات الأربع كما في قول بعضهم (3)، أو في أمامه ويمينه وشماله كما
في آخر (4)، أو في رحله ويمينه وشماله كما في آخر (5)، أو بزيادة في سائر جوانبه
كما في آخر (6)، أو بالاطلاق كما في آخر (7). وأنه لا يجب أكثر من ذلك، لرواية
السكوني (8)، وادعى عليه ابن إدريس تواتر الأخبار (9)، وابن زهرة الاجماع (10)،
وإلا فحيث يحصل له الظن بالماء، فيجب تتبعه مطلقا، مثل أن يشاهد قافلة من بعد،
أو خضرة يظن معها وجود الماء، ونحو ذلك. ويمكن بعد التتبع واليأس في صورة

(1) والقواعد والفوائد 1: 283، نضد القواعد الفقهية: 204.
(2) المعتبر 1: 392، المنتهى 3: 43.
(3) جامع المقاصد 1: 465.
(4) المقنعة: 61.
(5) النهاية: 48.
(6) المبسوط 1: 31.
(7) المعتبر 1: 393.
(8) التهذيب 1: 202 ح 586، الاستبصار 1: 165 ح 571، الوسائل 2: 963 أبواب التيمم ب 1 ح 2.
(9) السرائر 1: 135.
(10) الغنية (الجوامع الفقهية): 555.
321

الظن إدخال الجانب الذي تتبع فيه في الجوانب المأمور بالتتبع فيها حين ارتفاع الظن.
وكلام الأصحاب في موضوع المسألة غير محرر.
ثم إن المحقق استشكل العمل على الرواية لضعفها، واستوجه أن يطلب في كل
جهة يرجو فيها الإصابة، ولا يكلف التباعد بما يشق، واستحسن العمل على حسنة
زرارة، عن أحدهما عليهما السلام، قال: " إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام
في الوقت، فإذا خاف أن يفوته فليتيمم وليصل في آخر الوقت، وإذا وجد الماء فلا
قضاء عليه " (1) (2).
وفيه: أن ظاهرها متروك، والرواية الأولى معتضدة بالعمل والإجماع المنقول
ونقل التواتر ونفي الحرج والعسر المنفيين، فالعمل عليها.
ويمكن توجيه الحسنة بأن يقال: المراد أن وجوب الطلب وقته باق ما دام الوقت
باقيا، وذلك لا يستلزم وجوب الدوام. وعلى هذا فلا يعتبر (3) عند المشهور صدق عدم
الوجدان عرفا، وذلك ينافي استدلالهم على وجوب الطلب بعدم صدق عدم
الوجدان عرفا إلا بعد الطلب، إلا أن تكون تلك الرواية وعملهم قرينة على اصطلاح
في عدم الوجدان شرعا، وهو مشكل.
ولعله لذلك بنى بعض المتأخرين (4) على صدق عدم الوجدان عرفا، سواء زاد
عن التحديد المزبور، أو نقص، فترك الروايتين.
ولو خاف على نفسه أو ماله لو فارق مكانه لم يجب الطلب، لرواية الرقي (5)،

(1) المعتبر 1: 393.
(2) الكافي 3: 63 ح 2، التهذيب 1: 192 ح 555، وص 203 ح 589، الاستبصار 1: 159 ح 548 وص 165 ح 574، الوسائل 2: 963 أبواب التيمم ب 1 ح 1.
(3) في " ز ": وعلى هذا فلا يعتبر.
(4) المدارك 2: 181.
(5) التهذيب 1: 185 ح 536، الوسائل 2: 964 أبواب التيمم ب 2 ح 1.
322

ورواية يعقوب بن سالم (1)، وغيرهما، مع عموم نفي العسر والحرج.
ويشكل الاعتماد على الطلب قبل الوقت إذا تجدد الإمكان بعده، سيما مع
ملاحظة الحسنة، وإطلاق الطلب في الخبر منصرف إلى ما بعد الوقت، هذا كله إذا
وسع الوقت للطلب.
ولا يجب مع الضيق فيتيمم، مثل أن يستيقظ قبل طلوع الشمس.
ومثله ما لو وجد الماء، ولكن كان استعماله مفوتا للوقت ولو بمقدار ركعة إذا لم
يقصر، وسيظهر وجهه.
ولو أخل بالطلب حتى ضاق الوقت، فعن المشهور أنه عاص، ولكن يتيمم
ويصلي، ولا يعيد، لسقوط الطلب حينئذ، وكونه مأمورا بالتيمم، والأمر يقتضي
الاجزاء.
ويشكل بمنع سقوط الطلب، ولزوم التكليف بالمحال إذا كان المكلف هو السبب
لم يقم دليل على استحالته، ولعله لذلك ذهب الشيخ إلى بطلان تيممه (2)، ويلزمه
وجوب إعادة الصلاة، كما قطع به الشهيد (3).
ومثله ما لو وجد الماء وأهمل استعماله حتى ضاق الوقت، والظاهر أن التكليف
بالمحال حينئذ هو كونه مأمورا بالمائية والصلاة في الوقت، والتيمم والصلاة في
الوقت، لا الأول فقط، وإلا فيلزم جواز ترك الصلاة مع التيمم فيجب التيمم
والصلاة لأن الوقت لا عوض له، والأهم في نظر الشارع هو الوقت، حتى جوز
تفويت بعض الأجزاء لإدراك الوقت، بخلاف الطهارة المائية. فثمرة التكليف بالمائية
هو العقاب عليه وثبوت القضاء على إشكال في ذلك، للزوم وجوب الأداء والقضاء
في شئ واحد.

(1) الكافي 3: 65 ح 8، التهذيب 1: 184 ح 528، الوسائل 2: 964 أبواب التيمم ب 2 ح 2.
(2) المبسوط 1: 31، الخلاف 1: 147.
(3) الدروس 1: 131، البيان: 34.
323

وللأصحاب في استعمال الماء حينئذ وقضاء الصلاة، أو التيمم وأدائها في
الوقت، قولان: من جهة أن التيمم إنما يسوغ بعد العجز عن المائية، ولم يثبت كون
ضيق الوقت مسوغا له، والصلاة مشروطة بالمائية فتجب. ومن جهة أن الوقت أيضا
شرط فيها، بل هو أهم من المائية في نظر الشارع كما ذكرنا، ولمثل قوله عليه
السلام: " هو بمنزلة الماء " (1) وغيره.
والثاني أقرب، وإن كان الأحوط القضاء، فاحتياط القضاء بناءا على ما حققناه
إنما هو لأجل فوت الصلاة بالمائية، لا من جهة بطلان ما فعله بالترابية، والمسألة من
المشكلات.
الثاني: من الأعذار، عدم الوصلة إلى الماء من جهة زمانة، أو فقد آلة أو فقد ثمن
فيما لا يتيسر إلا بهما، أو خوف من لص أو سبع على النفس أو المال أو البضع، لنفي
الحرج والضرر، وللإجماع، نقله جماعة (2)، ولرواية يعقوب بن سالم (3)، وغيرها.
والظاهر أن الجبن الشديد أيضا بنفسه من الأعذار، فإن تحمله عسر وحرج، بل
ربما يورث فسادا في العقل أو المزاج.
وكذلك إذا خاف من البرد، وشق عليه تحمله وإن أمن العاقبة، لانتفاء الحرج
والعسر. ويؤيده إطلاق صحيحة محمد بن مسلم (4).
ولو تمكن من حفر بئر أو اخراج من بئر - ولو بتدلية الثياب فيها وعصرها ونحو
ذلك - وجب.
وفي معناه تسخين الماء البارد إذا احتاج إليه.

(1) التهذيب 1: 200 ح 581، الاستبصار 1: 163 ح 566، الوسائل 2: 990 أبواب التيمم ب 20 ح 3.
(2) منهم ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 555.
(3) الكافي 3: 65 ح 8، التهذيب 1: 4 18 ح 528، الوسائل 2: 964 أبواب التيمم ب 2 ح 2.
(4) الكافي 3: 68 ح 1، وفي التهذيب 1: 184 ح 530 بتفاوت، الوسائل 2: 967 أبواب التيمم ب 5 ح 5.
324

وكذا يجب شراء الماء أو الآلة، وكذا الحطب للتسخين إذا احتاج إليه، ونحو
ذلك إن وجد الثمن ولم يتضرر به في الحال (1) أو مطلقا فيما لا يتوقع المكلف حصول
ما يسد خلته في المال أيضا، لنفي الضرر والحرج، ودلالة فحوى رواية يعقوب بن
سالم عليه (2).
أما في صورة عدم التضرر فيجب وإن كان بأضعاف ثمنه المعتاد على المشهور،
لأنه واجد للماء حينئذ، ولصحيحة صفوان المشتملة على الأمر باشتراء قدر ما
يتوضأ به بألف درهم (3).
خلافا لابن الجنيد، قال: إذا كان الثمن غاليا تيمم وصلى، وأعاد إذا وجد
الماء (4).
ولعله نظر إلى ما دل على عدم وجوب الطلب إذا خاف أن يعرض له اللص،
ولنفي الضرر، ولأنه تضييع للمال.
وفيه: أن الأول قياس مع الفارق، لأن في الأصل مهانة للنفس تستوحش منها،
بخلاف صرف المال في الخيرات، والمفروض عدم التضرر. وتحصيل الأجر بالمال
عين الإصلاح، فلا ضرر ولا تضييع أيضا.
وربما قيد الزائد عن ثمن المثل بغير المجحف بالماء، للعسر والحرج، قال في
المنتهى: لو كانت الزيادة كثيرة تجحف بماله سقط عنه وجوب الشراء، ولا نعرف فيه
مخالفا (5) والإجحاف في اللغة بمعنى الإذهاب (6)، وبعد ما احترزنا عن حصول

(1) في " ز " زيادة: على قول.
(2) الكافي 3: 65 ح 8، التهذيب 1: 184 ح 528، الوسائل 2: 964 أبواب التيمم ب 2 ح 2.
(3) الكافي 3: 74 ح 17، الفقيه 1: 23 ح 71، التهذيب 1: 406 ح 1276، الوسائل 2: 997 أبواب التيمم ب 26 ح 1.
(4) نقله في المعتبر 1: 369.
(5) المنتهى 3: 16.
(6) المصباح المنير 1: 113.
325

الضرر فاشتراط ذلك محل إشكال، لو لم يكن إجماعا، إلا أن يقال باندراجه تحت
العسر والحرج المنفيين، فإن العسر والحرج قد يكونان من جهة محض التألم من
مفارقة المال وإن لم يكن مضرا به، خرج عنه غير المجحف كما دلت عليه الصحيحة
المتقدمة (1)، وبقي الباقي.
ولو بذل له الماء أو وهب له وجب القبول، لصدق الوجدان حينئذ.
وكذلك لو بذل له الثمن، كما أفتى به الشيخ (2) وتبعه العلامة في المنتهى (3) وغيره.
واستشكله المحقق بأن فيه منة، فلا يجب تحملها (4)، وذهب إليه العلامة في
التذكرة والنهاية (5) والشهيدان (6).
والأظهر الأول، لما ذكرناه، ولعدم الفرق ظاهرا بين بذل الماء وهبته، وبين بذل
ثمنه. مع أن الكلام غير مطرد، فقد لا تكون منة، وقد يتعاكس، وقد يختلف الحال
بالنسبة إلى الباذل والقابل، بالنسبة إلى الماء والثمن.
ولا تجوز مكابرة صاحب الماء، بخلاف الاضطرار لمثل الجوع والعطش.
والظاهر وجوب القبول لو أعطاه بثمن مؤجل وكان قادرا على الأداء لما مر.
الثالث: من الأعذار، المرض، سواء كان من جهة الخوف من الهلاك بسببه، أو
زيادته، أو بطء برئه، أو عسر علاجه، أو حدوثه، وكذلك القروح والجروح.

(1) صحيحة صفوان، وهي في الكافي 3: 74 ح 17، والفقيه 1: 3 2 ح 71، والتهذيب 1: 406 ح 1276،
والوسائل 2: 997 أبواب التيمم ب 26 ح 1.
(2) المبسوط 1: 31.
(3) المنتهى 3: 16.
(4) المعتبر 1: 371.
(5) التذكرة 2: 165، النهاية 1: 185.
(6) الدروس 1: 131، روض الجنان: 118.
326

ويدل على الجميع: انتفاء العسر والحرج عموما، وفي الطهارة المائية خصوصا
في آية التيمم. وقوله تعالى: * (إن كنتم مرضى) * (1) في أكثر ما ذكر.
وعلى بعضها قوله تعالى: * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) * (2) وفي خصوص
القروح والجروح: الأخبار الصحاح المستفيضة (3) وغيرها التي مرت الإشارة إليها
في باب الجبائر.
والمشهور عدم الفرق بين المتعمد وغيره، وذهب الشيخان إلى وجوب الغسل
على المتعمد وإن خاف التلف (4)، وعن الشيخ في بعض أقواله: وجوبه حينئذ وإن
لحقه برد، إلا أن يخاف التلف، وفي بعض آخر: يتيمم عند خوف البرد على نفسه
حينئذ ويعيد الصلاة. وعن ابن الجنيد عدم أجزاء التيمم للمتعمد (5).
والمذهب هو المشهور، لعموم الآية وانتفاء الحرج والعسر، وقوله تعالى:
* (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) * وإطلاقات الصحاح المستفيضة جدا.
ويؤيده جواز الجماع لعادم الماء بالاجماع، كما نقله في المعتبر (6)، وهو الظاهر
من المنتهى (7) وإن كان معه ماء يكفيه للوضوء، فإنه إنما نقل الكراهة عن بعض
العامة، وتدل عليه موثقة إسحاق بن عمار رواها في آخر السرائر أيضا عن كتاب

(1) المائدة: 6.
(2) البقرة: 195.
(3) التهذيب 1: 184 ح 530، وص 185 ح 531، وص 196 ح 566 الوسائل 2: 967، 968 أبواب التيمم ب 5 ح 5، 7، 8، 11.
(4) المفيد في المقنعة: 60، والشيخ في الخلاف 1: 156، والمبسوط 1: 30، والنهاية: 46.
(5) نقل عنه العلامة في المختلف 1: 437 قوله " لا أختار لأحد أن يتلذذ بالجماع اتكالا على التيمم من غير جنابة
أصابته فإن احتلم أجزأه " وقال: وهو يشعر بعدم الاجزاء.
(6) المعتبر 1: 363.
(7) المنتهى 3: 129 قال: يجوز للعادم الجماع إن كان معه ما يكفيه للوضوء قبل الوقت عملا بالمقتضي، وهو قوله
تعالى " فاتوا حرثكم أنى شئتم ".
327

محمد بن محبوب مع زيادة (1).
واحتجوا بروايات مقدوحة إما من حيث السند، أو من حيث الدلالة، لاشتمالها
على غير المتعمد أيضا. مع أنها معارضة بالعقل القاطع من وجوب دفع الضرر
المظنون، قابلة للتقييد والتأويل، ومعارضة بالكتاب والسنة وعمل جمهور
الأصحاب.
وأما الإعادة بعد الاغتسال، فقد استدل عليه برواية جعفر بن بشير (2)،
وصحيحة عبد الله بن سنان (3)، وهما مطلقتان، وظاهرهما مهجور، والأولى
ضعيفة. مع أنهما معارضتان بأقوى منهما وأكثر، من الأخبار الصحيحة الكثيرة
وغيرها.
ففي صحيحة محمد بن مسلم: عن رجل أجنب فتيمم بالصعيد وصلى، ثم
وجد الماء فقال: " لا يعيد، إن رب الماء رب الصعيد، فقد فعل أحد الطهورين " (4).
وأيضا فالأمر يقتضي الاجزاء، والإعادة تحتاج إلى دليل يعتمد عليه.
والمراد بالمرض: ما يشق معه تحمل الطهارة، أو يوجب زيادة ألم، فلا عبرة
بمسمى المرض، ولا ما لا يضره استعمال الماء، وإلى ذلك ينصرف ظاهر الآية.
فالاكتفاء بمطلق اسم المرض في العدول إلى التيمم لا وجه له، سيما مع ملاحظة
الروايات التي استدل بها الشيخ في صورة تعمد الجنابة.
والمرجع في معرفة الضرر الظن الحاصل بالتجربة، أو إخبار عدل، بل وغير
عدل أيضا إذا حصل به، لكونه من موضوعات الأحكام، بل لا يبعد الاكتفاء
بالاحتمال. قال في المعتبر: يستبيح المريض التيمم مع خوف التلف إجماعا، ثم

(1) التهذيب 1: 405 ح 1269، السرائر 3: 611، الوسائل 2: 998 أبواب التيمم ب 27 ح 1.
(2) التهذيب 1: 196 ح 567، الاستبصار 1: 161 ح 559، الوسائل 2: 986 أبواب التيمم ب 16 ح 1.
(3) الكافي 3: 67 ح 3، الفقيه 1: 60 ح 224 الوسائل 2: 986 أبواب التيمم ب 16 ح 1.
(4) التهذيب 1: 197 ح 571، الاستبصار 1: 161 ح 557، الوسائل 2: 984 أبواب التيمم ب 14 ح 15.
328

قال: وهل يستبيحه لخوف الزيادة في العلة أو بطئها، أو الشين؟ مذهبنا: نعم
حصول الترخيص بمجرد الخوف وإن لم يكن مع الظن، أو كان بمحض الجبن (1).
وظاهره الاجماع، وكذلك ابن زهرة ادعى الاجماع على الترخيص لمطلق
الخوف من الاستعمال (2).
ثم إنه قد ظهر من كلام المعتبر الاجماع على أن خوف الشين عذر (3)، وصرح
في المنتهى أيضا بالاجماع (4). قال الشهيد الثاني: هوما يعلو البشرة من الخشونة
المشوهة للخلقة، وربما بلغ تشقق الجلدة وخروج الدم (5). وقيده في المنتهى
بالفاحش (6).
وربما استشكل فيه بعض المتأخرين، وقال: إن وصل إلى حد يسمى مرضا
ويحصل به الضرر الغير المتحمل فهو، وإلا فلا (7).
وفيه: أن المناط هو مطلق العسر وإن لم يسم مرضا. ولعل الإجماعين المنقولين
يكفيان في ثبوت الحكم.
والإشكال العظيم في أمثال ذلك من جهة احتمال البطلان لو تكلف الفعل،
ولو فعل فالأحوط ضم التيمم إليه أيضا إن لم تمكن الجبيرة.
ومن الأعذار: خوف العطش الحاصل أو المتوقع في زمان لا يحصل فيه الماء
عادة، إن (8) لم يمكن جمع المتساقط من ماء الطهارة بحيث لا ينافي الغرض،

(1) المعتبر 1: 365.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 555.
(3) المعتبر 1: 365.
(4) المنتهى 3: 32.
(5) المسالك 1: 111.
(6). المنتهى 3: 28.
(7) مجمع الفائدة والبرهان 1: 215.
(8) في " م "، " ح ": وإن.
329

للاجماع، نقله غير واحد، منهم الفاضلان (1)، وللأخبار المعتبرة (2).
ولا ريب فيما لو حصل العلم بذلك، والظاهر أن الظن بحصوله أيضا كذلك،
بل الاحتمال المساوي أيضا، لظاهر الأخبار، فإن الحكم فيها معلق على خوف
العطش، وهو مطلق كفتوى الأصحاب.
ولا فرق بين خوف الهلاك منه أو التضرر في الجسم بالمرض وغيره، بل يكفي
في ذلك عسر تحمله أيضا، لعموم الأخبار، وانتفاء الحرج.
وألحق الأصحاب خوف عطش الرفيق المسلم، وهو كذلك، لأن حرمة المسلم
آكد من حرمة الصلاة، كما يستفاد من الأخبار، ولذلك يجوز قطع الصلاة لحفظه.
غاية الأمر جواز أخذ الثمن.
وألحق جماعة منهم الدواب المحترمة (3)، فإنه خوف على المال. ولا يقاس على
وجوب الشراء، ولذلك يجوز إعطاؤها في ثمن الماء.
وربما يحتمل وجوب الذبح، وصرف الماء، وهو بعيد، سيما فيما يكون (الذبح
فيه) (4) إضاعة من جهة التضييع، ومن جهة الإشكال في إيلام الحيوان، ولم تثبت
الرخصة في الذبح بهذا المقدار.
وفي حيوان الغير إشكال، ولطف الله العام ورأفته الشاملة تقتضي ذلك، لأن
لكل كبد حري حقا.
والنجس لا يجوز استعماله في الطهارة مطلقا، ولا للشرب، إلا اضطرارا،
فالواجد لهما يهريق النجس، ويحفظ الطاهر.
وفي صحة الطهارة في صورة وجوب حفظ الماء الإشكال السابق.

(1) المعتبر 1: 367، المنتهى 3: 22.
(2) الوسائل 2: 996 أبواب التيمم ب 25.
(3) المعتبر 1: 368.
(4) في " م ": فيه الذبح.
330

الرابع: لو لم يجد إلا الثلج، فإن أمكن تحصيل مسمى الغسل والجريان
فلا إشكال، وإلا فذهب الشيخان (1) وابن حمزة (2) إلى وجوب التمسح ببلته على
جميع أعضاء الوضوء أو الغسل. والسيد المرتضى إلى التيمم به (3). وابن إدريس
منعهما جميعا (4) وهو مذهب المحقق (5).
واستدل على الأول بروايات كثيرة، منها: ما دل على كفاية مثل الدهن في
الماء، مثل صحيحة زرارة (6) ومحمد بن مسلم (7) وغيرهما. وحملها على حال
الضرورة ليس بأولى من حملها على المبالغة كما تقدم، مع أن ذلك لو تم لوجب
تقديمه على التيمم بالتراب.
ومنها: ما دل على حكم خصوص الثلج والجمد، مثل رواية معاوية بن
شريح (8)، وصحيحة محمد بن مسلم (9)، وظاهرهما تقديم الغسل به إن أمكن على
التيمم بالصعيد، وأين هو مما نحن فيه؟!
و (10) على مذهب السيد بصحيحة محمد بن مسلم، عن الصادق عليه السلام:
عن الرجل يجنب في السفر، فلا يجد إلا الثلج، أو ماءا جامدا، قال: " هو بمنزلة

(1) المقنعة: 59، المبسوط 1: 32.
(2) الوسيلة: 71.
(3) نقله عن مصباحه في المعتبر 1: 377.
(4) السرائر 1: 138.
(5) المعتبر 1: 378.
(6) الكافي 3: 21 ح 4، التهذيب 1: 137 ح 380، الاستبصار 1: 123 ح 416، الوسائل 1: 511 أبواب الجنابة
ب 31 ح 3.
(7) التهذيب 1: 191 ح 550، الاستبصار 1: 157 ح 542، الوسائل 2: 974 أبواب التيمم ب 10 ح 1.
(8) التهذيب 1: 192 ح 554، الاستبصار 1: 158 ح 547، الوسائل 2: 975 أبواب التيمم ب 10 ح 2.
(9) التهذيب 1: 191 ح 550، الاستبصار 1: 157 ح 542، الوسائل 2: 974 أبواب التيمم ب 10 ح 1.
(10) في " ز ": ولو.
331

الضرورة، يتيمم " (1).
ويمكن دفع دلالتها بإرادة التيمم على الصعيد أو ما يقوم مقامه، ومراد الراوي
عدم وجدان جنس الماء.
وعلى الثالث، أن التيمم إنما هو بالتراب أو بالأرض، والثلج ليس بأحدهما،
فلا يجوز التيمم به، ولا التمسح، لأن المأمور به هو الغسل، ولا يحصل إلا
بالجريان.
وهو قوي، لظاهر الكتاب الحاصر بين الغسل والتمسح بالصعيد، وعمومات
الأخبار، وخصوص ما دل على اعتبار الجريان، وإمكان حمل الروايات على المبالغة
كما أشرنا سابقا.
ويظهر من الشيخ في كتابي الأخبار تقديمه على التراب مع وجودهما أيضا،
لرواية علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام، قال: سألته عن الرجل الجنب أو على
غير وضوء، ولا يكون معه ماء، وهو يصيب ثلجا وصعيدا، أيهما أفضل، أيتيمم أو
يمسح بالثلج وجهه؟ قال: " الثلج إذا بل رأسه وجسده أفضل، فإن لم يقدر على أن
يغتسل، فليتيمم " (2) وهو مختار العلامة في المنتهى (3).
وفيه: مع ضعفها، أنها محمولة على المبالغة، واسم التفضيل ليس بمعناه
المعهود. وسبيل الاحتياط واضح.

(1) الكافي 3: 67 ح 1، الوسائل 2: 973 أبواب التيمم ب 9 ح 9.
(2) التهذيب 1: 192 ح 554، الاستبصار 1: 158 ح 547، السرائر 3: 613، الوسائل 2: 975 أبواب التيمم
ب 10 ح 3.
(3) المنتهى 3: 73.
332

المقصد الثالث
في كيفيته
وفيه مباحث:
الأول: تجب فيه النية مستدامة الحكم، كما مر في الوضوء.
وادعى المحقق الاجماع على عدم جواز قصد رفع الحدث (1)، وجوزه الشهيد
- رحمه الله - إلى غاية (2)، وقد مر أن النزاع لفظي.
وأما قصد البدلية، ففيه أقوال، ثالثها: الوجوب إن قيل باختلاف الهيئتين (3).
وفيه: أن ما يضر في صورة اختلاف الهيئتين هو عدم صدق الامتثال بسبب الزيادة
والنقصان في الأجزاء، ولا دخل للقصد فيه على ما هو مبنى هذا القول، وإلا
فلا فرق بين الاختلاف والاتحاد، لما بينا أن العبادتين المتماثلتين تتباينان بالنية،
كصلاة الفجر وفائتته.
والتحقيق أنه إن كان مميزا للطاعة يجب، لما بينا في الوضوء، وإلا فلا.

(1) المعتبر 1: 394.
(2) انظر نضد القواعد الفقهية: 212.
(3) اختار الثالث الشهيد في الذكرى: 107، واختار الوجوب الشيخ في الخلاف 1: 144، وذهب الأكثر إلى عدم
الوجوب منهم صاحب المدارك 2: 216.
333

وموضعها عند ضرب اليدين، وقيل: عند مسح الوجه، تنزيلا للضرب منزلة
أخذ الماء للوضوء (1)، وهو ضعيف، لأن ضرب اليدين واجب بالأصالة.
ويجب مسح الجبهة إجماعا، والجبينين على الأقوى، من القصاص إلى طرف
الأنف الأعلى. وزاد الصدوق مسح الحاجبين (2)، ووالده تمام الوجه (3).
وعن السيد الاجماع على عدم وجوب الاستيعاب (4).
أما الآية (5) فظاهرها مضافا إلى ما ورد في صحيحة زرارة من التفسير: مسح
بعض الوجه (6)، ومقتضاه الاكتفاء بأي بعض منه.
والأخبار مختلفة، ففي طائفة من الأخبار المعتبرة: مسح الجبينين في مقام
البيان، وفي طائفة ذكر الجبهة فقط، وفي طائفة منها ذكر الوجه. والأخبار كلها
معتبرة صحيحة، أو كالصحيحة، أو غيرها (7).
ومقتضى لجمع مع ملاحظة الآية مع تفسيرها: التخيير، وحمل ما دل على الجميع
على الاستحباب. ولكن الاجماع على الجبهة كما ادعاه في الذكرى (8) وظاهر الآية مع
تفسيرها وما دل على كفاية البعض أوجب اخراج ما دل على التمام من ظاهرها،
فيحمل إما على البعض أو على الاستحباب، فيحصل الامتثال بها بمسح الجبهة أيضا.
فإنما يبقى الكلام في إيجاب الجبينين، والأظهر وجوبه، لصحيحة زرارة (9)،

(1) نهاية الإحكام 1: 204.
(2) الفقيه 1: 57.
(3) نقله عنه في المختلف 1: 426.
(4) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 188، ذكر الاجماع على عدم استيعاب الوجه.
(5) فامسحوا بوجوهكم وأيديكم. المائدة: 6.
(6) الفقيه 1: 56 ح 212، الكافي 3: 30 ح 4، التهذيب 1: 61 ح 168، الاستبصار 1: 62 ح 186،
علل الشرائع: 279 ح 1، الوسائل 2: 980 أبواب التيمم ب 13 ح 1.
(7) انظر الوسائل 2: 975 أبواب التيمم ب 11.
(8) الذكرى: 108.
(9) الفقيه 1: 57 ح 212، الوسائل 2: 977 أبواب التيمم ب 11 ح 8.
334

وحسنته (1)، وموثقة ابن بكير (2) الواردة في بيان التيمم. ويمكن حمل ما دل على
الجميع على التقية، لموافقته للعامة.
ولم نقف على ما يدل على مسح الحاجبين.
ثم يجب مسح ظاهر الكف اليمنى من الزند إلى رؤس الأصابع بباطن اليسرى،
ثم العكس كذلك.
وعن ابن بابويه: المسح فوق الكف قليلا (3)، ولعله أراد من باب المقدمة،
فلا مخالفة.
وعن أبيه: مسح اليدين من المرفقين إلى رؤس الأصابع (4).
ونقل عن بعض الأصحاب المسح من أصول الأصابع إلى رؤسها (5).
حجة الأولين - مضافا إلى التبعيض المستفاد من الآية مع تفسيرها - بناءا على
كون اليد حقيقة فيها إلى المنكب - وهو ينفي قول الصدوق - الأخبار الكثيرة المعتبرة
مثل صحيحة زرارة (6)، وصحيحة إسماعيل بن همام (7)، وغيرها من الأخبار

(1) الكافي 3: 61 ح 1، التهذيب 1: 211 ح 613، الاستبصار 1: 171 ح 593، الوسائل 2: 975 أبواب
التيمم ب 11 ح 3.
(2) الكافي 3: 61 ح 1، التهذيب 1: 211 ح 613، وص 207 ح 601، الاستبصار 1: 171 ح 593،
الوسائل 2: أبواب التيمم ب 11 ح 3، 9، ولكن هي بين ما في طريقه سهل بن زياد، وبين ما فيه: ومسح
جبهته، فيشكل التعبير بالموثقة، ويمكن أن يكون مراده ما أورده في مستطرفات السرائر 3: 554، عن كتاب
نوادر أحمد بن أبي نصر عن عبد الله بن بكير عن زرارة في حكاية عمار.
(3) الفقيه 1: 57.
(4) نقله عنه في المختلف 1: 426.
(5) حكاه في السرائر 1: 137.
(6) التهذيب 1: 208 ح 603، الوسائل 2: 977 أبواب التيمم ب 11 ح 5. وفيها: ثم مسح وجهه وكفيه
ولم يمسح الذارعين بشئ.
(7) التهذيب 1: 210 ح 609، الاستبصار 1: 171 ح 597، الوسائل 2: 978 أبواب التيمم ب 12 ح 3. وفيه:
التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين.
335

الكثيرة، المشتملة على ذكر الكف في مقام البيان، وفي بعضها: " ولم يمسح على
الذراعين " (1).
وأما على القول بكون اليد حقيقة في الزند إلى رؤس الأصابع، فيتم أيضا
بملاحظة التبعيض بالنسبة إلى كفاية ظهر الكف. مع ما هو المتبادر المنصرف من
الأخبار من إرادة الظهر، أو المراد في الآية بعض يد الوضوء المحدودة إلى المرفقين.
وأما ما دل من الأخبار على مسح الذراعين أيضا (2) وعمل عليها والد الصدوق،
فهي مع أنها مخالفة لظاهر الكتاب على الوجهين المتقدمين وإن وافقه على الوجه
الأول، من كون اليد حقيقة فيها إلى المنكب، فهي محمولة على التقية، لموافقتها
للعامة، ومخالفتها لجمهور الإمامية. وحملها على الاستحباب والتخيير محتمل،
ولكن الأولى ما ذكرناه.
وأما المسح فوق الكف قليلا، فربما أخذ من صحيحة داود بن النعمان (3)،
وحسنة أبي أيوب الخزاز (4)، وفيهما نقل فعل الإمام كذلك، وهو لا يدل على أزيد
من كونه من باب المقدمة.
وأما القول الأخير، فتدل عليه رواية حماد بن عيسى، عن بعض أصحابه، عن
الصادق عليه السلام (5)، وهي مع ضعفها لا تقاوم ما تقدم من الأدلة.
ويدل على كون موضع المسح ظهر الكفين - مضافا إلى عدم ظهور الخلاف -

(1) انظر الوسائل 2: 975 أبواب التيمم ب 11، 12.
(2) انظر الوسائل 2: 978 أبواب التيمم ب 12 ح 2، 5، وص 981 ب 13 ح 3. وفي بعضها: مسح بها وجهه و
ذراعيه إلى المرفقين، أو تمسح بهما وجهك وذراعيك، أو مسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع.
(3) التهذيب 1: 207 ح 598، الاستبصار 1: 170 ح 591، الوسائل 2: 976 أبواب التيمم ب 11 ح 4، وفيه:
فمسح وجهه ويديه فوق الكف قليلا.
(4) الكافي 3: 62 ح 4، الوسائل 2: 976 أبواب التيمم ب 11 ح 2.
(5) الكافي 3: 62 ح 2، التهذيب 1: 207 ح 599، الاستبصار 1: 170 ح 588، الوسائل 2: 980 أبواب
التيمم ب 13 ح 2. وفيها: وامسح على كفيك من حيث موضع القطع.
336

حسنة الكاهلي عن التيمم: " فضرب بيده على البساط فمسح بها وجهه، ثم مسح
كفيه إحداهما على ظهر الأخرى " (1).
وذكروا أيضا أن المسح إنما هو بباطن الكف، وهو المتبادر من الآية والأخبار،
سيما بعد ملاحظة كيفية وضع اليد على التراب أو (2) ضربها عليه، واعتبار العلوق،
ونحو ذلك، فإن المتبادر من جميعها المسح بالباطن. وهو المراد في مسح الوجه
أيضا.
ولو تعذر المسح بالباطن فالظاهر كفاية المسح بالظاهر، للاطلاقات، فإن انفهام
الباطن إنما هو للتبادر، والمتبادر إنما هو بالنسبة إلى الأفراد الغالبة، وهي في حالة
الاختيار.
الثاني: يجب إمساس اليدين بالصعيد، فلا يكفي لصوق الصعيد بالكف
باستقبالهما العواصف (3).
والأظهر اعتبار ضربهما بالصعيد، كما هو الأشهر في كلام الأصحاب،
والأوفق بأكثر الأخبار المعتبرة القولية.
وأما الوضع كما في سائر الفتاوى والأخبار المعتبرة الفعلية (4)، فالأولى حمله
على الضرب، لا لكونه أعم منه، لأنه نقل فعل ولا عموم في الفعل، فلو وجد (5)
العموم فهو من جهة نقل الراوي، فلا يخفى أنهما متباينان عرفا.

(1) الكافي 3: 62 ح 3، التهذيب 1: 207 ح 600، الاستبصار 1: 170 ح 589، الوسائل 2: 976 أبواب
التيمم ب 11 ح 1.
(2) في " ز ": و.
(3) وهذا أولى من عبارة المدارك والذخيرة، فلو استقبل العواصف حتى لصق صعيدها بوجهه ويديه لم يجزئه (منه
رحمه الله).
(4) الوسائل 2: 976 أبواب التيمم ب 11.
(5) في النسخ: فلو وجه، وما أثبتناه من نسخة في " ح ".
337

فتعبير بعضهم (1) عن المطلب بالوضع بالاعتماد جمعا بين الأخبار غفلة.
فالوجه على ما ذكرنا جعله من باب الاستعارة.
والجمع بالتخيير تمسكا بأن الغرض قصد الصعيد، مشكل. وكذلك حمل
الضرب على الاستحباب. مع أن التأويل في كلام الراوي أولى منه في كلام
الإمام.
وأخبار الوضع كلها نقل فعل، بخلاف الضرب.
وكذلك تجب المعية، كما هو ظاهر الفتاوى والمتبادر من الأخبار، كقولهم عليهم
السلام: " تضرب بيديك " و " يضرب بيديه " وفي بعضها: " ضربة للوجه وضربة
للكفين " ونحو ذلك (2).
ولو كان مقطوع الكف فإن استؤصلتا من الزندين فيسقط عنه مسحهما والمسح
بهما بالضرورة. ويمسح الوجه، للاستصحاب، ولأن الميسور لا يسقط بالمعسور،
ولقوله صلى الله عليه وآله: " ما أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم " والأولى مسحه
بالذراع إن أمكن، وإلا فحيثما أمكن.
ولو قطعت إحداهما فيمسح الوجه بالأخرى، ثم يمسح الأخرى بالتراب كما
مر. وكذلك الكلام في الجزء الباقي من الكف.
وما نقل عن الشيخ من سقوط التيمم عن مقطوع الذراعين (3)، فالظاهر أنه أراد
السقوط عن اليدين، وإلا للزم سقوط الصلاة عنه، وهو معلوم البطلان، كما ذكره
في المدارك (4). ويؤيده حكم مقطوع اليد في الوضوء.
وفي حكم القطع ما لو كان عاجزا عن ضربهما أو وضعهما على الصعيد.

(1) هو صاحب المفاتيح (منه رحمه الله). المفاتيح 1: 62، وجاء هذا التعبير في المدارك 2: 217.
(2) الوسائل 2: 975 أبواب التيمم ب 11.
(3) المبسوط 1: 33.
(4) المدارك 2: 235.
338

الثالث: المشهور أن الواجب في بدل الوضوء ضربة واحدة للوجه واليدين،
وللغسل ضربة للوجه ثم ضربة لليدين.
وعن المفيد (1) والسيد (2) في بعض كتبهما وابن الجنيد وابن أبي عقيل (3) ضربة
واحدة للجميع في الجميع.
وعن المفيد في قول آخر (4) وعلي بن بابويه (5) ضربتان كذلك.
وعن علي بن بابويه أيضا القول بالضربة الواحدة للوجه، ثم التفريق لليدين،
فيضرب باليسار ويمسح اليمين من المرافق إلى رؤس الأصابع، ثم بالعكس (6).
ونقله في المعتبر عن قوم منا (7).
والأخبار الواردة في ذلك على أصناف، فطائفة من الأخبار المعتبرة تدل على كفاية المرة مطلقا.
منها: موثقة زرارة لابن بكير، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن التيمم،
فضرب بيديه إلى الأرض، ثم رفعهما فنفضهما، ثم مسح بهما جبهته وكفيه مرة
واحدة (8). وتقرب منها صحيحة صفوان عن عمرو بن أبي المقدام (9).

(1) نقله عن المسائل العزية للمفيد في المختلف 1: 431.
(2) جمل العلم والعمل (رسائل السيد المرتضى) 3: 25، المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 188، ونقله عن
شرح الرسالة في المعتبر 1: 388.
(3) نقله عنهما في المختلف 1: 430.
(4) نقله عن كتاب الأركان للمفيد في الذكرى: 108.
(5) حكاه عنه في المعتبر 1: 388، والمنتهى 3: 102، والمختلف 1: 431.
(6) نقله في الذكرى: 108.
(7) المعتبر 1: 388، نقل ذلك بعد أن نقل عن علي بن بابويه المرتين في الجميع.
(8) التهذيب 1: 207 ح 601، الوسائل 2: 976 أبواب التيمم ب 11 ح 3، وأورده بتفاوت في الكافي 3: 61
ح 1، والتهذيب 1: 211 ح 613، والاستبصار 1: 711 ح 593.
(9) التهذيب 1: 212 ح 614، الاستبصار 1: 171 ح 594، الوسائل 2: 977 أبواب التيمم ب 11 ح 6.
339

ومنها صحيحة صفوان أيضا عن الكاهلي (1) ورواية زرارة (2) وغيرها.
وطائفة منها تدل على ذلك مع ورودها في بيان التيمم بدلا عن الغسل، وأكثرها
صحيحة، مثل ما ورد في حكاية عمار.
وطائفة منها تدل على المرتين مطلقا، كصحيحة إسماعيل بن همام الكندي،
عن الرضا عليه السلام، قال: " التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين " (3).
وصحيحة محمد بن مسلم، عن أحدهما عليه السلام، قال: سألته عن التيمم،
فقال: " مرتين مرتين للوجه واليدين " (4).
وستجئ صحيحة زرارة ورواية ليث المرادي، وفي طريقها ابن سنان، عن
ابن مسكان، ولعله محمد (5).
والأظهر في الجمع بينها: حمل المرتين على الاستحباب، لظاهر الآية، ولكثرة
الأخبار الدالة على كفاية المرة، وصحتها وصراحة جملة منها في حكم الجنابة،
سيما مع ملاحظة موثقة عمار المصرحة باتحاد التيمم من الوضوء والجنابة
والحيض (6).

(1) الكافي 3: 62 ح 3، التهذيب 1: 207 ح 600، الاستبصار 1: 170 ح 589، الوسائل 2: 976 أبواب
التيمم ب 11 ح 1.
(2) التهذيب 1: 212 ح 615، الاستبصار 1: 171 ح 595، الوسائل 2: 977 أبواب التيمم ب 11 ح 7، وعبر
عنها بالرواية لوقوع القاسم بن عروة في طريقها وهو لم يوثق وطرق الشيخ إليه ضعيفة، انظر معجم رجال
الحديث 14: 26.
(3) التهذيب 1: 210 ح 609، الاستبصار 1: 171 ح 597، الوسائل 2: 978 أبواب التيمم ب 12 ح 3.
(4) التهذيب 1: 210 ح 610، الاستبصار 1: 172 ح 598، الوسائل 2: 978 أبواب التيمم ب 12 ح 1.
(5) التهذيب 1: 209 ح 608، الاستبصار 1: 171 ح 596، الوسائل 2: 978 أبواب التيمم ب 12 ح 2. أقول:
المرجح لكون ابن سنان هو محمد بن سنان هو أنه لم تثبت رواية عبد الله بن سنان عن ابن مسكان، ولكن رواية
محمد عنه ثابتة، انظر معجم رجال الحديث 10: 330.
(6) الفقيه 1: 58 ح 215، التهذيب 1: 162 ح 465، وص 212 ح 617، الوسائل 2: 979 أبواب التيمم
ب 12 ح 6.
340

وأما صحيحة محمد بن مسلم الدالة على مذهب علي بن بابويه " من التفريق بين
ضرب اليدين " (1) فهي محمولة على التقية، ولا تقاوم ما ذكرناه من الأخبار في إثبات
التفريق أيضا.
وأما مستند المشهور، فهي صحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام قال، قلت:
كيف التيمم؟ قال: " هو ضرب واحد للوضوء والغسل من الجنابة، تضرب بيديك
مرتين ثم تنفضهما نفضة، مرة للوجه، ومرة لليدين " (2) الحديث وجعلوا الغسل
مرفوعا.
ولا يخفى بعده بل الظاهر أنه مجرور، والمراد ب‍ " ضرب واحد " قسم واحد.
ونقله في المعتبر بلفظ " ضربة واحدة " (3) فإن ثبت لكان ظاهرا فيما قالوا،
ولكن الكلام في ثبوته، ولم نقف عليه في غير المعتبر، ولعله نقل بالمعنى على ما
فهمه.
وأما ما استدل به في المنتهى من صحيحة محمد بن مسلم: " إن التيمم من
الوضوء مرة ومن الجنابة مرتان " (4) فالظاهر أنه توهم نشأ من الغفلة في فهم كلام
الشيخ في التهذيب (5)، كما حققه صاحب المنتقى (6)، واستحسنه من تأخر عنه (7).
هذا ولكن الأحوط أن لا تترك الضربتان، سيما في الغسل. وأحوط من ذلك أن
يجمع بين الكيفيتين لكل من الطهارتين، بأن يفعل تيممين كل منهما بنية القربة.
ثم إنه لا فرق في التيمم بين الأغسال أيضا، كما تصرح به موثقة سماعة،

(1) التهذيب 1: 210 ح 612، الاستبصار 1: 172 ح 600، الوسائل 2: 979 أبواب التيمم ب 12 ح 5.
(2) التهذيب 1: 210 ح 611، الاستبصار 1: 172 ح 599، الوسائل 2: 978 أبواب التيمم ب 12 ح 4.
(3) المعتبر 1: 388.
(4) المنتهى 3: 103.
(5) التهذيب 1: 211.
(6) منتقى الجمان 1: 351.
(7) الوسائل 2: 980 أبواب التيمم ب 12 ح 8.
341

وصحيحة أبي بصير (1).
والأظهر وجوب الوضوء أو تيمم آخر لو لم يتمكن من الوضوء في غير الجنابة.
ولا تنافيه الروايتان، إذ المراد اتحاد التيمم الذي هو بدل عن الغسل أو الوضوء في
الكيفية كما هو ظاهر، وأما على قول المرتضى فيكفي تيمم واحد مطلقا.
الرابع: الأظهر اعتبار العلوق مما يتيمم به باليدين، خلافا للمشهور، ووفاقا
لجماعة (2). وربما أسندت المخالفة إلى ابن الجنيد خاصة (3)، وليس كذلك، ولعله نظر
إلى كلام المختلف. وحاصل كلام المختلف أن ابن الجنيد أوجب التيمم من المرتفع على
اليدين من الصعيد، والمشهور أوجبوا النفض (4)، وظاهر ذلك أن ابن الجنيد
لا يوجب النفض، لا أن المشترط للعلوق منحصر فيه.
وكيف كان، فالأظهر الاعتبار، لظاهر الآية، بقرينة مقابلة الغسل في الوضوء
والتطهر، ودلالة من التبعيضية عليه، فإن الظاهر من قولك مسحت بدني من الدهن
أو من الماء أو من التراب عرفا: هو المسح ببعضها، كما اعترف به الزمخشري (5) مع
كونه مخالفا لطريقته من مذهب أبي حنيفة (6).
وحملها على السببية بإرجاع الضمير إلى الحدث أو عدم وجدان الماء بعيد. وكذا
على ابتداء الغاية بمعنى أن المسح موصول بالصعيد أو بالقصد. وكذا على البدلية
بمعنى بدل الماء.
ولا يترك الظاهر للاحتمال البعيد، سيما مع ورود صحيحة زرارة في تفسيرها،

(1) الكافي 3: 65 ح 10، التهذيب 1: 212 ح 616، الوسائل 2: 979 أبواب التيمم ب 12 ح 7.
(2) كالشيخ البهائي في الحبل المتين: 88، وصاحب الحدائق 4: 333.
(3) كما في المدارك 2: 219، وجامع المقاصد 1: 493.
(4) المختلف 1: 430.
(5) الكشاف 1: 515.
(6) انظر شرح فتح القدير 1: 113.
342

قال عليه السلام بعد ذكر بيان آية الوضوء وذكر آية التيمم: " فلما وضع الوضوء عمن
لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحا، لأنه قال: * (بوجوهكم) * ثم وصل بها
* (وأيديكم) * ثم قال: * (منه) * أي من ذلك التيمم، لأنه علم أن ذلك أجمع لم يجر
على الوجه، لأنه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف، ولا يعلق ببعضها " (1)
الحديث، والمراد بالتيمم ما يتيمم به كما هو واضح، إذ إرادة المصطلح فاسد جزما،
وإرادة المعنى اللغوي بعيد، والتعليل إنما هو للتبعيض المستفاد من قوله: " أي من
ذلك التيمم ".
وربما يقال إنه تعليل لقوله عليه السلام: " أثبت بعض الغسل مسحا " وهو مع أنه
بعيد من اللفظ غير صحيح، إذ المناسب حينئذ أن يقال: إنه علم أن ذلك لم يجر
على الوجه أجمع إلى آخره لا ما ذكر.
ويدل على اعتبار العلوق: نفس البدلية الثابتة للتيمم، وفهم عمار المنطبق على
متفاهم العرف. ويؤيده رجحان الضربة الثانية وغير ذلك مما سيجئ في تعيين
التراب أيضا، مع أن البراءة اليقينية لا تحصل إلا به.
واحتجوا بالأصل. وأن الصعيد يشمل الحجر الصلد. وباستحباب النفض المجمع
عليه الوارد في الصحاح وغيرها (2) وبالاكتفاء بضربة في الأخبار، مع أنه لا يبقى
شئ بعد مسح الجبهة.
الأول لا يقاوم الدليل، وستعرف بطلان الثاني، مع أن صاحب الذخيرة اعتبر
العلوق مع الحجر أيضا (3).
والثالث لا ينافي ما ذكرناه، بل إنما هو لدفع تشويه الوجه، كما لا ينافي تقليل

(1) الكافي 3: 30 ح 4، الفقيه 1: 56 ح 212، التهذيب 1: 61 ح 168، الاستبصار 1: 62 ح 168، الوسائل
2: 980 أبواب التيمم ب 13 ح 1.
(2) الوسائل 2: 977 أبواب التيمم ب 11، 12، 29.
(3) ذخيرة المعاد: 103.
343

الماء في مسح الوضوء اعتبار البلة، بل كل ما دل على استحباب النفض يشعر باعتبار
العلوق.
والمطلوب اعتبار مطلق العلوق ولا يوجب الاستمرار، مع أن الظاهر بقاؤه بعد
مسح اليدين أيضا، فضلا عما بعد الجبهة، مع أن رجحان الضربتين شاهد صدق
على ما ذكرناه، فبطل الرابع أيضا.
الخامس: يجب الترتيب، بأن يضرب يديه معا على الأرض، ثم يمسح بهما
جبهته وجبينيه، ثم يمسح ظهر يده اليمنى ببطن اليسرى، ثم بالعكس. للاجماع
بسيطا كما نقله العلامة في المنتهى، وغيره (1)، ومركبا - كما نقله السيد (2) - أن من
قال به في المائية قال به في الترابية. وللأخبار المعتبرة الواردة في مقام البيان، وفي
جواب السؤال عن الكيفية (3).
وتجب الموالاة أيضا، للاجماع كما يظهر من المنتهى (4)، ولوقوعهما في البيانات
وفي الجواب عن الكيفيات. ولا أقل من الشك في مدخليتها في ماهية العبادة،
فلا يحصل اليقين بالبراءة إلا بها (5).
والظاهر عدم الفرق بين ما كان بدلا عن الوضوء أو الغسل.
والأحوط اعتبار مدخليتها في الصحة أيضا.
ويرجع فيها إلى التتابع العرفي.
وتجب البدأة من الأعلى في الوجه، وكذلك اليد، لأنه المتيقن والمتبادر من

(1) المنتهى 3: 97، التذكرة 2: 196.
(2) نقله عنه في المعتبر 1: 393.
(3) الوسائل 2: 975 أبواب التيمم ب 11، 12.
(4) المنتهى 3: 108.
(5) قوله مع أن البراءة اليقينية لا تحصل إلا به هذا مناف لطريقته من العمل بأصل البراءة في الشك في الجزئية أو
الشرطية أو المانعية للعبادة (أبو المعالي).
344

الأخبار والمفتى به في كلام الأصحاب. وربما علل بتبعيته للوضوء، والأولى ما
ذكرناه.
ويجب أيضا كون مواضع المسح طاهرة، على ما ذكره جماعة من
الأصحاب (1). والإطلاقات تقتضي عدمه، قال في المدارك: والمصرح باشتراط
ذلك قليل من الأصحاب (2).
واستدل في الذكرى: بأن التراب ينجس، وبمساواته لأعضاء الطهارة المائية.
ورد: بأن الأول أخص من المدعى، والثاني قياس.
وإن تعذرت الإزالة فالاطلاقات تقتضي جوازه وإن تعدت النجاسة إلى التراب
أيضا، وقيده بعضهم بغير المتعدي (3)، وربما قيل بالعدول إلى ظهر الكف حينئذ (4).
وكذلك الكلام إذا كانت النجاسة حائلة، ولم يمكن رفعها. وربما منعه بعضهم
أيضا (5). ورد بجواز المسح على الجبيرة، وخصوصية النجاسة لا أثر لها. وفي
العدول إلى الظاهر حينئذ إشكال.
والحاصل أن إطلاقات التيمم تقتضي الوجوب في الكل على النهج المعهود،
والعدول عنها باحتمال أن تنجيس عضو آخر مضر بالصلاة ليس بأولى من ترك
الصلاة، فإن الصلاة مع النجاسة جائزة، وبلا طهارة لا تجوز أصلا.
هذا إذا لم يمكن تطهير الموضع المتعدى إليه، وإلا فالاشكال أقل.
ولما كانت الفروض نادرة غير متبادرة من الإطلاقات فلا تترك الاحتياط.
وأما طهارة سائر الأعضاء مع الإمكان، فلا تشترط جزما، كما لا تشترط (6)

(1) كالشهيد في الذكرى: 109، والمحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 503.
(2) مدارك الأحكام 2: 228.
(3) البيان: 86، الدروس: 133، كشف اللثام 1: 150، الحدائق 4: 353، الروضة البهية 1: 455.
(4) جامع المقاصد 1: 498، الروضة البهية 1: 455.
(5) الذكرى: 109، كشف اللثام 1: 150، الروضة البهية 1: 455.
(6) في " ز ": كما يشترط.
345

في الوضوء.
نعم يظهر من بعض الأصحاب وجوبه على القول باعتبار ضيق الوقت في
التيمم (1)، ولا بأس به. ولكن ثبوت الاشتراط والحكم بالبطلان مشكل، لمنع دلالة
الأمر بالشئ على النهي عن ضده الخاص.
السادس: تجب المباشرة بالنفس، لما مر في الوضوء. وإذا عجز عن المباشرة
فيستنيب، والظاهر أنه إجماعي كما يظهر من المدارك (2).
قال في الذكرى: لا يجزئ معك الأعضاء في التراب كما دل عليه الخبر، نعم
لو تعذر الضرب واستنابة الغير أجزأ، لأن الميسور لا يسقط بالمعسور، بل يمكن
تقديم المعك على نيابة الغير، وهو يجئ عند من لم يعتبر الضرب من الأفعال (3)،
انتهى.
وقد عرفت أن الظاهر أنه من الأفعال، فيستنيب.
فتضرب يدي العليل بالتراب ويمسح بهما إن أمكن، وإلا فبيديه. والنية على
العليل، والأحوط نيتهما جميعا.
السابع: يجب استيعاب الممسوح بلا خلاف ظاهر، ونسبه في المنتهى إلى
علمائنا وأكثر العامة (4)، وإنما نقل الخلاف عن بعض العامة في جواز إبقاء ما دون
الدرهم، وعن بعضهم الفرق بين العمد والنسيان (5).

(1) روض الجنان: 127، جامع المقاصد 1: 107، المدارك 2: 236.
(2) المدارك 2: 227.
(3) الذكرى: 108.
(4) المنتهى 3: 95.
(5) كما في المعتبر 1: 389.
346

وكيف كان فالمذهب الاستيعاب، وهو الظاهر من الأخبار، إذ الجبهة والجبين
واليد حقيقة في المجموع.
وأما الماسح، فقال الشهيد الثاني: الظاهر عدم وجوبه، لاطلاق الأدلة (1)،
وتبعه صاحب الذخيرة (2).
وقد استدل عليه بصحيحة زرارة في بيان التيمم لعمار: أنه صلى الله عليه وآله
مسح جبينيه بأصابعه (3).
ويمكن أن يقال بعد ما بينا وجوب مسح الجبهة بالاجماع المنقول والأخبار: أن
المراد من ذلك لعله حصول مسح الجبينين بالأصابع، وهو لا ينافي استعمال مجموع
اليد في مجموع الجبهة والجبينين، فإنه يكفي مسح المجموع بالمجموع، ولا يجب مسح
كل من أجزاء أحدهما بكل من الآخر.
والأحوط أن يمسح بالمجموع في المجموع في المسحين، لظاهر سائر الأخبار، مثل
قوله عليه السلام: " ثم مسح كفيه إحداهما على ظهر الأخرى " و " ضرب بيديه على
الأرض ثم مسح على جبينيه وكفيه " و " تضرب بكفيك وتمسح وجهك ويديك " (4)
ونحوها.
وأما صحيحة داود بن النعمان (5)، وحسنة أبي أيوب الخزاز (6) الدالتان على أنه
عليه السلام مسح فوق الكف قليلا، فالظاهر منهما أنه عليه السلام مسح الكف وما
فوقه قليلا، وأن ذلك كان لأجل استيعاب (7) الممسوح.

(1) روض الجنان: 127.
(2) ذخيرة المعاد: 106.
(3) الفقيه 1: 57 ح 212، الوسائل 2: 977 أبواب التيمم ب 11 ح 8.
(4) الوسائل 2: 976 أبواب التيمم ب 11.
(5) التهذيب 1: 207 ح 601، الاستبصار 1: 170 ح 591، الوسائل 2: 976 أبواب التيمم ب 11 ح 4.
(6) الكافي 3: 62 ح 4، الوسائل 2: 976 أبواب التيمم ب 11 ح 2.
(7) في " م ": استيفاء.
347

الثامن: قال في الذكرى (1): الأقرب استحباب التسمية كما في المبدل منه،
لعموم " كل أمر ذي بال " (2)
وتفريج الأصابع عند الضرب، ونص عليه الأصحاب، لتتمكن اليد من الصعيد.
قال: ولا يستحب تخليلها في المسح، للأصل. وقال أيضا: الأقرب استحباب
أن لا يرفع يده عن العضو حتى يكمل مسحه لما فيه من المبالغة في الموالاة.
ويمكن تقدير الموالاة بزمان جفاف الماء لو كان وضوءا، فيستحب نقص زمان
التيمم عن ذلك، ولو بلغه فالأقرب البطلان. أقول: والأولى ما ذكرناه من التتابع
العرفي.

(1) الذكرى: 109.
(2) تفسير الإمام العسكري (ع): 24، الوسائل 4: 1194 أبواب الذكر ب 17 ح 4، وتمامه: لا يذكر بسم الله فيه
فهو أبتر.
348

المقصد الرابع
فيما يتيمم به
وفيه مباحث:
الأول: الأقوى أنه لا يجوز التيمم اختيارا إلا بالتراب، وهو المنقول عن المفيد (1)
والمرتضى في أحد قوليه (2) وأبي الصلاح (3)، وهو قول الشافعي من العامة (4).
وعن الشيخ (5) وابن الجنيد (6) والمحقق (7) وأكثر المتأخرين (8) أنه لا يجوز إلا على ما
يقع عليه اسم الأرض، ترابا كان أو حجرا أو جصا أو غير ذلك. وهو المنقول عن
السيد أيضا في موضع آخر (9)، وهو مختار أبي حنيفة (10).

(1) المقنعة: 58، 60.
(2) نقله عن شرح الرسالة في المعتبر 1: 372.
(3) الكافي في الفقه: 136.
(4) الأم 1: 50، بداية المجتهد 1: 66، أحكام القرآن للشافعي: 47.
(5) الخلاف 1: 134، المبسوط 1: 31، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 168.
(6) نقله عنه في المعتبر 1: 372.
(7) الشرائع 1: 39، المعتبر 1: 372.
(8) المدارك 1: 197، القواعد 1: 237، روض الجنان: 120.
(9) نقله عنه في المعتبر 1: 372.
(10) المبسوط للسرخسي 1: 109، أحكام القرآن للجصاص 2: 389.
349

وعن ابن أبي عقيل أنه جوز بكل ما كان من جنسها، كالكحل والزرنيخ (1)،
وادعى جماعة الاجماع على عدم الجواز بمثلهما (2).
لنا: الآية (3)، والأخبار مما اشتمل على الأمر بالتيمم بالصعيد. والصعيد وإن
اختلف كلام أهل اللغة فيه، ولكن القرائن الخارجية مؤيدة لما اخترناه.
والأظهر أن المراد منه التراب، فقال جماعة من اللغويين: إنه التراب (4)، نقله
المرتضى (5) والعلامة (6) عن ابن دريد في الجمهرة عن أبي عبيدة.
وقال ابن فارس: الصعيد هو التراب (7)، وهو المنقول عن ابن عباس (8).
وعن الغريبين: الصعيد التراب، والصعيد وجه الأرض. وكذلك في
القاموس (9).
وعن الخليل (10) والزجاج وابن الأعرابي والمطرزي: أنه وجه الأرض (11)، وعن
الزجاج: أنه لا يعلم في ذلك خلافا بين أهل اللغة (12).
ويدل على المختار قوله عليه السلام: " جعلت لي الأرض مسجدا وترابها
طهورا " (13) فذكر التراب بعد الأرض مع كون المقام مقام الامتنان والتسهيل يقتضي

(1) نقله عنه في المعتبر 1: 372.
(2) الخلاف 1: 134، الغنية (الجوامع الفقهية): 552، المنتهى 3: 64.
(3) فتيمموا صعيدا طيبا. المائدة: 6.
(4) انظر الصحاح 2: 498، والقاموس المحيط 1: 318، ومجمع البحرين 3: 85.
(5) كما في المعتبر 1: 372. وانظر مجمع البيان 3: 85.
(6) المنتهى 3: 55، جمهرة اللغة 2: 654.
(7) نقله في الجامع لأحكام القرآن 5: 237.
(8) انظر الجامع لأحكام القرآن 5: 237، والدر المنثور 2: 551.
(9) القاموس المحيط 1: 318.
(10) العين 1: 290 صعد.
(11) نقله في التبيان 3: 207، ومجمع البيان 2: 52، ومجمع البحرين 3: 85، والجامع لأحكام القرآن 5: 236.
(12) معاني القرآن للزجاج 2: 56.
(13) الفقيه 1: 155 ح 724، الخصال: 292 ح 56، الوسائل 2: 969 أبواب التيمم ب 7 ح 2.
350

اختصاصه بالحكم كما لا يخفى. وما ورد بإسقاط لفظ ترابها في سائر الأخبار
لا ينافي ذلك. مع أن طريقة الجمع تقتضي حمل المطلق على المقيد.
وكذلك قوله عليه السلام: " التراب طهور المسلم " (1).
وصحيحة محمد بن حمران وجميل بن دراج، قال: قلنا لأبي عبد الله عليه
السلام: إمام قوم أصابته جنابة في السفر، وليس معه ماء يكفيه للغسل، أيتوضأ
بعضهم ويصلي بهم؟ قال: " لا، ولكن يتيمم الجنب ويصلي بهم، فإن الله قد جعل
التراب طهورا كما جعل الماء طهورا " (2) ويظهر وجه الدلالة مما سبق.
وصحيحة رفاعة بن موسى، عنه عليه السلام، قال: " إذا كانت الأرض مبتلة
ليس فيها تراب ولا ماء، فانظر أجف موضع تجده، فتيمم منه، فإن ذلك توسيع من
الله عز وجل " (3).
وحسنة ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عنه عليه السلام قال: " يتيمم المجدور
والكسير بالتراب إذا أصابته الجنابة " (4).
ورواية زرارة، عن أحدهما عليه السلام قال، قلت: رجل دخل الأجمة ليس
فيها ماء، وفيها طين، ما يصنع؟ قال: " يتيمم، فإنه الصعيد " (5) فإن الضمير يعود
إلى التراب الحاصل في الطين، وظاهره الحصر.
ورواية علي بن مطر، عن بعض أصحابنا، قال: سألت الرضا عليه السلام
عن الرجل لا يصيب الماء ولا التراب، أيتيمم بالطين؟ قال: " نعم، صعيد طيب

(1) ورد هذا المعنى في الوسائل 2: 969 أبواب التيمم ب 7، ومستدرك الوسائل 2: 530 أبواب التيمم ب 5.
(2) الفقيه 1: 60 ح 223، الوسائل 2: 995 أبواب التيمم ب 24 ح 2، وفي الكافي 3: 366 ح 3، والتهذيب
1: 404 ح 1264 بتفاوت.
(3) التهذيب 1: 189 ح 546، الاستبصار 1: 156 ح 539 وص 158 ح 546، الوسائل 2: 972 أبواب التيمم
ب 9 ح 4.
(4) الكافي 3: 68 ح 2، الوسائل 2: 967 أبواب التيمم ب 5 ح 4.
(5) التهذيب 1: 190 ح 547، الاستبصار 1: 156 ح 540، الوسائل 2: 973 أبواب التيمم ب 9 ح 5.
351

وماء طهور " (1).
وما رواه ابن المغيرة في الصحيح، عن معاوية بن ميسرة، عن الصادق عليه
السلام: عن الرجل في السفر لا يجد الماء، ثم صلى، ثم أتى الماء وعليه شئ من
الوقت، أيمضي على صلاته أم يتوضأ ويعيد الصلاة؟ قال: " يمضي على صلاته،
فإن رب الماء رب التراب " (2).
ومما يدل على: إرادة التراب من الصعيد في الآية: التبعيض المستفاد من كلمة
" من " كما صرح به في صحيحة زرارة الدالة على اعتبار العلوق (3)، وكل ما دل على
لزوم العلوق كما مر. وفي لفظ " تيمموا " أيضا إشارة إلى ذلك، فإن تحصيل التراب
أحوج إلى القصد إليه من مطلق الأرض، وكذلك في تنكير الصعيد، لأن التراب
تراب في أي موضع كان، بخلاف وجه الأرض، مع أنه لا خلاف في عدم لزوم
صدق وجه الأرض حين التيمم.
غاية الأمر تعارض القرائن، ولا ريب أن التراب مراد، ولكن إثبات غيره يحتاج
إلى الدليل.
ويؤيد ما ذكرناه: كل ما ورد في الأخبار في كيفية التيمم المتضمنة للأمر بنفض
اليد (4).
ويؤيدها جميع الأخبار الواردة في حكاية تمرغ عمار في التراب (5)، فإنه كان
فهم من الصعيد التراب وفعل ما فعل، وهو من أهل اللسان.
ويؤيده أيضا: أن مقتضى بدلية التيمم عن الغسل والوضوء تقتضي المسح

(1) التهذيب 1: 19 ح 549، الوسائل 2: 973 أبواب التيمم ب 9 ح 6.
(2) التهذيب 1: 195 ح 564، الاستبصار 1: 160 ح 554، الوسائل 2: 984 أبواب التيمم ب 14 ح 13، وفي
الفقيه 1: 59 ح 220 بتفاوت.
(3) الكافي 3: 30 ح 4، الفقيه 1: 56 ح 212، التهذيب 1: 61 ح 168، الاستبصار 1: 62 ح 168، الوسائل
2: 980 أبواب التيمم ب 13 ح 1.
(4) انظر الوسائل 2: 376 أبواب التيمم ب 11، 12.
(5) انظر الوسائل 2: 376 أبواب التيمم ب 11، 12.
352

بشئ، سيما ما ورد في الأخبار الدالة على استيعاب الوجه واليدين إلى المرفقين
وغير ذلك.
وبالجملة من تتبع الأخبار ولاحظ أحكام التيمم يحصل الجزم له بأن التيمم على
الحجر الصلد الأملس - سيما بعد وقوع المطر عليه وغسله - مع وجود التراب أجنبي
بالنسبة إلى الشريعة المقدسة.
مع أن كون الحجر مصداق اسم الأرض محل تأمل. ودعوى الاجماع من
المحقق على ذلك غير واضحة (1)، فإن ذلك ليس من الأحكام الشرعية، وأهل
العرف لا يفهمون الحجر من الأرض. وربما يقال في العرف لمن جلس على
الأرض: قم من الأرض واجلس على الحجر، سيما إذا كان الحجر مرتفعا من
الأرض.
وبالجملة المتبادر من الأرض: الأجزاء المتماسكة من التراب ونحوه ما دام
متماسكا، فقد يقال: أخرج التراب من الأرض، وهو يفيد المغايرة للتراب أيضا،
فضلا عن كون الحجر مصداقها.
وعلى هذا فحكم الأرض الصلدة التي لا تراب عليها إنما ثبت بالاجماع،
وكذلك الرمل، كما يظهر من المنتهى، حيث أسند الخلاف فيهما إلى بعض
الجمهور، ونسب صحة التيمم بهما إلى الأصحاب (2).
وبالجملة، إن أريد من الأرض الكرة المطمئنة وما فيها، فلا ريب أنه معنى
مجازي لها، ويدخل فيها ما لا ترضى أنت به أيضا، وإن أريد نفس الأرض، فدخول
الحجر ونحوه فيه ممنوع. ألا ترى أنك لا تقدر أن تقول: إن الشمس سماء، أو القمر
وغيرهما من الكواكب سماء، بل يقال: إنها كواكب في السماء، فكذلك الحجر
مخلوق في الأرض، وكذلك المعادن ونحوها. مع أن إطلاق الأرض على الزرنيخ

(1) المعتبر 1: 376.
(2) المنتهى 3: 57، 60.
353

مثلا أو الكبريت ونحوهما أولى من إطلاقه على الأحجار العظيمة الواقعة على وجه
الأرض مع غاية الارتفاع، ومع ذلك ينكرونه.
وعلى هذا يظهر أن ما اعتمدوا عليه من الأخبار الكثيرة الدالة على مساواة
الأرض للماء، وأنه يتيمم على الأرض وغير ذلك، لا دلالة فيها على جواز التيمم
بالحجر ونحوه.
كما أن كلام اللغويين ممن فسر الصعيد بوجه الأرض أيضا لا يقتضي كون الحجر
أرضا، بل لما كان الغالب في وجه الأرض هو التراب ولو قليلا مما أزعجته الرياح
والأهوية، ففسروه بذلك.
مع أنا لو سلمنا إطلاقها أيضا، نقول: إنها مقيدة بما ذكرنا من الأدلة.
ولو عارضونا بأن ذكر التراب في بعض أخباركم أيضا محمول على الغالب.
قلنا: فحكم الحجر مثلا غير مستفاد من شئ من أدلة الطرفين، مع أن
استصحاب شغل الذمة يقتضي ما ذكرنا.
ومما يضعف قولهم: أنهم أيضا اختلفوا في التيمم بالحجر حال الاختيار، والقول
بالتفصيل لا دليل عليه من عقل ولا نقل.
نعم نقل العلامة الاجماع على جواز التيمم على الحجر إذا تعذر التراب (1)، فإن
تم الاجماع فلا بأس، ولكنه لا يتم. مع ما عرفت من منع جماعة منهم التيمم عليه
مطلقا، إلا أن يقول بأنهم أيضا مرادهم حال الاختيار.
ثم اختلفوا أيضا في تقديمه على الغبار، وكل ذلك مما يشوش المذهب.
وأما الجص والنورة قبل الطبخ والإحراق، فعند الأكثر يجوز عليه التيمم
لصدق اسم الأرض، خلافا لابن إدريس (2)، حيث جعلهما من المعادن، والشيخ

(1) المختلف 1: 421.
(2) السرائر 1: 137.
354

في النهاية حيث جوزه عند فقد التراب (1). وهذا أيضا مما يضعف اعتباره مطلق
وجه الأرض.
وأما على ما اخترناه، فإن صدق عليه اسم التراب - كما في أكثر الأماكن في
خصوص الجص - فهو، وإلا فلا.
وأما بعد الطبخ والإحراق، فالأقوى العدم مطلقا فيهما، كما هو المشهور أيضا،
لعدم صدق اسم الأرض أيضا، وعن المرتضى (2) وسلار (3) الجواز، واستحسنه
المحقق (4)، لعدم خروجه باللون والخاصية عن اسم الأرض، ولرواية السكوني.
وهما ضعيفان.
وفي الخزف قولان، والأظهر: العدم على القولين، لعدم صدق اسم الأرض
أيضا.
ثم إن الأكثرين اختلفوا في جواز التيمم بالحجر الصلد مع وجود التراب على
قولين، ونقل في المختلف الاجماع على جواز التيمم بالحجر عند فقد التراب (5).
ويشكل بما نقلوا عن السيد وأبي الصلاح وغيرهما (6) من عدم الجواز مطلقا، فإن
ثبت الاجماع في صورة الاضطرار - بأن يحمل منعهم على حالة الاختيار أو لم
تعتبر مخالفتهم - فهو، وإلا فالحق المنع مطلقا كما ذكرناه.
وعلى أي حال فالقول بالتفصيل لا وجه له أصلا، فإن غاية ما ثبت من
ذلك الاجماع - لو ثبت - الجواز حال الاضطرار، وأما عدمه حال الاختيار فلا،

(1) النهاية: 49.
(2) نقله عن المصباح للمرتضى في المعتبر 1: 375.
(3) المراسم: 53.
(4) المعتبر 1: 375.
(5) المختلف 1: 421.
(6) نقله عن شرح الرسالة للمرتضى في المعتبر 1: 372، وانظر الكافي في الفقه لأبي الصلاح: 136، وكذا
المقنعة للشيخ المفيد: 60.
355

فما وجه التفصيل؟
الثاني: إذا فقد التراب فليتيمم بغبار ثوبه، أو لبد سرجه، أو عرف دابته،
وأصل الجواز إجماعي كما نقله الفاضلان (1)، والأخبار المعتبرة مصرحة به (2). وعن
ظاهر المرتضى في الجمل: الجواز به اختيارا (3)، وهو ضعيف.
واختلفوا في تقديمه على الحجر على قولين، أشهرهما العدم، وهو أيضا
يضعف قول الأكثر كما ذكرنا. وبذلك يظهر أن الاجماع الذي نقله العلامة على
جواز التيمم بالحجر إذا فقد التراب ليس معينا في تقديمه على الغبار، بل إنما يثبت
الجواز في الجملة.
والأحوط الجمع بينهما لو فقد التراب.
والأظهر اعتبار نفضه ثم التيمم كما يستفاد من رواية أبي بصير (4)، وهو الظاهر
من جماعة من القدماء (5)، وإن كان سائر الأخبار مطلقة.
والظاهر اعتبار الإحساس بالغبار، فلا يكفي وجوده في أعماق الجسم مع عدم
خروجه أصلا، كما هو ظاهر الفتوى والروايات.
ولو فرض عدم الغبار أصلا، فيسقط التيمم به.
ويجب أن يكون الغبار من التراب، فلا يكفي من الرماد ونحوه، كما هو الظاهر
من الأخبار والفتاوى.

(1) المحقق في المعتبر 1: 376، والعلامة في التذكرة 2: 180.
(2) انظر الوسائل 2: 972 أبواب التيمم ب 9.
(3) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 26.
(4) قال: إذا كنت في حال لا تقدر إلا على الطين فتيمم به فإن الله أولى بالعذر إذا لم يكن معك ثوب جاف ولا لبد
تقدر على أن تنفضه وتتيمم به. الكافي 3: 67 ح 1، التهذيب 1: 189 ح 543، الاستبصار 1: 156 ح 537،
الوسائل 2: 973 أبواب التيمم ب 9 ح 7.
(5) كالمفيد في المقنعة: 59، وسلار في المراسم: 53، ونقله عن ابن الجنيد في المختلف 1: 421.
356

وإن فقد الغبار ووجد الوحل ولم يمكنه التجفيف فيتيمم به بلا خلاف، ونقل
عليه الاجماع (1). وتدل عليه الأخبار الصحيحة وغيرها (2).
والظاهر من الأخبار: أنه يضع يديه على الوحل ويفركهما ويتيمم به، كما ذكره
الشيخان (3).
وقيل: يضع يديه على الوحل ويتربص، فإذا يبس يتيمم به (4).
وهو بعيد، إذ لو أمكنه التجفيف لزمه كما ذكرنا. مع أن ذلك مستلزم لتفويت
الموالاة غالبا.
ويعتبر في الوحل أن يكون طينا، فلا يصح بوحل الرماد ونحوه.
والأظهر على ما اخترناه تقديم الوحل على الحجر أيضا، والأحوط الجمع بينهما
أيضا.
وأما الثلج، فقد بينا أنه ليس هناك شئ يدل على جواز التيمم به، وإن كان لو
انحصر الأمر في التيمم به أحوط.
الثالث: يجب أن يكون التراب طاهرا، للاجماع، كما يظهر من المنتهى (5)،
ويؤيده قوله تعالى: * (صعيدا طيبا) * ولا يبعد القول بظهوره، فيكون دليلا، وإن لم
يكن الطيب حقيقة في الطاهر.
وربما يستدل بقوله عليه السلام: " جعل الله التراب طهورا ".
وفيه أيضا إشكال، لمنع استلزام الطهورية الطهارة.

(1) كما في المعتبر 1: 377، والتذكرة 2: 180، والمنتهى 3: 68.
(2) الوسائل 2: 972 أبواب التيمم ب 9.
(3) الشيخ المفيد في المقنعة: 58، والشيخ الطوسي في النهاية: 49.
(4) الوسيلة: 71، التحرير: 22.
(5) المنتهى 3: 78.
357

وبالجملة يكفي ما ذكر مع استصحاب شغل الذمة.
ويجب أن يكون مباحا، لحرمة التصرف في مال الغير. وفي بطلان التيمم
إشكال.
ولو حبس في مكان مغصوب ولم يقدر على الماء أو تضرر المكان باستعماله،
ففي جواز التيمم بتراب البيت إشكال، فإن شهد الحال برضا المالك فلا إشكال، وإلا
فوجهان.
والمشهور كراهة التيمم بالسبخة والرمل، ولم نقف فيهما على نص، ولا بأس
بمتابعتهم.
واستحباب أن يكون من عوالي الأرض، وأن لا يكون من أثر الطريق، لرواية
غياث بن إبراهيم، عن الصادق عليه السلام، قال: " نهى أمير المؤمنين عليه السلام
أن يتيمم الرجل بتراب من أثر الطريق " (1).

(1) الكافي 3: 62 ح 6، التهذيب 1: 187 ح 538، الوسائل 2: 969 أبواب التيمم ب 6 ح 2.
358

المقصد الخامس
في الأحكام واللواحق
وفيه مباحث:
الأول: لا يجوز التيمم قبل الوقت بلا خلاف ظاهر إلا ما يظهر من الذكرى،
حيث نقل قولا بوجوب الطهارات أجمع عند حدوث الأحداث بوجوب موسع (1).
وأما في الوجوب الغيري فلا نعرف به قائلا، وادعى عليه الاجماع جماعة، منهم
الفاضلان (2) والشهيدان (3) وغيرهم (4).
وأما بعد دخول الوقت، فالمشهور وجوب التأخير إلى آخر الوقت. والظاهر أن
مرادهم مقدار حصول الظن بفوات الوقت لو أخر عن ذلك الوقت، وعن الشيخ (5)
والمرتضى (6) وابن إدريس (7) دعوى الاجماع عليه.

(1) الذكرى: 23.
(2) المحقق في المعتبر 1: 381، والعلامة في المنتهى 3: 50.
(3) الشهيد الأول في الدروس 1: 132، والشهيد الثاني في روض الجنان: 121.
(4) كصاحب المدارك 2: 208.
(5) حكاه في المختلف 1: 417، وانظر الخلاف 1: 146 مسألة 94.
(6) الإنتصار: 31، المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 189.
(7) السرائر 1: 140.
359

وذهب الصدوق إلى التوسيع (1)، وهو المنقول عن ظاهر الجعفي (2) والعلامة
(3) والشهيد في بعض كتبهما (4)، ومال إليه جماعة من متأخري المتأخرين (5).
وعن ابن الجنيد الجواز عند العلم أو الظن الغالب بعدم القدرة على الماء إلى آخر
الوقت (6)، وهو مختار المعتبر (7) والعلامة في بعض كتبه (8)، لكن قيده بالعلم،
ولم يذكر الظن.
والأظهر بالنظر إلى ظواهر الأدلة: هو القول الثاني، وإن كان الثالث أيضا
لا يخلو عن قوة، وهو أحوط.
وغاية الاحتياط العمل على المشهور، وليس لهم إلا الاجماعات المنقولة.
وأما الأخبار التي استدلوا بها، فظاهرها يدل على مذهب ابن الجنيد، لظهورها
فيما يرجى حصول القدرة على الماء مثل حسنة زرارة المتقدمة: " إذا لم يجد المسافر
الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم، وليصل في آخر
الوقت " (9) وظاهر الأمر بالطلب هو الرجاء. إلا أن الشيخ ذكر في التهذيب موضع
فليطلب فليمسك، وفي سنده قاسم بن عروة (10).

(1) الهداية: 18، قال: من كان جنبا أو على غير وضوء ووجبت الصلاة ولم يجد الماء فليتيمم، ولم يذكر
التأخير، ولكن قال في المقنع: 8، لا تيمم للرجل حتى يكون في آخر الوقت.
(2) نقله عنه في الذكرى: 106.
(3) المنتهى 3: 53.
(4) البيان: 86.
(5) كالمقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 223، وصاحب المدارك 2: 212، والسبزواري في الكفاية: 9.
(6) نقله عنه في المختلف 1: 414.
(7) المعتبر 1: 384.
(8) كالمختلف 1: 415، والتذكرة 2: 201.
(9) الكافي 3: 63 ح 2، التهذيب 1: 203 ح 589، الاستبصار 1: 165 ح 574، الوسائل 2: 993 أبواب التيمم
ب 22 ح 2.
(10) وهو لم يثبت توثيقه أو مدحه وطرق الشيخ إليه ضعيفة. انظر معجم رجال الحديث 14: 26.
360

وصحيحة محمد بن مسلم، قال: سمعته يقول: " إذا لم تجد ماءا وأردت التيمم
فأخر التيمم إلى آخر الوقت، فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض " (1) ففي قوله
عليه السلام: " فإن فاتك الماء " إشعار برجاء حصوله. والإضمار غير مضر، سيما من
مثل محمد.
وموثقة ابن بكير: عن الصادق عليه السلام: " فإذا تيمم الرجل فليكن ذلك في
آخر الوقت، فإن فاته الماء فلن تفوته الأرض " (2). ورواها في قرب الإسناد أيضا مع
تفاوت في اللفظ.
وفي صحيحة محمد بن حمران: " واعلم أنه ليس ينبغي لأحد أن يتيمم
إلا في آخر الوقت " (3) وظاهره الاستحباب. وهذه الأخبار هي أدلة مذهب ابن
الجنيد.
وقد يستدل له بوجوه أخر ضعيفة أقواها: عدم صدق عدم وجدان الماء المعلق
عليه التيمم في الآية وغيرها مع رجاء الحصول.
وأما أدلة التوسعة، فإطلاق الآية، فإن قوله تعالى: * (وإن كنتم مرضى) * (4) من
مدخولات قوله تعالى: * (إذا قمتم) * على الأظهر، كما مرت الإشارة إليه في
الغسل، فإنها تشمل بإطلاقها كل من أراد الصلاة ولم يجد ماءا، فإن ظاهر الآية
خطاب من أراد الصلوات المعهودة المعلومة أوقاتها بحسب تحديد الزمان المعين
بالذات. فما يقال: " من أن ذلك يتم إذا ثبت جواز الإرادة في أول الوقت لفاقد
الماء، بأن يجعل التعليق على فقدان الماء أيضا توقيتا " بعيد، فإن السياق يأبى عن

(1) الكافي 3: 63 ح 1، التهذيب 1: 203 ح 588، الاستبصار 1: 165 ح 573، الوسائل 2: 993 أبواب
التيمم ب 22 ح 1.
(2) التهذيب 1: 404 ح 1265، قرب الإسناد: 79، الوسائل 2: 994 أبواب التيمم ب 22 ح 3.
(3) التهذيب 1: 203 ح 590، الاستبصار 1: 166 ح 575، الوسائل 2: 992 أبواب التيمم ب 21 ح 3.
(4) النساء: 43.
361

ذلك، فإن الظاهر أن الآية على نسق واحد عن آخرها.
وهذا هو الجواب، لا أن حرمة الإرادة لا تنافي وجوب التيمم حين الإرادة.
ولا ما يقال: إن الإرادة أعم من المتصلة، ولا مانع في أول الوقت عن إرادة الصلاة
في آخر الوقت، لأن المتبادر من قوله: * (إذا قمتم) * هو مجاز المشارفة. وإن لم
يجعل من مدخولات * (إذا قمتم) * فالأمر أوضح. وكذلك الآية الأخرى: * (ولا
تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) * (1) الآية.
نعم يبقى الكلام في صدق قوله تعالى: * (ولم تجدوا ماء) * مع رجاء الحصول،
وقد أشرنا سابقا إلى أنه في صورة العلم بالتمكن في الوقت لا يجوز التيمم، وكذا
في صورة الظن.
والإشكال في صدق عدم الوجدان في غير (2) صورة العلم بعدم التمكن أيضا،
وأن كلامهم في ذلك غير محرر، وكذلك ههنا لم يبينوا الاجمال، ولم يحققوا المقال.
والظاهر أن كلامهم هذا مسبوق بكلامهم ثمة، وأن هذا فيما لم يبق علم ولا ظن
بوجود الماء، فالمشهور يؤخرون إلى آخر الوقت مع إمكان حصول القدرة وعدمه،
والموسعون يتيممون في أول الوقت، وإن أمكن حصول الماء.
وأما ابن الجنيد فيؤخر مع إمكان الحصول ويقدم مع عدمه بأن يعلم عدمه، وأما
ظن العدم فهو وإن كان داخلا في إمكان حصول الماء، لكن ابن الجنيد ألحق الظن
الغالب بالعلم بالعدم (3).
وأما العلامة، فلم يذكر الظن، فراعى نفس الإمكان (4)، وهو الصواب، وحينئذ

(1) النساء: 43.
(2) غير ليست في " ز ".
(3) فإنه قال: إن وقع اليقين بفوت الماء إلى آخر الوقت أو غلب الظن فالتيمم في أول الوقت أحب إلي. المختلف 1:
414.
(4) المختلف 1: 415.
362

فالظاهر أنه يصدق على موضوع المسألة، أعني من يعلم عدم الماء أو يظنه أو تساوى
طرفاه بعد الطلب فيما احتاج إليه أنه غير واجد للماء، فيدخل في عنوان الآية، ويتم
الاستدلال.
وتدل عليه أيضا: الأخبار المستفيضة الدالة على أنه بمنزلة الماء، وأنه أحد
الطهورين، وأنه يكفي عشر سنين ونحوها.
والأخبار الصحيحة الدالة على عدم وجوب إعادة الصلاة إذا تيمم وصلى ثم
وجد الماء وهو في الوقت، فإن ترك الاستفصال فيها يقتضي شمولها لمن فعل ذلك
في سعة الوقت، ومن اجتهد للتضيق وانكشف فساد ظنه.
ويؤيده أيضا ما سيجئ من جواز الصلاة الأخرى مع بقاء التيمم في أول الوقت
وفعل الفائتة حيثما أراد، وما سيجئ من الأخبار الدالة على عدم جواز هدم الصلاة
إذا وجد الماء في الأثناء ما لم يركع من دون تفصيل، وغير ذلك.
ويؤيده أيضا كونه أوفق بنفي العسر والحرج، سيما في مثل صلاة العشاء.
وأما الإطلاقات مثل قولهم عليهم السلام: " إذا أتيت البئر وأنت جنب فلم تجد
دلوا ولا شيئا تغترف به فتيمم بالصعيد " (1) و " إذا أجنب ولم يجد الماء يتيمم " (2)
ونحو ذلك، فهو من قبيل إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل، وإذا وجدت طعم
النوم وجب الوضوء، كما أشرنا إليه سابقا، وظاهرها بيان الموجب، وإن كان
لا يخلو عن تأييد.
والحاصل أن القول بالتوسعة قوي، لكن ترك الأخبار الدالة على التأخير، سيما
مع رجاء الزوال مشكل، وإن كان حملها على الاستحباب أيضا وجيها، سيما مع
ملاحظة رواية محمد بن حمران، فلا تترك الاحتياط.
ثم إنا قد جرينا في الكلام إلى هنا على مذاق القوم، ويسنحني الآن كلام آخر

(1) الوسائل 2: 965 أبواب التيمم ب 3.
(2) الوسائل 2: 965 أبواب التيمم ب 3.
363

في تأييد مذهب ابن الجنيد، فنقول ممهدا لمقدمة في بيان دلالة الآية، وهي أن لفظة
" وجد " إما من باب الجدة مقابل الفقر، ومنه قوله تعالى: * (الذين لا يجدون ما
ينفقون) * (1) أو من باب الوجدان، كما في وجدت الضالة، ولم أجدها. وترقب
الحصول والطلب والرجاء مأخوذ في المعنى الثاني دون الأول.
فحينئذ نقول: الأظهر تقديم العرف العام إذا لم تثبت حقيقة شرعية، وعدم
الوجدان عرفا مما ينبغي صدقه في جواز التيمم، وحيث ذكرنا سابقا استدلالهم على
وجوب الطلب بعدم صدق عدم الوجدان بدونه، فذلك يتصور في هذه المادة بكلا
المعنيين.
أما في الأول فمن جهة أن الواجد والغني يطلق على من حصل المال عنده،
وعلى من كان له كسب يقتدر به على تحصيله بالقوة القريبة من الفعل، فصدق عدم
الوجود بهذا المعنى أيضا لا يتم إلا بعد اليأس عن حصوله بالأسباب المحصلة له
كالطلب والانتظار.
وأما في الثاني فأظهر، إذ عدم وجدان الضالة، وعدم الوصول إلى المنى، إنما
يصح بعد الطلب، أو انتظار زمان يترقب ويرجى حصوله فيه.
ويمكن أن يقال: الأظهر في الآية إرادة المعنى الثاني، بقرينة قوله تعالى:
* (أو على سفر) * إذ الظاهر أنه تعالى اكتفى بكونهم مرضى عن ذكر عدم تيسر
الاستعمال، لكونه مظنة ذلك، وبذكر المسافر أشار إلى عدم وجود الماء بالفعل غالبا
في الأسفار. وحينئذ يكون المعنى: إن كنتم على سفر ولم تجدوا الماء بالفعل فطلبتم
أو انتظرتموه فلم تجدوه بالمعنى الثاني فتيمموا.
والظاهر أن الصدق العرفي لا يتم إلا في آخر الوقت، فيلزم تتبع موارد
الاحتمال، وانتظار حصوله منها، حتى يتضيق الوقت.

(1) التوبة: 91.
364

فإن قلت لعبدك: اشتر لي فرسا للركوب، فإن لم تجد فحمارا، فعند أهل
العرف أنه لو لم يتفحص موارد احتمال وجود الفرس ومظانها، ولم ينتظر في
تحصيله مدة ينتفي فيها احتمال حصول الفرس، أو يتضيق وقت احتياج المولى إلى
الركوب، لا يعد ممتثلا، فيجب تتبع موارد الاحتمال وانتظارها إلى أن يتضيق زمان
الحاجة.
إذا عرفت هذا، فالذي نقل عن المشهور أمران الأول: تأخير التيمم إلى آخر
الوقت، والثاني: الطلب بعد دخول الوقت بمقدار رمية أو رميتين.
ولا ريب أن المعنى الثاني ليس محصلا للصدق العرفي في عدم الوجود، فينافي
استدلالهم على وجوب الطلب لذلك كما أشرنا سابقا.
فلا بد أن يكون مرادهم تحصيل الصدق من (1) القدر المشترك بين الأمرين، فلا
يكون الطلب المعين المحدود وحده علة لذلك، فلعل الشارع خفف الطلب لتسهيل
الأمر، واكتفى بالانتظار إلى آخر الوقت منضما إلى هذا القدر من الطلب، كما أنه
يجوز أن يقول المولى لعبده في المثال المتقدم: إنه يكفي في تحصيل الفرس أن تراقب
وجوده، فإن رأيته أو أعلمك أحد به فاشتره ولكن تفحص عن الفرس في الخان
الفلاني، أو السوق الفلاني، ولا يجب عليك تتبع جميع الأسواق والخانات
والسكك والدور والمحلات.
ومن هذا ينقدح عدم وجوب التأخير إذا علم عدم التمكن من الماء في آخر
الوقت، لصدق عدم الوجود في أول الوقت، فإن كان معيار كلام المشهور هو متابعة
ظاهر الآية، فلا حاجة إلى التأخير في صورة العلم، وإلا فلا معنى لاستدلالهم
بذلك على وجوب الطلب كما مر، فإما يوجبون الأمرين مضافا إلى الصدق
العرفي، أو يكتفون بهما وإن لم يحصل الصدق العرفي. وعلى الثاني فيلزمهم

(1) في " ز ": مع.
365

الإعراض عن الآية، وعلى الأول فلا بد من الدليل في إثبات التأخير حتى
في صورة العلم.
وعلى هذا فيكون اختيار الأمرين لمحض التعبد، لعدم مدخلية التأخر في الصدق
العرفي إذا علم بالعدم، وكذلك الطلب المحدود لا يوجب ذلك كلية، ولكن الشأن
في الدليل.
ويشجعني ما ذكرته مضافا إلى القرائن الخارجة على أن أقول: إن نسبة وجوب
التأخير مطلقا إلى المشهور وهم نشأ من المتأخرين، والظاهر أنهم رأوا إطلاق
كلماتهم وفتواهم بوجوب التأخير مطابقا للروايات فظنوا أنهم قائلون بذلك حتى في
صورة العلم.
وظني أنهم موافقون لابن الجنيد، إلا أن ابن الجنيد صرح بالتفصيل وهم أطلقوا
موافقا للروايات.
وكما ذكرنا أن الروايات ظاهرها التفصيل فكذلك إطلاق كلام الفقهاء، ولم
أقف على مصرح بوجوب التأخير وإن علم فقدان الماء وعدم التمكن، وإنما نسب
ذلك في المختلف إلى المشهور (1).
والذي يشهد بذلك أنه في المختلف بعد نسبته إلى المشهور قال: ذهب إليه الشيخ
والسيد وأبو الصلاح وسلار وابن إدريس وابن البراج ثم قال: وهو الظاهر من كلام
المفيد.
والذي يحضرني من كلام هؤلاء المشايخ هو المقنعة ونهاية الشيخ والانتصار
والمسائل الناصرية والسرائر، وكلامهم لا ينافي مذهب ابن الجنيد قطعا، بل الظاهر
منهم موافقته.
فقال المفيد في المقنعة: ومن فقد الماء فلا يتيمم حتى يدخل وقت الصلاة، ثم

(1) المختلف 1: 414.
366

يطلبه أمامه، وعن يمينه، وعن شماله، مقدار رمية سهمين من كل جهة إن كانت
الأرض سهلة، وإن كانت حزنة طلبه في كل جهة مقدار رمية سهم، فإن لم يجد
يتيمم في آخر أوقات الصلاة عند الأياس منه، ثم صلى بتيممه (1).
وأما السيد في الانتصار، فبعد ما جعل وجوب تأخير التيمم إلى آخر الوقت من
منفردات الإمامية في مقابل خلاف أبي حنيفة في جواز التقديم على الوقت،
والشافعي في جوازه في أول الوقت، واستدل بالاجماع قال: وأيضا فإن التيمم
بلا خلاف إنما هو طهارة ضرورة، ولا ضرورة إليه إلا في آخر الوقت، وما قبل هذه
الحال لم تتحقق فيه ضرورة (2).
ويقرب منه كلامه في الناصرية (3).
وليس ذلك من قبيل أكل الميتة من حيث مطلوبية تقليل زمان أكله كمقداره، فإن
من يرجو الحلال يجب عليه التأخير بقدر الطاقة حتى يحصل الحلال، ومن لا يرجوه
فيؤخر أيضا ليكون ذلك لمجرد سد الرمق، فيحصل التقليل في الأكل في العدد
كالكم.
ولا يتصور ذلك في التيمم، فإن المتصور فيه إنما هو رفع الحاجة بالمائية، وبعد
العلم بعدمه إلى آخر الوقت، فلا يبقى مانع عن تحقق الضرورة.
وأما ما ذكروه من أن من شرائط التيمم التأخير إلى آخر الوقت وعدم الماء بعد
الطلب المعلوم وجمعوا بين ذكر الشرطين، فهو أيضا لا ينافي ما ذكرنا كما لا يخفى.
وبالجملة فالأقوى هو التفصيل.
وحينئذ، فعلى ما ذكرنا أن مراد المشهور هو أيضا ذلك، فالروايات كافية
في تخصيص ظاهر الكتاب لو سلم الصدق العرفي أيضا، وكذلك عموم سائر

(1) المقنعة: 61.
(2) الانتصار: 31.
(3) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 189.
367

الأخبار والإجماعات المنقولة أيضا لم تعلم إرادة ناقليها ما يشمل خصوص صورة
العلم، بل الاجماعات أيضا مطلقة كفتاويهم، والإجماع لا يقبل التخصيص كما
ذكرنا.
فعمل الأصحاب، مع تلك الاجماعات وهذه الروايات، يصير أقوى من العمل
بتلك العمومات، فإن الخاص مقدم على العام.
مع أن فرض حصول العلم بعدم التمكن من الفروض النادرة التي لا تكاد
توجد، ولذلك لم يتعرض الجمهور لبيانه، فحسب من نسب إليهم التعميم لذلك،
والعمومات والخصوصات والفتاوى والإجماعات كلها واردة مورد الغالب.
وأما الأخبار الدالة على عدم وجوب الإعادة في الوقت (1)، فمحمولة على ما
لو كشف فساد ظنه في اعتبار التضيق، إذ لا يعتبر فيه اليقين جزما، وذلك التخلف
شائع غير نادر كما لا يخفى.
ثم لا وجه للقدح في دلالة الروايات، لأن الأمر حقيقة في الوجوب، ولا تنفيه
رواية محمد بن حمران (2)، لعدم المقاومة.
فظهر بذلك ضعف التوسعة، وقوة التفصيل، وعليه اعتمد، وبه أفتي، والله
العالم.
ثم إن الظاهر مما استفيد من الأخبار الدالة على اعتبار الضيق: هو اعتباره في
صلاة الفريضة الحاضرة لغير المتيمم، ولم يعلم من نقل (3) الاجماع أيضا إلا ذلك،
فإن الاجماع من الأدلة القطعية التي لا تقبل التخصيص، فتدور حجيته مدار العلم
بالتحقق، أو بكونه مورد نقل الناقل قطعا.
فعلى هذا، فلو تيمم لفريضة جاز له الدخول في أخرى من دون اعتبار التضيق

(1) الوسائل 2: 981 أبواب التيمم ب 14.
(2) التهذيب 1: 203 ح 590، الاستبصار 1: 166 ح 575، الوسائل 2: 992 أبواب التيمم ب 21 ح 3.
(3) في " ز "، " ح ": نقله.
368

لعموم الأدلة (1)، ولأنه متيمم.
وتجوز الصلوات الكثيرة بتيمم واحد بلا خلاف ظاهر بين الأصحاب،
والصحاح به مستفيضة (2)، مضافا إلى عموم المنزلة (3)، وأنه أحد الطهورين (4).
والجواب عن عموم الآية (5) وكل ما دل على وجوب الطهارة عند القيام إلى
الصلاة قد مر في الوضوء والغسل (6).
وأما صحيحة أبي همام (7) فقد مر وجهها وتأويلها في التيمم التجديدي.
ويجوز للفائتة في جميع الأوقات، لما ذكرنا، ولقوله عليه السلام: " متى ذكرت
صلاة فاتتك صليتها " (8).
وللمرتبة على الأظهر، بل المبتدأة، وكذلك الآيات وغيرها.
قيل: وعلى هذا فتضعف فائدة التضيق، لجواز الحيلة بأكثر ما ذكر، ولا حاجة
إلى ما ارتكبه بعضهم من نذر ركعتين، فإنه مع ثبوت الإشكال في انعقاد مثله إنما
يحتاج إليه لو لم يصح الدخول في الفريضة بتيمم النافلة، وهو خلاف التحقيق، بل
نقل الاجماع على جوازه جماعة من الأصحاب (9) (10).
الثاني: لا يعيد المتيمم ما صلى به مطلقا، ولا يقضي; لأن الأمر يقتضي

(1) الوسائل 2: 990 أبواب التيمم ب 20.
(2) الوسائل 2: 990 أبواب التيمم ب 20.
(3) التهذيب 1: 200 ح 581، الاستبصار 1: 163 ح 566، الوسائل 2: 990 أبواب التيمم ب 20 ح 3.
(4) التهذيب 1: 197 ح 571، الاستبصار 1: 161 ح 557، الوسائل 2: 984 أبواب التيمم ب 14 ح 15.
(5) المائدة: 6.
(6) الوسائل 1: 256 أبواب الوضوء ب 1.
(7) التهذيب 1: 201 ح 584، الاستبصار 1: 164 ح 569، الوسائل 2: 991 أبواب التيمم ب 20 ح 6.
(8) الكافي 3: 291 ح 1، التهذيب 3: 158 ح 340، الوسائل 3: 211 أبواب المواقيت ب 63 ح 1.
(9) ذخيرة المعاد: 101، والبعض الذي أشار إليه هو الشهيد الثاني في روض الجنان: 122.
(10) الخلاف 1: 143، المعتبر 1: 402.
369

الاجزاء، والقضاء يحتاج إلى أمر جديد، وللصحاح المستفيضة وغيرها (1).
وعن السيد: أن الحاضر المتيمم لفقد الماء يعيد (2). وهو ضعيف غير معلوم
الوجه.
وعن ابن أبي عقيل (3) وابن الجنيد (4): وجوب الإعادة إذا فعلها في سعة من
الوقت مع بقاء الوقت على القول بجوازه، لصحيحة يعقوب بن يقطين (5) وهي
محمولة على الاستحباب، لعدم مقاومتها لما ذكرناه، سيما ما صرح فيها بأنها لا تعاد
مع بقاء الوقت أيضا، والتصريح ببقاء الوقت في كثير منها وإن كان لا يستفاد منها
أكثر من بقاء الوقت الذي حصل من الاشتباه في تحديد آخر الوقت بحسب المظنة،
ولكن إطلاق بعضها يشمل ما لو فعلها في التوسعة أيضا.
وتؤيده موثقة منصور بن حازم، عن الصادق عليه السلام: في رجل تيمم
وصلى ثم أصاب الماء، قال: " أما أنا فإني كنت فاعلا، إني كنت أتوضأ وأعيد " (6).
وما رواه أبو سعيد: إن رجلين تيمما فوجدا الماء وصليا في الوقت فأعاد
أحدهما، وسألا النبي صلى الله عليه وآله، فقال لمن لم يعد: " أصبت السنة،
وأجزأتك صلاتك "، وللآخر: " لك الأجر مرتين " (7).
وعن الشيخ إعادة من تعمد الجنابة وخشي على نفسه وتيمم وصلى (8) وقد مر
الكلام فيه.

(1) الوسائل 2: 981 أبواب التيمم ب 14.
(2) نقله عنه في المعتبر 1: 365.
(3) نقله عنه في المختلف 1: 447.
(4) نقله عنه في الذكرى: 110.
(5) التهذيب 1: 193 ح 559، الاستبصار 1: 159 ح 551، الوسائل 2: 983 أبواب التيمم ب 14 ح 8.
(6) التهذيب 1: 193 ح 558، الاستبصار 1: 159 ح 550، الوسائل 2: 983 أبواب التيمم ب 14 ح 10.
(7) سنن البيهقي 1: 231.
(8) المبسوط 1: 30.
370

وعن الشيخ (1) أيضا فيمن منعه زحام الجمعة وتيمم وصلى: أنه يعيد إذا وجد
الماء، لرواية السكوني (2) وموثقة سماعة (3). والمشهور خلافه، وهو الأقوى، لعدم
مقاومتهما للعمومات والإطلاقات، من الآية (4) والأخبار (5)، فتحملان على
الاستحباب.
وعنه (6) أيضا فيمن اضطر إلى الصلاة في ثوبه النجس مع التيمم: أنه يعيد إذا
وجد الماء، لرواية عمار (7). والمشهور خلافه، وتحمل الرواية على الاستحباب.
والظاهر أن هذه الإعادة إنما هي لأجل النجاسة.
الثالث: إذا تيمم ثم وجد الماء ومضى زمان يتمكن من استعماله شرعا وعقلا
فينتقض تيممه، وإن فقد الماء قبل استعماله، بالاجماع، والأخبار الكثيرة (8).
وأما لو لم يمض زمان يتمكن منه ففقده، ففيه وجهان، بل قولان: من جهة
ظاهر الأخبار، مثل صحيحة زرارة قال، قلت لأبي جعفر عليه السلام: يصلي
الرجل بتيمم واحد صلاة الليل والنهار كلها؟ قال: " نعم، ما لم يحدث أو يصب
ماءا " (9) وبمضمونها رواية السكوني (10).

(1) النهاية: 47، المبسوط 1: 31.
(2) التهذيب 1: 185 ح 534، الاستبصار 1: 81 ح 254، الوسائل 2: 985 أبواب التيمم ب 15 ح 1.
(3) التهذيب 3: 248 ح 678، الوسائل 2: 985 أبواب التيمم ب 15 ح 2.
(4) المائدة: 6.
(5) الوسائل 2: 981 أبواب التيمم ب 14.
(6) النهاية: 55، المبسوط 1: 35.
(7) التهذيب 1: 407 ح 1279، و ج 2: 224 ح 886، الاستبصار 1: 169 ح 587، الوسائل 2: 1000 أبواب
التيمم ب 30 ح 1.
(8) الوسائل 2: 989 أبواب التيمم ب 19.
(9) التهذيب 1: 200 ح 580، الاستبصار 1: 164 ح 570، الوسائل 2: 990 أبواب التيمم ب 20 ح 1.
(10) التهذيب 1: 201 ح 582، الاستبصار 1: 163 ح 567 الوسائل 2: 991 أبواب التيمم ب 20 ح 5.
371

ومثل صحيحة زرارة، عن الصادق عليه السلام: في رجل تيمم، قال: " يجزئه
ذلك إلى أن يجد الماء " (1).
فإن المعتبر من الوجدان وإن كان ما يتمكن منه شرعا وعقلا - ولذلك لا ينتقض
تيممه بمجرد أن يصيب ماءا مغصوبا - ولكن الظاهر أن ظن التمكن يكفي في تعلق
التكليف به، فهو مكلف في أول الإصابة بالتطهر بالماء، ولذلك يجزم في النية،
ومع التكليف بالوضوء لا معنى لبقاء التيمم وصحته.
ويشكل بأن اقتضاء مطلق تعلق التكليف بالتطهر بالماء بطلان التيمم ممنوع، وإنما
المسلم ما لو كان المطلوب نفسه في نفس الأمر، لا الشروع فيه.
ومن جهة أن التكليف مع العلم بانتفاء الشرط غير جائز عندنا، ففقدان الماء قبل
مضي زمان التمكن كاشف عن عدم تعلق التكليف.
ويشكل بأنه لا مانع من أن يكون التكليف بالشروع أيضا مقتضيا لذلك، كما أنا
نمنع عدم وجوب الكفارة على الحائض في آخر نهار رمضان لو أفطرت في أوله.
وتفريع عدم وجوب الكفارة على القول بعدم جواز التكليف مع علم الآمر بانتفاء
الشرط ممنوع، كما بيناه في كتاب القوانين المحكمة (2).
وعلى تقدير تساقط الوجهين فأيضا الأظهر الأول، لاستصحاب شغل الذمة
بالصلاة، وظواهر الأخبار (3)، وإن كان يمكن منع تبادر هذا الفرد منها.
وأما لو وجده بعد الدخول في الصلاة، ففيه أقوال، والمراد به على ما ذكره
جماعة (4) هو ما بعد إتمام التكبير. وربما يظهر من بعضهم كفاية التلبس بالتكبير

(1) التهذيب 1: 200 ح 579، الوسائل 2: 990 أبواب التيمم ب 20 ح 2.
(2) قوانين الأصول: 125.
(3) الوسائل 2: 990 أبواب التيمم ب 20.
(4) كالمفيد في المقنعة: 61.
372

أيضا (1)، وليس ببعيد.
والأقوى وفاقا لجماعة من القدماء (2) وأكثر المتأخرين (3) القول بالمضي بمجرد
الدخول، للاستصحاب، وقوله تعالى: * (لا تبطلوا أعمالكم) * (4) وقوله عليه
السلام: " الصلاة على ما افتتحت عليه " (5).
وصحيحة محمد بن حمران - والظاهر أنه النهدي الثقة - عن الصادق عليه
السلام قال، قلت له: رجل تيمم ثم دخل في الصلاة، وقد كان طلب الماء فلم
يقدر عليه، ثم يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة قال: " يمضي في الصلاة " (6).
وصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم قال، قلت: في رجل لم يصب الماء
وحضرت الصلاة فتيمم وصلى ركعتين، ثم أصاب الماء إلى أن قال: " فيتمها
ولا ينقضها، لمكان أنه دخلها وهو على طهور بتيمم " (7) فإن العلة المنصوصة تقتضي
الحكم فيما نحن فيه.
ويدل عليه أيضا: كل ما ورد في الأخبار من التعليل بأنه أحد الطهورين (7)، وأن

(1) المنتهى 3: 140.
(2) كالمفيد في المقنعة: 61، والشيخ في المبسوط 1: 33، والخلاف 1: 141، والسيد ابن زهرة في الغنية
(الجوامع الفقهية): 493، وابن إدريس في السرائر 1: 140، ونقله عن المرتضى في المعتبر 1: 400،
والمهذب 1: 48.
(3) كالمحقق في المعتبر 1: 400، والشرايع 1: 50، والعلامة في نهاية الإحكام 1: 210، وقواعد الأحكام 1:
23، والشهيد الثاني في الروضة 1: 462.
(4) محمد: 33.
(5) عوالي اللآلي 1: 205، وفي الوسائل 4: 72 أبواب النية ب 2 ح 2 عن معاوية قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل... قال: هي على ما افتتح الصلاة عليه.
(6) التهذيب 1: 203 ح 590، الاستبصار 1: 166 ح 575، الوسائل 2: 992 أبواب التيمم ب 21 ح 3.
(7) الفقيه 1: 58 ح 214، التهذيب 1: 205 ح 595، الاستبصار 1: 167 ح 580، الوسائل 2: 992 أبواب
التيمم ب 21 ح 4.
(8) التهذيب 1: 197 ح 571، الاستبصار 1: 161 ح 557، الوسائل 2: 984 أبواب التيمم ب 14 ح 15.
373

رب الماء هو رب الصعيد (1)، ونحو ذلك.
وذهب الصدوق (2) وجماعة إلى أنه يرجع ما لم يركع (3)، لصحيحة زرارة، عن
الباقر عليه السلام قال، قلت: فإن أصاب الماء وقد دخل في الصلاة؟ قال:
" فلينصرف فليتوضأ ما لم يركع، فإن كان قد ركع فليمض في صلاته " (4) وتقرب
منها رواية عبد الله بن عاصم (5).
وربما يجمع بينهما، بجعل صحيحة محمد بن حمران (6) مطلقة وهذه مقيدة،
وأنت خبير بأن الظاهر من قوله حين يدخل هو أول الصلاة، وإرادة مطلق الكون في
الصلاة منه إلغاز.
والأولى حمل الانصراف ما لم يركع على الاستحباب، وعلى هذا فلا يحرم
قطع الصلاة قبل الركوع وإن قلنا بتحريم إبطال العمل مطلقا أيضا.
وأما الاستشهاد على القول الأخير بمثل قوله عليه السلام: " إلى أن يجد الماء " في
صحيحة زرارة المتقدمة ونحوها، وبعموم الآية ونحوها، فغير واضح، لأن الظاهر
منها ما قبل الصلاة والنظر فيها إلى بيان حال الطهارة في وقتها، وهو ما قبل
الصلاة.
ولو سلمنا إطلاقا لمفهوم الغاية فلا يعارض به ما قدمناه لاعتضاده بالعقل،
والنقل، وعمل الأكثر، واليسر والسهولة، ونفي الحرج والعسر، وغير ذلك.
وهنا أقوال أخر لا شاهد لها من عقل ولا نقل - وما يتراءى من دلالة بعض

(1) الفقيه 1: 57 ح 213، المحاسن 372 ح 133، الوسائل 2: 965 أبواب التيمم ب 3 ح 1.
(2) المقنع (الجوامع الفقهية): 3.
(3) النهاية 48، مجمع الفائدة والبرهان 1: 240.
(4) التهذيب 1: 200 ح 580، الوسائل 2: 991 أبواب التيمم ب 21 ح 1.
(5) الكافي 3: 64 ح 5، التهذيب 1: 204 ح 591، 593، الاستبصار 1: 166 ح 576، الوسائل 2: 992
أبواب التيمم ب 21 ح 2.
(6) التهذيب 1: 203 ح 590، الاستبصار 1: 166 ح 575، الوسائل 2: 992 أبواب التيمم ب 21 ح 3.
374

الأخبار على بعضها فهو ممنوع - أحدها: أنه يرجع ما لم يقرأ، والثاني: يرجع إذا
غلب على ظنه سعة الوقت للطهارة والصلاة، والثالث: أن يقطع ما لم يركع الركعة
الثانية إلا أن يخاف ضيق الوقت، فلا يقطع إذا صلى ركعة أيضا. وأما قبله، فلا بد
من القطع إذا وجد الماء.
ثم إن في بطلان التيمم بالنسبة إلى صلاة أخرى لو فقد الماء قبل الفراغ منه
قولان، الأظهر عدم البطلان، لأن المراد بوجود الماء في الآية والأخبار هو ما يتمكن
من استعماله عقلا وشرعا، والمفروض خلافه فيما نحن فيه.
وجواز القطع قبل الركوع كما قلنا باستحبابه أيضا لا ينافي عدم التمكن بناءا
على البناء على ما رخص فيه الشارع من إتمام الصلاة حينئذ.
وبذلك يظهر أن الكلام في النافلة أيضا مثل الفريضة.
الرابع: لو أحدث المجنب المتيمم بالحدث الأصغر فيتيمم بدلا عن الغسل،
ولا يتوضأ لو وجد الماء بقدر الوضوء أيضا على المشهور المعروف بين الأصحاب (1).
وعن السيد - رحمه الله - القول بوجوب الوضوء لو وجد ما يكفيه (2)، ويلزمه
القول بالتيمم بدلا عنه لو لم يجد.
حجة الأصحاب: أن التيمم لا يرفع الحدث بإجماع العلماء إلا من بعض
العامة (3)، ولأن الحدث السابق لو لم يكن باقيا فما الذي أوجب المائية عليه إذا
تمكن منها من دون حدث؟ فإن وجود الماء ليس بحدث، للاجماع، كما ادعاه

(1) منهم الشيخ في المبسوط 1: 34، والمحقق في المعتبر 1: 395، والعلامة في المختلف 1: 452، وصاحب
المدارك 2: 253.
(2) نقله عنه في المعتبر 1: 395، والمختلف 1: 452.
(3) قال الشيخ: التيمم لا يرفع الحدث، وإنما يستباح به الدخول في الصلاة وبه قال كافة الفقهاء إلا داود وبعض
أصحاب مالك فإنهم قالوا يرفع الحدث. الخلاف 1: 144، وانظر المجموع للنووي 2: 221، وتفسير القرطبي
5: 234، وعمدة القاري 4: 24.
375

المحقق (1)، ولأنه لو كان حدثا للزم مساواة مقتضاه، فما الذي أوجب الفرق بوجوب
الغسل على المجنب والوضوء على غيره؟ فالذي حصل من التيمم هو إباحة الدخول
في المشروطات إلى أن يجد الماء، أو يحصل حدث جديد وإن كان حدثا أصغر.
ولا يذهب عليك أن المراد بعدم رفع الحدث المدعى عليه الاجماع هو رفع نفس
الحالة، فلا ينافي ما ذهب إليه بعض الأصحاب من ارتفاعه إلى زمان (2).
والحاصل أن الحدث قد يطلق على السبب كالبول. وقد يطلق على الحالة المسببة
عنه، وهي المهانة الحاصلة للنفس المانعة عن الدخول في المشروطات كما أشرنا إليه
في أوائل الكتاب. وقد يطلق على وصف مانعية تلك الحالة.
ولا كلام في الأول، والذي ادعي على عدم رفعه الاجماع هو نفس الحالة،
والذي جوز بعض الأصحاب ارتفاعه هو وصف تلك الحالة، ولا مانع من ارتفاعه
في وقت دون وقت. فالنزاع لفظي كما أشرنا إليه سابقا.
وقد يستدل على المشهور بصحيحة زرارة، عن الباقر عليه السلام: " ومتى
أصبت الماء فعليك الغسل إن كنت جنبا، والوضوء إن لم تكن جنبا " (3).
وبصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام: في رجل أجنب في سفر
ومعه قدر ما يتوضأ به، قال: " يتيمم ولا يتوضأ " (4) ودلالتهما غير واضحة.
وحجة السيد: أن حدثه الأول قد ارتفع إلى زمان التمكن من الغسل، فلا يرجع
حكمه قبل حصول جنابة أخرى، أو حصول التمكن من الغسل، والحدث الأصغر
لا يوجب إلا الوضوء أو التيمم بدلا عنه (5).

(1) المعتبر 1: 394.
(2) المدارك 2: 253.
(3) التهذيب 1: 210 ح 611، الاستبصار 1: 172 ح 599، الوسائل 2: 978 أبواب التيمم ب 12 ح 4.
(4) التهذيب 1: 405 ح 1272، الوسائل 2: 996 أبواب التيمم ب 24 ح 4.
(5) حكى احتجاجه في المختلف 1: 452.
376

وفيه: أن ارتفاع الحالة إلى زمان التمكن من الغسل ممنوع، بل المسلم منه هو إلى
ذلك الزمان، أو حصول حدث آخر.
ولا يمكن التمسك بالاستصحاب، لأن الاستصحاب السابق لم يرتفع بمجرد
ذلك الاحتمال، والقدر الثابت من الرافع هو الزمان المحدود، وغاية الأمر جهالة
الحد.
والحاصل أن المستفاد من الأدلة أن قطعة محدودة من هذا الزمان مستثناة من المنع
- هو زمان التيمم مع العجز عن المائية إلى زمان معين - لا بأن يكون المخصص هو
مطلق الرخصة في الدخول في المشروطات بعد التيمم حتى يمكن استصحابه إلى
زمان التمكن من الغسل. غاية الأمر أن الحد مشتبه، وهو لا يوجب جواز
الاستصحاب.
على أنا نقول حينئذ: إن الدخول بالتيمم في المشروط أيضا مخصص بغاية،
ومحدود بحد مشتبه مشكوك فيه، والمخصص بالمجمل لا يمكن التمسك به في القدر
المجمل، فلا تثبت رافعية التيمم إلا إلى زمان حصول الحدث، ولا يستصحب إلى
زمان التمكن من الغسل.
وبالجملة فالمسألة لا تخلو من إشكال، فالأحوط الجمع بين الوضوء والتيمم، أو
تيممين فيما لم يجد ما يكفي الوضوء.
الخامس: من عدم الطهور مطلقا سقطت عنه الصلاة أداءا على المعروف من
مذهب الأصحاب (1). ونقل المحقق قولا بوجوب الصلاة والإعادة (2). وعن المفيد

(1) منهم المفيد في المقنعة: 60، والمحقق في المعتبر 1: 379، والعلامة في المختلف 1: 444، وصاحب المدارك 2:
242.
(2) الشرائع 1: 41.
377

في رسالته إلى ولده أن عليه أن يذكر الله في أوقات صلاته بمقدارها (1).
والأقوى الأول، لقوله عليه السلام في صحيحة زرارة: " لا صلاة إلا بطهور " (")
فإن المراد نفي صورة الصحة مطلقا بدونه، فإن بقي التكليف به مع عدم التمكن لزم
التكليف بالمحال، وإلا فإن وجبت الصلاة بدونه فيلزم تحقق المشروط بدون الشرط،
فبقي عدم الوجوب.
وأما القضاء، ففيه قولان، أظهرهما الوجوب، لقول الباقر عليه السلام في
صحيحة زرارة: " ومتى ذكرت صلاة فاتتك صليتها " (3) ويقرب منها صحيحته
الأخرى (4).
واحتج المخالف: بأن الأداء لم يثبت وجوبه، ولم يثبت أمر جديد بالقضاء (5).
وفيه: أن القضاء ليس تابعا للأداء، وقد عرفت الأمر الجديد.

(1) نقله في المختلف 3: 30.
(2) التهذيب 1: 49 ح 144 وص 209 ح 605 و ج 2: 140 ح 545، الاستبصار 1: 55 ح 160، الوسائل 1:
256 أبواب الوضوء ب 1 ح 1.
(3) الكافي 3: 291 ح 1، التهذيب 3: 158 ح 340، الوسائل 3: 211 أبواب المواقيت ب 63 ح 1.
(4) الفقيه 1: 278 ح 1265، الوسائل 5: 350 أبواب القضاء ب 2 ح 1.
(5) المعتبر 1: 380.
378

الفصل الرابع
في النجاسات
وطريق إزالتها وتطهيرها وأنواع المطهرات
وفيه مقاصد:
379

المقصد الأول
في النجاسات
وفيه مباحث:
الأول: البول والغائط
مما لا يؤكل لحمه نجس إذا كان له نفس سائلة، أي دم سائل يخرج بقوة ودفع إذا
قطع عرق من صاحبه لاجتماعه فيه، وهو في مقابل الرشح، كدم السمك وغيره.
وهو في غير الطير وبول الرضيع قبل الإطعام إجماعي، بل ضروري في بول
الانسان.
وادعى الفاضلان إجماع علماء الاسلام على غيره إذا كان مما لا يؤكل لحمه مما له
نفس سائلة (1)، إلا أن العلامة حكى عن بعض العامة طهارة أبوال جميع البهائم
والسباع، وقال: إنه خارق للاجماع.
ويدل على نجاسة البول عموما وفي خصوص الانسان وعلى عموم ما لا يؤكل
لحمه من الحيوانات: الأخبار الصحاح وغيرها مما تقرب حد التواتر (2).

(1) المحقق في المعتبر 1: 410، والعلامة في المنتهى 3: 167.
(2) الوسائل 2: 1001 أبواب النجاسات ب 1، وص 1007 ب 8.
381

وكذلك في الروث تدل الأخبار إما بعموم ذكر العذرة كما في الأخبار الكثيرة
إن قلنا بشمولها لخرء غير الانسان أيضا، كما هو ظاهر أهل اللغة، أو بخصوص
خرء السنور والكلب والفأرة كما في بعضها (1)، ويكفي الاجماع وعدم القول
بالفرق.
وأما ما لا نفس له، فلا يتبادر رجيعه من هذه الأخبار، فإن أغلب ما لا نفس له مما
لا يؤكل لحمه لا لحم له يصلح للأكل. والمتبادر ما يكون معدا للأكل، ولذلك لا نفهم
الانسان منها أيضا، والأصل يقتضي طهارته.
والظاهر عدم تحقق البول في أكثرها أيضا.
مع أن لزوم التحرز منه مستلزم للحرج في كثير منها كالذباب والبق والبراغيث
والقمل ونحو ذلك، ولا قائل بالفصل.
مضافا إلى أن الطهارة كأنها إجماعية، كما يظهر من العلامة في التذكرة والمنتهى
وغيره (2).
وألحق الأصحاب بذلك: ما لم يؤكل لحمه بعرض، كالجلال، وشارب لبن
الكلبة والخنزيرة حتى يشتد لحمه، والموطوء.
والظاهر أن ذلك أيضا إجماعي، كما يظهر من التذكرة (3)، وادعاه في المختلف
في خصوص ذرق الدجاج الجلال (4).
ويدل عليه أيضا: عموم ما دل على نجاسة أبوال ما لا يؤكل لحمه، ومفهوم كل ما
دل على طهارة بول ما يؤكل لحمه.
وقد يعارض ذلك بالأخبار الدالة على طهارة بول البعير والشاة ونحوهما

(1) الوسائل 2: 1001 أبواب النجاسات ب 1، وص 1007 ب 8.
(2) التذكرة 1: 51، المنتهى 3: 167.
(3) التذكرة 1: 51.
(4) المختلف 1: 455.
382

بالخصوص (1)، فإن بينهما عموما من وجه، والأصل مع ما دل على الطهارة، ولو
سلم شمول عمومات نجاسة مطلق البول لما نحن فيه، فهي أيضا أعم مطلقا مما دل
على طهارة بول تلك الحيوانات بالخصوص، والخاص مقدم على العام، فلم يبق إلا
ظاهر الاجماع.
وأما بول الرضيع قبل أن يطعم، فالمشهور فيه أيضا النجاسة، للاجماع المنقول عن
المرتضى (2) والعلامة (3)، والعمومات، وخصوص ما ورد في نجاسة بول الصبي (4).
وذهب ابن الجنيد إلى طهارته (5)، استنادا إلى رواية السكوني (6)، وبأنه لو كان
نجسا لوجب غسله ولم يكتف فيه بالصب كما هو المشهور في طريق تطهيره كما
سيجئ.
والرواية مع ضعفها (7) لا تنافي النجاسة، ونحن نقول بالنجاسة، ولكن نكتفي
بالصب، فإن طريق تطهير النجاسات مختلف.
وأما رجيع الطير مما لا يؤكل لحمه فالمشهور فيه أيضا النجاسة (8)، وعن
ابن أبي عقيل (9) والصدوق (10) والشيخ في المبسوط (11) القول بالطهارة.

(1) الوسائل 2: 1009 أبواب النجاسات ب 9.
(2) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 181، ونقله عنه في المختلف 1: 459.
(3) التذكرة 1: 52.
(4) الوسائل 2: 1002 أبواب النجاسات ب 3.
(5) نقله عنه في المختلف 1: 459.
(6) التهذيب 1: 250 ح 718، الاستبصار 1: 173 ح 601، الوسائل 2: 1003 أبواب النجاسات ب 3 ح 4،
وفي الفقيه 1: 40 ح 157، والمقنع: 5 مرسلا.
(7) لوقوع النوفلي في طريقها وهو لم يوثق وطريق الشيخ إليه ضعيف. انظر معجم رجال الحديث 6: 113.
(8) منهم الشيخ في الخلاف 1: 485، والمحقق في المعتبر 1: 411.
(9) نقله عنه في المختلف 1: 456.
(10) الفقيه 1: 41، المقنع: 5.
(11) المبسوط 1: 39.
383

حجة المشهور: مطلقات ما دل على نجاسة البول والعذرة، وخصوص حسنة
عبد الله بن سنان: " اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه " (1) وكل ما دل بالمفهوم
على ذلك كما مر.
وحجة المخالف: حسنة أبي بصير، عن الصادق عليه السلام، قال: " كل شئ
يطير فلا بأس بخرئه، وبوله " (2).
فنقول: إن لم يكن للطير بول فيشتمل دليلهم على ما يضعفه، ولا يعارض به ما
تقدم، وإن كان له بول فنقول أيضا: لا يقاوم هذه الحسنة ما ذكرنا من الأدلة، فإن
التخصيص مشروط بالتقاوم، واعتضاد ما تقدم بعمل جمهور الأصحاب يمنع من
تخصيصها بذلك، سيما والنسبة بين الحسنتين عموم من وجه كما لا يخفى.
وأما الخرء، فإن سلم انصراف العذرة في الأخبار إلى خرء الطير كما يظهر من
الصحاح والقاموس من تفسير الخرء بالعذرة (3)، واعتمدنا على مفهوم موثقة عمار،
عن الصادق عليه السلام، قال: " كل ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه " (4) فالكلام
فيه مثل ما تقدم.
وإن لم نسلم كما نقل عن ظاهر ابن الأثير والهروي أنهما خصاه بعذرة
الانسان (5)، ولم تسلم حجية المفهوم، أو عمومه، أو عدم دلالة مفهوم نفي البأس
المنكر على النجاسة، فيكفي عدم القول بالفصل.
والظاهر أن مفهوم الموثقة حجة، لأنه في معنى الشرط، أو معتضد بالقرينة
الخارجية إن قلنا بأنه مفهوم الوصف. والمفهوم عام كما حققناه في الأصول، فيثبت

(1) الكافي 3: 57 ح 3، التهذيب 1: 264 ح 770، الوسائل 2: 1008 أبواب النجاسات ب 8 ح 2.
(2) الكافي 3: 58 ح 9، التهذيب 1: 266 ح 779، الوسائل 2: 1013 أبواب النجاسات ب 10 ح 1.
(3) الصحاح 1: 46، القاموس المحيط 1: 14.
(4) التهذيب 1: 266 ح 781، الوسائل 2: 1011 أبواب النجاسات ب 9 ح 12.
(5) النهاية لابن الأثير 2: 17.
384

به حكم الخرء والبول معا.
وأما نفي البأس المنكر، فهو كناية عن الطهارة، فوجود البأس كناية عن
النجاسة، والقول بأن رفع السلب الكلي هو الإيجاب الجزئي في هذا المقام وحصول
بأس ما أعم من النجاسة، فهو كلام ظاهري.
وقد يستدل على الطهارة بصحيحة علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: وعن
الرجل يرى في ثوبه خرء الطير أو غيره، هل يحكه وهو في صلاته؟ قال:
" لا بأس " (1) فإن ترك الاستفصال يفيد العموم.
وفيه: أن الظاهر أن السؤال ليس عن حال الخرء، بل عن جواز هذا الفعل في
الصلاة، فلا التفات إلى بيان حكم الخرء، كما أنه لم يستفصل عن غيره أيضا،
وهو أيضا أعم من النجس.
ثم إن المشهور أن بول الخشاف أيضا نجس (2)، وكذلك الشيخ استثناه من الطير
مع قوله بطهارة خرئه في المبسوط (3)، لرواية داود الرقي (4)، ويظهر من العلامة في
المختلف الاجماع على ذلك.
وأما رواية غياث الدالة على طهارتها (5)، فلا تقاوم رواية داود، وإن كانت أقوى
سندا منها، لاعتضادها بالشهرة، وحسنة ابن سنان وغيرها من الأدلة.
وأما أبوال ما يؤكل لحمه فطاهرة كلها، وكذلك أرواثها، والظاهر أنه
إجماعي. وتدل عليه الأخبار الكثيرة الدالة بعمومها على طهارة أبوال ما يؤكل لحمه

(1) الفقيه 1: 164 ح 775، قرب الإسناد: 89، الوسائل 4: 1277 أبواب قواطع الصلاة ب 27 ح 1.
(2) كالمحقق في المعتبر 1: 411، والعلامة في المختلف 1: 457 ناقلا عليه الاجماع، والشهيد في البيان: 90.
(3) المبسوط 1: 39.
(4) التهذيب 1: 265 ح 777، الاستبصار 1: 188 ح 658، الوسائل 2: 1013 أبواب النجاسات ب 10 ح 5.
عن بول الخشاشيف يصيب ثوبي فأطلبه ولا أجده، قال: اغسل ثوبك.
(5) التهذيب 1: 266 ح 778، الاستبصار 1: 188 ح 659، الوسائل 2: 1013 أبواب النجاسات ب 10 ح 5،
لا بأس بدم البراغيث والبق وبول الخشاشيف.
385

منطوقا ومفهوما والدالة بخصوصها في البعير والشاة وغيرهما (1) مع عدم القول
بالفصل.
نعم وقع الخلاف في أبوال وأرواث الحمولات الثلاث، والمشهور طهارتهما منها
مع كراهة (2)، والكراهة في البول أشد من غيره، والأمر في الحمار أشد من غيره،
لأن لحمه أشد كراهة من غيره على الأقوى.
وذهب ابن الجنيد إلى نجاستهما منها (3)، واختاره الشيخ في النهاية، ولكن رجع
عنه في الاستبصار (4) والمعتمد الأول.
لنا: الأصل، والاستصحاب، وكل ما دل بعمومه على طهارة أبوال ما يؤكل
لحمه منطوقا ومفهوما من الأخبار الصحيحة والحسنة والموثقة وغيرها.
لا يقال: إن المتبادر مما يؤكل لحمه هو ما كان معدا للأكل ومخلوقا لهذه
المصلحة، وما يتعارف أكله.
لأنا نقول: إن العرف وإن كان مقدما على اللغة في سائر المواضع، إلا أن الظاهر
أن المراد هنا ما يجوز أكله شرعا، وإلا فالعرف العام قبل ورود الشرع أو مع قطع
النظر عنه يأكلون الخنزير والثعلب والأرنب، بل اليربوع وغيرها، وأكل هذه الأمور
في العرف العام ليس بأقل من أكل اليحمور واليعفور وغيرهما.
وهذا لا ينافي ما قدمنا من اخراج الانسان ومثل الحشرات عن إطلاق تلك
الأخبار وعموماتها، فإن لهما وجها آخر. أما في الانسان فلأن فاعل الأكل هو نوع
الانسان، والمتبادر من المأكول هو المباين للأكل بالنوع.
وأما في الحشرات، فلعدم وجود اللحم فيها، لعدم إطلاقه عليها عرفا

(1) الوسائل 2: 1009 أبواب النجاسات ب 9.
(2) منهم الشيخ في التهذيب 1: 422، والاستبصار 1: 179، والمبسوط 1: 36، والعلامة في النهاية 1: 266.
(3) نقله عنه في المختلف 1: 457.
(4) النهاية: 51، الاستبصار 1: 179.
386

في الأغلب.
وبما ذكرنا تعرف أنه لا يمكن للقائل بالنجاسة قلب الدليل بأن هذه الدواب مما لا
يؤكل لحمها عرفا، فتكون أبوالها وأرواثها نجسة.
وكيف كان، فلا ينحصر الدليل في العمومات، بل الخصوصات كثيرة،
مثل رواية أبي الأعز النحاس المروية في الكافي والفقيه، المصرحة بنفي البأس منكرا
في الأبوال (1)، ورواية معلى بن خنيس وابن أبي يعفور الصريحة في بول
الحمار (2).
وموثقة الحلبي: في السرقين الرطب أطأ عليه، فقال: " لا يضرك مثله " (3).
وصحيحة الحلبي النافية للبأس عن روث الحمير، الآمرة بغسل بولها (4)، فإن عدم القول بالفصل يثبت الحكم في البول، والأمر محمول على الاستحباب.
ويقرب من ذلك رواية أبي مريم (5)، ورواية عبد الأعلى بن أعين (6)، وما رواه
الحميري في قرب الإسناد صحيحا عن ابن رئاب، الدالة على جواز الصلاة مع
الروث.

(1) الكافي 3: 58 ح 10، الفقيه 1: 41 ح 164، الوسائل 2: 1009 أبواب النجاسات ب 9 ح 2. عن بول
وروث الدواب ينضح على الثوب قال: لا بأس به، واختلفت المصادر في ضبط اسم الراوي ففي الكافي:
أبو الأعز النخاس، وفي الفقيه أبو الأغر النخاس، وكذا في بعض نسخ الكافي.
(2) التهذيب 1: 425 ح 1351، الاستبصار 1: 180 ح 628، الوسائل 2: 1011 أبواب النجاسات ب 9 ح 14.
قالا: كنا في جنازة وقربنا حمار فبال فجاءت الريح ببوله حتى صكت وجوهنا وثيابنا فدخلنا على أبي عبد الله
(ع) فأخبرناه فقال: ليس عليكم شئ.
(3) الكافي 3: 38 ح 3، الوسائل 2: 1010 أبواب النجاسات ب 9 ح 3.
(4) الكافي 3: 57 ح 6، التهذيب 1: 265 ح 773، الاستبصار 1: 178 ح 621، الوسائل 2: 1009 أبواب
النجاسات ب 9 ح 1.
(5) الكافي 3: 57 ح 5، التهذيب 1: 265 ح 775، الاستبصار 1: 178 ح 623، الوسائل 2: 1011 أبواب
النجاسات ب 9 ح 8.
(6) التهذيب 1: 265 ح 776، الاستبصار 1: 179 ح 625، الوسائل 2: 1011 أبواب النجاسات ب 9 ح 13.
387

حجة المخالف: العمومات، وخصوص الأخبار المعتبرة المستفيضة، وكثير منها
صحيح (1)، ولكنها لا تقاوم ما ذكرنا.
أما العمومات، فشمولها لما نحن فيه ممنوع، لأن المتبادر منها بول الانسان.
سلمنا، لكنها مخصصة بما ذكرنا.
وأما الخصوصات فلا يعارض بها ما ذكرنا، لأن الصحيح فيها أيضا موجود،
ومع اعتضادها بالشهرة العظيمة التي كادت أن تكون إجماعا، وموافقتها لأصل
البراءة، والطهارة، والسهولة واليسر، ونفي الحرج والعسر، سيما في الأسفار،
وخصوصا في الأيام الكثيرة الريح، وخصوصا مع الاحتياج إليها في رض
الأكداس. فتترجح على معارضاتها وإن لم تكن معتبرة الأسناد، فكيف مع اعتبار
سند كثير منها، مع مهجورية معارضاتها عند الأصحاب، وتركهم العمل عليها،
وانفراد ابن الجنيد بالعمل عليها مع كونه في الأكثر موافقا للعامة، ومخالفتها
للأصول والعمومات والعمل.
فلا بد من حملها على التقية، فإن ذلك مذهب بعض العامة، أو على الكراهة كما
صرح به في رواية زرارة، عن أحدهما عليهما السلام: في أبوال الدواب تصيب
الثوب، فكرهه، فقلت: أليس لحومها حلالا؟ قال: " بلى، ولكن ليس مما جعله
الله للأكل (2).
وإنما لم نعدها من جملة الأدلة، لعدم الحقيقة الشرعية في الكراهة في المعنى
المصطلح، ولكن بعد الجمع والتأويل فهو منطبق على المدعى.

(1) انظر الوسائل 2: 1010 أبواب النجاسات ب 9 ح 6، 9، 11، وفي الصحيح منها: يغسل بول الفرس
والحمار والبغل، وأما الشاة وكل ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله، وفي أخرى: عن أبوال الخيل والبغال قال:
اغسل ما أصابك منها.
(2) الكافي 3: 57 ح 4، التهذيب 1: 264 ح 772، الاستبصار 1: 179 ح 626، الوسائل 2: 1010 أبواب
النجاسات ب 9 ح 7، وفيها القاسم بن عروة، ولم يثبت توثيقه.
388

ثم إن المحقق في الشرائع تردد في طهارة ذرق الدجاج الغير الجلال (1) لرواية
ضعيفة جدا (2) معارضة بمثلها (3). ولا وجه له، للأصل، والعمومات، وكل ما تقدم
من الأدلة، ولا بأس باستحباب التنزه.
الثاني: المني والدم
من ذي النفس السائلة نجسان. أما المني فيدل عليه مضافا إلى الاجماع المتكرر
في كلامهم (4): الأخبار المستفيضة الصحيحة وغيرها (5).
والحق أنه ليس فيها ما يشمل جميع أفراده، بل الظاهر منها مني الانسان (6).
وقد يظن التعميم من صحيحة محمد بن مسلم، عن الصادق عليه السلام، قال:
" ذكر المني فشدده، وجعله أشد من البول " (7) بأن فيه إشعارا بكونه أولى بالتنجيس
من البول، فكل ما حكم بنجاسة بوله فيكون منيه أولى بالتنجيس.
وفيه مع ما فيه لا يتم فيما بوله طاهر.
فالمعتمد هو الاجماع.

(1) الشرائع 1: 43.
(2) روى فارس قال: كتب إليه رجل يسأله عن ذرق الدجاج تجوز الصلاة فيه؟ فكتب لا. التهذيب 1: 266
ح 782، الاستبصار 1: 178 ح 619، الوسائل 2: 1013 أبواب النجاسات ب 10 ح 3، وفارس فيها هو ابن
حاتم القزويني، وقال الشيخ في رجاله: 420 إنه غال ملعون.
(3) روى وهب بن وهب عن الصادق (ع): لا بأس بخرء الدجاج والحمام يصيب الثوب. التهذيب 1: 283
ح 831، الاستبصار 1: 177 ح 618، الوسائل 2: 1013 أبواب النجاسات ب 10 ح 2. ووهب عامي
مطعون فيه بالكذب كما في رجال النجاشي: 430.
(4) كما في التذكرة 1: 53، والمدارك 2: 265، والذخيرة: 146، وكفاية الأحكام: 11.
(5) الوسائل 2: 1021 أبواب النجاسات ب 16.
(6) ففي حسنة الحلبي إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه مني فليغسل الذي أصابه...، وفي رواية محمد بن مسلم
سألته عن المذي يصيب الثوب... وقال في المني يصيب الثوب: إن عرفت مكانه فاغسله، وهكذا.
(7) الفقيه 1: 161 ح 758، التهذيب 1: 252 ح 730، الوسائل 2: 1022 أبواب النجاسات ب 16 ح 2.
389

والاستدلال بقوله تعالى: * (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم ويذهب
عنكم رجز الشيطان) * (1) ضعيف، إذ بعد تسليم كون المراد من الرجز المني دون
الجنابة أو غيرها ليس فيه دلالة على النجاسة، وإرادة الطهارة من الخبث من قوله
تعالى: * (ليطهركم) * ليس بأولى من إرادة الطهارة من الحدث.
وأما مني ما لا نفس له، فقد تردد فيه بعض الأصحاب (2)، وصرح جماعة منهم
بطهارته (3)، وهو الأقوى، للأصل، وعدم استفادة حكمه من الأخبار.
وأما الدم فأما بالاجمال فلا ريب في نجاسته، وهو إجماعي مدلول عليه
بالأخبار المعتبرة.
وأما التفصيل، فإن كان من ذي النفس فنجس قليله وكثيره، خلافا لابن الجنيد
في الأقل من الدرهم (4)، وهو ضعيف.
واستثني من ذلك: ما يتخلف في اللحم، وسيجئ الكلام فيه.
أما نجاسة أصل هذا الدم، فإجماعية كما نقله الفاضلان (5) وغيرهما (6)، وظاهر
المدعين للاجماع على مطلقه، سواء كان مسفوحا - أي مصبوبا من عرق بقوة -
أو كان من أثر الخدشة والشوكة، وهو مقتضى إطلاق الفتاوى والأخبار.
وما يتوهم من كلام العلامة في المنتهى وغيره من تقييده بالمسفوح (7)، فمراده
اخراج المتخلف في اللحم، لا ما تقدم، كما تشهد به سائر كلماته.

(1) الأنفال: 11.
(2) كالمحقق في الشرائع 1: 43، والمعتبر 1: 415.
(3) كالشهيد في البيان: 90، وصاحب المدارك 2: 267.
(4) نقله في المعتبر 1: 420.
(5) المحقق في المعتبر 1: 420، والعلامة في المنتهى 3: 188.
(6) كصاحب المدارك 2: 281.
(7) لأنه قال: قال علماؤنا الدم المسفوح من كل حيوان ذي نفس سائلة، أي يكون خارجا بدفع من عرق نجس وهو
مذهب علماء الاسلام. المنتهى 3: 188.
390

والظاهر أن التقييد في الآية أيضا ناظر إلى ذلك، فلا دلالة فيه على نفي الحرمة
فيما تقدم حتى تثبت الطهارة.
وبالجملة فلا إشكال في نجاسة غير المتخلف في اللحم للاجماع، والأخبار (1).
وأما المتخلف في اللحم فهو طاهر حلال بالاجماع، كما يظهر من جماعة من
أصحابنا (2)، ونقطع به من تتبع أحوال السلف في كل زمان من غير نكير.
وقد يستدل عليه بقوله تعالى: * (أو دما مسفوحا) * (3).
وقد يستشكل فيه: بأن مفهوم الوصف لا حجية فيه، وعموم الدم في الآية
الأخرى يشمله، وكذلك سائر الأخبار، ولا يعارض الخاص المفهوم - سيما إذا
ضعف - العام المنطوق، وخصوصا إذا جهل التاريخ، إلا أن يقال: إنه من باب
مفهوم الحصر، وهو قوي.
وقيل: عليه أن يعارض الآية الأخرى، إما مع الجزء السلبي من الحصر أو
الإثباتي، أما الأول فيفيد عكس المطلوب، فإن مطلق الدم حينئذ أخص، وأما
الثاني فيرجع إلى اعتبار مفهوم الوصف (4).
أقول: وغاية ما يستفاد من الحصر نفي الحرمة عن غير الدم المسفوح، وغير الدم
المسفوح أعم من الدم المطلق من وجه، فإن غير الدم المسفوح أعم من الدم الغير
المسفوح، فلا بد من الرجوع إلى المرجحات، فلا يفيد عكس المطلوب أيضا.
وكيف كان فما ادعينا من ظهور الآية في اخراج المتخلف وكون الحصر إضافيا
بالنسبة إلى ما حرمه العرب على أنفسهم مما في بطون الأنعام أيضا مع الاجماع
يكفي في إثبات المطلب، وإن كان الانفهام والظهور من جهة المفهوم الوصفي، فإنه

(1) الوسائل 2: 1026 أبواب النجاسات ب 20.
(2) كالعلامة في المختلف 1: 474، والسبزواري في الذخيرة: 149.
(3) الأنعام: 145.
(4) مشارق الشموس: 308.
391

قد يصير حجة بانضمام المقام والتأيد بالقرائن.
ثم إنهم اشترطوا في ذلك القذف المعتاد، فلو تخلف لعارض، كما لو جذبه
الحيوان بنفسه إلى جوفه، أو بسبب كون رأسه أعلى من جسده حال الذبح، فينجس
ما في البطن، بل ما في العروق أيضا لو علم أنه من ذلك، ولكن فرض حصول
العلم فيه بعيد.
وبالجملة المسفوح حرام نجس، وغير المسفوح طاهر حلال، والألفاظ موضوعة
للأمور النفس الأمرية، ومع عدم إمكان العلم فيتبع الظن.
وعلى هذا فالأمر في المتخلف في العروق وداخل اللحم سهل، لكمال بعد
حصول العلم أو الظن بكونه من جملة الدم المسفوح، بخلاف ما يجتمع في البطن،
فإن الغالب حصول العلم أو الظن بكونه من الدم المسفوح.
ولا يكتفى بمجرد عدم معلومية كونه مسفوحا، لاطلاقات النجاسة، وعدم
العلم بتحقق الاجماع ولا نقله في ذلك.
ولا يبعد القول بعدم نجاسة ملاقيه مع القول بالحرمة، لأصالة الطهارة، بل
لا تبعد الطهارة والحل، للأصول، وصحيحة عبد الله بن سنان الآتية (1).
وأما دم غير ذي النفس، فهو طاهر مطلقا، وادعى عليه الاجماع الشيخ (2) والفاضلان (3).
وقد يستدل عليه بقوله تعالى: * (أحل لكم صيد البحر) * (4) وفيه ضعف، لعدم
تبادر دمه.

(1) التهذيب 9: 79 ح 337، الوسائل 16: 495 أبواب الأطعمة المحرمة ب 64 ح 2، كل شئ يكون فيه حرام
وحلال فهو لك حلال.
(2) الخلاف 1: 476.
(3) المحقق في المعتبر 1: 421، والعلامة في المنتهى 3: 190.
(4) المائدة: 96.
392

وبجواز أكل السمك حيا وفيه الدم. وفيه أيضا أن الأحكام تابعة للأسامي،
ولا يقال لأكله أكل الدم.
وبقوله تعالى: * (أو دما مسفوحا) * (1) بالتقريب المتقدم، والجواب هنا أظهر مما
تقدم.
وسيجئ في كتاب المطاعم أن الأشهر الأقوى حرمته، فلا وجه للاستدلال
بالآية أصلا. مع أن الظاهر من الآية الحصر الإضافي بالنسبة إلى المتخلف، كما
تشهد به مطابقته مع اشتراط التلبس بالمبدأ في المشتق، وأن المتبادر من المسفوح
وغيره ما من شأنه السفح، بخلاف ذي النفس السائلة وغير السائلة.
وتؤيده رواية السكوني في السمك (2)، وصحيحة ابن أبي يعفور في دم
البراغيث (3)، وكذلك رواية الحلبي (4) ورواية غياث فيه وفي دم البق (5)، مع لزوم
العسر والحرج في اجتناب كثير منها أيضا.
والظاهر أن الدم الذي يوجد في البيض أيضا نجس كما صرح به جماعة من
الأصحاب (6)، ولا يبعد كونه إجماعيا، فإنهم قالوا: إنه علقة، وادعى الشيخ على
نجاستها إجماع الفرقة (7)، وتشمله مطلقات الدم أيضا.
والذي نشاهده أن هذا الدم خارج الصفرة، ويحتمل عدم إمكان تطهير الصفرة
كالبياض لميعانها، ويحتمل التطهير، لأن عليها جلدة رقيقة توجب تماسكها، فيمكن

(1) الأنعام: 145.
(2) الكافي 3: 59 ح 4، التهذيب 1: 260 ح 755، الوسائل 2: 1030 أبواب النجاسات ب 23 ح 2.
(3) التهذيب 1: 255 ح 740، الاستبصار 1: 176 ح 611، الوسائل 2: 1030 أبواب النجاسات ب 23 ح 1.
(4) الكافي 3: 59 ح 8، التهذيب 1: 259 ح 753، الوسائل 2: 1027 أبواب النجاسات ب 20 ح 7.
(5) التهذيب 1: 266 ح 778، الاستبصار 1: 188 ح 658، والوسائل 2: 1013 أبواب النجاسات ب 10
ح 5.
(6) المعتبر 1: 422، الدروس 1: 123.
(7) الخلاف 1: 490 مسألة 232.
393

إدخالها في الكر أو الجاري أو غيرهما.
وأما ما يوجد في اللبن، فهو أيضا نجس، للاطلاقات. ولأن ضعف الحيوان منع
عن استحالته، فبقي على حاله.
ثم إن الأظهر في الدم المشتبه الطهارة، للأصل والإطلاقات. وأما الحلية، فلا،
لتفاوت المأخذ فيهما، وإن كان يحتمله أيضا، لصحيحة عبد الله بن سنان: " كل
شئ فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه " (1) بل هو الأظهر.
الثالث: الميتة
من ذي النفس السائلة نجسة بإجماع العلماء، إلا من الشافعي في الانسان،
معللا بأنه لو كان نجسا لما قبل التطهير (2)، وإلا من الشيخ في الحيوان المائي (3)،
لخبرين ضعيفي المأخذ والدلالة (4). ونقل الاجماع في المسألة جماعة من
الأصحاب (5).
ويدل عليه الأخبار التي كادت أن تكون متواترة بالمعنى، مثل الصحاح
المستفيضة الدالة على أن الميتة والجيفة إذا غيرت الماء فلا يشرب منه ولا يتوضأ (6).
والصحاح وغيرها الواردة في منزوحات البئر، سيما ما دل على نجاستها مع

(1) التهذيب 9: 79 ح 337، الوسائل 16: 495 أبواب الأطعمة المحرمة ب 64 ح 2.
(2) الأم 1: 266، المجموع 5: 185، وعمدة القاري 3: 239، بداية المجتهد 1: 221، مغني المحتاج 1: 78،
فتح الباري 3: 98، المحلى 2: 24.
(3) الخلاف 1: 189 مسألة 146.
(4) وهما ما رواه عنهم أنهم قالوا: إذا مات فيما فيه حياته لا ينجسه - ويقرب منه ما في الفقيه 3: 206 ح 945،
والتهذيب 9: 11 ح 40. وما روي عن النبي (ص) في البحر: هو الطهور ماؤه الحل ميتته - الوسائل 1: 102
أبواب الماء المطلق ب 2 ح 4 نقلا عن المعتبر.
(5) المعتبر 1: 420، المنتهى 3: 195، التذكرة 1: 59، الذكرى: 13، روض الجنان: 162.
(6) الوسائل 1: 103 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 4، 6، 8، 9...
394

تغيرها بها (1).
والأخبار المستفيضة جدا من الصحاح وغيرها الدالة على أن السمن والزيت
الذي يموت فيه الجرذ والفأرة يحرم أكله إن كان مائعا ويستصبح به (2)، وما ورد في
إهراق مرق ماتت فيه الفأرة وغسل لحمه (3).
وصحيحة محمد بن مسلم الدالة على حرمة الأكل في آنية أهل الكتاب إذا كانوا
يأكلون فيها الميتة (4).
وحسنة الحلبي، عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه
جسد الميت فقال: " يغسل ما أصاب الثوب " (5).
ولهذه الحسنة صدر أطلق فيه لفظ الميت على الانسان وغيره، فلا اختصاص له
بالإنسان.
ورواية إبراهيم بن ميمون، عنه عليه السلام: عن الرجل يقع ثوبه على جسد
الميت، قال: " إن كان غسل الميت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه، وإن كان لم
يغسل الميت فاغسل ما أصاب ثوبك منه " (6).
وكلمة " ما " تفيد العموم، وتشمل لعاب الفم والأنف والعين وغيرها.
ولا وجه للقدح في دلالتهما كما وقع من صاحب المدارك (7) وبعض من قلده (8)،

(1) الوسائل 1: 131 أبواب الماء المطلق ب 15، 17 - 19، 21، 22.
(2) الوسائل 16: 461 أبواب الأطعمة المحرمة ب 43، 44.
(3) الوسائل 16: 461 أبواب الأطعمة المحرمة ب 43، 44.
(4) الفقيه 3: 219 ح 1017، التهذيب 9: 88 ح 371، المحاسن: 454، الوسائل 16: 476 أبواب الأطعمة
المحرمة ب 54 ح 6.
(5) الكافي 3: 161 ح 4، التهذيب 1: 276 ح 812، الاستبصار 1: 192 ح 671، الوسائل 2: 1050 أبواب
النجاسات ب 34 ح 2.
(6) الكافي 3: 161 ح 7، التهذيب 1: 276 ح 811، الوسائل 2: 1050 أبواب النجاسات ب 34 ح 1.
(7) يعني القدح في دلالة الروايتين الأخيرتين. المدارك 2: 268 - 271.
(8) كالسبزواري في الذخيرة: 147.
395

ولو تؤمل في دلالة اغسل ولا تغسل على النجاسة وعدمها فلا اختصاص له بما نحن
فيه، مع تراكم أفهام الفقهاء على ذلك فيه.
وأكثر الأخبار المتقدمة يدل على المطلوب بالعموم، إما من جهة المفرد المحلى
الدال على العموم بسبب حصول الطبيعة في ضمن جميع الأفراد على التحقيق،
أو بسبب الوقوع في كلام الحكيم وخلوه عن القرينة على القول الآخر، أو من جهة
ترك الاستفصال.
ورواية جابر عن الباقر عليه السلام تدل بالعموم صريحا، قال: أتاه رجل فقال
له: وقعت فأرة في خابية فيها سمن أو زيت، فما ترى في أكله؟ فقال له أبو جعفر
عليه السلام: " لا تأكله " فقال له الرجل: الفأرة أهون علي من أن أترك طعامي من
أجلها، قال، فقال له أبو جعفر عليه السلام: " إنك لم تستخف بالفأرة، وإنما
استخففت بدينك، إن الله حرم الميتة من كل شئ " (1) ولا يخفى على المتأمل أن
المراد الحرمة الحاصلة بسبب النجاسة.
ثم: إن ظاهرهم الاتفاق على أن المبانة من الحيوان نجسة، حيا كان أو ميتا، إلا ما
يشعر به الفقيه من طهارة جلد الميتة (2).
ويدل على نجاسة جزء الميت إذا بان - مضافا إلى ظاهر الاجماع وشمول بعض
الأخبار المتقدمة - الاستصحاب، وصحيحة الحلبي المجوزة للصلاة فيما كان من
صوف الميتة، معللا بأنه ليس فيه روح (3)
وفي مثل البثور والثؤلول والأجزاء الصغار من بدنه إشكال.
وأما جزء الحي، فإن خرجت منه الروح ولما ينقطع فالأظهر الطهارة، وفي
المنقطع بعد خروج الروح إشكال.

(1) التهذيب 9: 86 ح 365، الوسائل 1: 149 أبواب الماء المضاف ب 5 ح 2.
(2) الفقيه 1: 9 ح 15.
(3) التهذيب 2: 368 ح 1530، الوسائل 2: 1088 أبواب النجاسات ب 68 ح 1.
396

وأما لو خرجت منه الروح بعد الانقطاع، فالمذهب فيه النجاسة، وتدل عليه
الأخبار المستفيضة، منها: ما ورد في قطع أليات الغنم، وأنها ميتة، ويحرم عدم
الاجتناب عنها (").
ومنها ما ورد في الصيد: " أن ما أخذت الحبالة وقطعت منه فهو ميتة ويذكى
سائر جسده " (2) وفيها الصحيح والحسن.
ورواية أيوب بن نوح، عن الصادق عليه السلام، قال: " إذا قطع من الرجل
قطعة فهي ميتة " (3).
نعم الظاهر في الأجزاء الصغار مثل البثور والثؤلول الطهارة، كما استقربه
العلامة (4) وجماعة ممن تأخر عنه (4)، لعدم شمول الأدلة، ولصحيحة علي بن
جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام، قال: سألته عن الرجل يكون به
الثؤلول أو الجرح، هل يصلح له أن يقطع الثؤلول وهو في صلاته، أو ينتف بعض
لحمه من ذلك الجرح ويطرحه؟ قال: " إن لم يتخوف أن يسيل الدم فلا بأس، وإن
تخوف أن يسيل الدم فلا يفعله " (6) وجه الدلالة: ترك الاستفصال مع أنه مقامه، وفيه
تأمل.
وللزوم الحرج الشديد في مثل ما ينفصل عن الشفة وعن اليد في حال عصر
الثياب، ولا يترك الاحتياط فيما لم يحصل الحرج.

(1) الوسائل 16: 359 أبواب الذبائح ب 30.
(2) الوسائل 16: 285 أبواب الصيد ب 24.
(3) الكافي 3: 212 ح 4، التهذيب 1: 429 ح 1369، الاستبصار 1: 100 ح 325، الوسائل 2: 931 أبواب
غسل المس ب 2 ح 1.
(4) المنتهى 3: 210.
(5) كصاحب المدارك 2: 272، وصاحب الحدائق 5: 75.
(6) التهذيب 2: 378 ح 1576، الاستبصار 1: 404 ح 1542، الوسائل 2: 1082 أبواب النجاسات ب 63
ح 1.
397

ثم إن نجاسة الميتة مثل سائر النجاسات لا تتعدى إلا مع الرطوبة، وذهب العلامة
إلى تعديها مع اليبوسة (1).
ويدل على المختار: الأصل، والاستصحاب، وعموم التعليل بالجفاف لعدم
التنجيس في العذرة وغيرها من النجاسات في الأخبار (2).
وموثقة عبد الله بن بكير: " كل يابس ذكى " (3).
وخصوص صحيحة علي بن جعفر، قال: سألته عن الرجل وقع ثوبه على كلب
ميت قال: " ينضحه بالماء، ويصلي فيه، ولا بأس " (4).
وصحيحته الأخرى: عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميت، هل تصلح له
الصلاة فيه قبل أن يغسله؟ قال: " ليس عليه غسله، وليصل فيه، ولا بأس " (5).
ولعل العلامة استند إلى إطلاق حسنة الحلبي ورواية إبراهيم المتقدمتين.
وفيه: أنهما مطلقتان، فيجب الحمل على المقيد. مع أن قوله عليه السلام:
" يغسل ما أصاب الثوب دون ما أصابه من الثوب " ونحو ذلك يشعر بالرطوبة.
وذهب في المنتهى إلى تفصيل آخر، وهو أن النجاسة الحاصلة بمس اليابس
حكمية، فلو لاقى جسما رطبا لا يجب غسله (6)، وهو أيضا ضعيف.
بقي في المقام شيئان:
الأول: إن في نجاسة ميت الآدمي قبل البرد قولين: من جهة الإطلاقات، ومن
جهة صحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام، قال: " مس الميت عند موته

(1) القواعد 1: 235، نهاية الإحكام 1: 173.
(2) الوسائل 2: 1035 أبواب النجاسات ب 26.
(3) التهذيب 1: 49 ح 141، الاستبصار 1: 57 ح 167، الوسائل 1: 248 أبواب أحكام الخلوة ب 31 ح 5.
(4) الفقيه 1: 43 ح 169، التهذيب 1: 277 ح 815، الاستبصار 1: 192 ح 674، الوسائل 2: 1035 أبواب
النجاسات ب 26 ح 7.
(5) التهذيب 1: 276 ح 813، الاستبصار 1: 192 ح 672، الوسائل 2: 1035 أبواب النجاسات ب 26 ح 5.
(6) المنتهى 2: 456.
398

وبعد غسله والقبلة ليس به بأس " (1).
الثاني: إن ميتة ما لا نفس له طاهرة بالاجماع كما نقله جماعة من
الأصحاب (2)، والأخبار. وخلاف الشيخ في نجاسة ميتة العقرب (3) ضعيف، وما
ورد من الأخبار الدالة على إراقة ماء وقعت فيه (4) محمول على الاستحباب، أو
على الاجتناب من سمه.
الرابع: لا تطهر الميتة بالدباغ على المشهور، بل المجمع عليه، كما ادعاه الشيخ في
الخلاف والشهيد في الذكرى (5)، والعلامة عن غير ابن الجنيد (6)، وادعى الشهيد
تواتر الأخبار به.
وإنا وإن لم نقف على الأخبار المتواترة، لكن يمكن الاستدلال بصحيحة علي
بن أبي المغيرة، وفي التهذيب علي بن المغيرة (7) قال، قلت لأبي عبد الله عليه
السلام: جعلت فداك، الميتة ينتفع بشئ منها؟ قال: " لا " قلت: بلغنا أن رسول الله
صلى الله عليه وآله مر بشاة ميمونة فقال: " ما كان على أهل هذه الشاة إذا لم ينتفعوا
بلحمها أن ينتفعوا بإهابها " فقال: " تلك شاة لسودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله
عليه وآله، وكانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها، فتركوها حتى ماتت، فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله: ما كان على أهلها إذا لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا

(1) الفقيه 1: 87 ح 403، التهذيب 1: 430 ح 1370، الاستبصار 1: 100 ح 326، الوسائل 2: 931 أبواب
غسل المس ب 3 ح 1.
(2) كالمحقق في المعتبر 1: 101، والعلامة في المنتهى 1: 165.
(3) النهاية: 6.
(4) انظر الوسائل 1: 172 أبواب الأسئار ب 9 ح 5، و ج 2: 1052 أبواب النجاسات ب 35 ح 4.
(5) الخلاف 1: 60 مسألة 9، الذكرى: 16.
(6) المنتهى 3: 352.
(7) وكذا في الكافي.
399

بإهابها أي تذكى " (1).
ورواية محمد بن أبي عمير، عن غير واحد، عنه عليه السلام: في الميتة قال:
" لا يصلى في شئ منه ولا ينتفع " (2).
وتؤدي مؤداهما رواية الفتح بن يزيد وغيرها (3)، ورواية عبد الرحمن بن الحجاج
عنه عليه السلام، حيث أنكر في آخرها على أهل العراق استحلالهم الميتة لزعمهم
أن دباغ جلد الميتة ذكاته: " ثم لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلا على رسول الله صلى
الله عليه وآله " (4) وتؤدي مؤداها رواية أبي بصير (5).
وجه الاستدلال: أن الانتفاع بالرطب الملاقي لها كالماء والسمن انتفاع بجلد
الميتة غالبا، حيث لو لم تكن الجلدة لما تمكن من حفظ ذلك الرطب.
ولم يقل أحد بحرمة تناول ذلك الرطب، سيما بعد اخراجه منها، من جهة أنه كان
في جلد الميتة، لا من جهة النجاسة، بل إنما يقول من يقول بالحرمة لأجل النجاسة.
وكذلك إنكار كون الدباغ ذكاة، فإن الذكاة تفيد الحل والطهارة كليهما في ما
يؤكل، والطهارة في غيره، وإطلاق الحل يحمل على العموم كما قرر في محله.
ورواية أبي القاسم الصيقل، حيث سأل عن اضطراره إلى استعمال جلود الميتة
في السيوف وملامستها بثيابهم، فأجاب عليه السلام: " اجعلوا ثوبا للصلاة " (6).
فإن الظاهر أن تلك الجلود كانت مدبوغة، وعدم منعهم عن الاستعمال لعله كان
لأجل التقية.

(1) الكافي 6: 259 ح 7، التهذيب 2: 204 ح 799، الوسائل 2: 1080 أبواب النجاسات ب 61 ح 2.
(2) التهذيب 2: 203 ح 793، الوسائل 3: 249 أبواب لباس المصلي ب 1 ح 2.
(3) الكافي 6: 258 ح 6، التهذيب 9: 76 ح 323، الاستبصار 4: 89 ح 341، الوسائل 16: 448 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 33 ح 7.
(4) الكافي 3: 398 ح 5، التهذيب 2: 204 ح 798، الوسائل 2: 1081 أبواب النجاسات ب 61 ح 4.
(5) الكافي 3: 397 ح 2، التهذيب 2: 203 ح 796، الوسائل 2: 1080 أبواب النجاسات ب 61 ح 3.
(6) التهذيب 6: 376 ح 1100، الوسائل 12: 125 أبواب ما يكتسب به ب 38 ح 4.
400

والحاصل أن تلك الأخبار مع اعتضادها بالاجماعين المنقولين وعمل الأصحاب
واستصحاب الحالة السابقة كافية وافيه، وستجئ موثقة سماعة في تذكية السباع
أيضا، فلا وجه لتأمل جماعة من متأخري المتأخرين في هذا الحكم (1).
والمخالف في المسألة ابن الجنيد والشلمغاني في غير الصلاة (2)، لرواية حسين بن
زرارة (3)، ورواية سماعة في جلد الميتة المملوح فرخص فيه وقال: " إن لم تمسه فهو
أفضل " (4) والروايتان مع ضعفهما محمولتان على التقية.
وأما ما رواه الصدوق مرسلا في أوائل الفقيه، الشامل لغير المدبوغ أيضا (5)،
فالاعتماد على ظاهره أضعف مما تقدم.
ثم إن ابن الجنيد خص الكلام بما كان الدباغ بالطاهر (6). ووجهه غير معلوم،
وتشعر به رواية ضعيفة (7).
الخامس: استثنى الأصحاب من الميتة ما لا تحله الحياة، والظاهر أن حكم المبانة
من الحي أيضا كذلك، وهي: الصوف، والشعر، والريش، والوبر، والعظم
والقرن، والظلف، والحافر، والبيض، والإنفحة واختلفوا في اللبن.

(1) كصاحب المدارك 2: 387، وصاحب الذخيرة: 176.
(2) نقله عنهما في المختلف 1: 501، والذكرى: 16.
(3) التهذيب 9: 78 ح 232، الاستبصار 4: 90 ح 343، الوسائل 16: 453 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34 ح 7.
والرواية ضعيفة لأن راويها مهمل.
(4) التهذيب 9: 78 ح 333، الاستبصار 4: 90 ح 344، الوسائل 16: 454 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34 ح 8.
(5) الفقيه 1: 9 ح 15، الوسائل 2: 1051 أبواب النجاسات ب 34 ح 5.
(6) نقله عنه في المختلف 1: 501.
(7) وهي رواية السياري عن أبي يزيد القسمي عن الرضا (ع) عن جلود الدارش التي يتخذ منها الخفاف قال:
لا تصل فيها فإنها تدبغ بخرء الكلاب. الكافي 3: 403 ح 25، التهذيب 2: 373 ح 1552، علل الشرائع:
344، الوسائل 2: 1091 أبواب النجاسات ب 71 ح 1.
401

والأخبار باستثناء ما ذكر مستفيضة منها صحيحة الحلبي المتقدمة (1).
ومنها: حسنة حريز قال، قال أبو عبد الله عليه السلام لزرارة ومحمد بن مسلم: "
اللبن واللباء والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب والحافر، وكل شئ يفصل
من الشاة والدابة فهو ذكي، وإن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله وصل فيه " (2).
وصحيحة زرارة، عنه عليه السلام، قال: سألته عن الإنفحة تخرج من الجدي
الميت، قال: " لا بأس به " قلت: اللبن يكون في ضرع الشاة وقد ماتت، قال:
" لا بأس به " قلت: والصوف والشعر وعظام الفيل والجلد والبيض يخرج من
الدجاجة، قال: " كل هذا لا بأس به " (3) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.
وتتميم المقام يستدعي بيان أمور:
الأول: إنهم اختلفوا في الإنفحة كاختلاف أهل اللغة في أنه كرش الحمل
والجدي ما لم يأكل (4)، أو هو الشئ الأصفر الذي يحصل فيه وينجمد غالبا (5)،
وأصله من اللباء يدخل في اللبن، ويعمل منه الجبن.
والأظهر من كلمات اللغويين هو الأول، ولكن الأظهر من الأخبار هو الثاني،
غاية الأمر كون الاستعمال مجازا، ومن القرائن ذكره في عداد ما لا تحله الحياة.
والتصريح في رواية أبي حمزة، عن الباقر عليه السلام: في جملة مكالماته مع
قتادة: " إن الإنفحة ليس لها عروق، ولا فيها دم، وإنها مما يجعل في اللبن ليحصل
منه الجبن " (6) وغير ذلك من الأمارات.

(1) التهذيب 2: 368 ح 1530، الوسائل 2: 1088 أبواب النجاسات ب 68 ح 1.
(2) التهذيب 9: 75 ح 321، الوسائل 16: 447 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 3.
(3) الفقيه 3: 216 ح 1006، التهذيب 9: 76 ح 324، الاستبصار 4: 89 ح 339، الوسائل 16: 449 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 33 ح 10.
(4) كما في الصحاح 1: 413، وانظر المصباح المنير 2: 325.
(5) كما في القاموس المحيط 1: 262، والمغرب 2: 220.
(6) الكافي 6: 256 ح 1، الوسائل 16: 444 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 1.
402

وظاهر إطلاقات الأخبار يقتضي عدم الحاجة إلى التطهير، ويظهر من بعض
الأصحاب لزومه، لملاقاة النجس رطبا، وأن الإطلاقات إنما تدل على طهارتها من
حيث الذات لا من جهة العارض، وكذلك الكلام في ظاهر الجلدة بناءا على
طهارتها.
ولا يبعد القول بلزوم تطهيرها عما لاقاه مع الرطوبة بعد الموت، لا عن الملاقي
لها قبله.
وبالجملة مقتضى الدليل أن ملاقاة النجس رطبا تنجس، لا أن تنجس الملاقي
الرطب يوجب تنجس ملاقيه، وفيما نحن فيه تنجس أحد المتلاقيين، لا أن أحدهما
لاقى نجسا.
الثاني: اتفق الأصحاب ظاهرا على اشتراط اكتساء الجلد الأعلى في طهارة
البيضة، لرواية غياث بن إبراهيم، عن الصادق عليه السلام: عن بيضة خرجت من
است دجاجة ميتة، قال: " إن كانت اكتست البيضة الجلد الغليظ فلا بأس بها " (1).
والظاهر أن مراد من اشترط اكتساء الجلد الصلب هو ما يصلب غالبا، وإلا فقد
يخرج من است الدجاج ولم يصلب، فالظاهر عدم الخلاف في المسألة.
ومراد من عبر بالقشر الأعلى أو القشر الغليظ أو القشر الفوقاني أو الجلد الصلب
واحد.
ويكفي في تقييد المطلقات هذه الرواية، مع اعتضادها بالشهرة، بل الاجماع.
وفي لزوم تطهير ظاهر الجلدة الاحتمالان السابقان، بل القولان.
الثالث: اختلفوا في طهارة اللبن المحلوب من ضرع الميتة، ويظهر من الدروس
أن المشهور بين القدماء الحل، حيث قال: القائل بالحرمة نادر (2)، وكذلك يظهر من

(1) الكافي 6: 358 ح 5، التهذيب 9: 76 ح 322، الوسائل 16: 448 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 6.
(2) نقله في مفتاح الكرامة 1: 155.
403

غيره أيضا، وعن الشيخ في الخلاف الاجماع على الطهارة (1).
وذهب ابن إدريس (2) والفاضلان (3) وجماعة (4) إلى النجاسة.
والأول أقوى، لحسنة حريز (5)، وصحيحة زرارة (6)، وقوية حسين بن زرارة (7)،
وغيرها من الأخبار.
والقدح في الحسنة بأن ما قيل: إن قوله عليه السلام: " وإن أخذته منه بعد أن
تموت " لم يذكر فيها حكاية الموت واللبن مما لا يمكن غسله، فلا دلالة فيها، لا وجه
له، فإن الظاهر من سياق الرواية - سيما بملاحظة نظائرها - أن المراد بالجميع هو
المأخوذ من الميت.
احتج الآخرون بأنه مائع ملاق للنجس، فيكون نجسا، ورواية وهب بن وهب،
عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السلام: " إن ذلك الحرام محضا " (8).
ويرد على الأول: منع كلية الكبرى أولا، وتخصيصه بما ذكرناه ثانيا، مع كثرة
نظائره في الشريعة، مثل ماء الاستنجاء، وطهارة المذي الخارج من ممر البول، وبقية
الغسالة في الثوب، وغير ذلك.

(1) الخلاف 1: 520.
(2) السرائر (الطبعة الحجرية): 369.
(3) الشرايع 3: 223، المختصر النافع: 253، المنتهى 3: 204.
(4) كالمحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 167.
(5) الكافي 6: 258 ح 4، التهذيب 8: 75 ح 321، الاستبصار 4: 88 ح 338، الوسائل 16: 447 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 33 ح 3.
(6) الفقيه 3: 216 ح 1006، التهذيب 9: 76 ح 324، الاستبصار 4: 89 ح 339 الوسائل 16: 449 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 33 ح 10.
(7) الكافي 6: 258 ح 3، التهذيب 9: 75 ح 320، الوسائل 2: 1089 أبواب النجاسات ب 68 ح 2، 3.
(8) التهذيب 9: 76 ح 325، الاستبصار 4: 89 ح 340، قرب الإسناد: 64، الوسائل 16: 449 أبواب الأطعمة
المحرمة ب 33 ح 11.
404

على الثاني ضعف الرواية جدا (2)، مع أنها موافقة للعامة، فتحمل على التقية،
ولكن الاحتياط مما لا ينبغي تركه.
الرابع: المشهور جواز استعمال الصوف وأخواته بالجز والقطع، ولكن حكموا
في صورة القلع بغسل موضع الاتصال (2).
والشيخ اشترط الجز، لأن أصولها المتصلة باللحم من جملة أجزائه، وإنما
تستكمل استحالتها بعد تجاوزها عنه (3)، وهو ممنوع، لصدق التسمية أولا، ولدلالة
الأخبار ثانيا بإطلاقها وعمومها (4)، وهذه الإطلاقات مع اعتضادها بالأصل تترجح
على ما دل على نجاسة أجزاء الميتة لو سلم ما يدل عليه بالعموم.
وأما الغسل مع القلع، فلعله من جهة ملاقاتها الميتة رطبة، وخصوص الحسنة
المتقدمة (5)، وإن أمكن القدح فيه بأنه لما شمل غير صورة القلع، فلا يمكن حمله
على العموم، فلا بد من حمله على الاستحباب.
والخلاف المذكور يمكن إجراؤه في القرن والسن والظلف والحافر أيضا، وإن
لم قف على تصريح به في كلامهم.
والتعليل المتقدم وظاهر الحسنة يقتضي الغسل في صورة القلع لو صاحب
رطوبة.
الخامس: مقتضى الإطلاقات عدم الفرق في الأمور المذكورة بين ما يؤكل

(1) فإن وهب الراوي قال عنه النجاشي: إنه كان كذابا وله أحاديث مع الرشيد في الكذب. رجال النجاشي:
430.
(2) كالعلامة في النهاية 1: 269، والمحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 163، وصاحب المدارك 2: 272،
وصاحب الحدائق 5: 82.
(3) الخلاف 1: 66.
(4) الوسائل 2: 1088 أبواب النجاسات ب 68.
(5) يعني حسنة حريز المتقدمة.
405

لحمه وغيره، وفرق العلامة في البيضة، فحكم بالنجاسة في غير المأكول (1)،
ولا وجه له.
وتردد في المعالم (2) في إنفحة مثل الحيوان الموطوء من جهة أن الأخبار مسوقة
لبيان الحل، ومنه استفيدت الطهارة، وحيث لا حل فلا طهارة.
وما ذكره ممنوع، لأن بعض الأخبار حكم بأنها ذكية ونحو ذلك، وهو أعم من
الحل.
السادس: اختلف كلام العلامة في كتبه في فأرة المسك، فذهب في غير المنتهى
إلى طهارتها مطلقا (3) كالشهيد في الذكرى (4)، واستقرب في المنتهى نجاستها
لو انفصلت بعد الموت (5).
وظاهر إطلاق صحيحة علي بن جعفر: " عن فأرة المسك تكون مع الرجل وهو
يصلي، وهي معه في جيبه أو ثيابه، فقال: لا بأس بذلك " (6) مع الأول.
وصحيحة عبد الله بن جعفر: " هل يجوز للرجل أن يصلي ومعه فأرة مسك؟
قال: " لا بأس بذلك إذا كان ذكيا " (7) مع الثاني.
وأصل الطهارة يعضد الأول، سيما مع عدم انصراف ما دل على نجاسة
الميتة وكذلك ما دل على نجاسة المبان من الحي إلى ذلك، سيما مع احتمال إرادة
عدم عروض النجاسة الخارجية من الذكي في الصحيحة الأخرى، والأحوط
الاجتناب.

(1) نهاية الإحكام 1: 270، المنتهى 3: 207، 209.
(2) نقله عنه في الحدائق 5: 84.
(3) التذكرة 1: 58، نهاية الإحكام 1: 270.
(4) الذكرى: 14.
(5) المنتهى 3: 309.
(6) الفقيه 1: 165 ح 775، التهذيب 2: 362 ح 1499، الوسائل 3: 314 أبواب لباس المصلي ب 41 ح 1.
(7) التهذيب 2: 362 ح 1500، الوسائل 3: 315 أبواب لباس المصلي ب 41 ح 2.
406

وقد يقال: إن شراءها من مسلم يكفي، وفيه تأمل لظهور الخلاف في
المسألة بينهم.
وكيف كان فالظاهر عدم الخلاف في طهارة غير ما انفصل بعد الموت.
وأما المسك فلا إشكال في طهارته، للاجماع، ولاستعمال المعصومين عليهم
السلام إياه، واحتمال ورود الإشكال بأنه لعله كان مأخوذا من الميتة أيضا مدفوع
باستصحاب الطهارة السابقة، مع أنه يمكن نفي البأس عما علم كونه منها أيضا
كالإنفحة.
السادس: الذكاة إما أن تثمر الحل والطهارة معا كما في ما يؤكل لحمه بالاجماع
والكتاب والسنة، أو الحل فقط كالسمك، أو الطهارة فقط كما في السباع.
ولا ريب في عدم تأثير الذكاة أثرا في الآدمي والكلب والخنزير، كما لا ريب في
تأثيرها فيما يؤكل لحمه.
والظاهر حلية استعمال السمك بعد حصول شرائط تذكيته وإن لم يكن محللا.
واختلفوا في السباع والمسوخ والحشرات، أما السباع فالمعروف من مذهب
الأصحاب بحيث لا يعرف لهم مخالف وقوع الذكاة عليها، وتدل عليه صحيحة أبي
علي بن راشد، وفي آخرها: قلت فالثعالب يصلى فيها؟ قال: " لا، ولكن يلبس
بعد الصلاة " (1) وموثقة ابن بكير (2).
ويظهر من تتبع الأخبار الواردة في النهي عن الصلاة في الثعالب والأرانب
وغيرها (3) أن أصل اللبس كان جائزا، وإنما المنع عن الصلاة.
وما رواه في قرب الإسناد، عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام، قال:

(1) التهذيب 2: 210 ح 822، الاستبصار 1: 384 ح 1457، الوسائل 3: 258 أبواب لباس المصلي ب 7 ح 4.
(2) الكافي 3: 397 ح 1، التهذيب 2: 209 ح 818، الوسائل 3: 250 أبواب لباس المصلي ب 2 ح 1.
(3) الوسائل 3: 258 أبواب لباس المصلي ب 7.
407

وسألته عن القعدة والقيام على جلود السباع وركوبها وبيعها، أيصلح ذلك؟ قال:
" لا بأس، ما لم يسجد عليها " (1).
وموثقة سماعة، وهي مسندة إلى الصادق عليه السلام في الفقيه، وفي آخرها:
" أما لحومها فإنا نكرهه، وأما الجلود فاركبوا عليها ولا تلبسوا منها شيئا تصلون
فيه " (2).
والعجب من الشهيد ومن تأخر عنه حيث قدحوا بإضمار الرواية (3).
وموثقته الأخرى، قال: سألته عن جلود السباع ينتفع بها؟ فقال: " إذا رميت
وسميت فانتفع بجلدها " (").
ومع هذه الأخبار وعمل الأصحاب فلا وجه لمبالغة الشهيد الثاني في تقوية عدم
التذكية (5).
ولعله لأنه لم يطلع إلا على هاتين الروايتين، وقدح فيهما بالوقف والإضمار،
وقد عرفت خلافه.
وأما المسوخ، فمن قال بنجاستها فيلزمه المنع، واختلف الباقون.
احتج المجوزون بالأصل، وهو باطل، لثبوت اشتراط التذكية والأصل عدمه،
ولا يكفي عدم العلم بكونها ميتة حينئذ، بل المستفاد من الأدلة أن التذكية شرط، إلا
أن حصول العلم بكونه ميتة محرم، فتتبع الأخبار تجد ما ذكرنا، وسيجئ في كتاب
المطاعم إن شاء الله تعالى، وبالعمومات مثل قوله تعالى: * (إلا ما ذكيتم) * (6)

(1) مسائل علي بن جعفر: 189، المحاسن: 629، الوسائل 12: 124 أبواب ما يكتسب به ب 37 ح 5.
(2) الكافي 6: 541 ح 2، الفقيه 1: 169 ح 801، التهذيب 2: 205 ح 802، الوسائل 3: 256 أبواب لباس
المصلي ب 5 ح 3.
(3) نقله في المسالك (الطبعة الحجرية) 2: 218.
(4) التهذيب 9: 79 ح 339، الوسائل 2: 1071 أبواب النجاسات ب 49 ح 2.
(5) المسالك (الطبعة الحجرية) 2: 218.
(6) المائدة: 3.
408

وقولهم عليهم السلام: " ما أدركت حياته فذكه " و " إن أدركتها وعين تطرف - إلى
آخره - فقد أدركت ذكاتها " (1).
وفيه: أنها ظاهرة بل أكثرها صريحة فيما يؤكل لحمه.
ويمكن أن يستدل عليه بوقوع الذكاة على الذئب، لأنه من جملة السباع ومن
المسوخ، وقد بينا وقوعها على السباع، ولا قائل بالفصل.
والمسوخ على ما في صحيحة محمد بن الحسن الأشعري (2): الفيل، والذئب،
والأرنب، والوطواط، والقردة، والخنازير، والجري، والضب، والفأرة،
والعقرب، والدب، والوزغ، والزنبور، وفي بعض الروايات الطاوس (3)، وفي
بعضها إلحاق الكلب (4).
وفي الروايات وكلام الأصحاب: أن المسوخ لم تبق أكثر من ثلاثة أيام، وأن
هذه مثل لها، فنهى الله عز وجل عن أكلها (5).
وأما الحشرات - وفسرت بما يسكن في الأرض كالفأرة والضب (6) - فلم نقف
على ما يعتمد عليه في الاستدلال، إلا أن يقال بعد الثبوت في المسوخ على النهج
السابق يثبت في الحشرات، لأن منها الفأرة، ولا قائل بالفصل.
ثم في اشتراط الدباغة في جواز استعمال المذكورات بعد الذبح وإن قلنا بالطهارة
قولان، أقواهما العدم، للأصل والإطلاقات، وكلما ورد في الخز والسنجاب،
خصوصا رواية علي بن أبي حمزة (7).

(1) الوسائل 16: 332 أبواب الذبائح ب 19.
(2) الكافي 6: 246 ح 14، التهذيب 9: 39 ح 166، علل الشرائع: 485، الوسائل 16: 381 أبواب الأطعمة
المحرمة ب 2 ح 7.
(3) الوسائل 16: 380 أبواب الأطعمة المحرمة ب 2 ح 4، 6.
(4) الوسائل 16: 380 أبواب الأطعمة المحرمة ب 2 ح 4، 6.
(5) الفقيه 3: 213 ح 989، الوسائل 16: 383 أبواب الأطعمة المحرمة ب 2 ح 10.
(6) انظر المصباح المنير 1: 167.
(7) الوسائل 3: 263 أبواب لباس المصلي ب 10 وص 252 ب 3 ح 3.
409

واحتج الشيخ (1) على العدم برواية أبي مخلد السراج (2)، وهي غير واضحة
الدلالة والسند.
السابع: الكلب والخنزير غير المائيين نجسان عينا ولعابا بالاجماع، والصحاح
المستفيضة وغيرها (3).
وأما المائيان، فقيل بنجاستهما (4)، لاطلاق الاسم، وفيه منع كونه حقيقة فيهما،
ثم عدم انصراف الإطلاقات إليهما، بل ظاهرها البريان، والقرينة قائمة لو قيل
باشتراكهما لفظا على إرادة البري.
وما يظهر من الصدوق في الفقيه من الاكتفاء بالرش في ملاقاة كلب الصيد
رطبا (5)، فهو ضعيف لا مستند له.
وكذلك قول الشيخ بعدم وجوب غسل موضع عضة الكلب من الصيد (6)، لقوله
تعالى: * (فكلوا مما أمسكن عليكم) * (7) لأن الالتفات في الآية ليس إلا إلى بيان حل
ما يقتله، ولا ينافي توقفه على الغسل بمقتضى سائر الأدلة.
وكذلك الكافر الغير الكتابي، لا خلاف في نجاسته، وادعى عليه بل على نجاسة
مطلق الكافر الاجماع جماعة من الأصحاب (8).

(1) الخلاف 1: 64.
(2) الكافي 5: 227 ح 9، التهذيب 6: 374 ح 1087، الوسائل 12: 124 أبواب ما يكتسب به ب 38 ح 1، في
بيع جلود النمر فقال: مدبوغة هي؟ قال: نعم. قال: ليس به بأس.
(3) الوسائل 2: 1016 أبواب النجاسات ب 12. 13.
(4) السرائر 2: 220.
(5) الفقيه 1: 43.
(6) المبسوط 6: 259، قال: فإن اصطاد بكلب صيدا فعضه الكلب وجرح موضعا منه كان موضع العضة نجسا،
وقال قوم: لا يجب غسله، وقال قوم: يجب غسله لأنه نجسه، والأول أقوى والثاني أحوط.
(7) المائدة: 4.
(8) كالسيد في الانتصار: 10، والمسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 180، والحلي في السرائر 1: 73، والمحقق
في المعتبر 1: 95، والعلامة في المنتهى 3: 222.
410

ويدل على نجاسة غير الكتابي مضافا إلى الاجماع المستفيض، قوله تعالى:
* (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام) * (1) فإن الظاهر ثبوت الحقيقة
الشرعية، ويؤيده النهي عن قرب المسجد، سيما مع ملاحظة قوله عليه السلام:
" جنبوا مساجدكم النجاسة " (2).
وحمل المصدر على باب المبالغة أولى وأظهر من تقدير المضاف، أي: ذو نجاسة
خارجية من جهة عدم توقيهم من الخمر والمني وغيرهما، سيما مع ملاحظة الحصر،
وقد يستدل بقوله تعالى: * (وكذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) * (3) و
هو ضعيف، والظاهر أن المراد به الشك أو العذاب والغضب.
وأما اليهود والنصارى والمجوس، فالمعروف من المذهب نجاستهم، كما أن
المعروف من المخالفين طهارتهم.
وعد نجاستهم في الانتصار مما انفردت به الإمامية (4)، وادعى عليه الاجماع غير
واحد من الأصحاب (5) وعن ابن الجنيد وابن أبي عقيل القول بطهارتهم (6).
لنا: الآية المتقدمة، فإنهم مشركون. أما النصارى فلقولهم بالأقانيم، قال الله
تعالى: * (ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد) * (1) وأيضا بإله له ابن هو
المسيح، وليس هو الله في الواقع، فأخذوا له شريكا. وكذلك اليهود، حيث قالوا
بأن عزير ابن الله.

(1) التوبة: 28.
(2) الوسائل 3: 504 أبواب أحكام المساجد ب 24 ح 2.
(3) الأنعام: 125.
(4) الإنتصار: 10.
(5) كابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 551، وابن إدريس في السرائر 1: 73.
(6) نقله في المعتبر 1: 96.
(7) النساء: 171.
411

وفي ذلك تأمل يظهر مما يأتي في المجبرة والمجسمة، مع أنه تعالى قال في حقهم:
* (سبحانه عما يشركون) * (1) بعد ذكر اتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون
الله، وعطف المشركين عليهم في القرآن لا يستلزم نفي الشرك عنهم.
وأما المجوس فلقولهم بإلهين اثنين، النور والظلمة.
ويدل عليه كل ما ورد في تفسير الآية الآتية من الأخبار المفسرة للطعام
بالحبوب، الحاصرة فيها، الدالة على عدم حل غير الحبوب (2). ولا وجه لها في
الرطبة منها غير اللحوم إلا النجاسة.
وصحيحة محمد بن مسلم: " لا تأكلوا من آنيتهم، ولا من طعامهم الذي
يطبخون، ولا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر " (3). وكلمة " من " في الأولى
مشعرة بكون الطعام لهم، واختصاصهم بالآنية من حيث الأكل.
وصحيحة زرارة، في آنية المجوس: " إذا اضطررتم إليها فاغسلوها بالماء " (4).
وموثقة سعيد الأعرج: عن سؤر اليهودي والنصراني أيؤكل أو يشرب؟ قال:
" لا " (5).
وصحيحة علي بن جعفر في النهي عن مؤاكلة المجوسي في قصعة واحدة (6).
ورواية هارون بن خارجة (7).
وصحيحة علي بن جعفر في النهي عن الاغتسال في الحمام مع اليهودي

التوبة: 31.
(2) الوسائل 16: 469 أبواب الأطعمة المحرمة ب 51.
(3) الكافي 6: 264 ح 5، التهذيب 9: 88 ح 372، الوسائل 16: 475 أبواب الأطعمة المحرمة ب 53 ح 4.
(4) المحاسن: 584 ح 73، الوسائل 16: 477 أبواب الأطعمة المحرمة ب 54 ح 8.
(5) الفقيه 3: 219 ح 1014، الوسائل 16: 475 أبواب الأطعمة المحرمة ب 54 ح 1.
(6) الكافي 6: 264 ح 7، الوسائل 2: 1019 أبواب النجاسات ب 14 ح 6.
(7) الكافي 6: 264 ح 8، التهذيب 9: 87 ح 367، المحاسن: 453 ح 371، الوسائل 16: 472 أبواب الأطعمة
المحرمة ب 52 ح 2
412

والنصراني (1). وتجويز التوضؤ بسؤرهم في حال الاضطرار في آخر الرواية لا يقدح
فيه، لامكان إرادة التقية من الاضطرار، وإلى غير ذلك من الأخبار.
وتعليل المنع في بعض الأخبار بأنهم يأكلون الخمر أو الميتة أو نحو ذلك (2)، لعله
مفر من إيراد العامة، واصلاح لحال التقية، وتعليم وإرشاد للجواب عنهم إذا اطلعوا
على اجتنابهم عن ذلك.
واحتج المخالف (3) بقوله تعالى: * (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) * (4) فإنه
يشمل ما باشروه بالرطوبة. وبالأخبار الكثيرة الصحيحة وغيرها، الواضحة الدلالة
على المطلوب (5).
وفيه: أن الطعام هو البر، كما نص عليه جماعة من اللغويين وأصحاب الحديث
من العامة، قال في المجمل: قال بعض أهل اللغة، الطعام البر خاصة (6)، وفي
الصحاح: وربما خص اسم الطعام بالبر (7).
وفي المغرب: اسم لما يؤكل وغلب في البر (8).
وفي القاموس: البر وكل ما يؤكل (9).
سلمنا العموم، لكن الأخبار المستفيضة المعمول بها خصته بالحبوب، وحصرته
فيها. ووجه تخصيصهم بالذكر مع عدم الاختصاص لعله كان بملاحظة شأن النزول.

(1) التهذيب 1: 223 ح 640، الوسائل 2: 1020 أبواب النجاسات ب 14 ح 9.
(2) الوسائل 16: 476 أبواب الأطعمة المحرمة ب 54 ح 4 - 6، ففي رواية إسماعيل بن جابر في طعام أهل الكتاب:
لا تتركه تقول إنه حرام، ولكن تتركه تتنزه عنه، إن في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير.
(3) كما في المدارك 2: 297.
(4) المائدة: 5.
(5) انظر الوسائل 2: 1018 أبواب النجاسات ب 14، و ج 16: 473 أبواب الأطعمة المحرمة ب 53.
(6) مجمل اللغة 3: 323.
(7) الصحاح 5: 1974.
(8) المغرب 2: 14.
(9) القاموس المحيط 4: 145.
413

لا يقال: عطف الخاص على العام إنما يكون لنكتة، فعطف طعامهم على
الطيبات إنما يتم إذا حمل على العموم، وإلا فالحبوب من الطيبات، ولا وجه
لافرادها.
لأنا نقول: مظنة مباشرتهم له رطبا سيما في حال الرض والتصفية لما أوهم
خروجها من الطيبة أدخلها بعطفها على الطيبات.
مع أنا نقول: حلية طعامهم من حيث إنه طعامهم لا ينافي نجاسته من جهة
مباشرتهم، كما أن حرمة عقد نسائهم دواما إنما هو من جهة أنها نساؤهم.
وأما الأخبار، فهي محمولة على التقية، لموافقتها للعامة، سيما والقائل بها من
الأصحاب ابن الجنيد والذي أغلب فتاويه موافق لهم، ويلوح ذلك من خصوص
حسنة الكاهلي (1)، وصحيحة إسماعيل بن جابر (2) وغيرهما.
وهذه الأخبار كلما ازدادت عددا وسندا ودلالة مع هجر معظم الأصحاب إياها
ازدادت ضعفا. خصوصا مع عملهم على ما هو أقل منها عددا وسندا ودلالة.
ثم ما مر من الكافر هو ما قابل المسلم، وهو من أنكر أحد الأصول الثلاثة:
التوحيد والنبوة والمعاد، بل الأصلين الأولين، فإن الثالث يرجع إلى إنكار الأولين،
لكونه إنكارا للبديهي من الدين، بل جميع الأديان، وكل منكر للبديهي منه كافر،
لأنه يرجع إلى إنكار المخبر عنه أو صدقه.
فعلى هذا يكون الخارجي والناصبي كفارا منتحلين للاسلام، ولا خلاف في
نجاستهم، وفي عدة أخبار النهي عن الاغتسال بغسالة الحمام معللا بأن فيها غسالة

(1) الكافي 6: 263 ح 4، التهذيب 9: 88 ح 370، الوسائل 16: 473 أبواب الأطعمة المحرمة ب 53 ح 2،
ففيها: أما أنا فلا أؤاكل المجوسي، وأكره أن أحرم عليكم شيئا تصنعونه في بلادكم.
(2) الكافي 6: 264 ح 9، التهذيب 9: 87 ح 368، المحاسن: 454 ح 377، الوسائل 16: 476 أبواب الأطعمة
المحرمة ب 54 ح 4، فإن فيها: عن طعام أهل الكتاب فقال: لا تأكله، ثم سكت هنيئة ثم قال: لا تأكله، ثم سكت
هنيئة ثم قال: لا تأكله ولا تتركه، إلى آخر الحديث.
414

الناصب، وفي رواية ابن أبي يعفور: " إن الله لم يخلق خلقا شرا من الكلب، وأن
الناصب أهون على الله من الكلب " (1) وفي رواية أخرى له موثقة: " إياك أن تغتسل
من غسالة الحمام، ففيها تجتمع غسالة اليهودي، والنصراني، والمجوسي، والناصب
لنا أهل البيت، وهو شرهم، إن الله لم يخلق خلقا أنجس من الكلب، وإن الناصب
لنا أهل البيت لأنجس منه " (2).
وكذلك الغالي، وهو القائل بألوهية علي عليه السلام أو أحد من الناس، فإنهم
مشركون منكرون للتوحيد، فيكونون كفارا مندرجين تحت نقل الاجماعات والآية،
وبالجملة لا خلاف بينهم في كفرهم، والكافر نجس.
وأما المجبرة، فلا دليل على نجاستهم، لأنهم مقرون بالشهادتين، ولا ينكرون ما
هو البديهي من الدين، وما به تحقن الدماء، وتحل الذبائح، وتثبت المواريث، وتجوز
المشاورة والمعاشرة، وهو ظهور الاسلام بسبب الإقرار بالشهادتين كما نطقت به
الأخبار.
وما استدل به في الكشاف على تكذيبهم للرسل والكتب بقوله تعالى: * (سيقول
الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شئ كذلك كذب الذين
من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا) * (3). بتقريب أن المستفاد من العقل والكتب براءة الله
تعالى من مشيئة القبيح، فإسناد القبيح إليه تعالى تكذيب لله وكتبه (4) لا ينهض
حجة، لأنهم لعلهم أرادوا أن ذلك مرضي لله تعالى، مستحسن عنده، لا أنه قبيح
لكنه حصل بمشيئته.
ولعل التكذيب راجع إلى اخباره بأن الله تعالى منعهم عن الشرك ونحو ذلك،

(1) الكافي 3: 14 ح 1، علل الشرائع: 292، الوسائل 1: 159 أبواب الماء المضاف ب 11 ح 4.
(2) الكافي 3: 14 ح 1، علل الشرائع: 292، الوسائل 1: 159 أبواب الماء المضاف ب 11 ح 5.
(3) الأنعام: 148.
(4) الكشاف 2: 76.
415

فيكون كذلك إشارة إلى قوله تعالى قبل هذا: * (فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة
واسعة) * (1).
وقد ورد عن علي عليه السلام: " إن التوضؤ بفضل وضوء المسلمين أحب إلي
من التوضؤ من ركو أبيض مخمر، فإن أحب دينكم إلى الله الحنيفية السمحة
السهلة " (2).
وأما المجسمة فاختلف فيهم كلام الأصحاب، فذهب الشيخ وجماعة إلى
النجاسة (3).
وقد يعلل بأن القائل بالجسم لا بد أن يقول بحدوثه تعالى، لحدوث الأجسام.
وفيه منع، إذ الاعتقاد بالملزوم لا يستلزم الاعتقاد باللازم، فلعل اعتقادهم
الفاسد: هو الجسمية مع القدم، وإن كان مستحيلا في نفس الأمر.
وأما المخالفون غير النصاب، فلا إشكال في طهارتهم، كما يستفاد من عموم
الأخبار المعتضدة بالأصل.
وقول السيد بنجاستهم مطلقا (4)، وابن إدريس بنجاسة غير المستضعفين
منهم (5)، ضعيف.
وقد نقل عن السيد: الاستدلال بقوله تعالى: * (كذلك يجعل الله الرجس على
الذين لا يؤمنون) * (6).
وبقوله تعالى: * (إن الدين عند الله الاسلام) * (7) * (ومن يبتغ غير الاسلام

(1) الأنعام: 147.
(2) الفقيه 1: 9 ح 16، الوسائل 1: 152 أبواب الماء المضاف ب 8 ح 3.
(3) المبسوط 1: 14.
(4) حكاه في الذخيرة: 152.
(5) السرائر 1: 84.
(6) الأنعام: 125.
(7) آل عمران: 19.
416

دينا فلن يقبل منه) * (1) والإيمان تستحيل مغايرته للاسلام، فمن ليس بمؤمن ليس
بمسلم.
وفيهما منع ظاهر.
عن الصدوق (2) والسيد (3) وابن إدريس (4) القول بنجاسة ولد الزنا، لكفره،
لمرسلة الوشاء، عن الصادق عليه السلام: " إنه كره سؤر ولد الزنا واليهودي والنصراني
والمشرك، وكل من خالف الاسلام، وكان أشد ذلك عنده سؤر الناصب " (5) بتقريب
أن ظاهر السياق مخالفته للاسلام، وأن النجاسة ليست إلا من جهة الكفر.
ورواية حمزة بن أحمد، عن الكاظم عليه السلام: " لا تغتسل من البئر التي
يجتمع فيها ماء الحمام، فإنه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب وولد الزنا والناصب لنا
أهل البيت، وهو شرهم " (6).
ورواية ابن أبي يعفور، عن الصادق عليه السلام: " لا تغتسل من البئر التي تجتمع
فيها غسالة الحمام، فإن فيها غسالة ولد الزنا، وهو لا يطهر إلى سبعة آباء " (7).
قال في المعتبر: ربما يعلل المانع - يعني من سؤر ولد الزنا - بأنه كافر، ونحن نمنع
ذلك ونطالبه بدليل دعواه، ولو ادعى الاجماع كما ادعاه بعض الأصحاب كانت
المطالبة باقية، فإنا لا نعلم ما ادعاه (8).

(1) آل عمران: 85.
(2) الفقيه 1: 8.
(3) الإنتصار: 273.
(4) السرائر 1: 357.
(5) الكافي 3: 11 ح 6، التهذيب 1: 223 ح 639، الاستبصار 1: 18 ح 37، الوسائل 1: 165 أبواب الأسئار
ب 3 ح 2.
(6) التهذيب 1: 373 ح 1143، الوسائل 1: 158 أبواب الماء المضاف ب 11 ح 1.
(7) الكافي 3: 14 ح 1، الوسائل 1: 159 أبواب الماء المضاف ب 11 ح 4.
(8) المعتبر 1: 98، ولعله أراد بالبعض هو ابن إدريس فإنه قال: وولد الزنا لا خلاف بيننا أنه قد ثبت كفره بالأدلة
أيضا بلا خلاف. السرائر 1: 357.
417

والحق أنه مسلم وطاهر، كما عليه سائر الأصحاب، للأصل، ولما استفيض عنه
عليه السلام: " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه " (1)
فيبقى على الطهارة حتى تثبت النجاسة بدليل.
وما ذكر من الأخبار مقدوح السند والدلالة، فلا يعارض ما ذكرنا، فإن من
المنهيات في بعضها غسالة الجنب، وليس ذلك للنجاسة، فيكون المراد بالكراهة
القدر المشترك مع عدم دلالته على الحرمة.
ويمكن أن يكون ولد الزنا في الأخبار كناية عن الناصب، وهو المناسب لتكرر
وروده في الأخبار، فإن العلم بولد الزنا الحقيقي في غاية الندرة، فلا يناسب الحكم
بالجزم بوجود غسالته في المستنقع.
ويؤيده إفراده بالذكر في رواية ابن أبي يعفور.
وقد يستدل على منع كفره بلزوم تكليف ما لا يطاق.
وهو إنما يلزم لو قيل بأنه يخلق كافرا، لا إذا قيل بأن هؤلاء يكفرون في الواقع
لسوء اختيارهم، كما في خصوص إيمان أبي لهب، فالقول بأنهم يكفرون بعد
البلوغ بسوء اختيارهم لا يستلزم تكليف ما لا يطاق، فيبقى الكلام مع دليلهم في
ثبوت كفرهم، وقد مر ضعفه.
وأما الاجماع المنقول، فالأمارات شاهدة على خطأ ناقله، فلا اعتماد عليه.
تذنيبات:
الأول: الأشهر الأقوى نجاسة ما لا تحله الحياة من الحيوانات الثلاث، خلافا
للسيد، فطهره (2).

(1) أصول الكافي 2: 13 ح 4.
(2) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 182.
418

لنا: إطلاق قول تعالى: * (إنما المشركون نجس) * (1) فإنه يشمل جميع أجزائهم،
وإطلاقات الأخبار الصحيحة الدالة على نجاستها، وهي مشتملة على تلك الأجزاء،
والأخبار الصحاح وغيرها المستفيضة الدالة على أنه إذا أصاب الكلب الثوب يجب
غسله (2).
وكذلك رواية علي بن جعفر في الخنزير (3) تدل على نجاسة شعرهما، فإن
الغالب أن الإصابة بالشعر، وخصوص الروايات الواردة في نجاسة شعر الخنزير.
حجة السيد: أن ما لا تحله الحياة ليس من أجزاء نجس العين.
وفيه منع واضح، سيما في العظام.
وأن ما لا تحله الحياة منها مثله من الميتة، فيكون طاهرا، وهو قياس مع الفارق،
مع أن الأصل غير ثابت، فإن خروجه إنما كان من جهة النصوص، وصحيحة
الحلبي المتقدمة ثمة إنما دلت على أن الصوف ليس بنجس، لعدم خروج الروح
عنه، لا لمحض أنه غير ذي روح (4) كما لا يخفى.
وصحيحة زرارة (5) ورواية حسين ابنه (6) في جواز الاستقاء بحبل يكون من شعر
الخنزير والتوضؤ من ذلك الماء. وهما لا تقاومان ما تقدم من الأدلة، مع عدم استلزام
الاستقاء به ملاقاة الماء.
الثاني: ما يتولد من الكلب والخنزير، فمع مشاركته لأحدهما في الاسم فلا
إشكال في النجاسة.

(1) التوبة: 28.
(2) الوسائل 2: 1015 أبواب النجاسات ب 12.
(3) الكافي 3: 61 ح 6، التهذيب 1: 261 ح 760، الوسائل 2: 1017 أبواب النجاسات ب 13 ح 1.
(4) التهذيب 2: 368 ح 1530، الوسائل 2: 1088 أبواب النجاسات ب 68 ح 1. ففيها: لا بأس بالصلاة فيما
كان من صوف الميتة، إن الصوف ليس فيه روح.
(5) الكافي 3: 6 ح 10، التهذيب 1: 409 ح 1289، الوسائل 1: 125 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 2.
(6) الكافي 6: 258 ح 3، الوسائل 1: 126 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 3.
419

وإن باين كليهما فصرح جماعة بنجاسته، لنجاسة أصليه (1)، واستشكله
بعضهم (2)، والطهارة قوية، للأصل. ونجاسة الأصلين لم يثبت كونها علة لنجاسة
الفرع، فإن كونه جزءا منهما لا يوجب النجاسة، لاستحالته، كما أن المني يستحيل
حيوانا طاهرا.
وإن تولد بين أحدهما وحيوان طاهر، فإن شارك النجس في الاسم فنجس، وإن
وافق الطاهر فطاهر، وإن باينهما ففيه الإشكال السابق، وهنا أضعف.
الثالث: ظاهر أكثر الأصحاب تبعية ولد الكافرين لهما (3)، ويظهر من بعضهم
وجود الخلاف في ذلك (4).
ولعل وجهه: أن الأصل الطهارة، وتبعية ولد الحيوان لأصله مطلقا غير مسلم
كما بينا، وإنما هو من جهة الاسم، والصبي قبل البلوغ لا يسمى كافرا، وإنما ذلك
وصف عرضي، فإن كان إجماع، وإلا فالحكم مشكل.
وأما إذا سباه مسلم، فعن بعض الأصحاب: أن ظاهر الأصحاب عدم الخلاف
بينهم في طهارته والحال هذه، وإنما اختلفوا في تبعيته للمسلم في الاسلام، بمعنى
ثبوت أحكام المسلم له، فإن ثبت الاجماع فهو، وإلا ففيه إشكال، للاستصحاب (5).
نعم لما كان أصل الحكم محل إشكال، فالطهارة حينئذ أقوى، لأن الاجماع
المتوهم لو ثبت في الأصل فإنما هو ما دام عند والديه، واستصحاب حال الاجماع
فيه ما فيه، هذا.
ولكن الشهيد قال في الذكرى: ولد الكافرين نجس، ولو سباه مسلم وقلنا

(1) كالشهيد الأول في الذكرى: 14، والبيان: 91، والشهيد الثاني في المسالك 1: 122، والروضة البهية 1:
285.
(2) كصاحب المدارك 2: 286.
(3) كالعلامة في التذكرة 1: 68، وفخر المحققين في الإيضاح 1: 364، والشهيد الأول في الذكرى: 14.
(4) يشعر بوجود الخلاف كلام العلامة في النهاية 1: 274، وخالف صاحب المدارك 2: 289.
(5) المعالم: 260.
420

بالتبعية طهر، وإلا فلا (1).
الثامن: المشهور نجاسة الخمر وكل مسكر مائع بالأصالة (2)، وعن الصدوق (3)
وابن أبي عقيل (4) والجعفي (5) القول بالطهارة.
الأول أقوى، للاجماع، كما يظهر من السيد (6) والشيخ (7) وابن إدريس (8) وابن
زهرة (9) وفخر المحققين (10)، حتى أن ابن إدريس نسب إلى الصدوق مخالفة
المسلمين، فضلا عن طائفته. والأخبار الكثيرة من الصحاح والموثقات وغيرها،
المنجبر ضعفها بعمل الأصحاب، مثل الصحاح الواردة في نزح البئر (11).
ومثل صحيحة علي بن مهزيار، وفي جملتها: " إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ -
يعني المسكر - فاغسله إن عرفت موضعه، وإن لم تعرف موضعه فاغسله كله، وإن
صليت فيه فأعد صلاتك " (12).
وصحيحة محمد بن مسلم: " لا تأكلوا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر " (13).

(1) الذكرى: 14.
(2) كالمفيد في المقنعة: 67، والشيخ في النهاية: 51، والمبسوط 1: 36، والخلاف: كتاب الأشربة مسألة 3،
والسيد في المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 181.
(3) الفقيه 1: 43.
(4) نقله عنه في المختلف 1: 469، والذكرى: 13.
(5) نقله عنه في الذكرى: 13.
(6) الإنتصار: 197، المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 181.
(7) المبسوط 1: 36، الخلاف: كتاب الأشربة مسألة 3.
(8) السرائر 1: 70، 179.
(9) الغنية (الجوامع الفقهية): 550.
(10) الإيضاح 4: 155.
(11) الوسائل 1: 131 أبواب الماء المطلق ب 15.
(12) الكافي 3: 407 ح 14، الوسائل 2: 1055 أبواب النجاسات ب 38 ح 2.
(13) الكافي 6: 264 ح 5، المحاسن: 454 ح 376، الوسائل 2: 1018 أبواب النجاسات ب 14 ح 1.
421

وصحيحتا عبد الله بن سنان الآمرتان بغسل ثوب أعير ممن يشرب الخمر (1)،
المحمولتان على الاستحباب من جهة عدم العلم بمباشرة الخمر.
وموثقة عمار: " ولا تصلي في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتى يغسل " (2).
رواية يونس: " إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ مسكر فاغسله إن عرفت موضعه،
وإن لم تعرف موضعه فاغسله كله، فإن صليت فيه فأعد صلاتك " (3).
ورواية أبي بصير: " ما يبل الميل ينجس حبا من ماء "، يعني من النبيذ (4)، فإنه
لم يفرق الأصحاب بينه وبين الخمر، إلى غير ذلك من الأخبار.
وأما الآية فالاستدلال بها ضعيف.
واحتج الخصم بالأصل والاستصحاب والصحاح وغيرها من الأخبار مثل
صحيحة علي بن رئاب (5)، وصحيحة الحسن بن أبي سارة (6)، وصحيحة إسماعيل
بن جابر (7) وغيرها من الأخبار (8).
والأصل والاستصحاب لا يعارضان الدليل، وهذه الروايات لا تقاوم تلك

(1) التهذيب 2: 361 ح 1494، 1495، وإحداهما أيضا في الكافي 3: 405 ح 5، الوسائل 2: 1095 أبواب
النجاسات ب 74 ح 1، 2.
(2) التهذيب 1: 278 ح 817، الوسائل 2: 1056 أبواب النجاسات ب 38 ح 7.
(3) الكافي 3: 405 ح 4، التهذيب 1: 278 ح 818، الاستبصار 1: 189 ح 661، الوسائل 2: 1055 أبواب
النجاسات ب 38 ح 3. وهي ضعيفة بالإرسال، ولأنها رواية محمد بن عيسى عن يونس.
(4) الكافي 6: 413 ح 1، الوسائل 2: 1056 أبواب النجاسات ب 38 ح 6.
(5) قرب الإسناد: 76، الوسائل 2: 1058 أبواب النجاسات ب 38 ح 14. عن الخمر والنبيذ المسكر يصيب ثوبي
أغسله أو أصلي فيه؟ قال: صل فيه إلا أن تقذره فتغسل منه موضع الأثر، إن الله تبارك وتعالى إنما حرم شربها.
(6) التهذيب 1: 280 ح 822، الاستبصار 1: 189 ح 664، الوسائل 2: 1057 أبواب النجاسات ب 38 ح 10
إن أصاب ثوبي شئ من الخمر أصلي فيه قبل أن أغسله؟ فقال: لا بأس، إن الثوب لا يسكر.
(7) الكافي 6: 264 ح 9، التهذيب 9: 87 ح 368، المحاسن: 454 ح 377، الوسائل 16: 476 أبواب الأطعمة
ب 54 ح 4. وقد مرت في الكافر.
(8) انظر الوسائل 2: 1057 أبواب النجاسات ب 38 ح 11 - 13.
422

الروايات، فيجب طرحها أو تأويلها.
وقد تؤول بحملها على التقية، لكون الطهارة مذهب أكثر العامة، على ما ذكره
الشيخ في الاستبصار (1).
وقد يقال: بل أكثرهم على النجاسة، كما يظهر من ابن إدريس (2) - وقد عرفت
كلامه - والسيد، فإنه قال: لا خلاف بين المسلمين في نجاسته إلا من شذاذ منهم (3)،
لا اعتبار بقولهم.
وقد يجاب بأن ذلك تقية من أمرائهم، حيث كانوا مولعين بشرب الخمر.
وقد يرد بأن ذلك ينافي عدم التقية في بيان تحريمه في الأخبار من دون تقية.
وقد يجاب بأن ذلك لأجل كونه ضروريا من الدين، مسطورا في الكتاب المبين.
ويرد بأن المبالغة في الأخبار أزيد مما ظهر في الكتاب، والضرورة تخالف التقية
أزيد من بيان نجاسته التي هي موافقة لمذاهب علمائهم.
أقول: ويمكن أن يقال: إن النجاسة مما تورث مهانة لصاحبها في أنظار العوام،
بخلاف أكل الحرام، فقد تستنكف النفوس عن نسبتهم إلى النجاسة وأكل النجس،
بخلاف الحرام، سيما الظلمة والمتغلبين، فناسب فيه التقية.
وأما الحرمة، فمع علمهم بذلك وتجاهرهم بتعاطيه مع كمال وضوحه فليس بهذه
المثابة.
وكيف كان، فالشهرة العظيمة مع الاجماعات المنقولة وملاحظة حماية الحمى
وسد الطرق إلى الاستهانة والاستخفاف بمثل هذا الخبيث الذي هو أبو المفاسد
العظام، ومادة جميع الفسوق والآثام مما يعين ترجيح أخبار المشهور.
وأما سائر المسكرات المائعة بالأصالة، فلم يفرق الأصحاب بينهما، ولا خلاف

(1) الاستبصار 1: 190 ذ. ح 667.
(2) السرائر 1: 179، وكصاحب المدارك 2: 290.
(3) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 181.
423

بينهم في ذلك على ما يظهر من غير واحد منهم (1).
وتدل عليه الأخبار الكثيرة مما يدل على كون كل ما كانت عاقبته عاقبة الخمر مثل
الخمر في الحكم، وأن كل مسكر خمر، فإن المراد به اتحادها في الحكم، حتى ورد
في بعض الصحاح أن الخمر من خمسة: العصير من الكرم، والنقيع من الزبيب،
والبتع من العسل، والمزر من الشعير، والنبيذ من التمر (2).
ويدل عليه خصوص الأخبار المتقدمة، وغيرها.
وأما عدم نجاسة الغير المائع بالأصالة من المسكرات، وإن صار مائعا بالعرض،
فكأنه إجماعي كما يظهر من غير واحد (2)، والمتبادر مما مر من الأخبار أيضا ذلك،
إلا في بعض ما دل بالعموم على أن كل مسكر خمر، والإنصاف أن المتبادر منه أيضا
المائع.
وكيف كان فطهارته مقتضى الأصل، وليس ما يعتمد عليه في خروجه عنه.
وأما لو جمد المائع، فهو أيضا نجس، لاستصحاب النجاسة، وعدم المخرج.
ثم إن الأصحاب ألحقوا الفقاع بالخمر في الحكم، وإن لم يكن مسكرا، وادعى
عليه الاجماع الشيخ (4) وابن زهرة (5) والعلامة (6).
ويدل عليه مضافا إلى نقل الاجماع، الأخبار المستفيضة بأنه خمر، وأنه خمر
مجهول، وهي الخمر بعينها، ونحو ذلك، وإن لم نقل بثبوت الحقيقة فيه كما هو
الأظهر، فلا ريب أن الظاهر من تلك الأخبار اتحاد حكمه معه.

(1) كالسيد في المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 181، والشيخ في الخلاف: كتاب الأشربة مسألة 5، والمحقق
في المعتبر 1: 424.
(2) انظر الوسائل 2: 1054 أبواب النجاسات ب 38، و ج 17: 221 أبواب الأشربة المحرمة ب 1، 2.
(3) انظر المعالم: 241، والمدارك 2: 289، وروض الجنان: 163.
(4) الخلاف: كتاب الأشربة مسألة 6.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 550.
(6) المنتهى 3: 217، نهاية الإحكام 1: 272.
424

وخصوص رواية أبي جميلة البصري، عن يونس بن عبد الرحمن: أنه روى عن
هشام بن الحكم، قال: " لا تشربه، فإنه خمر مجهول، وإذا أصاب ثوبك فاغسله " (1).
وأما العصير العنبي فيظهر من المختلف والشيخ علي أن أكثر الأصحاب قائل
بنجاسته إذا غلا (2)، والمحقق في المعتبر وغيره زاد عليه الاشتداد أيضا (3)، وجعله
بعضهم تفسير الغليان من جهة تصاعد الأجزاء المائية بالبخار (4).
وكيف كان فحكم جماعة من المتأخرين بأنه لا دليل على ذلك وأصل البراءة
والطهارة يقتضي عدم النجاسة (5) كما هو مذهب ابن أبي عقيل (6).
أقول: ويمكن أن يستدل عليه بالأخبار الدالة على أن العصير إذا غلا فهو خمر
بالتقريب الذي مر في الفقاع وسائر المسكرات.
ويظهر من تتبع الأخبار أن ما أطلق عليه الخمر فهو مثل الخمر في الأحكام، وإن
لم نقل بثبوت الحقيقة اللغوية كما قيل (7)، أو الشرعية، فإن إطلاق الخمر يقتضي
المشابهة في كل الأحكام أو الأحكام الشائعة، والنجاسة من جملتها.
ومما يرشدك إلى ما ذكرنا: ما نقله الكليني في باب أصل حرمة الخمر (8)، ويشهد
به ما نقله الصدوق عن رسالة أبيه إليه (9)، وعبارة فقه الرضا (10)، وغيرها.

(1) الكافي 6: 423 ح 7، التهذيب 1: 282 ح 828، الوسائل 2: 1055 أبواب النجاسات ب 38 ح 5.
(2) المختلف 1: 469، جامع المقاصد 1: 162.
(3) المعتبر 1: 24، الشرائع 1: 44.
(4) كالشهيد في الذكرى: 13، والبيان: 91، والمقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 312، وصاحب المدارك 2: 293.
(5) المسالك 1: 123، المدارك 2: 291، رياض المسائل 1: 364.
(6) نقله عنه في المختلف 1: 469.
(7) المسالك 1: 123، المدارك 2: 291، رياض المسائل 1: 364
(8) الكافي 6: 393 باب أصل تحريم الخمر، الوسائل 17: 223 أبواب الأشربة المحرمة ب 2.
(9) الفقيه 4: 40.
(10) فقه الرضا (ع): 279.
425

وأما اشتراط الاشتداد، فلم نعرف له دليلا.
والجسم الطاهر الذي ينجس فيه بالغليان كالدقيق والجوز واللوز ونحوها،
فالأظهر طهارته بعد ذهاب الثلثين، لاطلاقات الأخبار، وإشعار بعض الأخبار،
حيث جوز إخلاط الماء مع العصير ثم حله بعد ذهاب الثلثين (1).
ويكفي ذهاب الثلثين بأي نحو اتفق، ولا يجب أن يكون بالنار.
وأما العصير الزبيبي والتمري فقال الشهيد الثاني: لا شبهة في عدم نجاسته (2).
أقول: ويظهر من بعضهم القول (بنجاسته) (3) (4)، ولعل نظر القائل أيضا إلى ما
ذكرنا من جعله من جملة الخمر بسبب الغليان، وبرواية عيثمة قال: دخلت على
أبي عبد الله عليه السلام وعنده نساؤه، قال: فشم رائحة نضوح فقال: " ما هذا؟ "
قالوا: نضوح يجعل فيه الضياح، قال: فأمر به فأهريق في البالوعة (5) - (6).
مضافا إلى موثقة عمار في تفسير النضوح قال: " يطبخ التمر حتى يذهب ثلثاه.
ويبقى ثلثه، ثم يتمشطن " (7) المشعرة بعدم جواز التمشط قبل ذهاب الثلثين.
فلعل الأمر بالإهراق كان لذلك.
وأما الحرمة فأما في العنبي فمما لا خلاف فيه، وفي الزبيبي والتمري خلاف،
والأظهر الحرمة كما يجئ في المطاعم والمشارب.
التاسع: اختلف الأصحاب في نجاسة عرق الجنب من حرام، فعن جماعة من

(1) الوسائل 17: 236 أبواب الأشربة المحرمة ب 8.
(2) روض الجنان: 164.
(3) نقله عن شيخه سليمان عبد الله البحراني في الحدائق 5: 141.
(4) بدل ما بين القوسين في " م "، " ز ": به.
(5) الكافي 6: 428 ح 1، التهذيب 9: 123 ح 264، الوسائل 17: 298 أبواب الأشربة المحرمة ب 32 ح 1.
(6) النضوح بفتح أوله ضرب من الطيب يفوح رائحة، والضياح اللبن الرقيق الممزوج بالماء (منه رحمه الله).
(7) التهذيب 9: 123 ح 266، الوسائل 17: 303 أبواب الأشربة المحرمة ب 37 ح 1.
426

القدماء النجاسة (1)، وعن سلار (2) وابن إدريس (3) وعامة المتأخرين الطهارة.
والأول أقوى، للاجماع المنقول في الخلاف، حيث استند في الخلاف بإجماع
الفرقة والأخبار، ولم يذكر الأخبار.
قال الشهيد: ولعله ما رواه محمد بن همام بإسناده إلى إدريس بن يزداد (4)
الكفرثوثي: أنه كان يقول بالوقف، فدخل سر من رأى في عهد أبي الحسن عليه
السلام، وأراد أن يسأله عن الثوب يعرق فيه الجنب أيصلى فيه؟ فبينما هو قائم في
طاق باب لانتظاره عليه السلام حركه أبو الحسن عليه السلام بمقرعه وقال مبتدئا:
" إن كان من حلال فصل فيه، وإن كان من حرام فلا تصل فيه " (5).
ويدل عليه أيضا ما ورد من النهي عن الاغتسال من غسالة الحمام: " فإنه يغتسل
فيه من الزنا " وفي أخرى: " يغتسل فيه الجنب من الحرام " (6).
وفي الغنية: وقد ألحق أصحابنا بالنجاسات عرق الإبل الجلالة، وعرق الجنب إذا
أجنب من الحرام (7).
واحتج الآخرون بالاطلاقات والعمومات، والمقيد حاكم على المطلق إذا قاومه،
ولا يبعد القول بالمقاومة.
واختلفوا أيضا في عرق الإبل الجلالة، فعن الشيخين (8) وابن البراج (9) النجاسة،

(1) منهم المفيد في المقنعة: 71، والشيخ في الخلاف 1: 483، والنهاية: 53، وابن البراج في المهذب 1: 51،
والصدوق في الفقيه 1: 40، والهداية: 21، والأمالي: 516.
(2) المراسم: 56.
(3) السرائر 1: 181.
(4) في الوسائل: داود.
(5) الذكرى: 14، الوسائل 2: 1039 أبواب النجاسات ب 27 ح 12.
(6) انظر الوسائل 1: 158 أبواب الماء المضاف ب 11 ح 3، 2.
(7) الغنية (الجوامع الفقهية): 551.
(8) الشيخ المفيد في المقنعة: 71، والشيخ الطوسي في المبسوط 1: 38، والنهاية: 53.
(9) المهذب 1: 51.
427

وعن ابن زهرة أنه نسبه إلى أصحابنا (1)، وعن سلار (2) وابن إدريس (3) وجمهور
المتأخرين الطهارة.
للأولين: صحيحة هشام بن سالم (4) وحسنة حفص بن البختري (5).
وللآخرين: الأصل، وحملوا الروايتين على الاستحباب. وهو مشكل، لعدم
المعارض. ولا ريب أن الأحوط بل الأظهر الاجتناب.
العاشر: ذهب الشيخ في النهاية إلى نجاسة الفأرة والوزغة والثعلب
والأرنب (6)، وقبله المفيد في الأولين (7)، وبعده أبو الصلاح (8) وابن زهرة في
الأخيرين، ونقل ابن زهرة الاجماع على ذلك (9).
وذهب جمهور المتأخرين إلى الطهارة، وهو الأقوى، للأصل، وصحيحة
البقباق في الجميع (10)، ورواية الحسن بن شهاب في الثعالب (11)، وكذا جميع ما

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 551.
(2) المراسم: 56.
(3) الموجود في السرائر 1: 181، والإبل الجلالة تجب إزالته على ما ذهب إليه بعض أصحابنا دون غيرها من
الجلالات، وانظر مفتاح الكرامة 1: 152، ولكن نقله عنه في المختلف 1: 461.
(4) الكافي 6: 250 ح 1، التهذيب 1: 263 ح 768، الوسائل 2: 1021 أبواب النجاسات ب 15 ح 1. وفيها:
لا تأكل اللحوم الجلالة، وإن أصابك من عرقها فاغسله.
(5) الكافي 6: 251 ح 2، التهذيب 1: 263 ح 767، الوسائل 2: 1021 أبواب النجاسات ب 15 ح 2.
(6) النهاية: 52.
(7) المقنعة:.
(8) الكافي في الفقه: 131.
(9) الغنية (الجوامع الفقهية): 551.
(10) التهذيب 1: 225 ح 646، الاستبصار 1: 19 ح 40، الوسائل 2: 1014 أبواب النجاسات ب 11 ح 1.
وفيها: سألت أبا عبد الله (ع) عن فضل الهرة... والوحش والسباع فلم أترك شيئا إلا سألته عنه فقال: " لا بأس
به " حتى انتهيت إلى الكلب، فقال: رجس نجس....
(11) التهذيب 2: 367 ح 1527، الاستبصار 1: 382 ح 1448، الوسائل 3: 260 أبواب لباس المصلي ب 7 ح 10.
428

قدمناه في تذكية السباع مما يدل على جواز لبس جلودها.
وتعارضها صحيحة علي بن جعفر في الفأرة (1)، وكذا موثقة عمار (2) وصحيحة
معاوية بن عمار فيها وفي الوزغة (3) ومرسلة يونس في الثعلب والأرنب (4).
ولا بد من حمل المعارضات على الاستحباب، لعدم المقاومة.
وقول السيد وابن الجنيد بنجاسة سؤر الجلال (5)، وقول الشيخ بنجاسة سؤر آكل
الجيف من الطير (6)، ضعيف مخالف للأصل والروايات، ولا مستند لهما يعتد به،
ولا بأس بالكراهة كسؤر الحائض المتهمة والدجاج مطلقا، وفيه تأمل. والأخبار
مستفيضة بنفي البأس عن سؤر ما يؤكل لحمه، وعما يشرب منه الطير، وما ورد في
خصوص الدجاجة (7).
وكذا قول الشيخ في المبسوط وابن إدريس بنجاسة سؤر غير مأكول اللحم من
الحيوان الإنسي، سوى ما لا يمكن التحرز منه، كالفأرة والهرة والحية (8) ضعيف،
للأصل، وصحيحة البقباق وغيرها من الأخبار (9).
واحتج الشيخ بمفهوم موثقة عمار: " كل ما أكل لحمه يتوضأ من

(1) الكافي 3: 60 ح 3، التهذيب 1: 261 ح 761، و ج 2: 366 ح 1522، الوسائل 2: 1049 أبواب النجاسات
ب 33 ح 2.
(2) التهذيب 1: 284 ح 832، الوسائل 2: 1052 أبواب النجاسات ب 36 ح 2.
(3) التهذيب 1: 238 ح 688، وص 245 ح 760، الاستبصار 1: 39 ح 106، الوسائل 1: 137 أبواب الماء
المطلق ب 19 ح 2.
(4) الكافي 3: 407 ح 16، التهذيب 2: 358 ح 1483، الوسائل 2: 1050 أبواب النجاسات ب 34 ح 3.
(5) حكاه عنهما في المعتبر 1: 97، والمختلف 1: 229، وكشف اللثام 1: 31.
(6) النهاية: 5.
(7) الوسائل 1: 166 أبواب الأسئار ب 4، 5.
(8) المبسوط 1: 10، السرائر 1: 85.
(9) انظر الوسائل 1: 163 أبواب الأسئار ب 1 ح 4، 6.
429

سؤره ويشرب " (1).
وقد يقال: إن مخالفة المنطوق والمفهوم تحصل بأن ينقسم المفهوم إلى قسمين،
يعني أن حكم كل ما يؤكل لحمه جواز شرب سؤره، وحكم ما لا يؤكل لحمه أنه
ينقسم إلى قسمين، قسم منه لا يجوز كالكلب والخنزير، وقسم منه يجوز كغيرهما،
فلا تبقى حجة في الاستدلال.
ولكن فيه تأمل، لأنه طرح لاعتبار المفهوم بالنسبة إلى التعميم في المنطوق،
ولا وجه لإخراج ذلك القسم عن حكم المنطوق، فإن ذكر الوصف مخرج لغير محله
على ما هو مقتضى حجية المفهوم، فيبقى اخراجه خاليا عن الفائدة، فذلك قول
بعدم كون الفائدة في التقييد هي مخالفة حكم المسكوت للمنطوق، وهو خروج عن
القول بالحجية.
فالتحقيق في الجواب: منع مقاومتها لما ذكرنا.
ودليله على الاستثناء لعله لزوم العسر والحرج، والأخبار الكثيرة فيها، هذا.
ولكنك عرفت أن للشيخ قولا في النهاية بنجاسة الفأرة أيضا (2). ولا ريب في
ضعفه أيضا.
ولعل النهي عن استعمال ما دخلت فيه الحية لأجل السمية، ولا بأس
بكراهتها (3).
وذهب الشيخ (4) وسلار (5) وابن حمزة (6) إلى نجاسة المسوخات، والأكثر على

(1) الكافي 3: 9 ح 5، التهذيب 1: 228 ح 660، الاستبصار 1: 25 ح 64، الوسائل 1: 166 أبواب الأسئار
ب 4 ح 2.
(2) النهاية: 52.
(3) في " ز ": بكراهتهما.
(4) الخلاف 3: 184.
(5) المراسم: 55.
(6) الوسيلة: 78.
430

طهارتها عينا ولعابا، وهو الأقوى، للأصل وصحيحة البقباق (1) وغيرها من
العمومات والإطلاقات.
واحتجوا بحرمة بيعها، وليس إلا لنجاستها. وهما ممنوعان، وليس للأول إلا
رواية مسمع الدالة على النهي عن بيع القردان (2)، وهي ضعيفة، ومع التسليم فنمنع
العلية.
وذهب ابن الجنيد إلى نجاسة المذي عقيب الشهوة (3) لبعض الأخبار (4). وهو
مدفوع بالصحاح (5)، وإلى نجاسة لبن الجارية (6)، لرواية السكوني (7)، وهي مع
ضعفها مهجورة عند الأصحاب، وربما حملت على الاستحباب.
ونقل في المبسوط قولا بنجاسة القئ (8)، وهو ضعيف، للأصل، والعمومات،
وخصوص رواية عمار (9).
ولا إشكال في طهارة القيح والصديد إذا خلا عن الدم.
وتردد المحقق في نجاسة الدود والصراصر إذا تخلق من النجاسة (10)، ولا وجه له،

(1) الوسائل 2: 1014 أبواب النجاسات ب 11 ح 10، وقد مرت.
(2) الكافي 5: 227 ح 7، التهذيب 7: 134 ح 594، و ج 6: 374 ح 1086، الوسائل 12: 123 أبواب ما
يكتسب به ب 37 ح 4، وفي طريقها سهل بن زياد وغيره من الضعفاء.
(3) نقله عنه في المختلف 1: 463.
(4) الوسائل 2: 1024 أبواب النجاسات ب 17، و ج 1: 196 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 2.
(5) الوسائل 2: 1024 أبواب النجاسات ب 17، و ج 1: 196 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 2.
(6) نقله عنه في المختلف 1: 460.
(7) التهذيب 1: 250 ح 718، الاستبصار 1: 174 ح 604، وفي الفقيه 1: 40 ح 157 مرسلا، الوسائل 2:
1003 أبواب النجاسات ب 3 ح 4، وفي طريقها النوفلي، وفيها: لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن
تطعم لأن لبنها يخرج من مثانة أمها....
(8) المبسوط 1: 38.
(9) الكافي 3: 406 ح 13، التهذيب 1: 423 ح 1340، و ج 2: 358 ح 1484، الوسائل 2: 1070 أبواب
النجاسات ب 48 ح 1.
(10) المعتبر 1: 102.
431

للأصل، وضعف الاستصحاب هنا، لتغير الاسم، ولكل ما دل على طهارة ما مات
فيه ما لا نفس له سائلة.
وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام، قال: سألته عن الدود يقع من
الكنيف على الثواب أيصلى فيه؟ قال: " لا بأس، إلا أن ترى فيه أثرا فتغسله " (1).
والظاهر أن ما يخرج من المقعدة أيضا كذلك، لما ذكرنا، بل الظاهر طهارة
الحبوب التي تخرج من المقعدة، مثل الحمص والعدس ونحوهما إذا خلت عن
النجاسة ما لم تستحل، ولا وجه لتحديده بعدم الإنبات.
وأما لو كان متلطخا بالنجاسة ففي تطهيره التفصيل الآتي في محله، والظاهر
حرمتها، لكونها من الخبائث.
وأما الحديد فهو طاهر قولا واحدا، واستفاضت به الأخبار المعتبرة (2). ويدل
عليه عمل المسلمين في الأعصار والأمصار. وما ورد من الأخبار بخلافه (3) فهو
مهجور، وربما حمل على الاستحباب.

(1) التهذيب 2: 367 ح 1523، الوسائل 2: 1099 أبواب النجاسات ب 80 ح 1.
(2) الوسائل 2: 1101 أبواب النجاسات ب 83.
(3) الوسائل 2: 1101 أبواب النجاسات ب 83.
432

المقصد الثاني
في إزالة النجاسات وتطهيرها
وفيه مباحث:
الأول: تجب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن للصلاة والطواف الواجب، وعن
المأكول والأواني التي تستعمل في الأكل والشرب، على التفصيل الآتي في
مواضعها، باخراج حالة الاضطرار، أو العفو في بعض أفرادها، كما ستجئ مع
أدلتها في محالها. ولا وجوب لها في نفسها بلا خلاف ظاهر.
قالوا: وتجب إزالتها لدخول المساجد وعن المساجد، وهو في الجملة إجماعي
كما نقله الشيخ (1) وابن إدريس (2).
واحتجوا عليه بقوله تعالى: * (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام) * (3)
لظهور إرادة النجاسة المصطلحة، وتعليل عدم القرب بالنجاسة كما تفيده الفاء،
وعدم القول بالفرق بين نجاسة الشرك وغيره، وكذا بين المسجد الحرام وغيره.

(1) الخلاف 1: 518.
(2) السرائر 1: 189، 278، ولم ينقل الاجماع.
(3) التوبة: 28.
433

وبقوله تعالى: * (وطهرا بيتي) * (1).
وفيه: مع منع ثبوت الحقيقة الشرعية وإمكان إرادة الطهارة عن الأصنام، أن ذلك
إنما كان قبل شرعنا.
ويمكن دفعه بظهور مطلوبيته من حكايته تعالى لنا.
وأما التمسك بالاستصحاب لعدم العلم بمنسوخية جميع الأحكام، وكون كل
مشروع ذا حسن ذاتي، فهو لا يتم كما سنشير إليه في صلاة الجمعة.
وبقوله تعالى: * (وثيابك فطهر) * (2) وفيه ما فيه.
وبقوله عليه السلام: " جنبوا مساجدكم النجاسة " (3) وهذا أظهر من الآيات.
ولا وجه للقدح في السند، لانجباره بالعمل.
ويمكن أن يستدل عليه بموثقة الحلبي، قال: نزلنا في مكان بيننا وبين المسجد
زقاق قذر، فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام قال، فقال: " أين نزلتم؟ "
فقلت: نزلنا في دار فلان، فقال: " إن بينكم وبين المسجد زقاقا قذرا " أو قلنا له: إن
بيننا وبين المسجد زقاقا قذرا، فقال: " إن الأرض يطهر بعضها بعضا " قلت:
فالسرقين الرطب أطأ عليه؟ فقال: " لا يضرك مثله " (4).
وما رواه في آخر السرائر من نوادر البزنطي، عن المفضل بن عمر، عن
محمد الحلبي، عنه عليه السلام قال، قلت له: إن طريقي إلى المسجد في
زقاق يبال فيه، فربما مررت فيه وليس علي حذاء، فيلصق برجلي من
نداوته، فقال: " أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟ " قلت: بلى، قال:
" فلا بأس، إن الأرض يطهر بعضها بعضا " قلت: فأطأ على الروث الرطب؟ قال:

(1) البقرة: 125.
(2) المدثر: 4.
(3) الوسائل 3: 504 أبواب أحكام المساجد ب 24 ح 2.
(4) الكافي 3: 38 ح 3، الوسائل 2: 1047 أبواب النجاسات ب 32 ح 4.
434

" لا بأس " (1) الحديث.
وفي الموثق: " فلا تدخله إلا طاهرا " (2).
وأما الأمر بتعاهد النعل في الأخبار (3)، فعلى تقدير تسليم دلالته محمول على
الاستحباب، لعدم الوجوب قبل العلم.
وكيف كان فهذه الأدلة تكفي لاثبات أصل الحكم.
ولكن خصصه جماعة من المتأخرين بالمتعدية (4)، وليس ببعيد، لعدم استفادة
المطلق من الدليل، غاية الأمر استفادة حرمة المماسة كما يظهر من الآية وروايتي
الحلبي، وأما مطلق إدخال النجاسة حتى يشمل ما لو كان معه خاتم نجس أو منديل
نجس يابس فلا.
فالأقوى الاكتفاء بما حصلت به المماسة متعديا كان أم لا، وأما غير المماس فلا.
ثم إن فرش المسجد وبواريه لا يطلق عليها المسجد عرفا، لكن الأحوط الاحتراز
عن مماسته بالنجاسة.
وأما الجدران والسقف فلا يظهر دليله، إلا أن يجعل السطح أيضا مسجدا.
ويؤيد جواز إدخال الغير المتعدية من النجاسة جواز دخول الحيض في المساجد
بالاجماع كما نقله الشيخ مع كونهن غير منفكات عن النجاسة غالبا (5).
وكذلك عدم استثناء ذوي القروح والجروح وصاحب السلس وغيرهم بل من
على يده شقاق دامية وغيرها من وجوب صلاة الجمعة، ولم يثبت نهي عن هؤلاء.
ويظهر مما ذكرنا أنه لا دليل على حرمة إزالة النجاسة في الماء الكثير الكائن

(1) مستطرفات السرائر 3: 555، الوسائل 2: 1048 أبواب النجاسات ب 32 ح 9.
(2) التهذيب 3: 263 ح 743، الوسائل 3: 516 أبواب أحكام المساجد ب 39 ح 2.
(3) الوسائل 3: 504 أبواب أحكام المساجد ب 24.
(4) كالشهيد في الذكرى: 74، 157، والشهيد الثاني في المسالك 1: 124، والمحقق الكركي في جامع
المقاصد 1: 17، وصاحب المدارك 2: 306.
(5) الخلاف 1: 517.
435

في المسجد.
وألحق جماعة بالمسجد: الضرائح المقدسة، والمصاحف المشرفة، وآلاتها
الخاصة، كالجلد والفرش ونحوهما، لاحترامها، ولزوم تعظيم شعائر الله (1).
وذلك الاستدلال وإن كان لا يخلو عن تأمل، ولكن الأحوط ما ذكروه.
الثاني: زوال حكم النجاسة يتوقف على زوال العين إن كان لها عين، أو
استحالتها، أو غير ذلك مما سيجئ، ولا عبرة باللون والريح إجماعا، كما نقله في
المعتبر (2).
وربما يظهر من العلامة فيما بقي اللون والريح معا إشكال (3)، ولا وجه له،
لحسنة محمد بن المغيرة في الاستنجاء، قال: " الريح لا ينظر إليها " (4) وللأخبار الدالة
على جواز إخفاء لون دم الحيض الذي لا يزول بالغسل بصبغ الثوب بمشق (5).
بل ربما يظهر من حكاية الاستنجاء بالأحجار والخرق للغائط أن بقاء اللزوجة
والملاسة أيضا غير مضر كما أشرنا إليه في محله، إلا أن يقتصر على مورده،
ولا ريب أن الأحوط ذلك، بل الأظهر، للزوم تحصيل اليقين بزوال العين مهما
أمكن.
ويجب في غسل الثوب والبدن من البول التثنية، وظاهر المحقق دعوى الاجماع
عليه، لكنه جعل المرتين في الثوب غسلا وفي البدن صبا (6)، والظاهر أن مراده عدم
الاحتياج إلى العصر والدلك في البدن، لعدم نفوذ البول فيه، بخلاف الثوب،

(1) كالشهيد الأول في الذكرى: 14، والشهيد الثاني في المسالك 1: 124.
(2) المعتبر 1: 436.
(3) نهاية الإحكام 1: 279.
(4) الكافي 3: 17 ح 9، التهذيب 1: 28 ح 75، الوسائل 1: 227 أبواب أحكام الخلوة ب 13 ح 1.
(5) الوسائل 2: 1032 أبواب النجاسات ب 25. والمشق: الطين الأحمر، مجمع البحرين 5: 226.
(6) المعتبر 1: 435.
436

وهو كما ذكره، لظاهر الروايات (1)، إلا إذا توقفت إزالة العين عليه، كما إذا اختلط
بمذي أو لزج آخر.
واستدلال العلامة على وجوب الدلك بموثقة عمار (2) قياس، فإنه في إناء الخمر
مع أنه معارض بما رواه خاليا عن الدلك (3).
ويدل على وجوب التثنية في الثوب الصحاح، منها صحيحة محمد بن مسلم،
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الثوب يصيبه البول، قال: " اغسله في
المركن مرتين، فإن غسلته في ماء جار فمرة واحدة " (4).
وعلى وجوب المرتين فيه وفي البدن مع الاكتفاء بالصب أيضا رواية الحسين بن
أبي العلاء، ولا يبعد أن تعد صحيحة (5) (6)، وكذلك حسنة أبي إسحاق النحوي
الآمرة بصب الماء مرتين على الجسد (7).
ولا وجه لتأمل بعض الأصحاب في تثنية غسل البدن (8)، لاعتبار الروايتين
واعتضادهما بالشهرة.
ولا لاكتفاء العلامة بالمرة فيما إذا جف، نظرا إلى بعض الاعتبارات (9).

(1) الوسائل 2: 1001 أبواب النجاسات ب 1.
(2) الكافي 6: 427 ح 1، التهذيب 1: 283 ح 830، الوسائل 2: 1074 أبواب النجاسات ب 51 ح 1. وفيها
وقد سأله عن القدح الذي يشرب فيه الخمر: لا يجزئه حتى يدلكه بيده ويغسله ثلاث مرات. وانظر نهاية الإحكام 1: 277.
(3) الكافي 6: 427 ح 1، الوسائل 17: 294 أبواب الأشربة المحرمة ب 30 ح 1.
(4) التهذيب 1: 250 ح 717، الوسائل 2: 1002 أبواب النجاسات ب 2 ح 1.
(5) الكافي 3: 55 ح 1، التهذيب 1: 249 ح 714، الوسائل 2: 1001 أبواب النجاسات ب 1 ح 4.
(6) لأنه ممن يروي عنه صفوان وابن أبي عمير، ونقل عن ابن طاوس في البشرى تزكيته (منه رحمه الله).
(7) التهذيب 1: 249 ح 716، الوسائل 2: 1001 أبواب النجاسات ب 1 ح 3، قال: سألته عن البول يصيب
الجسد، قال: صب عليه الماء مرتين.
(8) المدارك 2: 337.
(9) المنتهى 3: 264.
437

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج غير دالة على كفاية مطلق الغسل (1) - (2)،
ولو سلم فتقيد بما مر كسائر إطلاقات الغسل.
وفي إلحاق غير الثوب والبدن مثل الألواح والخشب والفرش إشكال، والتثنية
أحوط.
والظاهر اعتبار الفصل الحسي بين الغسلتين، لظاهر الروايات. واعتبار جماعة
من الأصحاب التقديري (3) ضعيف.
ثم قد عرفت دلالة صحيحة محمد بن مسلم على أن المرة كافية إذا كان في
الجاري، والأقوى العمل عليها، لخصوص تلك الصحيحة، وانصراف الإطلاقات
إلى القليل أيضا.
والمشهور الاكتفاء به في مطلق الكثير (4)، وليس ببعيد.
وعن الشيخ اعتبار التثنية في الجميع (5)، وعن الصدوق التفصيل، فيكفي في
الجاري دون الراكد (6)، ويظهر وجه الكل مما سبق، والاحتياط في التثنية مطلقا،
وفي الراكد آكد.
وأما غير البول من النجاسات، ففي الاكتفاء بالمرة ولزوم التثنية قولان.

(1) التهذيب 1: 421 ح 1234، الوسائل 2: 1053 أبواب النجاسات ب 37 ح 2.
(2) سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن رجل يبول بالليل فيحسب أن البول أصابه فلا يستيقن، فهل يجزئه أن يصب
على ذكره إذا بال ولا يتنشف؟ قال: يغسل ما استبان أنه قد أصابه وينضح ما يشك فيه من جسده وثيابه ويتنشف
قبل أن يتوضأ. ووجه عدم الدلالة أنه ليس في مقام كيفية الغسل فلا تعويل على
الإطلاق كما لا يخفى على المطلع بقواعد الأصول (منه رحمه الله).
(3) كالشهيد في الذكرى: 15، وصاحب المدارك 2: 339.
(4) منهم العلامة في التذكرة 1: 81، ونهاية الإحكام 1: 279، والشهيد الأول في اللمعة: 17، والشهيد الثاني
في روض الجنان: 167.
(5) القول بالتثنية مطلقا منسوب إلى المحقق في المعتبر 1: 460، وأما الشيخ فلم يعتبر المرتين أصلا، انظر مفتاح
الكرامة 1: 169، والحدائق 5: 435.
(6) الفقيه 1: 40 ذ. ح 156.
438

وقال العلامة: بأن الثخينة أولى بتعدد الغسل (1)، وقد يستدل على ذلك برواية
الحسين بن أبي العلاء عن الصادق عليه السلام: وقد سأله عن البول يصيب الجسد
قال: " صب عليه الماء مرتين، فإنما هو ماء " (2) فإن مفهومه أن غير الماء أكثر عددا،
وليس غيره بأقل من ذلك.
وصحيحة محمد بن مسلم عنه عليه السلام: أنه ذكر المني فشدده، وجعله أشد
من البول (3).
وقد يستدل بما في المعتبر بعد نقل رواية الحسين بن أبي العلاء، بعد قوله:
" مرتين " الأولى للإزالة والثانية للانقاء (4).
ودلالة الأولين ممنوعة، فإن ملاحظة المفهوم لعله من جهة كفاية الصب، وعدم
الاحتياج إلى الغسل والعصر والدلك، والتشديد في النجاسة لا يدل على تفاوته في
الغسل كما تراهم لا يفرقون في غسل دم الحيض ودم الشاة وإن عفي عن أقل من
الدرهم في الصلاة من الثاني دون الأول، مع أن التشديد لعله من جهة الاهتمام في
إزالته، لسماجته وصعوبة إزالته، وذلك لا يستلزم كثرة الغسلات.
وأما الثالث، فقيل: إن الظاهر أنه كلام المحقق قد توهم من نسبه إلى الرواية
غفلة، لعدم وروده في الكتب المشهورة من الأحاديث، مع أنه لا يتم فيما لم يبق له
عين مثل ما أزيل الدم من البدن بالمرة بشئ غير الماء، فعلى هذا فتبقى الإطلاقات
الدالة على كفاية المرة في المني والكلب وغيرهما من النجاسات سالمة (5)،
والاحتياط في الجميع التثنية.

(1) المنتهى 3: 264.
(2) الكافي 3: 55 ح 1، التهذيب 1: 249 ح 714، الوسائل 2: 1001 أبواب النجاسات ب 1 ح 4.
(3) التهذيب 1: 252 ح 730، الوسائل 2: 1023 أبواب النجاسات ب 16 ح 2.
(4) المعتبر 1: 435.
(5) الذخيرة: 161، وانظر المعتبر 1: 435.
439

ثم إن الأصحاب استثنوا بول الرضيع قبل الاغتذاء بالطعام، فلم يوجبوا
الغسل، بل اكتفوا بالصب، والظاهر أن الصب أعم من الغسل من وجه، وأن
مرادهم أنه لا يجب الغسل، بل يكفي الصب ولو كان في ضمن غير الغسل.
وأنت خبير بأن الغسل بالقليل في العرف لا يصدق إلا بالجريان وانفصال الماء،
بخلاف الصب، وظاهر القائلين بكفاية الصب أنه لا يجب الغسل.
قال السيد في المسائل الناصرية: وعندنا أن بول الغلام الصغير لا يجب غسله من
الثوب، بل يصب عليه الماء صبا، وإن كان قد أكل الطعام وجب غسله، وقال
الشافعي بمثل مذهبنا، ونص على أنه يكفي فيه الرش - إلى أن قال - وأما الذي يدل
على خفة بول الرضيع وجواز الاقتصار على صب الماء والنضح فهو إجماع الفرقة
المحقة، وما رواه أمير المؤمنين عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله قال:
" يغسل من بول الجارية، وينضح على بول الصبي ما لم يأكل الطعام " (1) وروت لنا
زينب بنت الجون أن النبي صلى الله عليه وآله أخذ الحسين بن علي عليه السلام
فأجلسه في حجره فبال عليه قالت، فقلت له صلى الله عليه وآله: لو أخذت ثوبا
وأعطيتني إزارك لأغسله، فقال عليه السلام: " إنما يغسل من بول الأنثى، وينضح
على بول الذكر " (2) هذا كلامه (3).
وهو كما ترى يدل على عدم اعتبار الجريان أصلا.
ومثله كلمات غيره، قال في الذكرى: وقال الفاضل مراتب إيراد الماء
ثلاثة: النضح المجرد، ومع الغلبة، ومع الجريان، ولا حاجة في الرش إلى الجريان،
بل إلى النضح والغلبة، وجعل الرش لبول الرضيع (4) إلى غير ذلك من كلماتهم

(1) سنن أبي داود 1: 156 ح 377، 378، عمدة القاري 3: 13.
(2) سنن أبي داود 1: 156 ح 375 ولكنه عن لبابة بنت الحارث، وعنه في البحار 43: 103.
(3) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 181.
(4) الذكرى: 17.
440

التي يستفاد منها عدم اعتبار الجريان في الصب على بول الرضيع فضلا عن
الانفصال.
وأما استيعاب الماء للبول ونفوذه حيثما نفذ، فالظاهر أنه لا مجال لانكاره، كما
يظهر من كلماتهم أيضا، فيظهر مما ذكرنا مع اتفاقهم ظاهرا غير ابن الجنيد (1) على
النجاسة أن ذلك أيضا نوع تطهير، فلا مانع من أن تكون مخالطة الماء بالبول من
المطهرات ولم يلزم من ذلك وجوب إزالة عين النجاسة.
فما يظهر من الذخيرة تبعا للمدارك من اعتبار انفصال الماء إذا توقف عليه زوال
عين النجاسة، وأن من قال بنجاسة هذا البول يوجب اخراج عينه منه (2)، غير مرتبط
بكلماتهم، وغير متناسق مع أدلتهم كما عرفت.
ومن جملة أدلتهم حسنة الحلبي، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بول
الصبي، قال: " يصب عليه الماء، فإن كان قد أكل فاغسله غسلا، والغلام والجارية
شرع سواء " (3).
وتؤيده رواية السكوني المتقدمة في لبن الجارية (4).
ومقابلة الصب للغسل تنادي بعدم اشتراط الجريان في الصب، والقول
بأن المراد عدم اشتراط العصر فهو إنما يتم لو أخذنا العصر في مفهوم الغسل
وأردنا الغسل الخالي عن العصر من الصب، والأول ممنوع، بل إنما هو شرط في
تأثيره في بعض النجاسات، مع أنه لا يجري فيما أصاب البدن، فإنه لا عصر فيه
إجماعا.

(1) نقله عنه في المختلف 1: 459.
(2) المدارك 2: 333، الذخيرة: 164.
(3) التهذيب 1: 249 ح 715، الاستبصار 1: 173 ح 602، الوسائل 2: 1003 أبواب النجاسات ب 3 ح 2.
(4) التهذيب 1: 250 ح 718، الاستبصار 1: 173 ح 601، الفقيه 1: 40 ح 157، الوسائل 2: 1003 أبواب
النجاسات ب 3 ح 4.
441

والثاني تجوز لا قرينة عليه.
فمن يعمل على هذا الحديث ومثله والإجماع، فليقطع النظر عن اخراج العين
واعتبار الجريان، وإلا فليبين الدليل والمأخذ.
وأما رواية الحسين بن أبي العلاء، عن الصادق عليه السلام: عن الصبي يبول
على الثوب قال: " تصب عليه الماء قليلا ثم تعصره " (1) وموثقة سماعة قال: سألته
عن بول الصبي يصيب الثوب، فقال: " اغسله " قلت: فإن لم أجد مكانه؟ قال:
" اغسل الثوب كله " (2) فقد توجه الأولى بأن المراد بالعصر: اخراج أجزاء النجاسة،
وفيه ما فيه، بل الظاهر منه أنه لإيصال الماء إلى جميع ما وصل إليه البول، كما يشعر
به وصف الماء بالقلة، أو يكون للإرشاد، أو يحمل على الاستحباب جمعا، لكون
الروايات المتقدمة أقوى وأكثر وأشهر وأوفق بالأصل، أو يحمل على من أكل.
وكذلك موثقة سماعة.
والمراد بالأكل: أن يطعم ما كان غذاءا له بالاشتهاء والإرادة، ولا عبرة بالدواء
والغذاء النادر.
وتعليق الحكم بالحولين كما فعله ابن إدريس (3) غير واضح الوجه. نعم لا يبعد
اعتباره إن لم يأكل شيئا حتى تم الحولان، فإن المتبادر من الرضيع هو ما لم يتجاوز
عن الحولين وإن لم يأكل بعد.
ثم إن العمومات وفتوى الأصحاب وخصوص ما رواه السيد كلها تدل على أن
الحكم مختص بالصبي، فإلحاق الصدوق الصبية به (4) ضعيف، وقوله عليه السلام:

(1) الكافي 3: 55 ح 1، التهذيب 1: 249 ح 714، الاستبصار 1: 174 ح 603، الوسائل 2: 1002 أبواب
النجاسات ب 3 ح 1.
(2) التهذيب 1: 251 ح 723، وص 267 ح 785، الاستبصار 1: 174 ح 604، الوسائل 2: 1003 أبواب
النجاسات ب 3 ح 3.
(3) السرائر 1: 187.
(4) كما في المدارك 2: 333.
442

" والغلام والجارية شرع سواء " (1) مع منع دلالته على ذلك، إذ لعل المراد بعد الأكل،
لا يقاوم ما ذكرنا من الأدلة.
مع أن الخروج عن الأصل بسبب هذه الرواية إنما كان من جهة اعتضادها بفتوى
الأصحاب، وإلا فهي بمجردها لا تقاوم ما دل على وجوب الغسل، فيقتصر على ما
وافق فتواهم.
الثالث: في غسل الأواني
فاتفق الأصحاب على اعتبار العدد في غسلها من بعض النجاسات، واختلفوا
في غيرها.
أما الأولى، فهي: ولوغ الكلب، وهو شرب الكلب مما في الإناء بطرف لسانه،
والمشهور وجوب الغسل ثلاثا أولاهن بالتراب، بل ادعى عليه الاجماع جماعة منهم
السيد (2) والشيخ (3) والشهيد (4).
وعن ابن الجنيد: أنه يغسل سبعا أولاهن بالتراب (5)، وهو مذهب الشافعي (6).
لنا: رواية البقباق، عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن الكلب، فقال:
" رجس نجس لا تتوضأ بفضله، واصبب ذلك الماء، واغسله بالتراب أول مرة، ثم
بالماء مرتين " نقله في المعتبر (7)، وتبعه جماعة ممن تأخر عنه (8)، والرواية صحيحة

(1) في حسنة الحلبي المتقدمة.
(2) الإنتصار: 9.
(3) الخلاف 1: 178.
(4) الذكرى: 15.
(5) نقله عنه في المختلف 1: 459، والمنتهى 3: 334.
(6) الأم 1: 6.
(7) المعتبر 1: 458.
(8) كالعلامة في المنتهى 3: 336، والشهيد في الذكرى: 15.
443

على ما في التهذيب، ولكن ليس فيه ولا في غيره لفظ " مرتين " (1) ولعلهم وقفوا
عليه في غير الكتب الحديثية المتداولة.
وكيف كان فرواية المحقق وغيره مع اعتضادها بعمل الطائفة تكفي.
مع أن السيد - رحمه الله - نقل في المسائل الناصرية والانتصار أخبارا متعددة من
طرق العامة على وجوب ثلاث مرات (2)، وتقيدها هذه الرواية بكون أولاهن
بالتراب.
وتلك مع الاجماعات المنقولة وافية.
وعن المفيد: وسطاهن بالتراب (3)، ومستنده غير معلوم. واحتج ابن الجنيد
برواية عامية (4)، وبموثقة عمار (5)، ولا يبعد حملها على الاستحباب.
واكتفى أكثر الأصحاب بالتعفير بالتراب، وصرح بعضهم بإجزاء الممتزج
بالماء (6)، واشترط الشهيد الثاني في ذلك عدم خروجه عن اسم التراب (7).
واشترط ابن إدريس المزج تحصيلا لحقيقة الغسل (8).
ورد بعدم حصول الحقيقة، والغسل في كليهما مجاز، ولا ترجيح.
وأجيب بتقديم أقرب المجازات.

(1) انظر التهذيب 1: 225 ح 646، الاستبصار 1: 19 ح 40، الوسائل 1: 163 أبواب الأسئار ب 1 ح 4.
(2) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 182، الإنتصار: 9.
(3) المقنعة: 68.
(4) نقل احتجاجه في المعتبر 1: 458 بما روي عن النبي (ص) أنه قال: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله
سبعا أولاهن بالتراب. انظر صحيح البخاري 1: 54، صحيح مسلم 1: 234 ح 91، سنن أبي داود 1: 19
ح 71.
(5) التهذيب 9: 116 ح 502، الوسائل 17: 294 أبواب الأشربة المحرمة ب 30 ح 2، وفيها: يغسل من الخمر
سبعا، كذلك من الكلب.
(6) كالشهيد في الذكرى: 15.
(7) المسالك 1: 133.
(8) السرائر 1: 91.
444

وربما يقال: مدلول النص الغسل بالتراب، فإما يرتكب المجاز في الغسل أو في
التراب، ولا ترجيح لأحدهما.
أقول: ولعل مبنى كلام ابن إدريس على اختيار المجاز في المجموع، ومجازان
قريبان خير من حقيقة ومجاز بعيد.
وبالجملة فحمل اللفظين على الحقيقة لا يتمشى ظاهرا إلا على جعل الباء
للملابسة، فقد يمكن فيه الاكتفاء بأدنى ملابسة، فيصدق بالغسل الحقيقي مع
استعمال شئ من التراب لا يخرج الغسل عن الحقيقة.
ولكن الأظهر جعله للاستعانة، وهو ظاهر في استقلال المستعان به في الآلية،
مثل كتبت بالقلم، فلا يكتفي بأدنى ملابسة مع بقاء الحقيقة، ولا يتصور ذلك مع إبقاء
اللفظين على حقيقتهما، ولا ترجيح لاختياره في أحد اللفظين، مع كونه مرجوحا
بالنسبة إلى اختياره فيهما كما أشرنا.
وكيف كان فمذهب ابن إدريس أظهر من اللفظ.
ومع قطع النظر عما يفهم من ظاهر كلامه من تحصيل الحقيقة، إن أريد مع ذلك
تحصيل الحقيقة، فلا بد أن لا يخرج الماء من الإطلاق على القول باشتراط تحقق
الغسل بالماء المطلق، إلا أن يكتفى بصدق الاسم حقيقة قبل المزج وإن خرج بالمزج
عن الحقيقة، ولكن هذا إنما يتم على جعل الباء بمعنى المصاحبة والملابسة
لا الاستعانة.
والاحتياط في الجمع بين التعفير بالتراب أولا ثم بالممزوج ثم غسله مرتين.
ثم إن الظاهر من الرواية عدم لزوم الدلك بالتراب، سيما إذا لم نقل بلزومه في
الغسل، فيكفي الصب والتحريك والإفراغ، وإلا فيشكل الأمر في مثل الكوز من الأواني الضيقة الرأس.
والأظهر عدم جواز العدول إلى غير التراب من الرماد والنورة والأشنان
اختيارا، بل ولا اضطرارا، اقتصارا على النص، وتضعيفا للعلة المستنبطة.
445

وربما قيل ببدلية الغير مخيرا (1)، وقيل مرتبا (2)، وقيل بسقوطه رأسا إذا فقد،
فقيل بتبديله بالماء كغسل الميت (3)، وقيل بالاكتفاء بالمرتين (4). والكل ضعيف، لأن
شرط طهارة هذه النجاسة هو ما ورد به النص، والاضطرار لا يوجب طهارة شئ
نجس، ولا يلزم التكليف بما لا يطاق إذا ثبت العفو كأكل الميتة.
ومما ذكرنا يظهر أن خوف فساد الآنية بالتعفير أيضا لا يوجب سقوطه.
ثم إن جماعة من الأصحاب جعلوا اللطع في حكم الولوغ نظرا إلى
الأولوية (5)، وفيه كلام، إلا أنه أحوط.
وأما إلحاق وقوعه في إناء فيه ماء كما فعله الصدوقان (6)، أو لعابه الحاصل من
غير الولوغ، أو عرقه وسائر رطوباته، أو ماء الولوغ كما فعله العلامة (7)، أو غسالة
الولوغ كما نقل عن الشيخ علي (8)، فلا دليل عليه، والاعتبار الذي قد يتمسك به
ضعيف لا يعتمد عليه.
والأظهر تداخل الولوغات المتعددة، بل وتداخلها مع غيرها من النجاسات،
ولو لاقاه في أثناء الغسل فيتم العدد لو اعتبر في اللاحق بعد إتمام العدد عن الولوغ.
وذلك لا ينافي ما قدمناه في مباحث الأغسال من أن الأصل عدم تداخل
الأسباب، فإن الظاهر أن الوجوب فيما نحن فيه توصلي، والعلة ظاهرة، والظاهر
أنه لا خلاف فيه أيضا.

(1) نقله عن ابن الجنيد في المختلف 1: 497.
(2) القواعد 1: 198، المختلف 1: 497، التحرير 1: 26، الدروس 1: 125.
(3) القواعد 1: 198، واحتمله في النهاية 1: 293.
(4) المبسوط 1: 41.
(5) كالمحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 190، وصاحب المدارك 2: 390.
(6) الفقيه 1: 8، ونقله عنهما في المنتهى 3: 339.
(7) نهاية الإحكام 1: 294.
(8) جامع المقاصد 1: 20.
446

وأما الثاني، فمنها: ولوغ الخنزير، فالمشهور بين المتأخرين وجوب السبع (1)،
لصحيحة علي بن جعفر (2).
وعن الشيخ أن حكمه حكم الكلب، لأنه كلب لغة، ولما ورد من عموم وجوب
تثليث غسل الأواني (3).
والأول ممنوع، والثاني على فرض تسليمه معارض بمثله كما سيجئ، مع أنه
عام والصحيحة خاصة. والدليل الثاني كالصحيحة لا يستلزم التراب، بخلاف
الدليل الأول.
والمحقق حمل الصحيحة على الاستحباب (4)، فكأنها لم تقاوم عنده العمومات،
لعدم ظهور عمل من تقدم عليه بها كما ذكره بعض الأصحاب (5).
ومنها: الخمر، فذهب جماعة من الأصحاب إلى وجوب السبع (6)، لموثقة عمار
الواردة في النبيذ (7). وجماعة إلى الثلاث (8)، لموثقته الأخرى. وبعضهم إلى المرة
بعد إزالة العين (9). وبعضهم إلى المرة المزيلة (10)، استضعافا للموثقتين، وتمسكا بما
ذكروه في غسل الإناء من سائر النجاسات كما سيجئ. وبعضهم إلى المرتين بناءا
على كفايته في مطلق غسل الإناء (11).

(1) كالعلامة في النهاية 1: 295، والشهيد في الدروس 1: 125 وصاحب المدارك 3: 394.
(2) الكافي 3: 61 ح 6، التهذيب 1: 261 ح 760، الوسائل 1: 162 أبواب الأسئار ب 1 ح 2.
(3) الخلاف 1: 186.
(4) المعتبر 1: 460.
(5) كصاحب الذخيرة: 178.
(6) كالشيخ في المبسوط 1: 15، والجمل والعقود (الرسائل العشر): 171.
(7) التهذيب 9: 116 ح 502، الوسائل 17: 302 أبواب الأشربة المحرمة ب 35 ح 2.
(8) كالشيخ في النهاية: 589، 592، والتهذيب 1: 283، والمحقق في الشرائع 1: 48.
(9) كالمحقق في المعتبر 1: 462، والعلامة في المختلف 1: 499.
(10) كالعلامة في النهاية 1: 295.
(11) اللمعة الدمشقية: 16.
447

والأظهر الاكتفاء بالثلاث، وحمل رواية السبع على الاستحباب.
وصرح جماعة بعدم الفرق بين الخمر وسائر المسكرات المائعة (1)، وليس ببعيد،
كما يظهر مما سبق.
وعن ابن الجنيد المنع عن جواز تطهير القرع والخشب من أواني الخمر وما
أشبههما، نظرا إلى حدة نفوذ الخمر وبعض الروايات (2) - (3).
وفيه: أن الماء أسرع نفوذا، مع عدم الإشكال في طهارة الظاهر. ودلالة الرواية
غير واضحة، ولا بأس بالحمل على الاستحباب.
ومنها: موت الفأرة، ذهب الشيخ (4) وجماعة (5) إلى وجوب السبع فيه، لموثقة
عمار، وهي واردة في خصوص الجرذ (6). ولعلهم لم يفرقوا بين أفراد الفأرة،
وحملها الباقون على الاستحباب.
واكتفى جماعة بالثلاث (7)، وبعضهم اكتفى بالمرتين (8)، وبعضهم بالمرة
المزيلة (9)، وبعضهم بها بعد إزالة العين (10). ولعلهم نظروا إلى أدلتهم في جعله في

(1) المقنعة: 73، النهاية: 589.
(2) نقله عنه في المعتبر 1: 467، والمنتهى 3: 350.
(3) كرواية محمد بن مسلم عن أحدهما قال: نهى رسول الله (ص) عن الدباء والمزفت، انظر الوسائل 2: 1075
أبواب النجاسات ب 52.
(4) النهاية: 5.
(5) كابن حمزة في الوسيلة: 80، والشهيد في الدروس 1: 125.
(6) التهذيب 1: 284 ح 832، الوسائل 2: 1076 أبواب النجاسات ب 53 ح 10. وفيها: اغسل الإناء الذي
تصيب فيه الجرذ سبعا.
(7) كالشيخ في الخلاف 1: 182، والمحقق في الشرائع 1: 48.
(8) اللمعة الدمشقية: 16.
(9) كالعلامة في النهاية 1: 295.
(10) كالمحقق في المعتبر 1: 462، والعلامة في المختلف 1: 499.
448

عداد سائر ما تغسل منه الأواني كما سيجئ. (1)
وأما سائر النجاسات ففيها الأقوال المتقدمة في موت الفأرة عدا السبع (1).
الأول: الاستصحاب، وموثقة عمار الآتية.
وللثاني: استنباطه مما مر في الثوب والبدن، والأصل عدم الزائد، وهو قياس.
وللثالث: صدق الامتثال بالغسل، وهو إنما يتم فيما ثبت ورود الأمر في
خصوص الأواني بمطلق الغسل، ولا يحضرني الآن ما يدل عليه إلا فيما ذكرنا بخصوصه من النجاسات مثل الكلب والخمر والخنزير.
إلا أن يتشبث بمثل قوله عليه السلام: " الماء يطهر ولا يطهر " (2) في الأخبار الكثيرة،
وقول الصادق عليه السلام في صحيحة داود بن فرقد: " كان بنو إسرائيل إذا أصاب
أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض، وقد وسع الله عليكم بأوسع ما بين
السماء والأرض، وجعل لكم الماء طهورا " (3) والاستدلال بها لا يخلو عن إشكال.
وقال الشيخ في المبسوط: وقد روي غسلة واحدة، فيظهر أن بها رواية،
ولكن صحتها غير معلومة.
وقد يقال: صدق الامتثال إنما يتم إذا استفيدت النجاسة من الأمر بالغسل، وإن
استفيدت من الاجماع فلا، للاستصحاب.
ويدفعه عدم القول بالفصل، مع أن ما ورد فيه الأمر في الثوب والبدن وغيرهما
كيف يستفاد منه حكم الآنية؟! وما الذي أوجب دلالة الأمر بالغسل على النجاسة

(1) اختار القول بالثلاث الشيخ في الخلاف 1: 182، والقول بالمرتين الشهيد في اللمعة: 16، والقول بالمرة المزيلة
المحقق في الشرايع 1: 48، والعلامة في النهاية 1: 295، والقول بالمرة بعد الإزالة المحقق في المعتبر 1: 462،
والعلامة في المختلف 1: 499.
(2) الوسائل 1: 100 أبواب الماء المطلق ب 1 ح 6، 7.
(3) الفقيه 1: 9 ح 13، التهذيب 1: 356 ح 1064، الوسائل 1: 100 أبواب الماء المطلق ب 1 ح 4.
(4) المبسوط 1: 15.
449

فيما أمر بغسله فضلا عما لم يؤمر بغسله؟! فهل يجوز التعدي إلا من جهة الاجماع؟
فيعود المحذور إلا في خصوص المورد.
وللرابع: ما ذكر، مضافا إلى أن سبب التنجيس ما دام موجودا لم يؤثر ورود
الماء.
وفيه: مع ظهور المنع الوارد عليه أن الرطوبة المتنجسة أيضا سبب كما سنحققه.
ومن يعمل بالموثقات - كما هو الأظهر - فلا مناص له عن القول الأول، سيما مع
استصحاب النجاسة، وحصول اليقين بالثلاث دون الأقل، ولا ريب أنه أحوط أيضا.
وأما كيفية غسل الأواني بالقليل كما ذكره كثير من الأصحاب، فهو أن يصب
فيها الماء، ثم يحرك حتى يستوعب ما تنجس منها، ثم يفرغ.
ومستنده موثقة عمار، عن الصادق عليه السلام قال: سئل عن الكوز أو الإناء
يكون قذرا، كيف يغسل؟ وكم مرة يغسل؟ قال: " ثلاث مرات، يصب فيه الماء
فيحرك فيه ثم يفرغ منه ذلك الماء، ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه ذلك
الماء، ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه، وقد طهر " وقال: " اغسل الإناء
الذي تصيب فيه الجرذ ميتا سبع مرات " (1).
ولا يخفى أن هذا إرشاد لبعض الكيفيات، وإلا فيمكن في القصعة والإجانة
والطست وما أشبهها إدارة الماء عليها بإبريق ونحوه، بل هو أحوط وأمكن في
التطهير.
نعم لما لم يمكن ذلك في كثير من الأواني الضيقة الرأس، فاكتفى في الرواية بما
ذكر، ولكنه أيضا لا يمكن إجراء ظاهره في جميع الأواني، إلا أن يجعل التحريك
أعم من الإجراء بالإبريق ونحوه.

(1) التهذيب 1: 284 ح 832، الوسائل 2: 1076 أبواب النجاسات ب 53 ح 1.
450

وقال في الذخيرة: وعن جماعة من الأصحاب أنه لو ملأ الإناء ماءا كفى إفراغه
عن تحريكه، وأنه يكفي في التفريغ مطلقا وقوعه بآلة لكن بشرط عدم إعادتها إلى
الإناء قبل تطهيرها، وعن بعضهم اشتراط كون الإناء مثبتا بحيث يشق قلعه،
والشرط الثاني لا وجه له، والأول مبني على نجاسة الغسالة (1).
أقول: ويشكل الاكتفاء بما ذكره الجماعة، لعدم صدق الغسل عرفا. نعم إذا أدير
عليها الماء فاجتمع في أسفله ثم استخرج، فإنه يصدق عليه.
وحينئذ فالظاهر عدم الفرق بين المثبت وغيره، إلا أن يستشكل في طهارة أسفل
الآنية الذي يجتمع فيه الغسالة، لعدم صدق الغسل العرفي بدون التحريك، فيخرج
عن مقتضاه في المثبتة، لعدم الإمكان، ولزوم الحرج، فيبقى الباقي.
وظني أن الجمع بين الحكم بنجاسة الماء القليل بملاقاة النجاسة وإن كان في
الآنية، وجواز التطهير به مع اشتراط طهارته قبل الشروع في الغسل، إنما يتم في
الغالب بملاحظة القصد والنية.
فلو صب أحد ماءا في آنية نجسة لا بقصد الغسل، ثم أتى آخر بعد زمان فحركه
وأفرغه فالظاهر عدم الطهارة، بل ولو لم يحصل الفصل أيضا وفعله هو أيضا، ولو
صب فيه للغسل وحركه وأفرغه متتاليا فتحصل الطهارة. ويقع الإشكال فيما لو
ترك التعاقب والتوالي في الصورة المفروضة.
ولكن يخدش فيه عدم اعتبار النية في الواجبات التوصلية، فالفرق إذا بالتوالي
والتعاقب وعدمه ليصدق الاسم عليه عرفا، وسيجئ في غسالة الاستنجاء ما
يوضح ذلك.
نعم يمكن أن يقال: إن إطلاق ما سيجئ من جواز تطهير اللحم المتنجس بموت
الفأرة في المرق يدل على جوازه في المركن إذا تشرب الماء المتنجس، فلا يضر طول

(1) الذخيرة: 178.
451

المكث وعدم التعاقب، وإلا فلا يحصل النفوذ في الزمان القليل فلا يطهر.
ثم إن المشهور سقوط اعتبار العدد في الأواني أيضا إذا غسلت في الماء الكثير،
لكن بشرط حصول التعفير فيما احتاج إليه قبله (1). وعن الشيخ كفايته عن غسلة،
فيعفر بعده ويتم العدد (2). وموثقة عمار وغيرها مما تقدم ظاهرة في القليل، فلا يبعد
الاكتفاء بالمرة بعد إزالة العين، وإن كان التعدد أحوط.
الرابع: يجب غسل ما لاقى المتنجس رطبا، كالملاقي لأصل النجس، سواء
كانت للنجاسة عين أم لا، وسواء بقيت عينها أو أزيلت، بلا خلاف ظاهر من
الأصحاب، على ما يستفاد من تضاعيف أبواب أحكام المياه والنجاسات
والمطهرات، والأخبار المعتبرة به مستفيضة، بل تقرب حد التواتر.
وبالجملة هذه المسألة لا يبعد أن تعد من الضروريات، فضلا عن الإجماعيات.
وقد ركب بعض المتفقهين هنا متن عمياء، فخبط خبط عشواء، ولقد أشط في
القول فأفرط، وتعدى عن الطور مجانبا عن المنهج وشحط، وحكم بأن المتنجس
لا ينجس بملاحظة بعض الأخبار (3) (4)، وحسب ذلك ضالته في بيادي الأفكار،
فأضله ذلك عن مرافقة الأبرار وموافقة الأخيار، فأخذ في الطعن والإزراء على
الفقهاء الكرام، ومؤسسي مسائل الحلال والحرام، بما لا يليق أن يذكر باللسان، أو
يكتب بالأقلام.
واستند في ذلك تارة بظواهر تلك الأخبار الظاهر تأويلها، وأخرى بالأصل،
وأن دليل عدم النجاسة عدم دليلها.

(1) منهم العلامة في القواعد 1: 198، ونهاية الإحكام 1: 296، والشهيد في البيان: 93، والمحقق الكركي في
جامع المقاصد 1: 192.
(2) الخلاف 1: 178، المبسوط 1: 14.
(3) المفاتيح 1: 75، الوافي 6: 145، ونقله في الحدائق 5: 266.
(4) الوسائل 1: 200 أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 4، 7.
452

ومن تتبع أبواب تطهير الأواني وما ورد في وجوب غسل الآنية بمجرد ولوغ
الكلب والخنزير في الماء مع عدم إصابته الإناء وهي كثيرة معتبرة.
وكذلك ما ورد أن الكلب إذا أصاب الثوب رطبا يجب غسل الثوب، مع أن
الملاصق بالثوب إنما هو الماء المتنجس، فإن الكلب لا رطوبة في جلده وهي أيضا
كثيرة معتبرة.
وكذا فيما ورد في خنزير خرج من ماء فسال ماؤه في الطريق، وأنه يكفي في
رفع نجاسة الرجل الموضوعة عليه تطهير الأرض إياها.
وكذلك ما ورد في أبواب المياه: أن الماء الذي ماتت فيه الفأرة واستعمل يجب
غسل ما أصاب ذلك الماء.
وما ورد في وجوب غسل الثوب من استعمال ماء البئر المنتن.
وفيما ورد من اشتراط جفاف قصب البوريا في جواز الصلاة عليه إذا ابتل بماء
قذر.
وما ورد من المنع في الأكل والشرب في أواني المشركين، معللا بأنهم يشربون
فيها الخمر، أو يأكلون لحم الخنزير وإن حمل إطلاقها على الاستحباب، والتعليل
لا يستلزم بقاء عين النجاسات فيها حتى تكون النجاسة باعتبار ملاقاة عين النجس.
وهكذا ما ورد في غسل الثياب المعارة عندهم أو ما نسجوها معللا بما ذكر، إلى
غير ذلك من الأخبار.
يجد أن ذلك مما لا ينبغي التأمل فيه، وأن ذلك حق لا شبهة تعتريه.
وأما الأخبار التي ذكرها، فأظهرها دلالة هي رواية سماعة قال، قلت لأبي
الحسن موسى عليه السلام: إني أبول ثم أتمسح بالأحجار، فيجئ مني البلل ما
يفسد سراويلي، قال: " ليس به بأس " (1) وهو ضعيف.

(1) التهذيب 1: 51 ح 150، الاستبصار 1: 56 ح 165، الوسائل 1: 200 أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 4.
453

والباقي له محمل ظاهر، فمنها موثقة حنان قال: سمعت رجلا سأل أبا عبد الله
عليه السلام فقال: إني ربما بلت فلا أقدر على الماء، ويشتد ذلك علي، فقال: " إذا
بلت وتمسحت فامسح ذكرك بريقك، وإن وجدت شيئا فقل هذا من ذلك " (1) وهو
على الخلاف أدل كما لا يخفى، وسائر الأخبار متقاربة المعنى.
وهذه الأخبار مع هجرها ومتروكيتها عند الأصحاب لا تقاوم ما ذكرنا.
ويدل على ما ذكرنا أيضا مضافا إلى ما تقدم: موثقة ابن بكير، عن الصادق عليه
السلام: الرجل يبول فلا يكون عنده الماء، فيمسح ذكره بالحائط، قال: " كل شئ
يابس زكى " (2) ومفهومه يقتضي أنه إذا صار رطبا ينجس.
الخامس: ذهب جماعة منهم السيد إلى اشتراط ورود الماء على النجاسة في
التطهير، وإلا لنجس الماء ولم يفد الطهارة للمحل (3). وذلك مبني على ما ذهب إليه
من عدم نجاسة القليل إذا ورد على النجاسة.
وتبعه بعض المتأخرين (4)، زعما منه أن كل ما ورد في نجاسة القليل إنما هو فيما
وردت النجاسة على الماء، فيبقى غيره تحت أصل الطهارة.
وهو باطل كما سيجئ، بل في الأخبار ما يدل على الأعم من ذلك وعلى
النجاسة فيما يرد الماء على النجاسة أيضا، كما يظهر من رواية استسقاء غلام أبي
عبد الله عليه السلام، وخروج الفأرة في الدلو (5)، وحديث خروج الخنزير من

(1) الكافي 3: 20 ح 4، الفقيه 1: 41 ح 160، التهذيب 1: 353 ح 1050، الوسائل 1: 201 أبواب نواقض
الوضوء ب 13 ح 7.
(2) التهذيب 1: 49 ح 141، الاستبصار 1: 57 ح 167، الوسائل 1: 248 أبواب أحكام الخلوة ب 31 ح 5.
(3) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 179.
(4) مدارك الأحكام 1: 122.
(5) الوسائل 1: 116 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 15.
454

الماء (1)، وما روي في المنع عن أن يجعل في دن الخمر ماء أو خل أو غيره إلى أن
يغسل (2) إلى غير ذلك.
مع أن ذلك لا يفيد عدم جواز التطهير في غير صورة الورود، لعدم ثبوت التنافي
بين النجاسة وتطهير المحل كما في حجر الاستنجاء.
وبالجملة فنقول: أولا - بعد تسليم دلالة بعض الأخبار على النجاسة فيما ورد
الماء على النجاسة أيضا كما أشرنا - أنها في موارد خاصة، وليس ماء التطهير من
جملتها، وعدم القول بالفصل غير معلوم، لوقوع النزاع فيه.
سلمنا، لكن لا منافاة بين التنجس والتطهير، فإن الأمر بالغسل يقتضي
الاجزاء، وقد تحقق عرفا فيما نحن فيه، وفائدته الطهارة، فتترتب عليه.
وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة في الغسل في المركن أيضا (3)،
وعمل بها في المنتهى، وقال: إذا غسل الثوب من البول في إجانة بأن يصب عليه
الماء فسد الماء وخرج من الثانية طاهرا، اتحدت الآنية أو تعددت (4). وقيد صب الماء
ليس في الرواية، بل هي أعم.
واستوجه في الذكرى أيضا عدم اشتراط ورود الماء، لصدق الغسل بدونه، قال:
وتنبه عليه رواية الحسن بن محبوب التي تجئ في مطهرية النار (5) (6).
وربما يؤيد بموثقة عمار في غسل الأواني (7)، فإن تحريك الماء ليس نفس
الورود.

(1) الوسائل 2: 1047 أبواب النجاسات ب 32 ح 3.
(2) الوسائل 2: 1074 أبواب النجاسات ب 51.
(3) التهذيب 1: 250 ح 717، الوسائل 2: 1002 أبواب النجاسات ب 2 ح 1.
(4) المنتهى 1: 146.
(5) الذكرى: 15.
(6) التهذيب 2: 235 ح 928، الوسائل 2: 1099 أبواب النجاسات ب 81 ح 1.
(7) التهذيب 1: 284 ح 832، الوسائل 2: 1076 أبواب النجاسات ب 53 ح 1.
455

ويمكن دفعه بأن يقال: يكفي الورود أولا، وأن الأصل طهارة الماء، خرج ما
ثبتت فيه النجاسة مما دلت الأخبار عليه من ورود النجاسة على الماء، وبقي
الباقي. إلا أن الأصل نجاسة الماء القليل بملاقاة النجاسة إلا فيما ورد الماء على
النجاسة، فتبقى حكاية مثل التحريك في الآنية المشكوك فيه تحت أصل الطهارة.
وكيف كان فلا ريب أن الأحوط مختار السيد.
وقد يخترع - تفريعا على الأصل الفاسد من عدم تنجيس المتنجس على القول
بنجاسة الماء القليل - القول بوجوب الغسل مرتين في جميع النجاسات، أحدهما:
لزوال العين، فتكون الغسالة كالمحل متنجسة، والثاني: للتطهير، فيكونان طاهرين.
وهو مع فساد الأصل وعدم ذهاب أحد من الأصحاب إلى الفرق بين بقاء العين
وعدمها في كيفية الغسل أنه مبني على استلزام القول بنجاسة القليل بالملاقاة عدم
التطهير، وقد عرفت خلافه.
ثم إنه قد ظهر مما ذكرنا أن الأظهر طهارة الغسالة مطلقا، سيما إذا ورد الماء على
النجاسة، للأصل، والعمومات، وخصوص صحيحة ابن مسلم في حكاية المركن،
فإن ظاهرها يعطي طهارة الغسالة.
وتنزيلها على القول بنجاسة الغسالة بعد الانفصال عن المحل أو الآنية
المغسول فيها بعيد، كأصل المنزل عليه، لاستلزامه انفكاك المعلول عن علته
التامة كما قيل، وعدم دلالة الإخبار بنجاسة الماء القليل عليه (1)، وضعف ما
سنذكره في دليل النجاسة، وهو ظاهر الشهيدين (2)، والمنقول عن الشيخ علي في
بعض أقواله (3)، وربما نسب إلى جماعة من متقدمي الأصحاب (4)، واختاره

(1) كذا، والأنسب الأخبار الدالة على نجاسة الماء القليل عليه.
(2) الشهيد الأول في الذكرى: 9، والشهيد الثاني في روض الجنان: 159.
(3) كما في المعالم: 123، ومفتاح الكرامة 1: 90.
(4) نسبه إلى الشيخ وابن إدريس في جامع المقاصد 1: 128، وانظر مفتاح الكرامة 1: 90.
456

السيد (1) وابن إدريس فيما لو ورد الماء على النجاسة (2).
وذهب الفاضلان (3) وجماعة من المتأخرين (3) إلى النجاسة.
واختلف كلام الشيخ في المبسوط، وخص الكلام في موضع منه بذكر طهارة
غسالة ولوغ الكلب (5)، وعن الخلاف الحكم بنجاسة الأولى من غسالة الثوب دون
الثانية، وطهارة غسالة ولوغ الكلب مطلقا (6).
وحجة القول بالنجاسة رواية عبد الله بن سنان، عن الصادق عليه السلام، قال:
" الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به من الجنابة لا يتوضأ به وأشباهه " (7).
ورواية العيص، قال: سألته عن رجل أصابته قطرة من طست فيه وضوء،
فقال: " إن كان من بول أو قذر فيغسل ما أصابه " (8).
الرواية الأولى ضعيفة (9)، ولا دلالة فيها على المطلوب، وغايتها كونه من
باب غسالة الجنب في عدم الطهورية، فإنه لا إشكال فيه، فقد ادعى الفاضلان

(1) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 179.
(2) السرائر 1: 181.
(3) المحقق في المعتبر 1: 90، والشرائع 1: 8، والعلامة في المنتهى 1: 141، والمختلف 1: 237، والتذكرة 1:
36.
(4) كالمحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 129، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 32.
(5) فقد قال في موضع منه: الماء الذي يزال به النجاسة نجس لأنه ماء قليل خالطه بنجاسة وفي الناس من قال
ليس بنجس إذا لم يغلب على أحد أوصافه بدلالة أن ما بقي في الثوب جزء منه وهو طاهر بالاجماع فما انفصل
عنه فهو مثله وهذا أقوى والأول أحوط والوجه فيه أن يقال إن ذلك عفي عنه للمشقة، انظر المبسوط 1: 92
وص 36.
(6) الخلاف 1: 179 مسألة 135، وص 181 مسألة 137.
(7) التهذيب 1: 221 ح 630، الاستبصار 1: 27 ح 71، الوسائل 1: 155 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 13.
(8) المعتبر 1: 90، الذكرى: 9، الوسائل 1: 156 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 14.
(9) فإن في طريقها أحمد بن هلال، وقد قال عنه الشيخ: إنه ضعيف مشهور بالغلو واللعنة فاسد المذهب لا يلتفت
إلى حديثه. انظر التهذيب 9: 204 ذ. ح 812، والاستبصار 3: 28 ذ. ح 90.
457

الاجماع على أن ما يزال به النجاسة لا يرفع الحدث مطلقا (1)، بل هي ظاهرة في
الطهارة.
وأما الثانية - فمع أنا لم نقف عليها إلا في بعض الكتب الاستدلالية كالذكرى
والمعتبر وقد قدحا فيها بالقطع والضعف - دلالتها أيضا ليست بواضحة.
وأما الإشكال (2) على نجاسة الماء القليل فقد عرفت.
وقد يستدل بما ورد في غسالة الحمام، وفيه مع ما فيه - كما سيجئ - أنه إنما يتم
إذا ثبت الاجماع المركب وهو ممنوع.
وإن أردت الاستدلال بالأخبار الواردة في المنع عن إدخال اليد في الإناء إذا
كانت قذرة (3)، والأمر بإهراقه لو فعل، بتقريب أنها أعم من الإدخال لأجل الغسل
وغيره.
وفيه: بعد تسليم ذلك، والإغماض عن أن الظاهر منها إرادة أخذ الماء
لا الغسل، فإنه قد يتفاوت الحكم بالقصد من أجل صدق الاسم وعدمه، فإن أحكام
الشرع تتبع العناوين غالبا.
وقد مرت الإشارة وسنشير في غسالة الاستنجاء إلى أن الأمر بالاهراق لعله
كناية عن عدم الطهورية كما أشرنا، لأن ظاهر هذه الأخبار بل صريح بعضها أنه يريد أن
يتوضأ منه.
وإن أردت الاستدلال بمفهوم قوله عليه السلام: " إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه
شئ " (4).

(1) المحقق في المعتبر 1: 90، والعلامة في المنتهى 1: 142.
(2) في " م ": الاتكال. والمراد على كل حال هو أن ماء الغسالة ماء قليل لاقى نجسا فينجس، فالاتكال على هذا قد
عرفت جوابه أو الإشكال في الاستدلال بذلك قد عرفته.
(3) الوسائل 1: 113 أبواب الماء المطلق ب 8.
(4) الوسائل 1: 117 أبواب الماء المطلق ب 9.
458

ففيه: أن النكرة الواقعة في سياق الإثبات لا عموم لها، ولا يمكن دعوى عدم
القول بالفصل في هذه المعركة العظمى.
ودعوى أن المستفاد من تتبع أخبار نجاسة الماء القليل أن الأصل فيه النجاسة حتى
يثبت المخرج، فهي غير بينة ولا مبينة.
وبالجملة لم نقف على ما تطمئن إليه النفس يدل على نجاسة الغسالة، سيما فيما
لو ورد الماء على النجاسة.
ثم قال في المدارك: إن جماعة من الأصحاب ذكروا أن من قال بطهارة الغسالة
اشترط ورود الماء (1).
أقول: وهو غير واضح المأخذ كما عرفت، إلا أن يثبت إجماع مركب، فيكون
القول بالطهارة مطلقا خرقا له، وهو غير معلوم، بل المستفاد من كلام الشهيدين (2)
وغيرهما عدمه.
ومع هذا كله فلا ينبغي ترك الاحتياط سيما فيما ورد النجس على الماء، فإنه
لا يخلو عن إشكال، وإن كان ظاهر الأدلة ما ذكرنا.
وأما دليل السيد ومن تبعه وجوابه فيظهر مما مر. وأما سائر الأقوال فلا دليل
عليها يعتد به، وتظهر أدلتها وجوابها من التأمل فيما مر.
ثم إن الظاهر أن الغسالة على القول بنجاستها لا يلحق حكمها بالمحل، فيكفي
غسل ما أصابته مرة، وفاقا لجماعة من المتأخرين (3) كما هو مقتضى إطلاق بعض أدلة
القائلين بالنجاسة، وهي رواية العيص، وإن كان في الاستدلال بها إشكال.
وههنا أقوال أخر نقلها ابن فهد (4)، ومنها: أن حكمها حكم المحل بعد تلك

(1) مدارك الأحكام 1: 122.
(2) الذكرى: 9، روض الجنان: 159.
(3) كالشهيد الثاني في الروضة البهية 1: 310، وانظر مشارق الشموس: 254.
(4) المهذب البارع: 118.
459

الغسلة، وهو قول الشيخ في موضع من الخلاف (1).
ومنها: أن حكمها حكم المحل قبل الغسل، ونقله عن الفاضلين (2) وفخر
المحققين (3).
ومنها: أن حكمها حكم المحل قبل تلك الغسلة، فيجب غسل ما أصابه من
الغسلة الأولى مرتين، ومن الغسلة الثانية مرة، ونقله عن الشهيد (4)، واختاره هو
- رحمه الله - أيضا (5). وأدلة هذه الأقوال غير واضحة.
ثم إن القول بطهارة الغسالة إنما هو إذا لم يتغير أحد أوصافها، وإلا فلا خلاف
في نجاستها.
وكذلك ماء الاستنجاء المجمع على عدم وجوب اجتنابه، المدلول عليه بالأخبار
الصحيحة. واشترط في طهارته مضافا إلى عدم التغير: عدم وقوعه على نجاسة
خارجة عن المحل، وأن تكون من الحدثين.
بل اشترط جماعة منهم عدم المخالطة بغيرهما أيضا كالدم، وأن لا ينفصل مع الماء
أجزاء متميزة، لأنها كالنجاسة الخارجة ينجس بها الماء بعد مفارقة المحل (2)، وتوقف
فيه بعض الأصحاب (7).
وظني أن الأخبار في الاستنجاء واردة مورد الغالب، وهو عدم الاطلاع على
ذلك، والأصل عدمه، ولا يلزم التجسس، فمع العلم بوجود الأجزاء فيه يشكل
الحكم بالطهارة، ولم يعلم تحقق الاجماع في هذه الصورة أيضا.

(1) الخلاف 1: 179 مسألة 139.
(2) المعتبر 1: 90، المختلف 1: 237.
(3) نقله عنه في المقتصر: 45، والمهذب البارع 1: 119.
(4) اللمعة الدمشقية: 16، الدروس 1: 122.
(5) المهذب البارع 1: 120.
(6) كالمحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 129، والشهيد الثاني في روض الجنان: 160.
(7) كالأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 289، وصاحب المدارك 1: 124.
460

وأما اشتراط عدم زيادة الوزن (1) فهو بعيد، وأبعد منه توقف الطهارة على العلم
به، ولا ريب في بطلانه.
ولا يضر التعدي عن المخرج إلا إذا خرج به عن اسم الاستنجاء.
واشتراط سبق الماء على اليد ضعيف، لاطلاق الأدلة. نعم لو أصابت اليد المخرج
من دون قصد الاستنجاء وتنجست ثم أراد الاستنجاء فينجس بذلك، لأن غسل هذه
النجاسة لا يسمى استنجاءا، فيلزم صدق عنوان الاستنجاء، وهذا مركب من غسالة
الاستنجاء وغسالة اليد النجسة قبل الاستنجاء.
ولا يذهب عليك أنه لا تناقض فيما ما ذكرنا سابقا وههنا من مدخلية القصد في
أمثال ذلك، وعدم اشتراط النية في الواجبات التوصلية كما يظهر بالتأمل.
ثم إن الظاهر أنه لا خلاف في عدم وجوب غسل ملاقي غسالة الاستنجاء،
وقد تقدم نقل الاجماع عن الفاضلين في عدم جواز رفع الحدث بمطلق الغسالة
أيضا (2).
ويبقى الإشكال في جواز رفع الخبث ثانيا وشربه، وفي هذا تظهر ثمرة نزاعهم
المشهورة في أن عدم وجوب الاجتناب عن ذلك إنما هو للعفو أو للطهارة، والأظهر
بالنظر إلى الأدلة هو الثاني.
ولعل نظر القائل بالأول إلى أن رفع الخبث مثلا مشروط بالماء الطاهر، ولا
يستفاد من تلك الأخبار والأدلة إلا عدم وجوب غسل الملاقي، وهو ليس بنص في
الطهارة، فلم يتحقق شرط إزالة الخبث، والشك في الشرط يستلزم الشك في
المشروط.
السادس: المعروف بين الأصحاب توقف طهارة الثياب وغيرها مما يرسب فيه

(1) كما في نهاية الإحكام 1: 244، والذكرى: 9.
(2) المعتبر 1: 90، المنتهى 1: 142.
461

الماء على العصر (1)، واستشكل العلامة فيما لو جف الثوب بعد الغسل من غير
عصر (2)، وقال في البيان: لو أخل بالعصر في موضعه فالأقرب عدم الطهارة، لأنا
نتخيل (2) خروج أجزاء النجاسة به (4).
وقد يستدل عليه بأن النجاسة ترسخ في الثوب فلا تزول إلا بالعصر. وفيه: أن
ذلك لا يتم فيما لم يبق فيه للنجاسة عين.
وبأن الغسالة نجسة، فيجب اخراجها، وفيه المنع المتقدم.
وبقوله عليه السلام: " ثم يعصره " في رواية الحسين بن أبي العلاء المتقدمة في
بول الرضيع (5). وهو أضعف من صاحبيه، ويظهر وجهه مما مر، فيحمل على
الاستحباب أو على ما ذكرنا ثمة.
وأغرب المحقق - رحمه الله - حيث استند في هذا المطلب إلى أن العصر داخل في
مفهوم الغسل، وبدون العصر يكون صبا.
واستشهد على ذلك برواية الحسين بن أبي العلاء، قال: سألت أبا عبد الله عليه
السلام عن البول يصيب الجسد، قال: " صب عليه الماء مرتين، فإنما هو ماء " وسألته
عن الثوب يصيبه البول، قال: " اغسله مرتين " (6) - (7).
وفيه نظر ظاهر، إذ لو أراد أن العصر داخل في مطلق مفهوم الغسل فلا يساعده
اللغة والعرف، والكتاب والسنة مشحونة بخلافه في الوضوء والغسل وغيرهما. وإن

(1) منهم المحقق في المعتبر 1: 435، والعلامة في المنتهى 2: 265، ونهاية الإحكام 1: 278، والشهيد في
الذكرى: 14، والكركي في جامع المقاصد 1: 173.
(2) التذكرة 1: 82.
(3) في " ح ": نتحيل. وما أثبتناه من المخطوطين هو الموافق للمصدر.
(4) البيان: 94.
(5) الكافي 3: 55 ح 1، التهذيب 1: 249 ح 714، الاستبصار 1: 174 ح 603، الوسائل 2: 1001 أبواب
النجاسات ب 1 ح 4، و ب 3 ح 1.
(6) الكافي 3: 55 ح 1، التهذيب 1: 249 ح 714، الاستبصار 1: 174 ح 603، الوسائل 2: 1001 أبواب
النجاسات ب 1 ح 4، و ب 3 ح 1.
(7) المعتبر 1: 435.
462

أراد أنه داخل في خصوص غسل الثوب، فلم نجد هذا الفرق في اللغة ولا في العرف.
مع أن ما استدل به من الرواية يضره، إذ ظاهر مقابلة الصب بالغسل أنه لا يجب
الغسل في البدن، وفيه أن الأمر به في الأخبار سيما في الاستنجاء من البول وغيره
مما لا يحصى.
مع أن الرواية التي نقلناها في بول الرضيع ناطقة بأن بول الرضيع قبل الأكل
يصب عليه الماء، وإذا أكل فيجب غسله، وعلى هذا فيجب أن يكون بول الفطيم
أقوى من بول الرجل.
وقد ذكرنا ثمة أن المراد بالصب هو الأعم من الغسل، وأنه لا يجب في بول
الرضيع انفصال الماء، بل ولا جريانه، بخلاف ما لو أكل، فيجب الجريان
والانفصال، سواء في ذلك البدن والثوب، لاطلاق الرواية.
فعلى ما ذكرنا لا بد لنا من تأويل هذه الرواية: بأن المراد فيها أن الصب يكتفى
به، يعني لا حاجة إلى الدلك، لا أنه لا يجب تحصيل مسمى الغسل عرفا، لأن
وجوب إجراء الماء وانفصاله مما ثبت بالاجماع والأخبار، وإلا فلم يبق فرق بينه وبين
بول الرضيع.
فعلم أن المراد بالصب ليس هو الصب المذكور ثمة، بل المراد نوع مخصوص من
الغسل، وذلك لا يوجب عدم وجوب الغسل وعدم صدق الغسل عليه، ولا يوجب
اختصاص الغسل بما كان فيه عصر. وحينئذ فيلزم ارتكاب خلاف الظاهر في
اللفظين هنا (1) وإبقاؤهما على حقيقتهما في بول الرضيع.
نعم لو خصصت رواية الرضيع بالثوب، وجعل معنى الصب في الروايتين
واحدا، لحصل فرق بين بول الرضيع وغيره في الثوب فقط، لكنه تقييد لا دليل
عليه. مع أنه يلزم على هذا التجوز في الروايتين بخلاف ما ذكرنا.

(1) ارتكاب خلاف الظاهر إنما هو من جهة إطلاق الكلي وإرادة الفرد مع قيد الخصوصية فليتدبر (منه رحمه الله).
463

والتحقيق: أن الغسل في اللغة والعرف هو إجراء الماء على الجسم وفصله عنه،
ففيما لا حاجة في تحقق ذينك المعنيين إلى أمر خارج سوى صب الماء فيتحقق
الغسل، وأما ما يحتاج إليه فهو الذي يجب فيه العصر والتغميز لاجراء الماء على
جميع أجزاء ذلك الجسم وفصله عنه، وذلك لا يوجب دخول العصر في مفهوم
الغسل، بل إنما هو شرط فيما لا يتم إلا به في تحقق المفهوم، ولا يوجب عدم كون
الصب على الأجسام الصلبة وفصله عنها غسلا، بل ومثل صب الماء على الصوف و
ما ينسج منه، فإنه يخرج منه الماء بنفسه بسهولة، وهذا واضح لا سترة فيه.
ثم إن الغسل أمر متأصل قد يطلب هو بنفسه وقد يتعدى بمن، فقد يقال: اغسل
يديك وقد يقال اغسل يديك من البول، فما يتعدى إلى الغير تجب فيه ملاحظة إزالة
ذلك الشئ أيضا سواء كان حدثا أو خبثا، وسواء كان الخبث ذا جسم عيني أو لا،
فيجب الغسل فيما لا عين له لإزالة حكمه، وفيما له عين لإزالة العين والحكم
كليهما، فقد يكون العصر دخيلا في إزالة العين أيضا.
فما ذكرنا من الأمرين هو السر في اعتبار الفقهاء العصر، لا أنه داخل في مفهوم
الغسل.
وأما اخراج الماء وفصله بالجفاف فهو لا يفيد إتمام تحقق مفهوم الغسل عرفا.
وظهر مما ذكرنا ضعف ما قد يستدل على عدم لزوم العصر: بأن إطلاق ما دل
على طهارة الثوب بالغسل يقتضي طهارة الماء المتخلف في المحل، وأنه لا فرق بينه
وبين المتخلف بعد العصر وإن أمكن اخراجه بقوة، وهو ضعيف، لما عرفت.
والأخير (1) قياس.
وكذلك ما قيل: إن التحقيق يقتضي إناطة الحكم بما يتحقق منه مسمى الغسل في
العرف، ويعلم منه إزالة النجاسة بأسرها; وبناء الزائد على ذلك على نجاسة الغسالة

(1) في " م "، " ز ": والآخر.
464

وطهارتها (1)، ويتفرع عليه أن وضع الثوب النجس في المركن في الماء القليل بدون
الغمز والعصر وتحقق الغسل العرفي يوجب نجاسته وإن أخرج من ساعته، بخلاف ما
لو تحققت المذكورات على القول بطهارة الغسالة أو نجاستها مع القول بطهارة المحل
أيضا.
ثم إن المحقق أوجب بعد كل غسل عصرا (2)، والشهيد في اللمعة عصرا بين
الغسلتين (3)، والصدوق عصرا بعدهما (4).
ولعل الأول ناظر إلى اعتبار العصر في مفهوم الغسل، فوجوب الغسلتين يوجب
العصرتين. وبناء الثاني على أنه لاخراج أجزاء النجاسة. وبناء الثالث على أنه لنجاسة
الغسالة مطلقا، فلا فائدة في العصر الأول، والأحوط بل الأظهر هو الأول.
وفي لزوم العصر إذا غسل في الكثير قولان، أشهرهما العدم (5)، بل الأظهر،
لعدم الإشكال في حكاية الغسالة بعد زوال العين، إنما الإشكال في اشتراط انفصال
الغسالة في تحقق الغسل، ولا يبعد جعله نظير الغسل الارتماسي.
ويمكن أن يقال: إذا دخل الجسم في الماء تدريجا فكل جزء يدخل في الماء فيمر
عليه الماء وينفصل منه ولا ينفعل، ثم يمر على الجزء الآخر (6) وهكذا، وذلك هو
السر فيما اخترنا في الغسل الارتماسي أنه يتم بتمام الانغماس، ولا يحتاج إلى
الخروج أو التحرك بعده، وإن كان ما اخترناه موافقا لاطلاق النص الوارد فيه أيضا.
ثم بعد ظهور وجه اعتبار العصر، فلا فرق فيه بين اللي والكبس والغمز.
ويكفي في اللحاف والفرش الثخينة والوسائد الكثيرة الحشو الدق والتغميز

(1) المعالم: 323، ونقله عن بعض أفاضل المتأخرين في الذخيرة: 162.
(2) المعتبر 1: 435.
(3) اللمعة الدمشقية: 16.
(4) الفقيه 1: 40.
(5) ذهب إليه العلامة في التذكرة 1: 81، ونهاية الإحكام 1: 79، والشهيد في البيان: 93.
(6) في " م "، " ز ": الأخير.
465

ونحو ذلك مما يخرج الماء إذا سرت النجاسة إلى باطنها، وإلا فيغسل ظاهرها ويمسح
عليها بقوة ليخرج منها أجزاء النجاسة وماء الغسل. أما مع عدم العلم بالنفوذ إلى
الباطن فظاهر (1)، وأما مع النفوذ فيكفي أيضا غسل الظاهر في طهارة الظاهر،
لبطلان السراية.
ويظهر من الشيخ في الخلاف عدم الخلاف في ذلك، حيث نسب القول به إلى
بعض العامة في مبحث عدم جواز تطهير بعض الثوب النجس، معللا بأنه مجاور
لأجزاء نجسة فتسري إليه النجاسة فيتنجس، ثم دفعه (2).
والدليل على البطلان هو عدم الدليل عليه، وإشعار كثير من الروايات به،
وللزوم نجاسة مفازة رحبة الفضاء إذا ابتل جميعها بمجرد نجاسة جزء منها لو قلنا بها،
لأن الرطوبة لا يصدق عليها أنها ماء قليل حتى يشملها ما دل على نجاسته، مع أن
أدلة نجاسة القليل أخبار في موارد خاصة لا يتم الاستدلال بها في أصل الماء إلا
بضميمة الاجماع المركب، فكيف بما ليس بماء.
وأما ما يتوهم أن النجاسة إذا لاقت شيئا رطبا تنجسه، فإذا انضم إليه أن
المتنجس ينجس فتثبت السراية، ففيه مع منع مثل ذلك العموم: أن ذلك إذا لاقى
النجس شيئا رطبا، أو لاقى رطب نجسا، لا إذا تنجس أحد المتلاقيين وإن كان
مجاورة رطبا.
وأما الأخبار التي أشرنا إليها، فمنها ما ورد في السمن والعسل إذا ماتت فيه
فأرة: أنه تلقى هي وما حولها، ويؤكل الباقي (3).
ومنها صحيحة إبراهيم بن أبي محمود في غسل الطنفسة والفراش الثخين

(1) في " م ": فطاهر.
(2) الخلاف 1: 185 مسألة 141، نقل الخلاف في ذلك عن ابن القاص. وقد حكاه عنه النووي في المجموع 2:
594.
(3) الوسائل 16: 461 أبواب الأطعمة المحرمة ب 43.
466

يصيبهما البول، كيف يصنع بهما وهو ثخين كثير الحشو؟ قال: " يغسل منه ما ظهر
في وجهه " (1). وتؤيده رواية إبراهيم بن عبد الحميد (2).
وبالجملة الأصل عدمه، وعدم الدليل دليل العدم. ويؤيده تطهير اللوح الوسيع
بمثل الإبريق ونحوه.
فمن فروع المسألة: جواز تطهير ما حول موضع الفصد إذا تعدى الدم، ولو
وضع الإصبع عليه فأظهر، بل وجواز غسل علم من سطح جسم محاط بالنجاسة،
ويبقى طرفاه على النجاسة.
بقي الكلام في مقامات:
الأول: المشهور في كلام المتأخرين أن ما لا يمكن اخراج الغسالة منه - كالتراب
والدقيق - لا يمكن تطهيره بالقليل، ويظهر وجهه بعد التأمل فيما تقدم من اعتبار
العصر أو نجاسة الغسالة.
وأما تطهيره بالكثير فلعله لا خلاف فيه إذا علم وصول الماء إلى جميع الأجزاء
وإزالة النجاسة، وإن كان قد يستشكل فيه على القول بدخول العصر في الغسل،
وقد عرفت التحقيق.
وعن الشيخ في الخلاف (3): جواز تطهير الأرض بأن يصب الماء عليها حتى
يكاثره ويقهره فيزيل لونه وطعمه ورائحته، واحتج بأن التكليف بما زاد حرج،
وبالرواية العامية المتضمنة لأمر النبي صلى الله عليه وآله بإهراق ذنوب من ماء على
بول الأعرابي في المسجد، وقوله بعده: " علموا ويسروا ولا تعسروا " (4).

(1) الكافي 3: 55 ح 2، الفقيه 1: 41 ح 159، التهذيب 1: 251 ح 724، الوسائل 2: 1004 أبواب النجاسات
ب 5 ح 1.
(2) الكافي 3: 55 ح 3، الوسائل 2: 1004 أبواب النجاسات ب 5 ح 2.
(3) الخلاف 1: 494 مسألة 235.
(4) سنن ابن ماجة 1: 176 ح 529، 530، سنن الترمذي 1: 275 ح 147، 148، سنن أبي داود 1: 157
ح 380، 381، مسند أحمد 2: 239.
467

وقد يستدل على ذلك بما ورد من الأمر برش الماء في البيع والكنائس وبيوت
المجوس والصلاة عليه في صحيحة عبد الله بن سنان (1) ورواية أبي بصير (2)، فإن فيهما
إشعار بإمكان التطهير. والاعتماد على هذه الأدلة مشكل وإن كان لا يخلو من قرب.
نعم لا يمكن الحكم بوجوب غسل الملاقي بعد ذلك، لتعارض الاستصحابين.
وقد يقال: إنه يكفي في تطهير الأرض إجراء الماء على وجه الأرض بحيث
يغمرها ثم يجري إلى موضع آخر، فيكون ما انتهى إليه نجسا، ويشكل ذلك مع
رخاوة الأرض.
نعم هذا حسن فيما لو كانت الأرض مفروشة بالآجر والساج ونحوهما، إلا أن
يتشبث بعموم مثل قوله عليه السلام: " الماء يطهر " و: " جعل الله الماء طهورا " (3)
وهو أيضا مشكل.
الثاني: ذكر جمع من الأصحاب أنه لا يجوز تطهير مثل الصابون والفواكه
والخبز والقرطاس والحبوب والجبن مما لا تنفصل عنه الغسالة بالعصر في القليل،
ولا ينقل عنهم خلاف في الكثير.
ولا بد أن يكون مرادهم من الصابون هو ما إذا كان رطبا، ومن الفاكهة ما إذا
كانت مقطوعة، وإلا فالصابون اليابس كالحجر، والتفاح الصحيح ليس بأرخى من
البدن، وكذلك قشر الرقي، ووجهه معلوم مما سبق.
وقد يستشكل في ذلك: بأنه مستلزم للحرج والضرر. وأن المتخلف في
المذكورات ربما يكون أقل من المتخلف في الحشايا بعد الدق والتغميز. وقد حكموا
بطهارتها، بإطلاق الأمر بالغسل (4).

(1) التهذيب 2: 222 ح 875، الوسائل 3: 438 أبواب مكان المصلي ب 13 ح 2.
(2) التهذيب 2: 222 ح 877، الوسائل 3: 439 أبواب مكان المصلي ب 14 ح 3.
(3) الوسائل 1: 99 أبواب الماء المطلق ب 1.
(4) انظر المدارك 2: 331.
468

والأول لا يمكن الاعتماد عليه في المقام، والثاني قياس، والثالث غير معلوم،
فإن الأمر بالغسل إنما هو في الثوب والبدن والأواني وبعض الموارد المخصوصة التي
ليس ما نحن فيه منها، إلا أن يتشبث بمثل عموم: " الماء يطهر ".
وظني أنه لا إشكال في تطهير مثل الفواكه الصلبة مثل التفاح والكمثرى
والسفرجل وبعض أفراد البطيخ بعد القطع بالقليل أيضا، لانفصال الغسالة عنها
عرفا، ولبطلان السراية.
نعم يشكل في مثل حب العنب المقطوع، وما يتلين من المباطخ والخوخ و
المشمش ونحو ذلك إلى أن يخرج إلى حد المضاف فيندرج فيما يأتي.
وأما مثل اللحم وألية الضأن ونحوهما، فالظاهر جواز التطهير بالقليل، وفي
خصوص تطهير اللحم الذي ينجس في المرق بموت الفأرة أو بمسكر روايتان
معمولتان (1)، ولكن يشكل فيما يشرب الماء النجس إلا أن يعلم وصول الماء إلى
أعماقه، ولا تدل الروايتان صريحا على هذه الصورة (2)، بل الظاهر تنزيلهما على ما
لم يعلم مكث النجس في المرق كثيرا أو غليه معه، ولا يبعد دعوى ظهورهما في
ذلك أيضا.
أما تطهيرهما في الكثير بعد التشرب أيضا فالظاهر عدم الإشكال فيه، وعدم
لزوم العصر أيضا.
الثالث: المشهور بين الأصحاب عدم جواز تطهير المايعات النجسة إلا الماء، وإن
قيل إنه أيضا ليس بتطهير له، لعدم بقائه قائما بحاله متميزا، والمتبادر من التطهير هو

(1) انظر الوسائل 2: 1056 أبواب النجاسات ب 38 ح 8، و ج 16: 463 أبواب الأطعمة المحرمة ب 44 ح 1.
(2) ويمكن أن يقال: إن إطلاق الروايتين مؤيد للقول بجواز الغسل في المركن مع ورود النجاسة على الماء أيضا كما
مر، فيجوز تطهير اللحم بالقليل مطلقا، وفي صورة أن يلقى اللحم النجس في المركن الذي فيه الماء ويبقى فيه
حتى يحصل العلم بوصول الماء إلى أعماقه ثم يفرغ منه الماء، ثم يفعل به كذلك ثانيا، ومن ذلك تظهر قوة القول
بحصول التطهير وإن لم يقصد في الصورة التي ذكرناها في تطهير الأول له واستشكلنا فيها، ولا بد من التأمل
فإن المقام لا يصفو عن الإشكال (منه رحمه الله).
469

ذلك. نعم إن قلنا بكفاية الاتصال فيتحقق في بعض الصور كما يأتي، لكنه ضعيف.
وذهب العلامة إلى جوازه بممازجتها للمطلق الكثير وإن خرج عن إطلاقه أو بقي
اسمها في أحد قوليه (1)، وله قول آخر بطهارة الدهن خاصة إذا صب في الكثير
وضرب فيه حتى اختلطت أجزاؤه وإن اجتمعت بعد ذلك على وجهه (2).
وهو ضعيف، لوجوب وصول الماء إلى جميع أجزاء النجس، وهو غير ممكن إلا
بصيرورته مطلقا، فتنتفي الفائدة، إلا في مثل العسل والدبس بأن يغلى الماء حتى
يذهب ويبقى الدبس والعسل.
وأما الدهن فهو لا تختلط أجزاؤه مع الماء بالعيان، إلا أن يغلى في الكثير حتى
يختلط، ومع ذلك أيضا لا يخلو عن تأمل. ويدل عليه مضافا إلى ما تقدم من الأخبار
المعتبرة الآمرة بالاستصباح بالدهن المتنجس الناهية عن الأكل (3).
ثم إن الظاهر جواز الصبغ بالمائع النجس ثم تطهير المصبوغ بالماء حتى يزول المائع
النجس الموجود فيه واستهلاكه بالمطلق، وإن جف فيكفي وضعه في الماء الكثير حتى
يصل الماء إلى أغواره.
وأما ليقة (4) الحبر والشنجرف المتنجسين، فالظاهر عدم جواز تطهيرها رطبة،
إلا بعد زوالهما بالكلية. وأما بعد التجفيف فالظاهر التطهير بالكثير إن فرض عدم
خروج الماء عن الإطلاق بالتداخل والتخلخل، والظاهر إمكانه.
السابع: يشترط في ماء الغسل الطهارة بالاجماع - أعني ابتداءا - والإطلاق،
لأنه المتبادر من الغسل عند الإطلاق، والمنصوص عليه في الأخبار، مثل حسنة

(1) التذكرة 1: 88.
(2) المنتهى 2: 291.
(3) الوسائل 16: 461 أبواب الأطعمة المحرمة ب 43.
(4) الليقة صوفة الدواة. المنجد: 796.
470

الحسين بن أبي العلاء (1) وحسنة أبي إسحاق النحوي (2) المتقدمتين.
وصحيحة محمد الحلبي، عن الصادق عليه السلام: عن رجل أجنب في ثوبه
وليس معه غيره، قال: " يصلي فيه، فإذا وجد الماء غسله " (3).
ولو سلم شمول إطلاقات الغسل لغير المطلق فنحملها على المقيد لو لم نقل
بأن الأمر بالغسل بالماء ورد مورد الغالب، وإلا فتكفي الإطلاقات، لانصرافها
إلى المطلق، فيبقى غيره مسكوتا عنه، ومطهريته تحتاج إلى دليل، ولأن
النجاسة اليقينية يحتاج زوالها إلى اليقين، وليس إلا في المطلق.
مع أن الدخول في الصلاة مشروط بطهارة البدن والثوب، وحصول الطهارة
مشكوك فيه، إلا في المطلق.
وما يقال: إن عموم قوله عليه السلام: " كل ماء طاهر حتى يعلم أنه قذر " يفيد أن
الماء القليل إذا لاقى ما غسل بالمضاف لا يتنجس، لعدم حصول العلم، فيكون ذلك
الجسم المطهر بالمضاف طاهرا. لا يخفى ما فيه، لأن المراد - والله يعلم - حتى أنه
ينجس بملاقاته للنجس الواقعي، لا أنه طاهر حتى يعلم أن ما لاقاه نجس، مع أنه
لا منافاة بين إعمال الدليلين لتعارض الاستصحابين.
وعن السيد (4) والمفيد (5) جواز الإزالة بسائر المائعات، وكذا عن ابن أبي عقيل
عند الضرورة (6).
احتج السيد بالاجماع، وهو غريب.

(1) الكافي 3: 55 ح 1، التهذيب 1: 249 ح 714، الاستبصار 1: 174 ح 603، الوسائل 2: 1001 أبواب
النجاسات ب 1 ح 4.
(2) التهذيب 1: 249 ح 716، الوسائل 2: 1001 أبواب النجاسات ب 1 ح 3.
(3) الفقيه 1: 40 ح 155، الوسائل 2: 1066 أبواب النجاسات ب 45 ح 1.
(4) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 183، ونقله عن شرح الرسالة في المعتبر 1: 82.
(5) نقله عنه في المعتبر 1: 82.
(6) نقله عنه في المختلف 1: 222.
471

وبقوله تعالى: * (وثيابك فطهر) * (1) وهو أغرب، لأن المعنى اللغوي لا يجدي
في المطلوب، وثبوت المعنى الشرعي بالمضاف أول الدعوى. مع ما ورد تفسيره
بقصر وشمر وغير ذلك.
وبإطلاق الأوامر بغسل البدن والثوب، وهو يشمل الغسل بالمضاف لغة وعرفا.
وفيه مع أن الإطلاقات تنصرف إلى المتعارف كما في قولك: " اسقني " يحمل على
المقيد كما ذكرنا.
وبأن الغرض من الطهارة إزالة العين، وهي تحصل به، مستشهدا بما دل على
جواز إزالة الدم بالبصاق كما دلت عليه موثقتا غياث بن إبراهيم (2)، وعمل عليهما
ابن الجنيد (3)، وبرواية حكم بن حكيم المتقدمة في مسألة المتنجس (4).
وفيه: أن انحصار الغرض ممنوع، والروايتان شاذتان مهجورتان مؤولتان، وما
أشبه هذا الاستدلال بأن يكون مأخذ ما ذهب إليه السيد - رحمه الله - في جواز إزالة
النجاسة، عن الأجسام الصقيلة كالمرآة والسيف بالمسح بما يذهب عين النجاسة (5)،
وهو أيضا شاذ مطروح، ولا يمكن الاعتماد على هذا الدليل، وزوال النجاسة يحتاج
إلى دليل شرعي.
وأفرط بعضهم حيث جعل المعيار في غرض الشارع وجوب إزالة العين كيف ما
اتفق، خرج ما خرج بالدليل على وجوب الغسل بالماء مثل الثوب والبدن، وبقي
الباقي.
وفرع على ذلك جواز إزالة عين النجاسة من الأجسام الصقيلة بالمسح، كما

(1) المدثر: 4.
(2) التهذيب 1: 423 ح 1339، وص 425 ح 1350.
(3) نقله عنه في المختلف 1: 493.
(4) الكافي 3: 56 ح 7، الوسائل 2: 1036 أبواب النجاسات ب 26 ح 13.
(5) نقله عنه في المختلف 1: 492.
472

ذهب إليه السيد، وطهارة البواطن بمجرد زوال العين، وطهارة أعضاء الحيوان
المتنجسة غير الآدمي (1).
ويظهر بطلانه من تتبع موارد ما ورد في أقسام التطهير، والنجاسة حكم ثابت من
الشرع، ورفعها يحتاج إلى دليل، وطهارة البواطن إنما تثبت بالاتفاق ظاهرا،
وبلزوم الحرج، وبموثقة عمار، عن الصادق عليه السلام: عن رجل يسيل من أنفه
الدم، هل عليه أن يغسل باطنه، يعني جوف الأنف؟ فقال: " إنما عليه أن يغسل ما
ظهر منه " (2).
وتؤيده صحيحة محمد بن مسلم، عن أحدهما عليه السلام: في الرجل يمس
أنفه في الصلاة فيرى دما، كيف يصنع؟ قال: " إن كان يابسا فليرم به، ولا بأس " (3).
وموثقة زرارة: في المضمضة والاستنشاق وأنهما ليسا بفريضة ولا سنة: " إنما
عليه أن يغسل ما ظهر " (4).
ويشكل ببقايا الغذاء خلال الأسنان، ولا يبعد تطهيرها بالمضمضة مرتين.
والأظهر أن الرطوبة الخارجة من الأنف مثلا طاهرة إذا خلت عن النجاسة، وإن
كان في باطنه دم، ويشكل مع العلم بمرورها على عين النجاسة.
وأما طهارة أعضاء الحيوان غير الآدمي بزوال العين، فيدل عليه ظاهر الاجماع
المنقول عن الخلاف، فإنه بعد ما قال " إن الهرة لو أكلت ميتا ثم شربت من الماء القليل
لم ينجس بذلك سواء غابت أو لم تغب، وحكى عن بعض العامة أنه قال: إن
شربت قبل أن تغيب عن العين لا يجوز الوضوء به " استدل بإجماع الفرقة على
طهارة سؤر الهر، وعدم فصلهم، والأخبار الصحيحة المستفيضة الدالة على طهارة

(1) كالكاشاني في المفاتيح 1: 77.
(2) الكافي 3: 59 ح 5، التهذيب 1: 420 ح 1330، الوسائل 2: 1032 أبواب النجاسات ب 24 ح 5.
(3) الكافي 3: 364 ح 5، التهذيب 2: 324 ح 1327، الوسائل 2: 1031 أبواب النجاسات ب 24 ح 2.
(4) التهذيب 1: 78 ح 202، الاستبصار 1: 67 ح 201، الوسائل 2: 1032 أبواب النجاسات ب 24 ح 7.
473

سؤر الحيوانات، سيما الهرة، مع أن الغالب في الهرة أنها تأكل الميتة (1).
ويمكن القدح فيها: بأن التأمل فيها يقتضي أن عدم المنع ونفي البأس إنما هو من
جهة كونه سؤرا لها.
وموثقة عمار، عن الصادق عليه السلام، قال: سئل عما يشرب منه باز أو صقر
أو عقاب فقال: " كل شئ من الطير يتوضأ مما يشرب منه إلا أن ترى في منقاره دما،
فإن رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ ولا تشرب " (2) وزاد الشيخ: وسئل عما شربت
منه الدجاجة، فقال: " إن كان في منقارها قذر لم يتوضأ منه ولم يشرب، وإن
لم تعلم في منقارها قذرا فتوضأ واشرب " (3).
وذهب العلامة في النهاية إلى اعتبار الغيبة في الهرة واحتمال ولوغها في الجاري
أو الكر (4)، وحاصله يرجع إلى تعارض الاستصحابين، فالاعتماد على استصحاب
طهارة الملاقي، لا ثبوت الطهارة للهرة، وهو بعيد للزوم الحرج الشديد.
والظاهر أن تلك الأخبار مع الاجماع المنقول وعمل الأصحاب كافية في إثبات
الطهارة.
وأما الآدمي فتشترط الغيبة بمقدار إمكان التطهير فيه قطعا، ولكن اشترط بعضهم
علمه بالنجاسة وأهليته للإزالة (5)، وزاد بعضهم تلبسه بما يشترط بالطهارة أيضا.
والحق أن يقال: إن أريد الحكم بطهارة الانسان فيشترط فيه التلبس بالمذكور،
وإن أريد عدم نجاسة الملاقي فهو يثبت بمجرد حصول احتمال الطهارة له على

(1) الخلاف 1: 203 مسألة 167، ونقل الخلاف عن بعض أصحاب الشافعي. وانظر المجموع 1: 170، وأما
روايات سؤر الهرة فهي في الوسائل 1: 164 أبواب الأسئار ب 2.
(2) الكافي 3: 9 ح 5، التهذيب 1: 228 ح 660، الاستبصار 1: 25 ح 64، الوسائل 1: 166 أبواب الأسئار ب 4 ح 2.
(3) التهذيب 1: 284 ح 832، الاستبصار 1: 25 ح 64، الوسائل 1: 166 أبواب الأسئار ب 4 ح 3.
(4) نهاية الإحكام 1: 239.
(5) المقاصد العلية: 90.
474

أي وجه اتفق.
الثامن: إذا علم موضع النجاسة غسل، وإن اشتبه غسل ما يحصل فيه الاشتباه
وإن كان كله، فإن كان في ثوب واحد مثلا فالظاهر عدم الخلاف فيه، وتظهر دعوى
الاجماع عليه من الفاضلين وغيرهما (1). ويدل عليه مضافا إلى الاستصحاب وعدم
جواز نقض اليقين بالشك المستفاد من الصحاح وغيرها: خصوص الصحاح
المستفيضة (2). وكذلك الكلام في البدن.
وإن كان في ثياب متعددة أو فرش متعددة أو نحو ذلك، فإن كانت محصورة،
فالمشهور وجوب اجتناب ما حصل فيه الاشتباه، وقيل: ظاهر جماعة من الأصحاب
أنه لا خلاف في ذلك (3).
وعندي فيه تأمل، فإن الأصل براءة الذمة عن التكليف حتى يثبت المخرج، وليس
إلا فيما حصل العلم بالنجاسة، وحصول العلم إنما هو إذا استعمل الجميع، والكلام
فيه كالكلام في المشتبه بالحرام. ويؤيده عدم وجوب الغسل إذا وجد المني في الثوب
المشترك على أحد منهما.
وما يتمسك به من أن الحرام والنجس يجب الاجتناب عنهما، ومع العلم
بحصولهما في المجموع لا يتم الاجتناب إلا بترك الجميع، وما لا يتم الواجب إلا به
فهو واجب. ففيه أن ما ثبت وجوب الاجتناب عنه هو ما علمت
نجاسته أو ما علمت حرمته، لا ما يكون حراما أو نجسا. نعم لما لم يمكن الاجتناب فيما لو تناول الجميع
فيجب التجنب عنه. ويؤيده في الحرام صحيحة عبد الله بن سنان (4) وغيرها.

(1) المحقق في المعتبر 1: 438، والعلامة في المنتهى 1: 294، والتذكرة 1: 88.
(2) الوسائل 2: 1006 أبواب النجاسات ب 7.
(3) المنتهى 1: 475.
(4) الفقيه 3: 216 ح 1002، التهذيب 9: 79 ح 337، الوسائل 16: 495 أبواب الأطعمة المحرمة ب 64 ح 2.
475

وبالجملة النسبة بين أصل البراءة وقاعدة وجوب المقدمة عموم من وجه، وفي
الأحكام والأخبار لكل واحد منهما مخالف في الجملة، كحلية مال الغاصب المختلط
ومال السارق ونجاسة الإناءين المشتبهين، فإما أن تخصص قاعدة وجوب المقدمة،
أو قاعدة أصل البراءة، والترجيح لأصل البراءة. سيما وقاعدة وجوب المقدمة
لا تتم فيما نحن فيه كما عرفت.
وبالجملة الحكم بوجوب الاجتناب في المحصور غير واضح المأخذ، إلا أن يدعى
عليه الاجماع، وهو غير معلوم.
وكيف كان، فالأظهر أن المراد بنجاسة الجميع: هو أنه لا يجوز استعمالها في
المشروط بالطهارة، كالثوب في الصلاة، والأرض في السجود، والماء في الوضوء،
لا أن حكمها حكم النجاسة حتى يجب الاجتناب عما لاقاها رطبا، فإن الأصل
طهارة الملاقي، ولا يجوز نقض اليقين بالشك. ويظهر من العلامة في مسألة
الإناءين جعلها من باب النجاسات (1)، وهو ضعيف.
وأما غير المحصور، فلم يختلفوا في عدم وجوب الاجتناب، وجميع الأجزاء
باقية على الطهارة، ويؤيده لزوم الحرج والعسر.
وذكروا في تحديد المحصور وغير المحصور وجوها، أوجهها: حمل غير المحصور
على ما يعد اجتنابه حرجا وعسرا، وعدم تحديد ذلك في الأخبار وكلام الأصحاب
أيضا مؤيد لما ذكرنا.
وقد جعلوا من المشتبه ما لو اشتبه من جهة تعارض البينتين على تقدير قبولها في
إثبات النجاسة، فقد تتعارضان في شئ واحد، بأن تشهد إحداهما بطهارته
والأخرى بنجاسته، فقيل: إنه ملحق بالمشتبه بالنجس (2)، وهو ضعيف، لعدم
حصول العلم بالنجس في الجملة، لتعارضهما وتساقطهما. وقيل: بترجيح بينة

(1) المنتهى 1: 178.
(2) القواعد 1: 190.
476

الطهارة لاعتضادها بالأصل (1)، وقيل: تترجح بينة النجاسة لتقديم الناقل على
المقرر (2)، وهو ضعيف.
وإن تعارضتا في إناءين، وتصحيح فرضه بأن تنحصر النجاسة في شئ واحد،
ولم يعلم قبل البينة وصولها إلى أحدهما، فشهدت إحدى البينتين على وقوعها على
أحد الإناءين والأخرى على وقوعها على الآخر، فذهب جماعة إلى إلحاقه بالمشتبه
بالنجس (3)، ولا وجه له، لتعارض البينتين، وتساقطهما.
وما يقال: إنهما مجتمعتان على نجاسة أحدهما، فهو كلام ظاهري، إذ أحدهما
الذي تشهد عليه إحداهما غير أحدهما الذي تشهد عليه الأخرى، كما لا يخفى.
وأما لو فرضت صورة يمكن الجمع بينهما فيعمل عليهما، ولكنه خارج عن المتنازع.
واعلم أنه يظهر من تتبع الأخبار، مثل ما ورد في المني والبول المشكوكين،
وملاقاة الكلب وأخويه يابسا، والمذي وعرق الجنب وبول البعير والشاة، وما مر من
نضح البيع والكنائس وغير ذلك: أن ما شك في حصول النجاسة أو توهم هناك
نجاسة، أو لاقى مكروها، فيستحب نضح الماء عليه.
وادعى المحقق على استحبابه في ملاقاة الكلب والخنزير والكافر يابسا إجماع
علمائنا (4).
و تدل عليه صحيحة البقباق في الكلب (5)، ومرسلة حريز وغيرهما (6)،
وصحيحة علي بن جعفر في الخنزير (7).

(1) حكاه في الإيضاح 1: 24، ونقله عن المعالم واختاره في الحدائق 1: 522.
(2) السرائر 1: 87.
(3) التحرير 1: 6، جامع المقاصد 1: 155.
(4) المعتبر 1: 440.
(5) التهذيب 1: 261 ح 759، الوسائل 2: 1034 أبواب النجاسات ب 26 ح 2.
(6) الكافي 3: 60 ح 1، التهذيب 1: 260 ح 756، الوسائل 2: 1034 أبواب النجاسات ب 26 ح 3، 4، 7.
(7) التهذيب 1: 261 ح 760، الوسائل 2: 1017 أبواب النجاسات ب 13 ح 1.
477

وأما الكافر، فقال في المدارك: لم أقف فيه على نص، وكذا في الذخيرة (1).
ويمكن أن يستدل عليه بصحيحة الحلبي، عن الصادق عليه السلام: عن الصلاة في
ثوب المجوسي فقال: " يرش بالماء " (2) وعن ابن حمزة القول بالوجوب تبعا لظاهر
الأمر (3)، والأظهر الاستحباب; لأن فهم الأصحاب وعملهم وسياق الأخبار قرينة
على الاستحباب ظاهرة.
وعن الشيخ استحباب المس بالتراب للبدن إذا لاقى النجس يابسا (4)، قال
المحقق: ولم يثبت (5)، وفي المدارك لم نقف على سنده (6).
أقول: وتكفي فتوى الشيخ، مع أن رواية خالد القلانسي تدل عليه قال، قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: ألقى الذمي فيصافحني، قال: " امسحها بالتراب " (7).
واختلفوا فيما إذا حصل الظن بالنجاسة، فاعتبره أبو الصلاح مطلقا (8)، ومنعه
ابن البراج كذلك (9).
والمشهور بين المتأخرين اعتباره إذا حصل من شهادة العدلين (10)، واشترط بعضهم
تبيين السبب (11)، واعتبر بعضهم العدل الواحد مطلقا (12)، وقيده بعضهم بما إذا أخبر

(1) المدارك 2: 341، الذخيرة: 179.
(2) التهذيب 2: 362 ح 1498، الوسائل 2: 1093 أبواب النجاسات ب 73 ح 3.
(3) الوسيلة: 77.
(4) المبسوط 1: 38.
(5) الشرائع 1: 46.
(6) المدارك 2: 343.
(7) الكافي 1: 475 ح 11، الوسائل 2: 1019 أبواب النجاسات ب 14 ح 4، بزيادة: وبالحائط.
(8) الكافي في الفقه: 140.
(9) المهذب 1: 27، جواهر الفقه: 9.
(10) المبسوط 1: 9، السرائر 1: 86، المختلف 1: 250.
(11) حكاه عن بعض الأصحاب واستحسنه في المعالم: 163.
(12) التذكرة 1: 90، الذكرى: 12.
478

بنجاسة إنائه (1)، واكتفى بعضهم باعتبار قول ذي اليد الفاسق أيضا (2)، وقيد جماعة
قبول خبر ذي اليد بما قبل استعمال الغير فلا يسمع بعد الاستعمال (3).
حجة أبي الصلاح: أن الشرعيات ظنية، وأن العمل بالمرجوح مع قيام الراجح
باطل.
ورد بمنع الأول، وأن العمل بالمرجوح قبيح بعد ثبوت الدليل الراجح، ومطلق
الظن ليس بدليل.
وربما يستدل له بأن الصلاة مشروطة بالثوب الطاهر، والوضوء بالماء الطاهر،
والألفاظ أسام للأمور النفس الأمرية، فلا أقل من لزوم تحصيل الظن بالطهارة،
فكيف يصح مع ظن النجاسة؟
ولو منع وجود ما يدل على اشتراط الطاهر، فلا أقل مما دلت عليه الأخبار والأدلة
من اشتراط عدم وقوع القذر في الماء، وعدم وصول شئ من النجاسات إلى الثوب
والبدن (4)، فنقول أيضا: حصول ذلك مضر في نفس الأمر، ولا أقل من كفاية الظن
به.
وتدفعه الأخبار المستفيضة المعتبرة الواردة في أن الماء طاهر حتى يعلم أنه قذر،
أوكل شئ نظيف حتى تعلم أنه قذر، وما في معناها (5). والصحاح المصرحة بعدم
جواز نقض اليقين إلا بيقين (6). وتتبع موارد الأحكام الشرعية الدالة على ذلك في
عدم غسل الرجل إذا خرج من الحمام، وطهارة منسوجات الكفار وملبوساتهم
وأوانيهم وما أعير لهم، والتوضؤ من فضل وضوء المسلمين وغيرها، مع عمل

(1) المنتهى 1: 56.
(2) القواعد 1: 190.
(3) التذكرة 1: 24.
(4) الوسائل 1: 125 أبواب الماء المطلق ب 13.
(5) الوسائل 1: 106 أبواب الماء المطلق ب 4.
(6) الوسائل 1: 174 أبواب نواقض الوضوء ب 1.
479

السلف من غير نكير، ولزوم العسر والحرج.
بل الظاهر عدم استحباب اعتبار الظن غالبا، إلا أن يكون عليه نص بالخصوص،
لاستلزامه كسر قلوب المسلمين، وانجراره إلى الوسواس غالبا، بل و (1) عدم إمكان
ذلك في الجميع، وعدم المرجح للبعض.
ومما ذكرنا ظهرت حجة ابن البراج، وهي في غاية القوة.
وأما مستند قبول قول العدلين، فهو أنه معتبر في الشرع، ولذلك يرد المبيع إذا
ادعى عيبه بالنجاسة وشهد عليه عدلان.
ورد بعدم ثبوت ما يدل على اعتباره فيما نحن فيه عموما أو خصوصا، وثبوت
الرد بذلك العيب لا يستلزم نجاسته مطلقا، ولي في ذلك توقف، فلا بد من الاحتياط
إلى أن يقع التأمل التام.
وأما قبول قول العدل الواحد، فلا حجة عليه إلا القياس بالرواية، وهو كما ترى.
وأما قبول قول ذي اليد فهو أيضا مما لم تظهر عليه حجة واضحة، وما قرع
سمعك من تنزيل أقوال وأفعال المسلمين على الصحة والصدق لا يكفي في إثبات
الحكم، فإن المراد من ذلك حمل قوله على الصحة، يعني أنه مظنون الصدق،
ولا يلزم من ذلك أن يكون حجة على غيره في إثبات حكم أو تكليف أو رفع شئ
ثابت موافق لأصل البراءة.
والحاصل أن أفعالهم صحيحة، وأقوالهم صادقة يعمل على مقتضى صحتها
وصدقها، إلا أن تكون معارضة بمثلها، أو موجبة لتكليف، أو مستلزمة لضرر على
الغير.
ولذلك تراهم لا يتعرضون لمن في يده شئ أو تحته زوجة أو غيرهما إلى أن
يدعي عليه آخر، وحينئذ يحتاج إلى قواعد أخر في طي الدعوى.

(1) في " ح ": وقد.
480

ولعل من يحكم بالنجاسة غفل عن ذلك لما رأى أن قوله ينزل على الصدق،
وكذا فعله بالنسبة إليه نفسه، فإذا اجتنب من إنائه وقال إنه نجس، ليس لأحد أن
يمنعه ويردعه عن ذلك، ويقال إن اجتنابه صحيح، وقوله صادق، فحسب أن ذلك
يثبت النجاسة الواقعية، حتى يلزم على غيره أيضا الاجتناب; وانفكاك الأحكام
المتلازمة في نظر الظاهر في غاية الكثرة، ولا ضير فيه.
وقد يستدل عليه ببعض الأخبار الواردة في أن شراء الخف والفراء من سوق
المسلمين لا حاجة فيه إلى المسألة (1) حيث يظهر منها أن المسألة مثمرة لقبول قول
البائع فيما في يده.
وأنت خبير بعدم دلالته أصلا، لأنه إذا قال " غير مذكى " فهو مطابق لأصالة عدم
التذكية، والذي اعتمدنا عليه في رفع تلك الأصالة هو يد المسلم وقوله، وقد ارتفع
فيما نحن فيه، إذ فعله ليس أقوى من قوله.
وإذا قال " إنه مذكى " فهو إنما يقبل لأنه قول منه لا يوجب ضررا ولا تكليفا على
الغير ولا معارض له أيضا، ومن ذلك يظهر أن إخبار ذي اليد كاف في الطهارة وإن
علمت النجاسة قبله، بل الظاهر قبول قول المسلم في تطهير ثوب غيره أيضا كالتذكية.
وتؤيده حسنة ميسر قال، قلت لأبي عبد الله عليه السلام: آمر الجارية فتغسل
ثوبي من المني، فلا تبالغ في غسله، فأصلي فيه، فإذا هو يابس، قال: " أعد
صلاتك، أما إنك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شئ " (2) وللزوم العسر والحرج
العظيم لولا ذلك.
ولعل من قيد قبول النجاسة بما قبل استعمال الغير نظر إلى بعض ما ذكرنا، ولكنه
لم يستوف التحقيق.
وأما من اشترط بيان سبب النجاسة، فقد أصاب في المختلف فيه من النجاسات.

(1) الوسائل 2: 1071 أبواب النجاسات ب 50.
(2) الكافي 3: 53 ح 2، التهذيب 1: 252 ح 726، الوسائل 2: 1024 أبواب النجاسات ب 18 ح 1.
481

التاسع: المعروف من مذهب الأصحاب بحيث لا يعرف خلاف بينهم أن
الأرض تطهر باطن الخف والنعل والقدم، ويظهر من العلامة في بعض كتبه
استشكال في القدم (1)، ولا وجه له، لدلالة الأخبار عليه.
والأصل في هذا الحكم الصحاح المستفيضة وغيرها، ومنها روايتا محمد الحلبي
المتقدمتان في وجوب إزالة النجاسة عن المساجد (2).
وحسنة المعلى بن خنيس قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الخنزير يخرج
من الماء فيمر على الطريق فيسيل منه الماء أمر عليه حافيا، فقال: " أليس وراءه شئ
جاف؟ " قلت: بلى، فقال: " لا بأس، إن الأرض يطهر بعضها بعضا " (3) وهذه العبارة
واردة في حسنة محمد بن مسلم المروية في الكافي أيضا (4).
والأظهر في تفسيرها أن المراد بالبعض الأخير: هو الأجزاء المخلوطة بالنجاسة
منها، والمراد من تطهيرها: تطهير محلها، كما في قولك: " الماء يطهر البول " فمراد
الإمام عليه السلام بيان طهارة الرجل والخف وغيرهما مما لاقى النجاسة ولصقت بها
النجاسة المخلوطة بأجزاء الأرض، لا تطهير نفس تلك الأجزاء الصغار، كما فهمه
بعضهم، وقال: إن الإزالة والإحالة والتجفيف بالوطء عليها مرة بعد أخرى،
وانتقال بعضها إلى بعض يوجب تطهير ذلك البعض (5).
وهو مشكل، لأن إرادة تطهير الأجزاء الأرضية دون الرجل والخف ونحوهما غير
ظاهر من الأخبار، سيما من غير حسنة محمد بن مسلم، بل إنما سيقت لأجل ذلك،

(1) التحرير 1: 25، المنتهى 2: 285.
(2) الكافي 3: 38 ح 3، مستطرفات السرائر 3: 555، الوسائل 2: 1047 أبواب النجاسات ب 32 ح 4، 9.
(3) الكافي 3: 39 ح 5، الوسائل 2: 1047 أبواب النجاسات ب 32 ح 3.
(4) الكافي 3: 38 ح 2، الوسائل 2: 1047 أبواب النجاسات ب 32 ح 2.
(5) المفاتيح 1: 79، الوافي 6: 225، الحبل المتين: 127.
482

وإرادة كليهما معا يوجب إرادة المعنيين: الحقيقي والمجازي، وهو خلاف التحقيق.
والحاصل: أن الظاهر من الكلام: هو أن الأرض تزيل حكم نجاسة الرجل
وأخويها الحاصلة بسبب الأجزاء المتنجسة منها، كما أن الحجر والخرق يذهب حكم
النجاسة من العجان، كما يشير إليه صحيحي زرارة (1)، فيشكل استفادة تطهير تلك
الأجزاء بذلك، إلا أن استهلاكها في الأرض وعدم تميزها يلحق مواضع الأقدام
بالمشتبه بالنجس، ولا يحكم بنجاسة ملاقيه، لعدم تميزها، لا لحصول الطهارة بها.
فحينئذ يشكل جواز السجود عليها والتيمم بها.
وأما حسنة محمد بن مسلم فلا ارتباط لهذا الكلام فيها بما قبله، ولعلها سقط
منها شئ يوجب إفادة ذلك.
ثم إن الظاهر كفاية المسح، ولا يحتاج إلى المشي. والتحديد بمشي خمسة عشر
ذراعا موافقا لصحيحة الأحول لا وجه له، لما في صحيحة زرارة: " ولكنه يمسحهما
حتى يذهب أثرها ".
وفي صحيحة أخرى: " يجوز أن يمسح رجليه ولا يغسلهما " (2) مع أنه ذكر في
صحيحة الأحول بعد ذلك: " أو نحو ذلك " (3)، فالمراد بيان ما يزيل غالبا.
وظاهرهم عدم اشتراط الجفاف قبل الدلك، بل الظاهر من الأخبار هو ما كانت
رطبة، واستفادة حكم اليابس مشكل، وصحيحة زرارة وإن كانت مطلقة إلا أنها

(1) التهذيب 1: 46 ح 129، الوسائل 1: 246 أبواب أحكام الخلوة ب 30 ح 3، قال: جرت السنة في أثر الغائط
بثلاثة أحجار أن يمسح العجان ولا يغسله، ويجوز أن يمسح رجليه ولا يغسلهما، والثاني في التهذيب 1:
275 ح 809، الوسائل 2: 1048 أبواب النجاسات ب 32 ح 7 قلت لأبي جعفر (ع): رجل وطأ على عذرة
فساخت رجله فيها، أينقض ذلك وضوءه، وهل يجب عليه غسلها؟ فقال: لا يغسلها إلا أن يقذرها، ولكنه
يمسحها حتى يذهب أثرها ويصلي.
(2) تقدمت الإشارة إليهما.
(3) الكافي 3: 38 ح 1، الوسائل 2: 1046 أبواب النجاسات ب 32 ح 1، قال في الرجل يطأ على الموضع الذي
ليس بنظيف ثم يطأ بعده مكانا نظيفا فقال: لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعا أو نحو ذلك.
483

ظاهرة في ذات الجرم الرطبة بقرينة مقابلتها لحكم الاستنجاء من الغائط، إلا أن
الظاهر عدم الخلاف.
وفي اشتراط طهارة الأرض إشكال، وصرح جماعة باشتراطها (1)، ولا تخلو
رواية الأحول من إشعار ما من حيث احتمال التقرير، ويعضده الاستصحاب، لعدم
انصراف الإطلاقات إلى النجس، لأن الغالب في المطهرات الشرعية هو الطاهر إن
لم نقل باستفادة اشتراط الطهارة في أول الأمر من الاستقراء في جميع أبوابها.
وكذلك في اشتراط الجفاف إشكال، ولا دلالة في حسنة المعلى بن خنيس على
ذلك، لأن الظاهر أن المراد من الجفاف عدم التلوث بالماء المتقاطر من الخنزير.
وبالجملة الظاهر أن النداوة القليلة غير مضرة. إنما الإشكال في الوحل، سيما
مع عدم صدق الأرض عليه، والمتبادر من المسح أيضا هو على غير الوحل، إلا أن
لزوم العسر والحرج سيما في فصل الشتاء يؤيد ذلك، ولا ينبغي ترك الاحتياط.
ويظهر من ذلك الإشكال في كفاية الحجر والشجر والخزف (2) وغيرها، وقيد
الأرض وإن كان واردا مورد الغالب، ولكن إطلاق المسح أيضا ينصرف إلى ذلك.
ولا فرق بين أقسام الخف والنعل، من خشب كان أو من جلد أو من خرقة أو غير
ذلك، وإن لم يصرح ببعضها في الأخبار. ولا يفهم منها مثل الجورب.
وألحق جماعة بذلك خشبة الأقطع (3) وفي القبقاب إشكال. وأما الحاق أسفل
العصا وكعب الرمح ونحوهما فلا وجه له.
العاشر: المشهور أن الشمس تطهر ما تجففه من البول والنجاسات التي
لا جرم لها، أو لم يبق منها إلا نداوتها، في الأرض والبواري والحصر والأبنية

(1) نقله عن ابن الجنيد وقال لا بأس به في المدارك 2: 374.
(2) في " م ": الخرق.
(3) كصاحب المدارك 2: 375.
484

والنباتات ونحوها (1).
وخصصه بعضهم بالبول (2)، وبعضهم بالأرض وتالييها (3).
وعن القطب الراوندي أنه يجوز السجود على الأرض وتالييها إذا أصابها البول
وجففته الشمس وإن لم تجز ملاقاتها مع الرطوبة (4)، ونقله بعضهم عن صاحب
الوسيلة (5)، ومال إليه بعض المتأخرين (6).
والأقوى الأول، للاجماع، نقله الشيخ في الخلاف (7)، والصحاح
المستفيضة (8)، وموثقة عمار (9)، ورواية أبي بكر الحضرمي (10).
فروى زرارة في الصحيح قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن البول يكون
على السطح أو في المكان الذي أصلي فيه، فقال: " إذا جففته الشمس فصل عليه
فهو طاهر " (11).
ودلالتها على المطلوب إما من جهة إطلاق الأمر بالصلاة عليه الشامل لما كان
أعضاؤه رطبة، ولجواز السجود عليها; مع أنا سنبين - إن شاء الله تعالى - اشتراط

(1) الخلاف 1: 218 مسألة 186، الشرائع 1: 47، المنتهى 2: 274، الذكرى: 15، التنقيح الرائع 1: 155،
روض الجنان: 169.
(2) المقنعة: 71، المبسوط 1: 93.
(3) الخلاف 1: 495، ولكن كلامه في خصوص الحصر والبواري.
(4) نقله عنه في المختلف 1: 482، والذكرى: 15.
(5) الوسيلة: 79، قال: وإن كانت يابسة وجففتها الشمس جاز الوقوف عليها والسجود إذا كانت الجبهة يابسة.
(6) المعتبر 1: 446.
(7) الخلاف 1: 219.
(8) الوسائل 2: 1042 أبواب النجاسات ب 29.
(9) التهذيب 1: 272 ح 802، و ج 2: 372 ح 1548 وفيه: وإن كان عين الشمس أصابه، وأشار في الهامش
إلى نسخة موافقة، الاستبصار 1: 193 ح 675، الوسائل 2: 1042 أبواب النجاسات ب 29 ح 4.
(10) التهذيب 1: 273 ح 804، الاستبصار 1: 193 ح 677، الوسائل 2: 1043 أبواب النجاسات ب 29 ح 5.
(11) الفقيه 1: 157 ح 732، الوسائل 2: 1042 أبواب النجاسات ب 29 ح 1.
485

صحة السجود بطهارة المحل، وأنه لا يكفي ما ذهب إليه الراوندي رحمه الله.
وإما من جهة قوله عليه السلام: " فهو طاهر " فإن الظاهر ثبوت الحقيقة الشرعية.
سلمنا لكن القرينة قائمة على إرادة المعنى الشرعي لكمال بعد إرادة اللغوي.
وإطلاق صحيحته الأخرى (1) وصحيحة علي بن جعفر (2) مع ترك الاستفصال
أيضا يكفي في الاستدلال.
ومطلق الجفاف واليبس فيها مقيد بمفهوم الصحيحة الأولى. وفي معناها موثقة
أخرى لعمار أيضا (3).
وأخذ على ظاهر هذه الأخبار الراوندي، مستندا بأن جواز الصلاة عليها لا يدل
على طهارتها. ويؤيده أن علي بن جعفر الراوي لهذه روى أيضا جواز الصلاة مع
الجفاف بدون الشمس (4).
ويدل عليه أيضا صحيحة محمد بن إسماعيل قال: سألته عن الأرض والسطح
يصيبه البول وما أشبهه، هل تطهره الشمس من غير ماء؟ قال: " كيف يطهر من
غير ماء " (5).
والجواب عن استدلاله بظاهر الصحاح المتقدمة: أن الإطلاق الشامل لما كانت
الأعضاء رطبة، وترك الاستفصال يناقض مذهب الراوندي، ويوافق ما ذهبنا إليه.

(1) الكافي 3: 392 ح 23، التهذيب 2: 376 ح 1567، الوسائل 2: 1042 أبواب النجاسات ب 29 ح 2، عن
الصلاة على السطح يصيبه البول، قال: إن كان تصيبه الشمس والريح وكان جافا فلا بأس به.
(2) التهذيب 1: 273 ح 803، و ج 2: 373 ح 1551، الاستبصار 1: 193 ح 676، الوسائل 2: 1042 أبواب
النجاسات ب 29 ح 3، عن البواري يصيبها البول هل تصلح للصلاة إذا جفت من غير أن تغسل؟ قال: نعم
لا بأس.
(3) الفقيه 1: 158 ح 738، التهذيب 2: 370 ح 1539، الوسائل 2: 1044 أبواب النجاسات ب 30 ح 5، عن
البارية يبل قصبها بماء قذر هل تجوز الصلاة عليها؟ فقال: إذا جفت فلا بأس بالصلاة عليها.
(4) الفقيه 1: 158 ح 736، الوسائل 2: 1043 أبواب النجاسات ب 30 ح 1، عن البيت والدار لا تصيبهما
الشمس ويصيبهما البول ويغتسل فيهما من الجنابة أيصلى فيهما إذا جفا؟ قال: نعم.
(5) التهذيب 1: 273 ح 805، الاستبصار 1: 193 ح 678، الوسائل 2: 1043 أبواب النجاسات ب 29 ح 7.
486

سلمنا، لكن صحيحة زرارة الأولى مع رواية أبي بكر المنجبر ضعفها بعمل
الأصحاب معتضدتين بالشهرة والإجماع المنقول.
وعموم ما دل على طهورية التراب واليسر ونفي العسر والحرج وموافقتها
للأصل يكفي في المطلوب.
مع أن صحيحة زرارة أوضح دلالة، ومن أصدع بالحق من زرارة، والمروي عنه
الباقر عليه السلام. وصحيحة ابن بزيع مع أنها مضمرة هنا، فهو يروي غالبا عن
الكاظم أو الرضا عليهما السلام (1)، وأخبارهما أقرب إلى التقية من أخبار الباقر عليه
السلام، كما لا يخفى على المطلع. مع أنه موافق لمذهب جماعة من العامة (2)،
فيحمل على التقية.
ولها محمل سديد يمكن أن يجعل ذلك مدلولها، وهو أنه لعله سئل عما جف
بدون الشمس، فسئل أنه هل يكفي إشراق الشمس عليه من دون أن يصب عليه الماء
حتى يبتل فتجففه الشمس، فقال عليه السلام: " كيف يطهر من غير ماء؟ " وإلا فلا
حاجة إلى قوله من غير ماء في السؤال ولا في الجواب.
وأما موثقة عمار، فإن أخذناها على ما رواه في الاستبصار وبعض نسخ التهذيب
ونقله بعضهم في الكتب الاستدلالية، حيث قال عليه السلام: " وإن كان غير الشمس
أصابه حتى يبس فإنه لا يجوز ذلك " وجعلنا كلمة " إن " وصلية فهو صريح في مذهبنا،
وإن أخذناها على ما في بعض نسخ التهذيب، حيث روى فيها: " وإن كان عين
الشمس " بالعين المهملة والنون، فهو على مذهبهم أدل، غاية الأمر تعارض
الاحتمالين وترك هذه الموثقة لتهافتها وتشابهها، ولا يضرنا أصلا.
ثم إن رواية أبي بكر عامة، فإن الباقر عليه السلام قال: " يا أبا بكر ما أشرقت
عليه الشمس فقد طهر " فيشمل البول وغيره، والأرض وغيرها، خرج ما خرج

(1) انظر معجم رجال الحديث 3: 114.
(2) الأم 1: 52، الهداية 1: 35.
487

بالدليل. واشتهار العمل بمضمونها يجبر ضعفها، فلا يبعد العمل على عمومها فيما
بقي، مع أن في إحدى صحيحتي علي بن جعفر عليه السلام سئل عن قصب البوريا
المبتل بالماء القذر، ولا قائل بالفصل، وموثقة عمار أيضا تشمل البول وغيره.
ثم إن المشهور بين المتأخرين: أنه إذا جف المكان بغير الشمس ثم صب عليه ماء
غير مطهر له ثم جففته الشمس يكفيه، وهو كذلك، لما مر.
وعن جماعة منهم أن باطن الجدار يطهر بإشراق الشمس على ظاهره إذا كانت
الرطوبة متصلة (1)، وهو ظاهر الأدلة، وأما طهارة الباطن بدون اتصال نجاستها
ورطوبتها بالظاهر فلا دليل عليه.
ثم إن مذهب الجمهور أن الجفاف بغير الشمس من الهواء والأرياح لا يثمر
التطهير، للأصل، ونقل عليه العلامة الاجماع (2).
وعن الشيخ في الخلاف: الأرض إذا أصابتها نجاسة مثل البول وما أشبهه
وطلعت عليها الشمس أو هبت عليها الرياح حتى زالت عين النجاسة فإنها تطهر،
ويجوز السجود عليها والتيمم بترابها، وإن لم يطرح عليها الماء. واحتج بإجماع
الفرقة (3)، ولكنه قال في موضع آخر منه: فإن جف بغير الشمس لم يطهر (4).
وظني أن نظر الشيخ إلى صحيحة زرارة عن الصادق عليه السلام: السطح يصيبه
البول ويبال عليه، أيصلى في ذلك الموضع؟ فقال: " إن كان تصيبه الشمس والريح وكان
جافا فلا بأس به، إلا أن يكون يتخذ مبالا " (5) فتكون " أو " في كلامه بمعنى الواو، أو
للتقسيم، فإن الظاهر عدم اشتراط الاستقلال للشمس بذلك، بل لا يمكن ذلك غالبا.

(1) المهذب البارع 1: 257، جامع المقاصد 1: 178، الذخيرة: 171، الكفاية: 14.
(2) المنتهى 2: 278.
(3) الخلاف 1: 218 ولكن فيه: وهبت، مكان: أو هبت.
(4) الخلاف 1: 495.
(5) الكافي 3: 392 ح 23، التهذيب 2: 376 ح 1567، الوسائل 2: 1042 أبواب النجاسات ب 29 ح 2.
488

الحادي عشر: تطهر النار ما أحالته رمادا من الأعيان النجسة، للاجماع المنقول
في الخلاف (1)، وصحيحة الحسن بن محبوب: أنه سأل أبا الحسن عليه السلام عن
الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ويجصص به المسجد، أيسجد عليه؟ فكتب
إليه بخطه: " إن الماء والنار قد طهراه " (2).
والأظهر أن المراد من تطهير الماء هو التطهير بماء المطر وغيره عما يتوهم وصوله
إليه من النجاسات من غير جهة العذرة أيضا، لئلا يلزم استعمال اللفظ في المعنيين
الحقيقي والمجازي.
ويدل على المطلوب من باب الإشارة أيضا حيث لم يمنع عن تجصيص المسجد
به، وحينئذ فيمكن حمل التطهير فيها على المعنى المجازي، أعني التنظيف.
وأما إرادة التطهير من نجاسة العذرة بالماء الذي يمزج بالجص فلا تستقيم إجماعا
كما نقله في المعتبر (3) ويدل عليه أيضا أن الأحكام تابعة للأسامي.
وكذلك الكلام في الدخان، ويظهر من المعتبر الاجماع أيضا، وعن المبسوط
القول بنجاسة دخان الدهن النجس، لتصاعد الأجزاء الدهنية قبل الإحالة بواسطة
السخونة (4). وفيه تأمل واضح فيما لم يحصل العلم بذلك، وأنى يحصل؟ هذا
الكلام في الأعيان النجسة.
وأما المتنجسة، فألحقه بعضهم بالنجس، نظرا إلى الأولوية (5)، وفيه تأمل. نعم
الأظهر عدم نجاسة ملاقيه رطبا، للأصل والاستصحاب.

(1) الخلاف 1: 499 مسألة 239، ويظهر أيضا من المبسوط 6: 283.
(2) التهذيب 2: 235 ح 928، الفقيه 1: 175 ح 829، الوسائل 2: 1099 أبواب النجاسات ب 81 ح 1.
(3) المعتبر 1: 452.
(4) المبسوط 6: 283، قال: ورووا أصحابنا أنه يستصبح به تحت السماء دون السقف، وهذا يدل على أن دخانه
نجس. ولكن قال بعده: الأقوى عندي أنه ليس بنجس.
(5) معالم الفقه: 403، ونقله عنه في الحدائق 5: 462.
489

وأما الفحم، فألحقه بعضهم بالرماد (1) وتوقف بعضهم (2)، والإلحاق لا يخلو عن
رجحان ما.
وأما الخزف ففيه قولان، أولهما لجماعة منهم الشيخ في الخلاف مدعيا عليه
الاجماع (3)، والثاني لجماعة (4) للاستصحاب، وتوقف فيه بعضهم (5)، والثاني
أرجح لو لم يثبت الاجماع.
وأما خبز العجين النجس فلا يطهره على المشهور (6)، للاستصحاب،
وصحيحتي ابن أبي عمير (7).
وذهب الشيخ في الاستبصار إلى الطهارة (8)، لصحيحة ابن أبي عمير (9)،
ورواية عبد الله بن الزبير (10)، وهما لا يقاومان ما مر. مع أن لهما محملا ظاهرا،
ويبنى الاستدلال بالرواية الثانية على نجاسة ماء البئر بالملاقاة، وهو خلاف التحقيق

(1) جامع المقاصد 1: 179.
(2) روض الجنان: 170، المقاصد العلية: 99، معالم الفقه: 403.
(3) الخلاف 1: 499.
(4) روض الجنان: 170، الروضة البهية 1: 315.
(5) المعتبر 1: 452، المنتهى 2: 288، المدارك 2: 369، الكفاية: 14.
(6) التهذيب 1: 414، النهاية: 590، المعتبر 1: 453، المنتهى 2: 289، المدارك 2: 369.
(7) التهذيب 1: 414 ح 1305، 1306، الاستبصار 1: 29 ح 76، 77، الوسائل 1: 174 أبواب الأسئار ب 11
ح 1، 2، في العجين يعجن من الماء النجس كيف يصنع به؟ قال: يباع ممن يستحل أكل الميتة، وفي الأخرى:
يدفن ولا يباع.
(8) الاستبصار 1: 29، 30.
(9) الفقيه 1: 11 ح 19، التهذيب 1: 414 ح 1304، الاستبصار 1: 29 ح 75، الوسائل 1: 129 أبواب الماء
المطلق ب 14 ح 18، محمد بن أبي عمير عمن رواه عن أبي عبد الله (ع) في عجين عجن وخبز ثم علم أن الماء
فيه ميتة قال: لا بأس أكلت النار ما فيه.
(10) التهذيب 1: 413 ح 1303، الاستبصار 1: 29 ح 74، الوسائل 1: 129 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 17،
عن البئر يقع فيها الفأرة أو غيرها من الدواب فيموت فيعجن من مائها أيؤكل ذلك الخبز؟ قال: إذا أصابته النار
فلا بأس بأكله.
490

كما سيجئ.
ومن قبيل الاستحالة بالنار الاستحالة بغيرها أيضا، كصيرورة العذرة ترابا أو
دودا على المشهور بين الأصحاب (1). وعن بعضهم المنع في الأول (2)، وعن بعضهم
التوقف في الأول (3).
لنا: عمومات ما دل على طهارة التراب وطهوريته، وما دل على طهارة
الحيوانات، وخصوص ما ورد في دود الكنيف كما مر (4). والأحكام تابعة للأسامي
فلا مجال للتمسك بالاستصحاب.
والتحقيق أن تغير الاسم فقط لا يجزئ، فإن طحن الحنطة المتنجسة لا يطهرها مع
تغير الاسم، وكذلك لا تطهر المسكة (5) المأخوذة من اللبن المتنجس، ولا الجبن
الحاصل منه، وهكذا.
بل المعتبر تغير الحقيقة أيضا، فحقيقة الحنطة وخواصها الثابتة لها من حيث إنها
حنطة من التقوت بها والطعم والرائحة ونحوها لا تتفاوت بالطحن والخبز وجعله
جريشا وتوابل، بخلاف ما لو احترق وصار رمادا. وكذلك الزنجبيل المسحوق
والمنضوح ونحوهما.
فالمراد أن الحكم ثابت له ما لم يخرج عن حقيقة مصداق هذا الاسم وماهيته،
وإن لم يصدق عليه الاسم حقيقة، فالإشكال المتقدم في الفحم والخزف إنما هو
من جهة الشك في الخروج عن الحقيقة وعدمه. والأظهر في الأول الخروج
دون الثاني.

(1) المبسوط 1: 32، المعتبر 1: 452، المنتهى 2: 288، المدارك 2: 369.
(2) المبسوط 1: 93.
(3) القواعد 1: 195.
(4) الوسائل 2: 1099 أبواب النجاسات ب 80.
(5) المسكة في اللغة هي الجلدة وقد يعني بها هنا القشطة، ويحتمل أن يريد به اللبن المخيض والأول أولى.
491

وأما صيرورة الكلب ملحا والعذرة الواقعة في البئر حمأة، ففيه أيضا قولان (1)،
وتوقف بعضهم (2)، والأقرب الطهارة، لعمومات ما دل على حلية ما عدا أشياء
مخصوصة، ولضعف الاستصحاب لتبدل الحقيقة والاسم.
وهذا إنما يتم لو فرض ماء المملحة كرا، وإلا فلا مطهر للأرض والماء. وفي
صورة الكرية أيضا يحتاج إتمام المطلب إلى اعتبار تعارض الاستصحابين في بعض
الأحيان، كما لو صار جميع الماء مع الكلب ملحا، فلم يعلم تقدم استحالة الكلب
على قصور الماء عن الكرية بسبب استحالة بعضه ملحا.
ومن هذا الباب استحالة النطفة حيوانا طاهرا، والماء والعلف النجسين بولا
وروثا لحيوان مأكول، والدم النجس قيحا، ونحو ذلك.
وأما انتقال الدم إلى جوف البق والبعوض والقراد ونحو ذلك، فالظاهر أنه من
أجل عدم صدق الاسم فقط، فهو في العرف دم البق والقمل والبعوض والقراد
مثلا، لا دم الانسان، ودم ما لا نفس له طاهر، فالطهارة حينئذ إنما هي لتغير الحكم
بالشرع بسبب تغير الاسم يعني أن الشارع نص على تفاوت الحكم بتفاوت
الاسمين، وهذا غير تغير الحكم بمجرد الاستحالة.
ويقع الإشكال في مثل العلق (3).
وأما انقلاب الخمر خلا، ففي جعله من باب الاستحالة إشكال، للتردد في
تغير الحقيقة، ولكنه لا إشكال في أصل الحكم، للاجماع، والأخبار المعتبرة
المستفيضة.
ثم إنه لا إشكال كما لا خلاف في حله إذا انقلب بنفسه، وكذا لا إشكال إذا

(1) ذهب إلى القول بعدم الطهارة المحقق في المعتبر 1: 451، والعلامة في المنتهى 2: 287، وإلى القول بالطهارة
الكركي في جامع المقاصد 1: 181، وصاحب الحدائق 5: 472.
(2) القواعد 1: 195.
(3) العلق: جمع علقة، وهي دودة في الماء تمص الدم (منه رحمه الله).
492

انقلب بعلاج، ونقل عليه الاجماع في الانتصار (1). وتدل عليه الأخبار المعتبرة،
وصحيحة عبد العزيز بن المهتدي مصرحة به (2)، وحسنة زرارة أيضا كالصريحة، فإن
جعل الخمر خلا ظاهر في العلاج، سيما في العتيقة منها، كما سئل عنها في
الحسنة (3)، وكذلك موثقتا عبيد بن زرارة لابن بكير (4)، فلا وجه لتوقف الشهيد
الثاني وحكمه بعدم ما يدل عليه من الأخبار المعتبرة بالخصوص (5).
ولكن لا بأس بالقول بالكراهة، لصحيحة أبي بصير، عن الصادق عليه السلام:
سئل عن الخمر يجعل فيها الخل فقال: " لا إلا ما جاء من قبل نفسه " (6)، فإن ظاهرها
مهجور عند الأصحاب، فيحمل على الكراهة، وكذلك موثقته لابن بكير، بل
لا تدل هذه إلا على الكراهة (7).
وكذلك المشهور الأقوى المدعى عليه الاجماع بالعموم من السيد أنه لا فرق بين
ما لو كان المعالج به مائعا أو جامدا، باقيا أو هالكا.
وما قيل باشتراط عدم بقاء العين المعالج بها لأنها تتنجس، والانقلاب إنما يطهر
الخمر، ولا مطهر للعين المعالج بها، فتستصحب النجاسة، وينجس الخل أيضا (8)،

(1) الإنتصار: 200.
(2) التهذيب 9: 118 ح 509، الاستبصار 4: 93 ح 359، الوسائل 17: 297 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 8.
(3) الكافي 6: 428 ح 2، الوسائل 2: 1098 أبواب النجاسات ب 77 ح 1، عن الخمر العتيقة تجعل خلا. قال:
لا بأس.
(4) الكافي 6: 428 ح 3، الوسائل 2: 1098 أبواب النجاسات ب 77 ح 2، التهذيب 9: 117 ح 507،
الاستبصار 4: 93 ح 357، الوسائل 17: 297 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 5.
(5) المسالك (الطبعة الحجرية) 2: 235.
(6) التهذيب 9: 118 ح 510، الاستبصار 4: 93 ح 360، الوسائل 17: 297 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 7.
(7) الكافي 6: 428 ح 4، التهذيب 9: 117 ح 506، الاستبصار 4: 94 ح 361 إلا أن الرواية فيه عن عبيد بن
زرارة، الوسائل 17: 296 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 4.
(8) نقله في المنتهى 3: 221، وانظر كشف اللثام 1: 58.
493

ضعيف، لأن هذا الإشكال مقلوب عليه، فما يذوب فيها ويستهلك كالملح يتنجس
أيضا.
سلمنا عدم الورود بتقريب ادعاء أنه حينئذ خمر عرفا لا غير فيطهر
بالانقلاب، لكن ما ذكرنا من الأدلة يشمله بعمومه، ولا يجتمع الحكم بطهارة الخل
مع بقاء العين المعالج بها على نجاستها. ويؤيده ما يدل على طهارة الأشياء المودعة
في العصير قبل ذهاب الثلثين، وحكمهم بحلية الملين وإن خرج الخليط كلب اللوز
والجوز والنشا (1) قبل ذهاب الثلثين.
وقد نوقض على هذا القائل بطهارة الآنية، وهو غريب، لأن قول الشارع بطهر
الخمر وحله يدل على طهارة الآنية تبعا بالإشارة، لعدم الانفكاك عقلا، بخلاف ما
نحن فيه.
فالاعتماد إنما هو على الإطلاقات والعمومات والخصوصات، سيما صحيحة
عبد العزيز، عن الرضا عليه السلام قال: كتبت إليه جعلت فداك العصير يصير خمرا
فيصب عليه الخل وشئ يغيره حتى يصير خلا قال: " لا بأس " (2) فلم
يستفصل (3) الإمام عليه السلام وحكم بالحل عموما.
تذنيب:
لو ألقي في الخل خمر قليل فاستهلكت فيه، فلا ريب أنه يتنجس، ولا يطهر
بذلك، خلافا لأبي حنيفة (4) ولكن الإشكال فيما لو بقي إلى زمان ينقلب فيه الخمر
خلا، والمشهور الأقوى عدم التطهير، لأنه لا يبقى حينئذ خمر عرفا حتى يقال إن

(1) النشا ما يعمل من الحنطة فارسي معرب وأصله نشاسته. انظر المصباح المنير 2: 312.
(2) التهذيب 9: 118 ح 509، الاستبصار 4: 93 ح 359، الوسائل 17: 297 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 8.
(3) في " ز ": يفصل.
(4) نقله في المختلف (الطبعة الحجرية) 2: 136.
494

الخمر انقلب خلا، بل ليس هنا إلا خل متنجس، وبقاء الخل المتنجس لا يوجب
تطهيره.
وما يتوهم من إلحاقه بالعين المعالج بها، فهو ضعيف، لعدم الإطلاق عرفا.
وأضعف منه جعله أولى لكونه أقوى من الأعيان المعالج بها.
وعن الشيخ (1) وابن الجنيد (2) القول بالطهارة بمضي زمان ينقلب فيه الخمر خلا
مستندا إلى موثقة أبي بصير، عن الصادق عليه السلام: عن الخمر يصنع فيها الشئ
حتى تحمض فقال: " إذا كان الذي وضع فيها (3) هو الغالب على ما صنع فيه فلا بأس
به " (4) ولا دلالة فيها على المدعى، والأولى حملها على التقية.
الثاني عشر: من جملة المطهرات الاسلام، والنقص.
أما الأول، فإنما يطهر البدن من النجاسة الكفرية بالاجماع والأخبار، وأما
طهارة الثياب ونحوها فلا مطلقا، لعدم الدليل. والإسلام عن الكفر الأصلي محل
الوفاق، وأما عن ردة فطرية ففيه إشكال، والأظهر الطهارة، للزوم التكليف بما
لا يطاق لولاه (5).
وأما حكم ولد الكافر، فقد أشرنا سابقا، وسيجئ تمام الكلام في محله إن شاء
الله تعالى.
وأما النقص، فهو في العصير إذا حصل بذهاب الثلثين بعد الغليان على القول
بنجاسته كما هو الأظهر، وتطهر بتبعيته المزاولات. أما الإناء فبدلالة الإشارة،

(1) النهاية: 592، التهذيب 9: 118.
(2) نقله عنه في المختلف (الطبعة الحجرية) 2: 137.
(3) كذا، وفي المصادر: صنع فيها.
(4) الكافي 6: 428 ح 1، التهذيب 9: 119 ح 511، الاستبصار 4: 94 ح 362، الوسائل 17: 296 أبواب
الأشربة المحرمة ب 31 ح 2.
(5) وذلك لأنه يتكلف بالصلاة المشروطة بالطهارة ونحوها (منه رحمه الله).
495

وأما غيره فإن جعلنا التجفيف مطهرا مطلقا وإن كان للرطوبة فالأمر واضح بعد
الجفاف.
وإن قلنا: إن ذهاب الثلثين إنما يطهر العصيرية، ولا يصدق العصير على هذه
الرطوبات، فالظاهر أن الدليل هو الاجماع. أما المنكرون للنجاسة فيقولون بالطهارة
بالأصل، وأما القائلون بها فالظاهر أنهم لم يختلفوا في تبعية المزاولات.
ويقع الإشكال في كفاية جفاف الرطوبة العصيرية عن غير (1) المزاول، ولا يبعد
القول بالكفاية، والله العالم.

(1) في " م ": من.
496

المقصد الثالث
في المياه
وفيه مقدمة ومباحث:
أما المقدمة:
فهو في الأصل طاهر ومطهر بالكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب: فقوله تعالى: * (وأنزلنا من السماء ماء طهورا) * (1) ومقام الامتنان
يقتضي حمله على المطهرية، فإنه يستلزم الطهارة في بادئ الأمر باستقراء موارد
المطهرات، وإن كان يمكن المناقشة في الاستلزام، سيما في غير الماء.
وقوله تعالى: * (ليطهركم) * (2) في حكاية أصحاب بدر (3)، والتقريب ما مر.
ويمكن فيه إرادة الطهارة والمطهرية بمعنييه بعنوان عموم المجاز، بملاحظة شأن النزول

(1) الفرقان: 48.
(2) الأنفال: 11.
(3) في بدر سبق الكفار المسلمين إلى الماء فنزلوا على كثيب رمل وأصبحوا محدثين ومجنبين وأصابهم الظمأ
ووسوس إليهم الشيطان فقال: إن عدوكم قد سبقكم إلى الماء وأنتم تصلون مع الجنابة والحدث وتسوخ أقدامكم
في الرمل، فمطرهم الله حتى اغتسلوا به من الجنابة، وتطهروا به من الحدث، وتلبدت به أرضهم وأوحلت
أرض عدوهم. مجمع البيان 2: 526.
497

ومقام الامتنان. ويتم الكلام في غير ماء السماء بعدم القول بالفصل، مع أن في مثل
قوله تعالى: * (فسلكه ينابيع) * (1) إشعار بالاتحاد، وإن كان فيه تأمل.
وأما السنة: فكثيرة جدا، مثل " الماء طاهر " و " خلق الله الماء طهورا " و " الماء
يطهر " وغير ذلك (2).
وأما الاجماع فلا ريب فيه، بل هو ضروري، وإنما خالف بعض العامة في
مطهرية ماء البحر (3).
المبحث الأول: في الماء الراكد القليل
فالمعروف من مذهب الأصحاب بل المتفق عليه من غير ابن أبي عقيل الانفعال
بمجرد ملاقاة النجاسة (4)، وادعى السيد الاجماع عليه في المسائل الناصرية (5)،
وجعل في الأمالي من دين الإمامية الإقرار بأنه لا يفسد الماء إلا ما له نفس سائلة (6).
والإجماعات المنقولة في التطهير من الولوغ وغيره كثيرة. ويظهر منها موافقة
ابن أبي عقيل أيضا، ولم ينقل عنه أحد التفرقة بين النجاسات، ولعله تغير رأيه
أيضا.
والأصل فيه: الأخبار المستفيضة جدا، بل القريبة حد التواتر، حتى ادعى
تواترها معنى جماعة (7)، وهي أنواع مختلفة، منها: الصحاح المستفيضة وغيرها

(1) الزمر: 21.
(2) انظر الوسائل 1: 99 أبواب الماء المطلق ب 1.
(3) هذا محكي عن ابن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص كما في الخلاف 1: 51، وانظر المجموع 1: 91،
والمحلى 1: 221، وتفسير القرطبي 13: 53.
(4) نقله عنه في المختلف 1: 176.
(5) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 178.
(6) أمالي الصدوق المترجم: 645.
(7) معالم الفقه: 5.
498

التي كادت أن تبلغ حد التواتر القائلة بأن الماء إذا كان قدر كر لم ينجسه
شئ (1)، الدالة بمفهوم الشرط، فإن ثبوت الانفعال في الجملة يبطل عدم الانفعال
مطلقا.
وما يتوهم من أن تنجس الأقل من الكر بشئ ما كما هو مفاد المفهوم يتم بحمله
على المغير ولا عموم فيه. فمدفوع بأن ذلك لا اختصاص له بالقليل كما لا يخفى.
مع أن الظاهر أن المراد من قوله عليه السلام: " لم ينجسه شئ " مجرد بيان عدم
الانفعال، سيما مع ملاحظة سؤال الراوي في بعضها، لا تحقيق العموم في
النجاسات وعدم الانفعال بكل منها. فمفهومه حينئذ هو الانفعال بالنجاسات
مطلقا، وهذا يحتاج إلى لطف قريحة.
ومنها: الصحاح المستفيضة الواردة في حكم الكلب وسؤره وولوغه، سيما
صحيحة البقباق، حيث سأل الصادق عليه السلام عن فضل جميع الحيوانات فقال:
" لا بأس " حتى انتهى إلى الكلب فقال: " رجس نجس لا يتوضأ بفضله، واصبب
ذلك الماء واغسله بالتراب أول مرة، ثم بالماء " (2).
فإنها تدل في أربعة مواضع منها، الأول: ظهور الحقيقة الشرعية في النجس،
ويؤكده الاتباع.
والثاني: النهي عن التوضؤ للاجماع ظاهرا على أنه ليس من جهة عدم رافعيته
للحدث، فيكون للنجاسة، ويؤكده استلزامه - بإطلاقه - التيمم مع اشتراطه بفقد الماء
الطاهر.
والثالث: إيجاب الصب مع كونه إسرافا، ويؤكده ما تقدم، سيما ويجب تحصيل
الماء بأعلى القيم، وبجعل المضاف مطلقا، وغير ذلك. والوجوب الغيري أيضا كاف

(1) الوسائل 1: 117 أبواب الماء المطلق ب 9.
(2) الوسائل 1: 162 أبواب الأسئار ب 1، ورواية الفضل أبي العباس البقباق في التهذيب 1: 225 ح 646،
الاستبصار 1: 19 ح 40، وهو الحديث الرابع من تلك الباب من الوسائل.
499

للمطلوب، فلا يرد أنه ليس بوجوب أصلي.
والرابع: الأمر بالغسل مؤكدا، فإن الظاهر أنه للنجاسة. وحملها على أنه لعله
من جهة وصول النجاسة إلى نفس الآنية في غاية البعد.
ومنها: صحيحة علي بن جعفر: في دجاجة أو حمامة وطأت العذرة ودخلت
في الماء، ورواها في قرب الإسناد أيضا مع زيادة، فيها دلالة أيضا (1).
وصحيحته الأخرى في حكم ما لا يدركه الطرف من الدم (2)، وصحيحة
البزنطي (3).
وموثقة سماعة، قال: " إذا أدخلت يدك في الإناء قبل أن تغسلها فلا بأس، إلا أن
يكون أصابها قذر بول أو جنابة، فإن أدخلت يدك في الإناء وفيها شئ من ذلك
فأهرق الماء " (4) وبهذا المضمون عشر روايات.
وموثقتا عمار الدالتان على النهي عن التوضؤ من ماء شرب منه طائر في منقاره
دم (5)، وموثقته في الإناءين المشتبهين (6)، وموثقته الأخرى (7)، والأخبار الدالة
على أن ما له نفس سائلة يفسد الماء (8).

(1) التهذيب 1: 419 ح 1326، الاستبصار 1: 21 ح 49، الوسائل 1: 115 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 13.
وانظر قرب الإسناد: 84.
(2) الكافي 3: 74 ح 16، التهذيب 1: 412 ح 1299، الاستبصار 1: 23 ح 57، الوسائل 1: 112 أبواب الماء
المطلق ب 8 ح 1.
(3) التهذيب 1: 39 ح 105، الوسائل 1: 114 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 7، عن الرجل يدخل يده في الإناء وهي
قذرة قال: يكفأ الإناء.
(4) الكافي 3: 11 ح 1، الوسائل 1: 113 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 4، وفيها سماعة عن أبي بصير.
(5) الكافي 3: 9 ح 5، التهذيب 1: 228 ح 660، وص 284 ح 832، الاستبصار 1: 25 ح 64، الوسائل 1:
166 أبواب الأسئار ب 4 ح 2 - 4.
(6) الكافي 3: 10 ح 6، التهذيب 1: 249 ح 713، وص 229 ح 662، الاستبصار 1: 21 ح 48، الوسائل 1:
113 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 2.
(7) التهذيب 1: 38 ح 102، الوسائل 1: 114 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 10.
(8) الوسائل 1: 173 أبواب الأسئار ب 10.
500

وقد مر في نجاسة الكفار ما يدل عليه من الأخبار، وكذا في نجاسة الخمر والنبيذ
ومطهرية الأرض.
ويدل عليه أيضا كل ما ورد في تحديد الكر كما سيجئ، وخصوص صحيحة
ابن بزيع الآتية في ماء البئر، وما يدل على اشتراط الاتصال بالمادة في ماء الحمام كما
سيأتي، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.
حجة ابن أبي عقيل: الأصل، وعموم الآيات والأخبار، مثل ما نقل عنه أنه
قال: تواتر عن الصادق عليه السلام أن الماء طاهر لا ينجسه شئ إلا ما غير لونه أو
طعمه أو رائحته (1)، وهو غير مذكور في الكتب المشهورة.
نعم أسند هذا المضمون الفاضلان في المعتبر والمنتهى إلى قول النبي صلى الله
عليه وآله في بعض المواضع مرسلا، وفي بعضها رواه الجمهور عنه صلى الله
عليه وآله (2).
نعم روى الكليني والصدوق، عن الصادق عليه السلام: " الماء كله طاهر حتى
يعلم أنه قذر " (3).
وفي الاستدلال به كلام.
والتحقيق في الجواب أن العلم قد حصل بما ذكرنا.
ومرسلة حريز أو صحيحته على ما في التهذيب (4)، وإن كان فيها إشكال،

(1) المستدرك 1: 186 نقلا عن درر اللآلي، وفي الوسائل 1: أبواب الماء المطلق ب 1 ح 9 خلق الله الماء طهورا لا
ينجسه شئ إلا ما غير... نقلا عن المعتبر.
(2) المعتبر 1: 41، 44، المنتهى 1: 20، 28.
(3) الكافي 3: 1 ح 3، الفقيه 1: 6 ح 1 مرسلا بتفاوت، وينظر التهذيب 1: 215 ح 619، والوسائل 1: 99
أبواب الماء المطلق ب 1 ح 2، 5.
(4) التهذيب 1: 216 ح 625، وينظر الكافي 3: 4 ح 3، والاستبصار 1: 12 ح 19، والوسائل 1: 102 أبواب
الماء المطلق ب 3 ح 1، كلما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء واشرب، فإذا تغير الماء وتغير الطعم
فلا توضأ منه ولا تشرب.
501

وصحيحة عبد الله بن سنان (1) وإن كان في صحتها كلام (2)، وصحيحة أبي خالد
القماط (3)، وقوية سماعة (4) (5).
وكل هذه - مع أن ظاهرها كثرة الماء كما لا يخفى على المتأمل في سوق السؤال
والجواب - عمومات وإطلاقات، وما مر من الأدلة خصوصات، والخاص حاكم
على العام، سيما مثل هذا الخاص.
وحسنة محمد بن ميسر (6)، وفيه: مع أن الحسن لا يقاوم الصحاح وغيرها،
ومثل هذه دلالتها موقوفة على ثبوت الحقيقة الشرعية في القذر وفي الماء القليل،
ولا يبعد حملها على التقية.
وموثقة الحسين بن زرارة في حكاية الاستقاء بشعر الخنزير (7)، ورواية زرارة في
الاستقاء بجلده (8)، المتوقفة دلالتهما على نجاسة البئر بالملاقاة، وهو خلاف
التحقيق. فيحمل الأول على نفي البأس عن ماء البئر، لا ما لاقاه (9) شعر الخنزير،
والثاني على ذلك، وعلى جواز الانتفاع في غير الشرب والتوضؤ، ونقلنا روايات
أخر أيضا في كتابنا الكبير.
وبالجملة أخبار هذا المذهب إما ضعيف السند، أو قاصر الدلالة، أو

(1) الكافي 3: 4 ح 4، الوسائل 1: 105 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 11.
(2) لأنها رواية محمد بن عيسى عن يونس.
(3) التهذيب 1: 40 ح 112، الاستبصار 1: 9 ح 10، الوسائل 1: 103 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 4.
(4) التهذيب 1: 216 ح 624، الاستبصار 1: 12 ح 18، الوسائل 1: 104 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 6.
(5) في " م ": موثقة سماعة، كما في الجواهر ولكن في طريقها الحسين بن الحسن بن أبان ولم يثبت توثيقه.
(6) الكافي 3: 4 ح 2، التهذيب 1: 149 ح 425، الاستبصار 1: 128 ح 438، الوسائل 1: 113 أبواب الماء
المطلق ب 8 ح 5.
(7) الكافي 6: 258 ح 3، الوسائل 1: 126 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 3.
(8) التهذيب 1: 413 ح 1301، وفي الفقيه 1: 9 ح 14 مرسلا، الوسائل 1: 129 أبواب الماء المطلق ب 14
ح 16.
(9) في " ز ": لا ملاقاة.
502

عام ضعيف، فلا يعارض به ما قدمنا، مع اعتضادها بعمل جل الأصحاب
والإجماعات المنقولة، ومخالفتها لأكثر العامة، بل كونها متواترة بالمعنى كما ادعاه
بعضهم.
وأما ما ذكره في المفاتيح من أنه لو انفعل القليل لما جاز تطهير النجاسة بالماء
القليل، وهو باطل بالضرورة (1)، فهو بمكان من الوهن، إذ هذه الأحكام مما لا تبلغها
عقولنا، فأي مانع من صيرورة المطهر نجسا وتطهيره للمحل؟ وأي مانع من تخصيص
ماء الغسالة بعدم التنجس مما ذكرنا بنص الشارع (2) كماء الاستنجاء الطاهر بالاجماع
والصحاح؟
وكذلك ما أيده به من الاختلاف الوارد في تحديد الكر، مستندا بأن الواجب
لا تختلف مراتبه، فهو قرينة الاستحباب، مستشهدا بما ذكره جماعة من المتأخرين في
طهارة ماء البئر نظير ذلك في الاختلافات الواردة في منزوحات البئر.
وفيه: مع أن هذا الاختلاف مع تكرره وتداوله في الواجبات ومسلمية
صحته بحمل الأزيد على الأفضل كما في التسبيحات وغيرها، وأن الزائد أفضل
أفراد الواجب التخييري أن هذا الكلام في البئر، لعدم ثبوت النجاسة عندهم، وأما
بعد ثبوت النجاسة في القليل بالدليل فنحمل القدر الزائد في الكر على
الاستحباب.
وزاد في كتاب الوافي كلمات سخيفة واهية، يظهر وهنها لمن لمحها (3)، ولا حاجة
إلى ذكرها وردها.
ثم إن ههنا أمورا:
الأول: إنه لا فرق في نجاسة القليل بين وروده عليها، وورودها عليه، واقتصر

(1) المفاتيح 1: 82.
(2) كذا.
(3) الوافي: 18، 19.
503

السيد في المسائل الناصرية على الثاني (1)، وفاقا للشافعي (2)، وقال هذه المسألة:
لا أعرف فيها نصا لأصحابنا، ولا قولا صريحا، والشافعي يفرق بين ورود الماء على
النجاسة وورودها عليه. واستدل عليه بأنه لولاه لم يمكن التطهير بالقليل، وقد
مرت الإشارة إلى جوابه.
ومال إلى هذا الفرق صاحب المدارك، مدعيا أن الأخبار في نجاسة القليل إنما
وردت فيما وردت النجاسة على الماء (3)، وقد أشرنا سابقا إلى أنه ليس كذلك، وقد
عرفت الأخبار.
الثاني: حكم الشيخ بعدم نجاسة القليل بما لا يمكن التحرز منه مثل رؤس الإبر
من الدم وغيره، فإنه معفو عنه (4) وخصه في الاستبصار بمثل رؤس الأبر من الدم (5)
والمشهور خلافه، وهو الأقوى.
احتج الشيخ بصحيحة علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام،
قال: سألته عن رجل رعف فامتخط فصار ذلك الدم قطعا صغارا فأصاب إناءه، هل
يصلح الوضوء منه؟ قال: " إن لم يكن شئ يستبين في الماء فلا بأس، فإن كان شيئا
بينا فلا تتوضأ منه " (6).
وجوابه: أن الظاهر منه أنه من جهة أنه لم يحصل العلم بوصوله إلى الماء،
ولا يضر الشك، لا أنه لا بأس به إذا وصل إلى الماء. " وكان " في المقامين ناقصة
" وشئ " اسمها، و " يستبين " خبرها، وضمير كان الثانية يعود إلى الشئ الحاصل

(1) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 179.
(2) الأم 1: 5.
(3) مدارك الأحكام 1: 40.
(4) المبسوط 1: 7.
(5) الاستبصار 1: 23.
(6) الكافي 3: 74 ح 16، التهذيب 1: 412 ح 1299، الاستبصار 1: 23 ح 57، الوسائل 1: 112 أبواب الماء
المطلق ب 8 ح 1.
504

من الامتخاط.
ويؤيده أن الكليني رواها صحيحا وزاد في آخرها: " وسألته عن رجل رعف
وهو يتوضأ، فتقطر قطرة في إنائه، هل يصلح الوضوء منه؟ قال: لا ".
وأما في غير الدم، فلم نقف على دليل.
وأما ما يستفاد من كلام الشيخ من عدم إمكان التحرز، فإن أريد الاستحالة
فواضح البطلان، وإن أريد الحرج فلم يثبت نفي مثل ذلك في الدين.
الثالث: الجمد حكمه حكم القليل، وإن كان كرا، لعدم صدق اسم الماء،
وأغرب العلامة فجعله كالكر، بل آكد منه باعتبار قوة الأثر الصادر من الحقيقة،
وهي البرودة. مع أنه حكم في الجمد الأقل من الكر بنجاسة موضع الملاقاة فقط (1)،
وكذا الكلام في الثلج.
الثاني: في الكر من الراكد
ولا ينجسه شئ، إلا ما غير لونه أو طعمه أو رائحته، وهو في الجملة
إجماعي.
وخلاف المفيد (2) وسلار (3) ومن تبعهما (4) في نجاسة الكر من مياه الحياض
والأواني بالملاقاة، ضعيف، ولعل نظرهم إلى عموم ما ورد من عموم النهي عن
استعمال الأواني بعد ملاقاة النجاسة، وهو محمول على الغالب من كونها أقل من
الكر، مع أنه لا يتم في الحياض أصلا.
ويدل عليه الأصل، والإجماع، والآيات (5)، والأخبار بالعموم، مثل قولهم

(1) المنتهى 1: 172.
(2) المقنعة: 64.
(3) المراسم: 36.
(4) كالشيخ في النهاية: 4.
(5) الأنفال: 11، الفرقان: 48.
505

عليهم السلام: " كل ماء طاهر حتى تعلم أنه قذر " و " كل شئ نظيف " ونحو
ذلك (1). وبالخصوص مثل ما دل على اشتراط الكرية في عدم نجاسة الماء (2)، وقد
مرت الإشارة إليها وغيرها.
وأما نجاسته مع التغير بالنجاسة، فهو أيضا إجماعي، مدلول عليه بالأخبار، مثل
الخبر النبوي المشهور (3)، وصحيحة حريز (4)، وصحيحة عبد الله بن سنان (5)،
وموثقة العلاء بن الفضيل في زيادات التهذيب المشتملة على ذكر اللون (6)،
وصحيحة شهاب بن عبد ربه على الظاهر المروية في بصائر الدرجات المشتملة على
حكم النجاسة بتغير اللون (7)، وكذا ما روي في دعائم الاسلام (8).
فلا وجه لمنع صاحب المدارك ورود ذكر اللون في الأخبار الخاصة (9)، مع أن
العامية تكفي لانجبارها بالعمل.
وتغير بعض الماء أيضا ينجس إذا لم يكن الباقي كرا، لأن الباقي قليل لاقى
نجاسة، فيدل عليه مفهوم قوله عليه السلام: " إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ " (10)

(1) الوسائل 1: 100 أبواب الماء المطلق ب 1.
(2) الوسائل 1: 117 أبواب الماء المطلق ب 9.
(3) السرائر 1: 64، المعتبر 1: 40، الوسائل 1: 101 أبواب الماء المطلق ب 1 ح 9، وانظر سنن البيهقي 1:
259، وسنن الدارقطني 1: 28.
(4) الكافي 3: 4 ح 3، التهذيب 1: 216 ح 625، الاستبصار 1: 12 ح 19، الوسائل 1: 102 أبواب الماء المطلق
ب 3 ح 1، وفيها: فإذا تغير الماء وتغير الطعم فلا تتوضأ ولا تشرب.
(5) الكافي 3: 4 ح 4، الوسائل 1: 105 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 11، وفيه: محمد بن عيسى عن يونس.
(6) التهذيب 1: 415 ح 1311، ورواه في الاستبصار 1: 22 ح 53، الوسائل 1: 704 أبواب الماء المطلق ب 3
ح 7، وفي طريقه محمد بن سنان.
(7) بصائر الدرجات: 258 ح 13، الوسائل 1: 119 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 11.
(8) دعائم الاسلام 1: 111، مستدرك الوسائل 1: 188 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 1 - 3.
(9) المدارك 1: 57.
(10) الوسائل 1: 117 أبواب الماء المطلق ب 9.
506

والظاهر عدم الخلاف فيه أيضا.
وما يتوهم من أن الثابت من تنجس الكر هو ما إذا تغير جميعه فإن الظاهر من
الماء في الخبر النبوي صلى الله عليه وآله وأمثاله هو مجموع الماء الواحد لا بعضه،
ويصدق على هذا أنه ماء لم يتغير مجموعه، فإذا كان كرا فلا ينجس، لأن غاية ما
ثبت خروجه من عموم الخبر النبوي صلى الله عليه وآله وأمثاله هو الماء القليل، وأما
الكر فيبقى على العموم.
وفيه أولا: إنه مقلوب على المتوهم، بأن ما ثبت تنجسه من الرواية أنه هو
مجموع الماء الواحد لا بعضه، فيلزم أن لا يكون هذا القدر المتغير منه أيضا
نجسا.
وثانيا: إن الماء اسم جنس يشمل الماء الواحد وبعضه، ولا منافاة بين إعمال
منطوق قوله عليه السلام: " إذا كان الماء قدر كر " ومفهومه، والجزء الإثباتي من الخبر
النبوي صلى الله عليه وآله وسلبه.
فنقول: إن القدر المتغير من الكر ينجس بالجزء الإثباتي من الخبر النبوي صلى
الله عليه وآله، والغير المتغير منه الأقل من الكر بمفهوم قوله عليه السلام: " إذا كان
الماء قدر كر " وأما عدم تنجس الكر بالملاقاة فبمنطوق قوله عليه السلام.
مع أنه لا ريب في نجاسته إذا صارت تلك القطعة مضافة، ولا قائل بالفصل كما
سنشير إليه في الجاري أيضا.
ولا يضر التغير بالمتنجس، للأصل، وانصراف الأخبار إلى النجس. وخلاف
الشيخ ضعيف (1)، ولا دلالة في الخبر النبوي صلى الله عليه وآله، فإن النكرة في
سياق الإثبات لا تعم. ولا يضر التغير بالمجاورة، بل المستفاد من الأدلة تغيره بملاقاتها،
والظاهر عدم الخلاف فيه.

(1) المبسوط 1: 5.
507

والمراد بالتغير: هو الحسي على المشهور، واعتبار (1) العلامة للتقديري (2)
ضعيف.
لنا (3): التبادر من الأدلة، فلا يضر الشك في التغير، كما لو كان الماء متغيرا
بطاهر محتملا للتغير لو لم يكن التغير (4)، ولا كون النجاسة مسلوبة الصفات بمقدار
لو كان متصفا بها لغيرها، إلا أن يسلبه الإطلاق.
وأما ما شك في الإطلاق فيقع الإشكال، لتعارض الاستصحابين، والأظهر أن
يقال حينئذ بوجوب الاجتناب في المشروط بالطهارة، وعدم تنجس الملاقي،
كالشبهة المحصورة.
ويمكن توجيه قول العلامة بأن المراد من قوله عليه السلام: " إلا ما غير لونه " إلا
مقدار من النجاسة يغير الماء، والقيد وارد مورد الغالب من كون النجاسة ذات
وصف مغير، وفاقد الوصف يحمل على واجده.
وإن أراد ولده - رحمه الله - من استدلاله على مذهبه بأن الماء مقهور بالنجاسة،
لأنه كلما لم يصر مقهورا لم يتغير بها على تقدير المخالفة، وينعكس بعكس النقيض
إلى قولنا: " كلما تغير على تقدير المخالفة كان مقهورا " (5) نظير ما ذكرنا فله وجه،
لكن الكلام في ظهور إرادة المقدار من الأدلة، وهو في محل المنع، بل الظاهر منها
هو المغير بالفعل، وإلا فكلية الأولى ممنوعة.
ولو فرض تسليم اعتبار التقديري، فإنما يصح في غير مثل الجيفة في الماء، بل
مطلق الريح، إلا في مثل البول الممزوج بالماء كما ذكره بعضهم.

(1) في " م ": اعتماد، وفي " ز ": اعتباط.
(2) نهاية الإحكام 1: 233، القواعد 1: 183، المنتهى 1: 42.
(3) في " ح ": وأما.
(4) يريد أنه لو كان الماء متغيرا بطاهر كالزعفران واحتمل وجود التغير بالنجاسة بحيث يطهر لو لم يكن التغير
بالزعفران فإنه لا يضر هذا الاحتمال وهذا الشك في التغير.
(5) إيضاح الفوائد 1: 16.
508

والمعتبر حال أوساط الماء بسبب الصفاء والكدورة والعذوبة والملوحة، هذا كله
في المتغير بالنجاسة.
وأما المتغير بالطاهر فهو طاهر مطهر ما لم يسلب عنه الإطلاق، سواء كان مما
دخل في الماء ولا يمكن التحرز منه، أو مما خرج، خلافا لبعض العامة (1)، وهو
ضعيف.
تذنيبان:
الأول: إن ظاهر الأخبار - مثل قولهم عليهم السلام: " إذا كان الماء قدر كر
لم ينجسه شئ " سيما مع ملاحظة سؤال الرواة ونحو ذلك - اعتبار استواء سطوح
الكر في الاتحاد وعدم التنجس، أو مع انحدارها قليلا، وهو المستفاد من كلام
الأصحاب كالمحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى والتحرير والتذكرة (2).
وكلام التذكرة صريح في ذلك، حيث حكم بعدم تنجس الأعلى بتنجس
الأسفل دون العكس. وصرح باعتباره الشهيد (3) والمحقق الشيخ علي (4) رحمه الله.
ورد عليهما الشهيد الثاني بأن كلام الأصحاب كالأخبار مطلق يشمل المتساوي
وغيره، واستشهد ببعض الإطلاقات التي لا تدل على ما ذكره، مثل ما أطلقوا عدم
نجاسة ما تحت المتغير من الجاري إذا انقطع عمود الماء إذا كان كرا، ولم يشترطوا
استواء السطوح ومسألة الغديرين وغيرهما (5).
وأنت خبير بأن الإطلاق في الأول محمول على الغالب من الاستواء أو

(1) الأم 1: 11. المغني والشرح الكبير 1: 11.
(2) المعتبر 1: 50، المنتهى 1: 53، التحرير 1: 4، التذكرة 1: 23.
(3) البيان: 99، الدروس 1: 119، الذكرى: 9.
(4) جامع المقاصد 1: 112، 115.
(5) روض الجنان: 135.
509

الانحدار الغير المفرط، مع أنهم في هذا المقام ليسوا في صدد بيان حكم المسألة
باعتبار الكرية والاتحاد، بل غرضهم بيان ما يتعلق بالجاري. وأما مسألة الغديرين
فهي ظاهرة في كلامهم في المتساوي، فلاحظ المعتبر والمنتهى والتحرير وصريح
التذكرة (1).
والتحقيق أن ههنا مقامين، أحدهما: إن عدم تنجس الماء الذي هو بمقدار الكر
من حيث إنه كر مشروط باتصال أجزائه واتحادها عرفا، أو يكفي مطلق الاتصال.
وثانيهما: إن الماء القليل إذا اتصل بالكر أو الجاري، هل يشترط في تقويه بهما
وعدم تنجسه مساواة سطحيهما أم لا؟ وقد يجتمع الاعتباران.
والحق في الأول الأول، وفي الثاني الثاني، لكن مع علو الجاري أو الكثير.
ووجه الأول ما ذكرنا، ووجه الثاني - مضافا إلى صدق الوحدة أيضا في بعض
أفراده كما إذا كان العالي هو الجاري - كل ما ورد في ماء الحمام كما سيجئ،
وصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع (2)، والكلام في ماء الحمام من المقام الثاني،
واستثناؤهم ماء الحمام من أعظم الشواهد على أنه لا يعد هذا القليل متحدا مع
الكثير، ولذلك ألحقوه بالجاري.
وقد اختلط المقام على كثير منهم، فربما قيل باشتراط استواء السطوح، وأن
استثناء الحمام من هذا الحكم بسبب الأخبار ولزوم الحرج. وربما قيل إن الاكتفاء
بكون ماء الحمام مع المادة كرا - كما ذكره بعضهم (3) - لأجل عدم اعتبار استواء ونحو
هذا.
ومن تأمل فيما ذكرنا بعين الانصاف، وفرق بين المقامين لا يشتبه عليه الأمر،

(1) المعتبر 1: 50، المنتهى 1: 53، التحرير 1: 4، التذكرة 1: 23.
(2) التهذيب 1: 234 ح 676، الوسائل 1: 127 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 7، ماء البئر واسع لا يفسده شئ إلا
أن يتغير ريحه وطعمه فينزح منه حتى يذهب الريح ويطيب طعمه لأن له مادة.
(3) نقله عن والده في المعالم: 15.
510

وقد حققنا المقام وأطنبنا الكلام في الكتاب الكبير.
الثاني: في تحديد الكر.
أما بالوزن. فهو: ألف ومائتا رطل، بلا خلاف ظاهر بيننا، قال في المعتبر بعد
نقل الرواية الدالة عليه: إني لا أعرف من الأصحاب رادا لها (1)، وكذلك يظهر من
العلامة في المنتهى (2)، وفي المعالم: ظاهرهم الاتفاق عليه (3) وادعى عليه في
الجملة الاجماع في الانتصار وورود آثار معروفة مروية (4)، وكذلك جعله الصدوق
في الأمالي من دين الإمامية (5)، ولكنهما فسراه بالمدني، والأكثرون بالعراقي، وهو
ثلثا المدني ونصف المكي، وهو أقوى، والرطل العراقي مائة وثلاثون درهما.
والأصل في هذا التحديد هو صحيحة ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن
الصادق عليه السلام، قال: " الكر من الماء الذي لا ينجسه شئ ألف ومائتا رطل " (6)
وقال في المقنع: وروي أن الكر ألف ومائتا رطل (7). ولا يضر إرسال ابن أبي عمير،
سيما مع اعتضادها بالعمل.
وقد يستدل على التحديد بالعراقي بأصل طهارة الماء، وأنه خلق للانتفاع،
ومرجعه إلى الاستصحاب، وإلا فلا منافاة. وبأن الأقل متيقن والزائد مشكوك فيه،
ومرجعه أيضا إلى الاستصحاب، أما الأول فاستصحاب جواز الانتفاع وعموم
الحكم، وأما الثاني فاستصحاب عدم ثبوت الشرط الزائد.

(1) المعتبر 1: 47.
(2) المنتهى 1: 37.
(3) معالم الفقه: 7.
(4) الإنتصار: 8.
(5) الأمالي المترجم: 646 المجلس الثالث والتسعون.
(6) الكافي 3: 3 ح 6، التهذيب 1: 41 ح 113، الاستبصار 1: 10 ح 15، الوسائل 1: 123 أبواب الماء المطلق
ب 11 ح 1.
(7) المقنع: 10.
511

والإيراد بأن ذلك إنما يتم في مثل النجاسة ووجوب الاجتناب، أما في مثل
العدول إلى التيمم فلا، لاستصحاب شغل الذمة بالصلاة بالمائية (1)، هو معارض
باستصحاب عدم وجوب الاجتناب عما لاقته النجاسة، فإن وجوبه مشروط بانتفاء
الكرية.
والحق أن أمثال ذلك لا يستلزم الكرية ولا عدمها، بل إنما يثبت حكمها، فيتبع
حكم كل في موضعه.
نعم يمكن إثباتها مع قطع النظر عن الموارد الخاصة بالأصل، فيكون ظنا شرعيا
اجتهاديا يقوم مقام اليقين.
وكذلك الاستدلال بقولهم عليهم السلام: " كل ماء طاهر حتى تعلم أنه قذر " (2)
بعد الإيراد بما تقدم والجواب عنه.
والأحسن الاستدلال بصحيحة محمد بن مسلم، عن الصادق عليه السلام،
قال: " إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ، والكر ستمائة رطل " (3) وما رواه الشيخ
عن ابن أبي عمير بهذا المضمون (4)، فإنه لا يجوز حمل الرطل ههنا إلا على المكي،

(1) حاصل الاستدلال: أن الماء الراكد الذي هو كر باعتبار الرطل العراقي وليس بكر باعتبار المكي والمدني إذا لاقته
نجاسة مشكوك في كونه الكر الذي حكم الشارع بعدم تنجسه بالملاقاة أم لا، فمقتضى استصحاب جواز الانتفاع
واستصحاب عدم شرط زائد على هذا القدر يقتضي طهارته وعدم وجوب الاجتناب عنه وجواز الانتفاع به في
الشرب والطهارة الخبثية و الحدثية وغيرها.. وحاصل الإيراد أن اشتغال الذمة بالطهارة المائية لأجل الصلاة
مستصحب ولا يحصل البرء بأدائه بالطهارة بهذا الماء ولا يصح الوضوء والغسل به إلا إذا علم كون هذا الماء
بمقدار الكر الذي اعتبره الشارع في عدم تنجسه بالملاقاة، فهذا الاستصحاب مدافع للاستصحابين المتقدمين،
وحاصل المعارضة أن هذا الماء المذكور قبل ملاقاة النجاسة لم يجب الاجتناب عنه إلا إذا علم أنه ليس بمقدار الكر
المعتبر في الشرع فشرط وجوب الاجتناب عنه هو العلم بانتفاء كريته والانتفاء غير
معلوم فوجوب الاجتناب غير معلوم، فيجوز الانتفاع به حتى في الطهارة فلا ينتقل إلى التيمم (منه رحمه الله).
(2) الوسائل 1: 117 أبواب الماء المطلق ب 9.
(3) التهذيب 1: 414 ح 1308، الاستبصار 1: 11 ح 17، الوسائل 1: أبواب الماء المطلق ب 11 ح 3.
(4) التهذيب 1: 43 ح 119، الاستبصار 1: 11 ح 16، الوسائل 1: 158 أبواب الماء المطلق ب 11 ح 2.
512

وهو ضعف العراقي، فينطبق على المدعى. ويؤيده أن الحمل على العراقي يوجب
موافقة التقدير بالمساحة على المشهور كما سيجئ.
واحتج من فسره بالمدني: بأنهم عليهم السلام من أهل المدينة، فينبغي الحمل
على عرفهم. وبالاحتياط.
وفيه: أنهم عارفون بكل الاصطلاحات، والأنسب للحكيم ملاحظة حال
المخاطب، ولعله كان عراقيا، بل الظاهر أنه عراقي، لأن المرسل هو ابن أبي عمير،
وقيل: إن مشايخه كانوا عراقيين.
وأما الاحتياط فمع أنه معارض بمثله، ليس بدليل شرعي، سيما مع ملاحظة
قولهم عليهم السلام: " كل ماء طاهر حتى تعلم أنه قذر " (1).
نعم يؤيد هذا المذهب ظاهر دعوى الاجماع في الانتصار (2)، والظاهر أن مراده
من الاجماع هو الاجماع على أصل العدد، والتفسير بالمدني كان من اجتهاده
وترجيحه في فهم الأخبار، مع أنه لا يعارض ما ذكرنا.
وأما بالمساحة، فالمشهور أنه ما يبلغ تكسيره اثنين وأربعين شبرا وسبعة أثمان شبر،
وذهب القميون وجماعة من المتأخرين إلى أنه ما يبلغ تكسيره سبعة وعشرين شبرا (3)،
والراوندي إلى أنه ما تبلغ مساحته عشرة أشبار ونصفا طولا وعرضا وعمقا (4).
لنا: موثقة أبي بصير، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الكر من الماء كم
يكون قدره؟ قال: " إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصفا، في مثله ثلاثة أشبار ونصف،
في عمقه في الأرض، فذلك الكر من الماء " (5).

(1) الوسائل 1: 99 أبواب الماء المطلق ب 1.
(2) الإنتصار: 8.
(3) الفقيه 1: 6، المقنع 10، وحكاه عن جمع القميين واختاره من المتأخرين العلامة في المختلف 1: 183.
(4) نقله عنه في المختلف 1: 184.
(5) الكافي 3: 3 ح 5، التهذيب 1: 42 ح 116، الاستبصار 1: 10 ح 14، الوسائل 1: 122 أبواب الماء المطلق
ب 10 ح 6.
513

ووجود عثمان بن عيسى في السند غير مضر، لكونه موثقا (1). مع اعتضادها
بالعمل، بل ادعى ابن زهرة الاجماع عليه (2)، وكذلك أبو بصير، لأن الظاهر أنه
ليث، أو مشترك بين الثقات.
ولا يرد القدح بترك أحد الأبعاد إما العرض أو العمق، لأن من المتعارف الاكتفاء
بذكر بعض الأبعاد، مع احتمال رجوع ضمير عمقه إلى ثلاثة أشبار ونصف،
لا الماء، وكون الإضافة بيانية.
والأولى أن يعتمد على ما رواه في الكافي بجر لفظ نصف في الموضعين، على
ما في النسخ المتعددة عندنا، بأن يكون جره جر الجوار، أو بحذف المضاف إليه
وإعطاء إعرابه المضاف، فيكون ثلاثة أشبار ونصف الثاني خبرا بعد خبر لكان، وتتم
الأبعاد الثلاثة.
ورواية الحسن بن صالح الثوري، عن الصادق عليه السلام، قال: " إذا كان الماء
في الركي كرا لم ينجسه شئ " قلت: وكم الكر؟ قال: " ثلاثة أشبار ونصف
عمقها، في ثلاثة أشبار ونصف عرضها " (3).
ولا وجه للقدح في السند لما مر، ولا في المتن لما مر، ولأن البعد الباقي لو كان
أقل مما ذكر لما كان طولا، فلا أقل من التساوي، والأصل عدم الزيادة. مع أن الشيخ
رواها في الاستبصار مشتملة على الأبعاد الثلاثة صريحا.
وربما تحمل رواية أبي بصير معتضدة بهذه الرواية على المدور، لتقارب كر
القميين، ولا وجه له لما عرفت وستعرف.

(1) عده الشيخ من جملة الموثوق بهم من الواقفة في عدة الأصول 1: 381، وعده من ثقات الإمام موسى بن
جعفر (ع) ابن شهرآشوب في مناقبه 4: 325.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 551.
(3) الكافي 3: 2 ح 4، التهذيب 1: 408 ح 1282، الاستبصار 1: 33 ح 88 وفي بعض نسخه زيادة " ثلاثة أشبار
ونصف طولها "، الوسائل 1: 118 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 8.
514

وقد يتوهم من كلام الشيخ حمل رواية الحسن على التقية (1)، وليس بذلك، إذ
مراد الشيخ التقية في حكم البئر، لا في مقدار الكر كما لا يخفى.
احتجوا للقميين بصحيحة إسماعيل بن جابر، عن الصادق عليه السلام
قلت: وما الكر؟ قال: " ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار " (2) ولا يضر عدم ذكر جميع
الأبعاد، لما مر، مع أنه روى الصدوق في المجالس وفي المقنع مرسلا بذكر الأبعاد
الثلاثة.
وتؤيده صحيحته الأخرى عنه عليه السلام، قلت: الماء الذي لا ينجسه شئ؟
قال: " ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته " (3) فإن الظاهر أنه في المستدير، وحاصل
ضربه إن جعلنا الذراع عبارة عن شبرين يبلغ ثمانية وعشرين شبرا مع شئ زائد.
وتوهم بعضهم أن هذا أقرب إلى التقدير الوزني من مساحة المشهور (4)، وهو
باطل، بل المشهور أقرب إليه، فإن أقلية كر القميين عن المشهور أكثر من أكثرية كر
المشهور كما لا يخفى على من وزنهما.
نعم إن فرضنا الصحيحة الأخرى في المربع تكون أقرب الكل إليه، وتكسيره
حينئذ ستة وثلاثون شبرا، وأين هو مما نحن فيه.
وتحقيق المقام أن الكر أمر تحقيقي لا تقريبي، لكونه معيارا لحكم شرعي،
والأصل فيه الوزن لكونه أضبط، والمفروض أن الطرفين يجمعون على اعتبار ألف
ومائتي رطل كما مر، ولا ريب أن كر القميين في الوزن أقل من ذلك، فيسقط

(1) حيث قال بعدها: قد بينا أن حكم الآبار مفارق لحكم الغدران، وأنها تنجس بما يقع فيها، وتطهر بنزح شئ
منها، سواء كان الماء فيها قليلا أو كثيرا، والوجه في هذا الخبر أن نحمله على ضرب من التقية لأنه موافق لمذهب
بعض العامة. التهذيب 1: 408.
(2) الكافي 3: 3 ح 7، التهذيب 1: 37 ح 101، وص 41 ح 115، الوسائل 1: 118 أبواب الماء المطلق ب 9
ح 7.
(3) التهذيب 1: 41 ح 14، الوسائل 1: 121 أبواب الماء المطلق ب 10 ح 1.
(4) نقله عن الأمين الاسترآبادي في الحدائق 1: 276.
515

اعتباره، بخلاف كر المشهور فإنه يزيد عليه بشئ زائد يحمل على الاستحباب،
فلا مناص عن العمل على المشهور.
فتوجيه التحديد بالأشبار أنه توسعة في التحديد بأخذ جانب الاحتياط غالبا فيما
تعذر التحديد بالوزن، فهو تقريب وتخمين في الأمر التحقيقي، أو اعتبار زيادة
للاستحباب في الأغلب، واعتبار التوجيه في ذلك أحسن منه في التحديد الوزني،
لدعواهم الاجماع عليه، وكونه أصلا وغير ذلك.
وأما قول الراوندي فهو غير واضح المراد والمأخذ، فربما قيل إن مراده أن تكون
أبعاده الثلاثة عشرة أشبار ونصفا بالجمع لا بالضرب، وهو قد يكون مساويا
للمشهور، وقد يكون أنقص بقليل، وقد يكون أنقص بكثير (1).
وقيل: أن يكون تكسيره بهذه المقدار (2)، وقيل غير ذلك (2)، ولا دليل على
واحد منها.
وهناك مذاهب أخر، فقال ابن الجنيد: إن حده قلتان، ومبلغه وزنا ألف ومائتا
رطل، وتكسيره بالذراع نحو من مائة شبر (4)، والشلمغاني: إنه ما لا يتحرك جنباه
عند طرح حجر في وسطه (5)، وليس لهما ما يعتمد عليه، مع تهافتهما.
وابن طاوس قال بجواز العمل بكل ما روي (6)، والظاهر أنه يأخذ بالأقل،
ويحمل الأزيد على الاستحباب، جمعا بين الأدلة، والتحقيق ما ذكرنا.

(1) فإنه قد يكون كل واحد من أبعاده ثلاثة أشبار ونصفا فحينئذ يكون مساويا للمشهور، وقد يكون طوله تسعة
أشبار وعرضه شبرا وعمقه نصف شبر، فإن مجموع أبعاده كما قال عشرة أشبار ونصفا، ولكن تكسيره يكون
أربعة أشبار ونصف وتكسير كر المشهور كما مر يزيد على اثنين وأربعين شبرا.
(2) مشارق الشموس: 198.
(3) الحبل المتين: 108.
(4) نقله عنه في المختلف 1: 183.
(5) نقله عنه في الذكرى: 9.
(6) نقله عنه في الذكرى: 8.
516

الثالث: في الماء الجاري
وهو السائل على وجه الأرض، النابع منها، أو ما نبع منها ولم يكن بئرا، وهو
لا ينجس بملاقاة النجاسة، إلا إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة.
أما عدم التنجس إذا لم يتغير فهو في الجملة إجماعي، لكن العلامة اشترط كريته
في أكثر كتبه (1).
لنا: الاجماع، نقله ابن زهرة (2) والمحقق (3)، وهو ظاهر كلام الشيخ في
الخلاف (4)، وفي الذكرى: إنه لم يقف على مخالف ممن سلف (5).
وأصالة البراءة والطهارة الثابتة بالأخبار، مثل: " كل ماء طاهر حتى تعلم أنه
قذر " (6) و " كل شئ نظيف " (7) ونحوهما.
وقد يتوهم أن المستفاد منهما إنما هي الطهارة إذا شك في عروض النجاسة،
لا في كون الشئ سببا للنجاسة شرعا، فإن الحمل على أن الجهل بالحكم الشرعي
موجب للطهارة بعيد غير مأنوس.
وفيه نظر واضح، فإن الجهل بالحكم الشرعي لا يوجب ذلك مطلقا، بل بعد
استفراغ الوسع وبذل الجهد، كما في أصل البراءة، وهو نظير قوله عليه السلام:
" كل شئ مطلق حتى يرد فيه نهى " (8).

(1) القواعد 1: 182، المنتهى 1: 28، نهاية الإحكام 1: 228، التحرير 1: 4.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 551.
(3) المعتبر 1: 41.
(4) الخلاف 1: 195.
(5) الذكرى: 8.
(6) الوسائل 1: 106 أبواب الماء المطلق ب 4 ح 2.
(7) الوسائل 2: 1054 أبواب النجاسات ب 37 ح 4.
(8) الفقيه 1: 208 ح 937، الوسائل 18: 127 أبواب صفات القاضي ب 12 ح 60.
517

والاستصحاب والصحاح المستفيضة الحاكمة بعدم جواز نقض اليقين إلا
بيقين (1).
وصحيحة محمد بن إسماعيل الآتية في ماء البئر، الدالة بالعلة المنصوصة (2)،
ويؤيده ما ورد في ماء الحمام أيضا كما سيجئ.
وعن نوادر الراوندي، عن علي عليه السلام: " الماء الجاري لا ينجسه شئ " (3)
وغير ذلك من الأخبار عموما وخصوصا.
واحتج العلامة بقولهم عليهم السلام: " إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ " (4) في الأخبار الصحاح المستفيضة، وترك الاستفصال في رواية إسماعيل بن جابر،
عن الصادق عليه السلام: عن قدر الماء الذي لا ينجسه شئ فقال: " كر " قلت: وما
الكر؟ قال: " ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار " (5) وصحيحة علي بن جعفر المتقدمة في
الماء القليل (6).
والتحقيق في الجواب: أن تلك الأخبار وإن كانت خاصة، والخاص يقدم على
العام، لكنه مشروط بالمقاومة، ولا تقاوم تلك ما ذكرنا. أما دلالة فلأنها مفاهيم،
وظاهرها الراكد كما لا يخفى على المتأمل في سياق السؤال والجواب في كثير منها.
وأما رواية إسماعيل فالسؤال فيها عن قدر الماء الذي لا ينجسه شئ، وتحديد
عدم التنجس من جهة المقدار لا ينافي عدم التنجس من جهة وصف آخر كالجريان،

(1) الوسائل 1: 174 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1، 6.
(2) التهذيب 1: 234 ح 676، الوسائل 1: 127 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 7، ماء البئر واسع لا يفسده شئ إلا
أن يتغير... لأن له مادة.
(3) نوادر الراوندي: 39، مستدرك الوسائل 1: 191 أبواب الماء المطلق ب 5 ح 4.
(4) انظر الوسائل 1: 117 أبواب الماء المطلق ب 9.
(5) الكافي 3: 3 ح 7، التهذيب 1: 37 ح 101، وص 41 ح 115، الوسائل 1: 118 أبواب الماء المطلق ب 9
ح 7.
(6) التهذيب 1: 419 ح 1326، الاستبصار 1: 21 ح 49، الوسائل 1: 115 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 13.
518

مع أن في سندها نوع تأمل.
وأما اعتضادا، فلموافقة أدلتنا للأصل والكتاب والسنة وعمل الطائفة، واليسر
والسهولة ونفي الحرج، وغير ذلك.
مع أن النسبة بين تلك الأخبار وصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع عموم من
وجه، ولا بد فيها من الرجوع إلى المرجحات الخارجية، وهي مع أدلتنا.
ثم إن الجاري إذا انقطع عن المادة بحائل ونحوه فيخرج عن حكم الجاري.
ولعله إلى ذلك ينظر اشتراط الشهيد دوام النبع (1)، لا إلى ما فهمه بعضهم من
لزوم استمراره طول السنة (2)، وإلا لزم نجاسة العيون العظيمة التي تجري في الربيع
وتنقطع في الصيف.
ولا ما فهمه بعضهم من أن المراد أن لا يكون بعنوان الرشح، فإن ترشحه آنا فآنا
يدل على انعدام المادة بين الآنين (3). وفيه أنه يصح إذا انحصر دليل الجاري في
حكاية المادة، بل تكفي العمومات والصدق العرفي.
وإذا اتصل القليل بالجاري فهو في حكمه إذا استويا أو كان الجاري أعلى، وقد مر
وجهه.
وذكر جماعة منهم الشهيد (4) والمحقق الثاني (5)، أن القليل يتقوى بفوران الجاري
من تحته، والظاهر ذلك. وأما تقويه بالكثير كذلك فالظاهر أنه أيضا كذلك،
لصيرورتهما ماءا واحدا، هذا إذا كانت الفوارة متصلة بالماء.
وأما إذا كانت خارج الماء، ولم تتصل من تحت، فالأظهر عدم التقوي في

(1) الدروس 1: 119.
(2) روض الجنان: 135.
(3) معالم الفقه: 113.
(4) الدروس 1: 119.
(5) جامع المقاصد 1: 115.
519

الكر، وفي الجاري إشكال، ولا يبعد القول به، لصدق الجاري. مع إمكان القول به
في الكثير أيضا، لاندارجه في المقام الثاني من المقامين المتقدمين في الكر، وتنبه
صحيحة محمد بن إسماعيل وغيرها عليه، وليس ببعيد.
وأما نجاسته إذا تغير أحد أوصافه، فبالاجماع، والأخبار المستفيضة (1)، وقد
مرت الإشارة إليها. والكلام في التغير وأحكامه.
ثم إن تغير الجميع فلا ريب في نجاسة الجميع، وإن تغير بعضه فإن قطع عمود الماء
وهو ما بين حافتيه فينجس المتغير وما تحته إن لم يكن كرا، ويبقى ما تحته على
الطهارة إن كان كرا متساوي السطوح أو منحدرة كما مر، وأما ما فوقه فيبقى على
الطهارة مطلقا على الأقوى.
وقد يستشكل في الحكم الأول: بأنه لم ينقطع عما فوق فلا يدخل في القليل،
فإن الماء يجري إلى ما تحت، ولا يضره توسط ماء نجس، والأصل الطهارة.
وفيه: أنه لو سلب الإطلاق بسبب التغير فلا ريب في الانقطاع، ولا قائل
بالفصل. مع أن الظاهر أن المتبادر من الأدلة والمستفاد من العلة - وهو الاستمداد من
المادة - هو الاتصال بالمنبع ظاهرا، مع أن الظاهر أنه لا خلاف في المسألة.
تذنيب:
الظاهر من كلام جماعة من الأصحاب منهم العلامة مع قوله باشتراط الكرية في
الجاري: عدم نجاسة ما فوق النجاسة من الجاري، وإن لم يكن كرا، وإن كان الجاري
لا عن مادة (2)، ولكن الظاهر أن الإطلاق في الجاري لا عن مادة وعلى القول
باشتراط الكرية مطلقا إنما هو فيما لو كان منحدرا، ولم أجد خلاف ذلك في
كلامهم، وذلك لأنه يدفع النجاسة عما فوق بتدافعه.

(1) الوسائل 1: 102 أبواب الماء المطلق ب 3.
(2) المنتهى 1: 29، جامع المقاصد 1: 111.
520

الرابع: المعروف من مذهب الأصحاب أن حكم ماء الحمام حكم الجاري في
عدم التنجس بالملاقاة ما لم يتغير إذا كان متصلا بالمادة، وكذلك في تطهيره. وقيل:
الظاهر أنه إجماعي (1)، وقال في المعالم: لا نعلم في الأصحاب مخالفا في عدم
الانفعال بالملاقاة مع بلوغ المادة كرا (2).
والمراد به: هي الحياض الصغار التي يجري إليها الماء من المخزن، فإن ما كان كرا
منها لا حاجة إلى السؤال عنها، وهو الظاهر من الأخبار الواردة فيها، وفهمها
الفقهاء أيضا كذلك.
والأصل فيه: الأخبار المستفيضة جدا، مثل قوله عليه السلام في صحيحة داود
بن سرحان، عن الصادق عليه السلام: ما تقول في ماء الحمام؟ قال: " هو بمنزلة
الجاري " (3).
ورواية ابن أبي يعفور، عنه عليه السلام: " إن ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه
بعضا " (4) وظاهرها أنه لا يقبل النجاسة كماء النهر.
وموثقة حنان عنه عليه السلام، حيث سأل عن انتضاح ماء الحمام الذي يرد عليه
الجنب وغيره فقال: " أليس هو جار؟ " قلت: بلى، قال: " لا بأس " (5).
ورواية إسماعيل بن جابر في قرب الإسناد، عن الكاظم عليه السلام: " ماء
الحمام لا ينجسه شئ " (6).
وقوية بكر بن حبيب، عن الباقر عليه السلام قال: " ماء الحمام لا بأس به إذا

(1) مجمع الفائدة والبرهان 1: 254، كشف اللثام 1: 27.
(2) المعالم: 13.
(3) التهذيب 1: 378 ح 1170، الوسائل 1: 110 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 1.
(4) الكافي 3: 14 ح 1، الوسائل 1: 112 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 7.
(5) الكافي 3: 14 ح 3، التهذيب 1: 378 ح 1169، الوسائل 1: 154 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 8.
(6) قرب الإسناد: 128، الوسائل 1: 112 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 8.
521

كانت له مادة " (1) وعن الكاظم عليه السلام مثله (2).
وفي فقه الرضا عليه السلام: " ماء الحمام سبيله سبيل الماء الجاري إذا كانت له
مادة " (3) إلى غير ذلك من الأخبار.
ولو لم تكن هذه الأخبار لكان ينبغي الحكم بتنجسها، لقلتها، وعدم اندراجها
تحت الكر بملاحظتها مع مادتها إذا كان المجموع كرا، لما بينا أن التحقيق اعتبار الاتحاد
العرفي واستواء السطوح في الكر، وهذا أيضا من أعظم الشواهد على ما بينا هناك،
وإلا فلم يكن إشكال فيه مع الاتصال حتى يحتاج إلى السؤال، ولكان الأولى
الجواب عن سؤال الرواة عنه بأنه كر، لا أنه بمنزلة الجاري وسبيله سبيل الجاري، أو
أنه كماء النهر، ونحو ذلك.
والتحقيق أن ذلك من باب تقوي القليل بالكثير، لا من جهة ملاحظتهما
معا، واندراجه تحت الكر إما على القول بعدم اعتبار تساوي السطوح، ووجه
السؤال عن حكمه هو خفاء اندراجه تحت ما دل على حكم مطلق الكر، أو
على جعل ذلك مستثنى من ذلك الشرط بهذه الأخبار لكثرة الابتلاء به، ولزوم
الحرج، فيقال باشتراط استواء السطوح والاتحاد العرفي إلا في هذا الماء، ويخصص
ذلك من جهة الأخبار، واشترط في ذلك الاتصال بالمادة، فلو انقطع عنها فهو
قليل.
ثم: إن المشهور اشتراط كرية المادة (4)، وعن بعضهم اشتراط أزيد منه (5)، ولعله

(1) الكافي 3: 14 ح 2، التهذيب 1: 378 ح 1168، الوسائل 1: 111 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 4. ووجه
التعبير بالقوية هو أن راويها مجهول ولكن الأصحاب تلقوها بالقبول.
(2) التهذيب 1: 378 ح 1171، الوسائل 1: 111 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 6.
(3) فقه الرضا (ع): 86.
(4) منهم الصدوق في الفقيه 1: 10، والعلامة في المنتهى 1: 32، والشهيد في البيان: 98، وصاحب المدارك 1:
37.
(5) التحرير 1: 4، روض الجنان: 137.
522

لا يخالف المشهور، بل ذلك لتحقق الاستمداد والتقوي، لعدم إمكان العلم
بالاستمداد حين الملاقاة إذا كانت المادة لا تزيد على الكر أصلا، لأنه حين الجريان
غير قار، وهو على صدد التناقص.
والمحقق لم يعتبر الكرية نظرا إلى الإطلاق، فاكتفى بصدق المادة عرفا (1)،
واكتفى بعضهم بكون المجموع كرا (2).
ولعل نظر المشهور إلى أن الغالب في ماء الحمام هو التسنم من أنبوبة ونحوها،
ومع اعتبار اتحاد الماء وتساوي السطوح في الكر فلا يمكن الحكم بعدم نجاسة هذا
الماء بعد الملاقاة من جهة كونه كرا، فيبقى الاعتماد في هذا الحكم بالتقوي
والاستمداد لهذه الروايات، وإلا لكان يكفي بلوغ المجموع كرا في ماء الحمام بطريق
أولى، للزوم الحرج فيه أكثر من غيره.
وربما يوجه اعتبارهم كرية المادة بأن ماء الحمام في معرض التلف، فلو
لم تكن المادة كرا لنقص بالأخذ والتلف، وربما يوجه بأن اعتبار الكرية إنما هو لأجل
التطهير لا لعدم التنجس، وهو بعيد، هذا.
ولكن التحقيق أنه يمكن الاستدلال على اشتراط الكرية بالأخبار أيضا، بأن
يقال: إن الظاهر من المادة المذكورة في الأخبار هو ما كان كرا فصاعدا، لأنه هو الفرد
الشائع الغالب فيه كما لا يخفى.
مع أن الحكم بعدم النجاسة في الأخبار مشروط بثبوت المادة وتحقق الشرط بما
ذكرنا متيقن، والباقي مشكوك فيه.
ثم إن (3) الظاهر من لفظ المادة أيضا اعتبار الكثرة بهذا المقدار، فالتمسك
بالاطلاق لمذهب المحقق ضعيف.

(1) المعتبر 1: 42.
(2) نسبه إلى الشهيد الثاني في فوائد القواعد في المدارك 1: 35.
(3) في " م "، " ز ": مع أن.
523

وأما كفاية كون المجموع كرا مع قطع النظر عن اندراجه في الكر، وعدم اعتبار
الاتحاد والتساوي، فيظهر من طريقة استدلال المحقق أيضا، والفرق بينه وبين قول
المحقق هو أن المحقق يتكل على إطلاق المادة، والمادة على ما في اللغة هي الزيادة
المتصلة، وفي العرف أيضا يستفاد منها كثرة، وأما على قول هذا القائل فيكفي
ولو فرض كون ماء الحمام أكثر من مادته.
تذنيب:
المشهور بين الأصحاب نجاسة غسالة الحمام ما لم يعلم خلوها عن النجاسة،
وفسر بالمستنقع، وادعى عليه ابن إدريس الاجماع (1)، وذهب العلامة في المنتهى
إلى الطهارة (2).
وقال في روض الجنان: وهو الظاهر إن لم يثبت الاجماع على خلافه (3)، ونسب
القول بالكراهة الفاضل المجلسي في شرحه الفارسي على الفقيه إلى أكثر المتأخرين.
والأصل في هذه المسألة روايات، وهي رواية حمزة بن أحمد، عن الكاظم عليه
السلام، قال: سألته أو سأله غيري عن الحمام، فقال: " ادخله بمئزر، وغض
بصرك، ولا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام، فإنه يسيل فيها ما يغتسل به
الجنب وولد الزنا والناصب لنا أهل البيت، وهو شرهم " (4).
ورواية ابن أبي يعفور، عن الصادق عليه السلام، قال: " لا تغتسل من البئر التي
تجتمع فيها غسالة الحمام، فإن فيها غسالة ولد الزنا، وهو لا يطهر إلى سبعة آباء،
وفيها غسالة الناصب وهو شرهما، إن الله لم يخلق خلقا شرا من الكلب، وإن

(1) السرائر 1: 91.
(2) المنتهى 1: 146.
(3) روض الجنان: 161.
(4) التهذيب 1: 373 ح 1143، الوسائل 1: 158 أبواب الماء المضاف ب 11 ح 1.
524

الناصب أهون على الله من الكلب " (1).
وموثقته المنقولة في العلل، عنه عليه السلام، قال: " وإياك أن تغتسل من غسالة
الحمام، ففيها تجتمع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لنا أهل البيت،
وهو شرهم، إن الله لم يخلق خلقا أنجس من الكلب، وإن الناصب لنا أهل البيت
لا نجس منه " (").
وقد حصر في الذخيرة روايات الباب في ثلاثة: رواية حمزة، ورواية ابن
أبي يعفور، ورواية أبي يحيى الآتية، ومنع دلالتها على النجاسة وضعفها. وكذا منع
دلالة كلمات الأصحاب عليها، وذكر أن المراد في المقامين عدم جواز الغسل (3).
وكلاهما تعسف، لتصريح أكثر الأصحاب بالنجاسة، وظهور كلام آخرين.
نعم عبارة الصدوق مطابقة لموثقة ابن أبي يعفور إلى قوله وهو شرهم.
ومنع دلالة الروايات على النجاسة أيضا تعسف، سيما بعد ملاحظة تشريك
الناصب، والتصريح بنجاسته، سيما في روايتي ابن أبي يعفور. إلا أن يقال: إن
الجنب وولد الزنا ليسا بنجسين، ونجاسة غسالة الناصب موقوفة على ثبوت نجاسة
الغسالة مطلقا، فلعل المراد التأكيد في عدم جواز الغسل بها. ولكن يمكن القلب:
بأن تلك الروايات أولى بأن تجعل دليلا على نجاسة الغسالة مطلقا، ويضم إليها عدم
القول بالفصل بين الغسلات، فتثبت به نجاسة الغسالة مطلقا.
وفيه تأمل، فإن الشيخ قائل بطهارة الغسالة في غير غسالة الحمام (4)،
ولم ينقل عنه الطهارة هنا، وكذا غيره، مع أن الظاهر من الغسالة هو الحاصل من
التطهير، وهو منتف هنا كما لا يخفى.

(1) الكافي 3: 14 ح 1، الوسائل 1: 159 أبواب الماء المضاف ب 11 ح 4.
(2) علل الشرائع: 292، الوسائل 1: 159 أبواب الماء المضاف ب 11 ح 5.
(3) الذخيرة: 144.
(4) الخلاف 1: 179، 181، المبسوط 1: 92.
525

ولا وجه للتضعيف أيضا، سيما مع ورود الموثقة واعتضادها بعمل الأصحاب.
نعم يشكل الاستدلال من جهة أن الأخبار مصرحة بوجود النجاسات المذكورة
فيها، فلا يتم فيما لم يحصل العلم، وفتوى جمهور الأصحاب الحكم بالنجاسة ما
لم يعلم طهارتها.
ويمكن أن تنزل الأخبار على ذلك بإرادة أن غسالة الحمام مورد هذه الأمور
غالبا، ويكون ذكر المذكورات بعنوان المثال، فلا يرد أن يقال: لا يجري هذا الحكم
فيما علم انتفاء المذكورات بخصوصها، فإن الظن الغالب حاصل بحصول
النجاسات في الحمام وغسلها فيها.
وهذا هو السر في جعل الفقهاء والأصوليين هذه المسألة مما يقدم الظاهر على
الأصل، وإلا فمع العلم لا معنى للظهور، وحينئذ فيبقى الإشكال في تنزيل الأخبار
على إرادة ذلك، لا ما علم وجود النجاسات المذكورة.
ثم إثبات ترجيح الظاهر على الأصل، سيما وقد روى أبو يحيى الواسطي، عن
بعض أصحابنا، عن الكاظم عليه السلام، قال: سئل عن مجتمع الماء في الحمام من
غسالة الناس يصيب الثوب، قال: " لا بأس " (1).
ولا يبعد ترجيح هذه الأخبار المعمول بها عند الأكثرين، وحمل هذه الرواية مع
ضعفها على غير المستنقع، بل هو صريح الرواية، فإن المستنقع خارج عن الحمام غالبا.
ويبقى الكلام حينئذ في أن هذه المياه إنما تجري من داخل الحمام إلى الخارج،
فلا وجه لتخصيص المستنقع، بل حكم صحن الحمام والمياه الجارية في الصحن من
الغسلات مثله.
وجوابه: أن الخروج عن الأصل يحتاج إلى دليل قوي، وهذه الأخبار بعد اللتيا
والتي إنما دلت على نجاسة الغسالة في المستنقع إذ الظاهر أنه نجس باعتبار عدم

(1) الكافي 3: 15 ح 4، الفقيه 1: 10 ح 17، التهذيب 1: 379 ح 1176، الوسائل 1: 154 أبواب الماء المضاف
ب 9 ح 9.
526

سنوح التطهير له غالبا، بخلاف داخل الحمام وصحنه، فإنه كما أنه يتنجس كثيرا
يطهر كثيرا أيضا، فلا يبقى ظهور مثل الظهور في المستنقع، ولا دليل يوجب الخروج
عن الأصل.
مع أن ههنا أخبارا كثيرة صحيحة تدل على طهارة الحمام (1)، وعدم وجوب غسل الرجل منه.
ومع ذلك يحصل الإشكال فيما حصل العلم بنجاسة صحن الحمام
ولم يحصل العلم بالتطهير، فإن الاستصحاب يقتضي النجاسة، وقل ما لم يتحقق
ذلك في حمام على ما وجدنا.
والمناص عن ذلك ليس إلا بجعل زوال العلم بالنجاسة وحصول الشك فيها
مطهر للحمام بهذه الروايات الصحيحة، أو التشبث بتعارض الاستصحابين، وإبقاء
حكم الحمام وملاقيه على حالهما، فالملاقي طاهر والحمام نجس. والأظهر البناء
على الثاني.
وتظهر الثمرة في مثل جواز السجدة.
ويضعف التمسك بالروايات أنها نقل فعل أو قضية حال، ولا يفيد العموم حتى
يشمل ما لو حصل العلم بالنجاسة ولم يحصل العلم الشرعي بخلافه بعده.
الخامس: المشهور بين الأصحاب بحيث لا يعرف منهم خلاف أن حكم ماء
الغيث حكم الجاري في عدم تنجسه بالملاقاة، وتطهيره للغير في حال تقاطره ونزوله
من السماء، سواء كان مجتمعا على الأرض أو نازلا من الميزاب أو غيره، للآيتين
المتقدمتين (2)، والأخبار المستفيضة جدا (3).

(1) الوسائل 1: 153 أبواب الماء المضاف ب 9.
(2) الفرقان: 48، الأنفال: 11.
(3) الوسائل 1: 108 أبواب الماء المطلق ب 6.
527

واشترط الشيخ فيه الجريان (1)، وهو المنقول عن صاحب الجامع (2)، والظاهر أن
مراده مطلق الجريان، لا خصوص مثل الميزاب، لاستدلاله بصحيحة علي بن جعفر
الآتية. والأقوى الأشهر عدم اعتباره.
لنا: إطلاق الآيتين، والأخبار المستفيضة، مثل صحيحة هشام بن سالم (3)،
وحسنة عبد الله بن يحيى الكاهلي (4).
وصحيحة محمد بن إسماعيل، عن بعض أصحابنا، عن الكاظم عليه السلام،
في طين المطر: " إنه لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيام، إلا أن يعلم أنه قد نجسه
شئ بعد المطر " (5) الحديث فإن إطلاق طهارة الطين يشمل ما لو كان قبله نجسا ويدل
عليه مفهوم الاستثناء، فإنه لا معنى لتنجسه وطهارة الطين.
وما يتوهم من عدم الاستلزام كالغسالة، فمع أنه قياس، فالفارق موجود، لبقاء
المطر في الطين.
ومرسلة الصدوق في الفقيه أيضا في طين المطر (6) ورواية أبي بصير (7).
احتج الشيخ بصحيحة علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام، قال: سألته عن
البيت يبال على ظهره ويغتسل من الجنابة ثم يصيبه المطر، أيؤخذ من مائه فيتوضأ به
للصلاة؟ فقال: " إذا جرى فلا بأس به " قال: وسألته عن رجل يمر في ماء المطر وقد
صب فيه خمر فأصاب ثوبه، هل يصلي فيه قبل أن يغسله؟ فقال: " لا يغسل ثوبه

(1) المبسوط 1: 6، التهذيب 1: 411 ذ. ح 1296.
(2) الجامع للشرائع: 20.
(3) الفقيه 1: 7 ح 4، الوسائل 1: 108 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 1.
(4) الكافي 3: 13 ح 3، الوسائل 1: 109 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 5، وفيها: الكاهلي عن رجل.
(5) الكافي 3: 13 ح 4، الفقيه 1: 41 ح 163، التهذيب 1: 267 ح 783، الوسائل 1: 109 أبواب الماء المطلق
ب 6 ح 6، وهي رواية محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابنا.
(6) الفقيه 1: 7 ح 5، الوسائل 1: 110 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 7.
(7) التهذيب 1: 424 ح 1348، الوسائل 1: 110 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 8.
528

ولا رجله ويصلي فيه، ولا بأس " ونقله في قرب الإسناد أيضا (1)، ولعلي بن جعفر
أيضا روايتان أخريان في قرب الإسناد تقاربان هذا المضمون (2).
والجواب أن الشرط وارد مورد الغالب، بل لا يكاد يمكن أخذ الماء للتوضؤ من
السطح إلا إذا جرى، مع أنه يمكن أن يكون ذلك لأجل تغير الماء لكون السطح مبالا
نفذت فيه النجاسة، وكذلك في الأخريين.
ويمكن أن يراد من الجريان النزول من السماء كما فهمه العلامة (3)، فهذه
الروايات أيضا من جملة أدلة المشهور.
وبالجملة لا إشكال في عدم تنجس ماء المطر حين النزول مطلقا، وكذا
لا إشكال في تطهيره للغير في غير الماء، لعموم حسنة الكاهلي على كل شئ يراه
المطر فقد طهر، وغيرها من الأخبار المتقدمة والآية وغيرها.
والمعتبر هو التقاطر والاستيعاب مع زوال العين، وأما الجريان والكثرة فلم يثبت
اشتراطهما.
وما تشعر به صحيحة هشام من اعتبار الأكثرية فلا يبعد اعتباره، بل لا مناص
عنه، لأن الأقل يستهلك بالنجاسة أو يتغير.
وأما الماء فالأظهر أنه يتطهر به إذا جرى إليه من ميزاب أو غيره في حال النزول
ومازجه أو تقاطر عليه إلى أن تحصل الممازجة.
وأما مجرد التقاطر أو الاتصال فالأظهر أنه لا يطهر، للأصل والاستصحاب،
وعدم الدليل، لمنع عموم الآيتين بل الروايات أيضا، والإجماع المركب غير معلوم،
وحسنة الكاهلي أيضا لا تدل عليه، لأن الظاهر أن المراد من الرواية إصابة النجس،

(1) الفقيه 1: 7 ح 6، 7، التهذيب 1: 411 ح 1297، وص 418 ح 1321، الوسائل 1: 108 أبواب الماء المطلق
ب 6 ح 2، قرب الإسناد: 177، 191، البحار 80: 11 ح 8، و ح 1.
(2) قرب الإسناد: 177 ح 654، وص 191 ح 719.
(3) المنتهى 1: 29.
529

وهي لا تحصل إلا للقطعة الفوقانية، وما سيجئ في القول بكفاية الاتصال في
التطهير من أن طهارة السطح الفوقاني مستلزمة لتطهير ما سواه، فستعرف بطلانه.
وبالجملة القدر الثابت بالدليل هو ما حصلت الممازجة المذكورة، والظاهر أن
الطهارة بها إجماعية، والظاهر أن من يكتفي بالاتصال في التطهير بالجاري يكتفي
هنا أيضا إذا جرى.
وأما ما نقله الشهيد الثاني عن بعض معاصريه من أنه يكفي في تطهير الماء
النجس وقوع قطرة واحدة (1) فهو في غاية البعد.
والأظهر أن الماء القليل المجتمع من المطر يتقوى بالمطر حين النزول (2)،
للعمومات، وخصوصا صحيحة علي بن جعفر المتقدمة، وكذلك الأخبار الدالة
على طهارة ما يكف من السطح النجس، سيما إذا كان كنيفا وموضعا للعذرة،
ويظهر من بعض الأخبار حصولها فيه (3)، فإنه يجتمع في السطح غالبا، ثم يكف.
وأما القليل المجتمع من غير المطر فهل يتقوى بالمطر؟ فيه وجهان، أظهرهما
نعم (4)، لمنع شمول ما يدل على نجاسة القليل لذلك، مع أنه حال النزول فيه قليل من
المطر مع شئ زائد من الماء، فيصير بذلك أقوى.
ولكن مقتضى هذا الدليل اعتبار النجاسة بمقدار ماء المطر، فلو فرض التغير لو
انحصر في المطر لصار نجسا (5)، والحاصل أن الأصل والاستصحاب والعمومات
تقتضي الطهارة، ولم يظهر مخصص له.

(1) روض الجنان: 139، والظاهر هو السيد حسن ابن السيد جعفر أستاذ الشهيد.
(2) خلاف الأظهر ما ذكره صاحب المعالم حيث يخصه بالماء القليل (منه رحمه الله)، أقول: الموجود في
المعالم: 122، هو حكايته عن بعض الأصحاب.
(3) انظر الوسائل 1: 108 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 2، 5، 7.
(4) خلاف الأظهر ما ذكره صاحب المعالم حيث أراد بالماء القليل (منه رحمه الله).
(5) أي: وإن لم يكن متغيرا بالفعل نتيجة لتقويه بالماء القليل الذي كان من السابق، يعني يقدر أنه لو كان ماء المطر
وحده وكانت فيه تلك النجاسة هل يتغير أم لا؟
530

ثم إن العلامة لم يعتبر الكرية في ماء المطر وإن ألحقه بالجاري (1)، ولا بأس به،
لكون دلالة أخبار المطر أظهر وأقوى من أدلة الجاري.
السادس: في ماء البئر
وهو يصدق في العرف على أمور، والمراد بها هنا نوع واحد منها، وهو مجمع
ماء نابع من الأرض، ولا يتعداها غالبا، كما يستفاد من ملاحظة الأخبار وكلام
الأصحاب،
ولا خلاف في نجاسته إذا تغير بالنجاسة.
وأما بدونه، فالمشهور بين القدماء حتى ادعى عليه السيد الاجماع هو النجاسة (2).
وذهب ابن أبي عقيل (3) وابن الغضائري (4) وأكثر المتأخرين إلى الطهارة
واستحباب النزح (5).
وذهب في المنتهى إلى الطهارة والنزح تعبدا، ولم يقيده بعدم جواز الاستعمال
قبله ليفرع عليه بطلان الوضوء به قبل النزح، لفساد المنهي عنه (6).
وذهب الشيخ في كتابي الأخبار إلى الطهارة ووجوب النزح، فيحكم ببطلان
الوضوء قبل النزح إذا علم بوقوع النجاسة قبله (7).
وذهب البصروي (8) من القدماء إلى نجاسة ما دون الكر منه (9)، وعن الجعفي

(1) نهاية الإحكام 1: 229.
(2) الإنتصار: 11، الغنية (الجوامع الفقهية): 551، السرائر 1: 69.
(3) نقله عنه في المختلف 1: 187.
(4) نقله عنه في المدارك 1: 54.
(5) كالعلامة في المختلف 1: 187، وفخر المحققين في الإيضاح 1: 17، والمحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 121.
(6) المنتهى 1: 68.
(7) التهذيب 1: 232، الاستبصار 1: 32، ولكن يشكل استفادة ذلك من الاستبصار فإن كلامه مضطرب.
(8) بصرى كحبلى بلدة بالشام وقرية ببغداد قرب عكبراء.
(9) نقله عنه في الذكرى: 9.
531

نجاسة ما لم يكن كل واحد من أبعاده ذراعين (1).
والأقرب مختار المتأخرين، للأصل، والعمومات، والأخبار المستفيضة جدا،
كصحيحة ابن بزيع المذكورة في التهذيب والاستبصار والكافي (2)، عن الرضا عليه
السلام - وفي بعض المواضع من التهذيب الرواية مكاتبة (3)، ولا يضر سيما مع
ورودها بدونها أيضا - " ماء البئر واسع لا يفسده شئ، إلا أن يتغير ريحه أو طعمه
فينزح منه حتى يذهب الريح ويطيب طعمه، لأن له مادة " ومما يؤكده الاكتفاء بمزيل
التغير لا أكثر الأمرين منه ومن المقدر كما يقوله الأولون.
وصحيحة معاوية بن عمار (4)، والقدح باشتراك حماد ضعيف (5).
وصحيحة علي بن جعفر ورواها الحميري أيضا (6)، والمراد بالعذرة فيها غائط
الانسان بشهادة اللغة والعرف، وذكر السرقين بعدها أيضا.
وموثقة عمار المشتملة على مثلها (7). وتقييد مائها بالكثرة فيها لا يضر،
لما سنبطل مذهب البصروي، مع منع دلالتها على النجاسة في القليل أيضا.

(1) نقله عنه في الذكرى: 9.
(2) الكافي 3: 5 ح 2، التهذيب 1: 409 ح 1287، الاستبصار 1: 33 ح 87، الوسائل 1: 126 أبواب الماء
المطلق ب 14 ح 6، 7.
(3) التهذيب 1: 234 ح 676.
(4) التهذيب 1: 232 ح 670، الاستبصار 1: 30 ح 80، وفي الوسائل 1: 127 أبواب الماء المطلق ب 14
ح 10.
(5) فإنه يعلم من رواية الحسين بن سعيد عنه أو روايته عن معاوية بن عمار أنه حماد بن عيسى الثقة. انظر هداية
المحدثين: 49.
(6) التهذيب 1: 246 ح 709، الاستبصار 1: 42 ح 118، قرب الإسناد: 84، الوسائل 1: 127 أبواب الماء
المطلق ب 14 ح 8، عن بئر ماء وقع فيها زبيل من عذرة رطبة أو يابسة أو زبيل من سرقين أيصلح الوضوء منها؟
قال: لا بأس. والزبيل وعاء يحمل فيه. لسان العرب 11: 300.
(7) التهذيب 1: 416 ح 1312، الاستبصار 1: 42 ح 117، الوسائل 1: 128 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 15،
وفيها لا بأس إذا كان فيها ماء كثير.
532

وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام، الدالة بمفهوم الشرط (1).
وصحيحة عبد الله بن المغيرة عن معاوية بن عمار (2)، وصحيحة أبان والظاهر أنه
ابن عثمان (3)، وصحيحة الشحام وأبي يوسف (4)، وموثقة أبي بصير (5)، وقوية أبي
عيينة (6)، ومرسلة الصدوق في الفقيه عن الصادق عليه السلام (7)، ورواية محمد بن
القاسم الآتية في مسألة البئر والبالوعة (8).
وقد مرت صحيحة زرارة المشتملة على جواز التوضؤ من بئر يستقى منها بحبل
من شعر الخنزير (9)، وموثقة ابنه حسين (10)، وقوية زرارة (11)، ورواية علي بن
حديد (12)، ورواية أبي مريم الأنصاري (13).
ويدل عليه استقراء سائر الأخبار الواردة في الباب لشدة اختلافها، ففي بعضها
ينزح دلاء يسيرة، وفي بعضها التخيير، وفي بعضها الجمع بين المتخالفات في
التقدير، وفي آخر الجمع بين الطاهر والنجس، وفي آخر ذكر الطاهر فقط، مع

(1) الفقيه 1: 15 ح 34، الوسائل 1: 142 أبواب الماء المطلق ب 22 ح 1، عن البئر يقع فيها الميتة فقال: إن كان لها
ريح ينزح منها سبع دلاء.
(2) التهذيب 1: 233 ح 671، الوسائل 1: 127 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 9.
(3) التهذيب 1: 233 ح 672، الاستبصار 1: 31 ح 82، الوسائل 1: 127 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 11.
(4) التهذيب 1: 233 ح 674، الاستبصار 1: 31 ح 84، الوسائل 1: 128 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 12.
(5) التهذيب 1: 234 ح 677، الاستبصار 1: 32 ح 85، الوسائل 1: 126 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 5.
(6) التهذيب 1: 233 ح 673، الاستبصار 1: 31 ح 83، الوسائل 1: 128 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 13.
(7) الفقيه 1: 15 ح 33، الوسائل 1: 130 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 20.
(8) الكافي 3: 8 ح 4، الفقيه 1: 13 ح 23، التهذيب 1: 411 ح 1294، الاستبصار 1: 46 ح 129، الوسائل
1: 126 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 4.
(9) الكافي 3: 6 ح 10، التهذيب 1: 409 ح 1289، الوسائل 1: 125 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 2.
(10) الكافي 6: 258 ح 3، الوسائل 1: 126 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 3.
(11) التهذيب 1: 413 ح 1301، الفقيه 1: 9 ح 14، الوسائل 1: 129 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 16.
(12) التهذيب 1: 239 ح 693، الاستبصار 1: 40 ح 112، الوسائل 1: 128 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 14.
(13) التهذيب 1: 416 ح 1313، الاستبصار 1: 42 ح 119، الوسائل 1: 175 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 12.
533

اختلافها في التقدير فيما له مقدر أيضا.
هذا كله مع عدم تعيين الدلو وكميته إلى غير ذلك مما هو من شأن المستحبات،
ويؤيده الاعتبار، فإن جعل الكثير مع المادة أضعف منه بدون مادة بعيد.
ومما ذكرنا ظهر بطلان القول بوجوب النزح تعبدا أيضا، مع أنه يلزم تأخير البيان
عن وقت الحاجة ظاهرا فيما لم يبين المقدار.
حجة الأولين: صحيحة ابن بزيع، قال: كتبت إلى رجل أسأله أن يسأل
أبا الحسن الرضا عليه السلام عن البئر تكون في المنزل للوضوء، فيقطر فيها قطرات
من بول أو دم، أو يسقط فيها شئ من عذرة كالبعرة ونحوها، ما الذي يطهرها حتى
يحل الوضوء منها للصلاة؟ فوقع عليه السلام بخطه في كتابي: " ينزح دلاء منها " (1)
فإنها في قوة أن طهرها بأن ينزح منها دلاء ليطابق السؤال.
وفيه: أن الامتثال بالأمر بالجمع المنكر يحصل بالثلاثة، ولا يقولون به، والقول
بأنها مقيدة بغيرها مع أنها خلاف الأصل يستلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ظاهرا.
والظاهر أن في الجواب تنبيها على الخطأ في السؤال، ولا تجب المطابقة عموما.
وصحيحة علي بن يقطين (2)، ويظهر الجواب عنها مما ذكر، سيما ودلالتها
أضعف، وسياقها كالسابقة سياق المستحبات.
وصحيحة عبد الله بن أبي يعفور الناهية عن اغتسال الجنب في البئر وعدم إفساد
ماء القوم الآمرة بالتيمم (3).
وفيه منع ظاهر، إذ لا نجاسة في الجنب من حيث إنه جنب، سيما والظاهر أن

(1) الكافي 3: 5 ح 1، التهذيب 1: 244 ح 705، الاستبصار 1: 44 ح 124، الوسائل 1: 130 أبواب الماء
المطلق ب 14 ح 21.
(2) التهذيب 1: 237 ح 686، الاستبصار 1: 37 ح 101، الوسائل 1: 134 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 2، عن
البئر تقع فيها الحمامة والدجاجة والفأرة أو الكلب أو الهرة فقال: يجزئك أن تنزح منها دلاءا، فإن ذلك يطهرها
إن شاء الله تعالى.
(3) التهذيب 1: 185 ح 535، الوسائل 1: 130 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 22.
534

الوقوع للغسل، ولا يجوز الغسل مع النجاسة. وعلى هذا فالمراد بعدم الإفساد هنا
لعله إثارة الحمأة أو الطين، أو حصول النفرة، ونحو ذلك، والأمر بالتيمم أيضا
يكفي فيه هذا العذر، بل الحرج اللازم من تحمل مشقة الدخول أيضا كاف في جواز
التيمم، كما تدل عليه صحيحة الحسين بن أبي العلاء (1).
ورواية العلاء بن سيابة (2)، وهي ضعيفة محمولة على الاستحباب أو التغير.
وأما ما دل على عدم جواز التوضؤ منها إلا بعد النزح مثل صحيحة علي بن
جعفر (3)، فالجواب عنها مع أنها غير صريحة في الحرمة، وعدم دلالة الحرمة على
النجاسة أيضا كما هو مذهب الشيخ: سياقها سياق الاستحباب، كما مر.
وكذلك يحمل على الاستحباب كل ما ورد من الأمر بالنزح، لعدم ظهورها في
الوجوب، وعدم دلالة الوجوب على النجاسة.
والشهرة بين القدماء وإن كانت مرجحا قويا لكنها مع معارضتها بالشهرة بين
المتأخرين تتوقف حجيتها على وجود دليل يمكن الاعتماد عليه، إذ الشهرة في
نفسها لا حجية فيها، وقد عرفت عدم دلالة الأخبار عليها، وإذا منعنا دلالة الأخبار
على الوجوب يبطل مذهب الشيخ أيضا، وكذلك يظهر ضعف قول المنتهى بالتعبد،
فالظاهر أنه لرفع الكراهة والنفرة لا محض التعبد.
وأما حجة قول البصروي: فهي عمومات قولهم عليهم السلام: " إذا كان الماء
قدر كر لم ينجسه شئ " وخصوص موثقة عمار (4)، ورواية الحسن بن صالح

(1) الكافي 3: 64 ح 7، التهذيب 1: 184 ح 527، الوسائل 2: 966 أبواب التيمم ب 3 ح 4.
(2) التهذيب 1: 419 ح 1324، الوسائل 2: 875 أبواب الدفن ب 51 ح 1.
(3) الكافي 3: 6 ح 8، الفقيه 1: 15 ح 29، التهذيب 1: 246 ح 709، وص 409 ح 1288، الاستبصار 1:
44 ح 123، الوسائل 1: 141 أبواب الماء المطلق ب 21 ح 1.
(4) التهذيب 1: 416 ح 1312، الاستبصار 1: 42 ح 117، الوسائل 1: 128 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 15،
عن البئر يقع فيها زبيل عذرة قال: لا بأس إذا كان فيها ماء كثير.
535

المتقدمة في مبحث الكر (1)، وعبارة الفقه الرضوي (2)، والعمومات مع كونها
مفاهيم مخصصة بما تقدم، والموثقة لا تقاوم الصحاح وغيرها، ورواية الحسن
ضعيفة، والاحتياط سبيل النجاة.
السابع: الماء قابل للتطهير تغير بالنجاسة أو لا، بالاجماع بل ربما يعد من
الضروريات، وتدل عليه الإطلاقات، وخصوص رواية ابن أبي يعفور المتقدمة في
ماء الحمام (3)، ورواية السكوني وما في معناها، القائلة " إن الماء يطهر ولا يطهر " (4)،
وجه الدلالة فيها: أن حذف المفعول يفيد العموم، مع أنه لو لم يحمل عليه لزم اللغو
في كلام الحكيم، فيلزم منه تخصيص قوله عليه السلام: " لا يطهر " بأن يراد من غير
الماء، وإلا لزم التناقض، والثاني أولى بالتخصيص كما لا يخفى.
وما يتوهم في تفسيره من أنه إنما لا يطهر لأنه إن غلب على النجاسة
حتى استهلكت فيها طهرها ولم ينجس حتى يحتاج إلى التطهير، وإن غلبت عليه النجاسة
حتى استهلك فيها صار في حكم تلك النجاسة، ولم يقبل التطهير إلا بالاستهلاك
في الماء الطاهر، وحينئذ لم يبق منه شئ. فهو في غاية الضعف، أما الأول فلأنه
يبنى على عدم انفعال القليل، وقد مر بطلانه.
وأما الثاني، فمبني على انحصار تطهير المتغير في الاستهلاك، وسيظهر لك
خلافه، مع أنه لا ينحصر تنجس الماء عند من لا يقول بانفعال القليل أيضا في
الاستهلاك بالنجاسة، ويكفي محض التغير في الجملة.

(1) الكافي 3: 2 ح 4، التهذيب 1: 408 ح 1282، الاستبصار 1: 33 ح 88، الوسائل 1: 118 أبواب المطلق
ب 9 ح 8.
(2) فقه الرضا (ع): 91، وفيه: وكل غدير فيه من الماء أكثر من كر لا ينجسه ما يقع فيه من النجاسات.
(3) الكافي 3: 14 ح 1، الوسائل 1: 112 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 7، إن ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه
بعضا.
(4) الكافي 3: 1 ح 1، التهذيب 1: 215 ح 618، الوسائل 1: 100 أبواب الماء المطلق ب 1 ح 6، 7.
536

الثامن: يطهر القليل بأمور:
الأول: إلقاء الكر عليه دفعة عرفية، وهو في الجملة إجماعي. ولكن الكلام في
اشتراط الممازجة وعدمه، واعتبار الدفعة وعدمه.
أما الأول، فالأقوى فيه: نعم، لكونه اتفاقيا، ولم تثبت كفاية مجرد الاتصال،
ولأنه لا ريب في أن الكر إذا وقعت فيه النجاسة وشاعت فيه لا يجب الاجتناب عنه
ولا عن شئ من أجزائه، إلا إذا تغير، وذلك مستلزم لالغاء حكمها حينئذ، فكذلك
الماء النجس، بل هو أولى بذلك، بل نقول: إن " شيئا " في قوله عليه السلام: " إذا
كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ " نكرة في سياق النفي فيشمل المتنجس، ومقتضى
الرواية إلغاء حكم الملاقي.
لا يقال: إنه معارض بمفهومه، ولا وجه للترجيح.
لأنا نقول: تساقطهما يفيد المطلوب أيضا، وإعمالهما معا غير ممكن بأن يجتنب
عنه في المشروط بالطهارة، ولا يحكم بنجاسة الملاقي، لعدم القائل بالفصل، فمن
قال بطهارة الملاقي قال بجواز الطهارة به، مع أن المنطوق أقوى دلالة واعتضادا كما
لا يخفى.
واحتج من قال بكفاية الاتصال (1) بالأصل. وبعدم تحقق الامتزاج، لعدم
حصول العلم به لو أريد الحقيقي، ولزوم الاكتفاء بالاتصال في البعض إن أريد
الامتزاج في الجملة. وبأن الأجزاء الملاقية للمطهر تطهر بالملاقاة، فيطهر ما يليها
بالاتصال بها، وهكذا.
والجواب عن الأول: أنه قد ارتفع بالنجاسة، وأصالة عدم الاشتراط معارضة
بأصالة بقاء النجاسة، وأصالة عدم تحقق المطهر الشرعي

(1) روض الجنان: 138.
537

وعن الثاني: بأن المراد هو الامتزاج العرفي الحاصل بامتزاج أكثر الأجزاء،
والإجماع دل على كفايته.
وعن الثالث: بمنع طهارة ما يلي الأجزاء الملاقية للمطهر، والقدر المسلم هو
طهارة السطح الملاقي لا الأجزاء الجسمية، وإصابة المطهر شرط في التطهير،
والاكتفاء بإصابة البعض في الامتزاج بالاجماع لا يوجب كفايته مطلقا (1).
وأما الثاني، فالأقوى فيه أيضا اعتباره، للاتفاق على كونه مطهرا، والشك
بدونه، سيما على ما اخترناه من اعتبار استواء السطوح في الكر في عدم الانفعال.
وربما يعلل بالنص أيضا، ولم نقف عليه، فهذا كله إذا لم يتغير القليل.
وأما إذا كان متغيرا بالنجاسة فلا بد من أن يكون اتصال الكر أو ممازجته بعد زوال
التغير، فإذا تغير بعض أجزاء الكر قبل الممازجة فلا يكفي، لتنجسه بالملاقاة، فلا بد
من كون الغير المتغير كرا أو إلقاء كر آخر حتى يزول، وصرح بذلك في المعالم (2).
لا يقال: إن هذا مستلزم لعدم التطهير في صورة التغير، أو اعتبار الممازجة إلا مع
العلم بعدم انقطاع أجزاء الكر أو الظن به، وهو إما متعذر أو متعسر.
لأنا نقول: عدم العلم أو الظن بالانقطاع كاف، لأن الأصل عدمه، فيحصل
الظن بذلك أيضا. مع أن الاجماع واقع على ذلك مع اعتبار الدفعة. وكذلك
يكفي عدم العلم أو الظن بحصول الاختلاف في السطوح، والخروج عن الوحدة
العرفية.
الثاني: إلقاؤه في كر، ولا إشكال فيه مع حصول المزج، فلا يكفي إدخال الكوز
الممتلئ من الماء في الكر في التطهير، بل لا بد من التداخل والامتزاج، وهو يحصل
إما بقوة انصباب المطهر أو بعدم امتلاء الكوز بحيث يحصل التداخل، هذا إذا لم يكن

(1) يعني: أن ما قيل سابقا من عدم حصول الامتزاج الحقيقي وكفاية اتصال بعض الأجزاء في الامتزاج لا يمكن
الاستدلال به لكفاية مجرد الاتصال، لأنه لا يلزم منه كفاية مطلق الاتصال.
(2) معالم الفقه:.
538

متغيرا، وإلا فيجب بقاء كر غير متغير بعد رفع التغير كما أشرنا.
الثالث: تطهيره بالجاري، ولا إشكال فيه إذا استولى عليه ومازجه وقهره،
أو بعد إزالة التغير أيضا إن كان متغيرا.
وأما مجرد الاتصال، فالأظهر عدم التطهير لما مر.
ومثله الجاري عن مادة كماء الحمام، ولكنه يعتبر بقاء المادة بمقدار الكر بعد المزج
والقهر، فإن المعتمد هنا هو التقوي بالمادة، لا كونه كرا من ماء، لما أشرنا إليه من
اعتبار تساوي السطوح في عدم الانفعال، والمادة هنا بمنزلة المنبع في النابع من
الأرض.
وقد مر وجه اشتراط الكرية في المادة حين الملاقاة، فلا بد من الاعتماد على المادة
حتى يحصل تمام التطهير، فلو نقص قبل تمام المزج عن الكر فيصدق عليه أنه قليل
لاقى النجاسة. وهذا فيما كانت المادة أعلى ظاهر.
وأما في صورة التساوي، فالأقوى أنه يطهر مع الجريان والممازجة، واكتفى
بعضهم كالعلامة في المنتهى بمجرد الاتصال، كما اختاره في صورة إلقاء الكر (1).
والفرق بين هذه الصورة وسابقتها أنه لا يعتبر ههنا كون المطهر أزيد من الكر،
لأنه يندرج تحت قوله عليه السلام: " إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ " فيثبت
التطهير بالتقريب المتقدم في إلقاء الكر، كما أنه يثبت في السابقة من جهة ما دل على
عدم تنجس الجاري عن مادة مما مر في ماء الحمام بذلك التقريب بعينه، وإن أمكن
جريان هذه الطريقة في الصورة الأخيرة أيضا لو كان المطهر أزيد.
وأما لو كان المطهر أسفل، فلو كان فورانه من تحت القليل مع صدق الوحدة عليهما
عرفا، بأن يكون القراران متوازيين، وكان الفوران داخل الماء لا كالفوارات المتعارفة
التي يثب الماء منها إلى الهواء، ثم يرجع، فيمكن إجراء الطريقتين فيه.

(1) المنتهى 1: 29.
539

وأما لو كان قرار المنبع أعلى، أو كان من قبيل الفوارات المتعارفة، فيمكن إجراء
طريقة ماء الحمام فيه.
وهذه الأحكام مما لم يرد فيها نص، وعمومات قولهم عليهم السلام: " الماء يطهر
ويطهر بعضه بعضا " وغيرها لا يدل إلا على ثبوت التطهير في الجملة. وغاية ما
يمكن أن يتمسك به هو الطريقة المستفادة من عموم قولهم عليهم السلام: " إذا كان
الماء قدر كر لم ينجسه شئ " وعموم ما دل في ماء الحمام بالعلة المنصوصة وغيرها
بالتقريب المتقدم، فعليك بالتحري والاجتهاد ثم الاحتياط، والله الهادي إلى سبيل
الرشاد.
الرابع: إتمام القليل كرا، وقد اختلفوا فيه على أقوال، ثالثها الفرق بين الطاهر
والنجس (1)، والأقوى عدم التطهير.
لنا: أن الطهارة حكم شرعي يحتاج ثبوته إلى دليل، وما اقتضاه الأصل
والعمومات فقد ارتفع يقينا، وعوده يحتاج إلى دليل، والنجاسة مستصحبة،
ولا ترتفع إلا باليقين، ودعوى أصالة طهارة الطارئ مع أنها غير مجدية في النجسين
لا تفيد فائدة مع الامتزاج.
احتجوا بأن البلوغ يستهلك النجاسة، فيستوي وقوعها قبل البلوغ وبعده. وبأنه
لولاه لما حكم بطهارة الماء الكثير إذا وجدت فيه نجاسة، لاحتمال وقوعها فيه قبل
البلوغ.
والأول قياس مع الفارق، إذا لعل لطهارة الجميع مدخلية في رفع النجاسة، وهو
منتف فيما نحن فيه.
والثاني مدفوع بأن الأصل طهارة الماء، ولم يثبت لها رافع، واحتمال طروئها

(1) القول بعدم الطهارة للشيخ في الخلاف 1: 194 مسألة 149، والمحقق في المعتبر 1: 51، والشرائع 1: 12،
والعلامة في التذكرة 1: 23، والقول بالطهارة للشيخ في المبسوط 1: 7، وابن البراج في المهذب 1: 23،
ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 18، والتفصيل لابن حمزة في الوسيلة: 73.
540

قبل البلوغ معارض باحتمال طروئها بعده، فالأصل تأخر الطروء، وأصالة تأخر
البلوغ مع أنه لا يتم فيما لم يعلم حصول الكر تدريجا لا يقاوم ما ذكرنا من الأصول،
سيما مع المعارضة.
وقد يستدل بأن العلة للنجاسة هي قلة الماء، وقد زالت، فيزول معلولها،
لاستحالة انفكاك المعلول عن العلة.
وفيه: أنا نمنع اتحاد علة الوجود والبقاء، فلعل العلة للبقاء هو أمر معنوي حصل
من التنجيس.
استدل ابن إدريس (1) بالاجماع، والعمومات، مثل: * (ليطهركم) * (2)
و * (فاطهروا) * (3) وقوله عليه السلام: " إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا " (4) بتقريب أن
معناه لم يظهر فيه خبث، كما ذكره جماعة من اللغويين.
وجوابه منع الاجماع، وأما العمومات فلا ريب أن صحة الطهارة من الحدث
والخبث مشروطة بالطهارة، وطهارة هذا الماء أول الدعوى.
وأما المستفاد من مثل " خلق الله الماء طهورا " (5) و * (أنزلنا من السماء ماءا طهورا) * (6)
ونحو ذلك، فليس إلا الطهارة بالأصل، ولا تنافي نجاسته بالعرض، وهو يقيني.
وأما الرواية، فلم نقف عليها في كتب أصحابنا، إلا ما رواه السيد والشيخ في
بعض كتبهم الاستدلالية مرسلا، واستدل بها السيد لأصل عدم انفعال الكر
بالنجاسة، وظاهرها أيضا ذلك.

(1) السرائر 1: 63.
(2) الأنفال: 11.
(3) المائدة: 6.
(4) الإنتصار: 6، الخلاف 1: 174، عوالي اللآلي 1: 76، و ج 2: 6، مستدرك الوسائل 1: 198 أبواب الماء
المطلق ب 9 ح 6.
(5) الوسائل 1: 99 أبواب الماء المطلق ب 1.
(6) الفرقان: 48.
541

وما نقل عن جماعة من اللغويين معارض بما نقل عن جماعة أخرى أن معنى
عدم الحمل هو الدفع، وهو المتبادر، فإن معنى فلان لا يحمل الضيم: يأباه (1)، مع
أن مقتضى الشرطية أن بعد البلوغ لا يظهر فيه الخبث، والظاهر منه أن الماء الخالي
عن الخبث إذا بلغ كرا لم يحمل خبثا، ولو فرض له إطلاق أو عموم فهو مخصص
بما تقدم.
الخامس: تطهيره بماء المطر، وقد مر.
التاسع: ظاهر فتوى الأصحاب عدم التفرقة في طرق التطهير بين القليل
والكثير.
ويشكل فيما لو اجتمع ألف كر من ماء نجس مثلا وألقي عليه كر واحد، فإنه
يستهلك في النجس، وتوجيهه أن يقال: إن الأصل في ذلك الكر عدم الانفصال
حتى تحصل منه الممازجة المطهرة بمقدار كر آخر مثلا، ثم تحصل من المجموع الممازجة
المعتبرة لآخر، وهكذا. فإذا حصل تمازج مجموع ذلك الماء المجتمع بعضه مع بعض
فيحصل التطهير للجميع، والكلام الذي يقرب من التصريح بذلك من جملة
كلماتهم هو ما ذكروه في حكم المتغير بإلقاء كر فكر حتى يزول التغير.
ثم إن الكثير إذا تغير فإما أن يبقى مقدار كر منه متصل غير متغير، أو لا. والمحتاج
إلى الخارج إنما هو الصورة الأخيرة، وأما الأولى فالمعروف بين الأصحاب كفاية
زوال التغير بالتموج وحصول الامتزاج بذلك مع عدم حصول العلم بانقطاعه أو تغير

(1) قال في القاموس 3: 362 وحمل الخبث أظهره قيل ومنه لم يحمل خبثا أي لم يظهر فيه الخبث. وقال في نهاية
ابن الأثير 1: 444 لم يحمل خبثا لم يظهره ولم يغلب الخبث عليه من قولهم فلان يحمل غضبه أي لا يظهره،
وقيل معنى لم يحمل خبثا أنه يدفعه عن نفسه كما يقال فلان لا يحمل الضيم إذا كان يأباه ويدفعه عن نفسه.
وفي المجمل لابن الفارس 1: 253، أن المراد لم يظهر فيه الخبث قالوا وتقول العرب فلان يحمل غضبه أي يظهر
غضبه.
542

شئ منه قبل تمام التطهير، وإن لم يحصل ذلك فيحتاج إلى الخارج.
والمعتبر في إزالة التغير أيضا هو الحسي، فلو زال التغير بشئ ثم القي عليه كر
لم يكن يزيله لو كان التغير باقيا، فالظاهر كفايته.
والمشهور أن زوال التغير بنفسه أو بتصفيق الرياح ونحوه لا يكفي في التطهير (1)،
خلافا ليحيى بن سعيد (2)، لاستصحاب النجاسة، وعدم ما يدل على الطهارة.
وحجة الطهارة: الأصل، وأن العلة للنجاسة هو التغير وقد زالت فتزول، وربما
يفرع ذلك على التطهير بتتميم القليل كرا.
ويرد على الأول أنه قد ارتفع بالنجاسة، وعلى الثاني ما مر في جواب حجة
القائل بتطهير التتميم، وعلى الثالث - مع بطلان الأصل كما مر - أن تغير المجموع قد
أظهر فيه الخبث، ورفعه يحتاج إلى الدليل.
والقول بأن المتغير نجس ما دام متغيرا دعوى خالية عن الدليل، بل القضية إما
دائمة لو قلنا بأن النهي يفيد الدوام، أو مطلقة ويكفي في صحة الاستصحاب.
العاشر: يطهر الجاري المتغير بتدافعه حتى يزول التغير، لقوله عليه السلام:
" يطهر بعضه بعضا " (3)، وفيه إشكال، لأن الظاهر منه عدم الانفعال لا التطهير،
ولكن الظاهر أن المسألة إجماعية، وظاهر العلامة أيضا أنه لا يعتبر في المطهر حينئذ
الكرية (4)، ولكن الظاهر أن هذا الحكم عنده مخصوص بما كان منحدرا على
الأرض، لعدم تنجس ما فوق النجاسة حينئذ كما مر.

(1) منهم المحقق في المعتبر 1: 41، والعلامة في المنتهى 1: 64، والقواعد 1: 186، والمحقق الكركي في جامع
المقاصد 1: 135.
(2) الجامع للشرائع: 18.
(3) الوسائل 1: 112 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 7.
(4) المنتهى 1: 64.
543

ولو زال تغيره بعلاج، فعلى ما اخترناه لا يكفي مجرد الاتصال، ويظهر من
المعالم أن بعض من قال بكفايته (1) لا يكتفي هنا، نظرا إلى تخصيص كلامهم في
الاكتفاء بما لو كان المطهر مساويا للنجس أو أعلى (3)، ولعل هذا القائل نظره إلى أن
الجاري الذي يحصل زوال تغيره بعلاج قبل تدافع الماء إنما يكون في المياه القليلة
المجتمعة في العيون الصغار غالبا، وإلا فتحتية المادة في الجاري مطلقا ممنوعة.
وأما تطهير ماء الحمام، أي الحوض الصغير الذي تجري إليه المادة، فإن تغير ثم
انقطع قبل زواله أو تنجس بعد الانقطاع فحكمه حكم القليل، وقد مر حكمه، وأنه
يجوز تطهيره بالمادة.
وأما لو تنجس بالتغير حال الاتصال فيطهر بزوال التغير بالتدافع من المادة
والامتزاج والقهر والاستهلاك، لكن مع بقاء كر من الماء في المادة بعد تمام التطهير بما
ذكر كما أشرنا. وتدل عليه الرواية المتقدمة على إشكال تقدم، لكن الظاهر أن
التطهير حينئذ أيضا إجماعي بالشروط المذكورة، هذا إذا كانت المادة أعلى.
ومع التساوي والتحتية، فالظاهر عدم اشتراط الزائد من الكر في المادة أولا،
لكن بالشروط والتفاصيل المتقدمة في تطهير القليل.
ثم هل يعتبر تساوي السطوح في مادة ماء الحمام؟ فالأظهر بالنظر إلى الإطلاق
وعدم كون مادة الجاري مستوية: عدمه في أصل عدم التنجس، كما صرح به في
المعالم (3)، فإن ظهرت العلة بحيث يمكن الاعتماد فلا نعتبره في التطهير أيضا، وإلا
لكان للتوقف فيه مجال، سيما والغالب في مادة ماء الحمام استواء السطوح،
والمطلق ينصرف إليه. ومنه يظهر الإشكال في عدم الانفعال أيضا. هذا حال تطهيره
بمادته، وأما سائر الطرق فمثل ما مر.

(1) في " م ": بكفاية الاتصال.
(2) المعالم: 115.
(3) المعالم: 13.
544

الحادي عشر: يحصل التطهير للبئر على القول بنجاسته بالنزح وغيره.
أما النزح فكونه مطهرا اتفاقي، ويتفاوت بتفاوت النجاسات، وبحصول التغير
وعدمه. ونذكره في ضمن مسائل مقدما لحكم الغير المتغير.
الأولى: يجب نزح الجميع لوقوع الخمر فيها بلا خلاف بينهم، وادعى
ابن إدريس (1) وابن زهرة (2) الاجماع عليه.
وتدل عليه صحيحة الحلبي (3)، سيما على ما في الاستبصار، وصحيحة عبد الله
ابن سنان (4)، وصحيحة معاوية بن عمار (5)، وتشريك البول لها فيها غير مضر،
فيحمل فيه على الاستحباب، أو على صورة التغير.
والمشهور عدم الفرق بين قليلها وكثيرها للاطلاقات في الأخبار المتقدمة،
مؤيدا بما ورد في الأخبار الكثيرة من عدم الفرق بين قليلها وكثيرها
في الحرمة (6)، والاستصحاب، خلافا للصدوق في المقنع، فإنه قال: ينزح للقطرة
منه عشرون دلوا (7). وقد يستدل عليه برواية زرارة (8) ورواية كردويه (9)، وفي

(1) السرائر 1: 70.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 552.
(3) الكافي 3: 6 ح 7، التهذيب 1: 240 ح 694، الاستبصار 1: 34 ح 92 الوسائل 1: 132 أبواب الماء المطلق
ب 15 ح 6.
(4) التهذيب 1: 241 ح 695، الاستبصار 1: 34 ح 93، الوسائل 1: 131 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 1.
(5) التهذيب 1: 241 ح 696، الاستبصار 1: 35 ح 94، الوسائل 1: 132 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 4.
(6) الوسائل 17: 259 أبواب الأشربة المحرمة ب 15.
(7) المقنع: 11.
(8) التهذيب 1: 241 ح 697، الاستبصار 1: 35 ح 96، الوسائل 1: 132 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 3.
(9) التهذيب 1: 241 ح 698، الاستبصار 1: 35 ح 95، وص 45 ح 125، الوسائل 1: 132 أبواب الماء المطلق
ب 15 ح 2.
545

دلالتهما قصور.
والتحقيق: أن حكم القطرة لا يستفاد من شئ من الأخبار، والتمسك
بالاستصحاب يجعله من جملة ما لا نص فيه فالأولى إرجاعه إلى ما لا نص فيه،
والأظهر على المختار في ماء البئر الاكتفاء بمقتضى الروايتين المتقدمتين مسامحة في
أدلة السنن، وإن كان نزح الجميع أفضل.
والمشهور إلحاق سائر المسكرات المائعة بالخمر، وعن الشيخ ومن تأخر عنه إلحاق
الفقاع (1)، ولا نص فيها من جهة الأخبار.
وقد يستدل بالأخبار المستفيضة القائلة بأن كل مسكر خمر (2)، وأن ما كان عاقبته
عاقبة الخمر فهو خمر (3)، وكذلك ما ورد في الفقاع من أنه خمر، وأنه الخمر
بعينها (4)، وقد مر بعضها. وجه الاستدلال نظير ما مر في نجاستها.
وألحق الشهيد في الذكرى بها العصير بعد الاشتداد إن قيل بنجاسته (5)، وهو
مشكل، وقد نبهنا على ما يمكن الاستدلال به في نجاسته.
والمشهور وجوب نزح الجميع للبعير أيضا، بل يظهر من المختلف والمعالم (6) عدم
الخلاف، وتدل عليه صحيحة الحلبي المتقدمة (7)، وتؤيده صحيحة عبد الله بن سنان
المتقدمة (8).

(1) كما في المبسوط 1: 11، والنهاية: 6.
(2) الوسائل 17: 259 أبواب الأشربة المحرمة ب 15.
(3) الوسائل 17: 273 أبواب الأشربة المحرمة ب 19.
(4) الوسائل 2: 1055 أبواب النجاسات ب 38.
(5) الذكرى: 11.
(6) المعالم: 34.
(7) الكافي 3: 6 ح 7، التهذيب 1: 240 ح 694، الاستبصار 1: 34 ح 92 الوسائل 1: 132 أبواب الماء المطلق
ب 15 ح 6.
(8) التهذيب 1: 241 ح 965، الاستبصار 1: 34 ح 93، الوسائل 1: 131 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 1.
546

وأما رواية عمرو بن سعيد بن هلال الدالة على كفاية نزح كر في الجمل (1)
فلا تقاوم ما ذكرنا.
وعن الأكثر أن حكم الثور أيضا نزح الجميع، لصحيحة عبد الله بن سنان
المتقدمة، وذهب آخرون إلى كفاية نزح كر من ماء لرواية عمرو بن سعيد المتقدمة (2)،
وهي لا تقاوم الصحيحة دلالة ومتنا، بل لا دلالة فيها يعتمد عليها.
ومما ينزح له الجميع: المني والدماء الثلاثة على المشهور، بل المجمع عليه في
الأول.
ويدل على حكم المني الاجماع، نقله ابن إدريس (3) وابن زهرة (4)، ولكن
لم يعلم تحقق الاجماع في غير مني الانسان، وإن شمله إطلاق كلماتهم، لما نقل عن
بعض الأصحاب تخصيصه الحكم بمني الانسان، وجعل غيره مما لا نص فيه (5).
وأما الدماء الثلاثة، فلم نقف على ما يوجب مغايرتها لسائر الدماء من الأخبار،
وتخريج حكمه عن وجوب إزالة قليلها وكثيرها في الصلاة ضعيف.
نعم نقل ابن إدريس (6) وابن زهرة (7) الاجماع عليه، وعدم شمول ما سيجئ في
مطلق الدم من الأخبار لهذه ونقل الاجماع والشهرة يرجح قول المشهور.
وأما إلحاق بعضهم عرق الإبل الجلالة، وعرق الجنب من حرام (8)، وإلحاق آخر

(1) التهذيب 1: 235 ح 679، ورواه في الاستبصار 1: 34 ح 9، الوسائل 1: 132 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 5.
(2) كابن إدريس في السرائر 1: 70.
(3) السرائر 1: 70.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 552.
(5) كما في المدارك 1: 65.
(6) السرائر 1: 72.
(7) الغنية (الجوامع الفقهية): 552.
(8) ابن البراج في المهذب 1: 21، ونقله في المختلف 1: 193.
547

بول وروث ما لا يؤكل لحمه عدا بول الرضيع والصبي والرجل (1)، فلا دليل عليه.
ومما يجب نزح الجميع له: ما لم يرد فيه نص على المشهور، للاستصحاب،
وعدم ثبوت المقدر. وذهب الشيخ في المبسوط (2) والعلامة في بعض كتبه (3) إلى
كفاية أربعين. واحتج الشيخ بقولهم عليهم السلام: " ينزح منها أربعون دلوا إن
صارت مبخرة " (4).
وعن البشرى القول بكفاية ثلاثين دلوا (5)، لرواية كردويه الآتية في المسألة
السادسة (6).
واعترض على احتجاج الشيخ بجهالة السند وعدم ذكر موجب النزح.
وأجيب بأن الشيخ ثقة ثبت، فلا يضر إرساله، والظاهر من احتجاجه دلالة
صدرها المحذوف على ما نحن فيه (7).
وفيه ما فيه، لأن ما ذكر لا ينفي الخطأ عن الشيخ في الاجتهاد، مع أنه لا بد من
تقييده بما لو زال البخر بأربعين.
وعلى رواية كردويه بضعف السند (8)، وعدم الدلالة أيضا، إذ موردها الأمور
المذكورة، ولا دلالة فيها على غيرها.
ويمكن أن يقال إن الظاهر من سياق السؤال والجواب حكم ماء المطر المخالط لأي

(1) الكافي في الفقه: 130، ونقله في المختلف 1: 192.
(2) المبسوط 1: 12.
(3) كما في الإرشاد 1: 237.
(4) المبسوط 1: 12، ولكن فيه: وإن بدل " إن ".
(5) حكاه عنه في غاية المراد كما في المدارك 1: 100.
(6) الفقيه 1: 16 ح 35، التهذيب 1: 413 ح 1300، الاستبصار 1: 43 ح 120، الوسائل 1: 133 أبواب الماء
المطلق ب 16 ح 3.
(7) حكاه في روض الجنان: 151.
(8) فإن كردويه مجهول، لم يذكره النجاشي ولا الشيخ، بل لم ينص أحد على توثيقه كما قال في معجم رجال
الحديث 14: 114 / 9722، وقيل: إنه لقب لمسمع بن عبد الملك كردين، ومسمع غير موثق.
548

نجاسة كانت، والمذكورات إنما هي بعنوان المثال، فهي على العموم إلا ما خرج
بالدليل مما نص عليه بالخصوص.
وقد اعترض على المشهور بمنع حجية الاستصحاب، وفيه ما فيه.
وبمنع عدم ثبوت المقدر، فإن صحيحة ابن بزيع (1) تدل على كفاية نزح ما يزيل
التغير في المتغير، فلا يجب نزح الجميع إذا زال بدونه، فيثبت عدم وجوب نزح
الجميع في غير المتغير بطريق الأولى.
وفيه: أن الأولوية المذكورة - مع أنها ممنوعة - ينافيها صدر الرواية، فإنه يدل على
عدم النجاسة أصلا، فالعجز يثبت شيئا من باب الأولوية، والصدر ينفي كل شئ
من باب التنصيص.
والحاصل أن الكلام في المنزوحات بعد القول بالانفعال، وهذه الرواية لا تناسبه،
مع أن المراد بما لا نص فيه هو ما لم يرد ما يدل على وجوب مقدار من النزح في
خصوص ما وقع بشخصه أو بنوعه كالفرس، أو بجنسه القريب كالدابة، وأما الحكم
بأن كل نجس لاقى البئر يجب نزح أربعين منه مثلا، أو كل نجس لاقى البئر لا يجب منه
شئ إلا ما غيره، فليس مما نحن فيه، ولذلك لم يعترض على رواية أربعين وثلاثين
بعد التوجيه الذي ذكرنا بأنهما من باب المنصوص عليه لا ما لا نص فيه.
وقد يقال: بعد البناء على الاستدلال بصحيحة ابن بزيع على ما ذكر أنه إذا ثبت
به نفي وجوب نزح الجميع، فتعين نزح أربعين، لعدم الدليل على الثلاثين من جهة
الاستصحاب.
وقد يقال: إن بعد ذلك يتعين ثلاثون، لضعف الاستصحاب، وأصالة عدم
الزيادة، واختيار قول آخر يوجب خرق الاجماع المركب.
وربما يقدح في الاجماع المركب بمنع تحققه، والأقوى على القول بالانفعال هو

(1) التهذيب 1: 234 ح 676، الاستبصار 1: 33 ح 87، الوسائل 1: 127 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 7.
549

نزح الجميع للاستصحاب.
وقال صاحب المعالم: والمتجه عندي الاكتفاء بنزح ما يزيل التغير لو كان إن وجد
إلى العلم به سبيل، وإلا فالجميع، وليس ذلك بطريق التعيين على التقديرين، بل
لأن المقدار المطهر غير معلوم، ومع بلوغ أحدهما يعلم حصوله، لاشتمال كل منهما
عليه (1)، انتهى ونظره إلى اعتبار الأولوية في التغير التقديري، قيل: والظاهر أن
عند تقدير التغير إنما تقدر أقل مراتبه (2)، وفيه نظر.
تذنيب:
المشهور أنه إذا تعذر نزح الجميع فيما قدر له لغلبة الماء، فيتراوح عليه أربعة
رجال يوما، كل اثنين دفعة، وعن المنتهى أنه لا يعرف فيه خلافا من القائلين
بالنجاسة (3).
واستدلوا عليه بموثقة عمار، عن الصادق عليه السلام في خبر طويل، قال:
وسئل عن بئر يقع فيها كلب أو فأرة أو خنزير، قال: " تنزف كلها، فإن غلب عليه
الماء فلينزف يوما إلى الليل، ثم يقام عليها قوم يتراوحون اثنين اثنين فينزفون يوما
إلى الليل، وقد طهرت (4).
وقد حمل على صورة التغير، وإلا فلا يجب نزح الجميع للمذكورات، وهو إنما
يتم على القول بوجوب نزح الجميع للمتغير، ويمكن الحمل على الاستحباب،
ولا ينافي ذلك وجوب التراوح فيما يجب النزح، فإنه بيان لعلاج ما يقتضي نزح
الجميع ولم يمكن، وجوبيا كان الاقتضاء أو ندبيا، ولا قائل بالفصل بين الوجوب

(1) المعالم: 95، ونقله عنه في مشارق الشموس: 239.
(2) مشارق الشموس: 222.
(3) المنتهى 1: 73.
(4) التهذيب 1: 284 ح 832، الوسائل 1: 143 أبواب الماء المطلق ب 23 ح 1.
550

والندب، ولا بين الموجبات.
وقد أورد عليها أيضا بأنها تدل على وجوب التراوح يوما بعد نزح يوم. وفيه أنه
إن قرئت كلمة " ثم " مفتوحة فلا إشكال، وإن ضمت فيمكن أن يراد بها ترتيب بيان
الكيفية على أصل الحكم، وذلك من حزازات كلمات عمار، مع أنه في المعتبر رواها
بدونها (1)، ولعله رواها عن غير الشيخ، أو عن نسخة صححت عنده هكذا. وعبارة
فقه الرضا مصرحة بالمطلوب من دون حزازة (2)، وفهم الأصحاب عصرا بعد عصر،
واستدلالهم بها على المطلوب أعظم مؤيد لها.
ويؤيده أن التعطيل غير جائز بالاجماع، كما ادعاه بعض الأصحاب (3)،
والاقتصار على نزح البعض تحكم، ولا قائل بوجوب أزيد من ذلك.
والظاهر أن ما ينزح من البئر قبل حصول العلم بالعجز عن المقدر لا يحسب من
يوم التراوح، وتنبه عليه الرواية المتقدمة وكلام الأصحاب.
والظاهر أنه لا يحصل الظن بالعجز إلا مع نزح مقدار يحصل معه الظن بأن الماء الذي
كان موجودا في البئر لم يكن أزيد من ذلك، والاعتماد في ذلك على حصول التجربة
من حال البئر ونحوه نادر لا يلتفت إليه، لتفاوت الأحوال في السنوات والتقلبات.
وأيضا الظاهر وجوب نزح تمام ما كان في البئر، وإنما يجب نزح ما يخرج في
حال النزح أيضا من باب المقدمة، ففي صورة العجز لا يمكن تحصيل العلم بزوال ما
كان فيه، فيعتمد على الظن، وهو يحصل مع التراوح المذكور.
ثم إن الظاهر من الرواية والفتوى حكم العجز من جهة غلبة الماء من جهة قوة
النبع، ويشكل فيما لو كان من جهة نفس كثرة الماء. ويمكن الاطراد، للزوم العسر
والحرج، وحمل الرواية وكلام الأصحاب على الغالب في أفراد كثرة الماء.

(1) المعتبر 1: 59.
(2) فقه الرضا (ع): 94.
(3) المعتبر 1: 60.
551

وقال الشهيد: إن مراد الجماعة من اليوم يوم الصوم، فإنه المفهوم من اليوم مع
تحديده بالليل (1)، وتبعه المتأخرون، فأوجبوا إدخال شئ من الليل أولا وآخرا من
باب المقدمة (2).
وزاد بعضهم تقديم التأهب قبل ذلك الجزء أيضا (3).
والحق أن كلمات الأصحاب لا تنافي حمله على الأقل من يوم الصوم، وكذلك
الرواية، لأنه يصدق اليوم على الممتد من أول طلوع الشمس إلى الغروب، بل
وعلى ما لو ذهب شئ قليل منه أيضا. ويستفاد ذلك من الأخبار أيضا (4).
ولا يبعد ادعاء صيرورة اليوم حقيقة في القدر المشترك بين المعنيين، فتعيين الزائد
يحتاج إلى دليل كما في الصوم، ولا ريب أن اعتباره أحوط.
ولا يكفي الليل، ولا الملفق، لبطلان القياس، ولا يجب تحري الأطول.
والأظهر عدم الاجتزاء بالنساء والصبيان، لأن الظاهر من القوم الرجال بنص
أهل اللغة والفصحاء (5)، وظاهر الكتاب (6)، مع إمكان الاجتزاء بهن لو قوين على
مثل فعلهم.
والظاهر أن الاقتصار بالأربعة، لكونه أقل ما يحصل به التراوح اثنين اثنين، وإلا
فالرواية أعم (7). نعم عبارة فقه الرضا مصرحة بالأربعة (8)، ولا ريب أنه أحوط،
سيما إذا أوجبت الزيادة بطئا في النزح.

(1) الذكرى: 10.
(2) روض الجنان: 148، المسالك 1: 15، الروضة البهية 1: 276، كشف اللثام 36.
(3) المسالك 1: 16، روض الجنان 1: 148.
(4) مثل كل ما ورد في اعتبار نصف النهار في صيام المسافر وإرادة الزوال ونحوه (منه رحمه الله).
(5) انظر الصحاح 5: 2016، ولسان العرب 12: 504.
(6) الحجرات: 11.
(7) التهذيب 1: 284 ح 832، الوسائل 1: 143 أبواب الماء المطلق ب 23 ح 1.
(8) فقه الرضا (ع): 94.
552

واعتبار كون أحدهما فوق البئر والآخر فيها يملأ الدلو كما ذكره بعض
الأصحاب (1) لا دليل عليه.
واستقرب في التذكرة كفاية قويين ينهضان بعمل الأربعة (2)، وهو مشكل.
والأحوط جعل الأكل والصلاة في حال الاستراحة، فلا يجتمعون بهما.
الثانية: المشهور وجوب نزح كر من ماء لموت الدابة، أي الحمار والفرس
والبغل، وألحق جماعة بها البقرة (3).
أما الحمار، فتدل عليه رواية عمرو بن سعيد المتقدمة، قال سألت أبا جعفر عليه
السلام عما يقع في البئر ما بين الفأرة والسنور إلى الشاة فقال: كل ذلك يقول:
" سبع دلاء " قال: حتى بلغت الحمار والجمل، فقال: " كر من ماء " (4) وفي موضع
آخر من التهذيب ذكر البغل (5)، وكذا في المعتبر (6).
ولا يضر ذكر الجمل في الاستدلال مع وجوب الجميع فيه، لأن الجواب بمنزلة أنه
يجب في كل واحد من المذكورات كر من ماء، فيكون عاما قابلا للتخصيص في
الجمل بما مر، فلا يرد أن الجواب عن الكل وإرادة البعض تعمية.
ويظهر مما ذكر حكم البغل أيضا.
وأما الفرس، فيمكن أن يستدل عليه بصحيحة الفضلاء، عن الصادق عليه
السلام: في البئر يقع فيها الدابة والفأرة والكلب والطير فيموت، قال: " يخرج ثم

(1) كالشهيد الثاني في روض الجنان: 148.
(2) تذكرة الفقهاء 1: 28.
(3) كالشيخ المفيد في المقنعة: 66، والشيخ الطوسي في المبسوط 1: 11، والنهاية: 6، والشهيد في اللمعة: 1.
(4) التهذيب 1: 235 ح 679، الاستبصار 1: 34 ح 91، الوسائل 1: 132 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 5.
(5) لم نجد كلمة البغل. نعم نقل عن شرح المفاتيح وحاشية المدارك " أنه في بعض نسخ التهذيب ذكر فيها البغل
بعنوان النسخة " مفتاح الكرامة 1: 9 10.
(6) المعتبر 1: 57.
553

ينزح من البئر دلاء، ثم اشرب وتوضأ " (1) وتقرب منها رواية البقباق (2).
وتوجيهه أن يقال: مقتضى الجمع المنكر إذا كان مدخولا للأمر حصول الامتثال
بأقل ما يصدق عليه كما حققناه في الأصول (3)، وهو ثلاثة أدل من دون فرق بين
جمع القلة والكثرة، وبذلك خرج ما نحن فيه من قسم ما لا نص فيه، فنحملها في
الفرس على الكر لما دل عليه في الحمار والبغل، لعدم القول بالفصل، فإن الدابة
تشمل المذكورات عرفا، وترك الاستفصال يفيد العموم.
وقد تتوهم استفادة العموم من تعليق الحكم على الطبيعة، وليس بذلك، إذ
الظاهر هنا إرادة العهد الذهني.
وبذلك يمكن إدراج البقرة أيضا لو بنينا على أن معناها ما يركب، كما هو أحد
معانيها العرفية، ولكن ركوب البقرة نادر لا تنصرف إليه الإطلاقات، فينبغي حينئذ
إدراجها في جملة ما لا نص فيه.
ويشكل إدراجها فيه أيضا، لأن في الأخبار ما يمكن أن يستنبط منه حكمها،
لكن لا نعرف القائل به، مثل صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة في الخمر (4)، فإنها
مشتملة على أن الثور ونحوه موجب لنزح الجميع على ما في التهذيب، وليس كلمة
" نحوه " في الاستبصار فمقتضاه نزح الجميع، وهكذا يمكن استفادة حكمها من
بعض الإطلاقات في الميتة وغيرها (5).
أقول: ويمكن استنباط حكمها من رواية عمرو المتقدمة (6)، بأن يقال: إن
" بلغت " معناها الترقي في السؤال عن الحيوانات بحسب الجثة، فيكون حكم ما فوق

(1) التهذيب 1: 236 ح 682، الاستبصار 1: 36 ح 99، الوسائل 1: 135 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 5.
(2) التهذيب 1: 237 ح 685، الاستبصار 1: 37 ح 100، الوسائل 1: 135 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 6.
(3) قوانين الأصول: 221.
(4) التهذيب 1: 241 ح 695، الاستبصار 1: 34 ح 93، الوسائل 1: 131 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 1.
(5) الوسائل 1: 142 أبواب الماء المطلق ب 22.
(6) التهذيب 1: 235 ح 679، الاستبصار 1: 34 ح 91، الوسائل 1: 132 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 5.
554

الشاة إلى الجمل نزح كر من ماء، وهذا أولى من كل ما ذكروه فيها، ولم أقف على
من ذكره.
ومن ذلك ظهر دليل آخر على حكم الفرس والبغل إن قطعنا النظر عن وجوده
في بعض النسخ أيضا.
الثالثة: اتفق القائلون بالنجاسة كما ذكره الفاضلان (1) على وجوب نزح سبعين
دلوا لموت الانسان، لموثقة عمار، قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل ذبح
طيرا فوقع بدمه في البئر، فقال: " ينزح منها دلاء إذا كان ذكيا، وما سوى ذلك مما
يقع في بئر الماء فيموت فيه فأكثره الانسان ينزح منها سبعون دلوا، وأقله العصفور
ينزح منها دلو واحد " (2).
وظاهر الرواية أن ذلك إنما هو لموت الانسان من حيث إنه موت الانسان، فلو
تلطخ بدنه بالمني ونحوه فلا يستفاد من الرواية الاكتفاء بسبعين دلو.
وعلى هذا فاستفادة حكم الكافر من الرواية مشكل، ولكن الأصحاب لم
يفرقوا في ذلك، إلا ابن إدريس (3)، فحكم بوجوب نزح الجميع في الكافر وادعى
عليه الاجماع، وعارض الاستدلال بعموم الانسان بحكاية وجوب سبع دلاء في
المجنب بأنه لا يعم الكافر.
وأجيب بمنع الاجماع، ومنع الحكم رأسا، ومنع الفرق في صورة المعارضة
أيضا، وعلى فرض ثبوته فإنما يثبت بدليل، ولا يستلزم تخصيص بعض العمومات
تخصيص مماثله (4).

(1) المعتبر 1: 62، المنتهى 1: 76.
(2) التهذيب 1: 234 ح 678، الوسائل 1: 141 أبواب الماء المطلق ب 21 ح 2.
(3) السرائر 1: 73.
(4) كما في المعتبر 1: 63.
555

وظاهر الفقهاء عدم الفرق بين وقوع ميت الانسان في البئر أو موته في البئر بعد
وقوعه وليس بذلك البعيد، ولا تنافيه الرواية أيضا، وإن كان ظاهرها الموت فيه،
فإنه وارد مورد الغالب.
ثم: إن الظاهر أن اعتماد ابن إدريس على الاجماع، لا على أن حكم ما لا نص
فيه نزح الجميع كما يظهر من كلامه، ودعوى الاجماع في غاية البعد مع انفراده
بالفتوى على الظاهر.
وحيث عرفت ضعف دلالة الرواية على حكم النجاسة الكفرية وصعوبة
الاعتماد على نقل إجماع ابن إدريس، فلا بد من إرجاع حكمه إلى ما لا نص فيه.
وأما حكم مباشرة الكافر حيا، فلو سلمنا عموم الرواية للكافر كما فهمه الأصحاب،
فيمكن استفادة حكمه من باب الإشارة من الرواية، وأن حكمها لا يزيد على موته فيه،
فإن الموت يزيد النجاسة، فلا يجب للأقل أكثر مما يجب للأزيد، ولكن الاعتماد على
ذلك أيضا لا يخلو عن إشكال. وإن لم نسلم فيدخل تحت ما لا نص فيه أيضا.
وكيف كان فالأمر على ما اخترناه من عدم الانفعال سهل، والاحتياط على
الطريقة الأخرى واضح.
الرابعة: ذهب الشيخان (1) والمرتضى (2) إلى وجوب خمسين للعذرة الرطبة
والذائبة وعشر لليابسة.
وقال الصدوق: للعذرة عشر، فإن ذابت فأربعون أو خمسون (3)، واختاره
المحقق (4)، وهو الأظهر، لرواية أبي بصير، عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن

(1) الشيخ المفيد في المقنعة: 67 والشيخ الطوسي في المبسوط 1: 12، والنهاية: 7.
(2) نقله عنه في المعتبر 1: 65.
(3) المقنع (الجوامع الفقهية): 4.
(4) المعتبر 1: 65.
556

العذرة تقع في البئر، فقال: " ينزح منها عشر دلاء، فإن ذابت فأربعون أو خمسون
دلوا " (1). ومثلها رواية علي بن أبي حمزة (2).
والتخيير بين الأقل والأكثر يقتضي جواز الاكتفاء بالأقل.
ولم نقف على ما يدل على القول الأول، إلا أن تحمل الرواية على ترديد الراوي
من جهة النسيان، فحينئذ لا يحصل اليقين بالبراءة إلا بالخمسين.
ولا ينافي ما ذكرنا رواية كردويه الآتية (3)، لتفاوت الموضوع.
وقيل: المراد بالذوبان تحلل الأجزاء وشيوعها في الماء بحيث يستهلكها (4)،
والظاهر أنه يطلق على مجرد تفرق الأجزاء وتقطعها عرفا. وفي اعتبار ذوبان الجميع
أو الاكتفاء بالبعض إشكال، والأحوط الثاني.
ثم إن الرواية خالية عن ذكر الرطبة، وفي إلحاقها بالذائبة إشكال.
وعن الشيخ (5) وأتباعه (6) وجوب الخمسين أيضا للدم الكثير، مثل دم ذبح
الشاة، وعن المفيد وجوب خمسة للقليل منه وعشرة للكثير (7)، وعن السيد في
الدم ما بين الواحد إلى عشرين (8).
وعن الصدوق وجوب ثلاثين إلى أربعين في الكثير، ووجوب دلاء يسيرة في
القليل (9)، وارتضاه في الذكرى (10)، وهو أقرب.

(1) التهذيب 1: 244 ح 702، الاستبصار 1: 41 ح 16، الوسائل 1: 140 أبواب الماء المطلق ب 20 ح 1.
(2) الكافي 3: 7 ح 11، الوسائل 1: 140 أبواب الماء المطلق ب 20 ح 2.
(3) التهذيب 1: 413 ح 1300، الاستبصار 1: 43 ح 120، الوسائل 1: 133 أبواب الماء المطلق ب 16 ح 3.
(4) المسالك 1: 16.
(5) المبسوط 1: 12، النهاية: 7.
(6) منهم ابن البراج في المهذب 1: 22، وأبو الصلاح في الكافي في الفقه: 130، وسلار في المراسم: 30.
(7) المقنعة: 67.
(8) نقله عن مصباح السيد في المختلف 1: 198.
(9) المقنع (الجوامع الفقهية): 4.
(10) الذكرى: 10.
557

أما في القليل فلصحيحة محمد بن إسماعيل المتقدمة في حجة القائلين
بانفعال البئر (1)، وموثقة عمار المتقدمة في موت الانسان (2) وغيرها
من الأخبار.
ويدل على حكم الكثير والقليل كليهما صحيحة علي بن جعفر، قال: سألته عن
رجل ذبح شاة فاضطربت فوقعت في بئر ماء وأوداجها تشخب دما، هل يتوضأ من
ذلك البئر؟ قال: " ينزح منها ما بين الثلاثين إلى أربعين دلوا ثم يتوضأ منها، ولا بأس
به " قال: وسألته عن رجل ذبح دجاجة أو حمامة فوقعت في بئر، هل يصلح أن
يتوضأ منها؟ قال: " ينزح منها دلاء يسيرة ثم يتوضأ منها " قال: وسألته عن رجل
يستقي من بئر فرعف فيها، هل يتوضأ منها؟ قال: " ينزح منها دلاء يسيرة " (3)
والظاهر عدم القول بالفصل بين الدمين المذكورين في هذه الروايات وغيرها.
وربما يلحق غير المذكورات فيها بما لا نص فيه، وأما سائر المذاهب فليس لها ما
يمكن الاعتماد عليه.
فاحتج الشيخ (4) لقول المفيد بصحيحة ابن بزيع المتقدمة (5)، بتقريب أن أكثر عدد
يضاف إلى هذا الجمع عشرة، فيجب أن يؤخذ به، إذ لا دليل على ما دونه، وهو
كما ترى، لعدم ذكر الكثرة في الخبر، بل الظاهر منه القلة. ولأن هذه الصيغة
ليست من صيغ جمع القلة. ولأنه لا فرق عند التحقيق عند علماء الأصول بين جمع

(1) الكافي 3: 5 ح 1، التهذيب 1: 244 ح 705، الاستبصار 1: 44 ح 124، الوسائل 1: 130 أبواب الماء المطلق
ب 14 ح 21، عن البئر تكون في المنزل للوضوء فيقطر فيها قطرات من بول أو دم أو يسقط فيها شئ من عذرة
كالبعرة ونحوها ما الذي يطهرها حتى يحل الوضوء منها للصلاة؟ فوقع بخطه في كتابي: ينزح دلاء منها.
(2) التهذيب 1: 234 ح 678، الوسائل 1: 141 أبواب الماء المطلق ب 21 ح 2.
(3) الكافي 3: 6 ح 8، الفقيه 1: 15 ح 29، التهذيب 1: 409 ح 1288، الاستبصار 1: 44 ح 123، الوسائل
1: 141 أبواب الماء المطلق ب 21 ح 1.
(4) التهذيب 1: 245.
(5) يعني صحيحة محمد بن إسماعيل المتقدمة.
558

القلة والكثرة في احتمال أفراد الجموع، وفي أنه يحمل على الأقل في مثل هذا
الكلام (1).
وإن قيل: مراد الشيخ أن الجمع المجرور لا يصير مميزا إلا للعشرة فما دون
فهي أكثر ما يضاف إليه (2)، ففيه أولا: إن لفظة هذا تنافي ذلك، بل الظاهر منه
خصوصية الجمع. وثانيا: إن اتحاد حكم ما ذكر معه المضاف وما لم يذكر أول
الكلام.
وأما قول السيد (3) فقد يستدل عليه برواية زرارة المتقدمة في حكم القطرة من
الخمر (4)، وهي مقدوحة السند والدلالة (5).
قدر جماعة من الأصحاب القليل بمثل دم ذبح الطير والرعاف القليل، والكثير
بدم ذبح الشاة (6)، ولعلهم استفادوا ذلك من مثل صحيحة علي بن جعفر الجامعة
بين حكمهما (7). ويؤيده الترديد في السؤال عن ذبح دجاجة أو حمامة وجعل حكم
الرعاف متحدا معهما فيها.
وعن الراوندي أن الاعتبار في ذلك بماء البئر في الغزارة والنزارة (8)، وهو غير
مستفاد من دليل، لعدم ذكر القلة والكثرة في الرواية والاعتماد على استنباط العلة
ضعيف.

(1) المستصفى من علم الأصول 1: 271.
(2) المعتبر 1: 66.
(3) المنقول في المختلف 1: 168.
(4) التهذيب 1: 241 ح 697، الاستبصار 1: 35 ح 96، الوسائل 1: 132 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 3.
(5) لجهالة نوح بن شعيب الخراساني، إذ لم يذكر في كتب الرجال.
(6) كما في الشرائع 1: 5، 6، والمختلف 1: 198.
(7) الكافي 3: 6 ح 8، الفقيه 1: 15 ح 29، التهذيب 1: 409 ح 1288، الاستبصار 1: 44 ح 123، الوسائل
1: 141 أبواب الماء المطلق ب 21 ح 1.
(8) نقله عنه الشهيد الثاني في روض الجنان: 150.
559

الخامسة: ذهب الشيخان (1) والمرتضى (2) وأتباعهم (3) إلى وجوب أربعين دلوا
للثعلب والأرنب والكلب والخنزير، والسنور والشاة، لموثقة سماعة (4)، ورواية
علي (5)، وليس فيهما إلا الترديد بين الثلاثين والأربعين، أو مع العشرين أيضا.
ولا دلالة فيها على مطلوبهم.
وقال الصدوق في الفقيه: في الكلب ثلاثون إلى أربعين وفي السنور سبع دلاء،
وفي الشاة وشبهها تسع دلاء إلى عشرة (6). وفي المقنع: إن وقع فيها كلب أو سنور
فانزح ثلاثين دلوا إلى أربعين. وقد روي سبع دلاء، وإن وقعت في البئر شاة فانزح
منها سبع دلاء (7).
وهذان القولان يستفادان من أخبار متفرقة (8)، وههنا أخبار كثيرة معارضة
لما ذكر، ففي بعض الصحاح ما يدل على كفاية الخمس (9) وفي بعضها ما يدل
على نزح دلاء (10)، وفي بعضها ما يدل على نزح الجميع (11)، ولكن لا يعهد على
ظاهرها عامل، وهذا كله دليل الاستحباب. ولا ريب أن الأحوط العمل على
الأربعين.

(1) الشيخ المفيد في المقنعة: 66، والشيخ الطوسي في التهذيب 1: 236، والمبسوط 1: 11، والنهاية: 6.
(2) نقله عنه في المعتبر 1: 66.
(3) منهم أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 130، وسلار في المراسم: 35.
(4) التهذيب 1: 236 ح 681، الاستبصار 1: 36 ح 98، الوسائل 1: 135 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 4.
(5) التهذيب 1: 235 ح 860، الاستبصار 1: 36 ح 97، الوسائل 1: 134 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 3.
(6) الفقيه 1: 12.
(7) المقنع (الجوامع الفقهية): 4.
(8) لاحظ الوسائل 1: 131 أبواب الماء المطلق ب 15، 17، 18.
(9) الوسائل 1: 135 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 7.
(10) الوسائل 1: 135 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 5.
(11) الوسائل 1: 131 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 1.
560

وعن الشيخين (1) والمرتضى (2) وأتباعهم (3) وجوب أربعين في بول الرجل
أيضا، لرواية علي بن أبي حمزة (4)، ويعارضها أخبار مثل صحيحة معاوية بن
عمار (5) الدالة على وجوب نزح الجميع في انصباب البول، وصحيحة ابن بزيع
المشتملة على نزح دلاء لقطراته (6)، ورواية كردويه المشتملة على الثلاثين (7). وربما
رجح بعض المتأخرين العمل على الصحيحتين (8) في موردهما (9).
والأظهر الأول، لاعتضاد الرواية بالشهرة، وهجرهم العمل على ظاهر
الصحيحة الأولى، بل الأخيرة أيضا.
ثم إن الأكثر على تفاوت حكم بول الرجل والمرأة (10)، وابن إدريس ساوى بينهما
محتجا بتناول لفظ الانسان لهما (11)، ورد بعدم ورود النص معلقا على بول
الانسان (12).

(1) الشيخ المفيد في المقنعة: 66، والشيخ الطوسي في التهذيب 1: 243، والمبسوط 1: 12،
والنهاية: 7.
(2) نقله عنه في المعتبر 1: 67.
(3) منهم أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 130، وسلار في المراسم: 35.
(4) التهذيب 1: 243 ح 700، الاستبصار 1: 34 ح 90، الوسائل 1: 133 أبواب الماء المطلق ب 16 ح 2.
(5) التهذيب 1: 241 ح 696، الاستبصار 1: 35 ح 94، الوسائل 1: 132 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 4.
(6) الكافي 3: 5 ح 1، التهذيب 1: 244 ح 705، الاستبصار 1: 44 ح 124، الوسائل 1: 130 أبواب الماء
المطلق ب 14 ح 21.
(7) التهذيب 1: 241 ح 698، ورواه في الاستبصار 1: 35 ح 95، وص 45 ح 125، الوسائل 1: 133 أبواب
الماء المطلق ب 16 ح 2.
(8) المنتهى 1: 86.
(9) صحيحة معاوية بن عمار، وصحيحة ابن بزيع.
(10) المختلف 1: 208، الدروس 1: 120.
(11) السرائر 1: 78.
(12) كما في المختلف 1: 208.
561

ثم إن جماعة من الأصحاب ألحق بول المرأة بما لا نص فيه (1)، وبعضهم أوجب
ثلاثين لرواية كردويه (2). وربما يستشكل الأول بوجود النص العام مثل صحيحة
معاوية وصحيحة ابن بزيع ورواية كردويه، ويمكن دفعه بأنها مهجورة عندهم في
البول، والأحوط فيه على القول بالنجاسة نزح الجميع.
والظاهر عدم الفرق بين بول الكافر والمسلم، وكذلك الكلام في العذرة والدم،
لعموم النص (3)، واحتمل بعضهم الفرق (4)، لأن لنجاسة الكفر تأثيرا، ولذلك
يجب النزح لوقوع الماء المتنجس بملاقاة بدن الكافر. والإشكال هنا أضعف منه في
نزح سبعين لموت الكافر، لتطرق المنع إلى تعدد النجاسة في البول مثلا حينئذ، وقوة
الإطلاق وخفاء اعتبار الحيثية في الفهم العرفي، لظهور جواز انفكاك نجاسة الكفر
عن الموت بخلاف ما نحن فيه.
السادسة: المشهور بين الأصحاب وجوب ثلاثين لماء المطر المخالط للبول والعذرة
وخرء الكلب، لرواية كردويه، عن أبي الحسن عليه السلام: عن بئر يدخلها ماء
المطر فيه البول والعذرة وأبوال الدواب وأرواثها وخرء الكلاب، قال: " ينزح منها
ثلاثون دلوا وإن كانت مبخرة " (5).
وعن الشيخ أنها بضم الميم وسكون الباء الموحدة وكسر الخاء بمعنى منتنة (6)،
ويروى على صيغة اسم المكان أيضا، ولا بد من تقييد الرواية بإذهاب النتن.

(1) جامع المقاصد 1: 142، الروضة البهية 1: 264.
(2) المعتبر 1: 68.
(3) الوسائل 1: 131 أبواب الماء المطلق ب 14، 15.
(4) نقله في الذخيرة عن بعض المتأخرين: 133.
(5) الفقيه 1: 16 ح 35، التهذيب 1: 413 ح 1300، الاستبصار 1: 43 ح 120، الوسائل 1: 133 أبواب الماء
المطلق ب 16 ح 3.
(6) انظر هامش المبسوط 1: 12.
562

والتعدي من الرواية فيما لو مازجه شئ آخر من النجاسات لا يجوز، كما أن الظاهر
أنه يكفي الثلاثون لو كان الموجود بعض المذكورات.
وأما الإشكال بمنافاة الرواية من جهة ترك الاستفصال لما تقرر من وجوب
الخمسين للعذرة الذائبة أو الرطبة، وكذلك أربعين لبول الرجل، سيما مع لحوق
غيرهما بهما أيضا، فمدفوع بأن المخالطة مع ماء المطر مما يصلح أن يكون مغيرا
للحكم، فلا إشكال وإن كان عين المذكورات موجودا فيه أيضا. مع أن دليل
الخمسين والأربعين قد عرفت حاله، وتخصيص الشهرة بالشهرة لا غائلة فيه.
السابعة: المشهور وجوب سبع للطير، واغتسال الجنب، ولخروج الكلب حيا،
ولبول الصبي، ولموت الفأرة إذا تفسخت.
أما الطير فتدل عليه أخبار كثيرة، منها الموثق كالصحيح (1). ولا يعارضها ما ورد
بنزح خمس دلاء كصحيحة أبي أسامة (2). وما تضمن نزح دلوين أو ثلاثة كرواية
إسحاق (3) لاعتضاد الأول بالعمل. وأما بعض الصحاح المتضمنة لنزح
دلاء (4) فيحمل على السبعة قضية للجمع.
وأما اغتسال الجنب، فالأخبار الواردة فيه أربعة، ثلاثة منها دالة على وجوب
النزح للوقوع أو النزول أو الدخول، وهي صحيحة الحلبي (5)، وصحيحة ابن

(1) التهذيب 1: 236 ح 681، الاستبصار 1: 36 ح 98، الوسائل 1: 135 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 4.
(2) الكافي 3: 5 ح 3، التهذيب 1: 237 ح 684، الاستبصار 1: 37 ح 102، الوسائل 1: 135 أبواب الماء
المطلق ب 17 ح 7.
(3) التهذيب 1: 237 ح 683، الاستبصار 1: 38 ح 105، وص 43 ح 122، الوسائل 1: 137 أبواب الماء
المطلق ب 18 ح 3.
(4) الوسائل 1: 236 أبواب الماء المطلق ب 17.
(5) الكافي 3: 6 ح 7، التهذيب 1: 240 ح 694، الاستبصار 1: 34 ح 92، الوسائل 1: 132 أبواب الماء المطلق
ب 15 ح 6.
563

سنان (1)، وصحيحة محمد بن مسلم (2)، ورواية أبي بصير على وجوبه لاغتسال
الجنب حيث سئل فيها عن اغتسال الجنب (3).
وخص ابن إدريس الحكم بالارتماس دون مطلق المباشرة (4)، والمشهور اشترطوا
الغسل (5)، واكتفى بعض الأصحاب بمجرد المباشرة (6)، وادعى ابن إدريس الاجماع
على الوجوب بالارتماس دون مطلق المباشرة (7)، ولا يبعد أن يكون مراده الغسل
ارتماسا، وإن كان لفظه مطلقا. وقد قدح المحقق في دعوى الاجماع وشنع عليه (8).
وأنت خبير بأن الأخبار لا تدل على مطلق المباشرة، وما يتوهم من الجمع بينها
بحمل المطلقات على المقيدات - وهي رواية أبي بصير - في غاية الضعف، لأن
إثبات الحكم في صورة الاغتسال لا ينافي ثبوته في غيره حتى يلزم التقييد، سيما
والقيد في كلام السائل.
نعم لا يبعد أن يقال: إن فهم الأصحاب قرينة على ذلك، سيما والأصل عدم
الوجوب، فيخرج عن مقتضاه في موضع اليقين.
وقد يوجه (9) اشتراط الاغتسال بأنه لا وجه للنزح بدونه، لأن المفروض عدم
استصحابه لنجاسة أخرى، وإلا لوجب له مقدره سيما المني، فإنه يجب له نزح
الجميع، والاكتفاء بذلك شاهد باشتراط عدم المني، والأصل عدم غيره أيضا،

(1) التهذيب 1: 241 ح 695، الاستبصار 1: 34 ح 93، الوسائل 1: 131 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 1.
(2) التهذيب 1: 244 ح 704، الوسائل 1: 142 أبواب الماء المطلق ب 22 ح 3.
(3) التهذيب 1: 244 ح 702، الوسائل 1: 142 أبواب الماء المطلق ب 22 ح 4.
(4) السرائر 1: 79.
(5) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 18، وروض الجنان: 153.
(6) كصاحب المدارك 1: 88.
(7) السرائر 1: 79.
(8) المعتبر 1: 71.
(9) كما في المعتبر 1: 70، والمختلف 1: 220.
564

فيكون ذلك من جهة سلب الطهورية.
ورد بأن المني لما لم يثبت مقدره من غير الاجماع كما مر، وما نحن فيه ليس من
موارده، فلا مانع من الفرق بين ما صاحبه الجنب وغيره، فالأخبار واردة مورد الغالب
من استصحاب المني، مع أنه لا مانع من أن يكون سببه النجاسة الحكمية جعلها الشارع
منجسة في البئر نجاسة عينية، أو يكون لزوال النفرة، فإن فهم من الأخبار الاغتسال أو
اعتمد على فهم الأصحاب فهو، وإلا فلا يحسن الاعتماد على مثل ذلك.
وقد أغرب بعضهم (1) في دفع التمسك بسلب الطهورية، حيث قال: إن قوله
عليه السلام في صحيحة ابن أبي يعفور المتقدمة في أوائل الباب: " لا تقع في البئر
ولا تفسد على القوم ماءهم " (2) يدل على حرمة الغسل، فيكون باطلا، فلا يكون
غسلا، فلا تكون غسالته رافعة للطهورية.
وجميع هذه المقدمات ممنوعة، سيما وذلك لا يفيد العموم، فإن ظاهر الرواية أنه
في غير البئر المباحة له، وظاهر الفقهاء أيضا أن الاغتسال الصحيح موجب لذلك
لا الأعم منه، وإلا فيلزم أن يكون مراد كل من ذكر الاغتسال أيضا مجرد المباشرة،
وليس كذلك.
والأولى أن يعتبر النزح لمجرد المباشرة كيف ما اتفق، ويسكت عن سببه كما
سكت الله عنه. وأما على المختار من استحباب النزح فيكفي للاستحباب مجرد زوال
النفرة ونحوه.
ثم هل يرتفع الحدث لو اغتسل؟ فيه وجهان، بل قولان، من جهة أن
النزح لسلب الطهورية، ولا يكون إلا مع ارتفاع الحدث وصدق الامتثال، ومن جهة
منع المقدمتين.

(1) روض الجنان: 154.
(2) الكافي 3: 65 ح 9، التهذيب 1: 149 ح 426، الاستبصار 1: 127 ح 435، الوسائل 1: 130 أبواب الماء
المطلق ب 14 ح 22.
565

وأما خروج الكلب حيا، فالمشهور فيه أيضا ذلك، لرواية أبي مريم (1) المعتضدة
بعمل الأصحاب، فلا تعارضها صحيحة أبي أسامة المكتفية بالخمس (2)،
وعليها يحمل إطلاق صحيحة علي بن يقطين المتضمنة للدلاء (3).
وذهب ابن إدريس إلى وجوب أربعين، طرحا للروايات على أصله، وتعديا عن
حكمه إذا مات في البئر من باب الأولوية (4).
وأما بول الصبي، وهو غير البالغ، ولا يطلق عرفا على الرضيع، يعني من كان
له دون الحولين على تفسير ابن إدريس (5)، أو من لم يأكل الطعام كما نقل عن
الشيخ (6)، وقيده بعضهم بكونه غالبا على اللبن أو مساويا له (7)، فهو على قول
الأكثر (8)، لمرسلة منصور (9).
ولا تعارضها صحيحة معاوية بن عمار المتضمنة لوجوب نزح الجميع (10)،
ولا رواية علي بن أبي حمزة المتضمنة لدلو واحد (11)، لضعف الثانية (12)، وكون
الأولى مخالفة لإجماعهم ظاهرا.

(1) التهذيب 1: 237 ح 687، الاستبصار 1: 38 ح 103، الوسائل 1: 134 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 1.
(2) الكافي 3: 5 ح 3، التهذيب 1: 237 ح 684، الاستبصار 1: 37 ح 102، الوسائل 1: 135 أبواب الماء
المطلق ب 17 ح 7.
(3) التهذيب 1: 237 ح 686، الاستبصار 1: 37 ح 101، الوسائل 1: 134 أبواب الماء
المطلق ب 17 ح 2.
(4) السرائر: 1: 76 و 77.
(5) السرائر 1: 78.
(6) المبسوط 1: 12، النهاية: 7.
(7) الذكرى: 11.
(8) كالشيخ في المبسوط 1: 12، والنهاية: 7، وابن البراج في المهذب 1: 22، وأبي الصلاح في الكافي في
الفقه: 130 وسلار في المراسم 36.
(9) التهذيب 1: 243 ح 701، الاستبصار 1: 33 ح 89، الوسائل 1: 133 أبواب الماء المطلق ب 16 ح 1.
(10) التهذيب 1: 241 ح 696، الاستبصار 1: 35 ح 94، الوسائل 1: 132 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 4.
(11) التهذيب 1: 243 ح 700، الاستبصار 1: 34 ح 90، الوسائل 1: 133 أبواب الماء المطلق ب 16 ح 2.
(12) لعل وجه الضعف أن في سندها علي بن أبي حمزة فإنه من عمد الواقفة وضعيف.
566

والصدوق (1) والسيد (2) أوجبا ثلاث دلاء، وربما يستدل عليه بصحيحة ابن بزيع
المتضمنة لنزح دلاء لقطرات البول (3) بضميمة الاجماع المركب في عدم الفرق بين
القليل والكثير.
وفيه: أنه أعم من بول الصبي، ولا يقاوم صريح المرسلة (4) مع اعتضادها بالشهرة.
وأما الفأرة، فقيد الأكثرون السبع بالتفسخ، واكتفوا فيما دونه بالثلاث (5)، وزاد
جماعة منهم الانتفاخ (6)، وأطلق المرتضى السبع (7)، وذهب الصدوق إلى الدلو
الواحد في غير صورة التفسخ (8).
حجة الأولين: الجمع بين ما ورد من إطلاقات السبع من الأخبار الكثيرة من
الصحاح وغيرها (9)، وبين ما ورد من إطلاقات الثلاث، مثل صحيحة معاوية بن
عمار (10)، وصحيحة عبد الله بن سنان (11)، مستشهدا برواية أبي عيينة، عن الصادق
عليه السلام: عن الفأرة تقع في البئر فقال: " إذا خرجت حية فلا بأس، وإن
تفسخت فسبع دلاء " (12) ورواية أبي سعيد المكاري (13)، ولكن في هذه الرواية

(1) من لا يحضره الفقيه 1: 13.
(2) كما نقله عنه في المعتبر 1: 72.
(3) الكافي 3: 5 ح 1، التهذيب 1: 244 ح 705، الاستبصار 1: 44 ح 124، الوسائل 1: 130 أبواب الماء
المطلق ب 14 ح 21.
(4) مرسلة منصور المتقدمة.
(5) كالشيخ المفيد في المقنعة: 66، والشيخ الطوسي في النهاية: 7، وابن البراج في المهذب 1: 22.
(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 552.
(7) نقله عنه في المختلف 1: 203.
(8) المقنع (الجوامع الفقهية): 4.
(9) الوسائل 1: 131 أبواب الماء المطلق ب 15.
(10) التهذيب 1: 238 ح 688، الاستبصار 1: 39 ح 106، الوسائل 1: 137 أبواب الماء المطلق ب 19 ح 2.
(11) التهذيب 1: 238 ح 689، الاستبصار 1: 39 ح 107، الوسائل 1: 137 أبواب الماء المطلق ب 19 ح 2.
(12) التهذيب 1: 233 ح 673، الاستبصار 1: 31 ح 83، الوسائل 1: 128 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 13.
(13) التهذيب 1: 239 ح 691، الاستبصار 1: 39 ح 110، الوسائل 1: 137 أبواب الماء المطلق ب 19 ح 1.
567

" تسلخت " موضع " تفسخت " في بعض نسخ التهذيب (1).
وتدل عليه أيضا صحيحة أبي أسامة المتضمنة لنزح خمس دلاء ما لم
تتفسخ (2)، بحمل الخمس في غير التفسخ على الاستحباب.
وأما الانتفاخ، فلم نقف على تصريح به في الأخبار يطابق الفتوى المذكورة.
وربما قيل: إن أول درجة التفسخ هو الانتفاخ (3)، وهو غير واضح بالنسبة إلى فهم
العرف واللغة.
وأما السيد فلعل أخبار السبع عنده كانت متواترة ولم يعارضها شئ من الأخبار
عنده، ولم نقف للصدوق على شئ في الأخبار.
الثامنة: يجب نزح خمس لذرق الدجاج عند الشيخ (4)، وقيده جماعة
بالجلال (5)، ولعل إطلاق الشيخ مبني على قوله بنجاسته مطلقا، وعموم قول
أبي الصلاح بنزح الجميع لخرء ما لا يؤكل لحمه (6) يقتضي ذلك في الجلال إن كان
مراده أعم من التحريم بالعرض.
وقرب المحقق (7) إدخاله في حكم العذرة، واحتمل الثلاثين
لرواية كردويه (8).
ولم نقف على نص يدل على الخمس مطلقا. وقد مر ضعف قول أبي الصلاح.

(1) انظر التهذيب 1: 238 ح 687، 690.
(2) الكافي 3: 5 ح 3، التهذيب 1: 237 ح 684، الاستبصار 1: 37 ح 102، الوسائل 1: 135 أبواب الماء
المطلق ب 17 ح 7.
(3) كما في السرائر 1: 77.
(4) المبسوط 1: 12، والنهاية: 7.
(5) المقنعة: 68، المراسم: 36، المهذب 1: 22، السرائر 1: 80، الشرائع 1: 6.
(6) الكافي في الفقه: 131، ونقله عنه في المختلف 1: 192.
(7) المعتبر 1: 76.
(8) الفقيه 1: 16 ح 35، التهذيب 1: 413 ح 1300، الاستبصار 1: 43 ح 120، الوسائل 1: 133 أبواب الماء
المطلق ب 16 ح 3.
568

والعذرة لا تصدق على الذرق عرفا، ورواية كردويه أيضا ممنوعة الدلالة.
وقد يستدل على الخمس بالاجماع على عدم وجوب الزائد، وعدم تيقن البراءة
بالأقل. ولعله مبني على عدم الاعتناء بخلاف أبي الصلاح، أو يحمل كلامه على
المحرم بالذات. وكيف كان الأظهر الاكتفاء بالخمس.
التاسعة: المشهور وجوب ثلاث للحية (1)، وعن علي بن بابويه وجوب سبع (2).
ويدل على الأول صحيحة الحلبي، عن الصادق عليه السلام، قال: " إذا سقط
في البئر شئ صغير فمات فيها فانزح منها دلاء " (3) تنزيلا لها على الأقل.
وقد يناقش بمنع كون الحية ذات نفس سائلة، فتخرج من الصحيحة (4) بما ورد في
الأخبار من أن ما لا نفس له لا يفسد الماء (5). وبأنها مقيدة بصحيحة ابن سنان الدالة
على نزح سبع دلاء للدابة الصغيرة (6).
والأول مدفوع بأن الحية ذات نفس، كما صرح به المحقق (7)، وسمعت ثقة قتلها
وشاهد أن لها دما سيالا في غاية القوة كالسائل عن الفصد، وسمعت بعض مشايخنا
أيضا أنه سمع ثقة آخر كذلك.
مع أن ما لا نفس له أعم من الشئ الصغير من وجه كما يشاهد في السمك الكبير،

(1) كما في المقنعة: 67، والنهاية: 7، والكافي في الفقه: 130، والمراسم: 36، والمهذب 1: 22، والسرائر 1:
83.
(2) نقله عنه في المختلف 1: 212.
(3) الكافي 3: 6 ح 7، التهذيب 1: 240 ح 694، الاستبصار 1: 34 ح 92 الوسائل 1: 132 أبواب الماء المطلق
ب 15 ح 6 مع اختلاف يسير.
(4) صحيحة الحلبي المتقدمة.
(5) الوسائل 1: 125 أبواب الماء المطلق ب 14.
(6) التهذيب 1: 241 ح 695، الاستبصار 1: 34 ح 93، الوسائل 1: 131 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 1 مع
اختلاف يسير.
(7) المعتبر 1: 75.
569

وترجيحه يحتاج إلى دليل، إلا أن يتمسك بالأولوية، فينحصر الترجيح في اشتهار
العمل، والدابة أيضا محمولة على المعنى العرفي، فلا تدخل فيها الحية. ولعل دليل
السبع هو صحيحة ابن سنان ودلالتها غير واضحة. وقد ذكر له وجوه أخر كلها ضعيفة.
وعن الشيخين (1) وجماعة من الأصحاب (2) وجوب الثلاث للوزغة أيضا، وعن
سلار (3) وأبي الصلاح (4) دلو واحد.
حجة الأولين: صحيحة معاوية بن عمار (5) وصحيحة ابن سنان (6) المتقدمتين في
الفأرة، ولا يعارضهما رواية يعقوب بن عثيم الدالة على السبع لضعفها (7) - (8).
وحجة الدلو الواحد: رواية يعقوب بن عثيم المروية في الفقيه (9)، ومرسلة
عبد الله بن المغيرة المروية في الكافي (10)، ولا يعارض بهما ما تقدم.
وقال ابن إدريس: إنه لا يجب لها شئ، لأنه لا نفس لها سائلة (11).
عن الشيخ (12) وابن البراج (13) وأبي الصلاح (14) أيضا وجوب ثلاث للعقرب.

(1) المقنعة: 67، النهاية: 7، المبسوط 1: 12.
(2) كالصدوق في المقنع (الجوامع الفقهية): 4، والشهيد في الدروس 1: 120، واللمعة: 15.
(3) المراسم: 35.
(4) الكافي في الفقه 130، ونقله عنه في المعتبر 1: 74.
(5) التهذيب 1: 238 ح 688، الاستبصار 1: 39 ح 106، الوسائل 1: 137 أبواب الماء المطلق ب 19 ح 2.
(6) التهذيب 1: 233 ح 689، الاستبصار 1: 39 ح 107، الوسائل 1: 137 أبواب الماء المطلق ب 19 ح 2.
(7) التهذيب 1: 245 ح 707، الاستبصار 1: 41 ح 114، الفقيه 1: 15 ح 32، الوسائل 1: 138 أبواب الماء
المطلق ب 19 ح 7.
(8) لأن راويها لم يوثق، انظر معجم رجال الحديث 20: 143، 144.
(9) الفقيه 1: 15 ح 30 ورواها الشيخ بإسناده عن يعقوب بن عثيم في التهذيب 1: 419 ح 1235.
(10) الكافي 3: 6 ح 9، الوسائل 1: 139 أبواب الماء المطلق ب 19 ح 9.
(11) السرائر 1: 83.
(12) المبسوط 1: 12، النهاية: 7.
(13) المهذب 1: 22.
(14) الكافي في الفقه 130، ونقله عنه في المعتبر 1: 74.
570

ولا دليل له، ورواية هارون بن حمزة الغنوي لا دلالة فيها أصلا (1)، ورواية منهال
المشتملة على نزح عشر دلاء مع ضعفها (2) (3) مهجورة عند الأصحاب، ولعل
وجهها الاجتناب عن سمها.
وذهب المحقق إلى استحباب ثلاث فيهما (4)، ولا بأس به.
العاشرة: المعروف من مذهب الأصحاب وجوب دلو للعصفور، ولم ينقل
خلاف، إلا أن الصدوق ذكر الصعوة مكان العصفور (5)، فإن ترادفا أو أراد منها
العصفور مجازا فلا خلاف، وإلا فالمرجع هو ما دل عليه من الأخبار (6).
ويدل على المشهور موثقة عمار المتقدمة في موت الانسان (7)، ويخصص بها كل
ما ورد في مطلق الطير أو الشئ الصغير من نزح الدلاء أو غيره، وإن كان صحيحا.
ومن تأمل في هذه الموثقة وما ورد في وجوب السبع للطير (8)، سيما مع عطف
الدجاجة على الطير كما في موثقة أبي أسامة وأبي يوسف (9) ورواية علي (10) يظهر له
صحة ما ذهبوا إليه من أن العصفور وما أشبهه مما دونه وما فوقه إلى الحمامة حكمه

(1) التهذيب 1: 238 ح 690، الاستبصار 1: 24 ح 59، وص: 41 ح 113، الوسائل 1: 138 أبواب الماء
المطلق ب 19 ح 5، وص 172 أبواب الأسئار ب 9 ح 5.
(2) التهذيب 1: 231 ح 667، الاستبصار 1: 27 ح 70، الوسائل 1: 143 أبواب الماء المطلق ب 22 ح 7.
(3) لأن راويها لم يوثق. انظر معجم رجال الحديث 19: 8.
(4) المعتبر 1: 75.
(5) المقنع (الجوامع الفقهية): 4.
(6) الوسائل 1: 141 أبواب الماء المطلق ب 21.
(7) التهذيب 1: 234 ح 678، الوسائل 1: 141 أبواب الماء المطلق ب 21 ح 2.
(8) الوسائل 1: 134 أبواب الماء المطلق ب 17.
(9) التهذيب 1: 233 ح 674، الاستبصار 1: 31 ح 84، الوسائل 1: 128 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 12.
(10) التهذيب 1: 235 ح 680، الاستبصار 1: 36 ح 97، المعتبر 1: 70، الوسائل 1: 134 أبواب الماء المطلق
ب 17 ح 3.
571

دلو واحد، ومن الحمامة وما فوقها إلى النعامة سبع، لا لأن العصفور حقيقة فيما
دون الحمامة والطير حقيقة فيها وفيما فوقها لغة أو عرفا، بل لأن المستفاد من موثقة
عمار المعمول بها عند الأصحاب التي لا يوجد لها راد كما ذكره في المعتبر (1) بعد
التأمل أن المعيار في أحوال الحيوانات ما بينهما هو ملاحظة الجثة وموافقة
المتقاربات.
ثم بملاحظة التنصيص في الدجاجة والطير والمستفاد منه ثبوت السبع
في الدجاجة وما أشبهها في الجثة، وخصوصا بعد ملاحظة صحيحة
البقباق (2) وصحيحة الفضلاء (3) المتضمنتين لنزح الدلاء في الطير، المستحقتين
لحملهما على السبع جمعا، مع بعد بقاء جميع أفراد الطير تحت السبع مع تباعد
جثثها، وعدم اعتبار مقاربة جثة ما دون الحمامة من صغار الطيور عن الاعتبار،
وعدم القول بالواسطة بين نزح الدلو والسبع يتعين القول برجحان ما اشتهر من
التفصيل.
وعن الراوندي اخراج الخفاش عن شبه العصفور، معللا بنجاسته لأنه مسخ (4).
وأجيب بمنع المقدمتين.
والأظهر أن المراد بالمشابهة هي المشابهة في الجثة في نوعها، لا في شخصها كما
توهمه بعض الأصحاب (5).
والأكثر على وجوب دلو لبول الرضيع أيضا (6)، لرواية علي بن أبي حمزة

(1) المعتبر 1: 73.
(2) التهذيب 1: 237 ح 685، الاستبصار 1: 37 ح 100، الوسائل 1: 135 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 6.
(3) التهذيب 1: 236 ح 682، الاستبصار 1: 36 ح 99، الوسائل 1: 135 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 5.
(4) نقله عنه في المعتبر 1: 74.
(5) مشارق الشموس: 238.
(6) كالشيخ المفيد في المقنعة 1: 67، والشيخ الطوسي في المبسوط 1: 12، والنهاية: 7، وابن البراج في المهذب
1: 22.
572

المشتملة على نزح دلو لبول الفطيم (1)، ولعله من باب الأولوية. وقد يستشكل مع
القول بوجوب السبع في بول الصبي، ويمكن أن يمنع صدق الصبي على الفطيم،
فإن لإطلاق الفطيم زمانا قصيرا محدودا، والمشتق حقيقة في المتلبس بالمبدأ،
والأصل عدم ثبوت الزائد من الدلو الواحد.
وعن أبي الصلاح (2) وابن زهرة (3) نزح ثلاث، وقد يستدل له بصحيحة ابن بزيع
المتضمنة لنزح دلاء لقطرات البول (4) بعمومها بحملها على الثلاث، مع انضمام عدم
القول بالفرق بين القليل والكثير.
الحادي عشر: إذا تغيرت البئر بالنجاسة فالأقوى الاكتفاء بنزح ما يزول به
التغير، بلا خلاف ظاهر بين القائلين بعدم الانفعال (5)، للأخبار المعتبرة منها صحيحة
ابن بزيع (6) وصحيحة أبي أسامة (7).
ولا يقاومها ما يدل على نزح الجميع مثل صحيحة معاوية بن عمار، عن الصادق
عليه السلام، قال: سمعته يقول: " لا يغسل الثوب، ولا تعاد الصلاة مما وقع في البئر
إلا أن ينتن، فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ونزحت البئر " (8) لاعتضاد أخبارنا
بالأصل، مع عدم وضوح دلالتها، فيحمل على ما يزيل التغير.

(1) التهذيب 1: 243 ح 700، الاستبصار 1: 34 ح 90، الوسائل 1: 133 أبواب الماء المطلق ب 16 ح 2.
(2) الكافي في الفقه: 130.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 552.
(4) الكافي 3: 5 ح 1، التهذيب 1: 244 ح 705، الاستبصار 1: 44 ح 124، الوسائل 1: 130 أبواب الماء
المطلق ب 14 ح 21.
(5) كصاحب المدارك 1: 101، وصاحب الرياض 1: 166.
(6) التهذيب 1: 234 ح 676، الاستبصار 1: 33 ح 87، الوسائل 1: 126 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 6.
(7) الكافي 3: 5 ح 3، التهذيب 1: 237 ح 684، الاستبصار 1: 37 ح 102، الوسائل 1: 135 أبواب الماء
المطلق ب 17 ح 7.
(8) التهذيب 1: 232 ح 670، الاستبصار 1: 30 ح 80، الوسائل 1: 127 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 10.
573

وكذلك صحيحة أبي مريم، مع أنها لم يذكر فيها التغير، بل إنما هو تأويلها (1).
وكذلك موثقة عمار المشتملة على نزح كل الماء لوقوع الكلب والفأرة والخنزير، مع
ما فيها من الجمع بين المذكورات (2)، وكذلك رواية أبي خديجة (3) لضعفها،
فنحملها على الاستحباب.
وللقائلين بالانفعال أقوال شتى، منها: نزح الجميع، فإن تعذر فالتراوح (4)،
للروايات المذكورة (5)، ولقيامه مقام ما تعذر فيه نزح الجميع مما له مقدر. وضعفه
ظاهر مما تقدم.
منها: النزح حتى يزول التغير (6)، للمعتبرة التي اعتمدناها (7).
وفيه: أن بينها وبين ما ورد في المقدرات عموما من وجه، ولم يمكن تخصيصها
بغير صورة التغير، للزوم كون التغير أنقص من عدمه في مقدار النزح. فالأولى
تخصيص المعتبرة، ومقتضاها الرجوع إلى أكثر الأمرين.
ومنها: نزح الجميع، فإن تعذر فإلى أن يزول التغير جمعا بين ما دل على نزح
الجميع وما دل على مزيل التغير (8).
وفيه: أنه لا دليل على هذا الجمع من عقل ولا نقل، والأولى حمل الأول
على الاستحباب.

(1) التهذيب 1: 237 ح 687، وص 415 ح 1310، الاستبصار 1: 38 ح 103، الوسائل 1: 134 أبواب الماء
المطلق ب 17 ح 1.
(2) التهذيب 1: 284 ح 832، الوسائل 1: 143 أبواب الماء المطلق ب 23 ح 1.
(3) التهذيب 1: 239 ح 692، الاستبصار 1: 40 ح 110، الوسائل 1: 138 أبواب الماء المطلق ب 19 ح 4.
(4) الفقيه 1: 13، ونقله عن والد الصدوق في المختلف 1: 190، المراسم: 35.
(5) الوسائل 1: 143 أبواب الماء المطلق ب 23.
(6) المقنعة: 66، الكافي في الفقه: 130، المهذب 1: 22، البيان: 99، المدارك 1: 101.
(7) صحيحة ابن بزيع وصحيحة أبي أسامة.
(8) المبسوط 1: 11، النهاية: 7.
574

ومنها: وجوب أكثر الأمرين إن كان مقدر، وإلا فالجميع، ثم التراوح
مع التعذر (1). أما الأول فلما مر من تخصيص ما ورد في مزيل التغير بما ورد
في المقدر. وأما الثاني فلكونه مما لا نص فيه، ويجب فيه نزح الجميع عندهم
في المتغير منه أيضا من باب الأولوية ونيابة التراوح عنه فيما لو تعذر مثل القول
الأول.
والجواب عن الأول: منع المقاومة على أصلنا، فلا يخصص. وعن الثاني المنع
كما تقدم.
ومنها: نزح الجميع، فإن غلب اعتبر أكثر الأمرين (2)، ويظهر دليله وجوابه
مما مر.
ومنها: نزح مزيل التغير، ثم المقدر إن كان مقدر، وإلا فالجميع، ثم التراوح إن
تعذر (3)، لأصالة عدم تداخل الأسباب في الأول، وعدم إمكان إعمالها إلا بتقديم
مزيل التغير كما لا يخفى، ولكونه مما لا نص فيه في الثاني ونيابة التراوح عنه عند
التعذر كما مر.
والجواب على أصلنا يتضح مما تقدم، وإن كنا نقول بأصالة عدم تداخل الأسباب
إلا فيما يدل عليه الدليل، مع أن الظاهر أن الدليل موجود هنا كما سيجئ.
ومنها: أكثر الأمرين فيما له مقدر، والاكتفاء بزوال التغير في غيره (4)، وهذا
القول أنسب بالقول بالانفعال من غيره، ويظهر وجهه مما مر، وكذلك جوابه على
ما اخترناه في الأصل.

(1) السرائر 1: 72، جامع المقاصد 1: 137، روض الجنان: 143.
(2) المعتبر 1: 76، 77، الدروس 1: 120.
(3) نسبه إلى المحقق وحكاه عن بعض مشايخه في المعالم: 87.
(4) نقله عن بعض الفضلاء المتأخرين واختاره في المعالم: 88، وجعله أقرب بناءا على الانفعال في الذخيرة:
126.
575

الثانية عشر: الأقوى عدم تداخل النزح مع تضاعف النجاسات، سواء تخالفت
في النزح كالانسان والكلب، أو تماثلت في المقدار كالكلب والشاة، أو في الاسم
كالشاتين، لأن الأصل عدم التداخل كما مر في مباحث الأغسال، وهو مذهب
جماعة منهم الشهيدان رحمهما الله (1).
وقد استثنوا من ذلك ما لو حصل بالتعدد في المماثل ما يوجب تفاوت الحكم،
كما لو لحق بالدم القليل بعد صبه ما يصيره كثيرا، وزاد في الذكرى ما لو زاد به أصل
الكثرة (2)، فإنه أيضا كثير. وفيهما أيضا إشكال.
وذهب العلامة إلى التداخل مطلقا (3)، واختار المحقق الأول مع الاختلاف وإن
تماثلت في مقدار النزح، وتردد في المتساويين كالشاتين (4).
حجة العلامة: صدق الامتثال بالنزح لأكثر الأمرين مع التخالف، والمقدر لهذا
النوع مع التماثل، لمنع دلالة الأخبار على تعدد النزح، وقد يزاد في الاستدلال في
صورة التماثل تناول الاسم للقليل والكثير، ويظهر لك ما فيه بالتأمل فيما مر. مع أن
الأخير لا يتم فيما تعلق الحكم بفرد من الجنس.
وأما تردد المحقق في المتساوي (5)، فمن ملاحظة اتحاد نوع النجاسة كالنجاسة
الكلبية أو البولية، ومن أن كثرة الواقع توجب كثرة مقدار النجاسة. ولا يخفى
ضعف الأول، سيما فيما تعلق الحكم بالفرد.
والظاهر الاكتفاء بنزح الجميع فيما قصر الماء عن استيفاء كل منها، وكذا لو زاد

(1) الذكرى: 10، المسالك 1: 20.
(2) الذكرى: 10.
(3) قواعد الأحكام 1: 188، نهاية الإحكام 1: 260.
(4) الشرائع 1: 6، المعتبر: 78.
(5) المعتبر 1: 78.
576

المقدر الواحد عن الجميع، لأن الحكم إنما تعلق بما فيه من الماء.
وقد يتأمل في ذلك بأن طهارة أرض البئر لم تثبت إلا بنزح المقدر،
فنجاستها مستصحبة.
وفيه: منع نجاسة الماء الخارج بعد ذلك، لعدم استفادتها من أدلة نجاسة البئر،
والأصل طهارة الماء الخارج، وسيجئ تمام الكلام.
ولو تعدد موجب نزح الجميع وتعذر، ففي الاكتفاء بتراوح يوم إشكال، يظهر
وجهه من أصالة عدم التداخل، ومن كون البدل في حكم المبدل.
الثالثة عشر: اختلفوا في حكم أبعاض ما له مقدر، فعن جماعة إلحاقها
بالكل (1)، ولا دليل عليه لتغايرهما. وألحقها بعضهم بما لا نص فيه (2). وفصل
صاحب المعالم بكفاية مقدر الكل إن كان أقل من منزوح ما لا نص فيه، تعديا من
باب الأولوية، وإلا فمنزوح ما لا نص فيه (3). وليس ببعيد.
وأما لو تعددت الأجزاء، فإن وقع جميع الأجزاء دفعة ففيه إشكال، لعدم انفهام
ذلك من إطلاق الاسم.
وربما يفهم مما تقدم من استثناء مثل مصير الدم القليل كثيرا استثناء ذلك من عدم
تداخل الأجزاء أيضا، بل الشهيد جعل الحكم هكذا فيما لو وقع جميع الأجزاء في
أكثر من دفعة أيضا (4).
وفيه نظر، لعدم صدق اسم الكل عليه حينئذ، بخلاف الدم الكثير، فعلى
الاستثناء والقول بالتداخل يجب نزح المقدر مرة، أو منزوح ما لا نص فيه مرة على

(1) كالشهيد في الذكرى: 10، فإنه قال: أبعاض المقدر كالمقدر، ويظهر من المنتهى 1: 107.
(2) احتمله في جامع المقاصد 1: 145.
(3) المعالم: 97، 98.
(4) الذكرى: 10.
577

القولين. وأما على ما ذكرنا من الإشكال في أصل الاستثناء في أصل المسألة فيعتبر
كل واحد على حدة.
ويظهر لك حكم التداخل وعدمه في الأجزاء في غير صورة الاستثناء أيضا مما
مر، وكذلك أجزاء ما لا نص فيه. وكذلك يظهر حكم جزءين من إنسانين وقعا في
البئر مما تقدم.
وأما الحيوان الحامل إذا علم وصول الماء إلى جوفها، ففيه أيضا إشكال. وكذلك
الإشكال في ذات الرجيع النجس إذا وصل الماء إلى جوفها. والإطلاقات تقتضي
عدم التعدد، وإن كان قد يناقش في انصرافها إلى الأول.
وأما نحن معاشر القائلين بعدم الانفعال فبمعزل عن تلك الإشكالات والحمد لله.
الرابعة عشر: النزح بعد اخراج النجاسة أو استهلاكها وانعدامها، لأنها ما دامت
باقية فيها يثبت لها حكم الملاقاة أولا، لصدق الملاقاة، والظاهر عدم الخلاف فيه.
وتدل عليه صحيحة الفضلاء (1)، وصحيحة البقباق (2).
هذا إذا لم تكن موجبة لنزح الجميع، وإلا فلا يضر نزح بعض الماء قبل الإخراج،
ووجهه ظاهر.
ولو تفرقت أجزاء الحيوان وشاعت في الماء، فينزح بعد خروج جميعها،
والظاهر الاكتفاء بالظن الغالب.
وكذلك الشعر من نجس العين، أو مطلقا على القول بنجاسته باعتبار أصوله
المتصلة بالميتة، كما احتمله في الذكرى (2). ولو استمر خروجه نزح الجميع، أو

(1) التهذيب 1: 236 ح 682، الاستبصار 1: 36 ح 99، الوسائل 1: 135 أبوب الماء المطلق ب 17 ح 5.
(2) التهذيب 1: 237 ح 685، الاستبصار 1: 37 ح 100، الوسائل 1: 135 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 6،
وفيها وفي سابقتها: عن الفأرة وغيرها تقع في البئر فتموت قال: يخرج ثم ينزح من البئر دلاء....
(3) الذكرى: 11.
578

يعطل حتى يحصل العلم أو الظن بالخروج أو الاستهلاك.
الخامسة عشر: يحمل الدلو في الأخبار على العرف العام، لعدم ثبوت الحقيقة
الشرعية، وجهالة عرف زمانهم عليهم السلام، وفي اعتبار معتاد تلك البئر أو معتاد
الآبار المتعارفة إشكال. وكذلك في اعتبار معتاد تلك البئر بحسب المتعارف أو
بحسب عادة أهلها.
والأظهر اعتبار المتعارف في الآبار المتعارفة.
وربما قيل بتحديد الدلو بثلاثين رطلا، وقيل بأربعين (1)، ولا يحضرني لهما مأخذ.
وهل يعتبر العدد في الدلو، أو يكفي النزح بآلة تسع العدد؟ فيه قولان،
أظهرهما: الأول، وقوفا مع النص (2).
ووجه الثاني: أن العلة للتطهير هو اخراج ذلك المقدار من الماء، وتقييده بالعدد
لانضباطه، سيما والغالب ذلك، فالحكم وارد مورده.
وفيه: منع العلة، إذ لعل للتكرير وكثرة تمويج الماء مدخلية في التطهير كما في
تعدد الغسلات في التطهير، ونظيره كثير.
وأما في مزيل التغير، فالظاهر أنه لا حاجة إلى اعتبار العدد، بل ولا الدلو،
وكذلك فيما يوجب نزح الجميع، وما يوجب نزح الكر.
السادسة عشر: يعفى عن المتساقط من الدلو، وعن جوانبها إذا تساقط عليها
وحمأتها (1)، وبطهرها يطهر المباشر، والدلو والرشا (4).

(1) حكاه القاضي في المهذب 1: 23.
(2) الوسائل 1: 131 أبواب الماء المطلق ب 15 إلى ب 22.
(3) الحمأ: الطين الأسود، قال الله تعالى: " من حمأ مسنون " وكذلك الحمأة بالتسكين، تقول منه: حمأت البئر حمأ
بالتسكين، إذا نزعت حمأتها. الصحاح 1: 45.
(4) الرشاء: الحبل الذي يوصل به إلى الماء. لسان العرب 14: 322 (رشا).
579

أما الأول: فلا إشكال في المتعارف منه وإلا لم يمكن التطهير عادة، وأما غير
المتعارف مثل أن يصب كل الدلو أو أغلبه فقيل: لا يوجب شيئا، للأصل (1).
وفيه: أن كون ذلك نجاسة لم يرد فيها نص، - فيجب فيه ما يجب فيه - يخرجه
عن الأصل، وقيل: كذلك فيما عدا الدلو الأخير، فيجب فيه ما يجب في ما لا نص
فيه (2). وفرقه مبني على الفرق بين وصول النجاسة بالماء الطاهر والماء النجس، وهو
غير واضح، لأن لكل نجاسة تأثيرا.
وقيل: بأقل الأمرين من منزوح أصل النجاسة ومنزوح ما لا نص فيه (3)، لأن
الفرع لا يزيد على الأصل، وهو أحسن الأقوال وإن كان لا يخلو عن إشكال.
وأما الثاني: فلا إشكال فيه بعد الخلاص عن النزح، وأما قبله ففيه إشكال،
سيما في الحمأة. قال في الذكرى: وأجمعوا على طهارة الحمأة والجدران (4)، وهذه
العبارة محتملة لهما.
وأما الثالث: فلا إشكال في طهارة الدلو والرشا، ويدل عليه استحباب بعض
مراتب النزح، كالأربعين فيما يجب فيه ثلاثون من دون لزوم تطهير بينهما، وإلا لنبه
عليه الشارع. والظاهر أن المباشر أيضا كذلك لذلك، وطريق الاحتياط واضح.
وكل ذلك مما يؤيد عدم الانفعال، هذه أحكام النزح.
وأما تطهيرها بغير النزح فصريح جماعة من الأصحاب إمكانه، وأنه مثل غيره
من المياه (5)، وظاهر المحقق في المعتبر انحصاره في النزح (6)، والأظهر الأول،
فيمكن تطهيرها بالجاري والكثير والغيث بالشرائط المتقدمة في غيرها، لما ذكرنا من

(1) نهاية الإحكام 1: 261، البيان: 101.
(2) المنتهى 1: 108.
(3) المعالم: 99، ونقله عنه في الذخيرة: 137.
(4) الذكرى: 10.
(5) الدروس 1: 120، البيان: 99، جامع المقاصد 1: 137.
(6) المعتبر 1: 55.
580

الأدلة على الوجه الذي حققناه. ولعل المحقق تمسك باستصحاب النجاسة، ومنع
دلالة الأدلة في غير النزح.
ثم الظاهر على القول بالنجاسة سقوط النزح بذلك، وأما على القول بالتعبد
فقيل (1): إنه لو حصل التطهير بالممازجة والاستهلاك يسقط، لعدم بقاء الاسم،
ولو حصل بالاتصال لو قيل به لم يسقط.
ولو أجريت البئر النجسة ففي طهارتها ونجاستها وطهارة ما بقي بعد جريان قدر
المنزوح أوجه، أوجهها الأخير، وأحوطها الأوسط.
ولو زال تغير المتغير بالنجس من قبل نفسه أو بعلاج فلا يطهر، ولكن هل يكتفى
بنزح ما يزول معه التغير لو كان باقيا، أو يجب نزح الجميع؟ فيه قولان، أظهرهما
الأول.
ولعل من يوجب نزح الجميع يتمسك بعدم إمكان ضبط مقدار مزيل التغير
حينئذ، وهو ممنوع في جميع الصور، فلا يطرد. وهذا الحكم يجري على المختار أيضا
للاستصحاب.
وأما لو غار الماء ثم عاد، فقال كثير من الأصحاب بسقوط النزح (2)، لأن علة
الطهارة هو ذهاب الماء، وهو موجود هنا كما في النزح، ولأن ما يجب نزحه هو ماء
البئر المحكوم بنجاسته ولم يعلم وجوده حينئذ. ورد: بمنع العلة، فلعل للنزح مدخلية
لحصول الجريان إلى الخارج. وبأن ما ذكر لا يوجب طهارة أرض البئر، فيتنجس
الخارج بالملاقاة لاستصحاب النجاسة.
ويمكن منع نجاسة الماء الخارج بالملاقاة، فإن ما دل على نجاسة ماء البئر لا يشمل
هذه كما لا يخفى.
ويشكل بأن ذلك لا يرفع استصحاب نجاسة الأرض، إلا أن يقال بعدم استحالة

(1) مشارق الشموس: 242.
(2) المعتبر 1: 78، المنتهى 1: 108، قواعد الأحكام 1: 188، كشف اللثام 1: 41.
581

الجمع بين الدليلين، فيعمل على مقتضاهما.
وأما لو طهرت أرض البئر بعد الغور بالشمس أو المطر فالأمر فيه أسهل لما
ذكرنا.
تنبيه:
لا ينجس البئر بقرب البالوعة - أعني بها ما فيه الماء النجس فيشمل الكنيف - ما
لم يحصل اليقين بالاتصال عند من لا يعتبر الظن كما هو الحق، فإذا حصل اليقين
فلا ينجس إلا إذا تغير بها على المختار.
ويدل عليه الأصل والأخبار عموما وخصوصا (1)، وكذلك الحكم إذا حصل
التغير ولم يعلم استناده إليها.
ويستحب تباعدهما خمسة أذرع مع فوقية قرار البئر على قرار البالوعة، لا مجرد
وجه الأرض، أو مع صلابة الأرض. وسبعا بدونهما، للجمع بين رواية الحسن بن
رباط، عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن البالوعة تكون فوق البئر، قال: " إذا
كانت أسفل من البئر فخمسة أذرع، وإن كانت فوق البئر فسبعة أذرع من كل ناحية،
وذلك كثير " (2).
ومرسلة قدامة بن أبي زيد، عن بعض أصحابنا، عنه عليه السلام قال: سألته كم
أدنى ما يكون بين بئر الماء والبالوعة؟ فقال: " إن كان سهلا فسبعة أذرع، وإن كان
جبلا فخمسة أذرع " ثم قال: " يجري الماء إلى القبلة إلى يمين، ويجري عن يمين
القبلة إلى يسار القبلة، ويجري عن يسار القبلة إلى يمين القبلة، ولا يجري من

(1) الوسائل 1: 146 أبواب الماء المطلق ب 24.
(2) الكافي 3: 7 ح 1، التهذيب 1: 410 ح 1290، الاستبصار 1: 45 ح 126، وفي الوسائل 1: 145 أبواب
الماء المطلق ب 24 ح 3 رواه عن الحسين بن أسباط، والظاهر أنه تصحيف، لعدم ثبوت وجود هكذا شخص.
راجع معجم رجال الحديث 5: 235 / 3391.
582

القبلة إلى دبر القبلة " (1).
ولعل المراد من كل ناحية في الأولى، من أي جهة كان من شرقها أو غربها أو
غير ذلك، والمساحة إنما تلاحظ بالنسبة إلى الجانب الذي يليها، وإن كان بالنسبة إلى
الآخر أزيد. والتقييد في الروايتين وإن كان ممكنا بالنسبة إلى كل واحد من السبعة
والخمسة إلا أن تقييدهما معا يوجب التساقط، فالمدار على الترجيح، وهو مع
الخمسة، لكونها موافقة للأصل وعمل الأصحاب.
ثم إن ظاهر الأكثر اعتبار السبع في صورة المساواة (2)، ويظهر من الإرشاد اعتبار
الخمس (3)، والأول هو مقتضى إطلاق رواية قدامة، وتؤيده رواية محمد بن سليمان
الآتية (4).
وجعل جماعة من المتأخرين (5) الكون في جهة الشمال بمنزلة الفوقية الحسية،
لرواية قدامة، ورواية محمد بن سليمان.
وجعلوا ما تعارض فيه الفوقيتان بمنزلة التساوي، وذكروا أن صور المسألة باعتبار
ملاحظة وقوع كل من البئر والبالوعة في المشرق أو المغرب أو الشمال أو الجنوب
وتساوي القرارين وارتفاع أحدهما وصلابة الأرض أو رخاوتها أربع وعشرون
صورة. وما تقدم من جعل التعارض بمنزلة التساوي يقتضي أن يكون التباعد بسبع
في ثمان صور كلها في صورة رخاوة الأرض: ثلاث منها فيما لو كانت البالوعة في
جانب الشمال، وواحدة في صورة العكس إذا كان قرار البالوعة فوق قرار البئر،
واثنتان منها فيما كان البئر في جانب المشرق مع مساواتها للبالوعة أو انخفاضها،

(1) الكافي 3: 8 ح 3، التهذيب 1: 410 ح 1291، الاستبصار 1: 45 ح 127، الوسائل 1: 145 أبواب الماء
المطلق ب 24 ح 2.
(2) النهاية: 9، المهذب 1: 27، السرائر 1: 94 - 95.
(3) الإرشاد 1: 238.
(4) التهذيب 1: 410 ح 1292 مع اختلاف يسير، الوسائل 1: 145 أبواب الماء المطلق ب 24 ح 6.
(5) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان: 156.
583

واثنتان منها في العكس كذلك. ويبقى اعتبار الخمس وفي ست عشرة صورة أخرى
لا حاجة إلى ذكرها.
وفي المدارك وغيره أن التباعد بخمس في سبع عشرة صورة، وبسبع في
سبع (1)، وهو غفلة عن جعل التعارض بمنزلة التساوي، مع أن ذلك يوجب اعتبار
السبع في ست لا سبع. إلا أن يقال: التفوق بحسب الجهة إنما يعتبر في البئر دون
البالوعة جمودا على ظاهر النص، وهو بعيد، لأن ما دل على ذلك يدل على علو
الجهة، وهو لا يتفاوت في البئر والبالوعة.
ثم إن ابن الجنيد خالف المشهور وقال: تكره الطهارة من بئر تكون بئر النجاسة التي
تستقر فيها من أعلاها في مجرى الوادي، إلا إذا كان بينهما في الأرض الرخوة
اثنا عشر ذراعا، وفي الأرض الصلبة سبعة أذرع، فإن كانت تحتها والنظيفة أعلاها
فلا بأس، وإن كانت محاذيتها في سمت القبلة فإذا كان بينهما سبعة أذرع فلا بأس (2).
واستدل له برواية محمد بن سليمان الديلمي، عن أبيه، قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن البئر يكون إلى جانبها الكنيف، فقال لي: " إن مجرى العيون كلها من
جهة مهب الشمال، فإذا كانت البئر النظيفة فوق الشمال والكنيف أسفل منها لم
يضرها إذا كان بينهما أذرع، وإن كان الكنيف فوق النظيفة فلا أقل من اثني عشر
ذراعا، وإن كانت تجاها بحذاء القبلة وهما مستويان في مهب الشمال فسبعة أذرع " (3).
والرواية ضعيفة (4)، والعمل على المشهور وإن كان العمل عليها أيضا غير مضر،
حملا لها على الأفضلية.

(1) المدارك 1: 105، روض الجنان 157.
(2) نقله عنه في المختلف 1: 247.
(3) التهذيب 1: 410 ح 1292، الوسائل 1: 145 أبواب الماء المطلق ب 24 ح 6.
(4) لأن سليمان غال كذاب كما في رجال النجاشي: 182 / 842.
584