الكتاب: مستند الشيعة
المؤلف: المحقق النراقي
الجزء: ٣
الوفاة: ١٢٤٤
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - مشهد المقدسة
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: جمادي الأولى ١٤١٥
المطبعة: ستارة - قم
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم
ردمك: ٩٦٤-٥٥٠٣-٧٨-٧
ملاحظات: ٩٦٤-٥٥٠٣-٧٥-٢ / ١٨ VOLS.

مستند الشيعة
في أحكام الشريعة
تأليف
العلامة الفقيه
المولي أحمد بن محمد مهدي النراقي
المتوفى سنة 1245 ه‍
الجزء الثالث
تحقيق
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
1

BP النراقي، أحمد بن محمد مهدي، 1185 ه‍. - 1245 ه‍.
2 / 183 مستند الشيعة في أحكام الشريعة / تأليف أحمد بن محمد مهدي
4 ن النراقي: تحقيق مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث. - مشهد
5 م المقدسة: مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث، 1415 ه‍.
1415 ه‍ ج: نموذج.
المصادر بالهامش.
1. الفقه الجعفري - القرن الثالث عشر. أ. مؤسسة آل البيت
- عليهم السلام - لإحياء التراث. ب. العنوان.
ردمك (شابك) 2 - 75 - 5503 - 964 احتمالا: 18 جزءا.
. VOLS 18 - 2 - 75 - 5503 - ISBN 964
ردمك (شابك) 7 - 78 - 5503 - 964 / ج 3
3. VOL /. 7 - 78 - 5503 - ISBN 964
الكتاب: مستند الشيعة في أحكام الشريعة / ج 3
المؤلف: العلامة الفقيه أحمد بن محمد مهدي النراقي
تحقيق: مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث - مشهد المقدسة
الفلم والألواح الحساسة (الزنك): واصف - قم
الطبعة: الأولى - ربيع الأولى 1415 ه‍
المطبعة: ستاره - قم
الكمية: 3000 نسخة
السعر: 3500 ريال
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

جميع الحقوق محفوظة ومسجلة
لمؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
قم - دورشهر (خيابان شهيد فاطمي) كوچه 9 - پلاك 5.
ص. ب. 996 / 37185 - هاتف 4 - 730001
4

الفصل الثالث:
في غسل الاستحاضة
وفيه بحثان:
البحث الأول: في معرفة الاستحاضة والمستحاضة.
اعلم أن دم الاستحاضة دم فاسد يخرج من المرأة، له أحكام في الشريعة
الطاهرة، لا بد من معرفته.
وقد ذكروا له أوصافا، قالوا: إنه دم أصفر بارد، كما عن الاقتصاد،
والمبسوط، والمصباح (1)، ومختصره، ونهاية الإحكام (2).
أو رقيق أيضا مع الوصفين، كما في المعتبر، والنافع، والمنتهى، والتذكرة (3)،
وعن الروض، والكافي، والوسيلة، والمراسم، والغنية (4)، والمهذب، والإصباح،
والسرائر، وجمل العلم والعمل (5).
أو ذو فتور أيضا مع الثلاثة، كما في الشرائع، والقواعد، والروضة،
واللمعة (6) صريحا، والهداية، والمقنع (7)، ورسالة الصدوق (8) ظاهرا، حيث وصفه
بعدم الاحتباس بالخروج. بل قد يحكى عن بعض كتب الشيخ (9) أيضا، باعتبار
.

(1) الإقتصاد: 246، المبسوط 1: 45، مصباح المتهجد: 10.
(2) نهاية الإحكام 1: 125، ولكن فيه: هو في الأغلب أصفر بارد رقيق يخرج بفتور.
(3) المعتبر 1: 241، النافع: 10، المنتهى 1: 119، التذكرة 1: 29.
(4) الروض: 83، الكافي: 128، الوسيلة 59. المراسم: 44، الغنية (الجوامع الفقهية):
(5) المهذب 1: 37، ولم نعثر عليه في السرائر وجمل العلم والعمل.
(6) الشرائع 1: 31 القواعد 1: 16، الروضة 1: 111، اللمعة " الروضة البهية 1): 111.
(7) الهداية: 22، المقنع: 16.
(8) الفقيه 1: 54 نقل من رسالة والده إليه.
(9) النهاية: 23
5

وصفه الحيض بالدفع، المشعر باعتبار عدمه في الاستحاضة، وهو كما ترى.
ولا ينبغي الريب في اعتبار الأولين، للتصريح بهما في المستفيضة المتقدمة في
مسألة أوصاف الحيض (1). بل وكذا الثالث، للرضوي، والمروي في الدعائم،
السابقين فيها (2).
وأما الرابع وإن كان ظاهر الرضوي اعتباره، إلا أن لضعفه الخالي عن
الجابر في المقام لا يوجبه.
ثم إن المتحصل من تلك الأخبار اعتبار كلية تلك الأوصاف في جانب
النفي، أي كل ما انتفت فيه الأوصاف انتفى كونه دم استحاضة. وأما كلية
جانب الإثبات فتثبت من منطوق الشرط في موثقة إسحاق، المتقدمة في المسألة
المذكورة (3).
ويزاد الدليل على الكلية الأخيرة في صورة الاشتباه مع الحيض: أخبار التمييز
بين الاستحاضة والحيض بالرجوع إلى الأوصاف في الحكم بكونه استحاضة. إلا
أن ثبوت الكلية من الجانبين ليس إلا من باب الأصل كسائر القواعد الشرعية،
لا يتخلف إلا بدليل، وقد تحقق التخلف بالدليل في مواضع، كأيام العادة
وغيرها.
وقد ظهر مما ذكر أن كل دم متصف بتلك الأوصاف، ولم ينف استحاضيته
بدليل - كالدماء المتقدمة المحكومة بكونها حيضا مع تلك الأوصاف أيضا - ولم
يعلم كونه من قرح أو جرح أو عذرة، فهو دم استحاضة يحكم بثبوت أحكامها له.
وكذا يحكم بثبوت أحكامها لكل دم تراه النفساء أو الحائض زائدا على
العشرة مطلقا، أو على العادة وأيام الاستظهار بشرط التجاوز عن العشرة في ذات
العادة خاصة إلى زمان يحكم بتحيضها فيه ثانيا، أو تراه بعد العشرة منفصلا عنها

(1) ج 2: 381.
(2) ج 2: 383
(3) ج 2: 381.
6

بشرط عدم تخلل نقاء أقل الطهر، أو تراه المبتدأة زائدا على التمييز أو على أقراء
نسائها أو على الروايات، أو الناسية زائدا على أيام تحيضها المتقدمة، متصلا في
الجميع مع التحيض مطلقا إلى زمان يحكم بتحيضها فيه ثانيا، أو منفصلا بشرط
عدم تخلل أقل الطهر.
كل ذلك بالإجماع، والنصوص، كمرسلتي يونس، القصيرة (1)
والطويلة (2)، ومرسلة أبي المغرا (3)، وموثقات سماعة وابن بكير وحريز (4) وأبي بصير
ويونس بن يعقوب وصحاح صفوان والصحاف وابن عمار ويونس (5) ومحمد بن
عمرو، وزرارة وفضيل مع زرارة، ومرفوعة إبراهيم بن هاشم (6)، وسائر أخبار
الاستظهار، بل في غير موضع من المرسلة الطويلة إشعار باستحاضية كل دم
مستمر لا يحكم بحيضيته.
ولا يتوهم تعارض تلك النصوص بعضا أو كلا مع روايات أوصاف
الاستحاضة بالعموم من وجه، لأنه إنما كان يلزم لو كان المحكوم به في تلك
النصوص كون ذلك الدم دم الاستحاضة، وليس كذلك، بل في الأكثر أن المرأة

(1) المتقدمة في ج 2: 392
(2) المتقدمة في ج 2: 419.
(3) لم نعثر عليها ولعل الصواب مولى أبي المغرا، تقدم مصدرها في ج 2: 437.
(4) لم نعثر عليها ولعل الصواب: ابني بكير وجرير، وتقدمت الإشارة إلى موثقة إسحاق بن جرير في
ج 2: 448.
(5) لم نعثر على صحيحة ليونس والموجود موثقة يونس بن يعقوب كما أشار إليها، ولعله أراد بها ما رواه
في التهذيب 1: 175 / 502، الوسائل 2: 383 أبواب النفاس ب 3 ح 3،... عن محمد بن
عمرو عن يونس قال سألت أبا عبد الله عليه السلام... ولكن الظاهر بالتأمل أن المراد به ابن
يعقوب في موثقة أيضا.
(6) تقدمت مصادر الروايات سابقا سوى صحيحة صفوان ومرفوعة إبراهيم بن هاشم فراجع المجلد
الثاني الصفحات: 37، 419، 382، 397، 405، 437، 434، وصحيحة صفوان رويت
في الكافي 3: 90 الحيض ب 8 ح 6، الوسائل 2: 372 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 3 ومرفوعة ابن
هاشم رواها فيه 3: 98 الحيض ب 12 ح 3، الوسائل 2: 384 أبواب النفاس ب 3 ح 7.
7

تفعل كذا وكذا إلى آخر أحكام دم الاستحاضة، وكان يثبت ما لم يذكر فيها
بالإجماع المركب.
ولا تنافي بين اعتبار وصف خاص لدم الاستحاضة، وثبوت مثل أحكامه
للدماء الأخر وإن لم يعلم كونها ذلك الدم المخصوص.
كما لا تلازم بين ثبوت هذه الأحكام لدم وبين كونه دم استحاضة لغة أو
شرعا.
نعم، غاية الأمر أن بناء الفقهاء والمتشرعة على تسمية كل دم ثابت له تلك
الأحكام دم استحاضة إما مجازا أو حقيقة محتمل الطريان، ولكنه لا يثبت التلازم
الشرعي أو اللغوي، ولو ادعي الإجماع المركب لمنعناه.
فإن قيل: نحن لا نعرف لدم الاستحاضة معنى إلا ما ثبت له تلك
الأحكام.
قلنا: إن أريد أنه كذلك في العرف المتأخر فلا يضر، وإن أريد غيره فلا
نسلم، كيف؟! وقد فسر غير واحد من أهل اللغة (1) بل الفقهاء (2) أيضا دم
الاستحاضة بأنه دم يخرج من العرق العاذل، وهو عرق في أدنى الرحم.
وقال الجوهري: العاذل اسم للعرق الذي يسيل منه دم الاستحاضة (3).
فيمكن أن يكون المراد في الأخبار بدم الاستحاضة المعتبر في معرفته
الأوصاف وله أحكام شرعا: هذا الدم وإن ثبت تلك الأحكام لغيره أيضا.
بل يدل على التغاير ما صرح به في بعض الأخبار أنها بمنزلة المستحاضة،
كما في موثقة يونس بن يعقوب (4)، وفي بعض آخر: تفعل كما تفعله المستحاضة،

(1) كما في القاموس 2: 341، ويستفاد من كلام الصحاح 5: 1762 في تفسير العاذل.
(2) الحدائق 3: 276، كثف الغطاء: 127.
(3) الصحاح 5: 1762.
(4) الكافي 3: 79 الحيض ب 4 ح 2، التهذيب 1: 380 / 1179، الإستبصار 1: 131 / 453،
الوسائل 2: 285 أبواب الحيض ب 6 ح 2.
8

أو تصنع كما تصنعه، كما في موثقات ابن بكير (1) وأبي بصير (2) وسماعة (3)، وصحيحة
زرارة (4)، أو كذلك تفعل المستحاضة، كما في صحيحة الصحاف (5).
بل نقول: إذا كان دم الاستحاضة دما مخصوصا لا يلزم أن تكون المرأة
المستحاضة هي ذات ذلك الدم خاصة، لأن مبدأ الاشتقاق الحقيقي ليس ذلك
الدم الخاص، بل هو الحيض الذي يفسر بالسيلان، فيمكن أن يسمى فردا من
الدم السائل استحاضة، كما يسمى فردا آخر منه حيضا، وتسمى المرأة التي يسيل
منها هذا الدم أو غيره أيضا مستحاضة.
بل ظاهر كلام الجوهري التغاير، حيث إنه صرح بأن دم الاستحاضة يخرج
من العرق العاذل.
وقال في مادة الحيض: استحيضت المرأة، أي استمر بها الدم بعد أيامها
فهي مستحاضة (6). ففسر المستحاضة بمن استمر دمها بعد العادة من غير
اختصاص بدم خاص، فأطلق في الدم وقيد في الزمان.
ومنه يظهر عدم ثبوت التعارض بين أخبار اعتبار الأوصاف وبين ما تضمن
من تلك النصوص قوله: " ثم هي مستحاضة " (7) أو " فهي مستحاضة " (8)، لجواز
تسمية من سال عنها الدم المحكوم له بتلك الأحكام مطلقا مستحاضة تجوزا،
للمشابهة في الأحكام، أو لكونها فردا خاصا من مطلق من سال دمها.

(1) المتقدمة في ج 2: 416.
(2) التهذيب 1: 403 / 1262، الوسائل 2: 389 أبواب النفاس ب 3 ح 20.
(3) المتقدمة في ج 2: 442.
(4) الكافي 3: 97 الحيض ب 12 ح 1، التهذيب 1: 175 / 499، الإستبصار 1: 150 / 519،
الوسائل 2: 382 أبواب النفاس ب 3 ح 1.
(5) تقدم مصادرها في ج 2: 405.
(6) الصحاح 3: 1073.
(7) كما في موثقة زرارة المتقدمة ج 2: 437.
(8) كما في صحيحة زرارة المتقدمة ج 2: 438.
9

وبالجملة بعد ملاحظة مبدأ الاشتقاق الأصلي للفظي دم الاستحاضة
والمستحاضة، وكلام صاحب الصحاح وغيره في تفسيرهما، وما ورد في الأخبار من
مثل قوله: " بمنزلة المستحاضة " و " تعمل كما تعمله المستحاضة " لا يمكن حصول
القطع باتحاد دم الاستحاضة والدم الذي له تلك الأحكام مطلقا، فلا يحصل
العلم بالتعارض، مع أنه لو حصل أيضا لكان الترجيح لتلك النصوص بالأشهرية
رواية، بل موافقة الإجماع.
والمتحصل مما ذكر أن كل دم كان متصفا بأوصاف الاستحاضة تثبت
لصاحبته أحكام المستحاضة إلا ما خرج بدليل، وكذا كل دم دل دليل من إجماع
أو نص عام أو خاص على ثبوت تلك الأحكام له، كالدماء المتقدمة.
وما لم يكن كذلك فيبقى تحت أصالة عدم تعلق تلك الأحكام به، كالدم
الذي تراه المرأة أقل من ثلاثة أو مستمرا إليها بدون صفة الحيض ولم نقل
بحيضيته، أو بعد العشرة، أو العادة مع تخلل عشرة الطهر على القول بعدم
حيضيته إلا مع الوصف أو مصادفة العادة، أو قبل البلوغ، أو بعد اليأس، إذا لم
تكن تلك الدماء بصفة الاستحاضة. فلا يحكم بتعلق أحكام المستحاضة
بصاحبتها، للأصل، وعدم الدليل، كما صرح به في المدارك في الأول (1).
والعلم بعدم كونه من القرح أو الجرح لا يوجب العلم بكونه دم استحاضة،
والانحصار لا دليل عليه.
مع أن فرض العلم بعدم كونه من قرحة في الجوف، أو انفتاح عرق، أو
طغيان دم مجرد فرض لا يكاد يتحقق أبدا.
ودعوى الإجماع في بعض تلك الموارد مجازفة لا اعتناء بها.
لا يقال: رواية أبي المغرا: عن الحبلى ترى كما ترى الحائض من الدم،
قال: " تلك الهراقة إن كان دما كثيرا فلا تصلين، وإن كان قليلا فلتغتسل عند

(1) المدارك 2: 9.
10

كل صلاتين " (1) تدل على استحاضية الدم المرئي إن كان قليلا ولو لم يكن
بالوصف، ويتم المطلوب بالإجماع المركب.
لأنا نقول: مع معارضتها بمفهوم موثقة إسحاق: " لأن كانت صفرة
فلتغتسل عند كل صلاتين " (2) لا يمكن إبقاؤها على إطلاقها، لوجوب تقييدها إما
بقيد عدم كونه بصفة الحيض، أو بكونه بصفة الاستحاضة، والأول ليس أولى
من الثاني.

(1) التهذيب 1: 387 / 1191، الوسائل 2: 331 أبواب الحيض ب 30 ح 5.
(2) التهذيب 1: 387 / 1192، الإستبصار 1: 141 / 483، الوسائل 2: 331 أبواب الحيض
ب 30 ح 6.
11

البحث الثاني:
في أحكام المستحاضة
وهي أمور نذكرها في مسائل:
المسألة الأولى: دم الاستحاضة إما يلطخ باطن الكرسف - أي جانبه الذي
يلي الجوف - ولا يثقبه إلى ظاهره وإن غمسه ودخل باطنه، أو يثقبه إلى ظاهره ولا
يتجاوز إلى غيره، أو يتجاوز إلى غيره، فهذه أقسام ثلاثة يعبر عنها بالقليلة
والمتوسطة والكثيرة.
أما الأولى: فعليها أن تتوضأ لكل صلاة ما دام الدم كذلك، ولا غسل
عليها على المنصور المشهور، بل عن الناصريات والخلاف الإجماع عليه (1).
أما التوضؤ لكل صلاة: فلقوله عليه السلام في صحيحة الصحاف:
" فإن كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضأ ولتصل
عند وقت كل صلاة ".
وفيها أيضا: " وإن طرحت الكرسف ولم يسل الدم فلتوضأ ولتصل ولا غسل
عليها " (2).
ويؤيده قوله في موثقة زرارة في المستحاضة: " تستوثق من نفسها وتصلي كل
صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم، فإذا نفذ اغتسلت وصلت " (3).
وفي صحيحة ابن عمار: " وإن كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت ودخلت
المسجد وصلت كل صلاة بوضوء " (4).

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 188، الخلاف 1: 250.
(2) تقدم مصدرها في ج 2: 405.
(3) تقدم مصدرها في ج 2: 438.
(4) الكافي 3: 88 الحيض ب 8 ح 2، التهذيب 1: 106 / 277، الوسائل 2: 371 أبواب
الاستحاضة ب 1 ح 1.
12

والرضوي: " فإن لم يثقب الدم الكرسف صلت صلاتها كل صلاة بوضوء
واحد " (1).
وإطلاق المعتبرة الآمرة بالوضوء مع رؤية الصفرة، كما في موثقة سماعة
الآتية (2)، وفي صحيحة يونس: " فإن رأت صفرة فلتتوضأ ثم لتصل " (3).
وأما انتفاء الغسل: فللأصل، وصريح الأولى، وظاهر البواقي باعتبار
انقطاع الشركة من التفصيل.
مضافا إلى مرسلة ابن مسلم: " وإن كان قليلا أصفر فليس عليها إلا
الوضوء " (4). وبها يخصص بعض العمومات.
خلافا للعماني (5) فنفى الأول كالثاني، لصحيحة ابن سنان: " المستحاضة
تغتسل عند صلاة الظهر وتصلي الظهر والعصر " (6) الحديث.
دلت على أن المستحاضة لا تفعل إلا ذلك وإلا لبينه، ولثبوت اختصاص
هذا الحكم بغير القليلة فلا حكم لها.
وخبر الجعفي: " المستحاضة تقعد أيام قرئها ثم تحتاط بيوم أو يومين، فإن
هي رأت طهرا اغتسلت، وإن هي لم تر طهرا اغتسلت واحتشت فلا تزال تصلي
بذلك الغسل حتى يظهر الدم على الكرسف، فإذا ظهر أعادت الغسل وأعادت
الكرسف " (7)

(1) فقه الرضا: 193، المستدرك 2: 43 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1.
(2) في ص 14.
(3) التهذيب 1: 175 / 502، الوسائل 2: 383 أبواب الاستحاضة ب 3 ح 3، ولاحظ الهامش رقم
5 ص 7 من الكتاب.
(4) الكافي 3: 96 الحيض ب 11 ح 2، الوسائل 2: 334 أبواب الحيض ب 30 ح 16.
(5) نقل عنه في المختلف 1: 40.
(6) التهذيب 1: 171 / 487، الوسائل 2: 372 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 4، الكافي 3: 90
الحيض ب 8 ح 5.
(7) التهذيب 1: 171 / 488، الإستبصار 1: 149 / 512، الوسائل 2: 375 أبواب الاستحاضة
1 ح 10.
13

والأولى مطلقة يجب تقييدها بما مر.
والثانية لا تنفى الوضوء بل مجملة بالنسبة إليه أو مطلقة، فحملها على ما
تقدم متعين.
مع أنهما مع فرض الدلالة للشهرة القديمة مخالفة، فلا تصلحان
للمعارضة.
وللإسكافي (9)، فأثبت الثاني في كل يوم وليلة مرة كالأول، لموثقة سماعة،
المضمرة: " المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكل صلاتين وللفجر
غسلا، فإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل يوم مرة والوضوء لكل صلاة،
وإن أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل، هذا إذا كان دما عبيطا، وإن كان صفرة
فعليها الوضوء " (2).
والأخرى عن الصادق عليه السلام: " وغسل المستحاضة واجب، إذا
احتشت بالكرسف فجاز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل صلاتين وللفجر
غسل، وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كل يوم مرة والوضوء لكل
صلاة (3).
وقوله في صحيحة زرارة: " فإن لم يجز الدم الكرسف صلت بغسل
واحد " (4).
والجواب عنها - مع عدم صلاحيتها لمعارضة ما مر لنحو ما ذكر - أن ما مر

(1) نقل عنه في المختلف 1: 40.
(2) الكافي 3: 89 الحيض ب 8 ح 4، التهذيب 1: 170 / 485، الوسائل 2: 374 أبواب
الاستحاضة ب 1 ح 6.
(3) الكافي 3: 40، الطهارة ب 26 ح 2، التهذيب 1: 104 / 270، الإستبصار 1: 97 / 315
الوسائل 2: 173 أبواب الجنابة في ب 1 ح 3.
(4) الكافي 3: 99 الحيض 12 ح 4، التهذيب 1: 173 / 496، الوسائل 2: 373 ها أبواب
الاستحاضة ب 1 ح 5.
14

بعد اختصاصه بما إذا لم يظهر الدم على الكرسف لما يأتي، يكون أخص مطلقا منها
فتخص به قطعا.
مضافا إلى أن تصريح ذيل الأولى بوجوب الوضوء خاصة مع الصفرة
- وليس هو قطعا إلا في القليلة - يوجب تخصيص ما قبله بغيرها البتة، واحتمال
إرادة غسل النفاس من الغسل الواحد في الثالثة.
ثم إن المشهور أنه يجب عليها عند كل وضوء تغيير القطنة أو غسلها، بل
عليه الإجماع عن الناصريات، والمنتهى (1)، لذلك، ولوجوب إزالة النجاسة في
الصلاة إلا ما عفي عنه، ولم يثبت العفو عن هذا الدم ولو فيما دون الدرهم أو فيما
لا تتم فيه الصلاة.
وللأمر بالإبدال في خبر الجعفي، المتقدم (2)، وصحيحتي صفوان
والبصري:
الأولى: " هذه مستحاضة، تغتسل وتستدخل قطنة بعد قطنة، وتجمع بين
صلاتين بغسل، ويأتيها زوجها إن أراد " (3).
والثانية وفيها بعد الأمر بالاستظهار والغسل للحيض: " وتستدخل كرسفا،
فإذا ظهر على الكرسف فلتغتسل، ثم تضع كرسفا آخر ثم تصلي " (4) الحديث.
وللزوم إخراج القطنة لمعرفة حال الاستحاضة، فإدخالها بعينها يوجب
. تلويث ظاهر الفرج الواجب غسله، كما يأتي.
ويضعف الأول: بعدم الحجية. والثاني: بمنع الوجوب أولا، لعدم كون
النجاسة في الظواهر. وثبوت العفو ثانيا إن كان أقل من الدرهم من وجهين وإلا

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 188، المنتهى 1: 120 وفيه: لا خلاف عندنا في الوجوب...
(2) ص 13.
(3) الكافي 3: 90 الحيض ب 8 ح 6، التهذيب 1: 170 / 486، الوسائل 2: 372 أبواب
الاستحاضة ب 1 ح 3.
(4) التهذيب 5: 400 / 1390، الوسائل 2: 375 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 8.
15

فمن وجه واحد، كما يأتي في بحث لباس المصلي.
والأخبار: بمنع الدلالة على الابدال أولا، لجواز أن يراد وضع كرسف
آخر، بل هو الظاهر من استدخال قطنة بعد قطنة، بل هو صريح بعض الأخبار،
كرواية ابن أبي يعفور: " المستحاضة إذا مضت أيام إقرائها اغتسلت واحتشت
كرسفها وتنظر، فإن ظهر على الكرسف زادت كرسفها وتوضأت وصلت " (1).
وعلى الوجوب ثانيا.
وعلى حكم القليلة ثالثا.
والتعدي بدعوى الاجماع المركب في المقام ممنوع جدا.
وبكون العلة عدم العفو عن هذه النجاسة المتحققة في القليلة أيضا،
مردود: بأن العلة لعلها تعدي النجاسة إلى الثوب المتحقق في غير القليلة دونها.
مع أن ظاهر رواية ابن أبي يعفور أنها في القليلة. والمراد من الظهور
على الكرسف تلطخه.
والأخير: بمنع توقف المعرفة على الاخراج أولا، ومنع إيجاب وضعه تلويث
الظاهر ثانيا.
ومن ذلك يظهر أن أصالة عدم وجوب الابدال والغسل عن المعارض
خالية، فالأخذ بها هو الأقوى، كما يظهر من بعض مشايخنا المتأخرين، بل صرح
بالاستحباب (2).
وهل يجب غسل الفرج إن تلوث بهذا الدم؟
التحقيق أنه إن تعدى إلى ظاهره عرفا - لا خصوص ما يظهر عند جلوسها
على القدمين كما عن الشهيد (3) وجماعة (4)، لعدم معلومية كونه من الظواهر - ولم

(1) التهذيب 1: 402 / 1258، الوسائل 2: 376 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 13.
(2) الحدائق 3: 279.
(3) ثم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتب الشهيد الأول، نعم هو موجود في روض الجنان للشهيد الثاني:
83.
(4) منهم. المحقق السبزواري في الذخيرة: 74 معلقا إياه على عدم العفو عن دم الاستحاضة فيما دون
الدرهم.
16

يكن أقل من الدرهم يجب، وإلا فلا، لما يأتي من العفو من أقل الدرهم من دم
الاستحاضة أيضا.
ثم إن عموم ما مر من النصوص يقتضي عدم الفرق فيما ذكر بين صلاة
الفريضة والنافلة. وهو كذلك، وفاقا للفاضلين (1).
خلافا للمحكي عن المبسوط والمهذب (2)، فخصا الوضوء بالفريضة واكتفيا
للنوافل بوضوئها، ولعله لزعم ظهور الصلاة في الفريضة. وهو في محل المنع جدا.
ولا يخفى أن وجوب الوضوء إنما هو مع العلم بتلطخ القطنة بالدم بعد
الوضوء السابق، وإلا فيكتفى بالسابق ما دام باقيا، والوجه ظاهر.
وأما الثانية: فعليها مع الوضوء لكل صلاة، غسل واحد في كل يوم وليلة
لصلاة الفجر، لا أزيد، ما دام الدم كذلك، على الأظهر الأشهر في الأربعة (3)،
كما صرح به جماعة منهم: المحقق الثاني في شرح القواعد، وفي الحدائق (4)،
واللوامع، بل عن الناصريات، والخلاف (5) الاجماع على الثانين.
للرضوي المنجبر ضعفه سندا بما مر، ودلالة على الوجوب بالاجماع المركب:
" فإن لم يثقب الدم القطن صلت صلاتها كل صلاة بوضوء، وإن ثقب الدم
الكرسف ولم يسل صلت صلاة الليل والغداة بغسل واحد وسائر الصلوات

(1) المعتبر 1: 250، المنتهى 1: 121.
(2) المبسوط 1: 68، المهذب 1: 39
(3) أي الأحكام الأربعة المستفادة من كلامه وهي:
1 - وجوب الوضوء لكل صلاة.
2 - وجوب غسل واحد في كل يوم وليلة.
3 - وجوب كون هذا الغسل لصلاة الفجر.
4 - عدم وجوب أزيد من غسل واحد.
(4) جامع المقاصد 1: 341، الحدائق 3: 279.
(5) الناصريات (الجوامع الفقهية): 188، الخلاف 1: 250.
17

بوضوء وإن ثقب الدم الكرسف وسال صلت صلاة الليل والغداة بغسل،
والظهر والعصر بغسل، وتؤخر الظهر قليلا وتعجل العصر، وتصلي المغرب
والعشاء الآخرة بغسل واحد " (1).
مضافا في الأول إلى عموم أكثر ما مر من صحيحة الصحاف (2) وأخبار
الصفرة (3).
وفي الثاني إلى صحيحة البصري، المتقدمة (4).
وفي الثالث إلى الاجماع المركب كما نص عليه والدي - رحمه الله - في
اللوامع.
وفي الرابع إلى الأخبار الكثيرة المصرحة باشتراط الأغسال الثلاثة على
سيلان الدم أو انصبابه أو تجاوزه عن الكرسف (5). وفيه وفي الثاني أيضا إلى موثقتي
سماعة، المتقدمتين (6).
وقد يستدل أيضا: بصحيحتي الصحاف وزرارة (7). وفي دلالتهما خفاء بل
نظر، وإن أطنب في إثباتها والدي العلامة رحمه الله.
خلافا لمحتمل المحكي عن الشيخ في كتبه (8)، والقاضي (9)، والصدوقين في

(1) فقه الرضا: 193، المستدرك 2: 43 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1.
(2) المتقدمة في ص 12.
(3) انظر ص 13.
(4) في ص 15.
(5) انظر الوسائل 2: 371 أبواب الاستحاضة ب 1.
(6) في ص 14.
(7) المتقدمتين في ص 12 و 14.
(8) المبسوط 1: 67، النهاية: 28، مصباح المتهجد 10.
(9) المهذب 1: 37.
18

الرسالة والهداية (1)، والحلبيين (2)، والناصريات (3)، في الأول، حيث لم يذكروه
لصلاة الغداة وإن لم يصرحوا بنفيه أيضا. ويحتمل أن يكون عدم ذكره مبنيا على
وجوب الوضوء مع كل غسل عندهم فكتفوا به.
وللقديمين (4)، والمعتبر، والمنتهى، والمدارك (5)، والمعالم (6)، والأردبيلي،
والبهائي، والسبزواري (7)، بل أكثر الثالثة كما في اللوامع، في الرابع، فأثبتوا الزائد
لها وجعلوها كالثالثة في وجوب الثلاثة.
لإطلاق ما دل على أن الحبلى إذا رأت دما قليلا أو صفرة فلتغتسل عند كل
صلاتين، كصحيحة أبي المغرا، وموثقة ابن عمار (8).
أو على أن الحائض إذا تجاوز دمها عن أيامها تستظهر ثم تمسك قطنة فإن
صبغها دم لا ينقطع فلتجمع بين كل صلاتين بغسل، كصحيحة ابن مسلم (9)
أو على أن المبتدأة إذا استمر دمها تتحيض بالسبعة أو الستة ثم تغتسل غسلا
للفجر وأخر للظهرين وآخر للعشاءين، كالمرسلة الطويلة (10).
أو على أن المستحاضة تضع قطنة وتغتسل لكل صلاتين، كصحيحتي
الحلبي (11) وصفوان (12)

(1) نقله عن الرسالة في الفقيه 1: 50، الهداية 21.
(2) أبو الصلاح في الكافي: 219 وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 550.
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 188.
(4) العماني والإسكافي نقل عنهما في المختلف 1: 40
(5) المعتبر 1: 245، المنتهى 1: 120، المدارك 2: 31
(6) كما نقل عنه في الحدائق 3: 280، والمطبوع منه لا يشتمل على مباحث الأغسال.
(7) مجمع الفائدة 1: 155. الحبل المتين، 53، الذخيرة: 74.
(8) المتقدمتين في ص 10 و 11.
(9) المعتبر 1: 215، الوسائل 2: 377 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 14.
(10) تقدم مصدرها في ج 2 ص 382.
(1 1) الكافي 3: 89 الحيض ب 8 ح 3، الوسائل 2: 372 أبواب الاستحاضة ب ا ح 2.
(12) تقدمت في ص 15.
19

أو على أنها تغتسل ثلاثة أغسال، واحدا للظهرين وواحدا للعشاءين
وواحدا للصبح، كصحيحة ابن سنان (1)، وموثقته (2)، وحسنته (3)، وقوية الفضيل
وزرارة (4).
أو على أنها تغتسل الثلاثة إذا ثقب دمها الكرسف، كصحيحة معاوية (5).
فإنها بأسرها مطلقة خرج القليلة مما يشملها بأخبارها، فيبقى الباقي
مندرجا في الاطلاق.
ويرد: بأن المتوسطة أيضا تخرج منها بما مر من رواياتها، فتبقى هذه الأخبار
مخصوصة بالكثيرة. مضافا إلى إشعار بعضها بذلك الاختصاص. مع أن ندر
المتوسطة لغلبة التجاوز مع الظهور على الكرسف يوهن الاطلاق أيضا.
ثم القول في تغيير القطنة وغسل الفرج هنا بل الخرقة كما مر.
وأما الثالثة: فيجب عليها ثلاثة أغسال: غسل للظهر والعصر تجمع
بينهما، وغسل للمغرب والعشاء كذلك، وغسل للصبح وتجمع بينها وبين صلاة
الليل، بالاجماع المحقق، والمحكي عن الخلاف، والمعتبر، والتذكرة، والمنتهى،
والذكرى (6)، وغيرها.
للنصوص المتكثرة جدا من الصحاح وغيرها التي مرت الإشارة إلى كثير
منها، الدالة عليها بالعموم، المخرج عنه الأوليان بما مر، أو بالخصوص للتصريح
بالانصباب أو السيلان أو التجاوز.

(1) التهذيب 1: 171 / 487، الوسائل 2: 372 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 4.
(2) التهذيب 1: 401 / 1254، الوسائل نفس العنوان المتقدم.
(3) الكافي 3: 90 الحيض ب 8 ح 5، الوسائل نفر العنوان المتقدم.
(4) التهذيب 1: 1253، الوسائل 2: 376 أبواب الاستحاضة ب 1 ت 12
(5) الكافي 3: 88 الحيض ب 8 ح 2، التهذيب 1: 106 / 277، الوسائل 2: 731 أبواب
الاستحاضة ب 1 ح 1.
(6) الخلاف 1: 250، المعتبر 1: 245، التذكرة 1: 29، المنتهى 1: 120، الذكرى: 30.
20

وفي وجوب الوضوء عليها لكل صلاة، كما عن الحلي، والشرائع، والنافع (1)
وأكثر المتأخرين (2).
أو مع كل غسل، كما عن المفيد (3)، وجمل السيد (4)، والمعتبر (5)،
والبشرى (6) واختاره والدي العلامة رحمه الله.
أو عدمه مطلقا، كما عن الناصريات (7)، والصدوقين (8)، والشيخ (9)،
والحلبيين (10)، وابن حمزة (11)، وسلار (12)، وفي اللوامع نسبه إلى ظاهر الأكثر.
أقوال، أظهرها: الأخير؟ للأصل، وخلو النصوص. عنه مع ورودها في
مقام البيان.
للأول: إطلاق قوله سبحانه: (إذا قمتم) (13) وثبوت نقض قليل هذا
الدم فكثيره أولى، وأصالة عدم إغناء الغسل عنه.
ويرد الأول: باختصاصه بحدث النوم كما صرح به في بعض المعتبرة (14)،

(1) السرائر 1: 153، الشرائع 1: 34، النافع: 11.
(2) كالشهيدين في الذكرى: 30 والروض: 84، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 342
(3) المقنعة: 57.
(4) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى) 3 ج 27.
(5) المعتبر 1: 247.
(6) نقل عنه في الذكرى: 30.
(7) الناصريات (الجوامع الفقهية): 188.
(8) المقنع: 15 ونقل عن والده في الفقيه 1: 50.
(9) النهاية: 28، مصباح المتهجد: 10.
(10) أبو الصلاح في الكافي: 129، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 550
(11) الوسيلة: 61.
(12) المراسم: 44.
(13) المائدة: 6.
(14) كما في موثقة ابن بكير، انظر الوسائل 1: 253 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 7.
21

وبالرجال، وإلحاق النسوة بهم إنما هو بالاجماع المفقود في المورد.
وتسليم العموم والتخصيص بالمحدثين بالاجماع ومنع الحدث في المقام - كما
في المدارك - (1) غير سديد، لأن التخصيص حينئذ إنما هو بالقدر الثابت عليه
الاجماع.
والثاني: بمنع الأولوية مع الأغسال.
والثالث: بأنه إنما هو على تقدير الدليل على اللزوم، وهو غير متحقق.
وللثاني: قوله - في المرسلة الطويلة - لبنت أبي حبيش: " فلتدع الصلاة أيام
أقرائها، ثم تغتسل. وتتوضأ لكل صلاة قيل: وإن سال؟ قال: لأن سال مثل
المثعب (2) فإن قوله: (وإن سال) يدل على كونها كثيرة.
ويرد: بعدم دلالته على الوجوب كما ذكرنا غير مرة).
والأخبار المصرحة بأن كل غسل قبله أو فيه وضوء (،).
ويرد أيضا: بعدم الدلالة على الوجوب، كما مر في موضعه.
سلمنا، ولكنه مقيد بكونه محدثا بالاجماع، ولم يثبت الحدث هنا.
وأيضا: إذا كانت متوضئة ولم تحدث بالأحداث الصغريات يصدق أنها
توضأت قبل الغسل.
نعم، يثبت من ذلك أنه؟ يجب الوضوء لو صدر عنها بعد الوضوء حدث
أصغر، وهو كذلك لعمومات إيجابه له.

(1) المدارك 2: 34.
(2) الكافي 3: 83 الحيض ب 8 ح 1، التهذيب 1: 831 / 1138، الوسائل 2: 281 أبواب الحيض
ب 5 ح 1 والمثعب: مسيل الماء.
(3) ولا يرد - لو حمل الغسل في المرسلة على غسل الحيض - أن الوضوء أيضا غير واجب في الكثيرة وهذا
بعيد أن يهمل حكمه الواجب واكتفى بالمستحب، لأن الحكم بالاستحباب إنما هو لأجل الأصل
فيمكن أن يكون واجبا وذكر الواجب في الثلاثة وأهمل حكم المنفرد كما لم يذكر الغسل الواحد
للمتوسطة مع شمول الكلام لها (منه رحمه الله)
(4) انظر الوسائل 2: 248 أبواب الجنابة ب 35.
22

والظاهر أن ذلك أيضا مراد من نفي الوضوء هنا، إلا أن هذا الغسل يكفي
عن الوضوء عن تلك الأحداث أيضا.
ولخبر مروي في قرب الإسناد (1)، الأمر بالوضوء مع غسل الفجر، الدال
على تمام المطلوب بعدم الفصل.
ويرد: بضعفه الخالي عن الجابر في المقام.
والقول في تغيير القطنة، والخرقة، وغسل ظاهر الفرج كما مر (2).
فروع:
أ: صرح غير واحد من الأصحاب بأن اعتبار الجمع بين الصلاتين
والاكتفاء بغسل على الجواز دون الوجوب، فلو فرقت وأفردت كل صلاة بغسل
جاز، وفي المدارك القطع به (3)، وعن المنتهى الاجماع عليه واستحبابه (4).
ويدل عليه ما تقدم من قوله لبنت أبي حبيش في المرسلة، وإن أمكن.
الخدش في دلالته: بحمل الغسل على غسل الحيض.
وقوله فيها حكاية عنها أيضا: " وكانت تغتسل في كل صلاة ".
ويشعر به قوله في موثقة يونس بن يعقوب: " فلتغتسل في وقت كل
صلاة " (5).
ولا ينافيه الأمر بالاغتسال لكل صلاتين أو بثلاثة أغسال في كل يوم، كما
في الأخبار المتكثرة؟ لعدم منافاة وجوب شئ لجواز غيره.
نعم، قوله في المرسلة الطويلة لبنت أبي حبيش: " وأخري الظهر وعجلي

(1) قرب الإسناد: 127 / 447، الوسائل 2: 377 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 15
(2) في ص 15، 16.
(3) المدارك 2: 35.
(4) المنتهى 1: 122 قال: ولا نعرف في ذلك خلافا بين علمائنا.
(5) التهذيب 1: 402 / 1259، الإستبصار 1: 149 / 516، الوسائل 2: 376 أبواب
الاستحاضة ب 1 ح 11.
23

العصر واغتسلي غسلا... " وفي صحيحة البصري: فإذا كان الدم سائلا
فلتؤخر الصلاة إلى الصلاة، ثم تصلي صلاتين بغسل واحد " (1) وفي المروي في
المعتبر - في الصحيح - عن كتاب ابن محبوب: " فلتجمع بين كل صلاتين
بغسل، (2). يدل على وجوب الجمع المنافي للتفريق المستلزم لوجوب الاكتفاء بغسل
واحد، كما عن جماعة منهم: المفيد صريحا، والنافع ظاهرا (3). وهو الأحوط وإن
كان الأول هو الأظهر، لانحصار ما دل على وجوب الجمع بالأخير، ويحمل هو
على الاستحباب بقرينة سابقة.
ب: صرح غير واحد بوجوب كون الطهارة والوضوء في الوقت، فلا يصح
قبله (4). وهو كذلك، لقوله في صحيحة الصحاف: " فلتتوضأ ولتصل عند وقت
كل صلاة " (5).
وفي روايات متعددة " فلتغتسل عند كل صلاتين " (6).
وفي صحيحة ابن سنان: " تغتسل عند كل صلاة الظهر والعصر " إلى أن
قال: " ثم تغتسل عند الصبح " (7) الحديث.
وعدم ثبوت وجوب مقارنة الجميع كغسل المتوسطة أو وضوئها غير ضائر،
للاجماع المركب.
ومقتضى العندية مقارنة الغسل للصلاة ووجوب تعقيبها (8) له عرفا - كما

(1) تقدم مصدرها في ص 15.
(2) تقدم مصدرها في ص 19.
(3) المقنعة: 57، النافع: 11.
(4) كما صرح به في المبسوط 1: 68، والمهذب 1: 38، والذكرى: 31.
(5) الكافي 3: 95 الحيض ب 11 ح 1، التهذيب 1: 168 / 482، الإستبصار 1: 140 / 482،
الوسائل 2: 374 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 7.
(6) كما في رواية أبي المعزا ورواية إسحاق بن عمار (الوسائل 2: 331 أبواب الحيض ب 30 ح 5، 6).
(7) تقدم مصدرها في ص 20.
(8) في " ق " تعقبها.
24

صرح به جماعة (1) - فالقول بعدم وجوبها ضعيف، وجواز انتظار الجماعة - كما عن
النهاية والدروس (2) - غير سديد.
نعم، الظاهر عدم مضرة الاشتغال بمقدمات الصلاة - كالستر والاستقبال
والأذان والإقامة - في العندية العرفية
وفي وجوب مقارنة الوضوء أيضا في القليلة والمتوسطة قول محكي عن
الشيخ، والحلي، وظاهر الذكرى (3)، لكون هذا الدم حدثا، والصلاة بالحدث
مخالفا للأصل، فيجب التقليل ما أمكن.
ولثبوت العفو عما لا يمكن الانفكاك عنه من هذا الدم دون غيره.
وللقطع بالخروج عن العهدة مع المقارنة دون الفصل.
ولتبادره من قولهم عليهم السلام: (تتوضأ لكل صلاة " كما عن قولهم:
" تغتسل عند كل صلاة ".
ولأنه لولاه. لم يحتج إلى وضوء آخر للعصر والعشاء.
وقول آخر بالعدم منقول عن المختلف (4)، للأصل، وصدق الامتثال،
وعمومات تجويز الطهارة في أول الوقت. وهو الأقوى، لذلك.
وضعف أول أدلة المخالف: بالمنع عن وجوب التقليل المخالف للأصل هنا
أولا، وبالمنع عن حدثية مطلق هذا الدم ثانيا.
فإن قيل: لا معنى لحدثيته إلا كونه مانعا عن مثل الصلاة ومرتفعا بالطهارة
كما في سائر الأحداث.
قلنا: الثابت منه حدثيته في الجملة، لا حدثية كل جزء منه لكل صلاة.
والحاصل: أن الحدثية ليست شيئا زائدا على المانعية من الصلاة بل هي عينها،

(1) المدارك 2: 35، الذخيرة: 76، الرياض 1: 48.
(2) نهاية الإحكام 1: 127، الدروس 1: 99.
(3) المبسوط 1: 68، السرائر 1: 152، الذكرى: 31.
(4) المختلف 41
25

فلا يثبت منها إلا ما يثبت منها.
وثانيها: بعدم ثبوت المنع من مطلق هذا الدم حتى يحتاج إلى العفو.
وثالثها: بحصول القطع بما مر.
ورابعها: بمنع التبادر، والفرق بين الفعل لشئ وعنده ظاهر (1).
ج: يجب الغسل أو الوضوء بحصول السبب بعد الطهارة المتقدمة وإن لم
يتصل بوقت الصلاة، وفاقا للبيان، والروض (2)، واللوامع، لاطلاق إيجابه لأحد
الطهورين من غير تخصيص بالوقت.
وقوله في صحيحة الصحاف: " فإن كان الدم لا يسيل فيما بينها وبين المغرب
فلتتوضأ " (3) فإنه يدل على كفاية السيلان في شئ مما بينها وبين المغرب، لعدم إفادة
" ما " الموصولة للعموم.
ولا ينافيه مفهوم قوله فيما بعده: " وإن كان إذا أمسكت يسيل من خلفه
صبيبا فعليها الغسل " حيث إن لفظة: " إذا " مفيدة للعموم، لعدم وجوب السيلان
في جميع الوقت اجماعا، فالمنطوق ليس باقيا على عمومه قطعا حتى يفيد المفهوم ما
بضر.
وعلى هذا فتجب الثلاثة مع استمرار الكثرة من الفجر إلى الليل، أو
حدوثها قبل فعل كل من الصلاة ولو لحظة. ومع عدم استمرارها أو حدوثها
كذلك، فاثنان إن استمر أو حدث إلى الظهر، وواحد إن لم يستمر ولم يحدث
كذلك.
ولو حدثت الأقسام الثلاثة بين صلاتين، كأن تكون قليلة بعد الفجر ثم
صارت متوسطة ثم كثيرة قبل الظهر، يجب امتثال حكم كل منها، لعدم ثبوت
تداخل الأضعف في الأقوى هنا.

(1) لا يخفى أن المصنف - رحمه الله - لم يتعرض للجواب عن الدليل الخامس.
(2) البيان: 66، الروض: 84.
(3) تقدم مصدرها في ص 24.
26

د: كلما حصل سبب لزم موجبه للصلاة التي تتعقبه وإن لم يتصل بها، ثم
لو انقطع قبل الاتيان بموجبه لا يلزم موجبه للصلاة التي بعدها.
فلو حصلت القليلة قبل الفجر توضأت للفجر، انقطع قبله أم لا، ولو
انقطع قبل الوضوء لا يلزم وضوء لصلاة الظهر، ولو لم ينقطع قبل وضوء الفجر
لزم الوضوء للظهر أيضا وهكذا.
ولو حصلت المتوسطة قبل الفجر غسلت له، ولا شئ للظهر لو انقطعت
قبل الغسل، وتوضأت للظهر والعصر لو انقطعت بعده.
ويحتمل وجوب الوضوء للعصر والعشاءين وغسل آخر للفجر الثاني مع
الانقطاع بعد الغسل للفجر الأول أيضا.
ويقوى الاحتمال فيما لو طرأت المتوسطة بعد صلاة الصبح وانقطعت قبل
الظهر مثلا.
ولو حصلت الكثيرة قبل الصبح تغتسل له ولو انقطعت قبله، والظاهر عدم
وجوب الغسل حينئذ لغيره، مع احتمال وجوب الثلاثة أيضا.
ولو لم ينقطع قبله وجب غسل آخر للظهرين، فلو انقطعت قبل غسل
الظهر لم يجب للعشاءين مع احتمال وجوبه.
والحاصل: أن مقتضى أحكام المستحاضة وجوب الغسل للغداة في
المتوسطة والثلاثة في الكثيرة، فإن ثبت إجماع على عدم وجوب غسل الغداة لو
انقطعت المتوسطة قبل وضوء صلاة العشاء، وعدم وجوب غسل الظهرين أو
العشاءين لو انقطعت الكثيرة قبل غسل الغداة أو الظهرين - كما قد يدعى - فهو،
وإلا فلا أرى وجها للسقوط.
ومنه يظهر حكم ما لو اجتمعت الأقسام الثلاثة فيما بين صلاتين واستمر
أحدها أو انقطع الجميع.
ه‍: قيل: لو كان دمها ينقطع حينا، فإن اتسع وقت انقطاعه الطهارة
27

والصلاة، وجب انتظاره، ما لم يضر بالفرض (1).
ولا أرى للوجوب دليلا، والأصل يقتضي العدم..
و: ذات القليلة والمتوسطة لا تجمع بين الفرض والنفل بوضوء، بل تجدد
الوضوء للنافلة ولو غير المرتبة في غير أوقات الصلاة، لاطلاق كثير من الأخبار،
سيما روايات الصفرة (2).
وتجويز الشيخ (3) الجمع ضعيف.
ودعوى تبادر اليومية أو الفريضة من الاطلاقات ممنوعة جدا، لشيوع غيرها
أيضا.
والثانية تجمع في الغسل صلاة الليل والفجر، ولا يضر عدم المقارنة لصلاة
الفجر، إذ ثبوتها إنما هو بالاجماع المركب، ولا تثبت منه مضرة صلاة الليل فيها.
وهل تشترط صحة صلاة الليل بالغسل فيه أم يجوز الاكتفاء بالوضوء وتأخير
الغسل إلى الفجر؟ الظاهر: الثاني، لعدم دليل على اشتراط تهجدها بالغسل سوى
الرضوي (4) القاصر دلالة على الوجوب، الخالي عن الجابر في المورد.
وذات الكثيرة تجمع بين صلاتي الليل والفجر، بين الفرض ونفله وإن تقدم
عليه بغسل واحد، لعدم منافاته للمقارنة العرفية.
مضافا إلى صريح الرضوي في الأول المنجبر ضعفه بالاجماع المحكي في
اللوامع.
وتصلي غير الرواتب والقضاء في غير أوقات الصلاة أو فيها مؤخرا عن
الصلاة من غير غسل آخر ولا وضوء إلا مع حدث موجب لهما من مني أو بول أو
نحوهما، لعمومات الأمر بها، وعدم ثبوت مانع عنها لها سوى الدم، ولم تثبت

(1) جامع المقاصد 1: 342.
(2) انظر ص 13 من الكتاب.
(3) المبسوط 1: 48.
(4) فقه الرضا: 193، المستدرك 2: 43، أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1.
28

مانعيته ولا وجوب الغسل لكل صلاة، وإنما الثابت وجوبه عليها الأغسال
الثلاثة، فتأمل.
ز: النصوص خالية عن تعيين قدر القطنة وزمان اعتبار الدم، فكان
التعويل فيه على العرف والعادة، لأنه المعول في مثله.
ح: مقتضى الأخبار: إناطة الكثرة الموجبة للثلاثة بسيلان الدم من
الكرسف وإن لم يخرج من الخرقة ولم يثقبها.
وعن ظاهر المقنعة اعتبار الخروج والسيلان منها فيها (1). وهو ضعيف.
ط: لو لم يكن لها كرسف ولا خرقة ورأت دما لم تعلم أنه أي الثلاثة تبني
على الأقل، لأصالة عدم خروج الزائد.
المسألة الثانية: الأقوى أنه يجوز للمستحاضة مطلقا قراءة العزائم، ومس
المصاحف، واللبث في مطلق المساجد، مع الجواز في المسجدين. ولا يتوقف شئ
منها على شئ من الأعمال، للأصل الخالي عن الصارف جدا.
خلافا لجماعة، وهم بين من منع عن الأول فيما فيه الغسل قبله (2). ومن
منع عن الثاني قبل الغسل والوضوء كل في مورده (3)، استنادا في القولين إلى دلالة
وجوب الغسل على كونها محدثة بالحدثة الأكبر المانع عن القراءة والمس، ووجوب
الوضوء على كونها محدثة بالأصغر المانع عن الأخير.
ويضعف: بمنع الدلالة المدعاة أولا، وبمنع كلية المانعية ثانيا.
ومن منع عن الثالث قبل جميع الأعمال، لصحيحة ابن عمار: " المستحاضة
تنظر أيامها فلا تصلي فيها ولا يقربها بعلها، وإذا جازت أيامها ورأت الدم يثقب
الكرسف اغتسلت للظهر والعصر، إلى أن قال: أو تضم فخذيها في المسجد
وسائر جسدها خارج، ولا يأتيها بعلها أيام قرئها، وإن كان الدم لا يثقب

(1) المقنعة: 56.
(2) كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 163.
(3) كالوحيد في شرح المفاتيح - مخطوط -.
29

الكرسف توضأت ودخلت المسجد وصلت كل صلاة بوضوء وهذه يأتيها بعلها
إلا في أيام حيضها " (1).
أمر في الكثيرة بجعل سائر الجسد خارج المسجد، وفي القليلة عقب دخول
المسجد عن الوضوء.
ويضعف أولا: بعدم دلالتها على الحرمة أصلا.
وثانيا: بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية في المسجد أبدا.
وثالثا: بمنع الدلالة على ما ذكروه من التفصيل في اللبث والجواز جدا.
ورابعا: بأن الأول بعد الأعمال الموجبة للجواز إجماعا والنهي ص عن إتيان
بعلها إنما هو في أيام الحيض.
وفي موثقة عبد الرحمن (2) - الواردة في حكاية امرأة أخيه في نفاسها - دلالة
على الجواز. والتعقيب الثاني لا يدل على التعليق بوجه.
نعم، لا بأس بالقول بالكراهة في الثلاثة حذرا عن المخالفة.
كما يكره لها دخول الكعبة أيضا، ولو مع الأفعال وفاقا لجماعة (3)،
للمرسلة (4).
وعن الشيخ وابن حمزة القول بالتحريم (5)، وليس بقويم.
نعم، يحرم ذلك بل دخول المساجد مطلقا - على القول بحرمة ادخال
النجاسة الغير المتعدية أيضا فيها - قبل تبديل القطنة والخرقة وغسل الفرج، وهو
أمر آخر، بل بعد التبديل والغسل أيضا لو تلطخ بعدهما.

(1) الكافي 3: 88 الحيض ب 8 ح 2، التهذيب 1: 106 / 277، الوسائل 2: 371 أبواب
الاستحاضة ب 1 ح 1.
(2) الكافي 3: 98 الحيض ب 12 ح 2، الوسائل 2: 385 أبواب النفاس ب 3 ح 9.
(3) منهم الحلي في السرائر 1: 153 والعلامة في التحرير 1: 125، وصاحب الرياض 1: 49.
(4) الكافي 4: 449 الحج ب 153 ح 2، التهذيب 5: 399 / 1389 الوسائل 13: 462 أبواب
الطواف ب 91 ح 2.
(5) المبسوط 1: 331، الوسيلة: 61.
30

وفي توقف جواز وطئها على جميع ما يتوقف عليه تجويز الصلاة من الأعمال،
فلا يجوز قبله مطلقا، كثيرة كانت الاستحاضة أو غيرها، أغسالا كانت الأعمال أم
غيرها، كما عن المقنعة، والاقتصاد، والجمل والعقود، والكافي (1)، والاصباح،
والإسكافي (2)، والمصباح، والحلي، والمنتهى (3)، ناسبا له إلى ظاهر عبارات
الأصحاب.
أو على الغسل خاصة، فلا منع في المتوسطة والكثيرة بعده، في القليلة
مطلقا، كما عن الصدوقين في الرسالة، والهداية (4).
أو عليه وعلى الوضوء كل في موقعه، كما حكي عن ظاهر الأصحاب (5).
أو عليه مع تجديد الوضوء كما عن المبسوط (6).
أو عدم توقفه على شئ من ذلك، كما عن المهذب، والمعتبر، والتحرير،
والتذكرة (7)، والدروس، والبيان، والكركي، والمدارك، والكفاية (8)، وجمع آخر
من المتأخرين.
أقوال، أقواها: أخيرها، للأصل، وعموم قوله سبحانه: " فإذا تطهرن
فأتوهن "، وقوله: " ولا تقربوهن حتى يطهرن " (9)، وإطلاقات حل الوطء.
وصحيحة ابن سنان، وفيها: " ولا بأس أن يأتيها بعلها إذا شاء إلا أيام

(1) المقنعة: 57، الإقتصاد، 246، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 164، الكافي: 129.
(2) نقل عنه في المعتبر 1: 248.
(3) مصباح، المتهجد: 11، السرائر 1: 153، المنتهى 1: 121.
(4) الهداية: 22 ونقله عن والده في الفقيه 1: 50.
(5) حكاه في الذكرى: 31.
(6) المبسوط 1: 67.
(7) المهذب 1: 38، المعتبر 1: 249، التحرير 1: 16، التذكرة 1: 30.
(8) الدروس 1: 99، البيان: 66، جامع المقاصد 1: 344، المدارك 2: 37، الكناية: 6.
(9) البقرة: 222.
31

حيضها " (1).
وصحيحة صفوان، المتقدمة (2) حيث إن قوله فيها: " ويأتيها " عطف على
قوله: " تغتسل " فلا يترتب على المعطوف عليه كما توهم، مع أنه لا وجه للترتيب
فيها أصلا.
والرضوي: " فإذا دام دم المستحاضة ومضى عليه مثل أيام حيضها أتاها
زوجها متى شاء بعد الغسل أو قبله " (3) وغير ذلك مما يأتي.
للمخالف الأول: رواية زرارة والفضيل: " المستحاضة تكف عن الصلاة
أيام أقرائها، وتحتاط بيوم أو يومين، ثم تغتسل كل يوم ثلاث مرات " إلى أن
قال: " فإذا حلت لها الصلاة حل لزوجها أن يغشاها " (4).
وصحيحة البصري: عن المستحاضة أيطؤها زوجها وهل تطوف بالبيت؟
قال: " تقعد قرأها الذي كانت تحيض فيه "، إلى أن قال: " ثم تصلي صلاتين
بغسل واحد، وكل شئ استحلت به الصلاة فليأتها زوجها ولتطف بالبيت " (5).
دلت على أن كل شئ استحلت به الصلاة وكان مبيحا لها فهو مبيح لاتيان
زوجها وطوافها.
والمروي في المعتبر عن مشيخة ابن محبوب: " في الحائض إذا رأت دما بعد
أيامها، إلى أن قال: " فلتجمع بين كل صلاتين بغسل ويصيب منها زوجها [إن
أحب] وحلت لها الصلاة " (6).
والجواب عن الجميع بعدم الدلالة أصلا:

(1) التهذيب 1: 171 / 487، الوسائل 2: 372 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 4
(2) في ص 15.
(3) فقه الرضا: 192، المستدرك 2: 17 أبواب الحيض ب 19 ح 2.
(4) التهذيب 1: 401 / 1253، الوسائل 2: 376 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 12.
(5) التهذيب 5: 400 / 1390، الوسائل 2: 375 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 8.
(6) المعتبر 1: 256، الوسائل 2: 377 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 14، ما بين المعقوفين أثبتناه من
المصدر.
32

أما الأولى فلأنها لا تدل إلا على أنه إذا جازت لها الصلاة جاز وطؤها، ولا
شك أن بالخروج عن الحيض تجوز لها الصلاة، ولا يمنع توقفها على بعض
الشرائط المقدورة عن جوازها، ولذا يصح أن يقال: إذا لم تكن المرأة حائضا تحل
لها الصلاة، مع أنها قد تتوقف على الوضوء والستر وغيرهما. وبالجملة فقد الشرط
المقدور بل الواجب تحصيله لا ينافي الحلية أصلا.
ويؤكد إرادة الخروج من الحيض من حلية الصلاة مسبوقيتها بقوله: " تكف
عن الصلاة أيام أقرائها " ولولا تعين ذلك فلا شك في احتماله الموجب لسقوط
الاستدلال.
والقول بأنه مبني على ارتباط قوله: " فإذا حلت " ورجوعه إلى صدر الخبر،
وهو تعسف، إذ الظاهر ارتباطه بحكم المستحاضة (1). ليس بشئ، إذ المجموع
حكم المستحاضة، والضمير في: " لها " راجع إلى المستحاضة المذكورة أولا التي
يحكم بتحيضها أيام أقرائها، ولا دخل للرجوع والارتباط هنا، بل جميع الجمل
حكم من نص عليه في صدر الرواية بقوله: " المستحاضة... " وعلى هذا فتكون
دلالة الرواية على ما اخترناه أظهر.
وأما الثانية: فبان الذي أظن من معناها - ولا أقل من احتماله - أن قوله:
" وكل شئ " عطف على قوله: " بغسل واحد " يعني: ولتجمع كل صلاتين بغسل
وكذا بكل شئ تتوقف الصلاة عليه من الوضوء وغسل البدن وغيرهما، فلا يتوقف
كل صلاة من الصلاتين على تجديد شئ من هذه الأمور، كما لا يتوقف على تجديد
الغسل، بل تجمع بين كل صلاتين بواحد منها، وقوله: " فليأتها " حكم يتفرع على
قوله: " فلتحتط ولتغتسل وتستدخل كرسفا ".
وأما تفريع قوله: " فليأتها " على قوله: " وكل شئ " فلا أرى له سلاسة، بل
وجها. مع أنه على فرض تسليم التفريع لا دلالة فيها على وجوب التأخير وعدم

(1) كما قال به في الحدائق 3: 293.
33

الحلية قبل هذه الأمور أصلا.
ومنه يظهر وجه عدم دلالة الثالثة أيضا، مضافا إلى أن الاستدلال بها إنما
يكون له وجه لو عطفنا قوله: " حلت " على " أحب " ولا ضرورة تستدعيه، بل
الظاهر أو المحتمل لا أقل: عطفه على قوله: " ويصيب " كما أنه عطف على قوله:
" تمسك " يعني بعد أيام القرء تمسك القطنة ويجوز وطؤها وتحل لها الصلاة.
هذا، مع ما في الجميع من أنهم يشترطون في حلية الصلاة الاحتشاء
واستدخال القطنة والتلجم والاستثفار - كما يأتي (1) - ولا يمكن الوطء مع هذه.
الأمور، ولو أريد غير تلك الأمور من الأفعال لم يكن معنى حلية الصلاة، ولم يكن
إرادته أولى من إرادة معنى آخر، كالحلية بأن تأتي بمقدماتها ثم يواقعها.
مضافا إلى أن حلية الصلاة - كما عرفت - إنما هي بعد الغسل أو الوضوء في
الوقت مقارنا للصلاة، ولا تحل بغسل أو وضوء آخر، ولازمه عدم جواز الوطء إلا
في أوقات الصلاة قبل إيقاعها، ولعلهم لا يقولون به، بل عدم جوازه أبدا، إذ
بعد الغسل أو الوضوء يجب الاشتغال بالصلاة فورا، ولا تحل الصلاة بغسل آخر
بعد الصلاة إلا أن تغتسل غسلا آخر للصلاة بعد الوقاع، فتأمل.
للثاني: قوله: " فحين تغتسل " في موثقة سماعة، المتقدمة في القليلة (2).
ورواية مالك: عن وطء المستحاضة: " ينظر الأيام التي كانت تحيض فيها "
إلى أن قال: " ويغشاها فيما سوى ذلك من الأيام، ولا يغشاها حتى يأمرها
فتغتسل " (3).
وقوله: " ولا يأتيها بعلها أيام قرئها " في صحيحة ابن عمار، السابقة (4)،
بحمل القرء على الطهر بقرينة لزوم التكرار لولاه، حيث إنه منع عن قرئها أيام

(1) في ص 41.
(2) في ص 14.
(3) التهذيب 1: 402 / 1257، الوسائل 2: - 379 أبواب الاستحاضة ب 3 ح 1.
(4) في ص 12.
34

حيضها أولا، وليحصل التخالف بينها وبين القليلة المفهوم من قوله أخيرا:
" وهذه يأتيها بعلها ".
والرضوي: " وإن زاد دمها على أيامها اغتسلت للفجر " إلى أن قال: " وهذه
صفة ما تعمله المستحاضة بعد أن تجلس أيام الحيض على عادتها، والوقت الذي
يجوز فيه نكاح المستحاضة وقت الغسل وبعد أن تغتسل وتنظف، لأن غسلها يقوم
مقام الطهر للحائض ".
وقوله أيضا: " وإن رأت الدم كثر من عشرة أيام فلتقعد من الصلاة عشرة
أيام ثم تغتسل يوم حادي عشرها " فبين أقسام المستحاضة وأحكامها إلى أن قال:
" فإذا دخلت في أيام حيضها تركت الصلاة ومتى اغتسلت على ما وصفت حل
لزوجها أن يغشاها ".
والجواب: أما عن الأولى: فبعدم الدلالة على الحرمة قبل الاغتسال غايتها
المرجوحية، مع أن إرادة حين جواز الغسل، أي: مضي أيام الحيض، ممكنة، وهو
وإن كان مجازا ولكن الحمل على بعد الغسل أيضا مجاز لا ترجيح له على الأول
كثيرا.
وأما عن الثانية: فمع ما مر من عدم الدلالة على التحريم، بأن الظاهر
منها غسل الحيض الذي يكره الغشيان قبله.
وأما عن الثالثة: فمع ما تقدم أيضا سيما مع أنه لولاه لزم التخصيص بما قبل
الأعمال، بعدم دليل على إرادة الطهر من القرء، فيحتمل الحيض ولا تكرار فيه،
إذ يمكن أن يكون المراد بقوله: " المستحاضة " الحائض كما عبر عنها بها كثيرا في
الروايات، فالأول حكم الحائض والثاني حكم المستحاضة.
والمراد: أن الحائض لا يقربها بعلها أيام حيضها، وإذا جاز دمها وصارت
مستحاضة تفعل كذا وكذا، ولا يقربها بعلها أيضا أيام حيضها.
وأما قوله: " وهذه يأتيها بعلها) فيمكن أن يكون إشارة إلى التي جازت
أيامها المذكورة أولا، لا خصوص التي دمها لا يثقب الكرسف، فيكون بيانا لجواز
35

وطء المستحاضة في غير أيام حيضها، ويكون التخصيص المذكور بقوله: " وهذه "
لمقابلة قوله: المستحاضة - أي الحائض - لا يقربها بعلها ".
وأما عن الرابعة: فبوجوب الحبل على الكراهة بقرينة قوله السابق في أدلة
المختار، مع أن الظاهر من قوله: " وقت الغسل وبعد أن تغتسل " عدم التوقف
على الغسل، إذ المراد بوقت الغسل وقت جوازه.
والحاصل: أن بعد ما ذكر أنه إذا زاد الدم على الأيام اغتسلت للفجر، قال:
" ووقت جواز نكاحها وقت غسلها وبعده " أي وقت زيادة الدم وما بعده، فإن ذلك
قائم مقام طهر الحائض وإن لم يكن طهرا حقيقة لوجود الدم.
وأما قوله:. " ومتى اغتسلت على ما وصفت " فبيانه: أنه عليه السلام ذكر
أولا أنها إذا رأت أكثر من عشرة أيام تغتسل اليوم الحادي عشر ثم تفعل عمل
المستحاضة، إلى أن دخلت ثانيا في أيام حيضها، فحينئذ تركت الصلاة أيضا إلى
اليوم الحادي عشر فقوله: " متى اغتسلت " إشارة إلى غسل اليوم الحادي عشر
الذي به تخلص عن الحيض، لا أغسال الاستحاضة، ولذا أخره عن قوله: " فإذا
دخلت " إلى آخره، ولو منع من تعين ذلك فلا أقل من احتماله المسقط للاستدلال.
وللثالث: أخبار توقفه على حل الصلاة الذي هو الخروج عن الحدث الذي
يتوقف على الغسل أو الوضوء كل في موقعه. وقد عرفت جوابه.
وللرابع: المروي في قرب الإسناد وفيه: قلت: يواقعها زوجها؟ قال: " إذا
طال بها ذلك فلتغتسل ولتتوضأ ثم يواقعها " (1).
وجوابه: أنه ضعيف لا يصلح للحجية. مع أنه علق الوجوب على طول
الاستحاضة، ومفهومه إما عدم وجوب الغسل والوضوء أو عدم جواز الوطء ولو
مع الغسل قبله، وكل منهما خلاف الواقع، فارتكاب نوع من التجوز فيه لازم.
الثالثة: المشهور: عدم توقف صحة صومها على غير الأغسال من الأفعال

(1) قرب الإسناد: 127 / 447، الوسائل 2: 377 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 15.
36

وتوقفها عليها، بل في اللوامع ادعى على الحكمين الاجماع، كما نسب ثانيهما في
المدارك إلى مذهب الأصحاب (1).
للأصل في الأول، ومكاتبة ابن مهزيار في الثاني: امرأة طهرت من حيضها
أو نفاسها من أول شهر رمضان، ثم استحاضت وصلت وصامت شهر رمضان
من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكل صلاتين، فهل يجوز
صومها وصلاتها، أم لا؟ فكتب [عليه السلام] " تقضي صومها ولا تقضي
صلاتها " (2) الخبر...
والتفرقة بين الصلاة والصوم مع عدم قول بها غير ضائر، كالاشكال الوارد
في تتمة الخبر (3)، لأن الخلل والاشكال في بعضه لا يخرجان ما فيه عن الحجية،
مع امكان التأويل بما يرفع الخلل ويدفع الاشكال، كما هو مذكور في كتب
الأصحاب (4).
خلافا في الأول للمحكي عن ظاهر صوم النهاية، والسرائر (5)، فحكما
بالفساد إذا أخلت بما عليها، وهو يشمل الوضوء وتغيير القطنة، وعن ظاهر
الإصباح والمروي عن الأصحاب في طهارة المبسوط، فالفساد إذا أخلت بالغسل
أو الوضوء (6). ولا دليل لشئ منهما.

(1) المدارك 2: 38.
(2) الكافي 4: 136 الصيام ب 55 ح 6، الفقيه 2: 94 / 419، التهذيب 4: 310 / 937، الوسائل
2: 349 أبواب الحيض ب 41، ح 7.
(3) تتمة الخبر - على ما في الكافي والتهذيب -: " لأن رسول الله صلى عليه وآله كان يأمر فاطمة
عليها السلام والمؤمنات من نسائه بذلك " وهكذا في الطبعة الجديدة من الفقيه، ولكن المنقول من
الفقيه في الوسائل وروضة المتقين 3: 406 وجامع الأحاديث 2: 548 ليس مشتملا على كلمة
" فاطمة " وكذا في علل الشرائع: 213.
(4) انظر الحدائق 2: 297.
(5) النهاية: 165، السرائر 1: 153.
(6) المبسوط 1: 68 قال: لاذا فعلت ما يجب عليها من الأغسال وتجديد الوضوء لم يحرم عليها شئ
مما يحرم على الحائض... وإن لم تفعل ما يجب عليها وصامت فقد روى أصحابنا أن عليها
القضاء.
37

وفي الثاني للمحكي عن المبسوط (1)، والمعتبر (2)، فتوقفا في الحكم، وهو
ظاهر جمع من المتأخرين، كالمدارك والبحار (3) وشرح القواعد للهندي، وشرح
الإرشاد للأردبيلي والحدائق (4)، لما في الخبر من الوهن سندا، لاضماره، والخلل متنا
كما مر، والقصور دلالة، لعدم التصريح بوجوب قضاء الصوم، بل نهايته
الرجحان المحتمل للاستحباب، ولاحتمال أن يكون لفظ " تقضي صومها " من باب
التفعل ويكون المعنى: أن صومها صحيح دون الصلاة.
وهو في محله جدا، والاحتياط لا يترك مهما أمكن.
ثم المتوقف عليه على القول به هل هو الأغسال النهارية فقط لكل يوم كما
عن المنتهى، والتذكرة، والبيان (5)، ونسبه في اللوامع إلى الجماعة، أو غسل الفجر
خاصة، أو ليلته اللاحقة كذلك، أو السابقة كذلك، أو الليلتين؟ كما جعل كلا
منها بعضهم وجها، ولم يبينه جماعة كالشيخ، وابني إدريس وسعيد (6)، والفاضل
في القواعد والتحرير والارشاد والنهاية (7)، فعبروا بالأغسال الظاهرة في العموم.
ويحتمل قويا: عدم الحكم بالبطلان إلا مع ترك جميع الأغسال النهارية
والليلية الماضية والمستقبلة، إذ لا يستفاد غير ذلك من المكاتبة فإن ظاهرها ترك

(1) لعل وجه نسبة التوقف إلى المبسوط، أنه أسند الحكم إلى رواية الأصحاب ولم يصرح فيه بإثبات
ونفي ولكنه في كتاب الصوم من المبسوط 1: 288 صرح بأنه متى لم تفعل ما تفعله المستحاضة
جب عليها قضاء الصلاة والصوم.
(2) المعتبر 1: 248.
(3) المدارك 2: 39، بحار الأنوار 78: 113.
(4) كشف اللثام 1: 102، مجمع الفائدة 1: 163، الحدائق 3: 301.
(5) المنتهى 1: 586، التذكرة 1: 30، البيان: 66.
(6) المبسوط 1: 68، السرائر 1: 153، الجامع: 44.
(7) القواعد 1: 16، التحرير 1: 16، الإرشاد 1: 229، نهاية الإحكام 1: 27 1.
38

جميع الأغسال، فالحكم فيها بقضاء كل يوم يمكن أن يكون لجميع ما ذكرنا،
ولكل واحد، ولكل اثنين، والأول يقيني والباقي مشكوك فيه.
ودعوى القطع بعدم مدخلية الليلة المستقبلة، غير مسموعة، إذ لا سبيل
إلى القطع بالشرعيات من غير جهة النقل التي هي هنا مفقودة.
والأقوى منه - باعتبار عموم الخبر من جهة ترك الاستفصال أو اطلاقه حيث
يدل على أن ترك الغسل لكل صلاتين يوجب القضاء سواء ترك الجميع أم لا -
الحكم بالبطلان بترك النهارية البتة، وأما الليلية فلإجمالها من جهة أنه لا يعلم أن
سبب الأمر بالقضاء في الخبر الليلة الماضية أو المستقبلة لا يفيد في الحكم.
ثم على القول بالتوقف على جميع الأغسال أو النهارية خاصة هل يجب
تقديم غسل الفجر عليه أم لا؟
ظاهر الدليل: الثاني، للأصل، وصدق الاتيان بما عليها.
وقيل بالأول، لدلالة التوقف على كون الاستحاضة حدثا مانعا من
الصوم، فيجب رفعه قبل الدخول فيه.
وفيه نظر ظاهر.
نعم، لو قلنا بالتوقف على غسل الليلة الماضية فتركها يبطل إلا مع تقديم
غسل الفجر عليه.
الرابعة: انقطاع الدم بعد إيقاع ما يجب من الطهارتين لا يوجب سقوط
مقتضاه للصلاة الآتية، بل يجب لها مع بقائه بعد الطهارة ولو بلحظة، سواء كان
انقطاع برء أو فترة كما مر.
نعم، لو قلنا بأن المعتبر حصول الدم أوقات الصلاة لا يجب معه.
وهل يؤثر ذلك الانقطاع في الطهارة الحاضرة لو حدث بعدها وقبل الصلاة
إما مطلقا، كما عن المبسوط، والمهذب، والاصباح، والسرائر، والذكرى (1)، أو

(1) المبسوط 1: 68، المهذب 1: 38، السرائر 1: 153، الذكرى: 31.
39

إذا كان انقطاع برء دون فترة، كما عن ظاهر الخلاف وفي القواعد، والمنتهى (1)،
ومال إليه جمع من متأخري المتأخرين (2)، أو مع فترة متسعة للطهارة والصلاة ثانيا،
كما عن نهاية الفاضل (3)، فإنهم قالوا بالتأثير فيبطلها ويوجب الوضوء لأن هذا
الدم حدث مغتفر بعد الطهارة وقبل الصلاة حال الضرورة، وهي الاستمرار أو
عدم البرء فلا ينسحب فيما لا ضرورة فيه، أعني حال الانقطاع مطلقا أو للبرء.
أو لا يؤثر مطلقا، كما عن المحقق والجامع (4)؟
الأقوى: الأخير، لاستصحاب جواز الدخول في الصلاة قبل الانقطاع،
وعدم معلومية تقييده (5) بالاستمرار، ولأنه لم يثبت تأثير هذا الدم شرعا زائدا على
إيجاب ما فعلت، وأما غيره فلا.
وكونه حدثا مطلقا ممنوع، ولو سلم فكونه مؤثرا في شئ زائدا على ما فعلت
غير ثاب (6).
ومما ذكرنا ظهر عدم تأثيره في بطلان الطهارة والصلاة لو حصل في أثناء
الصلاة فتستمر في صلاتها. خلافا لجماعة (7)، فقالوا بتأثيره وإيجابه للوضوء وإعادة
الصلاة، هذا.
ثم إنه على فرض التأثر في الصورتين فالتخصيص بالوضوء لا وجه له، بل
اللازم في كل دم تأثيره فيما يوجبه.
هذا كله إذا لم يصدر حدث آخر غير الدم، وأما لو حصل غيره من ريح أو

(1) الخلاف 1: 251، القواعد 1: 16، المنتهى 1: 122.
(2) المدارك 2: 40، الحدائق 3: 302.
(3) نهاية الإحكام 1: 128.
(4) المعتبر 1: 112، الجامع: 45.
(5) في " ق " و " ه‍ " تقيده.
(6) والاستدلال للمختار بثبوت العفو ليس بجيد، إذ الخصم يمنع بثبوته ويخصه بصورة الاستمرار
ويدعى تبادرها أيضا من الأخبار. (منه رحمه الله).
(7) منهم الشهيد في الدروس 1: 99.
40

بول أو مني وجب مقتضاه.
" الخامسة: يجب عليها الاستظهار في منع الدم بقدر المكنة، للأمر
بالتعصب، والاحتشاء، والاستيثاق، والتلجم، والاستذفار، والاستثفار (1) في
المرسلة الطويلة، وموثقة زرارة، وصحاح الصحاف والحلبي وابن عمار (2).
، والمستفاد منها مضافا إلى عدم تيسر الغسل بعد أكثر تلك الأفعال كون محله
بعد الغسل. وقيل: قبل الوضوء (3) ولم يظهر له وجه تام، والتوجيه بتحقق
الصلاة عقيب الطهارة غير وجيه.

(1) التعصب: شد العصابة، والاحتشاء: الامتلاء والمراد منه في المقام استدخال شئ للمنع من
سيلان الدم، والاستيثاق: أخذ الوثاق وهو ما يشد به من قيد وحبل ونحوهما. والتلجم: أخذ
اللجام والمراد في المقام أن يجعل موضع خروج الدم عصابة تمنع منه تشبيها باللجام في فم الدابة.
وأما الاستثفار فذكر في النهاية الأثيرية 1: 214 في تفسيره: أن تشد فرجها بخرقة عريضة بعد أن
تحتشي قطنا وتوثق طرفيها في شئ تشده على وسطها فتمنع بذلك سيل الدم وهو مأخوذ من ثفر
الدابة الذي يجعل تحت ذنبها. وأما الاستذفار فقد ورد في نسخة من صحيحة الحلي المروية في
الكافي 3: 89 وروى عنه في الوسائل 2: 372 عن أبي جعفر عليه السلام " قال سئل رسول الله
صلى الله عليه وآله... إلى أن قال: ثم تغتسل وتستدخل قطنة وتستثفر (تستذفر خ ل) بثوب ثم
تصلي حتى يخرج الدم من وراء الثوب " وفي الكافي بعد تمام الرواية ما لفظه: والاستذفار أن تطيب
وتستجمر بالدخنة وغير ذلك، والاستثفار أن تجعل مثل ثفر الدابة قال في مرآة العقول 13: 225:
والظاهر أنها نسخة الجمع لا البدل بقرينة التفسير. أو يكون في الكتاب الذي أخذ المصنف الخبر
منه النسختان معا ففسرهما أو ذكر أحدهما استطرادا والظاهر أنه كان في هذا الخبر بالذال وفي الخبر
السابق بالثاء ففسرهما هنا. وفي الوافي 6 / 471: ربما يقال باتحاد معنييهما وأنه قلب الثاء ذالا.
كيفما كان فما ذكروه في اللغة في مادة: " ذفر " لم يظهر له مناسبة للمقام من منع المرأة عن
سيلان الدم ففي القاموس 2: 35 الذفر محركة: شدة ذكاء الريح... ومن المحتمل أن يكون
الصحيح: الاستزفار بالزاء فإن الزفر: الذي يدعم به الشجر، والأزفر: الفرس العظيم الجنبين
(القاموس 2: 41) ولا يخفى مناسبته للمعنى المراد في المقام وهو شد الوسط والاستقواء به على منع
الدم.
(2) المتقدمة في ج 2: 405، 438، 438، وهذا المجلد ص 2 1، 8 1، 19.
(3) الرياض 1: 49.
41

وهل هو شرط في صحة الوضوء والصلاة حتى لو لم تستظهر وخرج الدم
بعد الوضوء بطل أو في الصلاة بطلت، أم هو واجب برأسه حتى لم يبطل شئ
منهما؟
مقتض الأصل: عدم الشرطية، إلا أن يعلل الوجوب للصلاة: بلزوم
منع الدم وتقليلها ولو كان أقل من الدرهم، وللوضوء: بحدثيته وعدم العفو إلا
في مورد ثبت عنه العفو.
ولكن في الأول: منع اللزوم إلا إذا تعدى إلى الثوب والبدن وصار قدر
الدرهم.
وفي الثاني: منع الحدثية، فلا يبطل بالتقصير فيه الوضوء.
نعم، تبطل الصلاة من جهة أخرى، وهي النهي عنها الملزوم للأمر
بالاستظهار.
وقد يقال بوجوب هذا الاستظهار في النهار لأجل صومها. وهو ضعيف
جدا.
السادسة: غسلها كغسل الحائض في كل حكم حتى في حاجته إلى الوضوء
لو كانت محدثة بالحدث الموجب له.
نعم، يستثنى من المساواة الكلية الموالاة الغير المعتبرة في غيره من الأغسال
المعتبر فيه، تحصيلا للمقارنة اللازمة للصلاة.
42

الفصل الرابع:
في غسل النفاس
والمراد بالنفاس هنا دم الولادة، والكلام هنا إما في تعيين النفاس أو في
أحكامه، وفيه بحثان:
البحث الأول: في تعيينه
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الدم الخارج حال الطلق - وهو وجع الولادة قبل خروج
شئ من الولد - ليس نفاسا بالاجماع المحقق والمنقول (1) مستفيضا، والنصوص:
منها: موثقة عمار: والمرأة يصيبها الطلق أياما أو يوما أو يومين فترى الصفرة
أو دما، قال: " تصلي ما لم تلد " (2) الحديث.
وقريبة منها مرسلة الفقيه عن عمار (3) أيضا.
ورواية الخلقاني، المروية في مجالس الشيخ: فإنها رأت الدم وقد أصابها
الطلق فرأته وهي تمخض، قال: " تصلي حتى يخرج رأس الصبي، فإذا خرج رأسه
لم تجب عليها الصلاة " إلى أن قال: " وهذه قذفت بدم المخاض إلى أن يخرج
بعض الولد، فعند ذلك يصير دم النفاس) (4) الحديث.
ورواية السكوني، المتقدمة في حيض الحبلى (5).

(1) كما نقله في المنتهى 1: 123، والرياض 1: 50.
(2) الكافي 3: 100 الحيض ب 13 ح 3، التهذيب 1: 403 / 1261، الوسائل 2: 391 أبواب
النفاس ب 4 ح 1.
(3) الفقيه 1: 56 / 211. والرواية ليست بمرسلة، فإن للصدوق طريقا إلى عمار ذكره في المشيخة
(راجع خاتمة الفقيه 4: 4).
(4) أمالي الطوسي: 708.
(5) راجع ج 2: 401.
43

ثم إن هذا الدم إن استجمع شرائط الحكم بالحيضية حتى في الحامل - كما
تقدمت - فهو حيض.
ويزيد على الشرائط هنا اشتراط تخلل أقل الطهر بالنقاء أو الدم، بين آخره
وبين النفاس على الأظهر الأشهر، كما صرح به جماعة، بل عن الخلاف (1) نفي
الخلاف عنه، وهو المحكي عن نهاية الفاضل والقواعد، والذكرى، وشرح
القواعد للكركي، والروض (2)، واختاره والدي قدس سره.
لاطلاق الأخبار المذكورة المجوزة للصلاة، خرج عنها الجامع للشرائط مع
تخلل أقل الطهر، بالاجماع المركب من كل من قال باجتماع الحيض مع الحبل إما
مطلقا أو بشرط خاص، فيبقى الباقي.
ولو عارضها ما دل على حيضية دم الحامل مع الأوصاف في أيام العادة، لم
يضر، لوجوب الرجوع إلى أصالة عدم الحيضية ولزوم العبادة.
مضافا في بعض الصور إلى قوله في صحيحة ابن مسلم -: " أقل ما يكون:
عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم، (3) بل في جميعها إلى مطلق الأخبار الدالة
على أن أقل الطهر عشرة.
والاستدلال: بكون النفاس كالحيض، فيشترط تخلل العشرة بينهما؟
وباشتراط تخلله بين النفاس والحيض المتعقب له، فالمتقدم مثله، لعدم قول
بالفرق، ضعيف:
أما الأول: فلعدم ثبوت التماثل المطلق، ومطلقه لو ثبت 2 لم ينفع، مع أنه
لا ينفي حيضية الدم المتصل بالنفاس، لجواز حيضية المجموع بناء على ذلك.

(1) الخلاف 1: 246.
(2) نهاية الإحكام 1: 130، القواعد 1: 16، الذكرى: 33، جامع المقاصد 1: 347، الروض:
89.
(3) الكافي 3: 76 الحيض ب 1 ح 4، التهذيب 1: 157 / 451 الإستبصار 1: 131 / 452،
الوسائل 2: 297 أبواب الحيض ب 11 ح 1.
44

وأما الثاني: فلمنع ثبوت عدم الفرق.
خلافا للمنتهى، والمدارك، والذخيرة، والمحكي عن التذكرة (1)، لضعف
الأخبار المتقدمة، فيبقى ما يدل على الحيضية عن المعارض خاليا. وجوابه ظاهر.
وعلى هذا فما لا يتخلل بينه وبين النفاس أقل الطهر لا يكون حيضا، كما
يكون كذلك مطلقا إن قلنا بعدم اجتماع الحيض مع الحبل.
وفي الحكم بكونه استحاضة أم لا، يرجع إلى ما يحكم به في غير تلك
الصورة.
الثانية: الخارج بعد خروج تمام الولد نفاس بالاجماع، كما في المنتهى، وعن
التذكرة (2)، ونفى عنه الخلاف في شرح القواعد للكركي، وعن نهاية الإحكام (3).
وفي الخارج معه خلاف: فالمحكي عن المقنعة، والخلاف، والمبسوط (4)
صريحا، وعن النهاية، والمصباح، ومختصره، والاقتصاد (5)، والمراسم، والسرائر،
والمهذب، والشرائع (6) ظاهرا، وفي النافع، والمعتبر، والقواعد، وشرحه (7)، بل في
الأخير دعوى الشهرة عليه - كما عن الثاني عليه الاجماع - أنه نفاس، للروايتين
الأخيرتين (8) المنجبرتين بما ذكر.
وعن الجملين (9)، والكافي، والغنية، والوسيلة، والاصباح، والجامع. (10)،

(1) المنتهى 1: 123، المدارك 2: 44، الذخيرة: 77، التذكرة 1: 36.
(2) المنتهى 1: 123، التذكرة 1: 35.
(3) جامع المقاصد 1: 346، نهاية الإحكام 1: 130.
(4) المقنعة: 57، الخلاف 1: 246، المبسوط 1: 68.
(5) النهاية: 29، مصباح المتهجد: 1 1، الإقتصاد: 247.
(6) المراسم: 44، السرائر 1: 156 المهذب 1: 39، الشرائع 1: 35.
(7) النافع: 11، المعتبر 1: 252، القواعد 1: 16، جامع المقاصد 1: 346.
(8) رواية الخلقاني ورواية السكوني المتقدمتين في ص 43.
(9) الجمل والعقود للطوسي (الرسائل العشر): 165، ولم نعثر عليه في جمل العلم والعمل
للمرتضى، ونقل عنه في كشف اللثام 1: 103.
(10) الكافي: 129، الغنية (الجوامع الفقهية): 550، الوسيلة: 61، الجامع: 44.
45

أنه ليس بنفاس، للأصل، والخبرين الأولين (1)، وما بمعناهما المعلق ترك الصلاة
على الولادة المتبادر منها خروج تمام الولد.
وتظهر الفائدة فيما لو لم تر دما بعد خروج التمام.
والحق هو الأول، لما مر، والشك في توقف صدق الولادة على خروج التمام،
بل في اللوامع: وكأن صدق الولادة بخروج جزء من الولد مما لا ريب فيه. هذا.
ثم إن ظاهر الأخبار ومقتضى الأصل ولزوم العبادة: اختصاص النفاس
في الدم الخارج مع ما يسمى ولدا، لا مثل المضغة والعلقة والنطفة. فإلحاقها به
مطلقا، أو مع العلم بكونها بدء نشوء آدمي، أو إلحاق الأول خاصة كذلك - كما
ذهب إلى كل بعض (2) - ضعيف خال عن الدليل، والعلم بمبدئية نشوء الانسان
غير كاف، وكونه دما عقيب الحمل غير مفيد، والاجماع المحكي عن التذكرة (3) في
بعض الصور لا حجية فيه.
الثالثة: لا حد لأقل النفاس بالاجماع، له، وللأصل، وخبر المرادي: عن
النفساء كم حد نفاسها حتى تجب عليها الصلاة، وكيف تصنع؟ قال: " ليس لها
حد " (4).
وفي صحيحة ابن يقطين: عن النفساء " تدع الصلاة ما دامت ترى الدم
العبيط " (5).
خرج منهما طرف الكثرة الثابت فيه التحديد بالاجماع، والنصوص، فيبقى
جانب القلة. فيجوز أن يكون لحظة، بل يجوز أن لا ترى دما كما في قضية

(1) موثقة عمار ومرسلة الفقيه المتقدمتين في ص 43.
(2) فذهب في القواعد 1: 16 إلى كفاية المضغة، وقال في الدروس 1: 100 يكفي المضغة دون العلقة إلا أن
تشهد أربع نساء عدول بأنها مبدأ الولد.
(3) التذكرة 1: 35.
(4) التهذيب 1: 180 / 516، الإستبصار 1: 154 / 533 الوسائل 2: 382 أبواب النفاس ب 2
ح 1.
(5) التهذيب 1: 174 / 497، الوسائل 2: 387 أبواب النفاس ب 3 ح 16.
46

الجفوف (1)، وحينئذ لا يثبت النفاس بالأصل والإجماع.
وجعل مجرد خروج الولد حدثا أكبر أو أصغر - كبعض العامة (2) - تشريع
مردود.
وأكثره العشرة، وفاقا للمحكي عن والد الصدوق (3)، والمقنع، والمقنعة،
والشيخ، والقاضي (4)، والحلي، والحلبي، والمحقق (5)، والجعفي، وابن
طاووس (6)، والفاضل في غير المختلف، والشهيد (7)، وأكثر المتأخرين، ونسبه
الكركي، والهندي (8) - بل عن المبسوط - إلى أكثر، لمرسلتي المفيد، والرضوي
المنجبر ضعفها بما ذكر.
الأولى نقلها في المقنعة: " إن أقصى مدة النفاس عشرة أيام " (9).
والثانية نقلها عنه الحلي في أوائل السرائر: " لا يكون دم نفاس زمانه أكثر
من زمان الحيض " (10)
والثالثة: " والنفساء تدع الصلاة أكثره مثل أيام حيضها وهي عشرة أيام،
وتستظهر بثلاثة أيام، ثم تغتسل، فإن رأت الدم عملت كما تعمل

(1) إشارة إلى ما نقله في المعتبر 1: 253 قال: وقد حكي أن امرأة ولدت على عهد رسول الله - صلى
الله عليه وآله - فلم تر دما فسميت الجفوف.
(2) نسبه في المغني 1: 242 إلى أحد وجهي الشافعية.
(3) نقل عنه في المختلف: 41.
(4) المقنع: 16 المقنعة: 57، المبسوط 1: 69، النهاية: 29، المهذب 1: 39.
(5) السرائر 1: 154، الكافي: 129، الشرائع 1: 35.
(6) نقل في الذكرى: 33 عن الجعفي في " الفاخر " وابن طاووس القول برجوع النفساء إلى عادتها في
الحيض، وهو يدل على قولهما بعدم زيادة النفاس عن العشرة بالتقريب الذي سيذكره في المتن.
(7) المنتهى 1: 124، التذكرة 1: 36، القواعد 1: 16، الذكرى: 33 الدروس 1: 100.
(8) جامع المقاصد 1: 347، كشف اللثام 1: 103.
(9) المقنعة: 57.
(10) السرائر 1: 53.
47

المستحاضة " (1).
والمعتبرة. المتكثرة جدا، الآتية بعضها، المصرحة بأنها تجلس بقدر حيضها
وتغتسل بعده، وأنه يغشاها زوجها بعد مضي عدة حيضها (2)، فإنها صريحة في عدم
التجاوز عن العشرة وإن جاز الأقل أيضا، إذ لا تقعد حائض أكثر من العشرة ولو
كانت مبتدأة أو مضطربة.
وما يأتي (3) من مرفوعة إبراهيم وخبر المنتقى، المصرحين بكون أكثره أقل من
ثمانية عشر، إذ لا قول بغير العشرة في الأقل منها.
وبما ذكر يخصص عموم صحيحة ابن يقطين، المتقدمة.
خلافا للمختلف (4)، وللمحكي عن الفقيه، والسيد (5)، والإسكافي (6)،
والديلمي (7)، فجعلوه ثمانية عشر مطلقا، وهو قول آخر للمفيد (8) أيضا.
للصحاح الدالة على جلوس أسماء في النفاس ثمانية عشر يوما، وأمر رسول
الله (صلى الله عليه وآله) إياها بالغسل بعد مضي الثمانية عشر (9).
وموثقة ابن مسلم: عن النفساء كم تقعد؟ قال: " إن أسماء نفست، فأمرها
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أن تغتسل في ثمانية عشر، فلا بأس أن تستظهر بيوم أو

(1) فقه الرضا: 191، المستدرك 2: 47 أبواب النفاس ب 1 ح 1.
(2) انظر الوسائل 2: 382 أبواب النفاس ب 3.
(3) في ص 49، 50.
(4) المختلف: 41.
(5) الفقيه 1: 55، الإنتصار: 35، الناصريات (الجوامع الفقهية): 191.
(6) نقله في المعتبر 1: 253،
(7) المراسم: 44.
(8) قال في المقنعة: 57 وأكثر أيام النفاس ثمانية عشر يوما، فإن رأت الدم النفساء اليوم التاسع عشر
من وضعها الحمل فليس ذلك من النفاس إنما هو استحاضة فلتعمل بما رسمناه للمستحاضة وتصلي
وتصوم، وقد جاءت الأخبار معتمدة في أن أقصى مدة النفاس هو عشرة أيام وعليها أعمل لوضوحها
عندي.
(9) انظر الوسائل 2: 384 أبواب النفاس ب 3 ح 6، 15، 19.
48

يومين " (1).
والمرويتين في العيون والعلل:
الأولى: " النفساء لا تقعد عن الصلاة أكثر من ثمانية عشر يوما، فإن
طهرت قبل ذلك صلت،، وإن لم تطهر حتى تجاوز ثمانية عشر يوما اغتسلت
وصلت " (2).
والثانية في علة قعود النفساء ثمانية عشر: " لأن الحيض أقله ثلاثة أيام
وأوسطه خمسة وأكثره عشرة، فأعطيت أقله وأوسطه وأكثره " (3).
وصحيحتي ابن مسلم وسنان:
الأولى: كم تقعد النفساء حتى تصلي؟ قال: " ثماني عشرة، سبع
عشرة " (4).
والثانية: * تقعد النفساء تسع عشرة ليلة، فإن رأت دما صنعت كما تصنع
المستحاضة " (5).
ويجاب عن الأول: بمنع الدلالة، إذ ليس فعلها حجة، ولم يثبت تقرير لها
عليه من الحجة، بل المصرح به في بعض الأخبار أن قعودها للجهل، وأنها لو
سألته (صلى الله عليه وآله)، قبل الثمانية عشر لأمرها بالاغتسال.
ففي مرفوعة إبراهيم: سألت امرأة أبا عبد الله (عليه السلام)، فقالت: إني
كنت أقعد في نفاسي عشرين يوما حتى أفتوني بثمانية عشر يوما، فقال أبو عبد الله

(1) التهذيب 1: 180 / 515 و 178 / 511، الوسائل 2: 387 أبواب النفاس ب 3 ح 15.
(2) العيون 2: 124، الوسائل 2: 390 أبواب النفاس ب 3 ح 24.
(3) العلل: 291، الوسائل 2: 390 أبواب النفاس ب 3 ح 23.
(4) التهذيب 1: 177 / 508، الإستبصار 1: 152 / 528، الوسائل 2: 386 أبواب النفاس
ب 3 ح 12.
(5) التهذيب 1: 177 / 510، الإستبصار 1: 152 / 530، الوسائل 2: 387 أبواب النفاس ب 3
ح 14.
49

عليه السلام: " ولم أفتوك بثمانية عشر؟ " فقال رجل: للحديث الذي روي عن
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أنه قال لأسماء حين نفست بمحمد بن أبي بكر،
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): " إن أسماء سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
وقد أتى لها ثمانية عشر يوما، ولو سألته قبل ذلك لأمرها أن تغتسل وتفعل ما تفعله
المستحاضة، (1).
وفي المروي في المنتقى: في امرأة محمد بن مسلم، حيث قال: إن أصحابنا
ضيقوا علي فجعلوها ثمانية عشر يوما، فقال أبو جعفر (عليه السلام): " من أفتاها
بثمانية عشر يوما؟ " قال، فقلت: الرواية التي رووها في أسماء - إلى أن قال -: فقال
أبو جعفر (عليه السلام): " إنها لو سألت رسول لله (صلى الله عليه وآله) قبل ذلك
وأخبرته لأمرها بما أمرها به " قلت: فما حد النفساء؟ قال: " تقعد أيامها التي كانت
تطمث فيهن أيام أقرائها، فإن هي طهرت استظهرت بيوم أو يومين أو ثلاثة " (2)
الحديث.
وفي هاتين الروايتين إشعار بل دلالة على كون الثمانية عشر قولا مشهورا بين
العامة (3).
ويشعر به أيضا عدوله (عليه السلام) في الموثقة من الجواب إلى الحكاية.
ويدل عليه حمل الشيخ هذه الأخبار على التقية (4).
ومنه يظهر وجه آخر للجواب عن تلك الصحاح وعن جميع ما تعقبها من
الأدلة، لمعارضتها مع ما مر، فيرجح ما يخالف التقية. مع ما مر من موافقة

(1) الكافي 3: 98 الحيض ب 12 ح 3، التهذيب 1: 178 / 512، الإستبصار 1: 153 / 532
الوسائل 2: 384 أبواب النفاس ب 3 ح 7.
(2) منتقى الجمان 1: 235، الوسائل 2: 386 أبواب النفاس ب 3 ح 11.
(3) لم نعثر على هذا القول في كتبهم، والمنسوب إليهم هو القول بالأربعين وهو المشهور بينهم ولهم
أقوال أخر من الخمسين والستين والسبعين. انظر بداية المجتهد 1: 52، المغني 1: 345، بدائع
الصنائع 1: 41، مغني المحتاج 1: 120، وانظر الخلاف 1: 244 للشيخ الطوسي.
(4) التهذيب 1: 178، الإستبصار 1: 153.
50

عمومات الكتاب الآمرة بالعبادة في الزائد عن العشرة.
مضافا إلى ما في الثاني [من عدم الدلالة] (1) لا في الحكاية ولا في المحكي،
وهو ظاهر.
بل وكذا الثالث، إذ نفي قعود الأكثر من الثمانية عشر لا يفيد القعود
بقدرها، ومفهوم قوله: " فإن طهرت " إنما كان مفيدا لو لم يعقبه قوله: " وإن لم
تطهر ".
والرابع، لاحتمال أن يكون غرضه اعطاء الناس دون الشارع، ولم يصرح
اتقاء.
والخامس، لظهوره في التخيير الذي هو غير المطلوب ولا قائل به، فهو
بالشذوذ خارج عن الحجية أيضا.
ومنه يظهر وجه قدح في السادس أيضا لتغاير ثمانية عشر يوما مع تسع عشرة
ليلة.
وللمحكي عن العماني (2)، فجعله أحدا وعشرين، وفي المعتبر عن كتاب
البزنطي رواية دالة عليه (3).
وهو بالشذوذ مجاب بل للاجماع مخالف، لأن قوله - للاجماع على نفي الزائد
عن ثمانية عشر - غير قادح.
وبه وبالموافقة للعامة يجاب عن الأخبار المتضمنة للثلاثين أو الأربعين أو
ما زاد عنهما (4).
الرابعة: ما ذكر حدا للنفاس في طرف الكثرة إنما هو أقصى مدته، يعني
أنه لا يكون أكثر منه. وأما كل من اتصل دمها إلى هذا الحد فليست بنفساء على

(1) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.
(2) نقل عنه في المعتبر 1: 253.
(3) المعتبر 1: 253.
(4) انظر الوسائل 2: 387 ب 3 ح 16، 17، 8 1.
51

الأظهر، وفاقا للجعفي (1) ومن تعقبه من القائلين (2) بالعشرة، والمختلف (3) من
الذاهبين إلى الثمانية عشر.
بل غير المعتادة عددا تتنفس إلى أقصى المدة، لعموم صحيحة ابن يقطين (4)
والرضوي المتقدم (5)، الخاليين عن المخصص، فيهما.
ولا يرجع هنا إلى التمييز أو عادة النساء أو الروايات، للأصل.
وما ورد في موثقة أبي بصير (6) من الرجوع إلى الأم أو الأخت شاذ متروك.
نعم، يرجع إليها في التحيض في الشهر الثاني لو اتصل دمها إليه، لاطلاق
أدلتها.
والمعتادة عددا تتنفس بعادتها وتغتسل بعدها، لتظافر المعتبرة من النصوص
عليه، كصحيحة زرارة (7)، وموثقته (8)، وموثقة يونس (9)، وقوية ابن أعين (10)، وخبر
عبد الرحمن بن أعين (11)، وغيرها. وبها يخصص الصحيحة والرضوي.
وأما المرسلتان (12) المحددتان لأقصى النفاس: فلا تدلان إلا على أن أكثره

(1) نقل عنه في الذكرى: 33.
(2) تقدم ذكرهم في ص 47.
(3) المختلف: 41.
(4) المتقدمة في ص 46.
(5) في ص 47.
(6) التهذيب 1: 403 / 1262، الوسائل 2: 389 أبواب النفاس ب 3 ح 20.
(7) التهذيب 1: 173 / 495، الوسائل 2: 382 أبواب النفاس ب 3 ح 1.
(8) الكافي 3: 99 الحيض ب 12 ح 6، الوسائل 2: 384 أبواب النفاس ب 3 ح 5.
(9) الكافي 3: 99 الحيض ب 12 ح 5، التهذيب 1: 175 / 500، الإستبصار 1: 152 / 525
الوسائل 2: 385 أبواب الحيض ب 3 ح 8.
(10) التهذيب 1: 176 / 505، الإستبصار 1: 152 / 525، الوسائل 2: 383 أبواب النفاس ب 3
ح 4.
(11) الكافي 3: 98 الحيض ب 12 ح 2، الوسائل 2: 385 أبواب النفاس ب 3 ح 9.
(12) المتقدمتان في ص 47.
52

ذلك، وذلك لا ينافي وجود الأقل.
ومنه يستفاد إمكان حمل قول من تقدم على الجعفي أيضا (1) بل بعض من
تأخر عن المختلف (2)، على المختار في ذلك، فإنهم لم يذكروا إلا أن ذلك أكثره.
ويؤيده: استدلال جمع ممن صرح بذلك بأخبار الرجوع إلى العادة.
ثم مع انقطاع دم المعتادة على العادة أو الأقل لا كلام، وإلا فتستظهر بيوم،
أو يومين، أو ثلاثة، أو تمام العشرة، لورود في الأخبار (3). استحبابا، لعدم ثبوت
الزائد عليه منها.
وحكم ما بين أيام العادة وأقصى النفاس حكم ما بينها وبين أقصى
الحيض، على ما صرح به جماعة (4).
وهو محل نظر، لعدم ثبوت المساواة الكلية بين الحيض والنفاس، وتصريح
قوية مالك، المتقدمة (5) في آخر مسائل الحيض بعدم نفاسية ما بعد أيام الاستظهار
للمعتادة مطلقا، سواء تجاوز الدم العشرة أو لم يتجاوز، وهي أخص من سائر
أخبار النفاس في المورد.
وبها يندفع الاستصحاب المتمسك به في الحيض.
وانعقاد الاجماع على، التنفس مع عدم التجاوز غير معلوم، والاستشكال فيه
مصرح به في كلام بعضهم (6).
نعم، قيل: يشعر بعض العبارات بالاجماع عليه (7)، والظاهر أن مثله لا
يصلح حجة لرفع اليد عن عموم الخبر.

(1) يعني من تقدم ذكرهم على الجعفي في ص 47 وهم الصدوقان والمفيد وغيرهم:
(2) وهم الصدوق والإسكافي والسيد... راجع ص 48.
(3) انظر الوسائل 2: 382 أبواب النفاس ب 3.
(4) منهم العلامة في التحرير 1: 16، والشهيد الثاني في المسالك 1: 11.
(5) في ج 2: 497، وهي قوية ابن اعن المتقدمة في الصفحة السابقة.
(6) الرياض 1: 59، الحدائق 3: 325.
(7) قاله في الرياض 1: 51.
53

فالظاهر عدم التنفس بعد أيام الاستظهار مع اختياره، وبعد العادة مع ترك
الاستظهار مطلقا، وإن كان الاحتياط مع عدم التجاوز عن العشرة حسنا جدا.
الخامسة: إنما يحكم بالتنفس في أيام العادة للمعتادة أو العشرة لغيرها مع
وجود الدم فيها، بل أو في طرفيها، على الأظهر المصرح به في كلام جماعة، وهو
المحكي عن المبسوط، والخلاف، والاصباح، والمهذب، والجواهر (1)، والسرائر،
والجامع، والشرائع، والمعتبر (2)، بل الظاهر كونه إجماعيا.
لاستصحاب التنفس، وإطلاق صحيحة ابن مسلم: " أقل ما يكون:
عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم، (3).
وتردد فيه بعض متأخري المتأخرين (4)، بناء على تجويزه أقلية الطهر المتخلل
في الحيض عن العشرة. وهو ضعيف.
ومنهم من تردد في ثبوت حد لأقل الطهر في النفاس؟ لعدم الدليل (5).
وهو محجوج بالصحيحة وما بمضمونها.
ولو رأته في أحد الطرفين خاصة فلا شك في عدم تنفسها في الخالي عن الدم
متقدما أو متأخرا، ولا في تنفسها وقت الدم.
أما إن كان هو الطرف الأول: فظاهر.
لأن كان الآخر: فلظاهر الاجماع، وعموم مفهوم موثقة عمار، المتقدمة (6)
الدالة على نفاسية كل دم خارج إذا ولدت، خرج ما يخرج بعد مضي أكثر النفاس

(1) المبسوط 1: 69، الخلاف 1: 248، المهذب 1: 39، جواهر الفقه: 17
(2) السرائر 1: 155، الجامع: 45، الشرائع 1: 35، المعتبر 1: 256.
(3) الكافي 3: 76 الحيض ب 1 ح 4، التهذيب 1: 157 / 451، الإستبصار 1: 131 / 452
الوسائل 2: 297 أبواب الحيض ب 11 ح 1.
(4) الحدائق 3: 325.
(5) الذخيرة: 79.
(6) في ص 43).
54

بالاجماع فيبقى الباقي. وتخصيص دلالتها بما كان عقيب الولادة عرفا، ومنعه في
بعض صور المورد لا وجه له.
ولو رأته في أحدهما والوسط، فتتنفس بوقت الدمين وبما بينهما أيضا، لما
سبق
السادسة: لو لم تر دما إلا بعد العشرة فليس من النفاس على المختار في عدد
الأكثر، وبه صرح جماعة (1)، لأن ابتداء الحساب من الولادة دون الرؤية، وإلا لم
تتحدد مدة التأخير، وتدل عليه قوية مالك (2)، وهي وإن وردت في ابتداء أيام
العادة إلا أنه لا قول بالفصل البتة.
ويؤيده قوله في خبر الفضلاء: " إن أسماء سألت عن الطواف بالبيت
والصلاة قال: منذ كم ولدت؟ " (3).
ومنه يظهر أنه لو رأته المعتادة لأقل العشرة قبلها وبعد العادة فليس من
النفاص أيضا، وفاقا ظاهرا لكل من اعتبر العادة مع التجاوز عن العشرة. وعلى
الأظهر بدونه. وإن كان ظاهر الأكثر خلافه، بل قيل بإشعار بعض العبارات
بالاجماع عليه (4)، ولا دليل له. وحكاية الاشعار المذكورة لا تصلح لتقييد إطلاق
القوية التي هي دليلنا على عدم تنفسها.
لا ما ذكره بعضهم - بعد التردد في نفاسية ما نحن فيه - دليلا له من الشك
في صدق دم الولادة عليه، مع كون وظيفتها الرجوع إلى العادة التي لم تر فيها
شيئا (5)، إذ لا دليل على إناطة الحكم بدم الولادة سوى ما قد يفسر النفاس به في

(1) منهم القاضي في المهذب 1: 39، وابن سعيد في الجامع: 45.
(2) المتقدمة في ج 2: 497، وتقدم مصدرها في ص 53 من هذا المجلد أيضا.
(3) التهذيب 1: 179 / 514، الوسائل 2: 388 أبواب النفاس ب 3 ح 19.
(4) الرياض 1: 51.
(5) قال في الرياض 1: 51: للشك في صدق دم الولادة عليه مع كون وظيفتها الرجوع إلى أيام
العادة...
55

كلام الأصحاب: بأنه دم الولادة، ومجرد ذلك لا يصير مرجعا للأحكام، مع أنه
يكتفي في الإضافة بأدنى الملابسة.
بل المناط الاجماع والأخبار، ولا شك في دلالة مفهوم الموثقة (1) على نفاسية
هذا الدم.
مع أنه لو كان موجبا للاستشكال، لما اختص بما ذكر، بل يجري في غير
المعتادة ومعتادة العشرة إذا رأت في العاشر، لعدم تفاوت الصدق بكونها معتادة أو
غير معتادة. بل في معتادة الثمانية مثلا لو رأت في الثامن، لاتحاد منشأ التشكيك.
وأما أخبار الرجوع إلى العادة: في إنما وردت فيمن رأت الدم في أيامها،
أو في النفساء فيها، فلا دلالة لها على من لم تر الدم، أو لم تكن فيها نفساء.
السابعة: لو رأت الدم بعد انقضاء أيام نفاسها متصلا معها أو منفصلا،
فإن كان بعد تخلل أقل الطهر بينها وبينه، فحكمها حكم غير النفساء من
التحيض به وعلامه، فتتحيض المعتادة لو صادف العادة، وغيرها إن جامع
الوصف، ولا تتحيض بدونهما على ما مر.
وإن لم يتخلل فلا تتحيض وإن صادف العادة أو الوصف، لقوله عليه
السلام في رواية يونس - بعد أمر النفساء بالقعود أيام القرء والاستظهار تمام
العشرة -: (فإن رأت دما صبيبا فلتغتسل عند وقت كل صلاة) (2) الحديث.
وقوله في القوية: " فلا بأس بعد أن يغشاها زوجها " (3) إلى غير ذلك.
ولو عورضت بأخبار الوصف والعادة، لم تنفع أيضا، لوجوب الرجوع إلى
أصالة عدم التحيض، مضافا إلى صحيحة ابن مسلم، المتقدمة (4).

(1) أي موثقة عمار المتقدمة في ص 43.
(2) التهذيب 1: 175 / 502، الإستبصار 1: 151 / 522، الوسائل 2: 383 أبواب النفاس ب 3
ح 3.
(3) تقدم مصدرها في ص 53.
(4) في ص 54.
56

الثامنة: ذات التوأمين فصاعدا إن رأت الدم مع أحدهما خاصة، فهو
نفاسه إن اجتمع معه شرائطه. وإن لم يجمعها لم يكن له نفاس.
وإن رأته معهما مجتمعين للشرائط، فإن لم يتجاوز جميعهما عن أقصى
النفاس واتصل الدمان فلا إشكال، إلا في تعيين كونهما نفاسا واحدا أو نفاسين،
ولا تترتب عليه فائدة.
وإن لم يتصلا فيحصل الاشكال في أيام النقاء، فإن جعلناهما نفاسا واحدا
للاستصحاب وقضية أقل الطهر تكون فيها نفساء، لأن جعلناهما نفاسين كما هو
مقتضى مفهوم قوله: " تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط " في صحيحة ابن
يقطين (1) تكون فيها طاهرة. والأمران محتملان، إلا أن يدفع الاستصحاب
بالمفهوم، ويمنع اشتراط تخلل أقل الطهر بين النفاسين، كما صرح به الفاضل
الهندي (2)، فيتعين الثاني حينئذ.
ولكن لا أرى دليلا تاما لتخصيص عمومات أقل الطهر - التي منها
صحيحة ابن مسلم، الشاملة للنفاسين أيضا - بغير ذلك المورد، فلا ينبغي ترك
الاحتياط.
وإن تجاوز المجموع عن الأقصى، فمع تخلل أكثر النفاس بين أولهما وإن
كان بعيدا يكونان نفاسين؟ لعدم إمكان جعلهما نفاسا واحدا، وهو ظاهر، ولا
تخصيص أحدهما بالنفاس، لعمومات التنفس بالولادة، فيؤخذ الأقصى لكل
منهما من أوله، ويكون الزائد عن الأقصى المتخلل بينهما طهرا وإن نقص عن أقله، إذ
لا يمكن جعله نفاسا، ولا إخراج الثاني عن النفاسية، لمخالفتهما الاجماع
وعمومات أقصى النفاس ونفاسية دم الولادة.
ومع عدم تخلله بين الأولين فيحتمل تعدد النفاس، فيكون لكل منهما

(1) تقدم مصدرها في ص 46.
(2) كشف اللثام 1: 105.
57

حكمه ووحدته، فيسقط الزائد عن الأقصى من الآخر.
وعن الناصريات (1)، والمبسوط، والخلاف، والوسيلة (2)، والمهذب،
والجواهر، والسرائر (3)، والاصباح، والجامع، والشرائع (،): جعل كل منهما نفاسا
على حدة، فبدأ بالنفاس من الأول وتستوفي العدد من الثاني.
ولم أعثر له على دليل، والاستناد إلى العمل بالعلة (5) عليل.
وحكم الأجزاء المنقطعة من الولد الواحد حكم التوأمين، فتأمل.
البحث الثاني: في أحكامه:
قالوا: النفساء كالحائض في كل حكم واجب، ومندوب، ومحرم، ومكروه،
ومباح، بلا خلاف فيه بين أهل العلم، كما في المنتهى والتذكرة، والمعتبر (6)،
وبالاجماع، كما في اللوامع.
والظاهر كونه اجماعيا، فهو الحجة فيه.
مضافا في تحريم الصلاة إلى المستفيضة من النصوص (7)، وفي حرمة الوطء
إلى القوية (8)، وفيهما وفي حرمة الصوم، وفي وجوب قضاء الصوم دون الصلاة إلى
المروي في الدعائم المنجبر ضعفه بما مر: روينا عن أهل البيت عليهم السلام:

(1) نقله عنه في كشف اللثام 1: 105، قال في الناصريات (الجوامع الفقهية): 191 والذي يقوى
في نفي أن النفاس يكون من مولد الأول. فتأمل.
(2) المبسوط 1: 69، الحلاف 1: 247، الوسيلة: 62.
(3) المهذب 1: 39، جواهر الفقه: 17، السرائر 1: 156.
(4) الجامع: 45، الشرائع 1: 35.
(5) قال في الحدائق 3: 332 قد صرح جملة من الأصحاب - رضوان الله عليهم - بأن ذات التوأمين
فصاعدا يتعدد نفاسها عملا بالعلة لانفصال كل من الولادتين عن الأخرى فلكل نفاس حكم
نفسه
(6) المنتهى 1: 126، التذكرة 1: 36، المعتبر 1: 257.
(7) انظر الوسائل 2: 382 أبواب النفاس ب 3.
(8) قوية مالك بن أعين المتقدم مصدرها في ج 2: 497 و ص 52، 53 من هذا المجلد.
58

(إن المرأة إذا حاضت أو نفست حرمت عليها أن تصلي وتصوم، وحرم على زوجها
وطؤها حتى تطهر من الدم) إلى أن قال: (فإذا طهرت كذلك قضت الصوم ولم
تقض الصلاة، وحلت لزوجها) (1).
وفي جميع المستحبات والمكروهات إلى الاجماعات المنقولة الكافية في
إثباتهما، وفي المباحات إلى الأصل.
وقد يستدل أيضا للجميع: بكون النفاس دم الحيض المحتبس.
وبصحيحة زرارة، وفيها - بعد حكمه عليه السلام بقعود النفساء بقدر
حيضها واستظهارها بيومين، وعمل المستحاضة بعد ذلك -: قلت: فالحائض؟
قال: " مثل ذلك سواء " (2).
وفيهما نظر.
أما الأول: فلمنع إيجاب ذلك للاتحاد في جميع الأحكام.
وأما الثاني: فلأنه ظاهر في المثلية والتساوي فيما ذكر قبل ذلك لا في كل
حكم.
ثم المراد بالتساوي المذكور أصالته، فلا ينافي ثبوت الاختلاف في بعض
الأحكام بدليل، كما في الأقل عند الكل، وفي الأكثر عند البعض، وفي الرجوع
إلى وقت العادة والتمييز والنساء والروايات، واشتراط تخلل أقل الطهر مطلقا،
والدلالة على البلوغ، وامتناع المجامعة مع الحمل عند بعض القائلين بالامتناع في
الحيض، والمدخلية في انقضاء العدة إلا في النادر (3).

(1) دعائم الاسلام 1: 127، المستدرك 2: 31. أبواب الحيض ب 30 ح 4.
(2) الكافي 3: 99 الحيض ب 12 ح 4، التهذيب 1: 173 / 496، الوسائل 2 373 أبواب
الاستحاضة ب 1 ح 5.
(3) كما في الحامل من الزنا إذا طلتها زوجها، فإنه لو تقدمها قرءان سابقان على الوضع بناء على مجامعة
الحيض للحمل ثم رأت بعد الوضع نفاسا عد في الأقراء وانقضت به العدة ولو لم يتقدمه قرءان
عد في الأقراء. الحدائق 3: 326.
59

الفصل الخامس:
في غسل المس
وهو يجب على من مس ميتا آدميا، على الحق المشهور جدا، للمستفيضة
من الصحاح وغيرها، كصحيحة محمد: الرجل يغمض الميت أعليه غسل؟
فقال: (إذا مسه بحرارته فلا، ولكن إذا مسه بعد ما برد فليغتسل " (1).
وصحيحة عاصم: " إذا مسست جسده حين يبرد فاغتسل " (2).
وفي صحيحة ابن جابر بعد سؤاله أن من مسه فعليه الغسل: " أما بحرارته
فلا بأس، إنما ذاك إذا برد " (3).
وفي صحيحة معاوية: " إذا مسه وهو سخن لا غسل عليه، فإذا برد فعليه
الغسل) (4).
وفي حسنة حريز: " وإن مسه ما دام حارا فلا غسل عليه، فإذا برد ثم مسه
فليغتسل " (5).
وخبر سماعة: " غسل من مس ميتا واجب، (6) إلى غير ذلك.

(1) الكافي 3: 160 الجنائز ب 31 ح 2 وفيه:. يغمض عين الميت... التهذيب 1: 428 / 1364
الوسائل 3: 289 أبواب غسل المس ب 1 ح 1.
(2) التهذيب 1: 429 / 1365، الإستبصار 1: 100 / 324، الوسائل 3: 290 أبواب غسل المس
ب 1 ح 3.
(3) التهذيب 1: 429 / 1366، الوسائل 3: 90 أبواب غسل المس ب 1 ح 2.
(4) التهذيب 1: 429 / 1367، الوسائل 3: 290 أبواب غسل المس ب 1 ح 4.
(5) الكافي 3: 160 الجنائز ب 1 3 ح 1، التهذيب 1: 108 / 283، الإستبصار 1: 99 / 321
الوسائل 3: 292 أبواب غسل المس ب 1 ح 14.
(6) الكافي 3: 40 الطهارة ب 26 ح 2، الفقيه 1: 45 / 176، التهذيب 1: 104 / 270 الوسائل
3: 293 أبواب غسل المس ب 1 ح 16.
60

خلافا للمحكي عن السيد (1) في المصباح، وشرح الرسالة، فقال
بالاستحباب - ويظهر من الخلاف، 2) وجود قائل به قبله أيضا - للأخبار الدالة على
أنه سنة ليس بفريضة (3).
ورواية زيد: " الغسل من سبعة: من الجنابة وهو واجب، ومن غسل الميت
وإن تطهرت أجزأك " (4).
والتوقيع المروي في الاحتجاج: روي لنا عن العالم أنه سئل عن إمام صلى
بقوم بعض صلاتهم وحدثت عليه حادثة، كيف يعمل من خلفه؟ فقال: " يؤخر
ويتقدم بعضهم ويتم صلاتهم ويغتسل من مسه " التوقيع: " ليس على من مس إلا
غسل اليد " (5).
ويجاب عن الأول: بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية للسنة، فيحمل على ما هو
معناها في اللغة أي الطريقة، والمراد به ما جرت به الطريقة النبوية، بل هو المراد
من أكثر استعمالها في الأخبار، سيما إذا أطلقت في مقابل الفريضة التي يريدون
منها ما ثبت وجوبه من الآيات القرآنية، ولا أقل من احتمال ذلك، سيما مع تعداده
مع الأغسال التي هي واجبة بإجماع الأمة وجعلها أيضا من المسنونة.
وعن الثاني: بعدم صلاحيته للمعارضة، لموافقته العامة (6) كما صرح به
الشيخ، والفاضل (7)، ومخالفته الشهرة العظيمة.

(1) نقل عنه في المعتبر 1: 351.
(2) الخلا ف 1: 222.
(3) انظر الوسائل 2: 176 أبواب الجنابة ب 1 ح 11 و 12، والوسائل 3: 291 أبواب غسل المس
ب 1 ح 7.
(4) التهذيب 1: 464 / 1517، الوسائل 3: 291 أبواب غسل المس ب 1 ح 8.
(5) الإحتجاج: 482 وفيه: " ليس على من نحاه إلا غسل اليد "، الوسائل 3: 296 أبواب غسل المس
ب 3 ح 4.
(6) نقله ابن حزم في المحلى 2: 23 عن أبي حنيفة ومالك والشافعي وداود.
(7) التهذيب 1: 464، التذكرة 1: 56.
61

مضافا إلى احتمال إرادة غسل من أراد غسل الميت منه، فإنه مستحب،
ويكون المعنى: الغسل الذي منشؤه غسل الميت. وكون المنشأ إرادته لا ينفي
منشئيته. مع أن الحمل على غسل المس أيضا لا يخلو عن تقييد، لعدم استلزام
غسل الميت لمسه، بل عن تجوز، لأن المنشأ ليس غسل الميت، بل المس الذي في
ضمنه. مع أنه وقع في بعض الأخبار (1) المروية في الخصال: " وغسل من غسل
الميت " (2)، معطوفا على غسل المس.
وعن الثالث: بأنه ظاهر في حال الحرارة ولا أقل من شموله لها، فيجب
تخصيصه بها؟ إذ لا غسل مع المعق بالحرارة، كما هو المجمع عليه بين الطائفة،
والمصرح به في الأخبار السالفة.
ومنصوص عليه في التوقيع الآخر: وروي عن العالم: " أن من مس ميتا
بحرارته غسل يده، ومن مسه وقد برد فعليه الغسل " وهذا الميت في هذه الحالة لا
يكون إلا بحرارته، والعمل في ذلك على ما هو؟ التوقيع: " إذا مسه في هذه الحال
لم يكن عليه إلا غسل يده " (3).
ثم إن مقتضى إطلاق ما تقدم وإن كان وجوب غسل المس بعد البرد
مطلقا، إلا أن المجمع عليه بين الأصحاب - كما مرح به غير واحد - اختصاصه
بما قبل غسل الميت، وبه تقيد الاطلاقات.
مضافا إلى صحيحة الحلبي: (لا تغتسل من مسه إذا أدخلته القبر، ولا إذا
حملته " (4) فإنه لا يمكن أن يكون المراد قبل الغسل، لصحيحة الصفار: " إذا

(1) كالمروي في الخصال عن الصادق عليه السلام في تعداد الأغسال: " وغسل من مس الميت بعد ما
يبرد وغسل من غسل الميت، وفيها أيضا عن أبي جعفر عليه السلام: وإذا غسلت ميتا أو كفنته أو
مسسته بعد ما يبرد (منه رحمه الله).
(2) الخصال: 603، الوسائل 3: 306 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 8.
(3) الإحتجاج: 482، الوسائل 3: 296 أبواب غسل المس ب 3 ح 5.
(4) التهذيب 1: 5 ع 1 / 273، الوسائل 3: 297، أبواب غسل المس ب 4 ح 2.
62

أصاب يدك جسد الميت قبل أن يغسل، فقد يجب عليك الغسل " (1)،
فإن الثانية أخص من الأولى؟ لاختصاصها بما قبل الغسل، فتختص
الأولى بما بعده.
مع أن في مفهومها أيضا تأييدا. للمطلوب، كصحيحة محمد (2)، وخبر ابن
سنان (3) النافيين للبأس عن مسه وتقبيله بعد الغسل. وجعلهما دليلين لا يخلو عن
مناقشة.
وأما ما رواه عمار في الموثق من اغتسال كل غاسل وماس للميت وإن كان
مغسولا (4). وتعليل نفي الغسل عمن أدخله القبر في بعض الروايات (5): بأنه يمس
الثياب، فلمخالفته الاجماع لا يصلح لمعارضة ما مر.
وحمله الشيخ في التهذيبين على الاستحباب (6)، واحتمله في البحار (7).
وليس ببعيد.
واستبعاد بعض مشايخنا (8) لا وجه له.
وقوله: " لا تغتسل " في صحيحة الحلبي لكونه نهيا بعد الوجوب، ففي
إفادته الزيادة على تجويز الترك كلام، مع أن كونه نفيا مستعملا في تجويز الترك
محتمل.

(1) التهذيب 1: 429 / 1368، الوسائل 3: 297 أبواب غسل المس ب 4 ح 1.
(2) التهذيب 1: 430 / 1370، الإستبصار 1: 100 / 326، الوسائل 3: 295 أبواب غسل المس
ب 3 ح 1.
(3) التهذيب 1: 430 / 1372، الوسائل 3: 295 أبواب غسل المس ب 3 ح 2.
(4) التهذيب 1: 430 / 1373، الإستبصار 1: 100 / 328، الوسائل 3: 295 أبواب غسل المس
ب 3 ح 3.
(5) الوسائل 3: 297 أبواب غسل المس ب 4 ح 4.
(6) التهذيب 1: 430، الإستبصار 1: 101.
(7) بحار الأنوار 79: 9.
(8) قال في الحدائق 3: 329:... فحمله في التهذيبين على الاستحباب، وفيه بعد.
63

فروع:
أ: مقتضى الاطلاقات نضا وفتوى: عدم الفرق في الممسوس بين المسلم
والكافر، وإن وجب في الأخير بعد غسله أيضا، لعدم كونه غسلا.
واحتمل في المنتهى، والتحرير، ونهاية الإحكام (1)، اختصاصه بالمسلم،
لأن إيجابه قبل التغسيل - كما في بعض الأخبار (2) - يشعر بأنه إنما هو فيمن يقبله،
فتحمل عليه المطلقات.
وفيه: أنه لا تنافي بين المطلق والمقيد هنا حتى يحمل.
ب: في وجوب الغسل بمس من تقدم غسله على موته كالسرائر (3)، وعدمه
كظاهر الأكثر قولان، وظاهر المنتهى، والذخيرة، والحدائق (،): التردد.
والحق هو الثاني، لعموم صحيحة الحلبي بالنسبة إلى المورد - لأن خرج عنه
من يجب غسله قبل غسله لصحيحة الصفار - المعارض مع المطلقات الموجب
للرجوع إلى الأصل.
ولذلك لا يجب الغسل أيضا بمس المغسول مع تعذر الخليطين أو أحدهما
على فرض صحته، ولا بمس الشهيد، والمتيمم.
لا في الأول (5) لصدق الغسل المسقط لوجوب غسل المس، لفقد إطلاق
دال على السقوط بعد الغسل حتى ينفع صدقه، مع أنه لو كان ينصرف إلى
الشائع
ولا في الثاني لظهور (6) بعض الأخبار في وجوبه بالتغسيل، وبعضها في

(1) المنتهى 1: 128، التحرير 1: 21 نهاية الإحكام 1: 173.
(2) مثل صحيحة الصفار المتقدمة في ص 62 الرقم 4.
(3) السرائر 1: 167.
(4) المنتهى 1: 128، الذخيرة: 91، الحدائق 3: 332.
(5) يعني ليس الدليل في الأول هو صدق الغسل والمراد من الأول هو مس المغسول مع تعذر الخليط.
(6) إشارة إلى الوجوه التي استدل بها على عدم وجوب الغسل بمس الشهيد، انظر كشف اللثام 1:
141، الحدائق 3: 334.
64

وجوبه بمس من يجب تغسيله قبل أن يغسل، وظهور نجاسة الميت بالموت وطهره
بعد الغسل ومسقطات الغسل عن الشهيد في طهارته، فيكون كغيره من الأموات
بعد الغسل، وأصالة البراءة وعدم عموم في الأخبار، لظهور (1) ضعف الكل.
ولا في الثالث لعموم البدلية، لمنعه.
ج: الحق وجوب الغسل بمس عضو كمل غسله قبل إكمال الغسل، وفاقا
للأكثر. لا للاستصحاب، لمعارضته مع استصحاب العدم. بل لعموم موجباته،
وصدق المس قبل أن يغسل الميت الموجب لغسل المس بخصوص صحيحة
الصفار (2).
وبه تخصص صحيحة الحلبي إن كان فيها عموم، وإلا ففيه كلام،
للشك في دخول مثل ذلك فيمن أدخل في القبر أو حمل إلا بالفرض النادر الذي
لا يلتفت إليه.
وخلافا للقواعد (3) وبعض آخر (4)، للأصل، وصدق الغسل بالنسبة إلى
العضو، والقياس على العضو المنفصل، ودوران وجوب الغسل لوجوب غسل اليد
المنتفي في المقام.
والأول: مدفوع بما مر.
والثاني: بمنع كفايته، بل اللازم صدق غسل الميت الغير المتحقق في
المورد.
والثالث: بعدم حجيته سيما مع وجود الفارق.
والرابع: بمنع الدوران أولا، ومنع انتقاء الثاني ثانيا، بل الحق وجوب
غسل اليد بمس العضو المغسول أيضا قبل إكمال الغسل، وإن جعلنا نجاسة

(1) علة للنفي المتقدم في قوله: ولا في الثاني لظهور...
(2) المتقدمة هي وصحيحة الحلبي في ص 62.
(3) القواعد 1: 22.
(4) كالشهيد في الدروس 1: 117.
65

الميت عينية من وجه، وحكمية من آخر، كما هو الحق المشهور، لمنع ارتفاع نجاسة
هذا العضو قبل الاكمال، ولتصريح رواية إبراهيم بن ميمون بأنه " إن لم يغسل
الميت يغسل ما أصاب الثوب " (1) ولم يغسل الميت بعد وإن غسل عضو منه.
وعدم توقف طهارة جزء من الخبث على طهارة جزء آخر إنما هو فيما إذا كان
تطهيره بغسله الغير المشروط على النية، وأما فيما توقف على الغسل المشروط بها،
فلا نسلم عدم التوقف.
ومنهم من أوجب غسل المس هنا دون غسل اللامس. ولا وجه صحيحا
له.
د: يجب الغسل بمس قطعة ذات عظم مبانة، وفاقا للمحكي عن الفقيه،
والخلاف، والنهاية، والمبسوط، والسرائر (2)، والاصباح، والجامع، والنافع،
والشرائع (3)، بل هو المشهور كما هو المصرح به في كلام جماعة (4)، بل عن الخلاف
الاجماع عليه (5).
لمرسلة أيوب: " إذا قطع من الرجل قطعة فهو ميتة، فإذا مسه انسان فكل
ما فيه عظم فقد وجب على من يمسه الغسل، وإن لم يكن فيه عظم فلا غسل
عليه " (6).
والرضوي: " وإن مسست شيئا من جسد أكله السبع فعليك الغسل إن

(1) الكافي 3: 61 الطهارة ب 39 ح 5، التهذيب 1: 276 / 811، الوسائل 3: 461 أبواب
النجاسات ب 34 ح 1.
(2) الفقيه 1: 87، الخلاف 1: 701، النهاية: 40، المبسوط 1: 182، السرائر 1: 167.
(3) الجامع: 24، النافع: 15، الشرائع 1: 52.
(4) جامع المقاصد 1: 459، الروض: 115، الذخيرة: 91.
(5) الخلاف 1: 701.
(6) الكافي 3: 212 الجنائز ب 76 ح 4، التهذيب 1: 429 / 1369، الإستبصار 1: 100 / 325،
الوسائل 3: 294 أبواب غسل المس ب 2 ح 1.
66

كان فيما مسست عظم، وما لم يكن فيه عظم فلا غسل عليك في مسه " (1).
وقطع الأول غير ضائر، كما أن ضعفهما بما ذكر منجبر. فخلاف المعتبر لما
ذكر، وقوله بالاستحباب - تفصيا عن طرح الرواية وكلام الشيخ - (2) غير سديد.
ومقتضى اطلاق الأول: عدم الفرق بين الإبانة من ميت أوحي، فعليه
الفتوى وإن اختص كلام بعض من ذكر (3) بالأول، وبعضهم (4) بالثاني.
ولا غسل في مس ما لا عظم فيه من المبان بلا خلاف ظاهر، اتباعا
للأصل، ومقتضى صريح الخبرين.
وفي مس العظم المجرد، أو السن، أو الظفر، فمع الاتصال بالميت يجب،
وفاقا في الأولين للمعظم، وفي الثلاثة لبعضهم (5)، لصدق مس الميت عرفا.
ومع الانفصال ولو عن الميت لا يجب، للأصل. وقد يقال بالوجوب في الأولين
للدوران والاستصحاب.
ويرد الأول: بمنع الحجية، لجواز كون العلة مجموع العظم واللحم.
والثاني: بتغير الموضوع، والمعارضة مع استصحاب العدم الأصلي.
والظاهر عدم الوجوب في مس الشعر إلا ما لم يطل منه، أو قرب البشرة،
فالأحوط فيه الاغتسال.
والماس في جميع ذلك كالممسوس (6).
ه‍: الظاهر من كلام جماعة (7) كون المس من الأحداث الموجبة لنقض

(1) فقه الرضا: 174، المستدرك 2: 492 أبواب غسل المس ب 2 ح 1.
(2) المعتبر 1: 353 قال: وإن قلنا بالاستحباب كان تفصيا من إطراح قول الشيخ رحمه الله والرواية.
(3) كالفقيه 1: 87، والسرائر 1: 167 والشرائع 1: 52.
(4) كالإصباح على ما نقل عنه في كشف اللثام 1: 140.
(5) روض الجنان: 115.
(6) فالمس بالعظم الموضح والسن والظفر يوجب الغسل للصدق، وكذا بالشعر ما لم يطل على إشكال
فيه، وبما طال منه لا يجب. (منه رحمه الله).
(7) انظر الحدائق 3: 339 ومفتاح الكرامة 1: 517.
67

الوضوء المتوقف ارتفاعها على الغسل، إما خاصة أو مع الوضوء وهو صريح
الشيخ في النهاية، والحلي، والشهيد في الألفية (1)، بل (قيل) (2): الظاهر إنه لا
خلاف فيه بينهم (3).
وفي المدارك: وأما غسل المس فلم أقف على ما يقتضي اشتراطه في شئ من
العبادات، فلا مانع أن يكون واجبا لنفسه (4).
أقول: كون المس ناقصا للوضوء غير اشتراط غسل المس في العبادة،
والظاهر اشتهار المطلبين، ولكن الثاني مدلول عليه في خصوص الصلاة في
الرضوي: " إذا اغتسلت من غسل الميت فتوضأ، ثم اغتسل كغسلك من الجنابة،
وإن نسيت الغسل فذكرته بعد ما صليت فاغتسل وأعد صلاتك " (5).
وضعفه بالشهرة منجبر، فيفتى به في الصلاة خاصة دون غيرها من
العبادات.
وأما الأول: فلم أقف على دليل فيه، والاجماع المركب غير ثابت، والأمر
بالتوضؤ في الرضوي يحمل على الاستحباب قطعا، لعدم وجوب تقديمه.
وكذا قوله: " كل غسل قبله وضوء " (6) مع أنه لا دلالة فيه على الوجوب
أصلا كما مر.
ومع ذلك لا بد إما من تقييده بأن لم يكن له وضوء أو تخصيصه بغير
الأغسال المندوبة، ولا مرجح لأحدهما، فلا يصلح للاستدلال.

(1) النهاية: 19 السرائر 1: 112، الألفية: 25.
(2) ليست في (ح).
(3) كما قاله في الحدائق 3: 339.
(4) المدارك 1: 16.
(5) فقه الرضا: 175، المستدرك 2: 494 أبواب غسل المس ب 8.
(6) انظر الوسائل 2: 248 أبواب الجنابة ب 35.
68

الفصل السادس:
في غسل الأموات
وما يستتبعه من أحكام الاحتضار وما بعده، والكفن، والتحنيط،
والدفن، فالكلام فيه يقع في خمسة أبحاث:
البحث الأول: في أحكام الاحتضار وما بعده قبل الغسل.
والكلام إما فيما يجب فيه، أو يستحب، أو يكره.
أما الأول: فيجب توجيهه إلى القبلة على الحق المشهور، كما هو في كلام
جماعة (1) مذكور، وفاقا للمحكي عن المقنعة، والمراسم، والمهذب،
والوسيلة (2)، والسرائر (3)، والاصباح، وفي الشرائع، والمنتهى، شرح القواعد
للكركي (4)، وإليه ذهب الشهيدان (5)، وأكثر مشايخنا (6).
لا للأخبار الآمرة بتوجيه الميت إلى القبلة، كصحيحة المحاربي (7)، وحسنتي

(1) كالشيخ علي، والمدارك، والكفاية، والبحار، واللوامع. (منه رحمه الله).
انظر جامع المقاصد 1: 355، المدارك 2: 52، الكفاية: 6، البحار 78: 231.
(2) المقنعة: 73، المراسم: 47، المهذب 1: 53، الوسيلة: 62.
(3) هكذا نقله في كشف اللثام 1: 107، والموجود في السرائر 1: 108 ما هذا لفظه: ويستحب أن يوجه إلى
القبلة... ونقل في المنتهى 1: 426، عن ابن إدريس القول بالاستحباب، والظاهر وقوع التصحيف في
عبارة السرائر فصار منشأ للخلاف.
(4) الشرائع 1: 36، المنتهى 1: 426، جامع المقاصد 1: 355.
(5) الذكرى: 37 الدروس 1: 102، الروض: 93.
(6) الحدائق 3: 357، الدرة النجفية: 63، كشف الغطاء: 143.
(7) التهذيب 1: 465 / 1521، الوسائل 2: 452 أبواب الاحتضار ب 35 ح 1.
69

الشعيري (1)، وابن خالد (2)، لعدم صدق الميت على المحتضر. واستعماله فيه في
كثير من الأخبار بقرينة لا يوجب حمله عليه بدونها.
وجعل الأمر قرينة - لعدم القائل بالوجوب بل الاجماع على نفيه بعد الموت -
فاسد، إذ لو سلم الاجماع لم يكن ارتكاب التجوز في الأمر بحمله على الاستحباب
[أدنى] (3) من ارتكابه في الموت.
مع أن الاجماع المذكور غير ثابت، بل احتمال الوجوب بعد الموت أيضا مما
صرحوا به (4)، بل القول به إلى أن ينقل من موضع موته موجود.
نعم، الظاهر عدم القول بوجوبه بعده أو ندرته حيث ما وضع ما لم يدفن،
ولا تدل عليه تلك الأخبار أيضا حتى تنافيه. ولا إشعار في قوله في ذيل الأخيرة:
" وكذلك إذا غسل " حيث إن المراد منه إرادة التغسيل بالتجوز المذكور، لمنع إرادة
ذلك منه أولا، وعدم إشعار التجوز في لفظ به في آخر ثانيا، مع أنه لا أمر فيها
بالتوجيه إلا بواسطة تعلقه بالتسجية المستحبة قطعا، فلا يجب به متبوعه.
ومنه يظهر أيضا اختصاصها بما بعد الموت، لاختصاص التسجية به، كما
صرح به بعضهم (5).
بل لمرسلة الفقيه المسندة في العلل، المروية في ثواب الأعمال والدعائم أيضا
المنجبر ضعفها - لو كان - بالشهرة المحكية مستفيضا، المؤيدة بعمل المسلمين في
جميع الأعصار: " دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على رجل من ولد

(1) الكافي 3: 126 الجنائز ب 11 ح 1، التهذيب 1: 285 / 833، الوسائل 2: 453 أبواب
الاحتضار ب 35 ح 3.
(2) الكافي 3: 127 الجنائز ب 11 ح 3، التهذيب 1: 286 / 835، الوسائل 2: 452 أبواب
الاحتضار ب 5 3 ح 2.
(3) في النسخ: أولى والظاهر أنه مصحف.
(4) قال في الروض: 93 وهل يسقط الاستقبال بالموت أو يجب دوام الاستقبال به حيث يمكن؟ كل
محتمل.
(5) المدارك 2: 53.
70

عبد المطلب، وهو في السوق، وقد وجه إلى غير القبلة، فقال: وجهوه إلى القبلة
فإنكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة وأقبل الله عليه بوجهه " (1).
وورودها في شخص خاص لا ينافي التعميم، للاشتراك إجماعا، مع إشعار
التعليل فيها، بل دلالته على العموم والقول بإشعاره بالاستحباب أيضا ضعيف
غايته، مع أنه لو كان لا يترك به ظاهر الأمر.
ويؤكده أيضا المروي في الدعائم عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): " من
الفطرة أن يستقبل بالعليل القبلة إذا احتضر " (2).
خلافا للمعتبر، والنافع، والمدارك، والذخيرة، والكفاية (3) - وعزاه في
المنتهى (4) إلى السيد، والخلاف (5)، وابن إدريس (6)، وفي البحار إلى التهذيب (7)،
والمبسوط (8)، والمفيد، والسيد، وبعض الأجلة (9) إلى الجامع، ونهاية الشيخ،
والاقتصاد، والمصباح (10)، ومختصره - للأصل، وضعف أخبار الوجوب إما سندا
كالمرسلة، أو دلالة كالبواقي.
والأصل مندفع بما مر. وضعف المرسلة غير ضائر في الحجية سيما مع

(1) الفقيه 1: 79 / 352، علل الشرائع: 297 ب 234، ثواب الأعمال: 231، الدعائم 1:
219، الوسائل 2: 453 أبواب الاحتضار ب 35 ح 6.
(2) الدعائم 1: 219، المستدرك 2: 120 أبواب الاحتضار ب 25 ح 3.
(3) المعتبر 1: 258، النافع: 10، المدارك 53 الذخيرة: 80، الكفاية: 6.
(4) المنتهى 1: 426.
(5) الخلاف 1: 691.
(6) السرائر 1: 158.
(7) بحار الأنوار 78: 331 قال: وذهب جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في الخلاف والمبسوط والمفيد
والمحقق في المعتبر والسيد إلى الاستحباب، ولم يسند فيه القول إلى التهذيب كما لم نعثر عليه فيه
(8) المبسوط 1: 174. ولم يصرح فيه بالاستحباب وقد يستفاد من سياق كلامه.
(9) الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 107
(10) الجامع: 48، النهاية: 30 (والمذكور فيه كما ذكر في المبسوط)، الإقتصاد: 247، مصباح
المتهجد: 17.
71

انجباره بالشهرة.
وكيفيته - على ما صرح به الأصحاب ونطقت به الأخبار الواردة في توجيه
الميت (1) وجوبا أو استحبابا المتحد كيفيته مع توجيه المحتضر إجماعا - أن يلقى على
ظهره بجعل باطن قدميه إلى القبلة، بحيث لو جلس استقبل.
والظاهر وجوب إبقائه إلى أن يقبض، للاجماع المركب بل للاستصحاب.
وفي سقوط الوجوب بالموت، أو بقائه بعده في الجملة، أو إلى أن ينقل من
موضعه، أو إلى أن يدفن مهما أمكن، احتمالات، أظهرها: الثاني، لعمومات
توجيه الميت إلى القبلة. بل الثالث، لأنه المنسبق إلى الذهن منها. وأحوطها:
الرابع.
ولا فرق في وجوب التوجيه في الحالين بين الصغير والكبير، لاطلاق وجوبه
في الميت المستلزم له في المحتضر أيضا، لعدم القول بالفصل بين الصغير والكبير
فيهما.
ومنه يظهر الوجوب في المخالف المحكوم بإسلامه أيضا.
ولو اشتبهت القبلة، سقط الوجوب، لعدم إمكان التوجيه في حالة واحدة
إلى الأربع، فلا يصلح مقدمة للواجب.
وأما الثاني فأمور:
ومنها: تلقينه، أي تفهيمه الشهادتين والولاية، بالاجماع والنصوص
المستفيضة (2)، بل الاقرار بالأئمة واحدا بعد واحد، كما في مرسلة الكافي (3)

(1) انظر الوسائل 2: 452 أبواب الاحتضار ب 35.
(2) انظر الوسائل 2: 454 أبواب الاحتضار ب 36.
(3) الكافي 3: الجنائز ب 9 ذيل حديث 6، الوسائل 2: 458 أبواب الاحتضار ب 37 ح 3.
72

والرضوي (1). وكلمات الفرج، كما في الروايات المتكثرة (2) وهي مشهورة.
نعم زيد على المشهور في بعض الروايات " وما تحتهن " قبل " رب العرش
العظيم " و " سلام على المرسلين " (3) بعده. وفي بعضها زيد الأخير خاصة (4).
والعمل بالكل حسن
وينبغي للمحتضر المتابعة في التلفظ، لاستفاضة النصوص. فيتبعه
بالقلب واللسان. ولو اعتقل لسانه، اقتصر على القلب ليحصل (5) التلقين.
ويكرر الثلاثة حتى ينقطع كلامه، لمرسلة الكافي. ويجعل آخر كلامه كلمة
التوحيد، لما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): " إن من كان آخر كلامه لا إله
إلا الله دخل الجنة " (6)
ويستحب أيضا أن يقول: " يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير، اقبل مني
اليسير، واعف عني الكثير، إنك أنت العفو الغفور " لمرسلة الفقيه (7).
وأن يقول: " اللهم اغفر لي الكثير من معاصيك، واقبل مني اليسير من
طاعتك) لرواية سالم (8)
وأن يقرأ سورة الجحد، للمروي في دعوات الراوندي (9).
ويكرر قول: " اللهم ارحمني فإنك كريم، اللهم ارحمني فإنك رحيم "
للمروي فيها أيضا (10)

(1) فقه الرضا: 165، المستدرك 2: 121 أبواب الاحتضار ب 26 ح 3.
(2) انظر الوسائل 2: 459 أبواب الاحتضار ب 38.
(3) كما في مرسلة الفقيه 1: 77 / 346.
(4) كما في فقه الرضا: 165، المستدرك 2: 128 أبواب الاحتضار ب 28 ح 2.
(5) في " ق " لتحصيل.
(6) الفقيه 1: 78 / 348، الوسائل 2: 455 أبواب الاحتضار ب 36 ح 6.
(7) الفقيه 1: 78 / 350، الوسائل 2: 462 أبواب الاحتضار ب 39 ح 3.
(8) الكافي 3: 124 الجنائز ب 9 ح 10، الوسائل 2: 461 أبواب الاحتضار ب 39 ح 1.
(9) الدعوات: 249، 250، المستدرك 2: 133 أبواب الاحتضار ب 39 ح 6.
(10) الدعوات: 249، 250، المستدرك 2: 133 أبواب الاحتضار ب 39 ح 6.
73

ومنها: قراءة القرآن عنده قبل خروج روحه وبعده، للتبرك، والاستدفاع،
وذكر الأصحاب (1). وفي اللوامع أسنده إلى الرضوي، والمذكور فيه إحضار القرآن
عند المحتضر (2)، فهو مستحب آخر.
وخصوص سورة " والصافات " قبله، لخبر الجعفري، وفيه: " قم يا بني اقرأ
عند رأس أخيك والصافات صفا حتى تستتمها " (3)
قيل: وفي الأمر بالاتمام دلالة على القراءة بعد الموت أيضا (4). وفيه نظر.
و " يس " في الحالتين، للمروي في دعوات الراوندي: " ما قرأت يس عند
ميت إلا خفف الله عنه تلك الساعة " (5).
والمنقول في شرح القواعد للهندي عن النبي (صلى الله عليه وآله): " من قرأ
سورة يس وهو في سكرات الموت أو قرأت عنده، جاء رضوان خازن الجنة
بشربة " (6) الحديث.،
والمنقول فيه أيضا عنه (صلى الله عليه وآله): " أيما مسلم قرئ عنده - إذا نزل
به ملك الموت - سورة يس نزل بكل حرف منها عشرة أملاك يقومون بين يديه
صفوفا يصلون عليه " (7) الحديث.
وقول: " اللهم أخرجه إلى رضى منك ورضوان، اللهم اغفر له ذنبه، جل
ثناء وجهك ". وآية الكرسي ثم آية السخرة (8)، ثم ثلاث آيات من آخر البقرة، ثم

(1) المعتبر 1: 260 التذكرة 1: 39، الذكرى: 38.
(2) فقه الرضا: 181 وفيه: " فإذا حضر أحدهم الوفاة فاحضروا عنده بالقرآن وذكر الله والصلاة على
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ".
(3) الكافي 3: 126 الجنائز ب 10 ح 5، التهذيب 1: 427 / 1358، الوسائل 2: 465 أبواب
الاحتضار ب 1 4 ح 1.
(4) قاله في الرياض 1: 52.
51) الدعوات: 215، المستدرك 2: 136، أبواب الاحتضار ب 31 ح 1.
(6) كشف اللثام 1: 106، 107.
(7) كشف اللثام 1: 106، 107.
(8) الأعراف: 54، وفي المصدر: ثم تقرأ آية السخرة " إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض "
إلى قوله: " إن رحمة ربك قريب من المحسنين ".
74

سورة الأحزاب في الحالين أيضا، للمروي في دعوات الراوندي.
ورواها في الدعائم أيضا، إلا أنه زاد آيتين بعد آية الكرسي أيضا،
ونقص الدعاء بعدها والأحزاب، وزاد في الآخر قول: " اللهم أخرجها منه إلى
رضى منك ورضوان، اللهم لقه البشرى، اللهم اغفر له ذنبه وارحمه " (1)
ومنها: أمره بحسن الظن بالله، وبشارته بلقاء ربه، كما ورد في أخبار
كثيرة (2).
ومنها: تغميض عينيه، وشد لحيته، وإطباق لحيته فيه، وتغطيته بثوب بعد خروج
الروح، لنفي الخلاف في المنتهى (3)، ورواية أبي كهمش (4) في الجميع، وموثقة
زرارة (5) في الأولين، وصحيحة سليمان، ورواية الجعفري (6)) في الأول.
ومد يديه إلى جنبيه، وساقيه، لتمريح الأصحاب (7)، وليكون أطوع
للغسل وأسهل للدرج في الكفن.
ومنها: نقله إلى مصلاه الذي يصلي فيه أو عليه، لصحيحة ابن سنان: " إذا

(1) الدعوات: 252، الدعائم 1: 219، المستدرك 2: 156، 157، أبواب الاحتضار ب 39
ح 35، 38.
(2) أنظر الوسائل 2: 448 أبواب الاحتضار ب 31.
(3) المنتهى 1: 427.
(4) التهذيب 1: 289 / 842، الوسائل 2: 468 أبواب الاحتضار ب 44 ح 3.
(5) التهذيب 1: 289 / 841، الوسائل 2: 468 أبواب الاحتضار ب 44 ح 1.
(6) الذي عثرنا عليه من صحيحة سليمان ورواية الجعفري لا يتعلق بالحكم الأول أي تغميض العينين
وإنما هو متعلق بالحكم الأخير أي تغطيته بثوب وعبر عنها في الروايتين بالتسجية، فالصواب تبديل
" الأول " في المتن ب‍ " الأخير " وصحيحة سليمان مروية في التهذيب 1: 286 / 835، الوسائل 2:
452، أبواب الاحتضار ب 35 ح 2، ورواية الجعفر في مروية في التهذيب 1: 427 / 1358،
الوسائل 2: 465 أبواب الاحتضار ب 41 ح 1.
(7) كما صرح به في المقنعة: 74، والمبسوط 1: 174، والمنتهى 1: 427.
75

عسر على الميت موته ونزعه قرب إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه أو عليه " (1).
وحسنة زرارة: " إذا اشتد عليه النزع فضعه في مصلاه الذي كان يصلي فيه
أو عليه " (2) وقريب منها الرضوي (3).
وخبري ذريح، والمرادي، الواردين في تحويل الخدري بعد شدة نزعه (4).
وبها يخصص الرضوي (5) وموثقة زرارة (6) الناهيتان عن مس المحتضر،
وكونه إعانة عليه.
ومقتض التقييد في تلك الروايات - كعبارات جمع من الأصحاب (7) -
اختصاص الاستحباب بصورة اشتداد النزع. فما في بعض كلماتهم (8) من
الاطلاق ضعيف. والتسامح في المقام هنا لاتباع الاطلاق غي مفيد، لمعارضته مع
ما مر من النهي عن مسه بالتساوي.
ومنها: أن يسرج عنده إن مات ليلا - كما في الشرائع، والنافع، والمنتهى،
والقواعد (9)، وعن المراسم، والوسيلة، ونهاية الشيخ، والتذكرة، والتحرير،
والجامع (10)، بل إن مات نهارا وبقي إلى الليل، كما هو ظاهر المبسوط، والكافي،

(1) الكافي 3: 125 الجنائز ب 10 ح 2 و 3، التهذيب 1: 427 / 1356 و 1357، الوسائل 2:
463 أبواب الاحتضار ب 40 ح 1 و 2.
(2) الكافي 3: 125 الجنائز ب 10 ح 2 و 3، التهذيب 1: 427 / 1356 و 1357، الوسائل 2:
463 أبواب الاحتضار ب 40 ح 1 و 2.
(3) فقه الرضا: 165.
(4) الكافي 3: 125 الجنائز ب 10 ح 1 و 4، رجال الكشي 1: 202، 204 الوسائل 2: 463،
464 أبواب الاحتضار ب 40 ح 3 و 4.
(5) فقه الرضا: 165.
(6) المتقدم مصدرها في ص 75.
(7) كالمبسوط 1: 174، والقواعد 1: 17، والبيان: 67.
(8) كالشرائع 1: 36.
(9) الشرائع 1: 36، النافع: 12، المنتهى 1: 427، القواعد 1: 17.
(10) المراسم: 47، الوسيلة: 62، النهاية: 30، التذكرة 1: 37، التحرير 1: 17، الجامع:
49.
76

والمهذب للقاضي (1) - إلى الصباح، كما في المنتهى (2)، وعن النهاية، والمبسوط،
والاصباح، والجامع، والتذكرة، ونهاية الإحكام (3).
والظاهر إرادتهم صورة عدم دفنه إليه، وإلا لم يكن عنده.
لفتوى هؤلاء الأجلة والشهرة المحكية، الكافيتين في المقام، للمسامحة.
لا لما ذكره في المعتبر من أنه فعل حسن (4)، إذ لا أرى وجها لحسنه.
ولا لرواية عثمان بن عيسى: لما قبض الباقر (عليه السلام) أمر أبو عبد الله
(عليه السلام) بالسراج في البيت الذي كان سكنه حتى قبض أبو عبد الله (عليه
السلام)، ثم أمر أبو الحسن (عليه السلام) بمثل ذلك في بيت أبي عبد الله حتى أخرج
به إلى العراق (5)، من جهة أن دوام الاسراج يتضمن الاسراج عنده، أو يقتضيه
بالأولوية، لأنه إنما كان يتم لو ثبت موته (عليه السلام) في بيت يسكنه لا في خارجه،
وهو غير معلوم.
ودعوى ظهور الاتحاد أو تبادره دعوى غريبة، مع أنه يمكن أن يكون ذلك
نوع تعظيم لم يثبت جوازه في حق غير الإمام.
ومما ذكر يظهر عدم دلالتها على استحباب الاسراج في بيت مات فيه أيضا
إلى الصباح لأن أخرج عنه كما عن المقنعة (6).
نعم، لا بأس بالقول به متابعة له مسامحة.
ومنها: تعجيل تجهيزه إن علم موته، بالاجماع المحقق، والمحكي في المعتبر،

(1) المبسوط 1: 174، الكافي: نقل عنه في كشف اللثام 1: 106، ولم نجده فيه، المهذب 1:
54.
(2) المنتهى 1: 427.
(3) النهاية 1: 30، المبسوط 1: 174، الجامع: 49، التذكرة 1: 37، نهاية الإحكام 2: 211.
(4) المعتبر 1: 261.
(5) الكافي 3: 251 الجنائز ب 95 ح 5، التهذيب 1: 289 / 843، الوسائل 2: 469 أبواب
الاحتضار ب 45 ح 1.
(6) المقنعة: 74 قال: وإن مات ليلا أسرج في البيت مصباح إلى الصباح.
77

والتذكرة، والنهاية (1)، واللوامع، وغيرها، والمستفيضة.
كرواية جابر: " لا ألفين رجلا له ميت ليلا فانتظر به الصبح، ولا رجلا مات
له ميت نهارا فانتظر به الليل، لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس ولا غروبها،
عجلوا بهم إلى مضاجعهم " (2) الحديث.
ورواية السكوني: " إذا مات الميت أول النهار فلا يقيل إلا في قبره " (3).
وفي خبر عيص: " إذا مات الميت فخذ في جهازه وعجله " (4).
وفي مرسلة الصدوق: " كرامة الميت تعجيله " (5).
بل يقدم تجهيزه على الصلاة المكتوبة ما لم يضيق وقتها، لخبر جابر: إذا
حضرت الصلاة على الجنازة في وقت مكتوبة فبأيها أبدأ، فقال: " عجل بالميت إلى
قبره إلا أن يخاف فوت وقت الفريضة " (6).
وإن اشتبه موته بسبب من الأسباب، ومنها كونه مصعوقا - أي غشي عليه
أو صوت بصوت شديد أو أصيب صاعقة السماء - أو غريقا، أو مبطونا، أو
مهدوما، أو مسموما، أو مدخنا، كما نطقت به الأخبار الآتية، أو مغمى عليه،
أو أصابه وجع القلب، أو إفراط الرعب، أو الغم، أو الفرح، أو تناول الأدوية
المخدرة، كما صرح به جالينوس، وقد يشتبه في غير تلك الموارد أيضا. وجب (7)

(1) المعتبر 1: 262، التذكرة 1: 37، نهاية الإحكام 2: 217.
(2) الكافي 3: 137، الجنائز ب 15 ح 1، التهذيب 1: 427 / 1359، الوسائل 2: 471 أبواب
الاحتضار ب 47 ح 1.
(3) الكافي 3: 138 الجنائز ب 15 ح 2، التهذيب 1: 428 / 1360، الوسائل 2: 473 أبواب
الاحتضار ب 47 ب 5.
(4) التهذيب 1: 433 / 1388، الإستبصار 1: 195 / 684، الوسائل 2: 473 أبواب الاحتضار
ب 47 ح 6.
(5) الفقيه 1: 85 / 388، الوسائل 2: 474 أبواب الاحتضار ب 47 ح 7.
(6) التهذيب 3: 320 / 995، الإستبصار 1: 469 / 1812، الوسائل 2: 473 أبواب الاحتضار
ب 47 ح 4.
(7) جزاء لقوله: وإن اشتبه...
78

الصبر إلى أن يعلم موته بأماراته، تحرزا عن الإعانة على رفع حياته المستصحبة.
ومنها (1): الريح المنتن، لرواية ابن أبي حمزة وفيها: " ينبغي للغريق والمصعوق أن
يتربص بهما ثلاثة أيام، لا يدفن إلا أن تجئ منه ريح دل على موته " (2) الحديث.
ومنها: مضي ثلاثة أيام وعدم ظهور أمارات الحياة، لتصريح الأطباء، ولما
ذكر، ولغيره من المستفيضة.
كصحيحة هشام: في المصعوق والغريق، قال: " ينتظر به ثلاثة أيام إلا أن
يتغير قبل ذلك " (3). وبمضمونها صحيحة إسحاق (4).
ومرسلة الفقيه: " خمسة ينتظر بهم ثلاثة أيام إلا أن يتغيروا: الغريق،
والمصعوق، والمبطون، والمهدوم، والمدخن " (5).
ومثلها المروي في الخصال بتبديل المهدوم بالمسموم (6).
وفي المروي في الدعائم: في الرجل تصيبه الصاعقة: " لا يدفن دون ثلاثة
أيام إلا أن يتبين موته ويستيقن (7).
وعدم الأمر بالدفن فيها بعد ثلاثة غير ضائر، لتبادره من الانتظار إليها.
واختصاصها بالخمسة أو أقل يجير بالاجماع المركب.
ولا يكفي اليومان وإن ورد في المصعوق في موثقة الساباطي (8)، وصرح في
المنتهى بكفايته (9). ولا يوم وليلة وإن روي للغريق (10) في الدعائم (11)، لمعارضتهما

(1) أي: ومن الأمارات.
(2) الكافي 3: 210، 209 الجنائز ب 74 ح 6، 1، 2، التهذيب 1: 338 / 991، 992،
990، الوسائل 2: 474، 475 أبواب الاحتضار ب 48 ح 5، 1، 3.
(3) الكافي 3: 210، 209 الجنائز ب 74 ح 6، 1، 2، التهذيب 1: 338 / 991، 992،
990، الوسائل 2: 474، 475 أبواب الاحتضار ب 48 ح 5، 1، 3.
(4) الكافي 3: 210، 209 الجنائز ب 74 ح 6، 1، 2، التهذيب 1: 338 / 991، 992،
990، الوسائل 2: 474، 475 أبواب الاحتضار ب 48 ح 5، 1، 3.
(5) الفقيه 1: 96، والمذكور فيه ليس بعنوان الرواية فلاحظ.
(6) الخصال 1: 300 / 74، الوسائل 2: 474 أبواب الاحتضار ب 48 ذيل ح 2.
(7) دعائم الاسلام 1: 229، المستدرك 2: 142 أبواب الاحتضار ب 37 ح 4.
(8) الكافي 3: 210 الجنائز ب 74 ح 4، الوسائل 2: 475 أبواب الاحتضار ب 48 ح 4.
(9) المنتهى 1: 427.
(10) في " ه‍ " في الغريق.
(1 1) دعائم الاسلام 1: 229، المستدرك 2: 142 أبواب الاحتضار ب 37 ذيل ح 3.
79

مع ما مر، حيث إن الجملة الخبرية في الجميع للوجوب قطعا، لعدم استحباب
الانتظار مع عدم الاشتباه إجماعا ونصا، ووجوبه معه كذلك، ورجحان ما مر
بالاستصحاب وعمل الأصحاب.
وعد جمع (1) من الأمارات: استرخاء قدميه، انخلاع كفيه من ذراعيه،
وانخساف صدغيه، وميل أنفه، وانخلاع جلدة وجهه، وتقلص أنثييه إلى فوق
مع تدلي الجلدة، وزوال النور عن بياض العين، وسرادها.
وزاد جالينوس (2): الامتحان بنبض عروق بين الأنثيين أو عرق يلي
الحالب، والذكر بعد الغمز الشديد، أو عرق في بطن المنخر، أو تحت اللسان،
أو باطن الألية. وآخر: عدم الانطباع في الحدقة.
ولا تنافيها أخبار الانتظار، لأنها مقيدة بعدم العلم بالموت بأمارة أخرى،
ولا ضير في تعدد الأمارات.
نعم الكلام في حصول العلم بكل مما ذكر وإن حصل بالجميع أو الأكثر
غالبا.
وقد يقال بشمول التغير المذكور فيها لتلك الأمارات (3).
ولا بأس به إن أريد الجميع أو الظاهرة منها، إلا أن المتبادر منه التغير في
الريح كما في خبر ابن أبي حمزة (4).
ومنها: إعلام المؤمنين بموته بعد تحققه، للنصوص:
منها: صحيحة ابن سنان: " ينبغي لأولياء الميت منكم أن يؤذنوا إخوان
الميت بموته " (5) الحديث.

(1) منهم الشهيد الثاني في الروض: 95.
(2) كما نقل عنه في الذكرى: 38.
(3) كما احتمله في الحدائق 3: 375.
(،) المتقدم في ص 79.
(5) الكافي 3: 166، 167 أبواب الجنائز ب 37 ح 1، 2، 3، التهذيب 1: 452 / 1470، الوسائل
3: 59، 60 أبواب صلاة الجنائز ب 1 ح 1، 3، 4.
80

وفي صحيحة ذريح: الجنازة يؤذن بها الناس؟ قال: " نعم " (1). وقريب منها
المرسل (2).
وهي - كما ترى - تعم النداء العام أيضا. فما عن الخلاف من أنه لا نص
في النداء (3)، أن أراد بالخصوص فكذلك، وإلا فلا.
والأولى وإن اختصت بالأولياء، والأخيرتان لا تشملان غيرهم أيضا،
لعدم إطلاقهما بالنسبة إلى كل مؤذن إلا بواسطة أصالة عدم المطلوبية من خاص
المندفعة بالأولى، إلا أن عمومات الإعانة على البر الذي هو في المقام ما يترتب على
الحضور من الثواب الجزيل على السنن الموظفة فيه (4) تكفي في التعميم لغيرهم
أيضا.
ولا ينافيه الاختصاص في الأولى، لجواز أفضلية بعض أفراد المستحب،
فيكون مستحبا. في المستحب.
فما عن الجعفي من كراهة النعي، إلا أن يرسل صاحب المصيبة إلى من
يختص به (5)، ليس بجيد، مع أن مأخذ الكراهة غير معلوم.
وأما الثالث: (6) [فأن] (7) يحضره جنب أو حائض، لنقل الاجماع في
المعتبر (8)، والأخبار.
منها: صحيحة ابن أبي حمزة: " لا بأس أن تمرضه - أي الحائض - فإذا

(1) الكافي 3: 166، 167 أبواب الجنائز ب 37 ح 1 و 2 و 3، التهذيب 1: 452 / 1470،
الوسائل 3: 59، 60، أبواب صلاة الجنائز ب 1 ح 1، 3، 4.
(2) الكافي 3: 166، 167 أبواب الجنائز ب 37 ح 1 و 2 و 3، التهذيب 1: 452 / 1470،
الوسائل 3: 59، 60، أبواب صلاة الجنائز ب 1 ح 1، 3، 4.
(3) الخلاف 1: 731.
(4) أنظر الوسائل 3: 141، 145، أبواب الدفن ب 2، 3.
(5) كما نقل عنه في الذكرى: 38.
61) وهو ما يكره في حال الاحتضار.
(7) في النسخ: " بأن " وما أثبتناه أنسب.
(8) المعتبر 1: 263 قال: وبكراهة ذلك قال أهل العلم.
81

خافوا عليه وقرب ذلك فلتنح عنه، فإن الملائكة تتأذى بذلك " (1).
والمروي في العلل: لا يحضر الحائض والجنب عند التلقين، فإن الملائكة
تتأذى بهما " (2).
ومقتضى التعليل وظاهر إطلاق الآخر: الشمول لتلقين الاحتضار
والدفن.
ويدل على خصوص الأول: الرضوي: ولا تحضر الحائض ولا الجنب عند
التلقين، فإن الملائكة تتأذى بهما، ولا بأس بأن يليا غسله، ويصليا عليه، ولا ينزلا
قبره، فإن حضرا ولم يجدا من ذلك بدا فليخرجا إذا قرب خروج نفسه (3).
وعلى الثاني: رواية يونس: " لا تحضر الحائض الميت، ولا الجنب عند
التلقين، ولا بأس أن يليا غسله " (4).
والمروي في الخصال: " ولا يجوز للمرأة الحائض ولا الجنب الحضور عند
تلقين الميت، لأن الملائكة تتأذى بهما ولا يجوز لهما ادخال الميت قبره) (5)
ونفي الجواز في الآخر محمول على تأكد الكراهة، لضعف الرواية
بمخالفتها عمل جل الطائفة، وإن أفتى بهذه العبارة في الفقيه، والمقنع،
والهداية (6)، ولكنه لا يخرجها عن الشذوذ، بل لا ينافي ما هو الظاهر من انعقاد
الاجماع على نفي الحرمة، ولأجله يحمل الأمر في الصحيح والرضوي على
الاستحباب أيضا، والاحتياط لا ينبغي أن يترك.
ومقتضى الأصل: زوال الكراهة بالموت. ولا يعارضه الاستصحاب،

(1) الكافي 3: 138 الجنائز ب 17 ح 1، التهذيب 1: 428 / 1361، الوسائل 2: 67، أبواب
الاحتضار ب 43 ح 1.
(2) علل الشرائع: 298 ب 236، الوسائل 2: 467 أبواب الاحتضار ب 43 ح 3.
(3) فقه الرضا: 165، المستدرك 2: 138 أبواب الاحتضار ب 33 ح 3.
(4) التهذيب 1: 428 / 1362، الرسائل 2: 467 أبواب الاحتضار ب 43 ح 2.
(5) الخصال: 586 أبواب السبعين وما فوقه.
(6) الفقيه 1: 51، المقنع: 17، الهداية: 23.
82

لاختصاص الروايات بحال القرب من الموت أو التلقين. ولكن المستفاد من تأذي
الملائكة المطلوب حضور أهل الرحمة منهم بعد الموت أيضا بقاؤها بعده، كما
احتمله في البحار، فتأمل.
وهل تزول في الحالين بانقطاع الدم عن الحائض قبل الغسل، أو بالتيمم
بدل الغسل عند تعذره عنهما؟ فيه إشكال، ومقتضى صدق الاسم والاستصحاب
العدم.
وأن يترك وحده، لرواية أبي خديجة: " ليس من ميت يموت ويترك وحده إلا
لعب الشيطان في جوفه " (1).
ومرسلة الصدوق: " لا تدعن ميتك وحده، فإن الشيطان يعبث به في
جوفه " (2).
وقريب منهما الرضوي (3)، والمروي في العلل (4).
وحمله في البحار على حالة الاحتضار، وعبث الشيطان على وسوسته
واضلاله (5).
ولا داعي له، بل إبقاؤه على ظاهره ممكن، كما نقل أنه ترك ميت وحده ليلا
إلى الصباح فوجدوه قد جف بعض أعضائه.
وسمعت من ثقة أنه غسل ميت وكفن في أول الليل وترك في بيت وحده
وأغلق الباب عليه ليدفن في النهار، فإذا أصبحوا وفتحوا الباب، وجدوه يدور في
البيت ميتا، فإذا دخلوه وأخذوا في قراءة القرآن وقع على الأرض.

(1) الكافي 3: 138، الجنائز ب 16 ح 1، التهذيب 1: 290 / 844، الوسائل 2: 466 أبواب
الاحتضار ب 42 ح 1.
(2) الفقيه 1: 86 / 399، الوسائل 2: 466 أبواب الاحتضار ب 42 ح 2.
(3) فقه الرضا: 168، المستدرك 2: 137 أبواب الاحتضار ب 32 ح 1.
(4) علل الشرائع: 307 ب 256 وفيه: قال أبي رحمه الله في رسالته إلى: لا يترك الميت وحد ه....
(5) بحار الأنوار 78: 230.
83

فائدة: ما مر من أحكام الاحتضار والتجهيز الواجبة والمندوبة، بل أحكام
الميت بأسرها فرض أو ندب كفاية تعلق الغرض بإدخالها في الوجود، ولم تطلب
من كل واحد بعينه، ولا من واحد كذلك.
والدليل عليه بعد الاجماع المحقق والمحكي من غير واحد (1): عموم
خطابات أحكامه أو إطلاقها من غير تخصيص أحدهما. والتخصيص في البعض
- كما يأتي - لا يفيد أزيد من الأولوية، ولو أفاده لاختص بما أفاده، ولا يسري إلى
سائر أحكامه. ومن سقوطها بفعل البعض بالضرورة الدينية تنتفي العينية،
وتثبت الكفائية.
وتوهم الاختصاص بالولي إلا مع عدمه أو عدم تمكنه أو اخلاله مع فقد
من يجبره، نظرا إلى تخصيصه بالخطاب في بعض الأخبار - كبعض مشايخنا (2) -
ضعيف، ولو سلم لاختص بمورده.
نعم، الظاهر أولوية الولي أو من يأذن له في جميع أحكامه بمعن أفضلية
قيامه بها، كما عن النهاية، والمبسوط، والمهذب، والوسيلة (3)، والمعتبر، والجامع
- فيما عدا التلقين الأخير - والقواعد (4)، لفتوى هؤلاء، وإن خالف بعض في بعض
الأحكام، كما يأتي كل في مورده.
ثم الظاهر أن المعتبر في السقوط عمن علم بالموت حصول العلم بقيام الغير
به ولو بالقرائن الحالية، دون الظن، وفاقا للمدارك (5)، وجده (6) وأكثر الثالثة (7)،
لأن التحقيق أن الخطاب الكفائي خطاب عيني متعلق بكل واحد مشروط بعدم

(1) كما حكاه في المعتبر 1: 264، والتذكرة 1: 38.
(2) الحدائق 3: 359.
(3) النهاية: 143، المبسوط 1: 174، المهذب 1: 62، الوسيلة: 63.
(4) المعتبر 1: 264، الجامع: 50، القواعد 1: 17.
(5) المدارك 2: 55.
(6) الشهيد الثاني في روض الجنان: 92.
(7) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 79، والفاضل البحراني في الحدائق 3: 359.
84

قيام الغير به، والشرط - كما يقتضيه أصالة عدم قيام الغير، واستصحاب بقاء
الخطاب، وقاعدة وجوب الإطاعة - هو: عدم العلم بقيام الغير، فما لم يعلم لم
يسقط، إلا إذا ثبت اعتبار ظن، وهو في المقام غير ثابت ولو كان حاصلا من شهادة
العدلين.
خلافا لجمع، منهم: الفاضل (1)، تمسكا بامتناع تحصيل العلم بفعل الغير
في المستقبل.
ويضعف: بعدم تضيق المطلوب في المورد حتى يجب تحصيل العلم أولا
بقيام الغير، بل موسع يكفي حصوله بعد بالمشاهدة أو إخبار جماعة. مع أنه يمكن
حصوله ابتداء أيضا بالعلم بطريقة المسلمين في الأعصار والأمصار، فإن الظاهر
حصول العلم العادي في غالب البلاد الاسلامية بقيام جماعة بذلك، وإن لم
يشاهد ولم يخبر به، فلا يجب في كل بلد في كل ميت حضور الجميع.
نعم، يمكن عدم حصوله لبعض الأشخاص في بعض الأموات في بعض
الأماكن، فيجب على مثله الحضور للقيام بالواجبات، ويستحب للمستحبات.

(1) في نهايته (في الأصول) على ما نقله في هداية المسترشدين: 273، وذهب إليه المحقق في المعارج:
75.
85

البحث الثاني: في التغسيل.
والكلام فيه إما في الغاسل، أو المغسول، أو الغسل، فهاهنا ثلاثة فصول:
الفصل الأول: في الغاسل.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: غسل الميت فرض كفافي، فيجب على كل مكلف بشرط
عدم قيام الغير به، على ما هو المحقق (1) في معنى الكفائي.
أما وجوبه: فبالضرورة والأخبار المتكثرة المعصومية.
وأما عدم تعيينه (2) على أحد: فللاجماع المحقق والمحكي في كلام جماعة،
منهم: المنتهى (3)، واللوامع، والأصل والاطلاقات.
ففي رواية سعد الإسكاف: " أيما مؤمن غسل مؤمنا فقال إذا قلبه - إلى أن
قال -: إلا غفر الله له ذنوب سنة إلا الكبائر " (4).
وفي رواية سعد بن طريف: " أيما مؤمن غسل مؤمنا فأدى فيه الأمانة غفر
له " (5).
وفي الرضوي: (تجهيز الميت فرض واجب على الحي) (6) إلى غير ذلك.

(1) في " ه‍ ": التحقيق.
(2) في " ق ": تعينه
(3) المنتهى 1: 427 قال: وهو فرض على الكفاية إذا قام به سقط عن الباقين بلا خلاف بين أهل
العلم.
(4) الكافي 3: 164، الجنائز ب 33 ح 1، التهذيب 1: 303 / 884، ثواب الأعمال: 232 / 1،
الأمالي: 434 / 3، الوسائل 2: 494 أبواب غسل الميت ب 7 ح 1.
(5) الكافي 3: 164، الجنائز ب 33 ح 2، التهذيب 1: 450 / 1460، الوسائل 2: 495 أبواب
غسل الميت ب 8 ح 1.
(6) فقه الرضا: 181، المستدرك 2: 165 أبواب غسل الميت ب 1 ح 2.
86

وأما كفائيته: فلعدم مطلوبية غير واحد منها بديهة، وللاجماعين، بل
الضرورة.
نعم أولى الناس بالميت أو من يأمره أولى بغسله، وفاقا لمن جعله أولى
بجميع أحكامه عموما (1)، وللهداية، والشرائع، والقواعد، والمنتهى (2) في
خصوص الغسل أيضا، لمرسلة الفقيه ورواية غياث: " يغسل الميت أولى الناس به " (3).
وزاد في الأولى: " أو من يأمره الولي بذلك ". ".
وخلافا لظاهر من لم يذكر الغسل أو ما يعمه في الأولوية كالمقنعة والخلاف،
فلم يذكراها إلا في الصلاة. والمراسم، وجمل السيد (4)، والاصباح، فزادوا عليها
نزول القبر. وجمل الشيخ، والنافع، والتلخيص، والتبصرة (5)، فزادوا عليها
التلقين الأخير. والاقتصاد والمصباح، ومختصره، ونهاية الإحكام (6)، فلم يذكروا
إلا الثلاثة. والكافي (7)، فلم يذكر أولوية أصلا، ولعله لضعف الروايتين،
الممنوع، ولو سلم فلا يضر في إثبات الاستحباب.
ثم الأولوية هنا بمعنى الأفضلية، فلو فعله غيره ولو بدون إذنه بل مع منعه
لم يرتكب حراما، ولا ترك واجبا، وكان الغسل صحيحا، إلا أنه ترك الأفضل،
لعدم دلالة الروايتين على الأزيد من الرجحان، لا بمعنى وجوب تقديمه وإن

(1) تقدم ذكرهم في ص 84.
(2) الهداية: 23، الشرائع 1: 37، القواعد 1: 27، المنتهى 1: 428.
(3) الفقيه 1: 86 / 394، التهذيب 1: 431 / 1376، الوسائل 2: 535 أبواب غسل الميت ب 26
ح 1، 2.
(4) المقنعة: 232، الخلاف 1: 719، المراسم: 51، 80، بل العلم والعمل: (رسائل المرتضى 3): 1 5،
52.
(5) الجمل والعقود (الوسائل العشر): 167، 194، النافع: 14، التبصرة: 14.
(6) الإقتصاد: 250، مصباح المتهجد: 21، نهاية الإحكام 2: 255، 275، 279
(7) الكافي للحلبي: 134، 156، 236.
87

صح لو فعله غيره، حيث إن الواجب خارج عن حقيقة الفعل، وليس جزءا له ولا
شرطه، ولا بمعنى وجوبه مع عدم صحته عن الغير بدون إذنه. للأصل،. وعدم
الدليل، مع منافاته لما مر من العمومات والاطلاقات.
والمراد بأولى الناس به أولاهم بميراثه، كما عليه ظاهر الاجماع في شرح
القواعد للكركي (1)، وصريحه في اللوامع، ونفي الخلاف في الحدائق في المسألة (2)،
والنسبة إلى علمائنا في المنتهى (3) وغيره (4) في الأولى بالصلاة عليه المتحد معه في
المقام إجماعا. وإليه يرشد تتبع الأخبار كما يظهر لك مع سائر ما يتعلق بذلك في
صلاة الميت، مع أن كل ما فسر به الأولى بل يصح أن يفسر يتحقق في الأولى
بالميراث، فأولويته قطعية.
والمراد بتقديم الأولى بالميراث أن من يرث أولى ممن لا يرث، كالطبقة الثانية
مع وجود أحد من الأولى، والثالثة مع أحد من الثانية وهكذا. فإن انحصر أهل
المتقدمة بواحد اختص به، وإلا فقالوا: الذكر أولى من الأنثى، والأب من
الابن، وهو من غيره، ويعلم تفصيل المقام في بحث الصلاة إن شاء الله تعالى.
ثم إن الزوج أولى بزوجته من جميع الأقارب في جميع الأحكام، بالاجماع
المحقق، والمحكي (5) مستفيضا، لموثقة إسحاق: " الزوج أحق بالمرأة حتى يضعها
في قبرها، (6).
وخبر أبي بصير: المرأة تموت من أحق بالصلاة عليها؟ قال: " زوجها " قلت:

(1) جامع المقاصد 1: 359.
(2) الحدائق 3: 377.
(3) المنتهى 1: 450
(4) كالتذكرة 1: 47.
(5) المعتبر 1: 264 قال - بعد ذكر رواية إسحاق -: مضمون الرواية متفق عليه، وقال في الحدائق
3: 381 الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في أن الزوج أولى بزوجته في جميع الأحكام.
(6) الكافي 3: 194، الجنائز ب 63 ح 6، التهذيب 1: 325 / 949، الوسائل 2: 531 أبواب
غسل الميت ب 24 ح 9.
88

الزوج أحق من الأب والولد والأخ؟ قال: " نعم، ويغسلها " (1).
وما يخالفه باثبات أولوية الأخ عليه في الصلاة من الأخبار (2) شاذ متروك،
فلا يعارض ما مر، مع أنها للعامة موافقة (3)، كما ذكره شيخ الطائفة (4) وغيره،
فعلى التقية محمولة.
وظاهر الأصل واختصاص المستند بالزوج اختصاص الحكم به، دون
الزوجة، كما صرح به جماعة (5).
وفيه قول بالحاقها به لوجه ضعيف (6).
ولا فرق بين الدائم والمتمتع بها، ولا بين الحرة والمملوكة، لاطلاق النص.،
وإن كان في إطلاق الزوج بالنسبة إلى المتمتع بها حقيقة كلام.
الثانية: يشترط في غير المحارم والصبي والصبية المماثلة في الذكورة والأنوثة
بين الغاسل والمغسول.
فمع فقده يسقط الغسل على الأشهر الأظهر، بل عليه
الاجماع عن المعتبر والتذكرة (7)، وعن الخلاف أيضا في السقوط عن المرأة (8)، وإليه
ذهب الصدوقان، ونقله في الفقيه عن شيخه محمد بن الحسن (9)، وهو ظاهر

(1) الكافي 3: 177، الجنائز ب 48 ح 2، الفقيه 1: 102 / 474، التهذيب 3: 205 / 484،
الإستبصار 1: 486 / 1883، الوسائل 3: 115 أبواب صلاة الجنائز ب 24 ح 2.
(2) أنظر الوسائل 3: 116 أبواب صلاة الجنازة ب 24 ح 4، 5.
(3) نقل ابن قدامة في المغني 2: 364 عن أبي حنيفة ومالك والشافعي وسعيد بن المسيب
والزهري... تقديم العصبة على الزوج.
(4) التهذيب 3: 205.
(5) منهم الشهيد الثاني في الروض: 311 والمحقق السبزواري في الذخيرة: 312.
(6) قال في الروض: 311: ذهب بعض الأصحاب إلى مساواتهما لشمول اسم الزوج لهما قال الله
تعالى: " وأصلحنا له زوجه ".
(7) المعتبر 1: 324، التذكرة 1: 39.
(8) الخلاف 1: 698.
(9) الفقيه 1: 94 / 432.
89

الكليني (1)، والمحكي عن النهاية، والمبسوط، والخلاف، والمهذب، والجامع (2)،
والوسيلة، والشرائع، والاصباح، والقواعد، والمنتهى، والتذكرة (3)، واختاره
عامة المتأخرين، للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة:
كصحيحة الحلبي: عن المرأة تموت في السفر وليس معها ذو محرم ولا نساء،
قال: " تدفن كما هي بثيابها " وعن الرجل يموت وليس معه ذو محرم ولا رجال،
قال: " يدفن كما هو بثيابه " (4) ونحوها الرضوي (5).
وصحيحة ابن أبي يعفور: عن الرجل يموت في السفر مع النساء ليس
معهن رجل، كيف يصنعن به؟ قال: " يلففنه لفا في ثيابه ويدفنه ولا يغسلنه " (6).
والبصري: عن امرأة ماتت مع رجال، قال: " تلف وتدفن ولا تغسل، (7).
والكناني: في الرجل يموت في السفر في أرض ليس معه إلا النساء، قال:
" يدفن ولا يغسل، والمرأة تكون مع الرجال بتلك المنزلة تدفن ولا تغسل إلا أن
يكون زوجها معها، فإن كان زوجها معها غسلها من فوق الدرع " (8).
وقريب منها خبر ابن سرحان، وزاد فيه: " ويسكب عليها الماء سكبا.

(1) لنقله الروايات الدالة على سقوط الغسل. أنظر الكافي 3: 158 الجنائز ب 29.
(2) النهاية: 42، المبسوط 1: 275، الخلاف 1: 698، المهذب 1: 56، الجامع: 50.
(3) الوسيلة: 63، 64، الشرائع 1: 37، القواعد 1: 17، المنتهى 1: 436، التذكرة 1: 39.
(4) الفقيه 1: 94 / 430 - بتفاوت يسير - التهذيب 1: 440 / 1423، الإستبصار 1: 200 / 706،
الوسائل 2: 520 أبواب غسل الميت ب 21 ح 1.
(5) فقه الرضا: 188، المستدرك 2: 183 أبواب غسل الميت ب 19 ح 1.
(6) الفقيه 1: 94 / 429، التهذيب 1: 441 / 1424، الإستبصار 1: 201 / 707، الوسائل 2:
521 أبواب غسل الميت ب 21 ح 2.
(7) التهذيب 1: 144 / 1425، الإستبصار 1: 201 / 708، الوسائل 2: 521 أبواب غسل الميت
ب 21 ح 3.
(8) التهذيب 1: 438 / 1414، الإستبصار 1: 197 / 693، الوسائل 2: 532 أبواب غسل الميت
ب 24 ح 12.
90

ولتغسله امرأته إذا مات، (1).
وموثقة سماعة: عن رجل مات وليس عنده إلا النساء، قال: " تغسله امرأة
ذات محرم منه وتصب النساء عليه الماء ولا يخلع ثوبه، وإن كانت امرأة ماتت مع
رجال وليس معها امرأة ولا محرم لها فلتدفن كما هي في ثيابها، وإن كان معها ذو
محرم لها غسلها من فوق ثيابها " (2).
وخبر الشحام: عن امرأة ماتت وهي في موضع ليس معهم امرأة غيرها،
قال: " إن لم يكن فيهم لها زوج ولا ذو رحم دفنوها بثيابها ولا يغسلونها، وإن كان
معهم زوجها أو ذو رحم، لها فليغسلها من غير أن ينظر إلى عورتها " وعن رجل مات
في السفر مع نساء ليس معهن رجل، فقال: " إن لم تكن له معهن امرأة فليدفن
في ثيابه ولا يغسل، وإن كان له فيهن امرأة فليغسل في قميص من غير أن ينظر
إلى عورته " (3).
والمروي في الدعائم: في الرجل يموت بين النساء لا محرم له منهن، والمرأة
كذلك تموت بين الرجال فلا يوجد من يغسلهما، قال: " يدفنان بغير غسل " (4).
وتدل عليه أيضا الأخبار الآمرة بغسل موضع الوضوء خاصة، كخبر أبي
بصير (5). أو كفيها كذلك، كخبري جابر (6) وابن فرقد (7). أو موضع التيمم،

(1) الكافي 3: 158، الجنائز ب 29 ح 7، التهذيب 1: 343 / 1003، الإستبصار 1: 197 / 694
الوسائل 2: 531 أبواب غسل الميت ب 24 ح 7، ولا يخفى أن الزيادة موجودة في رواية الكناني
أيضا.
(2) الفقيه 1: 94 / 434، التهذيب 1: 444 / 1435، الإستبصار 1: 204 / 720، الوسائل 2:
519 أبواب غسل الميت ب 20 ح 9.
(3) التهذيب 1: 443 / 1423، الإستبصار 1: 203 / 717، الوسائل 2: 518 أبواب غسل الميت
ب 20 ح 7.
(4) دعائم الاسلام 1: 229، المستدرك 2: 183 أبواب غسل الميت ب 19 ح 2.
(5) التهذيب 1: 443 / 1430، 1431، الإستبصار 1: 203 / 715، 716، الوسائل 2:
525 أبواب غسل الميت ب 22 ح 6، 8.
(6) التهذيب 1: 443 / 1430، 1431، الإستبصار 1: 203 / 715، 716، الوسائل 2:
525 أبواب غسل الميت ب 22 ح 6، 8.
(7) الكافي 3: 158، الجنائز ب 29 ح 9، التهذيب 1: 442 / 1428، الإستبصار 1:
202 / 713، الوسائل 2: 523 أبواب غسل الميت ب 22 ح 2.
91

كرواية المفضل (1)، حيث إن هذه الأمور غير الغسل، فالأمر بها دون الغسل مع
كونه موضع البيان يدل على سقوطه، بل في رواية داود (2) تصريح به.
وأما هذه الأمور فليس شئ منها واجبا، للاجماع، وخلو الروايات عن
الدال على الوجوب.
نعم، يحتمل استحبابها، بل هو الأظهر كما يظهر من التهذيبين (3) وعن
المبسوط (4). ولا تنافيه حرمة النظر، لسهولتها بدونه.
وهل يستحب الغسل بصب الماء من فوق الثياب أم لا؟ ظاهر المعظم:
الثاني. وهو كذلك، للأصل، وظهور. الروايات في مطلوبية ترك الغسل، بل
صراحة خبر ابن فرقد، ورواية زيد بن علي (5) فيها، حيث رتب في الأول على
الغسل الدخل عليهم أي العيب، وأنكر في الثاني ترك التيمم الدال على رجحانه
الغير المجتمع مع الغسل إجماعا.
وظاهر الإستبصار، وموضع من التهذيب (6)، ومحتمل كلام ابن زهرة،
والحلبي (7): استحبابه، لرواية زيد بن علي: " إذا مات الرجل في السفر مع النساء

(1) الكافي 3: 159، الجنائز ب 29 ح 13، الفقيه 1: 95 / 438، التهذيب 1: 342 / 1004،
الإستبصار 1: 202 / 714، الوسائل 2: 522 أبواب غسل الميت ب 22 ح 1.
(2) وهي رواية ابن فرقد المتقدمة آنفا.
(3) التهذيب 1: 442، 443، الإستبصار 1: 203، ولكن الموجود في الأول هو الجواز نعم صرح
في الثاني بالاستحباب.
(4) المبسوط 1: 175 وفيه: وقد رويت في أنه يجوز لهم أن يغسلوا محاسنها يديها ووجها...
(5) التهذيب 1: 443 / 1433، الإستبصار 1: 203 / 718، الوسائل 2: 524 أبواب غسل الميت
ب 22 ح 4.
(6) الإستبصار 1: 204، التهذيب 1: 442، قال: لأن الوجه في هذين الخبرين (يعني خبر زيد
وجابر) على ضرب من الاستحباب.
(7) انظر الغنية (الجوامع الفقهية): 563، قال في كشف اللثام 1: 111 ويحتمله كلام الحلبيين ولم
نعثر عليه في الكافي لأبي الصلاح.
92

ليس فيهن امرأته ولا ذو محرم يؤزرنه إلى الركبتين ويصببن عليه الماء صبا " (1)
الحديث.
ورواية أبي سعيد: " إذا ماتت. المرأة مع قوم ليس فيهم لها محرم يصبون عليها
الماء صبا " ورجل مات مع نسوة ليس فيهن له محرم، فقال أبو حنيفة: يصببن الماء
عليه صبا، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): " بل يحل لهن أن يمسسن منه ما كان
يحل لهن أن ينظرن منه إليه وهو حي، فإذا بلغن الموضع الذي لا يحل لهن النظر
إليه ولامسه وهو حي صببن الماء عليه صبا " (2).
ورواية جابر: في رجل مات ومعه نسوة وليس معهن رجل، قال: " يصببن
الماء من خلف الثوب ويلففنه في أكفانه من تحت الستر ويصلين عليه صفا
ويدخلنه قبره " والمرأة تموت مع الرجال ليس معهم امرأة قال: " يصبون الماء من
خلف الثوب، يلفونها في أكفانها ويصلون ويدفنون " (3).
ويجاب عنها: بمعارضتها مع ما مر، فيرجع إلى الأصل، مع أنها موافقة
للعامة (4)، كما تصرح به الرواية الثانية، فبها تخرج عن صلاحية المعارضة وتحمل
علي التقية.
مضافا إلى أن صب الماء ليس صريحا ولا ظاهرا في الغسل، فإرادة الصب
على أحد المواضع المتقدمة أو زائدا عليه من دون تحقق الغسل ممكنة.
ومما ذكر يظهر ضعف الاستدلال بتلك الأخبار على وجوب التغسيل من

(1) التهذيب 1: 441 / 1426، الإستبصار 1: 201 / 711، الوسائل 2: 523 أبواب غسل الميت
ب 22 ح 3.
(2) التهذيب 1: 342 / 1001، الإستبصار 1: 204 / 721، الوسائل 2: 525 أبواب غسل الميت
ب 22 ح 10.
(3) التهذيب 1: 442 / 1427، الإستبصار 1: 202 / 712، الوسائل 2: 524 أبواب غسل الميت
ب 22 ح 5.
1 4) نقله في المنتهى 2: 396 عن الحسن وإسحاق وفي بداية المجتهد 1: 227 عن قوم.
93

وراء الثياب، كما عن المفيد (1) وموضع من التهذيب (2). أو مع تغميض العينين،
كما عن ظاهر الحلبي (3)، وجعله ابن زهرة الأحوط (4).
مضافا إلى خلوها عن الدال على الوجوب، مع كون الأخيرة عامة بالنسبة
إلى وجود ذات المحارم وعدمها فيجب تخصيصها.
ومنه يظهر سقوط الاستدلال بروايتي الثمالي وابن سنان:
الأولى: " لا يغسل الرجل المرأة إلا أن لا توجد امرأة " (5).
والثانية: " المرأة إذا ماتت مع الرجال فلم يجدوا امرأة تغسلها غسلها بعض
الرجال من وراء الثوب، ويستحب أن يلف على يديه خرقة " (6). بل في ذيل الثانية
اشعار باختصاصه بالمحارم.
ثم المظاهر - كما صرح به الشيخ في المبسوط، والنهاية، والخلاف (7)،
والمحقق، والفاضل في النهاية والتذكرة (8) - سقوط التيمم أيضا، بل نسب نفيه في
الأخير إلى علمائنا، وجعله في الأول في المرأة المذهب، للأصل، وخلو غير رواية
زيد (9) عنه، مع كون المقام مقام البيان، وأما هي فمع عدم دلالتها على الوجوب
شاذة غي ناهضة لدفع الأصل، مع أنه نقل في المنتهى وجوب التيمم عن مالك

(1) نقله عنه في الرياض 1: 69 ولم نعثر عليه في المقنعة.
(2) التهذيب 1: 343.
(3) نقله عنه في كشف اللثام 1: 111 ولم نعثر عليه في الكافي.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 563.
(5) التهذيب 1: 440 / 1421، الإستبصار 1: 199 / 702، الوسائل 2: 525 أبواب غسل الميت
ب 22 ح 7.
(6) التهذيب 1: 444 / 1434، الإستبصار 1: 204 / 719، الوسائل 2: 525 أبواب غسل الميت
ب 22 ح 9.
(7) المبسوط 1: 175،، النهاية 1: 42، الخلاف 1: 698.
(8) المعتبر 1: 325، نهاية الإحكام 2: 232، التذكرة 1: 39.
(9) المتقدمة في ص 92.
94

وأبي حنيفة والشافعي في أحد الوجهين (1).
الثالثة: لا خلاف - كما في المنتهى (2) وغيره - في جواز تغسيل كل من
الزوجين الآخر في حال الاضطرار، ويدل عليه ما يأتي وبعض ما مر من
الأخبار (3).
وإنما الخلاف في الاختيار، فالأظهر الأشهر - كما صرح به في التذكرة،
والمنتهى، ونهاية الإحكام، والكركي (4)، وغيرهم (5) ممن تأخر - الجواز، وهو
المحكي عن السيد، والإسكافي، والجعفي (6)، والمراسم، والسرائر، والإشارة،
والمعتبر (7)، وفي القواعد، والمنتهى، وظاهر المبسوط، والخلاف، والنافع (8).
للأصل، والعمومات، وما دل على تغسيل أولى الناس وأن الزوج أولى
بزوجته.
وصحيحة محمد: عن الرجل يغسل امرأته؟ قال: " نعم من وراء
الثوب " (9).
ومثلها حسنته إلا أن بعد قوله: " نعم ": " إنما يمنعها أهلها تعصبا " (10)
وموثقة سماعة: عن المرأة إذا ماتت، فقال: " يدخل زوجها يده من تحت

(1) المنتهى 1: 437.
(2) المنتهى 1: 437.
(3) انظر ص 91.
(4) التذكرة 1: 39، المنتهى 1: 436، نهاية الإحكام 2: 29 2، جامع المقاصد 1: 360.
(5) كالروض: 96.
(6) حكى عنهم في الذكرى: 38.
(7) المراسم: 50، السرائر 1: 168، إشارة السبق: 77، قال بجوازه عند الاضطرار، المعتبر 1: 320.
(8) القواعد 1: 17، المنتهى 1: 436، المبسوط 1: 175، الخلاف 1: 698، النافع: 15.
(9) الكافي 3: 157 أبواب الجنائز ب 29 ح 3، التهذيب 1: 438 / 1411، الإستبصار
196 / 690، الوسائل 2: 529 أبواب غسل الميت ب 24 ح 2.
(10) الكافي 3: 158 أبواب الجنائز ب 29 ح 11، التهذيب 1: 439 / 1419، الإستبصار 1:
199 / 700، الوسائل 2: 29 5 أبواب غسل الميت ب 24 ح 4.
95

قميصها إلى المرافق فيغسلها " (1).
وصحيحة منصور: عن الرجل يخرج في السفر ومعه امرأته فتموت يغسلها؟
قال: " نعم وأمه وأخته ونحو هذا، يلقي على عورتها خرقة " (2).
وصحيحة الحلبي: عن الرجل يغسل امرأته؟ قال: " نعم من وراء الثياب لا
ينظر إلى شعرها ولا إلى شئ منها، والمرأة تغسل زوجها " (3).
وأما صحيحة زرارة: في الرجل يموت وليس معه إلا نساء، قال: " تغسله
امرأته لأنها منه في عدة، وإذا ماتت لم يغسلها لأنه ليس منها في عدة) (4) فلا تصلح
لمعارضة ما مر، لمخالفتها للعمل من حيث الفصل بين الزوج والزوجة. وضم عدم
الفصل مع الجزء الآخر ليس بأولى من ضمه مع الأول.
مضافا إلى كون هذا الفرق محكيا عن الحنفية مطلقا وعن أحد قولي سائر
الأربعة (5) فتكون الرواية لهم موافقة، وبها تصير مرجوحة.
مع أنها ظاهرة في الاضطرار الذي لم يقل أحد فيه بعدم الجواز. وتخصيص
جزئها الأخير بالاختيار ليس بأولى من تخصيصها بحال التجرد، كما فعله في
التهذيبين (6).

(1) الكافي 3: 158 الجنائز ب 29 ح 6، التهذيب 1: 438 / 1412، الإستبصار 1: 197 / 691،
الوسائل 2: 530 أبواب غسل الميت ب 24 ح 5.
(2) الكافي 3: 158، الجنائز ب 29 ح 8، الفقيه 1: 94 / 433، التهذيب 1: 439 / 1418،
الإستبصار 1: 199 / 699، الوسائل 2: 516 أبواب غسل الميت ب 20 ح 1.
(3) التهذيب 1: 440 / 1423، الإستبصار 1: 200 / 706، الوسائل 2: 532 أبواب غسل
الميت ب 24 ح 11.
(4) التهذيب 1: 437 / 1409، الإستبصار 1: 198 / 697، الوسائل 2: 533 أبواب غسل الميت
ب 24 ح 13.
(5) حكاه العلامة في المنتهى 1: 436، وقال: قال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي لا يجوز للرجل أن
يغسل زوجته... وعن أحمد روايتان أنظر المغني 2: 309، وبدائع الصنائع 1: 304
(6) التهذيب 1: 437، قال: معنى قوله (عليه السلام): إذا ماتت لا يغسلها أي لا يغسلها مجردة من
ثيابها، الإستبصار 1: 198.
96

مع أنه ليس صريحا في النهي، فيمكن أن تكون الجملة الخبرية تجوزا عن
عدم وجوب تغسيل الزوج، أو عدم أولويته. ولا تنافيه ولايته، لامكان الإذن حال
الاختيار.
ومنه يظهر الجواب عن مفهوم رواية أبي بصير: " يغسل الزوج امرأته في
السفر والمرأة زوجها في السفر إذا لم يكن معها رجل " (1) والثمالي المتقدمة (2).
مع أن الأخيرة أعم من الأجنبية، فتعارض ما مر بالعموم من وجه، ويرجح
ما مر بالمخالفة للعامة. ولولا الترجيح أيضا يتساقطان وتبقى العمومات فارغة،
والاستثناء على (احتمال) (3) التخصيص بالأجنبية تكون إشارة إلى ما استحب من
غسل وجه الأجنبية وكفيها.
خلافا للمحكى عن التهذيبين والغنية (4)، فلم يجوزوه اختيارا، لما مر مع
دفعه.
ولوقوع التقييد بالضرورة في طائفة من الأخبار.
كحسنة الحلبي: عن الرجل يموت وليس عنده من يغسله إلا النساء،
فقال: " تغسله امرأته أو ذو قرابة إن كانت له وتصب النساء عليه الماء صبا. وفي
المرأة إذا ماتت: يدخل زوجها يده تحت قميصها فيغسلها " (5).
وصحيحة ابن سنان: عن الرجل أيصلح له أن ينظر إلى امرأته حين تموت
أو يغسلها إن لم يكن عندها من يغسلها؟ وعن المرأة هل تنظر إلى مثل ذلك من

(1) التهذيب 1: 439 / 1420، الإستبصار 1: 199 / 701، الوسائل 2: 533 أبواب غسل الميت
ب 24 ح 14.
(2) في ص 94.
(3) ليست في " ق ".
(4) التهذيب 1: 440، الإستبصار 1: 199، الغنية (الجوامع الفقهية): 563.
(5) الكافي 3: 157، الجنائز ب 29 ح 1، التهذيب 1: 437 / 1410، الإستبصار 1:
196 / 689، الوسائل 2: 529 أبواب غسل الميت ب 24 ح 3.
97

زوجها حين يموت؟ فقال: " لا بأس بذلك " (1).
وموثقة البصري: عن الرجل يموت وليس عنده من يغسله إلا النساء هل
تغسله النساء؟ فقال: " تغسله امرأته أو ذات محرمه وتصب عليه النساء الماء صبا
من فوق الثياب " (2).
ويدفع: بأن التقييد فيها إنما وقع في السؤال، وهو لا يوجب تخصيص
الجواب.
ثم الحق وجوب كون تغسيل كل من الزوجين من وراء الثياب، وفاقا
للمحكي عن ظاهر نهاية الشيخ، ومبسوطه (3)، وهو صريح الكركي، واستجوده
في المنتهى (4)، ونسبه في اللوامع إلى الحلبي (5) وأكثر المتأخرين (61)، للأمر به في خبر
الشحام (7). والأمر فيه وإن اختص في تغسيل الزوجة للزوج، ولكنه يتعدى إلى
العكس بعدم القول بالفصل، وإن كان في العكس (8).
خلافا للمحكي عن السيد، والإسكافي (9)، والخلاف، والجعفي،

(1) الكافي 3: 157، الجنائز ب 29 ح 2، الفقيه 1: 86 / 401، التهذيب 1: 439 / 1417،
الإستبصار 1: 198 / 698، الوسائل 2: 528 أبواب غسل الميت ب 24 ح 1.
(2) الكافي 3: 157، الجنائز ب 29 ح 4، التهذيب 1: 439 / 1416، الإستبصار 1:
197 / 695، الوسائل 2: 517 أبواب غسل الميت ب 20 ح 4.
(3) النهاية: 42، المبسوط 1: 175.
(4) جامع المقاصد 1: 360، المنتهى 1: 437.
(5) لم نعثر عليه في الكافي.
(6) وممن قال به الشهيدان في الذكرى: 39، وروض الجنان: 96.
(7) التهذيب 1: 443 / 1432، الإستبصار 1: 203 / 717، الوسائل 2: 518 أبواب غسل الميت
ب 20 ح 7.
(8) أي: وإن كان القول بالفصل موجودا في العكس، وهو تغسيل الزوج للزوجة، كما سينقله عن
الشيخ (ره).
98

والتهذيب، والجامع، ونهاية الفاضل (1)، واختاره من المتأخرين صاحبا المدارك
والكفاية (2)، ووالدي العلامة، فلم يوجبوا فيهما.
للأصل الخالي عن معارض سوى التقييد الواقع في كثير من الأخبار المتقدمة
في هذه المسألة والمسألة السالفة، وهو - مع عدم دلالته في الأكثر على الزائد على
الرجحان، واختصاصه بتغسيل الزوج للزوجة فلا وجه للتعدية - معارض
بتصريح صحيحة ابن سنان بجواز النظر الغير المجامع مع جوب الستر، وبظهور
صحيحة منصور (3) في اختصاص العورة به.
ويجاب عن الأول: بأن عدم دلالة الأكثر على الوجوب - بعد دلالة خبر
الشحام عليه للوقوع بلفظ الأمر فيه - غير ضائر.
والثاني: بمنع الاختصاص، كيف والخبر المذكور بالعكس مصرح.
وعن الثالث: بعدم التعارض بين جواز النظر ووجوب الستر في الغسل،
لجواز كونه تعبدا، ومنع ظهور صحيحة منصور في التخصيص المذكور، كما يأتي
في المسألة الرابعة.
وللمنقول عن الاستبصار (4)، بل التهذيب (5) أيضا، وتبعهما بعض
متأخري المتأخرين (6)، فأوجبوه في تغسيل الزوج للزوجة دون العكس، لما ذكر من

(1) الحلاف 1: 691، التهذيب 1: 438، الجامع: 50، نهاية الإحكام 2: 230.
(2) المدارك 2: 61، الكفاية: 6.
(3) المتقدمة في ص 96.
(4) الإستبصار 1: 198 قال: ويكون الفرق بين الرجل والمرأة في ذلك أن المرأة يجوز لها أن تغسل
الرجل مجردا وإن كان الأفضل والأولى أن تستره ثم تغسله وليس كذلك الرجل لأنه لا يجوز له أن
يغسلها إلا من وراء الثياب.
(5) لم نعثر عليه بل الموجود عدم الفرق بينهما فلاحظ التهذيب 1: 438، نعم نقل عنه في الحدائق
3: 384 ثم أتى بعين عبارة الاستبصار بعنوان عبارة التهذيب.
(6) كصاحب الحدائق في كتابه 3: 385، 387، وقال الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 110:
وعندي الأحوط أن لا يغسل الرجل زوجته إلا من وراء الثياب... وأما العكس فالأصل يجوز
التجريد ولم أظفر بما يعارضه.
99

اختصاص المقيدات به، وعرفت دفعه.
ولطائفة من المتأخرين في نقل الأقوال في المقام اختلاف فاحش (1).
وكما يجوز التغسيل مجردا يجوز النظر بل اللمس. أيضا، للأصل، بل
التصريح في بعض المعتبرة.
ثم إن مقتضى الاطلاقات نصا وفتوى عدم الفرق في الزوجة بين الحرة
والأمة، والدائمة والمنقطعة، والمدخول بها وغيرها. والمناقشة في صدق الزوجة على
المنقطعة حقيقة غير ضائر، لصدق ذات المحرم وامرأته - اللتين، وردتا في الأخبار -
عليها أيضا.
والمطلقة بائنا ليست بزوجة، بخلاف الرجعية، وإن انقضت عدتها بعد
الوفاة قبل الغسل، لا إن انقضت قبلهما.
والأمة ليست بزوجة ولا امرأة له، فلا يلحقها حكمها. ولكنها من المحارم
وإن انتقلت إلى الوارث، لأن المراد بذات المحرم المحرم في حال الحياة كما في
الزوجة، ولا أقل من احتماله، فلا يعلم خروجها من العمومات، فتلحق
بالمحارم، ويأتي حكمها، إلا إذا كانت مزوجة للغير أو معتدة، فكالأجانب،
فتأمل.
الرابعة: يجوز تغسيل كل من الرجل والمرأة محارمه بالنسب، أو الرضاع،
أو المصاهرة، بلا خلاف ظاهر، بل نفي الخلاف عنه متواتر، وفي التذكرة نسبه
إلى علمائنا (2)، وفي اللوامع الاجماع عليه.
للأصل، والعمومات، وأخبار تغسيل الأولى، وللنصوص المستفيضة،

(1) وذلك أن في اللوامع نسب إلى المبسوط جواز التجرد فيهما، ونسب الهندي إليه المنع فيهما " ونسب
المنع في اللوامع إلى أكثر المتأخرين، وبعض مشايخنا نسب الجواز إليهم، ونسب في الحدائق
التفصيل إلى التهذيب، والهندي نسب إليه الجواز ونسب التفصيل إلى الاستبصار، ونسب المنع
بعض مشايخنا إلى ابن زهرة وظاهر الهندي خلافه. (منه رحمه الله).
(2) التذكرة 1: 39.
100

كموثقة سماعة، وخبر الشحام، وصحيحة منصور، وحسنة الحلبي، وموثقة
البصري المتقدمة (1)
وموثقة الساباطي: عن الرجل المسلم يموت في السفر وليس معه رجل
مسلم، ومعه رجال نصارى، ومعه عمته وخالته مسلمتان، كيف يصنع في
غسله؟ قال: " تغسله عمته وخالته في قميصه ولا تقربه النصارى " وعن المرأة تموت
في السفر وليس معها امرأة مسلمة، ومعهم نساء نصارى وعمها وخالها معهم
مسلمان، قال: يغسلانها ولا تقربها النصرانية، كما كانت المسلمة تغسلها، غير أنه
يكون عليها درع فيصب الماء من فوق الدرع، (2) الحديث.
ورواية أبي الجوزاء، وفيها: " وإذا كان معه نساء ذوات محرم يؤزرنه ويصببن
عليه الماء صبا، ويمسسن جسده ولا يمسسن فرجه " (3).
وبتلك الأخبار يخصص. عموم صحيحة البصري السابقة (4) في المسألة
الثانية الناشئ عن ترك الاستفصال، وخبر الشحام (5) الناشئ عن إطلاق نفي
امرأة له مع احتمال إرادة ما يشمل ذات المخارم أيضا منها كما يأتي.
ويؤيده ما في الروايات الكثيرة من السؤال عن غسل من مات ولا محرم له
ولا مماثل (6)
والمشهور اختصاصه بحال الاضطرار، واشتراط كونه من وراء الثياب،

(1) تقدمت الروايات قي ص 91 رقم 2، 3 و ص 96 رقم 2، 3 و ص 98 رقم 2.
(2) الكافي 3: 159، الجنائز ب 29 ح 12، الفقيه 1: 95 / 436، التهذيب 1: 340 / 997،
الوسائل 2: 517 أبواب غسل الميت ب 20 ح 5.
(3) التهذيب 1: 441 / 1426، الإستبصار 1: 201 / 711، الوسائل 2: 519 أبواب غسل الميت ب 20 ح 8.
(4) في ص 90.
(5) المتقدم في ص 91.
(6) نظر الوسائل 2: 522 أبواب غسل الميت ب 22.
101

ودعوى الشهرة عليهما متكررة في كلام الأصحاب (1)، تمسكا في الأول بمفهوم
رواية الثمالي المتقدمة (2)، واختصاص الأخبار المجوزة بصورة الاضطرار.
ويضعف الأول: بما مر من عدم دلالته على الحرمة، والمعارضة مع المجوزة
بالعموم من وجه.
والثاني: بمنع الاختصاص أولا؟ لاطلاق صحيحة منصور، وعدم كونه
ضائرا - ثانيا - بعد كونه في السؤال، لكفاية الأصل والعمومات.
وفي الثاني (3) بالأمر به في كثير من الأخبار المتقدمة، فتحمل عليها
المطلقة منها أيضا.
ويضعف: بمعارضة الأخبار المقيدة مع صحيحة منصور (4)، ورواية أبي
الجوزاء () اللتين هما كالنص، بل نصان في عدم وجوب ستر غير العورة، وهما
راجحتان بموافقة الأصل، مع أن أكثر المقيدات خال عن الدال على الوجوب.
ولذا خالف الشيخ في المبسوط (6) ظاهرا، والحلي (7)، والفاضل في جملة من
كتبه (8) في الأول، فقالوا بعدم الاختصاص. والحلبي (9)، والغنية (10)، والاصباح،

(1) الروض: 98، الذخيرة: 82، الحدائق 3: 393.
(2) في ص 94،
(3) أي وتمسكا في الثاني وهو اشتراط كونه من وراء الثياب.
(4) المتقدمة في ص 96.
(5) المتقدمة في ص 101.
(6) المبسوط 1: 175، لم يمرح بالجواز بل احتاط بعدمه كما نقل عنه أيضا في كشف اللثام 1: 109
ومفتاح الكرامة 1: 418.
(7) السرائر 1: 168.
(8) المنتهى 1: 437 ونقله في كشف اللثام 1: 109 عن التلخيص أيضا.
(9) نقل في كشف اللثام عن الكافي ولم نعثر عليه.
(10) الغنية (الجوامع الفقهية): 563 فإنه لأن لم يصرح بعدم الاشتراط ولكنه أطلق التغسيل ولم يقيده
بكونه من وراء الثياب.
102

والمدارك، وأكثر الثالثة (1) في الثاني، فقالوا بعدم الاشتراط. ووالدي العلامة
- رحمه الله - في الموضعين.
أقول: والمخالفة في الأول في محلها، لما مر.
وأما في الثاني فمشكلة، لأن الأمر بستر العورة والتأزير في الصحيحة
والرواية لا ينافي وجوب ستر سائر الأعضاء أيضا بدليل آخر لأن خصها بالذكر
للأهمية، فلا تعارضان المقيدات، وتبقى هي بلا معارض سوى بعض المطلقات
الواجب حمله على المقيد.
وخلو أكثرها عن الدال على الوجوب بعد اشتمال بعضها عليه غير ضائر،
وهو موثقة الساباطي (2) حيث جعل المحرم كالمسلمة إلا في أنه تكون في المحرم
تحت الدرع، ولا يجوز أن تكون التفرقة في مطلق الرجحان، لثبوته في المسلمة
أيضا، وإن كان محلا للنظر، فتكون في الوجوب، وجعلها (3) في مراتبه بعيد غايته.
مضافا إلى جواز شمول قوله في خبر الشحام، المتقدم (4): " وإن كان له
فيهن امرأة فليغسل في قميص " لذوات المحارم، لثبوت نوع اختصاص، وبعده
يجبر بذكر ذي الرحم قبل ذلك دون هاهنا مع الاتحاد قطعا.
فالقول بالاشتراط في غاية القوة، وبالاحتياط أوفق، فتأمل.
الخامسة: يجوز تغسيل الأجنبية ابن أقل من ثلاث سنين إجماعا كما في
المنتهى (5) واللوامع، وعن التذكرة ونهاية الإحكام (6) في ابن الثلاث.
وهو الحجة فيه مضافا إلى العمومات، وخبر ابن النمير: عن الصبي إلى

(1) المدارك 2: 65، وفي الرياض 1: 70 أنه لا يخلو عن القوة لولا الشهرة العظيمة.
(2) المتقدمة في ص 101.
(3) أي جعل التفرقة في مراتب الرجحان.
(4) في ص 91.
(5) المنتهى 1: 436.
(6) التذكرة 1: 40، نهاية الإحكام 2: 231.
103

كم تغسله النساء؟ فقال: (إلى ثلاث سنين) (1).
وموثقة الساباطي: في الصبي تغسله امرأة؟ فقال: " [إنما] تغسل الصبيان
النساء " (2).
مجردا، للأصل وظاهر الوفاق. اختيارا وفاقا للأكثر، للأصل والاطلاق،
وخلافا للمحكي عن النهاية، وظاهر الوسيلة، والسرائر (3). ولا دليل له.
لا ابن الثلاث أو أكثر، وفاقا لصريح الكركي، والشرائع، والمحكي عن
المبسوط (4)، والاصباح حيث قيدوا بالأقل، لمفهوم الغاية في الخبر المتقدم الدال
على عدم الجواز، حيث إن السؤال في المنطوق عن الجواز قطعا، لعدم رجحان فيه
وخلافا للأكثر في ابن الثلاث، إما لدخول الغاية في المعنى، أو للاجماعات
المحكية، والعمومات واطلاق الموثقة.
والأول ممنوع، بل الحق خلافه. والثاني مدفوع: بعدم الحجية. والثالث
بلزوم التقييد والتخصيص بمفهوم الغاية.
ولوالدي - رحمه الله - وللمنقول عن الصدوق (5)، والمفيد، والديلمي (6) في
ابن الخمس مجردا، وعن الآخرين (7) في ابن الأكثر فوق الثياب.
وكان الأول لاطلاق الموثقة الواجب تقييده. والثاني لما اختاره من جواز
التغاير مع الستر المتقدم بطلانه.

(1) الكافي 3: 160، الجنائز ب 30 ح 1، الفقيه 1: 94 / 431 وفيه: أبو النمير وكذا في التهذيب 1.
341 / 998، الوسائل 2: 526 أبواب غسل الميت ب 23 ح 1.
(2) التهذيب 1: 445 / 1438، الوسائل 2: 527 أبواب غسل الميت ب 23 ح 2.
(3) النهاية: 42، الوسيلة: 63، السرائر 1: 168.
(4) جامع المقاصد 1: 364، الشرائع 1: 37، المبسوط 1: 176.
(5) الفقيه 1: 94 نقله عن شيخه ابن الوليد ولكن مورد كلامه الابنة دون الابن، ولعله يستفاد
بالأولوية.
(6) المقنعة: 87، المراسم: 50.
(7) كما في المقنعة والمراسم في الصفحة اظهار المشار إليها.
104

وعن ابن سعيد في ابن الأكثر من الثلاث مطلقا فوق الثياب (1) وعن ابن
حمزه فيه إلى أن يراهق (2). ولا دليل تاما لهما
والتمسك بالأصل في بعض ما ذكر مع كون العبادة توقيفية فاسد،
وبالعمومات مع المفهوم المتقدم باطل.
ومثلها الأجنبي فيغسل بنت أقل من ثلاث سنين، وفاقا لغير المعتبر، بل
عن نهاية الإحكام الاجماع في بنت الثلاث (3)
لا للمروي عن جامع محمد بن الحسن: في الجارية تموت مع الرجال، إلى
وإن قال: " وإن كانت معه بنت أقل من خمس سنين غسلت " (4) وإن كان ضعفه في
المورد منجبرا بالشهرة والاجماع المنقول..
لمعارضته مع مرسلة التهذيب: في الجارية تموت مع الرجل فقال: " إذا
كانت بنت أقل من خمس سنين أو ست دفنت ولم تغسل " (5).
وتضعيفها لما في متنها من - الاختلاف (6) ضعيف، لأنه إن أريد به نفي
الغسل عن الأقل، وعمومه مخالف للشهرة، فكم من عام يخالف عمومه الأدلة
الناطقة، وإن أريد التخصيص بالأقل فكم من تخصيصات غير ظاهر وجهها لنا،
وإن أريد اضطرابها من جهة ظهور اتحادها مع ذلك المروي واختلافهما في الأقل
والأكثر - كما قيل (7) - فمع منع الظهور يوجب الوهن فيهما، مع أن نسخ الفقيه في
الأقل والأكثر في ذلك المروي مختلفة، كما صرح به الوافي (8)، وعلى أي تقدير فهو

(1) الجامع: 50.
(2! الوسيلة: 63.
(3) نهاية الإحكام 2: 231.
(4) الفقيه 1: 49 / 432، الوسائل 2: 528 أبواب غسل الميت ب 23 ح 4.
(5) التهذيب 1: 341 / 999، الوسائل 2: 527 أبواب غسل الميت ب 23 ح 3.
(6) قال في المعتبر 1: 324: والرواية مرسلة ومتنها مضطرب فلا عبرة بها.
(7) الرياض 1: 69.
(8) الوافي 3: الجزء الثالث عشر ص 46 (الطبع الحجري).
105

عن الحجية معزول.
بل لعمومات " من غسل ميتا " و " غسل الميت على الحي واجب " ونحوهما،
الخالية عن معارضة أدلة اشتراط المماثلة مطلقا أو اختيارا، لاختصاصها بالرجل
والمرأة.
اختيارا (1) مجردة، للأصل.
[لا] (2) بنت الثلاث، وفاقا لمن ذكر في الابن وإن شملها العمومات،
لخروجها بخبر ابن النمير (3) [بضميمة] (4) عدم القول بالمنع في الابن والجواز في
البنت، وإن كان في العكس.
خلافا فيها مطلقا للأكثر، ومع الاضطرار الطائفة ذكرهم قد مر. وفوق
الثياب لجمع آخر منهم: المفيد، والديلمي، وابنا حمزة وسعيد (5)، مع تجويز
التغسيل مجردا في الأقل كالأولين، أو بدونه كالأخيرين. وفي بنت الأقل من خمس
للمحكي عن الصدوق (6). وفي بنت الخمس لوالدي - قدس سره - وبعض آخر
ممن تأخر، ونقله في اللوامع عن المفيد، والديلمي، وليس كذلك.
نعم هما جوزا تغسيل بنت الأكثر من الثلاث فوق الثياب اضطرارا، بناء
على قولهم بعدم اشتراط المماثلة مع الاضطرار.
ودليل الجميع: الجمع بين الأصل والعمومات، والمحكي من الاجماع،
والمروي عن الجامع (7)، وما استدلوا على تغسيل المغاير مع الاضطرار.

(1) متعلق بقوله في صدر المطلب: فيغسل بنت أقل من ثلاث سنين.
(2) ما بين المعقوفين أضفنا. لاستقامة المعنى.
(3) المتقدم في ص 103.
(4) في النسخ: وبضميمة. والصحيح حذف الواو.
(5) تقدمت مصادر أقوالهم في ص 104.
(6) الفقيه 1: 94 / 432 نقلا عن جامع ابن الوليد.
(7) كما رواه في الفقيه 1: 94 / 432.
106

وجواب الكل ظاهر.
وللمعتبر، فلم يجوزه مطلقا (1)، لأصالة حرمة النظر.
وفيها نظر، ولو سلمت فالغسل لا يتوقف عليه.
وقد يتأيد بذيل الموثق المتقدم (2): عن الصبية، ولا تصاب امرأة تغسلها،
قال: " يغسلها رجل أولى الناس بها ".
وهو - مع عدم ظهوره في إطلاق المنع حتى فيما إذا لم يوجد الأولى - لا يدل
على مطلوبه، بل على خلافه أدل، إذ الأولى كثيرا ما يكون أجنبيا كأبناء الأعمام
والأخوال.
السادسة: عن النهاية، والمقنعة، والمبسوط (3)، والإسكافي (4)، والمراسم،
والوسيلة (5)، والصهرشتي (6) وابن سعيد، والتذكرة (7)، وفي الشرائع، والمنتهى،
والقواعد (8) وغيرها، بل هو المشهور كما صرح به جماعة (9)، بل عن التذكرة النسبة
إلى علمائنا (10)، وفي الذكرى لا أعلم لهذا الحكم مخالفا سوى المحقق (1): أنه مع
فقد المماثل المسلم والمحرم ووجود المماثل الكافر يغسل وجوبا بعد اغتساله.

(1) المعتبر 1:، 324.
(2) في ص 103.
(3) النهاية: 42، المقنعة: 86، المبسوط 1: 175.
(4) نقل عنه في الذكرى: 39.
(5) المراسم: 50، الوسيلة: 63
(6) نقل عنه في الذكرى: 39.
(7) الجامع: 50، التذكرة 1: 39.
(8) الشرائع 1: 37، المنتهى 1: 436، القواعد 1: 17.
(9) الذكرى: 39، جامع المقاصد 1: 361، الروضة 1: 409.
(10) التذكرة 1: 39.
(11) الذكرى: 39.
107

ويدل عليه موثقة عمار (1)، ورواية زيد (2)، والرضوي (3)
ولا يضر خلوها عن الدال على الوجوب، لأن عمومات وجوب غسل الميت
بعد كون الكافر مكلفا بالفروع تكفي في إثباته، غاية الأمر اشتراط صحة
العبادات عنه بالإسلام، للتوقف على النية المتوقفة عليه، وهو منتف للأخبار
المذكورة.
فالاستدلال بها حقيقة على نفي شرطية الاسلام حين التعذر دون
الوجوب، ولازمه نفي اشتراط النية حينئذ، ولا ضير فيه بعد دلالة الأخبار، وإن.
قلنا باشتراطها في غيره. ومدخليتها في حقيقة الغسل غير معلومة.
وأما جعل لازمه صحة نية الكافر - كبعض المتأخرين (4) - فهو غريب،
لعدم تأتي نية التقرب بذلك منه، وإلا لما كان كافرا.
خلافا للمحققين في المعتبر وشرح القواعد فنفياه (5)، ونسب إلى ابن سعيد
أيضا (6)، بل هو ظاهر من لم يذكر الحكم كالعماني، والجعفي (7)، والقاضي،
والحلبي، وابن زهرة الحلبي، والشيخ في الخلاف (8)، وتوقف في الذكرى (9).

(1) الكافي 3: 159، الجنائز ب 29 ح 12، الفقيه 1: 95 / 439، 440، التهذيب 1:
340 / 997، الوسائل 2: 515 أبواب غسل الميت ب 19 ح 1.
(2) التهذيب 1: 443 / 1433، الإستبصار 1: 203 / 718، الوسائل 2: 516 أبواب غسل الميت
ب 19 ح 2.
(3) فقه الرضا: 173، المستدرك 2: 182 أبواب غسل الميت ب 18 ح 1.
(4) الحدائق 3: 402.
(5) المعتبر 1: 326، جامع المقاصد 1: 362.
(6) نسبه إليه في كشف اللثام 1: 109، قال: وهو ظاهر الجامع لنسبة الحكم فيه إلى رواية ضعيفة،
انظر الجامع: 50.
(7) نسب إليهما عدم الذكر في الذكرى: 39.
(8) المهذب 1: 54 إلى 56، الكافي: 134، الغنية (الجوامع الفقهية): 563، الخلاف 1: من
691 إلى 732.
(9) الذكرى: 39.
108

لضعف الأخبار، وما في نية الكافر من عدم الاعتبار، ونجاسته فلا يفيد
الطهارة للأغيار.
ويضعف الأول: بكفاية العمومات مع ما لضعفها من الانجبار.
والثاني: بعدم الاعتبار بعد دلالة الأخبار.
والثالث: بإمكان الغسل في الكثير أو الجاري، أو من غير ملاقاته الماء،
غايته تنجس الميت بنجاسة عرضية لمباشرته بعد التغسيل أو عنده، وهو غير
ضائر، وتطهير المسلم المغاير له ممكن.
والظاهر الاقتصار على الذمي، كما هو مورد الروايات.
وظاهر بعضهم، وصريح والدي العلامة - رحمه الله - أنه وإن كان واجبا
إلا أنه ليس بغسل حقيقي. وهو صحيح إن ثبت مدخلية النية في حقيقة الغسل
مطلقا.
ولا يعاد الغسل بعد رفع الضرورة كسائر موارد الامتثال، لدلالة الأمر على
الاجزاء، وعدم اجتماع البدل والمبدل.
السابعة: الخنثى المشكل ومن اشتبهت ذكوريته وأنوثيته إن لم يبلغ الثلاث
فأمره واضح.
وإن بلغ فالحق جواز تغسيله لكل من الذكر والأنثى وبالعكس،
للعمومات الخالية عن المخصص سوى الأخبار المانعة عن تغسيل المغاير الذي هو
في المورد غير معلوم.
الثامنة: في صحة الغسل من غير المكلف من المميز، وعدمها قولان:
الأول عن الفاضلين في بغض كتبهما (1)، لصحة نية القربة منه، ودلالة
الأخبار على جواز عتقه ووصيته وصدقته (2) ونحوها.

(1) المعتبر 1: 326، التذكرة 1: 40.
(2) انظر الوسائل 19: 211 أبواب الوقوف والصدقات ب 15، و ص 360 أبواب الوصايا ب 44
و ج 23: 91 أبواب العتق ب 56.
109

والثاني عن الدروس (1)، لعدم وقوع النية منه على الوجه المعتبر شرعا.
وظاهر الذكرى (2) واللوامع التوقف.
وقد يبنى القولان على اعتبار النية في الغسل وعدمه.
أقول: الكلام إما في وجوبه، أر جوازه بمعنى الصحة والأمثال أو ترتب
الأثر عليه.
فإن كان الأول فعدمه ظاهر، ظ لا لم يكن غير مكلف. وأخبار جواز المعتق
ونحوه منه إن جعلت أدلة على التكليف - كبعضهم (3) خرج عن الموضوع، وإلا
فجواز بعض الأمور منه بدليل لا يوجب تعلق أمر آخر به.
وإن كان الثاني فلتوقف العلم بترتب الأثر وحصول الامتثال بشمول
العمومات الطلبية له يبتني عليه، فإن قلنا بالشمول صح، وتأتي النية منه، وإلا
- كما هو الأظهر - فلا وإن لم يتوقف الغسل على النية.
وعلى المقول بالصحة لا يجب عليه، وهو ظاهر. ولا على المكلف الغير
المحرم ولا المماثل أمره، لعدم الدليل.

(1) الدروس 1: 104.
(2) الذكرى: 40.
(3) قد يكون ناظرا إلى قول المحدث الفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 14 في كيفية الجميع بين الأخبار
المختلفة في البلوغ، من أن التوفيق بين الأخبار يقتضي اختلاف معنى البلوغ بحسب السن
بالإضافة إلى أنواع التكاليف، كما يظهر مما روي في باب الصيام أنه لا يجب على الأنثى قبل إكمالها
الثلاث عشر سنة إلا إذا حاضت قبل ذلك، وما روي في باب الحدود " أن الأنثى تؤاخذ بها وهي
تؤخذ لها تامة إذا أكملت تسع سنين " إلى غير ذلك مما ورد في الوصية والعتق ونحوهما أنها تصح من
ذي العشر.
110

الفصل الثاني
في المغسول
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: وجوب تغسيل كل مسلم إن كان معتقدا للحق ضروري.
وأما المخالف فإن لم يكن محكوما بكفره فالحق - كما صرح به في القواعد
والتحرير (1)، والارشاد (2)، واللوامع، مدعيا عليه في الأخير وفي غيره الشهرة -
وجوب تغسيله، وكان نظره إلى أنه مراد من جوزه بإزاء من حرمه كما صرح بذلك
بعض المشايخ (3).
للعمومات مثل: " غسل الميت واجب على الحي " (4).
ومضمرة أبي خالد: " اغسل كل شئ من الموتى الغريق وأكيل السبع وكل
شئ، إلا ما قتل بين الصفين، فإن كان به رمق غسل وإلا فلا " (5).
مع كراهيته للمؤمن، كما في القواعد والمنتهى والشرائع وعن المبسوط والنهاية
والجامع (6)، ونسبها الكركي إلى المشهور بين الأصحاب عند [عدم] (7) التعين.

(1) القواعد 1: 17، التحرير 1: 17 وفيه: كل مظهر للشهادتين يجوز تغسيله إلا الخوارج والغلاة.
(2) الإرشاد 1: 229.
(3) الحدائق 3: 409.
(4) ورد مؤداه في بعض الروايات مثل موثقة سماعة " غسل الميت واجب ". انظر الوسائل 2: 477
أبواب غسل الميت ب 1.
(5) الكافي 3: 213، الجنائز ب 76 ح 7، التهذيب 1: 330 / 967 وفيه: اغسل كل الموتى...
الإستبصار 1: 213 / 753، الوسائل 2: 506 أبواب غسل الميت ب 14 ح 3.
(6) القواعد 1: 17، المنتهى 1: 435، الشرائع 1: 39، المبسوط 1: 181، النهاية: 43،
الجامع: 57.
(7) ما بين المعقوفين وضعناه لاستقامة المعنى، قال في جامع المقاصد 1: 368: والمشهورين الأصحاب
كراهية التعرض إليه إلا أن يتعين فيجب.
111

ولا بأس بها، للشهرة.
وهي هنا بمعنى المرجوحية بالإضافة إلى ارتكاب المخالف له، كما كانت
الأولوية في الولي بمعنى الراجحية. بالإضافة إلى ارتكاب غيره، كما إذا طلب
سلطان من واحد من جماعة حاضرين لديه احضار سوقي كان حضوره لازما
البتة، فارتكاب الوزير بنفسه له مرجوح بالإضافة إلى العبيد، لا بمعنى أقلية
الثواب، إذ لا معنى محصل له هنا، ولا بالمعنى المصطلح في غير العبادات، لمنافاته
الوجوب، بل مطلق الرجحان.
خلافا للمقنعة والمحكي عن المراسم (1)، والمهذب والسرائر (2)، وبعض
الثالثة (3)، فحرموه، إما لكفره، وهو ممنوع، أو لكونه عبادة فيحرم بدون التوقيف
ولا توقيف، وقد عرفت ثبوته، ودعوى عدم انصراف الاطلاقات إلى مثله غريبة،
أو لأن تغسيل الميت لاحترامه ولا احترام له، وانحصار العلة فيه، مع أنه صرح
في الأخبار بغيره.
ولمن نفى وجوبه كالمدارك والكفاية والذخيرة (4)، وهو بين احتمال الحرمة
لأحد الوجهين، وتد عرفت ضعفها، والاستحباب لعموم مرغبات الغسل دون
موجباته التي تصلح للحجية، وضعفه ظاهر، والإباحة لفقد العموم والأصل،
فإن أراد ما أمر به الشارع، ورتب عليه الطهارة، وعدم وجوب الغسل بالمس، فلا
يستباح بالأصل، وإن أراد صورة الغسل فهي غير محل النزاع.
ولبعض الأجلة (5) فحرمه مع قصد. الكرامة له، أو للنحلة، وجوزه بقصد

(1) المقنعة: 85، المراسم: 45 وفيه:، وهو (يعني تغسيل الميت). على ضربين أحدهما الغسل فيه واجب
على الميت نفسه قبل موته، والآخر يجب على غيره بعد موته إذا كان الميت معتقدا للحق.
(2) المهذب 1: 45 السرائر 1: 108.
(3) الحدائق 3: 405، الرياض 1: 70.
(4) المدارك 2: 69، الكفاية: 6، الذخيرة: 80.
(5) الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 110
112

إكرام إظهار الشهادة أو من غير إرادة الكرامة، وهو خروج عن المسألة.
ثم المشهور - بل في شرح القواعد أنه لا نعرف من أحد تصريحا بخلافه (1) -
أنه يغسل غسلهم، لقولهم: " ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم " (2).
وفي دلالته نظر، والأولى بالنظر ما قالوا من أنه يغسل غسلنا لو لم نعرف
كيفية غسلهم.
والأظهر تغسيله كغسلنا مطلقا، إلا أنه إذا غسله المخالف كغسلهم يسقط
عنا، لظاهر الاجماع، والخبر المذكور.
وإن كان كافرا فلا يجوز غسله ولا كفنه ولا كفنه ولا الصلاة عليه، بإجماعنا
المحقق، والمحكي (3) متواترا، وهو الحجة في جميع أقسامه، من الذمي والحربي،
والغلاة، والخوارج، والنواصب.
مضافا في الأول بأصنافه - بضميمة الاجماع المركب - إلى موثقة الساباطي:
في النصراني يكون في. السفر وهو مع المسلمين فيموت، قال: " لا يغسله مسلم ولا
كرامة، ولا يدفنه، ولا يقوم على قبره وإن كان أباه، (4).
وفيه وفي الثاني والثالث إلى المنقول في المعتبر عن شرح الرسالة للسيد،
- المنجبر ضعفه بما مر -: روي عن أبي عبد الله عليه السلام: " النهي عن تغسيل
المسلم قرابته الذمي والمشرك، وأن يكفنه ويصلي عليه " (5).
وفي الأخيرين إلى المروي في الاحتجاج من قول مولانا الحسين عليه السلام

(1) جامع المقاصد 1: 368.
(2) انظر الوسائل 22: 72 أبواب مقدمات الطلاق ب 30. وهي مؤدى القاعدة المعروفة بقاعدة
الالزام.
(3) كما في التهذيب 1: 335، التذكر 1: 4، الذكرى: 42.
(4) الكافي 3: 159 الجنائز ب 29 ح 12. ولم يرد فيه: (وإن كان أباه) الفقيه 1: 95 / 437،
التهذيب 1: 336 / 982، الوسائل 2: 514 أبواب غسل الميت ب 18 ح 1.
(5) المعتبر 1: 328، الوسائل 2: 514 أبواب غسل الميت ب 18 ح 2.
113

لمعاوية: (لو قتلنا شيعتك ما كفناهم ولا غسلناهم ولا صلينا عليهم ولا
دفنا هم) (1).
وكذا من صار كافرا بإنكار الضروري، لظاهر الاجماع.
فرع: لو وجد ميت ولم يعلم هل هو مسلم أم كافر. فإن كان في دار الاسلام
غسل وكفن وصلي عليه، للعمومات.
وإن كان في دار الكفر فهو بحكم الكافر ولو كان فيه علامة المسلم، إذ لا
علامة إلا ويشارك فيه كافر، كذا قيل (2). ومقتضى العمومات هنا أيضا التغسيل.
ولو اشتبه موتى المسلمين بالكفار في غير الشهداء يغسل الجميع، لوجوب
مقدمة الواجب، إذ لا تعارضه حرمة سبب الحرام، لدخول كل فرد في
العمومات، فتأمل.
الثانية: يجب تغسيل أطفال المسلمين ومجانينهم، بالاجماع، والعمومات،
وما تقدم في تغسيل الصبي والصبية، وفحوى أخبار السقط، الآتية.
وكذا السقط منهم إذا استكمل أربعة أشهر، فيغسل وجوبا بلا خلاف
يعرف من غير العامة، كما صرح به بعض الخاصة (3)، ونسبه في المنتهى إلى أكثر
أهل العلم (4).
ولخبز زرارة: " السقط إذا تم به أربعة أشهر غسل " (5) ونحوها مرفوعة
أحمد (6).
والرضوي - المنجبر بأمر -: (إذا أسقطت المرأة وكان السقط تاما غسل

(1) الإحتجاج: 296، الوسائل 2: 515 أبواب غسل الميت ب 18 ح 3.
(2) المعتبر 1: 315.
(3) كشف اللثام 1: 107.
(4) المنتهى 1: 432.
(5) الكافي 3: 206 الجنائز ب 73 ح 1، الوسائل 2: 2، 5 أبواب غسل الميت ب 12 ح 4.
(6) التهذيب 1: 328 / 960، الوسائل 2: 502 أبربي غسل الميت ب 12 ح 2.
114

وحنط وكفن ودفن، وإن لم يكن تاما فلا يغسل ويدفن بدنه، وحد إتمامه إذا أتى
عليه أربعة أشهر " (1).
وهو وإن لم يثبت زيادة من الرجحان إلا أنه يثبت الوجوب بالاجماع
المركب.
وبموثقي سماعة أيضا: عن السقط إذا استوى خلقته يجب عليه الغسل
واللحد والكفن؟ فقال: " كل ذلك يحب عليه " (2).
واستواء الخلقة إنما هو بتمام أربعة أشهر، لا لما قيل (3) من الأخبار الدالة على
بعث الملكين الخلاقين بعد تمام أربعة أشهر (4)، لعدم دلالتها على تمام الخلقة في
الأربعة أصلا، بل للرضوي المنجبر المتقدم.
ولكن يعارضه مفهوم مرفوعة أحمد، ورواية زرارة.
الأولى: " إذا تم له ستة أشهر فهو تام، وذلك أن الحسين بن علي - عليهما
السلام - ولد وهو ابن ستة أشهر " (5).
وكذا الثانية (6)، غير أن فيها بدل " إذا تم له ستة أشهر ": " إذا سقط لستة
أشهر ".
والأصل معهما، إلا أن الظاهر أن التمامية تكون في أمور في الخلقة والحياة
والنمو وغيرها، فبالأربعة أشهر تتم الخلقة وبالستة الحياة، ويشعر به التعليل بتولد
الحسين حيث بقي، ويتم بعض مراتبها بالبلوغ، وبعضها يبدو سن الوقوف،

(1) فقه الرضا: 175، المستدرك 175 أبواب غسل الميت ب 12 ح 1.
(2) الكافي 3: 208، الجنائز ب 74 ح 5، التهذيب 1: 329 / 962، الوسائل 2: 501 أبواب
غسل الجنابة ب 12 ح 1.
(3) الرياض 1: 69.
(4) انظر الكافي 6: 13 كتاب العقيقة ب 6 ح 3، 6، 7.
(5) تقدم مصدرها في ص 114.
(6) التهذيب 1: 328 / 959، الوسائل 2: 502، أبواب غسل الميت ب 12 ح 3.
115

وهكذا، فلا بعلم التعارض، ويتعين العمل بالرضوي. وبه وبسائر ما مر يقيد
اطلاق خبر ابن الفضيل: عن السقط كيف أصنع به؟ فكتب: " السقط يدفن
بدمه في موضعه " (1).
ثم المستفاد من الرضوي والموثقتين وجوب التكفين والتدفين، كما عن
المبسوط، والمقنعة، والنهاية، والمراسم، والجامع (2)، والمنتهى، والتبصرة،
والارشاد، والتذكرة، والتلخيص، ونهاية الإحكام (3).
وعن ظاهر الشرائع، والتحرير، اللف في خرقة حملا للتكفين عليه (4).
وهو مشكل، بل ضعيف، لبيان التكفين في الأخبار بأنه كذا وكذا، مع أن
عمومات التكفين تشمل المقام أيضا.
بل مقتضى الرضوي وجوب التحنيط، كما عن ظاهر الارشاد والتلخيص،
ولكن ضعفه الخالي عن الجابر المعلوم يمنع عن إثباته إلا أن يثبت بعموم أدلة
تحنيط الأموات. والأحوط عدم تركه.
ولو لم يستكمل الأربعة لم يغسل. إجماعا، وعن المعتبر: أنه مذهب العلماء
خلا ابن سيرين (5)، وفي المنتهى: بغير خلاف (6)، للأصل، والرضوي، وخبر ابن
الفضيل، ومفهوم الموثقتين. بل يدفن بدمه كما في الأولين، وظاهرهما عدم الأمر
بشئ آخر.

(1) الكافي 3: 208، الجنائز ب 74 ح 6، التهذيب 1: 329 / 961، الوسائل 2: 502 أبواب
غسل الميت ب 12 ح 5.
(2) المبسوط 1: 180، المقنعة: 83، النهاية: 41، المراسم: 46، الجامع: 49.
(3) المنتهى 1: 432، التبصرة: 10، الإرشاد 1: 232، التذكرة 1: 40، نهاية الإحكام 2:
234، وفيه: السقط إذا كمل له أربعة أشهر وجب أن يغسل... ولو كان له أقل من أربعة أشهر
لم يغسل ولم يكفن ولم يصل عليه بل يلف في خرقة ويدفن اجماعا.
(4) الشرائع 1: 38، التحرير 1: 17.
(5) المعتبر 1: 320.
(6) المنتهى 1: 432.
116

ولكن في المعتبر، والشرائع، والنافع، والمنتهى (1)، وعن المفيد، والديلمي،
والقاضي (2)، والكيدري، بل في اللوامع أنه ظاهر الأكثر، بل ظاهر المعتبر (3) أنه
مذهب أهل العلم: أنه يلف في خرقة ويدفن. ولا شك أنه أولى، لفتوى هؤلاء
الأجلاء، بل هو أحوط.
والجنين الميت في بطن الميت. لا يغسل، للأصل، بل هو كجز أصله يكفي
غسلها عن غسله. ولو خرج أو أخرج بعد الموت عن الحي أو الميت يغسل،
لعمومات غسل السقط أو الميت، سواء أخرج منقطعا أو متصلا.
ولو ماتت حامل وخرج بعض قطع الجنين الميت منه ففي تغسيل الخارج
نظر، والعدم أظهر.
وكذا لو خرج بعضه وبقي البعض متصلا من غير تقطع سواء أمكن إخراج
التمام أو لا، وإن كان الاخراج والتغسيل مع الامكان أحوط، بل أظهر.
الثالثة: لا - خلاف بين الأصحاب كما صرح به جماعة، وفي المعتبر (4): أنه
إجماع أهل. العلم خلا شاذ من العامة (5)، وفي المنتهى: ذهب إليه علماؤنا أجمع ولا
خلاف فيه بين علماء الأمصار إلا الحسن البصري وسعيد بن المسيب (6)، بل عليه
إجماع المسلمين في اللوامع: أن الشهيد الميت في معركة القتال لا يغسل ولا يكفن،
بل يصلى عليه ويدفن، واستفاضت به النصوص:
كحسنة زرارة وابن جابر: كيف رأيت؟ الشهيد يدفن بدمائه؟ قال: " نعم

(1) المعتبر 1: 320، الشرائع 1: 38، النافع: 15، المنتهى: 432.
(2) المقنعة: 83، المراسيم: 46، المهذب 1: 56.
(3) المعتبر 1: 320.
(4) المعتبر 1: 309.
(5) قال ابن رشد في بداية المجتهد 1: 227 إن الجمهور على ترك غسله... وكان الحسن وسعيد
ابن المسيب يقولان بغسل كل مسلم.
(6) المنتهى 1: 433.
117

في ثبابه بدمائه، ولا يحنط ولا يغسل ويدفن [كما هو] (1).
وصحيحة أبي مريم على طريق الفقيه: " الشهيد إذا كان به رمق غسل
وكفن وحنط وصلي عليه، وإن لم يكن به رمق دفن في ثيابه) (2).
وصحيحة ابن تغلب: عن الذي يقتل في سبيل الله أيغسل ويكفن ويحنط؟
قال: " يدفن كما هو في ثيابه بدمه إلا أن يكون به رمق ثم مات، فإنه يغسل ويكفن
ويحنط ويصلى عليه (3).
وحسنته: (الذي يقتل في سبيل الله يدفن في ثيابه ولا يغسل، إلا أن يدركه
المسلمون وبه رمق ثم يموت بعده فإنه بغسل ويكفن ويحنط) (4).
ومضرة أبي خالد، المتقدمة في المسألة الأولى (5).
والرضوي: " وإن كان الميت قتيل المعركة في طاعة الله لم يغسل، ودفن في
ثيابه التي قتل فيها بدمائه، ولا ينزع منه من ثيابه شئ إلا أنه لا يترك عليه شئ
معقود، مثل الخف، وتحل تكته، ومثل المنطقة والفروة، وإن أصابه شئ من دم
لم ينزع عنه شئ إلا أنه يحل المعقود، ولم يغسل إلا أن يكون به رمق ثم يموت بعد
ذلك، فإذا مات بعد ذلك غسل كما يغسل الميت، وكفن كما يكفن الميت، ولا

(1) الكافي 3: 211، الجنائز ب 75 ح 2، التهذيب 1: 331 / 970، الإستبصار 1: 214 / 756،
الوسائل 2: 509 أبواب غسل الميت ب 1 ح 8.
(2) الفقيه 1: 97 / 446، وسند الصدوق إلى أبي مريم صحيح في المشيخة وهو: أبوه عن سعد بن
عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب عن أبان
ابن عثمان، عن أبي مريم. (الفقيه 4: 23). ورواها في الكافي 3: 211 ب 75 ح 3، التهذيب
1: 331 / 971، الإستبصار 1: 214 / 757، الوسائل 2: 506 أبواب غسل الميت ب 14
ح 1.
(3) الكافي 3: 210، الجنائز ب 75 ح 1، التهذيب 1: 331 / 969، الإستبصار 1: 214 / 755،
الوسائل 2: 509 أبواب غسل الميت ب، 14 ح 7.
(4) الكافي 3: 212، الجنائز 75 ح 5، التهذيب 1: 332 / 973 الوسائل 2: 510 أبواب
غسل الميت ب 14 ح 9.
(5) في ص 111.
118

يترك عليه شئ من ثيابه " (1).
إنما الخلاف في تعيين الشهيد الذي ذلك حكمه أنه هل هو المقتول بين يدي
المعصوم خاصة؟ كما في الشرائع، والقواعد، وعن المقنعة، والمراسم (2).
أو مع نائبه الخاص أيضا؟ كما عن المبسوط، والنهاية، والمهذب، والوسيلة،
والسرائر، والجامع، والمنتهى (3)، وفي اللوامع نسبه إلى الأكثر، ومال إليه جمع ممن
تأخر (4).
أو في كل جهاد مأمور به ولو حال الغيبة، كما عن المعتبر، والغنية،
والإشارة (5)، وظاهر الكافي (6)، والذكرى، والمدارك (7)، وصريح الكركي (8)،
ووالدي العلامة - رحمه الله - ومحتمل نهاية الإحكام، والتذكرة (9).
الحق هو الثاني، فلا يغتسل المقتول بين يدي - الإمام أو نائبه الخاص،
ويغسل غيره.
أما الأول: فللرضوي المنجبر ضعفه بالشهرة المؤيد بسائر الأخبار.
وأما الثاني فللعمومات الخالية عن المخصص المعلوم، إذ ليس إلا روايات
السقوط عن الشهيد والمقتول في سبيل الله، وفي طاعة الله، وما قتل بين الصفين.
وثبوت الحقيقة الشرعية للأولين في غير من ذكرنا لنا غير معلوم، واستعمالهما

(1) فقه الرضا: 174، المستدرك 2: 179، أبواب غسل الميت ب 14 ح 5.
(2) الشرائع 1: 37 القواعد 1: 17، المقنعة: 84، المراسم: 45.
(3) المبسوط 1: 181، النهاية: 40، المهذب 1: 55، الوسيلة: 63، السرائر 1: 116، الجامع:
49 المنتهى 1: 433.
(4) كما يظهر من مجمع الفائدة 1: 201 والرياض 1: 68.
(5) المعتبر 1: 311، الغنية (الجوامع الفقهية): 563، الإشارة: 76.
(6) كذا نقل في كشف اللثام 1: 111 ولم نعثر عليه في الكافي للحلبي.
(7) الذكرى: 41، المدارك 2: 71.
(8) جامع المقاصد 1: 365.
(9) نهاية الإحكام 2: 236، التذكرة 1: 41.
119

فيه في الأخبار لا يفيده، لأنه أعم من الحقيقة، كإرادة كل قربة من الثاني في آية
الصدقات (1)، وتبادره منه في العرف المتأخر لا يثبته، لأصالة التأخر.
وضعف المتضمن للثالث، الخالي عن الجابر في غير من ذكر - حيث صرح
بعضهم (2) بمخالفة التعدي إليه للشهرة العظيمة - يمنع من التخصيص به.
وعدم ثبوت إفادة لفظة " ما " الموصولة الواردة في الرابع (3) للعموم، يضعف
شموله له.
. والأولون احتجوا للسقوط: بالاجماع، ولعدمه بالعمومات مع ضف
الرضوي. وقد عرفت دفعه.
والآخرون استدلوا للسقوط: بصدق سبيل الله. " وقد مر جوابه.
وإذا عرفت عدم ثبوت السقوط في غير الحاضر عند الحجة أو نائبه الخاص
تعلم أنه لا تترتب فائدة في بحثنا عن سائر متعلقات تلك المسألة وفروعها.
الرابعة: إذا وجد بعض الميت، فإن كان قطعة فيه عظم، يجب تغسيله
سواء كانت مما فيه الصدر والقلب أو الصدر وحد. أو غيره، على. المشهور، بل في
المنتهى: بغير خلاف بين علمائنا (4)، وعن الخلاف الاجماع عليه (5).
لا لعدم سقوط الميسور بالمعسور، لعدم دلالته كما هو في محله مذكور.
ولا للصحيح الآتي الأمر بتغسيل عظام الميت وتكفينها والصلاة عليها؟
لظهوره في مجموع العظام، مع اشتماله على ما لم يقل به أحد لو عممت بحيث
تشمل الأبعاض أيضا،
ولا - في الصدر أو ما يشمله - للأخبار الدالة على وجوب الصلاة علية (6)

(1) {إنما الصدقات للفقراء والمسكين... وفي سبيل الله...} (التوبة: 60) "
(2) كما في الرياض 1: 68.
(3) راجع ص 111، مضمرة أبي خالد.
(4) المنتهى 1: 434.
(5) الخلاف 1: 716.
(6) انظر الوسائل 3: 134 أبواب صلاة الجنازة ب 38.
120

بضميمة استلزامه لباقي الأحكام؟ لمنع الاستلزام، كما صرح به بعض
الأعلام (1)، وتخلف في الشهيد.
بل - مع الاستصحاب في المبان من الميت - لمضمرة أبي خالد، المتقدمة (2)،
دلت على وجوب الغسل في أكيل السبع أي ما بقي منه، وهو عام لكل أكيل حتى
اللحم، خرج منه ما خرج بالدليل، فيبقى الباقي.
ولو جعلت لفظة: " من " في قوله: " من الموتى " تبعيضية لا بيانية لكانت
دلالته أوضح وأظهر، وإن كانت على البيانية أيضا ظاهرة، سيما بملاحظة مرسلة
أيوب بن نوح، المتقدمة (3) في غسل المس، المصرحة بصدق الميتة على القطعة
والرضوي المنجبر ضعفة بما مر: " وإن كان الميت أكله السبع فاغسل ما بقي منه،
وإن لم يبق منه إلا عظام جمعتها وغسلتها وصليت عليها ودفنتها " (4).
ويستفاد من الأخير بل الأولى وجوب تغسيل جميع العظام أيضا لو وجدت
وإن كانت خالية عن اللحم، كما عن الصدوقين في الرسالة (.) والمقنع (6)،
والإسكافي (7)، وفي المعتبر (8)، والذكرى (9)، بل عزي إلى الأكثر أيضا، لما ذكره،
ولصحيحة علي، ورواية القلانسي: عن الرجل يأكله السبع والطير فتبقى عظامه
بغير لحم، كيف يصنع به؟ قال: (يغسل ويكفن ويصلى عليه، ويدفن) (10)

(1) المدارك 2: 73، الحدائق 3: 242.
(2)، في ص 111.
(3) في ص 66.
(4) فقه الرضا: 173، المستدرك 2: 287 أبواب صلاة الجنازة ب 31 ح 1.
(5) نقل عنها في المختلف 1: 46.
(6) المقنع: 19.
(7) نقل عنه في المختلف 1: 46.
(8) المعتبر 1: 317 وفيه: والذي يظهر لي أنه لا تجب الصلاة إلا أن يوجد ما فيه القلب أو الصدر أو
اليدان أو عظام الميت.
(9) الذكرى: 40.
(10) الكافي 3: 212 الجنائز ب 76 ح 1، التهذيب 3: 329 / 1027، 1028، الوسائل 3: 136
أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 5، 6.
121

وإن كان لحما مجردا أو عظما منفردا، فظاهر الأكثر عدم الوجوب، بل صرح
به في الأول الحلي، والديلمي، والمنتهى، والقواعد، والذكرى، والمختلف (1)،
ناسبا له إلى المشهور بين علمائنا، وبالثاني جماعة. وفي الحدائق الاتفاق على العدم
في الأول ونفى القول بالوجوب في الثاني (2).
فإن ثبت الاجماع فيهما، وإلا فيشكل ترك الغسل، ولذا أثبته الإسكافي (3)
في الثاني، واحتمله بعض آخر فيهما.
والتمسك للنفي فيهما بالأصل - بعدما عرفت هن المضمرة والرضوي - لا
يتم. وفي الأول بما دل على نفي الصلاة فيه، للتلازم - بعد ما عرفت من عدم
ثبوته سيما مع التخلف في السقط والصبي - لا يفيد. والاحتياط لا ينبغي أن
يترك.
هذا في التغسيل، وأما التكفين فالمشهور بين علمائنا - كما في المختلف (4) -
وجوبه في كل قطعة. ذات عظم، ونسبه الكركي (5) إلى الأصحاب، وبه صرح في
المنتهى، والنافع (6)، وحكي من المقنعة، والنهاية، والمبسوط، والسرائر،
والمراسم (7) والجامع، والارشاد، والتلخيص، والتبصرة (8).
(واستدل) (9) له تارة: بقاعدة علم سقوط الميسور.

(1) السرائر 1: 168، المراسم: 46، المنتهى 1:، 434، القواعد 1: 17، الذكرى: 40، المختلف
1: 46.
(2) الحدائق 3: 427، 426.
(3) نقله عنه في المختلف 1: 46.
(4) المختلف 1: 46.
(5) جامع المقاصد 1: 357.
(6) المنتهى 1: 434، النافع: 15.
(7) المقنعة 85، النهاية: 40: المبسوط 1: 182، السرائر 1: 167، المراسم: 46.
(8) الجامع، 49: الإرشاد 1: 232، التبصرة: 15.
(9) في (ق): واستدلوا.
122

وأخرى: بمرسل أيوب المذكور (1) بضميمة عمومات تكفين الميت.
وثالثة: بصحيحة علي (2).
وفي الكل نظر:
أما الأول: فلما مر (3).
وأما الثاني: فلأن الثابت منه كون القطعة ميتة والعمومات تثبت التكفين
للميت، واتحادهما غير معلوم.
وأما الثالث: فلاختصاصه بالعظام، وعدم إفادته بنفسه للوجوب.
مع أن التكفين لا بالنحو المعهود لا دليل له، وبه في المقام قد لا يمكن،
ولذا قيل باعتبار القطع، الثلاث وإن لم تكن بتلك الخصوصيات (4).
وربما احتمل اختصاص وجوبها بما تناله الثلاث عند الاتصال بالكل. فإن
كان مما تناله اثنتان منها لف فيهما، وإن كان مما لا تناله إلا واحدة لف فيها (5).
وفي الشرائع، وعن التحرير والتذكرة، ونهاية الإحكام، وفي القواعد:
اختصاص التكفين بالصدر أو ما فيه، ولف غيرهما مما فيه عظم في خرقة، كما في
اللحم والعظم المنفردين (6).
ولا دليل على شئ من تلك الأقوال.
فالقول بعدم وجوب التكفين في غير جملة يصدق عليها الميت عرفا قوي،
وإن كان الأحوط عدم تركه فيما فيه الصدر، كما ينبغي أن لا يترك اللف في خرقة

(1) في ص 66.
(2) المتقدمة في ص 121.
(3) في ص 120 من الإشارة إلى عدم دلالته، وأوكل التفصيل إلى محله.
(4) الرياض 1: 69.
(5) انظر كشف اللثام 1: 109.
(6) الشرائع 1: 37، التحرير 1: 17، التذكرة 1: 41، نهاية الإحكام 2: 234، القواعد 1:
17.
123

في كل جزء.
وكذا التحنيط لو كان الباقي محله، كما عن التذكرة (1)، وعليه يحمل كلام
من أطلق كجماعة.
ثم ظاهر الأكثر اختصاص الأحكام المذكورة لذات العظم - من القطع
الخالية عن الصدر - بالمبانة من الميت وعدم جريانها في المبانة من الحي، للأصل،
وعدم جريان الأدلة فيها.
وعمم والدي - رحمه الله - في اللوامع، والمعتمد، وجماعة (2) فيهما، لمرسلة
أيوب. وقد عرفت ما فيها (3). ولكنه أحوط، وإن كان التخصيص أظهر.
الخامسة: من وجب عليه، الرجم أو القود يغتسل قبله بالاجماع المحقق،
والمحكي في اللوامع والحدائق (4)، وعن المعتبر والذكرى نجفي العلم بالخلاف فيه
عن الأصحاب (5)، له، ولرواية مسمع: " المرجوم والمرجومة يغتسلان ويتحنطان
ويلبسان الكفن قبل ذلك، ثم يرجمان ويصلى عليهما، والمقتص منه بمنزلة ذلك
يغتسل ويحنط ويلبس الكفن ثم يقاد ويصلى عليه " (6).
والرضوي: " وإن كان الميت مرجوما بدأ بغسله وتحنيطه وتكفينه ثم يرجم
بعد ذلك، وكذلك القاتل إذا أريد قتله قودا " (7).
وهل ذلك على الوجوب فيكون عزيمة؟ كما عن ظاهر الأكثر، وهو صريح

(1) التذكرة 1: 41.
(2! منهم العلامة في المنتهى 1: 34 4، والشهيد في الذكرى: 40، وصاحب الحدائق 3: 427.
(3) في ص 122.
(4). الحدائق 3: 428 قال: ولولا اتفاق الأصحاب قديما وحديثا على الحكم المذكور لأمكن المناقشة
(5) المعتبر 1: 347، الذكرى: 42.
(6) الكافي 3:، 421 الجنائز ب 78 ح 1، التهذيب 1: 334 / 978، الوسائل 2: 513 أبواب
غسل الميت ب 17 ح 1.
(7) فقه الرضا: 175، المستدرك 2: 181 أبواب غسل الميت ب 97 ح 1.
124

الديلمي، والحلي (1)، ووالدي رحمه الله، لظاهر الخبرين.
أو لا فرخصة؟ كما يحتمله كلام جماعة، وتنظر فيه في الذكرى (2)، للأصل،
وعدم صراحتهما في الوجوب. وهو الأظهر، لذلك. فلا يجب أمره به، لعدم
المقتضي، وإن استحب لو جهله.
والقول بوجوبه على الإمام أو نائبه لا دليل له لأن قلنا بوجوب الاغتسال،
إلا من باب الأمر بالمعروف.
والحق الموافق لقصر الحكم المخالف للأصل على مورده تخصيصه بالمرجوم
والمقتول قودا، كما هو صريح المنتهى، ونهاية الإحكام (3)، وغير واحد من
الثالثة (4)، وحكي عن ظاهر الأكثر (5)، بل عن المفيد، والديلمي (6) الاقتصار على
الأخير.
خلافا لظاهر الشرائع، والقواعد، وعن الجامع، والذكرى (7)، وفي اللوامع
نسبه إلى الجماعة، للمشاركة في السبب. وهو قياس باطل.
وصريح الكركي (8) وبعض آخر (9)، واستقر به في نهاية الإحكام (10) أنه
يغتسل غسل الميت فيجب فيه ما يجب فيه حتى التثليث، لبدليته الموجبة للمماثلة،
واقترانه بالتحنيط والتكفين.

(1) المراسم: 46، السرائر 1: 167.
(2) الذكرى: 42.
(3) المنتهى 1: 434، نهاية الإحكام 2: 238.
(4) كشف اللثام 1: 111، الحدائق 3: 428.
(5) قال في كشف اللثام 1: 111: واقتصر الأكثر... على ما في الخبرين من المرجوم والمقتول
قودا...
(6) المقنعة: 85، المراسم: 46.
(7) الشرائع 1: 37، القواعد 1: 17، الجامع: 50، الذكرى: 42.
(8) جامع المقاصد 1: 366.
(9) كالمسالك 1: 12، والمدارك 2: 71.
(10) نهاية الإحكام 2: 238.
125

وعن روض الجنان (1) احتمال الاكتفاء بغسل واحد، للأصل، ومعهودية
الوحدة في غسل الأشياء. وأطلق الأكثر..
والمسألة محل توقف، وإن كان مقتضى الأصل أظهر. والتثليث أحوط، بل
يومئ إليه إضافة الغسل إلى الضمير في الرضوي.
ويسقط الغسل عنه بعد الموت لو اغتسل قبله، كما عن الخلاف،
والمبسوط، والمهذب، والسرائر، والمعتبر (2)، نافيا فيه عنه الريب، وفي الشرائع
والمدارك (3) مصرحا فيه بكونه ظاهرا، لظهور الأمر بتقديم التحنيط والتكفين،
والاقتصار على الصلاة بعد القتل في النص فيه، بل في قوله: " بدأ " في الرضوي،
وفي إضافة الغسل إلى الضمير الراجع إليه إشعار بل دلالة عليه.
وتدل عليه أيضا مرفوعة البرقي (4)، الصريحة في عدم تغسيل أمير المؤمنين
المرجوم بعد الرجم.
ولكن الظاهر اختصاص السقوط بما إذا قتل بالسبب الذي له اغتسل، فلو
سبق موته قتله أو قتل بسبب آخر غير السببين غسل، للعمومات.
ولو غسل لأحد السببين وقتل للآخر ففي وجوب التغسيل أو استحباب
الغسل ثانيا نظر، والعدم أظهر.
والظاهر تداخل باقي الأغسال فيه فيكتفي به عنها. بل بها عنه أيضا، لما
مر في بحث التداخل. والاحتياط عدمه.
وصريح الخبرين: تقديم التحنيط والتكفين أيضا، كما صرح الفاضل في
المنتهى بهما (5). ولا يضر عدم تعرض الصدوقين، والمفيد (6)، والجامع، للأول،

(1) روض الجنان: 113.
(2) الخلاف 1: 713، المبسوط 1: 281، المهذب 1: 55، السرائر 1: 167، المعتبر 1: 347.
(3) الشرائع 1: 37، المدارك 2: 72.
(4) الكافي 7: 188 الحدود ب 9 ح 3، الوسائل 28: 99 أبواب حد الزنا ب 14 ح 4.
(5) المنتهى 1: 434.
(6) كذا، والموجود في الفقيه 1: 96، والمقنعة: 85 خلافه فإنهما تعرضا للتحنيط فراجع.
126

والمبسوط، للثاني، والشرائع (1) لهما، بعد اشتمال النص.

(1) الجامع: 50، المبسوط 1: 181، الشرائع 1: 37.
127

الفصل الثالث:
في الغسل
والكلام إما في واجباته، أو مستحباته ومكروهاته، أو أحكامه. فهاهنا
ثلاث مقامات:
المقام الأول: في واجباته، وهي أمور:
الأول: إزالة النجاسة العارضة عنه قبل الغسل، على الحق المشهور، بل
بلا خلاف كما في المنتهى (1)، وإجماعا كما في اللوامع، وعن التذكرة ونهاية
الإحكام (2)، ونفى عنه الشبهة في شرح القواعد للكركي (3)، وجعله في المدارك (4)
مقطوعا به في كلام الأصحاب.
لا للاجماع المنقول.
ووجوب إزالة النجاسة الحكمية عنه والعينية أولى.
وإيقاع ماء الغسل على محل طاهر، وصون ماء الغسل من التنجس.
وتوقف الشغل اليقيني على البراءة اليقينية التي لا تحصل إلا مع ذلك.
ووجوبها في غسل الجنابة المستلزم لوجوبها في غسل الأموات، للمعتبرة
الدالة على اتحادهما بل في بعضها أنه عينه.
والنصوص المستفيضة الآمرة بتقديم غسل الفرج على. الغسل هنا،

(1) المنتهى 1: 428.
(2) التذكرة 1: 38، نهاية الإحكام 2: 223.
(3) جامع المقاصد 1: 368.
(4) المدارك 2: 78.
128

كروايات ابن عبيد (1)، وحريز 2)، والكاهلي (3)، وأم أنس (4)، وفي غسل الجنابة
بضميمة ما يستفاد من المعتبرة من الاتحاد، وبتقديم تنقية الفرج كخبر يونس، وفيه
- بعد الأمر بتهيئة ماء السدر وغسل اليدين -: " ثم اغسل فرجه ونقه " (5).
لضعف الأول: بعدم الحجية.
والثاني: بمنع الأولوية، مع عدم استلزامه لوجوب التقديم.
والثالث: بمنع تنجسه مطلقا، لكونه واردا أو غسالة مطهرة أو قبل حصول
التطهير به.
ولو سلم فبمنع اشتراط طهارته مطلقا، بل المسلم منه ليس إلا المجمع
عليه، وهو قبل الوصول إلى المحل، وأما بعده فلا، ولذا يزيل الخبث مع أن دليل
الاشتراط فيهما وأحد، ولا تضر النجاسة الذاتية.
قيل: الغسل عبادة صحته تتوقف على البيان، وليس إلا فيما صين ماؤه عن
النجاسة مطلقا، وحيث لا يمكن من الذاتية اغتفر بالإضافة إليها للضرورة دون
غيرها (6).
قلنا: البيان بإطلاقات أوامر الاغتسال، الشاملة للمورد أيضا.
ودعوى عدم تبادر مثل ذلك الماء إن أريد منها عدم تبادره بخصوصه فهو
كذلك، ومثله جميع أفراد الماء في ذلك. لأن أريد عدم تبادر ما يشمله فهو ممنوع.
وبالجملة: اللازم فيما هو بصدده تبادر الغير، وهو غير حاصل.

(1) التهذيب 1: 302 / 878، 879، الإستبصار 1: 206 / 726، 727، الوسائل 2: 491،
492، أبواب غسل الميت ب 6 ح 2 و 1.
(2) التهذيب 1: 302 / 878، 879، الإستبصار 1: 206 / 726، 727، الوسائل 2: 491،
492، أبواب غسل الميت ب 6 ح 2 و 1.
(3) الكافي 3: 140، الجنائز ب 18 ح 4، التهذيب 1: 298 / 873، الوسائل 2: 1 48 أبواب
غسل الميت ب 2 ح 5.
(4) التهذيب 1: 302 / 880، الإستبصار 1: 207 / 728، الوسائل 2: 492 أبواب غسل الميت
ب 6 ح 3.
(5) الكافي 3: 141، الجنائز ب 18 ح 5، الوسائل 2: 480 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.
(6) الرياض 1: 53.
129

والرابع: بعدم العلم بالاشتغال بالزائد، مع أنه يحصل العلم بالبراءة من
الاطلاقات.
والخامس: بمنع الوجوب في غسل الجنابة أولا، وبمنع الاستلزام لو ثبت
فيه ثانيا.
وكون غسل الميت مثل غسل الجنب كما في الأخبار لا يفيد المماثلة في جميع
الأحكام، ولو أفاد لما أفاد إلا في جميع أجزاء الغسل وكيفياته لا الأمور الخارجة
منه.
والسادس: - مع معارضته بأخبار أخر أقوى سندا دالة على الابتداء
باليدين والرأس، كحسنة الحلي (1)، وصحيحة يعقوب (2)، وغيرهما -: بمنع
الدلالة، لأن في الأمر بغسل الفرج الشامل للنجس وغيره لا دلالة على أنة
للنجاسة..
وتوهم أنه لولاه لزم إخراج الأمر عن حقيقته، لعدم القول بوجوب البدأة
بغسل الفرج بنفسه، مدفوع: بأن معه أيضا يلزم التقييد بصورة العلم بخروج
النجاسة، لعدم القول بالوجوب بدونه، وليس أحدهما أولى من الآخر، مع أن
خروجها ليس أغلبيا بحيث لا يلتفت إلى غيره.
ولو سلم ذلك، فلعله يكون لإزالة العين المانعة عن وصول الماء لغلبة
خروج الغائط.
مع أن الأمر به في أكثر الروايات لا يختص بالغسلة الأولى، بل بماء الكافور
والقراح أيضا، وذلك قرينة واضحة على إرادة المستحب، وفي بعضها: كما في المرة
الأولى. مع أن الروايتين الأوليين لا تدلان على الوجوب، وفي الثالثة أمر بالغسل

(1) الكافي 3: 138، الجنائز ب 18 ح 1، الوسائل 2: 479 أبواب غسل الميت ب 2 ح 2.
(2) التهذيب 1: 446 / 1444، الإستبصار 1: 208 / 731، الوسائل 2: 483 أبواب غسل الميت
ب 2 ح 7.
130

بماء السدر والحرض (1) ثلاثا، وهو ليس بواجب اجماعا.
بل (2) لقوله في خبر يونس - بعد الأمر باعداد ماء الكافور وغسل اليدين
والفرج -: " وامسح بطنه مسحا رفيقا، فإن خرج منه شئ فأنقه ثم اغسل رأسه " (3)
الحديث.
وخبر أبي العباس: " واغمز بطنه غمزا رفيقا، ثم طهره من غمز البطن، ثم
تضجعه ثم تغسله " (4) الحديث.
ويؤيده الرضوي: " وتبدأ بغسل كفيه، ثم تطهر ما خرج من بطنه " (5).
والايراد: بمنع ثبوت الحقيقة الشرعية لبقاء والتطهير، فلعل المراد إزالة
العين المانعة من وصول الماء، يدفعه: علم القول برجحان تقديم إزالة المانع على
الغسل قطعا، بل غايته تقديمها في كل جزء على غسله.
ولا يضر ما في الثانية من تأخير الاضجاع الغير الواجب قطعا، إذ خروج
جزء من الحديث عن ظاهره لا يخرج غيره عنه.
واختصاص تلك الروايات بنجاسة خاصة وعضو مخصوص بعد عدم
القائل بالفرق غير ضائر، ولعله للغلبة لا للتغاير.
نعم، الثابت فيه الاجماع المركب النجاسة العارضة قبل كل غسل فتجب
إزالتها قبله. وأما العارضة في أثنائه سيما ما لا ينفك عنه غالبا كيد الغاسل وساتر
المغسول ونحوهما فلا، بل يكفي ماء الغسل عنه وعنها على الأصح.
ثم التشكيك في المسألة - كبعض أجلة المتأخرين (6) - في غير موقعه،

(1) الحرض - بالضم -: الأشنان.
(2) مرتبطة بقوله في ص 128: لا للاجماع...
(3) تقدم مصدره في ص 129.
(4) التهذيب 1: 446 / 1442، الإستبصار 1: 206 / 724، الوسائل 2: 84، أبواب غسل الميت
ب 2 ح 9.
(5) فقه الرضا: 166، المستدرك 2: 167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.
(6) كشف اللثام 1: 112.
131

وحصول الطهارة من نجاسة دون أخرى بعد دلالة النصوص لا بعد فيه، مع أنه
يجوز زوال العرضية بما يزول به سائر النجاسات وتوقف زوال الذاتية على أمر آخر.
الثاني: النية، ووجوبها فيه هو الأصح، وفاقا للمعظم، بل عن الخلاف
الاجماع عليه (1)، وفي شرح القواعد للكري: أنه ظاهر المذهب (2).
لا لتشبيهه بغسل الجنابة، لأنه لا يوجب النية على غير المغسول. ولا
لوجوب الترتيب فيه فيكون غسلا حقيقيا، لعدم دلالته.
بل لعموم ما دل على اعتبارها في العمل، خرج ما على خروجه دليل دل،
وبقي الباقي. ولتوقف صدق امتثال الأوامر الواجب بديهة عليها بحكم العرف
كما مر، وبذلك يثبت اشتراط القربة فيها.
فالتردد فيه - كما في المدارك، وظاهر كفاية الأحكام، وعن المعتبر، ونهاية
الأحكام، والتذكرة (3)، بل هو ظاهر الشرائع والنافع (4)، حيث لم يذكرها فيهما،
أو نفي اعتبارها فيه مطلقا كما عن مصريات السيد (5) - ضعيف. وقد حكي عن
المنتهى (6) أيضا. وما عندنا من نسخته المصححة مصرحة بالوجوب، وإن لم تكن
عبارتها خالية عن الاضطراب.
وفي وجوب تعدد النية بتعدد الغسلات، كما عن الإشارة، وروض

(1) الخلاف 1: 703.
(2) جامع المقاصد 1: 368.
(3) المدارك 2: 81، الكفاية: 6، المعتبر 1: 265، نهاية الإحكام 2: 23، التذكرة 1: 38.
(4) الشرائع 1: 38، النافع: 12.
(5) كذلك في كشف اللثام 1: 112 قال: وحكى عن مصريات السيد، ولم نعثر على الحكي.
(6) المنتهى 1: 435 قال: ولا يجب في غسل الميت النية ولا التسمية، وعن أحمد روايتان، والأصح
الوجوب. لنا: أنه غسل واجب فهو عبادة وكل عبادة تجب فيها النية. احتجوا بأن الأصل عدم
الوجوب والنقل لا يثبت إلا بالشرع. احتج أحمد بأنه غسل يجب تعبدا عن غير نجاسة فوجهه باقية
كالجنابة ولما تعذرت النية والتسمية - من الميت اعتبرت في الغاسل. والجواب المعارضة بأن نقول غسل
وجب تعبدا عن غير نجاسة فلا تجب النية على الغير كالجنابة.
132

الجنان (1)، وجماعة، واختاره والدي رحمه الله، للتغاير بينها اسما وصورة ومعنى.
وعدمه بل كفاية واحدة للثلاث في أولها، كما عن اللمعة والذكرى (2)، وفي المدارك
وكفاية الأحكام (3)، أي بشرط الاستدامة الحكمية إلى آخر الثلاث، لظهور عدم
قولهم بصحة الباقي ولو فعل رياء أو بلا قصد، قولان، أصحهما: الثاني،
للأصل، وصدق الامتثال، كما في أجزاء الصلاة. ولا دخل للتغاير في وجوب
التعدد بعد إرادة الجميع أولا من غسل الميت.
ثم إن اتحد الغاسل تولى النية ولم تجزئ عن غيره. وإن تعددوا واشتركوا في
الصب والتقليب نووا جميعا.
ولو كان البعض يصمت والآخر يقلب فالمشهور - كما في اللوامع - وجوبها على
الصاب، لأنه الغاسل حقيقة، إذ حقيقة الغسل إجراء الماء، وهو منه.
وعن الذكرى (4) إجزاؤها من المقلب أيضا، وقواه والدي في اللوامع، لأن
الجريان في بعض الأعضاء وإن حصل بفعل الأول إلا أن حصوله في البعض
الآخر يتوقف على فعل الثاني..
ولتصريح المعتبرة بأن الثاني هو الغاسل، كموثقة سماعة: عن رجل مات
وليس عنده إلا النساء، قال: " تغسله امرأة ذات محرم تصب النساء عليها
الماء " (5).
ونحوها موثقة البصري (6)، وحسنة الحلبي (7)، والرضوي (8)، وغيرها.

(1) الإشارة: 75، روض الجنان: 99.
(2) اللمعة (الروضة 1): 122، الذكرى: 44، وليس فيهما تصريح بكفاية الواحدة، نعم قد يستفاد
من إطلاق كلامهما.
(3) المدارك 2: 81، الكناية: 6.
(4) الذكرى: 44.
(5) تقدم مصدرها في ص 91.
(6) تقدم مصدره في ص 101.
(7) تقدم مصدره في ص 101.
(8) فقه الرضا: 166، المستدرك 1: 98 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.
133

ولا يخفى أن مقتضى الدليل الأول اشتراكهما، ومقتضى الثاني اختصاص
الثاني، فلا وجه لاجزاء نية أحدهما.
والتحقيق: أن الغسل - كما مر - هو إجراء الماء على العضو، فإن حصل
ذلك من الصاب في جميع الأعضاء لأن توقف إجراؤه على تقليب الغير، فالغاسل
هو الصاب والنية عليه، والمقلب ليس إلا كنازع الثوب. وإن حصل منهما بأن
يصب أحدهما إلى عضو ويجري الآخر إلى الباقي بمعونة يد أو تحريك عضو بعد
الصب، فالغسل منهما والنية عليهما. وإن كان الصب من أحدهما ويدلك الآخر
جميع الأعضاء بحيث يحصل غسل الجميع منه أيضا وإن جرى الجزء الأول من
الصاب فيكفي نية الدالك، لحصول الغسل بفعله، والصاب آلة له، وعليه تنزل
المعتبرة المتقدمة.
ومع التعدد لو ترتبوا بأن يغسل كل واحد منهم بعضا اعتبرت من كل واحد
عند ابتداء فعله.
الثالث: تغسيله ثلاثا: بماء السدر، وبماء الكافور، وبالقراح. وفاقا لغير
الديلمي (1) في التثليث، كما قي المدارك، وروض الجنان، والمعتبر (2)، بل عن
الخلاف الاجماع عليه (3)، للنصوص المستفيضة، كصحيحتي ابن مسكان وخالد:
الأولى: عن غسل الميت، قال: " اغسله بماء وسدر، ثم اغسله على أثر
ذلك غسلة أخرى بماء وكافور وذريرة (4) إن كانت، واغسله ثالثة بماء قراح " قلت:
ثلاث غسلات لجسده كله؟ قال: " نعم " (5).

(1) المراسم: 47 قال: الواجب تغسيله مرة بماء القراح.
(2) المدارك 2: 79، روض الجنان: 98، المعتبر 1: 265.
(3) الخلاف 1: 694.
(4) هي فتات قصب الطيب، وهو قصب يجاء به من الهند كقصب النشاب. (أساس البلاغة:
142).
(5) الكافي 3: 139، الجنائز ب 18 ح 2،، التهذيب 1: 108 / 282، الوسائل 2: 479 أبواب
غسل الميت ب 2 ح 1.
134

والثانية: عن غسل الميت كيف يغسل؟ قال: " بماء وسدر، واغسل جسده
كله، واغسله أخرى بماء وكافور، ثم اغسله أخرى بماء " (1).
وحسنة الحلبي: " إذا أردت غسل الميت فاجعل بينك وبينه ثوبا يستر عورته
إما قميصا أو غيره، ثم تبدأ بكفيه، وتغسل رأسه ثلاث مرات بالسدر ثم سائر
جسده، وابدأ بشقه الأيمن، فإذا أردت أن تغسل فرجه فخذ خرقة نظيفة فلفها
على يدك اليسرى، ثم أدخل يدك من تحت الثوب الذي على فرج الميت فاغسله
من غير أن ترى عورته، فإذا فرغت من غسله بالسدر فاغسله مرة أخرى بماء
وكافور وشئ من حنوطه، ثم اغسله بماء بحت غسلة أخرى " (2).
وخبره: " يغسل ثلاث غسلات: مرة بالسدر، ومرة بالماء يطرح فيه
الكافور، ومرة أخرى بالماء القراح، ثم يكفن " (3) الحديث.
ورواية الكاهلي: " استقبل بباطن قدميه القبلة حتى يكون وجهه مستقبل
القبلة، ثم تلين مفاصله، فإن امتنعت عليك فدعها، ثم ابدأ بفرجه بماء السدر
والحرض، فاغسله ثلاث غسلات وأكثر من الماء، وامسح بطنه مسحا رفيقا، ثم
تحول إلى رأسه فابدأ بشقه الأيمن من لحيته ورأسه، ثم تثني بشقه الأيسر من رأسه
ولحيته ووجهه، واغسله برفق، وإياك والعنف، واغسله غسلا ناعما، ثم اضجعه
على شقه الأيسر ليبدو لك الأيمن، ثم اغسله من قرنه إلى قدمه، وامسح يدك
على بطنه وظهره بثلاث غسلات، ثم رده إلى جنبه الأيمن حتى يبدو لك الأيسر،
فاغسله ما بين قرنه إلى قدمه، وامسح يدك على ظهره وبطنه بثلاث غسلات، ثم
رده إلى قفاه فابدأ بفرجيه بماء الكافور، فاصنع كما صنعت أول مرة، اغسله ثلاث

(1) التهذيب 1: 446 / 1443، الوسائل 2: 483 أبواب غسل الميت ب 2 ح 6.
(2) الكافي 3: 138 الجنائز ب 18 ح 1، التهذيب 1: 299 / 874، الوسائل 2: 479 أبواب
غسل الميت ب 2 ح 2.
(3) الكافي 3: 140، الجنائز ب 18 ح 3، التهذيب 1: 300 / 876، الوسائل 2: 481 أبواب
غسل الميت ب 2 ح 4.
135

غسلات بماء الكافور والحرض، وامسح يدك على بطنه مسحا رفيقا، ثم تحول إلى
رأسه فاصنع كما صنعت أولا " إلى أن قال: " ثم رده على ظهره، ثم اغسله بماء
القراح كما صنعت أولا " (1) الحديث.
وخبر يونس: " فضعه على المغتسل مستقبل القبلة، فإن كان عليه قميص
فأخرج يده من القميص واجمع قميصه على عورته وارفع من رجليه إلى فوق
الركبة، فإن لم يكن عليه قميص فالق على عورته خرقة، واعمد إلى السدر فصيره
في طست، وصب عليه الماء واضربه بيدك حتى ترتفع رغوته واعزل الرغوة في
شئ، وصب الآخر في الإجانة التي فيها الماء، ثم اغسل يديه ثلاث مرات كما
يغسل الانسان من الجنابة إلى نصف الذراع، ثم اغسل فرجه ونقه، ثم اغسل
رأسه بالرغوة وبالغ في ذلك واجتهد أن لا يدخل الماء منخريه ومسامعه، ثم
اضجعه إلى جانبه الأيسر وصب الماء من نصف رأسه إلى قدميه ثلاث مرات،
وادلك بدنه دلكا رفيقا، وكذلك ظهره وبطنه، ثم اضجعه على جانبه الأيمن
وافعل به مثل ذلك، ثم صب الماء من الإجانة واغسل الإجانة بماء قراح، واغسل
يديك إلى المرفقين، ثم صب الماء في الآنية وألق فيها حبات كافور، وافعل به كما
فعلت في المرة الأولى ابدأ بيديه ثم بفرجه، وامسح بطنه مسحا رفيقا فإن خرج
شئ فأنقه، ثم اغسل رأسه، ثم اضجعه على جنبه الأيسر، واغسل جنبه الأيمن
وظهره وبطنه، ثم اضجعه على جنبه الأيمن واغسل جنبه الأيسر كما فعلت أول
مرة، ثم اغسل يديك إلى المرفقين والآنية وصب فيه الماء القراح، واغسله بالماء
القراح كما غسلت في المرتين الأوليين، (2) الخبر. إلى غير ذلك من الأخبار.
والرضوي: " غسل الميت مثل غسل الحي من الجنابة، إلا أن غسل الحي

(1) الكافي 3: 140، الجنائز ب 18 ح 4، التهذيب 1: 298 / 873، الوسائل 2: 1 48 أبواب
غسل الميت ب 2 ح 5.
(2) الكافي 3: 141، الجنائز ب 18 ح 5، التهذيب 1: 301 / 877، الوسائل 2: 480 أبواب
غسل الميت ب 2 ح 3.
136

مرة واحدة بتلك الصفات، وغسل الميت ثلاث مرات على تلك الصفات " (1).
وخلافا لمن ذكر (2)، فاكتفى بالواحد القراح. للأصل. وهو بما مر مندفع.
والتشبيه بغسل الجنابة. وهو فيما عدا الوحدة - لو أفاد العموم - لما مر سيما
الرضوي مخصص.
وقوله (عليه السلام) - وقد سئل عن الميت وهو جنب -: " يغسل غسلا
واحدا " (3). والواحد بالنوع منه متبادر، ولذا فسره الأصحاب كذلك، فالمراد منه
التداخل، ولولا تبادره يجب الحمل عليه أو الطرح.
وللمحكي عن ابني حمزة وسعيد (4) في الوجوب، فقالا: باستحباب
الخليطين وإن أوجبا ثلاثة أغسال، لمثل ما مر مع دفعه قطعا.
فروع:
أ: المعتبر في الخليط ما يصحح الإضافة عرفا ولا يلزمها، - أي يصدق معه
ماء السدر والكافور، ولا يخرجه عن الاطلاق.
أما الأول، كما هو المنقول عن الخلاف، والمصباح (5)، ومختصره،
والجملين (6)، والفقيه، والهداية، والمقنع (7)، والوسيلة، والاصباح، والغنية،
والكافي (8)، والإشارة (9)، والارشاد، والتبصرة، والتحرير (10)، والنافع، محتمل

(1) فقه الرضا: 181، المستدرك 2: 170 أبواب غسل الميت ب 3 ح 1.
(2) وهو الديلمي كما تقدم في ص 134
(3) الوسائل 2: 539 أبواب غسل الميت ب 31.
(4) الوسيلة: 64، الجامع: 51.
(5) الخلاف 1: 694، مصباح المتهجد: 18.
(6) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 50، الجمل والعقود (الرسائل العشر: 165.
، 7) الفقيه 1: 90، الهداية: 24، المقنع: 18.
(8) الوسيلة: 64، الغنية (الجوامع الفقهية): 563، الكافي للحلي: 134.
(9) الإشارة: 75.
(10) الإرشاد 1: 230، التبصرة: 11، التحرير 1: 17.
137

الشرائع (1)، وصريح المدارك (2)، بل عزاه بعض من تأخر إلى الأكثر (3): فللأمر
بالغسل بماء السدر وماء الكافور في رواية الكاهلي، المتقدمة (4)، وموثقة
الساباطي: " الجرة الأولى التي يغسل بها الميت بماء السدر، والجرة الثانية بماء
الكافور تفت فيها. فتا قدر نصف حبة، والجرة الثالثة بماء القراح " (5) فلا بد من
صدق الاسم عرفا.
وبهما يقيد ما أطلق فيه الغسل بالسدر، أو بماء وسدر، وماء وكافور، أو شئ
منهما.
مع أن المتبادر من الغسل به أو به وبماء أو بماء وشئ منهما وجود قدر يصدق
معه ماء السدر. ولو منع التبادر فلا شك في احتماله، ومعه يجب تحصيلا للبراءة
اليقينية، فلا يجزئ القليل الذي لا يصدق معه اسم الماءين.
خلافا لجماعة - منهم والدي العلامة - فاكتفوا بمسمى السدر والكافور،
وإن لم تثبت الإضافة عرفا، ونسبه في البحار، والحدائق (6)، واللوامع، إلى
المشهور.
ولعل وجه الاختلاف في دعوى الشهرة الاختلاف في فهم المراد مما أطلقوا
من قولهم: ما يصدق عليه الاسم، على أنه أسماء الماءين أو أسماء السدر
والكافور.
وبالجملة مستندهم إطلاق السدر والكافور وشئ منهما، مع عدم نصوصية

(1) النافع: 12، الشرائع 1: 38 قال: ثم يغسل بماء السدر... وأقل ما يلقى في الماء من السدر
ما يقع عليه الاسم.
(2) المدارك 2: 82.
(3) قال في الرياض 1: 53 ويكفي منه فيه ما يصدق معه ماء السدر على الأشهر الأظهر.
(4) في ص 135.
(5) التهذيب 1: 305 / 887، الوسائل 2: 484 أبواب غسل الميت ب 2 ح 10. فت الشئ: كسره
بالأصابع كسرا صغيرة.
(6) بحار الأنوار 78: 292، الحدائق 3: 453.
138

ما قيد الأول بسبع ورقات، والثاني بنصف حبة أو حبات في الوجوب.
ويضعف: بأنهما وإن كانا مطلقين صادقين على المسمى أيضا إلا أن الغسل
بهما المأمور به لا يتحقق عرفا بمطلق المسمى. وأيضا: صدقهما - مع أن ماء السدر
والكافور لا يصدقان على ما يدخله قدر رأس إبرة أو نصف حنطة منهما قطعا - لا
يفيد، لوجوب حمل المطلق على المقيد.
وللمحكي عن المفيد، فقدر السدر برطل ونحوه (1)، وعن القاضي فبرطل
ونصفه (2). ولم نعثر لهما على دليل.
وعن بعضهم. فبسبع ورقات (3).
ولعله لخبر ابن عبيد: عن غسل الميت، قال: تطرح عليه خرقة ثم يغسل
فرجه، ويوضأ وضوء الصلاة، ثم يغسل رأسه بالسدر والأشنان، ثم الماء
والكافور، ثم بالماء القراح، يطرح فيه سبع ورقات صحاح في الماء " (4).
ونحوه خبر حريز إلا أن فيه: " ثم يوضأ (5).
وفيه: أن ظاهرهما إلقاؤها في القراح كما صرح به في رواية ابن عمار أيضا:
" أمرني أبو عبد الله - عليه السلام - أن أعصر بطنه ثم اوضئه، ثم أغسله
بالأشنان، ثم أغسل رأسه بالسدر ولحيته، ثم أفيض على جسده، ثم أدلك به
جسده ثم أفيض عليه ثلاثا، ثم أغسله بالماء القراح، ثم أفيض عليه الماء بالكافور
وبالماء القراح وأطرح فيه سبع ورقات سدر " (6).

(1) المقنعة: 74.
(2) المهذب 1: 56.
(3) كذلك حكي في الشرائع 1: 38 عن بعضهم ولم نعثر على شخصه.
(4) التهذيب 1: 302 / 878 و 879، الإستبصار 1: 206 / 726 و 727، الوسائل 2: 491
و 492 أبواب غسل الميت ب 6 ح 1 و 2.
(5) التهذيب 1: 302 / 878 و 879، الإستبصار 1: 206 / 726 و 727، الوسائل 2: 491
و 492 أبواب غسل الميت ب 6 ح 1 و 2.
(6) التهذيب 1: 303 / 882، الإستبصار 1: 207 / 729، الوسائل 2: 484 أبواب غسل الميت
ب 2 ح 8.
139

ثم المستفاد من تلك الروايات حيث جوزت طرح الأوراق الصحاح في الماء
القراح عدم صدق الغسل بماء السدر معه، ويلزمه وجوب كونه مطحونا أو
ممروسا (1) في الغسل الأول. وهو كذلك وفاقا لجماعة (2)، لذلك [و] (3) لتوقف
صدق مائه والغسل به عليه. وخلافا لبعض من اكتفى بمسماه، لصدق
المسمى (4). ودفعه ظاهر.
وأما الثاني (5)، كما هو صريح القواعد، والتذكرة، ونهاية الإحكام (6)،
ومحكي عن الإشارة، والجامع (7)، ونسبه في الحدائق واللوامع إلى المشهور (8)،
فللأمر في عدة أخبار - تقدم بعضها - بالغسل بماء وسدر وماء وكافور، أو ماء فيه
شئ منهما، والمضاف ليس ماء. والتجوز في السدر والكافور بعلاقة ما كان - حيث
خرجا بالتمريس والتفتيت والاستهلاك في الماء عن حقيقتهما - لا يوجب التجوز
في الماء أيضا.
وقد يتمسك بمطهرية الماءين، وغير المطلق لا يطهر.
والمقدمتان ممنوعتان في المقام، وإثبات الأولى بوجوب الترتيب وطهارة الماء
لإزالة الخبث ضعيف غايته.
خلافا لظاهر المنتهى (9) - كما قيل - حيث جعل غسل الرأس، بالرغوة من

(1) مرس الدواء: نقعه في الماء ومرثه باليد حق تتحلل أجزاؤه.
(2) كما اختاره في المدارك 2: 82، والذخيرة: 84، والرياض 1: 53.
(3) ما بين المعقوفين لاستقامة المعنى.
(4) قال بي الروض: 99: وينبغي كونه مطحونا أو ممروسا في الماء بحيث تظهر به الفائدة المطلولة منه،
وفي وجوب ذلك نظر.
(5) أي: اشتراط عدم خروج الماء عن الاطلاق.
(6) القواعد 1: 17، التذكرة 1: 38، نهاية الإحكام 2: 223.
(7) إشارة السبق: 75، ولم نعثر عليه في الجامع وحكى عنه في كشف اللثام 1: 112.
(8) الحدائق 3: 454.
(9) المنتهى 1: 428.
140

الواجب، والمدارك، والبحار، والحدائق (1). وعن الذكرى، وشيخنا البهائي
التردد فيه (2). وفي البحار: أن الظاهر من أكثر الأصحاب أن غسل الرأس برغوة
السدر محسوب من غسل السدر الواجب (3).
لأصالة عدم الاشتراط، والأمر بغسل الرأس من الرغوة - التي هي ليس
ماء مطلقا قطعا - في خبر يونس، المتقدم (4)، والرضوي: " ثم تغسل رأسه ولحيته
برغوة السدر، وتتبعه بثلاث حميديات، ولا تقعده إن صعب عليك، ثم تقلبه على
جنبه الأيسر (5) الخبر.
والأول مندفع: بما مر.
والثاني: بأن المراد بالرغوة ما يشبهها من الماء المطلق بقرينة قوله فيه:
" واجهد أن لا يدخل الماء منخريه ومسامعه ".
ولو جوز العكس لم يفد أيضا، لحصول الاحتمال الموجب للاجمال، المسقط
للاستدلال، المانع من ترك المطلقات.
مع أن كون هذا الغسل من الواجب دون المستحب الذي ذكره الجماعة لا
يعلم إلا من عدم ذكر غسل آخر للرأس، ومجرد ذلك لا يعارض الأمر بغسله بالماء
المطلق.
وأما رده (6): بعدم استلزام الارغاء إضافة الماء الذي تحت الرغوة فغريب؟
للتصريح بالغسل بالرغوة لون ما تحتها. والظاهر أنه مأخوذ من كلام بعض

(1) المدارك 2: 82، بحار الأنوار 78: 292، الحدائق 3: 459.
(2) الذكرى: 5 4، الحبل المتين: 60.
(3) بحار الأنوار 78: 294. وفيه: والظاهر من أكثر الأخبار أنه محسوب من غسل السدر الواجب.
ورغوة اللبن - مثلثة -: زبده.
(4) في ص 136.
(5) فقه الرضا: 166، المستدرك 2: 167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3. والحميد من الأباريق: الكبير
في الغاية (مجمع البحرين 3: 40).
(6) كما في الرياض 1: 54.
141

الأجلاء (1)، ولكنه ذكر ذلك لقصد آخر.
والثالث: بعدم الدلالة على كونه هو الواجب، ولعله ما يتبعه من
الحميديات، بل هو الظاهر، وإلا لزم استحباب أربع غسلات في عضو، ولا قائل
به
ب: ليس في كافور الخليط حد واجب غير ما يفيد الإضافة، وليس في خبر
يونس المقدر له بحبات - بعد تقديره في الموثق السابق (2) بنصف حبة - دلالة على
الوجوب مفيدة لتقييد المطلقات، كما لا يقيده ما روي أن أمير المؤمنين عليه السلام
غسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بثلاثة مثاقيل (3).
وتقدير المفيد، والديلمي، وابن سعيد (4)، بنصف مثقال خال عن
الدليل، مع أن كلامهم ليس نصا في الوجوب، كيف!؟ والثاني لا يرى وجوب
غير القراح.
ولا يتعين الخام منه، للأصل. خلافا لنادر، لوجه قاصر (5).
ج: التغسيل بماء الكافور مخصوص بالمحل، فلا يغسل المحرم بمائه
إجماعا، كما عن الغنية (6)، وفي المنتهى، وشرح القواعد للكركي (7) للنهي عن
تقريبه الطيب - الذي منه الكافور - في المستفيضة الآتية في بحث التحنيط (8).
د: المعتبر في القراح - أي الخالص - خلوصه عن الخليطين، لأنه المتبادر

(1) الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 113.
(2) في ص 138.
(3) التهذيب 1: 450 / 1464، الوسائل 2: 485 أبواب غسل الميت ب 2 ح 11.
(4) المقنعة: 75، المراسم: 47، الجامع: 51.
(5) المراسم: 47، وانظر مفتاح الكرامة 1: 429.
(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 563، ومقعد الاجماع في كلامه هو التحنيط بالكافور دون التغسيل.
(7) المنتهى 1: 432، جامع المقاصد 1: 398.
(8) في ص 249.
142

من المقابلة. لا الخليط مطلقا حتى التراب - كما قيل (1) - إلا أن يخرجه عن
الاطلاق، وإن كان اعتباره مطلقا أحوط. والمراد باعتبار خلوصه عنهما اشتراطه لا
عدم اشتراطهما، كما تدل عليه أوامر الغسل بالقراح.
والمعتبر في خلوصه عنهما خلوصه عما يجعله ماء سدر وكافور، والغسل
غسلا بهما، فلا يضر القليل منهما، أو الغير الممتزج من السدر، لأنه الثابت من
التقابل، مع ما مر (2) من الخبرين الآمرين بالقاء سبع ورقات في الماء القراح
ولأجله يحمل الخبر المتقدم (3) - الآمر بغسل الآنية عن الماءين قبل صب القراح
فيها - على الاستحباب، سيما مع اشتماله على كثير من المستحبات.
الرابع: الترتيب بين الغسلات الثلاث، فيبدأ بالسدر ثم الكافور ثم
القراح، وفي كل منها بين الأعضاء، فيبدأ بالرأس ثم الأيمن ثم الأيسر،
بالاجماع، كما على الأول في اللوامع عن المعتبر (4)، وفي الحدائق أنه مذهب
الأصحاب (5)، وعلى الثاني عنه وعن الانتصار، والخلاف، وظاهر التذكرة (6)
لصحيحتي ابن مسكان (7) وخالد (8)، وموثقة الساباطي (9)، وخبري ابن عبيد

(1) السرائر 1: 162، والذكرى: 44.
(2) في ص 139.
(3) في ص 136.
(4) المعتبر 1: 265 وفيه: يجب تغسيلة ثلاث مرات أولا بماء السدر ثم بماء الكافور ثم بالماء القراح
ولا يجوز الاقتصار على الواحدة إلا عند عوز الماء، وهو مذهب الأصحاب خلا سلار فإنه اقتصر
على الوجوب على المرة بالماء القراح وما زاد على الاستحباب.
(5) الحدائق 3: 444.
(6) المعتبر 1: 266، الإنتصار: 36، الخلاف 1: 693، التذكرة 1: 38.
(7) الكافي 3: 139 الجنائز ب 18 ح 2، التهذيب 1: 108 / 282، الوسائل 2: 479 أبواب غسل
الميت ب 2 ح 1.
(8) التهذيب 1: 446 / 1443، الوسائل 2: 483 أبواب غسل الميت ب 2 ح 6.
(9) تقدم مصدرها في ص 138.
143

وحريز (1)، في الأول. وحسنة الحلبي، وروايتي الكاهلي ويونس (2) فيهما، مضافة
إلى غيرها مما لم يذكر من الأخبار.
وبها تقيد الأخبار المطلقة. واشتمالها على كثير من المستحبات غير قادح في
الأصل. فالقول باستحباب الأول - كما عن ابن حمزة (3) - للأصل ضعيف، مع
أن في النسبة أيضا كلاما (4).
ولو أخل بالترتيب في الثاني أعاد على ما يتضمنه إجماعا، وكذا في الأول على
الأصح، لمخالفة الأمر، فلم يأت بالمأمور به. وعن التذكرة، ونهاية الإحكام
التردد (5).
وهل يجوز الارتماس هنا كالجنابة فيسقط ثاني الترتيبين؟ كما ذكره في القواعد
وشرحه (6) وجمع من المتأخرين (7)، للمستفيضة المسوية بين غسل الميت وغسل
الجنابة (8)، ولايجاب جوازه فيه جوازه هنا بالأولوية. أو لا يجوز؟ كما استشكل فيه
جمع آخر، منهم المدارك، والبحار (9)، للأمر بالترتيب المنافي للارتماس في الأخبار،
الموجب لتقييد ما أطلق فيه الغسل، وعدم اقتضاء المماثلة التسوية في جميع الأحكام. وهو في موقعه، بل الأظهر عدم الجواز، لما ذكر.

(1) تقدم مصدرهما في ص 139.
(2) تقدمت الروايات الثلاث في ص 135، 136.
(3) الوسيلة: 64 قال: وما يتعلق بالغسل فأربعة اضرب واجب ومندوب ومحظور ومكروه، فالواجب
ستة أشياء... وتغسيله ثلاث مرات... والمندوب سبعة وعشرون... - ومنها -: غسله
أولا بماء السدر وثانيا بماء جلال الكافور وثالثا بالماء القراح.
(4) فإنه استظهر في كشف اللثام 1: 111 من كلام ابن حمزة القول باستحباب الخليط لا استحباب
الترتيب مع وجود الخليط.
(5) التذكرة 1: 39، نهاية الإحكام 2: 224.
(6) القواعد 1: 18، جامع المقاصد 1: 378.
(7) منهم الشهيد الثاني في الروض: 99، وصاحب الرياض 1: 54.
(8) انظر الوسائل 2: 486 أبواب غسل الميت ب 3.
(9) المدارك 2: 1 8، بحار الأنوار 78: 292.
144

الخامس: طهارة الماء وإباحته وإطلاقه، بالاجماع في الثلاثة والأخبار.
السادس: إباحة مكان الغسل والآنية والخليطين، ويظهر وجهه مما يأتي في
التيمم في المكان المغصوب، والصلاة في اللباس المغصوب.
السابع: ستر عورته باتفاق الأصحاب كما في اللوامع، للأمر به في حسنة
الحلبي ورواية يونس، المتقدمتين (1)، وغيرهما.
ومقتضى إطلاقهما عدم الفرق بين الزوج أو الزوجة وغيرهما، بل صرح به
في بعض أخبارها (2) أيضا، فالقول بعدم الوجوب فيهما غير جيد، وجواز النظر لو
سلم لا يوجب التقييد.
وكذا الصغير الذي يجوز غسله لغير المماثل، بل في المماثل أيضا على
الأحوط. وكذا يقتضي الوجوب على الأعمى والواثق من نفسه بكف البصر، وإن
كان شمول الاطلاقات للأعمى محل نظر.
الثامن: لف الغاسل خرقة على يده عند غسل العورة، للأمر به في حسنة
الحلبي، المتقدمة، وتؤيده موثقة الساباطي، وفيها: " ويكون على يدك خرقة تنقي
بها دبره " (3).
المقام الثاني: في مستحباته ومكروهاته.
أما المستحبات فأمور:
منها: وضع الميت على شئ مرتفع من ساجة أو سرير، بلا خلاف كما في
المنتهى (4)، وأسنده في اللوامع إلى عمل الفرقة شائعا، وهو فيه الحجة، لكونه مقام
المسامحة، مضافا إلى أقربيته إلى الاحترام، وأوفقيته لحفظ الجسد عن التلطخ،

(1) في ص 135، 136.
(2) انظر الوسائل 2: 516 أبواب غسل الميت ب 20.
(3) تقدم مصدرها في ص 135، 138.
(4) المنتهى 1: 428.
145

وأبعد عن الهوام، ويومئ إليه الأمر بوضعه على المغتسل في بعض الأخبار (1).
منحدرا مكان الرجلين، لفتوى جمع من الأجلة (2)، ولئلا يجتمع الماء تحته.
موجها إلى القبلة نحو حال الاحتضار، وفاقا للمصريات (3) والوسيلة
والغنية (4)، والاصباح (5)، والمعتبر، والشرائع، والنافع (6)، واللوامع، والقواعد
والمدارك (7)، بل هو الأشهر، كما صرح به جمع ممن تأخر (8).
أما الرجحان: فلما مر من دعوى الشهرة بل اتفاق أهل العلم، كما في
المعتبر (9)، وما تقدم من خبري الكاهلي ويونس (10).
والرضوي: " ويكون مستقبل القبلة،، يجعل باطن رجليه إلى القبلة وهو
على المغتسل " (11).
وصحيحة ابن خالد: " إذا مات لأحدكم ميت فسجوه تجاه القبلة، وكذلك
إذا غسل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة فيكون مستقبل باطن قدميه ووجهه
إلى القبلة " (12)
وأما عدم الوجوب: فللأصل، وخلو غير الأولين عن الدال على الوجوب.

(1) كما في خبر يونس المتقدم في ص 136.
(2) كما أفتى به في جامع المقاصد 1: 373، وكشف اللثام 1: 113، والرياض 1: 55.
(3) للسيد المرتضى نقل عنه في كشف اللثام 1: 113.
(4) الوسيلة: 64، الغنية (الجوامع الفقهية): 563.
(5) للصهرشتي، نقل عنه في كشف اللثام 1: 113.
(6) المعتبر 1: 269، الشرائع 1: 38، النافع: 12.
لا) القواعد 1: 18، المدارك 2: 86
(8) صرح به في الرياض 1: 55، وفي الحدائق 3: 449 أنه المشهور بين الأصحاب، وفي المدارك 2:
86 نسبه إلى الأكثر.
(9) المعتبر 1: 269.
(10) في ص 135، 136.
(1 1) فقه الرضا: 166، المستدرك 2: 171 أبواب غسل الميت ب 5 ح 1.
(2 1) التهذيب 1: 298 / 872، الوسائل 2: 452 أبواب الاحتضار ب 35 ح 2.
146

وأما هما وإن اشتملا على الأمر ولكن يتعين حملهما على الاستحباب،
لصحيحة ابن يقطين: عن الميت كيف يوضع على المغتسل، موجها وجهه نحو
القبلة، أو يوضع على يمينه ووجهه نحو القبلة؟ قال: " يوضع كيف تيسر فإذا طهر
وضع كما يوضع في قبره " (1).
خلافا للمنتهى، والكركي، وشيخنا البهائي (2)، وعن المبسوط،
والدروس، والمسالك (3)، فأوجبوه لما ذكر، وأجابوا عن الصحيحة تارة: بعدم
المنافاة، لأن ما تعسر لا يجب، وأخرى: بأن الظاهر منها التخيير بين الأمرين
المذكورين فيها، وثالثة: بأن غايتها التعميم باعتبار الجهة فيجب التخصيص بما
مر لكونه أخص مطلقا.
ويضعف الأول: بأنه قد يتيسر جميع الجهات فيدل على عدم وجوب جهة
خاصة.
والثاني: بأن اختصاص السؤال لا يخصص عموم الجواب.
والثالث: بأن هذا التخصيص غير جائز، لايجابه خروج غير الواحد،
فالتعارض متحقق، والحمل على الاستحباب متعين، والاحتياط سبيل النجاة.
وأن يكون الغسل تحت الظلال لا في الفضاء، بالاجماع، كما عن المحقق
والشهيدين (4)، لصحيحة علي (5) وخبر طلحة (6).
ومنها: تغسيله عاريا مستور العورة، كما صرح به الصدوق في الهداية،

(1) التهذيب 1: 298 / 871، الوسائل 2: 491 أبواب غسل الميت ب 5 ح 2.
(2) المنتهى 1: 428، جامع المقاصد 1: 374، الحبل المتين: 62.
(3) المبسوط 1: 77، الدروس 1: 105، المسالك 1: 13.
(4) المعتبر 1: 275، الذكرى: 45، الروض: 101.
(5) الكافي 3: 142 الجنائز ب 18 ح 6، الفقيه 1: 86 / 400، التهذيب 1: 431 / 1379 الوسائل
2: 538 أبواب غسل الميت ب. 3 ح 1.
(6) التهذيب 1: 432 / 1380، الوسائل 2: 539 أبواب غسل الميت ب. 3 ح 2.
147

والشيخ في الخلاف (1)، بل الظاهر عدم الخلاف فيه، وهو الدليل عليه، مضافا
إلى قوله في خبر يونس، المتقدم (2): " فإن كان عليه قميص " إلى آخره.
نعم، وقع الخلاف في أن الأفضل هل هو ستر العورة بالقميص - إن كان
له - بأن يجمعه من الفوق والتحت عليها، أو نزعه وسترها بغيره؟
والحق هو الأول، وفاقا لصريح الصدوق (3)، بل أكثر الثالثة (4) كما في
اللوامع، بل الأكثر مطلقا كما عن الروضة (5)، ونسب إلى العماني (6)، وفيه نظر (7).
لما مر من خبر يونس، وللصحاح الثلاث لأبناء مسكان وخالد ويقطين (8):
في الأولى: قلت: يكون عليه ثوب إذا غسل؟ قال: " إن استطعت أن
يكون عليه قميص فغسله من تحته " وقريب منه في الثانية.
وفي الثالثة: " ولا تغسلوه إلا في قميص يدخل رجل يده ويصب عليه من
فوقه ".
ومقتضى الحقيقة في الأولى والأخيرة وإن كان الوجوب، إلا أن عدم القول
به، بل الاجماع على التخيير بين الأمرين - كما صرح به في الخلاف (9) - مضافا إلى
الرضوي المنجبر بذلك: " وتنزع قميصه من. تحته أو تتركه عليه إلى أن تفرغ عن

(1) الهداية: 24، الخلاف 1: 692.
(2) في ص 136.
(س) الفقيه 1: 90، الهداية: 24.
(4) منهم صاحب المدارك 2: 88، والمجلسي في بحار الأنوار 78: 293، وصاحب الرياض 1: 55.
(5) الروضة 1: 127.
(6) قال العلامة في المختلف: 43 المشهور أنه ينبغي أن ينزع القميص عن الميت ثم يترك على عورته
ما يسترها واجبا ثم يغسله الغاسل. وقال ابن أبي عقيل: السنة في غسل الميت أن يغسل في قميص
نظيف.
(7) بالتأمل في الكلام الذي نقله عنه في المختلف.
(8) تقدم مصدر الأوليين في ص 135، 134 والثالثة رواها في التهذيب 1: 446 / 1444، الإستبصار 1:
208 / 731، الوسائل 2: 483 أبواب غسل الميت ب 2 ح 7.
(9) الخلاف 1: 692.
148

غسله لتستر به عورته، وإن لم يكن عليه القميص ألقيت على عورته شيئا مما يستر
عورته " (1) الخبر، أوجب الصرف.
وخلافا للمنتهى، وعن المفيد، والنهاية، والمبسوط (2) فعكسا، بل عن
المختلف نسبته إلى الأكثر (3)، لأنه أبلغ للتطهير، ولموثقة الساباطي: عن غسل
الميت، فقال: " تبدأ فتطرح على سؤته خرقة؟ (4) الحديث.
وروايتي ابن عبيد وحريز، المتقدمتين (5).
ورواية أم أنس: " فإذا أردت غسلها فابدئي بسفليها فالقي على عورتها ثوبا
ستيرا " (6) الحديث.
ويضعف الأول: بعدم صلاحيته لتأسيس حكم.
والبواقي: بأنها أعم من أن يكون عليه القميص أولا، فيخصص بما مر
لكونه أخص، مع أنه صرح بذلك في الرضوي كما مر (7)، بل لنا أن نقول بأعمية
الخرقة والثوب من القميص.
وللخلاف، فخير بين الأمرين، لدعوى الاجماع فيه عليه (8)، وللجمع بين
الأخبار، ولحسنة الحلبي: " فاجعل بينك وبينه ثوبا يستر عورته إما قميصا أو
غيره " (9).

(1) فقه الرضا: 166، المستدرك 2: 167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.
(2) المنتهى 1: 428، المقنعة: 76، النهاية: 33، المبسوط 1: 178.
(3) المختلف: 3، وفيه ما تقدم نقله فراجع.
(4) التهذيب 1: 305 / 887، الوسائل 2: 84، أبواب غسل الميت ب 2 ح 10.
(5) المتقدمتين في ص 139.
(6) التهذيب 1: 302 / 880، الإستبصار 1: 207 / 728، الوسائل 2: 492 أبواب غسل الميت
ب 6 ح 3.
(7) في ص 148.
(8) الخلاف 1: 692.
(9) تقدم مصدرها في ص 135.
149

ويرد الأول: بأن الجمع بالتخصيص مقدم قطعا. والثانيان: بأنهما لا
ينافيان أفضلية أحد الفردين.
وللمنقول عن ابن حمزة، فأوجب النزع (1). ولم نعثر له على حجة تامة.
هذا وقد اشتبهت المسألة على بعض متأخري المتأخرين (2)، وحمل الغسل
في القميص على اشتماله على جملة البدن - كما هو مذهب الشافعي (3) - واختار
استحبابه وجعل الغسل عاريا مقابلا له ولوضع الخرقة، وجوز جمع القميص
أيضا. واحتج لما اختاره: بفعل الوصي بالنبي، وأخبار الغسل في القميص.
وهو غفلة عن المراد، والغسل في القميص الوارد في الأخبار أعم منه ومن
جمعه على العورة، فيجب الحمل عليه، لخبر يونس والرضوي.
مع أن فعل الوصي لعله كان مختصا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل
هو المستفاد من المروي في الطرف لابن طاووس، ومصباح الأنوار: قال علي (عليه
السلام): " غسلت رسول (الله صلى الله عليه وآله وسلم) أنا وحدي وهو في قميصه،
فذهبت أنزع منه القميص، فقال جبرئيل: يا علي لا تجرد أخاك فإن الله لم
يجرده " (4).
وفي دعائم الاسلام: " فلما أخذت في غسله سمعت قائلا من جانب البيت
يقول: لا تنزع القميص منه، فغسلته في قميصه " (5).
ثم إن مع الغسل في القميص يستجب نزعه من تحته بعد فتقه، لصحيحة
ابن سنان، المروية في الكافي، وفيها بعد ذكر الشد بالخرقة: " ثم تخرق القميص

(1) نقله عنه في جامع المقاصد 1: 375.
(2) لعل المراد منه صاحب الحدائق 3: 448.
(3) الأم 1: 265.
(4) الطرف: 48، ورواه في بحار الأنوار 78: 305 عنه وعن مصباح الأنوار.
(5) دعائم الاسلام 1: 227.
150

إذا غسل وتنزع من رجليه " (1) الحديث. ولضعف الرواية (2) لا تنتهض حجة على
الفتق إذا لم يأذن الورثة، ولذا استثناه الأكثر.
وهل يحتاج القميص أو الخرقة الملقاة بعد النزع إلى التطهير أم لا؟
صرح جماعة (3) بأن الظاهر من الاطلاقات طهره بماء الغسل وإن لم يعصر.
ولم يظهر لي وجه الظهور منها، ولعله لأنه لولاه لزم تنجس بدن الميت
بملاقاته قبل تمام الغسل مع لزوم إزالته قبل الغسل وبعد الغسل، مع أنه لو كان
كذلك لأمر بتطهيره.
ويرد: بأن وجوب تقديم إزالة مثل تلك النجاسة على الغسل أيضا بالاجماع
المركب غير ثابت، بل لا يجب تقديمه على غسل الموضع أيضا، فإنه يطهر عن
الحدث والخبث بماء واحد. والتنجيس بعد الغسل لا يلزم الأمر بالتطهير في تلك
الأخبار، لأنه يعلم من الخارج.
إلا أن توقف تطهير كل ثوب عن كل نجاسة على العصر إنما هو بالاجماع
المركب المعلوم انتفاؤه في المورد، فهو الدليل على عدم الحاجة إلى العصر دون
الاطلاقات.
ومنها: تليين أصابعه ومفاصله برفق - إلا مع التعسر - بالاجماع، كما عن
الخلاف والمعتبر (4)، له، ولخبر الكاهلي، المتقدم (5)، والرضوي: " ولين مفاصله "
إلى أن قال: " وتليين أصابعه ومفاصله ما قدرت بالرفق، لأن كان صعب عليك
فدعها " (6).

(1) الكافي 3: 144 الجنائز ب 19 ح 9، الوسائل 3: 8 أبواب التكفين ب 2 ح 8.
(2) يريد به ضعف الرواية من حيث الدلالة يحتمل وقوع تصحيف في العبارة والصحيح: ولضعف
الدلالة...
(3) صرح به في الذكرى: 44 وجامع المقاصد 1: 375، والمدارك 2: 88.
(4) الخلاف 1: 691، المعتبر 1: 272.
(5) في ص 135.
(6) فقه الرضا: 165، المستدرك 2: 167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 2.
151

مقدما على غسل الفرج؟ لدلالة الخبرين عليه، قبل غسل اليدين أو معه
أو بعده.
ولا ينافيه النهي عن غمز المفصل في حسنة حمران (1)، وتكريهه في خبر
طلحة (2)، لجواز كون التليين غير الغمز لاشتماله على العنف دونه، مع أن المنهي
عنه مطلقه والمأمور به مع الوفق، فيحمل المطلق على المقيد لو لم يتغايرا كليا. وربما
حمل على ما بعد الغسل، وفيه بعد، إلا أن إرادة أثناء الغسل ممكنة، والتليين
قبله.
وعن العماني المنع منه (3)، ولكن فتواه مضمون الخبر، فيجري فيه ما مر.
ومنها: غسل كفيه، بالاجماع المحكي عن الغنية (4)، له، ولقوله في حسنة
الحلبي، المتقدمة (5): " ثم يبدأ بكفيه " ورواية ابن خثيمة. (6) وفيها: " يبدأ فيغسل
يديه، ثم يوضئه وضوء الصلاة " (7) الحديث.
من رؤوس الأصابع إلى نصف الذراع، كما في الدروس وشرح القواعد
والمدارك (8)، لخبر يونس، المتقدم (9)، والرضوي: " يبدأ بغسل اليدين إلى نصف

(1) التهذيب 1: 447 / 1445، الإستبصار 1: 205 / 723، الوسائل 2: 497 أبواب غسل الميت
ب 9 ح 1.
(2) الكافي 3: 156 الجنائز ب 27 ح 3، التهذيب 1: 323 / 941، الوسائل 2: 500 أبواب غسل
الميت ب 11 ح 4.
(3) نقل عنه في المختلف: 42.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 563.
(5) في ص 135.
(6) في جمع المصادر أبي خيثمة.
(7) التهذيب 1: 303 / 883، الإستبصار 1: 207 / 730، الوسائل 2: 2 492 أبواب غسل الميت
ب 6 ح 4.
(8) الدروس 1: 106، جامع المقاصد 1: 376، المدارك 2: 90.
(9) في ص 136.
152

المرفقين ثلاثا ثلاثا، ثم الفرج ثلاثا " (1) الخبر.
ولا ينافيه التعبير في سابقه باليدين؟ للعموم، ولا بالكفين، لاحتماله. مع
أن استحباب شئ لا ينافي استحباب الزائد.
ثلاثا، كما في الكتب الثلاثة المتقدمة (2)، وعن الاقتصاد، والمصباح،
ومختصره، والسرائر (3)، والفقيه، ورسالة والده (4)، للخبرين المذكورين.
بماء السدر، كما صرح به في الفقيه والرسالة (5)، لذلك.
مقدما على غسل الفرج، كما في الأخير (6)، للخبرين، فإنهما مصرحان
بذلك.
ولا يعاوضهما قوله في رواية الكاهلي: " ثم ابدأ بفرجه " لأنها - مع أن بإزائها
الروايات المصرحة بالبدأة باليدين - ظاهرة في أن المراد البدأة بالإضافة إلى ما ذكر
فيها، مع أنها أعم مما إذا غسل اليدين أولا، فتحمل على المقيدين.
ومنها: غسل فرجيه إن لم يعلم فيهما نجاسة، وإلا وجب كما مر، لأخبار
يونس (7)، وابن عبيد وحريز (8).
ثلاثا، للرضوي المتقدم (9)، وفيه أيضا - بعد غسل اليدين -: " ويلف
غاسله على يده خرقة، ويصب غيره الماء من فوق يديه، ثم تضجعه " إلى أن
قال: " وتغسل قبله ودبره بثلاث حميديات، ولا يقطع الماء عنه، ثم تغسل رأسه

(1) فقه الرضا: 181، المستدرك 2: 167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.
(2) في ص 152.
(3) الإقتصاد: 248، مصباح المتهجد: 18، السرائر 1: 162.
(4) الفقيه 1: 90، ونقله في الهداية: 24 عن رسالة والده.
(5) راجع الرقم 4.
(6) الهداية: 24 نقلا عن والده.
(7) المتقدم في ص 136.
(8) المتقدمين في ص 139.
(9) في ص 152.
153

ولحيته برغوة السدر، وتتبعه بثلاث جريات (1)، ولا تقعده إن صعب عليك، ثم
اقلبه على جنبه الأيسر " الخبر.
ولقوله في رواية الكاهلي، المتقدمة (2): " ثم ابدأ بفرجه بماء السدر
والحرض، واغسله ثلاث غسلات، وأكثر من الماء ".
مكثرا عليه الماء، كما عن النهاية، والمبسوط، وفي المنتهى (3)، لتلك
الرواية.
بماء الحرض - أي الأشنان - كما في رسالة الصدوق (4)، والنافع، وعن
المقنعة، والاقتصاد، والمصباح ومختصره، والمواسم، والسرائر (5). بل مع إضافة
السدر كما في المنتهى، والقواعد، وعن النهاية، والمبسوط (6)، والوسيلة، والمهذب،
والشرائع، والجامع (7)، للرواية. المذكورة.
ونفي اشتمالها على الحرض - كبعض مشايخنا (8) - غير صحيح.
مقدما على الوضوء كما يأتي.
ومنها: إعادة غسل اليدين والفرجين ثلاثا في كل غسلة، إلا أنهما يغسلان
في الثانية بماء الكافور، وفي الثالثة بالقراح.
لروايتي الكاهلي ويونس، السابقتين، والرضوي، وفيه بعد قوله: " ثم

(1) في المصدر: حميديات.
(2) في ص 135.
(3) النهاية: 34، المبسوط 1: 178، المنتهى 1: 428.
(4) يعني بها رسالة علي بن بابويه إلى ابنه الصدوق، كما نقل عنها في الهداية: 24.
(5) النافع: 12، المقنعة: 76، الإقتصاد: 248، مصباح المتهجد: 18، المراسم: 48، السرائر 1:
162.
(1) المنتهى 1: 428، القواعد 1: 18، النهاية: 34، المبسوط 1: 178.
(7) الوسيلة: 64، المهذب 1: 58، الشرائع 1: 39، الجامع: 51.
(8) الرياض 1: 55 قال: ولم أقف على مستندهما سوى رواية الكاهلي، وليس فيها إلا غسله بالسدر
خاصة.
154

الفرج ثلاثا، ثم الرأس ثلاثا، ثم الجانب الأيمن ثلاثا، ثم الجانب الأيسر ثلاثا
بالماء والسدر ": " ثم تغسله مرة أخرى بالماء والكافور على هذه الصفة، ثم بالماء
القراح مرة ثالثة، فيكون الغسل ثلاث مرات كل مرة خمس عشرة صبة " (1).
ومنها: توضئته وضوء الصلاة في الغسلة الأولى، وفاقا للمنتهى،
والقواعد، وشرحه، والنافع (2)، وظاهر الشرائع (3)، وصريح اللوامع، وعن
المفيد، والاستبصار والمصباح، ومختصره، والمهذب (4)، والجامع، والمختلف،
والذكرى (5)، بل للمشهور بين المتأخرين كما في الحدائق (6)، بل مطلقا كما في كفاية
الأحكام (7) واللوامع.
لعموم: " في كل غسل وضوء إلا غسل الجنابة " (8).
وخصوص روايات ابن عبيد وحريز وابني عمار وخثيمة المتقدمة (9).
والمروي في الدعائم: " يبدأ فيوضئه كوضوء الصلاة " (10).
ورواية أم أنس وفيها - بعد غسل الفرج -: " ثم وضئيها بماء فيه سدر " (11)
الحديث.

(1) فقه الرضا: 180، المستدرك 2: 167 أبواب غسل الميت ب 2: 3.
(2) المنتهى 1: 430، القواعد 1: 18، جامع المقاصد 1: 376، النافع: 12.
(3) الشرائع 1: 38 قال: وفي وضوء الميت تردد والأشبه أنه لا يجب.
(4) المقنعة: 76، الإستبصار 1: 208، مصباح المتهجد: 18، المهذب 1: 58.
(5) الجامع: 51، المختلف 1: 42، الذكرى: 45.
(6) الحدائق 3: 445.
(7) كفاية الأحكام: 6.
(8) انظر الوسائل 2: 248 أبواب الجنابة ب 35.
(9) في ص 139، 152.
(10) دعائم الاسلام 1: 230، المستدرك 2: 167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 2.
(11) التهذيب 1: 302 / 880، الإستبصار 1: 207 / 728، الوسائل 2: 492 أبواب غسل الميت
ب 6 ح 3.
155

ومقتضى الأمر في الأخيرة وإن كان الوجوب - كما عن صريح النزهة (1)
والحلبي (2)، ونسب إلى الإستبصار (3)، والمحقق الطوسي (4) ويحتمله كلام المقنعة
والمهذب (5)، وجعله الشيخ في النهاية أحوط (6) - إلا أن تعقيب الأمر بماء السدر
الغير الواجب اجماعا يمنع من الابقاء على الحقيقة.
مضافا إلى إشعار خلو صحيحة ابن يقطين: عن غسل الميت أفيه وضوء
الصلاة أم لا؟ فقال: " يبدأ بمرافقه فيغسل بالحرض، ثم يغسل وجهه ورأسه
بالسدر، ثم يفاض عليه الماء ثلاث مرات " (7) الحديث، عنه مع السؤال عنه، بل
أمره بغيره من المستحبات.
بل ربما يجعل في ذلك مع عدم التمكن من التصريح - لاطباق العامة على
الوضوء كما في المنتهى (8) - إشعار بعدم الاستحباب أيضا، كخلو المعتبرة الواردة في

(1) نزهة الناظر: 11 قال: ومنهم من قال بوجوبه وهو الصحيح م.
(2) قال في الكافي: 134: وصفته أن يبدأ الغاسل فينجي الميت ويوضئه وضوء الصلاة... ولا يخفى
عدم صراحته في الوجوب، نعم هو ظاهر فيه، وقد نسبه في كشف اللثام 1: 114 إلى ظاهر الكافي
كما نسبه إلى صريح النزهة، فالمحتمل أن تكون العبارة الأصلية: وظاهر الحلي وسقط: " وظاهر "
من النساخ.
(3) نسبه في المنتهى 1: 430، وكشف اللثام 1: 114، وقال في مفتاح الكرامة 1: 433 حكاه جماعة
عن الاستبصار والموجود فيه خلافه، وانظر الاستبصار 1: 208.
(4) كذلك قال في كشف اللثام 1: 114: حكي عن المحقق الطوسي، ولم نعثر على مصدره ولا
الحاكي.
(5) المقنعة: 76 وفيه: ثم يوضئ الميت...، المهذب 1: 58 وفيه: ويوضئ الميت، قال في كشف
اللثام بعد نقلهما: وهو يحتمل الوجوب والاستحباب.
(6) النهاية: 35.
(7) التهذيب 1: 446 / 1444، الإستبصار 1: 208 / 731، الوسائل 2: 483 أبواب غسل الميت
ب 2 ح 7.
(8) المنتهى 1: 430 قال: وأطبق الجمهور على الوضوء وفي بداية المجتهد 1: 236: قال أبو
حنيفة: لا يوضأ الميت وقال الشافعي يوضأ وقال مالك إن وضئ فحسن، وفي بدائع الصنائع
للكاساني الحنفي 1: 300: ثم يوضأ وضوءه للصلاة...
156

البيان مع تضمن كثير منها المستحبات، فيكون حراما كما عن الخلاف، وظاهر
السرائر، ومحتمل كلام الديلمي (1).
واستقر به بعض متأخري المتأخرين (2) تمسكا بما ذكر، وتشبيه غسل الميت
في المستفيضة بغسل الجنابة.
ويضعف: بعدم صلاحية الاشعار لمعارضة صريح المستفيضة من
الأخبار. مع أن في الاشعار أيضا نظرا، إذ يمكن أن يكون عدم التعرض له مع
السؤال - الظاهر في الاستفسار عن الوجوب - لمنع التقية عن التصريح
بالاستحباب، والاغراء بالوجوب بدونه، فيعدل إلى ما لا يعلم استحبابه
ووجوبه. ومنه يظهر سر خلو كثير من الأخبار أيضا.
وأما التشبيه فلا يفيد العموم، كما مر مرارا.
وينبغي أن يكون مؤخرا عن غسل الفرج، لروايتي حريز وأم أنس (3). وبماء
فيه سدر، للأخيرة.
ومنها: غسل رأسه برغوة السدر أمام الغسل. لا لخبر يونس (4)، لعدم
صراحته في خروج ذلك عن الغسل. بل للرضوي (5) المتقدم (6)، حيث إن الأمر
باتباع ثلاث جريات للغسل بالرغوة منضما مع ما تقدم من قوله: إن في غسل
الرأس في كل مرة ثلاث صبات (7) - بل على عدم استحباب الزيادة إجماع الأمة -
يدل على أن السابق عن الغسل خارج.

(1) الخلاف 1: 693، السرائر 1: 159، المراسم: 48 قال: وفي أصحابنا من قال يوضأ الميت وما كان
شيخنا - رضي الله عنه - يرى ذلك وجوبا.
(2) انظر الحدائق 3: 447.
(3) تقدم مصدرهما في ص 139، 131.
(4) المتقدم في ص 136.
(5) في " ق " زيادة: المنجبر.
(6) في ص 153.
(7) تقدم مضمونه في ص 154.
157

ويشعر به صحيحة ابن يقطين ورواية ابن عمار، المتقدمتان (1). بل هما
تشعران بتقديم غسل سائر الجسد به أيضا، كما صرح به في النافع، وعن التذكرة
ونهاية الإحكام (2). وهو مع ما عن المعتبر (3) من دعوى اتفاق فقهاء أهل البيت
عليه وعلى غسل الرأس بها كاف في اثبات استحبابه.
ومنها: البداة في غسل الرأس بشقه الأيمن إجماعا، كما عن المعتبر
والتذكرة، لرواية الكاهلي (4)، وخبر الفضل: " تبدأ بميامنه " (5). وبعمومه يثبت
ذلك في غسل الرأس المستحب أيضا كما عن النفلية، (6).
وكذا يستحب في غسل كل من الجانبين إضافة شق من الرأس ثلاثة،
للأمر به في خبري الكاهلي ويونس (7)، المتعين حمله على الاستحباب، لعدم القول
بالوجوب.
ومنها: التثليث في كل غسل الرأس والجانبين في كل من الغسلات
الثلاث، بالاجماع عن الكتابين (8)، وفي اللوامع، له، وللخبرين المذكورين،
والرضوي المذكور، فيصير عدد الغسلات في كل غسل تسعا، ومع الست
المستحبة المتقدمة لليدين والفرجين خمس عشر، وفي الأغسال الثلاثة خمسا
وأربعين، ولو جعلت اليدان عضوين وكذلك الفرجان زادت في كل غسل ستا.

(1) في ص 139، 147.
(2) النافع: 12، التذكرة 1: 38، نهاية الإحكام 2: 223.
(3) المعتبر 1: 273.
(4) المتقدمة في ص 135.
(5) التهذيب 1: 446 / 1442، الإستبصار 1: 206 / 724، الوسائل 2: 484 أبواب غسل الميت
ب 2 ح 9.
(6) النقلية: 10 قال: يستحب فيه توجيه الميت إلى القبلة... وغسل رأسه برغوة السدر والبداة بشقه
الأيمن.
(7) المتقدمين في ص ه 13، 136.
(8) المتقدمين وهما: المعتبر 1: 273. والتذكرة 1: 38.
158

ومنها: مسح بطنه في الغسلين الأولين قبلهما، بالاجماع كما عن المعتبر،
لخبري يونس، والكاهلي، وغيرهما.
إلا في الحامل التي مات ولدها، فيكره كما عن صريح الوسيلة، والجامع،
وفي المنتهى، والقواعد (1)، واللوامع، حذرا من الاجهاض (2)، لخبر أم أنس: " إذا
توفيت المرأة فأرادوا أن يغسلوها فليبدأوا ببطنها فليمسح مسحا رفيقا إن لم تكن
حبلى، فإن كانت حبلى فلا تحركيها " (3).
ولا يستحب في. الثالثة مطلقا، اتفاقا كما عن المعتبر، والتذكرة والذكرى (4)،
وظاهر نهاية الإحكام (5)، للأصل، وخلو الأخبار البيانية عنه.
وصريح الرضوي: " ولا تمسح بطنه في ثالثة ". ومقتضاه كراهته، وهو
كذلك كما في اللوامع، وعن الخلاف، والوسيلة، والجامع، والذكرى،
والدروس (6).
ويستحب أن يكون المسح برفق، كما في الخبرين، ورواية أم أنس. بل
يستحب الرفق بالميت حال الغسل مطلقا، كما في المنتهى (7)، واللوامع، لحسنة
حمران: (إذا غسلتم الميت منكم فارفقوا به ولا تعصروه، (8).

(1) الوسيلة: 65، الجامع: 51 وفيه: ويكره... وغمز بطن الحبلى، المنتهى 1: 430، القواعد
1: 18.
(2) وهو اسقاط المرأة ولدها.
(3) التهذيب 1: 302 / 880، الإستبصار 1: 207 / 728، الوسائل 2: 492 أبواب غسل الميت
ب 6 ح 3.
(4) المعتبر 1: 273، التذكرة 1: 39، الذكرى: 45.
(5) نهاية الإحكام 2: 225 قال: ويستحب مسح بطنه في الغسلتين الأولتين قبلهما رفيقا.
(6) الخلاف 1: 695، 696، الوسيلة: 65، الجامع: 51، الذكرى: 45، الدروس 1: 106.
(7) المنتهى 1: 428.
(8) التهذيب 1: 447 / 1445، الإستبصار 1: 205 / 723، الوسائل 2: 497 أبواب غسل الميت
ب 9 ح 1.
159

وصحيحة النواء: " إذا غسلت ميتا فارفق به ولا تعصره " (1).
ومنها: حشو الدبر بالقطن، كما عن الخلاف (2)، والإسكافي (3)، والجامع (4)
والفقيه، والكافي، والمبسوط، والوسيلة (5)، وفي الشرائع، والقواعد،
والمنتهى (6)، وغيره، بل عن الخلاف الاجماع عليه (7)، وعن المعتبر حكايته عن
المعظم (8).
لقوله في خبر يونس: " ثم نشفه بثوب طاهر، واعمد إلى قطن فذر عليه شيئا
من حنوطه وضعه على فرجه قبل ودبر، واحش القطن في دبره لئلا يخرج منه
شئ " (9).
وفي المضمر: " ويضع لها القطن أكثر مما يضع للرجال، ويحشى القبل
والدبر بالقطن والحنوط " (10)
وفي موثقة الساباطي: " وتدخل في مقعدته من القطن ما دخل " (11).
والرضوي: " يأخذ شيئا من القطن ويجعل عليه حنوطا ويحشو به دبره " (12).

(1) التهذيب 1: 445 / 1441، الإستبصار 1: 205 / 722، الوسائل 2: 497 أبواب غسل الميت
ب 9 ح 2.
(2) الخلاف 1: 703.
(3) نقل عنه في المختلف 1: 45.
(4) الجامع: 54.
(5) الفقيه 1: 92، الكافي: 237، المبسوط 1: 179، الوسيلة: 66.
(6) الشرائع 1: 40، القواعد 1: 18، المنتهى 1: 439.
(7) الخلاف 1: 285.
(8) لم نعثر عليه في المعتبر.
(9) تقدم مصدر في ص 136.
(10) الكافي 3: 147 الجنائز ب 20 ح 2، التهذيب 1: 324 / 944، الوسائل 3: 11 أبواب
التكفين ب 2 ح 16.
(1 1) التهذيب 1: 305 / 887، الوسائل 2: 484 أبواب غسل الميت ب 2 ح 10.
(12) فقه الرضا: 168.
160

والمروي في الدعائم: " يجعل القطن في مقعدة الميت لئلا يبدو منه شئ،
يجعل منه على فرجه وبين رجليه " (1).
ومقتضى إطلاق الأخبار عدم التقييد بشئ، وصريح الكتب الثلاثة
الأخيرة وظاهر المحكي عن الثلاثة الأول: التقييد بخوف خروج شئ. والأظهر
الاطلاق.
وعن الحلي أنه منعه وقال: يوضع على حلقة دبره (2)، وهو ظاهر
الديلمي (3)، لمنافاة الحشو للحرمة. وهي ممنوعة.
ولتتمة موثقة الساباطي في التكفين: " ويجعل على مقعدته شيئا من
القطن " (4).
وهي لإرادة الحشو محتملة، لمجئ " على " للظرفية. مع أنه لولاها أيضا
فللحشو غير منافية، فيحتمل استحبابه أيضا، كما عن المقنعة (5) والمبسوط (6)
والمراسم، والوسيلة، والمصباح، ومختصره، والاصباح، والتحرير (7)، والشرائع،
والنافع، والقواعد (8)، فيستحب الأمران، كما هو ظاهر خبر يونس والدعائم
والمضمرة.
ومنه يظهر استحباب الوضع على القبل أيضا، بل فيه كما عن الإسكافي (9)،

(1) دعائم الاسلام 1: 232.
(2) السرائر 1: 164 قال: ويحشو القطن على حلقة الدبر وبعض أصحابنا يقول في كتابه له ويحشو القطن
في دبره، والأول أظهر لأنه يجنب الميت كل ما يجنبه الأحياء.
(3) المراسم: 49.
(،) راجع ص 160، ورواها في الوسائل 3: 33 أبواب التكفين ب 14 ح 4.
(5) المقنعة: 77 وفيه: يأخذ شيئا من القطن فيضع عليه شيئا من الذريرة ويجعله في مخرج النجو.
المبسوط 1: 179 وفيه: فيعمد إلى قطن ويذر عليه شيئا من الذريرة ويضعه على فرجيه قبله ودبره.
(7) المراسم: 49 وذكر نحو ما نقلناه عن المبسوط وكذلك في الوسيلة: 66 ومصباح المتهجد: 19
والتحرير: 18.
(8) الشرائع 1: 40، النافع: 13، القواعد: 18.
(9) نقل عنه في المختلف: 45.
161

لمرفوعة سهل: " ويوضع لها القطن أكثر مما يوضع للرجال، ويحشى القبل والدبر
بالقطن والحنوط " (1) الحديث.
ويستحب تحنط القطن أيضا كما ظهور من الأخبار.
ومنها: أن يدخل الماء المنحدر منه في حفيرة تجاه القبلة، فإن لم تكن هناك
حفيرة حفرت، لأنه ماء متقذر فيحفر له ليؤمن تعدي قذره. كذا في المعتبر (2)
ولحسنة ابن خالد (3) وصحيحته المتقدمة (4) في استقباله.
ومثلها البالوعة، لصحيحة الصفار: هل يجوز أن يغسل الميت وماؤه الذي
يصب عليه يدخل إلى بئر كنيف؟ فوقع عليه السلام: " يكون ذلك في
بلاليع " (5).
والرضوي: " لا يجوز أن يدخل ما ينصب على الميت من غسله في كنيف،
ولكن يجوز أن يدخل في بلاليع لا يبال فيها أو في حفيرة " (6).
واشتراط البالوعة بتعذر - الحفيرة - كما عن المبسوط، والنهاية، والوسيلة
والمهذب (7)، والتذكرة، ونهاية الإحكام (8) - خال عن وجه تام.
والمستفاد من الأخير (9): اشتراط عدم كون البالوعة معدة للبول. ومنه ومن

(1) هي نفس الرواية المتقدمة التي عبر عنها بالمضمرة فلاحظ.
(2) المعتبر 1: 278.
(3) الكافي 3: 127 الجنائز ب 11 ح 3، التهذيب 1: 286 / 835، الوسائل 2: 452 أبواب
الاحتضار ب 35 ح 2.
(4) في ص 146.
(5) الكافي 3: 150 الجنائز ب 23 ح 3، التهذيب 1: 431 / 1378، الوسائل 2: 538 أبواب
غسل الميت ب 29 ح 1.
(6) فقه الرضا: 167.
(7) المبسوط 1: 177، النهاية: 33، الوسيلة: 65، المهذب 1: 57.
(8) التذكرة 1: 38، نهاية الإحكام 2: 222.
(9) يني به الرضوي.
162

الثانية ما اشتهر بينهم - بل في شوح القواعد وعن الذكرى (1) الاجماع عليه - من
كراهة الصب في الكنيف المعد للبول أو الغائط. وعن الفقيه (2) عدم الجواز كما هو
ظاهر الأخير، ولكن ضعفه الخالي عن الجابر يمنع عن الفتوى به، مع احتماله
- كالفقيه - شدة الكراهة
ومنها: أن ينشف بعد الفراغ بثوب إجماعا، كما عن المعتبر، والتذكرة،
ونهاية الإحكام (3) للمستفيضة كخبر يونس، المتقدم (4)، وحسنة الحلبي وفيها:
(حتى إذا فرغت من تلك جعلته في ثوب ثم جففته) (5).
والرضوي: " فإذا فرغت من الغسلة الثالثة فاغسل يديك من المرفقين إلى
أطراف أصابعك، وألق عليه ثويا تنشف به الماء عنه " (6).
ومنها: أن يقف الغاسل عن يمينه، كما عن النهاية، والمصباح ومختصره،
والجمل والعقود (7)، والمهذب، والوسيلة، والسرائر، والجامع (8)، والشرائع،
والنافع، والغنية (9) مدعيا فيه الاجماع عليه. وهو فيه الحجة للمسامحة، مؤيدا
بعموم التيامن المندوب في الأخبار (10).
والاستدلال له بخبر عمار: (ولا يجعله بين رجليه في غسله، بل يقف من

(1) جامع المقاصد 1: 337، الذكرى: 45.
(2) الفقيه 1: 91.
(3) المعتبر 1: 277، التذكرة 1: 2 4، نهاية الإحكام 2: 227.
(4) في ص 136.
(5) الكافي 3: 138 الجنائز ب 18 ح 1، التهذيب 1: 299 / 874، الوسائل 2: 479 أبواب غسل
الميت ب 2 ح 3.
(6) فقه الرضا: 167، المستدرك 2: 167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.
(7) النهاية: 35، مصباح المتهجد: 18، الجمل والعقود (الرسال العشر): 165.
(8) المهذب 1: 57، الوسيلة: 64، السرائر 1: 166، الجامع: 52.
(9) الشرائع 1: 39، النافع: 12، الغنية (الجوامع الفقهية): 563.
(10) تقدم في مستحبات الوضوء 2: 161 نقل روايتين نبويتين دالتين على هذا المضمون فراجع.
163

جانبه " (1) غير جيد، لأنه أعم من المدعى.
نعم، هو يصلح دليلا لما عن المقنعة، والمبسوط، والمراسم، والمنتهى (2) من
الاقتصار على الوقوف على الجانب، ولما ذكره الأكثر، بل عن الغنية الاجماع عليه (3)
من كراهة جعله بين رجلي الغاسل.
ولعدم تعين كونه نهيا، واحتمال النفي لا يصلح لاثبات الزائد عن
الكراهة. مع أن الحرمة منفية بالاجماع وخبر ابن سيابة: " لا بأس أن تجعل الميت
بين رجليك وأن تقوم من فوقه فتغسله إذا قلبته يمينا وشمالا تضبطه برجليك " (4)
الحديث.
وأن يضع خرقة على يده اليسرى حال الغسل، لقوله في ذيل صحيحة ابن
مسكان: (أحب لمن غسل الميت أن يلف على يده الخرقة حتى يعسل) (5).
والرضوي: " وبلف الغاسل على يده خرقة " (6).
وأن يدعو بالمأثور، كما هو في الأخبار مذكور (7)، وعند الأصحاب مشهور.
وأن يغسل يديه بعد كل من الغسلين الأولين إلى المرفقين، كما عن
المهذب (8) وفي اللوامع، لخبر يونس (9).

(1) المعتبر 1: 277.
(2) المقنعة: 76، المبسوط 1: 178، المراسم: 49، المنتهى 1: 431.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 563.
(4) التهذيب 1: 447 / 1448، الإستبصار 1: 206 / 725، الوسائل 2: 543 أبواب غسل الميت
ب 33 ح 1.
(5) الكافي 3: 139 الجنائز ب 18 ح 2، التهذيب 1: 300 / 875، الوسائل 2: 479 أبواب غسل
الميت ب 2 ح 1.
(6) فقه الرضا: 166، المستدرك 2: 167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.
(7) انظر الوسائل 2: 494 أبواب غسل الميت ب 7.
(8) المهذب 1: 58.
(9) المتقدم في ص 136.
164

بل بعد الثالثة أيضا، كما في القواعد، وعن النهاية، والمبسوط،
والوسيلة (1)، والاصباح، والجامع، والشرائع (2)، لموثقة الساباطي، وفيها - بعد
ذكر الأغسال الثلاثة -: " نم تغسل يديك إلى المرافق ورجليك إلى الركبتين ثم
تكفنه " (3) الحديث. وللرضوي المتقدم.
بل مقتضى صحيحة ابن يقطين: (ثم يغسل الذي غسله يده قبل أن
يكفنه ثلاث مرات) (4): تثليث الغسل في الثالثة إلى المنكبين، ولا بأس به.
ويستحب غسل الإجانة بعد كل من الأوليين أيضا.
وأما المكروهات، فغير ما مر من إرسال الماء إلى الكنيف وجعل الميت بين
الرجلين ثلاثة:
الأول: إقعاد الميت إجماعا كما عن الخلاف (5)، لقوله في خبر الكاهلي (6):
(وإياك أن تقعده).
والمروي في الدعائم: " ولا يجلسه لأنه إذا أجلسه اندق ظهره " (7) ويؤيده
الأمر بالرفق كما مر.
وظاهر الأول وإن كان التحريم - كما عن ابني سعيد وزهرة (8) - إلا أن
اشتهار الجواز جدا بل الاجماع عليه كما عن المعتبر (9) ضعفه وأخرجه عن صلاحية

(1) القواعد 1: 18، النهاية: 35، المبسوط 1: 178، الوسيلة: 65.
(2) الجامع: 52، الشرائع 1: 39 وفيه: ويغسل الغاسل يديه مع كل غسلة.
(3) التهذيب 1: 305 / 887، الوسائل 2: 484 أبواب غسل الميت ب 2 ح 10.
(4) التهذيب 1: 446 / 1444، الإستبصار 1: 208 / 731، الوسائل 2: 483 أبواب غسل الميت
ب 2 ح 7.
(5) الخلاف 1: 693.
(6) المتقدم في ص 135.
(7) دعائم الاسلام 1: 230.
(8) الجامع: 51، الغنية (الجوامع الفقهية): 563.
(9) المعتبر 1: 277.
165

اثبات التحريم. فالقول به ضعيف.
كالتشكيك في الكراهة، كما هو ظاهر المعتبر، بناء على الأمر به في صحيحة
البقباق بقوله: (اقعده واغمز بطنه غمزا رفيقا) (1) ونحوه الرضوي (2).
لمعارضتها مع ما مر، وترجيحه بموافقتها العامة، لاتفاقهم على استحبابه
كما في النافع والمنتهى (3) وغيرهما. مع أن في دلالتها على الطلب كلاما لاحتمال
ورودها مورد توهم الحرمة.
الثاني: قص شئ من أظفاره، وتسريح شعره، أو نتفه وجزه، وحلقه،
وفاقا للأكثر، بل عليه الاجماع عن التذكرة، والمعتبر (4) وعلى حلق العانة في
المنتهى (5)، للمستفيضة:
كخبر غياث: " كره أمير المؤمنين عليه السلام أن يحلق عانة الميت إذا غسل،
أو يقلم له ظفر، أو يجز له شعر " (6).
وطلحة: " كره أن يقص من الميت ظفر، أو يقص له شعر، أو يحلق له
عانة، أو يغمز له مفصل " (7).
وابن أبي عمير: " لا يمس من الميت شعر ولا ظفر، وإن سقط منه شئ
فاجعله في كفنه، (8).

(1) التهذيب 1: 446 / 1442، الإستبصار 1: 205 / 724، الوسائل 2: 484 أبواب غسل الميت
ب 2 ح 9.
(2) فقه الرضا: 166.
(3) النافع: 12، المنتهي 1: 430، وفي المغني لابن قدامة 2: 318:، ويبدأ الغاسل فيحني الميت
حنيا رفيقا لا يبلغ به قريبا من الجلوس لأن في الجلوس أذية له، وفي المهذب في فقه الشافعي 1:
128: والمستحب أن يجلسه اجلاسا رفيقا ويمسح بطنه...
(4) التذكرة 1: 42، المعتبر: 278.
(5) المنتهى 1: 431.
(6) الكافي 3: 156 الجنائز ب 27 ح 2، 3، التهذيب 1: 323 / 941، الوسائل 2: 500 أبواب
غسل الميت ب 11 ح 2، 4.
(7) الكافي 3: 156 الجنائز ب 27 ح 2، 3، التهذيب 1: 323 / 941، الوسائل 2: 500 أبواب
غسل الميت ب 11 ح 2، 4.
(8) الكافي 3: 155 الجنائز ب 27 ح 1، التهذيب 1: 323 / 940، الوسائل 2: 500 أبواب غسل
الميت ب 11 ح 1.
166

والبصري: عن الميت يكون عليه الشعر يقص عنه ويقلم ظفره؟ قال:
" لا يمس منه شئ اغسله وادفنه " (1).
وأبي الجارود: عن الرجل يتوفى، أيقلم أظافيره وينتف إبطه وبحلق عانته إن
طال به المرض؟ قال: " لا " (2).
والرضوي: " ولا تقلمن أظافيره، ولا تقص شاربه، ولا شيئا من شعره،
فإن سقط منه شئ فاجعله في أكفانه " (3).
ولا دلالة في شئ منها على الحرمة؟ لأن الكراهة في الأولين أعم منها،
والبواقي لا يتضمن إلا الجملة الخبرية، وهي على إفادة الحرمة قاصرة. فالقول بها
في الظفر والشعر، كما عن ابني سعيد، وحمزة (4)، وفي المنتهى مدعيا عليه الاجماع
بقوله: قال علماؤنا لا يجوز قص شئ من شعر الميت ولا من ظفره ولا تسريح رأسه
ولا لحيته (5)، وفي الأول كما عن المقنعة، والمبسوط، والخلاف (6) مدعيا عليه
الاجماع في الأخير؟ ضعيف.
مع أن احتمال إرادتهم الكراهة قائم، فإن غير الأولين عبر بعدم الجواز،
واستعماله في نفي الإباحة شائع.
ويؤيده التصريح بالكراهة بعد ذلك ودعوى الاجماع عليها في الخلاف (7)،

(1) الكافي 3: 156 الجنائز ب 27 ح 4 بتفاوت يسير، التهذيب 1: 323 / 942، الوسائل 2: 500
أبواب غسل الميت ب 11 ح 3.
(2) الفقيه 1: 92 / 420، التهذيب 1: 323 / 943، الوسائل 2: 501 أبواب غسل الميت ب 11
ح 5.
(3) فقه الرضا: 167، المستدرك 2: 175 أبواب غسل الميت ب 11 ح 1.
(4) الجامع: 51، الوسيلة: 65.
(5) المنتهى 1: 431.
(6) المقنعة: 82، المبسوط 1: 181، الخلاف 1: 695.
(7) الخلاف 1: 695.
167

وليس في عطف البدعة على المكروه تنصيص على الحرمة إلا مع قصد الشرعية،
وهو كذلك البتة.
وقال في المنتهى بعدما نقلنا عنه: لا فرق بين أن تكون الأظفار طويلة أو
قصيرة، وبين أن يكون تحتها وسخ أو لا يكون، في كراهة القص (1) انتهى.
ومن يقول بإفادة الخبرية للتحريم يلزمه القول به هنا، لعدم معارض لها
سوى الخبرين المصرحين بالكراهة. وهي في العرف المتقدم أعم من الكراهة
المصطلحة. ودرج الغمز المكروه بالاصطلاح - إجماعا - في أحدهما لا يعين إرادة
الاصطلاحية، لجواز القدر المشترك. والاجماعات المحكية متعارضة، واحتمال
إرادة غير الظاهر في الطرفين قائم، وتضعيف المعارض بمخالفة المعظم، مع
موافقة هؤلاء الأجلة ودعوى الاجماع ولو بالاحتمال ضعيف، ورد الروايات مع أن
فيها ما صح عن ابن أبي عمير سخيف.
هذا، ويكره أيضا تنظيف ما تحت ظفره بالخلال من الوسخ، كما صرح به
في المنتهى (2) وغيره (3)، بل عليه الاجماع عن الشيخ (4)، ويدل عليه خبر الكاهلي:
" ولا تخلل أظافيره " (5).
وأما ختانه - لو لم يكن مختونا - فالظاهر تحريمه، كما نص عليه في المنتهى
مدعيا عليه الاجماع (6)، لأصالة عدم جواز قطع عضو، خرج الحي بالدليل فيبقى
الباقي.
ويؤيده الأمر بالرفق والنهي عن التعنيف في المستفيضة (7).

(1) المنتهى 1: 431.
(2) المنتهى 1: 430.
(3) كالدروس 1: 106.
(4) الخلاف 1: 695.
(5) تقدم مصدره في ص 135.
(6) المنتهى 1: 431.
(7) انظر الوسائل 2: 497 أبواب غسل الميت ب 9.
168

واستدل في المنتهى برواية البصري، المتقدمة (1)، وفيه خدشة.
الثالث: تغسيله بالماء المسخن بالنار بالاجماع كما في المنتهى (2)، لصحيحة
زرارة: (لا يسخن الماء للميت) (3).
ومرسلة ابن المغيرة: (لا يقرب الميت ماء حميما) (4).
وخبر يعقوب: " لا تسخن للميت الماء لا تعجل له بالنار " (5).
والرضوي: (لا تسخن له ماء إلا أن يكون باردا جدا فتوقي الميت مما توقي
به نفسك، ولا يكون الماء حارا شديدا وليكن فاترا) (6).
ومقتضى الأخير: استثناء حالة التعسر على الغاسل لشدة البرد. وهو
كذلك، كما ذكره الصدوقان (7) والشيخان (8).
ونفى في المنتهى الخلاف عن زوال الكراهية مع خوف الغاسل على
نفسه (9).
المقام الثالث: في الأحكام، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: ظاهر الأصحاب الاتفاق على وجوب التغسيل بالقراح فيما
إذا عدم الخليطان، للأمر به منفردا، وأصالة عدم التوقف والارتباط.

(1) في ص 167.
(2) المنتهى 1: 430.
(3) التهذيب 1: 2322 / 938، الوسائل 2: 498 أبواب غسل الميت ب 10 ح 1.
(4) التهذيب 1: 322 / 939، الوسائل 2: 99، أبواب غسل الميت ب 10 ح 2
(5) الكافي 3: 147 الجنائز ب 23 ح 2، التهذيب 1: 322 / 939، الوسائل 2: 99، أبواب غسل
الميت ب 10 ح 3.
(6) فقه الرضا: 167، المستدرك 2: 174 أبواب غسل الميت ب 10 ح 9.
(7) الفقيه 1: 86.
(8) المقنعة: 82، النهاية: 33.
(9) المنتهى 1: 430.
169

إنما الخلاف في وجوب غسلة واحدة به، كما في النافع والمدارك وشرح
الإرشاد للأردبيلي (1)، وعن المعتبر وظاهر الذكرى (2)، ومحتمل نهاية الشيخ
ومبسوطه (3).
أو ثلاث غسلات، كما في القواعد وشرحه واللوامع، وعن روض
الجنان (4)، ونسب إلى الحلي (5)، وكلامه في السرائر لا يعطي الوجوب حيث قال:
ولا بأس بتغسيله ثلاثا (6)، وتردد في الشرائع والمنتهى (7)، كما عن المختلف
والتحرير والنهاية والتذكرة (8) أيضا، وربما حكي عن الذكرى (9).
والأظهر هو الأول، للأصل، وضعف دليل الثاني وهو: الأمر بتغسيله بماء
وسدر، فالمأمور به شيئان متمايزان وإن امتزجا في الخارج، والأصل عدم الارتباط
والاشتراط فيهما لأن ورد الأمر بتغسيله بماء السدر الظاهر في وحدة المأمور به
أيضا، ولكن لم يستند في إيجاب الخليطين به خاصة حتى يرتفع الأمر بارتفاع
المضاف إليه.
والأمر بالغسلات الثلاث على نحو خاص، فيكون. مطلقها واجبا، ضرورة
استلزام وجوب المركب وجوب أجزائه.

(1) النافع: 12، المدارك 2: 84، مجمع الفائدة 1: 184.
(2) المعتبر 1: 266، الذكرى: 45 قال: لو عدم الخليط فظاهر الكلام الشيخ الاجزاء بالمرة وابن إدريس اعتبر ثلاثا والأول أوجه.
(3) النهاية: 43 قال: والميت إذا لم يوجد له كافور ولا سدر فلا بأس أن يغسل بالماء القراح ويقتصر عليه.
(4) القواعد 1: 18، جامع المقاصد 1: 732، روض الجنان: 99.
(5) نسب إليه في الذكرى: 45، والحدائق 3: 455.
(6) السرائر 1: 169.
(7) الشرائع 1: 38، المنتهى 1: 430.
(8) المختلف: 43، التحرير 1: 17، نهاية الإحكام 2: 225 وفيه: ولو تعذر السدر أو الكافور
أو هما فالأقوى عدم سقوط الغسلة لأن وجوب الخاص يستلزم وجوب المطلق، التذكرة 1: 39.
(9) حكاه في الحدائق 3: 455.
170

وعموم نحو قوله: (الميسور لا يسقط بالمعسور) (1).
ولزوم تحصيل اليقين بالبراءة.
ووجه الضعف: إما في الأول: إنه وإن ورد الأمر بالتغسيل بماء وسدر،
ولكن ورد الأمر بماء السدر أيضا، وقد عرفت تقييد الأول بالثاني (2)، وكان هو
الوجه في اشتراط إطلاق اسم ماء السدر، فيكون المأمور به هو الأمر الواحد.
وأما ما ذكره من أنه لم يستند في إيجاب الخليطين...، ففساده ظاهر؟ لأنه
وإن لم يستند به خاصة، ولكن قيد به الأول، وإلا فيكون مقتضاهما متعددا،
لاقتضاء الثاني صدق الإضافة دون الأول، فأما يعمل بهما معا، وهو باطل،
لايجابه وجوب صدقهما وعدمه، أو بأحدهما فيلزم التحكم، مع أنه يوجب عدم
لزوم صدق الإضافة وهذا القائل يوجبه.
بل لو انحصر الأمر بالتغسيل بماء وسدر أيضا لم يفد له؟ لأنه إنما يفيد له
لو كان المأمور به غسلين: أحدهما بماء والآخر بسدر، وليس كذلك، بل غسل
واحد بهما معا، فالمأمور به واحد مركب من شيئين، وثبت ارتباط أحدهما بالآخر
ولزوم التركيب والمزج بالشرع إجماعا ونصا، فلا تجري أصالة عدم الاشتراط
والارتباط.
وليس الامتزاج أمرا خارجا محضا، فهو في قوة قولنا: اغسل بهما معا حال
كونهما ممتزجين، فيكون الأمر بكل منهما أمرا تابعيا يتبع الأمر بالمجموع وإن ذكر
كل منهما منفردا، كالأمر بأفعال الوضوء والغسل، وإذا انتفى الأصل انتفى
التابع.
إن قيل: ذلك فرع اشتراط أحدهما بالآخر، والأصل ينفيه، إذ الأصل في
كل تكليف تعلق بشيئين أن لا يتوقف تعلقه بأحدهما على تعلقه بالآخر إلا ما

(1) غوالي اللآلي 4: 58 وفيه: (لا يترك الميسور بالمعسور).
(2) راجع ص 138.
171

أخرجه الدليل.
قلنا: الدليل المخرج في المسألة موجود، وهو ما يدل على عدم حصول
الاجتزاء والامتثال لو غسل بالماء وحده والسد وحده مع وجودهما.
وأما في الثاني: فلأن اللازم وجوب الجزء حين جزئيته لا مطلقا.
وأما في الثالث: فبعدم الدلالة، كما ذكرنا غير مرة.
وأما في الرابع: فبعدم تيقن الشغل حينئذ بغير الغسلة.
هذا، ولولا ظاهر الاجماع لأمكن القول بعدم وجوب الغسل أصلا، كما
احتمله بعض مشايخنا الأخباريين مدعيا استنباطه من بعض الأخبار؟ إذ لا أمر
بالقراح أيضا إلا بعد الخليطين المتعذرين (1).
ولو فقد أحد الخليطين وجب غسلتان، ووجهه ظاهر.
ولو وجد المفقود بعد الدفن لم تجب الإعادة قطعا، بل - كما قيل (2) - إجماعا،
لعموم حرمة النبش، وعدم انصراف عمومات وجوب الغسلات، إلى مثله.
ولو وجد قبله، فالظاهر أنه لا تجب الإعادة.
لا لتحقق الامتثال الموجب للاجزاء كما قيل (3)، إذ سقوط الوجوب عن شئ
للعذر غير تحقق الامتثال، فيتعلق الخطاب بعد زوال العذر.
والحاصل: أنه إن أريد تحقق امتثال الغسل بالماء فهو كذلك. وإن أريد
امتثال الغسل بالخليط فلم يمتثله، إذ لم يكن هناك أمر، فإذا زال العذر تعلق الأمر
ويلزمه إعادة القراح تحصيلا للترتيب.
بل لما مر من عدم الانصراف، ولأنه تحقق الامتثال بالقراح، ولا أمر
بالغسل بالخليط بعد القراح. والإعادة أحوط.
الثانية: لو لم يوجد الماء المطلق الطاهر، أو تعذر استعماله، وجب التيمم

(1) الحدائق 3: 457.
(2) وفي الرياض 1: 54 قيل للاجماع. ولم نعثر على قائله.
(3) المدارك 2: 84.
172

بلا خلاف بين علمائنا يعرف كما في المنتهى (1)، لظاهر الاجماع، وما دل على وجوب
تيمم المجدور بضميمة عدم القول بالفصل بين أفراد المعذور، وعموم بدلية
التيمم، الثابت بالرضوي المنجبر ضعفه بما مر: (اعلموا - رحمكم الله - أن التيمم
غسل المضطر " وقال أيضا: " وصفة التيمم للوضوء والجنابة وسائر أبواب الغسل
واحد " (2) الخبر. وغسل الميت من أبواب الغسل، وبعد ثبوت مشروعيته يكون
واجبا بالاجماع.
وصحيحة ابن أبي نجوان، المروية في الفقيه على ما في أكثر النسخ المضبوطة
منه - كما صرح به غير واحد (3) - في الجنب والمحدث والميت إذا حضرت الصلاة ولم
يكن معهم من الماء إلا بقدر ما يكفي أحدهم، قال: " يغتسل الجنب، ويدفن
الميت بتيمم، ويتيمم الذي عليه وضوء " (4) إلى آخره.
ولا يضر عدم وجود لفظ " بتيمم، في الرواية على ما في التهذيب (5)، ولذا لم
ينقله صاحبا الوسائل (6) والوافي (7) من الفقيه أيضا، واكتفيا على ما في التهذيب،
وأحالا نقل ما في الفقيه عليه.
ومن الأعذار الموجبة للتيمم: خوف التناثر من التغسيل بالاجماع، كما في

(1) المنتهى 1: 430.
(2) فقه الرضا: 88، المستدرك 2: 535 أبواب التيمم ب 9 ح 1، وفي نسخة من فقه الرضا: أسباب الغسل
بدل: أبواب الغسل.
(3) منهم الحدائق 3: 474.
(4) الفقيه 1: 59 / 222.
(5) التهذيب 1: 109 / 285.
(6) الوسائل 3: 375 أبواب التيمم ب 18 ح 1، ولا يخفى أن صاحب الوسائل نقل الرواية عن الفقيه
مع لفظ: بتيمم، ثم رواها عن الشيخ بقوله: محمد بن الحسن باسناده عن الصفار... عن رجل
حدثه قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام وذكر نحوه... " فالنسبة المذكورة إلى الوسائل
خطأ.
(7) الوافي 6: 570.
173

اللوامع والحدائق (1)، وعن الخلاف (2)، بل التهذيب (3)، وفيه نظر.
لخبر ابن خالد: مات صاحب لنا وهو مجدور، فإن غسلناه انسلخ، فقال:
" يمموه (4).
ولا ينافي خبره للآخر: عن رجل احترق بالنار فأمرهم (أن يصبوا عليه الماء
صبأ) (5) وخبر ضريس: " المجدور والكسير والذي به القروح يصب عليه الماء
صبا " (6).
لوجوب حملهما على صورة عدم الانسلاخ بالصب، لكونهما أعمين من
الأول من هذه الجهة.
، ويؤكد هذا الحمل الرضوي: (إن كان الميت مجدورا أو محترقا، فخشيت إن
مسسته سقط من جلوده شئ، فلا تمسه ولكن صب عليه الماء صبا، (7).
ولما ذكر من الاجماع والأخبار يترك أصالة عدم وجوب التيمم، واشعار
رواية ابن أبي نجران - على ما في التهذيب - في عدم وجوبه، مع ضعفها سندا
ومخالفتها لعمل الطائفة، الموجبة لخروجها عن عرصة الحجية.
ثم إنه هل يتعدد التيمم بتعدد الغسلات؟ كما عن النهاية (8) والثانيين (9)،
واختاره والدي رحمه الله؟ لتعدد المبدل منه فيتعدد البدل؟

(1) الحدائق 3: 471.
(2) الخلاف 1: 717.
لم نعثر فيه على دعوى لاجماع، ونسبه إليه في المدارك 2: 85 والحدائق 3: 472 ومفتاح الكرامة
1: 431.
(4) التهذيب 1: 333 / 977، 976، 975، الوسائل 2: 512 أبواب غسل الميت ب 16
ح 3، 2، 1 وروى الثاني في الكافي 3: 213 الجنائز ب 76 ح 6.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 4.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 4.
(7) فقه الرضا: 173، المستدرك 2 ج 181 أبواب غسل الميت ب 16 ح 1.
(8) نهاية الإحكام 2: 227 قال: وهل ييمم ثلاثا أو مرة؟ الأقرب الأول لأنه بدل عن ثلاثة أغسال،
ويحتمل الثاني لاتحاد غسل الميت.
(9) جامع المقاصد 1: 373، المسالك 1: 13.
174

أو يكفي الواحد؟ كما في المدارك مدعيا عليه القطع (1)، والقواعد مع
الاستشكال فيه (2)، ونسب إلى ظاهر الفتاوى (3).
الأظهر الثاني، للأصل، ومنع تعدد المبدل منه، بل هو شئ واحد كما
يظهر من الأخبار الواردة في جنب مات، أنه يغسل غسلا واحدا (4). ومنع كونه
بدلا عن كل واحد على فرض التعدد، بل المسلم بدليته عن المجموع.
ودلالة الرضوي (5) على التعدد - لو سلمت - لا تفيد، لخلوه عن الجابر في
هذا المورد.
ولو وجد الماء لغسلة واحدة مع وجود الخليط قدم السدر، وفاقا للثانيين (6)
والبيان (7)، للأمر به وعدم المسقط، دون القراح - كما عن الذكرى (8) - لقوته في
التطهير، لمنعها وعدم إيجابها للمطلوب. وتعلق الأمر به إنما هو بعد السدر قطعا.
ومنه يظهر أنه لو وجد لغسلتين قدم السدد والكافور. وعلى التقديرين
يتيمم للباقي مرة على الأحوط.
الثالثة: إذا مات الجنب أو الحائض أو النفساء كفى غسل الميت ولم يجب
غيره بالاجماع، كما في المنتهى (9)، واللوامع، وعن المحقق (1)، للأصل السالم عن
معارضة أخبار غسل الجنب وأخويه، لاختصاصها بالحي، وعدم شمول شئ

(1) المدارك 2: 85.
(2) القواعد 1: 18.
(3) نسبه في الرياض 1: 55.
(4) انظر الوسائل 2: 539 أبواب غسل الميت ب 31.
(5) المتقدم في ص 173.
(6) راجع ص 174.
(7) البيان: 71.
(8) الذكرى: 45.
(9) المنتهى 1: 432.
(10) لم نعثر منه على دعوى الاجماع صريحا، نعم قال في المعتبر 1: 274: وهو مذهب كثر أهل العلم.
175

منها المورد، لعدم ورود أمر بالتغسيل من الجنابة وأخويها أو وجوبه، وللتداخل
الثابت قهرا كما عرفت.
ولخصوص المستفيضة كصحيحة زرارة: ميت مات وهو جنب كيف يغسل
وما يجزئه من الماء؟ قال: " يغسل غسلا واحدا، يجزئ ذلك لغسل الجنابة ولغسل
الميت) (1).
وموثقة عمار: عن المرأة إذا ماتت في نفاسها كيف تغسل؟ قال: - " مثل غسل
الطاهر، وكذلك الحائض وكذلك الجنب إنما يغسل غسلا واحدا فقط، (2).
وقريب منهما خبرا أبي بصير (3)، وابن أبي حمزة (4)، والمروي في الدعائم: " من
مات وهو جنب أجزأ عنه غسل واحد، وكذلك الحائض " (5).
ورواية العيص: " إذا مات الميت وهو جنب غسل غسلا واحدا، ثم اغتسل
بعد ذلك " (6) أي الغاسل.
وأما رواية أخرى له: الرجل يموت وهو جنب، قال: " يغسل من الجنابة،
ثم يغسل بعد غسل الميت " (7) فلا تنافيها، لجواز قراءة " يغسل من الجنابة "
بالتخفيف، أي تزال نجاسته من الجنابة.
بل لا تنافيها الثالثة أيضا عنه: عن رجل مات وهو جنب، قال: " يغسل
غسلة واحدة بماء، ثم يغسل بعد ذلك، (8) والرابعة وهي كالأولى، إلا أن فيها
" يغسل " (9) مكان " اغتسل "، للتجويز المذكور فيهما أيضا. وذكر الوحدة لبيان كفاية

(1) الكافي 3: 154 الجنائز ب 25 ح 1، 2، التهذيب 1: 432 / 1384، 1382، الإستبصار 1:
194 / 680، الفقيه 1: 425 / 493 الوسائل 2: 539 أبواب غسل الميت ب 31 ح 1، 2.
(2) الكافي 3: 154 الجنائز ب 25 ح 1، 2، التهذيب 1: 432 / 1384، 1382، الإستبصار 1:
194 / 680، الفقيه 1: 425 / 493 الوسائل 2: 539 أبواب غسل الميت ب 31 ح 1، 2.
(3) التهذيب 1: 432 / 1385، 1383، الإستبصار 1: 194 / 681، 679، الوسائل 2: 540
أبواب غسل الميت ب 1 3 ح 4، 3.
(4) التهذيب 1: 432 / 1385، 1383، الإستبصار 1: 194 / 681، 679، الوسائل 2: 540
أبواب غسل الميت ب 1 3 ح 4، 3.
(5) دعائم الاسلام 1: 230، المستدرك 2: 193 أبواب غسل الميت ب 27 ح 1.
(6) التهذيب 1: 433 / 1389، الإستبصار 1: 195 / 685، الوسائل 2: 540 أبواب غسل الميت
ب 31 ح 5.
(7 - 9) التهذيب 1: 433 / 1387، 1386 1388، الإستبصار 1: 194 / 683، 682،
684، الوسائل 2: 541 أبواب غسل الميت ب 31 ح 7، 846.
176

غسلة واحدة للواجب من إزالة النجاسة والمستحب قبل غسل الميت، وإن كان
بعيدا. مع أنه لولاه لم تصلح لمعارضة ما مر، للمخالفة لعمل الكل، وللشهرة في
الرواية التي هي من المرجحات المنصوصة.
هذا كله، مضافا إلى أن الثابت انتفاؤه من الروايات الأولى ليس إلا
الوجوب، ولا يثبت من الثلاثة الأخيرة سوى الرجحان، فلا تعارض أصلا.
وهل يحكم بثبوت الرجحان، لذلك، كما في المنتهى وعن التهذيبين (1)؟
أولا، كما صرح به والدي (رحمه الله)، وعن المعتبر ناسبا له إلى أهل العلم (2)؟ لا
يبعد الأول، لما مر. ونفيه لعدم قائل به بعد تصريح الشيخ والفاضل غريب.
الرابعة: إذا خرجت منه نجاسة في أثناء الغسل أو بعده غسلت - إجماعا -
قبل الوضع في اللحد، وعلى الأصح بعده، إن أمكن بدون الاخراج الغير المجوز
بلا خلاف، وصح الغسل على الأصح الأشهر.
لقوله في خبر يونس: " وإن خرج معه شئ فأنقه " (3) في الأولين.
وللأصل، وحصول الامتثال، والرضوي: " فإن خرج منه شئ بعد الغسل
فلا تعد غسله، (4) في الثالث.
وللمستفيضة في الجميع، منها موثقة روح: " إن بدا من الميت شئ بعد
غسله فاغسل الذي بدا منه، ولا تعد الغسل " (5).
وخبر الكاهلي وابن مختار: عن الميت يخرج منه الشئ بعد ما فرغ من
غسله، قال: " يغسل ذلك ولا عليه الغسل " (6).

(1) المنتهى 1: 432، التهذيب 1: 433، الإستبصار 1: 195.
(2) المعتبر 1: 274.
(3) الكافي 3: 141 الجنائز ب 18 ح 5، التهذيب 1: 301 / 877، الوسائل 2: 480 أبواب غسل
الميت ب 2 ح 3.
(4) فقه الرضا: 169، المستدرك 2: 194 غسل الميت ب 28 ح 1.
(5) التهذيب 1: 449 / 1456، 1455، الوسائل 2: 542 أبواب غسل الميت ب 32 ح 1، 2.
(6) التهذيب 1: 449 / 1456، 1455، الوسائل 2: 542 أبواب غسل الميت ب 32 ح 1، 2.
177

ومرفوعة سهل: " إذا غسل الميت ثم حدث بعد الغسل فإنه يغسل الحدث
ولا يعاد الغسل " (1) وغير ذلك.
خلافا في الثاني لبعضهم، لاختصاص أخبار الغسل بما قبل الوضع. وهو
ممنوع إلا أن يريد عدم إمكان الغسل بعده، أو صورة عدم الامكان.
وفي الثالث للعماني (2)، فأوجب الإعادة إن كان قبل التكفين، لكون
الحدث ناقضا. وفيه: مع ناقضيته لذلك الغسل.
وأما بعد التكفين، فلا يجب اجماعا، لاستلزامه المشقة العظيمة. وعليه في
المنتهى إجماع أهل العلم كافة (3).
الخامسة: إذا مات في موضع لم يكن عنده إلا من لا يعلم كيفية الغسل،
يجب عليه التعلم ولو بالذهاب إلى موضع والرجوع، أو إرسال شخص يغسله،
أو ينقل الميت إلى موضع يمكن فيه غسله، على التفصيل الآتي في صلاة الميت في
نحو ذلك المقام.
البحث الثالث: في التكفين.
وهو واجب باجماع المسلمين بل الضرورة من الدين، وبه تواترت
الأخبار (4)، وعليه جرت الطائفة الاسلامية في الأعصار والأمصار.
ويستحب مؤكدا لكل مكلف إعداد كفنه وتهيئته، لما فيه من تذكر الموت.
وفي مرسلة محمد بن سنان: " من كان كفنه معه في بيت لم يكتب من
. الغافلين، وكان مأجورا كلما نظر إليه " (5).

(1) الكافي 3: 156 الجنائز ب 28 ح 2، الوسائل 2: 543 أبواب غسل الميت ب 32 ح 5.
(2) نقل عنه في المختلف: 43.
(3) المنتهى 1: 431.
(4) انظر الوسائل 3: 5 أبواب التكفين ب 1 وانظر ما أشار إليه في هامشها.
(5) الكافي 3: 256 الجنائز باب النوادر ح 23، التهذيب 1: 449 / 1452، الوسائل 3: 50
أبواب التكفين ب 27 ح 2.
178

وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الواجب من الكفن ثلاث قطع لا أزيد، اجماعا ونصا:
ففي حسنة الحلبي عن الصادق (عليه السلام): " كتب أبي في وصيته أن
أكفنه بثلاثة أثواب: أحدها رداء له حبرة كان يصلي فيها يوم الجمعة، وثوب آخر،
وقميص. فقلت لأبي: لم تكتب هذا؟ فقال: أخاف أن يغلبك الناس، فإن قالوا:
كفنه في أربعة أثواب أو خمسة فلا تفعل، عممني بعمامة وليس تعد العمامة من
الكفن، إنما يعد ما يلف به الجسد " (1).
ولا أقل، على الأصح الأشهر، بل عليه الاجماع عن الخلاف والغنية
والذكرى والمعتبر (2)، بل هو إجماع محققا، لعدم قدح مخالفة من شذ وندر (3).
فهو الحجة فيه مضافا إلى النصوص، كحسنة - زرارة ومحمد، على ما في
الكافي: العمامة للميت من الكفن؟. قال: " لا إنما الكفن المفروض ثلاثة أثواب
وثوب تام لا أقل منه يواري به جسده كله، فما زاد فهو سنة إلى أن يبلغ خمسة
أثواب، فما زاد فمبتدع، والعمامة سنة " (4).
واشتماله على الزائد على الثلاثة الغير الواجب بالاجماع لا يقدح في ايجاب
الثلاثة، مع أن كون الواو زائدة ممكنة، مضافا إلى أن في بعض نسخ التهذيب
هكذا: " ثلاثة أثواب تام " (5).

(1) الكافي 3: 144 الجنائز ب 19 ح 7، التهذيب 1: 293 / 857، الوسائل 3: 9 أبواب
التكفين ب 2 ح 10.
(2) الخلاف 1: 701، 702، الغنية (الجوامع الفقهية): 563، الذكرى: 46، المعتبر 1: 279.
(3) المراسم: 47 فاكتفى بواحد.
(4) الكافي 3: 144 الجنائز ب 19 ح 5، الوسائل 3: 6 أبواب التكفين ب 2 ح 2.
(5) التهذيب 1: 292 / 854 وفيه: " ثلاثة أثواب أو ثوب تام ". وفي الحدائق 4: 15 عن التهذيب:
" إنما الكفن المفروض ثلاثة له أثواب تام لا أقل منه ". وفي الحبل المتين: 66 ما لفظه: والنسخ في هذا
الحديث مختلفة ففي بعض نسخ التهذيب كما قلناه (يعني ثلاثة أثواب وثوب تام) ويوافقه كثير من
نسخ الكافي وهو المطابق لما نقله شيخنا في الذكرى. وفي بعضها هكذا: إنما المفروض ثلاثة أثواب
تام لا أقل منه وهذه النسخة هي الموافقة لما نقله المحقق في المعتبر والعلامة في كتبه الاستدلالية،
ولفظة تام فيها خبر مبتدأ محذوف أي وهو تام، وفي بعض النسخ المعتبرة من التهذيب: " أو ثوب
تام " بلفظ أو بدل الواو.
179

ومرسلة يونس: " الكفن فريضة للرجال ثلاثة أثواب، والعمامة والخرقة
سنة، وأما النساء ففريضته خمسة أثواب " (1).
والكلام في الزائد عن الثلاثة للنساء كما مر.
والأخبار الآتية المفصلة للقطع.
، يعاضده أخبار أخر، كصحيحة محمد: " يكفن الرجل في ثلاثة أثواب،
والمرأة إذا كانت عظيمة في خمسة: درع ومنطق وخمار ولفافتين " (2).
ورواية ابن سنان: " الميت يكفن في ثلاثة سوى العمامة، والخرقة يشد بها
وركه كيلا يبدو منه شئ، والخرقة والعمامة لا بد منهما وليستا من الكفن " (3)
وموثقة سماعة: عما يكفن به الميت؟ قال: " ثلاثة أثواب، وإنما كفن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) في ثلاثة أثواب: ثوبين صحاريين وثوب حبرة - والصحارية
تكون باليمامة - وكفن أبو جعفر في ثلاثة أثواب " (4).
وظاهر نقل تكفينهما (صلى الله عليهما وآلهما) فيها ثبوت التأسي في المسألة
ومنه يظهر إمكان. اعتضاد المطلوب بالمستفيضة الواردة في أنه (صلى الله عليه
وآله) كفن في ثلاثة أثواب (5).

(1) التهذيب 1: 291 / 851، الوسائل 3: 8 أبواب التكفين ب 2 ح 7.
(2) الكافي 3: 147 الجنائز ب 20 ح 3، الوسائل 3: 8 أبواب التكفين ب 2 ح 9. درع المرأة
قميصها. المنطق: شقة تلبسها المرأة وتشد وسطها ثم ترسل أعلاها على أسفلها إلى الركبة والأسفل
إلى الأرض (مجمع البحرين 5: 239) وفسره في الوافي 3 (الجزء 13): 54 بالإزار.
(3) الكافي 3: 144 الجنائز ب 19 ح 6، التهذيب 1: 293 / 856، الوسائل 3: 9 أبواب
التكفين ب 2 ح 12.
(4) التهذيب 1: 291 / 850، الوسائل 3: 7 أبواب التكفين ب 2 ح 6، الحبرة وزان عنبة: ثوب
يماني من قطن أو كتان مخطط (المصباح المنير: 119).
(5) انظر الوسائل 3: 6 أبواب التكفين ب 2.
180

خلافا للديلمي، فأوجب القطعة الواحدة خاصة (1). ولا دليل له سوى
الأصل، الواجب تركه بما مر، وحسنة زرارة ومحمد، المتقدمة، على ما في بعض
النسخ الآخر من التهذيب، فإن فيه: " أو ثوب تام " (2)، الغير الصالحة للاستناد،
لاختلاف النسخ، وعدم دليل على صحة تلك النسخة دون الأولى أو رجحانها،
بل يمكن ترجيح ما تضمن الواو برواية الكليني، لأضبطيته.
مع أنه على تقدير اتفاق النسخ على لفظة " أو " لا تصلح لمعارضة ما مر،
لموافقتها العامة، لاتفاقهم على الاكتفاء بالواحد (3).
ثم إنه لا فرق بين الرجل والمرأة في الواجب من الكفن بالاجماع، لاطلاق
ما مر بل عمومه.
ومرفوعة سهل: كيف تكفن المرأة؟ فقال: " كما يكفن الرجل، غير أنها تشد
على ثدييها خرقة تضم الثدي إلى الصدر ويشد إلى ظهرها، ويوضع لها القطن أكثر
مما يوضع للرجال، ويحشى القبل والدبر بالقطن والحنوط، ثم تشد عليها الخرقة
شدا شديدا " (4).
ولا دلالة فيها على وجوب شد الثديين بل غايته الرجحان.
وكذا الحسنة المتقدمة (5) المشتملة على الخمس، مع أن مفهومها دال على
عدم وجوب الخمس. وبه وبالمرفوعة تعارض المرسلة المتقدمة (6)، فلو لم يرجحا
بموافقة الاجماع المخرج لمخالفه عن الحجية يتساقطان، وتبقى الاطلاقات عن
المعارض خالية.

(1) المراسم: 47.
(2) راجع ص 179 الهامش (4).
(3) انظر بدائع الصنائع 1: 307، المهذب للشيرازي 1: 130، بداية المجتهد 1: 232.
(4) الكافي 3: 147 الجنائز ب 20 ح 2، الوسائل 3: 11 أبواب التكفين ب 2 ح 16.
(5) في ص 179 الرقم 1.
(6) في ص 180 رقم 1.
181

ثم تلك القطع الثلاث إحداها: لفافة تشمل جميع البدن - وعبر عنها الأكثر
بالإزار - بالاجماع، وهو الحجة في تعيينه، مع حسنة زرارة ومحمد، المتقدمة الخالية
- عن المعارض المؤيدة بأخبار كثيرة أخر.
منها: صحيحة محمد، المتقدمة (1) بضميمة مساواة الرجل مع المرأة - كما
مر - إلى الأخيرة.
وحسنة حمران وفيها: قلت: فالكفن؟ قال: " تؤخذ خرقة فيشد بها سفله
ويضم فخذيه بها ليضم ما هناك، وما يضع من القطن أفضل، ثم يكفن بقميص
ولفافة وبرد يجمع فيه الكفن " (2).
والرضوي: " ثم يكفن بثلاث قطع وخمس وسبع، فأما الثلاث فمئزر
وعمامة ولفافة، والخمس مئزر وقميص وعمامة ولفافتان " (3). وفيه أيضا: " يكفن
بثلاثة أثواب: لفافة وقميص وإزار " (4) إلى غير ذلك.
والأخرى: قميص، بالاجماع أيضا في الجواز، لدلالة أكثر الأخبار عليه
وتضمنها له.
بل في الرجحان أيضا، لظهور كثير من الأخبار فيه، وصريح رواية سهل:
عن الثياب التي يصلي فيها الرجل ويصوم، أيكفن فيها؟ قال: " أحب ذلك الكفن
يعني قميصا " قلت: يدرج في ثلاثة أثواب؟ قال: " لا بأس به، والقميص أحب
إلي " (5).
ومرسلة الفقيه: عن الرجل يموت، أيكفن في ثلاثة أثواب بغير قميص؟
قال: لا بأس بذلك، والقميص أحب إلي " (6).

(1) في ص 180 رقم 2.
(2) التهذيب 1: 447 / 1445، الإستبصار 1: 205 / 723، الوسائل 3: 34 أبواب التكفين
ب 14 ح 5.
(3) فقه الرضا: 182، المستدرك 2: 205 أبواب الكفن ب 1 ح 1.
(4) فقه الرضا: 182، المستدرك 2: 205 أبواب الكفن ب 1 ح 1.
(5) التهذيب 1: 292 / 855، الوسائل 3: 7 أبواب التكفين ب 2 ح 5.
(6) الفقيه 1: 93 / 424، الوسائل 3: 12 أبواب التكفين ب 2 ح 20.
182

والمروي في الدعائم: " نعم الكفن ثلاثة أثواب: قميص غير مزرور ولا
مكفوف، ولفافة وإزار " (1).
على الأشهر - كما صرح به جماعة منهم المنتهى (2) - في التعيين والوجوب،
وهو ظاهر المقنعة والشرائع والنافع والتحرير (3)، وصريح العماني (4)، والمنتهى (5)،
وعن المبسوط والنهاية والمصباح ومختصره والمراسم والوسيلة (6)، والجامع والحلبي
والذكرى والمسالك (7)، وروض الجنان (8)، والروضة وشرح القواعد (9).
لما مر من الأخبار وما يشبهها، وصحيحة ابن سنان، وفيها: " ثم الكفن
قميص غير مزرور ولا مكفوف، وعمامة يعصب بها رأسه ويرد فضليها على
رجليه " (10).
وموثقة الساباطي وفيها: " التكفين أن تبدأ بالقميص ثم بالخرقة " (11) إلى
آخره.
دلتا - بالحمل - على أن الكفن ما يشمل القميص، فلا يكون غيره كفنا.
ومرسلة يونس: " ابسط الحبرة بسطا، ثم ابسط عليها الإزار ثم ابسط

(1) دعائم الاسلام 1: 231، المستدرك 2: 207 أبواب الكفن في 1 ح 5.
(2) المنتهى 1: 437.
(3) المقنعة: 78، الشرائع 1: 39، النافع: 12، التحرير 1: 18.
(4) كما نقل عنه في الحدائق 4: 12.
(5) راجع الرقم 2 من نفس الصفحة.
(6) المبسوط 1: 176، مصباح المتهجد: 18، المراسم: 47، الوسيلة: 66.
(7) الجامع: 53، الكافي: 237، الذكرى: 46، المسالك 1: 13.
(8) روض الجنان: 103، ولم يظهر منه تعيين القميص.
(9) الروضة 1: 129، جامع المقاصد 1: 382.
(10) الكافي 3: 144 الجنائز ب 19 ح 9، الوسائل 3: 8 أبواب التكفين ب 2 ح 8 وفي المصدر:
(ويرد فضلها...).
(11) التهذيب 1: 305 / 887، الوسائل 3: أبواب التكفين ب 14 ح 4.
183

القميص عليه " (1) أوجب بسط القميص فيتعين.
خلافا لجماعة من الطبقة الثالثة منهم: المدارك وكفاية الأحكام والمفاتيح
والبحار والحدائق (2) واللوامع، بل جلهم كما في اللوامع، وهو المحكي عن
الإسكافي (3) والمعتبر (4)، ويحتمله كلام الجعفي حيث قال: الخمسة لفافتان
وقميص وعمامة ومئزر (5) فيجوز أن يكون الواجب اللفافتين والمئزر.
بل كلام جمع آخر من القدماء كالصدوق (6) ووالده (7) والحلبي (8) وغيرهم،
حيث لم يصرحوا بالوجوب ولا بما دل على التعيين، وتردد في القواعد (9)، فلم
يوجبوه وجوزوا بدله لفافة شاملة أخرى. وهو الأقوى.
أما عدم الوجوب: فللأصل، وإطلاقات الأخبار المتضمنة لثلاثة
أثلاث (10)، الشاملة لغير القميص بل اللفافة قطعا، لأنها أحدها جزما.
ومرسلة الفقيه، المتقدمة (11) بل رواية سهل (12) أيضا. وجعل الألف واللام
في (القميص) فيها القميص الذي يصلي فيه بعيد، مع أنه لم يعهد قميص بل

(1) الكافي 3: 143 الجنائز ب 19 ح 1، التهذيب 1: 306 / 888، الوسائل 3: 32 أبواب
التكفين ب 14 ح 3.
(2) المدارك 2: 95، كفاية الأحكام: 6، مفاتيح الشرائع 2: 164، بحار الأنوار 78: 319،
الحدائق 4: 16.
(3) حكى عنه في الذكرى: 46.
(4) المعتبر 1: 279.
(5) حكى عنه في الحدائق 4: 12.
(6) المقنع: 18، ولكن قال في الفقيه 1: 92 ما لفظه: والكفن المفروض ثلاثة: قميص وإزار ولفافة.
(7) حكى عنه في المختلف 1: 45.
(8) الكافي: 237.
(9) القواعد 1: 18.
(10) انظر الوسائل 3: 6 أبواب التكفين ب 2.
(11) في ص 182.
(12) المتقدمة في ص 182.
184

سئل عن الكفن في ثياب الصلاة، وأجاب بأني أحب ذلك الكفن المتعارف يعني
قميصا، فهو أولى من ثياب الصلاة لو لم يكن فها قميص. مع أن المطلوب يثبت
من قوله: " يدرج في ثلاثة أثواب " لأن المتبادر من الثوب الذي يدرج الميت ما يواريه
بأجمعه، والظاهر إرادة درجه في كل ثوب، وإلا لم يكن في السؤال ونفي البأس
وجه، إذ يدرج في مجموع الثلاثة قطعا.
وبما ذكر يجاب عن أدلة الموجبين، بحملها على الأفضلية بقرينة ذلك،
مضافا إلى خلو غير المرسلة (1) عن الدال على الوجوب جدا. والحمل وإن أفاد
التعين إلا إن دخول غير الواجب أيضا في المحمول يصرفه عن إفادته قطعا.
بل في دلالة المرسلة أيضا على الوجوب نظر، لتعلق الأمر أصالة بالبسط
المتعقب عن بسط الحبرة وهو غير واجب.
وأما تبديله بلفافة أخرى: فللاجماع المركب، مضافا إلى ما مر من رواية
سهل.
والثالث: مئزر وجوبا عند الأكثر، كما صرح به جمع ممن تقدم وتأخر، ومن
الموجبين أكثر من ذكره مر (2).
للرضوي المتقدم (3) المتضمن للمئزر، المنجبر ضعفه بالشهرة، وصحيحة
محمد، المتقدمة (4) المصرحة بالمنطق الذي هو الإزار المرادف للمئزر لغة، كما صرح
به أهلها، ففي الصحاح: المئزر: الإزار (5). وفي مجمع البحرين: معقد الإزار من
الحقوتين (6).

(1) يعني بها مرسلة يونس المتقدمة في ص 183.
(2) في ص 184.
(3) في ص 182.
(4) في ص 180.
(5) صحاح اللغة 2: 578.
(6) مجمع البحرين 3: 204.
185

وشرعا كما يستفاد من النصوص الواردة في باب ستر العورة لدخول
الحمام (1)، وفي مبحث كراهة الاتزار فوق القميص (2)، وبحث ثوبي الاحرام (3)،
بحيث يظهر كون الاستعمال بطريق الحقيقة.
ويستفاد أيضا من صحيحة ابن سنان: كيف أصنع بالكفن؟ قال: " خذ
خرقة فتشد على مقعديه ورجليه " قلت: فالإزار؟ قال: (إنها لا تعد شيئا، إنما
تصنع لتضم ما هناك وأن لا يخرج منه شئ) (4) فإنه لو كان المراد به اللفافة لما توهم
عدم لزومه بشد الخرقة.
ومنه تظهر دلالة جمع الأخبار المتضمنة للإزار على المطلوب أيضا، كرواية
الدعائم والرضوي ومرسلة يونس، السابقة (5).
وموثقة الساباطي: " ثم تبدأ فتسقط اللفافة طولا، ثم تذر عليها من
الذريرة، ثم الإزار طولا حتى يغطي الصدر والرجلين، ثم الخرقة عرضها قدر شبر
ونصف، ثم القميص تشد الخرقة على القميص بحيال العورة والفرج " إلى أن
قال: " التكفين أن تبدأ بالقميص، ثم بالحرقة فوق القميص على أليتيه وفخذيه
وعورته، ويجعل طول الخرقة ثلاثة أذرع ونصف وعرضها شبر ونصف، ثم يشد
الإزار أربعة أذرع، ثم اللفافة، ثم العمامة ويطرح فضل العمامة على وجهه " (1)
الحديث.
وخبر ابن وهب: " يكفن الميت في خسة أثواب: قميص لا يزر عليه،
وإزار وخرقة يعصب بها وسطه، وبرد يلف فيه، وعمامة يعمم بها ويلقى فضلها

(1) انظر الوسائل 2: 32 أبواب آداب الحمام ب 3.
(2) انظر الوسائل 4: 395 أبواب لباس المصلي ب 24.
(3) انظر الوسائل 12: 502 أبواب تروك الاحرام ب 53.
(4) مر مصدرها في ص 183.
(5) في ص 183، 182، 183.
(6) تقدم مصدرها في ص 183.
186

على صدره " (1).
سيما مع ظهور كثير منها في أن المراد من الإزار فيها المئزر كالأولين (2)، فإنه
لولاه وكان المراد منها اللفافة - كما توهم - لكان اللازم أن يقال: قميص ولفافتان.
وكذا في الرابع (3)، حيث ذكر الإزار واللفافة معا، سيما مع التصريح بتغطية
الصدر والرجلين بالإزار خاصة واللفافة تعم الجسد. بل الخامس (4)، حيث إن في
تخصيص لف الميت بالبرد خاصة اشعارا بعدمه في الإزار، وليس إلا لعدم وفائه
بجميع الجسد فيكون هو المئزر.
هذا كله، مع أن المستفاد من بعض الروايات أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كفن بالمئزر، ففي صحيحة ابن عمار: " كان ثوبا رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم اللذان أحرم فيهما يمانيين عبري وأظفار، وفيهما كفن " (5) ويأتي
في كتاب الحج أن ثوبي الاحرام إزار يتزر به ورداء يتردى به.
ونحوه الكلام في صحيحة يونس بن يعقوب عن أبي الحسن الأول عليه
السلام: كان يقول: " إني كفنت أبي في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما، وفي
قميص من قمصه، وعمامة كانت لعلي بن الحسين عليه السلام، وفي برد اشتريته
بأربعين دينارا " (6).

(1) الكافي 3: 145 الجنائز ب 19 ح 11، التهذيب وفيه: ويلقي فضلها على وجهه، الوسائل 3:
10 أبواب التكفين ب 2 ح 13.
(2) وهما روايتا الدعائم والرضوي.
(3) وهو موثقة الساباطي.
(4) وهو خبر ابن وهب.
(5) الكافي 4: 339 الحج ب 83 ح 2، الفقيه 2: 214 / 975، الوسائل 3: 16 أبواب التكفين
ب 5 ح 1. عبر الوادي ويفتح: شاطئه وناحيته، وظفار كقطام: بلد باليمن قرب صنعاء (القاموس
2: 84، 85).
(6) الكافي 3: 149 الجنائز ب 22 ح 8، التهذيب 1: 434 / 1393، الإستبصار 1: 210 / 742،
الوسائل 3: 40 أبواب التكفين ب 18 ح 5 وفي " ق " زيادة وهي: " لو كان اليوم لساوى أربعمائة
دينار " وهي موجودة في المصادر أيضا.
187

ولوجوب تحصيل البراءة اليقينية الحاصلة بالمئزر دون غيره ولو كان ثلاثة
أثواب شاملة، للشك فيها.
خلافا لبعض المتأخرين (1)، فلم يوجبه، وخير بينه وبين لفافة أخرى.
أما عدم الوجوب: فلخلو الأخبار طرا - على فرض الشمول له - عن الدال
على الوجوب كما عرفت في القميص " ومنع انحصار توقف اليقين بالبراءة عليه.
وأما جواز لفافة أخرى بدله: فلاطلاق الثوب الشامل، ورواية سهل
وحسنة حمران، المتقدمتين، بل موثقة الساباطي وصحيحة محمد، السابقتين (2) كما
يأتي بيانهما.
ولجل الطبقة الثالثة المتقدم ذكر جماعة منهم (3)، والمحكي عن الإسكافي (4)
والمعتبر (5)، وظاهر الصدوقين (6) والعماني والجعفي (7)، فلم يجوزوه بل أوجبوا بدله
لفافة أخرى إما مع القميص معينا كبعض من ذكر، أو مخيرا بينه وبين لفافة ثالثة
كبعض آخر. وهو الأقوى.
أما عدم جوازه: فلعدم دليل عليه مع توقفه على التوقيف، إذ ليس إلا

(1) لم نعثر على شخصه.
(2) في ص 180، 182، 183.
(3) في ص 184 وانظر المدارك 2: 95، المفاتيح 2: 164، الكفاية: 6.
(4) حكى عنه في المعتبر 1: 279.
(5) راجع الهامش المتقدم.
(6) قال الصدوق في الفقيه 1: 92 ما لفظه: والكفن المفروض ثلاثة: قميص وإزار ولفافة وقال في
المقنع: 18: ثم يكفن في قميص غير مزرور ولا مكفوف وإزار يلف على جسده بعد القميص ثم
يلف في حبر يماني عبري أو ظفاري نظيف ونقل في الحدائق 4: 12 عن علي بن بابويه في رسالته
أنه قال: ثم اقطع كفنه تبدأ بالنمط وتبسطه وتبسط عليه الحبرة وتبسط الإزار على الحبرة وتبسط
القميص وتكتب على قميصه وإزاره وحبرته.
(7) نقل عن العماني في الحدائق 4: 12 أنه قال: الفرض إزار وقميص ولفافة وعن الجعفي أنه قال:
الخمسة لفافتان وقميص وعمامة ومئزر فتدبر.
188

الأخبار المتضمنة للفظ " الإزار " أو الروايات المشتملة على مطلق الثوب أو
الأثواب، أو ما يصرح فيه بلفظ (المئزر).
أما الأول فلا دليل على إرادة المئزر منه أصلا، لورود الإزار في اللغة
بمعنى المئزر - كما مر - وبمعنى الثوب الشامل.
ففي القاموس: الإزار: الملحفة (1) وهي ما يلبس فوق الثياب بأسرها.
وفي المجمع بعدما نقل عنه (2): وفي كلام بعض اللغويين أنه ثوب شامل
لجميع البدن قال: وفي الصحاح المئزر: الإزار، وفي كتب الفقه يذكر المئزر مقابلا
للإزار ويريدون به غيره، وحينئذ لا بعد في الاشتراك ويعرف المراد بالقرينة (3).
انتهى.
ولم تثبت الحقيقة الشرعية ولا المتشرعة فيه، بل المراد منه في كلام أكثر
الفقهاء هو الثوب الشامل كما ذكروه مقابلا للمئزر في ذلك المقام.
وفي اللوامع: إن الفقهاء اتفقوا على التعبير في اللفافة الشاملة بالإزار. بل
قيل: الغالب في الأخبار أيضا استعماله في الثوب الشامل وإن أطلق على المئزر
نادرا. ألا ترى أن في أكثر أخبار الحمام ورد بلفظ " المئزر " وإن ورد في البعض أيضا
لفظ " الإزار " وهو مما يعلم فيه المراد بالقرينة، ولا قرينة في الأخبار المتقدمة على
إرادة المئزر، وما ادعوه قرينة لا يفيد أصلا.
أما ذكره مع اللفافة في الروايات: فلأنه يمكن أن يكون لاختلافهما
معنى، حيث إن الإزار - كما عرفت - هو ما يكون فوق جميع الثياب، واللفافة إما
أعم أو ما يلف به الجسد ملاصقا له، أو الإزار ما يشمل جميع الجسد - كما في
المجمع - واللفافة ما يلف به الميت وجميع ثيابه، ولما كان أحد الثوبين الشاملين
إزارا بالمعنى المذكور، لا محالة عبر عنه به وعن الآخر باللفافة، ولذا عبر في حسنة

(1) القاموس 1: 377.
(2) في ص 185.
(3) مجمع البحرين 3: 205.
189

حمران (1) عن اللفافتين بالفافة وبرد يجمع فيه الكفن، فكما لم يلزم هناك أن يقول
لفافتان، فكذا هاهنا.
ومما ذكر يعلم عدم اشعار تخصيص اللف بالرد في بعض الروايات (2) بما
راموه أيضا.
وأما توهم السائل في صحيحة ابن سنان (3)، فيمكن أن يكون من جهة أنه
لما كانت الخرقة توارى العورة وتشد الرجلين توهم أنها تكفي عن الثوب الشامل
مع أنه يمكن أن يكون الضمير في قوله: " إنها " للإزار، فإنه يؤنث أيضا كما صرح
به في القاموس والمجمع. فإن الإمام لما بين كيفية شد الخرقة سأل السائل عن
كيفية الإزار أي المئزر، فقال: إنها لا تعد شيئا واجبا أو مستحبا، ولا فائدة فيها
وإنما تصنع الخرقة الشبيهة بها للضم.
فهي أيضا ليست قرينة لهم.، بل القرينة على إرادة غير المئزر في كثير منها
قائمة. فإن التصريح بكونه فوق القميص في المرسلة (4) والموثقة (5) قرينة على أنه
غيره؟ لتصريحهم جميعا بأن المئزر تحته، وفوق القميص لا يكون إلا اللفافة.
وأيضا التصريح في الموثقة بشدة طولا وأنه أربعة أذرع قرينة معينة للثوب الشامل،
لشمول أربعة أذرع للرأس وللرجل قطعا، مضافا إلى أن شد الإزار طولا غير
متعارف. بل في التصريح بتغطية الصدر والرجلين قرينة أخرى؟ إذ لا يسمى مثل
ذلك مئزرا قطعا. وجعله إشعارا على إرادة المئزر غريب، وليس فيه دلالة على عدم
تغطية الرأس حتى لا يكون ثوبا شاملا.
وفي الرضوي: " وتلفه في إزاره وحبرته وتبدأ بالشق الأيسر وتمد على الأيمن،

(1) المتقدمة في ص 182.
(2) خبر ابن وهب المتقدم في ص 186.
(3) المتقدمة في ص 186.
(4) المتقدمة في ص 184.
(5) المتقدمة في ص 186.
190

ثم تمد الأيمن على الأيسر، وإن شئت لم تجعل الحبرة معه حتى تدخله القبر فتلقيه
عليه ثم تعممه إلى أن - قال: " ثم تلف اللفافة " (1) الخبر فإن في اللف في الإزار
إشعارا بأنه غير المئزر، بل في جمعه مع الحبرة.
ويمكن أن تكون الحبرة عطفا تفسيريا له أيضا، بل هو الأظهر.
وأما صحيحة محمد (2) فليست صريحة في المئزر ولا ظاهرة فيه، لأن المنطق
على ما صرح به أهل اللغة ما، يشد به الوسط، وهو كما يمكن أن يكون المئزر يمكن
أن يكون الخرقة التي تشد بها العورة، لأنها أيضا تشد في الوسط. بل صرح في
الموثقة بشدها في الحقوين اللذين هما معقد المئزر، كما مر من المجمع، ويحتمل أن
يكون المراد بالمنطق ما يشد به الثديان أيضا، كما قيل.
وأما التكفين بثوبي الاحرام فلا يفيد لهم المرام؟ لا التردي بثوب والاتزار
بالآخر في حالة لا ينافي - صلاحيتهما للارتداء في حالة أخرى. كيف مع أن ما يتردى
به في الاحرام لا يستر الرأس حينئذ ويستره إذا كفن به، فيمكن أن يكون كذلك
ما اتزر به في الاحرام، فيتزر به في حال، ويشمل الجميع بالبسط في حال آخر.
وإلى هذا أشار من قال: لا يلزم في ثوبي الاحرام عدم الشمول.
وأما الثاني أي روايات الثوب والأثواب: فلأنه لا يمكن جعلها من باب
المطلق، وإلا لزم خروج الأكثر، لعدم جواز غير اللفافة والقميص الواحد والمئزر
كذلك إجماعا، مع أن إطلاق ثلاثة أثواب له أفراد غير عديدة إفرادا أو تركيبا،
فيكون من باب التجوز، فيحصل فيه الاجمال كما به صرح جماعة من
الأصحاب (3).
مع أن منهم من صرح باختصاص الثوب بالشامل، قال والدي - رحمه الله -

(1) فقه الرضا: 168 بتفاوت يسير المستدرك 2: 17 2 أبواب الكفن ب 12 ح 1، وفيه: (ثم تلفف
العمامة).
(2) المتقدمة في ص 180.
(3) منهم الحدائق 4: 5 والرياض 1: 57.
191

في اللوامع بعد نقل أخبار ثلاثة أثواب: ولا ريب في أن المتبادر من الثوب هنا هو
الشامل وإن لم يعتبر الشمول في الثوب... إلى آخر ما قال. ويشعر بذلك حسنة
الحلبي المتقدمة (1).
وأما الثالث: فلأنه منحصر بالرضوي المشتمل على الخمس (2)، والظاهر
منه إرادة الخرقة الخامسة، كما فهمه الصدوق وعبر عنها به في الهداية والفقيه (3)
مأخوذا ما فيه عنه، ويؤكده كونها من الخمسة قطعا، فلولا أنها المراد يلزم عدم
ذكره، بل صرح به في موضع آخر قال: " ويضم رجليه جميعا ويشد فخذيه إلى
وركه بالمئزر شدا جيدا لئلا يخرج منه شئ، (4) ولو قطع النظر عنه فلا أقل من
الاحتمال الموجب للاجمال.
وأما قيام لفافة أخرى شاملة مقامه: فلرواية سهل وحسنة حمران، بل
صحيحة محمد (5) على ما عرفت من المراد من المنطق، وصحيحة زرارة على ما في
أكثر نسخ التهذيب من قوله: " ثلاثة أثواب تام " (6) بل الأخبار المتضمنة للإزار على
ما عرفت من القرينة، ولصدق الثوب المصرح به في الأخبار الكثيرة.
وخصوص الرضوي المصرح بالخمس، فإن الظاهر أن المراد بالمئزر فيه هو
الخرقة كما عرفت، ويلزمه كون اللفافتين من الأثواب الثلاثة.
وحسنة حمران، المتضمنة للقميص والبرد الجامع للكفن واللفافة المنحصرة
في الثوب الشامل اجماعا، لعدم لف القميص والمئزر، بل الأول يلبس والثاني يشد
ويعقد، كما به في الأخبار عبر.

(1) في ص 179.
(2) المتقدم في ص 182.
(3) الهداية: 23، الفقيه 1: 92.
(4) فقه الرضا: 168.
(5) تقدمت الروايات على الترتيب في ص 180، 182، 182.
(6) تقدمت في ص 179.
192

وصحيحة محمد، لاستبعاد ترك الخرقة، فالظاهر أنها المراد من المنطق.
بل صحيحة زرارة على ما في أكثر نسخ التهذيب من قوله: " ثلاثة أثواب
تام " وإن أقحم في قليل من نسخه لفظ " أو ثوب " بين الأثواب والتام، ولكن الأكثر
- كما صرح به في اللوامع - خال عنه، بل وكذلك ما نقله الفاضلان في المعتبر
والمنتهى (1) وصاحب المنتقى (2) وغيرهم.
وموثقة الساباطي، لوضوح شمول ما كان أربعة أذرع إذا - بسط طولا -
للرأس والرجلين أيضا. بل مرسلة يونس، الدالة على كون الإزار فوق القميص.
وأما تعينها ووجوبها - مع خلو أدلته عن الدلالة على الوجوب إلا صحيحة
زرارة. المخرج فيها الفرض عن معناه قطعا، لعدم القول بمفروضية ثلاثة أثواب
تامة على ما فيها من اختلاف النسخ وحزازة العبارة - فللاجماع المركب، إذ لا قول
إلا بها أو المئزر، فبعد انتفاء الثاني يتعين الأول.
ولوجوب تحصيل البراءة اليقينية الحاصلة باللفافتين مع القميص أو بدلها
بمقتضى ما ذكرنا من الأدلة، دون غيرهما ولو لفافة ومئزر، للشك في إرادته.
فروع:
أ: المعتبر في القميص أن يصل إلى نصف الساق، كما صرح به جماعة منهم:
شرح القواعد وروض الجنان والمسالك والروضة (3) واللوامع، لأنه المفهوم منه
عرفا، كما صرح به في الثلاثة الأخيرة (4).
والأولى زيادة قيد التقريب ولعله المراد.
وفي الأخير جواز كونه إلى القدم بإذن الورثة أو الوصية النافذة. وهو
كذلك، لصدق الاسم.

(1) المعتبر 1: 279، المنتهى 1: 438 والمنقول فيهما: " ثلاثة أثواب أو ثوب تام ".
(2) منتقى الجمان 1: 257.
(3) جامع المقاصد 1: 382، روض الجنان: 153، المسالك 1: 13، الروضة 1: 129.
(4) لا يوجد التصريح به في الروضة نعم صرح به في روض الجنان: 103.
193

وأما تجويزه مطلقا - كما في الأول - للغلبة، أو استحبابه، أو احتمال جوازه
وإن لم يبلغ النصف - كما عن الرابع (1) - فمشكل بل ضعيف.
وفي اللفافة أن تشمل جميع البدن طولا وعرضا، مع امكان جعل أحد
جانبيه في العرض على الآخر، لأنه المتبادر، ولتحقيق معنى اللف. وتجويز
الخياطة (2) غير جيد، لعدم تبادره.
وينبغي الزيادة في الطول بحيث يمكن شده من الطرفين. وقيل بوجوبها،
لعدم تبادر غيره (3). وفيه نظر. والاستحباب أظهر مع إذن الوارث أو الوصية.
وفي المئزر - على اعتباره - أن يستر ما بين السرة والركبة، كما عن غير الأول
من الكتب المتقدمة (4)، لأنه المفهوم في العرف والعادة. أو يسترهما مع ما بينهما،
كما في الأول (5). ولا بأس به.
واحتمال الاكتفاء فيه بما يستر العورة (6) بعيد، والتعليل بأن وضعه لسترها
غير سديد.
وعن المراسم وفي المقنعة: من سرته إلى حيث يبلغ من ساقيه (7).
وعن المصباح ومختصره: منها إلى حيث يبلغ المئزر (8).
وعن الوسيلة والجامع: من الصدر إلى الساقين استحبابا (9).

(1) نقله عنه في كشف اللثام 1: 116، ولم نعثر عليه.
(2) كما جوزها في الرياض 1: 57.
(3) الرياض 1: 57.
(4) راجع الرقم (3) ص 193.
(5) جامع المقاصد 1: 382.
(6) كما احتمله في الروض: 103.
(7) المراسم: 49، المقنعة: 78.
(8) مصباح المتهجد: 19.
(9) الوسيلة: 66، الجامع: 53.
194

وعن النهاية والمبسوط: يبلغ من الصدر إلى الرجلين (1)، ونحو في
الذكرى (2).
وعن المسالك والروضة: يستحب ستره ما بين الصدر والقدمين (3).
وتجب مراعاة ما تقدم من الإذن أو الوصية في الزائد عن الواجب، وإن
استند عندهم إلى الموثقة.
ب: في اعتبار ستر البشرة في كل من الثلاثة، أو في المجموع، أو عدمه
مطلقا ثلاثة أوجه بل أقوال:
الأول: للكركي ووالدي، وجعله في روض الجنان (4) أحوط، للتبادر. وهو
ممنوع.
الثاني للروض (5)، لصحيحة زرارة، المتقدمة (6): " يواري به جسده
كله ".
ولا دلالة لها، لاحتمال أن يكون المراد شموله للبدن بحيث لا يبقى شئ
منه عاريا.
والثالث للحدائق (7)، للأصل. وهو الأظهر، وإن كان الأحوط الثاني، بل
لا يبعد ترجيحه، لاطلاق الصحيحة بالنسبة إلى المعنيين.
ج: لا يجب غير الثلاثة إجماعا، له وللأصل، والمستفيضة المصرحة بعدم
الزيادة على الخمسة، واستحباب اثنين منها وهما الخرقة والعمامة، مع التصريح

(1) النهاية: 36، المبسوط 1: 179.
(2) الذكرى: 49.
(3) المسالك 1: 13، الروضة 1: 129.
(4) جامع المقاصد 1: 382، روض الجنان: 103.
(5) الروض: 103.
(6) في ص 179، وقد عبر عنها هناك بالحسنة.
(7) الحدائق 4: 17.
195

فيما مر بانحصار المفروض في الثلاثة.
الثانية: يستحب أن يزاد في أجزاء الكفن للرجل والمرأة جزءان آخران:
أحدهما: خرقة لشد الفخذين، ويسمى بالخامسة، بالاجماعين
والمستفيضة:
منها: صحيحة ابن سنان، وروايته، ومرفوعة سهل، وحسنة حمران،
وموثقة الساباطي، المتقدمة جميعا (1).
ومرسلة يونس، السابقة أكثرها في بحث الغسل، وفيها: " وخذ خرقة
طويلة عرضها شبر، فشدها من حقويه، وضم فخذيه ضما شديدا، ولفها في
فخذيه، ثم أخرج رأسها من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن واغرزها في الموضع
الذي لففت فيه الخرقة، وتكون الخرقة طويلة يلف فخذيه من حقويه إلى ركبتيه
لفا شديدا " (2).
وينبغي أن تكون طويلة، كما صرح به في الأخيرة، بل يكون طولها ثلاثة أذرع
ونصف كما في الشرائع والقواعد (3)، لسابقتها. ولكن لا تدل على وجوب هذا
القدر، فيجوز أن تكون أطول، كما عن المهذب والمبسوط والوسيلة (4)، أو أقل
أيضا كما عن الأخيرين. -
وأن يكون. عرضها شبرا، كما في الأخيرة، أو ونصف كما في سابقتها. ولا
منافاة بينهما، لحمل السابقة على الأفضلية، أو المراد فيهما التقريب.
وثانيهما: العمامة بقدر يؤدي هيئتها الآتية (4) في الطول، ويصدق الاسم في

(1) راجع الصفحات: 180، 182، 186.
(2) تقدم مصدرها في ص 136 الحقو: معقد الإزار، الخاصرة.
(3) الشرائع 1: 40، القواعد: 18.
(4) المهذب 1: 61، المبسوط 1: 179، الوسيلة: 66.
(5) في ص 203.
196

العرض، بالاجماع، كما في المنتهى، واللوامع، وعن المعتبر (1). والنصوص بها
وباستحبابها بلا معارض مستفيضة،، كما تقدم كثير منها (2).
وعمامة المرأة الخمار، فهو فيها بدلها في الرجل، كما في الشرائع والنافع
والمنتهى والقواعد (3)، واللوامع، وعن الإسكافي والعماني (4)، والشيخ في أكثر
كتبه (5)، والجامع (6)، ونسب إلى المشهور (7)، وفي المدارك: إنه مذهب
الأصحاب (8)، وفي اللوامع: بالاجماع والنصوص، كصحيحة محمد،
المتقدمة (9). ورواية البصري: في كم تكفن المرأة؟ قال: (تكفين في خمسة أثواب
أحدها الخمار (10).
والرضوي: " والمرأة تكفن في ثلاثة أثواب: درع وخمار ولفافة " (11).
والمروي في الدعائم: " ويخمر رأس المرأة بخمار، ويعمم الرجل " (12).
وبتلك الأخبار تقيد إطلاقات العمامة، مع اختصاص كثير منها بالرجل،
مضافا إلى التعارف الموجب للتبادر.

(1) المنتهى 1: 440، المعتبر 1: 283.
(2) راجع ص 179، 183، 186...
(3) الشرائع 1: 40، النافع: 13، المنتهى 1: 438، القواعد 1: 18.
(4) حكى عنهما في الذكرى: 48.
(5) لم نعثر عليه في النهاية والمبسوط والخلاف وجمل العلم والعمل.
(6) الجامع: 53.
(7) كما نسبه في الرياض 1: 60.
(8) المدارك 2: 105.
(9) في ص 180.
(10) الكافي 3: 146 الجنائز ب. 2 ح 1، التهذيب 1: 324 / 326، الوسائل 3: 12 أبواب
التكفين ب 2 ح 18.
(11) فقه الرضا: 185.
(2 9) دعائم الاسلام 1: 232.
197

ويستحب أن يزاد للمرأة جزء ثالث هو خرقة أخرى يلف بها ثدياها، كما
عن المقنعة والنهاية - والمبسوط (1)، والكامل، والسرائر وابني حمزة وسعيد، وفي
الشرائع والنافع والمنتهى والقواعد (2)، وغيرها.. وفي المدارك واللوامع لا أعلم له
راد (3)، لمرفوعة سهل، المتقدمة (4).
وظهر مما ذكر أن الأجزاء المستحبة لكفن الرجل اثنان، ومع الواجب
خمسة، وللمرأة، ثلاثة، ومع الواجب ستة.
وقد يزاد لكل منهما غيره أيضا:
أما للرجل فيزاد لفافة أخرى حبرة عبرية (5)، كما في المعتبر والشرائع والنافع
والمنتهى والقواعد (6)، وعن المقنعة والمبسوط والنهاية والاصباح والوسيلة،
والكامل، والسرائر (7) وابن زهرة والمختلف والتلخيص والذكرى والتذكرة (8). بل في
الأول، وعن الآخرين، وشرح القواعد (9): الاجماع عليه.
لا للأخبار المتكثرة المتضمنة للحبرة؟ لعدم دلالة شئ منها على كونها غير
الثلاثة الواجبة وإن اشتمل كثير منها على الإزار التي هي أيضا لفافة شاملة عند

(1) المقنعة: 82، النهاية: 41، المبسوط 1: 180.
(2) السرائر 1: 160، الوسيلة: 66، الجامع: 53، الشرائع 1: 40، النافع: 13، المنتهى 1:
438، ألقوا عد: 18.
(3) المدارك 2: 104.
(4) في ص 182.
(5) قال المحقق: يستحب أن يزاد الرجل حبرة يمنية عبرية غير مطرزة بالذهب. الحبرة من التحبير وهو
التحسين والتزيين، ويمنية: منسوبة إلى اليمن. وعبرية: منسوبة إلى العبر وهو جانب الوادي.
المعتبر 1: 2820
(6) المعتبر 1: 282، الشرائع 1: 40، النافع: 13، المنتهى 1: 438، القواعد 9: 18.
(7) المقنعة: 78، المبسوط 1: 176، النهاية: 1 3، الوسيلة: 65، السرائر 1: 160.
(8) الغنية (الجوامع الفقهية): 563، المختلف: 45، الذكرى: 47، التذكرة 1: 43.
(9) جامع المقاصد 1: 383.
198

أكثر الطائفة، لجواز كونها مبنية على ما اخترناه من وجوب اللفافتين أو الثلاثة.
بل للرضوي المتقدم (1) المصرح باللف في الإزار والحبرة واللفافة، ومرسلة
الجعفي كما عن الذكرى، المنجبرين بما مر، قال: وقد روي سبع: مئزر وعمامة
وقميصان ولفافتان ويمنية (2).
خلافا للمدارك والبحار (3)، وعن العماني (4)، والحلبي (5)، فما زادوها، بل
قالوا باستحباب كون أحد الثلاثة حبرة ولا تظهر زيادتها على الواجب أيضا من
كلام والد الصدوق (6) والجعفي والبصروي (7).
واحتاط بعض مشايخنا بتركها (8). وهو في موقعه. بل عدم الزيادة أقوى
وأظهر، لحسنة الحلبي وصحيحة زرارة ومحمد، المتقدمتين في صدر المسألة
الأولى (9)، الراجحتين على ما مر بموافقتهما للأصل، ومخالفتهما للعامة كما تظهر
من الحسنة.
والأول هو المرجع عند المخمصة، والثانية من المرجحات المنصوصة، فلا
يعارضهما اعتضاد الأولين بالاجماع المنقول أو الشهرة في الفتوى المحكية، لعدم
صلاحيتهما للمرجحية.
مع أن الظاهر عندي أنهم لما رأوا اشتمال كثير من الروايات على القميص
والإزار والحبرة وكانت الإزار عندهم هي للفافة - كما بظهر من تعبيرهم في كتبهم

(1) في ص 190.
(2) الذكرى: 48.
(3) المدارك 2: 100، بحار الأنوار 78: 320.
(4) نقل عنه في الذكرى: 48.
(5) الكافي: 237.
(6) نقل عنه في المختلف: 45.
(7) نقل عنهما في الذكرى: 48.
(8) الرياض 11: 59.
(9) في ص 179، 180.
199

الفقهية - واستنبطوا وجوب المئزر من دليل آخر، فقالوا يكون الحبرة زائدة
مستحبة. ونحن لما لم نعثر على دليل على وجوب المئزر، لا نفهم من الروايات زيادة
على الثلاثة الواجبة. وبذلك يوهن عندنا مستند الشهرة وهو يوجب الوهن في
نفسها أيضا..
مع أن في دلالة الرضوي نظرا من جهة احتمال العطف التفسيري. بل في
دلالة رواية الدعائم (1) أيضا، لجواز كون اللفافتين واليمنية هي الثلاثة الواجبة
المخيرة، فتأمل..
وقد يستظهر للزيادة بصحيحة يونس بن يعقوب، المتقدمة (2). وهي مع
احتمالها التقية - لو دلت - غير دالة، لجواز جعل أحد الشطويين خرقة الشد
فالقول بزيادة الحبرة في غاية الضعف.
وأضعف منه تعويض لفافة أخرى عنها مع فقدها، كما عن النهاية والمبسوط
والسرائر والاصباح والمهذب (3).
وأضعف منهما زيادة لفافتين على الواجب، كما عن الصدوق (4)،
والتهذيب (5)، والكامل، وابن زهرة (6).
لعدم الدليل على شئ منهما سوى ما قد يستظهر به للأول: من قوله في
صحيحة محمد: " والمرأة إذا كانت عظيمة في خمسة: درع ومنطق وخمار ولفافتين " (7)
بضميمة ما دل على تسوية الرجل والمرأة.

(1) كذا في النسخ، والظاهر - أنه سهو من قلمه الشريف، والصحيح: مرسلة الجعفي المتقدمة في
ص 199.
(2) في ص 187.
(3) النهاية: 32، المبسوط 1: 177، السرائر 1: 165، المهذب 1: 60.
(4) الفقيه 1: 93.
(5) لم نعثر عليه فيه، ويحتمل أن يكون مصحفا عن المهذب لأن القول موجود فيه فيه، ج 1 ص 60.
(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 563.
(7) تقدمت في ص 180.
200

وللثاني: بقوله في صحيحة زرارة ومحمد: " فما زاد فهو سنة إلى أن يبلغ خمسة
أثواب، فما زاد فمبتدع " (1).
وبالتصريح بالسبع في الرضوي: " ثم يكفن بثلاث قطع وخمس وسبع.
فالثلاث: مئزر وعمامة ولفافة، والخمس: مئزر وقميص وعمامة ولفافتان " (2) بحمل
السبع على الخمس المذكورة مع لفافتين، وإن لم يفسرها.
ويضعف الأول: بعدم الدلالة، لما مر من احتمال إرادة خرقة العورة أو
الثدي من المنطق، فتكون اللفافتان هما الواجبان.
والثاني: بأن المراد من خمسة أثواب الثلاثة مع الخامسة والعمامة، ولو منع
فالاحتمال قائم والاستدلال معه ساقط.
والثالث: بالاجمال، مع أنه لا يعلم أن ذكرها على سبيل الحكم أو
الحكاية. مضافا إلى أنه لا يصلح بنفسه للحجية، وليس المقام مقام المسامحة،
لإيجابه اتلاف المال والإضاعة المنهي عنهما في الشريعة.
وأما للمرأة، فقد يزاد الحبرة المذكورة ونسب زيادتها أيضا إلى الشهرة، لما
ظهر ضعفه.
خلافا لمن نفاها في الرجل، ولبعض من أثبتها فيه، كما في الشرائع والنافع،
وعن النهاية والوسيلة (3)، والاصباح والتلخيص. وهو الأصح.
والنمط، زاده في النافع والشرائع (4)، والمنتهى والقواعد (5)، وعن الكامل
والمهذب والمختلف (6) وعن المقنعة: التخيير بينه وبين لفافة أخرى (7).

(1) تقدمت في ص 179.
(2) تقدمت في ص 182.
(3) الشرائع 1: 40، النافع: 13، النهاية: 31، الوسيلة: 65.
(4) راجع الرقم (3).
(5) المنتهى 1: 438، القواعد 1: 18.
(6) المهذب 1: 60، المختلف: 45.
(7) المقنعة: 82.
201

وعن جماعة: الاقتصار على ذكر لفافة أخرى زائدة عن اللفافة المستحبة
للرجل وعدم التعرض للنمط (1)، ولعله لعدم دليل عليه من الأخبار، وعدم كون
المقام مقام المسامحة. وهو في محله.
بل وكذا الكلام في اللفافة أيضا، لما عرفت من عدم ثبوت الزائدة عن
الواجب - على ما اخترناه من وجوب اللفافتين والتخيير بين الثالثة والقميص - من
الروايات.
وغاية ما يستدلون لها في المرأة صحيحة محمد، بحمل المنطق فيها على
المئزر. ولا دليل عليه، واحتمال خرقة الفخذين قائم. فإن المنطق كما في كتب
اللغة: ما يشد في الوسط. ومحل شد الخرقة والمئزر عندهم واحد. فتعيين أحدهما
تحكم بارد، والاستشهاد بفهم بعض الفقهاء (2) القائلين بوجوب المئزر فاسد.
الثالثة: قالوا: كيفية التكفين أن يبدأ بالخامسة، ويشدها بعد وضع
القطنة، ثم يؤزره بالمئزر كما يؤزر الحي - على القول به - ثم يلبسه القميص، وعلى
القول بنفيه يلبسه بعد شد الخرقة، ثم يلفه بإحدى اللفافتين، ثم بالأخرى التي
يستحب كونها حبرة. وهذا هو نقل الأكفان إليه.
ويجوز العكس، بأن يبسط الحبره ويبسط عليها اللفافة، وعليها
القميص، وينقل إليه الميت بعد أن يشد بالخامسة ويؤزر بالمئزر على القول به
وهذا الترتيب هو المشهور، ويستفاد في غير المئزر من الأخبار.
أما تقديم الخرقة فمن حسنة حمران (3)، وصحيحة ابن سنان (4)،
والرضوي: " وقبل أن تلبسه القميص تأخذ شيئا من القطن، وتجعل عليه حنوطه،
وتحشو به دبره، وتضع شيئا من القطن على قبله، وتضع شيئا من الحنوط،

(1) كما في الخلاف 1: 701، والمراسم: 47، والمفاتيح 2: 165، والرياض 1: 60.
(2) كالشهيد في الذكرى: 47.
(3) المتقدمة في ص 182.
(4) المتقدمة في ص 186.
202

وتضم رجليه جميعا، وتشد فخذيه إلى وركيه بالمئزر شدا جيدا، (1) وذلك ظاهر في
تأخر القميص عن الخرقة.
نعم، المذكور في موثقة الساباطي (2) أنه يبدأ بالقميص ثم بالخرقة، والأمر في
ذلك هين.
وأما تقديم القميص وتأخير الحبره فمن رواية يونس (3) والموثقة.
وأما العمامة، فصريح الموثقة شدها بعد اللفافة، وظاهر الحسنة أنه قبله،
بل هو صريح الرضوي: " ثم تعممه وتحنكه فيثنى على رأسه بالتدوير، ويلقى
فضل الشق الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن، ثم يمد على صدره ثم يلف
باللفافة " (4) الخبر.
هذا هو الكلام في الرتيب.
وأما الكيفية: ففي تلبس القميص ولف اللفافتين واضحة.
وفي الخرقة قالوا: يربط أحد طرفيها في وسط الميت إما بشق رأسه أو بجعل
خيط ونحوه فيه، ثم يدخل الخرقة بين فخذيه من جانب، ويضم عورته بها ضما
شديدا، ويخرجها من الجانب الآخر، ويدخلها تحت الشداد الذي على وسطه،
ثم يلف حقويه وفخذيه بما بقي منها لفا شديدا، فإذا انتهت أدخل طرفها الآخر
من الجانب الأيمن تحت الجزء الذي انتهت إليه. وفي خبر يونس دلالة على بعض
هذه الأحكام.
وأما العمامة فيؤخذ وسطها، ويثنى على رأسه بالتدوير، ويلف عليه محنكا،
ويخرج طرفاها من تحت الحنك، ويلقيان على صدره فضل الشق الأيمن على

(1) فقه الرضا: 168 بتفاوت، المستدرك 2: 217 أبواب الكفن ب 12 ح 1.
(2) المتقدمة في ص 186.
(3) الكافي 3: 143 الجنائز ب 19 ح 1، التهذيب 1: 306 / 888، الوسائل 3: 32 أبواب
التكفين ب 14 ح 3.
(4) تقدم مصدره في هامش (1).
203

الأيسر والأيسر على الأيمن.
يدل على تلك الكيفية: الرضوي السابق، وعلى أكثرها خبر يونس أيضا،
والمروي في الدعائم: " خذ العمامة من وسطها، ثم انشرها على رأسه، وردها من
تحت لحيته، وعممه، وأرخ ذنبيها مع صدره " (1).
وعلى التحنيك: مرسلة ابن أبي عمير (2)، والاجماع المحكي (3).
وقد ورد بالكيفية أخبار أخر، وما ذكرناه أشهر، وحمل تلك الأخبار عليه
ممكن ولو مع التكلف.
الرابعة: للتكفين سوى ما مر واجبات ومستحبات أخر ومكروهات:
أما الواجبات فمنها: أن لا يكون حريرا بالاجماع، كما عن المعتبر والتذكرة
ونهاية الإحكام والذكرى وفي المدارك (4).
لمضمرة ابن راشد: عن ثياب تعمل بالبصرة على عمل العصب اليماني من
قز وقطن، هل يصلح أن يكفن فيها الموتى؟ فقال: " إذا كان القطن أكثر من القز
فلا بأس " (5).
والمروي في الدعائم عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): " إن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) نهى أن يكفن الرجال في ثياب الحرير " (6).
ويدل عليه الاستصحاب في الرجال أيضا.

(1) دعائم الاسلام 1: 231، وفيه: " ذيلها " بدل " ذنبيها ".
(2) الكافي 3: 145 الجنائز ب 19 ح 10، التهذيب 1: 308 / 895، الوسائل 3: 32 أبواب
التكفين ب 14 ح 2.
(3) كما حكاه في التذكرة 1: 43.
(4) المعتبر 1: 280، التذكرة 1: 43، نهاية الإحكام 2: 242، الذكرى: 46، المدارك 2: 95.
(5) الكافي 3: 149، الجنائز ب 22 ح 12، التهذيب 1: 1396 / 435، الإستبصار 1:
411 / 744 الوسائل 3: 45 أبواب التكفين ب 23 ح 1. العصب كفلس: برد يصبغ غزله ثم
ينسج، وقال السهيلي: العصب صبغ لا ينبت إلا باليمن (المصباح المنير: 413).
(6) الدعائم 1: 232، المستدرك 2: 225 أبواب الكفن ب 18 ح 2.
204

والاستدلال بالرضوي: " لا يكفنه في كتان ولا ثوب إبريسم " (1) وبما دل على
مرجوحية التكفين بثوب الكعبة مع تجويز بيعه وهبته (2). غير جيد، لعدم دلالتهما
على الحرمة بل غايتهما المرجوحية، سيما مع ضم الكتان في الأول، مضافا إلى عدم
نصية الثاني في أنه لكونه حريرا، فيمكن أن يكون لسواده أو غيره.
ولا ينافيه خبر السكوني: " نعم الكفن الحلة " (3) إذا لا يعتبر فيها أن يكون
من الإبريسم.
ومقتضى صريح المضمرة اختصاص الجواز بما إذا كان الخليط أكثر، كما
نقل عن جماعة (4)، فلا يجوز بالممتزج الذي لم يكن كذلك. وعن النهاية
والاقتصاد (5): المنع عن الممتزج مطلقا.
وكذا مقتضى إطلاقها تعميم المنع للمرأة أيضا، وعن الذكرى الاجماع
عليه (6). فاحتمال الجواز في المرأة - كما في المنتهى وعن نهاية الإحكام (7) - ضعيف،
والاستصحاب بما مر مندفع.
نعم، يحتمل الجواز لها في الخرقة والخمار، بناء على ما صرح به في بعض
الأخبار من عدم كونهما من الكفن (8)، واختصاص النهي بالتكفين. ومنه يظهر
تعدي الجواز إلى العمامة والخرقة للرجال أيضا، إلا أن بإزاء ما ذكر روايات أخر

(1) فقه الرضا: 169.
(2) انظر الوسائل 3: 44 أبواب التكفين ب 22.
(3) التهذيب 1: 437 / 1406، الإستبصار 1: 211 / 743، الوسائل 3: 45 أبواب التكفين ب 23
ح 2 الحلة: إزار ورداء برد أو غيره ولا يكون إلا من ثوبين أو ثوب له بطانة (القاموس 3: 370).
(4) قد يستفاد من المعتبر 1: 371، والمدارك: 2: 96.
(5) النهاية: 31، الإقتصاد: 248.
(6) الذكرى: 46.
(7) المنتهى 1: 438، نهاية الإحكام 2: 242.
(8) الذي وجدنا التصريح به في بعض الأخبار أن العمامة والخرقة ليستا من الكفن، ولم نعثر على رواية
تصرح بأن الخمار ليس من الكفن فانظر الوسائل 3: 6 أبواب التكفين ب 2.
205

دالة على أنهما من الكفن، والظاهر الجمع بحمل النفي على الواجب، والاثبات
على المندوب، ويلزمه التحريم في الرجل والمرأة، فتأمل.
وهل يشترط في الكفن أن يكون مما تجوز فيه الصلاة، كما في النافع والقواعد
واللوامع، وعن الوسيلة والكافي والغنية (1)؟
لا دليل على الكلية من الأخبار والأصل، وصدق نحو القميص والعمامة
والإزار يدفعها. ولذا اقتصر جماعة كما في الشرائع والمنتهى، وعن المبسوط والنهاية
والاقتصاد (2) والجامع والمعتبر والتحرير ونهاية الإحكام (3)، والتذكرة (4)، على المنع
من الحرير.
وربما يستظهر (5) للكلية باختصاص أخبار التكفين بحكم التبادر بالقطن،
مضافا إلى الأمر به المستلزم للوجوب في موثقة عمار: " الكفن يكون بردا، فإن لم
يكن برد فاجعله كله قطنا، فإن لم تجد عمامة قطن فاجعل العمامة سابريا " (6).
ويلحق به ما أجمع على جوازه - إن كان - ويبقى جواز الباقي ومنه ما لا تتم
فيه الصلاة خاليا عن الدليل، وهو كاف في المنع، لوجوب تحصيل البراءة اليقينية
في مثل المقام.
ولا يخفى أنه لو تم ذلك لانحصر الجواز في القطن، ولثبت المنع عن الجلد

(1) النافع: 12، القواعد 1: 18، الوسيلة: 66، الكافي: 237، الغنية (الجوامع الفقهية): 563.
(2) الشرائع 1: 39، المنتهى 1: 438، المبسوط 1: 176، النهاية: 31، الإقتصاد: 248.
(3) الجامع: 53، المعتبر 1: 280، التحرير 1: 18، نهاية الإحكام 242، ولا يخفى أنه ولو اقتصر
في أول كلامه على المنع عن الحرير إلا أنه قال بعد سطور: ويشترط أن يكون مما يجوز فيه
الصلاة...
(4) التذكرة 1: 43.
(5) انظر الرياض 1: 58.
(6) الكافي 3: 149 الجنائز ب 22 ح 10، التهذيب 1: 269 / 870، الإستبصار 1: 210 / 740،
الوسائل 3: 30 أبواب التكفين ب 13 ح 1. السابري: نوع رقيق من الثياب. قيل نسبة إلى كور
سابور كورة من فارس ومدينتها شهرستان (المصباح المنير: 263).
206

ولو عما يؤكل بعد التذكية، كما عن المعتبر والتذكرة ونهاية الإحكام والذكرى (1)
- وإن استشكل في بعضها (2) في المذكى مما يؤكل - وعن الصوف والشعر والوبر،
كما عن الإسكافي (3)، وعن الكتان، كما عن الصدوق (4).
ولكن يخدشه أن الظاهر انعقاد الاجماع في الكتان والصوف، لعدم قدح
مخالفة في ذكر فيه. مضافا في الأخير إلى الرضوي المنجبر: " ولا بأس في ثوب
صوف " (5) ومعه يسقط الاستدلال بالموثقة، إذ بعد ثبوت الجواز في غير القطن
يخرج الأمر به عن الوجوب، فلا يصير دليلا. والحمل على الوجوب التخييري ليس
أولى من الاستحباب، لكونهما مجازين.
وأنه لا ينبغي الريب في صدق الثوب والقميص والإزار واللفافة والعمامة
على المنسوج من الصوف والشعر والوبر، وطلاقها عليه شائع، كما في الكساء
وقباء الصوف وعمامة الخز وغيرها. فتكون اطلاقاتها أدلة لهذه الأمور ولو كانت مما
لا يؤكل ولا تجوز الصلاة فيه، ومعه لا ينتهض وجوب تحصيل اليقين بالبراءة
دليلا.
نعم، هو يحسن فيما لا يشمله الاطلاق أو يشك في الشمول، كالجلد والحصر
ونحوهما، حيث إنه لا يعلم دخوله في المأمور به، فلا يعلم الامتثال.
ومنها: أن لا يكون مغصوبا، للاجماع، وللنهي عن التصرف في مال الغير
بدون إذنه.
وأن لا يكون نجسا، لظاهر الاجماع. وفي الاستدلال له (1) بوجوب إزالة

(1) المعتبر 1: 437، التذكرة 1: 43، نهاية الإحكام 2: 243، الذكرى: 46.
(2) وهو نهاية الإحكام 2: 243.
(3) نقله في المعتبر 1: 280 عن الإسكافي بالنسبة إلى الوبر.
(4) الفقيه 1: 89.
(5) فقه الرضا: 169.
(6) كما استدل في الذكرى: 46.
207

النجاسة العارضة من الميت عن الكفن نظر؟ لجواز الفرق.
ثم لو خولف أحد الثلاثة، وكفن في النجس أو المغصوب أو الحرير، فهل
حصل التكفين وسقط الوجوب الكفائي وإن أثم المباشر، أو لم يحصل ووجب على
المكلفين التكفين كفاية ثانية؟
مقتضى الأصول الثاني، لأن النهي يستلزم عدم كون الفرد المنهي عنه
مأمورا به، فلم بمثل الأمر الواجب امتثاله كفاية، فيبقى الوجوب الكفائي على
حاله. والأصل عدم تقييد الأوامر بحالة عدم كونه مستورا بهذا النحو من الستر.
ومنه يظهر عدم ترتب سائر آثار التكفين عليه، كتأخر الصلاة والدفن،
لظهور أن المراد الكفن المشروع المأمور به.
وهل تجب في التكفين النية، كما هو ظاهر المحكي عن الروض (1)؟
الظاهر نعم؟ لوجوب امتثال أوامر التكفين المتوقف على النية عرفا، فلو
كفن بدونها لم يمتثل، ويلزمه وجوب التكفين ثانيا مع النية، لعدم دليل على سقوط
التكليف الكفائي بدون حصول الامتثال.
وجعل المطلوب مجرد الستر على النحو الخاص، كما في إزالة الخبث والأمر
بالمعروف والشهادة ونحوها فاسد، لأن في هذه الأمور وإن لم يمتثل الأمر، إلا أنه
لما تحققت الفائدة المطلوبة في الخارج لم يبق أمر حتى يجب امتثاله، لامتناع تحصيل
الحاصل، والمطلوب في المقام غير معلوم، وكونه هو الستر الخاص فقط ممنوع. لم
لا يجوز أن يكون المقصود نفس التعبد أو هما معا؟ ولذا لا يسقط التكليف
بحصول ذلك الستر من غير المكلف، كريح أو سيل أو نحوه.
وأما مستحباته: فإن يكون الكفن من طهور أموال كل شخص؟ لمرسلة
الفقيه، " إنا أهل بيت حج صرورتنا ومهور نسائنا وأكفاننا من طهور أموالنا " (2).

(1) الروض: 104.
(2) الفقيه 1: 120 / 577، الوسائل 3: 55 أبواب التكفين ب 34 ح 1.
208

وأن يكون قطنا بالاجماع، كما عن المعتبر والتذكرة ونهاية الإحكام (1)، وفي
اللوامع، له، ولموثقة عمار، المتقدمة (2)، ولخبر أبي خديجة: " الكتان كان لبني
إسرائيل يكفنون به، والقطن لأمة محمد صلى الله عليه وآله (3).
محضا، كما في المنتهى (4)، وعن المبسوط والوسيلة ()، والاصباح، بل عليه
الاجماع عن نهاية الإحكام (6)، لأنه المتبادر من كونه قطنا.
وأبيض، بلا خلاف، كما في المنتهى (7)، وعن الخلاف (8). بل إجماعا كما
عن نهاية الإحكام والمعتبر (9)، لخبري جابر: " ليس من لباسكم شئ أحسن من
البياض، فالبسوه وكفنوا به موتاكم " (10).
وموثقة ابن القداح: (البسوا البياض، فإنه أطيب وأطهر، وكفنوا فيه
موتاكم) (11).
والمروي في العلل: إن عليا عليه السلام كان لا يلبس إلا البياض أكثر ما
يلبس ويقول: " فيه تكفين الموتى " (12)

(1) المعتبر 1: 284، التذكرة 1: 43، نهاية الإحكام 2: 242.
(2) في ص 206.
(3) الكافي 3: 149 الجنائز ب 22 ح 7، التهذيب 1: 434 / 1392 الإستبصار 1: 210 / 741،
الوسائل 3: 42 أبواب التكفين ب 20 ح 1.
(4) المنتهى 1: 438.
(5) المبسوط 1: 176، الوسيلة: 66.
(6) نهاية الإحكام 2: 242.
(7) المنتهى 1: 441.
(8) الخلاف 1: 702.
(9) نهاية الإحكام 2: 242، المعتبر 1: 284.
(10) الكافي 3: 148 الجنائز ب 22 ح 3، التهذيب 1: 434 / 1390، الوسائل 3: 41 أبواب
التكفين ب 19 ح 2.
(11) الكافي 6: 445 الزي والتجمل ب 4 ح 1، الوسائل 3: 41 أبواب التكفين ب 19 ح 1.
(12) لم نعثر عليه في العلل، وهو مروي في قرب الإسناد: 152 / 552.
209

وفي مجالس ابن الشيخ: " خير ثيابكم البياض، فليلبسه أحياؤكم وكفنوا فيه
موتاكم " (1).
ويستثنى منه الحبرة، فالمستحب فيها الحمرة؟ للمعتبرة (2).
وجديدا، بلا خلاف، كما في المنتهى،، وشرح القواعد الكركي (3)، لأن
النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام كذا كفنوا. إلا في ثوب كان يصلي
فيه، كما في المنتهى (4)، للنصوص.
وجيدا. وفي المنتهى: يستحب اتخاذ الكفن عن أفخر الثياب وأحسنها (5)،
لمرسلة ابن أبي عمير: " أجيدوا أكفان موتاكم فإنها زينتهم " (6) ونحوها المروي عن
مدينة العلم (7)، والعلل، وفلاح السائل، ودعوات الراوندي (8).
ورواية أبي خديجة: " تنوقوا في الأكفان، فإنكم تبعثون بها " (8) والتنوق:
التجود والمبالغة فيه.
وصحيحة يونس، المتقدمة (9) وغيرها.
وأن يكون من جملة أكفانه ثوب صلى فيه، لمرسلة ابن المغير: " يستحب أن
يكون في كفنه ثوب كان يصلي فيه نظيف، فإن ذلك يستحب أن يكفن فيما كان

(1) مجالس الشيخ الطوسي: 398، الوسائل 5: 27 أبواب أحكام الملابس ب 14 ح 5.
(2) انظر الوسائل 3: 6 أبواب التكفين ب 2.
(3) المنتهى 1: 441، جامع المقاصد 1: 397.
(4) المنتهى 1: 442.
(5) المنتهى 1: 441.
(6) الكافي 3: 148 الجنائز ب 22 ح 1، الوسائل 3: 39 أبواب التكفين ب 8 1 ح 3.
(7) نقلها في فلاح السائل: 69 عن مدينة العلم للصدوق.
(8) العلل: 301، فلاح السائل: 69، الدعوات: 254.
(9) الكافي 3: 149 الجنائز ب 22 ح 6، الوسائل 3: 39 أبواب التكفين ب 18 ح 4.
(10) في ص 187.
210

يصلى فيه " (1).
ومرسلة الفقيه: " إذا أردت أن تكفنه فإن استطعت أن يكون في كفنه ثوب
كان يصلي فيه نظيف فافعل " (2).
وتدل عليه أيضا رواية سهل، المتقدمة (3).
وأن يخاط بخيوطه لا من غيره، كما في القواعد والشرائع والمنتهى (4)، وعن
المبسوط والجامع (5)، والاصباح، لفتوى هؤلاء.
وأن يطيب بالذريرة ينثرها عليه، إجماعا من أهل العلم كافة، كما عن
المعتبر (6)، للمعتبرة (7).
قيل: والظاهر أن المراد بها طيب خاص معروف بهذا الاسم الآن في بغداد
وما والاها (8). وعن التبيان: أنها فتات قصب الطيب، وهي قصب يجاء به من
الهند وكأنه قصب النشاب (9). وفي المبسوط: يعرف بالقمحة (10) والظاهر أنه وجد
الآن طيب معروف بهذا الاسم، فهو المستحب.
وأن يكتب فيه اسمه وشهادة التوحيد بهذه الصورة: فلان أو فلان بن فلان
- كما عن الديلمي (11) - يشهد أن لا آله إلا الله، لخبر أبي كهمس: " إن الصادق

(1) الكافي 3: 148 الجنائز ب 22 ح 4، الرسائل 3: 15 أبواب التكفين ب 4 ح 2.
(2) الفقيه 1: 89 / 413 الوسائل 3: 15 أبواب التكفين ب 4 ح 1.
(3) في ص 182.
(4) القواعد 1: 19، الشرائع 1: 40، المنتهى 1: 442.
(5) المبسوط 1: 177، الجامع: 54.
(6) المعتبر 1: 285.
(7) انظر الوسائل 3: 35 أبواب التكفين ب 15.
(8) قاله في الرياض 1: 59.
(9) التبيان 1: 448.
(10) المبسوط 1: 177.
(11) المراسم: 48.
211

عليه السلام كتب في حاشية كفن إسماعيل: أنه يشهد أن لا إله إلا الله " (1).
بل يزاد: وحده لا شريك له أيضا، كما عن المبسوط، والنهاية،
والمهذب (2).
بل الشهادة على الرسالة والإمامة لكل واحد واحد بأسمائهم الشريفة، كما
عن كتب الشيخ (3)، والمهذب والوسيلة والغنية، والارشاد والجامع (4)، وفي المنتهى
والشرائع والقواعد (5) مع احتمال إرادة ذكر أسمائهم الشريفة بعد الشهادتين
حسب، في الأربعة الأخيرة.
لفتوى هؤلاء الأجلة، مع دعوى الاجماع - كما عن الخلاف (6) - عليه، وهما
كافيان في المقام بعد انفتاح باب الجواز بالاجماع والخبر السابق مع أصالته.
مضافا إلى المروي في مصباح الأنوار: " أن كثير بن عباس كتب في أطراف
كفن سيدة النساء عليها السلام: تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا صلى الله عليه
وآله رسول الله " (7).
فلا يتعين الاقتصار على شهادة التوحيد، كما اقتصر في الهداية وعن الفقيه
والمراسم والمقنعة (8)، وغيرها.
على حاشية الكفن، كما في الخبر المذكور، وصرح جماعة (9) بالكتابة على

(1) التهذيب 1: 289 / 842 و 309 / 898، الوسائل 3: 51، 52 أبواب التكفين ب 29 ح 1،
(2) المبسوط 1: 177، النهاية: 32، المهذب 1: 60.
(3) كالنهاية 320، والمبسوط 1: 177، والاقتصاد: 248.
(4) المهذب 1: 60، الوسيلة: 66، الغنية (الجوامع الفقهية): 563، الإرشاد 1: 231، الجامع:
45.
(5) المنتهى 1: 441، الشرائع 1: 40، القواعد 1: 19.
(6) الخلاف 1: 706.
(7) رواه في بحار الأنوار 78: 335 عن مصباح الأنوار.
(8) الهداية: 23، الفقيه 1: 87، المراسم: 48، المقنعة: 78.
(9) كالنهاية: 32، والمعتبر 1: 285، والرياض 1: 59.
212

اللفافتين والقميص، ولعله لتأدية جميع احتمالات الرواية. ولكن صرح في المروي
في الاحتجاج، وكتاب الغيبة للشيخ بأنه كتب على إزار إسماعيل (1)، والمراد به
اللفافة كما مر، فالاقتصار عليه في الحكم بالاستحباب بخصوصه أولى وإن جاز
في غيره أيضا.
وأن يزاد في المكتوب الجوشن الكبير، للمروي في جنة الأمان للكفعمي عن
السجاد عليه السلام: " إن الحسين عليه السلام قال: أوصاني أبي عليه السلام
بحفظ هذا الدعاء وتعظيمه وأن أكتبه في كفنه " (2).
وقد يزاد الجوشن الصغير أيضا، استنادا إلى ما رواه السيد ابن طاووس في
المهج: " إنه من كتبه على كفنه استحيى الله أن يعذبه " (3) ثم ذكر ما في جنة الأمان
عن السجاد، ولكني ما رأيت شيئا من ذلك في شرح الجوشن الصغير في نسخة
المهج التي كانت عندي، وكانت مصححة جدا.
ومع ذلك قال شيخنا المجلسي في البحار بعد ذكر ذلك من المهج: ظهر
لي من بعض القرائن أن هذا ليس من السيد، وليس هذا إلا شرح الجوشن
الكبير. وكان كتب الشيخ أبو طالب بن رجب هذا الشرح من كتب جده السعيد
نقي الدين الحسن بن داوود لمناسبة لفظ الجوشن واشتراكهما في. اللقب في حاشية
الكتاب، فأدخله النساخ في المتن (4). انتهى.
ولا مناسبة كثيرة لهذا الدعاء مع المقام أيضا، فعدم استحبابه بخصوصه
أظهر.
وربما يزاد القرآن بتمامه أو بعض آياته، للمروي في العيون عن الصيرفي،

(1) الإحتجاج: 489، ولم نعثر عليه في الغيبة للشيخ، نعم هو مروي في الغيبة للصدوق المعروف ب‍
(اكمال الدين): 71.
(2) جنة الأمان (المصباح): 238 والرواية مروية في هامش الكتاب..
(3) مهج الدعوات: 230.
(4) هذه العبارة صورة مفصلة لما عثرنا عليه في بحار الأنوار 91: 327.
213

قال توفي موسى بن جعفر عليه السلام في يدي سندي بن شاهك، فحمل على
نعشه ونودي عليه: هذا إمام الرافضة، فسمع سليمان بن أبي جعفر الصياح ونزل
من قصره، وحضر جنازته وغسله وحنطه بحنوط فاخر، وكفنه بكفن فيه حبرة
استعملت له بألفين وخمس مائة دينار عليها القرآن كلها (1).
وفيه: أنه ليس من فعل المعصوم ولا تقرير منه فيه. وحضور الرضا عليه
السلام - كما ورد - لا يفيد تقريره، لعدم اظهاره نفسه المقدسة، وعدم التمكن
من المخالفة لو ظهر.
نعم، عن كتاب الغيبة للشيخ عن أبي الحسن القمي: إنه دخل على محمد
ابن عثمان العمري - رضي الله عنه - أحد النواب الأربعة، فوجده وبين يديه ساجة
ونقاش ينقش عليه آيات من القرآن وأسماء الأئمة على حواشيها، فقلت: يا
سيدي ما هذه الساجة؟ فقال: لقبري تكون فيه وأوضع عليها، أو قال: أسند
إليها (2). الحديث.
وفي دلالته أيضا نظر، إذ لا يدل جواز كتابة القرآن على حواشي الساجة التي
ليست معرضا لوصول نجاسة الميت، على جوازها على الكفن الذي هو معرض
له، سيما في مقابل العورتين والرجلين وتحت الجسد.
وأما التيمن والتبرك والاستشفاع، فمع عدم انحصارها بالكتابة في الكفن
لا يثبت استحباب الخصوص، كما هو محط الكلام في المقام، مع أنها معارضة
بإساءة الأدب والتخفيف.
وجواز الشهادتين وأسامي الأئمة لا يثبت جواز الغير لقلتها، فيسعها
مكان يبعد عن سوء الأدب ولا يعلم وصول النجاسة إليه، مع اختلاف كثير من
أحكامها مع القرآن، كما في مس المحدث وقراءة الجنب والحمل والتعليق وغيرها

(1) عيون أخبار الرضا 1: 81.
(2) الغيبة: 222.
214

والأفضل أن يكتب ما يكتب بالتربة الحسينية، كما ذكره الشيخان (1)
والفاضلان (2)، بل الأصحاب كما ذكره بعض الأجلة (3)، وسائر متأخريهم كما ذكره
بعض آخر (4)، له، وللتبرك، والجمع بين المندوبين من الكتابة وجعل التربة مع
الميت المستفاد من المروي في الاحتجاج في التوقيع الرفيع الخارج في جواب مسائل
الحميري: أنه سأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم لا؟
فأجاب: " يوضع مع الميت ويخلط بحنوطه إن شاء الله " وسأل فقال: روي لنا عن
الصادق عليه السلام: أنه كتب على إزار إسماعيل ابنه: إسماعيل يشهد أن لا إله
إلا الله. فهل يحوز لنا أن نكتب مثل ذلك بطين القبر؟ فأجاب: " يجوز " (5).
ومع عدمها يكتب بمطلق الطين والماء، كما عن الإسكافي، وعزية
المفيد (6)، وكتب الشهيد (7)، بل نسبه في اللوامع إلى الجماعة.
والظاهر اشتراط التأثير في الكتابة، كما عن السرائر والمختلف (8)،
والمنتهى (9)، والذكرى (10) ورسالة المفيد (11) بل عليه يحمل إطلاق الأكثر؟ لأنه
المعهود بل المتبادر منها. فإن لم يتيسر فبالماء المطلق.
وأما تجويز الكتابة بالإصبع من غير تأثير مطلقا، كما عن الاقتصاد والمصباح

(1) المقنعة: 78، النهاية: 32.
(2) الشرائع 1: 40، التحرير 1: 18.
(3) كشف اللثام 1: 120.
(4) الرياض 1: 59.
(5) الإحتجاج: 489.
(6) نقل عنه وعن الإسكافي في كشف اللثام 1: 120.
(7) كالذكرى: 49، والدروس 1: 110، والبيان: 72.
(8) السرائر 1: 162، المختلف: 46.
(9) نقل عنه في كشف اللثام 1: 120، وهو ساقط من المنتهى المطبوع ج 1: 441 فراجع.
(10) الذكرى: 49.
(11) نقل عنهما في كثف اللثام 1: 120، والسرائر 1: 162.
215

ومختصره والمراسم (1)، أو مع فقد الترية، كما عن المشهور، أو مع فقد الطين والماء
مطلقا، كما عن الإسكافي والعزية (2) فلا دليل عليه، ألا أن يسند فيه إلى دعوى
الشهرة (3) وفتوى الأجلة، ولا بأس به.
وأن يغسل الغاسل قبل التكفين يديه إلى المرفقين، للرضوي: " فإذا فرغت
من الغسلة الثالثة فاغسل يديك من المرفقين إلى أطراف أصابعك " (4).
والأفضل إلى المنكبين، لصحيحة محمد: " يغسل، ثم يغسله يديه من
العاتق، ثم يلبسه أكفانه، ثم يغتسل " (5).
ثلاثا، لصحيحة ابن يقطين: " ثم يغسل الذي غسله يده قبل أن يكفنه
إلى المنكبين ثلاث مرات، ثم إذا كفنه اغتسل " (6).
والرجلين، لخبر عمار: " ثم تغسل يديك إلى المرافق ورجليك إلى
الركبتين " (7).
والمستفاد من كثر تلك الأخبار وفاقا لبعض الأصحاب (8): أولوية تأخير
غسل المس عن التكفين، ويدل عليه أيضا المروي في الخصال: " من غسل منكم
ميتا فليغتسل بعدما يلبسه أكفانه " (9).

(1) الإقتصاد: 248، مصباح المتهجد: 18، المراسم: 48. +
(2) نقل عنهما في كشف اللثام 1: 120، والمختلف: 46.
(3) كما ادعاها في المختلف 46، وكشف اللثام 1: 120.
(4) فقه الرضا: 167، المستدرك 2: 167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.
(5) الكافي 3: 160 الجنائز ب 31 ح 2، التهذيب 1: 428 / 1364، الوسائل 3: 56 أبواب
التكفين ب 35 ح 1.
(6) التهذيب 1: 446 / 1444، الإستبصار 1: 208 / 731، الوسائل 2: 483 أبواب غسل الميت
ب 2 ح 7.
(7) التهذيب 1: 305 / 887، الوسائل 2: 484 أبواب غسل الميت ب 2 ح 10.
(8) كما اختاره في المدارك: 2: 99.
(9) الخصال: 618 حديث أربعمائة، الوسائل 3: 292 أبواب غسل المس ب 1 ح 13.
216

فما ذكره جماعة من الأصحاب كما عن الوسيلة والفقيه والنهاية والمبسوط
والسرائر والجامع والمعتبر والشرائع والنافع (1)، وفي اللوامع والمنتهى والقواعد
والتذكرة (2)، وغيرها (3)، من استحباب تقديم الغسل كما عن الأول، أو مع
الوضوء كما عن الثاني، أو الوضوء مطلقا أر مع تعسر الغسل كالبواقي، فإن أرادوا
به غسل المس - كما صرح به بعضهم (4) - فليس عليه دليل، وما عللوه به عليل.
ومع ذلك يرده ما ذكر، وما دل على استحباب تعجيل التجهيز. ولذلك لا ينتهض
فتاوى هؤلاء أيضا لاثباته لنا.
وإن أرادوا الغسل للتكفين - كما عن الذكرى والنزهة، (5)، بل عن الأخير أن
به رواية (1) - فلا بأس أن يقول به ويحكم باستحبابه، لما أشير إليه من الرواية، وإن
كانت ضعيفة مرسلة ومتنها غير معلوم، لما يتحمل المقام من المسامحة.
مع أن إرادته من الصحيحة: " الغسل في سبعة عشر موطنا، إلى أن قال:
" وإذا غسلت ميتا أو كفنته أو مسسته بعدما يبرد " (7) ممكنة، كما قال بعضهم لأجل
تلك الرواية، سيما بملاحظة عدم كونه غسل المس، لذكره، وعدم ظهور قول
بالغسل بعد التكفين، كما هو مقتضى الحقيقة.
وأما مكروهاته: فإن يكفن في السواد بالاجماع، كما عن المعتبر والتذكرة

(1) الوسيلة: 65، الفقيه 1: 1 9، النهاية: 35، المبسوط 1: 179، السرائر 1: 164، الجامع:
52، المعتبر 1: 284، الشرائع 1: 39، النافع: 13.
(2) المنتهى 1: 438، القواعد 1: 18، التذكرة 1: 44.
(3) كالدروس 1: 110، وجامع المقاصد 1: 389، والروض: 105.
(4) كالمنتهى والروض.
(5) الذكرى: 24، نزهة الناظر: 16.
(6) قال في النزهة: وقد روى " أنه إذا أراد تغسيل الميت يستحب له أن يغتسل قبل تغسيله وكذلك إذا
أراد تكفينه).
(7) التهذيب 1: 114 / 302، الوسائل 3: 307 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 11.
217

ونهاية الإحكام (1)، وعن المنتهى: بلا خلاف (2)، لخبري ابن المختار، أحدهما:
" لا يكفن الميت في السواد " (3) والآخر: " لا يحرم الرجل في الثوب الأسود ولا يكفن
به " (4).
نعم، في المروي في الدعائم: " إن رسول الله صلى الله عليه وآله كفن حمزة
في نمرة سوداء " (5) وهي كساء من الصوف يلبسها الأعراب. كذا في الصحاح (6).
ولكن الفتوى على مقتضى الخبرين؟ للأحدثية والأشهرية، بل عدم دلالة
الأخير إلا على الجواز، وهو مسلم، مع احتمال أن يكون مقام الضرورة، كما يدل
عليه ما نقل من قصور كفنه عن ستر جميع بدنه، فجعل النبي على رجليه
الحشيش (7)،
بل في كل صبغ، كما عن الذكرى (8)، بل عن المهذب والاصباح (9):
الحرمة. لفتوى هؤلاء الأجلة، والتأسي بصاحب الشريعة، واستحباب البياض
المستلزم لها على قول لا يخلو عن القوة.
وأما الحرمة فخالية عن الحجة سوى الأمر بالبياض في الموثقة (10). وهو على

(1) المعتبر 1: 289، التذكرة 1: 43، نهاية الإحكام 2: 243.
(2) المنتهى 1: 438.
(3) الكافي 3: 149 الجنائز ب 22 ح 11، التهذيب 1: 434 / 1394، الوسائل 3: 3، أبواب
التكفين ب 21 ح 1.
(4) الكافي 4: 341 الحج ب 83 ح 13، التهذيب 1: 435 / 1395، الوسائل 3: 43 أبواب
التكفين ب 21 ح 2.
(5) دعائم الاسلام 1: 232 المستدرك 2: 225 أحكام الكفن ب 18 ح 2.
(6) الصحاح 2: 838 وفيه: بردة من الصوف تلبسها الأعراب.
(7) الكافي 3: 211 الجنائز ب 75 ح 2، التهذيب 1: 331 / 970، الوسائل 2: 509 أبواب غسل
الميت ب 14 ح 8.
(8) الذكرى: 48.
(9) المهذب 1: 60، ونقله في كثف اللثام 1: 115 عن الإصباح.
(10) موثقة ابن القداح المتقدمة في ص 209.
218

الندب محمول، لرواية الدعائم (1)، المنجبرة، مع وهن إرادة الوجوب منه، لعطفه
على الأمر باللبس الذي هو غير واجب قولا واحدا.
وفي الممتزج بالحرير، لفتوى الأجلة (2)، واستحباب محضية القطنة.
وعن النهاية والاقتصاد والمهذب (3): المنع. وهو كذلك مع عدم كون
الخليط أكثر - كما مر - لا مطلقا؟ للمضمر (4).
وفي الكتان، وفاقا للأكثر؟ لمرسلة يعقوب بن يزيد: " لا يكفن الميت في
كتان " (5).
وهي عن الدلالة على الحرمة خالية، فالقول بها - كما عن ظاهر
الصدوق (6)، سيما مع دعوى الاجماع كما عن الغنية (7) على الجواز - ضعيف.
وعدم انصراف إطلاقات التكفين إليه غير مضر، بل المضر انصرافها (إلى
غيره، وهو ممنوع.
والرضوي المتقدم: " لا يكفنه في كتان ولا ثوب إبريسم، (8) ليس نصا في
التحريم، لجواز كون الجملة خبرية.
وتعلقه بالإبريسم المحرم قطعا لا يفيد، لامكان إرادة مطلق المرجوحية دون
الكراهة حتى يلزم استعمال اللفظ في المجاز والحقيقة.
وأن يبل الخيوط التي يخاط به الكفن بالريق، بلا خلاف، كما يعطيه

(1) المتقدمة في ص 218.
(2) كما أفتى به في المبسوط 1: 176، والوسيلة: 67، والتحرير 1: 18.
(3) النهاية: 31، الإقتصاد: 248، المهذب 1: 59.
(4) يعني به مضمرة ابن راشد المتقدمة في ص 204.
(5) التهذيب 1: 451 / 1465، الإستبصار 1: 211 / 745، الوسائل 3: 42 أبواب التكفين
ب 20 ح 2.
(6) الفقيه 1: 89.
(7) الغنية (الجوامع الفقهية): 563.
(8) تقدم في ص 205.
219

المعتبر (1)، لذلك وإن لم يعلم مستند آخر. لا بغيره، للأصل الخالي عن مطلق
المعارض ولو فتوى فقيه.
وأن يتخذ الأكمام للقميص المبتدأ دون الملبوس، بل المستحب فيه قطع
أزراره.
وعن الأصحاب: القطع بالأحكام الثلاثة.
وتدل عليها مرسلة ابن سنان: الرجل يكون له القيمص أيكفن فيه؟ قال:
" يقطع أزراره " قلت: وكمه؟ قال: " لا، إنما ذلك إذا قطع له وهو جديد لم يجعل
له كما، فأما إذا كان ثوبا لبيسا فلا يقطع منه إلا الأزرار " (2).
وعلى خصوص الثالث: صحيحة ابن بزيع: سألت أبا جعفر (عليه السلام)
أن يأمر لي بقميص أعده لكفني، فبعث به إلي، فقلت: كيف أصنع؟ فقال:
" انزع أزراره " (3).
ومقتضاها وجوب القطع، فالقول به متعين إلا أن ثبت إجماع على عدمه،
وهو مشكل.
وليس في عدم ذكره فيما ورد في خبري ابن سنان وعيسى، المرويين في
العلل، وخبر ابن ربعي عن ابن عباس، المروي في المجالس من إن رسول الله (صلى
الله عليه وآله) كفن فاطمة بنت أسد في قميصه (4)، ولم يتعرض فيها لقطع الأزرار،
دلالة على عدم القطع، وإن الغرض ذكر تشريفه لها بقميصه لا بيان الأحكام.
وأن يجمر (5) الأكفان بالدخنة الطيبة، للنهي عنه في المستفيضة (6).

(1) المعتبر 1: 289.
(2) التهذيب 1: 305 / 886، الوسائل 3: 51 أبواب التكفين ب 28 ح 2.
(3) التهذيب 1: 304 / 885، الوسائل 3: 50 أبواب التكفين ب 28 ح 1.
(4) علل الشرائع: 469 / 32، 31، مجالس الصدوق: 258 / 14، الوسائل 3: 48، 49 أبواب
التكفين ب 26 ح 2، 3، 4.
(5) جمر ثوبه: بخره (المصباح المنير: 108).
(6) انظر الوسائل 3: 17 أبواب التكفين ب 6.
220

ويحمل على الكراهة، لصحيحة ابن سنان: " لا بأس بدخنة كفن الميت " (1)
المجوزة لها الغير المنافية للكراهة.
وأن يتبع الجنازة بالمجمرة، للتصريح به في المعتبرة (2).
وأن يطيب بغير الكافور والذريرة، لرواية محمد: " ولا تمسحوا موتاكم
بالطيب إلا بالكافور " (3) وفي الخبر: " رأيت جعفر بن محمد (عليهما السلام) ينفض
بكمه المسك من الكفن ويقول: هذا ليس من الحنوط في شئ " (4) وفي المرسل:
" ولا يحنط بمسك " (5).
وعن الغنية (6) وبعض آخر (7): المنع، وفي شرح القواعد للكركي: إنه
المشهور (8)، لظاهر النهي.
ويدفع بالمعارضة مع مرسلة الفقيه: هل يقرب إلى الميت المسك والبخور؟
قال: " نعم " (9).
ومع ذلك فالترك أحوط، لكون الجواز بل الاستحباب مذهب العامة بل
شعارهم، كما صرح به الأصحاب (10)

(1) التهذيب 1: 295 / 867، الإستبصار 1: 209 / 738، الوسائل 3: 20 أبواب التكفين ب 6
ح 13.
(2) راجع الرقم (6) ص 220.
(3) الكافي 3: 147 الجنائز ب 22 ح 3، التهذيب 1: 295 / 863، الإستبصار 1: 209 / 735،
الوسائل 3: 18 أبواب التكفين ب 6 ح 5.
(4) قرب الإسناد: 162 / 590، الوسائل 3: 19 أبواب التكفين ب 6 ح 11.
(5) الكافي 3: 147 الجنائز ب 21 ح 2، التهذيب 1: 322 / 937، الوسائل 3: 18 أبواب
التكفين ب 6 ح 11،
(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 563.
(7) كالشرائع 1: 39، والقواعد 1: 19، والدروس 1: 108.
(8) جامع المقاصد 1: 387.
(9) الفقيه 1: 93 / 426، الوسائل 3: 19 أبواب التكفين ب 6 ح 9.
(10) كالحدائق 4: 54، والرياض 9: 63. وانظر من كتب العامة: المغني 2: 337 وبدائع الصنائع
1: 307.
221

وفي صحيحة ابن سرحان: قال الصادق (عليه السلام) في كفن الحذاء: " إنما
الحنوط الكافور، ولكن اذهب فاصنع كما يصنع الناس " (1).
ومنه يظهر الجواب عن استدلال الصدوق (2) على الاستحباب - كما نقل
عنه - بالمرسل المذكور، وخبر غياث عن الصادق (عليه السلام): " إن أباه كان يجمر
الميت العود فيه المسك " (3) وما روى من تحنيط النبي (صلى الله عليه وآله) بمثقال
مسك سوى الكافور (4).
مضافا إلى عدم دلالة الأول على الزائد على الجواز، والأخير على
الاستحباب في حق غيره (صلى الله عليه وآله)، لاحتمال الاختصاص، كما جوز جمع
من الأصحاب (5).
وأن يكتب عليه بالسواد، كما عن كتب الفاضلين (6)، وعن المقنعة والنهاية
والمبسوط والاقتصاد والمصباح (7)، ومختصره، والمراسم (8)، والوسيلة والجامع (9)،

(1) الكافي 3: 146 الجنائز ب 19 ح 13، التهذيب 1: 436 / 1404، الوسائل 3: 18 أبواب
التكفين ب 6 ح 7.
(2) قال في الفقيه 1: 91 يكره أن يجمر أو يتبع بمجمرة ولكن يجمر الكفن... ثم قال - بعد إيراد
أحكام وروايات في التكفين والتحنيط - في ص 93: وروى أنه (صلى الله عليه وآله) حنط بمثقال
مسك سوى الكافور... ثم أورد بعد نقل روايات المرسلة المذكورة، ولم يرو خبر غياث ولم
يسدل به كما يظهر من المتن.
(3) التهذيب 1: 295 / 865، الإستبصار 1: 210 / 739، الوسائل 3: 20 أبواب التكفين ب 6
ح 14.
(4) الفقيه 1: 93 / 422.
(5) كما جوزه في كشف اللثام 1: 121، والرياض 1: 62.
(6) المعتبر 1: 290، الشرائع 1: 40، النافع: 13، القواعد: 19، التحرير: 18، التذكرة 1:
45.
(7) المقنعة: 78، النهاية: 32، المبسوط 1، 177، الإقتصاد: 248، مصباح المتهجد: 18.
(8) نقله في كشف اللثام 1: 121 ولم نعثر عليه في المراسم.
(9) الوسيلة 67، الجامع: 54.
222

وغيرها (1)، مع التصريح بالمنع في بعضها (2). لفتوى تلك الأخيار - وإن لم يكن له
مستند من الأخبار - وإن احتمل شمول النهي عن التكفين في السواد أو في سواد
له.
وعن المفيد: المنع من سائر الأصباغ (3). ولا بأس به.
وأن يقطع الكفن بالحديد؟ لما عن التهذيب من قوله: سمعناه مذاكرة من
الشيوخ وكان عليه عملهم (4). ومثله كاف في مقام التسامح.
الخامسة: ويستحب أن يجعل مع الميت الجريدة، بالاجماع المحقق والمنقول
متواترا في كلام الأصحاب منهم: المدارك واللوامع والحدائق والبحار (5)، وفي
المنتهى: إنه مذهب أهل البيت (6)، والظاهر أنه ضروري المذهب، وهو الحجة
فيه مع الأخبار المستفيضة بل المتواترة معنى.
كصحيحة زرارة: أرأيت الميت إذا مات لم تجعل معه الجريدة؟ فقال:
" يتجافى عنه العذاب والحساب ما دام العود رطبا " (7) الحديث.
. وحسنة البصري: لا في شئ توضع على الميت الجريدة؟ قال: " إنه يتجافى
عنه العذاب ما دامت رطبة " (8) إلى غير ذلك.
والقول بالوجوب - كما هو ظاهر الصدوق في معاني الأخبار (9) - شاذ،

(1) كالدروس 1: 110، وجامع المقاصد 1: 396.
(2) كالمقنعة والنهاية.
(3) المقنعة: 78.
(4) التهذيب 1: 294.
(5) المدارك 2: 108، الحدائق 4: 38، بحار الأنوار 78: 315.
(6) المنتهى 1: 440.
(7) الكافي 3: 152 الجنائز ب 24 ح 4، الفقيه 1: 89 / 410، الوسائل 3: 20 أبواب التكفين
ب 7 ح 1.
(8) الكافي 3: 153 الجنائز ب، 2 ح 7، التهذيب 1: 327 / 955، الوسائل 3: 22 أبواب
التكفين ب 7 ح 7.
(9) معاني الأخبار: 348 باب معنى التحضير.
223

والأخبار غير مفيدة له.
ولتكن اثنتين على الحق المشهور، بل بالاجماع المنقول والمحقق، لعدم
مخالفة غير العماني، للأخبار الآتية المصرحة بالتعدد.
خلافا للمحكي عن العماني (1)، فجعلها واحدة، لخبري يحيى، الآتيين،
وحسنة جميل: عن الجريدة توضع من دون الثياب أو من فوقها؟ فقال: " فوق
القميص دون الخاصرة " فسألته من أي الجانب؟ فقال: " من الجانب الأيمن " (2).
والجواب: أن روايتي يحيى مطلقتان بالنسبة إلى الوحدة والتعدد، فيجب
تقييدهما بأخبار التعدد. بل وكذلك الحسنة، والاقتصار على الأيمن فيها لا يدل
على الوحدة، لجواز وضعهما معا في الأيمن.
ولتكونا خضراوين بالاجماع كما في اللوامع وغيره (3)، لأنه المفهوم من
الروايتين الأوليين.
ولرواية يونس: " ويجعل له قطعتين من جرائد النخل رطبا قدر ذراع، يجعل
له واحدة بين ركبتيه، نصف مما يلي الساق ونصف مما يلي الفخذ، ويجعل الأخرى
تحت إبطه الأيمن " (4).
ويدل عليه قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما في رواية يحيى بن عبادة:
" خضروا أصحابكم فما أقل المخضرين " قال: وما التحضير؟ قال: " جريدة
خضراء توضع من أصل اليدين إلى الترقوة " (5) وروايته الأخرى الآتية (6).
بل لا تجزئ اليابسة، لرواية محمد بن علي: عن السعفة اليابسة إذا قطعها

(1) كما نقل عنه في الرياض 1: 61.
(2) الكافي 3: 154 الجنائز ب 24 ح 13، الوسائل 3: 26 أبواب التكفين ب 10 ح 3.
(3) كالخلاف 1: 704، والمنتهى 1: 440.
(4) الكافي 3: 143 الجنائز ب 19 ح 1، الوسائل 3: 32 أبواب التكفين ب 14 ح 3.
(5) الكافي 3: 152 الجنائز ب 24 ح 2، الفقيه 1: 88 / 408، الوسائل 3: 26 أبواب التكفين
ب 10 ح 1.
(6) في ص 226.
224

بيده هل يجوز للميت أن توضع معه في حفرته؟ فقال: " لا يجوز اليابس " (1)
وعن طائفة من كتب اللغة كالعين، والمحيط، وتهذيب اللغة (2) اعتبار
الرطوبة في المفهوم.
من النخل، بلا خلاف، كما هو صريح رواية يونس، المتقدمة والمستفاد من
ظواهر الأخبار، بل يستفاد منها كون الجريدة حيث يطلق يومئذ حقيقة في المتخذ
منه.
فإن لم يوجد منه فمن السدر، فإن لم يوجد فمن الخلاف، وفاقا للأكثر،
لرواية سهل: إن لم يقدر على الجريدة؟ فقال: " عود السدر " قيل: فإن لم يقدر على
السدر؟ فقال: " عود الخلاف " (3).
ثم إن لم يوجد الخلاف فمن كل شجر رطب، لمرسلة الفقيه: الرجل يموت
في بلاد ليس فيها نخل، فهل يجوز مكان الجريدة شئ من الشجر غير النخل - إلى
أن قال -: فأجاب (عليه السلام): " يجوز من شجر آخر رطب " (4).
والرضوي: " فإن لم يقدر على جريدة من النخل فلا بأس بأن يكون من
غيره بعد أن يكون رطبا " (5).
وظاهرهما وإن اقتضى بدليته عن النخل أولا كما عن الفقيه (6)، والخلاف

(1) التهذيب 1: 432 / 1381، الوسائل 3: 25 أبواب التكفين ب 9 ح 1.
(2) العين 6: 76، وتهذيب اللغة 10: 639.
(3) الكافي 3: 153 الجنائز ب 24 ح 10، التهذيب 1: 4 29 / 859، الوسائل 3: 24 أبواب
التكفين ب 8 ح 3.
(4) الفقيه 1: 88 / 407، الوسائل 3: 24 أبواب التكفين ب 8 ح 1، ولا يخفى أن الرواية نقلها
الصدوق عن علي بن بلال وله إليه طريق مذكور في مشيخة الفقيه 4: 21. فتوصيفها بالمرسلة
ليس على ما ينبغي.
(5) فقه الرضا: 168، المستدرك 2: 214 أبواب التكفين ب 7 ح 1.
(6) الفقيه 1: 88 وفي (ق) و (ه‍): زبالة: والفاخر. وهو كتاب الجعفي ونقل عنه في البحار 78:
315.
225

والسرائر والذكرى (1)، والكامل، إلا أنهما لأعميتهما من الرواية المتقدمة مطلقا،
يجب تقييدهما بها، كما يجب تقييدها برواية علي بن إبراهيم: (يجعل بدلها عود
الرمان) (2) فيقدم الرمان على غير السدر والخلاف، كما عن البيان، والدروس (3)،
واللمعة (4). بل ظاهرها بدلية الرمان عن النخل مطلقا، فيعارض الرواية السابقة
بالعموم من وجه، إلا أن الشهرة بل عدم قول بتقديم الرمان عليهما أوجب ترجيح
ما تضمنهما على ما تضمنه.
وحكي عن المفيد والديلمي (5) وجماعة (6) - كما في البحار (7) - تقديم الخلاف
على السدر، ولا أعلم مستندهما. وربما قيل بالتخيير بعد النخل بين السدر
والخلاف ثم الرمان (8).
ويستحب أن يكونا بقدر عظم الذراع، كما عن المشهور؟ للرضوي:
(وروي أن الجريدتين كل واحدة قدر عظم ذراع) (9).
ولعلهم حملوا عليها الذراع في رواية يونس، السابقة (10)، ورواية يحيى بن
عبادة: " تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع فتوضع - وأشار بيده - من عند ترقوته إلى

(1) الخلاف 1: 704، السرائر 1: 164، الذكرى: 49.
(2) الكافي 3: 154 الجنائز ب 24 ح 12، التهذيب 1: 294 / 861، الوسائل 3: 25 أبواب
التكفين ب 8 ح 4.
(3) البيان: 72، الدروس 1: 109.
(4) المستفاد من اللمعة (الروضة 1): 133: التخيير بين النخل وكل شجر رطب، نعم قال به الشهيد
الثاني في شرح اللمعة 1: 133.
(5) المقنعة: 75، المراسم: 48.
(6) منهم ابن سعيد في الجامع: 53.
(7) بحار الأنوار 78: 315.
(8) كما نفي عنه البعد في بحار الأنوار.
(9) فقه الرضا: 168، المستدرك 2: 215 أبواب التكفين ب 8 ح 1.
(10) في ص 224.
226

يده، تلف مع ثيابه " (1).
لأنها المعنى الحقيقي للذراع - كما قيل (2) - والأصل عدم النقل.
ولا تنافيه حسنة جميل: " الجريدة قدر شبر توضع واحدة من عند الترقوة إلى
ما بلغت مما يلي الجلد، والأخرى في الأيسر من عند الترقوة إلى ما بلغت من فوق
القميص " (3).
لأن عظم الذراع أيضا قدر شبر تقريبا.
وأما التقدير بأربع أصابع فما فوقها - كما عن العماني (4) - فكأنه مستنبط من
رواية يحيى بن عبادة، الأولى (5). وفيه تأمل.
ثم الظاهر جواز الزيادة عما ذكر والنقيصة ما دام صدق الجريدة، إذ يعتبر
فيها طول، لاطلاق بعض الروايات وعدم ثبوت الوجوب من المقيدات.
ثم إنه يحصل الامتثال بوضعهما مع الميت كيف كان - ولو اختيارا - على
الأظهر، وفاقا للمعتبر وشرح القواعد للكركي (6)، لمطلقات وضعهما للميت
وضعة، وعدم ثبوت دلالة المقيدات على لزوم التقيد وتعينه، مضافا إلى خصوص
رواية البصري: عن الجريدة توضع في القبر، فقال: " لا بأس " (7).
ويستحب أن تجعل إحداهما على الأيمن والأخرى على الأيسر كما هو - في

(1) الكافي 3: 152 الجنائز ب 24 ح 3، التهذيب 1: 308 / 396، الوسائل 3: 27 أبواب
التكفين ب 10 ح 4.
(2) كشف اللثام 1: 117.
(3) الكافي 3: 152 الجنائز ب 24 ح 5، التهذيب 1: 309 / 897، الوسائل 3: 26 أبواب
التكفين ب 10 ح 2.
(4) كما نقل عنه في المختلف: 44.
(5) المتقدمة في ص 224.
(6) المعتبر 1: 288، جامع المقاصد 1: 392.
(7) الكافي 3: 153 الجنائز ب 24 ح 9، التهذيب 1: 328 / 958، الوسائل 3: 28 أبواب
التكفين ب 11 ح 3.
227

طريقة وضعهما - الأشهر، بل عليه غير الجعفي ممن تقدم أو تأخر، لرواية
الفضيل: (توضع للميت جريدتان واحدة في الأيمن والأخرى في الأيسر) (1)
وحسنة جميل، المتقدمة (2).
أو تجعل إحداهما في الأيمن والأخرى بين الركبتين، كما عن الجعفي (3)،
لرواية يونس، السابقة (4)، وقريب منها الرضوي (5).
وإن كان الأول أولى، للأشهرية. ولا يتعين على الأقوى، للأصل.
ثم على الأول تجعل اليمنى عند الترقوة بين الجلد والقميص، واليسرى
عندها بين القميص واللفافة، كما في الحسنة.
أو الأولى كما ذكر، والثانية عند وركه؟ للرضوي: (واجعل معه جريدتين
إحداهما عند ترقوته تلصقها بجلده، ثم تمد عليه قميصه، والآخر عند وركه) (6).
ولا يتعين الأول، كما ذهب إليه الأكثر ومنهم الصدوق في المقنع (7)، وإن
كان أفضل، لأنه الأشهر.
ولا الثاني، كما عن الصدوق في الفقيه (8) ووالده (9)، للأصل، وعدم دلالة
الروايات على اللزوم، بل الظاهر عدم إرادة القوم فيما اختاروه أيضا سوى بيان
الأفضل.
وأما جعل اليمنى عند الحقو على الجلد، واليسرى على الإزار، كما عن

(1) الكافي 3: 153 الجنائز ب 24 ح 6، الوسائل 3: 27 أبواب التكفين ب 10 ح 6.
(2) في ص 227.
(3) كما نقل عنه في الذكرى: 49.
(4) في ص، 224.
(5) المتقدم في ص 225.
(6) فقه الرضا: 168، المستدرك 2: 213 أبواب الكفن ب 6 ح 1.
(7) المقنع: 19.
(8) الفقيه 1: 91.
(9) نقل عنه في المختلف: 44.
228

الاقتصاد والمصباح (1)، ومختصره، أو وضعهما كالمشهور، إلا أن اليسرى تحت اليد
كما عن المراسم (2)، فلا دليل عليه بخصوصه.
كل ذلك مع عدم المانع من تقية أو غيرها ولو كان نسيانا. ومعه توضع
حيث أمكن - ولو في القبر - قولا واحدا، للمستفيضة كمرفوعة سهل: ربما
حضرني من أخافه، فلا يمكن وضع الجريدة على ما رويناه. فقال: " أدخلها
حيث ما أمكن " (3) ونحوها غيرها بزيادة: " لأن وضعت في القبر فقد أجزأه " (4).
وفي مكاتبة أحمد بعد السؤال عن حضور المرجئة: " وأما الجريدة فليستخف
بها ولا يرونه، وليجهد في ذلك جهده " (5).
وفي مرسلة الفقيه: " مر رسول الله صلى الله عليه وآله على قبر يعذب
صاحبه، فدعا بجريدة فشقها نصفين، فجعل واحدة عند رأسه والأخرى عند
رجليه، (6).
ويحتمل أن يكون المراد بالشق فيها القطع، فلا يثبت معها ما استحبه

(1) الإقتصاد: 249، مصباح المتهجد: 19.
(2) المراسم: 49.
(3) الكافي 3: 153 الجنائز ب 24 ح 8، التهذيب 1: 327 / 956، الوسائل 3: 28 أبواب
التكفين ب 11 خ 1.
(4) التهذيب 1: 328 / 957، الوسائل 3: 28 أبواب التكفين ب 11 ح 2.
(5) التهذيب 1: 448 / 1451، الوسائل 3: 23 أبواب التكفين ب 7 ح 9 والمرجئة بغير تشديد من
الارجاء بمعنى التأخير، وفي معنى الكلمة أقوال مختلفة ولا يبعد أن يكون الخبر ما فسره في المقالات
والفرق: 5 قال ما لفظه: فلما قتل علي عليه السلام التقت الفرقة التي كانت معه والفرقة التي كانت
مع طلحة والزبير وعائشة فصاروا فرقة واحدة مع معاوية بن أبي سفيان إلا القليل منهم من شيعته
ومن قال بإمامته بعد النبي صل الله عليه وآله، وهم السواد الأعظم وأهل الحشو واتباع الملوك
وأعوان كل من غلب أعني الذين التقوا مع معاوية فسموا جميعا المرجئة... وانظر أيضا مقباس
الهداية 2: 369.
(6) الفقيه 1: 88 / 405، الوسائل 3: 28 أبواب التكفين ب 11 ح 4.
229

بعضهم (1) من الشق.
وبعضهم استحب وضع القطن عليها (2)، وكأنه لاستبقاء الرطوبة.
وينافيه ما مر به من الالصاق بالجلد، فالترك أولى.
وذكر الأكثر - ومنهم الصدوق في الهداية (3) - استحباب كتابة الشهادة
بالتوحيد، عنه عليهما، بل زادوا الشهادة بالرسالة والإمامة للأئمة بأسمائهم
المقدسة.
ولا نص عليه بخصوصه، إلا أن الشهرة العظيمة، وتصريح الأجلة،
وطلب اليمن والبركة كافية في الاثبات؟ للمسامحة.
وهل يختص استحباب الجريدتين بالمكلف، كما يوهمه ظاهر التعليل
بمنعهما عن العذاب؟ أو لا، كما يقتضيه اطلاق الأخبار وظاهر فتاوى
الأصحاب، فتوضعان لكل ميت حتى الصغير والمجنون؟
الظاهر: الثاني، لما مر، وإفادتهما في حق غير المكلف لدفع الوحشة،
وحصول الأنس الذي هو أيضا علة أخرى كما يستفاد من بعض الروايات (4). بل
الوحشة أيضا نوع عذاب غير مخصوص بالمكلفين.
السادسة: يستحب أن يضع في يمين الميت مع الجريدة كتابا يكتب فيه
إقراره في حياته، وتستشهد بما فيه جماعة، على ما ذكره الشيخ في المصباح (5)، بل
رواه، كما في المنتهى (6). وهو كاف في إثبات استحبابه.
وطريقه على ما ذكره أن يهيئه كل أحد في حياته، فيقول قبل أن يكتب:

(1) لم نعثر على شخصه، وقال في البحار 78: 315: واستحباب الشق كما ذكره بعض الأصحاب
غير ثابت.
(2) الذكرى: 49، المسالك 1: 14، المدارك 2: 112.
(3) الهداية: 23.
(4) انظر الوسائل 3: 23 أبواب التكفين ب 7 ح 10.
(5) مصباح المتهجد: 17.
(6) لم نعثر عليه في المنتهى.
230

" بسم الله الرحمن الرحيم أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا
عبده ورسوله وإن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية " لا رب فيها وأن الله
يبعث من في القبور ".
ثم يكتب: " بسم الله الرحمن الرحيم شهد الشهود المسمون في هذا الكتاب
أن أخاهم في الله عز وجل فلان بن فلان - ويذكر اسم الرجل - أشهدهم
واستودعهم وأقر عندهم أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا
عبده ورسوله، وأنه مقر بجميع الأنبياء والرسل عليهم السلام، وأن عليا ولي الله
وإمامه، وأن الأئمة من ولده أئمته، وأن أولهم الحسن والحسين عليهما السلام وعلي
ابن الحسين عليه السلام ومحمد بن علي عليه السلام وجعفر بن محمد عليه السلام
وموسى بن جعفر عليه السلام وعلي بن موسى عليه السلام ومحمد بن علي عليه
السلام وعلي بن محمد عليه السلام والحسن بن علي عليه السلام والقائم الحجة
عليه السلام، وأن الجنة حق، والنار حق، والساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله
يبعث من في القبور، وأن محمدا صلى الله علية وآله وسلم رسوله جاء بالحق، وأن
عليا عليه السلام ولي الله والخليفة من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ومستخلفه في أمته مؤديا لأمر ربه تبارك وتعالى، وأن فاطمة بنت رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم وابنيها الحسن والحسين عليهما السلام ابنا رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم وسبطاه وإماما الهدى وقائدا الرحمة، وإن عليا عليه السلام ومحمدا
وجعفرا وموسى وعليا ومحمدا وعليا وحسنا والحجة عليهم السلام أئمة وقادة ودعاة
إلى الله عز وجل وحجة على عباده ".
ثم يقول للشهود: يا فلان ويا فلان المسمين في هذا الكتاب أثبتوا لي هذه
الشهادة عندكم حتى تلقوني بها عند الحوض، ثم يقول الشهود يا فلان:
(نستودعك الله، والشهادة والإخاء والاقرار لمودوعة عند رسول الله صلى الله عليه
وآله، ونقرأ عليك السلام ورحمة الله وبركاته).
ثم تطوى الصحيفة وتطبع وتختم بخاتم الشهود وخاتم الميت ويوضع عن
231

يمين الميت مع الجريدة.
وتكتب الصحيفة بكافور وعود على جهة غير مطيب، أي يؤخذ العود مكان
القلم من غير أن يبرى أو يلطخ بشئ ومن غير أن يطيب هذا.
ويستفاد من بعض الأخبار غفران الميت بشهادة أربعين رجلا بعد موته بأن
يقولوا: " إنا لا نعلم منه إلا خيرا فاغفر له " (1) وأما كتابة تلك الشهادة بعد الموت،
فلا دليل عليها.
السابعة: الكفن الواجب للميت غير المرأة ذات البعل يؤخذ من أصل
تركته، مقدما على الديون والوصايا، باجماع الطائفة كما صرح به جماعة (2)، ونفى
عنه الخلاف في المنتهى وشرح القواعد (3) وغيرهما، لاستفاضة النصوص.
منها: صحيحة زرارة: عن رجل مات وعليه دين وخلف قدر ثمن كفنه،
قال: " يجعل ما ترك في ثمن كفنه إلا أن يتجر عليه إنسان يكفنه ويقضي دينه مما
ترك " (4).
وخبر السكوني: " أول شئ يبدأ به من المال الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم
الميراث " (5) وروى نحوه في الدعائم عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام (6).
ومقتضى اطلاق الأخبار وفتاوى علمائنا الأخيار: تقديمه على حق المرتهن
وغرماء المفلس، لعدم خروج المال عن الملك.
وتردد في المرهون وفي حق المجني عليه في شرح القواعد (7)، لاقتضائهما
الاختصاص.

(1) انظر الوسائل 3: 285 أبواب الدفن ب 90.
(2) التذكرة 1: 44 الذكرى: 50، روض الجنان: 109.
(3) المنتهى 1: 442، جامع المقاصد 1: 400.
(4) الكافي 7: 23 الوصايا ب 17 ح 2، 3، الفقيه 4: 143 / 492، 488، التهذيب 9:
171 / 697، 698 الوسائل 19: 328، 329 أبواب الوصايا ب 27 ح 2، و ب 28 ح 1.
(5) الكافي 7: 23 الوصايا ب 17 ح 2، 3، الفقيه 4: 143 / 492، 488، التهذيب 9:
171 / 697، 698 الوسائل 19: 328، 329 أبواب الوصايا ب 27 ح 2، و ب 28 ح 1.
(6) دعائم الاسلام 1: 298.
(7) جامع المقاصد 1: 401.
232

وهو اجتهاد في مقابلة الأخبار، إلا أن يستشكل في شمولها لهما لشيوع
غيرهما، وانصراف المطلق إلى الشائع.
والمندوب مع الوصية يكون من الثلث. وبدونها يتوقف اخراجه عن التركة
على إجازة الورثة إن كانوا جميعا من أهلها بعد اخراج الديون، لأصالة عدم تعلقه
بالمال. وتستحب لهم الإجازة، كما تستحب على سائر المطلعين من المكلفين
كفاية، لتوقف التكفين المستحب كذلك عليه، واستحباب مقدمة المستحب.
وكذا الكلام في الوصف المندوب للواجب من الجودة ونحوها، فيتوقف
اخراج الأجود بل الجيد على إجازة الوارث.
والمخرج من التركة ليس إلا الأدون مما يصدق عليه الاسم، إلا أن يبلغ
حدا انصرفت الاطلاقات إلى غيره.
واحتمال مراعاة القصد في الجنس بحسب حال الميت في الاخراج عن التركة
لا دليل عليه، والقياس على بعض ما روي فيه ذلك باطل، وشهادة العرف به
ممنوعة.
والكفن الواجب لذات البعل على بعلها ولو كانت موسرة إذا كان موسرا ولو
بإرثه من تركتها، اجماعا كما في المدارك (1) واللوامع، وعن صريح الخلاف ونهاية
الإحكام (2)، وظاهر المعتبر والمنتهى والتذكرة والذكرى (3).
لخبر السكوني، ومرسلة الصدوق المنجبر ضعفها - لو كان - بما ذكر.
الأول: " على الزوج كفن امرأته إذا ماتت " (4).
والثاني: " كفن المرأة على زوجها إذا ماتت " (5).

(1) المدارك 2: 117.
(2) الخلاف 1: 708، نهاية الإحكام 2: 247.
(3) المعتبر 1: 307، المنتهى 1: 442، التذكرة 1: 44، الذكرى: 50.
(4) التهذيب 1: 445 / 1439، الوسائل 3: 54 أبواب التكفين ب 32 ح 2.
(5) الفقيه 4: 143 / 491، الوسائل 3: 54 أبواب التكفين ب 32 ح 1.
233

ومقتضى إطلاقهما كفتاوى الأصحاب عدم الفرق بين الصغيرة والكبيرة،
المدخول بها وغيرها، المطيعة والناشزة، والدائمة والمنقطعة، وإن كان الشمول
للأخيرة محل نظر وتأمل، بل قد ينظر في الناشزة أيضا، لعدم انصراف الإطلاق
إلى نحوها.
وفيه: أن الموجب للنظر انصرافه إلى غيرها بحيث يتبادر، وهو ممنوع.
وكذا إن كان معسرا، وفسروه بأن لا يفضل ماله عن قوت يومه وليلته له
ولعياله وما يستثنى في دينه، إذا أمكن له - على الأظهر - كما احتمله في المدارك (1)،
للإطلاق.
ودعوى غلبة إيساره وانصراف المطلق إلى الغالب باطلة، لمنع الغلبة الموجبة
للتبادر.
ولو لم يمكن له كفنت من تركتها، لتقييد التكاليف بالامكان قطعا، فتبقى
إطلاقات كون الكفن على التركة في حق مثل هذه خالية عن المخصص.
ولو لم يكن لها أيضا مال تكون كغيرها من فاقدي الكفن، كما يأتي.
ولو ماتا معا لم يجب كفنها عليه، لخروجه عن التكليف، فلا يشمله النص.
ولو مات بعدها وجب من تركته، لسبق التعلق.
ولو أوصت الموسرة بكفنها نفذت من الثلث، لعمومات الوصية. وسقط
عنه.
وفي إلحاق سائر المؤن الواجبة بالكفن - كالأكثر (2) - إشكال، والأصل
يدفعه.
ولا يلحق بالزوجة غيرها ممن تجب نفقته، للأصل. إلا المملوك، فإن كفنه
ومؤن تجهيزه على مولاه بالاجماع.

(1) المدارك 2: 118.
(2) أي: كما ألحقها أكثر الفقهاء.
234

الثامنة: لو لم يكن للميت تركة تفي بكفنه يكفن من الزكاة وجوبا، على
الأظهر، وفاقا للمنتهى والكركي والأردبيلي (1) ووالدي - رحمه الله - في اللوامع،
وعن جمع آخر.
لموثقة فضل: ما ترى في رجل من أصحابنا يموت ولم يترك ما يكفن به
أشتري له كفنه من الزكاة؟ فقال: " أعط عياله من الزكاة قدر ما يجهزونه،
فيكونون هم الذين يجهزونه " قلت: فإن لم يكن له ولد ولا أحد يقوم بأمره فاجهزه
أنا من الزكاة؟ قال: " إن أبي كان يقول: حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا، فوار بدنه
وعورته، وجهزه وكفنه وحنطه، واحتسب بذلك من الزكاة، (2).
واستحبابا عند جماعه (3)، للأصل المندفع بالأمر الذي هو حقيقة في
الوجوب.
ولو لم توجد الزكاة أيضا فالمصرح به في كلام الأصحاب أنه لا يجب على
المسلمين بذله - وإن استحب لمرغبات التكفين - بل يدفن بلا كفن، وفي المدارك:
إن هذا مما ليس خلاف فيه بين العلماء (4)، وفي اللوامع: الاجماع عليه، للأصل،
وعدم الدليل.
أقول: إن ثبت الاجماع، وإلا فيدفع الأصل بوجوب التكفين من غير شرط
- لأصالة عدم الاشتراط - كفاية على كل أحد، وهو يتوقف على بذله الكفن،
ومقدمة الواجب المطلق واجبة.
ومنع وجوبه المطلق لأنه يثبت بالاجماع الغير الثابت منه إلا المشروط،

(1) المنتهى 1: 442، جامع المقاصد 1: 402، مجمع الفائدة 1: 200.
(2) التهذيب 1: 445 / 1440، قرب الإسناد: 312 / 1216، الوسائل 3: 55 أبواب التكفين
ب 33 ح 1.
(3) انظر الجامع: 57 (فيظهر من كلامه الاستحباب)، الحدائق 4: 66 قال: ويجوز...، وفي كشف
اللثام 1: 122 قال: ويحتمل الاستحباب.
(4) المدارك 2: 119.
235

يندفع بعدم اختصاص دليله بالاجماع.
بل يدل عليه نحو قوله: " الكفن فريضة للرجال ثلاثة أثواب، (1) فإن
المفروض عليه ليس الميت ولا أحد بخصوصه اجماعا، فمعناه: الكفن - أي
وضعه - فريضة على كل أحد من المسلمين كفاية...
ثم لو وفت التركة ببعض القطع، أو لم يوجد إلا البعض يكتفي بما يوجد
من ثوبين أو واحد جوازا إجماعا، ووجوبا عند الأكثر، بل غير شاذ ممن تأخر (2)،
لأصالة بقاء وجوب ما يمكن، حيث إنه يجب كل قطعة بأمر منفرد، والأصل عدم
الارتباط والاشتراط، فيمتثل ما تيسر. مبتدئا من اللفافة، ثم القميص، ثم المئزر
على القول به. كذا رتب في شرح القواعد (3) وغيره. ولي في وجوبه نظر.
ولو وجد بعض ثوب لم يجب على الأظهر ما زاد على ساتر العورة الواجب
مطلقا إجماعا، للأصل، وكون وجوبه تبعيا ساقطا بسقوط متبوعه، وعدم دلالة
مثل " الميسور لا يسقط بالمعسور " (4).
ولو وجد الكفن الممنوع منه، فإن كان منعه لاطلاق كالحرير والمغصوب،
اتجه المنع هنا أيضا، للاطلاق. وتخصيصه بحال الاختيار للانصراف إليه غير
جيد. وإن كان للاجماع كالنجس، اتجه الجواز بل الوجوب، لاختصاصه بصورة
وجود غيره.
ولو كان هناك كفن وميتان، فإن اختص بأحدهما يكفن به، وإلا تخير.
وعن المعتبر الميل إلى جعلهما في كفن (5).

(1) التهذيب 1: 291 / 851، الوسائل 3: 8 أبواب التكفين ب 2 ح 7.
(2) قال في الحدائق 4: 14: وأما الوجوب فمحل إشكال.
(3) جامع المقاصد 1: 401.
(4) غوالي اللآلي 4: 58 وفيه: لا يترك الميسور بالمعسور.
(5) المعتبر 1: 331.
236

ولم تثبت مشروعيته، وفعل النبي (صلى الله عليه وآله) كذلك في قتلى أحدا (1)
غير ثابت.
التاسعة: وما سقط من الميت من شعر أو ظفر أو لحم أو غيرها يجب جعله
في كفنه على الأظهر الأشهر، بل عليه الاجماع في المدارك (2) واللوامع وعن التذكرة
ونهاية الإحكام (3)، لمرسلة ابن أبي عمير: " وإن سقط منه شئ فاجعله في
كفنه " (4).
خلافا للمحكي عن الجامع (5)، فقال باستحبابه. وصريح الأمر الوارد في
الخبر المنجبر بما ذكر - مع حجيته في نفسه - يدفعه.
وهل يجب غسله؟ صرح في شرح القواعد (6) واللوامع، مدعيا عليه في
الأخير الاجماع، لخبر البصري: عن الميت يكون عليه الشعر فيحلق عنه أو يقلم،
قال: " لا يمس منه شئ اغسله وادفنه " (7).
ولم يذكره في الشرائع والمنتهى والقواعد (8). والأصل يقتضي العدم، والخبر
المذكور لا يثبته، لجواز كون المرجع في ضميري " اغسله وادفنه " الميت.
العاشرة: لو خرجت من الميت نجاسة ولقيت كفنه، فقبل وضعه في القبر
يغسل، وبعده يقرض مطلقا، وفاقا للشرائع والنافع والمنتهى والقواعد (9)، وعن

(1) انظر سنن ابن ماجة 1: 485، وسنن أبي داود 3: 195 / 3136.
(2) المدارك 2: 121.
(3) التذكرة 1: 45، نهاية الإحكام 2: 250.
(4) الكافي 3: 155 الجنائز ب 27 ح 1، التهذيب 1: 323 / 940، الوسائل 2: 500 أبواب غسل
الميت ب 11 ح 1.
(5) الجامع: 51.
(6) جامع المقاصد 1: 403.
(7) الكافي 3: 156 الجنائز ب 27 ح 4، التهذيب 1: 942 / 323، الوسائل 2: 500 أبواب غسل
الميت ب 11 ح 3.
(8) انظر الشرائع 1: 41، المنتهى 1: 431، القواعد 1: 19.
(9) الشرائع 1: 41، النافع: 15، المنتهى 1: 431، القواعد 1: 18.
237

الصدوقين (1)، والحلي (2)، بل عن الأكثر كما في المدارك والبحار (3) واللوامع.
للرضوي المنجبر ضعفه بالشهرة المحكية: " فإن خرج منه شئ بعد الغسل
فلا تعد الغسل، ولكن اغسل ما أصاب من الكفن إلى أن تضعه في لحده، فإن
خرج منه شئ في لحده لم تغسل كفنه، ولكن قرضت من كفنه ما أصاب من الذي
خرج منه، ومددت أحد الثوبين على الآخر " (4).
وبه تخصص إطلاقات الغسل، المتقدمة في بحث الغسل (5)، ومطلقات
القرض كحسنة الكاهلي: " إذا خرج من منخر الميت ألدم أو الشئ بعد الغسل
فأصاب العمامة أو الكفن قرض بالمقراض " (6). وبمعناها مرسلة ابن أبي عمير (7).
خلافا للكركي (8) والمحكي عن المحقق (9)، فخصصا القرض بعد الوضع
بصورة عدم إمكان الغسل، واستقربه والدي في اللوامع، لحرمة اتلاف المال،
خرج ما إذا لم يمكن الغسل فيبقى الباقي.
ويضعف: بأن الاتلاف قد تحقق، ولذا تراهم يستدلون لحرمة الحرير
والزائد عن القدر المستحب في التكفين: بأنه إضاعة للمال. ومع التسليم فالنص
جوزه، كما في صورة عدم امكان الغسل.
وللمحكي عن الشيخين (10) وبني حمزة والبراج وسعيدا (11) فأطلقوا القرض،

(1) الفقيه 1: 92، ونقله في المختلف 1: 43 عن علي بن بابويه.
(2) السرائر 1: 169.
(3) المدارك 2: 116، بحار الأنوار 78: 295.
(4) فقه الرضا: 169، المستدرك 2: 226 أحكام الكفن ب 19 ح 1 - إلى قوله: خرج منه.
(5) في ص 178، 177.
(6) الكافي 3: 156 الجنائز ب 28 ح 1، 3، التهذيب 1: 449 / 1457، 1458، الوسائل
2: 542 و 543 أبواب غسل الميت ب 32 ح 3 و 4.
(7) الكافي 3: 156 الجنائز ب 28 ح 1، 3، التهذيب 1: 449 / 1457، 1458، الوسائل
2: 542 و 543 أبواب غسل الميت ب 32 ح 3 و 4.
(8) جامع المقاصد 1: 379.
(9) لم نعثر على كلامه هذا ولا على من حكى عنه.
(10) لم نعثر على كلام المفيد. وقال به الشيخ الطوسي في النهاية: 43، والمبسوط 1: 181.
(11) الوسيلة: 65، المهذب 1: 59، الجامع: 52.
238

لاطلاق الحسن والمرسل بعد تقييد مطلقات الغسل بهما، لاختصاصهما بما أصاب
الكفن، وعمومها بالنسبة إليه وإلى الجسد.
وهو كان حسنا لولا الرضوي الذي هو أخص منهما، ولذا يحكم بالقرض
أيضا فيما لم يشمله الرضوي أيضا، وهو ما إذا خرج قبل الوضع وأصابه بعده أو
قبله وعدم بعده.
هذا كله إذا لم تتفاحش النجاسة بحيث يؤدي القرض إلى كشف بدن الميت
وهتكه وعدم إمكان مد الثوب الآخر عليه، وإلا فعن الشهيدين والكركي (1)
سقوط القرض فيغسل إن أمكن، وإلا يسقط هو أيضا. وللمقال فيه مجال.
الحادية عشر: تكفين المحرم كالمحل حتى في تغطية الرأس والوجه، على
الأشهر الأظهر، ونسبه في المنتهى إلى علمائنا (2)، وعن الخلاف الاجماع عليه (3)،
للعمومات المتقدمة والخصوصات الآتية في المبحث الآتي (4).
خلافا للمحكي عن السيد والجعفي والعماني (5)، فأوجبوا كشف الرأس،
وزاد الثاني الرجلين، لاستصحاب حكم الاحرام، ودلالة النهي عن تطييبه على
بقاء احرامه، والنبوي العامي: " ولا تخمروا رأسه " (6)، والاكتفاء في بعض أخبارنا
بتغطية الوجه (7).
ويضعف الأول: بأن حكم الاحرام كان على المحرم نفسه، ولا يمكن
استصحابه، لخروجه بالموت عن التكليف.
والثاني: بمنع الدلالة.

(1) الذكرى: 50، روض الجنان: 110، جامع المقاصد 1: 379.
(2) المنتهى 1: 443.
(3) الخلاف 1: 697.
(4) في ص 249.
(5) نقله في المعتبر 1: 326 عن ابن أبي عقيل وعن السيد المرتضى في شرح الرسالة.
(6) صحيح البخاري 2: 96، صحيح مسلم 2: 865.
(7) انظر الوسائل 2: 503 أبواب غسل الميت ب 13.
239

والثالث: بمنع الحجية.
والرابع: بأنه مفهوم ضعيف، ومع ما أمر بتغطية الرأس معارض.
البحث الرابع: في تحنيطه.
وهو واجب بالاجماع كما في المنتهى (1) واللوامع، وعن الخلاف والتذكرة (2)،
وفي المدارك: إنه المعروف من مذهب الأصحاب (3)، للأمر به في الأخبار الآتية.
وعن ظاهر المراسم الاستحباب (4)، وهو شاذ مردود بالأوامر.
بعد التأزير بالمئزر، ندبا على الظاهر، عند المحكي عن ظاهر المقنعة
والنهاية والمبسوط والوسيلة (5)، وصريح التحرير ونهاية الإحكام والمنتهى
والمراسم (6)، ولعله لخبر يونس الآتي حيث جعل الوضع على القميص بعد
التحنيط.
مع جواز التأخير عن لبس القميص عند الأول والأخيرين، وبعد لبسه
ولبس العمامة عند المهذب (7).
ولعله لظاهر الموثقة وفيها: " ثم القميص، تشد الخرقة على القميص بحيال
العورة والفرج حتى لا يظهر منه شئ، واجعل الكافور في مسامعه وأثر سجوده.

(1) المنتهى 1: 439.
(2) الخلاف 1: 708، التذكرة 1: 44.
(3) المدارك 2: 96.
(4) في كشف اللثام 1: 119 حكى الاستحباب عن ظاهر المراسم. والموجود في المراسم: 49 هكذا:
ثم يأخذ الكافور فيسحقه سحقا بيده ويضعه على مساجده. وهذه العبارة كما ترى غير ظاهرة في
الاستحباب. نعم أتبعها بذكر مستحبات ربما تصير قرينة على إرادة الاستحباب من العبارة
المذكورة، فتأمل ولاحظ مفتاح الكرامة 1: 447.
(5) المقنعة: 78، النهاية: 36، المبسوط 1: 179، الوسيلة: 66.
(6) التحرير 1: 18، نهاية الإحكام 2: 246، المنتهى 1: 439، المراسم: 49.
(7) المهذب 1: 61.
240

منه وفيه، وأقل من الكافور " إلى أن قال: " ثم عممه " (1) الحديث، ولكن
مقتضاها تأخير التعميم.
وقبل التكفين استحبابا عند بعضهم (2)، ووجوبا على ما هو صريح
القواعد (3)، لظاهر خبر يونس وفيه: " ثم اعمد إلى كافور مسحوق، فضعه على
جبهته موضع سجوده، وامسح بالكافور على جميع مفاصله من قرنه إلى قدمه، وفي
رأسه وعنقه ومنكبيه ومرافقه، وفي كل مفصل من مفاصله من اليدين والرجلين،
وفي وسط راحتيه، ثم يحمل فيوضع على قميصه " (4) الحديث.
وصحيحة زرارة: " إذا جففت الميت عمدت إلى الكافور، فمسحت به آثار
السجود ومفاصله كلها، واجعل في فيه ومسامعه ورأسه ولحيته من الحنوط وعلى
صدره وفرجه " وقال: " حنوط الرجل والمرأة سواء، (5).
والمروي في الدعائم: " إذا فرغ من غسل الميت نشف في ثوب، وجعل
الكافور والحنوط في مواضع سجوده جبهته وأنفه ويديه وركبتيه ورجليه، ويجعل
ذلك في مسامعه وفيه ولحيته وصدره " (6).
والرضوي: " إذا فرغت من غسله حنطت بثلاثة عشر درهما وثلث درهم
كافورا يجعل في المفاصل، ولا يقرب السمع والبصر، ويجعل في موضع سجوده
وأدنى ما يجزيه من الكافور مثقال ونصف، ثم يكفن " (7).

(1) التهذيب 1: 305 / 887، الوسائل 3: 33 أبواب التكفين ب 14 ح 4.
(2) قال في الرياض 1: 58، وينبغي الابتداء به قبل الأخذ في التكفين.
(3) القواعد 1: 18.
(4) الكافي 3: 143 الجنائز ب 19 ح 1، التهذيب 1: 306 / 888، الوسائل 3: 32 أبواب
التكفين ب، 1 ح 3.
(5) التهذيب 1: 436 / 1403، الإستبصار 1: 213 / 750، الوسائل 3: 37 أبواب التكفين
في 16 ح 6.
(6) دعائم الاسلام 1: 230، المستدرك 2: 220 أحكام الكفن ب 13 ح 2.
(7) فقه الرضا: 182، المستدرك 2 ج 219 أحكام الكفن ب 13 ح 1.
241

ولا دلالة لشئ منها على الوجوب، بل في دلالة بعضها على التقديم على
التكفين أيضا نظر.
مع أنها معارضة بالرضوي الآخر: " فإذا فرغت من كفنه حنطته بوزن ثلاثة
عشر درهما وثلث من الكافور " (1) وظاهر الموثقة (2).
والظاهر جواز الكل من غير ثبوت رجحان للبعض.
وكيفيته أن يمس بالكافور - وجوبا - مساجده السبعة إجماعا محققا ومحكيا (3)
متكررا، له، وللنصوص المستفيضة الخالية عن المعارض، منها بعض ما تقدم،
ومنها موثقتا البصري وسماعة:
الأولى: عن الحنوط للميت، فقال: " اجعله في مساجده " (4).
والثانية وفيها: " وتجعل شيئا من الحنوط على مسامعه، ومساجده، وشيئا على
ظهر الكفن " (5).
وحسنتا الحلبي وحمران:
الأولى: " إذا أردت أن تحنط الميت فاعمد إلى الكافور فامسح به آثار
السجود منه، ومفاصله كلها، ورأسه، ولحيته، وعلى صدره من الحنوط " وقال:
" حنوط الرجل والمرأة سواء " (6).
والثانية وفيها: فالحنوط كيف أصنع به؟ قال: " يوضع في منخره، وموضع
سجوده، ومفاصله " (7).

(1) فقه الرضا: 168، المستدرك - نفس الموضع -.
(2) موثقة عمار المتقدمة في ص 240.
(3) كما حكاه في الخلاف 1: 703 والغنية (الجوامع الفقهية): 563 والتذكرة 1: 44.
(4) الكافي 3: 146 الجنائز ب 19 ح 15، الوسائل 3: 36 أبواب التكفين ب 16 ح 1.
(5) التهذيب 1: 435 / 1399، الوسائل 3: 35 أبواب التكفين ب 15 ح 2.
(6) الكافي 3: 143 الجنائز ب 19 ح 4، التهذيب 1: 307 / 890، الإستبصار 1: 212 / 746،
الوسائل 3: 32 أبواب التكفين ب 14 ح 1.
(7) التهذيب 1: 447 / 1445، الإستبصار 1: 205 / 723، الوسائل 3: 34 أبواب التكفين
ب 14 ح 5.
242

وصحيحة ابن سنان: كيف أصنع بالحنوط؟ قال: " تضع في فمه،
ومسامعه، وآثار السجود من وجهه ويديه وركبتيه " (1).
ورواية ابن المختار: " يوضع الكافور من الميت على موضع المساجد، وعلى
اللبة، وباطن القدمين، وموضع الشراك من القدمين، وعلى الركبتين والراحتين
والجبهة واللبة " (2).
وندبا طرف الأنف، لرواية الدعائم (3).
وما لا معارض للأمر به، من سائر المواضع المتقدمة في الروايات، لأجلها،
كالصدر ومنه اللبة (4)، وكالمفاصل ومنها المغابن (5) والمرافق والمناكب، وكاليدين
والرأس والعنق واللحية وموضع الشراك وباطن القدمين.
خلافا للمحكي عن الصدوق والمفيد (6)، والعماني (7)، والقاضي
والحلبي (8)، والمنتهى (9)، والمختلف (10) في الأول (11)، فأوجبوه، لما مر، ولعموم
ما دل على تحنيط المساجد، وهو منها.

(1) التهذيب 1: 307 / 891، الإستبصار 1: 212 / 749، الوسائل 3: 37 أبواب التكفين
ب 16 ح 3.
(2) التهذيب 1: 307 / 892، الإستبصار 1: 312 / 747، الوسائل 3: 37 أبواب التكفين
ب 16 ح 5.
(3) المتقدمة في ص 241.
(4) اللبة: المنحر وموضع القلادة.
(5) المغابن: المواضع المنخفضة في الجسم كالآباط.
(6) الفقيه 1: 91، المقنعة: 78.
(7) نقل عنه في المختلف: 43.
(8) المهذب 1: 61، الكافي: 237.
(9) المنتهى 1: 439.
(10) الذي عثرنا عليه في المختلف: 43 تقوية القول بعدم الوجوب فلاحظ.
(11) يعني في طرف الأنف.
243

ويجاب عن الأول: بعدم الدلالة على الوجوب ومنع الحجية.
وعن الثاني: بمنع كونه منها، لجواز أن يكون المراد ما يجب أن يسجد به أو
يسجد إليه.
وعن الأول (1) في الثاني، وعنه (2) وعن الأخير في الثالث والرابع، لورود
الأوامر بها فيما سبق.
ويجاب عنها: بعدم صلاحيتها لاثبات الزائد عن الاستحباب، لمخالفة
الوجوب للشهرة العظيمة الجديدة والقديمة، وهي مخرجة للرواية عن الحجية. بل
موافقة من ذكر لها أيضا غير معلومة، لجواز إرادتهم الاستحباب، كما صرج به في
روض الجنان والروضة (3) في مخالفة الصدوق، ووالدي - رحمه الله - في مخالفة
بعض آخر، بل صرح هو - قدس سره - بعدم قائل بالوجوب في غير السبعة
والأنف.
وقد ترد الأوامر بمعارضتها الأصل، واختلافها بالنسبة إلى المذكورات
زيادة ونقيصة، واشتمالها على كثير من المستحبات (4). وضعف الكل ظاهر.
وأما ما للأمر به معارض، كالمسامع والبصر والفم والمنخر، المنهي عنها في
الرضوي المتقدم (5) وفي آخر: " ولا يجعل في فمه ولا منخره ولا في عينيه ولا في
مسامعه ولا على وجهه قطن ولا كافور " (6).
وفي خبر يونس: " ولا تجعل في منخريه ولا في بصره ومسامعه ولا على وجهه

(1) يعني خلافا للمحكي عن الأول - وهو الصدوق - في الثاني أي الصدر، فلاحظ الفقيه 1: 91.
(2) يعني خلافا للمحكي عن الصدوق والأخير - أي المختلف - في الثالث والرابع أي في المفاصل
واليدين، ولعل وجه نسبة هذا القول إلى المختلف نقله رواية يونس المشتملة على المغابن من اليدين
والرجلين، فانظر المختلف: 43.
(3) روض الجنان: 108، الروضة 1: 136.
(4) كما في الرياض 1: 58.
(5) في ص 241.
(6) فقه الرضا: 168.
244

قطنا ولا كافورا " (1).
وصحيحة البصري: " لا بجعل في مسامع الميت حنوطا " (2).
وخبر النوا: " لا تمس مسامعه بكافور " (3).
فالأولى تركه، لتوقيفية المسألة الغير المعلومة بعد التعارض، مع أرجحية
المعارض بمخالفة العامة، كما صرح به جمع من الخاصة (4).
ويؤيده ما في الرضوي من الافتاء بالمنع، ونسبة الجواز إلى الرواية (5)
ملحقا فيها المسك بالكافور، فإنه مذهب العامة (6).
مضافا إلى ما عن الخلاف من الاجماع على أنه لا يترك على أنفه ولا إذنه ولا
عينه ولا فيه (7).
فروع:
أ: يجب أن يكون التحنيط بالكافور، بلا خلاف أجده، للأمر به في
الروايات المتقدمة، والحصر فيه في صحيح ابن سرحان، المتقدم (8)، وفي خبره:
" واعلم أن الحنوط هو الكافور " (9). وفي مرسلة ابن المغيرة: " الكافور هو

(1) الكافي 3: 143 الجنائز ب 19 ح 1، التهذيب 1: 306 / 888، الوسائل 3: 32 أبواب
التكفين ب 14 ح 3.
(2) التهذيب 1: 308 / 893، الإستبصار 1: 212 / 748، الوسائل 3: 37 أبواب التكفين
ب 16 ح 4.
(3) الكافي 3: 144 الجنائز ب 19 ح 8، التهذيب 1: 309 / 899، الإستبصار 1: 205 / 722،
الوسائل، 3: 36 أبواب التكفين ب 16 ح 2.
(4) بحار الأنوار 78: 321، الحدائق 4: 23، الرياض 1: 58، وانظر من كتب العامة: الأم 1:
265 وبدائع الصنائع 1: 308.
(5) فقه الرضا: 168، 182.
(6) انظر المغني 2: 342.
(7) الخلاف 1: 703.
(8) في ص 222 الرقم 2.
(9) الكافي 3: 146 الجنائز ب 19 ح 14، الوسائل 3: 19 أبواب التكفين ب 6 ح 8.
245

الحنوط " (1) إلى غير ذلك.
وما يفيد الجواز موافق للعامة، محمول على التقية، غير صالح للمعارضة.
فلا يجزي غيره، بل المشهور كما في شرح القواعد (2) حرمة تطييبه بغيره. ولكن في
اللوامع نسبة الكراهة إلى الأكثر، والترك أحوط كما مر.
والقدر الواجب منه لكل موضع مسماه، كما في المنتهى والقواعد والشرائع
والنافع (3)، وعن الجمل والعقود (4) والوسيلة والسرائر والجامع (5)، بل نفى بعض
الأجلة (6) عنه الخلاف.
للاطلاق، وصدق الامتثال، وقوله في إحدى الموثقتين: " وأقل من
الكافور " (7). وفي الأخرى: " وتجعل شيئا من الحنوط " (8) الحديث.
ولا يقيدها مرسلة التميمي: " أقل ما يجزي من الكافور للميت مثقال
ونصف، (9) ونحوها الرضوي (10)
لمعارضتهما مع مثلهما، ففي مرسلته الأخرى: " أقل ما يجزي من الكافور
للميت مثقال " (11) وفي الرضوي الآخر بعد الأمر بالتحنيط بثلاثة عشر درهما

(1) الكافي 3: 145 الجنائز ب 19 ح 12، الوسائل 3 العنوان المتقدم ح 4.
(2) جامع المقاصد 1: 387.
(3) المنتهى 1: 439، القواعد 1: 18، الشرائع 1: 39، النافع: 13.
(4) الرسائل العشر: 166.
(5) الوسيلة: 66، السرائر 1: 160، الجامع: 53.
(6) المعهود من الماتن من هذا التعبير هو إرادة الفاضل الهندي ولكن لم نعثر على نفي الخلاف في كشف
اللثام وهو موجود في الرياض 1: 61.
(7) التهذيب 1: 305 / 887، الوسائل 3: 33 أبواب التكفين ب 14 ح 4.
(8) التهذيب 1: 435 / 1399، الوسائل 3: 35 أبواب التكفين ب 15 ح 2.
(9) التهذيب 1: 291 / 849، الوسائل 3: 14 أبواب التكفين ب 3 ح 5.
(10) تقدم مصدره في ص 241.
(11) الكافي 3: 151 الجنائز ب 23 ح 5، التهذيب 1: 291 / 846، الوسائل 3: 13 أبواب التكفين
ب 3 ح 2.
246

وثلث: " فإن لم يقدر بهذا المقدار كافورا فأربعة دراهم، فإن لم يقدر فمثقال، لا
أقل من ذلك لمن وجده " (1).
ولا الأخيران، لمعارضتهما مع الأوليين، مع أن المرسلتين مطلقتان بالنسبة
إلى كافور النسل والحنوط، والظاهر توقف حصول ماء الكافور في الأول، وصدق
الاسم في الثاني على هذا المقدار.
وأقل المستحب درهم، رفاقا للمنتهى والشرائع والنافع (2)، وعن النهاية
والمبسوط والجمل والعقود والمصباح (3) ومختصره والوسيلة والسرائر والجامع
والمعتبر (4)، نافيا في الأخير عنه الخلاف. لا لحمل المثقال في الأخبار على الدرهم
كما في المنتهى وعن السرائر (5)، لأنه حمل بلا دليل. بل لنفي الخلاف المنقول وفتوى
هؤلاء الفحول، فإن المقام محل المسامحة.
والأفضل منه مثقال، للمرسلة والرضوي (6). وجعله الصدوق (7) ووالدي
- رحمه الله - أول الاستحباب، وهو المحكي عن المقنعة والخلاف والاقتصاد وجمل
العلم والمراسم والكافي (8) والإسكافي (9)، لما مر، وهو كاف حسنا لولا ثبوت
رجحان للدرهم بما ذكر. والجعفي (10) جعله مثقالا وثلثا، ولم أعثر على مستند له.

(1) تقدم مصدره في ص 242.
(2) المنتهى 1: 439، الشرائع 1: 39، النافع: 13.
(3) النهاية: 32، المبسوط 1: 177، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 166، مصباح المتهجد: 18.
(4) الوسيلة: 66، السرائر 1: 160، الجامع: 53، المعتبر 1: 286.
(5) راجع الرقم 2 و 4 أعلاه.
(6) المتقدمين في ص 246.
(7) المقنع: 18.
(8) المقنعة: 75، الخلاف 1: 704، الإقتصاد: 248، جمل العلم والعمل (رسائل الشريف
المرتضى 3): 50، المراسم: 47، الكافي: 237.
(9) حكي عنه في الذكرى: 46.
(10) المصدر المتقدم.
247

والأفضل منه مثقال ونصف، كما صرح به والدي رحمه الله، للمرسلة
والرضوي الأخيرين.
والأولى منه أربعة دراهم، لأول الرضويين، وفاقا لوالدي رحمه الله.
وعن الخلاف والمقنعة والسرائر والشرائع والمعتبر (1)، بل عن الأول الاجماع
عليه، وعن الأخير نفي الخلاف عنه: جعلها ثاني مرتبة الاستحباب، ففضلوها
على الدرهم. وهو كان جيدا لولا ثبوت الرجحان لما بينهما من المثقال والمثقال
والنصف بما ذكر.
ثم الأفضل منها أربعة مثاقيل، كما صرح به الوالد، لخبر الكاهلي وابن
المختار: " القصد من الكافور أربعة مثاقيل " (2).
وجعلها جماعة - كما عن كتب الصدوق (3)، وبعض كتب الشيخ (4)،
والوسيلة والاصباح والجامع (5) - ثاني المراتب.
والأكمل منها ثلاثة عشر درهما وثلث، للرضويين (6)، ومرفوعة علي: " السنة
في الحنوط ثلاثة عشر درهما وثلث أكثره " (7) والأخبار الدالة على أن الحنوط الذي
أتى به جبرئيل للنبي صلى الله عليه وآله كان أربعين درهما، فقسمه ثلاثة أقسام،
له ولفاطمة عليها السلام وعلي عليه السلام، فصار سهم كل ما ذكر (8).

(1) راجع الرقم 8 و 4 و 2 ص 247.
(2) الكافي 3: 151 الجنائز ب 23 ذيل ح 5، التهذيب 1: 291 / 847، الوسائل 3: 13 أبواب
التكفين ب 3 ح 3.
(3) الفقيه 1: 91، المقنع: 18، وفي الهداية: 25 جعل المرتبة الثانية أربعة دراهم.
(4) المبسوط 1: 177.
(5) الوسيلة: 66، الجامع: 53.
(6) تقدم مصدرهما في ص 241 و 242.
(7) الكافي 3: 151 الجنائز ب 23 ح 4، التهذيب 1: 290 / 845، الوسائل 3: 13 أبواب
التكفين ب 3 ح 1 (8) انظر: الوسائل 3: 13 أبواب التكفين ب 3.
248

وعن القاضي ابدال الثلث بالنصف (1)، ولا دليل له.
وهذا القدر أكثر مراتب الفضل كما في المرفوعة. ولا يجب شئ منها، لكون
ما تضمنها بين ضعيف وغير دال على الوجوب، بل مصرح في بعضها بالفضل.
ثم الظاهر من أكثر الأخبار المتقدمة غاية الظهور أن ما ذكر كافور الحنوط،
وهو المشهور. ونسب الحلي (2) إلى بعضهم مشاركة الغسل معه، وحكي عن نادر
من متأخري المتأخرين أيضا (3). وهر ضعيف.
ب: لا يجب استيعاب المواضع بالمسح، بل يكفي المسمى، للأصل،
والاطلاق، وحصول الامتثال.
ج: قال الشيخان (4) وأتباعهما (5) برجحان سحق كافور الحنوط باليد.
ولم أعثر له في الأخبار على المستند، إلا أنه لا بأس به لفتوى العمد. وربما
يعلل بالخوف من الضياع.
ويستحب أيضا القاء ما فضل من الكافور عن المساجد والمواضع المستحب
تحنيطها على صدره، للرضوي وفيها: " ويبدأ بجبهته وتمسح مفاصله كلها به،
ويلقى ما بقي على صدره وفي وسط راحتيه " (6) الخبر.
ويظهر منه استحباب الابتداء بالجبهة. وهو كذلك، لذلك.
د: لا يحنط المحرم اجماعا، كما عن الغنية والمنتهى (7) وغيرهما،
للمستفيضة، كصحيحتي ابن مسلم: عن المحرم كيف يصنع به إذا مات؟ قال:

(1) الموجود في المهذب: 61 أفضلية ثلاثة عشر درهما وثلث، نعم نسب في المختلف: 41 إلى ابن
البراج القول بثلاثة عشر درهما ونصف - قال -: وهو غريب.
(2) السرائر 1: 161.
(3) الوافي 3: الجزء الثالث عشر ص 47، القديم.
(4) المقنعة: 78، المبسوط 1: 179.
(5) كسلار في المراسم: 49، وابن البراج في المهذب 1: 61.
(6) فقه الرضا: 168، المستدرك 2: 217 أبواب الكفن ب 12 ح 1.
(7) الغنية (الجوامع الفقهية): 563، المنتهى 1: 439.
249

" يغطى وجهه ويصنع به كما يصنع بالحلال، غير أنه لا يقرب طيبا " (1). وقريبة
منهما موثقة سماعة (2).
وموثقة أبي مريم: " خرج الحسين بن علي وابنا العباس و عبد الله بن جعفر،
ومعهم ابن للحسن، فمات بالأبواء وهو محرم، فغسلوه وكفنوه ولم يحنطوه وخمروا
وجهه ورأسه ودفنوه " (3) وقريبة منها موثقته الأخرى (4)، وبمضمونها صحيحة ابن
سنان (5).
وخبر ابن أبي حمزة: في المحرم يموت، قال: " يغسل ويكفن، ويغطى
وجهه، ولا يحنط، ولا يمس شيئا من الطيب " (6).
والرضوي: " إذا مات المحرم فليغسل وليكفن كما يغسل الحلال، غير أنه
لا يقرب طيبا ولا يحنط ولا يغطى وجهه " (7).
البحث الخامس: في دفنه وما يتبعه.
والكلام إما فيما يتعلق بما قبل الدفن، أو المدفن، أو الدفن، أو بما بعده.
فهاهنا أربعة مقامات:
المقام الأول: فيما يتعلق بما قبل الدفن، وهي أمور:
الأول: حمل الجنازة. وهو واجب كفاية مع توقف الدفن الواجب عليه،
وبدونه مستحب إجماعا. وفضله كثير وليس فيه دناءة ولا سقوط مروة، فقد حمل

(1) روى إحداهما في التهذيب 1: 330 / 965، والأخرى في التهذيب 5: 384 / 1338، الوسائل
2: 504 أبواب غسل الميت ب 13 ح 4.
(2) الكافي 4: 367 الحج ب 100 ح 2، التهذيب 1: 329 / 964، الوسائل 2: 503 أبواب غسل
الميت ب 13 ح 2.
(3) التهذيب 1: 330 / 966، الوسائل 2: 504 أبواب غسل الميت ب 3 1 ح 5.
(4) الكافي 4: 368 الحج ب 100 ح 3، الوسائل 2: نفس الموضع ح 8.
(5) التهذيب 5: 383 / 1337، الوسائل 2: نفس الموضع ح 3.
(6) الكافي 4: 367 الحج ب 100 ح 1، الوسائل 2: نفس الموضع ح 7.
(7) فقه الرضا: 185، المستدرك 2: 176، أبواب غسل الميت ب 13 ح 1.
250

النبي جنازة سعد بن معاذ (1)، ولم يزل كذلك أكابر الصحابة والتابعين ومن لحقهم
من سلفنا الصالحين.
ويستحب أن يجعل له النعش وإن كان رجلا، على الأشهر، لعمل
المسلمين في عصر الحجج إلى الآن.
وأن يحملها الرجال وإن جاز الحمل على الدواب، لعمل الناس في الأول،
والأصل في الثاني، والمروي في الدعائم فيهما: " رخص في حمل الجنازة على الدابة
إذا لم يوجد من يحملها أو من عذر، فأما السنة أن يحملها الرجال " (2) الخبر.
وأن يقول الحامل ما رواه عمار، وهو: " بسم الله (3) صل على محمد وآل
محمد، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات " (4).
والمشاهد لها ما رواه عنبسة، وهو: " الله أكبر هذا ما وعدنا الله ورسوله
وصدق الله ورسوله، اللقم زدنا إيمانا وتسليما، الحمد لله الذي تعزز بالقدرة وقهر
عبادة بالموت " (5).
وما رواه الثمالي والنهدي، وهو: " الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد
المخترم) (6).
وأن يسرع بها، ذكره في المنتهى ناسبا له إلى العلماء (7)، مؤذنا بدعوى

(1) علل الشرائع: 309 / 4.
(2) دعائم الاسلام 1: 233.
(3) في " ه‍ ": اللهم صل...
(4) التهذيب 1: 454 / 1478، وفيه: " بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآل محمد... "،
وهكذا في الوسائل 3: 158 أبواب الدفن ب 9 ح 4.
(5) الكافي 3: 167 الجنائز ب 38 ح 3، التهذيب 1: 452 / 1472، الوسائل 3: 157 أبواب
الدفن ب 9 ح 2. وفي المصادر: " وقهر العباد... ".
(6) الكافي 3: 167 الجنائز ب 38 ح 1، 2، الوسائل 3: 157 و 158 أبواب الدفن ب 9 ح 1 و 3.
(7) المنتهى 1: 443.
251

الاجماع، للمستفيضة المصرحة بتعجيلهم إلى مضاجعهم (1).
وفسره في الكتاب المذكور بالمشي المعتاد، لكراهة الزائد عنه بالاجماع كما عن
الشيخ (2)، للعامي: عن المشي بالجنازة، قال: " ما دون الخبب " (3) والمروي في
مجالس ابن الشيخ: (عليكم بالقصد في المشي بجنائزكم " (4).
وعن الجعفي أفضلية العدو (5)، وعن الإسكافي الخبب (6). وهما ضعيفان،
لما مر.
ويكره قول الحامل بل غيره أيضا: ارفقوا به وترحموا عليه، للرضوي (7).
والأمر بإيقاف الجنازة، ذكره في المنتهى (8)، لمخالفته الأمر بالتعجيل.
وحمل ميتين على سرير، على الأظهر الأشهر، وفاقا للمحكي عن الوسيلة
والتذكرة والمختلف والمنتهى ونهاية الإحكام والمعتبر (9)، للرضوي: " ولا تجعل
ميتين على جنازة واحدة " (10) وفي مكاتبة الصفار: " لا يحمل الرجل والمرأة على
سرير واحد " (11)

(1) انظر الوسائل 2: 471 أبواب الاحتضار ب 47.
(2) الخلاف 1: 718.
(3) سنن الترمذي 2: 239 ب 26، سنن أبي داود 3: 206 ح 3184. الخبب: ضرب من العدو وهو
خطو فسيح دون العنق (المصباح المنير 1: 163).
(4) المجالس: 392 (الجز الثالث عشر)، المستدرك 2: 378 أبواب الدفن ب 54 ح 1.
(5) نقل في الذكرى: 53 عن الجعفي أنه قال: السعي بها أفضل.
(6) كما حكى عنه في المختلف: 121.
(7) فقه الرضا: 168.
(8) المنتهى 1: 443.
(9) الوسيلة: 69، التذكرة 1: 56، المختلف 2: 122، المنتهى 1: 447، نهاية الإحكام 2:
283، المعتبر 1: 305.
(10) فقه الرضا: 179.
(11) التهذيب 1: 454 / 1480، الوسائل 3: 208 أبواب الدفن ب 42 ح 1.
252

خلافا للمحكي عن النهاية والسرائر (1) والوسيلة (2) والقواعد (3)، ومحتمل
كلام الجعفي (4) والمهذب والجامع (5)، فحرموه، لما ذكره، ولأنه بدعة.
ويجاب عن الأول: بعدم الدلالة على الحرمة، مع ضعف الرضوي الخالي
عن الجابر، وأخصية المكاتبة عن المدعى.
وعن الثاني: بأنها مع قصد الشرعية.
والقيام لجنازة إلا مع إرادة حملها وتشييعها، إجماعا كما في اللوامع،
لصحيحة زرارة (6) وخبر الحناط (7).
وأصرح منهما المروي في الدعائم: " أنه نظر إلى قوم مرت بهم جنازة، فقاموا
قياما بأقدامهم، فأشار إليهم أن اجلسوا " (8) وفيه عن الحسن بن علي (صلوات الله
عليهما): " أنه مشى مع جنازة فمر على قوم، فذهبوا ليقوموا، فنهاهم " (9).
واتباعها بالنار بالاجماع، وفي المنتهى، إنه قول كل من يحفظ عنه العلم (10)؟
وهو الدليل له، لا النهي عن اتباع المجمرة في المعتبرة (11)، لأخصيته عن المطلوب.
ولا كراهة في اتباع المصابيح إذا كان ذلك في الليل، لمرسلة الفقيه ورواية
العلل المصرحتين باتباعها جنازة البتول (عليها السلام) (12).

(1) النهاية: 44، السرائر 1: 170.
(2) لم نعثر على من حكى عنها القول بالحرمة، والموجود فيها الكراهة كما تقدم في الرقم (9) ص 252.
(3) القواعد 1: 21.
(4) نقل عنه في الذكرى: 53 أنه قال: لا يحمل ميتان على نعش واحد.
(5) المهذب 1: 65، الجامع: 57.
(6) الكافي 3: 191 الجنائز ب نادر 61 ح 1 و 2، التهذيب 1: 456 / 1486 و 1487، الوسائل
3: 169 أبواب الدفن ب 17 ح 1 و 2.
(7) الكافي 3: 191 الجنائز ب نادر 61 ح 1 و 2، التهذيب 1: 456 / 1486 و 1487، الوسائل
3: 169 أبواب الدفن ب 17 ح 1 و 2.
(8) دعائم الاسلام 1: 233 وفيه: عن الحسين بن علي، المستدرك 2: 318 أبواب الدفن ب 17
ح 1 و 2.
(9) دعائم الاسلام 1: 233 وفيه: عن الحسين بن علي، المستدرك 2: 318 أبواب الدفن ب 17
ح 1 و 2.
(10) المنتهى 1: 446.
(11) انظر الوسائل 3: 158 أبواب الدفن ب 10.
(2 1) الفقيه 1: 100 / 466، علل الشرائع: 188 ب 149، الوسائل 3: 159 أبواب الدفن ب 10
ح 4 و 6.
253

ورفع الصوت عند الجنازة، ذكره في المنتهى وقال: إن به رواية عامية (1).
ولا بأس به في مقام المسامحة.
الثاني: تربيعها بمعنيين مستحبين إجماعا.
أحدهما: حملها بأربعة رجال من جوانبها الأربعة، لأنه أدخل في توقير الميت
وأسهل من الحمل بين العمودين كما استحبه بعض العامة، وتحتمله رواية جابر:
" السنة أن يحمل السرير من جوانبه الأربعة، وما كان بعد ذلك من حمل فهو
تطوع " (2).
وثانيهما: التناوب أي دوران الحامل في الجوانب الأربعة، وحمل الواحد كلا
من جوانبها، للأخبار المتضافرة:
منها صحيحة جابر: " من حمل جنازة من أربع جوانبها غفر الله له أربعين
كبيرة " (3).
ومرسلة الفقيه: " من حمل أخاه الميت بجوانب السرير الأربعة محا الله عنه
أربعين كبيرة من الكبائر " (4).
ومرسلة سليمان: " من أخذ بقائمة السرير غفر الله له خمسا وعشرين كبيرة،
فإذا ربع خرج من الذنوب " (5) وغير ذلك.
ويحصل التربيع المستحب بهذا المعنى بأي نحو فعله، لمكاتبة ابن سعيد:
عن سرير الميت أله جانب يبدأ به في الحمل من جوانبه الأربعة أو يحمل الرجل

(1) المنتهى 1: 446، وانظر سنن أبي داود 3: 203 ح 3171.
(2) الكافي 3: 168 الجنائز ب 39 ح 2، التهذيب 1: 453 / 1476، الإستبصار 1: 216 / 765،
الوسائل 3: 153 أبواب الدفن ب 7 ح 2.
(3) الكافي 3: 174 الجنائز ب 44 ح 1، التهذيب 1: 454 / 1479، الوسائل 3: 153 أبواب
الدفن ب 7 ح 1.
(4) الفقيه 1: 99 / 461، الوسائل 3: 154 أبواب الدفن ب 7 ح 3.
(5) الكافي 3: 174 الجنائز ب 44 ح 2، الوسائل 3: 154 أبواب الدفن ب 7 ح 4.
254

من أيها شاء؟ فكتب: " من أيها شاء " (1).
ولا خلاف في ذلك، كما لا خلاف في أن الأفضل فيه أن يبدأ بمقدم
السرير، ثم بما يليه من مؤخره، ويدور عليه دوران الرحى أي لا يرجع حتى يتم
الدور فيختمه بالمقدم الآخر، وتضافرت بذلك الروايات أيضا كما تأتي.
وإنما الخلاف في موضعين:
أحدهما: فيما يبتدأ به من طرفي المقدم. والأظهر أن يبتدأ الطرف الذي
يقابل يسار المشيع في الخلف وعليه اليد اليمنى للميت، وهو ظاهر المحكي عن
الخلاف وصريح المنتهى والدروس والبحار والكفاية والأردبيلي (2)، والهندي ناسبا
له - كسابقه - إلى المشهور (3)، بل عن صريح الأول وفي ظاهر الثاني الاجماع عليه.
لموثقة فضل بن يونس وفيها: " وإن لم يكن يتقي فيه فإن تربيع الجنازة أن
يبدأ باليد اليمنى ثم بالرجل اليمنى ثم بالرجل اليسرى ثم باليد اليسرى حتى
يدور حولها " (4).
ودلالتها على هذه الكيفية ظاهرة غاية الظهور، فإن المراد باليمنى ليس يد
الحامل بقرينة الرجل، فليس إلا يد الميت، ولا تطلق اليد على الجنازة، وصحته
مجازا - لو سلمت - لا تفيد. والاستدلال بها للكيفية الآتية - كما في شرح
القواعد (5) - غريب.
ورواية ابن يقطين: " السنة في حمل الجنازة أن نستقبل جانب السرير بشقك

(1) الفقيه 1: 100 / 465 بتفاوت يسير، التهذيب 1: 3453 / 1477، الإستبصار 1: 216 / 766،
الوسائل 3: 155 أبواب الدفن ب 8 ح 1.
(2) الخلاف 1: 718، المنتهى 1: 444، الدروس 1: 111، بحار الأنوار 78: 279، الكفاية: 22،
مجمع الفائدة 2: 472.
(3) كشف اللثام 1: 126.
(4) الكافي 3: 168 الجنائز ب 39 ح 3، التهذيب 1: 452 / 1473 - وفيه: المفضل بن يونس،
الوسائل 3: 156 أبواب الدفن ب 8 ح 3.
(5) جامع المقاصد 1: 416.
255

الأيمن، فتلزم الأيسر بكتفك الأيمن، ثم تمر عليه إلى الجانب الآخر وتدور خلفه
إلى الجانب الثالث من السرير، ثم تمر عليه إلى الجانب الرابع مما يلي يسارك " (1).
فإن الظاهر من الأيسر أيسر السرير بقرينة قوله: " جانب السرير " ولأنه
الملتزم للكتف. وجانب أيسر السرير، وإن احتمل بأن يكون ما عليه يسار
الميت، إلا أن الظاهر منه المقابل ليسار المشيع في الخلف. ويؤكده الحمل بالكتف
الأيمن، إذ حمل الطرف الآخر باليمين غير منفك عن مشقة تامة في الدخول تحت
الجنازة وعن مزاحمة مقابل له فيه، بل لا يتيسر غالبا كما لا يخفى.
وأصرح منه قوله: " مما يلي يسارك " إذ المرور مما يلي يسار الحامل إلى الجانب
الرابع لا يكون إلا بالختم بيسار الميت.
وأيضا: ليس الجانب الرابع مما يلي يسار الحامل إلا على حمل الرابع على
يمين السرير الذي عليه يسار الميت.
وكون الآخر مقابلا ليسار المشيع لا يفيد، لأنه ما يقابله لا مما يليه.
والمروي في الدعائم عنه (عليه السلام): " كان يستحب لمن بدا له أن يعين
في حمل الجنازة أن يبدأ بياسرة السرير، فيأخذها ممن هي في يديه بيمينه، ثم يدور
بالجوانب الأربعة " (2).
خلافا لصريح روض الجنان (3) وظاهر جمع آخر (4)، فقالوا: يبدأ بمقدم
السرير الأيمن وهو الذي يلي يسار الميت، لرواية العلاء: " يبدأ في حمل السرير
من جانبه (5) الأيمن، ثم يمر عليه من خلفه إلى الجانب الآخر، ثم يمر عليه حتى

(1) الكافي 3: 168 الجنائز ب 39 ح 1 وفي بعض نسخ الكافي: " بكفك " بدل: " بكتفك " التهذيب
1: 453 / 1475، الإستبصار 1: 216 / 764، الوسائل 3: 156 أبواب الدفن ب 8 ح 4.
(2) دعائم الاسلام 1: 233.
(3) روض الجنان: 314.
(4) انظر الشرائع 1: 41، والذكرى: 51، وجامع المقاصد 1: 416.
(5) في " ه‍ ": الجانب.
256

يرجع إلى المقدم، كذلك دور الرحى عليه " (1).
والمروي في مستطرفات السرائر: السنة أن تستقبل الجنازة من جانبها
الأيمن وهو مما يلي يسارك، ثم تسير إلى مؤخره وتدور عليه حتى ترجع إلى
مقدمه " (2).
والرضوي: " فإذا أردت أن تربعها فابدأ بالشق الأيمن فخذه بيمينك، ثم
تدور إلى المؤخر فتأخذه بيمينك، ثم تدور إلى المؤخر الثاني فتأخذه بيسارك، ثم
تدور إلى المقدم الأيسر فتأخذه بيسارك، ثم تدور على الجنازة كدور كفي
الرحي " (3).
ويجاب عن الأول: بجواز رجوع المجرور في " جانبه " إلى الميت أو إلى
الحامل البادي، لجواز كون الصيغ للغيبية، فلا يدل على ما ذكروه بل وكذلك لو
ارجع إلى السرير، إذ ليس للسرير نفسه يمين ويسار، فاعتبارهما فيه إما باعتبار
المشيع خلفه، أو توهمه شخصا ماشيا، أو باعتبار المستقبل إياه كما هو الأكثر في
إطلاق اليمين واليسار في غير الحيوانات، أو بمجاورة يدي الميت، أو توهمه
شخصا مستلقيا على قفاه ماشيا كالميت. وعلى الأولين وإن ثبت ما ذكروه من
الرواية، ولكن على الثلاثة الأخيرة يثبت فيها خلافه. وإن لم يكن الأخير أظهر فلا
أقل من التساوي المسقط للاستدلال.
وأفا التشبيه بدور الرحى فالغرض منه مجرد الدوران وعدم الرجوع في
الأثناء كما تفعله العامة كما صرح به في صدر الموثقة (4) وذكره علماؤهم في كتبهم (5)،

(1) الكافي 3: 169 الجنائز ب 39 ح 4، التهذيب 1: 453 / 1484، الإستبصار 1: 216 / 763،
الوسائل 3: 156 أبواب الدفن ب 8 ح 5.
(2) مستطرفات السرائر: 59 / 26، الوسائل 3: 155 أبواب الدفن ب 8 ح 2.
(3) فقه الرضا: 170، المستدرك 2: 302 أحكام الدفن ب 8 ح 1.
(4) المتقدمة في ص 255.
(5) انظر الأم 1: 272، بدائع الصنائع 1: 309، ونقل في المغني 2: 361 عن أحمد أنه يدور عليها.
257

لا الدور من اليمين إلى اليسار. ومع أنه أيضا لا يختص بذلك، لاختلاف يمين
الميت والحامل.
ومما ذكر يظهر الجواب عن الباقين.
مضافا في الثاني إلى أن تفسير جانبها الأيمن بقوله: " مما يلي يسارك " يؤكد
إرادة ما ذكرنا، لأن ما يلي يساره في بدء الأمر المتصل بحالة التشييع، هو جانب
يمين الميت.
وفي الثالث إلى أن الأمر بأخذ اليمين باليمين يبين ما بيناه، لما تقدم من
صعوبة حمل يمين السرير الذي هو يسار الميت، بل عدم تيسره في الأغلب،
ولذلك جعله بعضهم (1) دليلا للأول.
بل يظهر الوهن العظيم فيما ادعي من الشهرة على القول الأخير (2)، إذ
ليس في كلامهم غالبا إلا مقدمة السرير اليمنى، وهي لما عليه يمين الميت محتملة،
ولذا ترى المنتهى بعدما عبر بذلك فسره بيمين الميت (3).
وقال بعض شراح القواعد في بيان قوله: والأفضل البدأة بمقدم السرير
الأيمن: وهو الذي يلي يمين الميت (4).
ولذا صرح جمع من المتأخرين (5) بموافقة الشيخ في المبسوط والنهاية (6) مع
القول الأول.
وعن الراوندي (7) التصريح باتحاد قولي الشيخ فيهما وفي الخلاف (8)،

(1) الحدائق 4: 97.
(2) كما ادعاها في الرياض 1: 63.
(3) المنتهى 1: 444.
(4) كشف اللثام 1: 126.
(5) منهم الشهيدان في الذكرى: 51 والروض: 314، والمحقق السبزواري في الذخيرة: 338.
(6) المبسوط 1: 183، النهاية: 37.
(7) حكى عنه في الذكرى: 51.
(8) الخلاف 1: 718.
258

ويؤكده دعواه الاجماع عليهما.
ومنه يظهر ما في الاستظهار للأخير بالاجماع المحكي عن المبسوط (1).
ولطائفة من متأخري المتأخرين - منهم والدي رحمه الله (2) - فحكموا
بالتخيير بين الطريقين، جمعا بين الروايات. وهو فرع الدلالة، وقد عرفت فيها
الحالة.
وثانيهما (3): فيما يؤخذ به من كتفي الحامل. فالحق المشهور أخذ طرفي ميامن
الميت بالميامن ومياسره بالمياسر، لروايتي ابن يقطين (4) والدعائم (5)، وللأمر ببدأة
الأخذ بالميامن فيهما وفي الرضوي (6)، المستلزمة لما ذكرنا، بعد ثبوت البدأة بأخذ
ميامن الميت بالموثقة (7)، ولصعوبة العكس ومشقته أو عدم تيسره وعدم تعارفه،
والألفاظ تحمل على المعاني المتعارفة.
خلافا لمن عكس، وهو بين من يبدأ بمياسر الميت (8)، ودليله الرضوي
وروايتا ابن يقطين والدعائم، بضميمة الاستلزام المذكور، وقد عرفت ضعف
الملزوم. ومن يبدأ بميامنه (9)، ولا لليل له أصلا.
الثالث: تشييع الجنازة، وهو مستحب باجماع العلماء كافة، والنصوص في
فضله متواترة (10).

(1) كما حكى عنه في الحبل المتين: 69، ولم نعثر عليه.
(2) ومنهم الحدائق 4: 97.
(3) أي الخلاف الثاني، راجع ص 255.
(4) المتقدمة ص 255.
(5) المتقدمة ص 256.
(6) المتقدمة ص 257.
(7) المتقدمة ص 255.
(8) مثل الشهيد الثاني في الروض: 314.
(9) مثل العلامة في المنتهى 1: 444.
(10) انظر الوسائل 3: 141 أبواب الدفن ب 2.
259

والظاهر - كما مرح به الأردبيلي (1) - تحققه بالمشي معها في الجملة، كما تدل
عليه مطلقات المرغبات في متابعة الجنازة، وإن كان الأفضل المتابعة إلى أن يصلي
عليها، والأكمل إلى أن يدفن كما في روايتي جابر (2) وأبي بصير (3).
وفي المنتهى وعن روض الجنان: إن أدنى التشييع إلى موضع الصلاة (4).
ولا دليل عليه، لاثبات ثواب زائد له لا ينفي مطلقه عن غيره.
ويستحب للمشيع التفكر في مآله وما يؤول إليه عاقبة حاله، والتخشع
والاتعاظ بالموت، كما ذكره الجماعة وقالوا بوروده في الأخبار (5).
والسير من ورائها أو أحد جانبيها بالاجماع، كما في المنتهى وشرح القواعد (6)
واللوامع، وفي المدارك: إنه المعروف من مذهب الأصحاب، 7)، له، وللنصوص.
منها: موثقة إسحاق: " المشي خلف الجنازة أفضل من المشي بين يديها، ولا
بأس بأن يمشي بين يديها " (8).
وخبر السكوني: " اتبعوا الجنازة ولا تتبعكم، خالفوا أهل الكتاب " (9).
وخبر سدير: (من أحب أن يمشي مع الكرام الكاتبين فليمش جني
السرير " (10).

(1) مجمع الفائدة 2: 469.
(2) الكافي 3: 173 الجنائز ب 43 ح 4، 5، التهذيب 1: 455 / 1485، الوسائل 3: 145،
146 أبواب الدفن ب 3 ح 4، 3.
(3) الكافي 3: 173 الجنائز ب 43 ح 4، 5، التهذيب 1: 455 / 1485، الوسائل 3: 145،
146 أبواب الدفن ب 3 ح 4، 3.
(4) المنتهى 1: 445، الروض: 314.
(5) انظر الوسائل 3: 229 أبواب الدفن ب 59.
(6) المنتهى 1: 445، جامع المقاصد 1: 415.
(7) المدارك 2: 122.
(8) التهذيب 1: 211 / 902، ورواها في الكافي 3: 169 الجنائز ب 40 ح 1 بدون قوله: ولا
بأس....، الوسائل 3: 148 أبواب الدفن ب 4 ح 1.
(9) التهذيب 1: 311 / 901، الوسائل 3: 149 أبواب الدفن ب 4 ح 4.
(10) الكافي 3: 169 الجنائز ب 40 ح 6، التهذيب 1: 311 / 904، الوسائل 3: 148 أبواب الدفن
ب 4 ح 3، وفي المصادر: " من أحب أن يمشي ممشى الكرام الكاتبين... ".
260

والرضوي: " وإذا حضرت جنازة فامش خلفها ولا تمش أمامها، وإنما يؤجر
من تبعها لا من تبعته، اتبعوا الجنازة ولا تتبعكم، فإنه من عمل المجوس، وأفضل
المشي في اتباع الجنازة ما بين جنبي الجنازة، وهو مشي الكرام الكاتبين " (1).
وعن المقنع والخلاف الاقتصار على الأول (2)، ولعلهما أرادا مقابل الإمام منه
لجعلهما إياه مقابلا له.
ثم مقتضى إطلاق الرضوي أفضلية الثاني عن الأول. وصرح بعض
المتأخرين بالعكس (3).
ولعله كونه أولى بمعنى الاتباع والتشييع، ولما روي من مشي النبي صلى
الله عليه وآله خلف جنازة (4).
والأول ممنوع والثاني غير دال.
وأن يكون ماشيا، كما عن النهاية والجامع والمعتبر وظاهر المقنع والمقنعة (5)
وجمل العلم وشرحه للقاضي، والغنية والوسيلة والشرائع (6)، لفتوى هؤلاء
مضافا إلى كونه لازما لما في الركوب من الكراهة بإجماع العلماء كافة - كما في
المنتهى (7) - وللنصوص المعتبرة كصحيحة البصري: " إني لأكره أن أركب والملائكة
يمشون " (8).

(1) فقه الرضا: 169، المستدرك 2: 298 أبواب الدفن ب 4 ح 1.
(2) المقنع: 19، الخلاف 1: 718.
(3) الحدائق 4: 74.
(4) انظر الوسائل 3: 148 أبواب الدفن ب 4.
(5) النهاية: 36، الجامع: 54، المعتر 1: 293، المقنع: 19، المقنعة: 79.
(6) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 51، شرح جمل العلم والعمل: 154، الغنية
(الجوامع الفقهية): 564، الوسيلة: 67، الشرائع 1: 41.
(7) المنتهى 1: 445.
(8) الكافي 3: 170 الجنائز ب 41 ح 2 (بزيادة)، التهذيب 1: 312 / 906، الوسائل 3: 152
أبواب الدفن ب 6 ح 1، ورواها في الفقيه مرسلة الفقيه 1: 122 / 588.
261

ومرسلة ابن أبي عمير: " رأى رسول الله صلى الله عليه وآله قوما خلف جنازة
ركبانا، فقال: ما استحيى هؤلاء أن يتبعوا صاحبهم ركبانا وقد أسلموه على هذه
الحالة " (1).
وخبر غياث: " كره أنه يركب الرجل مع الجنازة في بدأته إلا من عذر " وقال:
" يركب إذا رجع " (2).
ومقتضاه انتفاء الكراهة في الرجوع. وهو كذلك، للأصل.
ومن المكروهات أيضا: المشي أمام الجنازة مطلقا، كما في المنتهى وعن
صريح السرائر والوسيلة والبيان (3) والتذكرة (4)، وظاهر المقنع والمقنعة
والاقتصاد (5)، والمراسم وجمل العلم (6)، بل في المنتهى الاجماع عليه (7)، الخبر
السكوني والرضوي السابقين (8).
والنهي فيهما وإن كان ظاهرا في الحرمة، إلا أن عدم القول بها مطلقا مع
ضعف الثاني، مضافا إلى النصوص المصرحة بالجواز، كموثقة إسحاق
السابقة (9)، وصحيحة محمد: عن المشي مع الجنازة فقال: " بين يديها وعن يمينها
وعن شمالها وخلفها (10) لروايته: " امش بين يدي الجنازة وخلفها (11) أوجب الحمل

(1) الكافي 3: 170 الجنائز ب 41 ح 1، الوسائل 3: 152 أبواب الدفن ب 6 ح 3.
(2) التهذيب 1: 464 / 1518، الوسائل 3: 152 أبواب الدفن ب 6 ح 2.
(3) المنتهى 1: 445، السرائر 1: 164، الوسيلة: 67، البيان: 78.
(4) التذكرة 1: 48 وفيه: المشي خلف الجنازة أو إلى أحد جانبيها أفضل من التقدم عليها. فتأمل.
(5) المقنع: 19، المقنعة: 79، الإقتصاد: 249.
(6) المراسم: 51، جمل العلم (رسائل الشريف المرتضى 3): 51.
(7) المنتهى 1: 445.
(8) في ص 261، 260.
(9) في ص 260.
(10) الكافي 3: 169 الجنائز ب 40 ح 4، الفقيه 1: 100 / 467، الوسائل 3: 149 أبواب الدفن
ب 5 ح 1.
(11) الكافي 3: 170 الجنائز ب 40 ح 5، الوسائل 3: 150 أبواب الدفن ب 5 ح 2.
262

على الكراهة أي المرجوحية الإضافية، كما هي مراد القائلين بالكراهة - على ما
مرح به والدي رحمه الله - دون المعنى المصطلح، لظهور دلالة الموثقة على ثبوت
فضل للمشي في الإمام أيضا.
وأظهر منها المروي في الدعائم: " فضل الماشي خلفها على الماشي أمامها
كفضل الصلاة المكتوبة على التطوع " (1).
فهما قرينتان على تعيين إرادة المرجوحية الإضافية دون الكراهة المصطلحة،
فإنهما مجازان لا بد في تعيينهما من معين. ولا يصلح نفي الأجر في الرضوي (2)
لتعيين الثاني، لضعفه، والمسامحة إنما هي في اثبات الأجر دون نفيه.
خلافا للمحكي عن صريح المعتبر والذكرى وظاهر المبسوط والنهاية
وموضع من المنتهى (3)، فلا كراهة مطلقا، للأمر به، وإثبات الفضل له، ونفي
البأس عنه فيما تقدم (4).
ويجاب بعدم منافاة شئ منها للمرجوحية الإضافية.
نعم، لو أرادوا نفي الكراهة المصطلحة فالأولان ينفيانها، ولكن لا نقول
بها ونطالب من ادعاها بالدليل.
فإن تمسك بالنهي، نجيب بأنه مجاز قطعا في أحد المعنيين، وإثبات الفضل
يعين ما ذكرنا، فلو عين الآخر بنفي الأجر نرده بما مر، أو بكونه طريقة أهل
الكتاب نرده بعدم دلالته على الزائد بهما على المرجوحية الإضافية.
مع أنه مع تسليم تكافؤ المعينين يتكافأ المعنيان أيضا، لعدم المرجح، وما
ذكرناه ثابت اجماعا، والآخر ساقط بالأصل وورود الأمر.

(1) دعائم الاسلام 1: 234، المستدرك 2: 299 أبواب الدفن ب 4 ح 4.
(2) المتقدم في ص 261.
(3) المعتبر 1: 293، الذكرى: 52، المبسوط 1: 183، النهاية: 36، المنتهى 1: 445.
(4) راجع ص 262.
263

وللمحكي عن الإسكافي (1)، فخص الكراهة بغير صاحب الجنازة، وقال
باستحباب مشيه بين يديها، للأخبار المصرحة بتقديم مولانا الصادق (عليه السلام)
على سرير إسماعيل (2).
ويضعف بأنه غير مناف لأفضلية التأخر، مع أنه يحتمل التقية، لأن
أفضليته مذهب العامة (3).
هذا كله في جنازة المؤمن، وأما غيره فالحق في التقديم عليها الكراهة
المصطلحة، بل عن العماني فيه الحرمة (4) للنهي عنه في المعتبرة (5)، وعدم دليل
فيه على الراجحية المطلقة، لاختصاص أكثر المرغبات والأوامر صريحا، والجميع
ظاهرا بجنازة المؤمن.
ومنه يظهر عدم استحباب التشييع لجنازة غيره أيضا، إلا مع مصلحة
داعية، ومعها قد يجب.
ومنها: رجوع المشيع حتى يدفن أو يأذن الولي، إلا من ضرورة، لمرفوعة
البرقي: " أميران وليسا بأميرين: ليس لمن شيع جنازة أن يرجع حتى يدفن أو يؤذن
له " (6) الخبر.
ثم لو أذن له الولي في الانصراف لم يسقط استحباب إتمام التشييع،
للاستصحاب، وحسنة زرارة وفيها: فلما صلى على الجنازة قال وليها لأبي جعفر:
ارجع مأجورا رحمك الله، فإنك لا تقوى على المشي، فأبى أن يرجع - إلى أن

(1) حكى عنه في الذكرى: 52.
(2) انظر الوسائل 2: 441 أبواب الاحتضار ب 27.
(3) في المنتهى 2: 356 ما لفظه: أكثر أهل العلم يرون الفضيلة للماشي أن يكون أمام الجنازة...
وقال الأوزاعي وأصحاب الرأي المشي خلفها أفضل. وانظر الأم 1: 272، بدائع الصنائع 1:
310، بداية المجتهد 1: 232.
(4) حكى عنه في الحدائق 4: 72.
(5) انظر الوسائل 3: 149 أبواب الدفن ب 5.
(6) الكافي 3: 171 الجنائز ب 42 ح 2، الوسائل 3: 146 أبواب الدفن ب 3 ح 6.
264

قال -: " فليس بإذنه جئنا ولا بإذنه نرجع،. إنما هو فضل وأجر طلبناه، فبقدر ما
يتبع الجنازة الرجل يؤجر على ذلك " (1).
ومنها: جلوس المشيع حتى يوضع الميت في لحده، كما عن العماني (2) وابن
حمزة، والفاضلين، والذكرى (3)، لصحيحة ابن سنان: " ينبغي لمن شيع أن لا
يجلس حتى يوضع في لحده، فإذا وضع في لحده فلا بأس " (4).
وفي الدعائم: " إن الحسن بن علي مشى مع جنازة، فلما انتهى إلى القبر
وقف يتحدث مع أبي هريرة وابن الزبير حتى وضعت الجنازة، فلما وضعت جلس
وجلسوا " (5).
وعن الشيخ والإسكافي: عدم الكراهة (6)، لحسنة داود: رأيت أبا الحسن
يقول: " ما شاء الله لا ما شاء الناس " فلما انتهى إلى القبر تنحى فجلس فلما أدخل
الميت قام فحثا عليه التراب (7).
وخبر ابن الصامت: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا كان في جنازة
لم يجلس حتى توضع في اللحد، فقال يهودي: إنا لنفعل ذلك، فجلس وقال:
" خالفوهم " (8).
ويجاب عن الأول: بعدم منافاته الكراهة.
وعن الثاني: بعدم الثبوت، ولو ثبت فمرجوح بالنسبة إلى ما ذكر بالضعف

(1) الكافي 3: 171 الجنائز ب 42 ح 3، التهذيب 1: 454 / 1481، الوسائل - 3: 147 أبواب الدفن
ب 3 ح 7.
(2) حكى عنه في المعتبر 1: 334.
(3) الوسيلة: 69، المعتبر 1: 334، المنتهى 1: 446، الذكرى: 53.
(4) التهذيب 1: 462 / 1509، الوسائل 3: 212 أبواب الدفن ب 45 ح 1.
(5) دعائم الاسلام 1: 233.
(6) الخلاف 1: 719، وحكاه في الذكرى: 53 عن الإسكافي.
(7) الكافي 3: 198 الجنائز ب 66 ح 1، الوسائل 3: 189 أبواب الدفن ب 29 ح 1.
(8) سنن أبي داود 3: 204 / 3176 (بتفاوت يسير).
265

والأقدمية.
والظاهر اختصاص الكراهة بالمشيع، فلا يكره لمن لحق حين وضع الجنازة.
ومنها: الضحك له، لقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في النهج حين تبع
جنازة فسمع رجلا يضحك: " كأن الموت فيها على غيرنا كتب، (1).
وفي تنبيه الخاطر للورام، عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " من
ضحك على جنازة أهانه الله يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، ولا يستجاب
دعاؤه " (2).
ومنها: خروج النساء معها واتباعها، كما عن الشيخ (3)، والفاضلين
والشهيد (4)، لخبر غياث: " لا صلاة على جنازة معها امرأة " (5).
والمرويين في المجالس مسندا، والدعائم:
الأول: " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج فرأى نساء قعودا فقال: ما
أقعدكن هاهنا؟ قلن: للجنازة، قال: أفتحملن مع من يحمل؟ قلن: لا، قال:
أتغسلن مع من يغسل؟ قلن: لا، قال: أفتدلين فيمن يدلي؟ قلن: لا، قال:
فارجعن مأزورات غير مأجورات " (6) ونحوه روى السيد الحيدر في غرر الدرر
مرسلا (7).
والثاني إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مشى مع جنازة، فنظر إلى امرأة

(1) نهج البلاغة 3: 179 / 122.
(2) لم نعثر عليه في مجموعة ورام ونقل عنها في الوسائل 3: 233 أبواب الدفن ب 63 ح 5.
(3) الإستبصار 1: 486 قال في ذيل خبر غياث ما لفظه: فالوجه في هذه الرواية ضرب من الكراهية
دون الحظر.
(4) المعتبر 1: 334، المنتهى 1: 446، الذكرى: 53.
(5) التهذيب 3: 333 / 1402، الإستبصار 1: 486 / 1882، الوسائل 3: 140 أبواب صلاة
الجنازة ب 40 ح 2.
(6) أمالي الطوسي: 659، الوسائل 3: 240 أبواب الدفن ب 69 ح 5.
(7) نقله عنه في البحار 78: 264 / 20.
266

تتبعها، فوقف وقال: " ردوا المرأة "، فردت، ووقف حتى قيل: قد توارت بجدار
المدينة يا رسول الله، فمضى (1).
وبهما تخصص عمومات التشييع وتقيد اطلاقاتها.
خلافا لبعض الثالثة فلم يكرهه (2)، لما روي من خروج البتول على جنازة
أختيها (3).
وأجاب عما ذكر بالحمل على التقية.
ويجاب: بعدم منافاته للكراهة، مع أن المذكور فيه صلاتها عليها. والحمل
على التقية إنما يكون مع المعارضة.
نعم، في خبر أبي بصير: " ليس ينبغي للمرأة الشابة أن تخرج إلى الجنازة
وتصلي عليها إلا أن تكون امرأة دخلت في السن " (4).
ومقتضى خصوصيته تخصيص ما مر بالشابة، إلا أن الظاهر عدم قائل
بالفرق.
المقام الثاني: فيما يتعلق بالمدفن.
والواجب فيه أن يكون مع الامكان حفيرة في الأرض، فلا يجوز وضعه في
بناء أو تابوت بدون ضرورة، تأسيا بالنبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة الطاهرين،
واقتداء بالصحابة والتابعين، وجريا على الطريقة المستمرة بين المسلمين، وللأمر
بالدفن كما في رواية العلل، الآتية وغيرها (5).

(1) دعائم الاسلام 1: 234.
(2) الحدائق 4: 85.
(3) الكافي 3: 251 الجنائز باب النوادر ح 8، التهذيب 3: 333 / 1043، الوسائل 3: 139 أبواب
صلاة الجنازة ب 39 ح 1 و 2.
(4) التهذيب 3: 333 / 1044، الإستبصار 1: 486 / 1881، الوسائل 3: 139 أبواب صلاة
الجنازة ب 39 ح 3.
(5) انظر الوسائل 3: 141 أبواب الدفن ب 1 والأبواب التي أشير إليها في هامشه.
267

والمتبادر منه المواراة في عمق الأرض، وفي العامي المروي في المنتهى وغيره
عن النبي (صلى الله عليه وآله): " احفروا وأوسعوا وعمقوا " (1).
وأن تكون سعته بقدر يسع جثته نائمة على القبلة على الوجه الآتي، لوجوب
المتوقف على ذلك.
وعمقا على نحو يحرسها عن السباع غالبا، ويكتم رائحته عن الانتشار،
بإجماع المسلمين، ولأنهما العلة في شرع الدفن كما في المروي في العلل: " أمر
بالدفن لئلا يظهر للناس فساد جسده وقبح منظره وتغير رائحته، ولا يتأذى الأحياء
بريحه " (2) إلى آخره.
والوصفان متلازمان غالبا، ولو فرض الانفكاك بينهما وجب مراعاتهما.
والسرداب من المحفورات، فيجوز الدفن فيه وسد بابه.
ولو تعذر الحفر أجزأ مواراته في البناء بما يحصل الوصفين.
ويكره دفنه في الأرض بالتابوت إجماعا، كما عن المبسوط والخلاف (3).
ويجب أن تكون الأرض مما يجوز التصرف فيها لذلك، إما بكونها مباحة،
أو مرخصا فيها من قبل المالك، خالية من ميت آخر حيث يحرم النبش.
وهل يجوز الدفن في ملك الميت مع عدم رضا الوارث أو كونه صغيرا فيكون
من المستثنيات كمؤن التجهيز، أم لا؟
الظاهر: الثاني، للأصل.
ومستحباته:
حفر القبر إلى الترقوة أو قدر قامة معتدلة، إجماعا، كما في ظاهر

(1) المنتهى 1: 461، المعتبر 1: 295.
(2) علل الشرائع: 268، الوسائل 3: 141 أبواب الدفن ب 1 ح 1.
(3) المبسوط 1: 187، الخلاف: نقل عنه في كشف اللثام 1: 134. ولم نعثر عليه في مظانه.
268

المدارك (1)، والقواعد (2)، وعن الخلاف والغنية والتذكرة (3)، وهو الحجة فيهما.
مضافا في الأول إلى مرسلة الصدوق: " حد القبر إلى الترقوة " (4).
وفيهما إلى مرسلة ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن الصادق (عليه
السلام) قال: " حد القبر إلى الترقوة، وقال بعضهم: إلى الثدي، وقال بعضهم:
قامة الرجل حتى يمد الثوب على رأس من في القبر " (5).
ومرسلة سهل: " روى أصحابنا أن حد القبر إلى الترقوة " (6) إلى آخر ما
سبق.
والقدح في الاستدلال للقامة بهما بعدم معلومية القائل (7) غير جيد، إذ
الظاهر أن المعنى: أن ابن أبي عمير روى عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه
السلام) أنه إلى الترقوة، وعن بعض آخر عنه أنه إلى القامة. فهو خبر مرسل آخر،
ومثل ذلك شائع في المجاورات مع تعدد الروايتين.
نعم يتم ذلك القدح في المرسلة الأولى، فإن فيها: قال الصادق (عليه
السلام) كذا، وقال بعضهم كذا، وأما في [الأخريين] (8) فلا، ولو سلم الاحتمال
الضعيف فهو لا يضر في مقام المسامحة سيما مع الانضمام بالاجماعات المنقولة.
ولعل لذلك مع ضميمة علم القائل لم يلتفتوا إلى التقدير بالثدي، أو
لاجماله لترديده بين الثاء المثلثة، والنون ليكون المراد الرشح، فلا يصلح دليلا

(1) المدارك 2: 137.
(2) القواعد 1: 21، تعرض للمسألة بدون دعوى الاجماع، ولعل الصحيح: " شرح القواعد " وهو
جامع المقاصد 1: 439.
(3) الخلاف 1: 705 - 706، الغنية (الجوامع الفقهية): 564، التذكرة 1: 52.
(4) الفقيه 1: 107 / 498، الوسائل 3: 165 أبواب الدفن ب 14 ح 2.
(5) التهذيب 1: 451 / 1469، الوسائل 3: 165 أبواب الدفن ب 14 ح 2.
(6) الكافي 3: 165 الجنائز ب 36 ح 1، الوسائل 3: 165 أبواب الدفن ب 14 ح 2.
(7) كما في الرياض 1: 64.
(8) في النسخ: الأولين.
269

لشئ منهما. كما لا يصلح آخر المرسلة الأخيرة من قول السجاد (عليه السلام):
" احفروا لي حتى يبلغ الرشح " دليلا للأخير لجواز كون أرض البقيع بحيث يصل
إلى الندى قبل الترقوة.
ثم بما مر من دليل القامة يخصص عموم خبر السكوني: " في النبي (صلى
الله عليه وآله) وسلم أن يعمق القبر فوق ثلاثة أذرع " (1) حيث إنها أقل منها، مع
احتمال اختصاص النهي ببلدة - أي المدينة - لقرب الرطوبة.
وجعل لحد له، بالاجماع كما عن الكتب الثلاثة الأخيرة (2)، له، وللتلحيد
لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلم ولسعد بن معاذ بحضوره كما في العلل (3)،
ولتوقف الوضع في اللحد المأمور به - كما في المستفيضة منها: المروي في العلل: " ثم
ضعه في لحده " (4) ونحوه في الرضوي (5) - عليه، وما يتوقف عليه المستحب
مستحب.
وهو أن يحفر بعد البلوغ إلى أرض القبر في حائطه مما يلي القبلة حفيرة،
بالاجماع، له، وللمروي ظاهرا في الدعائم عن الصادق (عليه السلام) قال:
" اللحد هو أن يشق للميت في القبر مكانه الذي يضجع فيه مما يلي القبلة مع حائط
القبر، والضريح أن يشق له وسط القبر " (6) إلى آخره.
يسع الميت طولا وعرضا، لأنها معدة له. ويتمكن الجالس من الجلوس فيه
عمقا إجماعا، لمرسلة ابن أبي عمير، وفيها: " وأما اللحد فبقدر ما يمكن فيه

(1) الكافي 3: 166 الجنائز ب 36 ح 4، التهذيب 1: 451 / 1466 الوسائل 3: 165 أبواب الدفن
ب 14 ح 1.
(2) الخلاف 1: 706، الغنية (الجوامع الفقهية): 564، التذكرة 1: 52.
(3) علل الشرائع: 309 ب 251، الوسائل 3: 230 أبواب الدفن ب 60 ح 2.
(4) علل الشرائع: 306 ب 251.
(5) فقه الرضا: 170.
(6) دعائم الاسلام 1: 237، المستدرك 2: 315 أبواب الدفن ب 15 ح 2.
270

الجلوس " (1).
واللحد أفضل من الشق - الذي هو الضريح، وهو أن يحفر في أرض القبر
شقا يوضع فيه الميت ويسقف - اجماعا، وفي المنتهى أنه قول العلماء (2). لما ذكر.
ولا ينافيه ما دل على أمر مولانا الباقر (عليه السلام) بالشق له، لاحتمال
الاختصاص به، لكونه جسيما وكون أرض البقيع رخوة، فلا يحتمل الحفيرة
الواسعة فينهدم، صرح بذلك في خبر الحلبي: " وشققنا له الأرض شقا لأنه كان
بادنا " (3)
وفي الدعائم: إن الصادق (عليه السلام) ضرح لأبيه (عليه السلام)، احتاج
إلى ذلك لأنه كان جسيما (4).
وكذا لا ينافيه أمر مولانا الرضا (عليه السلام) أيضا بالتضريح وقوله: " فإن
أبوا إلا أن يلحدوا فتأمرهم أن يجعلوا اللحد ذراعين وشبرا، فإن الله سيوسعه
ما شاء " (5) لما ذكر، كما يرشد إليه ذيله، أو لمانع آخر من التلحيد الوسيع فيه من
مدفون ونحوه.
ومنه تظهر أفضلية الشق في صورة المانع كما صرح به جماعة (6)، وعن
الإسكافي (7) والمعتبر (8): أنه يعمل حينئذ شبه اللحد من بناء في قبلته.

(1) التهذيب 1: 451 / 1469، الوسائل 3: 165 أبواب الدفن ب 14 ح 2.
(2) المنتهى 1: 461.
(3) الكافي 3: 140 الجنائز ب 18 ح 3، التهذيب 1: 300 / 876، الوسائل 3: 166 أبواب الدفن
ب 15 ح 3.
(4) دعائم الاسلام 1: 237، المستدرك 2: 316 أبواب الدفن ب 15 ح 3.
(5) عيون أخبار الرضا 2: 245 ب 60، الأمالي للصدوق: 526 / 17، الوسائل 3: 167 أبواب
الدفن ب 15 ح 4 وفي " ح " بدل " ما شاء ": " إن شاء الله ".
(6) كالعلامة في التذكرة 1: 52، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 439، الشهيد في الذكرى: 65.
(7) نقل عنه في الذكرى: 65.
(8) المعتبر 1: 296.
271

وتشريج (1) اللحد وتنضيده بعد وضع الميت فيه، باللبن والطين، على وجه
يمنع دخول التراب فيه، بالاجماع كما في المدارك (2) واللوامع، وفي المنتهى: لا
نعلم فيه خلافا (3)، وهو الحجة فيه، مضافا إلى المستفيضة:
كصحيحة ابن تغلب: " جعل علي على قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) لبنا " (4).
وخبر ابن عمار: " ثم تضع الطين واللبن " (5).
ونحوه المروي في دعوات الراوندي (6) والمعتبرة (7) المشعرة بالمداومة عليه (8).
ويقوم مقام اللبن ما يساويه في المنع من تعدي التراب إليه، كالحجر
والقصب والخشب، كما عن الغنية والمنتهى والمهذب (9).
ويدل عليه المروي في العلل: " نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبر
سعد بن معاذ، ولحده، وسوى عليه اللبن، وجعل يقول: ناولني حجرا ناولني
ترابا رطبا، يسد به ما بين اللبن " (10) الحديث.
ولا يستفاد منه اطلاق اللبن على ما يعم الحجر، لجواز أن يكون الحجر لسد

(1) شرجت اللبن شرجا: نضدته أي ضممت بعضه إلى بعض - مجمع البحرين 2: 312.
(2) المدارك 2: 141.
(3) المنتهى 1: 461.
(4) الكافي 3: 197 الجنائز ب 65 ح 3، الوسائل 3: 189 أبواب الدفن ب 28 ح 1.
(5) التهذيب 1: 457 / 1492، الوسائل 3: 180 أبواب الدفن ب 21 ح 6.
(6) الدعوات: 266، المستدرك 2: 324 أبواب الدفن ب 21 ح 7.
(7) الكافي 3: 196 الجنائز ب 64 ح 6، التهذيب 1: 316 / 920، الوسائل 3: 177 أبواب الدفن
ب 21 ح 2.
(8) وجه الاشعار أنه قد ورد في المعتبر قوله: " إذا وضعت عليه اللبن فقل اللهم صل وحدته... "
وهذا مشعر باستقرار البناء في تلك الأزمنة على وضع اللبن حيث اقتصر (عليه السلام) الأمر بالدعاء
عنده ولم يأمره بوضع اللبن، وهو مما يستفاد من الرياض 1: 65.
(9) الغنية (الجوامع الفقهية): 564، المنتهى 1: 461، المهذب 1: 43.
(10) تقدم مصدره ص 270.
272

الخلل.
ويبتدأ في التشريج من جانب الرأس، للمحكي عن الراوندي: أنه عمل
العارفين من الطائفة (1).
وتسطيح القبر بعد طمه، اجماعا منا كما في شرح القواعد (2)، وصرح به
جماعة، وفي المنتهى: " إنه قول علمائنا أجمع (3)، له، ولاستحباب التربيع المستلزم
له.
وللرضوي: " والسنة أن القبر يرفع أربع أصابع مفرجة من الأرض،. إن
كان أكثر فلا بأس، ويكون مسطحا، ولا يكون مسنما " (4).
والمروي في المحاسن: " لا تدع قبرا إلا سويته " (5) وفي آخر: " ولا قبرا مشرفا
إلا سويته " (6) والتسوية هو التسطيح.
ويؤيده قول القاسم بن محمد كما في المنتهى: رأيت قبر النبي والقبرين عنده
مسطحة لا مشرفة (7).
وتربيعه، بالاجماع كما في المدارك (8)، واللوامع، للرضوي المتقدم، وخبر
ابن مسلم: " تربع قبره " (9).
والروايات في الخصال، والعلل، والدعائم:

(1) حكاه عن الراوندي في الذكرى: 66.
(2) جامع المقاصد 1: 443.
(3) المنتهى 1: 462.
(4) فقه الرضا: 175، المستدرك 2: 335 أبواب الدفن ب 29 ح 1.
(5) المحاسن: 613 / 34.
(6) صحيح مسلم 2: 666 / 969.
(7) المنتهى 1: 462.
(8) المدارك 2: 143.
(9) الكافي 3: 195 الجنائز ب 64 ح 3، التهذيب 1: 315 / 916، الوسائل 3: 181 أبواب الدفن
ب 22 ح 2.
273

الأول: " القبور تربع ولا تسنم " (1).
والثاني: لأي علة يربع القبر؟ قال: " لعلة البيت لأنه نزل مربعا " (2).
والثالث: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) لما دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) ربع قبره (3).
ورفعه أربع أصابع باتفاق الأصحاب، كما عن المعتبر (4)، بل العلماء كما في
المنتهى (5)، بل بالاجماع كما في المدارك (6)، لخبري ي محمد وعقبة:
الأول: " يرفع القبر فوق الأرض أربع أصابع " (7).
والثاني: " قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): وارفع قبري من الأرض
أربع أصابع، (8). الحديث.
مفرجات أو مضمومات مخيرا بينهما، كما في المنتهى، وشرح القواعد، وعن
الذكرى (9)، ويحتمله كلام من أطلق، كما في الشرائع، والقواعد، وعن التحرير
والارشاد (10)، بل حكي عن الأكثر (11).
لورود الأولى في الرضوي المتقدم وخبر ابن مسلم: " وتلزق القبر بالأرض
إلا قدر أربع أصابع مفرجات " (2 1) وحسنة حماد: " وارفع قبري أربع أصابع

(1) الخصال: 604، الوسائل 3: 182 أبواب الدفن ب 22 ح 5.
(2) علل الشرائع: 305 ب 248، الوسائل 3: 195 أبواب الدفن ب 31 ح 12.
(3) دعائم الاسلام 1: 238، المستدرك 2: 336 أبواب الدفن ب 29 ح 2.
(4) المعتبر 1: 301.
(5) المنتهى 1: 462.
(6) المدارك 2: 143.
(7) الكافي 3: 201 الجنائز ب 67 ح 10، الوسائل 3: 192 أبواب الدفن ب 31 ح 1.
(8) الكافي: 450 الحجة أبواب التاريخ ب 1 ح 36، الوسائل 3: 192 أبواب الدفن ب 31 ح 3.
(9) المنتهى 1: 462، جامع المقاصد 1: 443، الذكرى: 47.
(10) الشرائع 1: 43، القواعد 1: 21، التحرير 1: 20، الإرشاد 1: 264.
(11) كما حكاه في كشف اللثام 1: 135.
(12) راجع ص 273 الرقم (9).
274

مفرجات " (1).
والثاني في موثقة سماعة: " ويرفع قبره من الأرض أربع أصابع مضمومة " (2).
واقتصر جماعة - كما عن المفيد والديلمي والاقتصاد (3)، والحلبيين (4)، وابني
حمزة وإدريس (5)، والنافع والتذكرة ونهاية الإحكام (6) - على الأولى، بل نسب
إلى الأشهر (7)، والعماني على الثانية (8). وكل منهما يرد برواية الآخر.
ولا يستحب الرفع زائدا ولو كان شبرا، بل يكره لدعوى الاجماع في
المنتهى على كراهة الزائد عن الأربع (9)، والمروي في العيون: لا ترفعوا قبري أكثر
من أربع أصابع مفرجات " (10)
خلافا للمحكي عن ابن زهرة فخير بين الشبر وبين الأولى (11)، وعن
القاضي فبينه وبين الثانية (12)، وعن بعض آخر فبين الثلاثة (13)، واختاره والدي
قدس الله روحه، لخبر إبراهيم: " إن قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رفع

(1) الكافي 3: 200 الجنائز ب 67 ح 5، التهذيب 1: 315 / 916، الوسائل 3: 193 أبواب الدفن
ب 31 ح 5 وليس في المصادر كلمة " مفرجات ".
(2) الكافي 3: 199 الجنائز ب 67 ح 2، التهذيب 1: 320 / 932، الوسائل 3: 192 أبواب الدفن
ب 31 ح 4.
(3) المقنعة: 81، المراسم: 51، الإقتصاد: 250.
(4) الكافي: 239، الغنية (الجوامع الفقهية): 564.
(5) الوسيلة: 68، السرائر 1: 165.
(6) النافع: 14.
(7) كما في الرياض 1: 66.
(8) حكاه عنه في الذكرى: 67.
(9) المنتهى 1: 462.
(10) عيون أخبار الرضا (ع) 1: 82 / 6، الوسائل 3: 195 أبواب الدفن ب 31 ح 11.
(11) الغنية (الجوامع الفقهية): 564.
(12) المهذب 1: 64.
(13) انظر جامع المقاصد 1: 443.
275

شبرا من الأرض " (1).
ويجاب: بأنه لا يعارض ما مر، لجواز الاختصاص، ولسقوطه بنقل خلافه
كما مر.
ووضع حجر أو خشب عند الرأس، فيه اسم الميت علامة ليزار ويترحم
عليه، لفعل النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك بقبر ابن مظعون، كما في الدعائم (2)،
والكاظم (عليه السلام) بقبر ابنة له، كما في خبر يونس: لما رجع من بغداد إلى المدينة
ماتت ابنة له في رجوعه بفيد، فأمر بعض مواليه أن يجصص قبرها، ويكتب على
لوح اسمها ويجعله في القبر " (3) ووجوده على قبر أم المهدي (عليه السلام) في حياة أبي
محمد (عليه السلام)، كما في اكمال الدين (4).
ووضع الحصباء عليه، لفعل النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك بقبر ابنه، وفي
مرسلة أبان: " قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) محصب حصباء حمراء " (5).
ومكروهاته:
فرش القبر بالساج وشبهه، كما عن الوسيلة (6)، وفي الشرائع والنافع (7)
والقواعد (8).

(1) التهذيب 1: 469 / 1538، علل الشرائع: 307 (بسند آخر)، الوسائل 3: 193 أبواب
الدفن ب 31 ح 8.
(2) دعائم الاسلام 1: 238، مستدرك الوسائل 2: 344 أبواب الدفن ب 35 ح 1
(3) الكافي 3: 202 الجنائز ب 68 ح 3، التهذيب 1: 461 / 1501، الإستبصار 1: 217 / 768،
الوسائل 3: 203 أبواب الدفن ب 37 ح 2.
(4) اكمال الدين 2: 431 / 7، الوسائل 3: 203 أبواب الدفن ب 37 ح 3.
(5) التهذيب 1: 461 / 1502، الوسائل 3: 203 أبواب الدفن ب 37 ح 1، ورواه مرسلا في
الكافي 3: 201 الجنائز ب 68 ح 2.
(6) الوسيلة: 69.
(7) الشرائع 1: 43، المختصر النافع: 14.
(8) القواعد 1: 21.
276

وعلل بكونه لازما لوضع خده على التراب (1).
وفيه: منع الملازمة، لامكان وضع التراب على الساج.
وباستلزامه الاتلاف المنهي عنه من دون رخصة (2).
وهو - لو تم - لدل على الحرمة.
مع أن عموم " الناس مسلطون على أموالهم " (3) [وما مر في كتابة الكفن من
عمل العمري - رضي الله عنه - الساجة (4)، ومرسلة الفقيه: روي عن أبي
الحسن الثالث إطلاق في أن يفرش القبر بالساج ويطبق على الميت الساج (5)، بل
المكاتبة الآتية - حيث إن التقييد فيها في السؤال - تفيد الرخصة.
ولا كراهة مع الضرورة اتفاقا، ومنها النداوة، لمكاتبة ابن بلال: ربما مات
الميت عندنا وتكون الأرض ندية فيفرش القبر بالساج أو يطبق عليه، هل يجوز
ذلك؟ فكتب: " ذلك جائز " (6).
والمراد بتطبيق الساج عليه جعله حواليه كأنه وضع في تابوت] (7).
وفي كراهة وضع الفرش عليه مطلقا، أو عدمها كذلك، أو الثاني مع

(1) كما في كشف اللثام 1: 138.
(2) كما في الرياض 1: 66.
(3) عوالي اللآلي 3: 208 / 49.
(4) راجع ص 214.
(5) الفقيه 1: 108 / 499، الوسائل 3: 189 أبواب الدفن ب 27 ح 3.
(6) الكافي 3: 197 الجنائز ب 65 ح 1، التهذيب 1: 456 / 1488، الوسائل 3: 188 أبواب
الدفن ب 27 ح 1.
(7) قد وقع في النسخ الثلاث تقديم وتأخير في العبارة، وهي هكذا: يفيد الرخصة، والمراد بتطبيق
الساج عليه جعله حواليه كأنه وضع في تابوت. ولا كراهة مع الضرورة اتفاقا، ومنها النداوة، لمكاتبة
ابن بلال: " ربما مات الميت " وما مر في كتابة الكفن من عمل العمري - رضي الله عنه - الساجة،
ومرسلة الفقيه: روي عن أبي الحسن الثالث اطلاق في أن يفرش القبر بالساج ويطبق على الميت
الساج، بل المكاتبة الآتية حيث إن التقييد فيها في السؤال عندنا وتكون الأرض ندية فيفرش القبر
بالساج أو يطبق عليه، هل يجوز ذلك؟ فكتب: ذلك جائز.
277

النداوة والأول بدونها، أوجه، بل أقوال، والأصل مع الثاني، وتؤيده الأخبار الواردة
في فرش قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقطيفة (1) وإن احتمل كونه لأجل
النداوة.
وجعل تراب غير القبر فيه ونقله إليه، لمرسلة الفقيه: " كل ما جعل على
القبر من غير تراب القبر فهو ثقل على الميت " (2).
وخبري السكوني: أحدهما: " نهى أن يزاد على القبر تراب لم يخرج منه " (3).
والآخر: " لا تطينوا القبر من غير طينه " (4).
وإطلاقها يتناول حال الدفن وبعد، فتخصيص الإسكافي بالأول (5) لا
وجه له، وهو بدليل الفرق مطالب.
وتجصيصه، بإجماعنا، كما في المنتهى والتذكرة وعن المبسوط ونهاية
الإحكام (6).
للمستفيضة الناهية عنه، كموثقة علي: " لا يصلح البناء على القبر، ولا
الجلوس عليه، ولا تجصيصه، ولا تطيينه " (7).
وفي حديث المناهي المروي في الفقيه: " ونهى أن يجصص القبور " (8).

(1) الكافي 3: 197 الجنائز ب 65 ح 2، الوسائل 3: 189 أبواب الدفن ب 27 ح 2، ومن طريق
العامة: سنن البيهقي 3: 408.
(2) الفقيه 1: 120 / 576، الوسائل 3: 202 أبواب الدفن ب 36 ح 3.
(3) الكافي 3: 202 الجنائز ب 68 ح 4، التهذيب 1: 460 / 1500، الوسائل 3: 202 أبواب
الدفن ب 36 ح 1.
(4) الكافي 3: 201 الجنائز ب 68 ح 1، التهذيب 1: 460 / 1499، الوسائل 3: 202 أبواب
الدفن ب 36 ح 2.
(5) حكاه عنه في الذكرى: 67.
(6) المنتهى 1: 463، والتذكرة 1: 54، والمبسوط 1: 187، ونهاية الإحكام 2: 284.
(7) التهذيب 1: 461 / 1503، الإستبصار 1: 217 / 767، الوسائل 3: 210 أبواب الدفن
ب 44 ح 1.
(8) الفقيه 4: 2 / 1، الوسائل 3: 211 أبواب الدفن ب 44 ح 4.
278

والمروي في معاني الأخبار عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " إنه نهى
عن تقصيص القبور " قال: وهو التجصيص (1).
وإطلاقها يقتضي عدم الفرق بين الظاهر والباطن.
وربما تخص الكراهة بالباطن دون الظاهر، جمعا بينه وبين ما تقدم من أمر
مولانا الكاظم عليه السلام بتجصيص قبر ابنته (2)، فإن الظاهر منه تجصيص
الظاهر، ولا بأس به.
وربما يجمع بتخصيص التجصيص المباح بهم وبأولادهم، لجوازه في قبور
الأنبياء والأئمة وأولادهم والعلماء والصلحاء، لاستمرار الناس عليه من غير نكير
مع كونه تعظيما لشعائر الله وتحصيلا لكثير من المصالح الدينية، مضافا إلى ورود
أخبار المنع مورد الغالب، وهوما عداهم.
وفيه: أن الجمع بما ذكر وإن كان ممكنا، إلا أنه لا دليل على تعيينه حتى
يوجب تخصيص المانع، لجواز الجمع بما مر، أو بالفرق بين الابتداء والاندراس،
كما عن الشيخ والكركي (3)، أو بوجود داع آخر لم نطلع عليه.
وأما تجويزه في قبور من ذكر، فإن أريد عدم الحرمة فغيرهم أيضا كذلك
إجماعا، وإن أريد عدم الكراهة فالاطلاقات تشملها، وما ذكروه لا يصلح
لتقييدها، لأن استمرار الناس - لو سلم - فإنما هو في التعمير والبناء دون
التجصيص، بل لا ندري منهم قبرا مجصصا، سيما باطنه.
وكونه تعظيما ممنوع، ولا مصلحة دينية فيه، وكون الغالب غير من ذكر
بحيث ينصرف الاطلاق إليه ممنوع.
فالأظهر تعميم الكراهة في التجصيص، مع احتمال قريب في انتفائها في

(1) معاني الأخبار: 279، الوسائل 3: 211 أبواب الدفن ب 44 ح 5.
(2) الكافي 3: 202 الجنائز ب 68 ح 3، التهذيب 1: 461 / 1501، الإستبصار 1: 217 / 768،
الوسائل 3: 203 أبواب الدفن ب 37 ح 2.
(3) الشيخ في النهاية: 44، والمبسوط 1: 187، والكركي في جامع المقاصد 1: 449.
279

الظاهر.
والبناء عليه، إجماعا، كما عن المبسوط والتذكرة (1)، سواء كان القبر في أرض
مباحة مسبلة أو مملوكة.
لاستفاضة النصوص على النهي عنه المحمول على الكراهة إجماعا:
منها: الموقتة المتقدمة (2)، ورواية يونس: " نهى رسول الله صل الله عليه وآله
وسلم أن يصلى على قبر، أو يقعد عليه، أو يبنى عليه " (3).
ورواية المدائني: " لا تبنوا على القبور " إلى أن قال: " فإن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم كره ذلك " (4).
والتخصيص بالأرض المباحة - كبعضهم (5) - لا وجه له.
والمتبادر منها كراهة البناء على القبر، فلا يكره الدفن في موضع فيه بناء ولو
على قبر آخر.
والتعليق ينبئ عن العلية، فالمكروه البناء عليه لأجل القبر، فلا يكره بناء
بيت فيه قبر لو خرب.
واستثنى الشهيد (6)، وجماعة (7) من ذلك الحكم قبور الأنبياء والأئمة،
مدعيا فيه إطباق الإمامية على أن يبنوا عليها، مخصصا للعمومات باجماعهم على
البناء في عهود كانت الأئمة ظاهرة بينهم وبعدهم من غير نكير، ويكون قبر

(1) المبسوط 1: 187، والتذكرة 1: 54.
(2) في ص 278 رقم 7.
(3) التهذيب 1: 461 / 1504 و ج 3: 201 / 469، الإستبصار 1: 482 / 1869، المقنع: 21،
الوسائل 3: 210 أبواب الدفن ب 44، ح 2.
(4) التهذيب 1: 461 / 1505، المحاسن: 612 / 32، الوسائل 3: 210 أبواب الدفن ب 44
ح 3.
(5) المبسوط 1: 187.
(6) الدروس 1: 116.
(7) كصاحب الرياض 1: 66.
280

الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مبنيا عليه، وبالأخبار الدالة على تعظيم قبورهم
وعمارتها.
أقول: أما اطباقهم على البناء ففيه كلام، فإن الأكثر من السلاطين والذين
لا يمكن مخالفتهم، سيما مع عدم الاهتمام بالمخالفة، إذ غايته الكراهة.
وأما قبر الرسول فهو وقع في البناء لكونه بيته لا البناء عليه.
وأما تعظيم القبور فهو غير البناء عليه.
نعم، يحسن التخصيص بما دل على فضل تعمير قبورهم، كرواية
[الساجي] (1) - كما في التهذيب - وفيها: " وجعل قلوب نجباء من خلقه وصفوة من
عباده تحن إليكم، وتحتمل المذلة والأذى فيكم، فيعمرون قبوركم " إلى أن قال:
" أولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي، والواردون حوضي، وهم زواري غدا في
الجنة، يا علي من عمر قبوركم وتعاهدها فكأنما أعان سليمان بن داود على بناء بيت
المقدس " (2) ورواه في فرحة الغري أيضا بسندين (3).
وتدل على فضل البناء عليها الروايات. المتكثرة المصرحة بالأمر بالوقوف على
باب الروضة أو القبة أو الناحية المقدسة، والاستئذان، وتقبيل العتبة، والدعاء
عند ترائي القبة الشريفة، ونحو ذلك مما وردت فيه الأخبار الغير العديدة
- المؤذنة برضاهم، بل ميلهم إلى هذه الأبنية الشريفة - والآمرة بآداب متوقفة على
وجود الباب والقبة والعتبة الموقوفة على البناء (4).
فلا ينبغي الريب في تخصيص عمومات المنع بغير قبورهم، واستحباب
البناء عليها مؤكدا.

(1) في " ه‍ " و " ق ": التباني، وفي " ح ": كلمة مبهمة، وما أثبتناه موافق للتهذيب المطبوع راجع معجم
رجال الحديث 21: 203.
(2) التهذيب 6: 22 / 50، الوسائل 14: 382 أبواب المزار ب 26 ح 1.
(3) فرحة الغري: 77 - 78.
(4) انظر: كامل الزيارات الباب 79، والوسائل 14: 341 أبواب المزار ب 6.
281

ويحتمل قويا التعدي إلى قبور من علم انتسابه بالولادة إليه من الأبرار من
أولادهم، لاحتمال دخوله في ضمير الجمع في قوله: " قبوركم ".
وأما من لم يعلم انتسابه إليهم، وكذا غير أولادهم من العلماء والصلحاء،
فلا أرى لاخراجهم من عمومات الكراهة وجها. والقول بعدم انصرافها إليهم
فاسد، فالقول بالكراهة فيها أظهر.
ثم المراد بالبناء المكروه ما يسمى بناء عرفا، وأما مطلق التظليل - ولو
بالصناديق والضرائح والخيام والفساطيط - فلا دليل على كراهته، إلا أنه ذكرها
جماعة، كما في القواعد وعن النهاية والمصباح والوسيلة والسرائر (1). ولا بأس به؟
لفتاواهم، مع استثناء ما إذا تعلق به غرض صحيح، كما صرح به بعضهم (2).
وتجديده بعد الاندراس، كما في القواعد وعن النهاية والمبسوط والمصباح
ومختصره والسرائر والمهذب والوسيلة (3) والاصباح، بل على الأشهر، كما صرح به
بعض من تأخر (4).
لخبر الأصبغ، ومرسلة الفقيه: " من جدد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج عن
ربقة الاسلام " (5) بناء على ما هو المشهور والمنقول عن الصفار أنه بالجيم (6)، وإن
احتمل فيه احتمالات أخر، ولكن الاحتمال. الأول - لكونه قريبا، مع اعتضاده
بفتوى الفحول - يكفي في المطلوب، لكونه مقام التسامح. ولكنه مخصوص
بقبور غير المعصومين، لما مر.

(1) القواعد 1: 21، والنهاية: 44، ومصباح المتهجد: 22، والوسيلة: 69، والسرائر 1: 171.
(2) كالمحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 450.
(3) القواعد 1: 21، والنهاية: 44، والمبسوط 1: 187، ومصباح المتهجد: 22، والسرائر 1:
171، والمهذب 1: 65، والوسيلة: 69.
(4) كالأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 501، وصاحب الحدائق 4: 134.
(5) الفقيه 1: 120 / 579، التهذيب 1: 459 / 1497، المحاسن: 612 / 33، الوسائل 3: 208
أبواب الدفن ب 43 ح.
(6) حكاه عنه في المعتبر 1: 304.
282

والجلوس عليه، بلا خلاف ظاهر، لما مر من موثقة علي وخبر يونس (1).
والمشي عليه، عند جماعة، بل عن الخلاف (2)، والمعتبر والتذكرة (3) الاجماع
ظاهرا.
للمروي في المنتهى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " لأن أطأ على جمرة
أو سيف أحب إلي من أن أطأ على قبر مسلم " (4).
ولكن تعارضه مرسلة الفقيه: " إذا دخلت المقابر فطأ القبور، فمن كان
مؤمنا استروح إلى ذلك ومن كان منافقا وجد ألمه " (5).
ولذلك مال في المعتبر إلى عدم الكراهة، وقال به في المدارك (6).
وخصص جماعة الكراهة بما إذا لم يدخل لأجل الزيارة.
وظاهر المنتهى التوقف (7)، وهو في محله جدا.
وهاهنا مسائل أخر متعلقة بالمدافن والمقابر لا بد من ذكرها:
المسألة الأولى:
يكره جعل المدفن في البيت، للمروي في المحاسن وكنز الكراجكي، عن
أبي الدنيا المعمر، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: " سمعت رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم يقول: لا تتخذوا قبري عيدا، ولا تتخذوا قبوركم مساجد، ولا
بيوتكم قبورا " (8).
ولو أوصى بدفنه في بيته اعتبرت الإجازة أو الثلث.

(1) المتقدمتين في ص 278، 280.
(2) الخلاف 1: 707، ولم نعثر على ادعاء الاجماع فيه، وقد حكى عنه في المدارك 2: 152.
(3) المعتبر 1: 305، والتذكرة 1: 54.
(4) المنتهى 1: 468 بتفاوت يسير.
(5) الفقيه 1: 115 / 539، الوسائل 3: 231 أبواب الدفن ب 62 ح 1.
(6) المعتبر 1: 305، المدارك 2: 153.
(7) المنتهى 1: 464.
(8) لم نعثر عليه في المحاسن، كنز الكراجكي 2: 152، وفيه " لا تتخذوا قبري مسجدا ".
283

ولو كان في البلد أو القرية مقبرة يدفن فيها الموتى كان الدفن فيها أولى، لما
فيها من زيادة الزيارة والدعاء.
ويستحب أن يجعل الأقارب في مقبرة واحدة، لقول النبي صلى الله عليه
وآله وسلم لما دفن ابن مظعون: " أدفن إليه من مات من أهله " (1).
وقيل: الأولى أن يكون للانسان مقبرة ملك يدفن فيها أهله وأقاربه. ولو
كان فيها مقبرة بها قوم صالحون كان الأحسن اختيارها، لتناله بركتهم.
ويؤيده: ما روي في كتاب اختيار الرجال من أمر مولانا الرضا عليه السلام
بحفر قبر يونس بن يعقوب - حين مات في المدينة - بالبقيع (2).
الثانية: لا يجوز دفن الكفار وأولادهم بأصنافهم في مقبرة المسلمين،
بالاجماع المحقق، والمحكي في شرح القواعد والشرائع (3)، وعن التذكرة ونهاية
الإحكام والذكرى وروض الجنان (4). ولا دفن المسلم في مقبرة الكفار كذلك.
ويستثنى من الأول الكافرة الحامل من مسلم، بالاجماع، كما عن الخلاف (5).
الثالثة: يكره نقل الموتى عن بلد موتهم إلى غير المواضع المكرمة والمشاهد
المشرفة، بالاجماع المحقق، والمحكي عن نهاية الإحكام (والمعتبر (6) والتذكرة
والذكرى (7)، وغيرها (8)، له، ولمنافاته للتعجيل في الدفن المستحب بالاجماع،

(1) نقله في الذكرى: 65، وعنه في البحار 79: 48.
(2) رجال الكشي 2: 684.
(3) جامع المقاصد 1: 448، ولم نعثر عليه في الشرائع، ويحتمل وقوع التصحيف في ضبط الرمز،
فضبطه الناسخ " يع " بدل " مع "، والمراد منه: اللوامع.
(4) التذكرة 1: 54، نهاية الإحكام 2: 281، الذكرى: 70، روض الجنان: 321.
(5) الخلاف 1: 730.
(6) ليست في " ق ".
(7) نهاية الإحكام 2: 283، المعتبر 1: 357، التذكرة 1: 54، الذكرى: 64.
(8) كجامع المقاصد 1: 450، ومفاتيح الشرائع 2: 172، وكشف اللثام 1: 138.
284

والروايات المحمولة عليه (1)، لعدم القول بالوجوب.
والمروي في الدعائم - المانع ضعفه عن اثبات الحرمة به -: رفع إلى
أمير المؤمنين عليه السلام أن رجلا مات بالرستاق فحملوه إلى الكوفة، فأنهكهم
عقوبة، وقال " ادفنوا الأجساد في مصارعها، ولا تفعلوا كفعل اليهود ينقلون
موتاهم إلى بيت المقدس " (2).
وأما إليها فمستحب، إجماعا منا، كما عن الكتب الثلاثة الأخيرة (3)، وفي
اللوامع وغيرها (4)، وغيرها عمل الأصحاب من زمن الأئمة إلى الآن، وهو مشهور
بينهم لا يتناكرون، له، وللمروي في ارشاد القلوب وفرحة الغري من حكاية
أمير المؤمنين وجنازة اليماني التي رآها في طرف الغري (5).
وللمرويين في عزية المفيد ومصباح الشيخ مرسلا:
الأول: وقد جاء حديث يدل على رخصته في نقل الميت إلى بعض مشاهد
آل الرسول إن وصى الميت بذلك (6).
والثاني: وقد وردت رواية بجواز نقله إلى بعض مشاهد الأئمة (7).
والمرويين في الكافي والتهذيب:
الأول: خبر علي بن سليمان: عن الميت يموت بعرفات، يدفن بعرفات أو
ينقل إلى الحرم، فأيهما أفضل؟ فكتب: " يحمل إلى الحرم ويدفن فهو أفضل " (8).

(1) الوسائل 2: 471 أبواب الاحتضار ب 47.
(2) الدعائم 1: 238، مستدرك الوسائل 2: 313 أبواب الدفن وما يناسبه ب 13 ح 15.
(3) المعتبر 1: 307، التذكرة 1: 54، الذكرى: 64.
(4) كجامع المقاصد 1: 450، وروض الجنان: 319.
(5) إرشاد القلوب: 440، ولم نعثر عليه في فرحة الغري..
(6) نقله عن المسائل العزية، في الذكرى: 65.
(7) مصباح المتهجد: 22.
(8) الكافي 4: 543 الحج ب 66 ح 14، التهذيب 65: 465 / 1624 وفيه: عن علي بن سليمان،
الوسائل 13: 287 أبواب مقدمات الطواف ب 44 ح 2.
285

والثاني: خبر سليمان، وهو أيضا مثله.
والمروي في المجمع وقصص الأنبياء للراوندي: " إن يعقوب لما مات حمله
يوسف في تابوت إلى أرض الشام فدفنه في بيت المقدس " (1).
وفحوى المرويين في كامل الزيارة، وفي الكافي والفقيه والعلل والعيون
والخصال:
الأول: " إن نوحا استخرج تابوتا من الحرم فيه عظام آدم، فدفنه في
الغري " (2).
والثاني: " إن موسى استخرج عظام يوسف من شاطئ النيل وحمله إلى
الشام " (3).
وكون الأول عمل اليماني، والتعبير في الثانيين بالرخصة والجواز المجتمعين
مع الكراهة أيضا، والاختصاص في الرابعين بالحرم، ووقوع الأخيرين في الشرع
السالف، غير ضائر، لأن المناط في الأول تقرير الأمير بل تحسينه المستفاد من
قوله: " أنا والله ذلك الرجل ".
والمراد بالرخصة والجواز في الثانيين ليس معناهما الأعم، لتحققه في غير
المشاهد أيضا، بل أقلهما الإباحة المستلزمة للاستحباب في المقام، لعدم القائل
بها.
والثبوت في النقل إلى الحرم بالرابعين يستلزمه في غيره - من المواضع التالية
له في الفضل - بالاجماع المركب.
وكفاية الوقوع في شرع وعدم النسخ لنا للاستصحاب.
إلا أنه يرد على الأخيرين: أن مع ورود الأوامر بالتعجيل في شرعنا لا يتم

(1) مجمع البيان 3: 266، ونقل عن قصص الأنبياء للراوندي في البحار 79: 67.
(2) كامل الزيارات: 38 - 39.
(3) الكافي 8: 155 / 144، الفقيه 1: 123 / 594، العلل: 296 / 1، العيون 1: 203 / 18،
الخصال: 205 / 21.
286

الاستصحاب.
وقد يتمم دلالتهما بنقلهم عليهم السلام مع التقرير عليه.
وفيه ما فيه، إذ ليس هاهنا موضع التقرير ولا حجيته.
ويؤيد المطلوب بل يثبته: قولهم عليهم السلام: " لكل امرئ ما نوى "
و (أنما الأعمال بالنيات) (1) فيصل القاصد بذلك تمسكه بمن له مرتبة الشفاعة وله
بمن توسل به العناية، إلى ما قصده ونواه، وهل يتوسل العبد إلا بمولاه؟
بل يدل على المطلوب أتم دلالة، ويبينه كتبيان للنور على الطور: ما ورد في
الروايات المعتبرة المتواترة المملوءة منها كتب المزار في الزيارات المتكثرة - خصوصا
الواردتين عن الرضا والهادي عليهما السلام (2) - القائلة بنحو قوله: وأمن من لجأ
إليكم، وفاز من تمسك بكم، ومن اعتصم بكم فقد اعتصم بالله، ومن أتاكم فقد
نجا. وقوله: وأشهد أن المتوسل بكم غير خائب، وأن من وصل حبله بحبلكم
فقد وصل بالعروة الوثقى، إلى غير ذلك مما ملئ منه الكتب.
وأي لجأ وتمسك واعتصام وتوسل ووصل أعلى وآكد وأظهر وأشد من طرح
الجسم في فناهم، وإلقاء القالب في حماهم، وتعفير الخدود في سددهم السنية،
ووضع الرؤوس على أعتابهم العلية، بل الظاهر أن أهل العرف يعدون ذلك أعلى
أصناف الالتجاء والتمسك، وأقصى مراتب الاعتصام والتوسل. رزقنا الله
سبحانه التوسد في ترابهم، وعفر وجوهنا في أعتابهم.
وبما ذكرنا كله تخصص عمومات المنع، بل لا اعتبار بها عندما ذكر أصلا.
ثم بعض ما تقدم وإن كان مختصا بصورة وصية الميت، إلا أن كثيرا منها
أعم، ومنها حديث التوسل والاعتصام.
بل مما ذكر يظهر عدم استثناء صورة خوف انفجار الميت وتقطعه لبعد،

(1) راجع الوسائل 1: 46 أبواب مقدمة العبادات ب 5.
(2) الفقيه 2: 369 و 370 / 1624 و 1625.
287

المسافة، فإن دليل استثنائها ما يدل على حرمة الميت، وإلا فالانفجار والتقطع
حاصلان لا محالة، ولا ينافي التقطع في سبيلهم والانفجار في طريق الالتجاء إلى
حرمهم للحرمة، بل هو عين الاحترام والعزة.
هذا كله قبل الدفن، وأما بعده فذهب جماعة - منهم: القواعد وعن المنتهى
والتلخيص والتذكرة والمختلف ونهاية الإحكام والعزية والسرائر والاصباح
والذكرى والبيان (1) - إلى الحرمة.
ولا دليل عليها سوى استلزامه النبش المحرم. وهو غير المدعى، إذ الكلام
بعد النبش وقد يحصل بفعل غير المكلف. مع منع حرمة اللازم هنا، إذ ليس دليلها
إلا الاجماع المنتفي هاهنا.
فإذا الجواز أقوى، وفاقا لوالدي رحمه الله، وهو المحكي عن ظاهر النهاية
والمبسوط والمصباح (2)، ومختصره، والإسكافي (3)، وابن حمزة (4)، والكركي (5).
ويؤيده ما تقدم من نقل آدم ويوسف (6)، بل ما نقل من نقل جماعة من
العلماء بعد دفنهم، كالمفيد والمرتضى وشيخنا البهائي، لأن الظاهر أن ذلك لم يكن
إلا بتجويز فقهاء العصر.
وهل يكره ذلك - كما عن أكثر من ذكر - لاشتهار الحرمة، أو لا، لما ذكر من
أدلة الفضيلة؟ فيه تردد وإن كان الأخير أولى [لقصور] (7) مستند الحرمة وضعفه.
هذا كله مع عدم الوصية، وأما معها ومخالفتها لمانع أو بدونه فالنقل

(1) القواعد 1: 21، المنتهى 1: 464، التذكرة 1: 54، المختلف: 123، نهاية الإحكام 2:
283، السرائر 1: 170، الذكرى: 60، البيان: 81.
(2) النهاية: 44، والمبسوط 1: 187، ومصباح المتهجد: 62.
(3) حكاه عنه في المختلف: 123، والذكرى: 65.
(4) الوسيلة: 69.
(5) جامع المقاصد 1: 451.
(6) راجع ص 286.
(7) في النسخ الثلاث: لظهور، ما ثبتناه هو الصحيح.
288

واجب، عملا بعمومات الوصية.
الرابعة: يحرم نبش القبر بالاجماع المحقق، والمحكي في المنتهى واللوامع
وعن المعتبر والتذكرة ونهاية الإحكام والذكرى (1)، وغيرها (2).
وهو الدليل عليه، لا ما قيل من أنه مثلة بالمت وهتك لحرمته (3)، لمنعه.
ولا أخبار قطع النباش، لظهورها في كون القطع للسرقة أو للمجموع، وفي خبر
الجعفي: " تقطع يده لنبشه وسلبه الثياب " (4).
وعلى هذا فيقتصر في الحكم بالتحريم على موضع الاجماع، فلا يحرم فيما لا
إجماع فيه، كان يقع في القبر ما له قيمة وإن قلت، أو يدفن في أرض بغير إذن
مالكها، أو بلا غسل أو كفن، أو إلى غير القبلة، أو يكفن في ثوب مغصوب، أو
لأن يستشهد على عينه، أو لصيرورة المدفون رميما، وغير ذلك.
المقام الثالث: فيما يتعلق بالدفن.
والواجب منه ثلاثة:
الأول: مواراته في الأرض على الوجه المتقدم في أول المقام الثاني (5).
والثاني: دفنه مستقبلا بوجهه إلى القبلة، كما في المنتهى والقواعد وعن
المقنعة والنهاية والمبسوط والغنية والجامع والنافع والشرائع والمعتبر (6)، وفي اللوامع،

(1) المنتهى: لم نعثر عليه فيه ونقله عنه في الرياض 1: 67، المعتبر 1: 308، التذكرة 1: 54، نهاية
الإحكام 2: 280، الذكرى: 76.
(2) كمفاتيح الشرائع 2: 172، والذخيرة: 344.
(3) كما في المعتبر 1: 308، ومفاتيح الشرائع 2: 172.
(4) الكافي 7: 228 الحدود ب 39 ح 2، الوسائل 28: 278 أبواب الحدود ب 19 ح 2.
(5) راجع ص 267.
(10) المنتهى 1: 59 4، القواعد 1: 21، المقنعة: 80، النهاية: 38، المبسوط 1: 186، الغنية
(الجوامع الفقهية): 564، الجامع للشرائع: 54، المختصر النافع: 13، الشرائع 1: 42،
المعتبر 1: 291.
289

وغيرها (1). بل هو المشهور كما صرح به جماعة (2)، بل بلا خلاف كما عن شرح
الجمل للقاضي (3)، وفي المدارك: إنه مذهب الأصحاب (4)، مؤذنا بدعوى
الاجماع، بل عن ظاهر التذكرة إجماعنا عليه (5).
لا لما دل على وجوبه حال الاحتضار الموجب له هنا بالأولوية، لمنع الأولوية،
مضافا إلى الاختلاف في الكيفية.
ولا لصحيحة معاوية الحاكية لوصية البراء بجعل وجهه إلى رسول الله (صلى
الله عليه وآله) إلى القبلة فجرت به السنة (6)، لأن السنة فيها وإن لم تكن ظاهرة في
الندبية بل الظاهر منها إرادة الطريقة، إلا أنها تحتمل الأعمية.
بل للرضوي، والمروي في الدعائم، ودعوات الراوندي، المنجبر ضعفها بما
مر:
الأول: " ثم ضعه في لحده على يمينه مستقبل القبلة " (7).
والثاني، وفيه: " قال: أضجعوه في لحده على جنبه الأيمن مستقبل القبلة،
ولا تكبوه لوجهه ولا تلقوه على ظهره، ثم قال للذي وليه: ضع يدك على أنفه حتى
يتبين لك استقبال القبلة " (8) إلى آخره.
والثالث: " فإذا وضعته في قبره فضعه على يمينه مستقبل القبلة " (9).

(1) كالذكرى: 16، والروضة البهية 1: 146، ومفاتيح الشرائع 2: 171.
(2) كالمحقق السبزواري في الذخيرة: 339، وصاحب الحدائق 4: 68.
(3) شرح الجمل: 154.
(4) المدارك 2: 136.
(5) التذكرة 1: 52.
(6) الكافي 3: 254 الجنائز ب 95 ح 16، الفقيه 4: 137 / 479، التهذيب 9: 192 / 771، وفي
الجميع بتفاوت يسير، الوسائل 3: 230 أبواب الدفن ب 61 م ح 1 و 2.
(7) فقه الرضا (ع): 170، مستدرك الوسائل 2: 376 أبواب الدفن ب 51 ح 2 بتفاوت يسير.
(8) الدعائم 1: 238 بتفاوت، مستدرك الوسائل 2: 375 أبواب الدفن وما يناسبه ب 51 ح 1.
(9) دعوات الراوندي: 265.
290

المعتضدة بخبر ابن سيابة في حديث الرجل الذي قطع رأسه: " إذا صرت
إلى القبر تناولته مع الجسد وأدخلته اللحد ووجهته إلى القبلة " (1).
خلافا للمحكي عن ابن حمزة فاستحبه (2)، وقد ينسب إلى جمل الشيخ،
والديلمي أيضا، لحصر الأول الواجب في واحد هو دفنه (3)، وعدم تعرض الثاني
لذكره (4)، للأصل الواجب تركه بما مر.
والثالث: إضجاعه على جنبه الأيمن، فيكون رجلاه شرقيين ورأسه
غربيا، وفاقا لغير الجامع ممن ذكر، وعليه نفي الخلاف، والاجماع عن شرح الجمل
والتذكرة (5)، للروايات المتقدمة المنجبرة. وخلافا للمحكي عن الجامع، فجعله
سنة (6).
ويستثنى من الأول - وهو مواراته في الأرض - ما إذا مات في سفر البحر،
فإنه يلقى في البحر بعد الغسل والتكفين والصلاة، إما مثقلا بحجر ونحوه، أو
مستورا في وعاء ثقيل كالخابية، مخيرا بين الأمرين كما في النافع والشرائع والمنتهى
والقواعد (7) واللوامع وغيرها (8). بل هو الأشهر كما صرح به بعض من تأخر (9).
لورود الأول في مرسل أبان، ومرفوع سهل، وخبر أبي البختري:
الأول: " الرجل يموت مع القوم في البحر، يغسل ويكفن ويصلى عليه

(1) التهذيب 1: 448 / 1449، الوسائل 2: 511 أبواب غسل الميت ب 15 ح 1.
(2) الوسيلة: 62.
(3) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 167.
(4) المراسم: 47.
(5) شرح الجمل: 154، التذكرة 1: 52.
(6) الجامع للشرائع: 54.
(7) المختصر النافع: 13، الشرائع 1: 42، المنتهى 1: 464، القواعد 1: 21.
(8) كالذكرى: 64، وجامع المقاصد 1: 447، ومفاتيح الشرائع 2: 171.
(9) كصاحب الحدائق 4: 71، وصاحب الرياض 1: 62.
291

ويثقل ويرمى في البحر " (1).
والثاني: إذا مات الرجل في السفينة ولم يقدر على الشط قال: " يكفن ويحنط
ويلقى في الماء " (2).
والثالث: " إذا مات الميت في البحر غسل وكفن وحنط، ثم يوثق في رجليه
حجر ويرمى به في الماء " (3) وبمضمونها الرضوي (4).
والثاني في صحيحة ابن الحر: عن رجل مات وهو في السفينة في البحر كيف
يصنع به؟ قال: " يوضع في خابية ويوكى رأسها ويطرح في الماء " (5).
وعن الشيخ تقديم الثاني، لصحة مستنده، وصونه الميت عن الحيوانات
وهتك الحرمة، فإن تعذر فالأول (6).
وليس بشئ، لحجية مستند الأول أيضا، ووجوب الصون والاحترام ما دام
ظاهرا، لا بعد الدفن، ولذا لا يصان في القبر عن الحشرات.
وفي وجوب الاستقبال حين الإلقاء، كما عن الإسكافي والشهيدين (7)،
وأضيف إلى المشهور (8). أو استحبابه، كما نسبه في اللوامع إلى الأكثر، قولان،

(1) الكافي 3: 214 الجنائز ب 77 ح 2، التهذيب 1: 339 / 993، الإستبصار 1: 215 / 759،
الوسائل 3: 206 أبواب الدفن ب 40 ح 3.
(2) الكافي 3: 214 الجنائز ب 77 ح 3، التهذيب 1: 339 / 994، الإستبصار 1: 215 / 760،
الوسائل 3: 207 أبواب الدفن ب 40 ح 4.
(3) الفقيه 1: 96 / 441، التهذيب 1: 339 / 995، الإستبصار 1: 215 / 761 بتفاوت يسير،
قرب الإسناد: 138 / 491، الوسائل 3: 206 أبواب الدفن ب 45 ح 2.
(4) فقه الرضا (ع): 173، مستدرك الوسائل 2: 345 أبواب الدفن وما يناسبه ب 37 ح 1.
(5) الكافي 3: 213 الجنائز ب 77 ح 1، الفقيه 1: 96 / 442، التهذيب 1: 340 / 996،
الإستبصار 1: 215 / 762، الوسائل 3: 205 أبواب الدفن ب 40 ح 1.
(6) الخلاف 1: 705.
(7) حكاه عن الإسكافي في الذكرى: 64، وقال به الشهيد الأول في الذكرى: 64 والشهيد الثاني في
روض الجنان: 316.
(8) كما في الرياض 1: 62.
292

والثاني موافق للأصل، فهو الأجود.
وهل الالقاء إنما هو بعد تعذر النقل إلى البر في زمان لا يعتريه الفساد، كما
هو ظاهر الأكثر ومقتضى مفهوم المرفوع، أو يجوز ابتداء كما عن بعضهم (1)،
لإطلاق البواقي، الظاهر: الأول، حملا للمطلق على المقيد، كما يقيد إطلاق
المقيد في الالقاء بتقييد المطلقات بالتثقيل أو الستر.
ويستثنى من الثاني ما إذا التبست القبلة، أو تعذر صرف الميت إليها، كأن
يموت في بئر ونحوه وتعذر الاخراج والصرف. ووجهه ظاهر.
ومن صور التعذر: ما إذا ولد توأمان ملصقا ظهر أحدهما بالآخر - كما اتفق
في بلدتنا - فيستقبل بأحدهما مخيرا. وأما القطع والاستقبال بهما فتنفيه حرمة القطع
وعدم دليل وجوب الاستقبال، لانحصاره في المرويين (2) الخاليين عن الجابر في
المقام، المنصرفين إلى الشائع.
وقد يستثنى أيضا الكافرة الحاملة من المسلم بنكاح أو ملك أو شبهة خاصة
- كما عن جماعة (3) - أو مطلقا ولو بالزنا كما عن بعضهم (4)، فيستدبر بها القبلة في
مقبرة المسلمين حتى يكون الولد إلى القبلة، على المشهور، بل عليه الاجماع عن
الخلاف والتذكرة (5)، لرواية يونس (6).
ولا دلالة فيها أصلا، كما لا حجية للاجماع المنقول، إلا أن يقال مقتضى
الرواية: دفن الولد معها من غير إخراج، ويجب الاستقبال به والدفن في مقبرة

(1) حكاه في المدارك 2: 134 عن ظاهر المقنعة والمعتبر، ولكن قال في المقنعة: 86 إذا مات الانسان
في البحر ولم يوجد له أرض يدفن فيها...
(2) وهما المرويان في الدعائم ودعوات الراوندي وقد تقدما في ص 290.
(3) منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 137، وصاحب الرياض 1: 63.
(4) كالمحقق في المعتبر 1: 292، والعلامة في القواعد 1: 21 لاطلاق كلامهما.
(5) الخلاف 1: 730، التذكرة 1: 54.
(6) التهذيب 1: 334 / 980، الوسائل 3: 205 أبواب الدفن ب 39 ح 2.
293

المسلمين، وهو موقوف على ما ذكر.
ولكن يخدشه أيضا: عدم انصراف أدلة الاستقبال والدفن في مقبرتهم إلى
مثل ذلك، ولذا تردد بعضهم في الحكم (1)، ونسبه في النافع إلى القيل مشعرا
بالتردد (2)، وهو في موقعه. ولو ثبت الحكم أيضا فليس محلا للاستثناء، إذ لا يجب
دفن الكافرة فضلا عن الاستقبال بها.
وأما مستحباته فأمور:
منها: وضع جنازة الرجل قرب القبر عند رجليه، بأن يكون رأسه مما يلي
الرجل، والمرأة مما يلي القبلة عرضا، نسبهما في المنتهى إلى علمائنا مؤذنا بدعوى
الاجماع عليهما (3)، كما عن - التذكرة ونهاية الإحكام والغنية الاجماع على الثاني (4)،
وهو الحجة فيهما.
مضافا في الأول إلى موثقة عمار: " لكل شئ باب، وباب القبر من قبل
الرجلين، إذا وضعت الجنازة فضعها مما يلي الرجلين " (5).
وتؤيده الروايات الآمرة بوضعها أسفل القبر (6).
وفيهما إلى الرضوي: " وإن كانت امرأة فخذها بالعرض من قبل اللحد،
وتأخذ الرجل من قبل رجليه، تسله سلا " (7) وقريب منه المروي في الخصال
والفقيه (8).
وبما مر من الاجماعات يقيد اطلاق الأول.

(1) كصاحب الحدائق 4: 70.
(2) المختصر النافع: 14.
(3) المنتهى 1: 459.
(4) التذكرة 1: 52، نهاية الإحكام 2: 275، الغنية (الجوامع الفقهية): 564.
(5) التهذيب 1: 316 / 919، الوسائل 3: 182 أبواب الدفن ب 22 ح 6.
(6) الوسائل 3: 167 أبواب الدفن ب 16.
(7) فقه الرضا (ع): 171، مستدرك الوسائل 2: 344 أبواب الدفن وما يناسبه ب 36 ح 1.
(8) الخصال: 904 / 9، الفقيه 1: 108 / 499.
294

ومنها: الصبر قليلا بعد وضع الجنازة، وعدم المفاجأة بالميت إلى القبر،
إجماعا، له، وللمعتبرة، كصحيحة ابن سنان (1)، وروايات ابن عطية (2) وابن
عجلان (3) ويونس (4).
ثم النقل ثانيا، والوضع والصبر قليلا، ثم النقل إلى شفير القبر ووضعه
عليه، ثم ادخاله القبر حتى يتحقق وضعان آخران بعد الوضع الأول، على
الأشهر.
للمروي في العلل، وفيها: " ولكن ضعه قريب شفير القبر واصبر عليه
هنية، ثم قدمه قليلا واصبر عليه لتأخذ أهبته، ثم قدمه إلى شفير القبر " (5) ونحوه
الرضوي (6).
وبهما يقيد إطلاق الأخبار الخالية عن التثليث التي هي مستند من اكتفى
بالوضع مرة، كما عن الإسكافي (7)، وآخر كلام المحقق (8).
وربما نقل عن بعضهم اختصاص التعدد بالرجل (9)، ولم أعثر على مستند
الفرق.
ومنها: انزال الميت إلى القبر سابقا برأسه من قبل الرجلين من القبر إن كان
رجلا، والمرأة عرضا.

(1) التهذيب 1: 313 / 908، الوسائل 3: 167 أبواب الدفن ب 16 ح 1.
(2) التهذيب 1: 312 / 907، الوسائل 3: 167 أبواب الدفن ب 16 ح 2.
(3) الكافي 3: 191 الجنائز ب 60 ح 1، العلل: 306 / 1، الوسائل 3: 168 أبواب الدفن ب 16
ح 5.
(4) الكافي 3: 191 الجنائز ب 60 ح 2، الوسائل 3: 168 أبواب الدفن ب 16 ح 4.
(5) العلل: 306 / 2.
(6) فقه الرضا (ع): 170، مستدرك الوسائل 2: 317 أبواب الدفن وما يناسبه ب 16 ح 1.
(7) حكاه عنه في الذكرى: 65.
(8) المعتبر 1: 298.
(9) الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 133.
295

للاجماع المحكي عن الغنية فيهما (1)، وعن ظاهر نهاية الإحكام والمنتهى
والتذكرة في الثاني (2)، وللرضوي السابق (3)، وخبر عبد الصمد: " إذا أدخلت الميت
القبر إن كان رجلا يسل سلا، والمرأة تؤخذ عرضا " (4).
وخبر عمرو بن خالد: " يسل الرجل سلا، وتستقبل المرأة استقبالا " (5).
والمروي في الخصال: " الميت يسل من قبل رجليه سلا، والمرأة تؤخذ
بالعرض من قبل اللحد " (6).
بل في الأمر بالسل في الرجل من قبل الرجلين إرشاد إلى ما ذكره في الرجل
أيضا.
ومنها: أن يكون النازل في قبر المرأة من محارمها، إجماعا في الرجحان، كما
عن التذكرة والمنتهى (7)، لخبر السكوني: " المرأة لا يدخل قبرها إلا من كان يراها
في حياتها " (8).
وأولى المحارم زوجها، لخبر ابن عمار: " الزوج أحق بأمرها حتى يضعها في
لحدها " (9).
وينبغي أن يأخذها زوجها من قبل وركها، وإن لم يكن لها زوج فأولى الناس

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 564.
(2) نهاية الإحكام 2: 275، والمنتهى 1: 459، والتذكرة: 52.
(3) راجع ص 294.
(4) التهذيب 1: 325 / 950، الوسائل 3: 204 أبواب الدفن ب 38 ح 1.
(5) التهذيب 1: 326 / 951، الوسائل 3: 204 أبواب الدفن ب 38 ح 2.
(6) الخصال: 604.
(7) التذكرة 1: 52، المنتهى 1: 459.
(8) الكافي 3: 193 الجنائز ب 63 ح 5 التهذيب 1: 325 / 948، الوسائل 3: 187 أبواب الدفن
ب 26 ح 1.
(9) الكافي 3: 194 الجنائز ب 63 ح 56 التهذيب 1: 325 / 949، الوسائل 3: 187 أبواب الدفن
ب 26 ح 2.
296

بها، للرضوي: " فإذا أدخلت المرأة القبر وقف زوجها مما ينال وركها " (1)
وخبر ابن خالد: " ويكون أولى الناس في مؤخرها " (2).
بل عن جمل العلم والنهاية والمبسوط والمنتهى: الوجوب (3).
وخلو الأخبار عن الدال على الوجوب يضعفه.
وأما الرجل: فعن النهاية والمبسوط والوسيلة والمقنعة والمعتبر والمنتهى والنافع
ونهاية الإحكام: أولوية نزول الأجنبي في قبره (4).
ولا مستند له عموما من النصوص.
نعم ورد فيها كراهة نزول الوالد قبر ولده، كالروايات الأربعة للعبادلة
الثلاثة (5).
وعللت في المروي في الدعائم وغيره بخوف رقة قلبه وجزعه المحبط
لأجره (6).
وإثبات أولوية الأجنبي لفتاوى من ذكر وإن أمكن، ولكن لولا معارضتها
مع المروي في الدعائم: " ويكون أولى الناس بها على مؤخرها، وأولى الناس
بالرجال على مقدمه " (7) وفي العلل: " إذا جئت بأخيك إلى القبر - إلى أن قال: -

(1) فقه الرضا (ع): 171، مستدرك الوسائل 2: 328 أبواب الدفن وما يناسبه ب 22 ح 4.
(2) التهذيب 1: 326 / 951، الوسائل 3: 204 أبواب الدفن ب 38 ح 2.
(3) جمل العلم (رسائل الشريف المرتضى 3): 51، النهاية: 37، المبسوط 1: 186، المنتهى 1:
459.
(4) النهاية: 39، المبسوط 1: 187، الوسيلة: 68، والمقنعة: 80 وفيها: ينزله وليه أو من يأمر الولي
بذلك، المعتبر 1: 297، المنتهى 1: 462، المختصر النافع: 14، نهاية الإحكام 2: 275.
(5) روايتا عبد الله بن راشد: الكافي 3: 193 الجنائز ب 63 ح 1، الوسائل 3: 185 أبواب الدفن
ب 25 ح 2، الكافي 3: 194 الجنائز ب 63 ح 7، الوسائل 3: 186 أبواب الدفن ب 25 ح 7،
رواية عبد الله بن محمد بن خالد: التهذيب 1: 320 / 929، الوسائل 3: 186 أبواب الدفن
ب 25 ح 5، رواية عبد الله العنبري: الكافي 3: 194 الجنائز ب 63 ح 8، التهذيب 1:
320 / 930، الوسائل 3: 186 أبواب الدفن ب 25 ح 6.
(6) الدعائم 1: 237، مستدرك الوسائل 2: 331 أبواب الدفن وما يناسبه ب 26 ح 2.
(7) الدعائم 1: 237، مستدرك الوسائل 2: 331 أبواب الدفن وما يناسبه ب 26 ح 2.
297

ثم ضعه في لحده، وإن استطعت أن تلصق خده بالأرض وتحسر عن خده، وليكن
أولى الناس به مما يلي رأسه " (1).
وعلى هذا فالحكم بالأولوية مشكل وعدمها أظهر.
ولا يتعين عدد في النازل - شفع أو وتر - بل التعيين إلى الولي.
ويستحب أن يكون النازل متطهرا، كما صرح به جماعة، لموثقة الحلبي
ومحمد: " توضأ إذا أدخلت الميت القبر " (2) ونحوه الرضوي (3).
وفي دلالتهما نظر.
وأن يحفى النازل، ويكشف رأسه، ويحل أزراره، لظاهر الوفاق،
والمستفيضة من النصوص المصرحة بالأحكام الثلاثة (4).
وعدم حل مولانا أبي الحسن (عليه السلام) أزراره عند دخول قبر - كما في
بعض الأخبار (5) - لا ينافي الكراهة، مع احتمال كونه لمانع.
ومنها: حل عقد الأكفان من قبل رأسه ورجليه بعد وضعه في قبره،
لصحيحة ابن حمزة: يحل كفن الميت؟ قال: " نعم ويبرز وجهه " (6).
ومرسلة الفقيه: " ويحل عقد كفنه كلها ويكشف عن وجهه " (7).
وخبر أبي بصير: عن [عقد] كفن الميت، قال: " إذا أدخلته القبر
فحلها " (8).

(1) علل الشرائع: 306 / 1.
(2) التهذيب 1: 321 / 934، الوسائل 3: 221 أبواب الدفن ب 53 ح 1.
(3) فقه الرضا (ع): 183، مستدرك الوسائل 2: 361 أبواب الدفن وما يناسبه ب 44 ح 1.
(4) الوسائل 3: 170 أبواب الدفن ب 18.
(5) التهذيب 1:، 314 / 912، الإستبصار 1: 213 / 752، الوسائل 3: 171 أبواب الدفن ب 18
ح 6.
(6) التهذيب 1: 457 / 1491، الوسائل 3: 172 أبواب الدفن ب 19 ح 1.
(7) الفقيه 1: 108 / 500، الوسائل 3: 173 أبواب الدفن ب 19 ح 5.
(8) التهذيب 1: 450 / 1463، الوسائل 3: 172 أبواب الدفن ب 19 ح 3، وما بين المعقوفين من
المصدر.
298

وخبر ابن عمار: قال: " فإذا وضعته في قبره فحل عقدته " (1).
والرضوي: " وحل عقد كفنه، وضع خده على التراب " (2).
وهو المراد من شق الكفن من عند الرأس الوارد في صحيحتي حفص (3)
وابن أبي عمير (4).
ويستفاد من الأخير استحباب وضعه خده على التراب، وبه صرح كثير من
الأصحاب (5)، ويدل عليه - سوى ما مر - خبر محفوظ الإسكاف (6)، وروايتا ابن
عجلان (7).
ومنها: ما مر في مرسلة الفقيه من أنه " يجعل له وسادة من تراب، ويجعل
خلف ظهره مدرة لئلا يستلقي " (8).
ومنها: أن يجعل معه شئ من التربة المباركة، لأنها أمان من كل خوف،
كما ورد في الأخبار (9).

(1) التهذيب 1: 457 / 1492، الوسائل 3: 180 أبواب الدفن ب 21 ح 6.
(2) فقه الرضا (ع): 170، مستدرك الوسائل 2: 319 أبواب الدفن وما يناسبه ب 19 ح 1.
(3) التهذيب 1: 458 / 1493، الوسائل 3: 172 أبواب الدفن ب 19 ح 2.
(4) الكافي 3: 196 الجنائز ب 65 ح 9، التهذيب 1: 317 / 921، الوسائل 3: 173 أبواب
الدفن ب 19 ح 6.
(5) منهم الشيخ في النهاية: 38، والعلامة في نهاية الإحكام 2: 277، والشهيد الثاني في الروضة 1:
147.
(6) الكافي 3: 195 الجنائز ب 64 ح 5، التهذيب 1: 317 / 923، الوسائل 3: 174 أبواب الدفن
ب 20 ح 4.
(7) الأولى: الكافي 3: 195 الجنائز ب 64 ح 4، التهذيب 1: 317 / 922، الوسائل 3: 175
أبواب الدفن ب 20 ح 5، والأخرى: التهذيب 1: 313 / 909، الوسائل 3: 176 أبواب الدفن
ب 20 ح 8.
(8) راجع ص 298 رقم (7). والمدرة: قطعة من الطين اليابس. القاموس 2: 136.
(9) كامل الزيارات: 278 ب 92.
299

ولصحيحة الحميري: عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره، فهل يجوز
ذلك أم لا؟ فأجاب: " يوضع مع الميت في قبره ويخلط بحنوطه إن شاء الله " (1).
والرضوي: " ويجعل في أكفانه شئ من طين القبر، قبر الحسين (عليه
السلام) " (2).
وما روي أن امرأة قذفها القبر مرارا، لأنها كانت تزني وتحرق أولادها،
فأخبرت أمها الصادق (عليه السلام) بذلك، فقال: " اجعلوا معها شيئا من تربة
الحسين (عليه السلام) " (3).
وفي جعلها تحت خده كما عن المفيد والحلي والشهيد (4)، أو في وجهه كما عن
الاقتصاد والعزية (5)، أو تلقاء وجهه كما في قول آخر للشيخ كما ذكره الحلي (6)،
ويحتمل اتحاده مع سابقه، أو في كفنه كما عن بعضهم (7)، أو كيف اتفق كما عن
النهاية والمبسوط والمختلف (8) بل نسب إلى الأكثر (9)، أقوال: أجودها: أحد
الأخيرين، لعدم دليل على غيرهما، سوى ما استدل به. للثالث من المروي في
المصباح من الترغيب في وضع لبنة من الطين مقابل وجهه (10).
وإرادة طين القبر منه غير معلومة وإن فهمه الشيخ، وغيره (11)، وشيوع

(1) التهذيب 6: 76 / 149، الإحتجاج: 489، الوسائل 3: 29 أبواب التكفين ب 12 ح 1.
(2) فقه الرضا (ع): 184، مستدرك الوسائل 2: 217 أبواب الكفن ب 10 ح 3 بتفاوت في المتن.
(3) المنتهى 1: 461، وعنه في الوسائل 3: 29 أبواب التكفين ب 12 ح 2.
(4) حكاه عن المفيد في الذكرى: 66، الحلي في السرائر 1: 165، الشهيد الثاني في البيان: 79.
(5) الإقتصاد: 250، نقله عن العزية في الذكرى: 66.
(6) السرائر 1: 165.
(7) كصاحب الحدائق،: 113.
(8) النهاية: 35، المبسوط 1: 186، المختلف: 121.
(9) كما في الرياض 1: 65.
(10) مصباح المتهجد: 678.
(11) كصاحب الحدائق 4: 112.
300

إطلاق الطين المطلق عليه بحيث يتبادر منه ممنوع.
ومنها: تغطية قبر المرأة بثوب حين دفنها، كما عن الإسكافي والمفيد في كتاب
أحكام النساء (1)، والتهذيب والخلاف والمحقق والمنتهى، وفيه: إنه قول
العلماء (2). وهو الحجة فيه، مضافا إلى إطلاق خبر ابن سويد (3).
ولا يلحق بها الرجل على الأظهر، لما في ذلك الخبر، وللأصل.
ولا يعارضه ما روي من مد ثوب على قبر سعد (4)، إذ ليس فيه تصريح
بكونه قبل الدفن، ولأنه فعل فلا يعارض القول، فتأمل.
ومنها: أن يدعو النازل في القبر عند نزوله فيه، وعند تناوله الميت، وعند
إدخاله القبر، وعند وضعه في اللحد، وبعده، وعند وضع اللبن على اللحد، وعند
الخروج من القبر، وعند تسوية التراب عليه وإهالته عليه، بالدعوات المأثورة في
كل منها في الروايات (5)، ومع اختلافها له التخيير أو الجمع.
ومنها: أن يقرأ في قبره قبل التلقين فاتحة الكتاب والمعوذتين والتوحيد وآية
الكرسي، كما تظافرت عليه الروايات وتكاثرت، كما في الرضوي (6)، وفي حسنة
ابن يقطين (7)، والمروي في دعوات الراوندي (8)، وروايتي ابن عجلان (9)، وخبر

(1) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 121، وعن المفيد في السرائر 1: 170.
(2) التهذيب 1: 464، الخلاف 1: 728، المحقق في المعتبر 1: 335، المنتهى 1: 468.
(3) التهذيب 1: 464 / 1519، الوسائل 3: 218 أبواب الدفن ب 50 ح 1.
(4) كما في خبر ابن سويد. راجع الرقم (3).
(5) الوسائل 3: 177 أبواب الدفن ب 21.
(6) فقه الرضا (ع): 170، مستدرك الوسائل 2: 320 أبواب الدفن وما يناسبه ب 20 ح 1.
(7) الكافي 3: 192 الجنائز ب 62 ح 2، الوسائل 3: 173 أبواب الدفن ب 20 ح 1.
(8) دعوات الراوندي: 265 / 760.
(9) الأولى: الكافي 3: 195 الجنائز ب 64 ح 4، التهذيب 1: 317 / 922، الوسائل 3: 175
أبواب الدفن ب 20 ح 5، والثانية: التهذيب 1: 313 / 909، الوسائل 3: 176 أبواب الدفن
ب 20 ح 8.
301

ابن عطية (1)، وغيرها.
والأحسن زيادة: التعوذ بالله من الشيطان الرجيم قبلها كما في الثالث،
والصلوات أيضا كما في الرابع.
وليكن القارئ أولى الناس به، كما في الثاني (2) والرابعين.
ومنها: تلقينه بعد وضع خده إلى التراب وقبل شرج اللحد الشهادتين،
والاقرار بالأئمة من أولهم إلى آخرهم، إجماعا كما عن الغنية (3).
وعليه استفاضت الأخبار، ففي حسنة ابن يقطين: " وإن قدر أن يحسر عن
خده ويلصقه بالأرض فليفعل، وليتشهد، وليذكر ما يعلم حتى ينتهي إلى
صاحبه " (4) والمراد ب‍ " ما يعلم " الإقرار بالأئمة مفصلا.
ونحوها رواية ابن عجلان (5).
وفي روايته الأخرى: " ثم ليقل ما يعلم، ويسمعه تلقينه شهادة أن لا إله
إلا الله، وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويذكر له ما يعلم واحدا بعد
واحد " (6).
ومقتضاها حصول التلقين بالشهادات الثلاث باقي عبارة أداها.
والأولى التعبير بواحدة مما ورد في الروايات، كما في صحيحة زرارة:
" واضرب يدك على منكبه الأيمن ثم قل: يا فلان! قل رضيت بالله ربا،
وبالاسلام دينا، وبمحمد نبيا، وبعلي إماما، ويسمى إمام زمانه " (7).

(1) التهذيب 1: 312 / 907، الوسائل 3: 176 أبواب الدفن ب 20 ح 7.
(2) كذا في النسخ، والمراد منه حسنة ابن يقطين، ولكن لم يذكر فيها كون القارئ أولى الناس بالميت.
فراجع.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 564.
(4) راجع الرقم (7) ص 301.
(5) راجع الرقم (9) ص 301.
(6) راجع الرقم (9) ص 301.
(7) الكافي 3: 196 الجنائز ب 64 ح 7، التهذيب 1: 457 / 1490، الوسائل 3: 175 أبواب
الدفن ب 20 ح 6.
302

أو ما في رواية أبي بصير: " فضع يدك على إذنه وقل: الله ربك، والاسلام
دينك، ومحمد (صلى الله عليه وآله) نبيك، والقرآن كتابك، وعلي إمامك " (1) وفي
التهذيب: " وضع فمك على إذنه " (2) بدل يدك.،
أو ما في رواية محفوظ: " ويدني فمه إلى سمعه ويقول: اسمع افهم - ثلاث
مرات - الله ربك، ومحمد (صلى الله عليه وآله) نبيك، والاسلام دينك، وفلان
إمامك، اسمع وافهم، وأعدها عليه ثلاث مرات هذا التلقين " (3) ويذكر الأئمة
بأسمائهم على هذه الرواية فيقول: على إمامك والحسن إمامك إلى آخر الأئمة.
أو ما في رواية ابن عمار: " ثم تضع يدك اليسرى على عضده الأيسر وتحركه
تحريكا شديدا، ثم تقول: يا فلان بن فلان! إذا سئلت فقل: الله رب، ومحمد
(صلى الله عليه وآله) نبيي، والاسلام ديني، والقرآن كتابي، وعلي إما إمامي - حتى
يستوفي الأئمة - ثم تعيد عليه القول، ثم تقول: أفهمت يا فلان - وقال -: فإنه
يجيب ويقول: نعم، ثم تقول: ثبتك الله بالقول الثابت وهداك الله إلى صراط
مستقيم، عرف الله بينك وبين أوليائك في مستقر رحمته، ثم تقول: " اللهم جاف
الأرض " (4) إلى آخره.
أو ما في مرسلة الفقيه عن سالم: " ثم تدخل يدك اليمنى تحت منكبه
الأيمن، وتضع يدك اليسرى على منكبه الأيسر، وتحركه تحريكا شديدا وتقول: يا
فلان بن فلان! الله ربك، ومحمد (صلى الله عليه وآله) نبيك، والاسلام دينك
وعلي وليك وإمامك، وتسمي الأئمة (عليهم السلام) واحدا واحدا إلى آخرهم

(1) الكافي 3: 195 الجنائز ب 64 ح 2، الوسائل 3: 174 أبواب الدفن ب 20 ح 3.
(2) التهذيب 1: 456 / 1489 وفيه: أذنيه.
(3) الكافي 3: 195 الجنائز ب 64 ح 5، التهذيب 1: 337 / 923، الوسائل 3: 174 أبواب الدفن
ب 20 ح 4.
(4) التهذيب 1: 457 / 1492، الوسائل 3: 180 أبواب الدفن ب 21 ح 6.
303

أئمتك أئمة هدى أبرار، ثم تعيد عليه التلقين مرة بعد أخرى " (1) الحديث.
وله الجمع بين جميع الروايات فيلقن بالجميع، وأن يلقن في كل مرة بواحد
منها، فإنه يستحب تكرير التلقين ثلاثا، كما صرح به في بعض الروايات المتقدمة،
وله الزيادة بكل ما يناسب المقام، كما فعله شيخنا المجلسي في التلقين الذي ذكره
في زاد المعاد، وهو يتضمن التكرار بالمرات الثلاث أيضا (2).
ويستحب فيه أن يكون الملقن هو الولي، وأن يدني فمه إلى إذنه، وأن يضع
يده على منكبه الأيسر واليمنى تحت منكبه الأيمن، كما صرح بكل ذلك فيما مر
من الروايات.
وأما وضع اليد على الإذن - كما في رواية أبي بصير - فلم يعلم استحبابه،
لاختلاف العبارة فيها، كما عرفت (3).
ولو لم يباشر الولي فالأولى أن يكون بإذنه.
هذا، ولو لقن مع ما ذكر كل أحد بلسانه أيضا كان أولى وأتم.
ثم إن هذا التلقين هو التلقين الثاني، وقيل: هو الثالث بناء على ما ذكره
من استحبابه عند التكفين أيضا. ولم نعثر له على مستند. والأول ما مر من تلقين
الاحتضار، والثالث ما يأتي من التلقين بعد تسوية القبر.
ومنها: خروج الملحد - بل كل داخل - من قبل الرجلين مطلقا، للمعتبرة
الدالة على أنه باب القبر (4)، وخبري السكوني وسهل:
الأول: " من دخل القبر فلا يخرج إلا من قبل الرجلين) (5).

(1) الفقيه 1: 108 / 500، الوسائل 3: 179 أبواب الدفن ب 21 ح 5.
(2) زاد المعاد: 564.
(3) راجع ص 303.
(4) الوسائل 3: 181 أبواب الدفن ب 22.
(5) الكافي 3: 193 الجنائز ب 62 ح 4، التهذيب 1: 316 / 917، الوسائل 3: 183 أبواب الدفن
ب 23 ح 1.
304

والثاني: " يدخل الرجل القبر من حيث شاء، ولا يخرج إلا من قبل
رجليه " (1).
خلافا للإسكافي في المرأة، فيخرج من عند رأسها، للبعد من العورة (2).
والاطلاقات عليه حجة.
ومقتضى الأخير: التخيير في الدخول، وبه يخصص إشعار المعتبرة
المذكورة، ففتوى المنتهى بكونه كالخروج (3)، لها مدخولة.
ومن مكروهات الدفن: دفن اثنين في قبر واحد، لمرسلة الشيخ في المبسوط
من قولهم: " لا يدفن في قبر واحد اثنان " (4).
وخلوه عن النهي، وضعفه، وعدم القول بالحرمة أوجب الاستدلال به على
الكراهة.
وتنتفي مع الضرورة، لقول النبي (صلى الله عليه وآله) للأنصار يوم أحد:
" اجعلوا الاثنين والثلاثة في القبر الواحد، وقدموا أكثرهم قرآنا " (5) أي اجعلوه في
القبلة.
هذا في الابتداء، وأما مع سبق أحدهما في الدفن فظاهر الأكثر: الحرمة،
بل عن الشهيد إجماع المسلمين عليه (6)، لحرمة النبش، وسبق حق الأول.
وفيهما نظر، لأن حرمته لا تنافي جواز الدفن بعد النبش، وسبق الحق فرع
وجوب اختصاصه بالدفن، إلا أن يراد حق أولياء الميت حيث تصرفوا فيه،
فتأمل.

(1) الكافي 3: 193 الجنائز ب 62 ح 5، الوسائل 3: 184 أبواب الدفن ب 23 ح 2.
(2) حكاه عنه في الذكرى: 67.
(3) المنتهى 1: 460.
(4) المبسوط 1: 155.
(5) سنن أبي داود 3: 214 / 3215.
(6) الذكرى: 64.
305

والظاهر أن لأجل ذلك أفتى الشيخ في النهاية بالكراهة (1).
وكيف كان فليس السرب المعد لوضع الأموات من هذا القبيل، لعدم
صدق النبش فيه.
المقام الرابع: فيما يتعلق بما بعد الدفن.
وهو أمور كلها مستحبة:
منها: إهالة الحاضرين وصبهم التراب في قبره بعد خروجه منه،
للمستفيضة، كحسنة داود، وفيها: فلما أدخل الميت لحده قام فحثا عليه التراب
ثلاث مرات بيده (2).
وفي حسنة ابن مسلم: فحثا عليه مما يلي رأسه ثلاثا بكفه (3).
بظهر الكفين معا، لخبر ابن الأصبغ: فحثا التراب على القبر بظهر
كفيه (4).
والمروي في الهداية: " ثم احث التراب عليه ثلاث مرات بظهر كفيك " (5).
وفي الرضوي: " ثم احث التراب عليه بظهر كفيك ثلاث مرات " (6).
وبها يقيد إطلاق الأوليين.
وأما ما في حسنة ابن أذنية أو صحيحته: رأيت الصادق (عليه السلام) يطرح
التراب على الميت، فيمسكه ساعة في يده ثم يطرحه، ولا يزيد على ثلاث أكف،
فسألته عن ذلك، أي الامساك [فقال: " يا عمر] كنت أقول: إيمانا بك " (7)، إلى

(1) النهاية: 44.
(2) الكافي 3: 198 الجنائز ب 66 ح 1، الوسائل 3: 189 أبواب الدفن ب 29 ح 1.
(3) الكافي 3: 198 الجنائز ب 66 ح 3، التهذيب 1: 319 / 927، الوسائل 3: 190 أبواب الدفن
ب 29 ح 3.
(4) التهذيب 1: 318 / 925، الوسائل 3: 191 أبواب الدفن ب 29 ح 5.
(5) الهداية: 27.
(6) فقه الرضا (ع): 171، مستدرك الوسائل 2: 334 أبواب الدفن وما يناسبه ب 28 ذ ح 3.
(7) الكافي 3: 198 الجنائز ب 66 ح 4، الوسائل 3: 190 أبواب الدفن ب 29 ح 2، وما بين
المعقوفين من المصدر.
306

آخره، فلا ينافي ما مر صريحا، لجواز كون الامساك في ظهر اليد وإن كان الباطن
أظهر.
ثلاثا، للتصريح به - في الروايات.
ولا يستحب الزائد، للأصل، فما عن الذكرى أن الثلاثة هي الأقل (1)، لا
وجه له.
وهل يتصف الأقل منها بالاستحباب وإن كان الثلاثة أفضل؟ فيه نظر،
وصرح والدي - رحمه الله - بالعدم.
وينبغي أن لا يهيل عليه ذو رحم، لموثقة زرارة: " ومن كان منه ذا رحم فلا
يطرح عليه التراب، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى أن يطرح الوالد أو ذو
رحم على ميته التراب " (2).
ومنها: رش القبر بالماء، إجماعا محققا ومنقولا مستفيضا (3)، وتكاثرت عليه
الروايات جدا، بل تواترت.
وفي مرسلة ابن أبي عمير: " يتجافى عنه العذاب ما دام الندى في
التراب " (4).
وفي مرسلة الصدوق في الهداية: إن الرش بالماء على القبر حسن " قال:
يعني كل وقت (5).

(1) الذكرى: 67.
(2) الكافي 3: 199 الجنائز ب 66 ح 5، التهذيب 1: 319 / 928، العلل: 304 / 1، الوسائل 3:
191 أبواب الدفن ب 30 ح 1، وفي الجميع: عن عبيد بن زرارة...
(3) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 564، والمنتهى 1: 463، ومجمع الفائدة 2: 485، والمدارك
2: 144 وفيه: لا خلاف فيه.
(4) الكافي 3: 200 الجنائز ب 67 ح 6، العلل: 307 / 1، الوسائل 3: 196 أبواب الدفن ب 32
ح 2.
(5) الهداية: 28.
307

ومنه يظهر عدم اختصاص استحبابه بحال الدفن.
وفي اختيار الرجال للكشي: أمر مولانا أبو الحسن الرضا (عليه السلام) برش
الماء على قبر زميله محمد بن الحباب أربعين شهرا أو أربعين يوما، في كل يوم
مرة (1).
والأفضل في كيفية الرش أن يجعل الراش القبر أمامه في جانب القبلة، فيبدأ
من جانب الرأس، ويرش الماء دورا، بأن يديره على الجوانب الأربع متصلا حتى
يصل إلى موضع الشروع، ثم يصب على الوسط، كما في خبر النميري والرضوي:
الأول: " السنة في رش الماء على القبر أن يستقبل القبلة ويبدأ من عند
الرأس إلى عند الرجل، ثم يدور على القبر من الجانب الآخر، ثم يرش على وسط
القبر، فذلك السنة " (2).
والثاني: " فإذا استوى قبره فصب عليه ماء، وتجعل القبر أمامك وأنت
مستقبل القبلة، وتبدأ بصب الماء من عند رأسه، وتدور على القبر من أربع جوانب
القبر حتى ترجع من غير أن تقطع الماء، فإن فضل من الماء شئ فصبه على وسط
القبر " (3).
ومنها: وضع الحاضرين أيديهم عليه بعد رشه، بالاجماع - كما عن
المحقق (4) - والمستفيضة من النصوص (5):
مفرجة الأصابع، موثرة في التراب، كما ورد في الأخبار:

(1) رجال الكشي 2: 685، والظاهر وقوع تقديم وتأخير في بعض الألفاظ، فإن المستفاد من المصدر
أن أبا الحسن الرضا عليه السلام أمر برش الماء على قبر يونس بن يعقوب وهو زميل محمد بن
الحبا ب.
(2) التهذيب 1: 320 / 931، الوسائل 3: 195 أبواب الدفن ب 32 ح 1.
(3) فقه الرضا (ع): 171، مستدرك الوسائل 2: 336 أبواب الدفن وما يناسبه ب 30 ح 2 بتفاوت
يسير.
(4) المعتبر 1: 302.
(5) الوسائل 3: 197 أبواب الدفن ب 33.
308

ففي صحيحة زرارة: " فإذا حثي عليه التراب فضع كفك على قبره عند
رأسه، وفرج أصابعك، واغمز كفك عليه بعد ما ينضح بالماء " (1) ونحوها
حسنتها (2).
مستقبل القبلة، للرضوي، وفيه بعد الأمر بالرش وآدابه: " ثم
ضع يدك على القبر وأنت مستقبل القبلة، وقل: اللهم ارحم غربته، وصل وحدته،
وآنس وحشته، وآمن روعته، وأفض عليه من رحمتك، وأسكن إليه من برد عفوك
وسعة غفرانك ورحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك، واحشره مع من كان
يتولاه. ومتى ما زرت قبره فادع له بهذا الدعاء وأنت مستقبل القبلة ويداك على
القبر " (3) وتؤيده مضمرة البصري (4).
داعيا بما في الرضوي، أو بما في حسنة ابن مسلم: ثم بسط كفه على القبر
وقال: " اللهم جاف الأرض عن جنبيه، واصعد إليك روحه، ولقه منك رضوانا،
وأسكن قبره من رحمتك ما تغنيه [به] عن رحمة من سواك " ().
ويتأكد استحباب ذلك الوضع لمن لم يحضر الصلاة، كما صرح به والدي
رحمه الله أيضا، لخبر إسحاق: إن أصحابنا يصنعون شيئا: إذا حضروا الجنازة
ودفن الميت لم يرجعوا حتى يمسحوا أيديهم على القبر، أفسنة ذلك أم بدعة؟
فقال: " ذلك واجب على من لم يحضر الصلاة عليه " (6).

(1) التهذيب 1: 457 / 1490، الوسائل 3: 197 أبواب الدفن ب 33 ح 1.
(2) الكافي 3: 200 الجنائز ب 67 ح 8، الوسائل 3: 196 أبواب الدفن ب 32 ح 4.
(3) فقه الرضا (ع): 172، مستدرك الوسائل 2: 338 أبواب الدفن وما يناسبه ب 31 ح 2 وفيه صدر
الحديث.
(4) الكافي 3: 200 الجنائز ب 67 ح 3، التهذيب 1: 462 / 1508، الوسائل 3: 198 أبواب
الدفن ب 33 ح 5.
(5) الكافي 3: 198 الجنائز ب 66 ح 3، التهذيب 1: 319 / 927، الوسائل 3: 190 أبواب الدفن
ب 29 ح 3، وما بين المعقوفين من المصدر.
(6) التهذيب 1: 462 / 1506، الوسائل 3: 197 أبواب الدفن ب 33 ح 2.
309

والمراد بالوجوب تأكيد الاستحباب، فلا ينافي ثبوت مرتبة منه لمن حضرها
أيضا.
وعلى نفي مرتبة التأكد أيضا يحمل خبر محمد بن إسحاق، وفيه: " وإنما
ذلك لمن لم يدرك الصلاة عليه، وأما من أدرك الصلاة فلا " (1).
ولا تنافيه أيضا حسنة زرارة: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصنع
بمن مات من بني هاشم خاصة شيئا لا يصنعه بأحد من المسلمين: كان إذا صلى
على الهاشمي ونضح قبره بالماء وضع رسول الله صلى الله عليه وآله كفه على القبر
حتى ترى أصابعه في الطين، فكان الغريب يقدم أو المسافر من أهل المدينة،
فيرى القبر الجديد عليه أثر كف رسول الله صلى الله عليه وآله: فيقول: من مات
من آل محمد؟ " (2).
إذ لعله صلى الله عليه وآله كان يترك ذلك الوضع في قبر غير الهاشمي
لتعرف قبور الهاشميين، أو المراد أن الوضع عليه بحيث يرى أثر أصابعه المقدسة
كان مختصا ببني هاشم، مع أن عدم الاستحباب في بعض أزمنة الرسول لا ينافي
تحققه بعده.
وعلى هذا فالقول باختصاص ذلك ببني هاشم وعدم جوازه في غيرهم،
وعده بدعة - كما عن محمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم في كتاب علله (3) - عليل.
ومنها: تلقينه ثالثا بعد انصراف الناس، بإجماعنا المحقق والمحكي
مستفيضا عن الغنية والمعتبر والمنتهى ونهاية الإحكام والتذكرة (4)، للمستفيضة:

(1) التهذيب 1: 467 / 1532، الوسائل 3: 198 أبواب الدفن ب 33 ح 3.
(2) الكافي 3: 200 الجنائز ب 67 ح 4، التهذيب 1: 460 / 1498، الوسائل 3: 198 أبواب
الدفن ب 33 ح 4.
(3) نقله عنه في البحار 79: 22 / 6.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 564، والمعتبر 1: 303، والمنتهى 1: 463، ونهاية الإحكام 2:
279، والتذكرة 1: 53.
310

منها: رواية يحيى بن عبد الله: " ما على [أهل الميت] (1) منكم أن يدرؤوا عن
ميتهم لقاء منكر ونكير؟ " قلت: كيف يصنع؟ قال: " إذا أفرد الميت فليتخلف
عنده أولى الناس به، فيضع فمه عند رأسه، ثم ينادي بأعلى صوته: يا فلان بن
فلان، أو يا فلانة بنت فلان! هل أنت على العهد الذي فارقتنا عليه من شهادة
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله سيد النبيين، وأن
عليا أمير المؤمنين عليه السلام وسيد الوصيين، وأن ما جاء به محمد صلى الله عليه
وآله حق، وأن الموت حق، وأن البعث حق، وأن الله يبعث من في القبور؟ " قال:
" فيقول منكر لنكير: انصرف بنا عن هذا فقد لقن حجته " (2).
وخبر جابر: " ما على أحدكم إذا دفن ميته وسوى عليه وانصرف عن قبره أن
يتخلف عند قبره؟ ثم يقول: يا فلان بن فلان [أ] أنت على العهد الذي عهدناك
به من شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا صلى الله عليه وآله رسول الله، وأن
عليا أمير المؤمنين عليه السلام إمامك، وفلان، وفلان - حتى يأتي إلى آخرهم -؟
فإنه إذا فعل ذلك قال أحد الملكين لصاحبه: قد كفينا الوصول إليه ومسألتنا إياه،
فإنه قد لقن، فينصرفان عنه ولا يدخلان إليه " (3).
والرضوي: " يستحب أن يتخلف عند رأسه أولى الناس به بعد انصراف
الناس عنه، ويقبض على التراب بكفيه ويلقنه برفع صوته " (4) إلى آخره ومثله في
العلل (5).

(1) في النسخ الثلاث: أهل بيت، وما أثبتناه موافق للمصادر.
(2) الكافي 3: 201 الجنائز ب 67 ح 11، الفقيه 1: 109 / 501، التهذيب 1: 231 / 935،
الوسائل 3: 200 أبواب الدفن ب 35 ح 1.
(3) التهذيب 1: 459 / 1496، الوسائل 3: 201 أبواب الدفن ب 35 ح 2، وما بين المعقوفين من
المصدر.
(4) فقه الرضا (ع): 172، مستدرك الوسائل 2: 341 أبواب الدفن وما يناسبه ب 33 ح 1.
(5) علل الشرائع: 308 / 1.
311

ومقتضى أكثرها: أن يكون ذلك التلقين بالصوت العالي، كما عن الوسيلة
والجامع والإشارة والتحرير (1)، بل بأعلى صوته، كما في الأولى، وعن الشيخين (2)،
وجماعة (3).
وأن يكون الملقن هو الولي، كما خص به في النافع والشرائع والقواعد
والارشاد والمنتهى (4)، مجوزا في الأخير أحدا من المؤمنين إن لم يوجد الولي، وزاد
جماعة: أو من يأمره (5)، بل عن الذكرى الوفاق عليه (6). وجوز بعضهم غيره
مطلقا (7)، لوجود الفائدة. وفيه نظر.
والأحوط مباشرة الولي إن أمكن.
وفي استقبال القبلة حين التلقين كما في القواعد وعن السرائر (8)، واستدبارها
كما عن الحلبي والقاضي وابن سعيد (9)، قولان، ودليل كل منهما غير مثبت له،
فالتخيير أحسن.

(1) الوسيلة: 69، وفيها: ورفع صوته بالتلقين، الجامع للشرائع: 55، الإشارة: 78، التحرير 1: 20
(2) المفيد في المقنعة: 82، الشيخ في النهاية: 39.
(3) منهم العلامة في المنتهى 1: 463، والأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 490، 492، والفاضل الهندي
في كشف اللثام 1: 136.
(4) المختصر النافع: 14، الشرائع 1: 43، القواعد 1: 21، الإرشاد 1: 264، المنتهى 1:
463.
(5) الشهيد الأول في الذكرى: 68، الكركي في جامع المقاصد 1: 444، الفاضل الهندي في كشف
اللثام 1: 137.
(6) الذكرى: 68.
(7) كالأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 491.
(8) القواعد 1: 21، والسرائر 1: 165.
(9) الحلبي في الكافي في الفقه: 239، القاضي في المهذب 1: 64، ابن سعيد في الجامع للشرائع:
55.
312

وظاهر الثمرة المذكورة في بعض الأخبار (1) من كفاية المسألة وإن كان ظاهرا
في المكلف، ولكنه لا يوجب تخصيص ظاهر الاطلاق، فالتعميم أولى.
ومنها: التعزية، وهي مستحبة إجماعا محققا ومحكيا (2)، واعتبارا، ونصا
مستفيضا (3)، بل متواترا.
والمراد بها حمل المصاب على الصبر، وطلب التسلي منه.
وهو يتحقق بكل لفظ يفيده لكل مصاب ولو كان صغيرا أو أنثى - كما صرح
بها في الروايات - ما لم يخف في الأخير افتتانا، أو لم يوجب اتهاما.
وأقل التعزية: الرؤية، كما في القواعد وعن المبسوط والسرائر والمعتبر (4)
لمرسلة الصدوق: " كفاك من التعزية أن يراك صاحب المصيبة " (5).
وهي تكون قبل الدفن وبعده، بلا خلاف بين العلماء كما في المنتهى (6)،
لصحيحة هشام: " رأيت الكاظم عليه السلام يعزي قبل الدفن وبعده " (7).
وبعده أفضل، كما عن الخلاف والاستبصار والمعتبر والتذكرة (8)، لمراسيل
ابن أبي عمير (9) والبرقي (10) والفقيه (11)، ويؤكده بعض الاعتبارات.

(1) وهو خبر جابر المتقدم في ص 311.
(2) كما في نهاية الإحكام 2: 290، ومجمع الفائدة 2: 493، ومفاتيح الشرائع 2: 175.
(3) الوسائل 3: 213 أبواب الدفن ب 46.
(4) القواعد 1: 21، المبسوط 1: 189، وانظر السرائر 1: 172، المعتبر 1: 341.
(5) الفقيه 1: 110 / 505، الوسائل 3: 316 أبواب الدفن ب 48 ح 4.
(6) المنتهى 1: 465.
(7) الكافي 3: 205 الجنائز ب 70 ح 9، الفقيه 1: 110 / 503، التهذيب 1: 463 / 1516،
الإستبصار 1: 217 / 769، الوسائل 3: 215 أبواب الدفن ب 47 ح 1.
(8) الخلاف 1: 729، والاستبصار 1: 218، والمعتبر 1: 342، والتذكرة 1: 56.
(9) الكافي 3: 204 الجنائز ب 70 ح 2، التهذيب 1: 463 / 1512، الإستبصار 1: 217 / 770،
الوسائل 3: 216 أبواب الدفن ب 48 ح 1.
(10) الكافي 3: 204 الجنائز ب 70 ح 4، الوسائل 3: 216 أبواب الدفن ب 48 ح 3.
(11) الفقيه 1: 110 / 504، الوسائل 3: 216 أبواب الدفن ب 48 ح 4.
313

ولا حد لزمانها عند الحلي والكركي (1) وجماعة، لعموم الأدلة. فيستحب كل
وقت إلا إذا أدت إلى تجديد حزن منسي، فتركها أولى.
وعن الكافي (2) والحلبي (3) والشهيد (4) وأكثر المتأخرين: التحديد بثلاثة
أيام، لما دل من أن المأتم أو الحداد أو صنع الطعام لأهل الميت ثلاثة أيام (5).
ولا دلالة فيها وإن كان المأتم بمعنى الاجتماع في الموت. نعم يدل على جواز
الاجتماع والجلوس لهم في الثلاثة.
وكره في المبسوط الجلوس للتعزية يومين أو ثلاثة، وادعى عليه الاجماع (6).
ولا دليل له، وإجماعه معارض بقول الحلي من أنه لم يذهب إليه أحد من
أصحابنا، وأنه من فروع المخالفين (7).
ولا ينبغي تعزية غير المؤمن، بل صرح في المنتهى بحرمته (8)، وهو الأظهر،
للأمر باجتنابهم.
ومنها: أن يصنع لأهل المصيبة طعام ويبعث إليهم، بالاجماع كما في شرح
القواعد (9) واللوامع، وباتفاق العلماء كما في المنتهى (10).
ثلاثة أيام، بالاجماع، كما في الثاني، له، وللمستفيضة المصرحة بذلك:

(1) الحلي في السرائر 1: 173، والكركي في جامع المقاصد 1: 446.
(2) لم نعثر في فروع الكافي على ما يدل على التحديد المذكور. نعم قد نقلت فيه الروايات التي تدل
على اتخاذ الطعام وصنع المأتم لم ثلاثة أيام. (ج 3: 217) ويحتمل أن العبارة في الأصل قد كانت
هكذا: وعن الكافي للحلبي.
(3) الكافي في الفقه 1: 240.
(4) الذكرى: 70، والبيان: 80.
(5) الوسائل 3: 235 أبواب الدفن ب 67 و ص 271 ب 82.
(6) المبسوط 1: 189.
(7) السرائر 1: 173.
(8) المنتهى
: 465.
(9) جامع المقاصد 1: 446.
(10) المنتهى 9: 466.
314

منها: الرضوي: " والسنة في أهل المصيبة أن يتخذ لهم ثلاثة أيام طعام،
لشغلهم بالمصيبة " (1).
ومرسلة الفقيه: " ينبغي لجيران صاحب المصيبة أن يطعموا الطعام عنه
ثلاثة أيام " (2).
ومقتضى الأخير: أفضليته للجيران، وزاد في المنتهى: الأقرباء (3)، ويثبته
أمر النبي صلى الله عليه وآله البتول باتخاذ الطعام في مأتم جعفر (4)..
ويجوز للميت الوصية بمال لاطعام أهل المأتم، لوصية مولانا الباقر عليه
السلام، كما في حسنة حريز (5)، بل فيها إشعار باستحبابها، فهي كسائر الوصايا
نافذة.
ويكره الأكل عند أهل المأتم، كما صرح به جماعة (6)، لمرسلة الصدوق: " إن
الأكل عند أهل المصيبة من عمل أهل الجاهلية، والسنة البعث إليهم
بالطعام " (7).
وظاهر الاطلاق الكراهة ولو مما أهدي إليهم ولا يختص بطعامهم، كما في
اللوامع.
وصرح في المنتهى بعدم استحباب اتخاذ أهل المصيبة طعاما ويجمعوا الناس

(1) فقه الرضا (ع): 172، مستدرك الوسائل 2: 380 أبواب الدفن وما يناسبه ب 56 ح 4.
(2) الفقيه 1: 110 / 509، الوسائل 3: 237 أبواب الدفن ب 67 ح 5.
(3) المنتهى 1: 466.
(4) الكافي 3: 217 الجنائز ب 79 ح 1، الفقيه 1: 116 / 549، المحاسن: 419 / 191، الوسائل
3: 235 أبواب الدفن ب 67 ح 1.
(5) الكافي 3: 217 الجنائز ب 79 ح 4، الغنية 1: 116 / 546، الوسائل 3: 238 أبواب الدفن
ب 68 ح 1.
(6) منهم الكركي في جامع المقاصد 1: 446، والأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 509، والفيض في
مفاتيح الشرائع 2: 175، وصاحب الحدائق 4: 15.
(7) الفقيه 1: 116 / 548، الوسائل 3: 237 أبواب الدفن ب 67 ح 6.
315

عليه، إلا أن دعت الحاجة إليه، كما لو حضر أهل الأماكن البعيدة وباتوا
عندهم (1).
ولنختم هذا الفصل بمسائل ثلاث:
المسألة الأولى: إذا مات ولد الحامل في بطنها فإن أمكن التوصل إلى
إسقاطه صحيحا بعلاج فعل، وإلا أخرج صحيحا إن أمكن، وإلا قطع وأخرج
بالأرفق فالأرفق، إجماعا، كما عن الخلاف (2).
وتتولى ذلك النساء، فإن تعذر فالرجال المحارم، فإن تعذر جاز أن يتولاه
غيرهم، للضرورة.
وخبر وهب: " إذا ماتت المرأة وفي بطنها ولد يتحرك شق بطنها ويخرج الولد "
وقال في المرأة يموت في بطنها الولد فيتخوف عليها، قال: " لا بأس أن يدخل
الرجل يده فيقطعه ويخرجه) (3).
ومثله خبره الآخر، إلا أن في آخره: " إذا لم ترفق به النساء " (4).
والرضوي: " وإن مات الولد في جوفها ولم يخرج، أدخل إنسان يده في
فرجها وقطع الولد بيده وأخرجه " (5).
هذا إذا علم موت الولد، وإلا يصبر حتى يتبين.
ولو ماتت هي والولد حي في بطنها، فإن أمكن اخراجه بدون الشق فعل،
وإلا شق بطنها وأخرج، إجماعا، وعن الخلاف: عدم معرفة خلاف فيه (6).
والنصوص به مستفيضة:

(1) المنتهى 1: 466.
(2) الخلاف 1: 730.
(3) الكافي 3: 155 الجنائز ب 26 ح 3، الوسائل 2: 470 أبواب الاحتضار ب 6 4 ح 3.
(4) الكافي 3: 206 الجنائز ب 72 ح 2، التهذيب 1: 344 / 1008، قرب الإسناد: 136 / 478.
(5) فقه الرضا (ع): 174، مستدرك الوسائل 2: 140 أبواب الاحتضار ب 35 ح 1.
(6) الخلاف 1: 739.
316

منها: الخبر المتقدم (1).
وموثقة علي: في المرأة تموت وولدها في بطنها يتحرك، قال: " يشق بطنها
ويخرج منه ولدها " (2). وقريبة منها صحيحته (3) وخبر ابن أبي حمزة (4).
وليكن الشق عن الأيسر، كما عن الفقيه والمقنعة والنهاية والمبسوط والسرائر
والجامع والشرائع والنافع والتحرير والمنتهى والتلخيص ونهاية الإحكام (5)،
وغيرها، للرضوي - المنجبر بعمل هؤلاء -: " إذا ماتت المرأة وهي حاملة وولدها
يتحرك في بطنها شق من الجانب الأيسر وأخرج الولد " (6) الخبر.
ويخاط الشق بعدها كما عن الكتب الستة الأولى (7)، والمهذب (8)، لمرسلة
ابن أبي عمير، وفيها: " ويخاط بطنها " (9).
وفي دلالتها على الوجوب نظر، والاستحباب - كما في المدارك (10) - أظهر،
وإن كان الأول ظاهر فتاوى من مر.
ولا يختص الشق والاخراج بصورة تحرك الولد - كما سئل عنه في أكثر ما

(1) في ص 316 وهو خبر وهب.
(2) الكافي 3: 155 الجنائز ب 26 ح 1، التهذيب 1: 343 / 1005، الوسائل 2: 470 أبواب
الاحتضار ب 46 ح 2، وفي جميع المصادر لا توجد كلمة: يتحرك.
(3) التهذيب 1: 343 / 1004، الوسائل 2: 471 أبواب الاحتضار ب 46 ح 6.
(4) الكافي 3: 155 الجنائز ب 26 ح 2، التهذيب 1: 344 / 1006، الوسائل 2: 470 أبواب
الاحتضار ب 46 ح 4.
(5) الفقيه 1: 97 المقنعة 87، النهاية: 42، المبسوط 1: 180، السرائر 1: 169، الجامع
للشرائع: 49، الشرائع 1: 44، المختصر النافع: 15، التحرير 1: 20، المنتهى 1: 435،
نهاية الإحكام 2: 281.
(6) فقه الرضا (ع): 174، مستدرك الوسائل 2: 140 أبواب الاحتضار ب 35 ح 1.
(7) وهي: الفقيه والمقنعة والنهاية والمبسوط والسرائر والجامع، ولكن لم نعثر عليه في الفقيه.
(8) المهذب 2: 55.
(9) الكافي 3: 206 الجنائز ب 72 ح 1، الوسائل 2: 469 أبواب الاحتضار ب 46 ح 1.
(10) مدارك الأحكام 2: 158.
317

سبق - بل المناط حياته.
ولو شك فيها فالظاهر العمل باستصحاب الحياة واطلاق بعض الأخبار.
الثانية: جواز البكاء على الميت مجمع علمية، والنصوص به مستفيضة (1)،
وفي بعضها الأمر به عند شدة الوجد (2).
وما في بعض أخبارنا من أن كل بكاء مكروه سوى البكاء على الحسين (عليه
السلام) (3) مبالغة في عظم أجره.
وما نقل: أن الميت يعذب ببكاء أهله (4)، عامي لا عبرة به، مع أنه مخالف
لنص الكتاب، إذ " لا تزر وازرة وزر أخرى " (5).
والأشهر الأظهر: جواز النياحة أيضا ما لم تتضمن محرما من كذب وغيره،
وعليه الاجماع عن الفاضل (6).
لنوح أم سلمة على ابن عمتها بإذن النبي (صلى الله عليه وآله)، كما في خبر
الثمالي (7)، ونسوة المدينة على حمزة بعد قوله (صلى الله عليه وآله): " لا بواكي له " كما
في مرسلة الفقيه (8)، وفاطمة على أبيها، كما في طرق الفريقين (9)، والهاشميات
على الحسين (عليه السلام)، كما في أخبار كثيرة (10)، ونوح الصادق (عليه (السلام على

(1) الوسائل 3: 241 أبواب الدفن ب 70.
(2) الوسائل 3: 279 أبواب الدفن ب 87.
(3) أمالي الطوسي: 163.
(4) كما في صحيح البخاري 2: 100، وصحيح مسلم 2: 638.
(5) الأنعام: 164.
(6) المنتهى 1: 466، ونهاية الإحكام 2: 289.
(7) الكافي 5: 117 المعيشة ب 35 ح 2، التهذيب 6: 358 / 1027، الوسائل 7 1: 125 أبواب
ما يكتسب به ب 17 ح 2.
(8) الفقيه 1: 553 / 116.
(9) من طريق الخاصة: الخصال: 272 / 15، ومن طريق العامة: المغني لابن قدامة 2: 411.
(10) الوسائل 14: 593 أبواب المزار ب 104، والبحار 79: 106.
318

ابنة له سنة، وعلى ابن له سنة، كما في إكمال الدين (1)، وأمر مولانا الباقر الصادق
(عليهما السلام) بوقف بعض ما له على النوادب ليندبن له، كما في صحيحة
يونس (2)، ونفي البأس عن أجر النائحة مطلقا، أو بدون الشرط، أو بشرط
صدقها في قولها، كما وردت بكل الرواية (3)، وقوله: " إنما تحتاج المرأة في المأتم إلى
النوح لتسيل دمعتها، ولا ينبغي لها أن تقول هجرا " (4).
خلافا للمحكي عن الشيخ وابن حمزة (5)، فحرماها، لأخبار (6) بين غير
دالة، وضعيفة، وعامة بالنسبة إلى بعض ما مر من المخصوصات بالصدق أو غير
الباطل، فتخصص به. مع أنه على فرض التعارض تتساقط أخبار الطرفين،
ويبقى الأصل بلا معارض (7).
ولا فرق في الجواز بين النثر والنظم، للأصل، وورود الأخير في نياح البتول
وأم سلمة، واستماع الأئمة المراثي.
وأما الصراخ ولطم الخدود وشق الجيوب والخدش: فيأتي بيانها في مواقعها
إن شاء الله.
الثالثة: زيارة القبور مستحبة بالاجماع، واستفاضة النصوص (8).
وفي بعضها: " من لم يقدر أن يزورنا فليزر صالحي موالينا، يكتب له ثواب

(1) إكمال الدين: 73.
(2) الكافي 5: 117 المعيشة ب 35 ح 1، التهذيب 6: 358 / 1025، الوسائل 17: 125 أبواب
ما يكتسب به ب 17 ح 1.
(3) الوسائل 17: 125 أبواب ما يكتسب به ب 17.
(4) الكافي 1: 358 الحجة ب 81 ح 17، الوسائل 3: 242 أبواب الدفن ب 71 ح 1.
(5) الشيخ في المبسوط 1: 189، وابن حمزة في الوسيلة: 69.
(6) الوسائل 3: 271 أبواب الدفن ب 83.
(7) في " ق " و " ح ": بلا منازع.
(8) الوسائل 3: 222 أبواب الدفن ب 54.
319

زيارتنا " (1).
ومقتضى إطلاقاتها: الاستحباب للنساء إذا لم تتضمن مفسدة.
وكرهها لهن الفاضلان (2)، لقول النبي (صلى الله عليه وآله): " لعن الله
زوارات القبور " (3).
وضعفه مانع عن صلاحية التقييد.
واطلاقاتها تفيد الاستحباب في كل وقت، ويتأكد في عشية الخميس،
للمروي في كامل الزيارة: " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله يخرج في ملأ من
الناس من أصحابه كل عشية خميس إلى بقيع المدنيين، فيقول: السلام عليكم
أهل الديار - ثلاثا - رحمكم الله " (4).
وفي مصباح الزائر: " إذا أردت زيارة المؤمنين فينبغي أن يكون يوم
الخميس " (5).
وما ورد في خروج البتول في غداة السبت أو الاثنين (6)، لا يفيد
الاستحباب، خصوصا للرجال.
ويستحب للزائر أن يقرأ القدر سبعا، لرواية محمد بن أحمد: " من أتى قبر

(1) التهذيب 6: 104 / 181 بتفاوت يسير، كامل الزيارات: 319 / 1، 2، مصباح الزائر: 194
(المخطوط)، الوسائل 14: 585 أبواب المزار ب 97 ح 10 و 11.
(2) المحقق في المعتبر 1: 339، وأما العلامة فلم نجد في كتبه ما يدل على قوله بكراهة الزيارة للنساء،
بل صرح في التذكرة 1: 57 ونهاية الإحكام 2: 292 بعدم كراهتها لهن، نعم قد حكاه عنه في
الحدائق 4: 172، ولعله استظهرها من ابتدأ 4 كلامه في المنتهى 1: 467 حيث اختص
الاستحباب بالرجال، ولكنه أثبت عدم الكراهة للنساء بعد أسطر، فراجع.
(3) سنن الترمذي 2: 259 / 1061، المهذب للفيروز آبادي 1: 139، المغني لابن قدامة 2: 430.
(4) كامل الزيارات: 320 / 6.
(5) مصباح الزائر: 195 (المخطوط).
(6) الكافي 3: 228 الجنائز ب 85 ح 3، الفقيه 1: 114 / 537، التهذيب 1: 465 / 1543،
الوسائل 3: 223 و 224 أبواب الدفن ب 55 ح 1 و 2.
320

أخيه، ثم وضع يديه على القبر، وقرأ إنا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرات أمن يوم
الفزع الأكبر، أو يوم الفزع " (1).
ولمرسلة الفقيه: " ما من عبد زار قبر مؤمن فقرأ عليه إنا أنزلناه سبع مرات
إلا غفر الله له ولصاحب القبر) (2).
والمروي في الكامل والمصباح: " من قرأ إنا أنزلناه عند قبر مؤمن سبع مرات
بعث الله إليه ملكا يعبد الله عند قبره، ويكتب للميت ثواب ما يعمل ذلك
الملك " (3).
وتستحب زيادة الحمد والمعوذتين والتوحيد ثلاث مرات، وآية الكرسي،
رواه في الكتابين، قال: " ويقرأ مع إنا أنزلناه سورة الحمد والمعوذتين وقل هو الله
أحد وآية الكرسي، ثلاث مرات كل سورة " (4).
أو يدعو بما تقدم في الرضوي المذكور في استحباب وضع اليد على القبر (5)،
أو يجمع بينه وبين إنا أنزلناه كما فعل مولانا الباقر (عليه السلام)، على ما في رواية
أبي المقدام (6).
وفي المصباح بعدما نقل عنه: " وصفتها أن تستقبل القبلة، وتضع يدك على
القبر، وتقول: اللهم - إلى أن قال: - ثم اقرأ إنا أنزلناه سبع مرات " (7).
وتجوز القراءة واقفا، كما صرح به في رواية أبي المقدام، وفي رواية ابن
عجلان: " قام أبو جعفر (عليه السلام) على قبر رجل من الشيعة فقال " (8) إلى آخره.

(1) الكافي 3: 229 الجنائز ب 85 ح 9، الوسائل 3: 226 أبواب الدفن ب 57 ح 1.
(2) الفقيه 1: 115 / 541، الوسائل 3: 227 أبواب الدفن ب 57 ح 5.
(3) كامل الزيارات: 322 / 12، مصباح الزائر: 195 (المخطوط).
(4) كامل الزيارات: 322 / 12، مصباح الزائر: 195 (المخطوط).
(5) راجع ص 309.
(6) التهذيب 6: 105 / 183، الوسائل 3: 200 أبواب الدفن ب 34 ح 3.
(7) مصباح الزائر: 195 (المخطوط).
(8) الكافي 3: 200 الجنائز ب 67 ح 9، الوسائل 3: 199 أبواب الدفن ب 34 ح 1.
321

والأفضل الجلوس ووضع اليد على القبر على ما في رواية محمد بن أحمد،
بل اليدين كما في الرضوي، مستقبل القبلة كما فيه وفي رواية المصباح.
وفي رواية البصري: كيف أضع يدي على قبور المسلمين؟ فأشار بيده إلى
الأرض فوضعها عليه وهو مقابل القبلة (1).
والمروي في الكامل: " من أتى قبر أخيه المؤمن واستقبل القبلة، ثم وضع
يده على القبر وقرأ " (2) إلى آخره.
هذا لزيارة قبر مخصوص، وأما لو أراد زيارة أهل القبور فيقول: " السلام
على أهل الديار من المسلمين والمؤمنين، رحم الله المتقدمين منا والمستأخرين، وإنا
إن شاء الله بكم لاحقون " كما في رواية المدائني (3).
أو يقول بعد والمؤمنين: " أنتم لنا فرط، ونحن إن شاء الله بكم لاحقون "
كما في حسنة ابن سنان (4).
أو يقول: " السلام عليك من ديار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم
لاحقون " كما في حسنة منصور، ومرسلة الفقيه (5).
أو ما يقوله النبي (صلى الله عليه وآله) كما مر في رواية الكامل (6)، أو: " السلام
على أهل الجنة " كما في مرسلة الفقيه (7).

(1) الكافي 3: 200 الجنائز ب 67 ح 3، التهذيب 1: 62، / 1508، الوسائل 3: 198 أبواب
الدفن ب 33 ح 5.
(2) كامل الزيارات: 320 / 4 بتفاوت يسير.
(3) الكافي 3: 229 الجنائز ب 85 ح 8، الفقيه 1: 114 / 533 بتفاوت يسير، الوسائل 3: 25
أبواب الدفن ب 56 ح 3.
(4) الكافي 3: 229 الجنائز ب 85 ح 5، الوسائل 3: 225 أبواب الدفن ب 56 ح 1.
(5) الكافي 3: 229 الجنائز ب 85 ح 7، الفقيه 1: 114 / 534، الوسائل 3: 225 أبواب الدفن
ب 56 ح 2.
(6) كامل الزيارات: 6 / 320.
(7) الفقيه 1: 115 / 538، الوسائل 3: 226 أبواب الدفن ب 56 ح 5.
322

أو: " اللهم جاف الأرض عن جنوبهم، وصاعد إليك أرواحهم، ولقهم
منكم رضوانا، وأسكن إليهم من رحمتك ما تصل به وحدتهم، وتؤنس به
وحشتهم، إنك على كل شئ قدير " كما في رواية ابن مسلم المروية في المصباح (1).
أو يقرأ قل هو الله أحد إحدى عشرة مرة ويهديه لهم، كما فيها أيضا، قال:
" وإذا كنت بين القبور فاقرأ قل هو الله أحد إحدى عشرة مرة واهد ذلك لهم " (2).
أو يقرأ آية الكرسي ويجعل ثوابها لأهل القبور، كما في رواية مرسلة في
البحار (3).
أو يقول: " اللهم رب هذه الأرواح الفانية والأجساد البالية والعظام النخرة
التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة، أدخل عليهم روحا منك وسلاما مني " كما
فيها أيضا (4).
أو يقرأ بدعاء علي، وهو: " بسم الله الرحمن الرحيم، السلام على أهل لا إله
إلا الله، من أهل لا إله إلا الله، يا أهل لا إله إلا الله، بحق لا إله إلا الله، كيف
وجدتم قول لا إله إلا الله، من لا إله إلا الله، يا لا إله إلا الله، بحق لا إله إلا
الله، اغفر لمن قال لا إله إلا الله، واحشرنا في زمرة من قال لا إله إلا الله، محمد
(صلى الله عليه وآله) رسول الله، علي (عليه السلام) ولي الله " كما فيها أيضا (5).
أو يقرأ سورة يس، كما روي في العدة (6).
وله الجمع بين الجميع أو بعض منها.

(1) مصباح الزائر: 195 (المخطوط).
(2) مصباح الزائر: 195 (المخطوط).
(3) البحار 99: 300 / 30 و 31.
(4) البحار 99: 300 / 30 و 31.
(5) البحار 99: 301.
(6) عدة الداعي: 133.
323

المطلب الثاني:
في الأغسال المسنونة
وهي كثيرة جدا، وعن النفلية أنها خمسون (1)، وذكر بعض الأجلة منها نيفا
وستين (2). ولنذكر هاهنا طائفة مهمة منها، ونذكر بعضها أيضا في ما يناسبه من
المقام.
فمنها: غسل الجمعة، ورجحانه مجمع عليه، بل يمكن عده من
الضروريات، والنصوص به مستفيضة.
وفي رواية الأصبغ: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا أراد أن يوبخ الرجل
يقول: " والله أنت أعجز من تارك الغسل يوم الجمعة " (3).
وفي كتاب الفردوس (4)، عن مولانا الصادق (عليه السلام): " لا يترك غسل
الجمعة إلا فاسق، ومن فاته غسل يوم الجمعة فليقضه يوم السبت ":
وهل هو مستحب كما هو المشهور،. بل عن الخلاف والأمالي الاجماع
عليه (5)، أو واجب كما عن الصدوقين والكليني (6)، مع إمكان حمل الوجوب في

(1) النفلية: 8.
(2) الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 8.
(3) الكافي 3: 42 الطهارة ب 28 ح 5، التهذيب 3: 9 / 30، الوسائل 3: 318 أبواب الأغسال
المسنونة ب 7 ح 2.
(4) كذا في النسخ الثلاث، والظاهر أن الصحيح: كتاب العروس، وتد نقل عنه في البحار 78:
129 / 17. قال في الذريعة 15: 253 كتاب العروس في خصائص يوم الجمعة وفضائله لله، للشيخ
المتقدم أبي محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي...
(5) الخلاف 1: 219، 611، أمالي الصدوق: 515.
(6) الصدوق في الفقيه 1: 61، والمقنع: 45، وحكاه من والد الصدوق في الحبل المتين: 78،
الكليني في الكافي 3: 41، باب وجوب غسل الجمعة.
324

كلامهم على تأكد الاستحباب، كما ذكره غير واحد من الأصحاب (1)، ونقل عن
شيخنا البهائي (2) وبعض من تأخر عنه أيضا، ويميل إليه المحقق الأردبيلي
والكفاية بعض الميل (3)،
والحق هو الأول، لا لاستفاضة النصوص بأنه سنة، كصحيحة ابن
يقطين، وزرارة:
الأولى: عن الغسل يوم الجمعة والأضحى والفطر، قال: " سنة وليس
بفريضة " (4).
والثانية: عن غسل الجمعة، قال: " سنة في السفر والحضر " (5) الحديث.
ومرسلة المفيد: " غسل الجمعة والفطر سنة في السفر والحضر " (6) وغير
ذلك.
والتصريح بكونه تطوعا في المروي في جمال الأسبوع: " اغتسل في كل جمعة
ولو أنك تشتري الماء بقوت يومك، فإنه ليس شئ من التطوع أعظم منه " (7).
وعده من المستحبات في جملة من الأخبار (8).
وجعله متمما للوضوء كجعل النافلة من الصلاة والصيام لفريضتهما في خبر

(1) كصاحب الحدائق 4: 223، وصاحب الرياض 1: 71.
(2) الحبل المتين: 78.
(3) مجمع الفائدة 1: 73، الكفاية: 7.
(4) التهذيب 1: 112 / 295، الإستبصار 1: 102 / 333، الوسائل 3: 314 أبواب الأغسال
المسنونة ب 6 ح 9.
(5) التهذيب 1: 112 / 296، الإستبصار 1: 102 / 334، الوسائل 3: 314 أبواب الأغسال
المسنونة ب 6 ح 10.
(6) المقنعة: 158.
(7) جمال الأسبوع: 366.
(8) الوسائل 3: 311 أبواب الأغسال المسنونة ب 6.
325

الصيرفي (1).
لعدم دلالة شئ منها:
أما الأولى: فلأن السنة في الأخبار أعم من الواجب، فإنها بمعنى
الطريقة، وتستعمل فيها كثيرا في الواجب أيضا، كما في الرضوي: " إن غسل
الجنابة فريضة من فرائض الله جل وعز، وإنه ليس من الغسل فرض غيره، وباقي
الأغسال سنة واجبة، ومنها سنة مسنونة، إلا أن بعضها ألزم من بعض وأوجب
من بعض " (2) وفي الروايات العديدة: إن غسل الميت سنة، وفي رواية سعد:
" الغسل في أربعة عشر موطنا، واحد فريضة والباقي سنة " (3) إلى غير ذلك.
وليس في قوله في الأولى: " وليس بفريضة " دلالة على الاستحباب، لأن
المراد بالفريضة ما ثبت وجوبه بالكتاب، ولذا حصر في المستفيضة غسل الفريضة
بغسل الجنابة.
ولا في السؤال فيها حيث إنه وقع عن الحكم دون المأخذ، لعدم صراحة ولا
ظهور في كون السؤال عن الحكم، مع أن الفريضة وعدمها أيضا حكمان يترتب
عليهما بعض الآثار، كتقديم الفرض على الواجب عند تعارضهما.
ولا في جمعه فيها وفي الأخيرة [مع] (4) غسل العيدين المستحب قطعا، وإلا
لزم استعمال اللفظ في معنييه، لجواز عموم المجاز.
وأما الثانية: فلا عمية التطوع لغة من المستحب، فإنه مأخوذ من الطاعة،
ولو سلم الاختصاص في العرف المتأخر فالأصل تأخره.

(1) الكافي 3: 42 الطهارة ب 28 ح 4، التهذيب 1: 111 / 293، الوسائل 3: 313 أبواب
الأغسال المسنونة ب 6 ح 7.
(2) فقه الرضا (ع): 81، مستدرك الوسائل 1: 447 أبواب الجنابة ب 1 ح 1 بتفاوت يسير.
(3) التهذيب 1: 110 / 289، الإستبصار 1: 98 / 319، الوسائل 2: 176 أبواب الجنابة ب 1
ح 11.
(4) في النسخ: بين، وما أثبتناه هو الأنسب.
326

وأما الأخيران فظاهران.
بل للتصريح بجواز تركه للنساء مطلقا - الموجب لجوازه للرجال بعدم
الفصل - في المروي في الخصال: " ليس على المرأة غسل الجمعة في السفر، يجوز
لها تركه في الحضر " (1).
وفي النبوي المنجبر بما مر: " من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل
فالغسل أفضل " (2).
والمروي في العلل والعيون: " وعلة غسل العيد والجمعة " إلى أن قال:
" فجعل فيه الغسل تعظيما لذلك اليوم، وتفضيلا له على سائر الأيام، وزيادة له في
النوافل والعبادة " (3) وهو صريح في كونه نافلة.
والرضوي، وفيه - بعد عد ثلاثة وعشرين غسلا من غير عد أغسال النساء
وغسل المس -: " الفرض من ذلك غسل الجنابة، والواجب غسل الميت وغسل
الاحرام، والباقي سنة " (4). ومن الباقي غسل الجمعة، وهو صريح في أن المراد
من السنة فيه غير الواجب.
ونحوه في الصراحة أيضا قوله: وروي " أن الغسل أربعة عشر وجها، ثلاث
منها غسل واجب مفروض " إلى أن قال: " وأحد عشر غسلا سنة: غسل
العيدين والجمعة " (5) إلى آخره.
وخبر علي بن أبي حمزة: عن غسل العيدين، أواجب هو؟ قال: " هو سنة "
قلت: فالجمعة؟ قال: " هو سنة " (6) وهو أيضا صريح فيما ذكرنا، وإلا لم يحصل

(1) الخصال: 586.
(2) سنن ابن ماجة 1: 347 / 1091.
(3) علل الشرائع: 285 / 4، وعيون أخبار الرضا 2: 87.
(4) فقه الرضا (ع): 82، مستدرك الوسائل 2: 497 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 1.
(5) فقه الرضا (ع): 83، مستدرك الوسائل 2: 497 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 1.
(6) التهذيب 1: 112 / 297، الإستبصار 1: 103 / 335، الوسائل 3: 314 أبواب الأغسال
المسنونة ب 6 ح 12.
327

للجواب معنى.
وضعف بعض ما مر، بالشهرة العظيمة والاجماع المنقول منجبر.
دليل الموجب: الروايات الآمرة به، كصحيحة (1) محمد: " اغتسل يوم
الجمعة إلا أن تكون مريضا أو تخاف على نفسك " (2).
وبتقديمه مع قلة الماء، كرواية الحسين بن موسى عن أمه وأم أحمد: كنا مع
أبي الحسن بالبادية ونحن نريد بغداد، فقال لنا يوم الخميس: " اغتسلا اليوم
لغد " (3) الحديث، وبمضمونها في الأمر بالتقديم مرسلة محمد بن الحسين (4)
وبقضائه، كرواية سماعة، وفيها: " فإن لم يجد فليقضه يوم السبت " (5).
والأخبار المصرحة بأنه واجب، كحسنتي ابني المغيرة وعبد الله: عن الغسل
يوم الجمعة، قال: " واجب على كل ذكر أو أنثى، عبد أو حر " (6).
ورواية الصيرفي: كيف صار غسل الجمعة واجبا؟ فقال: إن الله تعالى أتم
صلاة الفريضة بصلاة النافلة، وأتم صيام الفريضة بصيام النافلة، وأتم وضوء
الفريضة بغسل الجمعة " (7) إلى آخره.

(1) في " ه‍ ": حسنة.
(2) التهذيب 3: 237 / 629، الوسائل 3: 314 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 11.
(3) الكافي 3: 42 الطهارة ب 28 ح 6، الفقيه 1: 61 / 227، التهذيب 1: 365 / 1110،
الوسائل 3: 320 أبواب الأغسال المسنونة ب 9 ح 2.
(4) التهذيب 1: 365 / 1109، الوسائل 3: 319 أبواب الأغسال المسنونة ب 9 ح 1.
(5) التهذيب 1: 113 / 300، الإستبصار 1: 104 / 340، الوسائل 3: 321 أبواب الأغسال
المسنونة ب 10 ح 3.
(6) حسنة ابن المغيرة: الكافي 3: 41 الطهارة ب 28 ح 1، التهذيب 1: 111 / 1 29، الإستبصار
1: 103 / 336، الوسائل 3: 312 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 3، حسنة ابن عبد الله:
الكافي 3: 42 الطهارة ب 28 ح 2، التهذيب 1: 111 / 292 وفيه ابن عبيد الله، الإستبصار 1:
103 / 337، الوسائل 3: 312 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 6.
(7) الكافي 3: 42 الطهارة ب 28 ح 4، التهذيب 1: 111 / 293، المحاسن: 313 / 30، علل
الشرائع: 285 / 1، الوسائل 3: 313 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 7.
328

وموثقة سماعة: عن غسل الجمعة، فقال: " واجب في السفر والحضر " إلى
آن قال: " وغسل المحرم واجب، وغسل يوم عرفة واجب، وغسل الزيارة واجب
إلا من علة، وغسل دخول البيت واجب، وغسل دخول الحرم واجب، ويستحب
أن لا يدخله إلا بغسل " (1) إلى آخره.
والروايات المتضمنة لأنه على النساء، الذي هو أيضا في معنى الايجاب (2).
وما يصرح بأنه لا بد منه، كما في مرسلة حريز: الأبد من غسل يوم الجمعة
في السفر والحضر، فمن نسي فليعد من الغد " (3).
وما يأمر بالاستغفار عن تركه متعمدا، كرواية سهل (4)، ومرسلة (5) الفقيه
ولا يكون الاستغفار إلا عن ترك واجب أو فعل حرام.
ويجاب عن الجميع: بأن استعمال كل ما ذكر في الاستحباب مجاز شائع،
فالحمل عليه مع القرينة لازم، وما ذكرناه قرينة واضحة عليه.
مع وجود قرائن أخرى مع أكثر الموجبات، كما في الأمر بالتقديم والقضاء،
فإن الظاهر عدم القول بوجوبهما.
وفي رواية الصيرفي، فإن العلة المذكورة فيها غير صالحة لاثبات غير
الرجحان قطعا، وإلا لوجبت صلاة النافلة وصيام النافلة أيضا، فالمراد من
الوجوب فيها الرجحان. ولذلك قد يستدل بهذه الرواية على الاستحباب وإن كان
محل نظر، إذ إثبات الرجحان في حديث بعلة لا ينافي ضم اللزوم بدليل آخر.

(1) الكافي 3: 40 الطهارة ب 26 ح 2، الفقيه 1: 45 / 176، التهذيب 1: 104 / 270، الوسائل
3: 303 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3.
(2) الوسائل 3: 309 أبواب الأغسال المسنونة ب 3.
(3) الكافي 3: 43 الطهارة ب 28 ح 7، الوسائل 3: 320 أبواب الأغسال المسنونة ب 10 ح 1.
(4) التهذيب 1: 113 / 299، الإستبصار 1: 103 / 339، الوسائل 3: 318 أبواب الأغسال
المسنونة ب 7 ح 3.
(5) في " ق ": مرفوعة، ورواها في الفقيه 1: 64 / 242 عن أبي بصير، وطريق الصدوق إليه مذكور
في المشيخة، فهي مسندة في الحقيقة، الوسائل 3: 319 أبواب الأغسال المسنونة ب 8 ح 2.
329

وفي الموثقة، فإن الحكم فيها بوجوب أغسال كثيرة غير واجبة اجماعا
- كالحكم بوجوب غسل الجمعة - قرينة على أن المراد بالوجوب فيها معناه
المجازي، سيما مع ضم قوله: " ويستحب أن لا يدخله إلا بغسل، بعد قوله:
" واجب " ولا أقل من صلاحية ذلك لاتكال المتكلم عليه في إرادة المجاز، ومعه لا
تجري أصالة الحقيقة، كما بيناه في الأصول.
وبذلك يحصل الوهن في إرادة الحقيقة في غيرها مما يتضمن لفظ الوجوب
أيضا، سيما مع حمل الإمام وجوبه في الرواية السابقة بلا قرينة على مطلق
الرجحان، ومع ما في الرضوي المتقدم من قوله: " ومنها سنة مسنونة إلا أن بعضها
ألزم [من بعض]، وأوجب من بعض " (1). ومع ملاحظة خبر ابن الوليد، ومرسلة
الفقيه:
الأول: عن غسل الأضحى، قال: " واجب [إلا] بمنى " (2).
والثانية: " من قصد إلى مصلوب فنظر إليه وجب عليه الغسل " (3).
بل بملاحظة تلك الأخبار المؤيدة بأصالة تأخر الحادث يتقوى ما ذكره
جماعة من عدم ثبوت الحقيقة الشرعية للوجوب وإن أراهم لا يلتفتون إليه في
مواضع أخر.
وكما في بعض الروايات المتضمنة للفظة " على " فإن فيه بعد السؤال عن المرأة
أعليها غسل يوم الجمعة والفطر والأضحى ويوم عرفة؟ قال: " نعم عليها الغسل
كله " (4) ولا بد من حمله على مطلق الرجحان، لئلا يلزم استعمال اللفظ في معنييه.
وفي بعض روايات الاستغفار، كموثقة ابن اليسع، وإن فيها بعد السؤال

(1) راجع ص 326، وما بين المعقوفين من المصدر.
(2) الفقيه 1: 321 / 1465، الوسائل 3: 330 أبواب الأغسال المسنونة ب 16 ح 4، وما بين
المعقوفين من المصدر.
(3) الفقيه 1: 45 / 175، الوسائل 3: 332 أبواب الأغسال المسنونة ب 19 ح 3.
(4) الفقيه 1: 321 / 1467، الوسائل 3: 309 أبواب الأغسال المسنونة ب 3 ح 1.
330

عن الرجل يدع الغسل يوم الجمعة ناسيا أو متعمدا: " وإن كان متعمدا فالغسل
أحب إلي، إن هو فعل... " (1). فإنه قرينة على عدم ترتب ذنب على تركه، بل
هذا دليل على عدم الوجوب.
مع أنه ليس في هذه الروايات تصريح في كون الاستغفار لذنب مرتب على
ترك غسل الجمعة، فلعل المراد أنه إن تركه فليستغفر الله لذنوبه عوضا عن غسل
الجمعة.
ثم لو قطع النظر عن ذلك كله لحصل التعارض بين هذه الروايات وبين ما
ذكرنا، فيرجع إلى الأصل.
مع أن بعد تمامية دلالتها وعدم المناص عنها تصير مخالفة للشهرة العظيمة
من الجديدة والقديمة،. بها تخرج عن الحجية وصلاحية المعارضة.
فروع:
أ: أول وقته طلوع الفجر، فلا يجزى قبله - في غير ما استثنى - إجماعا كما
صرح به جماعة، لأنه مقتضى إضافته إلى اليوم، وأصالة عدم مشروعيته في غير ما
علمت فيه.
ويصح بعده كذلك، لصدق اليوم لغة وشرعا، واستفاضة النصوص
عليه:
منها: الرضوي: " ويجزيك إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر، وكلما قرب من
الزوال فهو أفضل " (2) إلى آخره.
ومنه يعلم مستند ما نص عليه الأكثر من أنه كلما قرب من الزوال كان
أفضل، بل ظاهر بعضهم اتفاق الأصحاب عليه (3).

(1) التهذيب 1: 113 / 299، الإستبصار 1: 103 / 339، الوسائل 3: 318 أبواب الأغسال
المسنونة ب 7 ح 3.
(2) فقه الرضا (ع): 175، مستدرك الوسائل 2: 508 أبواب الأغسال المسنونة ب 7 ح 1.
(3) كصاحب الرياض 1: 72.
331

وآخر وقته الزوال من يوم الجمعة، بالاجماع، كما في اللوامع، وعن المعتبر
والخلاف والذكرى (1)، لحسنة زرارة: " وليكن فراغك من الغسل قبل الزوال " (2).
ويؤيده خبر [ابن عبد الله] (3) الوارد في سبب جريان السنة به.
وبذلك يقيد إطلاق المطلقات، ويضعف ما حكي عن الخلاف من امتداد
وقته إلى صلاة الجمعة (4)، مع أن الظاهر - كما قيل - رجوعه إلى المشهور (5).
وأما المروي في قرب الإسناد عن مولانا الرضا عليه السلام: " إن أبي كان
يغتسل للجمعة عند الرواح " (6) وهو آخر النهار، أو من الزوال إلى الليل - كما في
القاموس (7) - فلا يصلح لمعارضة ما ذكر، مع أن إرادة الرواح إلى صلاة الجمعة
محتملة، وكون ذلك - أحيانا - قضاء أيضا جائز.
ب: يجوز تقديمه يوم الخميس، اتفاقا كما في اللوامع والحدائق (8)، لرواية
الحسين بن موسى ومرسلة محمد بن الحسين، المتقدمة إليهما الإشارة (9)،
والرضوي: " وإن كنت مسافرا وتخوفت عدم الماء يوم الجمعة اغتسل يوم
الخميس " (10) الحديث.
والظاهر اختصاصه بخائف عوز الماء، لأنه مورد النصوص، وغيره يبقى

(1) المعتبر 1: 354، والخلاف: 220، والذكرى: 24.
(2) الكافي 3: 417 الصلاة ب 72 ح 4، الوسائل 7: 396 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 47 ح 3.
(3) في النسخ: ابن عبد العزيز، ولم نجد رواية منقولة عنه بهذا المضمون، والظاهر وقوع السهو أو
التصحيف فيه، وما أثبتناه موافق للمصادر والكتب الفقهية. انظر: التهذيب 1: 366 / 1112،
وعلل الشرائع: 285 / 3، والوسائل 3: 315 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 15.
(4) الخلاف 1: 612.
(5) كما في الحدائق 4: 228.
(6) قرب الإسناد 360 / 1285.
(7) القاموس المحيط 1: 233.
(8) الحدائق 4: 231.
(9) في ص 328 الرقم 3 و 4.
(10) فقه الرضا (ع): 129، مستدرك الوسائل 2: 507 أبواب الأغسال المسنونة ب 5 ح 1.
332

تحت الأصول.
وفي التعدي إلى ليلة الجمعة مع الشرط، لفحوى الأخبار، أو عدمه،
لظاهرها، وجهان بل قولان، ولعل الأول أظهر، وعن الخلاف: الوفاق عليه (1).
ومع التقديم لا يغسل ثانيا يوم الجمعة لو تمكن، للأصل، وعدم انصراف
المطلقات إليه، خلافا لبعضهم، فجوزه (2).
ولو فات قبل الزوال يستحب قضاؤه بعده إلى آخر نهار السبت اجماعا؟
للمستفيضة:
منها: رواية سماعة المتقدمة (3).
وموثقة ابن بكير: في رجل فاته الغسل يوم الجمعة، قال: " يغتسل ما بينه
وبين الليل فإن فاته اغتسل يوم السبت " (4).
والرضوي: " فإن فاتك الغسل يوم الجمعة قضيت يوم السبت، أو بعده
من أيام الجمعة " (5).
ويستفاد من الموثقة أفضلية القضاء. بعد الزوال عن يوم السبت، بل قيل
بأفضلية كل من القضاء والتقديم في كلما كان أقرب إلى الوقت (6). ولا دليل
عليه.
والكلام في التعدي إلى الليلة كما تقدم.
وصريح الأخير: التعدي في القضاء إلى غير يوم السبت أيضا. ولا بأس
به، للتسامح وإن لم أعرف به الآن قائلا.

(1) الخلاف 1: 612.
(2) كما في الذخيرة: 7.
(3) في ص 328.
(4) التهذيب 1: 113 / 301، الوسائل 3: 321 أبواب الأغسال المسنونة ب. 1 ح 4.
(5) فقه الرضا (ع): 129، مستدرك الوسائل 2: 507 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 1.
(6) قال به الشهيد الثاني في روض الجنان: 17.
333

ومقتضى الاطلاقات: تعميم القضاء لكل من فاته ولو كان عمدا، وعليه
الأكثر.
وعن الصدوق: التخصيص بالمعذور والناسي (1)، لمفهوم مرسلة حريز 2).
ويجاب: بأنه عام فيخصص بالمغتسل، لما مر.
ج: من اغتسل تأدت السنة وإن أحدث أو نام بعده، للاجماع والمعتبرة.
د: يستحب أن يقول بعد الغسل ما رواه الشيخ عن الصادق عليه
السلام: " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله،
اللهم صل على محمد وآل محمد [واجعلني من التوابين] واجعلني من
المتطهرين " (3).
ومنها: أحد وعشرون غسلا في شهر رمضان: خمسة عشر لليالي المفردة،
وخمسة لسائر الليالي من العشر الأخير وواحد آخر للثلاث والعشرين. ويأتي
تفصيل المستند في الجميع في كتاب الصيام إن شاء الله.
ومنها: غسل عيد الفطر وغسل للأضحى " بالاجماعين، والمستفيضة من
النصوص التي تقدم بعضها (4).
ووقتهما بعد طلوع الفجر، بالاجماع، وعدم الصدق، وخبر علي: " إن
اغتسل يرم الفطر والأضحى قبل الفجر لم يجزئه، وإن اغتسل بعده أجزأه " (5).
ومقتضى إطلاقه كسائر الاطلاقات امتداد وقته بامتداد اليوم، كما عن

(1) الفقيه 1: 61.
(2) الكافي 3: 43 الطهارة ب 28 ح 7 و ص 418 الصلاة ب 72 ح 9، الوسائل 3: 320 أبواب
الأغسال المسنونة ب 10 ح 1.
(3) التهذيب 3: 10 / 31، الوسائل 3: 323 أبواب الأغسال المسنونة ب 12 ح 1، ورواه الصدوق
مرسلا في الفقيه 1: 61 / 228، وما بين المعقوفين من المصادر.
(4) الوسائل 3: 303 أبواب الأغسال المسنونة ب 10.
(5) قرب الإسناد: 181 / 669 الوسائل 3: 330 أبواب الأغسال المسنونة ب 17 ح 1.
334

الذكرى (1)، إلا أن في الرضوي: " إذا طلع الفجر من يوم العيد فاغتسل، وهو
أول أوقات الغسل، ثم إلى وقت الزوال " (2).
والمستفاد منه أن آخر وقته الزوال، ونسبه في البحار إلى ظاهر
الأصحاب (3)، ولعله بعد انجباره بذلك كان كافيا لتقييد الاطلاق.
وليوم دحو الأرض، وهو الخامس والعشرون من ذي القعدة، ذكره الشهيد
ناسبا له إلى الأصحاب (4)، وبعض آخر، ولا أعرف مستنده.
وليوم عرفة، بالإجماعين، والنصوص.
والأولى فعله عند الزوال، لصحيحة ابن سنان (5).
وكأنه المراد من قبل الزوال في الرضوي: " اغتسل يوم عرفة قبل الزوال " (6).
وليوم التروية، ذكره في الهداية والنزهة والمنتهى ونهاية الإحكام (7)،
وغيرها (8)، لصحيحة ابن مسلم (9).
والغدير، بالاجماع، والمستفيضة.
وفي الإقبال عن كتاب محمد بن علي الطرازي بالإسناد المتصل إلى مولانا
أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل ذكر فيه فضل يوم الغدير، إلى إن قال:

(1) الذكرى: 24.
(2) فقه الرضا (ع): 131، مستدرك الوسائل 2: 512 أبواب الأغسال المسنونة ب 11 ح 1. وفيهما
بتفاوت يسير.
(3) البحار 78: 14.
(4) الذكرى: 24.
(5) التهذيب 1: 110 / 290، الوسائل 3: 306 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 10.
(6) 1 فقه الرضا (ع): 223، المستدرك 10: 20 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 9 ح 3 وردت
بتفاوت.
(7) الهداية: 19، نزهة الناظر: 15، المنتهى 1: 130، نهاية الإحكام 1: 177.
(8) كالمفاتيح 1: 54، والحدائق 4: 180.
(9) التهذيب 1: 114 / 302، الوسائل 3: 307 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 11.
335

" فإذا كان صبيحة ذلك اليوم وجب الغسل في صدر نهاره " (1) الحديث.
ويوم المباهلة - وهو في المشهور: الرابع والعشرون من ذي الحجة، وقيل:
أحد وعشرون، وقيل: السابع والعشرون - بالاجماع كما عن الغنية (2)، وهو الحجة
فيه.
مضافا إلى مرفوعة علي بن محمد القمي - كما في الإقبال - وفيها بعد ذكر يوم
المباهلة: " فابدأ بصوم ذلك اليوم شكرا لله واغتسل [والبس] أنظف ثيابك " (3).
وأما ما في موثقة سماعة: " وغسل المباهلة واجب " (4) فلعله لإيقاع أصل
المباهلة، كما قيل (5).
ويوم عاشوراء، ذكره في الإقبال (6)، والظاهر أنه للزيارة لا لخصوص اليوم.
ويوم المولود، وهو السابع عشر من ربيع الأول، ذكره في الإقبال وفلاح
السائل والشهيد (7).
ويوم أول رجب ووسطه وآخره، رواها في الإقبال عن النبي (صلى الله عليه
وآله) أنه قال: " من أدرك شهر رجب فاغتسل في أوله وأوسطه وآخره خرج من ذنوبه
كيوم ولدته أمه " (8).
ويوم المبعث، وهو السابع والعشرون من رجب، ذكره الشيخ في الجمل

(1) إقبال الأعمال: 474.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 555.
(3) إقبال الأعمال: 515، وما بين المعقوفين من المصدر.
(4) الكافي 3: 40 الطهارة ب 26 ح 2، الفقيه 1: 45 / 176، التهذيب 1: 104 / 270، الوسائل
3: 303 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3.
(5) كشف اللثام 1: 10.
(6) إقبال الأعمال: 571.
(7) إقبال الأعمال: 604، فلاح السائل: 61، الشهيد في الدروس 1: 87.
(8) إقبال الأعمال: 628.
336

والمصباح والاقتصاد، والسيد في الإقبال، والفاضل في القواعد (1).
وبوم النيروز، كما عن المصباح والجامع وفي المنتهى والقواعد (2)، لخبر
المعلى (3).
وغسل ليلة الجمعة، ذكره في الإشارة (4). ولعله كاف، للمسامحة.
وليلة الفطر، ذكره جماعة (5)، لخبر ابن راشد (6).
وليلة النصف من رجب، كما في الجمل والمصباح والاقتصاد والنزهة والجامع
والاصباح والمعتبر (7) وغيرها (8)، لفتوى هؤلاء.
وليلة النصف من شعبان، لخبر أبي بصير: " صوموا شعبان، واغتسلوا ليلة
النصف منه " (9) والرضوي قال: " والغسل ثلاثة وعشرون " إلى أن قال: " وليلة
النصف من شعبان " (10)
وغسل كل يوم شريف أو ليلة شريفة، ذكره الإسكافي (1)، ويومئ إليه
تعليلهم لثبوت بعض الأغسال: بشرافة الزمان.

(1) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 167، مصباح المتهجد: 11، الإقتصاد: 250، إقبال
الأعمال: 674، القواعد 9: 3.
(2) مصباح المتهجد: 790، والجامع للشرائع: 33، والمنتهى 1: 130، والقواعد 1: 3.
(3) مصباح المتهجد: 790، وعنه في الوسائل 3: 335 أبواب الأغسال المسنونة ب 24 ح 1.
(4) الإشارة: 72.
(5) منهم المحقق في المعتبر 1: 355، والعلامة في المنتهى 1: 130، والشهيد الأول في الدروس 1:
87.
(6) الكافي 4: 167 الصيام ب 71 ح 3، الفقيه 1: 109 / 466 بتفاوت يسير، التهذيب 1:
115 / 303، الوسائل 3: 328 أبواب الأغسال المسنونة ب 15 ح 1.
(7) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 167، ومصباح المتهجد: 11، والاقتصاد: 250، ونزهة
الناظر: 15، الجامع للشرائع: 32، المعتبر 1: 356.
(8) كالقواعد 1: 3، والدروس 1: 87.
(9) التهذيب 1: 117 / 308، الوسائل 3: 335 أبواب الأغسال المسنونة ب 23 ح 1.
(10) فقه الرضا (ع): 82، مستدرك الوسائل 2: 497 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 1.
(11) حكاه عنه في الذكرى: 24.
337

وفي زمان ظهور آية في السماء، ذكره أيضا (1).
فهذه اثنان وأربعون غسلا كلها متعلقة بالأزمنة.
ومنها: الأغسال المتعلقة بالأمكنة، وهي سبعة أغسال: لدخول الحرم،
ومكة، والمسجد الحرام، والكعبة، والمدينة، ومسجد النبي (صلى الله عليه وآله)،
وحرمه، كما يأتي في كتاب الحج.
والغسل لدخول كل مشهد من مشاهد الأئمة (عليهم السلام)، كما يأتي في
باب المزار، ولكل مكان شريف، ذكره الإسكافي (2).
ومنها: الأغسال المتعلقة بالأفعال، وهي الغسل للاحرام، وللعمرة،
وللحج، والغسل للطواف، ولزيارة البيت، ولرمي الجمار، ولكل من الوقوفين،
وللحلق، والنحر، والذبح، كما يأتي في كتاب الحج.
ولزيارة النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة، كما يأتي في المزار.
وللاستسقاء، للاجماع عليه عن الغنية (3)، ولموثقة سماعة (4).
ولصلاة الكسوف والخسوف المستوعبين، ذكره في المختلف (5)، واللوامع،
لصحيحة محمد: " وغسل الكسوف، إذا احترق القرص كله فاغتسل " (6)
ونحوها.
وليس فيهما دلالة على أنه للصلاة، بل الظاهر أنه لنفس الآية السماوية.
ولقضائها مع الاستيعاب وتعمد الترك، كما في المنتهى والقواعد والشرائع
واللوامع وعن الهداية والمصباح والاقتصاد والجمل والخلاف والنهاية والمبسوط

(1) حكاه عنه في الذكرى: 24.
(2) حكاه عنه في الذكرى: 24.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 555.
(4! الكافي 3: 40 الطهارة ب 26 ح 2، الفقيه 1: 45 / 176، التهذيب 1: 104 / 270، الوسائل
3: 303 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3.
(5) المختلف: 28.
(6) التهذيب 1: 114 / 302، الوسائل 3: 307 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 11.
338

والكافي والمهذب والمراسم والرسالة والنزهة والجامع والمعتبر والغنية والاصباح
والإشارة والسرائر (1)، وعزاه في الأول إلى الأكثر.
للرضوي المنجبر: " وإن انكسفت الشمس أو القمر ولم تعلم به فعليك أن
تصليها إذا علمت، فإن تركتها متعمدا حتى تصبح فاغتسل وصل، وإن لم يحترق
القرص فاقضها ولا تغتسل " (2). وهو صريح في الشرطين، وعدم الرجحان
بدونهما.
ونفى في السرائر الخلاف عن عدم مشروعيته إذا انتفيا (3).
وتدل على اشتراط الأول أيضا: مرسلة الفقيه (4)، وصحيحة محمد (5)،
والمروي في الخصال صحيحا أيضا: " وغسل الكسوف، إذ احترق القرص كله
فاستيقظت ولم تصل فعليك أن تغتسل وتقضي الصلاة " (6).
وعلى اشتراط الثاني: مرسلة حريز: " إن انكسف القمر فاستيقظ الرجل ولم
يصل فليغتسل من غد وليقض الصلاة، وإن لم يستيقظ ولم يعلم بانكساف القمر
فليس عليه إلا القضاء بغير غسل " (7).

(1) المنتهى 1: 131، القواعد 1: 3، الشرائع 1: 45، الهداية: 19، مصباح المتهجد: 11،
الإقتصاد: 250، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 168، الخلاف 1: 679، النهاية: 136،
المبسوط 1: 172، الكافي في الفقه: 135، المهذب 1: 33، المراسم: 52، نقل عن رسالة ابن
بابويه في الرياض 1: 73، نزهة الناظر: 16، الجامع للشرائع: 33، المعتبر 1: 358، الغنية
(الجوامع الفقهية): 555، حكى عن الإصباح في الرياض 1: 73، الإشارة: 72، السرائر 1:
(2) فقه الرضا (ع): 135، مستدرك الوسائل 2: 518 أبواب الأغسال المسنونة ب 17 ح 1.
(3) السرائر 1: 321.
(4) الفقيه 1: 44 / 172، الوسائل 3: 304 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 4.
(5) المتقدمة في الرقم (6) ص 238.
(6) الخصال: 508 / 1، الوسائل 3: 305 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 5.
(7) التهذيب 1: 117 / 309، الإستبصار 1: 453 / 1758، الوسائل 3: 336 أبواب الأغسال
المسنونة ب 25 ح 1.
339

خلافا للمحكي عن المقنعة ومصباح السيد (1)، فلم يشترطا الأول،
لإطلاق الثالث. وعن المقنع والذكرى (2)، فلم يشترطا الثاني، لإطلاق الثاني.
ويجاب عنهما: بوجوب تقييد الاطلاقين بما مر، مع أن الاطلاق الثاني
ممنوع.
ثم ظاهر الأوامر وإن كان وجوب ذلك الغسل - كما عن السيد في مسائله
المصرية وجمله وشرح القاضي له مدعيا عليه الاجماع (3)، وصلاة المقنعة والمراسم
وظاهر الهداية والخلاف والكافي وصلاة الاقتصاد والجمل والغنية (4)، واستقواه في
المنتهى (5)، وتردد في الوسيلة (6) - إلا أن المشهور بين المتأخرين استحبابه،
للأصل، وحصر الواجب من الأغسال في غيره في الأخبار.
وخبر سعد: " الأغسال أربعة عشر، واحد فريضة والباقي سنة " (7).
وتعداده في الأغسال المستحبة - إجماعا - في الصحيحين (8).
والشهرة المتأخرة.
وقوله: " من فاتته صلاة فليصلها كما فاتته " (9) ولا يجب الغسل للأداء

(1) المقنعة: 51 ونقله عن المصباح المعتبر 1: 358.
(2) المقنع: 44، والذكرى: 24.
(3) نقله عن المسائل المصرية في الذكرى: 25، جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3):
46، صرح الجمل: 135.
(4) المقنعة: 211، المراسم: 81، الهداية: 19، الخلاف 1: 679، الكافي في الفقه: 135،
الإقتصاد: 272، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 194، وأما حكي عن الغنية من وجوب
هذا الغسل فالظاهر خلافه، - بل هو قائل باستحبابه، انظر الجوامع الفقهية: 555 و 562.
(5) المنتهى 1: 352.
(6) الوسيلة: 112.
(7) التهذيب 1: 110 / 289، الإستبصار 1: 98 / 319، الوسائل 3: 176 أبواب الجنابة ب 1
ح 11.
(8) وهما صحيحة محمد والمروي في الخصال وقد تقدما في ص 339.
(9) انظر: الوسائل 8: 268 أبواب قضاء الصلوات ب 6.
340

فكذلك القضاء.
ولا يخفى أنه لا يبقى أصل بعد المستفيضة - التي منها الصحيح - المعتضدة
بعمل أعيان القدماء، بل شهرتهم، والمؤيدة بالاجماع المنقول.
وأما الحصر: فمع أنه لم يرد إلا في مقام تعداد أغسال ليس ذلك منها، غايته
العموم اللازم تخصيصه بما ذكر.
ومنه يظهر الجواب عن خبر سعد، مع أن المراد بالباقي: الباقي من أربعة
عشر، ولم يذكرها حتى يعلم أن ذلك منها أيضا أم لا، وأيضا الظاهر من السنة
فيها ما لم يثبت من الكتاب.
وأما التعداد مع المستحبات: فليس دليلا، مع أنه عد في أحدهما غسل
مس الميت بعد البرد وغسل الجنابة، وعد هذا بعدهما لا في طي المستحبات، وفي
الآخر غسل الميت وغسل المس، وعد فيهما أيضا ما اختلف في وجوبه، كغسل
الجمعة والعيدين والاحرام.
وأما الشهرة: فليست دليلا (سيما مع كونها من المتأخرين) (1) سيما مع
معارضتها مع شهرة القدماء ونقل الاجماع.
وأما قوله: فاتته، فظاهر في نفس الصلاة، ولا دخل له بالغسل الذي هو
خارج عنها وعن شرائطها، بل هو تكليف على حدة.
وعلى هذا فالقول بالوجوب أقوى وأصح.
وللسعي إلى رؤية المصلوب بعد ثلاثة أيام، لمرسلة الفقيه (2).
ولقتل الوزغة، كما عن الإشراف والنزهة والجامع والبيان والدروس

(1) ما بين القوسين ليس في " ه‍ ".
(2) الفقيه 1: 45 / 175، الوسائل 3: 332 أبواب الأغسال المسنونة ب 19 ح 3.
341

والنفلية (1)، لمرسلته أيضا (2)، والمرويين في البصائر والخرائج (3).
وللتوبة عن معصية، كما عن النهايتين (4)، والنفلية والمبسوط والسرائر
والمهذب والجامع والشرائع والمعتبر والنافع والكافي والقواعد، والمنتهى مدعيا فيه
- كما عن الغنية والتذكرة - إجماع علمائنا عليه (5)، وهو الحجة فيه.
مضافا إلى صحيحة مسعدة على ما في الكافي: إن لي جيرانا يتغنين ويضربن
بالعود، فربما دخلت المخرج فأطيل الجلوس استماعا مني لهن، فقال (عليه السلام):
" لا تفعل " إلى أن قال الرجل: لا جرم إني تركتها وأنا أستغفر الله تعالى، فقال:
" قم فاغتسل وصل (6) ما بدا لك، فلقد كنت مقيما على أمر عظيم، ما كان أسوأ
حالك لو مت على ذلك، استغفر الله تعالى واسأله التوبة من كل ما يكره " (7).
وما في أدعية السر: " يا محمد قل لمن عمل كبيرة من أمتك فأراد محوها
والتطهر منها فليطهر لي بدنه وثيابه، فليخرج إلى برية أرضي " (8) الحديث.
ولكن في دلالة الأخيرة على الغسل نظر، بل في دلالة الأولى عليه للتوبة
أيضا، فلعله - كالصلاة - لطلب حاجة المغفرة وسؤال التوبة.
فالمناط فتاوى الأجلة والاجماعات المحكية ومقتضاها - سيما صريح إجماع

(1) الإشراف (مصنفات الشيخ المفيد 9): 18، نزهة الناظر: 16، الجامع للشرائع: 33، البيان:
38، الدروس 1: 87، النفلية: 9.
(2) الفقيه 1: 44 / 174، الوسائل 3: 332 أبواب الأغسال المسنونة ب 19 ح 2.
(3) بصائر الدرجات: 353، الخرائج والجرائح 1: 283 / 17.
(4) نهاية الإحكام 1: 178، ولم نعثر عليه في نهاية الشيخ ولا على من نقله عنها.
(5) النفلية: 9، المبسوط 1: 40، السرائر 1: 125، المهذب 1: 33، الجامع للشرائع: 33،
الشرائع 1: 45، المعتبر 1: 359، المختصر النافع: 6، الكافي في الفقه: 135، القواعد 1:
3، المنتهى 1: 131، الغنية (الجوامع الفقهية): 555، التذكرة 1: 58.
(6) في الكافي: سل.
(7) الكافي 6: 432 الأشربة ب 25 ح 10 بتفاوت في الألفاظ، الفقيه 1: 45 / 177، التهذيب 1:
116 / 304، الوسائل 3: 331 أبواب الأغسال المسنونة ب 18 ح 1.
(8) بحار الأنوار 92: 307 نقلا عن البلد الأمين.
342

المنتهى -: عموم الحكم للصغيرة والكبيرة، وتساعده الرواية على فرض الدلالة،
إذ ما فيها ليس إلا الصغيرة ولا يعلم منها الاصرار المدخل إياه في الكبيرة،
فالتخصيص بالأخيرة - كما عن المقنعة والاشراف والفقيه والكافي والإشارة (1) -
ليس بحسن.
وللخروج عن الكفر، كما ذكره أكثر من ذكر، وفي المنتهى: إجماع علمائنا
عليه (2)، وهو كاف مستندا له، ولا حاجة إلى اتباع بعض الاعتبارات الموهونة.
ولطلب الحاجة مطلقا، للرضوي، وفيه: " وغسل الاستخارة، وغسل
طلب الحوائج من الله تعالى " (3).
ولكل دعاء ورد فيه الغسل.
وللاستخارة، لما مر، ولخبر سماعة: " وغسل الاستخارة مستحب " (4).
ولصلاة طلب الحاجة، وصلاة الاستخارة، بالاجماع، كما عن ظاهر الغنية
والمعتبر والتذكرة (5). فيما ورد له منهما الغسل لا مطلقا، لعدم دليل عليه. والاستناد
إلى الرضوي غير مفيد، لأنه يكون للحاجة لا للصلاة.
وللمباهلة، كما في كتاب الإشراف والجامع (6)، وغيرهما (7)، لخبر ابن
مسروق المروي في باب المباهلة من أبواب دعاء الكافي (8).

(1) المقنعة: 51، الإشراف (مصنفات الشيخ المفيد 9): 17، الفقيه 1: 45، الكافي في الفقه:
135، الإشارة: 72.
(2) المنتهى 1: 131.
(3) فقه الرضا (ع): 82، مستدرك الوسائل 2: 491 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 1.
(4) الكافي 3: 40 الطهارة ب 26 ح 2، الفقيه 1: 45 / 176، التهذيب 1: 104 / 270، الوسائل
3: 303 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 555، المعتبر 1: 359، التذكرة 1: 58.
(6) الإشراف (مصنفات الشيخ المفيد 9): 18، الجامع للشرائع: 33.
(7) كالغنية (الجوامع الفقهية): 555، والمعتبر 1: 357، والمنتهى 1: 130.
(8) الكافي 2: 513 / 1.
343

ولصلاة الشكر، كما عن الكافي والغنية والإشارة والمهذب (1).
ولأخذ التربة المباركة، لخبر الجعفي، كما في المزار الكبير (2).
ولمس الميت بعد تغسيله، ذكره الشيخ في التهذيب، لخبر عمار: " وكل من
مس ميتا فعليه الغسل وإن كان الميت قد غسل " (3).
ولمن أراد تغسيل الميت وتكفينه، ذكره بعضهم (4)، لصحيحة محمد:
" الغسل في سبعة عشر موطنا " إلى أن قال: إلا إذا غسلت ميتا أو كفنته " (5). وفي
دلالتها نظر.
ولمن أريق عليه ماء غالب النجاسة، عن كتاب الإشراف (6).
وللإفاقة من الجنون، عن نهاية الإحكام لدليل عليل (7).
وللشك في الحدث، ولمن اغتسل ناقصا لعذر وزال عذره، ذكرهما في البيان
والنفلية (8).
وغسل الحجامة، كما في حسنة زرارة (9).
ولتطيب المرأة لغير زوجها، ذكره بعض المتأخرين (10)، لخبر سعد: " أيما امرأة
تطيبت لغير زوجها [لم تقبل منها صلاة] حتى تغتسل من طيبها كغسلها من

(1) الكافي في الفقه: 135، الغنية (الجوامع الفقهية): 555، الإشارة: 72، المهذب 1: 33.
(2) نقله عنه في البحار 98: 138.
(3) التهذيب 1: 430 / 1373، الإستبصار 1: 100 / 328، الوسائل 3: 295 أبواب غسل
المس ب 3 ح 3.
(4) كالعلامة في المنتهى 1: 130، والشهيد في الذكرى: 24.
(5) التهذيب 1: 114 / 302، الوسائل 3: 307 أبواب غسل المس ب 1 ح 11.
(6) الإشراف (مصنفات الشيخ المفيد 9): 18.
(7) نهاية الإحكام 1: 179، قال:... لما قيل: إن من زال عقله أنزل، فإذا أفاق اغتسل احتياطا.
(8) البيان: 38، والنفلية: 9.
(9) الكافي 3: 41 الطهارة ب 27 ح 1، التهذيب 1: 107 / 279، مستطرفات السرائر:
103 / 38، الوسائل 3: 339 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 3 ح 1.
(10) كما يستفاد من عنوان الباب في الوسائل 3: 339 أبواب الأغسال المسنونة ب 30.
344

جنابتها " (1).
وإرادة غسل الطيب من الاغتسال، والمبالغة في الإزالة من التشبيه ممكنة.
ولكل فعل يتقرب به إلى الله تعالى، عن الإسكافي (2).
ومنها: غسل المولود حين ولادته، لموثقة سماعة: " وغسل المولود واجب " (3).
وأفتى بظاهره ابن حمزة (4)، ولكن لا يوافقه غيره، فعلى خلافه الاجماع - كما
يشعر به كلام المنتهى (5) - وهو أوجب صرف الموثق عن ظاهره.
ولا بد فيه من نية القربة كما ذكره في اللوامع، وغره.
فهذه سبعة وثمانون غسلا، ولعل المتتبع في الأخبار وكلمات علمائنا الأخبار
يجد غير ذلك أيضا، والضابط في ثبوته وروده في خبر ولو ضيف، أو ذكره في كتاب
فقيه ما لم يعارضه دليل ينفيه، للتسامح في مثله.
تتميم: الكلام في تداخل بعض هذه الأغسال بعضا قد مر في بحث غسل
الجنابة.
وفي بدلية التيمم عنها يأتي في باب التيمم. والحمد لله على كل حال.

(1) الكافي 5: 507 النكاح ب 55 ح 2، الفقيه 3: 278 / 1320. وما بين المعقوفين من المصدر.
(2) حكاه عنه في لذكرى: 24.
(3) الكافي 3: 40 الطهارة ب 26 ح 2، الفقيه 1: 45 / 176، التهذيب 1: 104 / 270، الوسائل
3: 303 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3.
(4) الوسيلة: 54.
(5) المنتهى 1: 130.
345

الباب الثالث:
في التيمم
وشرعيته ثابتة بالكتاب، والسنة، وإجماع المسلمين.
والكلام فيه إما في ما يجوز معه التيمم، أي الأعذار المسوغة له، أو ما يجوز
به، أو ما يجوز له، أو كيفيته، أو أحكامه، فهاهنا خمسة فصول:
الفصل الأول: في الأعذار المسوغة له، وهي أمور:
الأول: عدم وجدان الماء، وهو مسوغ له موجب إياه، بالآية (1)،
والاجماع، والنصوص المتواترة معنى.
ويشترط في تسويغه له كونه بعد الطلب، إجماعا محقتا ومحكيا في
الناصريات (2) وغرها (3)، وعن الغنية والمعتبر والتذكرة المنتهى (4)، وهو الحجة
فيه
مضافا إلى أصالة وجوب الطلب الثابت بوجوب ما لا يتم الواجب المطلق
إلا به، وأصالة عدم مشروعية التيمم، لعدم صدق الوجدان - المعلق عليه
مشروعيته - بدون الطلب عرفا.
ولذا لا يصدق عدم وجدان الضالة إلا بعد طلبها ما تيسر، فإن عدم
وجدان شئ - عرفا - عبارة عن عدم كونه حاصلا عنده، ولا معلوم الحصول من
غير عسر، ولا مرجوه كذلك ولو احتمالا.
فمن جوز حصوله بسعي غير موجب للمشقة لا يصدق عليه غير الواجد،

(1) النساء: 43 والمائدة: 6.
(2) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 189.
(3) كالرياض 1: 74.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 555، المعتبر 1: 363، التذكرة 1: 59، المنتهى 1: 138.
346

ألا ترى أنه لو أمر المولى عبده بشراء فرس، ولو لم يجده فحمار، لا يجوز له شراء
الحمار مع رجاء تحصيل الفرس بأدنى سعي؟
ومن هذا يظهر ضعف التمسك في ايجاب الطلب بحسنة زرارة: " إذا لم يجد
المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل
في آخر الوقت، فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه وليتوضأ لما يستقبل، (1) لتعليق الأمر
بالطلب فيها على عدم الوجدان الغير المتحقق إلا مع عدم الرجاء أو ضرب من
الطلب، فيكون المأمور به فيها الطلب المقيد الغير الواجب قطعا كما يأتي، واحتمال
التجوز في عدم الوجدان غير كاف في الاستدلال.
كما يضعف التمسك برواية السكوني: " يطلب الماء في السفر، إن كانت
حزونة فغلوة، وإن كانت سهلة فغلوتين لا يطلب أكثر من ذلك " (2) بخلوها عن
الدال على الوجوب.
فالمعتمد ما مر من الاجماع والأصلين.
ولا تعارضهما (3) رواية علي بن سالم: أفأطلب الماء يمينا وشمالا؟ فقال: " لا
تطلب الماء يمينا ولا شمالا ولا في بئر، وإن وجدته على الطريق فتوضأ وإلا
فامض " (4) لشذوذها جدا، مع أن حملها على صورة الخوف ممكن.
ثم مقتضى ما ذكرنا من الأصل وإن كان وجوب الطلب بقدر ترجى
الإصابة ما لم يبلغ حد الحرج والمشقة، كما اختاره في المدارك (5)، وهو ظاهر المحكي

(1) الكافي 3: 63 الطهارة ب 41 ح 2، التهذيب 1: 192 / 555، الإستبصار 1: 159 / 548،
الوسائل 3: 341 أبواب التيمم ب 1 ح 1.
(2) التهذيب 1: 202 / 586، الإستبصار 1: 165 / 571، الوسائل 3: 341 أبواب التيمم ب 1
ح 2.
(3) في " ق "، تعارضها.
(4) التهذيب 1: 202 / 587، الإستبصار 1: 165 / 572، الوسائل 3: 343 أبواب التيمم ب 2
ح 3.
(5) مدارك الأحكام 2: 181، وفيه: (والمعتمد اعتبار الطلب من كل جهة يرجو فيها الإصابة بحيث
.. يتحقق عرفا عدم وجدان الماء.
347

عن الجملين والاقتصاد والخلاف والجامع (1)، حيث لم يقدروه بقدر، بل استوجهه
في المعتبر صريحا (2)، إلا أن مدلول رواية السكوني، السابقة كفاية الطلب غلوة في
الأرض الحزنة وغلوتين في السهلة، كما عن الإسكافي والمقنعة والاستبصار والمراسم
والوسيلة والسرائر والكافي والغنية والاصباح والإشارة وشرح الجمل للقاضي
ومهذبه والشرائع والنافع والقواعد (3) وغيرها.
وضعف سندها غير ضائر، مع أن عمل الجماعة - كما اعترف به في
المعتبر (4) - ودعوى تواتر النقل - كما صرح به الحلي (5) - ونقل الاجماع - كما في
صريح الغنية وظاهر التذكرة (6) - والشهرة المحققة والمحكية في كلام جملة من
الأجلة (7) له جابر.
وأما إيجاب الطلب ما دام الوقت - كما حكاه في الدروس عن قائل (8)، وفي
شرح القواعد عن المعتبر (9) - فلا دليل له، وحسنة زرارة السابقة (10) لاثباته غير

(1) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 25، الجمل والعقود (الرسائل العشر):
168، الإقتصاد: 251، الخلاف " 1 / 147، الجامع للشرائع: 46.
(2) المعتبر 1: 393.
(3) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 47، المقنعة: 61، الإستبصار 1: 165، المراسم: 54،
الوسيلة: 69، السرائر 1: 135، الكافي في الفقه: 136، الغنية (الجوامع الفقهية): 555،
الإشارة: 74، شرح الجمل: 61، المهذب 1: 47، الشرائع 1: 46، المختصر النافع: 17،
القواعد 1: 22.
(4) المعتبر 1: 393.
(5) السرائر 1: 135.
(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 555، التذكرة 1: 59.
(7) كصاحب الكفاية: 8، وصاحب الرياض 1: 80.
(8) الدروس 1: 131.
(9) جامع المقاصد 1: 466 وهو في المعتبر 1: 393.
(10) راجع ص 347.
348

ناهضة، لامكان كون القيد للحكم دون المحكوم به، فيكون المراد تحديد زمان
الطلب لا مقداره.
مع أنه على تقدير المنافاة شاذ، لمعارضة الرواية المنجبرة. وما ذكرناه أيضا
لا يقتضيه، لأن مقتضاه كفاية عدم الوجدان عرفا، وعدم رجاء الحصول وقت
إرادة الصلاة، لا جميع أوقاتها (1).

(1) توجد في " خ " حاشية منه رحمه الله:
بيان ذلك: إنه قد يكون الشخص غير واجد لشئ دائما، وقد يكون واجدا له في حال أو وقت.
فإذا علق حكم على عدم وجدان شئ فالتحقيق فيه إما يكون ذلك الحكم موقتا بوقت، أو معلقا
بحال، أولا ولا، بل يكون مطلقا.
فإن كان مقيدا بوقت أو معلقا بحال فالمتبادر المفهوم منه عدم الوجدان في ذلك الوقت أو تلك
الحال، سواء كان الوقت مضيقا كما إذا قال: صل في الساعة الفلانية مع الوضوء وإن لم تجد الماء
فمع التيمم، فإن المراد: فإن لم تجده في تلك الساعة. أو موسعا، كما إذا قال: صل ركعتين غدا
مع الوضوء بأن لم تجد الماء فمع التيمم، فالمفهوم عدم وجدان الماء في الغد مطلقا، فلو لم يجد في
أول النهار وجوز وجوده في وسطه لا يجوز له التيمم. لأن المتبادر عدم وجدان الماء في الغد، إلا أن
تعلق الوضوء في أثناء العبادة بأن يقول: صل غدا ركعتين، ومتى أردت فعلها توضأ وإن لم تجد ماء
فتيمم. فمن لم يجد ماء حين الإرادة [يجوز له التيمم].
وفي التعليق في الحال كما أن قال: إذا أردت الصلاة فتوضأ وإن لم تجد الماء فتيمم، أو: إذا ذكرت
فوت الصلاة فاقضها كما فاتتك أي مع الوضوء أيضا، ثم قال: وإن لم تجد الماء فتيمم.
وإن كان مطلقا نحو: صل ركعتين مع الوضوء ثم قال: وإن لم تجد ماء فتيمم. فالظاهر أن
المراد أن لم تجده في جمع الوقت الذي يجوز فعلهما فيه إلى آخر زمان لا يسع الوقت غيره.
هذا كله إذا لم يكن هناك دليل على عموم البدلية في جميع الأحوال، وإن كان فيصح المعلق عليه
في كل وقت من أوقات عدم الوجدان، كما إذا قال بعد الأمر بالصلاة مع الوضوء مطلقا أو موقتا
مضيقا أو موسعا: وإذا لم تجد الماء أو كلما لم تجده فتيمم، والوجه ظاهر.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن التيمم للصلاة جائز في كل وقت أريد الصلاة وصدق عدم وجدان
الماء، للآيتين ومثل حسنة الحلبي: " إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمس من الأرض وليصل "
ورواية أبي بصبر: " إذا كنت في حال لا تقدر إلا على الطين فتيمم به " ورواية رفاعة: " إذا كانت
الأرض مبتلة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم منه - إلى أن قال -: وإن كان
في حال لا يجد إلا الطين فلا بأس أن يتيمم منه " إلى غير ذلك من العمومات. فيجوز التيمم في
كل حال يصدق عدم الوجدان للصلاة. ومثل الصلاة غيرها مما يجوز التيمم لعدم الفصل. بل
يدل عليه في الجملة ما يأتي من قوله: " إن التيمم نصف الوضوء " من غير ضرورة إذا لم تجد الماء،
بل في كل موضع: روايات أبي بصير ورفاعة وابن المغيرة. وكذا سائر الأعذار فإنها أيضا مثل عدم
الماء لعدم الفصل، ولرواية أبي بصير، فإن قوله: " لا تقدر " شامل للجميع، وكذا قوله: " وإن كنتم
مرضى ".
هذا كله مع قطع النظر عن دليل آخر، وإلا فأدلة وجوب تأخير التيمم للصلوات الموقتة إلى آخر
وقتها فهو أمر آخر. منه رحمه الله تعالى.
349

ثم إنه اختلفت كلمات اللغويين في معنى الغلوة.
ففي العين والأساس: إن الفرسخ التام خمسة وعشرون غلوة (1).
وفي بعضها: إنها ثلاثمائة ذراع إلى أربعمائة (2).
وفي آخر: إنها مائة باع (3) والميل عشر غلاء.
وظاهر أكثر الفقهاء أن المحدود غلوة سهم أو سهمين، أي قدر ذهابهما مع
عدم مانع أو معاون، والروايات خالية عن ذكر السهم، ولكن يمكن أن يكون
مراد أهل اللغة أن هذا القدر هو مرمى السهم، والواجب الأخذ بالأكثر، ووجهه
ظاهر تما مر.
فروع:
أ: قالوا: يتوزع مع اختلاف الأرض حزونة وسهولة (4).
وفيه نظر، والأصل يقتضي الأخذ بالأكثر.
ب: اللازم الطلب بالمقدر من كل جانب، كما صرح به في المبسوط (5) لا

(1) العين 8: 446، وأساس البلاغة: 327.
(2) كما نقل عن ابن شجاع في المغرب 2: 78.
(3) الباع: قدر مد اليدين. الصحاح 3: 1188.
(4) كما في المسالك 1: 16.
(5) المبسوط 5: 31.
350

لعدم المرجح لبعضها كما قيل (1)، إذ غاية ما يثبت منه التخيير بل لأنه لم يعلم من
الرواية خروج ما عدا ذلك من تحت الأصلين المتقدمين، لأن المشار إليه بقوله:
" ذلك " فيها هو الغلوة والغلوتان، لا الطلب كذلك الموجب لكفاية تحقق مطلقه،
لحزازة المعنى، مع أن امكان إرادة ما ذكرنا يكفي لنا.
فلا يكفي الطلب عن اليمين والشمال، كما عن نهاية الإحكام والوسيلة
والاقتصاد (2)، ولا مع الإمام في المسافر، كما عن المفيد والحلبي (3)، ولا الجهات
الأربع، كما عن المهذب وشرح الجمل للقاضي والاصباح والإشارة والشرائع
والغنية (4)، بل عن الأخير الاجماع عليه، ولا مطلق الطلب كما هو ظاهر من
أطلقه. مع أن حمل الأخيرين على ما ذكرنا. أيضا ممكن، بل وكذا الثاني، لكون
الخلف مفروغا عنه.
ج: وجوب الطلب إنما هو مع الأمن واحتمال وجود الماء في النصاب وما
دونه، فيسقط مع الخوف اجماعا، له، ولفحوى ما دل على سقوطه مع العلم بوجود
الماء مع الخوف كما يأتي.
ولرواية الرقي: أكون في السفر وتحضر الصلاة وليس معي ماء ويقال: إن
الماء قريب منا، فاطلب الماء - وأنا في وقت - يمينا ولا شمالا؟ قال: " لا تطلب الماء
ولكن تيمم، فإني أخاف عليك التخلف عن أصحابك فتضل ويأكلك
السبع " (5).
وكذا مع العلم بعدم الماء مطلقا فيسقط كذلك، أو في بعض الجهات

(1) روض الجنان: 119.
(2) نهاية الإحكام 1: 183، الوسيلة: 69، الإقتصاد: 251.
(3) المفيد في المقنعة: 61، الحلبي في الكافي في الفقه: 136.
(4) المهذب 1: 47، شرح الجمل: 61، الإشارة: 74، الشرائع 1: 46، الغنية (الجوامع
الفقهية): 555.
(5) الكافي 3: 64 الطهارة ب 41 ح 6، التهذيب: 185 / 536، الوسائل 3: 342 أبواب التيمم
ب 2 ح 1.
351

فيسقط فيه خاصة، بلا خلاف فيه بين أصحابنا كما في الحدائق (1)، بل عليه
وفاقهم في المعتمد، لصدق عدم الوجدان المعلق عليه التيمم، وعدم تحقق الطلب
إلا مع احتمال الوجود، فلا يجري دليل وجوبه مع انتفائه.
وظاهر الشهيد في قواعده: وجود القول بالطلب مع العلم بالعدم أيضا،
حيث إنه عد من جملة ما وقع التعبد المحض فيها ولا يكاد يهتدي فيه إلى العلة:
وجوب طلب المتيمم وإن علم عدم الماء.
ولا فرق في الاحتمال الموجب للطلب بين مرجوحه وغيره، كما به صرح
جماعة منهم المنتهى (2)، للأصلين المتقدمين. خلافا للمحكي عن الإسكافي (3)،
والفاضل الجواد، فأسقطاه مع ظن العدم أيضا، لقيامه مقام العلم في
الشرعيات. وهو باطلاقه ممنوع.
ولا في عدم احتماله في النصاب وما دونه المسقط للطلب بين ما علم العدم
فوق النصاب أيضا، أو احتمل وجوده فيه ولو راجحا، لرواية السكوني
السابقة (4)، حيث إنها تدل على عدم وجوب الطلب في الأكثر، فأما يجب الوضوء
أو تسقط الصلاة أو يتيمم، والأولان باطلان، فتعين الثالث.
وقيل بوجوب الطلب مع رجحان الاحتمال، لفقد شرط التيمم وهو العلم
بعدم التمكن، ولعدم تبادر هذه الصورة من الرواية (5).
ويضعف الأول: بمنع انحصار الشرط فيه، بل عدم العلم بالتمكن مع
عدم الماء في النصاب أيضا يسوغه.
والثاني: يمنع لزوم تبادر هذه الصورة، بل يكفي عدم تبادر غيرها خاصة.

(1) الحدائق 4: 251.
(2). المنتهى 1: 139.
(3) حكاه عنه في المختلف: 47.
(4) راجع ص 348.
(5) الرياض 1: 81.
352

نعم لو علم وجوده فوق النصاب، يجب تحصيله مع التمكن إجماعا، له،
ولصدق الوجدان الموجب لعدم جواز التيمم.
ولا تنافيه الرواية، لأن المتبادر من طلب الماء إنما هو ما إذا لم يتيقن وجوده
وحصوله، وأما معه فلا يستعمل الطلب.
ولا في وجوب السعي حينئذ بين ما إذا كان الماء قريبا أو بعيدا ما لم يبلغ
الحرج والمشقة، ولا بين ما إذا كان السعي مفوتا لشغله ومطلوبه الذي يشرع فيه
- ما لم يتضرر به - أم لا، للأصل.
وفي المعتبر: إن الحطاب والخشاب إن لم يمكنه العود إلى المصر لتحصيل
الماء إلا بفوات مطلوبه يتيمم (9)، ونفى عنه البعد في شرح القواعد (2). ويدفعه ما
مر.
د: لو طلب قبل الوقت ولم يجد، لم يجب بعده إلا مع احتمال التجدد،
فيجب حينئذ، للأصلين.
وتوهم عدم الوجوب لتحقق مطلق الطلب الذي هو المسوغ مندفع: بعدم
وجود ما يدل على كفاية مطلق الطلب في التسويغ، فيجب الأخذ بالمجمع عليه.
ه‍: لا شك في جواز الاستنابة في الطلب مع عدم إمكان المباشرة، بل
تجب ولو بأجرة، لأنها الطلب في حقه. وتجب إفادتها للعلم بالحال، لأنه المقصود
من الطلب ولا أقل من عدم العلم بكفاية غيره وهو كاف في المقام، إلا مع عدم
امكانه فيكفي الظن، لما مر من كونها الطلب في حقه.
وأما مع إمكان المباشرة، فإن كانت الاستنابة مفيدة للعلم كفت، لسقوط
الطلب حينئذ، وإلا لم تكف، لا لتوجه الخطاب إليه نفسه والأصل عدم قيام غيره
مقامه، لأن الاستنابة في الفحص أيضا نوع طلب منه، بل لما مر من عدم العلم

(1) المعتبر 1: 360.
(2) جامع المقاصد 1: 466.
353

بكفاية مطلق الطلب، فيجب الأخذ بالمجمع عليه. خلافا للروض، فجوزها
مطلقا مع عدالة النائب (1). ودفعه ظاهر.
و: لو قصر في الطلب وتيمم وصلى في سعة الوقت، بطل تيممه إجماعا،
كما في المنتهى (2) وغيره (3)، لعدم ثبوت مشروعيته إلا مع الطلب، ولأن الأمر
بالطلب يقتضي النهي عن ضده الخاص. وصلاته (4)، لذلك، ولخلوها عن
الطهور، سواء وجد الماء بعد الصلاة أو لم يجد.
ز: لو قصر فيه حق ضاق الوقت عنه وادراك ركعة، يتيمم ويصلي، وفاقا
للمشهور، على المصرح به في كلام جماعة (منهم المدارك) (5).
لا للأصل، ولا لكونه غير واجد للماء، ولا لأن فرضه إما تأخير الصلاة عن
الوقت، أو الصلاة فيه مع الوضوء، أو مع التيمم، والأولان باطلان والثالث
المطلوب، ولا لعموم قوله: " فإذا خاف... " في الحسنة المتقدمة (6).
لضعف الأول: بالمنع، بل الأصل عدم مشروعية التيمم.
والثاني: بمنع صدق عدم الوجدان، فإنه أمر عرفي لا مدخلية لضيق
الوقت عن الصلاة وسعته فيه أصلا.
والثالث: بجواز أن يكون فرضه الطلب وقضاء الصلاة مع الوضوء إن وجد
ومع التيمم إن لم تجد، كما هو مختار طائفة (7)، فهو كمن أخر التيمم أيضا حتى
ضاق الوقت عنه، فهو معاقب بالتأخر مأمور بالقضاء.
والرابع: بفقد الدلالة، لرجوع المستتر إلى غير الواجد، وتحققه غير معلوم

(1) روض الجنان: 119.
(2) المنتهى 1: 138.
(3) كالحدائق 4: 248.
(4) هذا عطف على قوله: تيممه، أي: وبطلت صلاته.
(5) مدارك الأحكام 2: 183، وما بين القوسين ليس في " ق ".
(6) في ص 347.
(7) انظر الخلاف 1: 147 والدروس 1: 131.
354

في المورد.
بل لمرسلة العامري: عن رجل أجنب ولم يقدر على الماء وحضرت الصلاة
فيتيمم بالصعيد، ثم يمر بالماء ولم يغتسل وانتظر ماء آخر وراء ذلك، فدخل وقت
الصلاة الأخرى ولم ينته إلى الماء وخاف فوت الصلاة، قال: " يتيمم ويصلي، فإن
تيممه الأول قد انتقض حين مر بالماء ولم يغتسل " (1) أمر بالتيمم والصلاة مطلقا
مع كونها أعم من تجويز الماء يمينا وشمالا.
والمروي في قرب الإسناد المنجبر ضعفه بالشهرة المحكية: عن رجل أجنب
فلم يصب الماء أيتيمم ويصلي؟ قال: " لا حتى آخر الوقت، إنه إن فاته الماء لم
تفته الأرض " (2).
خلافا للمحكي عن المبسوط (والخلاف) (3) وفي النهاية والنافع (4)، فحكموا
ببطلان التيمم، لفقد شرطه الذي هو عدم الوجدان أو الطلب بقدر النصاب،
ويلزمه وجوب القضاء.
وفيه: منع الاشتراط هنا، لما تقدم، بل الشرط أحد الأمرين أو ضيق
الوقت عن الطلب.
ونفي خلاف المذكورين وتنزيل عباراتهم على سعة الوقت - كما في
المدارك (5)، وغيره (6) - باطل، لأن هؤلاء لا يجوزون التيمم في السعة سواء أخل
بالطلب أم لا.
ثم هذا التيمم والصلاة يجزي عن فرضه، سواء ظهر وجود الماء ولو في ما

(1) التهذيب 1: 193 / 57 5، الوسائل 3: 377 أبواب التيمم ب 19 ح 2.
(2) قرب الإسناد: 170 / 623، الوسائل 3: 385 أبواب التيمم ب 22 ح 4.
(3) ليست في " ه‍ ".
(4) المبسوط 1: 31، الخلاف 1: 147، النهاية: 45، المختصر النافع: 17.
(5) مدارك الأحكام 2: 184.
(6) الذخيرة: 106.
355

دون النصاب أو لم يظهر، وفاقا في الصورتين لجماعة منهم: المعتبر والمدارك
والأردبيلي (1)، ووالدي رحمه الله.
لأصالة عدم وجوب القضاء، بل الإعادة إذا انكشف الخطأ في ظن
الضيق، ولاقتضاء الأمر بالتيمم - الذي هو بدل المائية قطعا - للاجزاء، مع عدم
تعقل وجوب البدل والمبدل منه.
وللمستفيضة الشاملة للمورد، كصحيحة العيص: عن رجل يأتي الماء وهو
جنب وقد صلى، قال: " يغتسل ولا يعيد الصلاة " (2).
وصحيحة ابن مسلم: عن رجل أجنب فتيمم بالصعيد وصلى ثم وجد
الماء، قال: (لا يعيد، رب الماء رب الصعيد " (3).
وصحيحة زرارة: فإن أصاب الماء وقد صلى بتيمم وهو في وقت؟. قال:
" تمت صلاته ولا إعادة عليه، (4) وبمضمونها صحيحة الأحمر (5)، إلى غير ذلك.
خلافا في الصورة الأولى - إن وجد فيما دون النصاب - للقواعد وشرحه (6)،
بل في الأخير نسبه إلى الأكثر، كما في الحدائق إلى المشهور (7)، وعن ظاهر المنتهى:
الاجماع عليه (8).

(1) المعتبر 1: 365، المدارك 2: 184، الأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 238.
(2) التهذيب 1: 197 / 569، الإستبصار 1: 161 / 556، الوسائل 3: 370 أبواب التيمم ب 14
ح 16.
(3) التهذيب 1: 197 / 571، الإستبصار 1: 161 / 557، الوسائل 3: 370 أبواب التيمم ب 14
ح 15.
(4) التهذيب 1: 194 / 562، الإستبصار 1: 160 / 552، الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14
ح 9.
(5) التهذيب 1: 195 / 563، الإستبصار 1: 160 / 553، الوسائل 3: 370 أبواب التيمم ب 14
ح 14.
(6) القواعد 1: 22، وجامع المقاصد 1: 467.
(7) الحدائق 4: 256.
(8) المنتهى 1: 138.
356

لأن ظهور الماء في موضع الطلب كاشف عن اشتغال ذمته بالصلاة مع
المائية وقد تركها، ومن يترك صلاة فعليه فعلها ثانيا كما تركها.
ولرواية أبي بصير: عن رجل كان في سفر وكان معه ماء فنسيه وتيمم وصلى،
ثم ذكر أن معه ماء قبل أن يخرج الوقت، قال: " عليه أن يتوضأ يعيد الصلاة " (1).
وردها بورودها في النسيان وهو أخص من المدعى، وفيما وقع التيمم في
السعة وهو خلاف المفروض. مردود: بأن النسيان لا ينفي وجوب الطلب،
والرواية شاملة لمن لم يطلب أيضا، وبقاء وقت الصلاة بعد التيمم والصلاة لا ينافي
خروج وقت الطلب والصلاة معا، مع أن ظن الخروج وظهور خلافه ممكن.
نعم تكون الرواية حينئذ أخص من مدعاهم الذي هو الإعادة والقضاء،
ولا يبعد أن يخصص المدعى أيضا بذلك، حيث إن الوارد في كلامهم هو الإعادة
الظاهرة فيما يفعل في الوقت.
وعلى هذا فيمكن أن يستدل لهم أيضا: برواية يعقوب: عن رجل تيمم
فأصاب بعد صلاته ماء أيتوضأ ويعيد الصلاة أم تجوز صلاته؟ قال: " إذا وجد
الماء قبل أن يمضي الوقت توضأ أعاد، فإن مضى الوقت فلا إعادة عليه " (2).
والمروي في التذكرة مرسلا المنجبر بما مر: " لو أخل بالطلب ثم وجد الماء في
رحله أو مع أصحابه أعاد الصلاة " (3).
والجواب أما عن الأول: فبمنع تركه الصلاة، وإنما ترك بعض مقدماتها
التي ظهر وجوبها بعد قيام غيره مقامه، مع أن في ظهور الاشتغال بما ذكر أيضا
كلاما.

(1) الكافي 3: 65 الطهارة ب 41 ح 10، التهذيب 1: 212 / 616، الوسائل 3: 367 أبواب
التيمم ب 14 ح 5.
(2) التهذيب 1: 193 / 559، الإستبصار 1: 159 / 551، الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب، 14
ح 8.
(3) التذكرة 1: 65.
357

وأما عن الروايات: فبعدم دلالة الأوليين على خارج الوقت لو كان النزاع
فيه أيضا، وعدم إفادة الأخيرتين للوجوب، فيحتملان الاستحباب كما تؤيده موثقة
ابن حازم: في رجل تيمم وصلى ثم أصاب الماء، قال: " أما أنا فإن كنت فاعلا
كنت أتوضأ [وأعيد] " (1).
وكون الطرفين - لاختصاصهما بمن كان الماء معه فكان فيما دون النصاب -
معارضين لأخبارنا المختصة بغير من تيمم وصلى في السعة بدون الطلب بالعموم
من وجه، فيرجع إلى الأصل.
وفي الصورتين للدروس (2)، ولعله لمثل ما مر من اشتغال ذمته بالصلاة
المسبوقة بالطلب ولم يفعلها. وجوابه قد ظهر.
ثم إنه لو ضاق الوقت عن الطلب في بعض الجهات دون بعض لم يجز له
التيمم، لأصالة عدم مشروعيته، وعدم شمول الخبرين (3) لمثله.
ح: لو كان معه ماء فأتلفه، أو مر به ولم يتطهر، أو كان متطهرا فأحدث
اختيارا وحضرت الصلاة، يتيمم ويصلي، سواء كان الاتلاف وأخواه قبل الوقت
أو فيه.
وفاقا للجميع في الأول، وللأكثر في الثاني، وظاهر شرح القواعد عدم
الخلاف في الثاني أيضا مع ظن وجود الماء (4)، بل ظاهر المعتبر مطلقا حيث نسب
الخلاف إلى العامة (5)، لصدق عدم الوجدان.
ولا إعادة، للأصل، وإجزاء الأمر بالتيمم الذي هو بدل المائية قطعا،

(1) التهذيب 1: 193 / 558، الإستبصار 1: 159 / 550، الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب، 14
ح 10. وما بين المعقوفين من المصدر.
(2) الدروس 1: 131.
(3) أي مرسلة العامري والمروي في قرب الإسناد، وقد تقدما في ص 355.
(4) جامع المقاصد 1: 469.
(5) المعتبر 1: 366.
358

وعدم تعقل وجوب البدل والمبدل منه، وللأخبار المتقدمة النافية للإعادة على من
صلى بالتيمم ولو وجد الماء في الوقت (1).
خلافا للدروس في الوقت مطلقا (2)، لتعلق الصلاة مع المائية بذمته بدخول
الوقت ووجود الماء، ولم يأت بالمأمور به على وجهه.
وللبيان فيه مع العلم باستمرار الفقدان (3)، لما مر، ولعصيانه، والتيمم
رخصة لا يناط بالمعاصي.
وجواب الأول يظهر مما مر، والثاني: منع العصيان كما قيل (4)، ثم منع عدم
إناطة الرخصة بالمعصية على الاطلاق.
ولبعض مشايخنا (5)، فأوجب الإعادة فيه دون القضاء - ويمكن أن يكون
ذلك مراد الدروس والبيان لتصريحهما بلفظ الإعادة (6) - لرواية أبي بصير (7).
وجوابه قد ظهر.
ولتوقف العلم بالبراءة اليقينية عليه.
وفيه: أنه إن أريد شغل الذمة بالصلاة فقد فعلها، وإن أريد بالصلاة مع
المائية فكذلك، للإتيان بما هو بدل قطعا، وللأخبار.
ثم إنه قد مر تصريح البيان بترتب العصيان على الاتلاف في الوقت ونحوه،
ولازمه بطلان بيعه وصلحه وهبته، وقد أفتى به. فهل هو كذلك - كما اختاره في

(1) راجع ص 356.
(2) الدروس 1: 131.
(3) البيان: 84.
(4) كما في المعتبر 1: 366.
(5) لم نعثر على شخصه.
(6) كذلك في الدروس 1: 131، ولكن قال في البيان: 84 لو أراق الماء في الوقت عصى مع علمه
باستمرار الفقد ويقضي.
(7) المتقدمة في ص 357.
359

التذكرة والمنتهى أيضا (1) - أم لا، كما صرح به في المعتبر (2)، الحق هو الأول.
لا لما قيل من أنه مقتضى وجوب الطلب (3)، إذ ليس إلا للاقتدار على الماء،
والعلة بعينها هنا موجودة، ولأنه إذا طلب ووجد فإن جازت الإراقة كان الأمر
بالطلب لغوا وإلا ثبت المطلوب.
ومن أنه متمكن من الماء فيجب عليه الوضوء، فيحرم تركه، فيحرم ملزوم
الترك أيضا.
وأن الوضوء مع القدرة واجب وهو في الفرض مقدور، فتكون مقدمته - التي
هي حفظ الماء - واجبة.
لامكان رد الأول: بمنع الاقتضاء، والثانيين: بأنه إن أريد التمكن حال
وجود الماء فمسلم ويمنع التلف فيه، وإن أريد في الحال التي بعده فالتمكن غير
معلوم بل مشروط بعدم الاتلاف.
وأيضا: إن أريد وجوب الوضوء حال التمكن - وهو الآن الذي فيه - فلا
معنى للتكليف فيه، وإن أريد بعده فالتمكن ممنوع.
فإن قيل: كيف لا يتمكن مع أنه لو لم يتلفه لتمكن، والاتلاف باختياره،
فهو في الآن اللاحق أيضا متمكن، فيجب الوضوء فيحرم ملزوم تركه، وتجب
مقدمته. والحاصل: أن في آن وجود الماء متمكن من الوضوء في الآن اللاحق بأن
يبقي الماء.
قلنا: إن كان ظرف التمكن من الوضوء في الآن اللاحق الآن السابق فهو
واه، وإن كان الآن اللاحق فالتمكن فيه ممنوع، بل هو مشروط بعدم الاتلاف.
نعم، يتمكن في الآن السابق من جعله متمكنا في اللاحق ومن ابقاء تمكنه
فيه، ووجوبه عين النزاع.

(1) التذكرة 1: 67، المنتهى 1: 152.
(2) المعتبر 1: 366.
(3) كما استدل به في شرح المفاتيح: (المخطوط).
360

مع أنه إن أريد كون ظرف التمكن الآن اللاحق، لزم عدم جواز التيمم
فيه، والظاهر أنه لم يقل به أحد.
فإن قيل: معنى قوله: إن لم تجدوا، أي في الوقت، ومقتضاه عدم التيمم
المستلزم لوجوب الوضوء على من صدق عليه الواجد في الوقت، ومع وجود الماء في
جزء منه يصدق عليه أنه واجد الماء في الوقت، فيجب عليه الوضوء وتترتب عليه
لوازمه.
قلنا - مع إيجابه بطلان التيمم فيه -: إنه على ذلك يكون لواجد الماء في
الوقت فردان: المتمكن حين إرادة الوضوء والغير المتمكن منه، ولا شك أن الثاني
مخرج حيث لا يجوز التكليف بما لا يطاق، فيختص بالأول، فلا يفيد.
بل (1) لفهم العرف وحكم العقل بذلك من الخطاب، كفهمه وحكمه
بوجوب المقدمة وسائر لوازم الخطابات ومفاهيهما، فإن مما لا شك فيه أنه لو قال
المولى لعبده: كن على السطح، وكان له سلم، فكسره بعد الأمر اختيارا يذمه
العقلاء غاية الذم، ويستحق العقاب واللوم عند أهل العرف.
وكذا إذا قال: كن على السطح إن قدرت على السلم، وإلا فكن في
السرداب.
وكذا إذا قال له: اشتر لي فرسا فإن لم تجده فحمارا، فوجد في السوق فرسا
موافقا لمطلوب مولاه يبيعونه، فلم يشتره حتى يباع بالغير ثم اشترى حمارا، يذم
غاية الذم ويلام حق الملامة.
بل التحقيق أن ذلك مقتضى وجوب مقدمة الواجب، وما يدل عليه يثبته،
وحكم الابقاء بعينه حكم التحصيل، فيكون الحكم كذا في كل مقدمة يكون
الواجب بالنسبة إليها مطلقا.
بل يظهر مما ذكرنا عدم الاختصاص بالوقت، بل حرمة الاتلاف ونحوه فيما

(1) هذا عطف على قوله: لا لما قبل... المذكور في ص 360.
361

قبله أيضا مع عدم ظن الوجدان، لجريان الدليل فيه أيضا، كما صرح به بعض
مشايخنا المحققين (1).
ويؤكده ما في بعض الروايات من الأمر باغتسال المجدور لو أجنب اختيارا
وتيممه لو احتلم (2)، وما دل على عدم رضاه (عليه السلام) بالمسافرة إلى الأرض التي
لا ماء فيها وأنه إهلاك للدين (3)، بل هذا ظاهر جدا.
وأما عدم الأمر بالمأمور به بعد نفي القدرة فكعدم الأمر بالواجب الذي
صار ممتنعا بالاختيار، فإنه وإن لم يكلف به بعد الامتناع ولكنه يعاقب على الترك،
لأنه متروك بالاختيار.
ط: لو وجد من الماء ما لا يكفيه لطهارته فهو في حكم العدم فيتيمم، ولا
يجب صرفه إلى بعض الأعضاء - اجماعا - في الوضوء بل في الغسل أيضا، وعليه
الاجماع في الناصريات والتذكرة والمنتهى (4)، وهو الحجة فيه.
مضافا إلى عدم توقيف لهذا النوع من التطهير شرعا، وظهور أن المراد من
عدم الوجدان عدم وجدان ما يفي بالمطلوب.
وفي روض الجنان: أنه ربما حكي عن الشيخ في بعض أقواله التبعيض (5).
فإن كان مراده أن يطهر ما يفي به الماء به وبالتراب غيره، فمعه ظاهر الآية
في بادئ النظر، إلا أن الاجماع على الارتباط، وعدم كون غسل كل عضو
واجبا مستقلا، وظهور ذلك من الأخبار أيضا يدفعه.
وإن كان مراده صرف الماء في بعض الأعضاء مع التيمم التام، كما احتمله

(1) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).
(2) الوسائل 3: 373 أبواب التيمم ب 17.
(3) الوسائل 3: 391 أبواب التيمم ب 28 ح 2، 3.
(4) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 190، التذكرة 1: 66، المنتهى 1: 133.
(5) روض الجنان: 119.
362

في نهاية الفاضل والحبل المتين - في الغسل (1) - فعموم نحو: الميسور لا يسقط
بالمعسور، مع عدم المانع منه في الغسل من بطلانه بفوات الموالاة يقربه، إلا أن
عدم دلالته - كما ذكرنا مرارا - مضافا إلى ظواهر الصحاح - الثلاث لابن مسلم (2)
والحلبي (3) وجميل (4)، ورواية الحسين بن أبي العلاء (5) يطرده.
هذا إذا كان مكلفا بطهارة واحدة، ولو كان مكلفا بطهارتين وكفى الماء
لإحداهما فإن كفى للوضوء خاصة تعين، وإن كفى للغسل تخير على الأظهر،
لأنهما فرضان مستقلان ولا مرجح.
بل مقتضى القواعد التخيير بين الطهارة من الخبث والحدث لو وجبتا ولا
يكفي الماء إلا لإحداهما.
ولكن الظاهر الاتفاق على تقديم رفع الخبث والتيمم، كما صرح به في
المعتبر والمنتهى والتذكرة (6).
وتؤيده صحيحة الحذاء: الحائض ترى الطهر وهي في السفر وليس معها
من الماء ما يكفيها لغسلها وقد حضرت الصلاة، قال: " إذا كان معها بقدر ما
تغسل فرجها فتغسله ثم تتيمم وتصلي " (7).
دلت بترك الاستفصال على تقديم غسل الفرج على وضوء الحائض.

(1) نهاية الإحكام 1: 186، الحبل المتين: 94.
(2) التهذيب 1: 405 / 1272، الوسائل 3: 387 أبواب التيمم ب 24 ح 4.
(3) الفقيه 1: 57 / 213، التهذيب 1: 405 / 1273، الوسائل 3: 386 أبواب التيمم ب 24
ح 1.
(4) الكافي 3: 66 الطهارة ب 42 ح 3، الفقيه 1: 60 / 223، التهذيب 1: 404 / 1264،
الوسائل 3: 386 أبواب التيمم ب 24 ح 2.
(5) التهذيب 1: 404 / 1266، الوسائل 3: 387 أبواب التيمم ب 24 ح 3.
(6) المعتبر 1: 371، المنتهى 1: 153، التذكرة 1: 61.
(7) الكافي 3: 82 الحيض ب 7 ح 3، التهذيب 1: 400 / 1250، الوسائل 2: 312 أبواب الحيض
ب 21 ح 1.
363

وقد يعلل أيضا: بأن رفع الحدث له بدل بخلاف رفع الخبث (1).
ويضعف: بأن البدلية إنما هي مع عدم الماء، مع أن البدلية معارضة
بتجويز الشارع الصلاة في النجاسة مع تعذر إزالتها، أو عاريا.
ثم على القول بتعيين التقديم لو عكس لم يجزئ، لعدم كون ما أتى مأمورا
به.
الثاني من المسوغات: ضيق الوقت عن الطهارة وإدراك ركعة مع وجود الماء
عنده. سوغ معه التيمم في المنتهى والحدائق (2).
لما ورد في الأخبار من أن التراب بمنزلة الماء، وإنما يكون كذلك لو ساواه
في أحكامه، وأن رب الماء رب الصعيد الذي هو كناية عن اتحادهما في جميع
الأحكام. وأن الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا (3).
ولوجوب الصلاة في الوقت، فإما تجب بدون الطهور، أو مع المائية، أو
الترابية. والأول باطل، والثاني تكليف بما لا يطاق، فلم يبق إلا الثالث.
ولأن علة مشروعية التيمم محافظة وقت الصلاة، وإلا لوجب تأخيرها إلى
حين التمكن، وهذه العلة موجودة في المورد فيشرع فيه التيمم.
ولأن المقصود الأصلي الصلاة في الوقت، والطهارة مقصودة بالعرض، ولا
يترك ما بالذات لتحصيل ما به العرض الذي له عوض.
ولأن الله سبحانه اختار وقوع الصلاة في الوقت على طهارة الثوب والبدن،
والقيام، والاستقرار، والقراءة، والاستقبال، وغير ذلك من الأجزاء والشرائط،
والطهارة المائية أيضا مثلها ضرورة.
ومرجع الدليل إلى الاستقراء أو القياس على سائر الشرائط والأجزاء، كما
كان الدليل الثالث قياسا على سائر المسوغات.

(1) كما في المعتبر 1: 371.
(2) المنتهى 1: 137، الحدائق 4: 247.
(3) الوسائل 3: 385 أبواب التيمم ب 23.
364

ولكون التمكن من الاستعمال شرطا في وجوب المائية، وهو هنا مفقود،
لعدم رضا الشارع بفوت الصلاة.
ويرد على الأول: منع عموم التنزيل كما بين في محله. ومنع كون ما ذكر
كناية عن التساوي في جميع الأحكام سيما مع الاختلاف في كثير منها. ومنع التشبيه
في كيفية الطهورية، لكونه خلاف الواقع، بل إنما هو في مجرد الجعل.
وعلى الثاني: منع وجوب الصلاة في الوقت، والعمومات الدالة عليه مخرجة
منها ما إذا لم يتمكن من إيقاعها مع ما ثبت طهوريته قطعا وهنا كذلك، لعدم
التمكن من إيقاعها مع المائية، وعدم ثبوت طهورية التراب في المورد. ولا يلزم منه
عدم كونه معاقبا لو أخل عمدا، بل هو كبعيد ترك الذهاب إلى الحج حتى دخل
وقت لا يمكنه الوصول إلى الموقف.
وعلى الثالث: أنه قياس مردود. والتعليل المذكور ممنوع، وإلا لزم جواز
التيمم بالدقيق والزجاجة مع فقد الأرض، بل جواز الصلاة بدون الطهور مع
عدم التمكن منه.
وعلى الرابع: أنه محض استبعاد لا يصلح للاستدلال.
وعلى الخامس: أنه إما استقراء ظني لا حجية فيه، بل يمكن منع إفادته
ظنا أيضا حيث إنه تسقط الصلاة بتعذر الطهور وهو من الشرائط، أو قياس يعلم
ضعفه مما مر.
وعلى السادس: أنه عين المصادرة، لمنع عدم رضاه بفوتها حينئذ وإن لم يكن
راضيا قبل انتفاء التمكن، كما في مثال الحج.
ولأجل ما ذكر من ضعف هذه الأدلة، وأصالة عدم مشروعية التيمم،
وصدق وجدان الماء، والتمكن من الاستعمال - غاية الأمر عدم اتساع وقت
الصلاة له، ولم يثبت كون ذلك مسوغا للتيمم - ذهب في المعتبر إلى وجوب الطهارة
365

المائية والقضاء، وحكم بعدم جواز التيمم (1)، واستظهره في المدارك (2)، وهو
الظاهر من البيان حيث أوجب الإعادة على مثل ذلك لو تيمم وصلى (3)، وجعله
في شرح القواعد مقتضى مذهب الشيخ في مسألة المخل بالطلب (4).
وفرق المحقق الشيخ علي في شرح القواعد بين من كان الماء موجودا عنده
بحيث يخرج الوقت باستعماله، وبين من كان بعيدا عنه بحيث خرج بالسعي إليه،
فلم يجوز التيمم وأوجب المائية في الأول دون الثاني، استنادا إلى انتفاء صدق عدم
الوجدان في الأول وصدقه في الثاني (5).
وهو الحق. لا لما ذكره، لما أورده عليه في روض الجنان من أن المراد بوجدان
الماء في باب التيمم فعلا أو قوة، فلا يتم الفرق، لصدق الوجدان في
الصورتين (6). بل لقوله (عليه السلام) في مرسل العامري السابق: " ولم ينته إلى
الماء " (7) إلى آخره، فإنه يشمل من علم وجود الماء ولم يمكنه الوصول إليه إلا بفوات
الوقت.
ثم إنه لا فرق في جميع ما ذكر بين ما إذا كان تأخير الطهارة بالماء إلى الضيق
عمدا أو نسيانا أو اضطرارا، كأن يكون نائما أو محبوسا أو نحو ذلك، لجريان
الدليل وإن احتاج في تعدي المرسلة إلى جميع الصور إلى ضم الاجماع المركب.
وصرح في البيان بالتيمم في الأخير مطلقا (8).
ولو احتاط فيه بالتيمم والصلاة ثم القضاء بالمائية - بل في الأولين أيضا -
كان أولى.

(1) المعتبر 1: 366.
(2) مدارك الأحكام 2: 185.
(3) البيان: 84.
(4) جامع المقاصد 1: 467.
(6) روض الجنان: 128.
(7) راجع ص 355.
(8) البيان: 84.
366

الثالث: عدم الوصلة إلى الماء مع وجوده، أما بالعجز عن الحركة المحتاج
إليها في تحصيله لكبر أو مرض أو ضعف، ولم يجد معاونا ولو بأجرة مقدورة، أو
بفقد الآلة التي يتوصل بها إليه، كأن يكون في بئر، أو بكونه ملكا للغير ولم يبذله
إلا بثمن لا يقدر عليه، بالاجماع في الجميع، وصدق عدم الوجدان.
ولو أمكن له شد الثياب بعضها ببعض في الثاني وجعلها آلة - ولو ببلها
وعصرها - وجب، إلا أن تكون ثياب بدنه وخاف ببلها الضرر.
ولو توقف على شق الثوب الموجب لنقص القيمة، قالوا بوجوبه (1).
وفيه اشكال لو وصل حد الضرر عرفا، وقياسه على ثمن الماء مشكل.
ومثل الثمن الغير المقدور الثمن الذي يخاف ببذله تلف نفسه اجماعا، له،
ولقوله تعالى: " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " (2) والمروي في الدعائم - المنجبر
ضعفه بما ذكر - في المسافر يجد الماء بثمن غال: " أن يشتريه [إذا كان واجدا لثمنه
ولا يتيمم، لأنه] إذا كان واجدا لثمنه فقد وجده، إلا أن يكون في دفعه الثمن ما
يخاف على نفسه التلف إن عدمه والعطب فلا يشتريه ويتيمم بالصعيد
يصلي " (3).
وكذا الثمن الذي يوجب بذله عليه الحرج، أو المشقة باعتبار وقوعه في الفقر
والمسكنة وذل السؤال، أو الضيق في المعيشة، أو مكادحة الديان ونحو ذلك، لأدلة
نفي العسر والحرج، المعارضة مع ما يأتي مما يدل على وجوب الشراء ولو بأضعاف
الثمن بالعموم من وجه، الموجب للرجوع إلى أصالة عدم وجوب الشراء، المستلزم
لجواز التيمم بالاجماع المركب.
وأما ما لا يوجب بذله ما ذكر فيجب بذله وشراء الماء ولا يجوز التيمم ولو

(1) كما في التذكرة 1: 60، وجامع المقاصد 1: 474، والحدائق،: 272.
(2) البقرة: 195.
(3) دعائم الاسلام 1: 121، مستدرك الوسائل 2: 549 أحكام التيمم ب 20 ح 1 بتفاوت يسير،
وما بين المعقوفين من المصدر.
367

كان أضعاف ثمنه، اجماعا كما عن الخلاف (1)، بل ولو كان إجحافا كثيرا، وفاقا
للسيد وابن سعيد والارشاد وروض الجنان والحدائق (2)، واللوامع، بل الأكثر على
ما هو المحتمل من كلامهم من كون المراد من الضرر الحالي المشترط انتفاؤه عندهم
ما ذكرنا، كما يومئ إليه ايجابهم الشراء بأضعاف الثمن، واستدلال بعضهم على
اشتراطه بالنهي عن التهلكة وقتل الأنفس (3)، وصرح بذلك والدي - قدس سره -
في اللوامع.
لتوقف الوضوء الواجب عليه، ولصدق الوجدان فلا يجوز التيمم فلم يبق
إلا وجوب الشراء.
وللمروي في الدعائم المتقدم (4)، وصحيحة صفوان: عن رجل احتاج إلى
الوضوء للصلاة وهو لا يقدر على الماء، فوجد قدر ما يتوضأ به بمائة درهم أو بألف
درهم وهو واجد لها، يشتري ويتوضأ أو يتيمم؟ قال: " لا، بل يشتري، قد
أصابني مثل هذا فاشتريت وتوضأت، وما يشتري (5)، بذلك مال كثير " (6).
وفي تفسير العياشي مسندا إلى العبد الصالح: عن قول الله عز وجل: فلم
تجدوا ماء، ما حد ذلك؟ فإن لم تجدوا بشراء أو بغير شراء، إن وجد قدر وضوئه
بمائة ألف أو ألف وكم بلغ؟ قال: " ذلك على قدر جدته " (7).

(1) الخلاف 1: 165.
(2) حكاه عن السيد في المعتبر 1: 369، ابن سعيد في الجامع لشرائع: 45، الإرشاد 1: 233،
روض الجنان: 118، الحدائق 4: 264.
(3) كما في كشف اللثام 1: 144.
(4) في ص 367.
(5) في الفقيه: " ما يسوؤني ".
(6) الكافي 3: 74 الطهارة ب 46 ح 17، الفقيه 1: 23 / 71، التهذيب 1: 406 / 1276،
الوسائل 3: 389 أبواب التيمم ب 26 ح 1.
(7) تفسير العياشي 1: 244 / 146، وعنه في الوسائل 3: 389 أبواب التيمم ب 26 ح 2 بتفاوت
يسير.
368

وفي حاشية الإرشاد لفخر المحققين: أن مولانا الصادق (عليه السلام)
اشترى وضوءه بمائة دينار.
خلافا للمحكي عن الإسكافي، فنفى الوجوب مع غلاء الثمن مطلقا، بل
قال: يتيمم ويصلي ويعيد إذا وجد الماء (1)، وهو محتمل نهاية الفاضل (2)، لأن بذل
الزائد ضرر وعسر وحرج، وهي في. الشريعة منفية، ولسقوط السعي في طلبه
للخوف على شئ من ماله، كما في الأخبار (3).
ويضعف الأول: بأن الضرر وأخويه قد يثبت بالدليل، كما في جميع موارد
بذل المال، والأخبار المتقدمة أدلة خاصة بالنسبة إلى أدلتها، لأن بذل القدر
المذكور فيها ضرر وعسر لا محالة، فيجب تخصيصها بها، مع أن في قوله (عليه
السلام): " وما يشتري بذلك مال كثير " (4) إشارة إلى منع الضرر والعسر.
والثاني: بأنه قياس باطل.
ولمحتمل المحكي عن الأكثر (5)، فنفوا الوجوب مع التضرر ببذل الثمن
بحسب حال المكلف، كما هو أحد احتمالي كلامهم، أو في حال الشراء المقابل
لزمان الاستقبال، كما هو الاحتمال الآخر، لأدلة نفي العسر والضرر.
ويضعف: بأن المراد بالضرر إن كان ما ذكرناه فهو كذلك، وإن كان ما
دون ذلك فلا، لأخصية أخبار الشراء عن أدلة نفيها كما ذكر، بل ينافي تصريحهم
بوجوب الشراء ولو كان بأضعاف ثمنه، واستدلالهم بحديث مائة درهم وألف
ومائة ألف ومائة دينار، حيث إن كل ذلك ضرر ولو كان المكلف ذا سعة وثروة
*

(1) حكاه عنه في الرياض 1: 74.
(2) نهاية الإحكام 2: 194.
(3) انظر الوسائل 3: 342 أبواب التيمم ب 2.
(،) صحيحة صفوان المتقدمة في ص 368.
(5) منهم ابن إدريس في السرائر 1: 141، والعلامة في التحرير 1: 21، والشهيد في الدروس 1:
131.
369

كثيرة، ولذا يستدلون على ثبوت خيار الغبن بتفاوت ما هو أقل من ذلك بأخبار
نفي الضرر، وكذا في موارد كثيرة أخرى، والاجحاف الذي وقع في كلام بعضهم
لا قدر معين له ولا دليل على نفيه في المقام، إلا أن يراد به ما ذكرناه.
وقد، يستدل له: بعدم تبادر صورة الاجحاف من الأخبار، وبجواز التيمم
مع الخوف على قليل من المال في السعي إلى الماء، والنهي عن تضييع المال، وجواز
المدافعة عنه.
ويضعف الأول: بمنع عدم التبادر جدا، بل ما صرح به فيها هو عين
الاجحاف إن أريد به ما هو ظاهره.
والبواقي: بكونه قياسا مع الفارق وهو النص، والاجماع في بعض الموارد،
ومفهوم الآية في المقام، وعموم قي الضرر الخالي عما يصلح للتخصيص في
البواقي.
لا ما قيل من أن الحاصل بالبواقي عوض المال على غاصبه وهو منقطع،
وبالمقام الثواب وهو دائم (1)، لتحقق الثواب فيها أيضا مع البذل اختيارا طلبا
للعبادة، بل قد يجتمع فيها العوض والثواب معا.
فرع: لو وهب الماء أو أعيرت الآلة وجب القبول، على ما هو ظاهر
الأصحاب، لصدق الوجدان. وكذا لو وهب ثمنهما أو وهبت الآلة، وفاقا للشيخ
والمدارك - قدس سرهما - والمنتهى (2)، واللوامع، لما ذكر.
وخلافا للمعتبر (3)، بل للمحكي عن الأكثر، لاستلزامه المنة ولا يجب
تحملها.
وفيه: أنه ربما يخلو عن المنة، وعلى فرضها ليس في تحملها الحرمة، بل ولا
الضرر والمشقة، فيجب من باب المقدمة.

(1) كما في نهاية الإحكام 1: 194، والتنقيح الرائع 1: 132.
(2) الشيخ قي المبسوط 1: 31، المدارك 2: 190، المنتهى 1: 133.
(3) المعتبر 1: 371.
370

ولو علم مع قوم ماء فإن علم إباءهم من البذل، لم يجب طلبه منهم، لعدم
الفائدة، وإلا وجب، لأنه نوع تحصيل لشرط الواجب فيجب.
الرابع: احتياج تحصيل الماء إلى مشقة شديدة يصدق معها العسر أو الحرج
لمرض أو بعد مسافة أو نحو ذلك، دلالة انتفائها المعارضة لدليل وجوب التحصيل
بالعموم من وجه، الموجب للرجوع إلى أصالة عدم وجوب تحملهما، المستلزم لعدم
وجوب الوضوء المستلزم لتسويغ التيمم، بالاجماع.
الخامس: الخوف من تحصيل الماء على النفس، بالاجماع المحقق والمصرح
به في كلام جماعة (1)، وهو الحجة فيه.
مضافا إلى عمومات نفي العسر، فإنه لا شك في أن في التحصيل مع ذلك
الخوف عسرا شديدا، ورواية الرقي، المقدمة (2).
ورواية يعقوب بن سالم: عن الرجل لا يكون معه ماء، والماء عن يمين
الطريق ويساره غلوتين أو نحوهما، قال: " لا آمره أن يغرر بنفسه فيعرض له لص
أو سبع " (3).
والمروي في الدعائم: وقالوا صلوات الله عليهم في المسافر: " إذا لم يجد الماء
إلا بموضع يخاف فيه على نفسه - إن مضى في طلبه - من لصوص أو سباع، أو ما
يخاف منه التلف والهلاك يتيمم ويصلي " (4).
والاستدلال له بأخبار الركية والبئر (5) غير جيد، لأن عدم إيجاب دخول
البئر يمكن أن يكون للخوف وللمشقة، فلا يمكن الاستدلال به لشئ منهما.

(1) منهم المحقق في المعتبر 1: 366، والعلامة في المنتهى
: 134، وصاحب المدارك 2: 190.
(2) في ص 351.
(3) الكافي 3: 60 الطهارة ب 41 ح 8، التهذيب 1: 184 / 528، الوسائل 3: 342 أبواب
التيمم ب 2 ح 2.
(5) دعائم الاسلام 1: 121، مستدرك الوسائل 2: 525 أحكام التيمم ب 1 ح 1.
(5) انظر الوسائل 3: 343 أبواب التيمم ب 3.
371

بل وكذا لو خاف غيره على نفسه بذهاب من معه إلى تحصيل الماء، لظاهر
الاجماع، ولزوم العسر على ذلك الغير لولاه، بل الظاهر الاجماع على سقوط
الوجوب لو خاف الذاهب على الغير وإن لم يخف ذلك الغير لصغر أو جنون أو
نوم.
ولا فرق بين أن يكون الخوف على الهلاكة أو الجراحة أو الضرب الشديد
الذي يشق تحمله عادة، لاطلاق تعرض اللص والخوف منه، وصدق العسر.
وكذا لو كان الخوف على المال الكثير أو القليل الصادق على تلفه الضرر
عرفا إذا كان خوفه لأجل القطع - ولو عادة - بالتلف، لأدلة نفي الضرر.
ولو كان خوفه لمجرد احتمال التلف أو مظنته ففيه إشكال، لعدم جريان أدلة
نفي الضرر، إلا أن يكون المال كثيرا بحيث يكون في تعريضه في مظنة التلف عسر
حتى تجري فيه أدلة نفيه، فيسقط وجوب التحصيل أيضا.
وظاهر المشهور: السقوط مع الخوف مطلقا على المال كذلك.
والاستدلال بروايتي الرقي وابن سالم (1) ضعيف، لصراحتهما في الخوف على
النفس، ولذلك - مع وجوب تقديم أدلة وجوب الطهارة على ما يعارضها من أدلة
نفي الضرر والحرج - ذهب بعض مشايخنا الأخباريين إلى عدم السقوط بالخوف
على المال مطلقا (2).
وما ذكره من وجوب التقديم لا وجه له.
ومثل الخوف على النفس الخوف على البضع والعرض، لكون تعريضهما في
مظنة الضياع حرجا وأي حرج.
وكذا الخوف الحاصل بسبب مجرد الجبن إذا كان شديدا يعد تحمله عسرا،
وفاقا للمعتبر ونهاية الإحكام والتذكرة (3)، بل في اللوامع: عليه ظاهر الوفاق،

(1) المتقدمتين في ص 351 و 371.
(2) الحدائق 4: 275.
(3) المعتبر 1: 366، نهاية الإحكام 1: 188، التذكرة 1: 59.
372

وخلافا للتحرير والبيان (1)، وتوقف في المنتهى (2).
بل وكذا مع جبن الغير، فيسقط ذهاب رفيقه إلى تحصيل الماء، لما مر، بل
مما ذكر يظهر السقوط مع الخوف على مال الغير إذا كان قاطعا بالتلف، وأما بدونه
فلا دليل على السقوط إلا إذا كان تعريضه في مظنة التلف موجبا لعسر.
السادس: الخوف من استعمال الماء على النفس أو البدن، لوجود مرض
يخاف شدته، أو ازدياده، أو بطء برئه " أو عسر علاجه، أو قرح أو جرح كذلك،
أو لخوف حدوث مرض، فإن كل ذلك مسوغ للتيمم، بالاجماع.
مضافا في المريض بأقسامه: إلى إطلاق الآية الدالة على مشروعية التيمم
لكل مريض، خرج من لا يخاف شيئا مما ذكرنا بالاجماع، فيبقى الباقي.
ومرسلة ابن أبي عمير: " يتيمم المجدور والكسير بالتراب إذا أصابته
الجنابة " (3) وقريبة منها مرسلته الأخرى (4)، ومرسلة الفقيه (5).
وفيه وفي المقروح والمجروح: إلى المروي في الدعائم: " ومن كانت به قروح
أو علة يخاف منها على نفسه يتيمم " (6).
وفيهما وفي خائف الحدوث: إلى استلزام التكليف باستعمال الماء الضرر فيما
علم تحقق هذه الأمور عادة، والعسر والحرج إذا ظن ذلك.
وفي الثاني خاصة: إلى صحيحة محمد: عن الرجل يكون به القرح
والجراحة يجنب، قال: " لا بأس بأن لا يغتسل، يتيمم) (7).

(1) التحرير 1: 21، البيان: 85.
(2) المنتهى 1: 134.
(3) الكافي 3: 68 الطهارة ب 45 ح 2، الوسائل 3: 347 أبواب التيمم ب 5 ح 4.
(4) التهذيب 1: 185 / 533، الوسائل 3: 348 أبواب التيمم ب 5 ح 10.
(5) الفقيه 1: 59 / 217، الوسائل 3: 348 أبواب التيمم ب 5 ح 12.
(6) دعائم الاسلام 1: 121. مستدرك الوسائل 2: 527 أحكام التيمم ب 4 ح 2.
(7) الكافي 3: 68 الطهارة ب 45 ح 1، التهذيب 1: 184 / 530، الوسائل 3: 347 أبواب التيمم
ب 5 ح 5.
373

وموثقته: في الرجل تكون به القروح في جسده فتصيبه الجنابة، قال:
" يتيمم " (1).
وصحيحتي ابن سرحان والبزنطي: في الرجل تصيبه الجنابة وله قروح أو
جروح أو يخاف على نفسه البرد، فقال: " لا يغتسل ويتيمم " (2)..
وفي الأخير كذلك: إلى فحوى السقوط مع خوف الشدة، وصحيحة ابن
سنان: عن الرجل تصيبه الجنابة في الليلة الباردة ويخاف على نفسه التلف إن
اغتسل، قال: " يتيمم، ويصلي، فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة " (3) وقريبة منها
مرسلة جعفر (4).
كل ذلك إذا لم يجنب متعمدا، وأما معه فيجب عليه الغسل - على الأظهر -
وإن أصابه ما أصابه، ما لم يخف التلف على نفسه. وفاقا للإسكافي (5)، وظاهر
الفقيه وصريح الهداية (6)، والمفيد (7)، والشيخ في بعض كتبه (8)، والمحقق في
النافع (9)، والحر العاملي من المتأخرين (10)
لصحيحة محمد: عن رجل تصيبه الجنابة في أرض باردة ولا يجد الماء وعسى

(1) التهذيب 1: 185 / 532، الوسائل 3: 348 أبواب التيمم ب 5 ح 9.
(2) صحيحة ابن سرحان: التهذيب 1: 185 / 531، الوسائل 3: 348 أبواب التيمم ب 5 ح 8،
صحيحة البزنطي: التهذيب 1: 96 1 / 516، الوسائل 3: 347 أبواب التيمم ب 5 ح 7.
(3) الفقه 1: 60 / 224، التهذيب 1: 191 / 568، الإستبصار 1: 161 / 559، الوسائل 3:
372 أبواب التيمم ب 16 ح 1.
(4) الكافي 3: 67 الطهارة ب 43 ح 3، التهذيب 1: 196 / 517، الإستبصار 1: 161 / 559،
الوسائل 3: 367 أبواب التيمم ب 14 ح 6.
(5) حكاه في المختلف: 52.
(6) الفقيه 1: 560 الهداية: 19.
(7) المقنعة: 60.
(8) النهاية: 46، المبسوط 1: 30، الخلاف 1: 156.
(9) المختصر النافع: 17.
(10) الوسائل 3: 33 أبواب التيمم ب 17 (عنوان الباب).
374

أن يكون الماء جامدا، فقال: " يغتسل على ما كان " حدثه رجل أنه فعل ذلك
فمرض شهرا من البرد، فقال: " اغتسل على ما كان فإنه لا بد من الغسل " (1).
وصحيحة سليمان: عن رجل كان في أرض باردة فتخوف إن هو اغتسل أن
يصيبه عنت من الغسل، كيف يصنع؟ قال: " يغتسل وإن أصابه ما أما به " قال:
" وذكر أنه كان وجعا شديد الوجع فأصابته جنابة وهو في مكان بارد وكانت ليلة
شديدة الريح، فدعوت الغلمة فقلت لهم: احملوني فاغسلوني، فقالوا: إنا نخاف
عليك، فقلت: ليس بد، فحملوني ووضعوني على خشبات ثم صتوا علي الماء
فغسلوني " (2).
تعارضتا مع الأخبار المتقدمة حيث إنها أوجبت التيمم على من ذكر مطلقا،
وهما أوجبتا الغسل عليه، فخصت المتقدمة بغير المتعمد، وهما بالمتعمد، بشهادة
المرفوعتين:
إحداهما: عن مجدور أصابته جنابة، قال: " إن أجنب نفسه فليغتسل،
وإن كان احتلم فليتيمم " (3).
والأخرى: " إن أجنب نفسه فعليه أن يغتسل على ما كان منه، وإن كان
احتلم فليتيمم " (4).
مع أن بملاحظة الاجماع المحقق على سقوط الغسل عن غير المتعمد،
واختصاص الصحيحين بالمتعمد قطعا، يصيران أخص مطلقا من أخبار التيمم،

(1) التهذيب 1: 198 / 576، الإستبصار 1: 163 / 564، الوسائل 3: 374 أبواب التيمم ب 17
ح 4.
(2) التهذيب 1: 198 / 575، الإستبصار 1: 162 / 563، الوسائل 3: 373 أبواب التيمم
ب 17 ح 3.
(3) الكافي 3: 68 الطهارة ب 45 ح 3، الفقيه 1: 59 / 291، التهذيب 1: 98 1 / 574،
الإستبصار 1: 162 / 562، الوسائل 3: 373 أبواب التيمم ب 17 ح 1.
(4) الكافي 3: 67 الطهارة ب 43 ح 2 وفيه: على ما كان عليه، التهذيب 1: 197 / 573،
الإستبصار 1: 162 / 561، الوسائل 3: 373 أبواب التيمم ب 17 ح 2.
375

فيجب تخصيصها بهما، كما يجب تخصيصهما وتخصيص المرفوعتين بغير من خاف
تلف نفسه بصحيحة ابن سنان ومرسلة جعفر، المتقدمتين (1)، حيث تتعارضان
معها بالعموم من وجه وترتجحان عليها بموافقة الكتاب الموجب للتيمم على
المريض والنافي للعسر والحرج والناهي عن التعرض للتهلكة " كما هو ظاهر الشيخ
وصريح النافع (2).
خلافا للهداية والمفيد (3)، فلم يخصصاها، وأوجبا الغسل وإن كان فيه تلف
نفسه. ولا وجه له.
كما لم يخصص الأكثر متعمد الجنابة عن أخبار التيمم مطلقا، وأوجبوا عليه
التيمم أيضا، اتكالا على عدم صلاحية الصحيحتين والمرفوعتين لمعارضتها،
لمخالفتها لما دل على عدم تحريم تعمد الجنابة حينئذ من الاجماع والنصوص
وخصوص فعل المعصوم كما في الصحيحين، فلا يترتب على فاعلها عقوبة
وانتقام. ومناقضتها للأصول القطعية الكتابية والسنية المثبتة لليسر والسهولة،
النافية للحرج والضرر، الكاشفة عن تقديم اعتناء الشارع بالأبدان على اعتنائه
بالأديان، الموجبة لطرح الصحيحين وأخويهما، لتواتر الأخبار بأن كل خبر مخالف
للكتاب والسنة مردود. ومضادتها لحكم العقل بوجوب دفع الضرر المظنون.
مع ما في الصحيحين من عدم التفرقة فيهما بين المتعمد وغيره بل ظهورهما
في غير المتعمد، وفي ثانيتهما من أعمية العنت عن المشقة اليسيرة أيضا، وفي
المرفوعتين من عدم ظهورهما في حصول الضرر بالغسل وضعف سنديهما، وفي
الأربعة من مخالفة الشهرة الموجبة للشذوذ المخرج عن الحجية.
مضافا إلى معارضتها بالتساوي مع صحيحة محمد: عن الرجل أجنب في

(1) في ص 374.
(2) الشيخ في النهاية: 46، المختصر النافع: 17.
(3) الهداية: 19، المفيد في المقنعة: 60.
376

السفر ولم يجد إلا الثلج أو ماء جامدا، فقال: " هو بمنزلة الضرر، يتيمم " (1)
الحديث، حديث إنها ظاهرة في المتعمد.
وكذا رواية السكوني في حكاية أبي ذر أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله
فقال: يا رسول الله هلكت، جامعت على غير ماء، قال: فأمر النبي صلى الله
عليه وآله بمحمل فاستترت به [وبماء] فاغتسلت أنا وهي، ثم قال: يا أبا ذر
يكفيك الصعيد عشر سنين " (2) فإنها صريحة في المتعمد.
ويجاب: بأن عدم تحريم تعمد الجنابة - لو سلم - لا يخالفها، إذ لا ملازمة
بين وجوب الغسل وإن خيف الضرر وبين تحريم التعمد، ولا يلزم أن يكون ذلك
عقوبة، بل يجوز أن يكون من جهة إقدام المكلف نفسه على ذلك الضرر، وقد
ثبت في الشريعة من الضرر بواسطة إقدام المكلف ما لا يثبت إذا لم يتعمد عليه،
ولذا لا يحكم بخيار الغبن مع علم المغبون.
وأما الأصول المذكورة فلا شك أنها بعنوان العموم والأصل، فتخصص مع
الدليل الخاص، ولذا يثبتون التكاليف الشاقة والمضار الكثيرة من الضمانات
والجنايات وغيرها بالأدلة المخصوصة، ويقدمون الأديان على الأبدان في مجاهدة
الكفار ومقارعة السيف والسنان ومبارزة الشجعان، وما نحن فيه من ذلك القبيل،
إذ ما ذكر أدلة خاصة بالنسبة إلى الأصول المذكورة.
ومنه يظهر الجواب عن رد الخبر المخالف للكتاب والسنة، فإنه إنما هو إذا
لم يكن بالعموم والخصوص المطلقين (ولذا أجمعوا على تخصيص عام الكتاب
بخاص الأخبار، وكذا تقديم الموافق للكتاب والسنة عند التعارض إنما هو إذا لم

(1) الكافي 3: 67 الطهارة ب 43 ح 1، التهذيب 1: 191 / 553، الإستبصار 1: 158 / 544،
الوسائل 3: 355 أبواب التيمم ب 9 ح 9.
(2) الفقيه 1: 59 / 221، التهذيب 1: 194 / 561، الوسائل 3: 369 أبواب التيمم ب 14 ح 12
وما بين المعقوفين من المصدر.
377

يكن بالعموم والخصوص المطلقين) (1) وإلا فالخاص مقدم كما فيما نحن فيه، مع
أن تلك الأخبار الأربعة أيضا لها موافقة مع آية الغسل في غير المرضى.
وأما حكم العقل بوجوب دفع الضرر المظنون على القطع - فمع كونه في
حيز المنع جدا - إنما هو إذا لم يكن على عدم الوجوب دليل.
والقول بأنه أمر عقلي لا يقبل التخصيص، واه جدا؟ لأنه مخالف لما ثبت
من الشرع قطعا من الأمور المضرة، كالجهاد والحج والزكاة والخمس، فإذا لم يجب
دفع الضرر المقطوع بل وجب تحمله فكيف بالمظنون!؟
والقول بأن بعد أمر الشارع والقطع بأن بإزائها أجرا عظيما لا يكون ضررا،
يجري في المقام أيضا.
وأما عدم التفرقة في الصحيحين بين المتعمد وغيره ظاهرا فغير ضائر، لأن
الاجماع والمرفوعتين قرائن على التخصيص، وخروج بعض أفراد المطلق لا يوجب
عدم حجيته في الباقي.
وكذا أعمية العنت، لأن بعد شموله للمشقة الشديدة يكون حجة فيها
أيضا، سيما مع التأكد بقوله: " وإن أصابه ما أصابه " وسيما مع ذكر غسله عليه
السلام مع شدة الرجع بحيث حملوه وغسلوه، وسيما مع ما في الصحيح الأول من
حكاية حدوث المرض شهرا.
وأما دعوى ظهورهما في غير المتعمد فلا أعرف له وجها سيما الصحيح
الثاني، بل استشهاده بفعله عليه السلام قرينة على التعمد، لما قد ثبت من عدم
احتلامهم عليهم السلام.
وأما توهم عدم صراحة المرفوعتين في التضرر بالغسل فهو من الغرائب، إذ
أمره عليه السلام بالتيمم مع الاحتلام قرينة على التضرر.
وأما الرد بضعف السند فهو عندي غير معتمد، وبمخالفة الشهرة فهو غير

(1) ما بين القوسين ليس في " ه‍ ".
378

سديد، لأن الشهرة الموجبة لشذوذ مخالفها هي الشهرة القوية من القدماء، ومع
موافقه مثل الصدوق والشيخين والإسكافي (1) - الذين هم من أعيان القدماء
وأركانهم - كيف ينسب الخبر إلى الشذوذ ويخرج عن الحجية؟! سعما مع موافقة مثل
المحقق ولعض آخر من المتأخرين (2).
وأما الروايتان الأخيرتان فصراحة أولاهما بل ظهورها في المتعمد ممنوعة،
والثانية صريحة في أن سبب التيمم عدم الماء، فلا تعارض معها، مع أنه لو سلم
اختصاص الأولى بالمتعمد في عامة من جهة شمولها للخوف من الضرر ولعدم
إمكان الغسل بسبب عدم القدرة على إذابة الثلج والجمد، وما مر مخصوص
بالخوف، لوجود الماء، بقرينة الأمر بالاغتسال للمتعمد، فيقدم.
ثم الظاهر اختصاص وجوب المائية مع التعمد بغسل الجنابة، كما هو مورد
الأخبار، فلا يتعدى إلى غيره، كغسل المس، والوضوء لمن أحدث عمدا.
وهل التعمد الموجب للاغتسال مع خوف الضرر هوما كان حال المرض أو
الخوف؟ أو يشمل ما إذا تعمد الجنابة صحيحا غير خائف ثم حدث قبل الغسل
ما يوجب الخوف؟ فيه وجهان.
فروع:
أ: المدار في المرض المسوغ للتيمم - حدوثا أو زيادة - هوما يعد ضررا وكان
تحمله عسرا عادة، لأن انتفاءهما شرعا هو سبب التسويغ، فيقتصر على مورد
خوفهما.
وأما اطلاق الآية والأخبار في المريض وإن اقتضى الاكتفاء بغير ما أخرجه
الاجماع وإن كان يسيرا، إلا أن المروي عن الصادقين في المجمع أنه المرض الذي
يضر معه استعمال الماء، والذي يوجب العجز عن السعي إليه (3) - المنجبر ضعفه

(1) راجع ص 374.
(2) راجع ص 374.
(3) مجمع البيان 2: 52.
379

بالشهرة بل بعمل كل الأصحاب كما في البحار (1) - أوجب التقييد بالمضر، فلا
يتعدى إلى غيره.
ثم إن مراتب الضرر متفاوتة، فهل المسوغ هو الضرر مطلقا لأن كان
يسيرا، كالصداع ووجع الضرس، كما عن الشهيد والكركي (2)، بل الإرشاد ونهاية
الفاضل حيث علقا الجواز على مطلق المرض (3)، واستصوبه بعض مشايخنا
المحققين (4)؟ أو الشديد، كما اختاره الفاضلان (5)؟
التحقيق: أن المدار على ما يشق تحمله عادة ولم يعد سهلا يسيرا عرفا، لأن
الحكم في الأدلة لا يخلو عن كونه معلقا على الضرر أو المرض أو العسر أو الحرج،
والظاهر اتحاد موارد الأربعة في المقام وورود الجميع على ما يعد تحمله شاقا في
العادة، فإن ما لم يكن كذلك لا يصدق عليه شئ من العنوانات، وما كان كذلك
يصدق عليه أحدها أو جميعها، ومن هذا يتجه كون النزاع لفظيا.
ولا يشترط أن يكون الأمر الحادث ما يسمى مرضا عرفا والمتصف به
مريضا، بل يكفي كونه أذى يعسر تحمل مثله عادة.
ب: الخوف من المرض المسوغ للتيمم أعم من أن يكون بعنوان اليقين،
أو الظن الحاصل من التجربة، أو إخبار ذي تجربة عادل أو غير عادل، مسلم أو
كافر، امرأة أو صبي، واحد أو متعدد. لعموم الآية وأخبار القروح والجروح (6)،
ولم يعلم سوى خروج صورة عدم حصول ظن أصلا. واختصاصها بالمريض
بالفعل غير ضائر، لعدم الفاصل. مع أن ارتكاب أمر يظن معه حدوث ما لا

(1) البحار 78: 131.
(2) الشهيد في الذكرى: 22، الكركي في جامع المقاصد 1: 472.
(3) الإرشاد 1: 233، نهاية الإحكام 1: 195.
(14 الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).
(5) المحقق في الشرائع: 38، العلامة في التحرير 1: 21.
(6) انظر الوسائل 3: 346 أبواب التيمم ب 5.
380

يتحمل عسر وحرج، فلا تكليف به. ولو وقع التعارض بين أخبار ذوي التجارب
فالمرجع الظن.
ج: خوف الشين (1) حدوثا وزيادة مسوغ للتيمم إن بلغ حدا يتأذى به
ويشق تحمله عادة، بالاجماع المحقق والمحكي من الفاضلين (2) وغيرهما (3)، لنفي
الضرر والعسر، بل - في بعض صوره - لاطلاق أخبار القروح والجروح المنضم مع
عدم الفصل بين خوف الحدوث والزيادة، إلا أن يجنب عمدا، فيغتسل، لما مر.
وفي التعدي إلى مطلق الشين وإن لم يتفاحش بحيث يتأذى به ويعسر تحمله
قولان:
أولهما صريح نهاية الإحكام والروض ()، بل هو ظاهر إطلاق الأكثر، ولا
دليل عليه يعتمد.
والثاني للمنتهى ()، واللوامع، وغيرهما (6). وهو المعتمد، لأن المناط
حصول الضرر أو العسر، وهما غير متحققين في مطلقه، والظاهر تحققهما فيما إذا
بلغ حد تشقق الجلد أو خروج الدم، بل في الأدون منهما أيضا.
د: لو اندفع الضرر بتسخين الماء، أو بتحصيل ماء الحمام، أو بالغسل في
الحمام - ولو بأجرة مقدورة - وجب، وكذا شراء النار والحطب. والحكم في الثمن
والأجرة كما مر في الماء وآلته (7).
السابع: المشقة الشديدة الحاصلة من التألم الذي لا يسهل تحمله عادة في
استعمال الماء وإن لم يخش الضرر وسوء العاقبة، كالتألم بالبرد الشديد، أو الوجع،

(1) الشين: ما يحدث في ظاهر الجلد من الخشونة يحصل به تشويه الخلقة. مجمع البحرين 6: 273.
(2) المحقق في المعتبر 1: 365، العلامة في المنتهى 1: 136.
(3) كصاحب الحدائق 4: 286، والمحقق السبزواري في الكفاية: 8.
(4) نهاية الإحكام 1: 195، روض الجنان: 117.
(5) المنتهى 1: 136.
(6) كجامع المقاصد 1: 473، والكفاية: 8.
(7) راجع ص " 367.
381

أو الحرقة في خراجه (1) وإن لم يزد المرض، أو الحر الشديد، كما يتفق في بعض
الحمامات إذا لم يمكن غيره.
وهي مسوغة للتيمم، وفاقا لنهاية الشيخ والمبسوط والاصباح وظاهر الكافي
والغنية والمراسم والجامع والنافع والمنتهى ونهاية الإحكام والبيان (2)، واختاره بعض
مشايخنا المحققين (3)، لعموم أدلة نفي العسر والحرج، بل صحيحتي ابن سرحان
والبزنطي (4)، فإن الظاهر من قوله: " أو يخاف على نفسه البرد " أنه يخاف من التأثر
بالبرد، لا أن يتلف، وإلا لقال: من البرد.
إلا أن يتعمد الجنابة فيغتسل لما مر، كما صرح به في الأول من الكتب
المذكور (5).
وخلافا للقواعد والأردبيلي، فقالا: يغتسل مطلقا (6)، للصحيحتين
المتقدمتين لمحمد وسليمان (7).
ويجاب عنهما: بمعارضتهما مع الصحيحتين المذكورتين، وبقاء نافيات
العسر بلا معارض، مع أن بعد تخصيص صحيحي التيمم بغير المتعمد - كما مر -
تصيران أخصين مطلقا من صحيحتي الغسل، فتخصص الأخيرتان بالأوليين. بل
المرفوعة الثانية (8)، لأجل اختصاص موضوعها بذي عذر غير فقد الماء - للأمر

(1) الخراج: ما يخرج في البدن من القروح. الصحاح 1: 309.
(2) النهاية: 45، المبسوط 1: 30، الكافي في الفقه: 136، الغنية (الجوامع الفقهية): 555،
المراسم: 53، الجامع للشرائع: 45، المختصر النافع: 16، المنتهى 1: 135، نهاية الإحكام
2: 195، البيان: 84.
(3) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).
(4) المتقدمتين في ص 34.
(5) النهاية: 46
(6) القواعد 1: 22، الأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 215.
(7) راجع ص 374، 375.
(8) المتقدمة في ص 375.
382

بالغسل للمتعمد فيها - وهو الخائف أو المتألم، تكون أخص مطلقا منهما أيضا،
فتخصيصهما بها لازم.
الثامن: خوف العطش - لو استعمل الماء - على نفسه، بالاجماع المحقق
والمحكي مستفيضا (1).
للمستفيضة المعتبرة، كصحيحة محمد: الجنب يكون معه الماء القليل، فإن
هو اغتسل خاف العطش، أيغتسل به أو يتيمم؟ قال: " بل يتيم، وكذلك إذا
أراد الوضوء " (2).
وصحيحة ابن سنان: في رجل أصابته جنابة في السفر، وليس معه إلا ماء
قليل، ويخاف إن هو اغتسل أن يعطش، قال: " إن خاف عطشا فلا يهرق منه
قطرة وليتيمم بالصعيد " (3).
وموثقة سماعة: عن الرجل يكون معه الماء في السفر فيخاف قلته، قال:
" يتيمم بالصعيد ويستبقي الماء " (4) وغر ذلك.
ولا فرق في العطش بين الحال والمتوقع في زمان يخاف عدم حصول الماء،
لاطلاقها، وعموم نافيات العسر وإلقاء النفس في التهلكة.
ولا بين العطش المؤدي إلى الهلاكة أو المشقة أو الضعف أو المرض حدوثا
أو زيادة، لما مز. بل مقتضى الاطلاقات كون العطش اليسير أيضا كذلك، ولكن
الظاهر الاجماع على خروجه.
ولا بين خوف عطش نفسه أو من يعسر عليه هلاكه أو مرضه أو مشقته من
الأقارب والأصدقاء والمماليك، لما مر، سيما قوله: " فيخاف قلته " و " خاف العطش "

(1) كما في المنتهى 1: 134، والحدائق): 289.
(2) التهذيب 1: 406 / 1275، الوسائل 3: 388 أبواب التيمم ب 25 ح 2.
(3) الكافي 3: 65 الطهارة ب 43 ح 1، التهذيب 1: 404 / 1267، الوسائل 3: 388 أبواب
التيمم ب 25 ح 1.
(4) التهذيب 1: 405 / 1274، الوسائل 3: 388 أبواب التيمم ب 5 2 ح 3.
383

و " خاف عطشا ".
بل منه يظهر التعدي إلى خوف عطش كل مسلم، مضافا إلى الاجماع
وبعض مؤيدات أخر، مع فحوى تسويغ خوف العطش على نفسه، بل التعدي
إلى خوف العطش على دابته وحمولته مما يتضرر بتلفه، أو يحتاج إليه في سفره.
وإخراج ما لا يحتاج إليه في سفره وإن تضرر به جريا على الشراء قياس باطل.
ولو خاف عطش دابة لم يحتج إليه ولم يتضرر بعطشه، بأن أمكن انتفاعه
بذبحه من غير تضرر، ففيه تردد: من جهة اندفاع الضرر والعسر به، ومن صدق
خوف العطش، إلا أن يمنع تحقق الخوف في مثله، فيرجح الأول، وهو الأظهر.
ومنه يظهر عدم التعدي إلى الحربي والمرتد عن فطرة، والحيوانات الغير
المحترمة. وأما الذمي ففيه نظر، والتعدي أظهر، سيما إذا احتاج إلى رفاقته.
ثم إن الخوف. على العطش إنما يكون مع تيقن عدم حصول ماء آخر أو
ظنه، بل الظاهر تحققه مع تساوي احتمال الحصول وعدمه. وأما إذا ظن الحصول
فالظاهر عدم تحقق الخوف ولا الحجر المسوغين للتيمم.
والتسويغ لأصالة عدم الحصول - كما قيل (1) - فاسد جدا، لأن ذلك
الأصل لا يدفع الظن المناقض للخوف الموجب للتسويغ. وكذا الحكم في احتمال
حدوث العطش زمانا آخر.

(1) انظر التذكرة 1: 60.
384

الفصل الثاني: فيما يجوز به التيمم، أي ما يتمم به
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: يجوز التيمم بالتراب، إجماعا، بل ضرورة. وتدل عليه
الآية، لأن الصعيد إما التراب أو الأرض الصادقة عليه، والأخبار المتواترة.
ولا فرق فيه بين ألوانه من الأسود والأصفر والأبيض والأحمر، كالأرمني،
بإجماع العلماء، كما في التذكرة (1)، لصدق الاسم.
ولا يشترط فيه أن يكون متفرق الأجزاء غير مستمسك بعضها ببعض، بل
يصح بما كان مستمسكا أيضا، كالأرض الترابية الصلبة، لصدق التراب وعدم
صحة سلبه عنها.
وأما المدر واللبنة فلا يصدق عليهما التراب وإن جاز التيمم بهما من جهة
أخرى، كما يأتي.
الثانية: الأكثر - على ما قيل - على جواز التيمم بكل ما يصدق عليه اسم
الأرض وإن لم يكن ترابا، ونسبه في التذكرة إلى أكثر علمائنا (2)، وفي المنتهى إلى
الأصحاب (3)، للأمر في الآية والأخبار المتكثرة جدا بالتيمم بالصعيد الذي هو
وجه الأرض، كما في كلام جماعة من أهل اللغة، كصاحب العين والمحيط
والأساس والخلاص وثعلب وابن الأعرابي والراغب والشامي والزجاج مدعيا عدم
الخلاف في ذلك بين أهل اللغة (4)، ويظهر من الأخبار، كالمرويين في فقه الرضا

(1) التذكرة 1: 62.
(2) التذكرة 1: 62.
(3) المنتهى 1: 141.
(4) العين 1: 290، أساس البلاغة: 254، مفردات الراغب: 280، حكاه عن الزجاج في مقاييس
اللغة 3: 287.
385

ومعاني الأخبار المفسر أحدهما له بالموضع المرتفع (1)، والآخر بالمرتفع من
الأرض (2).
وللتصريح بجواز التيمم على الأرض في جملة من الأخبار، كصحيحة ابن
سنان: " إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض " (3).
وصحيحة الحلبي: " إن رب الماء هو رب الأرض فليتيمم) " (4).
وفي صحيحة محمد: " فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض " (5).
وفي صحيحة ليث: " تضرب بكفيك على الأرض مرتين ثم تنفضهما " (6).
والمستفيضة الواردة في التيمم البياني وأنه ضرب بيده على الأرض (7)،
والمصرحة بكون الأرض مسجدا وطهورا (8).
ويضعف الأول: بمنع كون الصعيد مطلق وجه الأرض، بل يجوز أن
يكون هو التراب الخالص، كما صرح به جماعة أخرى من اللغويين، كما في
الصحاح والمجمل - لابن الفارس - والمفصل والمقاييس (9)، وشمس العلوم
والديوان ونظام الغريب والزينة - لأبي حاتم - والجمهرة، وعن ابن عباس

(1) معاني الأخبار: 283.
(2) فقه الرضا (ع): 90 المستدرك 2: 528 أبواب التيمم ب 5 ح 2.
(3) التهذيب 1: 193 / 556، الإستبصار 1: 159 / 549، الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14
ح 7.
(4) الفقيه 1: 57 / 213، المحاسن: 372 / 133، الوسائل 3: 343 أبواب التيمم ب 3 ح 1.
(5) الكافي 3: 63 الطهارة ب 42 ح 1، التهذيب 1: 203 / 588، الإستبصار 1: 165 / 573،
الوسائل 3: 384 أبواب التيمم ب 22 ح 1.
(6) التهذيب 1: 209 / 608، الإستبصار 1: 171 / 596، الوسائل 3: 361 أبواب التيمم ب 12
ح 2.
(7) الوسائل 3: 358 و 361 أبواب التيمم ب 11 و 12.
(8) الوسائل 3: 349 أبواب التيمم ب 7.
(9) الصحاح 2: 498، مجمل اللغة 3: 226 وقال: الصعيد: التراب في كتاب الخليل، والصعيد:
الأرض المستوية، مقاييس اللغة 3: 287.
386

والأصمعي وأبي عبيدة، وربما ظهر من القاموس ومجمع البحرين (1) والكنز: الميل
إليه، والظاهر من السيد أنه المعروف من اللغويين (2)، وفسره النيشابوري به
أيضا (3)، وكذا الشيخ في النهاية (4)، ونسبه بعض مشايخنا إلى كثير من فقهائنا بل
أكثرهم (5).
وبهذه الأقوال تعارض أقوال المفسرين له بالأرض، ويخرج الأخير عن
الحجبة، مع أن الأول هو الظاهر من الآية (6)، لظهور عود الضمير المجرور ب‍
" من " إلى الصعيد، ولا ينافيه ارجاعه في الصحيح إلى التيمم (7)، لظهور أن المراد
به ما يتيمم به.
ويؤيده: قوله في صحيحة زرارة: ثم أهوى بيده إلى الأرض فوضعهما على
الصعيد (8).
وبهما يعارض الخبران (9)، مضافا إلى ضعفهما، مع أن الثابت منهما ليس إلا
الاستعمال الأعم من الحقيقة، بل لا شك في كونه مجازا، لمخالفته لكلمات جميع
أهل اللغة، ومع أن في المرتفع من الأرض والموضع المرتفع عموما يوجب الاجمال
في المراد المسقط للاستدلال.
وترجيح جعله اسما للأرض بعد الترديد دفعا للاشتراك والمجاز - كما في

(1) القاموس المحيط 1: 318 قال: الصعيد: التراب أو وجه الأرض، مجمع البحرين 3: 85.
(2) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 189، وحكاه عنه في شرح المفاتيح: (المخطوط).
(3) تفسير النيسابوري 5: 58 (المطبوع في حاشية تفسير الطبري).
(4) النهاية: 48.
(5) الوحيد البهبهاني في شرح المنافع (المخطوط).
(6) " فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ". المائدة: 6.
(7) صحيحة زرارة: انظر الوسائل 3: 364 أبواب التيمم ب 13 ح 1.
(8) الفقيه 1: 57 / 212، الوسائل 3: 360 أبواب التيمم ب 11 ح 8.
(9) وهما المرويان في فقه الرضا (ع) ومعاني الأخبار، وقد تقدما في ص 386.
387

المعتبر (1) - مبني على ترجيح الاشتراك المعنوي، وهو مطلقا ممنوع، كما بيناه في
الأصول.
والثاني: بوجوب إرادة التراب من الأرض، للمروي في الخصال والعلل،
بإسنادهما عن جابر، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): " قال الله عز وجل:
جعلت لك ولأمتك الأرض كلها مسجدا وترابها طهورا " (2).
وفي الناصريات والتذكرة وغيرهما من قوله (صلى الله عليه وآله): " جعلت لي
الأرض مسجدا وترابها طهورا " (3).
فإنهما دلا على عدم كون الأرض طهورا، لا باعتبار مفهوم اللقب، كما توهمه
المحقق فرده بذلك (5)، بل باعتبار اقتضاء التفصيل لقطع الشركة.
ولا يعارضه ما ورد بذلك المضمون من غير ذكر: " وترابها " (5)، لأن غايته
الاطلاق الواجب تقييده بعد وجود المقيد.
ولا يضر ضعف إسنادهما، مع أن بعض متأخري المحدثين وصف الحديث
بالمشهور (6)، فضعفه به مجبور، مضافا إلى أن عدم عمل السيد بخبر الآحاد
معروف، فاحتجاجه به دليل على قطعيته عنده (7).
ولصحيحتي رفاعة وابن المغيرة:

(1) المعتبر 1: 373.
(2) الخصال: 425، وعلل الشرائع: 127 / 3، وعنهما في مستدرك الوسائل 2: 529 أحكام التيمم
ب 5 ح 3.
(3) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 189، والتذكرة 1: 62، ونقله أيضا في غوالي اللآلي 2:
208 / 130، وعنه في مستدرك الوسائل 2: 530 أحكام التيمم ب 5 ح 8.
(4) المعتبر 1: 373.
(5) انظر الوسائل 3: 349 أبواب التيمم ب 7.
(6) قال الشيخ البهائي في الحبل المتين: 90، في مقام بيان احتجاج السيد المرتضى: اشتهر من قوله
(صلى الله عليه وآله): جعلت...
(7) كما احتج به في المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 189.
388

الأولى: " إذا كانت الأرض مبتلة ليس فيها تراب ولا ماء، فانظر أجف
موضع تجده [فتيمم منه] فإن ذلك توسيع من الله، فإن كان في ثلج فلينظر لبد
سرجه فليتيمم من غباره أو شئ مغبر، وإن كان في حال لا يجد إلا الطين فلا بأس
أن يتيمم به " (1)
وقريبة منها الثانية (2).
دلتا بالمفهوم على عدم كفاية غير التراب والماء مع وجودهما، وأنه لا يكفي
الطين الذي هو أيضا من الأرض اختيارا، فيكون إطلاق الأرض في بعض
الروايات مقيدا قطعا.
ويؤيده انصراف مطلقها إلى التراب، دون غيره من الحجر ونحوه، لندرته،
وغلبة التراب، وأكمليته في الأرضية.
ومنه يظهر إمكان حمل قول من فسر الصعيد بالأرض على التراب، بل هو
الظاهر من دعوى الزجاج المتقدمة (3)، إذ لو حمل مراده على مطلق الأرض لكان
مخالفا لكثير من اللغويين، ويبعد غايته عدم وقوفه على كلامهم أو عدم اعتنائه
بهم.
ومما يؤيد كون المراد بالأرض التراب: تصريحهم (عليهم السلام) بالتراب في
روايات أخر، والأخبار الدالة على اشتراط العلوق، والإمرة بالنفض.
هذا، مع عدم نهوض كثير من المطلقات المذكورة لاثبات مطلوبهم،
كصحيحة ابن سنان (4)، فإنها لتضمنها لفظة " من " ظاهرة في التراب، فإنه الذي
يمكن فيه المسح بنفض منه.

(1) التهذيب 1: 189 / 546، الإستبصار 1: 156 / 539، الوسائل 3: 354 أبواب التيمم ب 9
ح 4، وما بين المعقوفين من المصدر.
(2) الكافي 3: 66 الطهارة ب 2، ح 4، الوسائل 3: 356 أبواب التيمم ب 9 ح 10.
(3) في ص 385.
(4) المتقدمة في ص 386.
389

ولو سلم إطلاقها لم يفد أيضا، لجواز أن يكون المراد بالطهور فيها الماء
والتراب معا كما وقع التصريح به في الأخبار المتكثرة، فيكون المطلق كافيا بعد
العجز، ولا كلام فيه هنا.
وأخبار التيممات البيانية (1)، فإن الاطلاق في الأخبار عن الواقعة لا يدل
على كفاية جميع أفراد المطلق.
وصحيحة ليث (2)، فإن الأمر بالنفض فيها ظاهر في أن المراد التراب.
وإذ ظهر ضعف هذه الوجوه، والأصل عدم توقيف التيمم بمطلق ما
يصدق عليه الأرض، فالحق: العدم، كما ذهب إليه جماعة منهم: السيد (3)
والحلبيان (4) والإسكافي (5) والنافع (6)، بل يظهر من الناصريات الاجماع عليه (7).
الثالثة: لا يجوز التيمم بالحجر، وفاقا للناصريات مدعيا - ظاهرا - الاجماع
عليه، والإسكافي ونهاية الشيخ والسرائر وعن التهذيب والغنية والوسيلة والمراسم
والجامع (8)، بل - كما قيل - هو الظاهر من كل من اشترط العلوق (9)، ومال إليه
شيخنا البهائي (10)، ونسبه جماعة إلى الأكثر، وبعض مشايخنا إلى الأعاظم، قال:
إن الأعاظم منعوا عنه، مع كثرتهم وكونهم المؤسسين لمذهب الشيعة ورؤساءهم

(1) انظر الوسائل 3: 358 و 361 أبواب التيمم ب 11 و 12.
(2) المتقدمة في ص 386.
(3) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 26 وحكاه عن شرح الرسالة في المعتبر 1: 372.
(4) أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 136، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 552.
(5) نقله عنه في الرياض 1: 75.
(6) المختصر النافع: 16.
(7) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 188.
(8) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 188، حكى عن الإسكافي في المختلف: 48، النهاية:
49، السرائر 1: 137، التهذيب 1: 192، الغنية (الجوامع الفقهية): 552، الوسيلة: 71،
المراسم: 53، الجامع للشرائع: 47.
(9) كما في الحدائق،: 299، والرياض 1: 75.
(10) الحبل المتين: 338.
390

المشهورين وعمدهم المعروفين (1). وهو ظاهر في دعوى شهرة القدماء.
للأصل، وتوقيفية العبادة، وتعليق الطهورية بالتراب، وصحيحتي رفاعة
وابن المغيرة السابقتين (2)، بل صحيحة ابن سنان بالتقريب المتقدم (3)، وتؤيده أدلة
العلوق وأخبار النفض.
خلافا للمحكي عن المبسوط والخلاف والجمل والمصباح والبيان والدروس
واللمعة والكفاية (4)، واللوامع والمعتمد، والفاضلين في غير النافع والنهاية (5) فترددا
فيهما (6)، ونسب إلى الشهرة المتأخرة بل المطلقة (7)، وعن الطبرسي في المجمع:
الاجماع عليه (8).
لاستصحاب جواز التيمم عليه قبل التحجر، وصدق الأرض، والمرويين
في الدعائم ونوادر الراوندي:
الأول: " ولا يجوز التيمم بالجص ولا بالرماد ولا بالنورة ويجزي بالصفا
الثابت (9) في الأرض إذا كان عليه غبار ولم يكن مبلولا " (10).
والثاني: فقيل له: أيتمم بالصفا الثابتة (11) على وجه الأرض؟ قال:

(1) شرح المفاتيح (المخطوط).
(2) في ص 389.
(3) راجع ص 389.
(4) المبسوط 1: 32، والخلاف 1: 134، والجمل والعقود (الرسائل العشر): 168، ومصباح
المتهجد: 13، والبيان: 85، والدروس: 1: 130، واللمعة (الروضة 1): 154، وكفاية الأحكام: 8.
(5) المحقق في المعتبر 1: 376، والعلامة في التذكرة 1: 62، والتحرير 1: 21، والقواعد 1: 22،
والمنتهى 1: 141.
(6) المختصر النافع: 16، ونهاية الإحكام 1: 198.
(7) كما في الحدائق 4: 293، والرياض 1: 75.
(8) مجمع البيان 2: 52.
(9) في المصدر: النابت.
(10) دعائم الاسلام 1: 121، مستدرك الوسائل 2: 532 أحكام التيمم ب 5 ح 13.
(11) في المصدر: البالية.
391

" نعم " (1) والصفا هو الحجر.
ورواية السكوني: عن التيمم بالجص فقال: " نعم " فقيل: بالنورة؟
فقال: " نعم " فقيل: بالرماد؟ فقال: " لا إنه ليس يخرج من الأرض إنما يخرج من
الشجر) (2) دلت على أن الخروج من الأرض علة لجواز التيمم، والحجر خرج
منها.
وتجويز التيمم باللبن في الموثق (3)، وعدم القول بالفرق بينه وبين الحجر.
وقد يستظهر للجواز: بأن الحجر تراب اكتسبت رطوبة لزجة وعملت فيه
الحرارة فأفادته استمساكا (4).
ويجاب عن الأول: بمنع كون كل حجر أصله ترابا، فلعله مخلوق أولا،
أو متكون من الماء أو منه ومن التراب معا، وعلى فرض التسليم يدفع استصحاب
الجواز ببعض ما مر.
وعن الثاني: أولا بعدم معلومية كون الحجر أرضا فيتجه منعه، بل ظاهر
الإسكافي المنع من كونه منها (5)، وهو الظاهر من السرائر أيضا (6)، وصرح بالمنع
بعض المعاصرين (7). ودعوى الاجماع على كونه أرضا غير مسموعة، بل الظاهر
عدم الصدق، لعدم التبادر، وصحة السلب عرفا.
وثانيا بمنع الجواز في مطلق الأرض، كما مر.
وعن الروايتين الأوليين: بعدم حجيتهما. وانجبارهما بدعوى الشهرة إنه إنما
كان إذا لم تعارضها دعواها على الخلاف، مع أنهما أعمان من صورة فقد التراب،

(1) نوادر الراوندي: 50، مستدرك الوسائل 2: 533 أحكام التيمم ب 6 ح 2.
(2) التهذيب 1: 187 / 539، الوسائل 3: 352 أبواب التيمم ب 8 ح 1.
(3) موثقة سماعة الآتية في ص 399.
(4) كما في روض الجنان: 121.
(5) حكاه عنه في المختلف: 48.
(6) السرائر 1: 137.
(7) المحقق القمي في غنائم الأيام: 54.
392

فتخصصان بها للصحيحين المتقدمين (1).
وعن الثالثة: بأن مدلولها علية عدم الخروج لعدم الجواز، دون علية الخروج
للجواز.
وعن الأخير: بمنع الاجماع المركب.
وعن الاستظهار: بمنع كونه ترابا، ولو صح ذلك جرى في المعادن أيضا.
ثم إنه على ما اخترناه من عدم الجواز، فهل يختص بحال الاختيار، ويجوز
مع فقد التراب التيمم بالأحجار، كما هو صريح الشيخين والديلمي والحلي
والوسيلة والجامع (2)، وعليه الاجماع عن المختلف والروضة (3)، أو يعم المنع، كما
هو ظاهر إطلاق بعض المانعين (4)؟ الحق هو الأول، لخبري الدعائم والنوادر (5)،
المنجبرين بما ذكر هنا قطعا، الخالي عن معارضة دعوى الشهرة على الخلاف في
المورد.
قيل: إن صدق عليه اسم الأرض، جاز التيمم به مع التراب أيضا، وإلا
امتنع مع فقده (1).
قلنا: يمكن أن يجوز مع فقده لا لصدق الأرض، بل لدليل آخر.
الرابعة: لا يصح التيمم بشئ من المعادن غير التراب، أو الأرض أيضا
على القول به، بالاجماع كما في المنتهى (7)، للأصل. ونسب الخلاف فيها إلى

(1) وهما صحيحتا رفاعة وابن المغيرة راجع ص 389.
(2) المفيد في المقنعة: 60، الشيخ في النهاية: 49، الديلمي في المراسم: 53، الحلي في السرائر 1:
137، الوسيلة: 71، الجامع للشرائع: 47.
(3) المختلف: 48 ولم نعثر فيه على ادعاء الاجماع، الروضة البهية 1: 154.
(4) كالحلبي في الكافي في الفقه: 136، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 552.
(5) المتقدمين في ص 391.
(6) كما في المدارك 2: 200.
(7) المنتهى 1: 141.
393

العماني (1)، لخروجها من الأرض. وضعفه ظاهر.
ولا بالرماد وإن كان من التراب، بالاجماع المحقق والمحكي في المنتهى (2)
وغيره (3)، لما ذكر، وروايتي السكوني والدعائم، المتقدمتين (4)، والمروي في
النوادر: " ولا يجوز بالرماد، لأنه لم يخرج من الأرض " (5).
ولا بالخزف والآجر، وفاقا للإسكافي (6)، والمعتبر (7)، للأصل الخالي عن
معارضة صدق التراب، أو الأرض على القول بالتجويز بها.
وظاهر التذكرة الجواز (8) - واستشكل في المنتهى (9) - لاستصحاب الجواز،
بل استصحاب الترابية للشك في زوالها.
وعورض باستصحاب الشغل (10).
ويضعف بأن الأولين مزيلان للثاني.
فالصواب أن يجاب بمنع الصدق جدا، وبه يبطل أحد الاستصحابين
الموجب لبطلان الآخر، لتغير الموضوع الذي هو التراب.
ولا بالوحل - وهو الطين الرقيق - اختيارا، بل وكذا مطلق الطين، وفاقا
لجماعة منهم: شرح القواعد والمدارك (11) واللوامع، للأصل المتقدم، والمفهوم في

(1) حكاه عنه في المدارك 2: 200.
(2) المنتهى 1: 142.
(3) كما في المدارك 2: 200.
(4) في ص 391 و 392.
(5) نوادر الراوندي: 50، مستدرك الوسائل 2: 533 أحكام التيمم ب 6 ح 2.
(6) حكاه عنه في التذكرة 1: 62.
(7) المعتبر 1: 375.
(8) التذكرة 1: 62.
(9) المنتهى 1: 141.
(10) كما في الرياض 1: 76.
(11) جامع المقاصد 1: 481، المدارك 2: 204.
394

صحيحتي رفاعة وابن المغيرة، المتقدمتين (1)، وفي موثقتي زرارة وحسنة أبي بصير
الآتية (2).
وبه تقيد إطلاقات بعض الروايات، كرواية زرارة: رجل دخل الأجمة ليس
فيها ماء وفيها طين، ما يصنع؟ قال: " يتيمم فإنه الصعيد " قلت: فإنه راكب لا
يمكنه النزول من خوف وليس هو على وضوء قال: " إن خاف على نفسه من سبع
أو غيره وخاف فوت الوقت فليتيمم، يضرب بيده على اللبد والبردعة (3) ويتيمم
ويصلي " (4).
كما أنه يجب حمل قوله: " فإنه الصعيد " على أنه أصله وجزؤه المعظم،
فيصح التيمم به حال العذر، بقرينة ما في روايات أخر من أنه صعيد وماء، فلا
يصح الاحتجاج على الجواز المطلق به.
وهل يجوز التيمم بالتراب الندي الغير البالغ حد صدق الطين حال
الاختيار؟ الظاهر نعم، كما صرح به المحقق (5)، والفاضل في التذكرة بل نسبه
فيه إلى علمائنا (6)، وذهب إليه في شرح القواعد (7)، واختاره والدي - رحمه الله - في
اللوامع، لصدق التراب، بل وكذلك لو شك في خروجه عن الترابية،
للاستصحاب.
ويظهر من بعض مشايخنا المحدثين الميل إلى عدم جواز التيمم بالتراب

(1) في ص 389.
(2) في ص 401.
(3) البرذعة والبردعة: الحلس يلقي تحت الرحل. القاموس المحيط 3: 4.
(4) التهذيب 1: 190 / 547، الإستبصار 1: 156 / 540، الوسائل 3: 354 أبواب التيمم ب 9
ح 5.
(5) المعتبر 1: 374.
(6) التذكرة 1: 62.
(7) جامع المقاصد 1: 481.
395

الرطب مع وجود الجاف (1)، للصحيحتين المتقدمتين (2)، والحكم فيهما بأن
الانتقال إلى الأجف من باب التوسيع، والمرويين في نوادر الراوندي والدعائم:
الأول: " من أخذته سماء شديدة والأرض مبتلة فليتيمم من غيرها [ولو] من
غبار ثوبه أو غبار سرجه أو إكافه " (3)
والثاني: " من أصابته جنابة والأرض مبتلة فلينفض لبده وليتيمم بغباره،
كذلك قال أبو جعفر وأبو عبد الله (عليهما السلام): لينفض ثوبه أو لبده أو إكافه إذا
لم يجد ترابا طيبا " (4).
والجواب أن المصرح به في الصحيحين انتفاء التراب، فيكون المراد بالأجف
الطين الأجف أو شئ آخر من اللبد والثوب.
والروايتان ضعيفتان غير صالحتين لتقييد مطلقات التراب والأرض، مع أن
قوله في الأخيرة: " إذا لم يجد ترابا " صريح في أن المراد الوصول إلى حد الطين.
نعم، يستفاد من الصحيحة وجوب تقديم الأجف فالأجف في صورة
الانتقال إلى الطين، وهو كذلك.
الخامسة: يجوز التيمم بأرض الجص والنورة قبل الاحراق، على الأظهر
المختار، عند الأكثر ومنهم: المقنعة والمبسوط والوسيلة والقواعد والدروس
والبيان (5)، وعن المهذب أيضا في الأول (6)، كما عن الجامع والنافع في الثاني (7).

(1) الحدائق 4: 315.
(2) في ص 389.
(3) نوادر الراوندي: 53، مستدرك الوسائل 2: 534 أحكام التيمم ب 7 ح 3، وبدل ما بين المعقوفين
في النسخ: أو، وما أثبتناه موافق للمصدر، والإكاف: البرذعة. القاموس المحيط 3: 122
(4) دعائم الاسلام 1: 121، مستدرك الوسائل 2: 534 أبواب التيمم ب 7 ح 4.
(5) المقنعة 59، المبسوط 1: 32، الوسيلة: 71، القواعد 1: 22، الدروس 1: 130، البيان:
85.
(6) المهذب 1: 31.
(7) الجامع للشرائع: 47، المختصر النافع: 16.
396

لا لصدق الأرض كما قيل (1)، لما مر.
بل لرواية السكوني، المتقدمة (2)، والمروي في النوادر: " يجوز التيمم بالجص
والنورة " (3) المنجبر ضعفهما - لو كان - بعمل الأكثر، كما نمص عليه جمع ممن تأخر،
ولا تعارضهما رواية الدعائم، المذكورة (4)؟ لضعفها الخالي عن الجابر في
المقام.
وكذا بعد الاحراق، على الأقوى، الموافق للمحكي عن مصباح السيد
والمراسم والمعتبر والتذكرة والذكرى فيهما (5)، وعن ظاهر النافع والشرائع
والتلخيص والتبصرة ونهاية الإحكام وصريح الوسيلة في الأول (6).
لاطلاق الخبرين، واستصحاب الجواز، وصدق اسم الأرض عند القائل
بكفايته.
خلافا للحلي فمنع عنهما مطلقا (7)، للمعدنية.
ويضعف: بعدم مانع في المعدن سوى الاجماع المعلوم انتفاؤه هنا، والأصل
الواضح اندفاعه بما مر.
ولنهاية الشيخ طاب ثراه (8)، فمنع في الاختيار، ولم أعثر على دليله.
وللمحكي عن الأكثر ومنهم: المبسوط والمقنعة والسرائر (9)، والاصباح،

(1) كما في التذكرة 1: 62.
(2) في ص 392.،
(3) نوادر الراوندي: 50، مستدرك الوسائل 2: 533 أحكام التيمم ب 6 ح 2.
(4) في ص 391.
(5) نقله عن مصباح السيد في المعتبر 1: 375، المراسم: 54، المعتبر 1: 375، التذكرة 1: 62،
الذكرى: 21.
(6) المختصر النافع: 16، الشرائع: 47، التبصرة: 16، نهاية الإحكام 1: 199، الوسيلة: 71.
(7) السرائر 1: 137.
(8) النهاية: 49.
(9) المبسوط 1: 32، المقنعة: 59، السرائر 1: 137.
397

فمنعوا فيهما بعد الاحراق، ونهاية الإحكام والتلخيص واللمعة وشرح القواعد (1)،
ففي الثاني بعده، لضعف الخبرين (2)، واختصاص الجابر بالقبل.
ولو سلم فيعارضهما خبر الدعائم (3) المنجبر فيه ولو بالشهرة المحكية، كما
يعارض استصحاب الجواز بأصالة عدمه واستصحاب الشغل.
وجوابه - بعد منع ضرر ضعف سند رواية السكوني عندنا - أن دعوى
الشهر على المنع من بعض المتأخرين (4) تعارض نسبة بعض آخر الجواز المطلق إلى
الأكثر (5)، وبه يبقى خبر الدعائم خاليا عن الجابر، ورواية السكوني عن
المعارض.
وبها يدفع استصحاب شغل الذمة وعدم الجواز، مع معارضتهما
باستصحاب الجواز المزيل لهما المقدم عليهما.
وعن المنتهى والمختلف وفي المدارك: الإحالة إلى صدق اسم الأرض (6).
وهو موجه على اعتباره وعدم اعتبار الخبرين.
ويجوز أيضا بالأرض السبخة، وهي المالحة النشاشة، على الأظهر الأشهر،
بل عليه الاجماع في المعتبر (7)، لصدق التراب.
خلافا للمحكي عن الإسكافي فمنع عنها (8).
ولعله لما عن أبي عبيدة: أن الصعيد هو التراب الخالص الذي لا يخالطه

(1) نهاية الإحكام 1: 199، اللمعة (الروضة 1): 155، جامع المقاصد 1: 482.
(2) أي خبر السكوني والخبر المروى في النوادر، راجع ص 391 و 392.
(3) المتقدم في ص 391.
(4) المحقق السبزواري في الذخيرة: 98.
(5) الفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 61.
(6) المنتهى 1: 142، المختلف: 48، المدارك 2: 201.
(7) المعتبر 1: 374.
(8) حكاه عنه في المختلف: 49.
398

رمل ولا سبخ (1). وهو معارض بما مر في تفسير الصعيد (2).
أو للصحيح: " لا تصل على الزجاج وإن حدثتك نفسك أنه مما أنبتت
الأرض، ولكنه من الملح والرمل وهما ممسوخان " (3).
وفيه: أنه ليس فيه ذكر السبخة، وإنما فيه الرمل والملح، وهو لا يقول بالمنع
عن الأول، ولا كلام في المنع عن الثاني، لعدم صدق التراب.
وكذا بالمدر ومنه اللبن، إجماعا محققا ومحكيا في التذكرة (4)، له، ولصدق
التراب كما صرح به فيه، وموثقة سماعة: عن رجل مرت به جنازة وهو [على] غير
طهر، قال: " يضرب يديه على حائط لبن فيتيمم " (5).
والايراد عليه: بأنه - لعدم اشتراط الطهارة في صلاة الجنازة - يمكن أن
يكون ذلك تعبدا لا طهورا كما في تيمم النوم، ويؤيده شمول الرواية باطلاقها لحال
وجود الماء، مدفوع: بالاجماع على عدم استحباب ذلك إلا للطهورية وعدم
استحباب غير الطهور. وشمولها لحال وجود الماء غير ضائر، إذ يمكن أن تكون
الصلاة تفوت باستعماله.
وبالبطحاء - وهو التراب اللين في سبيل الماء - بالاجماع، لصدق التراب.
وبالرمل، إجماعا أيضا، كما في المعتبر والتذكرة وشرح القواعد واللوامع
وظاهر المنتهى (6)، له، وللصدق المذكور، والعامي المذكور في التذكرة والمنتهى
- المجبور بما ذكر -: إنا نكون بأرض الرمل فتصيبنا الجنابة والحيض والنفاس، فلا

(1) كما نقله في الحبل المتين: 90، عن ابن دريد عن أبي عبيدة.
(2) راجع ص 385.
(3) الكافي 3: 332 الصلاة ب 27 ح 14، التهذيب 2: 304 / 1231، علل الشرائع: 342 / 5،
الوسائل 5: 360 أبواب ما يسجد عليه ب 12 ح 1.
(4) التذكرة 1: 62.
(5) الكافي 3: 178 الجنائز ب 49 ح 5، التهذيب 3: 203 / 477، الوسائل 3: 111 أبواب صلاة
الجنازة ب 21 ح 5 وما بين المعقوفين من المصدر.
(6) المعتبر 1: 374، التذكرة 1: 62، جامع المقاصد 1: 483، المنتهى 1: 141.
399

نجد الماء أربعة أشهر وخمسة أشهر، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): " عليكم
بالأرض أو بأرضكم " (1).
وبتراب القبر ما لم يعلم نجاسته، وبالمستعمل، للأصل.
السادسة: لا يجوز التيمم بغير التراب أو الأرض - على اختلاف القولين -
وسائر ما ذكر اختيارا وإن كان مغبرا، للأصل، وتعليق تجويز غيرهما مما جوز في
الأخبار بفقدهما.
خلافا للمحكي عن ظاهر المبسوط ونهاية الإحكام والشرائع والقواعد (2)،
فجوزوا بالمغبر مع وجود الحجر الذي هو الأرض عندهم، مع قولهم بكفاية صدق
اسم الأرض مطلقا.
ولظاهر السيد (3)، واستقواه في المنتهى (4)، ونسبه في المفاتيح إلى الإسكافي
أيضا (5) - وكأنه سهو كما قيل (6) - فجوز بالمغبر مع التراب، لكون الغبار ترابا.
وفيه منع واضح، لعدم التبادر، وصحة السلب، مع أن الغبار غير المغبر.
ومنه يظهر رجوع النزاع إلى ترابية الغبار وعدمها.
السابعة: إذا لم يجد التراب يتيمم بشئ فيه غبار كالثوب واللبد وعرف
الدابة (3) والبساط وغيرها، وبالحجر ولو خلا عن الغبار، وبالطين والوحل.
أما جوازه بالمغبر فبعد الاجماع المحقق والمنقول في المعتبر والتذكرة (8)،

(1) التذكرة 1: 62، المنتهى 1: 141، سنن البيهقي 1: 217 بتفاوت يسير.
(2) المبسوط 1: 32، نهاية الإحكام 1: 199، الشرائع 1: 48، القواعد 1: 23.
(3) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 26.
(4) المنتهى 1: 142.
(5) مفاتيح الشرائع 1: 61.
(6) شرح المفاتيح (المخطوط).
(7) عرف الديك والفرس والدابة: منبت الشعر والريش من العنق. لسان العرب 9: 241.
(8) المعتبر 1: 376، والتذكرة 1: 62.
400

لصحيحتي رفاعة وابن المغيرة، المتقدمتين (1)، وحسنة أبي بصير: " إذا كنت في حال
لا تقدر إلا على الطين فتيمم به، فإن الله أولى بالعذر، إذا لم يكن معك ثوب جاف
أو لبد تقدر على أن تنفضه وتتيمم به " (2).
وصحيحة زرارة: أرأيت المواقف إن لم يكن على وضوء كيف يصنع ولا يقدر
على النزول؟ قال: " يتيمم من لبده أو سرجه أو معرفة دابته، فإن فيها غبارا
ويصلي " (3).
وموثقتي زرارة: " إن أصابه الثلج فلينظر لبد سرجه فيتيمم من غباره أو من
شئ معه، وإن كان في حال لا يجد إلا الطين فلا بأس أن يتيمم به " (4).
والمرويين في الدعائم والنوادر، المتقدمين في المسألة الرابعة (5)، ورواية
الدعائم، المتقدمة في الثالثة (6)، وهي وإن كانت مطلقة بالنسبة إلى الاختيار
وعدمه، إلا أنها ضعيفة في غير محل الانجبار.
والاقتصار في بعض تلك الأخبار على اللبد أو مع الثوب أو مع السرج أو
العرف، بعد عموم قوله في الصحيحتين: " أو شئ مغبر " وفي الموثقتين: " أو من
شئ معه " والتعليل في صحيحة زرارة: " فإن فيها غبارا " غير ضائر - كما أن
إطلاق بعضها بالنسبة إلى المغبر وغيره غير مفيد للتعميم، بعد التقييد في بعض

(1) في ص 389.
(2) الكافي 3: 67 الطهارة ب 44 ح 1، التهذيب 1: 189 / 543، الإستبصار 1: 156 / 537،
الوسائل 3: 354 أبواب التيمم ب 9 ح 7.
(3) التهذيب 1: 189 / 544، الإستبصار 1: 157 / 541، مستطرفات السرائر: 73 / 11،
الوسائل 3: 353 أبواب التيمم ب 9 ح 1.
(4) الأولى: التهذيب 1: 189 / 545، الإستبصار 1: 158 / 545، الوسائل 3: 353 أبواب
التيمم ب 9 ح 2، الثانية: التهذيب 1: 191 / 551، الوسائل 3: 353 أبواب التيمم ب 9 ح 2
بتفاوت في السند.
(5) راجع ص 396.
(6) راجع ص 391.
401

آخر بالأمر بالتيمم بالغبار أو المغبر، والأمر في بعض بالنفض، مضافا إلى الاجماع.
وأما بالحجر ولو كان خاليا عن الغبار: فلرواية النوادر، السالفة في الثالثة (1)،
وهي وإن كانت مطلقة بالنسبة إلى فقد التراب ووجوده، إلا أن ضعفها مانع عن
العمل بها في غير موضع الانجبار.
وأما بالطين والوحل: فللمستفيضة المتقدمة.
ثم إنه يترتب المغبر والحجر مع الطين، فالأولان مقدمان على الثالث سواء
كان وحلا أو غيره ولكن لا ترتيب بين الأولين، كما ليس بين الأشياء المغبرة.
أما الحكم الأول فهو المعروف من مذهب الأصحاب، بل في صريح
المنتهى وظاهر الذكرى: عليه الاجماع (2)، لتعليق تجويز التيمم بالطين في الموثقتين
والصحيحتين والحسنة بحال لا يجد غيره مما ذكر في الروايات عموما أو خصوصا،
فيدل بالمفهوم على عدم الجواز بدون تلك الحال.
مضافا إلى التصريح في الحسنة بأنه إنما هو إذا لم يكن معه ثوب أو لبد، وفي
الصحيحتين بتعين الأجف، ولذلك يقيد اطلاق رواية ابن مطر (3).
خلافا للمحكي عن المهذب وبعض المتأخرين (4)، فقدم الطين عليهما،
لرواية زرارة، المتقدمة في الرابعة (5).
ورده في المنتهى (6) تارة: بعدم الدلالة، لعدم التعرض فيها لنفي التراب،
فلعل التيمم به. وهو تمحل بعيد.
وأخرى: بالضعف، وهو كذلك سندا وعملا، فإن مضمونها مخالف

(1) راجع ص 391.
(2) المنتهى 1: 143، الذكرى: 22.
(3) التهذيب 1: 190 / 549، الوسائل 3: 354 أبواب التيمم ب 9 ح 6.
(4) الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1: 61.
(5) راجع ص 395.
(6) المنتهى 1: 143.
402

للمعروف من مذهب الأصحاب المدعى عليه الاجماع، فلا تكون حجة.
مع أن محط الاستدلال إن كان صدرها فهو مطلق يجب تقييده، وإن كان
قوله: " فإنه راكب... " فهو غير دال، لامكان ارجاع الضمير إلى الرجل
مطلقا، وكون الفاء للتعقيب الذكري، ويكون سؤالا عن راكب يخاف النزول
سواء وجد التراب لو نزل أم لا، من غير أن يكون من تتمة سابقه، ويؤكده قوله:
" وليس على وضوء، ولو كان تتميما لما سبق لكان ذلك لغوا.
ولبعض مشايخنا المحققين، فقدمه على الحجر، لما يأتي (1).
وأما الثاني: فلثبوت جواز التيمم بكل منهما مع فقد التراب، والأصل عدم
تعين أحدهما للتقديم.
فإن قيل: مقتضى الصحيحين (2) الرجوع إلى الأجف والمغبر، ولازمه عدم
جواز الانتقال إلى غيرهما، ولو كان حجرا فيؤخر.
قلنا: مقتضى رواية النوادر (3) - المنجبرة في المقام - جواز التيمم بالحجر ولو
مع وجود الأجف والمغبر فيعارضان، فيرجع إلى التخيير أو أصالة عدم التعيين،
مع أن قوله: " أو من شئ معه " (4) عام خرج عنه غير المغبر والحجر بالاجماع،
فيبقى الباقي.
خلافا للشيخ في النهاية والحلي، فقدما الحجر الخالي عن الغبار (5).
وللديلمي فعكس (6)، ونسبه بعض مشايخنا إلى السيد أيضا واختاره (7)،
ولعله للصحيحين وما بمعناهما الدالين على الانتقال إلى الغبار بعد انتفاء التراب،

(1) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).
(2) صحيحتا رفاعة وابن المغيرة راجع ص 389.
(3) المتقدمة في ص 391.
(4) في موثقتي زرارة راجع ص 401.
(5) النهاية: 49، الحلي في السرائر 1: 137.
(6) المراسم: 53.
(7) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).
403

وضعف مستند الحجر، فيقتصر فيه على موضع الاجماع وهو بعد الغبار والطين.
وبعد ما عرفت من جبر ضعف مستنده يظهر لك دفع ذلك.
وأما الثالث: فلظواهر النصوص المتقدمة، وفاقا للمفيد (1) بل الأكثر،
وخلافا لنهاية الشيخ، فقدم اللبد والعرف على الثوب (2)، وللحلي فعكس (3)، ولا
نعرف لهما دليلا سوى ما في المنتهى للشيخ من كثرة وجود أجزاء التراب غالبا فيهما
دون الثوب (4).
وضعفه ظاهر، لمنع الكثرة أولا، وعدم اعتبارها ثانيا، لاطلاق النصوص.
ومنه يظهر أنه لو كان هناك أشياء مغبرة وكان به بعضها أكثر غبارا لم يجب
تقديمه.
خلافا للمحكي عن الثانيين (5)، ولا وجه له، كما لا وجه لما عن الإسكافي
من تخصيص الغبار بما لم يكن على الحيوان (6)، مع أن ظاهر عرف الدابة صريح
في رده، لعدم الفرق، فيجوز ولو كان الغبار على جسد نفسه.
وهل يشترط في المغبر كون غباره مما يتيمم به من تراب ونحوه؟ الظاهر:
نعم، كما به صرح جماعة منهم: السيد والحلي والفاضل (7)، لا لأجل حمل اطلاق
الأخبار على الغالب، لكون كل من الغلبة والحمل محل النظر، بل لمنع كون غيره
- كغبار الدقيق والأشنان ونحوه - غبارا حقيقة لغة، ولا أقل من الشك، فلا يندفع
أصالة اشتغال الذمة به.

(1) المقنعة: 59.
(2) النهاية: 49.
(3) السرائر 1: 138.
(4) المنتهى 1: 142.
(5) المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 483، والشهيد الثاني في المسالك 1: 16.
(6) حكاه عنه في المختلف: 49.
(7) السيد في المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 188، والحلي في السرائر 1: 138، الفاضل
في المنتهى 1: 142.
404

والغبار المركب منهما والمشكوك فيه كغبار ما لا يتيمم به، والوجه ظاهر.
فروع:
أ: إن تمكن من تجفيف الطين والوحل - ولو بطليه على الجسد ثم فركه -
حتى يجتمع التراب ويتيمم به، وجب، تحصيلا لمقدمة الواجب المقدورة.
ب: لو أمكن جمع الغبار بنفض الثوب ومثله بحيث يجتمع به تراب صالح
للتيمم به، جاز قطعا.
وهل يجب مقدما على التيمم بالثوب ونحوه؟ الظاهر: نعم، لعدم تحقق
فقد التراب حينئذ، ووجوب تحصيل مقدمة الواجب.
ومنع صدق التراب على الغبار المجتمع ضعيف، بل هو تراب عرفا، كما
يدل عليه كلام الديلمي (1)، وصرح به بعض المحققين (2)، مع أن دلالة حسنة أبي
بصير (3) على ذلك محتملة.
ج: الظاهر كفاية الغبار الكامن في المحل، وعدم اشتراط نفضه في التيمم
على الثوب ونحوه، لاطلاق الأخبار.
وقيل: يشترط (4)، للحسنة.
ودلالتها على الوجوب غير واضحة، مع أنه يمكن أن يكون المراد منها نفض
الثوب وجمع غباره والتيمم به، فيخرج عن المورد.
د: يجوز التيمم بالغبار المتصاعد من الأرض المغصوبة، لعدم كونه مالا،
ولكن لا يجوز إذا كان المحل المغبر مغصوبا.
وصريح الإسكافي اشتراط عدم كون المغبر نجسا (5)، وفيه نظر.

(1) المراسم: 53.
(2) الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 145.
(3) المتقدمة في ص 401.
(4) انظر جامع المقاصد 1: 483.
(5) حكاه عنه في المختلف: 49.
405

وكذا إذا كان الغبار متصاعدا من تراب نجس، لاطلاق الأخبار، وعدم
معلومية تعدي الاجماع - الذي هو دليل اشتراط طهارة المتيمم به كما يأتي (1) - إلى
هنا أيضا.
ه‍: الأصح في كيفية التيمم بالطين والوحل ما عن السرائر أنه كالتيمم
بالتراب (2)، لظاهر الأخبار.
وعن المقنعة والخلاف والنهاية والمبسوط والمهذب: أنه يضع يديه ثم يرفعهما
فيمسح إحداهما بالأخرى ويفرك طينهما حتى لا تبقى فيهما نداوة ثم يمسح (3)،
وعلل بكونه مقتضى ظاهر النصوص (4).
وفيه منع ظاهر، مع احتمال إخلاله بالموالاة.
وعن الوسيلة والتحرير: أنه يترك يديه بعد الضرب حتى ييبس ثم ينفض
ويتيمم به (5).
وعن التذكرة ونهاية الإحكام: أنه الوجه إن لم يخف فوات الوقت، فإن
خاف عمل بمذهب الشيخين (6).
ولا يخفى أنه قد يفوت به أيضا، مع أن ما في الوسيلة ليس تيمما بالطين،
بل هو التجفيف والتيمم بالتراب.
الثامنة: لو لم يوجد إلا الثلج فإن أمكن تحصيل الماء منه بإذابة أو عصر أو
كسر أو وضع اليد عليه حق يجتمع فيها يسير ماء يجري على الجسد أو يمسح به
بحيث يجري ماؤه، وجبت الطهارة المائية ولم يجز التيمم مطلقا، لصدق وجدان

(1) انظر: ص 410.
(2) السرائر 1: 138.
(3) المقنعة: 59، الخلاف 1: 155، النهاية: 49، المبسوط 1: 32، المهذب 1: 31.
(4) كما في المعتبر 1: 377.
(5) الوسيلة: 71، التحرير 1: 22.
(6) التذكرة 1: 62، نهاية الإحكام 1: 200.
406

الماء، وعليه الاجماع في كلام الأصحاب.
وإن لم يمكن ذلك، ولا التطهر منه بمثل الدهن، انتقل إلى التيمم
بالاجماع أيضا.
وإن أمكن الدهن به فهو إما بأخذ نداوة منه باليد والتدهين بها، أو بمسحه
على الجسد.
فالأول يرجع إلى مسألة جواز الدهن في الطهارة وعدمه مطلقا أو اضطرارا،
ولا خصوصية نصا ولا خلافا للدهن بماء الثلج أو غيره، فلا وجه للتعرض له هنا.
وكذا الثاني أن قلنا: إن الدهن المتنازع فيه سابقا أعم من الدهن بأخذ الماء
أو من التمسح بالشئ الرطب ولو بمثل الثلج، وإن قلنا باختصاصه بالأول وعدم
شمول الدهن لمثل ذلك، فيكون لاختصاصه بالذكر هنا وجه.
والحق فيه: العدم، لأصالة عدم المشروعية، لعدم صدق الغسل، ولأن
إجزاءه إما مقدم على التيمم، أو مؤخر عنه.
فإن كان الأول، يدفعه: إطلاق الصحيحتين والموثقتين المتقدمة (1).
ولا تعارضها صحيحة علي، المتقدمة في مسألة حد الغسل من باب
الوضوء (2)، لعدم حجيتها، لمخالفة عمل الأصحاب، إذ لم يقل بالتطهر من الثلج
إلا الشيخان وابنا حمزة وسعيد (3)، وهؤلاء صرحوا بتأخره عن التيمم، فلا قائل
بمدلولها، مع أن كلامهم صريح في أخذ النداوة باليد، وأما المسح بالجسد فلم
يقل به أحد.
وعلى فرض الحجية فتتعارض مع الأربعة بالعموم من وجه، لاختصاص

(1) صحيحتا رفاعة وابن المغيرة وموثقتا زرارة. راجع ص 389 و 401.
(2) التهذيب 1: 192 / 554، الإستبصار 1: 158 / 547، الوسائل 3: 357 أبواب التيمم ب 10
ح 3.
(3) المفيد في المقنعة: 59، الشيخ في النهاية: 47، ابن حمزة في الوسيلة: 71، ابن سعيد في الجامع
للشرائع: 47.
407

الصحيحة بصورة القدرة على التطهر بالثلج وعمومها بالنسبة إلى حصول الغسل
والجريان، واختصاص الأربعة بما إذا لم يمكن الطهارة بماء الثلج قطعا، وعمومها
بالإضافة إلى القدرة على التطهر بالثلج. والترجيح للأربعة، لموافقتها مع قوله
تعالى: " فلم تجدوا ماء " ومع قطع النظر عنه يرجع إلى أصالة عدم المشروعية
وبقاء الاشتغال.
وإن كان الثاني يدفعه عدم الدليل.
وأما رواية محمد: عن الرجل يجنب في السفر لا يجد إلا الثلج، قال:
" يغتسل بالثلج أو ماء النهر " (1) فظاهر في إجراء الماء، لأنه المفهوم من الاغتسال،
فتحمل على إذابة الثلج، وتدل عليه التسوية بينه وبين ماء النهر.
وأما رواية ابن شريح - المذكورة في باب الوضوء أيضا - فهي واردة في
الجمد (2)، والغالب فيه الجريان بعد مماسة حرارة الجسد.
نعم لو قلنا بامكان عدم الجريان مع الدلك أيضا وعدم التفرقة بين الثلج
والجمد - كما هما الظاهران - أمكن القول بالدلك بعد فقد ما يتيمم به، لخروج
حال إمكانه بالمعارضة المتقدمة، ولا بأس به حيث إنه الأحوط بل الأظهر.
ثم التيمم المنتقل إليه بعد العجز عن اجراء ماء الثلج - المقدم على الدلك -
هل هو يختص بما مر من التراب والغبار والطين على الرتيب دون غيرها؟ أو يتيمم
بالثلج أيضا مؤخرا عن الثلاثة أو مقدما عليها كلا أو بعضا؟ الحق: الأول وفاقا
للحلي بل الأكثر، للأصل.

(1) التهذيب 1: 191 / 550، الإستبصار 1: 157 / 542، الوسائل 3: 356 أبواب التيمم ب 10
ح 1.
(2) التهذيب 1: 191 / 552، الإستبصار 1: 157 / 543، مستطرفات السرائر: 108 / 57،
الوسائل 3: 357 أبواب التيمم ب 10 ح 2.
(3) السرائر 1: 138.
408

وخلافا للإسكافي والسيد في المصباح (1) والاصباح والمراسم (2)، فيتيمم به.
والظاهر منهم تأخيره عن الثلاثة، لصحيحة محمد: عن رجل أجنب في
سفر ولم يجد إلا الثلج أو ماء جامدا، قال: " هو بمنزلة الضرورة يتيمم " (3).
ويجاب عنه: باحتمال أن يكون المراد: ولم يجد من جنس الماء، لا من الماء
وما يتيمم به، لعدم مرجح للمقدر، فيكون التيمم المأمور به بالتراب، مع أنه
يمكن أن يكون مرادهم من التيمم التمسح بنداوته بأعضاء الطهارة كما قيل (4)،
فتنتفي دلالة الصحيحة رأسا.
التاسعة: لا يصح التيمم بالتراب المغصوب إجماعا، كما في التذكرة
والمنتهى (5)، للنهي المقتضي للفساد.
ولا بالتراب المباح في المكان المغصوب، لا للنهي عن الكون فيه، لأنه ليس
جزء التيمم ولا شرطه (6).
ولا لاقتضاء الأمر بالخروج النهي عن ضده الخاص الذي هو التيمم، لمنع
كونه ضدا له، بل هو أمر مقارن له ولتركه، فإن التيمم يجتمع مع الخروج أيضا.
ولا لأن المفهوم عرفا من الأمر بالتيمم والنهي عن الغصب عدم الرضا
بالتيمم في المكان الغصبي، لأنه تركيب جعلي، فنقول: يفهم الرضا بالتيمم
والنهي عن الغصب.

(1) حكاه عن الإسكافي والسيد في المعتبر 1: 377.
(2) المراسم: 53.
(3) الكافي 3: 67 الطهارة ب 43 ح 1، التهذيب 1: 191 / 553، الإستبصار 1: 158 / 544،
المحاسن: 372 / 134، مستطرفات السرائر: 107 / 54، الوسائل 3: 355 أبواب التيمم ب 9
ح 9.
(4) انظر جامع المقاصد 1: 485، والرياض 1: 76.
(5) التذكرة 1: 62، المنتهى 1: 144.
(6) توجد في " ح " حاشية منه رحمه الله تعالى: بل هو من ضروريات الجسم، غايته أنه مقدمة للتيمم،
والتوصل بالمقدمة الحرام لا يبطل ذي المقدمة كما بين في الأصول.
409

ولا لأن حركة اليد حين رفعها بن الأرض للمسح وللضرب تصرف في
الملك المغصوب، لأن هذه الأمور أيضا غير التيمم.
بل لأن مسح الجبهة والكفين عبارة عن امرار اليد عليهما، وذلك الامرار
تصرف في الهواء المغصوب، فيكون منهيا عنه، وبه يبطل المسح الذي هو عين التيمم.
وعلى هذا فلو كان على موضع مغصوب ولكن أخرج رأسه وكفيه منه
ومسحهما، لا يبطل.
ولو حبس في مكان مغصوب ولم يجد ماء مباحا يصح استعماله، قال في شرح
القواعد: يتيمم بترابه وإن وجد غيره، لأن الاكراه أخرجه عن النهي، فصارت
الأكوان مباحة، لامتناع التكليف بما لا يطاق، إلا ما يلزم منه ضرر زائد على أصل
الكون، ومن ثم جاز له أن يصلي وينام ويقوم (1). وهو كذلك.
ولا بالنجس إجماعا محققا ومنقولا في الناصريات والتذكرة (2)، وفي المنتهى:
لا نعرف فيه مخالفا (3)، وفي المدارك: إنه مذهب الأصحاب (4)، له، ولقوله
سبحانه: " صعيدا طيبا ".
والمراد بالطيب وإن لم يتعين لغة أنه الطاهر، وكثير من المفسرين - بل
أكثرهم - فسروه به، وبعضهم بالحلال، وبعض بما ينبت منه النبات (5)، ولكنه
محتمل الإرادة.
وصدق الطيب اللغوي بجميع معانيه على النجس غير معلوم، فيكون
مجملا وبه تقيد المطلقات، والمقيد بالمجمل ليس بحجة في موضع الاجمال، فيؤخذ
فيما هو خلاف الأصل - وهو إباحة ما يشترط الطهور فيه - بالمتيقن، وهو الطاهر.

(1) جامع المقاصد 1: 480.
(2) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 189، التذكرة 1: 62.
(3) المنتهى 1: 144.
(4) المدارك 2: 204.
(5) انظر: تفسير الطبري 6: 88، والتبيان 3: 207، ومجمع البيان 2: 52، والدر المنثور 2:
410

وقد يستدل أيضا: بالروايات المتضمنة لقوله (صلى الله عليه وآله): " وجعلت
لي الأرض - أو ترابها - طهورا " (1) حيث إن الطهور في اللغة: الطاهر المطهر (2).
وضعفه ظاهر، فإنه لا يدل على اشتراط مطهريته.
ويتعدى الحكم إلى غير التراب بالاجماع المركب.
العاشرة: إذا امتزج بما يتيمم به - كالتراب - مما لا يتيمم به، فإن كان
الخليط مستهلكا غير موجب لسلب اسم التراب، يصيح التيمم به، وإلا لم يصح
وإن غلب التراب، كما صرح به في الخلاف (3).
ولو دخل فيه ما لا يعلق بالكف كالتبن والشعير والشعر، قال في المنتهى:
يجوز التيمم به، لصدق وجود التراب وعدم منع ما فيه من التصاق اليد به (4).
واستشكله في المدارك، لاعتبار مماسة باطن الكفين بأسرهما بالصعيد، وما
أصاب الخليط لا يماس التراب (5).
وفيه نظر سيظهر وجهه.
الحادية عشرة: يستحب أن يكون التيمم بعوالي الأرض ورباها، لتفسير
الصعيد في معاني الأخبار والرضوي بالموضع المرتفع (6). وأن لا يكون من أثر
الطريق، لرواية غياث (7).
ويكره بالسبخة والرمل كما صرح به الأكثر، وهو كاف في اثبات الكراهة.

(1) راجع ص 388.
(2) كما في روض الجنان: 120، والحدائق 4: 312.
(3) الخلاف 1: 136.
(4) المنتهى 1: 142.
(5) المدارك 2: 205.
(6) معاني الأخبار: 283، وفقه الرضا (ع): 90، وعنه في مستدرك الوسائل 2: 528 أحكام التيمم
ب 5 ح 2.
(7) الكافي 3: 62 الطهارة ب 40 ح 6، التهذيب 1: 187 / 538، الوسائل 3: 349 أبواب التيمم
ب 6 ح 2.
411

الفصل الثالث:
فيما يشرع له التيمم
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: مشروعية التيمم للصلاة عند تعذر المائية إجماعية، بل
ضرورية دينية منصوصة كتابا وسنة.
ولا فرق فيها بين الحاضرة والفائتة، لعموم الآيتين، ورواية أبي همام:
" يتيمم لكل صلاة حتى يوجد الماء " (1) وسائر المطلقات والعمومات.
ولا بين اليومية وغيرها، كالجمعة والعيدين والآيات والمنذورة، ولا بين
الواجبة والنافلة المرتبة وغيرها، ذات السبب والمبتدأة، بلا خلاف ظاهر في شئ
منها، لما ذكر.
وكذا يشرع لكل ما تجب له المائية ويبيحه عند تعذرها، وفاقا للمعظم،
كالشيخ في المبسوط والجمل والعقود (2)، والاصباح والمعتبر والشرائع والجامع
والمنتهى والتذكرة والقواعد والبيان وروض الجنان والكركي (3)، بل في المعتبر: عليه
إجماع علماء الإسلام، وفي اللوامع والمعتمد: نقل الاجماع عن الفاضل أيضا (4)،
وفي موضع من الحدائق: إن المشهور أن التيمم يبيح ما تبيحه المائية مطلقا، وفي
موضع آخر منه: إن عليه الأصحاب (5)، وفي التذكرة نفى الخلاف عن استباحة

(1) التهذيب 1: 201 / 583، الإستبصار 1: 163 / 568، الوسائل 3: 379 أبواب التيمم ب 20
ح 4.
(2) المبسوط 1: 30، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 169.
(3) المعتبر 1: 407، الشرائع 1: 50، الجامع للشرائع: 46، المنتهى 1: 154، التذكرة 1: 64،
القواعد 1: 23، البيان: 87، روض الجنان: 130، الكركي في جامع المقاصد 1: 550.
(4) التذكرة 1: 64.
(5) الحدائق 4: 370 و 372.
412

المس والتلاوة (1).
للرضوي - المنجبر ضعفه بما مر -: " والتيمم غسل المضطر ووضوؤه " (2) فإن
من وجب عليه المشروط بالمائية ولم يتمكن منها مضطر، وعمومه الجنسي يشمل
جميع أفراده، ويلزمه كونه مبيحا لكل ما نبيحه، إذ بفرض وجوبه ولو بالنذر يباح
بالتيمم، فكذا قبله، لعدم الفصل قطعا.
وتدل عليه في خصوص اللبث في المساجد الآية أيضا، حيث نهي فيها عن
قرب الصلاة التي أريد بها المسجد - كما ورد في الأخبار (3) - إلا عبورا حتى
يغتسل، ثم قال: " وإن كنتم مرضى... " (4) فدل على الجواز بعد التيمم.
وتؤيد المطلوب: استفاضة النصوص بطهورية التراب، وأنه أحد
الطهورين، وأن الله جعله طهورا كما جعل الماء طهورا (5)، وفي الصحيح: أنه
بمنزلة الماء، وفي خبر أبي ذر: " يكفيك الصعيد عشر سنين " (6) وأن ما يبيح أعظم
العبادات يبيح غيره بطريق أولى، وما ورد في الأخبار الكثيرة من إطلاق الأمر
بالتيمم لذوي الأعذار، وصحيحة زرارة في رجل يتيمم: " يجزيه ذلك إلى أن يجد
الماء " (7).
وجعل هذه أدلة - ككثير منهم - غير جيد.
خلافا للمحكي عن. فخر المحققين في استباحة اللبث، لقوله سبحانه:

(1) التذكرة 1: 65.
(2) فقه الرضا (ع): 88.
(3) انظر: الوسائل 3: 205 أبواب الجنابة ب 15.
(4) النساء: 43.
(5) انظر: الوسائل 3: 385 أبواب التيمم ب 23.
(6) الفقيه 1: 59 / 221، التهذيب 1: 199 / 578، الوسائل 3: 369 أبواب التيمم ب 14
ح 12.
(7) التهذيب 1: 200 / 579، الوسائل 3: 386 أبواب التيمم ب 23 ح 3.
413

" حتى تغتسلوا " ومس المصحف، لعدم فصل الأمة بينهما (1).
وفيه: أنه لا ينافي ثبوت البدلية بدلالة خارجة، مع أنها تثبت بدلالة
متصلة، كما مر.
ولصاحب المدارك، فقال بأنه يبيح ما يبيحه مطلق الطهارة، كالصلاة،
لقوله (عليه السلام): " لا صلاة إلا بطهور " (2) ومس المصحف، لقوله تعالى: " لا
يمسه إلا المطهرون " (3) دون ما يتوقف على نوع خاص منها كصوم الجنب، إذ
المستفاد من الأخبار أنه طهور، وكالماء في الطهورية، فيكفي فيما يتوقف عليها دون
ما يتوقف على خصوص الوضوء أو الغسل، لعدم ثبوت بدليته عنهما عموما (4).
وفيه - مع توقفه على ثبوت الحقيقة الشرعية للطهارة، ثم كونها مشتركة
معنوية بين الثلاثة -: أن هذا إنما يتم لو أريد من الطهارة فيما تبيحه مطلقها، وهو
باطل جزما، لعدم كفاية المطلق، لتعين المائية مع التمكن منها، فيكون المراد منها
الفرد الخاص لا القدر المشترك، فلا يفيد.
والقول بأن التيمم مع وجود الماء ليس طهورا، فالمراد مطلقها أي ما يحصل
به الطهر، سواء كان تيمما كما في بعض الأوقات، أو وضوءا كما في بعض آخر، أو
غسلا كما في ثالث، مدفوع: بأنه إنما يفيد لو ثبت طهورية التيمم عند فقد الماء
مطلقا أيضا، وهو محل النزاع.
الثانية: ظاهر نهاية الإحكام أن التيمم يستحب لكل ما يستحب له

(1) إيضاح الفوائد 1: 66 و 67.
(2) التهذيب 1: 49 / 144، الإستبصار 1: 55 / 160، الوسائل 1: 365 أبواب الوضوء ب 1
ح 1.
(3) الواقعة: 79.
(4) المدارك 1: 23.
414

الوضوء والغسل عند تعذرهما (1)، وبه صرح الأردبيلي (2) ووالدي العلامة رحمه الله،
وبعض مشايخنا المحققين (3)، وبعض سادة مشايخنا في منظومته (4)، والحدائق،
ونسبه فيه إلى المشهور (5).
هو الحق، لكفاية فتوى هؤلاء مع الشهرة المحكية في اثبات الاستحباب،
ولذا قال الشيخ علي في شرح القواعد: والحق أن ما ورد به النص أو ذكره من يوثق
به من الأصحاب - كالتيمم بدلا من وضوء الحائض للذكر - يصار إليه (6).
انتهى.
مضافا إلى الرضوي: " وصفة التيمم للوضوء والغسل من الجنابة وسائر
أبواب الغسل واحد " (7). فإن المستفاد منه مشروعية التيمم المستلزمة لرجحانه في جميع
أبواب الغسل، حيث إن الجمع المضاف مفيد - للعموم.
ويثبت في جميع أبواب الوضوء أيضا بعدم الفصل، بل بما بعد قوله المتقدم:
" التيمم غسل المضطر ووضوؤه ": " وهو نصف الوضوء من غير ضرورة إذا لم يجد
الماء " (8) دل على أنه نصف الوضوء حين لا يوجد الماء مطلقا في غير حال الوجوب،
والمراد نصفيته في الترغيب أو الثواب أو الفضيلة أو أضراب ذلك، وكل ما كان
يفيد الرجحان، بل ذكره (عليه السلام) لذلك إنشاء لبيان الرجحان. وضعفهما بعد
جبرهما بما مر غير ضائر، مع أن المقام مقام المسامحة.

(1) نهاية الإحكام 1: 215.
(2) مجمع الفائدة والبرهان 1: 243.
(3) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).
(4) بحر العلوم في الدرة النجفية: 47.
(5) الحدائق 4: 370.
(6) جامع المقاصد 1: 79.
(7) فقه الرضا (ع): 88، وعنه في مستدرك الوسائل 2: 535 أحكام التيمم ب 9 ح 1.
(8) فقه الرضا (ع): 88، وعنه في مستدرك الوسائل 2: 535 أحكام التيمم ب 9 ح 1.
415

ويؤيد المطلوب: خبر أبي ذر (1)، ورواية المنزلة (2)، ونحوهما.
خلافا للمنتهى في بحث الأغسال المستحبة، والمدارك، فقالا بعدم كونه
بدلا عن الغسل المستحب أصلا، للأصل (3).
وللكركي، فخص البدلية بما كان مبدله رافعا (4)، واختاره في روض الجنان
في غير غسل الاحرام (5).
وعن الشهيد التردد في غير الرافع، لأخبار الطهورية في الرافع، والأصل في
غيره (6).
وللفاضل الخوانساري في شرح الدروس، فخصها بما يستحب له مطلق
الطهارة (7)، لمثل ما مر في المسألة السابقة (8).
وضعف الكل يظهر مما ذكرنا.
الثالثة: يجوز التيمم لصلاة الجنازة لغير المتطهر، ولو مع التمكن من
استعمال الماء، على الأشهر الأظهر، بل عليه الاجماع عن الخلاف والمنتهى
والتذكرة (9).
وهو الحجة لكون المقام مقام المسامحة، مضافا إلى اطلاق موثقة سماعة،
السابقة في المسألة الخامسة من الفصل السابق (10)، ومرسلة حريز: " والجنب يتيمم

(1) المتقدم في ص 413.
(2) التهذيب 1: 200 / 581، الإستبصار 1: 163 / 566، الوسائل 3: 385 أبواب التيمم ب 23
ح 2.
(3) المنتهى 1: 132، المدارك 1: 24.
(4) جامع المقاصد 1: 79.
(5) روض الجنان: 20.
(6) الذكرى: 25.
(7) مشارق الشموس: 50.
(8) راجع ص 414 الرقم (4).
(9) الخلاف 1: 160، والمنتهى 1: 156، والتذكرة 1: 65.
(10) راجع ص 399.
416

ويصلي على الجنازة " (1).
خلافا للمحكي عن الإسكافي والمعتبر (2)، فخصاه بخوف الفوت، تمسكا
بأصالة اشتراط عدم التمكن من الماء في التيمم، وصحيحة الحلبي: عن الرجل
تدركه الجنازة وهو على غير وضوء فإن ذهب يتوضأ فاتته الصلاة، قال: " يتيمم
ويصلي " (3) وتضعيفا للاجماع بكونه منقولا، والموثقة بوقف الراوي واضمار الرواية.
ويضعف الأول: بمنع ثبوت الأصالة عموما، وتخصيصها بما مر لو ثبتت.
والثاني: بأن التقييد إنما هو في كلام الراوي، وهو لا ينافي ثبوت الاطلاق.
والثالث: بعدم ضيره في مقام التسامح، مع عدم قدح الوقف والاضمار بعد
ثبوت العدالة ومن مثل سماعة.
ثم جوازه إنما هو على الاستحباب دون الوجوب، لعدم نهوض ما ذكر
لاثباته، مضافا إلى الاجماع على عدم وجوب الطهارة في تلك الصلاة.
وقيل: يستحب للنوم أيضا ولو مع وجود الماء (4)، بل في الحدائق: الظاهر
أنه لا خلاف فيه، وفي اللوامع أنه مجمع عليه.
ولكن المستفاد من بعض مشايخنا المحققين اختصاص القول به بجملة من
متأخري المتأخرين (5).
احتج القائل بالاستحباب: بمرسلة الفقيه: " من تطهر ثم أوى إلى فراشه

(1) الكافي 3: 179 الجنائز ب 50 ح 5، التهذيب 3: 204 / 480، الوسائل 3: 112 أبواب صلاة
الجنازة ب 22 ح 2.
(2) المعتبر 1: 405، وحكاه عن الإسكافي في ص 404.
(3) الكافي 3: 178 الجنائز ب 49 ح 2، الوسائل 3: 111 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 6.
(4) كما في روض الجنان: 20، والمفاتيح 1: 60، والحدائق 4: 411.
(5) توجد في " ح " حاشية منه رحمه الله تعالى: قال - أي الوحيد البهبهاني - في شرحه على المفاتيح: ولم
يذكر المصنف أن أحدا أفتى به، بل ظاهره أنه لم يفت به أحد، والظاهر أنه كذلك، إلا أن الظاهر
من المصنف ولعل غيره أيضا من جملة متأخري المتأخرين أفتوا بالاستحباب مع وجود الماء مطلقا.
شرح المفاتيح (المخطوط).
417

بات وفراشه كمسجده، فإن ذكر أنه على غير وضوء فليتيمم من دثاره كائنا ما
كان " (1).
ولا يخفى أن مقتضاها اختصاص الاستحباب بحال تذكره في فراشه عدم
الوضوء كما هو ظاهر مختار والدي قدس سره، لا مطلقا كما هو الظاهر من غيره.
ومع ذلك في معارضة بمفهوم الشرط في رواية أبي بصير ومحمد، المروية
في العلل والخصال: " لا ينام المسلم وهو جنب، ولا ينام إلا على طهور، فإن لم
يجد الماء فليتيمم بالصعيد " (2).
ولذا يظهر من بعض مشايخنا الميل إلى عدم جوازه إلا مع العجز عن
الماء (3).
إلا أنه يمكن أن يقال: إن المرسلة - لاختصاصها بحال تذكر عدم الوضوء
في الفراش - أخص من وجه من الرواية فتتساقطان، والأصل وإن اقتضى عدم
مشروعية التيمم مطلقا، إلا أن في الخلاف والاجماع المنقول يكفيان لاثبات
استحبابه، إلا أنهما يثبتانه في صورة التذكر في الفراش خاصة، لتعارضهما في غيرها
مع الرواية النافية له.
ثم إنه لا تجوز الصلاة وسائر مشروطات الطهارة بذلك التيمم وسابقه وإن
حصل العجز بعد التيمم. والوجه ظاهر.
نعم لو صادف العجز حال الفعل أيضا، جازت.

(1) الفقيه 1: 296 / 1353، الوسائل 1: 378 أبواب الوضوء ب 9 ح 2.
(2) علل الشرائع: 295 / 1، الخصال: 613، الوسائل 2: 227 أبواب الجنابة ب 25 ح 3.
(3) كشف الغطاء: 169.
418

الفصل الرابع:
في كيفيته، أي أفعاله الواجبة، وهي أمور:
الأول: النية، ووجوبها مجمع عليه، وهو - مع ما مر في الوضوء - دليل
عليه.
وكيفيتها وما يعتبر فيها وما لا يعتبر ووجوب استدامتها حكما والمراد منها يظهر
مما سبق (1).

(1) توجد في " ح " حاشية منه رحمه الله تعالى:
اعلم أن الخلاف في نية الوجه والاستباحة هنا كما سبق في الوضوء. وأما قصد رفع الحدث فلم
يعتبر هنا عند الأكثر على اعتباره في المائية أيضا، لعدم ارتفاعه بالتيمم بالاجماع، كما عن الخلاف
والمعتبر والمنتهى والتذكرة مؤيدا بقوله (عليه السلام) لمن تيمم من الجنابة لشدة البرد: " صليت
بأصحابك وأنت جنب ".
بل قيل بعدم جواز قصده والبطلان معه.
وعن الشهيد في قواعده: جواز نية الرفع إلى غاية معينة إما الحدث أو وجود الماء.
وقيل بجواز نية رفع المانع من الصلاة دون الحدث.
وأما القول بجواز نية رفع الماضي دون المقارن واللاحق فهو في دائم الحدث كالمبطون والسلس
دون التيمم.
وقال والدي العلامة - رحمه الله -: إن الحدث يطلق تارة على نفس الناقض، وأخرى على الحال
المعلولة له التي هي العلة لمنع الشارع، وثالثة على نفس الممنوعية من العبادة. فالأول علة للثاني
والثاني للثالث. ولا ريب أن نية رفع الأول غير معقول، فالكلام في أحد الأخير بن. فإن كان المراد
الثاني فلا يرتفع بالتراب، لأن واجد الماء بعد التيمم للجنابة - مثلا - بعده جنب قطعا مع أنه لم
يحدث بسبب الجنابة والحالة باقية قطعا، بخلاف المغتسل فإنه لا يجنب إلا بسبب جديد.
وإن كان الثالث فهو مرتفع بالتيمم ولا غاية له بل هو باق ما دام التيمم باقيا كما في المائية، غاية
الأمر ناقضية الماء للتيمم أيضا دونها.
فقول الشهيد بجواز الرفع إلى غاية، إن أراد رفعه بالمعنى الثاني فهو لا يرتفع، وإن أراد الثالث
فهو في الماء والتراب على طريق واحد، غاية الأمر أن الممنوعية بسبب الحالة السابقة ترتفع في المائية
مطلقا وفي الترابية إلى غاية، ولكن هذا القيد غير معتبر في النية قطعا.
وأما القول الرابع، فإن أراد بالمانع المنع - كما قيل - يرجع إلى المعنى الثالث، وإن أراد الثاني فقد
عرفت حاله.
والتحقيق ما ذكره الوالد قدس سره، إلا أنه يمكن أن يمنع حدوث الحالة الثانية، بل الحادثة
هي الأولى والثالثة فقط، والأولى علة للثالثة، وكذا سائر ما رتبه الشارع من ارتفاع الممنوعية وعدم
عودها ما لم يحدث حدث آخر، وارتفاعها وعدم عودها مع ما ذكر أو وجود الماء مع الترابية.
ثم إن في اعتبار نية البدلية عن الغسل أو الوضوء أقوال:
العدم، والوجود، والتفصيل بالأول مع اختلاف كيفية التيمم والثاني مع عدمه، والوجود فيما
يزيد المأمور به على ماهية الغسل كغسل الجمعة، فيلزم منه البدلية عنه دون غيره. ويظهر حقيقة
الحال فيه مما مر في بحث الوضوء.
419

ووقتها - الذي لا يجوز التأخير عنه - عند ضرب اليد على المشهور، ولو (1)
ضرب يديه على الأرض لسبب آخر - ولو راجح شرعا - ثم أراد التيمم يجب عليه
ضرب آخر مع قصد التيمم.
لا للأخبار الآمرة بضرب الكفين، لأنه - مع أن أكثر الأخبار الواردة في
ذلك المضمار إنما وردت بلفظ الأخبار الغير المفيد للوجوب - لا نزاع في وجوبه حتى
من المخالف، فإنه يقول: إنه واجب خارج عن التيمم شرط له، ونقل الاجماع
عليه جملة من الأصحاب (2)، فاثبات الوجوب لا يفيد في وجوب مقارنة نية التيمم
له. وضم الأصلية في الوجوب المتوقفة (صحته) (3) على النية باعتبار أنها الأصل في
الوجوب أيضا غير مفيد، لأن لازمه وجوب مقارنة نية الضرب له دون التيمم،
والظاهر أنه لا كلام فيه، وأن الفاضل - الذي هو المخالف - قال بوجوبه أيضا ولم
يكتف بوضع اليد على الأرض لأجل القيام أو ضربها لقتل دويبة أو نحوه عن
ضربة التيمم، وإنما الكلام في نية التيمم ومحلها، ولا يفيد في ذلك وجوب الضرب
وشرطيته، كما لا تجب نية الصلاة عند الوضوء.
بل لاستصحاب الممنوعية من الصلاة والنصوص الدالة على أن الضرب

(1) في " ق ": فلو.
(2) كالشهيد في الذكرى: 107، والكركي في جامع المقاصد 1: 489، وصاحب المدارك 2: 217.
(3) ليست في " ق ".
420

داخل في حقيقة التيمم.
ففي صحيحة الكندي: " التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين " (1).
وفي صحيحة محمد: عن التيمم، قال: " مرتين مرتين للوجه واليدين " (2).
وفي صحيحة زرارة: قلت: كيف التيمم؟ قال: " هو ضرب واحد
للوضوء والغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين ثم تنفضهما نفضة للوجه، ومرة
لليدين " (3). الحديث.
وفي الرضوي: " وصفة التيمم للوضوء والجنابة وسائر أبواب الغسل واحد،
وهو أن تضرب بيديك الأرض ضربة واحدة تمسح بهما وجهك موضع السجود من
مقام الشعر إلى طرف الأنف، ثم تضرب بها الأخرى فتمسح بها اليمنى إلى حد
الزند " (4) الحديث.
فإن الحمل حقيقة في الاتحاد المستلزم لجزئية أجزاء المحمول للموضوع
الموجبة لوجوبها بإيجاب الموضوع، إلا أن في دلالة غير الرضوي المنجبر بالشهرة بل
الاجماع المنقول نظرا يظهر وجهه في مسألة عدد الضربات.
خلافا للمحكي عن نهاية الإحكام للفاضل، فجعل الضرب خارجا عن
التيمم ونزله منزلة أخذ الماء للمائية، ولذا يجوز تأخير النية إلى مسح الجبهة (5)، بل
لأكثر كتبه، كما صرح به المحقق الثاني في شرح القواعد (6).

(1) التهذيب 1: 210 / 609، الإستبصار 1: 171 / 597، الوسائل 3: 361 أبواب التيمم ب 12
ح 3.
(2) التهذيب 1: 210 / 610، الإستبصار 1: 172 / 598، الوسائل 3: 361 أبواب التيمم ب 12
ح 1.
(3) التهذيب 1: 210 / 611، الإستبصار 1: 172 / 599، الوسائل 3: 361 أبواب التيمم ب 12
ح 4.
(4) فقه الرضا (ع): 88، وعنه في مستدرك الوسائل 2: 535 أحكام التيمم ب 9 ح 1.
(5) نهاية الإحكام 1: 204.
(6) جامع المقاصد 1: 490.
421

لقوله تعالى: " فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا " أي اقصدوا صعيدا، وهذا
القصد خارج عن التيمم قطعا ولم يذكر إلا المسح، فلا يكون الضرب داخلا فيه.
ولقوله في رواية زرارة: " فليتيمم، يضرب بيده على اللبد والبرذعة
ويتيمم " (1).
ويرد الأول: بأن عدم التصريح بوجوبه في الآية - سيما مع دلالتها عليه ولو
تبعا - لا ينافي ثبوت وجوبه وجزئيته من غيرها.
والثاني: بأن غايته استعمال التيمم في سائر الأجزاء، وهو أعم من الحقيقة،
ولا يعارض الحمل الذي هو حقيقة في الحقيقي.
مع أن كونه مستعملا في السائر غير معلوم، لأن غاية ما يقتضيه العطف
مغايرته للمعطوف عليه، ويكفي فيها الجزئية والكلية، كما يقال: توضأ ونوى وكبر
وصلى.
وأيضا يمكن أن يكون المراد بقوله: " يضرب بيده " الضرب لظهور الغبار،
فإنه مستحب أيضا.
الثاني: وضع اليدين على ما يتيمم به، ولا نزاع في وجوبه بل هو مجمع
عليه، فهو مع ما مر من مثبتات جزئيته يدل عليه. وإنما النزاع في أنه هل يكتفى
فيه بمجرد الوضع، أو يجب الضرب أي ما يسمى ضربا عرفا وهو ما يكون مع
الدفع والاعتماد، لا مجرد الوضع المشتمل كما في كلام جماعة من المتأخرين، لأنه
لا يستلزم صدق الضرب العرفي، وكأنهم أرادوا أيضا ذلك وإن كان كلامهم
قاصرا؟
فصرح الشهيد في الذكرى والدروس (2)، والمحقق الثاني في شرح القواعد (3)

(1) التهذيب 1: 190 / 547، الإستبصار 1: 156 / 540، الوسائل 3: 354 أبواب التيمم ب 9
ح 5.
(2) الذكرى: 108، الدروس 1: 132.
(3) جامع المقاصد 1: 489.
422

وحاشية الارشاد بالأول، وهو مختار الأردبيلي، قال: الظاهر أنه لا فرق بين
الضرب والوضع في الاجزاء، لوجودهما في الأخبار وعدم المنافاة بينهما بوجه، فلا
يحمل أحدهما على الآخر (1).
وصرح جماعة بالثاني (2)، بل نسبه جماعة - منهم والدي العلامة رحمه الله -
إلى المشهور، ويظهر اشتهاره من الذكرى أيضا (3).
وفي كلام كثير منهم إجمال، كالنهاية والمبسوط والجامع والشرائع والمعتبر (4)،
وأكثر كتب الفاضل (5)، حيث إنهم عثروا بالضرب والوضع معا، فمنهم من عبر
بالضربة والضربتين في مسألة عدد الضربات بعد التعبير بالوضع في ذكر
الواجبات، ومنهم من ذكر الأول في التيمم بدل الوضوء والثاني في بدل الغسل،
وظاهر أنه لا فرق بينهما، ولذا قال المحقق الثاني: واختلاف عبارات الأصحاب
والأخبار في التعبير بالوضع والضرب يدل على أن المراد بهما واحد (6).
وكيف كان، فاستدل الأولون: باطلاق الآية، والأخبار البيانية المتضمنة
للوضع (7).
والآخرون: بأصل الاشتغال، والروايات المشتملة على الضرب (8)، وبها
قيدوا الآية وإطلاق الوضع، مضافا إلى أن أخبار الوضع حكاية للفعل، ونقل
وقوع العام لا يستلزم صحة جميع أفراده، إذ الفعل المثبت لا عموم له.
أقول: هذا إنما يصح على القول بكون الوضع أعم من الضرب، وأما لو

(1) مجمع الفائدة 1: 236.
(2) كالعلامة في المنتهى 1: 147، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 146، والمحقق السبزواري
في كفاية الأحكام: 8.
(3) الذكرى: 108.
(4) النهاية: 49، المبسوط 1: 32، الجامع للشرائع: 46، الشرائع 1: 48، المعتبر 1: 389.
(5) كالمنتهى 1: 147، والتحرير 1: 22، والقواعد 1: 23.
(6) جامع المقاصد 1: 489.
(7) أنظر: الوسائل 3: 358 و 361 أبواب التيمم ب 11 و 12.
(8) أنظر: الوسائل 3: 358 و 361 أبواب التيمم ب 11 و 12.
423

قلنا بتباينهما، فوضع الإمام (عليه السلام) يدل على كفايته، ولا يكون هناك تقييد
وإطلاق، بل يجب إما جعل الوضع مجازا في الضرب، كما هو محتمل، أو الأمر
بالضرب في الاستحباب، كما هو غاية ما يثبت من الأخبار المتضمنة له، لخلوها
عن لفظ دال على الوجوب.
نعم، في الرضوي: " اضرب بكفيك " (1) وهو صريح في الوجوب فيه، بعد
جبر ضعفه بما مر من الشهرة المحكية، بل بما مر من الأخبار المصرحة بأن التيمم
ضرب يمكن تقييد المطلقات على القول بأعمية الوضع، فالقول بتعيين الضرب
- عليه - ثابت -.
وأما على التباين فتتعارض أخبار الطرفين، والحكم التخيير، كما ذهب إليه
الأردبيلي. بل هو قول كل من قال بكفاية الوضع، لجواز الاكتفاء بالضرب إجماعا
وهو محتمل كل من عبر بالأمرين.
وأما ترجيح أخبار الضرب بالشهرة، وبكونه لفظ المعصوم والوضع لفظ
الراوي (2)، فليس بجيد عندي.
إلا أن الأحوط العمل بالضرب، لاجماعيته. بل هو الأقوى مطلقا أيضا،
إذ لو لم نقل بأعمية [الوضع] (3) كما قاله الأكثر، فالتباين غير ثابت أيضا، سيما في
الضرب اللازم في التيمم المجزي فيه يسير دفع، فلا يعلم معارض مدافع لموجبات
الضرب، فيجب العمل بها قطعا.
ويجب أن يكون الضرب بباطن الكفين، كما صرح به في المقنعة والمراسم
والسرائر والمهذب والذكرى والدروس والبيان وشرح القواعد للمحقق الثاني
والمدارك (4)، بل المنتهى والتذكرة، حيث ذكر فيهما في الكيفية أنه يمسح ظهر

(1) فقه الرضا (ع): 88، وعنه في مستدرك الوسائل 2: 535 أحكام التيمم ب 9 ح 1.
(2) كما في كشف اللثام 1: 147.
(3) في النسخ: الضرب، والصواب ما أثبتناه.
(4) المقنعة: 62، المراسم: 54، السرائر 1: 136، المهذب 1: 47، الذكرى: 108، الدروس
1: 133، البيان: 86، جامع المقاصد 1: 490، المدارك 2: 218.
424

اليسرى ببطن اليمنى وبالعكس (1)، بل هو المشهور بين العلماء، بل صرح بعض
مشايخنا المحققين أنه وفاقي، وعليه عمل المسلمين في الأعصار والأمصار من دون
شك (2)، وهو كذلك.
وهو الحجة فيه، لا التبادر من الكف في الأخبار كما قيل (3)، لاستعمال
الكف فيها في الأكثر في كل من الماسح والممسوح مطلقا، وتصريح اللغويين (4)
والفقهاء بأنها اليد. ولا أنه المعهود من فعل الحجج، لكونه في حيز المنع.
ولو تعذر الباطن أجزأ الظاهر، لاطلاق الظواهر، خرج غير المعذور بما مر،
فيبقى الباقي.
واستدلال بعض من ادعى تبادر الباطن على إجزاء الظاهر للمعذور
بحديث " لا يسقط الميسور " (5) ضعيف.
ولو تعذر الباطن من إحداهما ففي الاجتزاء بباطن الأخرى، أو ضم ظاهر
الأولى إليه، أو كفاية الظاهر منهما حينئذ أوجه، أوجهها: أحد الأخيرين،
للاطلاق المذكور.
وهل يتعين الثاني؟ فيه إشكال، لعدم معلومية الاجماع في هذا المقام.
ولو قطع إحدى الكفين أو بعض إحداهما أو بعض كل منهما، ضرب
بالباقي، للاطلاق السابق. ولو قطع المجموع منهما، سقط الضرب، للأصل.
وظاهرهم وجوب معية اليدين في الضرب، فلو ضرب إحداهما وأتبعهما
بالأخرى، لم يجز، لأنه المفهوم من قوله في المعتبرة: " تضرب كفيك " و " ضرب

(1) المنتهى 1: 147، التذكرة 1: 63.
(2) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).
(3) انظر: الرياض 1: 79.
(4) كما في القاموس المحيط 3: 197، ولسان العرب 9: 301.
(5) كما في الرياض 1: 79.
425

بيديه " (1) ونحو ذلك. وفي فهمه منه تأمل.
ولنحو قوله: " ضربة للوجه وضربة للكفين " وفي دلالته نظر.
مع أن في صحيحة محمد في الضربة الثانية أنه يضرب الشمال لليمين
واليمين للشمال (2)، وأفتى بمضمونها الصدوق في المجالس (3)، ولذا جعله المحقق
الأردبيلي الأحوط (4) المشعر بعدم الوجوب، وهو كذلك.
مسائل:
الأولى: الضرب في التيمم مرة مطلقا، وفاقا للإسكافي والعماني (5)، والمفيد
في العزية (6)، والسيد في الجمل وشرح الرسالة وظاهر الناصريات (7)، والصدوق
في ظاهر المقنع والهداية (8)، والقاضي (9) والحلبيين (10)، والمعتبر والذكرى

(1) الوسائل 3: 358 و 361 أبواب التيمم ب 11 و 12.
(2) التهذيب 1: 210 / 612، الإستبصار 1: 172 / 600، الوسائل 3: 362 أبواب التيمم ب 12
ح 5.
(3) أمالي الصدوق: 515.
(4) مجمع الفائدة 1: 228.
(5) حكاه عنهما في المختلف: 50.
(6) حكاه عنها في المختلف: 50، والذكرى: 108، وتوجد في " ح " حاشية منه رحمه الله تعالى: العزية
بالعين المهملة والزاء المعجمة: رسالة كتبها لعز الدولة.
(7) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 25، وحكى عن شرح الرسالة في الذكرى:
108، المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 188.
(8) المقنع: 9، الهداية: 18.
(9) شرح الجمل: 61، ولكنه اختار في المهذب 1: 33 ضربتين في البدل من الغسل.
(10) أبو الصلاح الحلبي في الكافي: 136، ولكنه قال بوجوب المرة في بدل الوضوء خاصة، وسيأتي قريبا
ذكره في جملة القائلين بالتفصيل. وأما ابن زهرة فقال بأن مقتضى الاحتياط ضربتان في بدل الغسل
راجع الغنية (الجوامع الفقهية): 555، فلا يبعد أن كلمة الحلبيين زيادة من الناسخ.
426

والمدارك (1)، وحكته العامة عن علي (2)، وهو مختار معظم الثالثة كما في اللوامع.
للأصل، والاطلاقات، ورواية الدعائم: قالوا صلوات الله عليهم:
" المتيمم تجزيه ضربة واحدة يمسح بها وجهه ويديه " (3).
وضعفها منجبر بالعمل ولو في الوضوء خاصة، ويتم المطلوب بما يأتي من
الأخبار المصرحة بتسوية التيمم للوضوء والغسل (4).
ويؤيده خلو التيممات البيانية عن ضربة أخرى، وتصريح الراوي في
بعضها بالوحدة (5)، وإن احتمل الأولى كونها بيانا للممسوح والماسح دون جميع
الأجزاء والشرائط، ولذا لم يذكر النية وبعض الشروط، أو كون ذكر الثانية مهملا
من الرواة ولو كان إماما - كما في بعض روايات حكاية عمار (6) - كاهمال ذكر البدأة
بالأعلى والضربات بالباطن والمسح بالظهر وغرها.
ودعوى ظهور بعضها في كون الملحوظ بيانه اتحاد الضرب وتعدده، أو
ظهور عدم نقل التعدد في بيان العبادة في عدم لزومه، ممنوعة جدا. بل لا يبعد
دعوى ظهورها في أن الغرض إما الرد على التمعك أو على المسح إلى الذراع أو كل
الوجه أو تكرار المسح، ولذا وقع في بعضها الضرب على الأرض وفي آخر على
البساط، وفي البعض المسح باليد، وفي آخر بالأصابع، وفي البعض صرح في
الممسوح بالظهر، وفي الآخر لم يصرح، إلى غير ذلك.
واحتمل الثاني كون الوحدة قيدا للمسح. واستبعاده - إذ ليس تعدده محل
توهم - مردود بأن كونه كذلك في أمثال هذا الزمان بالاجماع ونحوه لا يوجب كونه
كذلك في مبادئ الأمر أيضا، فلعل فيها خفاء فيه.

(1) المعتبر 1: 389، والذكرى: 108، والمدارك 2: 232.
(2) كما في المغني والشرح الكبير 1: 309.
(3) دعائم الاسلام 1: 121، وعنه في مستدرك الوسائل 2: 538 أحكام التيمم ب 10 ح 2.
(4) انظر: ص 432.
(5) الوسائل 3: 358 و 361 أبواب التيمم ب 11 و 2 1.
427

خلافا للمحكي عن المفيد في الأركان (1)، ووالد الصدوق في الرسالة (2)،
وولده في المجالس (3)، فقالوا: إنه مرتان مطلقا. واختاره صاحب المنتقى من
المتأخرين، ونقل أنه مذهب جماعة من قدماء الأصحاب (4)، ونسبه في التبيان
ومجمع البيان إلى قوم من أصحابنا (5).
لصحاح الكندي ومحمد وزرارة، والرضوي، المتقدمة في النية (6)، ورواية
ليث: " تضرب بكفيك على الأرض مرتين " (7).
ويضعف الثلاثة الأولى: بعدم الدلالة على الوجوب.
أما الأوليان،: فلأنهما وإن تضمنتا الحمل الذي هو حقيقة في الحقيقي
المستلزم للوجوب، إلا أنه لكون المحمول فيهما جزءا للتيمم دون نفسه يكون
الحمل تجوزا خارجا عن حقيقته، ومعه لا يثبت الوجوب لسعة دائرة المجاز.
وأما الثالثة: فلخلوها عن الدال على الوجوب، وبه يضعف الخامسة
أيضا.
وأما الرابعة: ففي نفسها ضعيفة، وعن الجابر في المقام خالية، إلا أن يقال
بانجبارها في الغسل بما يأتي، ويتمم في الوضوء بأخبار التسوية.
ويجاب حينئذ بأن القول بالضربتين مطلقا محكي عن العامة (8)، فالرواية

(1) حكاه عنه في الذكرى: 108.
(2) حكاه عنه في المختلف: 50، وقال في الذكرى: 108 إن الفاضلين نقلا عنها - أي رسالة علي بن
بابويه - اختيار الضربتين. ثم نقل عبارتها واستفاد منها اعتبار ثلاث ضربات فراجع.
(3) الأمالي: 515، قال فيه: فإذا أراد الرجل أن يتيمم ضرب بيديه على الأرض مرة واحدة، ثم
ينفضهما فيمسح بهما وجهه، ثم يضرب بيده اليسرى الأرض فيمسح بها يده اليمنى من المرفق إلى
أطراف الأصابع، ثم يضرب بيمينه الأرض فيمسح بها يساره من المرفق إلى أطراف الأصابع.
(4) منتقى الجمان 1: 351.
(5) التبيان 3: 208، ومجمع البيان 2: 52.
(6) راجع ص 421.
(7) التهذيب 1: 209 / 608، الإستبصار 1: 171 / 596، الوسائل 3: 361 أبواب التيمم ب 12 ح 2.
(8) كما في بداية المجتهد 1: 70.
428

الدالة عليه لهم موافقة، فتطرح (بعد معارضتها مع ما مر من خبر المرة، مع أنه
لولا ترجيحه أيضا لكان المرجع إلى الأصل) (1). وبهذا يجاب أيضا عن سائر
الأخبار لو كانت فيها الدلالة.
وللمقنعة ومصباح الشيخ ونهايته ومبسوطه والفقيه والديلمي والحلي والحلبي
وابن حمزة (2)، بل أكثر المتأخرين، بل مطلقا كما قيل (3)، بل عن الأمالي ومجمع
البيان والتهذيب والتبيان: الاجماع عليه (4). فقالوا بالمرة في بدل الوضوء والمرتين في
بدل الغسل، للجمع بين أدلة المرة والمرتين.
وخصوص صحيحة زرارة، المتقدمة (5)، على جعل الواو فيها للاستئناف
المقتضي لجعل ما بعدها مبتدأ وجعل " يضرب " خبرا له.
وما في المنتهى، حيث قال: وروى - يعني الشيخ - في الصحيح، عن محمد
ابن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام: " إن التيمم من الوضوء مرة واحدة ومن
الجنابة مرتان " (6).
وما نقل عن الحلبي والصيمري أنهما قالا: إن بذلك القول روايات (7).
وصحيحة محمد الآتية (8).
والاجماعات المنقولة.

(1) ما بين القوسين ليس في " ق ".
(2) المقنعة: 62، ومصباح المتهجد: 13، والنهاية: 49، والمبسوط 1: 33، والفقيه 1: 57،
والديلمي في المراسم: 54، والحلي في السرائر 1: 137، والحلبي في الكافي في الفقه: 136، وابن
حمزة في الوسيلة: 76.
(3) حكاه في مفتاح الكرامة 1: 546 عن كشف الالتباس وإرشاد الجعفرية.
(4) أمالي الصدوق: 515، ومجمع البيان 2: 52، والتهذيب 1: 211، والتبيان 3: 208.
(5) في ص 421.
(6) المنتهى 1: 148، وعنه في الوسائل 3: 363 أبواب التيمم ب 12 ح 8.
(7) لم نعثر على من نقل ذلك عنهما.
(8) انظر: ص 432.
429

ويرد الأول: بما مر من عدم تمامية أخبار المرتين، وعدم تعين وجه الجمع في
ذلك على فرض التمامية.
والثاني: باحتمال كون الواو للعطف، ويكون المعنى: التيمم نوع واحد
للوضوء والغسل، إلى آخره، فيكون دليلا للمرتين مطلقا، وبعد الاحتمال لا يتم
الاستدلال، كما لا يتم دليلا للمرتين أيضا لذلك، إلا أن يقال: إنه تتم دلالتها
على المرتين في الغسل على الاحتمالين، ويعمل في الوضوء بالأصل، فتتم دلالتها
على التفصيل، إلا أنه لا دلالة فيها على الوجوب أصلا، فلا فائدة في التيمم.
ومنه يظهر عدم دلالتها على ما نقلها في المعتبر أيضا من ايراد " ضربة واحدة "
مكان " ضرب واحد " (1) وإن لم يستقم عليه الاحتمال الأخير، مع أن الموجود في
كتب الأخبار " ضرب واحد " وكان ما في المعتبر والنافع غفلة (2)، أو نقل بالمعنى مع
فهمه الاحتمال الأول، أو سهو من النساخ.
والثالث: بعدم دلالته على الوجوب إلا باعتبار الحمل الذي عرفت حاله.
مضافا إلى ما فيه من الاجمال من جهة عدم ذكر متعلق المرة والمرتين،
فيحتمل أن يكون في المسح، كما صرح بالوحدة فيه في صحيحة زرارة وغيرها (3)،
أو التيمم، أو غيرهما.
مع أن هذه الرواية لم توجد في شئ من كتب الحديث، ولم ينقله غير
الفاضل في كتب الاستدلال، وكأنه - كما صرح به جماعة (4) - وهم نشأ له من عبارة
الشيخ (5).

(1) المعتبر 1: 388.
(2) لم ينقل في النافع تلك الرواية، وإنما المذكور فيه: في عدد الضربات أقوال أجودها: للوضوء ضربة
وللغسل اثنتان. النافع: 17.
(3) التهذيب 1: 211 و 212 / 613 / 614، الإستبصار
: 171 / 593 / 594، الوسائل 3:
359 و 360 أبواب التيمم ب 11 ح 3 و 6.
(4) كصاحب المنتقى 1: 352، والمدارك 2: 234، والذخيرة: 105.
(5) توجد في " ح " حاشية منه رحمه الله تعالى: حيث إنه قال بعد جمع الأخبار بالتفصيل: مع أنا قد
أوردنا خبرين مفسرين لهذه الأخبار أحدهما عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام،
والآخر عن ابن أي عمير عن ابن أذينة عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام: إن التيمم
من الوضوء مرة واحدة ومن الجنابة مرتان. (التهذيب 1: 211) والخبر المروي عن ابن مسلم هو
الخبر الآتي المتضمن بضربات ثلاث مطلقا، وكأنه نقل حاصل ما فهمه منه، فظن الفاضل أنه
حديث آخر.
430

والرابع: بأن صلاحيته فرع ملاحظة تلك الروايات ودلالتها.
والخامس: بعدم الدلالة على التفرقة، كما يأتي.
والسادس: بعدم الحجية، مع أن عبارة غير الأمالي ليست نصا في دعوى
الاجماع (1)، والظاهر من الأمالي الاجماع على وجوب التيمم (2)، ولا تعلق له
بالمورد، ومع ذلك - لو سلم - موهون بمصيره هو في كتابيه (3)، ووالده (4)،
وشيخه (5) إلى خلافه.
هذا كله، مع فساد هذا الجمع، ومعارضة ما استدلوا له بموثقة
الساباطي: عن التيمم من الوضوء ومن الجنابة عن الحيض للنساء سواء؟ قال:
" نعم " (6).
وحمل التسوية على التساوي في الوجوب ردا على بعض العامة القائل بعدم
جواز التيمم للجنب (7)، أو في العدد ردا على بعض آخر منهم يقول بتعدده للجنابة
والحيض (8)، خلاف الظاهر المتبادر، بل لا يلائمه لفظة " من " في قوله: " من

(1) ففي التبيان ومجمع البيان: مذهبنا في التيمم... وقريب منه في التهذيب. راجع ص 429
الهامش (4).
(2) راجع ص 429.
(3) المقنع: 9، والهداية: 18.
(4) حكى عن رسالته في الذكرى: 108، وقال: إنه لم يفرق بين الوضوء والغسل.
(5) قال في الرياض 1: 78.... وشيخه الكليني. وقال أيضا في مقام ذكر القائلين بالمرة مطلقا: وهو
ظاهر الكليني لاقتصاره بذكر أخبار المرة. راجع الكافي 3: 61.
(6) الفقيه 1: 58 / 215، التهذيب 1: 212 / 617، الوسائل 3: 362 أبواب التيمم ب 12 ح 6.
(7) الجامع لأحكام القرآن 5: لما 223.
(8) الإنصاف 1: 290.
431

الوضوء ومن الجنابة ومن الحيض " لأنها تفيد مسلمية البدلية في الكل، وأن
التشكيك في الكيفية.
وبقوله في الرضوي المتقدم: " وصفه التيمم للوضوء والجنابة وسائر أبواب
الغسل واحد " (1).
وللمحكي عن بعض القدماء كما في اللوامع، وعن قوم مناكما في المعتبر (2)،
فأوجب ثلاث مرات.
فإن كان مراده ضرب مجموع اليدين ثلاثا، فلا مستند له.
وإن كان ضرب مجموعهما مرة للوجه ثم اليسرى لليمنى وبالعكس - كما هو
مختار والد الصدوق (3)، وعن المجالس كما مر (4)، وجوز المحقق العمل به وخير
بينه وبين الجمع في الثانية (5)، واستحسنه بعض المتأخرين 6) - فمستنده صحيحة
محمد: عن التيمم، فضرب بكفيه الأرض، ثم مسح بهما وجهه، ثم ضرب بشماله
الأرض، فمسح بها مرفقه إلى طرف الأصابع، واحدة على ظهرها، وواحدة على
بطنها، ثم ضرب بيمينه الأرض، ثم صنع بشماله كما صنع بيمينه، ثم قال: هذا
التيمم على ما كان فيه الغسل. وفي الوضوء الوجه واليدين إلى المرفقين. وألقى ما
كان عليه مسح الرأس والقدمين (7).
ويضعف بمعارضته ما مر، مع ندرة العامل بها الموجبة لشذوذها المخرج لها
عن الحجية.
مضافا إلى عدم دلالتها على الوجوب إلا من جهة الحمل الذي هو محمول

(1) راجع ص 421.
(2) المعتبر 1: 388.
(3) راجع ص 426 و 428.
(4) راجع ص 426 و 428.
(5) المعتبر 1: 388.
(6) مدارك الأحكام 2: 232.
(7) التهذيب 1: 210 / 612، الإستبصار 1: 172 / 600، الوسائل 3: 362 أبواب التيمم ب 12
ح 5.
432

هنا على التجوز أو التقية قطعا، لتضمنها مسح الظهر من المرفقين.
ثم بما ذكرنا ظهر استحباب المرتين مطلقا.
الثانية: الأظهر اشتراط علوق التراب باليد، وفاقا للمحكي عن السيد (1)،
والإسكافي (2)، وأكثر الثالثة (3)، وهو مختار شيخنا البهائي ووالده طاب ثراهما (4)،
ووالدي العلامة وأكثر مشايخنا ومعاصرينا قدس أسرارهم (5).
لا لعموم البدلية والمنزلة، لمنعهما، مع أنهما لو سلما ففي الأحكام دون كيفية
الاستعمال. ولا لوجوب القطع بالبراءة، لحصوله من المطلقات. ولا لأنه مقتضى
كون التراب طهورا، لمنع الاقتضاء، لكفاية توقف التطهر على الضرب عليه في
طهوريته.
بل لقوله جل شأنه: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} (6) لرجوع
الضمير إلى الصعيد، وكون لفظة " من " للتبعيض بحكم التبادر، كما يظهر من
قولهم: مسحت رأسي من الماء ومن الدهن، وصرح به الزمخشري في تفسير
الآية (7).
وجعلها لابتداء الغاية أو البدلية بإرجاع الضمير إلى الماء أو الوضوء
والغسل، أو السببية بإرجاعه إلى الحدث حيث يستفاد من الكلام، أو إلى عدم
وجدان الماء، بعيد غايته، بل مخالف لظاهر صحيحة زرارة، وفيها: من أين
علمت وقلت: إن المسح ببعض الرأس وبعض القدم؟ فضحك ثم قال: " يا

(1) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 188.
(2) نقله عنه في المختلف: 50.
(3) كالفيض في المفاتيح 1: 62، والمحقق السبزواري في الذخيرة: 103، وصاحب الحدائق 4:
333.
(4) الحبل المتين: 89، ونقل فيه عن والده أيضا.
(5) كالوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط)، وصاحب كشف الغطاء: 167، والرياض 1: 75.
(6) المائدة: 6.
(7) الكشاف 1: 515.
433

زرارة قاله رسول لله صلى الله عليه وآله، ونزل به الكتاب من الله، لأن الله يقول:
اغسلوا وجوهكم وأيديكم " إلى أن قال: " ثم قال: فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا
طيبا فامسحوا بوجوهكم، فلما أن وضع الوضوء عمن لم يجد الماء أثبت بعض (1)
الغسل مسحا، لأنه قال: بوجوهكم، ثم وصل بها: وأيديكم منه، أي من ذلك
التيمم، لأنه علم أن ذلك أجمع لا يجري على الوجه، لأنه يعلق من ذلك الصعيد
ببعض الكف ولا يعلق ببعضها " (2).
دل على أن المراد بالتيمم المتيمم به. لا لعدم إمكان إرادة المعنى
الاصطلاحي حيث لم يتحقق، ولا اللغوي، لبعده، لأن جزء الاصطلاحي قد
تحقق، وتسمية الجز باسم الكل ممكنة، غايتها التجوز اللازم في إرادة المتيمم به
أيضا.
بل لأنه ظاهر قوله: " لأنه علم... " لأن الظاهر أنه تعليل لقوله: " من
ذلك التيمم " أي: لم أوجب المسح ببعض ذلك؟ لأنه علم أن ذلك كله لا يجري
على الوجه، لأنه يعلق من ذلك الصعيد المتيمم به ببعض الكف ولا يعلق
ببعضها، فلا يكون كله جاريا على الوجه، وهذا كالنص في كون " من "
للتبعيض، وعود الضمير إلى الصعيد، فأمر بالمسح ببعضه، وهو لا يكون إلا مع
العلوق.
وجعل قوله: " لأنه " تعليلا لقوله: " قال بوجوهكم " الدال على وجوب مسح
بعض الوجه بعيد بل غير مستقيم، لأن الصالح للعلية حينئذ عدم جريان الصعيد
على كل الوجه لا عدم جريان كله عليه.
مع أنه لو صح لكان مفاده أن تبعيض الوجه لأجل أنه علم أن الصعيد لا
يجري على الوجه لعلته، ولازمه وجوب إجرائه على جميع موضع المسح، وإذا ضم

(1) في التهذيب: بعوض.
(2) الكافي 3: 30 الطهارة ب 19 ح 4، الفقيه 1: 26 / 215، التهذيب 1: 61 / 168، الوسائل
3: 364 أبواب التيمم ب 13 ح.
434

ذلك مع قوله: لأنه يعلق ببعض الكف " يتحصل منه وجوب مسح جميع أجزاء
الممسوح بجميع أجزاء الماسح حتى يحصل العلم بمسح كل جزء بما فيه العلوق،
وهو متعسر بل متعذر.
وقد يقال: إن جعله تعليلا لذلك أيضا كالنص على كون " من " للتبعيض
واشتراط العلوق (1). وفيه نظر (2).
ويدل على المطلوب أيضا قوله: " فليمسح من الأرض " كما في الصحيح (3).
ويؤيده ما مر من جعله عليه السلام التراب أو الأرض طهورا في عدة
أخبار (4)، فإن الظاهر منه كون نفس التراب مطهرا، لا مجرد الكف الخالي عنه
بمجرد ملاقاته له.
خلافا للمشهور كما قيل (5)، بل ظاهر المنتهى الاجماع عليه (6)، فلم يشترط
العلوق، للأصل، والاجماع على استحباب النفض المنافي للعلوق، وكون
الصعيد وجه الأرض الصادق على الحجر الخالي عن الغبار، وكفاية الضربة
الواحدة حيث إن الغالب فيها عدم بقاء الغبار فيها لليدين.
ويندفع الأول: بما مر.
والثاني: بمنع المنافاة كما لا ينافي تقليل الماء في المسح للوضوء ولذا قال

(1) كما في الحدائق 4: 334.
(2) توجد في " ح " حاشية منه رحمه الله تعالى: إذ لا تعلق حينئذ بقوله " من ذلك التيمم " فلا دلالة له
على معنى من، غايته أنه يدل على أن علة تبعيض الوجه عدم إمكان إجراء العلوق على جميعه،
وحيث لا يجب الاطراد في العلة يكفي فيها كونه كذلك في الجملة، كما قالوا في علة ضرب الدية على
العاقلة أنها مما يفهم من القاتل في الجاهلية.
(3) التهذيب 1: 197 / 572، الإستبصار 1: 161 / 558، الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14
ح 7.
(4) راجع ص 388.
(5) كفاية الأحكام: 8.
(6) المنتهى 1: 148.
435

باستحبابه من أوجب العلوق أيضا، بل ربما قيل: إنه يدل على نقيض المطلوب،
لأن النفض فرع العلوق (1).
والثالث: بالمنع كما مر (2).
وقد يجاب عنه أيضا بأن كفاية مطلق، وجه الأرض لا ينافي اشتراط وجود
غبار عليه بدلالة خارجة (3). وهو ضعيف (4).
والرابع: بمنع عدم بقاء شئ من الغبار بعد مسح الوجه، بل الظاهر
بقاؤه، ولو سلم احتمال رفعه فاستصحابه كاف، ولعل دفع ذلك الاحتمال سر
استحباب الضربة الثانية عند من لا يوجبها، بل احتمل بعضهم وجوبها مع عدم
بقاء الغبار وعدمه مع بقائه (5).
وقد يقال: إن المطلوب اعتبار مطلق العلوق وذلك لا يوجب الاستمرار (6).
وفيه: أن كل ما يثبت به العلوق يدل عليه في الوجه واليدين معا.
ثم اعتبار العلوق إذا انتقل إلى الحجر والثوب ونحوهما لعذر مشكل، لأن
الآية التي هي دليل اعتباره لا يجري في غير التراب، والاجماع المركب غير ثابت.
والأحوط اعتباره مهما أمكن، لقوله في روايات الثوب: " فليتيمم من غباره " (7).
الثالثة: يجب رفع الحائل بين الكف وما يتيمم به، فإن معه لا يصدق

(1) كما في الحبل المتين: 89، نقلا عن والده.
(2) في راجع ص 386.
(3) كما في الذخيرة: 103.
(4) توجد في " ح " حاشية منه رحمه الله تعالى: إذ لا دليل على العلوق سوى الآية التي هي أيضا دليل
كفاية مطلق الأرض عند القائلين بها باعتبار أنه معنى الصعيد، وبعد تسليم كون الصعيد فيها
مطلق وجه الأرض - ولو مثل الحجر الخالي عن الغبار - لكان المرجع في " منه " هو ذلك الوجه ولو لم
يكن عليه غبار، فلا يمكن المسح ببعضه. فيتردد الأمر بين التجوز في قول " منه " أو في الصعيد إما
بإرادة التراب أو الشئ المغبر ولا مرجح لشئ منهما، فيسقط الاستدلال بها رأسا.
(5) المفاتيح 1: 62
(6) المفاتيح 1: 62
(7) انظر: الوسائل 3: 353 أبواب التيمم ب 9.
436

الضرب بالكف، بل في التذكرة وشرح القواعد للمحقق الثاني، واللوامع لوالدي:
وجوب نزع الخاتم (1)، وهو ظاهر من منع عن خلط التراب بمثل الشعر والشعير
مستدلا بوجوب الاستيعاب (2).
وفي وجوبه إشكال، لعدم دليل عليه، وصدق الضرب بالكف عرفا مع
وجوده، فالظاهر عدم البطلان مع بقائه، بل وكذلك ما يشبه الخاتم من الموانع
اليسيرة.
وعموم بدلية التراب - لو سلم - لا يستلزم عمومها في نحو ذلك أيضا،
وإثبات الاجماع في أمثال ذلك مشكل. والأحوط النزع.
ولا يستحب تخليل الأصابع (للأصل) (3) ويستحب تفريجها حين الضرب،
لتصريح الجماعة (4).
الثالث من واجبات التيمم: مسح الوجه.
ووجوب مسح الجبهة منه محل الوفاق بين المسلمين، بل هو ضروري
الدين.
وفي اختصاص محل الوجوب بها، كالقواعد والدروس والشرائع
والكفاية (5)، وهو أحد احتمالات كلام المفيد والحلبي والناصريات والانتصار
والنهاية والسرائر والوسيلة والمنتهى والتذكرة والبيان، حيث جميعا عبروا بمسح
الوجه من القصاص إلى طرف الأنف (6)، إلا أن في الانتصار الرأس بدل

(1) التذكرة 1: 63، جامع المقاصد 1: 499.
(2) انظر المدارك 2: 205.
(3) ليست في " ه‍ ".
(4) كالعلامة في التذكرة 1: 63، والكركي في جامع المقاصد 1: 499، والفيض في المفاتيح 1: 63.
(5) القواعد 1: 23، الدروس 1: 132، الشرائع 1: 48، كفاية الأحكام: 8.
(6) المفيد في المقنعة: 62، الحلبي في الكافي: 136، الناصريات (الجوامع الفقهية): 188،
الإنتصار: 32، النهاية: 49، السرائر 1: 136، الوسيلة: 72، المنتهى 1: 45، التذكرة 1:
63، البيان: 86.
437

الوجه (1)، وفي الحدائق (2) واللوامع وغيرهما نسب هذا القول إلى المشهور، ولعله
لفهم الجبهة من كلام هؤلاء الأعلام، كما صرح به في المعتبر (3).
أو وجوب ضم الجبينين خاصة معها، كالعاملي والمدارك (4)، ووالدي - رحمه
الله - في اللوامع والمعتمد، وبعض سادة مشايخنا في منظومته (5). وهو الاحتمال
الثاني لكلمات المذكورين، ونسبه الأردبيلي في شرح الإرشاد إلى المشهور (6).
أو مع الحاجبين أيضا، كالصدوق في الفقيه والهداية (7)، والكركي (8)، وعن
ظاهر الشهيد (9). وهو الاحتمال الثالث لما ذكر.
أو مع بقية الوجه، كما عن الصدوق في المجالس ووالده طاب ثراهما (10)،
وعن ظاهر الجعفي (11).
أو مخيرا بين البعض وتمام الوجه، كما عن العماني والإسكافي والمعتبر (12)،
أقوال:
الأول - وهو الحق - للأصل، وعدم الدليل الموجب للزائد.
وللثاني: تصريح الأخبار البيانية بمسح جبينه عليه السلام خاصة،

(1) الموجود في الإنتصار هكذا:... إن مسح الوجه بالتراب في التيمم إنما هو إلى طرف الأنف من
غير استيعاب له.
(2) الحدائق 4: 342.
(3) المعتبر 1: 385.
(4) العاملي (الشهيد الثاني) في المسالك 1: 16، المدارك 2: 220.
(5) بحر العلوم في الدرة النجفية: 45.
(6) مجمج الفائدة 1: 234.
(7) الفقيه 1: 57، الهداية: 18.
(8) جامع المقاصد 1: 490.
(9) الذكرى: 108.
(10) الأمالي: 515، قال فيه: فيمسح بهما وجهه، وحكى عن والده في المختلف: 50.
(11) حكى عنه في الذكرى: 108.
(12) حكى عن العماني والإسكافي في المختلف: 50، المعتبر 1: 386.
438

كصحيحة زرارة في حكاية عمار (1)، موثقته على نسخة الكافي (2)، وحسنة ابن أبي
المقدام (3)، والمروي في السرائر في حكاية عمار أيضا (4)، ولا تنافيها أخبار وجوب
مسح الجبهة، لأن الزيادة غير منافية لما لا يشتملها.
وشيوع إطلاق لفظ الجبهة على المركب من الجبينين أيضا.
وكون التيمم بدلا من الوضوء والبدل في حكم المبدل منه إلا فيما أخرجه
الدليل.
ولزوم المسح بالكفين - كما صرحت به الأخبار ووقع في كلام الأخيار - وهو
يزيد عن الجبهة المنفردة قطعا.
وأخبار الوجه، إما باعتبار الاقتصار فيما علم خروجه منه على المتيقن، أو
باعتبار أن المراد منه المجاز قطعا، والجبهة والجبينان معا أقرب إلى الحقيقة من
الأولى خاصة.
واستصحاب الشغل.
ويجاب عن الأول: بعدم دلالة. في شئ من تلك الأخبار على الوجوب
أصلا، إذ ليس في شئ منها إلا أنه مسح الجبين، وهولا يدل على الوجوب، سيما
مع اشتمال التيمم على واجبات ومستحبات قطعا، فلا يعلم أن فعله هذا بيان
للواجب سيما مع اشتمال الموثقة والحسنة على النفض المستحب قطعا.
هذا، مع أنه لا تعرض في شئ منها لمسح الجبهة الواجب البتة، ويمتنع
تركه في مقام البيان، فلا بد من كون الجبين مجازا إما في الجبهة من باب المجاورة
أو مع الجبين من باب تسمية الكل باسم الجزء وإذ لا مرجح فيدخله الاجمال

(1) الفقيه 1: 57 / 212، الوسائل 3: 360 أبواب التيمم ب 11 ح 8.
(2) الكافي 3: 61 الطهارة ب 40 ح 1، الوسائل 3: 359 أبواب التيمم ب 11 ح 3.
(3) التهذيب 1: 212 / 614، الإستبصار 1: 171 / 594، الوسائل 3: 360 أبواب التيمم ب 11
ح 6.
(4) مستطرفات السرائر: 26 / 4، الوسائل 3: 360 أبواب التيمم ب 11 ح 9.
439

المسقط للاستدلال، مع رجحان الأول من جهة إفراد الجبين، وكون الجبهة واردة
في أخبار أخر، وشيوع التعبير عن الجبهة خاصة بالجبين في المعتبرة، كما في حسنة
عبد الله بن المغيرة وموثقة عمار: " لا صلاة [لمن] لا يصيب أنفه ما يصيب
جبينه " (1).
وعن الثاني: بأن شيوع استعمال الجبهة في المركب - لو سلم - لا يخرجه عن
التجوز.
وعن الثالث: بمنع اقتضاء البدلية للاتحاد في جميع الأحكام كما يأتي، بل
مقتضاه الاتحاد فيما صار ذلك بدلا عنه وهو الطهورية.
وعن الرابع: أن زيادة الكفين عن الجبهة لا تقتضي وجوب الزائد، فإن
وجوب مسح موضع بالكفين غير وجوب المسح بمجموعهما، مع أنهما زائدان عن
الجبهة والجبين أيضا.
وعن الخامس: بأن أخبار الوجه لا تدل على وجوب مسح تمامه كما يأتي،
مع أن الوجه ليس عاما حتى يجري فيه قوله: خرج ما خرج، والحمل على أقرب
المجازات مطلقا لا دليل عليه.
وعن السادس: بأنه معارض باستصحاب عدم وجوب الزائد.
وللثالث: الرضوي: " وقد روي أنه يمسح على جبينيه وحاجبيه ويمسح
على ظهر كفيه " (2) وحكاية وجود رواية فيه (3)، ووجوب إدخاله من باب المقدمة.
وضعف الأولين ظاهر جدا.
ويضعف الثالث: بأن الكلام في الواجب الأصلي، مع أن ادخال جميعهما
في المسح ليس مما لا يتم الواجب إلا به.

(1) الكافي 3: 333 الصلاة ب 28 ح 2، التهذيب 2: 298 / 1202، الإستبصار 1:
327 / 1223، الوسائل 6: 344 أبواب السجود ب 4 ح 4 و 7، وما بين المعقوفين من المصادر.
(2) فقه الرضا (ع): 90، وعنه في مستدرك الوسائل 2: 539 أحكام التيمم ب 11 ح 1.
(3) كما في جامع المقاصد 1: 490.
440

وللرابع: استفاضة النصوص بمسح الوجه الظاهر في كله، كالصحاح
الثلاث في حكاية عمار لزرارة (1)، وداود (2)، والخزاز (3)، وفيها: " فمسح وجهه "
ونحوها في موثقة سماعة (4) وحسنة الكاهلي (5) وصحيحة محمد (6)، وفي رواية زرارة:
" وتمسح وجهك " (7) ومثلها في خبر ليث (8).
ويضعف: بخلو الكل عن الدال على الوجوب. مضافا إلى عدم صراحته
بل دلالته على مسح الجميع، لأن الوجه وإن كان حقيقة في الكل إلا أن مسحه
يصدق بمسح بعضه أيضا، بل هو المتبادر منه، فهو حقيقة في مسح اليد على جزء
منه، كضرب الوجه وتقبيله وجرحه ومسه وغير ذلك.
ويؤيده: اتحاد قضية عمار مع اختلاف الأخبار الحاكية لها فيما يمسح من
الوجه وتضمين كثير منها الوجه والكفين إلى الذراعين، مع أنه لا قائل باستيعاب
الوجه خاصة، مع أن شيوع التعبير عن الجبهة بالوجه يقرب إرادتها منه.
ومع قطع النظر عن الجميع في معارضة لصحيحة زرارة، المتقدمة،

(1) التهذيب 1: 208 / 603، الوسائل 3: 359 أبواب التيمم ب 11 ح 5.
(2) التهذيب 1: 207 / 598، الإستبصار 1: 170 / 591، الوسائل 3: 359 أبواب التيمم ب 11
ح 4.
(3) الكافي 3: 62 الطهارة ب 40 ح 4، الوسائل 3: 358 أبواب التيمم ب 11 ح 2.
(4) التهذيب 1: 208 / 602، الإستبصار 1: 170 / 592، الوسائل 3: 365 أبواب التيمم ب 13
ح 3.
(5) الكافي 3: 62 الطهارة ب 40 ح 3، التهذيب 1: 207 / 600، الإستبصار 1: 170 / 589،
الوسائل 3: 358 أبواب التيمم ب 11 ح 1.
(6) التهذيب 1: 210 / 612، الإستبصار 1: 172 / 600، الوسائل 3: 362 أبواب التيمم ب 12
ح 5.
(7) التهذيب 1: 212 / 615، الإستبصار 1: 171 / 595، الوسائل 3: 360 أبواب التيمم ب 11
ح 7.
(8) التهذيب 1: 209 / 608، الإستبصار 1: 171 / 596، الوسائل 3: 361 أبواب التيمم ب 12
ح 2.
441

المفسرة للآية، المصرحة بوجوب مسح بعض الوجه خاصه (1)، فيرجع إلى الأصل.
مع أن ترجيح الصحيحة لازم، لموافقتها الكتاب حيث أتى بلفظة الباء
التبعيضية، بنص الأدباء على إنها إذا دخلت على المتعدي يبعضه، ومخالفتها
العامة، فإن الاستيعاب مذهب الجمهور كافة، كما صرح به الانتصار والمنتهى
والتذكرة (2)، ومعاضدتها بالاجماع على عدم وجوب مسح ما تحت طرف الأنف
الأعلى، كما في الناصريات والانتصار وعن الغنية (3)، ونسبه الصدوق في المجالس
إلى مشايخه (4).
قيل: التبعيض لا ينافي الاستيعاب الذي يقولون به، لأنه أيضا بعض
الوجه دون تمامه من الأذن إلى الأذن، (5).
وفيه: أن المصرح به في النص من التبعيض هو تبعيض موضع الغسل من
الوجه، ولا شك أنه غير الاستيعاب المذكور، لأنه استيعاب محل الغسل، وكذا
في الآية بقرينة مقابلة الوجه في الوضوء.
وللخامس: الجمع بين الأخبار. وضعفه ظاهر.
فروع:
أ: الواجب استيعاب الجبهة، بأن يمسح جميعها الواقع عرضا بين
الجبينين، وطولا بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى المسمى بالعرنين (6)،
بالاجماع المحقق والمصرح به في المنتهى (7).

(1) راجع ص 434.
(2) الإنتصار: 32، المنتهى 1: 145، التذكرة 1: 63.
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 188، الإنتصار: 32، الغنية (الجوامع الفقهية): 555.
(4) الأمالي: 515. وهو أيضا مما يضعف نسبة الاستيعاب إلى أبيه (منه رحمه الله تعالى).
(5) لم نعثر على قائله.
(6) عرنين الأنف: تحت مجتمع الحاجبين، وهو أول الأنف حيث يكون فيه الشمم. الصحاح 6:
2163.
(7) المنتهى 1: 147.
442

مضافا في الطول إلى الرضوي المتقدم في النية (1)، المنجبر ضعفه بما ذكر.
ولا يضر كون " يمسح " جملة خبرية، لأنه في مقام بيان حقيقة التيمم.
دون الطرف الأسفل كما عن أمالي الصدوق (2)، ولا النتو الواقع في وسط
الأنف كما قيل (3)، للأصل.
ب: صرح الجماعة منهم: الصدوق والشيخان والسيد والحلي والحلبي وابن
حمزة والفاضلان والشهيدان وغيرهما بأن المسح من القصاص إلى طرف الأنف (4).
وظاهره وجوب البدأة بالأعلى، وقد صرح به جماعة منهم: نهاية الإحكام والتذكرة
والدروس والذكرى (5)، ونسبه في المنتهى إلى ظاهر عبارة المشايخ (6)، وعن أمالي
الصدوق الاجماع عليه (7)، ونقل بعض مشايخنا المحققين اتفاق الفقهاء والمسلمين
عليه (8).
وبدل عليه: الرضوي المتقدم، المنجبر بما ذكر. وحمل التحديد على

(1) راجع ص 421.
(2) حكاه عنه في كشف اللثام 1: 147، والمنقول من عبارة الأمالي في شرح المفاتيح هكذا:... ويمسح بهما
وجهه من قصاص شعر الرأس إلى طرف الأنف الأعلى، وإلى الأسفل أولى.... ولكنا لم نعثر على ذلك
في الأمالي المطبوعة التي بأيدينا، والموجود فيها: فيمسح بهما وجهه، ثم يضرب بيده اليسرى...
(ص 515). والظاهر وجود اختلاف في نسخ الأمالي.
(3) لم نعثر على قائله.
(4) الصدوق في المقنع: 9، المفيد في المقنعة: 62، الطوسي في المبسوط 1: 33، السيد في جمل العلم
والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 25، الحلي في السرائر 1: 136، الحلبي في الكافي في
الفقه: 136، ابن حمزة في الوسيلة: 72، المحقق في الشرائع 1: 48، العلامة في القواعد 1:
23، الشهيد الأول في البيان: 86، الشهيد الثاني في المسالك 1: 16.
(5) نهاية الإحكام 1: 205، التذكرة 1: 63، الدروس 1: 132، الذكرى: 109.
(6) المنتهى 1: 146.
(7) راجع الهامش (2).
(8) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).
443

الممسوح دون المسح (1) خلاف الظاهر بل الأصل، لأنه يخرج لفظتي " من " و " إلى "
عن إفادة الابتدائية والانتهائية اللتين هما حقيقتاهما عند ذكرهما معا، إذ لا ابتداء
حينئذ ولا انتهاء، بل يكونان طرفين للمحدود.
واستدل له أيضا: بأصل الاشتغال، وتبعية التيممات البيانية حيث إن
الظاهر أنه كان بالبدأة من الأعلى وإلا لنقل، لكونه خلاف المتعارف في الوضوء
والمعهود بين الناس (2).
ويضعف الأول: بما مر مرارا.
والثاني: بمنع البدأة بالأعلى فيها أولا، ووجوب النقل لو نكس ممنوع
جدا، وكونه خلاف الوضوء - مع كونه ممنوعا للخلاف فيه أيضا - لا يدل على
وجوب النقل، وكونه خلاف المعهود في الصدر الأول غير مسلم. ومنع دلالتها على
الوجوب ثانيا، لمنع كون البدأة بيانا، بل اتفاقية وأحد أفراد المخير.
وقد يستدل أيضا: بعموم المنزلة الثابت بقوله (عليه السلام): " جعل التراب
طهورا كما جعل الماء طهورا " (3) ونحوه، وعموم البدلية الثابت بفهم العرف.
قال بعض مشايخنا المحققين في بيانه: إن أهل العرف إذا سمعوا وجوب
التيمم بالتراب عند فقد الماء يتبادر إلى أذهانهم كونه بالكيفية التي عرفوها للمائية
إلا أن تثبت المخالفة، فإنهم إذا سمعوا إذا فقد الماء فالجمد والثلج، وإذا فقد
فالتراب، وإذا فقد فالغبار، يفهمون أن الكل بكيفية واحدة، كما إذا علموا أن
الجمد المذاب بمنزلة الماء بعد فقده، والغبار بمنزلة التراب كذلك.
وبالجملة: يتبادر من أمثال هذه العبارات اتحاد الكيفية، ولذا صدر من عمار
ما صدر مع أنه كان من أهل اللسان، ولذا تراهم لا يحتملون مغايرة كيفية تيمم

(1) كما في الذخيرة: 104.
(2) كما في الذكرى: 109، وشرح المفاتيح (المخطوط).
(3) الكافي 3: 66 الطهارة ب 42 ح 3، الفقيه 1: 60 / 223، التهذيب 1: 404 / 1264،
الوسائل 3: 385 أبواب التيمم ب 23 ح 1.
444

الغبار لتيمم التراب، ولا يحتملونها في الثلج والجمد المذابين مع الماء، وإذا علموا
المخالفة في شئ يقتصرون عليه (1).
أقول: أما ثبوت عموم المنزلة بأخبار التشبيه فممنوع، ولو سلم فلا يفيد في
كيفية الاستعمال.
ألا ترى أنه إذا قال الطبيب: إن في الإهليلج الشفاء كما أن في السقمونيا
الشفاء، لا يفهم منه اتحادهما في كيفية الاستشفاء.
وأما فهم العرف عموم البدلية الذي ادعاه فإنما هو فيما إذا قال: استعملوا
الماء في الوضوء كذا، وإن لم تجدوه فاستعملوا التراب، أو التراب بدله، أو نحو
ذلك من العبارات. وإذا قال: استعملوا الماء كذا، أو يغسل الوجه واليدين
بالكيفية المخصوصة من الماء في الوضوء فإن لم تجدوا الماء فتيمموا بالتراب، أو
امسحوا بعض وجوهكم به، فلا يفهم ذلك أصلا.
انظر إلى قول الطبيب للمريض: عالج بطلي جسدك بدهن البنفسج،
تدهنه برطل منه قبل أكل الغذاء، مبتدئا من رأسك في الحمام بعد غسل البدن،
فإن لم تجده فماء الورد، أو أطل بماء الورد، أو بدله ماء الورد، أو نحو ذلك. فإنه
يفهم منه قطعا أن ماء الورد أيضا يطلى برطل منه قبل الغذاء إلى آخر ما ذكر، إلا
أن تثبت المخالفة في موضع بدليل. بخلاف ما إذا قال: فإن لم تجد دهن البنفسج
فاشرب المسهل، أو ضع الدقيق على رأسك، فإنه لا يفهم منه المسهل أو الدقيق
أيضا يلزم أن يكون رطلا بعد الغذاء في الحمام إلى آخر ما مر.
والحاصل: أنه فرق بين بين الأمر بفعل آلته شئ وجعل شئ آخر بدلا
عن تلك الآلة في ذلك الفعل، أو جعل فعل آخر آلته شئ آخر بدلا عن ذلك
الفعل. والتيمم من قبيل الثاني دون الأول، فإنه لو كان يقول: اغسلوا وجوهكم
وأيديكم في الوضوء بالماء، أو توضؤوا بالماء، فإن لم تجدوا الماء فبالتراب، أو بدله

(1) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).
445

التراب، لكان يتبادر منه ما ذكر، ولكن أين مثل ذلك القول وأنى؟ وإنما قال:
اغسلوا وجوهكم وإن لم تجدوا ماء فتيمموا، أو فخذوا صعيدا فامسحوا به بعض
وجوهكم، ولا تبادر في مثل ذلك أصلا، ويختلف فهم المعاني من الألفاظ بأدنى
تغيير واختلاف، فيفهم من بدلية الآلة عن الآلة ما لا يفهم من بدلية الفعل عن
الفعل.
ج: يجب أن يكون مسح الجبهة بباطن الكف، كما صرح به - فيها وفي
اليدين - في المقنعة والمراسم والمهذب والسرائر والذكرى والدروس (1).
وقال بعض مشايخنا المحققين: إنه لم يخالف فيه أحد من الأصحاب (2).
والظاهر أنه كذلك، بل الظاهر أنه اجماعي، فهو الحجة فيه، مضافا إلى أنه لازم
وجوب ضرب الباطن واشتراط العلوق.
ويحب أن يكون المسح باليدين، كما هو المشهور، للرضوي المتقدم (3)،
المنجبر بما ذكر، المعتضد بأخبار كثيرة أخر، كموثقتي زرارة وسماعة (4)، ورواية
ليث (5)، وصحيحة زرارة (6)، وغيرها.
وفي العامي المروي في كتب الفاضل وغيره، عن عمار، عن النبي (صلى الله
عليه وآله) أنه قال: " قد كان يجزيك من ذلك أن تمسح بيديك وجهك " (7).

(1) المقنعة: 62، المراسم: 54، المهذب 1: 47، السرائر 1: 136 الذكرى: 109، الدروس
1: 133.
(2) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).
(3) في ص 421.
(4) موثقة زرارة: الكافي 3: 61 الطهارة ب 40 ح 1، الوسائل 3: 359 أبواب التيمم ب 11 ح 3،
موثقة سماعة: التهذيب 1: 208 / 602، الإستبصار 1: 170 / 592، الوسائل 3: 360 أبواب
التيمم ب 13 ح 3.
(5) التهذيب 1: 209 / 608 /، الإستبصار 1: 171 / 596، الوسائل 3: 361 أبواب التيمم ب 12
ح 2.
(6) الفقيه 1: 57 / 212، الوسائل 3: 360 أبواب التيمم ب 11 ح 8.
(7) المنتهى 1: 146، بداية المجتهد: 65 بتفاوت يسير.
446

وفي المروي في الدعائم: " المتيمم تجزيه ضربة واحدة، يضرب بيديه على
الأرض يمسح بهما وجهه ويديه " (1).
وحملهما على أن يمسح المجموع بالمجموع حتى يكفي في صدقه مسح
اليمين بالشمال أيضا خلاف الظاهر.
ولا ينافيه اختصاص الممسوح بالجبهة، إذ لا يجب شمول الكفين بأجمعهما
دفعة للممسوح، بل يمكن أن يمسح المجموع ببعض كل منهما أو المجموع
بالمجموع.
خلافا للمحكي عن الإسكافي، فاجتزأ بالمسح باليد اليمنى (2)، لصدق
المسح، ودفعه ظاهر، والقياس على الوضوء لأن القياس مذهبه، وضعفه بين.
وللمحقق الأردبيلي، فنفى وجوبه بالكفين، واستجود جوازه واستحبابه (3).
واحتمل في نهاية الإحكام والتذكرة الجواز أيضا بعد أن جعل الأول في
الثاني الأظهر من عبارات الأصحاب (4).
ولعله لصدق المسح، وعدم دلالة غير الرضوي على الوجوب، وهو وإن دل
بالجمل إلا أنه ضعيف. وهو كان حسنا لولا انجباره بالاشتهار.
والظاهر وجوب الدفعة في المسح بهما، فلا يكفي التعقيب، للاجماع
المركب.
د: قد مر وجوب استيعاب الممسوح. وأما الماسح فلا يجب فيه الاستيعاب
بمعنى مسح محل الوجوب بمجموع الكفين، بل يكفي المسح بجزء كل من
اليدين بحيث يمده على الممسوح ويستوعبه بالمسح بهما، وفاقا لبعضهم كما نقله

(1) دعائم الاسلام 1: 121، مستدرك الوسائل 3: 538 أحكام التيمم ب 10 ح 2.
(2) حكاه عنه في الذكرى: 109.
(3) مجمع الفائدة 1: 237.
(4) نهاية الإحكام 1: 208، التذكرة 1: 63.
447

والدي رحمه الله، وهو مختار شرح القواعد والمدارك والذخيرة والحدائق (9)، للأصل.
وظهور الأيدي والكفين في المجموع غير مفيد، كما مر وجهه في الوجه.
ويدل عليه أيضا ما في صحيحة زرارة من أن النبي (صلى الله عليه وآله) مسح
جبينه بأصابعه (2).
وخلافا لصريح بعض مشايخنا (3) ووالدي قدس سرهما، فأوجبا
الاستيعاب بهذا المعنى، لما مر بجوابه. وأما بمعنى مسح كل جزء من الممسوح
بكل جزء من الماسح فمنفي قطعا، والظاهر أنه إجماعي.
ه‍: يجب مد اليدين على الجبهة ليتحقق المسح، فلا يكفي الوضع.
الرابع: مسح ظاهر الكفين من الزند إلى رؤوس الأصابع. ووجوب
مسحهما بالقدر المذكور واختصاصه به هو المشهور، كما في التذكرة والمنتهى (4)
وغيرهما، بل في الناصريات وشرح القواعد وعن الغنية: إجماعهم على
الحكمين (5).
ويدل على الأول: الرضوي المتقدم المنجبر بالشهرتين (6)، والاجماع
المنقول، وما في المنتهى من نسبته، إلى مولانا علي (7)، فهو أيضا رواية مرسلة
منجبرة.
والاحتجاج بالنصوص المتكثرة المصرحة بمسح الكفين بواسطة تبادر

(1) جامع المقاصد 1: 492، والمدارك 2: 222، قال فيه: والأولى المسح بمجموع الكفين عملا
بجميع الأخبار، الذخيرة: 106، الحدائق 4: 348.
(2) المتقدمة في ص 446.
(3) لم نعثر على شخصه.
(4) التذكرة 1: 63، والمنتهى 1: 146.
(5) الناصريات (الجوامع الفقهية): 188، جامع المقاصد 1: 492، الغنية (الجوامع الفقهية):
555.
(6) راجع ص 421.
(7) المنتهى 1: 146.
448

المجموع من الكف غير جيد، لمثل ما مر في الوجه (1)، مع أن أكثرها خال عن
الدال على الوجوب.
ومنه يظهر ضعف الاحتجاج بقوله (عليه السلام) في صحيحة الخزاز وداود
ابن النعمان: " مسح فوق الكف قليلا " (2).
وعلى الثاني - مضافا إلى الرضوي -: النصوص المذكورة، حيث إنه لو
وجب الزائد لأتي به في التيممات البيانية، ولو أتي به، لنقله الراوي قطعا.
والصحيحتان المذكورتان، فإن مسح فوق الكف قليلا صريح في عدم
استيعابه الذراع، فلا يكون واجبا البتة، ولا هذا القليل، لعدم قوله بوجوبه
أصالة، نعم هو واجب من باب المقدمة، وهو السبب في مسحه (عليه السلام) إياه.
وصحيحة زرارة: " ثم مسح وجهه وكفيه ولم يمسح الذراعين بشئ " (3) وهو
نص في المطلوب
وبتلك الأدلة تقيد مطلقات مسح اليد على القول باطلاقها، أو تبين
مجملات مسحها على إجمالها، مع أنه - كما مر - يكفي في صدق مسح اليد مسح
جزء منه.
خلافا في الأول للمحكي في السرائر عن بعض الأصحاب، فاكتفى
بالمسح من أصول الأصابع إلى رؤوسها (4).
ولعله لما في فقه الرضا (عليه السلام) من قوله: " وروي من أصول الأصابع "
وقوله: " وروي: إذا أردت التيمم - إلى أن قال: - ثم تضع أصابعك اليسرى على
أصابعك اليمنى من أصول الأصابع من فوق الكف، ثم تمرها على مقدمها على

(1) راجع ص 440، 439.
(2) الكافي 3: 62 الطهارة ب 40 ح 4، التهذيب 1: 207 / 598، الإستبصار 1: 170 / 591،
الوسائل 3: 358 و 359 أبواب التيمم ب 11 ح 2 و 4.
(3) التهذيب 1: 208 / 603، الوسائل 3: 359 أبواب التيمم ب 11 ح 5.
(4) السرائر 1: 137.
449

ظهر الكف، ثم تضع أصابعك اليمنى على اليسرى فتصنع بيدك اليمنى ما
صنعت بيدك اليسرى مرة واحدة، فهذا هو التيمم " (1).
ومرسلة حماد: عن التيمم، فتلا هذه الآية: " السارق والسارقة فاقطعوا
أيدهما " وقال: " فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق " قال: " فامسح على
كفيك من حيث موضع القطع " (2).
ويضعف الكل بالضعف: أما الأولان: فظاهران، وأما الثالثة:
فلشذوذها، ومخالفتها عمل المعظم.
مضافا إلى أنه يمكن أن يكون المراد في الثاني: تضع أصل أصابعك
اليسرى على أصل أصابعك اليمنى، فتكون رؤوس أصابع اليسرى إما على
رؤوس أصابع اليمنى أو على الزند، وعلى التقديرين يحصل بالمد المسح على
الطريق المشهور، أو يكون المراد بأصول الأصابع ما يتصل بالزند كما هو ظاهر
قوله: " من فوق الكف " فبالمد يحصل المسح المشهور.
وأن يكون المراد بموضع القطع في الثالث موضعه عند العامة بحمل اللام
على العهد الخارجي، فيكون جريا على طريقة الجدل (مع العامة) (3).
وفي الثاني للمحكي عن الصدوق في أماليه ووالده، فأوجبا المسح من
المرفقين إلى رؤوس الأصابع (4) - وهو المنقول عن أبي حنيفة والشافعي (5) -
لصحيحة محمد، وموثقة سماعة، ورواية ليث (6).
ويضعف: بما مر من الشذوذ، مع أنه لا دلالة فيها على الوجوب بوجه،

(1) فقه الرضا (ع): 88، مستدرك الوسائل 2: 535 أحكام التيمم ب 9 ح 1.
(2) الكافي 3: 62 الطهارة ب 40 ح 2، التهذيب 1: 207 / 599، الإستبصار 1: 170 / 588،
الوسائل 3: 365 أبواب التيمم ب 13 ح 2.
(3) ليست في " ه‍ ".
(4) الأمالي: 515، وحكى عن والده في المختلف: 50.
(5) الأم في فقه الشافعي 1: 49 ونقل عنهما في الجامع لأحكام القرآن 5: 239.
(6) المتقدمة في ص 441.
450

وعلى فرض الدلالة تكون معارضة لما مر. فإما يجمع بينهما بحمل الزائد على
الندب، أو يرتجح ما مر، لمخالفة العامة - كما صرح به غير واحد - وموافقة الكتاب
حيث إن الظاهر منه - كما صرح به في الصحيحة المفسرة (1) - أن المسح أيضا
ببعض الأيدي المغسولة في الوضوء أو يتساقطان، فيرجع إلى الأصل.
وهل يجوز التجاوز عن الزند والاستيعاب إلى المرفقين كما عن المعتبر (2)، أو
يستحب كما احتمله في المنتهى (3)، الظاهر فيهما: العدم، لأصالة عدم المشروعية.
وليس في الروايتين الأوليين إلا الاخبار عن مسحه، وهو يحتمل التقية.
وأما الرواية الأخيرة فورد فيها بلفظ الاخبار المحتمل لمطلق الرجحان
والاستحباب والوجوب، فعلى الأخير يجب حملها على التقية، ولعدم تعين الأولين
لا يثبت منهما حكم.
فروع:
أ: المعروف من مذهب الأصحاب كما في اللوامع، بل اتفقوا عليه كما هو
ظاهر شرح القواعد (4): وجوب البدأة بالزند.
ويدل عليه قوله في أحد الرضويين المتقدمين: " ثم تمرها على مقدمها " (5).
وضعفه منجبر، ولا يضر قوله في الآخر " إلى حد الزند " (6) لضعفه الموجب
للاقتصار في العمل به على موضع الانجبار.
ب: يجب أن يكون الماسح بطن الكف، لما مر في الوجه. والممسوح
ظاهرها، لظاهر الاجماع، وبه تقيد الاطلاقات.

(1) راجع ص 434.
(2) المعتبر 1: 387.
(3) المنتهى 1: 147.
(4) جامع المقاصد 1: 492.
(5) راجع ص 449.
(6) راجع ص 449.
451

وتؤيده أيضا: حسنة الكاهلي: " ثم مسح كفيه إحداهما على ظهر
الأخرى " (1) والرضوي المتقدم في الوجه (2)، والمروي في السرائر في حكاية عمار،
وفيه: " ثم مسح بكفيه كل واحدة على ظهر الأخرى " (3).
ولو تعذر الباطن من الأول والظاهر من الثاني أجزأ الآخر، لعموم الآية
والأخبار، فيقتصر في التخصيص المخالف للأصل بالمتيقن.
ج: يجب تقديم اليمنى على اليسرى، بالاجماع المحقق والمحكي في
التذكرة وشرح القواعد (4)، وغيرهما (5).
ويدل عليه الرضويان المتقدمان (6) (المنجبران) (7) المؤيدان بصحيحة ابن
مسلم، المتقدمة في مسألة عدد الضربات (8).
د: الظاهر الاجماع على وجوب استيعاب الممسوح، وعليه الاجماع في
المنتهى (9) واللوامع، وفي الحدائق: بلا خلاف يعرف (10)، وهو الحجة فيه دون
ظواهر الأخبار، لعدم الدلالة.
والقدر الثابت الاستيعاب العرفي، فلا يضر خروج ما بين الأصابع، ولا
ما تحت الأظفار ولو طولت، بل ولا تحت مثل الخاتم، لعدم ثبوت الاجماع في هذا
القدر.

(1) الكافي 3: 62 الطهارة ب 40 ح 3، التهذيب 1: 207 / 600، الإستبصار 1: 170 / 589،
الوسائل 3: 358 أبواب التيمم ب 11 ح 1.
(2) راجع ص 440.
(3) مستطرفات السرائر: 26 / 4، الوسائل 3: 360 أبواب التيمم ب 11 ح 9.
(4) التذكرة 1: 64، جامع المقاصد 1: 492.
(5) كالمدارك 2: 226، والمفاتيح 1: 62.
(6) في ص 449.
(7) ليست في " ه‍ ".
(8) راجع ص 432.
(9) المنتهى 1: 147.
(10) الحدائق 4: 353.
452

ومنه يظهر عدم وجوب مسح الإصبع الزائدة ولو لم تتميز من الأصلية،
ومسحها أحوط.
وأما اليد الزائدة فمع تميزها لا يجب مسحها وإن كانت تحت الزند،
للأصل، وعدم دليل على وجوب مسح الزائد على اليدين. ويجب مسح الأصلية
إجماعا، وللشك في كون الأخرى يدا فيستصحب الاشتغال.
ومع عدم التميز يجب مسحهما، تحصيلا للعلم بالامتثال.
ويحتمل التخيير، لعدم وجوب مسح الزائد على اليدين، وصدق اليد على
كل منهما، وعدم اختصاص الوجوب بواحدة معينة مجملة.
ه‍: لو قطع بعض مواضع المسح مسح الباقي، لأن وجوب الاستيعاب
مع امكانه، فبدونه يعمل بالمطلقات.
ولو لم يبق شئ أصلا، سقط مسحه واكتفى بمسح سائر الأعضاء،
لاستصحاب وجوبه، وأصالة عدم الربط حينئذ.
ولو قطع من الزند فلا يجب ما كان واجبا من باب المقدمة. ولو قطعت
إحدى يديه، مسح ظهر الأخرى بالأرض.
الخامس: الترتيب: بأن يضرب، ثم مسح الوجه ثم اليمنى ثم اليسرى،
بالاجماع المحقق والمصرح به في المنتهى والتذكرة (1) واللوامع، وعن أمالي الصدوق
أنه من دين الإمامية (2)، وهو الحجة فيه.
مضافا إلى الاجماع المركب بين الترتيب هناك وبينه في المائية كما صرح به
السيد (3)، والرضويين المتقدمين (4) المنجبرين، المتضمن أحدهما للفظة الفاء
والآخر للفظة " ثم " الدالتين على التعقيب.

(1) المنتهى 1: 147، التذكرة 1: 64.
(2) أمالي الصدوق: 515.
(3) حكى عنه في المعتبر 1: 393.
(4) في ص 421 و 449.
453

ويؤيده: اشتمال البيانيات على ذلك الترتيب (1)، لتضمن أخبارها الحاكية
لها الفاء أو ثم، إما بين الضرب والمسح كبعضها، أو بينه وبين الوجه واليدين أيضا
كآخر، أو بينها وبين اليدين أيضا كثالث.
وجعل تلك الأخبار دليلا - كجماعة (2) - غير جيد وإن اشتمل بعضها على
الحمل بقوله: " هذا التيمم " إذ لا دلالة في نقل الترتيب على الوجوب، لاحتمال
كونه أحد فردي المخير، فإنه لا مفر من نوع ترتيب ولا يمكن الجمع، فلا يعلم
كونه جزاء من البيان.
وقد يستدل أيضا: بالآية، بضميمة ما ورد في أخبار الوضوء والسعي من
قولهم: " ابدأ بها بدأ الله سبحانه " (3) وبأصل الاشتغال، وقاعدة البدلية والمنزلة.
ويضعف غير الأول بما مر مرارا. وهو بمنع عموم تلك الأخبار بحيث
يشمل جميع المواضع، ولفظة " ما " يحتمل الموصوفية وهي للعموم غير مفيدة.
السادس: المباشرة بنفسه، ووجوبها مجمع عليه، وهو الحجة فيه، مضافا
إلى أنه الأصل في خطاب شخص خصوصا أو عموما.
ولو تعذرت، استناب، عند علمائنا كما في المدارك (4).
وتدل عليه: مرسلة ابن أبي عمير: " يؤمم المجدور والكسير إذا أصابتهما
الجنابة " (5).
ومرسلة الفقيه: " المجدور والكسير يؤممان ولا يغسلان " (6).
ورواية ابن سكين (7) وغيره: إن فلانا أصابته جنابة وهو مجدور فغسلوه

(1) انظر: الوسائل 3: 358 و 361 أبواب التيمم ب 11 و 12.
(2) كالمحقق في المعتبر 1: 393، والعلامة في المنتهى 1: 147، وصاحب الحدائق 4: 354.
(3) أنظر: الوسائل 1: 450 أبواب الوضوء ب 35 و ج 13: 481 أبو أب السعي ب 6.
(4) المدارك 2: 227.
(5) التهذيب 1: 185 / 533، الوسائل 3: 348 أبواب التيمم ب 5 ح 10.
(6) الفقيه 1: 59 / 217، الوسائل 3: 348 أبواب التيمم ب 5 ح 12 بتفاوت يسير.
(7) في " ه‍ ": ابن سليمان، وهو تصحيف.
454

فمات، فقال (عليه السلام): " قتلوه إلا سألوا؟! ألا يمموه؟! " (1) الحديث.
فيضرب النائب يد العليل ويمسحها، فإن لم يمكن ضرب يده يضرب يده،
لوجوب الاستنابة في جميع الأفعال.
ولو تعذرت مباشرة الضرب فقط ولكن أمكن مسح ظاهر الكفين والوجه
بالتراب، فالظاهر وجوبه، لاطلاق الآية. وكذا من قطعت يداه فيمسح وجهه
بالأرض.
السابع: الموالاة، وهي أيضا إجماعية على ما به صرح في المنتهى (2)، وفي
المدارك: إنه قد قطع الأصحاب باعتبارها (3).
وهو الحجة في المقام لو ثبت خاصة، لا عموم البدلية والمنزلة، لما عرفت،
مع أنهما لا ينتهضان حجتين في التيمم بدل الغسل، والتعدي بعدم الفصل ليس
أولى من العكس. بل في بدل الوضوء أيضا، لأن الموالاة المعتبرة فيه لا تجري هنا،
مع أنه احتمل في نهاية الإحكام عدم وجوبها في بدل الغسل (4).
ولا التيممات البيانية حيث توبع فيه، لمنعه، وعدم دلالته لو ثبت.
ولا يفيد الحمل في بعض الأخبار، لعدم معلومية كون التتابع - لو كان - في
روايات الحمل من جزء المحمول.
ولا أنها مقتضى اختصاص التيمم بآخر الوقت، لما يأتي من أن المراد بالآخر
الآخر العرفي الذي لا ينافيه بقاء شئ من الوقت بعده (5)، إلا أن تحمل الموالاة
أيضا على نحو من ذلك.

(1) الكافي 3: 68 الطهارة ب 45 ح 5، الفقيه 1: 59 / 218 رواها مرسلة، التهذيب 1:
184 / 529، مستطرفات السرائر: 108 / 56، الوسائل 3: 346 أبواب التيمم ب 5 ح 1 و 2.
(2) المنتهى 1: 149.
(3) المدارك 2: 227.
(4) نهاية الإحكام 1: 208.
(5) انظر: ص 468.
455

ولا الآية، كلما استدل بها تارة باعتبار الأمر بالتيمم بعد إرادة الصلاة فورا،
إما لأجل دلالة الأمر على الفور، أو لإفادة الفاء للتعقيب بلا مهملة، ومقتضاه
الاتيان بجميع أفعال التيمم متتابعة بلا فصل لتحقق الفورية والتعقيب.
وأخرى باعتبار الأمر بمسح الوجه بعد قصد الصعيد والضرب عليه بلا
فاصلة، لأحد الوجهين، ويتم في باقي الأعضاء بعدم الفصل.
لما يرد على الوجه الأول للاعتبار الأول: من منع كون الأمر للفور.
وعلى الثاني: أن الفاء التعقيبية إنما هي العاطفة دون الجزائية.
وعلى الوجهين: عدم وجوب التيمم بعد الإرادة فورا بالاجماع، مع أنهما إنما
يفيدان لو كان التيمم في الآية بالمعنى الشرعي وهو ممنوع، بل قوله: صعيدا،
يعين اللغوي.
وعلى الوجه الأول للثاني أيضا: ما مر.
وعلى الثاني: أنه إنما يفيد لو كان المراد بالتيمم هو الضرب على الصعيد دون
ما إذا أريد به المعنى اللغوي الذي هو القصد، لعدم وجوب الضرب ولا المسح
بعد القصد بلا فصل اجماعا، فتكون الفاء منسلخة عن معنى التعقيب قطعا.
ودون ما إذا أريد به الشرعي، لأن الفاء تكون حينئذ تفصيلية، ولا إفادة للتعقيب
لها أصلا.
ثم لو أخل بالموالاة فهل ترك الواجب فقط، أو يبطل التيمم أيضا؟ ظاهر
المدارك: التردد (1).
والحق الثاني، إذ يكون المسح المأمور به حينئذ ما كان عقيب الضرب بلا
تراخ، فلا يكون غيره مأمورا به، كالواجب الموقت.
ثم إذا عرفت أنه لا دليل على اعتبارها سوى الاجماع، فالواجب الحكم بما
ثبت فيه، فلا يضر الفصل القليل.

(1) المدارك 2: 228.
456

الثامن: طهارة الماسح والممسوح مع إمكان التطهير، فإن لم يمكن يصح
التيمم بدونها إن لم تتعد النجاسة إلى التراب، وإن تعدت، سقط التيمم
والصلاة.
أما الأول فذهب إليه طائفة منهم: الذكرى (1) واللوامع، لعموم البدلية
والمنزلة. وقد عرفت ضعفهما، مع أن في الاشتراط في المبدل أيضا كلاما كما مر،
ولايجابه تنجس التراب بملاقاته النجاسة. وهو أخص من المدعى، مع أن المسلم
اشتراط طهارة التراب قبل الضرب والمسح، وأما النجاسة الحاصلة بالضرب أو
المسح فلا دليل على مانعيتها أصلا، ولذا ذهب في المدارك إلى عدم اشتراطها (2)،
ونقله في اللوامع عن جماعة، وهو الحق الموافق للأصل وإطلاق الروايات.
وأما الثاني فهو كذلك، ودليله ظاهر، وفي اللوامع: إن عليه ظاهر الوفاق.
وأما الثالث فذكره في اللوامع، ووجهه اشتراط طهارة التراب، وقد عرفت
ما فيه، بل لو تعدت نجاسة الماسح إلى الممسوح لم يضر بالتيمم.
نعم تجب إزالتها للصلاة مع الامكان، وإن لم يمكن، صلى معها.
ولا يحرم تنجيس البدن ولو علم عدم إمكان التطهير للصلاة، للأصل.
ومما ذكر ظهر أنه لو كان باطن الكفين نجسا لا ينتقل إلى ظهرهما، ومع
نجاسة الظهر أيضا لا ينتقل إلى ضرب الجبهة كما قيل (3).
نعم، يمكن أن يقال بعدم تعين الباطن حينئذ، لأن دليله الاجماع، وهو في
المقام غير متحقق.

(1) الذكرى: 109.
(2) المدارك 2: 228.
(3) كما في الذخيرة: 103.
457

الفصل الخامس:
في أحكامه
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: لا يصح التيمم للصلاة قبل دخول الوقت وإن علم
استمرار العذر، بالاجماع المحقق والمصرح به في المعتبر والمنتهى والقواعد
(والتذكرة) (1) والدروس (2)، وغيرها (3). ويصح مع تضيقه كذلك.
وفي صحته بعد دخوله وعند السعة أقوال:
الأول: المنع مطلقا، وهو مختار الشيخين والسيد والقاضي والحلبي والحلي
والديلمي والشهيد الثاني في الروض (4)، بل أكثر علمائنا كما في التذكرة والمنتهى
والدروس وشرح القواعد والحبل المتين (5)، وغيرها (6)، بل بالاجماع كما في
الناصريات والانتصار والسرائر (7)، وعن الشيخ (8)، والغنية وأحكام الراوندي (9)،

(1) ليست في " ه‍ ".
(2) المعتبر 1: 381، المنتهى 1: 139، القواعد 1: 23، التذكرة 1: 64، الدروس 1: 132.
(3) كالتنقيح 1: 133، والمفاتيح 1: 63، والحدائق 4: 356.
(4) المفيد في المقنعة: 61 الطوسي في النهاية: 47، المبسوط 1: 31، الإقتصاد: 251، السيد في
الإنتصار: 31، الناصريات (الجوامع الفقهية): 189، القاضي في المهذب 1: 47، وشرح
الجمل: 61، الحلبي في الكافي: 136، الحلي في السرائر 1: 140، الديلمي في المراسم: 54،
الشهيد الثاني في روض الجنان: 122.
(5) التذكرة 1: 64، المنتهى 1: 140، الدروس 1: 132، جامع المقاصد 1: 500، الحبل
المتين: 92.
(6) كالذكرى: 106، وكشف اللثام 1: 148.
(7) الناصريات (الجوامع الفقهية): 189، الإنتصار: 31، السرائر 1: 140.
(8) لم نعثر على ادعاء الاجماع في كتبه الفقهية، نعم قال في تفسير التبيان 3: 209: لا يجوز التيمم
عندنا إلا عند تضيق الوقت.
(9) الغنية (الجوامع الفقهية): 555، فقه القرآن 1: 37.
458

والطبرسي (1)، وشرح جمل السيد للقاضي (2)، واختاره بعض مشايخنا المحققين (3).
وهو الأقوى، للأصل، والمستفيضة كصحيحة محمد: " إذا لم تجد الماء
وأردت التيمم فأخر التيمم إلى آخر الوقت، فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض " (4).
وحسنة زرارة: " إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإن خاف
أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر الوقت " (5).
ونحوها روايته المروية في التهذيب، إلا أن مقام قوله: " فليطلب ":
" فليمسك " (6).
وموثقة ابن بكير: " فإذا تيمم الرجل فليكن ذلك في آخر الوقت، فإن فاته
الماء فلن تفوته الأرض " (7).
والأخرى المروية في قرب الإسناد: عن رجل أجنب فلم يصب الماء،
أيتيمم ويصلي؟ قال: " لا حتى آخر الوقت، فإن فاته الماء لم تفته الأرض " (8).
والرضوي: " وليس للمتيمم أن يتيمم إلا في آخر الوقت أو إلى أن - يتخوف
خروج وقت الصلاة " (9).
وصحيحة ابن حمران، وفيها: " ليس ينبغي لأحد أن يتيمم إلا في آخر

(1) لم نعثر عليه في مجمع البيان.
(2) لم نعثر على ادعاء الاجماع في شرح الجمل، ولكن قد حكى عنه في كشف اللثام 1: 148.
(3) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).
(4) الكافي 3: 63 الطهارة ب 41 ح 1، التهذيب 1: 203 / 588، الإستبصار 1: 165 / 573،
الوسائل 3: 384 أبواب التيمم ب 22 ح 1.
(5) الكافي 3: 63 الطهارة ب 41 ح 2، التهذيب 1: 192 / 555، الإستبصار 1: 159 / 548،
الوسائل 3: 366 أبواب التيمم ب 14 ح 3.
(6) التهذيب 1: 194 / 560، الوسائل 3: 367 أبواب التيمم ب 14 ذيل الحديث 3.
(7) التهذيب 1: 404 / 1265، الوسائل 3: 384 أبواب التيمم ب 22 ح 3.
(8) قرب الإسناد 170 / 623، الوسائل 3: 385 أبواب التيمم ب 22 ح 4.
(9) فقه الرضا (ع): 88 و 89، مستدرك الوسائل 2: 547 أحكام التيمم ب 17 ح 1.
459

الوقت " (1).
والمروي في الدعائم: " لا ينبغي أن يتيمم من لم يجد الماء إلا في آخر
الوقت " (2).
وفي المعتبر وغيره، عن علي (عليه السلام) في الجنب: " يتلوم - أي ينتظر
ويمكث - ما بينه وبين آخر الوقت، فإن وجد الماء وإلا يتيمم " (3).
وفي دلالة بعضها على الوجوب وإن كان كلام، إلا أن دلالة أكثرها واضحة
صريحة، كما أن في سند بعضها وإن كان ضعف، إلا أن أكثرها في غاية الاعتبار
والقوة، مع أن جميعها بما مر - من الاجماعات، والشهرة العظيمة القديمة المحققة
والمحكية - منجبرة، وبأصالة عدم مشروعية التيمم وبقاء الاشتغال واستصحاب
عدم جواز الدخول في الصلاة معتضدة.
والثاني: الجواز كذلك، وهو مختار المنتهى والتحرير والارشاد والبيان (4)،
والمحكي عن الصدوقين (5)، وظاهري الجعفي وجامع البزنطي (6) وإن كان في
ظهوره عن كلام الأخير نظر، وإليه ذهب جمع من المتأخرين كما قيل (7)، وعليه
اطباق العامة كما في الناصريات والانتصار والمعتبر والتذكرة (8)، للأصل، والعامي
المروي في المعتبر وغيره: " أينما أدركتني الصلاة تيممت وصليت " (9).

(1) التهذيب 1: 203 / 590، الإستبصار 1: 166 / 575، الوسائل 3: 385 أبواب التيمم
ب 22 ح 5.
(2) دعائم الاسلام 1: 120، مستدرك الوسائل 2: 547 أحكام التيمم ب 17 ح 2
(3) المعتبر 1: 382، سنن البيهقي 1: 233.
(4) المنتهى 1: 140، التحرير 1: 22، الإرشاد 1: 234، البيان: 86.
(5) حكاه عن الصدوق في المختلف: 47، ومن قال في المقنع 8: اعلم أنه لا تيمم للرجل حتى يكون
في آخر الوقت.
(6) حكاه عنهما في الذكرى: 107.
(7) الرياض 1: 77.
(8) الناصريات (الجوامع الفقهية): 189، الإنتصار: 31، المعتبر 1: 382، التذكرة 1: 64.
(9) المعتبر 1: 382، سنن البيهقي 1: 222.
460

وإطلاق الآيتين، وعمومات توسيع الوقت وأفضلية أوله، واطلاق ما دل
على أن الصعيد كالماء وبمنزلته، وأنه أحد الطهورين (1).
والأخبار الكثيرة - بل القريبة من التواتر - الظاهرة في الجواز المطلق من
حيث الدلالة على أن من تيمم وصلى ثم وجد الماء لا إعادة عليه، وهي بين مطلقة
بل عامة بترك الاستفصال لمن وجده في الوقت، كالصحاح الأربعة للعيص
وعبيد الله بن علي الحلبي وابني مسلم وسنان (2)، وحسنة الحلي (3)، وخاصة
مصرحة بعدم الإعادة مع الوجدان في الوقت، كصحيحة زرارة (4)، وموثقتي أبي
بصير ويعقوب (5)، وروايتي معاوية بن ميسرة وعلي بن سالم (6).
وحملها على كون الصلاة في الوقت دون إصابة الماء - مع بعده - غير جار في
الجميع، كالحمل على الجاهل باعتبار الضيق مع معذورية الجاهل في ذلك
الحكم، أو على من شرع في الصلاة وقد وجد الماء في أثنائها بحيث ينقضي الوقت

(1) انظر: الوسائل 3: 385 أبواب التيمم ب 23.
(2) صحيحة العيص: التهذيب 1: 197 / 569، الإستبصار 1: 161 / 556، الوسائل 3: 370
أبواب التيمم ب 14 ح 16، صحيحة الحلبي: الفقيه 1: 57 / 213 المحاسن: 372 / 132
بتفاوت الوسائل 3: 366 أبواب التيمم ب 14 ح 1، صحيحة ابن مسلم: التهذيب 1:
197 / 571، الإستبصار 1: 161 / 557، الوسائل 3: 370 أبواب التيمم ب 14. ح 15.
صحيحة ابن سنان: التهذيب 1: 193 / 556، الإستبصار 1: 159 / 549، الوسائل 3: 368
أبواب التيمم ب 14 ح 7.
(3) الكافي 3: 63 الطهارة ب 41 ح 3، الوسائل 3: 367 أبواب التيمم ب 14 ح 4.
(4) التهذيب 1: 194 / 562، الإستبصار 1: 160 / 552، الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14
ح 9.
(5) موثقة أبي بصير: التهذيب 1: 195 / 565، الإستبصار 1: 160 / 555، الوسائل 3: 369
أبواب التيمم ب 14 ح 11، موثقة يعقوب: التهذيب 1: 195 / 563، الإستبصار 1:
160 / 553، الوسائل 3: 370 أبواب التيمم ب 14 ح 14.
(6) رواية معاوية بن ميسرة: التهذيب 1: 195 / 564، الإستبصار 1: 160 / 554، الوسائل 3:
370 أبواب التيمم ب 14 ح 13، رواية علي بن سالم: التهذيب 1: 202 / 587، الإستبصار 1:
165 / 572، الوسائل 3: 371 أبواب التيمم ب 14 ح 17.
461

بإتمامها.
وتضعيفها بالمعارضة مع ما دل على الإعادة لو وجد الماء: قبل خروج الوقت (1)
ضعيف، لخلوه عن الدال على الوجوب، وظهوره في كون علة الإعادة وجدان
الماء، ولو وجب التأخير، لكانت العلة عامة، ودلالته على خلاف المطلوب باعتبار
اطلاق نفيه الإعادة مع الوجدان خارج الوقت.
وللمستفيضة الواردة في إن المتيمم إذا وجد الماء في أثناء الصلاة ينصرف،
كصحيحة زرارة (2)، وحسنة ابن عاصم (3)، وغيرهما، فإنه مع وجوب التضيق لا
معنى لذلك التفصيل، كيف ويقولون بالتيمم لضيق الوقت مع وجود الماء؟!
ولتعليق التيمم بالجنابة، أو بها مع فقد الماء في المستفيضة (4)، فلا يتقيد بغير
الأمرين.
ولما دل على شرعية التيمم بمجرد حضور الصلاة (5)، وعلى أن من تيمم
يجزيه ذلك إلى أن يجد الماء (6).
ولاستلزام التأخير المطلق للعسر، سيما في الأوقات التي لا يعلم أواخرها إلا
بالترصد، وخصوصا في العشاء، وسيما لذوي الأمراض، وايجابه لتفويت كثير من
المستحبات، بل تضييع خصوص العبادة.
وللمستفيضة المجوزة لصلاة الليل والنهار بتيمم واحد (7).

(1) انظر: الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14 ح 8 و 10.
(2) الكافي 3: 63 الطهارة ب 41 ح 4، التهذيب 1: 200 / 580، الوسائل 3: 381 أبواب التيمم
ب 21 ح 1.
(3) الكافي 3: 64 الطهارة ب 41 ح 5، التهذيب 1: 204 / 591، الوسائل 3: 381 أبواب التيمم
ب 21 ح 2.
(4) انظر: الوسائل 3: أبواب التيمم ب 5 و 9 و 10.
(5) انظر: الوسائل 3: 342 أبواب التيمم ب 2 ح 1.
(6) انظر: الوسائل 3: 366 أبواب التيمم ب 14.
(7) انظر: الوسائل 3: 379 أبواب التيمم ب 20.
462

وللصحيح: في إمام قوم أصابته جنابة وليس. معه ماء يكفيه للغسل،
أيتوضأ بعضهم ويصلي بهم؟ قال: " لا، ولكن يتيمم الجنب - الإمام - ويصلي
بهم " (1) فإنه يبعد الأمر بتأخير المأمومين إلى آخر الوقت لدرك فضيلة الجماعة مع
خصوص هذا الإمام المتيمم مع وجود إمام متوضئ.
وحملها على وقوع الإمام والمأمومين في الضيق اتفاقا بعيد جدا، مع غلبة
وقوع الجماعة في أول الوقت.
والكل ضعيف، بل لا دلالة لغير أخبار عدم الإعادة أصلا.
أما الأصل: فلأنه مع الخلاف كما مر (2)، وأصالة عدم وجوب التأخير فرع
ثبوت جواز التقديم.
وأما العامي: فلعدم حجيته، مع ما فيه من ضعف الدلالة كما يظهر.
وأما إطلاق الآيتين: فلأنهما لا تدلان إلا على مشروعية التيمم، لا على
مشروعيته في كل وقت، إلا أن تضم أصالة عدم التوقيت بوقت خاص، ولكن
أين الأصل [السالم] من معارضة الأخبار.
نعم، في قوله تعالى: " إذا قمتم " في إحداهما (3) دلالة على جوازه حين القيام
إليها مطلقا.
ولكن فيه: أن المستفاد منه مشروعيته حين القيام إلى الصلاة المشروعة،
أما على كون الألفاظ أسماء للصحيحة فظاهر، وأما على الأعم: فللاتفاق على
عدم وجوب التطهر إلا للصلاة المشروعة، والكلام بعد في مشروعيتها في أول
الوقت للمتيمم.

(1) الكافي 3: 66 الطهارة ب 42 ح 3، الفقيه 1: 60 / 223، الوسائل 3: 386 أبواب التيمم
ب 24 ح 2.
(2) راجع ص 459.
(3) المائدة: 6.
463

فإن قيل: تثبت المشروعية بقوله سبحانه: " لدلوك الشمس " (1).
قلنا: هو مخصص بآيتي التطهير قطعا، فالمعنى: أقم الصلاة لدلوك
الشمس بعد التطهر، فقدر زمان التطهر خارج بالقطع، ولا يعلم قدره في المورد،
فإثبات مشروعية الصلاة يتوقف على مشروعية التطهر وبالعكس.
ومنه يظهر وجه ضعف عمومات التوسيع وأفضلية أول الوقت،
لاختصاصها بغير زمان التطهر قطعا، مع أن أكثر أهل المواسعة حملوا أخبار
المضايقة على الاستحباب، وهو مناف لأفضلية أول الوقت.
وأما عموم المثلية والمنزلة: فلما مر مرارا.
وأما أخبار التيمم إذا وجد الماء في الأثناء: فلمعارضتها مع ما دل على عدم
الانصراف بمجرد الدخول في الصلاة (2).
مع أنه غير مناف للمضايقة أصلا، لأن المراد منها ليس إلا آخر الوقت
عرفا، وهو لا ينافي توسعته لمقدار الطهارة، ولذا لا مضايقة في الانصراف لكثير
من أهل المضايقة، سيما مع ما في بعض الأخبار من أنه يتوضأ ويبني (3)، وسيما مع
أن من أدرك ركعة من الوقت فقد أدركه.
وأما تعليق التيمم بما ذكر: فلا شك في أنه مقيد بوجوب الصلاة أيضا،
وهو عين النزاع، فإن أثبته بعمومات التوسيع، رجع إليها، وقد مرت.
ومنه يظهر ما في اطلاق تشريع التيمم بمجرد حضور الصلاة، مع أن في
صدق الحضور والدرك بمجرد دخول الوقت كلاما يأتي في بحث أوقات
الصلوات.
وأما اجزاء التيمم لمن يتيمم إلى أن يجد الماء ولو في أول الوقت: فهو لا ينافي

(1) الإسراء: 78.
(2) انظر: الوسائل 3: 382 أبواب التيمم ب 21 ح 3 و 4.
(3) انظر: الوسائل 3: 383 أبواب التيمم ب 21 ح 5.
464

وجوب تأخيره لغير المتيمم، بل هو مسألة أخرى تأتي (1).
ومنه يظهر ما في الاستدلال بمجوزات صلاة الليل والنهار بتيمم واحد.
وأما لزوم العسر: فممنوع جدا، سيما على القول بجواز الصلاة أول الوقت
لمن دخله متيمما لصلاة أخرى، أو بجواز التيمم مع نذر ركعتين في وقت معين وغير
ذلك مما يأتي.
والقول بأنه على ذلك تسقط فائدة الأمر بالتأخير، يشبه القول بأنه مع
سهولة ارتكاب حيل تسقط شفعة الشفيع والربا تسقط فائدة تشريع الأول
وتحريم الثاني.
وأما حديث تفويت المستحبات فهو خطابي شعري لا التفات إليه.
وأما الصحيحية الأخيرة ففيها: أنه لا بعد في استحباب تأخير المأمومين
لادراك الجماعة، مع أنه يمكن أن يكونوا أيضا متيممين، ويشعر به قوله: " أيتوضأ
بعضهم " سيما مع نفيه إمامة المتوضئ وأمره إمامة المتيمم الذي لا أقل من
الرجحان مع كراهية إمامة المتيمم للمتطهر.
فلم يبق إلا أخبار الإعادة، وجوابها: أنها أعم مطلقا من أخبار المضايقة،
إذ ليس المراد بآخر الوقت فيها وقت منطبق آخره بآخر الفريضة، لأنه تكليف
بالمحال، ولا يقول به أهل المضايقة ولا بوجوب الاقتصار على أقل الواجب.
بل المراد: الآخر العرفي، كما عليه يحمل سائر الألفاظ، وهو لا ينافي زيادة
شئ من الوقت، مع أن المعول ظن المكلف وتخمينه، كما هو مقتضى قوله في
بعض أخبار المضايقة " فإن خاف أن يفوته الوقت " وهو لا ينافي التخلف سيما في
حق العوام.
هذا، مع أن المذكور في بعض أخبار المواسعة: بقي شئ من الوقت، أو
وقت، وهو دال على القلة، فلا ينافي التخمين أو الآخر العرفي، سيما مع أن بقاء

(1) انظر ص 468.
465

وقت يكفي فيه مقدار ركعة.
هذا، مع أن لها عموما آخر، وهو شمولها لمن صلى في السعة بالتيمم الواقع
قبل وقتها لصلاة أخرى في آخر وقتها، والقول بالجواز فيه معروف كما يأتي.
وعلى هذا فتخصص تلك الأخبار بأخبار المضايقة قطعا.
وتوهم عمومها أيضا باعتبار شمولها لمن قطع بوجدان الماء إلى آخر الوقت
فاسد، لظهور الجميع أو الأكثر في عدم القطع بذلك، كما هو مقتضى قوله: " لم
يجد الماء " و " لم يصبه " و " إن فاتك ".
ثم لو سلم ذلك حتى يكون بينهما عموم من وجه، أو عدم عموم أخبار
المواسعة حتى يكون بينهما التساوي، فالترجيح أيضا للمضايقة، لمخالفة جميع
العامة، كما ذكره جمع من الخاصة (1).
ومنه يظهر ترجيحها أيضا لو توهم موافقة المواسعة لاطلاق الآيتين، لتكافؤ
الترجيحين وبقاء الأصل مع المضايقة.
ومن جميع ما ذكر يظهر المناص لو سلمت دلالة بعض العمومات المتقدمة
على المواسعة أيضا.
الثالث: التفصيل بالأول مع رجاء زوال العذر، والثاني مع عدمه. وهو عن
الإسكافي وظاهر العماني (2)، والتذكرة والقواعد وشرح القواعد وفخر المحققين
واللمعة (3)، ووالدي العلامة، بل أكثر المتأخرين كما في شرح القواعد، واستجوده
في المعتبر (4).
للجمع بين أخبار الطرفين، مع ظهور الرجاء من التعليل في أكثر أخبار

(1) راجع ص 460.
(2) حكى عنهما في المعتبر 1: 383.
(3) التذكرة 1: 64، القواعد 1: 23، جامع المقاصد 1: 500 و 501، فخر المحققين في الإيضاح
1: 70، اللمعة (الروضة 1): 160.
(4) المعتبر 1: 384.
466

التضيق بقوله: " فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض " فإن مقتضاه الشك في الفوات،
مع أنه مع العلم بعدم زوال العذر يكون الأمر بالتأخير لغوا عبثا.
ويرد: بأن الجمع كما يمكن بما ذكر يمكن بغيره أيضا مما ذكره أرباب
القولين.
وأما حديث ظهور التعليل في الرجاء فإنما هو إذا جعل جملة " إن فاتك " من
باب الشرط والجزاء، ويمكن أن يكون من قبيل: إن فاتك اللحم لم يفتك المرق،
لمن حصل له المرق دون اللحم، وإن ذهب مالك لم يذهب أجرك، لمن غصب
ماله، بل هو الظاهر والملائم للفظة لم ولن في الجواب، مع أنه لو سلم ظهور ما
تضمن للتعليل فيه لا يقدح في عموم ما لا يتضمنه.
وأما حديث لزوم لغوية التأخير فمما لا يصلح للاصغاء إليه، فإنه لم يعلم
أن علة التأخير زوال العذر، فلعلها أمر آخر لا نعلمه.
فروع:
أ: الظاهر عموم وجوب التأخير لجميع الأعذار، وعدم اختصاصه بعدم
الماء وإن اختص أكثر أخبار المضايقة به، لاطلاق موثقة ابن بكير بل عمومها (1).
وفوات الماء فيها لا ينحصر في عدمه، بل يعم عدم إمكان استعماله، وكذا
الرضوي (2)، المنجبر ضعفه بعدم القول بالفصل المحقق والمحكي في الروض (3)،
واللوامع.
وظاهر المعتبر التردد (4)، كظاهر الحدائق (5)، بل مال في الأخير إلى المواسعة
إذا كان العذر غير فقد الماء، لاختصاص أكثر أخبار الباب ووجوب حمل البواقي

(1) التهذيب 1: 404 / 1265، الوسائل 3: 384 أبواب التيمم ب 22 ح 3.
(2) فقه الرضا (ع): 88، مستدرك الوسائل 2: 547 أحكام التيمم ب 17 ح 1.
(3) روض الجنان: 122.
(4) المعتبر 1: 384.
(5) الحدائق 4: 365.
467

عليه. ولا وجه له.
ب: لو ظن الضيق وتيمم وصلى، ثم بان خطؤه زائدا على ما يتسامح لم
يعد، وفاقا للمعتبر والدروس (1)، لأنه تطهر طهارة شرعية وصلى صلاة مأمورا
بها، وللأخبار المتقدمة الدالة على عدم الإعادة بالاطلاق.
خلافا للمحكي عن الشيخ في كتبه الأخبارية (2)، لأن شرط التيمم
التضيق، ولأنها صلاة واقعة قبل الوقت فتجب إعادتها.
ويجاب عن الأول: بأن الشرط التضيق بحسب علمه، لأنه المكلف به وقد
حصل، بل ظاهر قوله: " فإن خاف فوت الوقت " أن الشرط ظن الضيق.
وعن الثاني: أن الثابت هو إعادة ما وقع قبل الوقت المحدود المعهود، دون
مثل ذلك.
ج: الظاهر من آخر الوقت آخره عرفا، أي ما يسمى في العرف آخرا، لأنه
مقتضى حمل الألفاظ على المعنى، وهو وإن صدق على زمان أكثر مما يخاف معه
الفوت إلا أنه - لتصريح حسنة زرارة وروايته بخوف الفوات (3) - تجب مراعاته،
ويكفي فيه ظنه بل احتماله أيضا.
د: لو دخل وقت صلاة وهو متيمم، جاز ايقاعها في أول وقتها ولو على
المضايقة، وفاقا للمعتبر - وإن تردد أخيرا - والمدارك والذخيرة واللوامع وعن
المبسوط والمختلف (4)، لأن المانع من تقديمها أوامر تأخير التيمم، وهي مختصة
صريحة بالمحدث، فتبقى عمومات الجواز في السعة في حق غيره سالمة عن

(1) المعتبر 1: 384، الدروس 1: 132.
(2) انظر التهذيب 1: 203، والاستبصار 1: 167.
(3) حسنة زرارة: الكافي 3: 63 الطهارة ب 41 ح 2، التهذيب 1: 192 / 555، الإستبصار 1:
159 / 548، الوسائل 3: 366 أبواب التيمم ب 14 ح 3، وروايته: التهذيب 1: 194 / 560،
الوسائل 3: 367 أبواب التيمم ب 14 ذيل الحديث 3.
(4) المعتبر 1: 383، المدارك 2: 212، الذخيرة: 101، المبسوط 1: 33 و 34، المختلف: 54
و 55.
468

المخصص. ولا يفيد قوله في الحسنة: " فليصل في آخر الوقت " لأن المستتر فيه راجع
إلى المسافر المحدث بقرينة قوله " فليتيمم ".
وقد يستشهد أيضا: بما دل على صحة الصلوات المتعددة بتيمم واحد (1).
وفيه: أنه لا يدل على إيقاعها في أول أوقاتها، بل فيه رد على بعض العامة
حيث قال: إن لكل صلاة تيمما على حدة (2)، وهو خلاف إجماع الشيعة.
خلافا لصريح البيان وظاهر الدروس (3)، فأوجب تأخيرها على القول
بالمضايقة والتفصيل مع الرجاء، واختاره بعض مشايخنا المحققين (4)، لأن علة
التأخير امكان زوال العذر، وهو متحقق في المقام، ولأنه كان تأخير التيمم والصلاة
واجبا، ولا يلزم من انتفاء التأخير بالنسبة إلى التيمم لسبق فعله انتفاؤه بالنسبة إلى
الصلاة، فيستصحب الحكم بالنسبة إليها.
وفي الأول: ما مر من منع التعليل، مع أنه لو سلم فهو علة لتأخير التيمم
والصلاة دون الصلاة فقط.
والقول بأن التيمم ليس مقصودا بالذات، والغرض حقيقة مراعاة حال
الصلاة وايقاعها على أتم ما يمكن، يشبه القياسات والاستنباطات العامية.
وفي الثاني: أن المسلم وجوب تأخير الصلاة على غير من دخل الوقت
متيمما، وأما بالنسبة إليه فلا.
ومما ذكر يعلم جواز إيقاع الصلاة في أول الوقت مع ظن زوال العذر في
آخره، بل ومع القطع أيضا، وأمر الاحتياط واضح.
ه‍: يتيمم للفائتة - فريضة كانت أو نافلة - في كل وقت تذكر وأراد فعلها،
أما على القول بالمضايقة في القضاء فظاهر، وأما على التوسعة: فلعمومات جواز

(1) كما في الحدائق 4: 364.
(2) الأم للشافعي 1: 47.
(3) البيان: 86، الدروس 1: 132.
(4) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).
469

فعلها متى ذكرها، وإطلاق الآيتين، وأخبار التيمم مع أصالة عدم التوقيت لها
بوقت.
خلافا للبيان، فقال: لا يتيمم للفائتة، لأن وقتها العمر، فتشملها أخبار
التأخير إلى آخر الوقت (1).
وفيه: أن هذا التحديد غير مستفاد من التوقيت، بل هو من مقتضيات عدم
الفورية، ومثل ذلك ليس وقتا بل يجوز التيمم في كل وقت لمن عليه فائته ولو لم يرد
فعلها، لأن وجوبها عليه مستلزم لوجوب مقدمتها التي هي التيمم مع العذر، فلا
مناص من القول إما بعدم وجوب الفائتة حين العذر، أو بوجوب مقدمتها أيضا،
والأول ظاهر الفساد بالاجماع والعمومات، فتعين الثاني.
ومثلها ما لا وقت لها محدود شرعا من الصلوات الواجبة كالنذر المطلق، أو
النافلة كذات الأسباب الغير الموقتة أو المبتدأة، لما ذكر مع اطلاق ما دل على وجوبها
أو استحبابها.
خلافا في الأخيرة للمعتبر والمنتهى والتذكرة (2)، فلم يجوزوا التيمم لها في
الأوقات المكروهة لها، بل الثاني لم يجوزه فيها لقضاء الرواتب أيضا، لأنها ليست
بوقت لها.
وضعفها في غاية الوضوح، فإنها لو لم يكن وقت لها لكانت باطلة لو وقعت
فيها ولو بالوضوء وهو خلاف الاجماع بل هي أوقات لها مرجوحة بالنسبة إلى سائر
الأوقات.
وأما ما له وقت كالنذر الموقت والنوافل اليومية والآيات والعيدين: فمقتضى
إطلاق أخبار المضايقة في التيمم عدم صحتها إلا في آخر أوقاتها، ودعوى ظهورها
في الفرائض اليومية غير مسموعة.

(1) البيان: 86.
(2) المعتبر 1: 383، المنتهى 1: 150، التذكرة 1: 64.
470

ولكن قيل: الظاهر عدم الخلاف في جواز التيمم لكل منها في حال
إيقاعها (1). فإن ثبت الاجماع فهو، وإلا فالوقوف على الأخبار.
وكما لا يجوز التيمم في شئ مما ذكر مما له وقت قبل آخر وقتها، لا يجوز قبل
الوقت أيضا، لوجوب [التأخير] (2) فلا يتيمم للعيدين قبل الطلوع، ولا للخسوف
قبل الشروع، وهكذا.
المسألة الثانية: متى تيمم لواحد مما يجوز التيمم له جاز له أداء كل صلاة
دخل وقتها، بالاجماع، والمستفيضة كصحيحة حماد: عن الرجل لا يجد الماء،
أيتيمم لكل صلاة؟ قال: " لا، هو بمنزلة الماء " (3).
وصحيحة زرارة: في رجل تيمم، قال: " يجزيه ذلك إلى أن يجد الماء " (4).
ورواية السكوني: " لا بأس بأن يصلي صلاة الليل والنهار بتيمم واحد ما لم
يحدث أو يصب الماء " (5).
ولا فرق بين ما إذا أتى بما يتيمم، أو لم يأت إذا تيمم له. ولا يجب في
الصلاة اللاحقة حينئذ تأخيرها إلى آخر وقتها إذا كانت موقتة كما مر (6)، وبذلك
ينتفي العسر الذي ادعي على القول بالمضايقة.
الثالثة: من يجب عليه الوضوء والغسل معا - على القول بعدم كفاية الغسل
وحده - فإن وجد الماء لأحدهما فقط، أتى به وتيمم للآخر، ولا يسقط ما يتمكن
منه بسقوط ما لا يتمكن، للاستصحاب، وأصالة عدم المرابطة بينهما.

(1) كما في الحدائق 4: 367.
(2) في النسخ: التخيير، والصحيح ما في المتن.
(3) التهذيب 1: 200 / 581، الإستبصار 1: 163 / 566، الوسائل 3: 385 أبواب التيمم ب 23
ح 2.
(4) التهذب ب 1: 200 / 579، الوسائل 3: 386 أبواب التيمم ب 23 ح 3.
(5) التهذيب 1: 201 / 582، الإستبصار 1: 163 / 567، الوسائل 3: 380 أبواب التيمم ب 20
ح 5.
(6) راجع ص 468.
471

ولو وجد بقدر ما يغتسل، فهل يجب الغسل أو يجوز له الوضوء أيضا؟
الظاهر الثاني؟ لعدم دليل على التعيين.
وإن لم يجد لشئ منهما فظاهر الأكثر - كما قيل (1) - كفاية تيمم واحد لهما،
وجعله في المدارك الأظهر (2)، وهو كذلك.
وفي الذكرى عن بعض الأصحاب: وجوب تيممين، ونفى هو البأس
عنه (3)، واختاره طائفة من مشايخنا مستدلين بأصالة عدم تداخل الأسباب (4)
وهي ممنوعة مع أن بعض الاطلاقات يدفعها.
الرابعة: من صلى بالتيمم الصحيح لا يعيد مطلقا، وفاقا للمعظم، بل
عليه استفاضة نقل الاجماع في بعض صوره.
لاتيانه بالمأمور به على وجهه فيجزي عنه، وهو بدل عن المأمور به مع المائية
قطعا فيكفي عنه، لكفاية البدل عن المبدل منه، مع أن قضاءه بعد الوقت يتوقف
على أمر جديد ولا أمر.
وللنصوص المستفيضة المتقدمة أكثرها في الأمر الأول من الفصل الأول،
الدالة إما على اجزاء الصلاة وعدم استئنافها مطلقا، كصحيحة ابن سنان (5)،
وحسنة الحلبي (6)، ورواية الصيقل (7)، والصحاح الثلاث لمحمد وعبيد الله الحلبي

(1) لم نعثر على قائله.
(2) المدارك 2: 233.
(3) الذكرى: 108.
(4) كصاحب كشف الغطاء: 164، وبحر العلوم في الدرة النجفية: 47.
(5) التهذيب 1: 193 / 556، الإستبصار 1: 159 / 549، الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14
ح 7.
(6) الكافي 3: 63 الطهارة ب 41 ح 3، الوسائل 3: 637 أبواب التيمم ب 14 ح 4.
(7) التهذيب 1: 406 / 1277، الإستبصار 1: 168 / 581، الوسائل 3: 383 أبواب التيمم
ب 11 ح 6.
472

والعيص (1)، المصرحة بقوله: " لا يعيد " الذي هو أعم من القضاء لغة، أو على
عدم وجوب الإعادة في الوقت، كصحيحة زرارة (2) وموثقة ابن أسباط عن
عمه (3)، وروايات أبي بصير وابن سالم وابن ميسرة (4)، أو على عدم وجوب القضاء
كحسنة زرارة (5).
خلافا للمحكي عن القديمين، فأوجبا الإعادة إذا بلغ الماء في الوقت (6)،
لصحيحة يعقوب (7)، وموثقة ابن حازم (8)، المتقدمتين في البحث المذكور.
ويضعفان: بالخلو عن الدال على الوجوب سيما الأخيرة، مضافا إلى

(1) صحيحة محمد: التهذيب 1: 197 / 571، الإستبصار 1: 161 / 557، الوسائل 31: 370
أبواب التيمم ب 14 ح 15، صحيحة عبد الله الحلي: الفقيه 1: 57 / 213، المحاسن:
372 / 132 بتفاوت يسير، الوسائل 3: 366 أبواب التيمم ب 14 ح 1، صحيحة العيص:
التهذيب 1: 197 / 569، الإستبصار 1: 161 / 556، الوسائل 3: 370 أبواب التيمم ب 14
ح 16.
(2) التهذيب 1: 194 / 562، الإستبصار 1: 160 / 552، الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14
ح 9.
(3) التهذيب 1: 195 / 563، الإستبصار 1: 160 / 553، الوسائل 3: 370 أبواب التيمم ب 14
ح 14.
(4) رواية أبي بصير: التهذيب 1: 195 / 565، الإستبصار 1: 160 / 555، الوسائل 3: 369
أبواب التيمم ب 14 ح 11، رواية ابن سالم: التهذيب 1: 202 / 587، الإستبصار 1:
165 / 572، الوسائل 3: 371 أبواب التيمم ب 14 ح 17، رواية ابن ميسرة: التهذيب 1:
195 / 564، الإستبصار 1: 160 / 544، الوسائل 3: 370 أبواب التيمم ب 14 ح 13.
(5) الكافي 3: 63 الطهارة ب 41 ح 2، التهذيب 1: 192 / 555، الإستبصار 1: 159 / 548،
الوسائل 3: 366 أبواب التيمم ب 14 ح 3.
(6) حكاه عنهما في الذكرى: 110.
(7) التهذيب 1: 193 / 559، الإستبصار 1: 159 / 551، الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14
ح 8.
(8) التهذيب 1: 193 / 558، الإستبصار 1: 159 / 550، الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14
ح 10.
473

إطلاقها الخالي عن القائل، والمرجوحية عما تقدم من المعارضات بأشهريتها فتوى
ورواية لو سلمت الدلالة، والرجوع إلى الأصل لو لم تسلم المرجوحية.
وللمحكي عن السيد في شرح الرسالة، فأوجبها إذا تيمم الحاضر لفقد
الماء (1).
ويمكن أن يكون مستنده معارضة ما دل على عدم الإعادة مع بعض ما
يظن دلالته على الإعادة مطلقا، كموثقة منصور، وترجيح الأول في المريض
والمسافر بمرافقة الكتاب، والثاني في غيرهما بالاحتياط والاشتغال.
أو رفع اليد عن الأخبار مطلقا بناء على أصله، والعمل في المريض والمسافر
بالكتاب، وفي غيرهما بما ذكر.
والجواب على التقديرين ظاهر.
وعن النهاية والمبسوط والاستبصار والتهذيب والمهذب والاصباح وروض
الجنان (2)، فأوجبوا الإعادة على المتيمم للخوف على النفس إذا تعمد الجنابة،
واستقربه في المدارك (3)، لصحيحة ابن سنان ومرسلة جعفر، المتقدمتين في الأمر
السادس من الفصل الأول (4).
وهما غير ناهضتين لاثبات الوجوب، ولو سلم فتخصيصهما بالمتعمد ليس
أولى من حملهما على الاستحباب.

(1) حكاه عنه المعتبر 1: 365.
(2) النهاية: 46، المبسوط 1: 30، الإستبصار 1: 162، التهذيب 1: 196، المهذب 1: 48،
روض الجنان: 116، ولم نعثر فيه على قوله بوجوب الإعادة، بل الموجود فيه نسبة ذلك إلى الشيخ،
فراجع.
(3) المدارك 2: 240.
(4) صحيحه ابن سنان: الفقيه 1: 60 / 224، التهذيب 1: 196 / 568، الوسائل 3: 372
أبواب التيمم ب 16 ح 1، مرسلة جعفر: الكافي 3: 67 الطهارة ب 43 ح 3، التهذيب 1:
196 / 567، ن 1: 161 / 559، الوسائل 3: 367 أبواب التيمم ب 14 ح 6.
474

وعن الإسكافي (1) والشيخ (2) وجملة ممن تبعهما (3)، فاوجبوها على من تيمم في
الجامع لمنع الزحام إياه عن المائية.
لرواية السكوني: عن الرجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة ويوم عرفة
لا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة الناس قال: " يتيمم ويصلي معهم ويعيد
إذا انصرف " (4) وقريبة منها موثقة سماعة (5).
ويرد - مع ما مر من عدم الدلالة على وجوب الإعادة ولا على وجوب التيمم
والصلاة - أنه لا يتعين أن يكون التيمم والصلاة هو الفريضة، فيمكن أن يكون
هذا أمرا مستحبا غيرها ندب إليه حفظا لسنة التقية، حيث إن محل الزحام في ذلك
العصر لم يكن إلا للمخالفين.
وعن المبسوط والنهاية، فيمن لم يكن له ماء وكان عليه نجاسة فتيمم
وصلى (6).
لموثقة الساباطي: في رجل ليس عليه إلا ثوب ولا تحل الصلاة فيه وليس
يجد ما يغسله، كيف يصنع؟ قال: " يتيمم ويصلي، فإذا أصاب ماء غسله
وأعاد الصلاة " (7).
وهي عن إفادة الزائد عن الاستحباب قاصرة، وهو مسلم.
وهل استحباب الإعادة من جهة نجاسة الثوب أو التيمم أو هما معا؟ قضية
الأصل تقتضي الأخير، فلا تستحب إلا باجتماعهما معا.

(1) حكاه عنه في المختلف: 50.
(2) النهاية: 47.
(3) كابن حمزة في الوسيلة: 70، وابن سعيد في الجامع للشرائع: 45.
(4) التهذيب 1: 185 / 534، الوسائل 3: 371 أبواب التيمم ب 15 ح 1.
(5) التهذيب 3: 248 / 678، الوسائل 3: 371 أبواب التيمم ب 15 ح 2.
(6) المبسوط 1: 35، النهاية: 55.
(7) التهذيب 1: 407 / 1279، الإستبصار 1: 169 / 587 بتفاوت يسير، الوسائل 3: 392
أبواب التيمم ب 30 ح 1.
475

ولا ينافيه قوله: " غسله وأعاد " حيث إن الظاهر منه أن الإعادة عند غسل
النجاسة وإن لم يوجد الماء بقدر يكفي الطهارة، فيستفاد منه أن السبب هو
النجاسة، لمنع الاستفادة، لجواز أن يكونا معا سببين، واستحب الإعادة برفعهما
معا أو رفع هذا الجزء بخصوصه.
الخامسة: من تعذر له استعمال الماء مطلقا - أي ولو للوضوء خاصة - ولم
يكن متطهرا، جاز له تعمد الجنابة إجماعا، لعدم وجوب المائية عليه، وعدم
التفرقة بين التيممين.
وكذا لو كان متطهرا، أو لم يتمكن من الغسل وتمكن من الوضوء على الحق
المشهور، وفي المعتبر: الاجماع عليه (1)، للأصل.
وما تقدم سابقا من وجوب إبقاء مقدمة الواجب المطلق لا يفيد هنا، لأن
الوضوء ليس واجبا مطلقا، لأنه مشروط بعدم الجنابة، والغسل وإن كان واجبا
مطلقا للجنب، ولكنه غير مقدور بالفرض.
وبدل عليه أيضا: إطلاق موثقة إسحاق بن عمار: عن الرجل يكون معه
أهله في السفر لا يجد الماء أيأتي أهله؟ قال: " ما أحب أن يفعل إلا أن يخاف على
نفسه " قال، قلت: طلب بذلك اللذة ويكون شبقا على النساء، قال: " إن
الشبق يخاف على نفسه، قال، قلت: طلب بذلك اللذة، قال: " هو حلال " (2)
الحديث، ونحوه المروي في مستطرفات السرائر (3).
وقد يستدل: بحكاية أبي ذر، حيث إن (النبي صلى الله عليه وآله) أقره على
فعله (4).

(1) المعتبر 1: 397.
(2) الكافي 5: 459 النكاح ب 46 ح 3، التهذيب 1: 405 / 1269، الوسائل 20: 109 أبواب
مقدماته (النكاح) وآدابه ب 50 ح 1.
(3) مستطرفات السرائر: 107 / 53، الوسائل 3: 390 أبواب التيمم ب 27 ح 2.
(4) الفقيه 1: 59 / 221، التهذيب 1: 194 / 561، الوسائل 3: 369 أبواب التيمم ب 14
ح 12.
476

وفيه: منع التقرير، لأنه إنما هو حين الاشتغال بالفعل، وأما بعده فليس
تقريرا، بل قرره على قوله: هلكت.
خلافا لظاهر الإسكافي (1)، ونقل عن المفيد أيضا وكلامه لا يدل عليه (2)،
للمرفوعتين المتقدمتين الدالتين على وجوب الغسل على من أجنب متعمدا (3). ولا
دلالة فيه كما مر.
السادسة: لو عدم الماء وما يتيمم به بالمرة، سقط الأداء إجماعا، كما صرح
به جماعة (4)، لقوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة: " لا صلاة إلا بطهور " (5) وغيره
مما يدل على انتفاء حقيقة الصلاة بانتفاء الطهور.
وحمله على نفي الصحة مع كون " لا " حقيقة في نفي الجنس لا وجه له، مع
أنه أيضا يكفي، إذ غير الصحيح ليس مأمورا به.
ومنه يظهر فساد ما قيل من أن الطهور شرط الصحة لا الوجوب، فيتوقف
عليه المشروط مع إمكانه، كما في القبلة والساتر، دون ما إذا لم يمكن وإلا لانقلب
واجبا مقيدا بالنسبة إليه (6).
لمنع انحصار التوقف بالامكان، بل مقتضى الاشتراط: التوقف مطلقا.
والتخلف في طائفة من الشرائط بدليل من خارج لا ينافي أصل الاقتضاء، ولا
يوجب ذلك صيرورته واجبا مطلقا بالنسبة إليه، لأن الفرق بين مقدمة المقيد
والمطلق إنما هو في وجوب التحصيل وعدمه مع الامكان.

(1) حكاه عنه في المختلف: 52.
(2) المقنعة: 60.
(3) راجع ص 375.
(4) الكركي في جامع المقاصد 1: 486، الشهيد الثاني في روض الجنان: 128، صاحب المدارك
2: 208 وفيه عند أكثر الأصحاب.
(5) التهذيب 1: 209 / 605، الإستبصار 1: 55 / 160، الوسائل 1: 365 أبواب الوضوء ب 1
ح 1.
(6) كما في الحدائق 4: 318.
477

نعم لو منع إرادة نفي الصحة من نحو الصحيحة، واحتمل إرادة نفي
الكمال، لاتجه أن يمنع شرطية الطهور للصلاة مطلقا، إذ لا يثبت من الأخبار
الاشتراط، بل غايتها التكليف المقيد بالامكان قطعا، فبدونه لا تكليف به، ويجب
امتثال الأمر بالصلاة. وأما الاجماع على الشرطية فهو لا يتجاوز عن صورة
الامكان في ذلك المقام، والمناط هو الصحيحة وما يؤدي مؤداها.
ولذا بعض من تأمل في دلالة الصحيحة من المتأخرين جعل الأولى وجوب
الأداء من غير إعادة لو لم ينعقد الاجماع على خلافه (1).
ويظهر من السيد في مسائل أملاها تكملة لكتاب الغرر والدرر: وجوب
الأداء عليه.
وحكى القاضي والمحقق قولا بوجوبها مع الإعادة (2).
وعن الشيخ والقاضي تجويزهما معا (3).
وفي نهاية الإحكام: استحباب الأداء، لحرمة الوقت والخروج عن
الخلاف (4).
وأما القضاء، فالحق وجوبه، وفاقا لأكثر المتأخرين، وعن الناصريات
والاصباح والمقنعة والمبسوط والجواهر والسرائر، والمنتهى والشهيد (5)، لعموم
موجبات قضاء الفوائت مطلقا، أو من الفرائض.
وكون الفوت لفقد الطهور من النوادر غير ضائر، لأن الاحتجاج بالعموم
دون الاطلاق.

(1) حكاه في الحدائق 4: 318 عن السيد نعمة الله الجزائري.
(2) لم نعثر عليه في كتب القاضي من الجواهر والمهذب وشرح الجمل، وحكاه المحقق في الشرائع 1:
49.
(3) الشيخ في المبسوط 1: 31، ولم نعثر عليه في كتب القاضي.
(4) نهاية الإحكام 1: 201.
(5) الناصريات (الجوامع الفقهية): 190، المقنعة: 60، المبسوط 1: 31، جواهر الفقه: 14،
السرائر 1: 139، المنتهى 1: 143، الشهيد في البيان: 86.
478

وظهور الفائدة فيما يجب أولا ممنوع، كما يأتي بيانه في بحث القضاء، مع أن
أكثر العمومات يشمل الناسي الذي لا وجوب عليه.
والمتبادر من الفريضة ما تعلق به الوجوب في الجملة، بل هو حقيقتها، فلا
يتوقف صدقها على الوجوب على خصوص هذا الشخص وإن أوجب ذلك
تخصيصا من بعض الوجوه، ولا ضير فيه.
وخلافا للمنقول عن المفيد في رسالته إلى ولده (1)، وللوسيلة والمعتبر
والشرائع (2)، وبعض كتب الفاضل (3)، فلم يوجبوه، للأصل المندفع بما مر.
وتبعية القضاء للأداء الممنوعة جدا، وسواء أريد التبعية مفهوما أو حكما،
مع أن انتفاء التبعية حكما يكفي لنا وهو ثابت قطعا.
ولما ورد في أخبار كثيرة من الصحاح وغيرها - الآتية في بحث القضاء على
المغمى عليه - أن " كل ما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر، وليس على صاحبه
شئ " (4) حيث إنه يعارض عمومات قضاء الفوائت بالعموم من وجه، ولا ترجيح،
فيرجع إلى الأصل.
ويرد: بعدم انحصار فقد الطهور بكونه من فعل الله سبحانه، بل قد
يحصل بفعل المكلف من الذهاب إلى مكان يفقد فيه الطهور، أو اتلافه مع
وجوده، أو يحصل ذلك بفعل غيره من المكلفين، ويتمم المطلوب في غيره بالاجماع
المركب، ولا يصح ضمه مع صورة كونه بفعله سبحانه، لأن نفي القضاء يكون
حينئذ بالأصل، فيندفع بالاجماع المركب المنضم مع الدليل.
السابعة: المتيمم إن وجد الماء قبل شروعه في الصلاة، ينتقض تيممه كما
سيجئ.

(1) حكاه عنه في المهذب البارع 1: 457.
(2) الوسيلة: 71، المعتبر 1: 381، الشرائع 1: 49.
(3) كالتذكرة 1: 63، والتحرير 1: 22، والقواعد 1: 23، ونهاية الإحكام 1: 301.
(4) انظر: الوسائل 8: 258 أبواب قضاء الصلوات ب 3.
479

وإن وجده بعد الفراغ عنها، مضت صلاته كما عرفت.
وإن وجده في الأثناء يرجع ما لم يركع الأولى، ويتطهر ويصلي. فإن ركع لها
يتم صلاته ويمضي فيها، وفاقا للصدوقين (ا) والجعفي والعماني (2) والشيخ في
النهاية (3)، والسيد في المصباح والجمل (4) بل في شرح الرسالة كما حكي عنه (5)،
واختاره من المتأخرين جماعة كالأردبيلي وصاحبي المنتقى والمفاتيح والحدائق (6)،
وبعض سادة مشايخنا (7)، وبعض محققيهم (8).
لصحيح زرارة: " إن أصاب الماء وقد دخل في الصلاة فلينصرف وليتوضأ
ما لم يركع، فإن كان قد ركع فليمض في صلاته، فإن التيمم أحد الطهورين " (9).
وخبر ابن عاصم: عن الرجل لا يجد الماء فيتيمم ويقوم في الصلاة فجاءه
الغلام فقال: هو ذا الماء، فقال: " إن كان لم يركع فلينصرف وليتوضأ، وإن كان
قد ركع فليمض في صلاته " (10) ورواه ابن محبوب في كتابه، والبزنطي في نوادره كما
نقله الحلي في سرائره (11).

(1) الصدوق في المقنع: 9، وأما والده فقد حكي عنه القول بالاستمرار مطلقا. انظر كشف اللثام
1: 151، والرياض 1: 81.
(2) حكاه عنهما في الذكرى: 110.
(3) النهاية: 48.
(4) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 26.
(5) حكاه عنه في الحدائق 4: 378.
(6) الأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 240، منتقى الجمان 1: 359، مفاتيح الشرائع 1: 64، الحدائق
4: 383.
(7) بحر العلوم في الدرة النجفية 47.
(8) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط)، وصاحب كشف الغطاء: 169.
(9) الكافي 3: 63 الطهارة ب 41 ح 4، التهذيب 1: 200 / 580، الوسائل 3: 381 أبواب التيمم
ب 21 ح 1.
(10) الكافي 3: 64 الطهارة ب 41 ح 5، التهذيب 1: 204 / 591، الوسائل 3: 381 أبواب
التيمم ب 21 ح 2.
(11) مستطرفات السرائر: 108 / 59.
480

والمروي في الدعائم: " وإن دخل في الصلاة بتيمم ثم وجد الماء فلينصرف
ويتوضأ ويصلي إن لم يكن ركع، فإن ركع مضى في صلاته " (1).
والمستفيضة الآتية المصرحة بانتقاض التيمم بوجدان الماء مطلقا، خرج ما
بعد الركوع بما مر وما يأتي، فيبقى الباقي.
خلافا للإسكافي، فقال: ما لم يركع الثانية، ولكنه احتمل عدم جواز
القطع بعد الأولى أيضا إن خاف الضيق وعدم جواز القطع مطلقا (2).
للجمع بين ما ظاهره لزوم الرجوع ولو صلى ركعة، كخبر الصيقل: رجل
تيمم ثم قام يصلي فمر به نهر وقد صلى ركعة قال: " فليغتسل وليستقبل " (3).
وخبر زرارة: عن رجل صلى ركعة على تيمم ثم جاء رجل ومعه قربتان من
ماء قال: " يقطع الصلاة ويتوضأ ثم يبنى على واحدة " (4).
ومنافاة جزئه الأخير للاجماع لا تضر في البواقي.
وما صريحه الامضاء بعد ركعتين، كصحيحة محمد وزرارة: في رجل لم
يصب الماء وحضرت الصلاة فتيمم وصلى ركعتين، ثم أصاب الماء أينقض
الركعتين ويقطعهما ويتوضأ ويصلي؟ قال: " لا، ولكنه يمضي في صلاته ولا
ينقضها لمكان أنه دخلها على طهور بتيمم " (5).
وبالأولين. نقيد إطلاقات عدم القطع مطلقا أو بعد الركوع، وبالثالثة
إطلاقات الانتقاض بوجدان الماء.

(1) دعائم الاسلام 1: 120، مستدرك الوسائل 2: 546 أحكام التيمم ب 16 ح 1.
(2) حكاه عنه في المختلف: 51.
(3) التهذيب 1: 406 / 1277، الإستبصار 1: 168 / 581، الوسائل 3: 383 أبواب التيمم
ب 21 ح 6.
(4) التهذيب 1: 403 / 1263، الإستبصار 1: 167 / 579، الوسائل 3: 383 أبواب التيمم
ب 21 ح 5.
(5) الفقيه 1: 58 / 214، التهذيب 1: 205 / 595، الإستبصار 1: 167 / 580، الوسائل 3:
382 أبواب التيمم ب 21 ح 4 (بتفاوت).
481

ويجاب عنه: بضعف الخبرين وشذوذهما، لمخالفتهما الشهرة بل الاجماع.
وللديلمي، فقال: ما لم يقرأ (1). ولم أقف له على مستند.
ولابن حمزة، فقال بالرجوع مطلقا إذا ظن السعة، واستحبابه ما لم يركع إن
لم يظن ذلك (2).
ولعله للنصوص الدالة على الانتقاض بوجدان الماء وتقديم جانب الصلاة
مع الضيق.
ويضعف: بوجوب تخصيص تلك النصوص بما تقدم، لخصوصيتها بالنسبة
إليها.
وللمحكي عن المبسوط والخلاف (3)، والسيد في مسائل الخلاف (4)،
والقاضي والحلي والحلبي والجامع والمحقق والفاضل في القواعد - بل أكثر كتبه -
والكركي والتنقيح واللمعة والدروس والمدارك واللوامع (5)، بل الأكثر كما في
الروضة والبحار (6) واللوامع، بل عليه الاجماع في بحث الاستحاضة من
السرائر (7)، فقالوا بعدم الرجوع ووجوب الاتمام ولو تلبس بتكبيرة الاحرام.
لأصالة بقاء التيمم، واستصحاب كون المصلي جائزا له الصلاة، وكون ما
صلى صحيحا أي لو ضم إليه الباقي يكون صحيحا، وأصالة عدم وجوب الوضوء

(1) المراسم: 54.
(2) حكاه عنه في الذكرى: 111 من كتابه الواسطة.
(3) المبسوط 1: 33، والخلاف 1: 141.
(4) حكاه عنه في المختلف: 51.
(5) القاضي في شرح الجمل: 62، الحلي في السرائر 1: 140، الحلبي في الكافي: 137، الجامع
للشرائع: 48، المحقق في المختصر: 17، الفاضل في القواعد 1: 23، التذكرة 1: 65،
المنتهى 1: 154، التحرير 1: 22، الكركي في جامع المقاصد 1: 508، التنقيح الرائع 1:
138، اللمعة (الروضة 1): 163، الدروس 1: 133، المدارك 2: 246.
(6) الروضة 1: 163، البحار 78: 152.
(7) السرائر 1: 153.
482

وقطع الصلاة.
ولصحيحة زرارة ومحمد، المتقدمة، حيث إن التعليل فيها يوجب المضي مع
الدخول مطلقا.
وخبر ابن حمران: رجل تيمم ثم دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم
يقدر عليه ثم يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة، قال: " يمضي في الصلاة " (1)
الحديث.
والرضوي - المنجبر ضعفه بما ذكر -: " إذا كبرت في صلاتك تكبيرة الافتتاح
وأوتيت بالماء فلا تقطع الصلاة ولا تنقض تيممك وامض في صلاتك " (2).
ويجاب عن الأصول: باندفاعها بما ذكر، وعن الأخبار: بأنها مطلقة بالنسبة
إلى أخبارنا، وحمل المطلق على المقيد لازم، والرجوع إلى وجوه التراجيح إنما هو مع
التباين كليا أو من وجه، مع أنه لا ترجيح لها.
وترجيحها بالأصحية سندا، حيث إن محمد بن حمران أشهر في العلم
والعدالة من عبد الله بن عاصم، وبالأيسرية، وبأن العمل بها يوجب الجمع
بحمل أخبارنا على الاستحباب، وبالموافقة للشهرة والاجماع المنقول، وللنهي عن
قطع العمل وإبطال الصلاة، مردود:
أما الأول: فبعدم صلاحيته للترجيح، كما بينا في موضعه، مع أن محمد بن
حمران الأعدل هو الهندي، ولا قرينة هنا على التعيين، مع أنه غير كاف في الترجيح
مع اشتراك محمد بن سماعة الراوي عنه، وعدم قرينة على كونه الحضرمي، وتعينهما
للمحقق (3) بقرينة - لو سلم - لا يفيد لنا، وكون الراوي عن سماعة البزنطي

(1) التهذيب 1: 203 / 590، الإستبصار 1: 166 / 575، الوسائل 3: 385 أبواب التيمم ب 22
ح 5.
(2) فقه الرضا (ع): 90، مستدرك الوسائل 2: 546 أحكام التيمم ب 16 ح 3.
(3) أنظر: المعتبر 1: 400.
483

- الذي صرح الشيخ بأنه لا يروي إلا عن الثقات (1) - معارض بأن في بعض طرق
رواية ابن عاصم أبان المجمع على تصحيح ما يصح عنه.
ثم لو سلم ترجيح رواية ابن حمران على رواية ابن عاصم سندا، فلا ترجح
على صحيحة زرارة قطعا، فإنه لا يكافئه غيره من الرواة، وكذا من تقدم عليه لا
يوازيهم من تقدم على ابن حمران.
وأما الثاني: فبأنه وإن رجح اليسير على العسير ولكن لا دليل على ترجيح
الأيسر على اليسير، ولا نسلم العسر هنا.
وأما الثالث: فبأن الجمع بالتخصيص - كما على المختار - أرجح منه
بالتجوز قطعا.
وأما الرابع: فبمنع كون الموافقة للشهرة المحكية في الفتوى موجبا
للترجيح، مع أن الشهرة المحققة القديمة على خلافه، إذ المعروفون منهم ذهبوا
إلى خلافه (2).
وكذا الاجماع المنقول، مع أن الظاهر أن مراد الحلي هو الاجماع على المضي
في الجملة لا مطلقا، حيث صرح في بحث التيمم بأن في المسألة اختلافا، ونقل
أقوالا ثلاثة (3).
وأما الخامس: فلأن إبطال العمل وقطع الصلاة النهي عنهما إنما هو إذا كان
العمل صحيحا والكلام فيه، فإنه لا كلام في الابطال والقطع، بل في البطلان
والانقطاع.
ومن ذلك ظهر أنه لا ترجيح لأخبارهم أصلا، بل الترجيح من حيث السند
وأظهرية الحمل مع انجبارنا.

(1) عدة الأصول 1: 387.
(2) راجع ص 480.
(3) السرائر 1: 139.
484

وترجحها أيضا أظهرية الدلالة، لجواز [القدح] (1) في دلالة رواية ابن حمران
على كون الوجدان أيضا في الأثناء، بل الظاهر من قوله: " حين يدخل، أنه وجده
في آن الدخول، وتخرج حينئذ عن المتنازع فيه.
وفي دلالة التعليل أنه وإن اقتضى التعميم (2) ولكن بملاحظة التعليل بمثل
ذلك في صحيحة زرارة للامضاء بعد الركوع خاصة، مع التصريح بالإعادة
قبله (3) يضعف عمومه، إذ لعله أيضا كذلك.
هذا، مع أنه على فرض التكافؤ من جميع الوجوه يجب الرجوع إلى
عمومات انتقاض التيمم بالماء.
فروع:
أ: قيل: القول بالرجوع في الأثناء إنما يتمشى على القول بجواز التيمم في
السعة، وأما على القول بوجوب التأخير فتجب الاستدامة، لاستلزام تركها
الاخلال بالعبادة في الوقت المضروب لها (4)..
ولا يخفى أنه إنما يصح إذا أريد التأخير إلى الآخر الحقيقي بحسب الواقع،
وأما إذا أريد العرفي أو بحسب الظن فلا، بل الظاهر عدم وجوب الاستدامة على
الأول أيضا، لظواهر الأخبار. فعلى المختار يرجع قبل الركعة ويتوضأ ويقضي لو
لم يف الوقت بالأداء وجوبا لا استحبابا كما قاله ابن حمزة (5).
ب: لو وجد الماء حين يجب المضي وفقد قبل الفراغ من الصلاة، يعيد
التيمم لصلاة أخرى، وفاقا للمبسوط والمنتهى والتذكرة (6).

(1) في النسخ: القطع، وهو تصحيف.
(2) راجع ص 481 صحيحة محمد وزرارة.
(3) راجع ص 480.
(4) كما في الرياض 1: 81.
(5) راجع ص 482.
(6) المبسوط 1: 33، والمنتهى 1: 155، والتذكرة 1: 65.
485

لا لانتقاض تيممه مطلقا أو بالنسبة إلى غير هذه الصلاة، ولا لأجل صدق
الوجدان والتمكن، لكونهما محلي نظر (1).
بل لأن مقتضى الآية: وجوب الوضوء أو التيمم عند إرادة كل صلاة،
خرج ما خرج بدليل شرعي، فيبقى الباقي. مع أن المخرج - نحو صحيحة زرارة:
يصلي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل والنهار؟ فقال: " نعم ما لم يحدث أو يصب
ماء " (2) الحديث، وقريبة منها رواية السكوني (3) وغير ذلك - مخصوص بغير
المورد (،)، بل يدل بضميمة الاجماع المركب [على] أن من أصاب الماء لا يصلي غير
صلاة واحدة بتيمم واحد.
خلافا للمعتبر والروض والمدارك (5)، بل أكثر المتأخرين، لعدم التمكن من
استعمال الماء، لتحقق المانع الشرعي، ولأن تيممه إن انتقض فيلزم بطلان الصلاة
التي فيها أيضا، وإلا فلا وجه لإعادته، ولا معنى للانتقاض بالنسبة إلى صلاة
دون أخرى.
وضعفهما ظاهر بعد ما ذكرنا.
والظاهر عدم جواز العدول إلى فائتة سابقة أخرى، لما ذكر من الأصل.
ج: لا فرق فيما ذكرنا من القطع والاتمام بين الفريضة والنافلة، لاطلاق

(1) توجد في " ح " حاشية منه رحمه الله تعالى: فإن انتقاض المطلق يوجب بطلان الصلاة التي فيها،
والانتقاض بالنسبة لا معنى له. وصدق الوجدان لو أوجب النقض لانتقض حين وجوده وبطلت
هذه الصلاة التي فبها.
(2) التهذيب 1: 200 / 580، الإستبصار 1: 164 / 570، الوسائل 3: 379 أبواب التيمم ب 20
ح 1.
(3) التهذيب 1: 201 / 582، الإستبصار 1: 163 / 567، الوسائل 3: 380 أبواب التيمم ب 20
ح 5.
(4) بقوله: " أو يصب ماء ". منه رحمه الله تعالى.
(15 المعتبر 1: 401، روض الجنان: 130، المدارك 2: 247.
486

الأدلة (1).
الثامنة: لو تيمم الجنب ومن في حكمه ممن عليه الغسل، ثم أحدث
بالأصغر، أعاد التيمم بدلا عن الغسل ولو تمكن من الوضوء، على الأظهر الموافق
لغير من شذ وندر (2)، لأنه جنب ووظيفة الجنب التيمم عند عدم التمكن من
الغسل.
أما الأول: فللاستصحاب، والمروي في الغوالي عن النبي (صلى الله عليه
وآله) أنه قال لبعض أصحابه الذي تيمم من الجنابة وصلى: " صليت بأصحابك
وأنت جنب " (3).
وضعفه منجبر بالشهرة العظيمة، والاجماع المحكي في المعتبر والتذكرة
وغيرهما (4).
وأما الثاني: فبالاجماع، إذ كل من قال بكونه جنبا أوجب عليه التيمم،
والمخالف يدعي رفع جنابته.
ولصحيحة محمد: في رجل أجنب في سفر ومعه ماء قدر ما يتوضأ، قال:

(1) توجد في " ح " حاشية منه رحمه الله تعالى: اعلم أنه قال في المدارك 2: 248. المستفاد من الأخبار
وكلام الأصحاب تحريم الرجوع بعد فوات محله سواء قلنا: إنه التبس بالصلاة أو الركوع أو
غيرهما.
أقول: لا شك في التحريم بعد الركوع، للأمر بالامضاء المفيد للوجوب في صحيحة زرارة وخبر
ابن عاصم (راجع ص 480). وأما قبله فلا دليل على التحريم، ورواية حمران وصحيحة زرارة
ومحمد خاليتان عن الأمر (راجع ص 481 و 483).
نعم، ورد في الرضوي (ص 483) وانجباره في هذا المورد غير معلوم، لأن أكثر القائلين
بالامضاء بعد التلبس حملوا أخبار القطع قبل الركوع على الاستحباب.
والعجب أن في المدارك نقل ذلك الحمل عن الفاضل وقال: إن المستفاد من كلام الأصحاب
التحريم.
(2) كما يأتي في ص 488.
(3) غوالي اللآلي 1: 413 / 82 بتفاوت يسير.
(4) المعتبر 1: 394، التذكرة 1: 66، المدارك 2: 253 وفيه: ذهب إليه أكثر الأصحاب.
487

" يتيمم ولا يتوضأ " (1) دلت بترك الاستفصال على وجوب التيمم على من أجنب
ووجد ماء الوضوء ولو سبقه تيمم آخر.
وقد يستدل (2) أيضا: باستصحاب وجوب التيمم عليه قبل التيمم ولو مع
وجود الماء بقدر الوضوء واستصحاب حرمة الوضوء، وبأنه جنب، إذ لولاه لكان
وجوب الغسل عليه عند التمكن - كما هو المجمع عليه - لوجود الماء خاصة وهو
ليس بحدث إجماعا، مع أن حدثيته توجب استواء المتيممين في موجبه، ضرورة
استوائهم فيه، ولكنه باطل قطعا، لأن المحدث لا يغتسل والجنب لا يتوضأ. وإذا
كان جنبا لا يجوز له الوضوء، لصحيحة زرارة: " ومتى أصبت الماء فعليك الغسل
إن كنت جنبا والوضوء إن لم تكن جنبا " (3).
ويضعف الاستصحابان: بأن المسلم الوجوب والحرمة المقيدان، ومع ذلك
يعارضهما استصحاب العدم قبل الجنابة.
والأخير: بأن للخصم أن يقول: وجوب الغسل عليه للجنابة السابقة دون
المتصلة بالغسل، إذ لا مانع من أن يوجب الشارع الغسل على من أجنب في وقت
ولو زالت جنابته بسبب آخر، وبأنه لا بد من حمل الماء في الصحيحة على ما يكفي
الغسل، لمكان قوله: " فعليك الغسل " ولا خلاف في عدم جواز الوضوء حينئذ إن
كان جنبا، ويكون خارجا عن محل النزاع.
خلافا للمحكي عن السيد في شرح الرسالة، فقال بوجوب الوضوء لو تمكن
منه خاصة (4)، والتيمم بدلا عنه لو لم يتمكن، واختاره من الطبقة الثالثة في المفاتيح
والذخيرة والحدائق (5)، لارتفاع الجنابة، وقدمنا جوابه، واستصحاب الإباحة

(1) التهذيب 1: 405 / 1272، الوسائل 3: 387 أبواب التيمم ب 24 ح 4.
(2) شرح المفاتيح (المخطوط).
(3) التهذيب 1: 210 / 611، الإستبصار 1: 172 / 599، الوسائل 3: 378 أبواب التيمم ب 19
ح 5.
(4) حكاه عنه في الحدائق 4: 416.
(5) المفاتيح 1: 65، الذخيرة: 111، الحدائق 4: 417.
488

بالتيمم الأول، وكان المراد بها ارتفاع الممنوعية من جهة الجنابة، وأما بمعنى مطلق
الممنوعية فقد زالت بالحدث قطعا.
وبدفعه: أن المسلم الإباحة المقيدة بما دام متيمما بهذا المعنى، مع أن ما
تقدم من بقاء جنابته وعموم النهي عن الصلاة جنبا يدفع ذلك الاستصحاب.
التاسعة: ينتقض التيمم بما ينتقض به المائية، بالاجماع، والمستفيضة.
وبوجود الماء، باجماعنا المصرح به في كلام جماعة منا (1)، واستفاضت به أخبارنا،
كمرسلة العامري، المتقدمة في الأمر الأول من الفصل الأول (2)، ورواية
السكوني، السابقة في المسألة الثانية (3).
وصحيحة زرارة: يصلي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل والنهار، قال:
" نعم ما لم يحدث أو يصب ماء " قلت: فإن أصاب الماء ورجا أن يقدر ماء آخر
وظن أنه يقدر عليه، فلما أراد تعسر ذلك عليه، قال: " ينتقض ذلك تيممه،
وعليه أن يعيد التيمم " (4).
والرضوي وفيه: " لأن ممره بالماء نقض تيممه " (5).
ويشترط في الانتقاض به التمكن من استعمال الماء، بأن لا يكون له مانع
حتى من متغلب على الماء "، أو كونه في بئر ولا وسيلة إليه، أو في يد من لا يبذله
مطلقا أو إلا بثمن لا يمكنه، ونحو ذلك، ولا شرعي من مرض أو خوف عطش
أو نحوهما.
وكأنه إجماعي، وهو المقيد للاطلاقات، مضافا إلى مفهوم الشرط في رواية

(1) كالمحقق في المعتبر 1: 401، والفيض الكاشاني في المفاتيح، وصاحب الحدائق 4: 398.
(2) ص 355.
(3) راجع ص 471.
(4) التهذيب 1: 200 / 580، الإستبصار 1: 164 / 570، الوسائل الوسائل 3: 379 أبواب التيمم ب 20
ح 1.
(5) فقه الرضا (ع): 89، مستدرك الوسائل 2: 544 أحكام التيمم ب 14 ح 1.
489

أبي أيوب، المروية في تفسير العياضي، المنجبر ضعفه بما ذكر، وفيها: " إذا رأى الماء
وكان يقدر عليه انتقض التيمم " (1).
وتخصيص عدم القدرة بالمانع الحسي لا وجه له، لأن منع الشارع من
الاستعمال ينفي الاقتدار جدا.
ومضي زمان يسع الطهارة، عند بعضهم (2)، لامتناع التكليف بفعل في
وقت لا يسعه، ولذا لو علم أولا عدم تمكنه من الاكمال، لم ينتقض تيممه.
ويضعف: بمنع الملازمة بين عدم التكليف بالاستعمال وبين بقاء التيمم،
لجواز كون نفس وجود الماء - الجاري فيه استصحاب البقاء - ناقضا، ولذا لا يجوز
للمتيمم الواجد للماء الشروع في الصلاة، ومس المصحف بالتيمم قبل مضي ذلك
المقدار. بل يمكن الكلام فيما لم يظن بقاؤه بل يحتمل أيضا.
ويمنع قوله: ولذا لو علم...، لاطلاق الأخبار، حيث ترتب فيها
النقض على مجرد الإصابة أو المرور أو القدرة عليه.
ومنه يظهر عدم اشتراط مضيه، لما ذكر، كما هو ظاهر الصدوق (3) وشيخنا
البهائي (4) ووالدي العلامة قدس الله أسرارهم.
وكذا لا يشترط وجدان الماء في الوقت، فلا ينتقض بوجدانه في غيره كما
قيل، مستدلا بتوجه الخطاب بالمائية - ولو ظاهرا - في الوقت، وهو ينافي بقاء
التيمم دون غيره.
وفيه: أن عدم توجه الخطاب في غير الوقت لا يستلزم بقاء التيمم، مع أن
الخطاب الاستحبابي - الذي هو أيضا ينافي البقاء - تعلق في غير الوقت أيضا.
نعم، يشترط صدق الإصابة والمرور عرفا أيضا، فلو رأى ماء من بعد وكان

(1) تفسير العياشي 1: 244 / 143، الوسائل 3: 378 أبواب التيمم ب 19 ح 6.
(2) الكركي في جامع المقاصد 1: 507، وصاحب المدارك 2: 254.
(3) المقنع: 8.
(4) الحبل المتين: 94.
490

متوجها إليه لا ينتقض تيممه وإن علم الوصول إليه في الوقت ما لم يصدق المعيار،
فيجوز له مس المصحف ونحوه ما لم ينته إلى حد الصدق.
نعم، لا يبعد أن يقال بعدم جواز الصلاة بالتيمم حينئذ، لعموم قوله
سبحانه: " إذا قمتم... " وعدم صدق علم الوجدان، حيث إنه أعم من
الإصابة والمرور عرفا، فإن من رأى الماء من بعيد وتوجه إليه يقال: إنه وجد الماء،
ولا يقال: أصابه ومر به. وعلى هذا فيكون تيممه باقيا تجوز الصلاة معه لو تلف
الماء قبل وصوله إليه وإن لم تجز قبل التلف.
ولو كان الماء في مسجد تمكن من استعماله عبورا، انتقض التيمم. ولو لم
يتمكن منه إلا مع اللبث في المسجد لا ينتقض، لوجود المانع الفرعي ولو قلنا
بإباحة الدخول واللبث بالتيمم، لأن إباحتهما موقوفة على بقاء التيمم، وهو على
عدم القدرة على الماء، وهو على المنع من دخول المسجد، وهو على انتقاض
التيمم، فإباحتهما موقوفة على بقاء التيمم وانتقاضه، وهو محال، والموقوف على
المحال محال.
إلا أنه لأحد أن يقول: عدم إباحتهما أيضا موقوف على عدم بقاء التيمم،
وهو على القدرة على الماء، وهو على جواز دخول المسجد، وهو على بقاه التيمم،
فعدم الإباحة محال.
وبعبارة أخرى في الطرفين: بقاء التيمم موقوف على عدم القدرة وهو على
عدم البقاء، فالبقاء يستلزم عدم البقاء. والانتقاض يستلزم القدرة وهي فرع عدم
الانتقاض، فالانتقاض يلازم عدم الانتقاض. والمقام مقام تردد وإشكال.
ولو وجد جماعة متيممون ماء يكفي لأحدهم، واقتدر كل منهم على
استعماله، انتقض تيمم الكل؟ للاطلاق.
العاشر: لو كان على أعضاء التيمم - كلا أو بعضا - جبيرة أو حائل آخر
تعذر حلها، مسحها كما في الوضوء بلا خلاف أجده، وفي الحدائق واللوامع:
491

كأنه لا خلاف فيه (1).
ويدل عليه: إطلاق صحيحة الوشاء وحسنة كليب، أو عمومهما بترك
الاستفصال:
الأولى: عن الدواء إذا كان على يدي الرجل أيجزيه أن يمسح على طلي
الدواء؟ فقال: " نعم، يجزيه أن يمسح عليه " (2).
والثانية: عن الرجل إذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة؟ قال: " إن كان
يتخوف على نفسه فليمسح على جبائره وليصل، (3).
الحادية عشرة: التيمم في جميع المواضع التي يشرع - غير ما مر من المواضع
المخير فيها بينه وبين الجبيرة بالمائية - عزيمة. فلا تجوز المائية إن أمكن، ولو أتى
بها كان باطلا، للأمر به في الآية والأخبار، ولأن التيمم في كل موضع يوجد فيه
الماء كان لدفع الضرر أو العسر أو الحرج، وما يستلزم أحدها منفي من الاسلام
والدين، أو لا يريده الله سبحانه، وما جعله في الدين، وكل ما كان كذلك لا
يكون مشروعا.
نعم، لو كان التيمم لأجل العسر في تحصيل الماء، فتحمله وحصله، تجوز
المائية له، بل تجب بعده، لانتفاء العسر حينئذ.
تم بحث التيمم، وبتمامه تم كتاب الطهارة. طهرنا الله من ذنوبنا وعيوبنا
بمحمد وآله أهل بيت العصمة والطهارة.
وكان ذلك في يوم الثلاثاء آخر شهر صفر المظفر سنة ألف ومائتين وواحد
وثلاثين.

(1) الحدائق 4: 353.
(2) التهذيب 1: 364 / 1105، الإستبصار 1: 76 / 235، الوسائل 1: 465 أبواب الوضوء ب 39
ح 9.
(3) التهذيب 1: 363 / 1100، الوسائل 1: 465 أبواب الوضوء ب 39 ح 8.
492

والحمد لله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله (1).

(1) توجد في " ه‍ ": هذا صورة خط المصنف أعلى الله في الخلد مقامه.
وفي " ق ": ثم إني قد فرغت من استنساخه غروب يوم الاثنين سادس عشر من شهر صفر المظفر
من سنة ألف ومائتين وثلاث وخمسين من الهجرة المقدسة. وأنا الأقل الجاني الخادم للعلماء مهدي
ابن محمد حسين الأراني حامدا مصليا.
وفي " ح ": راقم الحروف أقل الطلاب: ابن محمد رضا " نصر الله الخوزاني الأصفهاني.
493