الكتاب: الحدائق الناضرة
المؤلف: المحقق البحراني
الجزء: ١٢
الوفاة: ١١٨٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق : محمد تقي الإيرواني
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية - قم المقدسة
ردمك:
ملاحظات: نهض بمشروعه الشيخ علي الآخوندي

الحدائق الناضرة
في
أحكام العترة الطاهرة
تأليف
العالم البارع الفقيه المحدث الشيخ يوسف البحراني قدس سره
المتوفى سنة 1186 هجرية
حققه وعلق عليه
محمد تقي الإيرواني
الجزء الثاني عشر
نهض بمشروعه الشيخ علي الآخوندي
منشورات
جماعة المدرسين في الحوزة العلمية
في قم المقدسة
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبيه محمد وآله الطاهرين.
كتاب الزكاة
وهي لغة تطلق على معنيين: الطهارة والزيادة والنمو، ومن الأول قوله
عز وجل " قد أفلح من زكاها " (1) أي طهرها من الأخلاق الذميمة، ومن الثاني
قوله عز وجل: " ذلكم أزكى لكم وأطهر " (2) أي أنمى لكم وأعظم بركة،
والحمل على الأول وإن أمكن إلا أنه يصير عطف الطهارة من قبيل التأكيد والحمل
على التأسيس خير من التأكيد.
وسميت به الصدقة المخصوصة لكونها مطهرة للمال من الأوساخ المتعلقة به
أو للنفوس من رذائل البخل وترك مواساة الإخوان المحتاجين من أبناء النوع،
ولكونها تنمي الثواب وتزيده وكذلك تنمي المال وتزيده وإن ظن الجاهل البخيل
أنها تنقصه.
وقد اختلف الفقهاء في تعريفها بما لا يكاد يسلم واحد منها من المناقشة

(1) سورة الشمس الآية 9.
(2) سورة البقرة الآية 232
2

وليس في التعرض لها مزيد فائد، والأمر في التعريف هين بعد وضوح المعرف
في حد ذاته.
والكلام في هذا الكتاب يقع في مقدمة وبابين، أما المقدمة ففيها فصول:
الفصل الأول - في وجوبها وهي واجبة بالكتاب والسنة، قال الله عز وجل
" وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " (1) وقال: " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم
وتزكيهم بها " (2) وقال: " وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة " (3).
وأما السنة فمستفيضة جدا، ومنها - ما رواه ثقة الاسلام في الكافي في الصحيح
عن عبد الله بن سنان (4) قال: " قال أبو عبد الله لما نزلت آية الزكاة " خذ من
أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " (5) وأنزلت في شهر رمضان فأمر رسول الله
صلى الله عليه وآله مناديه فنادى في الناس أن الله تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة
ففرض الله عليهم من الذهب والفضة وفرض عليهم الصدقة من الإبل والبقر والغنم
ومن الحنطة والشعير والتمر والزبيب ونادى فيهم بذلك في شهر رمضان وعفا لهم عن ما
سوى ذلك. قال عليه السلام ثم لم يتعرض لشئ من أموالهم حتى حال عليهم الحول من
قابل فصاموا وافطروا فأمر مناديه فنادى في المسلمين أيها المسلمون زكوا أموالكم تقبل
صلاتكم. قال عليه السلام ثم وجه عمال الصدقة وعمال الطسوق " أقول: الطسق بالفتح
ما يوضع من الخراج على كل جريب من الأرض فارسي معرب.
وما رواه في الصحيح عن الفضلاء. عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما
السلام) (6) قالا: " فرض الله الزكاة مع الصلاة " أقول: الظاهر من المعية المقارنة

(1) سورة البقرة الآية 43.
(2) سورة التوبة الآية 103.
(3) سورة فصلت الآية 6 و 7.
(4) ج 1 ص 139 وفي الوسائل الباب 8 من ما تجب فيه الزكاة ونقله فيه وفي
الباب 1 من الفقيه أيضا.
(5) سورة التوبة الآية 103.
(6) الوسائل الباب 1 من ما تحب فيه الزكاة
3

في الرتبة كما يشعر به الحديث الآتي.
وما رواه أيضا عن معروف بن خربوذ عن أبي جعفر عليه السلام (1) قال " إن الله
عز وجل قرن الزكاة بالصلاة فقال: وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " فمن أقام الصلاة
ولو يؤت الزكاة فلم يقم الصلاة
وما رواه في الفقيه عن عبد الله بن مسكان يرفعه إلى أبي جعفر عليه السلام (2) قال:
" بينا رسول الله صلى الله عليه وآله في المسجد إذ قال قم يا فلان قم يا فلان قم يا فلان حتى أخرج
خمسة نفر فقال صلى الله عليه وآله أخرجوا من مسجدنا لا تصلوا فيه وأنتم لا تزكون ".
وما رواه في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: من منع
قيراطا من الزكاة فليس بمؤمن ولا مسلم وهو قوله تعالى: رب ارجعون لعلى أعمل
صالحا في ما تركت " (4) قال: وفي رواية أخرى (5) قال: " ولا تقبل له صلاة "
وبهذا المضمون روايات عديدة أعرضنا عن نقلها.
وما رواه فيه أيضا عن أبي بصير (6) قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول
من منع الزكاة سأل الرجعة عند الموت وهو قول الله تعالى: رب ارجعون لعلى أعمل
صالحا في ما تركت " (7).
وما رواه فيه عن أبي بصير أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام (8) قال: " من منع
قيراطا من الزكاة فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا " إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.
الفصل الثاني - في عقاب مانعها، روى في الكافي عن عبد الله بن سنان (9)
قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما من ذي زكاة مال نخل أو زرع أو كرم يمنع زكاة
ماله إلا قلده الله تعالى تربة أرضه يطوق بها من سبع أرضين إلى يوم القيامة ".
وروى في الكافي والفقيه عن أيوب بن راشد (10) قال: " سمعت أبا عبد الله

(1) الوسائل الباب 3 من ما تحب فيه الزكاة
(2) الوسائل الباب 3 من ما تحب فيه الزكاة
(3) الوسائل الباب 4 من ما تحب فيه الزكاة
(4) سورة المؤمنون الآية 99 و 100
(5) الوسائل الباب 4 من ما تحب فيه الزكاة
(6) الوسائل الباب 3 من ما تحب فيه الزكاة
(7) سورة المؤمنون الآية 99 و 100
(8) الوسائل الباب 4 من ما تحب فيه الزكاة
(9) الوسائل الباب 3 من ما تحب فيه الزكاة
(10) الوسائل الباب 3 من ما تحب فيه الزكاة
4

عليه السلام يقول مانع الزكاة يطوق بحية قرعاء تأكل من دماغه وذلك قوله تعالى: سيطوقون
ما بخلوا به يوم القيامة " (1) أقول: القرعاء من الحيات ما سقط شعر رأسها
لكثرة سمها.
وروى في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم (2) قال: " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن قول الله تعالى: سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة؟ فقال يا محمد ما من أحد
يمنع من زكاة ماله شيئا إلا جعل الله تعالى ذلك يوم القيامة ثعبانا من نار مطوقا في
عنقه ينهش من لحمه حتى يفرغ من الحساب، ثم قال (ع) هو قول الله تعالى سيطوقون
ما بخلوا به يوم القيامة. يعني ما بخلوا به من الزكاة.
وروى في الكافي والفقيه عن حريز (3) قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام ما من
ذي مال ذهب أو فضة بمنع زكاة ماله إلا حبسه الله يوم القيامة بقاع قرقر وسلط
عليه شجاعا أقرع يريده وهو يحيد عنه فإذا رأى أنه لا يتخلص منه أمكنه من
يده فقضمها كما يقضم الفحل ثم يصير طوقا في عنقه، وذلك قول الله تعالى " سيطوقون
ما بخلوا به يوم القيامة " وما من ذي مال إبل أو غنم أو بقر يمنع زكاة ماله إلا
حبسه الله عز وجل يوم القيامة بقاع قرقر تطأه كل ذات ظلف بظلفها وتنهشه كل
ذات ناب بنابها، وما من ذي مال نخل أو كرم أو زرع يمنع زكاتها إلا طوقه الله تعالى
ريعة أرضه إلى سبع أرضين يوم القيامة ".
أقول: قيل القاع الأرض السهلة المطمئنة قد انفرجت عنها الجبال، والقرقر
الأرض المستوية اللينة، وفي بعض النسخ " قفر " وهو الخلاء من الأرض،
وشجاع بالضم والكسر: الحية أو الذكر منها أو ضرب منها، والحيد الميل والقضم

(1) سورة آل عمران الآية 180
(2) الفروع ج 1 ص 141 وفي الوسائل الباب 3 من ما تجب فيه الزكاة عن أبي جعفر (ع) بسند آخر وهو كذلك في الفروع ج 1 ص 142
(3) الوسائل الباب 3 من ما تجب فيه الزكاة.
5

بالمعجمة: الأكل بأطراف الأسنان، والفحل بالمهملة: الذكر من كل حيوان ومن
الإبل خاصة وهو المراد هنا، والريع بكسر الراء وفتحها ثم المثناة من تحت ثم
المهملة: المرتفع من الأرض واحدته بهاء.
وروى في الكافي عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام (1) " قال: إن الله
تعالى يبعث يوم القيامة ناسا من قبور هم مشدودة أيديهم إلى أعناقهم لا يستطيعون
أن يتناولوا بها قيس أنملة معهم ملائكة يعيرونهم تعييرا شديدا يقولون: هؤلاء الذين
منعوا خيرا قليلا من خير كثير، هؤلاء الذين أعطاهم الله تعالى فمنعوا حق الله في
أموالهم " أقول: القيس بالكسر القدر.
وروى في الكافي والفقيه عن أبان بن تغلب (2) قال: أبو عبد الله عليه السلام
دمان في الاسلام حلا ل من الله تعالى لا يقضي فيهما أحد حتى يبعث الله تعالى قائمنا أهل
البيت فإذا بعث الله تعالى قائمنا أهل البيت حكم فيهما بحكم الله لا يريد عليهما بينة:
الزاني المحصن برجمه ومانع الزكاة يضرب عنقه ورواه الصدوق في عقاب الأعمال
والبرقي في المحاسن مثله (3).
وروى في الكافي مسندا عن إسحاق بن عمار عن من سمع أبا عبد لله عليه السلام
وفي الفقيه مرسلا عن أبي عبد الله عليه السلام (4) أنه قال: " ما ضاع مال في بر ولا بحر
إلا بتضييع الزكاة ولا يصاد من الطير إلا ما ضيع تسبيحه ".
وروى في الكافي عن سالم مولى أبان (5) قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول
ما من صيد يصاد إلا بتركه التسبيح وما من مال يصاب إلا بترك الزكاة " إلى غير

(1) الوسائل الباب 6 من ما تجب فيه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 4 من ما تجب فيه الزكاة. وقوله " حكم فيهما بحكم الله لا يريد
عليهما بينة " ليس في الفقيه ج 2 ص 6.
(3) الوسائل الباب 4 من ما تجب فيه الزكاة.
(4) الوسائل الباب 3 من ما تجب فيه الزكاة
(5) الوسائل الباب 3 من ما تجب فيه الزكاة
6

ذلك من الأخبار التي يضيق عن نشرها المقام.
الفصل الثالث - في كفر منكر وجوبها، قال العلامة في التذكرة: أجمع
المسلمون كافة على وجوبها في جميع الأعصار وهي أحد الأركان الخمسة، إذا عرفت
هذا فمن أنكر وجوبها ممن ولد على الفطرة ونشأ بين المسلمين فهو مرتد يقتل من
غير أن يستتاب، وإن لم يكن عن فطرة بل أسلم عقيب كفر استتيب مع علمه
بوجوبها ثلاثا فإن تاب وإلا فهو مرتد وجب قتله، وإن كان ممن يخفى وجوبها
عليه لأنه نشأ بالبادية أو كان قريب العهد بالاسلام عرف وجوبها ولم يحكم بكفره.
هذا كلامه (رحمه الله).
قال في المدارك بعد نقله عنه: وهو جيد وعلى ما ذكره من التفصيل يحمل
ما رواه الكليني وابن بابويه عن أبان بن تغلب.. ثم ساق الرواية المتقدمة الدالة
على أن القائم عليه السلام بعد قيامه يضرب عنق مانع الزكاة.
أقول: ظاهر العلامة في المنتهى حمل هذه الرواية على المانع وإن لم يكن عن
انكار، حيث قال: مسألة - ويقاتل مانع الزكاة حتى يؤديها وهو قول العلماء، روى
الجمهور.. ثم ساق روايتهم (1) ثم قال: ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه عن
أبان بن تغلب.. ثم ساق الرواية المشار إليها، ثم قال فروع: الأول - القتال
وإن كان مباحا إلا أنا لا نحكم بكفره.. إلى أن قال: وأما لو علم منه انكار
وجوبها فإنه يكون كافرا. انتهى. والأقرب الأول فإن مجرد المنع لا يوجب القتل
وإن أوجب المقاتلة إلى أن يؤدي أو يؤخذ من ماله ما يؤدي به عنه.
ثم إنه من ما يدل على كفره متى كان مستحلا منكرا ما تقدم في رواية
أبي بصير من أنه يموت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا، ويحتمل الحمل على مجرد
المنع وإن هذا لمزيد التأكيد في الزجر عن الترك كما ورد في أحاديث الحج من أن

(1) وهي قتال أبي بكر مانعي الزكاة وانكار عمر عليه وأنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله
أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا " لا إله إلا الله " فإذا قالوها عصموني دمائهم وأموالهم إلا
بحقها وحسابهم على الله. فقال أبو بكر الزكاة من حقها. تيسير الوصول ج 2 ص 121.
7

تارك الحج كافر (1) وكذلك قوله عز وجل " ولله على الناس حج البيت من استطاع
إليه سبيلا ومن كفر.. الآية " (2) وبالجملة فإن المراد من الكفر هنا الترك كقوله
عز وجل: " لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم.. الآية " (3).
ويدل عليه أيضا ما رواه في الكافي في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام (4) في حديث " أن الزكاة ليس يحمد بها صاحبها وإنما هو شئ ظاهر إنما حقن بها
دمه وسمي بها مسلما ".
وما رواه فيه أيضا في الموثق عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام (5)
قال: " إن الله عز وجل فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون إلا
بأدائها وهي الزكاة بها حقنوا دماءهم وبها سموا مسلمين ".
وروى في الفقيه بإسناده عن حماد بن عمرو وأنس بن محمد عن أبيه جميعا عن
الصادق عن آبائه (عليهم السلام) في وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام " يا علي كفر بالله العلي
العظيم من هذه الأمة عشرة.. وعد منهم مانع الزكاة، ثم قال يا علي ثمانية لا يقبل الله
منهم الصلاة.. وعد منهم مانع الزكاة. ثم قال يا علي من منع قيراطا من زكاة ماله
فليس بمؤمن ولا مسلم ولا كرامة، يا علي تارك الزكاة يسأل الله تعالى الرجعة إلى الدنيا
وذلك قول الله عز وجل: حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون.. الآية ".
وبالجملة فإن وجوب الزكاة من الضروريات الدينية ولا خلاف ولا اشكال
في كفر من أنكر شيئا منها وارتداده.
بقي الاشكال في حديث أبان المتقدم من حيث دلالته على اختصاص هذا
الحكم مع الحكم برجم الزاني المحصن بظهور القائم عليه السلام ولا أعرف له وجها إلا
على القول باختصاص إقامة الحدود بالإمام عليه السلام إلا أن تخصيص هذين الفردين من ما

(1) الوسائل الباب 7 من وجوب الحج وشرائطه
(2) سورة آل عمران الآية 97
(3) سورة إبراهيم الآية 7
(4) الوسائل الباب 4 من ما تجب فيه الزكاة
(5) الوسائل الباب 4 من ما تجب فيه الزكاة
(6) الوسائل الباب 4 من ما تجب فيه الزكاة
(7) سورة المؤمنون الآية 99
8

لا وجه له على هذا التقدير.
الفصل الرابع - في فضلها وفضل سائر الصدقات، روى ثقة الاسلام في الكافي
في الصحيح عن زرارة عن سالم بن أبي حفصة عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " إن
الله تعالى يقول ما من شئ إلا وقد وكلت به من يقبضه غيري إلا الصدقة فإني
أتلقفها بيدي تلقفا حتى أن الرجل يتصدق بالتمرة أو بشق تمرة فأربيها له كما يربي
الرجل فلوه وفصيله فيأتي يوم القيامة وهو مثل أحد أو أعظم من أحد ".
وروى فيه أيضا عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " قال رسول الله
صلى الله عليه وآله الصدقة تدفع ميتة السوء ".
وروى فيه أيضا عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام (3) قال: " لأن أحج
حجة أحب إلى من أن أعتق رقبة ورقبة حتى انتهى إلى عشرة ومثلها ومثلها حتى
انتهى إلى سبعين، ولأن أعول أهل بيت من المسلمين أشبع جوعهم وأكسو عورتهم
وأكف وجوههم عن الناس أحب إلى من أن أحج حجة وحجة حتى انتهى إلى
عشر وعشر ومثلها ومثلها حتى انتهى إلى سبعين ".
وروى في الكافي مسندا عن أبي عبد الله عليه السلام وفي الفقيه مرسلا (4) قال:
" قال الصادق عليه السلام داووا مرضاكم بالصدقة وادفعوا البلاء بالدعاء واستنزلوا الرزق
بالصدقة فإنها تفك من بين لحيي سبعمائة شيطان، وليس شئ أثقل على الشيطان من الصدقة
على المؤمن، وهي تقع في يد الرب تبارك وتعالى قبل أن تقع في يد العبد ".
وروى الشيخ عن معلى بن خنيس عن الصادق عليه السلام (5) " إن الله لم يخلق شيئا إلا

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب الصدقة
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب الصدقة، والراوي هو السكوني
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب الصدقة
(4) الوسائل الباب 3 و 18 من أبواب الصدقة
(5) الفروع ج 1 ص 164 وفي الوسائل الباب 12 من الصدقة والشيخ يرويه عن الكليني
9

وله خازن يخزنه إلا الصدقة فإن الرب يليها بنفسه، وكان أبي إذا تصدق بشئ وضعه
في يد السائل ثم ارتده منه فقبله وشمه ثم رده في يد السائل، إن صدقة الليل تطفئ
غضب الرب تعالى وتمحو الذنب العظيم وتهون الحساب وصدقة النهار تنمي المال
وتزيد في العمر " إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة المذكور ة في مظانها.
الفصل الخامس - في علتها روى الصدوق (قدس سره) في الفقيه في الصحيح
عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " إن الله عز وجل فرض الزكاة كما
فرض الصلاة، فلو أن رجلا حمل الزكاة فأعطاها علانية لم يكن عليه في ذلك عيب
وذلك لأن الله عزو جل فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به، ولو علم أن الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم وإنما يؤتى الفقراء في ما أوتوا من منع من
منعهم حقوقهم لا من الفريضة ".
وروى في الكافي والفقيه عن مبارك العقرقوفي (2) قال: " قال أبو الحسن
عليه السلام إن الله تعالى وضع الزكاة قوتا للفقراء وتوفيرا لأموالكم ".
وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن عبد الله بن مسكان وغير واحد
عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال " إن الله تعالى جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم
ولولا ذلك لزادهم وإنما يؤتون من منع من منعهم ".
وروى فيه في الحسن عن الوشاء عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (4) قال " قيل
لأبي عبد الله عليه السلام لأي شئ جعل الله الزكاة خمسة وعشرين في كل ألف ولم يجعلها
ثلاثين؟ فقال إن الله تعالى جعلها خمسة وعشرين اخرج من أموال الأغنياء بقدر
ما يكتفي به الفقراء ولو أخرج الناس زكاة أموالهم ما احتاج أحد ".
وروى فيه أيضا عن صباح الحذاء عن قثم عن أبي عبد الله عليه السلام (5) قال:
" قلت له جعلت فداك أخبرني عن الزكاة كيف صارت من كل ألف خمسة وعشرين لم

(1) الوسائل الباب 1 من ما تجب فيه الزكاة
(2) الوسائل الباب 1 من ما تجب فيه الزكاة
(3) الوسائل الباب 1 من ما تجب فيه الزكاة
(4) الوسائل الباب 3 من زكاة الذهب والفضة.
(5) الوسائل الباب 3 من زكاة الذهب والفضة.
10

تكن أقل أو أكثر ما وجهها؟ فقال إن الله تعالى خلق الخلق كلهم فعلم صغيرهم
وكبيرهم وغنيهم وفقيرهم فجعل من كل ألف انسان خمسة وعشرين مسكينا ولو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم لأنه خالقهم وهو أعلم بهم ".
وروى في الفقيه عن معتب مولى الصادق عليه السلام (1) قال: " قال الصادق عليه السلام
إنما وضعت الزكاة اختبارا " لأغنياء ومعونة للفقراء، ولو أن الناس أدوا زكاة أموالهم
ما بقي مسلم فقيرا محتاجا ولاستغنى بما فرض الله تعالى له، وإن الناس ما افتقروا ولا
احتاجوا ولا جاعوا ولا عروا إلا بذنوب الأغنياء وحقيق على الله تعالى أن يمنع
رحمته ممن منع حق الله في ماله، وأقسم بالذي خلق الخلق وبسط الرزق إنه ما ضاع
مال في بر ولا بحر إلا بترك الزكاة وما صيد صيد في بر ولا بحر إلا بتركه التسبيح
في ذلك اليوم، وأن أحب الناس إلى الله أسخاهم كفا وأسخى الناس من أدى زكاة ماله
ولم يبخل على المؤمنين بما افترض الله تعالى في ماله ".
وروى في الفقيه مرسلا (2) قال: " كتب علي بن موسى الرضا عليه السلام إلى محمد
ابن سنان في ما كتب من جواب مسائله: إن علة الزكاة من أجل قوت الفقراء وتحصين
أموال الأغنياء لأن الله عز وجل كلف أهل الصحة القيام بشأن أهل الزمانة والبلوى
كما قال الله تعالى " لتبلون في أموالكم وأنفسكم " (3) في أموالكم اخراج الزكاة وفي
أنفسكم توطين النفس على الضر، مع ما في ذلك من أداء شكر نعم الله تعالى
والطمع في الزيادة، مع ما فيه من الزيادة والرأفة والرحمة لأهل الضعف والعطف
على أهل المسكنة والحث لهم على المواساة وتقوية الفقراء والمعونة لهم على أمر الدين
وهو عظة لأهل الغنى وعبرة لهم ليستدلوا على فقر الآخرة بهم، وما لهم من الحث في
ذلك على الشكر لله تعالى لما خولهم وأعطاهم والدعاء والتضرع والخوف من أن
يصيروا مثلهم في أمور كثيرة في أداء الزكاة والصدقات وصلة الأرحام واصطناع

(1) الوسائل الباب 1 من ما تجب فيه الزكاة
(2) الوسائل الباب 1 من ما تجب فيه الزكاة
(3) سورة آل عمران الآية 186
11

المعروف " إلى غير ذلك من الأخبار.
الفصل السادس - في أنه هل يجب في المال حق آخر سوى الزكاة أم لا؟
المشهور الثاني، ونقل عن الشيخ في الخلاف الأول حيث قال: يجب في المال حق
سوى الزكاة المفروضة وهو ما يخرج يوم الحصاد من الضغث بعد الضغث والحفنة
بعد الحفنة يوم الجذاذ. واحتمله السيد المرتضى في الإنتصار.
احتج الشيخ (قدس سره) باجماع الفرقة وأخبارهم (1) وقوله تعالى: " وآتوا
حقه يوم حصاده " (2).
وأجيب بمنع انعقاد الاجماع على الوجوب بل على الرجحان المطلق الشامل
للندب أيضا وعن الأخبار بمنع دلالتها على الوجوب.
وعن الآية بوجهين: أحدهما - أنه يجوز أن يكون المراد بالحق الزكاة المفروضة
كما ذكره جمع من المفسرين بأن يكون المعنى فاعزموا على أداء الحق يوم الحصاد
واهتموا به حتى لا تؤخروه عن أول أوقات الامكان. وأيد ذلك بأن قوله تعالى
" آتوا حقه " إنما يحسن إذا كان الحق معلوما قبل ورود هذه الآية.
الثاني - إن الأمر محمول على الاستحباب، ويدل عليه ما رواه الكليني عن
معاوية بن شريح (3) قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في الزرع حقان حق
تؤخذ به وحق تعطيه. قلت: وما الذي أؤخذ به وما الذي أعطيه؟ قال أما
الذي تؤخذ به فالعشر ونصف العشر، وأما الذي تعطيه فقول الله عز وجل " وآتوا
حقه يوم حصاده " يعني من حصدك الشئ بعد الشئ، ولا أعلمه إلا قال الضغث
ثم الضغث حتى يفرغ ".
وما رواه عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير - في الصحيح أو الحسن على

(1) الوسائل الباب 13 من زكاة الغلات
(2) سورة الأنعام الآية 141.
(3) الوسائل الباب 13 من زكاة الغلات.
12

المشهور - عن أبي جعفر عليه السلام (1) " في قول الله عز وجل: وآتوا حقه يوم حصاده؟
فقالوا جميعا قال أبو جعفر عليه السلام هذا من الصدقة تعطي المساكين القبضة بعد القبضة
ومن الجذاذ الحفنة بعد الحفنة حتى تفرغ.. الحديث ".
أقول: والذي وقفت عليه من الأخبار زيادة على ما ذكر ما نقل عن السيد
المرتضى (قدس سره) في الإنتصار (2) أنه قال: " روي عن أبي جعفر عليه السلام في قوله
تعالى " وآتوا حقه يوم حصاده " فقال ليس ذلك الزكاة ألا ترى. أنه قال: ولا تسرفوا
إنه لا يحب المسرفين؟ " قال المرتضى (قدس سره) وهذه نكتة منه عليه السلام
مليحة لأن النهي عن السرف لا يكون إلا في ما ليس بمقدر والزكاة مقدرة.
وما رواه الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره في الصحيح عن شعيب
العقرقوفي (4) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله عز وجل: وآتوا حقه يوم
حصاده؟ قال الضغث من السنبل والكف من التمر إذا خرص. قال: وسألته هل
يستقيم اعطاؤه إذا أدخله؟ قال: لا هو أسخى لنفسه قبل أن يدخله بيته ".
وروى فيه في الصحيح عن سعد بن سعد عن الرضا عليه السلام (5) قال: " قلت
له إن لم يحضر المساكين وهو يحصد كيف يصنع؟ قال ليس عليه شئ ".
وظاهر هذه الأخبار المذكورة هو الاستحباب، أما رواية معاوية بن شريح
فهي ظاهرة في ذلك لأن مقابلة الحق الذي يعطيه بالذي يؤخذ به ظاهر في أنه
لا يؤخذ بهذا الحق الذي يعطيه، والمتبادر من الأخذ به العقاب على تركه وهو هنا
كناية عن الوجوب والالزام به شرعا.
وأما ما ذكره الفاضل الخراساني في الذخيرة - حيث مال إلى الوجوب في
هذه المسألة من أن المراد من قوله " تؤخذ به " يعني الأخذ في الدنيا لأن الإمام

(1) الوسائل الباب 13 من زكاة الغلاة
(2) ص 21
(3) سورة الأنعام الآية 141.
(4) الوسائل الباب 13 من زكاة الغلاة
(5) الوسائل الباب 13 من زكاة الغلاة
13

يأخذ الزكاة من أصحاب الأموال بخلاف حق الحصاد فإنه أمر بينه وبين الله وإن
عصى بالترك بناء على الوجوب - فتعسفه ظاهر لأنه لو كان المراد إنما هو أخذ
الإمام لكان حق العبارة أن يقال " يؤخذ منه " كما لا يخفى على الممارس لكلام البلغاء
بل هذه العبارة إنما ترمى في مقام المؤاخذة بالترك والمعاقبة، قال في المصباح المنير
وأخذه بذنبه عاقبه عليه.
وأما صحيحة الفضلاء الثلاثة فظاهر الصدقة فيها إنما هو بمعنى الصدقة المستحبة
وأما صحيحة شعيب العقرقوفي فهي ظاهرة في أنه متى أدخله بيته سقط الحكم عنه ولو
كان واجبا لم يكن كذلك. وأما صحيحة سعد بن سعد فأظهر، فإنها دلت على أنه لو لم
يحضره أحد من المساكين وقت الحصاد فلا شئ عليه والفرض الواجب اخراجه
لا يتفاوت بين حضور مستحقه ولا غيبته.
وبذلك يظهر لك ما في كلام الفاضل المتقدم ذكره حيث إنه مال إلى الوجوب
استنادا إلى ظاهر الآية، ولا ريب أن الآية مخصصة بالأخبار المذكورة كما هو القاعدة
الجارية في غير موضع من الأحكام.
ولا بأس بنقل بعض الأخبار المتعلقة بهذه المسألة، روى ثقة الاسلام
(قدس سره) في الحسن عن أبي بصير المرادي عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " لا تصرم
بالليل ولا تحصد بالليل ولا تضح بالليل ولا تبذر بالليل فإنك إن فعلت ذلك لم يأتك القانع
والمعتر. فقلت وما القانع والمعتر؟ قال القانع الذي يقنع بما أعطيته والمعتر الذي
يمر بك فيسألك. وإن حصدت بالليل لم يأتك السؤال وهو قول الله عز وجل: " وآتوا
حقه يوم حصاده " عند الحصاد يعني القبضة بعد القبضة إذا حصدته وإذا خرج فالحفنة
بعد الحفنة، وكذلك عند الصرام وكذلك عند البذر، ولا تبذر بالليل لأنك تعطى من
البذر كما تعطى في الحصاد ".
وعن ابن أبي نصر في الصحيح عن أبي الحسن عليه السلام (2) قال: " سألته عن

(1) الوسائل الباب 14 من الزكاة الغلات
(2) الوسائل الباب 16 من زكاة الغلات
14

قول الله عز وجل: " وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا " قال كان أبي يقول من
الاسراف في الحصاد والجذاذ أن يصدق الرجل بكفيه جميعا، وكان أبي إذا حضر
شيئا من هذا فرأى أحدا من غلمانه يتصدق بكفيه صاح به اعط بيد واحدة القبضة
بعد القبضة والضغث بعد الضغث من السنبل ".
ومن ما يدخل في سلك هذه النظام ما رواه في الكافي عن يونس أو غيره
عن من ذكره من أبي عبد الله عليه الله السلام قال: " قلت جعلت فداك بلغني أنك كنت تفعل
في غلة عين زياد شيئا وأنا أحب أن أسمعه منك قال فقال لي نعم كنت آمر إذا
أدركت الثمرة أن يثلم في حيطانها الثلم ليدخل الناس ويأكلوا، وكنت آمر في كل
يوم أن يوضع عشر بنيات يقعد على كل بنية عشرة كلما أكل عشرة جاء عشرة
أخرى يلقي لكل نفس منهم مد من رطب، وكنت آمر لجيران الضيعة كلهم الشيخ
والعجوز والمريض والصبي والمرأة ومن لا يقدر أن يجئ فيأكل منها لكل انسان منهم
مدا فإذا كان الجذاذ أوفيت القوام والوكلاء والرجال أجرتهم وأحمل الباقي إلى المدينة
ففرقت في أهل البيوتات والمستحقين الراحلتين والثلاثة والأقل والأكثر على قدر
استحقاقهم، وحصل لي بعد ذلك أربعمائة دينار وكان غلتها أربعة آلاف دينار ".
الفصل السابع - الظاهر أنه لا يجب في المال حق زيادة على الزكاة والخمس
اتفاقا وما تقدم من حق الحصاد على القول به. إلا أن الصدوق قال في الفقيه قال
الله تعالى: " والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم " (2) فالحق المعلوم غير
الزكاة وهو شئ يفرضه الرجل على نفسه أنه في ماله ونفسه ويجب أن يفرضه على قدر
طاقته ووسعه. وربما ظهر من هذه العبارة الوجوب.
ويؤيده ما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله
عليه السلام (3) قال: " إن الله عز وجل فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون

(1) الوسائل الباب 18 من زكاة الغلات
(2) سورة المعارج الآية 24 و 25.
(3) الوسائل الباب 4 و 7 من ما تجب فيه الزكاة
15

إلا بأدائها وهي الزكاة، بها حقنوا دماءهم وبها سموا مسلمين، ولكن الله عزو جل
فرض في أموال الأغنياء حقوقا غير الزكاة فقال عز وجل: " وفي أموالهم حق معلوم
للسائل والمحروم) فالحق المعلوم غير الزكاة وهو شئ يفرضه الرجل على نفسه في
ماله يجب عليه أن يفرضه على قدر طاقته وسعة ماله فيؤدي الذي فرض على نفسه
إن شاء في كل يوم وإن شاء في كل جمعة وإن شاء في كل شهر.. الحديث ".
وفي الصحيح أو الحسن عن أبي بصير (1) قال: " كنا عند أبي عبد الله عليه السلام ومعنا
بعض أصحاب الأموال فذكروا الزكاة فقال أبو عبد الله عليه السلام إن الزكاة ليس يحمد بها
صاحبها وإنما هو شئ ظاهر إنما حقن بها دمه وسمي بها مسلما ولو لم يؤدها لم تقبل له
صلاة، وأن عليكم في أموالكم غير الزكاة. فقلت أصلحك الله تعالى وما علينا في أموالنا
غير الزكاة؟ فقال سبحان الله أما تسمع الله عز وجل يقول في كتابه " والذين في
أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم؟ " قال قلت فماذا الحق المعلوم الذي علينا؟
قال هو الشئ يعلمه الرجل في ماله يعطيه في اليوم أو في الجمعة أو في الشهر قل أو
كثر غير أنه يدوم عليه ".
وعن عامر بن جذاعة (3) قال: " جاء رجل إلى أبي عبد الله عليه السلام فقال
يا أبا عبد الله قرض إلى ميسرة فقال له أبو عبد الله عليه السلام إلى غلة تدرك؟ فقال الرجل
لا والله. قال فإلى تجارة تؤوت؟ قال لا والله. قال فإلى عقدة تباع؟ قال لا
والله. فقال أبو عبد الله عليه السلام فأنت ممن جعل الله له في أموالنا حقا ثم دعا بكيس فيه
دراهم فأدخل يده فيه فناوله منه قبضة ثم قال له اتق الله تعالى ولا تسرف ولا تقتر
ولكن بين ذلك قواما.. الحديث ".
إلا أنه قدر روى في الكافي أيضا عن القاسم بن عبد الرحمان الأنصاري (4)
قال: " سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول إن رجلا جاء إلى علي بن الحسين عليه السلام فقال له

(1) الوسائل الباب 7 من ما تجب فيه الزكاة
(2) سورة المعارج الآية 24 و 25.
(3) الوسائل الباب 7 من ما تجب فيه الزكاة
(4) الوسائل الباب 7 من ما تجب فيه الزكاة
16

أخبرني عن قول الله عز وجل: " والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم "
ما هذا الحق المعلوم؟ فقال له علي بن الحسين عليه السلام الحق المعلوم الشئ تخرجه من مالك
ليس من الزكاة ولا من الصدقة المفروضتين. فقال إذا لم يكن من الزكاة ولا من الصدقة فما
هو؟ قال هو الشئ يخرجه الرجل من ماله إن شاء أكثر وإن شاء أقل على قدر ما يملك.
فقال له الرجل فما يصنع به؟ قال يصل به رحما ويقوي به ضعيفا ويحمل به كلا
ويصل به أخا له في الله أو لنائبة تنوبه. فقال الرجل الله أعلم حيث يجعل رسالته ".
والخبر كما ترى ظاهر في الاستحباب ووجه الجمع بينه وبين ما تقدمه حمل
الأخبار المتقدمة الثلاثة على تأكد الاستحباب ومثله في الأخبار غير عزيز، ويؤيده
بعض الأخبار الدالة على أنه إذا أدى العبد زكاة ماله لم يسأله الله تعالى عما سواها.
ثم إنه ينبغي أن يعلم أنه لما كانت الزكاة منها ما يتعلق بالمال في جميع الأعوام
على الشروط الآتية في المقام، ومنها ما يتعلق بالفطر من الصيام على الوجوه المذكورة
في أخبارهم (عليهم السلام) فالكلام فيها يقع في بابين.
الباب الأول - في الزكاة المتعلقة بالمال، ثم إن زكاة المال لما كان وجوبها
مخصوصا ببعض المكلفين دون بعض وفي بعض الأموال دون بعض ومصرفها
مقصورا على مصارف مخصوصة فالكلام في هذا الباب يقع في مقاصد ثلاثة:
المقصد الأول - في من تجب عليه وهو البالغ العاقل الحر المالك للنصاب
المتمكن من التصرف فيه، فههنا شروط خمسة:
الشرط الأول والثاني - البلوغ والعقل، فأما اشتراطهما بالنسبة إلى النقدين
فالظاهر أنه لا خلاف فيه، ويدل عليه حديث رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ
والمجنون حتى يفيق (1) وقد ورد في جملة من الأخبار الصحاح الصراح أنه ليس
في مال اليتيم زكاة (2) وفي بعضها ليس في العين والصامت شئ (3) وفي صحيحة

(1) الوسائل الباب 4 من مقدمة العبادات وسنن أبي داود ج 4 ص 141 حد الزنا
(2) الوسائل الباب 1 و 2 ممن تجب عليه الزكاة
(3) التهذيب ج 1 و 2 ص 356 وفي الوسائل الباب 1 ممن تجب عليه الزكاة.
17

عبد الرحمان بن الحجاج أو حسنته (1) في مال المجنون " إن كان عمل به فعليه
زكاة وإن لم يعمل به فلا " ونحوها أخبار أخر.
إنما الخلاف بالنسبة إلى الغلات والمواشي، فالمشهور بين المتأخرين عدم
الوجوب، وأوجب الشيخان وأبو الصلاح وابن البراج الزكاة في غلات الأطفال
والمجانين ومواشيهم، وقال السيد المرتضى في المسائل الناصرية: الصحيح عندنا أنه
لا زكاة في مال الصبي من العين والورق وأما الزرع والضرع فقد ذهب أكثر
أصحابنا (رضوان الله عليهم) إلى أن الإمام يأخذ منه الصدقة. وهو مؤذن بشهرة
القول بذلك بين المتقدمين
ويدل على الأول موثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " سمعته
يقول ليس في مال اليتيم زكاة وليس عليه صلاة وليس على جميع غلاته من نخل أو
زرع أو غلة زكاة، وإن بلغ فليس عليه لما مضى زكاة ولا عليه لما يستقبل حتى
يدرك فإذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة وكان عليه مثل ما على غيره من الناس "
وأجاب الشيخ عن هذا الخبر بالبعد.
ويدل على القول الثاني صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله
(عليهما السلام) (3) أنهما قالا " مال اليتيم ليس عليه في العين والصامت شئ فأما
الغلات فإن عليها الصدقة واجبة "
وأجاب عنها جملة من المتأخرين بالحمل على الاستحباب، وأيده بعضهم بأن
لفظ الوجوب في الأخبار أعم من المعنى المصطلح فإنه كثيرا ما يرد بمعنى مجرد
الثبوت أو تأكد الاستحباب، فيجب فيه حمل هذه الصحيحة على تأكد الاستحباب
أو ثبوته جمعا بين الأدلة.
أقول: فيه (أولا) إن ما ذكروه من أن لفظ الوجوب في الأخبار أعم من

(1) الوسائل الباب 3 ممن تجب عليه الزكاة.
(2) التهذيب ج 1 ص 356 وفي الوسائل الباب 1 ممن تجب عليه الزكاة.
(3) التهذيب ج 1 ص 356 وفي الوسائل الباب 1 ممن تجب عليه الزكاة.
18

المعنيين المذكورين متجه، إلا أنه متى كان الأمر كذلك فإنه يصير لفظ الوجوب في
الأخبار من قبيل اللفظ المشترك الذي لا يحمل على أحد معنييه إلا مع القرينة،
ومجرد اختلاف الأخبار ووجود هذه الرواية في مقابلة هذه الصحيحة لا يكون
قرينة على الاستحباب. وبالجملة فإن الجمع المذكور غير تام وإن اشتهر بينهم الجمع
بين الأخبار بذلك في كل موضع وأنه قاعدة كلية في جميع أبواب الفقه في مقام
اختلاف الأخبار إلا أنه لا دليل عليه. وأيضا فإنه متى قيل بالاستحباب وجواز.
التصرف في مال اليتيم فالقول بالوجوب وقوفا على ظاهر الصحيحة المذكورة
أحوط وأولى كما لا يخفى.
وثانيا - أن الأظهر هو حمل الصحيحة المذكورة على التقية فإن الوجوب
مذهب الجمهور كما نقله العلامة في المنتهى حيث قال: واختلف علمائنا في
وجوب الزكاة في غلات الأطفال والمجانين فأثبته الشيخان وأتباعهما وبه قال فقهاء
الجمهور ونقلوه أيضا عن علي والحسن بن علي (عليهما السلام) وجابر بن زيد وابن
سيرين وعطاء ومجاهد وإسحاق وأبي ثور (1) انتهى.
أقول: ومن ما يؤيد القول الأول اطلاق جملة من الأخبار بأنه ليس في
مال اليتيم زكاة، وظاهر قوله عز وجل: " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم
بها " (2) وهو كناية عن ما يوجب محو الذنوب والآثام وهذا إنما يترتب على البالغ
ومنه يظهر قوة القول المشهور.
وأنت خبير بأن ظاهر الصحيحة التي هي مستند الشيخين وأتباعهما إنما دل على
الغلات خاصة وأما المواشي فلا دلالة فيه عليها وليس غير ذلك في الباب،

(1) المغني ج 2 ص 602 وحكى فيه أيضا عن الحسن وسعيد بن المسيب وسعيد بن
جبير وأبي وائل والنخعي وأبي حنيفة القول بعدم وجوب الزكاة في أموالهما كما حكى عن
ابن مسعود والثوري والأوزاعي أنها تجب ولا تخرج حتى يبلغ الصبي ويفيق المعتوه
(2) سورة التوبة الآية 103
19

ومورد النص المذكور إنما هو اليتيم وأما المجنون فلا نص فيه مع أن المنقول عنهم
القول بالوجوب في الموضعين، ومنه يظهر أن حكم المتأخرين بالاستحباب في الموضعين
المذكورين للتفصي من خلاف الشيخين لا معنى له، فإن الاستحباب حكم شرعي
كالوجوب والتحريم يتوقف على الدليل ومجرد وجود الخلاف ولا سيما إذا لم يكن عن
دليل لا يصلح لأن يكون مستندا، وكذا حكمهم بالاستحباب في غلات اليتيم،
ومتى حملنا الصحيحة المذكورة على التقية كما هو الظاهر فإنه لا وجه للاستحباب حينئذ
وينبغي التنبيه على أمور:
الأول - أن ظاهر كلام جملة من المتأخرين بالنسبة إلى شرط الكمال الذي هو
عبارة عن البلوغ والعقل اعتبار استمرار الشرط المذكور طول الحول ليترتب عليه
بعد ذلك الخطاب بوجوب الزكاة بمعنى أنه يستأنف الحول من حين البلوغ.
وناقش في ذلك بعض أفاضل متأخري المتأخرين قائلا إن اثبات ذلك بحسب
الدليل لا يخلو من اشكال، إذ المستفاد من الأدلة عدم وجوب الزكاة ما لم يبلغ
وهو غير مستلزم لعدم الوجوب حين البلوغ بسبب الحول السابق بعضه عليه إذ
لا يستفاد من أدلة اشتراط الحول كونه في زمان التكليف.
أقول: فيه (أولا) أن ظاهر قوله (عليه السلام) في موثقة أبي بصير المتقدمة
(وإن بلغ فليس عليه لما مضى زكاة) هو أنه غير مخاطب بالزكاة بالنسبة إلى الأموال
التي ملكها قبل البلوغ أعم من أن يكون قد حال عليها أحوال عديدة أو مضى عليها
حول إلا أياما قلائل، فإن لفظ (ما مضى) شامل للجميع وأنه لا يتعلق بما كان
كذلك زكاة، والظاهر أن هذا هو الذي فهمه الأصحاب وعليه بنى ما ذكروه من الحكم
المذكور. وأما قوله في الخبر (ولا عليه لما يستقبل زكاة حتى يدرك) فإن جعل معطوفا
على الجزاء كما هو الظاهر فلا بد من حمل الادراك على غير معنى البلوغ لينتظم الكلام
لأن الشرط المرتب عليه الكلام أولا هو البلوغ فلا معنى لجعله هنا غاية، بل يكون المعنى أنه
إذا بلغ فليس عليه زكاة لما يستقبل في تلك الأموال التي ملكها أولا حتى يدرك الحول
20

فإذا أدرك الحول كانت عليه زكاة باعتبار مضي الحول عليه كذلك، وإن جعل جملة
مستقلة مع بعده يكون المعنى أنه ليس عليه لما يستقبل من الزمان زكاة متى حال الحول
عليه حتى يحول عليه وهو مدرك بالغ فإذا حال عليه وهو كذلك وجبت زكاة واحدة.
و (ثانيا) أن ما ذكره من أن أدلة الحول لا يستفاد منها اشتراط كون
الحول في زمن التكليف إن أريد به أنه لم يصرح بذلك فيها فهو مسلم لكن المفهوم
من جملة منها ذلك، فإنه يستفاد منها صريحا في بعض وظاهرا في آخر أنه لا بد في وجوب الزكاة على المكلف أن يحول الحول على النصاب عنده وفي يده كما في
روايات الدين وروايات المال الغائب (1) والمتبادر من كونه عنده وفي يده هو
التصرف فيه كيف شاء وهو المشار إليه في تلك الشروط بامكان التصرف، ولا ريب
أن المال بالنسبة إلى الطفل محجور عليه ليس عنده ولا في يده. وبالجملة فإن قيد
إمكان التصرف المشترط في وجوب الزكاة وأنه لا بد أن يحول عليه الحول متمكنا
من التصرف من ما ينفي وجوب الزكاة في الصورة المفروضة على الطفل حتى يبلغ
ويحول عليه الحول في يده.
الثاني - لا ريب أن الذي اشتملت عليه روايات المسألة كما سمعت من ما نقلناه
منها وكذا ما لم ننقله إنما هو التعبير باليتمم وهو لغة وشرعا من لا أب له،
والأصحاب هنا كملا من غير خلاف يعرف أرادوا به المتولد حيا ما لم يبلغ وإن
كان بين أبويه، وأكثرهم إنما يعبر بالصبي، وخصوصية اليتم غير مرادة في كلامهم
والظاهر أن التعبير بهذه العبارة في الأخبار خرج مخرج الغالب من عدم الملك للطفل
إلا من جهة موت الأب. وبالجملة فإنه لا اشكال في إرادة المعنى الأعم، لأن المفهوم
من الأخبار أن هذه العبارة وقعت في مقابلة البلوغ، ويؤيده التعبير في بعض أخبار
التجارة بغير هذه العبارة من ما يحمل على المعنى الأعم.
الثالث - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) باستحباب الزكاة في مال

(1) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة
21

اليتيم والمجنون إذا اتجر به الولي لهما، وظاهر الشيخ المفيد في المقنعة الوجوب إلا أن الشيخ في التهذيب حمل كلامه على الاستحباب محتجا بأن المال لو كان لبالغ
واتجر به لما وجبت فيه الزكاة فالطفل أولى. ونقل عن ابن إدريس نفي الوجوب
والاستحباب، وإليه مال السيد السند في المدارك.
حجة القول المشهور على عدم الوجوب الأخبار الآتية في زكاة التجارة
المؤيدة بالأصل، وعلى الاستحباب أخبار عديدة: منها - حسنة محمد بن مسلم (1)
قال: " قلت لا بي عبد الله (عليه السلام) هل على مال اليتيم زكاة؟ قال لا إلا أن
يتجر به أو يعمل به ".
وما رواه في الكافي عن سعيد السمان (2) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه
السلام) يقول ليس في مال اليتيم زكاة إلا أن يتجر به فإن اتجر به فالربح لليتيم وإن
وضع فعلى الذي يتجر به ".
وما رواه في الموثق عن يونس بن يعقوب (3) قال: " أرسلت إلى أبي عبد الله
(عليه السلام) أن لي إخوة صغارا " فمتى تجب على أموالهم الزكاة؟ فقال إذا وجبت
عليهم الصلاة وجبت عليهم الزكاة. قلت فما لم تجب عليهم الصلاة؟ قال
إذا اتجر به فزكه ".
وما رواه في التهذيب عن أحمد بن عمر أبي شعبة عن أبيه عن أبي عبد الله
عليه السلام (4) " أنه سئل عن ما اليتيم فقال لا زكاة عليه إلا أن يعمل به ".
وما رواه عن محمد بن الفضيل (5) قال: " سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن
صبية صغار لهم مال بيد أبيهم أو أخيهم هل يجب على مالهم الزكاة؟ فقال لا يجب في
مالهم زكاة حتى يعمل به فإذا عمل به وجبت الزكاة فأما إذا كان موقوفا فلا زكاة عليه "
ويدل على ذلك بالنسبة إلى المجنون ما رواه الكليني في الصحيح عن

(1) الوسائل الباب 2 ممن تجب عليه الزكاة
(2) الوسائل الباب 2 ممن تجب عليه الزكاة
(3) الوسائل الباب 1 ممن تجب عليه الزكاة
(4) الوسائل الباب 1 ممن تجب عليه الزكاة
(5) الوسائل الباب 2 ممن تجب عليه الزكاة
22

عبد الرحمان بن الحجاج (1) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) امرأة من
أهلنا مختلطة أعليها زكاة؟ فقال إن كان عمل به فعليها زكاة وإن لم يعمل به فلا ".
وعن موسى بن بكر (2) قال: " سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن
امرأة مصابة ولها مال في يد أخيها فهل عليه زكاة؟ فقال إن كان أخوها يتجر به
فعليه زكاة ".
وأنت خبير بأن ظاهر هذه الأخبار هو الوجوب كما نقل عن الشيخ المفيد
ولكن الشيخ ومن تبعه من الأصحاب كما هو المشهور لما اتفقوا على الاستحباب في
مال التجارة وهذه المسألة من أفراد تلك المسألة حكموا بالاستحباب هنا، وسيأتي
في زكاة التجارة ما في المسألة من الاشكال.
وقال بعض المحققين من متأخري المتأخرين: والظاهر أن للولي الأجرة
في الصورة المذكورة إن لم يتبرع وله المضاربة أيضا وكل ذلك مع المصلحة. ولا
اشكال في صحة ما ذكره (قدس سره)
ويدل عليه رواية أبي الربيع (3) قال: " سئل أبو عبد الله (عليه السلام)
عن الرجل يكون في يده مال لأخ له يتيم وهو وصيه أيصلح له أن يعمل به؟ قال
نعم كما يعمل بمال غيره والربح بينهما. قال قلت فهل عليه ضمان؟ قال لا إذا
كان ناظرا له ".
ونقل عن ابن إدريس أنه أنكر جواز أخذ الولي من الربح شيئا في هذه
الصورة. وهو اجتهاد في مقابلة النص لكنه بناء على أصله الغير الأصيل صحيح.
وأما القول الآخر وهو ما ذهب إليه ابن إدريس من نفي الزكاة وجوبا
واستحبابا فاحتج عليه بأن الروايات الواردة بالاستحباب ضعيفة شاذة أوردها
الشيخ في كتبه ايرادا لا اعتقادا.

(1) الوسائل الباب 3 ممن تجب عليه الزكاة
(2) الوسائل الباب 3 ممن تجب عليه الزكاة
(3) الوسائل الباب 2 ممن تجب عليه الزكاة
23

قال في المدارك: وهذا القول جيد على أصله بل لا يبعد المصير
إليه لأن ما استدل به على الاستحباب غير نقي الاسناد بل ولا واضح الدلالة
أيضا. انتهى.
وفيه نظر: أما ما طعن به من ضعف اسناد هذه الأخبار فمنها حسنة محمد بن
مسلم وحسنها إنما هو بإبراهيم بن هاشم الذي اتفق أصحاب هذا الاصطلاح على قبول
روايته وأنها لا تقصر عن الصحيح بل عدها في الصحيح جملة من محققي متأخري
المتأخرين، وهو أيضا قد عدها في الصحيح في مواضع أشرنا إلى جملة منها في كتاب
الطهارة والصلاة، ومنها موثقة يونس بن يعقوب التي ذكرها أيضا وقد تقدم في غير
موضع من شرحه عمله بالموثقات المعتضدة بالشهرة بين الأصحاب، ومنها أيضا
زيادة على ما ذكره صحيحة زرارة المروية في الفقيه عن أبي جعفر عليه السلام (1) قال
" ليس في الجوهر وأشباهه زكاة وإن كثر وليس في نقر الفضة زكاة ولا على مال
اليتيم زكاة إلا أن يتجر به فإن اتجر به ففيه الزكاة، والربح لليتيم وعلى التاجر ضمان
المال " ومن ما يعضدها ما ورد في مال المجنون من الأخبار المتقدمة ورواية
موسى بن بكر.
وأما ما طعن به من عدم وضوح الدلالة فهو محل العجب فإن وضوحها في
الدلالة على ذلك أوضح من أن ينكر وصراحة مقالاتها في ما هنالك ظاهر
لذوي النظر.
وبالجملة فإن رد هذه الأخبار التي ذكرناها من غير معارض في المقام يحتاج
إلى مزيد جرأة على الملك العلام وأهل الذكر (عليهم السلام) وهذا أحد مفاسد
هذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد أقرب من الصلاح، ولهذا أن الفاضل الخراساني
مع اقتفائه أثر السيد المذكور في جل الأحكام والانتصار لمقالاته في غير مقام
نكص عنه هنا حيث قال بعد نقل جل هذه الأخبار ما صورته: وهذه الأخبار

(1) الوسائل الباب 12 من ما تجب فيه الزكاة و 2 ممن تجب عليه الزكاة
24

واضحة الدلالة على المدعى مع كون أكثرها معتبرا صالحا للحجية واعتضادها بالشهرة
بين الطائفة وعدم خلاف محقق، فلا وجه لتوقف بعض المتأخرين في الحكم المذكور
نظرا إلى أن ما استدل به على الاستحباب غير نقي السند ولا واضح الدلالة أيضا. انتهى
وبالجملة فإن كلامه (قدس سره) هنا لا يخلو من مجازفة. نعم في المسألة اشكال يأتي
ذكره في زكاة التجارة إن شاء الله تعالى.
الرابع - أنهم صرحوا بأنه يجوز للناظر متى كان وليا مليا أن ينقل المال إلى
ذمته ويتجر به لنفسه فيكون الربح له والزكاة عليه.
ويدل عليه ما رواه الشيخ عن ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " في
رجل عنده مال ليتيم؟ فقال إن كان محتاجا وليس له مال فلا يمس ماله وإن هو اتجر
به فالربح لليتيم وهو ضامن ".
وما رواه عن أسباط بن سالم عن أبيه (2) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
قلت أخي أمرني أن أسألك عن مال يتيم في حجره يتجر به؟ فقال إن كان لأخيك
ما يحيط بمال اليتيم إن تلف أو أصابه شئ غرمه وإلا فلا يتعرض لمال اليتيم ".
واستثنى الأصحاب من غير خلاف يعرف من الولي الذي يشترط في جواز
تصرفه الملاءة أن لا يكون أبا أو جدا فجوزوا لهما الاقتراض من مال الطفل مطلقا
واستشكله السيد في المدارك، والظاهر أن ما ذكره الأصحاب هو الأقرب ولا سيما
مع اشتراط الضمان لما استفاض في الأخبار أن الولد وماله لأبيه (3).
ولو اختل أحد الشرطين المتقدمين من الولاية والملاءة فقد ذكروا أنه يكون
ضامنا والربح لليتيم أو المجنون، وتدل عليه صحيحة ربعي المتقدمة.

(1) الوسائل الباب 75 من ما يكتسب به. والراوي في الحديث (2) أسباط بن
سالم كما في الفروع ج 1 ص 365، وفي التهذيب ج 6 ص 341 الطبع الحديث عن الكليني
الراوي أسباط بن سالم عن أبيه كما هنا.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) الوسائل الباب 78 من ما يكتسب به
25

ومثلها رواية منصور الصيقل عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " سألته عن
مال اليتيم يعمل به؟ قال فقال إذا كان عندك مال وضمنته فلك الربح وأنت ضامن
للمال وإن كان لا مال لك وعملت به فالربح للغلام وأنت ضامن للمال ".
وأنت خبير بأن ما اشتمل عليه الخبران من الضمان فلا إشكال فيه، لأن
التصرف على هذا الوجه منهي عنه شرعا فيكون المتصرف غاصبا عاصيا والغصب
يستلزم الضمان، وإنما الاشكال في ما دلا عليه من أن الربح لليتيم مطلقا فإنه على
اطلاقه مخالف لجملة من القواعد الشرعية والضوابط المرعية، بل لا بد في صحة
انتقاله لليتيم أن يقيد بكون الشراء وقع بعين المال لا في الذمة فإنه متى كان بعين
المال اقتضى انتقال المبيع إلى الطفل والربح يتبعه، ولا بد أيضا من تقييده بما إذا
كان المشتري وليا أو بإجازة الولي كما صرح به الشهيد وغيره وإلا كان باطلا لأنه
تصرف منهي عنه شرعا، بل لا يبعد كما ذكره السيد السند في المدارك توقف
الشراء وإن كان من الولي أو بإجازته على الإجازة من الطفل بعد البلوغ، لأن الشراء
لم يقع بقصد الطفل ابتداء وإنما أوقعه المتصرف لنفسه فلا ينصرف إلى الطفل
بدون الإجازة، قال: ومع ذلك كله يمكن المناقشة في صحة مثل هذا العقد وإن
قلنا بصحة العقد الواقع من الفضولي مع الإجازة لأنه لم يقع للطفل ابتداء من غير
من إليه النظر في ماله وإنما وقع بقصد التصرف ابتداء على وجه منهي عنه. انتهى
وظاهر الخبرين المتقدمين كما ترى الحكم بانتقال الربح لليتيم مطلقا. وبالجملة فإن
الخروج عن مقتضى هذه القواعد إلى العمل باطلاق الخبرين مشكل ومخالفته أشكل
الخامس - أنه قد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في استحباب
الزكاة في الصورة المتقدمة، فذهب المحقق والعلامة إلى نفيه، واحتج عليه في
النهاية بأنه تجارة باطلة، وبما رواه سماعة في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال:
" قلت له الرجل يكون عنده مال اليتيم فيتجر به أيضمنه؟ قال نعم. قلت فعليه زكاة؟

(1) الوسائل الباب 2 ممن تجب عليه الزكاة
(2) الوسائل الباب 2 ممن تجب عليه الزكاة
26

قال: لا لعمري لا أجمع عليه خصلتين الضمان والزكاة " وأثبته الشيخ والشهيدان
والمحقق الشيخ على لعموم الأدلة السابقة.
قال بعض فضلاء متأخري المتأخرين: ويمكن الجمع بين هذه الرواية
والعمومات السابقة إما بتخصيص الأخبار السابقة بصورة يكون الاتجار لليتيم
وتخصيص هذه بغيرها وإما بحمل هذه الرواية على نفي الوجوب أو الاستحباب
المؤكد. انتهى.
أقول: الظاهر هو الأول والحمل الثاني بعيد غاية البعد، وذلك فإن صحيحة
ربعي المتقدمة ومثلها رواية منصور الصيقل قد دلتا على أن الربح لليتيم ومن الظاهر أن الربح تابع للأصل، ومتى كان أصل المبيع لليتيم وربحه له فلا وجه لجعل الزكاة
على المتصرف في مال اليتيم، هذا إن عملنا على اطلاق الخبرين المذكورين، وإن
خصصناهما كما تقدم يرجع الكلام إلى صورة ما إذا اشترى في الذمة حيث إن المبيع
ينتقل له والربح له وإن كان تصرفه في الثمن محرما، وفي دخول هذه الصورة تحت
تلك العمومات نظر لأن ظاهر قولهم (عليهم السلام) " ليس في مال اليتيم زكاة إلا
أن يتجر به " لا يصدق على هذه الفروض التي اشتراها في الذمة فإنها ليست مال
اليتيم وإنما هي مال المشتري. وبالجملة فإن الاتجار بمال اليتيم إنما يصدق في ما إذا
اشترى لليتيم بعين ماله أو شرى في الذمة نيابة وولاية عنه ودفع الثمن من ماله ما
عدا ذلك فلا يدخل تحت عمومات تلك الأخبار إلا على وجه المجاز البعيد.
السادس - ما تقدم من الحكم بسقوط الزكاة عن المجنون من ما لا اشكال فيه
لو كان الجنون مطبقا أما لو اعتراه أدوارا فهل يكون حكمه كذلك أو يتعلق به
الوجوب في حال الإفاقة؟ صرح العلامة في التذكرة والنهاية بالأول، قال في
التذكرة: لو كان الجنون يعتوره أدوارا اشترط الكمال طول الحول فلو جن في
أثنائه سقط واستأنف من حين عوده. واستقرب في المدارك تعلق الوجوب به
في حال الإفاقة، قال إذ لا مانع من توجه الخطاب إليه في تلك الحال. والمسألة
27

محل اشكال وإن كان الأقرب ما ذكره العلامة (قدس سره) لما قدمناه قريبا من
أن المستفاد من أدلة الحول الدالة على أنه يشترط أن يحول عليه الحول عند ربه
وفي يد مالكه كما سيأتي إن شاء الله تعالى في موضعها هو إمكان التصرف مدة الحول
وفي أي وقت شاء، وهذا لا يجري في ذي الأدوار لأنه في حال الجنون يخرج
عن مصداق هذه الأخبار كما لا يخفى على الناظر بعين التفكر والاعتبار.
الشرط الثالث - الحرية ولا خلاف بين الأصحاب في ذلك مع القول بعدم
ملكه، بل الظاهر أنه لا وجه لهذا الشرط على هذا التقدير لأن اشتراط الملك
يقوم مقامه، إنما الخلاف على تقدير ملكه كما هو الأصح وعليه دلت جملة من
الأخبار وبه صرح جملة من الأصحاب من ملكه أرش الجناية وفاضل الضريبة
وما وهبه سيده، والمشهور عدم الوجوب وقيل بالوجوب ونقل عن المعتبر والمنتهى
والمعتمد الأول لصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال:
" ليس في مال المملوك شئ ولو كان له ألف ألف ولو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا "
وصحيحته الأخرى عنه عليه السلام (2) قال: " سأله رجل وأنا حاضر عن
مال الملوك أعليه زكاة؟ فقال لا ولو كان له ألف ألف درهم، ولو احتاج لم يكن له
من الزكاة شئ ".
وموثقة إسحاق بن عمار (3) قال " قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول في رجل
يهب لعبده ألف درهم أو أقل أو أكثر.. إلى أن قال قلت: فعلى العبد أن يزكيها
إذا حال عليه الحول؟ قال لا إلا أن يعمل له فيها، ولا يعطى العبد من الزكاة شيئا ".
قيل: إن عدم الزكاة عليه في هذه الأخبار إنما هو من حيث حجر المولى عليه
فلو صرفه وأذن له وأزال عنه الحجر وجب عليه، وهو غير بعيد لما رواه في
كتاب قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه موسى
عليه السلام (4) قال: " ليس على المملوك زكاة إلا بإذن مواليه ".

(1) الوسائل الباب 4 ممن تجب عليه الزكاة
(2) الوسائل الباب 4 ممن تجب عليه الزكاة
(3) الوسائل الباب 4 ممن تجب عليه الزكاة
(4) الوسائل الباب 4 ممن تجب عليه الزكاة
28

وحمل في الوسائل هذه الرواية على الاستحباب، والظاهر أن الموجب لهذا
الحمل إنما هو عدم وجود القائل بمضمونها مع أنك قد عرفت القول بوجوب الزكاة
على العبد مطلقا "، وهو جيد لولا ورود هذه الأخبار التي ذكرناها عملا بعموم الأخبار
الدالة على وجوب الزكاة على من ملك النصاب (1) وحينئذ فيمكن تخصيص هذه الأخبار الدالة على عدم وجوب الزكاة على العبد في ما يملكه بهذه الرواية فإن
ظاهرها الوجوب مع إذن السيد، وكيف كان فلا ريب أنه الأحوط.
ثم لا يخفى أن ظاهر الأخبار المذكورة هو سقوط الزكاة عن المملوك مطلقا "
مكاتبا كان أو غير مكاتب، نعم يخرج منه المكاتب المطلق إذا تحرر منه شئ وبلغ
نصيب جزئه الحر نصابا لدخوله تحت العمومات الدالة على من ملك النصاب مع
شرط الحرية، ولولا الاتفاق على الحكم المذكور لأمكن المناقشة في دخوله تحت
العمومات المذكورة، فإن تلك العمومات إنما ينصرف اطلاقها إلى الأفراد الشائعة
المتكثرة وهي من كان رقا بتمامه لا من تبعض بأن صار بعضه رقا وبعضه حرا فإنه
من الفروض النادرة.
وجملة من الأصحاب إنما استدلوا على سقوط الزكاة عن المكاتب برواية
وهب بن وهب القرشي عن جعفر عن آبائه عن علي (عليهم السلام) (2) قال:
" ليس في مال المكاتب زكاة " ورد بضعف السند. والأظهر الاستدلال بما ذكرنا
من الأخبار في المقام.
قال في المدارك: وأما السقوط عن المكاتب المشروط والمطلق الذي لم يؤد
شيئا فهو المعروف من مذهب الأصحاب، واستدل عليه في المعتبر بأنه ممنوع من
التصرف فيه إلا بالاكتساب فلا يكون ملكه تاما، وبما رواه الكليني عن أبي البختري... ثم أورد الرواية المتقدمة ثم قال: وفي الدليل الأول نظر وفي سند

(1) يستفاد ذلك من أخبار الباب 7 ممن تجب عليه الزكاة من الوسائل.
(2) الوسائل الباب 4 ممن تجب عليه الزكاة
29

الرواية ضعف، مع أن مقتضى ما نقلناه عن المعتبر والمنتهى من وجوب الزكاة
على المملوك إن قلنا بملكه الوجوب على المكاتب بل هو أولى بالوجوب. انتهى.
أقول: ظاهر كلامه أنه باعتبار بطلان الاستدلال المذكور لما ذكره من
النظر في الدليلين المذكورين فإنه يقوى القول بالوجوب لعدم الدليل على السقوط
وأيد ذلك بما ذهب إليه في المعتبر والمنتهى من الوجوب على المملوك مطلقا
فالكاتب أولى.
وفيه (أولا) أن ما نقله عن الكتابين المذكورين في سابق هذه المقالة قد رده
بالأخبار المتقدمة فكيف يعتضد به هنا؟
و (ثانيا) - أن الأخبار المتقدمة قد دلت على أنه ليس في مال المملوك شئ وهو
أعم من المكاتب وغيره، وهي صحيحة صريحة شاملة بعمومها لما نحن فيه فهي
الدليل على السقوط عن المكاتب، نعم يخرج منه من تحرر بعضه بما يوجب بلوغ
نصيب الحرية نصابا لما ذكره من الأدلة المشار إليها ويبقى الباقي.
و (ثالثا) - أنه كيف يكون المكاتب أولى بالوجوب وأصل القول لا دليل عليه
بل الدليل كما عرفت قائم على خلافه فأي معنى لهذه الأولوية. نعم لو كان مجرد
كلام المعتبر والمنتهى حجة شرعية أو ناشئا عن دليل اتجه القول بالأولوية وإن
كانت الأحكام الشرعية عندنا لا تبنى على مجرد الأولوية بل على الأدلة الواضحة الجلية
وبالجملة فإن كلامه هنا جار على ما تقدم في غير موضع من الاستعجال وعدم
التأمل والتحقيق في ذلك المجال. والله العالم.
الشرط الرابع - الملك للنصاب وعليه اتفاق العلماء كما نقله في المعتبر، ولأن
الأخبار الدالة على وجوب الزكاة مصرحة بالملك إذ لا يخاطب بزكاة ما لا يملكه.
وقد فرعوا على هذا الشرط فروعا: منها ما لو وهب له نصاب لم يجر في الحول
إلا بعد القبض، وهو مبني على أن القبض شرط في صحة الهبة كما هو أحد القولين
لا في اللزوم كما هو القول الآخر، فعلى القول الثاني يعتبر حصول القبض في
30

جريان الموهوب في الحول بل المعتبر من حين الهبة التي بها حصل الملك، نعم يخرج
هذا بقيد التمكن من التصرف كما سيأتي.
ومنها - ما لو استقرض مالا وكانت عينه باقية عند المقترض فإنه يجري في
الحول من حين القبض الذي حصل به الملك على المشهور، وأما على مذهب الشيخ
من أن القرض لا يملك إلا بالتصرف فلا يجب فيه شئ وإن بقي أحوالا، والأخبار
صريحة في وجوب الزكاة في مال القرض على المقترض إذا بقي بعينه بعد القرض
كما هو المشهور من ملكه بمجرد القبض إلا أن يتبرع المقرض بأداء الزكاة عنه كما
دلت عليه صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (1) في رجل استقرض
مالا فحال عليه الحول وهو عنده؟ فقال إن كان الذي أقرضه يؤدي زكاته فلا
زكاة عليه وإن كان لا يؤدي أدى المستقرض " واعتبر الشهيد في الاجزاء إذن
المستقرض واطلاق الرواية يدفعه.
ومنها - المبيع ذو الخيار خيار حيوان أو خيار شرط للبائع أو المشتري، فإن
المشهور أن المبيع ينتقل إلى المشتري من حين البيع، وحينئذ فيجري في الحول من
ذلك الوقت، ومذهب الشيخ أنه لا ينتقل إلا بعد مضي الخيار والحيوان لا ينتقل
إلا بعد مضي الثلاثة وذو الشرط حتى ينقضي الشرط، وعلى ذلك فلا يدخل في الحول
إلا بعد انقضاء الشرط. وقال إن الخيار إذا اختص بالمشتري ينتقل المبيع من ملك
البائع بالعقد ولا يدخل في ملك المشتري، ومقتضى ذلك سقوط الزكاة عن البائع
والمشتري جميعا. وسيجئ تحقيق هذه المسألة إن شاء الله تعالى في محلها.
الشرط الخامس - التمكن من التصرف وهو أيضا من ما لا خلاف فيه في ما
أعلم، فلا تجب الزكاة في المفقود ولا الغائب الذي ليس في يد وكيله ونحو ذلك.
ومن ما يدل على ذلك ما رواه في الكافي عن سدير الصير في (2) قال: " قلت

(1) الوسائل الباب 7 ممن تجب عليه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 5 ممن تجب الزكاة.
31

لأبي جعفر عليه الاسلام ما تقول في رجل كان له مال فانطلق به فدفنه في موضع فلما حال
عليه الحول ذهب ليخرجه موضعه فاحتفر الموضع الذي ظن أن المال فيه
مدفون فلم يصبه فمكث بعد ذلك ثلاث سنين ثم إنه احتفر الموضع من جوانبه كله
فوقع على المال بعينه كيف يزكيه؟ قال يزكيه لسنة واحدة لأنه كان غائبا وإن
كان احتبسه ".
وموثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " رجل مات أبوه وهو
غائب فعزل ميراثه هل عليه زكاة؟ قال لا حتى يقدم. قلنا يزكيه حين يقدم؟ قال لا
حتى يحول عليه الحول وهو عنده ".
وموثقة زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (2) " أنه قال في رجل ماله عنه غائب
لا يقدر على أخذه؟ قال فلا زكاة عليه حتى يخرج فإذا خرج زكاه لعام واحد،
وإن كان يدعه متعمدا وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مر به من السنين "
وفي صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " لا صدقة على
الدين ولا على المال الغائب عنك حتى يقع في يدك ".
ويدل على ذلك أيضا الأخبار الدالة على أن كل ما لم يحل عليه الحول عند
ربه فلا شئ عليه (4) وستأتي في محلها إن شاء الله تعالى.
ولا يخفى أنه وإن كان واحد من هذه الأخبار أخص من المدعى إلا أنه
بضم بعضها إلى بعض من ما ذكرناه ومن ما لم نذكره ينتج منها الحكم المذكور، فإن
أكثر القواعد الشرعية إنما تحصل من ضم الجزئيات بعضها إلى بعض مثل القواعد
النحوية الحاصلة من تتبع الجزئيات.

(1) لم نقف على رواية لإسحاق بهذا اللفظ عن أبي عبد الله (ع) نعم له موثقتان
بهذا المضمون عن أبي إبراهيم (ع) راجع الوسائل الباب 5 ممن تجب عليه الزكاة
(2) الوسائل الباب 5 ممن تجب عليه الزكاة
(3) الوسائل الباب 5 ممن تجب عليه الزكاة
(4) الوسائل الباب 8 من زكاة الأنعام.
32

بقي الكلام في أن الأمر في بعض هذه الأخبار بزكاة المال لسنة واحدة هل
هو على الاستحباب أو الوجوب؟ المشهور الأول بناء على اشتراط إمكان
التصرف في الوجوب طول الحول كما تضمنته موثقة إسحاق المتقدمة وروايات
الحول، وظاهر بعض فضلاء متأخري المتأخرين الوجوب وحمل مطلق الأخبار
على مقيدها. ولا ريب أنه الأحوط.
مسائل
الأولى - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الدين الذي يقدر صاحبه
على أخذه متى شاء لو لم يأخذه هل تجب عليه فيه الزكاة بعد الحول أم لا؟ قولان
اختار أولهما الشيخ في النهاية والجمل والخلاف والمبسوط والشيخ المفيد والسيد
المرتضى، وثانيهما ابن أبي عقيل وابن الجنيد وابن إدريس، وهو المشهور بين
المتأخرين ومتأخريهم.
ومنشأ الاختلاف اختلاف ظواهر الأخبار، ففي الموثق عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " قلت له ليس في الدين زكاة؟ قال لا ".
وفي موثقة إسحاق بن عمار (2) قال: " قلت لأبي إبراهيم عليه السلام الدين عليه
زكاة؟ فقال لا حتى يقبضه. قلت فإذا قبضه أيزكيه؟ قال لا حتى يحول عليه
الحول في يده "
وموثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " سألته عن رجل يكون
نصف ماله عينا ونصفه دينا فتحل عليه الزكاة؟ قال يزكي العين ويدع الدين.
وصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة قريبا (4) وتؤيده الأخبار الدالة على أن كل
ما لا يحول عليه الحول عند ربه فلا شئ عليه (5) هذا ما يدل على المشهور.
وأما ما يدل على القول الآخر فموثقة زرارة المتقدمة (6) وقوله فيها:

(1) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة
(2) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة
(3) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة
(4) ص 32
(5) الوسائل الباب 8 من زكاة الأنعام.
(6) ص 32
33

" وإن كان يدعه متعمدا وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مر به من السنين "
وما رواه في الكافي عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " ليس
في الدين زكاة إلا أن يكون صاحب الدين هو الذي يؤخره، فإذا كان لا يقدر على
أخذه فليس عليه زكاة حتى يقبضه ".
وما رواه في التهذيب عن عبد العزيز (2) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الرجل يكون له الدين أيزكيه؟ قال كل دين يدعه هو إذا أراد أخذه فعليه زكاته،
وما كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة ".
ومن قال بالقول المشهور حمل هذه الأخبار على الاستحباب جمعا بين
الأخبار، ومن قال بالقول الآخر حمل مطلق الأخبار على مقيدها، وهو الأظهر
فإن الجمع بين الأخبار بالحمل على الاستحباب وإن اشتهر بين الأصحاب حتى صار
هو المعول عليه في جميع الأبواب إلا أنه لا دليل عليه من سنة ولا كتاب، مع
ما في منافرة التفصيل الذي في الروايتين الأخيرتين لذلك. وأما أخبار الحول فهي
غير منافية لأن المراد بالعندية فيها الكناية عن إمكان التصرف سواء كان في يده
أو يد وكيله أو نحو ذلك اتفاقا، ولا يخفى أنه هو الأوفق بالاحتياط أيضا.
والظاهر أنه لا خلاف في عدم الوجوب في الدين الذي لا يقدر صاحبه على
أخذه، ويدل عليه مضافا إلى روايتي عمر بن يزيد وعبد العزيز المتقدمتين صحيحة
إبراهيم بن أبي محمود (3) قال: " قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام الرجل يكون له
الوديعة والدين فلا يصل إليهما ثم يأخذهما متى تجب عليه الزكاة؟ قال إذا أخذهما ثم
يحول عليه الحول يزكي ".
وأما ما رواه في الكافي عن عبد الحميد بن سعد (4) قال: " سألت أبا الحسن
عليه السلام عن رجل باع بيعا إلى ثلاث سنين من رجل ملي بحقه وماله في ثقة يزكي ذلك.
المال في كل سنة تمر به أو يزكيه إذا أخذه؟ قال لا بل يزكيه إذا أخذه. قلت لكم

(1) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة
(2) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة
(3) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة
(4) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة
34

يزكيه إذا أخذه؟ قال لثلاث سنين " - فحمله جملة من الأصحاب على الاستحباب
والأظهر حمله على ما إذا كان تأخير القبض من صاحب المال أو حمله على مال
التجارة وعدم الوضيعة عن رأس المال.
وكذا ما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة قال: " سألته عن الرجل
يكون له الدين على الناس تجب فيه الزكاة؟ قال ليس عليه فيه زكاة حتى يقبضه فإذا
قبضه فعليه الزكاة، وإن هو طال حبسه على الناس حتى يمر لذلك سنون فليس عليه
زكاة حتى يخرج فإذا خرج زكاه لعامه ذلك، وإن كان يأخذ منه قليلا قليلا فليزك
ما خرج منه أولا فأولا، وإن كان متاعه ودينه وماله في تجارته التي يتقلب فيها
يوما بيوم يأخذ ويعطي ويبيع ويشتري فهو شبه العين في يده فعليه الزكاة، ولا ينبغي
له أن يغير ذلك إذا كان حال متاعه وماله على ما وصفت لك فيؤخر الزكاة "
وحملت على الاستحباب أيضا، والظاهر هو الحمل على الوجوب لكن بتقدير حول
الحول عليه بعينه. وأما آخر الخبر فالظاهر أن المراد به زكاة التجارة وإن كان معناه
لا يخلو من نوع غموض.
تتمة
تتضمن الكلام على كلام بعض الأعلام
قال السيد في المدارك بعد اختياره القول المشهور بين المتأخرين: لنا التمسك
بمقتضى الأصل والروايات المتضمنة لسقوط الزكاة في مال القرض عن المقرض (2)
فإنه من أنواع الدين. ثم استدل بصحيحة عبد الله بن سنان وموثقة إسحاق بن عمار
وموثقة الحلبي، ثم نقل احتجاج الشيخ برواية درست وعبد العزيز (3) وأجاب عنهما
بضعف السند، ثم نقل عن العلامة في المختلف حملهما على الاستحباب مع كلام له
تأتي الإشارة إليه.

(1) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة
(2) الوسائل الباب 7 ممن تجب عليه الزكاة.
(3) ص 34 ورواية درست هي رواية عمر بن يزيد إلا أن الشيخ في التهذيب ج 1
ص 357 لم يذكر عمر بن يزيد
35

أقول: فيه (أولا) إن ما اعتمده من الأصل فإنه يجب الخروج عنه بالدليل
وقد عرفته وستعرف ما يؤكده.
و (ثانيا) إن ما استند إليه من روايات القرض مردود بأن الروايات
المذكورة قد دل أكثرها على تعليل وجوب الزكاة على المقترض بأنه صار ماله
بالقرض وهو ملكه فنسبة المقرض إليه نسبة الأجنبي وما أجمل منها فهو محمول على
ذلك، فلا دلالة فيها على ما ادعاه إذ المفهوم منها أن محل السؤال فيها إنما هو عن
تلك العين التي اقترضها المقترض ومحل البحث إنما هو في الدين المستقر في ذمة
المستدين مع حلوله عليه وبذله، ولا ريب أن إحدى المسألتين غير الأخرى كما
لا يخفى على من راجع روايات القرض الآتية في تلك المسألة، ومنها صحيحة زرارة
أو حسنته وصحيحة منصور بن حازم الآتيتان (1) وهو إنما استند إلى روايات القرض
من حيث كونه من أنواع الدين والروايات المذكورة لم تتضمن سقوط الزكاة من هذه
الحيثية وإنما تضمنت السقوط عن تلك العين المخصوصة من حيث إنها ليست ملكا
للمقرض فلا تعلق له بروايات القرض في هذا المقام.
و (ثالثا) ما أجاب به عن حجة الشيخ بالطعن في السند فإنه لا يقوم حجة
على الشيخ وأمثاله من المتقدمين الذين لا أثر لهذا الاصطلاح عندهم بل يحكمون
بصحة جميع الأخبار، على أن الدليل غير منحصر في هاتين الروايتين:
فقد روى الكليني في الكافي في الصحيح عن أبي الصباح الكناني عن الصادق
عليه السلام (2) " في الرجل ينسئ أو يعين فلا يزال ماله دينا كيف يصنع في زكاته؟
فقال يزكيه ولا يزكي ما عليه من الدين إنما الزكاة على صاحب المال " وموثقة
زرارة المتقدمة.
وقال عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي (3): وإن غاب مالك عنك فليس عليك

(1) ص 39 و 40
(2) الوسائل الباب 9 ممن تجب عليه الزكاة.
(3) مستدرك الوسائل الباب 5 و 6 ممن تجب عليه الزكاة
36

الزكاة إلا أن يرجع إليك ويحول عليه الحول وهو في يدك، إلا أن يكون مالك على
رجل متى ما أردت أخذت منه فعليك زكاته.
ولا يخفى أن اعتماده في الاستدلال لما ذهب إليه إنما هو على اطلاق صحيحة
عبد الله بن سنان، حيث إن الموثق عنده من قسم الضعيف وإن أغمض النظر عنه في
وقت الاحتياج إليه كما هنا، وأن ما عارض ذلك من روايتي درست وعبد العزيز
في حكم العدم عنده لضعفهما، وحينئذ فمع وجود صحيحة الكناني المذكورة وموثقة
زرارة يضعف ما صار إليه لمعارضة صحيحة عبد الله بن سنان بصحيحة الكناني
وموثقتي إسحاق بن عمار والحلبي بموثقة زرارة مع بقية الأخبار المذكورة، والجمع
بين الجميع بتقييد اطلاق تلك الأخبار التي اعتمدها بهذه الأخبار التي ذكرناها مقتضى
القاعدة المطردة في كلامهم من حمل المطلق على المقيد والعام على الخاص والمجمل على
المبين، على أن الحمل على الاستحباب وإن اشتهر بين الأصحاب في جميع الأبواب
إلا أنه لا دليل عليه من سنة ولا كتاب وأن النظر بعين الانصاف والاعتبار
يقتضي ضعفه وأنه ناقص العيار، وذلك فإن الاستحباب حكم شرعي يتوقف على
الدليل الواضح كغيره من الوجوب والتحريم ونحوهما اختلاف الأخبار ليس
دليلا على ذلك. وأيضا فإن الحمل على الاستحباب مجاز لا يصار إليه إلا مع القرينة
واختلاف الأخبار ليس من قرائن المجاز.
و (رابعا) أن قول العلامة في المختلف في ما نقله السيد عنه واستجوده - من أنه
يلزم من تقييد الاطلاق في رواية الحلبي تأخير البيان عن وقت الحاجة ممنوع وإنما
اللازم تأخير البيان عن وقت الخطاب وإلا لزم ذلك في جميع الأخبار المطلقة
وبالنسبة إلى الأخبار والمقيدة فلا يمكن تقييدها بها وهم لا يلتزمونه، ووقت الحاجة هنا
غير معلوم ولا مدلول عليه بصريح ولا إشارة.
نعم ذكر بعض الأصحاب ممن اختار القول بعدم الوجوب إن جمهور العامة
على القول بالوجوب في الدين فإن ثبت فلا يبعد حمل هذه الأخبار على التقية. إلا
37

أن فيه أيضا أن الأخبار المذكورة دلت على التفصيل في الدين بين ما يمكن أخذه
وما لا يمكن أخذه والخلاف المنقول عن العامة كما نقله العلامة في المنتهى في الدين
مطلقا، فبعض قال فيه بالوجوب مطلقا ونقله عن الثور وأبي ثور وأصحاب
الرأي وجابر وطاووس والنخعي والحسن والزهري وقتادة وحماد والشافعي
وأحمد وبعض قال بعدم الوجوب مطلقا ونقله عن عكرمة وعائشة وابن عمر
والشافعي في القديم. وأما القول بالتفصيل كما دلت عليه الأخبار فلم ينقل عن أحد
منهم (1) وبذلك يظهر ضعف الحمل على التقية كما ذكره البعض المشار إليه.
وبالجملة فالظاهر هو قوة القول بالوجوب للأخبار المذكورة ويجب حمل مطلقها
على مقيدها. والله العالم.
الثانية - الظاهر أنه لا خلاف في عدم الزكاة في الوقف، لأنها مشروطة كما تقدم
بالملك والوقف غير مملوك للموقف عليه على أحد القولين أو مملوك له ولكنه غير
مستقل بالملك لأنه حق البطون بعده، ولأنه ممنوع من التصرف فيه إلا بالاستنماء.
نعم تجب الزكاة في نمائه إذا كان الوقف على شخص معين أو أشخاص مع بلوغ

(1) في المغني ج 3 ص 46: إذا كان له دين على معترف به باذل له فعلى صاحبه زكاته
إلا أنه لا يلزمه اخراجها حتى يقبضه فيؤدي لما مضى، روي ذلك عن علي (ع) وبه قال
للثوري وأبو ثور وأصحاب الرأي، وقال عثمان وابن عمر وجابر وطاووس والنخعي
وجابر بن زيد والحسن وميمون بن مهران والزهري وقتادة وحماد بن أبي سليمان والشافعي
وإسحاق وأبو عبيد: عليه اخراج الزكاة في الحال وإن لم يقبضه لأنه قادر على أخذه والتصرف
فيه فلزمه اخراج زكاته كالوديعة، وقال عكرمة ليس في الدين زكاة وروى ذلك عن عائشة
وابن عمر، وقال سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح وعطاء الخراساني وأبو الزناد: يزكيه
إذا قبضه لسنة واحدة. وأما الدين على معسر أو مماطل أو جاحد ففيه روايتان: أحداهما -
لا تجب قال به قتادة وإسحاق وأبو ثور وأهل العراق، والثانية يزكيه إذا قبضه قال به
الثوري وأبو عبيد، وللشافعي قولان كالروايتين، وعن عمر بن عبد العزيز والحسن والليث
والأوزاعي ومالك يزكيه إذا قبضه لعام واحد.
38

حصة كل منهم على تقدير التعدد النصاب، أما لو كان الوقف على جهة عامة كالوقف
على المساجد ونحوها فهو في الحقيقة وقف على سائر المسلمين كما صرحوا به ولا زكاة
فيه كما لا زكاة في بيت المال من غير خلاف ولا إشكال لأن خطابات الزكاة لا عموم
فيها بحيث تتعلق بمثل ذلك.
الثالثة - قد صرحوا من غير خلاف يعرف أنه لا يشترط في وجوب الزكاة
المتمكن من الأداء بل تجب عليه وإن لم يتمكن من ايصالها إلى مستحقها، ويدل عليه
ظواهر جملة من الأخبار مثل قولهم (عليهم السلام) (1) " أيما رجل عنده مال
وحال عليه الحول فإنه يزكيه " نعم يشترط ذلك في الضمان، والظاهر أنه متفق عليه
أيضا، ويدل عيه ظواهر جملة من الأخبار الدالة على أن من وجد لها موضعا فلم
يدفعها فضاعت فإن عليه الضمان ومن لم يجد فليس عليه ضمان (2) وسيأتي تحقيق ذلك أن شاء الله تعالى في موضعه اللائق به.
الرابعة - قد تقدم أن الأشهر الأظهر هو أن مال القرض تجب زكاته على
المقترض إذا حال الحول عليه عنده.
ويدل عليه جملة من الأخبار: منها - صحيحة زرارة أو حسنته على المشهور
بإبراهيم بن هاشم (3) قال: " قلت لأبي جعفر عليه السلام رجل دفع إلى رجل مالا قرضا
على من زكاته على المقرض أو على المقترض؟ قال لا بل زكاتها إن كانت موضوعة
عنده حولا على المقترض. قال قلت فليس على المقرض زكاتها؟ قال لا يزكي المال من
وجهين في عام واحد، وليس على الدافع شئ لأنه ليس في يده شئ إنما المال في
يد الآخر فمن كان المال في يده زكاه. قال قلت أفيزكي مال غيره من ماله؟. قال إنه
ماله ما دام في يده وليس ذلك المال لأحد غيره. ثم قال يا زرارة أرأيت وضيعة ذلك

(1) الوسائل الباب 10 ممن تجب عليه الزكاة و 12 من زكاة الذهب والفضة.
(2) الوسائل الباب 29 من المستحقين للزكاة
(3) الوسائل الباب 7 ممن تجب عليه الزكاة، واللفظ مطابق لما في التهذيب ج 1 ص 357 عن الكليني
39

المال أو ربحه لمن هو وعلى من هو؟ قلت للمعترض. قال فله الفضل وعليه النقصان
وله أن ينكح ويلبس منه ويأكل منه، ولا ينبغي له أن لا يزكيه بل يزكيه فإنه
عليه جميعا " وبمضمونها أخبار عديدة.
وبه يظهر ضعف قول الشيخ المتقدم ذكره من أنه لا يدخل في ملك المقترض
إلا بالتصرف في عينه وأنه لا زكاة عليه حينئذ. نعم لو تبرع المقرض بالزكاة عنه
أجزأ كما سيأتي في صحيحة منصور بن حازم.
بقي الكلام هنا في أنه لو اشترط المقترض زكاته على المقرض فهل تسقط عن
المقترض وتجب على المقرض أم لا؟ المشهور الثاني ونقل عن الشيخ الأول.
قال العلامة في المختلف: ولا زكاة على المقرض مطلقا أما المستقرض فإن ترك
المال بعينه حولا وجبت عليه الزكاة وإلا فلا، وهو اختيار ابن أبي عقيل والشيخ
في النهاية في باب لزكاة والخلاف والمفيد في المقنعة والشيخ علي بن بابويه في الرسالة وابن
إدريس. وقال الشيخ في باب القرض من النهاية إن شرط المقترض الزكاة على القارض
وجبت عليه دون المستقرض. لنا - أنه ملك المقترض فالزكاة عليه والشرط غيره
لازم لأنه اشتراط للعبادة على غير من وجبت عليه وأنه باطل كما لو شرط غير
الزكاة من العبادات، وما رواه يعقوب بن شعيب في الصحيح (1) قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقرض المال للرجل السنة والسنتين والثلاث لو ما شاء
الله على من الزكاة على المقرض أو على المستقرض؟ فقال على المستقرض لأن له نفعه
وعليه زكاته " ثم ساق جملة من الأخبار الدالة على ذلك ومنها حسنة زرارة المتقدمة، ثم
قال احتجوا بما رواه منصور بن حازم في الصحيح عن الصادق عليه السلام (2) " في رجل
استقرض مالا فحال عليه الحول وهو عنده؟ فقال إن كان الذي أقرضه يؤدي زكاته
فلا زكاة عليه وإن كان لا يؤدي أدى المستقرض " والجواب إنا نقول بموجبه
فإن المقرض لو تبرع بالأداء سقط عن المقترض أما الوجوب مع الشرط فممنوع

(1) الوسائل الباب 7 ممن تجب عليه الزكاة
(2) الوسائل الباب 7 ممن تجب عليه الزكاة
40

وليس في الحديث ما يدل عليه، قال الشيخ علي بن الحسين بن بابويه: إن بعث شيئا
وقبضت ثمنه واشترطت على المشتري زكاة سنة أو سنتين أو أكثر فإن ذلك يلزمه
دونك. وفي لزوم هذا الشرط نظر. انتهى كلامه زيد مقامه. ونسج على منواله في
هذا الكلام جملة من تأخر عنه من الأعلام من المتأخرين ومتأخريهم.
وعندي فيه نظر (أما أولا) فإن ما نقله عن أولئك الأجلاء في صدر عبارته
الظاهر أنه لا دلالة فيه على المدعى، لأن غاية كلامهم وجوب الزكاة على المقترض
ولم يتعرضوا لحكم الشرط نفيا ولا اثباتا، وهو من ما لا نزاع فيه ولا اشكال يعتريه.
والذي يحضرني من كلامهم هنا عبارة الشيخ المفيد في المقنعة حيث قال: ولا
زكاة على المقرض في ما أقرضه إلا أن يشاء التطوع بزكاته، وعلى المستقرض زكاته
ما دام في يده ولم يستهلكه لأن له نفعه. وعبارة الشيخ في النهاية حيث قال: ومال
القرض ليس فيه زكاة على صاحبه بل تجب على المستقرض الزكاة إن تركه بحاله حتى
يحول عليه الحول. والظاهر أن باقي كلام من نقل عنه من هذا القبيل، ومثل ذلك
الأخبار التي نقلها فإنه غايتها اطلاق الزكاة على المقترض ولا تعرض فيها لحكم
الشرط نفيا ولا اثباتا.
و (أما ثانيا) فإن ما ادعاه من أن الشرط غير لازم لأنه اشتراط للعبادة على غير
من وجبت عليه وأنه باطل - مردود (أولا) بأن تعلقها بالمقترض مشروط عندهم
بعدم تبرع المقرض بها كما صرح به فلو تبرع بها سقطت عن المقترض، فلا يتم
ما ذكره كليا من أن اشتراطها من قبيل اشتراط العبادة على غير من وجبت عليه، إذ
مقتضاه تعين الوجوب على المقترض خاصة وعدم السقوط عنه بفعل الغير تبرعا
كان أو اشتراطا. وأيضا فإن الزكاة وإن كانت من قبيل العبادة من وجه إلا أنها
من قبيل الدين من وجه آخر.
وثانيا - وهو العمدة في الاستدلال الأخبار الدالة على صحة شرط زكاة ثمن
المبيع على المشتري (1) كما نقله في آخر كلامه عن الشيخ علي بن الحسين بن بابويه وإن

(1) الوسائل الباب 18 من زكاه الذهب والفضة
41

تنظر فيه بناء على ما قدمه في صدر كلامه.
ومن الأخبار الدالة على ما قلناه ما رواه ثقة الاسلام في الكافي في الصحيح
عن عبد الله بن سنان (1) قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول باع أبي من هشام بن
عبد الملك أرضا بكذا وكذا ألف دينار واشترط عليه زكاة ذلك المال عشر سنين
وإنما فعل ذلك لأن هشاما كان هو الوالي " ورواه الصدوق أيضا في كتاب العلل
في الصحيح مثله (2).
وروى في الكافي أيضا في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم على المشهور
عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " باع أبي أرضا من سليمان بن عبد الملك بمال
واشترط عليه في بيعه أن يزكي هذا المال من عنده لست سنين "
والخبران كما ترى صحيحان صريحان في صحة الشرط المذكور ولزومه، وبه يظهر
لك ما في كلامه (قدس سره) - وكذا كل من تبعه وحكم ببطلان الشرط لما ذكره من
التعليل - من الغفلة عن ملاحظة هذين الخبرين.
ومثلهما ما في كتاب الفقه الرضوي (4) حيث قال عليه السلام: فإن بعت شيئا وقبضت
ثمنه واشترطت على المشتري زكاة سنة أو سنتين أو أكثر من ذلك فإنه يلزمه
دونك. انتهى.
وهذه عين عبارة الشيخ علي بن الحسين التي نقلها عنه في المختلف، ومنه يعلم أن
مستنده في هذا الحكم هو الكتاب المذكور وإن كان الخبران المتقدمان يدلان على
ذلك. وبمثل هذه العبارة عبر ابنه الصدوق في الفقيه، وهو ظاهر في أن مذهبه ذلك.
وحينئذ فمتى ثبتت بهذه الأخبار صحة الشرط المذكور وأنه سائغ وأن الزكاة
تنتقل به إلى ذمة المشروط عليه فلا فرق بين وقوعه واشتراطه في بيع أو قرض
أو غيرهما عملا بما دل على أن المؤمنين عند شروطهم (5).

(1) الوسائل الباب 18 من زكاة الذهب والفضة
(2) الوسائل الباب 18 من زكاة الذهب والفضة
(3) الوسائل الباب 18 من زكاة الذهب والفضة
(4) ص 23
(5) الوسائل الباب 6 من أبواب الخيار من كتاب التجارة
42

و (أما ثالثا) فإنه لا يخفى أن ما نقله عن الشيخ علي بن الحسين أخيرا مناف لما
نقله عنه أولا لو كان النقل صريحا في عدم صحة الشرط كما يدعيه، وإلا فإنه متى
كان مطلقا كما نقلناه من عبارتي المقنعة والنهاية فلا منافاة، وعلى هذا جرى الشيخ
في النهاية كما نقله عنه، فصرح في باب الزكاة بأنها على المقترض بقول مطلق، وفي باب
القرض بأنها مع الشرط تلزم المقرض وتسقط عن المقترض وبه يقيد الاطلاق الأول
المقصد الثاني - في ما تجب فيه الزكاة من الأموال، وحيث إنه من المجمع عليه
نصا وفتوى هو وجوبها في الأنعام والنقدين الغلات الأربع وأنها تستحب في بعض
الأموال أيضا، فالكلام في هذا المقصد يقتضي بسطه في مطالب أربعة:
المطلب الأول - في الأنعام والكلام فيه يقع في مقامات ثلاثة:
المقام الأول - في نصب زكاة الإبل، وهي اثنا عشر نصابا بالاجماع من علماء
الاسلام على ما نقله جملة من الأعلام (1) وكأنه بناء منهم على عدم الاعتداد بالمخالف
في بعضها وشذوذه وندرته كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى من الخلاف في المقام
ولا تجب في ما دون خمس من الإبل فإذا تمت خمسا ففيها شاة ثم إذا بلغت
عشرا ففيها شاتان ثم خمس عشرة ففيها ثلاث شياه ثم عشرين ففيها أربع ثم خمسا
وعشرين ففيها خمس ثم ستا وعشرين ففيها بنت مخاض وهي التي دخلت في الثانية
ثم ستا وثلاثين ففيها بنت لبون وهي التي دخلت في الثانية ثم ستا وأربعين ففيها
حقة وهي التي دخلت في الرابعة ثم إحدى وستين ففيها جذعة وهي التي دخلت في
الخامسة ثم ستا وسبعين ففيها بنتا لبون ثم إحدى وتسعين ففيها حقتان ثم مائة
وإحدى وعشرين ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة.
ولا خلاف في الخمسة الأول وإنما الخلاف في النصاب السادس فإن ابن أبي عقيل أسقطه وأوجب بنت مخاض في خمس وعشرين إلى ست وثلاثين وهو

(1) يظهر الحال في مذهب العامة في نصب الإبل من التعليقة الآتية.
43

قول الجمهور (1) كما صرح به جملة من أصحابنا (رضوان الله عليهم) وفي المدارك
نقل هذا القول عن ابن أبي عقيل وابن الجنيد، وهو سهو منه فإن ابن الجنيد لم يسقطه
غاية الأمر أنه وافق ابن أبي عقيل في اخراج بنت مخاض في خمس وعشرين. وبما
ذكرنا صرح العلامة في المختلف.
ويدل على القول المشهور الأخبار الكثيرة ومنها - صحيحة عبد الرحمان بن
الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام (2) المروية في الكافي والتهذيب قال: " في خمس قلائص
شاة وليس في ما دون الخمس شئ، وفي عشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث وفي عشرين
أربع وفي خمس وعشرين خمس وفي ست وعشرين بنت مخاض إلى خمس وثلاثين

(1) ذكر في المغني ج 2 ص 577 نصب الإبل كما هنا باسقاط السادس كما نقل عن
ابن أبي عقيل ثم قال: وهذا كله مجمع عليه. وفي البداية ج 1 ص 238 أجمع المسلمون عليه
إلا في ما زاد على عشرين ومائة ففيه الخلاف، فإن مالكا قال إذا زاد على مائة وعشرين
فالمصدق بالخيار إن شاء أخذ ثلاث بنات لبون وإن شاء أخذ حقتين، وقال ابن القاسم من
أصحابه بل يأخذ ثلاث بنات لبون من غير خيار إلى أن تبلغ ثمانين ومائة فيكون فيها حقة
وابنتا لبون، وبهذا القول قال الشافعي. وقال عبد الملك بن الماجشون من أصحاب مالك بل
يأخذ الساعي حقتين فقط من غير خيار إلى أن تبلغ مائة وثلاثين. وقال الكوفيون
أبو حنيفة وأصحابه والثوري إذا زادت على مائة وعشرين عادت الفريضة بمعنى أن في كل
خمس شاة، فإذا كانت الإبل مائة وخمس وعشرين كان فيها حقتان وشاة: الحقتان المائة وعشرين
والشاة الخمس... إلى آخر كلامه وفي المهذب ج 1 ص 144 بعد أن وافق المغني والبداية
في ترتيب النصب قال: إذا بلغت مائة وإحدى وعشرين كان فيها ثلاث بنات لبون ثم في كل
أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة " والأصل فيه رواية أنس. وفي البحر الرائق ج 2
ص 213 عد النصب كما تقدم إلى مائة وعشرين، وأما الزائد عليه فتفصيله في كل خمس شاة
إلى مائة وخمس وأربعين ففيها حقتان وبنت مخاض وفي مائة وست وثمانين ثلاث
حقاق وبنت لبون وفي مائة وست وتسعين أربع حقاق إلى مأتين.
(2) الوسائل الباب 2 من زكاة الأنعام.
44

وقال عبد الرحمان هذا فرق بيننا وبين الناس فإذا زادت واحدة ففيها ابنة لبون إلى
خمس وأربعين فإذا زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين فإذا زادت واحدة ففيها جذعة
إلى خمس وسبعين فإذا زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين فإذا زادت واحدة
ففيها حقتان إلى عشرين ومائة فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة ".
وصحيحة أبي بصير - وهو المرادي بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه - عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " سألته عن الزكاة قال ليس في ما دون الخمس من الإبل
شئ فإذا كانت خمسا ففيها شاة إلى عشر فإذا كانت عشرا ففيها شاتان إلى خمس
عشرة فإذا كانت خمس عشرة ففيها ثلاث من الغنم إلى عشرين فإذا كانت عشرين
ففيها أربع من الغنم إلى خمس وعشرين فإذا كانت خمسا وعشرين ففيها خمس من
الغنم فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين فإن لم تكن ابنة مخاض
فابن لبون ذكر فإذا زادت واحدة على خمس وثلاثين ففيها ابنة لبون أنثى إلى خمس
وأربعين فإذا زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس
وسبعين فإذا زادت واحدة ففيها بنتا لبون إلى تسعين فإذا زادت واحدة ففيها
حقتان إلى عشرين ومائة فإذا أكثرت الإبل ففي كل خمسين حقة. ولا تؤخذ هرمة
ولا ذات عوار إلا أن يشاء المصدق أن يعد صغيرها وكبيرها ".
وصحيحة زرارة المروية في من لا يحضره الفقيه (2) وهي مثل صحيحة أبي بصير
المذكورة إلا أن آخرها هكذا: " فإذا زادت واحدة فحقتان إلى عشرين ومائة فإذا
زادت على العشرين والمائة واحدة ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون ".
وما نقله في المعتبر (3) قال: روى أبو بصير وعبد الرحمان بن الحجاج وزرارة
عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) قالا: " إذا زادت عن خمس وعشرين
ففيها بنت مخاض فإن لم تكن فابن لبون ذكر إلى خمس وثلاثين فإن زادت فابنة لبون

(1) الوسائل الباب 2 و 10 من زكاة الأنعام
(2) الوسائل الباب 2 من زكاة الأنعام
(3) ص 259 والظاهر أنه يشير إلى الروايات الثلاث المتقدمة وليست رواية مستقلة
45

إلى خمس وأربعين فإن زادت فحقة إلى ستين فإن زادت فجذعة إلى خمس وسبعين فإن
زادت فابنتا لبون إلى تسعين فإن زادت فحقتان إلى عشرين ومائة - قال وهذا مذهب
علماء الاسلام - فإن زادت ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون " قال:
وبه قال علماؤنا. ثم نقل أقوال العامة. وهذه الرواية لم يتعرض لنقلها أحد من
الأصحاب في كتب الاستدلال ولا من المحدثين في كتب الحديث حتى صاحب الوسائل
الذي جمع فيه ما زاد على كتب الحديث الأربعة، إلى غير ذلك من الأخبار.
احتج ابن أبي عقيل على ما نقل عنه بصحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله
(عليها السلام) (1) قالا: " في صدقة الإبل في كل خمس شاة إلى أن تبلغ خمسا وعشرين
فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض وليس فيها شئ حتى تبلغ خمسا وثلاثين فإذا بلغت
خمسا وثلاثين ففيها ابنة لبون ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ خمسا وأربعين فإذا بلغت
خمسا وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ ستين فإذا بلغت
ستين ففيها جذعة ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ خمسا وسبعين فإذا بلغت خمسا وسبعين ففيها
ابنتا لبون ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ تسعين فإذا بلغت تسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل
ثم ليس فيه شئ أكثر من ذلك حتى تبلغ عشرين ومائة فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها
حقتان طروقتا الفحل فإذا زادت واحدة على عشرين ومائة ففي كل خمسين حقة وفي
كل أربعين بنت لبون ثم ترجع الإبل على أسنانها. وليس على النيف شئ ولا على
الكسور شئ ولا على العوامل شئ إنما ذلك على السائمة الراعية. قال قلت فما في
البخت السائمة؟ قال مثل ما في الإبل العربية.. الحديث ".
ونقل المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في كتاب الوسائل (2) هذا
الحديث عن كتاب معاني الأخبار بما يوافق القول المشهور وذكر أنه رواه عن أبيه
عن سعد بن عبد الله بن إبراهيم بن هاشم عن حماد بن عيسى مثله، إلا أنه قال على

(1) الوسائل الباب 2 و 7 و 3 من زكاة الأنعام
(2) الوسائل الباب 3 من زكاة الأنعام
46

ما في بعض النسخ الصحيحة - فإذا بلغت خمسا وعشرين فإن زادت واحدة ففيها
بنت مخاض.. إلى أن قال فإذا بلغت خمسا وثلاثين فإن زادت واحدة ففيها ابنة
لبون ثم قال فإذا بلغت خمسا وأربعين وزادت واحدة ففيها حقة ثم قال فإذا بلغت ستين
وزادت واحدة ففيها جذعة ثم قال فإذا بلغت خمسا وسبعين وزادت واحدة ففيها ابنتا
لبون ثم قال فإذا بلغت تسعين وزادت واحدة ففيها حقتان " وذكر الحديث مثله.
أقول: وقد اضطرب كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الجواب عن
صحيحة الفضلاء بناء على الرواية المشهورة، فنقل عن السيد المرتضى (رضي الله عنه)
حمل بنت المخاض على كونها بالقيمة عن الخمس شياه، واحتمل بعض حمله على الاستحباب
والشيخ (قدس سره) قد أجاب عنه بأن قوله عليه السلام " فإذا بلغت ذلك ففيها
ابنة مخاض " يحتمل أن يكون المراد وزادت واحدة وإن لم يذكر في اللفظ لعلمه
يفهم المخاطب ذلك، قال: ولو لم يحتمل ما ذكرناه لكان لنا أن نحمل هذه
الرواية على ضرب من التقية لأنها موافقة لمذهب العامة (1).
واعترضه المحقق في المعتبر فقال بعد نقل كلامه: والتأويلان ضعيفان، أما
الاضمار فبعيد في التأويل، وأما التقية فكيف يحمل على التقية ما صار إليه جماعة
من محققي الأصحاب ورواه أحمد بن محمد ابن أبي نصر البزنطي، وكيف يذهب على
مثل ابن أبي عقيل والبزنطي وغيرهما ممن اختار ذلك مذهب الإمامية من غيرهم؟
والأولى أن يقال فيه روايتان أشهرهما ما اختاره المشايخ الخمسة وأتباعهم. انتهى.
ولا يخفى ما فيه من الوهن الغنى عن التنبيه عليه والتوجيه، والحق أنه لا معدل
عن أحد الوجهين اللذين ذكرهما الشيخ (قدس سره) ويؤيد الحمل على التقية وهو
الذي اختاره المحدث الكاشاني في الوافي صحيحة عبد الرحمان المتقدمة وقوله
فيها " هذا فرق بيننا وبين الناس " مع ما عرفت من أنه مذهب الجمهور، إلا أنه
يخدشه أن الاشكال في الصحيحة المذكورة ليس مخصوصا بهذا الموضع بل الاشكال

(1) ارجع إلى التعليقة 1 ص 44
47

في جملة النصب المتأخرة إلى النصاب الأخير، فإنه لا قائل بذلك من العامة ولا من
الخاصة وهو خلاف جملة الأخبار الواردة في المسألة، والأمر دائر بين شيئين: أما
رد الرواية المذكورة من هذه الجهة مع ما هي عليه من الصحة والاسناد إلى إمامين
واشتمالها على نصب الأنعام الثلاثة وجملة من أحكامها كما سيأتي نقل ذلك كل في
موضعه وهو مشكل لا يمكن التزامه، وإما قبولها وحملها على ما يقوله الشيخ من
الاضمار والتقدير في كل نصاب، وهو وإن بعد لعدم كونه معهودا في الكلام إلا أنه
في مقام الجمع مما لا بد منه. وأما كلام صاحب المعتبر فإنه غير موجه ولا معتبر
كما لا يخفى على من تأمل بعين الانصاف ونظر.
وينبغي التنبيه على أمور
الأول - لا يخفى أنه قد وقع الخلاف في هذا المقام أيضا في مواضع: منها
ما ذهب إليه ابن الجنيد من أن الواجب في خمس وعشرين بنت مخاض أنثى فإن لم
تكن فابن لبون فإن لم يكن فخمس شياه. ولم نقف له في الأخبار على مستند.
ومنها - ما نقله في المختلف عن الشيخ علي بن بابويه من أنه قال في رسالته
فإذا بلغت خمسا وأربعين وزادت واحدة ففيها حقة وسميت حقة لأنها استحقت أن
يركب ظهرها - إلى تبلغ ستين فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى ثمانين فإن زادت
واحدة ففيها ثنى. ثم قال في المختلف: وهو قول ابنه محمد في كتاب الهداية. ولم يوجب
باقي علمائنا في إحدى وثمانين شيئا أصلا عدا نصاب ست وسبعين. ثم استدل على
القول المشهور بالأخبار المتقدمة.
أقول: ما نقله هنا من عبارة الرسالة هو عين عبارة كتاب الفقه الرضوي كما
قدمنا لك أمثال ذلك في مواضع عديدة من كتاب الصلاة، فإنه عليه السلام قال (1) بعد
ذكر النصب المتقدمة كما مر في الأخبار: " فإذا بلغت خمسا وأربعين وزادت واحدة
ففيها حقة وسميت حقة - لأنها استحقت أن يركب ظهرها إلى أن تبلغ ستين فإذا

(1) ص 22
48

زادت واحدة ففيها جذعة إلى ثمانين فإذا زادت واحدة ففيها ثنى ".
ومنه يعلم أن مستند الصدوقين هنا إنما هو الكتاب المذكور كما تقدم في تلك
المواضع. إلا أن الحكم غريب لخروجه عن مقتضى الأخبار الكثيرة المتفق عليها
بين الطائفة سواهما (رضي الله عنها).
ولا يخفى ما في تمسكهما بهذا الكتاب في مثل هذا المقام من الدلالة على يقينهما
بكونه عنه عليه السلام وثبوته زيادة على تلك الأخبار، وإلا فكيف يجوز منهما الخروج
عن تلك الأخبار الصحيحة الصريحة مع قرب العهد إلى العمل بهذا الكتاب.
ومنها - النصاب الأخير فقد نقل فيه الخلاف عن المرتضى (رضي الله عنه)
في الانتصار كما نقله في المختلف، وليس في التعرض لنقله كثير فائدة وإن ادعى عليه
الاجماع مع مخالفته له في سائر كتبه ولا سيما المسائل الناصرية، ومن أحب الوقوف
على ذلك فليرجع إلى كتاب المختلف.
الثاني - قد اشتمل بعض الأخبار المتقدمة على أن الواجب اخراجه في
النصاب الأخير - وهو مائة وإحدى وعشرون في كل خمسين حقة وفي كل أربعين
بنت لبون، ومنها صحيحة زرارة المتقدم نقلها عن الفقيه، ورواية أخرى له في
التهذيب أيضا (1) وصحيحة الفضلاء، وظاهر هذه الروايات التخيير بين هذين الفردين
بعد العد بأحد العددين، وبه صرح شيخنا الشهيد الثاني في فوائد القواعد كما نقل
عنه ونسبه إلى ظاهر الأصحاب.
وظاهره (قدس سره) في كتاب المسالك بل صريح أن المراد بذلك كون
النصاب أمرا كليا لا ينحصر في فرد وأن التقدير بالأربعين والخمسين ليس على وجه
التخيير مطلقا بل يجب التقدير بما يحصل به الاستيعاب، فإن أمكن بهما تخير وإن لم
يمكن بهما وجب اعتبار أكثرهما استيعابا مراعاة لحق الفقراء ولو لم يمكن إلا بهما
وجب الجمع، فعلى هذا يجب تقدير أول هذا النصاب وهو المائة وإحدى وعشرون

(1) الوسائل الباب 2 من زكاة الأنعام
49

بالأربعين وتقدير المائة والخمسين وبالخمسين والمائة والسبعين بهما، ويتخير في المائتين وفي
الأربعمائة بين اعتباره بهما وبكل واحد منهما. انتهى. وبمثل ذلك صرح المحقق
الشيخ على والعلامة في المنتهى، والظاهر أنه هو المشهور كما يفهم من عبارة المنتهى.
وفيه أن ظاهر ما ورد بالعد بالخمسين خاصة كما تقدم في صحيحتي عبد الرحمان
وأبي بصير يدفع ذلك، فإن ظاهرهما العد بالخمسين مطلقا ولو في نصاب المائة وإحدى
وعشرين الذي أوجب فيه العد بالأربعين خاصة، ولو كان العد في هذا الموضع متعينا
بالأربعين كما ذكره (قدس سره) لما ساغ اطلاق هذه الأخبار بالعد بالخمسين.
وأيضا فإن التخيير في صحيحتي الفضلاء وزرارة وقع على أثر ذكر نصاب مائة
وإحدى وعشرين الذي أوجب فيه العد بالأربعين خاصة، ولو تعين فيه العد بالأربعين
لم يحسن ذكر التخيير في صورة لا يجوز فيها إلا أحدهما. وبالجملة فإن الروايات كملا
لا تجتمع إلا على القول بالتخيير مطلقا كما هو ظاهر تلك الأخبار المشتملة على
الأربعين والخمسين، نعم ما ذكره متضمن للاحتياط ولا ريب في أولويته وأما
تعينه فهو خلاف ظاهر تلك الأخبار كما عرفت.
الثالث - هل الواحدة الزائدة على المائة وعشرين جزء من النصاب أو شرط
في الوجوب وليست بجزء، فلا يسقط بتلفها بعد الحول بغير تفريط شئ كما لا يسقط
في الزائد عنها من ما ليس بجزء، للأربعين أو الخمسين على المشهور بين المتأخرين؟
فيه وجهان، اختار أولهما العلامة في النهاية، وثانيهما جملة من المتأخرين، وتوقف
في البيان، من حيث اعتبارها نصا الموجب للجزئية، ومن ايجاب الفريضة في كل
خمسين وأربعين الظاهر في خروجها.
الرابع - قد صرح الأصحاب بأن الزكاة في الإبل بنوعيها من البخت والعراب
وعلى ذلك دلت صحيحة الفضلاء المتقدمة (1) حيث قال فيها: " قلت ما في البخت
السائمة؟ قال مثل ما في الإبل العربية " قال في المصباح المنير: والبخت نوع من الإبل

(1) ص 46
50

الواحد بختي مثل روم ورمي ويخفف ويثقل. انتهى. والأصحاب عبروا عنها بالإبل
الخراسانية ويؤيده مقابلتها في الخبر بالإبل العربية.
الخامس - الأظهر تخير المالك في الخراج ما شاء إذا كان بصفة الواجب كما
اختاره جملة من الأصحاب، وقيل إنه إذا وقعت المشاحة يقرع حتى تبقى السن التي
تجب، بأن يقسم ما جمع الوصف قسمين ثم يقرع بينهما ثم يقسم ما خرجت عليه القرعة
وهكذا حتى يبقى قدر الواجب. نقل ذلك عن الشيخ وجماعة ولم نقف لهم على
مستند على الخصوص.
ويدل على الأول صحيحة بريد العجلي (1) قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول: بعث أمير المؤمنين عليه السلام مصدقا من الكوفة إلى باديتها فقال له يا عبد الله انطلق..
إلى أن قال فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلا بإذنه فإن أكثره له فقل يا عبد الله أتأذن لي
في دخول مالك فإن أذن لك فلا تدخله دخول متسلط عليه فيه ولا عنف به، فاصدع
المال صدعين ثم خيره أي الصدعين شاء فأيهما اختار فلا تعرض له ثم اصدع الباقي
صدعين ثم خيره فأيهما اختار فلا تعرض له، فلا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء
لحق الله في ماله فإذا بقي ذلك فاقبض حق الله منه، فإن استقالك فأقله ثم اخلطهما
واصنع مثل الذي صنعت أولا حتى تأخذ حق الله في ماله.. الحديث " ونحوه في
الدلالة على المراد غيره ولكن ليس بهذا التفصيل. وهذا الحكم جار في غير الإبل
من المواشي الزكوية.
السادس - قال شيخنا الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه (2) قال مصنف
هذا الكتاب (رحمة الله) أسنان الإبل أول ما تطرحه أمه إلى تمام السنة حوار
فإذا دخل في الثانية سمي ابن مخاض لأن أمه قد حملت، فإذا دخل في الثالثة سمي ابن
لبون لأن أمه قد وضعت وصار لها لبن، فإذا دخل في الرابعة سمي الذكر حقا

(1) الوسائل الباب 14 من زكاة الأنعام
(2) ج 2 ص 13
51

والأنثى حقة لأنه قد استحق أن يحمل عليه، فإذا دخل في الخامسة سمى جذعا، فإذا
دخل في السادسة سمى ثنيا لأنه قد القى ثنيته، فادا دخل في السابعة القى رباعيته
وسمى رباعيا، فإذا دخل في الثامنة القى السن التي بعد الرباعية وسمى سديسا، فإذا
دخل في التاسعة فطر نابه وسمى بازلا، فإذا دخل في العاشرة فهو مخلف، وليس له بعد
هذا اسم، والأسنان التي تؤخذ في الصدقة من ابن المخاض إلى الجذع. انتهى. وبمثل
ذلك صرح ثقة الاسلام الكليني والشيخ، والصدوق قد علل كلا من هذه الأسنان إلا
الجذع، وقد علل التسمية بذلك لأنه بجذع مقدم أسنانه أي يسقط.
السابع - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن من وجبت عليه سن
من الإبل وليس عنده إلا الأعلى منه بسن دفعه واستعاد من الصدق شاتين أو
عشرين درهما، ومن لم يكن عنده إلا الأدنى بسن دفعه ووجب عليه أن يجبره
بشاتين أو عشرين درهما، والحكم مجمع عليه بينهم في ما أعلم.
ويدل عليه أيضا ما رواه في الكافي عن محمد بن مقرن بن عبد الله بن زمعة بن
سبيع عن أبيه عن جده عن جد أبيه (1) " أن أمير المؤمنين عليه السلام كتب له في كتابه
الذي كتب له بخطه حين بعثه على الصدقات: من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة
وليس عنده جذعة وعنده حقة فإنه تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين أو عشرين
درهما، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حقة وعنده جذعة فإنه تقبل
منه الجذعة ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما، ومن بلغت صدقته حقة وليست
عنده حقة وعنده ابنة لبون فإنه تقبل منه ابنة لبون ويعطى معها شاتين أو عشرين
درهما، ومن بلغت صدقته ابنة لبون وليست عنده ابنة لبون وعنده حقة فإنه تقبل
منه الحقة ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما، ومن بلغت صدقته ابنة لبون
وليست عنده ابنة لبون وعنده ابنة مخاض فإنه تقبل منه ابنة مخاض ويعطى معها
شاتين أو عشرين درهم، ومن بلغت صدقته ابنة مخاض وليست عنده ابنة مخاض

(1) الوسائل الباب 13 من زكاة الأنعام
52

وعنده ابنة لبون فإنه تقبل منه ابنة لبون ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما،
ومن لم يكن عنده ابنة مخاض على وجهها وعنده ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه ابن
لبون وليس معه شئ.. الحديث " ورواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن
زرارة أبي جعفر عليه السلام مثله.
وجمهور المتأخرين ومتأخريهم ومنهم السيد السند في المدارك والفاضل
الخراساني في الذخيرة وغيره هما لم ينقلوا إلا الخبر الأول واعتذروا عن ضعف سنده
باتفاق الأصحاب على القول بمضمونه مع أن صحيحة زرارة المشار إليها صريحة في
ذلك غنية عن هذا الاعتذار.
ونقل عن الشيخ علي بن بابويه وابنه الصدوق في المقنع جعل التفاوت بين
بنت المخاض وبنت اللبون شاة يأخذها المصدق أو يدفعها. كذا نقله عنهما في المختلف
أقول: وهذا أيضا مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي حيث قال عليه السلام في
الكتاب المذكور (2) بعد ذكر خمسة وثلاثين: فإن زادت واحدة ففيها ابنة لبون
ومن لم تكن عنده وكانت عنده ابنة مخاض أعطى المصدق ابنة مخاض وأعطى معها
شاة، إذا وجبت عليه ابنة مخاض ولم تكن عنده وكانت عنده ابنة لبون دفعها
واسترجع من المصدق شاة. انتهى.
فروع
الأول - نقل عن العلامة في التذكرة وبه قطع الشهيد الثاني على ما نقله عنه
سبطه في المدارك - الاكتفاء في الجبر بشاة وعشرة دراهم، وكأنه بنى على التخيير بين
الشاتين والعشرين درهما في الأخبار. وهو لا يخلو من وجه من حيث الاعتبار إلا أنه خلاف ظاهر النص.
الثاني - قد ذكر الأصحاب هنا أن الخيار في دفع الأعلى أو الأدنى وفي الجبر

(1) الوسائل الباب 13 من زكاة الأنعام
(2) ص 22
53

بشاتين أو الدراهم إلى المالك لا إلى المصدق أو الفقير سواء كانت قيمة الواجب
السوقية مساوية لقيمة المدفوع على الوجه المذكور أم زائدة عليها أم ناقصة عنها
لاطلاق النص. واستشكل فيه بعضهم في صورة استيعاب قيمة المأخوذ من المصدق
لقيمة المدفوع إليه، من اطلاق النص وشموله للصورة المذكورة، ومن أن المالك كأنه
لم يؤد شيئا، كما إذا وجبت على المالك ابنة مخاض وليست عنده وأعطى عوضها سنا
أعلى ابنة لبون فإنه يعطيه المصدق حينئذ عشرين درهما، فلو فرضنا كون ابنة اللبون
قيمتها السوقية يومئذ عشرين درهما فكأن المالك لم يعط شيئا بالكلية لأنه أعطى
ابنة لبون وأخذ قيمتها السوقية.
وقد نقل هنا عن العلامة في التذكرة القول بعدم الاجزاء، قال في المدارك بعد
نقله عنه: وهو متجه. ونفى عنه البعد في الذخيرة أيضا، وهو محتمل حملا للرواية
على ما هو المتعارف في ذلك الزمان أو الغالب من زيادة قيمة السن الأعلى على
الأدنى بذلك المقدار فلا تدخل الصورة المفروضة في اطلاق النص. وينبغي مراعاة
الاحتياط في مثل ذلك.
الثالث - مورد الأخبار المتقدمة التفاوت بسن واحد فلو كان التفاوت بأزيد
كما إذا كانت عنده ابنة مخاض وكان الواجب عليه حقة أو بالعكس فهل يكون الحكم
كالأول ويتضاعف الجبران بتضاعف السن فيعطى في الصورة المفروضة ابنة مخاض
مع أربع شياه أو أربعين درهما أو يرجع حينئذ إلى القيمة السوقية؟ قولان والمشهور
الثاني قصرا للحكم الخالف للأصل على مورد النص فيجب أخذ القيمة. وهو جيد.
وكذا تعتبر القيمة أيضا في ما عدا أسنان الإبل من البقر والغنم ولا يجب
الجبران، فمن عدم فريضة البقر ووجد الأعلى أو الأدنى أخرجه بالقيمة فيعطى
ما نقص على الأول ويسترد ما زاد على الثاني إن اقتضت القيمة السوقية ذلك.
المقام الثاني - في نصاب البقر ولها نصابان: ثلاثون وفيها تبيع أو تبيعة على
المشهور وهو الذي دخل في الثانية، ثم أربعون وفيها مسنة، أما كون نصابها ذلك
54

فعليه الاجماع نصا وفتوى.
وينبغي أن يعلم أنه ليس المراد أن الثلاثين ينحصر في النصاب الأول والأربعين
في الثاني بل إن هذا نصابها دائما كما سيظهر لك من الخبر الآتي وكذا من كلام
الأصحاب، بمعنى أن الأعداد متى تضاعفت وارتفعت فإنه يعد النصاب بالثلاثين
والأربعين، وحينئذ فمرجع النصابين إلى نصاب واحد على التخيير ويقدم ما يحصل
به الاستيعاب أو يكون به أقرب إليه.
وأما كون المخرج في النصاب الأول تبيعا أو تبيعة فهو المشهور بل ادعى عليه
الاجماع في المنتهى، ونقل عن الشيخ علي بن بابويه وابن أبي عقيل ايجاب تبيع
حولي خاصة، وبه صرح الصدوق في الفقيه أيضا، وهذا هو الذي تضمنته صحيحة
الفضلاء (1) المتقدم صدرها حيث قال فيها بعد ذكر ما قدمنا نقله منها " وقالا في
البقر في كل ثلاثين بقرة تبيع حولي وليس في أقل من ذلك شئ، وفي أربعين بقرة
بقرة مسنة، وليس في ما بين الثلاثين إلى الأربعين شئ حتى تبلغ أربعين فإذا بلغت
أربعين ففيها مسنة، وليس في ما بين الأربعين إلى الستين شئ فإذا بلغت الستين ففيها
تبيعان إلى السبعين، فإذا بلغت السبعين ففيها تبيع ومسنة، إلى الثمانين، فإذا بلغت
ثمانين ففي كل أربعين مسنة إلى تسعين، فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبيعات
حوليات، فإذا بلغت عشرين ومائة ففي كل أربعين مسنة، ثم ترجع البقر على أسنانها.
وليس على النيف شئ ولا على الكسور شئ ولا على العوامل شئ إنما الصدقة
على السائمة الراعية. وكل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شئ عليه حتى يحول
عليه الحول فإذا حال عليه الحول وجب عليه... الحديث ".
والعجب من المحدث الحر في بدايته مع كونه من متصلبي الأخباريين وأجلاء
المحدثين أنه تبع المشهور في هذه المسألة فقال بالتخيير بين التبيع والتبيعة وترك
العمل بالخبر مع صحته وصراحته ووجود القائل به من قدماء الأصحاب.

(1) الوسائل الباب 4 و 7 و 8 من زكاة الأنعام
55

ومثل هذا الخبر أيضا ما صرح به في كتاب الفقه الرضوي، والظاهر أنه هو
المعتمد لما ذكره الشيخ علي بن الحسين حيث قال: عليه السلام (1) " وفي البقر إذا بلغت ثلاثين
بقرة ففيها تبيع حولي وليس فيها إذا كانت دون ثلاثين شئ، فإذا بلغت أربعين ففيها
مسنة إلى ستين، فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان إلى سبعين، فإذا بلغت سبعين ففيها
تبيع ومسنة إلى ثمانين، فإذا بلغت ثمانين ففيها مسنتان إلى تسعين، فإذا بلغت تسعين
ففيها ثلاث تبايع، فإذا كثرت البقر سقط هذا كله ويخرج من كل ثلاثين بقرة تبيعا
ومن كل أربعين مسنة ".
وقال في المدارك - بعد قول المصنف: في كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة..
إلى آخره ما لفظه: هذا قول العلماء كافة وقد تقدم من الأخبار ما يدل عليه.
وفيه أولا - أن ما ادعاه من اتفاق العلماء على التخيير في هذا النصاب وإن سبقه
إليه العلامة في المنتهى إلا أنه مردود بما عرفت من خلاف أولئك الفضلاء، ومن
ثم نسبه في المختلف إلى المشهور ونقل خلاف ابن أبي عقيل وعلي بن بابويه
وثانيا - أن التخيير بين الفردين المذكورين لم نقف له على دليل في الأخبار
والرواية التي أشار إلى أنها تقدمت وهي صحيحة الفضلاء إنما تضمنت التبيع خاصة
كما عرفت.
إلا أن المحقق في المعتبر (2) نقل صحيحة الفضلاء بما يطابق القول المشهور
ولعله كان في بعض الأصول التي كانت عنده حيث قال: ومن طريق الأصحاب ما رواه
زرارة ومحمد بن مسلم وأبو بصير والفضيل وبريد عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما
السلام) " قالا في البقر في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة وليس في أقل من ذلك شئ ثم
ليس فيها شئ حتى تبلغ أربعين ففيها مسنة ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ ستين ففيها
تبيعان أو تبيعتان ثم في سبعين تبيع أو تبيعة ومسنة ثم في ثمانين مسنتان وفي تسعين
ثلاث تبايع ".
وهذه الرواية أيضا مثل الأولى التي نقلنا عنه في نصاب الإبل لم يتعرض لها

(1) ص 22
(2) ص 260
56

أحد من المحدثين في كتب الأخبار ولا الأصحاب في كتب الاستدلال، وهو عجيب
في المقام سيما مع خلو ما ذهبوا إليه في المسألة من الدليل ودلالة هذه الرواية عليه،
قال العلامة في المختلف: المشهور أن في ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة، اختاره
الشيخان وابن الجنيد والسيد المرتضى وسلار وباقي المتأخرين، وقال ابن أبي عقيل
وعلي بن بابويه في ثلاثين تبيع حولي ولم يذكر التبيعة، لنا أنه أشهر بين الأصحاب
ولأن التبيعة أفضل من التبيع فايجابها يستلزم ايجاب التبيع دون العكس فهو أحوط
فيتعين التخيير. احتجا بما رواه زرارة ومحمد بن مسلم وأبو بصير وبريد والفضيل
في الحسن عن الباقر والصادق (عليهما السلام) " قالا في البقر في كل ثلاثين تبيع
حولي " والجواب أنه غير مانع من ايجاب الأزيد على وجه التخيير. انتهى.
وأنت خبير بما في هذا الكلام من الضعف الذي لا يخفى على سائر الأنام
فضلا عن ذوي الأفهام، وهل هو إلا محض مجازفة في الأحكام.
وبالجملة فالأظهر هو ما ذكره الفضلاء المتقدمون لقيام الدليل عليه، سيما مع
تكرره في الرواية في النصب الباقية واعتضادها برواية كتاب الفقه الرضوي.
وأما ما نقلناه عن المعتبر ففي النفس منه شئ من حيث عدم تعرض أحد لنقل ذلك
بالكلية مع تكرر النقل عن المعتبر في كتب الأصحاب في نقل الأقوال والفتاوى
وهذا الوضع أولى لما عرفت.
المقام الثالث - في نصب الغنم وهي خمسة على المشهور وقيل أربعة، فالأول
أربعون وفيه شاة، وذهب الصدوق في الفقيه إلى أن النصاب الأول أربعون
وواحدة، حيث قال: وليس على الغنم شئ حتى تبلغ أربعين فإذا بلغت أربعين وزادت
واحدة ففيها شاة. ورده المتأخرون بعدم وجود الدليل.
أقول: لا يخفى أن ما ذكره الصدوق في هذا المقام من هذا الكلام من أوله
إلى آخره عين عبارة كتاب الفقه الرضوي (1) ومنه يعلم أنه المستند له في ما ذكره.
ثم إنه ليس في ما زاد على ذلك شئ حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين وفيها

(1) ص 22
57

شاتان ثم مائتان وواحدة وفيها ثلاث شياه ثم ثلاثمائة وواحدة وهذا هو النصاب
الرابع، فقيل بأنه بعد بلوغ هذا المقدار يلغى ما تقدم ويؤخذ من كل مائة شاة
فيكون الواجب هنا ثلاث شياه كما تقدم ولا يتغير الفرض إلا ببلوغ أربعمائة. وإلى
هذا القول ذهب جملة من الأجلاء كالشيخ المفيد والمرتضى والصدوق وابن أبي عقيل
وسلار وابن حمزة وابن إدريس، وعلى هذا فتكون النصب أربعة. وذهب جملة:
منهم الشيخ وابن الجنيد وأبو الصلاح وابن البراج والظاهر أنه المشهور كما يظهر
من المعتبر - إلى أنه بعد بلوغ ثلاثمائة وواحد يجب فيها أربع شياه إلى أن تبلغ
أربعمائة فليغى ما تقدم ويؤخذ من كل مائة شاة فيكون الواجب هنا أربع شياه ولا
يتغير الفرض إلا ببلوغ خمسمائة.
ويدل على القول الأول صحيحة محمد بن قيس عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال
" ليس في ما دون الأربعين من الغنم شئ فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين
ومائة فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث
من الغنم إلى ثلاثمائة فإذا كثرت الغنم ففي كل مائة شاة. ولا تؤخذ هرمة ولا ذات
عوار إلا أن يشاء المصدق. ولا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق. ويعد
صغيرها وكبيرها ".
ويدل على الثاني صحيحة الفضلاء (2) المتقدم ذكرها في المقامين المتقدمين،
حيث قالوا: " وقالا في الشاة في كل أربعين شاة شاة وليس في ما دون الأربعين شئ،
ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ عشرين ومائة فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها مثل ذلك شاة
واحدة، فإذا زادت على مائة وعشرين ففيها شاتان وليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ
مائتين فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث
شياه، ثم ليس فيها أكثر من ذلك حتى تبغ ثلاثمائة فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك

(1) الوسائل الباب 6 و 11 من زكاة الأنعام
(2) الوسائل الباب 6 من زكاة الأنعام
58

ثلاث شياه، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة فإذا تمت أربعمائة
كان على كل مائة شاة وسقط الأمر الأول، وليس على ما دون المائة بعد ذلك شئ
" وليس في النيف شئ. وقالا كل ما لم يحل عليه من ذلك عند ربه حول فلا شئ عليه
فإذا حال عليه الحول وجب عليه ".
أقول: ويعضد الخبر الأول ما في كتاب الفقه الرضوي حيث قال: عليه السلام (1)
وليس على الغنم شئ حتى تبلغ أربعين شاة فإذا زادت على الأربعين ففيها شاة إلى عشرين
ومائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث
إلى ثلاثمائة، فإذا كثرت الغنم سقط هذا كله وتخرج عن كل مائة شاة. وبهذه
الرواية عبر الصدوق في الفقيه كما هي عادته غالبا في ما يفتي به من الكتاب المذكور.
والظاهر أن وجه الجمع بين الخبرين المتقدمين هو حمل صحيحة محمد بن قيس على
التقية، فإن ما تضمنته من اسقاط هذا النصاب مذهب أصحاب المذاهب الأربعة كما
ذكره في التذكرة، ونقله في المعتبر عن الشافعي وأبي حنيفة ومالك (2).
تتمة مهمة
قال في المدارك بعد الكلام في المقام: والمسألة قوية الاشكال لأن الروايتين
معتبرتا الاسناد والجمع بينهما مشكل جدا، ومن ثم أوردهما المصنف في المعتبر من
غير ترجيح واقتصر في عبارة الكتاب على حكاية القولين ونسب القول الثاني إلى

(1) ص 22
(2) أفتى بذلك الشيرازي الشافعي في المهذب ج 1 ص 241 وابن رشد المالكي في
بداية المجتهد ج 1 ص 241 ونسبه إلى الجمهور إلا الحسن بن صالح فإنه قال: إذا كانت الغنم
ثلاثمائة شاة وشاة ففيها أربع شياه وإذا كانت أربعمائة شاة وشاة ففيها خمس شياه. وفي
بدائع الصنائع للكاساني الحنفي ج 2 ص 28 بعد أن ذكر أن في المائتين وواحدة ثلاث
شياه قال: فإذا بلغت أربعمائة ففيها أربع شياه ثم في كل مائة شاة. ثم هذا قول عامة العلماء
وقال الحسن بن حي إذا زادت على ثلاثمائة واحدة ففيها أربع شياه وفي أربعمائة خمس شياه
59

الشهرة، وقال العلامة في المنتهى أن طريق الحديث الأول أوضح من الثاني
واعتضد بالأصل فتعين العمل به. وهو غير بعيد، مع أن الرواية الثانية مخالفة لما
عليه الأصحاب في النصاب الثاني وذلك من ما يضعف الحديث، ولو كانتا متكافئتين
في السند والمتن لأمكن حمل الرواية الأولى على التقية لموافقتها لمذهب العامة أو
حمل الكثرة الواقعة فيها على بلوغ الأربعمائة ويكون حكم الثلاثمائة وواحدة مهملا
في الرواية. والله العالم.
أقول: ما ذكره من مخالفة الرواية الثانية وفي صحيحة الفضلاء لما عليه
الأصحاب فإنه صحيح بناء على نقله لها من التهذيب فإنها فيه (1) هكذا " وليس
في ما دون الأربعين شئ حتى تبلغ عشرين ومائة ففيها شاتان.. إلى آخره " وأما
على ما قدمناه وهو رواية الكليني في الكافي والشيخ في الإستبصار فإنه موافق
لما عليه الأصحاب، وعلى ذلك اعتمد في الوافي وكذا صاحب الوسائل لمعلومية
الغلط في نقل الشيخ في التهذيب، ولا يخفى على من له أنس بالتهذيب ما وقع للشيخ
(قدس سره) فيه من التحريف والزيادة والنقصان في المتون والأسانيد كما تقدم
التنبيه عليه في مواضع من كتاب الصلاة.
وأما ما ذكره - من أن الحمل على التقية فرع مكافئة السند والمتن ففيه أما بالنسبة
إلى المتن فقد عرفت ما فيه وإن هذا الطعن إنما نشأ من قصور تتبعه (قدس سره)
لكتب الأخبار وجموده على مراجعة التهذيب خاصة مع اعترافه في بعض المواضع
من شرحه بما وقع للشيخ فيه من ما أشرنا إليه، وأما بالنسبة إلى السند فإنه ليس في
طريق الرواية من يشير إليه كلامه سوى إبراهيم بن هاشم وحديثه عند أصحاب هذا
الاصطلاح معتمد مقبول وإن عدوه في الحسن، ولم نجد له رادا من أصحاب هذا
الاصطلاح سواه في الموضع الذي يريد المناقشة فيه، وإلا فإنه قد عده في الصحيح
في مواضع من شرحه كما تقدمت الإشارة إليه في غير مقام. وبالجملة فإن كلامه في هذا

(1) ج 1 ص 355، واللفظ فيه لا يختلف عن الكافي ج 1 ص 151 والاستبصار
ج 2 ص 22 نعم في المدارك نقله كما هنا.
60

الشرح مضطرب غاية الاضطراب.
وأما ما نقله عن العلامة في المنتهى ونفى البعد عنه من أوضحية السند فهو
ممنوع بما ذكرناه. والأصل في مقابلة الخبر الصحيح الصريح غير معمول عليه
ولا يلتفت إليه مع وجوب تحصيل يقين البراءة من التكليف الثابت بل هو حاكم
عليه ورافع له.
وبالجملة فالحق أن الخبرين المذكورين صحيحان صريحان في ما دلا عليه ولا
وجه للجمع بينهما إلا بحمل صحيحة محمد بن قيس على التقية كما ذكرنا.
ثم العجب منهم (قدس الله أسرارهم) في إلغاء العمل بهذه القواعد المقررة عن
أئمتهم (عليهم السلام) مع استفاضة الأخبار بها التي من جملتها عرض الخبرين
المختلفين على مذهب العامة والأخذ بخلافه (1) بل ورد العرض عليه وإن لم يكن في
مقام الاختلاف (2) بل ما هو أبلغ من ذلك وهو أنه إذا احتاج إلى حكم ولم يكن
في البلد من يسأله من فقهاء الشيعة سأل قاضي البلد وأخذ بخلافه (3) كما لا يخفى على
من أحاط بالأخبار وجاس خلال تلك الديار، وهم ينقلون هنا أن صحيحة محمد بن
قيس موافقة لمذهب أئمة المخالفين الأربعة وأتباعهم (4) ومع هذا يكابرون على
العمل بها ويرجحونها على ما عارضها اعراضا عن تلك القواعد المقررة والضوابط
المعتبرة، وليس البحث معهم في ذلك مخصوصا بهذا المقام بل هذه عادتهم في جميع
أبواب الفقه كما نبهنا عليه في غير موضع من كتابنا هذا.
وليت شعري إلى من خرجت هذه الأخبار عنهم (عليهم السلام) بهذه
الضوابط والقواعد ومن المخاطب والمكلف بها في جميع الموارد؟ هل إلى غير هذه
الشريعة؟ أم إلى شيعة غير هذه الشيعة؟ إذا أعرضوا عنها في جميع أبواب الفقه كما
عرفت وستعرف، سامحنا الله وإياهم بعفوه وغفرانه.

(1) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به
(2) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به
(3) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به
(4) ارجع إلى التعليقة 2 ص 59
61

وأما ما ذكره (قدس سره) - من احتمال حمل الكثرة في رواية محمد بن قيس على
بلوغ الأربعمائة ويكون حكم الثلاثمائة وواحدة فيها مهملا - فقد تبعه فيه جملة من
أفاضل متأخري المتأخرين حتى زعموا أنه لا تنافي بين الخبرين، قال في الوسائل بعد
ذكر صحيحة محمد بن قيس ما صورته: أقول حكم الثلاثمائة وواحدة غير مذكور هنا
صريحا فلا ينافي الحديث الأول. انتهى
والظاهر أنه مبني على ما ذكره بعض الفضلاء في هذا المقام حيث قال: وقد
ظن جمع من متأخري الأصحاب أن بين هذا الحديث وحديث محمد بن قيس
تعارضا في حكم زيادة الواحدة تحوج إلى الترجيح لاشكال الجمع، والحق أنه
لا تعارض بين الخبرين لخلو رواية محمد بن قيس عن التعرض لذكر زيادة الواحدة
على الثلاثمائة، فإن قوله: " فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة "
يقتضي كون بلوغ الثلاثمائة غاية لفرض الثلاث داخلة في المغيى كما هو الشأن في أكثر
الغايات الواقعة فيه وفي غيره من الأخبار المتضمنة لبيان نصب الإبل والغنم،
والكلام الذي بعده يقتضي إناطة الحكم بوصف الكثرة وفرض زيادة الواحدة
ليس من الكثرة في شئ فلا يتناوله الحكم ليقع التعارض بل يكون خبر الفضلاء
مشتملا على حكم لم يتعرض له في الآخر. انتهى.
وفيه أنه لا يخفى أن سياق الحديث لبيان نصب الغنم وترتيبها كما هو الواقع في سائر
أخبار نصب الإبل والبقر والغنم حيث ذكرت النصب فيها على سبيل الترتيب وما يجب
في كل نصاب من الفريضة إلى أن وصل في هذا الخبر إلى ثلاثمائة ثم قال: " فإذا كثرت
الغنم ففي كل مائة شاة " ولا ريب أن مبدأ الكثرة التي ثبت بها هذا الحكم ما بعد الثلاثمائة
من الواحدة فصاعدا لا الأربعمائة الذي هو النصاب الخامس كما توهمه، ونظير هذه العبارة
قد وقع في أخبار نصب الإبل كما تقدم، فعبر في جملة منها " فإذا أكثرت الإبل " كما في صحيحة
عبد الرحمان بن الحجاج وصحيحة أبي بصير، وفي بعض " فإذا زادت واحدة " كما في
62

صحيحة الفضلاء (1) والمرجع إلى أمر واحد وهو الكثرة التي هي من الواحدة فصاعدا
وأما قوله " إن فرض زيادة الواحدة ليس من الكثرة في شئ ففيه مع كونه
مردودا بالروايات المشار إليها أنه لو تم للزم أن لا يكون للكثرة في شئ من المراتب
مبدأ أصلا وهو باطل. وبالجملة فتعارض الخبرين لا مجال لإنكاره ولا وجه للجمع
إلا بما ذكرناه.
بقي هنا شئ يجب التنبيه عليه وهو ما وقع للعلامة في المنتهى من السهو في
هذا المقام حيث إنه نقل عن ابن بابويه أنه روى في الصحيح عن زرارة عن الباقر
عليه السلام أنه قال: " فإن زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة فإذا كثر الغنم أسقط
هذا كله وأخرج عن كل مائة شاة " وجعل هذا الرواية دليلا على القول بما دلت
عليه صحيحة محمد بن قيس وهو غفلة منه (قدس سره) واشتباه وقع له، حيث إن صورة ما في الفقيه (2) هكذا: روى حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال:
" قلت له في الجواميس شئ قال مثل البقر. وليس على الغنم شئ حتى تبلغ أربعين
شاة فإذا بلغت أربعين وزادت واحدة ففيها شاة.. إلى آخر العبارة " فالعلامة توهم
أن قوله " وليس على الغنم شئ.. إلى آخر العبارة " من صحيحة زرارة وإنما هو من
كلام الصدوق المأخوذ من كتاب الفقه الرضوي كما قدمناه ذكره فإن العبارة المذكورة
بطولها عين ما في كتاب الفقه، نعم كلامه في الكتاب المذكور موافق لما دلت عليه
صحيحة محمد بن قيس وكل ما تحمل عليه الصحيحة المذكورة يجب أن يحمل عليه
كلامه عليه السلام وقد عرفت أنه ليس إلا التقية.
وتنقيح البحث في هذا المقام يتوقف على رسم مسائل: الأولى إعلم أن
ههنا سؤالا مشهورا نقل أن المحقق (رحمه الله تعالى) أورده في درسه، والأحسن
في تقريره أن يقال إذا كان يجب في أربعمائة ما يجب في ثلاثمائة وواحدة فأي فائدة

(1) ص 58 و 59
(2) ج ص 14 وفي الوسائل الباب 5 من زكاة الأنعام
63

في جعلهما نصابين؟ وينسحب مثله في المائتين وواحدة والثلاثمائة وواحدة على
القول الآخر.
والجواب أن الفائدة تظهر في موضعين: في الوجوب والضمان، أما الوجوب
فلأن محله في الأربعمائة مجموعها وفي الثلاثمائة وواحدة إلى الأربعمائة الثلاثمائة
وواحدة خاصة وما زاد فهو عفو. فهذا أحد وجهي الفائدة في كونهما نصابين.
وكذا الكلام في نظيره على القول الآخر. وأما الضمان فإنه لو تلفت واحدة من
الأربعمائة بعد الحول بغير تفريط سقط من الفريضة جزء من مائة جزء من شاة
ولو كان محل الفريضة ناقصا عن هذا العدد لم يسقط من الفريضة شئ ما دامت
الثلاثمائة وواحدة باقية لأن الزائد عفو. وهكذا يقال بالنسبة إلى القول الآخر.
وأورد في المدارك على ذلك - واقتفاه الفاضل الخراساني - أن في عدم سقوط
شئ في صورة النقص عن الأربعمائة نظر لأن الزكاة تتعلق بالعين فتكون الفريضة
حقا شائعا في المجموع ومقتضى الإشاعة توزيع التالف على المجموع وإن كان الزائد
على النصاب عفوا. ولا منافاة بين الأمرين.
وعندي أن هذا الكلام لا يخلو من المناقشة فإن قوله: " إن الزكاة تتعلق
بالعين فتكون حقا شائعا في المجموع " إن أريد عين المجموع من النصاب والزائد
الذي هو عفو فهو ممنوع، وإن أريد بعين النصاب فتكون حقا شائعا في مجموع النصاب
فهو مسلم لكن لا يلزم منه ما ذكروه، وتوضيحه أنا نقول إن الزكاة حق في
النصاب شائع في مجموع الغنم من ما كان عفوا، وحينئذ فلا تقتضي
الإشاعة توزيع التالف على مجموع الغنم من النصاب والعفو، وغاية ما يلزم أن يقال
أن النصاب هنا غير متميز بل هو مخلوط بالعفو ولكن هذا لا يستلزم تقسيط
التالف على ما كان عفوا وإن كان النصاب شائعا فيه، إذا الحكم إنما يتعلق بالنصاب
الذي هو محل الوجوب ونقصان الفريضة إنما يدور مدار نقصانه والنصاب الآن
موجود كملا ووجود هذا العفو مع كونه خارجا عن محل الوجوب في حكم العدم.
64

وإن أردت مزيد توضيح لذلك فإنا نقول متى كانت الغنم أربعمائة إلا واحدة
وحال عليها الحول فإن النصاب منها وهو ثلاثمائة وواحدة قد وجبت فيه أربع
شياه، فمحل الفرض والوجوب هو النصاب الذي هو ثلاثمائة وواحدة وإن كان شائعا.
في الجملة المذكورة، والفريضة وهي أربع شياه إنما تعلقت به وإن كانت شائعة في المجموع
فلو تلفت واحدة من هذه الغنم على الوجه المفروض لم يضر ذلك بالفريضة بل يجب
اخراج تلك الأربع شياه التي أوجبها الشارع في النصاب، لأن النصاب موجود لم
يلحقه نقص بتلف هذه الشياه والايجاب إنما تعلق به، ولو تم ما ذكروه لاستلزم
أنه متى حال الحول على هذه الغنم المذكورة فإنه لا يجوز للمالك التصرف في شئ منها
قبل اخراج الزكاة إلا مع ضمانها تحقيقا للشياع الذي ذكروه، بعين ما صرحوا به
في التصرف في النصاب بعد حول الحول وقبل اخراج الزكاة من حيث شيوع حصة
الفقراء فيه، وهو باطل قطعا فإنه ما دام النصاب باقيا له التصرف في الزائد بما أراد
ولا يتعلق المنع إلا بالنصاب خاصة.
وقال في المدارك: ولو تلفت الشاة من الثلاثمائة وواحدة سقط من الفريضة
جزء من خمسة وسبعين جزء من شاة إن لم تجعل الشاة الواحدة جزء من النصاب
وإلا كان الساقط منه جزء من خمسة وسبعين جزء وربع جزء.
وتنظر فيه الفاضل الخراساني في الذخيرة بأنه على تقدير عدم كون الواحدة
جزء من الفريضة تكون الواحدة مثل الزائد عليها في عدم سقوط شئ من الفريضة
تعد التلف كما ذكروه بالنسبة إلى الأربعمائة لو نقصت. وهو كذلك.
وكيف كان فبناء الأحكام الشرعية على مثل هذه الفروض الغريبة النادرة
مشكل.
الثانية - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا تؤخذ المريضة من
الصحاح ولا الهرمة ولا ذات العوار، والعوار مثلثة: العيب كما في القاموس. والحكم
بعدم أخذ هذه مجمع عليه بينهم.
65

واستدل عليه في المنتهى بقوله تعالى: " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " (1)
وتدل عليه صحيحة محمد بن قيس المتقدمة في نصاب الغنم (2) وقوله فيها: " ولا تؤخذ
هرمة ولا ذات عوار إلا أن يشاء المصدق " ومقتضى الرواية جواز أخذ ذلك
متى رضي المصدق.
هذا إذا كان في النصاب ما هو سالم من هذه الأوصاف ولو كان النصاب كله
منها لم يكلف شراء الخالي منها اجماعا. والممتزج يخرج منه بالنسبة. ولا فرق في
هذا الحكم بين الغنم والإبل والبقر.
الثالثة - المشهور بين الأصحاب بل ادعى عليه في الخلاف الاجماع أن
الواجب في الشاة التي تؤخذ في الزكاة من الغنم والإبل أن يكون أقله جذعا من
الضأن وثنيا من المعز. وقيل ما يسمى شاة، وهو الأصح وإليه. ذهب جملة من
أفاضل متأخري المتأخرين، عملا باطلاق الأخبار المتقدمة في نصب الغنم والإبل.
واستدل على المشهور كما ذكره في المعتبر بما رواه سويد بن غفلة (3) قال:
" أتانا مصدق رسول الله صلى عليه وآله وسلم وقال نهينا أن نأخذ الراضع وأمرنا أن نأخذ
الجذعة والثنية " والظاهر أن الخبر المذكور عامي فإنه غير موجود في أصولنا.
قال الشيخ في المبسوط: وأسنان الغنم أول ما تلد الشاة يقال لولدها سخلة
ذكرا كان أو أنثى في الضأن والمعز سواء، ثم يقال بعد ذلك بهمة ذكرا كان أو أنثى
فيهما سواء فإذا بلغت أربعة أشهر فهي من المعز جفر للذكر والأنثى جفرة والجمع

(1) سورة البقرة الآية. 27
(2) ص 58
(3) لم نجد الحديث باللفظ المذكور في ما وقفنا عليه من كتب العامة، وفي سنن أبي داود
ج 2 ص 102 رقم 579 عن سويد بن غفلة قال " أخبرني من سار مع مصدق النبي " ص "
فإذا في عهد رسول الله " ص " أن لا نأخذ من راضع لبن ولا تجمع بين مفترق ولا نفرق
بين مجتمع " وفي المغني ج 3 ص 605 روى مالك عن سويد بن غفلة قال " أتانا مصدق
رسول الله " ص " وقال أمرنا رسول الله " ص " أن نأخذ الجذعة من الضان والثنية من
المغز " نعم أورد الشيخ في الخلاف ص 116 الحديث باللفظ المذكور في المتن.
66

جفار، وإذا جاوزت أربعة أشهر فهي العتود وجمعها عتدان وعريض وجمعها عرضان
ومن حين ما تولد إلى هذه الغاية يقال لها عناق للأنثى والذكر جدي، فإذا استكملت
سنة فالأنثى عنز والذكر تيس، فإذا دخلت في الثانية فهي جذعة والذكر جذع، فإذا
دخلت في الثالثة فهي الثنية والذكر الثنى، فإذا دخلت في الرابعة فرباع ورباعية، وإذا
دخلت في الخامسة فهي سديس وسدس، فإذا دخلت في السادسة فهي صالغ، ثم
لا اسم لها بعد هذا السن لكن يقال صالغ عام وصالغ عامين وعلى هذا أبدا، وأما الضأن
فالسخلة والبهمة مثل ما في المعز سواء ثم هو حمل للذكر والأنثى إلى سبعة أشهر فإذا بلغت
سبعة أشهر قال ابن الأعرابي إن كان بين شابين فهو جذع وإن كان بين هرمين فلا يقال
جدع حتى يستكمل ثمانية أشهر، وهو جذع أبدا حتى يستكمل سنة فإذا دخل في الثانية
فهو ثنى وثنية على ما ذكرناه في المعز سواء إلى آخرها. وإنما قيل جذع في الضأن
إذا بلغ سبعة أشهر وأجزأ في الأضحية لأنه إذا بلغ هذا الوقت كان له نزو وضراب
والمعز لا ينزو حتى يدخل في السنة الثانية فلهذا أقيم الجذع في الضحايا مقام الثنى من المعز
وأما الذي يؤخذ في الصدقة فمن الضأن الجذع ومن الماعز الثنى. انتهى كلام الشيخ
(قدس سره) وبنحوه صرح العلامة في المنتهى والتذكرة.
ومقتضاه أن الجذع من المعز ما دخل في الثانية والثنى ما دخل في الثالثة،
والجذع من الضأن ما بلغ سبعة أشهر إن كان بين شابين وما استكمل ثمانية أشهر
إن كان بين هرمين، والثنى منها ما دخل في الثانية.
وفي الصحاح أن الجذع يقال لولد الشاة في السنة الثانية. وفي النهاية أنه من
البقر والمعز ما دخل في السنة الثانية، وقيل البقر في الثالثة، ومن الضأن ما تمت له سنة
وقيل أقل منها. وعن الأزهري الجذع من المعز لسنة ومن الضأن لثمانية أشهر.
وفي المغرب الجذع من المعز لسنة ومن الضأن لثمانية أشهر. وفي كتاب المصباح
المنير والجذع ولد الشاة في السنة الثانية. ثم نقل عن ابن الأعرابي أن الجذع من
الضأن إذا كان من شابين يجذع لستة أشهر إلى سبعة أشهر وإذا كان من هرمين
67

أجذع من ثمانية إلى عشرة.
وهذا الكلام كله متفق على أن الجذع من المعز ما دخل في السنة الثانية ومن
الضأن ماله سبعة أشهر إلى عشرة، والقول بالستة نادر.
وأما الثنى فقد عرفت من كلام الشيخ أنه من المعز ما دخل في الثالثة ومن
الضأن ما دخل في الثانية، ونقل عن الجوهري أنه يكون في الظلف والحافر في
السنة الثالثة. وبمثل ذلك صرح الفيومي في كتاب المصباح المنير وصاحب القاموس
وصاحب المغرب. وفي النهاية الثنية من الغنم ما دخل في السنة الثالثة ومن البقر
كذلك. وهو موافق لما تقدم. وقال في الجمل: وإذا دخل ولد الشاة في السنة الثانية
فهو ثنى والأنثى ثنية.
وقال في كتاب مجمع البحرين: والثني الذي ألقى ثنيته وهو من ذوات الظلف
والحافر في السنة الثالثة ومن ذوات الخف في السنة السادسة وهو بعد الجذع..
إلى أن قال: وعلى ما ذكرناه من معرفة الثنى الجمع من أهل اللغة. وقيل الثنى من الخيل
ما دخل في الرابعة ومن المعز ما له سنة ودخل في الثانية. وقد جاء في الحديث والثنى
من البقر والمعز هو الذي تم له سنة. وفي الجمع الثنية من الغنم ما دخل في الثالثة
وكذا من البقر والإبل في السادسة والذكر ثنى، وعن أحمد من المعز في الثانية. انتهى
إلى هنا كلام صاحب مجمع البحرين. ومنه يظهر الاختلاف في الثنى إلا أن ظاهر
المشهور عند أهل اللغة أنه في السنة الثالثة من ذوات الظلف بقرا أو معزا أو ضأنا.
وأما كلام الفقهاء (رضوان الله عليهم) فالمنقول عن العلامة ومن تبعه من
المتأخرين أن الجذع ما كمل له سبعة أشهر والثنى ما كمل له سنة ودخل في الثانية
وظاهرهم الأعم من الضأن والمعز.
والجمع بين كلامهم وكلام أهل اللغة لا يخلو من الاشكال، ولا ريب أن الاحتياط
يقتضي العمل بما ذكره أهل اللغة إلا أن يعلم لهم مستند من الأخبار في ما ذكروه.
الرابعة - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في عد الأكولة وفحل
68

الضراب فالمشهور عدهما وذهب جمع من الأصحاب: منهم المحقق في النافع
والشهيد في اللمعة والعلامة في الإرشاد إلى عدم عدهما، ويدل عليه ظاهر صحيحة
عبد الرحمان بن الحجاج (1) وقوله عليه السلام فيها " ليس في الأكيلة ولا في الربى - والربى
التي تربى اثنين - ولا شاة لبن ولا فحل الغنم صدقة ".
وما ذكره في المدارك - من قوله بعد نقلها إنها غير صريحة في المطلوب
لاحتمال أن يكون المراد بنفي الصدقة فيها عدم أخذها في الصدقة لا عدم تعلق
الزكاة بها - بعيد غاية البعد لأنها وإن لم تكن صريحة كما ذكره إلا أنها ظاهرة في
ذلك تمام الظهور، والاستدلال لا يختص بالصريح بل كما يقع به يقع بالظاهر
بل أغلب الاستدلالات إنما هي بالظاهر، ولا يخفى أن المتبادر من قول الشارع
" ليس في هذا صدقة " إنه ليس من ما تجب فيه الصدقة بأن يكون من الأجناس
الزكوية لا بمعنى أنه لا يؤخذ في الزكاة. والتأويل بارتكاب الخروج عن الظواهر
إنما يصار إليه في مقام ضرورة الجمع وليس هنا ما يعارض هذه الصحيحة إن كان
إلا ما يتخيل من اطلاق الأخبار كقولهم (عليهم السلام) (2) " في كل أربعين شاة
شاة " والقاعدة في مثله حمل المطلق على المقيد.
وممن وافقنا على بعد هذا التأويل الفاضل الخراساني في الذخيرة مع اقتفائه
أثر كلام السيد المشار إليه غالبا وانتصاره له في كثير من المواضع، حيث قال بعد نقل
كلامه: وما ذكره من الاحتمال بعيد جدا. انتهى.
وما أيد به هذا الحمل في المدارك من قوله بعد العبارة المتقدمة: بل ربما
تعين المصير إلى هذا الحمل لاتفاق الأصحاب ظاهرا على عد شاة اللبن والربى - ففيه
أن ما ذكره من الاتفاق غير معلوم ولا مدعى في المسألة، مع مناقشته في الاجماع
الذي يدعونه في غير مقام وإن كان يستسلقه ويوافقهم في أمثال هذا الكلام، ومع

(1) الفروع ج 1 ص 151 وفي الوسائل الباب 10 من زكاة الأنعام
(2) الوسائل الباب 6 من زكاة الأنعام رقم (1).
69

فرض دعواه فأي مانع من العمل بظاهر الخبر وترجيحه على الاجماع المذكور؟
ومع تسليم العمل به وترجيحه على الخبر فأي مانع من العمل بالخبر المذكور في الباقي
من ما لم يقم اجماع ولا دليل على ما ينافيه؟ وهل هو إلا من قبيل العام الخصوص؟
وبالجملة فالظاهر عندي هو القول بما دل عليه الخبر المذكور في الأكولة وفحل
الضراب كما هو القول الآخر، والقول بما دل عليه ظاهر الخبر من عدم عد شاة اللبن
والربى غير بعيد لدلالة الصحيحة المذكورة عليه من غير معارض ظاهر في البين.
وإلى ما ذكرنا يشير كلام المحقق المولى الأردبيلي (قدس سره) حيث قال
وأيضا روى في الكافي صحيحا عن عبد الرحمان الثقة عن أبي عبد الله عليه السلام (1) أنه قال: " ليس في الأكيلة ولا في الربى التي تربي اثنين ولا شاة لبون ولا فحل الغنم
صدقة " والظاهر منه عدم الحساب في النصاب والقول بذلك غير بعيد كما نقل القول به
في الفحل عن أبي الصلاح. انتهى.
وتردد المحدث الكاشاني في المفاتيح في هذه المسألة من حيث بعد التأويل
المذكور عن ظاهر الخبر.
ومن هفوات صاحب الوسائل جموده هنا على القول المشهور وتأويله الخبر
المذكور بما ذكره في المدارك.
هذا بالنسبة إلى العد وأما الأخذ في الفريضة فظاهرهم الاتفاق على أنه لا تؤخذ
الربى ولا الأكولة ولا فحل الضراب.
ويدل على ذلك موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " لا تؤخذ
الأكولة - والأكولة الكبيرة من الشاة تكون في الغنم ولا والدة ولا الكبش الفحل "
ويؤيد المنع من أخذ الأكولة وفحل الضراب أنهما من كرائم الأموال وقد
نهى في الخبر عن التعرض لكرائم أموالهم (3).
والأصحاب قد عللوا المنع في الربى بالاضرار بولدها، وجعلوا الحد في المنع
من أخذها إلى خمسة عشر يوما وقيل إلى خمسين يوما. ولم نقف لشئ من هذين

(1) الوسائل الباب 10 من زكاة الأنعام
(2) الوسائل الباب 10 من زكاة الأنعام
(3) سنن ابن ماجة ج 1 ص 543.
70

التحديدين على مستند.
والذي يفهم من كلام أهل اللغة أن الربى هي التي ولدت حديثا كما في الصحاح
وفي النهاية أنها القريبة العهد بالولادة. إلا أنه قد تقدم في صحيحة عبد الرحمان بن
الحجاج (1) " والربى هي التي تربي اثنين " والمستفاد منها تفسير الربى في هذا المقام
بذلك، وهو مشكل لمخالفته للعرف وكلام أهل اللغة كما عرفت. إلا أن الصحيحة
المذكورة رواها في الفقيه (2) بهذه الصورة " ولا في الربى التي تربي اثنين " وهو
أظهر إلا أن فيه تخصيص الحكم بالتي تربي اثنين.
الخامسة - الظاهر أنه لا خلاف في أن النصاب المجتمع من المعز والضأن
وكذا من الإبل العراب والبخاتي وكذا من الجاموس والبقر تجب فيه الزكاة، لأن
كلا من هذين الصنفين داخل تحت جنس واحد من هذه الأجناس التي تعلقت بها
الزكاة، والأول يجمعه جنس الغنم والثاني جنس الإبل والثالث جنس البقر.
وإنما الخلاف في أنه هل للمالك الخيار في الاخراج من أي الصنفين شاء
وإن تفاوتت القيم أو أنه يجب التقسيط والأخذ من كل بقسطه مطلقا أو يناط
بتفاوت القيم؟ أقوال ثلاثة أشهر ها الثاني وأظهرها الأول وأحوطها الثالث،
وحينئذ فلو كان عند المالك نصب عديدة بعضها من الإبل العراب وبعضها من
البخاتي أخرج من العراب عربية ومن البخاتي بختية من كل نصاب من صنفه، وهكذا
البقر والغنم. ولو كان النصاب مجتمعا من صنفي ضأن ومعز مثلا فإن كانت الغنم
متحدة القيم فلا اشكال في اخراج أي صنف كان، وإن تفاوتت القيم يرجع إلى
التقسيط، كأن يكون عشرون من البقر وعشرون من الجاموس والتبيع من البقر
وهو الفريضة قيمته اثنا عشر درهما مثلا ومن الجاموس قيمته أربعة عشر أخرج
تبيعا قيمته ثلاثة عشر بقرا كان أو جاموسا، هذا على المشهور وأما على ما اخترناه

(1) ص 69 واللفظ هكذا " والربى التي تربي اثنين ".
(2) الوسائل الباب 10 من زكاة الأنعام
71

وإليه مال جملة من محققي متأخري المتأخرين فإنه يكتفي بما يصدق عليه من ذلك
الجنس كما يستفاد من ظواهر الأدلة وإن كان الاحتياط في ما ذكروه.
السادسة - الظاهر أنه لا خلاف في الاجتزاء بالقيمة في النقدين والغلات،
ويدل عليه ما رواه ثقة الاسلام في الكافي الصحيح عن محمد بن خالد البرقي (1)
قال: " كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام هل يجوز أن يخرج عن ما يجب في الحرث من الحنطة
والشعير وما يجب على الذهب دراهم بقيمة ما يسوى أم لا يجوز إلا أن يخرج من
كل شئ ما فيه؟ فأجاب عليه السلام أيما تيسر يخرج " ورآه الصدوق باسناده إلى محمد بن
خالد مثله (2).
وما رواه في الصحيح عن علي بن جعفر (3) قال: " سألت أبا الحسن موسى
عليه السلام عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير وعن الدنانير دراهم بالقيمة أيحل
ذلك؟ قال لا بأس به " ورواه الحميري فيقرب الإسناد (4) ورواه الصدوق باسناده
إلى علي بن جعفر (5) ورواه علي بن جعفر في كتابه (6).
وإنما الخلاف في زكاة الأنعام هل يجب الاخراج من العين ما دام متمكنا أو يجوز
الانتقال إلى القيمة وإن أمكن الاخراج من العين؟ قولان نقل أولهما عن الشيخ
المفيد في المقنعة حيث قال: لا يجوز اخراج القيمة في زكاة الأنعام إلا أن تعدم
الأسنان المخصوصة في الزكاة. ويفهم من كلام المحقق في المعتبر الميل إليه. وثانيهما
عن الشيخ في الخلاف فإنه قال: يجوز اخراج القيمة في الزكاة كلها أي شئ كانت
القيمة وتكون القيمة على وجه البدل لا على أنها أصل. وإلى هذا القول ذهب أكثر
المتأخرين، واستدل عليه في الخلاف باجماع الفرقة وأخبارهم. ورده في المعتبر
بمنع الاجماع وعدم دلالة الأخبار على موضع النزاع. وهو كذلك. وسيأتي إن شاء
الله تعالى مزيد تحقيق في هذه المسألة في زكاة الغلات.
المقام الرابع - في بيان الشروط المتعلقة بالوجوب وهي أربعة: النصاب وقد

(1) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب والفضة
(2) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب والفضة
(3) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب والفضة
(4) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب والفضة
(5) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب والفضة
(6) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب والفضة
72

تقدم الكلام فيه، والحول والسوم وأن لا تكون عوامل، وما يتبع هذا المقصد من
بعض المسائل، فالكلام في هذا المقام يقع في مواضع أربعة:
الأول - في الحول وهو من ما وقع الاتفاق عليه نصا وفتوى، ومن الأخبار
قولهما (عليهما السلام) في صحيحة الفضلاء (1) المتقدمة " وكل ما لم يحل عليه الحول
عند ربه فلا شئ عليه فإذا حال عليه الحول وجب عليه، ونحوها غيرها من
الأخبار الكثيرة.
ولا يخفى أن الحول لغة وعرفا إنما هو عبارة عن اثني عشر شهرا وهي تمام
السنة إلا أنه لما ورد عنهم (عليهم السلام) اطلاق الحول في الزكاة على أحد عشر
شهرا صار هذا معنى شرعيا للحول، فحيثما أطلق في كلام الأصحاب في هذا الباب
وكذا في الأخبار فإنما يراد به هذا المعنى، والظاهر أنه لا خلاف فيه إلا ما يظهر من
المحدث الكاشاني في الوافي كما سيأتي.
واستدل الأصحاب على ذلك بحسنة زرارة بإبراهيم بن هشام (2) التي هي
صحيحة عندنا وفيه " قال زرارة فقلت له رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه
أو ولده أو أهله فرارا بها من الزكاة فعل ذلك قبل حلها بشهر؟ فقال إذا دخل الشهر
الثاني عشر فقد حال عليها الحول ووجبت عليه فيها الزكاة.. الحديث " وفي صدر
الخبر المذكور ما يدل على ذلك أيضا كما سيأتي إن شاء الله تعالى ذكره.
وبالجملة فإنه لا اشكال ولا خلاف في ذلك بينهم، إنما الخلاف في موضعين:
أحدهما - أنه هل يحتسب هذا الشهر بعد حصول الوجوب بهلاله من الحول الثاني أو
الأول؟ قولان أولهما لفخر المحققين ابن العلامة (قدس الله تعالى روحيهما) والثاني -
للشهيد (قدس سره) في البيان والدروس.
حجة القول الأول إن الفاء تقتضي التعقيب بلا فصل فبأول جزء منه يصدق

(1) الوسائل الباب 8 من زكاة الأنعام
(2) الوسائل الباب 12 من زكاة الذهب والفضة
73

أنه حال عليه الحول و " حال " فعل ماض لا يصدق إلا بتمامه. وربما يناقش في أن
التعقيب إنما هو مقتضى الفاء العاطفة وأما الفاء الجزائية فإنه محل خلاف. إلا أن
الظاهر أن هذا المعنى من ما يتبادر من ترتب الجزاء على الشرط هنا.
حجة القول الثاني إن الحول لغة عبارة عن تمام الاثني عشر والأصل عدم
النقل، قال شيخنا الشهيد الثاني في شرح المسالك: إعلم أن الحول لغة اثنا عشر شهرا
ولكن أجمع أصحابنا على تعلق الوجوب بدخول الثاني عشر، وقد أطلقوا على أحد
عشر اسم الحول أيضا بناء على ذلك، وورد عن الباقر والصادق (عليهما السلام) (1)
" إذا دخل الثاني عشر فقد حال الحول ووجبت الزكاة " فصار الأحد عشر حولا شرعيا..
إلى أن قال: إذا تقرر ذلك فنقول لا شك في حصول أصل الوجوب بتمام الحادي
عشر ولكن هل يستقر الوجوب به أم يتوقف على تمام الثاني عشر؟ الذي اقتضاه
الاجماع والخبر السالف الأول، لأن الوجوب دائر مع الحول وجودا مع باقي الشرائط
وعدما لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (2) " لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول " وقول
الصادق عليه السلام (3) " لا تزكه حتى يحول عليه الحول " وقد تقدم في الخبر السالف
" إذا دخل الثاني عشر فقد حال الحول ووجبت الزكاة " والفاء تقتضي التعقيب بغير
مهلة فيصدق الحول بأول جزء منه و " حال " فعل ماض لا يصدق إلا بتمامه، وحيث
ثبت تسمية الأحد عشر حولا شرعيا قدم على المعنى اللغوي لما تقرر من أن
الحقيقة الشرعية مقدمة على اللغوية. ويحتمل الثاني لأنه الحول لغة والأصل عدم
النقل، ووجوبه في الثاني عشر لا يقتضي عدم كونه من الحول الأول لجواز حمل
الوجوب بدخوله على المستقر. والحق أن الخبر السابق إن صح فلا عدول عن

(1) الوسائل الباب 12 من زكاة الذهب والفضة. والظاهر أن الرواية عن الباقر " ع "
كما يظهر بمراجعة الفروع ج 1 ص 148 والتهذيب ج 1 ص 358.
(2) سنن البيهقي ج 4 ص 95
(3) الوسائل الباب 15 من زكاة الذهب والفضة، واللفظ " لا يزكيه.. ".
74

الأول لكن في طريقه كلام والعمل على الثاني متعين إلى أن يثبت، وحينئذ فيكون
الثاني عشر جزء من الأول واستقرار الوجوب مشروط بتمامه. انتهى كلامه
زيد مقامه.
وظاهر هذا الكلام اختيار كون الوجوب غير مستقر بمجرد دخول الثاني عشر
وهو خلاف ما عليه ظاهر الأصحاب من استقرار الوجوب بدخوله. وهذا هو الموضع
الثاني من موضعي الخلاف المشار إليه آنفا.
ثم إن السيد السند في المدارك اعترض جده هنا بكلام أوردناه في شرحنا على
المدارك وبينا ما فيه.
وظاهر المحدث الكاشاني في الوافي الطعن في دلالة الخبر المذكور وحمله على
مورده من حكم الفرار، حيث قال في الكتاب المذكور: لعل المراد بوجوب
الزكاة وحول الحول برؤية هلال الثاني عشر الوجوب والحول لمريد الفرار بمعنى أنه
لا يجوز الفرار حينئذ لاستقرار الزكاة في المال بذلك، كيف والحول معناه معروف
والأخبار باطلاقه مستفيضة، ولو حملناه على معنى استقرار الزكاة فلا يجوز تقييد
ما ثبت بالضرورة من الدين بمثل هذا الخبر الواحد الذي فيه ما فيه وإنما يستقيم
بوجوه من التكلف. انتهى. وهو جيد لولا اتفاق الأصحاب قديما وحديثا على العمل
بمضمونه في الزكاة مطلقا لا بخصوص هذا الفرد الذي ذكره.
أقول: ومن ما يؤيد ما ذكره (طاب ثراه) صحيحة عبد الله بن سنان (1)
قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام لما نزلت آية الزكاة " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم
وتزكيهم بها " (2) وأنزلت في شهر رمضان فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله مناديه فنادى في
الناس أن الله تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة. ففرض الله عليهم من
الذهب والفضة وفرض عليهم الصدقة من الإبل والبقر والغنم ومن الحنطة والشعير

(1) ارجع إلى الصفحة 3
(2) سورة التوبة الآية 103.
75

والتمر والزبيب، ونادى فيهم بذلك في شهر رمضان وعفا لهم عن ما سوى ذلك. قال ثم
لم يتعرض لشئ من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل فصاموا وافطروا فأمر
مناديه فنادى في المسلمين أيها المسلمون زكوا أموالكم تقبل صلاتكم. ثم وجه عمال
الصدقة وعمال الطسوق " وهو ظاهر كما ترى في اعتبار حول الاثني عشر شهرا.
ويمكن الجمع بين هذا الخبر والخبر المتقدم بما ذكره شيخنا الشهيد الثاني من
حصول الوجوب بدخول الثاني عشر وإن كان لا يستقر إلا بتمامه.
وما ذكره الحدث المشار إليه - من الإشارة إلى ما في الخبر المذكور من الاشكال
في مواضع منه - متجه، فإن الخبر طويل مشتمل على بعض الأحكام العويصة الغير
الظاهرة بل الظاهرة المخالفة إلا بتكلفات بعيدة، وسيأتي إن شاء الله تعالى نقل الخبر
المذكور بتمامه والكلام فيه.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن تنقيح هذا الموضع يتوقف على رسم مسائل:
الأولى - الظاهر أنه لو اختل أحد الشروط الموجبة للزكاة في أثناء الحول بطل
الحول، وهو بالنسبة إلى النصاب اتفاقي وأما بالنسبة إلى غيره من الشروط ففيه خلاف
سيأتي التنبيه عليه إن شاء الله تعالى في مواضعه.
الثانية - لو عاوض الأنعام بجنسها كالغنم بالغنم الشامل لصنفي الضأن والمعز
أو بغير جنسها كالغنم بالبقر مثلا سقطت الزكاة.
والخلاف هنا في موضعين: أحدهما - في المعاوضة لا بقصد الفرار، وقد نقل
عن الشيخ في المبسوط أنه ذهب إلى أن المعاوضة بالجنس لا تقطع الحول لصدق
الاسم. وهو ضعيف فإن ظواهر الأخبار تعلق الحكم بالأعيان فمتى تبدلت سقط الحكم
الثاني - في المعاوضة بقصد الفرار والمشهور العدم، وقال الشيخ في المبسوط
إن بادل بجنسه أو بغير جنسه فرارا وجبت الزكاة. وإليه ذهب في موضع من التهذيب
وهو منقول عن السيد المرتضى في كتاب الإنتصار مدعيا عليه الاجماع. وسيأتي
تحقيق المسألة إن شاء الله تعالى في زكاة النقدين.
76

الثالثة - إذا حال الحول على النصاب مستكملا للشرائط ثم تلف منه شئ فإن
كان عن تفريط ولو بتأخير الاخراج مع التمكن ضمن المالك وإلا وزع التالف على
النصاب وسقط من الفريضة بالنسبة، وأما مع وجود الزيادة على النصاب فقد تقدم
بيان الحكم فيه في المسألة الأولى من المقام الثالث.
الرابعة - لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أنه لا تعد
الأولاد مع الأمهات بل لكل منهما حول بانفراده للأخبار الكثيرة الدالة على أن
كل ما لا يحول عليه الحول عند ربه فلا شئ عليه (1) وقوله عليه السلام في صحيحة
زرارة (2) " ليس في صغار الإبل شئ حتى يحول عليها الحول من يوم تنتج " ومثلها
غيرها، وحينئذ فلو كانت الأولاد المتجددة نصابا مستقلا كما لو ولدت خمس من
الإبل خمسا فلكل حول بانفراده، ولو ولدت أربعون من الغنم أربعين وجب
في الأمهات شاة عند تمام حولها ولم يجب في السخال شئ، فإن الزائد على الأربعين
عفو حتى يصل إلى النصاب الثاني وهو مائة وإحدى وعشرون. واحتمل المحقق
في المعتبر وجوب شاة في الثانية عند تمام حولها لقوله عليه السلام (3) " في كل أربعين شاة
شاة " وفيه أن الظاهر اختصاص الرواية بالنصاب الأول المبتدأ إذ لو ملك ثمانين
دفعة لم تجب عليه شاتان اجماعا.
نعم يبقى الاشكال في ما لو كانت الزيادة متممة للنصاب الثاني بعد اخراج ما وجب
في الأول، كما لو ولدت ثلاثون من البقر أحد عشر، وثمانون من الغنم اثنين وأربعين،
فهل يسقط اعتبار الأول ويعتبر الجميع نصابا واحدا من الزمان الثاني بمعنى أنه يلغي ما
مضى من حول الأمهات ويعتبر النصاب من زمان وجود الزيادة، أو وجوب زكاة كل
منهما عند انتهاء حوله فيخرج عند انتهاء حول الأول في المثال المتقدم تبيع وشاة وعند

(1) الوسائل الباب 8 من زكاة الأنعام
(2) الوسائل الباب 9 من زكاة الأنعام
(3) الوسائل الباب 6 من زكاة الأنعام
77

مضي سنة من تلك الزيادة شاتان ومسنة، أو عدم ابتداء حول الزائد حتى ينتهي
حول الأول ثم استئناف حول للجميع؟ أوجه اختار جملة من المتأخرين منها
الوجه الأخير لوجوب اخراج زكاة الأول عند تمام حوله لوجود المقتضي وانتفاء
المانع، ومتى وجب اخراج زكاته منفردا امتنع اعتباره منضما إلى جزئه في ذلك
الحول للأصل وقوله صلى الله عليه وآله (1) " لا ثنى في صدقة " وقوله عليه السلام في حسنة زرارة (2)
" لا يزكى المال من وجهين في عام واحد " والمسألة لا تخلو من اشكال لعدم النص
فيها وإن كان ما ذكروه من الوجه هو أقرب الوجوه المذكورة.
الخامسة - إذا ارتد المسلم الفطري قبل تمام الحول استأنف ورثته الحول
لانتقال المال إليهم ولا يعتبر بما مضى من الحول في ملك المورث كما لو مات. وأما
الملي فحيث لا يجب قتله حتى يستتاب فلا تجري عليه أحكام الردة ولا تخرج أمواله
عن ملكه بمجرد الردة وإن حجر عليه التصرف فيها حتى يتوب، ولو استتيب ثلاثا
ولم يتب وجب قتله وتعلق به الحكم المتقدم.
الموضع الثاني - في السوم وهو لغة الرعي، ولا بد أن يكون طول الحول فلا
تجب الزكاة في المعلوفة، والحكم مجمع عليه كما نقله غير واحد.
ويدل عليه من الأخبار قول الصادقين (عليهما السلام) في صحيحة الفضلاء (3)
" ليس على العوامل من الإبل والبقر شئ إنما الصدقات على السائمة الراعية ".
والظاهر أن وصف الراعية كاشف لما عرفت من أن السوم لغة الرعي كما تدل
عليه موثقة زرارة الآتية وقوله عليه السلام (4) في حسنة الفضلاء المشار إليها بعد دكر نصاب
الإبل " ولا على العوامل شئ إنما ذلك على السائمة الراعية " وقول أبي عبد الله عليه السلام

(1) النهاية لا بن الأثير مادة " ثنى " و " ثنى " على وزن " إلى "
(2) ص 39
(3) الوسائل الباب 7 من زكاة الأنعام، وقوله " من الإبل والبقر " منه (قدس سره)
باعتبار وروده فيهما
(4) الوسائل الباب 7 من زكاة الأنعام. واللفظ مطابق للوافي
وفي الفروع والتهذيب والوسائل " وليس.. " كما تقدم.
78

في صحيحة زرارة الواردة في الخيل (1) حيث قال له الراوي " هل على الفرس أو
على البعير يكون للرجل يركبهما شئ؟ قال لا ليس على ما يعلف شئ إنما الصدقة على
السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل " والمرج بالجيم مرعى الدواب
والأخبار المذكورة وإن لم تشتمل على ذكر الغنم إلا أن عموم الجواب كاف
في ثبوت الحكم فإن خصوص السبب لا يخصص كما ثبت عندهم في الأصول، مضافا
إلى ما في موثقة زرارة الآتية في أول المطلب الثالث (2) من قوله عليه السلام في عد
التسعة التي تجب فيها الزكاة " والإبل والبقر والغنم السائمة وهي الراعية " واتفاق
عامة أهل الاسلام على ذلك (3).
بقي الكلام في تحقيق السوم الذي يترتب عليه الوجوب والعلف الذي ينقطع
به السوم في أثناء الحول، فقيل إنه يراعى الأغلب في ذلك وهو منقول عن الشيخ،
وقد نص في المبسوط على سقوط الزكاة مع التساوي، وقال ابن إدريس ليس فيها
زكاة إلا إذا كانت سائمة طول الحول ولا يعتبر الأغلب في ذلك. واعتبر المحقق في
المعتبر استمرار السوم طول الحول وأنه يزول بالعلف اليسير، وهو يرجع إلى
قول ابن إدريس. واختار العلامة في التحرير والتذكرة اعتبار الاسم فإن بقي عليها
اسم السوم وجبت الزكاة وإلا سقطت. وظاهر ارجاع ذلك إلى العرف والظاهر أنه هو المشهور بين المتأخرين. واختار الشيخ في النهاية سقوطه بعلف اليوم
وصرح بعدم اعتبار اللحظة. وتردد في الدروس في اليوم في السنة بل في الشهر
واستقرب بقاء السوم.
ولا يخفى ما في هذه الأقوال من الاشكال ولا سيما الرجوع إلى العرف كما
نبهنا عليه في مواضع من أن العرف مع كونه لا دليل على الرجوع إليه من الأخبار
ليس أمرا منضبطا ليصح بناء الأحكام الشرعية عليه.

(1) الوسائل الباب 7 من زكاة الأنعام،
(2) الوسائل الباب 8 من ما تجب فيه الزكاة رقم 9
(3) المغني ج 2 ص 596 و 597
79

وأنت خبير بأن ظواهر الأخبار ولا سيما صحيحة زرارة وقوله عليه السلام فيها
" إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل " وهو اعتبار
السوم طول الحول كما هو ظاهر المحقق وابن إدريس، إلا أنه ينبغي الاحتياط في عدم.
اسقاط الزكاة بعلف ساعة بل يوم في السنة.
والظاهر أنه لا فرق في العلف الموجب لسقوط السوم بين كونه من المالك أو
الدابة نفسها أو علف الغير لها بإذن المالك أو بغير إذنه من مال المالك أو من مال
نفسه، ولا بين أن يكون لعذر يمنع من الراعي كالثلج ونحوه أم لا، لصدق المعلوفة
في جميع هذه الصور.
وأما ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني - من أنه يشكل الحكم في ما لو علفها الغير
من مال نفسه نظرا إلى المعنى المقصود والحكمة المقتضية لسقوط الزكاة معه وهي
المؤنة على المالك الموجبة للتخصيص كما اقتضته في الغلات عند سقيها بالدوالي -
فالظاهر ضعفه لأن الأحكام الشرعية لا تبنى على مثل هذه المناسبات، وقيام
النصوص في الغلات بما ذكره لا يقتضي الحمل عليه هنا والخروج عن اطلاق النصوص
الموجب لسقوط الزكاة عن المعلوفة مع صدق كونها معلوفة.
فرع
قد صرح جملة من الأصحاب بأن السخال - والمراد بها في كلامهم ما هو أعم
من أولاد الغنم وإن كان أصل التسمية لغة مخصوصة بأولاد الغنم بعد وضعها كما تقدم -
لا تعد في الحول إلا بعد الاستغناء بالرعي ليتحقق شرط السوم بالنسبة إليها كما دلت
عليه الأخبار المتقدمة.
ونقل عن الشيخ وجماعة بل الظاهر أنه هو المشهور كما صرح به في المسالك أن
حولها من حين النتاج، وعليه تدل الأخبار كقوله عليه السلام في رواية زرارة (1) " وما
كان من هذه الأصناف الثلاثة الإبل والبقر والغنم فليس فيها شئ حتى يحول عليها

(1) التهذيب ج 1 ص 354 وفي الوسائل الباب 2 من زكاة الأنعام رقم " 3 ".
80

الحول من يوم تنتج " وصحيحة زرارة أو حسنته بإبراهيم بن هاشم عن أبي جعفر
عليه السلام (1) قال: " ليس في صغار الإبل شئ حتى يحول عليها الحول من يوم تنتج "
ورواية ثالثة له عن أحدهما (عليهما السلام) (2) وفيها بعد ذكر الأصناف الثلاثة
" وما كان من هذه الأصناف فليس فيها شئ حتى يحول عليه الحول منذ يوم تنتج "
واستقرب الشهيد في البيان اعتبار الحول من حين النتاج إن كان اللبن عن
سائمة. والظاهر أنه جعله وجه جمع بين أخبار القولين، لأنه متى كان اللبن عن سائمة
فكأنه يدخل تحت أخبار السوم وإن كان عن معلوفة فكأنه يدخل تحت المعلوفة فلا
يدخل في السوم إلا بعد الاستغناء بالرعي. ومقتضى المشهور هو تقييد أخبار السوم
بأخبار النتاج بمعنى أن اشتراط السوم مدة الحول مخصوص بما عدا السخال فإن حولها
من يوم النتاج وإن صدق أنها معلوفة.
وكيف كان فالأقرب هو القول المشهور وقوفا على ظاهر هذه الأخبار، إلا أنه قد روى الكليني والصدوق في الموثق عن إسحاق بن عمار (3) قال: " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام السخل متى تجب فيه الصدقة؟ قال إذا أجذع " ولا يخفى ما فيه من
الاشكال لمخالفته الأخبار وكلام الأصحاب، فإن الجذع من الغنم بناء على كلام
الأصحاب ما كمل له سبعة أشهر وعلى كلام أهل اللغة أنه في الضأن كذلك وفي المعز
ما دخل في السنة الثانية. ولم أقف على من تعرض للجواب عنه، ويحتمل وإن بعد
الحمل على الأخذ في الصدقة بناء على ما تقدم من أحد القولين في المسألة وهو أن
أقل أسنان المأخوذ في زكاة الغنم جذع من الضأن وثني من المعز.

(1) الوسائل الباب 9 من زكاة الأنعام
(2) الوسائل الباب 7 رقم 6 والباب 9 رقم 1 ولا يخفى أن راوي هذا الحديث هو
الشيخ ولم يرد في التهذيب ج 1 ص 360 اللفظ المذكور وإنما وردت فيه الفقرة الآتية فقط
" وكل شئ من هذه الأصناف من الدواجن والعوامل فليس فيها شئ حتى يحول عليه
الحول منذ يوم تنتج " وأورد اللفظ المذكور في الهامش بعنوان النسخة. نعم في الإستبصار
ج 2 ص 24 والوافي والوسائل ذكرت الفقرتان معا.
(3) الوسائل الباب 9 من زكاة الأنعام
81

الموضع الثالث - أنه يشترط في الأنعام أن لا تكون عوامل فإنه لا زكاة
فيها وإن كانت سائمة، والحكم المذكور من ما وقع عليه الاتفاق أيضا.
إلا أنه قد روى إسحاق بن عمار في الموثق (1) قال: " سألته عن الإبل تكون
للجمال أو تكون في بعض الأمصار أتجري عليها الزكاة كما تجري عليه السائمة في البرية؟
فقال نعم " ونحوها رواية أخرى له أيضا رواها في الضعيف عن أبي عبد الله عليه السلام
(2) وبسند آخر في الموثق عن أبي إبراهيم عليه السلام (3) قال: " سألته عن الإبل العوامل
عليها زكاة؟ فقال نعم عليها زكاة ".
وأجاب عنها الشيخ في التهذيب - بعد الطعن فيها أولا بالاضطراب حيث إن إسحاق رواها تارة مرسلا وتارة مسندا بالحمل على الاستحباب، وتبعه من
تأخر عنه من الأصحاب كما هي قاعدتهم في جل الأبواب.
والأقرب عندي هو الحمل على التقية التي هي الأصل في اختلاف الأخبار
وإن لم يكن بها قائل من العامة بالكلية كما أوضحناه في كتابنا الدرر النجفية والمقدمة
الأولى من مقدمات هذا الكتاب، مع أن ذلك مذهب مالك أحد الأئمة الأربعة (4)
كما نقله عنه في المعتبر.
وقد صرح الأصحاب بأن الخلاف المتقدم في السوم جار هنا أيضا، قال في
البيان: والكلام في اعتبار الأغلب هنا كالكلام في السوم. وقد صرح الشيخ في
المبسوط على ما نقل عنه باعتبار الأغلب هنا أيضا كما ذكره ثمة. والاحتياط لا يخفى.
الموضع الرابع - في مسائل تلحق بهذا المقصد: الأولى - قد صرح الأصحاب
(رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف بأنه لا يضم مال انسان إلى غيره وإن كانا في
مكان واحد بل يعتبر النصاب في مال كل واحد على حدة، ولا يفرق بين مالي المالك ولو
تباعد مكانهما بمعنى أنه لا يكون لكل واحد منهما حكم بانفراده بل يقدران مجتمعين

(1) الوسائل الباب 7 من زكاة الأنعام
(2) الوسائل الباب 7 من زكاة الأنعام
(3) الوسائل الباب 7 من زكاة الأنعام
(4) المدونة الكبرى ج 1 ص 268
82

فإن بلغا النصاب كذلك وجبت الزكاة وإلا فلا.
وهذا الكلام خرج في مقام الرد على العامة حيث ذهب جمع منهم إلى أن
الخلطة تجعل المالين مالا واحدا سواء كانت خلطة أعيان كأربعين شاة بين شريكين أو
خلطة أوصاف كالاتحاد في المرعى والمشرب والمراح والفحل والحلب والحالب والمحلب
مع تميز المالين (1) وهو باطل عندنا لعدم الدليل عليه بل قيام الدليل على خلافه كما في
صحيحة محمد بن قيس عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " ولا يفرق بين مجتمع ولا
يجمع بين متفرق " أي في المالك، وفي حسنة عبد الرحمان بن الحجاج (3) أن محمد بن
خالد سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الصدقة فقال مر مصدقك أن لا يحشر من ماء إلى
ماء ولا يجمع بين المتفرق ولا يفرق بين المجتمع " ويدل على ذلك أيضا اطلاق
الأخبار كقوله عليه السلام (4) " في كل أربعين شاة شاة " وبالجملة فإنه لا بد من بلوغ كل
نصيب نصابا.
ويزيده بيانا ما رواه الصدوق في كتاب العلل عن زرارة عن أبي جعفر
عليه السلام (5) في حديث قال فيه " ثم قال زرارة قلت له مأتي درهم بين خمسة أناس أو
عشرة حال عليها الحول وهي عندهم أتجب عليهم زكاتها؟ قال لا هي بمنزلة تلك - يعني
جوابه في الحرث - ليس عليهم شئ حتى يتم لكل انسان منهم مائتا درهم. قلت
وكذلك في الشاة والإبل والبقر والذهب والفضة وجميع الأموال؟ قال نعم ".
الثانية - لو بيع النصاب بعد الحول وقبل اخراج الزكاة فإن الزكاة تجب على
المشتري ويرجع بها على البائع إلا أن يؤديها البائع.
ويدل عليه صحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله (6) قال: " قلت لأبي عبد الله

(1) المغني ج 2 ص 607
(2) الوسائل الباب 11 من زكاة الأنعام.
(3) الوسائل الباب 11 من زكاة الأنعام.
(4) الوسائل الباب 6 من زكاة الأنعام.
(5) الوسائل الباب 5 من زكاة الذهب والفضة
(6) الوسائل الباب 12 من زكاة الأنعام
83

عليه السلام رجل لم يزك إبله أو شاته عامين فباعها، على من اشتراها أن يزكيها لما مضى؟ قال
نعم تؤخذ منه زكاتها ويتبع بها البائع أو يؤدي زكاتها البائع ".
وهذا الخبر من ما يدل على تعلق الزكاة بالعين وإن جاز الاخراج من غيره
رخصته وتخفيفا كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.
الثالثة - قد تكرر في صحيحة الفضلاء بعد ذكر نصب الإبل ثم بعد ذكر
نصب البقر أنها ترجع على أسنانها.
ولم أقف على من تعرض للكلام في معنى ذلك إلا على كلام للسيد ماجد بن
هاشم البحراني على ما نقل عنه تلميذه المحدث الكاشاني في الوافي حيث قال: المراد
برجوع الإبل على أسنانها استئناف النصاب الكلي واسقاط اعتبار الأسنان
السابقة كأنه إذا أسقط اعتبار الأسنان واستؤنف النصاب الكلي تركت الإبل على
أسنانها ولم تعتبر كما يقال رجعت الشئ على حاله أي تركته عليه ولم أغيره. وهو
وإن كان بعيدا بحسب اللفظ إلا أن السياق يقتضيه، وتعقيب ذكر أنصبة الغنم بقوله
" وسقط الأمر الأول " ثم تعقيبه بمثل ما عقب به نصب الإبل والبقر من نفي
الوجوب عن النيف يرشد إليه، لأنه جعل اسقاط الاعتبار بالأسنان السابقة في
الغنم مقابلا لرجوع الإبل على أسنانها واقعا موقعه وهو يقتضي اتحادهما في المؤدى
وربما أمكن حمله على استئناف النصب السابقة في ما تجدد ملكه في أثناء الحول كما
أول به المرتضى (رضي الله عنه) ما رووه من استئناف الفريضة بعد المائة
والعشرين. وقد يقال أراد برجوعها على أسنانها استئناف الفرائض السابقة بعد بلوغ
المائة والعشرين بأن يؤخذ للخمس الزائدة بعد المائة والعشرين شاة وللعشر شاتان
وهكذا إلى الخمس والعشرين فتؤخذ بنت مخاض وهكذا كما هو قول أبي حنيفة (1)
ويكون محمولا على التقية. والوجه هو الأول لما ذكرنا. انتهى كلامه (علت في الخلد
أقدامه) وهو جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه.
الرابعة - لا خلاف نصا وفتوى في أن ما بين النصابين لا زكاة فيه وهو المشار

(1) ارجع إلى التعليقة 1 ص 44
84

إليه في غير خبر من الأخبار المتقدمة بقولهم (عليهم السلام) (1) " ليس على النيف شئ
ولا على الكسور شئ " والنيف ككيس وقد يخفف وهو الزيادة وكل ما زاد على العقد
فهو نيف إلى أن يبلغ العقد الثاني، ويكون بغير تأنيث للمذكر والمؤنث ولا يستعمل
إلا معطوفا على العقود فإن كان بعد العشرة فهو لما دونها وإن كان بعد المائة فهو
للعشرة فما دونه وإن كان بعد الألف فهو للعشرة فأكثر. هكذا تقرر بينهم. وفي
بعض كتب أهل اللغة وتخفيف لحن عند الفصحاء. وحكى عن أبي العباس
أنه قال الذي حصلناه من أقاويل حذاق البصريين والكوفيين أن النيف من واحد
إلى ثلاثة والبضع من أربعة إلى تسعة، ولا يقال نيف إلا بعد عقد، نحو عشرة ونيف
ومائة ونيف وألف ونيف. ومنه يظهر المدافعة للقول الأول.
وقد جرت عادة الفقهاء في هذا المقام بتسمية ما بين النصابين في الإبل شنقا
وفي البقر وقصا وفي الغنم عفوا، والشنق بالتحريك وضبطه بعضهم بضم الشين،
والوقص بفتح القاف، والمستفاد من كلام أكثر أهل اللغة هو ترادف الشنق والوقص
بمعنى ما بين الفريضتين، وبعضهم خص الأول بالإبل والثاني بالبقر كما عليه الفقهاء
وهي أمور اصطلاحية لا مشاحة فيها.
المطلب الثاني - في زكاة النقدين وهي مشروطة بشروط الأول - النصاب ولا خلاف
فيه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
وإنما الخلاف في قدره من الذهب، والمشهور
بين الأصحاب هو أن النصاب الأول عشرون دينارا، والدينار مثقال شرعي، فربما
عبر بالمثقال تارة وربما عبر بالدينار أخرى والمرجع واحد كما سيأتي بيانه وفيها
نصف دينار، ثم أربعة دنانير وفيها عشر دينار وقيراطان، وهكذا بالغا ما بلغ.

(1) ورد ذلك في ما يخص الأنعام في صحيحة الفضلاء في زكاة الإبل والبقر، وفي زكاة
الغنم هكذا " وليس في النيف شئ " فقط، الوسائل الباب 2 و 4 و 6 و 7 من زكاة الأنعام.
وفي حديث العمل المتقدم ص 83 النفي في الأنعام والنقدين وفي أخبار النقدين نفي الزكاة
في النيف في بعضها ونفيها في الكسور في آخر ارجع إلى الوسائل الباب 2 رقم 1 و 6 و 7
و 8 من زكاة الذهب والفضة
85

ونقل عن الشيخ علي بن الحسين بن بابويه - وحكاه في المعتبر عن ابنه الصدوق
وجماعة من أصحاب الحديث - أن النصاب الأول أربعون دينارا فأربعون وهكذا.
والأظهر الأول للأخبار المتكاثرة ومنها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن
أحمد بن حمد بن أبي نصر (1) قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن ما أخرج من المعدن من
قليل أو كثير هل فيه شئ؟ قال ليس فيه شئ حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة
عشرين دينارا ".
وما رواه الكليني عن الحسين بن بشار في الصحيح (2) قال: " سألت أبا الحسن
عليه السلام في كم وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الزكاة؟ فقال في كل مأتي درهم خمسة دراهم فإن
نقصت فلا زكاة فيها، وفي الذهب في كل عشرين دينارا نصف دينار فإن نقص
لا زكاة فيه ".
وما رواه فيه في الموثق عن علي بن عقبة وعدة من أصحابنا عن أبي جعفر
وأبي عبد الله (عليه السلام) (3) قالا: " ليس في ما دون العشرين مثقالا من الذهب شئ
فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال إلى أربعة وعشرين، وإذا كملت أربعة
وعشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية وعشرين، فعلى هذا الحساب كلما زاد
أربعة دنانير ".
وما رواه الشيخ في الموثق عن يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام (4)
قال: " في عشرين دينارا نصف دينار "
وما رواه في الموثق عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (5) قال: " في الذهب إذا بلغ
عشرين دينارا ففيه نصف دينار وليس في ما دون العشرين شئ، وفي الفضة إذا بلغت مأتي

(1) الوسائل الباب 4 من ما يجب فيه الخمس
(2) الفروع ج 1 ص 154 وفي الوسائل الباب 1 و 2 من زكاة الذهب والفضة
(3) الوسائل الباب 1 من زكاة الذهب والفضة
(4) الوسائل الباب 1 من زكاة الذهب والفضة
(5) الوسائل الباب 1 و 2 من زكاة الذهب والفضة.
86

درهم خمسة دراهم وليس في ما دون المائتين شئ، فإذا زادت تسعة وثلاثون على المائتين
فليس فيها شئ حتى تبلغ الأربعين، وليس في شئ من الكسور شئ حتى تبلغ الأربعين وكذلك الدنانير على هذا الحساب ".
وما رواه في الموثق عن زرارة وبكير (1) " أنهما سمعا أبا جعفر عليه السلام يقول
في الزكاة أما في الذهب فليس في أقل من عشرين دينارا شئ فإذا بلغت عشرين دينارا
ففيه نصف دينار، وليس في أقل من مائتي درهم شئ فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة
دراهم فما زاد فبحساب ذلك، وليس في مائتي درهم وأربعين درهما غير درهم إلا خمسة
دراهم، فإذا بلغت أربعين ومائتي درهم ففيها ستة دراهم فإذا بلغت ثمانين ومائتين
ففيها سبعة دراهم وما زاد فعلى هذا الحساب، وكذلك الذهب وكل ذهب. وإنما
الزكاة على الذهب والفضة الموضوع إذا حال عليه الحول ففيه الزكاة وما لم يحل عليه
الحول فليس فيه شئ " إلى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عن نقلها المقام.
ويدل على القول الثاني موثقة الفضلاء الأربعة عن أبي جعفر وأبي عبد الله
(عليهما السلام) (2) أنهما قالا: " في الذهب في كل أربعين مثقالا مثقال، وفي الورق
في كل مائتين خمسة دراهم، وليس في أقل من أربعين مثقالا شئ ولا في أقل من
مائتي درهم شئ، وليس في النيف شئ حتى يتم أربعون فيكون فيه واحد "
واستدل عليه أيضا بما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن زرارة (3)
قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل عنده مائة درهم وتسعة وتسعون درهما وتسعة
وثلاثون دينارا أيزكيها؟ قال لا ليس عليه شئ من الزكاة في الدارهم ولا في الدنانير
حتم تتم أربعين دينارا والدراهم مائتي درهم. قال قلت فرجل عنده أربعة أينق
وتسعة وثلاثون شاة وتسعة وعشرون بقرة أيزكيهن؟ قال لا يزكي شيئا منها لأنه

(1) الوسائل الباب 1 و 2 و 15 من زكاة الذهب والفضة
(2) التهذيب ج 1 ص 351 وفي الوسائل الباب 1 و 2 من زكاة الذهب والفضة
(3) الوسائل الباب 1 من زكاة الذهب والفضة و 1 من زكاة الأنعام.
87

ليس شئ منهن قد تم فليس تجب فيه الزكاة ".
ويشكل بأن هذه الرواية قد رواها الصدوق في الفقيه (1) بما هذه صورته:
قال زرارة قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل عنده مائة وتسعة وتسعون درهما وتسعة
عشر دينارا أيزكيها؟ فقال لا ليس عليه زكاة في الدراهم ولا في الدنانير حتى يتم. قال
زرارة: وكذلك هو في جميع الأشياء. قال وقلت.. إلى آخر ما تقدم.
وبذلك يضعف الاعتماد على رواية الشيخ للخبر المذكور، ولهذا أن المحدث
الكاشاني في الوافي إنما نقل الخبر برواية الصدوق ثم نبه على رواية الشيخ وقال إن
ما في الفقيه هو الصواب.
وقال في كتاب الفقه الرضوي (2): " وليس في ما دون عشرين دينارا زكاة
حتى يبلغ عشرين دينارا ففيها نصف دينار، وكل ما زاد بعد العشرين إلى أن يبلغ
أربعة دنانير فلا زكاة فيه فإذا بلغ أربعة دنانير ففيه عشر دينار ثم على هذا الحساب.
إلى أن قال بعد ذكر أحكام عديدة: ونروي أنه ليس على الذهب زكاة حتى يبلغ
أربعين مثقالا فإذا بلغ أربعين مثقالا ففيه مثقال، وليس في النيف شئ حتى
يبلغ أربعين ".
وظاهر نقله عليه السلام هذه الرواية بعد فتواه سابقا بما قدمنا نقله يعطي أن هذه
الرواية ليست معمولا عليها وأن لها معنى آخر يجب أن تحمل عليه، وليس إلا التقية
التي هي في الأحكام الشرعية أصل كل بلية وإن كان القائل بذلك من العامة قليلا (3)
لما حققناه في محل أليق وأشرنا إليه في غير موضع من ما تقدم من أنه لا يشترط
عندنا في الحمل على التقية وجود القائل بذلك من العامة.
وأما النصاب في الفضة فإن النصاب الأول مائتا درهم وفيها خمسة دراهم ثم

(1) ج ص 11 وفي الوسائل الباب 5 من زكاة الذهب والفضة
(2) ص 22
(3) المحلى ج 6 ص 66
88

ليس فيها شئ حتى تبلغ أربعين وفيها درهم وهكذا، وهو من ما لا خلاف فيه نصا
وفتوى وقد تقدم في الأخبار السابقة ما يدل عليه، ومثلها غيرها من الأخبار الكثيرة
الثاني - الحول ولا بد من وجود النصاب بعينه بشرائطه مدة الحول، وقد
تقدم الكلام في تحقيق الحول.
ويدل على هذا الشرط الأخبار الكثيرة ومنها صحيحة زرارة عن أبي جعفر
عليه السلام (1) قال: " الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول " وموثقة زرارة
وبكير المتقدمة في المقام (2) ونحوهما غيرهما.
الثالث - كون الذهب والفضة دنانير ودراهم منقوشة بسكة المعاملة الحاضرة
أو القديمة.
وتدل عليه جملة من الأخبار: منها - حسنة علي بن يقطين بإبراهيم بن هشام التي
هي صحيحة عندنا عن أبي إبراهيم (3) وفيها " وكل لم يكن ركازا فليس عليك فيه
شئ. قال قلت وما الركاز؟ قال الصامت المنقوش "
وما رواه الشيخ عن جميل عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام) (4)
أنهما قالا: " ليس على التبر زكاة إنما هي على الدنانير والدراهم ". ونحوهما غيرهما.
وأما اشتراط الملك والتمكن من التصرف فقد تقدم ولا وجه لا عادته هنا
كما يذكره بعضهم.
مسائل
الأولى - لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وغيرهم أيضا أن الدنانير
لم يتغير وزنها عما هي عليه الآن في جاهلية ولا اسلام صرح بذلك جملة من علماء الطرفين (5).

(1) الوسائل الباب 14 من ما تجب فيه الزكاة
(2) ص 87
(3) الوسائل الباب 8 من زكاة الذهب والفضة
(4) الوسائل الباب 8 من زكاة الذهب والفضة
(5) المجموع شرح المهذب ج 6 ص 7 وقد حقق فيه وزن الدينار والدراهم بنحو مبسوط
ص 4 و 15
89

قال شيخنا العلامة (أجزل الله اكرامه) في النهاية: والدنانير لم يختلف المثقال
منها في جاهلية ولا اسلام. وكذا نقل عن الرافعي في شرح الوجيز (1) أنه قال:
المثقال لم يختلف في جاهلية ولا اسلام.
والدينار مثقال شرعي فهما متحدان وزنا
فلذا يعبر في أخبار الزكاة تارة بالدينار وتارة بالمثقال.
وأما الدراهم فقد ذكر علماء الفريقين أيضا أنها كانت في زمن النبي صلى الله عليه وآله
سابقا كما كان قبل زمانه بغلية وكان وزن الدرهم منها ثمانية دوانيق، وطبرية وزن
الدرهم منها أربعة دوانيق، وهكذا بعده صلى الله عليه وآله إلى زمن بني أمية، فجمعوا الدرهمين
وقسموهما نصفين كل درهم ستة دوانيق واستقر أمر الاسلام على ذلك.
قال شيخنا الشهيد في كتاب الذكرى نقلا عن ابن دريد أن الدرهم الوافي هو
البغلي باسكان الغين منسوب إلى رأس البغل ضربه الثاني في خلافته بسكة كسروية
ووزنه ثمانية دوانيق، قال: والبغلية كانت تسمى قبل الاسلام بالكسروية فحدث
لها هذا الاسم في الاسلام والوزن بحاله وجرت في المعاملة مع الطبرية وهي أربعة
دوانيق، فلما كان زمن عبد الملك جمع بينهما واتخذ الدرهم منهما واستقر أمر الاسلام
على ستة دوانيق. انتهى.
وقد ذكروا في نسبة كل من الدينار والدرهم إلى الآخران الدينار درهم
وثلاثة أسباع درهم والدرهم نصف الدينار وخمسه، فعلى هذا يكون مقدار عشرة
دراهم سبعة دنانير، وتكون العشرون مثقالا التي هي أول نصب الذهب في وزن
ثمانية وعشرين درهما وأربعة أسباع درهم، والمائتا درهم التي هي أول نصب الفضة
في وزن مائة وأربعين مثقالا، ومن ذلك يعلم نصاب الفضة بهذه المحمديات الجارية
في هذه الأزمان المتأخرة حيث إن المحمدية منها وزن الدينار مثقال شرعي فيكون
النصاب الأول مائة محمدية وأربعين محمدية.
واعلم أنهم اتفقوا أيضا على أن كل دانق وزنه ثمان حبات من أوساط حب

(1) ج 6 ص 5 من المطبوع بضميمة المجموع شرح المهذب للنووي
90

الشعير كما صرح به علماء الفريقين (1) فالدرهم حينئذ ثمان وأربعون شعيرة والدينار
ثمان وستون شعيرة وأربعة أسباع شعيرة. إلا أنا قد اعتبرنا ذلك بالشعير الموجود
في زماننا لأجل استعلام كمية صاع الفطرة بصنج البحرين فوجدنا في ذلك نقصانا
فاحشا عن الاعتبار بالمثاقيل الشرعية وهي الدنانير، والظاهر أن حبات الشعير
المتعارفة سابقا كانت أعظم حجما وأثقل وزنا من الموجود في زماننا.
الثانية - اتفق الأصحاب (رضوان الله عليهم) على أنه لا يضم أحد النقدين
إلى الآخر على وجه يكون النصاب مركبا منهما بل يجب لكل منهما نصابه المتقدم،
ويدل على ذلك صحيحة زرارة المتقدم نقلها عن التهذيب والفقيه (2) المشتملة على
السؤال عن من ملك مائة درهم وتسعة وتسعين درهما وتسعة وثلاثين دينارا على
رواية التهذيب وتسعة عشر دينارا على رواية الفقيه حيث نفى الزكاة في ذلك حتى
يتم كل من النصابين. ومثلها موثقة إسحاق بن عمار الآنية قريبا في مسألة الفرار (3)
وأما ما ورد في رواية إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه السلام (4) قال: " قلت
له مائة وتسعون درهما وتسعة عشر دينار أعليها في الزكاة شئ؟ فقال إذا اجتمع
الذهب والفضة فبلغ ذلك مائتي درهم ففيها الزكاة، لأن عين المال الدراهم وكل ما خلا
الدراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود ذلك إلى الدراهم في الزكاة والديات "
وحسنة محمد بن مسلم (5) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الذهب كم فيه
من الزكاة؟ قال إذا بلغ قيمته مائتي درهم فعليه الزكاة " -
فقد حملهما الشيخ في التهذيب على ما تندفع به المنافاة، قال: ويحتمل أن يكون

(1) في رد المختار لابن عابدين ج 2 ص 32 المذكور في كتب الشافعية والحنابلة أن
درهم الزكاة ست دوانق والدانق ثمان حبات شعير وخمسا حبة من شعيرة معتدلة لم تقشر وقطع
من طرفيها ما دق وطال، وهو لم يتغير في الجاهلية والإسلام. وفي كتاب الأوزان
والمقادير للشيخ إبراهيم العاملي ص 26 نقل عن الفقهاء أن الدانق ثمان حبات من أوسط
حب الشعير ثم قال ص 27 الدانق ثمان حبات قمحات وخمسان.
(2) ص 87 و 88
(3) ص 98
(4) الوسائل الباب 1 من زكاة الذهب والفضة.
(5) الوسائل الباب 1 من زكاة الذهب والفضة.
91

المراد إذا بلغ كل واحد مائتي درهم ففيه الزكاة، ويجري هذا مجرى قوله تعالى
" والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة " (1) والمراد
كل واحد منهم ثمانين جلدة.. إلى آخر كلامه. ومرجعه إلى ما ذكره أيضا من أن
قيمة عشرين دينارا كانت في ذلك الوقت مائتي درهم، قال: ولذا تراهم يجعلون
الدينار في مقابلة عشرة دراهم في الديات وغيرها. وجعل في التهذيب المشار إليه في
قوله " فبلغ ذلك مائتي درهم " في صدر الخبر الأول كل واحد من الذهب والفضة باعتبار
القيمة في الذهب لأنهم كانوا يقومون الدنانير على هذا الوجه كل دينار بعشرة دراهم
في الديات وغيرها. واحتمل في الإستبصار حمله على التقية، قال لأن ذلك مذهب
العامة (2). أقول: والحمل الأول قريب في حسنة محمد بن مسلم ولا بأس به في رواية
إسحاق إلا أن الأظهر حملهما على التقية.
واحتمل بعض الأصحاب حمل الخبر الأول على زكاة التجارة، والظاهر أنه
مبني على أن اتخاذ الذهب فيه للتجارة ليتم الحمل المذكور فإن المرجع فيه إلى القيمة
ويؤيده آخر الحديث. وهذا الاحتمال يمكن اجراؤه أيضا في الحديث الثاني إلا أن الأظهر ما ذكرناه من الحمل
على التقية.
الثالثة - اتفق الأصحاب (رضوان الله عليهم) على أنه لا زكاة في المغشوش
من النقدين ما لم يبلغ الصافي نصابا لعموم أدلة الوجوب.
وخصوص ما رواه ثقة الاسلام في الكافي عن زيد الصائغ (3) قال

(1) سورة النور الآية 5.
(2) في المغني ج 3 ص 3: إذا كان له من كل واحد من الذهب والفضة ما لا يبلغ
نصابا بمفرده أو كان له نصاب من أحدهما وأقل من نصاب الآخر فذكر الخرقي فيه روايتان
أحدهما لا يضم وهو قول ابن أبي ليلى والحسن بن صالح وشريك والشافعي وأبي عبيد
وأبي ثور واختاره أبو بكر عبد العزيز. وثانيهما يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب
وهو قول الحسن وقتادة ومالك والأوزاعي والثوري وأصحاب الرأي، وروى الأثرم
عن أحمد التوقف فيه، وفي رواية حنبل عنه أنه قطع بالضم.
(3) الوسائل الباب 7 من زكاة الذهب والفضة.
92

" قلت لأبي عبد الله عليه السلام إني كنت في قرية من قرى خراسان يقال لها بخارى فرأيت
فيها دراهم تعمل ثلث فضة وثلث مس وثلث رصاص وكانت تجوز عندهم وكنت
أعملها وأنفقها؟ قال فقال أبو عبد الله عليه السلام لا بأس بذلك إذا كانت تجوز عندهم. فقلت
أرأيت إن حال عليها الحول وهي عندي وفيها ما يجب على فيه الزكاة أزكيها؟ قال نعم
إنما هو مالك. قلت فإن أخرجتها إلى بلدة لا ينفق فيها مثلها فبقيت عندي حتى حال عليها
الحول أزكيها؟ قال إن كنت تعرف أن فيها من الفضة الخالصة ما يجب عليك فيها
الزكاة فزك ما كان لك فيها من فضة ودع ما سوى ذلك من الخبث. قلت وإن كنت
لا أعلم ما فيها من الفضة الخالصة إلا أني أعلم أن فيها ما يجب فيه الزكاة؟ قال فاسبكها حتى
تخلص الفضة ويحترق الخبث ثم تزكي ما خلص من الفضة لسنة واحدة " والظاهر أن قوله " لسنة واحدة أي السنة التي كانت الدراهم مغشوشة فيها دون ما بعدها من ما
جعل سبائك.
وقد صرح العلامة في المنتهى بأنه لو كان معه دراهم مغشوشة بذهب أو
بالعكس وبلغ كل من الغش والمغشوش النصاب وجبت الزكاة فيهما. وهو كذلك
بلا اشكال. ويجب الاخراج من كل جنس بحسابه وإلا توصل إليه بالسبك كما تدل
عليه الرواية المتقدمة.
ولو شك المالك في بلوغ الخالص نصابا قال في التذكرة: لم يؤمر بسبكها ولا
بالاخراج منها ولا من غيرها لأن بلوغ النصاب شرط ولم يعلم حصوله فأصالة
البراءة لم يعارضها شئ. وهو جيد.
ثم إنه يجب في المخرج أن يكون خالصا إلا إذا علم اشتماله على ما يجب
من الخالص.
الرابعة - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يضم الجوهران
من الجنس الواحد بعض إلى بعض وإن اختلف الرغبة، لعموم ما دل على وجوب
الزكاة في الذهب والفضة الشامل ذلك للردئ من كل منهما والجيد والمختلفة القيمة
93

وغيرها، لكن يخرج الواجب بالنسبة إن لم يتطوع المالك بالأرغب.
وقيل بجواز اخراج الأدون لحصول الأمثال بما يصدق عليه الاسم، وهو
منقول عن الشيخ (قدس سره) ولا يخلو من قرب من حيث ظاهر التعليل المذكور
إلا أنه ربما يدفع بظاهر قوله عز وجل " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون.. الآية " (1)
وما سيأتي في تفسيرها في بحث الغلات من الأخبار الدالة على عدم جواز اخراج
الردئ من التمر عن الجيد منه (2) قيل: وأولى بالجواز لو أخرج الأدنى بالقيمة.
ولو أخرج من الأعلى بقدر قيمة الأدون مثل أن يخرج نصف دينار جيد
عن دينار أدون فالمشهور عدم الجواز من حيث إن الواجب عليه دينار فلا يجزئ
ما نقص عنه. واحتمل العلامة في التذكرة الاجزاء، ورده جملة من أفاضل
متأخري المتأخرين بأنه ضعيف.
أقول: لا ريب أن عدم الاجزاء في هذا الصورة كما هو المشهور إنما يتم بناء
على المشهور من وجوب الأخذ بالنسبة إن لم يتطوع المالك بالأرغب، وإلا فعلى
مذهب الشيخ من جواز اخراج الأدون الظاهر أنه لا اشكال في ذلك، لأنه متى
كان الواجب عليه دينارا واختار دفع الأدون وأراد دفع قيمته فدفع نصف دينار
خالص بقيمة ذلك الدينار الأدون فالمدفوع قيمته حينئذ لا أنه الفريضة الواجبة حتى
يقال إن الواجب دينار فلا يجزي ما دونه، ولعل الاحتمال المنقول عن العلامة
مبني على هذا.
الخامسة - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) بل الظاهر الاتفاق
عليه - أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة متى ملك النصاب.
ويدل عليه اطلاق الأخبار الدالة على وجوب الزكاة على من ملك النصاب
بالشروط المتقدمة (3).

(1) سورة البقرة الآية 270
(2) الوسائل الباب 19 من زكاة الغلات
(3) يستفاد ذلك من أخبار الباب 7 ممن تجب عليه الزكاة من الوسائل
94

وخصوص ما رواه في الكافي في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
وضريس عن أبي عبد الله عليه السلام (1) أنهما قالا: " أيما رجل كان له مال موضوع حتى
يحول عليه الحول فإنه يزكيه وإن كان عليه من الدين مثله أو أكثر منه فليزك
ما في يده ".
وظاهر الشهيد في البيان التوقف في ذلك حيث نقل عن كتاب الجعفريات
عن أمير المؤمنين عليه السلام (2) أنه قال: " من كان له مال وعليه مال فليحسب ماله وما
عليه فإن كان ماله فضل على مائتي درهم فليعط خمسة دراهم " قال: وهذا نص في منع
الدين الزكاة والشيخ في الخلاف ما تمسك على عدم منع الدين إلا باطلاق الأخبار
الموجبة للزكاة. انتهى
وفيه (أولا) أن الكتاب المذكور مجهول لا يمكن الاعتماد عليه. و (ثانيا) أن
ما نقله عنه معارض بالصحيحة المذكورة المؤيدة باطلاق الأخبار وعمل الأصحاب.
والظاهر أن شيخنا المذكور غفل عن ملاحظة الصحيحة المذكورة وتوهم
انحصار الدليل في الاطلاقات فرام تقييدها بهذا الخبر والحال ما عرفت.
السادسة - لو خلف الرجل نفقة لعياله سنة أو سنتين وبلغت النصاب فالمشهور
أنه إن كان حاضرا وجب عليه اخراج الزكاة وإلا فلا، ونقل عن ابن إدريس
أنه لم يفرق بين الحضور والغيبة بل اعتبر التمكن من التصرف وعدمه.
والذي دلت عليه الأخبار الأول كصحيحة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه
عن أبي عبد الله عليه السلام (3) " في رجل وضع لعياله ألف درهم نفقة فحال عليها الحول؟
قال إن كان مقيما زكاه وإن كان غائبا لم يزك " ونحوها موثقة إسحاق بن عمار (4)
وفيها " إن كان شاهدا فعليه زكاة وإن كان غائبا فليس عليه زكاة " وموثقة

(1) الوسائل الباب 10 ممن تجب عليه الزكاة
(2) مستدرك الوسائل الباب 8 ممن تجب عليه الزكاة
(3) الوسائل الباب 17 من زكاة الذهب والفضة.
(4) الوسائل الباب 17 من زكاة الذهب والفضة.
95

أبي بصير (1) وفيها كما في موثقة إسحاق المذكورة.
أقول: ويمكن حمل كلام ابن إدريس على ما يرجع إلى المشهور بأن يكون.
التعبير بالتمكن من التصرف كناية عن الحضور وعدم التمكن كناية عن الغيبة بناء
على ما هو الغالب، ومثله في التعبيرات غير عزيز.
وقيد الشيخ الشهيد في البيان الحكم المذكور بعدم العلم بزيادتها، وهو تقييد
للنص من غير دليل.
السابعة - لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في سقوط الزكاة
عن السبائك والنقار والتبر وإنما الخلاف في ما إذا عملها كذلك قبل تمام الحول
بقصد الفرار من الزكاة، فقيل بوجوب الزكاة عليه بعد تمام الحول، والظاهر أنه
المشهور بين المتقدمين نقله في المختلف عن الشيخ علي بن الحسين بن بابويه في الرسالة
حيث قال: وليس في السبائك شئ إلا أن تفر بها من الزكاة فإن فررت بها من
الزكاة فعليك زكاته. وكذا نقله عن ابنه في المقنع. أقول وبهذه العبارة عبر في
الفقيه. وممن نقل عنه القول المذكور في المختلف أيضا الشيخ في الجمل والخلاف
والمبسوط والسيد المرتضى في الجمل. ونقل في المختلف عن الشيخ المفيد القول بعدم
الوجوب ونسبة القول بالوجوب إلى الرواية في الصورة المذكورة، ونقل القول
بالعدم أيضا عن الشيخ في النهاية وابن إدريس واختاره وهو المشهور بين المتأخرين
ومن ما يدل على القول بعدم الوجوب في الصورة المذكورة اطلاق الأخبار
الدالة على أن السبائك والحلي ليس فيه زكاة (2) وما تقدم من الأخبار الدالة على
اشتراط النقش بسكة المعاملة في الوجوب
(3) وخصوص صحيحة عمر بن يزيد (4) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل

(1) الوسائل الباب 17 من زكاة الذهب والفضة
(2) الوسائل الباب و 8 9 و 11 من الزكاة الذهب والفضة
(3) الوسائل الباب 8 من زكاة الذهب والفضة
(4) الوسائل الباب 11 من زكاة الذهب والفضة
96

فر بماله من الزكاة فاشترى به أرضا أو دارا أعليه فيه شئ؟ فقال لا ولو جعله حليا
أو نقرا فلا شئ عليه. وما منع نفسه من فضله أكثر من مانع من حق الله
الذي يكون فيه ".
ورواية علي بن يقطين عن أبي إبراهيم عليه السلام (1) قال " قلت له أنه يجمع عندي
الشئ الكثير قيمته فيبقى نحوا من سنة أنزكيه؟ قال لا كل ما لم يحل عليه عندك
الحول فليس عليك فيه زكاة، وكل ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شئ، قال قلت
وما الركاز؟ قال الصامت المنقوش. ثم قال إذا أردت ذلك فاسبكه فإنه ليس في
سبائك الذهب ونقار الفضة شئ من الزكاة "
وحسنة هارون بن خارجة عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال " قلت له إن أخي
يوسف ولي لهؤلاء القوم أعمالا أصاب فيها أموالا كثيرة وأنه جعل ذلك المال حليا
أراد أن يفر به من الزكاة أعليه الزكاة؟ قال ليس على الحلي زكاة، وما أدخل على
نفسه من النقصان في وضعه ومنعه نفسه فضله أكثر من ما يخاف من الزكاة ".
وصحيحة علي بن يقطين (3) قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن المال الذي
لا يعمل به ولا يقلب؟ قال يلزمه الزكاة في كل سنة إلا أن يسبك ".
وروى في كتاب العلل عن يونس بن عبد الرحمان عن أبي الحسن - يعني علي بن
يقطين - عن أبي إبراهيم عليه السلام (4) قال: " لا تجب الزكاة في ما سبك. قلت فإن كان
سبكه فرارا من الزكاة؟ فقال ألا ترى أن المنفعة قد ذهبت منه فلذلك لا تجب فيه
الزكاة " ورواه البرقي في كتاب المحاسن مثله (5).
ومن ما يدل على القول الآخر جملة من الأخبار: منها موثقة محمد بن مسلم (6)
قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحلي فيه زكاة؟ قال لا إلا ما فربه من الزكاة ".

(1) الوسائل الباب 8 من زكاة الذهب والفضة
(2) الوسائل الباب 11 من زكاة الذهب والفضة.
(3) الوسائل الباب 8 من زكاة الذهب والفضة
(4) الوسائل الباب 11 من زكاة الذهب والفضة.
(5) الوسائل الباب 11 من زكاة الذهب والفضة.
(6) الوسائل الباب 11 من زكاة الذهب والفضة.
97

وفي الموثق عن إسحاق بن عمار (1) قال: " سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن
رجل له مائة درهم وعشرة دنانير أعليه زكاة؟ فقال إن كان فر بها من الزكاة فعليه
الزكاة. قلت لم يفر بها ورث مائة درهم وعشرة دنانير؟ قال ليس عليه
زكاة.. الحديث ".
وعن معاوية بن عمار في القوي بل الحسن عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال:
" قلت له الرجل يجعل لأهله الحلي من مائة دينار والمائتي دينار وأراني قد قلت
ثلاثمائة فعليه الزكاة؟ قال ليس عليه فيه زكاة. قلت فإنه فر به من الزكاة؟ فقال إن
كان فر به من الزكاة فعليه الزكاة وإن كان إنما فعله ليتجمل به فليس عليه زكاة " ورواه
ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب معاوية بن عمار مثله (3)
فيكون الحديث صحيحا.
أقول: ويدل على ذلك ما في كتاب الفقه الرضوي (4) حيث قال عليه السلام " وليس
في السبائك زكاة إلا أن يكون فربه من الزكاة فإن فررت به من الزكاة فعليك
فيه زكاة ".
وبهذه العبارة عبر الشيخ علي بن بابويه في ما تقدم نقله عن المختلف وبها
عبر ابنه في الفقيه والظاهر أنها كذلك في المقنع.
والعجب منه (قدس سره) في الفقيه أنه بعد أن ذكر هذه العبارة الدالة كما
ترى على وجوب الزكاة مع قصد الفرار نقل بعد ورقة تقريبا صحيحة عمر بن يزيد
المتقدمة التي هي كما عرفت من أدلة القول بعدم الوجوب.
وكيف كان فمن هذه العبارة يعلم أن مستند الصدوقين في هذا الحكم هو الكتاب
المذكور كما نبهنا عليه مرار وإن كانت الأخبار الأخر دالة على ذلك، والظاهر أن
ايثارهما التعبير بعبارة الكتاب لمزيد الاعتماد عليه زيادة على غيره من كتب الأخبار

(1) الوسائل الباب 5 من زكاة الذهب والفضة
(2) الوسائل الباب 9 و 11 من زكاة الذهب والفضة
(3) الوسائل الباب 9 و 11 من زكاة الذهب والفضة
(4) ص 23
98

كما يدل عليه أيضا عدولهما إلى القول بما فيه مع مخالفته لأكثر الأخبار في جملة من
المواضع حتى أن الأصحاب ينسبون تلك الأقوال إلى الشذوذ كما مر وسيأتي
إن شاء الله تعالى.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الشيخ في كتابي الأخبار قد حمل هذه الأخبار
الأخيرة تارة على الاستحباب وتارة على الفرار بعد أن حال الحول.
واستدل على الثاني بما رواه عن زرارة في الموثق (1) قال: " قلت لأبي عبد الله
عليه السلام إن أباك قال من فر بها من الزكاة فعليه أن يؤديها؟ قال صدق أبي إن عليه
أن يؤدي ما وجب عليه وما لم يجب عليه فلا شئ عليه منه. ثم قال لي أرأيت لو أن
رجلا أغمي عليه يوما ثم مات فذهبت صلاته أكان عليه وقد مات أن يؤديها؟ قلت
لا. قال إلا أن يكون أفاق من يومه. ثم قال لي أرأيت لو أن رجلا مرض في شهر
رمضان ثم مات فيه أكان يصام عنه؟ قلت لا. قال وكذلك الرجل لا يؤدي عن
ماله إلا ما حال عليه الحول ".
وجملة المتأخرين حيث اختاروا عدم وجوب الزكاة مع الفرار تبعوا الشيخ
في حمل هذا الأخبار فبعضهم اختار الحمل على الاستحباب وبعضهم الحمل على ما إذا
كان الفرار بعد الحول.
وعندي في كلا الحملين نظر: أما الحمل على الاستحباب فلما أشرت إليه في غير
موضع من أنه وإن اشتهر العمل به بين الأصحاب في الجمع بين الأخبار إلا أنه مع
كونه لا دليل عليه من الأخبار وليس من القواعد المروية عن الأئمة الأطهار
(صلوات الله عليهم) في الجمع بين الأخبار مردود بأن الحمل على الاستحباب مع
ظهور الأدلة في الوجوب مجاز لا يصار إليه إلا مع القرينة، واختلاف الأخبار
ليس من قرائن المجاز وإن كان قد جرت عادتهم في أبواب الفقه من أوله إلى آخره
بحمل الأوامر في مقام الجمع على الاستحباب والنواهي على الكراهة إلا أنه من

(1) الوسائل الباب 11 من الزكاة الذهب والفضة
99

قبيل رب مشهور لا أصل له ورب متأصل ليس بمشهور.
وأما الحمل على الفرار بعد الوجوب ففيه أن ظواهر تلك الأخبار تأباه ولا
ترضاه، حيث إنها ظاهرة في كون الفرار قبل وقت الوجوب كما هو المدعى منها
والمستدل بها عليه، مثل رواية معاوية بن عمار (1) وقوله في آخرها " إن كان فربه
من الزكاة فعليه الزكاة وإن كان إنما فعله ليتجمل به فليس عليه زكاة، فإنه متى جعل
محل التقسيم بعد تمام الحول ووجوب الزكاة اقتضى سقوط الزكاة عن من فعله
ليتجمل به مع أنه لا قائل به بل الاتفاق على الوجوب. ولا جائز أن يحمل الفرار
على ما بعد الحول وقصد التجمل على ما قبله لأنه يصير الكلام متهافتا منحل الزمام
مختل النظام يجل عنه كلام الإمام الذي هو إمام الكلام كما هو بحمد الله ظاهر لذوي
الأذهان والأفهام. ونحو ذلك مفهوم الشرط في موثقة إسحاق بن عمار وقوله فيها
" إن كان فر به من الزكاة فعليه الزكاة " ومثله مفهوم عبارة كتاب الفقه الرضوي، فإن
مفهومهما الشرطي الذي هو حجة عند المحققين أنه إن لم يقصد الفرار فليس عليه
زكاة، وهو باطل قطعا أما عرفت من أن التصرف في النصاب بعد حول الحول بالتغيير
والتبديل أو السبك وغير ذلك لا يسقط الزكاة. وهكذا موثقة محمد بن مسلم فإن
نفيه عليه السلام الزكاة عن الحلي محمول على ما قبل الحول البتة وقبل وجوب الزكاة وحينئذ
فيكون هو محل الاستثناء.
وبالجملة فظهور هذه الأخبار في وجوب الزكاة بعد الحول مع قصد الفرار
قبل تمام الحول من ما لا يستطاع أن ينكر كما لا يخفى على من تأمل بعين الانصاف ونظر
وما أوردوه دليلا على هذا الحمل ليس فيه دلالة كما ادعوه وإنما غايته الدلالة على
ما دلت عليه الأخبار الأولة وإن كان بوجه أوضح، وحيث كانت العبارة التي نقلها
الراوي عن أبيه عليه السلام مجملة لا تفصيل فيها مثل الأخبار التي ذكرناها تأولها وحملها
على الأخبار الأولة، وهو جيد بناء على العمل بظاهر تلك الأخبار.

(1) ص 98
100

وليعلم أن الموثقة التي رواها الشيخ هنا قد رواها الكليني في الصحيح عندنا
والحسن على المشهور في جملة حديث طويل مشتمل على جمل من الاشكال وأنا
أذكر الرواية من أولها إلى آخرها وأبين منها ما وصل إليه فهمي القاصر وذهني الفاتر
وهي ما رواه ثقة الاسلام في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن
عيسى عن حريز بن عبد الله عن زرارة (1) قال: " قلت لأبي جعفر عليه السلام رجل كان
عنده مائتا درهم غير درهم أحد عشر شهرا ثم أصاب درهما بعد ذلك في الشهر الثاني
عشر فكملت عنده مائتا درهم أعليه زكاتها؟ قال لا حتى يحول عليه الحول وهي مائتا
درهم، فإن كانت مائة وخمسين درهما فأصاب خمسين بعد أن يمضي شهر فلا زكاة عليه حتى
يحول على المائتين الحول. قلت له فإن كانت عنده مائتا درهم غير درهم فمضى عليه أيام
قبل أن ينقضي الشهر ثم أصاب درهما فأتى على الدراهم مع الدرهم حول أعليه زكاة؟
فقال نعم وإن لم يمض عليها جميعا الحول فلا شئ عليه فيها. قال وقال زرارة ومحمد بن
مسلم قال أبو عبد الله عليه السلام أيما رجل كان له مال وحال عليه الحول فإنه يزكيه. قلت
فإن وهبه قبل حله بشهر أو بيوم؟ قال ليس عليه شئ أبدا. قال وقال زرارة عنه عليه السلام
أنه قال إنما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوما في إقامته ثم خرج في آخر النهار
في سفر فأراد بسفره ذلك ابطال الكفارة التي وجبت عليه. وقال إنه حين رأى الهلال
الثاني عشر وجبت عليه الزكاة ولكنه لو كان وهبها قبل ذلك لجاز ولم يكن عليه شئ
بمنزلة من خرج ثم أفطر، إنما لا يمنع ما حال عليه فأما ما لم يحل فله منعه ولا يحل له منع
مال غيره في ما قد حل عليه. قال زرارة قلت له رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض
إخوانه أو ولده أو أهله فرارا بها من الزكاة فعل ذلك قبل حلها بشهر؟ فقال إذا حل
الشهر الثاني عشر فقد حال عليها الحول ووجبت عليه فيها الزكاة. قلت فإن
أحدث فيها قبل الحول؟ قال جائز ذلك له. قلت إنه فر بها من الزكاة؟ قال
ما أدخل على نفسه أعظم من ما منع من زكاتها. فقلت له أنه يقدر عليها؟ فقال وما

(1) الوسائل الباب 6 و 12 و 11 من الزكاة الذهب والفضة
101

علمه أنه يقدر عليها وقد خرجت من ملكه قلت فإنه دفعها إليه على شرط؟ فقال إنه إذا سماها هبة جازت الهبة وسقط الشرط وضمن الزكاة. قلت وكيف يسقط
الشرط وتمضي الهبة ويضمن الزكاة؟ فقال هذا شرط فاسد والهبة المضمونة ماضية
والزكاة لازمة له عقوبة. ثم قال إنما ذلك له إذا اشترى بها دارا أو أرضا أو متاعا.
قال قلت له إن أباك قال لي من فر بها من الزكاة فعليه أن يؤديها؟ فقال صدق أبي
عليه أن يؤدي ما وجب عليه وما لم يجب فلا شئ عليه فيه. ثم قال أرأيت لو أن
رجلا أغمي عليه يوما ثم مات فذهبت صلاته أكان عليه وقد مات أن يؤديها؟
قلت لا إلا أن يكون أفاق من يومه. ثم قال لو أن رجلا مرض في شهر رمضان
ثم مات فيه أكان يصام عنه؟ قلت لا. قال فكذلك الرجل لا يؤدي عن ماله إلا
ما حال عليه الحول "
أقول: قوله عليه السلام " نعم " - في جواب السؤال عن من كانت عنده مائتا درهم غير
درهم فمضى عليه أيام ثم أصاب درهما فأتى على الدراهم مع الدرهم حول فعليه الزكاة
- من ما يدل بظاهره على أن المعتبر في الحول مرور الأحد عشر شهرا من غير
اعتبار الأيام، فمتى اجتمع النصاب وحمل في أثناء الشهر وإن كان في أيام متفرقة
عد ذلك شهرا أولا من غير اعتبار الأيام وملاحظتها في النقصان والتمام. والظاهر أنه
كذلك عند الأصحاب وإن لم أقف لهم على كلام في هذا الباب إلا أنه لم يتعرض أحد
منهم للقول بالتلفيق من الشهر الأخير.
قول عليه السلام: " أيما رجل كان له مال وحال عليه الحول فإنه يزكيه " الظاهر
كما استظهره في الوافي أيضا أنه سقط هذه العبارة " ثم وهبه " قبل قوله " فإنه يزكيه "
كما يشير إليه قول الراوي بعد هذا الكلام " فإن وهبه قبل حله " ولعله ترك القرينة
دلالة المقام من دلالة ما بعده على ذلك، وكيف كان فلا بد من تقدير.
قوله عليه السلام: " إنما هذا بمنزلة رجل.. إلى آخره " اسم الإشارة هنا يرجع إلى
قوله " أيما رجل.. " وحاصله تشبيه الفار من الزكاة بعد أن حال عليه الحول بمن
102

أفطر في شهر رمضان متعمدا ووجبت عليه الكفارة ثم سافر في نهاره ذلك
لاسقاط الكفارة بعد ما تحقق وجوبها فإنه غير نافع في سقوطها، والحال كذلك
في من حال على ماله الحول ووجبت فيه الزكاة ثم وهبه فرارا من الزكاة فإن ذلك
لا يسقط الزكاة بعد وجوبها، وكما أن هذا الحيلة في الصيام لا تفيد نفعا في سقوط
الكفارة كذلك في الزكاة، بخلاف من وهب ماله قبل الحول فإن حيلته تفيد سقوط
الزكاة، كمن سافر في شهر رمضان قاصدا بسفره التوصل إلى الافطار فإن يجوز له
الافطار ولا كفارة.
قوله عليه السلام: " إنما لا يمنع ما حال عليه.. " الظاهر أن معناه أن المال الذي
لا يمنع الفرار من اخراج الزكاة منه هو المال الذي حال عليه الحول بل تجب عليه
الزكاة البتة إذ لا يحل له منع مال غيره وهو حصة أرباب الزكاة بخلاف ما لم يحل
عليه الحول.
قوله: " قال زرارة قلت له رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه "
هذا هو مستند الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جعل الحول الشرعي أحد عشر
شهرا. ومثله قوله سابقا: " وقال إنه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه
الزكاة " وقد عرفت سابقا ما فيه ولا سيما معارضة صحيحة عبد الله بن سنان
المتقدمة (1) لذلك.
قوله: " قلت إنه فر بها من الزكاة؟ قال ما أدخل على نفسه أعظم من ما منع "
صريح الدلالة في ما ذهب إليه من جوز الفرار قبل الحول وأنه غير موجب للزكاة
كما يدعيه أهل القول الآخر، فهو من جملة أدلة القول المشار إليه.
قوله: " قلت له إنه دفعها إليه على شرط " لا يخفى ما فيه من الغموض
والاشكال الذي تحيرت فيه فحول الرجال، وذلك فإن هذا الشرط المذكور غير معلوم
بأي معنى هو، وما ذكر أيضا من ضمان الزكاة على تقدير الهبة والحال أن الهبة إنما

(1) ص 75
103

وقعت قبل الحول كما هو مقتضى سياق الكلام - مناف لما تقدم من أنه لا يلزمه
زكاة في هذه الحال، ووجه لزوم الزكاة هنا عقوبة إن أريد به من حيث قصد
الفرار فهو مناف لما تقدم من الجواز وعدم الزكاة وإلا فلا يعلم لهذه العقوبة سبب.
والفرق في ذلك - بين الهبة وشراء الدار والأرض والمتاع مع قصد الفرار في
الجمع - غير ظاهر.
وأما حمل الكلام على ما إذا كانت الهبة بعد الحول كما صار إليه بعض محققي
متأخري المتأخرين فهو بعيد عن سياق الكلام، ولا يلائمه أيضا كون الزكاة
عقوبة لأنها حينئذ واجبة بأصل الشرع، ولا يلائمه أيضا الفرق بين الهبة وشراء
الدار ونحوها.
ويمكن أن يقال - والله سبحانه وقائله أعلم بحقيقة الحال أن المعنى أنه لما
أخبر عليه السلام بأنه متى وهبها قبل الحول فرارا من الزكاة فلا شئ عليه قال له الراوي
إنه يقدر على أخذها بعد حول الحول، أجابه عليه السلام بأنه كيف يقدر عليها وقد خرجت
من ملكه بالهبة؟ قال له الراوي إنه وهبها بشرط يقتضي رجوعه فيها متى أراد، فأجابه
عليه السلام متى كان كذلك فالهبة صحيحة وهذا الشرط فاسد لمنا فاته الهبة وتجب عليه الزكاة
حينئذ عقوبة لهذا الشرط.
ثم إنه فرق بين الهبة على هذه الكيفية وبين شراء الدار ونحوها باعتبار أنه
في الهبة شرط رجوعها فهذا الشرط أوجب عليه العقوبة بوجوب الزكاة وأما
الشراء ونحوه فإنه من الأمور السائغة الجائزة والحال أن الشراء وقع قبل الحول
كما هو المفروض.
قوله: " قال زرارة قلت له إن أباك.. " الظاهر أنه رجوع إلى الكلام الأول
ولا تعلق له بهذه الجملة المتوسطة التي هي محل الاشكال، حيث إن مقتضى الكلام
الأول أن الفرار قبل الحول غير موجب للزكاة، ومراده أن ما ذكرته من عدم
الزكاة على من قصد الفرار قبل الحول مناف لما قال أبوك من أن من فر بها من
104

الزكاة فعليه أن يؤديها، أجابه عليه السلام بأن كلام أبي ليس صريحا في ما تدعيه وإنما مراده
من قصد الفرار بعد الحول والوجوب فعليه أن يؤدي ما وجب عليه.
وجملة من المتأخرين حملوا تلك الروايات الأخيرة الدالة على وجوب الزكاة
متى قصد الفرار على هذه الرواية بمعنى الوجوب بعد الحول.
وفيه ما عرفت آنفا من ظهور تلك الروايات في المعنى الذي ذهب إليه من
استدل بها وأنها ظاهرة في كون قصد الفرار قبل الحول، وهو الذي فهمه جملة
القائلين بمضمونها، وكذا القائلين بحملها على الاستحباب فإنه لولا ظهورها في ذلك لما
كان لهذا الاستحباب معنى.
وبالجملة فالمسألة لا تخلو من الاشكال لظهور أخبار الطرفين في كل من القولين
والظاهر أن أخبار أحد الطرفين إنما خرجت مخرج التقية وإن كان العامة في ذلك على
قولين أيضا فذهب مالك وأحمد إلى الوجوب والشافعي وأبو حنيفة إلى عدم
الوجوب (1) إلا أنه غير معلوم عندي كون التقية في أي الطرفين.
والسيد المرتضى (قدس سره) في الإنتصار لما اختار القول بالوجوب كما
تقدم في مسألة معاوضة بعض الأنعام ببعض حمل أخبار عدم الوجوب على التقية
إلا أن للخصم أيضا أن يحمل أخبار الوجوب على ذلك أيضا.
ويمكن ترجيح ما ذكره (قدس سره) بأن مذهب أبي حنيفة في زمانه كان
مشهورا معمولا عليه بين خلفاء الجور وقضاة ذلك الوقت، وتلامذته المروجون
لمذهبه مثل أبي يوسف ونحوه مشهورون أيضا، وأما أحمد ومالك فإنهما في ذلك
الوقت ليسا إلا كسائر العلماء ليس لهما مذهب مشهور ولا قول مذكور وإنما وقع
الاصطلاح على مذهبهما مع ذينك الآخرين في الأعصار الأخيرة في ما يقرب من
السنة الستمائة كما ذكره علماء الفريقين وبيناه في كتاب سلاسل الحديد. وبذلك يظهر

(1) في المغني ج 3 ص 11 " ما اتخذ حلية فرارا من الزكاة لا يسقط عنه " وفي المهذب
للشيرازي الشافعي ج 1 ص 355 ما يظهر منه عدم الوجوب وكذا في البدائع للكاساني
الحنفي ج 2 ص 15.
105

قوة القول بالوجوب، ويعضده الاحتياط أيضا. والله العالم.
المطلب الثالث في زكاة الغلات، والكلام في هذا المطلب يقع في مقامات:
المقام الأول - لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في وجوب
الزكاة في الغلات الأربع المشهورة وهي التمر والزبيب والحنطة والشعير، إنما
الخلاف في ما زاد على هذه الأربع من ما دخله الكيل والوزن كالأرز والدخن
والسمسم ونحوها، فالأشهر الأظهر أنه لا زكاة فيها، ونقل عن ابن الجنيد القول
بالوجوب فيها، وحكاه الكليني والشيخ عن يونس بن عبد الرحمان من قدماء أصحابنا.
ومن ما يدل على المشهور صحيحة الفضلاء الحسنة على المشهور عن أبي جعفر
وأبي عبد الله (عليهما السلام) (1) قالا: " فرض الله الزكاة مع الصلاة في الأموال
وسنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تسعة أشياء وعفا عن ما سواهن: في الذهب والفضة
والإبل والبقر والغنم والحنطة والشعير والتمر والزبيب، وعفا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
عن ما سوى ذلك ".
وفي الموثق عن زرارة (2) قال: " سألت أبا جعفر عليه السلام عن صدقات
الأموال فقال في تسعة أشياء ليس في غيرها شئ: في الذهب والفضة والحنطة
والشعير والتمر والزبيب والإبل والبقر والغنم السائمة وهي الراعية.. الحديث ".
وفي الموثق عن زرارة وبكير ابني أعين عن أبي جعفر عليه السلام (3) قال: " ليس
في شئ أنبتت الأرض من الأرز والذرة والحمص والعدس وسائر الحبوب
والفواكه غير هذه الأربعة الأصناف وإن كثر ثمنه زكاة إلا أن يصير ما لا يباع بذهب
أو فضة تكنزه ثم يحول عليه الحول وقد صار ذهبا أو فضة فتؤدي عنه من كل
مائتي درهم خمسة دراهم ومن كل عشرين دينارا نصف دينار ".
وفي الموثق عن عبد الله بن بكير عن محمد بن الطيار (4) قال: " سألت

(1) الوسائل الباب 8 من ما تجب فيه الزكاة
(2) الوسائل الباب 8 من ما تجب فيه الزكاة
(3) الوسائل الباب 9 من ما تجب فيه الزكاة
(4) الوسائل الباب 8 من ما تجب فيه الزكاة
106

أبا عبد الله عليه السلام عن ما تجب فيه الزكاة فقال في تسعة أشياء: الذهب والفضة والحنطة
والشعير والتمر والزبيب والإبل والبقر والغنم، وعفا رسول الله صلى الله عليه وآله عن ما سوى
ذلك. فقلت أصلحك الله فإن عندنا حبا كثيرا؟ قال فقال وما هو؟ قلت الأرز
قال نعم ما أكثره. فقلت أفيه الزكاة؟ قال فزبرني قال ثم قال أقول لك إن رسول لله
صلى الله عليه وآله وسلم عفا عن ما سوى ذلك وتقول لي إن عندنا حبا كثيرا أفيه الزكاة؟ إلى غير
ذلك من الأخبار التي يضيق بنقلها المقام.
وأما ما يدل على القول الثاني فأخبار عديدة: منها - صحيحة علي بن
مهزيار (1) قال " قرأت في كتاب عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن عليه السلام جعلت فداك
روى عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال وضع رسول الله صلى الله عليه وآله الزكاة على تسعة أشياء:
الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذهب والفضة والغنم والبقر والإبل وعفا
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ما سوى ذلك. فقال له القائل عندنا شئ كثير يكون أضعاف
ذلك، فقال وما هو؟ فقال له الأرز. فقال أبو عبد الله عليه السلام أقول لك إن رسول الله
صلى الله عليه وآله وضع الزكاة على تسعة أشياء وعفا عن ما سوى ذلك وتقول عندنا أرز وعندنا
ذرة وقد كانت الذرة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله سلم؟ فوقع عليه السلام كذلك هو والزكاة على
كل ما كيل بالصاع "
وكتب عبد الله وروى غير هذا الرجل عن أبي عبد الله عليه السلام (2) أنه سأله
عن الحبوب فقال وما هي؟ فقال السمسم والأرز والدخن، وكل هذا غلة كالحنطة
والشعير. فقال أبو عبد الله عليه السلام في الحبوب كلها زكاة ".
وروى أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام (3) أنه قال: " كل ما دخل القفيز فهو يجري
مجرى الحنطة والشعير والتمر والزبيب. قال فأخبرني جعلت فداك هل على هذا الأرز وما
أشبهه من الحبوب والحمص والعدس زكاة؟ فوقع عليه السلام صدقوا الزكاة في كل شئ كيل ".

(1) الوسائل الباب 8 من ما تجب فيه الزكاة
(2) الوسائل الباب 9 من ما تجب فيه الزكاة
(3) الوسائل الباب 9 من ما تجب فيه الزكاة
107

وما رواه في الكافي عن أبي مريم عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " سألته
عن الحرث ما يزكي منه؟ فقال البر والشعير والذرة والأرز والسلت والعدس كل هذا
من ما يزكى. وقال كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة ".
وما رواه في الكافي الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن محمد بن
مسلم (2) قال: " سألته عن الحبوب ما يزكى منها؟ فقال البر والشعير والذرة والدخن
والأرز والسلت والعدس والسمسم كل هذا يزكى وأشباهه " ورواه في الكافي
والتهذيب عن حريز عن زرارة مثله (3) وقال: كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه
الزكاة قال: وجعل رسول الله صلى عليه وآله وسلم الصدقة في كل شئ انبتته الأرض إلا الخضر
والبقول وكل شئ يفسد من يومه.
وما رواه في التهذيب في الموثق عن أبي بصير (4) قال: " قلت لأبي عبد الله
عليه السلام هل في الأرز شئ؟ فقال نعم، ثم قال إن المدينة لم تكن يومئذ أرض أرز فيقال فيه
ولكنه قد حصل فيه، كيف لا يكون فيه وعامة خراج العراق منه؟ " إلى غير ذلك
من الأخبار إلا أنها أقل عددا من الأولى.
والأصحاب قد جمعوا بين الأخبار بحمل هذا الأخبار الأخيرة على الاستحباب
كما هي قاعدتهم وعادتهم في جميع الأبواب، وقد عرفت ما فيه في غير مقام.
والأظهر عندي حمل هذه الأخبار الأخيرة على التقية التي هي في اختلاف
الأحكام الشرعية أصل كل بلية، فإن القول بوجوب الزكاة في هذا الأشياء مذهب
الشافعي وأبي حنيفة ومالك وأبي يوسف ومحمد (5) كما نقله في المنتهى.
ويدل على ذلك ما رواه الصدوق (عطر الله مرقده) في كتاب معاني الأخبار
بإسناده عن أبي سعيد القماط عن من ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام (6): " أنه سئل عن

(1) الوسائل الباب الباب 9 من تجب فيه الزكاة.
(2) الوسائل الباب الباب 9 من تجب فيه الزكاة.
(3) الوسائل الباب الباب 9 من تجب فيه الزكاة.
(4) الوسائل الباب الباب 9 من تجب فيه الزكاة.
(5) الأم ج 2 ص 29 وبدائع الصنائع ج 2 ص 59 والمدونة ج 1 ص 288
(6) الوسائل الباب 8 من تجب فيه الزكاة
108

الزكاة فقال وضع رسول الله صلى الله عليه وآله الزكاة على تسعة وعفا عن ما سوى ذلك:
الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذهب والفضة والبقر والغنم والإبل. فقال
السائل: والذرة؟ فغضب عليه السلام ثم قال كان والله على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله السماسم
والذرة والدخن وجميع ذلك. فقال إنهم يقولون إنه لم يكن ذلك على عهد رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم وإنما وضع على تسعة لما لم يكن بحضرته غير ذلك؟ فغضب وقال كذبوا فهل
يكون العفو إلا عن شئ قد كان، فلا والله لا أعرف شيئا عليه الزكاة غير هذا فمن
فليؤمن ومن شاء فليكفر " وهو كما ترى صريح الدلالة في قول المخالفين يومئذ
بوجوب الزكاة في هذه الأشياء فيجب حمل ما دل على ذلك في ما عدا التسعة على التقية.
ومن ما يستأنس به لذلك صحيحة علي بن مهزيار المتقدمة حيث إنه أقر السائل
على ما نقله عن أبي عبد الله عليه السلام في صدر الخبر من تخصيص الوجوب بالتسعة
المذكورة والعفو عن ما سواها وانكاره على السائل لما راجعه في الأرز ومع هذا
قال له " الزكاة في كل ما كيل بالصاع " فلو لم يحمل كلامه (عليه السلام) على التقية
للزم التناقض بين الكلامين وهو من ما يجل عنه، وهذا بحمد الله ظاهر لكل ناظر
ولو كان ما يدعونه حقا من أن أخبار الوجوب إنما خرجت عنهم (عليهم
السلام) مرادا بها الاستحباب وأنه لا تناقض ولا تدافع بين الأخبار في هذا
الباب لما خفي هذا المعنى على أصحاب الأئمة المعاصرين لهم (عليهم السلام) ولما
احتاجوا إلى عرض هذه الأخبار المنقولة عن المتقدمين على المتأخرين منهم (عليهم
السلام) ومع تسليم خفاء ذلك عليهم فالأظهر في الجواب هنا لما عرض السائل عليه
اختلاف الأخبار أن يقال إن هذه الأخبار ليست مختلفة كما توهمت بل المراد بما
ظاهره الوجوب في ما عدا التسعة إنما هو الاستحباب لا أنه (عليه السلام) يقر
السائل على الحصر في التسعة كما عرفت ومع هذا يوجب عليه اخراج الزكاة في ما
زاد على التسعة ويقرره على ما نقله من الأخبار الدالة على الوجوب بقوله " صدقوا
الزكاة في كل شئ كيل " وجميع هذا بحمد الله سبحانه ظاهر لمن نظر بعين الانصاف
109

وجانب التعصب والاعتساف (1).
وأما ما نقل عن يونس بن عبد الرحمان في الجمع بين الأخبار من حمل أخبار
التسعة على صدر الاسلام وحمل ما زاد عليها على ما بعد ذلك ففيه ما ذكره الشيخ
(قدس سره) حيث قال بعد حمل الأخبار على الاستحباب: ولا يمكن حمل هذه الأخبار يعني ما دل على التسعة على ما ذهب إليه يونس بن عبد الرحمان من أن
هذه التسعة كانت الزكاة عليها في أول الاسلام ثم أوجب الله تعالى بعد ذلك في غيرها
من الأجناس، لأن الأمر لو كان كما ذكره لما قال الصادق (عليه السلام) عفا
رسول الله صلى الله عليه وآله عن ما سوى ذلك لأنه إذا أوجب في ما عدا هذه التسعة أشياء.
بعد ايجابه في التسعة لم يبق شئ معفو عنه، لهذا القول واضح البطلان. انتهى وهو
جيد. وبالجملة فالحمل على التقية في هذا المقام من ما لا يعتريه نقض ولا ابرام.
المقام الثاني - لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في اشتراط
النصاب في زكاة الغلات وأنه خمسة أوسق والوسق ستون صاعا.
ويدل عليه روايات عديدة: منها - صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (2) قال:
" ما أنبتت الأرض من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ما بلغ خمسة أوساق والوسق
ستون صاعا فذلك ثلاثمائة صاع - ففيه العشر، وما كان منه يسقى بالرشاء والدوالي
والنواضح ففيه نصف العشر، وما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه العشر
تاما، وليس في ما دون الثلاثمائة صاع شئ، وليس في ما أنبتت الأرض شئ إلا في هذه
الأربعة أشياء ".
وصحيحة سعد بن سعد (3) قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن أقل ما يجب

(1) قوله " ولو كان ما يدعونه حقا.. إلى هنا " أخذناه من النسخة الخطية وليس
في المطبوعة نعم فيها علامة على قوله " وهذا بحمد الله ظاهر لكل ناظر " ربما تشير إلى
نقص في العبادة.
(2) الوسائل الباب 1 من زكاة الغلات
(3) الوسائل الباب 1 من زكاة الغلات
110

فيه الزكاة من البر والشعير والتمر والزبيب؟ فقال خمسة أوساق بوسق النبي صلى الله عليه وآله
فقلت كم الوسق؟ فقال ستون صاعا. فقلت وهل على العنب زكاة أو إنما تجب
عليه إذا صيره زبيبا؟ قال نعم إذا خرصه أخرج زكاته ".
وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: " ليس في ما دون
خمسة أو ساق شئ والوسق ستون صاعا " إلى غير ذلك من الأخبار المستفيضة.
ولا نصاب آخر بعد هذا اجماعا بل كل ما زاد على هذا النصاب قليلا كان
أو كثيرا فإنه يجب أن يزكى.
وربما استدل على ذلك بموثقة إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه السلام (2) قال:
" سألته عن الحنطة والتمر عن زكاتهما فقال العشر ونصف العشر: العشر من ما سقت
السماء ونصف العشر من ما سقي بالسواني. فقلت ليس عن هذا أسألك إنما أسألك عن ما
خرج منه قليلا كان أو كثيرا أله حد يزكي ما خرج منه؟ فقال يزكي ما خرج منه قليلا
كان أو كثيرا من كل عشرة واحد ومن كل عشرة نصف واحد. قلت فالحنطة
والتمر سواء؟ قال نعم " بحمل الخبر المذكور على أن المراد بالقليل والكثير يعني
ما بعد الخمسة أو ساق، ولا بأس به.
وأما ما ورد في شواذ الأخبار من أن النصاب وسق كما في بعض أو وسقان كما
في آخر (3) فقد حملة الشيخ ومن تأخر عنه على الاستحباب، والأظهر الحمل على التقية
وإن لم يكن بذلك مصرح من العامة مع أن أبا حنيفة لا يعتبر النصاب بل يوجب
الزكاة في كل ما خرج قليلا كان أو كثيرا (4) ومنه يعلم أيضا قرب حمل موثقة إسحاق
ابن عمار المتقدمة على التقية وإن كان الشيخ وأتباعه حملوها على ما قدمناه. واحتملوا

(1) الوسائل الباب 1 من زكاة الغلات
(2) التهذيب ج 1 ص 352 وفي الوسائل 4 و 3 من زكاة الغلات
(3) الوسائل الباب 3 من زكاة الغلات
(4) بدائع الصنائع ج 2 ص 59
111

أيضا حملها على الاستحباب.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أن
الصاع أربعة أمداد وعليه تدل جملة من الأخبار: منها صحيحة عبد الله بن سنان الواردة
في الفطرة (1) حيث قال فيها " صاع من تمر أو صاع من شعير والصاع أربعة أمداد "
ونحوها صحيحة الحلبي (2).
وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (3) قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله
يتوضأ بمد ويغتسل بصاع، والمد رطل ونصف والصاع ستة أرطال " ومقتضاها أن
الصاع أربعة أمداد.
وقد ذكروا أيضا تقدير الصاع بالأرطال وأنه ستة أرطال بالمدني وتسعة
بالعراقي، وتدل عليه رواية جعفر بن إبراهيم بن محمد الهمداني الواردة في زكاة الفطرة
عن أبي الحسن عليه السلام (4) وفيها " الصاع ستة أرطال بالمدني وتسعة أرطال بالعراقي
وأخبرني أنه يكون بالوزن ألفا ومائة وسبعين وزنة ".
ورواية علي بن بلال (5) قال " كتبت إلى الرجل عليه السلام أسأله عن الفطرة وكم
تدفع؟ قال فكتب ستة أرطال من تمر بالمدني وذلك تسعة أرطال بالبغدادي ".
ومن ذلك علم المد وأنه رطلان وربع بالعراقي ورطل ونصف رطل بالمدني،
وقدر أيضا بالدراهم وهو ألف ومائة وسبعون درهما كما تضمنته رواية الهمداني المتقدمة
أيضا وإن عبر عن الدرهم بالوزنة، وقد روي هذا الخبر في كتاب عيون الأخبار (6)
وذكر الدرهم عوض الوزنة.
وأما الرطل فالمدني منه ما كان وزنه مائة وخمسة وتسعين درهما، وأما العراقي

(1) التهذيب ج 1 ص 371 وفي الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة
(2) التهذيب ج 1 ص 371 وفي الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة
(3) الوسائل الباب 50 من الوضوء
(4) الوسائل الباب 7 من زكاة الفطرة
(5) الوسائل الباب 7 من زكاة الفطرة
(6) ص 172 وفي الوسائل الباب 7 من زكاة الفطرة
112

فالمشهور أن وزنه مائة وثلاثون درهما، وذكر العلامة في التحرير وموضع من
المنتهى أن وزنه مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم. والظاهر أنه
سهو من قلمه (رحمة الله عليه) وأنه تبع فيه بعض العامة (1) كما احتمله بعض أصحابنا
ويدل على المشهور رواية إبراهيم بن محمد الهمداني (2) قال: " اختلفت
الروايات في الفطرة فكتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام أسأله عن ذلك
فكتب عليه السلام أن الفطرة صاع من قوت بلدك. إلى أن قال تدفعه وزنا ستة أرطال
برطل المدينة، والرطل مائة وخمسة وتسعون درهما، تكون الفطرة ألفا ومائة
وسبعين درهما " والتقريب أن الرطل العراقي ثلثا الرطل المدني.
ونحوها رواية جعفر بن إبراهيم المتقدمة الدالة مثل هذه على أن الصاع ألف
ومائة وسبعون درهما، وهذا إنما يتم على ما ذكرناه من القول المشهور دون
ما ذهب إليه العلامة.
بقي الكلام في أنه قد روى الشيخ في التهذيب عن سليمان بن حفص المروزي (3)
قال: قال أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) ورواه في الفقيه مرسلا (4)
قال: " قال أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) الغسل بصاع من ماء
والوضوء بمد من ماء وصاع النبي صلى الله عليه وآله خمسة أمداد والمد وزن مائتين وثمانين درهما
والدرهم وزن ستة دوانيق والدانق وزن ست حبات والحبة وزن حبتي شعير من
أوساط الحب لا من صغاره ولا من كباره ".
وهذا الخبر من مشكلات الأخبار ومعضلات الآثار لاشتماله على مخالفات
عديدة لما عليه علماء الأمصار وما وردت به الأخبار عن الأئمة الأطهار
(عليهم السلام):

(1) المغني ج 2 ص 700، وفي المجموع شرح المهذب ج 6 ص 16 بعد تقديره بذلك
قال وقيل مائة وثلاثون درهما وبه قطع الغزالي والرافعي.
(2) الوسائل الباب 8 و 7 من زكاة الفطرة
(3) الوسائل الباب 50 من الوضوء
(4) الوسائل الباب 50 من الوضوء
113

ومنها - بيان قدر الصاع فإنه كما عرفت من الأخبار وبه صرح جملة العلماء أربعة
أمداد وهذا الخبر دل على أنه خمسة أمداد، ومثله في هذه المخالفة موثقة سماعة (1)
قال: " سألته عن الذي يجزئ من الماء للغسل؟ فقال اغتسل رسول الله صلى الله عليه وآله بصاع
وتوضأ بمد، وكان الصاع على عهده خمسة أمداد وكان المد قدر رطل وثلاث أواق "
وفي هذه الرواية أيضا مخالفة أخرى في المد حيث إنه كما عرفت رطلان وربع
بالعراقي ورطل ونصف بالمدني.
ومنها - في المد فإن المشهور أنه مائتا درهم واثنان وتسعون درهما ونصف درهم
لأنك قد عرفت من الأخبار المتقدمة أن الصاع ألف درهم ومائة وسبعون درهما
والصاع أربعة أمداد فيكون المد بقدر ربع هذا المذكور وهو ما ذكرناه، وعلى
تقدير ما ذكره من أن الصاع خمسة أمداد فالمد خمس هذا المذكور وهو مائتان وأربعة
وثلاثون درهما، وهو لا ينطبق على ما ذكروه أيضا.
ومنها - في الدانق وقد عرفت من ما مضى في نصاب النقدين أن الدانق ثمان
حبات من أوساط حب الشعير ونقل على ذلك اتفاق الخاصة والعامة (2) وعلى
تقديره فالدرهم ثمان وأربعون شعيرة، وهذه الرواية قد تضمنت أنه اثنتا عشرة
حبة من أوساط حب الشعير وعليه فيكون الدرهم اثنين وسبعين حبة من الشعير.
وبالجملة فظاهر الأصحاب الاتفاق على طرح هذا الخبر وكذا خبر سماعة لما
عرفت من المخالفة للأخبار وكلام علماء الطرفين وكذا كلام أهل اللغة.
والشيخ في الإستبصار قد أجاب عنهما بالنسبة إلى الصاع وتفسيره بخمسة
أمداد بأجوبة أقربها وإن كان لا يخلو من بعد أيضا حمل الخمسة الأمداد فيهما على
ما إذا شارك صلى الله عليه وآله بعض أزواجه في الغسل، ثم استدل بالأخبار الدالة على أنه صلى الله عليه وآله
اغتسل مع زوجته بخمسة أمداد من إناء واحد.

(1) الوسائل الباب 50 من الوضوء
(2) ارجع إلى التعليقة 1 ص 91
114

والأظهر في الجواب وإن لم يهتد إليه سوى شيخنا الصدوق من الأصحاب
هو ما يظهر منه (قدس سره) في كتاب معاني الأخبار (1) من الفرق بين صاع الغسل
وصاع الفطرة، حيث قال (باب معنى الصاع والمد والفرق بين صاع الماء ومده
وبين صاع الطعام ومده) ثم ذكر رواية المروزي ورواية الهمداني المتقدمة وهي
الأولى الدالة على أن الصاع ستة أرطال بالمدني وتسعة بالعراقي المشعرة من حيث
ذلك بكون الصاع أربعة أمداد لأن المد رطل ونصف بالمدني ورطلان وربع
بالعراقي، وظاهره حمل رواية المروزي على صاع الماء ورواية الهمداني على صاع الطعام
وبذلك يندفع عنه ما أورد عليه في كتاب من لا يحضره الفقيه (2) من ايراده رواية
المروزي في باب الغسل الدالة على أن الصاع خمسة أمداد وايراده في زكاة الفطرة
من الكتاب (3) رواية الهمداني المتقدمة الدالة على أن الصاع أربعة أمداد مع
ما يظهر من كلامه في أول كتابه من الافتاء بما يرويه فيه.
وتوضيح الفرق المذكور على ما ذكره بعض مشايخنا (رضوان الله عليهم)
أن المد والرطل والصاع كانت يومئذ مكاييل معينة فقدرت بوزن الدراهم ونحوها
صونا عن تطرق التغيير الذي كثيرا ما يتطرق إلى المكاييل، ومن الظاهر أن
الأجسام المختلفة يختلف قدرها بالنسبة إلى مكيال معين فلا يمكن أن يكون الصاع من
الماء موافقا للصاع من الحنطة والشعير وشبههما، فلذا كان الصاع المعتبر في وزن الماء
لأجل الوضوء والغسل وأمثالهما أثقل من ما ورد في الفطرة ونصاب الزكاة ونحوهما
لكون الماء أثقل من الحبوب مع تساوي الحجم كما هو معلوم. فظهر أن هذا الوجه
أوجه الوجوه في الجمع بين الأخبار.
أقول: ما ذكرناه من الجواب عن هذا الاشكال من ما تنبه له شيخنا المجلسي
(قدس سره) في كتاب البحار حيث قال - بعد ذكر الخبر المذكور وما خالفه من
الأخبار الدالة على أن الصاع أربعة أمداد ما صورته: ويمكن الجمع بينها بوجوه:

(1) ص 249
(2) ج 1 ص 23
(3) ج 2 ص 115
115

الأول ما اختاره الصدوق (قدس سره) كما يظهر من الفقيه بحمل خبر المروزي
على صاع الغسل وخبر الهمداني على صاع الفطرة حيث ذكر الأولى في باب الغسل
والثاني في باب الفطرة، وقد غفل الأصحاب عن هذا ولم ينسبوا هذا القول إليه مع أنه قد صرح بذلك في كتاب معاني الأخبار. ثم ذكر نحوا من ما قدمنا ذكره وأوضحه
ووجهه بما قدمنا نقله عنه. وهو جيد بالنسبة إلى المخالفة الحاصلة من روايتي المروزي
وسماعة إلا أنه لا يتمشى له في مثل صحيحة زرارة المتقدمة في المقام (1) الدالة على أنه صلى الله عليه وآله كان يتوضأ بمد ويغتسل بصاع ثم فسر عليه السلام المد برطل ونصف والصاع
بستة أرطال، فإنها ظاهرة في كون الصاع فيها إنما هو صاع الماء مع أنه فسره بما
يرجع إلى الأربعة الأمداد، لأن الأرطال فيه محمولة على الأرطال المدنية والصاع
بستة أرطال فيها والمد برطل ونصف وهو ظاهر في الأربعة الأمداد لا الخمسة. ونحو
هذه الصحيحة غيرها أيضا. وحينئذ فلا يتم ما ذكره الصدوق من حمل صاع الماء على
ما يسع خمسة أمداد ولا ما ذكره من التوجيه لكلامه لانتقاضه بالصحيحة
المذكورة ونحوها.
هذا. وأما باقي الاشكالات في الخبر فلا أعرف للجواب عنها وجها ولم أقف
على من تعرض للجواب عنها بل قل من تعرض لذكرها وهي مرجوعة إلى
قائلها، والله العالم.
المقام الثالث - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الوقت الذي
تتعلق به الزكاة في الغلات مع الاتفاق على أن وجوب الاخراج إنما هو بعد التصفية
فالمشهور كما ذكره العلامة في المختلف وغيره هو بدو الصلاح في النخل بالاحمرار
والاصفرار واشتداد الحب في غيره، وقيل إنه عبارة عن ما يصدق عليه التسمية
بكونه تمرا أو زبيبا أو حنطة أو شعيرا، وهو منقول عن ابن الجنيد واختاره المحقق
في كتبه الثلاثة وحكاه العلامة في المنتهى عن أبيه أنه كان يذهب إليه، وإليه يميل

(1) ص 113
116

كلام صاحب المدارك وصاحب الذخيرة.
قالوا: وتظهر الفائدة في ما لو تصرف المالك بعد بدو الصلاح وانعقاد الحب
وقبل البلوغ إلى حد التسمية بتلك الأسماء المذكورة، فإنه على المشهور لا يجوز إلا
بعد الخرص وضمان الزكاة لتحقق الوجوب يومئذ، وعلى القول الآخر يجوز التصرف
ما لم تبلغ الحد المذكور. وكذا تظهر الفائدة في ما لو نقله إلى غيره في تلك الحال
أيضا، فعلى المشهور تجب الزكاة على الناقل لتحقق الوجوب في ملكه، وعلى القول
الآخر إنما تتعلق بمن بلغت ذلك الحد في ملكه.
وظواهر الأخبار المتقدمة في قصر ما تجب فيه الزكاة في الأصناف التسعة
التي من جملتها الحنطة والشعير والتمر والزبيب من ما يؤيد القول الثاني إذ من
الظاهر أنه لا يصدق شئ من هذه الأسماء بمجرد الاحمرار والاصفرار ولا بمجرد
انعقاد الحب.
واستدل بعض الأصحاب لهذا القول أيضا بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه
موسى عليه السلام (1): " أنه سأله عن البستان لا تباع غلته ولو بيعت بلغت غلته مالا
فهل تجب فيه صدقة؟ فقال لا إذا كانت تؤكل " وأيده أيضا بحسنة محمد بن مسلم (2)
قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التمر والزبيب ما أقل ما تجب فيه الزكاة؟ قال خمسة
أوساق ويترك معا فارة وأم جعرور ولا يزكيان وإن كثرا ".
قال: والمستفاد منها إن الزكاة لا تجب في هذين النوعين، وقد يقال الوجه فيه
تعارف أكل هذين النوعين قبل صيرورتهما تمرا فيكون مضمونه موافقا لما رواه الشيخ
عن علي بن جعفر في الصحيح. وأورد الرواية المتقدمة ثم قال: ويصلحان حجة لمن
يعتبر في ثبوت الزكاة صدق اسم التمر. انتهى.
أقول: فيه إن الظاهر من صحيحة علي بن جعفر المذكورة أن المراد من

(1) الوسائل الباب 8 من زكاة الغلات
(2) الوسائل الباب 1 من زكاة الغلات
117

غلة البستان إنما هو ما عدا الأجناس الزكوية من الفواكه من ما يؤكل عادة ويفسد
بعد نضجه وبلوغه لو لم يؤكل عاجلا، وإليه الإشارة بقوله عليه السلام " لا إذا كان يؤكل "
أي لا تجب فيه الزكاة إذا كان من ما يعتاد أكله بعد نضجه والبلوغ إلى حده، ومثلها
في ذلك حسنة محمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) (1) " في البستان
تكون فيه الثمار ما لو بيع كان بمال هل فيه الصدقة؟ قال لا " فإن المراد به ما ذكرناه
قطعا من تلك الفواكه التي لا تتعلق بها الزكاة، وإن لم يكن ما ذكرناه متعينا بقرينة
الرواية الأخرى فلا أقل أن يكون مساويا لما ذكره وبه لا يتم الاستدلال. وأما
حمل حسنة محمد بن مسلم التي ذكرها على ما ذكره من أن عدم وجوب الزكاة فيها
لتعارف أكلها قبل بلوغها الحد المذكور فالظاهر أنه ليس كذلك بل الظاهر من جملة
من الأخبار إنما هو لأمره صلى الله عليه وآله بعدم خرصها، فمعنى تركها في الخبر إنما هو عدم
خرصها على أرباب النخيل، وستأتي الأخبار الصريحة الدالة على ما قلناه إن شاء الله
تعالى في بعض المقامات الآتية.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنا لم نقف على حجة للقول المشهور يعتد بها وغاية
ما استدل به العلامة في المنتهى دعوى تسمية الحب إذا اشتد حنطة وشعيرا
وتسمية البسر تمرا وإن أهل اللغة نصوا على أن البسر نوع من التمر والرطب
نوع من التمر.
ولم نقف على ما يدعيه من كلام أهل اللغة إلا على ما ذكره في القاموس في
مادة (بسر) حيث قال: والتمر قبل إرطابه والواحدة بسرة. ولكن كلام أكثر
أهل اللغة على خلافه واحتمال التجوز في كلامه قائم كما لا يخفى على من تأمل كتابه
قال في الصحاح في ثمر النخل: أوله طلع ثم خلال ثم بلح ثم بسر ثم رطب ثم تمر.
وقال في المغرب: البسر غوره خرما. وقال في كتاب مجمع البحرين: قد تكرر في
الحديث ذكر التمر هو بالفتح فالسكون اليابس من ثمر النخل. وقال الفيومي في كتاب

(1) الوسائل الباب 8 من زكاة الغلات
118

المصباح المنير: التمر من ثمر النخل كالزبيب من العنب وهو اليابس باجماع أهل اللغة
لأنه يترك على النخل بعد إرطابه حتى يجف أو يقارب ثم يقطع ويترك في الشمس
حتى ييبس، قال أبو حاتم ربما جذت النخلة وهي باسرة بعد ما أحلت ليخفف عنها
أو لخوف السرقة فيترك حتى يكون تمرا. انتهى.
والجميع كما ترى صريح في أن التمر عبارة عن اليابس بعد الرطب، وظاهر عبارة
صاحب المصباح دعوى الاجماع من اللغويين على ذلك، وبذلك يعلم ما في كلام العلامة
(قدس سره) من عدم تمامية دليلة وأنه يجب حمل عبارة صاحب القاموس
على ما ذكرناه.
نعم هنا روايتان في المقام ربما يصلحان للدلالة على القول المشهور إحداهما
صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (1) في حديث قال:
" سألته عن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب متى تجب على صاحبها؟ قال
إذا صرم وإذا خرص " وصحيحته الأخرى وقد تقدمت في المقام الثاني (2) وفيها
" فقلت وهل على العنب زكاة أو إنما تجب عليه إذا صيره زبيبا؟ قال نعم إذا خرصه
أخرج زكاته ".
والتقريب فيهما أن وجوب الزكاة بالخرص الذي إنما يكون في حال كون
الثمرة بسرا أو عنبا مثلا يعطي تعلق الوجوب بذلك الوقت قبل أن تصير تمرا أو
زبيبا، إذ الظاهر من الخرص كما ذكره الأصحاب إنما هو لجواز تصرف المالك مع
ضمان حصة أرباب الزكاة وهو لا يتجه إلا على القول المشهور إلا أن هؤلاء
المصرحين هم أرباب القول المشهور، وأما على القول الآخر فإنه يجوز للمالك
التصرف بكل وجه ما لم يبلغ الحد المتقدم ذكره، وعلى هذا لا يظهر للخرص علة
وهكذا القول في الحنطة والشعير على تقدير جواز خرصهما.
إلا أنه يمكن المناقشة في الرواية الأولى بأنه متى خص الخرص بالوقت

(1) الوسائل الباب 12 من زكاة الغلات
(2) ص 110
119

المذكور وأنه وقت الوجوب فلا معنى لقوله في الخبر " إذا صرم " لأنه لا يخفى
ما بين وقتي الصرام والخرص بالمعنى المذكور من المدة، إذ الخرص كما هو المفروض
في حال البسرية والعنبية والصرام إنما يكون بعد صيرورته تمرا فكيف يستقيم
تعليق الوجوب بكل منهما؟ بل إنما يستقيم ذلك بحمل الخرص في الخبر على وقت
كونه تمرا وزبيبا وحنطة وشعيرا، فإنه في ذلك الوقت يتعلق به الوجوب سواء
صرمه أو خرصه على رؤوس الأشجار والنخل والزرع.
وأما الرواية الثانية فهي مع الاغماض عن المناقشة في دلالتها أخص من
المدعى فيثبت بها الحكم في العنب خاصة فتتعلق به الزكاة من وقت العنبية، وأما غيره
من الأفراد المذكورة فيحتاج إلى دليل، وإلى هذا يميل كلام السيد السند في المدارك.
نعم يبقى الكلام في الروايات الآتية الدالة على أن النبي صلى الله عليه وآله كان يأمر
بالخرص على أرباب النخيل، فإن حمله على ما بعد يبس الثمرة بعيد وبذلك تكون
المسألة محل اشكال. وكيف كان فالاحتياط في العمل بالقول المشهور من ما لا
ينبغي تركه.
المقام الرابع - لا خلاف في أنه يشترط بلوغ كل صنف من أصناف الغلات
المذكورة نصابا، فلا يضم بعضها إلى بعض ليكمل النصاب من صنفين أو أصناف
بل الحكم هنا كما تقدم أيضا في النقدين من عدم ضم أحدهما إلى الآخر والأنعام
من عدم ضم صنف إلى آخر، وهو من ما لا اشكال فيه.
وعليه تدل الأخبار ومنها صحيحة سليمان - وهو ابن خالد - عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: " ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق، والعنب
مثل ذلك حتى يكون خمسة أوساق ".
وفي صحيحة زرارة وبكير عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال: فيها: " وليس
في شئ من هذه الأربعة الأشياء شئ حتى يبلغ خمسة أوساق.. إلى أن قال: فإن كان

(1) الوسائل الباب 1 من زكاة الغلات
(2) الوسائل الباب 1 من زكاة الغلات
120

من كل صنف خمسة أوساق غير شئ وإن قل فليس شئ.. الحديث.
وصحيحة زرارة (1) قال: " قلت لأبي جعفر ولابنه (عليهما السلام)
الرجل تكون له الغلة الكثيرة من أصناف شتى أو مال ليس فيه صنف تجب فيه
الزكاة هل عليه في جميعه زكاة واحدة؟ فقال لا إنما تجب عليه إذا تم فكان يجب
في كل صنف منه الزكاة تجب عليه في جميعه في كل صنف منه الزكاة فإن أخرجت
أرضه شيئا قدر ما لا تجب فيه الصدقة أصنافا شئ لم تجب فيه زكاة واحدة ".
المقام الخامس - قد صرح جملة من الأصحاب بأن الزكاة إنما تجب في الغلات
إذا ملكت بالزراعة لا الابتياع ونحوه كالإرث والهبة. وهو على اطلاقه مشكل
فإنهم قد صرحوا من غير خلاف يعرف بوجوب الزكاة في ما ينتقل إلى الملك
قبل تعلق الوجوب.
وذكر شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) في مقام الاعتذار عن ذلك بأن
مرادهم بالزراعة في اصطلاحهم انعقاد الثمرة في الملك أو احمرارها واصفرارها
إذا توقف الوجوب عليه، وحمل الابتياع ونحوه على وقوعه بعد تحقق الوجوب
بحصول أحد الأمور المذكورة قبل وقوع البيع.
وفيه - مع الاغماض عن المناقشة بما فيه من البعد وأنه من قبيل الألغاز
والمعميات - أن ما ذكره إنما يتم على تقدير تعلق الوجوب بالانعقاد وبدو الصلاح
ولا يجري على القول الآخر مع أن ممن صرح بذلك المحقق في الشرائع مع تصريحه
فيه بالقول المشار إليه.
وجعل المحقق في المعتبر والنافع والعلامة في جملة من كتبه الشرط هو النمو
في الملك.
وفيه أيضا أن الثمرة إذا انتقلت بعد بدو الصلاح كانت الزكاة على الناقل وإن
حصل النمو في ملك المنتقل إليه على القول المشهور، وكذلك إذا انتقل قبل صدق
اسم التمر والزبيب والحنطة والشعير كان الزكاة على المنتقل إليه على القول الآخر

(1) الإستبصار ج 2 ص 39 وفي الوسائل الباب 2 من زكاة الغلات
121

وإن حصل النمو في ملك الناقل، وحينئذ فهذا الشرط لا وجه له على كل من القولين.
والتحقيق أن يجعل الشرط حصولها في ملكه في الوقت الذي تتعلق الزكاة
فيه بمعنى أنه يدخل هذا الوقت وهي في ملكه، وهذا الشرط جار على كل من
القولين كما لا يخفى والأدلة عليه ظاهرة. والله العالم.
المقام السادس - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف
يعرف بأن ما سقي سيحا أو بعلا أو عذيا ففيه العشر وما سقي بالدوالي والنواضح
ففيه نصف العشر، والمراد بالسيح الجريان قال الجوهري السيح الماء الجاري.
وظاهره أنه أعم من أن يكون على وجه الأرض أو في الأنهار، وهو كذلك كما
صرح به الأصحاب وأما البعل فقال في الصحاح إنه النخل الذي يشرب بعروقه
فيستغني عن السقي. وأما العذي بالتسكين والكسر فقال هو الزرع لا يسقيه إلا ماء
المطر والدوالي جمع دالية، قال والدالية المنجنون تديرها البقرة والناعورة يديرها
الماء وقال إن المنجنون هو الدولاب التي يستقى عليها.
ويدل على الحكم المذكور مضافا إلى الاجماع الأخبار المستفيضة: ومنها
صحيحة زرارة وبكير عن أبي جعفر عليه السلام (1) قال " في الزكاة ما كان يعالج بالرشاء
والدوالي والنواضح ففيه نصف العشر وإن كان يسقى من غير علاج بنهر أو عين
أو بعل أو سماء ففيه العشر كاملا " ونحوها غيرها (2) والحكم موضع اتفاق
نصا وفتوى.
ثم إنه متى اجتمع الأمران كان الحكم للأكثر فأيهما غلب تبعه الحكم من العشر
أو نصف العشر، ومع التساوي يؤخذ من نصفه العشر ومن النصف الآخر نصف
العشر وهو يرجع إلى ثلاثة أرباع العشر، وهو من ما لا خلاف فيه أيضا.
ويدل عليه ما رواه الشيخ عن معاوية بن شريح عن أبي عبد الله عليه السلام (3)

(1) الوسائل الباب 4 من زكاة الغلات
(2) الوسائل الباب 4 من زكاة الغلات
(3) الوسائل الباب 6 من زكاة الغلات
122

قال: " في ما سقت السماء والأنهار أو كان بعلا فالعشر فأما ما سقت السواني
والدوالي فنصف العشر. فقلت له فالأرض تكون عندنا تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء
وتسقى سيحا؟ فقال إن ذا ليكون عندكم كذلك؟ قلت نعم. قال النصف والنصف
نصف بنصف العشر ونصف بالعشر. فقلت الأرض تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء
فتسقى السقية والسقيتين سيحا؟ قال وكم تسقى السقية والسقيتين سيحا؟ قلت
في ثلاثين ليلة أو أربعين ليلة وقد مكث قبل ذلك في الأرض ستة أشهر سبعة أشهر
قال نصف العشر ".
وهل الاعتبار في الكثرة بالأكثر زمانا أو عددا أو نفعا؟ أوجه ثلاثة
أقربها إلى ظاهر النص الأول.
المقام السابع - لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في استثناء
حصة السلطان، والمراد بها ما يجعله على الأرض الخراجية من الدراهم ويسمى خراجا
أو حصة من الحاصل ويسمى مقاسمة، إنما اختلفوا في غيرها من المؤن هل يجب
استثناؤها كالخراج أم لا وإنما يختص بالمالك؟ قولان فذهب الشيخ في الخلاف
والمبسوط إلى أن المؤن كلها على رب المال دون الفقراء، ونسبه في الخلاف إلى
جميع الفقهاء، ونقل جمع من الأصحاب عنه في الخلاف دعوى الاجماع عليه إلا من
عطاء (1) ونقل عن الفاضل يحيى بن سعيد صاحب الجامع القول بذلك أيضا
واختاره شيخنا الشهيد الثاني أيضا في فوائد القواعد على ما نقله عنه سبطه في المدارك وأنه
ذكر أنه لا دليل على استثناء المؤن سوى الشهرة وقال إن اثبات الحكم بمجرد
الشهرة مجازفة، وإلى هذا القول مال جملة من متأخري المتأخرين. وقال الشيخ في
النهاية باستثناء المؤن كلها وهو قول الشيخ المفيد والمحقق وابن إدريس والعلامة
ونسبه في المنتهى إلى أكثر الأصحاب وفي المختلف إلى المشهور.
واستدل على الأول بعموم الأخبار الدالة على العشر ونصف العشر في

(1) المحلى ج 5 ص 258 رقم 657
123

الغلات الأربع من غير استثناء، نعم ورد استثناء حصة السلطان فيجب الاقتصار عليها
كما رواه الكليني والشيخ عنه في الصحيح عندنا أو الحسن على المشهور عن أبي بصير
ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (1) أنهما قالا له: " هذه الأرض التي يزارع أهلها
ما ترى فيها؟ قال كل أرض دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك في ما أخرج الله
منها الذي قاطعك عليه، وليس على جميع ما أخرج الله منها العشر إنما العشر عليك
في ما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك ".
أقول: ومن ما يعضد هذا الخبر أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد
ابن علي بن شجاع النيسابوري وهو مجهول (2) " أنه سأل أبا الحسن الثالث عليه السلام
عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كر ما يزكي فأخذ منه العشر عشرة أكرار
وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرا وبقي في يده ستون كرا ما الذي يجب
لك من ذلك؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شئ؟ فوقع عليه السلام لي منه الخمس من ما
يفضل من مؤنته " وهو كما ترى صريح في أخذ العشر من جميع ما حصل من الأرض
وأن المؤنة إنما خرجت بعد ذلك، وهو وإن كان في كلام السائل إلا أن الإمام عليه السلام قرره على ذلك ولم ينكره وتقريره حجة كما اتفقوا عليه.
وما رواه صفوان وأحمد بن محمد بن أبي نصر (3) قالا: " ذكرنا له الكوفة
وما وضع عليها من الخراج وما سار فيها أهل بيته فقال من أسلم طوعا تركت أرضه
في يده وأخذ منه العشر من ما سقت السماء والأنهار ونصف العشر من ما كان
بالرشاء في ما عمروه منها وما لم يعمروه منها أخذه الإمام فقبله ممن يعمره وكان
للمسلمين، وعلى المتقبلين في حصصهم العشر ونصف العشر.. إلى أن قال وعلى المتقبلين
سوى قبالة الأرض العشر ونصف العشر في حصصهم.. الحديث ".

(1) الوسائل الباب 7 من زكاة الغلات
(2) الوسائل الباب 5 من زكاة الغلات
(3) الوسائل الباب 4 من زكاة الغلات
124

واستدل العلامة في المنتهى وقبله المحقق في المعتبر على القول المشهور بأن
النصاب مشترك بين المالك والفقراء فلا يختص أحدهم بالخسارة عليه كغيره من
الأموال المشتركة، وبأن المؤنة سبب الزيادة فتكون على الجميع، وبأن إلزام المالك
بالمؤنة كلها حيف عليه واضرار به وهو منفي، وبأن الزكاة في الغلات تجب في النماء
والفائدة وهو لا يتناول المؤنة.
ولا ريب في ضعف هذه التعليلات فإنها بمجردها لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية وإن زعموها أدلة عقلية مقدمة على النصوص كما هي قاعدتهم الكلية، هذا مع أن جملة من فضلاء متأخري المتأخرين: منهم - السيد السند في المدارك بينوا ضعف
هذه الوجوه مشروحا فليرجع إليه من أحب الوقوف عليه.
نعم يدل على هذا القول ما في كتاب الفقه الرضوي (1) حيث قال عليه السلام:
وليس في الحنطة والشعير شئ إلى أن يبلغ خمسة أوسق والوسق ستون صاعا
والصاع أربعة أمداد والمد مائتان واثنان وتسعون درهما ونصف، فإذا بلغ ذلك وحصل
بعد خراج السلطان ومؤنة العمارة والقرية أخرج منه العشر إن كان سقي بماء المطر
أو كان بعلا وإن كان سقي بالدلاء والغرب ففيه نصف العشر، وفي التمر والزبيب مثل
ما في الحنطة والشعير.
أقول: وبهذه العبارة بعينها عبر الصدوق في الفقيه ومنه يظهر أن مستنده
في الحكم المذكور إنما هو هذا الكتاب، والظاهر أيضا أنه هو المستند لغيره من
القائلين بهذا القول من متقدمي الأصحاب، ويمكن تخصيص اطلاق تلك الأخبار
بهذه الرواية.
وبالجملة فالمسألة غير خالية من شوب الاشكال وإن كان القول الأول أظهر
لقوة مستنده وأوفقيته بالاحتياط.
وفي هذا المقام فوائد: الأولى - قد عرفت أن المراد بخراج السلطان وحصته

(1) ص 22
125

هو ما يأخذه من الأرض الخراجية من نقد أو حصة من الحاصل وإن سمي الأخير
مقاسمة، وحينئذ فيكون هذا الحكم مخصوصا بما إذا كانت الأرض خراجية وهي
المفتوحة عنوة والآخذ الإمام إمام عدل كان أو إمام جور كخلفاء الأموية والعباسية
ومن يحذو حذوهم إلى يومنا هذا كما هو الظاهر من الأخبار وكلام أكثر الأصحاب
وإن خالف فيه شذوذ من أصحابنا.
بقي الكلام في ما لو لم تكن الأرض خراجية أو كانت وكان الآخذ ليس ممن
يدعي الإمامة كسلاطين الشيعة في بلاد العجم فهل يكون ما يأخذونه على الأرض
والحال هذه مستثنى ويكون على الجميع كحصة السلطان المتقدمة أو يختص بالمالك؟
اشكال ينشأ من أن هذا ليس من الخراج المستثنى لما عرفت من شروطه ودلالة ظواهر
الأخبار على وجوب العشر ونصف العشر على ما أخرجت الأرض مطلقا خرج منه
حصة السلطان بالدليل المتقدم وبقي ما عداه، ومن أن هذا ظلم لحق المالك في هذه
الزراعة فيصير من قبيل السرقة ونحوها من أسباب التلف من غير تفريط فلا تكون
مضمونة عليه بل توزع على الجميع ويكون اخراج النصاب بعده إن وقع ذلك قبل
استقرار الوجوب وإلا فبالنسبة بين المالك والفقراء. وهو الأقرب.
ويؤيده ظاهر رواية سعيد الكندي (1) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام إني
آجرت قوما أرضا فزاد السلطان عليهم؟ قال اعطهم فضل ما بينهما. قلت أنا لم
أظلمهم ولم أزد عليهم؟ قال إنهم إنما زادوا على أرضك " فإنه يستفاد من هذا الخبر
أنه لا ضمان على من جبره الحاكم وأخذ مال الغير من يده ظلما.
ويعضد ذلك ما صرح به شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) في المسالك في
صورة ما إذا أخذ الجائر زيادة على الخراج المعتاد ظلما، حيث قال فلا يستثني الزائد
إلا أن يأخذه قهرا بحيث لا يتمكن المالك من منعه سرا أو جهرا فلا يضمن
حصة الفقراء من الزائد. انتهى.

(1) الوسائل الباب 16 من المزارعة والمساقاة
126

الثانية - قد أجمع الأصحاب (رضوان الله عليهم) وهو المشهور بين الجمهور
أيضا (1) أنه بعد أخذ السلطان الخراج من الأرض الخراجية فإنه يجب على المالك
اخراج الزكاة من ما بقي في يده، وعليه تدل الأخبار التي قدمناها، ولم ينقل الخلاف
هنا إلا عن أبي حنيفة (2) فإنه ذهب إلى أنه لا زكاة فيها بعد أخذ الخراج منها،
ورده في المعتبر والمنتهى بوجوه اقناعية.
إلا أنه قد ورد في أخبارنا ما يدل على ذلك: ومنها - رواية أبي كهمش عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " من أخذ منه السلطان الخراج فلا زكاة عليه " وحملها
الشيخ على الأرضين الخراجية فيفهم منه حينئذ القول بعدم وجوب الزكاة فيها كما
هو المنقول عن أبي حنيفة مع أن العلامة في المنتهى ادعى الاجماع على ما قدمنا
نقله عنهم.
ومنها - صحيحة سليمان بن خالد (4) قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إن
أصحاب أبي أتوه فسألوه عن ما يأخذه السلطان فرق لهم وإنه ليعلم أن الزكاة لا تحل
إلا لأهلها فأمرهم أن يحتسبوا به فجاز ذا والله لهم. فقلت أي أبه إنهم إن سمعوا ذلك
لم يزك أحد؟ فقال أي بني حق أحب الله أن يظهره ".
ورواية رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام (5) قال: " سألته عن الرجل يرث الأرض
أو يشتريها فيؤدي خراجها إلى السلطان هل عليه فيها عشر؟ قال لا ".
ورواية أبي قتادة عن سهل بن اليسع (6) " أنه حيث أنشأ سهل اباد سأل أبا الحسن
عليه السلام عن ما يخرج منها ما عليه؟ فقال إن كان السلطان يأخذ خراجه فليس عليك
شئ وإن لم يأخذ السلطان منها شيئا فعليك اخراج عشر ما يكون فيها ".

(1) المهذب ج 1 ص 157 والانصاف ج 3 ص 113
(2) بدائع الصنائع للكاساني الحنفي ج 2 ص 57
(3) الوسائل الباب 10 من زكاة الغلات
(4) الوسائل الباب 20 من المستحقين للزكاة. وفي الفروع ج 1 ص 153 (فجال
فكري) مكان (فجاز ذا) في التهذيب ج 1 ص 359.
(5) الوسائل الباب 10 من زكاة الغلات
(6) الوسائل الباب 10 من زكاة الغلات
127

وصحيحة رفاعة أيضا (1) " عن الرجل له الضيعة فيؤدي خراجها هل عليه
فيها عشر؟ قال لا ".
والمنقول عن الشيخ حمل هذه الأخبار على نفي الزكاة في الحصة التي يأخذها
السلطان بعنوان الخراج فيصير حاصل المعنى أن العشر لا يثبت في غلة الضيعة بكمالها
قال المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتهى بعد نقل صحيحة رفاعة الأخيرة
ونقل تأويل الشيخ المذكور: ولا بأس بهذا الحمل إذ هو خير من الاطراح. وفيه
أن هذا الحمل وإن أمكن في هذه الرواية على بعد إلا أنه لا يجري في رواية قتادة
لأنه حكم عليه السلام بأنه مع أخذ الخراج ليس عليه شئ، ونحوها رواية أبي كهمش
حيث قال: " لا زكاة عليه " وتأويلهما بأنه ليس عليه شئ معين في خراج السلطان
تعسف محض. وبالجملة فإن هذا الاحتمال بعيد غاية البعد.
واحتمل بعض الأصحاب حمل الخراج في هذه الأخبار على الزكاة وأنه متى
أخذها الجائر قهرا فإنه تبرأ ذمة المالك وتسقط عنه استنادا إلى ما دل من الأخبار
على احتسابها بذلك:
كصحيحة يعقوب بن شعيب (2) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العشور
التي تؤخذ من الرجل أيحتسب بها من زكاته؟ قال نعم إن شاء ".
وصحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام (3) " في الزكاة؟ قال ما أخذ
منكم بنو أمية فاحتسبوا به ولا تعطوهم شيئا ما استطعتم فإن المال لا يبقى على هذا أن
يزكيه مرتين " ونحو ذلك صحيحة الحلبي (4).
وفيه أنه وإن دلت هذه الروايات على جواز احتساب ما يأخذونه بعنوان الزكاة
عن الزكاة الواجبة عليه لكن اطلاق الخراج في تلك الأخبار على الزكاة بعيد جدا.
نعم صحيحة سليمان بن خالد حيث لم يصرح فيها بلفظ الخراج قابلة لهذا التأويل بل ظاهرها

(1) التهذيب ج 1 ص 359 وفي الوسائل الباب 10 من زكاة الغلات
(2) الوسائل الباب 20 من المستحقين للزكاة
(3) الوسائل الباب 20 من المستحقين للزكاة
(4) الوسائل الباب 20 من المستحقين للزكاة
128

إنما هو الزكاة مثل هذه الأخبار الأخيرة.
على أنه قد ورد ما يعارض هذه الأخبار الأخيرة أيضا كصحيحة زيد
الشحام (1) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك أن هؤلاء المصدقين يأتوننا
فيأخذون منا الصدقة فنعطيهم إياها أتجزي عنا؟ فقال لا إنما هؤلاء قوم غصبوكم - أر
قال ظلموكم - أموالكم وإنما الصدقة لأهلها.
وحمله الشيخ على استحباب الإعادة، والأظهر حمله على ما إذا تمكن من
عدم الاعطاء بإنكار ونحوه ومع ذلك أعطاها كما هو ظاهر سياق الخبر بأن يكون
معنى " فيأخذون منا الصدقة " يعني يطلبونها منا فنعطيهم مع أنه يمكنه أن ينكر أن لا
صدقة عليه مثلا.
وكيف كان فحيث كانت الأخبار المتقدمة من ما أعرض عن العمل بها كافة
الأصحاب قديما وحديثا مع معارضتها بالأخبار المتقدمة في المقام السابع وكونها على
خلاف الاحتياط فلا بد من تأويلها أو طرحها وارجاعها إلى قائلها، والأظهر هو
حملها على التقية فإنه مذهب أبي حنيفة (2) ومذهبه في وقته له صيت وانتشار زيادة
على غيره من أصحاب المذاهب فإنها إنما اعتبرت في الأزمان المتأخرة.
الثالثة - لو قلنا باستثناء المؤن كما هو المشهور فهل تعتبر بعد النصاب فيزكي
الباقي منه بعد اخراج المؤنة وإن قل أم قبله فإن لم يبلغ الباقي بعدها نصابا فلا زكاة
أم يعتبر ما سبق على الوجوب كالسقي والحرث قبله وما تأخر كالحصاد والجذاذ
بعده؟ احتمالات ذهب إلى كل منها قائل، فقطع بأولها العلامة في التذكرة حيث قال:
الأقرب أن المؤنة لا تؤثر في نقصان النصاب وإن أثرت في نقصان الفريضة فلو
بلغ الزرع خمسة أوسق مع المؤنة وإذا سقطت المؤنة منه قصر عن النصاب وجبت
الزكاة لكن لا في المؤنة بل في الباقي. واختار هذا الوجه السيد السند في المدارك
ومثله الفاضل الخراساني في الذخيرة. وجزم العلامة في المنتهى بالثاني فقال المؤن تخرج

(1) الوسائل الباب 20 من المستحقين للزكاة
(2) بدائع الصنائع للكاساني الحنفي ج 2 ص 57
129

وسطا من المالك والفقراء فما فضل وبلغ نصابا أخذ منه العشر أو نصف العشر. وهو
ظاهر المحقق في الشرائع. وأنت خبير بأن هذا هو الذي دل عليه كلامه عليه السلام في
كتاب الفقه الرضوي فيكون أظهر الاحتمالات لذلك بناء على القول المذكور.
واستوجه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الثالث وجعل الأول أحوط.
المقام الثامن - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وجوب الزكاة
في حصة العامل في المزارعة والمساقاة مع الشرائط وكذا حصة المالك، لحصول ذلك
في ملكهما قبل بلوغ حد الوجوب وهو مناط تعلق الزكاة كما تقدم، ويدل عليه
أيضا ما تقدم في حسنة أبي بصير ومحمد بن مسلم (1) وقوله عليه السلام فيها " إنما العشر
عليك في ما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك " وكذا رواية سفوان وأحمد بن محمد
ابن أبي نصر (2) لقوله عليه السلام فيها " وعلى المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر ونصف
العشر في حصصهم ".
ونقل العلامة في المختلف عن السيد ابن زهرة أنه قال: لا زكاة على العامل في
المزارعة والمساقاة لأن الحصة التي يأخذها كالأجرة من عمله، وكذا لو كان البذر من
العامل فلا زكاة على رب الأرض لأن الحصة التي يأخذها كأجرة أرضه.
قال في المختلف: وأنكر ابن إدريس ذلك كل الانكار ومنعه كل المنع
وأوجب الزكاة عليه إذا بلغ نصيبه النصاب. وهو الأقرب، لنا أنه قد ملك بالزراعة
فيجب عليه الزكاة. واحتج بأنه أجرة ولا زكاة في الأجرة اجماعا. والجواب المنع
من الصغرى. انتهى.
أقول: من ما يدل على ما ذكره ابن زهرة ما رواه الشيخ في الموثق عن عبد الله
ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما السلام) (3) قال: " في زكاة الأرض
إذا قبلها النبي صلى الله عليه وآله أو الإمام عليه السلام بالنصف أو الثلث أو الربع فزكاتها عليه وليس

(1) الوسائل الباب 7 من زكاة الغلات
(2) ص 124
(3) الوسائل الباب 7 من زكاة الغلات
130

على المتقبل زكاة إلا أن يشترط صاحب الأرض أن الزكاة على المتقبل فإن اشترط
فإن الزكاة عليهم. وليس على أهل الأرض اليوم زكاة إلا على من كان في يده شئ
من ما أقطعه الرسول صلى الله عليه وآله.
وما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم (1) قال: " سألته عن الرجل
يتكارى الأرض من السلطان بالثلث أو النصف هل عليه في حصته زكاة؟
قال لا.. الحديث ".
وحمل الشيخ في الخبر الأول نفي الزكاة عن المتقبل على نفيها عن
جميع ما أخرجت الأرض وإن كان يلزمه زكاة ما يحصل في يده بعد المقاسمة
مستدلا بما مر.
وأنت خبير بأن قوله: " زكاتها عليه " يعني على النبي صلى الله عليه وآله أو الإمام عليه السلام
لا جائز أن يحمل على الحصة التي يأخذها عليه السلام لأنها مال للمسلمين كافة فهي من مال بيت
المال، وقد تقدم أن مال بيت المال ونحوه من الجهات العامة ليس فيه زكاة فلم تبق
إلا حصة المتقبل وقد أخبر أن زكاتها على النبي صلى الله عليه وآله أو الإمام فكيف يتم ما ذكره
من أنه يلزمه زكاة ما يحصل في يده؟ وبالجملة فما ذكره من التأويل لا يقبله الخبر المذكور
وأما صحيحة محمد بن مسلم فالظاهر جعلها في عداد الروايات المتقدمة الدالة على
ما ذهب إليه أبو حنيفة من أن ما أخذ من السلطان الخراج فلا زكاة عليه (2) لأن
المراد بالخراج ما هو أعم من الدراهم والدنانير التي يأخذها على الأرض أو الحصة
من الحاصل المسماة عندهم بالمقاسمة كما أشرنا إليه في ما سبق، وهذه الرواية دلت
على أنه إذا أخذ السلطان منه حصة فلا زكاة عليه، وحينئذ فتحمل على ما حملت
عليه تلك الروايات، وحينئذ فلم يبق إلا الرواية الأولى وهي لا تبلغ قوة في
معارضة الروايات المتقدمة في المقام السابع.

(1) الوسائل الباب 7 من زكاة الغلات
(2) بدائع الصنائع للكاساني الحنفي ج 2 ص 57
131

ومثلها أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (1)
قال " ذكرت لأبي الحسن الرضا عليه السلام الخراج وما سار به أهل بيته فقال العشر
ونصف العشر على من أسلم تطوعا تركت أرضه في يده وأخذ منه العشر ونصف العشر
في ما عمر منها وما لم يعمر منها أخذه الوالي فقبله ممن يعمره وكان للمسلمين.. إلى أن قال: وما أخذ بالسيف فذلك للإمام يقبله بالذي يرى كما صنع رسول الله
صلى الله عليه وآله بخيبر قبل أرضها ونخلها، الناس يقولون لا تصلح قبالة الأرض والنخل إذا
كان البياض أكثر من السواد. وقد قبل رسول الله صلى الله عليه وآله خيبر وعليهم في حصصهم
العشر ونصف العشر ".
واحتمال الاشتراط في هذه الأخبار جمعا بينها وبين الموثقة المذكورة
الظاهر بعده والمسألة لا تخلو من نوع توقف إذ لا يحضرني الآن محمل لتلك
الموثقة المذكورة.
ثم إن قوله عليه السلام في الموثقة المشار إليها " وليس على أهل الأرض اليوم
زكاة " لعله من قبيل ما تقدم من تلك الأخبار الدالة على سقوطها عن المالك بأخذ
الجائر لها بعنوان الزكاة أو الخراج، ولعل استثناء من كان في يده شئ من ما
أقطعه الرسول صلى الله عليه وآله من حيث إن تلك القطائع إنما هي في أيدي الظلمة الذين
لا يؤخذ منهم شئ يوجب سقوط الزكاة عنهم.
المقام التاسع - المفهوم من كلام الأصحاب ومنهم المحقق في المعتبر والعلامة
في المنتهى وغيرهما من المتقدمين والمتأخرين جواز الخرص في النخيل والكروم
وتضمينهم حصة الفقراء، ونقل عليه في المعتبر الاجماع منا ومن أكثر العامة (2).
واستدل عليه في المعتبر بما روي (3) من أن النبي صلى الله عليه وآله كان يبعث إلى الناس

(1) التهذيب ج 1 ص 383 وفي الوسائل الباب 4 من زكاة الغلات
(2) المغني ج 2 ص 76 ونيل الأوطار ج 4 ص 205
(3) سنن أبي داود ج 2 ص 110 رقم 1603
132

من يخرص عليهم نخيلهم وكرومهم. ولأن أرباب الثمار يحتاجون إلى الأكل
والتصرف في ثمارهم فلو لم يشرع الخرص لزم الضرر.
وإنما اختلفوا في جواز الخرص في الزرع فأثبته الشيخ وجماعة لوجود
المقتضي وهو الاحتياج إلى الأكل منه قبل يبسه وتصفيته، ونفاه ابن الجنيد
والمحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى والتحرير، لأنه نوع تخمين ولا يثبت إلا
في موضع الدلالة، ولأن الزرع قد يخفى خرصه لاستتار بعضه وتبدده بخلاف النخل
والكرم فإن ثمرتهما ظاهرة فيتمكن الخارص من ادراكها والإحاطة بها، ولأن
الحاجة في النخل والكرم ماسة إلى الخرص لاحتياج أربابها إلى تناولها غالبا رطبة
قبل الجذاذ والاقتطاف بخلاف الزرع فإن الحاجة إلى تناول الفريك قليلة جدا.
أقول: من ما يدل على جواز الخرص في الزرع ما تقدم في المقام الثالث
من صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن الرضا عليه السلام قال: " سألته عن الزكاة
في الحنطة والشعير والتمر والزبيب متى تجب على صاحبها؟ قال إذا صرم وإذا خرص
ثم إن المحقق في المعتبر ذكر في هذا المسألة فروعا: منها - أن وقت الخرص
حين بدو صلاح الثمرة، قال لأنه وقت الأمن على الثمرة من الجائحة غالبا لما روي (1)
" أن النبي صلى الله عليه وآله كان يبعث عبد الله بن رواحة يخرص على يهود خيبر نخلهم
حين يطيب ".
ومنها - صفة الخرص أن تقدر الثمرة لو صارت تمرا والعنب لو صار زبيبا
فإن بلغ الأوساق وجبت الزكاة ثم يخيرهم بين تركه أمانة في أيديهم وبين تضمينهم
حصة الفقراء أو يضمن لهم حقهم فإن اختاروا الضمان كان لهم التصرف كيف
شاءوا وإن أبوا جعله أمانة ولم يجز لهم التصرف فيه بالأكل والبيع والهبة لأن
فيه حق المساكين.. إلى غير ذلك من الفروع المذكورة.
ثم قال في المدارك بعد نقل جملة تلك الفروع: أقول إن في كثير من هذه

(1) سنن أبي داود ج 2 ص 110 رقم 1606
133

الأحكام نظر أو القدر المتحقق من ذلك جواز البناء على قدر الخرص عند عدم
العلم بالمقدار وجواز التصرف في الثمرة بعد الضمان، لأن ذلك فائدة الخرص
وللإجماع المنقول عليه من جماعة: منهم العلامة في المنتهى، فإنه قال: لو أكل
المالك رطبا فإن كان ذلك بعد الخرص والتضمين جاز اجماعا لأن فائدة الخرص إباحة
التناول، وإن كان بعد الخرص وقبل التضمين بأن خرص عليه الخارص ولم يضمنه
جاز أيضا إذا ضمن نصيب الفقراء، وكذلك لو كان قبل الخرص إذا خرصها هو
بنفسه أما مع عدم الخرص فلا. انتهى.
ثم قال في المدارك: واعلم أنا لم نقف للأصحاب على تصريح بمعنى الضمان
هنا والظاهر أن المراد به العزم على أداء الزكاة ولو من غير النصاب.
أقول: إذا عرفت ذلك فاعلم أن في المقام اشكالا لم أقف على من تنبه له ولا نبه
عليه، وذلك فإنه لا ريب في صحة هذا الكلام وما فرعوه عليه من الفروع
الداخلة في سلك هذا النظام بناء على ما هو المشهور من أن الوقت الذي تتعلق به
الزكاة في الغلات عبارة عن بدو الصلاح وانعقاد الحب واشتداده، وأما على القول
الآخر من أن الوقت الذي تتعلق به إنما هو ما إذا صارت تمرا وزبيبا وحنطة
وشعيرا فلا أعرف وجه صحة لهذا الكلام، كيف وقد جعلوا من فروع القولين
عدم جواز تصرف المالك بعد بدو الصلاح وانعقاد الحب إلا مع الخرص
والتضمين بناء على القول المشهور وجوازه مطلقا على الآخر، والمحقق المذكور
ممن ذهب في كتبه الثلاثة إلى القول بعدم تعلق الوجوب إلا بعد التسمية بتلك
الأسماء المذكورة. وفي المعتبر بعد أن صرح بذلك نقل عن الشيخ القول المشهور
وفرع الفرع المذكور على القولين ثم بعد هذا بسطرين أو ثلاثة ذكر مسألة الخرص
بالنحو الذي نقلناه عنه وهو من أعجب العجاب عند ذوي الألباب. ومثله صاحب
المدارك فإن ظاهره في تلك المسألة اختيار قول المحقق وفي مسألة الخرص جرى
على ما جرى عليه المحقق من أنه لا بد في صحة التصرف من الخرص والضمان.
134

(لا يقال) إن هذا مبني عندهم على تقدير القول المشهور (لأنا نقول) لو
كان الأمر كذلك لأشاروا إليه ونبهوا عليه وكلامهم هذا كله إنما جرى على سبيل
الفتوى في المسألة كغيرها من المسائل كما لا يخفى على من راجع كلامهم وما فيه من
زيادة التأكيد في الحكم المذكور.
هذا. وأما ما ذكره من أخبار الخرص فمنه ما هو عامي ومنه ما لا دلالة
فيه مثل خبر إرسال عبد الله بن رواحة يخرص على اليهود فإن ذلك ليس من المسألة
في شئ، فإن الخبر الوارد بذلك في يهود خيبر الذين قبلهم النبي صلى الله عليه وآله أرضها
ونخيلها بالنصف فهم شركاء بلا ريب من أول بدو الحاصل، وإنما الأخبار الدالة
على الخرص ما قدمناه من صحيحة سعد بن سعد الأشعري والروايات الآتية قريبا
إن شاء الله تعالى.
المقام العاشر - قد صرح العلامة في التذكرة بأنه إن كانت الثمرة جنسا واحدا
أخذ منه جيدا كان كالبرني وهو أجود نخيل الحجاز أو رديئا كالجعرور
ومصران الفارة ولا يطالب بغيره، ولو تعددت الأنواع أخذ من كل نوع بحصته
ولا يجوز اخراج الردئ لقوله تعالى: " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " (1)
ولا يجوز أخذ الجيد عن الردئ لقوله صلى الله عليه وآله (2) " إياك وكرائم أموالهم " فإن
تطوع المالك جاز. انتهى. وهو تفصيل حسن.
ويدل على ما ذكره من عدم جواز اعطاء الردئ عن الجيد روايات عديدة:
منها - ما رواه في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (3) " في قول الله عز وجل:
يا أيها الذين آمنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم، ومن أخرجنا لكم من الأرض
ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " (4) قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أمر بالنخل أن

(1) سورة البقرة الآية 270
(2) سنن ابن ماجة ج 1 ص 543 أول الزكاة
(3) الوسائل الباب 19 من زكاة الغلات
(4) سورة البقرة الآية 270
135

يزكى يجئ قوم بألوان من التمر وهو من أردأ التمر يؤدونه من زكاتهم تمرا يقال
له الجعرور والمعافارة قليلة اللحاء عظيمة النوى وكان بعضهم يجئ بها عن التمر الجيد
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لا تخرصوا هاتين التمرتين ولا تجيئوا منهما بشئ وفي ذلك
نزل " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه "
والاغماض أن يأخذ هاتين التمرتين ".
ورواه ابن إدريس في آخر كتاب السرائر نقلا من كتاب المشيخة للحسن
ابن محبوب عن صالح بن رزين عن شهاب عن أبي عبد الله عليه السلام (1) مثله.
وروى العياشي في تفسيره عن رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام (2) " في قول الله
عز وجل: إلا أن تغمضوا فيه (3) فقال إن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث عبد الله بن
رواحة فقال لا تخرصوا أم جعرور ولا معافارة وكان أناس يجيئون بتمر سوء
فأنزل الله: " ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه " وذكر أن عبد الله بن رواحة خرص
عليهم تمر سوء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا عبد الله لا تخرصوا جعرورا ولا معارفاة "
وعن إسحاق بن عمار عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (4) قال: " كان أهل
المدينة يأتون بصدقة الفطر إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وفيه عذق يسمى الجعرور وعذق
يسمى معافارة كان عظيم نواهما رقيق لحاؤهما في طعمهما مرارة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
للخارص لا تخرص عليهم هذين اللونين لعلهم يستحيون لا يأتون بهما فأنزل الله:
يا أيها الذين آمنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم.. إلى قوله تنفقون " (5).
وهذه الروايات هي التي أشرنا إليها سابقا بأنها دالة على الخرص.
المقام الحادي عشر - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) الاجتزاء
بالقيمة في الغلات والأنعام والنقدين،
وهو بالنسبة إلى الأنعام لا يخلو من
إشكال لما قدمنا سابقا في المسألة السادسة من المسائل الملحقة بالمقام الثالث في زكاة

(1) الوسائل الباب 19 من زكاة الغلات
(2) الوسائل الباب 19 من زكاة الغلات
(3) سورة البقرة الآية 271
(4) الوسائل الباب 19 من زكاة الغلات
(5) سورة البقرة الآية 270
136

الغنم من أن الدليل إنما دل على ذلك في الغلات والنقدين خاصة وأما الأنعام فلم يقم
على إجزاء القيمة فيها دليل، وقد تقدم أن ذلك مذهب الشيخ المفيد وإليه يميل
كلام المحقق في المعتبر. والعجب من الشيخ الحر في الوسائل أنه ترجم الباب (1).
هكذا " باب جواز اخراج القيمة عن زكاة الدنانير والدراهم وغيرهما " ولم يورد
من الأخبار الدالة على ذلك إلا صحيحتي علي بن جعفر والبرقي المتقدمتين (2)
المشتملة إحداهما على الغلات والثانية على النقدين، وهذا من بعض غفلاته.
ولا ريب أن ما ذهب إليه الشيخ المفيد (قدس سره) هنا بمحل من القوة
فإن مقتضى الأدلة وجوب اخراج الفرائض المخصوصة فلا يجوز العدول عنها إلا
بدليل، ويؤيده أيضا ظواهر جملة من الأخبار مثل خبر محمد بن مقرن وصحيحة
زرارة المتقدمتين في المقام الأول من المطلب الأول (3) في زكاة الإبل حيث دلا
على أن من ليس عنده السن المفروض أعطى سنا أدنى منه وجبره بعشرين درهما
أو أعلى منه بسن أعطاه واسترجع من المصدق عشرين درهما، ولو كانت القيمة
جائزة بالمعنى الذي ذكروه لأمر به عليه السلام عملا بسعة الشريعة المحمدية وجريا علي
سهولة التكليف المبني عليه قواعد تلك الملة المصطفوية. وبالجملة فالقول به يحتاج
إلى الدليل وليس فليس، وبه يظهر قوة قول الشيخ المفيد (قدس سره) فموافقة
الشيخ المشار إليه مع كونه أخباريا للقول المشهور هنا مع ما هو عليه من القصور
لا يخلو من غفلة فإنه من أرباب النصوص الذين يحومون حولها على العموم أو الخصوص
وغاية ما استدل به العلامة هنا للقول المشهور في مطولاته أن المقصود بالزكاة
دفع الخلة ورفع الحاجة وهو يحصل بالقيمة كما يحصل بالعين، فإن الزكاة إنما شرعت
جبرا للفقراء ومعونة لهم وربما كانت القيمة أنفع في بعض الأوقات فاقتضت الحكمة
التسويغ. ولا يخفى ما في أمثال هذه التعليلات من الضعف وعدم الصلاحية

(1) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب والفضة
(2) ص 72
(3) ص 52 و 53
137

لتأسيس الأحكام الشرعية عليها. نعم تصلح لأن تكون توجيها للنص وبيانا
للحكمة فيه إذا ثبت.
بقي الكلام في أن ظاهر كلام الأصحاب تصريحا في مواضع وتلويحا في أخرى
أن المراد بالقيمة هنا ما هو أعم من الدراهم والدنانير من أي جنس إذا أخرجه
بحساب الدراهم والدنانير، قال الشيخ في الخلاف: يجوز اخراج القيمة في الزكاة
كلها أي شئ كانت القيمة، وتكون القيمة على وجه البدل لا على أنها أصل. انتهى
والذي تضمنه الخبران المشار إليهما آنفا اللذان هما المستند في المسألة ظاهرهما
خصوص النقدين، ففي صحيحة علي بن جعفر (1) قال: " سألته عن الرجل يعطي
عن زكاته عن الدارهم دنانير وعن الدنانير دراهم؟ قال لا بأس ".
وصحيحة البرقي (2) قال: " كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام هل يجوز أن يخرج
عن ما يجب في الحرث من الحنطة والشعير وما يجب على الذهب دراهم بقيمة ما يسوى
أم لا يجوز إلا أن يخرج من كل شئ ما فيه؟ فأجاب عليه السلام أيما تيسر يخرج " والظاهر أن المراد من قوله: " أيما تيسر " يعني الأمرين المذكورين.
ويؤيده أيضا ما رواه في الكافي عن سعيد بن عمر وعن أبي عبد الله عليه السلام (3)
قال: " قلت يشتري الرجل من الزكاة الثياب والسويق والدقيق والبطيخ والعنب
فيقسمه؟ قال: لا يعطيهم إلا الدراهم كما أمر الله ".
قال المحدث الكاشاني في كتاب الوافي - بعد نقل هذا الخبر على أثر الخبرين
الأولين - ما صورته: هذا الحديث لا ينافي ما قبله لأن التبديل إنما يجوز بالدراهم
والدنانير دون غيرهما. انتهى.
إلا أنه نقل المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في كتاب الوسائل (4)

(1) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب والفضة، واللفظ بعد قوله " دراهم " هكذا
" بالقيمة أيحل ذلك؟ ".
(2) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب والفضة
(3) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب والفضة
(4) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب والفضة
138

عن كتاب قرب الإسناد لعبد الله بن جعفر الحميري أنه روى فيه عن محمد بن الوليد
عن يونس بن يعقوب قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام عيال المسلمين أعطيهم من
الزكاة فاشترى لهم منها ثيابا وطعاما وأرى أن ذلك خير لهم؟ قال فقال لا بأس ".
وقد جمع بين هذا الخبر وما قبله بحمل الأول على استحباب الاخراج من
العين وإن جاز بالقيمة كما دل عليه هذا الخبر. وفيه بعد فإن الزكاة في الخبر لا يتعين
كونها من الدراهم بخصوصها حتى يصير الأمر بالدراهم من العين بل ظاهرها العموم
وأن المخرج إذا أعطى على جهة القيمة فالواجب أن يكون دراهم، وذكر الدراهم
هنا خرج مخرج التمثيل فلا ينافي اعطاء الدنانير.
وبالجملة فالرواية ظاهرة في أنه لا يجوز إلا النقدان أصالة أو قيمة،
والمسألة لا تخلو من اشكال والاحتياط في الوقوف على ظواهر تلك الأخبار
ويؤيده أيضا ما يأتي إن شاء الله تعالى في مسألة أقل ما يعطى الفقير من الزكاة.
ثم لا يخفى أنه على تقدير القول بالقيمة كائنا ما كان فهل يكون الاعتبار بوقت
الاخراج مطلقا لأنه وقت الانتقال إليها أو يقيد ذلك بما إذا لم يقوم الزكاة على نفسه
فلو قومها على نفسه وضمن القيمة فالواجب هنا ما ضمنه زاد السوق قبل الاخراج
أو انخفض؟ وجهان محتملان اختار أولهما السيد السند في المدارك والفاضل
الخراساني في الذخيرة وثانيهما العلامة في التذكرة، والمسألة لا تخلو من
توقف وإن كان ما ذكره العلامة أقرب لأنه متى كان التقويم جائزا والضمان صحيحا
فإن المستقر في الذمة هو القيمة. وقول السيد (قدس سره) إن وقت الاخراج
هو وقت الانتقال إلى القيمة ممنوع في هذه الصورة بل الانتقال من حين
التقويم والضمان.
المقام الثاني عشر - لا ريب أن ما زاد من هذه الغلات على مؤنة السنة فإنه
يجب فيه الخمس كما صرح به جملة من الأصحاب كما سيجئ تحقيقه إن شاء الله في كتاب
الخمس، ويدل على ذلك هنا ما قدمناه من رواية محمد بن علي بن شجاع المتقدمة في.
139

المقام السابع من مقامات هذا المطلب (1).
بقي هنا شئ وهو أن المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر في كتاب الوسائل (2)
قال: " باب استحباب اخراج الخمس من الغلات على وجه الزكاة ووجوب اخراج
خمسها إن فضلت عن مؤنة السنة " ثم أورد دليلا على الحكم الثاني رواية ابن شجاع
المشار إليها، وأورد على الحكم الأول ما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة (3)
قال: " سألته عن الزكاة في الزبيب والتمر فقال في كل خمسة أوساق وسق، والوسق
ستون صاعا، والزكاة فيهما سواء، فأما الطعام فالعشر في ما سقت السماء وأما ما سقي
بالغرب والدوالي فإنما عليه نصف العشر " وقد تبع في ذلك الشيخ (قدس سره)
فإنه بعد أن نقل هذه الرواية عن الكافي بالاضمار وعن التهذيب بالاسناد إلى أبي عبد الله عليه السلام طعن فيها بالاضطراب من حيث الاضمار تارة والاظهار أخرى
ثم حمله على الاستحباب تارة وعلى الخمس أخرى باطلاق الزكاة عليه مجازا.
والأظهر في معنى الخبر المذكور ما ذكره المحدث الكاشاني في الوافي حيث
قال - بعد رد طعن الشيخ بالاضطراب بالمنع وأن ذلك لا يوجب اضطرابا -
ما صورته: ويحتمل أن تكون لفظة " وسق " بعد خمسة أوساق من مزيدات
النساخ ولهذا ربما لا توجد في بعض نسخ الكافي. وقوله: " في كل خمسة أوساق،
يعني في كل من الزبيب والتمر خمسة أوساق، وليس الطعام بمعنى الحنطة بل ما يطعم يعني
فإما الطعمة منها لأهلها أو هو مصدر فإنه جاء بمعنى الاطعام أيضا يعني فأما اطعام المستحق
منها فالعشر ونصف العشر، وعلى التقديرين فهو بيان لمقدار ما يخرج من الزبيب
والتمر من غير تعرض للحنطة والشعير بوجه كما لا تعرض لهما في السؤال، وعلى
هذا فلا إشكال. انتهى. وهو وإن كان لا يخلو من بعد إلا أنه جيد في مقام التأويل،
المقام الثالث عشر - قد صرح جملة من الأصحاب من غير خلاف يعرف

(1) ص 124
(2) الوسائل الباب 5 من زكاة الغلات
(3) الوسائل الباب 5 من زكاة الغلات
140

بأنه تضم الثمار المتباعدة في البلاد بعضها إلى بعض وإن تفاوتت في الادراك وأن
حكمها في ذلك حكم البلد الواحدة فإذا بلغ بعضه الحد الذي يتعلق به الوجوب،
فإن كان نصابا أخذ منه الزكاة ثم يؤخذ من الباقي قل أو كثر بعد أن يتعلق به
الوجوب، وإن كان الذي أدرك أولا أقل من النصاب يتربص به حتى يدرك
الآخر ويتعلق به الوجوب فيكمل منه النصاب الأول ثم يؤخذ من الباقي كائنا
ما كان، ونقل العلامة في التذكرة اجماع المسلمين عليه.
قال في المنتهى: لو كان له نخل يتفاوت إدراكه بالسرعة والبطؤ بأن يكون
في بلدين مزاج أحدهما أسخن من الآخر فتدرك الثمرة في الأسخن قبل ادراكها
في الآخر فإنه تضم الثمرتان إذا كانا لعام واحد وإن كان بينهما شهر أو شهران
أو أكثر، لأن اشتراك ادراك الثمار في الوقت الواحد متعذر وذلك يقتضي
اسقاط الزكاة غالبا. ولا نعرف في هذا خلافا. انتهى.
أقول: ويؤيده أن في بلادنا البحرين نخلا يسمى الطيار يسبق سائر النخيل
في بدو الصلاح بما يقرب من شهر ونخلا يسمى خصبة عصفور يتأخر إلى آخر
الوقت ويكون ما بينه وبين الأول ما يقرب من شهرين.
وبالجملة فالظاهر أن الحكم لا اشكال فيه لدخوله تحت عموم الأدلة واطلاقها
خاتمة
المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) تعلق الزكاة بالعين ونقل عن
شذوذ من أصحابنا تعلقها بالذمة والأظهر الأول، ويدل عليه ظواهر النصوص
كقولهم (عليهم السلام) (1) " في كل أربعين شاة شاة " و " في كل عشرين مثقالا
من الذهب نصف مثقال " (2) ونحو ذلك، و " في ما سقت السماء العشر " (3) ونحو

(1) الوسائل الباب 6 من زكاة الأنعام
(2) الوسائل الباب 1 من الزكاة الذهب والفضة
(3) الوسائل الباب 4 من زكاة الغلات
141

ذلك من الألفاظ التي من هذا الباب.
ويمكن خدشه بحمل " في " على السببية دون الظرفية ويؤيده قولهم (عليهم
السلام) (1) " في خمس من الإبل شاة " فإنه لا مجال هنا لاعتبار الظرفية.
واستدل على ذلك أيضا بأنها لو وجبت في الذمة لتكررت في النصاب
الواحد بتكرر الحول، وللزم أن لا تقدم على الدين مع بقاء عين النصاب إذا
قصرت التركة، وللزم أن لا تسقط بتلف النصاب من غير تفريط، وللزم أن
لا يجوز للساعي تتبع العين لو باعها المالك بعد الحول قبل أن يؤدي زكاتها، واللوازم
كلها باطلة بالاتفاق فالملزوم مثله. ولا يخفى أنه وإن كان للمناقشة في بعض ما ذكر
مجال إلا أنه يحصل من المجموع ما يفيد دلالة على الحكم المذكور.
والأجود الرجوع في ذلك إلى الروايات ومنها - صحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله (2) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل لم يزك إبله أو شاءه عامين
فباعها على من اشتراها أن يزكيها لما مضى؟ قال نعم تؤخذ منه زكاتها ويتبع بها البائع
أو يؤدي زكاتها البائع ".
وما رواه ابن بابويه عن أبي المغراء عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " إن الله
تبارك وتعالى أشرك بين الأغنياء والفقراء في الأموال فليس لهم أن يصرفوا إلى
غير شركائهم.
وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (4) قال: " إن الله فرض
في أموال الأغنياء للفقراء ما يكتفون به ولو علم أن الذي فرض لا يكفيهم
لزادهم.. الحديث ".

(1) الوسائل الباب 2 من زكاة الأنعام
(2) الوسائل الباب 12 من زكاة الأنعام
(3) الوسائل الباب 2 من مستحقين للزكاة، والرواية للكليني
(4) الوسائل الباب 1 من ما تجب فيه الزكاة
142

وحسنة عبد الله بن مسكان وغير واحد عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " إن
الله تعالى جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم ولولا ذلك لزادهم.
وفي حسنة الوشاء عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (2) قال: " قيل لأبي عبد الله عليه السلام
لأي شئ جعل الله الزكاة خمسة وعشرين في كل ألف ولم يجعلها ثلاثين؟ فقال إن الله تعالى
جعلها خمسة وعشرين أخرج من أموال الأغنياء بقدر ما يكتفي به الفقراء.. الحديث ".
وفي رواية قثم عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " قلت له جعلت فداك أخبرني
عن الزكاة كيف صارت من كل ألف خمسة وعشرين لم تكن أقل ولا أكثر ما وجهها؟
فقال إن الله تعالى خلق الخلق كلهم فعلم صغيرهم وكبيرهم وغنيهم وفقيرهم فجعل من
كل ألف انسان خمسة وعشرين مسكينا ".
وفي رواية مؤمن الطاق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) " إن الله
حسب الأموال والمساكين فوجد ما يكفيهم من كل ألف خمسة وعشرين درهما ".
فهذه الأخبار كلها كما ترى ظاهرة الدلالة مكشوفة المقالة في أن الزكاة حصة
متعلقة بالأموال ومفروضة فيها ومنتزعة منها، ومن الظاهر أنه ليس المراد مطلق
الأموال بل الأموال الزكوية بالشرائط المقررة في غيره هذه الأخبار.
احتج من قال بتعلق الزكاة بالذمة بأنها لو وجبت في العين لكان للمستحق
إلزام المالك بالأداء من العين، ولمنع من التصرف في النصاب إلا مع اخراج الزكاة.
وأجاب المحقق في المعتبر عن الأول بالمنع من الملازمة فإن الزكاة وجبت
جبرا للفقراء فجاز أن يكون العدول عن العين تخفيفا عن المالك ليسهل عليه دفعها.
قال: وكذا الجواب عن جواز التصرف إذا ضمن الزكاة. وهو جيد.
والظاهر من ضم الأخبار بعضها إلى بعض ما ذكر هنا وما تقدم دالا على
جواز اخراج القيمة في النقدين والغلات هو أنها وإن وجبت في العين إلا أن

(1) الوسائل الباب 1 من ما تجب فيه الزكاة
(2) الوسائل الباب 3 من زكاة الذهب والفضة
(3) الوسائل الباب 3 من زكاة الذهب والفضة
(4) الوسائل الباب 3 من زكاة الذهب والفضة
143

الشارع رخص للمالك ووسع عليه - كما هو المعهود من بناء الشريعة المحمدية المبنية
على السهولة ورفع الحرج - أن يدفع من غير النصاب سواء كان من مال آخر غير
عين الفريضة أو قيمة فلا منافاة.
وبذلك يظهر أن ما ذكره جملة من المتأخرين في هذا المقام - من أنه على
تقدير تعلقها بالعين فهل هو بطريق الاستحقاق فالفقير شريك أو بطريق الاستيثاق
فيحتمل أنه كالرهن ويحتمل كتعلق أرش الجناية بالعبد؟ قالوا: وتضعف الشركة
بالاجماع على جواز أدائها من مال آخر وهو مرجح للتعلق بالذمة. وعورض
بالاجماع على تتبع الساعي العين لو باعها المالك ولو تمحض التعلق بالذمة امتنع.
وفرعوا على ذلك ما لو بيع النصاب بعد الحول وقبل اخراج الزكاة فإنه ينفذ ذلك
في نصيبه قولا واحدا، وفي قدر الفرض يبنى على الخلاف فعلى الشركة يبطل البيع
ويتخير المشتري الجاهل لتبعيض الصفقة، وعلى القول بالذمة يصح البيع قطعا فإن
أدى المالك لزم وإلا فالساعي يتبع العين فيتجدد البطلان ويتخير المشتري
للتبعض، وعلى الرهن يبطل البيع إلا أن يتقدم الضمان أو يخرج من غيره،
وعلى الجناية يكون البيع التزاما بالزكاة فإن أداها نفذ وإن منع تتبع الساعي العين
- من ما لا حاجة تلجئ إليه ولا حكم يتوقف عليه بل الظاهر أنه تطويل بغير طائل
وكلام لا يرجع إلى حاصل، والأخبار في ما ذكرناه مكشوفة القناع وهي الأحرى
بالاقتداء والاتباع. والله العالم.
المطلب الرابع - في ما يستحب فيه الزكاة وهي أصناف: (الأول) مال
التجارة، وعرفوه بأنه الذي يملك بعقد معاوضة بقصد الاكتساب به، فخرج
منه ما ملك لا بعقد كالميراث وحيازة المباحات ونحو ذلك وإن قصد به الاكتساب
وكذا خرج ما يملك بعقد لا على جهة المعاوضة كالهبة والصدقة والوقف ونحو
ذلك. والمراد بالمعاوضة ما كانت معاوضة محضة وهي ما يقوم طرفاها بالمال كالبيع
والصلح ونحوهما، ويخرج الصداق والخلع فإن أحد العوضين ليس مالا، وكذا
144

يخرج ما لم يقصد به الاكتساب كأن يقصد القنية والصدقة.
وعلى جميع ذلك تدل ظواهر الأخبار، ففي صحيحة محمد بن مسلم الحسنة في
المشهور (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى متاعا
وكسد عليه وقد زكى ماله قبل أن يشتري المتاع متى يزكيه؟ فقال إن كان أمسك
متاعه يبتغي به رأس ماله فليس عليه زكاة وإن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه
الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس المال. قال وسألته عن الرجل توضع عنده الأموال
يعمل بها؟ فقال إذا حال الحول فليزكها ".
وصحيحة إسماعيل بن عبد الخالق (2) قال: " سأله سعيد الأعرج وأنا
حاضر أسمع فقال إنا نكبس الزيت والسمن نطلب به التجارة فربما مكث عندنا
السنة والسنتين هل عليه زكاة؟ قال إن كنت تربح فيه شيئا أو تجد رأس مالك
فعليك فيه زكاة وإن كنت إنما تربص به لأنك لا تجد إلا وضيعة فليس عليك
زكاة حتى يصير ذهبا أو فضة فإذا صار ذهبا أو فضة فزكه للسنة التي تتجر فيها ".
ورواية أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله عليه السلام (3) " في رجل اشترى متاعا
فكسد عليه متاعه وقد كان زكى ماله قبل أن يشتري به هل عليه زكاة أو حتى
يبيعه؟ فقال إن كان أمسكه ليلتمس الفضل على رأس المالك فعليه الزكاة.
ورواية محمد بن مسلم (4) وفيها " قال: كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة إذا
حال عليه الحول ".
وفي كتاب الفقه الرضوي (5) " وإن كان مالك في تجارة وطلب منك المتاع
برأس مالك ولم تبعه تبتغي بذلك الفضل فعليك زكاته إذا حال عليك الحول وإن
لم يطلب منك برأس مالك فليس عليك الزكاة " إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة
الظاهرة في ما ذكرناه.

(1) الوسائل الباب 13 من ما تجب فيه الزكاة
(2) الوسائل الباب 13 من ما تجب فيه الزكاة
(3) الوسائل الباب 13 من ما تجب فيه الزكاة
(4) الوسائل الباب 13 من ما تجب فيه الزكاة
(5) ص 23
145

والمشهور اشتراط مقارنة قصد الاكتساب للتملك فلو قصد به القنية أولا
ثم نوى به الاكتساب لم تتعلق به الزكاة، والأخبار مطلقة لا يفهم منها هذا
التقييد ولهذا ذهب جمع من الأصحاب: منهم - المحقق في المعتبر والشهيد في الدروس
والشهيد الثاني في جملة من كتبه إلى أن مال القنية إذا قصد به التجارة تتعلق به
الزكاة نظرا إلى أنه مال تجارة فيدخل تحت تلك الأخبار. وهو جيد.
ولا بد من استمرار نية الاكتساب طول الحول ليتحقق كونه مال تجارة
فلو نوى القنية في أثناء الحول انتفى الاستحباب، وهو من ما لا خلاف فيه وعليه
تدل ظواهر الأخبار المتقدمة وغيرها.
ثم إن استحباب الزكاة هنا مشروط عند الأصحاب بشروط: أحدها - بلوغ
النصاب وهو نصاب النقدين بأن تبلغ قيمة مال التجارة أحد نصابي الذهب أو الفضة
وهو مجمع عليه من الخاصة والعامة (1) ولم أقف على دليل على وجوب اعتبار
النصاب هنا فضلا عن كونه نصاب أحد النقدين سوى الاجماع المدعى في المقام،
وما يدعونه من أن ظاهر الروايات أن هذه الزكاة بعينها زكاة النقدين فيعتبر فيها
نصابهما ويتساويان في قدر المخرج فلا يخفى ما فيه، والمسألة تخلو من اشكال،
فإن ظاهر الروايات الاطلاق.
وظاهرهم بناء على ذلك اعتبار النصاب الثاني كما في النقدين فإذا بلغت القيمة
عشرين دينارا أو مائتي درهم ثبتت الزكاة وهي ربع العشر ثم الزائد إذا بلغ النصاب
الثاني وهو أربعة دنانير أو أربعون درهما ثبتت فيه الزكاة وإلا فلا.
وفي فهم ذلك من الأخبار تأمل، ولهذا إن شيخنا الشهيد الثاني قال إنه لم
يقف على دليل يدل على اعتبار النصاب الثاني هنا وأن العامة صرحوا بالأول
خاصة (2) واعترضه سبطه في المدارك بأن الدليل على اعتبار الأول هو بعينه الدليل

(1) المغني ج 3 ص 31، والهداية للمرغيناني ج 1 ص 74، وبدائع الصنائع
ج 2 ص 20
(2) راجع المغني ج 3 ص 31، وبدائع الصنائع ج 2 ص 20
146

على اعتبار الثاني والجمهور إنما لم يعتبروا النصاب الثاني هنا لعدم اعتبارهم له في
زكاة النقدين (1) كما ذكره في التذكرة. ومراده (قدس سره) بالدليل على النصاب
الأول هو ما ذكروه من كون هذه الزكاة بعينها زكاة النقدين فتحصل المساواة في
الحكم مطلقا. وقد عرفت ما فيه.
وظاهرهم أيضا تفريعا على ما تقدم الاتفاق على وجود النصاب في الحول
فلو نقص في أثناء الحو ل ولو يوما سقط الاستحباب.
وثانيها - الحول فلا بد من وجود ما يعتبر في الزكاة من أول الحول إلى آخره
وعليه يدل ما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم وهي الأولى من الأخبار المتقدمة من
قوله: " وسألته عن الرجل توضع عنده الأموال.. الحديث " وروايته الأخيرة أيضا
وثالثها - أن يطلب برأس المال طول الحول أو زيادة فلو طلب بما هو أنقص
من رأس المال سقط الاستحباب، وعليه تدل الأخبار المتقدمة وغيرها.
وهل يشترط في زكاة التجارة بقاء عين السلعة طول الحول كما في المالية أم لا
فتثبت الزكاة وإن تبدلت الأعيان بالمعاوضات مع بلوغ القيمة النصاب؟ قولان
أشهرهما بين المتأخرين الثاني بل ادعى عليه الاجماع وأظهرهما الأول، وهو
الظاهر من كلام الشيخ المفيد في المقنعة وابن بابويه في من لا يحضره الفقيه وهو
ظاهر المحقق في الشرائع وبه جزم في المعتبر، وعليه تدل ظواهر الأخبار كقوله

(1) في المغني ج 3 ص 6 - بعد أن ذكر أن نصاب الفضة مائتا درهم ونصاب الذهب
عشرون مثقالا - قال وفي زيادتها وإن قلت، روي هذا عن علي وابن عمر وبه قال عمر بن
عبد العزيز والنخعي ومالك والثوري وابن أبي ليلى والشافعي وأبو يوسف ومحمد وأبو عيد
وأبو ثور وابن المنذر، وقال سعيد بن المسيب وعطاء وطاووس والشعبي ومكحول
والزهري وعمرو بن دينار وأبو حنيفة لا شئ في زيادة الدرهم حتى تبلغ أربعين ولا في
زيادة الدنانير حتى تبلغ أربعة دنانير لقوله صلى الله عليه وآله " من كل أربعين درهما درهما " وفي
بدائع الصنائع ج 2 ص 17 نحو ذلك، كذا في بداية المجتهد ج 1 ص 218 ونسب
القول الأول إلى الجمهور.
147

عليه السلام في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (1) " إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله "
وقوله: " وإن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله " وقوله في رواية أبي الربيع المتقدمة
أيضا (2) " إن كان أمسكه ليلتمس الفضل. إلى آخره " ومثلها صحيحة إسماعيل بن
عبد الخالق المتقدمة أيضا (3) فإنها كلها ظاهرة بل صريحة في بقاء العين طول الحول.
تنبيهات
يتوقف عليها تحقيق الكلام في المقام.
(الأول) ما ذكرناه من استحباب الزكاة في مال التجارة هو المشهور بين
الأصحاب ونقل المحقق عن بعض علمائنا قولا بالوجوب، وبذلك صرح الشيخ في
بعض كلامه، قيل وهو الظاهر من كلام ابن بابويه، ونقل عن ابن أبي عقيل أنه قال اختلفت الشيعة في زكاة التجارة فقالت طائفة منهم بالوجوب وقال آخرون
بعدمه وقال وهو الحق عندي.
أقول: ويدل على القول بالوجوب ظواهر كثير من الأخبار كالأخبار المتقدمة
من حيث التعبير فيها بقوله: " فعليك فيه الزكاة " أو " فعليه " من ما هو ظاهر في
الوجوب، ومثل الأخبار المذكورة كثير في الأخبار أيضا تركنا نقلها اختصارا.
واستدل على القول بالاستحباب كما هو المشهور بما دل من الأخبار على
عدم الوجوب مضافا إلى الأخبار المتقدمة الدالة على ثبوت الزكاة في التسعة
المتقدمة خاصة:
منها - ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن زرارة (4) قال: " كنت
قاعدا عند أبي جعفر عليه السلام وليس عنده غير ابنه جعفر عليه السلام فقال يا زرارة إن
أبا ذر وعثمان تنازعا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فقال عثمان كل مال من ذهب أو
فضة يدار وبه ويعمل به ويتجر به ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول. فقال أبو ذر

(1) ص 145
(2) ص 145
(3) ص 145
(4) الوسائل الباب 14 من ما تجب فيه الزكاة.
148

أما ما اتجر به أو دير وعمل به فليس فيه زكاة إنما الزكاة فيه إذا كان ركازا أو كنزا
موضوعا فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة. فاختصما في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
قال فقال القول ما قال أبو ذر. فقال أبو عبد الله عليه السلام لأبيه ما تريد إلا أن يخرج
مثل هذا فيكف الناس أن يعطوا فقراءهم ومساكينهم فقال أبوه عليه السلام إليك عني
لا أجد منها بدا ".
وما رواه أيضا في الموثق عن إسحاق بن عمار (1) قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السلام
الرجل يشتري الوصيفة يثبتها عنده لتزيد وهو يريد بيعها أعلى ثمنها زكاة؟ قال لا
حتى يبيعها. قلت فإن باعها أيزكي ثمنها؟ قال لا حتى يحول عليه الحول وهو في
يده " ورواه في الكافي عنه أيضا بسند فيه سهل (2).
وما رواه في الموثق عن ابن بكير وعبيد وجماعة من أصحابنا (3) قالوا:
" قال أبو عبد الله عليه السلام ليس في المالك المضطرب به زكاة فقال له إسماعيل ابنه يا أبه
جعلت فداك أهلكت فقراء أصحابك فقال أي بني حق أراد الله أن يخرجه فخرج "
وما رواه في الصحيح عن سليمان بن خالد (4) قال: " سئل أبو عبد الله عليه السلام
عن رجل كان له مال كثير فاشترى به متاعا ثم وضعه فقال هذا متاع موضوع فإذا
أحببت بعته فيرجع إلى رأس مالي وأفضل منه هل عليه فيه صدقة وهو متاع؟
قال لا حتى يبيعه. قال فهل يؤدي عنه إن باعه لما مضى إذا كان متاعا؟ قال لا ".
وأنت خبير بأن ظواهر الأخبار المتقدمة كما عرفت هو الوجوب وصريح
هذه الأخبار نفي الوجوب، والشيخ قد جمع بين الأخبار بحمل الأخبار المتقدمة
على الاستحباب وتبعه على ذلك الأصحاب كما هي عادتهم وقاعدتهم في جميع
الأبواب. وعندي فيه توقف لما عرفته في غير موضع من ما تقدم، نعم لو كان
في الأخبار من أحد الطرفين ما يدل على الاستحباب صريحا أو ظاهرا لزال
الاشكال، وأما أن الاستحباب يثبت بمجرد اختلاف الأخبار وجمعها عليه فهو

(1) الوسائل الباب 14 من ما تجب فيه الزكاة
(2) الوسائل الباب 14 من ما تجب فيه الزكاة
(3) الوسائل الباب 14 من ما تجب فيه الزكاة
(4) الوسائل الباب 14 من ما تجب فيه الزكاة
149

من ما لا دليل عليه يوجب الركون إليه، وكيف لا والاستحباب حكم شرعي يتوقف
على الدليل الواضح ومجرد اختلاف الأخبار ليس بدليل يوجب ذلك كما لا يخفى على
المنصف، ومع ذلك فإنه لا ينحصر الجمع بين الأخبار في ما ذكروه بل لا يبعد حمل
الروايات المتقدمة على التقية، حيث إن الوجوب مذهب أبي حنيفة والشافعي
وأحمد (1) على ما نقله في المعتبر، وفي صحيحة زرارة وموثقة ابن بكير وعبيد
وجماعة من أصحابنا ما يشير إلى ذلك. والمسألة لذلك لا تخلو من الاشكال.
ولم أر من تنبه لما ذكرناه سوى المحدث الكاشاني في الوافي حيث قال بعد
أن نقل الأخبار الأخيرة ونعم ما قال: في هذه الأخبار ما يشعر بأن الأخبار
الأولة إنما وردت للتقية إلا أن صاحب التهذيبين وجماعة من الأصحاب حملوها
على الاستحباب. انتهى.
(الثاني) اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أنه هل تتعلق الزكاة بعين
مال التجارة أم بالقيمة؟ قولان اختار ثانيهما الشيخ وأتباعه والظاهر أنه هو المشهور
قال في المنتهى: قال الشيخ تتعلق بالقيمة وتجب فيها. ونقل الخلاف عن بعض
العامة (2) وهو مشعر بعدم الخلاف عندنا، والذي يدل عليه اعتبار نصاب
النقدين والشريعة السهلة وأصل جواز التصرف بالبيع وغيره في أموال التجارة،
والتعلق بالعين يمنع عن ذلك إلا مع التخمين والضمان كما في الزكاة. انتهى.
وظاهر المحقق في المعتبر والعلامة في التذكرة اختيار الأول واستحسنه في
المدارك، والمسألة محل تردد لعدم الوقوف فيها على نص يقتضي المصير إلى أحد
القولين. واستحسانه في المدارك لهذا القول مع عدم إقامته دليلا عليه لا
أعرف له وجها.
وتظهر فائدة الخلاف في جواز بيع العين على تقدير القول بالوجوب بعد

(1) المغني ج 3 ص 30
(2) المغني ج 3 ص 31
150

الحول وقبل اخراج الزكاة أو ضمانها فيجوز على القول بتعلقها بالقيمة ويمتنع على
تقدير تعلقها بالعين، وفي ما لو زادت القيمة بعد الحول فيخرج ربع عشر الزيادة
على تقدير التعلق بالعين وربع عشر القيمة قبل تمام الحول على تقدير التعلق بالقيمة
(الثالث) لا خلاف في أن مقدار الزكاة في مال التجارة هي زكاة النقدين
كما تقدم سواء اشترى بهما أو بغيرهما من العروض، وعلى كل تقدير فهو يقوم
بالدراهم والدنانير، وهو ظاهر في ما إذا اشترى بهما لأن نصاب العرض مبني على
ما اشترى به ورأس المال إنما يعلم بعد التقويم به. ولو كان الثمن عروضا قوم
بالنقد الغالب واعتبر بلوغ النصاب ووجود رأس المال به. ولو تساوى النقدان
كان مخيرا بالتقويم بأيهما شاء.
(الرابع) لو اشترى نصابا للتجارة مثل أربعين شاة أو ثلاثين بقرة ثم حال
الحول عليها فالمشهور بل ادعى عليه الاجماع غير واحد هو وجوب الزكاة المالية
وسقوط زكاة التجارة لقول الصادق عليه السلام في صحيحة زرارة أو حسنته على المشهور
بإبراهيم بن هاشم (1) " لا يزكى المال من وجهين في عام واحد " وحينئذ فلا ريب
في سقوط زكاة التجارة على القول باستحبابها.
ونقل المحقق في الشرائع قولا باجتماع الزكاتين هذه وجوبا وهذه استحبابا،
ثم قال: ويشكل ذلك على القول بوجوب زكاة التجارة. مع أنه في المعتبر ادعى
الاتفاق على عدم اجتماعهما فقال: ولا يجتمع زكاة العين والتجارة في مال واحد
اتفاقا. ونحوه قال العلامة في التذكرة والمنتهى.
أقول: لا ريب في ضعف هذا القول المذكور بعد ما عرفت من دلالة الخبر
الصحيح الصريح على نفي ذلك.
وأما ما ذكره من الاشكال وتبعه غيره وأطالوا البحث به في هذا المجال على
تقدير القول بوجوب زكاة التجارة فلا طائل تحته ولا ثمرة فيه بعد ما عرفت من

(1) ص 39
151

اتفاقهم على الاستحباب وردهم لهذا القول والاعراض عنه الموجب لبطلانه وحمل
الأخبار كلها على ما ادعوه. وأما على ما ذكرناه من دلالة الأخبار المتقدمة عليه
فالأمر فيه لا يخلو من الاشكال لما عرفت من إمكان حمل الأخبار المذكورة على
التقية ومن شهرة القول باستحباب الزكاة المذكورة قديما وحديثا بل قيل بوجوبها
وحمل الأخبار المذكورة على التقية يقتضي سقوطها رأسا. والله العالم.
الثاني من الأصناف المتقدمة - الخيل الإناث السائمة والبراذين، ويخرج عن كل
عتيق ديناران وعن كل برذون دينار، والمراد بالعتيق كريم الأصل وهو ما كان
أبواه عربيين والبرذون بكسر الباء خلافه. وقد صرحوا بأنه يشترط فيها
شروط ثلاثة: السوم والحول والأنوثة.
والمستند في ذلك ما رواه ثقة الاسلام في الكافي والشيخ عنه في التهذيب في
الصحيح أو الحسن على المشهور عن محمد بن مسلم وزرارة عنهما (عليهما السلام)
قالا " وضع أمير المؤمنين عليه السلام على الخيل العتاق الراعية في كل فرس في كل عام
دينارين وجعل على البراذين دينارا ".
وحسنة زرارة (2) قال: " قلت لا بي عبد الله عليه السلام هل في البغال شئ؟ فقال لا
فقلت فكيف صار على الخيل ولم يصر على البغال؟ فقال لأن البغال لا تلقح والخيل
الإناث ينتجن وليس على الخيل الذكور شئ. قال قلت فما في الحمير؟ فقال ليس فيها
شئ. قال قلت هل على الفرس أو البعير يكون للرجل يركبهما شئ؟ فقال لا ليس
على ما يعلف شئ إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه
الرجل فأما ما سوى ذلك فليس فيه شئ " أقول: المرج بالجيم المرعى.
وإنما حملت هاتان الروايتان على الاستحباب مع أن ظاهر هما الوجوب لما
تقدم من انتفاء الوجوب عن ما سوى الأصناف التسعة.
واحتمل بعضهم أن هذه الزكاة إنما هي في أموال المجوس يومئذ جزية أو

(1) الوسائل الباب 16 من ما تجب فيه الزكاة
(2) الوسائل الباب 16 من ما تجب فيه الزكاة
152

عوضا عن انتفاعهم بمراعي المسلمين. وظاهر الخبر الثاني يدفعه.
الثالث - كل ما أنبتت الأرض من ما يدخله المكيال والميزان غير الأربعة
المشهورة التي اتفقوا على وجوب الزكاة فيها، ومستند الاستحباب عندهم هو
الجمع بين الأخبار الدالة على الوجوب في هذه الأشياء والأخبار الدالة على حصر
الوجوب في التسعة المتقدمة. وقد قدمنا أن الأظهر حمل ما دل على الوجوب في هذه
الأشياء على التقية.
الرابع - غلات الأطفال والمجانين ومواشيهم تقصيا من خلاف الشيخ ومن
تبعه ومن الأخبار الدالة على ذلك. وفيه ما تقدم سابقا من أن ما ورد فيه الأخبار
من غلات الأطفال فهي محمولة على التقية (1) وما لم يرد فيه خبر فلا وجه فيه
للاستحباب، لأن الاستحباب حكم شرعي يتوقف على الدليل وخلاف بعض
الأصحاب مع كونه خاليا عن الدليل لا يوجب الحكم بالاستحباب.
الخامس - الحلي المحرم كالخلخال للرجل، ذكره الشيخ وتبعه الجماعة، ولم
نقف له على دليل مع ورود الأخبار (2) بأنه لا زكاة في الحلي، وهي مطلقة شاملة
للمحلل والمحرم، وروي (3) أن زكاته إعارته.
السادس - المال الغائب والمدفون الذي لا يتمكن صاحبه من التصرف فيه إذا
مضى عليه أحوال ثم وقع في يده فإنه يستحب أن يزكيه لسنة، وقد تقدم ما يدل
عليه من الأخبار في الشرط الخامس من شروط وجوب الزكاة من المقصد الأول.
السابع - العقار المتخذ للنماء كالحمامات والخانات والدكاكين والبساتين على
ما صرحوا به، واستحباب الزكاة في حاصلها مقطوع به في كلامهم ولم يوردوا

(1) في المغني ج 2 ص 622، والمحلى ج 5 ص 201 وجوب الزكاة في مال الصبي
والمجنون، وفي بدائع الصنائع ج 2 ص 4 ذكر الاختلاف في ذلك واختار العدم.
(2) الوسائل الباب 9 من زكاة الذهب والفضة
(3) الوسائل الباب 10 من زكاه الذهب والفضة
153

لذلك دليلا، ولم نقف له على دليل ولا على مخالف فيه، وكأنه مسلم الثبوت بينهم.
ثم إنه على تقدير الاستحباب صرحوا بأنه لا يشترط هنا الحول ولا النصاب
للعموم قاله العلامة في التذكرة، ولا أدري أي عموم أراد مع عدم الدليل كما
عرفت؟ واستقرب الشهيد في البيان اعتبارهما.
ولا يخفى أنه لو كان النماء المتخذ من هذه العقارات من الأموال الزكوية تعلق
به حكم الزكاة المالية بلا خلاف ولا اشكال فيصير محل الاستحباب في كلامهم
مخصوصا بالعروض الغير الزكوية.
الثامن - ما ذكره جملة منهم في ما إذا قصد الفرار قبل الحول بناء على القول
بعدم وجوب الزكاة بقصد الفرار كما تقدم، فإنهم بناء على القول المذكور حملوا
الأخبار الدالة على وجوب الزكاة متى قصد الفرار بسبك الدارهم والدنانير أو
ابدال الجنس بغيره على الاستحباب تارة، فحكموا على كل من فعل ذلك قبل حول
الحول باستحباب الزكاة عليه بعد الحول، وتارة على حصول الفرار بعد حول الحول
وقد تقدم الكلام في هذين الحملين وبينا ما فيهما. والله العالم.
والمقصد الثالث - في مصرف الزكاة وما تعلق بذلك من الأحكام وتفصيل
ذلك يقع في أبحاث:
البحث الأول - في أصناف المستحقين لها وهي ثمانية أصناف كما دلت عليه
الآية الشريفة (1):
الأول والثاني - الفقراء والمساكين، وقد اختلف الأصحاب في ترادف
هذين اللفظين وتغايرهما والأشهر الأظهر الثاني وعليه فتكون الأصناف ثمانية كما
ذكرناه، وقيل بالأول وإليه ذهب المحقق في الشرائع وعليه فتكون الأصناف سبعة
ثم إنه على تقدير التغاير قد اختلفوا في ما به يتحقق ذلك وبه يتميز
أحدهما عن الآخر على أقوال متعددة وكذلك اختلف كلام أهل اللغة، وليس في

(1) وهي قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء.. " سورة التوبة الآية 61
154

تطويل الكلام بنقل ذلك مزيد فائدة.
والأظهر في بيان وجه التغاير ما دل عليه صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما
(عليهما السلام) (1) " أنه سأله عن الفقير والمسكين فقال الفقير الذي لا يسأل
والمسكين الذي هو أجهد منه الذي يسأل:
وحسنة أبي بصير (2) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام قول الله تعالى: إنما
الصدقات للفقراء والمساكين؟ (3) فقال الفقير الذي لا يسأل الناس والمسكين
أجهد منه والبائس أجهدهم.. الحديث ".
وقال الشيخ في التهذيب (4): ذكر علي بن إبراهيم في كتاب التفسير تفصيل
هذه الثمانية الأصناف فقال: فسرهم العالم عليه السلام فقال الفقراء هم الذين لا يسألون
لقول الله تعالى في سورة البقرة (5) للفقراء الذين احصروا في سبيل الله لا يستطيعون
ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون
الناس إلحافا. والمساكين هم أهل الديانات.. الحديث ".
والجميع صريح في المغايرة كما ترى، ودل الخبران الأولان على أن المسكين
أسوأ حالا من الفقير.
ولا يخفى أن ثمرة هذا الخلاف لا مظهر لها في هذا الباب للاجماع على جواز
اعطاء كل منهما وإنما تظهر في ما لو نذر أو وقف أو أوصى لأسوأهما حالا، وظاهر
الأصحاب أنه متى ذكر أحدهما خاصة دخل فيه الآخر بغير خلاف كما في آية
الكفارة المخصوصة بالمسكين (6) فيدخل فيه الفقير، وإنما الخلاف في ما لو
جمعا كما في آية الزكاة لا غير ولا يخلو من اشكال لأنه متى ثبت التغاير كما ذكرناه
وهو المشهور عندهم فدخول أحدهما تحت الآخر مجاز لا يصار إليه إلا بالقرينة، اللهم

(1) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة
(2) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة
(3) سورة التوبة الآية 61
(4) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة
(5) الآية 275
(6) وهي قوله تعالى في سورة المائدة الآية 92 " ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان
فكفارته.. ".
155

إلا أن يجعل الاجماع قرينة على ذلك، وفيه ما فيه.
بقي الكلام في الحد المسوغ لتناول هذين الصنفين للزكاة، ولا خلاف في
أن الحد الشامل لهما عدم الغنى فإنه الشامل لمعناهما فإذا تحقق ذلك استحق صاحبه
الزكاة، وإنما الخلاف في ما به يتحقق الغنى المانع لاستحقاق الزكاة.
فنقل عن الشيخ في الخلاف أنه قال: الغنى من ملك نصابا تجب فيه الزكاة أو
قيمته. وقال في المبسوط: الغنى الذي يحرم معه أخذ الصدقة أن يكون قادرا على
كفايته وكفاية من يلزمه كفايته على الدوام، فإن كان مكتفيا بصنعة وكانت صنعته
ترد عليه كفايته وكفاية من يلزمه نفقته حرمت عليه وإن كانت لا ترد عليه حل
له ذلك، هكذا حكم العقار، وإن كان من أهل البضائع احتاج أن يكون معه بضاعة
ترد عليه قدر كفايته فإن نقصت عن ذلك حلت له الصدقة، ويختلف ذلك على
حسب حاله حتى أن كان الرجل بزازا أو جوهريا يحتاج إلى بضاعة قدرها ألف دينار
أو ألفا دينار فنقص عن ذلك قليلا حل له أخذ الصدقة. هذا عند الشافعي (1) والذي
رواه أصحابنا أنها تحل لصاحب السبعمائة وتحرم على صاحب الخمسين وذلك على قدر
حاجته إلى ما يتعيش به ولم يرووا أكثر من ذلك. وفي أصحابنا من قال إن من
ملك نصابا يجب عليه فيه الزكاة كان غنيا وتحرم عليه الصدقة وذلك قول
أبي حنيفة (2) انتهى.
والظاهر كما استظهره بعض الأصحاب أن المراد بقوله " على الدوام " أن يكون له ما يحصل به الكفاية عادة من صنعة أو ضيعة أو مال يتجر به بحيث لا ينقص
فاضلها عن حاجته. وأما حمله على أن المراد به مؤنة السنة كما ذكره العلامة في
المختلف فالظاهر بعده.
وقال ابن إدريس: اختلف أصحابنا في من يكون معه مقدار من المال ويحرم
عليه بملك ذلك المال أخذ الزكاة، فقال بعضهم إذا ملك نصابا من الذهب وهو

(1) المغني ج 2 ص 662، ونيل الأوطار ج 4 ص 170
(2) المغني ج 2 ص 662، ونيل الأوطار ج 4 ص 170
156

عشرون دينارا فإنه يحرم عليه أخذ الزكاة، وقال بعضهم لا يحرم على من ملك سبعين
دينارا، وقال بعضهم لا أقدره بقدر إذا ملك من الأموال ما يكون قدر كفايته
لمؤنته طول سنته على الاقتصاد فإنه يحرم عليه أخذ الزكاة سواء كان نصابا أو أقل
أو أكثر، فإن لم يكن بقدر كفاية سنته فلا يحرم عليه أخذ الزكاة. وهذا هو الصحيح
وإليه ذهب أبو جعفر الطوسي في مسائل الخلاف. انتهى.
وإلى هذا القول ذهب المحقق والعلامة وعامة المتأخرين إلا أنه على اطلاقه
مشكل بما صرح به جملة منهم كالشيخ والمحقق في النافع والعلامة وغيرهم من جواز
تناول الزكاة لمن كان له مال يتعيش به أو ضيعة أو دار يستغلها إذا كانت الغلة والنماء
يعجز عن كفايته وإن كان بحيث يكفيه رأس المال وثمن الضيعة أو الدار
لكفاية سنته فإنه لا يكلف بالانفاق من رأس ماله ولا بيع ضيعته وداره بل يأخذ
التتمة من الزكاة. والقول الفصل والمذهب الجزل في ذلك هو أنه متى كان كذلك
يعنى يتجر في دراهمه ويستنميها لأجل معاشه ويستغل عقاره لذلك فإن الحكم فيه
ما ذكر ومتى لم يكن كذلك اعتبر فيه قصور أمواله عن مؤنة سنته كما ذكروه أولا.
ويدل على الحكم الأول جملة من الأخبار: منها ما رواه في الكافي في الصحيح
عن معاوية بن وهب (1) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون له
ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم وله عيال وهو يحترف فلا يصيب نفقته فيها أيكب
فيأكلها ولا يأخذ الزكاة أو يأخذ الزكاة؟ قال لا بل ينظر إلى فضلها فيقوت بها
نفسه ومن وسعه ذلك من عياله ويأخذ البقية من الزكاة ويتصرف بهذه لا ينفقها "
وما رواه الشيخ عن هارون بن حمزة الغنوي (2) قال: " قلت لأبي عبد الله
عليه السلام يروى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي؟ فقال
لا تصلح لغني. قال فقلت له الرجل يكون له ثلاثمائة درهم في بضاعته وله عيال
فإن أقبل عليها أكلها عياله ولم يكتفوا بربحها؟ قال فلينظر ما يستفضل منها فيأكله

(1) الوسائل الباب 12 من المستحقين للزكاة
(2) الوسائل الباب 12 من المستحقين للزكاة
157

هو ومن يسعه ذلك وليأخذ لمن لم يسعه من عياله ".
وما رواه في التهذيب والفقيه في الموثق عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام (1)
قال: " سألته عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار والخادم؟ فقال نعم إلا أن
تكون داره دار غلة فيخرج له من غلتها دراهم تكفيه لنفسه وعياله، فإن لم تكن
الغلة تكفيه لنفسه وعياله في طعامهم وكسوتهم وحاجتهم في غير إسراف فقد
حلت له الزكاة وإن كانت غلتها تكفيهم فلا ".
وما رواه في الكافي والفقيه عن أبي بصير (2) قال: " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل من أصحابنا له ثمانمائة درهم وهو رجل خفاف وله عيال كثيرة أله
أن يأخذ من الزكاة؟ فقال يا أبا محمد أيربح في دراهمه ما يقوت به عياله ويفضل؟
قال قلت نعم. قال كم يفضل؟ قلت لا أدري. قال إن كان يفضل عن القوت
مقدار نصف القوت فلا يأخذ الزكاة وإن كان أقل من نصف القوت أخذ الزكاة.
قلت فعليه في ماله زكاة تلزمه؟ قال بلى. قلت كيف يصنع؟ قال يوسع بها على
عياله في طعامهم وكسوتهم وإن بقي منها شئ يناوله غيرهم، وما أخذ من الزكاة فضه
على عياله حتى يلحقهم بالناس ".
أقول: قوله عليه السلام " إن كان يفضل عن القوت مقدار نصف القوت " لعل
المراد به أنه متى فضل هذا المقدار فإنه يجزئ للقيام بكسوتهم وسائر ضرورياتهم فلا
يجوز له تناول الزكاة، وإن كان أقل من ذلك فإنه لا يقوم بمؤنة السنة فيجوز له
أخذ الزكاة. ولا يخفى ما في هذا الخبر من الدلالة الظاهرة على وجوب زكاة التجارة
كما تقدم في تلك الأخبار التي قدمناها في أول المطلب الرابع إلا أنه عليه السلام جعل
مصرفها هنا في التوسعة على نفسه وعياله لأنه إذا جاز أخذها من الغير لذلك
فبالأولى من نفسه، والظاهر أن الأمر باعطاء الغير من زكاة ماله في هذا الخبر وغيره

(1) الوسائل الباب 9 من المستحقين للزكاة. ورواه في الفروع ج 1 ص 159 أيضا
(2) الوسائل الباب 8 من المستحقين للزكاة
158

محمول على الاستحباب.
ويدل على الثاني ما رواه الشيخ المفيد (قدس سره) في كتاب المقنعة عن
يونس بن عمار (1) قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول تحرم الزكاة على من عنده
قوت السنة وتجب الفطرة على من عنده قوت السنة ".
وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب المشيخة للحسن بن
محبوب عن أبي أيوب عن سماعة (2) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
تكون عنده العدة للحرب وهو محتاج أيبيعها وينفقها على عياله ويأخذ الصدقة؟ قال
يبيعها وينفقها على عياله " وهو محمول على ما إذا كانت قيمتها تكفيه لمؤنة سنته.
وروى ثقة الاسلام في الكافي في الصحيح إلى أبي بصير (3) قال: " سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة إذا لم يجد غيره. قلت فإن
صاحب السبعمائة تجب عليه الزكاة؟ قال زكاته صدقة على عياله، ولا يأخذها إلا
أن يكون إذا اعتمد على السبعمائة أنفدها في أقل من سنة فهذا يأخذها، ولا تحل
الزكاة لمن كان محترفا وعنده ما تجب فيه الزكاة أن يأخذ الزكاة ".
وحاصل معنى الخبر أنه متى كان يملك سبعمائة درهم وهي موضوعة عنده إلا أنه متى أقبل عليها وأنفق منها لم تكفه لمؤنة سنته فإنه يجوز له أخذ الزكاة وكذا
يجوز له أن ينفق زكاتها من حال عليها الحول على نفسه وعياله.
ونحوه ما رواه الصدوق في كتاب العلل في الموثق عن محمد بن مسلم وغيره
عن أبي عبد الله عليه السلام (4) قال: " تحل الزكاة لمن له سبعمائة درهم إذا لم تكن له حرفة
ويخرج زكاتها منها ويشتري منها بالبعض قوتا لعياله ويعطي البقية أصحابه، ولا تحل
الزكاة لمن له خمسون درهما وله حرفة يقوت بها عياله ".
وما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5)

(1) الوسائل الباب 8 من المستحقين للزكاة
(2) الوسائل الباب 10 من المستحقين للزكاة
(3) الوسائل الباب 8 من المستحقين للزكاة
(4) الوسائل الباب 8 من المستحقين للزكاة
(5) الوسائل الباب 12 من المستحقين للزكاة
159

قال: " قد تحل الزكاة لصاحب السبعمائة وتحرم على صاحب الخمسين درهما. فقلت
له وكيف يكون هذا؟ قال إذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير فلو قسمها بينهم
لم تكفه فليعف عنها نفسه وليأخذها لعياله، وأما صاحب الخمسين فإنه تحرم عليه إذا
كان وحده وهو محترف يعمل بها وهو يصيب منها ما يكفيه إن شاء الله تعالى ".
دلت هذه الأخبار بمفاهيمها على أن السبعمائة المذكورة فيها لو قامت بمؤنة
سنته لم يجز له أخذ الزكاة كما دل عليه الخبران الأولان.
وأما القول بحصول الغنى بملك النصاب فنقل الاستدلال عليه بما روي عن
النبي صلى الله عليه وآله (1) أنه قال لمعاذ: " أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد
على فقرائهم " فجعل الغني من تجب عليه الزكاة ومقتضاه أن من لا تجب عليه ليس
بغني فيكون فقيرا. وبأن مالك النصاب يجب عليه دفع الزكاة فلا يحل له
أخذها للتنافي.
ورد الأول بأن الرواية عامية فلا تقوم حجة مع ما في الدلالة من إمكان
المناقشة. والثاني بالمنع من التنافي فإنه مجرد استبعاد لا دليل عليه.
فروع
الأول - لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أن من قصر
كسبه عن مؤنة سنته أو قصر ماله فإنه يأخذه من الزكاة وإنما اختلفوا في المأخوذ
بأنه هل يتقدر بقدر أم لا؟ فالمشهور الثاني وقيل بالأول وهو أنه لا يأخذ أزيد
من تمام مؤنة سنته، وظاهر جماعة من الأصحاب أن محل الخلاف ذو الكسب
القاصر وظاهر كلام المنتهى وقوع الخلاف في غيره من المال أيضا، حيث قال
ولو كان معه ما يقصر عن مؤنته ومؤنته ومؤنة عياله حولا جاز له أخذ الزكاة لأنه محتاج
وقيل لا يأخذ زائدا عن تتمة المؤنة حولا وليس بالوجه. إلا أنه قال في موضع
آخر من الكتاب المذكور: يجوز أن يعطى الفقير ما يغنيه وما يزيد على غناه

(1) المغني ج 2 ص 662 وسنن ابن ماجة ج 1 ص 543
160

وهو قول علمائنا أجمع.
وكيف كان فالظاهر من الأخبار وهي التي عليها المدار في الإيراد والاصدار
هو القول المشهور.
ومنها - ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن سعيد بن غزوان عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " تعطيه من الزكاة حتى تغنيه ".
وما رواه الكليني في الموثق عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى عليه السلام (2)
قال: " قلت له أعطى الرجل من الزكاة ثمانين درهما؟ قال نعم وزده. قلت أعطيه
مائة؟ قال نعم واغنه إن قدرت أن تغنيه " وفي معناها موثقة عمار بن موسى
ورواية زياد بن مروان ورواية إسحاق بن عمار وغيرها.
وأما القول الآخر فلم أقف له على حجة، وقال الشهيد في البيان وهو ممن
اختار هذا القول بالنسبة إلى من قصر كسبه عن مؤنة سنته وما ورد في الحديث
من الاغناء بالصدقة محمول على غير المكتسب.
وفيه أن صحة هذا الحمل متفرعة على وجود المعارض وليس فليس، نعم قد
ورد في صحيحة معاوية بن وهب المتقدمة " ويأخذ البقية من الزكاة " وموردها كما
تقدم من كان له مال يتجر به وعجز عن استنماء الكفاية، مع أنها غير صريحة في
المنع من الزائد.
الثاني - الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أن
دار السكنى والخادم وفرس الركوب لا تمنع من أخذ الزكاة مع الحاجة إليها.
وعلى ذلك تدل جملة من الأخبار: منها - " ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح
عن عمر بن أذينة عن غير واحد عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) (4)

(1) الوسائل الباب 24 من المستحقين للزكاة رقم (1) عن الكليني ورقم (5) عن الشيخ.
(2) الوسائل الباب 24 من المستحقين للزكاة
(3) الوسائل الباب 24 من المستحقين للزكاة
(4) الوسائل الباب 9 من المستحقين للزكاة
161

" أنهما سئلا عن الرجل له دار وخادم أو عبد أيقبل الزكاة؟ قالا نعم إن الدار
والخادم ليسا بمال ".
والظاهر من قولهما (عليهما السلام) " ليسا بمال " أنهما من حيث الحاجة
وإلجاء الضرورة إليهما لا يعدان من المال الذي يكون به غنيا وتحرم عليه الزكاة،
ومن أجل ذلك أن الأصحاب ألحقوا بذلك ثياب التجمل وفرس الركوب وكتب
العلم إذا كان من أهله.
ويدل على فرس الركوب بخصوصها ما رواه علي بن جعفر (رضي الله عنه)
في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) (1) قال: " سألته عن الزكاة
أيعطاها من له الدابة؟ قال نعم ومن له الدار والعبد فإن الدار ليس نعدها بمال ".
وروى الشيخ عن سعيد بن يسار (2) قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول
تحل الزكاة لصاحب الدار والخادم لأن أبا عبد الله عليه السلام لم يكن يرى الدار والخادم
شيئا " قوله: " لأن أبا عبد الله عليه السلام " الظاهر أنه من كلام الراوي.
وما رواه الشيخ عن إسماعيل بن عبد العزيز عن أبيه (3) قال: " دخلت أنا
وأبو بصير على أبي عبد الله عليه السلام فقال له أبو بصير إن لنا صديقا وهو رجل صدوق
يدين الله بما ندين به. فقال من هذا يا أبا محمد الذي تزكيه؟ فقال العباس بن الوليد
ابن صبيح. فقال رحم الله الوليد بن صبيح ما له يا أبا محمد؟ قال جعلت فداك له
دار تسوى أربعة آلاف درهم وله جارية وله غلام يستقي على الجمل كل يوم ما بين
الدرهمين إلى الأربعة سوى علف الجمل وله عيال أله أن يأخذ من الزكاة؟ قال
نعم. قال وله هذه العروض؟ فقال يا أبا محمد فتأمرني أن آمره أن يبيع داره
وهي عزه ومسقط رأسه أو يبيع جاريته التي تقيه الحر والبرد وتصون وجهه ووجه
عياله أو آمره أن يبيع غلامه وجمله وهي معيشته وقوته، بل يأخذ الزكاة فهي له

(1) الوسائل الباب 9 من المستحقين للزكاة
(2) الوسائل الباب 9 من المستحقين للزكاة
(3) الفروع ج 1 ص 159 وفي الوسائل الباب 9 من المستحقين للزكاة
162

حلال ولا يبيع داره ولا غلامه ولا جمله " إلى غير ذلك من الأخبار.
والظاهر من فحوى هذه الأخبار أن الحكم في ذلك مرتب على أحوال الناس
وما هم عليه من الرفعة والضعة، فمن كان من أهل الشرف والرفعة الذين جرت عادتهم
بالبيوت الواسعة والخدم والخيل ونحو ذلك من ثياب التجمل بين الناس والفروش
والأسباب فإن ذلك لا يمنع من أخذه الزكاة من حيث هذه الأشياء ولا يكلف
بيعها والاقتصار على أقل المجزئ من ذلك، وأما من لم يكن كذلك بل المناسب لحاله
ما هو أقل من ذلك مع حصول هذه الأشياء عنده فلا يبعد القول بالاقتصار على
ما يناسب حاله وجرت به عادة أبناء نوعه من المسكن والمركوب والخدم وبيع
الزائد إذا قام بمؤنة سنته. والله العالم.
الثالث - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن من ادعى الفقر إن
عرف صدقه أو كذبه عومل به وهو من ما لا اشكال فيه، وإن جهل حاله فالمشهور
بل ظاهرهم الاتفاق عليه أنه يصدق في دعواه ولا يكلف يمينا ولا بينة كما يظهر
من المعتبر والمنتهى وغيرهما.
وربما علل بعضهم قبول قوله في الصورة المذكورة بأنه مسلم ادعى أمرا ممكنا
ولم يظهر ما ينافي دعواه فكان قوله مقبولا، كما في المعتبر. وربما علل بأنه ادعى
ما يوافق الأصل وهو عدم المال وأن الأصل عدالة المسلم فكان قوله مقبولا
كما في المنتهى.
ولم أقف على من تعرض للمناقشة في هذا الحكم سوى السيد السند في
المدارك واقتفاه وزاد عليه الفاضل الخراساني في الذخيرة.
والأظهر عندي هو القول المشهور ويدل عليه وجوه: (أحدها) ما رواه
في الكافي عن عبد الرحمان العزرمي عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " جاء رجل إلى
الحسن والحسين (عليهما السلام) وهما جالسان على الصفا فسألهما فقالا إن الصدقة

(1) الفروع ج 1 ص 167 وفي الوسائل الباب 9 من المستحقين للزكاة
163

لا تحل إلا في دين موجع أو غرم مفضع أو فقر مدقع ففيك شئ من هذا؟ قال
نعم. فأعطياه، وقد كان الرجل سأل عبد الله بن عمر وعبد الرحمان بن أبي بكر فأعطياه
ولم يسألاه عن شئ فرجع إليهما فقال لهما مالكما لم تسألاني عن ما سألني عنه الحسن
والحسين (عليهما السلام)؟ وأخبرهما بما قالا فقالا إنهما غذيا بالعلم غذاء ".
وما اعترض به الفاضل المشار إليه آنفا على هذا الرواية من ضعف السند
أولا وعدم موافقة الحصر المفهوم منه لما ثبت بالأدلة -.
مردود: أما الأول فبأنه مفروغ عنه عندنا لأنا لا نرى العمل بهذا الاصطلاح
المحدث إذ لم يدل عليه دليل بل الأدلة على خلافه واضحة السبيل، مع أنه يمكن
الجواب على قواعدهم من أن ضعفه مجبور بالشهرة بل الاتفاق على الحكم المذكور كما
اعتذروا عن ضعف الأخبار متى اضطروا إلى العمل بها. وأما الثاني فبأن المراد
الحصر بالنسبة إلى ذلك السائل لا مطلقا كأنه قيل " الأمر الموجب لسؤالك هل هو
لدين موجع؟ " وإلا فمن المعلوم أنه ليس من العاملين ولا من أبناء السبيل ولا
المؤلفة ولا نحو ذلك من الأصناف وإنما هذا سؤال عن وجوه الفقر الموجبة لسؤاله
(الثاني) اتفاق الأصحاب على الحكم المذكور من غير ظهور مخالف وإلا
لنقل خلافه في المسألة.
" (الثالث) موافقة الأصل بأن الأصل عدم المال، والأصل الآخر وهو عدم
البينة واليمين.
(الرابع) استلزام التكليف بالبينة واليمين الحرج والعسر في كثير من الموارد
سيما إذا كان من يستحي من إظهار ذلك كما في أكثر المتجملين.
(الخامس) أنه لو كان شرطا لخرج عنهم (عليهم السلام) فيه خبر دال على
ذلك ولنقل وليس فليس. وهذا الوجه يرجع إلى الاستدلال بالبراءة الأصلية
على الوجه الذي قدمنا بيانه في غير موضع من كتاب الصلاة، ومحصله أن المحدث
الماهر إذا تتبع الأخبار الواردة حق التتبع في مسألة لو كان فيها حكم مخالف للأصل
164

لاشتهر لعموم البلوى بها ولم يظفر بذلك في الأخبار يحصل له العلم أو الظن المتاخم
له بعدم ذلك الحكم، والأمر هنا كذلك.
(السادس) وهو أمتنها وأظهرها وأوجهها وأنضرها أنه لا يخفى على من تأمل
الأخبار الواردة بالبينة واليمين في أبواب الدعاوى أنه لا عموم فيها فضلا عن
الخصوص على وجه يشمل مثل ما نحن فيه، فإن موردها إنما هو ما إذا كانت الدعوى
بين اثنين مدع ومنكر ولا دلالة فيها على من ادعى شيئا وليس له من يقابله وينكر
دعواه بأنه يكلف البينة أو اليمين، وفي الأخبار الكثيرة (1) " البينة على المدعي واليمين
على من أنكر " بل ورد في جملة من الأخبار وبه قال علماؤنا الأبرار إن من ادعى
شيئا ولا مناقض له في دعواه يقبل قوله من غير بينة ولا يمين بمجرد احتمال صدقه.
ومن ذلك ما رواه في الكافي والتهذيب عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله
عليه السلام (2) قال: " قلت عشرة كانوا جلوسا وفي وسطهم كيس فيه ألف درهم فسأل
بعضهم بعضا ألكم هذا الكيس؟ فقالوا كلهم لا وقال واحد هو لي فلمن هو؟
قال للذي ادعاه ".
ويستفاد من هذا الخبر أن كل من ادعى ما لا يد عليه قضى له به، وبذلك صرح
الأصحاب من غير خلاف ينقل، قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بعد نقل
الرواية المذكورة دليلا للحكم المذكور: ولأنه مع عدم المنازع لا وجه لمنع
المدعى منه ولا لطلب البينة ولا لإحلافه إذ لا خصم له حتى يترتب عليه ذلك. وفيه
إشارة إلى ما قدمناه من أن البينة واليمين إنما هي في مقام الخصومة ومع عدم خصم
يقابل بإنكار تلك الدعوى فليس المقام مقام البينة ولا اليمين.
ومن ذلك رواية ميسر (3) وهي صحيحة إليه قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام
ألقى المرأة في الفلاة التي ليس فيها أحد فأقول لها ألك زوج؟ فتقول لا فأتزوجها؟

(1) الوسائل الباب 3 من كيفية الحكم
(2) الوسائل الباب 17 من كيفية الحكم
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب المتعة
165

قال نعم هي المصدقة على نفسها ".
وفي رواية أبان بن تغلب عنه عليه السلام (1) " ليس هذا عليك إنما عليك أن
تصدقها في نفسها ".
وفي روية أحمد بن محمد بن أبي نصر (2) قال: " قلت للرضا عليه السلام الرجل
يتزوج المرأة فيقع في قلبه أن لها زوجا؟ قال وما عليه أرأيت لو سألها البينة كان يجد
من يشهد أن ليس لها زوج؟ " وفي هذا الخبر إشارة إلى ما قدمناه في الوجه الرابع من
لزوم العسر والحرج بطلب البينة في أمثال هذه المواضع من ما يكون بين المكلف
وبين الله تعالى.
وفي بعض الأخبار الصحاح عن أبي عبد الله عليه السلام (3) " في رجل طلق امرأته ثلاثا
فبانت منه فأراد مراجعتها فقال لها إني أريد مراجعتك فتزوجي زوجا غيري فقالت
له قد تزوجت زوجا غيرك وحللت لك نفسي. أيصدق قولها ويراجعها وكيف
يصنع؟ قال إذا كانت المرأة ثقة صدقت في قولها ".
قال بعض مشايخنا (رضوان الله عليهم) المراد بكونها ثقة أي موثوق
بأخبارها غير متهمة لا الثقة بالمعنى المصطلح، وهو كذلك. والظاهر أن قبول قول
المدعى في جملة هذه المواضع وعدم تكليفه باليمين أو البينة إنما هو من حيث عدم
المناقض له في دعواه لا من حيث خصوصية هذه المواضع، وحينئذ فيطرد الحكم
في كل موضع كذلك، ولهذا صرح الأصحاب بذلك في مواضع عديدة: منها -
ما دل عليه بخصوصه دليل، ومنها ما لم يدل عليه دليل وإنما استندوا فيه إلى ما ذكرناه
ومنه قبول قول من عليه زكاة أو خمس في اخراجه، ومنه ما لو ادعى صاحب النصاب
أبداله في أثناء الحول فرارا من الزكاة، وما لو خرص عليه وادعى النقصان عن بلوغ
النصاب، ولو ادعى الدين ولم يكذبه غريمه أو الكتابة ولم يكذبه سيده، أو ادعى

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب المتعة
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب المتعة
(3) الوسائل الباب 11 من أقسام الطلاق وأحكامه
166

ذهاب ماله بعد أن كان غنيا، وقد أنهى شيخنا الشهيد الثاني جملة منها تزيد على
عشرين موضعا. ثم قال وضبطها بعضهم بأن كل ما كان بين العبد وبين الله ولا يعلم
إلا منه ولا ضرر فيه على الغير أو ما تعلق به الحد أو التعزير. انتهى.
ولا يخفى أن هذه الوجوه التي ذكرناها وإن أمكن المناقشة في بعضها إلا أنه
بالنظر إلى مجموعها ولا سيما الأول والأخير منها فإنه لا يبقى للتوقف فيها مجال.
وأما ما توهمه في المدارك في مقابلة ذلك - من أن الشرط اتصاف المدفوع
إليه بأحد الأوصاف الثمانية فلا بد من تحقق الشرط كما في نظائره - فجوابه أن الظاهر أن الفقر المشترط في الآية ليس عبارة عن الفقر بحسب الواقع ونفس الأمر، فإن
الأحكام الشرعية لم تبن علي الواقع ونفس الأمر لا في هذا الموضع ولا في غيره
للزوم الحرج وتكليف ما لا يطاق إذ ذلك غير ممكن إلا له عز شأنه وإنما جرى
التكليف على الظاهر، وحينئذ فالمراد بالفقر في الآية ما يظهر من حال الفقير
ويكفي فيه مجرد أخباره ودعواه استنادا إلى ما ذكرنا من الوجوه.
ويؤكد ذلك ما صرحوا به من أنه لو دفع له الزكاة بناء على ظاهر الفقر ثم
ظهر يسره وأنه ليس بمستحق للزكاة فإنه لا يجزئ عنه استنادا إلى ما رواه الشيخ
في الصحيح عن الحسين بن عثمان عن من ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " في رجل
يعطي زكاة ماله رجلا وهو يرى أنه معسر فوجده موسرا؟ قال لا يجزئ عنه ".
ومن ما يؤيد البناء على الظاهر أيضا والاكتفاء بدعوى الفقر والحاجة
ما استفاض في الأخبار من استحباب اعطاء من مد يده للسؤال وعدم رده كما في
صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (2) قال: " اعط السائل ولو كان على ظهر
فرس " ومن الظاهر أن هذا الاستحباب إنما ترتب على مجرد مد يده للسؤال حتى ولو
كان ظاهر حاله يخالف ذلك من كونه على ظهر فرس ومتجملا، وهو مؤذن بتصديقه

(1) الوسائل الباب 2 من المستحقين للزكاة
(2) الوسائل الباب 22 من أبواب الصدقة
167

في دعوى الفقر وإلا لما ثبت الاستحباب بمجرد ذلك.
وبما ذكرناه من هذا التحقيق الرشيق يظهر لك ما في كلام الفاضل الخراساني
(قدس سره) من التشكيك في المقام كما هي عادته في جل الأحكام حيث قال - بعد
البحث مع الأصحاب ومناقشتهم في هذا الباب ما لفظه: وبالجملة جواز اعطاء الفقير
بدون البينة أو الحلف محل اشكال ينشأ من عدم دليل دال عليه فلا يحصل اليقين
بالبراءة، من أنه لم يعهد عنهم (صلوات الله عليهم) شئ من ذلك والظاهر أنه لو
كان لنقل.. إلى أن قال: والتحقيق أن تحصيل العلم بالفقر غير معتبر وإلا لزم حرمان
أكثر الفقراء وانتفاء ذلك معلوم من حال الأئمة (صلى الله عيهم أجمعين) وكذا
السلف. وهل يكفي الظن الحاصل من الأمارات أو من دعواه مطلقا أو إذا كان
أمينا مطلقا أو عند تعذر البينة أم لا بل يحتاج إلى البينة مطلقا أو في بعض صور
المسألة أو يحتاج إلى الحلف كذلك؟ لي فيه توقف إلى أن يفتح الله على طريق
معرفته. انتهى. ولا أراك ترتاب بعد ما حققناه في المقام في ضعف هذا الكلام
وأنه من جملة الأوهام. والله العالم بحقائق الأحكام.
الرابع - الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أنه
متى دفع الزكاة إلى الفقير ثم ظهر عدم فقره فإنه يجب استرجاعها مع الامكان لظهور
أن القابض لها عاص غاصب فيجب عليه ارجاعها إلى المالك.
بقي الكلام هنا في موضعين: أحدهما ما لو لم يعلم الآخذ بأنها زكاة،
وقد قطع في المعتبر بعدم جواز الارتجاع لأن الظاهر أنها صدقة. واختلف كلام
العلامة في ذلك فقال في المنتهى: ليس للمالك الرجوع لأن دفعه محتمل للوجوب
وللتطوع. واستقرب في التذكرة جواز الارتجاع لفساد الدفع ولأنه أبصر بنيته.
وقال في المدارك بعد نقل كلام التذكرة: وهو جيد مع بقاء العين وانتفاء القرائن
الدالة على كون المدفوع صدقة.
أقول: وكلماتهم (رضوان الله عليهم) هنا لا تخلو عن اجمال والتحقيق أن يقال
168

إنه متى دفعه إليه بنية الزكاة ولم يعلم المدفوع إليه بكونها زكاة ولا أعلمه المالك فإنه
ما دامت العين باقية يجب عليه ارجاعها متى علم أو أعلمه المالك لعدم الاستحقاق
شرعا، ومتى تلفت العين قبل العلم فالظاهر أنه لا يجب عليه عوضها ولا قيمتها
لظهور حل التصرف، والتضمين يحتاج إلى دليل.
وثانيهما - ما لو قبضها بعنوان الزكاة وتعذر الارتجاع، وظاهرهم الاتفاق
على أنه متى كان الدافع الإمام أو نائبه أجزأ ذلك، وفي المنتهى أنه لا خلاف فيه
بين العلماء لأن المالك قد خرج فيه من العهدة بالدفع إلى الإمام أو نائبه والدافع
خرج من العهدة بالدفع إلى من يظهر منه الفقر، وايجاب الإعادة تكليف جديد منفي
بالأصل. ولا يخلو من القرب إلا أن الفتوى به مع عدم النص في المسألة مشكل.
وأما لو كان الدافع المالك فقد اختلف الأصحاب فيه على أقوال ثلاثة:
أحدها - القول بالاجزاء ونقل عن الشيخ في المبسوط وجماعة من الأصحاب،
وثانيها - وجوب الإعادة ونقل عن الشيخ المفيد وأبي الصلاح، وثالثها - التفصيل
بين الاجتهاد فيسقط الضمان وعدمه فتجب الإعادة، وهو اختيار المحقق في المعتبر
والعلامة في المنتهى وإليه يميل كلام المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد.
احتج الأولون بأنه دفعها إلى من ظاهره الفقر وهو دفع مشروع فيحصل
الامتثال ولا يتعقبه الإعادة لعدم الدليل. وفيه ما يأتي في ثانيه.
احتج القائلون بالثاني بما تقدم قريبا من صحيحة الحسين بن عثمان عن من ذكره
عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " في رجل يعطي زكاة ماله رجلا وهو يرى أنه معسر
فوجده موسرا؟ قال لا يجزئ عنه " وبهذا الرواية تبطل حجة القول الأول كما
أشرنا إليه آنفا.
احتج المفصلون بأن المالك أمين على الزكاة فيجب عليه الاجتهاد والاستظهار
في دفعها إلى مستحقها فبدونه تجب الإعادة.

(1) الوسائل الباب 2 من المستحقين للزكاة
169

وبما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عندي والحسن على المشهور بإبراهيم
ابن هاشم عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " قلت له رجل عارف
أدى زكاته إلى غير أهلها زمانا هل عليه أن يؤديها ثانية إلى أهلها إذا علمهم قال
نعم. قال قلت فإن لم يعرف لها أهلا فلم يؤدها أو لم يعلم أنها عليه فعلم بعد ذلك؟
قال يؤديها إلى أهلها لما مضى. قال قلت له فإنه لم يعلم أهلها فدفعها إلى من ليس هو لها
بأهل وقد كان طلب واجتهد ثم علم بعد ذلك سوء ما صنع؟ قال ليس عليه أن يؤديها
مرة أخرى " وقالا في الكافي والتهذيب بعد نقل هذه الرواية: وعن زرارة مثله (2)
غير أنه قال: " إن اجتهد فقد برئ وإن قصر في الاجتهاد في الطلب فلا ".
وأورد على الأول أنه إن أريد بالاجتهاد القدر المسبوغ لجواز الدفع ولو
بسؤال الفقير فلا ريب في اعتباره إلا أن ذلك لا يسمى اجتهادا، ومع ذلك
فيرجع هذا التفصيل بهذا الاعتبار إلى ما أطلقه الشيخ في المبسوط من انتفاء الضمان
مطلقا، وإن أريد به البحث عن حال المستحق زيادة على ذلك كما هو المتبادر من
لفظ الاجتهاد فهو غير واجب اجماعا على ما نقله جماعة. وعلى الروايتين أن
موردهما خلاف محل النزاع لكنهما يد لأن بالفحوى على انتفاء الضمان بالاجتهاد.
أقول: والتحقيق في المقام أنه ليس في المسألة إلا رواية الحسين بن عثمان
المتقدمة والوقوف على ظاهرها متعين. وأما حمل من قال بالتفصيل لها على عدم
الاجتهاد جمعا بينها وبين صحيحة عبيد بن زرارة فهو فرع ثبوت دلالة الصحيحة
المذكورة على ما ادعوه وموردها من أولها إلى آخرها إنما هو الدفع إلى المخالف
وهو المعبر عنه بغير أهلها، مع ما في محل الاستدلال من الاشكال أيضا فإن
ظاهرها أنه يجزئ الدفع إلى المخالف متى اجتهد في تحصيل أهلها من الشيعة فلم يجدهم
والأصحاب لا يقولون به، والأخبار أيضا ترده كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى حتى
ورد في بعض الأخبار القاؤها في البحر مع تعذر وجود أهلها من الشيعة الإمامية (3)

(1) الوسائل الباب 2 من المستحقين للزكاة
(2) الوسائل الباب 2 من المستحقين للزكاة
(3) الوسائل الباب 5 من المستحقين للزكاة
170

وظاهر السيد السند في المدارك اختيار القول الأول حيث قال بعد البحث
في المسألة ونقل الأقوال والأدلة على كل منها: وكيف كان فينبغي القطع بسقوط
الضمان مع الاجتهاد لتحقق الامتثال وفحوى الروايتين، وإنما يحصل التردد مع
استناد الدفع إلى مجرد الدعوى من كون الدفع مشروعا فلا يستعقب الإعادة ومن
عدم وصول الحق إلى مستحقه. ولعل الأول أرجح. انتهى.
وأنت خبير بأن كلامه هذا مبني على طرح صحيحة الحسين بن عثمان من البين
مع أنه بعد نقلها دليلا للقول الثاني لم يتعرض للطعن فيها بوجه إلا أن المعلوم من
قاعدته ذلك فهي من حيث الارسال ضعيفة باصطلاحه، والأظهر عندي هو
الوقوف على ظاهرها والعمل بها، ويؤيده أنه الأوفق بالاحتياط والخروج عن
عهدة التكليف الثابت في الذمة بيقين. والله العالم.
الخامس - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف
بأنه لو كان الفقير ممن يستحي من قبول الزكاة جاز دفعه إليه على وجه الصلة
ويدل عليه حسنة أبي بصير المروية في الفقيه (1) قال: " قلت لأبي جعفر
عليه السلام الرجل من أصحابنا يستحي أن يأخذ من الزكاة فاعطيه من الزكاة ولا اسمي له أنها
من الزكاة؟ فقال أعطه ولا تسم له ولا تذل المؤمن.
وطعن في هذه الرواية في المدارك بأنها ضعيفة السند باشتراك الراوي بين
الثقة والضعيف. وفيه أن الراوي عن أبي بصير هنا عاصم بن حميد وقد ذكر
أصحاب هذا الاصطلاح أنه قرينة المرادي الثقة الجليل القدر وكذلك ابن مسكان
فحيث ما وجد أحدهما حكموا بصحة روايته، وحسن هذه الرواية كما ذكرنا إنما
هو بإبراهيم بن هاشم الذي حديثه في الصحيح عند جملة من محققي هذا الفن.
ويؤيد الرواية المذكورة أيضا ما رواه الشيخ الطوسي في المجالس بسنده عن
إسحاق بن عمار (2) قال: " قال لي أبو عبد الله عليه السلام يا إسحاق كيف تصنع بزكاة مالك إذا

(1) الوسائل الباب 58 من المستحقين للزكاة
(2) الوسائل الباب 58 من المستحقين للزكاة
171

حضرت؟ قال يأتوني إلى المنزل فأعطيهم. فقال لي ما أراك يا إسحاق إلا قد أذللت
المؤمنين فإياك إياك إن الله تعالى يقول: من أذل وليا لي فقد أرصد لي بالمحاربة " وفي
هذا الخبر ما يدل على استحباب قصد المالك بالزكاة إلى الفقراء وابتدائهم وكراهة
تكليفهم بالاتيان إليه.
وأما ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم على المشهور عن
محمد بن مسلم (1) - قال: " قلت لأبي جعفر عليه السلام الرجل يكون محتاجا فنبعث إليه
بالصدقة فلا يقبلها على وجه الصدقة يأخذه من ذلك ذمام واستحياء وانقباض
أفنعطيها إياه على غير ذلك الوجه وهي منا صدقة؟ فقال لا إذا كانت زكاة فله أن
يقبلها فإن لم يقبلها على وجه الزكاة فلا تعطها إياه ولا ينبغي له أن يستحي من ما
فرض الله إنما هي فريضة الله فلا يستحي منها " -
فهو غير معمول به على ظاهره ولا قائل به بل الأخبار وكلام الأصحاب
على خلافه فلا يلتفت إليه في مقابلة ما ذكرناه، فما ذكره في المدارك - من المعارضة
به لحسنة أبي بصير بعد طعنه فيها بما قدمنا نقله باعتبار حسن هذه وضعف تلك
بزعمه - ليس من ما يعول عليه لأنها وإن صح سندها فضلا عن أن يكون حسنا مع
كون مضمونها مخالفا للأخبار وكلام الأصحاب بل اتفاقهم فإن هذه الصحة مجازية
كما نبهنا عليه في غير موضع من ما سبق، والصحة في التحقيق إنما هي باعتبار
المتون ومطابقتها للقواعد الشرعية والأخبار المروية واتفاق الأصحاب ونحو ذلك
كما عليه جملة من متقدمي أصحابنا (رضوان الله عليهم).
وكيف كان فلا بد من ارتكاب جادة التأويل في الخبر المذكور، والأظهر
عندي في تأويله هو حمل قوله عليه السلام في الجواب " لا " على الاضراب عن الكلام
السابق لا على نفي اعطائها إياه على غير ذلك الوجه كما وقع في سؤال السائل ويكون
ما بعد " لا " بيان ما هو الأولى في هذا المقام، فبين أنها إذا كانت زكاة فله أن

(1) الوسائل الباب 58 و 57 من المستحقين للزكاة
172

يقبلها ولا ينبغي أن يستحي من قبولها وهي حق فرضه الله تعالى، ثم قال فإن لم يقبلها
على هذا الوجه فلا تلزمه بها وتعطيها إياه على وجه الزكاة ويفهم منه جواز الاعطاء
لا على الوجه المذكور، فجواب السؤال إنما علم من المفهوم وإلا فمنطوق الخبر إنما
سيق في الكلام على ذلك المستحق وأنه ينبغي له كذا ولا ينبغي له كذا.
وحمل الرواية المذكورة في المدارك على الكراهة بناء على رجوع النهي
بقوله " لا " إلى ما ذكره السائل بقوله " أفنعطيها إياه على غير ذلك الوجه " وفيه بعد
لما عرفت من ما ذكرناه.
وأبعد منه حمل صاحب الوسائل الخبر المذكور على احتمال كون الامتناع
لعدم الاحتياج وانتفاء الاستحقاق مع أن الراوي ذكر العلة في الامتناع وأنه
الاستحياء والانقباض فكيف يتم ما ذكره؟.
وقال في الوافي بعد نقل الخبر الأول أولا والثاني ثانيا: لعل الفرق بين هذا
وما في الخبر السابق أن ذلك كان قد علم من حاله الاستحياء منها والتنزه عنها ولكنه
كان بحيث إذا بعثت إليه لقبلها إذا كان مضطرا إليها بخلاف هذا فإنه قد بعثت إليه
واستنكف منها، وإنما نهى عن اعطائها إياه لأنه إن كان مضطرا إليها فقد وجب عليه
أخذها وإن لم يأخذها فهو عاص وهو كمانع الزكاة وقد وجبت عليه وإن لم يضطر إليها
ولم يقبلها فلا وجه لا عطائها إياه. انتهى. وأنت خبير بما فيه كما لا يخفى على الفطن النبيه
الثالث من أصناف المستحقين - العاملون عليها، والمراد بهم السعاة في
تحصيلها وجبايتها بأخذ وكتابة وحفظ وحساب ونحو ذلك.
قال الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي في تفسيره (1) نقلا عن العالم عليه السلام: والعاملين
عليها هم السعاة والجباة في أخذها وجمعها وحفظها حتى يؤدوها إلى من يقسمها.
وقد أجمع الأصحاب وأكثر العامة (2) على أن لهؤلاء حصة من لزكاة كما

(1) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة رقم (7)
(2) المغني ج 2 ص 654 والبداية ج 1 ص 235
173

يدل عليه ظاهر الآية.
وما رواه ثقة الاسلام في الكافي في الصحيح أو الحسن وابن بابويه في الفقيه
في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم (1) " أنهما قالا لأبي عبد الله عليه السلام أرأيت قول
الله عز وجل: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي
الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله (2) أكل هؤلاء يعطى
وإن كان لا يعرف؟ فقال إن الإمام يعطي هؤلاء جميعا لأنهم يقرون له
بالطاعة.. الحديث ".
قالوا: ولا يجوز أن يكون العامل هاشميا لتحريم الزكاة عليه. وهو كذلك أن
كان المدفوع إليه من الزكاة أما لو استؤجر على العمل ودفع إليه الإمام من بيت
المال فالظاهر أنه لا مانع منه.
ومن ما يدل على أصل الحكم ما رواه الشيخ في الصحيح عن عيص بن القاسم
عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " إن أناسا من بني هاشم أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله فسألوه
أن يستعملهم على صدقات المواشي وقالوا يكون لنا هذا السهم الذي جعله الله
للعاملين عليها فنحن أولى به. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا بني عبد المطلب إن الصدقة
لا تحل لي ولا لكم ولكني قد وعدت الشفاعة - ثم قال أبو عبد الله عليه السلام أشهد لقد
وعدها رسول الله صلى الله عليه وآله - فما ظنكم يا بني عبد المطلب إذا أخذت بحلقة باب الجنة
أتروني مؤثرا عليكم غيركم ".
والظاهر أن الاختيار إلى الإمام بين أن يجعل لهم أجرة معينة أو يعطيهم ما يراه
ويدل على الثاني صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (4) قال: " قلت له
ما يعطى المصدق؟ قال ما يرى الإمام ولا يقدر له شئ " والظاهر أن المراد من

(1) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة
(2) سورة التوبة الآية 61
(3) الوسائل الباب 29 من المستحقين للزكاة
(4) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة
174

آخر الخبر أنه ليس له سهم مقدر مفروض لا يحتمل الزيادة والنقصان.
ثم إنه قد ذكر جمع من الأصحاب: منهم الشهيد في البيان والمحقق الشيخ على
في حاشية الشرائع أنه لو عين له أجرة فقصر السهم عن أجرته أتمه الإمام من بيت المال
أو من باقي السهام، ولو زاد نصيبه عن أجرته فهو لباقي المستحقين. ولا يخفى ما فيه
فإن هذا إنما يتم على القول بوجوب البسط على الأصناف بالسوية وهو غير معمول
عليه عندنا كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
الرابع من الأصناف المذكورة - المؤلفة قلوبهم، وقد اضطرب كلام
أصحابنا في معنى المؤلفة أشد الاضطراب وكثرت الاحتمالات والأقوال في هذا الباب
فما بين من خصهم بالكفار الذين يستمالون للجهاد، قالوا ولا نعرف مؤلفة غيرهم
والظاهر أنه المشهور، وفسره بعضهم بالمنافقين، وأدخل بعضهم بعض المسلمين.
وكلامهم في ذلك واسع الذيل كما لا يخف على من راجع مطولاتهم وليس في
التطويل بنقله مزيد فائدة مع عدم اعتمادهم على دليل غير مجرد الاعتبارات
والمناسبات التي ليس عليها مزيد تعويل.
والعجب منهم (رضوان الله عليهم) في هذا الخلاف والاضطراب وأخبار
أهل البيت (عليهم السلام) بذلك مكشوفة الناقب مرفوعة الحجاب قد رواها
ثقة الاسلام في الكافي وعنون لها بابا على حدة فقال " باب المؤلفة قلوبهم ".
وها أنا أسوق لك جملة أخباره ومنها ما رواه في الصحيح أو الحسن عن
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (1) قال: " سألته عن قول الله عز وجل: والمؤلفة
قلوبهم؟ قال هم قوم وحدوا الله عز وجل وخلعوا عبادة من يعبد من دون الله وشهدوا
أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وهم في ذلك شكاك في بعض ما جاء
به محمد صلى الله عليه وآله فأمر الله نبيه أن يتألفهم بالمال والعطاء لكن يحسن اسلامهم ويثبتوا
على دينهم الذي دخلوا فيه وأقروا به، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله يوم حنين تألف

(1) الأصول ج 2 ص 411
175

رؤساء العرب من قريش وسائر مضر: منهم أبو سفيان بن حرب وعيينة بن حصين
الفزاري وأشباهم من الناس، فغضبت الأنصار واجتمعت إلى سعد بن عبادة فانطلق
بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله بالجعرانة فقال يا رسول الله صلى الله عليه وآله أتأذن لي في الكلام؟
فقال نعم. فقال إن كان هذا الأمر من هذه الأموال التي قسمت بين قومك شيئا أنزله
الله رضينا وإن كان غير ذلك لم نرض. قال زرارة: فسمعت أبا جعفر عليه السلام يقول
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا معشر الأنصار أكلكم على قول سيدكم سعد؟ فقالوا
سيدنا الله ورسوله. ثم قالوا في الثالثة نحن على مثل قوله ورأيه. قال زرارة فسمعت
أبا جعفر عليه السلام يقول فحط الله نورهم وفرض الله للمؤلفة قلوبهم سهما في القرآن ".
وما رواه فيه عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: " المؤلفة
قلوبهم قوم وحدوا الله وخلعوا عبادة من دون الله ولم تدخل المعرفة قلوبهم أن
محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وكان رسول الله يتألفهم ويعرفهم لكيما يعرفوا ويعلمهم ".
وما رواه عن زرارة أيضا عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال: " المؤلفة
قلوبهم لم يكونوا قط أكثر منهم اليوم ".
وما رواه عن إسحاق بن غالب (3) قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام يا إسحاق كم ترى
أهل هذه الآية: إن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون؟ (4)
قال ثم قال هم أكثر من ثلثي الناس ".
وما رواه عن موسى بن بكر عن رجل (5) قال: " قال أبو جعفر عليه السلام
ما كانت المؤلفة قلوبهم قط أكثر منهم اليوم وهم قوم وحدوا الله تعالى وخرجوا
من الشرك ولم تدخل معرفة محمد رسول الله صلى الله عليه وآله قلوبهم وما جاء به فتألفهم
رسول الله صلى الله عليه وآله وتألفهم المؤمنون بعد رسول الله صلى الله عليه وآله لكيما يعرفوا ".
وقال الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي (قدس سره) في تفسيره (6) نقلا

(1) الأصول ج 2 ص 411
(2) الأصول ج 2 ص 411
(3) الأصول ج 2 ص 412
(4) سورة التوبة الآية 59
(5) الأصول ج 2 ص 412
(6) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة رقم 7
176

عن العالم عليه السلام: والمؤلفة قلوبهم قال هم قوم وحدوا الله وخلعوا عبادة من دون الله
ولم تدخل المعرفة قلوبهم أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله فكان رسول الله صلى الله عليه وآله
يتألفهم ويعلمهم ويعرفهم كيما يعرفوا فجعل لهم نصيبا في الصدقات لكي
يعرفوا ويرغبوا ".
وهذه الأخبار كلها كما ترى ظاهرة في أن المؤلفة قلوبهم قوم مسلمون قد
أقروا بالاسلام ودخلوا فيه لكنه لم يستقر في قلوبهم ولم يثبت ثبوتا راسخا فأمر
الله تعالى نبيه بتألفهم بالمال لكي تقوى عزائمهم وتشتد قلوبهم على البقاء على هذا
الدين، فالتأليف إنما هو لأجل البقاء على الدين والثبات عليه لا لما زعموه (رضوان
الله عليهم) من الجهاد كفارا كانوا أو مسلمين وأنهم يتألفون بهذا السهم لا جل الجهاد.
بقي الكلام في قوله عليه السلام في رواية زرارة الثالثة " المؤلفة قلوبهم لم يكونوا
قط أكثر منهم اليوم " ونحوها رواية موسى بن بكر، ولعل معناه - والله سبحانه
وقائله أعلم - أن ضعفة الدين المحتاجين إلى التأليف لأجل البقاء عليه ورسوخه
في قلوبهم ليسوا مخصوصين بوقته صلى الله عليه وآله بل هم أكثر كثير في هذه الأوقات، ولعل
ذلك باعتبار عدم الاقرار بإمامتهم والاعتقاد بها التي هي أعظم ما جاء به النبي
صلى الله عليه وآله فإن الشكاك في إمامتهم وهم القسم الثالث المتوسط بين النصاب والمؤمنين
ويعبر عنهم في الأخبار تارة بالشكاك وتارة بالضلال وتارة بالمستضعفين - أكثر
الناس في زمانهم (عليهم السلام) كما دلت عليه الأخبار، وقد دلت الأخبار
على أن حكمهم في الدنيا حكم أهل الاسلام وأنهم في الآخرة من المرجئين
لأمر الله.
وأما قوله عليه السلام في رواية إسحاق " كم ترى أهل هذه الآية: إن أعطوا منها
رضوا.. إلى آخره " فالظاهر أن المعنى فيها ما أفاده المحدث الكاشاني في معنى خبر
زرارة المتقدم وهو بهذا الخبر أنسب، حيث قال: وذلك لأن الكثر المسلمين في
أكثر الأزمنة والبلاد دينهم مبتن على دنياهم إن أعطوا من الدنيا رضوا الدين وإن
177

لم يعطوا منها إذا هم يسخطون. انتهى. ولعل المراد بالمؤمنين في قوله عليه السلام " وتألفهم
المؤمنون " في خبر موسى بن بكر هم الأئمة (صلوات الله عليهم) ولكن المراد
بالتألف الاستمالة إلى الدين الحق والاستقرار عليه بالهداية والتعليم والادخال فيه
بالطريق الأحسن لا بالمال، فإنهم (صلوات الله عليهم) لم تكن لهم يد مبسوطة
تقتضي التأليف بالزكاة.
ثم إن أصحابنا (رضوان الله عليهم) اختلفوا في سقوط هذا السهم بعد النبي
صلى الله عليه وآله وعدمه، وبالأول قطع الصدوق في الفقيه حيث قال: وسهم المؤلفة
قلوبهم ساقط بعد رسول الله صلى الله عليه وآله. إلى الثاني بميل كلام المحقق في المعتبر حيث
قال: إن الظاهر بقاؤه لأن النبي صلى الله عليه وآله كان يعتمد التأليف إلى حين وفاته ولا
نسخ بعده.
وقال الشيخ إنه يسقط في زمن غيبة الإمام خاصة لأن الذي يتألفهم إنما
يتألفهم للجهاد وأمر الجهاد موكول إلى الإمام وهو غائب.
واعترضه في المنتهى بأنا نقول قد يجب الجهاد في حال غيبة الإمام عليه السلام بأن
يدهم المسلمين والعياذ بالله عدو يخاف منه عليهم فيجب عليهم الجهاد لدفع الأذى
لا للدعاء إلى الاسلام فإذا احتيج إلى التأليف حينئذ جاز صرف السهم إلى أربابه من
المؤلفة. انتهى. قال في المدارك بعد نقله: ولا ريب في قوة هذا القول تمسكا بظاهر
التنزيل السالم من المعارض.
أقول: لا يخفى عليك بعد الوقوف على ما قدمناه من أخبارهم (عليهم السلام)
أن هذا الخلاف والبحث في هذا المقام نفخ في غير ضرام فإن كلامهم أولا وآخرا
يدور كله على أن المراد بالمؤلفة في الآية الشريفة هو التأليف لأجل الجهاد مع أنهم
لم ينقلوا بذلك خبرا ولا أوردوا عليه دليلا، والأخبار الواردة في تفسيرها
كلها كما عرفت قد اتفقت على أن التأليف إنما هو لأجل البقاء على الدين والثبات
عليه لمن دخل فيه دخولا متزلزلا غير مستقر فأمر الله تعالى رسوله بدفع هذا السهم
178

لهؤلاء لكي يرغبوا في الدين ويستقر في قلوبهم. وبالجملة فإن هذا من أعجب
العجائب من الأصحاب.
بقي الكلام في أنه على تقدير المعنى الذي ذكرناه في بيان المؤلفة هل يسقط
هذا السهم بعده صلى الله عليه وآله أم لا؟ الظاهر من الأخبار المتقدمة بالتقريب الذي شرحناه
أنه لا ريب في سقوطه في زمن الغيبة كزماننا هذا وما قبله وما بعده إلى أن يعجل
الله تعالى فرج وليه، وأما في وقت الأئمة (صلوات الله عليهم) فالأخبار وإن
دلت على وجود من يحتاج إلى التأليف في زمانهم (صلوات الله عليهم) كما قدمنا
الإشارة إليه إلا أن التأليف لما كان مخصوصا بهم وأيديهم (عليهم السلام) يومئذ
قاصرة عن إقامة الحدود الشرعية وتنفيذ الأحكام لغلبة التقية إلا أن يكون تأليفا
بغير الأموال كما أشرنا إليه - آنفا فمن أجل ذلك سقط أيضا.
ويؤيد ما ذكرناه ما صرح به شيخنا أمين الاسلام الطبرسي (قدس سره)
في كتاب مجمع البيان حيث قال: ثم اختلف في هذا السهم هل هو ثابت بعد النبي
صلى الله عليه وآله أم لا؟ فقيل هو ثابت في كل زمان عن الشافعي واختاره الجبائي (1) وهو
المروي عن أبي جعفر عليه السلام إلا أنه قال من شرطه أن يكون هناك إمام عادل يتألفهم
به على ذلك. ثم نقل القول بالاختصاص بزمانه صلى الله عليه وآله بالتقريب الذي نقله في
المدارك عن بعض العامة وأسنده إلى الحسن والشعبي وأبي حنيفة وأصحابه (2).
ومن المحتمل قريبا أن اسقاط ابن بابويه سهم المؤلفة بعده صلى الله عليه وآله إنما هو لما
ذكرناه فإنه لم يتعرض لبيان معنى المؤلفة وأنهم عبارة عن ماذا.
وروى الصدوق (قدس سره) في الصحيح وثقة الاسلام في الصحيح أو

(1) نسبه في البداية ج 1 ص 235 إلى الشافعي وأبي حنيفة وفي نيل الأوطار ج 4
ص 234 إلى الجبائي والشافعي وفي المغني ج 2 ص 666 إلى الحسن والزهري وأبي جعفر ع
(2) نسبه في البداية ج 1 ص 235 إلى مالك وفي نيل الأوطار ج 4 ص 234 إلى
أبي حنيفة وأصحابه وفي المغني ج 2 ص 666 إلى الشعبي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي
179

الحسن عن زرارة ومحمد بن مسلم (1) " أنهما قالا لأبي عبد الله عليه السلام أرأيت قول الله
تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب
والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله (2) أكل هؤلاء يعطى وإن
كان لا يعرف؟ فقال إن الإمام يعطي هؤلاء جميعا لأنهم يقرون له بالطاعة. قال
زرارة قلت فإن كانوا لا يعرفون؟ فقال يا زرارة لو كان يعطي من يعرف دون من
لا يعرف لم يوجد لها موضع وإنما يعطي من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت
عليه، فأما اليوم فلا تعطها أنت وأصحابك إلا من يعرف فمن وجدت من هؤلاء
المسلمين عارفا فاعطه دون الناس. ثم قال: سهم المؤلفة قلوبهم وسهم الرقاب عام والباقي
خاص. قال قلت فإن لم يوجدوا؟ قال لا تكون فريضة فرضها الله لا يوجد لها
أهل. قال قلت فإن لم تسعهم الصدقات؟ فقال إن الله فرض للفقراء في مال
الأغنياء ما يسعهم ولو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم أنهم لم يؤتوا من قبل فريضة
الله ولكن أوتوا من منع من منعهم حقهم لا من ما فرض الله لهم ولو أن الناس أدوا
حقوقهم لكانوا عائشين بخير ".
أقول: لعل المراد بالخبر - والله سبحانه وقائله أعلم - أنه لما سأله زرارة
" أكل هؤلاء يعطى وإن كان لا يعرف؟ " أجاب عليه السلام بأن الإمام القائم بأعباء الإمامة
والمتمكن على كرسي تلك الشوكة والزعامة كالنبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام وقت
خلافته يعطيهم لأنهم مقرون بإمامته مذعنون لدعوته منقادون له بالطاعة. راجعه
بأنه لو كانوا لا يعرفون يعني لا يصدقون بإمامته وإن أقروا بها ظاهرا؟ أجابه بأنه
لو كان يختص الاعطاء بالعارفين المصدقين يومئذ لم يوجد لها بجميع أصنافها موضع
لتخلف ذلك في صنف المؤلفة كما يشير إليه قوله: " وإنما يعطى من لا يعرف ليرغب
في الدين " ويحتمل أن المراد أن الرسول صلى الله عليه وآله في وقته كان يعطي على الاسلام لا

(1) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة
(2) سورة التوبة الآية 61
180

على الايمان فيعطي المنافقين ويعطي الشكاك التي تضمنتهم تلك الأخبار لأجل أن
يرغبوا في الدين ويثبتوا عليه، فأما اليوم أي وقتهم (صلى الله عليهم) فقد
انكشف الغطاء وظهر المغطى وسقط التأليف فلا تعطها إلا المؤمن العارف. ولو
حملت مراجعة زرارة على السؤال عن عدم المعرفة بالمعنى الذي في صدر الخبر لم
يكن لهذه المراجعة معنى لأنه قد أجابه عنها في صدر الخبر فكيف يسأل عنها مرة
أخرى، فلا بد من حمل المعرفة هنا على المعرفة الحقيقية التي هي عبارة عن التصديق.
ثم قال: سهم المؤلفة والرقاب عام للعارف وغيره والباقي من الفقراء والمساكين
والعاملين والغارمين وابن السبيل خاص بالعارف لما سيأتي إن شاء الله تعالى قريبا
من تحريم الدفع من الزكاة إلى غير المؤمن. والله العالم.
الخامس من الأصناف الثمانية - الرقاب والمراد بهم على ما ذكره الأصحاب
المكاتبون والعبيد تحت الشدة أو غير شدة لكن مع عدم المستحق
أقول أما ما يدل على المكاتب فهو ما رواه الشيخ في التهذيب مسندا عن أبي إسحاق عن بعض أصحابنا عن
الصادق عليه السلام ورواه ابن بابويه في الفقيه مرسلا
عنه عليه السلام (1) قال: " سئل عن مكاتب عجز عن مكاتبته وقد أدى بعضها؟ قال يؤدي
عنه من مال الصدقة إن الله يقول في كتابه: وفي الرقاب (2) " ومورد الخبر من عجز
عن مكاتبته وقد أدى بعضها وظاهر الأصحاب المكاتب مطلقا.
وأما ما يدل على شراء العبيد تحت الشدة فما رواه في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " سألته عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة والستمائة
يشتري بها نسمة ويعتقها؟ قال إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم. ثم مكث مليا ثم قال
إلا أن يكون عبدا مسلما في ضرورة فيشتريه ويعتقه ".

(1) الوسائل الباب 44 من المستحقين للزكاة
(2) سورة التوبة الآية 61
(3) الوسائل الباب 43 من المستحقين للزكاة
181

وهذه الرواية رواها الشيخ في التهذيب (1) من الكافي عن عمر وبن أبي نصر
والناظر فيها ينظمها في الصحيح وهو تصحيف منه (قدس سره) وسهو واقع
في عبارته وإنما هو عن عمرو عن أبي بصير، وصاحب المدارك قد اغتر بنقل صاحب
التهذيب لها بهذه الكيفية فنظمها في الصحيح واستدل بها.
وأما ما يدل على الثالث فهو ما رواه في الكافي والتهذيب في الموثق عن
عبيد بن زرارة (2) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أخرج زكاة ماله ألف
درهم فلم يجد لها موضعا يدفع ذلك إليه فنظر إلى مملوك يباع في من يزيد فاشتراه
بتلك الألف التي أخرجها من زكاته فأعتقه هل يجوز له ذلك؟ قال نعم لا بأس
بذلك. قلت فإنه لما أن أعتق وصار حرا اتجر واحترف فأصاب مالا ثم مات
وليس له وارث فمن يرثه إذا لم يكن له وارث؟ قال يرثه الفقراء المؤمنون الذين
يستحقون الزكاة لأنه إنما اشترى بمالهم ".
هذا ما استدل به الأصحاب في المسألة على الأقسام الثلاثة.
وقال الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره (3) في تتمة الخبر المتقدم نقله عن
العالم عليه السلام: وفي الرقاب قوم لزمتهم كفارات في قتل الخطأ وفي الظهار وفي الايمان
وفي قتل الصيد في الحرم وليس عندهم ما يكفرون وهم مؤمنون فجعل الله لهم سهما
في الصدقات ليكفر عنهم.
وأنت خبير بأن غاية ما تدل عليه رواية أبي بصير وكذا موثقه عبيد بن
زرارة هو شراء العبد من مال الزكاة وليس فيها تصريح ولا إشارة إلى كونه من سهم
الرقاب كما ادعوه.
ومن ما يعاضدها في ذلك ما رواه الصدوق في كتاب العلل في الصحيح عن

(1) ج 1 ص 377 وفي الوسائل الباب 43 من المستحقين للزكاة
(2) الوسائل الباب 43 من المستحقين للزكاة
(3) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة رقم 7.
182

أيوب بن الحر أخي أديم بن الحر (1) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام مملوك يعرف
هذا الأمر الذي نحن عليه اشتريه من مال الزكاة وأعتقه؟ قال فقال اشتره وأعتقه.
قلت فإن هو مات وترك مالا؟ فقال ميراثه لأهل الزكاة لأنه اشترى بسهمهم "
قال وفي حديث آخر " بمالهم ".
وما رواه في الكافي عن محمد الوابشي عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " سأله
بعض أصحابنا عن رجل اشترى أباه من الزكاة زكاة ماله؟ قال اشترى خير رقبة
لا بأس بذلك.
والقول بجواز الاعتاق من الزكاة منقول عن العلامة في القواعد وقواه ولده
في الشرح ونقله عن الشيخ المفيد وابن إدريس (قدس سره) ولا ريب أن هذه الأخبار ظاهرة الدلالة عليه وليست من أخبار ما نحن فيه في شئ لما عرفت،
وحينئذ فتكون هذه الأخبار خارجة مخرج الرخصة في العتق من الزكاة لعدم دخول
ذلك تحت شئ من الأصناف الثمانية المعدودة في الآية كما حققنا ذلك بما لا مزيد
عليه في شرحنا على المدارك وفق الله لا تمامه. ولا ريب أيضا في قوة القول المذكور
لدلالة الأخبار المذكورة عليه وإن كان كثير منهم ذهب إلى عدمه كما نقله
بعض الأفاضل.
وأما ما يظهر من السيد في المدارك وهو ظاهر الأصحاب من الاستدلال على
شراء العبد تحت الشدة أو مع عدم وجود المستحق بخبري أبي بصير وعبيد بن
زرارة والاستدلال بخبري أيوب بن الحر والوابشي على جواز الشراء من مال
الزكاة - فلا أعرف له وجها وجيها فإن مورد الجميع إنما هو الاشتراء من الزكاة
مطلقا كما عرفت، وحينئذ فأما أن يجعل الجميع دليلا على الشراء من سهم الرقاب أو
دليلا على القول بجواز الشراء من الزكاة مطلقا، ليس بين الأخبار الأربعة فرق

(1) الوسائل الباب 43 من المستحقين للزكاة
(2) الوسائل الباب 19 من المستحقين للزكاة
183

إلا باعتبار أن خبر أبي بصير قد دل بظاهره على المنع من شراء العبد إلا أن يكون
تحت الشدة وباقي الروايات مطلقة سيما رواية العلل ورواية الوابشي. وما اشتمل
عليه صدر رواية عبيد بن زرارة من أنه لم يجد لها موضعا لا يصلح للتخصيص لأنه
إنما وقع في كلام السائل وليس في الجواب ما يدل عليه. والجمع بينها ممكن أما
بابقاء تلك الأخبار على اطلاقها وحمل رواية أبي بصير على الكراهة أو تقييد
أطلاق تلك الأخبار بها أو تخصيص المنع بما إذا اشترى بالزكاة كملا كما هو ظاهر.
خبر أبي بصير وقوله (عليه السلام) فيه " إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم " وحمل
غيره على ما إذا لم يكن كذلك.
ويؤيد ما قلناه ما اشتمل عليه خبر عبيد بن زرارة وخبر العلل من انتقال
ميراث العبد للفقراء مع عدم الوارث معللا بأنه اشترى من مالهم، ومن الظاهر
أن سهم الرقاب ليس من مالهم لأنه أحد الأصناف الثمانية ووجوب البسط عندنا
غير ثابت حتى أنه مع الاشتراء بجميع مال الزكاة فللفقراء فيه حصة.
نعم ربما يشكل بما لو اشترى العبد من سهم سبيل الله بناء على أنه لجميع القرب
والطاعات كما سيأتي إن شاء الله تعالى بيانه وأنه لا وجه أيضا لرجوع ميراثه إلى
الفقراء لأنه اشترى من مالهم فإن سهم السبيل مصرف آخر غير مالهم.
ولعل الوجه في التفصي عن هذا الاشكال هو الرجوع إلى قصد المشتري ونيته
فإن اشتراه بقصد كونه من مال سهم سبيل الله فالوجه فيه ما ذكرناه وأن ميراثه
يرجع إلى الإمام عليه السلام وإن اشتراه من الزكاة لا بهذا القصد صار الحكم فيه ما تضمنته
الأخبار. ولا استبعاد في ذلك لأن العبادات بل جملة الأفعال تابعة للنيات والقصود
صحة وبطلانا وثوابا وعقابا وحلية وتحريما ونحو ذلك.
ولا يخفى أن ظاهر تلك الأخبار مساعد لما ذكرناه لأنها دلت على الاشتراء من
الزكاة بقول مطلق من غير تقييد بسهم خاص، وأما إدخال ذلك في سهم الرقاب كما
عليه ظاهر كلمة الأصحاب فلا أعرف له وجها لعدم فهمه من الأخبار واجمال الآية
184

يجب فيه الرجوع إلى النصوص، والذي دلت عليه النصوص الواردة في تفسيرها
هو المكاتب كما تقدم في مرسلة أبي إسحاق وما تقدم من رواية علي بن إبراهيم في
تفسيره، إلا أن الرواية الأولى هي الأشهر بين الأصحاب فإنه لا خلاف بينهم
في حملها على المكاتب وإن كان مورد الرواية أخص من ما ذكروه كما قدمنا الإشارة إليه
ومن ما يؤيد ما ذكرناه أن الصدوق في الفقيه لم يذكر في مصرف سهم الرقاب
غير المكاتبين العاجزين عن أداء الكتابة كما هو مورد الرواية التي قدمناها.
وأما ما دلت عليه الرواية الثانية فإنه محل خلاف بينهم، فإن ظاهر المحقق
في الشرائع التردد في ذلك حيث قال بعد ذكر الأصناف الثلاثة التي قدمنا نقلها عنهم:
وروى رابع وهو من وجبت عليه كفارة ولم يجد فإنه يعتق عنه، وفيه تردد. وهو
إشارة إلى الرواية المذكورة كما صرح به السيد السند في المدارك، وطعن فيها في المدارك
أيضا بأن مقتضاها اخراج الكفارة وإن لم تكن عتقا، وأنها غير واضحة الاسناد لأن
علي بن إبراهيم أوردها مرسلة، قال ومن ثم تردد المصنف في العمل بها وهو
في محله. انتهى.
وقال الشيخ في المبسوط: وروى أصحابنا أن من وجب عليه عتق رقبة في
كفارة ولا يقدر على ذلك جاز أن يعتق عنه، والأحوط عندي أن يعطي ثمن
الرقبة لكونه فقيرا فيشترى هو ويعتق عن نفسه. وظاهره أنه يعطى من سهم
الفقراء، وجوز في المعتبر اعطاءه من سهم الغارمين أيضا لأن القصد بذلك ابراء
ذمة المكفر عنه من ما في عهدته. قال في المدارك بعد نقله عنه: وهو جيد لأن
ذلك في معنى الغرم.
أقول: لا يخفى ما في كلامهم (نور الله تعالى مراقدهم) في هذا المقام وأنه مجرد
اجتهاد في مقابلة نصوصهم (صلوات الله عليهم) وليت شعري أي مانع من العمل
بالخبر المذكور بعد صراحته في تفسير الآية بذلك؟ والمناسبة للآية حيث تضمنت
الرقاب لا تختص بالعتق كما توهموه بل هي أعم من ذلك بأن يراد بها فك الرقاب وتخليصها
185

من رق العبودية أو من حقوق لزمتها بأحد هذه الوجوه المذكورة في الخبر، فإنه
لا ريب أن من لزمه شئ من هذه الحقوق فقد تعلق برقبته فجعل الله تعالى له سهما
في الصدقات لفك رقبته من ذلك. ولا منافاة في هذه الرواية للرواية الأخرى
الواردة أيضا في تفسير الآية كما لا يخفى، بل مقتضى الخبرين هو كون سهم الرقاب
عبارة عن ما يصرف في إعانة المكاتب كما تضمنته إحدى الروايتين أو في هذه
الأشياء كما تضمنته هذه الرواية.
وبذلك يظهر لك ما في طعن صاحب المدارك في الرواية بتضمنها اخراج
الكفارة وإن لم تكن عتقا فإنه لا ضير فيه ولا طعن به والآية قابلة للحمل عليه
كما عرفت.
وأما طعنه بضعف السند فقد عرفت في غير مقام أنه غير معتبر ولا معتمد
سيما والمرسل لها هذا الثقة الجليل، ومن المعلوم أن مراسيلهم ومسانيدهم أمر واحد
وأن هذا الارسال إنما يقع غالبا للاختصار كما لا يخفى على من أحاط خبرا بطريقة
الصدوق في الفقيه وتصريحه في غير موضع بعد ذكر الأحاديث المرسلة أني أخرجتها
مسندة في كتاب كذا وكذا.
ثم إنه قد وقع الخلاف بينهم في ما لو دفع المالك من هذا السهم للمكاتب ولم
يصرفه في وجه المكاتبة بأن أبرأه سيده أو تطوع عليه متطوع فهل يجب ارتجاعه
منه أم لا؟ صرح الشيخ بالثاني قال لأنه ملكه بالقبض فكان له التصرف فيه
كيف شاء، واستشكله المحقق في المعتبر وقال إن الوجه أنه إذا دفعه إليه ليصرفه
في مال الكتابة ارتجع بالمخالفة لأن للمالك الخيرة في صرف الزكاة في الأصناف.
قال في المدارك بعد نقله عنه: وهو جيد. لكن يبقى الكلام في اعتبار هذا القصد
من المالك ومقتضى كلامه في الغارم وابن السبيل اعتباره فإنه استدل على جواز
الارتجاع بأن كلا من الغارم وابن السبيل إنما ملك المال ليصرفه في وجه مخصوص
فلا يسوغ له غيره. وهو غير بعيد إذا لولا ذلك لجاز اعطاء المكاتب وابن السبيل
186

ما يزيد عن قدر حاجتهم وهو باطل قطعا. انتهى. والمسألة عندي محل توقف لعدم
النص وإن كان ما ذكره السيد السند لا يخلو من قرب.
تتمة (1)
قال السيد السند (قدس سره) في المدارك بعد قول المصنف: والمكاتب
إنما يعطى من هذا السهم إذا لم يكن معه ما يصرفه في كتابته ما لفظه: مقتضى
العبارة جواز اعطاء المكاتب من هذا السهم إذا لم يكن معه ما يصرفه في كتابته وإن
كان قادرا على تحصيله بالتكسب، وهو كذلك عملا بالاطلاق، واعتبر الشهيد في
البيان قصور كسبه عن مال الكتابة. انتهى.
أقول: لا يخفى أن الخبر الذي قدمناه مستندا لهذا الحكم وهو خبر أبي إسحاق
قد دل على تقييد اعطاء المكاتب بالعجز عن أداء مال الكتابة، والظاهر أنه هو
مراد المصنف وإن كانت عبارته غير صريحة فيه إلا أن السيد المذكور لم يقف على
الخبر المشار إليه وجمد على اطلاق الآية.
وبما ذكرنا صرح أيضا شيخنا الصدوق في الفقيه لما فسر سهم الرقاب المكاتب
خاصة، حيث قال: وسهم الرقاب يعان به المكاتبون الذين يعجزون عن أداء مال
الكتابة. انتهى. وبه يظهر أن الأظهر هو ما صرح به في الدروس.
ومن ما يؤيد ذلك أيضا ما ذكره السيد المذكور في صنف الغارمين حيث
قال: ويعتبر في الغارم أن يكون غير متمكن من القضاء كما صرح به الشهيدان
وجماعة لأن الزكاة إنما شرعت لسد الخلة ورفع الحاجة ولا تدفع مع الاستغناء
عنها. ولو تمكن من قضاء البعض دون البعض أعطى ما لا يتمكن من قضائه. انتهى
ولا يخفى أن هذا الكلام جار في ما نحن فيه أيضا، فإنه إن عمل على اطلاق
الآية فهي في هذا الموضع أيضا مطلقة فكيف استجاز تقييدها بما ذكره، وإن
اعتبر بهذا التقييد - وهو أن الزكاة إنما شرعت لسد الخلة.. إلى آخره فلا معنى

(1) هذه التتمة أوردناها على طبق النسخة الخطية ولم ترد في المطبوعة.
187

لكلامه هنا لأن القادر على التحصيل بالتكسب غنى عندهم فهو غير محتاج، فلا
وجه لعمله على اطلاق الآية. وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا ستر عليه.
السادس من الأصناف المذكورة - الغارمون وفسرهم الأصحاب بأنهم الذين
عليهم الديون في غير معصية، والظاهر أنه لا خلاف فيه كما صرح به غير واحد منهم
ويدل عليه ما رواه في الكافي عن محمد بن سليمان عن رجل من أهل الجزيرة
يكنى أبا نجاد (1) قال: " سأل الرضا عليه السلام رجل وأنا أسمع فقال له جعلت فداك إن
الله عز وجل يقول: " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة " (2) أخبرني عن هذه
النظرة التي ذكرها الله تعالى في كتابه لها حد يعرف إذا صار هذا المعسر إليه لا بد
من أن ينظر وقد أخذ مال هذا الرجل وأنفقه على عياله وليس له غلة ينتظر ادراكها
ولا دين ينتظر محله ولا مال غائب ينتظر قدومه؟ قال نعم ينتظر بقدر ما ينتهي
خبره إلى الإمام فيقضي عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في
طاعة الله عز وجل فإن كان أنفقه في معصية الله فلا شئ له على الإمام. قلت فما
لهذا الرجل الذي ائتمنه وهو لا يعلم في ما أنفقه في طاعة الله عز وجل أم في
معصيته؟ قال يسعى له في ماله ويرده عليه وهو صاغر ".
وما رواه فيه أيضا عن صباح بن سيابة عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " قال
رسول الله صلى الله عليه وآله أيما مؤمن أو مسلم مات وترك دينا لم يكن في فساد ولا إسراف
فعلى الإمام أن يقضيه فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك، إن الله تبارك وتعالى يقول:
" إنما الصدقات للفقراء والمساكين.. الآية " (4) فهو من الغارمين وله سهم عند
الإمام فإن حبسه عنه فإثمه عليه ".
وفي تفسير علي بن إبراهيم في تتمة الحديث المتقدم نقله (5) في الأصناف

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب الدين وفيه كما في الفروع ج 1 ص 235 والتهذيب ج 6
ص 185 (يكنى أبا محمد)
(2) سورة البقرة الآية 281
(3) الأصول ج 1 ص 407
(4) سورة التوبة الآية 61
(5) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة رقم (7)
188

المتقدمة قال: " والغارمين قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة الله من غير
إسراف فيجب على الإمام أن يقضي عنهم ويفكهم من مال الصدقات ".
وما رواه الحميري في كتاب قرب الإسناد عن الحسين بن علوان عن جعفر
ابن محمد عن أبيه (عليهما السلام) (1) " أن عليا عليه السلام كان يقول يعطي المستدينون
من الصدقة والزكاة دينهم كله ما بلغ إذا استدانوا في غير سرف ".
وما رواه الكليني في الصحيح عن عبد الرحمان بن الحجاج (2) قال: " سألت أبا الحسن
عليه السلام عن رجل عارف فاضل توفي وترك عليه دينا قد ابتلي به لم يكن بمفسد ولا مسرف
ولا معروف بالمسألة هل يقضى عنه من الزكاة الألف والألفان؟ قال نعم ".
ثم إنه قد ورد هنا أخبار مطلقة ينبغي حملها على هذه الأخبار المقيدة: منها
ما رواه في الكافي عن موسى بن بكر (3) قال: " قال لي أبو الحسن عليه السلام من طلب
هذا الرزق من حله ليعود به على نفسه وعياله كان كالمجاهد في سبيل الله فإن غلب عليه
فليستدن على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله ما يقوت به عياله فإن مات ولم يقضه كان على
الإمام قضاؤه فإن لم يقضه كان عليه وزره، إن الله عز وجل يقول: إنما الصدقات
للفقراء والمساكين والعاملين عليها.. إلى قوله والغارمين (4) وهو فقير مسكين مغرم "
وما رواه فيه أيضا عن العباس عن من ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام (5) قال:
" الإمام يقضي عن المؤمنين سائر الديون ما خلا مهور النساء ".
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الكلام هنا يقع في مواضع: أحدها - قد صرح جمع
من الأصحاب بأنه يعتبر في الغارم أن يكون غير متمكن من الأداء لأن الزكاة إنما
شرعت لسد الخلة ورفع الحاجة ولا تدفع مع الاستغناء عنها، واستقرب العلامة في

(1) الوسائل الباب 24 و 48 من المستحقين للزكاة
(2) الوسائل الباب 24 و 46 من المستحقين للزكاة
(3) الوسائل الباب 46 من المستحقين للزكاة والباب 9 من أبواب الدين
(4) سورة التوبة الآية 61
(5) الوسائل الباب 9 من أبواب الدين
189

النهاية جواز الدفع إلى المديون وإن كان عنده ما يفي بدينه إذا كان بحيث لو دفعه
يصير فقيرا لانتفاء الفائدة في أن يدفع ماله ثم يأخذ الزكاة باعتبار الفقر. قال في
المدارك بعد نقله عنه: ومقتضى كلامه أن الأخذ والحال هذه يكون من سهم
الغارمين، وهو غير بعيد لاطلاق الآية وعدم صدق التمكن من أداء الدين عرفا
بذلك. انتهى.
أقول: لا ريب أن ما ذكروه من أنه يعتبر في الغارم أن يكون غير
متمكن من الأداء هو مقتضى الأخبار التي ذكرناها فالأولى في الاستدلال على
ما ذكروه هو الاستناد إليها، إلا أنهم (رضوان الله عليهم) لم يلموا في هذا المقام
بشئ منها ولا ذكروا منها شيئا بالمرة فلذا عللوا الحكم المذكور بما ذكروه، وهو من
حيث الاعتبار لا يخلو من قوة إلا أنك قد عرفت في غير موضع أن أمثال هذه
التعليلات العقلية لا تصلح مجردة عن الأخبار لتأسيس الأحكام الشرعية.
وأما ما ذكره العلامة من جواز الدفع إلى المديون وإن كان عنده ما يفي بدينه
فظواهر الأخبار التي ذكرناها تأباه وترده ولا سيما الخبر الأول فإنه صريح في ذلك
وما ذكره في المدارك - من أنه غير بعيد لاطلاق الآية.. إلى آخر كلامه -
ينافي ما صرح به أولا من ما نقلناه عنهم من أنه يعتبر في الغارم أن يكون غير متمكن
من الأداء.. إلى آخر ما نقلناه عنهم، فإن هذا الكلام ظاهر في أنهم لم يعملوا على
اطلاق الآية بل قيدوها بعدم التمكن، ولا ريب أن هذا متمكن كما هو المفروض
وتعليلهم الذي ذكروه أظهر ظاهر في ذلك.
وأما ما ذكره من عدم صدق التمكن من أداء الدين عرفا فهو ممنوع أشد
المنع، وكيف لا يكون متمكنا وعنده ما يفي بدينه كما هو المفروض، وإنما يتعللون
بأنه بعد الدفع في الدين يكون فقيرا محتاجا إلى الزكاة.
وهذا لا يصلح وجها لما اعتمده (أما أولا) فلأن الله تعالى ضامن للرزق
فلعل الله تعالى بسبب حسن نيته في قضاء دينه والمسارعة إلى فكاك عنقه بما عنده
يعجل له بالرزق من حيث لا يحتسب ولا يحتاج إلى الزكاة.
190

(وأما ثانيا) فإنه ليس الفقر إلا عدم ملك مؤنة السنة وهذا لا يستلزم
الحاجة إلى الزكاة في الحاضر وإن كان من أهلها باعتبار فقره وإنما يحتاج إليها لاتمام
مؤنة السنة، ومع فرض احتياجه إلى الزكاة كما ادعوه فهو لا يصلح مستندا
لما ذكروه.
وبالجملة فكلامهم في المقام لما كان غير مبني على خبر ولا دليل شرعي وإنما
هو مجرد اعتبارات وتخريجات فالباب في ذلك واسع، وأنت إذا رجعت إلى الأخبار
التي ذكرناها لا ترتاب في صحة ما ذكرناه وظهوره منها كما بيناه.
وثانيها - إن ظاهر كلمة الأصحاب الاتفاق على اشتراط الأداء عن الغارمين
بأن لا يكون ما استدانوه في معصية والأخبار المتقدمة صريحة في ذلك كما عرفت،
وبعضها وإن كان مطلقا لكن يجب حمله على مقيدها. وبذلك يظهر لك ما في مناقشة
السيد السند في المدارك ومن اقتفاه كالفاضل الخراساني في الذخيرة.
قال في المدارك: واشترط الأصحاب في جواز الدفع إلى الغارم أن لا يكون
استدانته في معصية، واستدلوا عليه بأن في قضاء دين المعصية حملا للغريم على
المعصية وهو قبيح عقلا فلا يكون متعبدا به شرعا، وبما روي عن الرضا عليه السلام (1)
أنه قال: " يقضي ما عليه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة الله عز وجل
وإذا كان أنفقه في معصية الله فلا شئ له على الإمام " ويمكن المناقشة في الأول بأن
إعانة المستدين في المعصية إنما تقبح مع عدم التوبة لا مطلقا، وفي الرواية بالطعن
في السند فإنا لم نقف عليها مسندة في شئ من الأصول، ومن ثم ذهب المصنف في
المعتبر إلى جواز اعطائه مع التوبة من سهم الغارمين وهو حسن. انتهى.
أقول: بل الدليل على ما ذكره الأصحاب إنما هو هذه الأخبار الواضحة الدلالة
على ذلك ولكنه معذور حيث لم يقف عليها كما يفصح عنه انكاره لوجود هذه
الرواية عن الرضا عليه السلام في شئ من الأصول وهي في كتاب الكافي لكنها حيث

(1) وهي رواية محمد بن سليمان المتقدمة ص 188
191

لم تكن في كتاب الزكاة وإنما هي في كتاب الديون لم يطلع عليها وكذا غيرها من ما نقلناه
وأما ما نقله عن المعتبر من جواز اعطائه مع التوبة فالظاهر أنه مبني على
ما أجاب به هنا عن التعليل الذي استدل به الأصحاب على عدم جواز الدفع من
هذا السهم لمن أنفق ما استدانه في معصية وأنه مع التوبة لا يقبح الأداء عنه وإن
كان كذلك.
وأنت قد عرفت أنا لا نعتمد على هذه التعليلات الواهية وإنما العلة هي
النصوص المذكورة والتوبة لا مدخل لها في ذلك، لأن الظاهر أن ايجاب الشارع
القضاء عليه من غير أن يعطى من هذا السهم ما يقضي به عن نفسه إنما وقع عقوبة
له في ما فعل من صرف ما استدانه في المعصية كما ينادي به قول الرضا عليه السلام في الرواية
الأولى (1) " يسعى له في ماله ويرده عليه وهو صاغر ".
وبالجملة فإن الأخبار وكلمة الأصحاب متفقة على أن الدفع من هذا السهم
مخصوص بمن استدان في غير معصية، والخروج عن ذلك من غير دليل واضح مع
كونه تحكما محضا جرأة كما لا يخفى على المنصف. إلا أن ذلك إنما هو بالنسبة إلى من
وقف على الأخبار المذكورة وأما من لم يقف عليها فهو معذور في ما ذكره. إلا أن الحكم في المسألة قبل تتبع الأدلة الشرعية من مظانها مشكل فنسأل الله تعالى لنا
ولهم المسامحة بجوده ومغفرته.
وثالثها - إنه قد ذكر الأصحاب أنه لو جهل مصرف الدين في طاعة أو معصية
فإنه يعطى من سهم الغارمين، ونقل عن الشيخ القول بالمنع، قالوا وربما كان مستنده
رواية محمد بن سليمان المتقدمة في أول الأخبار السابقة (2) وقوله فيها " قلت فما
لهذا الرجل الذي إئتمنه وهو لا يعلم في ما أنفقه في طاعة الله عز وجل أم في معصيته؟
قال يسعى له في ماله ويرده عليه وهو صاغر " قالوا: وهذه الرواية ضعيفة جدا فلا
يمكن التعويل عليها في اثبات حكم مخالف للأصل، لأن الأصل في تصرفات المسلم

(1) ص 188
(2) ص 188
192

وقوعها على الوجه المشروع، ولأن تتبع مصارف الأموال عسر.
أقول: الظاهر أن الخبر المذكور لا دلالة فيه على ما ذكروه من أنه متى جهل
الإمام حال انفاقه لم يدفع له من هذا السهم. وبيان ذلك أن الظاهر أن المرجع في
الانفاق إلى كونه طاعة أو معصية إنما هو إلى المنفق لأنه المتولي لذلك، واطلاع
الناس على ذلك أمر نادر غالبا سيما إذا كان مستور الظاهر، وحينئذ فيرجع الحكم
إليه فإن أنفقه في طاعة جاز له الأخذ من هذا السهم وحل له ذلك وإن أنفقه في
معصية حرم عليه الأخذ منه. وأما الحكم بالنسبة إلى الإمام فإنه إن اطلع على أحد
الأمرين عامله به وإن لم يطلع ولا سيما مع كونه مستور الظاهر غير معروف بالفسق
فإنه يدفع إليه بناء على ظاهر الحال ولكنه يحرم عليه في ما بينه وبين الله إن كان
ما استدانه قد أنفقه في المعصية، وحينئذ فيرجع قوله عليه السلام: " إذا كان أنفقه في
طاعة الله " إلى ما لو علم الانفاق بكونه في طاعة أو بنى في ذلك على حسن ظاهره كما
يشير إليه قوله عليه السلام في صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج " لم يكن بمفسد ولا مسرف "
وقوله في رواية صباح بن سيابه " لم يكن في فساد ولا إسراف " فإن مرجع ذلك
إلى الحكم بحسن الظاهر.
والرواية عند التأمل فيها لا منافاة فيها لما ذكرناه، لأنه لما ذكر عليه السلام أنه إنما
يعطيه الإمام إذا أنفقه في طاعة الله وأما إذا أنفقه في المعصية فلا شئ له رجع له
الراوي وقال له إن صاحب هذا الدين لا علم له بكونه أنفقه في طاعة أو معصية، أجابه
عليه السلام بما معناه أن صاحب الدين لا مدخلية له في ذلك، وإنما المرجع فيه إلى المستدين
فإن كان قد أنفق ما استدانه منه في معصية وجب عليه أن يسعى له فيه ويرده عليه
وهو صاغر. هذا حاصل جوابه عليه السلام. وجهل الانفاق هنا إنما نسب إلى صاحب
الدين لا إلى الإمام حتى يتم ما توهموه من الخبر من أنه متى جهل الإمام وجه
الانفاق لم يدفع له من هذا السهم، غاية الأمر أن الإمام عليه السلام للتفصيل الذي
ذكره أولا وعلم منه الحكم أجمل في الجواب ثانيا اعتمادا على ما قدمه من التفصيل.
193

هكذا حقق المقام ولا تصغ إلى ما سبق من الأوهام.
ورابعها - قال الشيخ في المبسوط: وأما الغارمون فصنفان: صنف استدانوا
في مصلحتهم في غير معصية ثم عجزوا عن أدائه فهؤلاء يعطون من سهم الغارمين
بلا خلاف، وقد ألحق بهذا قوم أدانوا مالا في دم بأن وجد قتيل لا يدرى من
قتله وكاد أن تقع بسببه فتنة فتحمل رجل ديته لأهل القبيلة فهؤلاء أيضا يعطون
أغنياء كانوا أو فقراء لقوله صلى الله عليه وآله (1) " لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: غاز في
سبيل الله أو عامل عليها أو غارم " وألحق به أيضا قوم تحملوا في ضمان مال بأن
يتلف مال رجل ولا يدرى من أتلفه وكاد أن تقع بسببه فتنة فتحمل رجل قيمته
وأطفأ الفتنة. انتهى.
وبذلك صرح كثير من الأصحاب ممن تأخر عنه: منهم - العلامة في أكثر كتبه
وابن حمزة؟ وظاهرهم دفع ذلك من سهم الغارمين، ولم أقف فيه على نص من
طرقنا والرواية التي ذكرها الشيخ الظاهر أنها من طرق المخالفين، ولو أريد
الدفع من سهم سبيل الله بناء على ما هو الأشهر الأظهر من أن مصرفه جميع
الطاعات وإصلاح ذات البين من أعظمها فهو جيد.
وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب
في الصحيح عن عبد الرحمان بن الحجاج (2) أن محمد بن خالد قال: " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الصدقات فقال اقسمها في من قال الله عز وجل ولا تعطين من سهم الغارمين
الذين ينادون بنداء الجاهلية شيئا. قلت وما نداء الجاهلية؟ قال هو الرجل يقول
يا لبني فلان فيقع بينهم القتل والدماء فلا تؤدوا ذلك من سهم الغارمين، ولا الذين
يغرمون من مهور النساء، ولا أعلمه إلا قال ولا الذين لا يبالون ما صنعوا في أموال
الناس " وفي هذا الحديث إيماء إلى ما ذكره الأصحاب.

(1) سنن أبي داود ج 1 ص 259
(2) الوسائل الباب 48 من المستحقين للزكاة وفيه (يا بني فلان)
194

وخامسها - قد صرح الأصحاب بأنه لو كان له دين على فقير جاز له مقاضته به
من الزكاة، وهو من ما لا خلاف فيه.
ويدل عليه جملة من الأخبار: منها - ما رواه الكليني في الصحيح عن
عبد الرحمان بن الحجاج (1) قال: " سألت أبا الحسن الأول عليه السلام عن دين لي على قوم قد
طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه وهم مستوجبون للزكاة هل لي أن أدعه
وأحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال نعم ".
وعن عقبة بن خالد (2) قال: " دخلت أنا والمعلى وعثمان بن عمران على أبي عبد الله عليه السلام فلما رآنا قال مرحبا بكم وجوه تحبنا ونحبها جعلكم الله معنا في
الدنيا والآخرة فقال له عثمان جعلت فداك فقال له أبو عبد الله عليه السلام نعم مه. قال
إني رجل موسر فقال له بارك الله لك في يسارك قال فيجيئني الرجل فيسألني الشئ وليس
هو إبان زكاتي؟ فقال له أبو عبد الله عليه السلام القرض عندنا بثمانية عشر والصدقة
بعشر وماذا عليك إذا كنت كما تقول موسرا أعطيته فإذا كان إبان زكاتك احتسبت بها
من الزكاة، يا عثمان لا ترده فإن رده عند الله عظيم، يا عثمان إنك لو علمت ما منزلة
المؤمن من ربه ما توانيت في حاجته، ومن أدخل على مؤمن سرورا فقد أدخل على
رسول الله صلى الله عليه وآله وقضاء حاجة المؤمن يدفع الجنون والجذام والبرص ".
وروى الكليني في الموثق عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " سألته
عن الرجل يكون له الدين على رجل فقير يريد أن يعطيه من الزكاة؟ فقال إن كان
الفقير عنده وفاء بما كان عليه من الدين من عرض من دار أو متاع من متاع البيت
أو يعالج عملا يتقلب فيه بوجهه فهو يرجو أن يأخذ منه ماله عنده من دينه فلا
بأس أن يقاصه بما أراد أن يعطيه من الزكاة أو يحتسب بها، وإن لم يكن عند

(1) الوسائل الباب 46 من المستحقين للزكاة
(2) الفروع ج 1 ص 163 باب القرض، وفي الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة
و 25 من فعل المعروف
(3) الوسائل الباب 46 من المستحقين للزكاة
195

الفقير وفاء ولا يرجو أن يأخذ منه شيئا فليعطه من زكاته ولا يقاصه بشئ من الزكاة "
وذكر شيخنا الشهيد الثاني أن المقاصة احتساب الزكاة على الفقير ثم أخذها
مقاصة من دينه، وقيل هي القصد إلى اسقاط ما في ذمة الفقير للمزكي من الدين
على وجه الزكاة، وهو أظهر.
قال في المدارك: وفي معنى الفقير الغني أعني مالك قوت السنة إذا كان بحيث
لا يتمكن من أداء الدين.
ولا يخفى ما فيه: أما أولا - فلأنه خلاف ما اتفقت عليه الأخبار وكلمة الأصحاب
من غير خلاف يعرف في الباب من اشتراط الفقر في المستحق وأن الغني وهو
المالك مؤنة سنة لا يجوز أن يعطى منها، والفرق بين الاعطاء ابتداء والمقاصة
من ما لا دليل عليه فلا وجه له.
والظاهر أن منشأ الشبهة عنده هو ما تقدم في الموضع الأول من أنه بأداء
ما عليه من الدين يكون فقيرا محتاجا إلى الزكاة لفقره فلا معنى لأن يعطى ما عليه
من الدين ثم يأخذ الزكاة.
وفيه ما عرفت وأنه ليس كل فقير يحتاج في الحاضر إلى الزكاة وإن احتاج
إليها في وقت آخر، فلو فرضنا أن شخصا عنده ألف درهم جنسا أو نقدا وهي
مؤنة سنته وعليه مائة درهم دينا فلو أعطى تلك المائة نقص ما عنده عن مؤنة سنته
وصار فقيرا يحل له أخذ الزكاة، ولا ريب أن الواجب عليه اعطاء ما عليه من
الدين لكونه مقتدرا عليه فهو داخل تحت الأوامر الدالة على وجوب الوفاء بالدين
ولا يحل له حبسه مع المطالبة، واحتساب ما عليه من الدين من وجه الزكاة غير
جائز لكونه غنيا كما عرفت.
وأما ثانيا - فلما عرفت من الأخبار المتقدمة فإنها ظاهرة بل صريحة في عدم
ملك مؤنة السنة بل عدم القدرة على أداء الدين، أما صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج
فلقوله فيها " لا يقدرون على قضائه وهم مستوجبون للزكاة " وأما رواية عقبة بن
196

خالد فلقوله " يجيئني الرجل فيسألني " ومالك مؤنة سنة لا يسأل، وأما موثقة سماعة
فالفرق بين الموضعين فيها لا يخلو من اجمال، وتوضيحه بتوفيق الله وعونه سبحانه
أنه لما كان الفقير هو الغير المالك لمؤنة سنة فعلا أو قوة فقد يملك أشياء وإن كانت
لا تفي بمؤنة السنة وإن وفت بدينه وزيادة وقد لا يملك شيئا بالكلية، فأمره عليه السلام
بالاحتساب في الحالة الأولى من حيث الفقر وإن أمكنه أداء الدين ومنعه من
الاحتساب في الحالة الثانية وذلك لأنه معسر فيجب انظاره كما دلت عليه الآية (1)
والاحتساب استيفاء وقبض للدين وهو غير جائز شرعا بالنسبة إلى المعسر لوجوب
انظاره إلى ميسرة فلذا منعه من الاحتساب عليه وأمره باعطائه من الزكاة
وسادسها - لو كان الدين على ميت جاز أن يقضى عنه من هذا السهم وأن
يقاص به، وهو من ما لا خلاف فيه وعليه تدل الأخبار:
ومنها - ما تقدم (2) من صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج ورواية صباح بن
سيابة وهما دالتان على القضاء.
ورواية يونس بن عمار (3) قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول قرض
المؤمن غنيمة وتعجيل أجر، إن أيسر قضاك وإن مات قبل ذلك احتسبت به
من الزكاة ".
ورواية إبراهيم بن السندي عن أبي عبد الله عليه السلام (4) قال: " قرض المؤمن
غنيمة وتعجيل خير، إن أيسر أدى وإن مات احتسب به من زكاته " ونحوهما غيرهما
وهما دالتان على الاحتساب.
وروى زرارة في الصحيح أو الحسن على المشهور (5) قال: " قلت لأبي عبد الله

(1) وهي قوله تعالى: " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة " سورة البقرة الآية 281
(2) ص 188 و 189
(3) الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة
(4) الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة
(5) الوسائل الباب 18 من المستحقين للزكاة
197

عليه السلام رجل حلت عليه الزكاة ومات أبوه وعليه دين أيؤدي زكاته في دين أبيه وللابن
مال كثير؟ فقال إن كان أبوه أورثه مالا ثم ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه
عنه قضاه من جميع الميراث ولم يقضه من زكاته، وإن لم يكن أورثه مالا لم يكن
أحد أحق بزكاته من دين أبيه فإذا أداها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه "
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أنه
هل يشترط في جواز الأداء عن الميت من الزكاة قصور تركته عن الوفاء بالدين أم لا؟
قولان ذهب إلى الأول الشيخ في المبسوط وابن الجنيد على ما نقل عنهما وإلى
الثاني الفاضلان.
ويدل على الأول حسنة زرارة المذكورة أو صحيحته على المختار، وموردها
وإن كان الأب إلا أن الظاهر أنه لا خصوصية له فيتعدى إلى غيره كما في
سائر الأحكام.
واستدل العلامة في المختلف على الثاني بعموم الأمر باحتساب الدين على
الميت من الزكاة (1) ولأنه بموته انتقلت التركة إلى ورثته فصار في الحقيقة عاجزا
ولا يخفى ما في هذا الاستدلال: أما العموم فإنه يجب تخصيصه بالصحيحة
المذكورة كما هو القاعدة المطردة. وأما انتقال التركة فإنه في موضع النزاع ممنوع
لصريح قوله عز وجل في غير موضع " من بعد وصية يوصي بها أو دين " (2) فإنها
صريحة في عدم الانتقال مع الدين والوصية النافذة كما لا يخفى.
ثم إنه لا يخفى أنه لا فرق في جواز قضاء الدين عن الميت أو مقاصته به بين
أن يكون أجنبيا أو واجب النفقة وهو موضع وفاق بينهم، ويدل عليه حسنة
زرارة المتقدمة أو صحيحته.
وكذا لو كان الدين على من تجب نفقته مع كونه حيا فإنه يجوز القضاء عنه

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب الدين
(2) سورة النساء الآية 13 و 17
198

أو مقاصته من غير خلاف.
ويدل عليه موثقة إسحاق بن عمار (1) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل على أبيه دين ولأبيه مؤنة أيعطى أباه من زكاته يقضي دينه، قال نعم ومن
أحق من أبيه ".
وسابعها - أنه لو صرف الغارم ما دفع إليه في غير وجه الغرم فهل يجب
استعادته أم لا؟ قولان ذهب إلى الأول المحقق في المعتبر والشرائع، وإلى الثاني
الشيخ، وعلله بأنه ملكه بالقبض فلا يحكم عليه بوجوب الإعادة. وأجاب في المعتبر
بأنه ملكه ليصرفه في وجه مخصوص لا يسوغ له غيره. واستحسنه في المدارك
والمسألة محل توقف لعدم النص وإن كان ما ذكره لا يخلو من قرب.
السابع - من الأصناف المتقدمة سبيل الله، وهل هو الجهاد خاصة أو ما يشمل
جميع القرب والخيرات والمصالح؟ قولان صرح بالأول الشيخ في النهاية والشيخ
المفيد في المقنعة والصدوق في الفقيه، والمشهور الثاني وهو الظاهر من الأدلة.
ويدل عليه ما نقله الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره (2) في تتمة الحديث
المتقدم ذكره في الأصناف المتقدمة عن العالم عليه السلام قال: " وفي سبيل الله قوم
يخرجون إلى الجهاد وليس عندهم ما يتقوون به أو قوم مؤمنون ليس عندهم ما يحجون
به أو في جميع سبل الخير، فعلى الإمام أن يعطيهم من مال الصدقات حتى يقووا
على الحج والجهاد ".
وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن علي بن يقطين (3) " أنه قال لأبي الحسن
الأول عليه السلام يكون عندي المال من الزكاة فأحج به موالي وأقاربي؟ قال لا بأس ".
وما رواه ثقة الاسلام في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (4)

(1) الوسائل الباب 18 من المستحقين للزكاة
(2) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة رقم 7
(3) الوسائل الباب 42 من المستحقين للزكاة
(4) الوسائل الباب 42 من المستحقين للزكاة
199

قال: " سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام وأنا جالس فقال إني أعطي من الزكاة فأجمعه حتى
أحج به؟ فقال نعم يأجر الله من يعطيك " واحتمال الدفع هنا من حيث الفقر ممكن
بل هو الظاهر.
وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر من نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر عن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " سألته عن الصرورة أيحجه الرجل
من الزكاة؟ قال نعم ".
ويدل على ذلك أيضا ما رواه المشايخ الثلاثة عن الحسن بن راشد (2) قال:
" سألت أبا الحسن العسكري عليه السلام بالمدينة عن رجل أوصى بمال في سبيل الله قال
سبيل الله شيعتنا ".
وبأسانيدهم عن الحسين بن عمر (3) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن رجلا
أوصى إلي بشئ في سبيل الله؟ فقال لي اصرفه في الحج. قال قلت أوصى إلي
في السبيل قال اصرفه في الحج فإني لا أعلم شيئا في سبيل الله أفضل من الحج " وفي
رواية أحدهم (4) لا أعلم سبيلا من سبله أفضل من الحج.
وجمع بينهما في الفقيه فقال: وهذان الحديثان متفقان وذلك أنه يصرف
ما أوصى به في السبيل إلى رجل من الشيعة يحج به. ونقل ذلك الشيخ عنه ثم قال
وهذا وجه حسن.
ولا يخفى ما في كلاميهما (طاب ثراهما) فإن سبيل الله إما أن يخص بالجهاد كما
هو أحد القولين أو يفسر بما هو أعم من جميع القربات والطاعات، والمعنى الأول
لا مجال لاعتباره هنا، وعلى الثاني فلا تنافي ليحتاج إلى الجمع بين الخبرين.
ثم إنه يفهم من جملة من الأخبار أن حمل سبيل الله على الجهاد إنما هو تقية
حيث أن مذهبهم تفسير سبيل الله بذلك (5) وهي في باب الوصايا:

(1) الوسائل الباب 42 من المستحقين للزكاة
(2) الوسائل الباب 33 من الوصايا
(3) الوسائل الباب 33 من الوصايا
(4) الوسائل الباب 33 من الوصايا
(5) المحلى ج 6 ص 151 ونيل الأوطار ج 4 ص 236
200

ومنها - ما رواه في الكافي عن يونس بن يعقوب (1) " أن رجلا كان بهمذان
ذكر أن أباه مات وكان لا يعرف هذا الأمر فأوصى بوصية عند الموت وأوصى
أن يعطى شئ في سبيل الله فسئل عنه أبو عبد الله عليه السلام كيف يفعل به وأخبرناه أنه
كان لا يعرف هذا الأمر؟ فقال لو أن رجلا أوصى إلى أن أضع في يهودي أو
نصراني لوضعته فيهما؟ إن الله عز وجل يقول: " فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على
الذين يبدلونه " (2) فانظروا إلى من يخرج إلى هذا الوجه يعني بعض الثغور -
فابعثوا به إليه ".
ثم إنه هل يشترط في الدفع من هذا السهم الحاجة أم لا؟ ظاهر شيخنا الشهيد
الثاني في المسالك بل صريحه الأول، حيث قال: ويجب تقييده بأن لا يكون فيه
معونة لغني مطلق بحيث لا يدخل في شئ من الأصناف الباقية فيشترط في الحاج
والزائر الفقر أو كونه ابن سبيل أو ضيفا، والفرق بينهما حينئذ وبين الفقيران
الفقير لا يعطى الزكاة ليحج بها من جهة كونه فقيرا ويعطى لكونه في سبيل
الله. انتهى.
وقال العلامة في التذكرة بعد أن ذكر أنه يدخل في سهم سبيل الله مؤنة
الزوار والحجيج: وهل يشترط حاجتهم؟ اشكال ينشأ من اعتبار الحاجة كغيره
من أهل السهام ومن اندراج إعانة الغني تحت سبيل الخير. انتهى.
وقال السيد السند في المدارك بعد نقل كلام جده (قدس سرهما): وهو مشكل
لأن فيه تخصيصا لعموم الأدلة من غير دليل، والمعتمد جواز صرف هذا السهم في
كل قربة لا يتمكن فاعلها من الاتيان بها بدونه، وإنما صرنا إلى هذا القيد لأن
الزكاة إنما شرعت بحسب الظاهر الدفع الحاجة فلا تدفع مع الاستغناء عنها ومع
ذلك فاعتباره محل تردد. انتهى.

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب الوصايا
(2) سورة البقرة الآية 178
201

أقول: لا يخفى أن ههنا ثلاث صور: إحداها أن يكون فقيرا لا مال له
بالكلية أو له مال لا يتمكن منه كابن السبيل والضيف، وهذا من ما لا اشكال
في جواز الدفع إليه من هذا السهم.
الثانية - أن يكون غنيا متمكنا من كل ما يريد من أبواب القربات والطاعات
وهذا محل الاشكال في جواز الدفع إليه من هذا السهم، وهو الذي منع من الدفع
إليه شيخنا الشهيد في المسالك، وهو أحد وجهي الاشكال في كلام العلامة.
الثالث - من كان مالكا مؤنة سنة بالفعل أو القوة لكنه لا يتمكن بذلك من
الحج ونحوه، وظاهر عبارة شيخنا الشهيد الثاني المنع أيضا من الدفع إليه لصدق
الغني، وكذا ظاهر كلام العلامة باعتبار الاشكال فيه، وظاهر كلام السيد السند
جواز الدفع إليه لأن ظاهر عبارته أنه يدفع هذا السهم إلى كل من لا يتمكن من
تلك القربة إلا بالإعانة من ذلك السهم أعم من أن يكون فقيرا لا مال له أو له
مال لكن لا يقوم بالتمكن منه.
وكيف كان فينبغي أن يعلم أن الحاجة إلى الحج لا تنافي الغنى الذي هو عبارة
عن ملك مؤنة السنة أو الحرفة أن الصنعة الموجبة الغنى ولكن لا يتمكن من
الحج منها، وفيه جمع بين اطلاق الأدلة وبين ما ذكروه من أن الزكاة إنما شرعت
لدفع الحاجة وسد الخلة. والله العالم
الثامن من الأصناف المذكورة - ابن السبيل، وفي عبائر جمع من الأصحاب
تفسيره بالمنقطع به والضعيف، وفي بعض بالأول ونسبة الثاني إلى الرواية.
قال شيخنا المفيد (عطر الله مرقده) في المقنعة: وابن السبيل وهم المنقطع
بهم في الأسفار وقد جاءت رواية (1) أنهم الأضياف يراد به من أضيف لحاجته
إلى ذلك وإن كان له في موضع آخر غنى ويسار، وذلك راجع إلى ما قدمناه. انتهى
وظاهر كلامه بل صريحه التخصيص بالمعنى الأول حيث تأول الرواية بالارجاع إليه

(1) المقنعة ص 29 وفي الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة
202

ويدل على ذلك حديث علي بن إبراهيم (1) المتقدم نقله في الأصناف المتقدمة
حيث قال: " وابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة الله
فيقطع بهم ويذهب مالهم فعلى الإمام أن يردهم إلى أوطانهم من مال الصدقات ".
وظاهر الخبر اعتبار كون السفر طاعة والمشهور بين الأصحاب اشتراط
الإباحة فلا يعطى من كان سفره معصية، ولم أر من قال بمضمون الرواية إلا ابن
الجنيد على ما نقل عنه حيث قيد الدفع بالمسافرين في طاعة الله والمريدين لذلك.
وليس في الباب خبر غير الرواية المذكورة، والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال.
وما أجاب به في المختلف عن الرواية المذكورة - من أن الطاعة تصدق على
المباح بمعنى أن فاعله معتقدا لكونه مباحا مطيع في اعتقاده وايقاعه الفعل على
وجهه - لا يخفى ما فيه فإن الطاعة والمعصية عبارة عن موافقة الأمر ومخالفته وذلك
لا يتعلق بالمباح، وأما اعتقاد الإباحة فأمر خارج عن الفعل. والله العالم.
البحث الثاني - في أوصاف المستحقين وهي على ما ذكره الأصحاب (رضوان
الله عليهم) أمور: الأول - الايمان الذي هو عبارة عن الاسلام مع اعتقاد إمامة
الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) واعتبار هذا الوصف مجمع عليه نصا وفتوى.
واستدل عليه في المنتهى بأن الإمامة من أركان الدين وأصوله وقد علم ثبوتها
من النبي صلى الله عليه وآله ضرورة فالجاحد لها لا يكون مصدق للرسول صلى الله عليه وآله في جميع ما جاء
به فيكون كافرا فلا يستحق الزكاة، وبأن الزكاة معونة وارفاق فلا يعطى غير
المؤمن، ولأنه محاد لله ولرسوله والمعونة والارفاق مودة فلا يجوز فعلها مع غير
المؤمن لقوله تعالى: " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد
الله " (2) انتهى. وهو جيد متين بل جوهر ثمين.
وما ذكره في المدارك حيث قال بعد نقله: وفي الدليلين بحث ضعيف

(1) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة رقم 7.
(2) سورة المجادلة الآية 23
203

لا يعول عليه وباطل لا يرجع إليه، وذلك فإنه وإن اشتهر بين المتأخرين الحكم
باسلام المخالفين ولا سيما السيد المذكور وجده (قدس سرهما) حتى أنجر بهما الأمر
إلى الحكم بعدالة النصاب الذين هم أشد نجاسة من الكلاب كما أوضحناه في شرحنا على
كتاب المدارك إلا أن مقتضى أخبار أهل البيت (عليهم السلام) - وهو المشهور بين
متقدمي أصحابنا - هو الحكم بكفرهم ونصبهم ونجاستهم كما أوضحنا ذلك بما لا مزيد
عليه في كتابنا الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب وفي مواضع من كتابنا سلاسل
الحديد في تقييد ابن أبي الحديد. ولا ريب أن حديث الغدير من ما تواتر بين الفريقين
وأجمع على نقله رواة الطرفين بل تواتره من طرق المخالفين أشهر كما ذكرناه في
ذينك الكتابين (1) وارتكاب بعض متعصبي المخالفين فيه التأويلات الباردة
والتمحلات الشاردة تعصبا وعنادا على الله ورسوله لا يخرجه عن الدلالة ولا سيما
مع اعتراف جمع منهم بالدلالة على ذلك. وبالجملة فذيل البحث في المسألة واسع ومن
أراد الوقوف على صحة ما ذكرناه فليرجع إلى الكتابين المذكورين.
وأما كون الزكاة معونة وارفاقا فهو ظاهر من الأخبار الواردة في العلة في
وضع الزكاة (2) وأما كون المخالفين داخلين في آية المحادة لله ورسوله فهو معلوم
من كفرهم ونصبهم للشيعة الذي هو أظهر من الشمس في دائرة النهار، بل للأئمة
(عليهم السلام) كما صرحت به جملة من الأخبار التي استوفيناها في كتابنا
الشهاب الثاقب.
ثم إن من الأخبار الدالة على أصل المسألة صحيحة بريد بن معاوية العجلي (3)
قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل حج وهو لا يعرف هذا الأمر.. إلى أن
قال: وقال كل عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثم من الله عليه وعرفه
الولاية فإنه يؤجر عليه إلا الزكاة فإنه يعيدها لأنه وضعها في غير مواضعها لأنها
لأهل الولاية ".

(1) راجع الغدير ج 1 ص 14 إلى 151 و 294 إلى 313 الطبعة الثانية
(2) تقدمت ص 10 و 11
(3) الوسائل الباب 23 من وجوب الحج و 3 من المستحقين للزكاة
204

وما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن على المشهور وابن بابويه في الصحيح
عن زرارة وبكير والفضيل ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر
وأبي عبد الله (عليهما السلام) (1) " أنهما قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء
الحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية ثم يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه
أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج أوليس عليه إعادة شئ من ذلك؟
قال ليس عليه إعادة شئ من ذلك غير الزكاة لا بد أن يؤديها لأنه وضع الزكاة في
غير موضعها وإنما موضعها أهل الولاية ".
وفي رواية أبي بصير (2) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يكون له
الزكاة وله قرابة محتاجون غير عارفين أيعطيهم من الزكاة؟ قال لا ولا كرامة لا يجعل
الزكاة وقاية لماله يعطيهم من غير الزكاة إن أراد ".
وروى في التهذيب عن إبراهيم الأوسي عن الرضا عليه السلام (3) قال: " سمعت أبي يقول كنت عند أبي يوما فأتاه رجل فقال إني رجل من أهل الري ولي زكاة فإلى
من أدفعها؟ فقال إلينا. فقال أليس الصدقة محرمة عليكم؟ فقال بلى إذا دفعتها إلى شيعتنا
فقد دفعتها إلينا. فقال إني لا أعرف لها أحدا؟ فقال فانتظر بها سنة. قال فإن
لم أصب لها أحدا؟ قال انتظر بها سنتين.. حتى بلغ أربع سنين. ثم قال له إن لم تصب
لها أحدا فصرها صرارا واطرحها في البحر فإن الله عز وجل حرم أموالنا وأموال
شيعتنا على عدونا " إلى غير ذلك من الأخبار التي يطول بنقلها الكلام.
بقي الكلام هنا في مواضع: أحدها - ظاهر كلام جملة من الأصحاب أنه مع
تعذر المؤمن فإنه لا يعطى غيره ناصبا كان أو مستضعفا، ونقل بعض أفاضل
متأخري المتأخرين قولا بجواز اعطاء المستضعف والحال هذه.

(1) الوسائل الباب 3 من المستحقين للزكاة. والصدوق يرويه في العلل ص 131
(2) الوسائل الباب 16 من المستحقين للزكاة
(3) الوسائل الباب 5 من المستحقين للزكاة
205

ويدل على المشهور الأخبار المتقدمة وغيرها من ما دل على التخصيص
بأهل الولاية.
ويدل على القول المشار إليه رواية يعقوب بن شعيب الحداد عن العبد الصالح
عليه السلام (1) قال: " قلت له الرجل منا يكون في أرض منقطعة كيف يصنع بزكاة ماله؟
قال يضعها في إخوانه وأهل ولايته. فقلت فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال
يبعث بها إليهم. قلت فإن لم يجد من يحملها إليهم؟ قال يدفعها إلى من لا ينصب.
قلت فغيرهم؟ فقال ما لغيرهم إلا الحجر ".
ورد هذه الرواية في المعتبر بضعف السند، وردها في المنتهى بأنها شاذة،
وكيف كان فالخروج عن مقتضى تلك الروايات الكثيرة الصريحة ولا سيما رواية
إبراهيم الأوسي بهذا الرواية مشكل.
نعم يبقى الاشكال في جملة من عوام الشيعة الضعفة العقول ممن لا يعرفون
الله سبحانه إلا بهذه الترجمة حتى لو سئل عنه من هو؟ لربما قال محمد أو على، ولا يعرف
الأئمة (عليهم السلام) كملا ولا يعرف شيئا من المعارف الخمس أصلا فضلا عن
التصديق بها، والظاهر أن مثل هؤلاء لا يحكم بايمانهم وإن حكم باسلامهم واجراء
أحكام الاسلام عليهم في الدنيا، وأما في الآخرة فهم من المرجئين لأمر الله إما
يعذبهم وإما يتوب عليهم. وفي اعطاء هؤلاء من الزكاة اشكال لاشتراط ذلك بالايمان
وهو غير ثابت، وليس كذلك النكاح والميراث ونحوهما فإن الشرط فيها الاسلام وهو
حاصل. وبالجملة فالأقرب عندي عدم اجزاء اعطائهم. والله العالم.
وثانيها - أنه قد صرح جمع من الأصحاب باستثناء المؤلفة من هذا الحكم،
وهو مبني على أمرين: أحدهما - تفسير المؤلفة بمن يتألف للجهاد من الكفار
أو المسلمين كما تقدم نقله عنهم، وثانيهما - على أن الجهاد في زمان الغيبة جائز، وفي
كل من الحكمين إشكال ولهذا إن الشيخ في النهاية صرح بسقوطه وكذا صرح

(1) الوسائل الباب 5 من المستحقين للزكاة
206

بسقوط سهم السعاة وسهم الجهاد، قال وإذا لم يكن الإمام ظاهرا ولا من نصبه
حاصلا فرقت الزكاة في خمسة أصناف من الذين ذكرناهم وهم الفقراء والمساكين
وفي الرقاب والغارمين وابن السبيل وسقط سهم المؤلفة قلوبهم وسهم السعاة وسهم
الجهاد، لأن هؤلاء لا يوجدون إلا مع ظهور الإمام، لأن المؤلفة إنما يتألفهم
الإمام ليجاهدوا معه والسعاة أيضا إنما يكونون من قبله عليه السلام في جمع الزكوات
والجهاد أيضا إنما يكون به أو بمن نصبه فإذا لم يكن هو ظاهرا ولا من نصبه فرق
في من عداهم. انتهى.
هذا. وقد عرفت سابقا أن المستفاد من الأخبار التي قدمناها أن المراد من
التأليف ليس إلا لأجل البقاء على الاسلام بعد الدخول فيه وبينا أن ذلك ساقط
في زمن الغيبة.
واستثنى في المدارك أيضا وقبله جده في المسالك بعض أفراد سبيل الله
ووجهه غير ظاهر.
وثالثها - أنه لا خلاف بين الأصحاب في أن أطفال المؤمنين يعطون من
الزكاة دون أطفال غيرهم.
ويدل عليه أخبار عديدة: منها - رواية أبي بصير (1) قال: " قلت لأبي عبد الله
عليه السلام الرجل يموت ويترك العيال أيعطون من الزكاة؟ فقال نعم حتى ينشأوا ويبلغوا
ويسألوا من أين كانوا يعيشون إذا قطع ذلك عنهم. فقلت إنهم لا يعرفون؟ فقال
يحفظ فيهم ميتهم ويحبب إليهم دين أبيهم فلا يلبثون أن يهتموا بدين أبيهم، فإذا
بلغوا وعدلوا إلى غيركم فلا تعطوهم ".
ورواية أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " ذرية الرجل المسلم إذا
مات يعطون من الزكاة والفطرة كما كان يعطى أبوهم حتى يبلغوا فإذا بلغوا وعرفوا
ما كان أبوهم يعرف أعطوا وإن نصبوا لم يعطوا ".

(1) الوسائل الباب 6 من المستحقين للزكاة
(2) الوسائل الباب 6 من المستحقين للزكاة
207

ورواية عبد الرحمان بن الحجاج (1) قال: " قلت لأبي الحسن عليه السلام رجل
مسلم مملوك ومولاه رجل مسلم وله مال يزكيه وللمملوك ولد صغير حر أيجزئ مولاه
أن يعطي ابن عبده من الزكاة؟ فقال لا بأس به ".
وروى عبد الله بن جعفر في كتاب قرب الإسناد عن محمد بن الوليد عن
يونس بن يعقوب (2) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام عيال المسلمين أعطيهم من
الزكاة فاشترى لهم منها ثيابا وطعاما وأرى أن ذلك خير لهم؟ قال فقال لا بأس ".
وظواهر هذه الأخبار تدل على أن الدفع إليهم أعم من أن يدفع إلى وليهم
أو إليهم إذا كانوا ممن يمكنهم التصرف في الأخذ والعطاء والبيع والشراء.
ونقل عن العلامة في التذكرة أنه صرح بأنه لا يجوز دفع الزكاة إلى الصغير
وإن كان مميزا، واستدل عليه بأنه ليس محلا لاستيفاء ماله من الغرماء فكذا هنا.
وفيه ما عرفت.
قال: ولا فرق بين أن يكون يتيما أو غيره فإن الدفع إلى الولي فإن لم يكن له
ولي جاز أن يدفع إلى من يقوم بأمره ويعتني بحاله.
قال في المدارك بعد نقل هذا عنه: ومقتضى كلامه (رحمه الله) جواز الدفع
إلى غير ولي الطفل إذا لم يكن له ولي، ولا بأس به إذا كان مأمونا بل لا يبعد جواز
تسليمها إلى الطفل بحيث يصرف في وجه يسوغ للولي صرفها فيه. انتهى. وهو
جيد وفيد تأييد لما أشرنا إليه آنفا.
ثم إن ظواهر الأخبار المتقدمة جواز اعطاء الأطفال وإن ثبت اشتراط
العدالة في المستحق فإن حكم الأطفال مستثنى بهذه الأخبار، وأخبار اشتراط
العدالة على تقدير ثبوتها لا دلالة فيها على دخول الأطفال في ذلك، فما ذكره شيخنا
الشهيد الثاني - من أن اعطاء الأطفال إنما يتم إذا لم تعتبر العدالة في المستحق أما لو

(1) الوسائل الباب 45 من المستحقين للزكاة
(2) الوسائل الباب 6 من المستحقين للزكاة
208

اعتبرناها أمكن عدم جواز اعطاء الأطفال مطلقا لعدم اتصافهم بها، والجواز
لأن المانع الفسق وهو منفي عنهم. انتهى - لا وجه له.
الثاني من أوصاف المستحقين - العدالة عند جملة من الأصحاب: منهم الشيخ
والمرتضى وابن البراج وابن حمزة وغيرهم، ونقل عن ابن الجنيد اعتبار مجانية
الكبائر خاصة.
ونقل عن ابن بابويه أنه اقتصر على اعتبار الايمان وكذا سلار ولم يشترطا
شيئا يزيد على ذلك وهو الذي عليه المتأخرون.
وهو الظاهر من إطلاق الأدلة آية ورواية، وخصوص ما رواه في العلل عن
محمد بن الحسن عن أحمد بن إدريس ومحمد بن يحيى جميعا عن محمد بن أحمد بن يحيى عن
علي بن محمد عن بعض أصحابنا عن بشر بن بشار (1): قال " قلت للرجل - يعني
أبا الحسن عليه السلام - ما حد المؤمن الذي يعطى من الزكاة؟ قال يعطى المؤمن ثلاثة
آلاف، ثم قال أو عشرة آلاف، ويعطى الفاجر بقدر لأن المؤمن ينفقها في طاعة
الله والفاجر ينفقها في معصية الله ".
نعم روى الشيخ عن داود الصرمي (2) قال: " سألته عن شارب الخمر يعطى
من الزكاة شيئا؟ قال لا ".
والجمع بينها وبين ما ذكرنا بالاقتصار على استثناء شارب الخمر وقوفا عللا
ظاهر الخبر وإن رده جملة من المتأخرين بضعف السند بناء على الاصطلاح المشهور
وأما ما نقل عن المرتضى (رضي الله عنه) من الاحتجاج على ذلك باجماع
الطائفة والاحتياط ويقين براءة الذمة؟ قال: ويمكن أن يستدل على ذلك بكل
ظاهر من قرآن أو سنة مقطوع عليها يقتضي النهي عن معونة الفساق والعصاة
وتقويتهم وذلك كثير -
فلا يخفى ما فيه: أما الاجماع فمع الاغماض عن الطعن في الاستدلال به ممنوع

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب المستحقين للزكاة
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب المستحقين للزكاة
209

هنا بوجود الخلاف في المسألة. وأما الاحتياط فإنما بكون في مقام اختلفت فيه الأدلة
ولا اختلاف في المقام بل الأدلة على القول المختار واضحة ولا معارض لها سوى رواية
داود الصرمي وقد قلنا بمضمونها فأي معنى لهذا الاحتياط؟ ولو تم هذا الاحتياط هنا
لجرى في جميع ما اتفقت عليه الأدلة من الأحكام وهو من ما لا يقول به أحد من الأعلام
بل ولا أحد من الأنام. وأما يقين البراءة فإنه حاصل بما ذكرناه من الأدلة عموما
وخصوصا كما عرفت. وأما النهي عن معونة الفساق فإنما هي من حيث الفسق كما
يشعر به تعليق الوصف والأمر هنا ليس كذلك، مع ما عرفت من صراحة رواية
العلل في جواز الدفع وإن كان يعلم أنه يصرفه في معصية الله.
وأما القول باشتراط مجانبة الكبائر فلم أقف له على دليل إلا رواية داود
الصرمي وهي أخص من المدعى فلا تصلح للدلالة.
الثالث من الأوصاف المتقدمة - أن لا يكون من واجبي النفقة على المالك
كالأبوين وإن علوا والأولاد وإن نزلوا والزوجة والمملوك، وهذا الحكم من ما
لا خلاف فيه بين الأصحاب.
ويدل على ذلك من الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمان بن
الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا: الأب
والأم والوالد والمملوك والمرأة، وذلك أنهم عياله لازمون له ".
وما رواه الكليني في الموثق عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى عليه السلام (2)
قال: " قلت له لي قرابة أنفق على بعضهم وأفضل بعضهم على بعض فيأتيني إبان
الزكاة أفأعطيهم منها؟ قال مستحقون لها؟ قلت نعم قال هم أفضل من غيرهم اعطهم.
قال قلت فمن ذا الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتى لا أحتسب الزكاة عليهم؟ فقال
أبوك وأمك. قلت أبي وأمي؟ قال الوالدان والولد ".

(1) الوسائل الباب 13 من المستحقين للزكاة، والشيخ يرويه عن الكليني
(2) الوسائل الباب 15 و 13 من المستحقين للزكاة
210

ورواية زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال في الزكاة: " يعطي منها
الأخ والأخت والعم والعمة والخال والخالة ولا يعطي الجد ولا الجدة ".
وما رواه الصدوق في كتابي الخصال والعلل في الصحيح عن أبي طالب عبد الله
ابن الصلت عن عدة من أصحابنا يرفعونه إلى أبي عبد الله عليه السلام (2) أنه قال: " خمسة
لا يعطون من الزكاة: الولد والوالدان والمرأة والمملوك لأنه يجبر على النفقة عليهم ".
فأما ما رواه الكليني في الكافي عن إسماعيل بن عمران القمي (3) - قال: " كتبت
إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام إن لي ولدا رجالا ونساء أفيجوز أن أعطيهم من الزكاة
شيئا؟ فكتب إن ذلك جائز لك " - فحمله الشيخ في التهذيبين على اختصاصه بالسائل
ومن حاله كحاله في أن ماله لا يفي بنفقة عياله. وهو جيد.
وأما ما رواه أيضا مرسلا عن محمد بن جزك (4) - قال: " سألت الصادق عليه السلام
أدفع عشر مالي إلى ولد ابني؟ فقال نعم لا بأس " -
فيحتمل وجوها: منها - أن لا يكون العشر من الزكاة الواجبة بل من زكاة
التجارة ونحوها، ومنها - أن يحمل على حال الضرورة، ومنها أن يحمل على أن
المراد إنما هو المشاورة في هبة عشر ماله أو الصدقة به على ابن ابنه وليس سؤالا
عن الزكاة. واحتمل في الوافي أيضا أنه مبني على أن ولد الولد ممن لا تجب نفقته
قال فإن في ذلك اشتباها.
ورواه في كتاب الوسائل بلفظ " ولد ابنتي " وحمله على قيام الأب أو الجد
لأبيه بنفقته فيكون ما يدفعه إليه جده لأمه على جهة التوسعة لا القيام بالنفقة الواجبة.
وتنقيح البحث في المسألة تتوقف على بيان مسائل: الأولى المستفاد من
بعض الأخبار أنه يجوز لمن وجبت نفقته على غيره الأخذ من الزكاة من غير
المنفق للتوسعة إذا كان من يقوم به لا يوسع عليه إما لعدم سعته أو معها:

(1) الوسائل الباب 13 من المستحقين للزكاة
(2) الوسائل الباب 13 من المستحقين للزكاة
(3) الوسائل الباب 14 من المستحقين للزكاة
(4) الوسائل الباب 14 من المستحقين للزكاة
211

وهو صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج عن أبي الحسن الأول عليه السلام (1) قال:
" سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمه أو أخوه يكفيه مؤنته أيأخذ من الزكاة فيتوسع
به إن كانوا لا يوسعون عليه في كل ما يحتاج إليه؟ قال لا بأس ".
وظاهر جملة من الأصحاب: منهم - العلامة في المنتهى والشهيد في الدروس والبيان
الجواز مطلقا معللين ذلك بصدق الفقر عرفا وعدم خروج من لم يملك قوت السنة
بوجوب النفقة عن وصف الفقر عرفا، فيندرج تحت الآية والعمومات الدالة على
جواز أخذ الفقير الزكاة.
ولا يخفى ما في هذا التعليل في مقابلة الأخبار المتقدمة المتفقة على أنهم
لا يعطون من الزكاة. أقول: ولعله لما ذكرناه قطع العلامة في التذكرة بعدم الجواز
على ما نقل عنه.
وما ادعوه من الاندراج ممنوع فإن لقائل أن يقول إنهم بكونهم واجبي النفقة
وأن المنفق يجري عليهم ذلك فإنهم داخلون تحت الغنى الموجب لتحريم أخذ الزكاة.
نعم دلت صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج على جواز الأخذ للتوسعة إذا كانوا
لا يوسعون عليه فيجب الوقوف عليها وتخصيص تلك الأخبار بها.
واستدلوا أيضا بالصحيحة المذكورة وقد عرفت أن موردها خاص بالتوسعة
فلا تنهض دليلا على عموم الجواز.
ثم إنهم بناء على ما نقلناه عنهم من القول بالجواز مطلقا استثنى بعضهم الزوجة
من هذا الحكم، قال لأن نفقتها كالعوض. وزاد بعضهم المملوك، وقد تقدم في صدر
الكتاب من الأخبار ما يدل عليه.
الثانية - أنه يجوز للمالك صرف زكاته إلى واجبي النفقة عليه للتوسعة عليهم
متى كان عاجزا عن ذلك إلا أن ظاهرها أن تلك الزكاة إنما هي زكاة التجارة،
فاستدلال بعض أفاضل متأخري المتأخرين بها على جواز ذلك من الزكاة الواجبة
لا يخلو من نظر.

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب المستحقين للزكاة
212

قال في الدروس: وروى أبو بصير جواز التوسعة بالزكاة على عياله (1)
وروى سماعة ذلك بعد أن يدفع منها شيئا إلى المستحق (2) كل ذلك مع الحاجة.
وظاهره أن ذلك من الزكاة الواجبة مع أن ظاهر الروايتين المشار إليهما كما
قدمنا هما إنما ذلك من زكاة التجارة، على أن جملة منها ربما يدل بظاهره على نقصان
المؤنة وأن هذه الزيادة التي يأخذها من هذه الزكاة إنما هي لتتمة المؤنة لا للتوسعة
الزائدة على المؤنة الواجبة كما لا يخفى على من لاحظها، كرواية أبي بصير المذكورة
في كلامه بالتقريب الذي ذكرناه في ذيلها ثمة.
قال في المدارك: يجوز للمالك أن يصرف إلى قريبه الواجب النفقة غير النفقة
من الحقوق اللازمة له إذا كان مستحقا كنفقة الزوجة والمملوك، لعدم وجوب ذلك
عليه، ولقوله عليه السلام في صحيحة عبد الرحمان (3) " وذلك أنهم عياله لازمون له " فإن
مقتضى التعليل أن المانع لزوم الانفاق وهو منتف في ما ذكرناه انتهى.
ويرد عليه عموم المنع في الأخبار المتقدمة لاتفاقها على أنهم لا يعطون من
الزكاة أعم من أن يكون للنفقة أو غيرها، نعم خرج منه ما دلت عليه صحيحة
عبد الرحمان بن الحجاج وبقي ما عداه. وما استند إليه من التعليل المذكور فيمكن
أن يكون المقصود منه كما ذكره بعض الأصحاب إنما هو أنهم لكونهم لازمين له
بناء على وجوب نفقتهم عليه بمنزلة الأغنياء فلا يجوز الدفع إليهم، وعلى هذا فلا
يقتضي التخصيص بما ذكره من النفقة الواجبة وعدم دخول ما يكون للتوسعة.
نعم لو استند في ذلك إلى مفهوم صحيحته التي ذكرناها من حيث دلالتها على ذلك
وإن كان ظاهرها الأخذ من الغير لم يبعد الجواز.
وبالجملة فإن ظاهر كلام الأصحاب أن هنا مسألتين: الأولى منهما وهي التي

(1) الوسائل الباب 8 من المستحقين للزكاة رقم 4
(2) الوسائل الباب 14 من المستحقين للزكاة
(3) ص 210
213

قدمناها أنه يجوز لواجبي النفقة تناول الزكاة من غير المالك واستدلوا على ذلك بما قدمنا
نقله عنه من التعليل والرواية وقد عرفت ما فيهما. والثانية جواز صرف المالك زكاته
عليهم في غير النفقة الواجبة عليه وقد عرفت ما فيه. والمفهوم من الروايات المتقدمة
هو المنع مطلقا واستثناء الأخذ للتوسعة. هذا كله مع اجراء المنفق عليهم النفقة
الواجبة وإلا فإنه يجوز لهم الأخذ قولا واحدا.
الثالثة - قد صرح جملة من الأصحاب بعدم جواز الدفع إلى الزوجة وإن كانت
ناشزة لو كانت فقيرة لتمكنها من الطاعة في كل وقت فتكون غنية في الحقيقة،
قال في المعتبر: لا تعطى الزوجة من سهم الفقراء والمساكين مطيعة كانت أو عاصية
اجماعا لتمكنها من النفقة.
الرابعة - يجوز الدفع إلى الزوجة المستمتع بها لعدم وجوب الانفاق عليها،
وربما قيل بالمنع لاطلاق النص وهو ضعيف، فإن النص باعتبار ما اشتمل عليه
من التعليل بوجوب الانفاق في معنى القيد كما لا يخفى.
الخامسة - المشهور بين الأصحاب أنه يجوز للزوجة أن تدفع زكاتها إلى الزوج
مع استحقاقه وإن أنفق عليها منها لعموم الأدلة وانتفاء المعارض، ونقل عن ابن
بابويه المنع من اعطائه مطلقا، وعن ابن الجنيد الجواز لكن لا ينفق عليها منها
ولا على ولدها. ولم نقف لهما على دليل.
السادسة - الظاهر أنه لا خلاف في جواز اعطاء من يعول من القرابة
وغيرهم إذا لم يكن من الأفراد المتقدمة عملا بعموم الأدلة وخصوص موثقة إسحاق
ابن عمار المتقدمة.
وأما ما رواه الشيخ في الموثق عن أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام (1) - قال
" لا تعط من الزكاة أحدا ممن تعول " فمحمول على واجبي النفقة جمعا بين الأخبار.
السابعة - لو كان من تجب نفقته من بعض الأصناف الأخر كأن يكون عاملا

(1) الوسائل الباب 14 من المستحقين للزكاة
214

أو غازيا أو غارما أو من الرقاب فلا اشكال في جواز الدفع إليه من سهام هذه
الأصناف، لعموم الآية (1) السالم من المعارض، ولأن ظاهر الأخبار المانعة من
الدفع إلى هؤلاء إنما هو من حيث كون المدفوع من سهم الفقراء، ولأن ما يأخذه العامل
والغازي كالأجرة ولهذا جاز لهما الأخذ مع العسر واليسير، والمكاتب إنما يأخذ لفك
رقبته والغارم لوفاء دينه وهما لا يجبان على القريب اجماعا، وللأخبار المتقدمة في
قضاء الدين عن الأب من سهم الغارمين ومن اشترى أباه من سهم الرقاب.
الرابع من الأوصاف المشار إليها آنفا - أن لا يكون هاشميا ويكون المعطى
من غير قبيله، وهو محل اجماع من علماء الخاصة والعامة (2).
والأخبار بذلك مستفيضة: منها - صحيحة محمد بن مسلم وزرارة وأبي بصير أو
حسنتهم على المشهور بإبراهيم بن هاشم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) (3)
قالا: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن الصدقة أو ساخ أيدي الناس وأن الله قد حرم على منها
ومن غيرها ما قد حرمه وأن الصدقة لا تحل لبني عبد المطلب. ثم قال أما والله لو قد
قمت على باب الجنة ثم أخذت بحلقته لقد علمتم أني لا أؤثر عليكم فارضوا لأنفسكم
بما رضي الله ورسوله لكم قالوا قد رضينا ".
وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (4) قال: " لا تحل الصدقة لولد
العباس ولا لنظرائهم من بني هاشم " وصحيحة العيص بن القاسم وقد تقدمت في
الصنف الثالث من أصناف المستحقين (5).

(1) وهي قوله تعالى: " إنما الصدقات للفقراء.. " سورة التوبة الآية 61
(2) المغني ج 2 ص 655 والمحلى ج 6 ص 146 والمهذب ج 1 ص 174 ونيل الأوطار
ج 4 ص 240 وبدائع الصنائع ج 2 ص 49.
(3) الفروع ج 1 ص 179 وفي الوسائل الباب 29 من المستحقين للزكاة
(4) الوسائل الباب 19 من المستحقين للزكاة
(5) ص 174
215

ورواية المعلي بن خنيس عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " سمعته يقول لا تحل
الصدقة لأحد من ولد العباس ولا لأحد من ولد علي عليه السلام ولا لنظرائهم من ولد
عبد المطلب " إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.
وأما ما رواه الصدوق عن أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال عن أبي عبد الله
عليه السلام (2) - قال: " أعطوا الزكاة من أرادها من بني هاشم فإنها تحل لهم وإنما تحرم على
النبي صلى الله عليه وآله وعلى الإمام الذي من بعده وعلى الأئمة عليهم السلام " - فمحمول على
الضرورة وأن النبي والأئمة (صلوات الله عليهم) لا يضطرون إلى ذلك.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن البحث في هذه المسألة يقع في مواضع: الأول -
المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن تحريم الصدقة الواجبة مختص
بأولاد هاشم، ونقل عن الشيخ المفيد (قدس سره) في الرسالة الغرية تحريم الزكاة
على بني المطلب وهو عم عبد المطلب بن هاشم وهو منقول عن ابن الجنيد أيضا.
ويدل على المشهور عموم الآية (3) خرج منه من أنتسب إلى هاشم بالأخبار
المتقدمة ونحوها فيبقى ما عداه.
احتج الشيخ المفيد على ما نقل عنه بما رواه زرارة في الموثق عن أبي عبد الله
عليه السلام (4) أنه قال: " لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلى صدقة إن الله
جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم ".
وأجاب عنه في المعتبر بأنه خبر واحد نادر فلا يخص به عموم القرآن. قال
في المدارك: وهو جيد مع أنه مروي في التهذيب بطريق فيه علي بن الحسن بن فضال
ولا تعويل على ما ينفرد به. انتهى.
أقول: والأظهر في الجواب عن هذه الرواية هو ما ذكره بعض مشايخنا

(1) التهذيب ج 2 ص 378 وفي الوافي باب أن الزكاة لا تحل لبني هاشم
(2) الوسائل الباب 29 من المستحقين للزكاة
(3) وهي قوله تعالى: " إنما الصدقات للفقراء.. " سورة التوبة الآية 61
(4) الوسائل الباب 33 من المستحقين للزكاة
216

المحققين من متأخري المتأخرين حيث قال: ويمكن أن يكون المراد بالمطلبي في
الخبر من ينتسب إلى عبد المطلب، فإن النسبة إلى مثله قد تكون بالنسبة إلى الجزء
الثاني حذرا من الالتباس كما قالوا " منافي " في عبد مناف، وقد صرح بذلك سيبويه كما
نقله عنه نجم الأئمة (قدس سره) واختاره، ونقل عن المبرد أنه قال إن كان المضاف
يعرف بالمضاف إليه والمضاف إليه معروف بنفسه فالقياس حذف الأول والنسبة
إلى الثاني وإن كان المضاف إليه غير معروف فالقياس النسبة إلى الأول، وعلى هذا يقوي
ما ذكرناه من الاحتمال إذ من المعلوم أن ما نحن فيه من ذلك القبيل كما اعترف به نجم
الأئمة (قدس سره) وعلى هذا فلا يكون في الخبر دلالة على مذهب المفيد (قدس
سره) (فإن قلت) فعلى هذا يلزم عطف الشئ على مرادفه أو ما شاكله (قلت)
لا بأس بذلك فإن العطف التفسيري شائع لا ترى فيه عوجا ولا أمتا، ومعلوم
أن هاشما لم يعقب إلا من عبد المطلب كما هو مصرح به في كتب الأصحاب وغيرهم،
ففائدة العطف التنبيه على هذا المعنى والتقرير له. انتهى وهو جيد وجيه كما لا يخفى
على الفطن النبيه.
الثاني - ظاهر كلام جملة من الأصحاب الاتفاق على جواز أخذ الهاشمي للصدقة
المندوبة، ونقل عن العلامة في المنتهى أنه نسبه إلى علمائنا وأكثر العامة (1).
ويدل على ذلك من الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمان بن
الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام (2) أنه قال: " لو حرمت علينا الصدقة لم يحل لنا أن
نخرج إلى مكة لأن كل ماء بين مكة والمدينة فهو صدقة ".
وفي الصحيح عن جعفر بن إبراهيم الهاشمي عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال:
" قلت له أتحل الصدقة لبني هاشم؟ قال إنما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحل
لنا فأما غير ذلك فليس به بأس، ولو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكة

(1) في نيل الأوطار ج 4 ص 242 نقل الخلاف في ذلك، وفي المغني ج 2 ص 658
فيه روايتان عن أحمد، وفي المحلى ج 6 ص 147 عدم جواز المندوبة أيضا.
(2) الوسائل الباب 31 من المستحقين للزكاة
(3) الوسائل الباب 31 من المستحقين للزكاة
217

هذه المياه عامتها صدقة ".
وعن إسماعيل بن أفضل الهاشمي (1) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الصدقة التي حرمت على بني هاشم ما هي؟ فقال هي الزكاة. قلت فتحل صدقة
بعضهم على بعض؟ قال نعم ".
وعن زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " سألته عن الصدقة التي
حرمت عليهم؟ فقال هي الزكاة المفروضة ".
والعجب من العلامة (قدس سره) في التذكرة مع نقله القول بالجواز عن
علمائنا وأكثر العامة ذهب في الكتاب المشار إليه إلى التحريم وقال: وما روي عن الإمام
الباقر عليه السلام - أنه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة فقيل له أتشرب
من الصدقة؟ فقال إنما حرم علينا الصدقة المفروضة - من ما تفردت بروايته
العامة (3) انتهى.
والعجب أنه نسب ذلك إلى العامة وغفل عن هذه الروايات، وأعجب منه موافقة
شيخنا البهائي له في كتاب أربعين الحديث وجموده على كلامه من غير مراجعة
لهذه الأخبار.
وبالجملة فإن ظاهر الأخبار المذكورة كما ترى هو الدلالة على ما قدمناه نقله عن
الأصحاب، إلا أنه قد روى الصدوق (قدس سره) في كتاب الخصال عن محمد بن
عبد الرحمان العزرمي عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) (4) قال:
" لا تحل الصدقة لبني هاشم إلا في وجهين: إذا كانوا عطاشا فأصابوا ماء فشربوا
وصدقة بعضهم على بعض ".
وروى عبد الله بن جعفر الحميري فيقرب الإسناد عن أحمد بن محمد بن عيسى
عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه السلام (5) قال: " سألته عن الصدقة تحل

(1) الوسائل الباب 32 من المستحقين للزكاة
(2) الوسائل الباب 32 من المستحقين للزكاة
(3) المغني ج 2 ص 659 عن الصادق عن أبيه (ع)
(4) الوسائل الباب 32 من المستحقين للزكاة
(5) الوسائل الباب 32 من المستحقين للزكاة
218

لبني هاشم؟ فقال لا ولكن صدقات بعضهم على بعض تحل لهم. فقلت جعلت
فداك إذا خرجت إلى مكة كيف تصنع بهذه المياه المتصلة بين مكة والمدينة وعامتها
صدقة؟ قال سم فيها شيئا. قلت عين ابن بزيع وغيره. قال وهذه لهم ".
وظاهرهما من ما ينافي الأخبار الأولة إلا أن تلك الأخبار مع كثرتها
معتضدة بفتوى الأصحاب بل اتفاقهم في الظاهر كما عرفت وإن من خالف إنما خالف
سهوا عن ملاحظة تلك الأخبار، وللأصحاب أن يحملوا التحريم في ظاهر هذين
الخبرين على الكراهة المؤكدة.
الثالث - لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) على ما نقله غير
واحد في جواز اعطائهم من الصدقة الواجبة عند قصور الخمس عن كفايتهم.
ويدل على ذلك قوله في موثقة زرارة (1) المتقدمة في الموضع الأول بعد
ذكر ما قدمنا نقله: " ثم قال عليه السلام إن الرجل إذا لم يجد شيئا حلت له الميتة والصدقة
لا تحل لأحد منهم إلا أن لا يجد شيئا ويكون ممن تحل له الميتة ".
إنما الخلاف في القدر الذي يجوز لهم أخذه في تلك الحال، فقيل إنه لا يقدر
بقدر ونسبه في المختلف إلى الأكثر، واحتج عليه بأن أبيح له الزكاة فلا يتقدر
بقدر للأخبار الدالة على أن الزكاة لا تتقدر بقدر وأنه يجوز أن يعطى الفقير
ما يغنيه (2) وضعفه يظهر من ما يأتي. وقيل إنه لا يتجاوز قدر الضرورة واستقر به
العلامة في المنتهى والشهيد في الدروس على ما نقل عنهما واختاره غير واحد
من المتأخرين، إلا أنهم فسروا قدر الضرورة بقوت يوم وليلة، والمفهوم من الخبر
وجعله من قبيل أكل الميتة أن القدر المذكور أقل من ذلك. وبالجملة فالأدلة المتقدمة
قد صرحت بالتحريم خرج منه ما وقع عليه الاتفاق نصا وفتوى من القدر
الضروري، وبذلك يظهر بطلان القول الأول.

(1) الوسائل الباب 33 من المستحقين للزكاة
(2) الوسائل الباب 24 من المستحقين للزكاة
219

أقول: ويمكن أن يقال إن قوله عليه السلام " إن الرجل إذا لم يجد شيئا حلت له الميتة ".
إنما أريد به بيان تحليل الزكاة في هذه الحال بعد أن كانت محرمة، بمعنى أن الزكاة وإن
كانت محرمة عليهم لكنهم متى لم يجدوا شيئا حلت لهم كما أن من لم يجد شيئا تحل له
الميتة المحرمة عليه قبل ذلك، وأما أن أخذهم من الزكاة يتقدر بقدر الأكل من الميتة
فلا دلالة في الكلام عليه، وبالجملة فالغرض من التمثيل إنما هو بيان الانتقال من
التحريم إلى التحليل لمكان الاضطرار، وحينئذ متى حل لهم تناول الزكاة جاز
الأخذ منها وإن زاد على قدر الضرورة، بل يمكن إدخالهم تحت العمومات الدالة
على الاعطاء إلى أن يستغني (1) وبذلك يظهر قوة القول الأول، والظاهر أن من
قال بذلك إنما بنى على ما ذكرناه وهو احتمال قريب إلا أن تقييد الحل في آخر الخبر
بأن يكون ممن تحل له الميتة من ما يشعر ببعده. والاحتياط لا يخفى.
الرابع - لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز أخذ الهاشمي
الزكاة من هاشمي مثله في حال الاختيار.
ويدل عليه روايات عديدة: منها - رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي المتقدمة (2)
وموثقة زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " قلت له صدقات بني هاشم بعضهم
على بعض تحل لهم؟ فقال نعم صدقة الرسول صلى الله عليه وآله تحل لجميع الناس من بني هاشم
وغيرهم، وصدقات بعضهم على بعض تحل لهم ولا تحل لهم صدقات انسان غريب ".
ورواية جميل عن أبي عبد الله عليه السلام (4) وفيها " ولا تحل لهم إلا صدقات
بعضهم على بعض " إلى غير ذلك من الأخبار التي لا ضرورة إلى التطويل بنقلها
مع الاتفاق على الحكم المذكور.
الخامس - الظاهر أنه لا خلاف في جواز اعطاء الصدقة لموالي بني هاشم

(1) الوسائل الباب 24 من المستحقين للزكاة
(2) ص 218
(3) الوسائل الباب 32 من المستحقين للزكاة
(4) الوسائل الباب 34 من المستحقين للزكاة رقم 4.
220

والمراد بهم كما صرح به في المنتهى عتقاؤهم، لعموم الأدلة خرج منها ما خرج بدليل
وبقي الباقي.
وخصوص رواية جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " سألته هل
تحل لبني هاشم الصدقة؟ قال لا. قلت تحل لمواليهم؟ قال تحل لمواليهم ولا تحل لهم إلا
صدقات بعضهم على بعض ".
وصحيحة سعيد بن عبد الله الأعرج (2) قال: " لأبي عبد الله عليه السلام أتحل
الصدقة لموالي بني هاشم؟ فقال نعم ".
ومرسلة حماد بن عيسى الطويلة الآتية إن شاء الله تعالى في كتاب الخمس عن
بعض أصحابنا عن العبد الصالح عليه السلام (3) وفيها: " وقد تحل صدقات الناس لمواليهم
وهم والناس سواء ".
ورواية ثعلبة بن ميمون (4) قال " كان أبو عبد الله عليه السلام يسأل شهابا من زكاته
لمواليه وإنما حرمت الزكاة عليهم دون مواليهم ".
وأما ما رواه زرارة في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام (5) في حديث قال:
" مواليهم منهم ولا تحل الصدقة من الغريب لمواليهم ولا بأس بصدقات مواليهم عليهم "
- فقد أجاب عنه الشيخ في التهذيب بحمل الموالي هنا على المماليك.
واستبعده المحدث الكاشاني في الوافي لعدم جريان ذلك في قوله في بقية
الخبر: " ولا بأس بصدقات مواليهم عليهم " قال لأن المملوك لا يجد شيئا يتصدق به
فالأولى أن يحمل على الكراهة كما في الإستبصار. انتهى. وهو جيد. والمراد بقوله
" صدقات مواليهم عليهم " أي بعضهم على بعض.
البحث الثالث " - في كيفية الاخراج ومن المتولي له وما يلحق ذلك من
الأحكام، وفي هذا البحث مسائل:
الأولى - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ولا سيما المتأخرين

(1) الوسائل الباب 34 من المستحقين للزكاة
(2) الوسائل الباب 34 من المستحقين للزكاة
(3) الوسائل الباب 34 من المستحقين للزكاة
(4) الوسائل الباب 34 من المستحقين للزكاة
(5) الوسائل الباب 34 من المستحقين للزكاة
221

جواز تولي المالك أو وكيله لتفريق الزكاة، ونقل عن الشيخ المفيد وأبي الصلاح
وابن البراج القول بوجوب حملها إلى الإمام عليه السلام مع حضوره وإلى الفقيه الجامع
الشرائط مع غيبته.
والظاهر هو القول المشهور للأخبار المستفيضة في جملة من المواضع التي
مرت وتأتي، ومنها الأخبار الدالة على الأمر بايصال الزكاة إلى المستحقين (1)
والأخبار الدالة على نقل الزكاة من بلد إلى آخر مع عدم وجود المستحق (2)
والأخبار الدالة على التوكيل في تفريق الزكاة وأنه يجوز للوكيل أن يأخذ لنفسه
حصة من ذلك إذا كان فقيرا ويكون كأحدهم (3) والأخبار الدالة على اشتراء العبيد منها
كما تقدم (4) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة المتكررة في الكتاب في غير باب.
احتج القائلون بالوجوب على ما نقل عنهم بقوله عز وجل " خذ من أموالهم
صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " (5) قالوا: إن وجوب الأخذ يستلزم وجوب الدفع.
وأجيب بأنه لا نزاع في وجوب الدفع مع طلبه عليه السلام إنما الكلام في وجوب الحمل
ابتداء وحينئذ فتحمل الآية على الاستحباب جمعا بينها وبين الأخبار المتقدمة.
أقول: والذي يقرب بالبال أن يقال لا ريب في أن ظاهر الآية وجوب الأخذ
عليه صلى الله عليه وآله الموجب لطلبه ذلك ونقل ذلك إليه وهو المعلوم من سيرته صلى الله عليه وآله.
ومن ما يدل على ذلك صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة (6) الدالة على أنه لما
نزلت آية الزكاة " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " (7) أمر رسول الله صلى الله عليه وآله
مناديه فنادى في الناس أن الله تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة..
إلى أن قال: ثم تركهم حولا ثم وجه عمال الصدقة وعمال الطسوق. ومثل ذلك
الأخبار المتقدمة الدالة على أنه كان يأمر بخرص النخيل وأن الناس كانوا ينقلون

(1) الوسائل الباب 4 و 52 من المستحقين للزكاة
(2) الوسائل الباب 37 من المستحقين للزكاة
(3) الوسائل الباب 40 من المستحقين للزكاة
(4) ص 181 إلى 183
(5) سورة التوبة الآية 105
(6) ص 3
(7) سورة التوبة الآية 105
222

إليه زكاتهم (1) وكذا من سيرة أمير المؤمنين عليه السلام كما تدل على صحيحة بريد بن
معاوية (2) المتضمنة لارساله عليه السلام مصدقا من الكوفة إلى باديتها وأمره بقبض
الصدقات ونقله، ونحوها رواية ابن مهاجر (3) وغيرها. ومن أجل ذلك صرح
الشيخ ومن تبعه كما هو المشهور بأنه يجب على الإمام أن ينصب عاملا للصدقات.
وجميع ذلك من ما يدل على وجوب طلب الإمام لذلك ووجوب النقل إليه،
ولا يخفى ما فيه من المنافاة للأخبار المشار إليها أولا لدلالتها صريحا على جواز
تولى المالك لذلك بنفسه أو وكيله.
ولعل وجه التوفيق بينها هو تخصيص ما دل من الأخبار على وجوب طلب
الإمام لذلك ووجوب الدفع إليه بزمان بسط يده عليه السلام وقيامه بالأمر كزمانه صلى الله عليه وآله
وزمان خلافة أمير المؤمنين عليه السلام وما دل على جواز تولي المالك لذلك بزمانهم
(عليهم السلام) لقصر يدهم عن القيام بأمر الولاية (4) وما يترتب عليها فرخصوا
للشيعة في صرفها ولم يوجبوا عليهم حملها ونقلها لهم لمقام التقية ودفع الشناعة
والشهرة، وحينئذ فلا منافاة في هذه الأخبار لظاهر الآية ولا يحتاج إلى حمل
الآية على الاستحباب كما صرح به الأصحاب لدفع التنافي بينها وبين الأخبار في
هذا الباب.
ومن ما يعضد ما قلناه ما رواه الصدوق (قدس سره) في كتاب العلل عن
أبيه عن سعد بن عبد الله عن الحسن بن علي الكوفي عن عبد الله بن المغيرة عن سفيان
ابن عبد المؤمن الأنصاري عن عمر بن شمر عن جابر (5) قال: " أقبل رجل إلى أبي جعفر عليه السلام وأنا حاضر فقال رحمك الله اقبض مني هذه الخمسمائة درهم فضعها في
مواضعها فإنها زكاة مالي. فقال أبو جعفر عليه السلام بل خذها أنت وضعها في جيرانك

(1) ص 132 إلى 136
(2) ص 51
(3) الوسائل الباب 14 من زكاة الأنعام
(4) في الخطية " بأمر الإمامة "
(5) الوسائل الباب 36 من المستحقين للزكاة
223

والأيتام والمساكين وفي إخوانك من المسلمين، إنما يكون هذا إذا قام قائمنا عليه السلام فإنه
يقسم بالسوية ويعدل في خلق الرحمان البر منهم والفاجر.. الحديث ".
الثانية - قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) - بل الظاهر أنه
لا خلاف فيه بينهم - بأنه يستحب حمل الزكاة إلى الإمام ومع عدم وجوده فإلى
الفقيه الجامع الشرائط وأنه يتأكد الاستحباب في الأموال الظاهرة كالمواشي والغلات
وعللوا استحباب نقلها إلى الإمام عليه السلام بأنه أبصر بمواقعها وأعرف بمواضعها ولما
في ذلك من إزالة التهمة عن المالك بمنع الحق وتفضيل بعض المستحقين بمجرد
الميل الطبيعي.
وأنت خبير بأن الاستحباب حكم شرعي وفي ثبوت الأحكام الشرعية بمثل
هذه التعليلات العقلية والمناسبات الذوقية اشكال سيما مع ما عرفت من رواية
جابر المتقدمة وعدم قبول الإمام عليه السلام لذلك وأمره السائل بتفريقها بنفسه
وأما تأكد الاستحباب في الأموال الظاهرة فقد قال في المدارك إنا لم نقف
على حديث يدل عليه بمنطوقه، ولعل الوجه فيه ما يتضمنه من الاعلان بشرائع
الاسلام والاقتداء بالسلف الكرام. انتهى. وفيه ما في سابقه.
ثم إنه لو كان الأمر كما يدعونه من استحباب حمل ذلك إلى الإمام فكيف غفل
أصحاب الأئمة (عليهم السلام) عن ذلك مع تهالكهم على التقرب إليهم (صلوات الله
عليهم) حتى أن الصادق عليه السلام كان يسأل شهاب بن عبد ربه من زكاته لمواليه كما تقدم
الخبر بذلك (1) وما دل من الأخبار على أن أصحابهم كانوا يفرقون زكاتهم بأنفسهم
أو وكلائهم كثير متفرق في ضمن أخبار هذا الكتاب (2).
الثالثة - الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في عدم وجوب البسط
على الأصناف وأنه يجوز تخصيص جماعة من كل صنف أو صنف واحد
بل شخص واحد من بعض الأصناف، قالوا نعم يستحب بسطها على الأصناف

(1) ص 221
(2) ص 208 و 210 و 211 و 212
224

أقول: أما ما ذكروه من الحكم الأول فلا ريب فيه والأخبار به مستفيضة
ومنها - حسنة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " كان
رسول الله صلى الله عليه وآله يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي وصدقة أهل الحضر
في أهل الحضر ولا يقسمها بينهم بالسوية إنما يقسمها على قدر من يحضرها منهم وما
يرى ليس في ذلك شئ موقت ".
وصحيحة أحمد بن حمزة (2) قال: " قلت لأبي الحسن عليه السلام رجل من مواليك
له قرابة كلهم يقول بك وله زكاة أيجوز أن يعطيهم جميع زكاته؟ قال نعم ".
وحسنة زرارة بل صحيحته بإبراهيم بن هاشم (3) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام
رجل حلت عليه الزكاة ومات أبوه وعليه دين أيؤدي زكاته في دين أبيه وللابن مال
كثير؟ فقال عليه السلام إن كان أبوه أورثه مالا.. إلى أن قال وإن لم يكن أورثه مالا لم يكن
أحد أحق بزكاته من دين أبيه فإذا أداها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه "
ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام المتقدمة في صنف الرقاب (4)
المتضمنة لجواز شراء نسمة يعتقها إذا كان عبدا مسلما في ضرورة بمال زكاته.
وصحيحة علي بن يقطين المتقدمة أيضا (5) المتضمنة لجواز أن يحج مواليه
وأقاربه بمال الزكاة. إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة، وبالجملة فالحكم اتفاقي نصا وفتوى
وما ربما يتوهم من مخالفة ظاهر الآية (6) لذلك كما تمسك به بعض العامة (7) فقد
أجاب عنه في المعتبر بأن اللام في الآية الشريفة للاختصاص لا للملك كما تقول:
" الباب للدار " فلا تقتضي وجوب البسط ولا التسوية في العطاء.
وأجاب عنه في المنتهى بأن المراد بالآية الشريفة بيان المصرف أي الأصناف

(1) الوسائل الباب 28 من المستحقين للزكاة
(2) الوسائل الباب 15 من المستحقين للزكاة
(3) الوسائل الباب 18 من المستحقين للزكاة
(4) ص 181
(5) ص 199
(6) وهي قوله تعالى " إنما الصدقات.. " سورة التوبة الآية 61
(7) المحلى ج 6 ص 144، والمغني ج 2 ص 669، والمهذب ج 1 ص 171
225

التي تصرف الزكاة إليهم لا إلى غيرهم كقوله " إنما الخلافة لقريش ".
وأما ما ذكروه من استحباب البسط فلم أقف فيه على نص، وغاية ما عللوه
به كما ذكره في المدارك بما فيه من شمول النفع وعموم الفائدة، ولأنه أقرب إلى
امتثال ظاهر الآية. ولا يخفى ما فيه من الوهن والضعف.
واستدل عليه في التذكرة والمنتهى بما فيه من التخلص من الخلاف وحصول
الاجزاء يقينا. والظاهر أنه أشار بذلك إلى خلاف العامة (1) لأنه صرح قبل
ذلك باجماع علمائنا على عدم وجوب البسط، وهو أضعف من سابقه.
الرابعة - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) باستحباب ترجيح بعض
المستحقين على بعض لأسباب تقتضي ذلك ككونه أفضل أو كونه ممن يستحي من
السؤال أو كونه رحما ونحو ذلك.
وعلى ذلك دلت الأخبار أيضا كصحيحة عبد الرحمان بن الحجاج (2) قال:
" سألت أبا الحسن عليه السلام عن الزكاة أيفضل بعض من يعطى ممن لا يسأل على غيره؟
قال نعم يفضل الذي لا يسأل على الذي يسأل ".
وما رواه الكليني عن عتيبة بن عبد الله بن عجلان السكوني (3) قال: " قلت
لأبي جعفر عليه السلام إني ربما قسمت الشئ بين أصحابي أصلهم به فكيف أعطيهم؟ فقال
اعطهم على الهجرة في الدين والعقل والفقه ".
وما رواه إسحاق بن عمار في الموثق عن أبي الحسن موسى عليه السلام (4) قال:
" قلت له لي قرابة أنفق على بعضهم وأفضل بعضهم على بعض فيأتيني إبان الزكاة
أفأعطيهم منها؟ قال مستحقون لها؟ قلت نعم. قال هم أفضل من غيرهم.. الحديث "

(1) في المهذب ج 1 ص 171 الوجوب، وفي البداية ج 1 ص 266 نسبه إلى الشافعي
أيضا وإلى مالك وأبي حنيفة العدم، وفي المحلى ج 6 ص 144 نقل الخلاف، وفي البدائع
ج 2 ص 47 اختار العدم
(2) الوسائل الباب 25 من المستحقين للزكاة
(3) الوسائل الباب 25 من المستحقين للزكاة
(4) الوسائل الباب 15 من المستحقين للزكاة
226

ولا ينافي هذا الخبر ما رواه الكليني في الحسن بإبراهيم بن هاشم الذي هو
صحيح عندي عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " إن الصدقة
والزكاة لا يحابى بها قريب ولا يمنعها بعيد " لحمل الأول على استحباب تفضيل الرحم
بالزيادة على غيره وحمل هذا الخبر على المنع من دفع الجميع إلى القريب وحرمان
البعيد بالكلية بل يقسم ذلك على القريب والبعيد وإن فضل القريب لقربه بالزيادة
وقد تقدم في بعض الأخبار (2) " لا تعطين قرابتك الزكاة كلها ولكن اعطهم بعضا
واقسم بعضا في سائر المسلمين ".
وبالجملة فإن أصل الحكم من ما لا إشكال فيه ولا خلاف بين الأصحاب إلا
أنه قد روى الشيخ في التهذيب بسنده عن حفص بن غياث (3) قال: " سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول وسئل عن قسمة بيت المال فقال أهل الاسلام هم أبناء
الاسلام أسوي بينهم في العطاء وفضائلهم بينهم وبين الله أجعلهم كبني رجل واحد
لا يفضل أحد منهم لفضله وصلاحه في الميراث على آخر ضعيف منقوص، قال
وهذا هو فعل رسول صلى الله عليه وآله في بدو أمره، وقد قال غيرنا أقدمهم في العطاء بما
قد فضلهم الله تعالى بسوابقهم في الاسلام إذا كانوا بالاسلام قد أصابوا ذلك فأنزلهم
على مواريث ذوي الأرحام بعضهم أقرب من بعض وأوفر نصيبا لقربه من الميت
وإنما ورثوا برحمهم، وكذلك كان عمر يفعله ".
ولا يخفى ما في هذا الخبر من الاشكال فإنه ظاهر في أن ما كان مالا لله سبحانه
كمال الخراج والزكاة فإنه يقسم على السوية والتفضيل إنما يكون في الصدقات المستحبة
التي هي من مال الانسان.
ولم أر بمضمونه قائلا إلا ما يظهر من المحدث الكاشاني في الوافي حيث قال
بعد نقل خبر عبد الله بن عجلان المذكور: بيان إنما رخص له التفضيل على الفقه
والدين لأنه إنما يصلهم بماله وليس له ذلك في قسمة حق الله فيهم كما يأتي. ثم أورد

(1) الوسائل الباب 4 من المستحقين للزكاة
(2) هذا اللفظ في حديث أبي خديجة المتقدم بعضه ص 214 ولم يتقدم هو.
(3) الوسائل الباب 29 من أبواب جهاد العدو
227

رواية حفص المذكورة ثم قال بعدها: قد مضى في كتاب الحجة أن القائم عليه السلام إذا
ظهر قسم المال بين الرعية بالسوية، وفي باب سيرتهم بين الناس أن ذلك حقهم
على الإمامة. انتهى.
والمسألة لا تخلو من الاشكال لما عرفت من اتفاق الأصحاب سلفا وخلفا
على جواز التفضيل حتى أن الكليني (قدس سره) في الكافي (1) عقد له بابا على حدة
فقال: " باب تفضيل أهل الزكاة بعضهم على بعض " وأورد فيه أولا حديث
عبد الله بن عجلان المذكور ثم رواية عبد الرحمان بن الحجاج.
والشيخ المفيد على ما نقل عنه في المختلف ذهب إلى وجوب التفضيل حيث
قال: يجب تفضيل الفقراء في الزكاة على قدر منازلهم في الفقه والبصيرة والطهارة
والديانة. انتهى.
والظاهر حمل الخبر المذكور على التخصيص بمال الخراج وهو الذي علم من
النبي صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام في زمن خلافته تسوية الناس في قسمته.
وقد ورد أيضا استحباب صرف صدقة المواشي إلى المتجملين وصرف صدقة
غيرها إلى الفقراء المدقعين كما رواه الكليني عن عبد الله بن سنان (2) قال " قال
أبو عبد الله عليه السلام إن صدقة الخف والظلف تدفع إلى المتجملين من المسلمين وأما
صدقة الذهب والفضة وما كيل بالقفيز من ما أخرجت الأرض فللفقراء المدقعين.
قال ابن سنان قلت وكيف صار هذا هكذا؟ فقال لأن هؤلاء متجملون يستحيون
من الناس فيدفع إليهم أجمل الأمرين عند الناس، وكل صدقة ".
وروى الشيخ المفيد في المقنعة عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي عن أبي عبد الله
عليه السلام (3) قال " تعطى صدقة الأنعام لذوي التجمل من الفقراء لأنها أرفع من
صدقة الأموال وإن كان جميعها صدقة وزكاة ولكن أهل التجمل يستحيون أن
يأخذوا صدقات الأموال.

(1) الفروع ج 1 ص 155
(2) الوسائل الباب 26 من المستحقين للزكاة
(3) الوسائل الباب 26 من المستحقين للزكاة
228

الخامسة - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز تأخير الزكاة
بعد حول الحول وامكان الدفع، فالمشهور أنه لا يجوز التأخير إلا لعذر كعدم
وجود المستحق ونحوه.
قال الشيخ المفيد في المقنعة: الأصل في اخراج الزكاة عند حلول وقتها دون
تقديمها عليه وتأخيرها عنه كالصلاة، وقد جاء عن الصادقين عليهم السلام (1)
رخص في تقديمها شهرين قبل محلها وتأخيرها شهرين عنه، وجاء ثلاثة أشهر أيضا
وأربعة عند الحاجة إلى ذلك وما يعرض من الأسباب، والذي أعمل عليه هو
الأصل المستفيض عن آل محمد (عليهم السلام) من لزوم الوقت (2).
وقال الشيخ في النهاية: وإذا حال الحول فعلى الانسان أن يخرج ما يجب عليه
على الفور ولا يؤخره، قال: وإذا عزل ما يجب عليه فلا بأس أن يفرقه ما بين شهر
وشهرين ولا يجعل ذلك أكثر منه.
وظاهر الشهيدين جواز التأخير بل جزم الشهيد الثاني بجواز تأخيرها شهرا
وشهرين خصوصا للبسط ولذي المزية، واختاره في المدارك.
أقول: لا يخفى أن أكثر الأخبار صريحة الدلالة في جواز التأخير، ومنها
صحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين
وتأخيرها شهرين ".
وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (4) " أنه قال في الرجل يخرج
زكاته فيقسم بعضها ويبقى بعض يلتمس لها المواضع فيكون بين أوله وآخره ثلاثة
أشهر؟ قال لا بأس ".
وموثقة يونس بن يعقوب (5) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام زكاتي تحل على

(1) الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة
(2) الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة
(3) الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة
(4) الوسائل الباب 53 من المستحقين للزكاة
(5) الوسائل الباب 53 من المستحقين للزكاة
229

في شهر أيصلح لي أن أحبس منها شيئا مخافة أن يجيئني من يسألني؟ فقال إذا حال
الحول فاخرجها من مالك ولا تخلطها بشئ ثم أعطها كيف شئت. قال قلت فإن أنا
كتبتها وأثبتها أيستقيم لي؟ قال نعم لا يضرك ".
وصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " قلت له الرجل تحل
عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخرها إلى المحرم؟ قال لا بأس. قال قلت فإنها لا تحل
عليه إلا في المحرم فيعجلها في شهر رمضان؟ قال لا بأس " هذا ما وقفت عليه من
الأخبار الدالة على جواز التأخير.
إلا أنه قد ورد في بعض الأخبار أيضا ما يدل على التعجيل وعدم جواز
التأخير مثل صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (2) قال
" سألته عن الرجل تحل عليه الزكاة في السنة في الثلاثة أوقات أيؤخرها حتى يدفعها في
وقت واحد؟ قال متى حلت أخرجها ".
ورواية أبي بصير المروية في آخر كتاب السرائر نقلا من نوادر محمد بن علي
بن محبوب (3) قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام إذا أردت أن تعطي زكاتك قبل حلها بشهر
أو شهرين فلا بأس، وليس لك أن تؤخرها بعد حلها ".
وظاهر عبارة الشيخ المفيد (قدس سره) المتقدمة استفاضة الأخبار عنده
بالاخراج في وقتها حتى أنه جعل التأخير من قبيل الرخصة ومع هذا عدل عنه
وقوفا على ما ذكره من الأخبار المشار إليها، ولعلها وصلت إليه ولم تصل إلينا.
ولعل الأظهر في الجمع بين هذه الأخبار هو أن يقال إن الواجب هو اخراجها
متى وجبت إلا أن يعزلها أو يثبتها فيجوز له التأخير شهرين وثلاثة واخراجها
شيئا فشيئا، وإلى هذا يشير كلام الشيخ في النهاية والظاهر أنه جعله وجه جمع بين
أخبار المسألة.

(1) الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة
(2) الوسائل الباب 52 من المستحقين للزكاة
(3) الوسائل الباب 52 من المستحقين للزكاة
230

وقال الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه (1): وقد روى في تقديم
الزكاة وتأخيرها أربعة أشهر وستة أشهر، إلا أن المقصود منها أن تدفعها إذا
وجبت عليك، ولا يجوز لك تقديمها ولا تأخيرها لأنه مقرونة بالصلاة ولا يجوز
تقديم الصلاة قبل وقتها ولا تأخيرها إلا أن تكون قضاء وكذلك الزكاة، فإن
أحببت أن تقدم من زكاة مالك شيئا تفرج به عن مؤمن فاجعله دينا عليه فإذا حلت
عليك فأحسبها له زكاة ليحسب لك من زكاة مالك ويكتب لك أجر القرض. ولا يخفى
ما في هذا الكلام من الغموض بل التدافع.
مع أن هذه العبارة مأخوذة من كتاب الفقه الرضوي على النحو الذي قدمنا
ذكره في غير مقام.
حيث قال عليه السلام (2) وأني أروي عن أبي في تقديم الزكاة وتأخيرها أربعة
أشهر وستة أشهر، إلا أن المقصود منها أن تدفعها إذا وجبت عليك، ولا يجوز لك تقديمها ولا تأخيرها لأنها مقرونة بالصلاة ولا يجوز لك تقديم الصلاة قبل وقتها ولا
تأخيرها إلا أن تكون قضاء وكذلك الزكاة، وإن أحببت أن تقدم من زكاة
مالك شيئا تفرج به عن مؤمن فاجعلها دينا عليه فإذا حلت عليك وقت الزكاة
فأحسبها له زكاة فإنه يحسب لك من زكاة مالك ويكتب لك أجر القرض
والزكاة. انتهى.
والذي يظهر لي في معنى هذا الكلام ورفع ما يوهم التناقض هو أنه بعد أن
نقل عن أبيه عليه السلام جواز التقديم والتأخير أراد تأويله بناء على ما أفتى به من وجوب
دفعها متى وجبت وأنه لا يجوز التقديم فيها ولا التأخير كالصلاة المقيدة بوقت
مخصوص - بحمل التقديم على أن يكون على جهة القرض وحمل التأخير على العذر
المانع من الدفع وقت الوجوب كالصلاة التي تكون قضاء بالعذر الموجب
لتأخيره عن وقتها.

(1) الفقيه ج 2 ص 10 وفي الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة
(2) ص 22
231

ومن هذا يظهر مستند ما ذهب إليه الشيخ المفيد وغيره من المقدمين من
وجوب الاخراج وقت الوجوب وعدم جواز التأخير ويكون من قبيل ما تقدم في علي
موضع من اختصاص المستند بهذا الكتاب.
وكيف كان فالاحتياط باخراجها متى وجبت إلا لعذر من ما لا ينبغي
تركه. والله العالم.
السادسة - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لا يجوز تعجيل
الزكاة قبل وقتها إلا أن يكون المدفوع دينا على جهة القرض ثم يحتسب به بعد
الوجوب مع بقاء الشرائط، ونقل عن ظاهر ابن أبي عقيل وسلار جواز التعجيل
والظاهر هو القول المشهور ويدل عليه أولا ما تقدم من الأخبار الدالة على أن حول الحول شرط في الوجوب (1) فلم يجز تقديم الواجب عليه كما لا يقدم
على النصاب.
وأورد عليه بأنه يجوز أن يكون الوجوب في الوقت عند استجماع الشرائط
مقيدا بعدم الاتيان بها سابقا عليه ويكون التقديم جائزا لا بد لنفيه من دليل.
كذا أورده الفاضل الخراساني في الذخيرة.
وفيه أن من جملة أخبار الحول قولهما (عليهما السلام) في صحيحة الفضلاء (2)
" وكل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شئ عليه فيه فإذا حال عليه الحول وجب عليه "
ولا ريب في دلالة صدر الكلام على نفي الزكاة قبل حول الحول، وكلامه هذا وإن
أمكن اجراؤه في قوله: " فإذا حال عليه الحول وجب عليه " بمعنى تقييد الوجوب
بما إذا لم يخرجها سابقا بعنوان الزكاة إلا أنه لا يستقيم في صدر الكلام لدلالته
على نفي الزكاة قبل أن يحول عليه الحول ومتى انتفى ثبوت الزكاة قبل الحول انتفى
الاخراج بعنوان الزكاة البتة، وفي صحيحة علي بن يقطين (3) " كل ما لم يحل عليه

(1) الوسائل الباب 8 من زكاة الأنعام و 15 من زكاة الذهب والفضة
(2) الوسائل الباب 8 من زكاة الأنعام
(3) الوسائل الباب 15 من زكاة الذهب والفضة
232

عندك الحول فليس عليك فيه زكاة " والتقريب ما تقدم، ونحو ذلك في الأخبار
غير عزيز.
وثانيا - ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن عمر
ابن يزيد (1) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يكون عنده المال أيزكيه إذا مضى
نصف السنة؟ قال لا ولكن حتى يحول عليه الحول ويحل عليه، أنه ليس لأحد أن
يصلي صلاة إلا لوقتها وكذلك الزكاة، ولا يصومن أحد شهر رمضان إلا في شهره
إلا قضاء، وكل فريضة إنما تؤدى إذا حلت ".
وصحيحة زرارة (2) قال: " قلت لأبي جعفر عليه السلام أيزكي الرجل ماله إذا
مضى ثلث السنة؟ قال لا، أيصلي الأولى قبل الزوال؟.
ويدل على القول الآخر صحيحتا حماد بن عثمان ومعاوية بن عمار المتقدمتان (3)
وما رواه الكليني في الصحيح إلى أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (4) قال: " سألته
عن رجل يكون نصف ماله عينا ونصفه دينا فتحل عليه الزكاة؟ قال يزكي العين
ويدع الدين. قلت فإنه اقتضاه بعد ستة أشهر؟ قال يزكيه حين اقتضاه. قلت فإن
هو حال عليه الحول وحل الشهر الذي كان يزكي فيه وقد أتى لنصف ماله سنة
ولنصفه الآخر ستة أشهر؟ قال يزكي الذي مرت عليه سنة ويدع الآخر حتى تمر
عليه سنة. قلت فإن اشتهى أن يزكي ذلك؟ قال ما أحسن ذلك ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن عثمان عن رجل عن أبي عبد الله
عليه السلام (5) قال: " سألته عن الرجل يأتيه المحتاج فيعطيه من زكاته في أول السنة؟
فقال إن كان محتاجا فلا بأس ".
وما رواه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (6) قال: " سألته عن الرجل

(1) الوسائل الباب 51 من المستحقين للزكاة
(2) الوسائل الباب 51 من المستحقين للزكاة
(3) ص 229 و 230
(4) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة و 49 من المستحقين للزكاة
(5) الوسائل الباب من 49 من المستحقين للزكاة
(6) الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة، وفي الإستبصار ج 2 ص 32
والتهذيب ج 1 ص 361 " ثمانية أشهر " نعم في الطبعة الحديثة من التهذيب ج 4
ص 44: في بعض المخطوطات " خمسة أشهر "
233

يعجل زكاته قبل المحل؟ قال إذا مضت خمسة أشهر فلا بأس ".
ويدل على ذلك أيضا رواية أبي بصير المتقدمة في سابق هذه المسألة (1) بنقل ابن إدريس من كتاب نوادر محمد بن علي بن محبوب
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الشيخ في كتابي الأخبار قد أجاب عن صحيحتي حماد
ابن عثمان ومعاوية بن عمار وما في معناهما بالحمل على أن التقديم على سبيل القرض
لا أنه زكاة معجلة.
واستدل على هذا التأويل بما رواه في الصحيح عن الأحول عن أبي عبد الله
عليه السلام (2) " في رجل عجل زكاة ماله ثم أيسر المعطى قبل رأس السنة؟ قال يعيد
المعطى الزكاة ".
واعترضه المحقق في المعتبر بأن ما ذكره الشيخ ليس حجة على ما ادعاه إذ
يمكن القول بجواز التعجيل مع ما ذكره، مع أن الرواية تضمنت أن المعجل زكاة
فتزيله عن القرض تحكم. انتهى. وهو جيد.
ومن ما يضعف هذا الحمل أن الروايات قد دلت على أنها زكاة معجلة كما دلت
على جواز تأخيرها شهرين وثلاثة، فالتقديم إنما هو بعنوان الزكاة لا القرض كما أن
التأخير كذلك، وإلا لم يصدق أنه عجل زكاته بل يقال أقرض. وأيضا لو كان المراد إنما
هو بمعنى القرض لكان الاقتصار على الشهرين أو الثلاثة أو نحو ذلك من ما ورد في
تلك الأخبار لا معنى له، مع أن جمعا من محققي الأصوليين يذهبون إلى حجية مفهوم
العدد، بل قال شيخنا الشهيد الثاني في تمهيده أنه مذهب أكثر الأصوليين، ولا ريب أن
ذلك لا يجري في ما كان على سبيل القرض وإنما يجري في ما لو كان زكاة معجلة فيكون
جواز تقديمها مقيدا بتلك المدة المذكورة في الأخبار. وبالجملة فالروايات المذكورة ظاهرة

(1) ص 230
(2) الوسائل الباب 50 من المستحقين للزكاة
234

في جواز تعجيل الزكاة كما هو المدعى منها وتأويلها بما ذكر تعسف ظاهر.
وبذلك يظهر ما في كلام السيد السند في المدارك حيث قال: وما ذكره
الشيخ في الجمع جيد إلا أن جواز التعجيل على سبيل القرض لا يتقيد بالشهرين
والثلاثة فلا يظهر للتخصيص على هذا التقدير وجه، لكن ليس في الروايتين ما يدل
على التخصيص بالحكم صريحا، والتخصيص بالذكر لا يقتضي التخصيص بالحكم
خصوصا الرواية الأولى، فإن التخصيص فيها وقع في كلام السائل وليس في الجواب
عن المقيد المسؤول عنه دلالة على نفي الحكم عن ما عداه. انتهى.
فإن فيه أولا - أن كلامه هذا إنما يتجه على القول بعدم حجية مفهوم العدد وأما
على القول بذلك كما قدمناه فيجب تقييد الجواز بذلك البتة.
وثانيا - أنه قد جزم بذلك بالنسبة إلى التأخير كما تقدم في كلامه تبعا لجده
(قدس سره) كما قدمنا نقله عنه، والكلام في المقامين واحد فإن كانت الأخبار
المذكورة لا دلالة فيها على التخصيص بالحكم كما ذكره هنا ففي الموضعين وإلا فلا
معنى لكلامه هنا مع اعتباره التخصيص بالحكم في صورة التأخير، وبالجملة فإن
تخصيص الحكم إنما يتجه على تقدير القول بحجية مفهوم العدد فكيف يكون مفهوم
العدد حجة في المسألة الأولى ولا يكون في هذه المسألة والتحديد بالشهرين
فيهما معا.
ثم إنه في المدارك أيضا استشهد لهذا الجمع بما ورد من الأخبار الدالة على
استحباب القرض قبل أبان الزكاة والاحتساب به بعد الوجوب (1) ومثله الفاضل
الخراساني في الذخيرة.
وفيه ما عرفت من أن ظواهر تلك الأخبار كونها زكاة معجلة مقيدة بأوقات
مخصوصة لا كونها قرضا، وحمل أحدهما على الآخر تعسف محض كما عرفت.
ولهذا أن شيخنا المفيد (عطر الله مرقده) حمل هذه الروايات على الرخصة

(1) الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة
235

فقال: وقد جاءت رخص عن الصادقين (عليهم السلام) في تقديمها شهرين قبل
حلها وجاء ثلاثة أشهر وأربعة أشهر عن الحاجة إلى ذلك. وإليه يميل كلام المحقق
في المعتبر أيضا حيث قال على أثر الكلام المتقدم نقله عنه: وكأن الأقرب ما ذكره
المفيد من تنزيل الرواية على ظاهرها في الجواز فيكون فيه روايتان. انتهى.
ولا ريب أن هذا أقرب في الجمع بين الأخبار من ما ذكره الشيخ (قدس سره).
ولعل الأقرب منها هو حمل هذه الأخبار على التقية التي هي في اختلاف
الأخبار أصل كل بلية، فإن القول بالجواز مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد (1)
كما نقله في المعتبر لما روي (2) " أن العباس سأل رسول الله صلى الله عليه وآله في تعجيل صدقته
فرخص له " ورووا عن علي عليه السلام (3) " أن النبي صلى الله عليه وآله قال لعمر قد أخذنا زكاة
العباس عام أول للعام " وظاهر النقل عنهم يعطي القول بجواز التقديم مطلقا غير
مخصص بعدد، ولعل ذكر الشهر والشهرين ونحوهما في أخبارنا إنما خرج مخرج
التمثيل فلا يدل على التخصيص كما يشير إليه اختلاف الأخبار في ذلك.
ورجح بعض مشايخنا المعاصرين حمل أخبار الجواز على العذر والضرورة
المانع من التمكن من اعطائها بعد حلول وقت الوجوب كما يقدم غسل الجمعة لخوف
اعواز الماء، قال: وهذا جمع حسن تتلائم به الأخبار، وحينئذ فالاقتصار على
الشهرين كالاقتصار على يوم الخميس وما بعده بالنسبة إلى غسل الجمعة. انتهى.
ولا يخفى بعده بل عدم استقامته، وكأنه بنى في ذلك على رواية حماد بن عثمان
المتضمنة للشهرين (4) وإلا فالأخبار التي قدمناها منها ما يدل على التقديم في أول
السنة كمرسلة حسين بن عثمان ومنها بعد ستة أشهر كرواية أبي بصير أو خمسة أشهر
كروايته الثانية (5) ومعلومية العذر عن اخراج الزكاة في هذه المدد كمعلومية العذر

(1) نيل الأوطار ج 4 ص 214
(2) سنن البيهقي ج 4 ص 111
(3) سنن البيهقي ج 4 ص 111
(4) ص 229
(5) ص 233
236

في يوم الخميس بعوز الماء قياس مع الفارق وتنظير غير مطابق كما لا يخفى على
الخبير الحاذق.
وأما الروايات الدالة على احتساب القرض من الزكاة بعد حلول وقتها كما
ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) فهي كثيرة:
منها - ما تقدم في هذا المقام نقلا من كتاب الفقه الرضوي (1) ومنها رواية
عقبة بن خالد المتقدمة في صنف الغارمين (2).
ومنها - رواية يونس بن عمار (3) قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول قرض
المؤمن غنيمة وتعجيل أجر، إن أيسر قضاك وإن مات قبل ذلك احتسبت به من الزكاة "
ورواية موسى بن بكر عن أبي الحسن عليه السلام (4) قال: " كان علي عليه السلام يقول قرض
المال حمى الزكاة " ونحوه في كتاب الفقه الرضوي (5).
فرعان
الأول - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو دفع له مالا على سبيل
القرض فحضر وقت الوجوب جاز احتسابه من الزكاة بشرط بقاء القابض على صفة
الاستحقاق وبقاء الوجوب في المال، وللمالك أيضا المطالبة بعوضه ودفعه إلى غيره
ودفع غيره إليه ودفع غيره إلى غيره وإن بقي على صفة الاستحقاق لأن حكمه حكم
الديون. ولو كان المدفوع زكاة معجلة وقلنا بجواز ذلك فالظاهر أيضا اعتبار بقاء الشرط
المذكور لأن الدفع يقع مراعى في جانب الدافع اتفاقا فكذا في جانب القابض
خلافا لبعض العامة في الثاني (6).
وظاهر الفاضل الخراساني في الذخيرة هنا التوقف في اعتبار المراعاة في
جانب القابض أيضا، حيث قال: ولو قلنا إن المدفوع زكاة معجلة ففي اعتبار بقاء

(1) ص 231
(2) ص 195
(3) الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة
(4) الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة
(5) ص 23
(6) المغني ج 2 ص 636 والانصاف ج 3 ص 212
237

الشرط في القابض نظر لا طلاق أدلة جواز التقديم. انتهى.
وفيه نظر لما تقدم في صحيحة الأحول (1) من الدلالة على أنه لو عجل زكاة
ماله ثم أيسر المعطى قبل رأس السنة فإنه يعيد المعطى الزكاة، وكأنه (قدس سره)
غفل عن مراجعة الخبر المذكور.
ثم إنه على تقدير كون المدفوع زكاة فإنه لا يجوز استعادته مع بقاء الشرائط
في المال والقابض بخلاف القرض كما عرفت.
الثاني - لو دفع إليه مالا فاستغنى بعين ذلك المال ثم حال الحول عليه كذلك،
فإن قلنا بجواز الدفع زكاة معجلة وقصد به ذلك فإنه ليس له استعادته لما عرفت.
ولو دفعه على سبيل القرض والحال كذلك فهل له احتسابه عليه ولا يكلف
أخذه وإعادته عليه أم لا؟ المشهور الأول نص عليه الشيخ وأكثر الأصحاب، وبه
قطع المحقق والعلامة في جملة من كتبه من غير نقل خلاف.
واستدل عليه في المنتهى بأن العين إنما دفع إليه ليستغني بها وترتفع حاجته
وقد حصل الغرض فلا يمنع الاجزاء، وبأنا لو استرجعنا منه لصار فقيرا فجاز
دفعها إليه بعد ذلك وذلك لا معنى له.
ونقل عن ابن إدريس أنه لا يجوز الدفع إليه مع الغنى وإن كان بعين المدفوع،
لأن الزكاة لا يستحقها غني والمدفوع إليه غني بالدفع إليه مع الغنى وإن كان قرضا
لأن المستقرض يملك ما استقرضه.
وأجاب عنه في المختلف بأن الغنى هنا ليس مانعا إذ لا حكمة ظاهرة في
أخذه ودفعه.
واعترضه في المدارك بأن عدم ظهور الحكمة لا يقتضي عدمها في نفس الأمر
ثم قال: نعم لو قيل إن من هذا شأنه لا يخرج عن حد الفقر عرفا لم يكن بعيدا
من الصواب. انتهى.

(1) ص 234
238

أقول: وكلام ابن إدريس هو الأوفق بمقتضى الأصول، والمسألة غير
منصوصة والاحتياط فيها مطلوب. وأما ما ذكره في المدارك من أن من هذا شأنه
لا يخرج عن حد الفقر عرفا - فقد تقدم الكلام عليه في مثل هذه المسألة في
صنف الغارمين.
هذا في ما لو استغنى بعين ذلك المال أما لو استغنى بغيره ولو بنمائه وربحه أو
زيادة قيمته على قيمته حين القبض استعيد منه القرض لتحقق الغنى المانع من
استحقاقه. وكذا لو كان المدفوع زكاة معجلة، لأنها كما عرفت مراعاة ببقاء الشروط
إلى وقت الوجوب، ولما عرفت من صحيحة الأحول المتقدمة (1).
السابعة - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز نقل الزكاة
من البلد مع وجود المستحق فيها، فالمشهور التحريم وأسنده في التذكرة إلى علمائنا
أجمع، ونقل في المنتهى عن الشيخ المفيد والشيخ في بعض كتبه القول بالجواز
واختاره في المنتهى، واختار في المختلف القول بالجواز على كراهة ونقله عن
ابن حمزة، ونقل عن الشيخ الجواز بشرط الضمان.
والمفهوم من الأخبار الواردة في هذا المضمار هو أنه مع عدم وجود المستحق
في البلد فلا إشكال في الجواز بل الوجوب ولا ضمان لو تلقت في الطريق، ومع
وجوده فإنه يجوز النقل أيضا ولكن يكون ضامنا وإن كان الأفضل صرفها في البلد
ومن ما يدل على الأول صحيحة ضريس (2) قال: " سأل المدائني أبا جعفر
عليه السلام فقال إن لنا زكاة نخرجها من أموالنا ففي من نضعها؟ فقال في أهل ولايتك.
فقال إني في بلاد ليس فيها أحد من أوليائك؟ فقال ابعث بها إلى بلدهم تدفع
إليهم.. الحديث ".
ورواية يعقوب بن شعيب الحداد عن العبد الصالح عليه السلام (3) قال: " قلت له

(1) ص 234
(2) الوسائل الباب 5 من المستحقين للزكاة
(3) الوسائل الباب 5 من المستحقين للزكاة
239

الرجل منا يكون في أرض منقطعة كيف يصنع بزكاة ماله؟ قال يضعها في إخوانه
وأهل ولايته. قلت فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال يبعث بها إليهم.. الحديث "
ومن ما يدل على الثاني حسنة هشام بن الحكم بإبراهيم بن هاشم عن أبي عبد الله
عليه السلام (1) " في الرجل يعطي الزكاة يقسمها أله أن يخرج الشئ منها من البلدة التي هو
فيها إلى غيره؟ قال لا بأس ".
ورواية درست بن أبي منصور عن رجل أبي عبد الله عليه السلام (2) " أنه قال
في الزكاة يبعث بها الرجل إلى بلد غير بلده؟ فقال لا بأس أن يبعث بالثلث أو الربع.
الشك من أبي أحمد ".
ورواية أحمد بن حمزة بل صحيحته عند بعض (3) قال: " سألت أبا الحسن
الثالث عليه السلام عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر ويصرفها في إخوانه فهل
يجوز ذلك؟ فقال نعم ".
ومن ما يدل على عدم الضمان في الأول والضمان في الثاني صحيحة محمد بن مسلم (4)
قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتى
تقسم؟ فقال إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها، وإن لم يجد
من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان لأنها قد خرجت من يده. وكذلك
الوصي الذي يوصى إليه يكون ضامنا لما دفع إليه إذا وجد ربه الذي أمر بدفعه إليه، وإن
لم يجد فليس عليه ضمان ".
وحسنة زرارة بإبراهيم بن هاشم (5) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
بعث إليه أخ له زكاته ليقسمها فضاعت؟ فقال ليس على الرسول ولا على المؤدي ضمان
قلت فإنه لم يجد لها أهلا ففسدت وتغيرت أيضمنها؟ قال لا ولكن إن عرفت لها
أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها ".
ومن ما يدل على ذلك باطلاقه حسنة بكير بن أعين (6) قال: " سألت

(1) الوسائل الباب 37 من المستحقين للزكاة
(2) الوسائل الباب 37 من المستحقين للزكاة
(3) الوسائل الباب 37 من المستحقين للزكاة
(4) الوسائل الباب 39 من المستحقين للزكاة
(5) الوسائل الباب 39 من المستحقين للزكاة
(6) الوسائل الباب 39 من المستحقين للزكاة
240

أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يبعث بزكاته فتسرق أو تضيع؟ قال ليس عليه شئ.
وعن وهيب بن حفص في الموثق (1) قال: " كنا مع أبي بصير فأتاه عمرو
ابن الياس فقال له يا أبا محمد إن أخي بحلب بعث إلى بمال من الزكاة اقسمه
بالكوفة فقطع عليه الطريق فهل عندك فيه رواية؟ قال نعم سألت أبا جعفر
عليه السلام عن هذه المسألة ولن أظن أن أحدا يسألني عنها أبدا فقلت لأبي جعفر عليه السلام
جعلت فداك الرجل يبعث بزكاة ماله من أرض إلى أرض فيقطع عليه الطريق؟
فقال قد أجزأت عنه ولو كنت أنا لأعدتها " ونحوها غيرها. واطلاقها
مقيد بالخبرين الأولين. وظاهر هذا الخبر الأخير استحباب إعادة الاخراج في
الصورة المذكورة.
ومن ما يدل على الثالث صحيحة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي عن أبي عبد الله
عليه السلام (2) قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي
وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر.. الحديث ".
وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " لا تحل صدقة المهاجرين
للأعراب ولا صدقة الأعراب للمهاجرين.
وأورد هذين الخبرين في الكافي في باب (بعث الزكاة من بلد إلى آخر) وهو
مؤذن بما قلناه وإن احتمل حملهما على ما هو أعم. والله أعلم.
تنبيهات
الأول - الظاهر أنه لا خلاف بناء على القول بتحريم النقل في أنه لو خالف
ووصلت إلى الفقراء فإنها تجزئ عنه لصدق الامتثال وإن أثم باعتبار المخالفة،
إلا أنك قد عرفت أنه لا دليل على التحريم بل الدليل قائم على خلافه.
الثاني - قد صرحوا بأنه لو أخر الدفع مع وجود المستحق أثم وضمن، فأما

(1) الفروع ج 1 ص 157 وفي الوسائل الباب 39 من المستحقين للزكاة
(2) الوسائل الباب من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب من المستحقين للزكاة.
241

الضمان فلا ريب فيه لما عرفت من الأخبار المتقدمة، وأما الإثم فهو مبني على القول
بالفورية وعدم جواز التأخير عن وقت الوجوب، وأما على القول بجواز التأخير
شهرين أو أكثر فلا. وقد تقدم تحقيق القول في المسألة.
الثالث - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه إذا لم يجد المالك
لها مستحقا فالأفضل عزلها، بل صرح العلامة في التذكرة باستحبابه متى حال
الحول وإن كان المستحق موجودا.
ويدل على ذلك موثقة يونس بن يعقوب المتقدمة في المسألة الخامسة وصحيحة
عبد الله بن سنان المتقدمة ثمة أيضا (1).
وحسنة عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (2): " أنه قال إذا أخرجها من
ماله فذهبت ولم يسمها لأحد فقد برئ منها ".
ورواية أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام (3) قال: " إذا أخرج الرجل الزكاة
من ماله ثم سماها لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شئ عليه ".
والمراد بالعزل هو تعيينها في مال خاص وبذلك تصير من قبيل الأمانة في
يده لا يضمنها إلا بالتفريط أو تأخير الاخراج مع التمكن منه كما تقدم.
والظاهر أن النماء تابع لها منفصلا كان أو متصلا، لما رواه الكليني عن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام (4) قال: " سألته عن الزكاة تجب على في موضع
لا يمكنني أن أؤديها؟ قال اعزلها فإن اتجرت بها فأنت ضامن لها ولها الربح.. إلى أن
قال وإن لم تعزلها واتجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح ولا وضيعة عليها "
وبذلك يظهر ضعف ما ذهب إليه في الدروس من أن النماء مع العزل للمالك.
الثامنة - إذا أدركته الوفاة وعليه زكاة وجب عليه اخراجها أو الوصية بها

(1) ص 229
(2) الوسائل الباب 39 من المستحقين للزكاة
(3) الوسائل الباب 39 من المستحقين للزكاة
(4) الوسائل الباب 52 من المستحقين للزكاة
242

على وجه تثبت شرعا لتوقف الواجب عليه.
ويدل على ذلك الأخبار المستفيضة بوجوبها وأن تاركها معذب مؤاخذ بها
حتى تؤدى عنه (1) وفي حسنة زرارة بإبراهيم التي هي صحيحة عندي (2) قال:
" قلت لأبي جعفر عليه السلام رجل لم يزك ماله فأخرج زكاته عند موته فأداها كان ذلك
يجزئ عنه؟ قال نعم. قلت فإن أوصى بوصية من ثلثه ولم يكن زكى أيجزئ عنه
من زكاته؟ قال نعم تحسب له زكاة ولا تكون له نافلة وعليه فريضة ".
والظاهر - والله سبحانه أعلم - حمل الخبر على أن تلك الوصية التي أوصى بها من
ثلثه داخلة تحت أحد مصارف الزكاة ومن جملتها وأنه متى صرفت الوصية في ذلك
المصرف حسبت له زكاة وإن لم ينوها زكاة لعدم صحة التبرع مع اشتغال
الذمة بالواجب.
وروى الكليني والشيخ في التهذيب عن عباد بن صهيب عن أبي عبد الله
عليه السلام (3) " في رجل فرط في اخراج زكاته في حياته فلما حضرته الوفاة حسب
جميع ما كان فرط فيه من ما لزمه من الزكاة ثم أوصى به أن يخرج ذلك فيدفع إلى
من تجب له؟ قال جائز يخرج ذلك من جميع المال إنما هو بمنزلة دين لو كان عليه ليس
للورثة شئ حتى يؤدوا ما أوصى به من الزكاة ".
وفي صحيحة شعيب - والظاهر أنه العقرقوفي - (4) قال: " قلت لأبي عبد الله
عليه السلام إن على أخي زكاة كثيرة أفأقضيها أو أؤديها عنه؟ فقال لي وكيف لك بذلك؟
فقلت احتاط؟ قال نعم إذا تفرج عنه ".
والظاهر أن معنى قوله: " وكيف لك بذلك " أي بالعلم بجميع ما عليه فقال
احتاط بالزيادة. وفيه دلالة على براءة الذمة بالتبرع بدفع الواجب عن الميت.

(1) الوسائل الباب 1 و 3 من ما تجب فيه الزكاة و 21 و 22 من المستحقين للزكاة
(2) الوسائل الباب 22 من المستحقين للزكاة
(3) الوسائل الباب 21 من المستحقين للزكاة
(4) الوسائل الباب 22 من المستحقين للزكاة
243

وفي صحيحة علي بن يقطين (1) قال: " قلت لأبي الحسن الأول عليه السلام رجل
مات وعليه زكاة فأوصى أن تقضى عنه الزكاة وولده محاويج إن دفعوها أضر ذلك
بهم ضررا شديدا، قال يخرجونها فيعودون بها على أنفسهم ويخرجون منها
شيئا فيدفع إلى غيرهم ".
أقول: الظاهر أنه لا اشكال في جواز صرفها عليهم لأنهم في تلك الحال غير
واجبي النفقة على صاحب الزكاة، وحينئذ فالأمر باخراج شئ منها إلى غيرهم ينبغي حمله
على الاستحباب، مع أنه قد تقدم في الأخبار وكلام الأصحاب ما يدل على جواز
صرفها عليهم في حال حياة الأب أيضا للتوسعة مع الأمر باخراج شئ منها لغيرهم
وفي حسنة معاوية بن عمار (2) قال: " قلت له رجل يموت وعليه خمسمائة
درهم من الزكاة وعليه حجة الاسلام وترك ثلاثمائة درهم وأوصى بحجة الاسلام
وأن يقضى عنه دين الزكاة؟ قال يحج عنه من أقرب ما يكون ويخرج البقية
في الزكاة ".
وفي رواية أخرى له أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام (3) " في رجل مات وترك
ثلاثمائة درهم وعليه من الزكاة سبعمائة درهم فأوصى أن يحج عنه؟ قال يحج عنه من
أقرب المواضع ويجعل ما بقي في الزكاة ".
وظاهر هذين الخبرين التوزيع كالديون المتعددة مع قصور التركة وتقديم
الحج على الزكاة وأنه يحج عنه من أقرب المواقيت وما بقي يصرف في الزكاة حتى لو
لم يبق شئ بعد الحج.
التاسعة - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أقل ما يعطى الفقير
من الزكاة، فقيل إنه لا يعطى أقل من ما يجب في النصاب الأول وهو عشرة

(1) الوسائل الباب 14 من المستحقين للزكاة
(2) الوسائل الباب 21 من المستحقين للزكاة
(3) الوسائل الباب 42 من الوصايا
244

قراريط أو خمسة دراهم، ونقل عن الشيخ المفيد والشيخ في جملة من كتبه والسيد
المرتضى في الإنتصار، وهو اختيار المحقق في المعتبر والشرائع، ونسبه في المعتبر -
بعد أن نقله عن الشيخين وابني بابويه - إلى أكثر الأصحاب، وقيل بجواز الاقتصار على ما يجب في النصاب الثاني وهو درهم أو عشر دينار قيراطان، ونسب إلى ابن
الجنيد وسلار ونقل أيضا عن المرتضى في المسائل المصرية، وقيل لا يجزئ أن
يعطى أقل من نصف دينار، ونقل عن الشيخ علي بن الحسين بن بابويه وعن ابنه
في المقنع أنه يجوز أن يعطى الرجل الواحد الدرهمين والثلاثة ولا يجوز في الذهب
إلا نصف دينار، وعن المرتضى في الجمل وابن إدريس عدم التحديد بحد لا يجزئ
ما دونه، وهو المشهور بين المتأخرين.
وأما الأخبار المتعلقة بالمسألة: فمنها - صحيحة محمد بن أبي الصهبان (1) قال:
" كتبت إلى الصادق عليه السلام هل يجوز لي يا سيدي أن أعطي الرجل من إخواني
من الزكاة الدرهمين والثلاثة فقد اشتبه ذلك على؟ فكتب ذلك جائز " والمراد
بالصادق في هذا الخبر أحد العسكريين (عليهما السلام) فإن الرجل المذكور من
أصحابهما ولعل التعبير وقع تقية.
ومنها - صحيحة محمد بن عبد الجبار عن بعض أصحابنا (2) قال: " كتبت على
يدي أحمد بن إسحاق إلى علي بن محمد العسكري عليه السلام أعطى الرجل من إخواني من
الزكاة الدرهمين والثلاثة؟ فكتب أفعل إن شاء الله تعالى ".
ومنها - صحيحة أبي ولاد الحناط عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " سمعته
يقول لا يعطى أحد من الزكاة أقل من خمسه دراهم وهو أقل ما فرض الله من الزكاة
في أموال المسلمين فلا تعطوا أحدا أقل من خمسة دراهم فصاعدا ".
ومنها - رواية معاوية بن عمار وعبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام (4)
قال: " لا يجوز أن يدفع من الزكاة أقل من خمسة دراهم فإنها أقل الزكاة " والظاهر أنه

(1) الوسائل الباب 23 من المستحقين للزكاة
(2) الوسائل الباب 23 من المستحقين للزكاة
(3) الوسائل الباب 23 من المستحقين للزكاة
(4) الوسائل الباب 23 من المستحقين للزكاة
245

بهذين الخبرين أخذ القائلون الأول.
ومنها - حسنة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال:
" كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي وصدقة أهل الحضر
في أهل الحضر ولا يقسم بالسوية وإنما يقسمها على قدر ما يحضرها منهم وما يرى
ليس في ذلك شئ موقت ".
ومنها - حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " قلت له ما يعطى المصدق؟
قال ما يرى الإمام ولا يقدر له شئ ".
أقول: والمصدق هو الذي يجبي الصدقات بأمر الإمام عليه السلام وهو أحد الأفراد
التي تصرف فيها الزكاة.
وأنت خبير بأن جملة من متأخري المتأخرين - ومنهم السيد السند في المدارك
والفاضل الخراساني في الذخيرة حيث اختاروا القول الأخير - حملوا الخبرين
الدالين على أنه لا يجوز أقل من خمسة دراهم على الفضل والاستحباب، وقد عرفت
ما في هذا الجمع في ما تقدم في غير باب.
ولا يخفى أن الخبرين المذكورين ظاهران بل الثاني صريح في أنه لا يجوز أن
يدفع أقل من ذلك فاخراجهما عن ذلك يحتاج إلى دليل، ومجرد وجود المعارض
من الأخبار ليس بدليل ولا قرينة توجب ارتكاب التجوز في اخراج الخبرين
عن ظاهريهما.
مع أن المحقق في المعتبر قد نقل أن القول بعدم التقدير مذهب الجمهور (3)
وبذلك أيضا صرح السيد المرتضى (رضي الله عنه) في كتاب الانتصار حيث اختار
فيه القول الأول فقال: ومن ما انفردت به الإمامية القول بأنه لا يعطى الفقير الواحد

(1) الوسائل الباب 28 من المستحقين للزكاة رقم 1
(2) الوسائل الباب 23 من المستحقين للزكاة
(3) البداية ج 1 ص 269 والمجموع شرح المهذب ج 6 ص 189
246

من الزكاة المفروضة أقل من خمسة دراهم، ويروى أن الأقل درهم واحد، وباقي الفقهاء
يخالفون في ذلك ويجيزون اعطاء القليل والكثير من غير تحديد، وحجتنا على
ما ذهبنا إليه اجماع الطائفة وطريقة الاحتياط وبراءة الذمة. انتهى.
وحينئذ فلقائل أن يقول إن مقتضى القاعدة المقررة عن أهل العصمة
(عليهم السلام) في اختلاف الأخبار هو حمل ما دل على عدم التحديد على التقية
وهما صحيحة محمد بن أبي الصهبان وصحيحة محمد بن عبد الجبار.
وأما حمل الشيخ (قدس سره) لهما ومثله المحقق في المعتبر على أن المعطى
من النصاب الثاني والثالث فإنه يجوز إذا أدى ما في النصاب الأول إلى الفقير أن
يعطى ما وجب في النصاب الثاني غيره أو إليه بحيث لا يعطى أقل من ما وجب في
النصاب الذي أخرج منه الزكاة. كذا ذكر في المعتبر - فقد رده المتأخرون عنه
بالبعد وهو كذلك، بل الأظهر هو ما قلناه من الحمل على التقية، ولكنهم (رضوان
الله عليهم) كما أشرنا إليه في غير موضع من ما تقدم قد أعرضوا عن العمل بهذه
القاعدة المروية فوقعوا في أمثال هذه التكلفات البعيدة.
وأما حسنة عبد الكريم فليست ظاهرة الدلالة في المدعى لامكان حملها على
عدم البسط، فإن سياق الرواية من أولها إنما هو الرد على عمرو بن عبيد المعتزلي
ومن معه من العامة القائلين بوجوب البسط (1).
حيث إن صورة الخبر هكذا في احتجاجه عليه السلام على عمرو بن عبيد مع من
معه (2) قال له " ما تقول في الصدقة؟ فقرأ عليه: إنما الصدقات للفقراء والمساكين.. إلى
آخر الآية. قال عليه السلام نعم فكيف تقسمها؟ فقال اقسمها على ثمانية أجزاء فأعطى كل
جزء واحدا. قال وإن كان صنف منهم عشرة آلاف وصنف منهم رجلا واحدا
أو رجلين أو ثلاثة جعلت لهذا الواحد ما جعلت للعشرة آلاف؟ قال نعم. قال

(1) ارجع إلى التعليقة 1 ص 226.
(2) الوسائل الباب 28 من المستحقين للزكاة
247

وتجمع صدقات أهل الحضر وأهل البوادي فتجعلهم فيها سواء؟ قال نعم. قال
فقد خالفت رسول الله صلى الله عليه وآله في كل ما قلت في سيرته: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقسم
صدقة أهل البوادي في أهل البوادي وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر ولا يقسم بينهم
بالسوية وإنما يقسمه على قدر ما يحضره منهم وما يرى، وليس في ذلك شئ موقت
موظف، وإنما يصنع ذلك بما يرى على قدر ما يحضره منهم.. الحديث ".
ومن الجائز بل هو الأنسب بالمقام والسياق أن المراد بقوله: " ليس في ذلك
شئ موقت موظف " إنما هو بالنسبة إلى البسط الذي يدعي الخصم أنه موقت موظف
لا يجوز مخالفته كما يدل عليه قوله بعده " وإنما يصنع ذلك بما يرى " من التوفير لبعض
على بعض بالمرجحات المتقدمة وتقسيمه على من حضر من صنف واحد أو صنفين
أو نحو ذلك.
ولكن الأصحاب في كتب الاستدلال نقلوا من الخبر هذه العبارة المنقولة
في كلامهم وهي بحسب الظاهر موهمة لما يدعونه، إلا أن سياق الخبر كما ذكرناه
وقرينة المقام ترجح ما اخترناه، ولا أقل من تساوي الاحتمالين فيسقط
الاستدلال بالخبر من البين.
وأما حسنة الحلبي فهي وإن أوردها جملة من متأخري المتأخرين في أدلة هذا
القول إلا أن فيه أنك قد عرفت أن أصل المسألة التي وقع الخلاف فيها وجعلوها
محلا للنزاع إنما هو الفقير والدفع إليه من حيث الفقر دون غيره من الأصناف كما
هو المفروض في عباراتهم، ومورد هذه الرواية إنما هو العاملون الساعون في
جمع الصدقات.
على أنه لا يخفى أن اجراء هذا الخلاف بالدرهم والأقل والأكثر بالنسبة إلى
عمال الصدقات والمؤلفة والغارمين والرقاب ونحوهم من ما لا معنى له بالكلية، لأنه
من الظاهر المعلوم أن هؤلاء من ما لا يقوم بحقوقهم واستحقاقهم الأضعاف مضاعفة
من ما وقع الخلاف فيه كما لا يخفى على المنصف.
248

وبالجملة فالقول المشهور بين المتقدمين لا يحلو من قوة ورجحان لما ذكرناه
والاحتياط لا يخفى. والله العالم.
وههنا فوائد: الأولى - ظاهر عبارات أكثر الأصحاب (رضوان الله عليهم)
أن هذه التقديرات على سبيل الوجوب وهو ظاهر الخبرين المتقدمين، وظاهر
كلام العلامة في جملة من كتبه بل صريحة أنه على جهة الاستحباب حتى أنه قال في
التذكرة بعد أن حكم بأنه يستحب أن لا يعطى الفقير أقل من ما يجب في النصاب
الأول: وما قلناه على سبيل الاستحباب لا الوجوب اجماعا. انتهى.
أقول: الظاهر أن ما ذكره (قدس سره) لا يخلو من نظر فإن مقتضى
كلام المتقدمين ودليلهم الذي ذكرناه هو الوجوب، والاستحباب إنما صرح به
من ذهب إلى القول بعدم التحديد حملا للدليل المشار إليه على الاستحباب جمعا كما
قدمنا نقله عنهم.
الثانية - قد عرفت أن القائلين بالتحديد في القول الأول حددوا الأقل من
نصاب الدراهم بالخمسة دراهم والأقل من نصاب الذهب بنصف دينار وهو عشرة
قراريط، ولم يصل إلينا في الأخبار ما يتعلق بنصاب الذهب وإنما الموجود فيها
ما تقدم من الدراهم، والظاهر أن مثل ابني بابويه إنما ذكروا ذلك لخبر وصلهم فيه
ثم إنه على تقدير ما وصل إلينا من الأخبار فيحتمل سقوط التحديد في
غير الدراهم مطلقا كما هو مقتضى الأصل، ويحتمل اعتبار بلوغ قيمة المدفوع
ذلك ذهبا كان أو غيره، واختاره شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره)
وهو الأحوط.
ولو فرض نقص قيمة الواجب عن ذلك كما لو وجب عليه شاة واحدة
لا تساوي خمسة دراهم دفعها إلى الفقير وسقط اعتبار التقدير قطعا.
الثالثة - إنما يستحب أو يجب اعطاء الخمسة دراهم إذا بلغ الواجب ذلك،
فلو أعطى ما في النصاب الأول لواحد ثم وجبت عليه الزكاة في النصاب الثاني
249

أخرج زكاته وسقط اعتبار التقدير فيه كما تقدم في كلام المحقق.
ولو كان عند المالك نصابان أول وثان قال شيخنا الشهيد الثاني وغيره أنه
يجوز اعطاء ما في الأول لواحد وما في الثاني لآخر من غير كراهية ولا تحريم
على القولين.
قال في المدارك بعد نقل ذلك عنهم: وهو مشكل لاطلاق النهي عن اعطاء
أقل من الخمسة وامكان الامتثال بدفع الجميع إلى الواحد. انتهى.
أقول: والذي يقرب بالبال العليل والفكر الكليل أن الخبرين الواردين
بالتحديد بالخمسة دراهم إنما خرجا بناء على ما هو الغالب المتكرر في الزكوات من
اجتماع مبلغ يعتد به يراد قسمته على الفقراء والمساكين، فينبغي أن يقسم عليهم
على وجه لا ينقص أحد منهم عن خمسة دراهم التي هي أول ما تجب في الزكاة
لا باعتبار نصاب واحد أو نصابين ونحو ذلك من الفروض النادرة. والله العالم.
العاشرة - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في وجوب الدعاء على
الإمام عليه السلام والساعي لصاحب الزكاة بعد قبضها منه واستحبابه، فقيل بالوجوب
وبه صرح العلامة في الإرشاد، والمحقق في المعتبر اختار الوجوب إلا أنه خص
ذلك بالإمام وهو المنقول عن الشهيد في الدروس، وقيل بالاستحباب وبه صرح
جمع من الأصحاب.
ومن قال بالوجوب استند إلى ظاهر الآية وهي قوله عز وجل: " خذ من
أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم " (1).
ولا يخفى أن البحث عن ذلك بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وآله والإمام عليه السلام قليل
الجدوى فإنهم (عليهم السلام) أعرف بما يجب أو يستحب، وإنما الكلام في
الساعي والفقيه والمستحق، والآية المذكورة غير ظاهرة الدلالة في شمولهم ولا دليل
سواها في الباب، والأصل العدم، ويؤيده خلو الرواية الواردة عن أمير المؤمنين

(1) سورة التوبة الآية 105
250

عليه السلام (1) بارسال ساعيه لآخذ الزكاة من ذلك مع اشتمالها على كثير من الآداب
والسنن والأحكام، وظاهر الأصحاب استحباب ذلك. وفيه أنه من حيث
التوقيف في المقام مشكل لعدم الدليل وإن كان الدعاء للمؤمنين مستحبا بقول مطلق
الحادية عشرة - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو اجتمع
للمستحق أسباب توجب الاستحقاق مثل كونه فقيرا وغارما ومكاتبا فإنه يجوز أن
يعطى بكل سبب نصيبا.
ولم أقف لهم على دليل إلا أن يكون دعوى صدق هذه العنوانات عليه من
كونه فقيرا وغارما ونحو ذلك فيدخل تحت عموم الآية (2).
وفيه أنه لا يخفى أن المتبادر من الآية إنما هو الشائع المتكثر من تعدد هذه
الأفراد ولهذا صارت أصنافا ثمانية باعتبار مقابلة كل منها بالآخر. وأيضا فإنه
متى أعطى من حيث الفقر ما يغنيه ويزيده على غناه فكيف يعطى من حيث الغرم
والكتابة المشروطين - كما تقدم - بالعجز عن الأداء؟ وبالجملة فالحكم عندي محل
توقف لعدم الدليل عليه.
الثانية عشرة - الظاهر أنه لا خلاف فيما لو دفع إليه مال من الزكاة ليفرقه
في المستحقين وكان من جملتهم أنه يجوز له أن يأخذ كنصيب أحدهم ما لم يعلم
التخصيص بغيره.
وعلى ذلك تدل جملة من الأخبار: منها - صحيحة سعيد بن يسار (3) قال:
" قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يعطى الزكاة يقسمها في أصحابه أيأخذ منها
شيئا؟ قال نعم ".
وحسنة الحسين بن عثمان بإبراهيم بن هاشم عن أبي إبراهيم عليه السلام (4) " في رجل
أعطى مالا يفرقه في من يحل له أله أن يأخذ شيئا لنفسه وإن لم يسم له، قال يأخذ

(1) وهي صحيحة بريد المتقدمة ص 51
(2) وهي قوله تعالى " إنما الصدقات.. " سورة التوبة الآية 61
(3) الوسائل الباب 40 من المستحقين للزكاة
(4) الوسائل الباب 40 من المستحقين للزكاة
251

منه لنفسه مثل ما يعطي غيره ".
وموثقة عبد الرحمان بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " في رجل أعطاه
رجل مالا ليقسمه في المساكين وله عيال محتاجون أيعطيهم منه من غير أن
يستأمر صاحبه؟ قال نعم ".
وأما ما رواه في التهذيب بهذا الاسناد (2) قال: " سألته عن رجل أعطاه
رجل مالا ليقسمه في محاويج أو مساكين وهو محتاج أيأخذ منه لنفسه ولا يعلمه؟
قال لا يأخذ منه شيئا حتى يأذن له صاحبه " فحمله الشيخ على محامل أقربها الكراهة
واحتمل بعض مشايخنا (عطر الله مراقدهم) حمله أيضا على ما إذا علم أن مراده
غيره أو الأخذ زيادة على غيره.
وهذه المحامل وإن كانت لا تخلو من بعد إلا أنها لا مندوحة عنها في مقام
الجمع إذ ليس بعدها إلا طرح الخبر لرجحان ما عارضه بالكثرة، مضافا إلى اتفاق
الأصحاب ظاهرا على ذلك.
ختام به الاتمام
اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ميراث العبد المشتري من الزكاة
إذا مات ولا وارث له هل يكون ميراثه للإمام عليه السلام أو لأرباب الزكاة؟ قولان
المشهور الثاني وقيل بالأول وهو منقول عن بعض القدماء إلا أنه مجهول القائل،
واختاره العلامة في الإرشاد والقواعد وولده في الشرح.
حجة المشهور موثقة عبيد بن زرارة (3) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد لها موضعا يدفع ذلك إليه فنظر إلى مملوك
يباع في من يزيد فاشتراه بتلك الألف التي أخرجها من زكاته فأعتقه هل
يجوز له ذلك؟ قال نعم لا بأس بذلك: قلت فإنه لما أن أعتق وصار حرا اتجر

(1) الوسائل الباب 84 من ما يكتسب به
(2) الوسائل الباب 84 من ما يكتسب به
(3) الوسائل الباب 43 من المستحقين للزكاة
252

واحترف فأصاب مالا ثم مات وليس له وارث فمن يرثه إذا لم يكن له وارث قال
يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقون الزكاة لأنه إنما اشترى بما لهم ".
حجة القول الآخر على ما نقل أن الرقاب أحد مصارف الزكاة فيكون
سائبة، قال المحقق في المعتبر بعد الحكم بأن ميراثه لأرباب الزكاة واسناد ذلك إلى
علمائنا: ويمكن أن يقال لا يرثه الفقراء لأنهم لا يملكون العبد المبتاع بمال
الزكاة لأنه أحد مصارفها فيكون كالسائبة. وتضعف الرواية لأن في طريقها ابن
فضال وهو فطحي وعبد الله بن بكير وفيه ضعف، غير أن القول بها عندي أقوى
لمكان سلامتها من المعارض واطباق المحققين منا على العمل بها. انتهى.
وتوقف العلامة في المختلف في المسألة من أجل ما ذكر هنا.
أقول: والتحقيق في المقام بما لم يسبق إليه سابق من علمائنا الأعلام أن
يقال: لا ريب أن كلا من القولين المذكورين لا يخلو من النظر والاشكال، وذلك
لأنهم متفقون على أن الشراء في الصورة المذكورة من سهم الرقاب، فإنهم كما تقدم
في المسألة فصلوا صنف الرقاب إلى ثلاثة أقسام: أحدها المكاتبون. وثانيها العبيد
تحت الشدة. وثالثها العبيد مع عدم وجود المستحق، واستدلوا على القسم الثالث
بموثقة عبيد المذكورة.
وحينئذ فوجه الاشكال في القول المشهور هو أنه إذا كان المفروض الشراء من
سهم الرقاب الذي هو أحد الأصناف الثمانية التي اشتملت عليها الآية - وليس فيه مدخل
ولا تعلق للفقراء بالكلية وإلا فلا معنى لقسمة الزكاة في الآية على الأصناف الثمانية
المؤذن بمغايرة كل منها للآخر كما هو ظاهر - فكيف ترثه الفقراء لأنه اشترى
من مالهم، وأي مال للفقراء في سهم الرقاب كما هو ظاهر لذوي الأفهام والألباب
فاللازم إما كون الشراء ليس من سهم الرقاب كما زعموه وإنما هو من الزكاة بقول
مطلق كما هو أحد القولين في المسألة على ما تقدم ذكره، وهذا هو ظاهر الرواية
المذكورة وغيرها من الروايات المتقدمة في تلك المسألة، أو كون الشراء من سهم
253

الرقاب كما ادعوه، ولكن لا دليل عليه فإن هذه الرواية لا تنطبق على ذلك كما عرفت
ويؤيد ما قلناه قوله عليه السلام في رواية أبي بصير (1) التي استدلوا بها أيضا على
القسم الثاني وهو شراء العبيد تحت الشدة " إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم " وأي
ظلم في اعطاء أهل هذا الصنف من سهمهم على أولئك الآخرين الذين هم باقي الأصناف
مع أن البسط غير واجب عندنا بل يجوز صرف الزكاة كملا في صنف واحد بل في
واحد من أي الأصناف.
وبالجملة فإن الاستدلال بهذين الخبرين على هذين الفردين وأنهما من سهم
الرقاب تعسف محض وخروج عن مقتضى الأصول المقررة عندهم.
ووجه الاشكال في القول الثاني أنه لا ريب في صحة ما ذكره ذلك القائل من
كونه متى اشتري من سهم الرقاب فإنه يكون سائبة ويكون ميراثه للإمام عليه السلام كما
هو مقتضى القواعد الشرعية والضوابط المرعية، إلا أن استدلال هذا القائل
المذكور على هذا الحكم بهذه الموثقة الدالة على أن ميراثه للفقراء لا يوافق مدعاه كما
عرفت، فالواجب عليه تحصيل دليل يدل على أنه يجوز أن يشترى العبد من سهم
الرقاب ويعتق ليتم له ما ذكره وإلا فالقول بذلك من غير دليل باطل مردود عند
ذوي التحصيل، ونحن لم نقف لهم على دليل إلا ما يدعونه من هاتين الروايتين
وفيهما من الاشكال ما قد عرفت رأي العين.
وقد عرفت من ما قدمنا في تلك المسألة أن الذي وردت به النصوص عن
أهل الخصوص (عليهم السلام) في تفسير الرقاب في الآية إنما هو المكاتبون أو
قوم لزمتهم كفارات في قتل الخطأ أو في الظهار أو في الايمان أو في قتل الصيد كما
في رواية علي بن إبراهيم (2) وأما هذه الأخبار فلا دلالة فيها على أزيد من أنه
يشترى من الزكاة بقول مطلق، وحمل ذلك على سهم الرقاب - مع كونه لا دليل في

(1) الوسائل الباب 43 من المستحقين للزكاة وقد تقدمت ص 181
(2) ص 181 و 182
254

تلك الأخبار عليه بل ولا أدنى إشارة إليه - مدافع لما دل عليه بعضها من مسألة الميراث
كما ذكرناه وما دل عليه الآخر من كونه يظلم قوما آخرين حقوقهم كما أوضحناه، بل
التحقيق كما قدمنا ذكره في تلك المسألة أن جملة هذه الأخبار الدالة على شراء العبد من
الزكاة وعتقه كخبر أبي بصير وخبر عبيد بن زرارة وخبر أيوب وخبر الوابشي المتقدم
جميع ذلك (1) إنما خرجت مخرج الرخصة في جواز ذلك من غير أن يكون ذلك
داخلا تحت شئ من الأصناف الثمانية كما ذهب إليه جملة من الأصحاب المتقدم ذكرهم
ثمة، وهذه الأخبار ظاهرة الدلالة على هذا القول.
والعجب من صاحب المعتبر وما في كلامه من التناقض الذي أغمض عنه النظر،
فإنه لا ريب في أن ما ذكره - من أن العبد المبتاع بسهم الرقاب كالسائبة وأن الفقراء
لا مدخل لهم فيه بوجه هو الموافق للقواعد الشرعية، وبمقتضى ذلك فميراثه للإمام
عليه السلام فمن أين جاز له الخروج عن ذلك والرواية لا دلالة فيها على أزيد من كونه
اشتري من مال الزكاة بقول مطلق؟ نعم ما زعموه من كون العبد يجوز ابتياعه
من سهم الرقاب لا دليل عليه كما عرفت ولكن مع الاغماض عن الدليل فإن القول
بذلك يلزم منه ما ذكرناه. وقول المحققين بمضمون الرواية إن قصدوا به كون
ذلك من سهم الرقاب فهم محجوجون بما ذكرنا، وإن أرادوا به من الزكاة مطلقا
كما هو القول المشار إليه آنفا فلا حجة له فيه كما عرفت.
وبالجملة فإن كلامهم في هذه المسألة لا يخلو من تناقض واضطراب ومنه يظهر
وجه توقف العلامة في المختلف في هذه المسألة ولنعم ما فعل.
نعم يبقى الكلام في أن الميراث هل هو مخصوص بالفقراء والمساكين كما
تدل عليه رواية عبيد بن زرارة أو يكون لجميع أرباب الزكاة كما تدل عليه صحيحة
أيوب بن الحر المروية في كتاب العلل وقد تقدمت في تلك المسألة (2)؟ اشكال
وعبائر الأصحاب أيضا في هذا المقام بعضها اشتمل على كونه للفقراء والمساكين

(1) ص 181 و 182 و 183
(2) ص 182
255

وبعضها اشتمل على كونه لأرباب الزكاة. والعلامة في المختلف بعد أن نقل عبارة
الشيخ المفيد الدالة على التخصيص بالفقراء والمساكين من المؤمنين، قال:
والظاهر أن مراده ليس تخصيص الفقراء والمساكين بل أرباب الزكاة أجمع لأن
التعليل يعطيه.
ووجه الجمع بين الخبرين المذكورين ممكن بأحد وجهين: أولهما أن يقال إن
الميراث إنما هو لجميع أرباب الزكاة كما هو ظاهر كلام الأكثر وأن ذكر الفقراء في
موثقة عبيد بن زرارة إنما خرج مخرج التمثيل لا الحصر، فإنه لما كان أصل مال
الزكاة مشتركا بين الأصناف الثمانية - وكان الشراء على هذا الوجه خارجا عن
الأصناف المذكورة كما عرفت - كان ما اشترى بذلك من مال الأصناف المذكورة،
فميراثه حينئذ يرجع إليهم بالولاء لأنه من مالهم.
وثانيهما - ولعله الأظهر - أن يقال إن ظاهر رواية عبيد المذكورة كون المال
المشترى به إنما هو من سهم الفقراء خاصة، لحكمه عليه السلام بكون ميراثه للفقراء
خاصة وتعليله ذلك بأنه اشترى بمالهم، وإلا فلو كان إنما اشترى بالمال المشترك
بين الأصناف الثمانية لم يكن لتخصيصه بالفقراء وجه ظاهر لأن نسبته إلى الأصناف
بالسوية، وحينئذ فيمكن بمعونة ما ذكرناه أن يقال إن المراد من صدر الخبر أن
صاحب الزكاة قد خص هذه الألف الدرهم التي أخرجها زكاة ماله بالفقراء لأنها
أحد الأصناف والبسط عندنا غير واجب ولما لم يجدهم كما تضمنه الخبر اشترى بها
العبد المذكور وأعتقه ثم سأله الإمام عليه السلام عن ذلك فأجازه. هذا هو الذي ينطبق عليه
عجز الخبر بلا تمحل واشكال.
وحينئذ فوجه الجمع بين الخبرين المذكورين هو حمل الشراء في موثقة عبيد
على الشراء من سهم الفقراء بالتقريب الذي ذكرناه، وبذلك يكون الميراث
للفقراء لأنه من مالهم، وحمل صحيحة أيوب على أن الشراء وقع بالمال المشترك
من غير قصد لتخصيصه بصنف من الأصناف، فإنه يكون الميراث حينئذ لجميع
256

أرباب الزكاة لأنه قد اشترى بمالهم، والفارق في المقامين هو قصد المشتري ونيته
ولا بعد في ذلك فإن العبادات بل الأفعال كملا تابعة للقصود والنيات صحة وبطلانا
وثوابا وعقابا وتعددا واتحادا ونحو ذلك، ألا ترى أنه لو قصد صرف زكاته
كملا في سبيل الله الذي هو عبارة عن جميع الطاعات والقربات كما هو الأشهر
الأظهر ثم إنه اشترى بها عبدا وأعتقه فإنه لا إشكال في كونه سائبة وأن ميراثه
للإمام عليه السلام ولا ريب في قوة هذا الاحتمال وعليه تجتمع الأخبار بلا إشكال.
بقي الكلام في أنه على تقدير كون الشراء بمال الزكاة لا بقصد صنف مخصوص
وكون الميراث حينئذ لأرباب الزكاة كما ذكره عليه السلام في خبر أيوب فهل يكون قسمة
هذا الميراث بينهم على حسب قسمة المواريث من وجوب بسطه عليهم كملا أو
يكون حسب قسمة الزكاة من جواز تخصيص بعض الأصناف به؟ اشكال ينشأ من
احتمال كونه في حكم الزكاة لأنه فرع عليها والشركة في الزكاة ليست باعتبار وجوب
البسط وإنما هي باعتبار التخيير بين تلك الأصناف وأفرادها، ومن أن الأصل في
الشركة لغة وعرفا وشرعا هو وجوب التقسيط والبسط بين الشركاء قام الدليل
بالنسبة إلى الزكاة على عدم وجوب البسط وبقي ما عداه على حكم الأصل وهذا ليس
زكاة، وقيام الدليل في الزكاة لا يستلزم اجراءه في ما نحن فيه.
وبالجملة فالمسألة عندي محل توقف واشكال وإن كان للاحتمال الأخير نوع
رجحان. ولم أقف على من تعرض لذلك ولا نبه عليه أحد من أصحابنا (رضوان
الله عليهم) والله العالم بحقائق أحكامه.
الباب الثاني
في زكاة الفطرة
قيل: المراد بالفطرة إما الخلقة أو الدين أو الفطر من الصوم، والمعنى على
الأول زكاة الخلقة أي البدن، وعلى الثاني زكاة الدين والإسلام، وعلى الثالث
257

زكاة الفطر من الصوم.
أقول: ويمكن أن يؤيد الأول بقول الصادق عليه السلام (1) لمعتب: " اذهب
فاعط عن عيالنا الفطرة وعن الرقيق واجمعهم ولا تدع منهم أحدا فإنك إن تركت
منهم انسانا تخوفت عليه الفوت. قلت: وما الفوت؟ قال الموت " فإن فيه إشارة
إلى أن الزكاة موجبة لبقائه وحفظه من الموت فيكون الغرض منها حفظ البدن
وبقاءه، ووجه المناسبة ظاهر.
وأن يؤيد الثاني بما ورد في صحيحة أبي بصير وزرارة (2) من أن من تمام
الصوم اعطاء الزكاة لأنه من صام ولم يؤد الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمدا.
ثم إنه يجب أن يعلم أنه حيث كان وجوبها مشروطا بشرائط مخصوصة
والمخرج منها مخصوص بأجناس مقدرة بوزن خاص وهي أيضا مخصوصة بوقت
لا تقدم عليه ولا تؤخر عنه ومصرفها مخصوص بأفراد مخصوصة فالبحث عنها
يجب أن يجعل في فصول أربعة:
الفصل الأول - في شروط وجوبها وهي ثلاثة: الأول - التكليف فلا
تجب على الصبي والمجنون اجماعا كما نقله الفاضلان في المعتبر والمنتهى.
ويدل عليه عدم توجه الخطاب إليهما ورفع القلم عنهما (3) وخطاب الولي
يحتاج إلى دليل وليس فليس، فيكون ساقطا بالأصل.
ويدل على ذلك أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن القاسم بن
الفضيل عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (4) قال: " كتبت إليه: الوصي يزكي زكاة الفطرة
عن اليتامى إذا كان لهم مال؟ فكتب: لا زكاة على يتيم ".

(1) الوسائل الباب 5 من الزكاة الفطرة
(2) الوسائل الباب 1 من الزكاة الفطرة
(3) ارجع إلى التعليقة 1 ص 17
(4) الوسائل الباب 1 ممن تجب عليه الزكاة والباب 4 من زكاة الفطرة
258

وروى الشيخ المفيد في المقنعة عن عبد الرحمان بن الحجاج عن أبي عبد الله
عليه السلام (1) قال: " تجب الفطرة على كل من تجب عليه الزكاة.
ثم اعلم أنه قد ذكر جملة من المتأخرين هنا تفريعا على هذا الشرط سقوط
الفطرة عن من أهل عليه شوال وهو مغمى عليه ولم ينقلوا عليه دليلا.
واعترضهم بعض متأخري المتأخرين بأنه على اطلاقه لا يخلو من اشكال
نعم لو كان الاغماء مستوعبا لوقت الوجوب اتجه ذلك.
الثاني - الحرية فلا تجب على المملوك ولو قيل بملكه مدبرا كان أو أم ولد
أو مكاتبا مشروطا أو مطلقا لم يتحرر منه شئ، وظاهرهم الاتفاق على ذلك.
ولا أعلم فيه مخالفا سوى الصدوق (قدس سره) في من لا يحضره الفقيه
بالنسبة إلى المكاتب هل عليه فطرة شهر رمضان أو على من كاتبه وتجوز شهادته؟
قال الفطرة عليه ولا تجوز شهادته " ثم قال (قدس سره) قال مصنف هذا الكتاب:
وهذا على الانكار لا على الأخبار، ويريد بذلك أنه كيف تجب عليه الفطرة ولا تجوز
شهادته؟ أي إن شهادته جائزة كما أن الفطرة عليه واجبه. انتهى.
ومقتضى ذلك وجوب الفطرة عليه وهو جيد لدلالة الصحيحة على ذلك
سواء حملت على الانكار كما ذكره (قدس سره) أو على الأخبار. ويمكن مع
حملها على الأخبار خروجها مخرج التقية بالنسبة إلى الشهادة (3) والظاهر أنه أقرب
من ما ذكره (قدس سره).
والأصحاب (رضوان الله عليهم) قد احتجوا على انتفاء الوجوب عن المملوك
بالأصل والأخبار المستفيضة المتضمنة لوجوب فطرة المملوك على مولاه من غير

(1) الوسائل الباب 4 من زكاة الفطرة
(2) الوسائل الباب 17 من زكاة الفطرة
(3) في المهذب ج 2 ص 331، والمبسوط ج 16 ص 124 لا تقبل شهادة العبد
259

تفصيل كما سيأتي أن شاء الله تعالى نقل شطر منها في المقام، وفي قيام الدليل بها نظر
إذ ظاهر سياقها كما سيظهر لك أن وجوب ذلك على المولى إنما هو من حيث العيلولة
ووجوب الانفاق كسائر تلك الأفراد المعدودة معه، ويؤيد ذلك دلالة صحيحة على
ابن جعفر المتقدمة على وجوب الفطرة على المكاتب.
وأما ما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد رفعه عن أبي عبد الله
عليه السلام (1) - قال: " يؤدي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه " - فيمكن حملها على
العيلولة جمعا.
ومن ما يؤيد ذلك ما قدمناه أيضا في أول الكتاب (2) من دلالة ظاهر
بعض الأخبار على وجوب الزكاة عليه في ما يملكه متى أذن له المولى والتقريب
أنه متى وجبت عليه الزكاة المالية وجبت عليه زكاة الفطرة لما تقدم في الرواية
المنقولة عن المقنعة من قوله عليه السلام " تجب الفطرة على كل من تجب عليه الزكاة ".
وبالجملة فإني لم أقف لهم على دليل صريح يدفع الإيراد مع ما عرفت من ظهور
ما ذكرناه في المراد.
ثم إنه ينبغي أن يعلم أن وجوب الزكاة على المملوك مبني على القول بملكه
وإلا فإنه لا وجه للقول بذلك كما قدمنا ذكره أيضا في الزكاة المالية.
وظاهر الأصحاب أنه لو تحرر منه شئ وجبت الزكاة بالنسبة إلا أن يعوله
المولى فإن العيلولة كافية في الوجوب وإن كانت تبرعا كما ستأتي الأخبار به
إن شاء الله تعالى.
واستدل في المنتهى على وجوب الزكاة عليهما بالنسبة بأن النصيب المملوك تجب
نفقته على مالكه فتكون فطرته لازمة له، وأما النصيب الحر فلا يجب على السيد
أداء الزكاة عنه لأنه لا تتعلق به الرقية بل تكون زكاته واجبة على إذا ملك لجزئه

(1) الوسائل الباب 17 من زكاة الفطرة
(2) ص 28
260

الحر ما تجب به الزكاة عملا بالعموم.
وقوى الشيخ في المبسوط سقوط الزكاة عنه وعن المولى إذا لم يعله المولى،
لأنه ليس بحر فيلزمه حكم نفسه ولا هو مملوك فتجب زكاته على مالكه لأنه قد
تحرر بعضه، ولا هو في عيلولة مولاه فتلزمه فطرته لمكان العيلولة. انتهى.
وأنت خبير بأن المسألة لما كانت عارية عن النص فهي محل اشكال.
والظاهر أن مستند الأصحاب في ما ذكروه هو عمومات ما دل على وجوب
زكاة المملوك على سيده (1) فإنه أعم من أن يكون المملوك رأسا كاملا أو بعضا
وعموم ما دل على وجوب الزكاة على الحر المستكمل لباقي الشروط (2) فإنه أعم من
أن يكون رأسا كاملا أو بعضا.
وفيه ما قدمنا ذكره في كتاب الزكاة من أن اطلاق الأخبار إنما يحمل على
الأفراد الشائعة الكثيرة فإنها هي التي يتبادر إليها الاطلاق دون الفروض النادرة،
ولعل الشيخ لحظ ما ذكرناه فاسقط الزكاة عنه وعن المولى لذلك.
ثم إن ظاهر هذا الكلام في المسألة يشعر بوجوب الزكاة بمجرد الملك، لأن
هذا الخلاف إنما يجري على هذا التقدير فإنه مع عيلولة المالك أو غيره متبرعا
لا مجرى لهذا الخلاف، وحينئذ ففي المسألة اشكال آخر كما سيأتي بيانه حيث إن
مفاد الأخبار الآتية هو إناطة وجوب الفطرة بالعيلولة بالفعل لا بوجوب
العيلولة والانفاق.
الثالث - الغنى على الأشهر الأظهر وقد وقع الخلاف هنا في مقامين:
أحدهما - في اشتراط الغنى، فذهب الأكثر إلى اشتراطه حتى قال العلامة في المنتهى
إنه قول علمائنا أجمع إلا ابن الجنيد، فإنه ذهب إلى وجوب الفطرة على من فضل عن
مؤنته ومؤنة عياله ليوم وليلة صاع. وهذا القول نقله في الخلاف عن الشافعي

(1) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة
(2) الوسائل الباب 1 و 2 و 4 و 5 من زكاة الفطرة
261

وجماعة من العامة (1) ونقله في الخلاف أيضا عن أكثر أصحابنا.
والقول المشهور هو المعتمد، وعليه تدل الأخبار ومنها صحيحة الحلبي
عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " سئل عن رجل يأخذ من الزكاة عليه صدقة
الفطرة؟ قال لا ".
ورواية إسحاق بن المبارك (3) قال: " قلت لأبي إبراهيم عليه السلام على الرجل المحتاج صدقة الفطرة؟ قال ليس عليه فطرة ".
ورواية يزيد بن فرقد النهدي (4) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
يقبل الزكاة هل عليه صدقة الفطرة؟ قال لا ".
ورواية إسحاق بن عمار (5) قال: " قلت لأبي إبراهيم عليه السلام على الرجل المحتاج
صدقة الفطرة؟ قال ليس عليه فطرة ".
ورواية يزيد بن فرقد أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام (6) " أنه سمعه يقول من
أخذ من الزكاة فليس عليه فطرة. قال وقال ابن عمار إن أبا عبد الله عليه السلام قال لا فطرة
على من أخذ الزكاة ".
ورواية الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام (7) قال: " قلت له لمن تحل الفطرة؟
قال لمن لا يجد، ومن حلت له لم تحل عليه ومن حلت عليه لم تحل له ".
وروى الشيخ المفيد في المقنعة عن يونس بن عمار (8) قال: " سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة وتجب الفطرة على من
عنده قوت السنة ".

(1) في نيل الأوطار ج 4 ص 257 نقل عن مالك والشافعي وعطاء وأحمد وإسحاق
أنه يعتبر أن يكون مخرج الفطرة مالكا لقوت يوم وليلة، وفي المغني ج 3 ص 73 اعتبر فيه
أن يكون عنده فضلة عن قوت يومه وليله، وفي المجموع شرح المهذب ج 6 ص 113
الشافعي شرط أن يملك مخرج الفطرة فاضلا عن قوته وقوف من يلزمه نفقته ليلة
العيد ويومه.
(2) الوسائل الباب 2 من زكاة الفطرة.
(3) الوسائل الباب 2 من زكاة الفطرة.
(4) الوسائل الباب 2 من زكاة الفطرة.
(5) الوسائل الباب 2 من زكاة الفطرة.
(6) الوسائل الباب 2 من زكاة الفطرة.
(7) الوسائل الباب 2 من زكاة الفطرة.
(8) الوسائل الباب 2 من زكاة الفطرة.
262

والتقريب في ما عدا رواية المقنعة أنها قد دلت على أن الفقير ومن يأخذ الزكاة
لفقره لا فطرة عليه، ومتى ضم إلى ذلك الأخبار المستفيضة بوجوب زكاة الفطرة
وأنه يجب اخراجها عن نفسه وعن عياله ينتج من ذلك تخصيص الوجوب بمن لم
يكن فقيرا يجوز له أخذ الزكاة وليس إلا الغني المالك لمؤنة سنة فعلا أو قوة.
ويفصح عن ذلك قوله في رواية الفضيل " ومن حلت له لم تحل عليه ومن حلت عليه
لم تحل له " وأما رواية المقنعة فهي ظاهرة الدلالة في المراد غير محتاجة إلى ضم
ضميمة لدفع الإيراد.
وأما ما رواه في الكافي عن زرارة (1) - قال: " قلت الفقير الذي يتصدق
عليه هل عليه صدقة الفطرة؟ قال نعم يعطى من ما يتصدق به عليه ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله عن أبيه
(عليهما السلام) (2) قال: " زكاة الفطرة صاع من تمر.. إلى أن قال وليس على
من لا يجد ما يتصدق به حرج ".
وفي الموثق عن زرارة (3) قال: " قلت له هل على من قبل الزكاة زكاة؟ فقال
أما من قبل زكاة المال فإن عليه زكاة الفطرة وليس على من قبل الفطرة فطرة "
ونحوه عن الفضيل (4) -
فقد أجاب عنها الأصحاب بالحمل على الاستحباب، ولا يخفى أن صحيحة
القداح المذكورة غير ظاهرة في المخالفة إلا باعتبار مفهوم اللقب وهو ضعيف غير
معمول عليه عندنا.
ومن ما يؤكد الحمل على الاستحباب ما ورد أيضا في موثق إسحاق بن عمار (5)
قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل لا يكون عنده شئ من الفطرة إلا ما يؤدي

(1) الوسائل الباب 3 من زكاة الفطرة
(2) الوسائل الباب 5 و 2 من زكاة الفطرة
(3) الوسائل الباب 2 من زكاة الفطرة
(4) الوسائل الباب 2 من زكاة الفطرة
(5) الوسائل الباب 3 من زكاة الفطرة
263

عن نفسه وحدها أيعطيه غريبا أو يأكل هو وعياله؟ قال يعطي بعض عياله ثم
يعطي الآخر عن نفسه يرددونها بينهم فيكون عنهم جميعا فطرة واحدة ".
وثانيهما - ما يتحقق به الغنى المقتضي لوجوب الزكاة، والأشهر الأظهر أنه
الغنى بالمعنى الذي تقدم في الزكاة المالية وهو ملك مؤنة السنة فعلا أو قوة كما تدل
عليه رواية يونس بن عمار المتقدم نقلها عن كتاب المقنعة، والتقريب فيها أنها
دلت على كون الموجب لتحريم أخذ الزكاة والموجب للفطرة هو ملك قوت السنة
وهذا هو معنى الغنى المدعى في المقام.
وأما ما استدل به في المدارك على ذلك - حيث قال في بيان معنى الغنى المقتضي
للوجوب: والأصح أنه ملك قوت السنة فعلا أو قوة، لأن من لم يملك ذلك تحل
له الزكاة على ما بيناه في ما سبق فلا تجب عليه الفطرة كما دلت عليه صحيحة الحلبي
المتقدمة وغيرها. انتهى. -
ففيه أن هذا الدليل قاصر عن إفادة المدعى لأن حاصلة أن من لم يملك مؤنة السنة
لا تجب عليه الفطرة، وأين هذا من المدعى وهو أن الغنى المقتضي للوجوب عبارة
عن ملك مؤنة السنة فعلا أو قوة. نعم اللازم من هذا الدليل رد القول الآتي في
المسألة وأما اثبات المدعى فلا. نعم إذا ضم إلى ذلك ما أشرنا إليه آنفا من الأخبار
الدالة على وجوب الزكاة واخراج المكلف لها عن نفسه ومن يعوله ينتج من الجميع
وجوب الزكاة على من لم يكن فقيرا يجوز له أخذ الزكاة لفقره وليس إلا الغنى
المالك لقوت سنته فعلا أو قوة لعدم ثالث لهذين الفردين، فأخبار وجوب الزكاة
المشار إليها لا يجوز أن تكون شاملة لما ذكره ابن الجنيد أولا من الوجوب على من
فضل عن مؤنته ومؤنة عياله ليومه وليلته صاع، ولا لما ذكره الشيخ وابن إدريس
كما يأتي وهو وجوب الزكاة على من يملك نصابا تجب فيه الزكاة، لدخول هذين الفردين
في الفقير الذي دلت تلك الأخبار على أنه لا تجب عليه الفطرة.
وبالجملة فالأظهر هو الاستدلال على القول المذكور برواية يونس المذكورة
264

فإنها وافية بالمراد عارية عن الإيراد.
ومقتضى ما ذكرنا في معنى الغنى أنه لا يعتبر ملك مقدار زكاة الفطرة زيادة
على قوت السنة وبه قطع شيخنا الشهيد الثاني، وجزم المحقق في المعتبر والعلامة
في المنتهى باعتبار ذلك، قال في المدارك: ولا بأس به. وأنت خبير بأن ظاهر
رواية يونس بن عمار التي ذكرناها مستندا للقول المذكور ظاهر في القول الأول
فيكون هو الذي عليه المعول، ولا أعرف لهم مستندا على هذا القول إلا أن كان
لزوم صيرورته فقيرا باخراج زكاة الفطرة لقصور قوت السنة بذلك فيلزم أن
يكون فقيرا يجوز له أخذ الزكاة فلا معنى لوجوبها عليه ثم جواز أخذه لها، بخلاف
ما إذا اشترط ملك مقدار زكاة الفطرة زيادة على قوت السنة. وقد تقدم لهم نظير
هذه المسألة وبسطنا الكلام معهم فيها في شرحنا على المدارك.
ونقل عن الشيخ في الخلاف أنه قال تجب زكاة الفطرة على من يملك نصابا
تجب فيه الزكاة أو قيمة نصاب. واعتبر ابن إدريس ملك عين النصاب دون قيمته
ولله در المحقق في المعتبر حيث قال بعد نقل ذلك عنهما ونعم ما قال وما ذكره
الشيخ لا أعرف به حجة ولا قائلا من قدماء الأصحاب، فإن كان تعويله على ما احتج
به أبو حنيفة (1) فقد بينا ضعفه، وبالجملة فإنا نطالبه من أين قاله؟ وبعض المتأخرين
ادعى عليه الاجماع وخص الوجوب بمن معه أحد النصب الزكاتية ومنع القيمة
وادعى اتفاق الإمامية على قوله. ولا ريب أنه وهم، ولو احتج بأن مع ملك النصاب
تجب الزكاة بالاجماع منعنا ذلك، فإن من ملك النصاب ولا يكفيه لمؤنة عياله يجوز
له أن يأخذ الزكاة وإذا أخذ الزكاة لم تجب عليه الفطرة، لما روي عن أبي عبد الله عليه السلام في عدة روايات: منها رواية الحلبي ويزيد بن فرقد ومعاوية بن عمار
عن أبي عبد الله عليه السلام (2) " أنه سئل عن الرجل يأخذ من الزكاة عليه صدقة الفطرة؟
قال لا. انتهى.

(1) ارجع إلى الصفحة 160
(2) الوسائل الباب 2 من زكاة الفطرة
265

ومتى تكاملت هذه الشروط وجب على المكلف اخراجها عن نفسه وعن
جميع من يعوله فرضا أو نفلا مسلما أو كافرا، وعلى ذلك دلت الأخبار المستفيضة
المعتضدة باتفاق الأصحاب في هذا الباب:
ومنها - ما رواه في الفقيه في الصحيح عن هشام بن الحكم عن الصادق عليه السلام (1)
قال: " نزلت الزكاة وليس للناس أموال وإنما كانت الفطرة ".
أقول: هذا الخبر يدل على دخول زكاة الفطرة تحت آية الزكاة وهي قوله
عز وجل: " خذ من أموالهم صدقة.. الآية " (2).
وما رواه في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله
عليه السلام (3) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون عنده الضيف من
إخوانه فيحضر يوم الفطر يؤدي عنه الفطرة؟ فقال نعم الفطرة واجبة على كل من
يعول من ذكر أو أنثى صغير أو كبير حر أو مملوك ".
أقول: المراد بوجوب الفطرة هنا وجوب اخراجها عنه لا وجوب
اخراجها عليه، والعبارة خرجت مخرج التجوز كما يدل عليه الخبر الآتي.
وما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (4) قال: " سألته
عن ما يجب على الرجل في أهله من صدقة الفطرة؟ قال تصدق عن جميع من تعول
من حر أو عبد أو صغير أو كبير ".
وما رواه في الكافي عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (5) قال: " كل
من ضممت إلى عيالك من حر أو مملوك فعليك أن تؤدي الفطرة عنه ".
وما رواه في الكافي في الصحيح عن صفوان الجمال (6) قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الفطرة؟ فقال على الصغير والكبير والحر والعبد عن كل انسان

(1) الوسائل الباب 1 من زكاة الفطرة
(2) سورة التوبة الآية 105
(3) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة
(4) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة
(5) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة
(6) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة
266

صاع من حنطة أو صاع من تمر أو صاع من زبيب ".
ورواية معتب عن أبي عبد الله عليه السلام وقد تقدمت في أول الباب.
وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " صدقة
الفطرة على كل رأس من أهلك: الصغير والكبير والحر والمملوك والغني والفقير "
وما رواه في الفقيه في الصحيح عن صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " الواجب عليك أن تعطي عن نفسك وأبيك وأمك
وولدك وامرأتك وخادمك ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (3)
" في صدقة الفطرة؟ فقال تصدق عن جميع من تعول من صغير أو كبير أو حر أو
مملوك.. الحديث ".
وما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد رفعه عن أبي عبد الله
عليه السلام (4) قال: " يؤدي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه ورقيق امرأته وعبده
النصراني والمجوسي وما أغلق عليه بابه " قال في المعتبر بعد ايراد هذا الخبر: وهذا
وإن كان مرسلا إلا أن فضلاء الأصحاب أفتوا بمضمونه.
والمستفاد من هذه الأخبار هو وجوب اخراج الفطرة عن كل من يعول
من حر وعبد وذكر وأنثى وكبير وصغير ومسلم وكافر واجب النفقة أو غير
واجب النفقة.
وأما ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن صفوان عن عبد الرحمان بن الحجاج (5)
قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل ينفق على رجل ليس من عياله إلا أنه
يتكلف له نفقته وكسوته أتكون عليه فطرته؟ قال لا إنما تكون فطرته على عياله
صدقة دونه. وقال: العيال الولد والمملوك والزوجة وأم الولد " - فما تضمنه من حصر

(1) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة
(2) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة
(3) التهذيب ج 1 ص 371 وفي الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة
(4) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة
(5) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة
267

العيال في الأفراد المذكورة يجب حمله على الخروج مخرج التمثيل، بمعنى أن تكلف
الانفاق والكسوة لا يكفي في وجوب الفطرة بل لا بد من صدق العيلولة كما في
هذه الأفراد الأربعة، وعلى ذلك ينبغي أن تحمل رواية إسحاق بن عمار المتقدمة.
وتنقيح البحث في المقام يتوقف على رسم مسائل: الأولى - لا خلاف في
وجوب اخراج الفطرة عن واجبي النفقة كالأبوين والأولاد والزوجة والمملوك
متى كانوا في عياله وإنما الخلاف لو لم يكونوا كذلك.
وقد وقع الخلاف هنا في مواضع: أحدها - الزوجة لو لم تكن واجبة
النفقة على الزوج كالناشز والصغيرة وغير المدخول بها مع عدم التمكين، فالمشهور
عدم الوجوب إلا مع العيلولة تبرعا، وذهب ابن إدريس إلى الوجوب مطلقا سواء
كانت ناشزة أم لا وجبت نفقتها أم لا دخل بها أو لم يدخل دائمة ومنقطعة
واحتج على ذلك بالاجماع والعموم من غير تفصيل، ولا ريب في ضعفه لما
عرفت من الأخبار المتقدمة الدالة صريحا على أن ذلك منوط بالعيلولة وبموجب
ذلك تنتفي عند عدمها.
قال المحقق في المعتبر: قال بعض المتأخرين الزوجية سبب لايجاب الفطرة
لا باعتبار وجوب مؤنتها ثم تخرج فقال يخرج عن الناشز والصغيرة التي لا يمكن
الاستمتاع بها، ولم يبد حجة عدا دعوى الاجماع من الإمامية على ذلك. وما عرفنا
أحدا من فقهاء الاسلام فضلا عن الإمامية أوجب الفطرة على الزوجة من حيث
هي زوجة بل ليس تجب فطرة إلا عن من تجب مؤنته أو يتبرع بها عليه، فدعواه
إذا غريبة عن الفتوى والأخبار. انتهى. وهو جيد.
وثانيها - أنه لو كانت الزوجة واجبة النفقة ولكن لم يعلها الزوج ولا غيره
فالمشهور وجوب فطرتها على الزوج لأنها تابعة لوجوب النفقة، ونقل في الشرائع
قولا بعدم وجوبها إلا مع العيلولة وإليه مال السيد السند في المدارك، وهو الذي
دلت عليه الأخبار المتقدمة.
والمحقق في الشرائع بعد نقل القولين المذكورين قال: وفيه تردد. قال شيخنا
268

الشهيد الثاني في المسالك في بيان التردد: إن منشأه الشك في كون السبب هو العيلولة
أو الزوجية والمملوكية، وظاهر النصوص الثاني فيجب عنهما وإن لم يعلهما
كما مر. انتهى.
وأنت خبير بما فيه فإن النصوص المتقدمة ظاهرة بل صريحة في إناطة
الوجوب بالعيلولة زوجة كانت أو غيرها من تلك الأفراد المعدودة في الأخبار
وليس فيها ما ربما يتوهم منه ما ذكره إلا صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج ورواية
إسحاق بن عمار وقد عرفت الجواب عنهما.
وثالثها - المملوك وقد قطع الأصحاب (رضوان الله عليهم) بوجوب زكاته
على المولى مطلقا، قال في المعتبر: تجب الفطرة عن العبد الغائب الذي يعلم حياته
والآبق والمرهون والمغصوب، وبه قال الشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم، وقال
أبو حنيفة لا تلزمه زكاته لسقوط نفقته كما تسقط عن الناشز (1) لنا أن الفطرة
تجب على من يجب أن يعوله وبالرق تلزم العيلولة فتجب الفطرة. وحجته ضعيفة
لأنا لا نسلم أن نفقته تسقط عن المالك مع الغيبة وإن اكتفى بغير المالك كما لو كان
حاضرا واستغنى بكسبه. ونحوه كلام العلامة في المنتهى، وفي الشرائع تردد في
المسألة كما قدمنا نقله عنه في الزوجة، وقد عرفت وجه التردد من ما نقلناه عن شيخنا
الشهيد الثاني آنفا.
وأنت خبير بأن الظاهر من النصوص المتقدمة كما أشرنا إليه آنفا هو حصول
العيلولة بالفعل لا مجرد وجوب العيلولة، وإلى ذلك مال السيد السند في المدارك
والفاضل الخراساني في الذخيرة وهو الحق الحقيق بالاتباع.
وينبغي أن يعلم أنه لو عال الزوجة أو المملوك غير الزوج والسيد تعلقت
الزكاة به وسقطت عنهما بغير اشكال ولا خلاف.
ورابعها - الأبوان والأولاد، قال الشيخ في المبسوط على ما نقل في المختلف:
والأبوان والأجداد والأولاد الكبار إذا كانوا معسرين كانت نفقتهم وفطرتهم

(1) المغني ج 3 ص 71
269

عليه. ثم قال (قدس سره): والأقرب أن نفقتهم عليه، أما الفطرة فإن عالهم
وجبت الفطرة وإلا فلا وإن وجبت النفقة لنا أن الفطرة منوطة بالعيلولة وقد
انتفت فينتفي الوجوب: احتج الشيخ بأنهم واجبوا النفقة فتجب الفطرة لأنها تابعة
لها. والجواب أنها تابعة للنفقة لا لوجوبها. انتهى.
وفيه أن ما ذكره في مقام الرد على الشيخ وإن كان هو الظاهر من الأخبار
والذي عليه العمل إلا أنه مخالف لما صرح به هو وغيره كما قدمنا نقل ذلك عنهم
في مسألة الزوجة والمملوك، فإنهم جعلوا الفطرة تابعة لوجوب النفقة دون
حصولها بالفعل، وسؤال الفرق متجه كما لا يخفى.
الثانية - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في العبد الغائب الذي لا تعلم
حياته هل تجب فطرته على المولى أم لا؟ فذهب جماعة: منهم - الشيخ في الخلاف
والمحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى إلى عدم الوجوب، وقال الشيخ في المبسوط
والخلاف: الغائب إن علم مولاه حياته وجبت عليه فطرته وإن لم يعلم لم تجب.
وقال في المعتبر: لو كان له مملوك لا يعلم حياته قال الشيخ لا تلزمه فطرته.
ثم نقل عن الشيخ أنه احتج بأنه لا يعلم أن له مملوكا فلا تجب عليه زكاته. ثم قال وما
ذكره الشيخ حسن.
والخلاف في هذه المسألة منقول عن ابن إدريس، فإنه أوجب فطرته في
هذه الصورة على المولى محتجا بأن الأصل البقاء، وبأنه يصح عتقه في الكفارة إذا
لم يعلم بموته وهو إنما يتحقق مع الحكم ببقائه فتجب فطرته. ويظهر من شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك الميل إلى هذا القول أيضا.
احتج الشيخ ومن تبعه على ما ذكروه بما تقدم نقله أولا، وبأن الإيجاب شغل
الذمة فيقف على ثبوت المقتضي وهو الحياة وهي غير معلومة، وبأن الأصل عصمة
مال الغير فيقف انتزاعه على العلم بالسبب ولم يعلم.
وأما ما ذكره ابن إدريس من الأصل فهو معارض بهذا الأصل المذكور.
270

وما ذكره من القياس على عتقه في الكفارة - إشارة إلى صحيحة أبي هاشم الجعفري
الواردة بذلك (1) قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل قد أبق عنه مملوكه أيجوز
أن يعتقه في كفارة الظهار؟ قال لا بأس به ما لم يعرف منه موتا " ففيه (أولا) أن
التسوية بين صحة العتق ووجوب الفطرة لا دليل عليه إذ لا ملازمة بينهما ولا
ترتب للثاني على الأول. و (ثانيا) بامكان الفرق بين الأمرين، فإن العتق اسقاط
ما في الذمة من حقوق الله تعالى وهي مبنية على التخفيف بخلاف الفطرة فإنها
ايجاب مال على مكلف لم يثبت سبب وجوبه عليه.
أقول: والتحقيق في الاحتجاج للقول المشهور والرد على ابن إدريس هو
أن يقال إن وجوب الفطرة تابع للعيلولة كما اخترناه وذكرنا أنه مدلول الأخبار
المتقدمة، أو لو جوبها كما قدمنا نقله عنهم، وانتفاء الأصل على ما ذكرنا ظاهر،
وعلى ما ذكروه هو عدم معلومية الوجود فكيف يخاطب بوجوب الانفاق عليه
وهو لا يعلم حياته؟.
ولا يخفى أن الظاهر من كلامهم كما قدمنا لك من كلام الشيخ والمحقق أن محل
الخلاف في المسألة هو مفقود الخبر الذي لا يعلم حياته ولا موته، وهو الذي
اختلف الأصحاب في حكمه بالنسبة إلى ميراثه وزوجته وأوجبوا في ميراثه
وزوجته طلب أربع سنين، وهو الذي تضمنته صحيحة الجعفري المتقدمة التي
استند إليها ابن إدريس ورتب حكم الفطرة عليها، فما ذكره في المدارك من أن محل
الخلاف في هذه المسألة غير محرر حتى أنه احتمل أن يكون محل الخلاف مطلق
المملوك الغائب الذي لا يعلم حياته - ليس بجيد.
وبالجملة فهنا أمران: أحدهما - ما ذكرناه من مفقود الخبر الذي لا يعلم له
حياة ولا موت. وثانيهما - من كان غائبا وأخباره تأتي في أغلب الأوقات فإنه يحكم
بوجوده وقت الفطرة مثلا وإن كان ذلك غير معلوم قطعا لغيبته وبعده عملا

(1) الوسائل الباب 48 من كتاب العتق
271

باستصحاب الحياة، ولذا ورد في صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام (1)
قال: " لا بأس بأن يعطي الرجل عن عياله وهم غيب عنه ويأمرهم فيعطون عنه وهو
غائب عنهم " ومحل الخلاف إنما هو الفرد الأول كما لا يخفى على المتأمل، وكيف
يحتمل أن يجعل هذا الفرد الأخير مطرح الخلاف في هذه المسألة مع قولهم بمضمون
صحيحة جميل المذكورة من غير خلاف يعرف.
الثالثة - قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو كان
العبد بين شريكين فالزكاة عليهما فإن عاله أحدهما فالزكاة على العائل، ونقل في الدروس
قولا بأنه لا زكاة فيه، ولعله إشارة إلى ما نقل عن ابن بابويه من أنه قال لا فطرة
عليهم إلا أن يكمل لكل واحد منهم رأس تام. كذا نقله عنه في المدارك والظاهر أنه من غير الفقيه.
نعم روى في الفقيه ما يدل على ذلك رواه عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (2)
قال: " قلت عبد بين قوم عليهم فيه زكاة الفطرة؟ قال إذا كان لكل انسان رأس
فعليه أن يؤدي عنه فطرته، وإذا كان عدة العبيد وعدة الموالي سواء وكانوا جميعا
فيهم سواء أدوا زكاتهم لكل واحد منهم على قدر حصته، وإن كان لكل انسان منهم
أقل من رأس فلا شئ عليهم ".
قال في المدارك: وهذه الرواية وإن كانت ضعيفة السند إلا أنه لا يبعد
المصير إلى ما تضمنته، لمطابقته لمقتضى الأصل وسلامتها من المعارض. انتهى.
أقول: فيه (أولا) - إن ظاهر الخبر المذكور هو وجوب الزكاة بمجرد
الملك، وهو لا يقول به لما تقدم منه في غير موضع من إناطة ذلك بالعيلولة كما
قدمنا ذكره.
و (ثانيا) ما علم من طريقته وتصلبه في الوقوف على الاصطلاح المشهور

(1) الوسائل الباب 19 من زكاة الفطرة
(2) الوسائل الباب 18 من زكاة الفطرة وفي الفقيه ج 2 ص 119 " رقيق " بدل " عبد "
272

من رد الأخبار الضعيفة فكيف يتلقى هذا الخبر هنا بالقبول؟
و (ثالثا) أن تستره هنا بمطابقته لمقتضى الأصل مردود بأن الأخبار
المتقدمة قد دلت على وجوب اخراج الزكاة عن المملوك أعم من أن يكون رأسا
تاما أو أقل، وإلا لانتقض عليه بما ذكره هو وغيره في المكاتب المطلق إذا تحرر
منه بعض، فإنه استند - في الوجوب عليه وعلى المولى بالنسبة إلى ما نقله في تلك
المسألة عن العلامة في المنتهى من ما يؤذن بوجوب الزكاة على كل منهما بالنسبة.
ولو أجاب هنا - بأن تلك الأخبار التي ادعيتم دلالتها على وجوب اخراج الزكاة عن
المملوك إنما هي مع العيلولة فلا دلالة فيها قلنا يلزم إذا طرح هذا الخبر من البين
لخروجه عن ما دلت عليه تلك الأخبار المتكاثرة من إناطة الوجوب بالعيلولة فلا معنى
لاستناده إليه هنا مع قوله بمضمون تلك الأخبار.
الرابعة - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) سقوط الفطرة عن
الزوجة الموسرة والضيف الغني بالاخراج عنهما، ونقل عن ظاهر ابن إدريس
ايجاب الفطرة على الضيف والمضيف، ولا ريب في ضعفه لما تقدم من الأخبار الدالة
على وجوب الزكاة على المعيل ولا ريب في سقوطها بعد ذلك عن المعال، وايجابها
على الضيف أو غيره بعد ذلك يحتاج إلى دليل وليس فليس.
والعجب من صاحب الذخيرة حيث إنه بعد نقل ذلك عن ابن إدريس قال
وهو أحوط. وما أدري ما وجه هذا الاحتياط مع عدم معارض بل ولا شبهة
توجب خلاف ما ذكرناه؟
نعم لو علم بعدم اخراج المعيل لها عنه ففيه احتمال وإن كان ظواهر الأخبار
المشار إليها - من حيث دلالتها على تعلق الخطاب بالمعيل - سقوط ذلك عن المعال
ضيفا أو غيره علم بعدم الاخراج أو لم يعلم، إلا أن الاحتياط هنا هو اخراج
الضيف عن نفسه وكذا غيره ممن تجب عليه لو لم يكن عيالا على غيره.
الخامسة - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الزوجة الموسرة إذا
273

كان الزوج معسرا هل تجب الفطرة عليها أم لا؟ فقال الشيخ في المبسوط لا فطرة
عليها ولا على الزوج، لأن الفطرة على الزوج فإذا كان معسرا لا تجب عليه الفطرة
ولا تلزم الزوجة لأنه لا دليل عليه. وقواه فخر المحققين في الإيضاح. وقيل بوجوبها
على الزوجة وبه قطع ابن إدريس وقواه المحقق في المعتبر، لأنها ممن يصح أن
يزكى والشرط المعتبر موجود فيها وإنما تسقط عنها لوجوبها على الزوج فإذا لم
تجب عليه وجبت عليها، واختار هذا القول الشهيد في الدروس.
وفصل العلامة في المختلف فقال: والأقرب أن نقول إن بلغ الاعسار بالزوج
إلى حد تسقط عنه نفقه الزوجة بأن لا يفضل معه شئ البتة فالحق ما قاله ابن إدريس
وإن لم ينته الحال إلى ذلك بأن كان الزوج ينفق عليها مع اعساره فلا فطرة هنا.
والحق ما قاله الشيخ. ثم استدل على الأول بعموم الأدلة الدالة على وجوب
الفطرة على كل مكلف غني خرج منه الزوجة الموسرة لمكان العيلولة فيبقى الباقي
مندرجا في العموم. وعلى الثاني بأنها في عيلولة الزوج فسقطت فطرتها عن نفسها
وعن زوجها لفقره.
واعترضه هنا الشهيد في البيان فقال: ويضعف بأن النفقة لا تسقط فطرة الغني
إلا إذا تحملها المنفق. قال في المدارك بعد نقل ذلك عن الشهيد: وهو جيد.
ثم إن شيخنا العلامة في المختلف أيضا رجع في تتمة الكلام السابق إلى بناء
المسألة على وجوبها على الزوج بالأصالة أو عليها بالأصالة فقال: والتحقيق أن الفطرة
إن كانت بالأصالة على الزوج سقطت لإعساره عنه وعنها، وإن كانت بالأصالة على
الزوجة وإنما يتحملها الزوج سقطت عنه لفقره ووجبت عليها عملا بالأصل. انتهى
وأورد عليه بأن ظاهر الأخبار وكلام الأصحاب وإن اقتضى وجوب الفطرة
بالأصالة على الزوج مع يساره إلا أن ذلك لا يقتضي سقوطها عن الزوجة الموسرة
مع اعساره. ومرجع هذا الكلام إلى تخصيص الأصالة على الزوج بصورة اليسار.
أقول: والتحقيق عندي في هذا المقام أن يقال لا ريب أنه قد اتفقت
274

الأخبار وكلمة الأصحاب على وجوب زكاة الفطرة على المكلف الحر الغني كما تقدم
تحقيقه كائنا من كان، خرج من ذلك بالأخبار المتقدمة من وجبت فطرته على
غيره بالعيلولة كائنا من كان، ولا ريب أن الزوج المعسر لا تجب عليه فطرته ولا
فطرة زوجته في الصورة المفروضة، فيبقى وجوب اخراج الفطرة على الزوجة
بمقتضى الأخبار وكلام الأصحاب خاليا من المعارض. ومن ما ذكرنا يعلم توجه
المنع إلى كلام الشيخ المتقدم في موضعين: (أحدهما) قوله: " لأن الفطرة على
الزوج " فإنه على اطلاقه ممنوع فإنها إنما تكون عليه مع يساره. و (ثانيهما) قوله:
" ولا تلزم الزوجة لأنه لا دليل عليه " وكيف لا دليل عليه وهي داخلة في عموم
الأخبار وكلمة الأصحاب الدالة على وجوب الفطرة على كل مكلف حر غني
السادسة - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في قدر الضيافة المقتضية
لوجوب اخراج الفطرة عن الضعيف، فنقل عن الشيخ والمرتضى اشتراط الضيافة
طول الشهر، واكتفى الشيخ المفيد بالنصف الأخير، وعن ابن إدريس أنه اجتزأ
بليلتين في آخره واختاره في المختلف، واجتزأ في المنتهى والتذكرة بالليلة الواحدة
ونقل في المعتبر والتذكرة عن جماعة من الأصحاب الاكتفاء بالعشر الأواخر
ونقل في المعتبر عن جماعة من الأصحاب الاكتفاء بآخر جزء من الشهر بحيث
يهل الهلال وهو في ضيافته، قال وهذا هو الأولى. وقال في الدروس: ويكفي في.
الضيف أن يكون عنده في آخر جزء من شهر رمضان متصلا بشوال سمعناه
مذاكرة، والأقرب أنه لا بد من الافطار عنده في شهر رمضان ولو ليلة. وفي البيان
فيمكن الاكتفاء بمسمى الضيافة في جزء من الشهر بحيث يدخل شوال وهو عنده
كما قال في المعتبر إلا أن مخالفة قدماء الأصحاب مشكل. وهو مؤذن بالتوقف في
المسألة، واختار هذا القول أيضا المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد ولكن صرح
بوجوب الأكل عند المضيف كما لو ساغ له الافطار لسفر أو مرض لتصدق العيلولة
بذلك، وظاهر من عداه ممن ذهب إلى ذلك الاطلاق وإن لم يأكل عنده، ومنهم
شيخنا الشهيد الثاني حيث إنه اختار ذلك فقال: إن المتبادر من معنى الضيافة لغة
275

وعرفا هو النزول للقرى وإن لم يكن قد أكل عنده. وكأنه (قدس سره) غفل عن
ملاحظة ما اشتملت عليه الروايات من ذكر العيلولة، ولا سيما رواية عمر بن
يزيد (1) التي تضمنت ذكر الضيف حيث قال فيها: " نعم الفطرة واجبة على
كل من يعول ".
ونقل في المدارك أنه استدل على هذا القول الأخير بتعلق الحكم في رواية
عمر بن يزيد المتقدمة على حضور يوم الفطر ويكون عند الرجل الضيف من
إخوانه، فإن ذلك تحقيق لمسمى الضيافة في جزء من الشهر ثم اعترضه فقال:
وهو منظور فيه أيضا لأن مقتضى قوله عليه السلام: " نعم الفطرة واجبة على كل من
يعول " اعتبار صدق العيلولة عرفا في الضيف كغيره. انتهى. وهو جيد.
والظاهر من ما ذكرناه أن هذه القول الأخير وإن اختاره جملة من هؤلاء
الفضلاء إلا أنه أضعف أقوال المسألة. وبالجملة فالمسألة عندي محل اشكال والاحتياط
فيها مطلوب على كل حال.
بقي الكلام هنا في موضعين: أحدهما - أنه لا ريب أن وجوب الزكاة على
المضيف إنما هو مع الغنى الذي هو أحد شروط الوجوب المتقدمة فمع عدم ذلك لا تجب
عليه، وحينئذ فلو كان الضيف موسرا هل تجب عليه أم لا؟ قيل بالوجوب وبه
صرح شيخنا العلامة في المختلف والشهيد في البيان وغيرهما والظاهر أنه هو المشهور
لأن العيلولة لا تسقط فطرة الغني إلا إذا تحملها المعيل. واحتمل بعضهم السقوط
هنا مطلقا أما عن المضيف فلاعساره وأما عن الضيف فلمكان العيلولة. وضعفه
يظهر من ما قدمناه من التحقيق في سابق هذه المسألة.
وثانيهما - لو كان المضيف معسرا وتبرع بالاخراج عن ضيفه الموسر فهل
يسقط الوجوب عن الضيف أم لا؟ جزم الشهيد في البيان بعدم الاجزاء، واحتمل
في المختلف الاجزاء لأن الشارع قد ندب إليها. ورده في البيان بعدم ثبوت الندب

(1) ص 266
276

في هذه الصورة والمنصوص استحباب اخراج الفقير لها عن نفسه وعياله وليس
هذا منه. وفصل شيخنا الشهيد الثاني بالفرق بين إذن الضيف وعدمه فقال إن
عدم الاجزاء على الثاني حسن والاجزاء على الأول أحسن، وقال لو تبرع
المضيف باخراجها عن الموسر توقف الاجزاء على إذنه، وكذا القول في الزوجة
وغيرها. انتهى.
أقول: لا يخفى أن براءة الذمة من ما علم اشتغالها به بفعل الغير خارج عن
مقتضى القواعد الشرعية والضوابط المرعية بإذن كان أو بغير إذن فيقتصر فيه على
موارد الرخصة، وقد قام الدليل على ذلك في الدين وقضاء بعض العبادات عن الميت
وتبرع المقرض بدفع الزكاة عن المقترض فيجب القول بذلك وقوفا على موضع
النص، ولا نص في هذا المقام على ما ذكروه.
السابعة - الظاهر أنه لا خلاف في أن من بلغ قبل الهلال أو أسلم أو زال
جنونه أو ملك ما يحصل به الغنى فإنه تجب عليه زكاة الفطرة، وكذا من ولد له مولود
أو ملك مملوكا، أما لو كان بعد ذلك فإنه لا تجب وإن استحب له الاخراج
إلى الزوال.
ويدل على عدم الوجوب ما رواه في الفقيه عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " في المولود يولد ليلة الفطر واليهودي والنصراني يسلم ليلة
الفطر؟ قال ليس عليهم فطرة، ليس الفطرة إلا على من أدرك الشهر ".
وما رواه الشيخ في التهذيب والكليني في الصحيح عن معاوية بن عمار (2)
قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مولود ولد ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال: لا قد
خرج الشهر. وسألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال لا ".
واستدلوا على الاستحباب بما رواه الشيخ مرسلا (3) قال: وقد روي أنه إن
ولد له قبل الزوال يخرج عنه الفطرة وكذلك من أسلم قبل الزوال. وحمله الشيخ

(1) الوسائل الباب 11 من زكاة الفطرة
(2) الوسائل الباب 11 من زكاة الفطرة
(3) الوسائل الباب 11 من زكاة الفطرة
277

ومن تبعه على الاستحباب. وفيه ما عرفت في غير موضع من هذا الكتاب.
واستدل عليه أيضا بما رواه ابن بابويه عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر
عليه السلام (1) قال: " سألته عن ما يجب على الرجل في أهله من صدقة الفطرة؟ قال
تصدق عن جميع من تعول من حر أو عبد صغير أو كبير من أدرك منهم الصلاة "
بناء على أن الظاهر من الصلاة صلاة العيد، المراد بادراكها إدراك وقتها بمعنى
دخوله في عيلولته قبل وقت الصلاة.
وحكى العلامة في المختلف عن ابن بابويه في المقنع أنه قال: وإن ولد لك
مولود يوم الفطر قبل الزوال فادفع عنه الفطرة وإن ولد بعد الزوال فلا فطرة
عليه، وكذا إذا أسلم الرجل قبل الزوال وبعده.
وظاهر هذه العبارة الوجوب، وهي عين عبارة كتاب الفقه الرضوي، وبها
عبر أبوه في رسالته أيضا كما نقله في المختلف، والأصحاب بهذه العبارة نسبوا إليهما
القول بامتداد وقت الوجوب إلى الزوال كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى، إلا أنه
في كتاب من لا يحضره الفقيه صرح هنا بالاستحباب فقال: وإن ولد لك مولود
يوم الفطر قبل الزوال فادفع عنه الفطرة استحبابا وإن ولد بعد الزوال فلا فطرة
عليه، وكذلك الرجل إذا أسلم قبل الزوال أو بعده فعلى هذا، وهذا على الاستحباب
والأخذ بالأفضل فأما الواجب فليست الفطرة إلا على من أدرك الشهر، روى ذلك
علي بن أبي حمزة عن معاوية بن عمار.. وساق الرواية المتقدم نقلها عنه، وحينئذ
فيحتمل حمل عبارة المقنع على ذلك وإن كان الأقرب ابقاء تلك العبارة على ظاهرها
فيكون قولا آخر له في المسألة.
الفصل الثاني - في بيان ما يجب اخراجه من الأجناس وبيان مقداره، والكلام
في هذا الفصل يقع في مقامين:
الأول - في الجنس الواجب اخراجه وقد اختلفت فيه كلمة الأصحاب (رضوان
الله عليهم) فنقل عن علي بن بابويه في رسالته وولده في مقنعه وهدايته وابن

(1) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة
278

أبي عقيل في متمسكه أن صدقة الفطرة صاع من حنطة أو صاع من شعير أو صاع
من نمر أو صاع من زبيب. وظاهر هذا الكلام وجوب الاقتصار على هذه الأربعة
وقال الشيخ في الخلاف: يجوز اخراج صاع من الأجناس السبعة: التمر والزبيب
والحنطة والشعير والأرز والأقط واللبن، للاجماع على اجزاء هذه وما عداها ليس
على جوازه دليل. وفي المبسوط الفطرة صاع من التمر أو الزبيب أو الحنطة والشعير
أو الأرز أو الأقط أو اللبن. وهذا يشعر بوجوب الاقتصار على هذه السبعة.
وقال الشيخ المفيد في المقنعة: باب ماهية زكاة الفطرة وهي فضلة أقوات أهل الأمصار
على اختلاف أقواتهم في النوع من التمر والزبيب والحنطة والشعير والأرز والأقط
واللبن فيخرج أهل كل مصر فطرتهم من قوتهم. وبمثل هذه العبارة عبر السيد
والمرتضى (رضي الله عنه) إلا أنه لم يذكر الأرز. وقال ابن الجنيد يخرجها من
وجبت عليه من أغلب الأشياء على قوته حنطة أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا أو سلتا
أو ذره. وبه قال أبو الصلاح وابن إدريس. وقال المحقق في المعتبر: والضابط
اخراج ما كان قوتا غالبا كالحنطة والشعير والتمر والزبيب والأرز والأقط واللبن
وهو مذهب علمائنا. ونحو ذلك كلام العلامة في المنتهى والشهيد وهو المشهور
بين المتأخرين، وهو يرجع إلى كلام الشيخ في الخلاف والمبسوط من التخصيص
بالأجناس السبعة من حيث إنها هي القوت الغالب كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى
وقال السيد السند في المدارك: والمعتمد وجوب اخراج الحنطة والشعير والتمر
والزبيب والأقط خاصة. وهذا القول يرجع إلى القول الأول في الأجناس الأربعة
ويزيد عليه بالأقط خاصة.
ومنشأ هذا الاختلاف اختلاف الأخبار بحسب الظاهر وها أنا أتلوها عليك
فمنها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان الجمال (1) قال: " سألت أبا عبد الله

(1) التهذيب ج 1 ص 371 وفي الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة، والشيخ يرويه عن الكليني.
279

عليه السلام عن الفطرة؟ فقال على الصغير والكبير والحر والعبد، عن كل انسان صاع من
بر أو صاع من تمر أو صاع من زبيب ".
وفي الصحيح عن سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (1)
قال: " سألته عن الفطرة كم يدفع عن كل رأس من الحنطة والشعير والتمر والزبيب؟
قال صاع بصاع النبي صلى الله عليه وآله ".
وفي الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " صدقة الفطرة على
كل رأس من أهلك: الصغير والكبير والحر والمملوك والغني والفقير، عن كل انسان
نصف صاع من حنطة أو شعير أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين ".
وفي الصحيح عن عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام) (3)
قال: " زكاة الفطرة صاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير أو صاع
من أقط عن كل انسان حر أو عبد صغير أو كبير، وليس على من لا يجد ما يتصدق
به حرج ".
وفي الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (4) قال: " يعطى أصحاب
الإبل والبقر والغنم في الفطرة من الأقط صاعا ".
أقول: وعلى هذه الروايات اعتمد صاحب المدارك لصحة أسانيدها حيث إنه يدور مدار الأسانيد صحة وضعفا ولكن فيه ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
ومنها - ما رواه في الكافي عن يونس عن من ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام (5)
قال: " قلت له جعلت فداك هل على أهل البوادي الفطرة؟ قال فقال الفطرة على كل
من أقتات قوتا فعليه أن يؤدي من ذلك القوت ".
وما رواه في التهذيب عن زرارة وابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام (6) قال

(1) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة
(2) الوسائل الباب 3 و 6 من زكاة الفطرة
(3) الوسائل الباب 5 و 2 من زكاة الفطرة
(4) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة
(5) الوسائل الباب 8 من زكاة الفطرة
(6) الوسائل الباب 8 من زكاة الفطرة
280

" الفطرة على كل قوم من ما يغذون عيالاتهم من لبن أو زبيب أو غيره ".
وما رواه الشيخ في التهذيب عن إبراهيم بن محمد الهمداني (1) قال: " اختلفت
الروايات في الفطرة فكتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام أسأله عن ذلك
فكتب أن الفطرة صاع من قوت بلدك: على أهل مكة واليمن والطائف وأطراف
الشام واليمامة والبحرين والعراقين وفارس والأهواز وكرمان تمر، وعلى أهل أوساط
الشام زبيب، وعلى أهل الجزيرة والموصل والجبال كلها بر أو شعير، وعلى أهل
طبرستان الأرز، وعلى أهل خراسان البر إلا أهل مرو والري فعليهم الزبيب،
وعلى أهل مصر البر، ومن سوى ذلك فعليهم ما غلب قوتهم، ومن سكن البوادي
من الأعراب فعليهم الأقط. والفطرة عليك وعلى سائر الناس.. الحديث ".
وزاد شيخنا المفيد في المقنعة في الخبر بعد قوله " فعليهم الأقط ": ومن
عدم الأقط من الأعراب ووجد اللبن فعليه الفطرة منه " ويحتمل أن تكون هذه
الزيادة من كلامه (قدس سره).
أقول: وبهذه الأخبار الأخيرة أخذ من قال بالقول المشهور وضم إليها
الأخبار الأول بحمل ما ذكر فيها على جهة التمثيل لا الحصر كما توهمه من خالف في
المسألة، وصاحب المدارك لما كان اختياره يدور مدار صحة الأسانيد اختار ما دلت
عليه تلك الأخبار الأولة وأجاب عن ما عداها بضعف الاسناد وعدم صلاحيته
لمعارضة تلك الأخبار.
وأنت خبير بأن من لا يعتمد على هذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد أقرب
من الصلاح فالظاهر عنده هو حمل ما ذكره من الأخبار على ما ذكرناه، ولهذا
اختلفت الأخبار في ذكر هذه الأجناس بالزيادة والنقصان والتبديل والتغيير،
فنقص من صحيحة صفوان الشعير ومن صحيحة عبد الله بن ميمون البر وزيد الأقط
وفي صحيحة أبي عبد الرحمان الحذاء وهو أيوب بن عطية عن أبي عبد الله

(1) الوسائل الباب 8 من زكاة الفطرة
281

عليه السلام (1) " أنه ذكر صدقة الفطرة أنها تجب.. إلى أن قال صاع من تمر أو صاع من
زبيب أو صاع من شعير أو صاع من ذرة " فنقص من هذه الرواية البر وزيد
الذرة، وكان الواجب عليه أن يعد الذرة أيضا لصحة الخبر ولعله لم يقف عليه.
وفي صحيحة معاوية بن وهب (2) " جرت السنة بصاع من تمر أو صاع من
زبيب أو صاع من شعير " وقد ترك الحنطة مع أنه في مقام البيان لما جرت به السنة.
وفي رواية عبد الله بن المغيرة (3) قال: " يعطى من الحنطة صاع ومن الشعير
صاع ومن الأقط صاع " وفي صحيحة الحلبي (4) " صاع من تمر أو نصف صاع
من بر " وفي صحيحة عبد الله بن سنان (5) " صاع من حنطة أو صاع من شعير "
إلى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبع.
ولولا الحمل على ما ذكرناه من مجرد التمثيل وذكر الأفراد في الجملة لكانت
هذه الأخبار مختلفة متضادة، وإذ كل منها ورد في مقام البيان لما يجب اخراج
الفطرة منه، وحينئذ فتحمل تلك الأخبار على ما حملنا عليه هذه لاختلافها كما
عرفت بالزيادة والنقصان والتغيير والتبديل، على أن صحيحة سعد بن سعد ليست
واضحة الدلالة على ما ادعاه فإن الأجناس المذكورة إنما ذكرت في السؤال، وصحيحة
معاوية بن عمار بالدلالة على القول المشهور أشبه، لأن تخصيص أصحاب الإبل
والغنم بالأقط مشعر بأن ذلك من حيث كونه هو القوت الغالب عندهم كما تضمنه
آخر رواية الهمداني.
وبذلك يظهر قوة القول المشهور بين المتقدمين والمتأخرين وانطباق الأخبار
عليه، ويضعف ما اعتمد عليه وصار إليه وإن تبعه فيه من تبعه من غير تأمل
ولا تدبر في المقام. ومنه يظهر أن جميع الأخبار كلها متفقة الدلالة على القول
المشهور بحمل مطلقا على مقيدها ومجملها على مفصلها. والله العالم.

(1) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.
(2) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.
(3) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.
(4) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.
(5) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة
282

ثم إن في هذا المقام فوائد: الأولى - قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم)
أنه لا يجوز اخراج ما عدا الأجناس المتقدم ذكرها من كونها أربعة أو سبعة أو
خمسة أو القوت الغالب إلا بالقيمة، إلا أن كلامهم في هذا المقام مع اختيارهم القول
المشهور لا يخلو من اضطراب.
قال المحقق في المعتبر: الركن الثاني في جنسها وقدرها، والضابط اخراج
ما كان قوتا غالبا كالحنطة والشعير والتمر والزبيب والأرز والأقط واللبن هو
مذهب علمائنا. ثم قال بعد ذلك قال الشيخ في الخلاف: لا يجزئ الدقيق والسويق
من الحنطة والشعير على أنهما أصل ويجزئان بالقيمة. ثم نقل عن بعض فقهائنا
قولا بجواز اخراجهما أصالة وقال: الوجه ما ذكره الشيخ في الخلاف، لأن النبي
صلى الله عليه وآله نص على الأجناس المذكورة فيجب الاقتصار عليها أو على قيمتها. ثم
قال بعد ذلك: ولا يجزئ الخبز على أنه أصل ويجزئ بالقيمة وقال شاذ منا يجزئ
لأن نفعه معجل، وليس بوجه لاقتصار النص على الأجناس المعينة فلا يصار إلى
غيرها إلا بالقيمة. انتهى. أقول: ومراده بالبعض المخالف في كل من الموضعين
هو ابن إدريس.
ونحوه قال العلامة في المنتهى حيث قال: البحث الثالث في قدرها وجنسها،
ثم قال: الجنس ما كان قوتا غالبا كالحنطة والشعير والتمر والزبيب والأرز والأقط
واللبن ذهب إليه علمائنا أجمع. ثم استدل على كل من هذه الأجناس بما تقدم من
الروايات إلى أن قال: قال الشيخ في الخلاف لا يخرج الدقيق... إلى آخر ما تقدم نقله
في عبارة المعتبر. ثم نقل عن أبي حنيفة وأحمد جواز اخراج هذه الأشياء أصلا
لا قيمة (1) قال وبه قال ابن إدريس منا. ثم قال: والأقرب ما قاله الشيخ، لنا إن
المنصوص الأجناس المعدودة فيقتصر عليها.. إلى أن قال أيضا: وفي اجزاء الخبز
على أنه أصل لا قيمة تردد أقربه عدم الاجزاء خلافا لابن إدريس.. إلى أن قال

(1) المغني ج 3 ص 63 وبدائع الصنائع ج 2 ص 72
283

لنا أن النص يتناول الأجناس المعينة فلا يصار إلى غيرها إلا بدليل ولم يقع على
المتنازع فيه دليل، والقياس على الطعام ضعيف. ونحوه كلامه في المختلف أيضا.
وأنت خبير بأن الظاهر من هذا الكلام ونحوه أيضا من ما تقدم من
عبارة الشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ في كتابي الخلاف والمبسوط حيث
اختاروا القول بوجوب الزكاة من القوت الغالب وفسروه بهذه السبعة - أنه ليس
المراد بالقوت الغالب مطلقا بل ما كان غالبا من هذه الأفراد المنصوصة، وكأنه بناء
منهم على أن غالب الأقوات هي هذه السبعة وأن النصوص إنما وردت بها من حيث
كونها كذلك، وهو يرجع إلى ما حققناه سابقا من أن ما اشتمل من النصوص على
فردين أو ثلاثة أو أربعة زيادة ونقصانا وتغييرا وتبديلا إنما خرجت مخرج
التمثيل وهو وجه الجمع بين روايات المسألة، وحيث كانت هذه الأشياء المذكورة
ليست مذكورة في النصوص فلا يجوز اخراجها أصلا بل قيمة، إلا أن المحقق في
الشرائع قد نص على كون الدقيق والخبز من ما يخرج أصلا لا قيمة حيث قال:
والضابط اخراج ما كان قوتا غالبا كالحنطة والشعير ودقيقهما وخبز هما والتمر
والزبيب والأرز واللبن ومن غير ذلك يخرج بالقيمة السوقية. ومثله العلامة في القواعد
أيضا حيث قال: المطلب الثالث في الواجب وهو صاع من ما يقتات به غالبا كالحنطة
والشعير والتمر والزبيب والأرز واللبن والأقط والدقيق والخبز أصلا ويخرج من
غيرها بالقيمة السوقية.
ثم إن هنا روايات أخر غير ما تقدم مشتملة على زيادة على السبعة المذكورة
مثل صحيحة محمد بن مسلم (1) قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول الصدقة لمن
لا يجد الحنطة والشعير يجزئ عنه القمح والعدس والذرة نصف صاع من ذلك
كله.. الحديث ".
وما رواه في الفقيه (2) مرسلا قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام من لم يجد الحنطة

(1) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة
(2) ج 2 ص 115 وفي الوسائل الباب 8 من زكاة الفطرة
284

والشعير أجزأ عنه القمح والسلت والعلس والذرة ".
ورواية الفضلاء عن الباقر والصادق (عليهما السلام) (1) قالوا: " سألناهما
عن زكاة الفطرة قالا صاع من تمر أو زبيب أو شعير أو نصف ذلك كله حنطة أو
دقيق أو سويق أو ذرة أو سلت.. الحديث ".
وظاهر الأصحاب الجواب عن هذه الأفراد الزائدة إما بالحمل على القيمة أو
الحمل على عدم إمكان الاخراج من تلك الأجناس، ويؤيد الثاني صحيحة محمد بن
مسلم المتقدمة ومرسلة الفقيه، وأما الأول فمحل اشكال كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى
قالوا: والسلت إن كان نوعا من الشعير فلا بأس باخراجه أصالة وإلا تعين
أن يكون بالقيمة. والظاهر أن منشأ هذه التأويلات التعويل على الاجماع المدعى على
السبعة المذكورة كما عرفت.
بقي الكلام في ما لو كان غالب القوت غير هذه السبعة المذكورة، وظاهر
كلامهم المتقدم عدم الاجزاء لخروجه عن المنصوص من تلك الأفراد كما ردوا به
كلام ابن إدريس في الدقيق والخبز، إلا أن الأقرب الاجزاء عملا بعموم الأخبار
المتقدمة من قوله عليه السلام في رواية زرارة وابن مسكان (2) " الفطرة على كل قوم
من ما يغذون عيالاتهم من لبن أو زبيب أو غيره " وقوله في مرسلة يونس (3) " الفطرة
على كل من أقتات قوتا فعليه أن يؤدي من ذلك القوت " وقوله في رواية الهمداني
" ومن سوى ذلك فعليهم ما غلب قوتهم " وحينئذ فتحمل أخبار السبعة على ما إذا
كانت هي القوت الغالب.
نعم يبقى الكلام في الدليل على ما ذكروه من جواز جعل ما عدا هذه الأجناس
قيمة عن الواجب وسيأتي الكلام فيه.
ثم إنه ينبغي أن يعلم أنه ليس مرادهم بالقوت الغالب من هذه السبعة يعني

(1) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة
(2) الوسائل الباب 8 من زكاة الفطرة
(3) الوسائل الباب 8 من زكاة الفطرة
285

باعتبار كل بلدة وما غلب على قوتها بل مرادهم هذه الأجناس مطلقا، فلو كان
غالب قوت أهل بلد التمر مثلا لم يتعين عليهم التمر بل يجوز لهم اخراج غيره من
هذه الأفراد المتقدمة، وبذلك صرح العلامة في المنتهى والمحقق في المعتبر.
ومن ما حققناه في المقام يتضح لك ما في اعتراض السيد السند في المدارك
على كلام المحقق المتقدم نقله عن المعتبر حيث نقله (قدس سره) كما نقلنا وقال بعد
نقله: هذا كلامه (قدس سره) وهو جيد لكنه رجوع عن ما أفهمه ظاهر كلامه في
الضابط الذي ذكره أولا، اللهم إلا أن يقال بانحصار القوت الغالب في هذه الأنواع
السبعة وهو بعيد. انتهى. فإن فيه أنه لا بعد فيه بل هو الظاهر كما لا يخفى على من
لاحظ البلدان في كل قطر ومكان، وهذا الكلام كما عرفت ليس مختصا بالمحقق
المذكور بل هو ظاهر جملة من المتقدمين والمتأخرين كما عرفت، ومنهم شيخه المحقق
الأردبيلي أيضا في شرح الإرشاد حيث قال: أما الجنس فهو ما كان قوتا غالبا كالحنطة
والشعير والتمر والزبيب والأرز والأقط واللبن. وقد عرفت نقل العلامة في
المنتهى والمحقق في المعتبر الاجماع على ذلك، مثلهما عبارة الشيخ في الخلاف،
وحينئذ فلا معنى لاستبعاده ذلك إلا أن يكون غفلة عن مراجعة كلامهم في المقام.
وكيف كان فالأحوط الاقتصار على الحنطة والشعير في البلدان التي يكون
مدار أهلها عليهما والتمر في البلدان التي يكون مدار أهلها عليه وهكذا غيرها من
الأجناس المنصوصة التي يكون مدار أهل تلك البلاد عليها.
الثانية - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أفضل ما يخرج في الزكاة
فقال ابنا بابويه والشيخان وابن أبي عقيل إن أفضل ما يخرج التمر قال الشيخ ثم
الزبيب، وهو قول ابن البراج في كامله والمحقق في شرائعه، وفي الشرائع: ويليه أن
يخرج كل انسان ما يغلب على قوته. وقال ابن البراج في المهذب: التمر والزبيب هو
أفضل ما يخرج في الفطرة. وقال سلار: فأما ما يخرج في الفطرة فأفضله أقوات
أهل البلاد من التمر والزبيب والحنطة والشعير والأرز والأقط واللبن، إلا أنه
286

إن اتفق أن يكون في بلد بعض هذه الأشياء أغلى سعرا وهو موجود فاخراجه
أفضل ما لم يجحف، وروي أن التمر أفضل. وقال الشيخ في المبسوط: الأفضل أن
يخرج من قوته أو ما هو أغلى منه، وأفضل ما يخرجه التمر. وقال الشيخ في الخلاف:
المستحب ما يكون غالبا على قوت البلد، وهو ظاهر اختيار المحقق في المعتبر حيث
قال بعد أن اختار في صدر المسألة أن الأفضل التمر ثم ساق الأقوال.. إلى أن قال:
وقال آخرون ما يغلب على قوت البلد ولعل هذا أجود لرواية العسكري عليه السلام
المتضمنة لتمييز الفطرة وما يستحب أن يخرج أهل كل إقليم.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه الشيخ في
الصحيح عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " التمر في الفطرة أفضل
من غيره لأنه أسرع منفعة وذلك أنه إذا وقع في يد صاحبه أكل منه ".
وما رواه عن زيد الشحام (2) قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام لأن أعطي صاعا
من تمر أحب إلى من أن أعطي صاعا من ذهب في الفطرة ".
وما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا (3) قال: " قال الصادق عليه السلام لأن
أعطي في الفطرة صاعا من تمر أحب إلى من أن أعطي صاعا من تبر ".
وما رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (4) قال: " سألته
عن صدقة الفطرة؟ قال عن كل رأس من أهلك صاع " وقد تقدم إلى أن قال في آخره:
" وقال التمر أحب إلى فإن لك بكل تمرة نخلة في الجنة ".
وما رواه عن منصور بن خارجة عن أبي عبد الله عليه السلام (5) قال: " سألته عن
صدقة الفطرة؟ قال صاع من تمر أو نصف صاع من حنطة أو صاع من شعير
والتمر أحب إلى ".

(1) الوسائل الباب 10 من زكاة الفطرة
(2) الوسائل الباب 10 من زكاة الفطرة
(3) الوسائل الباب 10 من زكاة الفطرة
(4) الوسائل الباب 5 و 10 من زكاة الفطرة
(5) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة
287

وما رواه في الموثق عن إسحاق بن عمار (1) قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام
عن صدقة الفطرة؟ قال التمر أفضل ".
وما رواه في الصحيح عن الحلبي (2) في حديث في صدقة الفطرة بعد ذكر
الحنطة والشعير والتمر والزبيب قال: " وقال التمر أحب ذلك إلى ".
وما رواه عن إسحاق بن المبارك عن أبي إبراهيم عليه السلام (3) في حديث في الفطرة
قال: " صدقة التمر أحب إلى لأن أبي عليه السلام كان يتصدق بالتمر. ثم قال: ولا بأس
أن يجعلها فضة والتمر أحب إلي ".
وما رواه الشيخ المفيد في المقنعة مرسلا (4) قال: " سئل الصادق عليه السلام عن
الأنواع أيها أحب إليك في الفطرة؟ فقال أما أنا فلا أعدل عن التمر للسنة شيئا ".
وأنت خبير بأنه لا معدل بعد هذه الأخبار عن القول الأول ولعل من
أضاف الزبيب إلى التمر أو جعله بعده في المرتبة اعتمد على التعليل الذي في صحيحة
هشام المتقدمة فإنه يقتضي مساواة الزبيب للتمر في ذلك، وفيه ما فيه. وأما من
ذهب إلى القوت الغالب فالظاهر أنه اعتمد على رواية الهمداني المتقدمة كما يدل عليه
كلام المحقق في المعتبر، ومثلها في ذلك رواية يونس المتقدمة أيضا ورواية ابن مسكان
المتقدمة أيضا. والجمع بين الأخبار يقتضي حمل ما اشتملت عليه هذه الروايات من
القوت الذي يقتاتون به على المرتبة الثانية في الفضل بعد التمر كما دلت عليه عبارة
الشرائع المتقدمة.
الثالثة - الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز
اخراج القيمة السوقية عن ما وجب من الفطرة سواء وجدت الأنواع المنصوصة
أم لم توجد.
وعلى ذلك دلت الأخبار المستفيضة: ومنها - ما رواه الصدوق في الصحيح

(1) الوسائل الباب 10 من زكاة الفطرة
(2) الوسائل الباب 6 و 10 من زكاة الفطرة
(3) الوسائل الباب 10 من زكاة الفطرة
(4) الوسائل الباب 10 من زكاة الفطرة
288

عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (1) قال: " بعثت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام بدراهم لي
ولغيري وكتبت إليه أخبره أنها من فطرة العيال فكتب عليه السلام إلي بخطه: قبضت ".
وما رواه الكليني في الصحيح عن أيوب بن نوح (2) قال: " كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أن قوما سألوني عن الفطرة ويسألوني أن يحملوا قيمتها إليك وقد
بعثت إليك هذا الرجل عام أول وسألني أن أسألك فأنسيت ذلك وقد بعثت إليك
العام عن كل رأس من عيالي بدرهم على قيمة تسعة أرطال بدرهم فرأيك جعلني الله
فداك في ذلك؟ فكتب عليه السلام الفطرة قد كثر السؤال عنها وأنا أكره ما أدى إلى
الشهرة فاقطعوا ذكر ذلك واقبض ممن دفع لها وامسك عن من لم يدفع ".
وما رواه الشيخ عن عمر بن يزيد في الصحيح (3) قال: " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الرجل يكون عنده الضيف.. إلى أن قال: وسألته يعطي الرجل الفطرة
دراهم ثمن التمر والحنطة فيكون أنفع لأهل بيت المؤمن؟ قال لا بأس ".
وموثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (4) قال: " لا بأس بالقيمة
في الفطرة ".
وموثقته الأخرى (5) قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن الفطرة؟ قال الجيران
أحق بها ولا بأس أن تعطي قيمة ذلك فضة ".
وموثقته الأخرى أيضا (6) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن تعجيل الفطرة
بيوم؟ فقال لا بأس به. قلت فما ترى أن نجمعها ونجعل قيمتها ورقا ونعطيها رجلا
واحدا مسلما؟ قال لا بأس به ".
ورواية إسحاق بن عمار الصيرفي (7) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت
فداك ما تقول في الفطرة يجوز أن أؤديها فضة بقيمة هذه الأشياء التي سميتها؟

(1) الوسائل الباب 9 من زكاة الفطرة
(2) الوسائل الباب 9 من زكاة الفطرة
(3) الوسائل الباب 5 و 9 من زكاة الفطرة
(4) الوسائل الباب 9 من زكاة الفطرة
(5) الوسائل الباب 9 من زكاة الفطرة
(7) الوسائل الباب 9 من زكاة الفطرة
(6) الوسائل الباب 12 و 9 من زكاة الفطرة
289

قال نعم إن ذلك أنفع له يشتري ما يريد ".
ورواية سليمان بن حفص المروزي (1) قال: " سمعته يقول إن لم تجد من
تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة. والصدقة بصاع من تمر أو قيمته
في تلك البلاد دراهم ".
ورواية أبي علي بن راشد (2) قال: " سألته عن الفطرة لمن هي؟ قال للإمام.
قال قلت له فأخبر أصحابي، قال: نعم من أردت أن تطهره منهم. وقال: لا بأس
بأن تعطي وتحمل ثمن ذلك ورقا.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن ظاهر كلام الأصحاب وبه صرح الشيخ (قدس
سره) هو جواز اخراج القيمة نقدا كانت أو جنسا كما ينادي به كلامهم في المسألة
المتقدمة من أنه يجوز الخراج ما عدا الأجناس المنصوصة بالقيمة، قال الشيخ في
المبسوط: يجوز اخراج القيمة عن أحد الأجناس التي قدرناها سواء كان الثمن سلعة
أو حبا أو خبزا أو ثيابا أو دراهم أو شيئا له ثمن بقيمة الوقت. ولا يخفى أن
الأخبار التي قدمناها كلها متفقة الدلالة في كون القيمة المرخص فيها إنما هي من النقد
خاصة، نعم موثقة إسحاق بن عمار الأولى مطلقة وحملها على غيرها من الأخبار متعين،
ويؤيده أن المتبادر من لفظ القيمة إنما هو النقد سيما مع وجود التعليل الدال على
ذلك في بعضها. وإلى التخصيص بالنقد يميل كلام ابن إدريس كما نقله عنه في
المختلف، وإليه يميل كلام المحقق الأردبيلي (قدس سره) في شرح الإرشاد، وهو الظاهر
والعلامة في المختلف - بعد أن نقل كلام الشيخ المتقدم وكلام ابن إدريس عليه
ونزاعه للشيخ - اختار كلام الشيخ (قدس سره) واستدل عليه بأدلة أظهرها موثقة
إسحاق بن عمار المشار إليها وقد عرفت ما فيها.
وبالجملة فإني لا أعرف لهذا القول دليلا سوى الشهرة، نعم ربما يمكن
الاستدلال على ذلك بصحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " سألته

(1) الوسائل الباب 9 من زكاة الفطرة
(2) الوسائل الباب 9 من زكاة الفطرة
(3) الوسائل الباب 9 من زكاة الفطرة
290

تعطى الفطرة دقيقا مكان الحنطة؟ قال: لا بأس يكون أجر طحنه بقدر ما بين
الحنطة والدقيق ".
وظاهر المحقق في المعتبر الاستدلال بهذه الرواية على ذلك حيث إنه بعد أن
نقل عن الشيخ في الخلاف أنه لا يجزئ الدقيق والسويق من الحنطة والشعير على أنهما أصل ويجزئان بالقيمة - قال روى عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام.. ثم ساق
الرواية. ويظهر ذلك من العلامة في المنتهى حيث إنه نقل هذه الرواية دليلا لابن
إدريس في جواز اخراج الدقيق أصلا ثم أجاب عنها بأن فيها تنبيها على اعتبار
القيمة لأنه عليه السلام ذكر المساواة بين أجرة الطحن والتفاوت.
أقول: الظاهر أن معنى الرواية المذكورة هو أن السائل سأل عن اعطاء
الدقيق الذي يحصل من صاع الحنطة بعد طحنه هل يجزئ عن صاع الحنطة أم لا؟
فأجاب عليه السلام أنه يجزئ لأنه تكون أجرة الطحن في مقابلة التفاوت الذي بين الحنطة
والدقيق، ولا دلالة في الرواية على كونه قيمة عن الحنطة إن كان إلا من حيث
قوله " مكان الحنطة " أي عوضا عنها، وهو غير ظاهر في ذلك إذ يجوز أن يكون
السائل توهم انحصار جواز الاعطاء في الحنطة دون دقيقها فأجابه عليه السلام بأنه لا ينحصر
فيها بل يجزئ اعطاء الدقيق، وكونه أقل من الصاع بعد الطحن يكون في مقابلة
أجرة الطحن التي دفعها المالك، وحينئذ فلا دلالة في الخبر المذكور.
ومن ما ذكرنا يعلم أن ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) في المسألة
المتقدمة من جواز اخراج بعض الأجناس قيمة عن الأجناس الواجبة في الفطرة
من ما لا دليل عليه سوى مجرد الشهرة بينهم.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن المشهور بين الأصحاب هو اخراج القيمة بسعر
الوقت، ونقل في المعتبر أن بعض الأصحاب قدرها بدرهم وآخرون بأربعة دوانيق
وقال الشيخ المفيد في المقنعة (1) " وسئل - يعني الصادق عليه السلام - عن القيمة مع
وجود النوع فقال لا بأس بها. وسئل عن مقدار القيمة فقال درهم في الغلاء

(1) الوسائل الباب 9 من زكاة الفطرة
291

والرخص. وروي أن أقل القيمة في الرخص ثلثا درهم. وذلك متعلق بقيمة الصاع في
وقت المسألة عنه، والأصل اخراج القيمة عنها بسعر الوقت الذي تجب فيه. انتهى
وقد ورد بالدرهم خبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (1) وفيه " لا بأس أن
يعطيه قيمتها درهما " والظاهر حمله على قيمة الوقت وأنه يومئذ كان كذلك كما يدل
عليه خبر أيوب بن نوح المتقدم.
الرابعة - قد صرح جمع من الأصحاب بأنه لا يجزئ اخراج صاع واحد
من جنسين وقيده بعضهم بما إذا كان أصالة أما بالقيمة فيجوز، واستقرب العلامة
في المختلف الجواز أصالة، والأظهر هو القول الأول لما مر في غير خبر من
الأخبار المتقدمة (2) من قولهم: " صاع من حنطة أو صاع من شعير أوم صاع من
تمر أو من زبيب " ونحو ذلك، وهي صريحة في وجوب اخراج الصاع من جنس
معين فلا يحصل الامتثال بدونه.
احتج العلامة بأن المطلوب شرعا اخراج الصاع وليس تعيين الصاع معتبرا
في نظر الشرع وإلا لما جاز التخيير، ولأنه يجوز اخراج الأصواع المختلفة من الشخص
الواحد عن جماعة فكذا الصاع الواحد.. إلى آخر كلامه الذي من هذا القبيل
من ما لا يشفي العليل ولا يبرد الغليل.
المقام الثاني - في المقدار، الظاهر أنه لا خلاف بين أصحابنا (رضوان الله
عليهم) في أن القدر الواجب في زكاة الفطرة صاع وهو قول أكثر العامة أيضا (3)
ويدل على ذلك أخبار كثيرة مستفيضة قد تقدم كثير منها لا ضرورة إلى
إعادته ولا التطويل بنقل غيرها.
نعم قد ورد بإزائها ما يدل على خلافها مثل ما رواه الشيخ في الصحيح عن
الحلبي (4) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صدقة الفطرة؟ فقال على كل من يعول
الرجل.. إلى أن قال: صاع من تمر أو نصف صاع من بر، والصاع أربعة أمداد ".

(1) الوسائل الباب 9 من زكاة الفطرة
(2) ص 279 و 280
(3) المغني ج 3 ص 57
(4) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة
292

وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " في صدقة الفطرة؟
فقال: تصدق عن جميع من تعول.. إلى أن قال على كل انسان نصف صاع من حنطة
أو صاع من تمر أو صاع من شعير، والصاع أربعة أمداد ".
وفي صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) (2)
" أنهما قالا: على الرجل أن يعطي عن كل من يعول.. إلى أن قالا: فإن أعطى تمرا
فصاع لكل رأس وإن لم يعط تمرا فنصف صاع لكل رأس من حنطة أو شعير
والحنطة والشعير سواء ما أجزأ عنه الحنطة فالشعير يجزئ عنه ".
وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " صدقة الفطرة على كل
رأس من أهلك.. إلى أن قال: عن كل انسان نصف صاع من حنطة أو شعير
والحنطة والشعير سواء ما أجزأ عنه الحنطة فالشعير يجزئ ".
قال الشيخ (قدس سره) في كتابي الأخبار: هذه الأخبار وما يجري مجراها
خرجت مخرج التقية ووجه التقية فيها أن السنة كانت جارية في اخراج الفطرة بصاع
من كل شئ فلما كان زمن عثمان وبعده في أيام معاوية جعل نصف صاع من حنطة بإزاء
صاع من تمر وتابعهم الناس على ذلك (4) فخرجت هذه الأخبار وفاقا لهم على
جهة التقية انتهى. وهو جيد.
ويدل عليه ما رواه في التهذيب عن سلمة أبي حفص عن أبي عبد الله عليه السلام (5)
قال: " صدقة الفطرة على كل صغير وكبير.. إلى أن قال: صاع من تمر أو صاع

(1) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة
(2) الوسائل الباب 12 و 6 من زكاة الفطرة
(3) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة. وليس قوله: " والحنطة والشعير.. إلى
آخره " جزء من هذه الصحيحة وإنما هو جزء من الصحيحة المتقدمة فقط كما في التهذيب
ج 1 ص 369 والاستبصار ج 2 ص 42 والوافي - باب من تجب عنه الفطرة ومن
لا تجب - والوسائل.
(4) سنن البيهقي ج 4 ص 165 ونيل الأوطار ج 4 ص 190 والمغني ج 3 ص 58
(5) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة
293

من شعير أو صاع من زبيب، فلما كان زمن عثمان حوله مدين من قمح ".
أقول: القمح بالقاف والحاء المهملة الحنطة كما هو المعروف من اللغة والعرف
إلا أن صحيحة محمد بن مسلم وكذا مرسلة الفقيه المتقدمتين في الفائدة الأولى من
الفوائد الملحقة بالمقام الأول (1) يشعران بخلاف ذلك، ومثلهما في روايات العامة (2)
إلا أن روايات العامة قابلة للتأويل.
وما رواه في الصحيح عن أبي عبد الرحمان الحذاء عن أبي عبد الله عليه السلام (3) " أنه
ذكر صدقة الفطرة.. إلى أن قال صاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير
أو صاع من ذرة، فلما كان زمن معاوية وخصب الناس عدل الناس ذلك إلى النصف
صاع من حنطة ".
وعن إبراهيم بن أبي يحيى عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام) (4) " أن
أول من جعل مدين من الزكاة عدل صاع من تمر عثمان ".
وعن معاوية بن وهب في الصحيح (5) قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول
في الفطرة: جرت السنة بصاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير فلما كان
زمن عثمان وكثرت الحنطة قومه الناس فقال نصف صاع من بر بصاع من شعير ".
وعن ياسر القمي عن الرضا عليه السلام (6) قال: " الفطرة صاع من حنطة وصاع
من شعير وصاع من تمر وصاع من زبيب وإنما خفف الحنطة معاوية ".
والمفهوم من هذه الأخبار أن الحنطة كانت في الصدر الأول قليلة وأنهم إنما
يخرجون الزكاة من التمر أو الزبيب أو الشعير، ولما كان زمان عثمان وكثرت الحنطة
فأرادوا اعطاء الزكاة منها وكان قيمتها ضعف قيمة الشعير قوموها ووازنوا قيمة
الصاع من الشعير بنصف الصاع من الحنطة فأعطوا من الحنطة نصف صاع، وبعد

(1) ص 284
(2) سنن البيهقي ج 4 ص 167 ونيل الأوطار ج 4 ص 193
(3) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة
(4) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة
(5) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة
(6) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة
294

موت عثمان ورجوع الخلافة إلى مقرها ومستقرها انتسخت تلك البدعة، ولما
انتقلت إلى معاوية أحيى سنة عثمان، ومن أجل ذلك نسب ذلك في بعض الأخبار
إلى عثمان وفي بعض إلى معاوية، ووجه الجمع ما ذكرناه.
وروى المحقق في المعتبر مرسلا عن أمير المؤمنين عليه السلام (1) " أنه سئل عن
الفطرة فقال: صاع من طعام. فقيل أو نصف صاع؟ فقال بئس الاسم الفسوق
بعد الايمان " (2).
بقي الكلام في أنه قد ورد النصف في غير الحنطة أيضا في الأخبار المتقدمة
وهو غير قابل لهذا التأويل لاطباق الكل على خلافه، والشيخ قد أورد الأخبار
المتضمنة لذلك فقال إنها محمولة على التقية (3) واستدل بالأخبار الواردة في الحنطة
خاصة، ولم أر من تعرض للجواب عن ذلك بوجه.
وأما قدر الصاع فقد تقدم بيانه في الزكاة المالية.
ثم إن الشيخ وجماعة من الأصحاب قد ذكروا أنه يجزئ من اللبن أربعة
أرطال، ومستند هم في ذلك إلى ما رواه الشيخ عن القاسم بن الحسن رفعه إلى أبي عبد الله
عليه السلام (4) قال: " سئل عن الرجل في البادية لا يمكنه الفطرة؟ قال يتصدق بأربعة
أرطال من لبن " ورواه الكليني في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه رفعه عن أبي عبد الله عليه السلام (5).
ولا يخفى أن الخروج عن تلك الأخبار المستفيضة بوجوب الصاع بمثل هذا
الخبر الضعيف السند المجمل القابل للتأويل مشكل، فإن الأرطال فيه غير معلومة بأنها
من الأرطال المدنية أو العراقية والصاع كما تقدم ستة بالمدني وتسعة بالعراقي، وظاهر
الخبر عدم التمكن من الفطرة فيمكن حمله على الاستحباب. واحتمل بعض الأصحاب

(1) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة
(2) سورة الحجرات الآية 12
(3) المغني ج 3 ص 57 ونيل الأوطار ج 4 ص 193
(4) الوسائل الباب 7 من زكاة الفطرة
(5) الوسائل الباب 7 من زكاة الفطرة
295

أن وضع الأرطال هنا موضع الأمداد وقع سهوا من الراوي، ولا يخلو عن قرب
بأن يكون معنى قوله: " لا يمكنه الفطرة " يعني من الغلات.
والشيخ قد فسر الأرطال هنا بالمدنية استنادا إلى ما رواه عن محمد بن أحمد
عن محمد بن عيسى عن محمد بن الريان (1) قال: " كتبت إلى الرجل عليه السلام أسأله عن
الفطرة وزكاتها كم تؤدى؟ فكتب أربعة أرطال بالمدني " مع أنه بعد ذكر هذه الرواية
احتمل فيها وجهين: أحدهما أن يكون الأربعة أمداد فصحف الراوي، والثاني أنه أراد
أربعة أرطال من اللبن والأقط لأن من كان قوته ذلك يجب عليه منه القدر المذكور
أقول: ويحتمل أيضا تبديل الستة بالأربعة وهو الأوفق بتقييده بالمدني.
وبالجملة فالخروج عن تلك الأخبار بمثل هذين الخبرين المجملين مشكل، ولذا
قال في المعتبر: والرواية في الضعف على ما ترى.
قال في المدارك بعد نقل ذلك عن المعتبر: وكأن الوجه في ذلك اطباق
الأصحاب على ترك العمل بظاهرها وإلا فهي معتبرة الاسناد. انتهى.
أقول: فيه أولا - إن الصحة على الوجه الصحيح والنهج الصريح إنما هو عبارة
عن مطابقة مضمون الرواية لمقتضى الأصول والقواعد والكتاب والسنة المستفيضة
واتفاق الأصحاب ونحو ذلك صح سندها باصطلاحه أو ضعف، والصحة باعتبار
الأسانيد كما عليه أصحاب هذا الاصطلاح إنما هي صحة مجازية وإلا فالواجب
عليه القول بمضمون هذه الرواية لصحة سندها واعتباره عنده وإن أطبق الأصحاب
على ترك العمل به ولا أراه يتفوه به، ومثل ذلك في الأخبار من ما صح سنده
وأعرض الأصحاب عنه كثير كما لا يخفى على المتتبع.
وثانيا - أنه لا يخفى أن محمد بن عيسى في سند الخبر مشترك بين العبيدي
والأشعري وهو دائما يعد حديث العبيدي في الضعيف ويرد حديثه كما عليه أكثر
أصحاب هذا الاصطلاح فكيف يدعى أن الرواية معتبرة الاسناد؟

(1) الوسائل الباب 7 من زكاة الفطرة
296

الفصل الثالث - في وقت وجوبها والبحث في هذا الفصل يقع في مواضع:
الأول - في مبدأ وقت الوجوب، وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم)
في ذلك، فقيل إنها تجب بغروب شمس آخر يوم من شهر رمضان، وهو المنقول عن
الشيخ في الجمل والاقتصاد وهو اختيار ابن حمزة وابن إدريس وبه صرح المحقق في
المعتبر والشرائع والعلامة في المنتهى والمختلف وسائر كتبه واختاره شيخنا الشهيد
الثاني في المسالك والظاهر أنه هو المشهور بين المتأخرين، وقيل إن أول وقت
وجوبها طلوع الفجر من يوم الفطر، كذا قاله ابن الجنيد واختاره المفيد في المقنعة
والرسالة الغرية والسيد المرتضى وأبو الصلاح وابن البراج وسلار وابن زهرة،
كذا نقله عنهم في المختلف، وإلى هذا القول مال السيد السند في المدارك. ونقل في
المختلف أيضا عن ابني بابويه أنهما قالا: وإن ولد لك مولود يوم الفطر قبل الزوال
فادفع عنه الفطرة وإن ولد بعد الزوال فلا فطرة عليه، وكذا إذا أسلم الرجل قبل
الزوال أو بعده. وهذه العبارة مشعرة بامتداد وقت الوجوب إلى الزوال كما فهمه
الأصحاب منها ونسبوه إليهما، قال شيخنا الشهيد في البيان: ويظهر من ابني بابويه
أن تجدد الشرائط ما بين طلوع الفجر إلى الزوال مقتضية للوجوب كما لو أسلم الكافر
أو تجدد الولد. أقول: والعبارة المنقولة عنهما عبارة كتاب الفقه الرضوي (1).
والظاهر عندي هو القول الأول، ويدل عليه ما رواه في الفقيه عن علي بن أبي حمزة عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (2) " في المولود يولد ليلة الفطر
واليهودي والنصراني يسلم ليلة الفطر؟ قال ليس عليهم فطرة. ليس الفطرة إلا على
من أدرك الشهر ".
وما رواه الشيخ في التهذيب والكليني في الصحيح عن معاوية بن عمار أيضا (3)
قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مولود ولد ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال لا قد

(1) ص 25
(2) الوسائل الباب 11 من زكاة الفطرة
(3) الوسائل الباب 11 من زكاة الفطرة
297

خرج الشهر: وسألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر عليه فطرة، قال لا ".
احتج في المدارك على القول الثاني حيث إنه هو المعتمد عنده فقال: لنا إن
الوجوب في هذا الوقت متحقق وقبله مشكوك فيه فيجب الاقتصار على المتيقن.
وما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص بن القاسم (1) قال: " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الفطرة متى هي؟ فقال قبل الصلاة يوم الفطر. قلت فإن بقي منه شئ بعد
الصلاة؟ قال لا بأس نحن نعطي عيالنا منه ثم يبقى فنقسمه ".
وفي الصحيح عن معاوية بن عمار عن إبراهيم بن ميمون (2) قال: " قال
أبو عبد الله عليه السلام الفطرة إن أعطيت قبل أن تخرج إلى العيد فهي فطرة وإن كانت
بعدما تخرج إلى العيد فهي صدقة ".
والجواب: أما عن الأول فبأن ما ادعاه - من أن الوجوب قبل الوقت الذي
ذكره مشكوك فيه - محل منع فإنه بعد قيام الدليل الصحيح الصريح عليه لا شك فيه
ولا مرية تعتريه.
وأما عن الروايتين المذكورتين فإن موردهما إنما هو وقت الاخراج لا وقت
الوجوب، وههنا شيئان وقت وجوب الفطرة وتعلقها بالذمة واشتغالها بها ووقت
وجوب اخراجها ومحل البحث هو الوقت الأول، وقد دل الخبران الأولان على أن وجوبها منوط بمن يمضي عليه جزء من شهر رمضان ويهل عليه هلال شوال
مستكملا لشروط الوجوب، كالمولود يولد والكافر يسلم والعبد يشترى والفقير
يصير غنيا والصغير يبلغ والمعال يبقى في العيلولة ونحو ذلك من الفروع التي يتفرع
على ذلك، ولو لم يتجدد شئ من هذه المذكورات إلا بعد الهلال فإنه لا يتعلق به
الوجوب بنص الخبرين المذكورين. وأما وقت وجوب الاخراج فالمفهوم من
الأخبار كالخبرين المذكورين أنه قبل الصلاة، وقيل قبل الزوال بناء على حمل الصلاة

(1) الوسائل الباب 12 من زكاة الفطرة
(2) الوسائل الباب 12 من زكاة الفطرة
298

في الأخبار على وقت الصلاة وأن وقتها ممتد إلى الزوال. وفيه ما سيأتي بيانه
إن شاء الله تعالى.
ومن العجب أنه مع تصلبه في اصطلاحه ورده الأخبار الضعيفة والطعن فيها
يستدل هنا برواية إبراهيم بن ميمون ويصفها بالصحة باعتبار صحة السند إليه حيث إنه
أراد الاستدلال بها مع رده لها في ثالث هذه المقالة - في مسألة انتهاء وقت الفطرة
بجهالة الراوي (1).
وأما ما أجاب به عن صحيحة معاوية بن عمار لما نقلها دليلا للقول الأول -
حيث قال: وعن الرواية أنها إنما تدل على وجوب الاخراج عن من أدرك الشهر لا
على أن أول وقت الاخراج الغروب وأحد هما غير الآخر. انتهى -
فلا يخفى ما فيه على المتأمل فإن محل النزاع ومحط البحث كما عرفت إنما هو في
بيان وقت وجوب الفطرة وتعلقها بالمكلف واخراجها عن نفسه ومن يعوله وقد
اعترف بدلالة الرواية عليه، وليس محل النزاع وقت وجوب الاخراج كما يعطيه
كلامه حتى أنه بمنع دلالة الرواية على ذلك يسقط الاستدلال بها.
وهذا ظاهر كتب الأصحاب كالمعتبر والمنتهى والمختلف وغيرها فإن خلاف
ابن الجنيد ومن معه في المسألة إنما هو في أصل تعلق الوجوب بالمكلف عن نفسه أو
غيره، ولهذا أن العلامة في المختلف قد استدل لهم بصحيحة العيص بن القاسم
بالتقريب الذي ذكره العامة في روايتهم المطابقة للصحيحة المذكورة.
وبيانه أن المحقق (قدس سره) في المعتبر - بعد أن ذكر أنه تجب الفطرة
بغروب الشمس آخر يوم من شهر رمضان - قال: وقال ابن الجنيد وجماعة من
الأصحاب تجب بطلوع الفجر يوم العيد وبه قال أبو حنيفة لما رواه ابن عمر (2)

(1) سيأتي نقل ذلك عنه في الموضع الثاني ص 302
(2) سنن البيهقي ج 4 ص 174 ونيل الأوطار ج 4 ص 191 والمغني ج 3
ص 67
299

" أن النبي صلى الله عليه وآله كان يأمرنا أن نخرج الفطرة قبل الخروج إلى المصلى " وهو لا يأمر
بتأخير الواجب عن وقته. ثم إن المحقق استدل على ما قدمه بما ذكره الشارح هنا
من الدليل العقلي ثم صحيحة معاوية بن عمار، ثم قال: وحجة أبي حنيفة ضعيفة
لاحتمال أن يكون الأفضل اخراجها قبل الصلاة. وقوله: " لا يأمر بالتأخير عن
وقت الوجوب " قلنا: متى إذا لم يشتمل التأخير على مصلحة أم إذا اشتمل؟ وهنا
التأخير مشتمل على مصلحة لأنه يجمع فيه بين إيتاء الزكاة والصلاة كما تؤخر المغرب لمن
أفاض من عرفة إلى المشعر ليجمع بينها وبين العشاء وإن كان التقديم جائزا، ولأن
حاجة الفقير إليها نهارا فكان دفعها في وقت الحاجة أفضل من دفعها ليلا. وقوله:
" كان يأمر باخراج الزكاة قبل الخروج " لا يدل على أن ذلك الوقت وقت الوجوب
باجماع الناس لأن الصلاة لا تكون إلا بعد طلوع الشمس وانبساطها والوجوب عنده
يتحقق مع طلوع الفجر فقد صارت حجته غير دالة على موضع النزاع. انتهى.
ولم ينقل في المقام دليل لمذهب ابن الجنيد من طرق الأصحاب، وفي المختلف
استدل لهم بصحيحة العيص بهذا التقريب ورده بما ذكره في المعتبر وإن كان
بطريق أخصر.
وحينئذ فقد علم من ذلك أن مدلول الرواية وموردها إنما هو بيان وقت
الاخراج، ولكنهم إنما استدلوا بها على تعلق أصل الوجوب من حيث قبح
التأخير عن وقت الوجوب، فهو إنما أمر بالاخراج في هذا الوقت لأنه هو الوقت
الذي تعلق فيه الوجوب بالمكلف.
وبذلك يظهر لك صحة ما قلناه وهو أن أصل المسألة ومحل البحث والخلاف
إنما هو في وقت تعلق الوجوب لا وقت الاخراج كما يعطيه كلامه.
ولهذا أن الشيخ وكذلك المحقق في المعتبر والشرائع والعلامة في كتبه فرعوا
على ما اختاروه من تعلق الوجوب بغروب شمس آخر نهار يوم من شهر رمضان
فروعا: منها - لو وهبه عبدا قبل الهلال ولم يقبض، ومنها لو أوصى له بعبد
300

ومات الموصى فإن قبل قبل الهلال فعليه فطرته وإن قبل بعده قال الشيخ لم يلزم
أحدا فطرته لأنه ليس ملكا لأحد، ومنها - لو مات وعليه دين وله عبد ففطرته
في تركته، ولو مات قبل الهلال لم يلزم أحدا فطرته لأنه ليس ملكا لأحد. وهذا كما
ترى كله ظاهر في أن محل البحث إنما هو أصل تعلق الوجوب لا وجوب الاخراج
وبالجملة فكلامه هنا وقع على سبيل الاستعجال وعدم التأمل في المقام.
الموضع الثاني - في آخر وقت وجوب الاخراج، وقد اختلف فيه كلام
الأصحاب (رضوان الله عليهم) فذهب الأكثر ومنهم الشيخ المفيد وابنا بابويه
والسيد المرتضى وسلار وأبو الصلاح والمحقق في المعتبر إلى التحديد بصلاة العيد،
ونسب في التذكرة إلى علمائنا أنه يأثم بالتأخير عن صلاة العيد، وقال في المنتهى:
لا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد اختيارا فإن أخرها أثم وبه قال علماؤنا أجمع.
إلا أنه قال بعد ذلك بأسطر قليلة: الأقرب عندي هو جواز تأخيرها عن الصلاة
وتحريم التأخير عن يوم العيد. وظاهره امتداد وقتها إلى آخر النهار، قال في
المدارك: ولا يخلو من قوة. واستقربه أيضا الفاضل الخراساني في الذخيرة
وقيل بالتحديد إلى الزوال، ونقل عن ابن الجنيد حيث قال أول وقت وجوبها
طلوع الفجر من يوم الفطر وآخره زوال الشمس منه، واستقربه في المختلف
واختاره في البيان والدروس.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بالمسألة: منها رواية إبراهيم بن
ميمون المتقدمة (1) الدالة على أنه إن أعطيت قبل أن يخرج إلى العيد فهي فطرة
وإن كان بعد ما يخرج إلى العيد فهي صدقة.
وما رواه الكليني بسند ليس فيه من ما ربما يطعن به إلا رواية محمد بن
عيسى عن يونس عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (2) في حديث قال فيه:
" واعطاء الفطرة قبل الصلاة أفضل وبعد الصلاة صدقة ".

(1) الوسائل الباب 12 من زكاة الفطرة.
(2) الوسائل الباب 12 من زكاة الفطرة.
301

وما رواه الشيخ في صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما
السلام) (1) أنهما قالا: " على الرجل أن يعطي عن كل من يعول من حر وعبد
وصغير وكبير يعطي يوم الفطر قبل الصلاة فهو أفضل، وهو في سعة أن يعطيها
من أول يوم يدخل من شهر رمضان إلى آخره ".
وما رواه السيد رضي الدين بن طاووس في كتاب الاقبال (2) قال: " روينا
باسنادنا إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: ينبغي أن يؤدي الفطرة قبل أن يخرج الناس إلى
الجبانة فإذا أداها بعد ما يرجع فإنما هي صدقة وليست فطرة ".
وما رواه العياشي في تفسيره عن سالم بن مكرم الجمال عن أبي عبد الله عليه السلام (3)
قال: " اعط الفطرة قبل الصلاة وهو قول الله عز وجل: وأقيموا الصلاة وآتوا
الزكاة (4) وإن لم يعطها حتى ينصرف من صلاته فلا تعد له فطرة ".
وما ذكره عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي (5) قال: " وهي زكاة إلى أن تصلي
صلاة العيد فإن أخرجتها بعد الصلاة فهي صدقة ".
وما رواه الشيخ عن سليمان بن حفص المروزي (6) قال: " سمعته
يقول إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة.. الحديث ".
وهذه الأخبار كما ترى ظاهرة الدلالة واضحة المقالة في القول الأول، وصاحب
المدارك إنما استدل لهذا القول برواية إبراهيم بن ميمون ثم طعن فيها بجهالة الراوي
مع استدلاله في المسألة السابقة بها ووصفه لها بالصحة إلى الراوي المذكور تنويها
بشأنها وجبرا لنقصانها.
أقول: ولفظ " ينبغي " في رواية الاقبال بمعنى الوجوب كما هو شائع في
الأخبار، ويدل عليه قوله: " فإذا أداها بعد ما يرجع فهي صدقة " ولفظ " أفضل " في
صحيحة الفضلاء ليس على بابه بل هو من قبيل لفظ " أفضل " أيضا في رواية عبد الله

(1) الوسائل الباب 12 من زكاة الفطرة
(2) الوسائل الباب 12 من زكاة الفطرة
(3) الوسائل الباب 12 من زكاة الفطرة
(4) سورة البقرة الآية 41 و 78 و 105
(5) ص 25
(6) الوسائل الباب 9 و 13 من زكاة الفطرة
302

ابن سنان المصرحة بأنها بعد الصلاة صدقة، غاية الأمر أنها دلت على جواز التقديم
من أول الشهر رخصة أو قرضا على الخلاف الآتي بيانه إن شاء الله تعالى.
احتج العلامة في المنتهى على ما اختاره من جواز تأخيرها بعد الصلاة
وتحريم التأخير عن يوم العيد بصحيحة العيص بن القاسم (1) قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الفطرة متى هي؟ فقال قبل الصلاة يوم الفطر. قلت فإن بقي منه
شئ بعد الصلاة؟ فقال لا بأس نحن نعطي عيالنا منه ثم يبقى فنقسمه ".
قال في المدارك بعد نقل هذه الرواية: ويدل عليه أيضا اطلاق قول الصادقين
(عليهما السلام) في صحيحة الفضلاء " يعطي يوم الفطر فهو أفضل ".
أقول: أما ما ذكره من الاستدلال بصحيحة الفضلاء فقد عرفت الجواب
عنه، وأما صحيحة العيص فصدرها ظاهر الدلالة في القول الأول، وأما عجزها
فهو محمول على العزل جمعا كما سيأتي في الأخبار (2) أنك إذا عزلتها لا يضرك متى
أخرجتها. وبذلك تجتمع مع الأخبار السابقة.
ولا يخفى أنه مع العمل على ما يدعى من ظاهر هذه الرواية وهو الامتداد إلى
آخر النهار يلزم منه طرح الأخبار الأولة مع كثرتها وصراحة أكثرها في المدعى
والعمل بالدليلين مهما أمكن أولى من طرح أحدهما، إلا أن الأصحاب لم ينقلوا في
المسألة ما نقلناه من هذه الأخبار وإنما الدائر في كلامهم الاستدلال لهذا القول
برواية إبراهيم بن ميمون خاصة.
وأما ما اختاره في المختلف من الامتداد إلى الزوال فإنما استند فيه إلى صحيحة
العيص بن القاسم وقوله فيها: " قبل الصلاة يوم الفطر " فحمل الصلاة على معنى
وقت الصلاة، ووقت الصلاة عندهم ممتد إلى الزوال.
وفيه أولا - أنه وإن كان المشهور بينهم امتداد وقت صلاة العيد إلى الزوال
إلا أنا لم نقف لهم على دليل يدل عليه غير مجرد ما يدعونه من اتفاقهم على ذلك،

(1) الوسائل الباب 12 من زكاة الفطرة
(2) ص 307
303

والروايات كلها إنما دلت على أن وقتها بعد طلوع الشمس ولم نطلع على ما يدل على
الامتداد إلى الزوال كما يدعونه.
وثانيا - أن هذا التجوز وإن تم له في هذه الرواية إلا أنه لا يتم له في الروايات
التي قدمناها المشتملة على التفصيل بقبل الخروج إلى الصلاة وبعد الرجوع من الصلاة
فإنه لا مجال لهذا التجوز بل يتعين حمل الصلاة على معناها الحقيقي.
إلا أنه قد روى السيد رضي الدين بن طاووس (عطر الله مرقده) في كتاب
الاقبال نقلا من كتاب عبد الله بن حماد الأنصاري عن أبي الحسن الأحمسي عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " أد الفطرة عن كل حر ومملوك.. إلى أن قال: قلت
أقبل الصلاة أو بعدها؟ قال: إن أخرجتها قبل الظهر فهي فطرة وإن أخرجتها
بعد الظهر فهي صدقة ولا تجزئك. قلت فأصلي الفجر وأعزلها فأمكث يوما أو بعض
يوم ثم أتصدق بها؟ قال لا بأس هي فطرة إذا أخرجتها قبل الصلاة.. الحديث ".
والأقرب عندي أن لفظ " الظهر " في الخبر وقع سهوا من الراوي أو غلطا
في النسخ وإنما هو " الصلاة " ويؤيده مفهوم قوله في آخر الخبر " هي فطرة إذا
أخرجتها قبل الصلاة " الدال على أنها بعد الصلاة ليست بفطرة، وبذلك يجمع
بينه وبين الأخبار المتقدمة. وبذلك يظهر لك بطلان ما عدا القول الأول الذي
عليه من بينها المعول. وهكذا حقق المقام ولا تصغ إلى ما زلت به أقدام أقلام
أولئك الأعلام.
الموضع الثالث - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز تقديم
الفطرة، والمشهور بين الأصحاب أنه لا يجوز التقديم إلا على جهة القرض ثم
احتساب ذلك عن الفطرة في وقت وجوبها، ذهب إليه الشيخ المفيد في المقنعة
والشيخ في الإقتصاد وأبو الصلاح وابن إدريس والعلامة في بعض كتبه وغيرهم،
وقيل بالجواز وهو قول الشيخ في المبسوط والخلاف وابني بابويه، قال في المختلف:

(1) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة
304

وقال ابنا بابويه: لا بأس باخراج الفطرة في أول يوم من شهر رمضان إلى آخره
وأفضل وقتها آخر يوم من شهر رمضان، ذكره علي بن بابويه في رسالته وابنه محمد
في مقنعه وهدايته، قالا: وإن ولد لك مولود يوم الفطر قبل الزوال فادفع عنه
الفطرة وإن ولد بعد الزوال فلا فطره عليه، وكذا إذا أسلم الرجل قبل الزوال
أو بعده. وإلى القول بالجواز في المسألة مال المحقق في المعتبر أيضا والعلامة في
التذكرة والمختلف وغيرهم.
أقول: لم أقف في كتب الأخبار على ما يتعلق بهذه المسألة إلا على صحيحة
الفضلاء المتقدمة قريبا (1) وقوله عليه السلام فيها " وهو في سعة أن يعطيها من أول
يوم يدخل من شهر رمضان إلى آخره ".
وأما ما نقله في المختلف عن ابني بابويه هنا فهو مأخوذ من كتاب الفقه
الرضوي على عادتهما الجارية من نقلهما عبارات الكتاب المذكور والافتاء بها على
وجه يظن الناظر أنها من كلامهما.
قال عليه السلام في الكتاب المذكور (2) وإن ولد لك مولود يوم الفطر قبل الزوال
فادفع عنه الفطرة وإن ولد بعد الزوال فلا فطرة عليه، وكذا إذا أسلم الرجل قبل
الزوال أو بعده فعلى هذا. ولا بأس باخراج الفطرة في أول يوم من شهر رمضان
إلى آخره، وهي زكاة إلى أن يصلي صلاة العيد فإن أخرجها بعد الصلاة فهي صدقة،
وأفضل وقتها آخر يوم من شهر رمضان. انتهى كلامه عليه السلام.
وظاهر الخبرين المذكورين الدلالة على الجواز، وأصحاب القول الأول قد
حملوا صحيحة الفضلاء على القرض.
ولم أقف على حجة للقول الأول إلا ما نقله في المختلف حيث قال: احتج
المانع بأنها عبادة موقتة فلا يجوز فعلها قبل وقتها، ولأنها زكاة منوطة بوقت فلا
يجوز قبله إلا على وجه القرض كزكاة المال، ولأنه لو جاز تقديمها في شهر

(1) ص 302
(2) ص 25
305

رمضان لجاز قبله لاشتراكهما في المصالح المطلوبة من التقديم بل هنا أولى، وما رواه
العيص في الصحيح (1) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الفطرة متى هي؟ فقال
قبل الصلاة يوم الفطر " ثم قال: والجواب عن الأولين بأنا نقول بموجبه ونقول
إن وقتها شهر رمضان كما تلوناه من حديث محمد بن مسلم وغيره. وعن الثالث بالفرق
فإن سبب الفطرة الصوم والفطر منه فجاز فعلها عند أحد السببين وهو دخول
الصوم كما جاز عند حصول النصاب وإن لم يحصل السبب الثاني وهو الحول، بخلاف
تقديمها على رمضان فإنه يكون تقديما على السببين معا وهو غير جائز، والرواية
لا تدل على منعها في غيره. انتهى.
أقول: أما الاحتجاج بأنها عبادة موقتة فهو احتجاج صحيح والوقت المشار
إليه هنا هو ما دلت عليه الأخبار التي قدمناها من كون وقتها قبل الصلاة وبعدها
تصير صدقة، لأنها قد اتفقت على أن وقت اخراجها ذلك وأن التأخير إلى بعد
الصلاة موجب لخروج الوقت، وإذا ثبت توقيتها بذلك امتنع تقديمها عليه لما تقدم
في صحيحة عمر بن يزيد أو حسنته بإبراهيم المتقدمة في الزكاة وعدم جواز تقديمها (2)
أنه ليس لأحد أن يصلي صلاة إلا لوقتها وكذلك لا يصومن أحد شهر رمضان
إلا في شهره إلا قضاء، وكل فريضة إنما تؤدى إذا حلت. ونحوها صحيحة زرارة (3)
وقول العلامة (قدس سره) هنا في الجواب - إن وقتها شهر رمضان استنادا إلى
صحيحة الفضلاء - ليس في محله إذ لا دلالة فيها على أزيد من أنه موسع له في
التقديم بعد أن ذكره إن وقتها قبل الصلاة كما قدمنا ذكره سابقا، وهذا التوسيع
أما على سبيل الرخصة كما هو الأقرب أو التقديم قرضا كما ذكروه. وكذلك قوله عليه السلام
في كتاب الفقه الرضوي: " ولا بأس باخراج الفطرة في أول يوم من شهر
رمضان إلى آخره " مع قوله: " إنها زكاة إلى أن يصلي صلاة العيد فإن أخرجها

(1) الوسائل الباب 12 من زكاة الفطرة
(2) ص 233
(3) ص 233
306

بعد الصلاة فهي صدقة " فإن ظاهره أن وقتها هو قبل الصلاة وأنه لا بأس بالتقديم
والظاهر حمله على الرخصة.
وبالجملة فالمسألة لا تخلو المذكورين على الرخصة. والأقرب هو القول الأول وحمل الخبرين المذكورين على الرخصة. والاحتياط لا يخفى
الموضع الرابع - الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
في أنه متى عزل الفطرة أي عينها في مال مخصوص قبل الصلاة فإنه يجوز اخراجها
حينئذ بعد ذلك وإن خرج وقتها.
ويدل عليه جملة من الأخبار: منها - ما رواه الصدوق في الحسن بإبراهيم
ابن هاشم عن صفوان عن إسحاق بن عمار (1) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الفطرة؟ قال: إذا عزلتها فلا يضرك متى أعطيتها قبل الصلاة أو بعدها.. الحديث "
وما رواه الشيخ في الموثق عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله
عليه السلام (2) " في الفطرة إذا عزلتها وأنت تطلب بها الموضع أو تنتظر بها رجلا
فلا بأس به ".
وعن إسحاق بن عمار وغيره (3) قال " سألته عن الفطرة؟ قال إذا عزلتها فلا
يضرك متى أعطيتها قبل الصلاة أو بعد الصلاة ".
ورواية سليمان بن حفص المروزي (4) قال: " سمعته يقول إن لم تجد
من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة.. الحديث ".
وفي الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (5) " في رجل أخرج فطرته
فعزلها حتى يجد لها أهلا؟ فقال إذا أخرجها من ضمانه فقد برئ وإلا فهو ضامن لها
حتى يؤديها إلى أربابها ".
قال بعض الفضلاء بعد ذكر صحيحة زرارة المذكورة: ولعل المراد أنه إذا
أخرج الفطرة التي عزلها إلى مستحقها فقد برئ وإلا فهو ضامن لها حتى يؤديها،

(1) الوسائل الباب 13 من زكاة الفطرة
(2) الوسائل الباب 13 من زكاة الفطرة
(3) الوسائل الباب 13 من زكاة الفطرة
(4) الوسائل الباب 13 من زكاة الفطرة
(5) الوسائل الباب 13 من زكاة الفطرة
307

بمعنى أنه مكلف بايصالها إلى مستحقها لا كونه بحث يضمن المثل أو القيمة مع
التلف، لأنها بعد العزل تصير أمانة في يد المالك. ويحتمل ارجاع الضمير في قوله
" أخرجها " إلى مطلق الزكاة ويكون المراد باخراجها عن ضمانه عزلها، والمراد أنه
إذا عزلها فقد برئ من ما عليه من التكليف بالعزل وإلا فهو ضامن لها مكلف
بأدائها إلى أن يوصلها إلى أربابها. وكأن المعنى الأول أقرب. انتهى.
أقول: ويحتمل أن يكون المراد باخراجها من ضمانه إنما هو العزل، فكأنه
قال: إذا عزلها فقد برئ يعني برئت ذمته لأنها خرجت من ذمته وصارت في يده
من قبيل الأمانة إلى أن يدفعها إلى أهلها. والضمان عبارة عن شغل الذمة بها فإذا عزلها
فقد برئت الذمة منها وإن لم يعزلها فالذمة مشغولة بها حتى يؤديها، غاية الأمر
أنه لو خرج الوقت سقط الأداء وبقي شغل الذمة. ولعل ما ذكرناه هو الأقرب في
معنى الخبر لأنه أقل تكلفا من المعنيين الأولين.
وظاهر اطلاق كلام الأصحاب يقتضي جواز العزل وإن وجد المستحق
وهو الظاهر من اطلاق الرواية الأولى والثالثة، ولا منافاة في الخبرين الأخيرين
لذلك لأنهما دلا على جواز العزل في هذه الصورة ولا دلالة فيهما على الحصر وعدم
جوازه في غير ذلك. وأما اختلافهم في كون الاخراج بعد الوقت مع العزل أداء
أو قضاء فلا ثمرة مهمة تتعلق به عندنا.
هذا كله على تقدير العزل وأما لو لم يعزلها وخرج الوقت الموظف لها فهل
تسقط بالكلية أم لا؟ وعلى الثاني تعطي أداء أو قضاء؟ أقوال: أو لها منقول
عن الشيخ وابني بابويه وأبي الصلاح وابن البراج وابن زهرة وادعى ابن زهرة
الاجماع عليه واختاره المحقق، والقول الثاني لجملة من الأصحاب: منهم الشيخ
والعلامة وابن إدريس وغيرهم، والمشهور بينهم أنها قضاء ونقل عن ابن
إدريس أنها أداء.
احتج الأولون بما تقدم في رواية إبراهيم بن ميمون الدالة على أنها قبل الصلاة
308

زكاة وبعد الصلاة صدقة، قالوا: والتفصيل قاطع للشركة
والعلامة حيث ذهب في المختلف إلى وجوب الاخراج وأنها تكون قضاء
قال: فهنا مقامان: المقام الأول - وجوب الاخراج والخلاف فيه مع المفيد وابني
بابويه وأبي الصلاح وابن البراج، لنا - إنه لم يأت بالمأمور به فيبقى في عهدة التكليف
إلى أن يأتي به، ولأن المقتضي للوجوب قائم والمانع لا يصلح للمانعية، أما الأول
فللعموم الدال على وجوب اخراج الفطرة عن كل رأس صاع، وأما الثاني فلأن
المانع ليس إلا خروج وقت الأداء لكنه لا يصلح للمعارضة إذ خروج الوقت
لا يسقط الحق كالدين وزكاة المال والخمس وغيرها، وما رواه زرارة في الصحيح
عن الصادق عليه السلام (1) " في رجل أخرج فطرته فعزلها حتى يجد لها أهلا؟ فقال إذا
أخرجها من ضمانه فقد برئ وإلا فهو ضامن لها حتى يؤديها إلى أربابها ".. إلى أن
قال: المقام الثاني - إنها تكون قضاء والخلاف فيه مع ابن إدريس، لنا أنها عبادة
موقتة بوقت وقد خرج وقتها فتكون قضاء إذا المراد بالقضاء ذلك. احتج ابن
إدريس بأن الزكاة المالية والرأسية تجب بدخول وقتها فإذا دخل وجب الأداء ولا
يزال الانسان مؤديا لها لأن بعد دخول وقتها هو وقت الأداء في جميعه. والجواب
المنع لأن لوقتها طرفين أولا وآخرا بخلاف زكاة المال ولولا ضبط أولها وآخرها
لما تضيقت عند الصلاة، لأن بعد الصلاة يكون الوقت باقيا في زعمه، ولأنه لو
كان الوقت باقيا لوجبت الفطرة على من بلغ بعد الزوال كما تجب الصلاة لو بلغ والوقت
باق. انتهى كلامه زيد اكرامه.
أقول: ما ذكره من الدليل في المقام الأول منظور فيه من وجوه:
أحدها - دعوى العموم الدال على وجوب اخراج الفطرة فإنه ممنوع بما
اعترف به في رده على ابن إدريس من التقييد بالوقت، فوجوب اخراج الفطرة
مقيد بذلك الوقت المخصوص. بذلك يظهر بطلان قوله " لأن المقتضي للوجوب قائم "

(1) الوسائل الباب 13 من زكاة الفطرة
309

وثانيها - قوله: " المانع لا يصلح للمانعية " فإن فيه أنه قد صرح جملة من
المحققين بأن الأمر بالأداء لا يتناول القضاء بل يحتاج القضاء إلى أمر جديد. وبه
يظهر ما في قوله: " إذ خروج الوقت لا يسقط الحق ".
وثالثها - قياسه ذلك على الدين والزكاة المالية والخمس فإنه قياس محض، مع
كونه قياسا مع الفارق فإن هذه الأشياء التي ذكرها ليست من قبيل الواجب الموقت
بخلاف الفطرة كما عرفت.
ورابعها - أن الرواية على ما قدمناه من الاحتمالات فيها إنما تدل على وجوب
الاخراج مع العزل وهو غير محل النزاع.
وأما ما ذكره في الرد على ابن إدريس فهو جيد، قال المحقق في المعتبر بعد
نقل كلام ابن إدريس: وهذا ليس بشئ لأن وجوبها موقت فلا يتحقق وجوبها
بعد الوقت.
وبما ذكرناه يظهر أن القول بالسقوط هو الذي عليه العمل كما استفاضت به
الأخبار التي قدمناها.
ثم إنه قد ذكر الأصحاب أنه لو عزلها وأخر دفعها مع الامكان فإنه يكون
ضامنا ولا معه لا يضمن، وهو من ما لا ريب فيه لأنها بعد العزل تكون أمانة
في يده فلا يضمنها إلا بالتعدي أو التفريط المتحقق بتأخير الدفع إلى المستحق
مع إمكانه.
وأما جواز الحمل إلى بلد آخر فهو مبني على عدم وجود المستحق في البلد فلو
حمل مع وجوده كان ضامنا ولا معه لا ضمان كما تقدم في الزكاة المالية.
الفصل الرابع - في مصرفها والمشهور في كلام الأصحاب أن مصرفها مصرف
الزكاة المالية من الأصناف الثمانية.
واستدل عليه في المنتهى بأنها زكاة فتصرف إلى ما يصرف إليه سائر الزكوات
وبأنها صدقة فتدخل تحت قوله تعالى " إنما الصدقات للفقراء والمساكين.. الآية (1) "

(1) سورة التوبة الآية 61
310

وظاهرهم سقوط سهم المؤلفة والعاملين من هذه الصدقة والتخصيص بالستة
الباقية، قال في المعتبر: وهي لستة أصناف: الفقراء والمساكين والرقاب والغارمون
وسبيل الله وابن السبيل. وقال الشيخ المفيد (قدس سره) في المقنعة: ومستحق
الفطرة هو من كان على صفات مستحق الزكاة من الفقر أولا ثم المعرفة والايمان
وظاهر هذا الكلام اختصاصها بفقراء المؤمنين ومساكينهم.
ويدل عليه ظواهر جملة من الأخبار كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (1)
في حديث قال: " عن كل انسان نصف صاع من حنطة أو شعير أو صاع من تمر
أو زبيب لفقراء المسلمين ".
ورواية الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " قلت له لمن تحل الفطرة؟
قال لمن لا يجد ".
وفي رواية زرارة (3) " قلت له هل على من قبل الزكاة زكاة؟ قال أما من
قبل زكاة المال فإن عليه الفطرة وليس على من قبل الفطرة فطرة ".
وفي رواية يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام (4) قال: " سألته عن
الفطرة من أهلها الذين تجب لهم؟ قال من لا يجد شيئا ".
وكيف كان فلا ريب أن الوقوف مع ظواهر هذه الأخبار هو الأحوط.
مسائل
الأولى - المشهور بين الأصحاب أنه لا يجوز أن يعطى الفقير أقل من صاع
صرح به الشيخ المفيد وابنا بابويه والشيخ والسيد المرتضى وابن إدريس وابن حمزة
وسلار وابن زهرة والعلامة وغيرهم، بل قال المرتضى في الإنتصار: من ما انفردت
به الإمامية القول بأنه لا يجوز أن يعطى الفقير الواحد أقل من صاع، وباقي الفقهاء

(1) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة
(2) الوسائل الباب 2 من زكاة الفطرة
(3) الوسائل الباب 2 من زكاة الفطرة
(4) الوسائل الباب 14 من زكاة الفطرة
311

يخالفون في ذلك (1).
واستدل الأصحاب على ذلك بما رواه الشيخ في التهذيب عن الحسين بن سعيد
في الصحيح عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " لا تعط أحد
أقل من رأس ".
قال المحقق في المعتبر - بعد نقل مذهب الأصحاب ونقله إطباق الجمهور على
خلافه وذكر حجة الجمهور على جواز تفريق الصاع الواحد ما صورته: فإن احتج
المانعون منا بما رواه أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله
عليه السلام (3) قال: " لا يعطى أحد أقل من رأس " قلت: الرواية مرسلة فلا تقوى أن
تكون حجة، والأولى أن يحمل ذلك على الاستحباب تفصيا من خلاف الأصحاب
ويدل على جواز الشركة ما رواه إسحاق بن المبارك (4) قال: " سألت أبا إبراهيم
عليه السلام عن صدقة الفطرة قلت أجعلها فضة وأعطيها رجلا واحدا أو اثنين؟ قال
تفريقها أحب إلى " فأطلق استحباب التفرقة من غير تفصيل. انتهى. وتبعه في
القول بالاستحباب جمع من متأخري المتأخرين: منهم السيد السند في المدارك بل
الظاهر أنه أولهم، وتبعه الفاضل الخراساني في الذخيرة.
أقول: العجب من هذا المحقق (قدس سره) وعدم وقوفه على قاعدة، فإنه
في كتابه المشار إليه في غير موضع كما لا يخفى على من راجعه كثيرا ما يذكر الأخبار
لضعيفة ويعمل بها مستندا إلى فتوى الأصحاب بها وقولهم بمضونها فكيف
خالف نفسه هنا؟ والحال أنه لا مخالف في الحكم قبله كما هو صريح كلام العلامة في
المختلف حيث قال - بعد أن نقل عن ظاهر الشيخ في التهذيب الاستحباب - ما صورته:
لنا - إنه قول فقهائنا ولم نقف لهم على مخالف فوجب المصير إليه، وما رواه أحمد بن محمد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا تعط أحدا أقل من رأس،

(1) المغني ج 3 ص 79
(2) الوسائل الباب 16 من زكاة الفطرة
(3) الوسائل الباب 16 من زكاة الفطرة
(4) التهذيب ج 1 ص 373 وفي الوسائل الباب 9 و 16 من زكاة الفطرة باختلاف في اللفظ
312

(لا يقال) هذا الحديث مرسل فلا نعمل عليه (لأنا نقول) الحجة في قول الفقهاء
فإنه يجري مجرى الاجماع، وإذا تلقت الأمة الخبر بالقبول لم يحتج إلى سند. ثم
نقل احتجاج الشيخ برواية إسحاق بن المبارك المذكورة في كلام المحقق وأنه عليه السلام
أطلق استحباب التفرقة من غير تفصيل. ثم قال: والجواب أنه ليس دالا على
المطلوب إذ لا تقدير فهي لاعطاء الفقير، وترك التفصيل لا يدل على صورة
النزاع بالخصوص إذا قام هناك معارض.
قال الشيخ في الإستبصار: يحتمل هذه الحديث أشياء: منها أن جواز التفريق
في حال التقية لأن مذهب جميع العامة يوافق ذلك ولا يوافقنا على وجوب اعطاء
رأس لرأس واحد. ومنها - أنه ليس في الخبر تجويز تفريق رأس واحد فيجوز أن
يكون إشارة إلى من وجبت عليه عدة أصواع. ومنها - أن عند اجتماع المحتاجين
وأن لا يكون هناك ما يفرق عليهم يجوز تفريق الرأس الواحد. وكلامه (قدس
سره) هنا يدل على وجوب اعطاء رأس لرأس ولم يتعرض للتأويل بالاستحباب
كما ذكره في التهذيب. وما ذكره من المحامل الثلاثة جيد ولا سيما المحملين الأولين.
ثم العجب أيضا من المحقق ومن تبعه في المقام أنه مع ثبوت تعارض الخبرين
المذكورين واعترافهم باطباق العامة على جواز التشريك في صاع كيف عملوا بخبر
التشريك الموافق للعامة واطرحوا ما قابله ردا على أئمتهم في ما وضعوه لهم من
القواعد عند اختلاف الأخبار وهو عرض الخبرين على مذهب العامة والأخذ
بما خالفهم كما استفاضت به نصوصهم (1) فليت شعري لمن أخرجت هذه الأخبار
ومن خوطب بها غيرهم وهم قد ألقوها وراء ظهورهم؟ فتراهم في جميع أحكام الفقه
لا يلمون بشئ من تلك القواعد بل مهدوا لأنفسهم قاعدة الجمع بين الأخبار
بالكراهة والاستحباب التي لم يرد به سنة ولا كتاب، نسأل الله تعالى المسامحة لنا
ولهم من هفوات الأقلام وزلات الأقدام.

(1) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به
313

هذا. وما علل به مصيره إلى الاستحباب من التفصي من خلاف الأصحاب فهو
أوهن من بيت العنكبوت وأنه لأوهن البيوت، وأي مخرج له في القول بالاستحباب
عن مخالفة الأصحاب إذا كان القول بالاستحباب مؤذنا بجواز التشريك في صاع
والأصحاب قائلون بتحريم التشريك فأي تفص هنا من خلافهم؟ ما هذه إلا عجيب
منه وممن تبعه في هذا الباب.
قال الصدوق (قدس سره) في كتاب من لا يحضره الفقيه - بعد نقل رواية
إسحاق بن عمار الدالة على أنه لا بأس أن يعطي الرجل الرجل عن رأسين وثلاثة
وأربعة يعني في الفطرة - ما صورته: وفي خبر آخر " لا بأس بأن تدفع عن
نفسك وعن من تعول إلى واحد ولا يجوز أن تدفع ما يلزم واحدا إلى نفسين " وهذه
العبارة كملا نقلها في الوسائل على أنها من الخبر المشار إليه، وصاحب الوافي نقلها
إلى ما قبل قوله " ولا يجوز " بناء على أن " ولا يجوز " من كلام المصنف وهو الظاهر
إلا أن هذه العبارة إنما أخذها المصنف من كتاب الفقه الرضوي وأفتى بها كما عرفت
في غير موضع منه ومن أبيه في رسالته إليه، حيث قال عليه السلام (1) " ولا يجوز أن تدفع
ما يلزم واحدا إلى نفسين " وأما العبارة التي قبلها في الفقيه فلم يتعرض لها عليه السلام في
الكتاب، وحينئذ فتكون هذه الرواية عاضدة لمرسلة الحسين بن سعيد المتقدمة
صريحة في التحريم. وبذلك يظهر أن الأصح هو القول المشهور وأن من خالف في
ذلك فهو مجرد اجتهاد في مقابلة النصوص.
الثانية - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز دفع الفطرة إلى
غير المؤمن من المستضعفين، فقيل بعدم الجواز وهو مذهب الشيخ المفيد
والمرتضى وابن الجنيد وابن إدريس وجمع من الأصحاب، وقيل بالجواز ذهب إليه
الشيخ وأتباعه.
والذي يدل على الأول صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري عن الرضا

(1) ص 25
314

عليه السلام (1) قال: " سألته عن الزكاة هل توضع في من لا يعرف؟ قال لا ولا زكاة الفطرة "
وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن عيسى (2) قال: " كتب إليه إبراهيم
ابن عقبة يسأله عن الفطرة كم هي برطل بغداد عن كل رأس؟ وهل يجوز اعطاؤها
غير مؤمن؟ فكتب عليه السلام.. إلى أن قال: ولا ينبغي لك أن تعطي زكاتك إلا مؤمنا ".
وما رواه الصدوق في كتاب عيون أخبار الرضا بأسانيده عن الفضل بن
شاذان عن الرضا عليه السلام (3): " أنه كتب إلى المأمون: وزكاة الفطرة فريضة.. إلى أن
قال: ولا يجوز دفعها إلا إلى أهل الولاية ".
ويدل على الثاني ما رواه الصدوق في الصحيح عن علي بن يقطين (4) " أنه
سأل أبا الحسن الأول عليه السلام عن زكاة الفطرة أيصلح أن تعطى الجبران والظؤورة
ممن لا يعرف ولا ينصب؟ قال لا بأس إذا كان محتاجا ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن عيسى (5) قال: " حدثني علي بن
بلال - وأراني قد سمعته من علي بن بلال - قال: كتبت إليه هل يجوز أن يكون الرجل
في بلدة ورجل من إخوانه في بلدة أخرى محتاج أن يوجه له فطرة أم لا؟ فكتب
يقسم الفطرة على من حضر ولا يوجه ذلك إلى بلدة أخرى وإن لم يجد موافقا ".
وعن الفضيل في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام (6) قال: " كان جدي عليه السلام
يعطي فطرته الضعفة ومن لا يجد ومن لا يتولى. قال وقال أبو عبد الله عليه السلام: هي
لأهلها إلا أن لا تجدهم فإن لم تجدهم فلمن لا ينصب، ولا تنقل من أرض إلى أرض.
وقال: الإمام أعلم يضعها حيث يشاء ويصنع فيها ما يرى ".
وعن إسحاق بن عمار في الموثق عن أبي إبراهيم عليه السلام (7) قال: " سألته عن

(1) الوسائل الباب 5 من المستحقين للزكاة
(2) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة
(3) الوسائل الباب 14 من زكاة الفطرة
(4) الوسائل الباب 15 من زكاة الفطرة
(5) الوسائل الباب 15 من زكاة الفطرة
(6) الوسائل الباب 15 من زكاة الفطرة
(7) الوسائل الباب 15 من زكاة الفطرة
315

صدقة الفطرة اعطيها غير أهل ولايتي من فقراء جيراني؟ قال: نعم الجيران أحق
بها لمكان الشهرة ".
ورواية مالك الجهني (1) قال: " سألت أبا جعفر عليه السلام عن زكاة الفطرة
فقال: تعطيها المسلمين فإن لم تجد مسلما فمستضعفا ".
أقول: هذا ما وقفت عليه من أخبار المسألة من ما يتعلق بكل من القولين،
والجمع بينها ممكن بأحد وجهين: أما حمل الأخبار الأخيرة على التقية كما يشير إليه
قوله عليه السلام في موثق إسحاق بن عمار " الجيران أحق بها لمكان الشهرة " أي خوف أن
يشهروه ويطعنوا عليه بالرفض إذا لم يعطهم، وأما حملها على ما إذا لم يجد المؤمن
كما يشعر به قوله عليه السلام في رواية الفضيل " هي لأهلها إلا أن لا تجدهم ".
ويمكن أن يقال إن موثقة إسحاق بن عمار ليس فيها تصريح بكون الدفع إلى
المستضعف وإنما تضمنت غير أهل الولاية، فيمكن حملها على النصاب وأنه يجوز
الدفع تقية سيما من حيث كونهم جيرانا وخوف الشهرة، وحينئذ فتخرج هذه
الرواية عن محل البحث وينحصر الجمع بين أخبار المسألة في الوجه الثاني وهو إذا
لم يجد المؤمن.
قال في المعتبر بعد نقل أخبار الطرفين: والرواية المانعة أشبه بالمذهب لما
قررته الإمامية من تضليل مخالفيها في الاعتقاد وذلك يمنع الاستحقاق. انتهى.
أقول: ينبغي أن يعلم أن المراد بالمستضعف هنا هو الجاهل بالإمامة
وهؤلاء في وقت الأئمة (عليهم السلام) أكثر الناس لاستفاضة الأخبار عنهم
(عليهم السلام) بتقسيم الناس يومئذ إلى مؤمن وكافر ومستضعف (2) والمراد
بالمؤمن هو المقر بإمامة الأئمة (عليهم السلام) والكافر هو المنكر لها وهم المرادون
بالنصاب، والأولان من أهل الوعدين بالجنة والنار والثالث من المرجئين لأمر

(1) الوسائل الباب 15 من زكاة الفطرة
(2) الأصول ج 2 ص 401 إلى 408
316

الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم، وهؤلاء مسلمون يجوز مناكحتهم وموارثتهم
ويحكم بطهارتهم وحقن أموالهم ودمائهم، ويفهم من بعض الأخبار أنهم يدخلون
الجنة بعفو الله من حيث عدم انكارهم الإمامة ونصبهم، فلا استبعاد في ما دلت
عليه هذه الأخبار من جواز اعطائهم من الفطرة مع عدم المؤمن. إلا أن هذا
الفرد من الناس في هذه الأوقات الأخيرة بعد عصرهم (عليهم السلام) وما قاربه
من ما لا يكاد يوجد لاشتهار صيت الإمامة والخلاف فيها بين الأمة. ولتحقيق
هذا المقام محل آخر وقد أودعناه كتابنا الموسوم بالشهاب الثاقب في معرفة الناصب
وما يترتب عليه من المطالب.
الثالثة - قد تقدم في الباب الأول تحريم الصدقة الواجبة على بني هاشم إلا في
حال الضرورة أو صدقة بعضهم على بعض، والحكم في الفطرة كذلك أيضا لدخولها
في عموم تلك الأخبار من غير خلاف يعرف.
نعم يبقى الكلام هنا في شئ لم أقف على من تعرض للتنبيه عليه وهو أنه لو
كانت الفطرة واجبة على عامي لعيلولته جماعة من السادة أو سيد لعيلوته جماعة من غير
السادة فهل الاعتبار هنا في جواز دفع الزكاة للسيد بناء على جواز أخذه زكاة مثله بالمعيل
أو المعال؟ فعلى الأول يجوز في الصورة الثانية دون الأولى وعلى الثاني يجوز في
الأولى دون الثانية.
والذي يقرب عندي هو أن الاعتبار بالمعال لأنه هو الذي تضاف إليه
الزكاة فيقال فطرة فلان وإن وجب اخراجها عنه على غيره لمكان العيلولة وأضيفت
إليه أيضا من هذه الجهة وإلا فهي أولا وبالذات إنما تضاف إلى المعال.
ومن ما يؤيد ما قلناه قول الصادق عليه السلام (1) لمعتب " اذهب فاعط عن
عيالنا الفطرة واعط عن الرقيق واجمعهم ولا تدع منهم أحدا فإنك إن تركت منهم
انسانا تخوفت عليه الفوت " فإنه ظاهر كما ترى في كون الزكاة الواجب عليه عليه السلام

(1) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة
317

اخراجها إنما هي زكاة الغير وفطرته وهم عياله وإنما وجبت عليه من حيث العيلولة
فهي منسوبة إليهم ومتعلقة بهم ولهذا خاف عليهم الفوت مع عدم اخراجها عنهم.
ونحو ذلك صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع (1) قال: " بعثت إلى أبي الحسن
الرضا عليه السلام بدراهم لي ولغيري وكتبت إليه أخبره أنها من فطرة العيال فكتب
بخطه: قبضت وقبلت ".
وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " صدقة الفطرة على كل رأس
من أهلك: الصغير والكبير والحر والمملوك والغني والفقير، عن كل انسان نصف
صاع.. الحديث " ومعنى قوله: " على كل رأس " إما بمعنى عن كل رأس أو بمعنى
ثبوتها على كل رأس وإن كان وجوب الاخراج على المعيل من حيث العيلولة لا من
حيث إن أصل الوجوب متعلق به.
وبالجملة فالمفهوم من هذه الأخبار أن هذه الزكاة التي وجب على المعيل دفعها
إنما هي زكاة المعال وإن تعلقت به من حيث العيلولة، ولهذا لو سئل عن تفصيلها
لقال هذه زكاتي وهذه زكاة زوجتي وهذه زكاة ابني وهذه زكاة خادمي ونحو ذلك.
ومن ما يؤيد ما قلناه ما ورد من العلة في تحريم الزكاة على بني هاشم من أن
الزكاة أوساخ الناس (3) إشارة إلى قوله عز وجل: " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم
وتزكيهم بها " (4) فكأنها مثل الماء الذي يغسل به الثوب الوسخ فينتقل الوسخ إلى
الماء، وهذا المعنى إنما يناسب المعال من جهة حديث معتب الدال على أن من لم
يخرج عنه الزكاة يخاف عليه الموت، فهي في قوة المطهرة له والدافعة للبلاء عنه ولا
مدخل للمعيل في ذلك.

(1) الوسائل الباب 9 من زكاة الفطرة
(2) الوسائل الباب 5 و 6 من زكاة الفطرة
(3) الوسائل الباب 29 من المستحقين للزكاة، والمحلى ج 1 ص 146 وبدائع الصنائع
ج 2 ص 49 والمغني ج 2 ص 655 والمجموع ج 6 ص 227 ونيل الأوطار ج 4 ص 182
(4) سورة التوبة الآية 105
318

نظير هذه المسألة ما تقدم في دفع المقرض زكاة مال القرض عن المقترض
بشرط كان أو تبرعا، وكذا شرط دفع زكاة قيمة المبيع كما في حديثي الباقر عليه السلام مع
هشام بن عبد الملك (1) فإن الاعتبار بمن وجبت عليه وهو المقترض والبائع لا بمن
وجب عليه اعطاؤها بالشرط أو التبرع، ولا فرق بين ما نحن فيه وبين صورة
الشرط إلا من حيث إن وجوب الدفع هنا من حيث العيلولة وثمة من حيث الشرط
وإلا فأصل الزكاة إنما تعلق بالمعال في ما نحن فيه وبالمشترط ثمة.
(لا يقال) إن في المعال من لا يجب عليه الاخراج مثل الصغير والعبد
والفقير (لا نا نقول) الوجوب في ما نحن فيه نوع آخر غير وجوب الاخراج على
من استكمل الشرائط المقررة في محلها، ولا يلزم في من وجب الاخراج عنه أن يكون ممن يجب الاخراج عليه لولا العيلولة، وذلك فإنه بالعيلولة حصل هنا
أمران: أحدهما تعلق الزكاة بالمعال، والآخر وجوب الاخراج على المعيل.
إذ لا يعقل وجوب الاخراج عن أحد ما لم يستقر على المخرج عنه ويثبت عليه.
وكيف كان فالمسألة لخلوها عن النص الصريح من ما ينبغي أن لا يترك فيها
الاحتياط. والله العالم.
الرابعة - " المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) استحباب حملها إلى
الإمام عليه السلام مع وجوده ومع عدمه فإلى فقهاء الإمامية المستكملين لشروط النيابة
عنه عليه السلام وظاهر كلام الشيخ المفيد (قدس سره) في المقنعة الوجوب، واستدل
الأصحاب على ما ذكروه بأنهم أبصر بمواقعها، لأن في ذلك جمعا بين براءة الذمة
وأداء الحق. والأظهر في الاستدلال على ذلك ما تقدم في رواية علي بن أبي راشد (2) قال: " سألته عن الفطرة لمن هي؟ قال للإمام. قال: فقلت فأخبر
أصحابي؟ قال نعم من أردت تطهيره منهم.. الحديث " وقوله عليه السلام: " من أردت

(1) ص 42، والثاني مع سليمان بن عبد الملك
(2) الوسائل الباب 9 من زكاة الفطرة. واللفظ " من أردت أن تطهره منهم "
319

تطهيره منهم " إشارة إلى الآية " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " (1)
وما تقدم في سابق هذه المسألة من قوله عليه السلام في رواية الفضيل: " الإمام أعلم يضعها
حيث يشاء ويصنع فيها ما يرى " وأما ما ذكره شيخنا المفيد فترده الأخبار الدالة
على تولي المالك صرفها بنفسه أو نائبه.
كتاب الخمس وما يتبعه
وفيه فصول: الأول - في ما يجب فيه الخمس، وظاهر كلام جملة من
الأصحاب (رضوان الله عليهم) حصره في سبعة: غنائم دار الحرب والمعادن
والكنوز والغوص والمكاسب وأرض الذمي التي اشتراها من مسلم والحرام المختلط
بالحلال، قال في المدارك: وهذه الحصر استقرائي مستفاد من تتبع الأدلة الشرعية
وذكر الشهيد في البيان أن هذه السبعة كلها مندرجة في الغنيمة.
ويدل عليه صريحا قوله عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي (2) بعد ذكر الآية
وهي قوله عز وجل: " واعلموا أنما غنمتم.. الآية " (3): " وكل ما أفاده الناس
فهو غنيمة لا فرق بين الكنوز والمعادن والغوص.. إلى آخره " وسيأتي نقله بتمامه
إن شاء الله تعالى في الفصل الثاني.
وما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة (4) قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام
عن الخمس فقال في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير ".
وما رواه فيه وفي التهذيب عن حكيم مؤذن بني عبس (5) قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه

(1) سورة التوبة الآية 105
(2) مستدرك الوسائل الباب 6 من ما يجب فيه الخمس
(3) سورة الأنفال الآية 43
(4) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس
(5) الوسائل الباب 4 من الأنفال وما يختص بالإمام
320

وللرسول ولذي القربى (1) فقال أبو عبد الله عليه السلام بمرفقيه على ركبتيه ثم أشار بيده
ثم قال: هي والله الإفادة يوما بيوم إلا أن أبي جعل شيعته في حل ليزكيهم ".
وصحيحة علي بن مهزيار الطويلة عن الجواد عليه السلام (2) وستأتي إن شاء الله تعالى
بطولها في موضعها، وهي متضمنة لتفسير الآية بذلك، إلى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبع.
وحينئذ فالكلام في هذا الفصل يقع في مقامات سبعة: الأول في غنائم
دار الحرب، قالوا: وهي ما حواه العسكر وما لم يحوه من أرض وغيرها ما لم يكن
غصبا من مسلم أو معاهد قليلا كان أو كثيرا، ونقل عن الشيخ المفيد في المسائل
الغرية أنه قال: والخمس واجب في ما يستفاد من غنائم الكفار والكنوز والعنبر
والغوص، فمن استفاد من هذه الأربعة الأصناف عشرين دينارا أو ما قيمته ذلك
كان عليه أن يخرج منه الخمس. وظاهره أنه لا بد من بلوغ قيمة الغنيمة عشرين دينارا
فما زاد أو كونها كذلك.
والمشهور ما تقدم، وهو ظاهر اطلاق الأدلة ومنها الآية الشريفة، ومنها
قوله عليه السلام في مرسلة حماد الطويلة (3) وستأتي إن شاء الله تعالى في موضعها
" الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم والغوص ومن الكنوز ومن المعادن.. الحديث "
وصحيحة عبد الله بن سنان (4) قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ليس
الخمس إلا في الغنائم خاصة ".
وصحيحة ربعي بن عبد الله بن الجارود عن أبي عبد الله عليه السلام (5) قال: " كان
رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له ثم يقسم ما بقي خمسة

(1) سورة الأنفال الآية 43
(2) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس
(3) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس
(4) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس
(5) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس
321

أخماس. الحديث، وسيأتي إن شاء الله تعالى في محله، إلى غير ذلك من الأخبار
الآتية إن شاء الله تعالى.
ولم نقف للشيخ المفيد (رضي الله عنه) هنا على دليل.
ثم إن ما دل عليه صحيحة عبد الله بن سنان من حصر الخمس في الغنائم قد حمله
الشيخ (قدس سره) تارة على أن معناه ليس الخمس بظاهر القرآن إلا في الغنائم خاصة
لأن ما عدا الغنائم الذي أو جبنا فيه الخمس إنما يثبت ذلك بالسنة وتارة بشمول
الغنائم لكل ما وجب فيه الخمس، والأول منهما في التهذيب والثاني في الإستبصار
وهو الأقرب، فيكون تفسيره للآية الشريفة بالعموم كما تقدم ذكره، وحينئذ
فيكون الحصر بالنسبة إلى ما يدخل في الملك بالشراء كما لو اشترى جارية أو دارا
أو طعاما أو نحو ذلك فإنه لا خمس فيه إذ لا يعد ذلك غنيمة.
بقي هنا شئ وهو أنه قال شيخنا الشهيد في الدروس: ويجب في سبعة:
الأول - ما غنم من دار الحرب على الاطلاق إلا ما غنم بغير إذن الإمام عليه السلام فله،
أو سرق أو أخذ غلية فلآخذه.
وظاهره أن جميع ما يؤخذ من دار الحرب فهو غنيمة إلا أنه متى كان بغير
إذن الإمام فإنه يكون للإمام عليه السلام وهو على اطلاقه مشكل لأن الظاهر من الأخبار
وكلام الأصحاب أن الذي يكون للإمام عليه السلام متى كان بغير إذنه إنما هو ما يؤخذ على
وجه الجهاد والتكليف بالاسلام كما يقع من خلفاء الجور وجهادهم الكفار على هذا
الوجه لا ما أخذ جهرا وغلبة وغصبا ونحو ذلك من ما لم يكن سرقة ولا غيلة فإنه
يكون غنيمة بغير إذنه عليه السلام ويكون له، فإنه لا دليل عليه ولا قائل به في ما أعلم.
والرواية التي أوردها الأصحاب دليلا على الحكم المذكور وهي رواية العباس
الوراق عن رجل سماه عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " إذا غزا قوم بغير إذن
الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام عليه السلام
الخمس " - موردها كما ترى إنما هو ما ذكرناه، وفي عبارات الأصحاب في معنى

(1) الوسائل الباب 1 من الأنفال وما يختص بالإمام
322

الغنيمة بأنها ما حواه العسكر ما يشعر بما قلناه.
وأما ما ذكره - من أن ما أخذ غيلة أو سرق فهو لآخذه ولا يجب فيه
الخمس لأنه لا يسمى غنيمة - فهو أحد القولين، وقيل بوجوب الخمس فيه.
قال في المدارك: ويدل عليه فحوى ما رواه الشيخ في الصحيح عن حفص بن
البختري عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا
الخمس " وعن أبي بكر الحضرمي عن المعلى (2) قال: " خذ مال الناصب حيثما وجدته
وابعث إلينا بالخمس ".
أقول: وفي هذه الاستدلال نظر لأن مورد الروايتين الناصب لا أهل
الحرب، وهذا الفحوى الذي ادعاه لا يخرج عن القياس إذ الخروج عن مورد
الدليل إلى فرد آخر مغاير له لا معنى له.
ولعله (قدس سره) تبع هنا كلام ابن إدريس في السرائر حيث قال بعد
أن أورد صحيحة حفص المذكورة ورواية المعلى ما صورته: قال محمد بن إدريس
المعنى بالناصب في هذين الخبرين أهل الحرب لأنهم ينصبون الحرب للمسلمين وإلا
فلا يحل أخذ مال مسلم ولا ذمي على وجه من الوجوه. انتهى.
ولا يخفى ما فيه من الضعف والقصور: (أما أولا) فإن اطلاق الناصب على
أهل الحرب خلاف المعروف لغة وعرفا وشرعا، فإن الناصب لغة هو المبغض
لعلي عليه السلام كما نص عليه في القاموس وإن كان أصل معنى النصب العدواة إلا أنه صار
مختصا بالمبغض له (عليه السلام) وأما في الشروع فالأحاديث الدالة عليه أكثر من
أن تحصى كما لا يخفى على من أحاط بها خبرا والعرف ظاهر في ذلك، وأي داع إلى
حمله على هذا المعنى البعيد الشارد وحمله على معناه المتبادر منه صحيح لا معارض له في
جملة الموارد.
(وأما ثانيا) فإن اطلاق المسلم على الناصب وأنه لا يجوز أخذ ماله من

(1) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس
(2) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس
323

حيث الاسلام خلاف ما عليه الطائفة المحقة سلفا وخلفا من الحكم بكفر الناصب
ونجاسته وجواز أخذ ماله بل قتله، وإنما الخلاف بينهم في مطلق المخالف
هل يحكم باسلامه أم بكفره؟ وهو نفسه من اختار القول بالكفر كما هو المشهور
بين متقدمي أصحابنا حيث قال في مبحث صلاة الأموات: ولا تجب الصلاة
إلا على المعتقدين للحق أو من كان بحكمهم من أطفالهم الذين بلغوا ست سنين
على ما قدمناه ومن المستضعفين، وقال بعض أصحابنا تجب الصلاة على أهل
القبلة ومن شهد الشهادتين، الأول مذهب شيخنا المفيد والثاني مذهب شيخنا
أبي جعفر الطوسي، والأول أظهر في المذهب، ويؤيده القرآن وهو قوله تعالى:
" ولا تصل على أحد منهم مات أبدا " (1) يعني الكفار، والمخالف لأهل الحق
كافر بلا خلاف بيننا. هذه عبارته بعينها فإذا حكم بكفر المخالف فكيف يحكم
باسلام الناصب؟ ما هذا إلا غفلة من هذا النحرير وسهو وقع في هذا التحرير.
وفي المقام فوائد: الأولى - ظاهر الأكثر أن حكم مال البغاة الذي حواه
العسكر حكم غنيمة دار الحرب، فإن أرادوا باعتبار وجوب الخمس فهو محل اشكال
إذ لا أعرف عليه دليلا واضحا ومورد الآية والروايات إنما هو أهل الحرب من
المشركين، وإن أرادوا باعتبار حل ذلك للمسلمين فالتخصيص بما حواه العسكر كما
اشتهر عندهم محل اشكال. وسيجئ تحقيق القول في ذلك أن شاء الله تعالى في محله.
الثانية - ظاهر كلام الأصحاب كما قدمنا نقله أن الغنيمة التي يجب فيها الخمس
هي جميع أموال أهل الحرب من ما ينقل ويحول أم لا حواه العسكر أم لا،
وظاهره دخول الأراضي والضياع والدور والمساكن ونحوها.
ولا أعرف على هذه التعميم دليلا سوى ظاهر الآية فإن الظاهر من الروايات
اختصاص ذلك بالأموال المنقولة:
ومنها - صحيحة ربعي بن عبد الله (2) المتقدمة الدالة على أنه صلى الله عليه وآله

(1) سورة التوبة الآية 86
(2) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس
324

إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان له ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس ويأخذ خمسه ثم
يقسم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه ثم قسم الخمس الذي أخذه خمسة
أخماس يأخذ خمس الله عز وجل لنفسه ثم يقسم الأربعة الأخماس بين ذوي القربى
واليتامى والمساكين وأبناء السبيل يعطى كل واحد منهم جميعا، وكذلك الإمام يأخذ
كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله. ونحوها غيرها من الأحاديث الدالة على قسمة الخمس
أخماسا أو أسداسا واعطاء كل ذي حق حقه.
وفي بعضها (1) أنه يعطيهم على قدر كفايتهم فإن فضل منه شئ فهو له وإن
نقص عنهم ولم يكفهم أتمه لهم من عنده، كما صار له الفضل كذلك لزمه النقصان.
وهذا كله كما ترى صريح في أن الخمس إنما هو في ما ينقل ويحول من غنيمة أو
غيرها، وكيف يجري هذه في الأراضي والضياع والدور ونحوها؟
وقد تتبعت ما حضرني من كتب الأخبار كالوافي والوسائل المشتمل على
أخبار الكتب الأربعة وغيرها فلم أقف فيها على ما يدل على دخول الأرض
ونحوها من ما قدمناه في الغنيمة التي يتعلق بها الخمس، ولم أقف في شئ منها على
وجوب اخراج الخمس منها عينا أو قيمة حتى الأخبار الواردة في تفسير الآية المشار
إليها فإنها ما بين صريح أو ظاهر في تخصيصها بما ينقل ويحول.
وحينئذ فيمكن تخصيص الآية بما دلت عليه هذه الأخبار مع أن الأخبار
الواردة في الأراضي ونحوها بالنسبة إلى المفتوح عنوة إنما دلت على أنها في للمسلمين
من وجد ومن سيوجد إلى يوم القيامة وأن أمرها إلى الإمام عليه السلام يقبلها أو
يعمرها ويصرف حاصلها في مصالح المسلمين.
وأما ما ذكره المحقق في الشرائع في باب الجهاد بالنسبة إلى هذه الأراضي بعد
تقسيم الغنيمة إلى ما ينقل وما لا ينقل، حيث قال: وأما ما لا ينقل فهو للمسلمين
قاطبة وفيه الخمس والإمام مخير بين اخراج الخمس لأربابه وبين ابقائه واخراج الخمس
من ارتفاعه - فلا أعرف له دليلا ولا وقفت له على مستند إلا ما قدمناه من ظاهر

(1) الوسائل الباب 3 من قسمة الخمس
325

الآية، وقد عرفت أنه يمكن تخصيصها بالأخبار الدالة على انحصار مخرج الخمس
في ما ينقل ويحول، ومن الجائز خروج الأراضي ونحوها عن ما يجب فيه الخمس
كما خرجت عن حكم الغنيمة بالنسبة إلى اختصاص المقاتلين بها فإنها كما اتفقوا عليه
للمسلمين قاطبة من وجد ومن سيوجد إلى يوم القيامة.
وشيخنا الشهيد في المسالك لم يتعرض لنقل هذه العبارة فضلا عن ايراد
دليل لها، والظاهر أنه من حيث إن المسألة مسلمة الثبوت بينهم.
ويؤيد ما قلناه الأخبار الواردة في حكم الأرض المفتوحة عنوة ومنها خيبر
وعدم التعرض فيها لذكر الخمس بالكلية مع ذكر الزكاة فيها، ولو كان ثابتا فيها لكانت
أولى بالذكر لتعلقه برقبة الأرض:
ومنها - ما رواه في الكافي عن البزنطي (1) قال: " ذكرنا له الكوفة وما
وضع عليها من الخراج وما سار فيها أهل بيته فقال من أسلم طوعا تركت أرضه
في يده.. إلى أن قال: وما أخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبله بالذي يرى كما صنع
رسول الله صلى الله عليه وآله بخيبر قبل سوادها وبياضها يعني أرضها ونخلها، والناس يقولون
لا تصلح قبالة الأرض والنخل (2) وقد قبل رسول الله صلى الله عليه وآله خيبر، وعلى المتقبلين
سوى قبالة الأرض العشر ونصف العشر في حصصهم.. الحديث ".
وما رواه في التهذيب في الصحيح عن البزنطي (3) قال: " ذكرت لأبي الحسن
عليه السلام الخراج وما سار به أهل بيته فقال العشر ونصف العشر على من أسلم طوعا
تركت أرضه في يده.. إلى أن قال: وما أخذ بالسيف فذلك للإمام يقبله بالذي يرى
كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله بخيبر قبل أرضها ونخلها، والناس يقولون لا تصلح قبالة
الأرض والنخل إذا كان البياض أكثر من السواد وقد قبل رسول الله صلى الله عليه وآله خيبر

(1) الوسائل الباب 72 من جهاد العدو
(2) في كتاب الأموال لأبي عبيد ص 55 أن الأرض المفتوحة عنوة حكم بعض
بتخميسها وتقسيمها وأرجع بعض أمرها إلى الإمام إن شاء صنع كذلك وإن شاء تركها
موقوفة على المسلمين عامة وأنه تقر في أيدي أهلها بالطسق.
(3) الوسائل الباب 72 من جهاد العدو
326

وعليهم في حصصهم العشر ونصف العشر ".
وبالجملة فما ذكروه لا وجود له في شئ من الأخبار، بل ظواهرها من حيث
عدم التعرض لذكره ولو إشارة سيما في مقام البيان هو العدم، بل ظاهر مرسلة
حماد بن عيسى الطويلة (1) الدلالة على ما قلناه حيث قال فيها: " وليس لمن قاتل شئ
من الأرضين.. الحديث ".
الثالثة - قد اختلفوا في تقديم الخمس على المؤن وعدمه، واختلفوا أيضا في
تقديمه على السلب والجعائل وما يرضخه الإمام للنساء والعبيد والكفار إن قاتلوا
وعدمه، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في كتاب الجهاد، إلا أن الذي حضرني
من الأخبار الآن وهو صحيحة ربعي المتقدمة (2) إنما تضمنت اخراج الخمس بعد
اخراج صفو المال الذي هو من الأنفال للإمام عليه السلام.
المقام الثاني - في المعادن وهي من " عدن " إذا أقام لإقامة أهله فيه دائما أو لإنبات
الله عز وجل إياه فيه، قال في القاموس: والمعدن كمجلس منبت الجواهر من ذهب
ونحوه لإقامة أهله فيه دائما أو لإنبات الله عز وجل إياه فيه. وقال في المغرب: عدن
بالمكان إذا أقام به، منه المعدن لما خلقه الله تعالى في الأرض من الذهب والفضة
لأن الناس يقيمون فيه الصيف والشتاء، وقيل لإنبات الله تعالى فيه جوهرها
وإنباته إياه في الأرض حتى عدن فيها أي نبت. وهو أعم من أن يكون منطبعا
كالنقدين والحديد والرصاص والصفر أو غير منطبع كالياقوت والعقيق والكحل
والفيروزج والبلور ونحوها أو مائعا كالقير والنفط والكبريت، والظاهر أن مجمله
ما خرج عن حقيقة الأرضية ولو بخاصية زائدة عليها. وقال في التذكرة: المعادن هي
كل ما خرج من الأرض من ما يخلق فيها من غيرها من ماله قيمة. وقال في البيان بعد عد
جملة من ما ذكرناه: وكل أرض فيها خصوصية يعظم الانتفاع بها كالنورة والمغرة.
وقال في الدروس: حتى المغرة والجص والنورة وطين الغسل وحجارة الرحى. وقال في

(1) الوسائل الباب 41 من جهاد العدو
(2) ص 321
327

المدارك بعد نقل ذلك عنه: وفي الكل توقف. وكأنه للشك في اطلاق اسم المعدن
عليها على سبيل الحقيقة. وفي البيان: وألحق به حجارة الرحى وكل أرض فيها
خصوصية يعظم الانتفاع بها كالنورة والمغرة. وظاهره عدم دخولها في حقيقة
المعادن. والمسألة لا تخلو من إشكال وإن كان الأقرب هو الأول، لتناول
ظاهر كلام أهل اللغة في تعريف المعدن لذلك.
ووجوب الخمس في المعدن من ما وقع الاتفاق عليه نصا وفتوى، ومن
الأخبار في ذلك صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (1) قال: " سألته عن
معادن الذهب والفضة والصفر والحديد والرصاص فقال عليها الخمس جميعا ".
وصحيحة الحلبي (2) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الكنز كم فيه؟ قال
الخمس. وعن المعادن كم فيها؟ قال الخمس. وعن الرصاص والصفر والحديد وما كان
من المعادن كم فيها؟ قال: يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب والفضة ".
وصحيحة محمد بن مسلم (3) قال: " سألت أبا جعفر عليه السلام عن الملاحة قال
وما الملاحة؟ فقلت أرض سبخة مالحة يجتمع فيها الماء فيصير ملحا. فقال: هذا
المعدن فيه الخمس. فقلت: والكبريت والنفط يخرج من الأرض؟ قال فقال هذا
وأشباهه فيه الخمس ".
وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (4) قال: " سألته عن المعادن ما فيها؟
فقال كل ما كان ركازا ففيه الخمس. وقال ما عالجته بمالك ففيه من ما أخرج الله سبحانه
من حجارته مصفى الخمس ".
أقول: لفظ الركاز في الخبر محتمل لأن يحمل على الكنز وأن يحمل على
المعدن، قال ابن الأثير في نهايته (5): في حديث الصدقة " وفي الركاز الخمس "
الركاز عند أهل الحجاز كنوز الجاهلية المدفونة في الأرض وعند أهل العراق المعادن

(1) الوسائل الباب 3 من ما يجب فيه الخمس
(2) الوسائل الباب 3 من ما يجب فيه الخمس
(3) الوسائل الباب 3 من ما يجب فيه الخمس
(4) الوسائل الباب 3 من ما يجب فيه الخمس
(5) مادة ركز
328

والقولان تحتملهما اللغة لأن كلا منهما مركوز في الأرض أي ثابت، يقال ركزه
يركزه ركزا إذا دفنه، وأركز الرجل إذا وجد الركاز، والحديث إنما جاء في
التفسير الأول وهو الكنز الجاهلي، وإنما كان فيه الخمس لكثرة نفعه وسهولة
أخذه، وقد جاء في مسند أحمد في بعض طرق هذا الحديث " وفي الركائز الخمس "
كأنها جمع ركيزة أو ركازة، والركيزة والركزة القطعة من جواهر الأرض
المركوزة فيها، وجمع الركزة الركاز ومنه حديث عمر: إن عبدا وجد ركزة على عهده
فأخذها منه. أي قطعة عظيمة من الذهب. وهذا يعضد التفسير الثاني. انتهى.
والظاهر أن معنى آخر الخبر أن الخمس إنما يجب في ما عولج بعد وضع مؤنة
العلاج، ومرجعه إلى تقديم اخراج المؤنة على الخمس، وبه صرح جملة
من الأصحاب.
ويدل عليه أيضا صحيحة ابن أبي نصر (1) قال: " كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام:
الخمس أخرجه قبل المؤنة أو بعد المؤنة؟ فكتب بعد المؤنة " ويدل عليه أيضا بعض
الأخبار الآتية في الأرباح إن شاء الله تعالى (2).
ثم إنه قد وقع الخلاف هنا في موضعين: أحدهما - في اعتبار النصاب
وعدمه في المعدن، وعلى تقدير اعتباره فهل هو عشرون دينارا أو دينار واحد؟
فذهب الشيخ في الخلاف إلى وجوب الخمس فيها ولا يراعى فيها النصاب وهو
اختياره في الإقتصاد أيضا، ونقل عن ابن البراج وابن إدريس مدعيا عليه الاجماع
حيث قال: اجماعهم منعقد على وجوب اخراج الخمس من المعادن جميعها على اختلاف
أجناسها قليلا كان المعدن أو كثيرا ذهبا كان أو فضة من غير اعتبار مقدار وهذا
اجماع منهم بغير خلاف. ونقل عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل والمفيد والسيد

(1) الوسائل الباب 12 من ما يجب فيه الخمس
(2) كخبر الأشعري والنيسابوري وعلي بن مهزيار والهمداني الآتية في أول
المقام الخامس
329

المرتضى وابن زهرة وسلار أنهم أطلقوا وجوب الخمس، وهو ظاهر في موافقة
القول المتقدم.
واعتبر أبو الصلاح بلوغ قيمته دينارا واحدا، ورواه ابن بابويه في المقنع
ومن لا يحضره الفقيه (1).
وقال الشيخ في النهاية: ومعادن الذهب والفضة لا يجب فيها الخمس إلا إذا
بلغت إلى القدر الذي تجب فيه الزكاة. ونحوه في المبسوط. واختاره ابن حمزة،
وعليه جمهور المتأخرين:
لما رواه الشيخ عن أحمد بن محمد بن أبي نصر في الصحيح (2) قال: " سألت
أبا الحسن عليه السلام عن ما أخرج من المعدن من قليل أو كثير هل فيه شئ؟ قال: ليس فيه
شئ حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا ".
احتج القائلون بالقول الأول باطلاق النصوص والاجماع الذي تقدم في
كلام ابن إدريس، وهما بمكان من الضعف: أما الاطلاق فيجب تقييده بالدليل
المذكور، وأما الاجماع فهو في موضع النزاع غير مسموع، قال في المختلف: وكيف
يدعي الاجماع في موضع الخلاف من مثل ابن بابويه والشيخ وأبي الصلاح وغيرهم.
ويدل على ما ذهب إليه أبو الصلاح ما رواه الكليني والشيخ عن أحمد بن محمد
ابن أبي نصر في الصحيح عن محمد بن علي بن أبي عبد الله وهو مجهول عن أبي الحسن عليه السلام (3)
قال: " سألته عن ما يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعن معادن
الذهب والفضة هل فيه زكاة؟ فقال إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس " ورواه ابن
بابويه مرسلا عن الكاظم عليه السلام (4).
والشيخ قد جمع بين هذا الخبر وما قبله بارجاع الجواب إلى السؤال عن ما

(1) الوسائل الباب 3 من ما يجب فيه الخمس رقم 5
(2) الوسائل الباب 4 من ما يجب فيه الخمس
(3) الوسائل الباب 3 من ما يجب فيه الخمس
(4) الوسائل الباب 3 من ما يجب فيه الخمس
330

يخرج من البحر دون المعادن. وفيه تعسف فإن السؤال قد اشتمل عليهما ولا
قرينة تؤنس بصرفه إلى بعض دون بعض. والأكثر حملوا الخبر الثاني على
الاستحباب، وبعض حمل الأول على الرخصة والتبرع منهم (عليهم السلام). وفي
النفس من جميع هذه المحامل توقف.
فروع
الأول - المفهوم من كلام جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه
لا يعتبر في النصاب الاخراج دفعة بل لو أخرج من المعدن في دفعات متعددة ضم
بعضها إلى بعض واعتبر النصاب من المجموع وإن تخلل بين الدفعات الاعراض،
وشرط العلامة في المنتهى أن لا يكون بين الدفعات اعراض فلو أهمله معرضا ثم
أخرج بعد ذلك لم يضم. وهو تقييد للنص بغير دليل فإن ظاهر النصوص المتقدمة
وجوب الخمس في هذا النوع كيف اتفق الاخراج فالتقييد بهذا الشرط يحتاج إلى
دليل وليس فليس.
الثاني - قالوا: لو اشترك جماعة في استخراج المعدن اشترط بلوغ نصيب
كل واحد منهم النصاب وظاهر النص العدم، وتتحقق الشركة بالاجتماع على
الحيازة والحفر. ولو اختص أحدهم بالحيازة وآخر بالنقل وآخر بالسبك، فإن
نوى الحيازة لنفسه كان الجميع له وعليه أجرة الناقل والسابك، وإن نوى الشركة
كان بينهم أثلاثا ويرجع كل واحد منهم على الآخر بثلث أجرة عمله بناء على أن
نية الحائز تؤثر في ملك غيره.
الثالث - صرح جملة من الأصحاب بأنه لو وجد معدنا في أرض مملوكة فهو
لصاحبها ولا شئ للمخرج وإن كان في أرض مباحة فهو لمخرجه وعليه الخمس.
الرابع - قالوا: لو أخرج خمس تراب المعدن لم يجزئه لجواز اختلافه في
الجوهر، ومقتضاه أنه لو علم التساوي جاز. ولو اتخذ منه دراهم أو دنانير أو حليا
فالظاهر أن الخمس في السبائك لا غير.
331

المقام الثالث - في الكنوز والكنز لغة هو المال المذخور تحت الأرض،
ولا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في وجوب الخمس فيه.
ويدل عليه من الأخبار صحيحة الحلبي (1) " أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن
الكنز كم فيه؟ فقال الخمس ".
وروى في الفقيه والخصال في وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلى (2) عليه السلام قال: " يا علي
أن عبد المطلب سن في الجاهلية خمس سنن أجراها الله له في الاسلام.. إلى أن قال
ووجد كنزا فأخرج منه الخمس وتصدق به فأنزل الله: واعلموا إنما غنمتم من شئ
فإن لله خمسه.. الآية (3).
وصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (4) قال:
" سألته عن ما يجب فيه الخمس من الكنز؟ فقال ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس "
وروى الشيخ المفيد (طيب الله مرقده) في المقنعة مرسلا (5) قال: " سئل
الرضا عليه السلام عن مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس؟ فقال ما يجب فيه الزكاة من ذلك
بعنيه ففيه الخمس وما لم يبلغ حد ما يجب فيه الزكاة فلا خمس فيه ".
ولا خلاف أيضا بين الأصحاب في ما أعلم في اشتراط الخمس في هذا النوع
ببلوغ عشرين دينارا أو مائتي درهم وهو النصاب الأول من الذهب والفضة، ويدل
عليه الخبران الأخيران، وما عدا النقدين المذكورين فإنه يعد بهما، وبذلك صرح
العلامة في المنتهى.
إلا أن عبائر جملة من الأصحاب كالمحقق في الشرائع اقتصروا على نصاب
الذهب خاصة ولعله لمجرد التمثيل، قال في المنتهى: وليس للركاز نصاب آخر بل
لا يجب الخمس فيه إلا أن يكون عشرين مثقالا فإذا بلغها وجب فيه الخمس وفي ما
زاد قليلا كان أو كثيرا.

(1) الوسائل الباب 5 من ما يجب فيه الخمس
(2) الوسائل الباب 5 من ما يجب فيه الخمس
(3) سورة الأنفال الآية 43
(4) الوسائل الباب 5 من ما يجب فيه الخمس
(5) الوسائل الباب 5 من ما يجب فيه الخمس
332

قال في المدارك بعد نقل ذلك عن المنتهى: ويشكل بأن مقتضى رواية ابن أبي
نصر مساواة الخمس الزكاة في اعتبار النصاب الثاني كالأول إلا أني لا أعلم بذلك
مصرحا. انتهى.
أقول: لا يخفى أن المراد من السؤال في الرواية المذكورة إنما هو السؤال
عن المقدار الذي يتعلق به الخمس بحيث لا يجب في ما هو أقل منه كما هو ظاهر من
رواية المقنعة فأجاب عليه السلام بقدر ما تجب الزكاة في مثله وهو عشرون دينارا أو مائتا
درهم، لا إن المراد المساواة في النصب ليكون ما بينها عفوا لا خمس فيه كالزكاة.
وبالجملة فالمقصود بالسؤال والجواب إنما هو المساواة في مبدأ تعلق الخمس كما في
مبدأ تعلق الزكاة.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
في أن ما يوجد في دار الحرب فإنه لآخذه وعليه الخمس أعم من أن يكون عليه أثر
الاسلام أم لا.
قالوا: أما إنه لواجده فلان الأصل في الأشياء الإباحة، والتصرف في مال
الغير إنما يحرم إذا كان ملكا لمحترم وهو هنا غير معلوم أو تعلق به نهي خصوصا
أو عموما وهو هنا غير ثابت، وحينئذ فيكون باقيا علي مقتضى الإباحة الأصلية
وأما وجوب الخمس فلما تقدم من الأخبار.
أقول: ولك أن تقول أن المعلوم من أحاديث وجوب الخمس في الكنز
وغيره من معدن وغوص ونحوهما من أصناف ما يجب فيه الخمس أن وجوب
الاخراج متفرع على ملك المخرج ليتجه الخطاب له بالاخراج إذ لا يعقل الوجوب
عليه في مال غيره، فايجاب الخمس في الصورة المذكورة بالأخبار المتقدمة مستلزم
للملك البتة، وحينئذ فتكون الأخبار المشار إليها دالة على كل من الأمرين.
وأما ما يوجد في دار الاسلام فإن لم يكن عليه أثر الاسلام فهو لواجده
أيضا وعليه الخمس سواء كان في أرض مباحة أو مملوكة ولم يعترف به المالك.
333

والظاهر أنه لا خلاف فيه، واستدلوا بما قدمنا نقله عنهم في الموجود في
أرض دار الحرب، ولهذا أن شيخنا الشهيد في البيان شرط وجوب الخمس في
الكنز بأمرين: أحدهما النصاب عشرون دينارا وثانيهما وجوده في دار الحرب
مطلقا أو دار الاسلام وليس عليه أثر الاسلام.
وإنما الخلاف والاشكال في ما وجد في دار الاسلام وعليه أثره فهل هو كما
تقدم أو يكون لقطة؟ قولان مشهوران، اختار أولهما الشيخ في الخلاف حيث
قال: إذا وجد دراهم مضروبة في الجاهلية فهو ركاز ويجب فيه الخمس سواء كان
ذلك في دار الاسلام أو دار الحرب، وإن وجد كنزا عليه أثر الاسلام بأن
تكون الدراهم والدنانير مضروبة في دار الاسلام وليس عليها أثر ملك يؤخذ منه
الخمس. وهو ظاهر في ايجابه الخمس في ما وجد في دار الاسلام وعليه أثره
أعم من أن يكون في أرض مباحة أو مملوكة ولم يعترف به المالك. وإلى هذا
القول ذهب ابن إدريس وغيره ومنهم المحقق في كتاب اللقطة. واختار ثانيهما
الشيخ في المبسوط حيث قال: الكنوز التي تؤخذ من دار الحرب من الذهب
والفضة والدراهم والدنانير سواء كان عليها أثر الاسلام أم لم يكن يجب فيها الخمس
وأما التي تؤخذ من بلد الاسلام فإن وجدت في ملك انسان وجب أن يعرف أهله
فإن عرفه كان له وإن لم يعرفه أو وجدت في أرض لا مالك لها، فإن كان عليها أثر
الاسلام فهي بمنزلة اللقطة سواء، وإن لم يكن عليها أثر الاسلام أخرج منها الخمس
وكان الباقي لواجدها. وإلى هذه القول ذهب جل المتأخرين: منهم العلامة في
المختلف والمحقق في كتاب الخمس. وظاهره في المعتبر التوقف حيث اقتصر على نقل
الخلاف عن الشيخ في الكتابين المذكورين. وظاهر الشهيد في البيان الفرق بين
الموجود في الأرض المباحة والموجود في المملوكة ولم يعترف المالك به حيث وافق
الخلاف في الأرض المملوكة إذا لم يعترف به المالك ووافق المبسوط في الأرض
المباحة، وهو غريب.
334

استدل العلامة في المختلف على ما ذهب إليه من كونه لقطة قال: لنا إنه مال
ضائع عليه ملك انسان ووجده في دار الاسلام فيكون لقطة كغيره.
ثم قال احتج في الخلاف بعموم ظاهر القرآن (1) والأخبار الواردة في
اخراج الخمس من الكنوز (2) والتخصيص يحتاج إلى دليل. ثم أجاب بالقول
بالموجب ما لم يظهر المخصص، قال: والمخصص هنا ثابت فإنه مال يغلب على الظن أنه
مملوك لمسلم فلا يحل من غير تعريف. ولا يخفى ما في هذا الجواب.
والأظهر الجواب عن ذلك بما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن إسحاق
ابن عمار (3) قال: " سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن رجل نزل في بعض بيوت مكة
فوجد فيها نحوا من سبعين درهم مدفونة فلم تزل معه ولم يذكرها حتى قدم الكوفة كيف
يصنع؟ قال يسأل عنها أهل المنزل لعلهم يعرفونها. قلت: فإن لم يعرفوها؟ قال
يتصدق بها " وهو ظاهر في كونه لقطة لا كنزا وحينئذ فيخص به اطلاق الأخبار
التي استند إليها.
وهذا الخبر صريح في الرد على ما اختاره في البيان من كون الموجود في
الأرض المملوكة مع عدم اعتراف المالك به يكون فيه الخمس. والخبر المذكور
أيضا ظاهر في الرد على صاحب المدارك في ما ذكره من المناقشة في صحة اطلاق
اللقطة على المال المكنوز، قال إذ المتبادر من معناها أنها المال الضائع على غير هذا
الوجه. وهذا الخبر حجة عليه.
والأظهر في الاستدلال على القول الأول هو الاستدلال بصحيحة محمد بن
مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (4) قال: " وسألته عن الورق يوجد في
دار. فقال: إن كانت الدار معمورة فهي لأهلها وإن كانت خربة فأنت أحق
بما وجدت ".

(1) وهو قوله تعالى " واعلموا إنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه.. " سورة
الأنفال الآية 43
(2) الوسائل الباب 5 من ما يجب فيه الخمس
(3) الوسائل الباب 5 من اللقطة
(4) الوسائل الباب 5 من اللقطة
335

وصحيحته الأخرى عن الصادق عليه السلام (1) قال: " سألته عن الدار يوجد
فيها الورق؟ فقال إن كانت معمورة فيها أهله فهو لهم وإن كانت خربة قد جلا عنها
أهلها فالذي وجد المال أحق به ".
وبهذين الخبرين استدل شيخنا الشهيد الثاني في المسالك في كتاب اللقطة
للمصنف على ما ذكره من أن ما يوجد في المفاوز أو في خربة قد هلك أهلها فهو
لواجده ينتفع به بلا تعريف، وكذا ما يجده مدفونا في أرض لا مالك لها.
وفي الاستدلال على القول الثاني هو ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن
قيس عن الباقر عليه السلام (2) قال: " قضى علي عليه السلام في رجل وجد ورقا في خربة أن
يعرفها فإن وجد من يعرفها وإلا تمتع بها ".
وهذه الرواية وإن كانت أعم من أن يكون ذلك الورق عليه سكة الاسلام
إلا أنه يجب تخصيص عمومها بما دل على أن ما لا أثر للاسلام عليه فإن فيه الخمس
ويكون لواجده، ومثلها في ذلك موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة.
وأنت خبير بما في هذه الأخبار من التناقض والتضاد إلا أن من قال بالقول
الثاني جمع بين صحيحتي محمد بن مسلم وصحيحة محمد بن قيس بحمل الصحيحتين المذكورتين
على ما لم يكن عليه أثر الاسلام وحمل صحيحة محمد بن قيس على ما إذا كان عليه أثر
الاسلام. ولا يخفى ما فيه من البعد لعدم ما يدل عليه من الأخبار.
وفي المدارك حيث اختار العمل بصحيحتي محمد بن مسلم حمل صحيحة محمد بن
قيس على ما إذا كانت الخربة لمالك معروف أو على ما إذا كان الورق غير مكنوز.
ولا يخفى أن هذا وإن أمكن في الصحيحة المذكورة إلا أنه لا يمكن في موثقة إسحاق
ابن عمار التي ذكرناها إلا أنه لم يذكرها أحد منهم في المقام.

(1) الوسائل الباب 5 من اللقطة عن أبي جعفر (ع) كما في الفروع ج 1 ص 367
والتهذيب ج 6 ص 390 أيضا
(2) الوسائل الباب 5 من اللقطة
336

وبالجملة فالمسألة عندي موضع اشكال، على أن ظواهر الصحاح الثلاث التي
ذكروها لا دلالة فيها على كون ذلك الورق كنزا، وحينئذ فيشكل التعلق بها في
المسألة، بل ربما ظهر منها كونه لا كذلك، وظاهر عبارة الشرائع المتقدم
ذكرها ذلك حيث عطف فيها ما يجده مدفونا على ما ذكره أولا بقوله: " وما يوجد
في المفاوز.. إلى آخره ".
وقد ذكر جمع منهم أيضا أنه لو كان في أرض مملوكة للواجد، فإن ملكت
بالأحياء كان كالموجود في المباح في كونه للواجد مع عدم أثر الاسلام عليه ومع
وجود الأثر يدخل تحت الخلاف المتقدم، وإن ملكت بالابتياع عرفه من جرت
يده على الأرض فإن اعترف أحدهم به فهو له وإلا جرى فيه التفصيل المتقدم.
وبعض عبائرهم هنا اشتملت على كونه للواجد مطلقا، ولكن نبه شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك في كتاب اللقطة على التقييد بالتفصيل، حيث إن عبارة
المصنف هنا مطلقة فقال: واطلاق الحكم بكونه لواجده مع عدم اعتراف المالك
والبائع به الشامل لما عليه أثر الاسلام وعدمه تبع لاطلاق النص كما سبق، ومن
قيد تلك بانتفاء أثر الاسلام قيد هنا أيضا لاشتراكهما في المقتضي فمعه يكون لقطة.
وأشار بالنص إلى ما قدمه من صحيحتي محمد بن مسلم المتقدمتين.
وممن صرح بما ذكره شيخنا الشهيد في الدروس فقال بعد أن حكم بكون
الركاز الذي فيه الخمس هو ما يوجد في دار الحرب مطلقا أو في دار الاسلام ولا
أثر له ولو كان عليه أثر الاسلام فلقطة خلافا للخلاف، ثم قال: ولو وجده في ملك
مبتاع عرفه البائع ومن قبله فإن لم يعرفه فلقطة أو ركاز بحسب أثر الاسلام
وعدمه. انتهى.
وبالجملة فالمتحصل من كلامهم أن ما وجد في أرض الاسلام مطلقا ولم يعلم له
مالك فإنه مع عدم أثر الاسلام كنز لواجده وعليه الخمس، ومعه يكون محل الخلاف
المتقدم سواء كان في أرض مباحة أو مملوكة للواجد أو غيره مع عدم اعتراف
337

أحد من الملاك به.
وينبغي التنبيه هنا على فوائد
الأولى - قد صرح شيخنا الشهيد في الدروس بأن الظاهر أن مجرد قول
المعترف كاف بلا بينة ولا يمين ولا وصف، نعم لو تداعيا لكان لذي اليد بيمينه
ولو كان مستأجرا فقولان للشيخ.
أقول: أما أن مجرد قول المعترف كاف فهو مقتضى القواعد المتفق عليها
بينهم المؤيدة بالنصوص أيضا (1) فإن من ادعى شيئا ولا منازع له دفع إليه، ويدل
عليه صريحا خبر كيس الألف درهم (2) وأما مع تداعيهما معا فالحكم كما ذكره أيضا
لما تبين في محله. وأما لو حصل التداعي بين المالك والمستأجر فقد أوضحه في البيان
وهو محل توقف.
الثانية - قد صرح جملة من الأصحاب بوجوب التعريف لمن تقدم من الملاك
متى كان في أرض مملوكة للغير أو للواجد مع انتقالها بالبيع أو الإرث مقدما
الأقرب فالأقرب.
وقال في المدارك بعد نقل ذلك عنهم: ويمكن المناقشة في وجوب تعريفه
لذي اليد السابقة إذا احتمل عدم جريان يده عليه، لأصالة البراءة من هذا
التكليف مضافا إلى أصالة عدم التقدم. ولو علم انتفاؤه عن بعض الملاك فينبغي
القطع بسقوط تعريفه لانتفاء فائدته. وكذا الكلام لو كانت موروثة. انتهى.
أقول: ما ذكره لا يخلو من قرب ويؤيده صحيحة عبد الله بن جعفر الآتية
في المقام.
الثالثة - قد ذكر جملة من الأصحاب في هذا المقام أنه لو اشترى دابة ووجد

(1) يمكن أن يريد بذلك اطلاق موثقة إسحاق بن عمار وصحيحة محمد بن قيس المتقدمتين
(2) الوسائل الباب 17 من كيفية الحكم وأحكام الدعوى
(3) ص 339
338

في جوفها شيئا له قيمة عرفه البائع فإن عرفة فهو له وإن جهله فهو للمشتري وعليه
الخمس. ولو ابتاع سمكة فوجد في جوفها شيئا أخرج خمسه وكان الباقي له، وليس
عليه تعريف هنا.
وبما ذكروه بالنسبة إلى مسألة الدابة وأنه يجب تعريفه ومع عدم اعتراف
البائع به يكون للمشتري قد وردت صحيحة عبد الله بن جعفر (1) قال: " كتبت إلى
الرجل عليه السلام أسأله عن رجل اشترى جزورا أو بقرة للأضاحي فلما ذبحها وجد في
جوفها صرة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة لمن يكون ذلك؟ فوقع عليه السلام عرفها
البائع فإن لم يكن يعرفها فالشئ لك رزقك الله تعالى إياه ".
والرواية لا دلالة فيها على وجوب الخمس في ذلك المال الذي في جوف الدابة
ولم ينقلوا في المقام دليلا غيرها، وكأنهم بنوا في ذكر هاتين المسألتين هنا على أن
ما يوجد في جوف الدابة والسمكة من قبيل الكنوز، وهو بعيد فإن الكنز لغة
هو المال المدفون في الأرض. نعم يمكن أن يكون ذلك داخلا في صنف الأرباح
فيكون وجوب الخمس لذلك، وحينئذ فالأنسب ذكر ذلك في ذلك المقام.
واطلاق الخبر المذكور شامل لما لو كانت الدراهم ونحوها من ما عليه أثر
الاسلام أو لم يكن، ومقتضى عدهم ذلك في الكنز كما ذكرنا التفصيل هنا أيضا بين
ما عليه أثر الاسلام أو لا وجريان الخلاف المتقدم في ما عليه أثر الاسلام، مع أن الرواية صريحة في كونه لواجده، فتحمل عند من قال ثمة بكونه لواجده مع عدم
أثر الاسلام على كون تلك الدارهم ليس عليها أثر الاسلام، وأما عند من قال إنه
لواجده مطلقا فلا اشكال بل تكون مثل صحيحتي محمد بن مسلم المتقدمتين.
وأما ما ذكره في المدارك حيث قال: واطلاق الرواية يقتضي عدم الفرق
بين ما عليه أثر الاسلام وغيره، بل الظاهر كون الدارهم في ذلك الوقت مسكوكة بسكة

(1) الوسائل الباب 9 من اللقطة
339

الاسلام، ولعل ذلك هو الوجه في اطلاق الأصحاب الحكم في هذه المسألة والتفصيل
في السابقة. انتهى. -
فظني عدم استقامته، لأنه متى كانت هذه المسألة من قبيل مسألة الكنز
الموجود في دار الاسلام، وقد تقدم في تلك المسألة التفصيل بين ما لم يكن عليه
أثر الاسلام فهو لواجده اتفاقا أو كونه عليه أثره ففيه الخلاف بين كونه لواجده
أو يكون لقطة، وحينئذ فمتى كان الظاهر كون تلك الدارهم في ذلك الوقت مسكوكة
بسكة الاسلام كانت محل الخلاف، فكيف يكون ذلك سببا في اطلاق الحكم بكونه
لواجده في هذه المسألة؟ واطلاقهم الحكم هنا كذلك إنما يصح تفرعه على عدم
كونها مسكوكة بسكة الاسلام لأنه محل الوفاق على كونه لواجده لا العكس كما ذكره
ولذا قال جده (قدس سره) في المسالك: وفي المسألتين إشكال آخر وهو اطلاقهم
الحكم بكونه لواجده بعد الخمس في أي فرض، فإن تم فإن ذلك إنما يتم مع عدم أثر
الاسلام وإلا فلا يقصر عن ما يوجد في الأرض لاشتراك الجميع في دلالة أثر
على مالك سابق والأصل عدم زواله، فيجب تقييد جواز التملك بعدم وجود
الأثر وإلا كان لقطة في الموضعين. انتهى.
وكيف كان فالأظهر عندي هو ما تقدم من أن هذه المسألة بفرديها المذكورين
لا ارتباط لها بهذا المقام كما ذكروه لعدم صحة اطلاق الكنز الذي هو لغة وعرفا
عبارة عن المال المدفون في الأرض على ما في جوف دابة أو سمكة أو نحوهما،
وإنما الأنسب في ايجاب الخمس فيها أن تجعل في صنف الأرباح لأنها من قبيله بغير
اشكال، وفي ذلك الخروج من هذه الاشكالات والتكلفات التي ذكروها في هذه
المسألة من ما ذكرناه وما لم نذكره.
ثم لا يخفى أن ظاهر الرواية المذكورة هو وجوب تعريف البائع خاصة دون
من جرت يده على ذلك المبيع مطلقا، وهو مؤيد لما ذكرناه في المسألة السابقة.
والظاهر أن مبنى كلام الأصحاب في وجوب تعريف ما في جوف الدابة
340

دون ما في بطن السمكة هو كون ما في جوف الدابة من قبيل ما وجد في أرض
مملوكة وما في جوف السمكة كالموجود في الأرض المباحة، ولا اشكال في أن
السمك في الأصل من جملة المباحات التي لا تملك إلا بالحيازة مع النية، والصياد
إنما حاز السمكة دون ما في بطنها لعدم علمه به فلم يتوجه إليه قصد، والملك فرع
القصد المتوقف على العلم. وما أورده في المسالك من الاشكال على هذا الكلام
الظاهر أنه لا أثر له وليس في التطويل بنقله كثير فائدة.
إلا أنهم لن ينقلوا في مسألة ما يوجد في جوف السمكة هنا خبرا ولا دليلا
مع أن الروايات به موجودة، وإذا كانت النصوص في كل من الموضعين دالة على
الحكم المذكور فلا معنى لهذه المناقشات في المقام.
ومن الأخبار التي وقفت عليها من ما يتعلق بما في جوف السمكة ما رواه
ثقة الاسلام في الكافي (1) بسنده عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام " أن رجلا
عابدا من بني إسرائيل كان محارفا.. إلى أن قال: فأخذ غزلا فاشترى به سمكة فوجد
في بطنها لؤلؤة فباعها بعشرين ألف درهم، فجاء سائل فدق الباب فقال له الرجل
أدخل فقال له خذ أحد الكيسين فأخذ أحدهما فانطلق، فلم يكن بأسرع من أن
دق السائل الباب فقال له الرجل أدخل فدخل ووضع الكيس في مكانه، ثم قال
كل هنيئا مريئا إنما أنا ملك من ملائكة ربك إنما أراد ربك أن يبلوك فوجدك
شاكرا. ثم ذهب ".
وروى سعيد بن هبة الله الراوندي في كتاب قصص الأنبياء عن حفص بن
غياث عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " كان في بني إسرائيل رجل وكان محتاجا فألحت
عليه امرأته في طلب الرزق فابتهل إلى الله في الرزق فرأى في النوم: أيما أحب إليك
درهمان من حل أو الفان من حرام؟ فقال درهمان من حل. فقال تحت رأسك.
فانتبه فرأى الدرهمين تحت رأسه فأخذهما واشترى بدرهم سمكة وأقبل إلى منزله فلما

(1) الروضة ص 385 وفي الوسائل الباب 10 من اللقطة
(2) الوسائل الباب 10 من اللقطة
341

رأته امرأته أقبلت عليه كاللائمة وأقسمت أن لا تمسها، فقام الرجل إليها فلما
شق بطنها إذا بدرتين فباعهما بأربعين ألف درهم ".
وروى الصدوق في الأمالي عن علي بن الحسين (عليهما السلام) (1) حديثا
يشتمل على أن رجلا شكى إليه الحاجة فدفع له قرصتين وقال له خذهما فليس عندنا
غيرهما فإن الله يكشف بهما عنك ويريك خيرا واسعا منهما، فاشترى سمكة بإحدى
القرصتين وبالأخرى ملحا فلما شق بطن السمكة وجد فيها لؤلؤتين فاخرتين،
فباع اللؤلؤتين بمال عظيم فقضى منه دينه وحسنت بعد ذلك حاله، ونحوها خبر في
تفسير العسكري عليه السلام (2) أيضا.
الرابعة - روى ثقة الاسلام في الكافي والشيخ في التهذيب بسنديهما عن
الحارث بن حصيرة الأزدي (3) قال: " وجد رجل ركازا على عهد أمير المؤمنين
عليه السلام فابتاعه أبي منه بثلاثمائة درهم ومائة شاة متبع، فلامته أمي وقالت أخذت
هذه بثلاثمائة شاة أولادها مائة وأنفسها مائة وما في بطونها مائة؟ قال فندم أبي
فانطلق ليستقيله فأبى عليه الرجل، فقال خذ مني عشر شياه خذ مني عشرين شاة
فأعياه، فأخذ أبي الركاز وأخرج منه قيمة ألف شاة، فأتاه الآخر فقال خذ غنمك
واتني ما شئت فأبى فعالجه فأعياه فقال لأضرن بك فاستعدى أمير المؤمنين عليه السلام
على أبي فلما قص أبي على أمير المؤمنين عليه السلام أمره قال لصاحب الركاز: أد خمس
ما أخذت فإن الخمس عليك فإنك أنت الذي وجدت الركاز وليس على الآخر شئ
لأنه إنما أخذ ثمن غنمه ".
أقول: قوله في الخبر " فابتاعه أبي منه بثلاثمائة درهم ومائة شاة متبع " في
رواية الكافي وأما رواية التهذيب (4) فليس فيها " ثلاثمائة درهم " والظاهر أنه هو

(1) الوسائل الباب 10 من اللقطة
(2) الوسائل الباب 10 من اللقطة
(3) الوسائل الباب 6 من ما يجب فيه الخمس
(4) ج 2 ص 179 باب الزيادات بعد الإجارة
342

الأصح كما يدل عليه سياق الخبر.
ثم إنه لا يخفى ما في هذا الخبر من الاشكال لدلالته على عدم تعلق الخمس
بالعين، وهو خلاف مدلول الآيات والأخبار وكلام الأصحاب، والحكم في الخمس
والزكاة واحد، وقد سلف تحقيق ذلك في الزكاة بما يدل على ما ذكرناه.
المقام الرابع - في ما يخرج من البحر بالغوص من الدر والجواهر، ولا
خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في وجوب الخمس فيه.
ويدل عليه صحيحة الحبلى (1) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العنبر
وغوص اللؤلؤ فقال عليه الخمس ".
ورواية محمد بن علي عن أبي الحسن عليه السلام (2) قال: " سألته عن ما يخرج من
البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعن معادن الذهب والفضة ما فيه؟ قال إذا
بلغ ثمنه دينارا ففيه الخمس ".
وروى الصدوق في الخصال في الصحيح عن ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " الخمس على خمسة أشياء: على الكنوز والمعادن والغوص
والغنيمة. ونسي ابن أبي عمير الخامس " ونحوه في المقنع (4).
وروى الشيخ بإسناده عن حماد بن عيسى قال رواه لي بعض أصحابنا ذكره عن
العبد الصالح أبي الحسن الأول عليه السلام (5) قال: " الخمس من خمسة أشياء من الغنائم ومن
الغوص والكنوز ومن المعادن والملاحة. وفي رواية يونس " والعنبر " أصبتها في
بعض كتبه هذا الحرف وحده العنبر ولم أسمعه ".
وروى الشيخ أيضا عن أحمد بن محمد قال حدثني بعض أصحابنا رفع الحديث (6)
قال: " الخمس من خمسة أشياء: من الكنوز والمعادن والغوص والمغنم الذي يقاتل

(1) الوسائل الباب 7 من ما يجب فيه الخمس
(2) الوسائل الباب 3 من ما يجب فيه الخمس
(3) الوسائل الباب 3 من ما يجب فيه الخمس
(4) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس
(5) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس
(6) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس
343

عليه. ولم يحفظ الخامس.. الحديث ".
وما ذكره في المدارك بعد نقله صحيحة الحلبي المتقدمة من أنها قاصرة عن
إفادة التعميم لاختصاصها بغوص اللؤلؤ إلا أن يقال إنه لا قائل بالفصل - ضعيف
فإن رواية محمد بن علي المتقدمة اشتملت على ضم الياقوت والزبرجد وجملة الأخبار
الباقية على الغوص أي ما يخرج بالغوص وهو عام.
ثم إنه لا خلاف في اعتبار النصاب فيه، وإنما الخلاف في تقديره فالمشهور
أنه ما بلغ قيمته دينارا وعليه تدل رواية محمد بن علي المتقدمة، ونقل في المختلف
عن الشيخ المفيد في المسائل الغرية تقديره بعشرين دينارا ولم نقف على مستنده.
قال في المنتهى: ولا يعتبر في الزائد نصاب اجماعا بل لو زاد قليلا أو كثيرا
وجب فيه الخمس.
واعتبار الدينار في الغوص بعد المؤن كما تقدم الدليل عليه. والبحث في الدفعة
والدفعات كما تقدم في المعدن، والأظهر كما تقدم ثمة ضم الجميع وإن أعرض أو طال
الزمان. قالوا: ولو اشترك في الغوص جماعة اعتبر بلوغ نصيب كل واحد منهم
النصاب. ويضم أنواع المخرج بعضها إلى بعض في التقويم. والظاهر من كلامهم
اجزاء القيمة فلا يتعين الاخراج من العين.
وينبغي التنبيه على أمور:
الأول - في ما يخرج بالغوص من الأموال التي عليها أثر الاسلام اشكال
ينشأ من دلالة ظاهر روايتي الشعيري والسكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " في سفينة
انكسرت في البحر فأخرج بعضه بالغوص وأخرج البحر بعض ما غرق فيها: فقال
أما ما أخرجه البحر فهو لأهله الله أخرجه وأما ما أخرج بالغوص فهو لهم وهم أحق
به " ويؤيدها اطلاق الغوص في الأخبار المتقدمة، ومن أن المتبادر من ما أخرج
بالغوص يعني من ما كان مقره بالأصالة تحت الماء كالأشياء المعدودة في الروايات من

(1) الوسائل الباب 11 من اللقطة
344

اللؤلؤ والياقوت والزبرجد ونحوها لا ما وقع في الماء ورسب فيه ثم أخرج منه
بالغوص والروايتان المشار إليهما إنما تدلان على كونه لمخرجه وأما أنه يجب فيه
الخمس فلا. على أن ظاهر الخبرين غير خال من الاشكال لأن الحكم به لمخرجه مع
وجود أهله من غير ناقل شرعي مشكل، اللهم إلا أن يحمل ذلك على اعراض أهله
عنه لعدم إمكان اخراجه ونحو ذلك وإلا فالحكم بما دلا عليه على الاطلاق
مخالف للقواعد الشرعية والضوابط المرعية المتفقة على أنه لا يحل مال امرئ مسلم
إلا برضاء منه (1).
الثاني - المشهور بين الأصحاب اختصاص وجوب الخمس بما يؤخذ من
البحر بالغوص فلو أخذ من غير غوص فلا خمس فيه من هذه الجهة، وقال الشهيد
في البيان: ولو أخذ من شئ من غير غوص فالظاهر أنه بحكمه.
قال في الذخيرة بعد نقل ذلك عن الشهيد: وهو غير بعيد ولعل مستنده
اطلاق رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر السابقة. وأشار بها إلى رواية محمد بن علي
حيث إن الراوي عنه أحمد بن محمد بن أبي نصر.
ولا يخفى ما فيه فإن الرواية المذكورة وإن تضمنت التعبير عن ذلك بقوله
" يخرج من البحر " الذي هو أعم من أن يكون بغوص أو غيره إلا أن جملة الروايات
الباقية التي قدمناها كلها قد اشتركت في التعبير بالغوص، فاطلاق العبارة في الرواية
المذكورة مقيد بما ذكر في الأخبار الباقية والتعبير بذلك إنما وقع توسعا لظهور أنه
لا يقع اخراج ذلك إلا بالغوص، فاثبات حكم شرعي بهذا الاطلاق والحال كما ذكرنا
لا يخلو عن مجازفة وبه يظهر ضعف ما ذكروه.
الثالث - لا ريب في وجوب الخمس في العنبر وعليه اجماع الأصحاب وقد

(1) الوسائل الباب 3 من الانفاق رقم " 6 " والباب 1 من الغصب عن صاحب
الزمان (ع) " لا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه " وفي المحاضرات قسم المعاملات
ص 418 ذكر الحجة المقرم مصادره من طرق الشيعة والسنة فراجعه.
345

تقدم ذلك في صحيحة الحلبي (1) ولكن اختلف كلامهم في مقدار نصابه فذهب
الأكثر إلى أنه إن أخرج بالغوص روعي مقدار دينار وإن جنى من وجه الماء أو
من الساحل كان له حكم المعادن.
قال في المدارك: ويشكل بانتفاء ما يدل على اعتبار الدينار في مطلق المخرج
بالغوص وبالمنع من اطلاق اسم المعدن على ما يجني من وجه الماء.
أقول: ما الاشكال الثاني فوجهه ظاهر، وأما الأول ففيه أن الظاهر من
الرواية المشتملة على ذكر الدينار أن ما ذكر فيها من ما يخرج من البحر من اللؤلؤ
وما بعده من الأفراد إنما هو على جهة التمثيل لا الحصر، وعلى هذا بني الاستدلال
بها على نصاب الدينار في ما أخرج بالغوص مطلقا كما عليه اتفاق الأصحاب
قديما وحديثا.
الرابع - قال في القاموس: العنبر من الطيب روث دابة بحرية أو نبع عين
فيه. ونقل عن ابن إدريس في سرائره أنه نقل عن الجاحظ في كتاب الحيوان
أنه قال يقذفه البحر إلى جزيرة فلا يأكل منه شئ إلا مات ولا ينقره طائر بمنقاره
إلا نصل فيه منقاره وإذا وضع رجله عليه نصلت أظفاره. وحكى الشهيد في البيان
عن أهل الطب أنهم قالوا إنه جماجم تخرج من عين في البحر أكبرها وزنه ألف مثقال.
وعن الشيخ أنه نبات في البحر. وعن ابن جزلة المتطبب في كتاب منهاج البيان
أنه من عين في البحر. ونقل في كتاب مجمع البحرين عن كتاب حياة الحيوان قال:
والعنبر المشموم قيل إنه يخرج من قعر البحر يأكله بعض دوابه لدسومته فيقذفه
رجيعا فيطفو على الماء فيلقيه الريح إلى الساحل.
وظاهر أكثر هذه العبائر أنه إنما يؤخذ من وجه الماء أو من الساحل بعد أن
تقذفه الريح وأما أنه يؤخذ بالغوص فهو بعيد عن ظواهرها، فما ذكروه من التفصيل
المتقدم مع خلوه من الدليل بعيد عن ظاهر الرواية المتقدمة وكلام هؤلاء القوم.

(1) ص 343
346

ويظهر من كلام الشيخ في النهاية وجوب الخمس فيه مطلقا ولعله الأظهر ولا ريب
أنه الأحوط.
المقام الخامس - في ما يفضل عن مؤنة السنة له ولعياله من أرباح التجارات
والزراعات والصناعات، ووجوب الخمس في هذا النوع هو المشهور بين الأصحاب
(رضوان الله عليهم) بل ادعى عليه العلامة في المنتهى والتذكرة الاجماع وتواتر
الأخبار، ونقل عن ابن الجنيد في المختصر الأحمدي أنه قال: فأما ما استفيد من
ميراث أو كديد أو صلة أخ أو ربح تجارة أو نحو ذلك فالأحوط اخراجه لاختلاف
الرواية في ذلك، ولو لم يخرج الانسان لم يكن كتارك الزكاة التي لا خلاف فيها.
وهو ظاهر في العفو عن هذه النوع، وحكاه الشهيد في البيان عن ظاهر ابن أبي عقيل
أيضا فقال: وظاهر ابن الجنيد وابن أبي عقيل العفو عن هذا النوع وأنه لا خمس
فيه والأكثر على وجوبه، وهو المعتمد لانعقاد الاجماع عليه في الأزمنة السابقة
لزمانهما واشتهار الروايات فيه. انتهى.
ومن ما يدل على الوجوب الآية الشريفة (1) بمعونة الأخبار التي وردت
بتفسيرها بما هو أعم من غنيمة دار الحرب وقد تقدمت الإشارة إليها في أول
الكتاب (2) وبه يظهر أن ما ذكره في المدارك - وتبعه عليه الفاضل الخراساني
في الذخيرة من الطعن في دلالة الآية من أن المتبادر من الغنيمة الواقعة فيها غنيمة
دار الحرب كما يدل عليه سوق الآيات - لا تعويل عليه فإنه بعد ورود النصوص
بذلك لا مجال لهذا الكلام إذا أحكام القرآن وغيره وتفسيره وبيان مجملاته وحل
مشكلاته إنما يتلقى عنهم (عليهم السلام) فإذا ورد التفسير عنهم بذلك فالراد
له راد عليهم.
والأخبار ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار عن محمد بن

(1) وهي قوله تعالى " واعلموا إنما غنمتم.. " سورة الأنفال الآية 43
(2) ص 320
347

الحسن الأشعري (1) قال: " كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام أخبرني
عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى
الضياع وكيف ذلك؟ فكتب بخطه عليه السلام: الخمس بعد المؤنة ".
وما رواه أيضا في الصحيح عن علي بن مهزيار عن علي بن محمد بن شجاع
النيسابوري (2) " أنه سأل أبا الحسن الثالث عليه السلام عن رجل أصاب من ضيعته من
الحنطة مائة كر ما يزكي فأخذ منه العشر عشرة أكرار وذهب منه بسبب عمارة
الضيعة ثلاثون كرا وبقي في يده ستون كرا ما الذي يجب لك من ذلك؟ وهل يجب
لأصحابه من ذلك عليه شئ؟ فوقع عليه السلام: لي منه الخمس من ما يفضل من مؤنته ".
وما رواه في الصحيح عن علي بن مهزيار (3) قال: " قال لي أبو علي بن راشد
قلت له أمرني بالقيام بأمرك وأخذ حقك فأعلمت مواليك ذلك فقال بعضهم وأي
شئ حقه؟ فلم أدر ما أجيبه؟ فقال يجب عليهم الخمس. فقلت ففي أي شئ؟
فقال في أمتعتهم وضياعهم. قلت فالتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال ذلك إذا
أمكنهم بعد مؤنتهم ".
وما رواه في الكافي عن إبراهيم بن محمد الهمداني (4) قال: " كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أقرأني علي بن مهزيار كتاب أبيك عليه السلام في ما أوجبه على
أصحاب الضياع نصف السدس بعد المؤنة وأنه ليس على من لم تقم ضيعته بمؤنته
نصف السدس ولا غير ذلك واختلف من قبلنا في ذلك فقالوا يجب على الضياع
الخمس بعد المؤنة مؤنة الضيعة وخراجها لا مؤنة الرجل وعياله؟ فكتب عليه السلام
بعد مؤنته ومؤنة عيالة وبعد خراج السلطان ".
وما رواه في التهذيب في الصحيح عن علي بن مهزيار (5) قال: كتب إليه
إبراهيم بن محمد الهمداني أقرأني على كتاب أبيك.. الحديث مثل ما تقدم إلا أنه

(1) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس
(2) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس
(3) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس
(4) الأصول ج 1 ص 547 وفي الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس
(5) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس
348

قال في آخره " فكتب عليه السلام وقرأه علي بن مهزيار: عليه الخمس بعد مؤنته ومؤنة
عياله وبعد خراج السلطان ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار (1) قال: " كتب إليه
أبو جعفر عليه السلام وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكة قال: الذي أو جبت في سنتي
هذه وهذه سنة عشرين ومائتين فقط لمعنى من المعاني أكره تفسير المعنى كله خوفا
من الانتشار وسأفسر لك بعضه إن شاء الله تعالى: أن موالي أسأل الله صلاحهم أو
بعضهم قصروا في ما يجب عليهم فعلمت ذلك فأجبت أن أطهر هم وأزكيهم بما فعلت
في عامي هذا من أمر الخمس، قال الله تعالى: " خذ من أموالهم صدقة تطهر هم
وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم ألم يعلموا أن الله هو
يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وإن الله هو التواب الرحيم وقل اعملوا
فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما
كنتم تعملون " ولم أوجب ذلك عليهم في كل عام، ولا أوجب عليهم إلا الزكاة
التي فرضها الله تعالى عليهم، وإنما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب
والفضة التي قد حال عليها الحول ولم أوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا دواب
ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارة ولا ضيعة إلا ضيعة سأفسر لك أمرها تخفيفا مني عن
موالي ومنا مني عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم وبما ينوبهم في ذاتهم. فأما
الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام، قال الله تعالى: " واعلموا أنما غنمتم
من شئ فأن الله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن
كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل
شئ قدير " (3) فالغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة

(1) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس
(2) سورة التوبة الآية 105 و 106 و 107
(3) سورة الأنفال الآية 43
349

يفيدها، والجائزة من الانسان للانسان التي لها خطر، والميراث الذي لا يحتسب من
غير أب ولا ابن، ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله، ومثل مال يؤخذ ولا يعرف له
صاحب، ومن ضرب ما صار إلى موالي من أموال الخرمية الفسقة فقد علمت أن
أموالا عظاما صارت إلى قوم من موالي، فمن كان عنده شئ من ذلك فليوصل إلى
وكيلي ومن كان نائيا بعيد الشقة فليعمد لايصاله ولو بعد حين فإن نية المؤمن خير
من عمله. فأما الذي أوجب من الضياع والغلات في كل عام فهو نصف السدس ممن
كانت ضيعته تقوم بمؤنته ومن كانت ضيعته لا تقوم بمؤنته فليس عليه نصف
سدس ولا غير ذلك ".
أقول: الوجه في ايجابه نصف السدس هو أنه صاحب الحق فله تحليل شيعته
بما أراد من حقه، وسيأتي تحقيق المسألة إن شاء الله تعالى على وجهها في الفصل الثاني
وما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة (1) قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام
عن الخمس فقال في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير ".
وما رواه في أيضا عن يزيد (2) قال: " كتبت جعلت لك الفداء تعلمني
ما الفائدة وما حدها؟ رأيك أبقاك الله تعالى أن تمن على ببيان ذلك لكي لا أكون
مقيما على حرام لا صلاة لي ولا صوم؟ فكتب: الفائدة من ما يفيد إليك في تجارة
من ربحها وحرث بعد الغرام أو جائزة ".
وما رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان (3) قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام على
كل امرئ غنم أو اكتسب الخمس من ما أصاب لفاطمة (عليها السلام) ولمن يلي
أمرها من بعدها من ذريتها الحجج على الناس فذاك لهم خاصة يضعونه حيث شاءوا
وحرم عليهم الصدقة، حتى الخياط ليخيط ثوبا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق إلا من
أحللناه من شيعتنا لتطيب لهم به الولادة.. الحديث ".
وما رواه بإسناده عن الريان بن الصلت (4) قال: " كتبت إلى أبي محمد عليه السلام

(1) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس
(2) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس
(3) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس
(4) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس
350

ما الذي يجب على يا مولاي في غلة رحى في أرض قطيعة لي وفي ثمن سمك وبردي
وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب يجب عليك فيه الخمس إن شاء الله تعالى "
وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن
محبوب (1) قال: " كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه والمنقطع إليه هدية تبلغ
ألفي درهم أو أقل أو أكثر هل عليه فيها الخمس؟ فكتب عليه السلام الخمس في ذلك. وعن
الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة تأكله العيال إنما يبيع منه الشئ بمائة درهم
أو خمسين درهما هل عليه الخمس؟ فكتب: أما ما أكل فلا وأما البيع فنعم هو
كسائر الضياع ".
ولم نقف لما نقل عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل على دليل معتمد سوى ما نقله
في المختلف فقال احتج ابن الجنيد بأصالة براءة الذمة وبما رواه عبد الله بن سنان (2)
قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول ليس الخمس إلا في الغنائم خاصة " ثم قال (قدس
سره): والجواب عن الأول أنه معارض بالاحتياط مع أن الأصل لا يعمل به مع
قيام الموجب، وعن الثاني بالقول بالموجب فإن الخمس إنما يجب في ما يكون غنيمة
وهو يتناول غنائم دار الحرب وغيرها من جميع الاكتسابات. على أنه لا يقول
بذلك فإنه أوجب الخمس في المعادن والغوص وغير ذلك انتهى.
ويمكن أن يقال ولعله الأظهر: إن الوجه في ما ذكره ابن الجنيد وابن أبي عقيل
إنما هو من حيث ورود جملة من الأخبار كما سيأتي إن شاء الله تعالى في محلها بتحليل
الخمس من هذه النوع كما يشير إليه قول ابن الجنيد في عبارته المتقدمة: " لاختلاف
الرواية في بذلك " فكأنهما رجحا العمل بأخبار التحليل فأسقطاه هنا.
إذا عرفت ذلك فتنقيح هذا المقام يتوقف على رسم مسائل: الأولى المشهور

(1) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس، وابن محبوب يرويه عن أحمد بن هلال
عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع).
(2) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس
351

بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وجوب الخمس في جميع أنواع المكاسب من
الزراعات والصناعات والتجارات عدا الميراث والصداق والهبة، ونقل عن أبي الصلاح وجوبه في الميراث والهبة والهدية، وأنكر ذلك ابن إدريس وقال هذا
شئ لم يذكره أصحابنا غير أبي الصلاح.
أقول: ويدل على ما ذهب إليه أبو الصلاح عموم رواية محمد بن الحسن
الأشعري المتقدمة (1) من أن الخمس على جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير
من جميع الضروب، وموثقة سماعة (2) لقوله عليه السلام فيها " في كل ما أفاد الناس من
قليل أو كثير ".
وعلى خصوص الهدية الرواية المتقدم نقلها من مستطرفات السرائر، وإليه
يشير أيضا ما رواه في الكافي عن علي بن الحسين بن عبد ربه (3) قال: " سرح
الرضا عليه السلام بصلة إلى أبي فكتب إليه أبي هل على في ما سرحت إلى خمس؟ فكتب
إليه: لا خمس عليك في ما سرح به صاحب الخمس " فإنه يشعر بوجوب الخمس في ما
يسرح به غير صاحب الخمس وإلا لكتب إليه أنه لا خمس في ما يسرح به مطلقا.
وعلى الجميع صحيحة علي بن مهزيار وقوله فيها " الفائدة يفيدها والجائزة من
الانسان للانسان التي لها خطر والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن ".
وما في كتاب الفقه الرضوي (4) حيث ذكر الغنيمة في الآية وفسرها بهذه
الأفراد: ربح التجارة وغلة الضيعة وسائر الفوائد من المكاسب والصناعات والمواريث
وغيرها لأن الجميع غنيمة وفائدة.
وبالجملة فإنه متى فسرت آية الغنيمة بما هو أعم من غنيمة دار الحرب كما عرفته
من الأخبار فإن هذه الأشياء تدخل فيها البتة وتخرج الأحاديث الواردة في هذه
الأشياء على الخصوص شاهدة لذلك. وبه يظهر قوة القول المذكور.

(1) ص 347 و 348
(2) ص 350
(3) الوسائل الباب 11 من ما يجب فيه الخمس
(4) مستدرك الوسائل الباب 6 من ما يجب فيه الخمس
352

وأما عد الصداق في ذلك فلم أقف على قائل به، ولو قيل به فالظاهر أنه ليس
من قبيل هذه لأن الصداق عوض البضع كثمن المبيع فلا يكون من قبيل الغنيمة.
ومثله ما لو دفع إليه مال يحج به كما رواه في الكافي عن علي بن مهزيار (1) قال:
" كتبت إليه يا سيدي رجل دفع إليه مال يحج به هل عليه في ذلك المال حين يصير
إليه الخمس أو على ما فضل في يده بعد الحج؟ فكتب: ليس عليه الخمس ".
الثانية - الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أن
الخمس المتعلق بالأرباح إنما يجب بعد مؤنة السنة له ولعياله، وقد تقدم في الأخبار
المذكورة في المقام ما يدل على كونه بعد المؤنة له ولعياله، إلا أني لم أقف على خبر
صريح يتضمن كون المراد مؤنة السنة، لكن الظاهر أنه هو المتبادر من اطلاق
هذه الألفاظ.
واعتبار الحول هنا ليس في الوجوب بمعنى توقف الوجوب عليه خلافا لابن
إدريس كما نقله عنه في الدروس، بل بمعنى تقدير الاكتفاء فلو علم الاكتفاء في
أول الحول وجب الخمس ولكن يجوز تأخيره احتياطا له وللمستحق لجواز زيادة
النفقة بسبب عارض أو نقصها كما صرح به شيخنا الشهيد في البيان.
وظاهر العلامة في التذكرة حيث نسب اعتبار السنة الكاملة إلى علمائنا أنه
لا يكتفي بالدخول في الثاني عشر كما في الزكاة واستقر به الشهيد في الدروس.
وذكر غير واحد من الأصحاب أن المراد بالمؤنة هنا ما ينفقه على نفسه وعياله
الواجبي النفقة وغيرهم كالضيف، ومنها الهدية والصلة لإخوانه وما يأخذه الظالم
منه قهرا أو يصانعه به اختيار والحقوق اللازمة له بنذر وكفارة ومؤنة
التزويج وما يشتريه لنفسه من دابة ومملوك ونحو ذلك، كل ذلك ينبغي أن يكون
على ما يليق بحاله عادة وإن أسرف حسب عليه ما زاد وإن قتر حسب له ما نقص.
وما ذكروه (نور الله تعالى مراقدهم) لا بعد فيه فإنه هو المتبادر من هذا

(1) الوسائل الباب 11 من ما يجب فيه الخمس
353

اللفظ بالنظر إلى العادة الجارية والطريقة التي عليها الناس في جميع الأعصار والأمصار
وظاهرهم أن ما يستثنى من ربح عامه وبه صرح بعضهم، فلو استقر الوجوب
في مال بمضي الحول لم يستثن ما تجدد من المؤن.
ولا يعتبر الحول في كل تكسب بل مبدأ الحول من حين الشروع في التكسب
بأنواعه فإذا تم الحول خمس ما بقي عنده.
ولو تملك قبل الحول ما يزيد على المؤنة دفعة أو دفعات تخير في التعجيل
والتأخير كما ذكرنا أولا، إلا أن ظواهر بعض الأخبار مثل قوله عليه السلام (1)
" حتى الخياط ليخيط ثوبا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق " - ربما ينافي ما ذكرناه
ولكن الظاهر أن هذه الخبر ونحوه ليس على اطلاقه بل يجب تقييده بأخبار استثناء
المؤنة المتكاثرة كما عرفت.
ولو كان له مال لا خمس فيه ففي احتساب المؤنة منه أو من الربح المكتسب
أو بالنسبة منهما؟ أوجه أجودها الثاني وأحوطها الأول.
وأدخل في المنتهى في الاكتساب زيادة قيمة ما غرسه لزيادة نمائه فأوجب
الخمس فيها بخلاف ما لو زادت قيمته السوقية من غير زيادة فيه وهو جيد، ومنهم
من أوجب في زيادة القيمة أيضا.
وهل يكفي ظهور الربح في أمتعة التجارة أم يحتاج إلى البيع والانضاض؟
وجهان ولعل الثاني هو الأقرب.
الثالثة - قال الشيخ في المبسوط العسل الذي يؤخذ من الجبال وكذلك المن
يؤخذ منه الخمس، واختاره ابن إدريس وابن حمزة وقطب الدين الكيدري وجملة
من المتأخرين، ونقل عن السيد المرتضى (رضي الله عنه) في أجوبة المسائل
الناصرية عدم الوجوب.
والظاهر هو القول المشهور لكون ذلك كسبا فيدخل تحت الأخبار الدالة

(1) في رواية عبد الله بن سنان ص 350
354

على وجوب الخمس في المكاسب كرواية محمد بن الحسن الأشعري المتقدمة (1)
الدالة على أن الخمس على جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب
ونحوها من ما تقدم.
احتج السيد على ما نقل عنه بالاجماع، وبأن الأصل أن لا حق في الأموال،
فمن أثبت حقا في العسل أو غيره أما خمسا أو غيره فعليه إقامة الدليل ولا دليل.
وضعفه ظاهر، أما الاجماع ففيه أنه لا قائل به سواه وأما الدليل فقد ذكرناه.
ولا أعرف هنا وجها لتخصيص الكلام بالعسل والمن كما ذكره في المبسوط
إلا أن يكون المراد من كلامه مجرد التمثيل، وإلا فالحكم جار في كل ما يجتني
كالترنجبين والصمغ والشير خشك وغير ذلك لدخول الجميع تحت الاكتساب
كما عرفت.
الرابعة - قال المحقق الشيخ حسن (قدس سره) في كتاب المنتقى بعد نقل صحيحة
علي بن مهزيار الطويلة المتقدمة (2) ما صورته: قلت على ظاهر هذا الحديث عدة
اشكالات ارتاب منها فيه بعض الواقفين عليه، ونحن نذكرها مفصلة ثم نحلها بما يزيل
عنها الارتياب بعون الله سبحانه ومشيئته:
الاشكال الأول - إن المعهود والمعروف من أحوال الأئمة (عليهم السلام)
أنهم خزنة العلم وحفظة الشرع يحكمون فيه بما استودعهم الرسول صلى الله عليه وآله وأطلعهم
عليه، وأنهم لا يغيرون الأحكام بعد انقطاع الوحي وانسداد باب النسخ،
فكيف يستقيم قوله عليه السلام في هذا الحديث " أوجبت في سنتي ولم أوجب ذلك عليهم
في كل عام " إلى غير ذلك من العبارات الدالة على أنه عليه السلام يحكم في هذا الحق
بما شاء واختار.
الثاني - إن قوله عليه السلام: " ولا أوجب عليهم إلا الزكاة التي فرضها الله عليهم "
ينافيه قوله بعد ذلك: " فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام ".

(1) ص 347 و 348
(2) ص 7349
355

الثالث - إن قوله عليه السلام: " وإنما أوجب عليهم الخمس في سنتي هذه من
الذهب والفضة التي قد حال عليها الحول " خلاف المعهود إذ الحول يعتبر
في وجوب الزكاة في الذهب والفضة لا الخمس. وكذا قوله: " ولم أوجب ذلك
عليهم في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم " فإن تعلق الخمس بهذه الأشياء
غير معروف.
والرابع - إن الوجه في الاقتصار على نصف السدس غير ظاهر بعد ما علم من
وجوب الخمس في الضياع التي تحصل منها المؤنة كما يستفاد من الخبر الذي قبل هذا
وغيره من ما سيأتي.
إذا تقرر ذلك فاعلم أن الاشكال الأول مبني على ما اتفقت فيه كلمة المتأخرين
من استواء جميع أنواع الخمس في المصرف، ونحن نطالبهم بدليله ونضايقهم في
بيان مأخذ هذه التسوية، كيف وفي الأخبار التي بها تمسكهم وعليها اعتمادهم ما يؤذن
بخلافها بل ينادي بالاختلاف كالخبر السابق عن أبي علي بن راشد (1) ويعزى إلى
جماعة من القدماء في هذه الباب ما يليق أن يكون ناظرا إلى ذلك، وفي خبر لا يخلو
من جهالة في الطريق تصريح به أيضا فهو عاضد للصحيح، والخبر يرويه الشيخ
بإسناده عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن علي بن مهزيار قال حدثني محمد بن
علي بن شجاع النيسابوري (2) " أنه سأل أبا الحسن الثالث عليه السلام عن رجل أصاب من
ضيعته مائة كر.. " ثم نقل الخبر بتمامه كما قدمناه، ثم قال: وإذا قام احتمال
الاختلاف فضلا عن ايضاح سبيله باختصاص بعص الأنواع بالإمام عليه السلام فهذا
الحديث مخرج عليه وشاهد به، واشكال نسبة الإيجاب فيه بالاثبات والنفي إلى نفسه
عليه السلام مرتفع معه فإن له التصرف في ماله بأي وجه شاء أخذا وتركا.
وبهذا ينحل الاشكال الرابع أيضا فإنه في معنى الأول، وإنما يتوجه السؤال
عن وجه الاقتصار على نصف السدس بتقدير عدم استحقاقه للكل، فأما مع كون

(1) ص 348
(2) ص 348
356

الجميع له فتعيين مقدار ما يأخذ ويدع راجع إلى مشيئته وما يراه من المصلحة ولا
مجال للسؤال عن وجهه.
أقول: لا يخفى أن الجواب عن السؤال المذكور لا ينحصر في ما ذكره
(قدس سره) ليتخذه مستندا لما ذهب إليه من اختصاص هذه النوع به عليه السلام دون
الأصناف الأخر، بل يمكن الجواب بما ورد في جملة من الأخبار من أنهم (عليهم
السلام) قد فوض إليهم كما فوض إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وقد عقد له في الكافي بابا
على حدة.
ومن أخباره ما رواه (قدس سره) عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسن قال
وجدت في نوادر محمد بن سنان عن عبد الله بن سنان (1) قال: " قال أبو عبد الله
عليه السلام لا والله ما فوض الله إلى أحد من خلقه إلا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وإلى الأئمة
(عليهم السلام) قال الله تعالى: إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس
بما أراك الله (2) وهي جارية في الأوصياء عليهم السلام ".
وفي حديث آخر (3) " فما فوض الله إلى رسوله صلى الله عليه وآله فقد فوضه إلينا " وفي
ثالث (4) " أن الله فوض إلى سليمان بن داود فقال: هذا عطاؤنا فامنن أو امسك
بغير حساب (5) وفوض إلى نبيه صلى الله عليه وآله فقال: وما آتاكم الرسول فخذوه وما
نهاكم عنه فانتهوا (6) فما فوض إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقد فوضه إلينا " إلى غير
ذلك من الأخبار.
ويؤيد هذه الأخبار أيضا ما في رواية أبي خالد الكابلي عنه عليه السلام (7) قال:

(1) أصول الكافي ج 1 ص 268
(2) سورة النساء الآية 107
(3) أصول الكافي ج 1 ص 268
(4) أصول الكافي ج 1 ص 265 رقم 2
(5) سورة ص الآية 39
(6) سورة الحشر الآية 8
(7) الوسائل الباب 2 من قسمة الخمس
357

" إن رأيت صاحب هذا الأمر يعطي كل ما في بيت المال رجلا واحدا فلا يدخلن
في قلبك شئ فإنه إنما يعمل بأمر الله ".
وحينئذ يكون ما ذكره عليه السلام راجعا إلى الخمس بجميع موارده لا إلى صنف
منه مختص به كما يدعيه، وسيأتي إن شاء الله تعالى ما فيه مزيد تحقيق المقام والكلام
على ما ذهب إليه بما يكشف عن المسألة غياهب الابهام.
ثم قال (قدس سره): وأما الاشكال الثاني فمنشأه نوع اجمال في الكلام اقتضاه
تعلقه بأمر معهود بين المخاطب وبينه عليه السلام كما يدل عليه قوله " بما فعلت في عامي هذا " وسوق
الكلام يشير إلى البيان وينبه على أن الحصر في الزكاة إضافي مختص بنحو الغلات،
ومنه يعلم أن قوله عليه السلام: " والفوائد " ليس على عمومه بحيث يتناول الغلات ونحوها
بل هو مقصور على ما سواها، ويقرب أن يكون قوله " والجائزة " وما عطف عليه
إلى آخر الكلام تفسيرا للفائدة أو تنبيها على نوعها، ولا ريب في مغايرته لنحو
الغلات التي هي متعلق الحصر هناك. ثم إن في هذه التفرقة بمعونة ملاحظة
الاستشهاد بالآية وقوله بعد ذلك " فليعمد لايصاله ولو بعد حين " دلالة واضحة
على ما قلناه من اختلاف حال أنواع الخمس، فإن خمس الغنائم ونحوها من ما يستحقه
أهل الآية ليس للإمام عليه السلام أن يرفع فيه ويضع على حد ماله في خمس نحو الغلات
وما ذاك إلا للاختصاص هناك والاشتراك هنا.
أقول: ما ذكره (قدس سره) هنا بناء على ما اختاره من ما أشرنا إليه
آنفا من أنه ليس للإمام عليه السلام أن يرفع ويضع في ما يستحقه أهل الآية على حد ماله
منظور فيه، فإن المفهوم من الأخبار خلافه ومنها رواية أبي خالد الكابلي وما سيأتي
إن شاء الله تعالى في أخبار التحليل (1) من دلالة جمله من الأخبار بعمومها على تحليل
الخمس مطلقا، وصحيحة عمر بن أذينة (2) الواردة في حمل أبي سيار مسمع بن عبد الملك

(1) الوسائل الباب 4 من الأنفال
(2) الصحيح " عمر بن يزيد "
358

خمس ما استفاده من الغوص إلى أبي عبد الله عليه السلام (1) ورده عليه وتحليله به كملا.
ويعضد ذلك الأخبار الآتية إن شاء الله تعالى فإنها دالة على أن الأرض وما خرج منها
كله لهم (عليهم السلام) (2) ويؤكد ذلك أيضا أخبار التفويض التي تقدم ذكر
بعض منها.
ثم قال (قدس سره): وبقي الكلام على الاشكال الثالث ومحصله أن الأشياء
التي عددها عليه السلام في ايجابه للخمس ونفيه أراد بها ما يكون محصلا من ما يجب له فيه
الخمس فاقتصر في الأخذ على ما حال عليه الحول من الذهب والفضة، لأن ذلك
أمارة الاستغناء عنه فليس في الأخذ منه ثقل على من هو بيده، وترك التعرض
لهم في بقية الأشياء المعدودة طلبا للتخفيف كما صرح به عليه السلام انتهى كلامه زيد مقامه
أقول: جميع ما تكلفه في دفع هذه الاشكالات مبني على ما زعمه من
اختصاص خمس الأرباح به عليه السلام دون شركائه المذكورين في الآية وسيأتي ما فيه.
وبالجملة فالحق ما ذكره جملة من الأصحاب من أن الرواية في غاية الاشكال ونهاية
الاعضال، وأجوبته (قدس سره) مع كونها تكلفات ظاهرة مدخولة بما ذكرناه
هنا وما سيأتي إن شاء الله تعالى.
المقام السادس - في أرض الذمي التي اشتراها من مسلم، وهذه الأرض ذكرها
الشيخ وأتباعه استنادا إلى صحيحة أبي عبيدة الحذاء (3) قال: " سمعت أبا جعفر
عليه السلام يقول أيما ذمي اشترى من مسلم أرضا فإن عليه الخمس ".
وحكى العلامة في المختلف عن كثير من المتقدمين كابن الجنيد والشيخ المفيد
وابن أبي عقيل وسلار وأبي الصلاح أنهم لم يذكروا هذه الفرد في ما يجب فيه الخمس
وظاهرهم سقوط الخمس هنا، ونقل عن شيخنا الشهيد الثاني في فوائد القواعد الميل

(1) الوسائل الباب 4 من الأنفال وما يختص بالإمام رقم 12
(2) أصول الكافي ج 1 ص 407 باب أن الأرض كلها للإمام " ع "
(3) الوسائل الباب 9 من ما يجب فيه الخمس
359

إلى ذلك استضعافا للرواية الواردة بذلك، وذكر في الروضة تبعا للعلامة في المختلف
أنها من الموثق.
والجميع سهو ظاهر فإن سند الرواية في أعلى مراتب الصحة لأن الشيخ قد
رواها في التهذيب (1) عن سعد عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن أبي أيوب إبراهيم بن عثمان عن أبي عبيدة الحذاء، وروى هذه الرواية في الفقيه (2)
عن أبي عبيدة الحذاء ورواها المحقق في المعتبر عن الحسن بن محبوب، وروى الشيخ
المفيد في باب الزيادات من المقنعة (3) عن الصادق عليه السلام مرسلا قال: " الذمي إذا
اشترى من المسلم الأرض فعليه فيها الخمس ".
بقي الكلام في أن مصرف هذا الخمس هل هو مصرف الخمس الذي تضمنته
الآية؟ ظاهر الأصحاب ذلك حيث عدوا هذه الأرض في هذا الباب.
وقال المحقق الشيخ حسن (قدس سره) في كتاب المنتقى بعد نقل الخبر
المتقدم: قلت ظاهر أكثر الأصحاب الاتفاق على أن المراد من الخمس في هذا
الحديث معناه المعهود وللنظر في ذلك مجال، ويعزى إلى مالك (4) القول بمنع
الذمي من شراء الأرض العشرية وأنه إذا اشتراها ضوعف عليه العشر فيجب عليه
الخمس، وهذا المعنى يحتمل إرادته من هذا الحديث أما موافقة عليه أو تقية، فإن
مدار التقية على الرأي الظاهر لأهل الخلاف وقت صدور الحكم، ومعلوم أن
رأي مالك كان هو الظاهر في زمن الباقر عليه السلام ومع قيام هذا الاحتمال بل قربه

(1) ج 1 ص 384 و 389
(2) ج 2 ص 22
(3) الوسائل الباب 9 من ما يجب فيه الخمس
(4) نقل أبو عبيد في كتاب الأموال ص 90 عن أبي حنيفة أنه إذا اشترى الذمي
أرض عشر تحولت أرض خراج. قال وقال أبو يوسف يضاعف عليه العشر. ثم نقل
ذلك عن غيره ثم قال: فأما مالك بن أنس فكان يقول غير ذلك كله، حدثني عنه يحيى بن
بكير لا شئ عليه فيها. ثم ذكر علة ذلك ثم قال: وروى بعضهم عن مالك أنه قال
لا عشر عليه ولكنه يؤمر ببيعها لأن في ذلك ابطالا للصدقة.
360

لا يتجه التمسك بالحديث في اثبات ما قالوه، وليس هو بمظنة بلوغ حد الاجماع
ليغني عن طلب الدليل فإن جمعا منهم لم يذكروه أصلا، وصرح بعضهم بالتوقف
فيه لا لما قلناه بل استضعافا لطريق الخبر وهو من الغرابة بمكان.. إلى آخر كلامه
(قدس سره).
أقول: ويمكن أن يؤيد ما ذكره من احتمال حمل الخمس هنا على غير المعنى
المشهور ما تقدم في أول الكتاب في صحيحة عبد الله بن سنان (1) من قوله عليه السلام
" ليس الخمس إلا في الغنائم " بحمل الغنائم في الخبر على المعنى الأعم كما قدمنا بيانه
وشددنا أركانه، وهو أظهر الاحتمالين في معنى الخبر كما قدمنا ذكره ثمة، ومن
الظاهر أن ما نحن فيه هنا لا يدخل تحت الغنائم. وكذا يؤيد ذلك ما تقدم في المقام
الرابع في الغوص من الأخبار الدالة بظاهرها على حصر ما فيه الخمس في خمسة أشياء
ولم يذكر منها هذه الأرض.
إلا أن ما ذكره (قدس سره) من أن رأي مالك كان هو الظاهر في زمن
الباقر عليه السلام لا يخلو من شئ، فإن مذهب مالك في زمن وجوده ليس إلا كمذاهب
سائر المجتهدين في تلك الأوقات، ومذهبه إنما اشتهر وصار له صيت مع مذهبي
الشافعي وأحمد بن حنبل بعد الاصطلاح على تلك المذاهب أخيرا في ما يقرب من
سنة خمسمائة وخمسين كما ذكره جملة من علمائنا وعلمائهم. نعم مذهب أبي حنيفة في
وقته كان شائعا مشهورا وله تلامذة يجادلون على مذهبه.
وبالجملة فما ذكره المحقق المشار إليه لا يخلو من قرب، وقريب منه ما ذكره
في المدارك حيث قال - بعد أن ذكر أن الرواية خالية من ذكر متعلق الخمس ومصرفه
صريحا - ما صورته: وقال بعض العامة إن الذمي إذا اشترى أرضا من مسلم
وكانت عشرية ضوعف عليه العشر وأخذ منه الخمس (2) ولعل ذلك هو المراد
من النص. انتهى.

(1) ص 351
(2) ارجع إلى التعليقة 4 ص 360
361

فروع
الأول - هل المراد بالأرض هنا أرض الزراعة خاصة أو ما هو أعم منها
ومن الأرض المشغولة بالبناء والغرس؟ ظاهر المعتبر الأول حيث قال: والظاهر أن مراد الأصحاب أرض الزراعة لا المساكن. واختاره في المدارك. وبالثاني
صرح شيخنا الشهيد الثاني جزما حيث صرح بالوجوب فيها سواء أعدت للزراعة
أم لغيرها حتى لو اشترى بستانا أو دارا أخذ منه خمس الأرض عملا بالاطلاق،
وخصها في المعتبر بالأول، وإلى ذلك أيضا يميل كلام شيخنا الشهيد في البيان،
وجزم في المدارك بضعف هذا القول. والمسألة لا تخلو من الاشكال.
الثاني - قالوا: لو اشتملت على أشجار وبناء فالخمس واجب في الأرض لا فيهما
ويتخير في الأخذ بين الأخذ من رقبة الأرض أو ارتفاعها. والأقرب أن
التخيير إنما هو في ما إذا لم تكن الأرض مشغولة بغرس أو بناء وإلا يتعين الأخذ
من الارتفاع، وطريقه أنه متى كانت مشغولة بشجر أو بناء أن تقوم الأرض مع
ما فيها بالأجرة وتوزع الأجرة على ما للمالك وعلى خمس الأرض فيأخذ الإمام
أو المستحق ما يخص الخمس من الأجرة.
الثالث - مورد الخبر كما عرفت الشراء وظاهر جملة من عباراتهم ترتب الحكم
على مجرد الانتقال، قال شيخنا الشهيد الثاني في الروضة - بعد قول المصنف السابع
أرض الذمي المنتقلة إليه من مسلم ما صورته: سواء انتقلت إليه بشراء أم غيره
وإن تضمن بعض الأخبار لفظ الشراء وبذلك صرح الشهيد في البيان أيضا، وأكثر
عباراتهم على التعبير بلفظ الشراء وهو الأقرب وقوفا على مورد النص متى عمل به.
الرابع - لا فرق على القول بذلك بين الأرض التي فيها الخمس كالأرض
المفتوحة عنوة بناء على ما هو المفهوم من كلامهم من تعلق الخمس برقبة الأرض وقد
مر الكلام فيه والتي ليست كذلك كالأرض التي أسلم عليها أهلها طوعا وصارت
ملكا لهم عملا باطلاق النص، إلا أن بيع الأرض المفتوحة عنوة في مصالح العسكر
362

ونحوها من ما لا إشكال فيه، وكذا من أرباب الخمس إن أخذوه منها بناء على
ما عرفت من كلامهم من أن خمسها لأرباب الخمس، وأما بيعها تبعا لآثار التصرف
كما هو المشهور فاستشكله في المدارك لعدم دخولها في ملك المتصرف بتلك الآثار
قطعا ومتى انتفى الملك امتنع تعلق البيع بها كما هو واضح. وسيجئ تحقيق المسألة
في محلها إن شاء الله تعالى.
الخامس - قالوا: لو باعها الذمي ذميا آخر لم يسقط الخمس إذا لم يكن قد أخذ
ولو باعها على مسلم فالأقرب أنه كذلك لأن أهل الخمس استحقوه في العين. ولو
شرط الذمي في البيع سقوط الخمس عنه فسد الشرط، وهل يفسد البيع؟ اشكال
وظاهرهم الحكم بفساده كما هو المشهور بينهم في كل عقد اشتمل على شرط فاسد. ولو
تقايلا بعد البيع احتمل سقوط الخمس بناء على أن الإقالة فسخ عندهم، وفيه اشكال
المقام السابع - في الحلال إذا اختلط بالحرام، والقول بوجوب الخمس هنا
هو المشهور، ونقل عن الشيخ المفيد وابن أبي عقيل وابن الجنيد أنهم لم يذكروا
الخمس هنا في عداد الأفراد المتقدمة كما لم يذكروه في سابق هذه المقام.
وقد ورد بالخمس هنا روايات: منها - ما رواه الشيخ في التهذيب عن الحسن
ابن زياد عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " إن رجلا أتى أمير المؤمنين عليه السلام فقال
يا أمير المؤمنين إني أصبت مالا لا أعرف حلاله من حرامه؟ فقال له أخرج
الخمس من ذلك المال فإن الله عز وجل قد رضي من المال بالخمس واجتنب ما كان
صاحبه يعلم ".
وما رواه في الفقيه مرسلا (2) قال: " جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال
يا أمير المؤمنين أصبت مالا أغمضت فيه أفلي توبة؟ قال: ائتني بخمسه فأتاه بخمسه
فقال هو لك إن الرجل إذا تاب تاب ماله معه ".

(1) الوسائل الباب 10 من ما يجب فيه الخمس
(2) الوسائل الباب 10 من ما يجب فيه الخمس
363

وما رواه الصدوق في الخصال بسند قوي إلى عمار بن مروان (1) قال:
" سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول في ما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال
المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز الخمس ".
وما رواه ثقة الاسلام في الكافي عن السكوني عن أبي عبد الله عن آبائه عن علي
(عليهم السلام) (2) " أنه أتاه رجل فقال إني كسبت مالا أغمضت في مطالبه
حلالا وحراما وقد أردت التوبة ولا أدري الحلال منه والحرام وقد اختلط
على؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام تصدق بخمس مالك فإن الله رضي من الأشياء بالخمس
وسائر المال لك حلال " ورواه البرقي في المحاسن (3) والمفيد والمقنعة (4).
أقول: والكلام في هذه الأخبار يقع في مقامين: الأول في مخرج الخمس
هنا، ظاهر الأخبار المذكورة هو وجوب الخمس في هذا المال الممتزج حلاله بحرامه
أعم من أن يكون علم مالكه وقدره أم لم يعلمهما أو علم القدر دون المالك أو بالعكس
إلا أن الأصحاب خصوها بصورة عدم معلومية القدر والمالك، قالوا فلو علمهما
فالواجب هو دفع ما علمه لمالكه. وهذا من ما لا ريب فيه ولا اشكال يعتريه لأنه
يصير من قبيل الشريك الذي يجب دفع حصته له متى أراد.
وأما إذا علم القدر دون المالك فقيل هنا بوجوب الصدقة مع اليأس من المالك
سواء كان بقدر الخمس أو أزيد أو أنقص واختاره في المدارك، وقيل بوجوب
اخراج الخمس ثم الصدقة بالزائد في صورة الزيادة.
والظاهر أن مستند القول الأول هو الأخبار الدالة على الأمر بالتصدق
بالمال المجهول المالك (5) ومن أجل ذلك أخرجوا هذه الصورة من عموم
النصوص المتقدمة.

(1) الوسائل الباب 3 من ما يجب فيه الخمس. والرواية عن أبي عبد الله " ع "
(2) الوسائل الباب 10 من ما يجب فيه الخمس. واللفظ " عن أبي عبد الله قال أتى
رجل أمير المؤمنين.. "
(3) الوسائل الباب 10 من ما يجب فيه الخمس
(4) الوسائل الباب 10 من ما يجب فيه الخمس
(5) الوسائل الباب 47 من ما يكتسب به والباب 6 من ميراث الخنثى وما أشبهه
364

ولقائل أن يقول أن مورد تلك الأخبار الدالة على التصدق إنما هو المال
المتميز في حد ذاته لمالك مفقود الخبر والحاق المال المشترك به مع كونه من ما
لا دليل عليه قياس مع الفارق، لأنه لا يخفى أن الاشتراك في هذا المال سار في كل
درهم درهم وجزء جزء منه، فعزل هذا القدر المعلوم للمالك المجهول مع كون الشركة
شائعة في اجزائه كما أنها شائعة في اجزاء الباقي لا يوجب استحقاق المالك المجهول له
حتى أنه يتصدق به عنه، فهذا العزل لا ثمرة له بل الاشتراك باق مثله قبل العزل.
فإن قيل: إنه متى كان المال مشتركا بين شريكين فإن لهما قسمته ويزول
الاشتراك بالقسمة وتمييز حصة كل منهما عن الآخر.
قلنا: إنما صحت القسمة في الصورة المذكورة وذاك الاشتراك من حيث حصول
التراضي من الطرفين على ما يستحقه أحدهما في مال شريكه بما يستحقه الآخر في
حصته كما صرح به الأصحاب، فهو في قوة الصلح بل هو صلح موجب لنقل حصة
كل منهما للآخر، وهذا غير ممكن في ما نحن فيه فقياس أحدهما على الآخر مع
الفارق كما لا يخفى.
وأما القول الآخر وهو اخراج الخمس ثم الصدقة بالزائد في صورة الزيادة
ففيه ما في سابقه بالنسبة إلى الصدقة بالزائد في الصورة المذكورة.
وبما ذكرنا يظهر أن الأظهر دخول هذه الصورة تحت اطلاق الأخبار
المتقدمة وأنه لا دليل على اخراجها.
وأما إذا علم المالك دون القدر فإنهم قالوا الواجب في هذه الصورة هو التخلص
منه بصلح ونحوه، فإن أبي قال في التذكرة: دفع إليه خمسه لأن القدر جعله الله مطهرا
للمال. وفيه نظر فإن جعله مطهرا إنما هو من حيث عدم ظهور المالك ومعلوميته لا مع
ظهوره. قال في المدارك: والاحتياط يقتضي وجوب دفع ما يحصل به يقين
البراءة، ويحتمل الاكتفاء بدفع ما يتيقن انتفاؤه عنه. وعندي في هذه الصورة
توقف من حيث احتمال ما ذكروه من وجوب التخلص منه بصلح ونحوه ومن
365

حيث اطلاق الأخبار المتقدمة. ولا ريب أن الاحتياط في ما ذكروه والاحتياط
التام ما ذكره في المدارك من دفع ما يحصل به يقين البراءة.
وأما ما ذكره السيد السند في المدارك في الصورة المتفق عليها بينهم من أن
المطابق للأصول وجوب عزل ما يتيقن انتفاؤه عنه والتفحص عن مالكه إلى أن
يحصل اليأس من العلم به فيتصدق به على الفقراء كما في غيره من الأموال المجهولة
المالك.. إلى آخره -
ففيه أولا - ما عرفت من أن مورد تلك الأخبار إنما هو المال المتميز في حد
ذاته لا ما كان مشتركا وأحدهما غير الآخر كما عرفت. و (ثانيا) - إن ما ذكره
موجب لاطراح هذه النصوص رأسا، فإنها صريحة الدلالة في وجوب اخراج
الخمس وحل الباقي بذلك أعم من أن يتيقن انتفاء شئ منه عنه أم لا، بل التيقن البتة
حاصل ولو جزء يسيرا مع أنه عليه السلام حكم بوجوب اخراج الخمس وحل الباقي ولم
يلتفت إلى هذا التيقن بالكلية. وطرحها مع تكررها في الأصول واتفاق الأصحاب
على القول بها من ما لا يجترئ عليه ذو مسكة. وبالجملة فإن الحق أن مورد تلك الأخبار غير مورد هذه فيعمل بكل منهما في ما ورد فيه ولا اشكال ولا منافاة.
المقام الثاني - في مصرف هذا الخمس، جمهور الأصحاب (رضوان الله عليهم)
على أن مصرفه هو مصرف غيره من المصارف التي تضمنتها الآية (1) وظاهر جملة
من محققي متأخري المتأخرين المناقشة في ذلك.
قال المحدث الكاشاني في الوافي - بعد نقل خبر أرض الذمي أولا ثم خبر
الحسن بن زياد وخبر الفقيه التي قدمناها - ما لفظه: وهذا الخبران والذي قبلهما
لا دلالة في شئ منها على أن مصرف الخمس المذكور فيه هو المصرف المذكور في آية
الخمس كما فهمه جماعة من أصحابنا، بل يحتمل أن يكون المراد بالأول تضعيف
الزكاة على الذمي المشتري من المسلم أرضه أو الخراج وبالأخيرين التصدق على

(1) وهي قوله تعالى " واعلموا إنما غنمتم.. " سورة الأنفال الآية 43
366

الفقراء والمساكين ويكون التعليل برضاء الله تعالى بالخمس من المال لتعيين هذا القدر
للتصدق في رضاء الله، والدليل على ذلك قوله عليه السلام في هذين الخبرين برواية
السكوني (1) على ما يأتي في كتاب المعايش " تصدق بخمس مالك فإن الله جل اسمه
رضي من الأشياء بالخمس وسائر المال لك حلال " هذا كلامه عليه السلام هناك وظاهر أن
التصدق لا يحل لبني هاشم. وأما قوله عليه السلام (2): " ائتني بخمسه " فلا دلالة فيه على أن
هذا الخمس له عليه السلام ولعله إنما قبضه ليصرفه على أهله لأنه أعرف بمواضعه ولذا
أعطاه إياه حيث وجده أهلا له. انتهى.
ويظهر من شيخنا الشهيد في البيان التردد في المسألة حيث قال: ظاهر الأصحاب
أن مصرف هذا الخمس أهل الخمس وفي الرواية (3) " تصدق بخمس مالك لأن الله
رضي من الأموال بالخمس " وهذه تؤذن بأنه في مصرف الصدقات لأن الصدقة
الواجبة محرمة على مستحق الخمس. انتهى.
أقول: أما ما ذكره في الوافي - منه أنه لا دلالة في الخبرين وكذلك الذي
قبلهما على أن مصرف الخمس المذكور هو المصرف المذكور في آية الخمس - ففيه أن
الأخبار المتقدمة في المعدن والكنز والغوص والأرباح كلها من هذا القبيل
لم يتعرض في شئ منها لبيان المصرف وإنما دلت على ما دلت عليه هذه الأخبار
من أن فيه الخمس فالايراد بهذا الوجه من ما لا وجه له. نعم ما ذكره من دلالة
ظاهر رواية السكوني على خلاف ما ذكروه جيد كما أشار إليه شيخنا الشهيد أيضا.
وأما تأويله قول أمير المؤمنين عليه السلام (4) " ائتني بخمسه " فلا يخفى أنه خلاف
الظاهر، إذ الظاهر من طلبه له هو كونه له ومختصا به كغيره من أفراد الأخماس
ولا ينافي ذلك رده على صاحبه لأنه من قبيل رد الصادق عليه السلام على مسمع بن عبد الملك
خمس ما حمل إليه من الغوص كما تقدم (5) المؤذن بالتحليل، وسيأتي في أخبار

(1) ص 364
(2) في مرسلة الفقيه المتقدمة ص 363
(3) المتقدمة ص 364 عن السكوني
(4) في مرسلة الفقيه المتقدمة ص 363
(5) ص 358 و 359
367

التحليل في محله إن شاء الله تعالى فيكون هذا الخبر من جملتها، ويؤيد قوله عليه السلام في
صحيحة علي بن مهزيار المتقدمة في عد ما يجب فيه الخمس من الغنائم والفوائد قال:
" ومثله مال يؤخذ ولا يعرف له صاحب " إلا أن ما ذكره يصلح وجه تأويل
للجمع بينه وبين خبر السكوني ولعله الأرجح. وأما ما تضمنته صحيحة علي بن
مهزيار فهو مخالف لما دلت عليه الأخبار الكثيرة من التصدق بما هذا شأنه عن
صاحبه لا أنه يؤخذ منذ الخمس ويحل الباقي له، وهذا من جملة المخالفات التي أوجبت
التوقف في هذا الخبر. إلا أن الظاهر من رواية الخصال التي قدمناها (1) حيث
عد الحلال المختلط بالحرام في جملة ما يجب فيه الخمس بالمعنى المعروف أنه كذلك
وظهورها في هذا المعنى أمر لا ينكر، وبه تبقى المسألة في قالب الاشكال.
وأما ما يفهم من كلام المحدث المذكور - ومثله شيخنا الشهيد على تقدير كون
هذا الخمس صدقة من أنه يحرم على بني هاشم لأنه صدقة واجبة ففيه أن المفهوم
من الأخبار كما قدمنا بيانه أن المحرم عليهم من الصدقة واجبة كانت أو مستحبة
إنما هو الزكاة خاصة وبذلك صرح جملة من أصحابنا كما سلف بيانه.
وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال والاحتياط بعد اخراج هذا
الخمس دفعة لفقراء السادة للخروج به عن العهدة على الاحتمالين، وأما ما ذكره
الفاضلان المتقدمان فقد عرفت ما فيه.
تتمة
روى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله
عليه السلام (1) قال: " خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس " رواه بسند
آخر عن معلى بن خنيس عن أبي عبد الله عليه السلام مثله (2).
ويقرب منه أيضا ما رواه في الموثق عن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (3)

(1) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس
(2) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس
(3) الوسائل الباب 10 من ما يجب فيه الخمس
368

" أنه سئل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل؟ قال لا إلا أن لا يقدر على شئ ولا
يأكل ولا يشرب ولا يقدر على حيلة فإن فعل فصار في يده شئ فليبعث بخمسه إلى
أهل البيت عليهم السلام ".
وهذه الأخبار صريحة كما ترى في وجوب الخمس في هذا الموضع وأن مصرفه
مصرف الخمس الذي في الآية مع أن أحدا من الأصحاب لم يتعرض لذكر هذا
الحكم في هذا الباب في ما أعلم. وربما أشعرت هذه الأخبار بأن الخمس مشاع في
أموالهم حيث إنهم لا يرون وجوب أدائه إلى أصحابه فكل من اغتال شيئا من
أموالهم أوصل الخمس إلى أهله وملك الباقي.
ومن ما يدل على وجوب الخمس هنا أيضا ما تقدم في صحيحة علي بن مهزيار (1)
من قوله عليه السلام " ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله.. ومن ضرب ما صار إلى موالي من
أموال الخرمية الفسقة فقد علمت أن أموالا عظاما صارت إلى قوم من موالي فمن
كان عنده شئ من ذلك فليوصل إلى وكيلي.. الحديث " والاصطلام بمعنى
الاستئصال قال في الوافي: والخرمية بالخاء المعجمة والراء المهملة أصحاب
التناسخ والإباحة.
الفصل الثاني
في قسمة الخمس وما يتبعها
والكلام في هذا الفصل يقع في مطالب: الأول - في كيفية القسمة والكلام
فيه يقع في مقامين:
أحدهما - في أنه هل يقسم أسداسا أو أخماسا؟ المشهور الأول
وهي سهم الله وسهم رسوله وسهم ذي القربى وهي للنبي صلى الله عليه وآله وبعده للإمام عليه السلام
القائم مقامه والثلاثة الأخر لليتامى والمساكين وابن السبيل، وحكى المحقق
والعلامة عن بعض الأصحاب قولا بأنه يقسم خمسة أقسام: سهم الله لرسوله صلى الله عليه وآله

(1) ص 350
369

وسهم ذي القربى لهم والثلاثة الباقية لليتامى والمساكين وابن السبيل، وإلى هذا
القول ذهب أكثر العامة ونقله في المعتبر عن أبي حنيفة والشافعي (1).
حجة القول الأول ظاهر الآية وهو قوله تعالى: " واعلموا أنما غنمتم من
شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل " (2)
قالوا: فإن اللام للملك أو الاختصاص والعطف بالواو يقتضي التشريك فيجب
صرفه في الأصناف الستة.
والأخبار الدالة على ذلك ومنها - ما رواه الشيخ في الموثق عن عبد الله بن
بكير عن بعض أصحابه عن أحدهما (عليهما السلام) (3) " في قول الله عز وجل:
واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين
وابن السبيل (4) قال خمس الله للإمام وخمس الرسول للإمام وخمس ذي القربى
لقرابة الرسول صلى الله عليه وآله الإمام عليه السلام واليتامى يتامى الرسول صلى الله عليه وآله والمساكين منهم
وأبناء السبيل منهم فلا يخرج منهم إلى غيرهم ".
وما رواه في الصحيح عن أحمد بن محمد قال حدثنا بعض أصحابنا رفع
الحديث (5) قال: " الخمس من خمسة أشياء.. ثم ساق الخبر إلى أن قال: فأما الخمس
فيقسم على ستة أسهم: سهم لله وسهم للرسول وسهم لذوي القربى وسهم لليتامى
وسهم للمساكين وسهم لأبناء السبيل، فالذي لله فلرسول الله صلى الله عليه وآله فرسول الله أحق
به فهو له خاصة، والذي للرسول صلى الله عليه وآله هو لذي القربى والحجة في زمانه فالنصف
له خاصة، والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد صلى الله عليه وآله الذين لا تحل

(1) المغني ج 6 ص 406 والمحلى ج 7 ص 327 والأموال ص 325 والبداية ج 1
ص 377 والبدائع ج 7 ص 124 وقد نقل فيه ذلك وفي البداية عن الشافعي كما في المتن
إلا أن المنقول عن أبي حنيفة في البدائع اختصاص ذلك بحياة النبي " ص " وأنه يقسم بعده
ثلاثة أقسام، وفي المحلى ج 7 ص 330 نقل عنه القسمة إلى ثلاثة أقسام أيضا.
(2) سورة الأنفال الآية 43
(3) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس
(4) سورة الأنفال الآية 43
(5) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس
370

لهم الصدقة ولا الزكاة عوضهم الله مكان ذلك بالخمس، فهو يعطيهم على قدر كفايتهم
فإن فضل منهم شئ فهو له وإن نقص عنهم ولم يكفهم أتمه لهم من عنده، كما صار له
الفضل كذلك لزمه النقصان.. الحديث ".
وما رواه ثقة الاسلام الكليني في الحسن بإبراهيم الذي هو صحيح عندي عن
حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح عليه السلام (1) قال: " الخمس من خمسة
أشياء: من الغنائم والغوص ومن الكنوز ومن المعادن والملاحة، يؤخذ من كل
هذه الصنوف الخمس فيجعل لمن جعله الله تعالى له، ويقسم الأربعة الأخماس بين
من قاتل عليه وولى ذلك، ويقسم بينهم الخمس على ستة أسهم: سهم لله وسهم
لرسول الله صلى الله عليه وآله وسهم لذي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لأبناء
السبيل، فسهم الله وسهم رسول الله صلى الله عليه وآله لأولي الأمر من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله
وراثة فله ثلاثة أسهم سهمان وراثة وسهم مقسوم له من الله فله نصف الخمس كملا،
ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته فسهم ليتاماهم وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء
سبيلهم يقسم بينهم على الكفاف والسعة ما يستغنون به في سنتهم فإن فضل عنهم
شئ فهو للوالي وإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده
بقدر ما يستغنون به، وإنما صار عليه أن يمونهم لأن له ما فضل عنهم.. الحديث ".
وقريب من ذلك أيضا ما رواه الكليني في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر
عن الرضا عليه السلام (2) قال: " سئل عن قول الله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شئ
فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى (3) فقيل له فما كان لله فلمن هو؟ فقال
لرسول الله صلى الله عليه وآله وما كان لرسول الله فهو للإمام.. الحديث ".
وروى السيد المرتضى (رضي الله عنه) في رسالة المحكم والمتشابه من
تفسير النعماني بإسناده عن علي عليه السلام (4) قال: " الخمس يخرج من أربعة وجوه: من

(1) الوسائل الباب 1 و 3 من قسمة الخمس
(2) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس
(3) سورة الأنفال الآية 43
(4) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس
371

الغنائم التي يصيبها المسلمون من المشركين ومن المعادن ومن الكنوز ومن الغوص،
ويجزأ هذا الخمس على ستة أجزاء فيأخذ الإمام منها سهم الله وسهم الرسول صلى الله عليه وآله
وسهم ذي القربى ثم يقسم الثلاثة السهام الباقية بين يتامى آل محمد صلى الله عليه وآله و مساكينهم
وأبناء سبيلهم ".
وروى الصدوق في المجالس والعيون بسنده عن الريان بن الصلت عن الرضا
عليه السلام (1) في حديث طويل قال عليه السلام " وأما الثامنة فقول الله عن وجل: واعلموا أنما
غنمتم من شئ فإن لله خمسه و للرسول ولذي القربى (2) فقرن سهم ذي القربى مع سهمه
وسهم رسول الله صلى الله عليه وآله.. إلى أن قال عليه السلام فبدأ بنفسه ثم برسوله ثم بذي القربى
فكل ما كان من الفئ والغنيمة وغير ذلك من ما رضيه لنفسه فرضيه لهم.. إلى أن
قال وأما قوله: " واليتامى والمساكين " فإن اليتيم إذا انقطع يتمه خرج من الغنائم
ولم يكن له فيها نصيب، وكذلك المسكين إذا انقطعت مسكنته لم يكن له نصيب
من الغنم ولا يحل له أخذه، وسهم ذي القربى قائم إلى يوم القيامة فيهم للغني والفقير
لأنه لا أحد أغنى من الله ولا من رسول الله صلى الله عليه وآله فجعل لنفسه منها سهما ولرسوله
سهما فما رضيه لنفسه ولرسوله صلى الله عليه وآله رضيه لهم.. الحديث ".
حجة القول بأنه يقسم خمسة أقسام الآية الشريفة بالحمل على أن ذكر الله تعالى
مع الرسول صلى الله عليه وآله إنما هو لاظهار تعظيمه وأن جميع ما ينسب إليه ويأمر به
وينهى عنه فهو راجع إلى الله تعالى كما تضمنته جملة من الآيات القرآنية ومنها قوله
عز وجل: " والله ورسوله أحق أن يرضوه " (3) " إنما وليكم الله ورسوله " (4)
" وأطيعوا الله ورسوله " (5) إلى غير ذلك من الآيات التي قرن فيها نفسه برسوله

(1) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس
(2) سورة الأنفال الآية 43
(3) سورة التوبة الآية 64
(4) سورة المائدة الآية 61
(5) سورة الأنفال الآية 2
372

للحث على اتباع رسوله صلى الله عليه وآله.
ويدل على هذا القول ما رواه الشيخ في الصحيح عن ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان
ذلك له ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس ويأخذ خمسه، ثم يقسم أربعة أخماس بين
الناس الذين قاتلوا عليه، ثم قسم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس يأخذ خمس الله
عز وجل لنفسه، ثم يقسم الأربعة الأخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين
وأبناء السبيل يعطي كل واحد منهم جميعا، وكذلك الإمام يأخذ كما أخذ رسول الله
صلى الله عليه وآله ".
أقول: أما ما ذكروه في معنى الآية وإن احتمل إلا أنه خلاف ظاهر الآية
أولا. وثانيا - إن الأخبار التي تقدمت دالة على تفسير الآية تأبى هذا المعنى.
وأما الخبر المذكور فقد أجاب عنه الشيخ ومن تأخر عنه بكونه حكاية فعل
ولا عموم فيه، ولعله صلى الله عليه وآله فعل ذلك ليتوفر على المستحقين. وفيه أن قوله:
" وكذلك الإمام يأخذ كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله " ينافي ذلك، والأظهر عندي
حمله على التقية فإن التقسيم إلى خمسة أقسام مذهب جمهور العامة كما عرفت (2) ولهم
في معنى الآية تأويلات (3) منها ما قدمناه في حجة هذا القول، ومنها ما ذكره
بعضهم من أن الافتتاح بذكر اسم الله تعالى على جهة التيمن والتبرك لأن الأشياء
كلها لله عز وجل، ومنها ما ذكره بعض آخر وهو أن حق الخمس أن يكون
متقربا به إلى الله عز وجل لا غير وأن قوله عز وجل: " وللرسول ولذي القربى..
إلى آخره " من قبيل التخصيص بعد التعميم تفضيلا لهذه الوجوه على غيرها كقوله

(1) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس
(2) التعليقة 1 ص 370
(3) البدائع ج 7 ص 124 والأموال ص 326 و 328 والبداية ج 1 ص 377
والمغني ج 6 ص 406
373

تعالى: " وملائكته ورسله وجبريل وميكال " (1) وإلى هذا المعنى ذهب القائلون
منهم بأن خمس الغنيمة مفوض إلى اجتهاد الإمام ليصرفه في من شاء من هذه
الأصناف وغيرهم، وهو مذهب مالك (1).
وظاهر صاحب المدارك التوقف في هذا المقام حيث نقل الخلاف في المسألة
وأدلة القولين ولم يرجح شيئا في البين، والظاهر أن السبب في ذلك ضعف الأخبار
المتقدمة باصطلاحه مع اتفاق الأصحاب ظاهرا على العمل بها، والرواية التي هي
دليل القول الثاني وإن كانت صحيحة لكنها لما كانت من ما أعرضوا عنها وتأولوها
لم يجسر على المخالفة في القول بها فأغمض النظر عن الترجيح في المسألة.
المقام الثاني - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو قسمة السهام
الستة على المصارف الستة التي أحدها سهم ذي القربى ويختص به الإمام عليه السلام وأن
له سهمين بالوراثة، وهما سهم الله تعالى وسهم رسوله صلى الله عليه وآله وسهم بالأصالة وهو
سهم ذي القربى، ونقل السيد المرتضى (رضي الله عنه) عن بعض علمائنا أن
سهم ذي القربى لا يختص بالإمام عليه السلام بل هو لجميع قرابة الرسول صلى الله عليه وآله من بني
هاشم، ولعله (قدس سره) أشار بذلك البعض إلى ابن الجنيد فإنه قال على ما نقل
عنه في المختلف: وهو مقسوم على ستة أسهم: سهم الله يلي أمره إمام المسلمين وسهم
رسول الله صلى الله عليه وآله لأولى الناس به رحما وأقربهم إليه نسبا وسهم ذي القربى لأقارب
رسول الله صلى الله عليه وآله من بني هاشم وبني المطلب بن عبد مناف إن كانوا من بلدان
أهل العدل.
ويدل على الأول مرسلة ابن بكير ومرسلة أحمد بن محمد ومرسلة حماد بن
عيسى التي قدمناها في أول الأخبار المتقدمة (3) وكذلك ما نقلناه عن رسالة المحكم

(1) سورة البقرة الآية 93
(2) البداية ج 1 ص 377 و 378 والمحلى ج 7 ص 329 و 330 والمغني ج 6
ص 406
(3) ص 370 و 371
374

والمتشابه، ونحوه أيضا ما نقلناه عن كتاب المجالس والعيون.
وأما ما استدل به في المعتبر على ذلك - من ظاهر الآية باعتبار أن قوله:
" ذي القربى " لفظ مفرد فلا يتناول أكثر من الواحد فينصرف إلى الإمام عليه السلام
لأن القول بأن المراد واحد مع أنه غير الإمام منفي بالاجماع. ثم قال: (لا يقال)
أراد الجنس كما قال: " وابن السبيل " (لأنا نقول) تنزيل اللفظ الموضوع للواحد
على الجنس مجاز وحقيقته إرادة الواحد فلا يعدل عن الحقيقة، وليس كذلك قوله
" وابن السبيل " لأن إرادة الواحد هنا اخلال بمعنى اللفظ إذ ليس هناك واحد
متعين يمكن حمل اللفظ عليه -
فقد أورد عليه أن لفظ " ذي القربى " صالح للجنس وغيره بل المتبادر منه
في هذا المقام الجنس كما في قوله تعالى: " وآت ذا القربى حقه " (1) و " أن الله يأمر
بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى " (2) وغير ذلك من الآيات الكثيرة فيجب
الحمل عليه إلى أن يثبت المقتضي للعدول عنه.
أقول: والأظهر هو الرجوع في الاستدلال إلى الروايات وكذا في الاستدلال
بالآية إلى ما ورد من تفسيرها في الأخبار، فإن الروايات قد فسرت " ذي القربى "
هنا بالإمام عليه السلام كما تقدم فالحمل على الجنس حينئذ - كما ذكره المجيب من أنه يجب
الحمل عليه إلى أن يثبت المقتضي للعدول عنه - خروج عن ظاهر تلك الأخبار ورد
لها بمجرد الاعتبار.
واستدلوا على الثاني بظاهر الآية بناء على ما تقدم في الجواب عن استدلال
صاحب المعتبر بالآية. وفيه ما عرفت.
واستدل أيضا على ذلك بصحيحة ربعي المتقدمة (3) لقوله فيها: " ثم يقسم
الأربعة الأخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل ".

(1) سورة بني إسرائيل الآية 29
(2) سورة النحل الآية 93
(3) ص 373
375

والجواب عن ذلك ما عرفت من حمل الصحيحة المذكورة على التقية،
ولا ريب أن العامة لا يثبتون للإمام حصة بخصوصه وإنما يفسرون " ذي القربى "
بجميع قرابته صلى الله عليه وآله (1) وبه يظهر ضعف ما جنح إليه في المدارك من التعلق في
الاستدلال على هذا القول بالدليلين المذكورين.
واستدل على ذلك أيضا برواية زكريا بن مالك الجعفي (2) " أنه سأل
أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه
وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل (3) فقال: أما خمس الله
عز وجل فللرسول صلى الله عليه وآله يضعه في سبيل الله وأما خمس الرسول فلأقاربه وخمس
ذوي القربى فهم أقرباؤه صلى الله عليه وآله واليتامى يتامى أهل بيته فجعل هذه الأربعة الأسهم
فيهم، وأما المساكين وأبناء السبيل فقد عرفت أنا لا نأكل الصدقة ولا تحل لنا
فهي للمساكين وأبناء السبيل ".
أقول: أنت خبير بما عليه هذه الرواية بعد ضعف السند من ضعف الدلالة،
فإن جل ما اشتملت عليه من الأحكام خلاف ما قدمناه من الأخبار واتفقت عليه
كلمة علمائنا الأعلام:
فمنها - جعل سهم الله عز وجل للرسول صلى الله عليه وآله بأن يصرفه في سبيل الله الذي
هو الجهاد أو ما هو أعم من أبواب البر، وهو خلاف ما عليه الأصحاب ودلت
عليه جملة الأخبار من أنه له صلى الله عليه وآله يفعل به ما يشاء.
ومنها - الحكم بأن خمس الرسول لأقاربه فإنه إن أريد حال الحياة فلا قائل به
ولا دليل عليه بل الاجماع والأخبار على خلافه، وإن أريد بعد موته فلا قائل به
أيضا منا مع دلالة الأخبار أيضا على خلافه لدلالتها على كونه للإمام عليه السلام. وابن
الجنيد وإن خالف في سهم ذي القربى إلا أنه لم يخالف في سهم الرسول (صلى الله

(1) البداية ج 1 ص 377 والمحلى ج 7 ص 327 والمغني ج 6 ص 410 إلى 412
(2) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس
(3) سورة الأنفال الآية 43
376

عليه وآله) والظاهر من قوله في عبارته المتقدمة " وسهم رسول الله (صلى الله عليه
وآله) لأولى الناس به رحما وأقربهم إليه نسبا " أنه أراد بذلك الإمام عليه السلام كما
يشير إليه المقابلة بسهم ذي القربى وأنه لأقاربه (صلى الله عليه وآله) من بني هاشم
ومنها - جعل سهم ذي القربى لجميع أقربائه (صلى الله عليه وآله) فإنه وإن قال
به ابن الجنيد ودل عليه هذا الخبر إلا أنه خلاف ما اتفقت عليه كلمة أصحابنا
ووردت به جملة أخبارنا وإنما هو قول مخالفينا (1).
وبذلك يظهر أن الرواية المذكورة لا تصلح للاستدلال وحملها على التقية
ظاهر فإن جميع ما تضمنته من المخالفات لمذهبنا إنما ينطبق على مذهب العامة (2).
وأما قوله في تتمة الخبر " وأما المساكين وأبناء السبيل فقد عرفت أنا لا نأكل
الصدقة.. إلى آخره " فيحتمل أن يكون المعنى فيه الاستدراك لما ورد في آية الزكاة
من دخول المساكين وأبناء السبيل فيها فربما يتوهم عمومها للهاشميين أيضا فأراد (عليه
السلام) دفع هذا الوهم بأنهم وإن دخلوا في عموم اللفظين المذكورين لكن قد عرفت
أن الزكاة محرمة علينا أهل البيت فلا تدخل مساكيننا وأبناء سبيلنا فيها فلا بد لهم
من حصة من الخمس عوض الزكاة التي حرمت عليهم ومن أجل ذلك فرض لهم في
هذه الآية حصة من الخمس، عوض الزكاة التي حرمت عليهم ومن أجل ذلك فرض لهم في
هذه الآية حصة من الخمس، وحينئذ فقوله: " فهي للمساكين وأبناء السبيل " إما
راجع إلى الصدقة، وحينئذ فالمراد بالمساكين وأبناء السبيل من ذكر في آية الزكاة
وحاصل المعنى ما قدمناه، وأما راجع إلى الحصة التي من الخمس بقرينة المقام وإن
لم تكن مذكورة في اللفظ، وحينئذ فالمراد بالمساكين وأبناء السبيل من الهاشميين،
ومرجع الاحتمالين إلى ما قدمناه.
وبما قررناه في المسألتين المذكورتين يظهر أن القول المشهور في كل منها هو

(1) ارجع إلى التعليقة 1 ص 376
(2) ارجع إلى الاستدراكات في آخر الكتاب
377

المؤيد المنصور وإن توقف صاحب المدارك - بل ميله إلى خلاف ذلك كما يعطيه
تقويته لدليل القول المخالف من ما لا وجه له.
وقال في المدارك: واعلم أن الآية الشريفة (1) إنما تضمنت ذكر مصرف الغنائم
خاصة إلا أن الأصحاب قاطعون بتساوي الأنواع في المصرف، واستدل عليه في
المعتبر بأن ذلك غنيمة فيدخل تحت عموم الآية. ويتوجه عليه ما سبق. وربما
لاح من بعض الروايات اختصاص خمس الأرباح بالإمام (عليه السلام) ومقتضى
رواية أحمد بن محمد المتقدمة (2) أن الخمس من الأنواع الخمسة يقسم على الستة الأسهم
لكنها ضعيفة بالارسال والمسألة قوية الاشكال. والله تعالى أعلم بحقيقة
الحال. انتهى.
أقول: لا اشكال بحمد الملك المتعال عند من وفقه الله تعالى إلى العمل
بأخبار الآل (عليهم صلوات ذي الجلال) وذلك (أولا) فإن ما ذكره في المعتبر
من حمل الغنيمة في الآية على المعنى الأعم حق لا ريب فيه كما دلت عليه الأخبار
وقد تقدمت. و (ثانيا) فإن رواية أحمد بن محمد التي ذكرها ومثلها مرسلة حماد
أيضا قد تضمنت أن الخمس من هذه الأنواع الخمسة يقسم على الأصناف التي في الآية
ومثلها ما قدمنا نقله عن رسالة المحكم والمتشابه. وأما طعنه في هذه الأخبار بضعف
الاسناد ففيه أنه في غير موضع من ما تقدم قد عمل بالأخبار الضعيفة التي اتفق
الأصحاب على القول بها وجعل اتفاق الأصحاب جابرا لضعفها كما بيناه في شرحنا
على الكتاب في غير موضع، ولكنه (قدس سره) ليس له رابطة يقف عليها.
وأيضا فإن مرسلة حماد قد اشتملت على أحكام عديدة استند إليها الأصحاب وعملوا
بها ولا راد لها. وبالجملة فإن اشكاله (قدس سره) ضعيف وتوقفه سخيف كما
لا يخفى على من نظر بعين الانصاف.

(1) وهي قوله تعالى " واعلموا إنما غنمتم.. " سورة الأنفال الآية 43
(2) ص 370
378

مسائل
الأولى - المعروف من مذهب الأصحاب أنه لا يجب استيعاب كل طائفة من
الطوائف الثلاث بل لو اقتصر من كل طائفة على واحد جاز.
قالوا: والوجه فيه أن المراد من اليتامى والمساكين في الآية الشريفة الجنس
كابن السبيل كما في آية الزكاة لا العموم، إما لتعذر الاستيعاب أو لأن الخطاب
للجميع بمعنى أن الجميع يجب عليهم الدفع إلى جميع المساكين بأن يعطي كل
بعض بعضا.
ويدل عليه أيضا ما رواه ثقة الاسلام في الكافي في الصحيح عن أحمد بن محمد
بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (1) قال: " سئل عن قول الله عز وجل:
واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى (2) فقيل له
فما كان لله فلمن هو؟ فقال لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وما كان لرسول الله
(صلى الله عليه وآله) فهو للإمام عليه السلام. فقيل له أفرأيت إن كان صنف من الأصناف
أكثر وصنف أقل ما يصنع به؟ قال ذاك إلى الإمام أرأيت رسول الله (صلى الله
عليه وآله) كيف يصنع أليس إنما كان يعطي على ما يرى؟ كذلك الإمام ".
وقال شيخنا الشهيد في الدروس بعد أن تنظر في اعتبار تعميم الأصناف:
أما الأشخاص فيعم الحاضر ولا يجوز النقل إلى بلد آخر إلا مع عدم المستحق.
ومقتضى هذا الكلام وجوب التعميم في الحاضرين، ورده من تأخر عنه بالبعد
وسيأتي في المسألة الثانية ما فيه مزيد بيان لهذه المسألة.
الثانية - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز تخصيص النصف
الذي للطوائف الثلاث بواحدة منها، وظاهر الشيخ في المبسوط المنع حيث قال:
والخمس إذا أخذه الإمام ينبغي أن يقسمه ستة أقسام: سهم لله وسهم لرسوله (صلى
الله عليه وآله) وسهم لذي القربى، فهذه الثلاثة أقسام للإمام القائم مقام النبي

(1) الوسائل الباب 2 من قسمة الخمس
(2) سورة الأنفال الآية 43
379

(صلى الله عليه وآله) يصرفه في ما شاء من نفقته ونفقة عياله وما يلزمه من تحمل
الأثقال ومؤن غيره، وسهم ليتامى آل محمد (صلى الله عليه وآله) وسهم لمساكينهم
وسهم لأبناء سبيلهم وليس لغيرهم من سائر الأصناف شئ على حال، وعلى الإمام
أن يقسم هذه السهام بينهم على قدر كفايتهم ومؤنتهم في السنة على الاقتصاد،
ولا يخص فريقا منهم بذلك دون فريق بل يعطي جميعهم على ما ذكرناه من قدر
كفايتهم ويسوي بين الذكر والأنثى، فإن فضل شئ كان له خاصة وإن نقص كان
عليه أن يتم من حصته خاصة. انتهى. ونقل عن أبي الصلاح أنه قال: يلزم من
وجب عليه الخمس اخراج شطره للإمام عليه السلام والشطر الآخر للمساكين واليتامى
وأبناء السبيل لكل صنف ثلث الشطر. وظاهره مثل كلام الشيخ في وجوب
التشريك وعدم جواز تخصيص طائفة بذلك.
واستدل للقول المشهور بصحيحة أحمد بن محد بن أبي نصر المتقدمة (1) حيث
قال فيها: " ذاك إلى الإمام أرأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) كيف يصنع
أليس إنما كان يعطي على ما يرى؟ كذلك الإمام عليه السلام ".
وأجاب في المدارك بأنه يمكن المناقشة في الرواية بالطعن في السند باشتماله على
ابني فضال وهما فطحيان مع أنها غير صريحة في جواز التخصيص.
وفيه أن المناقشة بالطعن في السند إنما تتجه بناء على نقله الرواية من
التهذيب (2) فإنه كما ذكره، وأما على رواية الكليني لها في الكافي (3) فإنها صحيحة
لأنه رواها فيه عن العدة عن أحمد بن محمد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، وأما
الدلالة فسيأتي الكلام فيها في المقام إن شاء الله تعالى.
واستدل للشيخ بظاهر الآية فإن اللام للملك أو الاختصاص والعطف بالواو
يقتضي التشريك في الحكم. وأجيب عن ذلك بأنها مسوقة لبيان المصرف كما في آية

(1) ص 379
(2) ج 1 ص 385
(3) الأصول ج 1 ص 544
380

الزكاة فلا تدل على وجوب البسط.
أقول: والتحقيق في هذا المقام أن يقال لا ريب أن عبارة الشيخ في المبسوط
راجعة في المعنى إلى روايتي أحمد بن محمد وحماد بن عيسى المتقدمتين (1) بل هي نقل
لهما بزيادة موضحة لاجمالهما، ونحوهما في ذلك أيضا الرواية التي نقلناها عن رسالة
المحكم والمتشابه للسيد المرتضى (رضي الله عنه) وحينئذ يقع التعارض بين الروايات
المذكورة وبين صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر المذكورة، إلا أن صحيحة ابن أبي نصر
ليس فيها من الصراحة ما في روايتي أحمد بن محمد وحماد بن عيسى، والظاهر من
معناها هو أنه لما كان ظاهر الآية البسط على الطوائف الثلاث أثلاثا سأله السائل
أنه لو كانت طائفة من هذه الطوائف الثلاث كثيرة متعددة والطائفة الأخرى
واحدا أو اثنين فهل الواجب أن يدفع إلى إحداهما كما يدفع إلى الأخرى ويساوي
بينهما كما هو الظاهر من الآية؟ أجاب عليه السلام بأن ذلك إلى الإمام وما يراه كما كان
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقسم بما يراه من المساواة إن رأى المصلحة فيها
أو العدم والزيادة والنقيصة بما يراه من الوجوه المرجحة. وحملها على ما هو أعم
- من أنه يجوز أن يخص بذلك السهم الذي للطوائف الثلاث واحدا من طائفة كما
هو المدعى في المسألة الأولى أو طائفة من الطوائف الثلاث كما هو المدعى في المسألة
الثانية - بعيد غاية البعد عن ظاهرها بالتقريب الذي ذكرناه، فالاستناد إليها في
ذلك مشكل غاية الاشكال والخروج عن ظاهر الأخبار التي أشرنا إليها مع صراحة
بعضها وظاهرية بعضها مشكل.
وأما ما ذكروه في الجواب عن احتجاج الشيخ بالآية من أنها مسوقة لبيان
المصرف كما في آية الزكاة - ففيه أن ما ذكره الشيخ في بيان الاستدلال بالآية هو
الظاهر الذي لا ينكر، والحمل على ما ذكروه خلاف الظاهر فلا يصار إليه إلا
بدليل، والقياس على آية الزكاة ممنوع بأنه قد قام الدليل ثمة من خارج على عدم

(1) ص 370 و 371
381

البسط وبه خصت الآية ولولاه لكان القول بالبسط جيدا، والدليل هنا غير
موجود بل ظاهر الروايات التي ذكرناها موافق لظاهر الآية. وأيضا لو تم
ما ذكروه من أن الآية إنما سبقت لبيان المصرف كما في آية الزكاة للزم جواز صرف
الخمس كله إلى أحد الأصناف الستة ولا قائل به بالكلية لأنهم لا يختلفون في أن
النصف للإمام عليه السلام وبذلك يظهر لك ضعف القول المشهور في كلتا المسألتين وقوة
ما قابله مضافا إلى موافقته للاحتياط كما لا يخفى.
الثالثة - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن بني المطلب لا يعطون
من الخمس شيئا، وقال الشيخ المفيد في الرسالة الغرية إنهم يعطون واختاره ابن
الجنيد على ما نقله في المختلف، وما ذكره الشيخ المفيد هنا مبني على ما تقدم في كتاب
الزكاة من تحريم الزكاة على المطلبي استنادا إلى موثقة زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (1) أنه قال: " لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلى صدقة إن الله جعل لهم في كتابه
ما فيه سعتهم " ولا ريب أنها دالة على تحريم الزكاة واستحقاق الخمس. إلا أنه قد
تقدم الجواب عنها وأن المراد بالمطلبي إنما هو المنسوب إلى عبد المطلب بالنسبة إلى
الجزء الأخير من المركب كما هو القاعدة عندهم.
ثم إنه من ما يدل هنا على الاختصاص بالهاشمي قوله عليه السلام في صحيحة حماد
ابن عيسى عن بعض أصحابه عن العبد الصالح عليه السلام (2) قال: " ومن كانت أمه من
بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإن الصدقة تحل له وليس له من الخمس شئ " وقال
فيها أيضا " وهؤلاء الذين جعل الله لهم الخمس هم قرابة النبي (صلى الله عليه وآله)
وهم بنو عبد المطلب أنفسهم الذكر والأنثى منهم ليس فيهم من أهل بيوتات قريش
ولا من العرب أحد.. الحديث ".
الرابعة - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن الإمام عليه السلام يقسم
النصف الذي يخص الطوائف الثلاث عليهم على قدر الكفاية مقتصدا فإن فضل

(1) الوسائل الباب 33 من المستحقين للزكاة
(2) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس
382

كان له وإن أعوز كان عليه أن يتمه من نصيبه، وخالف في هذا الحكم ابن إدريس
فقال لا يجوز له أن يأخذ فاضل نصيبهم ولا يجب عليه اكمال ما نقص لهم.
ويدل على القول المشهور ما قدمناه من مرسلتي أحمد بن محمد وحماد بن عيسى
احتج ابن إدريس بوجوه ثلاثة: الأول - أن مستحق الأصناف يختص بهم
ولا يجوز التسلط على مستحقهم من غير إذنهم لقوله عليه السلام (1) " لا يحل مال امرئ
مسلم إلا عن طيب نفس منه " الثاني - إن الله سبحانه جعل للإمام قسطا وللباقين قسطا
فلو أخذ الفاضل وأتم الناقص لم يبق للتقدير فائدة. الثالث - إن الذين يجب الانفاق
عليهم محصورون وليس هؤلاء من الجملة فلو أوجبنا عليه إتمام ما يحتاجون إليه
لزدنا في من يجب عليهم الانفاق فريقا لم يقم عليه دلالة.
وأجاب المحقق في المعتبر عن هذه الوجوه بأجوبة اعترضه فيها صاحب
المدارك ومن تبعه من أراد الوقوف عليها فليرجع إليها ثمة.
والتحقيق في الجواب الذي لا يداخله الشك ولا الارتياب أن يقال إن ما ذكره
ابن إدريس جيد بناء على أصله الغير الأصيل وقواعده المخالفة لما عليه الأخبار
والعلماء جيلا بعد جيل، وأما من تمسك بالأخبار المعتضدة بعمل الأصحاب في
جملة الأعصار والأدوار فلا يخفى عليه أن المفهوم منها هو أنه حال وجود الإمام عليه السلام ينبغي إيصال مجموع الخمس إليه وجوبا أو استحبابا، وأما أن الواجب عليه فيه
ماذا فنحن غير مكلفين بالبحث عنه بل ربما أشعر الكلام في ذلك بنوع من سوء
الأدب في حقه عليه السلام فإنه المرجع في جميع الأحكام والأعراف في كل حلال وحرام
إلا أن المفهوم من أخبارهم (عليهم السلام) أنه ربما عمل فيه بعد وصوله إليه بما

(1) الوسائل الباب 3 من الأنفال رقم 6 والباب 1 من الغصب عن صاحب الزمان " ع "
" لا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه " وفي مستدرك الوسائل الباب 1 من
الغصب " لا يحمل مال المسلم إلا عن طيب نفس منه " وفي نيل الأوطار ج 5 ص 268
" لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه ".
383

دلت عليه روايتا حماد بن عيسى وأحمد بن محمد من القسمة وأخذ الزائد واتمام
الناقص كما صرح به الأصحاب، وربما أباح صاحب الخمس به كملا كما ستأتيك
الأخبار به إن شاء الله تعالى مكشوفة القناع، ولا بعد في جواز التصرف له حسبما
أراد وما رآه من المصلحة في العباد فإن الأرض وما فيها كله له عليه السلام كما ستأتيك
إن شاء الله تعالى الأخبار به في المقام (1) وقد تقدمت (2) رواية أبي خالد الكابلي
الدالة على أن للإمام عليه السلام أن يعطي ما في بيت المال لرجل واحد وأنه لا يفعل إلا
بأمر الله عز وجل.
وبالجملة فإنه متى ثبت عنه بالأخبار المتفق عليها بين الأصحاب فعل من
الأفعال وجب قبوله وحمله على أنه الحق الوارد من الملك المتعال، وما يترائى من
مخالفة ذلك لظاهر القرآن كما هو أقوى مستند للخصم في هذا المكان ففيه أنهم قد
اتفقوا على تخصيص أحكام القرآن في غير مقام بالأخبار الثابتة عنهم (عليهم السلام)
وبذلك يظهر لك أن القول المشهور ليس على اطلاقه كما يدعونه من أن مصرف
الخمس دائما على هذه الكيفية بل ربما وقع كذلك وربما لم يقع.
قال المحقق في المعتبر هنا - ونعم ما قال في الجواب عن الطعن في الروايتين
المشار إليهما بضعف الاسناد - ما صورته: والذي ينبغي العمل به اتباع ما نقله
الأصحاب وأفتى به الفضلاء ولم يعلم من باقي العلماء رد لما ذكر من كون الإمام (عليه
السلام) يأخذ ما فضل ويتم ما أعوز، وإذا سلم النقل من المعارض ومن المنكر لم
يقدح إرسال الرواية الموافقة لفتواهم، فإنا نعلم مذهب أبي حنيفة والشافعي وإن
كان الناقل عنه واحد، وربما لم يعلم الناقل عنه بلا فصل وإن علمنا نقل المتأخرين
له، وليس كل ما أسند عن مجهول لا يعلم نسبته إلى صاحب المقالة، ولو قال انسان
لا أعلم مذهب أبي هاشم في الكلام ولا مذهب الشافعي في الفقه لأنه لم ينقل مسندا

(1) أصول الكافي ج 1 ص 407
(2) ص 357 و 358
384

كان متجاهلا، وكذا مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ينسب إليهم بحكاية
بعض شيعتهم سواء أرسل أو أسند إذا لم ينقل عنهم ما يعارضه ولا رده الفضلاء
منهم. انتهى. ومرجعه إلى جبر الأخبار الضعيفة السند باتفاق الأصحاب على
العمل بها، وهو عند التأمل الصادق حق لا ريب فيه ولكن الاعتماد حينئذ إنما
هو على اتفاق الأصحاب على الحكم المذكور، ولا شك أن مذهب كل إمام وصاحب
مقالة إنما يعلم بنقل أتباعه ومقلديه وشيعته المشهورين بمتابعته والأخذ عنه
والاعتماد عليه كما أشار إليه في المعتبر من أصحاب المذاهب الأربعة ونحوهم، إلا أن
جعل هذه المسألة من قبيل ذلك لا يخلو من اشكال.
وبالجملة فالمرجع إلى ما حققناه أو لا فإنه هو المفهوم من الأخبار التي عليها
الاعتماد في الإيراد والاصدار.
الخامسة - الظاهر أنه لا خلاف في أن ابن السبيل هنا كما تقدم في كتاب
الزكاة لا يشترط فيه الفقر بل المعتبر حاجته في بلد التسليم وإن كان غنيا
في بلده،
إنما الخلاف في اليتيم وهو الذي لا أب له فقيل باعتبار الفقر فيه والظاهر أنه هو المشهور، واحتجوا عليه بأن الخمس جبر ومساعدة فيختص به أهل الحاجة
كالزكاة. ولأن الطفل لو كان له أب ذو مال لم يستحق شيئا فإذا كان له مال كان
أولى بالحرمان إذ وجود المال له أنفع من وجود الأب. وقيل بعدم اعتبار الفقر
وهو قول الشيخ في المبسوط وابن إدريس تمسكا بعموم الآية، وبأنه لو اعتبر الفقر
فيه لم يكن قسما برأسه.
أقول: والظاهر هو القول المشهور لا لما ذكر من التعليل فإنه وإن كان
من حيث الاعتبار لا يخلو من قوة إلا أنه لا يصلح لتأسيس حكم شرعي بل لظاهر
صحيحة حماد بن عيسى عن بعض أصحابه المتقدمة حيث قال في آخرها (1) " وليس
في مال الخمس زكاة لأن فقراء الناس جعل أرزاقهم في أموال الناس على ثمانية
أسهم فلم يبق منهم أحد، وجعل لفقراء قرابة الرسول (صلى الله عليه وآله) نصف

(1) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس
385

الخمس فأغناهم به عن صدقات الناس (1) فلم يبق فقير من فقراء الناس ولم يبق فقير من
فقراء قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا وقد استغنى فلا فقير، ولذلك لم
يكن على مال النبي (صلى الله عليه وآله) والوالي زكاة لأنه لم يبق فقير
محتاج.. الحديث ".
وما ذكروه من ما قدمنا نقله عنهم يصلح توجيها للنص بل هو عين معنى
النص المذكور إلا أنه من حيث عدم الاسناد إلى الإمام لا يصلح أن يكون مستندا
في الأحكام.
وأما ما ذكر في حجة القول الثاني - من أنه لو اعتبر الفقر فيه لم يكن قسما
برأسه - ففيه أنه يمكن أن يكون جعله قسما برأسه مع اندراجه في المساكين لمزيد
التأكيد مثل الأمر بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى (2) مع اندراجها في
الصلوات المذكورة قبلها.
السادسة - الظاهر أنه لا خلاف في أنه لا يجوز نقل الخمس مع وجود
المستحق، والكلام هنا جار على ما تقدم في نقل الزكاة بلا إشكال لأن الجميع
من باب واحد فلا حاجة إلى التطويل بالتفصيل، وقد تقدم تحقيق الكلام في المقام
في كتاب الزكاة.
السابعة - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه يعتبر في الطوائف
الثلاث أعني اليتامى والمساكين وابن السبيل الانتساب إلى عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وآله.
وعليه تدل الأخبار المتكاثرة، ومنها - ما تقدم في أول الفصل من المراسيل
الثلاث المتقدمة وكذا الرواية المنقولة من رسالة المحكم والمتشابه (3).
ومثل ذلك أيضا ما رواه في التهذيب (4) بسنده عن سليم بن قيس الهلالي

(1) " وصدقات النبي صلى الله عليه وآله وولي الأمر "
(2) في قوله تعالى " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى " سورة البقرة الآية 240
(3) ص 370 و 271
(4) ج 1 ص 385 وفي الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس رقم 4
386

عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: " سمعته يقول كلاما كثيرا ثم قال: وأعطهم من ذلك
كله سهم ذي القربى الذين قال الله تعالى: " إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا
يوم الفرقان يوم التقى الجمعان " (1) نحن والله عنى بذي القربى وهم الذين قرنهم الله
بنفسه وبنبيه فقال (2) " فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين
وابن السبيل " منا خاصة ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا أكرم الله نبيه وأكرمنا أن
يطعمنا أوساخ أيدي الناس ".
وما رواه الكليني عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (3) " في قول الله عز
وجل: واعلموا إنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى (4) قال
هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله والخمس لله وللرسول صلى الله عليه وآله ولنا ".
ومنها - ما قدمنا نقله في سابق هذه المسألة من عجز صحيحة حماد بن عيسى عن
بعض أصحابه زيادة على ما في صدرها الذي قدمناه ثمة (5).
فإن هذه الأخبار قد اشتركت في الدلالة صريحا على أن الخمس لا يخرج منه
شئ إلى غير الإمام عليه السلام والطوائف الثلاث المنتسبين إليهم (عليهم السلام).
ونقل عن ابن الجنيد أنه قال: وأما سهام اليتامى والمساكين وابن السبيل وهي
نصف الخمس فلأهل هذه الصفات من ذوي القربى وغيرهم من المسلمين إذا استغنى
عنها ذوو القربى ولا يخرج من ذوي القربى ما وجد فيهم محتاج إليها إلى غيرهم
ومواليهم عتاقة أحرى بها من غيرهم. انتهى.
قال في المدارك بعد نقل ذلك إلى قوله: " إذا استغنى عنها ذوو القربى "
ما صورته: والظاهر أن هذا القيد على سبيل الأفضلية عنده لا التعيين. ثم قال: ويدل
على ما ذكره اطلاق الآية الشريفة وصحيحة ربعي المتقدمة (6) وغيرها من الأخبار
والعلامة في المختلف نقل عن ابن الجنيد أنه احتج بالعموم ثم قال: والجواب

(1) سورة الأنفال الآية 43
(2) سورة الأنفال الآية 43
(3) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس
(4) سورة الأنفال الآية 43
(5) 371 و 385
(6) تقدمت ص 373
387

إن العام هنا مخصوص بالاجماع بالايمان فيكون مخصوصا بالقرابة لما تقدم. قال في
المدارك بعد نقل ذلك: وهو جيد لو كان النص المتضمن لذلك صالحا للتقييد وكيف
كان فلا خروج عن ما عليه الأصحاب.
أقول: العجب منه (قدس سره) في ميله إلى هذه الأقوال الشاذة النادرة
المخالفة للأخبار المتكاثرة واتفاق الأصحاب قديما وحديثا من ما ذكر هنا وما تقدم
بمجرد هذه الخيالات الضعيفة والتوهمات السخيفة، ولا ريب أن ما ذكره ابن
الجنيد هنا هو مذهب العامة (1) كما نقله في المعتبر حيث قال بعد نقل قول ابن الجنيد
وأنه قال إنه يدخل معهم بنو المطلب ويشركهم غيرهم من أيتام المسلمين ومساكينهم
وأبناء سبيلهم لكن لا يصرف إلى غير القرابة إلا بعد كفايتهم: ولم أعرف له موافقا
من الإمامية، وأما شركة بني المطلب فالخلاف فيهم كما مر في باب الزكاة، وأطبق
الجمهور على عمومه في أيتام المسلمين ومساكينهم وأبناء سبيلهم متمسكين باطلاق
اللفظ وعمومه. انتهى.
وأما ما ادعاه من عموم الآية فهو مخصوص بالأخبار التي ذكرناها، وهل
يجسر ذو دين وديانة على رد هذه الأخبار المستفيضة في الأصول المتكررة في غير
كتاب وطرحها بمجرد ضعف اسنادها بهذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد كما
عرفت هنا أقرب من الصلاح حتى أنها لا تصلح بذلك إلى تخصيص الآية كما زعمه
وتوهمه؟ ما هذه إلا خرافات باردة وتمحلات شاردة.
وما ادعاه من دلالة صحيحة ربعي المتقدمة وغيرها من الأخبار فهو من
أعجب العجاب عند ذوي البصائر والأبصار، وأي دلالة في صحيحة ربعي أو غيرها
على اعطاء الخمس لغير بني هاشم؟ وغاية ما تدل عليه صحيحة ربعي المذكورة هو
اطلاق اليتامى والمساكين وابن السبيل حيث قال فيها: " ثم يقسم الأربعة الأخماس
بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل " ولا ريب أن هذا الاطلاق

(1) المحلى ج 7 ص 327 والمغني ج 6 ص 413 ومنار السبيل ص 294
388

يجب تقييده بالأخبار المتقدمة، ولكنه (قدس سره) لتصلبه في هذا الاصطلاح
جمد على اطلاق هذه الرواية وألغى تلك الأخبار المتكاثرة لعدم صحة سند شئ منها
ثم العجب منه مع ذلك في قوله أخيرا: إلا أنه لا خروج عن ما عليه الأصحاب
وهل هو إلا مجرد تقليد لهم في هذا الباب؟ ولا يخفى ما في هذا الكلام من الاضطراب
الناشئ عن التصلب في هذا الاصطلاح وإلا فجميع الأصحاب من أصحاب هذا
الاصطلاح وغيرهم لم يخالف في هذه المسألة سوى ابن الجنيد الذي طعن عليه
الأصحاب بموافقته العامة في جملة من فتاواه ومنها هذا الموضع.
وبالجملة فالمسألة أظهر من أن تحتاج إلى تطويل زيادة على ما ذكرناه.
الثامنة - قد صرح جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) باشتراط الايمان
في المستحق فلا يعطى غير المؤمن، وتردد المحقق في الشرائع نظرا إلى اطلاق الآية
وإلى أن الخمس عوض عن الزكاة والزكاة مشروطة بالايمان اتفاقا نصا وفتوى. وفي
المعتبر جزم بالاشتراط واستدل عليه بأن غير المؤمن محاد لله بكفره فلا يفعل معه
ما يؤذن بالموادة. قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه: وهذا الدليل مخالف لما
هو المعهود من مذهبه. انتهى. وهو كذلك فإن مذهبه الحكم باسلام المخالفين
ووجوب اجراء أحكام الاسلام عليهم بل له غلو ومبالغة في ذلك فكيف حكم هنا
بكفرهم؟ قال المحقق الشيخ على (قدس سره) ومن العجائب هاشمي مخالف يرى
رأي بني أمية فيشترط الايمان لا محالة. وظاهر صاحب الذخيرة التردد في ذلك
تبعا للمحقق، وهو الظاهر من صاحب المدارك وإن لم يصرح به حيث إنه اقتصر
على نقل القولين وبيان وجه التردد ولم يحكم بشئ في البين. والأصح الاشتراط
وإن قلنا باسلام المخالف كما ذهبوا إليه لقوله عليه السلام في رواية حماد بن عيسى (1)
" وإنما جعل الله هذا الخمس خاصة لهم دون مساكين الناس وأبناء سبيلهم عوضا
لهم من صدقات الناس تنزيها من الله لهم لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وكرامة

(1) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس
389

من الله لهم عن أوساخ الناس فجعل لهم خاصة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيرهم في
موضع الذل والمسكنة.. الحديث " دل على أن الخمس من الله عز وجل كرامة
لذريته صلى الله عليه وآله وتنزيه ولا ريب أن المخالف ليس أهلا لذلك بالاتفاق فلا يجوز
اعطاؤه. هذا مع أن الحق عندنا في المسألة هو كفره وشركه وأنه شر من اليهودي
والنصراني كما حققناه في موضعه اللائق به.
المطلب الثاني - في بيان حكم من أنتسب إلى هاشم بالأم دون الأب، المشهور
بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه يعتبر في الطوائف الثلاث انتسابهم إلى
هاشم بالأبوة فلو انتسبوا بالأم لم يعطوا من الخمس شيئا وإنما يعطون من الزكاة،
وذهب السيد المرتضى (رضي الله عنه) إلى أنه يكفي في الاستحقاق الانتساب
بالأم ويكون الحكم فيه حكم المنتسب بالأب من غير فرق، ومنشأ هذا الخلاف أن
أولاد البنت أولاد حقيقة أو مجازا فالمرتضى ومن تبعه على الأول والمشهور الثاني
والأصحاب لم ينقلوا الخلاف هنا إلا عن السيد (رضي الله عنه) وابن حمزة
مع أن شيخنا الشهيد الثاني في شرح المسالك في بحث ميراث أولاد الأولاد نقله
عن المرتضى وابن إدريس ومعين الدين المصري، ونقله في بحث الوقف على
الأولاد عن الشيخ المفيد والقاضي وابن إدريس، ونقل بعض أفاضل العجم في
رسالة له صنفها في هذه المسألة واختار فيها مذهب السيد هذا القول أيضا عن القطب
الراوندي والفضل بن شاذان، ونقله المقداد في كتاب الميراث من كتابه كنز
العرفان عن الراوندي والشيخ المحقق الشيخ أحمد بن المتوج البحراني الذي كثيرا ما
يعبر عنه بالمعاصر، ونقله في الرسالة المشار إليها أيضا عن ابن أبي عقيل
وأبي الصلاح والشيخ الطوسي في الخلاف وابن الجنيد وابن زهرة في الغنية، ونقل
عن المحقق المولى أحمد الأردبيلي الميل إليه أيضا، وهو مختار المحقق المدقق المولى
العماد مير محمد باقر الداماد وله في المسألة رسالة جيدة قد وقفت عليها، واختاره
أيضا المحقق المولى محمد صالح المازندراني في شرح الأصول والسيد المحدث السيد
390

نعمة الله الجزائري وشيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني، وسيأتي
نقل كلامهم في المقام.
وأنت خبير بأن جملة من هؤلاء المذكورين وإن لم يصرحوا في مسألة الخمس
بما نقلناه عن السيد المرتضى (رضي الله عنه) إلا أنهم في مسائل الميراث والوقف
ونحوها لما صرحوا بأن ولد البنت ولد حقيقة اقتضى ذلك اجراء حكم الولد الحقيقي
عليه في جميع الأحكام التي من جملتها جواز أخذ الخمس وتحريم أخذ الزكاة ومسائل
الميراث والوقوف ونحوها، لأن مبنى ذلك كله على كون المنتسب بالأم ابنا حقيقيا
فكل من حكم بكونه ابنا حقيقيا يلزمه أن يجري عليه هذه الأحكام، بل الخلاف
المنقول هنا عن السيد إنما بنوا فيه على ما ذكره في مسائل الميراث والوقوف ونحوها
من حكمه بأن ابن البنت ابن حقيقة كما سيأتيك ذكره.
ولا بأس بنقل بعض عباراتهم المشار إليها في المقام، قال شيخنا الشهيد الثاني
(أعلى الله رتبته) في كتاب الميراث من المسالك في مسألة أولاد الأولاد هل
يقومون مقام آبائهم في الميراث فلكل نصيب من يتقرب به أو يقتسمون اقتسام
أولاد الصلب والابن له؟ بعد نسبة القول الأول للأكثر: وقال المرتضى وتبعه
جماعة: منهم - معين الدين المصري وابن إدريس أن أولاد الأولاد يقتسمون تقاسم
الأولاد من غير اعتبار من تقربوا به، ومستندهم أنهم أولاد حقيقة فيدخلون
في عموم " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين " (1) ويدل على كونهم
أولادا وإن انتسبوا إلى الأنثى تحريم حلائلهم بقوله تعالى " وحلائل أبنائكم " (2)
وتحريم بنات الابن والبنت بقوله تعالى " وبناتكم " (3) وحل رؤية زينتهن لأبناء
أولادهن مطلقا بقوله " أو أبنائهن " وحلها لأولاد أولاد بعولتهن مطلقا

(1) سورة النساء الآية 13
(2) سورة النساء الآية 28
(3) سورة النساء الآية 28
(4) سورة النور الآية 32
391

بقوله: " أو أبناء بعولتهن " (1) والاجماع على أن أولاد الابن وأولاد البنت
يحجبون الأبوين عن ما زاد عن السدسين والزوج إلى الربع والزوجة إلى الثمن،
وكل ذلك في الآية متعلق بالولد، فمن سماه الله ولدا في حجب الأبوين والزوجين هو
الذي سماه ولدا في قوله " يوصيكم الله في أولادكم " (2) إلى أن قال (قدس سره):
وهذه توجيهات حسنة إلا أن الدليل قد قام أيضا على أن أولاد البنات ليسوا أولادا
حقيقة لثبوت ذلك في اللغة والعرف وصحة السلب الذي هو علامة المجاز.. إلى آخره
وقال العلامة في المختلف نقلا عن ابن إدريس في هذه المسألة: وقال ابن إدريس
بعض أصحابنا يذهب إلى أن ابن البنت يعطى نصيب البنت وبنت الابن تعطى نصيب
الابن، وذهب آخرون من أصحابنا إلى خلاف ذلك وقالوا ابن البنت ولد ذكر
حقيقة فنعطيه نصيب الولد الذكر دون نصيب أمه وبنت الابن بنت حقيقة نعطيها
نصيب البنت دون نصيب الابن الذي هو أبوها.
قال: واختاره السيد المرتضى واستدل على صحته بما لا يمكن للمصنف
دفعه من الأدلة القاهرة اللائحة والبراهين الواضحة، قال (رضي الله عنه) إعلم..
ثم ساق كلام المرتضى وهو كلام طويل يتضمن البحث والاستدلال مع المخالفين
له في هذه المسألة والزامهم بوجوه ذكرها.
ومن جملة كلامه (قدس سره) في هذا المقام (فإن قيل) فما دليلكم على صحة
ما ذهبتم إليه من توريث أولاد الأولاد والقسمة للذكر مثل حظ الأنثيين؟ (قلنا)
دليلنا قوله تعالى: " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين " (3) ولا خلاف
بين أصحابنا في أن ولد البنين وولد البنات وإن سفلوا تقع عليهم هذه التسمية
وتتناولهم على سبيل الحقيقة، ولهذا حجبوا الأبوين إلى السدسين بولد الولد وإن
هبط والزوج من النصف إلى الربع والزوجة إلى الثمن، فمن سماه الله تعالى ولدا في
حجب الأبوين وحجب الزوجين يجب أن يكون هو الذي سماه في قوله تعالى:

(1) سورة النور الآية 32
(2) سورة النساء الآية 13
(3) سورة النساء الآية 13
392

" يوصيكم الله في أولادكم " (1) فكيف يحالف بين حكم الأولاد، ويعطى بعضهم
للذكر مثل حظ الأنثيين والبعض الآخر نصيب آبائهم الذي يختلف ويزيد وينقص
ويقتضي تارة تفضيل الأنثى على الذكر والقليل على الكثير وتارة المساواة بين
الذكر والأنثى؟ وعلى أي شئ يعول في الرجوع عن ظاهر كتابه تعالى؟ فأما مخالفونا
فإنهم لا يوافقونا في تسمية ولد البنت بأنه ولد على الحقيقة وفيهم من وافق على
ذلك، ووافق جميعهم على أن ولد الولد، وإن هبط يسمى ولدا على الحقيقة (2).. إلى
أن قال: ومن ما يدل على أن ولد البنين والبنات يقع عليهم اسم الولد قوله تعالى:
" حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم " (3) وبالإجماع أن بظاهر هذه الآية حرمت بنات
أولادنا، ولهذا لما قال الله تعالى: " وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ
وبنات الأخت " (4) ذكرهن في المحرمات لأنهن لم يدخلن تحت اسم الأخوات، ولما
دخل بنات البنات تحت اسم البنات لم يحتج أن يقول: وبنات بناتكم. وهذه حجة
قوية في ما قصدناه. وقوله تعالى: " وحلائل أبنائكم " (5) وقوله تعالى: " ولا يبدين
زينتهن.. إلى قوله: أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن " (6) لا خلاف في عموم الحكم
لجيمع أولاد الأولاد من ذكور وإناث. ولأن الاجماع على تسمية الحسن والحسين
(عليهما السلام) بأنهما ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله وأنهما يفضلان بذلك ويمدحان، ولا
فضيلة ولا مدح في وصف مجاز مستعار. ولم تزل العرب في الجاهلية تنسب الولد
إلى جده إما في موضع مدح أو ذم ولا يتناكرون ذلك ولا يحتشمون منه، وقد كان
يقال للصادق عليه السلام أبدا: أنت ابن الصديق لأن أمه بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر.
ولا خلاف في أن عيسى عليه السلام من بني آدم وولده وإنما ينسب إليه بالأمومة دون

(1) سورة النساء الآية 13
(2) المغني ج 5 ص 60 و 561
(3) سورة النساء الآية 28
(4) سورة النساء الآية 28
(5) سورة النساء الآية 28
(6) سورة النور الآية 32
393

الأبوة (فإن قيل) اسم الولد يجري على ولد البنات مجازا وليس كل شئ استعمل
في غيره يكون حقيقة (قلنا) الظاهر من الاستعمال الحقيقة وعلى مدعي المجاز
الدلالة.. إلى أن قال العلامة في آخر كلام ابن إدريس: هذا كلام السيد المرتضى
(رضي الله عنه) وهو الذي يقوى في نفسي وأفتي به وأعمل عليه لأن العدول إلى
ما سواه عدول إلى غير دليل من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا اجماع منعقد،
بل ما ذهبنا إليه هو ظاهر الكتاب الحكيم، والاجماع حاصل على أن ولد الوالد
ولد حقيقة. ولا يعدل عن هذه الأدلة القاطعة للأعذار إلا بأدلة مثلها توجب العلم،
ولا يلتفت إلى أخبار الآحاد في هذا الباب التي لا توجب علما ولا عملا ولا إلى
كثرة القائلين به والمودعة كتبهم وتصانيفهم لأن الكثرة لا دليل معها. وإلى
ما اختاره السيد المرتضى واخترناه ذهب الحسن بن أبي عقيل في كتاب التمسك
وهذا الرجل من أجلة أصحابنا وفقهائنا وكان شيخنا المفيد يكثر الثناء عليه. انتهى
وقال في المختلف في كتاب الخمس بعد ذكر القول المشهور أولا: وذهب
السيد المرتضى إلى أن ابن البنت ابن حقيقة، ومن أوصى بمال لولد فاطمة (عليها
السلام) دخل فيه أولاد بنيها وأولاد بناتها حقيقة، وكذا لو وقف على ولده دخل
فيه ولد البنت لدخول ولد البنت تحت الولد. والأقرب الأول، لنا - أنه إنما يصدق
الانتساب حقيقة إذا كان من جهة الأب عرفا فلا يقال تميمي إلا لمن أنتسب إلى تميم
بالأب ولا حارثي إلا لمن أنتسب إلى حارث بالأب، ويؤيده قول الشاعر:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد
وما رواه حماد بن عيسى قال رواه لي بعض أصحابنا عن العبد الصالح
أبي الحسن الأول عليه السلام (1) " ومن كانت أمه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش
فإن الصدقة تحل له وليس له من الخمس شئ لأن الله يقول: ادعوهم لآبائهم " (2)

(1) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس
(2) سورة الأحزاب الآية 6
394

ولأنه أحوط. احتج السيد المرتضى بأن الأصل في الاطلاق الحقيقة وقد ثبت
اطلاق الاسم في قوله عليه السلام (1) في الحسن والحسين (عليهما السلام) " هذان ابناي
إمامان قاما أو قعدا ". والجواب المنع من اقتضاء الاطلاق الحقيقة مطلقا بل إذا
لم يعارض معارض. انتهى.
وقال الشيخ في الخلاف في باب الوقف: مسألة - إذا وقف على أولاده وأولاد
أولاده دخل أولاد البنات فيه ويشتركون فيه مع أولاد البنين الذكر والأنثى فيه
سواء كلهم وبه قال الشافعي، وقال أصحاب أبي حنيفة لا يدخل أولاد البنات
فيه (2).. إلى أن قال: دليلنا اجماع المسلمين على أن عيسى بن مريم عليه السلام من ولد آدم
وهو ولد ابنته لأنه ولد من غير أب. وأيضا دعا رسول الله صلى الله عليه وآله الحسن عليه السلام ابنا
وهو ابن بنته وقال: " لا تزرموا ابني " أي لا تقطعوا عليه بوله وكان قد بال في
حجره فهموا بأخذه فقال لهم ذلك (3) فأما استشهادهم بقول الشاعر:
" بنونا بنو أبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد "
فإنه مخالف لقول النبي صلى الله عليه وآله واجماع الأمة والمعقول فوجب رده. وقال
في كتاب الميراث مثله واستدل بما استدل به هنا. انتهى. ولهذا أنه لم ينقل عنه
موافقة القول المشهور إلا في النهاية والمبسوط وإلا فهو في الخلاف قد وافق قول
السيد كما عرفت.
وقال الشيخ المفيد في كتاب الوقف من المقنعة: وإذا وقف على العلوية

(1) قال المجلسي في البحار ج 10 ص 78 في مقام الاستدلال على امامتها " ع ".
ويستدل بالخبر المشهور أنه " ص " قال: " ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا " وفيه ج 9
ص 140 في حديث " وأنهما إمامان قاما أو قعدا " وأيضا ج 9 ص 150 في حديث
" وابناه الحسن والحسين (ع) سبطاي من هذه الأمة إمامان قاما أو قعدا ".
(2) في المغني ج 5 ص 560 و 561 نسب القول بالعدم إلى مالك ومحمد بن الحسن
والقول بالدخول إلى الشافعي وأبي يوسف.
(3) الوسائل الباب 8 من النجاسات
395

كان لولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وولد ولده من الذكور والإناث،
فإن وقف على الطالبين كان على ولد أبي طالب (رحمة الله عليه) وولد ولده من الذكور
والإناث. وهو كما ترى مطابق لما نقل عنه آنفا حيث إنه أدخل المتقربين بالأم
في النسبة إلى علي وأبي طالب (عليهما السلام) والمخالفون من أصحابنا في المسألة
ينكرون دخول المتقرب بالأم في النسبة كما سمعته من كلام العلامة.
وقال الفضل بن شاذان - على ما نقله عنه في الكافي (1) في باب الميراث بعد
أن نقل عن العامة القول ببنوة ابن البنت في جميع الأحكام إلا في الميراث -
ما حاصله: أنهم إنما أنكروا ذلك في باب الميراث اقتداء بأسلافهم الذين أرادوا
ابطال بنوة الحسن والحسين (عليهما السلام) بسبب أمهما والله المستعان. هذا مع
ما قد نص الله عليه في كتابه بقوله عز وجل: " كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل
ومن ذريته داود وسليمان وأيوب.. إلى قوله: وعيسى والياس كل من الصالحين " (2)
فجعل عيسى من ذرية نوح ومن ذرية آدم وهو ابن بنته لأنه لا أب لعيسى، فكيف
لا يكون ولد الابنة ولد الرجل بلى لو أرادوا الانصاف والحق. وبالله التوفيق. انتهى
أقول: وقد ظهر لك من ما ذكرنا حجج القولين وما أوردوه في البين.
والظاهر عندي هو مذهب السيد (قدس سره) لوجوه: الأول الآيات
القرآنية التي هو أقوى حجة وأظهر محجة الواردة في باب النكاح وباب الميراث،
فإنها متفقة في صدق الولد شرعا على ولد البنت والابن وصدق الأب على الجد
منهما، ولذلك ترتبت عليه الأحكام الشرعية في البابين المذكورين، والأحكام الشرعية لا تترتب إلا على المعنى الحقيقي للفظ دون المجازي المستعار الذي قد يعتبر
وقد لا يعتبر.
وها أنا أتلو عليك شطرا من تلك الآيات الواردة في هذا المجال لتحيط

(1) الفروع ج 2 ص 260
(2) سورة الأنعام الآية 85 و 86
396

خبرا بأن ما ذهبنا إليه لا يعتريه غشاوة الاشكال وإن كان قد تقدم في كلام السيد
ما يشير إلى بعض ذلك: فمن ذلك قوله عز وجل: " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء " (1)
فإنه لا خلاف في أنه بهذه الآية يحرم على ابن البنت زوجة جده من الأم لكونه
أبا له بمقتضى الآية، فهي تدل على أن أب الأم أب حقيقة إذ لولا ذلك لما
اقتضت تحريم زوجة جده عليه، فيكون ولدا البنت ولدا حقيقة للتضايف.
ومن ذلك قوله عز وجل في تعداد المحرمات " وحلائل أبنائكم " (2) فإنه لا خلاف
في أنه بهذه الآية يحرم نكاح الرجل لزوجة ابن ابنته لصدق الأبنية عليه المذكورة.
ومنه قوله تعالى في تعداد المحرمات أيضا " وبناتكم " (3) فإنه بهذه الآية
حرمت بنت البنت على جدها. ومنه أيضا في تعداد من يحل نظره إلى الزينة قوله سبحانه: " أو أبنائهن " (4)
فإنه بهذه الآية يحل لابن البنت النظر إلى زينة جدته لأمه بل زوجة جده بقوله
" أو أبناء بعولتهن " (5).
ومنه في الميراث في حجب الزوجين عن السهم الأعلى وحجب الأبوين عن ما
زاد على السدس قوله عز وجل: " فإن كان لهن ولد فلكم الربع.. فإن كان لكم ولد
فلهن الثمن " (6) " ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد،
فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث " (7) فإن الولد في جميع هذه المواضع
شامل باطلاقه لولد البنت، والأحكام المذكورة مرتبة عليه بلا خلاف كما ترتبت
على ولد الصلب بلا واسطة.

(1) سورة النساء الآية 27
(2) سورة النساء الآية 28
(3) سورة النساء الآية 28
(4) سورة النور الآية 32
(5) سورة النور الآية 32
(6) سورة النساء الآية 14 و 15
(7) سورة النساء الآية 13
397

ومن الظاهر البين أنه لولا صدق الاطلاق حقيقة لما جاز ترتب الأحكام الشرعية المذكورة في جملة هذه الآيات ونحوها عليه.
وأما ما أجاب به في المسالك في كتاب الوقف وفي كتاب الميراث من أن
دخول أولاد الأولاد بدليل من خارج لا من حيث الاطلاق فهو مردود بأن
الروايات قد فسرت الآيات المذكورة بذلك وأنه قد أريد بها هذا المعنى، ومنها
الروايات الآتية في المقام حيث استدل الأئمة (عليهم السلام) بالآيات على هذا
المعنى وفسروها به لا أن هذا المعنى إنما استفيد من أخبار خارجة أو من الاجماع
كما ادعاه. وأيضا فإن الأصحاب قد استدلوا على الأحكام المذكورة باطلاق هذه
الآيات كما لا يخفى على من راجع كتبهم فلولا أن أولاد الأولاد مطلقا داخلون
في الاطلاق ومستفادون منه لما صح هذا الاستدلال الذي أوردوه (عليهم السلام)
ولا الذي ذكره الأصحاب. وبذلك يظهر أن جوابه (قدس سره) شعري لا يعتمد
عليه وقشري لا يلتفت إليه.
الثاني - الأخبار الظاهرة المنار الساطعة الأنوار: ومنها ما رواه ثقة
الاسلام الكليني (عطر الله مرقده) في كتاب روضة الكافي (1) والثقة الجليل
علي بن إبراهيم في تفسيره (2) بسنديهما إلى أبي الجارود قال: " قال لي أبو جعفر عليه السلام
يا أبا الجارود ما يقولون لكم في الحسن والحسين (عليهما السلام)؟ قلت ينكرون
علينا أنهما ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله. قال فأي شئ احتججتم عليهم؟ قلت احتججنا عليهم
بقول الله عز وجل في عيسى بن مريم عليه السلام: ومن ذريته داود وسليمان وأيوب
ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى (3)
فجعل عيسى بن مريم من ذرية نوح عليه السلام. قال عليه السلام: فأي شئ قالوا لكم؟ قلت
قالوا قد يكون ولد الابنة من الولد ولا يكون من الصلب. قال: فأي شئ احتججتم

(1) ص 317
(2) ص 196
(3) سورة الأنعام الآية 85 و 86
398

عليهم؟ قلت احتججنا عليهم بقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله: فقل تعالوا ندع أبناءنا
وأبناءكم ونساءنا ونساءكم " (1) قال فأي شئ قالوا؟ قلت قالوا قد يكون في كلام العرب
أبناء رجل وآخر يقول: أبناؤنا. قال فقال أبو جعفر عليه السلام يا أبا الجارود لأعطينكها
من كتاب الله عز وجل أنهما من صلب رسول الله صلى الله عليه وآله لا يردها إلا كافر.
قلت: وأين ذلك جعلت فداك؟ قال من حيث قال الله عز وجل " حرمت عليكم
أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم.. الآية إلى أن انتهى إلى قوله تعالى: وحلائل أبنائكم
الذين من أصلابكم " (2) فسلهم يا أبا الجارود هل كان يحل لرسول الله صلى الله عليه وآله نكاح
حليلتيهما؟ فإن قالوا نعم كذبوا وفجروا وإن قالوا لا فهما ابناه لصلبه " وزاد في
رواية علي بن إبراهيم " وما حرمتا عليه إلا للصلب.. الحديث ".
ولا يخفى ما فيه من الصراحة في المطلوب والظهور والتشنيع الفضيع على من
قال بالقول المشهور ومشاركته للعامة في رد كتاب الله المؤذن بالخروج عن الاسلام
نعوذ بالله من زيغ الأفهام وطغيان الأقلام، ولكن العذر لهم تجاوز الله عنا وعنهم
واضح بعدم تتبع الأدلة والوقوف عليها من مظانها لتفرقها وعدم اجتماعها في
باب معلوم.
وفي الخبر كما ترى دلالة واضحة على أن اطلاق الولد في الآيات المتقدمة على
ابن البنت على جهة الحقيقة وأنه ولد للصلب حقيقة وإن كان بواسطة لا فرق بينه
وبين الولد للصلب الذي هو متفق عليه بينهم.
ومنها - ما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما
السلام) (3) " أنه قال لو لم تحرم على الناس أزواج النبي صلى الله عليه وآله لقول الله عز وجل:
وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا (4)

(1) سورة آل عمران الآية 55
(2) سورة النساء الآية 28
(3) الوسائل الباب 2 من ما يحرم بالمصاهرة
(4) سورة الأحزاب الآية 54
399

حرمن على الحسن والحسين (عليهما السلام) لقوله تعالى: ولا تنكحوا ما نكح
آباؤكم من النساء (1) ولا يصلح للرجل أن ينكح امرأة جده، والتقريب فيها
ما تقدم عند ذكر الآية المشار إليها.
ومنها - ما رواه الصدوق في عيون الأخبار (2) والطبرسي (قدس سره)
في كتاب الإحتجاج (3) في حديث طويل عن الكاظم عليه السلام يتضمن ذكر ما جرى
بينه وبين الخليفة هارون الرشيد لما أدخل عليه، وموضع الحاجة منه أنه قال له
الرشيد: " لم جوزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ويقولون لكم
يا بني رسول الله صلى الله عليه وآله وأنتم بنو على وإنما ينسب المرء إلى أبيه وفاطمة إنما هي وعاء
والنبي صلى الله عليه وآله جدكم من قبل أمكم؟ فقال يا أمير المؤمنين لو أن النبي صلى الله عليه وآله نشر
فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه؟ فقال سبحان الله ولم لا أجيبه بل أفتخر على
العرب والعجم وقريش بذلك. فقال لكنه لا يخطب إلى ولا أزوجه. فقال ولم؟ فقلت
لأنه ولدني ولم يلدك. فقال أحسنت يا موسى ثم قال كيف قلتم إنا ذرية النبي صلى الله عليه وآله
والنبي لم يعقب وإنما العقب للذكر لا للأنثى وأنتم ولد لابنته ولا يكون لها عقب؟.. ثم
ساق الخبر إلى أن قال: فقلت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم
" ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين
وزكريا ويحيى وعيسى " (4) من أبو عيسى يا أمير المؤمنين؟ فقال ليس لعيسى أب.
فقلت إنما ألحقناه بذراري الأنبياء من طريق مريم وكذلك ألحقنا بذراري النبي صلى الله عليه وآله
من قبل أمنا فاطمة. أزيدك يا أمير المؤمنين؟ قال هات فقال أعوذ بالله من الشيطان
الرجيم " فمن حاجك فيه.. الآية " (5) ولم يدع أحد أنه أدخل النبي صلى الله عليه وآله تحت
الكساء عند المباهلة للنصارى إلا علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين

(1) سورة النساء الآية 27
(2) ج 1 ص 83 الطبع الحديث
(3) ص 199
(4) سورة الأنعام الآية 85 و 86
(5) سورة آل عمران الآية 55
400

(عليهم السلام) فالأبناء هم الحسن والحسين والنساء هي فاطمة و " أنفسنا " إشارة إلى علي بن أبي طالب عليه السلام (1).. الحديث ".
ومنها - ما رواه الشيخ المفيد (قدس سره) في كتاب الاختصاص (2) في
حديث طويل عن الكاظم عليه السلام مع الرشيد أيضا قال فيه: " وأني أريد أن أسألك
عن مسألة فإن أجبتني أعلم أنك قد صدقتني وخليت عنك ووصلتك ولم أصدق ما قيل
فيك. فقلت ما كان علمه عندي أجبتك فيه. فقال لم لا تنهون شيعتكم عن قولهم
لكم يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وأنتم ولد على وفاطمة إنما هي وعاء والولد ينسب إلى
الأب لا إلى الأم؟ فقلت إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني عن هذه المسألة فعل
فقال لست أفعل أو تجيب، فقلت فأنا في أمانك أن لا يصيبني من آفة السلطان شئ
فقال لك الأمان. فقلت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم
" ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود
وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى
وعيسى " (3) فمن أبو عيسى؟ فقال ليس له أب إنما خلق من كلام الله (عز وجل)
وروح القدس. فقلت إنما ألحق عيسى بذراري الأنبياء من قبل مريم، وألحقنا
بذراري الأنبياء من قبل فاطمة لا من قبل على. فقال أحسنت يا موسى زدني من
مثله. فقلت اجتمعت الأمة برها وفاجرها أن حديث النجراني حين دعاه النبي صلى الله عليه وآله
إلى المباهلة لم يكن في الكساء إلا النبي صلى الله عليه وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم
السلام) فقال الله تبارك وتعالى: فمن حاجك فيه من بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا
ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم (4) فكان تأويل " أبناءنا "
الحسن والحسين و " نساءنا " فاطمة و " أنفسنا " علي بن أبي طالب (عليه السلام). فقال
أحسنت.. الحديث ".

(1) ارجع إلى الاستدراكات في آخر الكتاب
(2) ص 55 و 56
(3) سورة الأنعام الآية 85 و 86
(4) سورة آل عمران الآية 55
401

أقول: لا يخفى عليك ما في هذا الخبر والذي قبله من الدلالة الظاهرة على
خلاف ما دلت عليه مرسلة حماد المتقدمة دليلا للقول المشهور، فإنه عليه السلام حكم في
تلك المرسلة بأن المرء إنما ينسب إلى أبيه واستدل بقوله عز وجل: " أدعوهم
لآبائهم (1) وفي هاتين الروايتين لما أورد عليه الرشيد ذلك الموجب لعدم جواز
نسبتهم بالنبوة إلى النبي صلى الله عليه وآله احتج عليه السلام في الرواية الأولى بعدم جواز نكاح
رسول الله صلى الله عليه وآله كريمته الموجب لكونه ابنه حقيقة كما تضمنته الآية المتقدمة،
وفي كلتا الروايتين بآية عيسى وآية المباهلة، ولو كانت البنوة في هذه المواضع إنما
هي على جهة المجاز فكيف تصلح هذه الآيات للاستدلال؟ وكيف يسلم الخصم
تلك الدعوى؟ بل كيف يعترض الرشيد وغيره عليهم بتسمية الناس لهم أبناء
رسول الله صلى الله عليه وآله مجازا وباب المجاز واسع، فلولا أن المخالفين عالمون بدعواهم
(عليهم السلام) البنوة الحقيقة وأن الناس إنما أرادوا بذلك كونهم أبناء حقيقة
لما كان لهذا الاعتراض وجه بالكلية، لما عرفت من أن المجاز لا مشاحة فيه ولا
يوجب فخرا ولا يخلد ذكرا، وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر تمام الظهور لمن سلمت
عين بصيرته من الخلل والفتور، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.
ومنها - ما رواه العياشي في تفسيره (2) عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: " قلت له ما الحجة في كتاب الله أن آل محمد صلى الله عليه وآله هم أهل بيته؟ قال
قول الله تبارك وتعالى: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران - وآل
محمد - هكذا نزلت (3) على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم (4)

(1) سورة الأحزاب الآية 6
(2) ج 1 ص 169 و 170
(3) الأدلة العقلية والنقلية متوفرة على عدم وقوع أي تحريف بالمعنى المعروف في
القرآن، وما ورد من الأخبار من هذا القبيل ليس المراد منه النزول على وجه القرآنية
راجع البيان ج 1 لسماحة الأستاذ آية الله الخوئي دام ظله ص 136 إلى 181 وقد برهن
فيه على أنه ليس من مذهب الشيعة القول بتحريف القرآن.
(4) سورة آل عمران الآية 32 و 33
402

ولا يكون الذرية من القوم إلا نسلهم من أصلابهم. وقال: اعملوا آل داود
شكرا وقليل من عبادي الشكور (1) وآل عمران وآل محمد ".
ومنها - ما رواه الصدوق في العيون (2) والمجالس عن الرضا عليه السلام في باب
مجلس الرضا مع المأمون في الفرق بين العترة والأمة، والحديث طويل قال عليه السلام في
جملته " وأما العاشرة فقول الله عز وجل في آية التحريم " حرمت عليكم أمهاتكم
وبناتكم وأخواتكم.. الآية " (3) فأخبروني هل تصلح ابنتي أو ابنة ابني أو
ما تناسل من صلبي لرسول الله صلى الله عليه وآله أن يتزوجها لو كان حيا؟ قالوا لا. قال فأخبروني
هل كانت ابنة أحدكم تصلح له أن يتزوجها لو كان حيا؟ قالوا نعم. قال ففي هذا بيان
لأني من آله ولستم من آله ولو كنتم من آله لحرم عليه بناتكم كما حرم عليه بناتي
لأني من آله وأنتم من أمته، فهذا فرق ما بين الآل والأمة لأن الآل منه والأمة إذا
لم تكن من الآل ليست منه، فهذه العاشرة وأما الحادية عشرة فقوله عز وجل في
سورة المؤمن.. وساق الكلام إلى أن قال عليه السلام: وكذلك خصصنا نحن إذ كنا من
آل رسول الله صلى الله عليه وآله بولادتنا منه.. الحديث ".
ومنها - قوله في الخبر المذكور (4) حين ادعى الحاضرون أن الآل هم الأمة:
" أخبروني هل تحرم الصدقة على الآل؟ قالوا نعم. قال فتحرم على الأمة؟ قالوا لا.
قال هذا فرق بين الآل والأمة.. الحديث ".
والتقريب فيه أن كل من أنتسب إليه صلى الله عليه وآله بأمه فإنه داخل في آله
لما ورد من تفسير الآل بالذرية في خبر وبمن حرم على رسول الله صلى الله عليه وآله نكاحه
في خبر آخر (5) ومتى دخل في الآل حرمت عليه الصدقة بنص الخبر المذكور مع

(1) سورة سبأ الآية 13 والكلام في التتمة كما تقدم في التعليقة 3 ص 402
(2) ج 1 ص 239 الطبع الحديث وفي المجالس ص 318
(3) سورة النساء الآية 28
(4) العيون ص 229 والمجالس 313
(5) راجع التعليقة 1 و 2 ص 405
403

أن خبر حماد بن عيسى دل على حل الصدقة لمن أنتسب إلى هاشم بالأم الموجب
لاخراجه من الآل والذرية.
ومنها - ما رواه ثقة الاسلام في الكافي في أبواب الزيارات (1) بسنده عن
بعض أصحابنا قال: " حضرت أبا الحسن الأول عليه السلام وهارون الخليفة وعيسى بن
جعفر وجعفر بن يحيى بالمدينة وقد جاءوا إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فقال هارون لأبي الحسن عليه السلام تقدم فأبى فتقدم هارون فسلم وقام ناحية فقال عيسى بن
جعفر لأبي الحسن عليه السلام تقدم فأبى فتقدم عيسى فسلم ووقف مع هارون فقال
جعفر لأبي الحسن عليه السلام تقدم فأبى فتقدم جعفر فسلم ووقف مع هارون فتقدم
أبو الحسن عليه السلام وقال السلام عليك يا أبه أسأل الله الذي اصطفاك واجتباك وهداك
وهدى بك أن يصلي عليك. فقال هارون لعيسى سمعت ما قال؟ قال: نعم. فقال
هارون أشهد أنه أبوه حقا " فانظر أيدك الله إلى شهادة هارون بأبوته (صلى الله
عليه وآله) له عليه السلام حقا وأي مجال للحمل على المجاز في ذلك؟
ومنها - ما رواه ثقة الاسلام في الكافي والصدوق في الفقيه والشيخ في كتابيه
بطرق عديدة ومتون متقاربة عند عائذ الأحمسي (2) قال: " دخلت على أبي عبد الله
عليه السلام وأنا أريد أن أسأله عن صلاة الليل فقلت السلام عليك يا ابن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) فقال: وعليك السلام أي والله إنا لولده وما نحن بذوي
قرابته.. الحديث ".
أقول: أنظر إلى صراحة كلامه عليه السلام في المطلوب والمراد وقسمه على ذلك برب
العباد وأنه ليس انتسابهم إليه (صلى الله عليه وآله) بمجرد القرابة كما يدعيه ذوو
العناد والفساد ومن تبعهم من أصحابنا ممن حاد في المسألة عن طريق السداد حيث
حملوا لفظ الأبنية في حقهم (عليه السلام) على المجاز وهي ظاهرة بل صريحة كما ترى في

(1) الفروع ج 1 ص 316 وفي الوسائل الباب 6 من المزار
(2) الفروع ج 1 ص 137 وفي الوسائل الباب 17 من أعداد الفرائض ونوافلها
404

إرادة البنوة الحقيقية لا مسرح للعدول عنها والجواز.
ومجمل القول في هذه الأخبار ونحوها أنها قد دلت على دعواهم (عليهم السلام)
البنوة له (صلى الله عليه وآله) وافتخارهم بذلك وأن المخالفين أنكروها عليهم، وهم
(عليهم السلام) قد استدلوا على اثباتها بالآيات القرآنية كما مرت، ولولا أن المراد
بالنبوة الحقيقية لما كان لما ذكر من هذه الأمور وجه، لأن المجاز لا يوجب
الافتخار ولا يصلح أن يكون محلا للمخاصمة والجدال وطلب الأدلة وإيراد الآيات
دليلا عليه بل هذه الأشياء إنما تترتب على المعنى الحقيقي كما أشرنا إليه آنفا، ولكن
أصحابنا (رضوان الله عليهم) لم يعطوا المسألة حقها من التتبع لأخبارها والتطلع في
آثارها فوقعوا في ما وقعوا فيه.
الثالث - إن جملة الأخبار التي وقفت عليها بالنسبة إلى مستحقي الخمس عدا مرسلة
حماد المتقدمة إنما تضمنت التعبير عنهم بكونهم آل محمد (صلى الله عليه وآله) أو
ذريته أو عترته أو ذوي قرابته أو أهل بيته أو نحو ذلك من الألفاظ التي لا تناكر
في دخول المنتسب بالأم إليه صلى الله عليه وآله فيها، فإن معنى الآل على ما رواه الصدوق في
معاني الأخبار (1) عن الصادق عليه السلام من حرم على محمد صلى الله عليه وآله نكاحه، وفي رواية
أخرى (2) فسره بالذرية، ولا ريب أيضا في صدق الذرية على من أنتسب بالأم
للآية الدالة على كون عيسى من ذرية نوح عليه السلام (3).
وحينئذ فإذا كان التعبير عن مستحق الخمس في الأخبار إنما وقع بهذه الألفاظ
التي لا إشكال في دخول المنتسب بالأم إليه صلى الله عليه وآله فيها فإنه لا مجال لنزاع القوم في هذه
المسألة باعتبار عدم صدق النبوة على ما انتسب إلى هاشم بالأم، لأن علة النسبة
إلى هاشم لم نقف عليها إلا في المرسلة المتقدمة حيث قال فيها (4): " وهؤلاء الذين

(1) ص 93 و 94 الطبع الحديث
(2) ص 94 الطبع الحديث
(3) وهي قوله تعالى " ومن ذريته داود.. إلى قوله تعالى وعيسى " سورة الأنعام
الآية 85 و 86.
(4) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس
405

جعل الله لهم الخمس هم قرابة النبي صلى الله عليه وآله الذين ذكرهم الله تعالى فقال: " وأنذر
عشيرتك الأقربين " (1) وهم بنو عبد المطلب أنفسهم الذكر منهم والأنثى.. إلى أن قال:
ومن كانت أمه من بني هاشم.. إلى آخر ما تقدم " وكذا ما في رواية زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلى صدقة إن
الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم " والثاني لا صراحة فيه بل ولا ظاهرية في
المنع من ما ندعيه، لأن النسبة إلى هاشم تصدق بكونه من الذرية وهي حاصلة
بالانتساب بالأم كما عرفت، فلم يبق إلا المرسلة المتقدمة وموضع المنافاة فيها وهو
الصريح في المنافاة إنما هو قوله " ومن كانت أمه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش
فإن الصدقات تحل له.. " وإلا فتفسيرهم بالقرابة وأنهم بنو عبد المطلب لا صراحة
فيه ولا ظهور بعد ما حققناه آنفا، فإنا قد أثبتنا بالآيات القرآنية والروايات
المتقدمة حصول البنوة بالأم.
وتعلق الخصم بعدم صدق الأبنية الحقيقية - وأنه لا يقال تميمي ولا حارثي
إلا إذا انتسب إلى تميم وإلى حارث بالأب والاستناد إلى ذلك الشعر المنقول في
مقابلة ما ذكرناه من المنقول - غير معقول عند ذوي الألباب والعقول بل هو
أوهن من بيت العنكبوت وأنه لأوهن البيوت لما شرحناه وأوضحناه في ذيل تلك
الآيات والروايات.
ويزيده ايضاحا وبيانا دلالة جملة من الأخبار على صحة نسبتهم (عليهم السلام)
بل جميع الذرية إليه (صلى الله عليه وآله) بأن يقال محمدي كما يقال علوي.
ومن ذلك ما رواه في الكافي (3) في باب ما نص الله ورسوله (صلى الله عليه
وآله) على الأئمة واحدا فواحدا بسند صحيح عن عبد الرحيم بن روح القصير عن

(1) سورة الشعراء الآية 215
(2) الوسائل الباب 33 من المستحقين للزكاة
(3) الأصول ج 1 ص 288
406

أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم (1) ثم ساق
الحديث الدال على اختصاص الإمامة بهم (عليهم السلام).. إلى أن قال: " فقلت
له: هل لولد الحسن عليه السلام فيها نصيب؟ فقال لا والله يا عبد الرحيم ما لمحمدي فيها
نصيب غيرنا ".
وما رواه الصدوق في كتاب معاني الأخبار (2) عن حمزة ومحمد ابن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال فيه بد ذكر حمران لعقيدته في الإمامة ما صورته:
" يا حمران مد المطمر بينك وبين العالم - قلت يا سيدي وما المطمر؟ قال أنتم تسمونه
خيط البناء - فمن خالفك على هذا الأمر فهو زنديق. فقلت وإن كان علويا فاطميا؟
فقال أبو عبد الله عليه السلام وإن كان محمديا علويا فاطميا " وهما صريحان كما ترى في صحة
النسبة إليه (صلى الله عليه وآله) بأن كل من كان من ذريته وأبناء ابنته فهو محمدي.
وبه يظهر أن ما ذكروه من أنه لا تصح النسبة إليه إلا إذا انتسب بالأب كلام
شعري لا تعويل عليه.
ومن ما يؤكد ذلك ما رواه في الكافي (3) في حديث طويل في باب ما يفص
به بين دعوى المحق والمبطل في الإمامة عن أبي جعفر عليه السلام وهو طويل قال في
آخره: " الله بيننا وبين من هتك سترنا وجحدنا حقنا وأفشى سرنا ونسبنا إلى غير
جدنا وقال فينا ما لم نقله في أنفسنا ".
ومن ما يدل على صحة الانتساب بالأم زيادة على ما قدمنا ما رواه العياشي في
تفسيره (4) والبرقي في المحاسن (5) عن بشير الدهان عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: والله لقد نسب الله عيسى بن مريم في القرآن إلى إبراهيم من قبل النساء. ثم
تلا: ومن ذريته داود وسليمان.. إلى آخر الآيتين (6) وذكر عيسى (عليه السلام).

(1) سورة الأحزاب الآية 7
(2) ص 212 الطبع الحديث
(3) الأصول ج 1 ص 356 و 357
(4) ج 1 ص 367
(5) ج 1 ص 156
(6) سورة الأنعام الآية 85 و 86
407

وأما ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) في قرينة المجاز من صحة
السلب في قول القائل: هذا ليس ابني بل ابن بنتي أو ابن ابني فمردود بأنه غير مسلم
على اطلاقه فإنا لا نسلم سلب الولدية حقيقة، إذ حاصل المعنى بقرينة الاضراب
أن مراد القائل المذكور أنه ليس بولدي بلا واسطة بل ولدي بالواسطة، فالمنفي
حينئذ إنما هو كونه ولده من غير واسطة والولد الحقيقي عندنا أعم منهما، ولو قال
ذلك القائل ليس بولدي من غير الاتيان بالاضراب منعنا صحة السلب.
وبالجملة فإنه لم يبق هنا شئ ينافي ما حققناه إلا قوله في المرسلة المذكورة " ومن
كانت أمه من بني هاشم.. " ولو أنا نجري على قواعدهم في هذا الاصطلاح لكان لنا
أن نقول إنه لا ريب أن هذه الرواية ضعيفة السند لا تقوم بمعارضة ما ذكرناه
من الآيات والأخبار التي فيها الصحيح وغيره، والجمع بين الأخبار إنما يصار إليه
مع التكافؤ سندا وقوة وإلا فتراهم يطرحون المرجوح من البين.
وأما على ما هو المختار عندنا من صحة جميع الأخبار فالجواب عن ذلك أنه
لا ريب أن مقتضى القواعد المقررة عن أصحاب العصمة (عليهم السلام) أنه
مع اختلاف الأخبار يجب عرضها على القرآن والأخذ بما وافقه ورمى
ما خالفه (1) وكذا ورد أيضا العرض على مذهب العامة والأخذ بما خالفه وطرح
ما وافقه (2).
ولا ريب بمقتضى ما قدمناه من الآيات والروايات والتحقيق في المقام أن
ما تضمنته هذه المرسلة مخالف للقرآن ومطابق للعامة، وحينئذ فبمقتضى هاتين
القاعدتين يجب طرح ما خالف في هذه الرواية المذكورة.
أما مخالفتها للقرآن فظاهر لما عرفت من دلالتها على عدم دخول ابن البنت
في الابن الحقيقي واجراء أحكام الابن الحقيقي عليه لأن الولد إنما ينسب إلى أبيه،
مع دلالة الآيات القرآنية والأخبار المتقدمة على دخوله في الابن الحقيقي كما عرفت

(1) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به
(2) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به
408

وأما موافقتها للعامة فلما عرفت من كلام السيد المرتضى (رضي الله عنه)
المتقدم وقوله فيه " وأما مخالفونا فإنهم لا يوافقونا في تسمية ولد البنت بأنه ولد
على الحقيقة وفيهم من وافق " ولما عرفت من رواية أبي الجارود وحديثي الكاظم
(عليه السلام) مع الرشيد.
على أنه لو ثم العمل على هذه الرواية للزم خروجهم (عليهم السلام) عن
أن يكونوا آله وذريته (صلى الله عليه وآله) كما تقوله العامة، وهو من ما لا يقول به
أحد من الإمامية لأن ظاهر هذه الرواية أن المنتسب بالأم خاصة حكمه حكم سائر
الأجانب وأن نسبته بالأم في حكم العدم وإنما الاعتبار بالأب للآية التي ذكرها مع أنك عرفت من تفسير الآل والذرية ما يوجب دخوله، ويزيده بيانا ما ذكره
الرضا (عليه السلام) في الحديث الطويل المروي في كتاب عيون أخبار الرضا
(عليه السلام) (1) في الفرق بين آل النبي وذريته وبين الأمة فليرجع إليه من
أحب الوقوف عليه.
وبالجملة فإنه قد تلخص بما ذكرناه أن وجه المخالفة في هذه الرواية الموجب
لطرحها ناشئ من أمرين: أحدهما - دلالتها على نفي الأبنية عن ولد البنت وقد
عرفت من الآيات والروايات المتقدمة ثبوتها. وثانيهما - أن المستفاد من ما قدمناه
من الأخبار أن من انتسب إليه صلى الله عليه وآله بأمه فهو من آله وكل من كان من آله حرمت
عليه الصدقة، ينتج من ذلك أن كل من أنتسب إليه بأمه تحرم عليه الصدقة، دليل
الصغرى ما قدمناه من الخبر المنقول من معاني الأخبار في معنى الآل، ودليل الكبرى
الخبر الذي قدمناه في الفرق بين العترة والأمة، ومتى ثبت تحريم الصدقة عليه حل له
الخمس إذ لا ثالث لهذين القسمين بالاتفاق نصا وفتوى، كما يدل عليه أيضا آخر
حديث حماد بن عيسى (2) الذي احتج به الخصم فليلاحظ.
ومن ما يؤكد موافقة ما تضمنه الخبر المذكور للعامة أيضا ما نقله الفقيه محمد

(1) ج 1 ص 228 الطبع الحديث
(2) ص 385
409

ابن طلحة الشامي الشافعي في كتاب مطالب السؤول في مناقب آل الرسول صلى الله عليه وآله (1)
قال: وقد نقل أن الشعبي كان يميل إلى آل الرسول (صلى الله عليه وآله) وكان
لا يذكرهم إلا وهو يقول هم أبناء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذريته، فنقل
عنه ذلك إلى الحجاج بن يوسف وتكرر ذلك منه، وكثر نقله عنه فأغضبه ذلك من
الشعبي ونقم عليه، فاستدعاه الحجاج يوما وقد اجتمع لديه أعيان المصرين الكوفة
والبصرة وعلماؤهما وقراؤهما، فلما دخل الشعبي عليه لم يهش له ولا وفاه حقه من
الرد عليه، فلما جلس قال يا شعبي ما أمر يبلغني عنك فيشهد عليك بجهلك؟ قال
ما هو يا أمير؟ قال ألم تعلم أن أبناء الرجل هل ينسبون إلا إليه والأنساب لا تكون
إلا بالآباء؟ فما بالك تقول عن أبناء على (عليه السلام) أبناء رسول الله (صلى الله
عليه وآله) وذريته؟ وهل لهم اتصال برسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا بأمهم
فاطمة (عليها السلام) والنسب لا يكون بالبنات وإنما يكون بالأبناء؟ فأطرق
الشعبي ساعة حتى بالغ الحجاج في الانكار عليه وقرع انكاره مسامع الحاضرين
والشعبي ساكت، فلما رأى الحجاج سكوته أطمعه ذلك في زيادة تعنيفه فرفع
الشعبي رأسه فقال يا أمير ما أراك إلا متكلما بكلام من يجهل كلام الله تعالى وسنة نبيه
(صلى الله عليه وآله) أو يعرض عنهما. فازداد الحجاج غضبا منه وقال ألمثلي تقول
هذا يا ويلك؟ قال الشعبي نعم هؤلاء قراء المصرين وحلمة الكتاب العزيز فكل
منهم يعلم ما أقول، أليس قد قال الله تعالى حين خاطب عباده " يا بني آدم " (2) وقال
" يا بني إسرائيل " (3) وقال عن إبراهيم: " ومن ذريته.. إلى أن قال وعيسى " (4)؟
فترى يا حجاج اتصال عيسى بآدم وإسرائيل نبي الله وإبراهيم خليل الله بأي آبائه

(1) ص 4
(2) سورة الأعراف الآية 26 و 27 و 30 و 34
(3) سورة البقرة الآية 39 و 45 و 117
(4) سورة الأنعام الآية 85 و 86
410

كان أو بأي أجداد أبيه؟ هل كان إلا بأمه مريم؟ وقد صح النقل عن رسول الله
(صلى الله عليه وآله " ابني هذا سيد ". فلما سمع ذلك منه أطرق خجلا ثم عاد
يتلطف بالشعبي واشتد حياؤه من الحاضرين. انتهى.
أقول: ولعل إلى مثل الشعبي أشار سيدنا المرتضى في عبارته بقوله:
" وفيهم من وافق ".
الرابع - أن الظاهر أن معظم الشبهة عند من منع في هذه المسألة من تسمية
المنتسب بالأم ولدا بالنسبة إلى جده من أمه هو أنه إنما خلق من ماء الأب والأم
إنما هي ظرف ووعاء كما سمعته من كلام الرشيد للكاظم (عليه السلام) في الحديثين
المتقدمين وإليه يشير كلام الحجاج، ولعل الذي استند إليه الأصحاب مبني على ذلك.
وهو في البطلان أظهر من أن يحتاج إلى بيان لدلالة الآيات الشريفة والأخبار
المنيفة على أنه مخلوق من مائهما معا كقوله عز وجل: " يخرج من بين الصلب
والترائب " (1) أي صلب الرجل وترائب المرأة، وقوله عز وجل: " من نطفة
أمشاج " (2) أي مختلطة من ماء الرجل وماء المرأة، ودلالة جملة من الأخبار على أن مشابهة الولد لأمه ومن يتقرب بها تارة ولأبيه ومن يتقرب به أخرى باعتبار
سبق نطفة كل منهما، فإن سبقت نطفة الرجل أشبه الولد الأب أو من يتقرب به،
وإن سبقت نطفة الأم أشبه الولد أمه أو من يتقرب بها.
هذا. وممن وافقنا على هذه المقالة فاختار ما اخترناه ورجح ما رجحناه المحقق
المدقق المولى محمد صالح المازندراني في شرح الأصول، حيث قال في شرح حديث أبي الجارود المتقدم عند قوله في الخبر " ينكرون علينا أنهما ابنا رسول الله (صلى
الله عليه وآله) ما صورته: أي ابناه حقيقة من صلبه، وإذ لا نزاع في إطلاق
الابن والبنت والولد والذرية على ولد البنت، وإنما النزاع في أن هذا الاطلاق

(1) سورة الطارق الآية 8
(2) سورة الدهر الآية 3
411

من باب الحقيقة أو المجاز، فذهب طائفة من أصحابنا ومنهم السيد المرتضى إلى
الأول، وذهب طائفة منهم ومنهم الشهيد الثاني وجمهور العامة إلى الثاني، وتظهر
الفائدة في كثير من المواضع كاطلاق السيد واجراء أحكام السيادة والنذر لأولاد
الأولاد والوقف عليهم، والظاهر هو الأول للآيات والروايات وأصالة الحقيقة
وضعف هذه الرواية بأبي الجارود الذي تنسب إليه الجارودية لا يضر لأن المتمسك
هو الآية، ودلالة الآيتين الأولتين على المطلوب ظاهرة والثالثة صريحة. واحتمال
التجوز غير قادح لاجماع أهل الاسلام على أن ظاهر القرآن لا يترك إلا بدليل
لا يجامعه بوجه، وما روي عن الكاظم عليه السلام (1) وهو مستند المشهور على تقدير
صحة سنده حمله على التقية ممكن، واستناده باستعمال اللغة غير تام لأن اللغة لا
تدل على مطلوبه، قال في القاموس: وولدك من دمى عقبيك أي من نفست به فهو
ابنك، فليتأمل، انتهى كلامه (علت في الخلد أقدامه).
أقول: قد عرفت أن رواية حماد المشار إليها ضعيفة بالارسال، ولهذا أن
شيخنا الشهيد الثاني لم يعتمد عليها في الاستدلال وإنما اعتمد على ما ادعوه من حمل
ذلك الاطلاق على المجاز بدعوى أن اللغة والعرف مساعدان لما يدعونه، وقد
عرفت من ما قدمناه أن ما استدللنا به غير مقصور على هذه الرواية وإن كانت
باصطلاحهم قاصرة بل الآيات والروايات به متظافرة متظاهرة.
وممن اختار هذا القول أيضا المحدث الفاضل السيد نعمة الله الجزائري (طاب
ثراه وجعل الجنة مثواه) في شرح قوله صلى الله عليه وآله " إن ابني هذا سيد " (2) من كتاب
عوالي الليالي، حيث قال: وفي قوله " ابني هذا " نص على أن ولد البنت ابن علي
الحقيقة والأخبار به مستفيضة، وذكر الرضا (عليه السلام) في مقام المفاخرة مع
المأمون أن ابنته عليه السلام تحرم على النبي (صلى الله عليه وآله) بآية " حرمت عليكم

(1) وهو مرسل حماد المتقدم ص 394
(2) راجع مفتاح كنوز السنة مادة " حسن " وقد تقدم في حديث الشعبي ص 411
412

أمهاتكم وبناتكم " (1) وإليه ذهب السيد المرتضى (طاب ثراه) وجماعة من أهل
الحديث، وهو الأرجح والظاهر من الأخبار، فيكون من أمه علوية سيدا
يجري عليه ما يكون للعلويين. وإن وجد ما يعارض الأخبار الدالة على ما ذكرناه
فسبيله إما الحمل على التقية أو التأويل كما فصلنا الكلام فيه في شرحنا على التهذيب
والاستبصار. انتهى. وأشار (قدس سره) بحديث الرضا عليه السلام مع المأمون
في المفاخرة إلى ما قدمنا نقله عن كتابي العيون والمجالس. (2)
وممن صرح بهذه المقالة أيضا المحدث الصالح شيخنا الشيخ عبد الله بن صالح
البحراني (عطر الله مرقده) حيث قال في جواب سؤال عن هذه المسألة فأجاب
بما ملخصه - ومن خطه نقلت وهو طويل قد كتبه على طريق الاستعجال وتشويش
من البال كما ذكره فانتخبنا ملخصه، قال: إنه قد تحقق عندي وثبت لدي بأدلة
قطعية عليها المدار والمعتمد من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وكفى بهما حجة
مع اعتضادهما بالدليل العقلي أن أولاد البنات أولاد لأبي البنت حقيقة لا مجازا
خلافا للأكثر من علمائنا ووفاقا للسيد المرتضى وأتباعه وهم جماعة من المتأخرين
كما حققته في شرح كتاب من لا يحضره الفقيه مبسوطا منقحا بحيث لا يختلجني فيه
الرين ولا يتطرق إلى فيه المين، ولكن حيث طلبت بيان الدليل فلنشر الآن إلى
شئ قليل.. ثم ذكر آية عيسى عليه السلام وأنه من ذرية نوح عليه السلام (3) وذكر آية " وحلائل
أبنائكم " (4) إلى أن قال: ويدل عليه ما رواه الكليني في الكافي في صحيح محمد بن
مسلم.. ثم ساق الرواية كما قدمناه (5) ثم قال: فقد وضح من هذا أن الجد من الأم
أب حقيقة لا مجازا.. ثم ذكر آيتي " يخرج من بين الصلب والترائب " (6)
وقوله " من نطفة أمشاج " (7) وعضدهما بالأخبار التي أشرنا إليها آنفا، ثم أضاف

(1) سورة النساء الآية 28
(2) ص 403
(3) ص 401
(4) سورة النساء الآية 28
(5) ص 399
(6) سورة الطارق الآية 8
(7) سورة الدهر الآية 3
413

إلى ذلك أنه لو اختص الولد بنطفة الرجل لم يكن العقر من جانب المرأة وإنما
يكون من جانب الرجل خاصة مع أنه ليس كذلك. ثم قال: وأما السنة فالأخبار
فيها أكثر من أن تحصى، ومنها ما سبق، ومنها قول النبي صلى الله عليه وآله في ما تواتر
عندنا للحسنين (عليهما السلام) (1) " ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا " وقوله
للحسين عليه السلام (2) " ابني هذا إمام ابن إمام أخو إمام " وبالجملة فتسميتهما (عليهما
السلام) ابنين وكونهما وجميع أولادهما التسعة المعصومين (عليهم السلام) يسمونه
صلى الله عليه وآله أبا وخطاب الأمة إياهم بذلك من غير أن ينكر أمر متواتر، حتى أنه قد
روى الكليني في الكافي والصدوق في الفقيه باسناديهما الصحيح عن عائذ الأحمسي..
ثم ساق الرواية كما قدمنا (3) بزيادة " ثلاث مرات " بعد قوله " والله إنا لولده وما
نحن بذوي قرابته " قال: ولا وجه لتقرير السائل على ما فعله وقسمه عليه السلام بالاسم
الكريم وتكرير ذلك ثلاثا للتأكيد لأنه في مقام الانكار، ونفيه انتسابهم إليه
صلى الله عليه وآله من جهة القرابة بل من جهة الولادة دليل واضح وبرهان لائح على أنهم
أولاد حقيقة وليس كونهم أولاده إلا من جهة أمهم لا من أبيهم، فما ادعاه الأكثر
من علمائنا - من أن تسميته صلى الله عليه وآله إياهم أولادا وتسميتهم (عليهم السلام) إياه
صلى الله عليه وآله أبا مجاز - لا حقيقة له بعد ذلك. وقولهم - إن الاطلاق أعم من الحقيقة
والمجاز - كلام شعري لا يلتفت إليه ولا يعول عليه بعد ثبوت ذلك، ولو كان
الأمر كما ذكروه لما جاز لأئمتنا (عليهم السلام) الرضا بذلك إذا خاطبهم من
لا يعرف كون هذا الاطلاق حقيقة ولا مجازا لأن فيه اغراء بما لا يجوز، مع أنه
لا يجوز لأحد أن ينتسب لغير نسبه أو يتبرأ من نسب وإن دق فكيف بعد القسم

(1) ارجع إلى التعليقة 1 ص 395
(2) هذا المضمون ورد في البحار ج 9 ص 141 إلى ص 159 إلا أني لم أعثر عليه
بلفظ " ابني " وإنما الموجود بلفظ " أنت " ونحوه
(3) ص 404
414

والتأكيد ودفع ما عساه أن يتوهم. وأما قول الشاعر:
" بنونا بنو أبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد "
فقول بدوي جاهل لا يثمر حجة ولا يوضح محجة، فلا يجوز الاستدلال
به في معارضة القرآن والحديث والدليل العقلي. أما استدلال بعض فقهائنا بصحة
السلب - في قول أب الأم لولدها لمن سأله " هذا ابنك أم لا؟ " فإنه يصح أن يقول
" هذا ليس بابني بل ابن بنتي " فكلام ساقط عن درجة الاعتبار وخارج عن الأدلة
الواضحة المنار، لأنه إن كان مراد السائل من كونه ابنه لصلبه بلا واسطة صح السلب
ولا ضرر فيه، وإلا فهو عين المتنازع ونحن نقول لا يصح سلبه لما أثبتناه من
الأدلة، مع أنه بعينه جار في ولد الولد الذي لا نزاع فيه والفرق بينهما لا يمكن
انكاره، وعلى هذا فقد تبين لك الجواب وأن من كانت أمه علوية أو أم أبيه أو
أم أمه أو أم أم أبيه فقط أو أم أم أمه فصاعدا وأبوه من سائر الناس أنه علوي
حقيقة وفاطمي إن كان منسوبا إلى جده أو جدته أبا أو أما إلى فاطمة بغير شك،
ويترتب عليه كل ما يترتب على السيادة من جواز الانتساب إليهم (عليه السلام)
والافتخار بهم بل لا يجوز اخفاؤه والتبري منه لما عرفت، وعلى هذا فيجوز
النسبة في اللباس غير ذلك. نعم عندي توقف في استحقاق الخمس لحديث رواه
الكليني في الكافي (1) وإن كان خبرا واحدا ضعيف الاسناد محتملا للتقية وأن
الترجيح لعدم العمل به للأدلة الصحيحة الصريحة المتواترة الموافقة للقرآن المخالفة
للعامة، إلا أن التنزه عن أخذ الخمس أولى خصوصا عند عدم الضرورة والعلم عند
الله. وكتب خادم المحدثين وتراب أقدام العلماء والمتعلمين العبد الجاني عبد الله بن
صالح البحراني بضحوة يوم الاثنين من الثاني والعشرين من ربيع الثاني السنة الرابعة
والثلاثين بعد المائة والألف بالمشهد الحسين على مشرفه السلام حامدا مصليا
مسلما. انتهى.

(1) وهو مرسل حماد في الوسائل الباب 30 من المستحقين للزكاة والباب 1 من قسمة الخمس
415

أقول: ما ذكره (قدس سره) جيد إلا أن توقفه أخيرا في جواز أخذ
الخمس للرواية المشار إليها وهي مرسلة حماد المتقدمة لا وجه له، وذلك لأنه قد علل
فيها عدم جواز أخذ الخمس بعدم صحة النسبة بالبنوة كم ينادي به استدلاله (عليه
السلام) بالآية " أدعوهم لآبائهم " (1) وهو (قدس سره) قد صرح في صدر كلامه
بأن ثبوت البنوة قد تحقق عنده وثبت لديه بالأدلة القطعية من الكتاب والسنة
والدليل العقلي واعترف أخيرا بأنها مخالفة للقرآن وموافقة للعامة، وبذلك يتعين
وجوب طرحها بغير اشكال ولا ريب. نعم لو كانت الرواية قد منعت من الخمس
بقول مجمل من غير ذكر هذه العلة لربما أمكن احتمال ما ذكره، ولكن مع وجود
العلة وظهور بطلانها بما ذكر من الأدلة يبطل ما ترتب عليها. على أن هذا الكلام
خلاف العهود من طريقته في غير مقام بل طريقة جملة العلماء الأعلام، فإنه متى
ترجح أحد الدليلين ولا سيما بمثل هاتين القاعدتين المنصوصتين فإنهم يرمون بالدليل
المرجوح ويطرحونه كما صرحت به النصوص من أن ما خالف القرآن يضرب به
عرض الحائط وما وافق العامة يرمى به (2) وليت شعري أي حكم من الأحكام
سلم من اختلاف الأخبار؟ مع أنهم في مقام الترجيح لأحد الخبرين يفتون به
ويرمون الآخر، ولا سيما ما نحن فيه لما عرفت من الأدلة الظاهرة والبراهين الباهرة
كتابا وسنة المعتضدة بمخالفة العامة.
وبالجملة فكلامه (قدس سره) وتوقفه لا أعرف له وجها، وكأنه تبع في
ذلك شيخه العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني (قدس سره) فإنه كان يرجح
مذهب السيد المرتضى في هذه المسألة ولكن يمنع المنتسب بالأم من الخمس والزكاة
احتياطا، والظاهر أنه جرى على ما جرى عليه.
وظاهر صاحب المدارك أيضا التوقف في أصل المسألة وكذا ظاهر المولى

(1) سورة الأحزاب الآية 6
(2) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به
416

الفاضل الخراساني في الذخيرة، ولعمري إن من سرح بريد نظره في ما ذكرناه
وأرسل رائد فكره في ما سطرناه لا يخفى عليه صحة ما اخترناه ولا رجحان ما
رجحناه وأن خلاف من خالف في هذه المسألة أو توقف من توقف إنما نشأ عن
عدم اعطاء التأمل حقه في أدلة المسألة والتدبر فيها، ولم أقف على من أحاط بما
ذكرناه من الأدلة والأخبار الواردة في هذا المضمار. وبالجملة فالحكم عندي فيها
أوضح واضح والصبح فاضح.
فإن قيل: إنه قد روى الصدوق في الفقيه عن ثعلبة بن ميمون عن عبد الله بن
هلال عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " سألته عن رجل يتزوج ولد الزنى فقال
لا بأس إنما يكره مخافة العار وإنما الولد للصلب وإنما المرأة وعاء.. الحديث "
وهذا بظاهره مناف لما ذكرتموه سابقا من جواز انتساب الولد إلى جده لأمه
بالبنوة ومؤيد لما ذكره الخصم من أنه لا ينسب إلا إلى أبيه الذي بلا فصل.
وقد روى الصدوق أيضا في كتاب عيون الأخبار (2) في باب علل محمد بن
سنان التي نقلها عن الرضا عليه السلام قال: وعلة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه وليس
ذلك للولد لأن الولد موهوب للوالد في قول الله عز وجل " يهب لمن يشاء إناثا ويهب
لمن يشاء الذكور " (3) مع أنه المأخوذ بمؤنته صغيرا وكبيرا والمنسوب إليه والمدعو
له لقول الله عز وجل " أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله " (4) ولقول النبي صلى الله عليه وآله
أنت ومالك لأبيك. انتهى. والتقريب ما تقدم.
فالجواب: أما عن الأول فبأنك قد عرفت بما قدمناه دلالة الآيات والأخبار
على أن الولد مخلوق من نطفتي الرجل والمرأة، والقول بأن المرأة وعاء محض يعني

(1) الوسائل الباب 14 من ما يحرم بالمصاهرة
(2) الوسائل الباب 78 من ما يكتسب به
(3) سورة الشورى الآية 49
(4) سورة الأحزاب الآية 6
417

ليس لها مدخل ولا شراكة في خلق الولد مخالف لظاهر القرآن والسنة المتفق عليها
وكل ما كان كذلك يحب طرحه بالأخبار المستفيضة عنهم (عليهم السلام) بأن
ما خالف الكتاب والسنة يضرب به عرض الحائط (1) ويؤكد ذلك موافقة الخبر
للعامة القائلين بذلك كما عرفت (2) وحينئذ فما هذا سبيله لا يعترض به ولا يقوم
حجة، وعلى هذا فيمكن حمل الخبر المذكور على التقية بالنسبة إلى هذه العبارة.
ويمكن أن يقال أيضا إن الغرض من ذلك هو بيان أن جانب الأب أقوى
من جهات عديدة: منها - أن الولد إنما ينسب إليه كما هو الشائع الذائع
المعتضد بالآية فيقال فلان بن فلان ولا يقال ابن فلانة، ومنها - أنه يلحق به في
الاسلام كما قرر في محله وأنه يلحق به في الفراش كما في الخبر (3) " الولد للفراش "
ونحو ذلك من أحكام التربية وغيرهما، وبهذا التقريب بعدت الأم منه فكأنها إنما
هي بمنزلة الوعاء لحمله، وحينئذ فلا يقال له باعتبار كون أمه من الزنى أنه ابن زنى
وإنما يقال ابن فلان لمزيد العلاقة كما عرفت ومزيد العلاقة هو الذي أوجب إلحاقه
بالأب ونسبته إليه.
وأما الجواب عن الثاني فإنه لا يخفى أولا - أنه لا قائل في ما أعلم من
أصحابنا بظاهر هذا الكلام على إطلاقه من حل مال الولد للوالد مطلقا وإن ذهب
بعضهم في بعض الجزئيات إليه ودل عليه بعض الأخبار إلا أن الأظهر الأشهر
ههنا هو التحريم.
وثانيا - أن ما دل عليه من النسبة إلى الأب لا منافاة فيه لأنه هو الشائع
الذائع المستعمل في جميع الأعصار والأدوار، ولا دلالة فيه على المنع من جواز
النسبة إلى الجد لأب كان أو أم بالبنوة أيضا، ومورد الآية وسبب نزولها إنما كان

(1) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به
(2) ص 408 و 409
(3) الوسائل الباب 8 من ميراث ولد الملاعنة وما أشبهه
418

باعتبار الرد لما جرت عليه الجاهلية من أنهم إذا تبنوا يتيما واتخذوه ولدا جعلوا
حكمه حكم الولد الحقيقي، ولهذا عابوا على رسول الله صلى الله عليه وآله تزويجه بزينب زوجة
زيد بن حارثة مع أنه ابنه بزعمهم حيث إنه صلى الله عليه وآله تبناه صغيرا فكان يدعى زيد بن
محمد فنزلت الآية في الرد عليهم في ما زعموه من بنوة المتبنى حقيقة وأمرهم بأن
يدعوه بأبيه النسب وأنه هو الأقسط عند الله.
وبالجملة فإنه عليه السلام علل جواز أخذ الأب من مال ابنه بغير إذنه بعلل: منها -
أنه موهوب له والانسان مخير في ما يوهب له ويملكه بالهبة، ومنها أنه يدعى به
فيقال فلان بن فلان وهو الشائع المتعارف، ومنها قوله صلى الله عليه وآله " أنت ومالك
لأبيك " ومن الظاهر أنها علل تقريبية ومناسبات حكمية للتقريب إلى الأذهان كما
في سائر العلل المذكورة في الكتاب المذكور.
المطلب الثالث - في حكم الخمس في زمن الغيبة، وهذه المسألة من أمهات المسائل
ومعضلات المشاكل وقد اضطربت فيها أفهام الأعلام وزلت فيها أقدام الأقلام
ودحضت فيها حجج أقوام واتسعت فيها دائرة النقض والابرام، والسبب في ذلك
كله اختلاف الأخبار وتصادم الآثار الواردة عن السادة الأطهار (صلوات الله
وسلامه عليهم آناء الليل وأطراف النهار) وها أنا باسط فيها القول إن شاء الله تعالى بما
لم يسبق له سابق في المقام ولا حام حوله أحد من فقهائنا الكرام مستوف لنقل
ما وقفت عليه من الأخبار والأقوال كاشف عن وجوه تلك الأخبار إن شاء الله
تعالى غشاوة الاشكال بما تجتمع به على وجه لا يتطرق إليه إن شاء الله
تعالى الاختلال.
فأقول - وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب اعلم أن الكلام في هذه
المسألة يقتضي بسطه في مقامات ثلاثة:
المقام الأول - في نقل الأخبار المتعلقة بالمسألة وهي على أربعة أقسام:
الأول - ما يدل على وجوب اخراج الخمس مطلقا في غيبة الإمام عليه السلام أو حضوره
419

من أي نوع كان من أنواع الخمس.
ومن الأدلة على ذلك الآية الشريفة وهي قوله عز وجل: " واعلموا أنما
غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى.. الآية " (1) وقد عرفت
من ما قدمناه في أول الكتاب دلالة جملة من الأخبار على أن المراد بالغنيمة في الآية
ما هو أعم من غنيمة دار الحرب، وبه صرح أصحابنا (رضوان الله عليهم) إلا
الشاذ كما تقدم جميع ذلك في أثناء المباحث السابقة.
ومنها - ما رواه في التهذيب عن الريان بن الصلت (2) قال: " كتبت إلى أبي محمد عليه السلام ما الذي يجب على يا مولاي في غلة رحى في أرض قطعية لي وفي ثمن
سمك وبردي وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب: يجب عليك فيه الخمس
إن شاء الله تعالى ".
وما رواه في الفقيه عن علي بن مهزيار في الصحيح (3) قال: " قال لي أبو علي
ابن راشد قلت له أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقك فأعلمت مواليك ذلك فقال لي
بعضهم وأي شئ حقه؟ فلم أدر ما أجيبه؟ فقال يجب عليهم الخمس. فقلت ففي أي
شئ؟ فقال في أمتعتهم وضياعهم.. الحديث ".
وما رواه الشيخ في الصحيح إلى محمد بن علي بن شجاع النيسابوري وهو
مجهول (4) " أنه سأل أبا الحسن الثالث عليه السلام عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة
مائة كر ما يزكي فأخذ منه العشر عشرة أكرار وذهب منه بسبب عمارة الضيعة
ثلاثون كرا وبقي في يده ستون كرا ما الذي يجب لك من ذلك؟ وهل يجب لأصحابه
من ذلك عليه شئ؟ فوقع عليه السلام لي منه الخمس من ما يفضل من مؤنته ".
وما رواه الشيخ في التهذيب في المواثق عن عبد الله بن بكير عن بعض أصحابه

(1) سورة الأنفال الآية 43
(2) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس
(3) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس عن التهذيب ولم يروه في الفقيه
(4) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس
420

عن أحدهما (عليه السلام) (1) " في قول الله عز وجل: واعلموا أنما غنمتم من
شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن سبيل؟ قال
خمس الله عز وجل للإمام وخمس الرسول صلى الله عليه وآله للإمام وخمس ذي القربى لقرابة
الرسول الإمام واليتامى يتامى آل الرسول والمساكين منهم وأبناء السبيل منهم فلا
يخرج منهم إلى غيرهم ".
وما رواه في التهذيب في الصحيح عن أحمد بن محمد بن عيسى عن بعض
أصحابنا رفع الحديث (2) قال: " الخمس من خمسة أشياء: من الكنوز والمعادن
والغوص والمغنم الذي يقاتل عليه.. إلى أن قال: فأما الخمس فيقسم على ستة أسهم:
سهم لله وسهم للرسول صلى الله عليه وآله وسهم لذي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين
وسهم لأبناء السبيل، فالذي لله فلرسول الله صلى الله عليه وآله فرسول لله أحق به فهو له والذي
للرسول هو لذي القربى والحجة في زمانه فالنصف له خاصة والنصف لليتامى والمساكين
وأبناء السبيل من آل محمد صلى الله عليه وآله الذين لا تحل لهم الصدقة ولا الزكاة عوضهم الله مكان
ذلك بالخمس، فهو يعطيهم على قدر كفايتهم فإن فضل منهم شئ فهو له وإن نقص عنهم
ولم يكفهم أتمه لهم من عنده، كما صار له الفضل كذلك لزمه النقصان ".
وما رواه الكليني في الصحيح عن حماد بن عيسى من بعض أصحابنا عن العبد
الصالح أبي الحسن الأول عليه السلام (3) قال: " الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم
والغوص ومن الكنوز ومن المعادن والملاحة.. إلى أن قال: ويقسم بينهم
الخمس على ستة أسهم: سهم لله وسهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسهم لذي القربى وسهم
لليتامى وسهم للمساكين وسهم لأبناء السبيل، فسهم الله وسهم رسول الله صلى الله عليه وآله
لأولي الأمر من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وراثة فله ثلاثة أسهم سهمان وراثة وسهم مقسوم

(1) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس
(2) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس والباب 1 من قسمة الخمس
(3) الوسائل الباب 1 و 3 من قسمة الخمس
421

له من الله فله نصف الخمس كملا، ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته فسهم ليتاماهم
وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم يقسم بينهم على الكفاف والسعة ما يستغنون به
في سنتهم فإن فضل عنهم شئ فهو للوالي وإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على
الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به، وإنما صار عليه أن يمونهم لأن له ما
فضل عنهم، وإنما جعل الله هذا الخمس خاصة لهم دون مساكين الناس وأبناء
سبيلهم عوضا لهم من صدقات الناس تنزيها من الله لهم لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وآله عليه السلام
وكرامة من الله لهم عن أوساخ الناس فجعل لهم خاصة من عنده ما يغنيهم به عن أن
يصيرهم في موضع الذل والمسكنة، ولا بأس بصدقات بعضهم على بعض وهؤلاء
الذين جعل الله لهم الخمس هم قرابة النبي.. وساق الخبر إلى أن قال: وليس
في مال الخمس زكاة لأن فقراء الناس جعل أرزاقهم في أموال الناس على ثمانية أسهم
فلم يبق منهم أحد وجعل لفقراء قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله نصف الخمس، فأغناهم به
عن صدقات الناس وصدقات النبي صلى الله عليه وآله وولي الأمر، فلم يبق فقير من فقراء الناس
ولم يبق فقير من فقراء قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله إلا وقد استغنى فلا فقير.. الحديث،
وما رواه الشيخ عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " في الرجل من أصحابنا
يكون في لوائهم ويكون معهم فيصيب غنيمة؟ قال يؤدي خمسنا وتطيب له ".
وما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي
عن محمد بن علي عن أبي الحسن عليه السلام (2) قال: " سألته عن ما يخرج من البحر من
اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعن معادن الذهب والفضة ما فيه؟ قال إذا بلغ ثمنه
دينارا ففيه الخمس ".
وما رواه الصدوق في الصحيح عن البزنطي قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام

(1) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس
(2) الأصول ج 1 ص 547 والتهذيب ج 1 ص 384 و 389 وفي الوسائل الباب 3
من ما يجب فيه الخمس
(3) الوسائل الباب 4 من ما يجب فيه الخمس عن التهذيب ولم يروه الصدوق في الفقيه
422

عن ما أخرج المعدن من قليل أو كثير هل فيه شئ؟ قال ليس فيه شئ حتى يبلغ
ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا ".
وما رواه الكليني في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي (1) قال:
" كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام الخمس أخرجه قبل المؤنة أو بعد المؤنة؟ فكتب
بعد المؤنة "؟
وما رواه في الكافي عن إبراهيم بن محمد الهمداني (2) قال: " كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أقرأني علي بن مهزيار كتاب أبيك عليه السلام في ما أوجبه على أصحاب
الضياع نصف السدس بعد المؤنة وأنه ليس على من لم تقم ضيعته بمؤنته نصف
السدس ولا غير ذلك، واختلف من قبلنا في ذلك فقالوا يجب على الضياع الخمس
بعد المؤنة مؤنة الضيعة وخراجها لا مؤنة الرجل وعياله؟ فكتب عليه السلام: بعد
مؤنته ومؤنة عياله وبعد خراج السلطان ".
وما رواه الصدوق مرسلا (3) قال: " في توقيعات الرضا عليه السلام إلى إبراهيم
ابن محمد الهمداني إن الخمس بعد المؤنة ".
وما رواه في التهذيب في الصحيح عن علي بن مهزيار عن محمد بن الحسن
الأشعري (4) قال: " كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام أخبرني عن
الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى
الضياع وكيف ذلك؟ فكتب بخطه: الخمس بعد المؤنة ".
وما رواه في التهذيب عن زكريا بن مالك الجعفي عن أبي عبد الله عليه السلام (5)
" أنه سأله عن قول الله عز وجل: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول

(1) الوسائل الباب 12 من ما يجب فيه الخمس
(2) الأصول ج 1 ص 547 وفي الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس
(3) الوسائل الباب 12 من ما يجب فيه الخمس
(4) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس
(5) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس
423

ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل (1) فقال: أما خمس الله عز وجل
فللرسول صلى الله عليه وآله يضعه في سبيل الله، وأما خمس الرسول (صلى الله عليه وآله)
فلا قاربه وخمس ذوي القربى فهم أقرباؤه واليتامى يتامى أهل بيته، فجعل هذه
الأربعة الأسهم فيهم، وأما المساكين وابن السبيل فقد عرفت أنا لا نأكل
الصدقة ولا تحل لنا فهي للمساكين وأبناء السبيل ".
وما رواه محمد بن الحسن الصفار في كتاب بصائر الدرجات عن عمران بن
موسى عن موسى بن جعفر (عليه السلام) (2) قال " قرأت عليه آية الخمس فقال
ما كان لله فهو لرسوله (صلى الله عليه وآله) وما كان لرسوله فهو لنا. ثم قال والله
لقد يسر الله على المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم جعلوا لربهم واحدا وأكلوا أربعة
حلالا. ثم قال هذا من حديثنا صعب مستصعب لا يعمل به ولا يصبر عليه إلا
مؤمن ممتحن قلبه للايمان " ورواه بسند آخر عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة
عن أبي جعفر (عليه السلام) (3).
وما رواه الشيخ في التهذيب (4) عن سليم بن قيس عن أمير المؤمنين (عليه
السلام) قال: " سمعته يقول كلاما كثيرا ثم قال: وأعطهم من ذلك كله سهم ذي
القربى الذين قال الله عز وجل.. إلى أن قال نحن والله عنى بذي القربى وهم الذين
قرنهم الله بنفسه وبنبيه فقال: " فأن لله خمسه وللرسول ولذي القرى واليتامى
والمساكين وابن السبيل " منا خاصة ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا أكرم الله
نبيه وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ أيدي الناس ".
وما رواه ثقة الاسلام في الكافي في الموثق عن سماعة (5) قال: " سألت
أبا الحسن عليه السلام عن الخمس فقال في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير ".

(1) سورة الأنفال الآية 43
(2) الوسائل الباب 1 من ما يجب فيه الخمس
(3) الوسائل الباب 1 من ما يجب فيه الخمس
(4) ج 1 ص 385 وفي الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس
(5) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس
424

وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن
محبوب بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " كتبت إليه في الرجل
يهدي إليه مولاه والمنقطع إليه هدية تبلغ ألفي درهم أو أقل أو أكثر هل عليه فيها
الخمس؟ فكتب عليه السلام الخمس في ذلك ".
القسم الثاني - في ما يدل على الوجوب والتشديد في اخراجه وعدم الإباحة
وهذا القسم وإن اشترك مع القسم الأول في الدلالة على وجوب الاخراج إلا أنه
ينفرد عنه بالدلالة على تأكد الوجوب وعدم القبول للتقييد بأخبار الإباحة الآتية
إن شاء الله تعالى في القسم الثالث.
ومن ذلك ما صرح به الرضا عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي (2) حيث قال:
عليه السلام: إعلم يرحمك الله أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.
وأروى عن العالم عليه السلام أنه قال: ركز جبرئيل عليه السلام برجله حتى جرت خمسة أنهار ولسان
الماء يتبعه: الفرات ودجلة والنيل ونهر مهران ونهر بلخ فما سقت وسقي منها فللإمام
عليه السلام والبحر المطيف بالدنيا. وروي أن الله عز وجل جعل مهر فاطمة (عليه السلام)
خمس الدنيا فما كان لها صار لولدها (عليهم السلام). وقيل للعالم عليه السلام ما أيسر ما يدخل
به العبد النار؟ قال إن يأكل من مال اليتيم درهما ونحن اليتيم. وقال جل وعلا:
" واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى.. إلى آخر
الآية " فتطول علينا بذلك امتنانا منه ورحمة إذ كان المالك للنفوس والأموال
وسائر الأشياء الملك الحقيقي وكان ما في أيدي الناس عواري وأنهم مالكون مجازا
لا حقيقة له. وكل ما أفاده الناس فهو غنيمة لا فرق بين الكنوز والمعادن والغوص
ومال الفئ الذي لم يختلف فيه وهو ما ادعى فيه الرخصة وهو ربح التجارة وغلة الضيعة
وسائر الفوائد من المكاسب والصناعات والمواريث وغيرها، لأن الجميع غنيمة
وفائدة ومن رزق الله عز وجل، فإنه روي أن الخمس على الخياط من أبرته

(1) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس
(2) ص 40
(3) سورة الأنفال الآية 43
425

والصانع من صناعته، فعلى كل من غنم من هذه الوجوه مالا فعليه الخمس فإن أخرجه
فقد أدى حق الله عليه وتعرض للمزيد وحل له الباقي من ماله وطاب وكان الله أقدر
على إنجاز ما وعده العباد من المزيد والتطهير من البخل على أن يغني نفسه من ما في يديه
من الحرام الذي بخل فيه بل قد خسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين، فاتقوا
الله وأخرجوا حق الله من ما في أيديكم يبارك الله لكم في باقيه ويزكو فإن الله عز وجل
الغني ونحن الفقراء وقد قال الله " لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى
منكم " (1) فلا تدعو التقرب إلى الله عز وجل بالقليل والكثير على حسب الامكان
وبادروا بذلك الحوادث واحذروا عواقب التسويف فيها فإنما هلك من الأمم
السالفة بذلك وبالله الاعتصام. انتهى كلامه عليه السلام.
وما رواه الشيخ عن محمد بن زيد الطبري (2) قال: " كتب رجل من تجار
فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا عليه السلام يسأله الإذن في الخمس فكتب عليه السلام
بسم الله الرحمان الرحيم إن الله واسع كريم ضمن على العمل الثواب وعلى الخلاف
العقاب لا يحل مال إلا من وجه أحله الله، إن الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا
وعلى موالينا وما نبذل ونشتري من أعراضنا ممن نخاف سطوته، فلا تزووه عنا
ولا تحرموا أنفسكم دعاءنا ما قدرتم عليه فإن اخراجه مفتاح رزقكم وتمحيص ذنوبكم
وما تمهدون لأنفسكم ليوم فاقتكم.. الحديث ".
وما رواه الشيخ والكليني بالسند المتقدم (3) قال: " قدم قوم من خراسان
على أبي الحسن الرضا عليه السلام فسألوه أن يجعلهم في حل من الخمس فقال ما أمحل هذا
تمحضونا المودة بألسنتكم وتزوون عنا حقا جعله الله لنا وجعلنا له وهو الخمس

(1) سورة الحج الآية 39
(2) الوسائل الباب 3 من الأنفال وما يختص بالإمام. وفي التهذيب ج 1 ص 389
محمد بن يزيد.
(3) الوسائل الباب 3 من الأنفال وما يختص بالإمام
426

لا نجعل أحدا منكم في حل ".
وما رواه الصدوق في كتاب اكمال الدين واتمام النعمة في ما ورد على العمري
في جواب مسائل محمد بن جعفر الأسدي (1) " وأما ما سألت عنه من أمر من
يستحل ما في يده من أموالنا ويتصرف فيه تصرفه في ماله من غير أمرنا فمن فعل
ذلك فهو ملعون ونحن خصماؤه، فقد قال النبي صلى الله وعليه وآله المستحل من عترتي ما حرم
الله ملعون على لساني ولسان كل نبي مجاب، فمن ظلمنا كان من جملة الظالمين لنا وكانت
لعنة الله عليه لقول الله عز وجل: ألا لعنة الله على الظالمين " (2).
وما رواه في الكافي في الصحيح عندي والحسن على المشهور بإبراهيم بن
هاشم (3) قال: " كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام إذ دخل عليه صالح بن محمد بن
سهل وكان يتولى له الوقف بقم فقال يا سيدي اجعلني من عشرة آلاف درهم في حل
فإني أنفقتها. فقال له أنت في حل. فلما خرج صالح قال أبو جعفر (عليه السلام)
أحدهم يثب على أموال آل محمد صلى الله وعليه وآله وأيتامهم ومساكينهم وفقرائهم وأبناء سبيلهم
فيأخذها ثم يجئ فيقول اجعلني في حل، أتراه ظن أني أقول لا أفعل، والله ليسألنهم
الله يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا ".
وما رواه في الفقيه عن أبي بصير (4) قال: " قلت لأبي جعفر (عليه
السلام) ما أيسر ما يدخل به العبد النار؟ قال من أكل من مال اليتيم درهما
ونحن اليتيم ".
وما رواه عن عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) أنه قال
" إني لآخذ من أحدكم الدرهم وأني لمن أكثر أهل المدنية مالا ما أريد بذلك إلا
أن تطهروا ".

(1) الوسائل الباب 3 من الأنفال وما يختص بالإمام
(2) سورة هود الآية 22
(3) الوسائل الباب 3 من الأنفال وما يختص بالإمام
(4) الوسائل الباب 1 من ما يجب فيه الخمس والباب 2 من الأنفال
(5) الوسائل الباب 1 من ما يجب فيه الخمس
427

وما رواه الشيخ عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال:
" سمعته يقول من اشترى شيئا من الخمس لم يعذره الله، اشترى ما لا يحل له ".
وما رواه الكليني عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) في حديث
قال: " لا يحل لأحد أن يشتري من الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقنا ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار (3) قال: " كتب إليه أبو جعفر
(عليه السلام) وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكة.. " وقد تقدمت الرواية بتمامها في
المقام الخامس من الفصل الأول، وموضع الاستدلال منها قوله (عليه السلام)
" الذي أوجبت في سنتي هذه.. إلى أن قال: إن موالي أسأل الله صلاحهم أو بعضهم
قصروا في ما يجب عليهم فعلمت ذلك فأحببت أن أطهرهم وأزكيهم بما فعلت في عامي
هذا من أمر الخمس.. ثم أورد الآيات المتقدمة.. إلى أن قال: فأما الغنائم والفوائد
فهي واجبة عليهم في كل عام.. إلى أن قال: فمن كان عنده شئ من ذلك فليوصل إلى
وكيلي ومن كان نائيا بعيد الشقة فليعمد لايصاله ولو بعد حين فإن نية المؤمن
خير من عمله ".
القسم الثالث - في ما يدل على التحليل والإباحة مطلقا وهي أخبار مستفيضة
متكاثرة: منها - ما رواه في الكافي والتهذيب بسنده في الأموال إلى محمد بن سنان
في الثاني بسنده إلى حكيم مؤذن بني عبس (4) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن قول الله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي
القربى؟ فقال (عليه السلام): هي والله الإفادة يوما بيوم إلا أن أبي جعل شيعتنا من ذلك في حل ليزكوا ".

(1) الوسائل الباب 1 من ما يجب فيه الخمس والباب 3 من الأنفال
(2) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس رقم 5
(3) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس، وقد تقدمت ص 349
(4) الوسائل الباب 4 من الأنفال وما يختص بالإمام. وتمام الكلام في الاستدراكات
428

ومنها - صحيحة الحارث النصري عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" قلت له إن لنا أموالا من غلات وتجارات ونحو ذلك وقد علمت أن لك فيها حقا؟
قال فلم أحللنا إذا لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم، وكل من والى آبائي فهو في حل من
ما في أيديهم من حقنا فليبلغ الشاهد الغائب ".
ومنها - ما رواه الصدوق في الفقيه عن يونس بن يعقوب (2) قال: " كنت
عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل عليه رجل من القماطين فقال جعلت فداك
يقع في أيدينا الأرباح والأموال وتجارات نعرف أن حقك فيها ثابت وإنا عن
ذلك مقصرون؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام) ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم "
ومنها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير وزرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) قال: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام) هلك
الناس في بطونهم وفروجهم لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا، ألا وإن شيعتنا من ذلك
وآباءهم في حل " ورواه الصدوق في كتاب العلل (4) وفيه " وأبناءهم " عوض
" وآباءهم " ولعله الأصح.
منها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار (5) قال: " قرأت في
كتاب لأبي جعفر (عليه السلام) من رجل يسأله أن يجعله في حل من مأكله
ومشربه من الخمس فكتب بخطه: من أعوزه شئ من حقي فهو في حل " وظاهره
أخص من ما ذكر من هذه الأخبار.
ومنها - ما رواه في التهذيب عن الثمالي (6) قال: " سمعته يقول: من أحللنا له

(1) الوسائل الباب 4 من الأنفال وما يختص بالإمام. وربما ينقدح الاشكال في
قوله " ع " " فلم أحللنا " من حيث دخول " لم " الجازمة على الفصل الماضي ولكن الظاهر أنها ليست " لم " الجازمة وأن اللفظ على الاستفهام فكأنه " ع " قال: " فلماذا أحللنا إذا
لشيعتنا؟ لم نحل لهم إلا لتطيب ولادتهم ".
(2) الوسائل الباب 4 من الأنفال وما يختص بالإمام
(3) الوسائل الباب 4 من الأنفال وما يختص بالإمام
(4) الوسائل الباب 4 من الأنفال وما يختص بالإمام
(5) الوسائل الباب 4 من الأنفال وما يختص بالإمام
(6) الوسائل الباب 3 من الأنفال وما يختص بالإمام
429

شيئا أصابه من أعمال الظالمين فهو له حلال وما حرمناه من ذلك فهو حرام "
وظاهره أعم من الخمس ولكنه أخص بالنسبة إلى الخمس من المدعى لاختصاص
التحليل بمن حللوه لا مطلقا.
وما رواه الصدوق في كتاب العلل في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر
(عليه السلام) (1) قال: " إن أمير المؤمنين (عليه السلام) حللهم من الخمس -
يعني الشيعة - لتطيب مواليدهم ".
وما رواه الشيخ في التهذيب في الحسن عن سالم بن مكرم عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: " قال رجل وأنا حاضر: حلل لي الفروج ففزع
أبو عبد الله عليه السلام فقال له رجل ليس يسألك أن يعترض الطريق إنما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة وشيئا أعطيه. فقال
هذا لشيعتنا حلال، الشاهد منهم والغائب، والميت منهم والحي، وما يولد منهم إلى
يوم القيامة، فهو لهم حلال، أما والله لا يحل إلا لمن أحللنا له، ولا والله ما أعطينا
أحدا ذمة وما عندنا لأحد عهد ولا لأحد عندنا ميثاق ".
وما رواه الصدوق في الفقيه عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) (3)
قال: " إن أشد ما فيه الناس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول يا رب
خمسي. وقد طيبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم وليزكوا أولادهم ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن عمر بن أذينة (4) قال: " رأيت أبا سيار
مسمع بن عبد الملك بالمدينة وقد كان حمل إلى أبي عبد الله عليه السلام مالا في تلك السنة
فرده عليه فقلت له لم رد عليك أبو عبد الله عليه السلام المال الذي حملته إليه؟ فقال إني
قلت له حين حملت إليه المال إني كنت وليت الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم وقد

(1) الوسائل الباب 4 من الأنفال وما يختص بالإمام
(2) الوسائل الباب 4 من الأنفال وما يختص بالإمام
(3) الوسائل الباب 4 من الأنفال وما يختص بالإمام
(4) التهذيب ج 1 ص 391 وفي الوسائل الباب 4 من الأنفال وما يختص بالإمام
والراوي عن مسمع عمر بن يزيد كما سيأتي في القسم الرابع
430

جئت بخمسها ثمانين ألف درهم وكرهت أن أحبسها عنك أو أعرض لها وهي حقك
الذي جعله الله لك في أموالنا؟ فقال وما لنا من الأرض وما أخرج الله منها إلا الخمس؟
يا أبا سيار الأرض كلها لنا فما أخرج الله منها من شئ فهو لنا. قال قلت له أنا أحمل
إليك المال كله. فقال لي يا أبا سيار قد طيبناه لك وأحللناك منه فضم إليك مالك
وكل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون ويحل لهم ذلك إلى أن يقوم
قائمنا.. الحديث " وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى في القسم الرابع.
وما رواه الشيخ في الموثق عن الحارث بن المغيرة النصري (1) قال: " دخلت
على أبي جعفر عليه السلام فجلست عنده فإذا نجية قد استأذن عليه فأذن له فدخل فجثى على
ركبتيه ثم قال جعلت فداك أريد أن أسألك عن مسألة والله ما أريد بها إلا فكاك
رقبتي من النار. فكأنه رق له فاستوى جالسا فقال يا نجية سلني فلا تسألني اليوم عن
شئ إلا أخبرتك به. قال جعلت فداك ما تقول في فلان وفلان؟ قال يا نجية إن
لنا الخمس في كتاب الله ولنا الأنفال ولنا صفو المال وهما والله أول من ظلمنا
حقنا في كتاب الله وأول من حمل الناس على رقابنا،، ودماؤنا في أعناقهما إلى يوم
القيامة، وإن الناس ليتقلبون في حرام إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت. فقال نجية
إنا لله وإنا إليه راجعون " ثلاث مرات " هلكنا ورب الكعبة. قال فرفع فخذه عن
الوسادة فاستقبل القبلة فدعا بدعاء لم أفهم منه شيئا إلا أنا سمعناه في آخر دعائه
وهو يقول: اللهم إنا قد أحللنا ذلك لشيعتنا ".
وما رواه الصدوق في كتاب كمال الدين وتمام النعمة عن محمد بن عصام
الكليني (2) قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد
ابن عثمان العمري أن يوصل إلى كتابا قد سألت فيه مسائل أشكلت على فورد التوقيع
بخط مولانا صاحب الزمان عليه السلام " أما ما سألت عنه.. إلى أن قال: وأما المتلبسون

(1) الوسائل الباب 4 من الأنفال وما يختص بالإمام
(2) الوسائل الباب 4 من الأنفال وما يختص بالإمام وفيه " إلى أن يظهر أمرنا "
431

بأموالنا فمن استحل منها شيئا فأكله فإنما يأكل النيران، وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا
وقد جعلوا منه في حل إلى وقت ظهورنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث ".
وما رواه في الكافي عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام (1) في حديث قال:
" إن الله جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفئ.. إلى أن قال: فنحن أصحاب
الخمس والفئ وقد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا.. الحديث ".
وما رواه الشيخ في التهذيب عن ضريس الكناسي (2) قال: " قال أبو عبد الله
(عليه السلام) أتدري من أين دخل على الناس الزنى؟ فقلت لا أدري. فقال
من قبل خمسنا أهل البيت إلا لشيعتنا الأطيبين فإنه محلل لهم ولميلادهم ".
وما رواه في الكافي عن عبد العزيز بن نافع (3) قال: " طلبنا الإذن على أبي عبد الله (عليه السلام) وأرسلنا إليه فأرسل إلينا أدخلوا اثنين اثنين فدخلت أنا
ورجل معي، فقلت للرجل أحب أن تستأذنه بالمسألة فقال نعم فقال له جعلت فداك
إن أبي كان ممن سباه بنو أمية وقد علمت أن بني أمية لم يكن لهم أن يحرموا ولا يحللوا
ولم يكن لهم من ما في أيديهم قليل ولا كثير وإنما ذلك لكم فإذا ذكرت الذي كنت
فيه دخلني من ذلك ما يكاد يفسد على عقلي ما أنا فيه؟ فقال له أنت في حل من ما
كان من ذلك وكل من كان في مثل حالك من ورائي فهو في حل من ذلك. قال فقمنا
وخرجنا فسبقنا معتب إلى النفر القعود الذين ينتظرون إذن أبي عبد الله (عليه السلام)
فقال لهم عبد العزيز بن نافع بشئ ما ظفر بمثله أحد قط. فقيل له وما ذاك؟
ففسره لهم فقام اثنان فدخلا على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال أحدهما جعلت
فداك إن أبي كان من سبايا بني أمية وقد علمت أن بني أمية لم يكن لهم من ذلك قليل ولا
كثير وأنا أحب أن تجعلني من ذلك في حل فقال وذلك إلينا؟ ما ذلك إلينا ما لنا أن نحل
ولا أن نحرم. فحرج الرجلان وغضب أبو عبد الله (عليه السلام) فلم يدخل عليه أحد في
تلك الليلة إلا بدأه أبو عبد الله (عليه السلام) فقال ألا تعجبون من فلان يجيني فيستحلني

(1) الوسائل الباب 4 من الأنفال وما يختص بالإمام
(2) الوسائل الباب 4 من الأنفال وما يختص بالإمام
(3) الوسائل الباب 4 من الأنفال وما يختص بالإمام
432

من ما صنعت بنو أمية كأنه يرى أن ذلك إلينا. ولم ينتفع أحد في تلك الليلة بقليل
ولا كثير إلا الأولين فإنهما عنيا بحاجتهما ".
وما رواه الصدوق في الفقيه عن داود الرقي عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال:
" سمعته يقول: الناس كلهم يعيشون في فضل مظلمتنا إلا أنا أحللنا شيعتنا من ذلك ".
وما رواه في التهذيب عن علباء الأسدي (2) قال: " وليت البحرين فأصبت
بها مالا كثيرا فأنفقت واشتريت ضياعا كثيرة واشتريت رقيقا وأمهات أولاد
وولد لي ثم خرجت إلى مكة فحملت عيالي وأمهات أولادي ونسائي وحملت خمس ذلك
المال فدخلت على أبي جعفر عليه السلام فقلت له إني وليت البحرين فأصبت بها مالا كثيرا
واشتريت متاعا واشتريت رقيقا واشتريت أمهات أولاد وولد لي وأنفقت وهذا
خمس ذلك المال وهؤلاء أمهات أولادي ونسائي قد أتيتك به. فقال أما إنه كله لنا
وقد قبلت ما جئت حللتك من أمهات أولادك ونسائك وما أنفقت وضمنت
لك علي وعلى أبي الجنة ".
وهذا الحديث قد عده في الوافي في باب الأحاديث الدالة على تحليل الخمس،
إلا أنه ليس بظاهر في ذلك بل ربما ظهر في خلاف ذلك، فإن ظاهر قوله: " قبلت
ما جئت به " هو أخذ ما جاء به من الخمس وحله من الباقي حيث إنه أخبره أن
الكل له، هذا ما يظهر من الخبر.
وما رواه في الكتاب المذكور عن الفضيل (3) قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام
قال أمير المؤمنين عليه السلام لفاطمة (عليها السلام) أحلى نصيبك من الفئ لآباء شيعتنا
ليطيبوا. ثم قال أبو عبد الله عليه السلام إنا أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا ".
وما رواه فيه أيضا عن معاذ بن كثير عن أبي عبد الله عليه السلام (4) قال: " موسع

(1) الوسائل الباب 4 من الأنفال وما يختص بالإمام
(2) التهذيب ج 1 ص 389 وفي الوسائل الباب 1 من الأنفال وما يختص بالإمام.
والراوي هو الحكم بن علباء الأسدي
(3) الوسائل الباب 4 من الأنفال وما يختص بالإمام
(4) الوسائل الباب 4 من الأنفال وما يختص بالإمام
433

على شيعتنا أن ينفقوا من ما في أيديهم بالمعروف فإذا قام قائمنا حرم على كل ذي كنز
كنزه حتى يأتوه به يستعين به، ورواه في الكافي (1) بزيادة " يستعين به على عدوه "
وما رواه الإمام العسكري عليه السلام في تفسيره عن آبائه (عليهم السلام)
عن أمير المؤمنين عليه السلام (2) " أنه قال لرسول الله صلى الله وعليه وآله قد علمت يا رسول الله
صلى الله عليه وآله أنه سيكون بعدك ملك عضوض وجبر فيستولي على خمسي من السبي
والغنائم ويبيعونه ولا يحل لمشتريه لأن نصيبي فيه، وقد وهبت نصيبي منه
لكل من ملك شيئا من ذلك من شيعتي لتحل لهم منافعهم من مأكل ومشرب
ولتطيب مواليدهم ولا يكون أولادهم أولاد حرام. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
ما تصدق أحد أفضل من صدقتك، وقد تبعك رسول الله صلى الله عليه وآله في فعلك أحل للشيعة
كل ما كان فيه من غنيمة أو بيع من نصيبه على واحد من شيعتي ولا أحلها أنا
ولا أنت لغيرهم ".
القسم الرابع - في ما دل على أن الأرض وما خرج منها كله للإمام عليه السلام ومنها
ما رواه في الكافي عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام (3) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله
خلق الله آدم وأقطعه الدنيا قطيعة فما كان لآدم فلرسول الله صلى الله عليه وآله وما كان
لرسول الله صلى الله عليه وآله فهو للأئمة (عليهم السلام) من آل محمد صلى الله عليه وآله ".
وما رواه فيه عن يونس بن ظبيان أو المعلي بن خنيس (4) قال: قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام) ما لكم من هذه الأرض؟ فتبسم ثم قال إن الله تعالى
بعث جبرئيل وأمره أن يخرق بإبهامه ثمانية أنهار في الأرض: منها سيحان وجيحان
وهو نهر بلخ والخشوع وهو نهر الشاش ومهران وهو نهر الهند ونيل مصر ودجلة
والفرات، فما سقت أو استقت فهو لنا وما كان لنا فهو لشيعتنا وليس لعدونا منه

(1) الفروع ج 1 ص 179
(2) الوسائل الباب 4 من الأنفال وما يختص بالإمام
(3) الأصول ج 1 409 وفي الوافي باب أن الأرض كله للإمام
(4) الوسائل الباب 4 من الأنفال وما يختص بالإمام
434

شئ إلا ما غصب عليه، وإن ولينا لفي أوسع في ما بين ذه إلى ذه يعني ما بين السماء
والأرض. ثم تلا هذه الآية " قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا " المغصوبين عليها
" خالصة " لهم " يوم القيامة " بلا غصب.
وما رواه ثقة الاسلام في الكافي والشيخ في التهذيب في الصحيح عن أبي خالد
الكابلي عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال: " وجدنا في كتاب علي (عليه
السلام) أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين (3) أنا وأهل بيتي
الذين أورثنا الله الأرض ونحن المتقون والأرض كلها لنا، فمن أحيى أرضا من
المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها، فإن
تركها أو أخر بها وأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها فهو أحق
بها من الذي تركها يؤدي خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها حتى
يظهر القائم (عليه السلام) من أهل بيتي بالسيف فيحويها ويمنعها ويخرجهم منها
كما حواها رسول الله صلى الله عليه وآله ومنعها إلا ما كان في أيدي شيعتنا فإنه يقاطعهم على
ما في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم ".
ومنها - ما تقدم في صحيحة عمر بن يزيد في حديث مسمع بن عبد الملك (4)
حيث قال فيه " إن الأرض كلها لنا فما أخرج الله منها من شئ فهو لنا.. إلى أن قال
فيه زيادة على ما تقدم: حتى يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم ويترك
الأرض في أيديهم، وأما ما كان في أيدي غيرهم فإن كسبهم من الأرض حرام
عليهم حتى يقوم قائمنا فيأخد الأرض من أيديهم ويخرجهم عنها صغرة " قال
في الكافي (5) قال عمر بن يزيد: فقال لي أبو سيار ما أرى أحدا من أصحاب الضياع

(1) سورة الأعراف الآية 31
(2) الوسائل الباب 3 من احياء الموات
(3) سورة الأعراف الآية 126
(4) الوسائل الباب 4 من الأنفال وما يختص بالإمام. واللفظ في الزيادة المذكورة
هنا موافق للأصول ج 1 ص 408
(5) الأصول ج 1 ص 408
435

ولا ممن يلي الأعمال يأكل حلالا غيري إلا من طيبوا له ذلك.
وما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله
عليه السلام (1) قال: " إن جبرئيل عليه السلام كرى برجله خمسة أنهار ولسان الماء يتبعه: الفرات
ودجلة ونيل مصر ومهران ونهر بلخ، فما سقت أو سقي منها فللإمام، والبحر المطيف
بالدنيا " وزاد في الفقيه (2) " وهو افسيكون ".
وما رواه في الكافي عن محمد بن الريان (3) قال: كتبت إلى العسكري
عليه السلام جعلت فداك روي لنا أن ليس لرسول الله صلى الله عليه وآله من الدنيا إلا خمس؟ فجاء
الجواب أن الدنيا وما عليها لرسول الله صلى الله عليه وآله ".
وما رواه فيه عن أحمد بن محمد بن عبد الله عليه السلام عن من رواه (4) قال: " الدنيا
وما فيها لله ولرسوله صلى الله عليه وآله ولنا، فمن غلب على شئ منها فليتق الله وليؤد حق الله
وليبر إخوانه فإن لم يفعل ذلك فالله ورسوله صلى الله عليه وآله ونحن برآء منه ".
وما رواه فيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (5) قال: " قلت له أما على
الإمام زكاة؟ فقال أحلت يا أبا محمد أما علمت أن الدنيا والآخرة للإمام يضعها حيث
يشاء ويدفعها إلى من يشاء جائز له ذلك من الله، إن الإمام يا أبا محمد لا يبيت ليلة
أبدا ولله في عنقه حق يسأله عنه " وروى في الفقيه (6) نحوه.

(1) الوسائل الباب 1 من الأنفال وما يختص بالإمام. وإن أردت تشخيص محال
الأنهار المذكورة في هذه الرواية ومصادرها فارجع إلى الفقيه التعليقة 1 ص 24 ج 2
الطبعة الحديثة.
(2) ج 2 ص 24 الطبعة الحديثة وقد ضبط فيها اللفظ المذكور كما ضبط هنا، وقد جاء
في التعليقة عليه هكذا: وفي نسخة أ " أفسنكون " وكلاهما وهم من النساخ والمراد " أبسكون "
وهي بحيرة قزوين وتسمى بعدة أسماء منها ما ذكره الصدوق (ره) وتفسيره للبحر (المطيف
بالدنيا) بهذا البحر لا تساعد عليه خرائط الجغرافية الحديثة.
(3) الأصول ج 1 ص 409
(4) الأصول ج 1 ص 408
(5) الأصول ج 1 ص 408
(6) ج 2 ص 20
436

وما رواه فيه عن علي عن السندي بن الربيع (1) قال: " لم يكن ابن أبي عمير
يعدل بهشام بن الحكم شيئا وكان لا يغب اتيانه ثم انقطع عنه وخالفه، وكان سبب ذلك
أن أبا مالك الحضرمي كان أحد رجال هشام وقع بينه وبين ابن أبي عمير ملاحاة في
شئ من الإمامة: قال بن أبي عمير: الدنيا كلها للإمام على جهة الملك وأنه أولى بها
من الذين هي في أيديهم. وقال أبو مالك ليس كذلك أملاك الناس لهم إلا ما حكم
الله به للإمام من الفئ والخمس والمغنم فذلك له، وذلك أيضا قد بين الله للإمام أين
يضعه وكيف يصنع به. فتراضيا بهشام بن الحكم وصارا إليه فحكم هشام لأبي مالك
على ابن أبي عمير فغضب ابن أبي عمير وهجر هشاما بعد ذلك ".
قال في الوافي بعد نقل الخبر: لعل هشاما استعمل التقية في هذه الفتوى.
والظاهر أنه كذلك لما عرفت من الأخبار المذكورة لأن عدم اطلاع هشام عليها
بعيد جدا فالحمل على ما ذكره جيد، ومنها ما تقدم في أول أخبار القسم الثاني
من كتاب الفقه الرضوي (2) ويؤيد ذلك أيضا ما تقدم (3) من حديث أبي خالد الكابلي
عنه عليه السلام قال: " إن رأيت صاحب هذا الأمر يعطي كل ما في بيت المال رجلا واحدا
فلا يدخلن في قلبك شئ فإنه إنما يعمل بأمر الله ".
المقام الثاني - في بيان المذاهب في هذه المسألة واختلاف الأصحاب فيها على
أقوال متشعبة: أحدها - عزله والوصية به من ثقة إلى آخر إلى وقت ظهوره عليه السلام
وإلى هذا القول ذهب شيخنا المفيد في المقنعة حيث قال: قد اختلف أصحابنا في
حديث الخمس عند الغيبة وذهب كل فريق منهم فيه إلى مقال: فمنهم من يسقط
فرض اخراجه لغيبة الإمام بما تقدم من الرخص فيه من الأخبار، وبعضهم
يذهب إلى كنزه ويتأول خبرا ورد (4) " أن الأرض تظهر كنوزها عند ظهور
الإمام وأنه عليه السلام إذا قام دله الله على الكنوز فيأخذها من كل مكان " وبعضهم يرى

(1) الأصول ج 1 ص 409 وفيه " السري بن الربيع "
(2) ص 425
(3) ص 357 و 358
(4) التهذيب ج 1 ص 147 الطبع الحديث
437

صلة الذرية وفقراء الشيعة على طريق الاستحباب، وبعضهم يرى عزله لصاحب
الأمر فإن خشي ادراك الموت قبل ظهوره وصى به إلى من يثق به في عقله وديانته
حتى يسلم إلى الإمام عليه السلام ثم إن أدرك قيامه وإلا وصى به إلى من يقوم مقامه في الثقة
والديانة، ثم على هذا الشرط إلى أن يظهر إمام الزمان عليه السلام قال: وهذا القول عندي
أوضح من جميع ما تقدمه، لأن الخمس حق وجب لصاحبه لم يرسم فيه قبل غيبته
حتى يجب الانتهاء إليه فوجب حفظه عليه إلى وقت إيابه والتمكن من إيصاله إليه أو
وجود من انتقل بالحق إليه، ويجري ذلك مجرى الزكاة التي يعدم عند حلولها مستحقها
فلا يجب عند عدم ذلك سقوطها ولا يحل التصرف فيها على حسب التصرف في الأملاك
ويجب حفظها بالنفس أو الوصية إلى من يقوم بايصالها إلى مستحقها من أهل الزكاة
من الأصناف، وإن ذهب ذاهب إلى ما ذكرناه في شطر الخمس الذي هو خالص
للإمام عليه السلام وجعل الشطر الآخر لأيتام آل محمد صلى الله عليه وآله وأبناء سبيلهم ومساكينهم
على ما جاء في القرآن لم يبعد إصابته الحق في ذلك بل كان على صواب. وإنما اختلف
أصحابنا في هذا الباب لعدم ما يلجأ إليه من صريح الألفاظ، وإنما عدم ذلك لموضع
تغليظ المحنة مع إقامة الدليل بمقتضى العقل في الأمر من لزوم الأصول في حظر
التصرف في غير المملوك إلا بإذن المالك وحفظ الودائع لأهلها ورد الحقوق. انتهى
وإنما أطلنا بنقله بطوله لدلالته (أولا) على أن الخلاف في هذه المسألة متقدم بين
متقدمي الأصحاب، و (ثانيا) لاشتماله على سبب في الاختلاف والعلة في ما اختاره
وذهب إليه (رضوان الله عليه).
الثاني - القول بسقوطه كما نقله شيخنا المتقدم في صدر عبارته، وهو مذهب سلار على ما نقله عنه في المختلف وغيره، قال بعد أن ذكر المنع من التصرف
فيه زمن الحضور إلا بإذنه عليه السلام: وفي هذا الزمان قد حللونا بالتصرف فيه كرما
وفضلا لنا خاصة. واختار هذا القول الفاضل المولى محمد باقر الخراساني في الذخيرة
وشيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني، وسيجئ نقل كلاميها
438

ومستندهم فيه أخبار التحليل المتقدمة (1) وسيجئ الكلام معهما فيه إن شاء الله
تعالى، وهذا القول مشهور الآن بين جملة من المعاصرين.
الثالث - القول بدفنه كما تقدم في عبارة شيخنا المفيد. كذا نقله الشيخ في
النهاية استنادا إلى الخبر المذكور في كلاميهما.
الرابع - دفع النصف إلى الأصناف الثلاثة وأما حقه عليه السلام فيودع كما تقدم
من ثقة إلى ثقة إلى أن يصل إليه عليه السلام وقت ظهوره أو يدفن.
وهو مذهب الشيخ في النهاية، حيث قال (قدس سره): وما يستحقونه
من الأخماس في الكنوز وغيرها في حال الغيبة فقد اختلف قول أصحابنا فيه وليس
فيه نص معين إلا أن كل واحد منهم قال قولا يقتضيه الاحتياط، فقال بعضهم إنه
جار في حال الاستتار مجرى ما أبيح لنا من المناكح والمتاجر، وقال قوم إنه يجب حفظه
ما دام الانسان حيا فإذا حضرته الوفاة وصى به إلى من يثق به من إخوانه ليسلمه إلى
صاحب الأمر عليه السلام إذا ظهر ويوصي به حسبما وصى به إليه إلى أن يصل إلى صاحب الأمر
وقال قوم يجب دفنه لأن الأرض تخرج كنوزها عند قيام الإمام (عليه السلام) (2)
وقال قوم يجب أن يقسم الخمس ستة أقسام فثلاثة للإمام (عليه السلام) تدفن أو
تودع من يوثق بأمانته والثلاثة الأخر تفرق على مستحقيه من أيتام آل محمد صلى الله عليه وآله
ومساكينهم وأبناء سبيلهم. وهذا من ما ينبغي أن يكون العمل عليه لأن هذه الثلاثة
الأقسام مستحقها ظاهر وإن كان المتولي لتفريق ذلك فيهم غير ظاهر، كما أن
مستحق الزكاة ظاهر وإن كان المتولي لقبضها وتفريقها ليس بظاهر، ولا أحد يقول
في الزكاة أنه لا يجوز تسليمها إلى مستحقها. ولو أن انسانا استعمل الاحتياط
وعمل على الأقوال المتقدم ذكرها من الدفن أو الوصاية لم يكن مأثوما، فأما
التصرف فيه على ما تضمنه القول الأول فهو ضد الاحتياط والأولى اجتنابه حسبما
قدمناه. انتهى. ويفهم من فحوى كلامه تجويز القول الأول على كراهة.

(1) ص 428
(2) بمقتضى الخبر المتقدم ص 437
439

وبمثل هذا الكلام صرح في المبسوط إلا أنه منع من الوجه الأول وقال لا يجوز
العمل عليه، وقال في الوجه الأخير: وعلى هذا يجب أن يكون العمل وإن عمل عامل
على واحد من القسمين الأولين من الدفن أو الوصاية لم يكن به بأس. انتهى.
ومبنى كلامه وكذا كلام شيخنا المفيد على أن المسألة المذكورة وما يجب
العمل به فيها زمن الغيبة غير منصوص والاحتمالات فيها متعددة فيؤخذ بكل ما كان
أقرب إلى الاحتياط من تلك الاحتمالات. وستعرف إن شاء الله تعالى ما فيه،
وقد تقدم في كلام الشيخ المفيد تصويب ما اختاره الشيخ هنا.
الخامس - كسابقه بالنسبة إلى حصة الأصناف وصرفها عليهم وأما حقه (عليه
السلام) فيجب حفظه إلى أن يوصل إليه، وهو مذهب أبي الصلاح وابن البراج
وابن إدريس واستحسنه العلامة في المنتهى واختاره في المختلف.
وشدد أبو الصلاح في المنع من التصرف في ذلك فقال: فإن أخل المكلف
بما يجب عليه من الخمس وحق الأنفال كان عاصيا لله سبحانه ومستحقا لعاجل
اللعن المتوجه من كل مسلم إلى ظالمي آل محمد صلى الله عليه وآله وآجل العقاب لكونه
مخلا بالواجب عليه لأفضل مستحق، ولا رخصة في ذلك بما ورد من الحديث
فيها لأن فرض الخمس والأنفال ثابت بنص القرآن (1) والاجماع من الأمة وإن
اختلف في من يستحقه، ولاجماع آل محمد صلى الله عليه آله على ثبوته وكيفية استحقاقه
وحمله إليهم وقبضهم إياه ومدح مؤديه وذم المخل به، ولا يجوز الرجوع عن هذا
المعلوم بشاذ الأخبار. انتهى.
وقال العلامة في المختلف - بعد نقل القول بالإباحة عن سلار وايراد جملة من
الأخبار الدالة على ذلك في زمن الحضور فضلا عن زمن الغيبة ما صورته: واعلم

(1) أما الخمس فبقوله تعالى في سورة الأنفال الآية 43 " واعلموا أنما غنمتم من
شئ فأن لله خمسه.. " وأما الأنفال فبقوله تعالى في سورة الأنفال الآية 2 قل الأنفال
لله والرسول ".
440

أن هذا القول بعيد من الصواب لضعف الأدلة المقاومة لنص القرآن، والاجماع
على تحريم التصرف في مال الغير بغير إذنه. والقول بالدفن أيضا بعيد. والقول
بايصائه بالجميع إلى من يوثق به عند إدراك المنية لا يخلو من ضعف لما فيه من منع
الهاشميين من نصيبهم مع شدة حاجتهم وكثرة فاقتهم وعدم ما يتعوضون به من
الخمس. والأقرب في ذلك قسمة الخمس نصفين فالمختص باليتامى والمساكين وأبناء
السبيل من آل محمد صلى الله عليه وآله يفرق عليهم على حسب حاجتهم والمختص بالإمام عليه السلام
يحفظ إلى أن يظهر عليه السلام فيسلم إليه إما بادراكه أو بالايصاء من ثقة إلى ثقة إلى أن
يصل إليه عليه السلام وهل يجوز قسمته في المحاويج من الذرية كما ذهب إليه جملة من علمائنا؟
الأقرب ذلك لما ثبت بما تقدم من الأحاديث إباحة البعض للشيعة حال حضورهم فإنه
يقتضي أولوية إباحة أنسابهم (عليهم السلام) مع الحاجة حال غيبة الإمام،
ولاستغنائه عليه السلام واحتياجهم، ولما سبق من أن حصتهم لو قصرت عن حاجتهم
لكان على الإمام عليه السلام الاتمام من نصيبه حال حضوره فإن وجوب هذا حال ظهوره
يقتضي وجوبه حال غيبته عليه السلام فإن الواجب من الحقوق لا يسقط بغيبة من عليه
الحق خصوصا إذا كان لله تعالى. انتهى.
السادس - ما تقدم أيضا بالنسبة إلى حصة الأصناف وأما حصته عليه السلام فتقسم
على الذرية الهاشمية، وقد استقربه في المختلف كما تقدم في عبارته ونقله عن جماعة
من علمائنا، وهو اختيار المحقق في الشرائع والشيخ على في حاشيته على الكتاب
وهو المشهور بين المتأخرين كما نقله شيخنا الشهيد الثاني في الروضة، ونقل عن
شيخنا الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني أنه اختاره أيضا، ووجهه معلوم من ما
سبق في كلام المختلف، وعلله المحقق في الشرائع بالتعليل الأخير في كلام المختلف
ومرجع هذا القول إلى قسمة الجميع في الأصناف إلا أنهم قد خصوا تولى قسمة
حصة الإمام عليه السلام بالفقيه النائب عنه عليه السلام كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
السابع - صرف النصف إلى الأصناف الثلاثة أيضا وأما حصته عليه السلام فيجب
441

ايصالها مع الامكان وإلا فتصرف إلى الأصناف ومع تعذر الإيصال وعدم حاجة
الأصناف تباح للشيعة، وهو اختيار المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي
في الوسائل.
الثامن - ما تقدم من صرف حصة الأصناف عليهم وأما حصته عليه السلام فيسقط
اخراجها لإباحتهم (عليهم السلام) ذلك للشيعة.
وهو ظاهر السيد السند في المدارك حيث قال: والأصح إباحة ما يتعلق
بالإمام عليه السلام من ذلك للأخبار الكثيرة الدالة عليه.. ثم ساق بعضا من الأخبار
التي في التحليل.. إلى أن قال: وكيف كان فالمستفاد من الأخبار إباحة حقوقهم
(عليهم السلام) من جميع ذلك. والله تعالى أعلم. انتهى. وهو مذهب المحدث
الكاشاني في المفاتيح.
والعجب من شيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني في كتاب
منية الممارسين أنه نقل أن مذهبه وكذا مذهب الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي
صرف الجميع على الأصناف الثلاثة، وتعجب منهما في خروجهما عن أخبار
التحليل واطراحها رأسا مع أنهما من الأخباريين، ولا ريب أن مذهب الشيخ الحر
يرجع بالآخرة إلى ما ذكره كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى، وأما مذهب
المحدث الكاشاني فهو ما ذكرناه لا ما توهمه (قدس سره) نعم جعل ما ذكره
طريق الاحتياط.
قال في كتاب المفاتيح بعد الإشارة إلى جملة من أقوال المسألة: أقول والأصح
عندي سقوط ما يختص به عليه السلام لتحليلهم (عليهم السلام) ذلك لشيعتهم ووجوب
صرف حصص الباقين إلى أهلها لعدم مانع منه. ثم قال: ولو صرف الكل إليهم
لكان أحوط وأحسن. انتهى.
ومثله كلامه في الوافي أيضا حيث قال بعد ذكر الكلام في زمن الحضور:
وأما في مثل هذا الزمان حيث لا يمكن الوصول إليهم (عليهم السلام) فيسقط
442

حقهم رأسا دون السهام الباقية لوجود مستحقيها، ومن صرف الكل حينئذ إلى
الأصناف الثلاثة فقد أحسن واحتاط. والعلم عند الله. انتهى.
وهذا القول عندي هو الأقرب على تفصيل فيه كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى
التاسع - كسابقه إلا أنه خص صرف حصته عليه السلام بمواليه العارفين وهو منقول
عن ابن حمزة، قال: والصحيح عندي أنه يقسم نصيبه على مواليه العارفين بحقه من
أهل الفقر والصلاح والسداد. انتهى.
العاشر - تخصيص التحليل بخمس الأرباح فإنه للإمام عليه السلام دون سائر
الأصناف وأما سائر ما فيه الخمس فهو مشترك بينهم (عليهم السلام) وبين
الأصناف، وهو اختيار المحقق الشيخ حسن ابن شيخنا الشهيد الثاني في كتاب منتقى
الجمان حيث قال في ذيل صحيحة الحارث النصري المتقدمة ما هذا لفظه: لا يخفى
قوة دلالة هذا الحديث على تحليل حق الإمام عليه السلام في خصوص النوع المعروف في
كلام الأصحاب بالأرباح، فإذا أضفته إلى الأخبار السابقة الدالة بمعونة ما حققناه
على اختصاصه عليه السلام بخمسها عرفت وجه مصير بعض قدمائنا إلى عدم وجوب اخراجه
بخصوصه في حال الغيبة وتحققت أن استضعاف المتأخرين له ناشئ من قلة الفحص
عن الأخبار ومعانيها والقناعة بميسور النظر فيها. انتهى. وأشار بقوله " بمعونة
ما حققناه " إلى ما ذكره في الجواب عن الاشكالات الواردة في صحيحة علي بن مهزيار
كما قدمنا نقله عنه (1) وأشرنا إلى ما فيه، وسيأتي مزيد ايضاح لضعفه إن
شاء الله تعالى.
الحادي عشر - عدم إباحة شئ بالكلية حتى من المناكح والمساكن والمتاجر التي
جمهور الأصحاب على تحليلها بل ادعى الاجماع على إباحة المناكح، وهو مذهب ابن
الجنيد فإنه قال: وتحليل من لا يملك جميعه عندي غير مبرئ من وجب عليه حق
منه لغير المحلل، لأن التحليل إنما هو في ما يملكه المحلل لا في ما لا يملك وإنما إليه

(1) ص 355 و 356
443

ولاية قبضه وتفريقه في الأهل الذين سماه الله لهم.
الثاني عشر - قصر أخبار التحليل على جواز التصرف في المال الذي فيه الخمس
قبل اخراج الخمس منه بأن يضمن الخمس في ذمته، وهو مختار شيخنا المجلسي (قدس
سره) كما سيأتي نقل كلامه إن شاء الله تعالى.
الثالث عشر - صرف حصة الأصناف عليهم والتخيير في حصته عليه السلام بين
الدفن والوصية على الوجه المتقدم وصلة الأصناف مع الاعواز بإذن نائب الغيبة
وهو الفقيه، وهذا مذهب الشيخ الشهيد في الدروس، ووجهه معلوم من ما سبق في
الأقوال المتقدمة.
الرابع عشر - صرف النصف إلى الأصناف الثلاثة وجوبا أو استحبابا وحفظ
نصيب الإمام عليه السلام إلى حين ظهوره، ولو صرفه العلماء إلى من يقصر حاصله من
الأصناف كان جائزا، وهو اختيار الشهيد في البيان، ووجهه أيضا يظهر من ما سبق
المقام الثالث - في تحقيق القول في المسألة وبيان ما هو المختار من هذه الأقوال
وأن ما عداه خارج عن سمت الاعتدال:
فأقول: إعلم أولا - أيدك الله - أن المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
تحليل المناكح والمساكن والمتاجر في زمن الغيبة.
وفسرت المناكح بالجواري التي تسبى من دار الحرب فإنه يجوز شراؤها
ووطؤها وإن كانت بأجمعها للإمام (عليه السلام) إذا غنمت من غير إذنه أو بعضها
مع الإذن.
قال في الدروس: وليس ذلك من باب تبعيض التحليل بل تمليك الحصة أو
الجميع من الإمام (عليه السلام). انتهى. وهو جيد.
وفسرها بعضهم بمهر الزوجة وثمن السراري من الربح، وهو يرجع إلى المؤنة
المستثناة من وجوب لخمس في الأرباح كما تقدم.
وظاهر الدروس استثناء مهر الزوجة من جميع ما يجب فيه الخمس. أقول:
444

وهو الأقرب إلى ظاهر الأخبار الدالة على التحليل المعلل بطيب الولادة (1)
وتخصيصه بمهر الزوجة لا وجه له بل وكذا ثمن الجواري التي للنكاح كما هو ظاهر
الأخبار المشار إليها.
والعلامة في المنتهى نقل اجماع علمائنا على إباحة المناكح حال ظهور الإمام
(عليه السلام) وغيبته، إلا أن الظاهر من كلام ابن الجنيد كما قدمنا نقل عبارته
وكذا ظاهر عبارة أبي الصلاح المتقدمة خلاف ذلك.
أقول: ومن ما يدل على ما ذكروه هنا من استثناه المناكح ظواهر جملة من
الأخبار المتقدمة في القسم الثالث المعلل فيها التحليل بطيب الولادة (2) ودخول
الزنى على العامة وأن أولادهم أولاد زنى لعدم تحليلهم، وخصوص رواية أبي خديجة
سالم بن مكرم (3).
وأما المساكن والمتاجر فألحقهما الشيخ ومن تأخر عنه بالمناكح، واختلف
من تأخر عنه في المراد منهما فقيل إن المراد بالمساكن ما يختص بالإمام (عليه
السلام) من الأرض أو من الأرباح بمعنى أنه يستثنى من الأرباح مسكن فما زاد
مع الحاجة، ومرجع الأول إلى الأنفال المباحة في زمان الغيبة والثاني إلى المؤنة
المستثناة من الأرباح، قيل ولا يبعد أن يكون المراد بها ثمن المساكن من ما فيه
الخمس مطلقا. وفسرت المتاجر بما يشترى من الغنيمة المأخوذة من أهل الحرب في
حال الغيبة وإن كانت بأسرها أو بعضها للإمام (عليه السلام) وهو يرجع إلى
الأنفال، لأن الغنيمة المأخوذة زمان الغيبة من الأنفال كما يأتي إن شاء الله تعالى.
وفسرها ابن إدريس بشراء متعلق الخمس ممن لا يخمس فلا يجب على المشتري اخراج
الخمس إلا أن يتجر فيه ويربح. وفسرها بعضهم بما يكتسب من الأرض والأشجار
المختصة به (عليه السلام) وهذا يرجع إلى الأنفال.

(1) الوسائل الباب 4 من الأنفال وما يختص بالإمام
(2) الوسائل الباب 4 من الأنفال وما يختص بالإمام
(3) ص 430
445

ولا بأس بنقل ملخص بعض عباراتهم، قال شيخنا المفيد في المقنعة عقيب ما
روى عن أحاديث الرخصة: واعلم أرشدك الله أن ما قدمته في تناول الخمس والتصرف
فيه إنما ورد في المناكح خاصة للعلة التي سلف ذكرها في الآثار عن الأئمة (عليهم
السلام) لتطيب ولادة شيعتهم ولم يرد في الأموال، وما أخرته عن المتقدم من ما
جاء في التشديد في الخمس والاستبداد به فهو يختص بالأموال، وقد اختلف قوم
من أصحابنا في ذلك عند الغيبة.. إلى آخر الكلام الذي تقدم نقله عنه في أول
المقام الثاني.
وظاهره (قدس سره) الجمع بين الأخبار الدالة على التحليل (1) والدالة على
عدمه (2) بحمل الأولة على المناكح يعني المأخوذ من سبي الكفار من ما هو للإمام
عليه السلام كلا أو بعضا أو ما صرف في المناكح من جميع ما يجب فيه الخمس كما قدمنا ذكره
وذكرنا أنه الظاهر من الأخبار وحمل الأخبار الأخر على الأموال أي التصرف في
الأموال بأنواع التصرفات. وكلامه (قدس سره) مقصور على استثناء المناكح خاصة
وقال الشيخ في النهاية بعد أن صرح بالمنع من التصرف في حصته (عليه
السلام) بغير إذنه حال الحضور: وأما حال الغيبة فقد رخصوا لشيعتهم التصرف
في حقوقهم (عليهم السلام) من ما يتعلق بالأخماس وغيرها في ما لا بد لهم منه
من المناكح والمتاجر والمساكن، فأما ما عدا ذلك فلا يجوز التصرف فيه على حال.
ثم ذكر الاختلاف الذي قدمنا نقله عنه في المقام الثاني. ونحو ذلك كلامه
في التهذيب.
وأنت خبير بأن ما قدمناه من الأخبار الدالة على التحليل في القسم الثالث
أكثرها دال على التحليل في المناكح من حيث التعليلات فيها بطيب الولادة وما عدا
ذلك فهو مطلق، فإما أن يحمل على تلك الأخبار الظاهرة التقييد بالمناكح، أو يعمل

(1) الوسائل الباب 4 من الأنفال وما يختص بالإمام
(2) الوسائل الباب 3 من الأنفال وما يختص بالإمام
446

به على اطلاقه كما هو أحد الأقوال في المسألة، وبذلك يظهر أنه ليس لما ادعاه الشيخ
ومن تبعه من تحليل الخمس لخصوص المساكن والمتاجر دليل من الأخبار المذكورة.
نعم لو فسرت المساكن والمتاجر بما يرجع إلى الأنفال فلا اشكال في التحليل لما
سيأتي إن شاء الله لكنه خارج عن محل البحث كما لا يخفى.
إلا أنه قد روى صاحب كتاب عوالي اللئالي في الكتاب المذكور مرسلا عن
الصادق (عليه السلام) ما يدل على ذلك (1) قال: " روي عن الصادق (عليه
السلام) أنه سأله بعض أصحابه فقال يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله ما حال شيعتكم في ما
خصكم الله إذا غاب غائبكم واستتر قائمكم؟ فقال عليه السلام ما أنصفناهم إن واخذناهم ولا
أحببناهم إن عاقبناهم بل نبيح لهم المساكن لتصح عباداتهم ونبيح لهم المناكح لتطيب
ولادتهم ونبيح لهم المتاجر لتزكوا أموالهم " وهو كما ترى صريح في المدعى.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الذي يظهر لي من أخبار هذه المسألة ويقرب إلى
فكري الكليل وذهني العليل هو أن يقال إن الظاهر من الآية (2) والأخبار المتقدمة
في القسم الأول والقسم الثاني هو نقل الخمس كملا إليهم (عليهم السلام) حال وجودهم
والتمكن منهم أو وكلائهم وعدم التصرف فيه بغير إذنهم، وكون ذلك على وجه
الوجوب أو الاستحباب احتمالان أقربهما الأول، ولا يجب علينا تطلب ما يفعلونه
فيه بعد ايصاله إليهم، إلا أن المفهوم من أخبارهم (عليهم السلام) أنهم ربما أباحوا
به الناقل وحللوه به كملا كما هو صريح حديث مسمع ومفهوم حديث علباء
الأسدي (3) على احتمال، وربما انفقوا منه على الأصناف كما يدل عليه أخبار قسمة
الخمس بينهم وبين الأصناف وأنهم يعطو نهم منه قدر الكفاية فإن زاد فهو لهم
وإن نقص فهو عليهم (4) وعلى ذلك يدل ظاهر الآية. وأما في حال الغيبة فالظاهر

(1) مستدرك الوسائل الباب 4 من الأنفال وما يختص بالإمام
(2) وهي قوله تعالى " واعلموا أنما غنمتم. " سورة الأنفال الآية 43
(3) ص 430 و 433 وقد تقدم أن الراوي هو الحكم بن علباء الأسدي
(4) الوسائل الباب 3 من قسمة الخمس
447

عندي هو صرف حصة الأصناف عليهم كما عليه جمهور أصحابنا في ما مضى من نقل
أقوالهم عملا بما دل على ذلك من الآية والأخبار المتقدمة في القسم الأول المؤكدة
بالأخبار المذكورة في القسم الثاني، فيجب ايصالها إليهم لعدم المانع من ذلك.
وأما حقه عليه السلام فالظاهر تحليله للشيعة للتوقيع عن صاحب الزمان عليه السلام المتقدم
في أخبار القسم الثالث (1) والاحتياط في صرفه على السادة المستحقين.
بقي الكلام في بعض أخبار القسم الثالث فإنه ربما دل على التحليل من الخمس
كملا في زمن وجودهم وغيبتهم (عليهم السلام) إلى يوم القيامة، وهو مشكل جدا
لمنافاته لظاهر الآية، والأخبار المتقدمة في القسم الأول والثاني، بل أخبار القسم
الثاني ما بين صريح وظاهر كالصريح في رد ذلك باعتبار زمان وجودهم (عليهم السلام) كما
علمت من كلامه عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي والخبرين المرويين عنه (عليه السلام)
أيضا وصحيح إبراهيم بن هاشم المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) (2).
وأما ما أجاب به شيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني (قدس
سره) عن خبري محمد بن زيد الطبري المتقدمين (3) حيث إنه ممن اختار العمل
بأخبار التحليل مطلقا من أن الخمس حقه (عليه السلام) فله الخيار إن شاء أباحه
وإلا فلا - فهو مع الاغماض عن المناقشة في كون الخمس كملا حقه (عليه السلام)
خروج عن محل البحث، لأن الفرض أن تلك الأخبار بحسب ظاهرها دالة على أن
الخمس مباح للشيعة مطلقا كما اختاره (قدس سره) وجنح إليه وحينئذ فلا يحتاج في
حله إلى رجوع إلى الإمام (عليه السلام) ولا إلى استئذانه فيه، ومقتضى كلامه هنا
أنه يجب الرجوع إلى الإمام (عليه السلام) واستئذانه فإن أباحه كان مباحا وإلا فلا،
وهذا من ما لا إشكال فيه كما أسلفناه، وهذا هو الذي اخترناه في صدر الكلام
بالنسبة إلى وقت وجودهم (عليهم السلام) من أنه يجب ايصاله إليهم واستئذانهم
فيه، ولكنه خارج عن ظواهر تلك الأخبار المشار إليها لأن ظاهرها كما عرفت
هو التحليل مطلقا إلى يوم القيامة من غير مراجعة إلى الإمام (عليه السلام) وإن

(1) ص 431
(2) ص 425 و 426 و 427
(3) ص 426
448

كان موجودا. ومقتضى كلامه هنا أن التحليل مخصوص بما يتعلق بذلك الإمام
بخصوصه وزمانه دون زمن غيره من الأئمة (عليهم السلام) وأنه في كل عصر
يحتاج إلى الرجوع إلى إمام ذلك العصر واستئذانه، وهو خلاف ظاهر اطلاق تلك الأخبار التي استند إليها.
ومن ما ذكرنا يعلم أيضا بطلان ما أجاب به الفاضل الخراساني في الذخيرة،
حيث إنه ممن ذهب إلى القول بالتحليل مطلقا كما مضى ويأتي، حيث نقل حديث محمد بن
زيد المذكور وقال بعد الطعن في السند: ويمكن الجمع بينه وبين الأخبار السابقة بعد
الاغماض عن سنده بحمله على الرجحان، والأفضلية وحمل الأخبار السابقة على أصل
الجواز والإباحة، وبأن الترخيص والتحليل في أمر الخمس بيدهم (عليهم السلام)
فيجوز استثناء بعض الأفراد والأشخاص في بعض الأزمان عن عموم التحليل
والترخيص لمصلحة دعت إلى ذلك وحكمة تقتضيه، وذلك لا يقتضي انتفاء حكم
التحليل وزواله عن أصله. انتهى.
وفيه أولا - أن ما دلت عليه رواية الطبري المذكورة ليس منحصرا فيها حتى أنه بالطعن فيما بما ذكره من ضعف السند وتأويله لها يتم ما ذكره بل الدال على
ذلك جملة من الأخبار كما عرفت في القسم الثاني منها الصحيح وغيره.
وثانيا - أن ما ذكره من حمل الخبر على الرجحان والأفضلية دون الوجوب
ينافي لفظ الخبر المذكور، فإن سياقه صريح أو كالصريح في وجوب أداء الخمس لقوله
في الرواية التي بطريق الكليني (1) " ما أمحل هذا تمحضونا المودة بألسنتكم وتزوون
عنا حقا جعله الله لنا.. لا نجعل أحدا منكم في حل " فأي صراحة في عدم التحليل
ووجوب الاخراج أبلغ من هذا الكلام. ونظيره ما في صحيحة إبراهيم بن هاشم (2)
وقوله عليه السلام " ليسألنهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا ".
وثالثا - أن قوله وبأن الترخيص والتحليل في أمر الخمس بيدهم (عليهم

(1) ص 426
(2) ص 427
449

السلام).. إلى آخره - فيه ما عرفت آنفا من أن مقتضاه وجوب الرجوع في كل
عصر إلى إمامه واستئذانه فإن أذن صح التحليل وإلا فلا، وهو خلاف ظاهر
الأخبار التي استند إليها من الدلالة على التحليل إلى يوم القيامة كما ذهب إليه. على أن
صحيحة علي بن مهزيار لا خصوصية لها بشخص بخصوصه ليتم هذا الحمل فيها،
وكذلك ما ذكره عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي بل هو عام لكل من وجب عليه
الخمس بأن يوصله إليه عليه السلام أو إلى وكيله.
وبالجملة فإن ما ذكروه من الجواب عن هذه الأخبار لا أعرف له وجها بل
هي صريحة الدلالة واضحة المقالة في وجوب ايصال الخمس إليهم (عليهم السلام) وأنه
لا تحليل فيه ولا إباحة فيه ظاهرة المنافاة لتلك الأخبار، إلا أنك قد عرفت أن
البحث عن ذلك زمان وجودهم (عليهم السلام) لا ثمرة له فإنهم (عليهم السلام)
يحللون من يريدون بما يريدون ولا اعتراض عليهم ولا نزاع معهم لما دلت عليه
أخبار القسم الرابع من أن الأرض وما خرج منها لهم (عليهم السلام) ولكن
الواجب في كل وقت الرجوع إلى إمامه عليه السلام لأن الأمر له فلا بد من الرجوع إليه.
وإنما الكلام في زمن الغيبة والمرجع فيه إلى صاحب الزمان (عجل الله فرجه)
والذي وصل لنا منه عليه السلام التوقيع الذي تقدم في أخبار القسم الثالث رواه الصدوق
في كتاب اكمال الدين واتمام النعمة عن إسحاق بن يعقوب المشتمل على أن الخمس قد
أبيح لشيعتنا وقد جعلوا منه في حل إلى وقت ظهورنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث (1)
والتوقيع الآخر الذي تقدم في أخبار القسم الثاني برواية الصدوق في الكتاب
المذكور من مسائل محمد بن جعفر الأسدي (2) الدال بظاهره على التحريم وعدم
الإباحة، وربما أوهم ظاهر كل منهما المنافاة للآخر والتحقيق أنه لا منافاة إذ الظاهر
هو العمل بالتوقيع الدال على التحليل المعتضد بما استفاض عن آبائه (عليهم السلام)

(1) الوسائل الباب 4 من الأنفال وما يختص بالإمام، وفيه " إلى أن يظهر أمرنا "
(2) ص 427
450

في ذلك، وأما التوقيع الآخر فالظاهر حمله على المخالفين وأعداء الدين لترتيبه عليه السلام
المنع واللعن على من أكل أموالهم مستحلا وتصرف فيها تصرفه في ماله، فإنه ينادى
بظاهره أن هذا المتصرف لا يثبت له مالا ولا يعترف له بحق بل يرى ذلك حلالا
كسائر أمواله والشيعة إنما تصرفوا بالإذن منه (عليه السلام) معترفين بأن ذلك
حقه، ولكن لما أباحه لهم تصرفوا فيه بالإذن منه والإباحة فالفرق واضح، وقد
وقع الإشارة بذلك إلى المخالفين في كثير من الأخبار المتقدمة مثل قول أمير المؤمنين
(عليه السلام) في صحيحة الفضلاء (1) " هلك الناس في بطونهم وفروجهم لأنهم
لم يؤدوا إلينا حقنا.. الحديث " ومثله غيره. نعم ظاهر توقيع التحليل هو التحليل
في مجموع الخمس ولكن مقتضى الجمع بينه وبين الأدلة التي قدمناها من الآية
والروايات الدالة على أن النصف للأصناف الثلاثة (2) تخصيص التحليل بحقه
(عليه السلام) وسياق الكلام قبل هذه العبارة في أمواله (عليه السلام) والتجوز
في التعبير باب واسع، فقوله " وأما الخمس " يعني وأما حقنا من الخمس، ومجموع الخمس
وإن أضيف إليهم (عليهم السلام) في جملة من الأخبار إلا أن المراد باعتبار كون
النصف لهم أصالة والنصف الآخر ولاية، وحينئذ فيجب دفع حصة الأصناف إليهم
للأدلة المشار إليها سيما مع دلالة جملة من النصوص على أن الخمس جعله الله لهم
عوضا عن الزكاة التي حرمها عليهم (3) فكيف يجوز أن يحرموا من العوض والمعوض؟
وبالجملة فهذا القول عندي أظهر الأقوال ولكني مع ذلك احتاط بالدفع إلى
مستحقي السادة غالبا.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا بد من عطف الكلام على الأقوال المتقدمة وبيان
صحيحها من فاسدها ورائجها من كاسدها:
فنقول: أما القول الأول وهو عزل الخمس كملا والوصية به إلى أن يصل إليه

(1) ص 429
(2) ص 370
(3) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس
451

عليه السلام ففيه أولا - أنه لم يقم عليه دليل يركن إليه ولا برهان يعتمد عليه، وظاهر
قائله أنه إنما صار إليه عملا بالاحتياط لأنه لم يرسم فيه شئ يجب الرجوع إليه،
والظاهر أنه خلاف الاحتياط في حصة الأصناف، لأن مقتضى الأدلة استحقاقهم
لها ووجوب ايصالها إليهم ولا مانع منه ولا صارف عنه إلا ما ربما يتوهم من أن
المتولي لصرفها هو الإمام عليه السلام وهو محمول على حال وجوده عليه السلام فإنا قد حكمنا
بايصال الجميع إليه كما تقدم، وأما مع عدم وجوده فلا يجوز الخروج عن ظواهر
تلك الأدلة الدالة على أنه لهم وأنه عوض عن الزكاة. وأما حصته عليه السلام فقد عرفت
ما دل على إباحتها من التوقيع الخارج عن صاحب العصر أيده الله تعالى عاجلا بالنصر
وثانيا - ما في الايداع من التغرير بالمال وتعويضه للتلف ولا سيما في مثل
أوقاتنا هذه التي قد صار فيها العدل الحقيقي أعز عزيز، وكأنهم بنوا ذلك على أوقاتهم
المملوءة بالعلماء الصلحاء الأتقياء وظنوا قرب خروجه عليه السلام أو أن زمان الغيبة كله على
ذلك المنوال ولم يعلموا بتسافل الحال وتقلب الأحوال بما يضيق عن نشره المجال.
وأما القول الثاني - وهو ما اختاره الفاضل الخراساني وشيخنا المحدث الصالح
البحراني وجملة من المعاصرين وهو القول بسقوطه مطلقا فظني بعده غاية البعد
ونحن نكتفي بنقل ملخص كلام الفاضل المشار إليه حيث إنه ممن بالغ في نصرة هذا
القول والاستدلال عليه بما لم يسبقه أحد إليه، وشيخنا المحدث المشار إليه إنما
حذا حذوه:
فنقول: قال الفاضل المذكور في كتاب الذخيرة بعد أن ادعى دلالة الأخبار
المتقدمة في القسم الثالث على إباحة الخمس مطلقا للشيعة - ما ملخصه: لكن يبقى على
القول به اشكالات: منها - أن التحليل مختص بالإمام الذي يصدر منه الحكم إذ لا
معنى لتحليل غير صاحب الحق، فلا يلزم عموم الحكم. وجوابه أن ظاهر التعليل
بطيب الولادة المذكور في بعض الأخبار - والتصريح بدوام الحكم في بعضها واسناد
التحليل بصيغة الجمع في بعض - يقتضي تحقق التحليل منهم (عليهم السلام) جميعا ويكفي
452

في ثبوته أخبار بعضهم (عليهم السلام) وقد أشار إلى ذلك المحقق وغيره.
أقول: فيه أولا - ما عرفت آنفا من أن أخبار التحليل معارضة بظاهر
الآية وأخبار القسم الأول والثاني، وأخبار القسم الأول وإن أمكن تقييدها بأخبار
التحليل إلا أن أخبار القسم الثاني منها ما هو صريح في وجوب دفعه وعدم التحليل
به كروايتي محمد بن زيد الطبري وصحيحة إبراهيم بن هاشم وصحيحة علي بن مهزيار
ورواية كتاب الفقه الرضوي (1) ومنها ما هو ظاهر كباقي الأخبار.
وما تمسك به الفاضلان المذكوران - من حمل روايتي الطبري وصحيحة إبراهيم
ابن هاشم على كون أولئك الطالبين للتحليل من المخالفين -
بعيد بل غلط محض: أما أولا - فلأنه قد صرح في إحدى روايتي محمد بن زيد
الطبري أنه بعض موالي أبي الحسن عليه السلام وفي الرواية الثانية بأنهم يمحضونهم المودة،
ومن المعلوم أن العامة لا يمحضونهم مودة ولا محبة ليتوجه عتابه لهم ولا يكونون
من مواليه، وفي صحيحة إبراهيم بن هاشم أنه كان وكيله عليه السلام الذي يتولى الوقف له
بقم، ومن المعلوم أن ذلك لا يكون من المخالفين.
وأما ثانيا - فإن العامة لا يثبتون لهم (عليهم السلام) حقا في الخمس ولا غيره
فكيف يستأذنونهم (عليهم السلام) في ذلك؟
وأما ثالثا - فإن صحيحة علي بن مهزيار لا يجري فيها ما ذكره هنا، فإنها
صريحة في كون مواليه وشيعته قصروا في ما يجب عليهم من الخمس وأنه يريد تطهيرهم
فلو كان الخمس حلالا مباحا كيف ينسبهم إلى التقصير؟ وكيف يريد التخفيف عنهم
بما صنعه في عامه ذلك؟ وكيف يأمرهم بنقل ذلك إليه أو إلى وكيله؟ ونحو ذلك ما في
كتاب الفقه الرضوي وإن لم يقف عليه.
وبذلك يظهر لك ما في قوله: " إنه يكفي في ذلك أخبار بعضهم عليهم السلام "
ولو كان ما ذكره حقا من أنه يكفي في التحليل مطلقا أخبار الصادق عليه السلام بأنه حلال

(1) ص 425 و 426 و 427 و 428
453

كيف يأمر الجواد عليه السلام بنقله إليه؟ مضافا إلى ما في الرواية من الدلالة الصريحة على
الوجوب، وكيف يقول أبو الحسن الثالث عليه السلام في رواية محمد بن علي بن شجاع
" إن لي منه الخمس "؟ وفي رواية ابن علي بن راشد وكيله " أمرتني بأخذ حقك
فأعلمت مواليك فقال لي بعضهم وأي شئ حقه؟ فلم أدر ما أجيبه؟ فقال يجب عليهم
الخمس.. الخبر " ونحو ذلك من الروايات المتقدمة في القسم الأول.
وثانيا - إن ما استند إليه من تلك العبارات ففيه أن طيب الولادة يمكن
قصره على المناكح كما هو المتفق عليه وهو ظاهر حسنة سالم بن مكرم، وهي التي
ورد فيها دوام الحكم إلى يوم القيامة، واطلاق غيرها من الأخبار يحمل عليها،
أو تخصيص ذلك بحقوقهم (عليهم السلام) فلا يقتضي ذلك تحليل جميع الخمس.
وبالجملة فإنه حيث دلت الآية (1) والأخبار المتقدمة في القسم الأول على وجوب
الخمس واشتراكه بينهم (عليهم السلام) وبين الأصناف الثلاثة ودلت الأخبار
التي في القسم الثاني على عدم التحليل منه ووجوب اخراجه صريحا في بعض وظاهرا
في آخر على وجه لا يمكن تأويلها كما عرفت فلا بد من تخصيص أخبار التحليل
بوجه ظاهر تجتمع به مع تلك الأخبار ولا يمكن العمل بها على اطلاقها البتة.
ثم قال (قدس سره): ومنها - أن النصف حق للأصناف الثلاثة فكيف
يسوغ التحليل بالنسبة إليه. ثم أجاب بوجهين: حاصل الأول المنع من كون النصف
ملكا لهم مطلقا لجواز كون الأرباح ملكا للإمام عليه السلام وكذا المعادن والغوص
والغنائم التي تؤخذ من غير إذن الإمام عليه السلام.. إلى أن قال: وثانيهما - إنه يجوز أن
يكون اختصاص الأصناف بالنصف أو مالكيتهم له مشروطا بحضور الإمام عليه السلام
لا مطلقا لا بد لنفيه من دليل (فإن قلت) ظاهر الآية اختصاص النصف بالأصناف
وكذا مرفوعة أحمد بن محمد ومرسلة حماد ورواية يونس (2) (قلت) أما الآية

(1) وهي قوله تعالى " واعلموا أنما غنمتم.. " سورة الأنفال الآية 43
(2) ص 421 وفي رواية يونس ارجع إلى الاستدراكات
454

فظاهرها اختصاصها بالغنائم فلا تعم غيرها، مع أنها لا تشمل زمان الغيبة بناء على أن الخطابات القرآنية متوجهة إلى الحاضرين في زمن الخطاب وانسحاب الحكم في
غير الحاضرين مستندا إلى الاجماع وهو إنما يتم مع التوافق في الشرائط وهو ممنوع
في محل البحث، فلا تنهض الآية حجة على حكم زمان الغيبة. سلمنا لكن لا بد من
صرفها عن ظاهرها أما بالحمل على كونها بيانا للمصرف أو بالتخصيص جمعا بينها
وبين الأخبار الدالة على الترخيص. وأما الأخبار فمع ضعف سندها غير دالة على
تعلق النصف بالأصناف على وجه الملكية أو الاختصاص مطلقا بل دالة على أن
على الإمام عليه السلام أن يقسمه كذلك، فيجوز أن يكون هذا واجبا على الإمام من غير أن
يكون شئ من الخمس ملكا لهم أو مختصا بهم مطلقا. سلمنا لكنها تدل على ثبوت
هذا الحكم في زمان حضور الإمام لا مطلقا فيجوز اختلاف الحكم بحسب الأزمان
سلمنا لكن لا بد من التخصيص فيها وصرفها عن ظاهرها جمعا بين الأدلة. وبالجملة
أخبار الإباحة أصح وأصرح فلا يسوغ العدول عنها بالأخبار المذكورة. انتهى
كلامه زيد مقامه.
أقول: فيه أولا - إنه لا ريب أن ظاهر الآية دال على اختصاص الأصناف
بالنصف، وهو قد اعترف بذلك في كلام له سابق على هذا المقام، حيث قال بعد أن
نقل عن المحقق حمل الآية على بيان المصرف ما صورته: وفيه نظر لأن حمل الآية
على أن المراد بيان مصارف الاستحقاق عدول عن الظاهر من الآية، بل الظاهر
من الآية الملك أو الاختصاص والعدول عنه يحتاج إلى دليل، ولو كان كذلك
لاقتضى جواز صرف الخمس كله في أحد الأصناف الستة وهم لا يقولون به. انتهى
وحينئذ فإذا ضم إلى الآية الأخبار الدالة على تفسير الغنيمة فيها بما هو أعم من
كل ما يغنمه الانسان ويفيده حتى الإفادة يوما بيوم كما قدمنا ذكره في أول الكتاب
دخل فيها جميع ما ذكره من الأرباح والغوص ونحوهما وسقط ما ذكره في الوجه
الأول، ويدل على ذلك صريحا مرفوعة أحمد بن محمد المتقدمة في أخبار القسم
455

الأول لقوله عليه السلام بعد ما ذكر ما فيه الخمس من الأنواع المذكورة " وأما الخمس فيقسم
على ستة أسهم.. إلى آخره " ومثلها مرسلة حماد بن عيسى المذكورة ثمة، فإنهما
صريحتان في كون النصف للأصناف الثلاثة من جميع ما فيه الخمس لا من غنيمة دار
الحرب بالخصوص كما زعمه. وما ربما يتخيل دلالته على ما ادعاه - من إضافة مجموع
الخمس إليهم (عليهم السلام) في بعض الأخبار أو تصرفهم بالعفو واعطائه كملا
لبعض الناس - فقد تقدم الجواب عنه.
وثانيا - أن ما ذكره من أنه يجوز أن يكون اختصاص الأصناف بالنصف
مشروطا بحضور الإمام عليه السلام تعسف ظاهر مخالف لصريح الأدلة كتابا وسنة،
فإنها دالة كما عرفت على الاختصاص أو الملك كما اعترف به في ما قدمنا من كلامه،
ومقتضى ذلك العموم لحال وجوده وغيبته والتخصيص بحال وجوده يتوقف على
الدليل، فقوله " لا بد لنفيه من دليل " قلب للمسألة بل لا بد لاثباته من دليل،
ويؤيد ما قلنا بأوضح تأييد الرويات الدالة على أن الخمس عوض لهم عن الزكاة التي
حرمها الله تعالى عليهم (1) ولا ريب أن تحريم الزكاة عليهم غير مختص بوجود
الإمام عليه السلام حتى يكون اختصاصهم بالخمس مخصوصا بوجود الإمام عليه السلام.
وثالثا - أن ما ذكره - بقوله: " قلت أما الآية فظاهرها اختصاص الغنائم فلا
تعم غيرها " - مردود بما عرفت من أن الروايات المعتمدة قد دلت على تفسير الغنيمة
في الآية بالمعنى الأعم الشامل لجميع ما فيه الخمس، ومنها صحيحة علي بن مهزيار
الطويلة ورواية حكيم مؤذن بني عبس وكتاب الفقه الرضوي وغيرها من ما تقدم.
ورابعا - أن ما ذكره - ما أن الآية لا تشمل زمان الغيبة بناء على أن
الخطابات القرآنية متوجهة إلى الحاضرين.. إلى آخره - مردود بأنا إنما نستند في
انسحاب الحكم وعموم الآية لزمن الغيبة إلى الأخبار لا إلى الاجماع الذي ذكره،
فإنا لا ضرورة بنا تلجئ إليه ليتجه ما أورده عليه.

(1) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس
456

والأخبار الدالة على ما ذكرناه كثيرة: منها - ما رواه في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (1) في حديث قال: " لو كانت إذا نزلت آية على رجل
ثم مات ذلك الرجل ماتت الآية مات الكتاب ولكنه حي يجري في من بقي كما
جرى في من مضى " ومثلها غيرها.
ومن أظهر ذلك في المقام استدلال الأئمة (عليهم السلام) بالآية المذكورة
وتفسيرهم لها بما قدمنا ذكره، ولو كان الخطاب فيها مقصورا على زمنه صلى الله عليه وآله
لما ساغ ذلك.
وخامسا - أن ما أجاب به ثالثا - بعد التنزل بقوله: " سلمنا لكن لا بد من
صرف الآية عن ظاهرها.. إلى آخره " مردود بأن الحمل على بيان المصرف من ما
قد اعترف في ما قدمنا نقله عنه بعدم صحته لاقتضائه جواز صرف الخمس كملا في
أحد الأصناف الستة وهو باطل اجماعا نصا وفتوى فكيف يتمسك هنا بذلك؟.
وأما التخصيص ففيه أن مقتضى القواعد الشرعية والضوابط المرعية والسنة
المحمدية هو ارجاع الأخبار على القرآن وعرضها عليه فإن طابقته ووافقته وجب
قبولها وإلا وجب ردها وطرحها (2) ولا ريب أن الأخبار في المسألة مختلفة
والأخبار التي استند إليها مخالفة لظاهر الآية، فالواجب بمقتضى القاعدة المنصوصة
طرحها أو تأويلها بما يخرجها عن المخالفة، فكيف عكس القاعدة وأوجب رد الآية
واخراجها عن ظاهرها إلى الأخبار التي ذكرها؟ وما وقع من أصحابنا (رضوان
الله عليهم) في مثل مسألة الحياة وميراث الزوجة ونحوهما من تخصيص الآيات
بالأخبار فإنما هو من حيث اعتضاد الأخبار باجماع الطائفة واتفاقها في بعض
واجماع المعظم منها في بعض، أو عدم ظهور الآية في العموم على وجه ينافي الخبر
المخصص، أو نحو ذلك، وهو في محل البحث على طريق العكس. على أن ما ذهبوا إليه

(1) الأصول ج 1 ص 192 باب أن الأئمة (ع) هم الهداة
(2) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به
457

من التحليل مطلقا في زمن الوجود والغيبة في جميع أنواع ما فيه الخمس مقتض لطرح
الآية رأسا لا تخصيصها كما هو ظاهر لا يخفى.
وسادسا - فإن طعنه في الأخبار بضعف سندها مردود بأنه ضعيف لا يلتفت
إليه وسخيف لا يعرج عليه:
أما أولا - فإن هذه الأخبار هي معتمدهم في قسمة الخمس انصافا بين الإمام
والأصناف الثلاثة، فإن اعتمدوا عليها فليكن في جميع الأحكام وإلا فلا.
وأما ثانيا - فإنه وأمثاله كثيرا ما يستدلون بأمثال هذه الأخبار ويتسترون
عن ضعفها باصطلاحهم الضعيف الواهي بأعذار لبيت العنكبوت الذي هو أضعف
البيوت تضاهي، ولكن هذه عادة أصحاب هذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد
أقرب منه إلى الصلاح: إذا نافت الرواية ما اختاروه أجابوا عنها بضعف السند وإذا
ألجأتهم الحاجة لها في الاستدلال تستروا عن مخالفة اصطلاحهم والخروج عن
مقتضاه بتلك الأعذار الواهية.
وسابعا - أن ما ذكره - من أن تلك الأخبار غير دالة على تعلق النصف
بالأصناف على جهة الملكية أو الاختصاص - فيه أن دلالتها على ذلك أظهر من
أن تنكر وأبين من أن تنشر، وذلك مثل قوله عليه السلام في مرفوعة أحمد بن محمد (1)
بعد ذكر الخمس وأنه يقسم ستة أقسام قال: " فالنصف له - يعني الإمام عليه السلام - خاصة
والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد صلى الله عليه وآله الذين لا تحل لهم
الصدقة ولا الزكاة عوضهم الله مكان ذلك بالخمس.. الحديث " ولا ريب أن اللام
هنا إما للملك أو الاختصاص كما هو القاعدة النحوية المطردة في أمثال هذا الكلام،
ويؤكده ذكر التعويض لهم عن الصدقة فإنه يقتضي الاطراد والاستمرار، فكيف
يحرمون العوض والمعوض؟ ومثل قوله عليه السلام في صحيحة إبراهيم بن هاشم المتقدمة
في القسم الثاني (2) " أحدهم يثب على أموال آل محمد صلى الله عليه وآله وأيتامهم ومساكينهم

(1) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس
(2) ص 427
458

وأبناء سبيلهم فيأخذه.. الحديث " فأي عبارة أظهر من هذه العبارة؟ ولو صح
المناقشة في ذلك بالنسبة إلى الأصناف صح أيضا بالنسبة إلى الإمام عليه السلام كما لا يخفى
على ذوي الأفهام. وفي مرسلة حماد بن عيسى أيضا (1) قال: " فله يعني الإمام عليه السلام
- نصف الخمس كملا ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته فسهم ليتاماهم وسهم لمساكينهم
وسهم لأبناء سبيلهم يقسم بينهم على الكتاب والسنة.. إلى أن قال عليه السلام وإنما جعل
الله هذا الخمس خاصة لهم دون مساكين الناس وأبناء سبيلهم عوضا لهم من صدقات
الناس تنزيها من الله لهم لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وكرامة من الله لهم عن
أوساخ الناس، فجعل لهم خاصة من عنده من يغنيهم به عن أن يصيرهم في موضع الذل
والمسكنة.. إلى أن قال أيضا: وجعل لفقراء قرابة الرسول صلى الله عليه وآله نصف الخمس
فأغناهم به عن صدقات الناس وصدقات النبي صلى الله عليه وآله وولي الأمر، فلم يبق فقير من
فقراء الناس ولم يبق فقير من فقراء قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله إلا وقد استغنى فلا
فقير.. الحديث " وأي دليل يريد بعد هذه الأدلة الصريحة الواضحة؟
وثامنا - أن قوله سلمنا لكنها تدل على ثبوت هذا الحكم في زمان حضور
الإمام لا مطلقا - ظاهر الضعف بل البطلان، والظاهر أن كلامه هذا مبني على
ما توهمه من أن مستند الاختصاص أو الملك في تلك الأخبار إنما هو من جهة
ما دلت عليه من أن الإمام عليه السلام يقسمه كذلك، وهو غلط بل موضع الاستدلال
إنما هو نسبته إليهم بلام الملك أو الاختصاص المؤكد بكونه عوضا لهم عن الصدقات
وأنه جعله الله لهم وخصهم به دون الناس وأنه لم يبق فقير في الناس بعد جعل الله
سبحانه الزكاة لسائر الناس والخمس لقرابة الرسول صلى الله عليه وآله وكيف يجامع هذا
الاختصاص بزمان الحضور، ما هذه إلا غفلة واضحة، وليت شعري كأنه لم يراجع
هذه الأخبار أو لم يتأمل فيها بعين التحقيق والاعتبار. على أن لقائل أن يعكس
عليه هذه الدعوى بأن يقول إن مقتضى الأدلة الدالة على استحقاق الأصناف من

(1) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس
459

الآية والروايات هو العموم والاستمرار في جميع الأوقات ولا سيما رواية حماد المذكورة
كما سمعت، ومقتضى أخبار التحليل هو الاختصاص بزمان وجودهم (عليهم السلام)
لمصالح قد احتملنا بعضها في ما تقدم، وما ربما يوهم الاستمرار في بعض قد بينا وجهه
آنفا، فالاختصاص إنما هو في جانب التحليل لا في جانب استحقاق الأصناف.
وتاسعا - أن قوله - سلمنا لكن لا بد من التخصيص فيها وصرفها عن ظاهرها
جمعا بين الأدلة - مردود أولا - بما عرفت آنفا من صراحتها وعدم قبولها لما أراده.
وثانيا - أن هذه الأخبار قد ترجحت بموافقة القرآن كما عرفت فيصير العمل
عليها ويجب تأويل ما خالفها أو طرحه بمقتضى القواعد المنصوصة (1) وقد ترجحت أيضا بذهاب المعظم من أجلاء الأصحاب متقدميهم ومتأخريهم إلى
القول بمضمونها.
وثالثا - أن المخالفة ليست منحصرة فيها حتى أنه بتأويلها يسقط البحث ويتم
ما ذكره بل أكثر أخبار القسم الأول والثاني كلها مخالفة لما ذكره وعاضدة لهذه الأخبار.
وبذلك يظهر لك أن ما ذهبوا إليه من هذا القول من ما لا يعول عليه وأنه
ناشئ عن عدم اعطاء التأمل حقه في الأدلة الواردة في المسألة.
وأما القول الثالث وهو القول بدفنه فهو مع كونه مجهول القائل مجهول الدليل
ولو ثبت هذا الخبر الذي ذكروه لوجب طرحه في مقابلة ما ذكرناه من الأدلة وهي
أكثر عددا وأصح سندا وأظهر دلالة.
وأما الرابع - وهو دفع النصف إلى الأصناف والنصف الآخر يودع من ثقة
إلى ثقة أو يدفن - فهو جيد بالنسبة إلى حصة الأصناف لما عرفت آنفا، وأما بالنسبة
إلى حقه عليه السلام فجوابه قد علم من ما ذكرنا في جواب القول الأول والقول الثالث.
وأما الخامس - وهو بعينه القول الرابع إلا أنه يعين الايداع دون الدفن
فجوابه معلوم من ما سبق.

(1) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به
460

وأما السادس - وهو صرف الجميع إلى الأصناف أما النصف فمن حيث
كونه حقهم وأما النصف الذي هو حق الإمام عليه السلام فمن حيث إنه في حال حضوره
متى قصر الخمس عن مؤنتهم كان يتم لهم من ماله، فوجوب هذا عليه حال حضوره
يقتضي وجوبه عليه حال غيبته، فإن الواجب من الحقوق لا يسقط بغيبة من
عليه الحق -
ففيه أولا - أنه من الجائز اختصاص ذلك بحال الحضور لكون ذلك في مقابلة
الزيادة عن مؤنتهم لعامهم وهذا لا يجري في حال الغيبة فقياس الغيبة على الحضور قياس
مع الفارق. على أن ايجاب ذلك عليه مطلقا كما يدعونه في محل المنع لدلالة جملة من
الأخبار كما عرفت على التحليل، ولا سيما دلالة صحيحة عمر بن يزيد في حكاية
مسمع بن عبد الملك (1) ورد الصادق عليه السلام عليه ما حمل إليه من مال الخمس وتحليله به
وثانيا - ورود الرخصة من صاحب العصر (عجل الله فرجه) في إباحة الخمس
للشيعة حال الغيبة كما تقدم، وإنما حملناه على حقه (عليه السلام) جمعا بين الأخبار
كما سلف بيانه.
وبالجملة فإنه لا وجه لهذا القول من حيث الدليل وإن كان الاحتياط به
واضح السبيل.
وأما السابع - وهو صرف النصف إلى الأصناف الثلاثة والنصف الذي له
عليه السلام يجب ايصاله مع الامكان وإلا فيصرف إلى الأصناف ومع تعذر الإيصال وعدم
حاجة الأصناف فيباح للشيعة كما اختاره صاحب الوسائل في كتابه (2) -
ففيه أن الواجب مع وجود الإمام عليه السلام والتمكن من الوصول إليه أو إلى
وكيله هو ايصال جميع الخمس إليه كما هو مقتضى الأخبار وكلام الأصحاب، وأما
مع غيبته عليه السلام فيجب صرف حصة الأصناف عليهم وأما حصته عليه السلام فقد

(1) ص 430
(2) الوسائل الباب 4 من الأنفال وما يختص بالإمام
461

حصلت الإباحة فيها من صاحبها كما تقدم. وأما مع وجوده عليه السلام وعدم التمكن منه
وإن كان الفرض نادرا حيث إن المفهوم من الأخبار أنهم مع شدة التقية كانت
لهم (عليهم السلام) وكلاء لقبض الأخماس وغيرها في سائر البلدان وشدة التقية
كانت في زمن الكاظم عليه السلام وكان السبب في وقف من أنكر موته وقال بالوقف إنما
هو الأموال التي كانت بأيديهم من ما يقبضونه له من الناس - فالحكم لا يخلو من
توقف وصرفها إلى الأصناف كما ذكره في هذه الصورة لا دليل عليه، وظاهر كلامه
حمل أخبار الإباحة على تعذر الإيصال وعدم حاجة الأصناف، مع أنك قد عرفت
أن الإباحة، من الصادق والباقر وعلي (عليهم السلام) في حال وجودهم وامكان
الإيصال إليهم، وبالجملة فما ذكره زعما منه جمع الأخبار عليه لا يخلو من تعسف
ظاهر كما هو واضح ما ما شرحناه آنفا.
وأما الثامن - وهو ما ذهب إليه المحدث الكاشاني من ايصال حصة الأصناف
وسقوط حقه عليه السلام وظاهره أن ذلك أعم من حال الحضور أو الغيبة، حيث قال
في كتاب الوافي بعد نقل جملة أخبار المسألة المروية في الكتب الأربعة: والذي
يظهر لي من مجموع الأخبار الواردة في ذلك أن تحليلهم (عليهم السلام) يعم المناكح
وغيرها من الأموال إلا أنه مختص بحصتهم (عليهم السلام) أعني السهام الثلاثة كما
مر في حديث أبي حمزة (1) " أن الله جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة " دون سهام
اليتامى والمساكين وابن السبيل فإنها لغيرهم وإن كان لهم التصرف فيها في زمان
حضورهم بأن يضعوها في من شاءوا وكيف شاءوا كما كانوا يتصرفون في حصة أنفسهم
لأن جميع الأموال في الحقيقة لهم والناس عيالهم، وكان الواجب على شيعتهم في
زمن حضورهم أن يحملوا كل الخمس إليهم ليضعوه في من يشاءون إلا أن من لم يفعل
ذلك منهم في حل يعد أن أساء، وعلى ذلك يحمل التشديد أو على أن التشديد مختص
بغير الشيعة وهذا أظهر من الأخبار. وأما في مثل هذا الزمان حيث لا يمكن

(1) ص 432
462

الوصول إليهم (عليهم السلام) فتسقط حصتهم رأسا لتعذر ذلك وغناهم عنه رأسا
دون السهام الباقية لوجود مستحقيها، ومن صرف الكل حينئذ إلى الأصناف الثلاثة
فقد أحسن واحتاط. والعلم عند الله. انتهى.
فهو قريب من ما اخترناه: أما في حال الغيبة فهو عين ما ذكرناه من وجوب
صرف النصف إلى الأصناف وإباحة حقه عليه السلام إلا أنه إنما علل ذلك بتعذر ايصاله
وغناه عنه وغفل عن التوقيع الوارد من صاحب الخمس بتحليله للشيعة زمن الغيبة،
ولعله لعدم اطلاعه عليه حيث إنه ليس من أخبار الكتب الأربعة التي تصدى
لجمعها، وأما حال الحضور فظاهره تخصيص التحليل في ما ورد من أخبار التحليل
بحصتهم (عليهم السلام) دون حصة الأصناف وهو جيد، إلا أن ظاهره أن ذلك
عام وجار في جميع الأئمة (عليهم السلام) كما يؤذن به حمله أخبار التشديد على
الاختصاص بغير الشيعة، وهذا هو موضع الخلاف بيننا وبينه لما أوضحناه سابقا
من أن أخبار القسم الثاني وجملة من أخبار القسم الأول أيضا لا تقبل الحمل على ذلك
بل هي ما بين صريح وظاهر في عدم التحليل ووجوب ايصال الخمس إليهم (عليهم
السلام) كصحيحة علي بن مهزيار و صحيحة إبراهيم بن هاشم وروايتي الطبري وعبارة
كتاب الفقه الرضوي (1) ويعضدها من روايات القسم الأول أيضا رواية محمد بن
علي بن شجاع ورواية أبي علي بن راشد (2) وحمل روايتي الطبري وصحيحة إبراهيم
ابن هاشم على غير الشيعة من المخالفين قد أوضحنا بعده بل فساده، ومع الاغماض
عن ذلك فإنه لا يتم له في الأخبار الباقية.
وبالجملة فالأظهر كما حققناه سابقا اختصاص التحليل بمن حصل منه التحليل
حسبما يقع من خصوص أو عموم دون غيره من باقي الأئمة، وبه يعلم ما في قوله أيضا
" أن من لم يحمل ذلك إليهم كان في حل وإن أساء " بناء على حمله أخبار التشديد في
اخراج الخمس على ما ذكره، وكيف يكون في حل مع قول أبي جعفر عليه السلام في صحيحة

(1) ص 425 إلى 428
(2) ص 420
463

إبراهيم بن هاشم " والله ليسألنهم الله تعالى يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا " وفي
إحدى روايتي الطبري (1) بعد التوبيخ والتقريع العظيم " لا نجعل أحدا منكم في
حل " وقريب منهما صحيحة علي بن مهزيار (2) بل لا تقصر عنهما.
وأما التاسع - وهو صرف حصة الأصناف إليهم وقسمة حصته عليه السلام على
مواليه العارفين بحقه من أهل الفقر والصلاح السداد فهو موافق لما اخترناه إلا
أن التخصيص بمن ذكر لا دليل عليه وإن كان أولى، وأولى منه صرفه على السادة
المستحقين.
وأما العاشر - وهو تخصيص التحليل بخمس الأرباح حيث إنه له عليه السلام خاصة
دون باقي الأصناف كما ذهب إليه المحقق الشيخ حسن في المنتقى -
ففيه - مع اغماض النظر عن المناقشة في دلالة الروايات التي أشار إليها على
اختصاص خمس الأرباح به عليه السلام بأن نسبة الخمس كملا فيها إلى نفسه باعتبار مالكيته
لنصفه وولايته على النصف الآخر -
أن ذلك مردود أولا بصريح رواية مسمع والاحتمال الذي في رواية الحكم بن
علباء الأسدي (3) اللذين قد حللهما الإمامان (عليهما السلام) بخمس الغوص مع أنه
ليس من الأرباح بالمعنى الذي ذكره.
وثانيا - بصحيحة علي بن مهزيار (4) المتضمنة لحمل الخمس إلى وكبله ولو بعد
حين مع كون ظاهر سياقها أن ذلك من خمس الأرباح، فلو كان خمس الأرباح من ما
حللوه كيف يأمر بنقله إليه أو إلى وكيله ويذكر في أول الخبر أن مواليه قصروا في
أمر الخمس وأنه أراد أن يطهرهم بما وضعه عنهم في ذلك العام فإن جميع هذا من ما
ينافي التحليل.
وبالجملة فالظاهر أنما هو ما قدمناه من أن الخمس مطلقا وإن كان مشتركا بينهم
وبين الأصناف إلا أن لهم الاختيار فيه بل وفي غيره كيف شاءوا وأرادوا ولا

(1) ص 426
(2) ص 349
(3) ص 430 و 433
(4) ص 349
464

اعتراض عليهم، لأن الأرض وما خرج منها لهم (عليهم السلام) كما عرفت من
أخبار القسم الرابع، وأنه يحل لمن حللوه ويحرم على من لم يحللوه وأنه يحب الرجوع
فيه في كل وقت إلى إمام ذلك الوقت.
هذا. وأما اعتضاده بذهاب بعض قدمائنا إلى السقوط وتشنيعه على المتأخرين
برد هذا القول بأنه ناشئ عن قلة الفحص عن الأخبار ومعانيها والقناعة بميسور
النظر فيها -
ففيه أن ذلك القائل الذي نقل عنه من القدماء كما عرفت من عبارتي الشيخ
المفيد من المقنعة والشيخ الطوسي في النهاية - إنما أراد سقوط الخمس مطلقا من أي
نوع كان الأرباح وغيرها، وهو لا يقول به وإنما يخص التحليل بخمس الأرباح خاصة
فكيف يحكم بصحة القول المذكور ويشنع على من رده؟ مع ما عرفت من كلام
الشيخين المذكورين في منشأ الخلاف بين القدماء في هذه المسألة.
وأما الحادي عشر - وهو عدم التحليل بالكلية كما ذهب إليه ابن الجنيد.
فهو من ما لا يلتفت إليه ولا يعرج عليه: أما أولا فلأن التحليل ثابت بيقين
لا يداخله الظن ولا التخمين وإنما الكلام في عمومه من جهة المحلل بكسر اللام
والمحلل بفتحها أو خصوصه فيهما أو خصوصه في أحدهما على ما سبق من التفصيل
في الأقوال والأخبار.
وأما ثانيا - فإن كلامه في ما قدمناه من عبارته لا يخلو من سوء الأدب في حق
الإمام عليه السلام من حيث إنه نسبه إلى التصرف في ما لا يجوز له التصرف فيه وإباحة
ما ليس له إباحته، إلا أن يحمل كلامه على عدم ثبوت أخبار التحليل عنده وهو
بعيد غاية البعد لما عرفت من شهرتها واستفاضتها، قال المحقق في المعتبر بعد نقل
محصل كلامه - ونعم ما قال - إن هذا ليس بشئ لأن الإمام لا يحلل إلا ما يعلم أن له
الولاية في تحليله ولو لم يكن له ذلك لاقتصر في التحليل على زمانه ولم يقيده بالدوام.
وأما ثالثا - فلأنك قد عرفت من أخبار القسم الرابع أن الأرض وما فيها له
465

عليه السلام فأي مانع من التحليل في ما اقتضت المصلحة يومئذ تحليله؟
ولو نوقش في تلك الأخبار بأنه لا ريب في تسلط الناس على ما في أيديهم
من الأملاك من ما ينقل ويحول أم لا والتوارث والتصرف بجميع أنواع التصرفات
وأن المتصرف فيه غير المالك غاصب مستحق للعقاب، وهذا من ما عليه الاتفاق
كتابا وسنة واجماعا وهو من ما يدافع تلك الأخبار.
قلنا: لا ريب أن جميع هذه الأشياء المذكورة ملك لله عز وجل وأنه ملكها
العباد على الوجه المذكور، فلو أراد الله سبحانه التصرف فيها بما ينافي رضا مالكها
أرأيت أن ذلك يوجب اعتراضا عليه تعالى ويكون ظلما وجورا؟ فإنه هو المالك
الحقيقي والمالك الآخر مجازي فله التصرف في الأموال وفي أصحابها كيف شاء
وأراد، وهكذا فقل بالنسبة إليهم (عليهم السلام) فإن الله عز وجل المالك
للأرض وما فيها قد ملكها نبيه صلى الله عليه وآله وأوصياه بعده كما دلت عليه تلك الأخبار
وهم (عليهم السلام) قد حللوا شيعتهم خاصة زمان الغيبة بالتملك والتصرف كيف
شاءوا وأرادوا وجرت أيدي الناس على الأملاك على الوجوه المذكورة، فلو تصرفوا
(عليهم السلام) في شئ من ذلك على خلاف رضا من ملكوه لم يثمر ذلك اعتراضا
عليهم لأن الأصل لهم عين ما عرفت بالنسبة إليه عز وجل، وأما المخالفون لهم
(عليهم السلام) فتصرفهم محرم والعقاب فيه ثابت والاقتصاص منهم في القيامة
قائم، فلا إشكال بحمد الله في هذا المجال.
وأما الثاني عشر - وهو ما ذهب إليه شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) من
قصر التحليل على التصرف في مال الخمس قبل اخراجه مع ضمان الخمس في الذمة وأنه
لا يحل شئ من الخمس - فعجيب من مثله وأي عجيب، وقد رأيت كلامه أولا في بعض
الحواشي المنسوبة إليه على كتب الأخبار فحصل لي العجب من ذلك ولم أتيقن أنه يقول بمثل هذه المقالة البعيدة عن الأخبار حتى رأيت كلامه في كتاب زاد المعاد
موافقا لما وحدته أولا، وها أنا أسوق أولا ما وقفت عليه من كلامه ثم اذكر ما فيه:
466

قال في حاشية له على كتاب الإستبصار على قول الشيخ هناك بعد نقل رواية
محمد بن زيد الطبري المتقدمة: " فالوجه في الجمع بين هذه الروايات ما ذهب إليه
شيخنا.. إلى آخره " ما لفظه: ومراد كلامه أن الرخصة في صرف المال في المناكح
قبل اخراج الخمس منه لا في سقوط الخمس في الأموال وإنما الفائدة حل الوطئ
وطيب الولادة مع استقرار المال في الذمة إلى أن يؤدي الخمس، وبالجملة نقول
نصوص الرخصة مقتضاها في باب المناكح حل انتفاع البضع في الأمة المسبية من دون
اخراج حق الإمام عليه السلام من الخمس وفي باب المساكن حل انتفاع السكنى وفي باب
المتاجر جواز تصرفات التجارة. انتهى.
وقال (قدس سره) في حاشية له على الكافي على قوله في رواية سالم بن مكرم
المتقدمة (1): " ليس يسألك أن يعترض الطريق " ما صورته: يعني ليس يسألك تحليل
الفروج واعتراض طريق الشرع بل إنما يسألك احلال تصرفاته في ماله من المناكح
والمساكن من قبل تخميسه: فيكون له مال فيه الخمس فلا يخمسه ويشتري منه خادما
ينكحها أو يجعل منه صداقا لامرأة يتزوجها أو يصيب ميراثا أو مالا من التجارة
أو عطية يعطاها فيصرف ذلك في مناكحه أو مساكنه ولم يكن يخمسه؟ فقال عليه السلام
هذا أي هذا التصرف من قبل تخميس المال لشيعتنا حلال لتطيب ولادتهم والخمس
في ذمتهم حتى يؤدون. ولم يعن عليه السلام بالاحلال سقوط الخمس عنهم وبراءة ذمتهم كما
هو المستبين. انتهى.
وقال في كتاب زاد المعاد ما هذا ملخصه: وأما مستحق الخمس فالمشهور أنه
يقسم على ست حصص كما هو ظاهر الآية (2) فثلاث منها للإمام وثلاث منها للأصناف
الثلاثة، والظاهر من الأحاديث المعتبرة أن جميع الخمس في زمان وجود الإمام عليه السلام
يوصلونه له وهو يأخذ نصفه لنفسه والنصف الآخر يقسمه على الأصناف الثلاثة
بقدر كفايتهم في عامهم فإن فضل شئ أخذه وإن أعوز أتم لهم من نصيبه. وأما في

(1) ص 430
(2) وهي قوله تعالى " واعلموا أنما غنمتم.. " سورة الأنفال الآية 43
467

زمان الغيبة فالأحوط أن حصة السادات تدفع إلى العالم العادل ليصرفها على الأصناف
وأما النصف الآخر الذي هو حصة الإمام عليه السلام ففيها خلاف في زمن الغيبة والمشهور
دفعها إلى العالم العادل ليوصلها إلى السادات على سبيل التتمة فإن زاد شئ حفظه
عنده وبعده يودعه إلى عالم آخر فإن وجد سيدا محتاجا دفعه إليه وإلا حفظه إلى
أن يوصل إلى الإمام عليه السلام، إلا أن الفرض في هذا الزمان نادر جدا لكثرة السادة
المستحقين وقلة المخرجين للخمس. وذهب جمع في زمن الغيبة إلى أنه عليه السلام حلل
حصته من الخمس للشيعة. وهذا القول لا وجه له لعدم ورود رواية صريحة عنه
عليه السلام بأنه حلل ذلك بل الوارد خلاف ذلك، لأنه في زمان الغيبة الصغرى وهي
نيف وسبعون سنة كان السفراء الأربعة المشهورون يقبضون حصته عليه السلام بل جميع
الخمس من الشيعة ويصرفونه في المصارف التي أمر بها عليه السلام والظاهر أن مثل هذا
الزمان يكون الحكم راجعا إلى النائب العام وهم العلماء الربانيون والمحدثون الحاملون
لعلومهم فينبغي أن يقبضونها ويصرفوها على السادة الذين هم عياله (عليه السلام).
ثم أطال بتأييد ذلك بما يدل على إعانة السادة واكرامهم وسد فقرهم ولا سيما في مثل
هذه الأزمان. إلى أن قال: وأكثر العلماء قد صرحوا بأن صاحب الخمس لو تولى
دفع حصته (عليه السلام) للسادة لم تبرأ ذمته بل يجب عليه دفعها إلى العالم المحدث
العادل. وظني أن هذا الحكم جار في جميع الخمس. انتهى.
أقول: لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما أسلفناه من الأخبار والتأمل في معانيها
والنظر في ما ذكرناه من الأبحاث المشيدة لمبانيها ما في كلام شيخنا المذكور من
الضعف والقصور:
أما أولا - فإن صحيحة عمر بن يزيد (1) قد صرحت برد الخمس كملا على
مسمع بن عبد الملك وتحليله به، ومثلها ظواهر جملة روايات القسم الثالث، فإن جملة
منها كالصريح في التحليل لأصل الخمس أو حصتهم (عليهم السلام) منه لا يعتريها

(1) ص 430
468

شك ولا شبهة، ولهذا أن أصحابنا كملا متقدميهم ومتأخريهم إلا الشاذ النادر قد
اتفقوا على التحليل بالمعنى الذي ندعيه لما فهموه من هذه الأخبار، وإنما اختلفوا
كما عرفت من ما أسلفناه في عموم التحليل أو تخصيصه بالمناكح أو مع الحاق المساكن
والمتاجر، وكذا اختلفوا في عمومه بالنسبة إلى جميع ما فيه الخمس أو التخصيص
ببعضها، وكذا اختلفوا في دوام التحليل أو تخصيصه بحال وجودهم (عليهم السلام)
فأصل التحليل من ما لا إشكال فيه عندهم، ومن الظاهر أن هذه الاختلافات إنما
ترتبت على التحليل بالمعنى الذي ندعيه لا بمعنى جواز التصرف قبل اخراج الخمس
كما فسر به الأخبار.
وأما ثانيا - فإن ما ذكره في كتاب زاد المعاد من أن الظاهر من الأحاديث
المعتبرة.. إلى آخره - لم يرد إلا في مرسلة أحمد بن محمد ومرفوعة حماد بن عيسى
خاصة، وجل الروايات وأكثرها إنما دلت بعد الوصول إليه على التحليل كما عرفت
من روايات القسم الثالث وهي أكثر عددا وأصح سندا وأصرح دلالة.
وأما ما ذكره في رد القول بتحليل حصته عليه السلام في زمان الغيبة - من أنه لم
يرد عنه ما يدل على التحليل - فمردود بما نقلناه من التوقيع الذي رواه الصدوق كما
قدمناه في القسم الثالث فإنه صحيح صريح في التحليل.
وأما ما استند إليه من أمر السفراء في زمن الغيبة الصغرى فهو قياس مع الفارق
فإن مراد أصحابنا بزمان الغيبة هو زمان الغيبة الكبرى التي لا يمكن الوصول إليه فيها
بالكلية لا ما توهمه من الغيبة الصغرى، فإن هذا إنما هو من قبيل الحضور وعدم التمكن
من الوصول إليه بمنزلة الإمام الذي يكون في حبس الظلمة كالإمام الكاظم عليه السلام مدة
كونه في حبس الرشيد (1) بل هذا أظهر في الحضور للتمكن من استعلام الأحكام
منه عليه السلام في كل ساعة وإن كان بالواسطة بخلاف الكاظم (عليه السلام) وبالجملة فإن
ما ذكره ليس من محل البحث في شئ.

(1) عيون أخبار الرضا الباب 7 و 8 ص 69 إلى 108 الطبع الحديث.
469

وأما ثالثا فإن ما اختاره من دفع الخمس كملا أو حصته عليه السلام إلى النائب العام
في حال الغيبة مع الاغماض عن المناقشة في ما ادعاه من عدم التحليل لا يخلو عندي
من نظر وإن كان قد سبقه إلى القول بذلك جملة من الأصحاب بالنسبة إلى حصة
الإمام عليه السلام فإنا لم نقف له على دليل، وغاية ما يستفاد من الأخبار نيابته بالنسبة
إلى الترافع إليه والأخذ بحكمه وفتاواه وأما دفع الأموال إليه فلم أقف له على دليل
لا عموما ولا خصوصا. وقياسه على النواب الذين ينوبونهم (عليهم السلام) حال
وجودهم لذلك أو لما هو أعم منه لا دليل عليه.
ويؤيد ما ذكرناه ما نقلوه عن شيخنا المفيد (قدس سره) في المسائل الغرية
حيث قال: إذا فقد إمام الحق ووصل إلى الانسان ما يجب فيه الخمس فليخرجه
إلى يتامى آل محمد صلى الله عليه وآله ومساكينهم وأبناء سبيلهم وليوفر قسط ولد أبي طالب عليه السلام
لعدول الجمهور عن صلتهم ولمجئ الرواية عن أئمة الهدى (عليهم السلام) بتوفير
ما يستحقونه من الخمس في هذا الوقت على فقراء أهلهم وأيتامهم وأبناء سبيلهم.
هذا مع ما في كلامه أيضا من المناقشات الأخر. وبالجملة فإن كلامه (قدس
سره) في هذا المقام من أبعد البعيد من مثله من الأعلام ذوي النقض والابرام.
وأما القولان الأخيران فالكلام فيهما معلوم من ما سبق. والله العالم بحقائق
أحكامه وأولياؤه القائمون بمعالم حلاله وحرامه.
الفصل الثالث
في الأنفال جمع نفل بسكون الفاء وفتحها وهو لغة: الغنيمة والهبة كما ذكره في
القاموس، وقال الأزهري: النفل ما كان زيادة على الأصل. سميت الغنائم بذلك
لأن المسلمين فضلوا بها على سائر الأمم الذين لم تحل لهم الغنائم، وسميت صلاة
التطوع نافلة لأنها زيادة على الفرض، وقال الله تعالى: " ووهبنا له إسحاق ويعقوب
470

نافلة " (1) أي زيادة على ما سأل. والمراد بها شرعا ما يختص به الإمام بالانتقال
من النبي صلى الله عليه وآله.
وأنا أذكر أولا الأخبار الواردة بذلك ثم أعطف الكلام على
تفاصيلها وبيانها:
ومنها - ما رواه في الكافي في الصحيح عندي والحسن بإبراهيم بن هاشم على
المشهور - عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " الأنفال ما لم يوجف
عليه بخيل ولا ركاب أو قوم صالحوا أو قوم أعطوا بأيديهم، وكل أرض خربة
وبطون الأودية فهو لرسول الله صلى الله عليه وآله وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء ".
وما رواه فيه في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن وهب (3) قال: " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام السرية يبعثها الإمام فيصيبون غنائم كيف تقسم؟ قال إن قاتلوا عليها
مع أمير أمره الإمام عليه السلام عليهم أخرج منها الخمس لله وللرسول صلى الله عليه وآله وقسم بينهم أربعة
أخماس وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كل ما غنموا للإمام (عليه السلام)
يجعله حيث أحب ".
وما رواه في الصحيح أو الحسن عن حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا
عن العبد الصالح (عليه السلام) في الحديث المتقدم ذكره (4): " وللإمام (عليه
السلام) صفو المال أن يأخذ من هذه الأموال صفوها: الجارية الفارهة والدابة
الفارهة والثوب والمتاع من ما يجب أو يشتهي، فذلك له قبل القسمة وقبل اخراج
الخمس.. إلى أن قال: وله بعد الخمس الأنفال، والأنفال كل أرض خربة قد باد
أهلها وكل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ولكن صالحوا صلحا وأعطوا
بأيديهم على غير قتال، وله رؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام وكل أرض ميتة
لا رب لها، وله صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب لأن الغصب كله

(1) سورة الأنبياء الآية 73
(2) الوسائل الباب 1 من الأنفال وما بالإمام
(3) الوسائل الباب 1 من الأنفال وما بالإمام
(4) الوسائل الباب 1 من الأنفال وما بالإمام
471

مردود، وهو وارث من لا وارث له، يعول من لا حيلة له ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن داود بن فرقد (1) قال: " قال أبو عبد الله
(عليه السلام) قطائع الملوك كلها للإمام وليس للناس فيها شئ ".
وما رواه عن محمد بن مسلم (2) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول
وسئل عن الأنفال فقال كل قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها فهي نفل لله عز وجل
نصفها يقسم بين الناس ونصفها لرسول الله صلى الله عليه وآله فما كان لرسول الله صلى الله عليه وآله فهو للإمام
عليه السلام " وروى العياشي في تفسيره عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام)
مثله. (3)
أقول: ما تضمنه هذان الخبران من كون النصف يقسم بين الناس لعله خرج
مخرج التقية أو أن الإمام يقسمه تفضلا وإلا فالأخبار عدا هذين الخبرين متفقة
على أنه له (عليه السلام) يفعل به ما يجب.
وما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (4) " أنه سمعه يقول إن الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة
دم أو قوم صولحوا وأعطوا بأيديهم وما كان من أرض خربة أو بطون أودية فهذا
كله من الفئ، والأنفال لله وللرسول صلى الله عليه وآله فما كان لله فهو للرسول يضعه حيث يجب ".
وما رواه الصدوق في الفقيه عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (5) " في الرجل يموت ولا وارث له ولا مولى له؟ فقال: هو من أهل هذه
الآية: يسألونك عن الأنفال " (6).
وما رواه الشيخ عن العباس الوراق عن رجل سماه عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (7) قال: " إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام

(1) الوسائل الباب 1 من الأنفال وما يختص بالإمام
(2) الوسائل الباب 1 من الأنفال وما يختص بالإمام
(3) الوسائل الباب 1 من الأنفال وما يختص بالإمام
(4) الوسائل الباب 1 من الأنفال وما يختص بالإمام. والرواية للشيخ ولم يروها
الكليني.
(5) الوسائل الباب 1 من الأنفال وما يختص بالإمام
(6) سورة الأنفال الآية 2
(7) الوسائل الباب 1 من الأنفال وما يختص بالإمام
472

(عليه السلام) وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام (عليه السلام) الخمس ".
وما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة بن مهران (1) قال: " سألته عن الأنفال
فقال كل أرض خربة أو شئ يكون للملوك فهو خالص للإمام (عليه السلام)
ليس للناس فيها سهم. قال: ومنها البحرين لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ".
وما رواه الشيخ في الموثق عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (2)
قال: " سمعته يقول الفئ والأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة الدماء وقوم
صولحوا وأعطوا بأيديهم وما كان من أرض خربة أو بطون أودية فهو كله من الفئ
فهذا لله ولرسوله صلى الله عليه وآله فما كان لله فهو لرسوله يضعه حيث شاء وهو للإمام بعد
الرسول. وقوله: وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب (3)
قال ألا ترى هو هذا؟ وأما قوله: وما أفاء الله على رسوله من أهل القرى (4) فهذا
بمنزلة المغنم كان أبي يقول ذلك، وليس لنا فيه غير سهم الرسول صلى الله عليه وآله وسهم القربى
ثم نحن شركاء الناس في ما بقي ".
وما رواه الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره في الموثق على إسحاق بن
عمار (5) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الأنفال فقال هي القرى التي قد خرجت
وانجلى أهلها فهي لله وللرسول صلى الله عليه وآله وما كان للملوك فهو للإمام، وما كان من
الأرض الخربة لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وكل أرض لا رب لها والمعادن
منها، ومن مات وليس له مولى فما له من الأنفال ".
وما رواه العياشي في تفسيره عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله عليه السلام (6) في
حديث قال: " قلت وما الأنفال؟ قال: بطون الأودية ورؤوس الجبال والآجام
والمعادن وكل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب وكل أرض ميتة قد جلا أهلها
وقطائع الملوك ".

(1) الوسائل الباب 1 من الأنفال وما يختص بالإمام
(2) الوسائل الباب 1 من الأنفال وما يختص بالإمام
(3) سورة الحشر الآية 7 و 8
(4) سورة الحشر الآية 7 و 8
(5) الوسائل الباب 1 من الأنفال وما يختص بالإمام
(6) الوسائل الباب 1 من الأنفال وما يختص بالإمام
473

وما رواه فيه أيضا عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام (1) قال: " لنا الأنفال
قلت وما الأنفال؟ قال منها المعادن والآجام وكل أرض لا رب لها وكل أرض باد
أهلها فهو لنا " إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الأصحاب (رضوان الله عليهم) قد عدوا الأنفال
وحصروها في جملة أفراد: أحدها الأرض إلى تملك من غير قتال سواء انجلى
أهلها بمعنى أنهم خرجوا منها وتركوها للمسلمين أو سلموها طوعا بمعنى أنهم مكنوا
المسلمين منها مع بقائهم فيها، ويدل على هذا الفرد ما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم
أو حسنته وكذا مرفوعة حماد بن عيسى ورواية محمد بن مسلم وموثقته وغيرها من ما
ذكرناه وما لم نذكره.
وثانيها - الأرضون الموات سواء ملكت ثم باد أهلها أو لم يجر عليها ملك،
قالوا: والمراد بالموات ما لا ينتفع به لعطلته أما لانقطاع الماء عنه أو لاستيلاء الماء
عليه أو لاستئجامه أو نحو ذلك من موانع الانتفاع.
وظاهر تقييدهم باضمحلال أهلها أو عدم جريان الملك عليها أنه لو كان لها
مالك معروف لم تكن كذلك.
ويشكل ذلك بما تقدم في صحيحة أبي خالد الكابلي المتقدمة في القسم الرابع من
أخبار الخمس (2) وقوله عليه السلام فيها بعد أن ذكر أن الأرض كلها لهم (عليهم السلام)
" فمن أحبى أرضا من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله
ما أكل منها، فإن تركها أو أخرجها وأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها
وأحياها فهو أحق بها من الذي تركها يؤدي خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله
ما أكل منها.. الخبر " فإن ظاهره كما ترى أنه بإعراض الأول عنها ورفع يده منها
ولا سيما إذا أخربها فإنها تعود إلى ما كانت عليه من الرجوع إلى الإمام والدخول

(1) الوسائل الباب 1 من الأنفال وما يختص بالإمام.
(2) ص 435
474

في الأنفال فيجوز التصرف فيها لكل من أحياها، وبذلك أيضا صرح جملة من
الأصحاب كما سيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب إحياء الموات.
وكيف كان فقد تقدم في الأخبار ما يدل على هذا الفرد أيضا كالرواية الأولى
والرواية الثالثة، وفيها التقييد بما باد أهلها، ويمكن حمله على الأهل المالكين لها
بالإرث أو الشراء أو نحو ذلك لا بالاحياء، لما ذكرناه من الصحيحة المتقدمة
والرواية السابعة والعاشرة والحادية عشرة - وقد عبر عنها بالأرض التي لا رب لها
والثانية عشرة.
وثالثها - رؤوس الجبال وما يكون بها وكذا بطون الأودية والآجام، والأجمة
الشجر الملتف والجمع أجم مثل قصبة وقصب، والآجام جمع الجمع، كذا ذكره في
كتاب المصباح المنير.
واطلاق النصوص وكلام أكثر الأصحاب يقتضي اختصاصه عليه السلام بهذه
الأنواع الثلاثة من أي أرض كانت، ومنع ابن إدريس من اختصاصه بذلك على
الاطلاق بل قيده بما يكون في موات الأرض أو الأرضين المملوكة للإمام عليه السلام
ورده الشهيد في البيان بأنه يفضي إلى التداخل وعدم الفائدة في ذكر اختصاصه
بهذين النوعين.
قال في المدارك بعد نقل كلام الشهيد المذكور: وهو جيد لو كانت الأخبار
المتضمنة لاختصاصه عليه السلام بذلك على الاطلاق صالحة لاثبات هذا الحكم لكنها
ضعيفة السند، فيتجه المصير إلى ما ذكره ابن إدريس قصرا لما خالف الأصل على
موضع الوفاق. انتهى.
وقال المحقق في المعتبر: قال الشيخان رؤوس الجبال والآجام من الأنفال.
وقيل: المراد به ما كان في الأرض المختصة به. وظاهر كلامهما الاطلاق ولعل مستند
ذلك رواية الحسن بن راشد عن أبي الحسن الأول عليه السلام (1) قال: " وله رؤوس

(1) الوسائل الباب 1 من الأنفال وما يختص بالإمام رقم 4 وهي مرسلة حماد
بطريق الشيخ فإنه يرويها بسنده عن الحسن بن راشد عن حماد. وقد ذكر صاحب
الوسائل هنا طريق الكليني وأشار إلى طريق الشيخ بقوله " ورواه الشيخ كما مر " وهو
إشارة إلى ما ذكره في ذيل الحديث (8) من الباب 1 من قسمة الخمس حيث تعرض
لطريق الشيخ تفصيلا. فإضافته (قدس سره) مرفوعة حماد يمكن أن يكون بالنظر إلى طريق الكليني
475

الجبال وبطون الأودية والآجام " والراوي ضعيف. انتهى. وظاهره الميل إلى
قول ابن إدريس.
أقول: من الأخبار المشتملة على هذه الثلاثة زيادة على رواية الحسن بن راشد
التي ذكرها مرفوعة حماد بن عيسى الطويلة المذكورة في ما قدمناه من الأخبار.
ومنها - ما اشتمل على رؤوس الجبال وبطون الأودية وهي مرسلة أحمد بن
محمد بن عيسى من مال لم نذكره هنا لقوله عليه السلام (1) فيها " وبطون الأودية ورؤوس
الجبال والموات كلها هي له.. الخبر ".
وما رواه الشيخ المفيد في المقنعة عن محمد بن مسلم (2) قال: " سمعت أبا جعفر
عليه السلام.. إلى أن قال: " وسألته عن الأنفال فقال كل أرض خربة أو شئ كأن يكون
للملوك وبطون الأودية ورؤوس الجبال وما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فكل
ذلك للإمام خالصا ".
وقد تقدم في رواية داود بن فرقد المروية في تفسير العياشي عد الثلاثة
المذكورة وفي روايته الثانية عد المعادن والآجام، وقد تقدم في صحيحة حفص وفي
صحيحة محمد بن مسلم وموثقته عد بطون الأودية.
وبذلك يظهر لك ضعف ما صار إليه في المدارك ومثله صاحب المعتبر وأنه
غير معتمد ولا معتبر.
ورابعها - صوافي ملوك الحرب وقطائعهم ما لم تكن مغصوبة من مسلم أو
معاهد، والمراد بالقطائع الأرض التي تختص به، والصوافي ما يصطفيه من الأموال

(1) الوسائل الباب 1 من الأنفال وما يختص بالإمام رقم 17
(2) الوسائل الباب 1 من الأنفال وما يختص بالإمام.
476

يعني يختص به، ومرجع الجميع إلى أن كل ما يختص به سلطان دار الحرب من ما
لا ينقل ولا يحول أو من ما ينقل فهو للإمام (عليه السلام) كما كان للنبي صلى الله عليه وآله
ويدل عليه ما تقدم في مرفوعة حماد بن عيسى وصحيحة داود بن فرقد وموثقة
سماعة بن مهران وموثقة إسحاق بن عمار برواية علي بن إبراهيم وكذا في رواية
العياشي الأولى.
وخامسها - ما يصطفيه من الغنيمة بمعنى أن له أن يصطفي من الغنيمة قبل القسمة
ما يريد من فرس أو ثوب أو جارية أو نحو ذلك.
والروايات به متكاثرة: منها ما تقدم في مرسلة حماد بن عيسى، ومنها صحيحة
ربعي بن عبد الله عن الصادق (عليه السلام) (1) قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا
أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له.. إلى أن قال في آخر الرواية: وكذلك الإمام
(عليه السلام) يأخذ كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله ".
ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " سألته عن صفو
المال قال: الإمام يأخذ الجارية الروقة والمركب الفارة والسيف القاطع والدرع قبل
أن تقسم الغنيمة، فهذا صفو المال ".
وموثقة أبي الصباح (3) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) نحن قوم
فرض الله طاعتنا لنا الأنفال ولنا صفو المال.. الحديث " والظاهر أن عطف
صفو المال على الأنفال من قبيل عطف الخاص على العام تنبيها على مزيد اختصاصه
بهم (عليهم السلام) ردا على العامة حيث إنهم يقولون باختصاص ذلك بالنبي
صلى الله عليه وآله وسقوطه بعده (4).

(1) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس
(2) الوسائل الباب 1 من الأنفال وما يختص بالإمام
(3) الوسائل الباب 2 من الأنفال وما يختص بالإمام
(4) المغني ج 6 ص 409 وبدائع الصنائع ج 7 ص 125
477

وسادسها - غنيمة من غنم بغير إذنه، ذكر ذلك الشيخان والمرتضى وابن
إدريس وغيرهم، وادعى عليه ابن إدريس الاجماع.
ورده المحقق في المعتبر فقال: وبعض المتأخرين يستسلف صحة الدعوى مع انكاره العمل بخبر والواحد فيحتج لقوله بدعوى اجماع الإمامية، وذلك مرتكب فاحش
إذ هو يقول إن الاجماع إنما يكون حجة إذا علم أن الإمام عليه السلام في الجملة فإن كان يعلم
ذلك فهو منفرد بعلمه فلا يكون علمه حجة على من لم يعلم. وظاهره في النافع التوقف
حيث ذكر الحكم المذكور ثم قال: والرواية مقطوعة. وفي الشرائع وافق المشهور.
وقوى العلامة في المنتهى مساواة ما يغنم بغير إذن الإمام عليه السلام لما يغنم بإذنه.
قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه: وهو جيد لاطلاق الآية الشريفة (1)
وخصوص حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (2) " في الرجل من أصحابنا يكون في
لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة؟ قال يؤدي خمسها وتطيب له " انتهى.
وأيده بعضهم أيضا بقول أبي جعفر عليه السلام في صحيحة علي بن مهزيار الطويلة
المتقدمة في بحث خمس الأرباح في عداد ما يجب فيه الخمس (3) " ومثل عدو يصطلم
فيؤخذ ماله ".
أقول: والظاهر أن منشأ هذا الخلاف إنما هو من حيث إنهم لم يقفوا على
دليل لهذا الحكم إلا مرسلة العباس الوراق المتقدمة (4) وهي ضعيفة باصطلاحهم سيما
مع معارضتها بظاهر حسنة الحلبي المذكورة، وأنت خبير بأنه قد تقدم في صحيحة معاوية
ابن وهب أو حسنته بإبراهيم بن هاشم ما يدل على ما دلت عليه رواية الوراق وحينئذ فلا
يتم لهم الطعن في دليل القول المشهور بضعف السند بناء على أنه لا دليل عليه إلا الرواية
التي ذكروها لصحة هذه الرواية التي ذكرناها كما هو الحق وبه صرح جملة من محققي الأصحاب أو

(1) وهي قوله تعالى " واعلموا أنما غنمتم.. " سورة الأنفال الآية 43
(2) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس
(3) ص 439
(4) ص 472
478

حسنها الذي يعدونه أيضا في مرتبة الصحيح فإنه لا راد منهم لرواية علي بن إبراهيم
وإن عدوها في الحسن، إلا أن صاحب المدارك كلامه مضطرب فيه ولا عبرة به،
على أن هذا الطعن لا يقوم حجة على الشيخ وأمثاله من المتقدمين الذين لا أثر لهذا
الاصطلاح الذي هو إلى الفساد أقرب منه إلى الصلاح عندهم.
بقي الكلام في ما دلت عليه حسنة الحلبي ويمكن حملها على تحليله عليه السلام لذلك
الرجل بخصوصه حيث إنه من الشيعة حقه من ذلك دون الحق المشترك بينه
وبين غيره.
وأما التأييد بما في صحيحة علي بن مهزيار فالظاهر بعده بل الظاهر أن المراد
بالعدو هنا إنما هو المخالف كما أشرنا إليه سابقا لا الكافر المشرك.
وسابعها - ميراث من لا وارث له، قال في المنتهى: ذهب علماؤنا أجمع إلى أنه
يكون للإمام خاصة ينقل إلى بيت ماله وخالف فيه الجمهور كافة (1)
ويدل على ذلك ما تقدم (2) من رواية أبان بن تغلب، وما رواه الشيخ في
الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (3) قال: " من مات وليس له وارث
من قبل قرابته ولا مولى عتاقة ولا ضامن جريرة فما له من الأنفال " وفي رواية
حماد بن عيسى الطويلة (4) قال: " وهو وارث من لا وارث له ".
وثامنها - المعادن قاله الشيخان وبه صرح ثقة الاسلام في الكافي ونقله في
المختلف أيضا عن سلار ونقله بعض أفاضل متأخري المتأخرين عن علي بن إبراهيم

(1) في المغني ج 6 ص 303: ومتى مات الذي ولا وارث له كان ماله فيئا، وكذلك
ما فضل من ماله عن وراثه كمن ليس له وارث إلا أحد لزوجين فإن الفاضل عن ميراثه
يكون فيئا، لأنه مال ليس له مستحق معين فكان فيئا كمال الميت المسلم الذي لا وارث له.
(2) ص 472
(3) الوسائل الباب 3 من ولاء ضمان الجريرة والإمامة
(4) الوسائل الباب 1 من الأنفال وما يختص بالإمام.
479

ابن هاشم، ولعله لروايته ذلك في كتاب التفسير كما قدمناه (1) وإلا فلم أقف على
من نسبه إليه.
وقال المحقق في المعتبر بعد نقل ذلك عن الشيخين: فإن كانا يريدان ما يكون
في الأرض المختصة به أمكن أما ما يكون في أرض لا تختص بالإمام فالوجه أنه لا يختص
به لأنه أموال مباحة تستحق بالسبق إليها والاخراج لها، والشيخان يطالبان بدليل
ما أطلقاه. انتهى.
أقول: دليلهما ما تقدم في رواية علي بن إبراهيم وروايتي العياشي ولكنه
(قدس سره) لم يقف على هذه الأخبار.
فإن قيل: إن وجوب الخمس في المعادن كما تقدم ينافي ما ذهبوا إليه من كونها
للإمام عليه السلام إذ لا معنى لوجوب الخمس في ماله (عليه السلام) على الغير.
قلت: إن في عبارة شيخنا المفيد في المقنعة وكذا عبارة شيخنا ثقة الاسلام
ما يتضمن الجواب عن ذلك حيث صرحا بعد عد الآجام والمعادن والمفاوز والبحار
بأن من عمل في شئ منها بإذن الإمام فلهم أربعة أخماس وللإمام خمس يعمل فيه ما يعمل
في الخمس الذي تقدم البحث فيه ومن عمل فيها بغير إذنه فالجميع للإمام، وعلى هذا فتحمل
أخبار وجوب الخمس في المعادن على ما إذا وقع التصرف فيها بإذنه (عليه السلام)
وبالجملة فإنه يصير الحكم فيها عين ما تقدم في الغنيمة بإذنه وبغير إذنه. نعم يبقى الكلام
في أن هذا التفصيل الذي ذكراه (رضي الله عنهما) إنما يجري حال وجوده (عليه
السلام) والحال أن أخبار وجوب الخمس في المعادن وغيرها من ما تقدم دالة على
العموم والاستمرار في جميع الأوقات، ومقتضى ما سيأتي بيانه إن شاء الله من حل
الأنفال للشيعة زمان الغيبة سقوط الخمس منها وهو خلاف ظواهر تلك الأخبار.
والجواب أن وجوب الخمس تابع لمشروعية التصرف الذي يحصل حال
وجود الإمام عليه السلام بإذنه وحال غيبته بتحليله، وكون ذلك من الأنفال مع تحليل

(1) ص 473
480

التصرف فيها زمن الغيبة لا يقتضي سقوط الخمس إذ لا ينقص هذا التحليل عن
إذنه حال وجوده بل الأمر فيهما واحد، فتكون أخبار وجوب الخمس جارية على
ظاهرها في الحالين، وإنما يخرج من ذلك ما لو وقع التصرف على خلاف الوجه
الشرعي الموجب لبطلانه ورجوع ذلك إلى المالك، كتصرف من تصرف في حال
وجوده بغير إذنه، وتصرف من لم يحلوا له التصرف زمان الغيبة من المخالفين، فإن
الجميع له عليه السلام في الصورتين.
نعم بقي أيضا أن الشيخين المشار إليهما قد عدا البحار من جملة الأنفال وأجريا
الحكم الذي ذكراه فيها أيضا ولم أقف على نص يدل على عدها في الأنفال.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن ظاهر المشهور هنا هو تحليل ما يتعلق من الأنفال
بالمناكح والمساكن والمتاجر خاصة وأن ما عدا ذلك يجري فيه الخلاف على نحو
ما تقدم في الخمس، وظاهر جملة من متأخري المتأخرين القول بالتحليل في الأنفال
مطلقا وهو الظاهر من الأخبار، ويدل عليه جملة من الروايات التي قدمناها في القسم
الرابع من روايات الخمس كرواية يونس بن ظبيان أو المعلي بن خنيس وصحيحة
أبي خالد الكابلي وصحيحة عمر بن يزيد (1) ومنها الأخبار الكثيرة الواردة في
احياء الموات (2) وما ورد في ميراث من لا وارث له (3) ونحو ذلك. والله العالم.
هذا آخر ما انتهى إليه الكلام في المقام ويتلوه إن شاء الله تعالى كتاب
الصيام بتوفيق الملك العلام والحمد لله وحده وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
وسلم تسليما.

(1) ص 434 و 435
(2) الوسائل الباب 4 من احياء الموات
(3) الوسائل الباب 3 من ولاء ضمان الجريرة والإمامة
481

استدراكات
نستدرك هنا ما فاتنا التنبيه عليه في محله والترتيب بحسب أرقام الصفحات
(1) جاء ص 39 في حديث زرارة هكذا: (قال قلت لأبي جعفر، كما في
التهذيب ج 1 ص 357 عن الكليني والوافي باب (زكاة المال الغائب والدين والوديعة)
ولكن في الفروع ج 1 ص 146 و 147 والوسائل (قال قلت لأبي عبد الله).
(2) وردت ص 67 س 18 عبارة الصحاح وهي في الخطية أكثر من ما ورد
في المطبوعة كما أن فيها عبارة القاموس أيضا، وفي الخطبة هكذا: (وفي الصحاح أن
الجذع يقال لولد الشاة في السنة الثانية. ثم قال: وقد قيل في ولد النعجة أنه بخدع
في سنة أشهر أو سبعة وذلك جائز في الأضحية. وفي القاموس أنه يقال لولد الشاة
في السنة الثانية. وفي النهاية...).
(3) إنما خرجنا صحيحة زرارة ص 121 من الإستبصار دون التهذيب لأن
قوله: (تجب عليه في جميعه في كل صنف منه الزكاة) ليس في التهذيب.
(4) جاء ص 226 في عبارة المنتهى هكذا: (كقوله إنما الخلافة لقريش)
وقد رواه ابن الأثير في النهاية في مادة (حكم) عن النبي صلى الله عليه وآله باللفظ الآتي (الخلافة
في قريش).
(5) أوردنا اسم الراوي في الحديث رقم (3) ص 226 هكذا (عتيبة بن
عبد الله) لاختلاف كتب الحديث في اسمه وأنه شخص واحد أو شخصان يروي
أحدهما عن الآخر فأوردناه كما في الفروع ج 1 ص 155 راجع التهذيب ج 1
ص 377 والفقيه ج 2 ص 18 أيضا.
(6) جاء ص 251 هكذا: (الثانية عشرة - الظاهر أنه...) وفي الخطبة
482

(الثانية عشرة - المشهور أنه...).
(7) جاء ص 252 س 12 هكذا (مضافا إلى اتفاق الأصحاب ظاهرا على
فلك، وفي الخطية هكذا: (مضافا إلى شهرة الحكم بين الأصحاب ظاهرا).
(8) ورد ص 269 س 13 نقلا من المعتبر هكذا، لأنا لا نسلم) وفي
المعتبر (لأنا نمنع).
(9) وردت آية الخمس ص 320 وهكذا في ما بعد ذلك من الموارد هكذا
(واعملوا أنما...) تبعا لنسخ المصاحف مع أن أصل اللفظ هكذا (إن ما).
(10) ورد ص 326 في حديث البزنطي (والناس يقولون لا تصلح قالة
الأرض والنخل) وقد علقنا عليه بالتعليقة رقم (2) لبيان المصدر لذلك من كتب
العامة وقد جاءت التعليقة بالنحو المذكور اشتباها والصحيح في التعليقة هكذا
(الأموال ص 69 و 70) فإن المطلب المذكور في الحديث مذكور هناك عينا.
(11) جاء ص 330 في الحديث رقم (2) هكذا (عن ما أخرج من المعدن)
تبعا للنسخة المطبوعة والمخطوطة، وفي كتب الحديث (عن ما أخرج المعدن).
(12) ورد ص 338 ما مضمونه ورود النصوص غير خبر الكيس
بتصديق المدعى لشئ بلا معارض وقد أوردنا في التعليقة رقم (1) أنه يمكن أن
يريد بذلك اطلاق موثقة إسحاق وصحيحة محمد بن قيس ولكن الظاهر أنه يريد
بالنصوص ما أورده في تصديق مدعي الفقر ص 165 و 166.
(13) جاء ص 349 س 13 في صحيحة علي بن مهزيار هكذا (وإنما
أوجبت) كما في الوسائل والتهذيب ج ص 390، وفي الوافي باب (تحليلهم الخمس
لشيعتهم) والاستبصار ج 2 ص 61 والمنتقى هكذا: (وإنما أوجب) راجع عبارة
المنتقى المتقدمة ص 356 س 1
(14) ورد ص 368 س 7 الرقم (1) للتعليق بتعيين موضع الرواية وقد
غفلنا عن ذلك كما حصل اشتباه في الأرقام، وموضعها المتقدم ص 364.
483

(15) جاء ص 370 س 11 في حديث ابن بكير هكذا: (واليتامى يتامى
الرسول) كما في الوسائل ولكن في التهذيب ج 1 ص 385 والوافي باب مصرف
الخمس (يتامى آل الرسول) كما ورد ص 421 س 4.
(6) جاء ص 376 س 10 في حديث زكريا بن مالك (وأما المساكين
وأبناء السبيل) كما في الفقيه ج 2 ص 22، وفي التهذيب ج 1 ص 385 (وأما المساكين
وابن السبيل).
(17) جاء ص 377 أن جميع ما تضمنته (رواية زكريا بن مالك الجعفي) من
المخالفات لمذهبنا إنما ينطبق على مذهب العامة. وقد ذكر (قدس سره) في تضعيف
الرواية إنما تشتمل على أحكام ثلاثة لا يلتزم بها فقهاء الشيعة: جعل سهم الله
للرسول صلى الله عليه وآله بأن يصرفه في سبيل الله والحكم بأن خمس الرسول صلى الله عليه وآله لأقاربه
وجعل سهم ذي القربى لجميع أقربائه صلى الله عليه وآله أقول: أما الحكم الثالث فقد بينا في
التعليقة (1) ص 376 مصير العامة إليه، وأما الحكم الأول ففي المغني ج 6 ص 406
قيل: سهم الله مردود على عباد الله أهل الحاجة، وقال أبو العالية سهم الله هو أنه إذا
عزل الخمس ضرب بيده فيما قبض عليه من شئ جعله للكعبة. ولم أقف في ما
حضرني من كتبهم على أزيد من ذلك. وأما الحكم الثاني فلم أقف عليه أيضا في ما
حضرني من كتبهم بنحو الفتوى، نعم في حديث لابن عباس ذكره في الأموال
ص 325: أن الخمس يقسم أربعة أقسام، ثم قال: فما كان لله وللرسول منها فهو
لقرابة النبي صلى الله عليه وآله ولم يأخذ النبي صلى الله عليه وآله من الخمس شيئا.
(18) ورد ص 394 س 10 في كلام ابن إدريس هكذا: (في كتاب
التمسك) وفي الكنى والألقاب ج 1 ص 190 (المتمسك).
(19) أوردنا عبارة المختلف ص 394 هكذا: (فلا يقال تميمي إلا لمن
انتسب إلى تميم بالأب ولا حارثي إلا لمن أنتسب إلى حارث بالأب) تطبيقا على
المختلف، وفي المخطوطة والمطبوعة (إلا إذا انتسب) في الموردين.
484

(20) جاء في عبارة المختلف ص 394 في مرسلة حماد (فإن الصدقة كما في
التهذيب ج 1 ص 386، وفي الأصول ج 5 ص 540 (فإن الصدقات).
(21) ورد ص 400 حديث العيون والاحتجاج وكانت بعض الألفاظ فيه
مخالفة لما ورد في الكتابين فأوردناها كما وردت في الكتابين كقوله (يا بني
رسول الله) و (أنتم بنو على) وفي المخطوطة والمطبوعة (يا ابن رسول الله) و (أنتم
من على) ومن ما ينبغي التنبيه له في المقام أن الحديث محكي عن الإمام موسى عليه السلام ولذا
جاء التعبير فيه في الكتابين هكذا (قال... فقلت) وفي الحدائق أورد الحديث
محكيا عن الإمام عليه السلام فلذا عبر فيه أولا هكذا: (قال... فقال) ثم غير التعبير
فقال في مقام الحكاية عن الإمام عليه السلام (فقلت) مع أن الوجه أن يجري على التعبير
الأول ولكنا أبقينا ذلك كما أورده (قدس سره). وقد ورد في المخطوطة
والمطبوعة هكذا: (وكذلك أزيدك، إلا أنه لما لم يكن لفظ وكذلك) في العيون
والاحتجاج حذفناه في هذه الطبعة.
(22) ورد ص 401 في آخر حديث العيون والاحتجاج هكذا: (فالأبناء
هم الحسن والحسين..) وهو تلخيص لما ورد في الكتابين واللفظ فيهما هكذا:
(فكان تأويل قوله تعالى (أبناءنا) الحسن والحسين (ونساءنا) فاطمة و (أنفسنا)
علي بن أبي طالب عليه السلام) فأبقينا ذلك على حاله لأنه نقل بالمعنى إلا أنا حذفنا لفظ
(وأنفسكم) لعدم وجوده في الكتابين ولعدم دخله في المراد من لفظ (وأنفسنا).
(23) ورد ص 403 في آخر حديث العياشي هكذا: (وقليل من عبادي
الشكور وآل عمران وآل محمد) لوروده في تفسير العياشي كذلك ولم يرد لفظ
(وآل عمران وآل محمد) في نسخ الحدائق المخطوطة والمطبوعة.
(24) ورد ص 418 س 7 هكذا: (كما هو الشائع الذائع المعتضد بالآية)
كما في المخطوطة، وفي المطبوعة هكذا: (كما هو الشائع الذائع كما قرر في محله
المعتضد بالآية، وحيث إن لفظ (كما قرر في محله) لا مورد له ظاهرا أوردنا
485

العبارة كما في المخطوطة.
(25) ورد ص 428 س 15 (ما رواه في الكافي والتهذيب بسنده في الأول
إلى محمد بن سنان وفي الثاني بسنده إلى حكيم مؤذن بني عبس) وفي كليهما ينتهي السند
إلى محمد بن سنان عن عبد الصمد بن بشير عن حكيم إلا أن في طريق الكليني إلى محمد
ابن سنان محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد، وفي طريق الشيخ علي بن الحسن بن فضال
عن الحسن بن علي بن يوسف.
(26) ورد ص 431 الحديث رقم (2) هكذا: (وما رواه الصدوق في
كتاب كمال الدين وتمام النعمة، كما هو اسم الكتاب، وحيث يقال له (اكمال الدين
واتمام النعمة) أورده بهذا الاسم ص 427.
(27) ورد ص 433 س 2 هكذا (فإنهما عنيا بحاجتهما) بالعين المهملة كما
ضبطه في الوافي باب (تحليلهم الخمس لشيعتهم)، وفي الأصول ج 1 ص 546 الطبع
الحديث ضبط بالغين المعجمة وبين معناه في التعليقة رقم (2).
(28) جاء ص 433 س 15 هكذا (وحله من الباقي) وفي المخطوطة والمطبوعة
(وحلله من الباقي) وحيث إن ظاهره لم يكن ينسجم لاستلزامه عطف الفعل على
المصدر احتملنا أن يكون قد عرضه التصحيف ولذا أوردناه كذلك، ويحتمل أن
يكون اللفظ الأصلي (وتحليله) فصار كذلك.
(29) ورد ص 441 س 10 هكذا: (أولوية إباحة أنسابهم) تبعا للمطبوعة
وفي المخطوطة (أولوية أنسابهم).
(30) جاء العنوان ص 448 هكذا (الجواب عن ما يظهر من بعض أخبار
القسم الثالث ودفعه) والصحيح فيه كالآتي (جواب الشيخ البحراني عن حديث محمد
ابن زيد ودفعه).
(31) جاء نقل شئ من حديث محمد بن زيد ص 449 وفيه نقص واللفظ
هكذا: (جعله الله لنا وجعلنا له وهو الخمس لا نجعل...).
486

(32) ورد ص 454 في رواية محمد بن علي بن شجاع قوله عليه السلام (إن لي منه
الخمس) والوارد كما تقدم ص 420 هكذا: (لي منه الخمس) وكذا في رواية أبي على
ابن راشد الوارد هكذا كما تقدم ص 420 (أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقك).
(33) ورد ص 454 س 21 في كلام صاحب الذخيرة ذكر رواية يونس ولم
ترد هذه الرواية في كلام المصنف (قدس سره) ولا في كتب الحديث وإنما رواها
المحقق في المعتبر في الروايات الواردة في قسمة الخمس.
(34) ورد ص 459 في رواية حماد س 5 هكذا: (على الكتاب والسنة،
بدل (على الكفاف والسعة) كما تقدم ص 422، وقد ورد ذلك في بعض نسخ
الأصول كما جاء في التعليقة 3 ص 540 من أصول الكافي ج 1 الطبع الحديث.
(35) جاء ص 461 س 6 هكذا: (لكون ذلك في مقابلة الزيادة لعامهم)
تبعا للمطبوعة، وفي المخطوطة كالآتي (لكون ذلك في مقابلة الزيادة التي يأخذها مع
الزيادة عن مؤنتهم لعامهم).
(36) ورد ص 469 س 10 هكذا: لم يرد إلا في مرسلة أحمد بن محمد
ومرفوعة حماد بن عيسى) وهو جرى على خلاف الاصطلاح وكذا في الصفحة
474 س 8 و ص 476 س 4.
(37) جاء ص 472 أن ما تضمنه خبرا محمد بن مسلم وحريز من كون نصف
الأنفال يقسم بين الناس لعله خرج مخرج التقية أو أن الإمام يقسمه تفضلا. وفاتنا
التعليق على ذلك في محله فنقول هنا: ذكر في بدائع الصنائع ج 7 ص 116 أن الفئ -
ويقصد به الأنفال في كلامهم - لرسول الله صلى الله عليه وآله خاصة يتصرف فيه كيف شاء يختصه
لنفسه أو يفرقه في من شاء، قال الله تعالى (وما أفاء الله على رسوله منهم فما
أوجفتم..) ثم قال: ثم الفرق بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبين الأئمة في المال المبعوث
إليهم من أهل الحرب أنه يكون لعامة المسلمين وكان لرسول الله صلى الله عليه وآله خاصة.
487

لفت نظر
أوردنا في الاستدراك (13) ج 11: أن حديث ابن سنان الوارد ص 172
لم نجده في الكافي في مظانه وقد وقفنا أخيرا عليه في الفروع ج 2 ص 94 باب حق
الأولاد من كتاب العقيقة.
488