الكتاب: رياض المسائل
المؤلف: السيد علي الطباطبائي
الجزء: ١٣
الوفاة: ١٢٣١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢٢
المطبعة:
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك: ٩٦٤-٤٧٠-٠٤٦-٥
ملاحظات:

627
رياض المسائل
تأليف
الفقيه المدقق
السيد علي الطباطبائي
المتوفي سنة 1231 ه‍ ق
الجزء الثالث عشر
تحقيق
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة
1

شابك 5 - 046 - 470 - 964
ISBN 964 - 470 - 046 - 5
رياض المسائل
في بيان
أحكام الشرع بالدلائل
(ج 13)
* المؤلف: الفقيه المدقق السيد علي الطباطبائي قدس سره
* الموضوع: الفقه
* تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي
* عدد الصفحات: 648
* الطبعة: الأولى
* المطبوع: 1000 نسخة
* التاريخ: 1422 ه‍ ق
* السعر: 2100 تومانا
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
2

بسم الله الرحمن الرحيم
خدمة للقارئ الكريم ننقل متن كتاب «المختصر النافع» للمحقق
الحلي (قدس سره) - وهي النسخة المطبوعة المتداولة - بقدر ما جاء في هذا
الجزء من «رياض المسائل» لآية الله السيد علي الطباطبائي (رحمه الله)،
ولا يخفى أن بين النسخة المذكورة والنسخ المتعددة من الرياض
اختلافات لم نذكر مواردها بل تركناها للقارئ العزيز.
كتاب القضاء
والنظر في الصفات، والآداب، وكيفية الحكم، وأحكام الدعوى.
والصفات ست
التكليف، والإيمان، والعدالة، وطهارة المولد، والعلم، والذكورة.
ويدخل في العدالة اشتراط الأمانة والمحافظة على الواجبات.
ولا ينعقد إلا لمن له أهلية الفتوى، ولا يكفيه فتوى العلماء.
ولا بد أن يكون ضابطا، فلو غلبه النسيان لم ينعقد له القضاء.
وهل يشترط علمه بالكتابة؟ الأشبه: نعم، لاضطراره إلى ما لا
يتيسر لغير النبي (صلى الله عليه وآله) إلا بها. ولا ينعقد للمرأة. وفي انعقاده للأعمى
تردد، والأقرب: أنه لا ينعقد لمثل ما ذكرناه في الكتابة. وفي اشتراط
الحرية تردد، الأشبه: أنه لا يشترط.
ولا بد من إذن الإمام، ولا ينعقد بنصب العوام له. نعم لو تراضى اثنان
بواحد من الرعية فحكم بينهما لزم.
ومع عدم الإمام (عليه السلام) ينفذ قضاء الفقيه من فقهاء أهل البيت (عليهم السلام)
3

الجامع للصفات. وقبول القضاء عن السلطان العادل مستحب لمن يثق
بنفسه، وربما وجب.
النظر الثاني في الآداب
وهي مستحبة ومكروهة.
فالمستحب: إشعار رعيته بوصوله إن لم يشتهر خبره. والجلوس في
قضائه مستدبر القبلة، وأن يأخذ ما في يد المعزول من حجج الناس
وودائعهم، والسؤال عن أهل السجون وإثبات أسمائهم والبحث عن
موجب اعتقالهم ليطلق من يجب إطلاقه، وتفريق الشهود عند الإقامة،
فإنه أوثق، خصوصا في موضع الريبة، عدا ذوي البصائر، لما يتضمن
من الغضاضة، وأن يستحضر من أهل العلم من يخاوضه في المسائل
المشتبهة.
والمكروهات: الاحتجاب وقت القضاء، وأن يقضي مع ما يشغل
النفس كالغضب والجوع والعطش والغم والفرح والمرض وغلبة النعاس،
وأن يرتب قوما للشهادة، وأن يشفع إلى الغريم في إسقاط أو إبطال.
مسائل:
الأولى: للإمام (عليه السلام) أن يقضي بعلمه مطلقا في الحقوق ولغيره (عليه السلام) في
حقوق الناس، وفي حقوق الله قولان.
الثانية: إن عرف عدالة الشاهدين حكم، وإن عرف فسقهما أطرح،
وإن جهل الأمرين فالأصح: التوقف حتى يبحث عنهما.
الثالثة: تسمع شهادة التعديل مطلقة، ولا تسمع شهادة الجرح
إلا مفصلة.
4

الرابعة: إذا التمس الغريم إحضار الغريم وجب إجابته ولو كان امرأة
إن كانت برزة. ولو كان مريضا أو امرأة غير برزة استناب الحاكم من
يحكم بينهما.
الخامسة: الرشوة على الحاكم حرام، وعلى المرتشي إعادتها.
النظر الثالث في كيفية الحكم
وفيه مقاصد:
الأول في وظائف الحاكم، وهي أربع:
الأولى: التسوية بين الخصوم في السلام والكلام والمكان والنظر،
والإنصات والعدل في الحكم. ولو كان أحد الخصمين كافرا جاز أن
يكون الكافر قائما والمسلم قاعدا أو أعلى منزلا.
الثانية: لا يجوز أن يلقن أحد الخصمين شيئا يستظهر به على خصمه.
الثالثة: إذا سكتا استحب له أن يقول: تكلما، أو إن كنتما حضرتما
لشئ فاذكراه، أو ما ناسبه.
الرابعة: إذا بدر أحد الخصمين سمع منه، ولو قطع عليه غريمه منعه
حتى تنتهي دعواه وحكومته. ولو ابتدرا الدعوى سمع من الذي عن
يمين صاحبه. وإن اجتمع خصوم كتب أسماء المدعين واستدعى من
يخرج اسمه.
المقصد الثاني في جواب المدعى عليه:
وهو إما إقرار، أو إنكار، أو سكوت.
أما الإقرار، فيلزم إذا كان جائز الأمر، رجلا كان أو امرأة، فإن
التمس المدعي الحكم به حكم له.
ولا يكتب على المقر حجة إلا بعد المعرفة باسمه ونسبه، أو يشهد
5

بذلك عدلان إلا أن يقنع المدعي بالحلية. ولو امتنع المقر من التسليم أمر
الحاكم خصمه بالملازمة. ولو التمس حبسه حبس، ولو ادعى الإعسار
كلف البينة، ومع ثبوته ينظر. وفي تسليمه إلى الغرماء رواية، وأشهر
منها: تخليته. ولو ارتاب بالمقر توقف في الحكم حتى يستبين حاله.
وأما الإنكار، فعنده يقال للمدعي: ألك بينة؟ فإن قال: نعم، أمر
بإحضارها، فإذا حضرت سمعها. ولو قال: البينة غائبة، أجل بمقدار
إحضارها. وفي تكفيل المدعى عليه تردد. ويخرج من الكفالة عند
انقضاء الأجل، وإن قال: لا بينة، عرفه الحاكم أن له اليمين. ولا يجوز
إحلافه حتى يلتمس المدعي. فإن تبرع أو أحلفه الحاكم لم يعتد بها،
وأعيدت مع التماس المدعي.
ثم المنكر: إما أن يحلف أو يرد أو ينكل. فإن حلف سقطت
الدعوى، ولو ظفر له المدعي بمال لم يجز له المقاصة، ولو عاود
الخصومة لم تسمع دعواه. ولو أقام بينة لم تسمع. وقيل: يعمل بها ما لم
يشترط الحالف سقوط الحق بها. ولو أكذب نفسه جاز مطالبته وحل
مقاصته، فإن رد اليمين على المدعي صح، فإن حلف استحق، وإن امتنع
سقطت دعواه. ولو نكل المنكر عن اليمين وأصر قضي عليه بالنكول،
وهو المروي. وقيل: يرد اليمين على المدعي، فإن حلف ثبت حقه، وإن
نكل بطل. ولو بذل المنكر اليمين بعد الحكم بالنكول لم يلتفت إليه. ولا
يستحلف المدعي مع بينة إلا في الدين على الميت يستحلف على بقائه
في ذمته استظهارا.
وأما السكوت، فإن كان لآفة توصل إلى معرفة إقراره أو إنكاره،
ولو افتقر إلى مترجم لم يقتصر على الواحد،، ولو كان عنادا حبسه
حتى يجيب.
6

المقصد الثالث في كيفية الاستحلاف:
ولا يستحلف أحد إلا بالله ولو كان كافرا، لكن إن رأى الحاكم
إحلاف الذمي بما يقتضيه دينه أردع جاز. ويستحب للحاكم تقديم
العظة. ويجزيه أن يقول: والله ما له قبلي كذا.
ويجوز تغليظ اليمين بالقول والزمان والمكان. ولا تغليظ لما دون
نصاب القطع.
ويحلف الأخرس بالإشارة، وقيل: يوضع يده على اسم الله تعالى
في المصحف. وقيل: يكتب اليمين في لوح ويغسل ويؤمر بشربه بعد
إعلامه، فإن شربه كان حالفا، وإن امتنع ألزم الحق.
ولا يحلف الحاكم أحدا إلا في مجلس قضائه إلا معذورا كالمريض
أو امرأة غير برزة.
ولا يحلف المنكر إلا على القطع. ويحلف على فعل غيره على نفي
العلم كما لو ادعى على الوارث فأنكر، أو ادعى أن يكون وكيله قبض
أو باع.
وأما المدعي ولا شاهد له، فلا يمين عليه إلا مع الرد أو مع نكول
المنكر على قول، ويحلف على الجزم.
ويكفي مع الإنكار الحلف على نفي الاستحقاق. ولو ادعى المنكر
الإبراء أو الأداء انقلب مدعيا والمدعي منكرا، فيكفيه اليمين على
بقاء الحق.
ولا يتوجه على الوارث بالدعوى على موروثه إلا مع دعوى علمه
بموجبه أو إثباته وعلمه بالحق وأنه ترك في يده مالا.
ولا تسمع الدعوى في الحدود مجردة عن البينة، ولا يتوجه بها
يمين على المنكر.
7

ولو ادعى الوارث لموروثه مالا سمع دعواه سواء كان عليه دين
يحيط بالتركة أو لم يكن.
ويقضى بالشاهد واليمين في الأموال والديون. ولا يقبل في غيره
مثل: الهلال والحدود والطلاق والقصاص.
ويشترط شهادة الشاهد أولا وتعديله، ولو بدأ باليمين وقعت لاغية،
ويفتقر إلى إعادتها بعد الإقامة. ولا يحلف مع عدم العلم، ولا يثبت
مال غيره.
مسألتان:
الأولى: لا يحكم الحاكم بإخبار لحاكم آخر، ولا بقيام البينة بثبوت
الحكم عند غيره. نعم لو حكم بين الخصوم وأثبت الحكم وأشهد على
نفسه فشهد شاهدان بحكم عند آخر وجب على المشهود عنده إنفاذ
ذلك الحكم.
الثانية: القسمة تميز الحقوق، ولا يشترط حضور قاسم، بل هو
أحوط، فإذا عدلت السهام كفت القرعة في تحقق القسمة، وكل ما
يتساوى أجزاؤه يجبر الممتنع على قسمته كالحنطة والشعير. وكذا ما لا
يتساوى أجزاؤه إذا لم يكن في القسمة ضرر كالأرض والخشب، ومع
الضرر لا يجبر الممتنع.
المقصد الرابع في الدعوى
وهي يستدعي فصولا:
الأول في المدعي، وهو الذي يترك لو ترك الخصومة. وقيل: هو
الذي يدعي خلاف الأصل أو أمرا خفيا.
8

ويشترط التكليف، وأن يدعي لنفسه أو لمن له ولاية الدعوى عنه،
وإيراد الدعوى بصيغة الجزم وكون المدعى به مملوكا. ومن كانت دعواه
عينا فله انتزاعها. ولو كان دينا والغريم مقر باذل أو مع جحوده عليه
حجة لم يستقل المدعي بالانتزاع من دون الحاكم. ولو فات أحد
الشروط وحصل للغريم في يد المدعي مال كان له المقاصة ولو كان من
غير جنس الحق.
وفي سماع الدعوى المجهولة تردد، أشبهه: الجواز.
مسائل:
الأولى: من انفرد بالدعوى لما لا يد عليه قضي له به، ومن هذا أن
يكون بين جماعة كيس فيدعيه أحدهم.
الثانية: لو انكسرت سفينة في البحر فما أخرجه البحر فهو لأهله،
وما أخرج بالغوص فهو لمخرجه. وفي الرواية ضعف.
الثالثة: روي في رجل دفع إلى رجل دراهم بضاعة يخلطها بماله
ويتجر بها، فقال: ذهبت، وكان لغيره معه مال كثير فأخذوا أموالهم، قال:
يرجع عليه بماله ويرجع هو على أولئك بما أخذوا. ويمكن حمل ذلك
على من خلط المال ولم يأذن له صاحبه وأذن الباقون.
الرابعة: لو وضع المستأجر الأجرة على يد أمين فتلفت كان
المستأجر ضامنا إلا أن يكون الآجر دعاه إلى ذلك فحقه حيث وضعه.
الخامسة: يقضى على الغائب مع قيام البينة، ويباع ماله، ويقضى
دينه، ويكون الغائب على حجته، ولا يدفع إليه المال إلا بكفلاء.
الفصل الثاني في الاختلاف في الدعوى، وفيه مسائل:
الأولى: لو كان في يد رجل وامرأة جارية فادعى أنها مملوكته
9

وادعت المرأة حريتها وأنها بنتها، فإن أقام أحدهما بينة قضي له وإلا
تركت الجارية حتى تذهب حيث شاءت.
الثانية: لو تنازعا عينا في يدهما قضي لهما بالسوية، ولكل منهما
إحلاف صاحبه. ولو كانت في يد أحدهما قضي بها للمتشبث، وللخارج
إحلافه. ولو كانت في يد ثالث وصدق أحدهما قضي له، وللآخر
إحلافه. ولو صدقهما قضي لهما بالسوية، ولكل منهما إحلاف الآخر.
وإن كذبهما أقرت في يده.
الثالثة: إذا تداعيا خصا قضي لمن إليه القمط، وهي رواية عمرو بن
شمر عن جابر، وفي عمرو ضعف. وعن منصور بن حازم عن أبي
عبد الله (عليه السلام) أن عليا (عليه السلام) قضى بذلك، وهي قضية في واقعة.
الرابعة: إذا ادعى أبو الميتة عارية بعض متاعها كلف البينة وكان
كغيره من الأنساب. وفيه رواية بالفرق ضعيفة.
الخامسة: إذا تداعى الزوجان متاع البيت فله ما للرجال، ولها ما
للنساء، وما يصلح لهما يقسم بينهما. وفي رواية: هو للمرأة وعلى
الرجال البينة. وفي المبسوط: إذا لم يكن بينة ويدهما عليه كان بينهما.
الثالث في تعارض البينات:
يقضى مع التعارض للخارج إذا شهدتا بالملك المطلق على الأشبه.
ولصاحب اليد لو انفردت بينته بالسبب كالنتاج وقديم الملك. وكذا
الابتياع. ولو تساويا في السبب فروايتان، أشبههما: القضاء للخارج.
ولو كانت يداهما عليه قضي لكل منهما بما في يد الآخر، فيكون بينهما
نصفين.
ولو كان المدعى به في يد ثالث قضي بالأعدل فالأكثر، فإن تساويا
10

عدالة وكثرة أقرع بينهما، فمن خرج اسمه أحلف وقضي له، ولو امتنع
أحلف الآخر، ولو امتنعا قسم بينهما. وفي المبسوط: يقرع بينهما إن
شهدتا بالملك المطلق، ويقسم إن شهدتا بالملك المقيد. والأول أشبه.
* * *
كتاب الشهادات
والنظر في أمور أربعة:
الأول: في صفات الشاهد
وهي ستة:
الأول البلوغ، فلا تقبل شهادة الصبي ما لم يصر مكلفا.
وقيل: تقبل إذا بلغ عشرا، وهو شاذ. واختلفت عبارة الأصحاب في
قبول شهادتهم في الجنايات، ومحصلها القبول في الجراح مع بلوغ
العشر ما لم يختلفوا، ويؤخذ بأول قولهم، وشرط الشيخ في الخلاف:
أن لا يفترقوا.
الثاني كمال العقل، فالمجنون لا تقبل شهادته، ومن يناله الجنون
أدوارا تقبل في حال الوثوق باستكمال فطنته.
الثالث الإيمان، فلا تقبل شهادة غير المؤمن. وتقبل شهادة الذمي في
الوصية خاصة مع عدم المسلم. وفي اعتبار الغربة تردد. وتقبل شهادة
المؤمن على أهل الملل، ولا تقبل شهادة أحدهم على المسلم ولا غيره.
وهل تقبل على أهل ملته؟ فيه رواية بالجواز ضعيفة، والأشبه: المنع.
الرابع العدالة، ولا ريب في زوالها بالكبائر.
وكذا في الصغائر مصرا، وأما الندرة من اللمم فلا. ولا يقدح اتخاذ
11

الحمام للانس، وإنفاذ الكتب. أما الرهان عليها فقادح لأنه قمار. واللعب
بالشطرنج ترد به الشهادة. وكذا الغناء وسماعه، والعمل بآلات اللهو
وسماعها، والدف إلا في الأملاك والختان، ولبس الحرير للرجل
إلا في الحرب، والتختم بالذهب، والتحلي به للرجال. ولا تقبل شهادة
القاذف، وتقبل لو تاب. وحد توبته أن يكذب نفسه. وفيه قول آخر
متكلف.
الخامس ارتفاع التهمة، فلا تقبل شهادة الجار نفعا، كالشريك فيما هو
شريك فيه، والوصي فيما له فيه ولاية.
ولا شهادة ذي العداوة الدنيوية، وهو الذي يسر بالمساءة ويساء
بالمسرة. والنسب لا يمنع القبول. وفي قبول شهادة الولد على أبيه
خلاف، أظهره المنع. وكذا تقبل شهادة الزوج لزوجته. وشرط بعض
الأصحاب انضمام غيره من أهل الشهادة. وكذا في الزوجة، وربما صح
فيها الاشتراط. والصحبة لا تمنع القبول كالضيف والأجير على الأشبه.
ولا تقبل شهادة السائل بكفه لما يتصف به من مهانة النفس، فلا يؤمن
خدعه. وفي قبول شهادة المملوك روايتان، أشهرهما: القبول. وفي
شهادته على المولى قولان، أظهرهما: المنع، ولو أعتق قبلت للمولى
وعليه. ولو أشهد عبديه بحمل أنه ولده فورثهما غير الحمل وأعتقهما
الوارث فشهدا للحمل قبلت شهادتهما، ورجع الإرث إلى الولد. ويكره
له استرقاقهما. ولو تحمل الشهادة الصبي أو الكافر أو العبد أو الخصم
أو الفاسق ثم زال المانع وشهدوا قبلت شهادتهم.
السادس طهارة المولد، فلا تقبل شهادة ولد الزنا. وقيل: تقبل في
الشئ الدون، وبه رواية نادرة.
12

ويلحق بهذا الباب مسائل:
الأولى: التبرع بالأداء قبل الاستنطاق يمنع القبول لتطرق التهمة،
وهل يمنع في حقوق الله فيه تردد.
الثانية: الأصم، تقبل شهادته فيما لا يفتقر إلى السماع. وفي رواية:
يؤخذ بأول قوله. وكذا تقبل شهادة الأعمى فيما لا يفتقر إلى الرؤية.
الثالثة: لا تقبل شهادة النساء في الهلال والطلاق. وفي قبولها في
الرضاع تردد، أشبهه: القبول. ولا تقبل في الحدود، وتقبل مع الرجال
في الرجم على تفصيل يأتي. وفي الجراح والقتل بأن يشهد رجل
وامرأتان، ويجب بشهادتهن الدية لا القود. وفي الديون مع الرجال. ولو
انفردن كامرأتين مع اليمن فالأشبه: عدم القبول. وتقبلن منفردات في
العذرة وعيوب النساء الباطنة.
وتقبل شهادة القابلة في ربع ميراث المستهل، وامرأة واحدة في ربع
الوصية. وكذا كل امرأة يثبت شهادتها في الربع حتى تكملن أربعا فتقبل
شهادتهن في الوصية أجمع.
ولا ترد شهادة أرباب الصنائع المكروهة كالصياغة، ولا الصنائع
الدنيئة كالحياكة والحجامة، ولو بلغت الدناءة كالزبال والوقاد، ولا ذوي
العاهات كالأجذم والأبرص.
الثاني: فيما يصير به شاهدا
وضابطه: العلم، ومستنده: المشاهدة أو السماع.
فالمشاهدة للأفعال كالغصب والقتل والسرقة والرضاع والولادة
والزنا واللواط. أما السماع، فيثبت به النسب والملك والوقف والزوجية.
13

ويصير الشاهد متحملا بالمشاهدة لما يكفي فيه المشاهدة،
والسماع لما يكفي فيه السماع وإن لم يستدعه المشهود عليه. وكذا لو
قيل له: لا تشهد فسمع من القائل ما يوجب حكما. وكذا لو خبئ فنطق
المشهود عليه.
وإذا دعي الشاهد للإقامة وجب، إلا مع ضرر غير مستحق، ولا
يحل الامتناع مع التمكن. ولو دعي للتحمل فقولان، المروي: الوجوب.
ووجوبه على الكفاية، ويتعين مع عدم من يقوم بالتحمل.
ولا يشهد إلا مع المعرفة أو شهادة عدلين بالمعرفة.
ويجوز أن تسفر المرأة ليعرفها الشاهد. ويشهد على الأخرس
بالإشارة، ولا يقيمها بالإقرار.
مسائل:
الأولى: قيل: يكفي في الشهادة بالملك مشاهدته يتصرف فيه، وبه
رواية، والأولى الشهادة بالتصرف لأنه دلالة الملك وليس بملك.
الثانية: يجوز الشهادة على ملك لا يعرفه الشاهد إذا عرفه المتبايعان.
الثالثة: لا يجوز إقامة الشهادة إلا مع الذكر، ولو رأى خطه. وفي
رواية: إن شهد معه آخر جاز إقامتها. وفي الرواية تردد.
الرابعة: من حضر حسابا وسمع شهادة ولم يستشهد كان بالخيار
في الإقامة ما لم يحس بطلان الحق إن امتنع، وفي الرواية تردد.
ويكره أن يشهد لمخالف إذا خشي أنه لو استدعاه إلى الحاكم يرد
شهادته.
الثالث: في الشهادة على الشهادة
وهي مقبولة في الديون والأموال والحقوق، ولا تقبل في الحدود.
14

ولا يجزئ إلا اثنان على شاهد الأصل. وتقبل الشهادة على شهادة
النساء في الموضع الذي تقبل فيه شهادتهن على تردد.
وأجلى الألفاظ أن يقول: أشهد على شهادتي أنني أشهد على كذا.
ولا تقبل شهادة الفرع إلا مع تعذر حضور شاهد الأصل لمرض أو
غيبة أو موت. ولو شهد الفرع فأنكر شاهد الأصل فالمروي: العمل
بأعدلهما، فإن تساويا أطرح الفرع. وفيه إشكال، لأن قبول شهادة الفرع
مشروط بعدم شاهد الأصل.
ولا تقبل شهادة على شهادة على شهادة في شئ.
الرابع في اللواحق
وفيه مسائل:
الأولى: إذا رجع الشاهدان قبل القضاء لم يحكم، ولو رجعا بعد
القضاء لم ينقض الحكم وضمن الشهود. وفي النهاية: إن كانت العين
قائمة ارتجعت ولم يغرما، وإن كانت تالفة ضمن الشهود.
الثانية: إذا ثبت أنهما شاهدا زور نقض الحكم واستعيدت العين مع
بقائها، ومع تلفها أو تعذرها يضمن الشهود.
الثالثة: لو كان المشهود به قتلا أو رجما أو قطعا فاستوفي ثم رجع
الشهود، فإن قالوا: تعمدنا، اقتص منهم أو من بعضهم، ويرد البعض ما
وجب عليهم، ويتم الولي إن بقي عليه شئ، ولو قالوا: أخطأنا، لزمتهم
الدية، ولو قال بعضهم: أخطأنا، لزمه نصيبه من الدية ولم يمض إقراره
على غيره. ولو قال: تعمدت، رد عليه الولي ما يفضل ويقتص منه إن
شاء. وفي النهاية: يرد الباقون من شهود الزنا ثلاثة أرباع الدية ويقتل،
15

والرواية صحيحة السند، غير أن فيها تسلطا على الأموال المعصومة
بقول واحد.
الرابعة: لو شهدا بطلاق امرأة فتزوجت ثم رجعا ضمنا المهر وردت
إلى الأول بعد الاعتداد من الثاني. وتحمل هذه الرواية على أنها نكحت
بسماع الشهادة لا مع حكم الحاكم، ولو حكم لم يقبل الرجوع.
الخامسة: لو شهد اثنان على رجل بسرقة فقطع ثم قالا: أو همنا،
والسارق غيره، أغرما دية يد الأول، ولم يقبلا في الأخير لما يتضمن من
عدم الضبط.
السادسة: تجب شهرة شاهد الزور وتعزيره بما يراه الإمام (عليه السلام)
حسما للجرأة.
* * *
كتاب الحدود والتعزيرات
وفيه فصول:
الفصل الأول في حد الزنا
والنظر في الموجب والحد واللواحق.
أما الموجب: فهو إيلاج الإنسان فرجه في فرج امرأة من غير عقد
ولا ملك ولا شبهة. ويتحقق بغيبوبة الحشفة قبلا أو دبرا.
ويشترط في ثبوت الحد: البلوغ والعقل والعلم بالتحريم والاختيار.
فلو تزوج محرمة كالأم أو المحصنة سقط الحد مع الجهالة
بالتحريم. ويثبت مع العلم، ولا يكون العقد بمجرده شبهة في السقوط.
16

ولو تشبهت الأجنبية بالزوجة فعليها الحد دون واطئها. وفي رواية:
يقام عليها الحد جهرا وعليه سرا، وهي متروكة.
ولو وطئ المجنون عاقلة ففي وجوب الحد تردد. أوجبه الشيخان.
ولا حد على المجنونة.
ويسقط الحد بادعاء الزوجية، وبدعوى ما يصلح شبهة بالنظر إلى
المدعي.
ولا يثبت الإحصان الذي يجب معه الرجم حتى يكون الزاني بالغا
حدا له فرج مملوك بالعقد الدائم أو الملك، يغدو عليه ويروح، ويستوي
فيه المسلمة والذمية. وإحصان المرأة كإحصان الرجل، لكن يراعى فيها
العقل إجماعا. ولا تخرج المطلقة رجعية عن الإحصان. وتخرج البائن.
وكذا المطلق.
ولو تزوج معتدة عالما حد مع الدخول. وكذا المرأة.
ولو ادعيا الجهالة أو أحدهما قبل على الأصح إذا كان ممكنا في
حقه.
ولو راجع المخالع لم يتوجه عليه الرجم حتى يطأ. وكذا العبد لو
أعتق، والمكاتب إذا تحرر.
ويجب الحد على الأعمى، فإن ادعى الشبهة فقولان، أشبههما:
القبول مع الاحتمال. وفي التقبيل والمضاجعة والمعانقة: التعزير.
ويثبت الزنا بالإقرار أو البينة. ولا بد من بلوغ المقر وكماله واختياره
وحريته وتكرار الإقرار أربعا.
وهل يشترط اختلاف مجالس الإقرار؟ أشبهه: أنه لا يشترط.
ولو أقر بحد ولم يبينه ضرب حتى ينهى عن نفسه.
17

ولو أقر بما يوجب الرجم ثم أنكر سقط عنه، ولا يسقط غيره.
ولو أقر ثم تاب كان الإمام (عليه السلام) مجزى في الإقامة، رجما كان
أو غيره.
ولا يكفي في البينة أقل من أربعة رجال، أو ثلاثة وامرأتين.
ولو شهد رجلان وأربع نساء يثبت بهم الجلد لا الرجم.
ولا تقبل شهادة ست نساء ورجل. ولا شهادة النساء منفردات. ولو
شهد ما دون الأربع لم يثبت، وحدوا للفرية.
ولا بد في الشهادة من ذكر المشاهدة، كالميل في المكحلة. ولا بد
من تواردهم على الفعل الواحد في الزمان الواحد والمكان الواحد.
ولو أقام الشهادة بعض حدوا لو لم يرتقب إتمام البينة.
وتقبل شهادة الأربعة على الاثنين فما زاد.
ولا يسقط الحد بالتوبة بعد قيام البينة، ويسقط لو كانت قبلها، رجما
كان أو غيره.
النظر الثاني في الحد:
يجب القتل على الزاني بالمحرمة كالأم والبنت. وألحق الشيخ
كذلك امرأة الأب. وكذا يقتل الذمي إذا زنى بالمسلمة، والزاني قهرا. ولا
يعتبر الإحصان، ويتساوى فيه الحر والعبد، والمسلم والكافر.
وفي جلده قبل القتل تردد.
ويجب الرجم على المحصن إذا زنى ببالغة عاقلة. ويجمع للشيخ
والشيخة بين الحد والرجم إجماعا. وفي الشاب روايتان، أشبههما:
الجمع. ولا يجب الرجم بالزنا بالصغيرة والمجنونة. ويجب الجلد. وكذا
لو زنى بالمحصنة صغير. ولو زنى بها المجنون لم يسقط عنها الرجم.
18

ويجز رأس البكر مع الحد، ويغرب عن بلده سنة. والبكر من ليس
بمحصن. وقيل: الذي أملك ولم يدخل. ولا تغريب على المرأة ولا جز.
والمملوك يجلد خمسين، ذكرا كان أو أنثى، محصنا أو غير محصن،
ولا جز على أحدهما ولا تغريب.
ولو تكرر الزنا كفى حد واحد. ولو حد مع كل واحد مرة قتل في
الثالثة. وقيل: في الرابعة وهو أحوط. والمملوك إذا أقيم عليه حد الزنا
سبعا قتل في الثامنة. وقيل: في التاسعة، وهو أولى.
وللحاكم في الذمي الخيار في إقامة الحد عليه وتسليمه إلى أهل
نحلته ليقيموا الحد على معتقدهم.
ولا يقام على الحامل حد ولا قصاص حتى تضع وتخرج من نفاسها
وترضع الولد. ولو وجد له كافل جاز.
ويرجم المريض والمستحاضة، ولا يحد أحدهما حتى يبرأ. ولو
رأى الحاكم التعجيل ضربه بالضغث المشتمل على العدد.
ولا يسقط الحد باعتراض الجنون.
ولا يقام في الحر الشديد، ولا البرد الشديد. ولا في أرض العدو،
ولا على من التجأ إلى الحرم، ويضيق عليه في المطعم والمشرب حتى
يخرج للإقامة. ولو أحدث في الحرم ما يوجب حدا حد فيه.
وإذا اجتمع الحد والرجم جلد أولا.
ويدفن المرجوم إلى حقويه، والمرأة إلى صدرها، فإن فر أعيد.
ولو ثبت الموجب بالإقرار لم يعد. وقيل: إن لم تصبه الحجارة أعيد.
ويبدأ الشهود بالرجم، ولو كان مقرا بدأ الإمام.
ويجلد الزاني قائما مجردا. وقيل: إن وجد بثيابه جلد بها أشد
19

الضرب. وقيل: متوسطا، ويفرق على جسده. ويتقى فرجه ووجهه.
وتضرب المرأة جالسة، وتربط ثيابها.
ولا يضمن ديته لو قتله الحد.
ويدفن المرجوم عاجلا. ويستحب إعلام الناس ليتوفروا. ويجب
أن يحضره طائفة. وقيل: يستحب، وأقلها واحد. ولا يرجمه من لله قبله
حد. وقيل: يكره.
النظر الثالث في اللواحق وفيه مسائل:
الأولى: إذا شهد أربعة بالزنى قبلا فشهدت أربع نساء بالبكارة
فلا حد.
وفي حد الشهود قولان.
الثانية: إذا كان الزوج أحد الأربعة فيه روايتان. ووجه السقوط أن
يسبق منه القذف.
الثالثة: يقيم الحاكم حدود الله تعالى. أما حقوق الناس فتقف على
المطالبة.
الرابعة: من افتض بكرا بإصبعه فعليه مهرها. ولو كانت أمة فعليه
عشر قيمتها.
الخامسة: من زوج أمته ثم وطئها فعليه الحد.
السادسة: من أقر أنه زنى بفلانة فعليه مع تكرار الإقرار حدان.
ولو أقر مرة فعليه حد القذف. وكذا المرأة، وفيهما تردد.
السابعة: من تزوج أمة على حرة مسلمة فوطئها قبل الإذن فعليه
ثمن حد الزنا.
الثامنة: من زنى في زمان شريف أو مكان شريف عوقب زيادة
على الحد.
20

الفصل الثاني في اللواط والسحق والقيادة
فاللواط يثبت بالإقرار أربعا، ولو أقر دون ذلك عزر.
ويشترط في المقر التكليف والاختيار والحرية، فاعلا كان أو
مفعولا.
ولو شهد أربعة يثبت، ولو كانوا دون ذلك حدوا.
ويقتل الموقب ولو لاط بصغير أو مجنون، ويؤدب الصغير، ولو كانا
بالغين قتلا. وكذا لو لاط بعبده. ولو ادعى العبد إكراهه درئ عنه الحد.
ولو لاط الذمي بمسلم قتل وإن لم يوقب. ولو لاط بمثله فللإمام (عليه السلام)
الإقامة أو دفعه إلى أهل ملته ليقيموا عليه حدهم.
وموجب الإيقاب القتل للفاعل والمفعول إذا كان بالغا عاقلا،
ويستوي فيه كل موقب. ولا يحد المجنون ولو كان فاعلا على الأصح.
والإمام مجزى في الموقب بين قتله ورجمه وإلقائه من جدار
وإحراقه، ويجوز أن يضم الإحراق إلى غيره من الآخرين. ومن لم
يوقب فحده مائة على الأصح، ويستوي فيه الحر والعبد، ولو تكرر مع
الحد قتل في الرابعة على الأشبه.
ويعزر المجتمعان تحت إزار مجردين ولا رحم بينهما، من ثلاثين
سوطا إلى تسعة وتسعين. ولو تكرر مع تكرار التعزير حدا في الثالثة.
وكذا يعزر من قبل غلاما بشهوة.
ويثبت السحق بما يثبت به اللواط. والحد فيه مائة جلدة، حرة كانت
أو أمة، محصنة كانت أو غير محصنة، للفاعلة والمفعولة. وقال في
النهاية: ترجم مع الإحصان، وتقتل المساحقة في الرابعة مع تكرار الحد
ثلاثا. ويسقط الحد بالتوبة قبل البينة كاللواط، ولا يسقط بعد البينة.
21

ويعزر المجتمعان تحت إزار واحد مجردتين، ولو تكرر مرتين مع
التعزير أقيم عليهما الحد في الثالثة، ولو عادتا قال في النهاية: قتلتا.
مسألتان:
الأولى: لا كفالة في الحد ولا تأخير إلا لعذر، ولا شفاعة في إسقاطه.
الثانية: لو وطئ زوجته فساحقت بكرا فحملت من مائه فالولد له،
وعلى زوجته الحد والمهر، وعلى الصبية الجلد.
وأما القيادة: فهي الجمع بين الرجال والنساء للزنا. أو الرجال
والصبيان للواط. ويثبت بشاهدين أو الإقرار مرتين. والحد فيه خمس
وسبعون جلدة. وقيل: يحلق رأسه ويشهر. ويستوي فيه الحر والعبد،
والمسلم والكافر، وينفى بأول مرة. وقال المفيد: في الثانية. والأول
مروي. ولا نفي على المرأة ولا جز.
الفصل الثالث في حد القذف
ومقاصده أربعة:
الأول في الموجب:
وهو الرمي بالزنا أو اللواط. وكذا لو قال: يا منكوحا في دبره بأي
لغة اتفق، إذا كانت مفيدة للقذف في عرف القائل. ولا يحد مع جهالته
فائدتها.
وكذا لو قال لمن أقر بنوته: لست ولدي.
ولو قال: زنى بك أبوك فالقذف لأبيه. أو زنت بك أمك فالقذف لأمه.
ولو قال: يا بن الزانيين فالقذف لهما.
ويثبت الحد إذا كانا مسلمين ولو كان المواجه كافرا. ولو قال
للمسلم: يا بن الزانية وأمه كافرة فالأشبه: التعزير. وفي النهاية: يحد.
22

ولو قال: يا زوج الزانية فالحد لها. ولو قال: يا أبا الزانية أو يا أخا
الزانية فالحد للمنسوبة إلى الزنا دون المواجه. ولو قال: زنيت بفلانة
فللمواجه حد. وفي ثبوته للمرأة تردد.
والتعريض يوجب التعزير. وكذا لو قال لامرأته: لم أجدك عذراء.
ولو قال لغيره ما يوجب أذى كالخسيس والوضيع، وكذا لو قال:
يا فاسق ويا شارب الخمر ما لم يكن متظاهرا.
ويثبت القذف بالإقرار مرتين من المكلف الحر المختار، أو بشهادة
عدلين.
ويشترط في القاذف: البلوغ والعقل. فالصبي لا يحد بالقذف ويعزر.
وكذا المجنون.
الثاني في المقذوف:
ويشترط فيه: البلوغ وكمال العقل والحرية والإسلام والستر. فمن
قذف صبيا أو مجنونا أو مملوكا أو كافرا أو متظاهرا بالزنا لم يحد بل
يعزر. وكذا الأب لو قذف ولده، ويحد الولد لو قذفه. وكذا الأقارب.
الثالث في الأحكام:
فلو قذف جماعة بلفظ واحد فعليه حد إن جاؤوا وطالبوا مجتمعين،
وإن افترقوا فلكل واحد حد.
وحد القذف يورث كما يورث المال، ولا يرثه الزوج ولا الزوجة.
ولو قال: ابنك زان أو بنتك زانية فالحد لهما. وقال في النهاية: له
المطالبة والعفو.
ولو ورث الحد جماعة فعفا أحدهم كان لمن بقي الاستيفاء على
التمام.
23

ويقتل القاذف في الرابعة إذا حد ثلاثا. وقيل: في الثالثة.
والحد ثمانون جلدة، حرا كان القاذف أو عبدا، ويجلد بثيابه ولا
يجرد، ويضرب متوسطا، ولا يعزر الكفار مع التنابز.
الرابع في اللواحق وهي مسائل:
الأولى: يقتل من سب النبي (صلى الله عليه وآله). وكذا من سب أحد الأئمة (عليهم السلام).
ويحل دمه لكل سامع إذا أمن.
الثانية: يقتل مدعي النبوة. وكذا من قال: لا أدري محمد عليه
الصلاة والسلام صادق أم لا؟ إذا كان على ظاهر الإسلام.
الثالثة: يقتل الساحر إذا كان مسلما. ويعزر إن كان كافرا.
الرابعة: يكره أن يزاد في تأديب الصبي عن عشرة أسواط. وكذا
العبد، ولو فعل استحب عتقه.
الخامسة: يعزر من قذف عبده أو أمته. وكذا كل من فعل محرما أو
ترك واجبا بما دون الحد.
الفصل الرابع في حد المسكر
والنظر في أمور ثلاثة:
الأول في الموجب:
وهو تناول المسكر والفقاع اختيارا مع العلم بالتحريم. ويشترط:
البلوغ والعقل. فالتناول يعم الشارب والمستعمل في الأدوية والأغذية،
ويتعلق الحكم ولو بالقطرة.
وكذا العصير إذا غلى ما لم يذهب ثلثاه. وكل ما حصلت فيه الشدة
المسكرة، ويسقط الحد عمن جهل المشروب أو التحريم.
ويثبت بشهادة عدلين أو الإقرار مرتين من مكلف حر مختار.
24

الثاني في الحد:
وهو ثمانون جلدة، ويستوي فيه الحر والعبد والكافر مع التظاهر.
ويضرب الشارب عريانا على ظهره وكتفيه، ويتقى وجهه وفرجه، ولا
يحد حتى يفيق.
وإذا حد مرتين قتل في الثالثة وهو المروي. وقال الشيخ في
الخلاف: يقتل في الرابعة. ولو شرب مرارا ولم يحد كفى حد واحد.
الثالث في الأحكام، وفيه مسائل:
الأولى: لو شهد واحد بشربها وآخر بقيئها حد.
الثانية: من شربها مستحلا استتيب، فإن تاب أقيم عليه الحد وإلا
قتل. وقيل: حكمه حكم المرتد، وهو قوي. ولا يقتل مستحل غير
الخمر، بل يحد مستحلا ومحرما.
الثالثة: من باع الخمر مستحلا استتيب، فإن تاب وإلا قتل، وفيما
سواها يعزر.
الرابعة: لو تاب قبل قيام البينة سقط الحد، ولا يسقط لو تاب بعد
البينة، وبعد الإقرار يتخير الإمام (عليه السلام) في الإقامة.
ومنهم من حتم الحد.
الفصل الخامس في حد السرقة
وهو يعتمد فصولا:
الأول في السارق:
ويشترط فيه: التكليف وارتفاع الشبهة، وأن لا يكون الوالد من
ولده، وأن يهتك الحرز، ويخرج المتاع بنفسه، ويأخذ سرا، فالقيود إذا
ستة. فلا يحد الطفل ولا المجنون، لكن يعزران. وفي النهاية: يعفى
25

عن الطفل أولا، فإن عاد أدب، فإن عاد حكت أنامله حتى تدمى، فإن
عاد قطعت أنامله، فإن عاد قطع كما يقطع البالغ.
ولو سرق الشريك ما يظنه نصيبا لم يقطع. وفي سرقة أحد الغانمين
من الغنيمة روايتان، إحداهما: لا يقطع، والأخرى: يقطع لو زاد عن
نصيبه قدر النصاب. ولو هتك الحرز غيره، وأخرج هو لم يقطع.
والحر والعبد، والمسلم والكافر، والذكر والانثى سواء. ولا يقطع
عبد الإنسان بسرقة ماله، ولا عبد الغنيمة بالسرقة منها. ويقطع الأجير
إذا أحرز المال من دونه على الأظهر. والزوج والزوجة. وكذا الضيف.
وفي رواية: لا يقطع.
وعلى السارق إعادة المال ولو قطع.
الثاني في المسروق:
ونصاب القطع ربع دينار ذهبا خالصا مضروبا بسكة المعاملة أو ما
قيمته ذلك. ولا بد من كونه محرزا بقفل أو غلق أو دفن. وقيل: كل
موضع ليس لغير المالك دخوله إلا بإذنه فهو حرز.
ولا يقطع من سرق من المواضع المأذون في غشيانها كالحمامات
والمساجد. وقيل: إذا كان المالك مراعيا للمال كان محرزا.
ولا يقطع من سرق من جيب إنسان أو كمه الظاهرين، ويقطع لو كانا
باطنين. ولا يقطع في الثمر على الشجر. ويقطع سارقه بعد إحرازه. وكذا
لا يقطع في سرقة مأكول في عام مجاعة. ويقطع من سرق مملوكا. ولو
كان حرا فباعه قطع لفساده، لا حدا.
ويقطع سارق الكفن، لأن القبر حرز له. ويشترط بلوغه النصاب.
وقيل: لا يشترط، لأنه ليس حد السرقة، بل لحسم الجرأة. ولو نبش ولم
يأخذ عزر، ولو تكرر وفات السلطان جاز قتله ردعا.
26

الثالث:
يثبت الموجب بالإقرار مرتين أو بشهادة عدلين، ولو أقر مرة عزر
ولم يقطع.
ويشترط في المقر: التكليف والحرية والاختيار. ولو أقر بالضرب
لم يقطع، نعم لو رد السرقة بعينها قطع. وقيل: لا يقطع لتطرق الاحتمال،
وهو أشبه. ولو أقر مرتين تحتم القطع ولو أنكر.
الرابع في الحد:
وهو قطع الأصابع الأربع من اليد اليمنى، وتترك الراحة والإبهام.
ولو سرق بعد ذلك قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم، ويترك
العقب. ولو سرق ثلاثة حبس دائما. ولو سرق في السجن قتل. ولو
تكررت السرقة من غير حد كفى حد واحد.
ولا يقطع اليسار مع وجود اليمنى، بل يقطع اليمنى ولو كانت شلاء.
ولو لم يكن يسار قطع اليمنى.
وفى الرواية: لا تقطع. وقال الشيخ في النهاية: ولو لم تكن له يسار
قطعت رجله اليسرى، ولو لم يكن له رجل لم يكن عليه أكثر من
الحبس. وفي الكل تردد.
ويسقط الحد بالتوبة قبل البينة لا بعدها. ويتخير الإمام (عليه السلام) معها بعد
الإقرار في الإقامة، على رواية فيها ضعف. والأشبه: تحتم الحد. ولا
يضمن سراية الحد.
الخامس في اللواحق، وفيه مسائل:
الأولى: إذا سرق اثنان نصابا، قال في النهاية: يقطعان. وفي الخلاف
اشترط نصيب كل واحد نصابا.
27

الثانية: لو قامت الحجة بالسرقة ثم أمسك ليقطع، ثم شهدت عليه
بأخرى، قال في النهاية: قطعت يده بالأولى ورجله بالأخرى، وبه
رواية. والأولى التمسك بعصمة الدم إلا في موضع اليقين.
الثالثة: قطع السارق موقوف على مرافعة المسروق منه، فلو لم
يرافعه لم يرفعه الإمام (عليه السلام)، ولو رافعه لم يسقط الحد ولو وهبه قطع.
الفصل السادس في المحارب
وهو كل مجرد سلاحا في بر أو بحر، ليلا أو نهارا، لإخافة السابلة
وإن لم يكن من أهلها على الأشبه.
ويثبت ذلك بالإقرار ولو مرة أو بشهادة عدلين. ولو شهد بعض
اللصوص على بعض لم تقبل. وكذا لو شهد بعض المأخوذين لبعض.
وحده: القتل أو الصلب أو القطع مخالفا أو النفي.
وللأصحاب اختلاف، قال المفيد بالتخيير، وهو الوجه. وقال الشيخ
بالترتيب يقتل إن قتل. ولو عفا ولي الدم قتل حدا.
ولو قتل وأخذ المال استعيد منه وقطعت يده اليمنى ورجله اليسرى،
ثم قتل وصلب. وإن أخذ المال ولم يقتل قطع مخالفا ونفي.
ولو جرح ولم يأخذ المال اقتص منه ونفي. ولو شهر السلاح نفي
لا غير. ولو تاب قبل القدرة عليه سقطت العقوبة ولم تسقط حقوق
الناس، ولو تاب بعد ذلك لم يسقط.
ويصلب المحارب حيا على القول بالتخيير، ومقتولا على القول
الآخر، ولا يترك على خشبته أكثر من ثلاثة أيام، وينزل ويغسل على
القول بصلبه حيا ويكفن ويصلى عليه ويدفن. وينفى المحارب عن
بلده، ويكتب بالمنع من مؤاكلته ومجالسته ومعاملته حتى يتوب.
28

واللص محارب، وللإنسان دفعه إذا غلب السلامة، ولا ضمان على
الدافع، ويذهب دم المدفوع هدرا. وكذا لو كابر امرأة على نفسها، أو
غلاما فدفع، فأدى إلى تلفه، أو دخل دارا فزجره ولم يخرج فأدى الزجر
والدفع إلى تلفه، أو ذهاب بعض أعضائه. ولو ظن العطب سلم المال.
ولا يقطع المستلب ولا المختلس والمحتال ولا المبنج ولا من سقى
غيره مرقدا، بل يستعاد منهم ما أخذوا، ويعزرون بما يردع.
الفصل السابع في إتيان البهائم ووطء الأموات وما يتبعه
إذا وطئ البالغ العاقل بهيمة مأكولة اللحم كالشاة والبقرة حرم لحمها
ولحم نسلها. ولو اشتبهت في قطيع قسم نصفين وأقرع هكذا حتى تبقى
واحدة فتذبح وتحرق ويغرم قيمتها إن لم يكن له.
ولو كان المهم ما يركب ظهرها لا لحمها كالبغل والحمار والدابة
أغرم ثمنها إن لم تكن له، وأخرجت إلى غير بلده وبيعت. وفي الصدقة
بثمنها قولان، والأشبه: أنه يعاد عليه. ويعزر الواطئ على التقديرين.
ويثبت هذا الحكم بشهادة عدلين، أو الإقرار ولو مرة، ولا يثبت
بشهادة النساء منفردات ولا منضمات. ولو تكرر الوطء مع التعزير
ثلاثا قتل في الرابعة.
ووطء الميتة كوطء الحية في الحد واعتبار الإحصان، ويغلظ هنا.
ولو كانت زوجة فلا حد ويعزر. ولا يثبت إلا بأربعة شهود. وفي رواية:
يكفي اثنان لأنها شهادة على واحد.
ومن لاط بميت كمن لاط بحي، ويعزر زيادة على الحد.
ومن استمنى بيده عزر بما يراه الإمام (عليه السلام). ويثبت بشهادة عدلين
أو الإقرار مرتين. ولو قيل: يكفي المرة كان حسنا.
29

رياض المسائل
كتاب القضاء
31

(كتاب القضاء)
وهو في اللغة لمعان كثيرة: الخلق، ومنه قوله سبحانه: «فقضاهن سبع
سماوات» (1) أي خلقهن. والحكم، ومنه قوله تعالى: «ويقضي بالحق» (2) أي
يحكم. والأمر ومنه قوله عز وجل: «وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه» (3) أي
أمر إلى غير ذلك.
وفي الشريعة على ما عرفه جماعة: ولاية الحكم شرعا لمن له أهلية
الفتوى بجزئيات القوانين الشرعية على أشخاص معينة من البرية بإثبات
الحقوق واستيفائها للمستحق، ومبدؤه الرئاسة العامة في أمور الدين والدنيا،
وغايته قطع المنازعة.
قالوا: وخواصه أن الحكم فيه لا ينقض بالاجتهاد، وصيرورته أصلا
ينفذه غيره من القضاة وإن خالف اجتهاده ما لم يخالف دليلا قطعيا، وله
ولاية على كل مولى عليه مع فقد وليه، ومع وجوده في مواضع خاصة،
ويلزم به حكم من شهدت عليه والشهود (4)، أما من شهدت عليه فبإلزامه

(1) فصلت: 12.
(2) غافر: 20.
(3) الإسراء: 23.
(4) معطوف على «من».
33

الحق، وأما الشهود فبتغريمهم إياه لو رجعوا عن الشهادة.
وهو من فروض الكفاية بلا خلاف فيه بينهم أجده، لتوقف نظام النوع
الإنساني عليه، ولأن الظلم من شيم النفوس، فلا بد من حاكم ينتصف من
الظالم للمظلوم، ولما يترتب عليه من النهي عن المنكر والأمر بالمعروف.
والأصل فيه مع ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة المحكي في كلام
جماعة.
قال سبحانه: «يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس
بالحق» (1).
وقال تعالى: «إنا أنزلنا عليك الكتاب بالحق فاحكم بين الناس بما
أريك الله» (2).
وفي النبوي: إن الله تعالى لا يقدس أمة ليس فيهم من يأخذ للضعيف
حقه (3).
ولعظم فائدته تولاه النبي (صلى الله عليه وآله) ومن قبله من الأنبياء، لأنفسهم، ولأمتهم،
ومن بعدهم من خلفائهم.
وفيه أجر عظيم لمن يقوم بشرائطه.
ففي الخبر: يد الله تعالى فوق رأس الحاكم ترفرف بالرحمة فإذا حاف
وكله الله تعالى إلى نفسه (4).
وفي آخر: إذا جلس القاضي أو أجلس في مجلسه هبط إليه ملكان
يسددانه ويرشدانه ويوفقانه، فإذا جار عرجا وتركاه (5).

(1) ص: 26.
(2) النساء: 105.
(3) سنن البيهقي 10: 93.
(4) الوسائل 18: 164، الباب 9 من أبواب آداب القاضي الحديث 1.
(5) سنن البيهقي 10: 88.
34

ولكن خطره جسيم، قال مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) لشريح جلست
مجلسا لا يجلس فيه إلا نبي أو وصي أو شقي (1).
وفي النبوي: القضاة ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار، فالذي في
الجنة رجل عرف الحق وقضى به، واللذان في النار رجل عرف الحق فجار
في الحكم ورجل قضى للناس على جهل (2).
ونحوه الصادقي (عليه السلام): القضاة أربعة: ثلاثة في النار، وواحد في الجنة،
والرابع فيه: رجل قضى بجور وهو لا يعلم فهو في النار (3).
واعلم أن القاضي يغاير المفتي والمجتهد والفقيه بالحيثية وإن كانت
الأوصاف المزبورة فيه مجتمعة، لأن القاضي يسمى قاضيا وحاكما باعتبار
إلزامه، وحكمه على الأفراد الشخصية، بالأحكام الشخصية، كالحكم على
شخص بثبوت حق عليه لآخر. وأما لا بهذا الاعتبار بل بمجرد الإخبار
والإعلام فإنه يسمى مفتيا، كما أنه باعتبار مجرد الاستدلال يسمى مجتهدا،
وباعتبار علمه بتعين مظنونه حكما شرعيا في حقه وحق مقلده فقيها عالما
بالعلم القطعي بالحكم الشرعي.
ومن هنا اشتهر وصح أن ظنية الطريق لا ينافي قطعية الحكم، وليس فيه
ابتناء على القول بالتصويب.
(والنظر) في الكتاب يقع في مواضع: (في الصفات) المعتبرة في
القاضي المنصوب من قبل الإمام (عليه السلام) (والآداب) المتعلقة به (وكيفية
الحكم) له (وأحكام الدعاوي).
* * *

(1) الوسائل 18: 6، الباب 3 من أبواب صفات القاضي الحديث 2.
(2) سنن البيهقي 10: 116.
(3) الوسائل 18: 11، الباب 4 من أبواب صفات القاضي، الحديث 6.
35

[النظر الأول في الصفات]
(و) اعلم أن (الصفات) المشترطة فيه (ستة: التكليف) بالبلوغ
وكمال العقل (والإيمان) بالمعنى الأخص أي الاعتقاد بالأصول الخمسة
(والعدالة، وطهارة المولد) عن الزنا (والعلم) ولو بالمعنى الأعم الشامل
الظن الاجتهادي بالحكم الشرعي القائم مقامه بالدليل القطعي فهو في
الحقيقة علم ولو بوسيلة الظن، فإنه في طريق الحكم لا نفسه (والذكورة)
بلا خلاف في شئ من ذلك أجده بيننا، بل عليه الإجماع في عبائر جماعة
كالمسالك (1) وغيره في الجميع، وشرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي (رحمه الله) فيما
عدا الثالث والسادس (2)، والغنية في العلم والعدالة (3) ونهج الحق للعلامة في
العلم والذكورة (4). وهو الحجة; مضافا إلى الأصل، بناء على اختصاص
منصب القضاء بالإمام (عليه السلام) اتفاقا فتوى ونصا.
ومنه - زيادة على ما مضى - المروي بعدة طرق وفيها الصحيح في
الفقيه: اتقوا الحكومة فإنما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين

(1) المسالك 13: 327.
(2) مجمع الفائدة 12: 6.
(3) الغنية 436.
(4) نهج الحق 562.
36

كنبي أو وصي نبي (1).
خرج منه القاضي المجتمع لهذه الشرائط بالإذن من قبله، كما يأتي
بالنص والإجماع.
وليسا في فاقدها كلا أو بعضا. أما فقد الثاني، فظاهر، سيما بعد ما ظهر
من الإجماع على العدم.
وأما الأول: فلاختصاصه بجامع الشرائط بحكم الصراحة بالإضافة إلى
بعضها والتبادر بالإضافة إلى آخر منها.
فالأصل أقوى حجة على العدم; مضافا إلى الإجماع الظاهر والمحكي
كما تقدم، وفحوى الصحيح المتقدم، بالإضافة إلى شرائط العدالة والعلم،
ونحوه بالإضافة إلى الدلالة على اعتبارهما فحوى النصوص الآتية، من نحو
مقبولة عمر بن حنظلة مما أمر فيه بالأخذ بما حكم الأعدل والأعلم، مع أن
الصبي والمجنون ليسا من أهل الولاية على أنفسهما فكيف على غيرهما،
والكافر والفاسق وولد الزنا ليسوا من أهل التقليد مع تنفر الطباع عن الأخير
والمنع عن إمامته وشهادته كالفاسق فالقضاء أولى به، والنصوص المستفيضة
بل المتواترة في المنع عن الترافع إلى حكام الجور والظلمة وقضاة العامة في
اعتبار الإيمان والعدالة صريحة، ومثلها النصوص الأخر في اعتبار الذكورة.
ففي الخبر: لا يصلح قوم وليتهم امرأة (2).
وفي آخر: في وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): يا علي ليس على المرأة
جمعة - إلى أن قال -: ولا تولي القضاء (3) فتدبر.

(1) الفقيه 3: 5، الحديث 3222.
(2) تلخيص الحبير 4: 184، الحديث 2081.
(3) الوسائل 18: 6، الباب 2 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1.
37

والنصوص الأخر على اعتبار العلم، مضافا إلى ما مر إليه الإشارة
مستفيضة، بل متواترة.
ففي الصحيح: من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله تعالى لعنته
ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، ولحقه وزر من عمل بفتياه (1).
وفيه: أنهاك عن خصلتين ففيهما هلك من هلك: إياك أن تفتي الناس
برأيك، وتدين بما لا تعلم (2).
(ويدخل في العدالة اشتراط الأمانة والمحافظة على الواجبات) عن
الفوات وتوطين النفس على ترك المحرمات.
(ولا ينعقد) القضاء (إلا لمن له) شرعا (أهلية الفتوى) كأن يكون
مجتهدا مطلقا لا متجزئا فإنه ليس له أهليتها، كما حقق في محله مستقصى،
وسيأتي الإشارة إليه في الجملة أيضا.
(و) لازم ذلك أنه (لا يكفيه) مجرد اطلاعه ب‍ (فتوى الفقهاء)
لعدم كونه بذلك مجتهدا مطلقا يجوز له الإفتاء والقضاء، بل ولا متجزئا
أيضا، بناء على أن مناط الاجتهاد مطلقا إنما هو العلم بمدارك الأحكام كلا
أو بعضا، لا الاطلاع بفتوى الفقهاء، فلو حصل له دون الأول لم يكن
مجتهدا، كما أنه لو انعكس فعلم بالمدارك ولم يطلع بها كان مجتهدا مطلقا
لو علم بالمدارك كلها ومتجزئا لو علم ببعضها.
والأصل في اعتبار أهلية الفتوى في صحة القضاء بعد الإجماع الظاهر
والمحكي في الروضة (3) والمسالك (4) وغيرهما ما مضى من النصوص،
المعتبرة للعلم في الفتوى، ونحوها الأصول والعمومات من الكتاب والسنة

(1) الوسائل 18: 9، الباب 4 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1، 3.
(2) الوسائل 18: 9، الباب 4 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1، 3.
(3) الروضة 3: 68.
(4) المسالك: 13: 328.
38

المستفيضة، بل المتواترة، الناهية عن العمل بالمظنة، ومن ليس له الأهلية
لا يحصل له سوى المظنة غالبا، المنهي عن العمل بها، بل من له الأهلية
كذلك أيضا، إلا أن حجية ظنه مقطوع بها مجمع عليها، فهو ظن مخصوص
في حكم القطع كسائر الظنون المخصوصة من ظواهر الكتاب والسنة
المتواترة اللفظية والإنسان والسوق واليد وغيرها، ولا كذلك ظن من ليس له
الأهلية، إذ لا دليل على حجيته قاطعا، بل ولا ظنيا.
ولو سلم الأخير فغايته إثبات الظني بمثله، وهو غير جائز بإطباق
العقلاء.
ومن هنا ينقدح وجه المنع عن التجزئ، إذ ليس معناه إلا العمل بالمظنة
في بعض الأحكام الشرعية بما حصل له من المعرفة بجزئيات المدارك
والشرائط الاجتهادية المتعلقة به خاصة، ولا قطعي على حجيتها، بل ولا
ظني أيضا وإن استدل لها بما يأتي من بعض الأخبار قريبا لما سيظهر لك
من ضعفه جدا.
وعلى تقدير صحته فغايته إثبات الظني بالظني، وهو مع ما فيه مما مضى
فيه دور أو تسلسل أيضا، ولا كذلك المجتهد مطلقا، لقيام الدليل القاطع على
حجية ظنه، من الإجماع، والاعتبار المركب من مقدمات قطعية بديهية
مجمع عليها بقاء التكاليف بالأحكام وانسداد باب العلم إليها، وعدم التكليف
بما لا يطاق أصلا.
فعدم العمل بمظنته واعتبار العلم حينئذ يستلزم إما ارتفاع التكاليف، أو
التكليف بما لا يطاق، وهما بديهيا الفساد. ولا إجماع في المتجزئ، لمكان
الخلاف، ولا اعتبار أيضا، لعدم اجتماع المقدمات الثلاث له جميعا، من
حيث عدم صحة دعواه انسداد باب العلم في المسألة، التي لم يجتهد فيها بعد
39

إطباق الكل، واعترافه أيضا بقصوره، واحتمال ظهور خلاف ظنه بتتبع
مدارك ما عداها. وكذا دعواه عدم التكليف بما لا يطاق في حقه، لأنه في
وسعه وطاقته تحصيل المعرفة بالمدارك كلها فكيف يقول لا يكلفني الله
تعالى بما لا يطاق في المسألة التي أنا فيها.
(ولا بد) مع ذلك (أن يكون ضابطا، فلو غلبه النسيان لم ينعقد له
القضاء) كما هنا وفي الشرائع (1) والإرشاد (2) والقواعد (3) والدروس (4)
وغيرها والظاهر عدم الخلاف فيه وتدل عليه عبارة الروضة (5) ظاهرا
ووجهه واضح، وقيده بعض الأصحاب بالضبط في محل الحكم لا مطلقا
قال: إذ ما نجد مانعا لحكم من لا ضبط له كثيرا، مع اتصافه بالشرائط وضبط
حكم هذه الواقعة، انتهى (6) ولا بأس به.
(وهل يشترط علمه بالكتابة) وقدرته على قراءتها وكتبها (الأشبه
نعم) وفاقا للأكثر، كما في المسالك (7)، بل الأشهر كما في الروضة (8) ونسبه
في التنقيح إلى الشيخ في المبسوط وأتباعه والحلي (9).
أقول: ونسبه في السرائر إلى مقتضى مذهبنا (10) مع عدم نقل خلاف فيه
أصلا، مشعرا بدعوى الإجماع عليه منا، وعليه عامة متأخري أصحابنا،
بحيث كاد أن يكون ذلك منهم إجماعا، وإن أشعر عبارة المتن وما ضاهاها
بوقوع خلاف فيه لكنهم لم يصرحوا بالمخالف.
نعم في التنقيح نسبه إلى قوم (11) ولم يعرب عنهم أهم منا أو ممن خالفنا.

(1) الشرائع 4: 67.
(2) الإرشاد 2: 138.
(3) القواعد 2: 201 س 22.
(4) الدروس 2: 65.
(5) الروضة 3: 67.
(6) مجمع الفائدة 12: 15.
(7) المسالك 13: 329.
(8) لم نعثر عليه، راجع الروضة 3: 67.
(9) التنقيح 4: 236.
(10) السرائر 2: 166.
(11) التنقيح 4: 236.
40

وحيث كان الأمر بهذه المثابة ينبغي القطع بما عليه الجماعة، سيما مع
موافقته الأصل المتقدم إليه الإشارة، بناء على اختصاص ما دل على الرخصة
في القضاء للفقهاء بحكم التبادر وغيره بعارفي الكتابة منهم لا مطلقا، ولا
مخصص له أصلا، عدا ما قيل: من عدم اعتبار الكتابة في النبوة التي هي
أكمل المناصب، ومنها تتفرع الأحكام والقضاء وقد كان (صلى الله عليه وآله) أميا لا
يحسنها، كما نبه عليه بقوله: «وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه
بيمينك إذا لارتاب المبطلون» (1).
وهو كما ترى، لكونه بعد تسليم دلالة الآية على ذلك قياسا فاسدا، لا
أولوية فيه أصلا بل مع الفارق جدا، لأنه (صلى الله عليه وآله) معصوم فبعصمته وقوة
حافظته لا يحتاج إليها، ولأنه (صلى الله عليه وآله) يمتنع عليه السهو والنسيان قطعا،
خصوصا مع نزول الوحي إليه مكررا، ولا كذلك القاضي من قبله
(لاضطراره) بعدم عصمته، وإمكان سهوه ونسيانه وغفلته (إلى ما لا
يتيسر لغير النبي (صلى الله عليه وآله)) المعرفة به (إلا بها).
هذا، وعن المبسوط أنه (صلى الله عليه وآله) كان عالما بها، وإنما كان فاقدا لها قبل
البعثة (2)، وبه صرح الحلي أيضا، فقال: والنبي (صلى الله عليه وآله) عندنا كان يحسن
الكتابة بعد النبوة وإنما لم يحسنها قبل البعثة (3).
وظاهره الإجماع عليه منا، ويشهد له جملة من أخبارنا.
ففي مجمع البحرين عن كتاب بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن
الصفار في باب أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقرأ ويكتب بكل لسان بإسناده إلى
جعفر بن محمد الصوفي، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام)

(1) المسالك 13: 329.
(2) المبسوط 8: 120.
(3) السرائر 2: 166.
41

يا بن رسول الله لم سمي النبي الأمي؟ قال: ما يقول الناس؟ قلت: يزعمون
إنما سمي الأمي لأنه لم يكتب، فقال: كذبوا عليه لعنهم الله أنى يكون ذلك
والله تبارك وتعالى يقول: في محكم كتابه «هو الذي بعث في الأميين رسولا
منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة» فكيف يعلمهم ما
لا يحسن؟! والله لقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقرأ ويكتب باثنين وسبعين لسانا،
وإنما سمي الأمي لأنه كان من أهل مكة ومكة من أمهات القرى، وذلك قول
الله تعالى في كتابه «لتنذر أم القرى ومن حولها» (1).
وفي رواية اخرى في الكتاب المشار إليه عن عبد الرحمان بن الحجاج
قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يقرأ ويكتب ويقرأ ما لم
يكتب (2).
(و) اعلم أنه قد مضى ما دل على أنه (لا ينعقد) القضاء (للمرأة)
فلا وجه للإعادة.
(وفي انعقاده للأعمى تردد) ينشأ من عدم نفوذ شهادته في بعض
القضاء والقاضي ينفذ شهادته مطلقا، وافتقاره إلى مشاهدة الغرماء للحكم
على أعينهم، وإن البصر طريق إلى المحسوسات التي يحتاج القاضي. ومن
أن شعيبا (عليه السلام) كان أعمى، وقد كان نبيا، والبصر يقوم مقامه شاهدان.
(والأقرب) الأشهر، كما في المسالك (3) والروضة (4) وشرح الشرائع
للصيمري (5)، بل عليه عامة من تأخر (أنه لا ينعقد) له القضاء، لا لما ذكر
في توجيهه لقصوره بجميع أقسامه عن إفادة الحكم على وجه يطمئن به،

(1) بصائر الدرجات: 225، الحديث 1.
(2) بصائر الدرجات: 227، الحديث 5.
(3) المسالك 13: 330.
(4) الروضة 3: 67.
(5) غاية المرام 182 س 5 (مخطوط).
42

بل (لمثل ما ذكرناه في) اشتراط العلم ب‍ (الكتابة) من بلوغ الشهرة حد
الإجماع، لعدم معروفية القائل بالخلاف من الأصحاب وإن أشعر بوجوده
بعض العبارات، ومن الأصل مع البناء المتقدم. وضعف دليل الخلاف بكونه
قياسا مع الفارق، لانجبار عمى شعيب بالعصمة والوحي بخلاف القاضي
- كما مر - مضافا إلى منع جماعة من الأصحاب عماه بالكلية.
هذا، مع أن اشتراط المعرفة بالكتابة يستلزم اشتراط البصر، كما نبه عليه
في التنقيح، قال: استدلالا بالملزوم على اللازم (1). فتدبر.
(وفي اشتراط الحرية) أيضا (تردد) ينشأ مما يأتي، ومن أن القضاء
ولاية، والعبد ليس محلا لها، لاشتغاله عنها باستغراق وقته بحقوق المولى،
وأنه من المناصب الجليلة التي لا يليق حال العبد بها. و (الأشبه) عند
الماتن هنا وفي الشرائع (2) (أنه لا يشترط) للأصل، وأن المناط العلم،
وهو حاصل، وعموم قوله (عليه السلام) فيما يأتي من النصوص فانظروا إلى رجل
منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه قاضيا بينكم فإني قد جعلته قاضيا (3).
وفي الأدلة من الطرفين نظر.
فالأول من الأول: بالمنع من عدم أهليته للولاية مطلقا بمجرد ما ذكروه
من التعليل بالاشتغال بحقوق المولى المانع من القضاء، إذ غايته عدم
الأهلية، مع عدم إذن المولى لا مطلقا، وهو أخص من المدعى.
والثاني منه: بأنه مجرد دعوى، بل مصادرة وإعادة للمدعى.
وأما الأول من الثاني: فبعدم دليل عليه إن أريد منه أصالة الجواز،
بل الأصل يقتضي العدم، كما مضى، بناء على أن ثمرة هذا الاختلاف إنما هو

(1) التنقيح 4: 237.
(2) الشرائع 4: 68.
(3) الوسائل 18: 4، الباب 1 من أبواب صفات القاضي، الحديث 5.
43

بالإضافة إلى نصب القاضي أو انتصابه في زمان غيبة الإمام (عليه السلام) لا زمان
حضوره، فإنه في الثاني إليه، ولا اختلاف في فعله، وحينئذ فالأصل عدم
جواز صرف منصبه إلى غيره والتصرف فيه بغير إذنه، وإن أريد منه عموم
الإذن فيما ورد من النص الآتي ففيه أنه حينئذ نفس العموم لا مغايرة بينهما،
وقد جعل أحدهما للآخر بالعطف مغائرا، وكل منهما دليلا مستقلا.
وأما الثاني منه: فبكونه مستنبطا لا دليل عليه أصلا، فيكون الحكم به
قياسا.
وأما الثالث منه: فبالمنع من عمومه لغة، بل غايته الإطلاق الغير
المنصرف بحكم التبادر إلى نحو العبد جدا، سيما بملاحظة قوله تعالى:
«عبدا مملوكا لا يقدر على شئ» (1).
فإذا المنع أقوى، وفاقا لأكثر أصحابنا، كما في المسالك (2)، ولا شبهة
في شهرته وندرة القائل بخلافه حيث إنه لم يقل به أحد عدا الماتن في
الشرائع (3)، وهنا أيضا، مع أنه أحوط أيضا.
(و) اعلم أنه (لا بد) مع اجتماع هذه الشرائط (من إذن الإمام (عليه السلام))
بالقضاء لمستجمعها خصوصا أو عموما ولا يكفي مجرد اجتماعها فيه
إجماعا، لما مضى من اتفاق النص والفتوى على اختصاصه (عليه السلام) بمنصب
القضاء، فلا يجوز لأحد التصرف فيه إلا بإذنه قطعا.
(و) منه ينقدح الوجه فيما اتفقوا عليه من أنه (لا ينعقد) القضاء
(بنصب العوام له) أي المستجمع الشرائط وغيره بالطريق الأولى بينهم
قاضيا. لكن روى الكشي في عروة القتات ما يشير إلى الجواز.

(1) النحل: 16.
(2) المسالك 13: 330.
(3) الشرائع 4: 68.
44

وفيه قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) أي شئ بلغني عنكم؟ قلت: ما هو؟ قال:
بلغني عنكم أنكم أقعدتم قاضيا بالكناسة، قال: قلت: نعم جعلت فداك رجل
يقال له: عروة القتات، وهو رجل له حظ من عقل نجتمع عنده فنتكلم
ونتساءل ثم نرد ذلك إليكم، قال: لا بأس (1).
إلا أن سنده قاصر بالجهالة، بل ودلالته أيضا ضعيفة، إذ ليس نفي البأس
فيه إلا عما ذكره الراوي وفسر به نصبهم القاضي من الاجتماع إليه للتساؤل
والتحادث والرد إلى الأئمة (عليهم السلام) وهو غير الاستقضاء له والتحكم إليه. ولا
ينافيه قوله (عليه السلام) في الصدر: «أقعدتم قاضيا» لما مر من نقل الراوي وبيانه
لإقعاده، وأنه ليس للقضاء الحقيقي، بل لما مر.
ونفي البأس إنما تعلق به لا بالاستقضاء الحقيقي، بل ربما دل قوله (عليه السلام):
«أي شئ بلغني» على نوع إنكار لما بلغ إليه من إقعاده قاضيا، حيث إن
المتبادر منه كونه قاضيا حقيقيا، ففيه تأييد لما ذكره الأصحاب جدا،
فلا شبهة فيه أصلا.
(نعم لو تراضى اثنان) خصمان (بواحد من الرعية فحكم بينهما
لزم) حكمه في حقهما في المشهور بين أصحابنا، بل لم ينقلوا فيه خلافا
أصلا، مستندين إلى وقوع ذلك في زمان الصحابة، ولم ينكر أحد منهم ذلك،
وفحوى النبوي من حكم بين اثنين تراضيا به فلم يعدل فعليه لعنة الله (2).
وأرى البحث في هذه المسألة قليل الفائدة، بناء على اختصاصها بزمان
حضوره (عليه السلام) دون غيبته، وذلك لإجماعهم على الظاهر المصرح به في الروضة (3)

(1) رجال الكشي 371.
(2) تلخيص الحبير 4: 185، ذيل الحديث 2084.
(3) الروضة 3: 68.
45

والمسالك (1) على اشتراط الحكم فيها باستجماع الواحد، الذي إليه تحاكما
وبه تراضيا لجميع صفات القاضي المنصوب من قبله (عليه السلام) وشرائطه التي
قدمناها، سوى نص من له الولاية بالعموم أو الخصوص، وفرضه في زمان
الغيبة غير متصور، بناء على ما سيأتي من تحقق الإذن العام في القضاء لمن
استجمع تلك الشرائط، فإذا حصلت له حالتها في رجل كان مأذونا، وإن
فقدت فيه لم يجز له القضاء مطلقا ولو كان الإمام حاضرا.
هذا، وفرضه في زمان الحضور مشكل أيضا، بناء على أن ما تضمن
الإذن في القضاء المستجمع الشرائط عام غير مختص بحال الغيبة، بل يشمل
ما لو كان (عليه السلام) حاضرا، فكيف يتصور وجود مستجمع للشرائط حالة
الحضور لم يكن من قبله (عليه السلام) مأذونا؟!
نعم يتصور فرض ذلك لو اشترط الإذن الخاص زمان الحضور، كما هو
ظاهر، ولكن الدليل المتضمن للإذن له عام كما قدمنا، أو لم يشترط فيه
اجتماع جميع الصفات والشرائط المعتبرة في القاضي المنصوب، كما هو
ظاهر الشهيد في اللمعة (2). ولكنه خلاف ما وقعت عليه من عبائر الجماعة
كالماتن في الشرائع (3) وشيخنا الشهيد الثاني في شرحه (4) والفاضل في
الإرشاد (5) والقواعد (6) وولده في شرحه (7) والفاضل المقداد في شرح
الكتاب (8) والشهيد في الدروس (9) وغيرهم من الأصحاب، حتى أن شيخنا
الشهيد الثاني - كما عرفت - ادعى عليه الوفاق.

(1) المسالك 13: 334.
(2) اللمعة 3: 68.
(3) الشرائع 4: 68.
(4) المسالك 13: 334.
(5) الإرشاد 3: 138.
(6) القواعد 3: 419.
(7) الإيضاح 4: 296.
(8) التنقيح 4: 238.
(9) انظر الدروس 2: 68.
46

ويمكن أن يقال: إن ما دل على الإذن العام لم يصدر إلا عن الأئمة (عليهم السلام)
وحضورهم في زمانهم كغيبتهم، لعدم بسط يدهم وسلطنتهم وعدم نفوذ
حكمهم، فلا يشترط الإذن الخاص في زمانهم.
وحينئذ يختص تصور وجود قاضي التحكيم الذي هو مورد المسألة
بزمان النبي (صلى الله عليه وآله)، حيث إنه لم يكن فيه تقية، بل كان نافذ الحكم على جميع
البرية.
ويكون المراد بحضوره المشترط فيه الإذن الخاص لنصب القاضي
الحضور الخاص، الذي ينفذ حكمه فيه ويكون غيره في معنى الغيبة، وبذلك
صرح جماعة ومنهم شيخنا الشهيد الثاني في المسالك.
حيث قال بعد قول الماتن: (ومع عدم الإمام (عليه السلام) ينفذ قضاء الفقيه من
فقهاء أهل البيت (عليهم السلام) الجامع للصفات) المشترطة في الفتوى لقول أبي
عبد الله (عليه السلام): فاجعلوه قاضيا فإني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه ولو عدل،
والحال هذه إلى قضاة الجور كان مخطئا ما لفظه ما تقدم من اشتراط نصب
القاضي وإن كان فقيها ومجتهدا، وعدم نفوذ حكمه إلا مع التراضي به
مختص بحال حضور الإمام وتمكنه من نصب القضاة، إما مع عدم ذلك إما
لغيبته أو لعدم بسط يده فيسقط هذا الشرط من جملة الشرائط وهو نصب
الإمام، انتهى (1).
ووجهه يظهر مما قدمناه.
ثم قال: وينفذ عندنا قضاء الفقيه العدل الإمامي الجامع لباقي الشرائط
وإن لم يتراض الخصمان بحكمه، لقول أبي عبد الله (عليه السلام) لأبي خديجة: إياكم
أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم

(1) المسالك 13: 334.
47

شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم فإني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه (1)
- إلى أن قال: - وقريب منها رواية عمر بن حنظلة، قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام):
عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى
السلطان أو إلى القضاة أيحل له ذلك؟ قال: من تحاكم إلى الطاغوت فحكم له
فإنما يأخذه سحتا وإن كان حقه ثابتا، لأنه أخذ بحكم الطاغوت وقد أمر
الله تعالى أن يكفر به، قلت: كيف يصنعان؟ قال: انظروا إلى من كان منكم قد
روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فارضوا به حكما
فإني قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما بحكم
الله استخف وعلينا رد، والراد علينا الراد على الله تعالى وهو في حد الشرك
بالله (2). وفي طريق الخبرين ضعف، ولكنهما مشتهران بين الأصحاب متفق
على العمل بمضمونهما فكان ذلك جابرا للضعف عندهم (3) انتهى كلامه
أعلى الله مقامه.
وهو كما ترى قد كفانا مؤنة الاشتغال لشرح ما هنا، إلا أن ما ذكره من
الضعف في الرواية الثانية محل مناقشة، إذ ليس في سندها سوى داود بن
الحصين والنجاشي قد وثقه، وعلى تقدير ثبوت وقفه - كما ذكره الشيخ وابن
عقدة - فهو موثق لا ضعيف، كما ذكره، وعمر بن حنظلة وهو ممن قد حكي
عنه بأنه وثقه.
هذا، مع أن في السند قبلهما صفوان بن يحيى، وقد حكي على تصحيح
ما يصح عنه إجماع العصابة.

(1) الوسائل 18: 4، الباب 1 من أبواب صفات القاضي، الحديث 5.
(2) المصدر السابق 99، الباب 11 الحديث 1.
(3) المسالك 13: 335.
48

وبالجملة فالرواية قوية غاية القوة كالصحيحة حجة في نفسها، مع قطع
النظر عن الشهرة الجابرة.
وبها يعارض جماعة في استدلالهم بالرواية الأولى على جواز التجزئ
في الاجتهاد، لمكان قوله فيها: «يعلم شيئا من قضايانا» وذلك لدلالة الرواية
الثانية على اعتبار المعرفة بالأحكام جملة، لمكان الجمع المضاف، وهو
حيث لا عهد يفيد العموم لغة، وهي - كما عرفت - بحسب السند معتبرة، ولا
كذلك الرواية الأولى، لأنها بالاتفاق ضعيفة، لأن في سندها معلى بن محمد
وأبا خديجة، وحالهما في الضعف مشهورة، والشهرة الجابرة مشتركة، فقوة
السند في الأخيرة مرجحة.
هذا، بعد تسليم دلالتها، وإلا فهي ممنوعة، يظهر وجهه بالتدبر فيما ذكره
الخال العلامة أدام الله تعالى ظله في بعض حواشيه ردا على بعض هؤلاء
الجماعة، فقال: لا نزاع في أن العلم بجميع الأحكام ليس شرطا في الفتوى
والاجتهاد، كيف! وهو من خواص الشارع، بل النزاع إنما هو في اشتراط
الاطلاع بجميع مدارك الأحكام والقدرة على استنباطها ومنها التوقف، كما
لا يخفى على المطلع بأحوال المجتهدين، الذين لا تأمل في اجتهادهم، بل
لا يوجد مجتهد إلا ويتوقف في بعض المسائل، بل وغير واحد منها، فعلى
هذا لا دلالة للرواية على التجزئ، بل على أن العالم ببعض الأحكام مجتهد،
وقوله فيه حجة، والمانع للتجزئ يمنع حصول العلم ببعض الأحكام
للمتجزئ، إلا أن يدعى ظهور العلم ببعضها، من دون الإحاطة بجميع
المدارك في ذلك الزمان. لكن لو تم هذا بحيث ينفع محل النزاع يكون
هو الدليل من دون مدخلية الرواية.
ثم أطال سلمه الله في وجه منع المانع للتجزئ عن حصول العلم
للمتجزئ، ويرجع حاصله إلى ما قدمنا تحقيقه قريبا.
49

هذا، وذكر شيخنا في المسالك: أنه لا يكفي اجتهاد القاضي في بعض
الأحكام دون بعض على القول بتجزؤ الاجتهاد (1) أيضا، ولم ينقل فيه
خلافا.
وظاهره يعطي الاتفاق على المنع من قضاء المتجزئ، وينبغي القطع به
مع وجود المجتهد المطلق والتمكن منه، للأمر بالرجوع إلى الأعلم في
مقبولة عمر ابن حنظلة الطويلة (2)، ونحوها من أخبار كثيرة (3).
وما يستفاد من الروايتين من حرمة التحاكم إلى حكام الجور مجمع
عليه بيننا وغيرهما من الروايات مستفيضة به، بل متواترة جدا، مضافا إلى
الآية الكريمة المذكورة فيها، ويستفاد منهما عدم جواز أخذ شئ بحكمهم
وإن كان له حقا، وهو في الدين ظاهر، وفي العين مشكل، لكن العموم
مقتضاهما.
وفي المسالك وغيره استثنى من الحكم بتخطئة التحاكم إليهم ما لو
توقف حصول حقه عليه، فيجوز كما يجوز الاستعانة على تحصيل الحق
لغير القاضي، قال: والنهي في هذه الأخبار وغيرها محمول على الترافع إليهم
اختيارا، مع إمكان تحصيل الغرض بأهل الحق. قال: وقد صرح به في خبر
أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أيما رجل كان بينه وبين أخ له مماراة في
حق فدعاه إلى رجل من إخوانه ليحكم بينه وبينه فأبى إلا أن يرافعه إلى
هؤلاء كان بمنزلة هؤلاء الذين قال الله عز وجل: «ألم تر إلى الذين يزعمون
أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى

(1) المسالك 13: 328.
(2) الوسائل 18: 75 الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1.
(3) المصدر السابق 88، الباب 9، الحدث 45.
50

الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به» الآية، انتهى (1).
وظاهرهما عدم الخلاف، حيث لم ينقلاه فيه كالفاضل في المختلف،
لكن في صورة ما إذا كان أحد المتخاصمين محقا والآخر مخالفا. وأما في
صورة كونهما محقين فقد نقل القول بمنعهما عن الترافع إلى هؤلاء عن
الحلبي، واعترضه بالمنع من الفرق بين الصورتين، قال: لأن للإنسان أن
يأخذ حقه كيف أمكن، وكما جاز الترافع مع المخالف إلى المخالف توصلا
إلى استيفاء الحق فليجز مع المؤمن الظالم بمنع الحق (2).
وهو ظاهر في اعتراف الحلبي بأن علة الجواز حيثما يقول به هو
التوصل إلى الحق، ومرجعها إلى الأدلة العامة بنفي العسر والحرج في
الشريعة، وقوله سبحانه: «فمن اعتدى» الآية (3).
فالحكم لا بأس به، إلا أنه ينبغي أولا إعلام الخصم المانع عن الحق
برفعه إلى حاكم الجور إذا أصر على حبس الحق، فإن ارتدع، وإلا فليترافع،
اقتصارا فيما خالف الأصل الدال على حرمة الترافع إليهم على محل
الضرورة.
وأما ما في الكفاية من استشكاله في الحكم بأن في الترافع إليهم إعانة
لهم على الإثم محرمة (4) فضعيف غايته، إذ ليس ما دل على حرمتها بأقوى
مما دل على حرمة التحاكم إلى هؤلاء الظلمة، فكما يخصص بأدلة نفي
الضرر والعسر في الشريعة وآية الاعتداء المتقدمة هذه فليكن تلك الأدلة بها
أيضا مخصصة، وإنما جعلت أدلة نفي الحرج مخصصة للأدلة المانعة بنوعيها

(1) المسالك 13: 335 - 336، الوسائل 18: 3، الباب 1 من أبواب صفات القاضي، الحديث 2.
(2) المختلف 8: 402.
(3) البقرة: 194.
(4) كفاية الأحكام 262 س 8.
51

مع كون التعارض بينهما تعارض العموم والخصوص من وجه فيحتمل
العكس لأوفقيتها بأصالة البراءة، التي هي حجة مستقلة لو فرض تساقط
الأدلة بعد تعارضها من كل جهة.
(وقبول القضاء عن السلطان العادل مستحب لمن يثق) ويعتمد
(بنفسه) بالقيام بشرائط القضاء، واستحبابه عيني، فلا ينافي ما قدمناه من
أنه واجب كفائي.
(وربما وجب) عينا إذا لزمه به الإمام (عليه السلام) أو لا يوجد من يتولاه غيره
ممن يستجمع الشرائط.
ولا فرق في هذا بين حالتي حضور الإمام و غيبته، ولا خلاف في شئ
من ذلك عندنا.
خلافا لبعض العامة فحكم بالكراهة (1) للنصوص المحذرة.
منها: من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين (2).
وفي آخر يجاء بالقاضي يوم القيامة فيلقى من شدة الحساب ما يتمنى
أنه لم يقض بين اثنين في تمرة فقط (3).
وحملها الأصحاب على من لم يستجمع الشرائط أو إرادة بيان خطره
ولا بأس به.
* * *

(1) الحاوي الكبير 16: 11.
(2) سنن ابن ماجة 2: 774، الحديث 2308.
(3) سنن البيهقي 10: 96.
52

(النظر الثاني)
(في الآداب)
(وهي) قسمان: (مستحبة، ومكروهة) ولم يرد بكثير منها نص ولا
رواية، ولكن ذكرها الأصحاب، ولا بأس بمتابعتهم مسامحة في أدلة السنن
والكراهة.
(فالمستحب: إشعار رعيته) وإخبارهم (بوصوله) وقدومه (إن لم
يشتهر خبره) وطلب من يسأله ما يحتاج إليه من أمور بلده، ليكون فيها
على بصيرة من أمره، والنزول في وسط البلد التسوية بين الخصوم في مسافة
الطريق.
(والجلوس في قضائه) أي حالة القضاء في موضع بارز مثل رحبة أو
فضاء، ليسهل الوصول إليه. ويكون مستقبل القبلة في جلوسه، لتحصيل
الفضيلة على قول، والأكثر على استحبابه. (مستدبر القبلة) ليكون وجوه
الناس إليها نظرا إلى عموم المصلحة.
(وأن يأخذ) مبتدئا (ما في يد) الحاكم (المعزول من حجج الناس
وودائعهم) ليعلم تفاصيل أحوال الناس ويعرف حقوقهم وحوائجهم.
(والسؤال) بعد ذلك (عن أهل السجون، وإثبات أسمائهم، والبحث
53

عن موجب اعتقالهم) وحبسهم (ليطلق) ويخلص (من يجب إطلاقه)
بأن لا يثبت لحبسه موجب، أو لم يظهر له خصم، بعد إشاعة حاله. وإن ادعى
أن لا خصم له ففي إحلافه مع ذلك قولان.
ثم يسأل عن الأوصياء على الأيتام والمجانين، وعن ثبوت وصايتهم
وتصرفهم في المال، ويفعل بهم ما يجب من إنفاذ أو إسقاط أو تضمين، ثم
ينظر في الأمناء الحافظين لأموال اليتامى والمحجور عليهم والغيب فيعزل
الخائن ويسعد الضعيف بمشارك، أو يستبدل به حسب ما اقتضاه رأيه.
ثم ينظر في الضوال واللقيط فيبيع ما يخشى تلفه وما يستوعب نفقة
ثمنه، ويعمل فيها على ما ينبغي، ويقدم من كل نوع من ذلك الأهم فالأهم.
(و) يستحب له (تفريق الشهود عند الإقامة فإنه أوثق، خصوصا
في موضع الريبة) كما فعله سيد الأوصياء في جملة من قضاياه المعروفة
(عدا ذوي البصائر) والشأن من العلماء والصلحاء الأعيان فلا يستحب
تفريقهم، بل ويكره، وربما حرم (لما يتضمن) تفريقهم (من الغضاضة)
والمهانة بهم، بل وربما يحصل في ذلك كسر قلوبهم.
(وإن يستحضر من أهل العلم) والاجتهاد (من يخاوضه) ويعاونه
(في المسائل المشتبهة) ويشهدهم حكمه، فإن أخطأ نبهوه، وما أتلفه خطأ
فعلى بيت المال المعد للمصالح، كما في النص المعمول به.
وينبغي أن يجمع قضايا كل أسبوع ووثائقه وحججه، ويكتب تاريخها
عليها، وإنها لمن هي، فإن اجتمع كل شهر كتب عليه شهر كذا أو سنة فسنة
كذا أو يوم فيوم كذا، ليكون أسهل عليه وعلى من بعده من الحكام في
استخراج المطلوب منها وقت الحاجة.
وإذا اتخذ كاتبا وجب أن يكون بالغا، عاقلا، مسلما، عدلا، بصيرا،
54

ليؤمن انخداعه، فإن كان مع ذلك فقيها جيد الخط كان حسنا.
وينبغي أن يجلس بين يديه ليملي عليه ويشاهد ما يكتب.
وإذا افتقر إلى مترجم، قيل: لم يقبل عندنا إلا شاهدان عدلان، عملا
بالمتفق عليه الأحوط، وإذا تعدى أحد الغريمين أقامه برفق، وعمل بمراتب
النهي عن المنكر (1).
(والمكروهات، الاحتجاب) أي اتخاذ الحاجب، وهو الذي لا
يدخل عليه أحد إلا برضاه (وقت القضاء) للنبوي: من ولي شيئا من أمور
الناس فاحتجب دون حاجتهم وفاقتهم احتجب الله تعالى دون حاجته
وفاقته وفقره (2).
ونقل قول بتحريمه عن بعض الفقهاء، لظاهر الخبر.
وفيه نظر، وقربه فخر الدين، مع اتخاذه على الدوام بحيث يمنع أرباب
الحوائج ويضربهم (3). واستحسنه شيخنا الشهيد الثاني، قال: لما فيه من
تعطيل الحق الواجب قضاؤه على الفور، والحديث يصلح شاهدا عليه، وإلا
كان مفيدا للكراهة، للتسامح في أدلته انتهى (4). ولا بأس به.
(وأن يقضي مع ما يشغل النفس كالغضب) لغير الله تعالى (والجوع
والعطش والغم والفرح والمرض وغلبة النعاس) ومدافعة الأخبثين ونحو
ذلك من المشغلات، كما يستفاد من الأخبار:
ففي النبوي: لا يقضي وهو غضبان (5).

(1) مفاتيح الشرائع 3: 25.
(2) تلخيص الحبير 4: 188، الحديث 2089، عوالي اللآلي 2: 343، الحديث 6.
(3) الإيضاح 4: 310.
(4) المسالك 13: 377.
(5) الوسائل 18: 156، الباب 2 من أبواب آداب القاضي، الحديث 1.
55

وفي آخر، لا يقضي إلا وهو شبعان (1).
وفي ثالث: لا يقضي وهو غضبان مهموم، ولا مصاب محزون (2).
وفي وصية علي (عليه السلام) لشريح: ولا تقعدن في مجلس القضاء حتى
تطعم (3).
وأن يستعمل الانقباض المانع من الإتيان بالحجة واللين، الذي لا يؤمن
معه من جرأة الخصم.
(وأن يرتب) ويعين (قوما) دون غيرهم (للشهادة) لما يترتب
عليه من التضييق على الناس والغضاضة من العدل الغير المرتب.
ونقل قول بتحريمه، نظرا إلى أن ذلك موجب لإبطال شهادة مقبولي
الشهادة، فإنه ربما يتحمل الشهادة غيرهم، فإذا لم تقبل شهادتهم ضاع الحق
عن أهله، وقد قال سبحانه: «وأشهدوا ذوي عدل منكم» (4) فأطلق فتحمل
ذلك ضرر على الناس وحرج بالاقتصار، وهما منفيان. والأشهر الكراهة.
(وأن يشفع إلى الغريم) وصاحب الحق (في إسقاط وإبطال) خوفا
من أن يتسمح الغريم في وجه القاضي فيجيبه لسؤاله مع عدم رضائه في
الباطن. هذا إذا كان بعد ثبوت الحق، وإلا فلا يكره، بل يستحب الترغيب
في الصلح.
وهنا (مسائل) خمس:
(الأولى: للإمام أن يقضي بعلمه في الحقوق) مطلقا للناس كانت أم
لله تعالى إجماعا في الظاهر المصرح به في كتب جماعة حد الاستفاضة

(1) سنن البيهقي 10: 106.
(2) الحاوي الكبير 16: 33.
(3) الوسائل 18: 156، الباب 1 من أبواب آداب القاضي، الحديث 1.
(4) الطلاق: 2.
56

كالانتصار (1) والغنية (2) والإيضاح (3) ونهج الحق للعلامة (4) وغيرها من
كتب الجماعة. وهو الحجة; مضافا إلى فحاوي الأدلة الآتية، وعلمه المانع
من الخلاف، وعصمته المانعة من التهمة، وإمضاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحكم له
بالناقة على الأعرابي من أمير المؤمنين (عليه السلام) (5)، كما في الرواية المشهورة.
(و) هل (لغيره) أي لغير الإمام أيضا أن يقضي بعلمه (في حقوق
الناس وفي حقوق الله تعالى) من حدوده فيه (قولان) أظهرهما أنه
كسابقه، وهو أشهرهما، بل عليه عامة متأخري أصحابنا، وفي صريح
الانتصار (6) والخلاف (7) والغنية (8) ونهج الحق (9) وظاهر السرائر (10) أن
عليه إجماع الإمامية. وهو الحجة; مضافا إلى أدلة كثيرة ذكرها الجماعة:
منها: استلزام عدم الجواز إما ايقاف الأحكام أو فسق الحكام، واللازم
بقسميه باطل، بيان الملازمة أنه إذا طلق الرجل زوجته ثلاثا بحضرته ثم
جحد كان القول قوله مع يمينه، فإن حكم بغير علمه وهو استحلافه
وتسليمها إليه لزم فسقه، وإلا لزم إيقاف الحكم لا لموجب، وكذا إذا أعتق
عبده بحضرته ثم جحد، ونظائره كثيرة.
ومنها: استلزامه أحد الأمرين إما عدم وجوب إنكار المنكر وعدم
وجوب إظهار الحق مع إمكانه، أو الحكم بعلمه، وبطلان الأول ظاهر،
فتعين الثاني، بيان اللزوم أنه إذا علم بطلان قول أحد الخصمين، فإن

(1) الانتصار 488.
(2) الغنية 436.
(3) الإيضاح 4: 312.
(4) نهج الحق 563.
(5) الوسائل 18: 200، الباب 18 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1.
(6) الانتصار 488.
(7) الخلاف 6: 242، المسألة 41.
(8) الغنية 436.
(9) نهج الحق 563.
(10) السرائر 3: 542.
57

لم يجب عليه منعه عن الباطل لزم الأول، وإلا ثبت المطلب.
ومنها: أن العلم أقوى من البينة، وجواز الحكم بها يستلزم جوازه بالعلم
بطريق أولى.
ومنها: عموم الأدلة الدالة على الحكم مع وجود الوصف المعلق عليه،
كقوله سبحانه: «السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما» (1)، وقوله تعالى: «الزانية
والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة» (2)، والخطاب للحكام، فإذا
علموا بالوصف عملوا به، وهو أقوى من الحكم، وإذا ثبت ذلك في الحدود
ففي غيرها أولى ذكره المرتضى (رحمه الله)، وهو أقواها، حيث قال: وكيف يخفى
إطباق الإمامية على وجوب الحكم بالعلم، وهم ينكرون توقف أبي بكر عن
الحكم لفاطمة (عليها السلام) بفدك لما ادعت أنه نحلها أبوها، ويقولون: إنه إذا كان
عالما بعصمتها وطهارتها وأنها لا تدعي إلا حقا فلا وجه لمطالبتها بإقامة
البينة، لأن البينة لا وجه لها مع القطع بالصدق (3).
ومنها: إمضاؤه (صلى الله عليه وآله) الحكم له بالناقة على الأعرابي من خزيمة بن
ثابت (4).
ومنها: قول علي (عليه السلام) لشريح لما طالبه بالبينة على ما ادعاه من درع
طلحة ويحك خالفت السنة بما طالبت إمام المسلمين بالبينة وهو مؤتمن
على أكثر من هذا (5).
والقول الثاني للإسكافي فمنع عنه مطلقا على ما نقل عنه جمع ومنهم

(1) المائدة: 38.
(2) النور: 2.
(3) الانتصار 492.
(4) الوسائل 18: 201، الباب 18 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 3.
(5) الوسائل 18: 194، الباب 14 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 6.
58

المرتضى (رحمه الله) (1)، ولابن حمزة (2) والحلي (3) (رحمه الله) فمنعا عنه في الأخير خاصة،
ونسب في المسالك عكس هذا إلى الإسكافي في كتابه المختصر
الأحمدي (4). ومستندهم غير واضح سوى أن في القضاء بالعلم من دون بينة
تهمة وتزكية لنفسه، وكل منهما للقضاء مانعة، والنبوي في قضية الملاعنة:
لو كنت راجما من غير بينة لرجمتها (5) وأن حقوقه سبحانه مبنية على
الرخصة والمسامحة فلا يناسبها القضاء بالعلم من دون بينة.
والمناقشة في الجميع واضحة، لأن التهمة والتزكية آتيان في القضاء
بالشهود والبينة، مع أنه غير مانع باتفاق الإمامية (6)، والرواية عامية غير
صالحة بذلك للحجية والمسامحة في الحدود إنما هي قبل ثبوتها لا بعد
الثبوت. وبالجملة لا ريب في صحة القول المشهور.
وعلى الأقوال يقضي بعلمه - بلا خلاف ظاهر مصرح به في كلام جمع -
في تزكية الشهود وجرحهم، حذرا من لزوم الدور أو التسلسل. وفي الإقرار
عنده وإن لم يسمعه غيره (وقيل: يشترط أن يكون في مجلس القضاء). وفي
العلم بخطأ الشهود يقينا أو كذبهم. وفي تعزير من أساء أدبه في مجلسه وإن
لم يعلمه غيره، لأنه من ضرورة إقامة أبهة القضاء. وفيما إذا شهد معه آخر،
فإنه لا يقصر عن شاهد واحد (7).
(الثانية: إن عرف) الحاكم (عدالة الشاهدين حكم، وإن عرف

(1) الانتصار 488.
(2) الوسيلة 218.
(3) انظر السرائر 2: 179.
(4) المسالك 13: 383 - 384.
(5) سنن البيهقي 7: 407.
(6) في المخطوطات: الأمة.
(7) المسالك 13: 386.
59

فسقهما أطرح) شهادتهما (وإن جهل الأمرين فالأصح التوقف) في
الحكم بشهادتهما (حتى يبحث عنهما) مطلقا ولو علم بإسلامهما أو صرح
المشهود عليه بعدالتهما على إشكال في هذا. ينشأ من أن البحث والتعديل
لحق الله تعالى، ولذا لا يجوز الحكم بشهادة الفساق وإن رضي به الخصم وأن
الحكم بشهادة الإنسان حكم بتعديله، ولا يجوز بخبر الواحد إجماعا كما
حكاه في الإيضاح (1)، ومن أن البحث لحق المشهود عليه وقد أقر بعدالتهما،
وأنه أقر بوجود شرط الحكم، وكل من أقر بشئ نفذ عليه، لقوله (عليه السلام)، إقرار
العقلاء على أنفسهم جائز (2).
وبهذا أفتى الإسكافي (3) والفاضل المقداد في التنقيح (4) والفاضل في
التحرير (5) والإرشاد (6) والقواعد (7) وولده في شرحه قاطعا به (8)
كالإسكافي والمقداد دون والده في القواعد، وقواه في الدروس (9) أيضا.
وهو كذلك، لما رواه في الوسائل عن مولانا الحسن بن علي العسكري في
تفسيره عن آبائه عن علي (عليه السلام)، قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا تخاصم إليه
رجلان قال: للمدعي ألك حجة؟ فإن أقام بينة يرضى ويعرفها أنفذ الحكم
على المدعى عليه - إلى أن قال -: وإذا جاء بشهود لا يعرفهم بخير ولا شر
بعث رجلين من خيار أصحابه يسأل كلا منهما من حيث لا يشعر الآخر عن

(1) الإيضاح 4: 315.
(2) الوسائل 16: 111، الباب 3 في صحة الإقرار، الحديث 2.
(3) المختلف 8: 420.
(4) التنقيح 4: 243.
(5) التحرير 2: 184 س 10.
(6) الإرشاد 2: 144.
(7) القواعد 3: 431.
(8) الإيضاح 4: 315.
(9) الدروس 2: 79.
60

حال الشهود في قبائلهم ومحلاتهم، فإذا أثنوا عليه قضى حينئذ على المدعى
عليه، وإن رجعا بخبر سيء وثناء قبيح لم يفضحهم ولكن يدعو الخصم إلى
الصلح وإن كان الشهود من أخلاط الناس غرباء لا يعرفون أقبل على
المدعى عليه فقال: ما تقول فيهما؟ فإن قال: ما عرفنا إلا خيرا غير أنهما
غلطا فيما شهدا علي أنفذ شهادتهما، وإن جرحهما وطعن عليهما أصلح بين
الخصمين، أو أحلف المدعى عليه وقطع الخصومة بينهما (1).
والرواية طويلة ومحصلها ما ذكرنا من دون نقيصة، وهي صريحة في
وجوب البحث عن الوصفين لو جهلا.
وإطلاقها يشمل صورة الجهل بإسلامهما وغيرها، بل لعلها بحكم التبادر
وغلبة الإسلام في المتخاصمين وشهودهم في زمانه (صلى الله عليه وآله) ظاهرة في الثانية
جدا. ولا خلاف في الحكم في الصورة الأولى على الظاهر المصرح به في
جملة من العبائر.
وأما ثبوته في الثانية فهو الأشهر بين الطائفة، كما صرح به الشهيدان (2)
وغيرهما من الجماعة.
خلافا للإسكافي (3) والمفيد في كتاب الإشراق (4) والشيخ في
الخلاف (5) فلم يوجبوا البحث، بل اكتفوا بظاهر الإسلام، بناء منهم على أن
الأصل فيه العدالة، وادعى الأخير عليه إجماع الطائفة (6).
ومبنى الخلاف هنا على الاختلاف في تفسير العدالة هل هي ظاهر
الإسلام مع عدم ظهور فسق، أو حسن الظاهر، أو الملكة أي الهيئة الراسخة

(1) الوسائل 18: 174، الباب 6 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1.
(2) راجع الدروس 2: 79، والمسالك 13: 397.
(3) كفاية الأحكام 264 س 17.
(4) كفاية الأحكام 264 س 17.
(5) الخلاف 6: 217، المسألة 10.
(6) الخلاف 6: 217، المسألة 10.
61

في النفس الباعثة لها على ملازمة التقوى والمروة؟ وينبغي القطع بضعف
القول الأول منها، لمخالفته الرواية المتقدمة، الدالة على لزوم البحث مع
المعرفة بالإسلام أيضا، بناء على الظهور الذي قدمنا، واستصحاب عدم
ثبوت المشروط بالعدالة إلا بعد تيقنها، ولا يقين هنا، لعدم دليل على كونها
مجرد الإسلام، مع عدم ظهور الفسق أصلا عدا الإجماع المتقدم، والنصوص
المدعى عليه دلالتها:
منها الصحيح: في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا فعدل منهم
اثنان ولم يعدل الآخران، قال: فقال: إذا كانوا أربعة من المسلمين لا يعرفون
بشهادة الزور أجيزت شهادتهم جميعا وأقيم الحد على الذين شهدوا عليه
إنما عليهم أن يشهدوا بما أبصروا به وعلموا، وعلى الوالي أن يجيز شهادتهم
إلا أن يكونوا معروفين بالفسق (1).
والمرسل: عن البينة إذا أقيمت على الحق أيحل للقاضي أن يقضي بقول
البينة من غير مسألة إذا لم يعرفهم؟ قال: خمسة أشياء يجب على الناس
الأخذ بها بظاهر الحكم الولايات والتناكح والمواريث والذبائح والشهادات،
فإذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت شهادته، ولا يسأل عن باطنه (2).
والخبر: عن شهادة من يلعب بالحمام، فقال: لا بأس به إذا كان لا يعرف
بفسق (3).
وفي آخر كل من ولد على الفطرة وعرف بصلاح في نفسه جازت
شهادته (4).
وفى ثالث: المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلود في حد

(1) الوسائل 18: 293 - 290، الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 18، 3، 5.
(2) الوسائل 18: 293 - 290، الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 18، 3، 5.
(3) المصدر السابق 305، الباب 54، الحديث 1.
(4) الوسائل 18: 293 - 290، الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 18، 3، 5.
62

لم يتب منه أو معروف بشهادة زور أو ضنين (1).
وفي الجميع نظر، فالإجماع بوهنه بمصير الأكثر على خلافه، مع عدم
قائل بما ادعى عليه عدا الناقل له وبعض من سبقه، ومع ذلك فالمحكي عنه
وعن الموافق له ما يوافق القوم.
فعن الإسكافي: إذا كان الشاهد حرا بالغا مؤمنا بصيرا معروف النسب
مرضيا غير مشهور بكذب في شهادة ولا بارتكاب كبيرة ولا مقام على
صغيرة حسن التيقظ عالما بمعاني الأقوال عارفا بأحكام الشهادة غير
معروف بحيف على معامل ولا تهاون بواجب من علم أو عمل ولا معروف
بمباشرة أهل الباطل والدخول في جملتهم ولا بالحرص على أهل الدنيا ولا
يساقط المروة بريئا من أهواء أهل البدع التي يوجب على المؤمنين البراءة
من أهلها فهو من أهل العدالة المقبول شهادتهم (2).
وعن المفيد: العدل من كان معروفا بالدين والورع عن محارم الله (3).
وعن النهاية: العدل الذي يجوز شهادته للمسلمين وعليهم هو أن يكون
ظاهره ظاهر الإيمان ثم يعرف بالستر والصلاح والعفاف (4). إلى آخر ما
سيأتي في بعض الصحاح. وقريب منه عن المبسوط (5).
هذا، مع أنه معارض بما يظهر من الفاضل المقداد في كنز العرفان من
كون تفسير العدالة بالملكة مجمعا عليه (6)، حيث نسبه إلى الفقهاء بصيغة
الجمع المحلى باللام المفيد للعموم لغة، وإليه يشير كلام المقدس
الأردبيلي (رحمه الله) في شرح الإرشاد أيضا، حيث قال: وقد عرفت في الأصول

(1) المصدر السابق 155، الباب 1، الحديث 1.
(2) المختلف 8: 481 - 483.
(3) المختلف 8: 481 - 483.
(4) النهاية 2: 52.
(5) المبسوط 8: 217.
(6) كنز العرفان 2: 384.
63

والفروع من الموافق والمخالف بالملكة التي يقتدر بها على ترك الكبائر
والإصرار على الصغائر والمروات (1).
وأظهر منهما في الدلالة على انعقاد الإجماع على خلاف الإجماع
المتقدم كلام الماتن في الشرائع، حيث نسب الرواية الدالة على الاكتفاء في
العدالة بظاهر الإسلام إلى الشذوذ والندرة (2).
وأما النصوص فيضعف سند أكثرها، وعدم جابر لها، مع عدم وضوح
دلالة جملة منها، كالمرسل المشترط كون ظاهره ظاهرا مأمونا، والخبر
المشترط زيادة على الولادة على الفطرة كونه معروف الصلاح في نفسه.
والشرطان كما يحتمل أن يكون المراد بهما عدم ظهور الفسق كذا
يحتمل أن يراد بهما ما يزيد عليه من الملكة أو حسن الظاهر، ومعه لا يمكن
الاستدلال، سيما مع ظهوره منهما بحكم التبادر وما سيأتي من الأخبار،
ومع ذلك فهي معارضة لظواهر الكتاب والسنة المستفيضة، بل المتواترة،
المانعة عن قبول شهادة الفاسق بالمرة، بناء على أن الفاسق اسم لمن ثبت له
وصف الفسق الذي هو الخروج عن الطاعة في نفس الأمر، ولا مدخلية
لسبق المعرفة به في حقيقته، ومفهومه لغة، بل ولا عرفا، مع أن المنع عن
قبول شهادته في الآية معلل بكراهة الوقوع في الندم، وهي كالصريحة بل
صريحة في اعتبار الوصف الواقعي.
ومقتضى تعليق الحكم عليه لزوم مراعاته، والبحث عن ثبوته وعدمه في
نفس الأمر، والإسلام كما يجامع هذا الوصف ظاهرا كذا يجامعه واقعا،
وبسببه يحتمل الوقوع في الندم، فيجب الفحص عنه. وقريب منها الكتاب

(1) مجمع الفائدة 12: 66.
(2) الشرائع 4: 76، وليس فيها: الندرة.
64

والسنة المستفيضة، بل المتواترة، الدالة على اعتبار العدالة، بناء على أن
المتبادر منها عرفا وعادة ليس هو مجرد الإسلام مع عدم ظهور فسق جدا،
سيما بملاحظة ما يستفاد من جملة وافرة من النصوص في موارد عديدة من
اعتبار الأعدلية، ولا يتأتى إلا بقبولها المراتب المترتبة ضعفا وقوة، ولا
يكون ذلك إلا بتفسيرها بغير ذلك مما يرجع إلى أمر وجودي، وإلا فالأمر
العدمي ولو ركب مع وجودي لا يقبل المراتب، كما هو واضح. ومع ذلك
فالنصوص بردها بالخصوص مستفيضة:
ففي الصحيح: بم يعرف عدالة الرجل من المسلمين حتى يقبل شهادته
لهم وعليهم؟ فقال: بأن تعرفوه بالستر، والعفاف، وكف البطن والفرج واليد
واللسان، وباجتناب الكبائر التي أوعد الله تعالى عليها النار من شرب الخمر
والزنا والربا وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وغير ذلك، والدليل عليه أن
يكون ساترا لعيوبه حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته
وعيوبه، ويجب عليهم تزكيته، وإظهار عدالته في الناس، وأن لا يتخلف عن
جماعة المسلمين في مصلاهم إلا من علة، فإذا سئل عنه في قبيلته ومحلته
قالوا: ما رأينا منه إلا خيرا مواظبا على الصلوات متعاهدا لأوقاتها في
مصلاها (1).
وعن مولانا العسكري (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: «ممن ترضون من
الشهداء»، قال: يعني ترضون بدينه وأمانته وصلاحه وعفته وتيقظه فيما
يشهد به وتحصيله وتمييزه، فما كل محصل صالح مميز ولا كل مميز
صالح (2)، الحديث.

(1) الوسائل 18: 288، الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 1.
(2) تفسير العسكري (عليه السلام) 672: الحديث 375.
65

وفي الخصال عن مولانا الرضا (عليه السلام) عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال: قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): من عامل الناس فلم يظلمهم وحدثهم فلم يكذبهم ووعدهم
فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروته وظهرت عدالته، ووجبت أخوته،
وحرمت غيبته (1). ونحوه آخر مروي فيه أيضا (2).
وفي الموثق: لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفا صائنا (3).
وفي الخبر: في المكاري والملاح والجمال، قال: لا بأس بهم، تقبل
شهادتهم إذا كانوا صلحاء (4).
وفي آخر: الرجل يشهد لابنه والابن يشهد لأبيه والرجل لامرأته، قال:
لا بأس بذلك إذا كان خيرا (5).
والمتبادر من الخيرية والصيانة والصلاح والعفة في سابقه هو الأمر
الوجودي الزائد على مجرد الاسلام، مع عدم ظهور الفسق قطعا، كما في
العدالة قد مضى.
وهذه النصوص مع كثرتها وموافقتها الكتاب والسنة المستفيضة بل
المتواترة كما مر إليه الإشارة واعتبار سند جملة منها وانجبار باقيها بالشهرة
العظيمة بين أصحابنا التي كادت تكون إجماعا أظهر دلالة من الروايات
الماضية، بل التعارض بينهما تعارض المطلق والمقيد، كما صرح به جماعة،
فإن الأخبار السابقة على تقدير دلالتها جملة لا تدل إلا على أن المسلم
الذي لم يظهر منه فسق مقبول الشهادة، وهو مطلق يعم ما لو كان متصفا

(1) الخصال 208، باب الأربعة، الحديث 28، 29.
(2) الخصال 208، باب الأربعة، الحديث 28، 29.
(3) الوسائل 18: 291، الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 10.
(4) المصدر السابق 280، الباب 34 الحديث 1.
(5) المصدر السابق 291، الباب 41، الحديث 9.
66

بالملكة أو حسن الظاهر أم لا. وهذه النصوص كما عرفتها كالصريحة،
بل صريحة في اعتبار الشئ الزائد على ما في تلك، فلتكن به مقيدة.
وبالجملة لا ريب في ضعف القول الأول ولا شبهة.
بقي الكلام في ترجيح أحد القولين الأخيرين والمشهور القريب من
الإجماع بل المجمع عليه - كما يستفاد من كنز العرفان وغيره، كما مر -
الثاني وهو الأوفق بالأصول.
وما دل على اعتبار العدالة ومنع قبول شهادة الفاسق بناء على ما مر
قريبا من اعتبار الوصفين في نفس الأمر، ولا يمكن المعرفة بهما من دون
توسط النقل والقرائن القطعية إلا بالمعاشرة الباطنية المطلعة على الباطن
والسريرة وإن لم يعلمها، كما هي غير الله سبحانه، لكن يتعين أقرب
المجازات حيثما تعذرت الحقيقة.
وهذه القاعدة في غاية من المتانة، سيما بعد الاعتضاد بالأصول
المتقدمة والشهرة العظيمة، إلا أن المستفاد من تتبع الأخبار السابقة سيما
الصحيحين منها وغيرها بعد ضم بعضها إلى بعض كفاية حسن الظاهر، كما
عليه من متأخري المتأخرين جماعة.
والفرق بينه وبين الملكة احتياجها إلى المعاشرة الباطنية مدة مديدة
يحصل فيها الاطلاع على السريرة ولو في الجملة، دون حسن الظاهر
للاكتفاء فيه بالمعاشرة الظاهرة من نحو ما مر في جملة من الروايات
المتقدمة، من مثل رؤيته مواظبا على الصلوات الخمس في جماعة، كما في
الصحيح منها، أو معاملته مع الناس فلم يظلمهم وإخبارهم فلم يكذبهم
ووعدهم فلم يخلفهم، كما في جملة عديدة منها. وهذا أوفق بما هو الظاهر
من حال السلف والمنقول عنهم، وبدونه لا يكاد ينتظم الأحكام للحكام،
67

خصوصا في المدن الكبيرة، والقاضي المنفذ إليها من بلاد بعيدة. وهو في
غاية من القوة، إلا أن الاحتياط في المصير إلى الأول البتة.
هذا، مع أن الذي يقتضيه التدبر في حسن الظاهر المستفاد من الأخبار
عدم منافاته للقول بالملكة، من حيث التعبير عنه في الصحيح منها برؤيته
مواظبا على الصلوات الخمس ومعروفيته بالستر والعفاف وكف البطن
والفرج عن المحرمات، وهما سيما الثاني تتوقفان على نوع معاشرة واختيار
مطلع على باطن الأحوال.
وذلك فإنه لا يقال: فلان معروف بالشجاعة مثلا إلا بعد أن يعرف حاله
في ميدان القتال ومناضلة الأبطال، فإذا كان ممن يقتل الرجال ولا يتولى
الدبر في موضع النضال ويقاوم الشجعان ويصادم الفرسان صح وصفه
بالشجاعة، وانه معروف بها. وكذلك فيما نحن فيه لا يقال: فلان معروف
بالكف عن الحرام إلا بعد اختباره بالمعاملات والمحاورات الجارية بين
الناس، كما لو وقع في يده أمانة أو تجارة أو نحو ذلك وجرى بينه وبين
غيره خصومة أو نزاع، فإن كان ممن لا يتعدى في ذلك الحدود الشرعية فهو
العادل، وإلا فغيره.
وأما من لم يحصل الاطلاع على باطن أحواله وإن رئي مواظبا على
الصلوات والتدريس والتدرس ونحو ذلك فهو من قبيل مجهول الحال،
لا يصدق أنه يعرف بالاجتناب عن المحرمات، بل يحتمل أن يكون كذلك
وأن لا يكون.
وأظهر من هذه الصحيحة الأخبار الأخيرة، المعبرة عنه بمعاملته مع
الناس فلم يظلمهم إلى آخر الأمور المعدودة فيها، وهي لا تقصر عن
المعاشرة الباطنية، بل لعلها عينها، كما يظهر من المسالك، حيث قال: يعتبر
68

في المزكى أن يكون خبيرا بباطن من يعد له إما بصحبة أو جوار ومعاملة
ونحوه (1). ونحوها باقي الأخبار، الدالة على اعتبار الخير والصلاح في
العادل، إذ مقتضاها اعتبار العلم بوجودهما في نفس الأمر، كما مضى،
ولا يحصل إلا بالخبرة الباطنية.
ونحو هذه الأخبار كلمة القدماء، المعبر عنه بالمعروف بالدين والورع
كما في كلام المفيد، أو بالستر والعفاف إلى آخر ما في الصحيحة كما في
كلام النهاية، أو بحصوله على ظاهر الإيمان والستر والعفاف واجتناب
القبائح أجمع ونفي التهمة والظنة والحسد والعداوة كما في كلام القاضي (2)
ونحوه كلام الحلبي (3) بل وأظهر، حيث إنه اعتبر ثبوته على هذه الصفات لا
حصوله على ظاهرها ومعرفة ثبوته عليها لا تحصل إلا بالمعاشرة الباطنية،
كما عرفت.
وليس في اعتبار القاضي الظهور دون الثبوت منافاة لذلك، لأن الظاهر
أن مقصوده من التعبير به التنبيه على عدم إمكان العلم بالثبوت في نفس
الأمر، لأنه من خصائص الله تعالى سبحانه، لا أنه لا يحتاج إلى المعاشرة
الباطنية.
كيف لا! وظهور اجتناب المحرمات لا يحصل إلا برؤيته متمكنا منها
فاجتنب عنها، كأن عومل فاجتنب الكذب والظلم وائتمن فرد الأمانة ووعد
فوفى ونحو ذلك، فإنه إذا رئي كذلك صدق ظهور اجتنابه الكبائر، لا أنه إذا
رئي في الظاهر مجتنبا عنها مع عدم العلم بتمكنه منها فصدق عليه أنه على
ظاهر الاجتناب، إذ هو لا يصدق حقيقة إلا بعد التمكن من فعل المجتنب.

(1) المسالك 13: 405.
(2) المهذب 2: 556.
(3) الكافي في الفقه 435.
69

ونحو عبارة هؤلاء عبارة الإسكافي المتقدمة وغيرها مما هو ظاهر في
اعتبار المعاشرة الباطنية، كما في النصوص المتقدمة.
وحينئذ فلا منافاة بين القول بحسن الظاهر لهذا المعنى مع القول
بالملكة، فإن القائلين بها لم يذكروا في معرفتها زيادة على المعاشرة
الباطنية، حيث قالوا: لا بد من الخبرة الباطنية والمعرفة المتقاومة. وحينئذ
فلا نزاع بين من لا يعتبر ظاهر الإسلام في اشتراط المخالطة الباطنية في
المعرفة بالعدالة.
نعم ربما يستفاد من جمع وجود قول بالاكتفاء بحسن الظاهر، فإن أريد
به ما مر من حسن الظاهر بعد الاختبار بالخبرة الباطنية فلا منازعة، وإن
أريد به حسن الظاهر بدونه بل حسنه من حيث عدم رؤية خلل منه مع عدم
العلم بتمكنه منه وعدمه فلا دليل عليه، مع قيام الأدلة فتوى ورواية - كما
عرفته - على خلافه، مع أن حسن الظاهر بهذا المعنى لا يكاد يظهر فرق بينه
وبين ظاهر الإسلام.
وحسن الظاهر بالمعنى الذي ذكرناه لا يكاد ينفك عن الملكة، إذ مع
عدمها يبعد غاية البعد أن لا يظهر منه خلل أصلا لأحد ممن يختبره باطنا،
كما لا يخفى. ولعله لذا لم ينقلوا في تعريف العدالة بالملكة خلافا.
(الثالثة: تسمع شهادة التعديل مطلقة) من غير أن يبين سببه. (ولا
تسمع شهادة الجرح إلا مفصلة) مبينة للسبب في المشهور بين الأصحاب،
على الظاهر المصرح به في المسالك (1) وغيره.
استنادا في الأول: إلى أن العدالة تحصل بالتحرز عن أسباب الفسق،
وهي كثيرة يعسر ضبطها وعدها.

(1) المسالك 13: 407.
70

وفي الثاني: إلى أن الجارح قد يبني الجرح على ظن خطأ، وإن المذاهب
فيما يوجب الفسق مختلفة، فلا بد من البيان ليعمل القاضي باجتهاده.
ويشكل بأن الاختلاف في أسباب الفسق يقتضي الاختلاف في أسباب
العدالة، فإن الاختلاف في أسباب الفسق يقتضي الاختلاف في أسباب العدالة،
فإن الاختلاف مثلا في عدد الكبائر كما يوجب في بعضها ترتب الفسق على
فعله يوجب في بعض آخر عدم قدحه في العدالة بدون الإصرار عليه،
فيزكيه المزكي مع علمه بفعل ما لا يقدح عنده فيها، وهو قادح عند الحاكم.
ومن ثم ذهب الإسكافي إلى وجوب التفصيل فيهما (1). وهو حسن
حيث لا يعلم موافقة مذهب المزكي للحاكم في أسباب الجرح والتعديل.
وأما لو علم بأن كان مقلدا له أو مجتهدا وافق مذهبه مذهبه فالأجود
حينئذ عدم وجوب التفصيل مطلقا.
ومن هنا ظهر ضعف القول بعدم وجوبه والاكتفاء بالإطلاق مطلقا أيضا.
وللفاضل قول بوجوب التفضيل في التعديل دون الجرح عكس
المشهور (2)، وآخر بالتفصيل بين علم المزكي والجارح بأسبابهما فالإطلاق
مطلقا وجهلهما بهما (3) فالتفصيل كذلك. وضعفهما قد ظهر مما مضى.
وحيث اكتفى في العدالة بالإطلاق مطلقا كما هو المشهور، أو على
تفصيل قدمناه ففي القدر المعتبر من العبارة عنه أوجه، بل وأقوال، ثالثها:
اعتبار ضم أحد الأمرين من قوله: «لي» و «علي» أو «مقبول الشهادة» إلى
قوله: «هو عدل» حكاه في المسالك عن أكثر المتأخرين (4)، وعن الإسكافي

(1) المختلف 8: 424 - 425.
(2) المختلف 8: 424 - 425.
(3) نهاية الوصول 149، البحث السادس، س 18، تهذيب الوصول 31 س 17.
(4) المسالك 13: 408.
71

ضم الأول خاصة (1) وعن المبسوط (2) الاكتفاء بقوله: «هو عدل» من دون
اعتبار ضم شئ مطلقا، ولعله أقوى وإن كان المصير إلى ما عليه الإسكافي
أحوط وأولى، لكونه بين الأقوال جامعا، واختار في المسالك قولا رابعا،
وهو الاجتزاء بقوله: «إنه مقبول الشهادة» وإن إضافة العدل إليه آكد (3).
ولا بأس به إن قصد به جواز الاجتزاء بذلك من حيث إنه مرادف للفظ
العدل، ويمنع إن منع من الاجتزاء بلفظ العدل، لما ظهر لك من الترادف
بينهما وإن كان ما اجتزأ به بالدلالة على العدالة للعامة أظهر وأجلى.
وإذا تعارض الجرح والتعديل فالأقرب إنه إن لم يتكاذبا - بأن شهد
المزكي بالعدالة مطلقا أو مفصلا لكن من غير ضبط وقت معين وشهد
الجارح بأنه فعل ما يوجب الجرح في وقت معين - قدم الجرح، لحصول
الشهادتين من غير تعارض بينهما حقيقة، وإن تكاذبا - بأن شهد المعدل بأنه
كان في ذلك الوقت الذي شهد الجارح بفعل المعصية فيه في غير المكان
الذي عينه للمعصية أو كان فيه مشتغلا بفعل ما يضاد ما أسند إليه الجارح -
فالوجه التوقف، وفاقا للخلاف (4)، إلا أنه أطلقه بحيث يشمل صورة عدم
التكاذب. قيل: للتعارض مع عدم المرجح (5). ولا يتم إلا على التفصيل المتقدم.
هذا، ويمكن الجمع بين الشهادتين مع ترجيح التزكية فيما إذا قال
المعدل صح السبب الذي ذكره الجارح لكن صح عندي توبته ورجوعه عنه.
(الرابعة: إذا التمس الغريم) والمدعي للحق من الحاكم (إحضار
الغريم) مجلس الحكم (وجب) على الحاكم (إجابته) مطلقا (ولو

(1) المسالك 13: 408.
(2) المبسوط 8: 110.
(3) المسالك 13: 409 - 411.
(4) الخلاف 6: 219، المسألة 12.
(5) كفاية الأحكام 264: س 32.
72

كان) الغريم المسؤول إحضاره (امرأة) بشرط (أن كانت برزة) بفتح الباء
وسكون الراء المهملة وفتح الزاء المعجمة كما ضبط وهي التي لا تحتجب
احتجاب الشواب، وهي مع ذلك عفيفة عاقلة تجلس للناس وتحدثهم من
البروز وهو الظهور.
(ولو كان) المسؤول إحضاره ذا عذر يمنعه عن الحضور، كأن كان
(مريضا أو امرأة) مخدرة (غير برزة استناب الحاكم من يحكم بينهما)
أو أمرهما بنصب وكيل ليخاصم عنهما، فإن دعت الحاجة إلى تحليفهما بعث
إليهما من يحلفهما.
واعلم أن إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الحكم الأول بين كون
الغريم المطلوب إحضاره حاضرا في البلد أو غائبا عنه، وكونه من أهل
الشرف والمروات الذين يشق عليهم حضور مجلس القضاء، أم لا.
خلافا للإسكافي (1) فخصه بالحاضر الذي لا يشق عليه الحضور من
جهة الرفعة والشرف، ووافقه المتأخرون ممن وقفت على كلامهم في
التخصيص بالحضور. وخالفوه في التخصيص بغير ذي الشرف، فأوجبوا
حضوره مع الحضور أيضا، بل في صريح المسالك (2) وظاهر المبسوط (3)
دعوى إجماعنا عليه، ومع ذلك قيدوا عدم وجوب الإحضار في صورة
الغيبة بما إذا لم يحرر المدعي الدعوى أو حررها ولم تكن عند الحاكم
مسموعة، وأوجبوا في غير الصورتين الإحضار مطلقا.
وتلخص من مجموع ما ذكرنا الإجماع على وجوب الإحضار لغير
ذوي المروات مع الحضور مطلقا ولو لم يحرر الدعوى، وهو الحجة فيه،

(1) المختلف 8: 411 - 412.
(2) المسالك 13: 423.
(3) المبسوط 8: 154.
73

كالإجماع المحكي المتقدم في وجوب الإحضار لذوي المروات أيضا،
مع عدم مخالف فيه عدا الإسكافي، وهو شاذ.
هذا; مضافا إلى ما استدل به الشيخ لوجوب الإحضار مطلقا من أن
الحاكم منصوب لاستيفاء الحقوق وحفظها وترك تضييعها، فلو قلنا إنه
لا يحضره ضاع الحق وبطل، لأن الرجل ربما تسلط على مال الغير وأخذه
وجلس في موضع لا حاكم فيه، وما أفضى إلى هذا بطل في نفسه، واعترضه
الفاضل (رحمه الله) في المختلف، حيث إنه ممن منع الإحضار مع الغيبة في الجملة
بمنع الملازمة، قال: فإن الحاكم يطالب المدعي بإثبات حقه فإذا ثبت فإن
حضر وإلا باع ماله ودفعه إلى المدعي. أما لو لم يتمكن الحاكم من الإثبات
وطلب غريمه لإحلافه أو لم يكن له مال وكان بيد الغائب ما يقضي به الحق
الثابت عند الحاكم فإن الحاكم هنا يبعث في طلبه على ما قاله الشيخ (1).
وسياق كلامه مع الشيخ - كما ترى - إنما هو النزاع معه في وجوب
الإحضار مع الغيبة مطلقا لا وجوبه لذوي المروات، كما فهمه منه الفاضل
المقداد في شرح الكتاب، حيث نسب فيه القول بمنع إحضارهم إلى
المختلف، وجعله موافقا للإسكافي (2).
ثم إن ما ذكره في المختلف من وجوب الإحضار مع الغيبة في بعض
الصور الذي ذكره إنما هو بعد تحرير الدعوى وسماعها. وأما قبله فقد ذكر
جماعة بأنه إن كان الغائب في محل ولاية القاضي فإن كان له نائب لم
يحضره بل يسمع البينة ويكتب إليه وإن لم يكن هناك بينة أنفذه إلى خليفته
ليحكم بينهما، وإن لم يكن له نائب فإن كان هناك من يصلح للاستخلاف أذن
له في القضاء بينهما.

(1) المختلف 8: 412.
(2) التنقيح 4: 248.
74

قال: في المسالك بعد هذا: وإلا طولب المدعي بتحرير الدعوى فقد
تكون غير مسموعة، فيلزم المشقة بإحضاره لغير حق، بخلاف الحاضر في
البلد فإنه لا يحتاج في إحضاره إلى تقديم البحث، لأنه ليس في الحضور
هنا مؤنة ومشقة شديدة (1)، إلى آخر ما ذكره.
ومنه يظهر وجه فرق المتأخرين بين حالتي الحضور والغيبة، بوجوب
الإحضار في الأولى مطلقا ولو لم يحرر الدعوى، وعدمه في الثانية قبل
تحريرها، ومحصله عدم لزوم المشقة بإحضاره في الأولى ولزومها في
الثانية، وبذلك صرح أيضا جماعة. وناقشهم في ذلك بعض متأخري
المتأخرين (2)، نظرا منه إلى أن في مطلق الإحضار ولو حالة الحضور مشقة،
ولذلك احتمل اختصاص وجوب الإحضار مع الحضور بصورة تحرير
الدعوى وسماعها. وله وجه، إلا أن الإجماع الظاهر والمحكي حتى في
كلامه كفانا مؤنة البحث في ذلك، سيما مع اعتضاده بما ذكره من أن ذلك كان
معمولا في الزمن السابق إلى الآن من غير إنكار.
(الخامسة): بذل (الرشوة) وأخذها (على الحاكم حرام)
بالإجماع والسنة المستفيضة، المتقدم إليها وإلى جميع ما يتعلق بالمسألة
الإشارة في الفصل الأول من كتاب التجارة.
بقي فيها شئ لم نشر إليه مفصلا ثمة، وهو الفرق بين الرشوة والهدية
حيث تجوز فيه مطلقا أو في الجملة على تفصيل تقدم ذكره ثمة. فقيل: بأن
الرشوة هي التي يشترط باذلها الحكم بغير حق والامتناع من الحكم به،
والهدية هي العطية المطلقة (3). وهذا الفرق يناسب ما أطلقه الماتن في

(1) المسالك 13: 424.
(2) مجمع الفائدة 12: 91 - 92.
(3) المسالك 13: 421.
75

الشرائع (1) من اختصاص تحريم الرشوة بطلب التوصل إلى الحكم بالباطل
دون الحق، ولكن ذكر جماعة تحريمها على التقديرين، خصوصا من جانب
المرتشي، وقد قدمنا ثمة أنها محرمة على المرتشي مطلقا، وعلى الراشي
كذلك، إلا أن يكون محقا ولا يمكن وصوله إلى حقه بدونها، فلا تحرم عليه
حينئذ.
وعلى هذا يحتاج إلى فرق آخر، والأظهر فيه أن يقال: إن دفع المال إلى
القاضي ونحوه من العمال إن كان الغرض منه التودد أو التوسل لحاجة من
العلم ونحوه فهو هدية، وإن كان التوسل إلى القضاء والعمل فهو رشوة صرح
بذلك شيخنا في المسالك (2) وغيره. ولعل وجهه التبادر العرفي.
وما في مجمع البحرين من أنها ما يعطيه الشخص الحاكم وغيره ليحكم
له أو يحمله على ما يريد. وقريب منه في القاموس وكنز اللغة. وهو كما ترى
عام لما إذا كان الحكم باطلا أو حقا، فلا وجه لتخصيصها بالأول.
نعم في النهاية الأثيرية الراشي الذي يعينه على الباطل.
والفرق بينهما وبين أخذ الجعل على القضاء من المتحاكمين أو أحدهما
لو قيل بجوازه أخفى.
وبيانه: أن الغرض من الرشوة أن يحكم لباذلها على التعيين لحق أو
باطل وفي الجعل إن شرط وعليها أو على المحكوم عليه، فالفرق واضح،
لأنه حينئذ في مقابلة عمله معهما وفصل الحكومة بينهما من غير اعتبار
الحكم لأحدهما بخصوصه، وان شرطه على المحكوم له فالفرق أن الحكم
لا يتعلق الغرض فيه بأحدهما بخصوصه، بل من اتفق له الحكم منهما على
الوجه المعتبر يكون عليه الجعل. وهذا ليس فيه تهمة ولا ظهور غرض،

(1) الشرائع 4: 78.
(2) المسالك 13: 421.
76

بخلاف الرشوة المبذولة له ابتداء من شخص معين ليكون الحكم له
بخصوصه كيف كان فإن هذا ظاهر فساد المقصد، وصريح في تطرق التهمة.
(و) يجب (على المرتشي إعادتها) عينا مع وجودها، وعوضا مثلا
أو قيمة مع تلفها مطلقا، كان التلف بتفريطه، أم لا، وجوبا فوريا، بلا خلاف
في شئ من ذلك بيننا، بل يظهر من المسالك وغيره أن عليه إجماعنا (1).
وفيه خلاف لبعض العامة، حيث ذهب إلى أنه يملكها وإن فعل حراما،
لوجود التمليك والقبول، وآخرون منهم ذهبوا إلى أنه يضعها في بيت
المال (2).
وهما ضعيفان جدا، ولا سيما الثاني منهما.
* * *

(1) المسالك 13: 422 - 423.
(2) المسالك 13: 422 - 423.
77

(النظر الثالث)
(في) بيان (كيفية الحكم)
(وفيه مقاصد) ثلاثة:
(الأول في وظائف الحاكم) وآدابه
(وهي أربعة:)
(الأولى): يجب على القاضي (التسوية بين الخصوم في السلام)
عليهما ورده إذا سلما عليه (والكلام) معهما (والمكان) لهما فيجلسهما
بين يديه معا (والنظر) إليهما (والإنصات) والاستماع لكلامهما
(والعدل في الحكم) بينهما، وغير ذلك من أنواع الإكرام، كالإذن في
الدخول، وطلاقة الوجه، للنصوص المستفيضة:
منها القريب من الصحيح بالحسن بن محبوب المجمع على تصحيح
رواياته، فيجبر به جهالة راويه، وهو طويل، ومن جملته قول علي (عليه السلام)
لشريح: ثم واس بين المسلمين بوجهك ومنطقك ومجلسك حتى لا يطمع
قريبك في حيفك، ولا ييأس عدوك من عدلك (1).

(1) الوسائل 18: 155، الباب 1 من أبواب آداب القاضي، الحديث 1.
78

ومنها القوي بالسكوني وصاحبه: من ابتلي بالقضاء فليواس بينهم في
الإشارة والنظر والمجلس (1).
وفي مثله: أن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى أن يضاف خصم إلا ومعه خصمه (2).
وفي القريب منهما: ثلاث إن حفظتهن وعملت لهن كفتك ما سواهن، وإن
تركتهن لم ينفعك شئ: إقامة الحدود على القريب والبعيد، والحكم بكتاب
الله تعالى في الرضا والسخط، والقسم بالعدل بين الأحمر والأسود (3).
وهذه النصوص مع اعتبار أسانيدها جملة وحجية بعضها ظاهرة الدلالة
على الوجوب، كما هو الأظهر الأشهر بين متأخري الطائفة، وفاقا
للصدوقين (4)، بل حكى عليه الشهرة المطلقة في المسالك (5) والروضة (6)،
فهي أيضا لقصور النصوص أو ضعفها - لو كان - جابرة.
خلافا للديلمي (7) والحلي (8) والفاضل في المختلف (9) فحكموا
بالاستحباب فيما عدا العدل في الحكم، للأصل، وضعف النصوص سندا ودلالة.
وفي الجميع نظر، يظهر وجهه بالتدبر فيما مر.
ثم إن الحكم بوجوب التسوية أو استحبابها مشروط بما إذا تساوى
الخصوم في الكفر والإسلام (ولو كان أحد الخصمين) مسلما والآخر
(كافرا جاز أن يكون الكافر قائما والمسلم قاعدا أو أعلى منزلا) قولا
واحدا، كما جلس علي (عليه السلام) بجنب شريح في خصومة له مع يهودي (10).

(1) الوسائل 18: 157، الباب 3 من أبواب آداب القاضي الحديث 1 و 2.
(2) الوسائل 18: 157، الباب 3 من أبواب آداب القاضي الحديث 1 و 2.
(3) الوسائل 18: 156، الباب 1 من أبواب آداب القاضي الحديث 2.
(4) المقنع 397.
(5) المسالك 13: 428.
(6) الروضة 3: 72.
(7) المراسم 230.
(8) السرائر 2: 157.
(9) المختلف 8: 404.
(10) المغني لابن قدامة 11: 444.
79

وهل تجب التسوية بينهما فيما عدا ذلك، ظاهر العبارة وما ضاهاها من
عبائر الجماعة ذلك. ويحتمل قويا تعديه إلى غيره من وجوه الإكرام، وفاقا
للشهيد الثاني (1)، للأصل، واختصاص النصوص الموجبة للتسوية بحكم
التبادر وغيره بغير مفروض المسألة، وهو تساوي الخصوم في الإسلام أو
الكفر أيضا على بعد فيه خاصة، مع أن شرف الإسلام يقتضي ذلك. ولا يجب
التسوية بينهم مطلقا في الميل القلبي بلا خلاف فيه، ولا في استحبابها بقدر
الإمكان.
(الثانية: لا يجوز) للحاكم (أن يلقن أحد الخصمين) ويعلمه (شيئا
يستظهر به على خصمه) كأن يدعي بطريق الاحتمال فيلقنه الدعوى
بالجزم حتى تسمع دعواه، أو أدعى عليه قرض وأراد الجواب بالوفاء فيعلمه
الإنكار لئلا يلزمه البينة بالاعتراف، أو نحو ذلك بلا خلاف فيه على الظاهر،
قالوا: لأنه منصوب لقطع المنازعة لا لفتح بابها، فتجويزه ينافي الحكمة
الباعثة لنصبه.
قيل: نعم لا بأس بالاستفسار والتحقيق وإن أدى بالأخرة إلى تلقين
صحة الدعوى (2).
وزاد بعض متأخري المتأخرين فقال: بل لا يبعد جواز الأول أيضا إذا
كان المدعي جاهلا لا يعرف التحرير والقاضي علم بالحال، وما ذكروه لا
يصلح دليلا للتحريم مطلقا، إذ فتح باب المنازعة الحقة التي تصير سببا لعدم
إبطال حقوق الناس ما نعرف فساده، إلا أن يكون لهم دليل آخر من إجماع
وغيره (3) انتهى.

(1) الروضة 2: 73.
(2) المسالك 13: 430.
(3) مجمع الفائدة 12: 54.
80

وهو حسن، إلا أن فرض علم القاضي بحقيقة الحال لا يتصور معه فتح
باب المنازعة، بناء على ما مر من جواز القضاء بالعلم، بل لا يحتاج حينئذ
إلى تلقين المدعي، بل يحكم ابتداء على الخصم بعلمه. فتأمل.
(الثالثة: إذا سكتا) أي الخصمان (استحب للحاكم أن يقول) لهما
(تكلما) أو يتكلم المدعي منكما (أو إن كنتما حضرتما لشئ فاذكراه أو
ما ناسبه) من الألفاظ الدالة عليه ولو احتشماه أمر من يقول لهما ذلك، ولا
يواجه بالخطاب أحدهما، بلا خلاف في شئ من ذلك على الظاهر، حتى في
النهي عن مواجهة أحدهما بالخطاب. ولكن قد اختلفوا في الأخذ بظاهره،
كما هو مقتضى وجوب التسوية أو الكراهة والوجه الأول، لما عرفته.
(الرابعة: إذا بدر أحد الخصمين) وسبق إلى الدعوى (سمع منه)
وجوبا هي دون غيرها فهو أولى.
(ولو قطع عليه غريمه) كلامه في أثناء الدعوى فقال: كنت أنا المدعي
لم يلتفت إليه الحاكم، بل (منعه حتى ينتهي دعواه أو حكومته) بمطالبة
جوابها منه ثم الحكم بمقتضاه.
(ولو ابتدرا) وسبقا إلى (الدعوى) معا (سمع من الذي) وقف
(عن يمين صاحبه) في المجلس، للخبر، الذي أجمع أصحابنا على روايته،
كما في الانتصار (1) والخلاف (2) والمبسوط (3) والسرائر (4)، حيث قالوا:
رواه أصحابنا، وزاد الأولان دعوى إجماعنا عليه فتوى أيضا، وفيه: قضى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يقدم صاحب اليمين في المجلس بالكلام (5) وعليه عامة

(1) الانتصار 495.
(2) الخلاف 6: 234، المسألة 32.
(3) المبسوط 8: 154.
(4) السرائر 2: 157.
(5) الوسائل 18: 160، الباب 5 من أبواب آداب القاضي، الحديث 2.
81

متأخري أصحابنا، بل ومتقدميهم أيضا عدا الشيخ (1)، فمال إلى القرعة،
كما تقوله العامة، مع أنه ادعى على الأول إجماع الطائفة.
فهو ضعيف غايته، كتأمل الإسكافي (2) في دلالة الرواية بجواز أن يكون
أراد بذلك المدعي، لأنه صاحب اليمين واليمين المردودة إليه. وزاد بعض
متأخري المتأخرين جواز أن يكون المراد باليمين يمين القاضي (3) لمخالفة
الاحتمالين للظاهر، سيما بعد الاتفاق على الظاهر، المستظهر من تلك الكتب
المتقدمة، المصرح به في المسالك (4) على كون المراد منها ما ذكر والتأيد
بالصحيح: إذا تقدمت إلى وال أو قاض فكن يمينه يعني يمين الخصم (5).
(وإن اجتمع خصوم) فإن وردوا مترتبين بدأ بالأول منهم فالأول،
وإن وردوا جميعا (كتب أسماء المدعين) في رقاع (واستدعى من يخرج
اسمه) بالقرعة، إلا أن يتضرر بعضهم بالتأخير فيقدم دفعا للضرر.
ومثله ما لو تزاحم الطلبة عند المدرس والمستفتون عند المفتي، مع
وجوب التعليم والإفتاء، فيقدمان الأسبق منهم فالأسبق، فإن جهل أو جاؤوا
معا أقرع بينهم، ولو جمعهم على درس واحد مع عدم تفاوت أفهامهم جاز،
وإلا فلا، ومع عدم وجوب الأمرين فالأمر إليهما يتخيران من شاءا صرح
بذلك جماعة من أصحابنا.
(المقصد الثاني في جواب المدعى عليه)
(وهو إما إقرار) بما ادعى عليه (أو إنكار) له (أو سكوت) عنه،
وإنما جعل هذا جوابا مع أنه ليس كذلك لغة بل ولا عرفا. قيل: لأنه إذا أصر

(1) المبسوط 8: 154.
(2) المختلف 8: 395.
(3) مفاتيح الشرائع 3: 253.
(4) المسالك 13: 434.
(5) الوسائل 18: 159، الباب 5 من أبواب آداب القاضي، الحديث 1.
82

عليه جعل كالمنكر الناكل فهو في الحكم كالإنكار، فكان في معنى
الجواب به (1).
(أما الإقرار فيلزم) الحق، ويثبت به في ذمة المقر (إذا كان جائز
الأمر) والتصرف، باستجماعه شرائط الإقرار المقررة في بابه المتقدم مطلقا
(رجلا كان) المقر (أو امرأة) أو غيرهما، بخلاف ما إذا أقام المدعي بينة
فإنه لم يثبت بمجرد إقامتها، لأنها منوطة باجتهاد الحاكم في قبولها وردها.
وتظهر ثمرة الفرق بين المقامين بذلك جواز مقاصة المدعي حقه إذا كان
عينا وادعاها، مع عدم علمه بهما (2) بالإقرار دون البينة إذا لم يحكم الحاكم.
(فإن التمس المدعي الحكم) له (به) أي بالحق الثابت بالإقرار
(حكم) الحاكم (له) به وجوبا. وفي جوازه بدون مسألة قولان، من أنه
حق له فيتوقف على سؤاله، ومن شهادة الحال بطلبه. ويأتي الوجهان في
مطالبة الحاكم المدعى عليه بالجواب قبل التماس المدعي. والأشهر العدم
في المقامين على الظاهر المصرح به في المسالك (3)، بل قال في المبسوط
في المقام الثاني: إنه الصحيح عندنا (4)، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه، مع أنه
قوى الجواز أخيرا، وحكاه في المختلف عن الشيخين والديلمي والحلي
أيضا واختاره، قال: لأن الحاكم منصوب لذلك، وربما خفي على المدعي أن
ذلك حق له وهاب الحاكم فضاع حقه (5).
وفي هذا الدليل نظر، لأخصيته من المدعى، لاختصاصه بصورة جهل
المدعي، فربما كان المانع يسلم الجواز هنا، كما اتفق له في التحرير، حيث
قال - بعد الحكم بأنه ليس للحاكم أن يحكم عليه إلا بمسألة المدعي،

(1) المسالك 13: 442 - 443.
(2) في «ش»: بها، وهذا هو الصحيح.
(3) المسالك 13: 442 - 443.
(4) المبسوط 8: 157 - 158.
(5) المختلف 8: 401.
83

لأنه حقه، فيتوقف استيفاؤه على مطالبته، ويحتمل أن يحكم عليه من غير
مسألة -: أما لو كان المدعي جاهلا بمطالبة الحاكم فإن الحاكم يحكم عليه
أو ينبهه على ذلك، لئلا يضيع حقه بجهله فيترك المطالبة (1).
ومنه يظهر وجه آخر للنظر فيما ذكره في المختلف، وهو أن جهل
المدعي بذلك لا يوجب جواز الحكم له بالإقرار من غير مسألته، لاندفاع
الضرر المترتب عليه بتنبيهه على ما جهله.
وكيف كان فمستند القولين غير واضح، كمستند القول بالتفصيل بالجواز
في المقام الأول وعدمه في المقام الثاني، كما هو ظاهر الماتن في
الشرائع (2)، كما اعترف به شيخنا في شرحه (3)، أو بالعكس فالمنع في الأول
والجواز في الثاني، كما هو ظاهر الفاضل في التحرير، حيث قال قبل ما
قدمنا نقله عنه: إذا حرر المدعي دعواه فللحاكم أن يسأل خصمه عن
الجواب، ويحتمل توقف ذلك على التماس المدعي، لأنه حقه فيتوقف على
المطالبة. والأقرب الأول، لأن شاهد الحال يدل عليه، فإن إحضاره والدعوى
إنما يراد بهما ليسأل الحاكم الغريم (4).
وهذا مع ما قدمناه عنه ظاهر في اختياره التفصيل المتقدم، كما ذكرناه.
وفيما ذكره هو وغيره من الأصحاب من تعليل الجواز بقرينة شاهد
الحال دلالة على الاتفاق على اعتبار إذن المدعي في مطالبة الجواب،
والحكم له بمقتضاه، وعدم جوازهما من دونه، وأن خلافهم أنما هو في
اعتبار الإذن الصريح أو الاكتفاء بشاهد الحال.
وحيث قد تمهد هذا فالأوفق بالأصل حينئذ هو الأول، اقتصارا على

(1) التحرير 2: 186 س 13.
(2) الشرايع 4: 82.
(3) المسالك 13: 443.
(4) التحرير 2: 186 س 11.
84

المتيقن، مع اعتضاده بظاهر إجماع المبسوط المتقدم، ومع ذلك فهو أحوط.
وعلى تقدير التردد بين القولين وعدم وجود أصل يرجع إليه في البين
- كما هو ظاهر جمع - يكون ما ذكرناه أيضا متعينا، لغلبة الظن به، من حيث
كونه مشهورا.
وصورة الحكم هنا وفي غيره من الأبواب على ما ذكره الأصحاب
ألزمتك أو قضيت عليك أو ادفع إليه ماله ونحو ذلك مما يكون صريحا فيه،
دون قوله: ثبت عندي حق خصمك أو ما شابه ذلك.
واعلم أن فائدة الحكم هنا - بعد اتفاقهم على ثبوت الحق بالإقرار كما
مضى - غير واضحة، عدا ما ذكره شيخنا في المسالك من أن فائدته إنفاذ
حاكم آخر إياه ونحو ذلك (1).
وحيث يتحقق الحكم فإن رضي المحكوم له بالاقتصار على تلفظ
الحاكم به فذاك (و) إن التمس أن يكتب له به حجة بحقه يكون في يده
ف‍ (لا يكتب) له (على المقر حجة إلا بعد المعرفة) منه (باسمه) أي
المقر (ونسبه، أو يشهد بذلك) أي بكل من الاسم والنسب (عدلان)
مرضيان عنده خوفا من التزوير بتواطؤ المتداعيين لإثبات إقرار على ثالث
فيكتب عليه حجة بخط الحاكم وختمه ليحكم الحاكم عليه بحكمه السابق
المتذكر له بخطه وختمه حيثما يجاء به، والحال أنه غير المقر عنده أولا،
فيقع الخطأ بالتزوير في حكمه، وهو لا يعلم به.
فلا يجوز له ذلك (إلا أن يقنع المدعي بالحلية) وهي بكسر الحاء
المهملة ثم الياء المنقطة نقطتين من تحت بعد اللام الصفة، فيكتب صفة
المقر من طوله وقصره وبياضه وسواده، ونحو ذلك من الأوصاف التي يؤمن

(1) المسالك 13: 443.
85

معها التزوير. ولا خلاف في شئ من ذلك، إلا من الشيخين والحلبي
والديلمي والقاضي في الاكتفاء بالحلية، فلم يذكروه، لكن الشيخ في الخلاف
بعد نقل ذلك عنهم ونسبة خلافه والاكتفاء بها إلى من خالفهم من الفقهاء
قال: والذي قاله بعض أصحابنا يحمل على أنه لا يجوز أن يكتب، ويقتصر
على ذكر نسبهما، فإن ذلك يمكن استعارته (1).
وعلى ما ذكره يرتفع الخلاف، كما هو ظاهر الأصحاب حيث لم ينقلوه،
وقد صرح به الفاضل في المختلف، فقال: والتحقيق أنه لا مشاحة هنا، لأن
القصد تخصيص الغريم وتمييزه عن غيره وإزالة الاشتباه فإن حصل ذلك
بالحلية جاز (2).
واعلم أن فائدة كتاب الحاكم هنا مع الاتفاق على عدم جواز الرجوع
إليه له ولغيره من الحكام إلا بعد العلم بالواقعة والقطع بها جعله مذكرا ومنبها
عليها، فإذا وقف الإنسان على خطه فإن تذكرها أقام الشهادة عليها، وإلا فلا.
وحيث ثبت الحق بالإقرار أو غيره كلف أداؤه (ولو امتنع المقر) ومن
في حكمه ممن ثبت عليه الحق (من التسليم) مع قدرته عليه (أمر
الحاكم خصمه بالملازمة) له حتى يؤدي.
(ولو التمس) من الحاكم (حبسه حبس) بلا خلاف، للخبر: لي
الواجد يحل عقوبته وعرضه (3)، وفسر العقوبة بالحبس، والعرض بالإغلاظ
له في القول، كقوله: يا ظالم ونحوه.
وفي الموثق، كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يحبس الرجل إذا التوى على

(1) الخلاف 6: 221 - 222، المسألة 16.
(2) المختلف 8: 363.
(3) الوسائل 13: 90، الباب 8 من أبواب الدين، الحديث 4.
86

غرمائه، ثم يأمر فيقسم ماله بينهم بالحصص، فإن أبى باعه فيقسمه بينهم (1)،
يعني ماله. وفي معناه أخبار أخر مروية في التهذيب في أواسط باب
الزيادات من هذا الكتاب (2).
ويستفاد منها جواز بيع ماله عليه للحاكم إذا أبى عنه بعد الحبس،
وبه أفتى الأصحاب أيضا (ولو ادعى الإعسار) وهو عندنا - كما في كنز
العرفان - (3) عجزه عن أداء الحق، لعدم ملكه لما زاد عن داره وثيابه اللائقة
بحاله ودابته وخادمه كذلك وقوت يوم وليلة له ولعياله الواجبي النفقة، فإن
كان له أصل مال قبل ذلك أو كان أصل الدعوى مالا (كلف البينة) على
تلفه، فإن لم يقمها حبس إلى أن يتبين الإعسار على المشهور، للنصوص:
ففي الموثق (4) وغيره (5)، أن عليا (عليه السلام) كان يحبس في الدين، فإذا تبين
له إفلاس وحاجة خلى سبيله حتى يستفيد مالا.
وأما الصحيح: كان (عليه السلام) لا يحبس في السجن إلا ثلاثة: الغاصب، ومن
أكل مال اليتيم ظلما، ومن ائتمن على أمانة فذهب بها، وإن وجد له شيئا
باعه غائبا كان أو شاهدا (6). فقال الشيخ إنه لا تنافي بينه وبين الخبرين
الأولين، لأن الوجه فيه أحد شيئين، أحدهما: أنه ما كان يحبس على جهة
العقوبة إلا الذين ذكرهم، والثاني: أنه ما كان يحبسهم حبسا طويلا إلا الثلاثة
الذين استثناهم، لأن الدين إنما يحبس فيه بقدر ما يتبين حاله، فإن كان

(1) الوسائل 18: 180 - 181، الباب 11 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1.
(2) التهذيب 6: 299، الحديث 41 وما بعده.
(3) كنز العرفان 2: 57.
(4) الوسائل 13: 148، الباب 7 من أبواب أحكام الحجر.
(5) الوسائل 13: 148، الباب 7 من أبواب أحكام الحجر.
(6) وسائل الشيعة 18: 181، الباب 11 من أبواب كيفية الحكم الحديث 2.
87

معدما وعلم ذلك من حاله خلى سبيله، وإن لم يكن معدما ألزم الخروج مما
عليه أو يباع عليه ما يقضي به دينه (1)، انتهى.
وفي الوجهين بعد، ولا سيما الثاني، إلا أنه لا بأس بهما، لرجحان
الأخبار الأولة على الصحيحة من وجوه عديدة، أظهرها كونها مفتى بها دون
هذه، لمخالفة الحصر فيها للإجماع جدا وإن لم يعرف له أصل مال ولا كانت
الدعوى مالا، بل كانت جناية أو صداقا أو نفقة زوجة أو قريب أو نحو ذلك
قبل قوله: بيمينه، لموافقة دعواه الأصل فيكون كالمنكر، بخلاف ما إذا كان
أصل الدعوى مالا فإن أصالة بقائه يمنع قبول قوله.
(ومع ثبوته) أي ثبوت إعساره بالبينة أو اليمين أو تصديق المدعي
(ينظر) ويمهل حتى يمكن له الوفاء ويتيسر على الأظهر الأشهر، كما
صرح به الماتن هنا وفي الشرائع (2) وجمع ممن تأخر، للأصل، وقوله
سبحانه: «وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة» (3)، وللأخبار المتقدمة
أخيرا، حتى الصحيح منها، نظرا إلى مفهوم الحصر فيه الدال بعمومه على
عدم الحبس هنا.
فما في المسالك من عدم وضوح دلالته (4) كما ترى.
والعجب منه ومن الفاضل المقداد في شرح الكتاب، حيث لم يقفا على
ما عدا الصحيحة من الموثق وغيره المتقدمين قبلها، مع كونهما مرويين في
التهذيب والاستبصار (5) في هذا الكتاب، فروى ما عدا الموثق في الأول في
أواخر باب كيفية الحكم والقضاء (6)، وروى الموثق والصحيحة في أواسط

(1) التهذيب 6: 300 ذيل الحديث 45.
(2) الشرائع 4: 84.
(3) البقرة: 280.
(4) المسالك 13: 445.
(5) الاستبصار 3: 47، الحديث 1، 3.
(6) التهذيب 6: 232، الحديث 18 وما بعده.
88

باب الزيادات منه (1)، وروى فيه بعد الصحيحة بلا فاصلة رواية ظاهرة
الدلالة على المختار كالسابقة هي للسكوني، كالصحيحة برواية عبد الله بن
المغيرة عنه، وقد حكى على تصحيح ما يصح عنهما إجماع العصابة، وفيها:
إن امرأة استعدت على زوجها أنه لا ينفق عليها وكان زوجها معسرا،
فأبى (عليه السلام) أن يحبسه، وقال: إن مع العسر يسرا (2).
(و) لكن (في تسليمه إلى الغرماء) ليؤاجروه أو يستعملوه
(رواية) (3) عمل بها في النهاية (4) (و) قد عرفت أن (الأشهر منها) ما
دل على (تخليته) وإنظاره إلى يساره، وهو مع ذلك أكثر عددا وأوضح
سندا، والأوفق بالأصل والآية الكريمة، كما مضى، فلا تكافؤ بينهما أصلا،
سيما مع كون هذه شاذة لا عامل بها حتى الشيخ، لرجوعه في الخلاف (5)
عما ذكره في النهاية إلى ما عليه أصحابنا.
ولابن حمزة (6) قول ثالث، ففصل بين ما إذا كان المعسر ذا حرفة
يكتسب بها فالثاني وغيره فالأول، مستدلا عليه بالرواية الأخيرة.
والمناقشة فيه واضحة، لعدم دلالة فيها على التفصيل المزبور، بل
ولا إشارة. ولا يمكن الاستدلال له: بالجمع بين الأدلة والروايات المختلفة،
لعدم التكافؤ أولا، وعدم وضوح الشاهد عليه ثانيا، فهذا القول ضعيف
كسابقه، بل وأضعف جدا وإن نفى عنه البعد في المختلف، كضعف ما اعتذر
به من أنه يتمكن من أداء ما وجب عليه وإيفاء صاحب الدين حقه، فيجب

(1) التهذيب 6: 299، الحديث 41، 43، 44.
(2) التهذيب 6: 299، الحديث 41، 43، 44.
(3) الوسائل 13: 148، الباب 7 من أبواب أحكام الحجر، الحديث 3.
(4) النهاية 2: 85.
(5) الخلاف 3: 272، المسألة 15.
(6) الوسيلة 212.
89

عليه كما يجب عليه السعي في المؤنة، ومع تمكنه من الكسب لا يكون
معسرا، لأن اليسار كما يتحقق بالقدرة على المال يتحقق بالقدرة على
تحصيله، ولهذا منع القادر على التكسب من أخذ الزكاة إلحاقا له بالغنى
القادر على المال (1).
وذلك فإن غاية ما ذكره وجوب تكسبه كيف شاء لا تسلط الغريم على
منافعه بالاستيفاء والإجارة، كما ذكره ابن حمزة.
نعم لو توانى عن هذا الواجب بحيث يترتب به ضرر على الغرماء أمكن
أن يجبره الحاكم على التكسب، دفعا للضرر، والتفاتا إلى انه نوع أمر له
بالمعروف، ولو رأى أنه لا ينجع فيه جبره وإقامته على الفعل الواجب إلا
بالدفع إلى الغرماء أمكن الجواز، لما مر. ويمكن أن يحمل عليه الخبر الذي مر.
(و) اعلم أنه (لو ارتاب) الحاكم (بالمقر) وشك في بلوغه أو عقله
أو اختياره أو نحو ذلك مما هو شرط في صحة إقراره (توقف في الحكم)
بإقراره (حتى يستبين حاله) من بلوغ ورشد ونحو ذلك بلا إشكال.
ووجهه واضح.
(وأما الإنكار ف‍) اعلم أن (عنده) أي عند الإنكار يجب أن (يقال
للمدعي: ألك بينة) إن جهل مطالبتها منه، وإن كان عالما بها جاز للحاكم
السكوت عن ذلك، كما جاز له السؤال عنها (فإن قال) المدعي (نعم) لي
البينة جاز للحاكم (أمره بإحضارها) مطلقا، كما عليه أكثر أصحابنا على
ما صرح به في المسالك (2) وغيره، ومنهم الشيخان (3) والديلمي (4) والحلبي (5)،

(1) المختلف 8: 453.
(2) المسالك 13: 459.
(3) المقنعة 723، النهاية 2: 70.
(4) المراسم 231.
(5) الكافي في الفقه 446.
90

والقاضي في أحد قوليه وأكثر المتأخرين.
خلافا للمبسوط (1) والمهذب (2) والسرائر (3) فلم يجوزوه مطلقا، لأنه
حق له فله أن يفعل فيه ما يرى.
وللفاضل في المختلف (4) والقواعد (5) والشهيد في الدروس (6)
فالتفصيل بين علم الحاكم بمعرفة المدعي بكون المقام مقام بينة فالثاني، لما
مر، وجهله بذلك فالأول، لئلا يضيع حقه.
وحجج هذه الأقوال غير واضحة، عدا ما استدل للأكثر من أن الأمر هنا
ليس للوجوب والإلزام، بل لمجرد إذن وإعلام.
والتحقيق أن يقال: إن قصد المانع عن الأمر بالإحضار في الجملة أو
مطلقا المنع عنه حرمة مطلقا - ولو كان المقصود به الإرشاد ونحوه دون
الوجوب - فالحق مع المجوز، للأصل، مع عدم دليل عليها كذلك، والدليل
المتقدم له لا يفيدها، بل مفاده المنع عن الأمر إذا قصد به الوجوب لا مطلقا.
وإن قصد المنع عنه كذلك مع قصد الوجوب منه خاصة لا مطلقا - كما أفاده
دليله - فالمنع متوجه حينئذ، إلا أن الظاهر من المجوز ودليله - كما عرفته -
اختصاص الجواز بما إذا قصد بالأمر الإرشاد والإعلام، وحينئذ فيعود النزاع
لفظيا في المقام.
وكيف كان (فإذا حضرت) المدعي البينة عند الحاكم وعرف عدالتها
(سمعها) وحكم بشهادتها بعد التماس المدعي سماعها والحكم بها.
ثم لا يقول لهما: اشهدا، لأنه أمره وهو لا يأمرهما، بل يقول من كان

(1) المبسوط 8: 159.
(2) المهذب 2: 585.
(3) السرائر 2: 158.
(4) المختلف 8: 359.
(5) القواعد 2: 209 س 9.
(6) الدروس 2: 77.
91

عنده كلام أو شهادة فليذكر ما عنده إن شاء، فإن أجابا بما لا يثبت به حق
طرح قولهما، وإن قطعا بالحق المدعي فطابق الدعوى وعرف العدالة حكم
كما ذكرنا، وإن عرف فسقهما ترك شهادتهما ولا يطلب التزكية، لأن الجارح
مقدم، وإن جهل حالها طلب من المدعي تزكيتها، فإن زكاها بشاهدين أو
شاهد أيضا على قول على كل من الشاهدين يعرفان العدالة ومزيلها أثبتها
ثم سأل الخصم من الجرح، فإن اعترف بعدمه حكم كما مر، وإن ادعاه
واستنظر لإثباته أمهله ثلاثة أيام، فإن أحضر الجارح نظر في أمره على
حسب ما يراه من تفصيل وإجمال وغيرهما، فإن قبله قدمه على التزكية
على التفصيل المتقدم إليه الإشارة. ولا خلاف هنا في شئ من ذلك أجده
حتى في توقف سؤال البينة والحكم بشهادتها على سؤال المدعي، لكن في
الكفاية (1) وغيرها ذكر فيه الوجهان المتقدم ذكرهما في نظير المسألة.
ثم إن إطلاق الأصحاب الإمهال ثلاثة أيام مع الاستنظار يقتضي عدم
الفرق بين قول المستنظر أن شهودي على الجرح على مسافة لا يصلون إلا
بعد الثلاثة أيام، وقوله غير ذلك. قيل: وينبغي لو عين مكانا بعيدا أن يمهل
بقدره إذا لم يؤد إلى البعد المفرط الموجب للضرر بتأخير الحق (2). ولا بأس
به إن لم يثبت الإجماع على خلافه، وفي وصية علي (عليه السلام) لشريح في الخبر
المشهور: واجعل لمن ادعى شهودا غيبا أمدا بينهما، فإن أحضرهم أخذت
له بحقه وإن لم يحضرهم أوجبت عليهم القضية (3). فتأمل.
(و) يستفاد منه أنه (لو) لم يحضرها المدعي بل (قال البينة غائبة
أجل) وضرب له وقت (بمقدار إحضارها) بلا خلاف فيه وفي أنه إن شاء

(1) كفاية الأحكام 267 س 7.
(2) لم نعثر على قائله.
(3) الوسائل 18: 155، الباب 1 من أبواب آداب القاضي، الحديث 1.
92

الحاكم خيره بين الصبر إلى الإحضار وبين إحلافه المنكر، بل ذكر جماعة
من دون خلاف بينهم ثبوت الخيار للمدعي بين إحلافه وبين إقامة البينة
ولو كانت حاضرة، لأن الحق له فله أن يفعل ما شاء منهما.
(وفي) جواز (تكفيل المدعى عليه) وأخذ الكفيل منه ليحضره متى
حضرت البينة هنا أي عند غيبة البينة وعدم ثبوت الحق بها بعد (تردد)
واختلاف بين الأصحاب.
فبين مجوز كالشيخين في المقنعة (1) والنهاية (2) والقاضي (3) في أحد
قوليه وابني حمزة (4) وزهرة (5) نافيا للخلاف فيه ظاهرا، حفظا لحق المدعي
حذرا من ذهاب الغريم.
ومانع كالإسكافي (6) والشيخ (رحمه الله) في المبسوط (7) والخلاف (8)
والحلي (9) والقاضي (10) في قوله الثاني، أكثر المتأخرين، بل عامتهم كما في
ظاهر المسالك (11)، للأصل، وكون مثل ذلك عقوبة قبل ثبوت الاستحقاق، مع
أن الكفيل يلزمه الحق إن لم يحضر المكفول، وهنا لا معنى له قبل إثباته، ولا
معنى أيضا لكون ذلك الحق هنا هو حضور الدعوى وسماع البينة، مع أنه
بعد إحضارها إن كان حاضرا، وإلا يحكم عليه وهو غائب ويطلب بالحق
كسائر الغياب.
ولا ريب أن الأول مع رضى المدعى عليه أحوط، سيما مع ما يظهر من

(1) المقنعة 733.
(2) النهاية 2: 71.
(3) المختلف 8: 360.
(4) الوسيلة 212.
(5) الغنية 445.
(6) المختلف 8: 360.
(7) المبسوط 8: 159 - 160.
(8) الخلاف 6: 237، المسألة 36.
(9) السرائر 2: 159.
(10) المهذب 2: 586.
(11) المسالك 13: 465.
93

الغنية من عدم الخلاف فيه، مع إمكان المناقشة في أدلة المنع بمعارضة
الأصل بما دل على لزوم مراعاة حق المسلم عن الذهاب في نفس الأمر،
فيجب فيه التكفيل ولو من باب المقدمة.
وبه يظهر الجواب عن الثاني، فإن التكفيل وإن كان ضررا إلا أن ذهاب
الحق أيضا ضرر آخر، وعلى الحاكم مراعاة الأقل منهما ضررا، وقد يكون
التكفيل أقل ضررا.
وأما أنه لا فائدة في التكفيل قبل إثبات الحق فمسلم إن تحقق عدم
إمكان إثبات الحق أصلا في نفس الأمر، ولكنه غير متحقق بعد احتمال
حضور البينة وثبوت الحق بها فيلزم الكفيل إحضاره، أو الالتزام بالحق إن
ثبت وهرب المدعى عليه ولم يكن له مال يقتص منه.
ومنه يظهر الجواب عن الأخير، فإن الحكم عليه وهو غائب غير كاف
في التخلص عن احتمال ذهاب الحق بعد فرض عدم مال له يقتص منه،
واحتمال عدم الوصول إليه ليداعيه وقياس المقام على إثبات الحق على
الغيب قياس مع الفارق، لإمكان التكفيل هنا وعدمه ثمة حين غياب الغائب.
فإذا القول الأول لا يخلو عن رجحان إن خيف هرب المنكر وعدم
التمكن من استيفاء الحق بعد ثبوته من ماله. ولو لم يخف عن ذلك أمكن
ترجيح الثاني.
وبهذا التفصيل صرح الفاضل المقداد في شرح الكتاب، فقال - ولنعم ما
قال - ويقوى أن التكفيل موكول إلى نظر الحاكم، فإن الحكم يختلف
باختلاف الغرماء فإن الغريم قد يكون غير مأمون فالمصلحة حينئذ تكفيله،
وإلا لزم تضييع حق المسلم، وقد لا يكون كذلك، بل يكون ذا ثروة وحشمة
ومكنة فلا حاجة إلى تكفيله، لعدم ثبوت الحق والأمن من ضياعه، وربما
94

كان المدعي محتالا يكون طلبه للتكفيل وسيلة إلى أخذ ما لا يستحقه (1).
وعلى القول بالتكفيل فهل يتعين في ضرب مدته ثلاثة أيام كما عن ابن
حمزة (2)، أو يناط بنظر الحاكم كما هو ظاهر الأكثر؟ قولان.
(و) عليهما (يخرج) الكفيل (من) حق (الكفالة عند انقضاء الأجل)
المضروب كائنا ما كان، ولا خلاف فيه على الظاهر، ووجهه مع ذلك واضح.
(وإن قال) المدعي إنه (لا بينة) لي (عرفه الحاكم أن له اليمين)
على خصمه المنكر لحقه، كما أن عليه البينة عليه إجماعا، للنصوص
المستفيضة، بل المتواترة:
منها الخبر المستفيض النقل بين العامة والخاصة: البينة على المدعي
واليمين على من أنكر (3).
ولأنه مستند إلى البراءة الأصلية، فهو أولى باليمين من المثبت، إلا فيما
استثني.
(ولا يجوز) هنا (إحلافه حتى يلتمس المدعي) قولا واحدا، لأنه
حق له وإن كان إيقاعه إلى الحاكم وليس هنا شهادة حال، إذ ربما تعلق
غرضه بعدم سقوط الدعوى، بل بقاؤها إلى وقت آخر إما ليتذكر البينة أو
ليتحرى وقتا صالحا.
(فإن تبرع) المنكر بالحلف (أو أحلفه الحاكم) من دون سؤاله لغى،
و (لم يعتد بها، وأعيدت مع التماس المدعي) وبعدم الخلاف هنا صرح
جماعة من أصحابنا، وذكر الشهيدان (4) وغيرهما من غير خلاف بينهم

(1) التنقيح 4: 252.
(2) الوسيلة 212.
(3) الوسائل 18: 215، الباب 25 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 3.
(4) الدروس 2: 88، المسالك 13.
95

أجده، بل ظاهر المقدس الأردبيلي (رحمه الله) نسبه إلى الأصحاب كافة (1): أنه
لا يستقل الغريم باليمين من دون إذن الحاكم، لأن إيقاعه موقوف على إذنه
وإن كان حقا لغيره وأنه وظيفته، وسيأتي إن شاء الله تعالى ما يدل عليه.
(ثم المنكر إما أن يحلف أو يرد) ه على المدعي (أو ينكل) ويأبى عن
الأمرين (فإن حلف سقطت الدعوى) وإن لم يبرء ذمته من الحق في نفس
الأمر لو كان كاذبا، بل يجب عليه فيما بينه وبين الله تعالى التخلص من حق
المدعي بلا خلاف، كما يستفاد من المعتبرة:
منها الصحيح (2) وغيره (3): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا إنما أقضي بينكم
بالبينات والأيمان وبعضكم ألحن بحجته من بعض فأيما رجل قطعت له من
مال أخيه شيئا فإنما قطعت له قطعة من النار. ونحوهما ثالث مروي عن
تفسير مولانا العسكري (عليه السلام) بأدنى تفاوت، وزيد فيه: فلا يأخذ به (4).
ويستفاد منها ثبوت مثل ذلك في جانب المدعي ولو شهدت له البينة
الكاذبة، وبخصوصه وردت أخبار كثيرة:
منها رواية المناهي المشهورة المروية في الفقيه، وفيها، أنه نهى عن أكل
مال بشهادة الزور (5).
(ولو ظفر له المدعي بمال لم يجز له المقاصة) بعد إحلاف الحاكم إياه
بسؤاله وإن كان له ذلك قبل الإحلاف، كما يأتي، ولا مطالبة به، ولا معاودة
المحاكمة.
(فلو عاود الخصومة لم تسمع دعواه) كل ذلك، للنصوص المستفيضة:

(1) مجمع الفائدة 12: 137.
(2) الوسائل 18: 169، الباب 2 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1.
(3) الوسائل 18: 169، الباب 2 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1.
(4) الوسائل 18: 169، الباب 2 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 3، 2.
(5) الوسائل 18: 169، الباب 2 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 3، 2.
96

منها الصحيح: إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر بحقه فاستحلفه
فحلف أن لا حق له قبله ذهبت اليمين بحق المدعي ولا دعوى له، قلت: وإن
كانت له بينة عادلة، قال: نعم، فإن أقام بعد ما استحلفه بالله تعالى خمسين
قسامة ما كان له حق فإن اليمين قد أبطلت كل ما ادعاه قبله مما قد استحلفه
عليه، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من حلف لكم بالله فصدقوه، ومن سألكم بالله
تعالى فاعطوه ذهبت اليمين بحق المدعي ولا دعوى له (1).
والصحيح: عن رجل وقع لي عنده مال وكابرني عليه وحلف ثم وقع له
عندي مال فآخذه لمكان مالي الذي أخذه وجحده وأحلف عليه كما صنع،
فقال: إن خانك فلا تخنه، ولا تدخل فيما عبته عليه (2).
ومنها: في الرجل يكون له على الرجل مال فيجحده، قال: إن استحلفه
فليس له أن يأخذ منه بعد اليمين شيئا، وإن احتسبه عند الله تعالى فليس له
أن يأخذ شيئا، وإن تركه ولم يستحلفه فهو على حقه (3).
ومنها: كان بيني وبين رجل من اليهود معاملة فخانني بألف درهم
فقدمته إلى الوالي فأحلفته فحلف وقد علمت أنه حلف يمينا فاجرة فوقع له
عندي بعد ذلك أرباح ودراهم كثيرة فأردت أن أقبض الألف درهم التي
كانت لي عنده فأحلف عليها فكتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام): فأخبرته أنه قد
أحلفته فحلف - إلى أن قال: - فكتب: لا تأخذ منه شيئا إن كان ظلمك لا
تظلمه ولولا أنك رضيت بيمينه فحلفته لأمرتك أن تأخذه من تحت يدك،
ولكنك رضيت بيمينه فقد مضت اليمين بما فيها (4)، الخبر.

(1) الوسائل 18: 179، الباب 9 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 2، 1.
(2) الوسائل 12: 204، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 7.
(3) الوسائل 18: 179، الباب 10 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1.
(4) الوسائل 18: 180، الباب 10، من أبواب كيفية الحكم، الحديث 2.
97

إلى غير ذلك من الأخبار، المنجبر قصور أسانيد أكثرها بالشهرة
العظيمة، التي كادت تكون إجماعا، كما ستعرفه.
وأما الحسن الدال على جواز المقاصة من المنكر بعد حلفه (1) فمع
ضعفه عن المكافأة لما مر سندا وعددا واعتبارا شاذ، وقد حمله الأصحاب
ومنهم الصدوق (2) والشيخ (3) على أنه حلف من غير استحلاف صاحب
الحق، وهذا كله إجماعي بحسب الظاهر إذا لم يقم بعد إحلافه بينة بالحق.
(و) أما (لو أقام) بعده (بينة) فكذلك (لم تسمع) على الأظهر
الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، ونسبه الإسكافي (4) إلى الصادقين (عليهما السلام)
وفي الغنية (5) وعن الخلاف الإجماع عليه (6). وهو الحجة، مضافا إلى
النصوص المتقدمة، فإنها ما بين صريحة في ذلك، كالصحيحة الأولى،
وظاهرة فيه بالإطلاق أو العموم، كالأخبار الباقية، مع أن اليمين حجة
للمدعى عليه، كما أن البينة حجة للمدعي، فكما لا تسمع يمين المدعى عليه
بعد حجة المدعي كذلك لا تسمع حجة المدعي بعد حجة المدعى عليه.
(وقيل) كما عن المفيد (7) وابن حمزة (8) والقاضي (9): أنه (يعمل بها
ما لم يشترط الحالف سقوط الحق بها) إلحاقا لها بالإقرار، فكما يجب
الحق به بعد الحلف إجماعا - كما يأتي - يجب بها أيضا. هو بعد تسليم
صحته اجتهاد في مقابلة النص الصحيح غير مسموع، ويكون هو الفارق لو
سلم عدم فارق آخر غيره.

(1) الوسائل 12: 203، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4.
(2) الفقيه 3: 187، الحديث 3702.
(3) الاستبصار 3: 54، ذيل الحديث 175.
(4) المختلف 8: 396 - 397.
(5) لم نجد التصريح به فيها، راجع الغنية 445.
(6) الخلاف 6: 293، المسألة 40.
(7) المقنعة 733.
(8) الوسيلة 213.
(9) المختلف 8: 396 - 397.
98

وعن التقي (1) والحلي (2) واحد قولي المبسوط (3) التفصيل بين صورتي
الإحلاف مع العلم بالبينة والرضا به عنها فالأول، والإحلاف مع نسيانها أو
الذهول عنها فالثاني، ومال إليه في المختلف بعد اختياره القول الأول، قال:
لأن طلب الإحلاف لظن عجزه عن استخلاص حقه بالبينة (4) وهو كما ترى.
ويرد عليه ما ورد على سابقه من المناقشة بكونه اجتهادا صرفا في
مقابلة الرواية الصحيحة الصريحة المؤيدة بباقي الأخبار المتقدمة، مضافا
إلى استصحاب الحالة السابقة، بناء على سقوط الدعوى في مجلس الحلف
إجماعا من المسلمين كافة، كما ادعاه جماعة كفخر الدين في الإيضاح (5)
وابن فهد في المهذب (6)، فيستصحب في محل البحث إلى أن يتحقق
صارف، وليس بمتحقق. ولو لم يكن في المسألة سواه من الأدلة لكفانا دليلا
لترجيح القول الأول وحجة.
وهنا قول رابع: للشيخ في موضع آخر من المبسوط بالسماع مطلقا (7)،
لم يتعرض لنقله عدا نادر كالشهيدين في الدروس (8) والمسالك (9)
والروضة (10) ولم ينقلا له دليلا، ولا ريب في ضعفه، سيما مع ندرته، وعدم
معروفيته، ولذا لم يتعرض باقي الأصحاب لنقله.
(ولو أكذب) الحالف (نفسه) أو ادعى سهوه ونسيانه واعترف بالحق
المدعي كلا أو بعضا (جاز) للمدعي (مطالبته) بما اعترف به بلا خلاف

(1) لم نعثر عليهما كما صرح به في مفتاح الكرامة 10: 77.
(2) لم نعثر عليهما كما صرح به في مفتاح الكرامة 10: 77.
(3) المبسوط 8: 210.
(4) المختلف 8: 398.
(5) الإيضاح 4: 328.
(6) المهذب البارع 4: 472.
(7) المبسوط 8: 158.
(8) الدروس 2: 88.
(9) المسالك 13: 449 - 450.
(10) الروضة 3: 85.
99

ظاهر مصرح به في كثير من العبائر، وفي المهذب (1) وكلام الصيمري في
شرح الشرائع (2) دعوى الإجماع عليه. وهو الحجة، مضافا إلى إقرار العقلاء
على أنفسهم جائز (3)، السليم هنا عن المعارض، عدا ما مر من النصوص
الدالة على ذهاب اليمين بالدعوى، وهو بعد تسليم شموله لمحل البحث -
مع قوة احتمال عدمه بانصراف الإطلاق بحكم التبادر وغيره إلى غيره -
مدفوع بأن التعارض بينه وبين العموم من قبيل تعارض العمومين من وجه،
فيصار إلى الترجيح، وهو في جانب الأول بلا ريب بحسب الاعتبار، وعمل
الكل به في خصوص المضمار، وخصوص المعتبرين:
في أحدهما: إني كنت استودعت رجلا مالا فجحدنيه فحلف لي ثم إنه
جاء بعد ذلك بسنين بالمال الذي استودعت إياه فقال: هذا مالك فخذه وهذه
أربعة آلاف درهم ربحتها في مالك فهو لك مع مالك واجعلني في حل
فأخذت المال منه وأبيت أن آخذ الربح منه وأوقفت المال الذي كنت
استودعته حتى استطلع رأيك فما ترى؟ قال: فقال: خذ نصف الربح وأعطه
النصف وحلله إن هذا رجل تائب والله يحب التوابين (4).
وثانيهما الرضوي: وإذا أعطيت رجلا مالا فجحدك وحلف عليه ثم أتاك
بالمال بعد مدة وبما ربح فيه. وندم على ما كان منه فخذ منه رأس مالك
ونصف الربح، ويرد عليه نصف الربح، هذا رجل تائب (5).
وبالأول: استدل الصدوق في الفقيه على المطلوب هنا فقال بعد نقل

(1) المهذب البارع 4: 474.
(2) غاية المرام 184 (مخطوط).
(3) الوسائل 16: 111، الباب 3 من كتاب الإقرار، الحديث 2.
(4) الوسائل 16: 179، الباب 48 من كتاب الأيمان، الحديث 3.
(5) فقه الإمام الرضا (عليه السلام) 252.
100

الصحيحة الأولى: متى جاء الرجل الذي يحلف على الحق تائبا وحمل
ما عليه مع ما ربح فيه فعلى صاحب الحق أن يأخذ منه رأس المال ونصف
الربح، ويرد عليه نصف الربح، لأن هذا رجل تائب، روى ذلك مسمع أبو
سيار عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وسأذكر هذا الحديث بلفظه في هذا الكتاب
في باب الوديعة، انتهى (1).
(و) على هذا فلو أنكر الحق عليه ثانيا أو ماطل في أدائه (حل)
للمدعي (مقاصته) مع اجتماع شرائط التقاص المذكورة في بابه.
وبما حررنا يظهر لك ضعف ما يناقش به في الحكم هنا من عدم نص
فيه، ولا دليل عليه أصلا، مع كون مقتضى الروايات المتقدمة سقوط الدعوى
باليمين مطلقا، وقريب منه توهم ضعف الاستدلال بالروايتين على تمام
المدعى، بناء على أن موردهما إنما هو بذل المديون المال والإتيان به
خاصة، وذلك لانجبار أخصية المورد بعدم القائل بالفرق بينه وبين غيره، مع
إمكان استفادة التعميم من سياقهما سؤالا وجوابا بنوع من التدبر التام.
فتأمل جدا.
(فإن رد) المنكر (اليمين) المتوجهة إليه (على المدعي صح) ولزمه
الحلف بلا خلاف فيه في الظاهر مصرح به في جملة من العبائر، وعليه
الإجماع في الغنية (2) وغيره. وهو الحجة; مضافا إلى ظواهر النصوص الآتية.
وقد استثنى الأصحاب من ذلك مواضع ثلاثة بغير خلاف بينهم فيه
أجده، بل نسبه بعض الأصحاب (3) إليهم مؤذنا باتفاقهم عليه كافة. منها:

(1) الفقيه 2: 62 ذيل الحديث 3341، باب الوديعة، 305، الحديث 4091.
(2) لم نجد التصريح به فيها، راجع الغنية 445 - 446.
(3) مجمع الفائدة 12: 137 - 138.
101

دعوى التهمة. ومنها: دعوى وصي اليتيم مالا على آخر وأنكر سواء نكل
عن اليمين أو ردها. ومنها: ما لو ادعى الوصي على الوارث أن الميت أوصى
للفقراء بخمس أو زكاة أو حج أو نحو ذلك مما لا مستحق له بخصوصه.
والوجه في الأول واضح، بناء على أن اليمين على الميت، ولا يمكن من
المدعي تهمة.
وأما فيما عداه فلعله الأصل، وعموم ما دل على لزوم اليمين على
المدعى عليه، مع اختصاص النصوص الآتية، التي هي الأصل في أصل
المسألة بحكم التبادر بما إذا ثبت باليمين المردودة حق لنفس المدعي
لا لغيره.
وبظهور ذلك صرح المقدس الأردبيلي (1) (رحمه الله) ووافق القوم على الاستثناء
لذلك. وحينئذ يلزم على المنكر على تقدير الإنكار إما دفع الحق إلى
المدعي، أو اليمين له.
وهل يمين المدعي بمنزلة البينة نفسها لأن الحجة اليمين بعد ردها وقد
وجدت منه، أو بمنزلة إقرار المنكر لأن الوصول إلى الحق جاء من قبله برده
أو نكوله فيكون بمنزلة إقراره؟ قولان. ويتفرع عليهما فروع كثيرة:
منها ثبوت الحق بمجرد يمينه على الثاني، واحتياجه مع ذلك إلى حكم
الحاكم على الأول، لما مر، واختار المقدس الأردبيلي (2) (رحمه الله) وصاحب
الكفاية (3) الرجوع فيها إلى الأصول والقواعد، وأنه يعمل عليها في كل منها
من دون أن يجعل أحد القولين أصلا كليا يرجع إليه في جميعها، بل لو
اقتضت الأصول في بعضها مما يوافق أحدهما وفي الآخر ما يخالفه عمل
بالأصلين معا.

(1) مجمع الفائدة 12: 138 و 139.
(2) مجمع الفائدة 12: 138 و 139.
(3) كفاية الأحكام 268 س 4.
102

وهو حسن إن لم يكن في المسألة قولا ثالثا يكون للإجماع خارقا،
واختارا في الفرع المتقدم عدم التوقف على حكم الحاكم، زعما منهما كون
التوقف عليه مخالفا للأصل، فإن مقتضاه ثبوت الحق من دونه.
وفيه نظر حيث يتوجه للمنكر ردها. (فإن حلف استحق) المدعي لما
مضى (وإن) نكل و (امتنع) عن الحلف فإن لم يعلله بشئ أو قال: ما
أريد أن أحلف (سقطت دعواه) وليس له مطالبة الخصم بعد ذلك، ولا
استئناف الدعوى معه في مجلس آخر: كما لو حلف المدعى عليه،
للنصوص المستفيضة:
منها: الصحيح، في رجل يدعي ولا بينة له قال يستحلفه، فإن رد اليمين
على صاحب الحق فلم يحلف فلا حق له (1).
ومنها الموثق كالصحيح، بل قيل (2) صحيح: إذا أقام المدعي البينة
فليس له عليه يمين، وإن لم يقم البينة فرد عليه الذي ادعى عليه اليمين، فإن
أبى أن يحلف فلا حق له (3).
ومنها: في الرجل يدعى عليه الحق ولا بينة للمدعي، قال: يستحلف
أو يرد اليمين على صاحب الحق، فإن لم يفعل فلا حق له (4).
ونحوه المرسل المقطوع: استخراج الحقوق بأربعة وجوه بشهادة رجلين
عدلين، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان، وإن لم تكن امرأتان فرجل
ويمين المدعي، وإن لم يكن له شاهد فاليمين على المدعى عليه، فإن
لم يحلف ورد اليمين على المدعي فهي واجبة عليه أن يحلف ويأخذ حقه،
فإن أبى أن يحلف فلا شئ له (5).

(1) الوسائل 18: 176 - 177، الباب 7 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1، 6، 2.
(2) كفاية الأحكام 268 س 8.
(3) الوسائل 18: 176 - 177، الباب 7 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1، 6، 2.
(4) الوسائل 18: 176 - 177، الباب 7 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1، 6، 2.
(5) الوسائل 18: 176، الباب 7 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 4.
103

وقصور سنده بالأمرين - كما سبقه - بالجهالة مجبور بعمل الطائفة،
ولأنه لولا ذلك لرفع خصمه كل يوم إلى القاضي، والخصم يرد عليه اليمين،
وهو لا يحلف فيعظم الخطب، مع أن ذلك إجماعي إذا كان في مجلس
الحكم، كما صرح به في القواعد (1) والشرائع (2)، ويظهر أيضا من تتبع
الفتاوى.
وإنما الخلاف والإشكال في غيره. فقيل: إنما يسقط حقه في ذلك
المجلس وله تجديده في غيره، وما ذكرنا أصح وأشهر، وعليه عامة من
تأخر، بل القائل المذكور غير معروف، ومستنده مع ذلك غير واضح.
وعلى تقديره لا يعارض إطلاق النصوص المعتضدة بالأصل وعمل
المشهور، واستثنى من ذلك الشهيدان (3) وبعض من تبعهما (4) ما إذا أتى
ببينة، وإطلاق النصوص والفتاوى يدفع ذلك، إلا أن يذب عنه باختصاصه
بحكم التبادر بما إذا لم يكن له بينة في نفس الأمر وانحصر الحجة المثبتة
لحقه في يمينه، ولعله غير بعيد وإن ذكر لامتناعه سببا مثل الإتيان بالبينة أو
سؤال الفقهاء أو النظر في الحساب ونحو ذلك ترك ولم يبطل حقه من اليمين
كما في المسالك (5) وغيره. وهو حسن.
ولا ينافيه إطلاق النصوص، لاختصاصه بحكم التبادر بالامتناع الخالي
عن ذكر نحو ما ذكر من السبب، فلا يشمل غيره، بل لعله لا يعد مثله في
العرف امتناعا.
وهل يقدر إمهاله، أم لا؟ وجهان. أجودهما الثاني عند شيخنا الشهيد

(1) القواعد 3: 445.
(2) الشرائع 4: 89.
(3) الدروس 2: 89، المسالك 13: 452 - 453.
(4) مفاتيح الشرائع 3: 257.
(5) المسالك 13: 452 - 453.
104

الثاني، قال: لأن اليمين حقه وله تأخيره إلى أن يشاء كالبينة فيتمكن من
إقامتها متى شاء وهذا بخلاف المدعى عليه فإنه لا يمهل إذا استمهل، لأن
الحق فيه لغيره، بخلاف تأخير المدعي فإنه يؤخر حقه فيقبل إذا كان له عذر
مسموع (1). وفيه نظر.
(ولو نكل المنكر عن اليمين) وعن ردها معا قال له الحاكم: إن حلفت
وإلا جعلتك ناكلا مرة وجوبا ويكرر ذلك ثلاثا استظهارا لا فرضا كذا قالوه
(و) إن (أصر قضى عليه بالنكول) ويلزم بحق المدعي بمجرده، وفاقا
للصدوقين (2) والشيخين (3) والديلمي (4) والحلبي (5) للنبوي المتقدم
المستفيض: البينة على المدعي واليمين على من أنكر (6)، فإنه جعل جنس
اليمين في جانب المدعى عليه، كما جعل جنس البينة في جانب المدعي،
والتفصيل قاطع للشركة، ورد اليمين على المدعي حيث يحكم عليه بها جاء
من قبل الرد لا بأصل الشرع المتلقى من الخبر.
وللصحيح المشار إليه بقوله: (وهو المروي) عن الأخرس كيف
يحلف؟ قال: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) كتب له اليمين وغسلها وأمره بشربها
فامتنع فألزمه الدين (7).
وظاهره أنه لم يرد اليمين على خصمه، وإلا لنقل ولزم تأخير البيان عن
وقت الخطاب، بل عن وقت الحاجة، مع أن قوله: «فألزمه» دال على تعقيب

(1) المسالك 13: 452 - 453.
(2) المختلف 8: 380، المقنع 396.
(3) المقنعة 724، النهاية 2: 71.
(4) المراسم 231.
(5) الكافي في الفقه 447.
(6) الوسائل 18: 215، الباب 25 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 3.
(7) الوسائل 18: 222، الباب 33 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1.
105

الإلزام، للامتناع بغير مهلة، لمكان الفاء، وهو ينافي تخلل اليمين بينهما،
وفعله (عليه السلام) حجة كقوله. والفرق بين الأخرس وغيره ملغى بالإجماع، والخبر:
عن رجل يدعي قبل الرجل الحق ولا يكون له بينة بما له، قال: فيمين
المدعى عليه، فإن حلف فلا حق له، وإن لم يحلف فعليه (1). فرتب ثبوت
الحق على عدم حلفه، فلا يعتبر معه أمر آخر.
وقصور السند بالجهالة مجبور بتلقي الأصحاب إياه بالقبول في غير
مورد المسألة، وهو الحكم بثبوت اليمين على المدعي على الميت مع بينته.
وفي الجميع نظر.
ففي الأول: بعدم دلالته على الحكم بالنكول صريحا، بل ولا ظاهرا، وإنما
غايته إفادة أن جنس اليمين على المنكر، وأنه وظيفته، ونحن لا ننكره،
وليس فيه دلالة على ذلك لشئ من الدلالات الثلاث، بعد ملاحظة أن
المتبادر منه بيان الوظيفة الشرعية في الأصل والابتداء لكل من المنكر
والمدعي، وهو لا ينافي رد اليمين على المدعي من باب الرد ولو من الحاكم
الذي هو نائب المنكر حيث يستعصي ويوقف الأمر على حاله، ويبقى النزاع
الموجب للفساد على حياله، لا بأصل الشرع المتلقى من الخبر، كما اعترف
به المستدل في جوابه من النقض المتقدم.
وبالجملة إن ارتفع المنافاة بما ذكره في محل النقض ودفعه فلترتفع به
أيضا في محل البحث، وعدم قيام دليل على ثبوت الرد فيه على تقدير
تسليمه لا يوجب المنافاة على تقدير ثبوته.
وبالجملة المقصود من ذلك دفع المنافاة التي هي الأصل والبناء في
صحة الاستدلال، وحيث فرض عدمها بالرد في محل البحث أيضا ولو على

(1) الوسائل 18: 172، الباب 4 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1.
106

تقدير ثبوته لم يصح الاستدلال بالخبر المذكور على الحكم بالنكول ورد
القول بالرد.
والثاني: أولا: بعدم القائل بإطلاقه، لأن الحكم بالنكول على تقدير القول
به مشروط اتفاقا بالنكول عن كل من الحلف ورده، وليس فيه الإشارة إليهما
إلا إلى النكول عن الحلف خاصة دون النكول عن رده، فلا بد من تقديره،
وليس بأولى من تقدير الرد على المدعي وحلفه.
وبالجملة فلا بد من تقدير شئ، ولا قرينة في الخبر على تعيينه، فكما
يمكن تقدير ما يوافق الاستدلال كذا يمكن تقدير ما يخالفه، وحيث لا
مرجح فيه للأول على الثاني لم يتوجه الاستدلال به فتأمل.
وثانيا: بأن لزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة وإن كان مسلما قبحه إلا
أن الحاجة في الخبر كما يظهر من صدره هو معرفة كيفية حلف الأخرس لا
كيفية الحكم في الدعوى معه مع نكوله. ولزوم تأخير البيان عن وقت
الخطاب لا بأس به، كما قرر في محله.
وثالثا: بأن الخبر قضية في واقعة، فلا تكون عامة. فتأمل.
ورابعا: بأنه فرع العمل به في كيفية إحلاف الأخرس ولم يقل به
المشهور، ومنهم الماتن وغيره ممن حكم بالنكول وغيره عدا نادر، كما
يأتي، فلا يمكنهم الاستناد إليه لإثباته.
وخامسا: بمنافاته على تقدير تسليم دلالته، لما سيأتي من إطباق
الجمهور على نقل خلافه عن علي (عليه السلام).
والثالث: بضعف السند أولا، وتلقي الأصحاب إياه بالقبول جابر لخصوص
ما تلقوه لا جميعا، كما بينت الوجه فيه في رسالة في الإجماع مستقصى.
107

وثانيا: باختلاف النسخة فيه، ففي الكافي (1) والتهذيب (2) كما مر،
وفي الفقيه بدل محل الاستدلال، وهو قوله: «وإن لم يحلف فعليه» بقوله:
«وإن رد اليمين على المدعي فلم يحلف فلا حق له» (3)، وعليه فلا دلالة فيه
على الحكم، واختلاف النسخة موجب لتزلزل الرواية وإن رجحت النسخة
الأولى بتعدد النقلة.
وثالثا: بضعفه دلالة بما ضعفنا به الصحيحة المتقدمة من عدم القائل
بإطلاقه، فلا بد من تقييده إما بالنكول عن الرد كما هو مناط الاستدلال، أو
بما إذا رد اليمين على المدعي وحلف، وليس بمرجوح بالإضافة إلى الأول،
كما مر.
ورابعا: بإجمال مرجع الضمير في «عليه» والمبتدأ المقدر فكما يحتمل
المنكر ويكون المبتدأ المقدر «الحق» كذا يحتمل المدعي ويكون المقدر
«الحلف» أو «المنكر» ويكون الحق المقدر غير المال، بمعنى الدعوى،
ويكون كناية عن عدم انقطاع الدعوى عنه بمجرد نكوله، فلا يحسبه مفرا
عنها، بل هي عليه باقية، وربما أوجب عليه المدعي بعد إتيان المدعي
باليمين المردودة عليه.
وخامسا: بأن في ذيله ما يؤيد القول الآتي، بل وربما يستدل عليه به،
وهو قوله (عليه السلام): ولو كان - أي المدعى عليه - حيا لألزم باليمين أو الحق أو
يرد اليمين عليه بصيغة المجهول، كما في التهذيب (4) المعتبر المصحح عندي
مضبوط، وبه صرح بعض الفضلاء أيضا (5)، ووجه التأيد ظاهر، إذ العدول

(1) الكافي 7: 415، الحديث 1.
(2) التهذيب 6: 229، الحديث 6.
(3) الفقيه 3: 63، الحديث 3343.
(4) التهذيب 6: 229، الحديث 6.
(5) مفاتيح الشرائع 3: 258.
108

عن قول أو رد اليمين أو يرد بصيغة المعلوم إلى المجهول لا وجه له بحسب
الظاهر غير التنبيه على عدم انحصار الراد في المنكر، إمكان كونه غيره
وليس إلا الحاكم.
وسادسا: بقوة احتماله كغيره على تقدير تسليمه الحمل على التقية،
لكونه مذهب جماعة من العامة، كما سيأتي إليه الإشارة، ومنهم أبو حنيفة،
ورأيه مشتهر بينهم، بل وأكثرهم عليه في الأزمنة السابقة واللاحقة. ولعل ما
ذكرناه من وجوه النظر في هذا الخبر عدا الأخير منها هو الوجه في عدم
استدلال أكثر الأصحاب به لهذا القول في محل البحث.
(وقيل: يرد) الحاكم (اليمين على المدعي) من باب نيابته العامة
(فإن حلف ثبت حقه، وإن نكل بطل) ولعل هذا أظهر، وفاقا لكثير من
القدماء كالإسكافي (1) والشيخ في الخلاف (2) والحلي (3) وابن زهرة (4) وابن
حمزة (5) وأكثر المتأخرين، عدا الماتن هنا وفي الشرائع (6) وشيخنا الشهيد
الثاني (7) وبعض من تبعه، مع تردد ما للماتن وشيخنا.
وبالجملة لا ريب في شهرة هذا القول بين المتأخرين، بل عليه عامتهم
كما يظهر من المسالك (8)، وعن الخلاف (9) وفي الغنية (10) الإجماع عليه،
وفي السرائر أنه مذهب أصحابنا عدا الشيخ في النهاية وقد رجع عنه في

(1) المختلف 8: 380.
(2) الخلاف 6: 290 - 292، المسألة 38.
(3) السرائر 2: 180.
(4) لا يستفاد هذا الحكم من كلامه في الغنية، وأيضا لم نجد التصريح بالإجماع فيها، راجع الغنية
445.
(5) الوسيلة 229.
(6) الشرائع 4: 85.
(7) المسالك 13: 458 - 455.
(8) المسالك 13: 455 - 458.
(9) الخلاف 6: 290 - 292، المسألة 38.
(10) راجع الغنية 445.
109

الخلاف والمبسوط وظاهره أيضا الإجماع عليه (1). وهو الحجة; مضافا إلى
الأصل الدال على براءة ذمة المنكر عن الحق المدعى عليه، وعدم ثبوته
عليه بمجرد نكوله، لاحتمال كونه لاحترام اليمين لا الإذعان بثبوت الحق
ولزومه، فلا يخرج عنه إلا بدليل قائم على إثباته عليه بمجرده.
والجواب عنه بقيام الدليل على ذلك كما مر ضعيف، يظهر وجهه لمن
تأمل الأجوبة عنه، التي تقدمت، وفيها نظر. وقريب منه الجواب عن
الإجماع بوجود المخالف من نحو المفيد (2) وغيره.
لضعفه أولا: بابتنائه على أصول العامة في الإجماع، حيث جعلوه مجرد
الوفاق، ولا يتم على ما عليه الأصحاب من أنه هو الاتفاق الكاشف عن
قول الإمام (عليه السلام) ولو كان في اثنين وخلا عنه مائة مطلقا كائنا من كانوا، نعم
لو بلغ المخالف في الكثرة حد الشهرة أمكن القدح فيه بالوهن لنا (3)
الموجب للمرجوحية أو الخروج عن الحجية، وليس في المسألة بلا شبهة.
وثانيا: بعدم صراحة كلامهم في المخالفة، لاحتماله الحمل على ما حمل
عليه الحلي كلام النهاية من أن المراد بقوله: «لزمه الحق»، يعني أن بنكوله
صارت اليمين على المدعي بعد أن كانت له، وكل من كانت عليه فهو أقوى
من صاحبه، والقول قوله مع يمينه، لا أنه بمجرد النكول يقضي الحاكم عليه
بالحق من دون يمين خصمه (4) وربما يشير إلى قرب جملة النظر في كلام
الغنية، حيث ادعى على المختار صريحا إجماع الإمامية، ومع ذلك قال فيما
بعد ذلك بورقة: وإن نكل المدعى عليه عن اليمين ألزمه الخروج عن حق
خصمه مما ادعاه (5). فتدبر.

(1) السرائر 2: 180.
(2) المقنعة: 724.
(3) في المطبوع: بدل «لنا»: إما.
(4) السرائر 2: 180.
(5) الغنية 445.
110

هذا، مع التأيد بكثير مما ذكره الجماعة دليلا لهذا القول وحجة. ولا
فائدة لذكرها بعد قوة إمكان المناقشة فيها وبسببها لا يمكن أن يتخذ حجة،
لكنها للتأييد - كما عرفت - صالحة.
هذا، مضافا إلى ما في المختلف (1) وغيره من نسبة الجمهور هذا القول
إلى مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) وإطباقهم على النسبة يدفع عنهم توهم الكذب
ونحوه، سيما مع مخالفة جمع منهم له، فيكون ذلك حجة قوية مؤيدة بما
حكاه شيخنا في حاشيته على كتابه المسالك من أن هذا القول مذهب
الشافعي، ومالك، والأول قول أبي حنيفة وأحمد، وموافقة الشافعي للإمامية
في أكثر الفروع مشهورة غير مستورة، وأبو حنيفة بطرف الضد من ذلك،
والظن يلحق الشئ بالأعم الأغلب. فتدبر.
ومع ذلك فهذا القول أحوط أيضا لو بذل المدعي اليمين بثبوت الحق
عليه حينئذ إجماعا. وأما مع عدم بذله لها ونكوله عنها فتصور الاحتياط في
هذا القول مشكل وإن أطلق جماعة كونه أوفق بالاحتياط، لأن المدعي
بنكوله عن اليمين بعد ردها عليه يوجب سقوط حقه، وعدم جواز مطالبة
المنكر بشئ، وهو لا يوافق القول الأول، لإثبات الحق فيه على المنكر
بنكوله على الإطلاق.
والاحتياط عبارة عن الأخذ بالمتفق عليه المتيقن، والأخذ بهذا القول
فيما فرضناه ليس كذلك قطعا، لاحتمال كون الحق مع القول الأول، فلو
عمل بهذا القول لذهب حق المدعي لو كان.
(و) على القول الأول (لو بذل المنكر اليمين بعد الحكم) عليه من
الحاكم (بالنكول لم يلتفت إليه) بلا خلاف فيه وفي عدم الالتفات إليه

(1) المختلف 8: 383.
111

أيضا، بعد إحلاف الحاكم المدعي على القول الثاني، لثبوت الحق عليه بذلك،
فيستصحب إلى تيقن المسقط، وما دل على السقوط بيمينه مختص بحكم
التبادر، وغيره بيمينه عليه قبل الحكم عليه بنكوله، أو إحلاف المدعي برد
الحاكم اليمين عليه أو رده في غير صورة نكوله. هذا إذا كان الحكم عليه
بنكوله بعد عرض حكمه عليه ولو مرة.
ولو قضى بنكوله من غير عرض فادعى الخصم الجهل بحكم النكول
ففي نفوذ القضاء إشكال، من تفريطه، وظهور عذره، ولعل الثاني أظهر،
وبالأصل أوفر.
ولو بذلها قبل حلف المدعي فالأقرب جوازه. ولو منعناه فرضي المدعي
بيمينه قيل فله ذلك (1).
واعلم أن المستفاد من عبائر الأصحاب - عدا الماتن هنا - عدم
الالتفات إلى اليمين المبذولة بعد النكول لا بعد الحكم به. وهو مشكل، ولذا
اعترضهم المقدس الأردبيلي (رحمه الله)، فقال: هو فرع ثبوت الحق بالنكول فورا
ولا دليل عليه (2). وهو حسن، إلا أن احتمال مسامحتهم في التعبير وإرادتهم
ما هنا قائم. فتأمل.
(و) اعلم أنه (لا يستحلف المدعي مع بينته) المرضية بغير خلاف
أجده، وبه صرح في عبائر جماعة، وعن الخلاف (3) الإجماع عليه،
والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة:
منها - زيادة على ما مر إليه الإشارة - الصحيح (4) وغيره (5): عن الرجل

(1) لم نعثر على قائله.
(2) مجمع الفائدة 12: 148.
(3) الخلاف 6: 236، المسألة 35.
(4) الوسائل 18: 177 - 178، الباب 8 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1، 2.
(5) الوسائل 18: 177 - 178، الباب 8 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1، 2.
112

يقيم البينة على حقه هل عليه أن يستحلف؟ قال: لا. ونحوهما الموثق
القريب منه بفضالة عن أبان المجمع على تصحيح ما يصح عنهما (1).
وأما الخبر: المخالف لذلك (2) فمع قصور سنده وشذوذه محمول إما
على ما إذا اشتبه عليه صدق البينة كما قيل (3)، وفيه نظر، أو على
الاستحباب إن بذل المدعي اليمين أو مطلقا.
وكيف كان فلا ريب في الحكم (إلا في) الشهادة ب‍ (الدين على
الميت) فإن المدعي مع بينته عليه (يستحلف على بقائه في ذمته
استظهارا) بغير خلاف في الظاهر مصرح به في كثير من العبائر، وفي
المسالك (4) والروضة (5) وشرح الشرائع للصيمري (6) الإجماع عليه. وهو
الحجة; مضافا إلى المعتبرين:
أحدهما الصحيح: أو يقبل شهادة الوصي بدين على الميت مع شاهد
آخر عدل فوقع (عليه السلام): نعم من بعد يمين (7).
وفي الثاني المتقدم صدره: فإن كان المطلوب بالحق قد مات فأقيمت
عليه البينة فعلى المدعي اليمين بالله الذي لا إله إلا هو لقد مات فلان وإن
حقه لعليه، فإن حلف وإلا فلا حق له، لأنا لا ندري لعله أوفاه ببينته لا نعلم
موضعها أو بغير بينة قبل الموت، فمن ثم صارت عليه اليمين مع البينة،
فإن ادعى ولا بينة فلا حق له، لأن المدعى عليه ليس بحي ولو كان حيا

(1) الوسائل 18: 177 - 178، الباب 8 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1.
(2) المصدر السابق الباب 1، 155، الحديث 1.
(3) مفاتيح الشرائع 3: 258.
(4) المسالك 13: 461. وفيها: «فالمشهور بين الأصحاب لا يظهر فيه مخالف».
(5) الروضة 3: 104.
(6) غاية المرام 184 س 26 (مخطوط).
(7) الوسائل 18: 273، الباب 28 من أبواب الشهادات، الحديث 1.
113

لألزم اليمين أو الحق أو يرد عليه، فمن ثم لم يثبت له عليه حق (1).
وقصور السند مجبور بالاعتبار والعمل.
وفي تعدي الحكم إلى ما يشارك مورد الفتوى والنص كالدعوى على
الطفل والغائب والمجنون قولان:
الأول: مختار الأكثر على الظاهر المصرح به في المسالك (2) وغيره،
وفي شرح الشرائع للصيمري أنه المشهور (3)، لمشاركتهم للميت في العلة
المؤمأ إليها في النص، فيكون من باب اتحاد طريق المسألتين أو منصوص
العلة. وفيه: أن العلة المؤمأ إليها احتمال توفية الميت قبل الموت، وهي في
محل البحث غير حاصلة وإن حصل مثلها، والتعدي بمثله قياس فاسد في
الشريعة، ومورد الرواية أقوى من الملحق به، لليأس منه بالكلية دونه، فإن
لهم لسانا يرتقب جوابه، وهم باقون على حجتهم.
خلافا للماتن في الشرائع (4) فاختار الثاني، ونقله في الكفاية عن
جماعة وعد منهم العلامة (5)، مع أنه قد اختار الأول في الإرشاد (6)
والقواعد (7). ووجهه لزوم الاقتصار فيما خالف النصوص المتقدمة الدالة
على أنه لا يمين مع البينة على المتيقن من الفتوى والرواية.
ومنه يظهر وجه ما في التنقيح (8) والمسالك (9) من اختصاص الحكم في
الميت بما إذا كان المدعى عليه دينا، فلو كانت الدعوى عينا في يده بعارية
أو غصب دفعت إليه مع البينة من غير يمين.

(1) المصدر السابق 172، الباب 4 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1.
(2) المسالك 13: 361.
(3) غاية المرام 184 س 15 (مخطوط).
(4) الشرائع 4: 85.
(5) كفاية الأحكام 269 س 2.
(6) الإرشاد 2: 145.
(7) القواعد 3: 441.
(8) التنقيح 4: 256.
(9) المسالك 13: 463.
114

وفيه نظر، فإن المورد وإن اختص بالدين إلا أن مقتضى التعليل
المنصوص وهو الاستظهار العموم. وربما وجه ما فيهما من الفرق وثبوت
اليمين في الدين خاصة باحتمال الإبراء منه وغيره من غير علم الشهود،
بخلاف العين، فإن ملكها إذا ثبت استصحب.
ويضعف بأن احتمال تجدد نقل الملك ممكن في الحالين والاستظهار
وعدم اللسان آت فيهما.
فالأجود اعتبار اليمين مطلقا، وفاقا لإطلاق بعض العبائر، وظاهر
شيخنا في الروضة (1). قيل: ومن لم يوجب اليمين فيها أي في الدعوى على
الطفل ونحوه أوجب تكفيل القابض استظهارا، وكذا مع القول باليمين إذا
تعذرت (2). وفي الخبر الوارد في الحكم على الغائب: ويكون الغائب على
حجته إذا قدم ولا يدفع المال إلى الذي أقام البينة إلا بكفلاء إذا لم يكن
مليا (3).
(وأما السكوت فإن كان) لدهش أزاله الحاكم بالرفق والإمهال، وإن
كان لغباوة وسوء فهم توصل إلى إزالته بالتعريف والبيان، وإن كان (لآفة)
بدنية من صمم أو خرس (توصل إلى معرفة) جوابه من (إقراره
وإنكاره) بالإشارة المفهمة للمطلوب باليقين (ولو افتقر إلى مترجم)
عارف بجوابه (لم يقتصر على) العدل (الواحد) بل لا بد من عدلين كما
قالوه تحصيلا للأقرب إلى اليقين.
(ولو كان) سكوته (عنادا) ألزمه الجواب أولا باللطافة والرفق ثم
بالإيذاء والشدة متدرجا من الأدنى إلى الأعلى على حسب مراتب الأمر

(1) الروضة 3: 105.
(2) مفاتيح الشرائع 3: 258 - 259.
(3) الوسائل 18: 216، الباب 26 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1.
115

بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن أجاب، وإلا (حبسه حتى يجيب) إن
سأله المدعي، كما في اليمين، وفاقا للمفيد (1) والديلمي (2) والنهاية (3)
والخلاف (4) وابن حمزة (5) والمتأخرين كافة على الظاهر المصرح به في
المسالك (6) والكفاية (7)، لأن الجواب حق عليه فيجوز حبسه لاستيفائه عنه.
وفي الشرائع (8) والتحرير (9) والسرائر أن به رواية (10). قيل: ولعلها
قوله (عليه السلام): لي الواجد يحل عقوبته وعرضه (11)، بناء على تفسيرهم العقوبة
بالحبس خاصة. وقيل: يجبر حتى يجيب من غير حبس، بل يضرب ويبالغ
في الإهانة إلى أن يجيب. ومستنده غير واضح، عدا ما استدل له من الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر. وفيه نظر، فإنهما يحصلان أيضا بالأول،
فلا وجه للتخصيص به، سيما مع رجحان مقابله بما مر من الخبر المنجبر
قصوره بفتوى الأكثر، وبما مر من النصوص الكثيرة الدالة على حبس أمير
المؤمنين (عليه السلام) الغريم باللي والمطل من دون أن يحصل الحق منه بالجبر
والضرب.
هذا، مع أن القائل بهذا القول غير معروف، وإنما ذكره الفاضلان في
الشرائع (12) والتحرير (13) والقواعد (14) قولا، ولم يذكروا له قائلا، وعن

(1) المقنعة 725.
(2) المراسم 230 - 231.
(3) النهاية 2: 73.
(4) الخلاف 6: 238، المسألة 37.
(5) الوسيلة 212.
(6) المسالك 13: 466.
(7) كفاية الأحكام 269 س 13.
(8) الشرائع 4: 86.
(9) التحرير 2: 287 س 11.
(10) الوسائل 13: 90، الباب 8 من أبواب الدين، الحديث 4.
(11) مجمع الفائدة 12: 170.
(12) الشرائع 4: 86.
(13) التحرير 2: 187 س 11.
(14) القواعد 3: 440.
116

المبسوط أنه يقول له الحاكم ثلاثا إن أجبت وإلا جعلتك ناكلا ورددت
اليمين على خصمك (1)، واختاره الحلي (2)، وقواه بعض المتأخرين.
قال: لأن السكوت عن الجواب هو النكول، بل أقوى منه، فإن النكول
معه إنكار وامتناع من الحق وعدم الحلف وعدم الرد، فإذا صح الحكم حينئذ
يصح مع عدم الجواب، لأنه إما مقر، أو منكر، فنهاية ما يصير أن يكون
منكرا ولم يحلف ولم يرد، وجميع أدلة الحكم بالنكول والرد جار فيه (3).
وفيه نظر، لمنع كونه إما مقرا أو منكرا، لأن هنا احتمالا ثالثا، أشار إليه
هو أيضا فيما بعد. معترضا على الحلي، وهو أنه قد يكون أدى الحق ولم
يكن منكرا يلزمه اليمين ولا مقرا يلزمه الحق، فيسكت عن الإنكار لعدم
صحته. وعن الإقرار لإلزامه بالمقر به، مع عدم البينة على أدائه.
وما أجاب به عنه من أنه إن قدر على الإثبات يفعل وإلا يوري مع أنه
قد أدخل الضرر على نفسه إن كان ترك الإشهاد على الوجه الشرعي في
الأداء منظور فيه.
أولا: باحتمال عدم تمكنه من الإثبات بموت الشهود ولا من التورية،
إما بعدم علمه بشرعيته، أو لعدم اهتدائه إلى طريق معرفتها.
وثانيا: بمخالفة الحكم بالنكول بمجرده أو بعد رد اليمين إلى المدعي
الأصل، فلا يجوز إلا بعد قيام دليل شرعي، وليس قيامه بجلي مطلقا. ولو
قلنا بأن السكوت نكول فإن كلية الكبرى ممنوعة، إذ لا دليل عليها مطلقا،
حتى في صورة النكول بعد الإنكار، إلا الإجماع فإنه الذي أجاز لنا ثمة
الحكم على المنكر بعد إحلاف المدعي. ولولاه لتوقفنا فيه بلا شبهة،

(1) المبسوط 8: 160.
(2) السرائر 2: 163.
(3) مجمع الفائدة 12: 170.
117

وهو مفقود في المسألة، كما هو واضح، سيما مع إطباق المتأخرين كافة
كما عرفته على اختيار القول الأول. فدعوى أن جميع أدلة الحكم بالنكول
والرد جار فيه غير واضحة، بل لعلها ممنوعة.
فإذا القول الأول في غاية القوة، سيما مع دعوى جماعة أن به رواية،
وظاهرهم كونها نصا في حكم المسألة. وهي وإن لم نظفر بها - كما صرح به
آخرون - إلا أن غايتها حينئذ أن تكون مرسلة فتجبر، كاحتمال قصور
الدلالة بالشهرة العظيمة المتأخرة، التي كادت تكون إجماعا، بل لعلها إجماع
في الحقيقة، مضافا إلى الاعتضاد بما قدمناه من الرواية النبوية، وما أشرنا
إليه بعدها من النصوص الكثيرة.
(المقصد الثالث في) بيان (كيفية الاستحلاف)
وما ينعقد به اليمين الموجبة للحق من المدعي
والمسقطة للدعوى من المنكر
(و) اعلم أنه (لا يستحلف أحد إلا بالله) تعالى وأسمائه الخاصة به
(ولو كان) الحالف (كافرا) كما في النصوص المستفيضة المتقدمة جملة
منها، وغيرها من الإجماعات المستفيضة في كتاب الأيمان والنذور، بقي
منها ما دل على عموم الحكم للكافر بالخصوص، وهي أيضا مستفيضة:
ففي الصحيح: لا يحلف اليهودي ولا النصراني ولا المجوسي بغير الله
تعالى، إن الله تعالى يقول: «وأن احكم بينهم بما أنزل الله» (1).
وفيه: عن أهل الملل كيف يستحلفون؟ فقال: لا تحلفوهم إلا بالله تعالى (2).
وفي الموثق كالصحيح: هل يصلح لأحد أن يحلف أحدا من اليهود

(1) الوسائل 16: 164 - 165، الباب 32 في حكم استحلاف الكفار، 1، 6.
(2) الوسائل 16: 164 - 165، الباب 32 في حكم استحلاف الكفار، 1، 6.
118

والنصارى والمجوس بآلهتهم؟ فقال: لا يصلح لأحد أن يحلف إلا بالله
تعالى (1). إلى غير ذلك من النصوص.
وظاهرها كالفتاوى الاكتفاء في الحلف بلفظ الجلالة مطلقا.
خلافا للمبسوط في المجوسي فلم يجوز في إحلافه الاقتصار على لفظ
الجلالة، نظرا إلى اعتقاده أن النور إله فيحتمل إرادته إياه من الإله
المعرف (2) فلا يكون حالفا بالله، وأوجب لذلك أن يضم إليه ما يزيل
الاحتمال كخالق النور والظلمة إماطة لتأويله (3).
وهو مع كونه اجتهادا في مقابلة النص المعتبر شاذ، كما صرح به بعض
الأصحاب (4)، ولكن أفتى به الشهيد في الدروس (5)، ومال إليه فخر الدين،
محتجا بأنه يجب الجزم بأنه حلف ولا يحصل الجزم بذلك (6). وهو أحوط
وإن كان في تعينه نظر، لضعف الحجة بأن الجزم المعتبر هو العلم بكونه قد
أقسم بالله الذي هو المأمور به شرعا، أما مطابقة قصده للفظه فليس بشرط
في صحة اليمين. قيل: ومن ثم كانت النية نية المحلف إذا كان محقا لا
الحالف (7). وهو دليل على عدم اعتبار مطابقة القصد للفظ.
ومقتضى النصوص المتقدمة والإجماعات المنقولة أنه لا يجوز
الإحلاف بغير أسمائه سبحانه، كالكتب المنزلة، والرسل المعظمة، والأماكن
المشرفة; مضافا إلى خصوص المعتبرة:
ففي الصحيحين: إن لله عز وجل أن يقسم من خلقه بما يشاء، وليس

(1) الوسائل 16: 164 - 165، الباب 32 في حكم استحلاف الكفار 5.
(2) في «م»: المعروف.
(3) المبسوط 8: 205.
(4) مفاتيح الشرائع 3: 265.
(5) الدروس 2: 96.
(6) الإيضاح 4: 335.
(7) مجمع الفائدة 12: 179.
119

لخلقه أن يقسموا إلا به (1).
وقيل: بالكراهة (2).
وعلى التقديرين فلا اعتداد به في إثبات الحق مطلقا، عملا بإطلاق
الأدلة المتقدمة.
و (لكن) ذكر الماتن وقبله الشيخ في النهاية (3) وجماعة أنه (إن رأى
الحاكم إحلاف الذمي) بل مطلق الكافر كما قيل (4) (بما يقتضيه دينه) كونه
(أردع) وأكثر منعا له عن الباطل إلى الحق من الحلف بالله عز وجل
(جاز) له إحلافه به، عملا برواية السكوني: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) استحلف
يهوديا بالتوراة التي أنزلت على موسى (5).
وهو كما ترى، لقصورها عن المقاومة لما مضى من وجوه شتى، مع
ضعفها في نفسها على المشهور بين أصحابنا، وكونها قضية في واقعة لا
عموم فيها، ولذا خصها الشيخ في التهذيب بالإمام (6) (عليه السلام)، كما هو موردها،
مع احتمال كون الحلف بالتوراة فيها مع ضميمة الحلف بالله تعالى للتأكيد
والتشديد ونحوها.
وأيدها الشيخ في الاستبصار بالصحيحين. في أحدهما: عن الأحكام،
فقال: في كل دين ما يستحلفون كما في نسخة، أو يستحلون كما في اخرى.
وفي الثاني: قضى علي (عليه السلام) فيمن استحلف أهل الكتاب بيمين صبر أن

(1) الوسائل 16: 159 - 160، الباب 30 في أنه لا يجوز الحلف...، الحديث 1، 3.
(2) المبسوط 6: 191.
(3) النهاية 3: 42.
(4) الوسيلة 228.
(5) الوسائل 16: 165، الباب 32 في حكم استحلاف الكفار، الحديث 4.
(6) التهذيب 8: 279 ذيل الحديث 11.
120

يستحلف بكتابه وملته (1).
وفيهما نظر، لجواز أن يكون المراد بالأول أنه يمضي عليهم حكمه
إذا حلفوا عند حاكمهم، كما أنه يجري عليهم أحكام عقودهم، ويلزم عليهم
ما ألزموا به أنفسهم، واحتمال رجوع الضمير في الثاني إلى الموصول،
أو كون ذلك بعد ضم اليمين بالله.
وبالجملة القول الأول أظهر، ولكن الجمع بينهما أحوط.
(ويستحب) بلا خلاف (للحاكم تقديم العظة) على اليمين لمن
توجهت إليه والتخويف من عاقبتها، بذكر ما ورد فيها من الآيات والروايات
المتضمنة لعقوبة الحلف كاذبا (ويجزئه) أي الحالف (أن يقول) في يمينه:
(والله ما له قبلي كذا) بلا خلاف، عملا بالإطلاق، وفي النبوي: من حلف
بالله فليصدق، ومن حلف له بالله تعالى فليرض، ومن لم يرض فليس
من الله (2).
(ويجوز) للحاكم بل يستحب كما هو المشهور (تغليظ اليمين) عليه
(بالقول) كوالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم
الطالب الغالب الضار النافع المهلك المدرك الذي يعلم من السر ما يعلمه من
العلانية، كما في الصحيح المتضمن لإحلاف الأخرس (3).
(والزمان) كالجمعة والعيدين وبعد الزوال والعصر ونحو ذلك.
(والمكان) كالكعبة والحطيم والمقام والمسجد الحرام والحرم
والأقصى تحت الصخرة والمساجد في المحراب.

(1) الاستبصار 4: 40 ذيل الحديث 5، 6، 7.
(2) الوسائل 16: 124، الباب 6 في وجوب الرضا باليمين، الحديث 1.
(3) الوسائل 18: 222، الباب 33 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1.
121

(و) هو ثابت في الحقوق كلها وإن قلت استظهارا عدا المال فإنه
(لا تغليظ) فيه (لما دون نصاب القطع) بلا خلاف في شئ من ذلك.
قيل: لأن التغليظ مظنة رجوع الحالف إلى الحق خوفا من عقوبة العظيم،
وعلى تقدير جرأته عليه كاذبا مظنة موآخذته حيث أقدم على الحلف به مع
إحضار عظمته وجلالته وانتقامه في الموضع الشريف والزمان الشريف،
اللذين هما محل الاحترام (1).
وفي الخبر المروي في الوسائل عن قرب الاسناد: أن عليا (عليه السلام) كان
يستحلف اليهود والنصارى في بيعهم وكنائسهم والمجوس في بيوت نيرانهم،
ويقول: شددوا عليهم احتياطا للمسلمين (2).
وفي المرسل: لا يحلف أحد عند قبر النبي (صلى الله عليه وآله) على أقل مما يجب فيه
القطع (3).
قالوا: ولو امتنع الحالف من الإجابة إلى التغليظ لم يجبر ولم يتحقق
بامتناعه نكول، لما مر من أن من حلف له بالله فليرض.
والظاهر من النص والفتوى اختصاص استحباب التغليظ في حق الحاكم
دون الحالف، بل التخفيف في جانبه أولى، لأن اليمين مطلقا مرغوب عنها،
فكلما خففت كان أولى.
وفي الخبر: إذا ادعى عليك مال ولم يكن له عليك، فأراد أن يحلفك فإن
بلغ مقدرا ثلاثين درهما فأعطه، ولا تحلف، وإن كان أكثر من ذلك فاحلف
ولا تعطه (4).

(1) المسائل 13: 477.
(2) الوسائل 18: 219، الباب 29 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 2، 1.
(3) الوسائل 18: 219، الباب 29 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 2، 1.
(4) الوسائل 16: 118، الباب 3 في استحباب العزم على الحلف الحديث 1.
122

وفي آخر: حدثني أبو جعفر (عليه السلام) أن أباه كانت عنده امرأة من الخوارج
- إلى أن قال: - فقضى لأبي أنه طلقها فادعت عليه صداقها فجاءت به إلى
أمير المدينة تستعديه، فقال له أمير المدينة: يا علي إما أن تحلف وإما أن
تعطيها، فقال: يا بني قم فأعطها أربعمائة دينار، فقلت له يا أبة: جعلت فداك
ألست محقا؟ قال: بلى يا بني، ولكني أجللت الله تعالى أن أحلف يمين
صبر (1).
(ويحلف الأخرس بالإشارة) المفهمة لليمين، على الأشهر المصرح به
في كلام جمع كالمهذب (2) والتنقيح (3) وشرح الشرائع للصيمري (4)
والمسالك (5) والكفاية (6) وغيرها من كتب الجماعة فاختاروه أيضا، معللين
بأن الشارع أقام إشارته مقام تلفظه في سائر أموره.
(وقيل) كما عن الشيخ في النهاية: إنه (يوضع يده) مع ذلك (على
اسم الله سبحانه في المصحف) إن حضر، وإلا فعلى اسمه المطلق (7).
ومستنده مع شذوذه ومخالفة الأصل وما دل على قيام إشارته مطلقا مقام
تلفظه غير واضح.
(وقيل) كما عن ابن حمزة خاصة: إنه (يكتب اليمين في لوح ويغسل
ويؤمر بشربه بعد إعلامه، فإن شرب كان حالفا، وإن امتنع ألزم
الحق) (8) للصحيح: عن الأخرس كيف يحلف إذا ادعى عليه دين ولم يكن

(1) الوسائل 16: 117 الباب 2 في استحباب العزم على الحلف، الحديث 1.
(2) المهذب البارع 4: 478.
(3) التنقيح 4: 257.
(4) غاية المرام 184 س 16 (مخطوط).
(5) المسالك 13: 480.
(6) كفاية الأحكام 270 س 17.
(7) النهاية 2: 79.
(8) الوسيلة 228.
123

للمدعي بينة؟ فقال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لما ادعى عنده على أخرس من
غير بينة: الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى بينت للأمة جميع ما
تحتاج إليه، ثم قال: إيتوني بمصحف فأتى به، فقال: للأخرس ما هذا فرفع
رأسه إلى السماء وأشار أنه كتاب الله عز وجل، قال: إيتوني بوليه فأتى بأخ
له وأقعده إلى جنبه ثم قال: يا قنبر علي بدواة وصحيفة فأتاه بهما، ثم قال
لأخ الأخرس: قل لأخيك: هذا بينك وبينه أنه علي (عليه السلام) فتقدم إليه بذلك ثم
كتب أمير المؤمنين (عليه السلام): والله الذي - إلى آخر ما مر في كيفية اليمين المغلظة
- أن فلان بن فلان المدعي ليس له قبل فلان بن فلان يعني الأخرس حق
ولا طلبة بوجه من الوجوه ولا سبب من الأسباب، ثم غسله، وأمر الأخرس
أن يشربه، فامتنع، فألزمه الدين (1).
ونفى عنه البعد الفاضل المقداد في شرح الكتاب، قال: فإن الإشارة
لا تنافيه، بل هذا من أحد جزئياتها (2).
وفيه - بعد تسليم كونه أحد جزئياتها - أن ظاهر هذا القول المحكي في
العبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة تعين إحلافه بعين ما في العبارة. وأما
نفي البعد عنه إنما هو جوازه من حيث كونه أحد أفراد الإشارة لا تعينه،
ولعله لا خلاف فيه إن صح الفردية.
نعم ما ذكره من الجواز وعدم التعين صريح عبارة ابن حمزة (3) المحكية
في كلام جماعة، ومنهم فخر الدين في الإيضاح فإنه قال في وسيلته: إذا
توجه على الأخرس وضع يده على المصحف وعرفه حكمها وحلفه
بالأسماء أي أسماء الله تعالى، قال: فإن كتب اليمين على لوح ثم غسلها

(1) الوسائل 18: 222، الباب 33 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1.
(2) التنقيح 4: 259.
(3) الوسيلة 228.
124

وجمع الماء في شئ وأمره أن يشربه جاز، فإن شرب فقد حلف، وإن
أبى ألزمه (1).
ومنه يظهر فساد نسبة القول بتعين ما في العبارة إليه، إلا أن يكون المراد
من النسبة نسبة الجواز لا التعين، وعليه يكون مذهب المشهور عدم جوازه،
ولعله لمنع كونه من أفراد الإشارة، فلا يمكن تجويزه من جهتها، ولا من
جهة الصحيحة، لكونها قضية في واقعة، فلا تكون عامة. واحتمال كون
الحلف فيها بشرب المكتوب بعد الحلف بالإشارة، ويكون ذلك من باب
التغليظ، كما فعله (عليه السلام) في يمين المكتوبة.
وبالجملة الخروج عن الأصل الدال على القول الأول المعتضد بعمل
الأكثر بل عامة من تأخر - حتى الفاضل المقداد لتجويزه ما في الرواية،
زعما منه كونه أحد أفراد الإشارة، فيكون ذلك اتفاقا منه ومنهم، على أنها
المعتبر في إحلافه خاصة - مشكل غايته. والأحوط الجمع بينهما إن رضى
الأخرس بإحلافه بما في الرواية، وإلا فالإشارة متعينة.
(و) اعلم أنه (لا) يجوز أن (يحلف الحاكم أحدا إلا في مجلس
قضائه) أي مجلس حضوره مع إذنه بلا خلاف، بل ظاهرهم الإجماع عليه،
كما يستفاد من كثير، ومنهم المقدس الأردبيلي (رحمه الله) في شرح الإرشاد (2)
وصاحب الكفاية (3). وهو الحجة; مضافا إلى أصالة عدم لزوم ما يترتب على
الحلف من سقوط الحق أو لزومه بمجرده، فيقتصر فيما خالفها على المتيقن
من النص والفتوى، وليس إلا بعد ذلك.
واما النصوص الدالة على لزومه به فلا عموم فيه يمكن التشبث بذيله

(1) الإيضاح 4: 337.
(2) مجمع الفائدة 12: 188.
(3) كفاية الأحكام 270 س 26.
125

لإثبات اللزوم بالحلف مطلقا، وإنما غايتها الإطلاق الغير المنصرف إلى
الحلف بغير الحكم وإذنه، لكونها منساقة لبيان أحكام أخر غير ما يراد إثباته
من الإطلاق في محل البحث وأمثاله; مضافا إلى أن الغالب في الحلف في
مقام الدعاوي التي هي موردها كونه بحضور الحاكم وإذنه.
وإلى بعض ما ذكرناه وغيره يشير كلام المقدس الأردبيلي (رحمه الله)، حيث قال
في بيان دليل الحكم: ولعله أنه من تتمة الحكم ولا حكم لغيره، إذ هو العالم
بالكيفية لا غير، أو الإجماع، أو تبادر ذلك إلى الفهم من الاستحلاف في
الروايات والعبارات، وبالجملة قد تقرر عندهم عدم جواز الإحلاف لغير
الحاكم مطلقا (1).
(إلا) أن يكون المستحلف (معذورا) عذرا شرعيا (كالمريض)
والزمن، اللذين لا يمكنهما أو يشق عليهما الحضور إلى الحاكم والخائف من
العدو ونحو ذلك (أو) كان (امرأة غير برزة) أي مخدرة ليس من عادتها
وشأنها البروز والتردد إلى أندية الرجال والحكام، ويكون ذلك نقصا في
حقها وعيبا عليها، أو حائضا، أو نفساء، أو مستحاضة لا تأمن تلوث
المسجد بنجاستها، مع كون الحاكم فيه، أو احتياج إلى التغليظ فيه.
وبالجملة كل معذور شرعا يجوز له معه التخلف عن الحلف عند
الحاكم، ويستنيب الحاكم حينئذ من يحلفه في موضعه بلا خلاف، لاستلزام
الحضور مع ذلك العسر والحرج، المنفيين عقلا وشرعا، وليس في شئ من
الفتاوى التي وقفت عليها اعتبار مباشرة الحاكم الإحلاف بنفسه ولو بالمسير
إليه مطلقا ولو لم يكن السير إليه نقصا له، ومسقطا لمحله عند الناس.

(1) مجمع الفائدة 12: 188.
126

واحتمل بعض الأصحاب ذلك، إلا مع استلزامه النقص على الحاكم (1).
وليس في محله، إذ مع مخالفته لإطلاق الفتاوى يوجب فتح بابه إلقاء
الحاكم في ضيق وشدة منفية في الشريعة، مع عدم كونه معهودا في الأعصار
السابقة واللاحقة عند أحد من حكام الخاصة والعامة، وإلا لاشتهر اشتهار
الشمس واتضح غايته.
(ولا يحلف المنكر) على نفي ما ادعى عليه مطلقا (إلا على القطع)
والجزم به (ويحلف) أيضا (على فعل غيره) إن كان على إثبات ولو كان
على نفي حلف (على نفي العلم) به إن ادعى عليه العلم، وإلا لم تسمع
الدعوى على المعروف بين الأصحاب، على الظاهر المصرح به في
الكفاية (2) وغيرها.
فلو ادعي عليه بمال أو غيره وأنكر حلف على البت، إما على نفي
استحقاق المدعي لما يدعيه، أو على نفي ما يدعيه إن أراد بالخصوص على
الأصح، كما يأتي، وإن ادعى على غيره به (كما لو ادعى على الوارث)
العلم بما يدعيه المدعي على المورث وطالبه به بعد أن ترك الوفاء في يده
(فأنكره أو ادعى) على المنكر (أن وكيله قبض أو باع) ما وكل فيه
وأنكر حلف على نفي العلم به، لعدم العلم بالانتفاء.
ولو فرض إمكان العلم بالانتفاء، كما إذا كانت الدعوى متعلقة بزمان
مخصوص، أو مكان كذلك، وهو يعلم كذب المدعي فيهما حلف على البت
أيضا، ووجهه كسائر ما يحلف فيه على البت بعد الاتفاق عليه واضح أيضا،
من حيث إن المتبادر من الحلف واليمين على الشئ الوارد في النصوص
والفتاوى هو الحلف عليه بتا وقطعا، سيما مع تضمن كثير من النصوص

(1) مجمع الفائدة 12: 188.
(2) كفاية الأحكام 270 س 29.
127

الواردة في بيان كيفية الحلف - كالصحيح الوارد في إحلاف الأخرس
وغيره - الحلف على البت بأن فلانا ليس له علي حق، ونحو ذلك.
فلا ريب فيه حيثما كان الحالف عالما بما حلف عليه نفيا أو إثباتا. وأما
لو لم يكن عالما به كما لو ادعى عليه بشئ ولم يعلم به مطلقا فهل يحلف
على نفي العلم، أو يرد اليمين على المدعي وإلا يكون ناكلا؟ إشكال.
قيل: مقتضى ظاهر كلامهم الثاني، لكن في إثبات ذلك إشكال، إذ لا يبعد
الاكتفاء حينئذ بالحلف على نفي العلم، ولا دليل على نفيه، إذ الظاهر أنه لا
يجب عليه إيفاء ما يدعيه إلا مع العلم، ويمكن على هذا أن يكون عدم العلم
بثبوت الحق كافيا في الحلف على عدم الاستحقاق، لأن وجوب إيفاء حقه
إنما يكون عند العلم به، لكن ظاهر عباراتهم خلاف ذلك، وبعض المتأخرين
احتمل قويا عدم القضاء بالنكول في الصورة المذكورة وإن قيل به في غيره،
بل يجب الرد حينئذ، واحتمل الاكتفاء في الاسقاط بيمينه على عدم علمه
بذلك (1).
أقول: ما احتمله هو وبعض المتأخرين (2) من الاكتفاء حينئذ بالحلف
على نفي العلم محل تأمل، لعدم الدليل عليه، وعدم الدليل على نفيه غير
كاف، بعد ملاحظة أن الأصل عدم انقطاع الدعوى المسموعة بمثل هذا
اليمين، سيما وأن تكون مسقطة للبينة لو أقيمت بعدها، فيقتصر فيما خالفه
على المتيقن من النصوص والفتوى، وليس إلا ما إذا كان اليمين على البت
لا مطلقا.
وليس في النصوص والفتاوى الدالة على سقوطها بها ما يدل على
السقوط هنا، لما عرفت من أن المتبادر من اليمين على الشئ فيها اليمين

(1) كفاية الأحكام 270 س 34.
(2) مجمع الفائدة 12: 191.
128

على البت خاصة، ومقتضى ذلك عدم الاكتفاء باليمين على نفي العلم،
فينحصر قطع الدعوى وسقوطها في رد اليمين على المدعي إن حلف أخذ،
وإن نكل سقطت الدعوى.
وما ذكره من أن الظاهر أنه لا يجب عليه ايفاء ما يدعيه إلا مع العلم إلى
آخره فمسلم إذا أريد فيما بينه وبين الله تعالى، ولكن لا ينفع في إثبات كفاية
الحلف على نفي العلم في مقام الدعوى وإسقاطها، وإن هو إلا عين النزاع
جدا.
ومنه يظهر الوجه في منع قوله: ويمكن على هذا أن يكون عدم العلم إلى
آخره، مضافا إلى منع كفاية ذلك في الحلف على نفي الاستحقاق المطلق،
من حيث إن المتبادر منه نفي الاستحقاق ولو في نفس الامر، ولا يمكنه
الحلف عليه، لإمكانه، وعدم علمه به إنما يتوجه له الحلف على عدم تكليفه
في الظاهر بإيفائه، لا الحلف على عدم استحقاقه في الواقع، وبينهما فرق
واضح.
وبالجملة الاكتفاء بالحلف على نفي العلم في محل البحث وجهه غير
واضح، سيما مع مخالفته الأصل المتقدم.
ولكن يمكن أن يقال: إن ثبوت الحق على المنكر بيمين المدعي إذا
كانت برد الحاكم خلاف الأصل أيضا، فيقتصر فيه على المتيقن من النص
والفتوى، وليس إلا ما إذا رد المنكر اليمين عليه، أو ردها الحاكم مع نكوله
عن الرد من غير دعواه عدم العلم بالحق، بل دعواه العلم بنفيه، وليس ما
نحن فيه منه قطعا.
فالمسألة محل إشكال، لتعارض الأصلين، إلا أن الظاهر ترجيح عدم
الاكتفاء باليمين على نفي العلم، لما ذكره القائل من كونه مقتضى ظاهر
129

كلامهم، وهو كذلك من حيث حكمهم بعنوان العموم بكون الحلف على
المنكر في فعل نفسه على البت مطلقا على نفي كان أو إثبات، ولا يمكن
ذلك فيما نحن فيه، فلا يحلف.
ولا يتصور حينئذ قطع الدعوى إلا برد اليمين على المدعي، إما من
المنكر، أو الحاكم بعد نكوله عن الرد، ولا يمكن ترجيح الاكتفاء بذلك بما
ذكروه في تعليل الاكتفاء بالحلف على نفي العلم في الدعوى على الغير من
عدم العلم بالانتفاء لتأتي ذلك بعينه هنا، وذلك لأن اكتفاءهم بذلك ثمة إنما
هو من حيث عدم كون المنكر طرفا لأصل الدعوى على الغير، بل هو
الطرف الآخر لها، وإنما المنكر طرف دعوى اخرى معه، وهي كونه عالما
بالمدعى وثبوته على الغير في الدعوى الأولى، فحلفه على نفي العلم حقيقة
حلف على نفي ما ادعى عليه على القطع في هذه الدعوى.
فظهر أن حلف المنكر على القطع أبدا حتى بالنسبة إلى فعل الغير مطلقا،
لأن ما يحلف عليه ليس إلا هو ما ينكره حقا كان أو غيره، وبذلك صرح
الفاضل في التحرير (1).
ويتحصل من هذا أن متعلق الحلف ليس إلا ما تعلق به الدعوى، وهو
المتبادر من النصوص أيضا، والحلف على نفي العلم فيما نحن فيه ليس
حلفا على ما تعلق به دعوى المدعي، لأن دعواه ثبوت الحق في ذمته لا
علمه به، ولا تلازم بينهما، لإمكان أن يدعي الحق عليه، ولا يدعي العلم
عليه، معتذرا باحتمال نسيانه. فحينئذ يمينه على نفي العلم لاغية لا ربط لها
بما تعلقت به الدعوى بالكلية، فكيف يمكن أن تكون بها ساقطة؟!

(1) التحرير 2: 192 س 4.
130

نعم لو ادعى عليه العلم بالحق حال الدعوى أيضا اتجه الاكتفاء بالحلف
على نفي العلم، وسقوط أصل الدعوى بها حينئذ، لتركها - كما ذكروه - في
الحلف على نفي العلم بفعل الغير.
ولكن الظاهر أن مثله في المقامين لا يسقط اعتبار البينة لو أقيمت بعد
الدعوى، عملا بعموم ما دل على اعتبارها، مع سلامته عن المعارض فيهما،
لاختصاص ما دل على سقوط البينة باليمين بحكم التبادر وغيره باليمين
على نفي الحق لا نفي العلم.
وبالجملة الظاهر فيما نحن فيه - حيث لا يدعي عليه العلم المدعي -
عدم الاكتفاء بالحلف على نفي العلم، بل لا بد من رد اليمين إلى المدعي،
ولا محيص في قلع الدعوى من دونه.
(أما المدعي ولا شاهد له فلا يمين عليه) كما لا بينة على المنكر
مطلقا بلا خلاف فيهما نصا وفتوى، فلو أتى كل منهما بما هو وظيفة الآخر
لم تسمع (إلا) إذا حلف المدعي (مع الرد) أي رد المنكر اليمين إليه
فتسمع حينئذ اتفاقا فتوى ونصا، كما مضى.
(أو مع نكول المنكر) عن الحلف والرد فيسمع أيضا (على قول)
قوي اخترناه، وعلى القول الآخر الذي يحكم فيه عليه بنكوله تكون يمين
المدعي لاغية من هذا الوجه أيضا، أو مع اللوث في دعوى الدم فيسمع بلا
خلاف فيه ظاهرا، ومضى الإشارة إليه سابقا، ويأتي تمام الكلام فيه مفصلا
في محله إن شاء الله تعالى.
(ويحلف) المدعي حيثما توجه الحلف إليه (على الجزم) والقطع
كالمنكر بلا خلاف، لما مر، ولا يمين له على نفي العلم مطلقا، إلا إذا انقلب
الدعوى وصار منكرا، كما لو ادعى الوارث لمورثه دينا على أحد وادعى
131

هو الإبراء مثلا وعلم المدعي به أيضا وأنكره فيحلف حينئذ على نفي العلم،
كالمنكر أو لا حيث يحلف عليه.
وهذا في الحقيقة راجع إليه جدا. فيتحصل منه إن حلف المدعي على
البت أبدا.
(ويكفي) المنكر (مع) إطلاقه (الإنكار) كقوله: لا يستحق عندي
شيئا (الحلف) على عدم الاستحقاق مطلقا، كان المدعى حقا معينا،
أو مطلقا أيضا اتفاقا على الظاهر المصرح به في المسالك (1) وغيره، لأن
الغرض يحصل به ونفي العام يستلزم نفي الخاص، ومع الجواب بنفي الخاص
كقوله: لم أغصب أو لم أشتر أو لم أستأجر فكذلك أيضا إن حلف عليه.
وإن أراد الحلف (على نفي الاستحقاق) المطلق ففي إجابته قولان،
أقربهما وأشهرهما نعم، لدخول الخاص في ضمن نفيه، وجواز تعلق غرض
صحيح بالعدول إلى العام، بأن كان قد غصب أو استأجر أو اشترى، ولكن
برئ من الحق بدفع أو إبراء، فحلفه على نفي الخاص كذب، والعدول إلى
العام مع كونه صدقا يتضمن الغرض من براءة حقه، وعلى هذا القول عامة
المتأخرين، بل لم ينقل الخلاف فيه إلا عن الشيخ، حيث ألزم الحلف على
وفق الجواب (2)، لأنه المطابق للدعوى، وجوابه بنفي الأخص يقتضي عدم
تلك الاحتمالات الموجبة للعدول إلى الأعم، ولو وقعت لأجاب ابتداء بنفي
الاستحقاق.
ويضعف بأنه مع تسليم قدرته على الحلف على وفق الجواب لا يلزم
منه وجوب إجابته، وإنما اللازم له الحلف على البراءة من حقه بأي لفظ
اتفق، فله العدول إلى نفي الاستحقاق اقتراحا.

(1) المسالك 13: 488.
(2) المبسوط 8: 207.
132

(ولو ادعى المنكر الإبراء أو الأداء) أو الإقباض (انقلب مدعيا
والمدعي منكرا، فيكفيه) أي المدعي (اليمين على بقاء الحق) ولو حلف
على نفي ذلك كان آكد، لأنه غير لازم بلا خلاف ظاهر حتى من الشيخ
مصرح به في بعض العبائر كعبارة المسالك (1) وغيره، لكن الأولى ليست
بصريحة في نفي الخلاف.
نعم ربما كانت ظاهرة فيه حيث لم ينقل الخلاف فيها هنا عن أحد ونص
فيها، على أن الشيخ المخالف سابقا لم يخالف هنا، ولكن جعل الحلف على
نفي ما ادعاه بخصوصه أحوط (2).
(ولا يتوجه) اليمين (على الوارث بالدعوى على مورثه إلا مع)
شروط ثلاثة:
الأول: (دعوى) المدعي على الوارث (علمه بموته) أي المورث
(أو إثباته) عطف على الدعوى، فيكون هذا الشرط أحد الأمرين من
دعوى علمه بموته أو إثبات موته على الوارث المنكر له بالبينة ونحوها
ولو على إقراره به.
(و) الثاني: دعوى (علمه) أي الوارث (بالحق) الذي يدعيه،
وإذا توجه اليمين على الوارث بدعوى علمه بالأمرين فأنكرهما أو أحدهما
حلف على نفي العلم بهما أو بأحدهما، لما مضى، ولو أثبتهما عليه لم يتوجه
له اليمين على إنكارهما.
ولا يتوجه يمين عليه بعد ثبوتهما أيضا إلا بعد تحقق الشرط الثالث
(و) هو دعوى (أنه) أي الميت (ترك في يده) أي الوارث (مالا) يفي
بحقه كلا أو بعضا، وأنكره الوارث، فيتوجه عليه اليمين حينئذ، ويحلف على

(1) المسالك 13: 490.
(2) المسالك 13: 490.
133

البت لا على نفي العلم، لأنه حلف على فعل نفسه نفيا. ولا يتوجه في مثله
الحلف على نفي العلم، كما مضى.
ولو نكل عن الحلف هنا أو في أحد الأمرين اللذين مضيا رده على المدعي،
ولو نكل عن الرد أيضا جعل ناكلا وحكم عليه بمجرده أو بعد رد اليمين
على المدعي، ويؤخذ منه الحق بعد يمينه على اختلاف القولين. وإنما لم يؤخذ
منه الحق بمجرد ثبوت الأمرين بناء على عدم الخلاف في أن الوارث لا
يجب عليه أداء دين المورث من ماله، بل إن ترك المورث مالا في يده يفي
بالدين أو بعضه وجب عليه الأداء، وإلا فلا، سواء كان عالما بالدين، أم لا.
(و) اعلم أن من شرط سماع الدعوى أن يكون المدعي مستحقا
لموجبها، ف‍ (لا تسمع الدعوى في الحدود مجردة عن البينة، ولا يتوجه
بها يمين على المنكر) بلا خلاف يعرف فيه في الجملة، وبه صرح في
الكفاية (1)، والنصوص به مع ذلك مستفيضة:
منها المرسل كالصحيح بابن أبي عمير المروي في التهذيب (2) في كتاب
الحدود في أواسط باب حد الفرية منه، وفي الكافي (3) في الكتاب المزبور
أيضا، لكن بسند فيه سهل وضعفه سهل، بل قيل ثقة (4) وإرسال، وهو مجبور
بابن أبي نصر المرسل له، مضافا إلى انجبار الأمرين كالإرسال السابق
إن أوجب الضعف بالعمل. وفيه: أتى رجل أمير المؤمنين (عليه السلام) برجل فقال:
هذا قذفني ولم يكن له بينة، فقال: يا أمير المؤمنين استحلفه، فقال: لا يمين
في حد، الخبر.

(1) كفاية الأحكام 271 س 36.
(2) التهذيب 10: 79، الحديث 75.
(3) الكافي 7: 255.
(4) تعليقة الوحيد البهبهاني على منهج المقال 186 س 11 (مخطوط).
134

وفي خبر آخر: لا يستحلف صاحب الحد (1).
وفي ثالث مروي في التهذيب في أواخر باب الزيادات من هذا الكتاب:
أن رجلا استعدى عليا (عليه السلام) على رجل فقال: إنه افترى علي، فقال للرجل:
فعلت ما فعلت؟ فقال: لا، فقال (عليه السلام) للمستعدي: ألك بينة؟ قال: فقال: مالي
بينة فأحلفه لي، فقال (عليه السلام): ما عليه يمين (2).
هذا، مضافا إلى الأصل، واختصاص ما دل من النص والفتوى على أن
اليمين على من أنكر بالمنكر لما عدا الحد من الحقوق المالية ونحوها مما
يستحقها المدعي لا الله تعالى، مع أنه سبحانه لم يأذن في الدعوى، بل
ظاهره الأمر بالستر والإخفاء والكف عن تتبع معايب الناس وكشفها، وقد
ورد تحريم الغيبة واتفق عليه أيضا، وحد المدعي عند عدم الشهود والأمر
بدرء الحدود بالشبهات، كما في المرسل المروي في الفقيه، قال: قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): إدرؤوا الحدود بالشبهات ولا شفاعة ولا كفالة ولا يمين في حد (3).
هذا إذا كانت الحدود حقا محضا لله تعالى كحد الزنا وشرب الخمر
ونحوهما.
ولو اشتركت بينه تعالى وبين الآدمي كحد القذف ففي سماع الدعوى بها
من المقذوف قولان، أحدهما - وهو الذي اختاره الشيخ في المبسوط - أنها
تسمع، ترجيحا لجانب حق الآدمي، وهو المقذوف، وفرع على قوله:
«بأنه لو ادعى عليه» بأنه زنى لزمه الإجابة عن دعواه ويستحلف على ذلك،
فإن حلف سقطت الدعوى ولزم القاذف الحد، وإن لم يحلف ردت اليمين
على القاذف فيحلف ويثبت الزنا في حقه بالنسبة إلى سقوط حد القذف،

(1) الوسائل 18: 335، الباب 24 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 2.
(2) التهذيب 6: 316، الحديث 75.
(3) الفقيه 4: 74، الحديث 5146.
135

ولا يحكم عليه بحد الزنا، لأن ذلك حق الله تعالى محض (1).
واستشكله الماتن في الشرائع (2) والفاضل في القواعد (3)، لعموم
قوله (عليه السلام): لا يمين في حد (4)، ويعضده خصوص ما مر من النصوص، ولا
ضعف فيه بإرسال، ولا غيره، كما عرفته.
هذا، مضافا إلى عموم ما دل على حد المفتري من الكتاب والسنة،
وثبوته قبل حلفه بالرد بهما، وبالإجماع، وسقوطه بحلف القاذف بعد رد
اليمين إليه غير معلوم فيستصحب.
فعدم السماع هنا أيضا أظهر، وفاقا للأكثر، بل عامة من وقفت على
كلامه ممن تأخر عدا الشهيد في الدروس، فقد استحسن قول الشيخ من
حيث تعلقه بحق الآدمي (5)، وحمل نفى اليمين في الخبر على ما إذا لم يتعلق
بحقه. وفيه نظر، يظهر وجهه مما مر.
(ولو ادعى الوارث لمورثه مالا) على غيره (سمعت دعواه) مطلقا
(سواء كان عليه) أي على المورث (دين يحيط بالتركة، أو لم يكن) بلا
خلاف ظاهر ولا محكي، حتى من القائل بعدم انتقال التركة إلى الوارث،
وأنها باقية على حكم مال الميت مع إحاطة الدين بها.
ولا إشكال فيه على القول بالانتقال، كما عليه الفاضل في جملة من
كتبه (6) وشيخنا الشهيد الثاني (7) وجمع ممن تبعه، لأنها على هذا التقدير

(1) المبسوط 8: 216.
(2) الشرائع 4: 91.
(3) القواعد 3: 446.
(4) الوسائل 18: 336، الباب 24 في أنه لا يمين في حد، الحديث 4.
(5) الدروس 2: 93.
(6) التحرير 2: 192 س 17.
(7) المسالك 13: 505.
136

ماله، فيسمع منه الدعوى على إثباته وإن منع عن التصرف فيها إلى أن
يوفى الدين إجماعا كما في الإيضاح (1) والمسالك (2)، عملا بالعمومات
أو الإطلاقات الدالة على سماع الدعوى من كل من يستحق المدعي فيها،
وحجره عن التصرف فيه إلى الوفاء غير مانع، كما أن حجره عنه في أمواله
المرهونة أو المحجور عليه فيها غير مانع عن سماع الدعوى فيها.
وأما على القول الآخر الذي عليه الشيخ في المبسوط والخلاف - كما
حكاه عنه في الدروس (3) - والماتن في الشرائع (4) والفاضل في بعض
كتبه (5)، بل الأكثر كما في المسالك (6) وغيره فوجهه - بعد الاتفاق عليه على
الظاهر - ما ذكروه من أن الوارث قائم مقام المورث، ومن ثم لو أبرأ الغريم
من الدين صارت التركة ملك الوارث فهو مالك لها بالقوة.
وعلى هذا فلو توجه اليمين مع الشاهد أو برد الغريم فالحالف هو
الوارث وإن كان المنتفع بالمال هو المدين، وفي هذا الوجه إشكال، والعمدة
هو الوفاق.
ويمكن أن يجعل وجها مرجحا للقول بالانتقال، مضافا إلى ما استدلوا
به من استحالة بقاء ملك بغير مالك، فإنه لا ينتقل إلى الديان إجماعا، كما
حكاه جماعة، والميت غير مالك فينحصر المالك في الوارث.
ولا ينافي هذه الأدلة الدالة على أن الإرث بعد الدين والوصية من
الكتاب والسنة، كقوله سبحانه: «من بعد وصية يوصى بها أو دين» (7)،

(1) الإيضاح 4: 343.
(2) المسالك 13: 505.
(3) الدروس 2: 94، المبسوط 8: 192 - 193، الخلاف 6: 282، المسألة 28.
(4) الشرائع 4: 92.
(5) لم نعثر عليه.
(6) المسالك 13: 61.
(7) النساء: 12.
137

والصحيح: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في دية المقتول أنه يرثها الورثة على
كتاب الله تعالى وسهامهم إذا لم يكن على المقتول دين (1)، لإمكان حملها
على الملك المستقر، ولكنه خلاف الظاهر.
وتظهر الفائدة في النماء المتخلل بين الوفاء وغيره دون حكم المسألة،
لما عرفته من الاتفاق عليه. ولا ريب في تعين هذا القول لو سلمت مقدمات
دليله الذي ذكرناه عنهم، وإلا فيمكن أن يكون تركة الميت كدية ما يجنى
عليه بعد موته، فإنها لا مالك لها، بل تصرف عنه في وجوه القرب، كما في
الصحيح (2)، وعليه الأكثر، بل في الغنية الإجماع عليه (3).
وحينذ فالأصح ما عليه الأكثر، عملا بظواهر أدلتهم المتقدمة، السليمة
عما يصلح للمعارضة.
(و) اعلم أنه يجوز عندنا للحاكم أن (يقضي بالشاهد) الواحد
(واليمين في الأموال والديون) مطلقا، وبالجملة ما يكون مالا أو يقصد منه
المال، كما في عبائر الأكثرين كالمفيد والشيخ في الاستبصار (4)
والمبسوط (5) والخلاف (6) والديلمي (7) والحلي (8)، قائلا: بأنه مذهب جميع
أصحابنا، وعليه عامة المتأخرين ومتأخريهم، وفي جملة من عبائرهم نفي
الخلاف عنه، أو دعوى الإجماع عليه.
خلافا للشيخ في النهاية (9) والتقي (10) وابن زهرة فخصوا القضاء بهما

(1) الوسائل 17: 293، الباب 10 من أبواب موانع الإرث، الحديث 1.
(2) الوسائل 19: 247، الباب 24 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
(3) الغنية 415.
(4) الاستبصار 3: 35، ذيل الحديث 10.
(5) المبسوط 8: 189.
(6) الخلاف 6: 254، المسألة 7.
(7) المراسم 233.
(8) السرائر 2: 140.
(9) النهاية 2: 63.
(10) الكافي في الفقه 438.
138

في الديون خاصة، وادعى الأخير عليه إجماع الإمامية (1).
ولا ريب في وهنه إن أراد بالدين معناه الأخص، إذ لم يذهب إليه عدا
الناقل ونادر، مع رجوع الشيخ عنه في كتبه الثلاثة، مدعيا عليه في الخلاف
الإجماع (2)، ومع ذلك معارض باجماع الحلي والشيخ نفسه في الخلاف
وغيره، المتقدم، المعتضد بما ذكرناه من عبائر الأكثرين، وأنه عليه عامة
المتأخرين، فلا إشكال في التعميم، سيما مع ما يظهر من الفاضل في
المختلف من نفي الخلاف فيه، حيث حمل الدين في كلام النهاية على المال
مطلقا (3)، بل ادعى الإجماع عليه في محل آخر (4)، وهو ظاهر في ورود
الدين بالمعنى العام الشامل له، بل يظهر من مجمع البحرين وروده لمطلق
الحقوق (5).
وعليه فيمكن حمل عبارة من عدا النهاية عليه أيضا، فيرتفع الخلاف،
ولعله لهذا لم يشر إلى الخلاف هنا أحد من الأصحاب، ويدل على العموم،
مضافا إلى إطلاق كثير من النصوص، وخصوص كثير من النصوص:
ففي الصحيح في الفقيه: لو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادة الرجل الواحد
إذا علم منه خيرا مع يمين الخصم في حقوق الناس، فأما ما كان من حقوق
الله تعالى ورؤية الهلال فلا (6).
وقريب منه النصوص الدالة على قضائه (عليه السلام) بهما في الحقوق، لكن بلفظ
الحق (7) المفرد، وهو يشمل الدين وغيره من الأموال.

(1) الغنية 439.
(2) الخلاف 6: 254، المسألة 7.
(3) المختلف 8: 521 - 477.
(4) المختلف 8: 521 - 477.
(5) مجمع البحرين 6: 253، مادة «دين».
(6) الفقيه 3: 54، الحديث 3319.
(7) الوسائل 18: 193، الباب 14 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 2.
139

والصحيح المتضمن لتخطئة علي (عليه السلام) شريحا في عدم قضائه بالشاهد
واليمين في دعواه لدرع طلحة مشهور وهو طويل، وقال في آخره: فغضب
علي (عليه السلام) وقال خذوها أي الدرع فإن هذا قضى بجور ثلاث مرات،
وجعل (عليه السلام) منها عدم اعتبار الشاهد واليمين، فقال: ثم أتيتك بالحسن فقلت:
هذا واحد ولا أقضي بشهادة رجل واحد حتى يكون معه آخر، وقد قضى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشهادة واحد ويمين (1).
وما يقال في تضعيف دلالته: من أنه (عليه السلام) إنما أنكر عليه قوله: «ولا
أقضي بشهادة واحد» حيث أطلق ذلك في كل موضع فأراد (عليه السلام) أن ينبهه
على خطئه، وأن هذا ليس بعام في سائر الحقوق، لأن فيها ما يقضي فيه
بشهادة واحد مع يمين صاحب الحق وهو الدين، فكان ينبغي أن يستثنيه ولا
يطلق القول إطلاقا. فلعله بعيد عن ظاهر سياق الرواية.
ولا يعارضها النصوص الدالة على كون متعلق قضاء النبي (صلى الله عليه وآله)
والأمير (عليه السلام) هو خصوص الدين.
كالصحيح: كان (صلى الله عليه وآله) يجيز في الدين شهادة رجل واحد ويمين صاحب
الدين ولا يجيز في الهلال إلا شاهدي عدل (2). ونحوه آخر: في قضاء
علي (3) (عليه السلام).
والموثق: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقضي بشاهد واحد ويمين صاحب الحق،
وذلك في الدين (4). ونحوه الخبر قضى (عليه السلام) بشهادة رجل واحد مع يمين
الطالب في الدين (5).
لضعف دلالة الصحيحين منها على عدم قضائه فيما عدا الدين، وما دل

(1) الوسائل 18: 193، الباب 14 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 6.
(2) الوسائل 18: 193، الباب 14 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1، 3، 11، 5، 10.
(3) الوسائل 18: 193، الباب 14 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1، 3، 11، 5، 10.
(4) الوسائل 18: 193، الباب 14 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1، 3، 11، 5، 10.
(5) الوسائل 18: 193، الباب 14 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1، 3، 11، 5، 10.
140

عليه منها ما بين قاصر أو ضعيف سندا، ومع ذلك فلا دلالة فيهما إلا على أن
قضاءه (عليه السلام) بذلك كان في الدين ولم يقض به في غيره، وهو أعم من عدم
جواز القضاء به فيه، فقد يجوز ولكن لم يتفق له (عليه السلام). فتأمل.
ومع ذلك فهما كالصحيحين قاصران عن المقاومة لما قدمناه من الأدلة
من الإجماعات المنقولة والنصوص الكثيرة، المعتضدة بالشهرة العظيمة، التي
هي الآن إجماع في الحقيقة، فلتطرح هذه الروايات على تقدير وضوح دلالتها،
أو تحمل على ما حمل عليه عبارة النهاية ومن ضارعه، كما فعله جماعة.
ومما ذكرنا ظهر المستند في حكم أصل المسألة مضافا إلى دعوى
الإجماع منا عليه في الجملة في المسالك (1) وغيره، ونفى عنه الخلاف
كذلك جماعة، والنصوص به - زيادة على ما قدمناه - مستفيضة، كادت تبلغ
مع ما مضى التواتر، بل لعلها مواترة.
هذا، مضافا إلى فحوى المعتبرة:
منها الصحيح: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أجاز شهادة النساء مع يمين الطالب في
الدين يحلف بالله تعالى أن حقه لحق (2).
والموثق (3) بل الصحيح - كما في الروضة (4) وغيره -: إذا شهد الطالب
الحق امرأتان ويمينه جائز (5).
وبمضمونهما أفتى أكثر الأصحاب وهو الأصح. خلافا للحلي (6)
والماتن، كما سيأتي مع التحقيق في المسألة في كتاب الشهادات إن شاء الله
تعالى.

(1) المسالك 13: 506.
(2) الوسائل 18: 198، الباب 15 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 3، 4، 1.
(3) الوسائل 18: 198، الباب 15 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 3، 4، 1.
(4) الروضة 3: 143.
(5) الوسائل 18: 198، الباب 15 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 3، 4، 1.
(6) السرائر 2: 138.
141

(ولا يقبل) الشاهد واليمين، ولا يقضى بهما (في غيره) أي غير ما
ذكر من المال، وما يقصد منه (مثل الهلال والحدود والطلاق) المجرد عن
المال (والقصاص) بلا خلاف، للأصل، مع اختصاص ما مر من الفتوى
والنص بقبولهما في المال، مع تصريح جملة من الثاني بالمنع عن قبولهما في
الأولين، وبعض منه، وإن دل على قبولهما في مطلق حقوق الناس الشامل
لنحو القصاص، سيما إذا قوبلت فيه بحقوق الله تعالى، إلا إن ظاهر الأصحاب
الإطباق على تقييده بالمال، ويشهد له أخبار اختصاص قضائهما صلى الله
عليهما وآلهما بهما في الديون خاصة، بعد حملها عليه. فلا إشكال في عدم
جواز القضاء بهما فيما عداه وإن كان يظهر من الكفاية نوع تردد له فيه (1)،
لولا الإجماع.
وفي قبولهما في النكاح والخلع والعتق بأقسامه والوقف خلاف. فبين
مانع عنه فيما عدا الأخير كالشيخ في المبسوط (2) والحلي في السرائر (3).
ومانع عنه في الأول، كالديلمي (4) والحلبي (5) وفخر الدين (6) وشيخنا
الشهيد الثاني في الروضة (7)، مدعيا هو كسابقه أنه الأشهر بين الطائفة، قالا:
لأن المقصود الذاتي منه الإحصان وإقامة السنة وكف النفس عن الحرام
والنسل، وأما المهر والنفقة فإنهما تابعان.
ومفصل فيه بين دعوى المرأة فالقبول، لتضمنها المهر والنفقة، ودعوى
الرجل فالمنع، للأصل كشيخنا في المسالك (8) وبعض من تبعه، وفاقا

(1) كفاية الأحكام 272 س 20.
(2) المبسوط 8: 189 - 190.
(3) السرائر 2: 142.
(4) المراسم 233.
(5) لم نجد التصريح به راجع الكافي في الفقه 438.
(6) الإيضاح 4: 348.
(7) الروضة 3: 102.
(8) المسالك 13: 512 - 513.
142

للفاضل في القواعد (1) والتحرير (2)، وفي الروضة أن القائل بالقبول مطلقا
غير معلوم (3).
ومتوقف فيه، كالماتن في الشرائع (4) والشهيد في الدروس (5).
ومانع عنه في الثاني، كالفاضل في الإرشاد (6) والتحرير (7)، والقواعد (8)
والشهيد في الدروس (9) واللمعة (10)، ونسبه في الروضة (11) إلى الأكثر،
واختار فيها وفي المسالك (12) التفصيل فيه بين دعوى المرأة فالمنع، لما مر،
ودعوى الرجل فالقبول، قال: فإن دعواه يتضمن المال وإن انضم إليه أمر
آخر، فينبغي القطع بثبوت المال، كما لو اشتملت الدعوى على الأمرين في
غيره كالسرقة، فإنهم قطعوا بثبوت المال. وهذا قوي، وجزم به في
الدروس (13).
ومانع عنه في الثالث، وهو المشهور كما في المسالك (14) والروضة (15)،
قال: لتضمنه إثبات الحرية، وهي ليست بمال، وقيل: يثبت بهما (16)، لتضمنه
المال من حيث إن العبد مال للمولى فهو يدعي زوال المالية، وظاهر اللمعة
عدم الخلاف في المنع عن القبول في التدبير والكتابة، وبذلك صرح في
الروضة فقال: وظاهره عدم الخلاف فيهما، مع أن البحث آت فيهما، وفي
الدروس ما يدل على أنه بحكم العتق لكن لم يصرحوا بالخلاف، فلذا

(1) القواعد 3: 449.
(2) التحرير 2: 192 س 30.
(3) الروضة 3: 102 - 99.
(4) الشرائع 4: 92.
(5) الدروس 2: 97.
(6) الإرشاد 2: 162.
(7) التحرير 2: 192 س 30.
(8) القواعد 3: 449.
(9) الدروس 2: 97.
(10) اللمعة 55.
(11) الروضة 3: 102 - 99.
(12) المسالك 13: 513.
(14) المسالك 13: 513.
(13) الدروس 2: 97.
(15) الروضة 3: 100.
(16) التحرير 2: 82 س 24.
143

أفردها (1) انتهى. واختلف كلام الفاضل في التحرير (2) والقواعد (3)، ففي
كتاب العتق والتدبير قطع بثبوتهما بهما من غير نقل خلاف، وفي هذا الباب
منه قطع بعدم ثبوتهما بهما كذلك، وتوقف في الدروس مقتصرا على نقل
القولين (4).
ومانع عنه في الرابع، إما مطلقا كالشيخ في الخلاف (5)، أو مع عدم
انحصار الموقوف عليه كالشهيدين في الدروس (6) والمسالك (7) وغيرهما،
وقاض بهما مطلقا كالشيخ في المبسوط (8) والحلي في السرائر (9)
والحلبي (10) والفاضل في القواعد (11) وغيرهم.
ومبنى الخلاف عندهم على أنه هل ينتقل ملك الوقف إلى الموقوف
عليه، أم إلى الله عز وجل، أما الأول مع الانحصار، والثاني مع عدمه، أو يبقى
على ملك الواقف؟ أقوال، والأكثر على الأول، بل جعله الأولان مقتضى
المذهب (12)، ونسبه الأخيران إلينا، معللين مختارهم هنا بذلك، فقالا: لأنه
عندنا ينتقل إلى الموقوف عليه (13).
وظاهرهم كما ترى دعوى الإجماع عليه، ويفهم أيضا من ابن زهرة في
الغنية في كتاب الوقف (14)، بل ادعى على خروجه عن ملك الواقف إجماع
الإمامية كالشيخ في الخلاف (15). وهذا هو الأظهر، للإجماعات المنقولة حد

(1) الروضة 3: 100.
(2) التحرير 2: 192 س 31.
(3) القواعد 3: 449.
(4) الدروس 2: 97.
(5) الخلاف 6: 280، المسألة 25.
(6) الدروس 2: 97.
(7) المسالك 13: 515.
(8) المبسوط 8: 190.
(9) السرائر 2: 142.
(10) لم نعثر عليه.
(11) القواعد 3: 449.
(12) المبسوط 8: 190.
(13) القواعد 3: 449.
(14) الغنية 298.
(15) الخلاف 3: 539، المسألة 3.
144

الاستفاضة، مضافا إلى ما استدلوا عليه - زيادة على ذلك - من أنه مال لا بد
له من مالك، واختصاص الموقوف عليه به دون غيره دليل على أنه المالك،
وكذا جميع أحكام الملك، والامتناع عن نقله لا يخرج عن ملكيته كأم الولد
والأموال المرهونة، وأنه قد يجوز بيعه في بعض الأحوال عند علمائنا، وإنما
يجوز لو كان ملكا له، وأنه يضمن باليد والقيمة. فلا ريب في جواز القضاء
بهما في هذا.
ويبقى الكلام في الجواز فيما تقدمه، وثبوته فيه مطلقا غير بعيد، لإطلاق
جملة من النصوص المتقدمة، وعموم بعضها بثبوت حقوق الناس بهما، وهو
يشمل ما نحن فيه جدا. ويقتصر في تخصيصه بالمال على الإجماع المفيد
له، وليس في محل البحث، لمكان الخلاف، وإلى هذا يميل في الكفاية (1).
وفيه نظر، لظهور الإجماع من تتبع الفتاوى، ودعواه في كلامهم على
التخصيص المزبور كليا. ولا ينافيه الخلاف هنا بعد ظهور كلمات القاضي
بهما في محله في أن الباعث له على ذلك إنما هو دعواه كون المتعلق مالا
- ولو مآلا -، وهو صريح في عدم الخروج عن مقتضى التخصيص المجمع
عليه، بل التزام به منه.
وحينئذ فلا بد من تحقيق معنى تعلق الدعوى بالمال الموجب لقبول
القضاء بهما هل هو التعلق المقصود بالذات من الدعوى، أو مطلق التعلق ولو
بالاستتباع؟ والذي يقتضيه النظر في كلماتهم أن المراد به إنما هو الأول، ولذا
لم يثبت بهما النسب والرجعة بلا خلاف أجده، بل عليه الوفاق في المسالك،
مع أنهما يستتبعان المال من النفقة ونحوها بلا شبهة.
وحينئذ فالأقوى في النكاح عدم القبول مطلقا، كما مضى في كلام

(1) كفاية الأحكام 272 س 20.
145

شيخنا الشهيد الثاني; مضافا إلى الأصل المعتضد بالشهرة. وكذا في الخلع،
لكن على التفصيل المتقدم في كلامه، لما ذكره ولي في الثالث توقف، ولكن
الأصل يقتضي العدم، مع كونه أشهر.
(ويشترط) تقديم (شهادة الشاهد) الواحد وإقامتها (أولا، و) كذا
(تعديله) قبل اليمين ثم الإتيان بها (ولو) عكس ف‍ (بدأ باليمين) قبل
الشهادة أو التعديل (وقعت لاغية، ويفتقر إلى إعادتها بعد الإقامة)
للشهادة، كما هنا وفي الشرائع (1) والسرائر (2) والتحرير (3) والقواعد (4)
واللمعتين (5) والدروس (6) والمسالك، وعلل الحكم فيه بأن وظيفة المدعي
بالأصالة إنما هو البينة واليمين تتميم لها بالنص، ثم حكى الخلاف فيه عن
بعض العامة، وهو ظاهر في عدم الخلاف فيه بيننا (7)، ولذا نسبه في المفاتيح
إلينا (8).
فلو تم إجماعا، وإلا فللنظر فيه مجال، وفاقا للكفاية (9)، لضعف التعليل،
وإطلاق النصوص وكثير من الفتاوى. وإن أمكن الذب عنه بعدم العبرة به في
أمثال ما نحن فيه أولا: بوروده، لبيان حكم آخر غير ما نحن فيه، وثانيا:
بتبادر التقديم منه، سيما مع اشتماله على التقديم الذكري.
وحينئذ فالوقوف مع الأصل يقتضي المصير إلى ما ذكروه، أخذا بالمتيقن،
والتفاتا إلى ظهور الإجماع مما مر من العبائر، ومن حال الحلي وطريقته،
حيث لم يستند في فتاويه إلا على الإجماع ونحوه من الأصول القطعية.

(1) الشرائع 4: 92.
(2) السرائر 2: 141.
(3) التحرير 2: 193 س 2.
(4) القواعد 3: 449.
(5) اللمعة والروضة 3: 102.
(6) الدروس 2: 98.
(7) المسالك 13: 509 - 510.
(8) مفاتيح الشرائع 3: 264.
(9) كفاية الأحكام 272 س 11.
146

(ولا يحلف مع عدم العلم) بما يحلف عليه، لأن الحلف من شرطه
الجزم به، وهو يتوقف على العلم بكونه حقا له، على وجه يتميز عن غيره
وإن لم يعلمه مفصلا، فلا يجوز له الحلف بقول الشاهد، ولا بما يجده مكتوبا
بخطه أو بخط مورثه وإن أمن التزوير ما لم يحصل العلم.
(ولا يثبت مال غيره) فلو ادعى غريم الميت مالا له على آخر مع
شاهد، فإن حلف الوارث ثبت، وإن امتنع لم يحلف الغريم ولا يجبر الوارث
عليه. وكذا لو ادعى المرتهن رهنا وأقام شاهدا واحدا أنه للراهن لم يحلف،
لأن يمينه لإثبات مال الغير فلم يجز بلا خلاف فيه وفي السابق، بل ظاهر
المسالك (1) وغيره كونه مجمعا عليه بيننا. والأصل فيه بعده الأصل، مع عدم
ما يدل على ثبوت الحق بيمين غير المستحق عدا إطلاق بعض النصوص.
وفي شموله لنحو محل البحث نظر، لنظير ما مر قريبا من التبادر وغيره.
فتدبر. فلا وجه للتأمل منه، كما اتفق فيه لبعض من تأخر.
وهنا (مسألتان):
(الأولى لا): يجوز أن (يحكم الحاكم بإخبار حاكم (2) آخر) أي لا
يمضي ولا ينفذ حكمه في واقعة إذا أنهاه إليه بإخباره (ولا بالبينة بثبوت
الحكم) المزبور (عند غيره) وهو الحاكم الآخر، ولو اكتفى بالضمير
وأسقط المضاف كان أخصر وأوضح، ولا بكتابة إليه مطلقا إجماعا في
الثلاثة لو كان المحكوم به شيئا من حقوق الله سبحانه، لبنائها على التخفيف،
ولزوم درئها بالشبهة، وعدم ثبوتها بالإقرار ولو في الجملة.
وكذا لو كان من حقوق الناس في الإنهاء بالكتابة بلا خلاف أجده

(1) المسالك 13: 516.
(2) في المختصر النافع: لحاكم.
147

إلا من الإسكافي، فأوجب الإنفاذ بها على الحاكم الثاني (1). وهو شاذ،
بل على خلافه الإجماع في كثير من الكتب، كالسرائر (2) والتحرير (3)
والمختلف (4) والقواعد (5) وغيرها من كتب الأصحاب وهو الحجة على
ضعفه، ولا يقدح فيها خروجه، لمعلومية نسبه.
مضافا إلى الخبرين: أن عليا (عليه السلام) كان لا يجيز كتاب قاض إلى قاض في
حد، ولا غيره، حتى وليت بنو أمية فأجازوا بالبينات (6).
وضعفهما منجبر بالشهرة العظيمة، والإجماعات المحكية، والأدلة
القاطعة من الكتاب (7) والسنة (8)، المانعة عن العمل بالمظنة، بناء على أن
الكتابة لا تورث العلم، لاحتمالها التزوير فيها أو عبث الكاتب بها، وعدم
قصده ما فيها. فلا ريب في ضعف ما اختاره وإن مال إليه بعض متأخر
متأخري الطائفة.
قائلا: إنه قد يحصل الظن المتاخم للعلم أقوى من الذي حصل من
الشاهدين، بل العلم بالأمن من التزوير، وأنه كتب قصدا لا غير، فإذا ثبت
بأي وجه كان مثل الخبر المحفوف بالقرائن المفيدة للعلم بأن القاضي الفلاني
الذي حكمه مقبول حكم بكذا يجب إنفاذه وإجراؤه من غير توقف، ويكون
ذلك مقصود ابن الجنيد، ويمكن أن لا ينازعه أحد، ويكون مقصود الباقي
المنع في غير تلك الصور، بل الصورة التي لم تكن مأمونة من التزوير،
وعلى تقديره لم يكن معلوما كونه مكتوبا قصدا، ولهذا يجوز العمل

(1) المختلف 8: 428 - 429.
(2) السرائر 2: 176.
(3) التحرير 2: 188 س 3.
(4) المختلف 8: 428 - 429.
(5) القواعد 3: 456.
(6) الوسائل 18: 218، الباب 28 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1 وذيله.
(7) الحجرات: 13.
(8) الوسائل 18: 20، الباب 6 من أبواب صفات القاضي.
148

بالمكاتبة في الرواية، وأخذ المسألة والعلم والحديث من الكتاب الصحيح
عند الشيخ المعتمد، كما جوزوه في الأصول لنقل الحديث، انتهى (1).
وفيه نظر، لأن ذلك فرع قيام دليل قاطع على جواز العمل بالظن مطلقا،
ولم نجده في نحو محل البحث مما يتعلق بموضوعات الأحكام، التي لم
تتوقف عليها مطلقا ولو كان الظن للعلم متاخما.
ومجرد كون الظن بالكتابة أقوى من الظن الحاصل من شهادة الشاهدين
لا يوجب قطعيته ولا حجيته إلا على تقدير أن يكون حجيتها من حيث
إفادتها المظنة، وهو ممنوع بل كلمة القائلين بحجيتها وسماعها هنا مطبقة
على أنها من جهة الأدلة الأربعة، التي سيأتي ذكرها، وهي أدلة قاطعة أو
ظنية ظنا مخصوصا مجمعا عليه، ومثلها لم يقم على اعتبار ظن الكتابة، بعد
إمكان دفع الضرورة، التي هي الأصل في تلك الأدلة بالإشهاد على الحكم
وإقامة البينة، وإنفاذ الحاكم الثاني الحكم بها.
وبالجملة لو كان السبب لاعتبار شهادة الشاهدين هو إفادتها المظنة
أمكن ما ذكره، أما لو كان قضاء الضرورة وغيره مما هو كالدليل القاطع
فلا وجه له ولا لقياس الكتابة بالشهادة، ولا بالاكتفاء بالرواية المكاتبة،
وأخذ المسألة ونحوهما مما ذكره، لأن مستند الاكتفاء بهذه الأمور المعدودة
في نحو الأحكام الشرعية إنما هو من حيث قضاء الضرورة، وانسداد باب
العلم بها بالكلية، وعدم إمكان تحصيلها إلا بالمظنة، وإن عدم اعتبارها
حينئذ يوجب إما الخروج من التكليف، أو التكليف بما لا يطاق، وهما
ممتنعان قطعا عقلا وشرعا، وهذا السبب يختص بها دون ما نحن فيه مما

(1) مجمع الفائدة 12: 209.
149

لم ينسد فيه باب العلم، ويمكن تحصيله فيجب فيه تحصيل القطع، فإن
حصل، وإلا فيرجع إلى الأصل.
وهذا طريق قطعي لا ينكر، مسلم عند الكل، حتى هذا القائل.
ويضعف قياس الكتابة هنا بها في الرواية زيادة على ذلك أنه لو صح لزم
اعتبارها هنا مطلقا ولو لم يفد الظن الأقوى، بل ولو أفاد ظنا ما كفى،
للاكتفاء به في الرواية المكاتبة عند القائل بحجيتها إن لم يحصل لها معارض
أقوى.
فما ذكره من التقييد بالظن الأقوى أو المتاخم لا وجه له أصلا، بل ينبغي
أن يطلق اعتبار الكتابة، كما هو ظاهر الإسكافي والأصحاب، الرادين عليه
في المسألة.
هذا، وفي كلامه مناقشات أخر يطول الكلام بذكرها، وإنما المهم مما
يرد عليه هو ما ذكرنا. وكذا في الإنهاء بالبينة بمجردها من غير أن يشهدها
الحاكم الأول على حكمه في الواقعة، بلا خلاف أجده من الأصحاب كافة.
نعم احتمل الإنفاذ بها مطلقا البعض المتقدم إليه الإشارة، معللا بما يرجع
حاصله إلى عدم تعقل مدخليته للإشهاد في اعتبارها، مع كونه داخلا في
عموم الأدلة الآتية، التي عمدتها قضاء الضرورة ومسيس الحاجة إلى الإنفاذ
بالبينة. وهو حسن لولا عدم الخلاف في عدم الإنفاذ بها هنا، مع احتمال أن
يمنع الدخول في العموم، بناء على أن مسيس الحاجة إنما يبيح الاكتفاء
بالشيء لو لم يتصور اندفاعها إلا به، وهي تندفع بالبينة التي أشهدها الحاكم،
فلا وجه للاكتفاء بغيرها، بل الأصل الناهي عن العمل بالظن مع عدم مخرج
عنه في محل البحث يقتضي المصير إلى ما ذكروه.
ومحصله وجوب استناد الحكم إلى القطع، إلا حيثما لا يمكن مع
150

مسيس الحاجة إليه، فيجب تحصيل الأقرب إليه، وليس إلا المتفق عليه.
وإلى هذا الأصل يشير كلام كثير في هذا البحث. ولا ريب في قوته ومتانته.
وأما عدم الإنفاذ بإخبار الحاكم فمحل خلاف بين الأصحاب، فبين
مختار له كظاهر إطلاق المتن ونص الخلاف (1)، ومختار للإنفاذ كالفاضل في
القواعد (2) والإرشاد (3) والشهيدين في الدروس (4) والمسالك (5)، ومتردد
فيه كالماتن في الشرائع (6) والفاضل في التحرير (7)، ينشأ من الأصل
المتقدم، المعبر عنه في كلامهم بأنه حكم من الثاني بغير علم، وقد نهى الله
عنه، خرج منه ما دل عليه دليل من خارج، فيبقى الباقي على الأصل.
ومما سيأتي إن شاء الله تعالى من جوازه، مع الشهادة على حكمه، فمع
مشافهته أولى.
وفيه نظر، إذ المشافهة الموجبة للأولوية إنما هي مشافهة حكمه الذي
هو متعلق الشهادة، لا مشافهة إخباره به، فإن الأولوية هنا غير واضحة.
ولعله إلى هذا يشير كلام بعض الأجلة، حيث قال في منعها: فإن الغرض من
الشهود إثبات حكم الحاكم لا إقراره به، وليس إثباته بقول الحاكم أقوى من
إثباته بشاهدين عدلين، إذ هما عدلان وهو عدل واحد، وقول العدلين حجة
دون الواحد، انتهى (8).
ولكنه خلاف الإنصاف، وكل من منع هنا يلزمه المنع عن الإنفاذ بالبينة
التي أشهدها الحاكم مع عدم حضورها مجلس الحكم والدعوى بطريق أولى.

(1) الخلاف 6: 244، المسألة 42.
(2) القواعد 3: 457.
(3) الإرشاد 2: 148.
(4) الدروس 2: 92.
(5) المسالك 14: 17.
(6) الشرائع 4: 96.
(7) التحرير 2: 188 س 6.
(8) مجمع الفائدة 12: 211.
151

وفي قبولها على القول الآخر إشكال، لكنه ظاهر كل من قال به ممن مر،
ونسبه في المسالك إلى الأكثر (1)، بعد أن اختاره بأدلة، منها أن الأدلة الآتية
الدالة على تسويغ أصل هذا الإنفاذ آتية في هذه الصورة.
وفيه مناقشة تقدم إلى وجهها الإشارة، مع أنه لو شملت الأدلة الآتية
هذه الصورة لشملت صورة ما إذا لم يشهدها الحاكم البينة، كما احتمله
البعض المتقدم إليه الإشارة. فما هو الجواب عن هذا فهو الجواب عما ذكره.
فتأمل.
وكيف كان الاحتياط في المقامين يقتضي المصير إلى العدم، سيما في
الثاني، عملا بالأصل، واقتصارا على المتيقن.
(نعم لو حكم) الحاكم الأول (بين الخصوم وأثبت الحكم وأشهد
على نفسه) وحكمه شاهدين عدلين حضر الدعوى وسمعاها وإقامة شهادة
الشاهدين على المدعى وحكم الحاكم (فشهد الشاهدان بحكمه عند آخر
وجب على) الحاكم (المشهود عنده إنفاذ ذلك الحكم) على الأظهر
الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، وبه صرح جمع، معربين عن دعوى إجماعهم
عليه. وهو الحجة; مضافا إلى ما ذكروه من مسيس الحاجة في إثبات
الحقوق، مع تباعد الغرماء، وتعذر نقل الشهود من البلاد المتباعدة أو تعسرها،
وعدم مساعدة شهود الفرع أيضا على النقل، والشهادة الثالثة غير مسموعة.
وأما الشهادة على الحكم فهي بمنزلة الثانية، فتكون مسموعة، وأنها
لو لم نشرع لبطلت الحجج، مع تطاول المدة، ولأدى إلى استمرار الخصومة
في الواقعة الواحدة، بأن يرافعه المحكوم عليه إلى آخر، وأن الغريمين
لو تصادقا أن حاكما حكم عليهما ألزمهما الحاكم ما حكم به الأول إجماعا

(1) المسالك 14: 14.
152

في الظاهر المصرح به في بعض العبائر، فكذا إذا قامت البينة، لأنها تثبت
ما لو أقر الغريم به لزم.
هذا، مع أن القائل بالمنع هنا غير معروف وإن حكاه الأصحاب في
كتبهم، ويظهر من المختلف أنه جماعة، لكنه قال: وربما منع من ذلك جماعة
من علمائنا (1). وفيه نوع إيماء إلى عدم قطعه بمخالفتهم، وحجتهم مع ذلك
غير واضحة، عدا الأصل المخصص بما مر من الأدلة، وما يستفاد من الماتن
في الشرائع وغيره من فتوى الأصحاب بأنه لا يجوز كتاب قاض إلى قاض
ولا العمل به (2)، والخبرين المتقدمين، وضعفهما ظاهر، لاختصاصهما بغير
محل النزاع، وهو المنع من كتاب قاض إلى قاض، وإجازة العمل به، ونحن
نقول به.
نعم ربما كان في ذيل الخبرين ما يعرب عن المنع عن كتاب قاض إلى
قاض مطلقا ولو كان مع البينة.
لكن ضعفهما سندا وعدم جابر لهما هنا، مع عدم مقاومتهما لشئ من
الأدلة التي قدمناها يضعف الاستناد إليهما، سيما مع عدم صراحة دلالتهما،
بل ولا ظهورهما في المنع عن العمل بالبينة مطلقا، حتى التي نحن نقول بها،
إذ البينة التي أجازته بنو أمية، لعلها كانت البينة على صحة الكتابة لا على
الحكم، أو عليه لكن من دون شرائطه المتقدمة.
(الثانية): في بيان أحكام (القسمة) وإنما ذكرت في كتب أكثر
الأصحاب هنا مع أنها بكتاب الشركة أنسب لأن القاضي لا يستغني عن
القسام للحاجة إلى قسمة الشركاء بل القسام كالحكام.
والأصل في شرعيتها الإجماع، بل الضرورة، والكتاب، والسنة.

(1) المختلف 8: 429.
(2) الشرائع 4: 97.
153

قال الله تعالى: «وإذا حضر القسمة أولوا القربى» (1) الآية.
وفي اخرى: «ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر» (2).
وفعلها النبي (صلى الله عليه وآله) فقد قسم خيبر على ثمانية عشر سهما (3) وقال:
الشفعة فيما لا تقسم فإذا رفعت الحدود وعرف الطرق فلا شفعة (4).
وروي أنه كان لعلي (عليه السلام) قاسم يقال له عبد الله بن يحيى، وكان يرزقه من
بيت المال (5).
ولذا أفتى الأصحاب باستحباب أو وجوب أن يتخذ الإمام قاسما، وأن
رزقه من بيت المال، مع أن الحاجة تدعو إليها، إذ قد يتبرم الشركاء أو بعضهم
بالمشاركة، أو يريدون الاستبداد بالتصرف، والناس مسلطون على أموالهم.
وهي عندنا على الظاهر المصرح به في جملة من العبائر مجرد (تمييز
الحقوق) والأنصباء بعضها عن بعض، وليست بيعا وإن اشتملت على رد،
لعدم افتقارها إلى صيغة، وقبولها الإجبار، وتقدر أحد النصيبين بقدر الآخر،
والبيع ليس فيه شئ من ذلك. واختلاف اللوازم يدل على اختلاف
الملزومات، واشتراك كل جزء يفرض قبلها بينهما. واختصاص كل واحد
بجزء معين وإزالة ملك الآخر بعدها بعوض مقدر بالتراضي ليس حد البيع
حتى تدل عليه.
وتظهر الفائدة في عدم ثبوت الشفعة للشريك بها، وعدم بطلانها
بالتفرق قبل القبض فيما يعتبر فيه التقابض في البيع، وعدم خيار المجلس
وقسمة الوقف من المطلق، وغير ذلك.

(1) النساء: 8.
(2) القمر: 28.
(3) سنن البيهقي 10: 132.
(4) سنن البيهقي 6: 102.
(5) المبسوط 8: 133.
154

(ولا يشترط حضور قاسم) من قبل الحاكم، بل ولا من قبلهما في
صحتها ولزومها، بلا خلاف، لأن المقصود وصول كل حق إلى صاحبه، فإذا
حصل من الشركاء كفى (بل هو أحوط) لأنه أبعد من التنازع، خصوصا
إذا كان من قبل الإمام (عليه السلام)، فإنه كالحاكم يقطع التنازع بين المتقاسمين.
(وإذا عدلت السهام) بالأجزاء في متساويها كيلا أو وزنا أو ذرعا
أو عدا بعدد الأنصباء أو بالقيمة في مختلفها كالأرض والحيوان وغيرهما
(كفت القرعة في تحقق القسمة) ولزومها بلا خلاف فيما لو كان القاسم من
قبل الإمام، قالوا: لأن قرعته بمنزلة حكمه، ولذا يشترط فيه العدالة
والمعرفة، فلا يعتبر رضاهما بعدها.
وأما لو تراضيا بقاسم أو تقاسما بأنفسهما بالتعديل والإقراع ففي كفايتها
عن الرضا هنا أيضا مطلقا، أم لا بد من اعتباره بعدها كذلك، أم الثاني إن كان
قسمة رد، وإلا فالأول، أقوال:
خيرها أوسطها، وفاقا للشيخ (1) والفاضل في التحرير (2) اقتصارا فيما
خالف الأصل الدال على عدم اللزوم، وبقاء الشركة بحالها على المتيقن من
الفتاوى، وليس إلا اللزوم بقسمة قاسم الإمام أو غيره، مع الرضا بعد القرعة
لا مطلقا.
خلافا لإطلاق العبارة، بل ظاهرها وصريح جماعة، كالفاضل في
الإرشاد (3) والقواعد (4) فالأول، بل قال في الأخير بالاكتفاء بالرضا ولو من
غير قرعة، وتبعه الشهيدان في المسالك واللمعة (5). قيل: لصدق القسمة

(1) المبسوط 8: 148.
(2) التحرير 2: 202 س 13.
(3) الإرشاد 1: 435.
(4) القواعد 3: 460.
(5) المسالك 14: 26، اللمعة: 53.
155

مع التراضي الموجبة لتمييز الحق (1).
وهو حسن، لورود نص معتبر بلزوم القسمة بقول مطلق، ولم أجده، وبه
صرح أيضا في الكفاية (2). فدعوى إيجابها التمييز مطلقا مع مخالفته الأصل
محل نظر.
وبالجملة يجب الوقوف في كل حكم مخالف للأصل لم يرد به النص،
بحيث يقتضيه، خصوصا أو عموما على المتفق عليه المتيقن.
وإلى ما ذكرناه يشير كلام فخر الإسلام في منع ما استدل به والده
لمختاره من أن القرعة سبب التعيين، حيث قال: إن القرعة إنما تعين بحكم
الحاكم أو تراضيهما بعدها، أما لا مع أحدهما فنمنع أنها سبب التعيين،
لأصالة بقاء الشركة (3). وظاهره حيث اقتصر على المنع ولم يرده قبوله.
وللدروس (4) والروضة (5) فالثالث. ولعل مستنده الجمع بين الدليلين
وهو ضعيف في الغاية، لعموم مقتضاهما بلا شبهة، ولا شاهد على الجمع من
إجماع أو رواية.
هذا، ويظهر من فخر الإسلام (6) والفاضل المقداد (7) عدم الإشكال بل
والخلاف في اعتبار الرضا في قسمة الرد، حيث قالا بعد ذكر وجهي القولين
بالاكتفاء والعدم، وهذا البحث إنما هو في القسمة التي لا تشتمل على رد.
وأما إن اشتملت على رد فلا بد من التراضي، كما في الابتداء، وكل
قسمة يعتبر فيها التراضي بعد القرعة لا بد في التراضي من ذكر القسمة، كأن
يقول: رضيت بها.
(و) اعلم أن (كل ما يتساوى أجزاؤه) وصفا وقيمة ويعبر عنه

(1) اللمعة 53.
(2) كفاية الأحكام 273 س 11.
(3) الإيضاح 4: 369.
(4) الدروس 2: 117.
(5) الروضة 3: 119.
(6) الإيضاح 4: 369.
(7) التنقيح 4: 263.
156

بالمثلي لو التمس أحد المتشاركين فيه القسمة وامتنع عنها الآخر (يجبر
الممتنع على قسمته) جامدا كان (كالحنطة والشعير) ونحوهما من
الحبوب والثمار، أو مائعا كالخلول والعسل والسمن والأدهان (وكذا)
يجبر على قسمة القيمي وهو كل (ما لا يتساوى أجزاؤه إذا لم يكن في
القسمة ضرر) ولا رد (ك‍) الدار المتفقة الأبنية و (الأرض) المتشابهة
الأجزاء (والخشب) وغير ذلك.
ولا خلاف في دخول الإجبار في جميع ذلك على الظاهر المصرح به
في الكفاية (1) ويظهر من غيره، لأن للإنسان ولاية الانتفاع بماله والانفراد
أكمل نفعا، ويسمى قسمة إجبار.
(و) أما (مع الضرر) أو الرد ف‍ (لا يجبر الممتنع) على القسمة إن
لزمه أحدهما بلا خلاف فيه أيضا على الظاهر المصرح به في الكتاب
المتقدم، إذا لا ضرر ولا إضرار، والرد معاوضة محضة يستدعي التراضي،
ويسمى قسمة تراض.
والتعليل الأخير وإن اقتضى منع دخول الإجبار في أصل القسمة
لتضمنها شبه المعاوضة - بل نفسها وإن كانت معاوضة على حده لا بيعا ولا
غيره - إلا أنه خارج بعدم الخلاف فيه كما مر، بل الإجماع كما يظهر من
بعض من تأخر (2).
ولو لزمهما الضرر معا أو الملتمس خاصة وكان طلب القسمة معه
يوجب سفها لم يجبر الممتنع أيضا، بل لم يجز له ولا للحاكم الإجابة
بلا خلاف أجده. ووجهه واضح، تقدم هو وبعض ما يتعلق بالمقام من تحقق
الضرر والاختلافات فيه وغيره.

(1) كفاية الأحكام: 273 س 13.
(2) كفاية الأحكام 273 س 20.
157

(النظر الرابع)
(في) بيان (الدعوى) وما يتعلق بها
(وهي تستدعي) أن نذكر هنا (فصولا) ثلاثة:
(الأول في) بيان (المدعي)
(و) قد اختلف الفقهاء في تفسيره. فقيل: إنه (هو الذي يترك) ويخلى
سبيله (لو ترك الخصومة) ولم يطالب بشئ. (وقيل): إنه (الذي يدعي
خلاف الأصل أو أمرا خفيا) خلاف الظاهر، ويقابله المنكر على التعريفين.
وظاهر العبارة هنا وفي الشرائع (1) والقواعد (2) والروضة (3) انحصار
الخلاف في قولين، وحكي التصريح به عن عميد الرؤساء في شرح القواعد،
فقال: وقد اختلف عبارة الفقهاء في ذلك على قولين حكاهما المصنف وكذا
الشيخ نجم الدين في الشرائع (4). وهو ظاهر التنقيح (5).
ولكن الظاهر من باقي الأصحاب كفخر الدين (6) والشهيد في الدروس (7)

(1) الشرائع 4: 106.
(2) القواعد 3: 436.
(3) الروضة 3: 76.
(4) كنز الفوائد 3: 471.
(5) التنقيح 4: 266.
(6) الإيضاح 4: 323.
(7) الدروس 2: 83.
158

والمهذب (1) والصيمري (2) وشيخنا في المسالك (3) وجملة ممن تبعه بل
صريحهم أن الأقوال في المسألة ثلاثة، ثالثها: المعطوف ب‍ «أو» في العبارة
خاصة في مقابل الثاني، وهو المعطوف عليه خاصة، وربما ينسب إلى فخر
الدين جعله هو المعطوف مع المعطوف عليه مرددا بينهما كما في العبارة،
ولم أجده في الإيضاح، ولو صحت النسبة كان الفرق بين القولين حينئذ
انحصار الدعوى في مخالف الظاهر على الثاني، وثبوتها بمخالفة الأصل
أيضا على الأول.
فظهر فساد توهم اتحادهما، لتواردهما على ثبوت الدعوى بمخالفة
الظاهر، فلا شهادة في كلام الفخر من هذه الجهة على انحصار الخلاف في
القولين، مع أنه صرح سابقا بما قدمنا إليه الإشارة.
وكيف كان القائل بالأول معروف، وهو الماتن هنا وفي الشرائع (4)
والشهيدان في اللمعتين (5) وغيرهم، ولعله المشهور. والقائل بغيره مطلقا غير
معروف، وإنما ذكره الأصحاب قولا ولم يسموا له قائلا، ومع ذلك لم يختاروا
عدا ما ذكرنا من الأقوال شيئا، ولم يذكروا لشئ منها دليلا.
والتحقيق في مثله يقتضي الرجوع إلى العرف واللغة، لأنهما المحكمان
فيما لم يرد به نص في الشريعة.
فنقول: الدعوى لغة الطلب، كما صرح به جماعة كفخر الدين في
الإيضاح (6) وشارحي الكتاب المهذب (7) والتنقيح (8)، ولعل القول الأول

(1) المهذب البارع 4: 482.
(2) غاية المرام 186 س 17 (مخطوط).
(3) المسالك 14: 59.
(4) الشرائع 4: 106.
(5) اللمعة والروضة 3: 76.
(6) الإيضاح 4: 323.
(7) المهذب البارع 4: 482.
(8) التنقيح 4: 266.
159

أنسب به وإن كان أعم منه، ولعل العرف يساعده أيضا، بل ربما يساعد
الثاني كما أشار إليه المقدس الأردبيلي (رحمه الله)، فقال: الحق معناه الأول وقريب
منه الثاني، لأنه المتبادر عرفا من المدعي، فيحمل عليه، لما تقرر من أنه إذا
لم يكن للفظ حقيقة شرعية يحمل على العرفي (1).
هذا، وأثر الاختلاف هين، إذ لا يختلف موجبه غالبا، كما إذا طالب زيد
عمروا بدين في ذمته أو عين في يده فأنكر فزيد لو سكت ترك، ويخالف
قوله الأصل، لأصالة براءة ذمة عمرو من الدين، وعدم تعلق حق زيد بالعين،
قالوا: ويخالف قوله الظاهر من براءة عمرو. وهو حسن مع قيام أمارات على
براءته توجب ظهورها، وإلا فظهورها ليس إلا من جهة الأصل، ولعله غير
الظهور المدعى هنا فلا يقابل به.
وكيف كان عمرو منكر على جميع التقادير، إذ لا يترك «وسكوته»،
ويوافق الأصل والظاهر على ما قالوه قوله: وقد يختلف، كما إذا أسلم
زوجان قبل الدخول فقال الزوج: أسلمنا معا فالنكاح باق وقالت مرتبا فلا
نكاح، فهي على الأولين مدعية، لأنها لو تركت الخصومة لتركت واستمر
النكاح المعلوم وقوعه، والزوج لا يترك لو سكت، لزعمها انفساخ النكاح،
والأصل بقاؤه، وعبروا عنه بأصل عدم التعاقب، لاستدعائها تقدم أحد
الحادثين على الآخر، والأصل عدمه.
وعلى الظاهر الزوج مدع لبعد التساوق، فعلى الأولين يحلف الزوج
ويستمر النكاح، وعلى الثالث تحلف المرأة ويبطل. وكذا لو ادعى الزوج
الإنفاق مع اجتماعهما ويساره وديانته وأنكرته، فمعه الظاهر، ومعها الأصل.

(1) مجمع الفائدة 12: 115.
160

(ويشترط فيه) أي في المدعي (التكليف) بالبلوغ وكمال العقل
(وأن يدعي لنفسه أو لمن له ولاية الدعوى عنه) بأن يكون وكيلا أو
وصيا أو وليا أو حاكما أو أمينه، فلو ادعى الصغير أو المجنون أو من لا
ولاية له عليه لم تسمع دعواه، بلا خلاف في شئ من ذلك أجده، وبه صرح
بعض الأجلة (1). وهو الحجة; مضافا إلى الأصل، واختصاص إطلاق ما دل
على سماع الدعوى وأحكامها من النص والفتوى بحكم التبادر وغيره بما
إذا صدرت ممن اجتمعت فيه الشرائط المزبورة وغيرها. ويزيد الحجة على
اعتبار التكليف تضمن الدعوى أمورا تتوقف عليه، كإقامة البينة ونحوها.
(و) من الدليل السابق يظهر وجه اشتراط (إيراد الدعوى بصيغة
الجزم) إما بأن يصرح به أو يطلق أن لي عليه كذا، من دون تصريح بما
يعرب عن عدم الجزم به من لفظ الظن ونحوه، لرجوع الإطلاق إليه بحكم
التبادر، وبه صرح في الدروس (2) وغيره.
(وكون المدعى به مملوكا) أي يصح تملكه، فلو قال أظن الحق عليه
أو أتهمه، أو قال لي عليه خمر أو خنزير ونحوهما وكان مسلما لم تسمع منه
الدعوى بلا خلاف في الأخير، وكذا في الأول إذا كان فيما لا يخفى.
وأما في غيره كالتهمة فقولان. ظاهر إطلاق الماتن هنا وصريحه في
الشرائع (3) وصريح الفاضل المقداد في شرح الكتاب (4) والكيدري (5) وابن
زهرة (6) العدم، ونسبه في الكفاية (7) إلى المشهور. وفخر الدين (8) والشهيدان

(1) مجمع الفائدة 12: 115.
(2) الدروس 2: 84.
(3) الشرائع 4: 82.
(4) التنقيح 4: 267.
(5) إصباح الشيعة 535.
(6) الغنية 444.
(7) كفاية الأحكام 266 س 30.
(8) الإيضاح 4: 327.
161

في نكت الإرشاد (1) والمسالك (2) والروضة (3) والمحقق الثاني كما حكي (4)
على الثاني، وفاقا منهم لبعض القدماء كابن نما (5). وتردد فيه الفاضل في
القواعد (6) والإرشاد (7) والتحرير (8)، وهو ظاهر الصيمري (9) وغيره.
ينشأ مما قدمناه، مضافا إلى أن الدعوى يوجب التسلط على الغير
بالإلزام بالإقرار أو بالإنكار أو التغريم، وهو ضرر عليه منفي، وأنها في
معرض أن يتعقبها يمين المدعي أو القضاء بالنكول، وهما غير ممكنين هنا،
لاستحالة الحلف على الظن، وامتناع ثمرة النكول، إذ لا يستحل الغريم أن
يأخذ بمجرد إنكار المدعى عليه ونكوله عن اليمين، لاحتمال كونه للتعظيم
أو غيره.
ومن عموم قوله تعالى: «وأن احكم بينهم بما أنزل الله» (10) «فلا وربك
لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم» (11)، وأن الأصل عدم الاشتراط،
وأنه لو كان الجزم شرطا لم يكف اللفظ المحتمل عند الحاكم، بل كان يجب
عليه الاستفسار فيه فيقول: هل أنت جازم أم لا، والتالي باطل، فالمقدم
بمثله، بيان الملازمة أن الجهل بالشرط يستلزم عدم الجزم بالمشروط،
فلا يحصل الجزم بسماع الدعوى.
وفي جميع هذه الأدلة الأخيرة نظر، لمنع العموم في الآية، وإنما غايتها
الإطلاق الغير المعلوم انصرافه إلى محل النزاع.

(1) غاية المراد 158 س 8 (مخطوط).
(2) المسالك 13: 437 - 438.
(3) الروضة 3: 80.
(4) لم نعثر على حاكيه.
(5) راجع إيضاح الفوائد 4: 328.
(6) القواعد 3: 437.
(7) الإرشاد 2: 144.
(8) التحرير 2: 186 س 9.
(9) غاية المرام 186 س 2 (مخطوط).
(10) المائدة: 49.
(11) النساء: 65.
162

ولو سلم فلا دلالة فيها على كون الحكم فيه سماع الدعوى، فقد يكون
الحكم فيه ردها كسائر ما يرد فيه الدعاوي، ولم تسمع إجماعا.
والتمسك بأصالة عدم الاشتراط حسن، حيث يكون إطلاق ينفع أو
عموم، ووجود كل منهما هنا غير معلوم. وعموم الآية على تقدير تسليمه
دليل آخر، فلا يتم به الأصل. واشتراط الجزم إنما هو في الصيغة لا في نفس
الأمر والعقيدة، كما صرح به الشهيدان في النكت (1) والمسالك (2) والصيمري
في شرح الشرائع (3)، قالوا: فإنه من المعلوم أنه إذا كان للإنسان بينة تشهد له
بالحق وهو لا يعلم به له أن يدعي عند الحاكم لتشهد البينة له، ولعله لهذا
نسب الجزم المعتبر في العبارة وغيرها إلى الصيغة خاصة تنبيها على عدم
اعتباره في العقيدة.
وحينئذ فلا يجب على الحاكم الاستفسار بعد ظهور الصيغة في الجزم
وإن احتمل خلافه حيث لم يصرح به، لما عرفت من رجوع الإطلاق إليه.
هذا، ولو سلمت هذه الأدلة فمفادها سماع الدعوى مطلقا ولو لم يكن
هناك تهمة أصلا ولم يقولوا به، بل ظاهرهم الإطباق على خلافه وإن حكى
القول بالإطلاق شيخنا الشهيد الثاني (4)، فإن قائله غير معروف، ولا في كلام
أحد عدا شيخنا المذكور، ولعله من العامة. وعلى تقدير كونه منا ليصح
النقض أيضا جدلا مع هؤلاء الجماعة، ولو ذب عنه بالإجماع على التقييد لم
ينفع لإيراثه الوهن في أدلتهم ولو بالإضافة إلى ما تقدم من الأدلة المعارضة.
وبالجملة الظاهر ما عليه الماتن، والله سبحانه هو العالم.
قالوا: وعلى الثاني إن حلف المنكر وقضينا بالنكول فلا كلام وإن

(1) غاية المراد 158 س 7 (مخطوط).
(2) المسالك 13: 437 و 438.
(3) غاية المرام 186 س 1 (مخطوط).
(4) المسالك 13: 437 و 438.
163

لم نقض، إلا برد اليمين لم ترد هنا، لعدم إمكانه، بل توقف الدعوى.
ومنه يظهر ما في استدلال الشهيد في النكت (1) على اختياره له بأن فيه
حسما لمادة النزاع، لعدم انحسامها على تقدير النكول عن اليمين وعدم
إمكان الرد والقضاء بالنكول.
نعم تنحسم على القول بالقضاء به وهو لا يقول به، فلا يوافق دليله
مختاره، إلا أن يلتزم بحبس المنكر إلى أن يقر أو يحلف كما ذكره
الصيمري (2). ولكنه لم يذكره هو، ولا من عداه، بل ظاهرهم إيقاف الدعوى،
وبه صرح بعضهم. فتأمل جدا.
هذا، مع أن حسم مادة النزاع غير منحصر في سماع الدعوى، لإمكانه
بردها أيضا كسائر ما يرد فيه الدعاوي إجماعا، كما مضى.
(و) اعلم أن (من كانت دعواه) عقوبة كالقصاص وحد القذف فلا بد
من الرفع إلى الحاكم بلا خلاف يعرف كما في الكفاية (3) وإن كانت (عينا)
وتيقن استحقاقها (فله انتزاعها) من المنكر ولو قهرا، ما لم يثر فتنة،
ولا يقف ذلك على إذن الحاكم بلا خلاف، لأنه عين ماله، فلا حاجة إلى
الرجوع في تحصيله إلى غيره، فإن الناس مسلطون على أموالهم ولو أدى
إلى الفتنة، فلا بد من الرفع إليه أو إلى من يؤمن معه منها دفعا لها.
(ولو كانت دينا والغريم مقر) به (باذل) له غير مماطل أو مماطل،
أو غير باذل مع إمكان الانتزاع بالحاكم (أو) كانت دعواه دينا (مع
جحوده) أي الغريم ولكن له (عليه) أي على الدين (حجة) يتمكن
معها من إثباته عليه عند الحاكم وانتزاعه منه بإعانته (لم يستقل المدعي)

(1) غاية المراد 158 س 18 (مخطوط).
(2) غاية المرام 184 س 31 (مخطوط).
(3) كفاية الأحكام 275 س 2.
164

حينئذ (بالانتزاع من دون) إذن الغريم أو (الحاكم) حيث لا يمكن إذنه،
بلا خلاف فيه في ما عدا الأخير، للأصل، مع فقد ما يوجب الخروج عنه،
عدا تعلق حقه بذمته، وليس بمخرج، لأنه أمر كلي. وللمديون التخيير
في تعيينه من ماله، فلا يتعين في شئ منه بدون تعيينه أو تعيين الحاكم
حيث لا يمكن تعيينه بمماطلته أو عدم بذله، ولا يتصور اعتبار إذن الحاكم
إلا في هاتين الصورتين دون ما فرضه الماتن من بذل الغريم، لأن الحاكم
إنما يلي على الممتنع ومن في معناه.
اللهم إلا أن يتصور حينئذ في غيبة الغريم مع حلول الدين وتضرر
المدعي بالتأخير إلى حضوره فيكون في معنى الممتنع، فيندفع به الاعتراض
المتقدم وإن أورده شيخنا في المسالك (1) على عبارة الماتن في الشرائع،
القريبة من عبارته هنا. فتأمل.
وأما عدم الاستقلال في الأخير فمختار الماتن هنا خاصة، للاقتصار في
ما خالف الأصل على موضع الضرورة، وهي هنا منتفية، لإمكان التوصل إلى
الحق بالحاكم بمعونة البينة، ولأن الممتنع عن وفاء الدين يتولى القضاء عنه
الحاكم ويعين من أمواله ما يشاء، ولا ولاية لغيره عليه.
خلافا للأكثر على الظاهر المصرح به في المسالك (2)، بل المشهور كما
في كلام الصيمري (3) والكفاية (4)، وعليه عامة المتأخرين حتى الماتن في
الشرائع (5). وهو الأظهر، عملا بعموم الأدلة التي سنذكر، بل صريح بعضها،
كما سيظهر.

(1) المسالك 14: 69.
(2) المسالك 14: 70 - 69.
(3) غاية المرام 186: س 4.
(4) كفاية الأحكام 275: س 16.
(5) الشرائع 4: 109.
165

وبها يخص الأصل الذي مر، سيما بعد التأيد بأصالة عدم إلزام المدعي
بكلفة الترافع إلى الحاكم، وإقامة البينة وإحضارها، مع تشتتها، واحتمال رد
الحاكم لها أو غيره مما يوجب سقوط الحكم، كما قيل (1). فتأمل.
والعجب من بعض الأصحاب حيث استدل للمختار بما روي (2) عنه (صلى الله عليه وآله)
أنه لما قالت له هند: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وأنه لا يعطيني
ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه سرا وهو لا يعلم فهل علي في ذلك شئ؟
فقال (صلى الله عليه وآله): خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف (3)، فإن فيه أن أمره (صلى الله عليه وآله) لها
بذلك لعله إذن منه لها من قبل ولايته على زوجها الممتنع، إلا أن يمنع بتوقفه
على استئذان هند إياه في ذلك، والحال أنها قد سألته والسؤال يقتضي كون
الأمر جوابا عن مسألة، لا إذنا عن الممتنع ورخصته. وفيه نظر.
(ولو فات أحد الشروط) المتقدمة، بأن كان دعواه عينا أو دينا
والغريم منكر لا حجة له عليه أو مقر غير باذل أو باذل مماطل مع عدم
إمكان الانتزاع بالحاكم (وحصل للغريم في يد المدعي مال كان له المقاصة)
وأخذه عوضا من حقه من غير زيادة، بلا خلاف أجده فيما إذا لم يكن مال
وديعة، وبه صرح جماعة، بل يفهم الإجماع عليه من الغنية (4). وهو الحجة;
مضافا إلى قوله سبحانه: «فمن اعتدى عليكم» (5) الآية، وقوله عز شأنه:
«فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به» (6)، وفحوى النبوي «لي الواجد يحل عقوبته
وعرضه» (7)، وخصوص النصوص المستفيضة، التي كادت تكون متواترة:

(1) لم نعثر على قائله.
(2) المسالك 14: 70 - 69.
(3) سنن البيهقي 10: 141.
(4) الغنية 240.
(5) البقرة: 194.
(6) النمل: 126.
(7) الوسائل 13: 90، الباب 8 من أبواب الدين، الحديث 4.
166

منها - زيادة على ما مر إليه الإشارة في بحث سقوط الدعوى بإحلاف
المنكر ولو أقيم عليها البينة بعده - الصحاح المستفيضة:
منها: إني أعامل قوما فربما أرسلوا إلي فأخذوا مني الجارية والدابة
فذهبوا بها مني ثم يدور لهم المال عندي فآخذ منه بقدر ما أخذوا مني،
فقال: خذ منهم بقدر ما أخذوا منك، ولا تزد عليه (1).
ومنها: إني أخالط السلطان فتكون عندي الجارية فيأخذونها والدابة
الفارهة فيأخذونها ثم يقع لهم عندي المال فلي أن آخذه؟ فقال: خذ مثل
ذلك، ولا تزد عليه (2). ونحوه آخر (3).
والحسنان كالصحيحين: قلت: رجل لي عليه دراهم فجحدني وحلف
عليها أيجوز لي لو أن وقع له قبلي دراهم أن آخذ منه بقدر حقي؟ قال:
فقال: نعم، ولهذا كلام، قلت: وما هو؟ قال: يقول: اللهم إني لم آخذه ظلما ولا
خيانة وإنما أخذته مكان مالي الذي أخذ مني ولم أزدد عليه شيئا (4).
ولا يقدح تضمنها جواز القصاص، مع الحلف واعتبارهما الدعاء
المزبور، لاحتمال حمل الأول على الحلف من غير استحلاف، كما تقدم
في البحث السابق، والثاني على الاستحباب، كما هو ظاهر الأصحاب، لخلو
أكثر أخبار المسألة الواردة ظاهرا في بيان الحاجة عنه بالمرة، مع اختلاف
المتضمن له في بيان الكيفية. ففي بعض كما مر.
وفي آخر يقول: اللهم إني لم آخذ ما أخذت منه خيانة ولا ظلما ولكني
أخذته مكان حقي (5).

(1) الفقيه 3: 187، الحديث 3703.
(2) الوسائل 12: 202، الباب 83 من أبواب ما يكتسب، الحديث 1.
(3) المصدر السابق 205 - 203، الحديث 10، 4 - 5.
(4) المصدر السابق 205 - 203، الحديث 10، 4 - 5.
(5) الفقيه 3: 186، الحديث 3700.
167

وفي الفقيه وفي خبر آخر: إن استحلفه على ما أخذ منه فجائز له أن
يحلف إذا قال هذه الكلمة (1).
وظاهره اعتبار الدعاء لجواز الحلف، لا لأصل جواز الأخذ، كما هو
ظاهر الأخبار المتقدمة، فهذا أيضا اختلاف آخر، مع قصور أسانيد الكل،
وعدم مقاومته لما مر من وجوه عديدة تظهر لمن تدبر.
ومع ذلك فهو أحوط، حملا للمطلق على المقيد، وفاقا للصدوق في
الفقيه (2) والشيخ في التهذيب (3)، إلا أن ظاهرهما التعيين. وفيه نظر.
(و) مقتضى إطلاق النصوص والفتاوى، بل ظاهرهما وصريح جملة
منهما عدم الفرق في الحكم بين ما (لو كان) المال المقتص منه (من غير
جنس الحق) أو من جنسه، قالوا: ويتخير في الأول بين أخذه بالقيمة
العادلة فيما بينه وبين الله تعالى وبين بيعه وصرفه في جنس الحق، ويستقل
بالمعاوضة، كما يستقل بتعين أحد الفردين المخير بينهما. قيل: والرجوع إلى
الحاكم في ذلك أولى (4). ولا ريب فيه إذا لم يخف به على حقه من التلف
أصلا.
وهل يتعين عليه أخذ الجنس إذا اجتمع مع غيره؟ ظاهر إطلاق الأدلة
كالعبارة ونحوها العدم.
خلافا للشهيدين (5) وغيرهما فيتعين. وهو أحوط وإن كان في تعيينه
نظر.
وأما الوديعة ففي جواز الاقتصاص منها مع الكراهة قولان:

(1) الفقيه 3: 186، الحديث 3701 وذيله.
(2) الفقيه 3: 186، الحديث 3701 وذيله.
(3) التهذيب 6: 349، ذيل الحديث 107.
(4) المسالك 14: 74.
(5) الدروس 2: 85، المسالك 14: 74.
168

أولهما ظاهر إطلاق المتن ونحوه وصريح الشرائع (1) والشيخ في
التهذيبين (2) والحلي في السرائر (3) والفاضل في الإرشاد (4) والمختلف (5)
والصيمري في شرح الشرائع (6) والفاضل المقداد في التنقيح (7) والشهيدين
في النكت (8) والمسالك (9)، وفيه وفي الكفاية أنه عليه أكثر المتأخرين (10).
وهو كذلك، بل لعله عليه عامتهم، لإطلاق الأدلة، بل عمومها الناشئ من
لفظة «من» في الآية، ومن ترك الاستفصال في الأخبار المتقدمة وغيرها،
كالأخبار المتقدمة في البحث المتقدم إليه الإشارة والخبرين.
في أحدهما: عن الرجل يكون له على الرجل العين فيجحده فيظفر من
ماله بقدر الذي جحده أيأخذه وإن لم يعلم الجاحد بذلك؟ قال: نعم (11).
وفي الثاني: أنه كان لي على رجل دراهم فجحدني فوقعت له عندي
دراهم فأقبض من تحت يدي مالي عليه وإن استحلفني حلفت أن ليس له
علي شئ، قال: نعم، الخبر (12).
هذا، مضافا إلى خصوص جملة من المعتبرة، منها رواية هند المتقدمة،
بناء على أن مال الرجل في يدي امرأته كالوديعة.
وأظهر منها الخبر: عن رجل دفع إليه مال ليصرفه في بعض وجوه البر
فلم يمكنه صرف ذلك المال في الوجه الذي أمره به وقد كان له عليه مال

(1) الشرائع 4: 109.
(2) الاستبصار 3: 53، ذيل الحديث 6، التهذيب 6: 349، ذيل الحديث 108.
(3) السرائر 2: 37.
(4) الإرشاد 2: 143.
(5) المختلف 5: 377.
(6) غاية المرام 186 س 12 (مخطوط).
(7) التنقيح 4: 269 - 270.
(8) غاية المراد 158 س 15 (مخطوط).
(9) المسالك 14: 69.
(10) كفاية الأحكام 275 س 16.
(11) الوسائل 12: 205، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 10.
(12) الوسائل 16: 178، الباب 47، باب أن من كان له على غيره مال، الحديث 1.
169

بقدر هذا المال فقال: هل يجوز لي أن أقبض مالي أو أرده عليه وأقتضيه؟
فقال: اقبض مالك مما في يدك (1).
وأظهر منهما خبران آخران بل هما صريحان أحدهما الصحيح: أن
شهابا ما راه أي أبا العباس في رجل ذهب له ألف درهم واستودعه بعد ذلك
ألف درهم قال أبو العباس، فقلت له: خذها مكان الألف الذي أخذه منك
فأبى شهاب قال: فدخل شهاب على أبي عبد الله (عليه السلام) فذكر له ذلك، فقال: أما
أنا فأحب أن تأخذ وتحلف (2).
ومحبته (عليه السلام) ذلك مع الاتفاق على المرجوحية غير قادح في الحجية،
بعد احتمال خصوصية في واقعة شهاب أوجبت تلك المحبة. ودفعه بالأصل
حسن إن لم يستلزم منه طرح الرواية المعتبرة، وخروجها عن الحجية
بالكلية. وأما مع الاستلزام كما فيما نحن فيه فلا، لعموم ما دل على حجية
أمثال الرواية، مع أن فيه جمعا بين الأدلة.
وفي الثاني: رجل غصب رجلا مالا أو جارية ثم وقع عنده مال بسبب
وديعة أو قرض مثل ما خانه أو غصبه أيحل له حبسه عليه أم لا؟ فكتب:
نعم يحل له ذلك إن كان بقدر حقه، وان كان أكثر فليأخذ منه ما كان عليه
وليسلم الباقي إليه إن شاء الله تعالى (3).
وقصور سنده إن كان كغيره منجبر بالشهرة العظيمة المتأخرة، مع أن
سند هذا ربما استظهر فيه الصحة. فهذا القول لا يخلو عن قوة.
خلافا للصدوق في الفقيه (4) والشيخ في النهاية (5)، بل أكثر كتبه كما في

(1) الوسائل 12: 205، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 8، 2.
(2) الوسائل 12: 205، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 8، 2.
(3) الوسائل 12: 204، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 9.
(4) الفقيه 3: 187، ذيل الحديث 3702.
(5) النهاية 2: 26.
170

المختلف (1) والتقي (2) والحلبي (3) والكيدري (4) وأبي علي الطبرسي (5)
وابن زهرة العلوي، فاختاروا المنع، وادعى الأخير عليه إجماع الإمامية (6)،
ومال إليه بعض متأخري متأخري الطائفة، له وللكتاب والسنة المستفيضة،
الآمرة برد الأمانة، وخصوص المعتبرة:
ففي الصحيح: عن الرجل يكون لي عليه حق فيجحدنيه ثم يستودعني
مالا ألي أن آخذ مالي عنده، قال: لا هذه خيانة (7).
وفيه: من ائتمنك بأمانة فأدها إليه، ومن خانك فلا تخنه (8). فتأمل.
وفي القريب منه بابن أبي عمير الراوي عن موجب قصوره وهو ممن قد
اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه من رواياته: أن ابني مات وترك
مالا في يد أخي فأتلفه ثم أفاد مالا فأودعنيه فلي أن آخذ منه بقدر ما أتلف
من شئ فأخبرته بذلك، فقال: لا، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أد الأمانة إلى من
ائتمنك، ولا تخن من خانك (9).
وفي الجميع نظر.
فالأول: بأن غايته أنه رواية صحيحة لا تعارض ما قدمناه من الأدلة
المعتضدة بالشهرة العظيمة المتأخرة التي كادت تكون لنا الآن إجماعا.
والثاني: أولا بالمعارضة بالمثل من الكتاب والسنة، الدالة على جواز
الاعتداء على المعتدي بمثل ما اعتدى به، وهذه أرجح بالشهرة، والاتفاق
على العمل بها في مسألة التقاص ولو في الجملة، والتأيد بأدلة نفي الضرر
والعسر والحرج في الشريعة. فتأمل.

(1) المختلف 5: 377.
(2) الكافي في الفقه 331.
(3) المختلف 5: 377.
(4) إصباح الشيعة 535.
(5) المختلف 5: 377.
(6) الغنية 240.
(7) الوسائل 12: 205، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 11، 12، 3.
(8) الوسائل 12: 205، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 11، 12، 3.
(9) الوسائل 12: 205، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 11، 12، 3.
171

وثانيا: بأنه ليس بأولى من عمومات الأدلة الدالة على حرمة التصرف
في مال الغير بغير رخصة، وأنه خيانة، فكما خصصت بأدلة جواز المقاصة،
فلتكن العمومات المستدل بها هنا أيضا مخصصة.
والثالث: أولا: بما أجيب به عن الإجماع المتقدم.
وثانيا: بعدم الصراحة، لاحتمالها الحمل على الكراهة، أو على ما إذا لم
يجتمع بعض شروط جواز المقاصة المتقدمة التي منها عدم التمكن من
الانتزاع منه إلا بها، وعدم إحلافه سابقا، وغير ذلك، فتحمل على صورة
التمكن منه بغيرها أو إحلافه.
ويعضده تضمن هذه الروايات النهي عن الخيانة، ولا يحصل مع الأخذ
مقاصة، لأنه في قوة أداء الأمانة إلى من ائتمنه، لأنه وفى منها دينه بإذن
الشارع العام كما سبق، فكان بمنزلة أدائها إلى وكيله، وأداء الأمانة إليه قائم
مقام الأداء إلى المالك، ولا تتحقق الخيانة بذلك، لأن استيفاء الحق ليس
بخيانة، وإنما مقتضى الخيانة أكل الوديعة بغير حق.
وإلى هذا يشير جملة من الروايات المتقدمة المتضمنة للدعاء، فأن في
جملته: اللهم إني لم آخذه ظلما ولا خيانة وإنما أخذته بدل مالي الذي
أخذه (1).
وهو كما ترى ظاهر في أن الأخذ بدل الحق ليس ظلما ولا خيانة.
وقريب منها في الدلالة عليه الخبر: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) فأخبرته
أني قد أحلفته فحلف وقد وقع له عندي مال فإن أمرتني أن آخذ منه الألف
درهم التي حلف عليها؟ فكتب: لا تأخذ منه شيئا إن كان ظلمك فلا تظلمه،
ولولا أنك رضيت بيمينه فحلفته لأمرتك أن تأخذ من تحت يدك، ولكنك

(1) الوسائل 12: 203، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4، 5.
172

رضيت بيمينه فقد مضت اليمين بما فيها، الخبر (1).
وهو كما ترى ظاهر في اختصاص اتصاف الأخذ بالظلم بصورة فقد
شرط المقاصة، وعدمه في صورة وجوده. وعلى هذا فلا تنافي بين الأخبار.
(وفي سماع الدعوى المجهولة) كشئ أو ثوب، أو فرس (تردد)
واختلاف بين الأصحاب.
فبين مانع عنه كالشيخ في المبسوط (2) والحلي في السرائر (3) والفاضل
في التحرير (4) والشهيد في الدروس (5) جازمين به، لعدم فائدتها وهو حكم
الحاكم بها لو أجاب المنكر بنعم، بل لابد من ضبط المثلي بصفاته، والقيمي
بقيمته، والأثمان بجنسها ونوعها وقدرها وإن كان البيع وشبهه ينصرف
إطلاقه إلى نقد البلد، لأنه إيجاب في الحال، وهو غير مختلف، والدعوى
إخبار عن الماضي وهو مختلف.
وقائل بأن (أشبهه الجواز) كالماتن هنا والفاضل في الإرشاد (6)
والقواعد (7) وفخر الدين في شرحه (8) وشيخنا في المسالك (9) والروضة (10)
واختاره من متأخري المتأخرين جماعة، لإطلاق الأدلة الدالة على وجوب
الحكم من الكتاب والسنة.
وما ذكر في وجه المنع غير صالح للتقييد والمانعية; لإمكان الحكم
بالمجهول، فيحبس حتى يبينه كالإقرار; ولأن المدعي ربما يعلم حقه بوجه

(1) الوسائل 18: 180، الباب 10 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 2.
(2) المبسوط 8: 156.
(3) السرائر 2: 177.
(4) التحرير 2: 189 س 1 - 2.
(5) الدروس 2: 84.
(6) الإرشاد 2: 143.
(7) القواعد 3: 437.
(8) الإيضاح 4: 327.
(9) المسالك 13: 436.
(10) الروضة 3: 79.
173

ما خاصة، بأن يعلم أن له عنده ثوبا أو فرسا ولا يعلم شخصهما ولا
وصفهما، فلو لم تسمع دعواه لبطل حقه، فالمقتضي له موجود والمانع مفقود;
ولأنه تسمع دعوى الوصية بالمجهول والإقرار به، ويستفسره الحاكم بلا
خلاف، كما في الإيضاح (1) والمسالك (2) وشرح الشرائع للصيمري (3)
والكفاية (4) بل إجماعا كما في التنقيح (5)، فكذا يصح الدعوى ويستفسره
الحاكم، وإلا لزم الحرج والضرر، مع عدم تعقل فرق بين الإقرار والدعوى،
إلا من حيث إن المقر لو طولب بالتفصيل خيف من رجوعه والمدعي
لا يرجع لوجود داعي الحاجة فيه دونه. وهو غير كاف في ذلك، لما ذكرنا.
وهذا أقوى.
وعليه فيلزم الخصم ببيان الحق المقر به أو المثبت عليه بالبينة، ويقبل
تفسيره بمسمى الدعوى، ويحلف على نفي الزائد أو عدم العلم به إن ادعي
عليه أحدهما.
ومنه يظهر أيضا ضعف ما مر في وجه المنع من دعوى عدم الفائدة في
الحكم بالدعوى المجهولة فإن ما ذكرناه فائدة وأي فائدة.
وهنا (مسائل) خمس:
(الأولى: من انفرد بالدعوى لما لا يد) لأحد (عليه قضى له به)
وأنه ملكه يجوز ابتياعه منه والتصرف فيه بإذنه بلا خلاف، لأنه مع عدم
المنازع لا وجه لمنع المدعي منه، ولا لمطالبة البينة، ولا لإحلافه; إذ لا
خصم حتى يترتب عليه ذلك.

(1) الإيضاح 4: 327.
(2) المسالك 13: 437.
(3) غاية المرام 182 س 3 (مخطوط).
(4) كفاية الأحكام 266 س 27.
(5) التنقيح 4: 270.
174

وربما يستدل عليه بعد الإجماع بل الضرورة بوجوب حمل أفعال
المسلمين وأقوالهم على الصحة، وهو بعد تسليم قيام دليل عليه سوى
الإجماع أخص من المدعى.
(ومن هذا) الباب (أن يكون بين جماعة كيس فيدعيه أحدهم) من
غير منازع له منهم ولا من غيرهم، فإنه يقضى به له دون الباقين، كما في
الموثق، بل الصحيح، كما قيل:
وفيه: قلت: عشرة كانوا جلوسا ووسطهم كيس فيه ألف درهم فسأل
بعضهم بعضا ألكم هذا الكيس؟ فقال كلهم: لا فقال واحد منهم: هو لي، قال:
هو للذي ادعاه (1).
(الثانية: لو انكسرت سفينة) مشغولة بأموال محترمة وغرقت
(في البحر) وما شاكله (فما أخرجه البحر) منها (فهو لأهله وما
أخرج) منها (بالغوص فهو لمخرجه) كما في النهاية (2) والإرشاد (3)،
لرواية أمية بن عمرو عن الشعيري قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن سفينة
انكسرت في البحر فأخرج بعضه بالغوص وأخرج البحر بعض ما غرق فيها،
فقال: ما أخرجه البحر فهو لأهله الله تعالى أخرجه، وأما ما أخرج بالغوص
فهو لهم وهم أحق به (4).
(وفي الرواية) كما ترى (ضعف) أو قصور ومخالفة للأصول، لأن
الإخراج بالغوص لا يوجب خروجه عن ملك المالك، لعدم دليل على كون
الغوص من المملكات، إلا أن العمل بها كما في ظاهر المسالك (5) وصريح

(1) الوسائل 18: 200، الباب 17 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1.
(2) النهاية 2: 84.
(3) الإرشاد 2: 143.
(4) الوسائل 17: 362، الباب 11 من أبواب اللقطة، الحديث 2.
(5) المسالك 14: 77.
175

الكفاية (1) مشهور، وصرح الحلي في السرائر بالإجماع عليها، بعد أن قيدها
بصورة يأس أرباب الأموال عنها.
فإنه قال بعد نقلها وجه الفقه في هذا الحديث: إن ما أخرجه البحر فهو
لأصحابه وما تركه أصحابه آيسين منه فهو لمن وجده وغاص عليه، لأنه
صار بمنزلة المباح ومثله من ترك بعيره من جهد في غير كلاء وماء فهو لمن
أخذه، لأنه خلاه آيسا منه ورفع يده عنه فصار مباحا، وليس هذا قياسا،
لأن مذهبنا ترك القياس، وإنما هذا على جهة المثال، فالمرجع فيه إلى
الإجماع وتواتر النصوص دون القياس والاجتهاد، وعلى الخبر إجماع
أصحابنا منعقد انتهى (2).
فإن جبرناها بالإجماع والشهرة المنقولين، وإلا ففي العمل بها لما مضى
إليه الإشارة مناقشة، كما هو ظاهر الماتن هنا وفي الشرائع (3)، وصريح
جماعة.
واختلفوا في تنزيلها، فأبو العباس في مقتصره نزله على ما ذكره الحلي
من التقييد بصورة اليأس (4)، وآخرون نزلوه على صورة الإعراض عنها،
كالمحقرات التي يعرض عنها كما لو احتطب المسافر وخبز به أو طبخ ثم
ترك الباقي معرضا عنه فإنه يجوز لغيره أخذه، وهم بين مطلق لحصول
الملك للآخذ بإعراض المالك، ومقيد له بكونه في المهلكة وبعد الاجتهاد في
الغوص والتفتيش، وأما لو خلا عن المهلكة أو لم يبالغ في التفتيش فإنه
لا يخرج عن الملك.
وفي الجميع نظر، لعدم قيام دليل على جواز تملك الأموال بيأس أربابها

(1) كفاية الأحكام 275 س 24.
(2) السرائر 2: 195.
(3) الشرايع 4: 109.
(4) المقتصر 380.
176

أو إعراضها عنها مطلقا. نعم غاية الأخير إفادة الإباحة. ومع ذلك لا يصلح
شئ منها توجيها للرواية، إذ بعد تسليم صحتها لا تختص بإفادة التمليك
في صورة الغوص خاصة، بل يجري في صورة إخراج البحر لها أيضا،
مع أن الرواية صرحت بأنها حينئذ لأربابها. إلا أن يذب عن هذا بالإجماع.
وفيه نظر.
والأولى وفاقا للفاضل المقداد في شرح الكتاب (1) وغيره عدم خروج
شئ من ملك مالكه بشئ من ذلك.
نعم لو علم الإعراض منه يقينا أفاد إباحة لا ملكا، فلو استرده المالك
من الآخذ كان له ذلك مع وجود العين ولا مع تلفها، للأصل في المقامين، مع
وقوع التلف بإذنه، المستفاد من إعراضه في الثاني، فلا يتعقبه ضمان اليد.
فتدبر.
وحيث أخذ من دون علم بالإعراض كان حكمه حكم اللقطة، أو المال
المجهول المالك.
(الثالثة: روى) الشيخ (في) التهذيب في أوائل باب الزيادات من هذا
الكتاب بسنده عن محمد بن يحيى عن علي بن إسماعيل عن محمد بن
عمرو - بالواو في نسخة وبدونها في اخرى - عن علي بن الحسين عن
حريز عن أبي عبيدة قال: قلت لأبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام): (رجل دفع
إلى رجل) ألف درهم، وعبر عنها الماتن ب‍ (دراهم) اختصارا، مع عدم
اختلاف المعنى، وليس فيها كون الدفع (بضاعة) كما ذكره الماتن وغيره،
ولا مضاربة كما في السرائر (2)، وإن كان الظاهر منها أحدهما، بل فيها بعد

(1) التنقيح 4: 272.
(2) السرائر 2: 187.
177

ما مر بلا فصل (يخلطها بماله ويتجر بها) قال فلما طلبها منه (قال: ذهبت)
وفي الرواية ذهب المال، والمعنى واحد (وكان لغيره) أي لغير الدافع (معه)
أي مع المدفوع إليه مثلها و (مال كثير) لغير واحد (ف‍) قال: كيف صنع
أولئك؟ قال: (أخذوا أموالهم) ف‍ (قال) أبو جعفر وأبو عبد الله (عليهما السلام)
جميعا: (يرجع) أي الدافع (عليه) أي على المدفوع إليه (بماله) الذي
دفعه إليه (ويرجع هو) أي المدفوع إليه (على أولئك بما أخذوا) (1).
وهذه الرواية مع قصور سندها - كما ترى - مخالفة للأصول جدا، لأن
الدفع فيها على جهة الأمانة بضاعة كانت أو غيرها، ومقتضاها عدم ضمان
الأمين للعين بعد تلفها، إلا أن يكون فرط أو تعدى. وليس لذكرهما في
الرواية عين ولا أثر أصلا.
وعلى تقدير الضمان بهما فلا وجه لرجوع الغارم بما غرمه إلى أولئك
الذين لهم المال، إذ لا تزر وازرة وزر اخرى، فلهذا قال الماتن هنا وفي
النكت (2) وغيره من الأصحاب. (ويمكن حمل ذلك) أي الحكم برجوع
صاحب البضاعة على العامل بماله ورجوعه على أولئك بما أخذوا (على
من) أي عامل (خلط المال) المدفوع إليه بأموال أولئك (و) الحال أنه
(لم يأذن صاحبه) في ذلك (وأذن له الباقون) فيه.
والأصل في هذا الحمل الحلي في السرائر، حيث قال بعد نقل الخبر:
هذا أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته، ووجه الفقه والفتيا عندي على تسليم
الخبر، أن الأول دفع المال إليه فخلطه بغيره فلما خلطه بغيره فرط فيه
بالخلط فضمنه وأصحاب الأموال الباقية خلط أموالهم بإذنهم والأول أخلط
ماله في أموالهم بغير إذنه، فيجب عليه الضمان للأول جميع ماله، فلما أخذ

(1) التهذيب 6: 288، الحديث 6.
(2) نكت النهاية 2: 81.
178

أصحاب الأموال الذين أذنوا في الخلط ورضوا به أموالهم على التمام
والكمال فقد أخذوا ما لم يكن لهم، بل الواجب تسليم مال من لم يأذن
بالخلط على المضارب، المفرط بالخلط بجميع ماله ورجع المضارب على
من أخذ المال بقدر ما غرم، وقوله في الخبر: «يخلطها بماله ويتجر بها»
المعنى فيه خلطها بماله واتجر بهما وإن كان أتى به بلفظ المستقبل فقد يأتي
المستقبل بمعنى الماضي، وهذا كثير في كلام العرب والقرآن، قال الله تعالى:
«ونادى أصحاب الأعراف» معناه: ينادي، قال الشاعر:
وانضح جوانب قبره بدمائها * فلقد يكون أخا دم (1) وذبائح
معناه: فلقد كان، بغير شك، انتهى (2).
وفي استشهاده بالآية (3) وحكمه كباقي الجماعة برجوع الغارم إلى
الباقين بجميع ما غرمه مناقشة واضحة، مع عدم تمامية الحمل المزبور إلا
بعد تقييدات أخر في الخبر، ليس لشئ منها فيه عين ولا أثر. ومع ذلك لا
احتياج لتكلفاته في حمل يخلط على معنى خلط، لعدم منافاته الحمل
المزبور من حيث كون متعلقه طلب الخلط بمال المدفوع إليه خاصة دون
مال أولئك الجماعة، ومبنى الحمل على المزج بأموالهم دون مال المدفوع
إليه خاصة، ولذا حكم بضمانهم ما أخذوه، ولكن الأمر سهل بعدما عرفت
من قصور السند، والمخالفة للأصل، مع اتفاقهم على الظاهر على عدم العمل
بها وإن كان الظاهر منهم عدم المناقشة فيها من حيث السند، لنسبتهم إياها
إلى حريز خاصة عن أبي عبيدة، معربين عن صحته إليه، ولعلهم أخذوها من

(1) في لسان العرب: الأصمعي في قوله: لا أكلمه إلا أخا السرار أي مثل السرار. ويقال: لقي فلان
أخا الموت، أي مثل الموت. 1: 92، مادة أخا.
(2) السرائر 2: 187.
(3) الأعراف: 48.
179

كتابه، فتكون صحيحة، ولكن يكفي في ردها عدم عملهم بها، مع كونها
للأصول مخالفة.
(الرابعة: لو وضع المستأجر الأجرة على يد أمين) له (فتلفت كان
المستأجر ضامنا) يجب عليه غرامتها للأجير (إلا أن يكون الأجير دعاه
إلى ذلك) ورخصه في دفعها إلى الأمين (فحقه) حينئذ (حيث وضعه).
لأنه ملك الأجرة بنفس العقد، فإذا عين أحدا لقبضها كان ذلك القابض
وكيلا له، وقبض الوكيل قبض الموكل، فيدخل في ضمان الأجير بقبض
وكيله، بخلاف الصورة الأولى، فإن الأجرة في ضمان المستأجر حتى
يقبضها الأجير، وذلك الذي وضعت الأجرة عنده ليس وكيلا للأجير، فتكون
باقية على ضمان المستأجر.
وللحسن، بل الصحيح المروي في التهذيب في الباب المتقدم: عن رجل
استأجر أجيرا فلم يأمن أحدهما صاحبه فوضع الأجر على يد رجل فهلك
ذلك الرجل ولم يدع وفاء واستهلك الأجر، فقال: المستأجر ضامن لأجر
الأجير حتى يقضي، إلا أن يكون الأجير دعاه إلى ذلك فرضي بالرجل فإن
فعل فحقه حيث وضعه ورضي به (1).
(الخامسة:) يجوز أن (يقضي على الغائب) عن مجلس الحكم
(مع قيام البينة) عليه بالحق (ويباع ماله ويقضى دينه، ويكون الغائب
على حجته) إذا قدم، بلا خلاف عند نافيه في الجملة، بل ظاهر الشهيدين في
النكت (2) والمسالك (3) وغيرهما أن عليه إجماع الإمامية. وهو الحجة; مضافا
إلى المعتبرين سندا ولو لم يبلغ درجة الصحة، مع احتمالها في سند أحدهما.

(1) التهذيب 6: 289، الحديث 8.
(2) غاية المراد 160 س 2.
(3) المسالك 13: 467.
180

وفيهما: الغائب يقضى عليه إذا قامت عليه البينة، ويباع ماله ويقضى عنه
دينه، وهو غائب، ويكون الغائب على حجته إذا قدم، قال: ولا يدفع المال
إلى الذي أقام البينة إلا بكفلاء (1).
والخبر المستفيض عنه (صلى الله عليه وآله) - كما قيل - أنه قال لهند زوجة أبي سفيان
- وقد قالت: إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي -:
خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف (2)، وكان أبو سفيان غائبا عن المجلس.
وإطلاق العبارة ونحوها من عبائر الجماعة يقتضي عدم الفرق في
الغائب بين كونه غائبا عن البلد أو حاضرا فيه، متعذرا عليه حضور
المجلس، أم لا، ولا خلاف فيه في الأول مطلقا، سواء كان بعيدا أو قريبا،
وكذا في الثاني إذا كان الحضور عليه متعذرا، بل عليه الوفاق في المسالك (3)
والإجماع في غيره، واختلفوا فيه مع عدم تعذر الحضور عليه على قولين:
فبين مانع عن القضاء عليه حينئذ كالشيخ في المبسوط (4)، معللا بأن
القضاء على الغائب موضع ضرورة، فيقتصر فيه على محلها، وأنه ربما وجد
مطعنا ومدفعا، وجاز الحكم في الغائب للمشقة بطول انتظاره، ومال إليه
المقدس الأردبيلي (5) (رحمه الله).
وبين مجوز كالفاضلين (6) والشهيدين (7) وفخر الدين (8) وغيرهم من
متأخري أصحابنا، بحيث كاد أن يكون ذلك منهم إجماعا، قالوا: لعموم

(1) الوسائل 18: 216، الباب 26 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1 وذيله.
(2) سنن البيهقي 10: 141.
(3) المسالك 13: 468.
(4) المبسوط 8: 162.
(5) مجمع الفائدة 12: 205.
(6) الشرائع 4: 86، الإرشاد 2: 147.
(7) الدروس 2: 91، المسالك 13: 468.
(8) الإيضاح 4: 358.
181

الأدلة، ولم أقف عليها، عدا الروايات المتقدمة، ولا عموم في الأخيرة منها
بعد تسليم سندها ودلالتها على أصل الحكم في المسألة، لأنها قضية في
واقعة، فلا تكون عامة. ولفظ الغائب فيما عداها وإن كان مطلقا إلا أن
المتبادر منه الغائب عن البلد خاصة.
اللهم إلا أن يكون المراد من الأدلة المستدل بعمومها ما دل على لزوم
الحكم بالبينة مع عدم مانع لها بالكلية، لأن الغائب إن كان منكرا فالبينة
قامت عليه، وإن كان مقرا فالبينة مؤكدة لإقراره، فعلى كل تقدير لا مانع من
الحكم. وهذا أيضا ربما لا يخلوا عن نظر.
وكيف كان لا ريب أن القول الأول أحوط إن لم يتعين.
(و) اعلم أن ما تضمنه المعتبران من أنه (لا يدفع إليه المال إلا
بكفلاء) هو مذهب الشيخ في النهاية (1) والقاضي (2) والحلي (3) والماتن هنا
وفي الشرائع (4)، ومال إليه شيخنا الشهيد الثاني في كتابيه (5)، واختاره
صاحب الكفاية (6).
خلافا لابن حمزة، فلم يذكر التكفيل، بل أوجب على الغريم بدله
اليمين (7)، وتبعه الفاضل (8) وجملة ممن تبعه، وادعى عليه الشهرة جماعة
كالصيمري (9) وصاحب المفاتيح (10) والكفاية (11) وقد مر في بحث الدعوى

(1) النهاية 2: 24.
(2) المهذب 2: 584.
(3) السرائر 2: 34.
(4) الشرائع 4: 85 - 86.
(5) المسالك 13: 464، الروضة 3: 104.
(6) كفاية الأحكام 269 س 28.
(7) الوسيلة 214.
(8) التحرير 2: 187 س 16.
(9) غاية المرام 84 س 25.
(10) لم نقف فيها على التصريح بالشهرة، راجع مفاتيح الشرائع 258.
(11) لم نقف فيها على التصريح بالشهرة، راجع كفاية الأحكام 269.
182

على الميت إلى مستندهم الإشارة، وقد عرفت جوابه.
ونزيد عليه هنا بأنه اجتهاد في مقابلة الرواية المعتبرة في نفسها
المعتضدة بعمل الطائفة ولو في أصل المسألة. ولا ريب أن الجمع بين
الأمرين حيث يرضى به الغريم أحوط، وإلا فالعمل بالرواية متعين.
ثم إن جواز الحكم على الغائب يختص عندنا وعند كل من قال به من
العامة العمياء بما إذا كان الحق الثابت عليه بالبينة من حقوق الآدميين مطلقا،
دون حقوق الله تعالى إذا كانت محضا. وكذا إذا كانت بحقهم مشوبة كالسرقة
بلا خلاف أجده، إلا من الماتن في الشرائع (1)، حيث تردد في جواز القضاء
بالقطع في المثال، من حيث إنه حق الله تعالى فينبغي أن لا يثبت لبنائها على
التخفيف اتفاقا، ومن الاتفاق على ثبوت حق الآدمي فيه، وهو يستلزم ثبوت
حقه سبحانه، لأنهما معلولا علة واحدة، ولا يثبت أحدهما بدون الآخر.
وفي المسالك أن باقي الأصحاب قطعوا بالفرق وانتفاء القطع، نظرا إلى
وجود المانع من الحكم في أحدهما دون الآخر، وتخلف أحد المعلولين
لمانع واقع كثيرا، ومنه في هذا المثال ما لو أقر بالسرقة مرة فإنه يثبت عليه
المال دون القطع، ولو كان المقر محجورا عليه في المال يثبت في القطع دون
المال فليكن هناك كذلك، والأصل فيه أن هذه ليست عللا حقيقية وإنما هي
معرفات الأحكام انتهى (2). وهو حسن.
(الفصل الثاني في) بيان أحكام (الاختلاف في الدعوى)
(وفيه) أيضا (مسائل) خمس:
(الأولى: لو كان في يد رجل وامرأة جارية) صغيرة (فادعى)

(1) الشرائع 4: 85 - 86.
(2) المسالك 13: 469.
183

الرجل (أنها مملوكته وادعت المرأة حريتها وأنها ابنتها، فإن أقام أحدهما
بينة) على ما يدعيه (قضي له) بها (وإلا) يقيما البينة على المدعى
(تركت الجارية حتى تذهب حيث شاءت) للخبر المروي في الكافي في
باب قبل باب النوادر من هذا الكتاب (1) وفي التهذيب في أواسط باب
تعارض البينات بسند فيه سهل وضعفه على الأشهر سهل، بل قيل: ثقة (2)،
مع أنه في الأول بسند حسن - كالصحيح بابن محبوب المجمع على
تصحيح ما يصح عنه - مروي.
وفيه: عن جارية لم تدرك بنت سبع سنين مع رجل وامرأة فادعى
الرجل أنها مملوكة له وادعت المرأة أنها ابنتها، فقال: قد قضى في هذا
علي (عليه السلام)، قلت: وما قضى في هذا؟ قال: كان يقول الناس كلهم أحرار إلا من
أقر على نفسه بالرق وهو مدرك، ومن أقام بينة على عبد أو أمة فإنه يدفع
إليه يكون له رقا، قلت: فما ترى أنت؟ قال: أرى أن أسأل الذي ادعى أنها
مملوكة له بينة على ما ادعى، فإن أحضر شهودا يشهدون أنها مملوكة له
لا يعلمونه باع ولا وهب دفعت الجارية إليه حتى تقيم المرأة من يشهد لها
أن الجارية ابنتها حرة مثلها فلتدفع إليها وتخرج من يد الرجل، قلت: فإن لم
يقم الرجل شهودا أنها مملوكة، قال: تخرج من يده، فإن أقامت المرأة البينة
على أنها ابنتها دفعت إليها، وإن لم يقم الرجل البينة على ما ادعاه ولم تقم
المرأة البينة على ما ادعت خلي سبيل الجارية تذهب حيث شاءت (3).
ويستفاد منه ومن العبارة عدم ثبوت نسب الصغير بإقرار الأم حيث

(1) الكافي 7: 420، الحديث 1.
(2) القائل هو الطوسي في رجاله: أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) 387، رقم 5699.
(3) التهذيب 6: 235، الحديث 11.
184

اشترطا في إلحاق الجارية بها إقامتها البينة على أنها ابنتها، وهو أحد القولين
في المسألة.
خلافا لجماعة، للصحيحين المتقدمين، مع تمام التحقيق فيها في بحث
الإقرار، إلا أن هذه الرواية لم تذكر ثمة.
وللجماعة الذب عنها أولا: بعدم مكافأتها للصحيحين سندا وعددا.
وثانيا: بقوة احتمال خروجها عن موضوع المسألة جدا، لاشتراط من
يكتفى في ثبوت النسب بإقرار الأم عدم منازع لها فيه، وأما مع المنازع كما
فيما نحن فيه فلا يلحق بأحدهما مع عدم البينة قولا واحدا وإنما يترك
الجارية تذهب حيث شاءت، لأصالة الحرية المستفادة من صدر الرواية
وغيرها من المعتبرة، التي مضت إليها الإشارة ثمة.
فلا إشكال ولا خلاف فيما تضمنته الرواية، ولم أقف على من تعرض
لذكر مضمونها عدا الماتن هنا والشيخ في النهاية (1) والحلي في السرائر،
لكن على تفصيل.
فقال: وقد روى أصحابنا أنه إذا كانت جارية مع رجل وامرأة فادعى
الرجل أنها مملوكته وادعت المرأة أنها ابنتها وهي حرة وأنكرت الجارية
الدعويين جميعا كان على الرجل البينة بأن هذه الجارية مملوكته لم يبعها
ولم يعتقها، فإن أقام البينة بذلك سلمت إليه، وكذلك إن أقرت الجارية أنها
مملوكته وكانت بالغة سلمت إليه، وإن لم يقم بينة ولا تكن هي بالغة أو
تكون بالغة غير أنها لا تقر انتزعت من يده، فإن أقامت المرأة بينة أنها بنتها
سلمت إليها إذا كانت صغيرة وإن لم تكن لها بينة تركت الجارية تمضي حيث
شاءت، انتهى (2).

(1) النهاية 2: 75.
(2) السرائر 2: 171.
185

وظاهره - كما ترى - وجود رواية على التفصيل الذي ذكره، ولم أقف
عليها، والرواية التي قدمناها خالية عن هذا التفصيل كما ترى، مع وقوع
التصريح فيها بعدم كون الجارية بالغة.
(الثانية:) ظاهر اليد يقتضي الملكية ما لم يعارضه البينة بلا خلاف فيه
أجده، وربما كان ذلك إجماعا، بل ضرورة والنصوص به مع ذلك مستفيضة:
منها - زيادة على ما يأتي إليه الإشارة في فصل تعارض البينة - الخبر
المروي في الكتب الثلاثة، وفيه: أرأيت إذا رأيت شيئا في يد رجل أيجوز
أن أشهد أنه له؟ فقال: نعم، قلت: فلعله لغيره، فقال (عليه السلام): ومن أين جاز لك أن
تشتريه ويصير ملكا لك ثم تقول بعد الملك هو لي وتحلف عليه، ولا يجوز
أن تنسبه إلى من صار ملكه إليك من قبله، ثم قال (عليه السلام): ولو لم يجز هذا ما
قام للمسلمين سوق (1).
وقريب منه الخبر المروي في الوسائل عن تفسير علي بن إبراهيم
صحيحا وعن الاحتجاج مرسلا عن مولانا الصادق (عليه السلام) في حديث فدك: أن
مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لأبي بكر: تحكم فينا بخلاف حكم الله تعالى
في المسلمين، قال: لا، قال فإن كان في يد المسلمين شئ يملكونه ادعيت
أنا فيه من تسأل البينة؟ قال: إياك كنت أسأل البينة على ما تدعيه على
المسلمين، قال: فإذا كان في يدي شئ فادعى فيه المسلمون تسألني البينة
على ما في يدي وقد ملكته في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبعد ولم تسأل
المؤمنين البينة على ما ادعوا علي كما سألتني البينة على ما ادعيت
عليهم (2)، الخبر.

(1) الكافي 7: 387، الحديث 1، الفقيه 3: 51، الحديث 3307، التهذيب 6: 261، الحديث 100.
(2) الوسائل 18: 215، الباب 25 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 3.
186

وحينئذ ف‍ (لو تنازعا عينا) وقال كل منهما: أن جميعها لي ولا بينة
لهما، فإن كان (في يدهما) وتصرفهما كثوب في يدهما أو دار سكناها
(قضى) بها (لهما) بينهما (بالسوية ولكل منهما إحلاف صاحبه) على
نفي ما يدعيه مما في يده، ولا يتعرض واحد منهما في حلفه لإثبات ما في
يده، بل يقتصر على أنه لا حق لصاحبه مما في يده، فإن حلفا أو نكلا قضى
بالسوية بينهما وإن حلف أحدهما دون الآخر قضى للحالف بالكل.
ثم إن حلف الذي بدأ الحاكم بتحليفه ونكل الآخر بعده حلف الأول
اليمين المردودة إن لم نقض بالنكول كما هو المختار، وان نكل الأول ورغب
الثاني في اليمين فقد اجتمع عليه يمين النفي للنصف الذي ادعاه صاحبه
ويمين الإثبات للنصف الذي ادعاه هو.
وهل يكفي حينئذ اليمين الواحدة الجامعة بين النفي والإثبات فيحلف
أن الجميع له ولا حق لصاحبه فيه أو يقول لا حق له في النصف الذي يدعيه
والنصف الآخر لي، أو لا بد من يمينين إحداهما نافية والأخرى مثبتة؟
وجهان، أوفقهما بالأصل الثاني، لاقتضاء تعدد الأسباب تعدد المسببات، فلا
يكتفي بأحدهما إلا بعد قيام دليل، لا أثر له هنا أصلا. إلا أن ظاهر
الأصحاب الأول من غير خلاف بينهم يعرف عدا ما في المسالك (1)، حيث
احتمل الثاني بعد أن ذكر الأول وحكم به، وفي التحرير استقرب الأول (2)،
مشعرا بوقوع الخلاف فيه، ووجهه غير واضح عدا ما في المسالك من أن كلا
منهما قد دخل وقته، ولم أفهمه.
ثم هل يتخير الحاكم في البدأة بالإحلاف، أو يقرع بينهما؟ وجهان.
وتظهر الفائدة في تعدد اليمين على المدعى على نكول الآخر. قيل: ويمكن

(1) المسالك 14: 79.
(2) التحرير 2: 194 س 33.
187

أن يقال كل واحد منهما مدع ومدعى عليه هاهنا، فينبغي أن ينظر إلى
السبق، فمن تسبق دعواه بدأ بتحليف صاحبه (1).
واعلم أن عدم القضاء بالعين بينهما نصفين إلا بعد حلف كل منهما
لصاحبه أو نكولهما هو المشهور بين الأصحاب على الظاهر المصرح به في
شرح الشرائع للصيمري (2)، وفي المسالك قال: بل لم ينقل الأكثر فيه
خلافا (3)، ولعله أراد بمقابل الأكثر الماتن في الشرائع (4)، حيث حكى ما
عليه الأصحاب قولا، بعد أن حكم بالقضاء بينهما نصفين مطلقا، ولم أر
غيره قد نقل الخلاف فيه، ولا من أفتى بما ذكره.
نعم في الغنية وإن كان لكل واحد منهما يد ولا بينة لأحدهما كان
الشئ بينهما نصفين كل ذلك بدليل إجماع الطائفة (5)، ولكنه غير صريح، بل
ولا ظاهر في عدم اعتبار الإحلاف.
وكيف كان فالمذهب ما عليه الأصحاب، لعموم ما دل على ثبوت اليمين
على من أنكر (6).
ولا ريب أن كل واحد منهما مدع لما في يد الآخر ومنكر لما في يده
للآخر، فإذا ادعى كل منهما على صاحبه النصف الذي في يده وأنكر صاحبه
ذلك لزم المنكر الحلف كما في سائر الدعاوي.
هذا، مضافا إلى فحوى بعض ما سيأتي من الأخبار الدالة على إحلاف
كل منهما لصاحبه مع تعارض البينة، فمع عدمه أولى. فتأمل جدا.
(ولو كانت في يد أحدهما) وتصرفه خاصة (قضى بها للمتشبث)

(1) المسالك 14: 79 - 78.
(2) غاية المرام 186 (مخطوط).
(3) المسالك 14: 79 - 78.
(4) الشرائع 4: 110.
(5) الغنية 444.
(6) الوسائل 18: 215، الباب 25 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 3.
188

وهو ذو اليد (وللخارج إحلافه) لكونه منكرا والخارج مدعيا، لأن
الأصل عدم تسلطه على ما في يد غيره، وظاهر الحال يشهد لذي اليد
بالملك، كما مر.
وفي الخبر: فإن كانت له - أي للمدعي - الخارج بينة، وإلا فيمين الذي
هو في يده هكذا أمر الله عز وجل (1).
وفي آخر: فإن كانت في يد أحدهما وأقاما جميعا البينة، قال: قضى بها
للحالف الذي في يده (2).
وفي ثالث: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) اختصم إليه رجلان في دابة وكلاهما
أقاما البينة أنه أنتجها، فقضى بها للذي هي في يده، وقال: ولو لم تكن في
يده جعلتها بينهما نصفين (3).
والأول دال على الحكم هنا صريحا، والأخيران دالان عليه فحوى على
قول، وعدم اعتبار الحلف في الأخير غير قادح، بعد ظهور اعتباره من
الأولين، فيحمل عليهما حمل المطلق على المقيد، مضافا إلى العمومات
الدالة على اعتباره، فإن نكل ذو اليد عن الحلف أحلف الخارج على المختار
من عدم القضاء بالنكول، والكلام في حلفهما كما سلف، فيحلف ذو اليد على
النفي والخارج على الإثبات.
(ولو كانت في يد ثالث وصدق أحدهما) بأنه له فهو في حكم ذي
اليد (قضى) بها (له) مع يمينه (وللآخر إحلافه) أي المصدق إن ادعى
عليه علمه بأنها له، فإن امتنع حلف الآخر وأغرمه القيمة لا العين،
لاستحقاق المصدق له إياها بإقراره، فلا يمكنه ارتجاعها منه، وإنما يغرم
القيمة لتفويته العين على الآخر بإقراره.

(1) المصدر السابق 186، الحديث 14.
(2) المصدر السابق 182، الحديث 2، 4.
(3) المصدر السابق 182، الحديث 2، 4.
189

(ولو صدقهما قضى) بها (لهما بالسوية ولكل منهما إحلاف الآخر)
كما لو كانت في يدهما، ولهما إحلافه إن ادعيا علمه، لفائدة الغرم، مع
اعترافه، لا القضاء بالعين، فإن حلف، وإلا غرم نصف القيمة للحالف منهما،
ولو حلفا معا غرم القيمة تماما لهما يقتسمانها كالعين بينهما نصفين.
(وإن كذبهما أقرت) العين (في يده) بعد يمينه لهما، سواء ادعاها
لنفسه، أم لا، ولا يجب عليه نسبة الملك إلى نفسه أو إلى أحد معين.
ولو قال: هي لأحدكما ولا أعرفه احتمل قويا القرعة، فيحلف من
خرجت له، فإن نكل حلف الآخر، وإن نكلا قسمت بينهما. ويحتمل القضاء
بها نصفين بينهما ابتداء بعد حلفهما أو نكولهما، كما لو كانت بيدهما. ولكن
الأول لعله أقوى.
ثم إن كل ذا إذا لم يكن بينة لهما، وإن كانت لأحدهما حكم له بها، ولو
كانت لكل منهما وأمكن الجمع بينهما، كما لو شهدت إحداهما بملك زيد
أمس والأخرى بانتقاله إلى عمرو الآن، أو أطلقت إحداهما وفصلت
الأخرى جمع بينهما، لوجوب العمل بهما، مع عدم التعارض بينهما. ولو
تعارضتا ففيه تفصيل يأتي ذكره في الفصل الثالث إن شاء الله تعالى.
(الثالثة: إذا تداعيا خصا) بالضم والتشديد، وهو البيت الذي يعمل
من القصب كما في مجمع البحرين وغيره، وفي الفقيه أنه الحائط من القصب
بين الدارين (1) (قضى لمن إليه) معاقد (القمط) بالكسر، وهو الحبل الذي
يشد به الخص، وبالضم جمع قماط، وهي شداد الخص من ليف وخوص
وغيرهما. والحكم بذلك مشهور بين الأصحاب، كما صرح به جماعة، ومنهم

(1) الفقيه 3: 100، ذيل الحديث 3413.
190

الشهيدان في الدروس في هذا الكتاب وكتاب الصلح (1) وفي الروضة (2)
والمسالك (3) في الكتاب الأخير، بل ربما يشعر عبارة المسالك بالإجماع
عليه، وحكي عن التذكرة (4) أيضا، وبه صرح في نوادر هذا الكتاب من
السرائر (5)، وفي كتاب الصلح من الغنية (6).
(و) الحجة فيه قبل ذلك (هي رواية عمرو بن شمر عن جابر)
المروية في الفقيه عن أبي جعفر (عليه السلام) عن جده عن علي (عليه السلام): أنه قضى في
رجلين اختصما في خص، فقال: إن الخص للذي إليه القمط (7).
(وفي عمرو) وإن كان (ضعف) بنص جماعة من أهل الرجال
كالنجاشي (8) وغيره، إلا أنه مجبور بالشهرة العظيمة والإجماعات المنقولة،
التي كادت تكون محققة، لعدم مخالف في الرواية صريحا، بل ولا ظاهرا،
عدا الماتن هنا والشهيد الثاني (9) والصيمري (10)، مع أن ظاهر الأولين التردد
لا المخالفة.
ومنه يظهر ما في المهذب (11) من نسبة المخالفة إلى المتأخرين كافة.
كيف! وعمدة المتأخرين الفاضلان والشهيدان وقد أفتوا ما عدا الشهيد الثاني
في الشرائع (12) والإرشاد (13) والقواعد (14) والدروس (15) بالرواية.

(1) الدروس 2: 114، 3: 349.
(2) الروضة 4: 194.
(3) المسالك 4: 288.
(4) التذكرة 2: 191 س 4.
(5) السرائر 2: 195.
(6) الغنية 255.
(7) الفقيه 3: 100، الحديث 3413.
(8) رجال النجاشي 287 رقم 765.
(9) المسالك 4: 288.
(10) غاية المرام 84 (مخطوط).
(11) المهذب البارع 4: 488.
(12) الشرائع 2: 125.
(13) الإرشاد 1: 405.
(14) القواعد 2: 178.
(15) الدروس 3: 349.
191

(و) مع ذلك الحجة غير منحصرة فيها، فقد روى المشايخ الثلاثة في
الصحيح (عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام)) عن خص بين
دارين، كما في التهذيب (1)، وبدل «بالحظيرة» في الكافي (2) والفقيه (3)،
فزعم كما في الكتابين الأولين وعوض عنه في الأخير بقوله: فذكر (أن
عليا (عليه السلام) قضى بذلك) لصاحب الدار الذي من قبله وجه القماط.
(وهي) وإن كانت (قضية في واقعة) فلعله (عليه السلام) عرفها وأجرى
الحكم بمقتضاها، فلا يتعدى إلى غيرها.
إلا أن ظاهر السؤال في صدر الرواية عن حكم المسألة والجواب عنه
بعده بنقل القضاء عنه (عليه السلام) في الواقعة يقتضي عدم اختصاصه بها، بل عمومه
لكل واقعة، وإلا لكان السؤال مسكوتا عن جوابه بالمرة، وفيه تأخير البيان
عن وقت الحاجة. ولا ريب في قبحه ولا شبهة.
وبالجملة فلا وجه للمناقشة في الروايتين سندا ودلالة.
نعم ربما يمكن المناقشة فيهما بمخالفتهما القواعد والأصول المقررة في
نحو المسألة، تقدمت إليه الإشارة في المسألة السابقة.
ويمكن الذب عنها أيضا بأن المخالفة ليست مخالفة تضاد، بل مخالفة
عموم وخصوص، ودفعها بالتخصيص ممكن بعد التكافؤ الحاصل هنا بصحة
سند الخاص وتعدده ومخالفته العامة، كما يستفاد من الغنية.
حيث قال بعد ذكر الحكم ونقل إجماعنا عليه: ويحتج على المخالف بما
رووه عن طرقهم: من أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعث عبد الله بن اليماني ليحكم بين
قوم اختصموا في خص فحكم به لمن إليه القمط، فلما رجع إليه (صلى الله عليه وآله) أخبره

(1) التهذيب 7: 146، الحديث 34.
(2) الكافي 5: 295، الحديث 3.
(3) الفقيه 3: 100، الحديث 3412.
192

بذلك، فقال: أصبت وأحسنت (1)، انتهى (2).
ومنه يظهر وجود رواية اخرى في المسألة، كما أشار إليه في
المسالك (3)، وكونها عامية يجبرها الشهرة، كالرواية السابقة.
هذا، وربما يخص العمل بالرواية بما إذا اقتضت العادة كون وقوع وجه
القماط إلى جانب قرينة على ملكية الخص لصاحبه، ولكن الفتاوى مطلقة،
إلا أن تنزيلها على ذلك غير بعيد.
وكيف كان ينبغي تخصيص الحكم بمورد الرواية من الخص (4) دون غيره
وإن حصل فيه نحو معاقد القمط وشهدت العادة بكونه قرينة على الملكية
لجهة، فإن غاية ذلك الظهور، ولا يخصص به الأصول، بل ترجح هي عليه
حيث لم يقم على العكس دليل، كما فيما نحن فيه على ما هو المفروض.
(الرابعة: إذا ادعى أبو الميتة إعارته) لها (بعض متاعها كلف البينة
وكان كغيره من الأنساب) وغيرهم على المعروف من مذهب الأصحاب،
على الظاهر المصرح به في المسالك (5) وغيره، عملا بعموم البينة على
المدعي واليمين على المدعى عليه (6)، والنبوي: لو يعطى الناس بأقوالهم
لادعى قوم دماء قوم وأموالهم (7).
(وفيه) أي في المقام (رواية بالفرق) بين الأب وغيره فيصدق في
دعواه دونهم مروية في الكتب الثلاثة، صحيحة في الكافي (8) والتهذيب (9)

(1) سنن البيهقي 6: 67، وفيه: حذيفة بن اليمان.
(2) الغنية 255.
(3) المسالك 4: 288.
(4) المسالك 14: 138 - 139.
(5) المسالك 14: 138 - 139.
(6) الوسائل 18: 171، الباب 3 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 3، 5.
(7) سنن البيهقي 10: 252.
(8) الكافي 7: 431، الحديث 18.
(9) التهذيب 6: 289، الحديث 7.
193

احتمالا، وفي الفقيه (1) صحيحة جزما عن جعفر بن عيسى، وهو حسن:
قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) جعلت فداك المرأة تموت فيدعي أبوها أنه
أعارها بعض ما كان عندها من المتاع والخدم أتقبل دعواه بلا بينة، أم لا
تقبل دعواه إلا ببينة؟ فكتب (عليه السلام): يجوز بلا بينة، قال: وكتبت إلى أبي
الحسن (عليه السلام) يعني علي بن محمد (عليه السلام) جعلت فداك إن ادعى زوج المرأة
الميتة أو أبو زوجها أو أم زوجها في متاعها أو خدمها مثل الذي ادعى أبوها
من عارية بعض المتاع أو الخدم أيكون بمنزلة الأب في الدعوى؟
فكتب (عليه السلام): لا.
وهي (ضعيفة) بالمكاتبة عند جماعة، وبالشذوذ والندرة بلا شبهة،
لعدم قائل، بل وإطباق الفتاوى على خلافها، حتى من الشيخ المحكي عنه
فتواه بها، لرجوعه عنها في المسائل الحائريات، كما حكاه عنه في
السرائر (2).
نعم ظاهر الصدوق الفتوى بها حيث رواها في الفقيه في باب ما يقبل
من الدعاوي بغير بينة مع ضمانه فيه، بناء على ما ذكره في أوله من أن لا
يروي فيه إلا ما يفتي به ويحكم بصحته (3). لكن الظاهر المحكي عن جدي
المجلسي (رحمه الله) وغيره عدوله عما وعد به.
وكيف كان فالعمل على ما عليه الأصحاب، لمخالفة الرواية العمومات
المعتضدة بعملهم، فلتطرح، أو تحمل على ما حملها عليه الحلي من حمل
قوله: «يجوز بلا بينة» على الاستفهام الإنكاري بحذف حرفه، أو على
الإنكار لمن يرى عطية ذلك بغير بينة (4). ولكن تتمة الخبر ينافي الحملين،

(1) الفقيه 3: 110، الحديث 3429.
(2) السرائر 2: 188 - 189.
(3) الفقيه 1: 3.
(4) السرائر 2: 188 - 189.
194

كما صرح به في التحرير (1).
وربما حملها بعض على الظاهر من أن المرأة تأتي المتاع من بيت
أهلها، وظاهره العمل عليها حينئذ.
وفيه نظر يظهر وجهه مما في ذيل المسألة السابقة قد مر.
اللهم إلا أن يذب عنه بدعوى حصول الظن من الاستقراء وتتبع الموارد
الجزئية في الدعاوي التي عمل فيها بمجرد الظهور بجواز العمل به والحكم
بسببه، كما سيدعي ذلك العلامة في المختلف (2) في المسألة الآتية، وله وجه،
إلا أن في بلوغه هنا قوة المقاومة للأصول المعتضدة بعمل الأصحاب
إشكالا، بل الأخذ بمقالتهم أولى.
(الخامسة: إذا تداعى الزوجان) أو ورثتهما أو أحدهما مع ورثة
الآخر (متاع البيت) الذي في يدهما قضى لمن له البينة مطلقا بلا خلاف،
وإن لم يكن لهما بينة (فله ما) يصلح (للرجال) كالعمائم والدروع
والسلاح (ولها) أي للزوجة (ما) يصلح (للنساء) كالحلي والمقانع
وقمص النساء (وما يصلح لهما) كالفرش والأواني (يقسم بينهما) نصفين
بعد التحالف أو النكول، وفاقا للشيخ في النهاية (3) والخلاف (4) والحلي
في السرائر (5) والإسكافي (6) وابن حمزة (7) والكيدري (8)، والماتن هنا
صريحا، وفي الشرائع ظاهرا (9) والفاضل في التحرير (10) وأبي العباس في

(1) التحرير 2: 205 س 30.
(2) المختلف 8: 291.
(3) النهاية 2: 83.
(4) الخلاف 6: 352، المسألة 27.
(5) السرائر 2: 194.
(6) المسالك 14: 136.
(7) الوسيلة 227.
(8) إصباح الشيعة (سلسلة الينابيع الفقهية) 11: 228.
(9) الشرائع 4: 119.
(10) التحرير 2: 206 س 1.
195

المهذب (1) والشهيد في الدروس (2)، وهو ظاهر القاضي (3)، إلا أنه قربه
في الدعوى بعد الطلاق. وبالجملة الأكثر كما في المسالك (4)، بل المشهور
كما في ظاهر الشرائع (5) وصريح النكت (6)، بل في الخلاف (7) والسرائر (8)
دعوى الإجماع عليه، ونسبه في المبسوط إلى روايات الأصحاب (9)،
مشعرا بدعوى الإجماع عليه أيضا. ولا ينافيه فتواه فيه بخلافه، كما يأتي،
لما صرح به بعد النسبة أنه على الأحوط. والأصل فيه قبل ذلك المروي
في التهذيبين (10) بسند فيه جهالة، ولكنها في الفقيه (11) صحيحة.
وفيها: إذا طلق الرجل امرأته وفي بيتها متاع فلها ما يكون للنساء وما
يكون للرجال والنساء يقسم بينهما، فإذا طلقت المرأة فادعت أن المتاع لها
وادعى الرجل أن المتاع له كان له ما للرجال ولها ما للنساء.
والموثق: في امرأة تموت قبل الرجل أو رجل قبل المرأة، قال: ما كان
من متاع النساء فهو للمرأة، وما كان من متاع الرجال والنساء فهو بينهما،
ومن استولى على شئ منه فهو له (12).
وفي آخر: عن رجل يموت ماله من متاع البيت، قال: السيف والسلاح
وثياب جلده (13).

(1) المهذب البارع 4: 491.
(2) الدروس 2: 111.
(3) المهذب 2: 579.
(4) المسالك 14: 136.
(5) الشرايع 4: 119.
(6) نكت الإرشاد 166 (مخطوط).
(7) الخلاف 6: 354، المسألة 27.
(8) السرائر 1: 194.
(9) المبسوط 8: 310.
(10) التهذيب 6: 394، الحديث 25، الاستبصار 3: 46، الحديث 5.
(11) الفقيه 3: 111، الحديث 3430.
(12) الوسائل 17: 525، الباب 8 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 3 - 2.
(13) الوسائل 17: 525، الباب 8 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 3 - 2.
196

وقصور الدلالة عن إفادة تمام المدعى صريحا، كما ذكره جماعة غير
ضائر بعد ظهورها فيه، كما اعترفوا به.
هذا، مضافا إلى الأصول المتقدمة في الشق الأخير، والظهور المستند إلى
العادة فيما عداه، كما صرح به الحلي وغيره. والعمل به في مقابلتها وإن كان
خلاف الأصل والقاعدة كما مر إليه الإشارة إلا أنه هنا ظاهر الفتاوى،
لإطباقها على العمل بالظاهر ولو في الجملة، وعدم مخالف فيه عدا الشيخ
في المبسوط، كما يأتي، وقد عرفت تصريحه بكونه على الأحوط. والفاضل
وان وافقه في بعض كتبه (1) إلا أنه رجع عنه في المختلف، وقال بالرجوع
إلى العرف العام أو الخاص، فإن وجد عمل به، وإن انتفى أو اضطرب كان
بينهما.
قال: لأن عادة الشرع في باب الدعاوي بعد الاعتبار والنظر راجعة إلى
ذلك، ولهذا حكم بقول المنكر مع اليمين، بناء على الأصل، وكون المتشبث
به أولى من الخارج لقضاء العادة بملكية ما في يد الإنسان غالبا فحكم
بايجاب البينة على من يدعي خلاف الظاهر، والرجوع إلى من يدعي ظاهر
العرف، وأما مع انتفاء العرف فلتصادم الدعويين مع عدم الترجيح
فيتساويان (2).
واختار هذا الشهيدان في النكت (3) والمسالك (4)، ونفى عنه البأس
الصيمري في شرح الشرائع (5)، واستحسنه أبو العباس في المهذب.
قال: ويؤيده استشهاده (عليه السلام)، أي فيما يأتي من الروايات بالعرف، حيث

(1) القواعد 3: 470.
(2) المختلف 8: 391.
(3) غاية المراد 166 (مخطوط).
(4) المسالك 14: 138.
(5) غاية المرام 188 (مخطوط).
197

قال: قد علم من بين لابتيها، ومثله قوله (عليه السلام). لو سألت من لابتيها - يعني
الجبلين - ونحن يومئذ بمكة لأخبروك أن الجهاز والمتاع يهدى علانية من
بيت المرأة إلى بيت الرجل فتعطي التي جاءت به وهو المدعى، فإن زعم أنه
أحدث فيه شيئا فليأت البينة (1).
وما اختاروه حسن لولا إطلاق ما مر من النصوص والإجماعات
المنقولة. ولكن يمكن تنزيلها عليه، بأن يقال: إن إطلاقها وارد مورد الغالب
في العادة، لحكمها غالبا بكون ما للرجال للرجل وما للنساء للمرأة، وبذلك
صرح الحلي، الذي هو أحد نقلة الإجماع، فقال: لأن ما يصلح للنساء الظاهر
أنه لهن وكذلك ما يصلح للرجال، فأما ما يصلح للجميع فيداهما معا عليه
فيقسم بينهما، لأنه ليس أحدهما أولى به من الآخر، ولا ترجيح لأحدهما
على الآخر، ولا يقرع هاهنا، لأنه ليس بخارج عن أيديهما (2)، انتهى.
وعلى هذا التنزيل فمآل القولين واحد، وبه صرح المولى الأردبيلي (رحمه الله)
في شرح الإرشاد (3) وإن حكاهما جماعة من الأصحاب قولين تبعا للظاهر
منهما، فإن إطلاق الحكم في الأول بكون ما للرجال للرجل وبالعكس
يشمل صورتي قضاء العادة بذلك، كما هو الغالب وعدمه، ولا كذلك الثاني،
لتفصيله بين الصورتين، فوافق الأول في الأولى وخالفه في الثانية.
ولا ريب أن هذا القول أظهر، إذ ليس لمخالفة الأصول في الصورة الثانية
دليل يعتد به، عدا إطلاق النصوص والإجماعات المنقولة، وفي التمسك به
إشكال بعد قوة ما ذكرناه من احتمال وروده مورد الغالب من قضاء العادة
بذلك، وحصول الظهور منها بلا شبهة، سيما وأن الحلي الذي هو أحد نقلة

(1) المهذب البارع 4: 491.
(2) السرائر 2: 194.
(3) مجمع الفائدة 12: 254.
198

الإجماع - كما عرفت - استند إلى ذلك، معربا عن عدم كون الحكم بذلك
على الإطلاق.
(و) بهذا القول يجمع بين الأخبار المتقدمة وما (في رواية) اخرى
مروية بعدة طرق صحيحة وموثقة، و (هو) كون المتاع المتنازع فيه مطلقا
(للمرأة) خاصة (إلا أن يقيم الرجل البينة) قد علم من بين لابتيها -
يعني من بين جبلي منى - أن المرأة تزف إلى بيت زوجها بمتاع ونحن يومئذ
بمنى كما (1) في بعضها، وفي آخر لو سألت من بين لابتيها - يعني الجبلين -
ونحن يومئذ بمكة لأخبروك أن الجهاز والمتاع يهدى علانية من بيت المرأة
إلى بيت الرجل فتعطى التي جاءت به وهو المدعى، فإن زعم أنه أحدث فيه
شيئا فليأت بالبينة.
بحمل الجميع على ما إذا كان هناك عادة تشهد بالحكم لمن حكم له
فيها، والتعليلات في الرواية الأخيرة على الجمع المزبور شاهدة، وقد مر إليه
في كلام المهذب الإشارة، فلا وجه للقول بإطلاق ما في هذه الرواية، وقطع
النظر عما فيها من العلة المخصصة، كما هو صريح الشيخ في الاستبصار (2)
وظاهر الكليني في الكافي (3) والصدوق في الفقيه، إلا أنه خصها بالمتاع
الذي هو من متاع النساء والمتاع الذي يحتاج إليه الرجال كما يحتاج إليه
النساء، قال: فأما ما لا يصلح إلا للرجال فهو للرجل وليس هذا الحديث
بمخالف للذي قال: له ما للرجال ولها ما للنساء وبالله التوفيق (4) انتهى.
فإن هذه الرواية وإن تعدد طرقها وصحت إلا أنها لا تكافؤ الأدلة

(1) الوسائل 17: 524، الباب 8 من أبواب ميراث الأجداد، الحديث 1.
(2) الاستبصار 3: 45، الحديث 1.
(3) الكافي 7: 130، الحديث 1.
(4) الفقيه 3: 11 ضمن الحديث 3430.
199

المتقدمة من وجوه شتى، ومنها ندرة القائل بها، بل وعدمه صريحا، لرجوع
الشيخ عنها في باقي كتبه إلى المختار صريحا في بعضها، وظاهرا فيما عداه،
والكليني لم يفت بها صريحا وإنما عنون الباب وحكاها خاصة، وهو وإن
كان ظاهرا في فتواه بها، إلا أن احتمال تخصيصه لها بما خصصناها به
لمكان التعليم قائم جدا، والصدوق لم يقل بإطلاقها، بل قيدها بما مضى،
وهو موافق للقوم، إلا في حكمه بأن ما يصلح لهما للمرأة.
ولا شاهد له فيه، مع مخالفة الأصول، وإطلاق النصوص، مع تصريح
جملة منها بأن مالهما بينهما، ومنها الصحيحة التي رواها، لكنها دلت على
ذلك برواية الشيخ، لكونها المتضمنة للحكم المذكور.
وأما هو فقد رواها مجردة عن ذلك، ولذا زعم حصول الجمع بينهما
وبين الرواية الثانية بما ذكره، وإلا فجمعه على رواية الشيخ يتطرق إليه النظر
بما عرفته.
وبالجملة فجمعه على تلك الرواية لا وجه له، كما لا وجه لجمع الشيخ
في الاستبصار (1) بحمل الرواية الأولى على التقية أو على حكمه (عليه السلام) بذلك
صلحا ومصلحة، والثانية على مر الحق لبعده، سيما الأخير مع عدم الداعي
له، بل وعدم إمكان المصير إليه، لفقد التكافؤ، بناء على كون الأولى مشهورة
بين الأصحاب، بل ومجمعا عليها، كما صرح به هو في الخلاف، فالشهرة في
هذه يقابل المخالفة للعامة إن صحت في الرواية الثانية، بل الشهرة راجحة
عليها بمراتب عديدة.
فالرواية الأولى أرجح من الثانية، فينبغي صرف وجوه الحمل إليها دون

(1) الاستبصار 3: 47، الحديث 5.
200

الأولى، ولا حمل أجود مما ذكرناه، بل بعد التدبر فيهما وملاحظة وجه
الجمع الذي ذكرناه يظهر عدم التعارض بينهما أصلا.
(و) قال الشيخ (في المبسوط): إنه (إذا لم يكن) لهما (بينة ويدهما
عليه كان بينهما) نصفين بعد حلف كل منهما لصاحبه (1)، وتبعه الفاضل في
ظاهر الإرشاد (2) وصريح القواعد (3) وولده في شرحه (4)، أخذا بالعمومات،
وطرحا للروايات، لاختلافها.
وفيه نظر يعلم وجهه مما مر، مع أن ذلك من الشيخ - كما عرفت - على
جهة الاحتياط.
فإنه قال بعده: وقد روى أصحابنا أن ما يصلح للرجال فللرجل، وما
يصلح للنساء فللمرأة، وما يصلح لهما يجعل بينهما، وفي بعض الروايات أن
الكل للمرأة وعلى الرجل البينة، لأن من المعلوم أن الجهاز ينتقل من بيت
المرأة إلى بيت الرجل، والأول أحوط (5)، انتهى.
هذا، ويحتمل أن يريد من الأول ما رواه الأصحاب دون ما أفتى به،
لكونه أولا بالنسبة إلى الرواية الثانية.
وحاصله حينئذ إن الرواية الأولى أحوط، وبه صرح في الخلاف، فقال:
إن اختلف الزوجان في متاع البيت فقال كل واحد منهما: كله لي ولم يكن
مع واحد منهما بينة نظر، فما يصلح للرجال القول قوله مع يمينه، وما يصلح
للنساء فالقول قولها مع يمينها، وما يصلح لهما كان بينهما، وقد روي أن
القول في جميع ذلك قول المرأة مع يمينها، والأول أحوط (6)، انتهى.

(1) المبسوط 8: 310.
(2) الإرشاد 2: 151.
(3) القواعد 3: 470.
(4) الإيضاح 4: 381.
(5) المبسوط 8: 310.
(6) الخلاف 6: 353، المسألة 27.
201

وكلامه على التقديرين ظاهر في رضاه بالعمل بمذهب الأكثر، بل وعلى
التقدير الثاني يستفاد منه كونه أحوط.
وحينئذ فلا وجه لعد الشيخ في المبسوط مخالفا للقول الأول، إلا من
حيث تجويزه العمل بما ذكره في المبسوط، لا من حيث منعه عن العمل بما
عليه الأصحاب، وهو في الحقيقة موافق لهم في جواز العمل بما صاروا إليه،
وليس الأمر كما يستفاد من موافقيه من تعين العمل بما أفتوا به، والمنع عن
العمل بما عليه القوم.
ومن هنا يظهر مرجح آخر لما صاروا إليه من حيث موافقة الشيخ لهم
في المبسوط أيضا، بل مطلقا، فإن ما ذكره في الاستبصار مع رجوعه عنه
غير معلوم كونه فتوى له، فلعله ذكره لمجرد الجمع بين الأخبار، وقد مضى
الإشارة إلى مثله مرارا.
هذا، ولو جمع بينهما بنحو ما قدمناه لكان أظهر وأولى.
ثم إن ما ذكره في الاحتياط في الكتابين محل نظر، لأنه الأخذ
بالمتيقن، وليس في شئ من الأقوال بمتحقق.
بقي هنا شئ ينبغي التنبيه عليه، وهو أن الفاضل المقداد في شرح
الكتاب رجح ما عليه الفاضل في القواعد والإرشاد.
قال: كما قلنا من تكافؤ الدعويين من غير ترجيح، ولأن الحكم لكل بما
يصلح له لو كان حقا لزم الحكم بمال شخص لغيره، لكونه صالحا لذلك
الغير، وهو باطل، وبيان اللزوم أنه جاز أن يموت للمرأة أخ فترث منه
عمائم وطيالسة ودراريع وسلاحا، ويموت للرجل أم أو أخت فيرث منها
حليا ومقانع وقمصا مطرزة بالذهب، ويكون ذلك تحت أيديهما، فلو حكم
لكل بما يصلح له لزم الحكم بمال الإنسان لغيره. لا يقال: قال النبي (صلى الله عليه وآله)
202

نحن نحكم بالظاهر (1) والله تعالى يتولى السرائر، وما قلناه هو الظاهر لأنا
نقول: نمنع أن ذلك هو الظاهر، لأن الظاهر هو راجح غير مانع عن النقيض،
ومع ما ذكرنا من الاحتمال لا رجحان، وما ذكره العلامة من العرف ممنوع،
لأنه لو كان قاعدة شرعية لزم الحكم بذلك في غير الزوجين لو حصل
التداعي بين الرجل والمرأة في متاع هذا شأنه، وهو باطل، انتهى (2).
وفيه نظر. أما أولا: فبأنه اجتهاد في مقابلة الأدلة المتقدمة من النصوص
المعتبرة المستفيضة والإجماعات المنقولة، المعتضدة بالشهرة العظيمة،
المحققة والمحكية في كلام جماعة، كما عرفته، وإطراح لجميع ذلك بالكلية،
ولا يرتكبه ذو فطنة ودرية.
وأما ثانيا: فبأن قوله: «لتصادم الدعويين مع عدم الترجيح» إلى آخره
ممنوع، أما على القول الأول فمطلقا، لما عرفته من دعوى الحلي وغيره
الرجحان عرفا وعادة، وأما على القول الثاني الذي اختاره في المختلف
ففيما إذا حصل الرجحان بالعادة، كما هو الغالب، ولذا ادعاه الحلي (3) وغيره
مطلقا، وإنكاره حينئذ لا معنى له، بل فاسد جدا، وإن كان مراده من إنكاره
دعوى عدم إمكان حصول الترجيح بالعادة بالكلية وأنه من الأمور المحالة
عادة فهو أوضح حالا في الفساد من أن ينبه. كيف! ولا وجه له عدا ما ذكره
من الاحتمال، وهو بمجرده غير مانع من الظهور وما لم يتساو هو الاحتمال
المقابل له.
ولا ريب أن ما ذكره من الاحتمال غير مساو للاحتمال الآخر غالبا،
بل هو أرجح، إما مطلقا كما ادعاه الحلي وغيره، أو في أغلب الأحوال

(1) لم نعثر عليه بهذا اللفظ، لكن روي عنه (صلى الله عليه وآله) روايات في هذا المعنى، الكافي 7: 414، الحديث 1.
(2) التنقيح 4: 278.
(3) السرائر 2: 194.
203

وأكثر العادات، كما هو المقطوع به الذي لا شك فيه.
وحال الظهور في المسألة لا يقصر عن الظهور المحكوم به في جزئيات
مسائل الدعاوي، التي ذكرها العلامة من نحو ظهور اليد في الملكية. ولا
ريب أن ما ذكره من الاحتمال مثله بل وأمثاله جار فيها، سيما وإذا كان اليد
يد نحو السارق والظلمة.
ولا ريب أنه لا ينافي ظهورها في الملكية عنده وعند العلماء كافة.
ونحو الظهور في تلك المسائل الظهور المحكوم به في المسألتين السابقتين
على المشهور في الأولى منها، وعلى قول بل واحتمال في الثانية.
وبالجملة دعوى عدم إمكان حصول الظهور من العادة مطلقا مكابرة
صرفة لا يرتاب في فسادها ذو مسكة.
وأما ثالثا: فبأن قوله: وما ذكره العلامة من العرف ممنوع إن أراد به منع
حكم العرف بالظهور فمع أنه لا يساعده التعليل بقوله: «لأنه لو كان قاعدة
شرعية» إلى آخره فيه ما عرفته من أنه مكابرة.
وإن أراد عدم حجية مثله كما هو الظاهر من التعليل وإن لم يساعده
العبارة.
ففيه أولا: أنه وإن كان مقتضى الأصل كما عرفت، إلا أن الخروج عنه
لازم بما تقدم من الأدلة من النصوص والإجماعات المنقولة، فالقول بحجية
الظهور في المسألة مستند إليها، وهو لا يوجب حجية مطلقا، حتى فيما
نقض وعارض به العلامة مما لم يتحقق فيه مثل تلك الأدلة. نعم ربما يرد
عليه النقض بما ذكره من حيث استناده إلى الاستقراء المفيد لحجية الظهور
في الدعاوي كلية. ولكن للعلامة الذب عنه بالتزامه الحكم في كل ما لم يقم
الدليل على خلافه من إجماع أو غيره، ودعواه حينئذ باطل. وبطلان اللازم
204

غير مجد، لالتزامه به، بل لا يجدي إلا حيثما يعترف بالبطلان فيه. ولعله
لا يعترف به إلا حيث يقوم دليل عليه فيه، ومعه النقض غير مانع، لكون الدليل
حينئذ هو الفارق، ولولاه لالتزم بالحكم فيما نقض به، فكيف يدعي بطلانه فيه؟
وثانيا: بأن إنكار حجيته إن كان من حيث منعه حصوله فقد قدمه ولا
وجه لإعادته بل ولا لنقضه، وإن كان من حيث عدم دليل عنده على حجيته
مع تسليم ظهوره ففيه - بعد ما عرفت من وجود الدليل عليها إما مطلقا أو
فيما نحن فيه خاصة - أن الحديث المذكور في كلامه دليل على حجيته
حتى باعترافه، حيث إنه لم يناقش فيه لا في سنده ولا في دلالته، وإنما منع
حصول الظهور فيما نحن فيه، فإذا سلمه - كما هو المفروض - فلا ينبغي أن
يتكلم في حجيته.
الفصل (الثالث في) بيان أحكام (تعارض البينات)
وتضادها بحيث يستلزم العمل بكل منهما تكذيب الأخرى
اعلم أن العين التي تعارضت فيها إما أن تكون في يد أحد المتداعيين
أو يدهما معا أو يد خارج عنهما.
فإن كان الأول كان الحكم فيه أن (يقضي مع التعارض للخارج إذا
شهدتا بالملك المطلق) أي من غير ذكر سببه مطلقا، تساوتا عدالة وكثرة، أم
اختلفتا فيهما (على الأشبه) الأقوى، وفاقا لجمهور أصحابنا،
كالصدوقين (1) والشيخ في النهاية (2) وكتابي الأخبار (3) وكتاب البيوع

(1) المقنع 339 - 340.
(2) النهاية 2: 75.
(3) الاستبصار 3: 42 ذيل الحديث 13، التهذيب 6: 237 ذيل الحديث 14.
205

من الخلاف (1) والديلمي (2) والقاضي (3) وابن حمزة (4)، لكن فيما لا يتكرر
ملكه، والحلي (5) وابن زهرة (6) والفاضلين في صريح المتن والشرائع (7)
والمختلف (8)، وظاهر التحرير (9) والإرشاد (10) والقواعد (11) والشهيدين في
النكت (12) والروضة (13)، وإن توقفا فيه في الدروس (14) واللمعة (15)
والمسالك (16)، وهو ظاهر المقداد في التنقيح (17) وغيره من المتأخرين، ونسبه
في الخلاف إلينا (18)، وجعله في المبسوط (19) مذهبنا، مشعرا بدعوى الإجماع
عليه بيننا، وبه صرح في الغنية (20). وهو الحجة; مضافا إلى الرواية
المستفيضة: إن البينة على المدعي واليمين على الجاحد (21)، فإن تخصيص
المدعي بالبينة والجاحد باليمين قاطع لشركتهما فيهما.
وقصور الدلالة من حيث إن غايتها إفادة لزوم البينة على المدعي
- لا عدم الحكم بها لو أقامها المنكر وعدم سماعها منه - مجبور.
أولا: بفهم الأصحاب منها ما ذكرنا، حيث استدلوا بها هنا وفي غير مقام
ساكتين عليها، بل ظاهرهم الجزم بوضوح دلالتها.

(1) لم نعثر عليه.
(2) المراسم 234.
(3) المهذب 2: 578.
(4) الوسيلة 218 - 219.
(5) السرائر 3: 167.
(6) الغنية 443.
(7) الشرائع 4: 110.
(8) المختلف 8: 376.
(9) التحرير 2: 195 س 9 - 14.
(10) الإرشاد 2: 150.
(11) القواعد 3: 468.
(12) غاية المراد 165 س 19 (مخطوط).
(13) الروضة 3: 108.
(14) الدروس 2: 101.
(15) الروضة 3: 108.
(16) المسالك 14: 82 - 86.
(17) التنقيح 4: 280 - 281.
(18) الخلاف 6: 331، المسألة 2.
(19) المبسوط 8: 258.
(20) الغنية: 444.
(21) الوسائل 18: 215، الباب 25 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 3.
206

وثانيا: بالخبر المنجبر قصور سنده بالشهرة العظيمة، كما عرفتها،
وسيأتي أيضا إليها الإشارة. وفيه: رجل في يده شاة فجاء رجل فادعاها
فأقام البينة العدول أنها ولدت عنده ولم يهب ولم يبع وجاء الذي في يده
بالبينة مثلهم عدول وأنها ولدت عنده ولم يهب ولم يبع، فقال (عليه السلام): حقها
للمدعي، ولا أقبل من الذي في يده بينة، لأن الله تعالى إنما أمر أن يطلب
البينة من المدعي، فإن كانت له بينة، وإلا فيمين الذي هو في يده، هكذا أمر
الله تعالى (1). وهو مع ذلك حجة اخرى مستقلة، سيما مع مخالفتها العامة،
كما سيأتي إليه الإشارة.
خلافا للشيخ في المبسوط (2) وكتاب الدعاوي من الخلاف (3)، فقال:
يقضي للداخل.
ومستنده مع ندرته غير واضح من الأخبار، وما استدل له به منها مما
سيأتي مختص بغير ما نحن فيه. والاعتبار وإن شهد له من حيث إن ذا اليد له
حجتان هي والبينة والآخر له حجة واحدة فيترجحان عليها، إلا أنه ساقط
عن درجة الاعتبار، بعدما عرفته من أن وظيفة ذي اليد اليمين دون البينة
فوجودها في حقه كعدمها بلا شبهة، ولذا لو أقامها بدلا عن يمينه لم تقبل
منه إجماعا إن لم يقمها المدعي.
وللمفيد (رحمه الله) فرجح الأعدل من البينتين ثم الأكثر منهما، ومع التساوي
فبينة الخارج مطلقا مطلقتين كانتا، أم مقيدتين، أم مختلفتين (4)، ووافقه
الإسكافي (5)، لكن في اعتبار الأكثرية خاصة دون الأعدلية، فلم يذكرها

(1) الوسائل 18: 186، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 14.
(2) المبسوط 8: 258.
(3) الخلاف 6: 330، المسألة 2.
(4) المقنعة 730.
(5) المختلف 8: 371.
207

ودون الحكم للخارج مع التساوي في الكثرة، بل حكم فيه للحالف منهما
ولذي اليد مع حلفهما أو نكولهما، واستدل لهما في اعتبار الأكثرية
بالصحيح: عن الرجل يأتي القوم فيدعي دارا في أيديهم ويقيم الذي في يده
الدار البينة أنه ورثها من أبيه لا يدري كيف أمرها، فقال: أكثرهم بينة
يستحلف وتدفع إليه، وذكر أن عليا (عليه السلام) أتاه قوم يختصمون في بغلة فقامت
لهؤلاء بينة أنهم أنتجوها على مذودهم لم يبيعوا ولم يهبوا وقامت لهؤلاء
البينة بمثل ذلك، فقضى بها لأكثرهم بينة واستحلفهم (1).
وفيه نظر، فإن الاستدلال به إن كان من جهة الذيل المتضمن لقضاء
علي (عليه السلام) في البغلة فوجه النظر فيه واضح، لعدم التعرض فيه لكونها في يد
أحدهما كما هو فرضنا، فيحتمل كونها في يد ثالث، ونحن نقول به، كما
سيأتي إن شاء الله تعالى. وإن كان من جهة الصدر المصرح فيه بكون العين
المتنازع فيها في يد أحدهما فوجه النظر فيه أنه لا تعلق له بما نحن فيه من
تعارض البينتين بالملك، وذلك لأن الظاهر منه بل صريحه أن بينة ذي اليد
إنما هي على كون الدار في يده بالإرث لا على كونها في يده بالملك.
ويحتمل فيه القول بمضمونه كما حكاه في المختلف عن الحلبي (2)،
ويظهر أيضا من الصدوق في الفقيه، حيث قال بعد نقل الرواية المزبورة: لو
قال الذي في يده الدار: أنها لي وملكي وأقام على ذلك بينة وأقام المدعي
على دعواه بينة كان الحق أن يحكم بها للمدعي، لأن الله تعالى عز وجل إنما
أوجب البينة على المدعي ولم يوجبها على المدعى عليه، ولكن هذا
المدعى عليه ذكر أنه ورثه عن أبيه ولا يدري كيف أمرها فلهذا أوجب

(1) الوسائل 18: 181، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1.
(2) المختلف 8: 373.
208

الحكم باستحلاف أكثرهم بينة ودفع الدار إليه، انتهى (1).
وهو صريح في عدم اعتباره الأكثرية، بل وغيرها من وجوه التراجيح
فيما نحن فيه.
فما ذكره الشهيدان (2) وغيرهما من موافقة المفيد في اعتبار الأكثرية
مطلقا محل مناقشة. وكذا نسبة ابن فهد في المهذب (3) والشهيد في
الدروس (4)، ذلك مع اعتبار الأعدلية قبله إلى قدماء الأصحاب، كما في
الأول، وإلى أكثرهم كما في الثاني أيضا محل مناقشة، إذ لم نقف على قائل
بذلك منهم عدا من ذكرناه، وكلمات باقيهم - كما يستفاد من المختلف (5) -
وإن تضمنت ذلك، إلا أنه فيما إذا كانت العين في يد خارجة ثالثة، وهو ليس
من خصائصهم، بل أفتى به المتأخرون، كما اعترفا به أيضا.
وبالجملة لا وجه لما ذكروه من النسبة، كما لا وجه للاستدلال بما ذكر
من الرواية للمفيد والإسكافي في مفروض المسألة، كما اتفق للشهيد الثاني
وجملة ممن تبعه، كما عرفته.
ومع ذلك قاصرة عن إفادة تمام ما عليه المفيد من اعتبار الأعدلية،
وكونها قبل الأكثرية، ولا متمم له من إجماع أو رواية، ومع ذلك هي معتبرة
للحلف، وهو لم يعتبره. وكذا حكمه بتقديم الخارج مع التساوي في الكثرة
لا يستفاد منها، ولعله أخذه من الجمع بينها وبين ما قدمناه من الأدلة، كما
صرح به في الدروس (6). ولكنه غير ممكن لنا، لعدم التكافؤ بينهما عندنا،
لرجحان الأدلة التي قدمناها على هذه الرواية من وجوه عديدة، مع ما عليه

(1) الفقيه 3: 65، الحديث 3345.
(2) الدروس 2: 101، الروضة 3: 107.
(3) المهذب البارع 4: 492.
(4) الدروس 2: 101، الروضة 3: 107.
(5) المختلف 8: 366 - 378.
(6) الدروس 2: 101.
209

هذه الرواية مما عرفته من عدم ارتباطها بمورد المسألة.
فلا يمكننا المصير إلى ما عليه المفيد (1)، ولا إلى ما عليه الإسكافي (2)
من الحكم مع التساوي عددا للحالف منهما ولذي اليد مع حلفهما أو
نكولهما، لعدم استفادتهما من الرواية المزبورة، مع مخالفتهما لما مضى من
الأدلة، مع عدم دليل على الثاني منهما، سوى ما عرفته في مذهب الخلاف
من حجة ضعيفة.
ولا على الأول، عدا رواية: أن رجلين اختصما إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)
فحلف أحدهما وأبى الآخر أن يحلف، فقضى بها للحالف، فقيل له: لو لم
يكن في يد واحد منهما وأقاما البينة، قال: احلفهما فأيهما حلف ونكل
الآخر جعلتها للحالف، وإن حلفا جميعا جعلتها بينهما نصفين، قيل: فإن
كانت في يد واحد منهما وأقاما جميعا البينة، فقال: أقضي بها للحالف الذي
في يده (3).
وهي مع عدم دلالتها على التفصيل الذي ذكره على المشهور ضعيفة،
ومع ذلك غير مكافئة لما مر من الأدلة المتضمنة لما لم يقل به المشهور من
الطائفة، وهو القضاء فيها بالعين التي في يدهما بمجموعها للحالف منهما.
والمشهور كما سيأتي التشريك بينهما مطلقا، إلا أن يحمل على ما إذا لم
يكن بينة لهما.
وللعماني فصار إلى القرعة مطلقا، مدعيا تواتر الأخبار بقضاء النبي (صلى الله عليه وآله)
بذلك (4).

(1) المقنعة 731.
(2) المختلف 8: 371.
(3) الوسائل 18: 182، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 2.
(4) المختلف 8: 370.
210

وهو شاذ، والأخبار المستفيضة به أو المتواترة كما ذكره وإن كانت
مطلقة إلا أن ظاهر الأصحاب عداه الإطباق على تقييدها بما إذا كان
تعارض البينتين في العين الخارجة عن يد المتداعيين، ولعله للجمع بينهما
وبين ما مر من الأدلة بتقديم بينة الخارج، وهي بالنظر إلى هذه الأخبار
خاصة، فلتكن عليها مقدمة.
ويمكن تقييد كلام العماني بذلك أيضا، ولعله لذا لم يشر إلى خلافه أحد
في المسألة، مع أن الأخبار الدالة عليه مستفيضة.
وكيف كان فالمختار ما عليه الأصحاب. كل ذا إذا شهدتا بالملك
المطلق.
(و) يقضى (لصاحب اليد لو انفردت بينته ب‍) ذكر (السبب
كالنتاج وقديم الملك وكذا الابتياع) وأطلقت بينة الآخر، ولم يذكر فيها
شئ من الأسباب.
وفاقا للشيخ (رحمه الله) في النهاية (1) وكتابي الحديث (2) والخلاف (3)
والمبسوط (4)، مشعرا فيهما بدعوى الإجماع عليه، حيث قال فيهما:
قبلناها، وزاد في الأول، فقال: بلا خلاف بيننا، وبه يشعر أيضا عبارة ابن
فهد، حيث نسب القول الآتي إلى الندرة (5)، وإليه ذهب القاضي (6)
والطبرسي (7) والفاضلان والشهيدان في كتبهم المتقدمة.
والحجة عليه غير واضحة، عدا الإجماع المستشعر من عبائر الشيخ

(1) النهاية 2: 75.
(2) الاستبصار 3: 42 ذيل الحديث 13، التهذيب 6: 237: ذيل الحديث 14.
(3) الخلاف 6: 343، المسألة 15.
(4) المبسوط 8: 258.
(5) المهذب البارع 4: 499.
(6) المهذب 2: 578.
(7) لم نعثر عليه في مظانه.
211

وابن فهد المتقدمة، وما في التنقيح من تأيد يده بالسبب، وحديث جابر
أنه (صلى الله عليه وآله) قضى لصاحب اليد لما أقام كل منهما البينة أنه أنتجها عنده (1)،
ونحوه بعض الروايات الآتية.
والمناقشة في الجميع واضحة.
أما الإجماع فبعد تسليم ظهوره من العبارة موهون بعدم قائل به من
القدماء عدا الناقل له وبعض من تبعه، وإلا فأكثر القدماء على تقديم بينة
الخارج هنا أيضا، كالصدوقين والمفيد والديلمي والحلي وابن زهرة، مدعيا
عليه إجماع الإمامية، وبإجماعه يعارض الإجماع المتقدم أيضا، مع
رجحانه عليه بالتصريح فيه بلفظه، وعدم وهنه بموافقة من مر من القدماء له.
ولكنهم كمدعي الإجماع أطلقوا الحكم بتقديم بينة الخارج من دون تفصيل
بين كونها مطلقة أو مقيدة، إلا أن الإطلاق يكفي في الشمول لما نحن فيه،
سيما مع ما مر في عبارة الصدوق من التعليل، وقريب منها عبارة ابن زهرة.
وأما تأيد اليد بالسبب فحسن إن لم يقم الدليل على عدم اعتبار اليد من
أصله في مقابلة بينة المدعي، وقد عرفت قيامه، وصار إليه هؤلاء الجماعة
في المسألة السابقة.
هذا، مع أن في حصول التأيد بالسبب نظرا ولو سلمنا اعتبارها هنا.
وأما الروايات فقاصرة الأسانيد، مع ضعف الأولى، وعديمة التكافؤ لما
قدمناه من الأدلة على تقديم البينة الخارجة، مع أن موردها اشتمال البينتين
على السبب، فلا ربط لها بمحل البحث من كون بينة الداخل مقيدة والأخرى
مطلقة.
اللهم إلا أن يرتبط بالأولوية كما في المسالك (2). لكنها تتوقف على

(1) سنن البيهقي 10: 256.
(2) المسالك 14: 85.
212

القول بمضمون الروايات من تقديم بينة الداخل فيما لو كانتا مقيدتين،
وسيأتي أن مذهب الماتن وأكثر الجماعة القائلين بتقديم بينة الداخل هنا
تقديم بينة الخارج ثمة معرضين عن الرواية، فكيف يصح لهم الاستناد إليها
في المسألة من جهة الأولوية مع عدم قولهم بأصل ما فيها.
وبالجملة الوجه عند الأحقر تقديم بينة الخارج هنا، كما مضى لما
مضى، وفاقا لمن مضى.
(ولو تساويا) أي البينتان (في) ذكر (السبب) بأن شهد كل منهما
على النتاج عند من شهدت له مثلا (ف‍) في القضاء للخارج أو الداخل
(روايتان، أشبههما) ما تضمن (القضاء للخارج) وهو اختيار من مر،
والفاضلين في كتبهم المتقدمة والفاضل المقداد في شرح الكتاب (1)
والشهيدين في النكت (2) والروضة (3) وغيرهم. وبالجملة المشهور على
الظاهر المصرح به في كلام الخال العلامة المجلسي (رحمه الله).
حيث قال في حاشيته المنسوبة إليه على هذه الرواية، وهي الرواية
المتقدمة دليلا للمختار في المسألة السابقة ما لفظه: تدل على ترجيح بينة
الخارج فيما إذا كانتا مسببتين، وهو المشهور الموافق للأصول، ولعل ما مر
من الأخبار من ترجيح بينة الداخل محمول على التقية، لشهرته بين العامة
فتوى ورواية، فإنهم رووا عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رجلين تداعيا
دابة فأقام كل واحد منهما البينة أنها دابته نتجها، فقضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) للذي
في يديه، وعمل عليه أكثرهم. ثم قال: ومما يرجح هذا الخبر، وأشار به
إلى الخبر الدال على المختار، وهو أنه معلل، والخبر المعلل أولى بالعمل

(1) التنقيح 4: 281.
(2) غاية المراد 165 س 19 (مخطوط).
(3) الروضة 3: 109.
213

عند التعارض، كما ذكره أئمة الأصول، انتهى كلامه (1) علت في فراديس
الجنان أقدامه.
وأشار بما مر من الأخبار إلى الرواية الثانية، وهي متعددة. منها ما مر
سندا للإسكافي.
ومنها الموثق: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) اختصم إليه رجلان في دابة
وكلاهما أقاما البينة أنه أنتجها، قضى بها للذي هي في يده، وقال: لو لم يكن
في يده جعلتها بينهما نصفين (2).
والأولى قد عرفت أنها ضعيفة، مع أنها غير واضحة الدلالة على الحكم
في مفروض المسألة.
والثانية وإن كانت بحسب السند معتبرة في الجملة، إلا أنها لا تقاوم
الرواية المتقدمة المعتضدة بما قبلها من الرواية المستفيضة، وبالشهرة الظاهرة
والمحكية، كما عرفته، وبدعوى الإجماع على تقديم بينة الخارج على
الإطلاق في الغنية، وبالمخالفة لما عليه أكثر العامة، كما عرفته من كلام
الخال العلامة في حمله الرواية الثانية على التقية، ولعله يعضده كون الراوي
لها غياث بن إبراهيم، وهو بتري. فتأمل.
وبالجملة طرح هذه الرواية متعين وإن ذهب إليها الشيخ في الخلاف (3)
والتهذيبين (4)، ونسبه في المسالك إليه في النهاية وإلى الماتن (5) ولعله وهم،

(1) ليست موجودة عندنا.
(2) الوسائل 18: 182، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 3.
(3) الخلاف 6: 329، المسألة 2.
(4) التهذيب 6: 237 ذيل الحديث 14، الاستبصار 3: 39 ذيل الحديث 13.
(5) المسالك 14: 84.
214

لتصريح الماتن هنا كما ترى وفي الشرائع أيضا بتقديم بينة الخارج هنا (1).
وعبارة النهاية المحكية في المختلف (2) ساكتة عن حكم البينتين المسببتين،
وإنما حكمت بتقديم بينة ذي اليد إذا انفردت بالسبب، ولذا لم ينسبه فيها إلى
ما ذكره أحد (3) من الطائفة، حتى من تبعه، بل صرح جمع بما ذكرناه من
النسبة كالفاضل في المختلف (4) وابن فهد في المهذب (5) والشهيد في
النكت (6) وغيرهم.
ويشبه هذا الوهم الوهم الذي نسبه الشهيدان في النكت (7) والمسالك (8)
إلى المبسوط في نسبة تقديم بينة ذي اليد، مع كون البينتين مقيدتين أو
مطلقتين إلى مختاره في النهاية، حيث قال: مذهبنا الذي يدل عليه أخبارنا
ما ذكرناه في النهاية، وهو أنه إذا شهدتا بالملك المطلق ويد أحدهما عليها
حكم لليد وكذا إن شهدتا بالملك المقيد لكل واحد منهما ويد أحدهما عليها
حكم لمن هو في يده انتهى (9).
مع أنه رجح في النهاية في البينتين المطلقتين تقديم بينة اليد الخارجة
لا الداخلة، ولم يتعرض فيها لحكم البينتين المقيدتين بشئ بالمرة، كما
عرفته. وظاهره - كما ترى - المصير إلى ما في الخلاف (10)، مشعرا بدعوى
الإجماع عليه فتوى ورواية.
وهو كما ترى، لاختلاف رواياتنا جدا، مع كون الأشهر منها ما اخترناه،

(1) الشرائع 4: 111.
(2) النهاية 2: 75.
(3) كذا، والصواب: ما ذكره إلى أحد من...
(4) المختلف 8: 376.
(5) المهذب البارع 4: 494.
(6) غاية المراد 164 س 16 - 15 (مخطوط).
(7) غاية المراد 164 س 16 - 15 (مخطوط).
(8) المسالك 14: 84.
(9) النهاية 2: 75.
(10) الخلاف 6: 329، المسألة 2.
215

وعدم ظهور قائل بما نسبه إلى مذهبنا عداه وهنا، وفي الخلاف وكتابي
الحديث، مع تأمل ما في فتواه بذلك فيهما، لما مر وجهه مرارا، ومع ذلك
معارض بما مر من إجماع الغنية صريحا.
ومما حققناه في الصور الثلاث يظهر أن الأقوى فيها تقديم الخارج،
وأنه الأشهر، إلا في الصورة الثانية، لعدم تحقق شهرة فيها معتد بها.
وبقي هنا صورة رابعة هي عكس الثانية، ولم يذكر حكمها في العبارة
صريحا، ولكنه يستفاد من الحكم في الثانية بالأولوية، كما صرح بها
جماعة، مع أنه لا خلاف فيه أجده، وبه صرح بعض الأجلة (1).
نعم ربما يأتي فيها خلاف من مضى في الصورة الأولى ممن رجح
بالأعدلية والأكثرية أو حكم بالقرعة. ولكن الجواب عنه قد عرفته.
(ولو كانت يداهما) أي المتداعيين (عليه) أي على الشئ المتنازع
فيه (قضى لكل منهما بما في يد الآخر) دون ما في يده مطلقا، تساوت
البينات عدالة وكثرة وإطلاقا وتقييدا، أم اختلفتا فيها على الأشهر الأقوى،
بل عليه عامة متأخري أصحابنا إلا نادرا.
خلافا للمهذب (2) وجماعة من القدماء، فخصوا ذلك بما إذا تساوتا
في الأمور المتقدمة كلها، وحكموا مع الاختلاف فيها لأرجحهما. واختلفوا
في بيان المرجح لها.
فعن المفيد اعتباره الأعدلية خاصة هنا وإن اعتبر الأكثرية بعدها
فيما مضى.
وعن الإسكافي اعتبار الأكثرية خاصة، كاعتباره لها فيما مضى.
وفي المهذب اعتبارهما مرتبا بينهما الأعدلية فالأكثرية.

(1) لم نقف عليه.
(2) المهذب البارع 4: 492.
216

وعن ابن حمزة اعتباره التقييد أيضا (1)، مرددا بين الثلاثة غير مرتب
بينها.
وعن الديلمي اعتبار المرجح (2) مطلقا غير مبين له أصلا.
ولم أجد دليلا على شئ منها هنا، عدا ما ربما يتخيل من أمر اعتباري
دال عليها في الجملة لا مطلقا، وهو أن حال البينتين هنا كحال الخبرين
المتعارضين حيث يتعين الأخذ بأرجحهما. ويجمع بينهما مع التكافؤ،
وإمكان الجمع ولو في الجملة كما هنا. وهو ضعيف جدا، لكونه قياسا، ومع
ذلك يتضمن فارقا، وهو أن مناط العمل بالخبر ليس من حيث كونه للظن
مفيدا، فينبغي متابعة أقوى الظنين من الخبرين المتعارضين إن كان حاصلا
تحصيلا لما هو أقرب إلى العلم المأمور بتحصيله وما به أحرى، ولا كذلك
العمل بالبينة، فإن مناط العمل بها خصوصيتها لا إفادتها المظنة، وأنها من
قبيل الأسباب كاليد والأنساب، كما صرح به جماعة من الأصحاب، ولذا
يعمل عليها ولو لم تفدها بالكلية، بل لو حصل من شهادة الفاسق ونحوه ظن
أقوى من الظن الحاصل منها بمراتب شتى يعمل بها دون شهادتهما.
ومنشأ الفرق هو اختلاف مفاد الأدلة على حجية الأمرين، فإن مفاد
ما دل على حجية الخبر حجيته من حيث إفادته المظنة لا من حيث الخبرية،
وما دل على حجية البينة حجيتها من حيث البينة لا من حيث إفادتها المظنة.
ولا ريب أن البينتين المختلفتين بأحد الأمور المتقدمة وإن اختلف الظن
الحاصل منهما ضعفا وقوة مشتركتان فيما هو المناط في حجيتهما، وهو
كون كل منهما بينة، فيجب العمل بكل منهما لإثبات ما في يد كل لصاحبه،
لكونه بالإضافة إليه مدعيا، وهو بالنسبة إليه منكرا.

(1) المراسم 234.
(2) الوسيلة 218.
217

ومنه يظهر الوجه في القضاء لكل بما في يد الآخر، مع عدم اعتبار
اليمين، كما هو المشهور على الظاهر المصرح به في المسالك (1) والكفاية (2)
وغيرهما، وهو لازم لكل من قدم بينة اليد الخارجة أو الداخلة، مع توجيهه
التنصيف بينهما، بأن مع كل منهما مرجحا باليد على نصفها فقدمت بينته
على ما في يده.
ولو وجه بتساقط البينتين وبقاء الحكم، كما لو لم يكن هناك بينة لزم
اليمين، كما هو واضح. وتقديم اليد الداخلة - كما عرفت - ضعيف،
والتوجيهان غير معلومي المأخذ.
ولقد قوى الفاضل في التحرير (3) ثبوت اليمين على كل منهما، مع
حكمه بتقديم بينة الخارج، وأن القضاء هنا لكل منهما بما في يد الآخر،
وجعل ما ذكرناه من عدم اعتبار اليمين احتمالا.
ولعله استند إلى ما مر من الخبر سندا للإسكافي المتضمن لأن رجلين
اختصما إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فحلف أحدهما وأبى الآخر أن يحلف، فقضى
بها للحالف، فقيل: لو لم تكن في يد واحد منهما، إلى آخر ما مضى. ولكنه -
كما عرفت - ضعيف غير صريح في كون العين بيدهما، كما هو محل البحث
هنا، فيحتمل كونها بيد ثالث، ونحن نقول به، كما يأتي، وهو وإن خالف
ظاهر الخبر إلا أن ارتكابه لا بد منه، جمعا بينه وبين الأصل والأدلة النافية
لاعتبار اليمين في نحو المسألة.
ولا ريب أن عدم التنصيف بينهما إلا بعد إحلافهما أحوط وأولى،
خروجا من شبهة الخلاف، مع اعتبار سند الرواية، إذ ليس فيه سوى

(1) المسالك 14: 81.
(2) كفاية الأحكام 276 س 5.
(3) التحرير 2: 195 س 7 - 8.
218

الخشاب، وهو ممدوح، وغياث بن كلوب، وهو وإن ضعف في المشهور
إلا أن الشيخ قال: إن الأصحاب عملوا بحديثه (1).
هذا، مع أنه يستفاد من الفاضل المقداد في الشرح عدم الخلاف في
الإحلاف، حيث قال بعد الإشارة إلى ما يترتب على الخلاف: بتقديم بينة
الخارج أو الداخل من الحكم لكل بما في يد الآخر على الأول وبما في يده
على الثاني (فيكون بينهما نصفين) على التقديرين، سواء أقاما بينة أو لم
يقيما بينة، ويكون لكل منهما اليمين على صاحبه، فإن حلفا أو نكلا فالحكم
كما تقدم، وإن حلف ونكل الآخر قضى بها للحالف، انتهى (2).
ولكن هذا منه غريب، سيما مع أن دأبه ذكر الخلاف حيث كان، فإن
الخلاف في ذلك - كما عرفته - مشهور، سيما وأن عدم الإحلاف أيضا
مشهور، ومع ذلك فلزومه وعدمه يترتبان على الخلاف الذي ذكره، بل هما
العمدة في ثمرة ما رتبه عليه، وإلا فمجرده ليس ثمرته وإنما هو مجرد
اختلاف عبارة، بأن على القول بالقضاء للخارج يحكم لكل بما في يد
الآخر، وعلى القول الأول يحكم له بما في يده، وهو ليس بثمرة معنوية
حقيقة، لثبوت النصف لكل منهما على التقديرين كما ذكره.
وبما ذكرناه من كون الإحلاف وعدمه ثمرة ذلك الاختلاف صرح
جمع من الأصحاب ومنهم ابن فهد في المهذب، حيث قال: فإن أقاما
بينتين نظر إلى أعدلهما فأكثرهما ورجح به، فإن تساويا فيهما قضى
لكل منهما بما في يده على القول بالقضاء لصاحب اليد كمذهب الخلاف،
وبما في يد صاحبه كمذهب النهاية وكتابي الأخبار، وتظهر الفائدة في

(1) عدة الأصول 1: 380.
(2) التنقيح 4: 281.
219

ضم اليمين إن حكمنا بتقديم بينة الداخل، لأن الظاهر تساقط البينتين
مع تعارضهما، ويقضي للداخل، لأنه الأصل، فيتوجه اليمين عليه، لدفع
دعوى المدعي وإن قلنا يقضي له بما في يد صاحبه لا يتوجه على أحدهما
يمين، لأن القضاء له مستند إلى بينة، وهي ناهضة بثبوت الحق، فتستغنى عن
اليمين انتهى (1).
وظاهره تعين اليمين على القول بتقديم الداخل، لما وجهه به من التساقط.
وفيه نظر، يظهر وجهه مما مر من احتمال عدم اليمين على هذا القول
أيضا إذا وجه التنصيف، بأن مع كل منهما مرجحا إلى آخر ما مضى. فتأمل
جدا. مع أنه حكى في المسالك (2) وغيره قولا.
واعلم أن ظاهر إطلاق عبارة العماني بلزوم القرعة وتقديم من أخرجته
يقتضي جريان خلافه السابق هنا أيضا، ونحوه إطلاق مستفيضة. وجوابهما
يعلم مما مضى.
(ولو كان المدعى به في يد ثالث) خارج عنهما (قضى بالأعدل) أي
بأرجح البينتين عدالة (ف‍) إن تساويا فيها قضى ل‍ (لأكثر) منهما شهودا
(فإن تساويا عدالة وكثرة أقرع بينهما، فمن خرج اسمه أحلف وقضى له)
بتمام المدعى به (ولو امتنع) عن الحلف (أحلف الآخر) وقضى له بتمامه
(ولو امتنعا) معا عنه (قسم) المدعى به (بينهما) على الأشهر الأقوى،
بل عليه عامة متأخري أصحابنا، وفاقا للنهاية (3) وكتابي الحديث (4)

(1) المهذب البارع 4: 494.
(2) المسالك 14: 81.
(3) النهاية 2: 75.
(4) الاستبصار 3: 42، ذيل الحديث 13، التهذيب 6: 237، ذيل الحديث 14.
220

وموضع من الخلاف (1) والحلبي (2) والقاضي (3) والحلي (4) وابن حمزة (5)
ويحيى بن سعيد (6) وابن زهرة (7) العلوي، مدعيا الإجماع عليه. وهو الحجة
الجامعة بين النصوص المختلفة، المتقدم إليها الإشارة. الدال بعضها على
اعتبار الأكثرية بقول مطلق، كالصحيح: أن عليا (عليه السلام) أتاه قوم يختصمون في
بغلة فقامت لهؤلاء البينة أنهم انتجوها على مذودهم لم يبيعوا ولم يهبوا
وقامت لهؤلاء البينة بمثل ذلك، فقضى بها لأكثرهم بينته واستحلفهم (8)،
الخبر.
وجملة منها باستعمال القرعة كذلك.
ففي الصحيح: عن رجلين شهدا على أمر وجاء آخران فشهدا على غير
ذلك فاختلفوا، فقال: يقرع فأيهم قرع فعليه اليمين، وهو أولى بالحق (9).
ونحوه الخبر الصحيح: في شاهدين شهدا على أمر واحد وجاء آخران
فشهدا على غير الذي شهد الأولان فاختلفوا، قال: يقرع بينهم، فمن قرع
عليه اليمين فهو أولى بالقضاء (10).
وفي الموثق (11) وغيره (12): أن رجلين اختصما إلى علي (عليه السلام) في دابة
فزعم كل واحد منهما أنها نتجت على مذوده وأقام كل واحد منهما بينة
سواء في العدد فأقرع بينهما سهمين فعلم السهمين كل واحد منهما بعلامة.
ثم قال: اللهم رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع ورب العرش

(1) الخلاف 6: 337، المسألة 10.
(2) الكافي في الفقه 439 - 440.
(3) المهذب 2: 578.
(4) السرائر 2: 169.
(5) الوسيلة 224.
(6) الجامع للشرائع 532.
(7) الغنية 443 - 444.
(8) الوسائل 18: 181 - 186، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1، 11، 6،
12، 15.
(9) الوسائل 18: 181 - 186، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1، 11، 6،
12، 15.
(10) الوسائل 18: 181 - 186، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1، 11، 6،
12، 15.
(11) الوسائل 18: 181 - 186، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1، 11، 6،
12، 15.
(12) الوسائل 18: 181 - 186، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1، 11، 6،
12، 15.
221

العظيم، عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم أيهما كان صاحب الدابة وهو
أولى بها فأسألك أن يقرع ويخرج سهمه فخرج سهم أحدهما، فقضى له بها.
إلى غير ذلك من النصوص بحمل هذه على الصورة الأخيرة من تساوي
البينتين في العدالة والكثرة، كما تشعر به الروايتان الأخيرتان ولو في الجملة.
وأظهر منهما إشعارا، بل ربما كان دليلا الخبر: كان علي (عليه السلام) إذا أتاه
رجلان ببينة شهود عددهم سواء وعدالتهم أقرع بينهم على أيهم يصير
اليمين، قال: وكان يقول: اللهم رب السماوات أيهم كان الحق له فأده إليه، ثم
يجعل الحق للذي يصير إليه اليمين (1).
وهو وإن لم يستفد منه الترتيب بين الأعدلية والأكثرية لكنه محمول
عليه بقرينة الإجماع، المتقدم إليه الإشارة، فإنه الجامع بين اختلاف ما مر
من النصوص. وكذا كثير من فتاوى القدماء المختلفة في الترجيح بالأعدلية
والأكثرية، والرجوع بعد التساوي فيهما إلى القرعة.
فبين من اقتصر على اعتبار الأعدلية خاصة كالمفيد (2)، ومن اقتصر
على اعتبار الأكثرية كذلك كالإسكافي (3) والصدوقين. نعم ذكرا قبل
اعتبارهما أن أحق المدعيين من عدل شاهداه، فإن استوى الشهود في
العدالة فأكثرهما شهودا (4). وهو ليس نصا في اعتبار الأعدلية وإن كان له
محتملا.
وبين من اقتصر على اعتبارهما خاصة ولم يذكر الترتيب بينهما ولا
القرعة بعدهما كالشيخ في موضع من الخلاف قائلا إنه الظاهر من مذهب

(1) الوسائل 18: 183، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 5.
(2) المقنعة 730.
(3) المختلف 8: 371.
(4) الفقيه 3: 65، الحديث 3345.
222

الأصحاب (1)، ومن اقتصر على ذكر المرجح مطلقا له من دون بيان له ولا
ذكر القرعة كالديلمي (2) والشيخ في موضع من الخلاف، لكنه ذكر القرعة بعد
العجز عن الترجيح مدعيا عليه إجماع الإمامية (3).
وبين من فصل بعين ما في العبارة لكن مقدما للأكثرية على الأعدلية
كالحلي في السرائر (4)، وعزاه إلى ظاهر الأصحاب، مشعرا بدعوى الإجماع
عليه.
وبين من اقتصر على القرعة خاصة كالعماني (5).
والإنصاف أن الجمع بين هذه الفتاوى المختلفة والنصوص أيضا
بالإجماع المزبور لا يخلو عن إشكال، سيما مثل فتوى الحلي والعماني، فإن
سياق عبارته كالصريح في المنع عن القضاء بينهما بالسوية ولو بعد نكولهما
عن الحلف بعد القرعة.
فإنه قال بعد الحكم بها: وزعم بعض العامة أن المدعيين إذا أقام كل
واحد منهما شاهدي عدل على شئ واحد له دون غيره حكم بينهما
بنصفين، فيقال لهم: أكتاب الله تعالى حكم بذلك أم سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أم
بإجماع؟ فإن ادعوا الكتاب فالكتاب ناطق بالرد عليهم، وإن ادعوا السنة
فالسنة بالقرعة مشهورة بالرد عليهم، وإن ادعوا الإجماع كفوا الخصم
مؤنتهم، يقال لهم: أليس إذا أقام كل واحد منهما شاهدي عدل في دار أنها له
فشهود كل واحد منهما يكذب شهود الآخر، والعلم يحيط بأن إحدى
الشهداء كاذبة والأخرى صادقة، فإذا حكمنا بالدار بينهما نصفين فقد أكذبنا

(1) الخلاف 6: 333، المسألة 4.
(2) المراسم 234.
(3) الخلاف 6: 337، المسألة 10.
(4) السرائر 2: 169.
(5) المختلف 8: 370.
223

شهودهما جميعا، لأن كل واحد يشهد شهوده بالدار كلها دون الآخر، فإذا
كانت إحدى الشهود كاذبة والأخرى صادقة فيجب أن تسقط أحدهما، لأنه
لا سبيل إلى الحكم فيما شهدوا إلا بإلقاء أحدهما، ولم يوجد إلى إلقاء واحد
منهما سبيل إلا بالقرعة (1).
واستدلاله - كما ترى - يمنع عن القضاء بينهما بالتنصيف بسبب البينتين
مطلقا، لمنافاته لشهادة كل منهما وتضمنه إسقاطهما، وهو يشمل التنصيف
في الصورة التي نحن فيها.
إلا أن يقال: باستناد التنصيف فيها إلى تعارض البينتين وتساقطهما، مع
عدم إمكان ترجيح إحداهما على الأخرى بالقرعة ونحوها، فتكون
كالصورة التي وقع النزاع ولا بينة فيها أصلا، ولا كذلك التنصيف قبل القرعة،
لعدم تساقطهما، لإمكان ترجيح إحداهما بها.
هذا، مع عدم تمكن العماني عن منع التنصيف بعد القرعة ونكولهما عن
الحلف، كما لا يخفى. فتأمل.
وكيف كان فلا ريب في شهرة ما في العبارة من التفصيل على الظاهر
المصرح به في المسالك (2) والكفاية (3)، فيعضد بها الإجماع المتقدم إليه
الإشارة، مضافا إلى اعتضاده بالإجماعات الظاهرة من عبارة الشيخ والحلي
ولو في الجملة.
(و) قال الشيخ (في المبسوط): إنه (يقرع بينهما إن شهدتا بالملك
المطلق، ويقسم إن شهدتا بالملك المقيد) ولو اختصت إحداهما بالمقيد
قضى بها دون الأخرى (4).

(1) المختلف 8: 371.
(2) المسالك 14: 87.
(3) كفاية الأحكام 276 س 33.
(4) المبسوط 8: 258.
224

وحجته مع شذوذه وندرته ومخالفته لما مر من الحجة غير واضحة، عدا
ما في المسالك من استدلاله بالقرعة مع الشهادة بالملك المطلق بالصحيح
المصدر به أخبار القرعة.
قال بعد نقله: فحملها على ما إذا أطلقا لدلالة ظاهر الشهادة عليه (1).
أقول: وفيه نظر، وفي القسمة مع الشهادة بالملك المقيد بالموثق المتقدم
المتضمن لأن عليا (عليه السلام) اختصم إليه رجلان في دابة وكلاهما أقاما البينة أنه
أنتجها، فقضى بها للذي هي في يده، وقال: لو لم يكن في يده جعلتها بينهما
نصفين.
أقول: وهي مع قصورها عن المقاومة لما مضى قد عرفت الجواب عنها،
وعبارة العماني المتقدمة يؤيد ورودها للتقية، مضافا إلى المؤيدات المتقدم
إليها الإشارة، مع أنها معارضة بصريح الموثقة وغيرها المتقدمين في
أحاديث القرعة، لتضمنها الحكم بها مع شهادة البينتين فيها بالملك المقيد لا
مطلقا.
وفي ترجيح ذات السبب بقوتها مضافا إلى ما سبق من الأخبار الدالة
على تقديم ذات السبب.
أقول: وجه ترجيح ذات السبب غير واضح، وما سبق من الأخبار قد
سبق الجواب عنه، مع أن ظاهرها أن سبب الترجيح إنما هو اليد لا خصوص
السبب، لأن موردها تضمن البينتين إياه، فإن الترجيح فيهما لذات اليد منهما
ولو كان للسبب لكان التوقف لازما، وإنما استنبطه الأصحاب من الجمع
بينهما وبين ما دل على ترجيح بينة الخارج، كما مر.

(1) المسالك 14: 88.
225

وبالجملة لا شبهة في ضعف هذا القول (و) أن القول (الأول) بإطلاق
القرعة (أشبه) وأشهر، لما مر.
ووجه الأشبه في التنقيح (1) وشرح الشرائع (2) للصيمري بشئ آخر،
وهو إنهما بينتان تعارضتا ولا ترجيح لإحداهما على الأخرى، ولا يجوز
إبطالهما فتعين الجمع بينهما بعد القرعة واليمين.
واعلم أن ظاهر العبارة هنا وفي الشرائع (3) والإرشاد (4) والتحرير (5)
والقواعد (6) واللمعة (7) عدم اعتبار اليمين مع الترجيح بالأعدلية والأكثرية.
خلافا للصدوقين (8) والشيخ في النهاية (9) والخلاف (10) والكتابين (11)
والقاضي (12) وابن زهرة (13) فاعتبروا اليمين لكن مع الترجيح بالأكثرية
وسكتوا عن اعتبارها مع الترجيح بالأعدلية. وهو أظهر، لدعوى الأخير
والشيخ في الخلاف (14) عليه إجماع الإمامية، ويناسبه الأخبار المتقدمة
الدالة على اعتباره مع القرعة، لكن مقتضى هذا اعتبارها مع الترجيح
بالأعدلية به أيضا، كما أفتى به شيخنا في الروضة (15)، فيمكن إرجاع
كلمات القوم إلى اعتبارها مطلقا، فلا خلاف في المسألة بحمد الله سبحانه.
* * *

(1) التنقيح 4: 282.
(2) غاية المرام 187 س 20 (مخطوط).
(3) الشرائع 4: 111.
(4) الإرشاد 2: 150.
(5) التحرير 2: 195 س 14.
(6) القواعد 3: 469.
(7) اللمعة 92.
(8) الفقيه 3: 66.
(9) النهاية 2: 75.
(10) الخلاف 6: 333، المسألة 4.
(11) التهذيب 6: 238 ذيل الحديث 14، الاستبصار 3: 43 ذيل الحديث 13.
(12) المهذب 2: 578.
(13) الغنية 443 - 444.
(14) الخلاف 6: 333، المسألة 4.
(15) الروضة 3: 111.
226

رياض المسائل
كتاب الشهادات
227

(كتاب الشهادات)
جمع شهادة. وهي لغة إما من شهد بمعنى حضر، ومنه قوله سبحانه
«فمن شهد منكم الشهر» (1)، الآية، أو من شهد بمعنى علم، وعلى ذلك سمي
تعالى شهيدا، أي عليما. وشرعا قيل: إنه إخبار عن حق لازم لغيره واقع عن
غير حاكم.
وبالقيد الأخير يخرج إخبار الله تعالى ورسوله والأئمة (عليهم السلام)، وإخبار
الحاكم حاكما آخر، فإن ذلك لا يسمى شهادة (2).
والأصل فيها - بعد إجماع العلماء كافة - الآيات المتكاثرة، قال سبحانه:
«واستشهدوا شهيدين من رجالكم» (3)، وقال تعالى: «ولا تكتموا
الشهادة» (4). والنصوص بها مستفيضة، بل متواترة، تقدم إلى جملة منها
الإشارة، وسيأتي جملة اخرى منها وافرة في تضاعيف الأبحاث الآتية.
وفي النبوي المشهور: أنه سئل (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الشهادة فقال للسائل: ترى
الشمس؟ قال: نعم، فقال: على مثلها فاشهد أو دع (5).

(1) البقرة: 185 - 283.
(2) المسالك 14: 153.
(3) البقرة: 185 - 283.
(4) البقرة: 185 - 283.
(5) الوسائل 18: 250، الباب 20 من أبواب الشهادات، الحديث 3.
229

(والنظر) في هذا الكتاب يقع (في أمور أربعة):
(الأول في) بيان
(صفات الشاهد) المعتبرة فيه
(وهي ستة):
(الأول: البلوغ) بلا خلاف فيه في الجملة، وبه صرح في الغنية مطلقا،
ولكن قال فيما بعد: ويقبل شهادة الصبيان في الشجاج والجراح خاصة إذا
كانوا يعقلون ذلك، ويؤخذ بأول أقوالهم، ولا يؤخذ بآخرها بدليل إجماع
الطائفة (1).
هذا، مضافا إلى ما ستقف عليه في الإجماعات المحكية.
(فلا تقبل شهادة الصبي) الغير المميز إجماعا، كما في الإيضاح (2)
والدروس (3) والمسالك (4). وكذا المميز (ما لم يصر مكلفا) بالبلوغ بلغ
عشرا أم لا.
إجماعا في الثاني إذا شهد في غير الجنايات، كما في الإيضاح (5)
والمهذب (6) وشرح الشرائع (7) للصيمري. وكذا إذا شهد فيها عند معظم
الأصحاب على الظاهر المصرح به في المهذب، بل يظهر من التنقيح عدم
الخلاف فيه، حيث حمل إطلاق بعض النصوص الدال على قبول شهادته
على ما إذا بلغ عشرا، قال: إذ لا قائل بقبولها لدون العشر (8)، ولكن في
الكتب الثلاثة المتقدمة - المحكي فيها الإجماع في المسألة السابقة - حكي

(1) الغنية 440.
(2) الإيضاح 4: 417.
(3) الدروس 2: 123.
(4) المسالك 14: 154.
(5) الإيضاح 4: 417.
(6) المهذب البارع 4: 507.
(7) غاية المرام 269 س 6 (مخطوط).
(8) التنقيح 4: 285 - 286.
230

الخلاف هنا عن ظاهر الخلاف والإسكافي، حيث أطلقا القول بقبول شهادته
في الجراح من دون تقييد بالعشر.
والأصح ما عليه الأكثر، لما سيظهر.
وعلى الأظهر في الأول أيضا إذا كان في غير الجنايات، وهو الأشهر، بل
عليه عامة من تأخر، بل ومن سبق إلا من شذ وندر.
ويستفاد في جملة من العبارات الإجماع عليه، كما سيظهر، للأصل،
بل الأصول، مع عدم دليل يدل على القبول، عدا إطلاقات الكتاب والسنة،
وخصوص بعض النصوص، كالخبرين.
في أحدهما: إذا كان للغلام عشر سنين جاز أمره وجازت شهادته (1).
وفي الثاني: شهادة الصبيان جائزة ما لم يتفرقوا أو يرجعوا إلى أهلهم (2).
وفي الجميع نظر، لعدم عموم في الأول لغة ولا عرفا، بعد اختصاصه
بحكم التبادر وغيره بالبالغ من الرجال، ومع ذلك معارض بعموم كثير من
النصوص الدالة على اعتبار أمور في الشاهد، مع القطع بعدم وجود شئ
منها في الصبي بلا شبهة، وقصور سند الخبرين بالقطع في الأول، وطلحة بن
زيد العامي في الثاني، مع ضعف دلالتهما باحتمالها الحمل على القبول في
الصورة الآتية، المتفق عليها حمل المطلق على المقيد، وتضمن الأول ما لا
يقول بإطلاقه أحد من أصحابنا، واحتمال الثاني الموافقة للعامة العمياء،
بقرينة الراوي الذي مضى. ومع ذلك معارضان بإطلاق كثير من النصوص
المانعة عن القبول فيه.
كالصحيح: في الصبي يشهد على الشهادة، فقال: إن عقله حين يدرك أنه

(1) الوسائل 18: 252، الباب 22 من أبواب الشهادات، الحديث 3، 6.
(2) الوسائل 18: 252، الباب 22 من أبواب الشهادات، الحديث 3، 6.
231

حق جازت شهادته (1).
وأظهر منه القويان القريب أحدهما منه: أن شهادة الصبيان إذا شهدوا
وهم صغار جازت إذا كبروا ما لم ينسوها (2). والمراد من الكبر فيه والإدراك
في الأول بحكم التبادر، بل والاستقراء البلوغ.
وأظهر منهما الصحيح: تجوز شهادة الصبيان، قال: نعم في القتل، ويؤخذ
بأول كلامه، ولا يؤخذ بالثاني منه (3).
والخبر: عن شهادة الصبي، قال: فقال: لا إلا في القتل يؤخذ بأول كلامه،
ولا يؤخذ بالثاني (4).
وهذه النصوص أجدر بالترجيح وأولى، لوجوه شتى لا تخفى.
ومنه يظهر ضعف القول المشار إليه بقوله: (وقيل): إنه (يقبل إذا بلغ
عشرا) مطلقا في الجنايات وغيرها (وهو) مع ذلك (شاذ) متروك، كما
هنا وفي الشرائع (5) وشرحه للصيمري (6)، بحيث كاد أن يعد مخالفا
للإجماع، كما يشعر به العبارات المزبورة، مع أنه لم ينقله غير الفاضلين (7)
والشهيد (8)، وفي شرح الشرائع للصيمري عن عميد الرؤساء أنه إلى الآن لم
نظفر بهذا القول (9).
ولكن في المهذب (10) والمسالك (11) عن صاحب كشف الرموز أنه
حكاه عن الشيخ في النهاية.

(1) الوسائل 18: 251، الباب 21 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 2، 4.
(2) الوسائل 18: 252، الباب 22 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 2.
(3) الوسائل 18: 252، الباب 22 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 2.
(4) الوسائل 18: 251، الباب 21 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 2، 4.
(5) الشرائع 4: 125.
(6) غاية المرام 269 س 11 (مخطوط).
(7) التحرير 2: 207 س 26، الشرائع 4: 125.
(8) الدروس 2: 123.
(9) غاية المرام 269 س 11 (مخطوط).
(10) المهذب البارع 4: 508.
(11) المسالك 14: 157.
232

وفيه نظر، فإن الموجود في كلامه (1) حكى هذا القول، لا أنه حكاه عنه
فيها، وقد عرفت ما يصلح له دليلا، مع جوابه مفصلا. وزاد الأصحاب فذكروا
في رده وجوها.
منها: حديث رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ (2) بناء على أن في رفعه
عنه دلالة، على أنه لا عبرة بأقواله وأفعاله.
ومنها: علمه بعدم المؤاخذة له يرفع الوثوق بقوله: «فلا يحصل الظن
بصدقه»، لعدم المانع له عن الكذب حينئذ.
ومنها: أن قوله: «على نفسه لا يقبل بالإقرار فلا يقبل على غيره
بالشهادة»، بكونه أكثر شروطا، ولعدم التهمة في الإقرار وتجويزها في
الشهادة، فهو من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى.
وأكثر هذه الوجوه وإن كان لا يخلو عن نظر وجهه لا يخفى، إلا أنه
يصلح مقويا لما قدمناه في الأدلة، ومؤيدا. كل ذا في قبول شهادة الصبيان
ذوي العشر في غير الجنايات.
(واختلف عبارة الأصحاب في قبول شهادتهم في الجنايات) من
القتل والشجاج والجراح، بعد اتفاقهم على القبول فيها في الجملة، كما في
الانتصار (3) والمهذب (4) وظاهر التنقيح (5) وشرح الشرائع للصيمري (6)، بل
صريح الأخير والغنية (7)، كما عرفته، وكلام التقي المحكي في التنقيح، فإنه
قال: والقدر المجمع عليه القبول في الجراح مع بلوغ العشر ويؤخذ بأول

(1) كشف الرموز 2: 514.
(2) الوسائل 1: 32، الباب 4 من أبواب مقدمة العبادة، الحديث 11.
(3) الانتصار 505.
(4) المهذب البارع 4: 508.
(5) التنقيح 4: 285.
(6) غاية المرام 369 س 12 (مخطوط).
(7) الغنية 440.
233

كلامهم (1)، ونحوه كلام الماتن في الشرائع (2) وشيخنا في الروضة (3)،
ولكنهما زادا القيودات الآتية، ولذا نسب الماتن الاختلاف هنا وفي
الشرائع (4) إلى العبارة، وبه صرح جماعة ومنهم الصيمري في شرح الشرائع.
قال: وإنما قال المصنف: «واختلف عبارات الأصحاب في قبول
شهادتهم في الجنايات» بالجراح والقتل، لأنه لا خلاف بينهم في قبول
شهادتهم في الجملة، وإنما الخلاف في العبارات، فبعضهم قبلها في الجراح
والقصاص وهو المفيد، وبعضهم قبلها في الجراح دون القصاص وهو الشيخ
في النهاية والعلامة والشهيد، وبعضهم اشترط اجتماعهم على مباح، وبعض
لم يشترطه، وبعضهم اشترط عدم الافتراق، ولم يشترطه بعضهم (5).
وقريب منه كلام الفاضل المقداد (6) وابن فهد (7) في شرحي الكتاب،
ولكنهما [والماتن في الشرائع] (8) نقلا عن النهاية ما اختاره المفيد من إلحاق
القصاص بالجراح، وعزاه الثاني إلى الحلي أيضا، وحكى الأول ما نسبه
الصيمري إلى الشيخ في النهاية عنه في الخلاف، ونحوه الماتن في الشرائع (9)
وشيخنا في شرحه، وحكى فيه مذهب المفيد عن الأكثر.
حيث قال بعد نقل الروايتين الأخيرتين المتضمنتين لقبول شهادتهم في
القتل: ولفظ الروايتين تضمن القتل، فيمكن أن يدخل فيه الجراح بطريق
أولى، فمن ثم ذكر الأكثر القتل والجراح، ومنهم من اقتصر على الجراح
كالشيخ في الخلاف والمصنف في النافع، ولعله أراد بها ما يشمل لغة القتل،
لأن القتل هو المنصوص فيما هو مستند الاستثناء، انتهى (10).

(1) التنقيح 4: 286.
(2) الشرائع 4: 125.
(3) الروضة 3: 125.
(4) الشرائع 4: 125.
(5) غاية المراد 269 س 12 (مخطوط).
(6) التنقيح 4: 286.
(7) المهذب البارع 4: 508.
(8) الظاهر ما بين المعقوفتين زائد، لما يأتي من قوله: ونحوه الماتن في الشرائع.
(9) الشرائع 4: 125.
(10) المسالك 14: 155.
234

ومنه يظهر كون مذهب المفيد هو مختار الأكثر، بل الكل كما يفيده
توجيهه المتقدم، مع تخصيصه فيما بعد القول بالقبول في الجرح خاصة إلى
الشهيد، فإنه قال: وفي الدروس صرح باشتراط أن لا يبلغ الجراح النفس، ثم
قال: واشتراط ذلك لا يخلو عن إشكال، إلا أن يجعل مجرد الاحتياط في
النفوس وإلا فمراعاة النصوص يقتضي إدخالها وإطراحها، نظرا إلى عدم
صحتها، ومخالفتها الأصل يقتضي إخراج الجراح أيضا (1).
(و) من قوله هذا يظهر وجه النظر في مختار الماتن هنا وفي الشرائع
من أن (محصلها) الذي يعتمده وفاقا منه للخلاف (2) (القبول في الجراح)
خاصة (مع بلوغ) الصبي (العشر ما لم يختلفوا) في القول (و) لو
اختلفوا فيه (يؤخذ بأول قولهم) إذا أراد من الجراح ما يقابل القتل لا ما
يشمله، لعدم استفادته من الروايتين اللتين هما الأصل في المسألة.
اللهم إلا أن يكون المراد من قوله: محصلها، يعني القدر المتفق عليه في
تلك العبارات والمجمع عليه بيننا، ولعله الظاهر من العبارة، سيما وإن صرح
بأظهر منها على ذلك دلالة في الشرائع.
فقال بعد نقل الروايتين: والتهجم على الدماء بخبر الواحد خطر، فالأولى
الاقتصار على القبول في الجراح بالشروط الثلاثة بلوغ العشرة وبقاء
الاجتماع إذا كان على مباح، تمسكا بموضع الوفاق (3).
وهو كما ترى صريح في طرحه الروايات وأخذه بالمجمع عليه.
فما في كلام شيخنا المتقدم من أن إطراحها يقتضي إخراج الجراح أيضا
محل نظر واضح، إذ طرح الروايات يقتضي ذلك لو انحصر المستند في

(1) المسالك 14: 155.
(2) الخلاف 6: 270، المسألة 20.
(3) الشرائع 4: 125.
235

مخالفة الأصل فيها، وقد عرفت من كلام الماتن استناده إلى الإجماع
الذي ادعاه.
فالإطراح حينئذ لا يقتضي إخراج الجراح أيضا، فقد يكون نظر
الدروس إلى ما ذكر الماتن.
والعجب من شيخنا (1) كيف نسب مختار الخلاف إلى الماتن هنا خاصة،
مع أن عبارته في الشرائع كعبارته هنا [في الموافقة له] (2).
هذا، وما ذكره من عدم صحة الروايات محل نظر، فإن الرواية الأولى
صحيحة على المختار وإن كان فيه إبراهيم بن هاشم، وفاقا لجماعة من
المحققين، وحسنته كالصحيحة حجة عند المشهور، ومنهم هو أيضا في
مواضع عديدة.
وحينئذ يتوجه المصير إلى إلحاق القتل بالجراح، سيما مع كونه مذهب
الأكثر، كما ذكره هو وجمع ممن تأخر عنه، ومنهم الحلي (3)، الذي لا يعمل
بأخبار الآحاد إلا بعد احتفافها بالقرائن القطعية. فهذان معاضدان للرواية
وجابران لها، مضافا إلى اعتضادها بالرواية الثانية.
وبهما مضافا إلى الإجماعات المحكية تجمع بين الروايات والأدلة
المتقدمة المختلفة.
ومنه يظهر ضعف ما عليه فخر الإسلام من عدم قبول شهادتهم
مطلقا (4)، تمسكا ببعض الوجوه التي قدمناها، وبندرته والإجماع على
خلافه صرح في المهذب (5) وشرح الشرائع للصيمري (6). وليس في مختاره

(1) المسالك 14: 155.
(2) ما بين المعقوفتين غير موجود في المخطوطات.
(3) السرائر 2: 136.
(4) الإيضاح 4: 417.
(5) المهذب البارع 4: 510.
(6) غاية المرام 269 س 14 - 16 (مخطوط).
236

احتياط، بعد قيام الأدلة القاهرة على خلافه، بل يجب المصير إلى ما اقتضته
حذرا من ضياع حق المجني عليه. فتأمل.
نعم الأحوط الأخذ بالمتفق عليه خاصة دون غيره مما اختلف فيه، وهو
ما ذكره الماتن في الشرائع (1) والفاضل في جملة من كتبه (2) والشهيدين في
الدروس (3) واللمعتين (4) من اعتبار قيود أربعة، بلوغ العشر، والاجتماع
لمباح، وكون الحكم في الجراح والشجاج دون النفس.
(و) ما (شرط الشيخ في الخلاف) من (أن لا يفترقوا) ويرجعوا
إلى أهلهم بعد الفعل المشهود به إلى أن يؤدوا الشهادة (5)، سيما مع دلالة
الرواية المقطوعة المتقدمة، ونفي الخلاف المتقدم عن التنقيح على القيد
الأول، وفحوى ما دل على اعتبار العدالة في البالغين على الثاني، والاحتياط
المأمور به في صيانة النفس المحترمة عن التلف على الثالث ورواية طلحة
ابن زيد المتقدمة على الرابع.
وهذه الأدلة على اعتبار القيودات المذكورة وإن كان في صلوحها حجة،
سيما وأن يخصص بها الروايتان المتقدمتان اللتان هما الأصل في المسألة
مناقشة، إلا أنها توجب شدة الأمر في الاحتياط وقوته، سيما في مراعاة
القيد الأول، بل لا يبعد المصير إلى تعين اعتباره، لانجبار المقطوعة المتقدمة
الدالة عليه بما عرفته عن المهذب من الشهرة المحكية، بل لعلها أيضا
ظاهرة.

(1) الشرايع 4: 125.
(2) الإرشاد 2: 156، القواعد 3: 493، التحرير 2: 207 س 24.
(3) الدروس 2: 123.
(4) الروضة 3: 125.
(5) الخلاف 6: 270، المسألة 20.
237

ووجه ما ذكرناه من الاحتياط قوة الأدلة المانعة من الأصول المؤيدة
بالاعتبار، والعمومات المعتضدة بخصوص ما مر من الأخبار، وعدم
الاطمئنان التام بتخصيصها بمثل الروايتين المتقدمتين، لضعف الثانية،
وقصور الأولى عن الصحة، على الأشهر بين الطائفة، مع عدم وضوح جابر
لهما، لعدم وقوف القائلين بهما على موردهما، لكونه القبول في القتل مطلقا
غير مقيد بشئ، من القيود المتقدمة جدا.
مع أنهم أطبقوا على اعتبارها كلا أو بعضا، واختلفوا في القبول في
القتل الذي هو مورده، كما هو ظاهر الشيخين والحلي، وعدمه كما هو ظاهر
كل من اقتصر على ذكر الجراح خاصة كالتقي (1) والمرتضى وابن زهرة
والفاضلين في كتبهم المتقدمة وصريح الشهيدين في الدروس والروضة،
وظاهر الانتصار والغنية دعوى الإجماع على عدم القبول في غيرها.
ولا ريب أن المتبادر منها الجراح التي لا تؤدي إلى النفس، ولذا فهم
الفرق بينهما وبين القصاص جماعة من أصحابنا، فجعلوا القول بكل منهما
مقابلا للآخر، والقائلون باختصاص القبول بها على هذا هم الأكثر. ولازم
ذلك طرحهم الروايتين، فينعكس الجابر، سيما مع دعوى الإجماع عليه في
الانتصار والغنية.
وحينئذ فلعله يتعين الاحتياط المتقدم، كما اختاره الفاضلان والشهيدان،
اقتصارا فيما خالف الأصول القطعية على المجمع عليه المتيقن.
لكن يستفاد من سياق كلمات السيدين أنهما أرادا بالجراح ما يعم
القتل، حيث ذكرا على وجه الاستناد ما يدل عليه، فقالا: وقد اشتهر عند
الناس أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى في ستة غلمان دخلوا الماء فغرق أحدهم

(1) الكافي في الفقه 436.
238

فشهد ثلاثة منهم على اثنين أنهما غرقاه وشهد الاثنان على الثلاثة أنهم
غرقوه، أن على الاثنين ثلاثة أخماس الدية، وعلى الثلاثة الخمسان.
وعليه، فيتقوى القبول في نفس القتل أيضا.
ثم إن مقتضى الأدلة المانعة مع اختصاص الأدلة المجوزة فتوى ورواية
بالصبي خاصة عدم قبول شهادة الصبية مطلقا، وبه صرح جماعة، كالفاضل
في التحرير (1) وشيخنا في الروضة (2).
(الثاني: كمال العقل، فالمجنون لا تقبل شهادته) في شئ إجماعا
على الظاهر المصرح به في كثير من العبائر، لقوله تعالى: «ذوي عدل
منكم» (3) «وممن ترضون» (4)، وخصوص ما مر من الصحيح في شهادة
الصبي إن عقله حين يدرك أنه حق جازت شهادته (5).
(ومن يناله الجنون) ويعتوره (أدوارا) في وقت دون وقت (يقبل)
شهادته (في حال الوثوق، باستكمال فطنته) وكمال عقله بلا خلاف فيه
أيضا، على الظاهر المصرح به في بعض العبائر، لعموم الأدلة، وزوال المانع،
وذكر المتأخرون من غير خلاف بينهم أجده أن في حكمه المغفل الذي لا
يحفظ ولا يضبط، ويدخل فيه التزوير والغلط وهو لا يشعر، لعدم الوثوق
بقوله، وكذا من يكثر غلطه ونسيانه، ومن لا ينتبه لمزايا الأمور وتفاصيلها،
إلا أن يعلم عدم غفلته فيما يشهد به، وعلى الحاكم التفتيش عن حال من
هذه صفته إلى أن يغلب على ظنه علمه وتفطنه. ووجهه واضح.
وفي الخبر: عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله تعالى: «ممن ترضون

(1) التحرير 2: 207 س 27.
(2) الروضة 3: 125.
(3) الطلاق: 2.
(4) البقرة: 282.
(5) الوسائل 18: 251، الباب 21 من أبواب الشهادات، الحديث 1.
239

من الشهداء»، قال: ممن ترضون دينه وأمانته وصلاحه وعفته وتيقظه فيما
يشهد به وتحصيله وتمييزه، فما كل صالح مميز محصل، ولا كل محصل
مميز صالح (1).
(الثالث): الإسلام: فلا تقبل شهادة الكافر بأقسامه مطلقا، إلا فيما
سيستثنى بالإجماع والكتاب والسنة المستفيضة، بل المتواترة، تقدم بعضها،
وسيأتي جملة اخرى منها وافرة.
والمعروف من مذهب الأصحاب اشتراط (الإيمان) أيضا أي كونه
اثني عشريا، بل في التنقيح (2) والمهذب (3) وشرح الشرائع للصيمري (4)
والمسالك (5) وشرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي (6) (رحمه الله) الإجماع عليه.
وهو الحجة; مضافا إلى الأصل، وعدم دليل على قبول شهادة غير المؤمن،
لاختصاص إطلاقات الكتاب والسنة بقبول شهادة المسلم بحكم التبادر
وغيره بالمؤمن دون غيره، سيما نحو رجالكم، و «ممن ترضون من
الشهداء» (7)، بناء على مذهب الإمامية من اختصاص الخطابات الشفاهية
بالمخاطبين بها دون غيرهم، وليس المخالف بموجود زمن الخطاب جدا.
هذا، وعلى تقدير العموم فلا ريب أن التقييد بمن ترضون يدفع احتمال
دخول المخالف، بناء على ما عرفت في الرواية السابقة المفسرة له بمن
ترضون دينه وأمانته. ولا ريب أنه ليس بمرضي الدين. هذا كله على تقدير
القول بإسلامه حقيقة.

(1) الوسائل 18: 295، الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 23.
(2) لم نجد التصريح به، راجع التنقيح 4: 287.
(3) المهذب البارع 4: 510 - 511.
(4) غاية المرام 188 س 22.
(5) المسالك 14: 160.
(6) مجمع الفائدة 12: 298.
(7) البقرة: 282.
240

وأما على القول بكفره - كما هو مختار كثير من قدماء الأصحاب ومنهم
الحلي (1) مدعيا الإجماع عليه - فلا إشكال في عدم قبول شهادته لكفره،
فلا يدخل في إطلاق ما دل على قبول شهادة المسلم.
ثم على تقدير الدخول فيه فهو معارض بإطلاق ما دل على عدم قبول
شهادة الكافر، بناء على إطلاق الكفر عليهم في الأخبار المستفيضة، بل
المتواترة (2) المقتضي كونه، إما كافرا حقيقة كما هو رأي بعض الأصوليين،
أو مشاركا له في أحكامه التي منها عدم قبول الشهادة.
وعلى تقدير التعارض الإطلاقين والتساقط في البين فالرجوع إلى حكم
الأصل متعين.
وأما الصحيح: «قلت للرضا (عليه السلام): رجل طلق امرأته وأشهد شاهدين
ناصبيين، قال: كل من ولد على الفطرة وعرف بالصلاح في نفسه جازت
شهادته» (3) فهو وإن توهم منه قبول شهادة من هو عدل في مذهبه من أهل
الإسلام، إلا أنه مضعف بأن ظاهره على التوهم المزبور قبول شهادة
الناصبي، وهو خلاف الإجماع المنعقد على كفره بالكفر المقابل للإسلام.
ومع ذلك فاشتراط الصلاح فيه يدفع احتمال دخول المعاند، لفساده
بفسقه، الناشئ من حكمه بالباطل وغير ما أنزل الله تعالى، فيشمله قوله
سبحانه: «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون» (4)، إلى غير ذلك
من الآيات المحكوم فيها بكفره وظلمه أيضا، وبفسقه صرح جماعة من
الأصحاب هنا، حيث استدلوا لاعتبار الإيمان بأن غير المؤمن فاسق وظالم،

(1) السرائر 1: 356.
(2) الكافي 1: 436.
(3) الوسائل 18: 290، الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 5.
(4) المائدة: 47.
241

لاعتقاده الفاسد، الذي هو من أكبر الكبائر.
وأما الجواب عن هذا الاستدلال بأن الفسق إنما يتحقق بفعل المعصية
مع اعتقاد كونه معصية لا مع اعتقاد كونه طاعة والظلم إنما يتحقق بمعاندة
الحق مع العلم به فحسن إن اختير الرجوع في بيان معنى الفسق والظلم إلى
العرف، حيث إن المتبادر منهما مدخلية الاعتقاد في مفهومهما.
وأما إن اختير الرجوع إلى اللغة فمنظور فيه، لعدم مدخلية الاعتقاد في
مفهومهما فيها، فتأمل جدا.
هذا، ويستفاد من بعض الروايات - كما قيل - رد شهادة بعض المخالفين
في أصول العقائد (1)، وفي القوي: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان لا يقبل شهادة
فحاش، ولا ذي مخزية في الدين (2).
وبالجملة لا ريب في اعتبار هذا الشرط أيضا.
(فلا تقبل شهادة غير الإمامي) مطلقا على مسلم أو غيره أو لهما
قطعا، إلا في صورة خاصة، أشار إليها بقوله: (وتقبل شهادة الذمي) العدل
في دينه (في الوصية) بالمال (خاصة مع عدم المسلم) بإجماعنا الظاهر
المستفيض النقل في كثير من العبائر.
(و) لكن (في اعتبار الغربة) حينئذ (تردد) واختلاف بين
الأصحاب.
فبين معتبر لها كالإسكافي (3) والحلبي (4) صريحا، والشيخ في المبسوط (5)
وابن زهرة في الغنية (6) ظاهرا، وربما يفهم منهما كونه إجماعيا بيننا.

(1) مفاتيح الشرائع 3: 278.
(2) الوسائل 18: 278، الباب 32 من أبواب الشهادات، الحديث 1.
(3) المختلف 8: 505 - 507.
(4) الكافي في الفقه 436.
(5) المبسوط 8: 187.
(6) الغنية 440.
242

وناف لاعتبارها كعامة متأخري أصحابنا، وفاقا منهم لظواهر أكثر
القدماء كالشيخين في المقنعة (1) والنهاية (2) والعماني (3) والديلمي (4)
والقاضي (5) والحلي (6). وربما ظهر من الفاضلين في الشرائع (7) والتحرير (8)
انعقاد الإجماع عليه، حيث قالا: وباشتراط الغربة رواية مطرحة، وأشار
بالرواية إلى الخبر القاصر السند بالجهالة.
وفيها: وإنما ذلك إذا مات الرجل المسلم في أرض غربة وطلب رجلين
مسلمين ليشهدهما على وصيته فلم يجد مسلمين أشهد على وصيته رجلين
ذميين من أهل الكتاب مرضيين عند أصحابهم (9). وقريب منها الآية (10)،
وأكثر النصوص الواردة في المسألة، لتضمنها اشتراط الغربة.
ومنها يظهر أحد وجهي التردد. والوجه الآخر قوة احتمال ورود الحصر
والشرط مورد الغالب، فلا عبرة بمفهومهما، مع إطلاق كثير من النصوص، بل
وعموم جملة معتبرة منها، لتضمنها التعليل بأنه لا يصلح ذهاب حق
أحد (11)، ومفهوم التعليل يتعدى به الحكم إلى غير مورده، ويعارض به
مفهوم الحصر والشرط ولو سلم عدم ورودهما مورد الغالب.
وحيث إن التعارض بينهما من باب التعارض الذي يمكن معه رفع اليد
عن ظاهر أحدهما بالآخر وجب المصير إلى الترجيح، وهو من جهة الشهرة

(1) المقنعة 727.
(2) النهاية 2: 62.
(3) المختلف 8: 505 - 507.
(4) المراسم 233.
(5) المهذب 2: 120 - 121.
(6) السرائر 2: 139.
(7) الشرائع 4: 126.
(8) التحرير 2: 208 س 2.
(9) الوسائل 13: 392، الباب 20 من أبواب الوصايا، الحديث 7.
(10) المائدة: 106.
(11) الوسائل 18: 287، الباب 40 من أبواب الشهادات، الحديث 1.
243

العظيمة، مع عموم مفهوم التعليل. والإجماع المستشعر من عبارتي
المبسوط (1) والغنية (2)، مع وهنه بكون ظاهر أكثر الأصحاب على خلافه
معارض بمثله، المستشعر من عبارتي الفاضلين (3)، مع عدم وهنه بمصير
الأكثر إلى مضمونه. وقد تقدم الكلام في المسألة مع بعض ما يتعلق بها في
أواخر كتاب الوصية.
(وتقبل شهادة المؤمن على) جميع (أهل الملل) اتفاقا على الظاهر
المصرح به في المسالك (4)، للنبوي المروي فيه وفي الخلاف (5): لا تقبل
شهادة أهل دين على غير أهل دين إلا المسلمون فإنهم عدول على أنفسهم
وعلى غيرهم (6).
ففي الصحيح: تجوز شهادة المسلمين على جميع أهل الملل، ولا تجوز
شهادة أهل الذمة على المسلمين (7).
وفي آخر: تجوز شهادة المملوك من أهل القبلة على أهل الكتاب (8).
(و) يستفاد من الأولين مضافا إلى ما تقدم من الأدلة على اشتراط
الإيمان أنه (لا تقبل شهادة أحدهم) أي أحد من أهل الملل (على مسلم،
ولا) على (غيره) مع أنه إجماعي في الحربي مطلقا، كما في الإيضاح (9)
وفي الذمي أيضا إذا كان على مسلم في غير الوصية، كما فيه (10) وفي

(1) المبسوط 8: 187.
(2) الغنية 440.
(3) الشرائع 4: 126، التحرير 2: 208 س 2.
(4) المسالك 14: 161.
(5) الخلاف 6: 274 المسألة 22.
(6) عوالي اللآلي 1: 454، الحديث 192.
(7) الوسائل 18: 284، الباب 38 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 3.
(8) الوسائل 18: 284، الباب 38 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 3.
(9) الإيضاح 4: 418.
(10) الإيضاح 4: 418.
244

التحرير (1) والمهذب (2) والمسالك (3).
وأما إذا كان على غيره، فإن كان من أهل ملته فسيأتي الكلام فيه، وإن
كان من غير ملته فمشهور بين الأصحاب، بل لا يكاد يتحقق فيه خلاف. ولا
ينقل إلا عن الإسكافي (4)، حيث ذهب إلى قبول شهادة أهل العدالة منهم في
دينه على ملته وعلى غير ملته. وهو مع شذوذه محجوج هو - كمستنده
الآتي - بما مر من الأدلة على اشتراط الإيمان، وخصوص النبوية المتقدمة،
والموثقة الآتية، ورواية اخرى معتبرة، بل محتملة للصحة: عن شهادة أهل
الملل هل يجوز على رجل من غير أهل ملتهم؟ فقال: لا، إلا أن لا يوجد في
تلك الحال غيرهم، وإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم في الوصية، لأنه
لا يصلح ذهاب حق امرئ مسلم، ولا تبطل وصيته (5).
(وهل تقبل) شهادته (على أهل ملته؟ فيه رواية بالجواز) وفيها:
عن شهادة أهل الملة، قال: فقال: لا يجوز إلا على أهل ملتهم، فإن لم تجد
غيرهم جازت شهادتهم على الوصية، لأنه لا يصلح ذهاب حق أحد (6).
وأفتى بها الشيخ في النهاية (7). واعترضها الماتن وغيره بأنها (ضعيفة)
وليس كذلك، بل هي على الأظهر الأشهر موثقة، لكنها غير مكافئة لعمومات
الأدلة على اعتبار الإسلام من الكتاب والسنة.
ومع ذلك فهي عند الشيخ القائل بها ضعيفة، لأن في سندها العبيدي،

(1) التحرير 2: 207 س 32، 208 س 2.
(2) المهذب 2: 557.
(3) المسالك 14: 161.
(4) المختلف 8: 505.
(5) الوسائل 13: 390، الباب 20 من أبواب الوصايا، الحديث 1.
(6) الوسائل 13: 391، الباب 20 من أبواب الوصايا، الحديث 5.
(7) النهاية 2: 62.
245

وهو ممن اختص بتضعيفه، فقال: إنه ضعيف استثناه أبو جعفر بن محمد بن
بابويه من رجال نوادر الحكمة، فقال: لا أروي ما يختص بروايته (1) ومع
ذلك فقد رجع عنها في المبسوط (2) والخلاف وإن اختلف مقالته فيهما، ففي
الأول: اختار المنع مطلقا، وفي الثاني: الجواز إذا اختاروا الترافع إلينا، قال:
فأما إذا لم يختاروا فلا يلزمهم ذلك (3).
واختار هذا الفاضل في المختلف، ونزل الرواية عليه، فقال معترضا
عليها: والجواب المنع عن صحة السند والقول بالموجب، كما اختاره الشيخ
في الخلاف، وهو أنه إذا ترافعوا إلينا وعدلوا الشهود عندهم فإن الأولى هنا
القبول (4).
ومال إليه الفاضل المقداد في التنقيح، فقال بعد نقله عن الخلاف:
وهذا في الحقيقة قضاء بالإقرار لما تقدم أنه إذا أقر الخصم بعدالة الشاهدين
حكم عليه (5).
أقول: وفيه نظر، إذ حكم الحاكم بشاهدين اعترف الخصم بعدالتهما
إنما هو حيث جهلها، ولم يعلم بفسقهما، وإلا فلو علم به لم يجز له
الحكم وإن اعترف الخصم بعدالتهما، وما نحن فيه من هذا القبيل، لأن
الفرض علمه بفساد مذهبهما وإيجابه فسقهما، فيكون من قبيل ما إذا
رضي الخصم من الحاكم الحكم بشهادة الفاسقين مع علمه بفسقهما، وهو
غير جائز قطعا.
(و) مما ذكرنا ظهر أن (الأشبه المنع) عن القبول مطلقا، وفاقا

(1) الفهرست 167.
(2) المبسوط 8: 187.
(3) الخلاف 6: 274، المسألة 22.
(4) المختلف 8: 506.
(5) التنقيح 4: 288.
246

للعماني (1) والمفيد في المقنعة (2) والشيخ في المبسوط (3) والحلي (4)
والقاضي (5) وبالجملة الأكثر كما في الدروس (6)، بل المشهور كما في
المسالك (7) وغيره، واختاره الفاضلان (8) والشهيدان (9) وعامة المتأخرين،
ونقله في الخلاف عن مالك والشافعي وأحمد، وعزاه فيه مختار الإسكافي
إلى أبي حنيفة والثوري (10)، وبه تشعر الصحيحة المتقدمة، من حيث
تخصيصها المنع عن قبول شهادته ب‍ «على» المسلمين خاصة، وأظهر منهما
الصحيح المروي في الفقيه.
وفيه: هل تجوز شهادة أهل الذمة على غير أهل ملتهم؟ قال: نعم إن
لم يوجد من أهل ملتهم جازت شهادة غيرهم، لأنه لا يصلح ذهاب حق
أحد (11).
ولكنهما مع ضعف دلالة الأولى غير مكافئتين لما مضى من وجوه شتى،
مع احتمالهما الحمل على التقية عن رأي أبي حنيفة، المشتهر رأيه بين العامة
في الأزمنة السابقة واللاحقة، كما عرفته، ويؤيده مصير الإسكافي (12) إليه،
كما مر غير مرة.
ومع ذلك يحتمل الثانية الاختصاص بالوصية بقرينة ما فيها من العلة
الموجودة في كثير من روايات تلك المسألة، ومنها الرواية (13) المتقدمة

(1) المختلف 8: 506 - 507.
(2) المقنعة 726.
(3) المبسوط 8: 187.
(4) السرائر 2: 140.
(5) المهذب 2: 557.
(6) الدروس 2: 124.
(7) المسالك 14: 164.
(8) المختلف 8: 506 - 507.
(9) المسالك 14: الدروس 2: 124.
(10) الخلاف 6: 274، المسألة 22، وليس فيه ذكر الإسكافي.
(11) الفقيه 3: 47، الحديث 3299.
(12) المختلف 8: 507.
(13) الوسائل 13: 390، الباب 20 من أبواب الوصايا، الحديث 1.
247

المانعة عن قبول شهادته على غير أهل ملته المستثنية من المنع صورة
الوصية خاصة، معللة بما علل به الجواز المطلق في هذه الرواية.
ومع ذلك فظاهر قوله: «إن لم يوجد» إلى آخره مخالف للإجماع إن
جعل مرجع الضمير في ملتهم وغيرهم المذكورين فيه أهل الذمة كما هو
ظاهر السياق من وجه، وإن خالف من وجه آخر كما سيظهر، لدلالته على
قبول شهادة الحربي مع فقد الذمي، وقد مر أنه خلاف الإجماع من الكل
حتى الإسكافي. وكذا إن جعل مرجع الضمير من غير أهل ملتهم المتقدم في
السؤال، لتضمنه معنى الجمعية، كما هو ظاهر سوق عبارة «إن لم يوجد» إلى
آخره، حيث لم يذكر فيها الواو. وذلك لأن مفادها حينئذ أنه إن لم يوجد من
أهل ملة غير أهل الذمة جازت شهادة غيرهم، أي أهل الذمة عليهم.
ومقتضاه اشتراط قبول شهادة كل ملة على غير أهلها، فقد شاهد عليه
من أهل ملته ولم يقل به أحد من أصحابنا حتى الإسكافي (1)، لحكمه
بالقبول مطلقا من غير تقييد بما ذكر من الشرط أصلا.
وبالجملة الظاهر ضعف هذا القول، سيما مع ظهور عبارة الخلاف بكونه
مخالفا لما اختاره أصحابنا، حيث نسب مضمون الموثقة إلى جماعة من
العامة، وقال: إنه الذي اختاره أصحابنا (2). فتأمل.
ثم إنه - كما عندنا - لا تقبل شهاداتهم على أمثالهم كذا لا تقبل لأمثالهم،
لعموم الدليل، وبه صرح الفاضل في التحرير (3) والشيخ (4) أفتى بقبول
شهاداتهم لأمثالهم، كما أفتى بقبول شهادتهم عليهم.
(الرابع: العدالة) فلا تقبل شهادة الفاسق اتفاقا، بل ضرورة بالكتاب

(1) المختلف 8: 505.
(2) الخلاف 6: 273، المسألة 22.
(3) التحرير 2: 207 س 32.
(4) النهاية 2: 62.
248

والسنة والإجماع، والنصوص به مستفيضة، بل متواترة، وقد مضى بيان
ما يتحقق به العدالة في كتاب القضاء.
وبقي الكلام في بيان ما تزول به (ولا ريب) ولا خلاف (في زوالها
بالكبائر) وقد مر من النصوص ثمة ما يدل عليه.
ومنها الصحيح: بم تعرف عدالة الرجل من المسلمين حتى تقبل شهادته
لهم وعليهم؟ فقال: بأن تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد
واللسان، وباجتناب الكبائر التي أوعد الله تعالى عليها النار من شرب الخمر
والزنا والربا وعقوق الوالدين والفرار عن الزحف وغير ذلك، الخبر (1).
وقد اختلف الفقهاء في تفسيرها اختلافا شديدا، إلا أن الذي عليه
أكثرهم - كما في التنقيح (2) - هو أنها كل ذنب توعد الله تعالى بالعقاب في
الكتاب العزيز، وهو الذي عليه المشهور من أصحابنا، كما صرح به جمع
منهم ومنهم صاحب الذخيرة (3) وبعض المتأخرين عنه (4)، وزاد الأول فقال:
ولم أجد في كلامهم اختيار قول آخر.
أقول: وهو كذلك، ولذا نسبه الصيمري (5) إلى أصحابنا بصيغة الجمع
المضاف المفيد للعموم، مشعرا بدعوى الإجماع عليه، وبه تشعر الصحيحة
السابقة، ونحوها صحيحة اخرى في تفسير «ومن يؤت الحكمة فقد أوتي
خيرا كثيرا»، قال: معرفة الإمام، واجتناب الكبائر التي أوعد الله تعالى عليها
النار (6). وهو مع ذلك ظاهر كثير من المعتبرة المستفيضة، بل صريحها.

(1) الوسائل 18: 288، الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 1.
(2) التنقيح 4: 291.
(3) ذخيرة المعاد 304 س 19.
(4) الحدائق 10: 46.
(5) غاية المرام 189 س 9 (مخطوط).
(6) الوسائل 11: 249، الباب 45 من أبواب جهاد النفس، الحديث 1.
249

ففي الصحيح: عن الكبائر كم هي وما هي؟ فكتب: الكبائر من اجتنب
ما أوعد الله تعالى عليه النار كفر عنه سيئاته إذا كان مؤمنا والسبع الموجبات:
قتل النفس الحرام، وعقوق الوالدين، وأكل الربا، والتعرب بعد الهجرة، وقذف
المحصنة، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف (1).
وفيه: الكبائر سبع: قتل المؤمن متعمدا، وقذف المحصنة، والفرار من
الزحف، والتعرب بعد الهجرة، وأكل مال اليتيم ظلما، وأكل الربا بعد البينة،
وكل ما أوجب الله عليه النار، الخبر (2).
وفي الخبر: عن الكبائر، فقال: ما أوعد الله تعالى عليه النار (3).
وفي آخر: في قول الله تعالى: «إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه» الآية،
الكبائر التي أوجب الله تعالى عليها النار (4). إلى غير ذلك من النصوص
الكثيرة.
وفي الصحيح: هي في كتاب علي (عليه السلام) سبع: الكفر بالله، وقتل النفس،
وعقوق الوالدين، وأكل الربا بعد البينة، وأكل مال اليتيم ظلما، والفرار من
الزحف، والتعرب بعد الهجرة (5).
وعن مولانا الرضا (عليه السلام) في رسالة إلى المأمون: هي قتل النفس التي حرم
الله، والزنا، والسرقة، وشرب الخمر، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف،
وأكل مال اليتيم ظلما، وأكل الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما أهل به لغير
الله من غير ضرورة، وأكل الربا بعد البينة، والسحت، والميسر وهو القمار،
والبخس في المكيال والميزان، وقذف المحصنات، واللواط، وشهادة الزور،

(1) الوسائل 11: 252، الباب 46 من أبواب جهاد النفس، الحديث 1، 6، 4.
(2) الوسائل 11: 252، الباب 46 من أبواب جهاد النفس، الحديث 1، 6، 4.
(3) المصدر السابق الباب 45، الحديث 5، 2.
(4) المصدر السابق الباب 45، الحديث 5، 2.
(5) الوسائل 11: 252، الباب 46 من أبواب جهاد النفس، الحديث 1، 6، 4.
250

واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، ومعونة
الظالمين، والركون إليهم، واليمين الغموس، وحبس الحقوق من غير عسر،
والكذب، والكبر، والإسراف، والتبذير، والخيانة، وكتمان الشهادة،
والاستخفاف بأولياء الله تعالى، والاستخفاف بالحج، والاشتغال بالملاهي،
والإصرار على الصغائر من الذنوب (1).
ووجه الجمع بين الأخبار السابقة وهذه الأخبار ونحوها المتوهم
تعارضها لها، من حيث تضمن هذه تعداد الكبائر وحصرها في عدد
مخصوص من سبع كما في الأول ونحوه، أو ما زاد كما في الباقي، وهو
مناف لما تضمنته تلك: من أنها ما أوجب الله تعالى عليه النار، وهو يزيد عن
الأفراد المعدودة في هذه النصوص وترتقي إلى سبعمائة، كما عن ابن
عباس (2) وتبعه من الأصحاب جماعة ما ذكره بعض الأصحاب، من أنه
يجوز أن يكون مراتب الكبائر مختلفة، بأن يكون السبع أكبر من الباقي (3).
أقول: ويعضده بعض الصحاح المتقدمة المتضمنة: لأنها سبع، بعد الحكم
فيه بأنها ما أوجب عليه النار.
وأظهر منه الخبر: أن أكبر الكبائر سبع: الشرك بالله العظيم، وقتل النفس
التي حرم الله تعالى إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وعقوق الوالدين، وقذف
المحصنات، والفرار من الزحف، وإنكار ما أنزل الله تعالى عز وجل (4).
هذا، ويحتمل حمل الأخبار الأخيرة المتضمنة للتعداد على التمثيل
لا الحصر، ويؤيده اختلافها في بعض الأفراد المعدودة فيها.

(1) الوسائل 11: 260، الباب 46 من أبواب جهاد النفس، الحديث 33.
(2) التنقيح 4: 292.
(3) الحدائق 10: 49.
(4) الوسائل 11: 257، الباب 46 من أبواب جهاد النفس، الحديث 20.
251

(وكذا) لا ريب (في) زوالها ب‍ (الصغائر) وهي ما عدا الكبائر إذا
كان (مصرا) عليها، ولا خلاف فيه أيضا، فإن الإصرار عليها يلحقها
بالكبائر، ولذا ورد: لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار (1).
واختلفوا في المراد من الإصرار على أقوال:
فقيل: هو الإكثار منها، سواء كان من نوع واحد، أو من أنواع مختلفة.
وقيل: المداومة على نوع واحد منها.
وقيل: يحصل بكل منهما (2).
ونقل بعضهم قولا: بأن المراد به عدم التوبة (3).
وضعفه جماعة من المحققين، مع أنه ورد في النصوص ما يدل عليه،
كالخبر: في قول الله عز وجل: «ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون»، قال:
الإصرار أن يذنب الذنب فلا يستغفر ولا يحدث نفسه بتوبة (4).
ولعله لضعف السند، مع مخالفته لما يستفاد من كلام جماعة من أهل
اللغة من كون المراد بالإصرار المداومة عليه أو العزم على المعاودة، قال
الجوهري: أصررت على الشئ إذا أقمت ودمت عليه، وقال ابن الأثير: أصر
على الشئ يصر إصرارا إذا لزمه وداومه وثبت عليه، وقال: أصر على الأمر
لزم، وقريب منه كلام ابن فارس في الجمل.
وقسم الشهيد الإصرار إلى فعلي وحكمي، فالفعلي هو الدوام على نوع
واحد من الصغائر بلا توبة أو الإكثار من جنس الصغائر بلا توبة، والحكمي
هو العزم على فعل تلك الصغيرة بعد الفراغ منها (5).

(1) الوسائل 11: 268، الباب 48 من أبواب جهاد النفس، الحديث 3 و 4.
(2) المسالك 14: 168.
(3) ذخيرة المعاد 305 س 3.
(4) الوسائل 11: 268، الباب 48 من أبواب جهاد النفس، الحديث 3 و 4.
(5) القواعد والفوائد 1: 227.
252

وقد ارتضاه جماعة من المتأخرين كشيخنا الشهيد الثاني في
المسالك (1) والروضة (2) والفاضل المقداد في كنز العرفان (3)، والنص خال
عن بيان ذلك، لكن المداومة على نوع واحد من الصغائر والعزم على فعل
تلك الصغيرة بعد الفراغ منها يناسب المعنى اللغوي، بل العرفي المفهوم من
الإصرار، على تأمل في الأخير.
وأما الإكثار من الذنوب وإن لم يكن من نوع واحد بحيث يكون
ارتكابه للذنب أغلب من اجتنابه عنه إذا عن له من غير توبة، فالظاهر أنه
قادح في العدالة، بلا خلاف بينهم في ذلك أجده، وبه صرح بعض الأجلة (4)،
وفي التحرير الإجماع عليه (5)، فلا فائدة في تحقيق كونه داخلا في مفهوم
الإصرار أم لا. قيل: ويفهم من عبارة جماعة كالفاضل في الإرشاد (6)
والقواعد والتحرير أنه غير داخل في معنى الإصرار (7) وعلى كل تقدير
فالمداومة على الذنب أو الإكثار منه قادح في العدالة قطعا.
وأما العزم عليه بعد الفراغ ففي كونه قادحا تأمل إن لم يكن ذلك اتفاقيا.
(أما الندرة من اللمم) وصغائر الذنوب مع عدم العزم عليها ثانيا
(فلا) تزول به العدالة على الأقوى، وفاقا للإسكافي (8) والمبسوط (9) وابن
حمزة (10) والفاضلين (11) والشهيدين (12) وغيرهم من سائر المتأخرين، بل
عليه عامتهم، لظاهر بعض الصحاح المتقدمة، المعرف للعادل بمجتنب

(1) المسالك 14: 168.
(2) الروضة 3: 130.
(3) كنز العرفان 2: 385.
(4) كفاية الأحكام 279 س 31.
(5) التحرير 2: 208 س 13.
(6) الإرشاد 2: 156.
(7) ذخيرة المعاد 305 س 8.
(8) المختلف 8: 483.
(9) المبسوط 8: 217.
(10) الوسيلة 230.
(11) الشرائع 4: 127، الإرشاد 2: 156.
(12) الدروس 2: 125، المسالك 14: 168.
253

الكبائر خاصة من دون تعرض فيه للصغائر بالمرة. وذلك بناء على الفرق
بينهما، كما سيأتي إليه الإشارة.
هذا، مضافا إلى ما ذكروه من أن زوال العدالة بمثل ذلك يوجب عدم
وجود عادل أصلا، إذ الإنسان لا ينفك عن الصغائر إلا المعصوم (عليه السلام)، وفي
ذلك تعطيل للأحكام الكثيرة المبتنية على وجود العدل، وتفويت للمنافع
العظيمة الدينية والدنيوية، وتضييع للحقوق بالكلية. وفيه من الحرج والضيق
ما لا يخفى على ذي درية، وقد قال سبحانه: «وما جعل عليكم في الدين
من حرج» (1)، وقال عز شأنه: «يريد الله بكم اليسر» (2) الآية.
خلافا للمفيد (3) والقاضي (4) والحلبي (5) والشيخ في العدة (6) وأبي علي
الطبرسي (7) والحلي (8)، فقالوا: بقدح ذلك في العدالة، بناء منهم على أن كل
ذنب كبيرة ولا صغيرة إلا بالإضافة، وظاهر الشيخ ومن ذكر بعده كونه
مجمعا عليه بين الطائفة.
وعلى هذا فلا تنافي مذهبهم الصحيحة المتقدمة. والوجه الاعتباري
المذكور بعدها قد اعترضه الحلي بأنه متجه إن لم يكن تدارك الذنب
بالاستغفار، والحال أنه ممكن به وبالتوبة.
وفي كل من البناء والاعتراض نظر.
أما الأول: فلأن الأظهر الأشهر الذي عليه عامة من تأخر انقسام الذنب إلى
كبيرة وصغيرة حقيقة، لما يظهر من الآية الكريمة «إن تجتنبوا كبائر ما تنهون

(1) الحج: 78.
(2) البقرة: 185.
(3) المقنعة 725، وليس فيها التصريح بذلك.
(4) المهذب 2: 556، وليس فيه التصريح بذلك.
(5) الكافي في الفقه 435.
(6) لم نعثر عليه.
(7) مجمع البيان 3: 38.
(8) السرائر 2: 118.
254

عنه نكفر عنكم سيئاتكم» (1) الآية، والنصوص المستفيضة، بل
المتواترة:
منها - زيادة على المستفيضة المتقدمة الدالة على تفصيل الكبائر -
الخبر: إن الأعمال الصالحة تكفر الصغائر (2).
وفي آخر: من اجتنب الكبائر كفر الله عنه جميع ذنوبه، وذلك قول الله
تعالى: «إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم
مدخلا كريما» (3).
وفي ثالث: عن قول الله عز وجل: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما
دون ذلك لمن يشاء هل يدخل الكبائر في مشيئة الله تعالى؟ قال: نعم ذاك
إليه عز وجل إن شاء عذب وإن شاء عفا (4). وقريب منه خبران آخران (5).
وتشهد له الأخبار الواردة في ثواب بعض الأعمال: إنه يكفر الذنوب
إلا الكبائر وأمثال ذلك.
وبالجملة تخصيص الكبيرة ببعض أنواع الذنوب في الأخبار أكثر من أن
تحصى، ولا معارض لها صريحا، ولا ظاهرا، عدا الإجماع المستفاد من
كلمات من تقدم، وما دل من الأخبار على أن كل معصية شديدة (6)، وأنها
قد توجب لصاحبها النار، وما دل منها على التحذير من استحقار الذنب
واستصغاره (7)، ولا شئ منهما يصلح للمعارضة.

(1) النساء: 31.
(2) لم نعثر عليه.
(3) الوسائل 11: 250، الباب 45 من أبواب جهاد النفس، الحديث 4.
(4) المصدر السابق 265 - 264، الباب 47، الحديث 7، 1، 2.
(5) المصدر السابق 265 - 264، الباب 47، الحديث 7، 1، 2.
(6) لم نعثر على ما يكون صريحا بهذا اللفظ نعم ما بمعناه كثير، الوسائل 11: 245، الباب 43 من
أبواب جهاد النفس.
(7) الوسائل 11: 245، الباب 43 من أبواب جهاد النفس.
255

أما الإجماع فبعد الإغماض عن وهنه في أمثال ما نحن فيه أنه
معارض بما مر عن الصيمري من نسبة تعريف الكبائر بما أوعد الله عليه
النار إلى الأصحاب، وهو يستلزم أن الذنوب التي لم يتوعد الله عليها بالنار
ليست كبائر عندهم، فلا يبقى بعد ذلك إلا أن يكون صغائر، مع أنه جعل هذا
القول الذي عمم فيه الكبائر لجميع الذنوب مقابلا لما نسبه إلى الأصحاب.
وعن شيخنا البهائي في الحبل المتين (1) أنه عزى المختار إلى الأصحاب،
معربا عن دعوى الإجماع عليه.
هذا، وقد عرفت استفاضة نقل الشهرة على تخصيص الكبيرة بما نسبه
الصيمري إلى الأصحاب كافة، فالإجماع المستظهر من كلامهما يترجح بها
على الإجماع المستظهر من عبائر هؤلاء الجماعة.
وأما الروايات فنحن نقول بمضمونها من أن كل ذنب شديد، لاشتراكها
في معصية الرب المجيد، إلا أن مجرد ذلك لا يوجب كون كلها كبائر بمعنى
ما توعد عليه بالنار، كما استفيد من الأخبار، مع أنها على تقدير تسليم
وضوح دلالتها لا تعارض الآيات والأخبار التي قدمنا، لاستفاضتها، بل
وتواترها واعتضادها بفتوى عامة متأخري أصحابنا، بحيث كاد أن يكون
ذلك منهم إجماعا.
وأما الثاني: فلما ذكره جماعة.
أولا: من أن التوبة متوقفة على العزم على عدم المعاودة، والعزم على
ترك الصغائر متعذر أو متعسر، لأن الإنسان لا ينفك عنه غالبا فكيف يتحقق
منه العزم على تركها أبدا، مع ما جرت من حاله وحال غيره من عدم
الانفكاك منها غالبا.

(1) لم نعثر عليه.
256

وثانيا: أنه لا يكفي في التوبة مطلق الاستغفار وإظهار الندم حتى يعلم
من حاله ذلك، وهذا قد يؤدي إلى زمان طويل يفوت معه الغرض من
الشهادة ونحوها، فيبقى العسر والحرج بحالهما.
وفي الأول: نظر، لمنع توقف التوبة على ما ذكر من العزم كما عن جمع.
قيل: وفي بعض الأخبار (1) دلالة عليه، مع أنه لو تم لزم منه عدم وجوب
التوبة عن صغائر الذنب وكباره إذا جرب الإنسان من حاله عدم الانفكاك
منها في أغلب أحواله، وهو خلاف الإجماع على الظاهر المصرح به في
كلام بعض الأصحاب.
والثاني: لعله أيضا لا يخلو عن نظر.
هذا، ولا ريب أن اعتبار ترك مطلق الذنوب أحوط، كما يستفاد من
الخبر: فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من
أهل العدالة والستر، وشهادته مقبولة وإن كان في نفسه مذنبا (2)، الحديث.
واعلم أن الماتن لم يتعرض للمروة في مزيل العدالة، مع اشتهار زوالها
بمخالفتها، إما لكونها جزء منها كما هو المشهور بينهم، أو شرطا في قبولها
كما جرى عليه جماعة.
وكأنه لم يجعل تركها قادحا فيها أو متوقفا فيها كما هو الوجه جدا،
لعدم وضوح دليل على اعتبارها.
عدا ما قيل: من أن مخالفة المروة إما لخبل ونقصان عقل، أو قلة مبالاة
وحياء، وعلى التقديرين يبطل الثقة والاعتماد على قوله، أما الخبل فظاهر،

(1) لم نعثر على قائله.
(2) الوسائل 18: 292، الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 13.
257

وأما قليل الحياء فلأن من لا حياء له يصنع ما يشاء (1)، كما ورد في
الخبر (2). وهو مستند ضعيف.
وأضعف منه ما استدل به بعض من قول مولانا الكاظم (عليه السلام): لا دين
لمن لا مروة له، ولا مروة لمن لا عقل له (3)، فإن فيه ما ذكره بعض الفضلاء
من أن استعمال المروة بالمعنى الذي ذكره الأصحاب غير معروف في
كلامهم (عليهم السلام). وحينئذ فالأظهر حمله على بعض المعاني المروية عنهم (عليهم السلام)
في تفسيرها (4).
أقول: وأشار بالمعنى المذكور لها بين الأصحاب إلى ما قالوه: من أنها
التخلق بخلق أمثاله في زمانه ومكانه، فالأكل في السوق والشرب فيها لغير
سوقي، إلا إذا غلبه العطش، والمشي مكشوف الرأس بين الناس وكثرة
السخرية والحكايات المضحكة، ولبس الفقيه لباس الجندي وغيره مما لا
يعتاد لمثله، بحيث يسخر منه، وبالعكس، ونحو ذلك يسقطها عندهم.
وبالمعاني المروية عنهم (عليهم السلام) إلى ما في بعض النصوص: من أنها إصلاح
المعيشة (5).
وما في بعض آخر ومنها: من أنها ستة، ثلاثة منها في الحضر: وهي
تلاوة القرآن، وعمارة المساجد، واتخاذ الأخوان، ومثلها في السفر: وهي
بذل الزاد، وحسن الخلق، والمزاح في غير معاصي الله سبحانه (6).
وما في ثالث: من أنها أن يضع الرجل خوانه بفناء داره (7). إلى غير ذلك.

(1) المسالك 14: 169.
(2) سنن أبي داود 4: 252، الحديث 4797، بلفظ: «إذا لم تستح فافعل ما شئت».
(3) الكافي 1: 19.
(4) الحدائق 10: 18.
(5) الوسائل 8: 319، الباب 49 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره، الحديث 9، 14، 13.
(6) الوسائل 8: 319، الباب 49 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره، الحديث 9، 14، 13.
(7) الوسائل 8: 319، الباب 49 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره، الحديث 9، 14، 13.
258

وليس في شئ من هذه المعاني المروية ما يوافق ما ذكره الأصحاب
في معنى المروة، ولا كونها معتبرا في العدالة بالكلية.
نعم ربما يشعر به بعض الروايات.
منها: من عامل الناس فلم يظلمهم وحدثهم فلم يكذبهم ووعدهم
فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروته وظهرت عدالته ووجبت أخوته وحرمت
غيبته (1).
لكن الإشعار غير كاف، سيما مع قصور السند. ولا ريب أن اعتباره
أحوط وإن كان في تعينه نظر.
(ولا يقدح) في العدالة (اتخاذ الحمام) والطيور (للأنس) بها
(وإنفاذ الكتب) وإرسالها إلى البلدان، بلا خلاف فيه على الظاهر المصرح
به في الكفاية (2). وهو الحجة; مضافا إلى الأصل، والعمومات، وفحوى ما
سيأتي من بعض المعتبرة، بل يستفاد من المعتبرة المستفيضة استحباب
اتخاذها للأنس منها: ليس من بيت فيه حمام إلا لم يصب أهل ذلك البيت
آفة من الجن إن سفهاء الجن يعبثون بالبيت فيعبثون بالحمام ويدعون
الإنسان (3). وبمعناه كثير من الأخبار.
ومنها: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فرأيت على فراشه ثلاث حمامات
خضر، فقلت: جعلت فداك هذا الحمام يقذر الفراش، فقال: لا، إنه يستحب
أن يسكن في البيت (4).

(1) الوسائل 18: 293، الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 15.
(2) كفاية الأحكام 281 س 25.
(3) الوسائل 8: 377، الباب 31 من أبواب أحكام الدواب، الحديث 8.
(4) الوسائل 8: 380، الباب 34 من أبواب أحكام الدواب، الحديث 1.
259

وكذا اقتناؤها للعب بها وإن كره عند كافة متأخري أصحابنا، وفاقا
للنهاية (1) والمبسوط (2) والقاضي (3)، وظاهر المبسوط أن عليه إجماعنا،
حيث قال: فإن اقتناءها للعب بها وهو أن يطيرها ويتقلب في السماء ونحو
هذا فإنه مكروه عندنا (4). وهو الحجة; مضافا إلى بعض ما مر من الأدلة،
وخصوص الخبر المروي في التهذيب بطريقين (5)، وفي الفقيه بطريق حسن:
عن شهادة من يلعب بالحمام، قال: لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق (6).
وقصور السند بالجهالة مجبور بعمل الطائفة، مع انجباره في الطريق
الثالث بأبان بن عثمان، الذي أجمع على تصحيح ما يصح عنه العصابة، فلا
تضر الجهالة بعده، وليس قبله سوى الوشاء، المحكوم بحسنه عند أصحابنا،
فالرواية بنفسها معتبرة.
لكن ربما يتأمل في الدلالة بما نقله بعض الأجلة من أن لعب الحمام
عند أهل مكة هو لعب الخيل (7). وعليه فيحتمل ورود الخبر على
مصطلحهم.
وربما أشعر به سياقه في الطريق الثالث، فإن فيه بعد ما مر. قلت: فإن
من قبلنا يقولون، قال عمر: هو شيطان، فقال: سبحان الله! أما علمت أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه ما خلا
الحافر والخف والريش والنصل، فإنها تحضره الملائكة، وقد سابق رسول
الله (صلى الله عليه وآله) أسامة بن زيد وأجرى الخيل (8).

(1) النهاية 2: 56.
(2) المبسوط 8: 221.
(3) المهذب 2: 557.
(4) المبسوط 8: 221.
(5) التهذيب 6: 284، الحديث 189.
(6) الفقيه 3: 48، الحديث 2303.
(7) الوسائل 13: 349، الباب 3 من أبواب أحكام السبق والرماية، ذيل الحديث 3.
(8) الوسائل 18: 305، الباب 54 من أبواب الشهادات، الحديث 3.
260

ولولا أن المراد باللعب بالحمام ما اصطلحوا عليه لما كان لرد الإمام (عليه السلام)
على «ر م ع» بقول النبي (صلى الله عليه وآله) الوارد في الرهان ولا لذكره سباقه (صلى الله عليه وآله) مع
أسامة في الخيل وجه. فتأمل.
ومع ذلك تضمن جواز المسابقة بالريش المتبادر منه الطيور، ولم
يقولوا به.
فالاستدلال به لعله لا يخلو عن إشكال، لكنه يصلح مؤيدا للدليل.
خلافا للحلي (1) فحكم بقدحه في العدالة، قال: لقبح اللعب.
وضعفوه بمنع القبح أولا. وأن الخبر المتقدم يدفعه ثانيا.
وفيه نظر، لتوجه المنع إليهما. أما الثاني: فلما مضى. وأما الأول: فلأن ما
دل على قبحه وورد بذمه من الآيات (2) والروايات (3) أظهر من أن تخفى.
فإذا ثبت القبح والذم ثبت النهي، إذ لا ذم على ما لم ينه عنه اتفاقا. ولولا
شذوذه بحيث كاد أن يعد للإجماع مخالفا لكان المصير إلى قوله: ليس بذلك
البعيد جدا.
ثم إن هذا إن لعب بها من غير رهان (وأما) اللعب بها ب‍ (الرهان
عليها فقادح) في العدالة قولا واحدا، لما مضى في كتاب السبق من
اختصاص جوازه بالخف والحافر من الحيوان (لأنه) في غيره (قمار)
منهي عنه. ولكنه ينافيه الخبر المتقدم، وأن حمل الريش فيه على السهام،
لأن فيه ريشا. وربما حمل على التقية.
وذكر شيخنا في المسالك أنه قيل: إن حفص بن غياث وضع للمهدي
العباسي في حديث: لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر قوله: «أو ريش»

(1) السرائر 2: 124.
(2) لقمان: 6.
(3) الوسائل 18: 305، الباب 54 من أبواب الشهادات.
261

ليدخل فيه الحمام تقربا إلى الخليفة، حيث رآه يحب الحمام، فلما خرج من
عنده قال: أشهد أن قفاه قفا كذاب ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أو ريش، ولكنه
أراد التقرب إلينا بذلك، ثم أمر بذبح الحمام (1).
(واللعب ب‍) النرد و (الشطرنج) والأربعة عشر (ترد به الشهادة
وكذا الغناء وسماعه والعمل بآلات اللهو) من العود والزمر (وسماعها)
بناء على حرمتها بالإجماع الظاهر والمحكي في ظاهر عبائر جمع،
والنصوص المستفيضة، بل المتواترة، وقد مر منها ما يتعلق بالغناء وسماعه
في أول كتاب التجارة.
وأما ما يتعلق بما عداه فمستفيضة أيضا.
ففي القوي: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) من اللعب بالشطرنج والنرد (2). وفي
الخبرين:
أحدهما: المرسل كالصحيح عن قول الله تعالى: «فاجتنبوا الرجس من
الأوثان واجتنبوا قول الزور»، قال: الرجس من الأوثان الشطرنج، وقول
الزور الغناء (3).
وفي كثير من النصوص عد الشطرنج والنرد من الميسر (4).
وفي آخر: من الباطل (5).
وفي القوي: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنهاكم عن الزفن والمزمار والكوبات،
والكبرات (6).
وفي الصحيح: أني أقعد مع قوم يلعبون بالشطرنج ولست ألعب بها ولكن

(1) المسالك 14: 188.
(2) الوسائل 12: 238، الباب 102، من أبواب ما يكتسب به، الحديث 9، 1، 13.
(3) الوسائل 12: 238، الباب 102، من أبواب ما يكتسب به، الحديث 9، 1، 13.
(4) الوسائل 12: 238، الباب 102، من أبواب ما يكتسب به، الحديث 9، 1، 13.
(5) الوسائل 12: 238، الباب 102، من أبواب ما يكتسب به، الحديث 9، 1، 13.
(6) المصدر السابق 233، الحديث 6.
262

أنظر، فقال: مالك ولمجلس لا ينظر الله تعالى إلى أهله (1).
وفي القريب منه بابن محبوب المجمع على تصحيح ما يصح عنه: أن
استماع اللهو والغناء ينبت النفاق في القلب، كما ينبت الماء الزرع (2).
وفي الخبر: صوت العيدان ينبت النفاق في القلب، كما ينبت الماء
الخضرة (3).
وفي آخر: من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق يروي عن الله
عز وجل فقد عبد الله عز وجل، وإن كان الناطق يروي عن الشيطان فقد عبد
الشيطان (4).
وبالجملة لا ريب في التحريم، وزوال العدالة بكل من ذلك مع الإصرار
والمداومة، وبدونهما أيضا في الغناء، للتوعد عليه بالنار في قول الله
عز وجل: «ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم
ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين» (5)، لتفسير لهو الحديث بالغناء في
النصوص المستفيضة، مع وقوع التصريح في جملة منها بكونه مما وعد الله
تعالى عليه بالنار.
ففي الخبر القريب من الصحيح بابن أبي عمير المجمع على تصحيح ما
يصح عنه: الغناء مما وعد الله تعالى عليه النار، وتلا هذه الآية: «ومن الناس
من يشتري» (6)، الآية.
وأما سماعه واستعمال آلات اللهو ففي زوال العدالة به من دون إصرار

(1) الوسائل 12: 240، الباب 103 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1.
(2) المصدر السابق، الباب 101 - 100، الحديث 1، 3، 5.
(3) المصدر السابق، الباب 101 - 100، الحديث 1، 3، 5.
(4) المصدر السابق، الباب 101 - 100، الحديث 1، 3، 5.
(5) لقمان: 6.
(6) الوسائل 12: 226، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 6.
263

إشكال، لعدم ما يدل على كونه من الكبائر، وإنما المستفاد من النصوص
مجرد النهي عنه وتحريمه من دون توعيد عليه بالنار، فهو من الصغائر
لا يقدح في العدالة إلا مع الإصرار عليها، كما مضى إليه الإشارة، وبذلك
صرح شيخنا في المسالك (1)، واستحسنه في الكفاية (2).
وربما يستفاد من إطلاق العبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة حصول
القدح في العدالة بكل ما ذكر مطلقا ولو فعل من دون إصرار ولا مداومة.
وهو مشكل، لعدم دليل على الوعد بالنار فيما عدا الغناء، كما مضى.
نعم ربما يستفاد من جملة من الأخبار التوعيد بها في اللعب بالشطرنج.
منها: أن لله تعالى في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء من النار إلا من
أفطر على مسكر أو مشاحن وصاحب شاهين، قلت: وأي شئ صاحب
الشاهين؟ قال: الشطرنج (3). ونحوه (4) غيره.
لكنها مع قصور أسانيدها جملة غير واضحة الدلالة على ما مر إليه
الإشارة، لكنها مؤيدة بالرواية المتقدمة في تعداد الكبائر، المتضمنة لرسالة
مولانا الرضا (عليه السلام) إلى المأمون، حيث قد عد منها الميسر والاشتغال
بالملاهي (5). وقد عرفت من النصوص المتقدمة كون الشطرنج والنرد من
الميسر.
ولا ريب في كونهما كاستعمال باقي آلات اللهو من الملاهي لكن تلك
الرواية والنصوص العادة لهما من الميسر غير واضحة الأسانيد، ولا معلومة
الجابر في محل البحث، عدا ما ذكره في الذخيرة في حق الرواية من أنها

(1) المسالك 14: 177.
(2) كفاية الأحكام 281 س 15.
(3) الوسائل 12: 237، الباب 102 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4، 6.
(4) الوسائل 12: 237، الباب 102 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4، 6.
(5) الوسائل 11: 260، الباب 46 من أبواب جهاد النفس، الحديث 33.
264

مروية في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) بأسانيد متعددة لا يخلو عن اعتبار (1).
وفي الاكتفاء بذلك في الاعتماد عليها هنا إشكال وإن كان الاحتياط فيه
بلا إشكال، سيما مع ورود جملة من النصوص برد شهادة المقامر واللاعب
بالنرد والشطرنج بقول مطلق.
منها: ولا تقبل شهادة شارب الخمر، ولا شهادة اللاعب بالشطرنج
والنرد، ولا شهادة المقامر (2).
ومنها: لا تقبل شهادة صاحب النرد، والأربعة عشر، وصاحب الشاهين،
الخبر (3).
ولولا قصور سندهما وقوة احتمال إرادة المصر من اللاعب بالشطرنج
والمقامر - كما هو الغالب المتبادر - لكان المصير إلى الإطلاق من اللوازم.
(و) اعلم أن من جملة آلات اللهو (الدف).
وإنما خصه الماتن بالذكر قصدا إلى استثناء صورة خاصة من الحكم
بتحريمها أشار إليها بقوله: (إلا في الإملاك) بالكسر أي العرس والزفاف
(و) في (الختان) للصبيان، فإن الدف فيهما مباح ولو على كراهة عند
الماتن هنا وفي الشرائع (4) والفاضل في الإرشاد (5) والتحرير (6) والقواعد (7)
والشهيد في الدروس (8) والمحقق الثاني (9)، كما حكي، وفاقا للمحكي عن
المبسوط (10) والخلاف (11)، مدعيا عليه الوفاق، للنبويين: أعلنوا بالنكاح،

(1) ذخيرة المعاد 304 س 43.
(2) الوسائل 18: 279 - 280، الباب 32 - 33 من أبواب الشهادات، الحديث 7، 1.
(3) الوسائل 18: 279 - 280، الباب 32 - 33 من أبواب الشهادات، الحديث 7، 1.
(4) الشرائع 4: 128.
(5) الإرشاد 2: 157.
(6) التحرير 2: 209 س 5.
(7) القواعد 3: 495.
(8) الدروس 2: 126.
(9) جامع المقاصد 4: 24.
(10) المبسوط 8: 224.
(11) الخلاف 6: 307، المسألة 55.
265

واضربوا عليه بالغربال (1)، يعني الدف. وفي الثاني: فصل ما بين الحلال
والحرام الضرب بالدف عند النكاح (2).
خلافا للحلي (3) والتذكرة (4) فمنعا عنه فيهما أيضا، عملا بالعمومات
الناهية عن اللهو مطلقا، ونفى عنه البعد في الكفاية (5).
ولا ريب أنه أحوط وإن كان في تعينه نظر، لاشتهار القول الأول فتوى،
بل وعملا أيضا. فتأمل جدا.
فينجبر به سند الخبرين جبرا يصلحان معه لتخصيص العمومات
المستدل بها على المنع، سيما مع اعتضادهما بفحوى المعتبرين، وفيهما
الصحيح المبيحين لأجر المغنية في العرائس (6)، بناء على أشدية حرمة الغناء،
لتصريح النص بكونه من الكبائر، ولا كذلك اللهو كما عرفته مما مضى.
ويجبر أخصيتهما من المدعى باختصاصهما بالنكاح دون الختان، بعدم
القائل بالفرق بينهما، سيما مع عدم تعقل الفرق، وقوة دعوى كون مناط
الجواز قطعيا مشتركا بينهما.
هذا، مع ما في مجمع البحرين من قوله: وفيه يقولون إن إبراهيم (عليه السلام)
ختن نفسه بقدوم على دف، لكنه فسره بعلى جنب، قال: والدف بالفتح
الجنب من كل شئ وصفحته، انتهى (7). وهو غير المعنى المتبادر منه عند
الإطلاق جدا، لكنه أنسب بعصمته (عليه السلام)، المانعة عن ارتكابه نحو هذا
المكروه الشديد الكراهة بلا شبهة إن لم نقل بكونه من الأمور المحرمة.

(1) سنن البيهقي 7: 290 - 289.
(2) سنن البيهقي 7: 290 - 289.
(3) السرائر 2: 215.
(4) التذكرة 1: 581 س 14.
(5) كفاية الأحكام 281 س 13.
(6) الوسائل 12: 84، الباب 15 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2، 3.
(7) مجمع البحرين 5: 59.
266

ثم إن إطلاق الخبرين - كالعبارة وغيرها - يقتضي عدم الفرق في الدف
المحلل بين كونه ذات صنج أو غيره، وقيده الشيخ (1) والمحقق الثاني (2)
بالثاني. وربما يظهر من المسالك عدم الخلاف (3) فيه. فإن تم وإلا - كما هو
الظاهر لإطلاق أكثر العبائر - فالإطلاق متعين.
والمراد بالصنج هنا ما يجعل في أطار الدف من النحاس المدورة
صغارا، كما عن المطرزي، وأما أصله فهو الذي يتخذ من صفر يضرب
أحدهما بالآخر، كما عنه وعن الجوهري، وهو من آلات اللهو.
وفي الحديث: إياك والصوانج، فإن الشيطان يركض معك والملائكة
تنفر عنك (4).
ومما يقدح في العدالة (و) ترد به الشهادة لحرمته (لبس الحرير)
المحض (للرجال) خاصة مع الاختيار بلا خلاف، بل عليه الاجماع في
المسالك (5) وغيره من كتب الأصحاب. وهو الحجة; مضافا إلى النصوص:
ومنها الحديث المشهور: أحل الذهب والحرير للإناث من أمتي، وحرام
على ذكورها (6).
وفي لفظ آخر: هذان محرمان على ذكور أمتي مشيرا إليهما (7).
وفي رواية: من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة (8).
(إلا) إذا لبسه (في الحرب) أو حال الضرورة، للنصوص المذكورة
هي وسائر ما يتعلق بالمقام في بحث لباس المصلي من كتاب الصلاة.
(و) منه (التختم بالذهب والتحلي به) بل لبسه مطلقا، كما في

(1) لم نعثر على مأخذه.
(2) جامع المقاصد 4: 24.
(3) المسالك 14: 183 - 185.
(4) مجمع البحرين 2: 313.
(5) المسالك 14: 183 - 185.
(6) سنن النسائي 8: 161.
(7) سنن ابن ماجة 2: 1189، الحديث 3595.
(8) سنن النسائي 8: 161.
267

الإرشاد (1) والقواعد (2) والدروس (3) والمسالك (4)، وظاهره عدم الخلاف
فيه، وبه صرح كثير ممن تبعه. ولعلهم فهموا من العبارة ونحوها مما خص
فيه المنع بالتختم والتحلي خاصة التمثيل لا الحصر. وهو غير بعيد.
وبه ربما يشعر بعض تلك العبارات، كعبارة التحرير، حيث قال: لبس
الحرير المحض حرام - إلى أن قال: - وكذا لبس كل محرم كالتختم بالذهب
والتحلي به (للرجال) (5) فتدبر.
والأصل في حرمته بعد الإجماع الظاهر والمحكي ما مر من النص،
والنبوي (صلى الله عليه وآله)، فلا إشكال فيها، ولا في زوال العدالة بلبسهما، مع الإصرار
عليه، وكذا مع عدمه في ظاهر إطلاق العبارة وما ضاهاها من عبائر
الجماعة.
وفيه إشكال، إذ لا يستفاد من أدلة المنع كونه من الكبائر، وإنما غايتها
إفادة التحريم، وهو أعم منه، والأصل يلحقه بالصغائر، فالوجه عدم رد
الشهادة بمجرد اللبس من دون إصرار ومداومة، كما نبه عليه المقدس
الأردبيلي (6) (رحمه الله)، وتبعه صاحب الكفاية، فقال: ولعل قدحه في الشهادة
باعتبار الإصرار (7).
وربما يفهم منه كون ذلك مراد الأصحاب ومذهبهم أيضا. وهو غير بعيد.
ولا ينافيه إطلاق عبائرهم، لقوة احتمال وروده لبيان جنس ما يقدح في
العدالة، من دون نظر إلى اشتراط حصول التكرار أو الاكتفاء فيه بالمرة

(1) الإرشاد 2: 157.
(2) القواعد 3: 495.
(3) الدروس 2: 126.
(4) المسالك 14: 195.
(5) التحرير 2: 209 س 12.
(6) مجمع الفائدة 12: 376.
(7) كفاية الأحكام 281 س 23.
268

الواحدة، وإنما أحالوا تشخيص ذلك إلى الخلاف في زوال العدالة بكل ذنب،
أو بالكبائر منها خاصة، وملاحظة الفقيه كلا من المحرمات المزبورة مع
أدلتها، وأنها ما تفيد كونها كبائر أو صغائر، وعليه العمل بمفادها كيفما
اقتضاه مذهبه في تلك المسألة.
واعلم أن المحرمات القادح فعلها في العدالة مطلقا أو في الجملة كثيرة،
وقد جرت عادة الفقهاء بذكر جملة منها في هذا الكتاب، واقتصر الماتن منها
هنا على قليل، روما للاختصار، ومن أراد الاطلاع على كثير منها فعليه
بما عدا الكتاب من كتب الأصحاب المطولة، كالشرائع والإرشاد والقواعد
وغيرها وشروحها المبسوطة، سيما شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي (رحمه الله)،
فقد استوفى فيه أكثر مما استوفاه غيره.
(ولا تقبل شهادة القاذف) مع عدم اللعان أو البينة بالآية الكريمة:
«ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا» (1)، والإجماع الظاهر والمحكي في كلام
جماعة، والنصوص المستفيضة، التي سيأتي إلى جملة منها الإشارة.
(وتقبل) شهادته (لو تاب) وإن لم يسقط عنه الحد بلا خلاف، بل
عليه إجماعنا، كما في التحرير (2) والتنقيح (3). والأصل فيه بعد الآية الكريمة
النصوص المستفيضة:
منها - زيادة على ما يأتي إليه الإشارة - القريب من الصحيح بحماد
المجمع على تصحيح ما يصح عنه: عن الرجل يقذف الرجل فيجلد حدا ثم
يتوب ولا يعلم منه إلا خيرا تجوز شهادته، قال: نعم ما يقال عندكم؟ قلت:
يقولون توبته فيما بينه وبين الله تعالى ولا تقبل شهادته أبدا، فقال: بئس

(1) النور: 4.
(2) التحرير 2: 208 س 27.
(3) التنقيح 4: 293.
269

ما قالوا كان أبي (عليه السلام) يقول: إذا تاب ولم يعلم منه إلا خيرا جازت شهادته (1).
والقوي بالسكوني: ليس يصيب أحد حدا فيقام عليه ثم يتوب إلا
جازت شهادته (2)، كذا رواه الكليني (3)، والشيخ (4) أيضا لكن في نسخة،
ورواه في اخرى بزيادة: «إلا القاذف فإنه لا تقبل شهادته، إن توبته فيما بينه
وبين الله تعالى».
وفي هذه الزيادة منافاة لما ذكره الأصحاب في المسألة، لكنها على
تقدير صحتها مع خلو نسخة الكافي عنها الذي هو أضبط من التهذيب سيما
مع اختلاف نسخه هنا وموافقة بعضها لنسخته كما مضى موافقته للتقية،
كما يستفاد من الرواية السابقة، فلتحمل عليها، سيما مع كون الراوي من
قضاة العامة.
وبالجملة لا شبهة في المسألة، سيما مع عدم الخلاف فيها (و) إن
اختلف في (حد توبته) أي القاذف بعد الاتفاق على اعتبار (إكذاب
نفسه) فيها، كما صرح به في الغنية (5).
ويستفاد من الخلاف، حيث قال: من شرط التوبة من القذف أن يكذب
نفسه، وحقيقة ذلك أن يقول: كذبت فيما قلت، هذا هو الذي يقتضيه مذهبنا،
لأنه لا خلاف بين الفرقة أن من شرط ذلك أن يكذب نفسه، وحقيقة
الإكذاب أن يقول: كذبت فيما قلت (6).
وقريب منه كلامه في المبسوط، حيث قال: واختلفوا في كيفية إكذابه
نفسه، قال قوم: أن يقول القذف باطل حرام ولا أعود إلى ما قلت، وقال

(1) الوسائل 18: 282، الباب 36 من أبواب الشهادات، الحديث 2، 3.
(2) الوسائل 18: 282، الباب 36 من أبواب الشهادات، الحديث 2، 3.
(3) الكافي 7: 397، الحديث 4.
(4) التهذيب 6: 245، الحديث 24.
(5) الغنية 440.
(6) الخلاف 6: 263، المسألة 12.
270

بعضهم: التوبة إكذابه نفسه، وحقيقة ذلك أن يقول: كذبت فيما قلت، وروي
ذلك في أخبارنا، والأول أقوى، لأنه إذا قال: كذبت فيما قلت ربما كان
كاذبا، لجواز أن يكون صادقا في الباطن، وقد تعذر عليه تحقيقه، فإذا قال
القذف باطل حرام فقد أكذب نفسه (1)، انتهى.
وما اختاره فيه من كيفية الإكذاب اختاره الحلي (2)، للتعليل الذي ذكره،
واختاره الفاضل في الإرشاد (3) والتحرير (4) والقواعد (5) وولده في
شرحه (6)، لكن على تفصيل هو أنه إن كان في قذفه كاذبا فحد توبته إكذاب
نفسه، وإن كان صادقا فحدها أن يقول: أخطأت، جمعا بين النصوص الآتية،
الدالة على أن حدها إكذاب نفسه بقول مطلق، وما مر من التعليل في كلام
الشيخ الراجع حاصله إلى حرمة الكذب فلا يمكنه التكذيب مع صدقه، فعليه
بدله أن يخطأ نفسه، وهو حسن إن صح التعليل.
وفيه نظر، إذ حاصله ومبناه الفرار من الكذب وهو يحصل بالتورية،
واعتبارها أقرب إلى النصوص مما ذكره من التصريح بالتخطئة، وأنسب
بالحكمة المطلوبة للشارع من الستر، لما في التصريح بالتخطئة من التعريض
بالقذف أيضا، فإفساده أكثر من إصلاحه.
وبهذا صرح جماعة ومنهم الشهيد في الدروس، وقال في تضعيفه زيادة
على ذلك: وبأن الله تعالى سمى القاذف الذي لا يأتي بالشهود كاذبا (7)، وتنبه
لهذا الفاضل في التحرير، فقال بعد ذكر مختاره: وقيل: يكذب نفسه مطلقا،

(1) المبسوط 8: 179.
(2) السرائر 2: 116.
(3) الإرشاد 2: 157.
(4) التحرير 2: 208 س 24.
(5) القواعد 3: 494.
(6) الإيضاح 4: 423.
(7) الدروس 2: 126.
271

ثم إن كان صادقا ورى باطنا، والأول أقرب، والثاني مروي، وإن كان ليس
بعيدا من الصواب، لأنه تعالى سمى القاذف كاذبا إذا لم يأت بأربعة شهداء
على الإطلاق، لأنه كاذب في حكم الله تعالى وإن كان صادقا، انتهى (1).
ومنه يظهر صحة القول المحكي في كلامه وميله إليه، وهو مختار
الصدوقين (2) والعماني (3) والشيخ في النهاية (4) والماتن هنا وفي الشرائع (5)
والشهيدين في الدروس (6) والمسالك (7) والفاضل المقداد في التنقيح (8)
وغيره.
والظاهر أنه مشهور بين المتأخرين، بل المتقدمين أيضا، وقد عرفت
دعوى ابن زهرة عليه الإجماع، ونفى الشيخ الخلاف عنه في الخلاف، ناسبا
له إلى مقتضى المذهب، ولكنه صار فيه أيضا إلى مختاره في المبسوط،
معللا بما مر فيه. وقد عرفت ما فيه.
وبالجملة عبارته ظاهرة في نفي الخلاف، الذي هو كإجماع ابن زهرة
حجة على اعتبار إكذاب نفسه.
وظاهره وحقيقته كما اعترف به يقتضي المصير إلى ما عليه الماتن
وغيره، ونحوهما إطلاق المعتبرة المستفيضة:
ففي النبوي: توبة القاذف إكذاب نفسه (9).
وفي الصحيح: عن المحدود إن تاب تقبل شهادته، فقال: إذا تاب وتوبته
أن يرجع مما قال ويكذب نفسه عند الإمام (عليه السلام) وعند المسلمين، فإذا فعل

(1) التحرير 2: 208 س 28.
(2) المقنع: 398.
(3) المختلف 8: 398.
(4) النهاية 2: 53.
(5) الشرائع 4: 128.
(6) الدروس 2: 126.
(7) المسالك 14: 175.
(8) التنقيح 4: 294.
(9) الدر المنثور 6: 131، سورة النور (نقلا بالمعنى).
272

فإن على الإمام أن يقبل شهادته بعد ذلك (1).
وفي القريب منه: عن القاذف بعد ما يقام عليه الحد ما توبته؟ قال:
يكذب نفسه، قلت: أرأيت إن أكذب نفسه أتقبل شهادته؟ قال: نعم (2).
وظاهرها حصول التوبة بمجرد الإكذاب.
وفيه إشكال، بل الظاهر عدمه، إلا بعد التوبة والندامة حقيقة، كما ذكره
بعض المحققين (3)، ودل عليه المرسل: عن الذي يقذف المحصنات تقبل
شهادته بعد الحد إذا تاب، قال: نعم، قلت: وما توبته؟ قال: يجيء ويكذب
نفسه عند الإمام ويقول: قد افتريت على فلانة ويتوب مما قال (4). ولعله
ظاهر الأصحاب أيضا.
ويمكن حمل الروايات السابقة عليه، بدعوى ورودها مورد الغالب من
أن المكذب نفسه يكون في الحقيقة تائبا حقيقة غالبا، وظاهر المرسل
كالصحيح المتقدم عليه اعتبار كون الإكذاب عند الإمام، وبه صرح
العماني (5) وجماعة، وزاد الأول وعند جماعة من المسلمين، ويظهر من
الإيضاح (6) والتنقيح (7) والصيمري (8) عدم الخلاف في اعتبار ذلك، حيث
قالوا: وعلى الأقوال كلها لا بد من إيقاع ذلك عند من قذف عنده وعند
الحاكم الذي حده، فإذا تعذر ففي ملأ من الناس.
ومرادهم من الأقوال الأقوال المتقدمة في تفسير إكذاب نفسه، التي منها

(1) الوسائل 18: 283، الباب 37 من أبواب الشهادات، الحديث 1.
(2) الوسائل 18: 282، الباب 36 من أبواب الشهادات، الحديث 1 و 4.
(3) مجمع الفائدة 12: 321.
(4) الوسائل 18: 282، الباب 36 من أبواب الشهادات، الحديث 1 و 4.
(5) المختلف 8: 479.
(6) الإيضاح 4: 424.
(7) التنقيح 4: 294.
(8) غاية المراد 189 س 3 (مخطوط).
273

ما عليه الماتن وأكثر المتأخرين من تفسيره بمفاده الحقيقي، ومنها قول
المبسوط والخلاف والسرائر، المشار إليه في العبارة بقوله:
(وفيه قول آخر متكلف) من الجهات التي مرت مع زيادة عليها نشير
إليها هنا، وهي استلزامه إطراح النصوص المتقدمة المعتبرة أسانيدها طرا،
مع عدم الباعث عليه عند الشيخ وأمثاله أصلا، عدا التعليل المتقدم، وهو
على تقدير صحته يقتضي الاقتصار في مخالفتها على صورة صدقه في
القذف خاصة، لا مع كذبه فيه أيضا، ولذا أن الفاضل الموافق لهما من حيث
التعليل في الصورة الأولى خالفهما في الصورة الثانية، تفاديا من طرح
الروايات بالكلية. وهو وإن خلص بذلك من هذا الاعتراض، إلا أنه وقع فيما
هو أمر منه، وهو أنه إحداث قول ممنوع منه، إذ الأقوال في المسألة التي
وصلت إلينا من قدمائنا اثنان، كما هو ظاهر العبارة وغيرها.
ولكن حكى هو في المختلف (1) وولده في الإيضاح (2) وغيرهما من ابن
حمزة قولا ثالثا، وهو أنه إن كان صادقا قال: الكذب حرام ولا أعود إلى
مثل ما قلت وأصلح، وإن كان كاذبا قال: كذبت فيما قلت.
وهو وإن أشبه التفصيل الذي ذكراه لكن يفترق عنه من وجه آخر، كما
لا يخفى على من تدبره، ولذا جعلاه قولا آخر مقابلا لما اختاراه.
وهذا القول وإن اشترك مع باقي الأقوال عدا المشهور في الضعف
والقصور، إلا أنه أقرب إلى النصوص، وأبعد عن التعريض بالقذف اللازم من
قول الفاضل وولده.
ووجه ضعفه عدم صراحة قوله: «والكذب حرام» إلى آخر ما ذكره - في
صورته الصدق - في إكذاب نفسه وإنما غايته الظهور الضعيف القريب من

(1) المختلف 8: 479.
(2) الإيضاح 4: 423.
274

الإشعار، الغير المتبادر من إكذاب النفس الوارد في النصوص.
وبالجملة فالمذهب ما عليه المشهور.
ثم إن ظاهر العبارة ونحوها من عبائر الجماعة كفاية التوبة بمجردها في
قبول الشهادة، كما هو ظاهر إطلاق النصوص المتقدمة، ولكن الآية (1)
اشترطت الإصلاح بعد التوبة، وفسره الأكثر بالاستمرار عليها ولو ساعة.
قال فخر الإسلام وهذا المعنى متفق عليه وإنما الخلاف في الزائد عليه،
وهو إصلاح العمل، فقال ابن حمزة يشترط مطلقا، أي في الصادق والكاذب،
ولم يشترطه الشيخ في النهاية مطلقا، وقال في المبسوط: يشترط في
الكاذب لا الصادق، وهو اختيار ابن إدريس، احتج المصنف بأن الاستمرار
على التوبة إصلاح، والأمر المطلق يكتفي فيه بالمسمى، ولم يشترط في
الرواية المتقدمة، بل علق قبول الشهادة على التوبة وإكذاب نفسه. وفيه نظر،
لحمل المطلق على المقيد، مع اتحاد القضية، انتهى (2).
وظاهره الميل إلى قول ابن حمزة لما ذكره من حمل مطلق الرواية على
الآية المقيدة وهو حسن.
إلا أن الإشكال في تعيين المراد من الإصلاح هل هو إصلاح العمل، أو
إصلاح الحال والنفس بمنعها عن ظهور ما ينافي العدالة؟ لكل وجه، فالتبادر
للأول، والإطلاق للثاني. ولعله أظهر، لأصالة الإطلاق، مع الشك في التبادر
المقيد له ببعض الأفراد، ومع ذلك أشهر. وربما يشير إليه الخبر القريب من
الصحيح الذي مر في أول البحث، المتضمن لقوله (عليه السلام): «إذا تاب ولم يعلم منه
إلا خيرا جازت شهادته» (3). فتدبر.

(1) النور: 4.
(2) الإيضاح 4: 424.
(3) الوسائل 18: 282، الباب 36 من أبواب الشهادات، الحديث 2.
275

هذا كله في التوبة عن القذف.
وأما من غيره فينبغي القطع بكفايتها عن إصلاح العمل، لعموم التوبة
يجب ما قبلها (1)، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له (2)، مع اختصاص
الآية (3) المشترطة للإصلاح بتوبة القاذف خاصة.
نعم إن توقفت على أداء حقوق الله تعالى أو الناس لزمه أداؤها تحصيلا
لها، وإلا فلا توبة له جدا.
(الخامس: ارتفاع التهمة) في الشهادة بلا خلاف أجده، بل عليه
الإجماع في المسالك (4) وغيره. والنصوص به مع ذلك مستفيضة، كادت تبلغ
التواتر، بل لعلها متواترة:
ففي الصحاح: عن الذي يرد من الشهود قال فقال الظنين والخصم (5) كما
في أحدها، وبدل الخصم بالمتهم في آخر منها (6).
وجمعت الثلاثة في ثالثها: قلت فالفاسق والخائن، فقال: كل هذا يدخل
في الظنين (7).
وفي الموثق: عما يرد من الشهود، فقال: المريب، والخصم، والشريك،
ودافع مغرم، والأجير، والعبد، والتابع، والمتهم، كل هؤلاء ترد شهادتهم (8).
ونحوها غيرها (9).
وظاهر إطلاقها المنع عن قبول شهادة المتهم مطلقا كائنا من كان،

(1) عوالي اللآلي 1: 237، الحديث 150.
(2) الوسائل 11: 360، الباب 86 من أبواب جهاد النفس، الحديث 14.
(3) النور: 5.
(4) المسالك 14: 190.
(5) الوسائل 18: 274، الباب 30 من أبواب الشهادات، الحديث 2، 1.
(6) الوسائل 18: 274، الباب 30 من أبواب الشهادات، الحديث 2، 1.
(7) الوسائل 18: 275، الباب 30 من أبواب الشهادات، الحديث 5.
(8) الوسائل 18: 278، الباب 32 من أبواب الشهادات، الحديث 3، 7.
(9) الوسائل 18: 278، الباب 32 من أبواب الشهادات، الحديث 3، 7.
276

وهو خلاف ظاهر كثير من الروايات الواردة في قبول شهادة الرجل لزوجته
وبالعكس (1) وشهادته لابنه ولأخيه (2). وكذا خلاف ظاهر الأصحاب فيما
ذكروه من قبول شهادة الصديق لصديقه والوارث لمورثه، وغير ذلك مما
يتضمن تهمة، فليست هذه الأخبار باقية على إطلاقها، وعلى ذلك نبه
الشهيدان وغيرهما:
ففي الروضة: ولا يقدح مطلق التهمة، فإن شهادة الصديق لصديقه مقبولة
والوارث لمورثه بدين وإن كان مشرفا على التلف ما لم يرثه قبل الحكم بها،
وكذا شهادة رفقاء القافلة على اللصوص إذا لم يكونوا مأخوذين ويتعرضوا
لذكر ما أخذ لهم، انتهى (3). ونحوه الدروس بزيادة دعوى الإجماع عليه.
فقال: وليس كل تهمة تدفع الشهادة بالإجماع، فإن شهادة الصديق
لصديقه إلى آخر ما في الروضة من الأمثلة بتغيير آت في الجملة منها ذكره
الخلاف في المثال الثالث، فقال: قيل: لا يقبل والقبول قوي، وما هو إلا
كشهادة بعض غرماء المديون لبعض، وكما لو شهد الاثنين بوصية من تركة
وشهد المشهود لهما للشاهدين بوصية منها أيضا، وزاد على الأمثلة فقال:
ولا يرد شهادة غرماء المديون له بمال قبل الحجر، ولا شهادة السيد لمكاتبه
في أحد قولي الفاضل، انتهى (4).
وظاهرهما سيما الثاني من حيث تفريعه قبول شهادة المذكورين على
دعوى الإجماع بعنوان التعليل كون قبول شهادتهم مجمعا عليه غير ما أشار
إلى الخلاف فيه، فلا إشكال فيه في محل الإجماع، استنادا في تقييد الأصل،

(1) الوسائل 18: 269، الباب 25 من أبواب الشهادات، الحديث 1.
(2) الوسائل 18: 270، الباب 26 من أبواب الشهادات.
(3) الروضة 3: 132.
(4) الدروس 2: 127 - 128.
277

وإطلاق النصوص المتقدمة المانعة عن قبول الشهادة بالتهمة إليه.
ويشكل في غيره، ينشأ من الاتفاق على كل من ردها بها، وقبولها معها،
مع عدم وضوح الفرق بين المقامين، مع اشتراكهما في أصل التهمة، ولم
يذكروا لها ضابطة يرجع إليها في تمييز المانع منها عن قبول الشهادة
والمجامع منها معه.
ولكن التحقيق في المسألة يقتضي الرجوع إلى إطلاق الأخبار المتقدمة،
نظرا إلى أنها بالإضافة إلى ما دل على قبول شهادة العدل عموما أو إطلاقا،
إما خاصة فيقيد بها، أو عامة، فيصير التعارض بينهما تعارض العموم
والخصوص من وجه.
وحيث لا مرجح لأحدهما على الآخر من إجماع أو غيره ينبغي
الرجوع إلى حكم الأصول، وهو هنا عدم القبول مطلقا. إلا أن يتردد في
التهمة في بعض الأفراد أنها هل هي تهمة أو داخلة في إطلاق التهمة في
النصوص المانعة عن قبول الشهادة، كما سيأتي من شهادة الوصي والوكيل
فيما لهما الولاية فيه، مع عدم نفع لهما إلا خصوص التصرف فيه فإن قبول
الشهادة في مثله أوفق بالأصل، من حيث العموم الدال عليه على الإطلاق،
مع سلامته عن معارضة عموم هذه الأخبار، لما عرفت من التأمل، إما في
أصل حصول التهمة، أو دخولها في اطلاق التهمة المذكورة فيها.
وإلى ما ذكرناه يشير كلام الفاضل الأردبيلي (رحمه الله) في مسألة شهادة
الوصي والوكيل، حيث قال بعد نقل عدم قبول شهادتهما عن أكثر
الأصحاب: وفيهما تأمل، إذ لا نص فيهما بخصوصهما، والعقل لا يدرك
التهمة فيهما، بل الولاية في مثل ذلك ضرر وتعب، إلا أن يكون يجعل
بحسب مقدار المال فتأمل، ولا إجماع، إذ نقل عن ابن الجنيد عدم رد
278

شهادتهما فيما ذكر، وعموم أدلة قبول الشهادة يدل على القبول، والعدالة
تمنع، بل ظاهر حال المسلم يمنع شهادة الزور، بل من التهمة الممنوعة
ووجوب الحمل على الصحة، ويؤيده مكاتبة الصفار الصحيحة: قال: كتبت
إلى أبي محمد (عليه السلام) هل تقبل شهادة الوصي للميت بدين له على رجل مع
شاهد آخر عدل؟ فوقع (عليه السلام): إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدعي اليمين (1)
الحديث، انتهى (2).
وقريب منه الشهيد في الدروس، حيث قال: ولو شهد الوصي بمال لليتيم
فالمشهور الرد، وقال ابن الجنيد: تقبل ودفع بأن الوصي متهم بالولاية على
المال، وفي تأثير هذه التهمة نظر، وخصوصا في مال لا اجرة له على حفظه
أو إصلاحه، انتهى (3).
وهو في غاية الجودة والمتانة، وعليك بمراعاة هذه القاعدة، فإنها تنفعك
في مواضع.
إذا عرفتها (ف‍) اعلم أنه (لا يقبل شهادة الجار) أي الذي يجر (نفعا
كالشريك) إذا شهد لشريكه (في ما هو شريك فيه) بحيث يقتضي الشهادة
المشاركة له فيه (والوصي في ما له فيه ولاية) وكذا الوكيل على إشكال في
الأخيرين، كما عرفته هنا وفي أواخر كتاب الوصية أيضا.
إلا أن الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا - كما هو ظاهر
جماعة - ربما توجب المصير إلى ما هنا من المنع، ولذا صار إليه أكثر من
تأمل فيه بما ذكرنا، ومنهم الشهيد المتقدم ذكره فقد أفتى به في اللمعة (4)،

(1) الوسائل 18: 273، الباب 28 من أبواب الشهادات، الحديث 1.
(2) مجمع الفائدة 12: 385.
(3) الدروس 2: 128.
(4) اللمعة 3: 131.
279

وكذا في الدروس بعيد تنظره السابق.
فقال بعده: فلنذكر أسباب التهمة المعتبرة، فمنها: ما يجر بشهادته نفعا
كالشريك - إلى أن قال: - والوصي في متعلق وصيته وغرماء المفلس والميت
والسيد لعبده، ومنها: أن يدفع ضررا كشهادة العاقلة بجرح شهود جناية
الخطأ وشهادة الوكيل والوصي بجرح الشهود على الموكل والموصى، إلى
آخر ما ذكره (1).
وينبغي القطع به إذا تضمن شهادتهما احتمال جر نفع لهما، بأن عين لهما
اجرة على التصرف في المشهود عليه.
وأما الحكم في الأول فلا خلاف ولا إشكال فيه، لما مر، مضافا إلى
المرسل كالموثق بأبان المجمع على تصحيح ما يصح عنه، مع أنه في
الفقيه (2) مروي من غير إرسال: عن شريكين شهد أحدهما لصاحبه، قال:
يجوز شهادته إلا في شئ له فيه نصيب (3).
وأما الخبر: «عن ثلاثة شركاء ادعى واحد وشهد الاثنان، قال:
يجوز» (4) فمع قصوره سندا ومكافأة لما مضى من وجوه شتى يحتمل
الحمل على القبول فيما ليس لهما شركة فيه أصلا، وإلا فطرحه متعين جدا،
مع أنه مروي بطريق آخر موثق كالصحيح (5)، كما مر، إلا أنه بدل فيه
«يجوز» ب‍ «لا يجوز شهادتهما»، ويحتمل سقوط الزيادة في الرواية الأولى.
(ولا) تقبل (شهادة ذي العداوة الدنيوية) على عدوه وتقبل له
ولغيره، وعليه إذا كانت لا تتضمن فسقا بلا خلاف فيهما، بل عليهما

(1) الدروس 2: 128.
(2) الفقيه 3: 44، الحديث 3293.
(3) الوسائل 18: 272، الباب 27 من أبواب الشهادات، الحديث 3، 4، 1.
(4) الوسائل 18: 272، الباب 27 من أبواب الشهادات، الحديث 3، 4، 1.
(5) الوسائل 18: 272، الباب 27 من أبواب الشهادات، الحديث 3، 4، 1.
280

الإجماع في شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي (رحمه الله) (1) وظاهر المسالك (2)،
لكن في الأول خاصة.
هذا، مضافا في الأول: إلى القوي: ولا تقبل شهادة ذي شحناء أو ذي
مخزية في الدين (3).
ونحوه عن معاني الأخبار: لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ذي
غمز على أخيه ولا ظنين في ولاء ولا قرابة ولا القانع مع أهل البيت (4)، قال
الصدوق (رحمه الله): الغمز الشحناء والعداوة، والظنين المتهم في دينه، والظنين في
الولاء والقرابة الذي يتهم بالدعاء إلى غير أبيه، والمتولي غير مواليه، والقانع
مع أهل البيت الرجل يكون مع قوم في حاشيتهم كالخادم لهم والتابع
والأجير ونحوه (5).
هذا، مع أن العداوة المزبورة من أسباب التهمة بلا خلاف ولا شبهة، لصدق
التهمة على مثلها في اللغة والعرف والعادة، فيدخل صاحبها في إطلاق
النصوص المتقدمة المانعة عن قبول شهادة ذي التهمة، مع وقوع التصريح في
جملة منها برد شهادة الخصم الصادق على العدو حقيقة، مع كونه معناه مطابقة.
وفي الثاني: إلى عمومات قبول شهادة العدل من الكتاب والسنة، مع
سلامتها عن معارضة الأخبار المزبورة، لعدم شمول ما دل منها على رد
شهادة المتهم لمفروض المسألة، لعدم تهمة فيها بلا شبهة، واختصاص إطلاق
ما دل منها برد شهادة الخصم بحكم التبادر والغلبة بشهادته على عدوه لا له.
فلا إشكال في المسألة.

(1) مجمع الفائدة 12: 389.
(2) المسالك 14: 191.
(3) الوسائل 18: 278، الباب 32 من أبواب الشهادات، الحديث 5.
(4) معاني الأخبار: 208 - 209، الحديث 3، ذيل الحديث 3.
(5) معاني الأخبار: 208 - 209، الحديث 3، ذيل الحديث 3.
281

نعم يشكل فرض حصول العدالة مع تلك العداوة، بعد الاتفاق فتوى
ورواية، على أن عداوة المؤمن وبغضه لا لأمر ديني معصية فكيف يجامع
قبول الشهادة؟
وقد تفطن بهذا الإشكال شيخنا الشهيد الثاني، فقال: ولا يخفى أن الفرح
بمسائة المؤمن والحزن بمسرته معصية، فإن كان العداوة من هذه الجهة
وأصر على ذلك فهو فسق، وظهور الفسق مع التقاذف أوضح، فالجمع بين
العداوة وقبول الشهادة لا يخلو عن إشكال (1) انتهى. وتبعه جماعة.
ولكن دفعوه تارة بحمل العداوة على عداوة غير المؤمن، وأخرى بأن
عداوة المؤمن حرام إذا كان بغير موجب لا مطلقا، وثالثة بعد عداوته من
الصغائر مع تفسير الإصرار عليها بالإكثار منها لا للاستمرار على واحدة
مخصوصة، وبهذا صرح شيخنا في المسالك في دفع الإشكال فقال بعد
ما مر، إلا أن يفسر الإصرار بالإكثار من الصغائر لا بالاستمرار على واحدة
مخصوصة.
وظاهر عبارته هذه وما ذكره في وجه الإشكال جزمه بكون عداوة
المؤمن من الصغائر لا الكبائر.
(و) فيه إشكال، فإن العدو كما فسره الأصحاب هنا ودل عليه العرف
واللغة أيضا (هو الذي يسر) ويفرح (بالمساءة) والمكروهات الواردة
على صاحبه (ويساء) ويغتم (بالمسرة) والنعم الحاصلة له وزاد جملة منهم
ومنهم هو في الكتاب المتقدم أن يبلغ حدا يتمنى زوال نعمه (2). وهو حينئذ
عين المبغض والحاسد، كما يستفاد من تعريفه لهما في الكتاب المزبور.
حيث قال: بعد قول الماتن والحسد معصية وكذا بغضه المؤمن، والتظاهر

(1) المسالك 14: 191.
(2) المسالك 14: 192، 184.
282

بذلك قادح في العدالة ما لفظه: والمراد بالحسد كراهة النعمة على المحسود
وتمني زوالها عنه، سواء وصلت إلى الحاسد، أم لا، وببغضه كراهته واستثقاله
لا بسبب ديني، إلى آخر ما ذكره (1).
فالعداوة على هذا من الكبائر، بناء على كونهما منها، كما يستفاد من
النصوص (2) الواردة في ذمهما على الظاهر المصرح به في كلام المولى
الأردبيلي (رحمه الله)، وزاد فقال: بل كاد أن يكون كفرا (3).
وبكونهما كبيرة صرح شيخنا أيضا، فقال في شرح كلام الماتن المتقدم:
لا خلاف في تحريم هذين الأمرين والتهديد عليهما في الأخبار مستفيض،
وهما من الكبائر فيقدحان في العدالة (4)، انتهى المقصود من كلامه هنا.
وحينئذ فكيف يتأتى له الجزم بكون العداوة المزبورة من الصغائر مع
تصريحه - كما عرفت - بكونها من الكبائر؟
ومنه يظهر الوجه في التأمل في التوجيه الثالث: نعم والأولان لا يخلوان
عن حسن، لكن مع تأمل ما.
واحترز بالدنيوية عن الدينية، كأن يبغضه لكفره أو لفسقه فإنها غير
مانعة مطلقا إجماعا، لما مر من قبول شهادة المؤمن على أهل الأديان، دون
العكس مطلقا، إلا في الوصية خاصة، كما عرفته.
وحيث منعت العداوة عن قبول الشهادة، فلو اختصت بأحد الجانبين
اختص بالقبول الخالي منها، وإلا لملك كل غريم رد شهادة العدل عليه،
بأن يقذفه ويخاصمه.

(1، 4) المسالك 14: 184.
(2) الوسائل 11: 292، الباب 55 من جهاد النفس، 439، الباب 17.
(3) مجمع الفائدة 12: 343.
283

(والنسب) والقرابة (لا يمنع القبول) للشهادة، فتقبل من الأب لولده
وعليه، ومن الولد لوالده، والأخ لأخيه وعليه، بإجماعنا الظاهر المصرح به
في صريح الانتصار (1) والغنية (2) وظاهر المسالك (3) وغيره. وهو الحجة;
مضافا إلى العمومات، وخصوص الآية الآتية، والمعتبرة المستفيضة:
وفيها الصحاح (4) والموثقان (5): عن شهادة الوالد لولده والولد لوالده
والأخ لأخيه، قال: تجوز (6).
وليس في ظاهر إطلاقها - كباقي الأدلة من العمومات والإجماعات
المحكية - اشتراط ضميمة، أي ضم عدل آخر أجنبي.
خلافا للنهاية (7) فاعتبرها.
وحجته غير واضحة، عدا ما في رواية: أن شهادة الأخ لأخيه تجوز إذا
كان مرضيا ومعه شاهد آخر (8) وهي مع قصور سندها وأخصيتها من
المدعى غير مكافئة لما مر من الأدلة من وجوه شتى، فلا تصلح لتقييدها،
سيما مع إمكان التأمل في دلالتها.
(وفي قبول شهادة الولد على أبيه خلاف) بين الأصحاب (أظهره)
عند الماتن هنا وفي الشرائع (9) والفاضل في كتبه (10) إلا ما يأتي، والشهيد

(1) الانتصار 496.
(2) الغنية 439.
(3) المسالك 14: 194.
(4) الوسائل 18: 270، الباب 26 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 3، 5، 2 - 4.
(5) الوسائل 18: 270، الباب 26 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 3، 5، 2 - 4.
(6) الوسائل 18: 271، الباب 26 من أبواب الشهادات، الحديث 3.
(7) النهاية 2: 59.
(8) الوسائل 18: 271، الباب 26 من أبواب الشهادات، الحديث 5.
(9) الشرائع 4: 130.
(10) القواعد 3: 496، التحرير 2: 209 س 33، الإرشاد 2: 158.
284

في النكت (1) وغيرهم من المتأخرين (المنع).
وفاقا منهم لأكثر القدماء، كالصدوقين (2) والشيخين (3) والقاضي (4)
وابن حمزة (5) والحلي (6)، وبشهرته صرح جماعة حد الاستفاضة، بل عليه
عن الخلاف (7) والسيد في الموصليات (8) وفي السرائر (9) والغنية (10) إجماع
الإمامية.
إلا أن الأخير جعل المجمع عليه التفصيل بين حياة الوالد فالمنع، وموته
فالقبول. وهو وإن كان غير مذكور هنا في عبارات الأصحاب المانعين مطلقا
أو في الجملة إلا أن المتبادر من إطلاق عبائرهم في المنع صورة حياة الأب
دون موته، مع أنهم صرحوا بذلك في بحث أن شروط الشهادة معتبرة حالة
الأداء دون التحمل، ومنهم شيخنا في المسالك (11) في ذلك البحث وفي
بحث قبول شهادة العبد على مولاه لو أعتق، فقال: وكذا أي قبلت الشهادة لو
شهد الولد على والده ثم مات الأب فأقامها بعده (12). ولم ينقل هو ولا غيره
فيه خلافا.
والأصل في المنع هنا بعده المرسلة التي هي في الفقيه مروية، قال
بعد نقل بعض الأخبار المتقدمة: «وفي خبر آخر: أنه لا تقبل شهادة الولد
على والده» (13).

(1) غاية المراد 170 (مخطوط).
(2) المقنع 397، المختلف 8: 493.
(3) المقنعة 726، النهاية 2: 59.
(4) المهذب 2: 558.
(5) الوسيلة 231.
(6) السرائر 2: 134.
(7) الخلاف 6: 296، المسألة 44 - 45.
(8) المسائل الموصليات (رسائل المرتضى) 1: 246، المسألة 62.
(9) السرائر 2: 134.
(10) الغنية 439.
(11) لم نعثر عليه.
(12) المسالك 14: 212.
(13) الفقيه 3: 42، الحديث 3286.
285

والضعف بالإرسال مجبور بعمل الأصحاب، وبما يظهر من الانتصار من
كونها رواها الأصحاب، حيث قال: «ومما انفردت به الإمامية القول بجواز
شهادة ذوي الأرحام والقرابات بعضهم لبعض إذا كانوا عدولا» من غير
استثناء لأحد إلا ما يذهب إليه بعض أصحابنا معتمدا على خبر يروونه: من
أنه «لا يجوز شهادة الولد على الوالد وإن جازت شهادته له» (1) انتهى.
وظاهر أصحابنا المتأخرين عدم الظفر بهذه الرواية، حيث لم يستدلوا
على المنع بها بل بما مر من الإجماع، وبقوله تعالى: «وصاحبهما في الدنيا
معروفا» (2)، قالوا: وليس من المعروف الشهادة عليه والرد لقوله وإظهار
تكذيبه، فيكون ارتكاب ذلك عقوقا مانعا من قبول الشهادة.
ولا يخفى عليك ضعف هذه الحجة الأخيرة، فإن قول الحق ورده عن
الباطل وتخليص ذمته من الحق عين المعروف، كما نبه عليه في النبوي:
أنصر أخاك ظالما أو مظلوما، فقيل: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) كيف أنصره ظالما؟!
قال: ترده عن ظلمه فذاك نصرك إياه (3)، ولأن إطلاق النهي عن عصيان
الوالد يستلزم وجوب إطاعته عند أمره له بارتكاب الفواحش وترك
الواجبات وهو معلوم البطلان، ولأن ذلك لو تم لاقتضى منع قبول شهادته
على الوالدة للنهي عن معصيتها أيضا ولم يقولوا به.
هذا، ولو سلم فغايته إفادة المنع لو استلزم الشهادة عقوقا، بأن يواجه
الأب بالشهادة عليه ونحو ذلك فيسخطه عليه، وهذا لا يستلزم المنع مطلقا،
ولو لم يستلزمه، بأن شهد عليه عند الحاكم سرا بحيث لا يطلع عليه أحد
يخبر أباه بذلك. فتأمل جدا.

(1) الانتصار 496.
(2) لقمان: 15.
(3) الجامع الصغير للسيوطي 1: 109، باختلاف يسير في اللفظ.
286

ومع ذلك فالآية المزبورة معارضة بآية اخرى، وهي على الجواز أنص
وأظهر منه دلالة، وهي قوله تعالى: «كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على
أنفسكم أو الوالدين والأقربين» (1).
وأما الجواب عنها بأن الأمر بالإقامة لا يستلزم القبول، فمع أنه لا
يجامع الاستدلال بالآية المتقدمة على المنع عن إقامة الشهادة يضعف بأنه
لولا القبول لزم العبث في إقامتها، وبأنه معطوف على القبول، وهو الشهادة
على نفسه، ومعطوف عليه القبول، وهو الشهادة على الأقربين فلو كان غير
مقبول لزم عدم انتظام الكلام. وهو محال.
هذا، مع أن الأمر بالإقامة يستلزم القبول بالإضافة إلى الوالدة بلا خلاف
أجده، فيجب أن يستلزم بالإضافة إلى الوالد أيضا، لأنهما ذكرا في كلمة
واحدة. ومع ذلك فسياق الآية - زيادة على ما مر إليه الإشارة - كالصريح في
أن المقصود من الأمر بالإقامة قبول الشهادة لا غيرها من نحو تذكير
المشهود عليه على الحق وتنبيهه عليه.
وبالجملة لا ريب في دلالة الآية على قبول الشهادة.
وبموجب ذلك يشكل القول بالمنع في المسألة، سيما مع ورود نصوص
كثيرة بمقتضى الآية، وقصور الأسانيد منجبر بالموافقة لها بلا شبهة،
ولهذا احتج إلى القول بالقبول جماعة، كأبي العباس في المقتصر (2)
والشهيدين في الدروس (3) والمسالك (4) والفاضل المقداد في شرح
الكتاب (5) والصيمري (6) والمقدس الأردبيلي (رحمه الله) (7) وغيرهم من متأخري

(1) النساء: 135.
(2) المقتصر 389.
(3) الدروس 2: 132.
(4) المسالك 14: 195 - 196.
(5) التنقيح 4: 295.
(6) غاية المرام 189 (مخطوط).
(7) مجمع الفائدة 12: 405.
287

المتأخرين، لكنهم لم يجترؤا على مخالفة الأصحاب صريحا ولا ظاهرا،
عدا الشهيد في الدروس (1) فقد قوى فيه القبول ومن عداه اقتصر على تشييد
أدلته ومنع أدلة المنع، مؤذنين بنوع تردد لهم فيه، كالفاضل في التحرير (2)،
حيث نسب القول بالمنع إلى الأشهر واقتصر عليه. ووجه التردد واضح من
صريح الآية، والنصوص بالقبول، ومن الإجماعات المحكية على المنع،
المعتضدة بالمرسلة والشهرة العظيمة، التي لا تكاد توجد لها من القدماء
مخالف، عدا المرتضى خاصة فيما حكاه عنه الحلي (3) وجماعة، وعبارته
المتقدمة غير صريحة في المخالفة، بل ولا ظاهرة، كما اعترف به جماعة،
سيما مع نقله الإجماع على المنع، كما عرفته.
نعم حكاه الفاضل المقداد في كنز العرفان (4) عن الإسكافي أيضا، ولكنه
خلاف المحكي عنه في المختلف (5) والمسالك (6) وغيرهما من أنه والعماني
لم يتعرضا للحكم هنا بنفي ولا إثبات. فتأمل جدا.
وبالجملة المسألة عند العبد محل توقف وإشكال، ولكن مقتضاهما
الرجوع إلى ما عليه المشهور من المنع وعدم القبول لمخالفته الأصول،
مع عدم وضوح مخصص لها يطمئن إليه يدل على القبول. فتأمل.
(وكذا تقبل شهادة الزوج لزوجته) وعليها وشهادتها له وعليه، لعين
ما مر من الأدلة على القبول في المسألة السابقة عدا نصوصها، ولكن بمعناها
هنا كثير من المعتبرة:
ففي الصحيح: عن الرجل يشهد لامرأته، قال: إذا كان خيرا جازت

(1) الدروس 2: 132.
(2) التحرير 2: 209 س 33.
(3) السرائر 2: 134.
(4) كنز العرفان 2: 387.
(5) المختلف 8: 494.
(6) المسالك 14: 195.
288

شهادته لامرأته (1).
وفي آخر: تجوز شهادة الرجل لامرأته، والمرأة لزوجها إذا كان معها
غيرها (2).
ونحوه الموثق: عن شهادة الرجل لامرأته، قال: نعم، والمرأة لزوجها،
قال: لا، إلا أن يكون معها غيرها (3).
(وشرط بعض الأصحاب) وهو الشيخ في النهاية (4) والقاضي (5)
وابن حمزة (6) في قبول شهادة الزوج (انضمام غيره من أهل الشهادة) إليه
(وكذا) شرطه (في) قبول شهادة (الزوجة) أيضا، استنادا إلى الروايتين
الأخيرتين. وهما - كما ترى - واردتان في الزوجة خاصة.
(وربما صح فيها الاشتراط) دونه، لافتراقهما بقوة مزاجه وشداد عقله
بخلافها، مع أن ظاهر سياق الموثقة بل صريحها عدم الاشتراط في الزوج،
واختصاصه بالزوجة، فالاشتراط فيه لا وجه له، بل لا يبعد القول بعدم
الاشتراط فيها أيضا، كما عليه المتأخرون كافة، وفاقا لظاهر كثير من
القدماء كالمفيد (7) والشيخ في المبسوط (8) والخلاف (9) والعماني (10)
والحلبي (11) والحلي (12). وبالجملة المشهور، كما في شرح الشرائع
للصيمري (13)، وبه يظهر ما في التحرير (14) من نسبة الاشتراط فيهما إلى

(1) الوسائل 18: 269، الباب 25 من أبواب الشهادات، الحديث 2، 1، 3.
(2) الوسائل 18: 269، الباب 25 من أبواب الشهادات، الحديث 2، 1، 3.
(3) الوسائل 18: 269، الباب 25 من أبواب الشهادات، الحديث 2، 1، 3.
(4) النهاية 2: 59.
(5) المهذب 2: 557.
(6) الوسيلة 231.
(7) المقنعة 726.
(8) المبسوط 8: 220.
(9) الخلاف 6: 299، المسألة 49.
(10) المختلف 8: 496.
(11) الكافي في الفقه 436.
(12) السرائر 2: 134.
(13) غاية المرام 189 (مخطوط).
(14) التحرير 2: 209، السطر الأخير.
289

الأصحاب كافة، وفي الزوج خاصة إلى جماعة.
وكيف كان فالقول بالقبول مطلقا في غاية القوة، لعدم صلوح الروايتين
المشترطتين للضميمة لتخصيص العمومات المتقدمة لا سندا، بل ولا عددا
ولا دلالة، من حيث قوة احتمال ورود الشرط فيهما مورد الغالب، فلا عبرة
بمفهومه مطلقا، كما صرح به جماعة من أصحابنا، ومنهم شيخنا الشهيد
الثاني.
فقال في الذب عنهما: ووجه التقييد في الرواية أن المرأة لا يثبت بها
الحق منفردة ولا منضمة إلى اليمين، بل يشترط أن يكون معها غيرها إلا ما
استثني نادرا وهو الوصية، بخلاف الزوج فإنه يثبت بشهادته الحق مع
اليمين، والرواية باشتراط الضميمة معها مبنية على الغالب في الحقوق، وهي
ما عدا الوصية (1)، انتهى.
وهو أحسن مما أجاب به الفاضل عنهما في المختلف من أن المراد
بذلك كمال البينة من غير يمين (2)، لأن ما ذكره لو كان المراد لما كان له
بالزوجة اختصاص، بل ينبغي طرد الشرط فيهما، مع أن الروايتين خصتاه
بالزوجة، بل ظاهر الثانية - كما عرفته - تخصيصه بها دونه.
واعلم أن هذين الجوابين ينسحبان أيضا في كلام الشيخ في النهاية ومن
حذى حذوه. ولأجله يرتفع الخلاف في المسألة، ولذا لم يقطع في التحرير
بمخالفة هؤلاء الجماعة.
وعلى تقديرها - كما هو ظاهر الجماعة - فمظهر الثمرة في الزوج ما لو
شهد فيما يقبل شهادة الواحد مع اليمين وفي الزوجة ما لو شهدت له في
الوصية، فيقبل الشهادة في المقامين على المختار، ولا على غيره.

(1) المسالك 14: 198.
(2) المختلف 8: 497.
290

قيل: وعليه يكفي انضمام امرأة اخرى فيما يكتفي فيه بشهادة المرأتين،
كنصف الوصية والمال الذي يكتفي فيه بهما مع اليمين (1).
وهو حسن، لإطلاق الغير المشترط انضمامه في الخبرين، فيشمل
الرجل وغيره.
(والصحبة) وإن كانت مؤكدة (لا تمنع القبول) للشهادة، فتقبل من
أحد المتصاحبين والصديقين (كالضيف) بالنسبة إلى مضيفه (والأجير)
بالنسبة إلى مستأجره بلا خلاف في الأول، كما في المسالك (2) والكفاية (3)
وغيرهما، لما يأتي.
وكذا في الثاني (على الأشبه) الأشهر بين عامة من تأخر، وفاقا منهم
للحلي (4)، وفي عبارة المسالك (5) وغيره إشعار باتفاقهم عليه، لعموم الأدلة
المتناولة وارتفاع ريبة التهمة بواسطة التقوى والعدالة، كما في المسائل
السابقة; مضافا إلى ظاهر الموثقة: لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفا
صائنا، ويكره شهادة الأجير لصاحبه، ولا بأس بشهادته لغيره، ولا بأس به
له بعد مفارقته (6) بناء إما على ثبوت الحقيقة الاصطلاحية المتضمنة للإباحة
للفظ الكراهة في تلك الأزمنة، أو عدم تأدية المنع بمثل تلك العبارة الغير
الظاهرة فيه بلا شبهة.
خلافا لأكثر المتقدمين كالشيخ في النهاية (7) والصدوقين (8) والحلبي (9)

(1) المسالك 14: 198.
(2) المسالك 14: 200.
(3) كفاية الأحكام 283 س 5.
(4) السرائر 2: 121.
(5) المسالك 14: 200.
(6) الوسائل 18: 274، الباب 29 من أبواب الشهادات، الحديث 3.
(7) النهاية 2: 52.
(8) المقنع 398، المختلف 8: 484.
(9) الكافي في الفقه 436.
291

والقاضي (1) وابني حمزة (2) وزهرة (3)، فاختاروا المنع، للنصوص
المستفيضة، وهي ما بين صريحة في ذلك، وظاهرة.
فمن الأول: الموثق: عما يرد من الشهود، فقال: المريب والخصم
والشريك ودافع مغرم والأجير والعبد والتابع والمتهم كل هؤلاء ترد
شهادتهم (4).
ونحوه المرسل في الفقيه، لكن من دون ذكر العبد، وإبداله بشارب
الخمر، واللاعب بالشطرنج والنرد والمقامر (5).
والخبر: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يجيز شهادة الأجير (6).
والنبوي المروي عن معاني الأخبار: قال: قال: لا تجوز شهادة خائن
- إلى أن قال - ولا القانع مع أهل البيت (7).
وهو كما قال الصدوق: الرجل يكون مع قوم في حاشيتهم كالخادم لهم
والتابع والأجير (8).
ومن الثاني: الصحيح: عن رجل أشهد أجيره على شهادة ثم فارقه
أتجوز شهادته له بعد أن يفارقه؟ قال: نعم، وكذلك العبد إذا أعتق جازت
شهادته (9).
ووجه الظهور من التقرير والتشبيه، وهذا القول في غاية القوة لولا إطباق
المتأخرين على خلافه، لاعتبار جملة من نصوصه بالصحة والموثقية،

(1) المهذب 2: 558.
(2) الوسيلة 230.
(3) الغنية 440.
(4) الوسائل 18: 278، الباب 32 من أبواب الشهادات، الحديث 3.
(5) الفقيه 3: 40، الحديث 3282.
(6) الوسائل 18: 274، الباب 29 من أبواب الشهادات، الحديث 2، 1.
(7) معاني الأخبار 208 - 209، الحديث 3، ذيل الحديث 3.
(8) معاني الأخبار 208 - 209، الحديث 3، ذيل الحديث 3.
(9) الوسائل 18: 274، الباب 29 من أبواب الشهادات، الحديث 2، 1.
292

وانجبار الباقي بالشهرة القديمة، والموافقة لفتوى من لا يرى العمل بأخبار
الآحاد إلا بعد احتفافها بالقرائن القطعية، وهو ابن زهرة.
وربما أشعر سياق عباراته بكون المنع مجمعا عليه بين الطائفة، ومع
ذلك سليمة عما يصلح للمعارضة، عدا العمومات، وهي بها مخصصة.
والرواية المتقدمة دلالتها على الجواز غير صريحة، بل ولا ظاهرة، من
حيث منع ثبوت الحقيقة العرفية للفظ الكراهة في تلك الأزمنة، ومنع عدم
تأدية المنع بمثلها بعد وقوع التأدية به عنه في النصوص كثيرا، مع أن الظاهر
أن المراد منها هنا الحرمة، إذ لو قبل الشهادة لزم أداؤها، فلا معنى للكراهة،
وبهذا صرح من متأخري المتأخرين جماعة، حيث اعترضوا على من حمل
الأخبار المانعة على الكراهة بأنها بعيدة، إذ الشهادة لو كانت مقبولة ينبغي
وجوبها عينا مع عدم الغير، وإلا كفاية. فتأمل جدا.
قال خالي العلامة عليه الرحمة بعد أن ذكر أن المشهور بين المتأخرين
القبول: فمنهم من قدح في طريق هذه الروايات، ومنهم من حملها على
الكراهة لظاهر خبر أبي بصير، ولعل مرادهم كراهة الإشهاد، وإلا فلا معنى
له، ومنهم من حملها على ما إذا كان تهمة بجلب نفع أو دفع ضرر، كما لو
شهد لمن استأجره لقصارة الثوب أو خياطته (1).
أقول: وفي جميع هذه الأجوبة نظر. أولا: بعدم باعث عليها، كما مر.
وثانيا: بعدم قدح في طريق جميع الروايات، لوجود الصحيح فيها والموثق،
كما عرفت.
ولو سلم فيما مر منجبر، فلا وجه للجواب الأول، وكذا الثاني، لما مر،
مضافا إلى منافاته سياق كثير من تلك النصوص المعدود فيها كثير ممن يمنع

(1) مرآة العقول 24: 247، الحديث 4.
293

شهادته منع تحريم، فينبغي أن يكون في الأجير كذلك، لئلا يختل نظام
الكلام، ولا يلزم استعمال لفظة واحدة في معنييه الحقيقي والمجازي. فتدبر.
وجعل متعلق الكراهة الإشهاد، كما ذكره الخال (رحمه الله) لا يجامع الاستشهاد
عليها برواية أبي بصير، لأن متعلقها فيها شهادة الأجير لا إشهاده. فتأمل.
وأما الثاني: فبعد تسليمه لا يجري في أكثر المستفيضة، لتضمنه المنع
عن قبول شهادة المتهم والمريب على حدة، فلا وجه لذكر منع قبول شهادة
الأجير قبله أو بعده.
وبالجملة المسألة عند العبد محل توقف، كما هو ظاهر الدروس (1)،
حيث نقل فيه الخلاف في المسألة مقتصرا عليه، من دون ترجيح. وهو
حسن إلا أن مقتضى الأصول حينئذ عدم القبول، كما مر نظيره.
(ولا تقبل شهادة السائل بكفه) أي من يباشر السؤال والأخذ بنفسه
عند الأكثر، كما في الكفاية (2)، بل المشهور كما في المسالك (3) والدروس (4)
وعن المحقق الثاني، بل لا خلاف في المنع في الجملة (5). وإن اختلفوا في
إطلاقه كما هو ظاهر المتن وعن الشيخ (6) والقاضي (7) وفي المختلف (8)،
أو تقييده بما إذا اتخذه صنعة وحرفة دون ما إذا سأل نادرا للضرورة، كما
عن الحلي (9) وفي الشرائع (10) والتحرير (11) والإرشاد (12) والتنقيح (13)

(1) الدروس 2: 131.
(2) كفاية الأحكام 283 س 3.
(3) المسالك 14: 199.
(4) الدروس 2: 131.
(5) لم نعثر عليه.
(6) النهاية 2: 53.
(7) المهذب 2: 558.
(8) المختلف 8: 486.
(9) السرائر 2: 122.
(10) الشرائع 4: 130.
(11) التحرير 2: 210 س 2.
(12) الإرشاد 2: 158.
(13) التنقيح 4: 299.
294

والدروس (1) والمسالك (2) وغير ذلك من كتب الأصحاب، ولعله المشهور
بين المتأخرين.
والأصل في المنع في الجملة بعد عدم ظهور الخلاف فيه بين الطائفة
المعتبران.
أحدهما: الصحيح: عن السائل الذي يسأل بكفه هل تقبل شهادته؟ فقال:
كان أبي (عليه السلام) لا يقبل شهادته إذا سأل في كفه (3).
والثاني: الموثق: رد رسول الله (صلى الله عليه وآله) شهادة السائل الذي يسأل في كفه،
لأنه لا يؤمن على الشهادة، وذلك لأنه إذا أعطي رضى وإن منع سخط (4).
وفي هذا التعليل وتعليل الماتن وغيره، الحكم بقوله: (لما يتصف به من
مهانة النفس) ودناءته (فلا يؤمن) من (خدعه) في شهادته إيماء إلى
تهمته وعدم حرمة السؤال، وإلا لعلل بحرمته الموجبة لفسق فاعله بمجرده،
أو بالإصرار عليه واستمراره.
وفيه نظر، فإن عدم التعليل بالحرمة لا يستلزم الإباحة، فقد يكون وجهه
لزوم حمل أفعال المسلمين وأقوالهم على الصحة، بناء على عدم اتصاف كل
سؤال بالحرمة، بل الذي لا تدعو إليه حاجة، ولا ضرورة محرم خاصة.
وحينئذ فكيف ينسب السائل إلى فعل محرم بمجرد سؤاله الذي هو من
الحرام أعم؟!
ولنعد إلى حكم أصل المنع عن قبول الشهادة هل هو على إطلاقه،
أو مشروط باتخاذه السؤال صنعة وحرفة والإصرار عليه واستمراره؟ إطلاق
الخبرين يقتضي الأول، وعدم انصرافهما بحكم التبادر والغلبة إلا إلى الثاني

(1) الدروس 2: 131.
(2) المسالك 14: 199.
(3) الوسائل 18: 281، الباب 35 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 2.
(4) الوسائل 18: 281، الباب 35 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 2.
295

يقتضيه، ولعله أظهر، سيما مع كونه بين المتأخرين أشهر.
(وفي قبول شهادة المملوك روايتان، أشهرهما) كما حكاه جماعة
حد الاستفاضة جدا (القبول) في الجملة، وعليه متأخرو الأصحاب كافة،
بل عليه الإجماع في الانتصار (1) والسرائر (2) والغنية (3). وهو الحجة
المعاضدة لهذه الرواية المشهورة، وهي مع ذلك متعددة متضمنة للصحاح
المستفيضة وغيرها من المعتبرة:
فمن الأولة: قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا بأس بشهادة المملوك إذا كان
عدلا (4). ونحوه الصحيح الوارد في قضية درع طلحة، المتضمن لقوله (عليه السلام)
لشريح بعد رد شهادة قنبر له: ولا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلا (5).
وهو صريح في رد من رد شهادته لمولاه، كالصدوقين (6) والشيخ في
كتابي الحديث (7) والحلبي (8). وقريب منه في الرد عليهم الصحيحة الآتية
في المسألة الآتية بعد مسألة.
ومنها: عن المملوك تجوز شهادته، قال: نعم، وأن أول من رد شهادة
المملوك لفلان (9).
وفي رواية معتبرة، بل قيل (10) صحيحة: أن أول من رد شهادة المملوك
عمر بن الخطاب، الخبر (11).

(1) الانتصار 499.
(2) السرائر 2: 135.
(3) الغنية 440.
(4) الوسائل 18: 253، الباب 23 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 2، 3.
(5) الوسائل 18: 194، الباب 14 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 6.
(6) الفقيه 3: 41 - 45 ذيل الحديث 3284 و 3295، المختلف 8: 498.
(7) التهذيب 6: 249 - 250 ذيل الحديث 44، الاستبصار 3: 16، الحديث 7.
(8) الكافي في الفقه 435.
(9) الوسائل 18: 253، الباب 23 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 2، 3.
(10) لم نعثر عليه.
(11) الوسائل 18: 253، الباب 23 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 2، 3.
296

ومنها: تجوز شهادة العبد المسلم على الحر المسلم (1).
وهو صريح في رد الإسكافي (2)، حيث قبل شهادته على مثله وعلى
الكافر، وردها على الحر المسلم.
ومنها: يجوز شهادة المملوك من أهل القبلة على أهل الكتاب (3).
وليس فيه دلالة على مذهب الإسكافي في الشق الثاني إلا بمفهوم
اللقب، ولا نقول بحجيته.
ومنها: عن المكاتب تجوز شهادته، فقال: في القتل وحده (4).
وبفحواه يستدل على قبول شهادته كلية، إلا أن ذكر خصوص القتل
وتأكيده بوحده ربما ينافي ذلك، بل أصل الحجية، لكونه شاذا لا قائل به من
الطائفة. لكنه مع ذلك صالح لتأييد الأخبار السابقة.
ونحوه في شذوذ الظاهر والصلوح للتأييد والتقوية الموثقة كالصحيحة
بعثمان وفضالة، اللذين أجمعت على تصحيح ما يصح عنهما العصابة: عن
الرجل المسلم يجوز شهادته لغير مواليه، فقال: تجوز في الدين والشيء
اليسير (5).
وهذه النصوص مع صحة أكثرها واستفاضتها واشتهارها بين الأصحاب
واعتضادها بالإجماعات المحكية موافقة لعمومات الكتاب والسنة
المستفيضة، بل المتواترة، الدالة على قبول شهادة من اجتمعت فيه شرائط
قبول الشهادة، ومخالفة لما عليه أكثر العامة، بل عامتهم، كما يستفاد من شيخ
الطائفة (6) وغيره، ونسبه في كنز العرفان إلى فقهائهم الأربعة (7).

(1) الوسائل 18: 254، الباب 23 من أبواب الشهادات، الحديث 5، 4، 9، 8.
(2) المختلف 8: 497.
(3) الوسائل 18: 254، الباب 23 من أبواب الشهادات، الحديث 5، 4، 9، 8.
(4) الوسائل 18: 254، الباب 23 من أبواب الشهادات، الحديث 5، 4، 9، 8.
(5) الوسائل 18: 254، الباب 23 من أبواب الشهادات، الحديث 5، 4، 9، 8.
(6) الخلاف 6: 269، المسألة 19.
(7) كنز العرفان 2: 53.
297

وعلى هذا يجب أن يحمل على التقية الرواية الثانية، المانعة عن قبول
شهادته بالكلية.
كالصحيح: عن شهادة ولد الزنا فقال لا ولا عبد (1).
والموثق: عما يرد من الشهود، فقال: المريب - إلى أن قال: - والعبد (2).
إلى غير ذلك من النصوص القاصر كثير منها سندا وجميعها مكافئة لما
مضى قطعا من وجوه شتى، مع ندرة القائل بها، إذ ليس إلا العماني (3).
نعم ربما نسبه الفاضل في التحرير إلى الإسكافي (4)، لكنه في غيره
وباقي الأصحاب نسبوه إلى ما قدمنا عنه من التفصيل. وهو كسابقه أيضا
نادر. ومع ذلك مستنده غير واضح، عدا ما يتوهم له من الجمع بين الأخبار.
والصحيح: لا يجوز شهادة العبد على الحر المسلم (5).
والأول: مشروط بالتكافؤ، وليس. ولو سلم فلا شاهد عليه.
والثاني: معارض بمثله. وقد مر، مع أن نفي الجواز فيه لا يدل على الرد،
لاحتمال حمله على معناه بإرادة عدم جواز شهادته بدون إذن مولاه، لما في
ذلك من تعطيل حق سيده والانتفاع به بغير إذنه. ولو كان هذا خلاف الظاهر
لكان المصير إليه أولى مراعاة للجمع، كذا ذكره شيخنا في المسالك (6).
وربما يعضده المروي في الوسائل عن مولانا الحسن العسكري في
تفسيره: عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: كنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وهو يذاكرنا بقوله تعالى: «واستشهدوا شهيدين من رجالكم»، قال: أحراركم

(1) الوسائل 18: 277، الباب 31 - 32 من أبواب الشهادات، الحديث 6، 3.
(2) الوسائل 18: 277، الباب 31 - 32 من أبواب الشهادات، الحديث 6، 3.
(3) المختلف 8: 497.
(4) التحرير 2: 210 س 13.
(5) الوسائل 18: 256، الباب 23 من أبواب الشهادات، الحديث 12.
(6) المسالك 14: 206.
298

دون عبيدكم، فإن الله تعالى شغل العبيد بخدمة مواليهم عن تحمل الشهادة
وعن أدائها (1)، فتدبر.
مع أن دلالته بمفهوم الوصف، وليس بحجة على الأشهر الأظهر.
وما يقال: من أنه على تقدير عدم الحجية يستدل على قبول شهادته
على الذمي بما مر من الصحيح، وعلى العبد بما روي في الخلاف عن
علي (عليه السلام): أنه كان يقبل شهادة بعضهم على بعض، ولا يقبل شهادتهم
على الأحرار (2). فضعف بما مر من معارضة الصحيح السابق بمثله، وعدم
دلالة هذا الصحيح على نفي القبول على غير أهل الكتاب، إلا بالمفهوم
الضعيف أيضا.
والرواية غير معلومة الصحة، فلا تصلح للحجية، سيما مع قصورها - كما
سبقها على تقدير الدلالة - عن مقاومة الأدلة المتقدمة.
وبالجملة فهذا القول كسابقه ضعيف غايته.
واعلم أن الصحاح المتقدمة وإن اقتضت بإطلاقها قبول شهادته مطلقا،
إلا أن المشهور القائلين بها اختلفوا في إبقائها على إطلاقها، أو تقييدها بغير
الشهادة على المولى. وإلى هذا الخلاف أشار بقوله: (وفي) قبول (شهادته
على المولى قولان، أظهرهما المنع) وهو أشهرهما على الظاهر المصرح به
في كلام كل من ادعى الشهرة فيما مضى، وهو مختار الشيخين (3)
والسيدين (4) والديلمي (5) والقاضي (6) وابن حمزة (7) والحلبي (8) والحلي (9)

(1) الوسائل 18: 257، الباب 23 من أبواب الشهادات، الحديث 15.
(2) الخلاف 6: 269، المسألة 19.
(3) المقنعة 726، النهاية 2: 59.
(4) الانتصار 499، الغنية 440.
(5) المراسم 232.
(6) المهذب 2: 558.
(7) الوسيلة 230.
(8) الكافي في الفقه 435.
(9) السرائر 2: 135.
299

والفاضلين (1) والصيمري (2)، وأكثر المتأخرين، بل عامتهم.
عدا شيخنا الشهيد الثاني (3) وجملة من تبعه من متأخري المتأخرين،
فاختاروا الجواز، وفاقا منهم لابن عم الماتن نجيب الدين يحيى بن سعيد
في الجامع (4)، أخذا بإطلاق الصحاح، المؤيد بالعمومات. وهو قوي متين،
إلا أن في كلام السيدين (5) والحلي (6) دعوى الإجماع على المنع، فيتعين
بسببه المصير إليه، سيما بعد الاعتضاد بالشهرة العظيمة القديمة والحديثة، مع
ندرة القائل بالجواز على الإطلاق، كما هو مذهب شيخنا وتابعيه، بل يستفاد
من كثير مجهوليته وعدم معروفيته، بل ولم يسمه أحد عداه ومن بعده.
فما هذا شأنه يكاد أن يقطع بمخالفته الإجماع فلا يجوز اختياره، سيما
بعد دعوى الإجماع على خلافه، وظهور عبارة الفاضل المقداد في كنز
العرفان بورود الرواية في رده، فإنه قال: واختلف في شهادة العبد - إلى أن
قال: - وعن أهل البيت (عليهم السلام) روايات أشهرها وأقواها القبول، إلا على سيده
خاصة فتقبل لسيده ولغيره وعلى غيره (7).
وهذه الرواية وإن لم نقف عليها إلا أن غايتها الإرسال المنجبر بفتوى
الأصحاب، لكنهم لم يذكروها، حتى هو في شرح الكتاب، وإنما استدل هو
وغيره على المنع بأنه تكذيب للسيد وعقوق في حقه، فيكون كشهادة الولد
على والده وكل هذا ظاهر في عدم رواية عليه بالخصوص، وأن ما ذكره في
الكنز من الرواية لعله اشتباه.

(1) الشرائع 4: 131، الإرشاد 2: 159.
(2) غاية المرام 190 س 6 (مخطوط).
(3) المسالك 14: 205 - 207.
(4) الجامع للشرائع 540.
(5) الانتصار 499، الغنية 440.
(6) السرائر 2: 135.
(7) كنز العرفان 2: 53.
300

ويشبه أن يكون مراده بها. إما الروايات المانعة مطلقا بعد حملها على
المنع هنا خاصة جمعا، وهو بعيد جدا. أو خصوص الصحيحة الآتية في
المسألة الآتية بعد مسألة.
وهو وإن قرب، لاستدلال الفاضل بها في المختلف على المنع هنا، حيث
قال: وهي دالة على قبول شهادته لسيده والمنع من قبولها على سيده، وإلا لم
يكن للعتق فائدة (1). لكن الاستدلال بها ضعيف، لأن لفظ العتق لم يقيد به
الإمام (عليه السلام) ليكون دليلا على اعتباره في القبول، بل هو لفظ الراوي بيانا للواقع.
سلمنا، لكن مفهوم الصفة ليس بحجة. ونحوه في الضعف الدليلان
السابقان.
يظهر وجهه فيما ذكره شيخنا في المسالك بعد نقل الاستدلال بهما بنحو
يقرب مما قدمنا ما لفظه: وفيه نظر، لأن حمل أخبار المنع على ذلك غير
متعين، لما ذكرناه سابقا، ولما سيأتي من الأخبار الدالة على المنع من
شهادته على غيره من الأحرار، فيمكن حملها عليه، وتشبيهه بالولد ممنوع.
ولو سلم فالأصل ممنوع أيضا انتهى (2).
ويضعف الدليل الثاني، وهو الجمع بين الروايات زيادة على ما ذكره
بمخالفته وجه الجمع المستفاد من نفس الأخبار، وهو حمل أخبار المنع
على الإطلاق على التقية، وبه صرح أيضا جماعة، كما عرفته.
وبالجملة لولا الإجماعات المتقدم إليها الإشارة المعتضدات بالشهرة
العظيمة لكان المصير إلى مقتضى الإطلاقات والعمومات المتقدمة في غاية
القوة، لسلامتها لولاها عما يصلح لتقييدها بالكلية.
ومن هنا يظهر ضعف القول بعدم قبول شهادته مطلقا، إلا على المولى،

(1) المختلف 8: 503.
(2) المسالك 14: 208.
301

مع عدم معروفية قائله أصلا وإن ذكره الأصحاب قولا، ومنافاته لكل من
النصوص المجوزة والمانعة مطلقا، واستلزامه طرحها طرا، وارتكاب الجمع
بينهما بذلك فرع التكافؤ والشاهد عليه. وليسا مع تصريح جملة من
النصوص المجوزة بقبول شهادته للمولى، وقد عرفتها مما مضى. فهذا القول
أضعف الأقوال جدا.
(ولو أعتق) العبد (قبلت) شهادته (للمولى وعليه) بلا خلاف في
الثاني، لوجود المقتضي من الحرية وباقي الشرائط المعتبرة، وانتفاع المانع
بالمرة، إذ ليس إلا الرقية وقد زالت.
وللصحيح عن رجل أشهد أجيره على شهادة ثم فارقه أتجوز شهادته له
بعد أن فارقه؟ قال: نعم، وكذلك العبد إذا أعتق جازت شهادته (1).
ونحوه الصحيح الآخر: عن الذمي والعبد يشهدان على شهادة ثم يسلم
الذمي ويعتق العبد أتجوز شهادته على ما كانا أشهدا عليه؟ قال: نعم إذا علم
منهما خير بعد ذلك جازت شهادتهما (2).
والقوي: إن شهادة الصبيان إذا شهدوا وهم صغار جازت إذا كبروا ما لم
ينسوها، وكذلك اليهود والنصارى إذا أسلموا جازت شهادتهم، والعبد إذا
أشهد على شهادة ثم أعتق جازت شهادته إذا لم يردها الحاكم قبل أن يعتق،
وقال علي (عليه السلام): إن أعتق العبد لموضع الشهادة لم يجز شهادته (3).
قال الشيخان المحدثان في الفقيه (4) والتهذيبين (5) في قوله: «إذا لم

(1) الوسائل 18: 273 - 285، الباب 29 - 39 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 1.
(2) الوسائل 18: 273 - 285، الباب 29 - 39 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 1.
(3) الوسائل 18: 257، الباب 23 من أبواب الشهادات، الحديث 13.
(4) الفقيه 3: 45 ذيل الحديث 3295.
(5) التهذيب 6: 251 ذيل الحديث 48، الاستبصار 3: 18 ذيل الحديث 11.
302

يردها الحاكم» إلى آخره، يعني بها أن يرد بفسق ظاهر أو حال تخرجه
عن العدالة، لا لأنه عبد، لأن شهادة العبد جائزة، وأول من رد شهادة
المملوك عمر.
وما ذكراه حسن لو قلنا بقبول شهادة العبد قبل العتق مطلقا، أما لو منعنا
عنه على المولى خاصة - كما هو المشهور أوله كما هو مذهبهما - فلا وجه
لحصر وجه رد الحاكم شهادته قبل العتق بما عدا العبودية، بل يمكن جعلها
وجها له أيضا ولو في الجملة، ولذا أن شيخنا في المسالك لم يحصر وجه
الرد فيما ذكراه، بل أطلق بحيث يشمل مثل العبودية، فإنه قال بعد الحكم
بقبول شهادته مطلقا في المسألة لما مر من الأدلة: لكن لو كان قد أداها حال
الرقية فردت افتقر إلى إعادتها بعده، لأن السابقة مردودة، انتهى (1).
وقالا في قوله (عليه السلام): «إن أعتق لموضع الشهادة» إلى آخره: كأنه (عليه السلام) يعني
إذا كان شاهدا لسيده، فأما إذا كان شاهدا لغير سيده جازت شهادته عبدا
كان أو معتقا إذا كان عدلا.
وهو حسن، ويستفاد وجهه من اللام في «لموضع الشهادة»، الظاهرة في
التهمة، ولعلهما لأجله حكما بعدم قبول شهادته للمولى.
وفيه ما مر من دلالة الصحيحين على خلافه، مضافا إلى الأصول
والعمومات والإجماعات المحكية المعتضدة بالشهرة العظيمة، سيما مع
دعوى الشيخ في الخلاف الإجماع على قبول شهادته للمولى (2) بعد عتقه
مطلقا، فلا يعارضها مثل هذه القوية، لوحدتها، وقصور سندها، وموافقتها
للتقية، كما عرفته، ويشير إليه كون الراوي السكوني، وهو من قضاة العامة،

(1) المسالك 14: 212.
(2) الخلاف 6: 311، المسألة 60: وليس فيه التصريح بالإجماع.
303

فلا محمل لها غير ورودها مورد التقية.
(ولو أشهد عبديه بحمل) له من مملوكته (أنه ولده فورثهما غير
الحمل وأعتقهما الوارث) لهما في الظاهر (فشهدا للحمل) بذلك (قبلت
شهادتهما ورجع الإرث إلى الولد) فيرثهما، كما في الصحيح: في رجل
مات وترك جارية ومملوكين فورثهما أخ له فأعتق العبدين وولدت الجارية
غلاما فشهدا بعد العتق أن مولاهما كان أشهدهما أنه كان يقع على الجارية
وأن الحمل منه، قال: يجوز شهادته ويردان عبدين كما كانا (1). ونحوه
الموثق لكن فيه بدل ويردان عبدين - «ولا يسترقهما الغلام الذي شهدا له
لأنهما أثبتا نسبه» (2)، وهو بطرف الضد من بدله، إلا أنه صريح في الرقية
ولا كذلك البدل، إذ ليس فيه غير النهي عن الاسترقاق المحتمل للحمل على
الكراهة، فلتحمل عليها جمعا، سيما مع إشعار التعليل في الموثق بها.
(و) لذا ذهب الأكثر ومنهم الماتن إلى أنه (يكره له استرقاقهما)
خلافا لنادر فقال بالتحريم (3)، آخذا بظاهر النهي، وقد مر الكلام عليه مع ما
يتعلق بالمسألة في أواخر كتاب الوصية، فمن أراد تمام التحقيق فيها
فليراجعها ثمة.
(ولو تحمل الشهادة الصبي أو الكافر أو العبد أو الخصم أو الفاسق)
المعلن أو نحوهم من مردودي الشهادة (ثم زال المانع) الموجب لردها
(وشهدوا قبلت شهادتهم) بعد استجماع الشرائط الأخر، لوجود
المقتضي، وانتفاء الموانع، وللصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة:

(1) الوسائل 18: 255، الباب 23 من أبواب الشهادات، الحديث 7.
(2) الوسائل 13: 460، الباب 71 فيمن أعتق مملوكين، الحديث 1.
(3) النهاية 2: 59 - 60.
304

منها - زيادة على ما مر في المسألة السابقة على المسألة السابقة من
الصحيحين والقوية، وما مر في مسألة قبول شهادة القاذف بعد توبته من
المعتبرة المستفيضة - الصحيح وغيره: عن نصراني كما في الثاني (1)،
ويهودي كما في الأول: أشهد على شهادة ثم أسلم أتجوز شهادته؟ قال:
نعم (2). ونحو الثاني صحيح آخر (3).
وللصحيح: عن الصبي والعبد والنصراني يشهدون شهادة فيسلم
النصراني أتجوز شهادته؟ قال: نعم (4).
والقوي: اليهودي والنصراني إذا أشهدوا ثم أسلموا جازت شهادتهم (5).
وأما الصحيح: عن نصراني أشهد على شهادة ثم أسلم بعد تجوز شهادته،
قال: لا (6)، فقال الشيخ: إنه شاذ، وحمله على التقية، قال: لأنه مذهب بعض
العامة (7).
ويحتمل الحمل على ما لو شهد بها في حال كفره، فلا تقبل وإن أسلم
بعد، أو على فسقه بعد الإسلام، أو على التهمة في إسلامه، بأن كان مستترا
لكفره وشهد فرد لأجله ثم أسلم وأعادها دفعا لعار الكفر، ولكنه خلاف
المعروف من مذهب الأكثر، كالفاضلين في الشرائع (8) والتحرير (9) وفخر
الدين (10) وغيرهم في نظير المسألة، وهو مسألة الفاسق المستتر لفسقه إذا
أقام الشهادة فردت لأجله ثم تاب وأعادها، حيث اختاروا فيها القبول،
ولكن تردد فيه الفاضل في القواعد (11).

(1) الوسائل 18: 285، الباب 39 من أبواب الشهادات، الحديث 3، 6، 2.
(2) الوسائل 18: 285، الباب 39 من أبواب الشهادات، الحديث 3، 6، 2.
(3) الوسائل 18: 285، الباب 39 من أبواب الشهادات، الحديث 3، 6، 2.
(4) الوسائل 18: 286، الباب 39 من أبواب الشهادات، الحديث 4، 5، 7.
(5) الوسائل 18: 286، الباب 39 من أبواب الشهادات، الحديث 4، 5، 7.
(6) الوسائل 18: 286، الباب 39 من أبواب الشهادات، الحديث 4، 5، 7.
(7) التهذيب 6: 254 ذيل الحديث 66.
(8) الشرائع 4: 131.
(9) التحرير 2: 210 س 33.
(10) الإيضاح 4: 429.
(11) القواعد 3: 497.
305

ولعله ينشأ من وجود المقتضي للقبول وهو العدالة الثابتة بالتوبة، وانتفاء
المانع، إذ ليس بحكم الفرض إلا الفسق وقد ارتفع بالتوبة.
ومن حصول التهمة بدفع عار الكذب، وهي مانعة عن قبول الشهادة،
كما عرفته. وحكي (1) هذا قولا، ولم أقف على قائله، فكأنه شاذ، ومع ذلك
رد بأن العدالة دافعة لمثل هذه التهمة.
وهو حسن مع ظهور صدق التوبة والثقة بعدم استنادها إلى ما يوجب
التهمة. وربما أشعر به بعض المعتبرة، كالقوي: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) شهد
عنده رجل وقد قطعت رجله ويده فأجاز شهادته وقد كان تاب وعرف
توبته (2). فتأمل.
ولعل مراد الأصحاب ذلك أيضا، ولكن إطلاق كثير من المعتبرة
المتقدمة في قبول شهادة القاذف بعد توبته كفاية إظهارها ولو لم يظهر
صدقها. ولعله لذا قال الشيخ (3) والحلي (4): بقبول شهادة المتجاهر بالفسق
بعد توبته، بعد أن يقول له الحاكم تب لأقبل شهادتك. ولكن المشهور خلافه،
فلم يقولوا به، بل اعتبروا اختباره مدة يغلب على الظن فيها أنه قد أصلح
عمله وسريرته، وأنه صادق في توبته. ولعل هذا هو الأصح.
وكيف كان فلا خلاف في شئ مما ذكر، عدا ما مر فيه من الخلاف،
حتى في قبول شهادة الفاسق المعلن بعد توبته مطلقا، سواء شهد بها قبل
التوبة ثم أعادها بعدها، أو شهد بغيرها من دون إعادة.
قالوا: والفرق بينه وبين الفاسق المستتر، حيث اتفق على قبول شهادة

(1) لم نعثر عليه.
(2) الوسائل 18: 284، الباب 37 من أبواب الشهادات، الحديث 2.
(3) المبسوط 8: 179.
(4) السرائر 2: 117.
306

الأول بعد التوبة مطلقا، واختلف فيه في الثاني وإن كان المشهور مساواتهما
حرص المستتر على إصلاح الظاهر ودخول الغضاضة عليه بظهور كذبه،
بخلاف المعلن بالفسق، لأنه لا يدخله غضاضة مع ظهوره، بل ربما يفتخر به
فيحصل التهمة في الأول دون الثاني.
(السادس: طهارة المولد) عن الزنا (فلا تقبل شهادة ولد الزنا) على
الأشهر الأقوى، بل عليه عامة متأخري أصحابنا، بل وقدمائهم أيضا، عدا
نادر منهم يأتي ذكره. وهو شاذ، ولذا ادعى المرتضى (1) والشيخ (2) وابن
زهرة (3) عليه إجماعنا. وهو الحجة; مضافا إلى المعتبرة المستفيضة:
ففي الصحيح: لا تجوز شهادة ولد الزنا (4).
وفي آخر: عن شهادته، فقال: لا ولا عبد (5).
ونحوه الخبر، المنجبر ضعفه بسهل في الكافي (6)، وبالاشتراك في
التهذيب (7) بالعمل، مع أن ضعفه سهل، بل قيل (8) ثقة، وليس فيه بعده عدا
أبان الموثق وأبي بصير، وليس فيهما اشتراك يضعف، كما ظن، بل أبان هنا
هو ابن عثمان، لأنه الغالب المنصرف إليه الإطلاق، مع التصريح به فيما يأتي
من الطرق المنقولة عن رجال الكشي (9) وبصائر الدرجات (10)، وأبو بصير
ثقة على الإطلاق، وفاقا لجماعة من المحققين، كما حقق في محله، مع أن

(1) الانتصار 501.
(2) الخلاف 6: 309، المسألة 57.
(3) الغنية 440.
(4) الوسائل 18: 276، الباب 31 من أبواب الشهادات، الحديث 3، 6.
(5) الوسائل 18: 276، الباب 31 من أبواب الشهادات، الحديث 3، 6.
(6) الكافي 7: 395، الحديث 4.
(7) التهذيب 6: 244، الحديث 15.
(8) رجال الطوسي 378، رقم [5699] 4.
(9) رجال الكشي 375 رقم 705.
(10) بصائر الدرجات 9: الحديث 3.
307

قبلهما في الكافي ابن أبي نصر المجمع على تصحيح ما يصح عنه وعن أبان
الذي فيه.
فلا ريب في اعتبار سند الخبر وقوته، سيما وأنه روي في بصائر
الدرجات ورجال الكشي إلى أبان بطرق أخر.
وفي الموثق: لو أن أربعة شهدوا عندي بالزنا على رجل وفيهم ولد الزنا
لجلدتهم جميعا، لأنه لا تجوز شهادته، ولا يؤم الناس (1).
وفي المروي في تفسير العياشي: ينبغي لولد الزنا أن لا تجوز شهادته
ولا يؤم الناس ولم يحمله نوح (عليه السلام) في السفينة، وقد حمل فيها الكلب
والخنزير (2).
والمراد ب‍ «لا ينبغي فيه» التحريم، بدلالة الأخبار السابقة، مع أن حمله
على الكراهة يوجب شذوذ الرواية، إذ لا قائل بإطلاقها وإن قواه في
المبسوط، لعدم معلومية كون التقوية مذهبا له، سيما وإن قال بعدها: لكن
أخبار أصحابنا تدل على أنه لا تقبل شهادته (3).
وفيه إشعار ما بكون الأخبار المزبورة مجمعا عليها بيننا. فتأمل جدا.
وأما المروي عن قرب الإسناد (4) عن ولد الزنا هل تجوز شهادته؟ قال:
نعم تجوز شهادته، ولا يؤم، فقد حمله - لضعف سنده - بعض الأصحاب
على التقية. وهو قريب، لأن الجواز مذهب أكثر العامة، كما في المسالك (5).
ويستفاد من غيره.
مع أن هذا الخبر مروي عن كتاب علي بن جعفر صحيحا بدل «نعم

(1) الوسائل 18: 276، الباب 31 من أبواب الشهادات، الحديث 4.
(2) تفسير العياشي 2: 148، الحديث 28.
(3) المبسوط 8: 228.
(4) قرب الاسناد 122: وفيه «لا تجوز».
(5) المسالك 14: 224.
308

تجوز شهادته» «لا تجوز شهادته» (1): ومع ذلك قاصر عن معارضة الأخبار
السابقة من وجوه عديدة، ومنها كونه على إطلاقه شاذا، كما عرفته في
الرواية السابقة.
(وقيل) والقائل الشيخ في النهاية (2) وابن حمزة (3) إنه (يقبل)
شهادته (في الشئ الدون) اليسير (وبه) وردت (رواية) عن شهادة ولد
الزنا، فقال: لا تجوز إلا في الشئ اليسير إذا رأيت منه صلاحا (4).
وهي - مع كونها (نادرة) على الظاهر المصرح به هنا وفي الشرائع (5)،
لرجوع الشيخ الذي هو الأصل في العمل بها عنها في الخلاف إلى القول
بالمنع مطلقا (6)، كما عليه أصحابنا - لا تعارض الأخبار السابقة، لما هي
عليه من الكثرة، والاستفاضة، والاعتضاد بالشهرة العظيمة، كما صرح بها
جماعة حد الاستفاضة، بل الإجماع كما عرفته من المرتضى، وبه يشعر
العبارة كعبارة المبسوط المتقدمة. ومع ذلك معتضدة بأدلة اخرى ذكرها
جماعة كالمرتضى.
فقد استدل عليه - زيادة على الإجماع - بالخبر الذي ورد أن ولد الزنا
لا ينجب. وأجاب عن ظواهر الآيات - المقتضية لقبول شهادة ولد الزنا من
جهة العموم إذا كان عدلا، وأنها «لا تزر وازرة وزر اخرى» (7)، فلا يتعدى
إليه ذنب من خلق من نطفته - بأن الله سبحانه علم فيمن خلق من نطفة زنا
ألا يختار هو الخير والصلاح، فإذا علمنا بدليل قاطع أنه لا ينجب لم يلتفت

(1) مسائل علي بن جعفر 191، مسألة 391.
(2) النهاية 2: 53.
(3) الوسيلة 230.
(4) الوسائل 18: 276، الباب 31 من أبواب الشهادات، الحديث 5.
(5) الشرائع 4: 132.
(6) الخلاف 6: 309، المسألة 57.
(7) الأنعام: 164.
309

إلى ما يظهر من الإيمان والعدالة، لأنه يفيد ظن صدقه، ونحن قاطعون بخبث
باطنه وقبح سريرته، فلا تقبل شهادته (1).
وأما ما في المسالك من أن استدلاله مبني على ثبوت الخبر بذلك، بل
تواتره، لأن غير المتواتر لا يوجب الحجة عنده، ونحن ومن قبلنا لا يمكننا
إثباته بسند معتمد فضلا عن كونه متواترا، واعتذر عنه في ظاهر المختلف
بجواز كونه متواترا في زمانه ثم انقطع، ولا يخفى ما فيه من التكلف. وظهور
المنع (2). ففيه نظر لا يخفى، لمنع أن غير المتواتر لا توجب حجة عنده
مطلقا، بل الذي نفى حجيته إنما هو الأخبار الآحاد التي لا توجب علما. ولا
ريب أنها غير الأخبار الآحاد المحفوفة بالقرائن القطعية. فلعل الرواية كانت
عنده من الآحاد المحفوفة بها أو متواترة، كما اعتذر له العلامة (3).
وليس فيه تكلف كما ذكره، لتصريح السيد (4) في قوله: فإذا علمنا بدليل
قاطع إلى آخره بكون الرواية عنده قطعية، وإلا فالآحاد على تقدير حجيتها
عنده لا تفيد علما بلا شبهة. فكيف يدعيه؟
فدعواه إياه يعرب عن قطعيتها عنده، ولا يحصل إلا بالتواتر أو القرينة،
ومنها لا يتوجه رده إلا بعد علمنا بخطأ ما ذكره، وثبوت عدم التواتر، أو
فساد القرينة وهو غير حاصل لنا إلا من حيث عدم تمكننا من إثبات التواتر
أو القرينة، وهو لا يوجب فساد ما ذكره جدا.
وكالإسكافي، فقد علل المنع بورود الخبر: أنه شر الثلاثة، وعنى به إياه
والزانيين، قال: فإذا كنا لا نقبل شهادتهما كان رد شهادة من هو شر منهما
أولى (5).

(1) الانتصار 501.
(2) المسالك 14: 223.
(3) المختلف 8: 490 - 487.
(4) الانتصار 502.
(5) المختلف 8: 490 - 487.
310

وكالحلي، فقد استدل عليه بالإجماع على كفره، فلا تقبل شهادته كغيره
من الكفار (1).
وهذان الدليلان وإن كانا لا يخلوان عن شئ إلا أنهما للتأييد صالحان.
هذا، مع أن الرواية قاصرة السند عن الصحة وإن كانت حسنة،
كالصحيحة بأبان وفضالة، اللذين أجمع على تصحيح ما يصح عنهما
العصابة. ومع ذلك الدلالة ضعيفة، لإجمال الدون فيها، لصدقه على كل شئ
بالإضافة إلى ما فوقه، فإنه من الأمور المتضايفة.
وإلى ما ذكرنا يشير كلام الفاضل في المختلف، حيث قال: فإن قبول
شهادته في الشئ اليسير يعطي المنع من قبول الكثير من حيث المفهوم،
ولا يسير إلا وهو كثير بالنسبة إلى ما دونه، فإذا لا تقبل شهادته إلا في
أقل الأشياء الذي ليس بكثير بالنسبة إلى ما دونه، إذ لا دون له، ومثله
لا يملك (2)، انتهى. فتأمل جدا.
ثم إن المنع يختص بمن علم كونه ولد الزنا، أما من جهل فتقبل شهادته
بعد استجماعه الشرائط الأخر من العدالة وغيرها، وإن نسب إلى الزنا ما لم
يكن العلم بصدق النسبة حاصلا، وبه صرح جماعة من غير خلاف بينهم
أجده. ولعله للعمومات، واختصاص الأخبار المانعة بالصورة الأولى دون
الثانية، لكونها من الأفراد الغير المتبادرة، فلا تنصرف إليها الإطلاق، كما مر
غير مرة.
ويحتمل العدم، لكنه ضعيف في صورة النسبة، عملا بالإطلاق من باب
المقدمة.

(1) السرائر 2: 122.
(2) المختلف 8: 490.
311

(ويلحق بهذا الباب مسائل) ثلاث:
(الأولى: التبرع بالأداء) أي أداء الشهادة (قبل الاستنطاق) وطلب
الحاكم إياه من الشاهد (يمنع القبول) منه مطلقا، سواء كان قبل دعوى
المدعي، أم بعدها، بلا خلاف أجده، وبه صرح في الكفاية (1)، ويظهر من
المسالك (2) وغيره، واحتمله اجماعا بعض الأجلة (3).
قالوا: (لتطرق التهمة) بذلك فيدخل في عموم الأدلة الدالة على كونها
مانعة عن قبول الشهادة، وللنبوي: في معرض الذم: ثم يجيء قوم يعطون
الشهادة قبل أن يسألوها (4)، وفي لفظ آخر: «ثم يفشوا الكذب حتى يشهد
الرجل قبل أن يستشهد» (5).
وفيهما - لولا فتوى الأصحاب - نظر، يظهر وجهه بالتدبر فيما ذكره
بعض من تأخر، حيث قال بعد نقلهما معترضا: وأنت تعلم أن التهمة غير
ظاهرة، خصوصا إذا كان جاهلا، فإنا نجد كثيرا من يشهد قبل الاستشهاد
من غير ميل إلى إثبات المشهود، بل قد يكون إلى عدمه أميل، لغرض مثل
فقر المشهود عليه، أو مصاحبته، أو عداوة المشهود له، اعتقادا لوجوب
الشهادة وتحريم كتمانها.
كيف! والعدالة تمنع من الشهادة على الكذب مع العلم بقبحه، والوعيد
في الكتاب والسنة، وتحريمه بإجماع المسلمين، والرواية المذكورة ما نعرف
سندها، فضلا عن صحتها ومعارضتها بمثلها، والظاهر أنها عامية.
وبالجملة رد شهادة العدل بمجرد ذلك مع وجوب قبول العدل وعدم رده

(1) كفاية الأحكام 282 س 24.
(2) المسالك 14: 215.
(3) مجمع الفائدة 12: 400 - 401.
(4) مسند أحمد بن حنبل 4: 426.
(5) سنن الترمذي 4: 549.
312

بالكتاب والسنة والإجماع مشكل، إلا أن يكون إجماعيا (1)، انتهى.
وهو جيد متين، إلا أن دعواه أولا عدم ظهور التهمة مطلقا مشكل جدا،
لوضوحها مع التبرع غالبا وإن أمكن فرض عدمها فيما فرضه من صورة
الجهل وغيرها، ولذا أطبق الأصحاب على عده تهمة. ولعل مرادهم الغالب
دون ما فرض من الصورة النادرة. كيف لا! ولو كان مرادهم عده تهمة مطلقا
لزم مخالفة ما ذكروه للوجدان جدا. فهذا أظهر قرينة على إرادتهم من محل
المنع ما أوجب التبرع فيه التهمة، كما هو الغالب، دون غيره، وإنما أطلقوا من
دون تقييد اتكالا منهم إلى فهمه من تعليلهم المنع بالتهمة.
وعلى هذا فلعله لا بأس عندهم بقبول شهادة المتبرع في الفرد النادر
الذي لا يكون فيه تهمة.
ولا ينافي ذلك استدلال بعضهم (2) للمنع زيادة على التعليل المتقدم
بالنبوية، بعد قوة احتمال ورودها مورد الغالب، وهو ما يحصل فيه التهمة،
كما عرفته. فهي وإن ضعف سندها إلا أنها بالموافقة للنصوص المانعة عن
قبول الشهادة مع التهمة منجبرة.
وكيف كان فالمنع مقطوع به في كلامهم إذا كان المشهود به من حقوق
الآدميين، كما في نكت الإرشاد (3) وغيره.
(وهل يمنع) التبرع عن القبول (في حقوق الله تعالى) أم لا؟ قولان:
أولهما: للشيخ في النهاية كما في التنقيح (4).
وثانيهما: له في المبسوط، كما فيه (5). وهو المشهور على الظاهر

(1) مجمع الفائدة 12: 401 - 400.
(2) النهاية 2: 58.
(3) غاية المراد 170 س 22 (مخطوط).
(4) التنقيح 4: 304.
(5) التنقيح 4: 305.
313

المصرح به في كلام الصيمري (1)، بل لعله عليه عامة المتأخرين، حتى
الماتن هنا وفي الشرائع (2) والفاضل في الإرشاد (3). لكن على (تردد) (4)
منهما وإشكال.
قيل: ينشئان من أن التهمة المانعة من قبول الشهادة موجودة في
الموضعين، فيمنع من القبول فيهما لتساويهما في العلة. ومن أنها في حقوق
الله تعالى، والمصالح العامة لا مدعى لها، فلو لم تقبل فيها شهادة المتبرع
لأدى ذلك إلى سقوطها (5).
وفي هذا نظر، إذ ليس فيه ما يفيد تقييد الأدلة المانعة عن قبول الشهادة
مع التهمة بعد حصولها، كما هو فرض المسألة بحقوق الآدميين خاصة.
ومجرد عدم المدعي لحقوق الله تعالى لا يرفع التهمة، ولا يفيد التقييد
المزبور، إذ لا دليل على إفادته له من إجماع أو رواية. وأداء عدم القبول فيها
إلى سقوطها لا دلالة فيه على أحد الأمرين أصلا.
ولا محذور في سقوطها مع عدم قبولها، بل هو مطلوب، لبناء حقوق الله
تعالى على التخفيف اتفاقا فتوى ونصا.
ولو سلم فإنما يؤدي إلى السقوط، لوروده مطلقا، سواء كان في مجلس
التبرع أو غيره، أما لو خص الرد بالأول، كما هو رأي بعض في حقوق
الآدميين (6)، فلا يؤدي إلى السقوط، لإمكان قبوله لو أدى في مجلس آخر
من غير تبرع ثانيا.
فهذا الدليل ضعيف جدا، كالاستدلال على القبول هنا بالنبوية الأخرى:

(1) غاية المرام 2: 190 س 11 (مخطوط).
(2) الشرائع 4: 131.
(3) الإرشاد 2: 158.
(4) في المتن المطبوع: فيه تردد.
(5) المسالك 14: 215، نقلا بالمعنى.
(6) المسالك 14: 215.
314

خير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها (1)، إذ هي بعد الإغماض
عن سندها غير دالة على القبول هنا خاصة، بل هي عامة لما سبق من حقوق
الآدميين أيضا، ولم يقل به أحد، كما مضى. وتقييدها بالمقام فرع وجود
دليل عليه أو قرينة وليسا. فتأمل جدا.
وأضعف منهما ما ذكره الصيمري - بعد مصيره إلى القبول - من أن
العدالة تدفع التهمة (2). وذلك لمنع دفعها لها. كيف لا وقد أطبق هو وسائر
الأصحاب على اجتماعها معها، ولذا عدوا التهمة من موانع قبول الشهادة
زيادة على الفسق المقابل للعدالة. فلو أوجبت التهمة فسقا لما كان لعدهم
إياها من الموانع في مقابلة الفسق وجه أصلا.
ولو سلم الدفع فهو جار في حقوق الآدميين أيضا، فلم أطبق هو وباقي
الأصحاب على المنع فيها معللين بالتهمة، مع أنها غير مجتمعة مع العدالة،
كما ذكره؟
وبما ذكرنا يظهر قوة القول الأول، إلا أن ندرة القائل به - بل وعدمه
لرجوع الشيخ عنه في المبسوط إلى خلافه، واشتهاره بين المتأخرين -
أوجب التردد فيه. ويمكن أن يكون هذا وجها للتردد من الفاضلين لا ما مر.
فتأمل.
واعلم أن التبرع بالشهادة في محل المنع ليس جرحا حتى لا تقبل
شهادته في غير تلك الواقعة، لأنه ليس معصية، فتسمع شهادته في غيرها،
للأصل، والعمومات، مع عدم ظهور خلاف فيه بين الأصحاب، بل ظاهر
المسالك إجماعهم عليه (3).

(1) مسند الإمام أحمد بن حنبل 4: 117.
(2) غاية المرام 3: 190 س 11 (مخطوط).
(3) المسالك 14: 215.
315

ولو أعاد تلك الشهادة في مجلس آخر على وجهها، ففي قبولها وجهان،
من بقاء التهمة في الواقعة، ومن اجتماع الشرائط في الشهادة الثانية. والأول
أجود، وفاقا لجماعة، خلافا لشيخنا في المسالك فاستجود الثاني (1).
(الثانية: الأصم) المؤف السمع (تقبل شهادته فيما لا يفتقر) العلم به
(إلى السماع) وفيما يفتقر إليه أيضا إذا سمع ثم اعتل وأثبت، بلا خلاف فيه
في الجملة، للأصل، والعمومات، وخصوص ما سيأتي من بعض الروايات،
مع سلامتها عن المعارض.
والصمم ليس له قابلية المانعية حيثما تأتي معه الشروط المعتبرة في
سماع الشهادة، التي منها العلم بالمشهود به، كما ستأتي إليه الإشارة.
(وفي رواية) جميل الضعيفة بسهل ودرست: قال: سألت أبا
عبد الله (عليه السلام): عن شهادة الأصم في القتل؟ فقال: (يؤخذ بأول قوله) ولا
يؤخذ بثانيه (2).
وبها أفتى الشيخ في النهاية (3) والقاضي (4) وابن حمزة (5)، ونسبها في
الدروس إلى الشيخ وأتباعه كافة، قال: ولم يقيدوا بالقتل، والأكثر على
إطلاق قبول شهادته، وهو الأصح، وفي طريق الرواية سهل بن زياد،
وهو مجروح (6) انتهى.
أقول: ما اختاره هو والماتن هنا وفي الشرائع (7) مختار الأكثر، كما

(1) المسالك 14: 215.
(2) الوسائل 18: 296، الباب 42 من أبواب الشهادات، الحديث 3.
(3) النهاية 2: 55.
(4) المهذب 2: 556.
(5) الوسيلة 230.
(6) الدروس 2: 133 - 134.
(7) الشرائع 4: 132.
316

ذكره، بل المشهور، كما في شرح الشرائع للصيمري (1)، وعليه عامة
المتأخرين، وفاقا منهم للحلبي (2) والحلي (3).
ووجه إعراضهم عنها مع دلالتها على قبول شهادته في الجملة يظهر مما
ذكره الفاضل المقداد في شرح الكتاب، حيث قال بعد تضعيف سنده: مع أن
في العمل بها محل بحث، وهو أن القول الثاني، إن كان منافيا للأول فهو
رجوع فيرد، وإن كان غير مناف، فإما أن يكون مدلوله مدلول الأول فهو إذن
تأكيد غير مردود، أو لا يكون فهو كلام مستقل لا تعلق له بالأول (4). وقريب
منه كلام الفاضل في المختلف، إلا أنه قال بعد تضعيف السند: وأيضا القول
بالموجب فإن الثاني إن كان منافيا (5)، إلى آخر ما مر.
وفيه نظر، فإن رد القول الثاني - على تقدير استقلاله، وعدم منافاته
للأول، وعدم ارتباطه به - مناف لما اختاره من قبول شهادته على الإطلاق.
فكيف يجتمع مختاره مع القول بموجب الرواية في هذه الصورة؟!
ولعله لهذا تنظر في كلامه فيها في المسالك فقال بعد نقله: وفي هذا
القسم الأخير نظر (6).
أقول: بل ولعل في القسم الأول، وهو صورة منافاة الثاني للأول أيضا
نظر، لأنه إن كان المردود هو الشهادة الأولى لم يكن قولا بموجبها،
لتصريحها برد الشهادة الثانية، وقبول الأولى خاصة عكس ما ذكره. وإن كان
هو الشهادة الثانية فلا يتجه ردها على الإطلاق، بل يختص بما إذا كانت
بعد حكم الحاكم بشهادة الأولى، وإلا فلو كانت قبله ردت الأولى، كما

(1) غاية المرام 2: 190 س 22 (مخطوط).
(2) المختلف 8: 490 - 491.
(3) السرائر 2: 123.
(4) التنقيح 4: 306.
(5) المختلف 8: 490 - 491.
(6) المسالك 14: 227 - 228.
317

ذكروه في مسألة رجوع الشاهد عما شهد به. وسيأتي إن شاء الله تعالى.
ومما ذكر ظهر أن تعبير الفاضل المقداد وإسقاطه ما ذكره من القول
بالموجب أجود.
وحيث قد عرفت ما في العمل بها من المخالفة للأصول والفرق بينها
وبين القول المشهور ظهر لك ما في كلام بعض الفحول، حيث قال بعد
تضعيفها: بل لا محصل لها وللقول بها. فتأمل (1)، انتهى.
فكيف لا محصل لها وقد عرفت ما فيها ولعله لهذا أمر بالتأمل أخيرا.
وكيف كان فينبغي القطع بطرحها لما هي عليه زيادة على ما مضى من
الندرة، كما صرح به الماتن في الشرائع (2)، مشعرا بمخالفتها الإجماع، فتقبل
شهادة الأصم فيما مر مطلقا.
(وكذا تقبل شهادة الأعمى فيما لا يفتقر) العلم به (إلى الرؤية)
وتحصل بالسماع وحده، بلا خلاف بيننا أجده، بل عليه في صريح
الانتصار (3) والخلاف (4) وظاهر الغنية (5) إجماع الإمامية. وهو الحجة;
مضافا إلى ما مر في المسألة السابقة، وخصوص الخبرين: عن الأعمى تجوز
شهادته، قال: نعم إذا ثبت (6).
وفي الوسائل عن الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن
جعفر الحميري عن مولانا صاحب الزمان (عليه السلام): أنه كتب إليه يسأله عن
الضرير إذا شهد في حال صحته على شهادة ثم كف بصره ولا يرى خطه

(1) مجمع الفائدة 12: 452.
(2) الشرائع 4: 132.
(3) الانتصار 503.
(4) الخلاف 6: 268، المسألة 17.
(5) الغنية 439 - 440.
(6) الوسائل 18: 296، الباب 42 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 2.
318

فيعرفه هل تجوز شهادته أم لا؟ وإن ذكر هذا الضرير الشهادة هل يجوز أن
يشهد على شهادته أم لا يجوز؟ فأجاب (عليه السلام): إذا حفظ الشهادة وحفظ
الوقت جازت شهادته (1).
وهو صريح في قبول شهادته فيما يفتقر إلى الرؤية أيضا إذا حصل له
العلم بالمشهود به وكان مثبتا له إلى حين الأداء، وبه صرح جماعة، ويعضده
إطلاق الخبرين، وعموم الأدلة.
ويمكن أن تنزل عليه العبارة ونحوها مما خص القبول فيه بما لا يفتقر
إلى الرؤية، بحملها على الشهادة التي يتحملها حال العمى، ويقربه عموم
أدلتهم فيما لا يفتقر إلى الرؤية لهذه الصورة. ونحوه الكلام في قبول شهادة
الأصم فيما يفتقر إلى السماع إذا سمعه ثم اعتل وأثبته، فتقبل حينئذ، كما
تقدم إليه الإشارة.
(الثالثة): اعلم أن الأصل في الشهادة رجلان بحكم الاستقراء، والأصل
في الجملة، وظاهر الآيات المأمور فيها باستشهاد رجلين، ذوي عدل، فإن
الاقتصار عليهما في الذكر في معرض الإرشاد يدل على الاقتصار في الحكم.
وحينئذ فلا تقبل شهادة الواحد مطلقا، إلا ما قيل (2) في هلال رمضان،
للخبر (3)، بل الصحيح، وهو شاذ ضعيف. ومستنده مع احتمال قصور
سنده واختلاف متنه غير دال معارض بالصحاح المستفيضة وغيرها من
المعتبرة. ومع ذلك قد ادعي - في صريح الغنية (4) والإيضاح (5) وظاهر شرح

(1) الوسائل 18: 296، الباب 42 من أبواب الشهادات، الحديث 4.
(2) المراسم 233.
(3) الوسائل 18: 266، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 36.
(4) الغنية 438.
(5) الإيضاح 4: 431.
319

الشرائع (1) للصيمري - على خلافه الإجماع.
و (لا تقبل شهادة النساء في الهلال والطلاق) بلا خلاف إذا كن عن
الرجال مفردات، وكذا إذا انضموا إليهن على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة
من تقدم وتأخر، عدا العماني فقال: شهادة النساء مع الرجال جائزة في كل
شئ إذا كن ثقات (2). وهو شاذ، بل على خلافه في الغنية الإجماع (3).
والشيخ في المبسوط (4)، والإسكافي، فقالا: بالقبول في الطلاق، ويظهر من
الثاني إجماعنا عليه، وحكاه عن عمر بن الخطاب (5). وكفاه هذا ردا، مع
دعوى الإجماع على خلافه في الغنية صريحا، وفي الدروس (6) ظاهرا. وهو
الحجة هنا وسابقا، مضافا إلى الأصل المتقدم، والنصوص المستفيضة جدا:
ففي الصحيح: لا تجوز شهادة النساء في الهلال والطلاق (7). ونحوه (8).
آخر بدون ذكر الطلاق.
وفي آخرين: لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال، ولا تقبل في الهلال
إلا رجلان عدلان (9). وزيد في أحدهما ولا في الطلاق (10).
وفي خامس: شهادة النساء تجوز في النكاح ولا تجوز في الطلاق (11).
ونحوه سادس: عن شهادة النساء في النكاح، فقال: تجوز كان علي (عليه السلام)
يقول: لا أجيزها في الطلاق (12)، الحديث.

(1) غاية المرام 2: 191 س 11 (مخطوط).
(2) المختلف 8: 455 - 456.
(3) الغنية 438.
(4) المبسوط 8: 172.
(5) المختلف 8: 455 - 456.
(6) الدروس 2: 140.
(7) الوسائل 18: 260 الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 8، 10.
(8) الوسائل 18: 260 الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 8، 10.
(9) التهذيب 6: 269، الحديث 129.
(10) الوسائل 18: 262، الباب 24، من أبواب الشهادات، الحديث 17، 5.
(11) الوسائل 18: 262، الباب 24، من أبواب الشهادات، الحديث 17، 5.
(12) الوسائل 18: 258، الباب 24، من أبواب الشهادات، الحديث 2.
320

ونحوهما سابع: لا تجوز شهادتهن في الطلاق، ولا في الدم، وتجوز
شهادتهن في النكاح إذا كان معهن رجل (1).
والموثق: كان أمير المؤمنين (عليه السلام): يجيز شهادة المرأتين في النكاح عند
الإنكار، ولا يجيز في الطلاق إلا شاهدين عدلين (2).
والقريب من الصحيح بابن محبوب - المجمع على تصحيح ما يصح عنه
- تجوز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه ويشهدوا عليه،
وتجوز شهادتهن في النكاح، ولا تجوز في الطلاق ولا في الدم (3)، الحديث.
والخبران: في أحدهما: تجوز شهادة النساء وحدهن على ما لا يستطيع
الرجال النظر إليه، وتجوز شهادة النساء في النكاح إذا كان معهن رجل، ولا
تجوز في الطلاق، ولا في الدم، الحديث. وفي الثاني: عن شهادة النساء تجوز
في النكاح، قال: نعم، ولا تجوز في الطلاق (4).
إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة، التي لا معارض لها في المقامين
لا عموما ولا خصوصا، عدا ما عن المبسوط (5) من أنه روي قبول
شهادتهن في الطلاق مع الرجال. وهو - مع إرساله، وعدم معارضته لما مر
من الأدلة - نادر، ولم يحكه عن المبسوط إلا في الكفاية (6).
وبالجملة فالخلاف فيهما ضعيف غايته، والمصير إلى مقتضاهما متعين.
وظاهر إطلاق العبارة وغيرهما مما أطلق فيه المنع عن القبول في
الطلاق انسحاب المنع فيه في جميع أنواعه التي منها الخلع والمباراة
والطلاق بعوض، وهو المشهور كما في المسالك (7) وشرح الشرائع (8)

(1) الوسائل 18: 258، الباب 24، من أبواب الشهادات، الحديث 4، 35، 5.
(2) الوسائل 18: 258، الباب 24، من أبواب الشهادات، الحديث 4، 35، 5.
(3) الوسائل 18: 258، الباب 24، من أبواب الشهادات، الحديث 4، 35، 5.
(4) الوسائل 18: 260، الباب 24، من أبواب الشهادات، الحديث 11.
(5) لم نعثر عليه.
(6) كفاية الأحكام 284، السطر الأخير.
(7) المسالك 14: 251.
(8) غاية المرام 2: 191، س 11 (مخطوط).
321

للصيمري وغيرهما، لإطلاق ما مر من النصوص، بناء على كون الخلع
وما بعده من أفراد الطلاق وفي معناه، كما صرح به الفاضل في المختلف (1)،
وظاهره عدم القائل بالفرق بينه وبين غيره من أنواع الطلاق.
فكل من قال فيه بالمنع - كالمفيد (2) والصدوقين (3) والشيخ في
النهاية (4) والخلاف (5) والديلمي (6) والحلبي (7) والقاضي (8) وابن حمزة (9)
والحلي (10) وغيرهم - قال به مطلقا. ومن قال بالقبول - كالشيخ في
المبسوط (11) والإسكافي (12) والعماني (13) - قال به كذلك.
واختار في المسالك قولا بالتفصيل بين ما لو كان مدعيه المرأة
فكالطلاق لا يقبل فيه، أو الرجل فيقبل لتضمنه دعوى المال. وحكي فيه
وفي غيره القبول فيه مطلقا، من جهة تضمنه المال، وهو مستلزم
للبينونة (14).
فثبت أيضا بذلك مبنى هذين القولين، بناء على ما تقرر عندهم، وسيظهر
من قبول شهادتهن فيما يتضمن مالا، أو يكون المقصود منه المال، وأنكره
بعض الأصحاب. ولعله لعدم الدليل على الكلية في النصوص، ولعدم تبادر
نحو المقام من الدين المحكوم فيها بجواز شهادتهن مع الرجال فيه.
والإجماع مفقود في محل النزاع.

(1) المختلف 8: 463.
(2) المقنعة 727.
(3) المقنع 403.
(4) النهاية 2: 61.
(5) الخلاف 6: 252، المسألة 4.
(6) المراسم 233.
(7) الكافي في الفقه 436.
(8) المهذب 2: 558.
(9) الوسيلة 222.
(10) السرائر 2: 115.
(11) المبسوط 8: 172.
(12) المختلف 8: 455.
(13) المختلف 8: 455.
(14) المسالك 14: 251.
322

وفي الأخير نظر، يظهر وجهه مما قدمناه في بحث الشاهد واليمين
في كتاب القضاء.
فالأولى في الجواب تخصيص الكلية على تقدير ثبوتها بما مر من
إطلاق النصوص، والإجماع البسيط المنقول في الغنية (1) والمركب الظاهر
من المختلف (2)، كما عرفته، مضافا إلى الأصل، والشهرة العظيمة، الجابرة
لضعف دلالة النصوص المزبورة، من حيث عدم تبادر نحو الخلع من الطلاق
المطلق فيها أيضا، لكونه من الأفراد النادرة له.
ثم إن مقتضى الصحيحة الخامسة (3) وما بعدها جملة بعد حمل مطلقها
على مقيدها قبول شهادتهن مع الرجال في النكاح، وهو خيرة العماني (4)
والإسكافي (5) والصدوقين (6) والحلبي (7) والشيخ في المبسوط (8)
والتهذيبين (9) وابن زهرة (10) مدعيا عليه إجماع الإمامية، والفاضلين في
الشرائع (11) والإرشاد (12) والقواعد (13) وولده في الشرح (14) والشهيد في
الدروس (15) وغيرهم من المتأخرين. وبالجملة الأكثرون على الظاهر
المصرح به في المسالك (16). وهو الأظهر.

(1) الغنية: 439.
(2) المختلف 8: 455.
(3) الوسائل 18: 259، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 5.
(4) غاية المراد 172 س 19 (مخطوط).
(5) المختلف 8: 455، المقنع 403.
(6) المختلف 8: 455، المقنع 403.
(7) الكافي في الفقه 439.
(8) المبسوط 8: 172.
(9) التهذيب 6: 280، الحديث 174، الاستبصار 3: 25 ذيل الحديث 11.
(10) الغنية: 439.
(11) الشرائع 4: 136.
(12) الإرشاد 2: 159.
(13) القواعد 3: 499.
(14) الإيضاح 4: 432.
(15) الدروس 2: 137.
(16) المسالك 14: 253.
323

خلافا للخلاف (1) والمفيد (2) والديلمي (3) وابن حمزة (4) والحلي (5)،
وهو ظاهر التحرير (6)، ولكن احتمل الأول ثانيا، وفي شرح الشرائع (7)
للصيمري أنه المشهور.
وفيه ما فيه، ومستندهم الخبر: شهادة النساء لا تجوز في طلاق ولا
نكاح ولا في حدود، إلا في الديون، وما لا يستطيع الرجال النظر إليه (8).
وهو مع ضعف سنده - بالسكوني وعده من الجهلاء - غير مكافئة لما تقدم
من الأدلة لوجوه شتى لا تخفى، وحمله الشيخ تارة على الكراهة، وأخرى
على التقية قال: لأن ذلك مذهب العامة (9).
أقول: ويعضده كون الراوي السكوني وهو من قضاتهم، ومع جميع
ذلك فهو مطلق، يحتمل التقييد بصورة الانفراد عن الرجال، كما ذكره جماعة
من الأصحاب.
ولا ينافيه الاستثناء للديون المثبت لقبول شهادتهن فيها، مع أنه لا
يكون ذلك مع انفرادهن عن الرجال، كما سيأتي، لمنع عدم قبول شهادتهن
فيها على الانفراد عنهم مطلقا، لما يأتي من قبولها مع اليمين. فلعله المراد
من القبول في صورة الاستثناء.
ومع ذلك يحتمل حمله على ما حمل عليه بعض النصوص الدالة
على قبول شهادتهن مع الانفراد عن الرجال في الديون - كالصحيح: أن

(1) الخلاف 6: 252، المسألة 4.
(2) المقنعة 727.
(3) المراسم 233.
(4) الوسيلة 222.
(5) السرائر 2: 139.
(6) التحرير 2: 212 س 20.
(7) غاية المرام 191 س 14 (مخطوط).
(8) الوسائل 18: 267، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 42.
(9) الاستبصار 3: 25 ذيل الحديث 12.
324

رسول الله (صلى الله عليه وآله) أجاز شهادة النساء في الدين وليس معهن رجل (1) - من دين
من جهة الوصية، أو ميراث المستهل، أو صورة ما إذا حصل العلم بقولهن،
كما ذكره خالي العلامة المجلسي طاب رمسه في حاشيته المحكية عنه على
الصحيحة، قال: وإلا فالمعمول عليه أنه لا يقبل شهادة النساء منفردات
إلا فيما يعسر اطلاع الرجال عليه (2)، إلى آخر ما ذكره.
وأما الجمع بينهما بحمل رواية المنع على ما إذا كان المدعي الزوج،
لأنه لا يدعي مالا، وأخبار القبول على ما إذا كان المدعي المرأة، لأن
دعواها تتضمن المال من المهر والنفقة، كما ذكره شيخنا في المسالك (3)،
واستوجهه. فضعيف غايته، لعدم الشاهد عليه صريحا، بل ولا ظاهرا، كما
في الكفاية (4)، وكونه فرع التكافؤ المفقود في الرواية المانعة لوجوه عديدة.
نعم لو صح البناء المتقدم للقول بالتفصيل في المسألة السابقة اتجه ما
ذكره. ولكن فيه هنا نظير ما عرفته ثمة، إلا اعتضاد أخبار المشهور بالأصل،
فإنه على خلافها، بل معاضد للرواية المانعة. ولكنه غير نافع للقول
بالتفصيل، إذ كما يعضده في شق ينافيه في آخر. فتدبر.
(وفي قبولها) أي شهادتهن (في) حصول (الرضاع) المحرم
(تردد) واختلاف بين الأصحاب.
فبين مانع عنه، كالشيخ في الخلاف (5) وموضع من المبسوط (6)
والحلي (7) ونجيب الدين بن يحيى بن سعيد (8) وفي السرائر والتحرير (9)

(1) الوسائل 18: 267، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 43.
(2) لم نعثر عليه.
(3) المسالك 14: 253.
(4) كفاية الأحكام 285 س 10.
(5) الخلاف 6: 258، المسألة 9.
(6) المبسوط 8: 175.
(7) السرائر 2: 137.
(8) الجامع للشرائع 542.
(9) التحرير 2: 212 س 27.
325

والمسالك (1) أنه مذهب الأكثر، ونسبه في موضع من المبسوط إلى روايات
الأصحاب (2)، وفي موضع آخر منه إليهم، فقال: شهادة النساء لا تقبل في
الرضاع عندنا (3)، مشعرا بدعوى الإجماع عليه، كما صرح به في الخلاف (4)
لأصالة الإباحة، مع عدم وضوح مخصص لها من الأدلة.
وبين من جعل (أشبهه القبول) كالمفيد (5) والعماني (6) والإسكافي (7)
والديلمي (8) وابن حمزة (9) والشيخ في موضع آخر من المبسوط (10)
والفاضلين (11) في كتبهما، وكذا الشهيدان (12) وفخر الإسلام (13) والصيمري (14)
وغيرهم من سائر المتأخرين، بل عليه عامتهم، لأنه أمر لا يطلع عليه
الرجال غالبا، فمست الحاجة إلى قبول شهادتهن فيه كغيره من الأمور
الخفية على الرجال من عيوب النساء وغيرها. وللنصوص الكثيرة المتقدم
جملة منها وستأتي الإشارة إلى باقيها، الدالة على قبول شهادتهن فيما لا
يجوز للرجال النظر إليه. وللمرسل كالموثق بابن بكير المجمع على تصحيح
ما يصح عنه المروي في التهذيب في أواخر باب ما يحرم من النكاح
من الرضاع: في امرأة أرضعت غلاما وجارية، قال: يعلم ذلك غيرها، قلت:
لا، قال: لا تصدق إن لم يكن غيرها (15).
فإن مفهوم الشرط أنها تصدق حيث يعلم بذلك غيرها، والسند - كما

(1) المسالك 14: 259.
(2) المبسوط 8: 175.
(3) المبسوط 5: 311.
(4) الخلاف 6: 258، المسألة 9.
(5) المقنعة 727.
(6) المختلف 8: 473.
(7) المختلف 8: 473.
(8) المراسم 233.
(9) الوسيلة 222.
(10) المبسوط 8: 172.
(11) الشرائع 4: 137، المختلف 8: 473.
(12) الدروس 2: 138.
(13) الإيضاح 4: 435.
(14) غاية المرام 191 س 24 (مخطوط).
(15) التهذيب 7: 323، الحديث 38.
326

عرفت - معتبر، ومع ذلك بالشهرة العظيمة المتأخرة القطعية التي كادت تكون
إجماعا بل إجماع في الحقيقة منجبر.
والمفهوم حجة، وهو عام، شامل لما إذا كان الغير ذكرا أو أنثى، وخروج
بعض الأفراد منه بالإجماع وغيره غير قادح، لكون العام المخصص في
الباقي حجة. هذا على تقدير عمومه لغة، كما هو الأقوى، وحقق في محله
مستقصى.
وأما على تقدير إطلاقه المنصرف إليه بالدليل الذي به ينصرف
الإطلاقات إليه فلا قدح بذلك قطعا، وإن قلنا بأن العام المخصوص ليس
حجة، لوضوح اختلاف حال العموم والإطلاق في ذلك جدا.
فاندفع بما قررنا المناقشة الموردة على هذه المرسلة بحذافيرها. ومع
ذلك فالمسألة لا تخلو عن شوب الإشكال، لا لما مر من الأصل، لوجوب
تخصيصه بما مر من الدليل، بل لما عرفت من الإجماع المحكي في صريح
الخلاف (1)، وظاهر المبسوط (2)، والرواية المحكية فيه المنجبر إرسالها
بالإضافة إلينا بالشهرة المنقولة فيما مر من عبائر جملة من أصحابنا. وإن
أمكن المناقشة في جميع ذلك، فحكاية الإجماع بعدم صراحتها فيه في
المبسوط ومعارضته بإجماع المرتضى الآتي مع احتمال وهنه كالشهرة
المنقولة بأكثرية القائل بالقبول في قدماء الأصحاب الذين وصل إلينا كلامهم
من القائل منهم بالمنع، سيما وإذا ضممنا إليهم جملة منهم من لم يتعرض
لخصوص المسألة نفيا ولا إثباتا.
ولكن صرح بقبول شهادتهن فيما لا يطلع عليه الرجال غالبا ومنه
الرضاع قطعا. وقد ادعى بعضهم الإجماع عليه كابن زهرة، بل ادعى

(1) الخلاف 6: 258، المسألة 9.
(2) المبسوط 5: 311.
327

الإجماع على قبول شهادتهن مع الرجال فيما عدا الطلاق وغيره مما عده
قبل ذلك، ولم يكن منه الرضاع، فقال: ويقبل شهادتهن فيما عدا ما ذكرناه
مع الرجال بدليل إجماع الطائفة (1)، فتأمل.
مع أن المرتضى صرح بالإجماع على القبول، فقال: الذي يقوله أصحابنا
أن شهادة النساء في الرضاع مقبولة على الانفراد وفي الولادة أيضا - إلى أن
قال -: والدليل على ذلك بعد الإجماع المتقدم ذكره ما روى (2) إلى آخر
ما ذكره.
والرواية المحكية في المبسوط لم نقف عليها، فهي - كما عرفت -
مرسلة. والشهرة المحكية على تقدير صحتها إنما تجبر وهن السند بعد
اتضاح الدلالة، وهي غير معلومة، فيحتمل الغفلة عنها للحاكي أو بناؤه
إياهما على ما لم ترض به.
ولو سلم جميع ذلك فهي معارضة بالروايات المتقدمة عموما
وخصوصا، يعني المرسلة الراجحة على هذه الرواية بالموافقة لتلك الأخبار
العامة، واعتبار سندها في نفسه، واشتهارها بالشهرة العظيمة المتيقنة، التي
هي أقوى من الأكثرية المنقولة من وجوه عديدة.
فإذا القول بالقبول في غاية القوة.
(ولا تقبل) شهادتهن مطلقا حتى مع الرجال (في الحدود) وحقوق
الله سبحانه ولو كانت مالية كالخمس والزكاة والنذر والكفارة بلا خلاف
أجده، إلا في الزنا، فيثبت بشهادتهن في الجملة، كما ستأتي إليه الإشارة،
وبنفيه صرح في الغنية (3). وهو الحجة; مضافا إلى الأصل المتقدم إليه
الإشارة، والنصوص المستفيضة:

(1) الغنية 438 - 439.
(2) المسائل االناصريات 339، المسألة 160.
(3) الغنية 438 - 439.
328

ففي الصحيح: أتجوز شهادة النساء في الحدود؟ فقال: في القتل وحده
إن عليا (عليه السلام) كان يقول: لا يبطل دم امرئ مسلم (1).
وفي الخبرين: لا تجوز شهادة النساء في الحدود، ولا في القود (2).
وفي ثالث: شهادة النساء لا تجوز في طلاق ولا في نكاح ولا في حدود
إلا في الديون، وما لا يستطيع الرجال النظر إليه (3).
وقصور سند الأكثر والتضمن لما لا يقول به أحد أو الأكثر مجبور
بالعمل في محل البحث، لكنها مختصة بالحدود، فلا تشمل باقي الحقوق.
ولكن الأصل مع عدم الخلاف كاف في عدم القبول فيها، مع الاعتضاد
بفحاوي النصوص الدالة على قبول شهادتهن فيما سيأتي من الأمور
الخاصة، لظهورها في اختصاص القبول بها خاصة.
نعم ربما دل استثناء الديون في الرواية الأخيرة وما ضاهاها على القبول
في حقوق الله سبحانه المالية، لصدق الديون عليها حقيقة، إلا أن يدعى عدم
تبادرها منها عند الإطلاق، والتجرد عن القرينة. ولا يخلو عن مناقشة.
قال شيخنا في الروضة بعد ذكر الشهيد عدم القبول في الأمثلة الأربعة
المتقدمة بيانا لحقوق الله تعالى المالية ما لفظه: وهذه الأربعة ألحقها المصنف
بحقوق الله سبحانه وإن كان للآدمي فيها حظ، بل هو المقصود منها، لعدم
تعيين المستحق على الخصوص، انتهى (4).
ولعل ما ذكره من وجه الإلحاق راجع إلى ما قدمنا من عدم تبادر نحو
هذه الديون، التي لا مستحق لها على الخصوص من الديون المستثنى قبول
شهادتهن فيها في تلك النصوص.

(1) الوسائل 18: 258، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 29، 30، 42.
(2) الوسائل 18: 258، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 29، 30، 42.
(3) الوسائل 18: 258، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 29، 30، 42.
(4) الروضة 3: 141.
329

(وتقبل) شهادتهن (مع الرجال في الرجم) خاصة لكن (على
تفصيل يأتي) ذكره إن شاء الله تعالى في الفصل الأول من كتاب الحدود،
وعليه يحمل إطلاق بعض النصوص: تجوز شهادة النساء في الحدود مع
الرجال (1)، مع ما في سنده من الضعف والقصور.
(و) تقبل شهادتهن (في الجراح والقتل) لكن لا منفردات بل إذا كن
مع الرجال منضمات (بأن يشهد رجل وامرأتان) ولا خلاف في عدم
القبول مع الانفراد إلا من الحلبي (2)، حيث قال: بقبول شهادة امرأتين في
نصف دية النفس والعضو والجراح والمرأة الواحدة في الربع، واستغربه في
المختلف (3) وشذذه في المسالك (4)، مشعرين بدعوى الإجماع على خلافه.
ولعله كذلك، فلا عبرة به وإن دل عليه الصحيح وغيره.
ففي الأول: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في غلام شهدت عليه امرأة أنه دفع
غلاما في بئر فقتله، فأجاز شهادة المرأة بحساب شهادة المرأة (5).
وفي الثاني: عن امرأة شهدت على رجل أنه دفع صبيا في بئر فمات،
قال: على الرجل ربع دية الصبي بشهادة المرأة (6).
لمخالفتهما مع قصور سند الثاني الإجماع الظاهر والمحكي، والأصل،
وخصوص النصوص الآتية، المانعة عن قبول شهادتهن مطلقا، والمجوزة له
بشرط الانضمام إلى الرجل، وعموم النصوص المانعة عن قبول شهادتهن
مطلقا، إلا في الديون مع الرجال، والمجوزة له في خصوص ما لا يطلع عليه
الرجال خاصة.

(1) الوسائل 18: 262، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 21.
(2) الكافي في الفقه 439.
(3) المختلف 8: 466.
(4) المسالك 14: 255.
(5) الوسائل 18: 263، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 26، 33.
(6) الوسائل 18: 263، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 26، 33.
330

وبالجملة فهذا القول في غاية من الضعف.
وأما القبول مع انضمام الرجل الواحد إلى امرأتين فمتفق عليه في
الظاهر فيما لو كان المشهود به لا يوجب إلا الدية، كقتل الخطأ، والمأمومة،
والجائفة، عملا بالأدلة الآتية، الدالة على قبول شهادتهن مع الرجل فيما كان
مالا، أو المقصود منه المال، مضافا إلى إطلاق بعض النصوص الآتية، الدالة
على قبول شهادتهن في الدم، بعد حمله على خصوص ما نحن فيه.
وأما فيما لا يوجب إلا القصاص فمختلف فيه بين الأصحاب.
فبين مانع عنه مطلقا، كالحلي (1) والشيخ في الخلاف (2).
وقائل به، كالعماني (3) والماتن في موضع من الشرائع (4) والفاضل في
موضع من الإرشاد (5) والقواعد (6) واحتمله في التحرير (7)، ونسب في
المختلف (8) والإيضاح (9) والنكت (10) والمسالك (11) إلى مقوى المبسوط، مع
أن عبارته المحكية في المختلف صريحة في عدم القبول، فإنه قال بعد تعداد
ما لا يثبت إلا بشاهدين من نحو النكاح والخلع والطلاق والجناية الموجبة
للقود وغير ذلك ما لفظه: وقال: بعضهم تثبت جميع ذلك بشاهد وامرأتين،
وهو الأقوى إلا القصاص (12)، انتهى.
وهو كما ترى صريح فيما ذكرنا، فهو غريب.

(1) السرائر 2: 138.
(2) الخلاف 6: 252، المسألة 4.
(3) المختلف 8: 465.
(4) الشرائع 4: 136.
(5) الإرشاد 2: 159.
(6) القواعد 3: 499.
(7) التحرير 2: 212 س 20.
(8) المختلف 8: 465.
(9) الإيضاح 4: 434.
(10) غاية المراد 172 (مخطوط).
(11) المسالك 14: 253.
(12) المبسوط 8: 172.
331

وأغرب منه نسبة المسالك هذا القول إلى كثير من الأصحاب (1)، مع أني
لم أقف على قائل به، عدا من ذكرته. ومع ذلك الفاضلان وإن أطلقا القبول
في القتل في كتبهم المذكورة في هذا الكتاب، إلا أنهما رجعا عنه فيها في
كتاب القصاص (2) وباقي كتبهما، كهذا الكتاب.
فإنه وإن قال أولا تقبل شهادتهن مع الرجال في الجراح والقتل بقول
مطلق (و) لكن قيده وبينه بأنه (يجب بشهادتهن الدية لا القود) ونحوه
الفاضل في المختلف، فإنه بعد ترجيحه لهذا القول وذكره أدلة المانعين
وبعض الأجوبة عنها، قال مجيبا أيضا: أو نقول بالموجب، فإنا لا نثبت القود
بشهادتهن بل نوجب الدية (3). وكذا في التحرير (4)، حيث جعل الجناية
الموجبة للقود من جملة ما لا يثبت إلا بشاهدين، وجعل قتل الخطأ وكل
جرح لا يوجب إلا المال كالمأمومة والجائفة وكل عمد لا يوجب القصاص
كقتل السيد العبد والمسلم الكافر والأب ولده من جملة ما يثبت بهما
وبشاهد وامرأتين.
ونحوهما في تقييد المنع عن القبول بالقود دون الدية عبائر باقي
الأصحاب، الذين وقفت على كلامهم في المسألة، كالإسكافي (5) والشيخ في
المبسوط (6) والخلاف (7) والنهاية (8) والقاضي (9) والحلبي (10) وابن حمزة (11)

(1) المسالك 14: 253.
(2) الشرائع 4: 218، الإرشاد 2: 215، القواعد 3: 499.
(3) المختلف 8: 466.
(4) التحرير 2: 212 س 18.
(5) المختلف 8: 465.
(6) المبسوط 8: 172.
(7) الخلاف 6: 252، المسألة 4.
(8) النهاية 2: 62.
(9) المهذب 2: 558.
(10) الكافي في الفقه 436.
(11) الوسيلة 222.
332

وفخر الدين (1) والشهيد في الدروس (2) واللمعة (3) وغيرهم من متأخري
الأصحاب، بل ظاهر الصيمري عدم الخلاف فيه، إلا من الفاضلين في كتبهما
المتقدمة، التي قالا فيها. بالقبول على الإطلاق.
فإنه قال بعد نسبة ذلك إليهما فيها ما لفظه وظاهر التحرير عدم الثبوت
بغير الشاهدين، وهو المشهور بين الأصحاب، فضبطوا ذلك بما كان من
حقوق الله تعالى أو حقوق الآدميين، وليس مالا، ولا المقصود منه المال،
فإنه لا يثبت إلا بشهادة الرجال دون النساء (4).
وهو كما ترى ظاهر فيما ذكرناه، وأنه لا مخالف فيه من القدماء، ونحوه
عبارة المختلف المتقدمة.
فأين الكثير الذين ذكر مصيرهم إلى القبول في القود. ولكن شيخنا
أعرف بما ذكره.
وبالجملة التحقيق أن في المقام دعويين.
إحداهما: القبول في القود. والأظهر الأشهر العدم، بل في ظاهر عبارة
الإسكافي المحكية في المختلف (5) إجماعنا عليه، ونسب الماتن القبول فيه
في كتاب القصاص إلى الشذوذ، مشعرا كسابقه بدعوى الإجماع عليه،
للأصل المتقدم، والنصوص المستفيضة المتقدم إلى جملة منها الإشارة في
الأبحاث السابقة، وفيها الصحيح وغيره من المعتبرة:
وفي الصحيحين: لا تجوز شهادة النساء في القتل (6).

(1) الإيضاح 4: 343.
(2) الدروس 2: 137.
(3) اللمعة 3: 142.
(4) غاية المرام 191 س 13 (مخطوط).
(5) المختلف 8: 456.
(6) الوسائل 18: 263، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 27، 28.
333

خلافا لمن مر، لما مر من الصحيح، المتضمن لعدم جواز شهادتهن
في الحدود، إلا في القتل وحده (1).
والصحيح: تجوز شهادة النساء في الدم مع الرجال (2).
والخبر الضعيف بمفضل بن صالح: تجوز شهادة النساء في الدم مع
الرجال في الدم، قال: نعم (3).
ولا يخفى عليك عدم مقاومة هذه النصوص لمقابلتها، لوجوه شتى،
مع ضعف بعضها، وندرة القائل بالحصر المستفاد من الصحيحة الأولى منها،
بل وعدمه، مع متروكية ظاهر إطلاق القبول فيها لشهادة النساء، الشامل لما
إذا كن منفردات، مع ما عرفت من ندرة القائل بها جملة في المسألة، إذ ليس
إلا العماني، لرجوع الفاضلين عنها فيما عرفت من كتبهما.
فلتكن مطرحة، أو مؤولة بما تؤول به إلى الأخبار الأولة، بحملها على
القبول في الدية خاصة دون القود، كما فعله الشيخ وجماعة.
وأما الجمع بينهما بحمل المانعة على صورة الانفراد وهذه على صورة
الاجتماع مع الرجل ليصح القول بالقبول في القود فهو فرع التكافؤ، المفقود
في هذه، لرجحان المانعة عليها من وجوه شتى، كما مضى، مضافا إلى
منافاته لظاهر سياق جملة منها، بل صريحها، لتصريحها بقبول شهادتهن مع
الرجل في النكاح، ومنعها بعد ذلك عنه في الطلاق والدم مطلقا.
هذا، ويختلج بالبال عدم معارضة هذه الأخبار لما قابلها، بعد ضم
مطلقها إلى مقيدها أصلا، إذ ليس في المقيد إلا اعتبار شهادتهن مع الرجال
بصيغة الجمع، ولا ريب فيه.

(1) الوسائل 18: 258، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 25.
(2) الوسائل 18: 258، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 25.
(3) الوسائل 19: 105، الباب 2 من أبواب دعوى القتل...، الحديث 9.
334

وليس فيها اعتبارها مع الرجل الواحد، كما هو محل بحثنا. فتأمل جدا.
وثانيهما: القبول في الدية. وهو مذهب الماتن هنا، تبعا للشيخ في النهاية
وجماعة، كالإسكافي والحلبي والقاضي وابن حمزة والفاضل في المختلف
وولده في الايضاح. وحجتهم غير واضحة، عدا ما في المسالك (1) وغيره،
من أنها الجمع المتقدم إليه الإشارة. ولا شاهد عليه، ولا أمارة، مع قصور
الأخيرة عن المقاومة لما قابلها من الأخبار المانعة من وجوه عديدة،
والجمع فرع التكافؤ بلا شبهة.
فالأصح عدم القبول أيضا في الدية، وفاقا لمن قدمت ذكره، وهو ظاهر
كل من جعل القود مما لا يقبل فيه شهادة النسوة بالمرة، مع عدم ذكره القبول
فيه بالإضافة إلى الدية خاصة، كالفاضلين في كتبهما المتقدمة والشهيدين
في الدروس واللمعتين.
لكن عبارة الإسكافي ربما تشعر بإجماعنا على ما ذكره، فإنه قال:
ولا بأس عندنا بشهادتهن مع الرجال في الحدود والأنساب والطلاق،
ولا توجب القود إلا بشهادة الرجال حقنا للدماء، فإن لم يتم الشهادة على
القتل بالرجال وشاركهم النساء أوجبنا بها الدية (2).
(و) تقبل شهادتهن (في الديون) إذا كن (مع الرجال) ولو واحد
منهم، بلا خلاف في الظاهر مصرح به في الكفاية (3) والسرائر (4) وغيرهما،
بل عليه الإجماع في موضع آخر من السرائر (5) وفي الغنية (6) والمختلف (7)
وغيرهما. وهو الحجة; مضافا إلى الآية الكريمة: «فرجل وامرأتان» (8)

(1) المسالك 14: 255.
(2) المختلف 8: 456 - 477.
(3) كفاية الأحكام 285 س 17.
(4) السرائر 2: 138.
(5) لم نعثر عليه.
(6) الغنية 439.
(7) المختلف 8: 456 - 477.
(8) البقرة: 282.
335

والنصوص المستفيضة، المتقدم إلى بعضها الإشارة.
ومنها - زيادة على ذلك - الصحيح: قلت: تجوز شهادة النساء مع الرجال
في الديون، قال: نعم (1).
والموثق: قلت: فأنى ذكر الله عز وجل: «فرجل وامرأتان»، فقال:
ذلك في الدين (2).
وهذه النصوص كالعبارة ونحوها مما وقع التعبير فيه بالديون خاصة
وإن اختصت بها، إلا أن الظاهر أن المراد بها الدين بالمعنى العام، الشامل
للدين بالمعنى الأخص كالقرض والنسيئة والسلف وغيره، مما يكون مالا،
أو يقصد به المال، كما فهمه الأصحاب، وادعي الإجماعات المزبورة عليه.
فيدخل فيها البيع، والرهن، والإجارة، والضمان، والقراض، والشفعة،
والمزارعة، والمساقاة، والهبة، والإبراء، والمسابقة، والوصية بالمال،
والصداق في النكاح، والإقالة، والرد بالعيب، والوطء بالشبهة، والغصب،
والإتلاف، والجنايات التي لا توجب إلا المال، كقتل الخطأ، وقتل الصبي،
والمجنون، وقتل الحر العبد، والمسلم الذمي، والوالد الولد، والسرقة التي لا
قطع فيها، والمال خاصة فيما فيه القطع، والأمور المتعلقة بالعقود والأموال،
كالخيار، والأجل، ونجوم مال الكتابة، حتى النجم الأخير في قول قوي،
ونحو ذلك. هذا إذا انضم إليهن الرجل.
(و) أما (لو انفردن) عنه (كالمرأتين) فصاعدا فلا يقبل شهادتهن
في الديون قطعا إذا لم تصل إلى حد الشياع المفيد للقطع أو الظن القوي
المتاخم له على احتمال قوي، ولم يضم إليها اليمين أيضا.

(1) الوسائل 18: 258، الباب 24 من أبواب الشهادات، ضمن الحديث 2، 35.
(2) الوسائل 18: 258، الباب 24 من أبواب الشهادات، ضمن الحديث 2، 35.
336

وأما (مع اليمين فالأشبه) عند الماتن هنا والفاضل في كتاب القضاء
من التحرير (1) والفاضل المقداد في التنقيح (2) (عدم القبول) أيضا، وفاقا
للحلي (3)، عملا بالأصل المتقدم، مع اختصاص المخرج عنه بقبول شهادتهن
مع الرجال.
خلافا للفاضلين في الشرائع (4) وكتاب الشهادات من التحرير (5) وفي
الإرشاد (6) والقواعد (7) والمختلف (8) فاختار (9) القبول، وحكاه في الأخير
عن الشيخ في النهاية (10) والمبسوط (11) والخلاف مدعيا فيه الإجماع
والإسكافي (12) والقاضي (13) وابن حمزة (14) واختاره الشهيدان (15).
وهو الأصح، للصحيحين:
في أحدهما: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أجاز شهادة النساء مع يمين الطالب في
الدين يحلف بالله تعالى أن حقه لحق (16).
وفي الثاني: إذا شهد لطالب الحق امرأتان ويمينه فهو جائز (17).
ولا معارض لهما من النصوص أصلا، والأصل مخصص بهما، لصحة
سندهما، واعتضادهما بالشهرة جدا، بل في الدروس (18) ذكر أن القول
الأول متروك، مشعرا بدعوى الإجماع على هذا، كما مر عن صريح الخلاف.

(1) التحرير 2: 193 س 33.
(2) التنقيح 4: 308.
(3) السرائر 2: 116.
(4) الشرائع 4: 137.
(5) التحرير 2: 212 س 28.
(6) الإرشاد 2: 160.
(7) القواعد 3: 500.
(8) المختلف 8: 477.
(9) كذا في النسخ، والظاهر: فاختارا.
(10) النهاية 2: 61.
(11) المبسوط 8: 174.
(12) المختلف 8: 477.
(13) المهذب 2: 559.
(14) الوسيلة 222.
(15) الدروس 2: 137، الروضة 3: 143.
(16) الوسائل 18: 198، الباب 15 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 3، 1.
(17) الوسائل 18: 198، الباب 15 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 3، 1.
(18) الدروس 2: 100.
337

فما في التنقيح من أنهما نادران لا يعارض بهما الأدلة المتكاثرة، مع أن
الثاني مقطوع الوسط (1) ظاهر الفساد، إذ الندرة إن أريد بها بحسب الفتوى
فقد عرفت فتوى أكثر أصحابنا بهما، وبه اعترف هو أيضا سابقا، وإن أريد
بها بحسب الرواية فأوضح حالا في الفساد، لكونهما مرويين في الكتب
الأربعة المشهورة وغيرها من الكتب الاستدلالية. وظاهر الكليني (2)
والصدوق (رحمه الله) (3) الإذعان بهما، سيما الثاني منهما.
وقطع وسط الثاني الذي ذكره ليس في محله، لأنه مروي في الفقيه
بدونه، وإنما هو في سنده في التهذيبين، ومع ذلك فليس بقطع يقدح، إذ هو
بهذا العنوان حدثني الثقة عن أبي الحسن (عليه السلام) (4)، ومثله يعد من الصحيح
وحجة على الصحيح، كما برهن في محله مستقصى.
وعلى تقدير تسليم القدح به بتوهم الإرسال، فهو مجبور بالموافقة
للصحيح الآخر، وعمل أكثر الأصحاب.
وما ذكره من الأدلة المتكاثرة على خلافهما لم أقف عليها، ولا ذكر هو
ولا غيره شيئا منها، عدا الأصل الذي قدمنا، وقد عرفت وجوب تخصيصه
بهما.
(ويقبلن) شهادة (منفردات) عن كل من اليمين والرجال (في العذرة)
والبكارة (وعيوب النساء الباطنة) كالرتق، والقرن، وغير ذلك من الأمور
الخفية، التي لا يطلع عليها الرجال، بلا خلاف أجده، وبه صرح في الغنية (5).

(1) التنقيح 4: 308.
(2) الكافي 7: 386، الحديث 6، 7.
(3) الفقيه 3: 55، الحديث 3320 - 3321.
(4) التهذيب 6: 272، الحديث 143، الاستبصار 3: 32، الحديث 38.
(5) الغنية 438.
338

وهو الحجة; مضافا إلى الضرورة والصحاح المستفيضة ونحوها من المعتبرة:
منها - زيادة على ما تقدم إليه الإشارة - الصحيح: تجوز شهادة النساء
وحدهن بلا رجال في كل ما لا يجوز للرجال لينظروا إليه، وتجوز شهادة
القابلة وحدها في المنفوس (1).
والصحيحان (2) وغيرهما (3): تجوز شهادة النساء في المنفوس والعذرة.
والموثق كالصحيح: تجوز شهادة النساء في العذرة، وكل عيب لا يراه
الرجل (4).
والخبر القريب من الصحيح بابن محبوب المجمع على تصحيح ما يصح
عنه: تجوز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه (5). إلى غير
ذلك من النصوص الكثيرة.
ويستفاد من فحواها كالعبارة وغيرها قبول شهادة الرجال مطلقا في
المقام بطريق أولى، وحكي عن الشيخ صريحا (6). ولم أجد فيه خلافا، إلا
من القاضي، معللا بأنه لا يجوز للرجال النظر إلى ما ذكر (7).
وفيه نظر واضح، لجواز اطلاعهم عليه اتفاقا، أو عمدا مع التوبة قبل
الإقامة، أو مع الحلية، كما يتصور ولو في بعض الفروض النادرة، مع أن ذلك
لو صح علة لرد الشهادة لاستلزم عدم قبول شهادة النسوة أيضا في نحو
البكارة مما يستلزم الشهادة عليه النظر إلى العورة المحرم حتى للنسوة.
وحيث تقبل شهادتهن منفردات يعتبر كونهن أربعا على الأظهر الأشهر،
بل عليه عامة من تأخر، لما عهد من عادة الشرع في باب الشهادات من
اعتبار المرأتين برجل، وللأمر بإشهاد رجلين أو رجل وامرأتين، فتأمل،

(1) الوسائل 18: 260، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 10، 2، 19، 21، 9، 5.
(2) الوسائل 18: 260، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 10، 2، 19، 21، 9، 5.
(3) الوسائل 18: 260، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 10، 2، 19، 21، 9، 5.
(4) الوسائل 18: 260، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 10، 2، 19، 21، 9، 5.
(5) الوسائل 18: 260، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 10، 2، 19، 21، 9، 5.
(6) المبسوط 8: 236.
(7) المهذب 2: 559.
339

وللأصل المتقدم الدال على عدم جواز قبول شهادتهن مطلقا، خرج الأربع
في محل البحث اتفاقا فتوى ونصا، لأن موردهما النساء بصيغة الجمع، الغير
الصادق حقيقة إلا على ما زاد على اثنين، وكل من قال بلزومه عين الأربع،
واحتمال كون الإتيان بها في مقابلة القضايا، فلا ينافي اعتبار الوحدة مثلا
في بعضها وإن أمكن، كما يقال مثله فيما مر في النصوص من قبول شهادتهن
مع الرجال في الديون، إلا أنها هنا غير متيقن، بل ولا مظنون.
فينبغي حينئذ الأخذ بالمتيقن، وليس إلا الأربع، ولا نص آخر يدل على
الاكتفاء بالأقل، إلا ما سيذكر مع الجواب عنه.
هذا، مضافا إلى خصوص المروي في الوسائل عن مولانا العسكري (عليه السلام)
في تفسيره عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله تعالى: «أن تضل
إحديهما فتذكر إحديهما الأخرى»، قال: إذا ضلت إحداهما عن الشهادة
فنسيتها ذكرت إحداهما الأخرى بها فاستقاما في أداء الشهادة عند الله تعالى
شهادة امرأتين بشهادة رجل، لنقصان عقولهن ودينهن (1).
خلافا للمفيد (2) والديلمي (3)، فقالا: تقبل في عيوب النساء والاستهلال
والنفاس والحيض والولادة والرضاع شهادة امرأتين مسلمتين، وإذا لم يوجد
إلا شهادة امرأة واحدة مأمونة قبلت شهادتها فيه، للصحيحين، في أحدهما:
عن شهادة القابلة في الولادة، قال: تجوز شهادة الواحدة (4). ونحوه الثاني
بزيادة قوله: «وحدها» (5).

(1) الوسائل 18: 245، الباب 16 من أبواب الشهادات، الحديث 1.
(2) المقنعة 727.
(3) المراسم 233.
(4) الوسائل 18: 258، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 2.
(5) الوسائل 18: 260، الباب 24، من أبواب الشهادات، الحديث 10.
340

ويضعف أولا: بعدم مقاومتهما لما مضى.
وثانيا: بأنهما مطلقان يجب تقييدهما بما سيأتي من النصوص وغيرها،
الدالة على ثبوت الربع بشهادة الواحدة في موردهما، الذي هو خصوص
الولادة.
وثالثا: بأخصية المورد. وتتميمها بعدم القائل بالفرق في المسألة غير
ممكن بعد وجوده، وهو العماني (1) كما حكي، بل الكل كما يأتي. والمائز
بينهم وبين العماني - على ما يستفاد من المسالك (2) وغيره - مع اشتراكهم
في العمل بمضمون الصحيحين تخصيصه القبول بالواحدة بموردهما دونهم
فعموه للشهادة في الوصية أيضا. وفيه نظر.
ورابعا: بعدم دلالتهما على اعتبار المرأتين أولا، ثم مع عدمها المرأة
الواحدة، بل ولا على قبول شهادتها مطلقا.
اللهم إلا أن يكون المستند في التفصيل الجمع بينهما وبين الحسن:
تجوز شهادة امرأتين في استهلال (3). ولكن لا شاهد عليه ولا داعي له، مع
إمكان الجمع بالتقييد بما يأتي من قبول شهادتهما في النصف، بل هو
المتعين، فإن أخبارهم (عليهم السلام) يكشف بعضها عن بعض.
وللإسكافي فقبل شهادة الواحدة أيضا في الأمور المزبورة، لكن
بحسابها (4).
ومستنده غير واضح، عدا القياس بالمسألتين المستثناتين مما ذكرناه،
بلا خلاف بين الأصحاب على الظاهر المصرح به في الغنية (5).

(1) المختلف 8: 455.
(2) المسالك 14: 261.
(3) المسالك 14: 261.
(4) المختلف 8: 456.
(5) الغنية: 439.
341

في أحدهما وعليه الإجماع في الخلاف (1) والسرائر (2) فيهما، وقد
أشار الماتن إليهما بقوله: (وتقبل شهادة القابلة في ربع ميراث المستهل)
من الاستهلال، وهو ولادة الولد حيا، سمى ذلك استهلالا، إما لتصويته عند
ولادته، أو للصوت الحاصل عندها ممن حضر عادة، كتصويت من رأى
الهلال. وهذا أقرب بفتوى الأصحاب، والأخبار المعمول عليها المتقدمة في
ميراثه وهنا، كالخبر: عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أجيز شهادة النساء في الصبي
صاح أو لم يصح (3).
وأما الأخبار المعتبرة لصياحه فقد عرفت ثمة وورودها للتقية.
والحجة في أصل المسألة - بعد ما مر من الإجماع - الصحيح: عن رجل
مات وترك امرأته وهي حامل فوضعت بعد موته غلاما ثم مات الغلام بعد ما
وقع إلى الأرض فشهدت المرأة التي هي قبلتها أنه استهل وصاح حين وقع
إلى الأرض ثم مات، قال: على الإمام أن يجيز شهادتها في ربع ميراث
الغلام (4).
والموثق: القابلة تجوز شهادتها في الولد على قدر شهادة المرأة
الواحدة (5).
والمرسل: تجوز شهادة القابلة في المولود إذا استهل وصاح في الميراث
ويورث الربع من الميراث بقدر شهادة امرأة قلت فإن كانتا امرأتين قال
تجوز شهادتهما في النصف من الميراث (6). وهذه هي المسألة الأولى.
(و) الثانية: أنها تقبل شهادة (امرأة واحدة في ربع الوصية وكذا كل

(1) الخلاف 6: 258، المسألة 10.
(2) السرائر 2: 138.
(3) الوسائل 18: 261، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 12، 6، 23.
(4) الوسائل 18: 261، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 12، 6، 23.
(5) الوسائل 18: 261، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 12، 6، 23.
(6) الوسائل 18: 263، الباب 24، من أبواب الشهادات، الحديث 23.
342

امرأة) زادت في المسألتين (تثبت شهادتها في الربع حتى يكملن أربعا
فتقبل شهادتهن في) كل من الميراث و (الوصية أجمع) والأصل هنا بعد
الإجماع الذي مضى الصحيحان:
في أحدهما: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصية لم تشهدها إلا امرأة،
فقضى أن تجاز شهادة المرأة في ربع الوصية (1).
وفي الثاني: في شهادة امرأة حضرت رجلا يوصي، فقال: تجوز في ربع
ما أوصى بحساب شهادتها (2).
وهما كسابقيهما وإن قصرا عن إفادة تمام المدعى من ثبوت الزائد على
الربع والربعين بشهادة الثلاث نسوة فصاعدا إلى أن يكملن أربعا فيثبت
الميراث والوصية تماما، إلا أنه لا قائل بالفرق جدا.
مع أنه يمكن أن يقال: إن رواية الواحدة تكفي الأربع، فإنه يصدق على
كل واحدة أنها شهدت للربع، لا سيما إذا وردت في الاثنتين، مع أن
الصدوق في الفقيه روى رواية وافية بتمام المدعى في المسألة الأولى، حيث
قال بعد نقل الصحيحة الأولى من أخبارها: وفي رواية اخرى إن كانت
امرأتين تجوز شهادتهما في نصف الميراث وإن كن ثلاث نسوة جازت
شهادتهن في ثلاث أرباع الميراث وإن كن أربعا جازت شهادتهن في
الميراث كله (3).
وأعلم أن الصحيحين في هذه المسألة بإزائها نصوص كثيرة دالة على
عدم قبول شهادتهن منفردات فيها بالكلية:
فمنها الصحيح: عن امرأة ادعى بعض أهلها أنها أوصت عند موتها

(1) الوسائل 18: 263، الباب 24، من أبواب الشهادات، الحديث 45، 15.
(2) الوسائل 18: 263، الباب 24، من أبواب الشهادات، الحديث 45، 15.
(3) الفقيه 3: 54، الحديث 3317.
343

من ثلثها بعتق رقبة لها أيعتق ذلك وليس على ذلك شاهد إلا النساء؟ قال:
لا تجوز شهادة النساء في هذا (1).
والصحيح: كتب أحمد بن هلال إلى أبي الحسن (عليه السلام) امرأة شهدت على
وصية رجل لم يشهدها غيرها وفي الورثة من يصدقها وفيهم من يتهمها،
فكتب (عليه السلام): لا إلا أن يكون رجل وامرأتان وليس بواجب أن تنفذ
شهادتها (2). ونحوهما وغيرهما (3).
وهي شاذة لا عمل عليها، فلتطرح، أو تؤول بما يؤول إلى الصحيحين،
المفتى بهما بحمل هذه على ما حملها عليه الشيخ: من أن المراد بها أنه
لا يجوز شهادتهما في جميع الوصية، أو التقية، قال: لأنهما موافقان لمذهب
العامة (4).
أقول: ويعضده المكاتبة من حيث الكتابة، كما قرر في محله.
وقريب منها في الاعتضاد بعض الأخبار: عن المرأة يحضرها الموت
وليس عندها إلا امرأة يجوز شهادتها؟ قال: يجوز شهادتها في العذرة
والمنفوس (5).
فإن عدوله (عليه السلام) عن الجواب بلا يجوز أو يجوز إلى قوله: «يجوز
شهادتها» إلى آخره لا يكون إلا لمصلحة، وهي غالبا التقية.
وبالجملة فلا ريب في المسألة.
بقي هنا شئ، وهو أن إطلاق النصوص والفتاوى في المسألتين يقتضي
قبول شهادتهن فيهما مطلقا ولو لم يتعذر الرجال، وقد خالف فيه الشيخ

(1) الوسائل 18: 266، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 40، 34، 24.
(2) الوسائل 18: 266، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 40، 34، 24.
(3) الوسائل 18: 266، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 40، 34، 24.
(4) الاستبصار 3: 28، الحديث 23.
(5) الوسائل 18: 261، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 14، 21.
344

في النهاية (1) والقاضي (2) والحلي (3) وابن حمزة (4)، فاشترطوا تعذرهم.
ولعله للأصل المتقدم، مع اختصاص النصوص المخرجة عنه في المسألتين
بحكم الغلبة والتبادر وغيرهما بصورة تعذر الرجال خاصة.
مضافا إلى المروي في الوسائل عن الصدوق في كتابي العلل والعيون:
أنه روى فيهما بأسانيده إلى محمد بن سنان عن مولانا الرضا (عليه السلام) فيها كتب
إليه من العلل: وعلة ترك شهادة النساء في الطلاق والهلال لضعفهن عن
الرؤية ومحاباتهن النساء في الطلاق، فلذلك لا تجوز شهادتهن إلا في موضع
ضرورة مثل شهادة القابلة، وما لا يجوز للرجال أن ينظروا إليه كضرورة
تجويز شهادة أهل الكتاب إذا لم يوجد غيرهم، وفي كتاب الله عز وجل:
«اثنان ذوا عدل منكم مسلمين أو آخران من غيركم كافرين»، ومثل شهادة
الصبيان على القتل إذا لم يوجد غيرهم (5). فتدبر.
وفي ثبوت النصف بالرجل لمساواته الاثنتين في المعنى، أو الربع
للفحوى، أو سقوط شهادته أصلا لفقد النص صريحا أوجه، خيرها أوسطها،
وفاقا لجماعة كالفاضل في القواعد (6) وشيخنا في المسالك، لضعف الأول
بأنه قياس، والأخير بعدم اشتراط النص الصريح.
(ولا ترد شهادة أرباب الصنائع المكروهة كالصياغة) وبيع الرقيق
(ولا) شهادة ذوي (الصنائع الدنيئة) بحسب العادة (كالحياكة والحجامة
ولو بلغت الدناءة) الغاية (كالزبال والوقاد، ولا) شهادة (ذوي العاهات)

(1) النهاية 2: 62.
(2) المهذب 2: 559.
(3) السرائر 2: 138.
(4) الوسيلة 222.
(5) الوسائل 18: 268، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 50.
(6) القواعد 3: 500.
345

والأمراض الخبيثة (كالأجذم والأبرص) بعد استجماع جميع شرائط
قبول الشهادة، التي منها العدالة، وعدم ارتكاب ما ينافي المروة بلا خلاف
بيننا أجده، وبه صرح في الكفاية (1)، بل في ظاهر السرائر (2) والمسالك (3)
إجماعنا عليه. وهو الحجة; مضافا إلى عمومات أدلة قبول الشهادة من
الكتاب والسنة، مع سلامتها عن المعارض بالكلية، عدا ما توهمه بعض
العامة، من أن اشتغالهم بهذه الحرف ورضاهم بها يشعر الخسة، وقلة المروة.
وهو ضعيف غايته، سيما على القول بعدم اعتبار المروة في قبول
الشهادة، وأما على اعتبارها فكذلك أيضا إذا لم يكن في ارتكاب هذه
الصنائع منافاة للمروة من غير جهة نفس الصنعة من حيث هي، كأن يكون
من أهل تلك الصنعة، أو لم يلم مثله وأمثاله بارتكابها في العادة.
وأما مع الملامة له فيها، بأن كان من أهل بيت الشرف الذي لا يناسب
حاله تلك الصنعة فارتكبها بحيث يلام، فيتأتى عدم قبول شهادته حينئذ
على القول باعتبار المروة، وعدم القبول من هذه الجهة غير عدم القبول من
حيث ارتكاب الصنعة من حيث إنها صنعة، كما قاله بعض العامة، من حيث
توهم تضمنها من حيث هي هي خلاف المروة.
وبالجملة الحيثيات في جميع الأمور معتبرة.
وعلى ما ذكرنا ينزل إطلاق نحو العبارة ممن اعتبر المروة في قبول
الشهادة.
* * *

(1) كفاية الأحكام 281 س 30.
(2) السرائر 2: 118.
(3) المسالك 14: 188.
346

(الثاني في) بيان
(ما به يصير شاهدا)
(وضابطه العلم) واليقين العادي، بلا خلاف إلا فيما استثني، لقوله
سبحانه: «ولا تقف ما ليس لك به علم» (1)، وقال عز من قائل: «إلا من شهد
بالحق وهم يعلمون» (2).
وفي النبوي: وقد سئل عن هذه الشهادة هل ترى الشمس؟ فقال: نعم،
فقال: على مثلها فاشهد أو دع (3).
وفي الخبر: لا تشهدن بشهادة حتى تعرفها، كما تعرف كفك (4).
وفي آخر: لا تشهد بشهادة لا تذكرها، فإنه من شاء كتب كتابا ونقش
خاتما (5).
(ومستنده المشاهدة أو السماع) أو هما معا، لأن الحواس مبادئ
اقتناص العلوم، فمن فقد حسا فقد فقد علما.
ويراد بالمشاهدة هنا ما يشمل الإبصار واللمس والذوق والشم، فإنه قد

(1) الاسراء: 36.
(2) الزخرف: 86.
(3) الوسائل 18: 250، الباب 20 من أبواب الشهادات، الحديث 3، 1.
(4) الوسائل 18: 250، الباب 20 من أبواب الشهادات، الحديث 3، 1.
(5) المصدر السابق 235، الباب 8، الحديث 4.
347

يقع الشهادة ويحتاج إليها فيما يفتقر فيه إلى شمه أو ذوقه أو لمسه، فيشترط
وجود الحاسة المدركة لذلك الشاهد، وإلا لم تصح شهادته، فلو شهد
الأخشم أنه غصبه ماء ورد مثلا لم يصح.
(فالمشاهدة) يفتقر إليها (للأفعال) ونحوها مما لا تدركه آلة السمع
(كالغصب والقتل) والإتلاف (والسرقة والرضاع والولادة والزنا
واللواط) ونحو ذلك، فلا يكفي فيها النبأ على السماع، بلا خلاف ظاهر، ولا
إشكال إذا لم يفد العلم واليقين، الذي هو الأصل والبناء في الشهادة.
ويشكل فيما لو أفاده، لعدم دليل على المنع، مع عموم أدلة قبول شهادة
العالم.
وإلى هذا الإشكال أشار المولى الأردبيلي (رحمه الله)، فقال بعد أن نقل عنهم
الحكم بعدم كفاية السماع فيما مر من الأمثلة: وفيه تأمل، إذ يجوز أن يعلم
هذه الأمور بالسماع من الجماعة الكثيرة بقرائن أو غيرها، بحيث يتيقن ولم
يبق عنده شبهة أصلا، كسائر المتواترات والمحفوفات بالقرائن، فلا مانع من
الشهادة حينئذ، لحصول العلم (1). ونحوه صاحب الكفاية (2).
وهو في محله، إلا أن ظاهر كلمات الأصحاب الإطباق على الحكم
المزبور، فإن تم حجة، وإلا فالرجوع إلى العموم أولى، إلا أن يمنع بتخيل أن
ما دل عليه متضمن للفظ الشهادة، وهي لغة الحضور. وهو بالنسبة إلى العالم
الغير المستند علمه إلى الحس من نحو البصر وغيره مفقود، إذ يقال له عرفا
ولغة أنه غير حاضر للمشهود.
واشتراط العلم المطلق فيما مر من الفتوى والنص غير مستلزم لكفاية
مطلقة، بعد احتمال أن يكون المقصود من اشتراطه التنبيه على عدم كفاية

(1) مجمع الفائدة 12: 444.
(2) كفاية الأحكام 283 س 35.
348

الحضور، الذي لم يفد غير الظن، وأنه لا بد من إفادته العلم القطعي.
ومحصله حينئذ أنه لا بد مع الحضور من العلم، إلا أن مطلقه يكفي.
هذا، وربما كان في النبوي ونحوه إشعار باعتبار الرؤية ونحوها مما
يستند إلى الحس الظاهري، مع أن القطع المستند إلى الحس الباطني ربما
يختلف شدة وضعفا، ولذا يتخلف كثيرا. فلعل الشاهد المستند علمه إليه
يظهر عليه خلاف ما شهد به. فكيف يطمئن بشهادته.
وهذا الخيال وإن اقتضى عدم الاكتفاء بالعلم المستند إلى التسامع
والاستفاضة فيما سيأتي، إلا أن الإجماع كاف في الاكتفاء به فيه، مضافا إلى
قضاء الضرورة، ومسيس الحاجة إليه، اللذين استدلوا بهما للاكتفاء به فيه.
وهذا أوضح شاهد، على أن الأصل في الشهادة عندهم القطع المستند
إلى الحس الظاهري، اعتبارا منهم فيها للمعنى اللغوي مهما أمكنهم.
وهذا الوجه من الخيال وإن كان ربما لا يخلو عن نظر، إلا أن غاية
الإشكال الناشئ من الفتاوى والعمومات الرجوع إلى حكم الأصل ومقتضاه.
ولا ريب أنه عدم القبول.
فإذا الأجود ما قالوه، لكن مع تأمل.
(أما السماع) والمراد به هنا التسامع والاستفاضة لا استماع المشهود به
من المشهود عليه مثلا، فإنه من قسم المشاهدة وبعض أفرادها (فيثبت به
النسب) مثل أن فلانا أو فلانة إذا عرفها بعينها ولد فلان أو فلانة أو أنهما
من قبيلة كذا، لأنه أمر لا مدخل فيه للرؤية.
وغاية الممكن رؤية الولادة على فراش الإنسان، لكن النسب إلى
الأجداد المتوفين والقبائل القديمة لا يتحقق فيه الرؤية ومعرفة الفراش،
فدعت الحاجة إلى اعتماد التسامع والاستفاضة، ولا خلاف فيه بين الطائفة،
349

إلا من شيخنا في المسالك وبعض من تبعه في نسب الأم خاصة.
فقالا: فيه وجه أنه لا تجوز الشهادة عليه بالسماع، لإمكان رؤية
الولادة. ثم قالا: ولكن الأشهر الجواز كالرجل (1).
وهو كما ترى ظاهر في ترددهما، مع ميل ما إلى ما نسبوه إلى المشهور
أخيرا. ولعل مرادهما الشهرة بالمعنى الأعم، الشامل لما لا يوجد فيه خلاف،
وإلا فهي بالمعنى الأخص غير ممكن الإرادة، لعدم الوقوف على مخالف في
المسألة، ولا نقله أحد حتى هما، حيث جعلا عدم القبول وجها لا قولا.
وبالجملة الظاهر عدم الخلاف هنا قبلهما، وهو كاف في الحكم بما ذكره
الأصحاب، سيما مع ما عرفت من ميلهما إليه ولو إشعارا.
وكذا يثبت به الموت (والملك) المطلق (والوقف والزوجية) والولاء
والعتق والرق والعدالة، بلا خلاف أجده.
إلا من الإسكافي (2)، فخص الثبوت به بالنسب، وأوجب فيما عدا
الشهادة على الشهادة، إلا أن يصل بإقرار أو رؤية أو غيرهما من الطرق.
ومن شيخنا في المسالك وبعض من تبعه في الموت.
فقالا: فيه وجه بالمنع، لأنه يمكن فيه المعاينة بخلاف النسب (3).
وهما شاذان، بل على خلافهما الإجماع في ظاهر شرح الشرائع
للصيمري، حيث قال بعد الحكم بثبوت ما مر: ونحوه بالاستفاضة هذا هو
المحقق من فتاوى الأصحاب، واقتصر ابن الجنيد على النسب فقط، ولم
يذكر المصنف غير النسب والموت والملك المطلق والوقف، والمعتمد ما
قلناه، انتهى (4).

(1) المسالك 14: 228 - 229، مفاتيح الشرائع 3: 287.
(2) المختلف 8: 538.
(3) المسالك 14: 228 - 229.
(4) غاية المرام 190 س 9 (مخطوط).
350

وشيخنا ومن تبعه لم ينقلا فيما خالفنا فيه ولا غيره خلافا.
نعم نسب الحكم بالقبول فيما خالفا فيه إلى المشهور، مشعرين بوجود
الخلاف فيه، ولكنه غير معلوم.
ويحتمل إرادتهما المشهور بالمعنى الأعم المجامع لعدم الخلاف، كما
سبق، أو الأخص، لكن بالإضافة إلى الإسكافي خاصة، ولكن لم يذكرا.
والفاضل المقداد في التنقيح نسب الثبوت في الموت والملك المطلق إلى
الأكثر، قال: واتفقوا عليه وفي الوقف والولاء والعتق والنكاح إلى الخلاف
والفاضلين (1).
وعباراته وإن أوهمت الخلاف، إلا أن الظاهر كون المخالف هو
الإسكافي، حيث لم ينقل عن غيره.
وبمجموع ما ذكرناه ظهر أنه لا مخالف هنا صريحا، بل ولا ظاهرا،
عداه، وهو بالإضافة إلى باقي الأصحاب شاذ، فلا عبرة بمخالفته، سيما مع
عدم معلوميتها منه أيضا، كما يستفاد من عبارة الصيمري التي قدمناها. ومع
ذلك قد استدلوا على خلافه بأدلة لا تخلو جملة منها عن قوة.
ومنهم الفاضل في التحرير، فقال بعد الحكم بثبوت النسب بالاستفاضة:
وكذلك الموت، لتعذر مشاهدة الميت في أكثر الأوقات للشهود، وكذلك
الملك المطلق إذا سمع من الناس أن هذه الدار لفلان شهد بذلك، فإن الملك
المطلق لا يمكن الشهادة عليه بالقطع، والوقف لو لم تسمع فيه الاستفاضة
لبطلت الوقوف على تطاول الأزمنة، لتعذر بقاء الشهود، والشهادة الثالثة
عندنا لا تسمع، وهي تزاد للتأييد والنكاح يثبت بالاستفاضة، فإنا نعلم أن
خديجة زوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كما نقضي بأنها أم فاطمة (عليها السلام)، والتواتر هنا

(1) التنقيح 4: 311.
351

بعيد، لأن شرط التواتر استواء الطرفين والواسطة والطبقات الوسطى
والمتصلة بنا وإن بلغت التواتر لكن الأولى غير متواترة، لأن شرط التواتر
الاستناد إلى الحس، والظاهر أن المخبرين أولا لم يخبروا عن المشاهدة،
بل عن السماع (1)، انتهى.
واحترز بالملك المطلق عن المستند إلى السبب كالبيع، فلا يثبت السبب
به، بل الملك الموجود في ضمنه، فلو شهد وأسنده إلى سبب يثبت
بالاستفاضة كالإرث قبل، ولو لم يثبت بها كالبيع قبل في أصل الملك لا في
السبب.
وتظهر الفائدة في ترجيحه على مدع آخر.
واعلم أنه قد اختلف الأصحاب في الاستفاضة التي هي مستند الشهادة
هل يشترط إيراثها العلم القطعي، أو يكفي الظن مطلقا، أو القوي منه المتآخم
للعلم خاصة؟ على أقوال ثلاثة.
أقواها عند جماعة الأول، كالماتن في ظاهر الكتاب والشرائع (2)، ونحوه
من الأصحاب ممن جعل ضابط الشهادة العلم من دون استثناء، للاستفاضة
المفيدة للمظنة، وهو صريح الفاضل في جملة من كتبه (3) وولده في
الإيضاح (4) والفاضل المقداد في شرح الكتاب (5) وغيرهم. وهو الأحوط،
كما في شرح الشرائع للصيمري (6)، بل لعله الأظهر، اقتصارا فيما خالف
الأصل على المتيقن، مضافا إلى ما مر في النبوي وغيره من اعتبار العلم في
الشهادة.

(1) التحرير 2: 211 س 19.
(2) الشرائع 4: 134.
(3) القواعد 3: 501، التحرير 2: 211 س 25.
(4) الإيضاح 4: 439 و 438.
(5) التنقيح 4: 311.
(6) غاية المرام 190 س 6 «مخطوط».
352

والثاني: خيرة الشيخ في الخلاف (1) والمبسوط (2)، محتجا عليه بما مر
في كلام الفاضل في التحرير من إثبات زوجية مولاتنا خديجة (عليها السلام)
بالاستفاضة.
وفيه أولا: أنه فرع إفادة تلك الاستفاضة المظنة، بل الظاهر إفادتها القطع
واليقين بلا شبهة، ولذا استدل بها كل من اعتبر العلم دون المظنة.
وثانيا: بتوقف ذلك على تسليم ثبوت القضية المزبورة بالاستفاضة، مع
أنه محل كلام عند جماعة، بل قالوا: بثبوتها بالتواتر. ومنعه بما مر في كلام
التحرير محل نظر، يظهر وجهه بالتدبر فيما ذكره شيخنا في المسالك حيث
تنظر فيه، وقال: لأن الطبقة الأولى السامعين للعقد الشاهدين المتعاقدين
بالغون حد التواتر وزيادة، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) كان ذلك الوقت أعلى قريش،
وعمه أبو طالب المتولي لتزويجه كان يومئذ رئيس بني هاشم وشيخهم ومن
إليه مرجع قريش، وخديجة (عليها السلام) كانت أيضا من أجلاء بيوتات قريش
والقصة في تزويجها مشهورة، وخطبة أبي طالب (رحمه الله) في مسجد الحرام
بمجمع من قريش ممن يزيد عن العدد المعتبر في التواتر، فدعوى معلومية
عدم استناد الطبقة الأولى إلى مشاهدة العقد وسماعه ظاهرة المنع، وإنما
الظاهر كون ذلك معلوما بالتواتر، لاجتماع شرائطه، فلا يتم الاستدلال به
على هذا المطلوب، انتهى (3).
وبالجملة لا ريب في ضعف هذا القول.
وأضعف منه ما بالغ به في المبسوط، فقال: يكفي أن يسمع من عدلين
فصاعدا، فيصير بسماعه منهما شاهد أصل، ومتحملا للشهادة، لأن ثمرة

(1) الخلاف 6: 265، المسألة 15.
(2) المبسوط 8: 183.
(3) المسالك 14: 240.
353

الاستفاضة هو الظن، وهو حاصل بهما (1).
ويضعف أولا: بمنع اعتبار الاستفاضة المثمرة للمظنة، بل المعتبرة منها
ما أفاد العلم خاصة، كما عرفته.
وثانيا: بعد تسليمه ينبغي الاقتصار عليه، لعدم دليل على العموم، مع أن
اعتبار الظن مطلقا يقتضي الاكتفاء به ولو حصل من واحد ولو كان أنثى،
ولا يقول الشيخ به قطعا.
وما يجاب به من أنه لم يعتبره مطلقا، بل يعتبر منه ما ثبت اعتباره
شرعا، وهو شهادة العدلين، والظن يقبل الشدة والضعف، فلا يلزم من الاكتفاء
بفرد قوي منه الاكتفاء بالضعيف. مدفوع بأن الظن المستند إلى جماعة غير
عدول مما لم يثبت اعتباره شرعا، فإنه عين المتنازع والاكتفاء به، وتعديته
الحكم إلى العدلين تدل على عدم تقييده بالظن المعتبر شرعا.
والثالث: مختار الفاضل في الإرشاد (2) والشهيدين في الدروس (3)
والمسالك (4) واللمعتين (5). وحجتهم عليه غير واضحة، عدا ما يستفاد من
المسالك من أنها الأولوية المستفادة من حجية الظن، المستفاد من اعتبار
شهادة العدلين، حيث قال بعد التوقف في الاكتفاء بالظن الغالب: إلا أن
يفرض زيادة الظن على ما يحصل منه بقول الشاهدين، بحيث يمكن
استفادته من مفهوم الموافقة بالنسبة إلى الشاهدين، الذي هو حجة منصوصة
فيمكن إلحاقه به حينئذ، انتهى (6).
وفيه نظر لا يخفى، فإن الأولوية إنما تنهض حجة لو كان المناط والعلة

(1) المبسوط 8: 183.
(2) الإرشاد 2: 160.
(3) الدروس 2: 134.
(4) المسالك 14: 230.
(5) اللمعة والروضة 3: 135 - 136.
(6) المسالك 14: 230.
354

في حجية شهادة العدلين إنما هو إفادتها المظنة، وليس كذلك، بل هي من
جملة الأسباب الشرعية كاليد والأنساب ونحو ذلك، حتى أنها لو لم تفد
مظنة بالكلية لكانت حجة أيضا بلا شبهة، مع أنه لو كان ذلك المناط في
حجيتها وجب أن يدار مدار الظن الأقوى حيث حصل كان متبعا، حتى لو
فرض حصوله من شهادة الفاسقين أو الفاسق الواحد أو نحوهما كشهادة
الصبي أو القرائن دون شهادة العدلين كان حجة دون شهادتهما. وهو باطل
اتفاقا فتوى ونصا.
فظهر أن العلة في حجية شهادتهما إنما هو من حيث نص الشارع على
اعتبارهما بالخصوص وجعلهما سببا، وهذه العلة مفقودة في المقيس الذي
هو محل البحث، لعدم نص من الشارع فيه بالخصوص، كما هو المفروض،
وإلا لما وقع النزاع فيه.
وحينئذ فلا أولوية، إذ يشترط في ثبوتها وجود العلة الجامعة بلا شبهة،
وهي كما عرفت مفقودة.
هذا، مع أن الظن الأقوى على تقدير ثبوت اعتباره بالأولوية شرعا أعم
من أن يكون للعلم متاخما أم لا، فقد يكون بعيدا منه وإن كان من ظن
شهادة العدلين أقوى، وهو لم يعتبر إلا الأول منه خاصة، ودليله هذا لا
يساعده لكونه أعم منه، كما ترى.
ولو سلم جميع ذلك ففيه إطراح لما دل على اعتبار العلم الضروري من
النص والفتوى صريحا، بحيث لا يكاد يقبل التخصيص بما ذكره من
الأولوية. فتأمل جدا.
وبالجملة فهذا القول ضعيف في الغاية كسابقه، مع ندرة القائل بهما.
ومنه يظهر ما في المسالك من نسبة تجويز الشهادة بمجرد الظن إلى
355

الأكثر (1) في شرح قول المصنف: والوقف والنكاح يثبت بالاستفاضة. فتأمل.
وأما ما يفتقر إلى السماع والمشاهدة معا فهو الأقوال من النكاح
والطلاق والبيع وسائر العقود والفسوخ والإقرار بها، فإنه لا بد من سماعها
ومن مشاهدة قائلها، فلا يقبل فيها شهادة الأصم الذي لا يسمع شيئا إذا لم
يكن سمعها قبل الصمم، أو لم يثبتها حين الأداء، وكذا الأعمى، وقد مضى
الكلام فيهما.
وفي جواز شهادة الأخير اعتمادا على ما يعرفه من الصوت وجهان، من
أن الأصوات متشابهة ويتطرق إليها التخييل والتلبيس، ومن أن الغرض علمه
القطعي بالقائل ومعرفته إياه، ووقوع ذلك أكثري، وقد وقع الإجماع على أن
له وطء حليلته، اعتمادا على ما يعرفه من صوتها. وهذا هو المشهور بين
أصحابنا، بل عليه في ظاهر الغنية (2) والانتصار (3) إجماعنا. وهو الأقوى.
وربما أشعر به النصوص التي مضت في بحث قبول شهادتهما فيما
لا يفتقر إلى الرؤية والسماع.
(ويصير الشاهد متحملا) للشهادة (بالمشاهدة لما تكفي فيه
المشاهدة و) ب‍ (السماع لما تكفل به السماع) مطلقا (وإن لم يستدعه
المشهود عليه) أي على تحمل الشهادة (وكذا لو قيل له لا تشهد) ولا
تتحمل الشهادة (فسمع من القائل ما يوجب حكما) عليه أوله صار
متحملا للشهادة، بلا خلاف أجده إلا من الإسكافي (4) في الثاني وما يأتي.
وهو شاذ، لا يعبؤ به، لأن المعتبر في قبول شهادة الشاهد مع استجماعه
للصفات المعتبرة فيه علمه بما يشهد به، سواء كان سبب العلم استدعاء

(1) المسالك 14: 239.
(2) الغنية 439.
(3) الانتصار 503.
(4) المختلف 8: 520.
356

المشهود له وعليه، أم اتفاق علمه بالواقعة لاشتراك الجميع في المقتضي،
وهو العلم.
فعليه أوله أن يشهد بما علم، لعموم الأدلة فتوى ونصا كتابا وسنة، مضافا
إلى خصوص المعتبرة الآتية سندا للشيخ (1) وجماعة في حكمهم بعدم وجوب
أداء الشهادة مع عدم استدعاء المشهود له، للتحمل، وتخيره في أدائها.
منها الصحيح: إذا سمع الرجل الشهادة ولم يشهد عليها فهو بالخيار إن
شاء شهد وإن شاء سكت (2).
وسأله أيضا: عن الرجل يحضر حساب الرجلين فيطلبان منه الشهادة
على ما سمع منهما، قال: ذاك إليه إن شاء شهد وإن شاء لم يشهد، وإن شهد
شهد بحق قد سمعه، وإن لم يشهد فلا شئ عليه، لأنهما لم يشهداه (3).
ولولا تحقق التحمل بمجرد السماع مع عدم الاستدعاء لم يجز له الشهادة،
مع أنه قد صرح به بالجواز في هذه المعتبرة، فلا ريب فيه، ولا شبهة.
(وكذا لو خبأ) الشاهد بالخاء المعجمة ثم الباء المنقطة من تحت نقطة
واحدة، بمعنى جلس في زاوية مستخفيا لتحمل الشهادة (فنطق المشهود
عليه) صار متحملا وقبل شهادته، بلا خلاف ظاهر إلا ممن مر مصرح به
في كلام الشهيد بقول مطلق، كما حكاه، بل عليه الإجماع في ظاهر
السرائر (4). وهو الحجة; مضافا إلى جميع ما مر من الأدلة السليمة عما
يصلح للمعارضة، حتى من جهة الأخبار المانعة عن قبول الشهادة مع التهمة،
بناء على عدم انحصار وجه الاختفاء للتحمل فيها، بل يحتمل وجوها أخر

(1) النهاية 2: 58.
(2) الوسائل 18: 231، الباب 5 من أبواب الشهادات، الحديث 2، 5.
(3) الوسائل 18: 231، الباب 5 من أبواب الشهادات، الحديث 2، 5.
(4) السرائر 2: 120.
357

صحيحة عنها خالية، إذ الحاجة قد تدعو إليه بأن يقر من عليه الحق إذا
خلا به المستحق ويجحد إذا حضر غيره.
قيل: ولأن الحرص على التحمل لا على الأداء (1).
وفيه نظر، لأنه يدل على الحرص في الأداء ويؤل إليه، بل قد يدعى أنه
عين الحرص على ذلك على الوجه البليغ، كذا قيل (2). وفيه نظر.
(وإذا دعي الشاهد للإقامة) إقامة الشهادة بعد تحملها (وجب)
إقامتها بلا خلاف، بل عليه الإجماع في الظاهر المصرح به في كثير من
العبائر، كالقواعد (3) والتحرير (4) والدروس (5) والروضة (6) والمسالك (7)
وغيرها من كتب الجماعة. وهو الحجة; مضافا إلى الكتاب والسنة
المستفيضة، بل المتواترة:
قال تعالى: «كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو
الوالدين والأقربين» (8).
وفي غير واحد من النصوص: أقم الشهادة ولو على نفسك أو الوالدين
والأقربين (9).
وقال عز شأنه: «ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه» (10).
وفي المروي بعدة طرق في الكافي (11) والفقيه (12) وعقاب الأعمال (13)

(1) المسالك 14: 214.
(2) مجمع الفائدة 12: 402.
(3) القواعد 3: 503.
(4) التحرير 2: 213 س 3.
(5) الدروس 2: 123.
(6) الروضة 3: 138.
(7) المسالك 14: 263.
(8) النساء: 135.
(9) الوسائل 18: 229، الباب 3 من أبواب الشهادات، الحديث 1.
(10) البقرة: 283.
(11) الكافي 7: 380، الحديث 1.
(12) الفقيه 3: 58، الحديث 3329.
(13) عقاب الأعمال 268، الحديث 3.
358

والأمالي (1) عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من كتم
شهادة أو شهد بها ليهدر دم امرئ مسلم أو ليزوي (وفي الفقيه: ليتوي) بها
مال امرئ مسلم أتي يوم القيامة ولوجهه ظلمة مد البصر وفي وجهه كدوح
يعرفه الخلائق باسمه ونسبه، ومن شهد بشهادة حق ليحيي بها مال امرئ
مسلم أتى يوم القيامة ولوجهه نور مد البصر تعرفه الخلائق باسمه ونسبه. ثم
قال أبو جعفر (عليه السلام): ألا ترى أن الله عز وجل يقول: «وأقيموا الشهادة لله».
وفي حديث المناهي المروي في الفقيه أنه (صلى الله عليه وآله) نهى عن كتمان الشهادة،
وقال: ومن كتمها أطعمه الله تعالى لحمه على رؤوس الخلائق، وهو قول الله
عز وجل: «ولا تكتموا الشهادة» (2) الآية. ونحوه مروي عن عقاب الأعمال (3).
وعن العيون في حديث النص على مولانا الرضا (عليه السلام) أنه قال: وإن
سئلت عن الشهادة فأدها، فإن الله تعالى يقول: «إن الله يأمركم أن تؤدوا
الأمانات إلى أهلها»، وقال: «ومن أظلم ممن كتم شهادة» (4). إلى غير ذلك
من النصوص.
وإطلاقها كالآيات المشار إليها وإن اقتضى وجوب الإقامة عينا، إلا أن
ظاهر الأصحاب الإطباق على وجوبها كفاية إن زاد الشهود على العدد
المعتبر شرعا، وإلا فمقتضاها.
وادعوا عليه الإجماعات التي نقلناها، وهي كافية في تقييد الإطلاقات،
مضافا إلى المعتبرة المستفيضة، الدالة على عدم وجوب الإقامة، مع عدم
الاستدعاء لتحمل الشهادة إلا مع خوف فوت الحق بعدم شهادة غيره.
منها - زيادة على ما مر - الصحيحان: إذا سمع الرجل الشهادة ولم يشهد

(1) أمالي الصدوق 390، الحديث 4.
(2) الفقيه 4: 13، الحديث 4968.
(3) عقاب الأعمال 333، الحديث 1.
(4) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 25، الحديث 9.
359

عليها فهو بالخيار إن شاء شهد وإن شاء سكت (1).
وقال في ثانيهما: إذا أشهد لم يكن له إلا أن يشهد (2).
والخبر: عن الرجل يحضر حساب الرجلين فيطلبان منه الشهادة على ما
سمع منهما، قال: ذاك إليه إن شاء شهد وإن شاء لم يشهد، وإن شهد شهد
بحق، وإن لم يشهد فلا شئ عليه، لأنهما لم يشهداه (3).
وهذه النصوص وإن دلت بإطلاقها على عدم وجوب الإقامة مع عدم
الاستدعاء للتحمل مطلقا ولو انحصر ثبوت الحق بشهادتهما ولم يقل به أحد
- وإن توهم من جمع - ولكن التحقيق خلافه، كما يظهر من بعضهم ومن
الفاضل في المختلف (4)، إلا أنها محمولة على صورة عدم الانحصار. للموثق
وغيره: إذا سمع الرجل الشهادة ولم يشهد عليها فهو بالخيار إن شاء شهد وإن
شاء سكت، إلا إذا علم من الظالم فيشهد، ولا يحل له إلا أن يشهد (5).
وبذلك صرح الصدوق في الفقيه، فقال: الخبر الذي جعل الخيار فيه إلى
الشاهد بحساب الرجلين هو إذا كان على الحق غيره من الشهود، فمتى علم
أن صاحب الحق مظلوم ولا يحيي حقه إلا بشهادته وجب عليه إقامتها، ولم
يحل له كتمانها، فقد قال الصادق (عليه السلام): العلم شهادة إذا كان صاحبه مظلوما،
انتهى (6).
وبالجملة دلالة هذه النصوص بعد ضم بعضها إلى بعض على عدم
الوجوب عينا وكونه كفاية فيما إذا زاد عدد الشهود عن العدد المعتبر شرعا
واضحة، ولا إشكال فيها من هذه الجهة.

(1) الوسائل 18: 231، الباب 5 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 2، 5، 4، 10.
(2) الوسائل 18: 231، الباب 5 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 2، 5، 4، 10.
(3) الوسائل 18: 231، الباب 5 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 2، 5، 4، 10.
(4) المختلف 8: 521.
(5) الوسائل 18: 231، الباب 5 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 2، 5، 4، 10.
(6) الفقيه 3: 56، 57، ذيل الحديث 3324 - 3325.
360

بل الإشكال فيها إنما هو من حيث دلالتها على التفصيل بين صورتي
الاستدعاء لتحمل الشهادة فيجب الإقامة عينا مطلقا ولو زاد عددهم عن
المعتبر شرعا، وعدمه فيجب كفاية مع الزيادة، وعينا مع عدمها، وهو مخالف
لما عليه جمهور أصحابنا المتأخرين، حيث حكموا بوجوب الإقامة كفاية
مطلقا ولو في الصورة الأولى، مع الزيادة، وادعوا إجماعاتهم المتقدمة على
ذلك كذلك.
إلا أن جمهور قدماء الأصحاب كالشيخ في النهاية (1) والإسكافي (2)
والقاضي (3) والحلبي (4) وابني زهرة (5) وحمزة (6) على التفصيل المتقدم إليه
الإشارة. واستدل لهم - زيادة على ذلك - بأنه مع عدم الاستدعاء لم يؤخذ
منه التزام، بخلاف ما إذا تحمل قصدا فإنه يكون ملتزما كضمان الأموال (7).
والمسألة عند العبد محل تردد، من استفاضة المعتبرة الصريحة
المعتضدة بالشهرة القديمة وتعليلهم المتقدم إليه الإشارة، ومن إطلاقات
الكتاب والسنة بوجوب الإقامة المعتضدة بالأصل والشهرة العظيمة
المتأخرة، وإطلاقات الإجماعات المحكية على الوجوب كفاية، وبعض
الأمور الاعتبارية، التي استدل بها جماعة من أنها أمانة جعلت عندة،
فوجب عليه الخروج منها، كما أن الأمانات المالية تارة تحصل عنده بقبولها
كالوديعة، وتارة بغيره كإطارة الريح ونحوها (8).

(1) النهاية 2: 58.
(2) المختلف 8: 520.
(3) المهذب 2: 561.
(4) الكافي في الفقه 436.
(5) الغنية 441.
(6) الوسيلة 232.
(7) المسالك 14: 265.
(8) المسالك 14: 265، مفاتيح الشرائع 3: 285.
361

إلا أن الأقرب الأول، لرجحان مستنده على مستند الثاني، لكونه
مطلقات دون مستند الأول، لكونه أخبارا خاصة واضحة الدلالة، فلتكن
عليها مقدمة والشهرة متعارضة، كالتعليلات الاعتبارية، وإلى المختار يميل
في الكفاية (1).
ومحصله أن الوجوب كفائي إلا مع الاستدعاء للتحمل فعيني، وهو
كباقي الأمور الموجبة لرجوع الواجب الكفائي إلى العيني لا ينافي كفائية
الواجب من أصله.
ومن هنا يظهر جواب آخر عن الإجماعات المحكية على وجوب
الإقامة كفاية على الإطلاق، لوضوح كون المدعى فيها كفائيته في نفسه
المجامعة للعينية بالعرض، ولا مانع في كون الاستدعاء من العوارض.
وكيف كان فلا ريب في وجوب الإقامة، ولا خلاف فيه ولو في الجملة.
(إلا مع) خوف ترتب (ضرر) بسبب الشهادة (غير مستحق) على
الشاهد أو المشهود عليه أو بعض المؤمنين فلا تجب حينئذ، بل تحرم
بلا خلاف، للاعتبار، مع أنه لا حرج ولا ضرر ولا إضرار، كما في الآية،
والاخبار.
وفي الخبر: أقم الشهادة - إلى أن قال -: فإن خفت على أخيك ضيما
فلا (2).
وقريب منه آخر في نسخة، ولكن في اخرى من دون ذكر «فلا»،
مبدلا فيها الفاء الأولى بالواو (3).
وفي ثالث: قلت له رجل من مواليك عليه دين لرجل مخالف يريد أن

(1) كفاية الأحكام 286 س 14.
(2) الوسائل 18: 229، الباب 3 - 19 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 2.
(3) الوسائل 18: 229، الباب 3 - 19 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 2.
362

يعسره ويحبسه وقد علم الله تعالى انه ليس عنده ولا يقدر عليه وليس
لغريمه بينة هل يجوز له أن يحلف له ليدفعه عن نفسه حتى ييسر الله تعالى
له؟ وإن كان عليه الشهود من مواليك قد عرفوه أنه لا يقدر هل يجوز أن
يشهدوا عليه؟ قال: لا يجوز أن يشهدوا عليه ولا ينوي ظلمه (1).
ونحوه آخر: لا يحل لك أن تقيم الشهادة في حال العسر (2).
وقصور الأسانيد مجبور بالعمل، وموافقة الكتاب والسنة والاعتبار بنفي
الحرج والضرر في الشريعة.
واحترز بغير المستحق عن مثل ما لو كان للمشهود عليه حق على
الشاهد لا يطالبه وتوجب شهادته المطالبة، فلا يكفي ذلك في سقوط
الوجوب، لأنه ضرر مستحق.
وأعلم أنه إنما يجب على الشاهد الإقامة (ولا يحل) له (الامتناع)
منها (مع التمكن) إن ثبت الحق لشهادته، لانضمام ما يتم به العدد أو حلف
المدعي إن كان مما يثبت بشاهد ويمين، فلو طلب من اثنين يثبت بهما
لزمهما الأداء، وليس لأحدهما الامتناع، بناء على تخيلهما الاكتفاء بحلف
المدعي مع الآخر، فيأبيان عن الأداء، للعموم، وإن من مقاصد الإشهاد
التورع عن اليمين.
ولو كان الشهود أزيد من اثنين فيما يثبت بهما وجب عليهما كفاية،
كما مضى.
ولو كان واحدا لزمه الأداء إن كان مما يثبت بشاهد ويمين، وإلا فلا إن
لم يحتمل معه وجود من يتم به العدد، وإلا فيجب أيضا.

(1) الوسائل 18: 249، الباب 19، من أبواب الشهادات، الحديث 1، 3.
(2) الوسائل 18: 249، الباب 19، من أبواب الشهادات، الحديث 1، 3.
363

قالوا: ولو لم يعلم صاحب الحق بشهادة الشاهد وجب عليه تعريفه إن
خاف بطلان الحق بدون شهادته. ولا بأس به.
ولو لم يكن الشهود عدولا، فإن أمكن ثبوت الحق بشهادتهم ولو عند
حاكم الجور وجب الإعلام أيضا، للعموم، وإلا فوجهان. أجودهما الوجوب،
لذلك، مع إمكان حصول العدالة بالتوبة.
(ولو دعي) من له أهلية الشهادة (للتحمل) لها (ف‍) - في وجوبه
عليه مع عدم خوف ترتب ضرر غير مستحق به عليه أو على غيره من
إخوانه (قولان) و (المروي) في المعتبرة المستفيضة (الوجوب).
ففي الصحيح: في قول الله عز وجل: «ولا يأب الشهداء»، قال: قبل
الشهادة، وقوله تعالى: «ومن يكتمها فإنه آثم قلبه»، قال: بعد الشهادة (1).
ونحوه آخر لكن إلى قوله: «قبل الشهادة» (2).
وفي ثالث: في الآية المزبورة، فقال: لا ينبغي لأحد إذا دعي إلى شهادة
يشهد عليها أن يقول: لا أشهد لكم، وقال: فذلك قبل الكتاب (3). ونحوه
الموثق (4).
وما يقرب من الصحيح مثله متنا وسندا، بل ربما يعد صحيحا (5)، وفي
مثله سندا في الآية المزبورة أيضا، فقال: إذا دعاك الرجل لتشهد له على دين
أو حق لم ينبغ لك أن تقاعس عنه (6).
وفي الخبر: قال: لا يأب الشهداء أن تجيب حين تدعى قبل الكتاب (7).
وفي آخر: إذا دعيت إلى الشهادة فأجب (8).
وقصورهما سندا وضعفهما كبعض ما تقدم إن كان مجبور، مع قصور
دلالة «لا ينبغي» في بعضها على التحريم بعمل الأصحاب وفهمهم كافة،

(1) الوسائل 18: 225، الباب 1 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 8، 4، 2، 5، 7، 6، 3.
(2) الوسائل 18: 225، الباب 1 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 8، 4، 2، 5، 7، 6، 3.
(3) الوسائل 18: 225، الباب 1 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 8، 4، 2، 5، 7، 6، 3.
(4) الوسائل 18: 225، الباب 1 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 8، 4، 2، 5، 7، 6، 3.
(5) الوسائل 18: 225، الباب 1 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 8، 4، 2، 5، 7، 6، 3.
(6) الوسائل 18: 225، الباب 1 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 8، 4، 2، 5، 7، 6، 3.
(7) الوسائل 18: 225، الباب 1 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 8، 4، 2، 5، 7، 6، 3.
(8) الوسائل 18: 225، الباب 1 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 8، 4، 2، 5، 7، 6، 3.
364

عدا الحلي خاصة (1). وهو شاذ نادر، كما في الدروس (2)، مشعرا بدعوى
الإجماع على خلافه. وهو الحجة; مضافا إلى تلك المعتبرة، وما استدل به
جماعة من أنه من الضروريات التي لا ينفك الإنسان عنها، لوقوع الحاجة
إلى المعاملات والمناكحات. فوجب في الحكمة إيجابه، ليحسم مادة النزاع
المترتب على تركه غالبا.
هذا، مضافا إلى نفس الآية المسؤول عن تفسيرها في المعتبرة المزبورة،
بناء على وضوح دلالتها على وجوب التحمل ولو لم يكن فيها واردة، لأنها
منساقة في معرض الإرشاد بالإشهاد للأمر بالكتابة، ونهي الكاتب عن
الإباء، ثم الأمر بالإشهاد، ونهي الشاهد من الإباء. فالسياق يعين إرادة
التحمل دون الأداء.
ومستند الحلي غير واضح، عدا الأصل، والطعن في الأخبار بأنها من
الآحاد، ومنع الدلالة في الآية، لظهورها في الأداء، فإن إطلاق الشهيد حقيقة
إنما هو بعد التحمل.
ويضعف الأصل بلزوم الخروج عنه بما مر من النص. والطعن فيه بكونه
من الآحاد غير جيد، حتى على أصله، لشهادة فتاوى العلماء، ومنهم كافة
القدماء، كما هو الظاهر المصرح به في المختلف (3) على صحته.
ومنه يظهر فساد منع دلالة الآية، لوروده في تفسيرها، مضافا إلى ما
عرفت من شهادة السياق بصحته.
نعم في الوسائل عن مولانا العسكري (عليه السلام) في تفسيره عن مولانا
أمير المؤمنين (عليه السلام) في الآية المزبورة، قال: من كان في عنقه شهادة فلا يأب

(1) السرائر 2: 126.
(2) الدروس 2: 123.
(3) المختلف 8: 511.
365

إذا دعي لإقامتها وليقمها، ولينصح فيها، ولا يأخذه فيها لومة لائم، وليأمر
بالمعروف، ولينه عن المنكر (1).
وهو ظاهر في ورودها في الأداء. لكن قال بعد ذلك وفي خبر آخر قال:
نزلت فيمن إذا دعي لسماع الشهادة أبى، ونزلت فيمن امتنع عن أداء الشهادة
إذا كانت عنده، «ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه»، يعني كافر
قلبه (2).
وهو نص فيما ذكره الأصحاب ويرجح بفتواهم.
(و) على المختار فهل (وجوبه على الكفاية) كما عليه الشيخ في
المبسوط (3) والنهاية (4) والإسكافي (5) والفاضلان في كتبهما (6) وفخر
الدين (7) والمفلح الصيمري (8) والشهيدان في كتبهما (9) وغيرهم من
متأخري الأصحاب ومتأخريهم، أم على الأعيان كما يحكى في
الإيضاح (10) وشرح الشرائع للصيمري (11) عن ظاهر المفيد والحلبي
والقاضي والديلمي وابن زهرة؟
ظاهر الآية والأخبار الثاني، إلا أن إطباق المتأخرين على الأول يرجحه،
سيما مع ما يظهر منهم من عدم الخلاف فيه، وأن محله إنما هو أصل الوجوب،
لا كونه عينيا أو كفائيا، ولذا لم ينقلوا في كفائيته خلافا عدا من مر.

(1) الوسائل 18: 228، الباب 2 من أبواب الشهادات، الحديث 7، 8.
(2) الوسائل 18: 228، الباب 2 من أبواب الشهادات، الحديث 7، 8.
(3) المبسوط 8: 186.
(4) ظاهر كلامه وجوب العيني، راجع النهاية 2: 58.
(5) المختلف 8: 508.
(6) الشرائع 4: 138، القواعد 3: 502، انظر التحرير 2: 213 س 1.
(7) الإيضاح 4: 443.
(8) غاية المرام 191 س 5 (مخطوط).
(9) الدروس 2: 123، اللمعة والروضة 3: 137، المسالك 14: 266.
(10) الإيضاح 4: 443.
(11) غاية المرام 191 س 5 (مخطوط).
366

نعم ربما يتوهم من عبارة الماتن في الشرائع (1) والفاضل في التحرير (2)
والقواعد (3) وقوع الخلاف في الكفائية أيضا، حيث إنهما حكما بها هنا من
غير دعوى إجماع، وادعوه عليها في الأداء.
وهو ضعيف جدا لظهور عبارتهما في رجوع دعواهما الإجماع في
الأداء إلى مطلق الوجوب، دون خصوصية كفائيته. ومقتضاها حينئذ عدم
الإجماع على الوجوب هنا إلا على عدم كفائيته.
هذا، وربما يرشد إلى الكفاية هنا سياق الأخبار، حيث جعلوا الوجوب
فيه مقابلا للوجوب في الأداء. وهو فيه الكفاية في الجملة، أو مطلقا، فليكن
هنالك أيضا، مضافا إلى فحوى الخطاب المستفاد من الحكم بكفائية وجوب
الأداء، فإن كفائيته مع الاتفاق على وجوبه يستلزم كفائية الوجوب هنا،
لأضعفيته منه، نظرا إلى وقوع الخلاف في أصله دونه. فتأمل جدا.
(و) على القولين (يتعين) التحمل على من دعي إليه (مع عدم من
يقوم بالتحمل) بلا إشكال ولا خلاف، إلا من الحلي (4)، وقد مر ضعفه.
(و) اعلم أنه ظهر مما مر من اشتراط العلم في الشهادة أنه (لا)
يجوز أن (يشهد) الشاهد على أحد ولا له (إلا مع المعرفة) بما يشهد
عليه من شخصه أو نسبه وإنما أعاده هنا مع معلوميته سابقا، تنبيها على
عدم انحصار مستندها في العلم الحقيقي، بل يجوز استنادها إليه (أو) إلى
(شهادة عدلين بالمعرفة) فيعرفانه ما يريد الشهادة عليه من شخص
المشهود عليه أو نسبه، ويكون شاهد أصل لا فرعا.
ومحصله كفاية العلم الشرعي في الشهادة.

(1) الشرائع 4: 138.
(2) التحرير 2: 213 س 1 و 3.
(3) القواعد 3: 503.
(4) السرائر 2: 126.
367

وهي وإن خالفت الأصل، لوجوب حمل العلم الوارد في النص والفتوى
اعتباره في صحة الشهادة على معناه الحقيقي عرفا ولغة، وهو ما لا يحتمل
النقيض أصلا - ولعله لهذا يظهر من الكفاية في بحث شهادة الأعمى التأمل
فيه، حيث قال: قالوا: والأعمى إذا انضم إلى سماعه معرفان يشهدان على
العاقد جاز له الشهادة عليه (1)، انتهى - إلا أنه لا خلاف بين الأصحاب فيما
أعلم في اعتبارهم العلم الشرعي المستند إلى شهادة العدلين أيضا، بل ظاهر
السرائر الإجماع عليه.
فإنه قال: فإذا حضر الشاهد فلا يجوز له أن يشهد إلا على من يعرفه،
فإن أراد أن يشهد على من لا يعرفه فليشهد بتعريف من يثق إلى ديانته من
رجلين عدلين عند أصحابنا، فأما الواحد والنساء فلا يشهد بتعريفه ولا
تعريفهن، لأنه لا دليل على ذلك (2).
وظاهره - كما ترى - أن المستند في الجواز هنا إنما هو فتوى
الأصحاب، إذ لم يذكر دليلا آخر، وفتواهم عنده لا يكون حجة، إلا مع
بلوغها درجة الإجماع، كما يستفاد من الجمع المضاف في كلامه المفيد
للعموم لغة، كما يشعر به أيضا عبارة الكفاية المتقدمة، بل لعلها فيه ظاهرة،
وقد ذكر جماعة من الأصحاب ومنهم الحلي في السرائر (3) والفاضل في
التحرير (4) وغيره أنه حيثما استند شهادته إلى شهادتهما لا يذكرها مطلقة،
بل يقول أشهد على فلان بتعريف فلان وفلان.
(ويجوز أن تسفر المرأة) وتكشف عن وجهها (ليعرفها الشاهد) إن
لها أو عليها إذا لم يمكنهما معرفتها بشهادة العدلين العارفين لها شخصا أو

(1) كفاية الأحكام 284 س 25.
(2) السرائر 2: 126 - 127.
(3) السرائر 2: 126 - 127.
(4) التحرير 2: 210 س 19.
368

نسبا، كما ذكره جماعة، بلا خلاف بينهم أجده، للضرورة.
والصحيح: كتبت إلى الفقيه (عليه السلام): في رجل أراد أن يشهد على امرأة ليس
لها بمحرم هل يجوز له أن يشهد عليها من وراء الستر ويسمع كلامها إذا شهد
رجلان عدلان أنها فلانة بنت فلان التي تشهدك وهذا كلامها، أو لا تجوز له
الشهادة عليها حتى تبرز ويبينها بعينها؟ فوقع (عليه السلام): تتنقب وتظهر للشهود إن
شاء الله تعالى (1). فتأمل.
والخبر: لا بأس بالشهادة على إقرار المرأة وليست بمسفرة إذا عرفت
بعينها أو حضر من يعرفها، فأما إذا كانت لا تعرف بعينها ولا يحضر من
يعرفها فلا يجوز للشهود أن يشهدوا عليها، أو على إقرارها دون أن تسفر
وينظروا إليها (2).
ويستفاد منه جواز الشهادة بتعريف العدلين، كما مضى. وهو وإن لم
يصرح بعددهما إلا أنه المعهود شرعا، مضافا إلى عدم قائل بكفاية الأقل
هنا، مع تصريح الحلي بالعدم (3)، كما مضى.
وربما يستفاد من الخبر الأول عدم جواز الشهادة بتعريفهما، وأنه لا بد
من أسفارها. لكنه لا يعارض الثاني وإن قصر، أو ضعف سنده، لانجباره
بفتوى الأصحاب، ورجحانه على الأول بها، مع احتماله الحمل على التقية،
كما يشعر به الصحيح الآخر: لا بأس بالشهادة على إقرار المرأة وليست
بمسفرة إذا عرفت بعينها، ولا يجوز عندهم أن يشهد الشهود على إقرارها
دون أن تسفر فينظر إليها (4). فإن الظاهر أن مرجع ضمير الجمع هو العامة

(1) الفقيه 3: 67، الحديث 3347.
(2) الوسائل 18: 297، الباب 43 من أبواب الشهادات، الحديث 1.
(3) السرائر 2: 126 - 127.
(4) الوسائل 18: 297، الباب 43 من أبواب الشهادات، الحديث 1.
369

العمياء، مضافا إلى كونه مكاتبة والغالب فيه التقية. فتأمل جدا.
(و) لو أراد أن (يشهد) الإنسان (على الأخرس) بإقراره فليشهد
(بالإشارة) التي رآها منه دالة عليه (ولا يقيمها بالإقرار) الذي فهمه
منها، لاحتمال خطئه في الفهم، فيتحقق الكذب. ولعله مراد من علل المنع
عن الإقامة بنفس الإقرار بالكذب المطلق، لا باحتماله كالحلي (1) وغيره،
وإلا فيشكل الحكم بإطلاق الكذب فقد يعلم الشاهد بإقراره ويحصل له
القطع به من إشارته فلا يكون كذبا. فكيف يعلل به؟!
اللهم إلا أن يكون المراد أن الإقرار حقيقة في الإخبار عن الحق باللفظ
الدال عليه بحكم التبادر وغيره، فيكون بالإشارة مجازا، وإرادته من الإقرار
المطلق المنصرف إلى اللفظ بغير قرينة غير جائز، فإطلاقه من دونها يصيره
كذبا.
وفيه نظر، فإن خرسه قرينة حال واضحة على إرادته الإخبار بالإشارة
من الإقرار المطلق دون الحقيقة، فلا كذب.
وهنا (مسائل أربع):
(الأولى): قد مر جواز الشهادة بالملك بالاستفاضة.
وهل يفتقر إلى مشاهدة اليد والتصرف معها إن لم تفد العلم بالملكية؟
قولان، يبتنيان على الخلاف المتقدم في اشتراط إفادتها العلم في الشهادة
على الملك بها، أم لا فيفتقر إلى الضميمة على الأول، ولا عن الثاني.
ولا إشكال في الاكتفاء بها من دون الضميمة إذا أفادت العلم، كما لا
إشكال في جواز الشهادة بها مع ضميمة الأمرين مطلقا، بل ولا خلاف فيه

(1) السرائر 2: 126 - 127.
370

أيضا على الظاهر المصرح به في الكفاية (1)، بل في التنقيح (2) والمسالك (3)
دعوى الوفاق عليه. وهو الحجة المعتضدة بما سيأتي من الأدلة على كفاية
الضميمة وحدها في الشهادة على الملكية، فمع الاستفاضة أولى.
وبالجملة فلا إشكال ولا خلاف يعتد به في شئ من ذلك، وإنما هو في
الاكتفاء بالضميمة إذا لم يكن للعلم بالملكية مفيدة.
ف‍ (- - قيل): إنه (يكفي في) جواز (الشهادة بالملك مشاهدته) أي
مشاهدة الشاهد لذي اليد (يتصرف فيه) مكررا بنحو من البناء والهدم
والإجارة وغيرها، بلا منازع. والقائل هو الشيخ في الخلاف (4) والحلبي (5)
والقاضي (6) والحلي (7) وهو ظاهر الكليني (رحمه الله) والصدوق، حيث رويا في
الكافي (8) والفقيه (9) ما يدل عليه من غير معارض، مع أن الثاني قال في
صدر كتابه: أنه لا يروي فيه إلا ما يفتي به ويحكم بصحته، وعليه عامة
المتأخرين، مدعيا جملة منهم الشهرة المطلقة عليه (10).
ويظهر من الماتن في الشرائع عدم الخلاف فيه، فإنه قال: لا ريب أن
المتصرف بالبناء والهدم والإجارة بغير منازع يشهد له بالملك المطلق، أما
من في يده دار فلا شبهة في جواز الشهادة له باليد، وهل يشهد له بالملك؟
قيل: نعم، وهو المروي، وفيه إشكال (11)، إلى آخر ما ذكره. وذلك لتخصيصه
نقل الخلاف باليد الغير المتصرفة، معربا عن عدمه فيها، ونحوه غيره، ونسبه

(1) كفاية الأحكام 284 س 7.
(2) التنقيح 4: 314.
(3) المسالك 14: 233، ولم يصرح فيها بالوفاق.
(4) الخلاف 6: 264، المسألة 14.
(5) الكافي في الفقه 437.
(6) المهذب 2: 561.
(7) السرائر 2: 130.
(8) الكافي 7: 387، الحديث 1.
(9) الفقيه 3: 51، الحديث 3307.
(10) الفقيه 1: 3.
(11) الشرائع 4: 134.
371

في المبسوط إلى روايات الأصحاب (1)، مشعرا بدعوى الإجماع عليه، وبه
صرح في الخلاف (2). وهو الحجة.
(و) مع ذلك وردت (به رواية) قصور سندها أو ضعفها منجبر
برواية المشائخ الثلاثة (3) لها، معتمدين عليها وبالشهرة العظيمة، التي كادت
تكون إجماعا، بل إجماع في الحقيقة، كما عرفت حكايته.
وفيها: عن رجل رأى في يد رجل شيئا أيجوز أن يشهد أنه له؟ قال:
نعم، قلت: فلعله لغيره، قال: ومن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا لك ثم
تقول بعد الملك: هو لي وتحلف عليه، ولا يجوز أن تنسبه إلى ما صار ملكه
إليك قبله، ولو لم يجز هذا ما قامت للمسلمين سوق.
وقريب منها الصحيح المروي في الوسائل عن علي بن إبراهيم في
تفسيره في حديث فدك: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لأبي بكر: أتحكم فينا
بخلاف حكم الله في المسلمين، قال: لا، قال: فإن كان في يد المسلمين شئ
يملكونه ادعيت أنا فيه من تسأل البينة؟ قال: إياك كنت أسأل البينة على ما
تدعيه على المسلمين، قال: فإذا كان في يدي شئ فادعى فيه المسلمون
تسألني البينة على ما في يدي وقد ملكته في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبعده،
ولم تسأل المؤمنين البينة على ما ادعوه علي كما سألتني البينة على ما
ادعيت عليهم (4) الخبر.
ولولا أن لليد أثرا في إفادة الملك لما كان لذكره وجه. فتدبر.
وقريب منهما النصوص الكثيرة الواردة في تعارض البينات، الدالة على

(1) المبسوط 8: 182.
(2) الخلاف 6: 264، المسألة 14.
(3) الكافي 7: 387، الحديث 1، الفقيه 3: 51، الحديث 3307، التهذيب 6: 261، الحديث 100.
(4) الوسائل 18: 215، الباب 25 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 3.
372

ترجيح بينة ذي اليد أو الخارج. إلى غير ذلك من النصوص، الظاهرة في
دلالة اليد على الملكية.
وهي على تقدير تسليم عدم وضوح دلالتها على ذلك فلا ريب في
كونها مؤيدات قوية للرواية، مضافا إلى قوتها بما مضى من حكاية الإجماع
المتقدمة والشهرة العظيمة، بل لم أقف على مخالف لها عدا ما يستفاد من
الأصحاب من كونه قولا، ولكن لم يسموا له قائلا، ولعلهم أخذوه من
المبسوط، حيث نقله من دون تصريح بكونه منا.
وربما نسب إليه جماعة التردد في المسألة حيث حكى القولين فيه من
غير ترجيح. لكن سيأتي عبارته. ومنه نسبته القول الأول إلى روايات
الأصحاب (1) ربما يشعر بتقوية الأول، وبذلك صرح الفاضل في
المختلف (2).
وبالجملة المخالف منا غير معلوم، عدا الماتن هنا، حيث قال: (والأولى
الشهادة بالتصرف) دون الملكية (لأنه) أي التصرف (دلالة) على
(الملك وليس بملك).
وفي التعليل ما لا يخفى، إذ بعد تسليم الدلالة على الملكية لا وجه
للمنع من الشهادة به عليها، وإن هو حينئذ إلا كالاستفاضة، فكما يجوز
الشهادة على الملكية بها من غير لزوم إقامة الشهادة على الاستفاضة دونها،
فكذا هنا. ولعله لذا قطع بجواز الشهادة على الملكية بالتصرف في الشرائع
وإنما استشكل في جوازها بمجرد اليد الخالية عنه، قائلا: من حيث إن اليد
لو أوجب الملك لم تسمع دعوى من يقول: الدار التي في يد هذا لي، كما لا
تسمع لو قال: ملك هذا لي (3).

(1) المبسوط 8: 182.
(2) المختلف 8: 537.
(3) الشرائع 4: 134.
373

وهذا كسابقه في الضعف جدا، لورود النقص عليه أولا: بالتصرف، مع
عدم خلاف المعارض فيه. وثانيا: بالحل، بأن دلالة اليد ظاهرة، والإقرار
بالملك قاطع، والصرف عن الظاهر بقرينة جائز، بخلاف القاطع. والقرينة هنا
موجودة، وهي ادعاؤه بها، والمفروض أن الظن كاف في الشهادة، كما يشير
إليه جواز الشهادة بالتصرف، الذي غايته إفادة المظنة، ويكفي في الظن دلالة
اليد الظاهرة بلا شبهة.
وعلل المنع في كل من اليد والتصرف أيضا - زيادة على ما مر في
كلامه - بحصول كل منهما من غير المالك، كالوكيل والمستأجر والغاصب
والموصى له بالمنفعة وغيرهم. ونصر هذا التعليل المولى الأردبيلي (رحمه الله) (1)،
وصاحب الكفاية.
فقال بعد ذكر استدلال الشيخ والجماعة على جواز الشهادة على الملكية
باليد المتصرفة من قضاء العادة: بأن ذلك لا يكون إلا بالملك، وجواز شرائه
منه، وأنه متى حصل عند المشتري جاز له دعوى الملكية، ولو ادعى عليه
فأنكر جاز له الحلف ما صورته، وفيه إشكال، لأن العادة لا تقضي على وجه
يوجب العلم، وجواز الشراء لا يقتضي الحكم بملكية البائع قطعا، لجواز
الشراء من الوكيل والعاقد فضولا والغاصب، مع عدم العلم، ودعوى الملكية
بعد الشراء لا يقتضي جواز الشهادة على ملكية البائع أولا، وجواز الحلف
على بعض الوجوه لا ينفع مطلقا في محل المنع. ولو سلم فغير دال على
المطلوب (2).
وفيه نظر، فإنه إن أريد بذكر الاحتمالات المزبورة في اليد والتصرف من
كون كل منهما من الوكيل والمستأجر إنكار حصول المظنة بالملكية بهما

(1) مجمع الفائدة 12: 458.
(2) كفاية الأحكام 284 س 11.
374

فهو مكابرة صرفة، بل إنكار للبديهة، ولذا نفى في الكفاية بها العلم خاصة.
وإن أريد به ما ذكره فيها دون نفي المظنة فحسن لو لم يقم على اعتبارها
دليل في المسألة، والحال أنه قد قام، لما عرفت من الرواية المنجبرة بما مر
إليه الإشارة، وحكاية الإجماع المتقدمة. وهي وإن اختصت باليد المتصرفة،
إلا أن الرواية كافية في الحجية في اليد الخالية عنه، لعمومها لها، أو ظهورها
فيها، ويكون شمول حكمها حينئذ لليد المتصرفة بطريق أولى.
هذا، مضافا إلى الصحيحة المتقدمة وما بعدها من الأخبار المعاضدة ولو
لم يكن بنفسها حجة مستقلة، والشهرة الجابرة للرواية، كما تحققت في اليد
المتصرفة محققة ومحكية في كلام جماعة، كما عرفته، فكذلك هي هنا
متحققة، لإطباق جمهور المتأخرين على الحكم هنا أيضا، عدا الماتن هنا
وفي الشرائع وحكى الأكثرية على ذلك بينهم في المسالك (1) والكفاية.
هذا، مضافا إلى مناقشات أخر ترد على صاحب الكفاية ليس في ذكرها
هنا فائدة مهمة بعد وضوح المأخذ في المسألة بحذافيرها، والحجة من
الفتوى والرواية، بل ربما يمكن دعوى الضرورة في إفادة اليد المتصرفة، بل
مطلق الملكية، وعليه بناء الفقهاء، بل والمسلمين كافة، كما يقف عليه المتتبع
لأكثر الأحكام الشرعية، بل كلها، غير هذه المسألة من المسائل المتعلقة
بأحكام اليد ولو تعارضت الاستفاضة المجردة عن الضميمة من التصرف
أو اليد معهما.
فالترجيح لهما على الأقوى، لعموم الرواية. فتأمل.
وبه صرح جماعة كالفاضلين في الشرائع (2) والتحرير (3) والقواعد (4)

(1) المسالك 14: 236.
(2) الشرائع 4: 134.
(3) التحرير 2: 211، السطر الأخير.
(4) القواعد 3: 501.
375

والشهيد في الدروس (1).
(الثانية: يجوز الشهادة على ملك لا يعرفه الشاهد إذا عرفه له
المتبائعان) يعني البائع والمشتري بصفات يتوافقان عليها، ويكون شاهدا
على إقرارهما بتلك الصفات، كما هنا وفي السرائر (2) والتحرير (3)
والدروس (4)، ولا خلاف فيه على الظاهر. ومستنده مع ذلك واضح.
وفي المكاتبة الصحيحة، في رجل باع ضيعته من رجل آخر وهي قطاع
أرضين ولم يعرف الحدود في وقت ما أشهده وقال: إذا أتوك بالحدود فاشهد
بها هل يجوز له ذلك، أو لا يجوز له أن يشهد؟ فوقع (عليه السلام): نعم يجوز، والحمد
لله تعالى.
وكتب: هل يجوز للشاهد الذي أشهده بجميع هذه القرية أن يشهد حينئذ
بحدود قطاع الأرض التي له إذا تعرف حدود هذه القطاع بقوم من أهل القرية
إذا كانوا عدولا؟ فوقع (عليه السلام): نعم يشهدون على شئ مفهوم معروف.
وكتب: رجل قال لرجلين: أشهدا أن جميع الدار التي له في موضع كذا
وكذا بحدودها كلها لفلان بن فلان وجميع ماله في الدار من المتاع هل
يصلح للمشتري ما في الدار والبينة لا تعرف المتاع أي شئ هو؟ فوقع (عليه السلام):
يصلح له ما أحاط به الشراء بجميع ذلك إن شاء الله تعالى.
وكتب إليه: هل يجوز له أن يشهد على الحدود إذا جاء قوم آخرون من
أهل تلك القرية فشهدوا أن حدود هذه القرية التي باعها الرجل هذه؟
وهل يجوز لهذا الشاهد الذي أشهده بالضيعة ولم يسم الحدود أن يشهد
بالحدود بقول هؤلاء الذين عرفوا هذه الضيعة وشهدوا له، أم لا يجوز له أن

(1) الدروس 2: 134 - 135.
(2) السرائر 2: 130.
(3) التحرير 2: 215 س 11.
(4) الدروس 2: 134 - 135.
376

يشهد وقد قال لهم البائع: اشهدوا بالحدود إذا أتوكم بها؟ فوقع (عليه السلام): لا يشهد
إلا على صاحب الشئ وبقوله إن شاء الله تعالى (1).
قيل: والمنع عن الشهادة في هذا الجواب الأخير إلا على صاحب الشئ
محمول على أنه لا يشهد إلا بقول المالك مجملا، ولا ينسب التفصيل الذي
عرفه من غيره إليه، بل يجيز بالصورة أو يشهد إجمالا أو محمول على عدم
تعين المالك للذي يأتي بالحدود، فيبقى على جهالته، ويكون الإقرار مبهما،
أو على عدم عدالتهم (2).
(الثالثة: لا يجوز) للشاهد (إقامة الشهادة إلا مع الذكر) لمتعلقها
والتفطن له بالقطع، فلو لم يتذكره كذلك لم يجز له الإقامة مطلقا (ولو رأى
خطه) وخاتمه فظن به، بلا خلاف إذا لم يكن معه آخر ثقة ولا كان المدعي
ثقة، وعلى الأشهر بين المتأخرين، بل عامتهم إلا النادر مطلقا وفاقا منهم
لجماعة من القدماء كالحلي (3) وابن زهرة (4) والحلبي (5)، للأصل، وعموم ما
مر من الأدلة على اعتبار العلم في مستند الشهادة، وخصوص إطلاق بعضها.
كالقوي بالسكوني وصاحبه: لا تشهد بشهادة لا تذكرها، فإنه من شاء
كتب كتابا ونقش خاتما (6).
والحسن: جاءني جيران بكتاب فزعموا أنهم أشهدوني على ما فيه وفي
الكتاب اسمي بخطي قد عرفته ولست أذكر الشهادة وقد دعوني إليها فأشهد
لهم بمعرفتي أن اسمي في الكتاب ولست أذكر الشهادة، أو لا يجب لهم

(1) الوسائل 18: 300، الباب 48 من أبواب الشهادات، الحديث 1.
(2) الوسائل 18: 300، الباب 48 من أبواب الشهادات، الحديث 1.
(3) السرائر 2: 131.
(4) الغنية 441.
(5) الكافي في الفقه 437.
(6) الوسائل 18: 235، الباب 8 من أبواب الشهادات، الحديث 4.
377

الشهادة حتى أذكرها كان اسمي في الكتاب بخطي أو لم يكن؟ فكتب:
لا تشهد (1).
وقصور الأسانيد أو ضعفها إن كان منجبرا بما مر من الشهرة، والأصل،
وعموم الأدلة، مع دعوى الحلي في السرائر كثرتها بحيث لا تحصى، بل
وتواترها، والإجماع على مضامينها، خصوصا أو عموما (2).
(و) لكن (في رواية) صحيحة مروية في الكتب الأربعة (3): أنه
(إن شهد معه) أي مع الذي عرف خطه وخاتمه ولم يذكر من الباقي قليلا
ولا كثيرا رجل (آخر) ثقة وكان صاحبه المدعي أيضا ثقة (جاز) له
حينئذ (إقامتها) وقد عمل بها الشيخ في النهاية (4) والمفيد (5)
والإسكافي (6) والقاضي (7) والديلمي (8) ووالد الصدوق (9)، بل هو والكليني
أيضا، لروايتهما لها في كتابيهما.
ولا ينافي ذلك روايتهما بعد ذلك مضمون رواية السكوني، لإطلاقه،
وصراحة هذه، بحيث يحتمل التقييد بها عندهما.
وبالجملة لا شبهة في شهرة العمل بها بين القدماء، وبه صرح الفاضل في
المختلف (10) والشهيد في الدروس، ولكنه ادعى الأكثرية بينهم (11) دون
الشهرة، فشهرتها بينهم مع صحتها ترجحها على ما قابلها من العمومات

(1) الوسائل 18: 235، الباب 8 من أبواب الشهادات، الحديث 2.
(2) السرائر 2: 131.
(3) الكافي 18: 382، الحديث 1، الفقيه 3: 72، الحديث 3361، التهذيب 6: 258، الحديث
86، الاستبصار 3: 22، الحديث 4.
(4) النهاية 2: 58.
(5) المقنعة 728.
(6) المختلف 8: 517.
(7) المهذب 2: 561.
(8) المراسم 234.
(9) المختلف 8: 517.
(10) المختلف 8: 520.
(11) الدروس 2: 134.
378

والإطلاقات، سيما مع كونها خاصة صريحة بالإضافة إليها، تصلح
لتخصيصها وتقييدها.
لكن يمكن أن يقال: إنها وإن كانت خاصة صريحة من جهة، لكنها عامة
لصورتي حصول العلم بالمشهود به شهادة الثقة معه وعدمه.
والأدلة المتقدمة وإن كانت عامة لصورتي وجود الثقة مع الخط والكتابة
إلا أنها خاصة بالإضافة إلى اشتراط العلم والمعرفة، فكما يمكن تخصيص
هذه الصحيحة لها كذا يمكن العكس جدا، فتخصصها تلك الأدلة بصورة
حصول العلم من شهادة الثقة مع الخط والكتابة.
وبالجملة التعارض بينهما تعارض العموم والخصوص من وجه يمكن
تخصيص كل منهما بالآخر.
(و) لهذا يحصل (في) العمل بهذه (الرواية) وترجيحها على تلك
الأدلة بتخصيصها بها دون العكس (تردد) كما هو صريح الماتن هنا،
وظاهر الشهيد في الدروس، حيث نقل القولين مقتصرا عليهما (1)، وذلك لفقد
المرجح لها، وتعارض الشهرة من الطرفين، كسائر وجوه التراجيح من
الجانبين، مع أن الأصل والكثرة مع دعوى التواتر والإجماع في الأدلة الأولة
أقوى مرجح لها على هذه الصحيحة، لأنها بطرف الضد لتلك الأدلة بالنسبة
إلى هذه المرجحات المزبورة، مع أن الشهرة المتأخرة المرجحة لها أعظم
من الشهرة القديمة المرجحة لهذه الصحيحة، مع إمكان التأمل في شهرتها
بين القدماء، كما هي لدلالتها على اعتبار كون المدعي أيضا ثقة، ولم يعتبره
من الجماعة غير والد الصدوق خاصة.

(1) الدروس 2: 134.
379

فالعامل بها على هذا نادر، فطرحها أو تقييدها بصورة حصول العلم، كما
فعله في المختلف (1) فيها، وفي أقوال العاملين بها أيضا متعين.
فالمصير إلى ما عليه المتأخرون متجه، سيما مع كونه أحوط، كما صرح
به الشيخ في الاستبصار (2) والقاضي (3).
(الرابعة: من حضر حسابا) بين رجلين (أو سمع شهادة) في
قضيتهما فإن استشهد وجب عليه الإقامة بلا خلاف وإن اختلفوا في عينيته
مطلقا، كما عليه الشيخ (4) وجماعة، أو كفائيته، إلا إذا انحصر ثبوت الحق
في شهادته فكما قالوه.
(و) إن كان (لم يستشهد كان بالخيار في الإقامة ما لم يخش بطلان
الحق إن امتنع) وقد مضى البحث في جميع ذلك في بحث وجوب إقامة
الشهادة (و) إن هذا الحكم الأخير ليس (فيه (5) تردد) لأن مقتضاه
وجوب الإقامة حينئذ كفاية. وهو ليس محل خلاف يعرف، بل مر عن جمع
دعوى الإجماع عليه.
وحينئذ فإن أريد بمحل التردد في العبارة هذا فهو كما ترى، وإن كان ما يفهم
من سياقها من عينية الوجوب مطلقا أن استشهد - كما عليه الشيخ وجماعة
- فحسن، وقد مر وجه التردد حينئذ وأن ما اختاره لا يخلو عن قوة.
إلا أن احتمال إرادة هذا من العبارة بعيد عن سياقها، بل ظاهرها إرادة
الاحتمال الأول. وعليه فيتوجه النظر إليه بما عرفته.
نعم لو كان رأي الشيخ ومن وافقه عدم وجوب الإقامة مع عدم

(1) المختلف 8: 520.
(2) الاستبصار 3: 22 ذيل الحديث 4.
(3) المهذب 2: 561.
(4) النهاية 2: 58.
(5) في المتن المطبوع، وفي الرواية تردد.
380

الاستدعاء مطلقا حتى لو خاف بطلان الحق لو امتنع - ومحصله عدم
الوجوب حينئذ لا عينا ولا كفاية، كما فهمه منهم جماعة - توجه التردد
حينئذ، بل تعين بطلانه وإن شهد له إطلاق ما مر من كثير من المعتبرة.
إلا أن المستفاد من جملة اخرى منها - كما مضى - عدم عينيته حينئذ
خاصة لا عدم كفائيته أيضا، بل تجب لو خشي بطلان الحق لو امتنع، كما
ذكره الماتن هنا، وصرح به الشيخ أيضا وجملة من موافقيه وإن أطلقوا عدم
الوجوب مع عدم الاستشهاد بحيث يتوهم منهم عدم الوجوب ولو كفاية، إلا
أن الظاهر إرادتهم صورة عدم الخوف من بطلان الحق مع عدم الإقامة، ولذا
نسب في الدروس إليهم عين ما في العبارة من عدم الوجوب إلا مع خشيته
بطلانه مع عدمها (1). وجعل الفاضل في المختلف النزاع بينهم وبين الحلي
الحاكم بوجوب الإقامة ونفي الخيار فيها لفظيا.
فقال بعد نقل عبائرهم جملة: والتحقيق أنه لا نزاع في المعنى هنا، لأن
الشيخ قصد بالجواز والخيار من حيث إنه فرض كفاية يجوز له تركه إذا قام
غيره مقامه، ولهذا إذا لم يقم غيره مقامه وخاف لحوق ضرر بإبطال الحق
وجب عليه إقامة الشهادة، فإن قصد ابن إدريس الوجوب هنا عينا فهو
ممنوع نعم في الحقيقة لا يبقى فرق بين أن يشهد من غير استدعاء وبين أن
يشهد معه (2)، انتهى.
ومن قوله: نعم إلى آخر يظهر تفطنه لكون النزاع معنويا. ولا وجه له بعد
اعترافه بكون مذهب الشيخ الوجوب كفاية مع عدم الاستدعاء، إلا ما قدمنا
من الوجوب عينا مطلقا مع الاستدعاء، كما هو ظاهر مفهوم كلام الشيخ،
والأخبار التي قدمناها بعد ضم بعضها إلى بعض كما مضى.

(1) الدروس 2: 134.
(2) المختلف 8: 521.
381

وحيث ظهر لك اعترافه أخيرا بكون النزاع بينهم معنويا اتضح لك ما في
كلام شيخنا في المسالك (1) وصاحب الكفاية (2) عليه.
حيث قالا بعد أن نقلا عنه. جعله النزاع لفظيا لما ذكره: وفيه نظر، لأن
الأخبار المذكورة مفصلة مصرحة بالفرق بين من يستدعي وبين من لا
يستدعي، وأنه يتعين على المستدعي الشهادة، مع أن الوجوب حينئذ كفائي
اتفاقا وإن عرض له التعيين، وعلى ما ذكره في المختلف من المعنى لا فرق
بين الحالتين، ولا يبقى للتفصيل في الأخبار فائدة أصلا، ولا وجه لهذا
التكليف الذي لا يساعد عليه الكلام. والحق أن النزاع معنوي صرف، انتهى.
وكأنهما لم يلاحظا قوله الأخير المعترف فيه بمعنوية النزاع، كما ذكراه.
ويتوجه عليهما - زيادة على ذلك - أن الفاضل جعل النزاع بين الشيخ
والحلي لفظيا، لا بين الأخبار، بل ما ذكر منها شيئا. فتأمل جدا.
وأيضا فدعواهما الوفاق على كفائية الوجوب بعد اعترافهما بمعنوية
النزاع وظهور العينية مطلقا مع الاستدعاء من الشيخ وموافقيه ليس في
محله، بل الظاهر كون العينية مطلقا حيث قالوا به ليس محل وفاق، بل محل
نزاع، كما اعترفا به. وحينئذ يتقوى مختارهم، كما تقدم.
وأيضا ظاهر عبارتهما التي حكيناها أن أثر معنوية النزاع يظهر في
عينية الوجوب مطلقا مع الاستدعاء وكفائيته مع عدمه، مع أنهما ذكرا في
تحرير محل النزاع ما ظاهره كون أثره إنما هو أصل الوجوب مع عدم
الاستدعاء.
حيث قالا بعد الحكم بكفائية الوجوب مطلقا: والمشهور عدم الفرق
في الوجوب بين من استدعى وغيره، لعموم الأدلة - إلى أن قالا: - وذهب

(1) المسالك 14: 265.
(2) كفاية الأحكام 286 س 13.
382

جماعة منهم الشيخ وابن الجنيد وأبو الصلاح إلى عدم الوجوب إلا مع
الاستدعاء، لصحيحة محمد بن مسلم. ثم ساقا جملة من الأخبار المطلقة (1).
وعبارتهما هذه كالنص، بل نص في أن الشيخ ومن بعده لم يقولوا
بالوجوب في صورة عدم الاستدعاء بالكلية ولو كفائية. وهذا مع منافاته
لعبارتهما المتقدمة مناف لما نسبه إليهم الفاضل والشهيد، كما عرفته وعرفت
أن الحق معهما.
(ويكره أن يشهد) المؤمن (لمخالف) له في المذهب (إذا خشي أنه
لو استدعاه إلى الحاكم) ليشهد له (ترد شهادته) فيكون قد أذل نفسه كما
في المرسل قلت له: إن شريكا يرد شهادتنا، قال: فقال: لا تذلوا أنفسكم (2).
وقصور سنده بل ضعفه يمنع عن العمل به، سيما وأن يخصص به عموم أدلة
وجوب إقامة الشهادة من الكتاب والسنة، ولذا أن في التحرير (3) نسب
الحكم إلى الرواية، مشعرا بتردده فيه، وحمله الصدوق في الفقيه على كراهية
التحمل دون الأداء (4)، ونحوه الحلي.
فقال: وفقه هذه الرواية أنه إنما يكره أن يتحمل له شهادة ابتداء، فأما إن
تحملها فالواجب عليه أداؤها وإقامتها إذا دعي ذلك عند من دعى إلى إقامتها
عنده، سواء ردها، أو لم يردها قبلها، أو لم يقبلها بغير خلاف، لقوله تعالى:
«ومن يكتمها فإنه آثم قلبه» (5) انتهى.
وظاهرهما عدم الاستشكال في جواز ترك التحمل، وهو مشكل جدا،

(1) المسالك 14: 264، كفاية الأحكام 286 س 4.
(2) الوسائل 18: 304، الباب 53 من أبواب الشهادات، الحديث 1.
(3) التحرير 2: 213 س 6.
(4) الفقيه 3: 75، الحديث 3366.
(5) السرائر 2: 130.
383

لتساوي الأداء معه في الأدلة الدالة على وجوبهما من الكتاب والسنة، وعدم
قابلية الرواية لتخصيصها.
اللهم إلا أن يكون إجماعا، أو يريدا بترك التحمل إخفاء نفسه عن
المخالف، لئلا يشهده لا تركه عند إشهاده.
ومما ذكرنا ظهر ما في عمل الماتن بالرواية وحكمه بكراهة الشهادة
مطلقا ولو خيف من فوت الحق بتركها، إلا أن يوجه بأن إقامة الشهادة حينئذ
يتضمن إذلال المؤمن نفسه بلا شبهة، وصرحت به الرواية. وهو لا يقصر عن
الضرر الذي أبيح لأجله ترك الشهادة مطلقا اتفاقا فتوى ورواية. ولا بأس به
وان كان الأحوط الشهادة، سيما في صورة اليقين بخوف فوت الحق بتركها
وإن كان لا فائدة فيها بعد فرض تيقن ردها كما هو مورد الرواية.
ومنه يظهر وجه قوة اخرى لها ولما عليه الماتن من الكراهة، لكن في
الجملة لا مطلقا. فتأمل جدا.
* * *
384

(الثالث في) بيان
أحكام (الشهادة على الشهادة)
(وهي مقبولة في الديون والأموال) كالقرض والقراض وعقود
المعاوضات (والحقوق) المتعلقة بالآدميين، سواء كانت عقوبة كالقصاص،
أو غيرها، كالطلاق والنسب والعتق وعيوب النساء والولادة والاستهلال
والوكالة والوصية بفرديه، بلا خلاف أجده، وبه صرح في الكفاية (1)، بل عليه
الإجماع في كلام جماعة. وهو الحجة; مضافا إلى ما استدلوا به من
عمومات الكتاب (2) والسنة بقبول الشهادة، وخصوص الخبر المروي في
التهذيب (3) بسند فيه جهالة، وفي الفقيه (4) بسند يحتمل الصحة، بل صرح
بصحته جماعة، مع أن القصور - إن كان - مجبور بعمل الطائفة.
وفيه: عن الشهادة على شهادة الرجل وهو بالحضرة في البلد، قال: نعم
ولو كان خلف سارية إذا كان لا يمكنه أن يقيمها هو لعلة تمنعه من أن يحضر
ويقيمها (5).

(1) كفاية الأحكام: 286 س 35.
(2) الطلاق: 2.
(3) التهذيب 6: 256، الحديث 77.
(4) الفقيه 3: 71، الحديث 3357.
(5) الوسائل 18: 297، الباب 44 من أبواب الشهادات، الحديث 1.
385

وعللوه أيضا بدعاء الحاجة إليها، فإن شهود الواقعة قد يتفق لهم الموت
أو الغيبة، وأن الشهادة حق لازم الأداء، فيجوز الشهادة عليها كسائر الحقوق
المقبولة فيها.
(ولا تقبل في الحدود) وما كان عقوبة لله تعالى إجماعا في المختصة
به سبحانه، كحد الزنا، واللواط، ونحوهما على الظاهر المصرح به في
الإرشاد (1) والإيضاح (2) والتنقيح (3) والمسالك (4) والروضة (5) وغيرها من
كتب الجماعة. وهو الحجة; مضافا إلى المعتبرين القريب أحدهما عن الصحة
عن علي (عليه السلام) أنه كان لا يجيز شهادة على شهادة في حد (6).
وكذا في المشتركة بينه تعالى وبين الآدميين كحد القذف والسرقة عند
الأكثر، كما في التنقيح (7) والروضة (8)، بل المشهور كما في الإيضاح (9)
والمسالك (10) والكفاية (11). ولعله الأظهر، لإطلاق ما مر من المعتبرين، بل
عمومها الناشئ من النكرة المنساقة في سياق النفي.
وقصور سندهما ينجبر بالاتفاق في الجملة، وبالشهرة في خصوص
المسألة، وبأن الحدود تدرأ بالشبهة، وقيام البدل مقام المبدل لا يخلو من شبهة.
خلافا للمبسوط (12) وابن حمزة (13) وفخر الإسلام في الإيضاح (14)

(1) الإرشاد 2: 164.
(2) الإيضاح 4: 444.
(3) التنقيح 4: 317.
(4) المسالك 14: 270.
(5) الروضة 3: 149.
(6) الوسائل 18: 299، الباب 45 من أبواب الشهادات، الحديث 2.
(7) التنقيح 4: 317.
(8) الروضة 3: 150.
(9) الإيضاح 4: 444.
(10) المسالك 14: 270.
(11) كفاية الأحكام 286 س 37.
(12) المبسوط 8: 231.
(13) لم نجد التصريح به في كلامه، راجع الوسيلة 233.
(14) الموجود هنا خلاف ذلك، راجع الإيضاح 4: 444.
386

والشهيدين في النكت (1) والمسالك (2) فقالوا: بالقبول. وحجتهم غير
واضحة. عدا ما في المسالك من العموم، وعدم دليل صالح للتخصيص، مع
ما فيه من ترجيح حق الآدمي. وهو حسن إن لم نقل بحجية المعتبرين
المنجبرين بما مر، وإلا فما عليه المشهور متعين.
وبهما يذب عن العموم، والدليل الصالح للتخصيص يقوم، والأمر الثالث
الاعتباري بعد تسليمه في مقابلة النص المعتبر غير مسموع.
ولو اشتمل سبب الحد على أحكام أخر، كاللواط المترتب عليه نشر
الحرمة بأم المفعول وأخته وبنته، وكالزنا بالعمة والخالة المترتب عليه تحريم
بنتها، وكالزنا مكرها للمرأة بالنسبة إلى ثبوت المهر ونحو ذلك فهل يقبل في
غير الحد من الأحكام؟ وجهان، من تلازم الأمرين وكونهما معلولي علة
واحدة، ومن وجود المانع في بعضها، وهو الحد بالنص والإجماع، فيبقى
الباقي، لأنه حق آدمي لا مانع من إثباته بشهادة الفرع، وعلل الشرع
معرفات، فجاز انفكاك معلولاتها، ولذا يثبت بها في السرقة دون الحد عند
المانعين لها في الحد مطلقا، وكذا مع الشاهد والمرأتين، وبالعكس لو كان
المقر سفيها إلى غير ذلك.
واختار هذا الفاضلان في الشرائع (3) والتحرير (4) والقواعد (5)
والإرشاد (6) والشهيدان في الدروس (7) والمسالك (8) واللمعتين (9) من دون

(1) غاية المراد 176 (مخطوط).
(2) المسالك 14: 270.
(3) الشرائع 4: 140.
(4) التحرير 2: 216 س 8.
(5) القواعد 3: 504.
(6) الإرشاد 2: 164.
(7) الدروس 2: 141.
(8) المسالك 14: 287.
(9) الروضة 3: 150.
387

إشارة منهم إلى خلاف ولا تردد، عدا شيخنا في المسالك فأشار إلى
الوجهين، مشعرا بتردده بينهما، لكن جعل ثانيهما أقوى.
(ولا يجزئ) في الشهادة (إلا اثنان) عدلان (على شاهد الأصل)
إجماعا، وللنصوص.
ففي الخبرين: أن عليا (عليه السلام) كان لا يجيز شهادة رجل على رجل إلا
شهادة رجلين على رجل (1).
ولأن المقصود إثبات شهادة الأصل، لأنه الأمر المشهود به في الشهادة
الثانية دون ما شهد به الأصل، وذلك لا يتم بشهادة الواحد، كما هو الأصل.
نعم لا يشترط المغايرة، فيجوز شهادة اثنين على كل واحد من شاهدي
الأصل، وكذا شهادة أحد الأصلين مع الآخر على شهادة الأصل الآخر،
ونحو ذلك، بلا خلاف فيه عندنا وعند أكثر من خالفنا، كما في الغنية (2)
والمسالك (3)، بل ظاهرهما كغيرهما دعوى إجماعنا عليه ولعله للإطلاق،
كما صرح به جمع. وفي التمسك به لولا الإجماع نظر.
(وتقبل على الشهادة شهادة النساء (4) في الموضع الذي يقبل فيه
شهادتهن) منفردات أو منضمات على قول الإسكافي (5) والشيخ في
الخلاف (6) وموضع من المبسوط (7) مدعيا في الأول إجماع الفرقة
وأخبارهم، واختاره في المختلف (8)، للأصل، وعموم قوله: «فإن لم يكونا
رجلين فرجل وامرأتان» (9)، والخبر: شهادة النساء لا تجوز في طلاق

(1) الوسائل 18: 298، الباب 44 من أبواب الشهادات، الحديث 3، 4.
(2) الغنية 442.
(3) المسالك 14: 273.
(4) في المتن المطبوع: وتقبل الشهادة على شهادة النساء.
(5) المختلف 8: 516.
(6) الخلاف 6: 316، المسألة 66.
(7) المبسوط 8: 233 - 234.
(8) المختلف 8: 516.
(9) البقرة: 282.
388

ولا نكاح ولا حدود إلا في الديون وما لا يستطيع النظر إليه للرجال (1)،
فإنه شامل للشهادة الأصلية والفرعية.
وهذه الأدلة كما ترى لوهن الإجماع بندرة القائل بمضمونه، عدا الناقل
ونادر. والأخبار لم نقف لها على أثر إن أريد منها ما يدل على الخصوص،
وإن أريد بها نحو الخبر الأخير مما يدل على الحكم بالإطلاق والعموم فبعد
تسليم سنده هنا لا عموم فيه، بل غايته الإطلاق، بل الإجماع الغير المعلوم
شموله لمثل ما نحن فيه، سيما مع عدم تبادره منه، بل تبادر غيره، وهو
شهادتهن على نفس الديون ونحوها، دون شهادتهن على الشهادة عليها.
وتقريب الاستدلال بنحو الخبر بالأولوية لا العموم أو الإطلاق - كما
يفهم من جماعة - المناقشة فيه واضحة، بعد إمكان دعوى الفرق بأن
المستفاد من الفتوى والرواية أن العلة في قبول شهادتهن في الديون ونحوها
أصالة إنما هي الضرورة ومسيس الحاجة، إما لضرورة الانفراد كالعيوب
الباطنة، أو لفقد الرجال كما في الوصية، وهي في نحو المسألة منتفية بلا
شبهة، كما ذكره جماعة، والأصل لا وقع له هنا، بل مقتضاه العكس، كما
قدمناه سابقا، والآية موردها الأموال، والشهادة ليست مالا.
ومن هنا يظهر جواب آخر عن نحو الخبر الذي مر، وهو أنه جعل مورد
شهادتهن الديون ونحوها وشهادتهن فرعا إنما هي على الشهادة، ونفس
الشهادة ليست من الديون والأموال وما لا يطلع عليه الرجال، فلا يدخل في
الخبر، ولا في قاعدة ما تقبل فيه شهادة النساء.
وعلى هذا فالمنع أقوى، وفاقا للحلي (2) والفاضلين في الشرائع (3)

(1) الوسائل 18: 267، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 42.
(2) السرائر 2: 128.
(3) الشرائع 4: 140.
389

والقواعد (1) والتحرير (2) وفخر الدين (3) والشهيدين في النكت (4) والمسالك (5)
والفاضل المقداد في الشرح (6) وغيرهم من متأخري الأصحاب، بل لم أقف
فيهم (على) مخالف وإن (تردد) الفاضلان هنا وفي الإرشاد (7)
والشهيدان في الدروس (8) والروضة (9). ولكن لا وجه له، كما عرفته.
ولولا الإجماع المنقول لأمكن القطع بفساد قول الأول، ومعه وإن كان
لا يمكن إلا أن الظن بأظهرية القول المقابل بما قدمناه حاصل، سيما مع
تأيده، بل واعتضاده بمفهوم الحصر في الخبرين المتقدمين، المتضمنين.
لأن عليا (عليه السلام) كان لا يجيز شهادة رجل على رجل إلا شهادة رجلين على
رجل. فتأمل.
هذا، مضافا إلى تأيده بموافقة الشافعي له، ومخالفة أبي حنيفة إياه،
لأغلبية موافقة الأول للشيعة، بخلاف الثاني. فتدبر.
واعلم أنه لا يجوز للفرع التحمل إلا إذا عرف أن عند الأصل شهادة
جازمة بحق ثابت بلا خلاف، لأنه المتبادر، والمعنى الحقيقي للشهادة
على الشهادة.
(وأجلى الألفاظ) التي تتحمل بها هو (أن يقول) له شاهد الأصل
(أشهد على شهادتي أنني أشهد كذا) وأشهدك، أو إذا استشهدت على
شهادتي فقد أذنت لك في أن تشهد، ونحو ذلك، وسموه بالاسترعاء،

(1) القواعد 3: 505.
(2) التحرير 2: 216 س 6.
(3) الإيضاح 4: 448.
(4) غاية المراد: 177 (مخطوط).
(5) المسالك 14: 284.
(6) التنقيح 4: 319.
(7) الإرشاد 2: 165.
(8) الدروس 2: 141، لم يظهر فيها تردد.
(9) انظر الروضة 3: 153.
390

لالتماس شاهد الأصل رعاية شهادته والشهادة بها، ولا خلاف في جواز
التحمل به على الظاهر المصرح به في الكفاية (1) وغيره، بل عليه الإجماع
في الإيضاح (2) والتنقيح (3) والمسالك (4).
وألحق به جماعة أن يسمعه ويسترعي آخر، قالوا: ودونه أن يسمعه
يشهد عند الحاكم وإن لم يسترعه، لأنه لا يتصدى للإقامة عند الحاكم إلا
بعد تحقق الوجوب، ودونه أن يسمعه يبين سبب وجود الحق من ثمن مبيع
أو قرض أو غير ذلك، لأنه بعيد عن التساهل والوعد.
أما لو قال أشهد أن عليه كذا من دون استرعاء ولا ذكر سبب ولا في
مجلس الحكم فلا يجوز شهادة الفرع، لاعتياد التسامح بذلك من غير تحقق
لغرض صحيح أو فاسد، بخلاف ما لو سمعه يقر لآخر فإنه يجوز الشهادة
عليه، لأنه مخبر عن نفسه، ولأنه يعتبر في الشهادة ما لا يعتبر في الإقرار.
والأصل في ترتيب هذه المراتب هو الشيخ في المبسوط (5)، ووافقه
الإسكافي (6) على القبول في صورة الاسترعاء خاصة، وظاهره المنع فيما
عداها، والمتأخرون تبعوا الشيخ، إلا في الجزم بالقبول في المرتبة الثالثة فقد
تردد فيه الفاضلان (7) وغيرهما، وجزموا بالفرق بينها وبين الرابعة، عدا
الماتن في الشرائع (8) فقد استشكله. قيل: لاشتمالهما على الجزم الذي
لا يناسب العدل أن يتسامح به (9).
فالواجب إما القبول فيهما، أو الرد كذلك، لكن الأول بعيد، بل لم يقل به
أحد، فيتعين الثاني.

(1) كفاية الأحكام: 287 س 2.
(2) الإيضاح 4: 445.
(3) التنقيح 4: 319.
(4) المسالك 14: 273.
(5) المبسوط 8: 231.
(6) المختلف 8: 539.
(7) الشرائع 4: 139، القواعد 3: 504.
(8) الشرائع 4: 139، القواعد 3: 504.
(9) المسالك 14: 275.
391

والتحقيق أن يقال: أن هذه المراتب خالية عن النص، كما ذكره الحلي،
مترددا به فيها بعد أن نقلها عن المبسوط (1)، فينبغي الرجوع إلى مقتضى
الأصول، وهو ما قدمناه من اعتبار علم الفرع بشهادة الأصل، من دون فرق
بين الصور المتقدمة، حتى لو فرض عدمه في صورة الاسترعاء، وإن بعد
باحتمال إرادة الأصل منه المزاح ونحوه لم يجز أداء الشهادة على شهادته،
ولو فرض حصوله في الصورة الرابعة التي هي عندهم أدونها جاز، بل وجب.
وبالجملة لا بد من العلم بشهادة الأصل، فحيثما حصل تبع، وحيث لا
فلا.
وإلى هذا يشير كلام الفاضل المقداد في الشرح، حيث قال - بعد أن نقل
من الماتن التردد في المرتبة الثالثة -: والأجود أنه إن حصلت قرينة دالة
على الجزم وعدم التسامح قبلت، وإن حصلت قرينة على خلافه كمزاح أو
خصومة لم تقبل (2).
وأظهر منه كلام المقدس الأردبيلي (رحمه الله)، فإنه قال - بعد ذكر التردد
ووجهه -: والأقوى أنه إن تيقن عدم التسامح صار متحملا، وإلا فلا.
وبالجملة ينبغي العمل بعموم الأدلة، ففي كل موضع يحصل اليقين بشهادة
الأصل مجزوما يقينا بأن الأصل شهد بكذا وليس فيما قاله مسامحة ومماشاة
للفرع أن يشهد بشهادته ويقبل، وإلا فلا خصوصية بعبارة دون اخرى، إلا أن
بعض العبارات أولى وأصرح من البعض. ثم إنه ينبغي أن يأتي الفرع وقت
الشهادة بمثل ما أشهد، فإن كان في المرتبة الأولى يقول أشهدني على شهادة
فلان بن فلان إلى آخره، وفي الثانية يقول: أشهد أن فلانا شهد عند الحاكم

(1) السرائر 2: 129 - 130.
(2) التنقيح 4: 320.
392

بكذا، وفي الثالثة يقول: أشهد أن فلانا شهد على فلان بكذا بسبب كذا (1).
(ولا تقبل شهادة الفرع إلا مع تعذر حضور شاهد الأصل) مجلس
الحكم (لمرض أو غيبة أو موت) أو نحو ذلك مما يمنعه من حضور
المجلس وإن كان حاضرا أو يوجب مشقة لا تتحمل غالبا، على المشهور
بين الأصحاب على الظاهر المصرح به في كلام جماعة حد الاستفاضة، بل
لا يكاد يتحقق فيه خلاف حتى من الخلاف (2) - وإن حكي فيه عن بعض
الأصحاب. وقيل: مال إليه (3) - لدعواه الإجماع على الاشتراط، وعدم
وضوح ميله إلى ما نقله عن البعض إلا من حيث ذكره دليله ساكتا عليه.
ولعل وجهه اكتفاؤه في رده بما قدمه من الإجماع، ولعل البعض الذي
نقل الخلاف عنه هو والد الصدوق، فإنه المخالف في المسألة، كما يستفاد من
جماعة ومنهم الشهيد في النكت (4) والمقدس الأردبيلي (رحمه الله) (5) وصاحب
الكفاية (6). ولكن أنكره الفاضل في المختلف بعد أن حكى النسبة المزبورة
إليه عن الحلي (7). ويحتمل أن يكون هو الإسكافي، كما يظهر من مذهبه
الآتي، وبه صرح في الدروس (8).
وكيف كان لا ريب في ندرته ومخالفته الإجماع الظاهر والمحكي،
المعتضد - زيادة على الأصل - بمفهوم خصوص ما مر من بعض النصوص:
عن شهادة على شهادة الرجل وهو بالحضرة في البلد، قال: نعم ولو كان
خلف سارية إذا كان لا يمكنه أن يقيمها هو لعلة تمنعه أن يحضر ويقيمها.

(1) مجمع الفائدة 12: 478.
(2) الخلاف 6: 314، المسألة 65.
(3) المسالك 14: 277 و 278.
(4) غاية المراد 177 (مخطوط).
(5) مجمع الفائدة 12: 481.
(6) كفاية الأحكام 287: 10.
(7) لم نجد في المختلف مما نسبه إليه عينا ولا أثر، راجع المختلف 8: 513 - 515.
(8) الدروس 2: 141.
393

(ولو شهد الفرع) على شهادة الأصل (فأنكر شاهد الأصل) ما
شهد به (فالمروي العمل بأعدلهما، فإن تساويا أطرح الفرع).
ففي الصحيح المروي في الفقيه: في رجل شهد على شهادة رجل فجاء
الرجل فقال: لم أشهده، فقال: تجوز شهادة أعدلهما، وإن كانت عدالتهما
واحدة لم تجز الشهادة (1). ونحوه غيره في الكافي (2) والتهذيب (3).
وبه أفتى الشيخ في النهاية (4) والقاضي (5) والصدوقان (6) وابن حمزة (7)،
لكن فيما إذا أنكر بعد الحكم، وأما قبله فيطرح الفرع، وقريب منه الفاضل
في المختلف (8).
وحجتهما على هذا التفصيل غير واضحة، عدا الجمع بين ما مر من
الأدلة على اشتراط تعذر حضور الأصل في سماع شهادة الفرع، وهذه
الرواية يحملها على بعد الحكم والسابقة على العكس، ولا شاهد عليه، مع
إطلاق أدلة الطرفين، مع أن ظاهر جماعة من الأصحاب، ومنهم الفاضل (9)
أيضا في جملة من كتبه تقييد الرواية وكلام القائلين بها بعكس ما ذكراه،
معربين عن عدم الخلاف في عدم الالتفات إلى الإنكار بعد الحكم، معللين
بنفوذه فيستصحب، ونسبه المقدس الأردبيلي (رحمه الله) (10) إلى الأصحاب، مؤذنا
بدعوى الإجماع عليه.
فلا إشكال فيه، ولا في فساد ما عليه الإسكافي (11) من عدم الالتفات

(1) الفقيه 3: 70، الحديث 3353.
(2) الكافي 7: 399، الحديث 1، 2.
(3) التهذيب 6: 256، الحديث 74 - 75.
(4) النهاية 2: 57.
(5) المهذب 2: 561.
(6) المقنع: 399.
(7) الوسيلة 234.
(8) المختلف 8: 511 - 513.
(9) المختلف 8: 513، تبصرة المتعلمين 191.
(10) مجمع الفائدة 12: 486.
(11) المختلف 8: 512.
394

إليه مطلقا ولو قبل الحكم، مع أعدلية أحدهما أو تساويهما فيها، لاتفاق
الرواية، وما مر من الأدلة على رده، لمنافاة ما ذكره لمضمون كل منهما.
وإنما الإشكال في العمل بهذه الرواية، وترجيحها على تلك الأدلة في
المسألة، إما بتقييدها بهذه الرواية، أو حملها ككلام الأصحاب العاملين بها
من دون إشكال ولا خلاف معتد به، كما عرفت، على ما ذكره الشهيد في
النكت (1) من أن المراد اشتراط تعذر الأصل في صحة أداء شهادة الفرع
لا في سماعها منه، فإذا أداها والأصل غائب حصل الشرط.
ولا ينافي سماعها منه بعد حضوره مع أعدليته، كما عليه الجماعة،
ودلت عليه الرواية، أو أنه إذا كان الأصل والفرع متفقين فإنه حينئذ
لا يحتاج إلى شهادة الفرع، للاستغناء بالأصل، وزيادة الكلفة بالبحث عن
الجرح والتعديل، أما مع التناكر فيمتنع تناول العبارة.
قال: وبالجملة فهم لم يصرحوا بأن ذلك مناف لشهادة الفرع، بل ظاهر
كلامهم أن سماع شهادة الفرع مشروط بتعذر شاهد الأصل إذا كان يشهد
والمنكر لا يشهد (2).
أو ترجيح تلك الأدلة على هذه الرواية وإن كانت صحيحة، لأن ظاهرها
متروك من حيث اشتمالها على شهادة الرجل الواحد على الواحد، وهو
مخالف للإجماع فتوى ونصا، كما مضى، وهذا مذهب الشيخ في
المبسوط (3) والحلي (4) وابن زهرة (5) والفاضلين (6) وغيرهم. وبالجملة
أكثر المتأخرين، بل المشهور مطلقا، كما في المسالك (7) وغيره، وزاد الأول

(1) غاية المراد 177 س 9 (مخطوط).
(2) غاية المراد 177، س 11 (مخطوط).
(3) المبسوط 8: 232.
(4) السرائر 2: 128.
(5) الغنية 442.
(6) الشرائع 4: 139، الإرشاد 2: 165.
(7) المسالك 14: 278.
395

فنسبه كالشهيد في النكت إلى عامة المتأخرين، معربين عن دعوى إجماعهم
عليه. ولعله أقرب، للشهرة المرجحة للأدلة المتقدمة على هذه الرواية،
سيما مع ما هي عليه من الكثرة، والاعتضاد من أصلها بالشهرة، بل الإجماع،
كما عرفته.
وحيث تعين ترجيحها على الرواية ظهر صحة ما أورده الماتن على
العمل بها بقوله: (وفيه إشكال، لأن قبول الفرع مشروط بعدم شاهد
الأصل) كما عرفته من الأدلة الراجحة.
فينبغي طرح هذه الرواية، أو تخصيصها بما إذا قال الأصل لا أعلم دون
أن يرده بصريح الإنكار، كما ذكره الفاضلان في الشرائع (1) والتحرير (2)
والقواعد (3) وفخر الإسلام في الشرح (4). ولكن لا شاهد لهم على هذا
التخصيص، عدا وجه جمع خال من الدليل، مع إمكانه بغيره.
ومع ذلك فاعترضه عميد الرؤساء بأنه لا يمكن حينئذ العمل بقول
الأعدل إذا كان هو الأصل (5)، لأنه غير شاهد، وزاد الشهيد (رحمه الله)، بأنه غير
منطوق الرواية (6)، لتضمنها قوله: لم أشهده. وفيه نظر.
والصيمري في شرح الشرائع، حيث قال - بعد نقل ما مر من التخصيص
عن الفخر -: وفيه نظر، لأن المشهور بين الأصحاب عدم قبول شهادة الفرع
مع حضور شاهد الأصل وهو أعم من أن يقيم الأصل الشهادة أو يترك
الإقامة، لعدم علمه بها، أو لغير ذلك (7).

(1) الشرائع 4: 139.
(2) التحرير 2: 216، س 5.
(3) القواعد 3: 506.
(4) الإيضاح 4: 450.
(5) كنز الفوائد 3: 563.
(6) غاية المراد: 177 س 21 (مخطوط).
(7) غاية المرام: 191 (مخطوط).
396

(و) اعلم أنه (لا تقبل شهادة على شهادة على شهادة) ومحصله
أن الشهادة الثالثة فصاعدا غير مسموعة (في شئ) حتى في حقوق الناس
وأموالهم، بلا خلاف أجده، بل عليه الإجماع في ظاهر التحرير (1)
والمسالك (2)، وصريح الغنية (3)، والمحكي (4) عن الماتن والمقدس
الأردبيلي (رحمه الله) (5) وغيرهم. وهو الحجة; مضافا إلى الأصل، واختصاص ما دل
على قبول الشهادة على الشهادة بالثانية دون ما زاد، وخصوص الخبر
المنجبر بالعمل: ولا تجوز شهادة على شهادة على شهادة (6).
* * *

(1) التحرير 2: 211 س 22.
(2) المسالك 14: 239.
(3) الغنية: 442.
(4) المسالك 14: 239.
(5) مجمع الفائدة 12: 475.
(6) الوسائل 18: 298، الباب 44 من أبواب الشهادات، الحديث 6.
397

(الرابع في اللواحق)
(وفيه مسائل) ست:
(الأولى: إذا رجع الشاهدان) أو أحدهما (قبل القضاء) بشهادتهما
(لم يحكم) بلا خلاف على الظاهر المصرح به في المبسوط (1) وكثير من
العبائر. وهو الحجة; مضافا إلى المرسل الآتي، والأصل، مع اختصاص ما دل
على وجوب الحكم بالبينة من الفتوى والرواية بحكم التبادر بصوره عدم
الرجوع بلا شبهة، مع أنه لا يدري أنهم صدقوا أولا أو آخرا، فلا يبقى ظن
الصدق بهما، ولم يحصل حكم يكون نقضه ممتنعا.
(ولو رجعا بعد القضاء لم ينقض الحكم وضمن الشهود) ما غرمه
المشهود عليه، بلا خلاف مع استيفائه وتلفه على الظاهر المصرح به في كثير
من العبائر، بل عليه الإجماع في التحرير (2) والقواعد (3). وهو الحجة; مضافا
إلى مرسلة جميل - كالصحيحة به وبابن أبي عمير الراوي عنه، فإنهما ممن
أجمع على تصحيح ما يصح عنه العصابة -: في الشهود إذا شهدوا على رجل

(1) المبسوط 8: 246.
(2) التحرير 2: 216 س 11، لم يذكر الإجماع فيه.
(3) القواعد 3: 512.
398

ثم رجعوا عن شهادتهم، وقد قضى على الرجل ضمنوا ما شهدوا به وغرموه،
وإن لم يكن قضى طرحت شهادتهم ولم يغرموا الشهود شيئا (1). وفي النبوي
الخاصي: من شهد عندنا بشهادة ثم غيرها أخذنا بالأولى وطرحنا
الأخرى (2).
وكذا مع بقائه مطلقا استوفى أم لا على الأشهر الأقوى، بل عليه عامة
متأخري أصحابنا، بل وقدمائهم أيضا، كما يفهم من المبسوط، لكن في
صورة الاستيفاء خاصة، فإنه قال: وإن رجعوا بعد الحكم وبعد الاستيفاء
لم ينقض حكمه بلا خلاف، إلا من سعيد بن المسيب والأوزاعي، فإنهما
قالا ينقض (3).
وعبارته - كما ترى - عامة لصورتي بقاء العين وتلفها، وفي السرائر (4)
الإجماع عليه أيضا. وهو الحجة; مضافا إلى إطلاق المرسل وما بعده،
المؤيد بعد الشهرة وحكاية الإجماع ونفي الخلاف المتقدمة بما ذكره
الجماعة من الأدلة، من نفوذ الحكم بالاجتهاد، فلا ينقض بالاحتمال، وأن
الشهادة إقرار، والرجوع إنكار، والإنكار بعد الإقرار غير مسموع، وأن
الشهادة أثبت الحق، فلا يزول بالطارئ كالفسق والموت.
(و) منه يظهر ضعف ما اختاره الشيخ (في النهاية) (5) والقاضي (6)
وابن حمزة (7) من أنه (إن كانت العين) المحكوم بها للمشهود له (قائمة)
عنده (ارتجعت) منه (ولم يغرما) شيئا (وإن كانت تالفة ضمن

(1) الوسائل 18: 238، الباب 10 - 11 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 4.
(2) الوسائل 18: 238، الباب 10 - 11 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 4.
(3) المبسوط 8: 246.
(4) السرائر 2: 148.
(5) النهاية 2: 66.
(6) المهذب 2: 564.
(7) الوسيلة: 234.
399

الشهود) مثلها أو قيمتها للمشهود عليه. ومع ذلك حجتهم عليه غير
واضحة، عدا ما استدل لهم جماعة، من أن الحق ثبت بشهادتهما فإذا رجعا
سقط، كما لو كان قصاصا.
وهو كما ترى، لما فيه من إعادة المدعى، والقياس المتضمن فارقا، فإن
القصاص يسقط بالشبهة، بخلاف الحق المالي، مع أنه جار فيما إذا استوفى
العين وتلفت ولم يقولوا فيه بما هنا، بل التزموا بالحكم ثمة. فتأمل جدا.
وأما ما في الكفاية (1) من الاستدلال لهم بالصحيح في شاهد الزور قال:
إن كان الشئ قائما بعينه رد على صاحبه، وإن لم يكن قائما ضمن بقدر ما
تلف من مال الرجل (2) فضعيف في الغاية، بل هو غفلة واضحة، لوضوح
الفرق بين شهادة الزور والرجوع عن الشهادة، لأعميته عن الأول بلا شبهة.
فيحتمل اختصاصه بما في الصحيحة دون الرجوع عن الشهادة، ويكون
الحكم فيه ما ذكره الجماعة. ولا بعد في الاختصاص بعد ورود النص
الصحيح به، وإطباق الفتاوى عليه، كما يأتي. ووضوح ما ذكرناه من الفرق،
فإن الرجوع لم يثبت منه كون الشهادة الأولى على الزور ليترتب عليه ما في
الصحيح المزبور، لما مر من التردد بين صدق الأولى والثانية، ومعه لا يقطع
بكون الأولى على الزور.
وبالجملة ما في الصحيح من الحكم برد العين مع بقائها وضمان الشهود
لها مع تلفها معلق على شاهد الزور، وهو فرع العلم به للحاكم بنحو من
الشياع وغيره، ولا يحصل بالرجوع ونحوه.
وبذلك صرح الأصحاب ومنهم الشهيدان وغيرهما، حيث قالوا - بعد

(1) كفاية الأحكام 288 س 27.
(2) الوسائل 18: 239، الباب 11 من أبواب الشهادات، الحديث 2.
400

الحكم بما في الصحيح الوارد في شاهد الزور -: وإنما يثبت التزوير بقاطع
كعلم الحاكم، لا بشهادة غيرهما ولا بإقرارهما، لأنه رجوع (1). وهذا القول
صريح في الفرق الذي ذكرناه.
وأصرح منه ما ذكره الفاضل في المختلف، حيث قال - بعد أن نقل عن
الإسكافي قوله: بأنه إذا علم الحاكم ببطلان الشهادة فإن كان الشئ الذي
حكم به قائما رد على صاحبه إلى آخر ما في الصحيح - ما لفظه: وهذا
الكلام حق، لأن العلم ببطلان الشهادة غير الرجوع، لجواز أن يكون الرجوع
باطلا (2)، انتهى.
وبالجملة لا ريب في كون ما ذكره غفلة وضعيفا في الغاية.
وأضعف منه ترجيحه لهذا القول بعد استدلاله المتقدم إليه الإشارة، وذلك
فإنه بعد تسليم ارتباط الصحيحة بمورد المسألة لا يمكن المصير إليها
بمجرد الصحة لرجحان ما قدمناه من المرسلة وغيرها عليها من وجوه
عديدة، ومنها اعتضادها دون الصحيحة بالشهرة العظيمة، التي كادت تكون
إجماعا، بل إجماع في الحقيقة، كما عرفت حكايته في كلام جماعة، مضافا
إلى الأدلة الأخر المتقدمة، مع رجوع الشيخ عما في النهاية في المبسوط
والخلاف إلى ما عليه الجماعة، فلم يبق إلا القاضي وابن حمزة وهما نادران،
بالإضافة إلى باقي الأصحاب بلا شبهة.
فلا ريب فيما ذكره الأصحاب في المسألة بحمد الله سبحانه.
ويستفاد من عبارة المبسوط المتقدمة وقوع الخلاف في الحكم إذا كان
الرجوع قبل الاستيفاء، وهو لازم للنهاية ومن تبعه، وصرح به ابن حمزة

(1) الدروس 2: 145، المسالك 14: 304.
(2) المختلف 8: 529.
401

في الوسيلة، وبه أفتى بعض متأخري متأخري (1) الطائفة، مع ميله إلى ما
ذكره الأصحاب، أو تردده فيه من عدم نقض الحكم بالرجوع بعد الاستيفاء.
ومحصله الفرق بين الرجوع قبل الاستيفاء فينقض الحكم جزما، وعدمه
فلا ينقض كذلك، أو احتمالا. وهو ضعيف جدا، ولذا لم يحكم به أحد من
الأصحاب القائلين بعدم النقض، مع الرجوع بعد الحكم، بل صرحوا بالعدم،
لإطلاق الأدلة، بل عمومها. ومع ذلك مستند البعض غير واضح.
وحجة النهاية على تقدير تسليمها لا تدل على التفصيل الذي ذكره جدا،
وهو لا يقول بإطلاقها.
(الثانية: إذا ثبت أنهما شاهدا زور) وكذب (نقض الحكم واستعيدت
العين مع بقائها ومع تلفها أو تعذر) ارتجاعها (يضمن الشهود) بغير
خلاف ظاهر مصرح به في السرائر (2). وهو الحجة; مضافا إلى الصحيح
المتقدم، ونحوها صحيحة اخرى (3). وعللوه أيضا بتبين اختلال شرط
الشهادة، كما لو تبين فسقهما قبل الحكم، وأولى بالبطلان هنا، وقد مر بعض
ما يتعلق بالمقام سابقا.
(الثالثة): ما ذكر في المسألة الأولى من عدم الحكم مع الرجوع قبله لا
يختص بالمال وإن كان موردها، بل جار في جميع الحقوق، فإن كان نحو
الزنا جرى على الراجع حكم القذف، فيجب عليه الحد إن كان موجبا له
أو التعزير إن أوجبه. هذا إن اعترف بالافتراء والتعمد.
وإن قال: توهمت أو اشتبه علي الأمر ففي وجوب الحد عليه وجهان.
وإن رجع الشاهد بعد القضاء وقبل الاستيفاء والعمل بمقتضى الشهادة

(1) كفاية الأحكام: 288 س 28.
(2) لم نعثر عليه.
(3) الوسائل 18: 239، الباب 11 من أبواب الشهادات، الحديث 3.
402

في مثل القتل أو الحد أو التعزير نقض الحكم مطلقا سواء كان المشهود به حقا
لله تعالى مثل الزنا، أو لآدمي مثل القطع في السرقة والحد في القذف بالزنا.
و (لو كان المشهود به قتلا أو رجما أو قطعا فاستوفي) بمقتضى
الشهادة (ثم رجع الشهود).
(فإن قالوا) جميعا: (تعمدنا اقتص) الولي (منهم) جميعا (أو من
بعضهم) أو أخذ الدية في موضع لا يقتص فيه من المتعمد إن شاء (ويرد)
هو تمام ما فضل عن جناية صاحبه على ورثة المقتص منهم إن كانوا جميع
الشهود، وإلا فعلى (البعض) الباقين أن يردوا على ورثة المقتص منه بقدر
(ما وجب عليهم) من الجناية (ويتمم الولي إن بقي عليه شئ) كما إذا
اقتص من أكثر من واحد وإن قتل واحدا لا يجب عليه الإتمام، لحصوله برد
الباقين.
(ولو قالوا) جميعا: (أخطأنا لزمهم الدية).
(ولو) اختلفوا في الوصف، ف‍ (- قال بعضهم: أخطأنا لزمه نصيبه من
الدية ولم يمض إقراره على غيره) مطلقا، بلا خلاف في شئ من ذلك، بل
الجميع مقطوع به في كلامهم، كما في الكفاية (1)، مؤذنا بدعوى الإجماع.
والأصل فيه بعده حديث إقرار العقلاء على أنفسهم جائز (2)، وما سيأتي
من الأدلة إن شاء الله تعالى فيما بعد على باقي التفاصيل المزبورة.
وفي رواية أربعة شهدوا على رجل بالزنا فرجم ثم رجع أحدهم وقال:
شككت، قال: عليه الدية، فإن قال: شهدت متعمدا يقتل (3).

(1) كفاية الأحكام 288 س 4.
(2) الوسائل 16: 111، الباب 3 من كتاب الإقرار، الحديث 2.
(3) الوسائل 18: 240، الباب 12 من أبواب الشهادات، الحديث 3.
403

وظاهرها وإن أوهم وجوب تمام الدية على المعترف بالخطأ، إلا أن
ظاهر الأصحاب وجوب نصيبه منها خاصة دون تمامها.
ووجهه واضح، لعدم كونه تمام السبب في الرجم، بل جزءه، فيصيبه من
الدية بحسابه ويشهد له أيضا تتبع كثير من النصوص الآتي جملة منها،
مضافا إلى رواية اخرى، وفيها: ثم رجع أحدهم، قال: يغرم ربع الدية (1).
وبالجملة لا إشكال ولا خلاف في شئ من ذلك (و) لا في أنه
(لو قال) بعضهم: (تعمدت رد عليه الولي ما يفضل) عن دية صاحبه
(ويقتص منه إن شاء) وليس على باقي الشهود شئ إذا لم يرجعوا وكان
شهادتهم في غير الرجم، عملا منهم بالأصل الآتي، مع سلامته هنا عن
المعارض من النص والفتوى، لاختصاصهما بشهود الرجم خاصة، ولذا
فرض الأصحاب الخلاف فيه خاصة، فقالوا - بعد أن ذكروا الحكم الموافق
للأصل في غير شهود الرجم -: وفي شهوده أيضا إذا صدق المتعمد الباقون
من غير نقل خلاف، أما لو لم يصدقوه لم يمض إقراره إلا على نفسه حسب.
(و) قال الشيخ (في النهاية): يقتل و (يرد الباقون من شهود الزنا
ثلاثة أرباع الدية) (2) إلى المقتص منه.
أقول: وفي قول الماتن من شهود الزنا تلويح إلى اختصاص خلاف
النهاية به، كما قدمناه، ويشير إليه أيضا ما عرفت من اختصاص مستنده به،
وهو الصحيح: عن أربعة شهدوا على رجل بالزنا فلما قتل رجع أحدهم،
قال: فقال: يقتل الراجع ويؤدي الثلاثة إلى أهله ثلاثة أرباع الدية (3).

(1) الوسائل 19: 97، الباب 64 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1.
(2) النهاية 2: 64.
(3) الوسائل 18: 240، الباب 12 من أبواب الشهادات، الحديث 2.
404

ومما ذكرنا ظهر أن إعادة الأصحاب ذكر الحكم في خصوص شهود
الرجم بعد استفادته من عموم حكمهم السابق إنما هو للتنبيه على ما مر من
اختصاص الخلاف به، فليس تكرارها خاليا عن الفائدة، كما ربما يفهم من
بعض الأجلة.
(و) كيف كان فينبغي تحقيق القول في العمل بهذه (الرواية) فنقول:
إنها وإن كانت (صحيحة السند) وحكي العمل بها أيضا عن الإسكافي (1)
والقاضي (2) (غير أن فيها) ما يخالف الأصول، لتضمنها (تسلطا على
الأموال المعصومة بقول واحد) وإقراره، وتخصيصها بها وإن كان ممكنا
إلا أنه فرع التكافؤ بينهما، وهو مفقود جدا، لندرة العامل بالرواية،
وإطباق باقي الأصحاب، ولا سيما المتأخرين منهم على إطراحها، والعمل
بالأصول.
فلتكن مطرحة، أو محمولة هي ككلام العاملين بها، على ما ذكره الفاضل
في المختلف (3) وغيره على ما إذا رجعوا جميعا وقال أحدهم: تعمدت وقال
الباقون: أخطأنا.
(الرابعة: لو شهدا بطلاق امرأة فتزوجت ثم رجعا) أو أحدهما قال
الشيخ في النهاية (4) (ضمنا) أو أحدهما (المهر) كلا أو بعضا للثاني
(وردت إلى الأول بعد الاعتداد من الثاني) وتبعه القاضي (5).
استنادا إلى الصحيح: في رجلين شهدا على رجل غائب عن امرأته أنه
طلقها فاعتدت المرأة وتزوجت ثم إن الزوج الغائب قدم فزعم أنه لم يطلقها

(1) المختلف 8: 525.
(2) المهذب 2: 563.
(3) المختلف 8: 525.
(4) النهاية 2: 65.
(5) المهذب 2: 563.
405

وأكذب نفسه أحد الشاهدين، قال: لا سبيل للأخير عليها، ويؤخذ الصداق
من الذي شهد ورجع، ويرد على الأخير، ويفرق بينهما، وتعتد من الأخير،
ولا يقربها الأول حتى تنقضي عدتها (1).
(و) ينبغي أن (يحمل) إطلاق (هذه الرواية على أنها نكحت بسماع
الشهادة لا مع حكم الحاكم، و) ذلك لما مر من الأدلة القاهرة على أنه
(لو حكم) بشهادة الشاهدين المقبولين (لم يقبل الرجوع) عنها.
ويستفاد من جماعة أن المراد بالرواية المشار إليها في العبارة وهي
الموثقة: في شاهدين شهدا على امرأة بأن زوجها طلقها فتزوجت ثم جاء
زوجها فأنكر الطلاق، فقال: يضربان الحد، ويضمنان الصداق للزوج، ثم
تعتد، ثم ترجع إلى زوجها الأول (2).
وفيه نظر، إذ ليس فيها رجوع الشاهدين أو أحدهما، كما هو مورد
العبارة وفتوى النهاية، بل فيها مجرد إنكار الزوج خاصة. وليس سببا للحكم
الذي في الرواية اتفاقا. فهي شاذة، لا عامل بها. فكيف تكون هي المراد من
الرواية في العبارة؟!
اللهم إلا أن تحمل على ما حملها عليه الشيخ في الاستبصار من أنه لما
أنكر الزوج الطلاق رجع أحد الشاهدين عن الشهادة، فحينئذ وجب عليهما
ما تضمنه الخبر، قال: فلو لم يرجع واحد منهما لم يلتفت إلى إنكار الزوج،
إلا أن تكون المرأة بعد في العدة فإنه يكون إنكاره الطلاق مراجعة (3)،
واستشهد عليه بالصحيحة المتقدمة.

(1) الوسائل 18: 242، الباب 13 من أبواب الشهادات، الحديث 3.
(2) الوسائل 18: 241، الباب 13 من أبواب الشهادات، الحديث 1.
(3) الاستبصار 3: 38 ذيل الحديث 1.
406

وظاهره هنا الموافقة لما ذكره في النهاية، حيث لم يحمل الروايتين على
التزويج قبل الحكم. وهو مشكل، لما عرفت من مخالفتهما الأصول
المتقدمة، مضافا إلى قصور سند الثانية وتضمنها كالأولى حد الشاهدين، مع
أنه لا حد هنا، بل ولا تعزير إن أبديا عذرا يكون مسموعا، مع أنه (رحمه الله) رجع
عما اختاره في النهاية إلى مقتضى الأصول في الخلاف (1) والمبسوط (2)،
ووافقه الحلي (3) وعامة المتأخرين، عدا الشهيد في اللمعة (4)، حيث اقتصر
على نقل القولين من دون ترجيح، معربا عن التردد بينهما، ولعله كما في
شرحها لمعارضة الرواية المعتبرة (5).
والمناقشة فيه واضحة، إذ المعارضة بمجردها غير كافية في التردد
إلا بعد حصول التكافؤ، المفقود في هذه الرواية، لما عرفت من شذوذها
برجوع الشيخ عنها، فلم يبق إلا القاضي. ولا يقدح خروجه في الإجماع
على خلافها، مع مخالفتها الأصول من وجوه أخر عرفتها. وإن أمكن الذب
عنها بما مضى، مع عدم صراحتها واحتمالها التخصيص الذي قدمناه.
ثم على المختار هل يغرمان الصداق برجوعهما؟ ينظر فإن كان قبل
الدخول غرما نصف المهر المسمى، وإن كان بعده لم يغرما شيئا، كما قاله
الشيخ في المبسوط (6) والخلاف (7) والحلي (8) وعامة متأخري الأصحاب،
وظاهر الأول في المبسوط دعوى إجماعنا على الحكم في الشق الأول.
وهو الحجة فيه; مضافا إلى ما ذكروه فيه من إتلافهما عليه نصف المهر اللازم
بالطلاق فيضمنانه.

(1) الخلاف 6: 322 المسألة 77.
(2) المبسوط 8: 247.
(3) السرائر 2: 145.
(4) اللمعة 97.
(5) الروضة 157.
(6) المبسوط 8: 247.
(7) الخلاف 6: 322، المسألة 77 - 78.
(8) السرائر 2: 145.
407

وفي الثاني من أصالة البراءة، وعدم تحقق إتلاف، لاستقرار تمام المهر
بالدخول، والبضع لا يضمن بالتفويت على المشهور، بل الكل كما يظهر
بالتتبع. قالوا: ومن ثم لو قتلها قاتل أو قتلت نفسها لم يضمن القاتل، ولو
غصب أمة وماتت في يده فإنه يضمن بذلك قيمتها وقيمة منافعها وإن لم
يستوفها دون بضعها مع عدم استيفائه.
وأما ما يتخيل وروده على تعليلهم في الشق الأول من لزوم النصف
بمجرد العقد فليس يتضمن الشهادة إتلافه، للزومه على أي تقدير، فلا وجه
لغرمها له، فضعيف في الغاية. يظهر وجهه بالتدبر فيما ذكره الأصحاب في
سياق التعليل، ليكون كالجواب له، وهو أنهما ألزماه للزوج بشهادتهما
وقرراه عليه، وكان بمعرض السقوط بالردة والفسخ من قبلها. فكأنه لم يكن
لازما ولزم بإقرارهما.
وأجاب بهذا صريحا الفاضل في التحرير (1) بعد أن استشكل بالخيال
المتقدم فيما مر من التعليل.
وهنا أقوال أخر غير واضحة المأخذ، مع ابتناء بعضها على ضمان البضع
بالتفويت. وقد عرفت ما فيه.
واعلم أنهم أطلقوا الحكم في الطلاق من غير فرق بين البائن والرجعي.
ووجهه حصول السبب المزيل للنكاح في الجملة، خصوصا بعد انقضاء عدة
الرجعي فالتفويت حاصل على التقديرين.
ولو قيل: بالفرق واختصاص الحكم بالبائن كان حسنا، وفاقا لشيخنا
في الروضة، قال: فلو شهدا بالرجعي لم يضمنا، إذ لم يفوتا شيئا لقدرته
على إزالة السبب بالرجعة، ولو لم يراجع حتى انقضت المدة احتمل إلحاقه

(1) التحرير 2: 217 س 5.
408

بالبائن والغرم وعدمه، لتقصيره بترك الرجعة (1)، انتهى.
ويظهر من تعليله العدم بالتقصير اختصاص احتماله بصورة تقصيره، فلو
فرض عدمه بجهله بالحال أو عذر لا يصدق معه تقصيره تعين الاحتمال
الأول، وهو الإلحاق بالبائن، لصدق التفويت حينئذ.
وحينئذ فلو زاد بعد قوله: فلو شهدا بالرجعي قوله: مع علم الزوج بالحال
وتمكنه من الرجوع كان أجود. وإن كان يمكن استفادته من سياق عبارته.
ويجب تقييد الحكم في الطلاق مطلقا بعدم عروض وجه مزيل للنكاح،
فلو شهدا به ففرق فرجعا فقامت بينة أنه كان بينهما رضاع محرم مثلا
فلا غرم إذ لا تفويت أصلا.
(الخامسة: لو شهد اثنان على رجل بسرقة فقطع) يده (ثم) رجعا،
فإن (قالا: أوهمنا) غرما دية اليد، وإن قالا: تعمدنا فللولي قطعهما ورد دية
عليهما، أو قطع يد واحدة ويرد الآخر نصف دية اليد على المقطوع منه،
بلا خلاف. ويعلم وجهه مما سبق.
وإنما خص هذا بالذكر لبيان مسألة اخرى (و) هي أنهما لو قالا
أوهمنا وأتيا بآخر قائلين إن (السارق غيره) مشيرين إليه (أغرما دية يد
الأول، ولم يقبلا على الأخير) كما هنا وفي السرائر (2) والقواعد (3)
والتحرير (4) قالوا: (لما يتضمن) وهمهما ذلك (من عدم الضبط)
المشترط في قبول شهادة العدل.
أقول: والأجود الاستدلال عليه بالنصوص:
منها الصحيح: في رجل شهد عليه رجلان بأنه سرق فقطع يده حتى

(1) الروضة 3: 158.
(2) السرائر 2: 150.
(3) القواعد 3: 510.
(4) التحرير 2: 218 س 9.
409

إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجل آخر فقالا: هذا السارق وليس الذي
قطعت يده إنما شبهنا ذلك بهذا، فقضى عليهما: أن غرمهما نصف الدية ولم
يجز شهادتهما على الآخر (1).
ونحوه (2) القوي بالسكوني وصاحبه، ومر في المرسل: من شهد عندنا
بشهادة ثم غيرها أخذنا بالأولى، وطرحنا الثانية (3). فتدبر.
(السادسة: يجب أن يشهر شاهد الزور) في بلدهم وما حولها لتجنب
شهادتهم ويرتدع غيرهم (وتعزيره بما يراه الإمام) والحاكم (حسما
للجرأة) لرواية سماعة المروية في الفقيه (4) والتهذيب (5) وغيرهما بعدة
طرق معتبرة:
وفيها الموثق (6) والقوي (7) وغيرهما (8): أن شهود الزور يجلدون حدا،
وليس له وقت ذلك إلى الإمام ويطاف بهم حتى يعرفوا. وزيد في بعضها
ولا يعودوا قال: قلت: فإن تابوا وأصلحوا تقبل شهادتهم بعد؟ قال: إذا تابوا
تاب الله عليهم وقبلت شهادتهم بعد (9). وفي بعضها قوله: وتلي قوله تعالى:
«ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا»، قلت: بم
تعرف توبته؟ قال: يكذب نفسه على رؤوس الأشهاد حيث يضرب ويستغفر
ربه عز وجل، فإذا هو فعل ذلك فثم ظهر توبته (10).
ونحوها غيرها وفي الموثق وغيره: أن عليا (عليه السلام) كان إذا أخذ شاهد زور

(1) الوسائل 18: 243 - 245، الباب 14 - 15 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 3، 4 - 1، 2.
(2) الوسائل 18: 243 - 245، الباب 14 - 15 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 3، 4 - 1، 2.
(3) الوسائل 18: 243 - 245، الباب 14 - 15 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 3، 4 - 1، 2.
(4) الفقيه 3: 59، الحديث 3332.
(5) التهذيب 6: 263، الحديث 104.
(6) الوسائل 18: 584، الباب 11 من أبواب بقية الحدود، الحديث 1، 2.
(7) الوسائل 18: 244، الباب 15 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 2، 3.
(8) الكافي 7: 243، الحديث 16.
(9) الوسائل 18: 244، الباب 15 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 2، 3.
(10) الوسائل 18: 244، الباب 15 من أبواب الشهادات، الحديث 1، 2، 3.
410

فإن كان غريبا بعث به إلى حيه، وإن كان سوقيا بعث له إلى سوقه فطيف به
ثم يحبسه أياما ثم يخلى سبيله (1).
ولا خلاف في شئ من ذلك على الظاهر [المصرح به] (2) حتى من
الحلي، الغير العامل بأخبار الآحاد، وذكر أن الإشهار هو أن ينادى في
محلتهم ومجتمعهم وسوقهم فلان وفلان شهدا زورا، ولا يجوز أن يشهرا بأن
يركبا حمارا ويحلق رؤوسهما، ولا أن ينادياهما على نفسهما، ولا يمثل
بهما (3).
واعلم أنه ليس كذلك الحكم فيمن تبين غلطه أو ردت شهادته لمعارضة
بينة اخرى أو ظهور فسق بغير الزور أو تهمة، لعدم صدق الزور المترتب
عليه الحكم في شئ من ذلك، مع إمكان كونه صادقا في نفس الأمر، فلم
يحصل بالشهادة منه أمر زائد.
* * *

(1) الوسائل 18: 244، الباب 15 من أبواب الشهادات، الحديث 3.
(2) لم يرد في المطبوع.
(3) السرائر 2: 150.
411

رياض المسائل
كتاب الحدود
413

(كتاب الحدود)
جمع حد، وهو لغة المنع، وشرعا عقوبة خاصة تتعلق بإيلام بدن
المكلف بواسطة تلبسه بمعصية خاصة، عين الشارع كميتها في جميع أفراده.
ووجه مناسبة التسمية أن العقوبة مانعة من المعاودة، وإذا لم تقدر العقوبة
يسمى تعزيرا، وهو لغة التأديب. والأصل فيهما الكتاب، والسنة، وإجماع
الأمة. وتفاصيله في الآيات والأخبار لكثرة أفراده كثيرة.
(وفيه) أي في الكتاب (فصول) سبعة:
(الأول في حد الزنا)
وهو مما أجمع على تحريمه أهل الملل حفظا للنسب، وهو من الأصول
الخمسة التي يجب تقريرها في كل شريعة. وهو من الكبائر، كما مر في
كتاب الشهادة.
(والنظر في) هذا الفصل يقع في أمور ثلاثة: (الموجب، والحد،
واللواحق).
(أما) الزنا (الموجب) للحد (فهو إيلاج الإنسان) وإدخاله (فرجه)
وذكره الأصلي (في فرج امرأة) محرمة عليه أصالة (من غير عقد) نكاح
415

ولو متعة بينهما (ولا ملك) من الفاعل للقابل (ولا شبهة) دارئة.
وضابطها: ما أوجب ظن الإباحة بلا خلاف أجده، وبه صرح في
الغنية (1)، ولعله المفهوم منه عرفا ولغة.
وإطلاق العبارة وإن شمل غير المكلف إلا أنه خارج بما زدناه من قيد
التحريم.
مع احتمال أن يقال: إن التكليف من شرائط ثبوت الحد بالزنا، لا أنه
جزء من مفهومه فلا يحتاج إلى ازدياد التحريم من هذا الوجه وإن احتيج
إليه، لتحقيق معنى الزنا، لعدم تحققه عرفا ولغة إلا به، وإلا فدخول المجنون
بامرأته مثلا لا يعد فيهما زنا ما لم تكن المدخول بها محرمة عليه أصالة.
وقولنا في التعريف أصالة يخرج المحرمة عليه بالعرض بنحو من
الحيض وشبهه بعد حليته عليه بأحد الأمور الثلاثة فإنه لا يعد زنا لغة ولا
عرفا ولا شرعا، ولذا لا يجب عليه حده إجماعا.
(ويتحقق) الدخول الموجب (بغيبوبة الحشفة) أو قدرها من الذكر
(قبلا أو دبرا) بلا خلاف أجده وبه صرح الحلي في شمول الفرج للقبل
والدبر (2)، لإطلاق الأدلة فتوى ورواية.
ففي الصحيح وغيره: إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم (3). فتأمل.
والأصل في تحريم الزنا وثبوت الحد به - بعد إجماع الأمة - الكتاب
والسنة المستفيضة، بل المتواترة، الآتي إليها الإشارة في تضاعيف الأبحاث
الآتية.
(ويشترط في ثبوت الحد) به على كل من الزانية والزاني (البلوغ)

(1) الغنية 421.
(2) السرائر 3: 428.
(3) الوسائل 15: 66، الباب 54 من أبواب المهور، الحديث 9.
416

وكمال (العقل والعلم بالتحريم، والاختيار) بلا خلاف، إلا في الثاني، فقد
وقع الخلاف فيه، كما سيأتي. ولعله لهذا لم يذكره الماتن وأكثر الأصحاب،
اقتصارا منهم على المتفق عليه.
فلا حد على الصغير والمكرهة إجماعا، لحديث رفع القلم (1)، وما يأتي
من النص في المجنون، وللنصوص المستفيضة:
منها الخبر: ليس على المستكرهة شئ إذا قالت استكرهت (2).
ولا على المكره على الأشهر الأظهر، بناء على تحقق الإكراه فيه. خلافا
للمحكي عن الغنية (3)، واحتمله في القواعد (4) وغيره، لعدم تحققه فيه، لعدم
انتشار الآلة إلا عن الشهوة المنافية للخوف.
وفيه أن التخويف بترك الفعل والفعل لا يخاف منه فلا يمنع الانتشار.
ولا على الجاهل بتحريم الوطء حينه ولو كان مكلفا (فلو تزوج
محرمة) عليه (كالأم) أو المرضعة (أو المحصنة) ذات البعل (سقط الحد
مع الجهالة بالتحريم) للمعتبرة المستفيضة:
منها الصحيح: لو وجدت رجلا كان من العجم أقر بجملة الإسلام لم يأته
شئ من التفسير زنا أو سرق أو شرب خمرا لم أقم عليه الحد إذا جهله، إلا
أن يقوم عليه بينة أنه قد أقر بذلك وعرفه (5). ونحوه الصحيحان (6) والمرسل
القريب منهما سندا بجميل وابن أبي عمير (7)، المجمع على تصحيح ما يصح
عنهما، وغيرهما.
(ويثبت مع العلم) به إلا مع الشبهة الدارئة.

(1) الوسائل 11: 295، الباب 56 من أبواب جهاد النفس، الحديث 1.
(2) الوسائل 18: 383، الباب 18 من أبواب حد الزنا، الحديث 6.
(3) راجع الغنية 421.
(4) القواعد 3: 522.
(5) الوسائل 18: 324، الباب 14 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3، 1، 2، 4.
(6) الوسائل 18: 324، الباب 14 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3، 1، 2، 4.
(7) الوسائل 18: 324، الباب 14 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3، 1، 2، 4.
417

(ولا يكون العقد بمجرده) من غير توهم صحته (شبهة) تنفع (في
السقوط) بلا خلاف عندنا، بل في ظاهر التنقيح (1) وغيره أن عليه إجماعنا.
وهو الحجة; مضافا إلى عدم صدق الشبهة بذلك بلا شبهة. خلافا لأبي حنيفة.
نعم لو حصلت معه شبهة أسقطته هي دونه، كما لو انفردت عنه، ولو
اختصت بأحدهما اختص بالسقوط، كما يأتي.
(فلو تشبهت الأجنبية) على الرجل (بالزوجة) ونحوها ممن تحل
له (فعليها الحد) إجماعا (دون واطئها) على الأشهر الأقوى، بل عليه
عامة متأخري أصحابنا، بل ظاهر العبارة هنا وفي الشرائع (2) والتحرير (3)
وغيرهما الإجماع عليه، لأصالة البراءة والشبهة الدارئة.
(وفي رواية) ضعيفة (4) بالإرسال وعدة من الجهلة: أنه (يقام عليها
الحد جهرا وعليه سرا. وهي) مع ضعفها (متروكة) لا عامل بها، عدا
القاضي (5)، وهو شاذ، فلتطرح، أو تحمل على ما حكى في الوسائل من أكثر
الأصحاب من شك الرجل وظنه وتفريطه في التأمل.
وأنه حينئذ يعزر، لما ورد في تزويج امرأة لها زوج وغير ذلك (6)،
ويعضده رواية المفيد لها في المقنعة بزيادة: فوطئها من غير تحرز، أو على
أنه (عليه السلام) أراد إيهام الحاضرين الأمر بإقامة الحد على الرجل سرا، أو لم يقم
عليه الحد استصلاحا وحسما للمادة لئلا يتخذ الجاهل الشبهة عذرا (7)،

(1) التنقيح 4: 329.
(2) الشرائع 4: 150.
(3) التحرير 2: 219 س 34.
(4) الوسائل 18: 409، الباب 38 من أبواب حد الزنا، الحديث 1.
(5) المهذب 2: 524.
(6) الوسائل 18: 395، الباب 27، من أبواب حد الزنا، الحديث 7.
(7) المقنعة: 784.
418

كما حكي عن بعض فقهائنا في نكت النهاية (1).
(ولو وطئ المجنون) امرأة (عاقلة ففي وجوب الحد) عليه (تردد)
من ورود النص به. ففي الخبر: إذا زنى المجنون أو المعتوه جلد الحد وإن
كان محصنا رجم، قلت: وما الفرق بين المجنون والمجنونة والمعتوه
والمعتوهة؟ فقال: المرأة إنما تؤتى والرجل يأتي وإنما يزني إذا عقل كيف
يأتي اللذة، وأن المرأة إنما تستكره ويفعل بها وهي لا تعقل ما يفعل بها (2).
وقصور السند مجبور بنسبة الشيخ في المبسوط (3) روايته إلى الأصحاب
كافة، مشعرا بدعوى إجماعهم عليه ولذا (أوجبه الشيخان) (4) والصدوق (5)
والقاضي (6).
ومن التأمل في الجابر، لضعف الخبر لوهنه بندرة القائل به، مع أن الناقل
له ذكر قبل النسبة ما يشعر بالإجماع على العدم، كما هو ظاهر السرائر (7)
وصريح الغنية (8)، وبالعدم صرح في الخلاف مفتيا به (9)، وحكي عن المفيد
في العويص (10)، فيتقوى الندرة الموهنة.
فينبغي الرجوع إلى الأصول العامة، مثل حديث رفع القلم عن المجنون
حتى يفيق (11)، وبه استدل مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) على عمر حين أمر بحد

(1) نكت النهاية 3: 295.
(2) الوسائل 18: 388، الباب 21، من أبواب حد الزنا، الحديث 2.
(3) المبسوط 8: 4.
(4) المقنعة: 779، النهاية 3: 290.
(5) المقنع: 436.
(6) المهذب 2: 521.
(7) السرائر 3: 444.
(8) الغنية: 424.
(9) الخلاف 5: 372، المسألة 6.
(10) العويص (مصنفات الشيخ المفيد) 6: 45.
(11) الوسائل 18: 316، الباب 8 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 2.
419

المجنونة فيما رواه المفيد في إرشاده، فقال (عليه السلام): أما علمت أن هذه مجنونة،
وأن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: رفع القلم عن المجنون حتى يفيق، وأنها مغلوبة على
عقلها ونفسها فردوها، فدرأ عنها الحد (1).
وخصوصية المورد مدفوعة بعموم التعليل. ونحوه فيه الصحيح: في
امرأة زنت، قال: إنها لا تملك أمرها ليس عليها شئ (2).
هذا، مضافا إلى عموم خصوص بعض النصوص: لا حد على مجنون
حتى يفيق، ولا على صبي حتى يدرك، ولا على النائم حتى يستيقظ (3).
وفي الصحيح: لا حد لمن لا حد عليه، يعني لو أن مجنونا قذف رجلا
لم أر عليه شيئا، ولو قذفه رجل فقال: يا زان لم يكن عليه حد (4). ونحوه
الموثق وغيره.
وهي ظاهرة أيضا في رفع الحد عنه على العموم.
وهذا القول أظهر، وفاقا لمن مر والديلمي (5) والحلي (6) وعامة
المتأخرين، حتى الماتن لمصيره إليه في النكت (7) على ما حكى عنه.
فينبغي طرح الرواية، أو تأويلها بما يرجع إلى الأدلة المانعة من حملها
على بقاء تمييز وشعور له بقدر مناط التكليف، كما ربما يشير إليه ما فيها
من التعليل.
(ولا حد على المجنونة) مطلقا اتفاقا فتوى ورواية، وبه صرح في
التنقيح (8) والماتن فيما يأتي.

(1) إرشاد المفيد 109.
(2) الوسائل 18: 388، الباب 21 من أبواب حد الزنا، الحديث 1.
(3) الوسائل 18: 316، الباب 8 - 19 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.
(4) الوسائل 18: 316، الباب 8 - 19 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.
(5) المراسم: 252.
(6) السرائر 3: 444.
(7) نكت النهاية 3: 291.
(8) التنقيح 4: 330.
420

(ويسقط الحد بادعاء الزوجية) ونحوها ما لم يعلم بكذبه، ولا يكلف
اليمين ولا البينة، للشبهة الدارئة بذلك.
(وبدعوى) كل (ما يصلح) أن يكون (شبهة) لكن (بالنظر إلى
المدعي) لها خاصة، فلو ادعاها أحدهما أو هما مع عدم إمكانها إلا بالنسبة
إلى أحدهما سقط عنه دون صاحبه. ووجهه واضح مما سلف، مع دعوى
الإجماع عليه حتى على عدم التكليف باليمين والبينة في كلام بعض
الأجلة (1).
(ولا يثبت الإحصان الذي يجب معه الرجم) كما يأتي (حتى يكون
الزاني بالغا) عاقلا (حرا له فرج مملوك) له (بالعقد الدائم) الصحيح (أو
الملك) خاصة، بحيث (يغدو عليه ويروح) أي يكون متمكنا من وطئه
متى أراد، بلا خلاف إلا في اعتبار العقل، كما مر، وفي حصول الإحصان
بملك اليمين، كما هو المشهور بين الأصحاب، بل عليه الإجماع في
الانتصار (2) والغنية (3). وهو الحجة; مضافا إلى المعتبرة المستفيضة الدالة
عليه عموما وخصوصا:
ففي الصحيح: من كان له فرج يغدو عليه ويروح فهو محصن (4).
وفي آخر: عن المحصن، فقال: الذي يزني وعنده ما يغنيه (5).
وفي الموثق: عن الرجل إذا هو زنى وعنده السرية والأمة يطأها تحصنه
الأمة تكون عنده، فقال: نعم إنما ذلك لأن عنده ما يغنيه عن الزنا، قلت: فإن
كان عنده أمة وزعم أنه لا يطأها، فقال: لا يصدق، قلت: فإن كان عنده امرأة

(1) مجمع الفائدة 13: 12.
(2) الانتصار 523.
(3) الغنية 423.
(4) الوسائل 18: 351، الباب 2 من أبواب حد الزنا، الحديث 1، 2.
(5) الوسائل 18: 351، الباب 2 من أبواب حد الزنا، الحديث 1، 2.
421

متعة تحصنه، قال: لا، إنما هو على الشئ الدائم عنده (1).
وفي آخر: الرجل تكون له الجارية أتحصنه؟ قال: فقال: نعم إنما هو
على وجه الاستغناء، قلت: والمرأة المتعة، قال: فقال: إنما ذلك على الشئ
الدائم (2).
وقصور السند منجبر بالعمل، مع أنه مروي عن كتاب علي بن جعفر في
الصحيح: عن الحر تحته المملوكة هل عليه الرجم إذا زنى؟ قال: نعم (3).
خلافا للصدوق (4) والقديمين (5) والديلمي (6)، فلم يرووا الإحصان
بالأمة، للأصل، والاحتياط - ويندفعان بما مر - وللصحيح: كما لا تحصن
الأمة والنصرانية واليهودية إذا زنى بحرة فكذلك لا يكون عليه حد المحصن
إن زنى بيهودية أو نصرانية أو أمة وتحته حرة (7).
وحمله الشيخ على المتعة (8).
ولا بأس به وإن بعد، جمعا بينه وبين الأدلة المتقدمة، بإرجاعه إليها،
لكونه أقوى منها بالكثرة والشهرة العظيمة، بحيث نقل عليه إجماع الطائفة.
ونحوه الجواب عن الصحيح الآخر: عن الرجل يزني ولم يدخل بأهله
أيحصن؟ قال: لا ولا الأمة (9).
ويحتملان الحمل على التقية، كما يستفاد من الانتصار (10)، حيث نسب
مضمونها إلى أبي حنيفة وأصحابه، وصريح الصحيح الأخير كغيره مما يأتي

(1) الوسائل 18: 352، الباب 2 من أبواب حد الزنا، الحديث 2، 5، 11 - 9.
(2) الوسائل 18: 352، الباب 2 من أبواب حد الزنا، الحديث 2، 5، 11 - 9.
(3) الوسائل 18: 352، الباب 2 من أبواب حد الزنا، الحديث 2، 5، 11 - 9.
(4) الفقيه 4: 35، الحديث 5023.
(5) المختلف 9: 137.
(6) المراسم 252.
(7) الوسائل 18: 352، الباب 2 من أبواب حد الزنا، الحديث 2، 5، 11 - 9.
(8) الاستبصار 4: 205، ذيل الحديث 6.
(9) الوسائل 18: 359، الباب 7 من أبواب حد الزنا، الحديث 9.
(10) الانتصار 521.
422

اعتبار الدخول في الفرج المملوك له قبل الزنا، لتحقق الإحصان، كما عن
المبسوط (1) والنهاية (2) والتحرير (3) والجامع (4) والإصباح (5) والغنية (6)،
مدعيا إجماع الإمامية، وبه صرح أيضا من المتأخرين جماعة من غير نقل
خلاف، ولكن العبارة مطلقة لا ذكر له فيها، ولا في كتب كثير من القدماء
كالمقنعة والانتصار والخلاف والتبيان ومجمع البيان. ولكن يمكن الذب عن
الإطلاق بحمله على الغالب، مع وقوع التصريح باعتباره فيما سيأتي من
النص وعبارة المتن.
ومنه يظهر اعتبار كون الفرج هو القبل دون الدبر، كما صرح به جماعة (7)
من غير خلاف بينهم أجده، إلا من إطلاق نحو العبارة. وفيه ما عرفته.
وهل يشمل ملك اليمين ملك الوطء بالتحليل؟ الظاهر العدم، لعدم
انصراف الإطلاق إليه، مع أنه كالمتعة لا يحصل بهما الغنية على الاستدامة،
وقد اعتبرها جملة من المعتبرة المتقدمة، معللة به عدم الإحصان بالمتعة،
كما هو المشهور بلا خلاف فيه أجده، وإن حكي عن الانتصار (8) ما يشعر
بوجوده.
خلافا للروضة فاستوجه إلحاق التحليل بملك اليمين، قال لدخوله فيه
من حيث المحل، وإلا لبطل الحصر المستفاد من الآية. ولم أقف فيه هنا
على شئ (9).
(ويستوي المسلمة والذمية) حيث صح زوجيتها دائمة في حصول

(1) المبسوط 8: 3.
(2) النهاية 3: 287.
(3) التحرير 2: 220 س 5.
(4) الجامع للشرائع: 550.
(5) إصباح الشيعة (سلسلة الينابيع الفقهية) 23: 120.
(6) الغنية 423.
(7) الروضة 9: 72 - 73.
(8) الانتصار: 521.
(9) الروضة 9: 76 - 77.
423

الإحصان بهما على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، وفي صريح
الانتصار (1) والغنية (2) وظاهر غيره دعوى الإجماع عليه. وهو الحجة;
مضافا إلى عموم جملة من المستفيضة المتقدمة.
خلافا للمحكي عن الإسكافي (3) والعماني (4) والصدوق (5)، فاعتبروا
إسلامها، للصحيح المتقدم، لاعتبار الحرية في الزوجية. وجوابه قد عرفته.
(وإحصان المرأة كإحصان الرجل) في اشتراط أن تكون بالغة عاقلة
حرة لها زوج دائم أو مولى وقد وطئها وهي حرة بالغة عاقلة، وهو عندها
يتمكن من وطئها غدوا ورواحا، بلا خلاف أجده، حتى في اعتبار كمال
العقل فيها، بل عليه الإجماع ظاهرا، كما صرح به الفاضلان هنا وفي
الشرائع (6) والتحرير (7) وغيرهما بقولهم: (لكن يراعى فيها العقل إجماعا)
فلا رجم ولا حد على مجنونة زنى بها عاقل حال جنونها وإن كانت محصنة.
وعليه بل على أصل الحكم بأن إحصانها كإحصانه ادعى الإجماع في
الغنية (8)، فلا إشكال في المسألة، سيما بعد عدم ظهور الخلاف الذي عرفته،
واستفادته ولو في الجملة من بعض النصوص الآتية.
(ولا تخرج المطلقة رجعية) بالطلاق (عن الإحصان وتخرج
البائن) مطلقا، بطلاق كان البينونة أو غيره، بلا خلاف ظاهر، لبقاء الزوجية
المغنية عن الزنا في الأول، وعدمه في الثاني، فلو زنت أو تزوجت فوطئت
عالمة بالتحريم رجمت، كما في الحسن: عن امرأة تزوجت في عدتها، فقال

(1) الانتصار: 521.
(2) الغنية: 423.
(3) المختلف 9: 137.
(4) المختلف 9: 137.
(5) المقنع: 439.
(6) الشرائع 4: 151.
(7) التحرير 2: 220 س 13.
(8) الغنية: 424.
424

إن كانت تزوجت في عدة طلاق لزوجها عليها الرجعة فإن عليها الرجم
وإن كانت تزوجت في عدة ليس لزوجها عليه الرجعة، فإن عليها حد الزاني
غير المحصن (1).
(وكذا المطلق) إن طلق امرأته رجعيا لم يخرج عن الإحصان، وإن
طلق بائنا خرج، لتمكنه من الرجعة متى شاء في الأول، وعدمه في الثاني.
وعليه يحمل إطلاق الموثق: عن رجل كانت له امرأة فطلقها أو ماتت
فزنى، فقال: عليه الرجم. وعن امرأة كان لها زوج فطلقها أو مات ثم زنت
عليها الرجم، قال: نعم (2).
والمروي في قرب الاسناد: عن رجل طلق أو امرأة بانت منه ثم زنى ما
عليه؟ قال: الرجم (3).
وعن امرأة طلقت فزنت بعدما طلقت بسنة هل عليها الرجم؟ قال:
نعم (4).
ولكن ظاهرهما ثبوت الرجم مع البينونة، وهو خلاف ما عرفت من
القاعدة، ولذا حمل الشيخ ذكر الموت في الأول على وهم الراوي (5)، ونحوه
جار في الثاني، لكن ينافيه قوله: «بسنة»، إلا أن يقرأ السنة بتشديد النون
مرادا بها ما يقابل البدعة.
(ولو تزوج) الرجل (معتدة عالما) بالعدة وبالحرمة (حد مع
الدخول) بها جلدا أو رجما إن كان محصنا، ولا مع العدم. (وكذا المرأة)
تحد لو تزوجت في عدتها مطلقا إلا إنها لا ترجم في البائن منها، بل تجلد
خاصة مع علمها بما مر من الأمرين، ولا مع العدم.

(1) الوسائل 18: 396، الباب 27 من أبواب حد الزنا، الحديث 3، 8.
(2) الوسائل 18: 396، الباب 27 من أبواب حد الزنا، الحديث 3، 8.
(3) قرب الاسناد 110.
(4) قرب الاسناد 110.
(5) التهذيب 10: 22، ذيل الحديث 65.
425

(ولو ادعيا الجهالة) بهما (أو) بأحدهما أو ادعاها (أحدهما قبل)
من المدعي (على الأصح إذا كان ممكنا في حقه) بأن كان مقيما في بادية
بعيدة عن معالم الدين أو قريب العهد بالإسلام ونحو ذلك، وفاقا للحلي (1)
وعامة المتأخرين.
خلافا للمحكي في المختلف عن المقنعة والنهاية (2) فأطلقا عدم القبول
من دون تقييد بعدم الإمكان، ولكن حمل كلامهما عليه، قال: فلا منازعة هنا
في الحقيقة (3).
أقول: ووجهه واضح بعد شهرة الحديث النبوي: «تدرء الحدود
بالشبهات» (4) مع عدم المعارض، فيجل عن مخالفته نحو كلام الشيخين.
ولقد أغرب في التنقيح (5) فنسب الخلاف إلى الحلي والوفاق إليهما،
وعبارتهم المحكية في المختلف تفيد العكس، كما ذكرنا.
(ولو راجع المخالع) إما لرجوعها في البذل أو بعقد مستأنف (لم
يتوجه عليه الرجم حتى يطأ) زوجته، لزوال الإحصان بالبينونة وخروج
الاختيار عن يده والرجوع، غايته أنه كعقد جديد أو نفسه، وهو بمجرده لا
يوجب الإحصان ما لم يدخل، كما مر، والنصوص به - زيادة على الصحيح
المتقدم - مستفيضة:
منها الصحيح: عن الرجل يزني قبل أن يدخل بأهله أيرجم؟ قال: لا (6).

(1) السرائر 3: 445.
(2) المقنعة: 780، النهاية 3: 292.
(3) المختلف 9: 148.
(4) الوسائل 18: 336، الباب 24 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4.
(5) نسبه إلى الشيخ الطوسي فقط، راجع التنقيح 4: 332.
(6) الوسائل 18: 358، الباب 7 من أبواب حد الزنا، الحديث 1.
426

والصحيح: عن قول الله تعالى: «فإذا احصن»، قال: إحصانهن أن يدخل
بهن، قلت: إن لم يدخل بهن أما عليهن حد؟ قال: بلى (1).
والموثق: عن البكر يفجر وقد تزوج ففجر قبل أن يدخل بأهله، فقال:
يضرب مائة، ويجز شعره، وينفى عن المصر حولا، ويفرق بينه وبين أهله (2).
ونحوه الخبر (3).
(وكذا العبد لو أعتق والمكاتب إذا تحرر) لا يتوجه عليهما الرجم
حتى يطأ زوجتهما أو مملوكتهما في حال الحرية، لعدم الوطء حالتها
المشترط في ثبوت الرجم، كما مضى، ولخصوص الصحيح: في العبد يتزوج
الحرة ثم يعتق فيصيب فاحشة، قال: فقال: لا رجم عليه حتى يواقع الحرة
بعدما يعتق (4).
(ويجب الحد على الأعمى) مطلقا جلدا كان أو رجما. ولا يدفعه
عماه إجماعا، لعموم الأدلة.
(فإن ادعى الشبهة ف‍) - في قبول دعواه ودرء الحد بها (قولان
أشبههما القبول مع الاحتمال) والإمكان في حق مثله، وعليه الأكثر، كما في
المسالك (5)، بل المشهور كما في شرح الشرائع للصيمري (6)، بل عليه عامة
المتأخرين، وفاقا منهم للحلي. لكنه قيده بما إذا شهد الحال بما ادعاه، بأن
يكون قد وجدها على فراشه فظنها زوجته أو أمته قال: ولو شهدت الحال
بخلاف ذلك لم يصدق (7)، وهو موافق للقوم إن أراد بشهادة الحال بخلافه
الشهادة بالقطع، وضعيف إن أراد بها الشهادة بنحو من المظنة، لعدم ارتفاع

(1) الوسائل 18: 358، الباب 7 من أبواب حد الزنا، الحديث 4، 7، 8، 5.
(2) الوسائل 18: 358، الباب 7 من أبواب حد الزنا، الحديث 4، 7، 8، 5.
(3) الوسائل 18: 358، الباب 7 من أبواب حد الزنا، الحديث 4، 7، 8، 5.
(4) الوسائل 18: 358، الباب 7 من أبواب حد الزنا، الحديث 4، 7، 8، 5.
(5) المسالك 14: 340.
(6) غاية المرام: 192 س 1 (مخطوط).
(7) السرائر 3: 448.
427

الشبهة الحاصلة من دعواه بمجرده وإن ضعفت معه. فقوله على هذا التقدير
ضعيف. ونحوه في الضعف تقييد التنقيح قبول قوله بكونه عدلا (1)، إذ لا
وجه له أصلا بعد حصول الشبهة الدارئة للحد بدعواه جدا.
والقول الثاني: للشيخين (2) والقاضي (3) والديلمي (4)، فلم يصدقوه في
الدعوى، قالوا: لأنه قد كان ينبغي له أن يتحرز ويتحفظ من الفجور.
وهو كما ترى، فإن وجوب التحرز المزبور على تقدير تسليمه لا يدفع
الشبهة المحتملة الدارئة، ومخالفته ليس زنا، ولا يوجب القطع بقصده إياه
وعلمه به، كما لا يخفى.
(و) حيث قد عرفت اعتبار إيلاج الفرج في الفرج في تعريف الزنا لغة
وعرفا وشرعا ظهر لك أنه ليس (في التقبيل والمضاجعة والمعانقة) وغير
ذلك من الأمور المحرمة حده، بل (التعزير) خاصة، فيناط بما يراه الحاكم،
وفاقا للنهاية (5)، وعليه المتأخرون كافة، كما في المسالك (6)، وادعى عليه
الشهرة المطلقة الماتن في الشرائع (7) وجماعة، بل عليه الإجماع في
الغنية (8)، للمعتبرة المستفيضة، وفيها الصحاح والموثق وغيرهما (9)، الواردة
في الرجلين أو الرجل والمرأة يوجدان في لحاف واحد وأنهما يضربان دون
الحد كما في الصحيح منها، أو مائة سوط إلا سوط كما في باقيها.
وظاهرها وإن أفاد تعين المائة إلا واحدا وهو ينافي كونه تعزيرا منوطا
برأي الحاكم إلا أن إطلاق الصحيح الأول والإجماع الظاهر والمحكي وعدم

(1) التنقيح 4: 332.
(2) المقنعة: 783، النهاية 3: 294.
(3) المهذب 2: 524.
(4) المراسم: 254.
(5) النهاية 3: 281.
(6) المسالك 14: 349.
(7) الشرائع 4: 152.
(8) الغنية: 435.
(9) الوسائل 18: 363، الباب 10 من أبواب حد الزنا.
428

قائل بتعين مضمونها أوجب حملها على ما إذا رأى الحاكم تعين مضمونها،
مع أنه ورد الضرب (1) ثلاثين ثلاثين في الرجلين المجتمعين تحت إزار
واحد.
قال في الخلاف: روى أصحابنا: في الرجل إذا وجد مع امرأة أجنبية
يقبلها أو يعانقها في فراش واحد أن عليهما مائة جلدة، وروى ذلك عن
علي (عليه السلام)، وقد روى أن عليهما أقل من الحد (2).
وظاهره التردد أو ترجيح الأول ولا وجه له، لرجحان الرواية بدون الحد
بالكثرة والشهرة العظيمة، وحكاية الإجماع المتقدمة.
وبها يجاب عن الإجماع المستشعر من عبارته على ترجيح الرواية
بتمام الحد، وهي الصحيح: إذا وجد الرجل والمرأة في لحاف واحد جلدا
مائة (3)، ونحوه آخر (4) وغيره (5). وحملها الشيخ (6) على وقوع الزنا أيضا
وعلم به الإمام، جمعا. ولا بأس به، بل متعين، لندرة القائل بها، كما مضى.
وربما يحكى عن المقنع والغنية والإسكافي وعن المفيد (رحمه الله) تعيين
التعزير من عشرة إلى تسعة وتسعين (7)، ونحوه عن غيره مبدلا «العشرة»
ب‍ «الثلاثين» (8). ومستندهما غير واضح عدا الإجماع في الغنية على الأول،
حيث ادعاه عليه في كل تعزير (9)، ولكن ادعى الشهرة المتأخرة على الثاني
بعض الأجلة (10).

(1) الوسائل 18: 367، الباب 10 من أبواب حد الزنا، الحديث 21.
(2) الخلاف 5: 373، المسألة 9.
(3) الوسائل 18: 364، الباب 10 من أبواب حد الزنا، الحديث 5، 24.
(4) الوسائل 18: 364، الباب 10 من أبواب حد الزنا، الحديث 5، 24.
(5) الوسائل 18: 364، الباب 10 من أبواب حد الزنا، الحديث 5، 24.
(6) التهذيب 10: 44، ذيل الحديث 156.
(7) المقنعة: 774.
(8) السرائر 3: 46.
(9) الغنية: 435.
(10) مفتاح الشرايع 2: 77.
429

(ويثبت الزنا) على كل من الرجل والمرأة (بالإقرار) منهما به
صريحا، بحيث لا يحتمل الخلاف، كما في قضية ماعز بن مالك (1) وغيرها،
فإنه لم يقبل منه الإقرار حتى صرح بكونه قد أدخل كالميل في المكحلة
والرشا في البئر.
(وبالبينة) بلا خلاف، لعموم الأدلة، وخصوص ما يأتي من المستفيضة.
(ولا بد من بلوغ المقر وكماله) بكمال عقله، وقصده (واختياره
وحريته) بلا خلاف، كما في سائر الأقارير، بل اعتبارها هنا أولى.
(وتكرار الإقرار أربعا) للمعتبرة المستفيضة:
منها: ولا يرجم الزاني حتى يقر أربع مرات (2).
ولا خلاف فيه، بل في المسالك وغيره أن عليه الاتفاق (3) إلا من ظاهر
العماني (4)، فاكتفى بالواحد، للصحيح: من أقر على نفسه عند الإمام بحق
حد من حدود الله تعالى مرة واحدة، حرا كان أو عبدا، حرة كانت أو أمة،
فعلى الإمام أن يقيم الحد على الذي أقر به على نفسه، كائنا من كان، إلا
الزاني المحصن، فإنه لا يرجم حتى يشهد عليه أربعة شهود (5). وحمل تارة
على غير حد الزاني جمعا، وأخرى على التقية، وأخرى على غير ذلك.
وكيف كان فطرحه متعين جدا، لعدم مكافأته لما مضى، مع شذوذه قطعا
بتضمنه عدم اعتبار الحرية في المقر، وفرقه بين الزنا المحصن وغيره بعدم
قبول الإقرار في الأول، واختصاصه بالثاني، وهما خلاف الإجماع قطعا،

(1) سنن البيهقي 8: 225.
(2) الوسائل 18: 320، الباب 12 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 5.
(3) المسالك 14: 341.
(4) المختلف 9: 165.
(5) الوسائل 18: 343، الباب 32 من أبواب 12 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.
430

حتى من العماني، إذ لم ينقل الخلاف منه إلا في اعتبار تكرار الإقرار
لا في غيره.
(وهل يشترط اختلاف مجالس الإقرار) أربعا بعدده؟ (أشبهه أنه
لا يشترط) وفاقا لإطلاق الأكثر، وبه صرح عامة من تأخر، لإطلاق الخبر
الذي مر.
خلافا للخلاف (1) والمبسوط (2) وابن حمزة (3) فيشترط.
وحجتهما عليه غير واضحة، عدا الإجماع المستظهر من الأول، كما
قيل (4)، وما دل من النصوص على تعدد مجالس الأقارير عند النبي والأمير
صلوات الله وسلامه عليهما. والأول على تقدير صحة الظهور موهون بندرة
القائل به، إذ ليس إلا الناقل ونادر. والثاني لا يفيد الحصر، لأنه قضية اتفاقية،
مع أنها ليست في اختلاف المجالس الأربعة صريحة، ولا يحصل بمثلهما
شبهة تكون للحد دارئة، سيما مع كون عدم الاشتراط مذهب المتأخرين
كافة، كما عرفته.
(ولو أقر) أحد (بحد ولم يبينه) ما هو زنا أو غيره لم يكلف البيان
بلا خلاف و (ضرب حتى ينهي) ويمنع الضرب (عن نفسه) بأن يقول
يكفي، كما في الصحيح (5) على الصحيح، وبه أفتى القاضي (6) ورواه في
النهاية (7)، مشعرا برضاه به، ووافقهما الحلي (8) والفاضلان في الشرائع (9)

(1) الخلاف 5: 377، المسألة 16.
(2) المبسوط 8: 4.
(3) الوسيلة: 410.
(4) لم نعثر على قائله.
(5) الوسائل 18: 318، الباب 11 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.
(6) المهذب 2: 529.
(7) النهاية 3: 303.
(8) السرائر 3: 455.
(9) الشرائع 4: 152.
431

والإرشاد (1) والتحرير (2) والقواعد (3) وغيرهما. ولكنهم قيدوهم بما إذا لم
يزد على المائة، ومع الزيادة لا يضرب وإن لم ينه عن نفسه، إذ لا حد فوقها،
وما يزاد عليها لشرف المكان أو الزمان تعزير زائد على أصل الحد، والأصل
عدمه. قيل: نعم إن علم بالعدد والمسألة وطلب الزيادة توجه الضرب إلى أن
ينهي عن نفسه (4).
وزاد الحلي فقيد في طرف النقيصة، فقال: لا يضرب أقل من ثمانين،
إذ لا حد دونه (5).
وفيه منع واضح، فإن حد القواد خمسة وسبعون.
وزاد الفاضلان (6) في وجه المنع احتمال إرادته من الحد التعزير.
ورد بأنه مجاز لا قرينة عليه في إقراره.
وفيه نظر، إذ المجازية إنما هي في الشرع لا في كلام المقر، وهو يحتمل
كون الحد فيه حقيقة في الأعم من الحد الشرعي والتعزير، والقرينة المعينة
هي نهيه عن الضرب فيما بعد وتصلح قرينة صارفة أيضا على التقدير الأول
كما يفهم من ظاهر الفاضلين وصريح غيرهما.
وفيه تأمل، ومع ذلك جار مثله في طرف الزيادة على المائة، فيقال: عدم
الإنهاء عن نفسه إلى أن يزاد عليها قرينة إرادته من الحد المقر به التعزير،
فتأمل.
وبالجملة: الأجود إما العمل بإطلاق الرواية، أو إطراحها بالمرة كما عليه

(1) الإرشاد 2: 171.
(2) التحرير 2: 222 س 3.
(3) القواعد 3: 523.
(4) كشف اللثام 2: 394 س 32.
(5) السرائر 3: 455.
(6) الشرائع 4: 152، المختلف 9: 157.
432

في المسالك (1)، لضعف السند بالاشتراك، ومخالفتها الأصول، فإن الحد كما
قد علم يطلق على الرجم وعلى القتل بالسيف والإحراق بالنار ورمي الجدار
عليه وغير ذلك مما ستقف عليه إن شاء الله تعالى وعلى الجلد والجلد
يختلف كمية وكيفية فحمل مطلقه على الجلد غير مناسب للواقع.
وهو حسن، غير أن ما ذكر من تضعيف السند محل نظر، لما مر، ومع
ذلك فبالشهرة الظاهرة ولو في الجملة والمحكية مطلقا عن الماتن في
النكت (2) منجبر.
وعلى هذا فالخروج عن الأصول بمثله محتمل، سيما مع التأيد بما عن
المقنع من أنه قال: وقضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل أقر على نفسه بحد
ولم يبين أي حد هو أن يجلد حتى يبلغ ثمانين فجلد، ثم قال: لو أكملت
جلدك مائة ما ابتغيت عليه بينة غير نفسك (3). وهو قد يؤيد ما عليه الحلي.
وأما ما يخالف ذلك من النصوص فمع عدم وضوح سنده بل ضعفه غير
واضح الدلالة على المخالفة. قيل: وإطلاق الخبرين الأولين وكلمة
الأصحاب منزل على الحد الذي يقتضيه ما وقع منه من الإقرار، فلا يحد
مائة ما لم يقر أربعا، ولا ثمانين ما لم يقر مرتين، ولا يتعين المائة إذا أقر
أربعا، ولا الثمانون إذا أقر مرتين على قول غير الحلي (4). ولعل التنزيل
للجمع بين الأدلة. ولا بأس به.
(ولو أقر بما يوجب الرجم ثم أنكره سقط عنه) بلا خلاف، بل عليه
الإجماع عن الخلاف (5)، للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة:

(1) المسالك 14: 346 - 347.
(2) نكت النهاية 3: 304.
(3) المقنع: 438.
(4) كشف اللثام 2: 395 س 6.
(5) الخلاف 5: 378، المسألة 17.
433

ففي الصحيح: من أقر على نفسه بحد أقمته عليه إلا الرجم فإنه إذا أقر
على نفسه ثم جحد لم يرجم (1).
وليس فيها ولا فيما وقفت عليه من الفتاوى اعتبار الحلف، وعن جامع
البزنطي انه يحلف ويسقط عنه الرجم، وأنه رواه عن الصادقين (عليهما السلام) بعدة
أسانيد. ولم أقف على شئ منها.
(و) يستفاد منها انه (لا يسقط غيره) من سائر الحدود بالإنكار،
ولا خلاف فيه أيضا.
إلا من الخلاف (2) والغنية (3)، حيث أطلقا سقوط الحد بالرجوع، من
دون فرق بين كونه رجما أو غيره.
ومستندهما غير واضح، عدا الإجماع الذي استدل به في الخلاف،
ووهنه ظاهر. ومع ذلك عن معارضة ما مر من النصوص المستفيضة
المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا بل إجماع في الحقيقة
قاصر، مع أنه قيل: يمكن حمل كلام الأول على الرجوع قبل كمال ما يعتبر
من المرات في الإقرار (4).
وأما الخبر: لا يقطع السارق حتى يقر بالسرقة مرتين فإن رجع ضمن
السرقة ولم يقطع إذا لم يكن شهود (5) فمع ضعفه بالإرسال وغيره شاذ،
لا عامل به، محمول على الرجوع بعد الإقرار مرة.
ويدخل في إطلاق غير الرجم في النص والعبارة ونحوها القتل بغيره،

(1) الوسائل 18: 319، الباب 12 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3.
(2) الخلاف 5: 378، المسألة 17.
(3) الغنية: 424.
(4) كشف اللثام 2: 395 س 16.
(5) الوسائل 18: 487، الباب 2 من أبواب حد السرقة، الحديث 1.
434

فلا يسقط بالرجوع عن الإقرار، واستشكله في القواعد (1) من خروجه عن
المنصوص، ومن الاحتياط في الدماء، وبناء الحد على التخفيف. ولعل هذا
أظهر، وفاقا للمحكي عن الوسيلة (2)، لذلك، ولمنع اختصاص النص بالرجم.
ففي المرسل كالصحيح بابن أبي عمير وجميل قال: إذا أقر الرجل
على نفسه بالقتل قتل إذا لم يكن عليه شهود، فإن رجع وقال: لم أفعل ترك
ولم يقتل (3).
والقتل يشمل موجبه بغير الرجم إن لم نقل بظهوره فيه.
(ولو أقر) بحد (ثم تاب) عن موجبه (كان الإمام مخيرا في الإقامة)
عليه والعفو عنه (رجما كان أو غيره) بلا خلاف، إلا من الحلي فخصه
بالرجم.
قال: لأنا أجمعنا أنه بالخيار في الموضع الذي ذكرناه، ولا إجماع على
غيره، فمن ادعاه وجعله بالخيار وعطل حدا من حدود الله فعليه الدليل (4).
ورد بأن المقتضي لإسقاط الرجم عنه اعترافه بالذنب، وهو موجود في
الحد، لأنه إحدى العقوبتين، ولأن التوبة تسقط تحتم أشد العقوبتين،
فإسقاطها التحتم الأخرى الأضعف أولى (5).
والأولى الجواب عنه بقيام الدليل في غير الرجم، وهو النصوص:
ففي الخبرين بل الأخبار: جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فأقر
بالسرقة، قال: أتقرأ شيئا من القرآن؟ قال: نعم سورة البقرة، قال: قد وهبت
يدك لسورة البقرة، قال: فقال الأشعث: أتعطل حدا من حدود الله تعالى؟ قال:

(1) القواعد 3: 523.
(2) لم نعثر عليه فيها، ولا على حاكيه.
(3) الوسائل 18: 320، الباب 12 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4.
(4) السرائر 3: 444.
(5) المسالك 14: 350.
435

وما يدريك ما هذا، إذا قامت البينة فليس للإمام أن يعفو، وإذا أقر الرجل
على نفسه فذاك إلى الإمام إن شاء عفا وإن شاء قطع (1).
وقصور الأسانيد مجبور بالتعدد، مع عمل الأكثر، بل الكل عداه،
وهو شاذ، كما صرح به بعض الأصحاب (2).
وأخصية المورد مدفوع بعموم الجواب، مع عدم قائل بالفرق بين
الأصحاب، مع ورود نص آخر باللواط متضمنا للحكم أيضا على العموم من
حيث التعليل، وهو المروي عن تحف العقول عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) في
حديث قال: وأما الرجل الذي اعترف باللواط فإنه لم يقم عليه البينة وإنما
تطوع بالإقرار عن نفسه، وإذا كان للإمام (عليه السلام) الذي من الله تعالى أن يعاقب
من الله سبحانه كان له أن يمن عن الله تعالى، أما سمعت قول الله: «هذا
عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب» (3).
نعم ليس في شئ منها اعتبار التوبة، وكما هو ظاهر الجماعة، ولعل
اتفاقهم عليه كاف في تقيدها بها.
وظاهره كباقي النصوص والفتاوى قصر التخيير على الإمام، فليس
لغيره من الحكام، وعليه نبه بعض الأصحاب (4)، واحتمل بعض ثبوته لهم
أيضا (5). وفيه إشكال.
والأحوط إجراء الحد أخذا بالمتيقن، لعدم لزوم العفو. ثم إن هذا في
حدود الله سبحانه.
وأما حقوق الناس فلا يسقط الحد إلا بإسقاط صاحبه، كما صرح به

(1) الوسائل 18: 331، الباب 18 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3.
(2) مفاتيح الشرائع 2: 69.
(3) تحف العقول 481.
(4) كشف اللثام 2: 395 س 23.
(5) مجمع الفائدة 13: 35.
436

بعض الأصحاب (1). ووجهه واضح.
وفي بعض المعتبرة لا يعفى عن الحدود التي لله تعالى دون الإمام، وأما
ما كان من حق الناس في حد فلا بأس بأن يعفى عنه دون الإمام (2).
(ولا يكفي في البينة أقل من أربعة رجال أو ثلاثة وامرأتين) ويثبت
الزنا بالأول بالكتاب (3) والسنة المستفيضة (4) والإجماع، وكذا بالثاني على
الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تأخر عدا من سيذكر، وربما نفى الخلاف
عنه، وفي الغنية (5) الإجماع عليه. وهو الحجة; مضافا إلى الصحاح
المستفيضة وغيرها من المعتبرة:
ففي الصحيح: لا يجوز في الرجم شهادة رجلين وأربع نسوة، ويجوز
في ذلك ثلاثة رجال وامرأتان (6).
خلافا للعماني (7) والمفيد (8) والديلمي (9)، فلم يثبتوه به بل خصوه
بالأول، لكونه المنصوص في الكتاب الكريم فيرجع في غيره إلى الأصل،
وللصحيح إذا شهد ثلاثة رجال وامرأتان لم يجز في الرجم (10)، مضافا إلى
النصوص المانعة عن قبول شهادتهن في الحد، ولذا توقف في المختلف (11).
وهو في غاية الضعف، إذ ليس في الكتاب ما يدل على الحصر، والأصل

(1) كشف اللثام 2: 395 س 24.
(2) الوسائل 18: 330، الباب 18 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.
(3) النور: 4.
(4) الوسائل 18: 258، الباب 24 من أبواب الشهادات، والباب 12 من أبواب حد الزنا: 371.
(5) الغنية 438.
(6) الوسائل 18: 264، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 32، 28.
(7) المختلف 8: 467 - 470.
(8) المقنعة: 774.
(9) المراسم: 252.
(10) الوسائل 18: 264، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 32، 28.
(11) المختلف 8: 467 - 470.
437

مخصص بما مر، والصحيح مع قصوره عن معارضته من وجوه موافق لما
عليه أكثر العامة كما ذكره الشيخ (1)، حاملا له لذلك على التقية، والنصوص
الأخيرة مخصصة بما ذكرنا من الأدلة المعتضدة، مع كثرتها بالشهرة العظيمة،
التي كادت تكون إجماعا، بل إجماع في الحقيقة، ولذا لم ينقل الأكثر فيه
خلافا، وحسبه جملة اجماعا أو ما يقرب منه، أو محمول على شهادتهن
منفردات، أو غير ذلك.
(ولو شهد رجلان وأربع نسوة يثبت بهم الجلد لا الرجم) وفاقا
للنهاية (2) والإسكافي (3) والحلي (4) وابن حمزة (5) والفاضل في التحرير (6)
والإرشاد (7) والقواعد (8) والشهيدين في اللمعتين (9)، وبالجملة المشهور
على الظاهر المصرح به في كلام الخال العلامة المجلسي (رحمه الله) (10).
ومستندهم غير واضح، عدا ما قيل من الخبر: يجوز شهادة النساء في
الحدود مع الرجال، وحيث انتفى الرجم ثبت الجلد (11).
وفيه بعد الإغماض عن السند عدم قولهم بعمومه، مع معارضته بعموم ما
مر من النصوص بعدم قبول شهادتهن في الحدود، وخصوص الصحيح:
ويجوز شهادتهن في حد الزنا إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان، ولا يجوز
شهادة رجلين وأربع نسوة في الزنا والرجم (12).

(1) الاستبصار 3: 24، ذيل الحديث 8.
(2) النهاية 3: 284.
(3) لم نعثر عليه.
(4) السرائر 2: 137.
(5) الوسيلة 409.
(6) التحرير 2: 220 س 27.
(7) الإرشاد 2: 172.
(8) القواعد 3: 524.
(9) الروضة 9: 49.
(10) ملاذ الأخيار 16: 51، الحديث 80.
(11) المسالك 14: 248.
(12) الوسائل 18: 259، 260، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 7.
438

وليس في ذكر الزنا مع الرجال فائدة إلا بيان عدم ثبوت الجلد أيضا
بشهادتهم، وتخصيص الزنا بالرجم يوجب التكرار. فمع ذلك كيف يمكن
الخروج عن الأصل؟ ولعله لذا ذهب جماعة منهم الصدوقان (1) والقاضي (2)
والحلبي (3) والفاضل في المختلف (4) وغيره من المتأخرين إلى عدم ثبوت
الجلد بذلك أيضا، عملا بالأصل.
لكن في الموثق كالصحيح: عن رجل محصن فجر بامرأة فشهد عليه
ثلاثة رجال وامرأتان وجب عليه الرجم، فإن شهد عليه رجلان وأربع نسوة
فلا تجوز شهادتهم ولا يرجم، ولكن يضرب حد الزاني (5)، وهو مع اعتبار
سنده وحجيته سيما بعد اعتضاده بالشهرة الظاهرة والمحكية صريح فيما
ذكروا. فقولهم في غاية القوة.
وأما قول الشيخ في الخلاف (6) بثبوت الرجم هنا أيضا فضعيف جدا،
لتصريح جملة من النصوص المتقدمة، ومنها الصحيح المتقدم بعدم ثبوت
الرجم به (و) لعله لذا لم يوافقه أحد، ولم ينقل موافق له.
وبفحوى أدلة المنع هنا يستدل على أنه (لا تقبل شهادة ست نساء
ورجل، ولا شهادة النساء منفردات) عن الرجال مطلقا، مع أنه لا خلاف
فيه إلا من الخلاف، فقال: يثبت بشهادتهم الحد دون الرجم (7). ولا ريب في
شذوذه، كما صرح به بعض الأصحاب (8)، مشعرا بدعوى الإجماع على
خلافه، فلا يعبأ به، سيما بعد قيام الأدلة المتقدمة على رده.

(1) المختلف 8: 471 - 472، المقنع 402.
(2) المهذب 2: 558.
(3) الكافي في الفقه: 436.
(4) المختلف 8: 471 - 472، المقنع 402.
(5) الوسائل 18: 401، الباب 30 من أبواب حد الزنا، الحديث 1.
(6) الخلاف 6: 251، المسألة 2.
(7) الخلاف 6: 251، المسألة 2.
(8) المسالك 14: 249.
439

(ولو شهد ما دون الأربعة) أو ما في معناها (لم يثبت) الحد
مطلقا (وحدوا للفرية) بالإجماع ونص الكتاب والسنة، فقال سبحانه:
«لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم
الكاذبون» (1)، وسيأتي أنه إذا لم يحضر الرابع وشهد ثلاثة حدوا للفرية،
ولم يرتقب حضوره.
(ولا بد في الشهادة من ذكر) الشهود (المشاهدة) للإيلاج في الفرج
(كالميل في المكحلة) للمعتبرة المستفيضة:
ففي الصحيح: لا يرجم رجل ولا امرأة حتى يشهد عليه أربعة شهود
على الإيلاج والإخراج (2). وبمعناه آخر (3)، والخبران (4).
وفي الموثق: لا يرجم الرجل والمرأة حتى يشهد عليهما أربعة شهداء
على الجماع والإيلاج والإدخال كالميل في المكحلة (5).
ولأن الشهادة إنما تسمع بما عوين أو سمع، ولا معنى للزنا حقيقة
إلا ذلك، فلا تسمع الشهادة به إلا إذا عوين كذلك وربما أطلق على غيره
من التفخيذ ونحوه، فلو لم يصرح الشهود به لم تكن الشهادة نصا في
الموجب للحد.
وأما الموثق إذا شهد الشهود على الزاني أنه قد جلس منها مجلس
الرجل من امرأته أقيم عليه الحد الخبر (6) فقاصر عن مقاومة ما مر سندا
وعددا وعملا، إذ لا قائل به عدا الشيخ (7)، حيث احتمل العمل به بعد
تخصيصه الحد بالجلد دون الرجم. ومحصله عدم اعتبار المعاينة في الجلد

(1) النور: 13.
(2) الوسائل 18: 371، الباب 12 من أبواب حد الزنا، الحديث 2، 1، 5، 11، 4، 10.
(3) الوسائل 18: 371، الباب 12 من أبواب حد الزنا، الحديث 2، 1، 5، 11، 4، 10.
(4) الوسائل 18: 371، الباب 12 من أبواب حد الزنا، الحديث 2، 1، 5، 11، 4، 10.
(5) الوسائل 18: 371، الباب 12 من أبواب حد الزنا، الحديث 2، 1، 5، 11، 4، 10.
(6) الوسائل 18: 371، الباب 12 من أبواب حد الزنا، الحديث 2، 1، 5، 11، 4، 10.
(7) الاستبصار 4: 218، ذيل الحديث 5.
440

خاصة، واحتمله أيضا خالي العلامة المجلسي (رحمه الله).
فقال - بعد ذكر نحو هذه الرواية مما ورد بتمام الحد في الرجلين أو
الرجل والمرأة يوجدان تحت لحاف واحد، والأخبار المعارضة لها المتقدم
إلى جميعها الإشارة -: والأظهر في الجمع بين الأخبار مع قطع النظر عن
هذه الشهرة العظيمة أن يؤخذ بالأخبار الدالة على تمام الحد، بأن يقال: لا
يشترط في ثبوت الجلد المعاينة كالميل في المكحلة، وتحمل الأخبار الدالة
على اشتراط ذلك على الرجم كما هو الظاهر من أكثرها، وتحمل الأخبار
الدالة على ما نقص على التقية لموافقتها لمذهبهم (1)، إلى آخر ما ذكره.
وهو حسن، إلا أنه لمخالفة الأصحاب كافة هنا حيث اعتبروا المعاينة
مطلقا من غير خلاف بينهم أجده، والأمر الاعتباري الذي تقدم إليه أخيرا
الإشارة مشكل غايته، سيما مع عدم ظهور فتوى الشيخ بذلك، حيث ذكره
على وجه الاحتمال، ومع ذلك احتمل فيه أيضا ما يوافق الأصحاب من
إرادة التعزير من الحد، فليس الاحتمال فيه إلا، للجمع.
والخال (رحمه الله) أيضا احتمل محامل أخر بحيث يظهر منه عدم تعين الأول
عنده، مع إشعار قوله مع قطع النظر عن الشهرة به.
هذا، مع أن النصوص التي احتمل بها عدم اعتبار المعاينة في الجلد
خاصة لا تدل عليه كلية بل غايتها الدلالة عليه في موردها خاصة، وهو
صورة اجتماع الرجلين مثلا تحت لحاف واحد، فلا دلالة فيها على المدعى
كلية، ولا إجماع مركب توجبها، لما عرفت من وجود قائل بها وإن ندر
كالمقنع (2) والإسكافي (3)، وقواها أيضا شيخنا الشهيد الثاني (4)، لا من

(1) ملاذ الأخيار 16: 82 - 83.
(2) المقنع: 433.
(3) المختلف 9: 179.
(4) المسالك 14: 417.
441

حيث الاحتمال الذي ذكره، ولذا لم يحتمل هو ولا غيره في محل البحث،
بل من حيث كونها أكثر عددا وأوضح سندا من نصوص التعزير عنده،
فكأنه خرج عن الأصل بها في موردها خاصة.
وبالجملة الأظهر عدم إمكان المصير إلى ذلك الاحتمال، فينبغي طرح
الموثق، أو حمله على الاحتمال الثاني للشيخ، أو على ما ذكره بعض
الأصحاب من كون التعبير بهذه العبارة في كلامه (عليه السلام) كناية عن قول الشاهد
أنه وطأها (1).
(ولا بد) مع ذلك (من تواردهم) واتفاقهم (على الفعل الواحد في
الزمان الواحد والمكان الواحد) فلو اختلفوا في أحدها بأن شهد بعضهم
على وجه مخصوص والباقون على غيره أو شهد بعضهم بالزنا غدوة
والآخرون عشية أو بعضهم في زاوية مخصوصة أو بيت والآخرون في غيره
لم يحد المشهود عليه، وحدوا للفرية، بلا خلاف، لأن كل واحد من الفعل
الواقع على أحد الوجوه غير الفعل الآخر، فلم يقم على الفعل الواحد أربعة
شهود، وللموثق: ثلاثة شهدوا أنه زنى بفلانة وشهد رابع أنه لا يدري بمن
زنى، قال: لا يحد ولا يرجم (2).
وظاهره - كالعبارة ونحوها - أنه لا بد إذا تعرض بعضهم لخصوصية أحد
القيود الثلاثة من تعرض الباقي لها واتفاقهم عليها.
خلافا لشيخنا في المسالك (3) والروضة (4) وبعض من تبعه (5) فقالا:
بعدم اشتراط التعرض لها مطلقا ولو تعرض بعضهم لها، لخلو النصوص

(1) كشف اللثام 2: 396 س 4.
(2) الوسائل 18: 372، الباب 12 من أبواب حد الزنا، الحديث 6.
(3) المسالك 14: 354.
(4) الروضة 9: 52 - 53.
(5) مفاتيح الشرائع 2: 66.
442

وكلام المتقدمين عنه، وعدم دليل عليه. قالا: ويمكن تنزيل العبارة ونحوها
على ذلك بحمل عدم القبول على تقدير التعرض لذلك، والاختلاف فيه.
وهو حسن لولا الموثق المتقدم الظاهر في الاشتراط في بعض الأفراد،
ويتم في غيره بعدم القائل بالفرق بين الأصحاب، ولا بد أيضا من اجتماعهم
حال إقامة الشهادة دفعة، بمعنى أن لا يحصل بين الشهادات تراخ عرفا،
لا بمعنى تلفظهم بها دفعة وإن كان جائزا.
(فلو أقام الشهادة بعض) الشهود في غيبة الباقي (حدوا) للفرية
(ولم يرتقب) أي لا ينتظر (إتمام البينة) لأنه لا تأخير في حد، كما في
الخبر: في ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) أين الرابع؟
فقالوا: الآن يجيء، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): حدوهم فليس في الحدود نظرة
ساعة (1).
وفي آخر: عن ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا وقالوا: الآن يأتي الرابع،
قال: يجلدون حد القاذف ثمانين جلدة كل رجل منهم (2).
وقصور السند مجبور بعدم الخلاف في الحكم إلا من محتمل الخلاف،
حيث قال: إذا تكاملت شهود الزنا فقد ثبت الحكم بشهادتهم، سواء شهدوا
في مجلس واحد أو مجالس، وشهادتهم متفرقين أحوط (3).
وفي المختلف حمل كلامه على تفرقهم بعد اجتماعهم لإقامة الشهادة
دفعة، نظرا إلى أن ذلك هو المذهب عندنا (4)، مشعرا بدعوى الإجماع
على الحكم.
وأظهر منه عبارة المسالك (5) حيث نسبه إلى مذهب الأصحاب.

(1) الوسائل 18: 372، الباب 12 من أبواب حد الزنا، الحديث 8، 9.
(2) الوسائل 18: 372، الباب 12 من أبواب حد الزنا، الحديث 8، 9.
(3) الخلاف 5: 388، المسألة 31.
(4) المختلف 9: 172.
(5) المسالك 14: 356.
443

وتقرب حمل كلام الخلاف على ما ذكر تصريح الحلي بنحو عبارته،
ومع ذلك قال قبلها: ولا تقبل شهادة الشهود على الزنا إلا إذا حضروا في
وقت واحد، فإن شهد بعضهم وقال: الآن يجيء الباقون جلد حد المفتري،
لأنه ليس في ذلك تأخير (1).
فلا إشكال في الحكم وإن حكي المخالفة فيه صريحا عن ابن عم الماتن
يحيى بن سعيد في الجامع (2)، إذ لا ريب في شذوذه.
وهل يشترط حضورهم في مجلس الحكم دفعة قبل اجتماعهم على
الإقامة؟ قولان، اختار أولهما الفاضل في القواعد (3) وولده في شرحه (4)،
وثانيهما في التحرير (5). وهو الأجود، وفاقا لجمع، لتحقق الشهادة المتفقة،
وعدم ظهور المنافي، مع الشك في اشتراط الحضور دفعة والخبران لا يدلان
على أزيد من اعتبار عدم تراخي الشهادات.
ويتفرع عليهما ما لو تلاحقوا فاتصلت شهادتهم بحيث لم يحصل
التأخير فيحدون على الأول قطعا، وعلى الثاني احتمالا، مع احتمال العدم،
نظرا إلى فقد شرط الاجتماع حال الإقامة دفعة، وانتفاء العلة الموجبة
للاجتماع، وهي تأخير حد القاذف، فإنه لم يتحقق هنا.
واعلم أن الحكم هنا بحد الشهود قبل الاجتماع للإقامة يدل بفحواه على
الحكم بحدهم إذا أبى بعضهم عن الشهادة، وبه صرح الشيخ في الخلاف (6)
والمبسوط (7) والحلي (8)، نافيين للخلاف فيه، بل صرح بالإجماع في

(1) السرائر 3: 431.
(2) الجامع للشرائع 548.
(3) القواعد 3: 525.
(4) الإيضاح 4: 475.
(5) التحرير 2: 221 س 6.
(6) الخلاف 5: 389، المسألة 32.
(7) المبسوط 8: 9.
(8) السرائر 3: 434.
444

الخلاف (1)، وجعله مقتضى المذهب في تاليه (2). وهو الحجة; مضافا إلى
الأولوية المتقدمة وقضية المغيرة المشهورة الصريحة في ذلك، كالصحيح،
قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا أكون أول الشهود الأربعة على الزنا أخشى
أن ينكل بعضهم فاجلد (3).
خلافا للفاضل في المختلف (4)، فلم يوجب هنا حد القذف. وهو غريب،
ودليله مع كونه اجتهادا في مقابلة النص الصحيح وغيره غير مسموع،
لا يسمن ولا يغني من جوع.
(وتقبل شهادة الأربع على الاثنين فما زاد) كما هنا وفي السرائر (5)
والتحرير (6) والإرشاد (7) وغيرها من كتب الأصحاب. ولعله لا خلاف فيه،
لعموم أدلة قبول الشهادة السليمة عن المعارض.
(ولا يسقط الحد) مطلقا (بالتوبة بعد قيام البينة) فليس للإمام
العفو عنه على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، لثبوت الحد،
فيستصحب، وللنصوص المستفيضة:
منها - زيادة على ما تقدم في بحث جواز العفو بالتوبة عن الحد إذا ثبت
بالإقرار - المرسل كالصحيح بصفوان بن يحيى: في رجل أقيمت عليه البينة
بأنه زنى ثم هرب قبل أن يضرب، قال: إن تاب فما عليه شئ، وإن وقع
في يد الإمام أقام عليه الحد، وإن علم مكانه بعث إليه (8).

(1) الخلاف 5: 389، المسألة 32.
(2) المبسوط 8: 9.
(3) الوسائل 18: 373، الباب 12 من أبواب حد الزنا، الحديث 11.
(4) المختلف 9: 128.
(5) السرائر 3: 434 - 431.
(6) التحرير 2: 222 س 8.
(7) الإرشاد 2: 172.
(8) الوسائل 18: 328، الباب 16 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4.
445

بناء على أن المراد بقوله: «إن تاب فما عليه شئ» أي فيما بينه وبين
الله سبحانه، ولكن إذا وقع في يد الإمام أقام عليه الحد، كالمرتد فطريا إذا
تاب على الأصح.
هذا، مضافا إلى فحوى النصوص (1) الدالة على رده في الحفيرة مع هربه
عنها إذا ثبت عليه الحد بالبينة وعدمه إذا ثبت بالإقرار.
خلافا للمفيد (2) والحلبي (3) فخير الإمام بين الإقامة عليه والعفو عنه
مع هربه عنها، للأصل.
وفيه: أنه بالعكس بعد ثبوت الحد في الذمة، ومنعه لا وجه له.
ولسقوط عقوبة الآخرة بالتوبة، فالدنيا أولى.
وفيه: أنه يسقط الأخروية حتما، والأولوية تقتضي حتمية سقوط
الدنيوية أيضا لا جوازه، ولا يقولان به.
(ويسقط) الحد (لو كانت) التوبة (قبلها) أي قبل قيام البينة،
مطلقا (رجما كان أو غيره) بلا خلاف أجده، وبه صرح بعض الطائفة (4)،
وبالوفاق بعض الأجلة (5). وهو الحجة; مضافا إلى صريح المرسلة
كالصحيحة، المؤيدة بعد الوفاق بالأولوية المتقدمة سندا للمفيد (6) ومن تبعه.
وفيها: رجل سرق أو شرب الخمر أو زنى فلم يعلم ذلك ولم يؤخذ منه
حتى تاب وصلح، فقال: إذا صلح وعرف منه أمر جميل لم يقم عليه الحدود (7).

(1) الوسائل 18: 376، الباب 15 من أبواب حد الزنا، الحديث 1، 4.
(2) المقنعة: 777.
(3) الكافي في الفقه: 407.
(4) الجامع للشرائع: 551.
(5) كشف اللثام 3: 398 س 6.
(6) المقنعة 777.
(7) الوسائل 18: 327، الباب 16 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3.
446

(النظر الثاني في) بيان (الحد) وأقسامه
اعلم أنه (يجب القتل على الزاني بالمحرمة) عليه نسبا (كالأم
والبنت) والأخت وبناتها وبنات الأخ والعمة والخالة، بلا خلاف أجده، وبه
صرح جماعة حد الاستفاضة، بل عليه الإجماع في الانتصار (1) والخلاف (2)
والغنية (3). وهو الحجة; مضافا إلى النصوص المستفيضة العامية والخاصية.
ومنها الحسن: من زنى بذات محرم حتى يواقعها ضرب ضربة بالسيف
أخذت منه ما أخذت، وإن كانت طاوعته ضربت ضربة بالسيف أخذت منها
ما أخذت (4).
وأما غيرهن من المحارم بالمصاهرة كبنت الزوجة وأمها فكغيرهن من
الأجانب على ما يظهر من الفتاوى، والنصوص خالية من تخصيص النسبي،
بل الحكم فيها معلق على ذات محرم مطلقا، لكن سند أكثرها ضعيفة،
والحسن منها قاصر عن الصحة، والصحيح منها رواية واحدة لا يجسر بمثلها
التهجم على النفوس المحرمة، سيما مع عدم الصراحة في الدلالة لو لم نقل
بكونها ضعيفة، بناء على عدم انصراف ذات محرم بحكم التبادر إلى
السببيات، بل المتبادر منها النسبيات خاصة.
ومن هنا يظهر ضعف إلحاق المحرم للرضاع بالنسب، مع عدم ظهور
قائل به عدا الشيخ في الخلاف (5) والمبسوط (6) وابن عم الماتن (7).

(1) الانتصار: 524.
(2) الخلاف 5: 386، المسألة 29.
(3) الغنية: 421.
(4) الوسائل 18: 385، الباب 19 من حد الزنا، الحديث 1.
(5) الخلاف 5: 386، المسألة 29.
(6) المبسوط: 8: 8.
(7) الجامع للشرائع 549.
447

وهما شاذان، ولذا لم يمل إلى مختارهما أحد من المتأخرين، عدا شيخنا في
الروضة، مع ظنه عدم القائل به، فقد جعله وجها، قال: مأخذه إلحاقه به في
كثير من الأحكام، للخبر (1). وذلك لأن غاية المأخذ على تقدير تسليمه
إفادته مظنة ما ضعيفة لا يجبر بها التهجم على ما عرفته. وكذا إلحاق زوجة
الأب والابن وموطوءة الأب بالملك بالمحرم النسبي.
(و) إن كان (ألحق الشيخ كذلك) به (2) والحلبي (3) والقاضي (4)
والحلي (5) وبنو زهرة (6) وحمزة (7) وسعيد (8) وجماعة من المتأخرين
(امرأة الأب) للخبر: رفع إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) رجل وقع على امرأة أبيه
فرجمه وكان غير محصن (9)، لضعفه، إلا أن يجبر لكثرة القائل بمضمونه على
الظاهر المصرح به في المسالك (10) بل الشهرة كما ربما يفهم من كلام بعض
الأجلة (11)، مع دعوى الإجماع عليه في الغنية (12).
وأما إلحاق الحلي (13) الثانية وابن حمزة الثالثة (14)، فشاذ. ومستندهما
غير واضح، عدا إطلاق النصوص المتقدمة. وفيه ما عرفته; مضافا إلى أنها
تعم الملحقة وغيرها، ولم يذكراه، مع عدم ظهورها في اعتبار القتل، بل
ظاهر أكثرها الاكتفاء بالضربة الواحدة مطلقا، أو في الرقبة، وهي لا تستلزم
القتل، كما في صريح بعضها: عن رجل وقع على أخته، قال: يضرب ضربة

(1) الروضة 9: 63.
(2) النهاية 3: 287.
(3) لم نعثر عليه.
(4) المهذب 2: 519.
(5) السرائر 3: 438.
(6) الغنية: 421.
(7) الوسيلة: 410.
(8) الجامع للشرائع 550.
(9) الوسائل 18: 386، الباب 19 من أبواب حد الزنا، الحديث 9.
(10) المسالك 14: 360.
(11) مجمع الفائدة 13: 52.
(12) الغنية: 421.
(13) السرائر 3: 438.
(14) الوسيلة: 410.
448

بالسيف، قلت: فإنه يخلص، قال: يحبس أبدا حتى يموت (1). وبمعناه
آخر (2). وهو شئ لم يذكره أحد ممن تقدم أو تأخر، بل عباراتهم طافحة
بذكر القتل الحاصل بضرب السيف وغيره.
نعم في الموثق: إذا زنى الرجل بذات محرم حد حد الزاني إلا أنه أعظم
ذنبا (3).
وجمع الشيخ بينه وبين ما مر بأن الإمام مخير بين قتله بالسيف وبين
رجمه (4). فتدبر.
(وكذا يقتل الذمي) بل مطلق الكافر (إذا زنى بمسلمة) كارهة أو
مطاوعة (و) كذا (الزاني) بالمرأة (قهرا) إجماعا في المقامين، على
الظاهر المصرح به في كثير من العبائر كالانتصار (5) والغنية (6) وغيرهما من
كتب الجماعة. وهو الحجة، مضافا إلى الخبرين في الأول.
أحدهما الموثق: عن يهودي فجر بمسلمة، فقال: يقتل (7).
ونحوه الثاني هو طويل: في نصراني فجر بمسلمة ثم أسلم بعد أن أريد
إقامة الحد عليه، فكتب (عليه السلام) يضرب حتى يموت، ولما سئل (عليه السلام) عن وجه
حده بعد إسلامه، كتب (عليه السلام) بسم الله الرحمن الرحيم «فلما رأوا بأسنا قالوا
آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا
بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون» (8).
وبمضمونه أفتى الشيخان في المقنعة (9) والنهاية (10) والحلي في

(1) الوسائل 18: 385، الباب 19 من أبواب حد الزنا، الحديث 4، 10، 8، 1.
(2) الوسائل 18: 385، الباب 19 من أبواب حد الزنا، الحديث 4، 10، 8، 1.
(3) الوسائل 18: 385، الباب 19 من أبواب حد الزنا، الحديث 4، 10، 8، 1.
(4) التهذيب 10: 24، الحديث 71.
(5) الانتصار: 526.
(6) الغنية: 421.
(7) الوسائل 18: 385، الباب 19 من أبواب حد الزنا، الحديث 4، 10، 8، 1.
(8) الوسائل 18: 407، الباب 36 من أبواب حد الزنا، الحديث 2.
(9) المقنعة: 783.
(10) النهاية 3: 286.
449

السرائر (1) والفاضل في التحرير (2) وشيخنا في الروضة (3)، ولا خلاف فيه
أجده إلا من بعض متأخري متأخري الطائفة، فاحتمل سقوط القتل عنه
بإسلامه، قال يجب الإسلام ما قبله والاحتياط في الدماء (4).
وهو ضعيف في الغاية، لكونه اجتهادا في مقابلة الرواية المعتبرة بفتوى
هؤلاء الجماعة، المؤيدة باستصحاب الحالة السابقة.
وأضعف منه قوله فيما بعد: وحينئذ يسقط عنه الحد ولا ينقل إلى الجلد
رأسا، للأصل (5); لفحوى ما دل على عدم سقوط الحد مطلقا من المسلم
بتوبته إذا ثبت عليه بالبينة، وغاية الإسلام أن تكون توبة. فتأمل.
وللصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة في الثاني.
ففي الثاني: الرجل يغصب المرأة نفسها، قال: يقتل (6).
وفي آخرين: يقتل محصنا كان أو غير محصن (7).
وفي رابع: إذا كابر الرجل المرأة على نفسها ضرب ضربة بالسيف مات
منها أو عاش (8).
(ولا يعتبر الإحصان) في شئ من الثلاثة ولا الحرية ولا الإسلام
(و) لا الشيخوخة، بل (يتساوى فيه) المحصن وغيره (الحر والعبد
والمسلم والكافر) بأنواعه والشيخ والشاب بلا خلاف، للعموم أو الإطلاق،
مع التصريح بعدم الفرق بين المحصن وغيره في الصحيحين في الزنا قهرا.
(وفي جلده) أي الزاني المحكوم بقتله في كل من الصور الثلاث

(1) السرائر 3: 437.
(2) التحرير 2: 222 س 17.
(3) الروضة 9: 65.
(4) كشف اللثام 2: 398 س 23.
(5) كشف اللثام 2: 398 س 23.
(6) الوسائل 18: 381، الباب 17 من أبواب حد الزنا، الحديث 1، 2.
(7) الوسائل 18: 381، الباب 17 من أبواب حد الزنا، الحديث 1، 2.
(8) الوسائل 18: 382، الباب 36 من أبواب حد الزنا، الحديث 6.
450

(قبل القتل تردد) من إطلاق الأدلة المتقدمة فتوى ونصا وإجماعا منقولا
بالقتل من دون ذكر جلد قبله في شئ منها مع ورودها في مقام الحاجة
وبيان حكم المسألة، ومن الجمع بينها وبين الأدلة الدالة بعمومها أو إطلاقها
بجلد مطلق الزاني، مع عدم منافاة بينهما، فإن إثبات حد في كل منهما لا
ينافي ثبوت حد الآخر بالآخر.
وإلى هذا ذهب الشهيدان في اللمعتين (1)، وفاقا منهما للحلي، لكنهما
حكما بالجلد ثم القتل مطلقا، وهو فصل بين موجب الجلد، فكما قالا:
وموجب الرجم فالجلد قبله، قال: لأن الرجم يأتي على القتل ويحصل الأمر
بالرجم، وإن كان غير محصن فيجب عليه الحد، لأنه زان ثم القتل بغير
الرجم (2).
وليس في إطلاق قول أصحابنا يجب عليه القتل على كل حال دليل
على رفع حد الزنا عنه، وأيده جماعة بما مر من الخبر في الزاني بذات
الرحم المتضمن لقوله (عليه السلام): حد حد الزاني إلا أنه أعظم ذنبا (3)، بناء على
أنه (عليه السلام) قد ساواه مع الزاني أولا ثم زاده عظما، ومعلوم أن الرجم لا يجب
على كل زان، فلو رجمناه خاصة - كما مر عن الشيخ - لم يكن قد سويناه
ببعض الزناة، بخلاف ما إذا جلدناه أولا إذا لم يكن محصنا ثم قتلناه
بالسيف، فإن الجلد وجب عليه بقوله: «حد حد الزاني»، والقتل بقوله: «أعظم
ذنبا»، وأيضا فإنه قد يكون محصنا وهو شيخ، وأعظم ما يتوجه إليه على
قول الشيخ الرجم، فيكون أحسن حالا منه إذا زنى بالأجنبية المطاوعة،
لأنه يجمع عليه بينهما إجماعا، فلا يتحقق الأعظمية.

(1) الروضة 9: 68 - 69.
(2) السرائر 3: 438.
(3) الوسائل 18: 386، الباب 19 من أبواب حد الزنا، الحديث 8.
451

وفي التأييد مناقشة، وكذا في دعوى عدم المنافاة بين الأدلة، بعدما
عرفت من ورود أدلة القتل في مقام الحاجة الموجب للدلالة على عدم حد
آخر، وإلا للزم تأخير البيان عنها، وهو غير جائز بلا شبهة. ولعله لذا اختار
المشهور القتل خاصة، كما صرح به بعض الأجلة (1)، وبشذوذ قول الحلي
صرح آخر (2)، مشعرا بدعوى الإجماع على خلافه.
فإذا المشهور لا يخلو عن قوة، سيما وأن الحد يدرأ بالشبهة.
(ويجب الرجم على المحصن إذا زنى ببالغة عاقلة) بالنص والإجماع،
كما في كلام جماعة.
(ويجمع للشيخ والشيخة) مع الإحصان (بين الحد) أي الجلد
(والرجم إجماعا) كما هنا وفي كلام جماعة. وهو كذلك، إلا أن العماني
أطلق الرجم على المحصن (3)، ولم يذكر الجلد، لإطلاق جملة من النصوص
وفيها الصحيح وغيره، وحملها الشيخ على التقية، قال: لأنه مذهب جميع
العامة (4). فقوله ضعيف والنص بخلافه - كما ستقف - عليه مستفيض.
(وفي) الجمع بينهما على (الشاب) والشابة (روايتان) باختلافهما
اختلف الأصحاب.
فبين من جمع بينهما عليهما كالشيخين (5) والمرتضى (6) والحلي (7)
وعامة المتأخرين، وادعى الشهرة المطلقة عليه جماعة، وجعله في الانتصار
من متفردات الإمامية (8)، ويقرب منه عبارة الخلاف (9) المحكية، والرواية

(1) كشف اللثام 2: 398 س 30.
(2) مفاتيح الشرائع 2: 71.
(3) المختلف 9: 131.
(4) التهذيب 10: 5، الحديث 18.
(5) المقنعة: 775 - 776، التبيان: ذيل الآية 2 من سورة النور.
(6) الانتصار: 516.
(8) الانتصار: 516.
(7) السرائر 3: 438 - 439.
(9) الخلاف 5: 366، المسألة 2.
452

الدالة عليه مع ذلك مستفيضة:
ففي الصحيحين: في المحصن والمحصنة جلد مائة جلدة ثم الرجم (1).
وفي الخبر: المحصن يجلد مائة ويرجم (2).
وفي آخر: امرأة زنت فحملت فقتلت ولدها سرا فأمر بها فجلدها مائة
جلدة ثم رجمت (3).
ومر في الصحيح: من أقر على نفسه عند الإمام بحق حد من حدود الله
- إلى أن قال: - إلا الزاني المحصن فإنه لا يرجمه حتى يشهد عليه أربعة
شهود، فإذا شهدوا ضربه الحد مائة جلدة ثم يرجمه (4).
وروي: أن عليا (عليه السلام) جلد شراحة الهمدانية يوم الخميس ورجمها يوم
الجمعة، وقال: حددتها بكتاب الله سبحانه، ورجمتها بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) (5).
وتعليله (عليه السلام) عام إن لم تكن شراحة شابة، وإلا فالرواية ناصة، وفيها
إشارة إلى صحة ما استدل به الجماعة على الجمع زيادة على النصوص
المتقدمة من الجمع بين الكتاب والسنة، نظير ما مر للحلي من الجمع بينهما
في المسألة السابقة.
وبين من اقتصر فيهما على الرجم وخص الجمع بينه وبين الجلد بالشيخ
والشيخة خاصة كالشيخ في النهاية (6) وكتابي الحديث (7) وبني زهرة (8)
وسعيد (9) وحمزة (10)، لأصالة البراءة، وتدفع بالأدلة المتقدمة، وللرواية
الثانية إذا زنى الشيخ والعجوز جلدا ثم رجما عقوبة لهما، وإذا زنى النصف

(1) الوسائل 18: 348، الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 8، 7، 13، 15.
(2) الوسائل 18: 348، الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 8، 7، 13، 15.
(3) الوسائل 18: 348، الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 8، 7، 13، 15.
(4) الوسائل 18: 348، الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 8، 7، 13، 15.
(5) سنن البيهقي 8: 220.
(6) النهاية 3: 287.
(7) التهذيب 10: 5، ذيل الحديث 18، الاستبصار 4: 202، ذيل الحديث 9.
(8) الغنية: 422.
(9) الجامع للشرائع: 550.
(10) الوسيلة: 411.
453

من الرجال رجم ولم يجلد إذا كان قد احصن (1). ونحوها اخرى (2).
وقصورهما سندا ومكافأة لما مضى من وجوه شتى يمنع من العمل
بهما، سيما مع رجوع الشيخ عنهما في التبيان (3).
ومما ذكرنا يظهر أن (أشبههما) أي الروايتين (الجمع) بين الحدين
فيهما أيضا.
(ولا يجب الرجم) على المحصن (بالزنا بالصغيرة) الغير البالغة تسع
سنين (والمجنونة) مطلقا (و) لكن (يجب) عليه (الجلد) خاصة (وكذا
لو زنى بالمحصنة صغير) فلا يجب عليها الرجم، بل الجلد خاصة (و) لكن
(لو زنى بها المجنون لم يسقط عنها الرجم) وفاقا للنهاية (4) وجماعة، بل على
عدم إيجاب زنا العاقل بالمجنونة الرجم عليه ادعى في الروضة (5) الشهرة.
وحجتهم غير واضحة، عدا الصحيح: في زنا الصغير بالمحصنة، قال: لا
يرجم، لأن الذي نكحها ليس بمدرك، فلو كان مدركا رجمت (6). وقريب منه
عموم صحيح آخر مروي عن قرب الإسناد: عن صبي وقع على امرأة، قال:
تجلد المرأة وليس على الصبي شئ (7).
وهما أخص من المدعى معارضان بما ورد في الروايات من إطلاق حد
البالغ منهما، وهو محمول على الحد المعهود عليه بحسب حاله من
الإحصان وغيره.
ففي الموثق: في غلام لم يبلغ الحلم فجر بامرأة أي شئ يصنع بهما؟

(1) الوسائل 18: 349، الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 11، 12.
(2) الوسائل 18: 349، الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 11، 12.
(3) التبيان: ذيل الآية 2 من سورة النور.
(4) النهاية 3: 290.
(5) الروضة 9: 103.
(6) الوسائل 18: 362، الباب 9 من أبواب حد الزنا، الحديث 1، 2.
(7) الوسائل 18: 362، الباب 9 من أبواب حد الزنا، الحديث 1، 2.
454

قال: يضرب الغلام دون الحد، ويقام على المرأة الحد، قلت جارية لم تبلغ
وجدت مع رجل يفجر بها، قال: تضرب الجارية دون الحد، ويقام على
الرجل الحد (1). ونحوه غيره (2).
ولعله لذا ذهب الحلي (3) وجماعة في ظاهر إطلاق عبائرهم إلى وجوب
الحد على الكامل منهما كملا، لتحقق الإحصان والزنا المقتضي لكمال الحد
بالرجم.
ويمكن الذب عن الأخصية بعدم القائل بالفرق بين المورد وغيره، فكل
من قال بعدم الرجم فيه قال بعدمه بزنا المحصن بالصغيرة والمجنونة، وكل
من قال بثبوته عليها في المورد قال بثبوته عليه في زناه بهما.
هذا، مع أن الحلي في السرائر جعل تمام المدعى مما في العبارة رواية،
وإرسالها مجبور بالشهرة الظاهرة والمحكية. ولولا شبهة احتمال ضعف
الدلالة لكانت هي للجماعة حجة مستقلة.
فالمشهور لعله لا يخلو عن قوة، لقوة ما مر من الحجة المعتضدة - زيادة
على الشهرة - بما ذكروه من علل اعتبارية.
ولو تنزلنا عن قوتها فلا ريب في إيراثها الشبهة الدارئة للحدود اتفاقا
فتوى ورواية.
وأما زنا المجنون بالكاملة فلا إشكال في إيجاب الحد عليها كملا،
ولا خلاف فيه ظاهرا، إلا ما يحكى عن ابن عم الماتن (4) حيث سوى بين
الصبي والمجنون في أنها إن زنت بأحدهما لم ترجم، ومستنده مع شذوذه

(1) الوسائل 18: 362، الباب 9 من أبواب حد الزنا، الحديث 5.
(2) قرب الاسناد: 111.
(3) السرائر 3: 443 - 444.
(4) الجامع للشرائع 552.
455

غير واضح، بل قيام الأدلة على خلافه لائح.
(ويجز) أي يحلق (رأس البكر مع الحد) وجلد مائة (ويغرب)
وينفى (عن بلده) التي جلد فيها، كما يستفاد من النصوص (سنة) بلا
خلاف أجده في الجملة، بل عليه الإجماع في المسالك (1) والغنية (2). وهو
الحجة; مضافا إلى النصوص المستفيضة:
منها - زيادة على ما تأتي إليه الإشارة -: النبوي: البكر بالبكر جلد مائة
وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة ثم الرجم (3).
والصحيح: في الشيخ والشيخة جلد مائة والرجم، والبكر والبكرة جلد
مائة ونفي سنة (4).
وليس فيهما - ككثير من النصوص - ذكر الخبر، كما هنا وفي الشرائع (5)
والقواعد (6) والإرشاد (7) والتحرير (8) وعن النهاية (9) والمراسم (10)
والوسيلة (11) والجامع (12) والمقنعة (13)، بل فيها ذكر الجلد والتغريب خاصة.
ولعله لذا لم يذكره من القدماء جماعة كالصدوق والعماني والإسكافي
والشيخ في المبسوط والخلاف وابن زهرة. ولكن الأول أشهر، بل لم ينقل
الخلاف فيه كثير، للخبرين:

(1) المسالك 14: 367.
(2) الغنية 423.
(3) سنن البيهقي 8: 222.
(4) الوسائل 18: 348، الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 9.
(5) الشرائع 4: 155.
(6) القواعد 3: 527.
(7) الإرشاد 2: 173.
(8) التحرير 2: 222 س 27.
(9) النهاية 3: 288.
(10) المراسم: 253.
(11) الوسيلة: 411.
(12) الجامع للشرائع: 550.
(13) المقنعة: 780.
456

في أحدهما: عن رجل تزوج امرأة ولم يدخل بها فزنى ما عليه؟ قال:
يجلد الحد، ويحلق رأسه، ويفرق بينه وبين أهله وينفى سنة (1).
وفي الثاني: فيمن تزوج ففجر قبل أن يدخل بأهله، فقال: يضرب مائة
ويجز شعره وينفى من المصر حولا ويفرق بينه وبين أهله (2).
وظاهر إطلاق الجز فيه وإن شمل جز شعر اللحية ونحوها إلا أن
المتبادر منه جز شعر الرأس، فينبغي تقييده به، سيما مع التصريح به في
الخبر الأول، ولذا منع الأصحاب عن غيره، بل ظاهر المحكي عن المقنعة (3)
والمراسم (4) والوسيلة (5) تخصيصه بشعر الناصية. قيل: لأصل البراءة من الزيادة
عليها وزيادة مدخلية جز شعرها خاصة في الشناعة (6). وهو حسن لولا
ظهور الخبرين في جز شعر الرأس بتمامه مع كونهما المستند في أصل جواز.
(و) اختلف الأصحاب في تعريف (البكر) من هو فقيل: الذي (من
ليس بمحصن) مطلقا، كما في صريح المبسوط (7) والخلاف (8) والسرائر (9)
وظاهر العماني (10) والإسكافي (11) والحلبي (12)، واختاره أكثر المتأخرين كما
في المسالك (13)، بل المشهور كما في غيره، وظاهر السرائر (14) وصريح
الخلاف (15) كونه مجمعا عليه بين الطائفة. وهو الحجة; مضافا إلى النبوية
المتقدمة حيث قسم الزاني فيها قسمين لا ثالث لهما.
وإطلاق الخبر: إذا زنى الشاب الحدث السن جلد ونفي سنة من

(1) الوسائل 18: 359، الباب 7 من أبواب حد الزنا، الحديث 8، 7.
(2) الوسائل 18: 359، الباب 7 من أبواب حد الزنا، الحديث 8، 7.
(3) المقنعة: 780.
(4) المراسم: 253.
(5) الوسيلة: 411.
(6) كشف اللثام 2: 399 س 16.
(7) المبسوط 8: 2.
(8) الخلاف 5: 368، المسألة 3.
(9) السرائر 3: 439.
(10) المختلف 9: 131 - 134.
(11) المختلف 9: 131 - 134.
(12) الكافي في الفقه: 405.
(13) المسالك 14: 369.
(14) السرائر 3: 439.
(15) الخلاف 5: 368، المسألة 3.
457

مصره (1). فإنه عام، خرج المحصن بالنص والإجماع، فيبقى غيره.
(وقيل) كما عن صريح النهاية (2) والجامع (3) والغنية (4) والإصباح (5)
وظاهر المقنع (6) والمقنعة (7) والمراسم (8) والوسيلة (9) أنه (الذي أملك)
وعقد له أو عليها دواما (ولم يدخل) وادعى في التحرير عليه الشهرة
واختاره فيه (10)، وفي المختلف (11) وولده في الإيضاح (12) وأبو العباس في
المقتصر (13)، للنصوص:
منها الصحيح: في البكر والبكرة إذا زنيا جلد مائة ونفي سنة في غير
مصرهما، وهما اللذان قد أملكا ولم يدخل بها (14).
ومنها: الذي لم يحصن يجلد مائة ولا ينفى، والذي قد أملك ولم يدخل
بها يجلد مائة وينفى سنة (15).
وقصور سند الثاني وتضمن الأول نفي البكرة - مع أنهم لا يقولون به،
بل ادعى في الخلاف (16) الإجماع على خلافه، كما يأتي - يمنع عن العمل
بهما، مع ضعف دلالة الأول، باحتمال كون التعريف من غير الإمام. ولا جابر
لهذه القوادح عدا الشهرة المحكية في التحرير. وهي موهونة بعدم المعلومية،

(1) الوسائل 18: 349، الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 11، 2.
(2) النهاية 3: 288.
(3) الجامع للشرائع: 550.
(4) الغنية: 424.
(5) إصباح الشيعة: 514.
(6) المقنع: 431.
(7) المقنعة: 780.
(8) المراسم: 253.
(9) الوسيلة: 411.
(10) التحرير 2: 222 س 27.
(11) المختلف 9: 135.
(12) الإيضاح 4: 479.
(13) المقتصر 400 - 401.
(14) الوسائل 18: 348، الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 2، 7.
(15) الوسائل 18: 348، الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 2، 7.
(16) الخلاف 5: 368، المسألة 3.
458

مع دعوى جماعة الشهرة على خلافها، ومنهم شيخنا في المسالك، كما
عرفته، ويزيد وهنها رجوع الشيخ عما يوافقها إلى القول الأول في كتابيه
المبسوط (1) والخلاف (2)، سيما وأن في الثاني ادعى الإجماع.
فالقول الأول لا يخلو عن قوة وإن كانت المسألة لا تخلو بعد عن شبهة.
ولعله لذا أن الفاضل في الإرشاد (3) والقواعد (4) والفاضل المقداد في
التنقيح (5) والصيمري في شرح الشرائع (6) ظاهرهم التردد، حيث اقتصروا
على نقل القولين من دون ترجيح لأحدهما في البين. وبه تحصل الشبهة
الدارئة، وبموجبه يتقوى القول الثاني في المسألة، سيما وظاهر الغنية إن
عليه إجماع الإمامية (7).
(ولا تغريب على المرأة) مطلقا على الأشهر الأقوى، بل عليه عامة
متأخري أصحابنا على الظاهر المصرح في النهاية (8) والمختلف (9)، بل عليه
في صريح الخلاف (10) والغنية (11) وظاهر المبسوط (12) الإجماع عليه. وهو
الحجة المترجحة على نحو الصحيحة المتقدمة بالأصل والشهرة العظيمة،
الظاهرة والمحكية في كلام جماعة، وتعدد النقلة له والعلل المذكورة في
كلام الجماعة: من أن المرأة عورة يقصد بها الصيانة ومنعها عن الإتيان بمثل
ما فعلت، ولا يؤمن عليها ذلك في الغربة وغير ذلك.
خلافا للعماني فقال تغرب أيضا (13)، وربما يحكى عن الإسكافي (14).

(1) المبسوط 8: 2.
(2) الخلاف 5: 368، المسألة 3.
(3) الإرشاد 2: 173.
(4) القواعد 3: 527.
(5) التنقيح 4: 337.
(6) غاية المرام 193 س 3 (مخطوط).
(7) الغنية 423.
(8) النهاية 3: 288.
(9) المختلف 9: 137.
(10) الخلاف 5: 368، المسألة 3.
(11) الغنية 423.
(12) المبسوط 8: 2.
(13) المسالك 14: 369.
(14) المسالك 14: 369.
459

وهو شاذ وإن دل عليه نحو الصحيح المتقدم، لما تقدم، مضافا إلى ما قيل
عليه: من أنه ليس نصا في تغريبها لجواز أن يراد أنه (عليه السلام) «قضى فيما إذا
زنى بكر ببكرة بجلد مائة ونفي سنة إلى غير مصرهما» أي المصر الذي زنيا
فيه وهو ليس صريحا في تغريبها فيجوز اختصاصه به (1).
(و) كذا (لا جز) عليها اتفاقا في الظاهر المصرح به في بعض
العبائر (2). وهو الحجة; مضافا إلى أصالة البراءة هنا، السليمة عن المعارض
بالكلية من الفتوى والرواية، لاختصاص ما دل منهما عن الجز بالرجل دون
المرأة.
واعلم أن ما مر من اختلاف الحدود وثبوتها على الزاني باختلاف
أنواعه غير القتل يختص بما إذا كان حرا.
(و) أما (المملوك) فالحكم فيه أن (يجلد خمسين جلدة) مطلقا
(ذكرا كان أو أنثى محصنا) كان (أو غير محصن) شيخا أو شابا بلا
خلاف، لقوله سبحانه: «فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب» (3)،
وللنصوص المستفيضة:
منها الصحيح: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في العبيد والإماء إذا زنى
أحدهم أن يجلد خمسين جلدة وإن كان مسلما أو كافرا، ولا يرجم ولا
ينفى (4).
ومنها: في الأمة تزني تجلد نصف الحد كان لها زوج أو لم يكن لها
زوج (5).

(1) كشف اللثام 2: 399 س 37.
(2) كشف اللثام 2: 399 س 31.
(3) النساء: 25.
(4) الوسائل 18: 402، الباب 31 من أبواب حد الزنا، الحديث 5، 2.
(5) الوسائل 18: 402، الباب 31 من أبواب حد الزنا، الحديث 5، 2.
460

ومنها: إذا زنى العبد والأمة، وهما محصنان فليس عليهما الرجم إنما
عليهما الضرب (1).
(ولا جز على أحدهما) أي المملوك والمملوكة (ولا تغريب) مطلقا
بلا خلاف فيه بيننا بل عليه الإجماع في ظاهر كلام جماعة وصريح
الغنية (2) والروضة (3). وهو الحجة; مضافا إلى الصحيحة المتقدمة في نفي
النفي، ولا قائل بالفرق، وأصالة البراءة، مع اختصاص المثبت لهما على البكر
من الفتوى والرواية بحكم التبادر والغلبة بالحر دون الرق، مع أن في التغريب
إضرارا بالسيد، وأنه للتشديد والمملوك اعتاد الانتقال من بلد إلى آخر،
لأنه جليب.
(ولو تكرر الزنا) من الحر أو المملوك لم يحد فيما بينهما (كفى) أن
يقام عليه (حد واحد) مطلقا على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تأخر،
وادعى عليه الشهرة المطلقة جماعة، ومنهم الفاضل في المختلف (4)، بل
ظاهره بلوغها الإجماع، حيث استند إليها، مع أن الشهرة الغير البالغة حده
ليست حجة عنده. قيل: لأصالة البراءة، وصدق الامتثال، وابتناء الحدود
على التخفيف، وللشك في وجوب الزائد، فيدرأ بالشبهة.
وفي الأولين مناقشة لاقتضاء تعدد الأسباب تعدد المسببات، والتداخل
خلاف الأصل، لكن مقتضى هذا لزوم التعدد مطلقا ولو كان المزني بها
مكررا واحدة، ولم يقل به أحد من الطائفة، حتى الإسكافي (5) والصدوق (6)،

(1) الوسائل 18: 402، الباب 31 من أبواب حد الزنا، الحديث 3.
(2) الغنية 423.
(3) الروضة 9: 111.
(4) المختلف 9: 162.
(5) المختلف 9: 162.
(6) المقنع: 438.
461

اللذين حكي عنهما الخلاف في المسألة فإنهما قالا بما عليه الجماعة إن وقع
التكرار بامرأة واحدة، وأوجب التعدد إن وقع بالمتعددة.
وحينئذ فلا يمكن الأخذ بالقاعدة المقتضية لتعدد المسببات عند تعدد
أسبابها، لمخالفة عمومها الإجماع هنا، فلا بد من المصير إلى أحد القولين،
إما التفصيل المتقدم، أو المنع عن التعدد مطلقا والأول غير ممكن، لعدم
الدليل عليه، عدا خبر واحد قاصر السند، بل ضعيف شاذ مطروح، كما صرح
به الماتن في الشرائع (1)، فتعين الثاني.
وينبغي تقييده بما إذا اقتضى الزنا المتكرر نوعا واحدا من الحد جلدا
أو رجما أو نحوهما، أما لو اقتضى حدودا مختلفة كأن زنى بكرا ثم زنى
محصنا توجه عليه الحدان معا.
ولا ينافيه إطلاق العبارة ونحوها، لعدم انصرافها بحكم التبادر إلى
الصورة الأخيرة جدا، مع تصريحهم كما سيأتي إن شاء الله تعالى بأنه إذا
اجتمع عليه الحد والرجم جلد أولا، وهو كالصريح فيما ذكرنا.
(ولو حد مع كل مرة قتل في الثالثة) وفاقا للصدوقين (2) والحلي (3)،
للصحيح: إن أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة (4)، وادعى الإجماع عليه
في السرائر (5).
(وقيل) كما عن المقنعة (6) والنهاية (7) والمبسوط (8) والكافي (9)

(1) الشرائع 4: 155.
(2) المقنع 439.
(3) السرائر 3: 442.
(4) الوسائل 18: 313، الباب 5 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.
(5) السرائر 3: 442.
(6) المقنعة: 776.
(7) النهاية 3: 288.
(8) المبسوط 8: 11.
(9) الكافي في الفقه 407.
462

والجامع (1) والوسيلة (2) والانتصار (3) والغنية (4): بل يقتل (في الرابعة.
وهو) أشهر، كما ادعاه جمع ممن تأخر (5) معترضين به إجماع الحلي.
أقول: مع أنه معارض بالإجماع المحكي في الانتصار (6) والغنية (7)
على الحكم في خصوص المسألة، ولا كذلك إجماعه، لكونه مدعيا على
الحكم كلية في كل كبيرة، فيترجح إجماعهما على إجماعه، سيما مع تعدده،
فيخصص به إجماعه والصحيح المتقدم، لعمومه، مع معارضته أيضا بكثير
من النصوص:
كالموثق: الزاني إذا جلد ثلاثا يقتل في الرابعة (8).
والخبر المروي عن العيون (9) والعلل (10) عن محمد بن سنان عن مولانا
الرضا (عليه السلام) فيما كتب إليه: وعلة القتل بعد إقامة الحد في الثالثة على الزاني
والزانية لاستحقاقهما إلى آخر الرواية. وقريب منها اخرى آتية.
وقصور السند مجبور بالشهرة الظاهرة والمحكية في كلام جماعة
والإجماعات المنقولة كما عرفته، وهذه النصوص مخصص آخر أيضا،
للصحيحة المتقدمة.
فإذا هذا القول في غاية القوة، مع كونه (أحوط) بلا خلاف ولا شبهة،
لما فيه من عدم التهجم على إراقة الدماء وحفظ النفس المحترمة.

(1) الجامع للشرائع: 551.
(2) الوسيلة: 411.
(3) الانتصار 519.
(4) الغنية 421.
(5) مفاتيح الشرائع 2: 69، المسالك 14: 371.
(6) الانتصار 519.
(7) الغنية: 421.
(8) الوسائل 18: 387، الباب 20 من أبواب حد الزنا، الحديث 1.
(9) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 97.
(10) علل الشرائع 546، الحديث 1.
463

وأما القول بقتله في الخامسة - كما يحكى عن الخلاف (1) - فشاذ غير
واضح المستند مخالف للإجماع.
(والمملوك) وكذا المملوكة (إذا أقيم عليه حد الزنا سبعا قتل في
الثامنة) وفاقا للشيخين (2) والصدوقين (3) والديلمي (4) والحلبي (5)
والحلي (6) وابن حمزة (7) والسيدين في الانتصار (8) والغنية (9)، مدعيين
عليه إجماع الإمامية، ونسبه في السرائر (10) إلى أصحابنا ما عدا الشيخ في
النهاية، مشعرا بدعوى الإجماع عليه (11) أيضا. وهو الحجة; مضافا إلى
الصحيحة: إذا زنى العبد ضرب خمسين، فإن عاد ضرب خمسين، فإن عاد
ضرب خمسين إلى ثماني مرات فإن زنى ثماني مرات قتل (12). ويناسبه ما
مر من الأدلة على قتل الحر في الرابعة، بناء على تنصيف حكم المملوك.
(وقيل) كما عن النهاية (13) والقاضي (14): بل يقتل (في التاسعة)
وهو أولى واختاره الفاضل في المختلف (15) وولده في الإيضاح (16)، للخبر:
في أمة زنت، قال: تجلد خمسين جلدة، قلت: فإنها عادت، قال: تجلد
خمسين، قلت: فيجب عليها الرجم في شئ من الحالات، قال: إذا زنت

(1) الخلاف 5: 408، المسألة 55.
(2) المقنعة 779، الخلاف 5: 408، المسألة 55.
(3) المقنع: 439.
(4) المراسم: 253.
(5) الكافي في الفقه 407.
(6) السرائر 3: 442 - 443.
(7) الوسيلة: 411.
(8) الانتصار: 519.
(9) الغنية: 421.
(10) السرائر 3: 442 - 443.
(11) النهاية 3: 289.
(12) الوسائل 18: 403، الباب 32 من أبواب حد الزنا، الحديث 2.
(13) النهاية 3: 289.
(14) المهذب 2: 520.
(15) المختلف 9: 141.
(16) الإيضاح 4: 488.
464

ثماني مرات يجب عليها الرجم، قلت: كيف صار في ثماني مرات؟ فقال:
لأن الحر إذا زنى أربع مرات وأقيم عليه الحد قتل، فإذا زنت الأمة ثماني
مرات رجمت في التاسعة (1).
وضعف سنده يمنع عن العمل به، سيما مع اختلال متنه بتضمنه تعليل
القتل في التسع بمناسبته لتنصيف حد المملوك عن حد الحر. ولا ريب أنها
تقتضي القتل في الثامنة، كما عرفته، وصرح به جماعة فلا يمكن الجمع
بينهما ولا الحكم بخلل التعليل، لموافقته الأدلة المتكاثرة من الفتوى
والرواية.
فتعين توجه الخلل إلى الحكم بالقتل في التاسعة، سيما مع منافاته لصدر
الرواية، فإن ظاهره كالصحيحة السابقة هو القتل في الثامنة، مع أنه أيضا
تضمن الأمر بالرجم، وهو ينافي جواز مطلق القتل ولو بغيره المتفق عليه
حتى من أرباب هذا القول، ولا جابر لهذه القوادح وغيرها من نحو القصور
عن المقاومة للأدلة المتقدمة، لاشتهارها شهرة عظيمة دون هذه الرواية،
سيما مع رجوع الشيخ في المبسوط (2) والخلاف (3) عنها إلى ما عليه
الجماعة، فلم يبق من القدماء قائل بهذا القول، عدا القاضي، وهو بالنسبة إلى
باقيهم نادر جدا، كندرة الفاضل وولده بالنسبة إلى باقي المتأخرين، إذ لم
يصر أحد منهم إلى ترجيح هذا القول صريحا وإن احتاطوا به فقالوا:
(وهو أولى) لعين ما في المسألة السابقة، وقد مضى.

(1) الوسائل 18: 402، الباب 32 من أبواب حد الزنا، الحديث 1.
(2) المبسوط 8: 11.
(3) لم نجد في الخلاف التصريح بالرجوع، إنما قال: قد روي أن الحر يقتل في الرابعة، الخلاف 5:
408، المسألة 55.
465

وفيه نظر جدا، إذ الأولوية حسنة حيث يحصل شبهة للحد دارئة، وهي
في المسألة - بعد ما عرفت من قيام الأدلة القوية من الصحيحة والإجماعات
المحكية والشهرة العظيمة المتحققة - مفقودة وإن لم يحصل منها سوى
المظنة، لكونها من المجتهد بمنزلة العلم والمعرفة، كما برهن في محله، ولذا
يكتفى بها في سائر المواضع المأمور فيها بتحصيل العلم اتفاقا، فينبغي
الاكتفاء بها هنا أيضا.
والاحتياط في العمل بالأخذ بالمتيقن حسن حيث لم يكن فيه مخالفة
الاحتياط من وجه آخر، كما في محل البحث، فإن ترك قتله في الثامن بعد
ثبوت الأمر به بالظن الاجتهادي يوجب تعطيل حدود الله تعالى.
اللهم إلا أن يقال: إذا دار الأمر بين محظورين كان الاحتياط في اجتناب
أكثرهما ضررا. ولا ريب أن ضرر قتل النفس المحترمة أشد ثم أشد من
ضرر تعطيل حدود الله سبحانه فتأمل.
وهنا قول آخر بالتفصيل محكي عن الراوندي مأخذه الجمع بين
الخبرين، بحمل الأول على ما إذا أقيمت البينة، والثاني على حالة الإقرار (1).
وهو مع شذوذه تحكم، كما صرح به جمع (2) لفقد التكافؤ ثم الشاهد،
وفي الروايتين أن الإمام (عليه السلام) يدفع ثمن المملوك بعد قتله إلى مواليه من بيت
المال (3)، واختاره بعضهم (4)، ونفى عنه الشهيد البعد (5).
(والحاكم في الذمي) إذا زنى بذمية (بالخيار في إ قامة الحد عليه
وتسليمه إلى أهل نحلته) وملته (ليقيموا الحد) عليه (على معتقدهم)

(1) المسالك 14: 374، مفاتيح الشرائع 2: 70.
(2) المسالك 14: 374، مفاتيح الشرائع 2: 70.
(3) الوسائل 18: 402، الباب 32 من أبواب حد الزنا، الحديث 1، 2.
(4) المسالك 14: 374.
(5) غاية المراد 182 س 12 (مخطوط).
466

الذي يزعمونه حقا وإن حرفوه بلا خلاف أجده، وبه صرح بعض الأجلة (1).
وهو الحجة; مضافا إلى قوله سبحانه: «فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو
أعرض عنهم» (2).
وللعامة قول (3) بنسخه ووجوب الحكم بقوله تعالى: «وأن احكم بينهم
بما أنزل الله» (4)، ولم يثبت، والأصل عدمه، مع أن في بعض الأخبار
المعتبرة: عن الرجل يزني بيهودية أو نصرانية، فكتب (عليه السلام) إن كان محصنا
فارجمه، وإن كان بكرا فاجلده مائة جلدة ثم أنفه، وأما اليهودية فابعث بها
إلى أهل ملتها فيقضوا ما أحبوا (5).
وظاهره كالعبارة ونحوها من عبائر الجماعة حجة على من فسر الدفع
بمعنى الإعراض، قائلا: إن الدفع ليقيم حاكمهم عليه الحد بما يراه أمر
بالمنكر إن خالف شرعنا.
نعم يجوز إذا وافقه، لكن ما ذكره يوافق ظاهر الآية، والاعتبار الذي
ذكره، والرواية المروية عن قرب الإسناد: عن يهودي أو نصراني أو مجوسي
أخذ زانيا أو شارب خمر ما عليه؟ قال: يقام عليه حدود المسلمين إذا فعلوا
ذلك في مصر من أمصار المسلمين، أو في غير أمصار المسلمين إذا رفعوا
إلى حكام المسلمين (6).
فالأحوط (7) ما ذكره، سيما مع احتمال نسخ الآية وإن كان دعواه
غير ثابتة.

(1) مجمع الفائدة 13: 93.
(2) المائدة: 42 - 49.
(3) سنن البيهقي 8: 249.
(4) المائدة: 42 - 49.
(5) الوسائل 18: 361، الباب 8 من أبواب حد الزنا، الحديث 5.
(6) قرب الاسناد 112.
(7) في المطبوع: والأحوط.
467

وإنما قيدنا الحكم بما إذا زنى بذمية تبعا لجماعة، لأنه إذا زنى بمسلمة
فعلى الإمام (عليه السلام) قتله، ولا يجوز له الإعراض عنه، لهتكه حرمة الإسلام،
وخروجه عن الذمة.
(ولا يقام على الحامل) ولو من زنا (حد) رجما كان أو جلدا (ولا
قصاص) بطريق أولى (حتى تضع) ولدها (وتخرج من نفاسها) إذا كان
المقصود جلدها، وإلا فترجم أو تقتل بعد الوضع من ساعتها إن مات ولدها
(و) إلا فيتربص بها حتى (ترضع الولد) وتحصنه إذا لم يوجد له مرضع
أو حاضر، إذ لا سبيل على حملها، ولا تزر وازرة وزر اخرى، كما في النص
المروي عن إرشاد المفيد (رحمه الله) (1) والنصوص به - زيادة على ذلك - مستفيضة:
ففي النبوي: إذا لا نرجمها وندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه فقام
رجل من الأنصار، فقال: إلي رضاعه يا نبي الله فرجمها (2).
وفي المرتضوي: انطلقي فضعي ما في بطنك ثم ائتيني أطهرك، ثم لما
وضعت قال لها: انطلقي فأرضعيه حولين كاملين كما أمرك الله تعالى، ثم لما
أرضعته قال لها: انطلقي فاكفليه حتى يعقل أن يأكل ويشرب ولا يتردى من
سطح ولا يتهور في بئر (3).
وفي الموثق: عن محصنة زنت وهي حبلى، فقال: تقر حتى تضع ما في
بطنها وترضع ولدها ثم ترجم (4).
ولا خلاف في ذلك أيضا (و) لا في أنه (لو وجد له) أي للولد
(كافل) يرضعه ويحضنه (جاز) بل وجبت إقامة الحد عليها، كما في
النبوي المتقدم، والمرتضوي بعده المتضمن لقوله (عليه السلام) لعمرو بن حريث لما

(1) إرشاد المفيد 109.
(2) سنن البيهقي 8: 229.
(3) الوسائل 18: 378، الباب 16 من أبواب حد الزنا، الحديث 1، 6.
(4) الوسائل 18: 378، الباب 16 من أبواب حد الزنا، الحديث 1، 6.
468

كفل لتلك المرأة ولدها ثم أبى: لتكفلنه وأنت صاغر ثم رجمها.
(ويرجم المريض والمستحاضة) ولا يتربص بهما إلى زوال مرضهما،
بل يرجمان عاجلا، لأن نفسهما مستوفاة ولا تأخير في حد، وربما احتمل
جواز التأخير إن ثبت الزنا بالإقرار رجاء للعود.
(ولا يحد) ولا يجلد (أحدهما) ولا النفساء (حتى يبرأ) كل منهم
صونا من التلف واستمرار المرض، وللنصوص:
منها: أتي أمير المؤمنين (عليه السلام) برجل أصاب حدا وبه قروح في جسده،
فقال (عليه السلام): أقروه حتى يبرأ لا تنكؤها عليه فتقتلوه (1). ونحوه آخر (2).
ومنها: لا يقام الحد على المستحاضة حتى ينقطع الدم عنها (3).
ولا خلاف فيه أجده، إلا ما يحكى عن المبسوط (4) والوسيلة (5) في
النفساء إن كان بها ضعف أخر حدها وإن كانت قوية جلدت في نفاسها.
ولعلهما حملا إطلاق النص والفتوى على صورة تضررها بالحد.
(ولو رأى الحاكم) في (التعجيل) مصلحة، ومنها أن لا يرجى برؤه
كالشل والزمانة وضعيف الخلقة (ضربه بالضغث المشتمل على العدد) من
سياط أو أعواد أو شماريخ أو نحوها، للنصوص المستفيضة:
منها: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتي برجل كبير قد استسقى بطنه وبدت عروق
فخذيه وقد زنى بامرأة مريضة، فأمر (عليه السلام) فأتي بعرجون فيه مائة شمراخ
فضربه ضربة واحدة وخلى سبيلهما (6). وبمعناه أخبار كثيرة (7).
وفي الخبر لو أن رجلا أخذ حزمة من قضبان أو أصلا فيه قضبان

(1) الوسائل 18: 321، الباب 13 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4، 6، 3، 1، 5، 7، 9.
(2) الوسائل 18: 321، الباب 13 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4، 6، 3، 1، 5، 7، 9.
(3) الوسائل 18: 321، الباب 13 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4، 6، 3، 1، 5، 7، 9.
(4) لم نعثر على الحاكي عنهما.
(5) لم نعثر على الحاكي عنهما.
(6) الوسائل 18: 321، الباب 13 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4، 6، 3، 1، 5، 7، 9.
(7) الوسائل 18: 321، الباب 13 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4، 6، 3، 1، 5، 7، 9.
469

فضربه ضربة واحدة أجزأه عن عدة ما يريد أن يجلده من عدة القضبان (1).
وليس فيها مع كثرتها اعتبار المصلحة، لكن حملها عليه الأصحاب من
غير خلاف بينهم أجده، جمعا بينها وبين الروايات المتقدمة الآمرة بالتأخير
بحملها على عدم تعطيل الحد بالتأخير وهذه على خوف تعطيله بموت
وشبهه، كما هو ظاهرها.
(ولا يسقط الحد) مطلقا، جلدا كان أو رجما (باعتراض الجنون)
أي بعروضه بعد أن زنى في حال عقله وبلوغه، للأصل، والعموم، مع
اختصاص ما دل على عدم حد المجنون بحكم التبادر بما إذا زنى حال
الجنون، وللصحيح: في رجل وجب عليه حد فلم يضرب حتى خولط، فقال:
ان كان أوجب على نفسه الحد وهو صحيح لا علة به من ذهاب عقله أقيم
عليه الحد كائنا من كان (2).
وإطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق في المجنون بين المطبق
والذي يعتوره أدوارا، تألم بالضرب وانزجر به، أم لا واحتمل بعض: في
المعتور انتظار إفاقته إن كان الحد جلدا (3)، وآخر: السقوط في المطبق
مطلقا (4)، وثالث: السقوط مطلقا إن لم يحس بالألم وكان بحيث لا ينزجر
به (5). والأظهر ما ذكرناه.
(ولا يقام) الحد يعني الجلد، ويحتمل الرجم أيضا إن احتمل سقوطه
برجوعه أو توبته أو فراره على قول (في الحر الشديد ولا في البرد
الشديد) خشية الهلاك، وللنصوص:

(1) الوسائل 18: 323 - 317، الباب 13 - 9 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 8، 1.
(2) الوسائل 18: 323 - 317، الباب 13 - 9 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 8، 1.
(3) مجمع الفائدة 13: 82.
(4) الكافي في الفقه: 406.
(5) لم نعثر عليه.
470

منها: إذا كان في البرد ضرب في حر النهار، وإذا كان في الحر ضرب
في برد النهار (1).
(و) كذا (لا) يقام عليه الحد (في أرض العدو) لئلا تلحقه غيرة
فيلحق بهم، كما في النص: لا أقيم على أحد حدا بأرض العدو حتى يخرج
منها لئلا تلحقه الحمية فيلحق بالعدو (2).
وظاهر العبارة ونحوها من عبائر الجماعة كون النهي هنا للحرمة،
وصريح المسالك (3) كونه للكراهة، كما يحكى عن ظاهر المنتهى (4)
والتذكرة (5). ولعله لعدم صحة الرواية، واشعار التعليل فيها بالكراهة.
(و) كذا (لا) يقام الحد مطلقا (على من التجأ إلى الحرم) لقوله
تعالى: «ومن دخله كان آمنا» (6)، والمراد به حرم الله تعالى سبحانه بمكة.
وألحق به جماعة ومنهم الحلي (7) حرم الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام).
(و) لا يسقط عنه الحد بذلك إجماعا، لاستلزامه المفاسد، بل (يضيق
عليه في المطعم والمشرب حتى يخرج لل‍) استيفاء منه و (إ قامة) الحد
عليه، وللصحيح: في الرجل يجني في غير الحرم ثم يلجأ إلى الحرم، قال لا
يقام عليه الحد ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلم ولا يبايع فإنه إذا فعل ذلك به
يوشك أن يخرج فيقام عليه الحد (8).
(ولو أحدث في الحرم) موجب الحد (حد فيه) لهتكه الحرمة، وللصحيحة

(1) الوسائل 18: 315، الباب 7 - 10 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 2، 2.
(2) الوسائل 18: 315، الباب 7 - 10 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 2، 2.
(3) المسالك 14: 381.
(4) منتهى المطلب 2: 954 س 27.
(5) التذكرة 1: 436 س 16.
(6) آل عمران: 16.
(7) السرائر 3: 457.
(8) الوسائل 18: 346، الباب 34 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.
471

السابقة المتضمنة، لقوله (عليه السلام) بعد ما مر منها: «وإن جنى في الحرم جناية أقيم
عليه الحد في الحرم فإنه لم ير للحرم حرمة».
(وإذا اجتمع الحد والرجم) على أحد (جلد أولا) ثم رجم. وكذا إذا
اجتمعت حدودا وحقوق قصاص أو حد وقصاص بدئ بما لا يفوت معها
الآخر، جمعا بين الحقوق، وللصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة: في
رجل اجتمع عليه حدود فيها القتل، قال: يبدأ بالحدود التي هي دون القتل
ويقتل بعد (1)، كما في الصحيح (2)، ونحوه كثير (3) باختلاف في الألفاظ يسير.
ولا خلاف في شئ من ذلك أيضا وإن اختلفوا في وجوب تأخير
الرجم عن الجلد إلى أن يبرأ منه كما عن الشيخين (4) والحلبي (5) والقاضي (6)
وابني زهرة (7) وسعيد (8)، تأكيدا للزجر، أو العدم وإن استحب، كما عن
الحلي (9)، ومال إليه جماعة من المتأخرين، بل زاد بعضهم المنع عن التأخير،
لظهور أن المقصود إنما هو الإتلاف، مع ما ورد من أنه لا نظرة في الحدود (10).
ويحكى عن الإسكافي (11) قول بوجوب الجلد قبل الرجم بيوم، لما مر
في الخبر: من أن الأمير (عليه السلام) جلد شراحة يوم الخميس ورجمها يوم
الجمعة (12).
وهو شاذ، كالمنع عن التأخير، بل لعله إحداث قول: لاتفاق الفتاوى
على الظاهر على جوازه وإن اختلفوا في وجوبه وعدمه.

(1) الوسائل 18: 326، الباب 15 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 6، 8، وبقية أخبار الباب.
(2) الوسائل 18: 326، الباب 15 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 6، 8، وبقية أخبار الباب.
(3) الوسائل 18: 326، الباب 15 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 6، 8، وبقية أخبار الباب.
(4) المقنعة 775، النهاية 3: 298.
(5) الكافي في الفقه 407.
(6) المهذب 2: 527.
(7) الغنية 424.
(8) الجامع للشرائع: 550.
(9) السرائر 3: 451.
(10) كشف اللثام 2: 403 س 18.
(11) المختلف 9: 153.
(12) سنن البيهقي 8: 220.
472

وعلى هذا فالتأخير لعله أحوط وإن لم يظهر للوجوب مستند عليه
معتمد.
نعم نسبه في السرائر إلى رواية الأصحاب (1).
(و) لا (يدفن المرجوم) إلا (إلى حقويه) على الأظهر الأشهر، بل
عليه عامة من تأخر، كما في صريح الموثق: ولا يدفن الرجل إذا رجم إلا
إلى حقويه (2).
وعليه يحمل ما أطلق فيه الحفر حمل المطلق على المقيد.
(و) تدفن (المرأة) المرجومة (إلى صدرها) على الأظهر الأشهر
أيضا، كما مر، للخبر: أتت امرأة أمير المؤمنين (عليه السلام) فقالت: إني فجرت
فأعرض عنها ثم استقبلته - إلى أن قال: - فحفر لها حفيرة في الرحبة وخاط
عليها ثوبا جديدا وأدخلها الحفرة إلى الحقو وموضع الثديين (3)، الخبر.
وضعفه بالشهرة منجبر، مع اعتضاده بما يروى من أخبار أخر، كالمروي
في قضية الغامدية، حيث حفر لها النبي (صلى الله عليه وآله) إلى الصدر (4)، وقريب منه ما
روي: من دفن شراحة إلى منكبيها أو ثدييها (5)، وما روي من أنه (صلى الله عليه وآله) رجم
امرأة فحفر لها إلى الثندوة (6).
وعليها يحمل ما أطلق فيه الحفر لها إلى الوسط كالموثقين تدفن المرأة
إلى وسطها إذا أرادوا أن يرجموها (7).
ويمكن استفادته من الموثق الذي مر، فإن في صدرها كما فيهما،

(1) السرائر 3: 451.
(2) الوسائل 18: 375، الباب 14 من أبواب حد الزنا، الحديث 3.
(3) الوسائل 18: 380، الباب 16، من أبواب حد الزنا، الحديث 5.
(4) سنن البيهقي 8: 221 - 229.
(5) نصيب الراية للزيلعي 8: 325.
(6) سنن البيهقي 8: 221 - 229.
(7) سنن البيهقي 8: 221 - 229.
473

ولولا أن المراد بالوسط فيه إلى الصدر لما كان فرق بينها وبين الرجل، مع
حكمه بالفرق بينهما بحفر الرجل إلى الحقو والمرأة إلى الوسط، ولو كان
المراد بالوسط إلى السرة مثلا كانت مع الحقوة قريب المحل، لقلة الزيادة
بينهما بحيث لا تظهر في الدفن فتدبر.
مع أن الحفر لها إليها لا قائل به فليحمل الوسط على ابتداء الصدر.
وهنا أقوال أخر غير واضحة المأخذ، كالمحكي عن المقنع من أن الحفر
للرجل بمقدار ما يقوم فيه فيكون بطوله إلى عنقه (1)، وعن المقنعة (2)
والغنية (3) التسوية بين الرجل والمرأة في الحفر لهما إلى الصدر، وعن
المراسم (4) الحفر له إلى الصدر ولها إلى الوسط.
وظاهر النصوص وأكثر الأصحاب لزوم الحفر والدفن.
خلافا للمحكي عن ابن حمزة (5) فنفى الأول إن ثبت الزنا بالإقرار،
وترده صريح الرواية السابقة في دفن الأمير (عليه السلام) المرأة إلى موضع الثديين،
مع ثبوت زناها بإقرارها دون البينة.
وللصدوقين (6) والديلمي (7) وابن سعيد (8) في الثاني، فلم يذكروه، كما
حكي مطلقا.
وعن الحلبي (9) والغنية (10) أنهما يدفنان إن ثبت زناهما بالبينة، أو يعلم
الإمام، ليمكنه الفرار إذا أراد.
وعن المفيد أنه لم يعتبر دفنه مطلقا، وقصر دفنهما على ما إذا ثبت زناها

(1) المقنع: 428.
(2) المقنعة: 775.
(3) الغنية: 424.
(4) المراسم: 252.
(5) الوسيلة: 412.
(6) المقنع: 428، ولم نعثر على قول أبيه.
(7) المراسم: 252.
(8) الجامع للشرائع: 551.
(9) الكافي في الفقه: 407.
(10) الغنية: 424.
474

بالبينة لا بالإقرار (1).
وحجة هذه الأقوال غير واضحة زيادة على منافاتها لظاهر النص - كما
عرفته - مع استلزام عدم وجوب الدفن بعد الحفر خلوه عن الفائدة، بل
وجوده حينئذ كعدمه، فلا يناسب الحكمة.
واحتمل شيخنا في المسالك (2) وبعض من تبعه (3) اتكال الأمر في
الحفرة إلى الإمام، لما روي من تركه في بعض القضايا.
وفيه أن الظاهر أن الرواية عامية، فلا تصلح للحجية، سيما في مقابلة
نصوصنا المعتبرة المستفيضة.
(فإن فر) أحدهما من الحفرة (أعيد) إليها إن ثبت الموجب لرجمها
بالبينة بلا خلاف أجده، بل عليه الإجماع في عبائر جماعة. وهو الحجة;
مضافا إلى الأصل، وصريح النصوص الآتية (ولو ثبت الموجب بالإقرار لم
يعد) إلى الحفيرة بلا خلاف إذا كان الفرار بعد إصابة ألم الحجارة، وكذلك إذا
كان قبلها، وفاقا للمفيد (4) وجماعة (5)، وادعى عليه الشهرة في الروضة (6)،
لأن الفرار بمنزلة الرجوع عن الإقرار، وهو أعلم بنفسه، ولإطلاق المرسل،
بل عمومه: عن المرجوم يفر، قال: إن كان أقر على نفسه فلا يرد، وإن كان
شهد عليه الشهود يرد، وعموم مفهوم التعليل في قصة ماعز بن مالك (7)، فإنه
لما فر ولحقه الزبير وضربه بساق بعير فوقع فلحقوه وقتلوه أنكر (صلى الله عليه وآله) عليهم،
وقال: هلا تركتموه إذا هرب يذهب فإنه هو المقر على نفسه، أما لو كان علي
حاضرا لما ضللتم، قيل: ووداه رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بيت المال.

(1) المقنعة: 775.
(2) المسالك 14: 384.
(3) مفاتيح الشرائع 2: 81.
(4) المقنعة: 775.
(5) الكافي في الفقه 407، المراسم: 252.
(6) الروضة 9: 19.
(7) الوسائل 18: 376، الباب 15 من أبواب حد الزنا، الحديث 1.
475

وفي هذه الوجوه نظر، لاختصاص الحكم بالسقوط بالرجوع به نفسه،
لا بما هو بمنزلته على تقدير تسليم المنزلة، وإلا فهي محل المنع، فإن الفرار
أعم من الرجوع، والمنزلة تحتاج إلى دليل. والمرسل بعد الإغماض عن
سنده إطلاقه غير نافع، بعد قوة احتمال اختصاصه بصورة الفرار بعد الإصابة،
كما هو الظاهر في فرار من أقر بالزنا على نفسه والتعليل في قصة ماعز وارد
في صورة الإصابة، فلم يشمل غيرها وإن كان العبرة بالعموم دون المورد.
بناء على أن صدر الرواية المعللة ظاهرة في اعتبار الإصابة في عدم
الإعادة إلى الحفيرة، فإن فيه: عن المحصن إذا هرب من الحفيرة هل يرد
حتى يقام عليه الحد؟ فقال: يرد، ولا يرد، فقلت: وكيف ذاك؟ فقال: إن كان
هو المقر على نفسه ثم هرب من الحفيرة بعدما يصيبه شئ من ألم الحجارة
لم يرد، وإن كان إنما أقامت عليه البينة وهو يجحد ثم هرب رد وهو صاغر
حتى يقام عليه الحد، وذلك أن ماعز بن مالك، ثم ساق التعليل، كما تقدم.
فمفهومه في ذيله معارض بمفهوم الشرط أو القيد في صدره،
فيتساقطان لو لم يكن الأول صارفا للثاني عن ظاهره، ومخصصا له بمورده،
فلا حجة فيهما.
والذب عن مفهوم الشرط وإن كان ممكنا بدعوى ورود القيد مورد
الغالب كما عرفته، إلا أن في بعض النصوص ما يدل على اعتبار مفهومه هنا،
كالمرسل في الفقيه بغير واحد، المحتمل للصحة عند بعض (1): إن كان أصابه
ألم الحجارة، فلا يرد، وإن لم يكن أصابه ألم الحجارة يرد (2).
(و) لعله لذا (قيل: إن لم تصبه الحجارة أعيد) كما عن الشيخ (رحمه الله)

(1) لم نعثر عليه.
(2) الفقيه 4: 34 ذيل الحديث 5020.
476

في النهاية (1) والقاضي (2) والإسكافي (3)، لكن قصور سند الروايتين بل
ضعفهما يمنع عن العمل بهما، إلا أن مقتضى الأصل بقاء الحد.
وينبغي الاقتصار في إسقاطه على القدر المتيقن سقوطه منه بالنص
والاجماع، وهو الزائد عن ألم الحجارة. ويمكن أن يجبر به قصور السند،
لكن الشهرة الظاهرة والمحكية ربما توجب التردد، كما هو ظاهر السرائر (4)
والتحرير (5) والصيمري (6). ومقتضاه عدم الإعادة درء للحد بالشبهة. كل ذا
في الرجم.
وأما الجلد فالفرار منه غير نافع، بل يعاد إليه مطلقا ولو ثبت زناه
بالإقرار وفر بعد إصابة الألم بلا خلاف، للعمومات، مضافا إلى الأصل،
واختصاص المخرج عنه بالرجم، ولصريح الخبر: الزاني يجلد فيهرب بعد أن
أصابه بعض الحد أيجب عليه أن يخلى عنه ولا يرد كما يجب للمحصن إذا
رجم؟ قال: لا، ولكن يرد حتى يضرب الحد كاملا، قلت: فما فرق بينه وبين
المحصن وهو حد من حدود الله تعالى؟ قال: المحصن هرب من القتل ولم
يهرب إلا إلى التوبة، لأنه عاين الموت بعينه، وهذا إنما يجلد، فلا بد أن يوفى
الحد، لأنه لا يقتل (7).
(ويبدأ الشهود بالرجم) ثم الإمام ثم الناس إن ثبت الموجب
بالبينة (ولو كان مقرا) أي ثبت زناه بإقراره (بدأ الإمام) ثم الناس،
كما في المرسلة كالصحيحة بعبد الله بن المغيرة المروية في الفقيه (8)

(1) النهاية 3: 299.
(2) المهذب 2: 527.
(3) المختلف 9: 153.
(4) السرائر 3: 452.
(5) التحرير 2: 222 س 34.
(6) غاية المرام 193 س 15 (مخطوط).
(7) الوسائل 18: 407، الباب 35 من أبواب حد الزنا، الحديث 1.
(8) الفقيه 4: 28، الحديث 5009.
477

وغيره (1)، لكن من دون عبد الله، وظاهرها كالأكثر وصريح جمع الوجوب
في المقامين وعن صريح الخلاف (2) وظاهر المبسوط (3) دعوى الإجماع
عليه فيهما. وهو الحجة المقيدة; مضافا إلى المرسلة، لإطلاق ما دل على
بدءة الإمام لحمله على الصورة الثانية، ويؤيد الحكم فيها بدءة الأمير (عليه السلام)
بالرجم في قصة شراحة الهمدانية (4) وغيرها (5)، الثابت زناهما بإقرارهما،
دون البينة.
قيل: ويحتمل الاستحباب، لضعف المستند عن إثبات الوجوب، وللأخبار
المستفيضة بقصة ماعز، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يحضر فضلا عن بدءته به (6).
وفيه نظر، لانجبار الضعف بالعمل زيادة على ما مر إن أريد به الضعف
من حيث السند. وإن أريد به من حيث الدلالة فمسلم إن أريد به الضعف عن
الصراحة، لكنه غير قادح في الحجية. وإن أريد به الضعف عن الظهور ففيه
منع والمستفيضة. قيل ما تضمنت أنه (صلى الله عليه وآله) لم يحضر (7)، بل غايتها عدم
تضمنها أنه حضر، وأحدهما غير الآخر، فيحتمل الحضور ولم ينقل.
ولو سلم الدلالة على عدم حضوره (عليه السلام) فيحتمل كونه لمانع.
(ويجلد) الرجل (الزاني قائما مجردا) كما في المعتبرة المستفيضة:
منها الموثق كالصحيح: يضرب الرجل قائما والمرأة قاعدة ويضرب
كل عضو ويترك الرأس والمذاكير (8).

(1) الكافي 7: 184، الحديث 3، التهذيب 10: 34، الحديث 114.
(2) الخلاف 5: 377، المسألة 15.
(3) المبسوط 8: 4.
(4) سنن البيهقي 8: 220.
(5) الوسائل 18: 375، الباب 14 من أبواب حد الزنا، الحديث 4.
(6) المسالك 14: 386.
(7) لم نعثر على قائله.
(8) الوسائل 18: 369، الباب 11 من حد الزنا، الحديث 1.
478

وفي مثله: عن الزاني كيف يجلد؟ قال: أشد الجلد، فقلت: من فوق
الثياب؟ فقال: بل يجرد (1). ونحوهما موثقان آخران (2).
وبمضمونها أفتى الفاضلان هنا وفي الشرائع (3) والإرشاد (4) والقواعد (5)
وشيخنا في الروضة (6) والصيمري في شرح الشرائع (7) مدعيا أنه المشهور.
وفيه نظر.
(وقيل) كما عن الشيخ (8) وجماعة (9) بل ادعى عليه الشهرة جماعة (10)
وعليه الإجماع في ظاهر الغنية (11) أنه يضرب على الحالة التي وجد عليها،
فإن وجد عاريا جلد كذلك، و (ان وجد بثيابه جلد بها) للخبر: لا يجرد
في حد، ولا يشبح، يعني يمد ويضرب الزاني على الحالة التي وجد عليها إن
وجد عريانا ضرب عريانا وان وجد وعليه ثيابه ضرب وعليه ثيابه (12).
وضعف سنده مع قصوره عن مقاومة ما قابله يمنع عن العمل به، إلا أن
يجبر جميع ذلك بالشهرة وحكاية الإجماع المتقدمة، مع بناء الحدود على
التخفيف، فتدرأ بالشبهة.
ولا بأس به، لكن ينبغي تقييده بما إذا لم يمنع الثوب من إيصال
شئ من ألم الضرب، كما عن ظاهر المبسوط (13) وصريح الحلي (14)،

(1) الوسائل 18: 369، الباب 11 من حد الزنا، الحديث 3، 2، 7.
(2) الوسائل 18: 369، الباب 11 من حد الزنا، الحديث 3، 2، 7.
(3) الشرائع 4: 157.
(4) الإرشاد 2: 174.
(5) القواعد 3: 530.
(6) الروضة 9: 107 - 108.
(7) غاية المرام: 193 س 31 (مخطوط).
(8) النهاية 3: 299.
(9) المهذب 2: 527 - 528، الوسيلة: 413.
(10) كشف اللثام 2: 402 س 5.
(11) الغنية: 425.
(12) الوسائل 18: 370، الباب 11 من أبواب حد الزنا، الحديث 7.
(13) لم نعثر عليه.
(14) السرائر 3: 452.
479

لفائدة الجلدة، وعملا بما دل على ضربه (أشد الضرب) كما هو الأظهر
الأشهر.
ففي الموثق - زيادة على ما مر - حد الزاني كأشد ما يكون من
الحدود (1). ونحوه (2) غيره.
وفيما كتب مولانا الرضا (عليه السلام) لمحمد بن سنان: وعلة ضرب الزاني على
جسده بأشد الضرب لمباشرته الزنا واستلذاذ الجسد كله به، فجعل الضرب
عقوبة له وغيره لغيره، وهو أعظم الجنايات (3).
وفيه تأييد لاعتبار التجريد، مضافا إلى ما قيل: من أن حقيقة الجلد
ضرب الجلد، كقولهم: جلد ظهره وبطنه ورأسه، أي ضرب ظهره وبطنه
ورأسه (4).
(وقيل): يضرب (متوسطا) أي ضربا بين الضربين، كما في
المرسل (5). وهو شاذ.
(ويفرق) الضرب (على) جميع (جسده) من أعالي بدنه إلى قدمه،
لما مر التعليل بأنه استلذ بجميع أعضائه (و) لكن (يتقى) رأسه و (وجهه
وفرجه) على المشهور، كما في النصوص:
منها - زيادة على ما مر المرسل -: يفرق الحد على الجسد كله ويتقى
الفرج والوجه (6).
والخبر: الرجم والضرب لا يصيبان الوجه (7).

(1) الوسائل 18: 370، الباب 11 من أبواب حد الزنا، الحديث 4، 5، 9، 8، 7.
(2) الوسائل 18: 370، الباب 11 من أبواب حد الزنا، الحديث 4، 5، 9، 8، 7.
(3) الوسائل 18: 370، الباب 11 من أبواب حد الزنا، الحديث 4، 5، 9، 8، 7.
(4) كشف اللثام 2: 402 س 4.
(5) الوسائل 18: 370، الباب 11 من أبواب حد الزنا، الحديث 6، 1.
(6) الوسائل 18: 370، الباب 11 من أبواب حد الزنا، الحديث 6، 1.
(7) المصدر السابق 376، الباب 14، الحديث 6.
480

واقتصر جماعة على استثناء الوجه والفرج، كما عن الشيخ في المبسوط
والخلاف، وحكى في الأول استثناء الرأس قولا (1)، وفي الخلاف عن أبي
حنيفة وادعى الإجماع على خلافه (2). واقتصر الحلبي عن الرأس
والفرج (3). ولعله أدخل الوجه في الرأس. ويؤيد استثناءه - زيادة على
النص - أن ضربه ربما أوجب العمى واختلال العقل، ونحو ذلك مما ليس
بمقصود من الجلد.
(وتضرب المرأة جالسة) كما في الموثق السابق (4) (وتربط) عليها
(ثيابها) على الأشهر الأقوى، لما ذكره الشيخان (5) وغيرهما من أن لا
تهتك فتبدو عورتها، وللأمر به لما أريد رجمها في بعض النصوص: في امرأة
أقرت عند أمير المؤمنين (عليه السلام) بالفجور، قال: فحفر لها حفيرة في الرحبة
وخاط عليها ثوبا جديدا وأدخلها الحفيرة (6)، وفيما روي أنه (صلى الله عليه وآله) أمر
فشدت على الجهنية ثيابها ثم رجمت (7).
خلافا للمقنع (8)، فجعلها كالرجل في جلدها عريانا إن وجدت كذلك.
ومستنده مع مخالفته لما مر غير واضح، مع شذوذه وإن نسبه في
الروضة إلى الشيخ وجماعة (9)، والخبر المتقدم بضرب الزاني عريانا مختص
بالرجل، لظاهر الصيغة، وإرادة الجنس بحيث يشمل الزانية تغليبا مجاز

(1) المبسوط 8: 8.
(2) الخلاف 5: 375، المسألة 12.
(3) الكافي في الفقه: 407.
(4) الوسائل 18: 370، الباب 11 من أبواب حد الزنا، الحديث 1.
(5) المقنعة: 780، النهاية 3: 300.
(6) الوسائل 18: 380، الباب 16 من أبواب حد الزنا، الحديث 5.
(7) سنن البيهقي 8: 221.
(8) المختلف 9: 163.
(9) الروضة 9: 107 - 108.
481

يحتاج إلى قرينة، وهي مفقودة، بل القرينة على خلافه بعد التبادر موجودة،
كما عرفته.
(ولا يضمن ديته ولو قتله الحد) كما هنا وفي السرائر (1)، للأصل، مع
عدم المخرج عنه بعد وقوع الفعل بأمر الشارع، ولصريح المرسل: من
ضربناه حدا من حدود الله تعالى فمات فلا دية له علينا، ومن ضربناه حدا
من حدود الناس فمات فإن ديته علينا (2).
(ويدفن المرجوم) والمرجومة (عاجلا) في مقابر المسلمين، بعد
تغسيله إن لم يكن قد اغتسل، والصلاة عليه، بلا خلاف في الظاهر محكي
عن المبسوط (3)، لإسلامه، وعدم مانعية ذنبه السابق.
وفي النبوي: في المرجومة لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل
المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى؟ (4).
ونحوه آخر: لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ثم أمر بها
فصلى عليها ودفنت (5).
وفي المرتضوي: فأمر فحفر له وصلى عليه ودفنه، فقيل: يا
أمير المؤمنين ألا تغسله؟ فقال: قد اغتسل بما هو طاهر إلى يوم القيامة لقد
صبر على أمر عظيم (6).
وفي آخر: في المرجومة ادفعوها إلى أوليائها، ومروهم أن يصنعوا بها
كما يصنعون بموتاهم (7).

(1) السرائر 3: 452 - 453.
(2) الوسائل 18: 312، الباب 3 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4.
(3) المبسوط 8: 4.
(4) سنن البيهقي 8: 225 - 221.
(5) سنن البيهقي 8: 225 - 221.
(6) الوسائل 18: 375 و 380، الباب 14 - 16 من أبواب حد الزنا، الحديث 4، 5.
(7) الوسائل 18: 375 و 380، الباب 14 - 16 من أبواب حد الزنا، الحديث 4، 5.
482

(ويستحب) للإمام أو الحاكم (إعلام الناس) بحده للتأسي،
و (ليتوفروا) على حضوره، تحصيلا للاعتبار والانزجار، كما يقتضيه
حكمة الحدود.
(ويجب أن يحضره طائفة) كما في ظاهر الآية: «وليشهد عذابهما
طائفة من المؤمنين» (1)، وبه صرح الحلي (2) وجماعة (3).
(وقيل:) إنه (يستحب) للأصل، وبه صرح آخرون، ومنهم الماتن في
الشرائع (4) تبعا للشيخ في المبسوط (5)، والخلاف نافيا عنه الخلاف (6)، فإن
تم صرف به ظاهر الأمر، وإلا فالأصل مخصص به لا صارف له.
(وأقلها) أي الطائفة (واحد) كما هنا وفي الشرائع (7) وشرحه
للصيمري (8) والإرشاد (9) وعن الجامع (10) وفخر الدين (11) ومجمع
البيان (12)، وظاهر التبيان (13) وأبي العباس (14) وابن عباس (15)، للأصل، مع
شمول لفظها للواحد في اللغة كما عن الفراء، بناء على كونها بمعنى القطعة،
ولقوله تعالى: «وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا» (16)، بدليل قوله سبحانه:
«فأصلحوا بين أخويكم» (17)، ولقول الأمير (عليه السلام) في الآية: الطائفة واحد (18)،

(1) النور: 2.
(2) السرائر 3: 453.
(3) كشف الرموز 2: 553، مفاتيح الشرائع 2: 80.
(4) الشرائع 4: 157.
(5) المبسوط 8: 8.
(6) الخلاف 5: 374، المسألة 11.
(7) الشرائع 4: 157.
(8) غاية المرام 193 س 26 (مخطوط).
(9) الإرشاد 2: 173.
(10) الجامع للشرائع 549.
(11) الإيضاح 4: 482.
(12) مجمع البيان 7: 124.
(13) التبيان 7: 406.
(14) المقتصر 402.
(15) تفسير ابن عباس 292.
(16) الحجرات: 9، 10.
(17) الحجرات: 9، 10.
(18) الوسائل 18: 370، الباب 11 من أبواب حد الزنا، الحديث 5.
483

وقد روي ذلك في التبيان (1) والمجمع (2) عن الباقر (عليه السلام).
خلافا للخلاف (3)، فأقلها عشرة، للاحتياط، لاشتمالها على جميع ما
قيل هنا. وهو كما ترى.
وللحلي فثلاثة للعرف، قال: وشاهد الحال يقتضي ذلك أيضا وألفاظ
الأخبار، لأن الحد إذا كان قد وجب بالبينة فالبينة ترجمه وتحضره، وهم أكثر
من ثلاثة وإن كان الحد باعترافه فأول من يرجمه الإمام ثم الناس مع الإمام (4).
أقول: وله شواهد من كلام أهل اللغة أيضا فقوله لا يخلو عن قوة لولا
الرواية المتقدمة المعتضدة بفتوى هؤلاء الجماعة.
وإلى هذا القول يميل الفاضل في المختلف (5) والمقداد في التنقيح (6)
وشيخنا في الروضة (7)، حيث رجحوا العرف، ودلالته على الثلاثة فصاعدا
واضحة، كما صرح به في الروضة (8).
(ولا) يجوز أن (يرجمه من لله تعالى قبله حد) لظاهر النهي عنه في
المعتبرة المستفيضة:
ففي الصحيح وما يقرب منه وغيرهما: لا يقيم الحد من لله تعالى عليه
حد فمن كان لله تعالى عليه مثل ما له عليها فلا يقيم عليها الحد (9).
وفي الصحيح المروي عن تفسير علي بن إبراهيم والمرفوع: لا يقيم
حدود الله تعالى من في عنقه حد (10).

(1) التبيان 7: 406.
(2) مجمع البيان 7: 124.
(3) الخلاف 5: 374، المسألة 11.
(4) السرائر 3: 454.
(5) المختلف 9: 156.
(6) التنقيح 4: 344.
(7) الروضة 9: 96.
(8) الروضة 9: 96.
(9) الوسائل 18: 341، الباب 31 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.
(10) تفسير علي بن إبراهيم 2: 97.
484

وفي مرسلة ابن أبي عمير كالصحيحة، من فعل مثل فعله فلا يرجمه
ولينصرف (1). ونحوهما خبران آخران (2).
(وقيل: يكره) ذلك ولا يحرم (3)، كما هو ظاهر الأكثر، بل المشهور
كما في شرح الشرائع (4) للصيمري.
قيل: للأصل، مع قصور سند النهي عن إفادة التحريم فليحمل على
الكراهة (5).
وهو حسن إن سلم قصور السند، وهو ممنوع، لما عرفت من وجود
الصحيحة وكالصحيحة متعددة معتضدة بغيرها من أخبار كثيرة فتخصص بها
الأصل.
وأضعف منه ما استدل به بعض الأصحاب من وجوب القيام بأمر الله
تعالى، وعموم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والرجم من هذا القبيل (6).
وذلك فإن مقتضاه الوجوب، وهو ينافي الكراهة المتفق عليها ظاهرا.
وهل يختص الحكم بالحد الذي أقيم على المحدود أو مطلق الحد؟
إطلاق العبارة ونحوها تدل على الثاني، والمرسلة على الأول، وصدر
الصحيحة الأولى يدل باطلاقه على الثاني، وذيلها يحتملهما، ولكنه على
الأول أدل، لأن ظاهر المماثلة اتحادهما صنفا. ووجه احتمال إرادة ما هو
أعم أن مطلق الحدود متماثلة في أصل العقوبة.
وهل يفرق بين ما حصلت التوبة منها وغيره؟ ظاهر الأخبار والفتاوى
ذلك، لأن ما تاب عنه فاعله سقط حق الله تعالى منه، بناء على وجوب قبول
التوبة، فلم يبق عليه حد لله تعالى.

(1) الوسائل 18: 341، الباب 31 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3، 2، 4، 5.
(2) الوسائل 18: 341، الباب 31 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3، 2، 4، 5.
(3) مفاتيح الشرائع 2: 81.
(4) غاية المرام: 193 س 27 (مخطوط).
(5) مفاتيح الشرائع 2: 81.
(6) لم نعثر عليه.
485

وربما يظهر من الصحيحة الأولى ونحوها مما تضمن انصراف الناس
بأجمعهم بعد ما قيل لهم ذلك ما خلا أمير المؤمنين (عليه السلام) والحسنين (عليهما السلام) عدم
الفرق، فإن من البعيد جدا أن جميعهم لم يتوبوا من ذنوبهم ذلك الوقت.
ثم إن إطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق في النهي كراهة أو
تحريما بين ثبوت الزنا بالإقرار أو البينة، ولكن ذكره الصيمري اختصاصه
بالأول، قائلا إنه محل الخلاف، وإنه إذا قامت البينة فالواجب بدأة الشهود،
ولأن النهي إنما ورد في صورة الإقرار (1).
وفي التعليل الأخير نظر، فإن موارد نصوص النهي وإن اختصت بالإقرار
إلا أن النهي فيها وقع على سبيل العموم من دون أن يظهر منها ما يوجب
التخصيص. وأما أدلة وجوب بدأة الشهود بالرجم فيما إذا قامت البينة عليه
فليس لها قابلية التخصيص، مع احتمال العكس، فتخص أدلة وجوب البدأة
بما إذا لم يكن على الشهود حد لله سبحانه.
وحينئذ فلا وجه لتخصيص النص والفتوى بما ذكره، إلا أن يكون وقف
على ما أوجبه.
(النظر الثالث في اللواحق)
(وفيه مسائل) ثمان:
(الأولى: إذا شهد أربعة) رجال مثلا على امرأة (بالزنا قبلا)
فادعت أنها بكر (فشهد) لها (أربع نساء) عدول (بالبكارة فلا حد)
عليها إجماعا، على الظاهر المصرح به في التنقيح (2). وهو الحجة; مضافا
إلى حصول الشبهة الدارئة، والخبرين.
أحدهما القوي بالسكوني: أنه أتي أمير المؤمنين (عليه السلام) بامرأة بكر زعموا

(1) غاية المرام 193 س 28 (مخطوط).
(2) التنقيح 4: 346.
486

أنها زنت فأمر النساء فنظرن إليها فقلن هي عذراء، فقال: ما كنت لأضرب
من عليها خاتم من الله تعالى (1).
وفي الثاني: في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا فادعت البكارة فنظر إليها
النساء فشهدن بوجودها بكرا، فقال: تقبل شهادة النساء (2).
(وفي حد الشهود) على زناها (قولان) أجودهما السقوط، وفاقا
للمبسوط (3) وعامة المتأخرين، لتعارض الشهادات ظاهرا، فإنه كما يمكن
صدق النساء في البكارة كذا يمكن صدق الرجال في الزنا، وليس أحدهم
أولى من الآخر، فتحصل الشبهة الدارئة للحد.
والقول الثاني للنهاية (4) والحلي في الشهادات من السرائر (5)
والإسكافي (6) والماتن في الشرائع (7)، لأن تقديم شهادة النساء يستلزم رد
شهادتهم المستلزم لكذبهم.
وفيه منع الظاهر، لجواز قبول الجانبين والحكم بالتعارض، ولا دليل لهم
عدا ما ذكر. ولعله لذا رجع عنه الأولان في المبسوط والحدود من
السرائر (8) وتردد هنا الماتن، ويحصل بذلك وهن آخر في هذا القول،
لأن القائل به على ذلك نادر.
وبالجملة فالمصير إلى القول الأول متعين.
(الثانية: إذا كان الزوج أحد الأربعة) الشهود بزنا الزوجة فهل تحد
بشهادتهم أو يسقط عنها ويحدونهم حتى الزوج إلا أن يلاعن. (فيه روايتان) (9)

(1) الوسائل 18: 261، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 13، 44.
(2) الوسائل 18: 261، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 13، 44.
(3) المبسوط 8: 10.
(4) النهاية 2: 61.
(5) السرائر 2: 137.
(6) المختلف 9: 122.
(7) الشرائع 4: 157.
(8) السرائر 3: 430.
(9) الوسائل 15: 606، الباب 12 من أبواب اللعان، الحديث 1، 2.
487

باختلافهما اختلف الأصحاب على قولين، بل أقوال.
لكنهما ضعيفتا السند، لا تصلحان بأنفسهما سندا لشئ منها، إلا أن
الدال منهما على القول الأول تصلح لإثباته، لانجبار ضعف سنده بعمل
الأكثر على الظاهر المصرح به في المسالك (1) وغيره، ومنهم الشيخ في
النهاية (2) والحلي (3) وابن حمزة (4) والمتأخرون كافة، مع تأيده بقوله
سبحانه: «ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم» (5)، فإن ظاهره أنه إذا كان غيره
فلا لعان. فتأمل.
وقوله تعالى: «واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن
أربعة منكم» (6)، فإن الظاهر كون الخطاب للحاكم، لأنه المرجع في الشهادة،
فيشمل الزوج وغيره.
هذا، مضافا إلى عموم أدلة قبول الشهادة، وخصوص ما دل منها على
قبول شهادة الزوج على الزوجة.
وعمل بالثانية الصدوق (7) وجماعة (8)، مؤيدين لها بقوله تعالى:
«لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء» (9).
وهو ضعيف جدا، لما ذكرنا، والمؤيد المزبور معارض بأمثاله، كما عرفتها.
وأضعف منه القول بالتفصيل بين ما لو كانت الزوجة غير مدخول بها
فالأول ومدخولا بها فالثاني (10)، لمخالفته إطلاق الروايتين، والجمع بينهما
بذلك فرع وجود شاهد عليه، وهو مفقود في البين.

(1) المسالك 14: 394.
(2) النهاية 3: 283 - 284.
(3) السرائر 3: 430 - 431.
(4) الوسيلة 410.
(5) النور: 6.
(6) النساء: 15.
(7) المقنع 440.
(8) المهذب 2: 525، الكافي في الفقه 415.
(9) النور: 13.
(10) قاله ابن الجنيد، الإيضاح 4: 490.
488

وبالجملة فالأصح القبول على الإطلاق بشرط أن لا يسبق الزوج
بالقذف، ولم تختل الشرائط المعتبرة في الشهادة.
(ووجه) الأصحاب القائلين بالرواية الأولى (السقوط) أي سقوط
الحد عن المرأة الموجب لتوجه حد القذف إلى الشهود الأربعة، كما هو
مقتضى الرواية الثانية، وحملوه على اختلال أحد الشرطين، إما ب‍ (أن يسبق
منه القذف) أو يختلف كلامهم في الشهادة، أو أدائهم الشهادة مختلفي
المجلس، أو عداوة أحدهم معها، أو فسقه أو غير ذلك مما يخل بالشهادة.
ووجه السقوط في الاختلال واضح. وكذا في السبق بالقذف، لأنه من
أفراده مع كون الزوج حينئذ مدعيا، فلا تقبل شهادته.
ومرجع هذا الجمع إلى عموم ما دل على قبول الشهادة بشرط كون
المقيم لها متصفا بشرائطها، وعدم كونه مدعيا. وهو كاف في الحكم بما ذكره
الجماعة وإن لم توجد لهم رواية مخصوصة، ولذا حكم به من لا يرى الحجة
في أخبار الآحاد مطلقا كالحلي، أو إذا كانت ضعيفة وإن كانت بالشهرة
منجبرة كشيخنا الشهيد الثاني (1) وجماعة.
(الثالثة: يقيم الحاكم حدود الله) كالزنا بعد أن ثبت عنده ولو بعلمه
على الأشهر الأقوى، كما مضى في كتاب القضاء.
(أما حقوق الناس) كالقذف (ف‍) لا يقيمها من قبله وإن ثبت عنده
مطلقا، بل (يقف) إقامته إياها (على المطالبة) من المستحق لها.
ومحصل ما في المسألة وجوب إقامة الحاكم حدود الله سبحانه بعد
ثبوتها عنده بمجرده دون حدود الناس، لتوقف إقامته لها بعده على مطالبتهم
إياها، ولا خلاف فيها ظاهرا، ولا إشكال أيضا، سيما مع التصريح بهما
في المعتبرين:

(1) لم نعثر عليه.
489

أحدهما الصحيح: إذا أقر على نفسه عند الإمام بسرقة قطعه فهذا من
حقوق الله تعالى، فإذا أقر على نفسه أنه شرب خمرا حده فهذا من حقوق
الله تعالى، فإذا أقر على نفسه بالزنا وهو غير محصن فهذا من حقوق الله
تعالى، وأما حقوق المسلمين فإذا أقر على نفسه عند الامام بفرية لم يحد
حتى يحضر صاحب الفرية أو وليه، وإذا أقر بقتل رجل لم يقتله حتى يحضر
أولياء المقتول فيطالبوه بدم صاحبهم (1).
وبمعناه في حقوق الناس الصحيح الآخر: من أقر على نفسه عند الإمام
بحق أحد من المسلمين فليس على الإمام أن يقيم عليه الحد الذي أقر به
عنده حتى يحضر صاحب الحق أو وليه ويطلب حقه (2).
وفي الثاني: الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب الخمر
أن يقيم عليه الحد ولا يحتاج إلى بينة مع نظره، لأنه أمين الله تعالى في
خلقه، وإذا نظر إلى رجل يسرق فالواجب عليه أن يزبره وينهاه ويمضي
ويدعه، قلت: وكيف ذاك؟ قال: لأن الحق إذا كان لله تعالى فالواجب على
الإمام إقامته، وإذا كان للناس فهو للناس (3).
(الرابعة: من اقتض بكرا) حرة وأزال بكارتها ولو (بإصبعه فعليه
مهر) مثل‍ (- ها) رجلا كان المقتض أو امرأة، بلا خلاف أجده، للصحيح
المروي بعدة طرق.
منها: في امرأة اقتضت جارية بيدها، قال: عليها المهر وتضرب الحد (4).
ونحوه في طريق آخر لكن بدل فيه «تضرب الحد» ب‍ «تجلد ثمانين» (5)،

(1) الوسائل 18: 344، الباب 32 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1، 2.
(2) الوسائل 18: 344، الباب 32 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1، 2.
(3) الوسائل 18: 344، الباب 32 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3.
(4) الوسائل 18: 409، الباب 39 من أبواب حد الزنا، الحديث 1، 4.
(5) الوسائل 18: 409، الباب 39 من أبواب حد الزنا، الحديث 1، 4.
490

كما في ثالث: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى بذلك، وقال: تجلد ثمانين (1).
وإطلاق الجارية فيه يشمل الحرة والأمة؟ ولعله لذا أطلق الصدوق (2)
والمفيد (3) المهر، ولم يفصلا بينهما، إلا أن الظاهر كما في المختلف (4)
اختصاص الإطلاق بحكم التبادر والغلبة وغيرهما بالحرة دون الأمة، ولذا
فصل من عداهما بينهما وخصوا ما مر بالحرة (و) اختلفوا في غيرها.
فالأكثر على الظاهر المصرح به في المسالك (5) بل الأشهر كما في
الروضة (6) على أنه (لو كانت) المقتضة (أمة فعليه) أي على المقتض،
ولو كانت امرأة (عشر قيمتها) للخبر: إذا اغتصب أمة فاقتضها فعليه عشر
قيمتها وإن كانت حرة فعليه الصداق (7).
وقصور السند أو ضعفه مجبور بالشهرة الظاهرة والمحكية، بل عمل
المتأخرين كافة.
عدا الفاضل في المختلف (8) فاختار فيه الأرش تبعا للحلي (9)، عملا
بقاعدة الجناية. وشيخنا في المسالك، فاحتمل وجوب أكثر الأمرين من
الأرش والعشر، قال: لأن الأرش على تقدير زيادته بسبب زيادة نقص
حدث في المال بجناية فيكون مضمونا (10).
ومبنى هذين القولين على تضعيف الرواية والرجوع إلى القاعدة. وهو
حسن لولا الشهرة الجابرة، مضافا إلى الانجبار بما مر في النكاح من

(1) الوسائل 18: 409، الباب 39 من أبواب حد الزنا، الحديث 3.
(2) المقنع: 432.
(3) المقنعة 785.
(4) المختلف 9: 151.
(5) المسالك 14: 399.
(6) الروضة 9: 124.
(7) الوسائل 18: 410، الباب 39 من أبواب حد الزنا، الحديث 5.
(8) المختلف 9: 151 - 152.
(9) السرائر 3: 449.
(10) المسالك 14: 399.
491

الروايات الصحيحة على أن من وطئ أمة غيره وكانت بكرا فعليه العشر (1)،
فتخصص بها القاعدة.
ثم إن ظاهر الحد في الصحيحة بالطريق الأول مناف لما عليه الأكثر، بل
الكل من عدم الحد فيه، بل التعزير، بل لم يحك القول به هنا إلا عن المقنع (2).
ويحتمل الحد فيها بل وفي كلامه أيضا التعزير، لوقوع التعبير به عنه كثيرا،
مع وقوع التصريح بثمانين جلدة في الطرق الباقية. فالتعزير يتعين.
وعليه فهل يجلد من ثلاثين إلى ثمانين كما عن المفيد (3) والديلمي (4)
تنزيلا لما تضمن الثمانين على الأكثر، أو من ثلاثين إلى سبعة وتسعين كما
عن الشيخ (5) أو إلى تسعة وتسعين كما عن الحلي (6) تنزيلا له على قضية
المصلحة، أو لا تقدير فيه قلة ولا كثرة بل يفوض إلى رأي الحاكم كما عليه
الأكثر؟ أقوال. والأخير أنسب بقاعدتهم في التعزير، مع عدم معارض لها
سوى رواية الثمانين الظاهرة في تعينها، ولا قائل به أصلا، فلتكن مطرحة،
أو مؤولة إلى ما يرجع به إلى أحد الأقوال الثلاثة.
(الخامسة: من زوج أمته) من غيره ولو كان عبده (ثم وطئها) عالما
بالتحريم (فعليه الحد) حد الزنا كملا جلدا كان أو رجما بلا خلاف
يظهر حتى من الحلي (7)، الذي لم يعمل بالآحاد، للعموم أو الإطلاق،
وللصحيح: في رجل زوج أمته رجلا ثم وقع عليها، قال: يضرب الحد (8).
(السادسة: من أقر أنه زنى بفلانة) امرأة معينة من دون تصريح

(1) الوسائل 14: 239، الباب 3 من أبواب النكاح، الحديث 3.
(2) المقنع 432.
(3) المقنعة 785.
(4) المراسم 255.
(5) النهاية 3: 296 - 297.
(6) السرائر 3: 449 - 450.
(7) السرائر 3: 449 - 450.
(8) الوسائل 18: 360، الباب 8 من أبواب حد الزنا، الحديث 2.
492

بزناها (فعليه مع تكرار الإقرار) أربعا (حدان) للزنا والفرية (ولو
أقر) دونها ولو (مرة فعليه حد القذف) خاصة (وكذا المرأة) لو أقرت
بأنها زنت بشخص معين أربعا حدت للأمرين، ولو أقرت به دونها حدت
للفرية خاصة، وفاقا للشيخين (1) والحلي (2)، وربما نسب إلى الأصحاب
كافة، واختاره فخر الإسلام (3)، وشيخنا في المسالك (4) والروضة (5)، قالا:
لظهور الإقرار في القذف واندفاع احتمال الإكراه والشبهة بالأصل. ولكن لو
فسر بأحدهما قبل واندفع عنه الحد ووجب عليه التعزير.
قيل: ويؤيده القويان. في أحدهما: لا تسألوا الفاجرة من فجر بك فكما
هان عليها الفجور يهون عليها أن ترمي المسلم البرئ، وفي الثاني: إذا سألت
الفاجرة من فجر بك فقالت فلان جلدتها حدين حدا لفجورها وحدا لفريتها
على الرجل المسلم (6).
وفي كل من دعوى الظهور على الإطلاق والتأييد نظر، مع معارضتهما
بظاهر الصحيح: في رجل قال لامرأته: يا زانية أنا زنيت بك، قال: عليه حد
واحد لقذفه إياها، وأما قوله: أنا زنيت بك فلا حد عليه فيه إلا أن يشهد على
نفسه أربع مرات بالزنا عند الإمام (7)، فإنه يعطي بظاهره أن قوله: «زنيت
بك» ليس قذفا. فتأمل.
فالقول بالعدم هو الوجه، وفاقا للمحكي عن الشهيد في النكت (8)، لكن
ندرة القائل به بل عدمه قبله - كما يظهر من تتبع الفتاوى - ربما أوجب

(1) المقنعة 775، النهاية 3: 349.
(2) السرائر 3: 528.
(3) الإيضاح 4: 505.
(4) المسالك 14: 344.
(5) الروضة 9: 45 - 48.
(6) كشف اللثام 2: 394 س 28.
(7) الوسائل 18: 446، الباب 13 من أبواب حد القذف، الحديث 1.
(8) غاية المراد 183 س 11 (مخطوط).
493

التردد، كما أشار إليه بقوله: (وفيهما) أي في حد الرجل والمرأة للقذف في
المسألتين (تردد) وإشكال، وبه صرح الماتن في الشرائع (1) أيضا،
والفاضل (2) فيما وقفت عليه من كتبه.
(السابعة: من تزوج أمة على حرة مسلمة) عالما بالتحريم (فوطئها
قبل الإذن) من الحرة وإجازتها عقد الأمة.
(فعليه ثمن حد الزاني) إثنا عشر سوطا ونصف، كما في الخبرين: عن
رجل تزوج أمة على مسلمة ولم يستأمرها، قال: يفرق بينهما، قال: قلت:
فعليه أدب قال: نعم اثنا عشر سوطا ونصف ثمن حد الزاني وهو صاغر،
قلت: فإن رضيت الحرة المسلمة بفعله بعدما كان فعل، قال: لا يضرب، ولا
يفرق بينهما يبقيان على النكاح الأول (3). وكذا في الصحيح: فيمن تزوج
ذمية على مسلمة (4). وفيه وفي غيره (5) أن طريق التنصيف أن يؤخذ السوط
بالنصف فيضرب به، وهو المتبادر المصرح به في كلام جمع. وقيل: أن
يضرب بين الضربين (6). ولا شاهد عليه.
وليس في هذه النصوص اعتبار الدخول والوطء بل ظاهرها ترتب الحد
بمجرد التزويج، ولكن ذكره الأصحاب بغير خلاف يعرف، بل عليه الإجماع
في بعض العبارات، ولعله - كما قيل - بناء على صحة التزويج وإباحته
والتوقف على الإذن ابتداء واستدامة (7).
وفيه نظر لمصير جملة منهم إلى فساد العقد من أصله، كما مر في النكاح

(1) الشرائع 4: 163.
(2) القواعد 3: 545، الإرشاد 2: 171.
(3) الوسائل 18: 415، الباب 49 من أبواب حد الزنا، الحديث 1.
(4) الوسائل 14: 419، الباب 7 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 4.
(5) الوسائل 14: 394، الباب 47 من أبواب ما يحرم بالمظاهرة، الحديث 2.
(6) مجمع الفائدة 13: 98.
(7) كشف اللثام 2: 407 س 3.
494

وإن كان الأصح خلافه، لما مر ثمة، مع تأيده بما حكموا به هنا، إذ لولا
الصحة لزم بالوطء الحد كملا لا ثمنا.
هذا، مع أن الحكم بالصحة لا يستلزم نفي العقوبة إلا باستلزامها الإباحة.
والملازمة في أمثال المقام ممنوعة، سيما بعد الاتفاق على الحرمة فتوى
ورواية.
وحينئذ فيحتمل لزوم ثمن الحد، لارتكابها، لا لفساد المناكحة، مع أن
فسادها ينبغي إيجابه تمام العقوبة لا بعضها، كما عرفته.
وبالجملة الوجه في اعتبارهم الوطء غير واضح إلا أن يدعي تبادر
التزويج المتضمن له من التزويج المطلق في النصوص، ويحتاج إلى تأمل.
(الثامنة: من زنى في زمان شريف) كرمضان والجمع والأعياد ونحو
ذلك (أو مكان شريف) كالمسجد والحرم والمشاهد المشرفة (عوقب
زيادة على الحد) المقرر للزنا بأقسامه حتى القتل، ولكن فيه يعاقب قبله بما
يراه الحاكم، بلا خلاف يظهر.
وفي الخبر: أتي أمير المؤمنين (عليه السلام) بالنجاشي الشاعر قد شرب الخمر
في شهر رمضان فضربه ثمانين ثم حبسه ليلة ثم دعاه من الغد فضربه
عشرين سوطا، فقال: يا أمير المؤمنين ضربتني ثمانين في شرب الخمر فهذه
العشرون ما هي؟ فقال: وهذا لجرأتك على شرب الخمر في شهر رمضان (1).
وربما يستفاد من التعليل عموم الحكم لغير مورده كما فهمه الأصحاب،
وأيده الاعتبار.
* * *

(1) الوسائل 18: 474، الباب 9 من أبواب حد السكر، الحديث 1.
495

(الفصل الثاني في) بيان حد (اللواط)
وهو وطء الذكران بعضهم بعضا واشتقاقه من فعل قوم لوط.
(والسحق) وهو دلك فرج المرأة بفرج اخرى.
(والقيادة) وسيأتي أنه الجمع بين فاعلي هذه الفواحش.
(واللواط يثبت بالإقرار) بإدخال الذكر في دبره ولو بمقدار الحشفة،
وفي الروضة: أن ظاهرهم الاتفاق على ذلك وإن اكتفوا ببعضها في تحريم
أمه وأخته وبنته (1) في حالة كونه (أربعا) بلا خلاف أجده، للعموم ولو في
الجملة، وللصحيح: بينما أمير المؤمنين في ملأ من أصحابه إذ أتاه رجل
فقال: يا أمير المؤمنين إني أوقبت على غلام فطهرني، فقال: يا هذا امض إلى
منزلك لعل مرارا هاج بك، فلما كان من غد عاد إليه فقال له مثل ذلك،
فأجابه كذلك، إلى أن فعل ذلك أربع مرات، فلما كان الرابعة قال له: يا هذا إن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) حكم في مثلك بثلاثة أحكام فاختر أيهن شئت، الحديث (2)،
وسيأتي باقيه.

(1) الروضة 9: 143.
(2) الوسائل 18: 422، الباب 5 من أبواب حد اللواط، الحديث 1.
496

(ولو أقر دون ذلك عزر) كما قالوا، لإقراره على نفسه بالفسق. ولم
أعرف دليل الكلية، مع منافاة الحكم هنا لظاهر الصحيحة السابقة، حيث لم
ينقل فيها التعزير في الإقرارات الثلاثة.
(ويشترط في المقر التكليف) بالبلوغ، وكمال العقل (والاختيار،
والحرية، فاعلا كان) المقر (أو مفعولا) كما في سائر الأقارير.
(ولو) لم يقر بل (شهد) عليه (أربعة) رجال عدول (ثبت)
اللواط أيضا بلا خلاف، كما في الزنا.
ولا يثبت بشهادة النساء ولو ثلاثا منضمات مع الرجال، لعموم النصوص
بعدم قبول شهادتهن في الحدود (1)، خرج منه الزنا على بعض الوجوه
للنصوص (2)، وبقي ما نحن فيه داخلا فيه، لاختصاصها بالزنا، ولا موجب
للتعدية أصلا بعد كون القياس حراما.
(ولو كانوا) أي الشهود (دون ذلك) العدد أي الأربع، بأن كانوا ثلاثة
فما دون ولو مع النساء (حدوا) بلا خلاف للفرية، كما في الزنا.
(ويقتل الموقب) خاصة (ولو لاط بصغير أو مجنون) بلا خلاف،
للعموم، وخصوص ما يأتي من النصوص.
(ويؤدب الصغير) وكذا المجنون إن كان ممن يشعر بالتأديب، كما
قيل (3). وبتأديب الصغير صريح الخبر: أتي أمير المؤمنين (عليه السلام) بامرأة زوجها
قد لاط بابنها من غيره وثقبه وشهد عليه الشهود بذلك فأمر به (عليه السلام) وضرب
بالسيف حتى قتل، وضرب الغلام دون الحد، وقال: أما لو كنت مدركا
لقتلتك، لإمكانك إياه من نفسك بثقبك (4).

(1) الوسائل 18: 264، الباب 24، من أبواب الشهادات، الحديث 29، 30، 44، 49.
(2) الوسائل 18: 264، الباب 24، من أبواب الشهادات، الحديث 29، 30، 44، 49.
(3) كشف اللثام 2: 407 س 33.
(4) الوسائل 18: 419، الباب 2 من أبواب حد اللواط، الحديث 1.
497

وأما الخبر المتضمن لقتل الغلام باللواط (1) فمع قصور سنده ومخالفته
الإجماع، والأصول محمول على المدرك.
(ولو كانا بالغين قتلا) إجماعا، للعموم، والخبر المزبور، بعد الحمل
المذكور.
(وكذا) يقتل اللاطي أو يجلد (لو لاط بعبده) ويؤدب هو إن كان
صغيرا، ويقتل أيضا إن كان بالغا، للعموم، مع عدم تعقل فرق في الموطوء
بين الحر والعبد.
(ولو ادعى العبد الإكراه) من مولاه عليه (درئ عنه الحد) دون
المولى، لقيام القرينة على ذلك، ولأنه شبهة محتملة، فتدرأ بها الحد.
ومنه يظهر انسحاب الحكم فيما لو ادعى الإكراه من غير مولاه مع
إمكانه. وكذا في كل من ادعاه معه، كما صرح به جماعة، لعموم درء الحد
بالشبهة (2).
(ولو لاط الذمي بمسلم قتل وإن لم يوقب) بلا خلاف في الظاهر،
لهتكه حرمة الإسلام، وهو أشد من الزنا بالمسلمة، فيشمله فحوى ما دل
على قتله بزناه بها، مضافا إلى عموم النصوص الآتية بأن حد اللوطي حد
الزاني، فكما أن حد الذمي الزاني بها ذلك فليكن هو حده هنا أيضا، وسيأتي
أن المراد باللوطي فيها غير الموقب، فتدل على الموقب بطريق أولى.
والحربي أولى بذلك، كما لا يخفى.
(ولو لاط) الذمي (بمثله فللإمام الإقامة) للحد عليه (أو دفعه إلى
أهل ملته ليقيموا عليه حدهم) كما في سائر القضايا، ومر مستنده في الزنا.

(1) الوسائل 18: 419، الباب 2 من أبواب حد اللواط، الحديث 2.
(2) الوسائل 18: 336، الباب 24 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4.
498

(وموجب الإيقاب القتل للفاعل والمفعول إذا كان) كل منهما (بالغا
عاقلا) عالما (ويستوي فيه كل موقب) وموقب حتى العبد وغير
المحصن، بلا خلاف على الظاهر المصرح به في السرائر (1) بل ظاهرهم
الإجماع عليه كما في جملة من العبائر ومنها الانتصار (2) والغنية (3). وهو
الحجة; مضافا إلى النصوص المستفيضة، الآتي إلى جملة منها الإشارة،
ولكن بإزائها نصوص أخر، دالة على أن حد اللوطي حد الزاني إن كان قد
أحصن رجم وإلا جلد (4)، إلا أنها شاذة، لا عامل بها موافقة للتقية، كما
صرح به شيخ الطائفة (5)، حاملا لها عليها تارة، وأخرى على غير الإيقاب،
لتسميته لواطا أيضا اتفاقا، بل يستفاد من بعض الروايات كونه المراد
باللوطي الوارد في النصوص حكمه من القتل وغيره.
وهو حسن، إلا أن جملة منها لا يقبل الحمل الأخير.
منها الصحيح: إن كان ثقب وكان محصنا رجم (6).
والمرسل القريب منه بابن أبي عمير المجمع على تصحيح ما يصح عنه:
في الذي يوقب أن عليه الرجم إن كان محصنا، وعليه الجلد إن لم يكن
محصنا (7).
فينبغي حملها على التقية خاصة، كما صرح به الشيخ أيضا، فقال بعد
نقله: الوجه فيه ما قدمناه من حمله على التقية لا غير (8).
أقول: وهو الجواب عن الأول أيضا، لكنه أجاب عنه بوجه آخر، فقال:

(1) السرائر 3: 459.
(2) الانتصار 510 - 511.
(3) الغنية 426.
(4) الوسائل 18: 417 - 421، الباب 1، 3 من أبواب حد اللواط، الحديث 3، 7، 8.
(5) التهذيب 10: 55 - 56، الحديث 12، 14.
(6) الوسائل 18: 417 - 421، الباب 1، 3 من أبواب حد اللواط، الحديث 3، 7، 8.
(7) الوسائل 18: 417 - 421، الباب 1، 3 من أبواب حد اللواط، الحديث 3، 7، 8.
(8) التهذيب 10: 55 - 56، الحديث 12، 14.
499

وتقييد ذلك بكونه محصنا إنما يدل من حيث الخطاب على أنه إذا لم يكن
محصنا لم يكن عليه ذلك، وقد ينصرف عنه لدليل، وقد قدمنا ما يدل
على ذلك (1).
أقول: ويضعف الأخبار المزبورة - زيادة على ما مضى - ضعف أكثرها
سندا، واختصاصها بالفاعل دون المفعول، فلم يتعرض في أكثرها لحكمه،
بل في بعضها أن حده القتل.
ففيه: رجل أتى رجلا، قال: عليه إن كان محصنا القتل وإن لم يكن
محصنا فعليه الجلد، قال: فقلت: فما على المؤتى؟ قال: عليه القتل على كل
حال محصنا كان أو غير محصن (2).
ومما ذكرنا يظهر ضعف ما اختاره بعض متأخري متأخري الأصحاب
من اشتراط الإيقاب والإحصان جميعا في قتل الفاعل أو رجمه (3).
(ولا يحد المجنون) مطلقا (ولو كان فاعلا على الأصح) الأشهر، بل
عليه عامة من تأخر، وفي الغنية الإجماع عليه (4). وهو الحجة; مضافا إلى
ما مر في زناه من الأدلة. خلافا لمن مر ثمة فيحد كما لو زنى للفحوى يمنع
بمنع المقيس عليه جدا.
(والإمام مخير في) قتل (الموقب بين قتله) بالسيف (ورجمه وإلقائه
من جدار) عال يموت به (وإحراقه) بالنار حيا وإلقاء جدار عليه، كما
ذكره الشيخان (5) والأكثر، ونفى عنه الخلاف في السرائر (6)، وعليه الإجماع

(1) التهذيب 10: 55 - 56، الحديث 14.
(2) الوسائل 18: 417، الباب 1 من أبواب حد اللواط، الحديث 4.
(3) مفاتيح الشرائع 2: 74.
(4) الغنية: 426.
(5) المقنعة: 786 النهاية 3: 306.
(6) السرائر 3: 459.
500

في الغنية (1)، وكذا في الانتصار، إلا أنه لم يذكر الإحراق (2)، وهو ظاهر
المسالك (3) أيضا، إلا أنه لم يذكر الأخير في متعلق التخيير. وهو الحجة;
مضافا إلى المعتبرة بعد ضم بعضها إلى بعض:
ففي الحسن الوارد فيمن أقر بالإيقاب: يا هذا إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حكم
في مثلك بثلاثة أحكام فاختر أيهن شئت، قال: وما هي يا أمير المؤمنين؟
قال: ضربة بالسيف في عنقك بالغة ما بلغت، أو إهدارك من جبل مشدود
اليدين والرجلين، أو إحراق بالنار (4).
وفي الخبر: لو كان ينبغي لأحد أن يرجم مرتين لرجم اللوطي (5).
وفي آخر: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه رجم بالكوفة رجلا كان يؤتى
في دبره (6).
وعنه (عليه السلام) أنه قال: في اللواط هو ذنب لم يعص الله تعالى به إلا أمة من
الأمم فصنع الله تعالى بها ما ذكره في كتابه من رجمهم بالحجارة، فارجموهم
كما فعل الله عز وجل بهم (7).
وعنه (عليه السلام) إذا كان الرجل كلامه كلام النساء ومشيه مشي النساء ويمكن
من نفسه فينكح كما تنكح النساء فارجموه، ولا تستحيوه (8).
وأما إلقاء الجدار عليه فقيل: إن فيه خبرا مرويا عن مولانا
الرضا (عليه السلام) (9).

(1) الغنية 426.
(2) الانتصار 510 - 511.
(3) المسالك 14: 405.
(4) الوسائل 18: 419، الباب 3 من أبواب حد اللواط، الحديث 1، 2.
(5) الوسائل 18: 419، الباب 3 من أبواب حد اللواط، الحديث 1، 2.
(6) المستدرك 18: 80، الحديث 6.
(7) المستدرك 14: 341، الحديث 2.
(8) الوسائل 18: 421، الباب 3 من أبواب حد اللواط، الحديث 5.
(9) كشف اللثام 2: 408 س 2.
501

وقصور الأسانيد أو ضعفها منجبر بالعمل، وكذا الدلالة، مع أن في
التخيير جمعا بينها، كما عرفته.
نعم ربما نافى مفهوم العدد في الحسنة (1) التخيير بين الرجم وإلقاء الجدار
عليه أيضا، إلا أنه لا يعترض به المنطوق، مع أن ظاهرها كون التخيير إلى
المحدود دون الإمام خلاف ما ذكره الأصحاب، وشهد به بعض الروايات،
كالخبر: كتب خالد إلى أبي بكر أنه أتي برجل يؤتى في دبره فاستشار
أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: أحرقه بالنار فإن العرب لا ترى القتل شيئا (2).
(ويجوز أن يضم الإحراق إلى غيره من) العقوبات (الأخر) بأن
يقتل بالسيف أو الرجم أو الرمي به أو عليه ثم يحرق، بلا خلاف فيه على
الظاهر المصرح به في السرائر (3) زيادة في الردع.
وفي الصحيح وغيره: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أمر بقتل الذي أخذ في زمن
عمر، ثم قال بعد قتله: قد بقيت له عقوبة اخرى، قال: وما هي؟ قال: ادع بطن
من حطب فدعا به ثم أخرجه فأحرقه بالنار (4).
(ومن لم يوقب) كالمفخذ والفاعل بين الإليتين (فحده مائة)
جلدة مطلقا ولو كان محصنا (على الأصح) الأشهر، بل عليه عامة من
تأخر، وفي صريح الانتصار (5) وظاهر الغنية (6) الإجماع عليه. وهو
الحجة; مضافا إلى أصالة البراءة، والشك في وجوب الزائد فيدرأ به، للشبهة،
وللخبر: في الرجل يفعل بالرجل، فقال: إن كان دون الثقب فالحد،

(1) الوسائل 18: 419، الباب 3 من أبواب حد اللواط، الحديث 2.
(2) الوسائل 18: 421، الباب 3 من أبواب حد اللواط، الحديث 1، 9، 3.
(3) السرائر 3: 458.
(4) الوسائل 18: 421، الباب 3 من أبواب حد اللواط، الحديث 1، 9، 3.
(5) الانتصار: 510 - 511.
(6) الغنية: 426.
502

وإن كان ثقب أقيم قائما ثم ضرب بالسيف (1).
والظاهر أن المراد بالحد الجلد.
خلافا للنهاية (2) والقاضي (3) وابن حمزة (4) في المحصن فالقتل، جمعا
بين النصوص المتقدمة، بحمل ما دل منها على القتل مطلقا على الموقب،
وما دل منها على التفصيل بين المحصن وغيره على غيره.
وهو حسن لولا قوة احتمال ورود الأخيرة للتقية، كما يرشد إليه تصريح
جملة منها معتبرة بالتفصيل أيضا في الموقب، مع ضعف أسانيد غيرها،
وتبادر الموقب من اللوطي فيها، وعدم مكافأتها، للنصوص التي تقابلها.
وللإسكافي (5) والصدوقين (6)، فأوجبوا القتل فيه مطلقا ولو لم يكن
محصنا، فإنهم فرضوه فيه وجعلوا الإيقاب هو الكفر بالله تعالى للخبر: عن
اللواط، فقال: بين الفخذين، وعن الموقب، فقال: ذلك الكفر بما أنزل الله
تعالى على نبيه (صلى الله عليه وآله) (7).
وهو مع ضعف سنده معارض بالخبر الذي مر سندا للأكثر، للتصريح فيه
بأن غير الموقب يحد والموقب يقتل (8)، وهو وإن شابه الأول في السند
إلا أنه منجبر بالأصل والعمل.
فحينئذ ينبغي طرحه، أو حمله على المستحل فتأمل، أو المبالغة في
الذنب.

(1) الوسائل 18: 416، الباب 1 من أبواب حد اللواط، الحديث 2.
(2) النهاية 3: 307.
(3) المهذب 2: 530.
(4) الوسيلة 413.
(5) المختلف 9: 176، والموجود في المقنع خلاف ما نسب إليه، راجع المقنع 437.
(6) المختلف 9: 176، والموجود في المقنع خلاف ما نسب إليه، راجع المقنع 437.
(7) الوسائل 14: 257، الباب 20 من أبواب النكاح المحرم، الحديث 3.
(8) الوسائل 18: 416، الباب 1 من أبواب حد اللواط، الحديث 2.
503

(و) على الأقوال (يستوي فيه) أي في الجلد مائة الفاعل والمفعول
و (الحر والعبد) والمسلم والكافر إن لاط بمثله لا بمسلم، لوجوب قتله
حينئذ، لهتكه حرمة الإسلام وإهانته به.
ولا ينتصف حد العبد هنا كما ينتصف في زناه بلا خلاف، بل في
الغنية (1) وعن نكت الإرشاد (2) أن عليه إجماع الأصحاب. وهو الحجة
المؤيدة بإطلاق الرواية.
(ولو تكرر) من غير الموقب اللواط ثلاثا (مع) تكرار (الحد) بعد
كل مرة (قتل في) المرة (الرابعة على الأشبه) الأشهر، بل عليه عامة من
تأخر، وفي الغنية الإجماع عليه (3). وهو الحجة; مضافا إلى ما يظهر منها
ومن جماعة (4) مساواته مع الزاني في ذلك، وأن كل من قال بالقتل في
الرابعة ثمة قال به في المسألة، ومن قال به ثمة في الثالثة قال به هنا (5).
وظاهرهم الإجماع على عدم الفرق بين المسألتين، حتى أن شيخنا في
الروضة (6) استدل للقتل في الرابعة هنا بالرواية الدالة عليه في تلك المسألة.
وحينئذ فهذا الإجماع أقوى دليل على الحكم هنا وإن اختص مورد
الرواية التي استدل بها بالزنا. ولولاه لكان القول بالفرق متجها، لعموم
الصحيح بقتل أصحاب الكبائر في الثالثة (7)، مع خلوه هنا، لما عرفت عن
المعارض، إلا أن الإجماع المنقول المعتضد بفتوى الأكثر، وبما دل على

(1) الغنية 426 غاية المراد 183 س 5 (مخطوط).
(2) الغنية 426 غاية المراد 183 س 5 (مخطوط).
(3) الغنية: 435.
(4) النهاية 3: 308، المهذب 2: 531، الكافي في الفقه 409.
(5) السرائر 3: 461 - 462.
(6) الروضة 9: 153.
(7) الوسائل 18: 388 - 336، الباب 20 من أبواب حد الزنا، الحديث 3، الباب 24 من أبواب
مقدمات الحدود، الحديث 4.
504

درئ الحدود بالشبهة (1)، الحاصلة هنا من جهة الخلاف بلا شبهة كاف في
تخصيص الصحيحة.
(ويعزر المجتمعان تحت إزار) واحد حال كونهما (مجردين ولا رحم)
أي لا قرابة (بينهما) ولا ضرورة بما يراه الحاكم (من ثلاثين سوطا إلى
تسعة وتسعين) على المشهور. وقد تقدم الكلام في المسألة مستوفى.
بقي هنا شئ وهو أن التقييد بنفي الرحمية والضرورة لم يوجد في أكثر
روايات المسألة.
نعم في الخبر: الرجل ينام مع الرجل في لحاف واحد، فقال: ذوا رحم،
فقال: لا، فقال: أمن ضرورة، قال: لا، قال: يضربان ثلاثين سوطا، الحديث (2).
وفيه إيماء إليه، لكنه مع قصور السند يشكل في الأول بأن مطلق الرحم
لا يوجب تجويز ذلك.
فالأولى ترك التقييد به، أو التقييد بكون الفعل محرما.
وفيه غنى عن التقييد بالضرورة والتجرد أيضا، مع أنه لا وجه لاعتبار
الأخير أصلا، حيث يحصل التحريم بالاجتماع الذي هو مناط التعزير من
دونه. ولعله لذا خلى أكثر النصوص من اعتباره، وبعض النصوص المتعرض
له غير صريح في التقييد به، لكنه ظاهر فيه، مع صحة سنده.
وفيه كان علي (عليه السلام) إذا وجد رجلين في لحاف واحد مجردين جلدهما
حد الزاني مائة جلدة، وكذلك المرأتان إذا وجدتا في لحاف واحد مجردتين
جلدهما كل واحدة مائة جلدة (3).

(1) الوسائل 18: 388 - 336، الباب 20 من أبواب حد الزنا، الحديث 3، الباب 24 من أبواب
مقدمات الحدود، الحديث 4.
(2) الوسائل 18: 267، الباب 10 من أبواب حد الزنا، الحديث 21، 15.
(3) الوسائل 18: 267، الباب 10 من أبواب حد الزنا، الحديث 21، 15.
505

وصريحه ككثير من النصوص عدم الفرق في المجتمعين بين كونهما
رجلين أو امرأتين (1).
وفي جملة اخرى منها عدمه في المجتمعين ذكرا وأنثى (2)، فلا وجه
لتقييد المجتمعين بالذكرين، كما يوجد في كلام بعض أصحابنا (3). فتأمل
جدا.
(ولو تكرر) الاجتماع المحرم (مع تكرار التعزير حدا في) المرة
(الثالثة) كما عن النهاية (4) والحلي (5) والقاضي (6) وابن سعيد (7) وفي
القواعد (8) والتحرير (9) والإرشاد (10).
ومستندهم غير واضح، عدا ما سيأتي من الخبر الناطق بذلك في
المرأتين (11)، وهو مع أخصيته عن المدعى متضمن لما لا يقولون به، كما
سيأتي إن شاء الله تعالى. وعن ابن حمزة أنه إن عادا ثلاثا وعزرا بعد كل
مرة قتلا في الرابعة (12).
(وكذا يعزر من قبل غلاما بشهوة) من غير رأفة، بلا خلاف أجده،
لأنه فعل محرما، فيستحق فاعله التعزير مطلقا، كغيره من المحرمات،
بل الأمر فيه آكد.

(1) الوسائل 18: 363، الباب 10 من أبواب حد الزنا.
(2) الوسائل 18: 363، الباب 10 من أبواب حد الزنا.
(3) كالصدوق في المقنع 433، ابن إدريس في السرائر 3: 460، الشيخ في النهاية 3: 308.
(4) النهاية 3: 308.
(5) السرائر 3: 461.
(6) المهذب 2: 531.
(7) الجامع للشرائع 555.
(8) القواعد 3: 537.
(9) التحرير 2: 224 س 30.
(10) الإرشاد 2: 175.
(11) الوسائل 18: 425، الباب 2 من أبواب حد السحق، الحديث 1.
(12) الوسيلة 414.
506

ففي الخبر المشتهر: أن من قبل غلاما بشهوة لعنته ملائكة السماء
وملائكة الأرضين وملائكة الرحمة وملائكة الغضب (1).
وفي آخر: من قبل غلاما بشهوة ألجمه الله تعالى بلجام من نار (2).
ولا فرق بين المحرم والأجنبي، لإطلاق الدليل وإن قيده الأكثر بالثاني،
ويحتمل ورود القيد في كلامهم مورد الغالب، لأظهرية الشهوة فيه، وإلا فلا
وجه له، كما صرح به شيخنا الشهيد الثاني (3)، بل مناط التعزير في المحرم
آكد، كما صرح به المقدس الأردبيلي (4) (رحمه الله).
ومن عموم المناط يظهر عدم الفرق أيضا بين الصغير والصغيرة، بل ولا
بين الرجل والمرأة، كما يستفاد من إطلاقهم التعزير في التقبيل والمضاجعة.
ومنه يظهر عدم الوجه في ذكر المسألة على حدة بعد دخولها في عموم
تلك المسألة، إلا أن يخص بالمرأة، ولكن لا وجه له، بعد عموم المناط والعلة.
وفي الخبر: محرم قبل غلاما بشهوة، قال: يضرب مائة سوط (5). وهو شاذ.
وربما حمل على التغليظ، لمكان الإحرام، كما صرح به الأصحاب
عموما، والحلي في المقام (6).
وهو حسن لولا أن المشهور اشتراط عدم بلوغ التعزير الحد، ولذا أن
الحلي لم يصرح في مورد الخبر بأكثر من التغليظ.
واحترز بالشهوة عما يكون برأفة أو صداقة دنياوية أو عادة عرفية،
فإنه لا حرج في ذلك، ولا إثم، كما صرح به الحلي، قال: فإنه قد روي

(1) مستدرك الوسائل 14: 351، الحديث 3 معه ذيله.
(2) مستدرك الوسائل 14: 351، الحديث 3 معه ذيله.
(3) المسالك 14: 412.
(4) مجمع الفائدة 13: 117.
(5) الوسائل 14: 258، الباب 21 من أبواب النكاح المحرم، الحديث 3.
(6) السرائر 3: 461.
507

استحباب تقبيل القادم من مكة بغير خلاف.
(ويثبت السحق بما يثبت به اللواط) بلا خلاف، لعموم المنزلة الواردة
في بعض الأخبار، كالمروي في مكارم الأخلاق عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: السحق
في النساء بمنزلة اللواط في الرجال (1)، ونحوه المرسل الآتي.
(والحد فيه مائة جلدة) مطلقا (حرة كانت أو أمة، محصنة أو غير
محصنة) ويستوي في ذلك (الفاعلة والمفعولة) بلا خلاف في شئ من
ذلك أجده، إلا في جلد المحصنة مائة، فقد اختلفوا فيه، والمشهور ذلك، كما
صرح به في المسالك (2) بل ظاهره أنه مذهب المتأخرين كافة، كما هو
الظاهر، وظاهر الانتصار بل صريحه أن عليه إجماع الإمامية (3)، للأصل،
وظاهر الموثق كالصحيح: السحاقة تجلد (4).
فلو كان فيه رجم لزم الإخبار بالخاص عن العام، وهو باطل، وصريح
المرسل المروي عن بعض الكتب عن الأمير (عليه السلام) أنه قال: السحق في النساء
كاللواط في الرجال، ولكن فيه جلد مائة، لأنه ليس فيه إيلاج (5). وضعف
السند مجبور بالشهرة.
(وقال) الشيخ (في النهاية) (6) والقاضي (7) وابن حمزة (8): إنها
(ترجم مع الإحصان) للصحيح: حدها حد الزاني (9).

(1) مكارم الأخلاق: 232.
(2) المسالك 14: 412.
(3) الانتصار: 513.
(4) الوسائل 18: 425، الباب 1 من أبواب حد السحق، الحديث 2.
(5) دعائم الإسلام 2: 456، الحديث 1603.
(6) النهاية 3: 309.
(7) المهذب 2: 531.
(8) الوسيلة: 414.
(9) الوسائل 18: 425، الباب 1 من أبواب حد السحق، الحديث 1.
508

ورد بأنه أعم من الرجم فيحمل على الجلد، جمعا. وهو حسن،
لرجحان ما تقدم من وجوه عديدة، منها الصراحة في بعضه دون هذا، لعدم
صراحته، واحتماله ما تقدم.
لكن في الخبر المروي عن الاحتجاج عن مولانا القائم (عليه السلام) أنه سئل
عن الفاحشة المبينة التي إذا فعلت ذلك يجوز لبعلها أن يخرجها من بيته في
أيام عدتها، فقال (عليه السلام): تلك الفاحشة السحق، وليست في الزنا، لأنها إذا زنت
يقام عليها الحد، وليس لمن أراد تزويجها أن يمتنع من العقد عليها لأجل
الحد الذي أقيم عليها، وأما إذا ساحقت فيجب عليها الرجم، والرجم هو
الخزي، ومن أمر الله تعالى برجمها ليس لأحد أن يقربها (1).
وفي الخبر: أتي أمير المؤمنين (عليه السلام) بامرأتين كانتا تتساحقان فدعا (عليه السلام)
بالنطع فأمر بهما فأحرقتا بالنار (2).
ويمكن الذب عنهما بقصور السند، وأعمية الثاني من المطلب، وتضمن
الأول لما لا يقول به أحد، مع ضعفهما - ولو سلما عن جميع ذلك - عن
المقاومة لما مر، لرجحانه بعمل الأكثر، بل عامة من تأخر كما سبق.
وبه يجاب عن النصوص الآتية في المسألة الثانية وإن تضمنت الصحيح
وغيره، ونصت برجم المحصنة، مع احتمالها الاختصاص بمورد تلك
المسألة، إلا أنه خلاف ظاهر الجماعة.
فالمسألة لذلك لا تخلو عن شبهة، إلا أن درأ الحدود بها توجب المصير
إلى الجلد مطلقا.
هذا، ويستفاد من الروضة أن به أخبارا صحيحة، حيث قال في المسألة

(1) الاحتجاج 2: 463.
(2) الوسائل 18: 425، الباب 1 من أبواب حد السحق، الحديث 4.
509

الآتية: وقيل: ترجم الموطوءة، استنادا إلى رواية ضعيفة السند، مخالفة
لما دل على عدم رجم المساحقة مطلقا من الأخبار الصحيحة (1)، انتهى.
لكن دعواه ضعف سند رواية الرجم مع الإحصان وصحة ما دل على
عدمه مطلقا غريبة، بل الأمر بالعكس كما عرفته، وهو ظاهر الجماعة، حتى
هو في المسالك (2)، ولأجله مال فيه إلى هذا القول، ويشبه أن يكون ذلك منه
غفلة، فلا يمكن أن يتخذ ما ادعاه من الأخبار الصحيحة حجة أو معاضدة.
نعم لو لم يدع ضعف سند رواية الرجم أمكن ذلك، باحتمال وقوفه على
تلك الأخبار وإن بعد، حيث لم يقف عليها، ولم يتعرض لها ولو إشارة غيره
إلا أن دعواه ذلك أوجبت عدم الإمكان، لما عرفت، سيما مع اعتضاده بما
ذكرناه هنا.
(وتقتل المساحقة) مطلقا (في الرابعة مع تكرر الحد ثلاثا) على
الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، حتى بعض من أوجب القتل في
الثالثة في الزنا واللواط، كالشهيد في اللمعة (3)، بل يفهم من الروضة عدم
ظهور خلاف منهم هنا في القتل في الرابعة، حيث قال: وظاهرهم هنا عدم
الخلاف وإن حكمنا بقتل الزاني واللائط في الثالثة كما اتفق في عبارة
المصنف (4)، انتهى.
ولكن ظاهر جماعة منهم كالحلي في السرائر (5) والفاضل في المختلف (6)
جريان الخلاف المتقدم هنا أيضا، واختار الحلي الخلاف هنا صريحا.
(ويسقط الحد بالتوبة قبل) ثبوته بالإقرار أو (البينة كاللواط) فإنه

(1) الروضة 9: 162.
(2) المسالك 14: 415.
(3) اللمعة 257، ولم نعثر عليه في الزنا.
(4) الروضة 9: 159.
(5) السرائر 3: 467.
(6) المختلف 9: 185.
510

كذلك أيضا يسقط حده بها قبل ثبوته بأحد الأمرين (ولا يسقط بعد)
الثبوت بالإقرار أو (البينة).
ويجب على الإمام إجراؤه إن ثبت بالثاني، وليس له العفو عنه فيه.
ويتخير بين الأمرين إذا ثبت بالأول بعين ما مر في الزنا، لاشتراك
الجميع في هذه الأحكام وأمثالها، كما يستفاد من ظاهر الأصحاب، من غير
أن يعرف بينهم في ذلك خلاف، وبه صرح في الغنية مدعيا عليه الإجماع (1).
(وتعزر) المرأتان (المجتمعتان تحت إزار واحد مجردتين) من ثلاثين
إلى تسعة وتسعين، كما مر في الذكرين المجتمعين.
(ولو تكرر) منهما الاجتماع (مرتين مع التعزير) بينهما (أقيم
عليهما الحد في) المرة (الثالثة) بلا خلاف أجده، إلا من الحلي في السرائر،
فظاهره القتل في الثالثة (2)، لأنها كبيرة، وكل كبيرة يقتل بها في الثالثة.
وكلية الكبرى ممنوعة، كما ستعرفه، ومع ذلك ترد الأصل، وصريح
الرواية الآتية المنجبرة في محل البحث بالشهرة العظيمة، التي كادت تكون
إجماعا، بل لعلها إجماع في الحقيقة.
(ولو عادتا) في الرابعة (قال) الشيخ (في النهاية) (3) وجماعة (4)
(قتلتا) للخبر: لا ينبغي لامرأتين أن تناما في لحاف واحد إلا وبينهما
حاجز، فإن فعلتا نهيتا عن ذلك، فإن وجدتا بعد النهي في لحاف واحد
جلدتا كل واحدة منهما حدا، فإن وجدتا في الثالثة حدتا، فإن وجدتا
في الرابعة قتلتا (5) ولأنها كبيرة يقتل بها في الرابعة (6).

(1) الغنية: 426.
(2) السرائر 3: 467.
(3) النهاية 3: 310.
(4) المهذب 2: 533، المختلف 9: 184.
(5) الوسائل 18: 368، الباب 10 من أبواب حد الزنا، الحديث 25.
(6) السرائر 3: 467.
511

وفيهما نظر، لضعف سند الأول، مع اشتماله على ما لا يقولون به من
الحد في المرة الثانية، وظاهره أيضا عدم شئ في المرتبة الأولى عدا النهي
خاصة، ولم يقل به أحد من الطائفة. ومنع كلية الكبرى في الثاني، لما في
المسالك من أنه إن أريد أنه مع إيجابها الحد فمسلم لكن لا يقولون به هنا،
وإن أرادوا مطلقا فظاهر منعه (1).
ومن ثم اختار الفاضلان (2) والشهيدان (3) وأكثر المتأخرين كما في
المسالك (4) الاقتصار على التعزير مطلقا إلا في كل ثالثة فالحد. ولا ريب
أنه أحوط.
وهنا (مسألتان):
(الأولى: لا كفالة في حد) زنا، ولا غيره من الحدود، للنبوي (5)
والمرتضوي (6) الخاصيين، ولأدائه إلى التأخير والتعطيل.
(ولا تأخير) فيه مع القدرة على إقامته، كما في المرتضويين: في
أحدهما: ليس في الحدود نظرة ساعة (7). وفي الثاني: إذا كان في الحد لعل
وعسى فالحد معطل (8). (إلا لعذر) ومصلحة، كبرء المريض ووضع الحبلى
والإرضاع واجتماع الناس، كما مر.
(ولا شفاعة في إسقاطه) لقوله تعالى: «ولا تأخذكم بهما رأفة» (9)
وللمستفيضة:

(1) المسالك 14: 416 - 417.
(2) الشرائع 4: 161، التحرير 2: 225 س 10.
(3) اللمعة والروضة 9: 160.
(4) المسالك 14: 416 - 417.
(5) الوسائل 18: 333، 336، الباب 21، 25 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1، 1.
(6) الوسائل 13: 161، الباب 16 من أحكام الضمان، الحديث 2.
(7) الوسائل 18: 333، 336، الباب 21، 25 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1، 1.
(8) الوسائل 18: 336، الباب 25 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 2.
(9) النور: 2.
512

ففي الخبرين: لا تشفع في حد (1). وفي آخر: لا يشفعن أحد في حد إذا
بلغ الإمام، فإنه لا يملكه واشفع فيما لم يبلغ الإمام إذا رأيت الندم، واشفع
عند الإمام في غير الحد مع الرجوع من المشفوع له، ولا تشفع في حق امرئ
مسلم ولا غيره إلا بإذنه (2). وقريب منها الصحيح وغيره. ولا خلاف في
شئ من ذلك أجده.
(الثانية: لو وطئ زوجته فساحقت بكرا فحملت من مائه) البكر
(فالولد له) أي للواطئ، لأنه مخلوق من مائه، ولا موجب لانتفائه عنه.
فلا يقدح كونها ليست له فراشا، مع صدق الولد عليه عرفا ولغة. ولا يلحق
بالزوجة قطعا. ولا بالبكر على قول مشهور. ويقوى الإلحاق، للصدق
العرفي، وانتفاء المانع الشرعي، إذ ليس إلا الزنا، والسحق ليس منه لغة ولا
عرفا، فيشمله إطلاق ما دل على أحكام الولد من حرمة التناكح وثبوت
التوارث، مع أن الأول ثابت في ولد الزنا اتفاقا، فهنا أولى، فالإلحاق أقوى،
إلا أن يتردد في شمول الإطلاق لنحو المقام، لعدم تبادره منه، وشمول
الحكم لولد الشبهة بالإجماع لا يصلح قرينة على التعميم للنادر، بناء على
كونه منه أيضا، لاحتمال كون الإجماع دليلا مستقلا على الشمول لا قرينة
على الدخول تحت الإطلاق.
(وعلى زوجته) المساحقة (الحد) للسحق جلدا أو رجما على الخلاف
الذي مضى (والمهر) للبكر، لأنها سبب لإذهاب عذرتها وديتها مهر نسائها،
وليست كالزانية المطاوعة، لأن الزانية أذنت في الاقتضاض بخلاف هذه.
(وعلى الصبية الجلد) مائة إن كانت مطاوعة بلا خلاف فيه أجده، وكذا
فيمن سبقه، إلا من الحلي، فلم يلحق الولد بالرجل، لعدم ولادته على فراشه،

(1) الوسائل 18: 333، الباب 20 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 2، 3، 4.
(2) الوسائل 18: 333، الباب 20 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 2، 3، 4.
513

والولد للفراش، ولم يثبت المهر، لأن البكر بغي بالمطاوعة فلا مهر لها (1).
وقد عرفت جوابه. ويدل على أصل المسألة زيادة عليه النصوص المستفيضة:
منها الصحيح: يعمد إلى المرأة فيؤخذ منها مهر الجارية البكر في أول وهلة،
لأن الولد لا يخرج منها حتى تشق وتذهب عذرتها، ثم ترجم المرأة،
لأنها محصنة، وينتظر بالجارية حتى تضع ما في بطنها ويرد إلى أبيه صاحب
النطفة، ثم تجلد الجارية الحد، الخبر (2). وفي معناه غيره (3).
وهي مع استفاضتها وصحة بعضها لا قصور فيها إلا من حيث الدلالة
على رجم المحصنة، مع أن الأكثر لم يقولوا به.
وهذا القصور مع اختصاصه بهم دون الشيخ (4) ومن تبعه (5) غير قادح
في الحجية، فإن خروج بعض الروايات عنها بدلالة خارجية أقوى لا
توجب خروجها عنها طرا، وإن هي إلا كالعام المخصص، الذي هو حجة
في الباقي، كما عرفته مرارا، مع احتمال القول برجم المحصنة هنا خاصة،
عملا بهذه النصوص في موردها، وجمعا بينها وبين ما مر من الدليل
على عدم رجم المساحقة مطلقا، كما ذكره بعض الأجلة (6)، لكن فيه زيادة
على ما عرفته من كونه خلاف ظاهر الجماعة عدم قبول الصحيح منها لهذا
الجمع، من حيث تعليله رجم الزوجة بأنها محصنة، وهو كالصريح في عدم
مدخليته للخصوصية، وأن الإحصان من حيث هو هو العلة في رجمها.
(وأما القيادة فهي الجمع بين الرجال والنساء للزنا والرجال والصبيان)
والنساء (للواط) والسحق (ويثبت بشاهدين) عدلين (أو الإقرار) من

(1) السرائر 3: 465.
(2) الوسائل 18: 426، الباب 3 من أبواب حد السحق، الحديث 1، 3.
(3) الوسائل 18: 426، الباب 3 من أبواب حد السحق، الحديث 1، 3.
(4) النهاية 3: 309 - 310.
(5) المهذب 2: 532.
(6) مجمع الفائدة 13: 125.
514

القائل البالغ العاقل المختار (مرتين) بلا خلاف، للعموم. ومقتضاه الثبوت
بالثاني ولو مرة، ولكن لا قائل به أجده، بل ظاهرهم الاتفاق على اعتبار
المرتين. ومستندهم من دونه غير واضح. وعن المراسم (1) والمختلف (2) أن
كل ما فيه بينة شاهدين من الحدود فالإقرار فيه مرتين.
(والحد فيه خمس وسبعون جلدة) بلا خلاف أجده، بل عليه
الإجماع في الانتصار (3) والغنية (4) والمسالك (5)، وبه صريح الرواية الآتية.
(و) ليس فيها ما (قيل) من أنه (يحلق) مع ذلك (رأسه ويشهر)
في البلد، لكنه مشهور بين الأصحاب، مدعيا عليه في الانتصار (6) والغنية (7)
الإجماع. وهو كاف في الثبوت، سيما مع الاعتضاد بفتوى المشهور، سيما
مثل الحلي (8) الذي لا يعمل بالآحاد، مع أنه لا مخالف فيه صريحا، وإنما
ظاهر المتن وغيره التردد فيه. ولا وجه له بعد ما عرفته.
(ويستوي فيه الحر والعبد والمسلم والكافر) بلا خلاف، بل عليه الإجماع
في الانتصار (9) والغنية (10). وهو الحجة; مضافا إلى إطلاق الرواية الآتية.
(وينفى) عن بلده إلى غيره من الأمصار، من غير تحديد لمدة نفيه
(بأول مرة) وفاقا للنهاية (11) وجماعة (12) (وقال المفيد) (13) وابنا
زهرة (14) وحمزة (15) والديلمي (16) وغيرهم (17) إنه إنما ينفى (في الثانية.

(1) المراسم 259.
(2) المختلف 9: 186.
(3) الانتصار: 515.
(4) الغنية 427.
(5) المسالك 14: 422.
(6) الانتصار: 515.
(7) الغنية 427.
(8) السرائر 3: 471.
(9) الانتصار: 515.
(10) الغنية 427.
(11) النهاية 3: 314.
(12) السرائر 3: 471، المهذب 2: 534.
(13) المقنعة 791.
(14) الغنية 427.
(15) الوسيلة 414.
(16) المراسم 257.
(17) الكافي في الفقه 410.
515

والأول مروي) في رواية عبد الله بن سنان، التي هي الأصل في هذه
المسألة: عن القواد، قال: يضرب ثلاثة أرباع حد الزاني خمسة وسبعين
سوطا، وينفى من المصر الذي هو فيه (1). ونحوه الرضوي (2).
والتصريح بأول مرة وإن لم يقع في شئ منهما لكنه مقتضى الإطلاق جدا.
والأحوط القول الثاني، بل لعله المتعين، للأصل، ودعوى الإجماع عليه
في الغنية (3)، وهو أرجح من الرواية المذكورة من وجوه، منها صراحة
الدلالة فتقيد به الرواية.
(ولا نفي على المرأة ولا جز) ولا شهرة بلا خلاف أجده، بل عليه
الإجماع في الانتصار (4) والغنية (5). وهو الحجة; مضافا إلى الأصل،
واختصاص الفتوى والرواية بحكم التبادر بالرجل دون المرأة، مع منافاة
النفي والشهرة لما يجب مراعاته من ستر المرأة.
وظاهر النفي في الفتوى والنص إنما هو الإخراج من البلد، ولكن في
الرضوي وغيره روى: أن المراد به الحبس سنة أو يتوب (6). والرواية مرسلة،
فلا يعدل بها عن الظاهر بلا شبهة.
* * *

(1) الوسائل 18: 429، الباب 5 من أبواب حد السحق، الحديث 1.
(2) مستدرك الوسائل 18: 87، الحديث 1.
(4) الانتصار 515.
(5) الغنية 427.
(6) فقه الرضا (عليه السلام) 310.
516

(الفصل الثالث في) بيان (حد القذف)
وهو لغة الرمي بالحجارة. وشرعا قيل: رمي المسلم الحر الكامل
المستتر بالزنا أو اللواط (1)، وهو حرام بنص الكتاب، والسنة المستفيضة،
بل المتواترة، مضافا إلى إجماع الأمة.
(ومقاصده أربعة):
(الأول في) بيان (الموجب) للحد
(وهو الرمي بالزنا أو اللواط) بمثل قوله: زنيت بالفتح أو لطت أو
أنت زان أو لائط وشبهه من الألفاظ الدالة على القذف صريحا (وكذا لو
قال: يا منكوحا في دبره) أو زنى بك فلان وشبهه من الألفاظ الظاهرة فيه
عرفا على إشكال فيها، لمجامعة الظهور الاحتمال الذي يدرأ به الحدود،
لكن ظاهرهم الاتفاق على الحد في العبارة الأولى منها، وبه صرح في
المسالك (2) وغيره.
وبالحد فيها صرح بعض المعتبرة: كان علي (عليه السلام) يقول: إذا قال الرجل

(1) التنقيح الرائع 4: 358.
(2) المسالك 14: 430.
517

للرجل يا معفوج يا منكوحا في دبره فإن عليه الحد حد القاذف (1).
وقصور السند مجبور بالعمل وبابن محبوب المجمع على تصحيح ما
يصح عنه، فلا إشكال في الحد بها، وإنما الإشكال فيما عداها إن لم يكن
ثبوته به إجماعا.
وأيضا يعتبر في القاذف معرفته بموضع اللفظ (بأي لغة اتفق) وإن لم
يعرف المواجه معناه (إذا كانت مفيدة للقذف في عرف القائل) أي عرف
لغته التي يتلفظ بها.
(ولا يحد مع جهالة قائلها) بمدلوله اتفاقا، للأصل، وعدم صدق القذف
حينئذ قطعا، فإن عرف أنها تفيد فائدة يكرهها المواجه عزر، وإلا فلا.
(وكذا لو قال لمن أقر ببنوته) أو حكم الشرع بلحوقه به (لست
ولدي) أو قال لغيره: لست لأبيك فيحد لأمه بلا خلاف، بل ظاهر
الأصحاب الإجماع عليه، كما في المسالك (2). وهو الحجة الدافعة للإشكال
المتقدم إليه الإشارة، الجاري هنا أيضا، بناء على عدم صراحة الألفاظ
المزبورة في القذف باحتمال الإكراه في وطء الأم أو الشبهة; مضافا إلى
المعتبرة المستفيضة:
ففي القوي بالسكوني وصاحبه: من أقر بولد ثم نفاه جلد الحد، وألزم
الولد (3).
وفي الخبر الرجل ينتفي من ولده وقد أقر به، فقال: إن كان الولد من
حرة جلد خمسين سوطا، وإن كان من أمة فلا شئ عليه (4). فتأمل.

(1) الوسائل 18: 433، الباب 3 من أبواب حد القذف، الحديث 2.
(2) المسالك 14: 425.
(3) الوسائل 18: 457، 453، الباب 23، 19 من أبواب حد القذف، الحديث 1، 2.
(4) الوسائل 18: 457، 453، الباب 23، 19 من أبواب حد القذف، الحديث 1، 2.
518

وفي آخر: أن عليا (عليه السلام) كان يعزر في الهجاء، ولا يجلد الحد إلا في
الفرية المصرحة بأن يقول: يا زان أو يا بن الزانية أو لست لأبيك (1). ونحوه
آخر (2). قيل: وفي الحسن مثلهما. ولم أقف عليه.
وظاهرها - كما ترى - كون لست لأبيك من الألفاظ الصريحة، وبه
صرح في المسالك، فقال: هذه الصيغة عندنا من الألفاظ الصريحة لغة وعرفا
فيثبت بها الحد لأمه (3). واستشكله بعض الأجلة، لما عرفته، قال: إلا أن
يقال: قد صار عرفا صريحا في الرمي به (4). وهو حسن، إلا أنه لا ينفع عذرا
لما في المسالك من دعوى الصراحة لغة.
(ولو قال: زنى بك أبوك) أي ولدت من الزنا أو يا بن الزاني (فالقذف
لأبيه) خاصة (أو) قال: (زنت بك أمك فالقذف لأمه) كذلك فيحد
للأب أو الأم دون المواجه، لأنه قذف لهما حقيقة دونه، لأنه لم ينسب إليه
فعلا، لكن يعزر - كما سيأتي - لتأذيه به.
(ولو قال يا بن الزانيين فالقذف لهما) دون المواجه، لما عرفته، ولا
خلاف في شئ من ذلك، ولا إشكال، وفي النصوص دلالة عليه:
ففي الصحيح: وإن قال لابنه وأمه حية يا بن الزانية ولم ينتف من ولدها
جلد الحد لها، ولم يفرق بينهما (5)، الخبر. فتدبر.
(و) إنما (يثبت الحد) عليه لهما (إذا كانا مسلمين) عاقلين حرين
محصنين، فلا يحد مع عدم الشرائط أو أحدها فيهما وإن كان المواجه متصفا
بها، بل يعزر لهما، كما أنه لو اتصفا بها يحد لهما (ولو كان المواجه كافرا)
أو عبدا، وبالجملة فاقد الشرائط ولو بعضا، لأنهما المقذوف دونه فيتبع كلا

(1) الوسائل 18: 457، 453، الباب 23، 19 من أبواب حد القذف، الحديث 6، 9.
(2) الوسائل 18: 457، 453، الباب 23، 19 من أبواب حد القذف، الحديث 6، 9.
(3) المسالك 14: 425.
(4) مجمع الفائدة 13: 132.
(5) الوسائل 18: 447، الباب 14 من أبواب حد القذف، الحديث 1.
519

منهم حكمه.
(ولو قال للمسلم: يا بن الزانية) مثلا (وأمه كافرة فالأشبه) أن عليه
(التعزير) وفاقا للحلي (1) وعامة المتأخرين، للأصل، وانتفاء التكافؤ
للقاذف، أو علو المقذوف المشترط في ثبوت الحد عليه، فإن المقذوف هنا
الأم، وهي غير مكافئة.
(و) قال الشيخ (في النهاية) (2) والقاضي (3): أنه (يحد) كاملا،
لحرمة الولد، وللخبر عن مولانا الصادق (عليه السلام). عن اليهودية والنصرانية تحت
المسلم فيقذف ابنها، قال: يضرب القاذف لأن المسلم قد حصنها (4).
ويضعف بعدم كفاية حرمة الولد وضعف الخبر سندا، فإن فيه بنان بن
محمد المجهول ودلالة تارة، بأن قذف الابن أعم من نسبته الزنا إلى الأم، مع
أن القذف بذلك ليس قذفا لابنها بل لها، وأخرى بأن ضرب القاذف أعم من
الحد، فيحتمل التعزير، ونحن نقول به.
وفي هذين الوجهين نظر، لمنافاة الأول قوله: «إن المسلم قد حصنها»،
والثاني موجه على النسخة المتقدمة المروية في التهذيب (5)، ولكن في
الكافي (6) بدل «يضرب القاذف» «يضرب حدا». فإذن الجواب عنه بضعف
السند بمن مر كما في سنده في التهذيب، أو بمعلى بن محمد كما في سنده
في الكافي.

(1) السرائر 3: 519 - 520.
(2) النهاية 3: 344 - 345.
(3) المهذب 2: 548.
(4) الوسائل 18: 450، الباب 17 من أبواب حد القذف، الحديث 6.
(5) التهذيب 10: 75، الحديث 55.
(6) الكافي 7: 209، الحديث 21.
520

ومنه يظهر ما في المختلف من أنه لا بأس بالعمل بهذه الرواية، فإنها
واضحة الطريق (1).
ولو سلم وضوح الطريق فالخبر غير مكافئ لما مر من حيث اعتضاده
بعمل الأكثر، وحصول الشبهة من جهة الخلاف الدارئة، ولكن يعضد الخبر
ما روي عن الإسكافي من أنه مروي عن مولانا الباقر (عليه السلام)، وأن الطبري
روى أن الأمر لم يزل على ذلك، إلى أن أشار عبد الله بن عمر إلى عمر بن
عبد العزيز: بأن لا يحد مسلم في كافر فترك ذلك (2).
(ولو قال: يا زوج الزانية فالحد لها) خاصة.
(و) كذا (لو قال: يا أبا الزانية أو يا أخا الزانية، ف‍) إن (الحد للمنسوبة
إلى الزنا دون المواجه) بالخطاب.
ولو عطف «يا أبا الزانية» وما بعده على «يا زوج الزانية» وأسقط قوله
«فالحد لها» مكتفيا للجميع بقوله: فالحد للمنسوبة - كما فعله غيره - كان
أخصر، بل وأحسن، فإن ما ذكره ربما يوهم خصوصيته في الشرطية الأولى
دون ما بعدها، أو بالعكس، حيث فصلت إحداهما عن الأخرى، مع اتحاد
حكمهما، وانتفاء الخصوصية قطعا، وكون دليلهما واحدا.
(ولو قال: زنيت بفلانة فللمواجه حد) قطعا، لقذفه بالزنا صريحا.
(وفي ثبوته للمرأة) المنسوب إليها زناه (تردد) ينشأ.
من احتمال الإكراه بالنسبة إليها ولا يتحقق الحد مع الاحتمال ولظاهر
الصحيح الوارد في نظير البحث في رجل قال لامرأته يا زانية أنا زنيت بك
قال عليه حد واحد لقذفه إياها. وأما قوله: أنا زنيت بك فلا حد عليه فيه إلا

(1) المختلف 9: 254.
(2) كشف اللثام 2: 413 س 27.
521

أن يشهد على نفسه أربع مرات بالزنا عند الإمام (1)، فإنه يعطي بظاهره
أن قوله «زنيت بك» ليس قذفا حيث نفى الحد فيه أصلا، ومنه حد القذف.
فتأمل جدا.
ومن أن الزنا فعل واحد، فإن كذب فيه بالنسبة إلى أحدهما كذب
بالنسبة إلى الآخر. ووهنه واضح.
ولعدم الاعتداد بشبهة الإكراه في الشرع، ولذا يجب الحد إجماعا
على من قال: يا منكوحا في دبره ونحوه.
وفيه منع، وإثباته بالمجمع عليه قياس.
ولتطرق الاحتمال بالنسبة إلى كل منهما، فينبغي اندراء الحد عنه بالكلية.
وفيه أن المكره على الزنا ليس زانيا.
وإلى الاحتمال الأول ذهب الحلي (2)، ومال إليه في التحرير (3).
وإلى الثاني الشيخان (4) وجماعة وفي الغنية (5)، وعن الخلاف (6)
الإجماع عليه، وإلا لكان الأول أقوى للشبهة الدارئة.
(والتعريض) بالقذف، كقوله لمن ينازعه ويعاديه: لست بزان ولا لائط
ولا أمي زانية، وقوله: يا حلال ابن الحلال، ونحوه ذلك، (يوجب التعزير)
بلا خلاف، للصحيح: عن رجل سب رجلا بغير قذف فعرض به هل يحد؟
قال: لا، عليه تعزير (7)، ولما فيه من الإيذاء المحرم الموجب له، كما يأتي.

(1) الوسائل 18: 446، الباب 13 من أبواب حد القذف، الحديث 1.
(2) السرائر 3: 520.
(3) التحرير 2: 237 س 31.
(4) المقنعة 793، النهاية 3: 346.
(5) الغنية 428.
(6) الخلاف 5: 405، المسألة 49. وليس فيه ذكر الإجماع.
(7) الوسائل 18: 452، الباب 19 من أبواب حد القذف، الحديث 1.
522

(وكذا) يعزر (لو قال لامرأته: لم أجدك عذراء) قاصدا به وهنها،
كما صرح به الحلي (1) لا مطلقا، كما هو ظاهر العبارة وغيرها. ويمكن
حملها على الأول، كما هو الغالب في هذا القول جدا.
والحكم بالتعزير هنا في الجملة أو مطلقا هو المشهور بين الأصحاب
على الظاهر المصرح به في المختلف (2)، لظاهر الموثق أو الصحيح: في
رجل قال لامرأته لم أجدك عذراء، قال: يضرب، قلت: فإنه عاد، قال:
يضرب فإنه يوشك أن ينتهي (3).
والضرب فيه وإن لم يكن صريحا في التعزير بل أعم منه ومن الحد،
لكنه مع ظهوره فيه محمول عليه، للأصل، وصريح الصحيح الآتي المترجح
على مثله، المثبت للحد بما يأتي.
خلافا للعماني (4)، فأوجب الحد، للصحيح: إذا قال الرجل لامرأته لم
أجدك عذراء وليست له بينة، قال: يجلد الحد ويخلى بينه وبينها (5).
ويحتمل الحد فيه التعزير أو اختصاصه بما إذا قصد بقوله المذكور الرمي
بالزنا صريحا ولو بقرينة الحال وينبه عليه قوله (عليه السلام): «وليست له بينة».
ومنه يظهر عدم إمكان الجمع بينه وبين الموثق المتقدم بحمل الضرب
فيه على الحد، لكونه أعم منه، مضافا إلى عدم إمكانه من وجه آخر، وهو
اعتضاد ما ذكرناه من الجمع بالأصل، والشهرة، وصريح بعض المعتبرة
بوجود المجمع على تصحيح ما يصح عنه في سنده، فلا يضر ما فيه من
الجهالة: في رجل قال لامرأته بعد ما دخل بها لم أجدك عذراء، قال:

(1) السرائر 3: 532.
(2) المختلف 9: 264.
(3) الوسائل 15: 609، الباب 17 من أبواب اللعان، الحديث 2، 3.
(4) المختلف 9: 264.
(5) الوسائل 15: 610، الباب 17 من أبواب اللعان، الحديث 3.
523

لا حد عليه (1)، وظاهر الصحيح في رجل قال لامرأته: لم تأتني عذراء، قال
ليس عليه شئ، لأن العذرة تذهب بغير الجماع (2).
بناء على أن الظاهر أن المراد من الشئ المنفي فيه إنما هو خصوص
الحد لا التعزير، وإلا لشذ وما ارتبط التعليل، فإن مقتضاه عدم القذف
الصريح، الذي هو مناط للحد، لا عدم الأذى الموجب للتعزير، لحصوله عادة
وإن احتمل الذهاب بغير جماع، بل وتعين.
وعن الإسكافي الموافقة له فيما لو قال ذلك عند حرد وسباب (3)
والمخالفة له في غيره. وهو ضعيف.
(و) بالجملة فالظاهر ثبوت التعزير (لو) قال لها ذلك، أو (قال
لغيره) مواجها أو غائبا (ما يوجب أذى) له (كالخسيس والوضيع)
والحقير.
(وكذا لو قال) له (يا فاسق) أو يا خائن أ (ويا شارب الخمر) ونحو
ذلك مما يوجب الأذى بلا خلاف، بل عليه الإجماع في الغنية (4)، للنصوص
المستفيضة عموما وخصوصا في بعض الأمثلة.
كالخبر عن رجل قال لآخر: يا فاسق، فقال: لا حد عليه ويعزر (5).
وفي آخر: إذا قال الرجل: أنت خنث وأنت خنزير فليس فيه حد، ولكن
فيه موعظة وبعض العقوبة (6).
وفي ثالث: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل دعا آخر ابن المجنون
فقال له الآخر: أنت ابن المجنون، فأمر الأول أن يجلد صاحبه عشرين

(1) الوسائل 15: 610، الباب 17 من أبواب اللعان، الحديث 5، 1.
(2) الوسائل 15: 610، الباب 17 من أبواب اللعان، الحديث 5، 1.
(3) المختلف 9: 264.
(4) الغنية: 435.
(5) الوسائل 18: 453، الباب 19 من أبواب حد القذف، الحديث 4، 2.
(6) الوسائل 18: 453، الباب 19 من أبواب حد القذف، الحديث 4، 2.
524

جلدة، وقال له: اعلم أنه ستعقب مثلها عشرين فلما جلده أعطى المجلود
السوط فجلده عشرين نكالا ينكل بهما (1).
وفي رابع: شكى رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) من قال له: احتلمت بأمك،
فقال (عليه السلام): سنوجعه ضربا وجيعا حتى لا يؤذي المسلمين فضربه (2)، الخبر.
ويستفاد منه الحكم عموما أيضا.
وفي خبرين أنه (عليه السلام) كان يعزر في الهجاء (3).
فلا إشكال في الحكم مطلقا (ما لم يكن) المؤذى (متظاهرا)
بمعصية الله تعالى.
ولو تظاهر فلا تعزير، لاستحقاقه الاستخفاف، بل كان المؤذي مثابا
بذلك مأجورا، بلا خلاف أجده، بل عليه الإجماع في الغنية (4) لأنه من
النهي عن المنكر.
وقد ورد أن من تمام العبادة الوقوع في أهل الريب (5).
وعن مولانا الصادق (عليه السلام) إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة (6).
وعنه (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا رأيتم أهل الريب في البدع من
بعدي فأظهروا البراءة منهم، وأكثروا من سبهم والقول فيهم، وباهتوهم لئلا
يطمعوا في الفساد في الإسلام، ويحذرهم الناس، ولا يتعلمون من بدعهم
يكتب الله تعالى لكم بذلك الحسنات، ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة (7).
إلى غير ذلك.

(1) الوسائل 18: 453، الباب 19 من أبواب حد القذف، الحديث 3، 5، 6.
(2) الوسائل 18: 458، الباب 24 من أبواب حد القذف، الحديث 1.
(3) الوسائل 18: 453، الباب 19 من أبواب حد القذف، الحديث 3، 5، 6.
(4) الغنية 435.
(5) البحار 74: 204.
(6) الوسائل 8: 604، الباب 154 من أحكام العشرة، الحديث 4.
(7) الوسائل 11: 508، الباب 39 من أبواب الأمر والنهي، الحديث 1.
525

ولا تصح مواجهته بما يكون نسبته إليه كذبا، لحرمته، وإمكان الوقيعة
فيه من دونه.
وهل يشترط مع ذلك جعله على طريق النهي عن المنكر فيشترط
بشروطه، أم يجوز الاستخفاف به مطلقا؟ ظاهر إطلاق النص والفتوى الثاني.
والأول أحوط.
(ويثبت القذف) وكل ما فيه التعزير (بالإقرار مرتين من المكلف
الحر المختار، أو بشهادة عدلين) بلا خلاف ولا إشكال، للعموم.
وإنما الإشكال في عدم ثبوته بالمرة من الإقرار، كما هو ظاهر العبارة،
مع أن عموم إقرار العقلاء (1) يقتضي الثبوت بها، ولكن ظاهر الأصحاب
خلافه، وكأنه إجماعي، وإن أشعر عبارة الماتن في الشرائع (2) بنوع تردد له
فيه، بل بوجوده مخالف أيضا، ولكن لم نقف عليه.
(ويشترط في القاذف) الذي يحد كاملا (البلوغ، والعقل) والاختيار
والقصد، بلا خلاف، بل عليه الإجماع في التحرير (3) وغيره. وهو الحجة;
مضافا إلى الأصل.
والخبر في الأول: عن الغلام لم يحتلم يقذف الرجل هل يجلد؟ قال: لا،
وذلك لو أن رجلا قذف الغلام لم يحد (4). والصحيح الآتي وغيره في الثاني.
(فالصبي لا يحد بالقذف و) لو كان المقذوف كاملا، بل (يعزر. وكذا
المجنون) لا يحد بقذفه أحدا ولو كان كاملا، بل يعزر، وينبغي تقييد التعزير
فيه بكونه ممن يرجى منه الكف به، لئلا يلغو.

(1) الوسائل 16: 111، الباب 3 من أبواب كتاب الإقرار، الحديث 2.
(2) الشرائع 4: 167.
(3) التحرير 2: 238 س 10.
(4) الوسائل 18: 439، الباب 5 من أبواب حد القذف، الحديث 1.
526

ومنه يظهر وجه أنه ينبغي تقييده في الصبي بكونه مميزا، وإلا فتعزيره
قبيح عقلا، فكذا شرعا.
ووجه التعزير فيهما مع القيد حسم مادة الفساد، وهو الأصل في شرعية
الحدود والتعزيرات، وإلا فلم أجد نصا بتعزيرهما هنا. ووجه اشتراط القصد
والاختيار هنا واضح، كما في سائر المواضع.
(الثاني في) بيان (المقذوف) الذي يحد قاذفه كاملا
(ويشترط فيه) لذلك الإحصان بلا خلاف، كما في الآية الكريمة:
«والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين
جلدة» (1).
ولما كان له معان متعددة قالوا المراد به هنا: (البلوغ، وكمال العقل،
والحرية، والإسلام، والستر) أي العفة عن الزنا واللواط وعدم التظاهر بهما.
(فمن قذف صبيا أو مجنونا أو مملوكا أو كافرا أو متظاهرا بالزنا)
واللواط (لم يحد، بل يعزر) إجماعا، كما في كلام جماعة، والنصوص به
مع ذلك مستفيضة:
منها - زيادة على ما مر إليه الإشارة - الصحيح وغيره: لا حد لمن لا حد
عليه، يعني لو أن مجنونا قذف رجلا لم أر عليه شيئا، ولو قذفه رجل فقال
له: يا زان لم يكن عليه حد (2).
والصحيح: في الرجل يقذف الصبية يجلد؟ قال: لا حتى تبلغ (3).

(1) النور: 4.
(2) الوسائل 18: 332، الباب 19 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.
(3) الوسائل 18: 440، الباب 5، من أبواب حد القذف، الحديث 4.
527

ومنها: من افترى على مملوك عزر، لحرمة الإسلام (1).
ومنها: لو أتيت برجل قد قذف عبدا مسلما بالزنا لا نعلم منه إلا خيرا
لضربته الحد حد الحر إلا سوطا (2).
ومنها: عن الافتراء على أهل الذمة وأهل الكتاب هل يجلد المسلم الحد
في الافتراء عليهم؟ قال: لا، ولكن يعزر (3).
وقد مر ما يدل على اعتبار الستر.
وأما الخبر: كل بالغ من ذكر أو أنثى افترى على صغير أو كبير أو ذكر أو
أنثى أو مسلم أو كافر أو حر أو مملوك فعليه حد الفرية (4) فمع إرساله شاذ،
لا عامل به. وحمله الشيخ على الافتراء على أحد أبوي الصغير أو المملوك
أو الكافر مع إسلامه وحريته (5). وغيره على أن المراد بالحد فيه ما يعم
التعزير. ولا بأس به وإن بعد، جمعا.
وظاهر العبارة وجماعة تعزير قاذف المتظاهر بالزنا، وهو خلاف ما دل
على نفي تعزيره، معللا بعدم حرمته، ولذا مال الشهيدان إلى العدم (6).
ووجه ثانيهما ما هنا بعموم الأدلة في قبح القذف مطلقا بخلاف مواجهة
المتظاهر بالزنا بغيره من أنواع الأذى. وهو كما ترى.
نعم ربما يؤيده فحوى ما دل على تعزير قاذف الكافر. فتأمل.
(وكذا) يشترط فيه انتفاء البنوة ف‍ (الأب لو قذف ولده) المحصن

(1) الوسائل 18: 436، الباب 4، من أبواب حد القذف، الحديث 12.
(2) الوسائل 18: 434، الباب 4، من أبواب حد القذف، الحديث 2.
(3) الوسائل 18: 450، الباب 17، من أبواب حد القذف، الحديث 4.
(4) الوسائل 18: 440، الباب 5 من أبواب حد القذف، الحديث 5.
(5) التهذيب 10: 89، الحديث 108.
(6) اللمعة والروضة 9: 181.
528

لم يحد بل يعزر. وكذا لو قذف زوجته الميتة ولا وارث لها إلا ولده. نعم
لو كان لها ولد من غيره كان لهم الحد تاما. كل ذلك للصحيح: عن رجل
قذف ابنه، فقال: لو قتله ما قتل به، وإن قذفه لم يجلد له، قال: وإن كان قال:
لأمه يا بن الزانية وأمه ميتة ولم يكن لها من تأخذ بحقها منه إلا ولده، فإنه
لا يقام عليه الحد، لأن حق الحد قد صار لولده منها، وإن كان لها ولد
من غيره فهو وليها، وإن لم يكن لها ولد من غيره وكان لها قرابة يقومون
بحق الحد جلد لهم (1).
ولا خلاف في شئ من ذلك (و) لا في أنه (يحد الولد لو قذفه) أي
قذف الأب.
(وكذا) يحد لو قذف الأم أو (الأقارب) مطلقا، ويحدون لو قذفوه،
للعموم.
(الثالث في) بيان (الأحكام)
(فلو قذف) شخص (جماعة) واحدا بعد واحد فلكل واحد حد، ولو
قذفهم (بلفظ واحد) كيا زناة (فعليه) للجميع (حد) واحد (إن طالبوه
مجتمعين وان افترقوا) في المطالبة (فلكل واحد حد) على الأظهر
الأشهر، وفي الغنية (2) والسرائر (3) الإجماع عليه. وهو الحجة; مضافا إلى
الصحيح: في رجل افترى على قوم جماعة، فقال: إن أتوا به مجتمعين ضرب
حدا واحدا، وإن أتوا به متفرقين ضرب لكل واحد حد (4). ونحوه أخبار
أخر قصور أسانيدها أو ضعفها بالشهرة العظيمة منجبر.

(1) الوسائل 18: 447، الباب 14 من أبواب حد القذف، الحديث 1.
(2) الغنية: 428.
(3) السرائر 3: 519.
(4) الوسائل 18: 444، الباب 11 من أبواب حد القذف، الحديث 1.
529

وإنما حملت على ما لو كان القذف بلفظ واحد مع كونه أعم، جمعا بينه
وبين الحسن: في رجل قذف قوما جميعا، قال: بكلمة واحدة قلت: نعم،
قال: يضرب حدا واحدا، وإن فرق بينهم في القذف ضرب لكل واحد منهم
حدا (1). بحمل الأولة على ما لو كان القذف بلفظ واحد، والأخير على
ما لو جاؤوا به مجتمعين.
وعكس الإسكافي فجعل القذف بلفظ واحد موجبا لاتحاد الحد مطلقا،
وبلفظ متعدد موجبا للاتحاد إن جاؤوا مجتمعين، والمتعدد ان جاؤوا
متفرقين (2).
ونفى عنه البأس في المختلف (3)، محتجا بدلالة الخبر الأول عليه،
وهو أوضح طريقا.
وفيه نظر، لأن تفصيل الأول شامل للقذف المتحد والمتعدد، فالعمل به
يوجب التفصيل فيهما.
والظاهر أن قوله فيه: «جماعة» صفة للقوم، لأنه أقرب وأنسب
بالجماعة لا للقذف. وإنما يتجه قوله لو جعل صفة للقذف المدلول عليه
بالفعل، وأريد بالجماعة القذف المتعدد. وهو بعيد جدا.
بل الظاهر ما ذكرناه، أو ما قيل: من أن المراد بقوله: «جماعة» اجتماعهم
في الفرية، بمعنى قذفهم بكلمة واحدة (4). وعليه فلا يكون القذف في الخبر
أعم من المتحد والمتعدد، بل ظاهر في الأول، ويكون التعارض بينه وبين
الخبر الأخير تعارض المطلق، والمقيد من وجه واحد، ولا كذلك على تقدير
الأعمية، فإن كلا منهما مطلق من وجه، ومقيد من آخر. وعلى التقديرين

(1) الوسائل 18: 444، الباب 11 من أبواب حد القذف، الحديث 2.
(2) المختلف 9: 256، 257.
(3) المختلف 9: 256، 257.
(4) لم نعثر عليه.
530

يجب حمل المطلق على المقيد من طرف واحد أو من الطرفين.
وهنا قولان آخران للصدوق، أحدهما في الفقيه (1) والمقنع (2)، وثانيهما
في الهداية (3). وهما شاذان، غير واضحي المستند، أو ضعيفة.
(وحد القذف يورث) لو مات المقذوف قبل استيفائه والعفو عنه (كما
يورث المال، و) لكن (لا يرثه الزوج ولا الزوجة) بل ولا غيرهما من
ذوي الأسباب، عدا الإمام فيرثه، ولكن ليس له العفو، كما في الغنية مدعيا
عليه وعلى أصل الحكم إجماع الإمامية (4)، كما عن الخلاف (5) وفي غيره
أيضا، لكن على الثاني خاصة. وهو الحجة; مضافا إلى النصوص المستفيضة:
منها - زيادة على ما تأتي إليه الإشارة - الصحيح المتقدم: فيمن قذف
زوجته وهي ميتة ولها قرابة يقومون بحق الحد، قال: جلد لهم (6).
وأما الخبر الحد لا يورث (7) فمع قصور سنده بالسكوني وصاحبه
محمول على ما ذكره الشيخ وغيره، من أن المراد أنه لا يورث في أن كل
واحد منهم يأخذ نصيبه وإن كان لكل واحد من الورثة المطالبة به على
الكمال (8)، كما في صريح الموثق: إن الحد لا يورث كما يورث التركة والمال
والعقار، ولكن من قام به من الورثة يطلبه فهو وليه، ومن تركه فلم يطلبه فلا
حق له، وذلك مثل رجل قذف رجلا وللمقذوف أخوان فإن عفا أحدهما كان
للرجل أن يطالبه بحقه، لأنها أمهما جميعا، والعفو إليهما جميعا (9).

(1) الفقيه 4: 53 - 54.
(2) المقنع 443.
(3) الهداية 294.
(4) الغنية 428.
(5) الخلاف 5: 406، المسألة 51.
(6) الوسائل 18: 447 - 457، الباب 14 - 22 من أبواب حد القذف، الحديث 1، 3.
(7) الوسائل 18: 447 - 457، الباب 14 - 22 من أبواب حد القذف، الحديث 1، 3.
(8) الاستبصار 4: 234 ذيل الحديث 1.
(9) الوسائل 18: 334، الباب 23 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.
531

ويحتمل الحمل على التقية، لما ذكره بعض الأجلة من أنه قول للعامة،
قال: ولهم قول آخر بأنه يرثه العصبات (1). ويعضده كون الراوي هو
السكوني، الذي هو من قضاتهم.
(ولو قال: ابنك زان) أو لائط (أو بنتك زانية فالحد لهما) مع
بلوغهما وعقلهما لا للمواجه، لما مر من أنه لم ينسب إليه فعلا قبيحا، ولازم
ذلك أن حق المطالبة والعفو فيه للمقذوف خاصة، كما في غيره من الحقوق.
وإلى هذا ذهب الحلي (2) وعامة المتأخرين.
(وقال) الشيخ (في النهاية) (3) والمفيد (4) والقاضي (5): إن (له) أي
للأب المواجه (المطالبة) للحد (والعفو) عنه.
والحجة عليه غير واضحة، عدا ما في المختلف من أن العار لاحق به
فله المطالبة بالحد والعفو (6).
والكبرى ممنوعة، هذا إن لم يسبقه الولدان إلى أحد الأمرين، ولو سبقاه
إليه لم يكن له ذلك بلا خلاف فيه، ولا في أن للأب الاستيفاء إذا قذفاه،
وولايته ثابتة عليهما. قيل: لأنهما غير صالحين للاستيفاء أو العفو، والتأخير
معرض للسقوط، وكذا لو ورث الولد الصغير ومن في معناه جدا كان للأب
الاستيفاء أيضا، وفي جواز العفو له في الصورتين إشكال (7).
(ولو ورث الحد جماعة فعفا) عنه (أحدهم كان لمن بقي) ولو
واحدا (الاستيفاء) له (على التمام) بلا خلاف أجده، بل عليه الإجماع

(1) كشف اللثام 2: 414 س 27.
(2) السرائر 3: 519.
(3) النهاية 3: 341.
(4) المقنعة 794.
(5) المهذب 2: 547.
(6) المختلف 9: 253.
(7) كشف اللثام 2: 414 س 14.
532

وفي الغنية (1)، وبه صرحت الموثقة المتقدمة (2).
(ويقتل القاذف في) المرة (الرابعة إذا حد ثلاثا) على الأشهر
الأقوى، وفي الغنية عليه إجماعنا (3).
(وقيل) كما عن الحلي: إنه يقتل (في الثالثة) (4) للصحيح العام في
كل كبيرة (5).
وفيه ما عرفته غير مرة.
(والحد ثمانون جلدة) بنص الكتاب والإجماع والسنة المستفيضة
(حرا كان القاذف أو عبدا) على الأشهر الأقوى، بل عليه عامة متأخري
أصحابنا، وفي صريح الغنية (6) وظاهر النكت (7) والروضة (8) وعن
الخلاف (9) وغيره أن عليه إجماع الإمامية، لعموم الأدلة، وصريح المعتبرة
المستفيضة:
منها الصحيح: إذا قذف العبد الحر جلد ثمانين هذا من حقوق
الناس (10).
ونحوه الموثق (11) والحسن (12) بزيادة في آخرهما، وهي قوله: «فأما
ما كان من حقوق الله تعالى فإنه يضرب نصف الحد». قلت: الذي يضرب
نصف الحد فيه ما هو؟ قال: إذا زنى وشرب خمرا فهذا من حقوق الله تعالى
التي يضرب فيها نصف الحد.

(1) الغنية 428.
(2) الوسائل 18: 334، الباب 23 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.
(3) الغنية 428.
(4) السرائر 3: 519.
(5) الوسائل 18: 313، الباب 5 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.
(6) الغنية 427.
(7) نكت الإرشاد 183 س 15 (مخطوط).
(8) الروضة 9: 188.
(9) الخلاف 5: 403، المسألة 47.
(10) الوسائل 18: 435، الباب 4 من أبواب حد القذف، الحديث 4، 14، 10.
(11) الوسائل 18: 435، الباب 4 من أبواب حد القذف، الحديث 4، 14، 10.
(12) الوسائل 18: 435، الباب 4 من أبواب حد القذف، الحديث 4، 14، 10.
533

خلافا للصدوق (1) والمبسوط (2) فعلى المملوك أربعون، لقوله تعالى:
«فإن اتين بفاحشة مبينة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب» (3)،
وللخبر: عن العبد يفتري على الحر كم يجلد، قال: أربعين، وقال: إذا أتى
بفاحشة فعليه نصف (4)، ولفحوى ما دل على تنصيف حده في الزنا، بناء
على أشديته من القذف جدا.
ويضعف الجميع، بأن المراد من الفاحشة هو الزنا خاصة، كما نقله عن
المفسرين جماعة، ويظهر من اقترانهن بالمحصنات.
والرواية مع ضعف سندها وشذوذها - كما صرح به جماعة - لا تعارض
المعتبرة المستفيضة المتقدمة، المعتضدة بعموم الآية والشهرة العظيمة، التي
كادت تكون إجماعا، بل إجماع في الحقيقة، كما حكاه جماعة حد
الاستفاضة، فيجب طرحها أو حملها على التقية، لموافقتها لمذهب أكثر
العامة كالشافعي وأبي حنيفة، كما صرح به بعض الأجلة (5).
والأولوية ممنوعة، لوجود الفارق بين الزنا والقذف بكونه حق الناس،
وحد الزنا حق الله سبحانه، كما نطقت به الأخبار السابقة، وهو أسهل منه،
كما يستفاد منها، ومن غيرها من المعتبرة.
ولو سلمت فلا تعارض صريح الأدلة، فينبغي الخروج عنها بها بلا شبهة.
وفي الصحيح: العبد يفتري على الحر، فقال: يجلد حدا إلا سوطا
أو سوطين (6).

(1) الهداية 293.
(2) المبسوط 8: 16.
(3) النساء: 25.
(4) الوسائل 18: 437، الباب 4 من حد القذف، الحديث 15، 19.
(5) مجمع الفائدة 13: 140.
(6) الوسائل 18: 437، الباب 4 من حد القذف، الحديث 15، 19.
534

وفي الموثق: عليه خمسون جلدة (1).
وحملهما الشيخ (2) على الافتراء بما ليس قذفا.
وفي الصحيح: قال في رجل دعي لغير أبيه: أقم بينتك أمكنك منه، فلما
أتى بالبينة قال: إن أمه كانت أمة، قال: ليس عليك حد سبه كما سبك أو اعف
عنه (3).
ويمكن أن يكون السؤال: عن رجل ادعى على إخوانه دعاه لغير أبيه
فطلب (عليه السلام) منه البينة فلما أتى بها شهدت بأنه قال له: أن أمه كانت أمة إلا
أنه دعاه لغير أبيه، فقال (عليه السلام): سبه كما سبك أو اعف عنه. ويمكن أن يكون
الأمر كذلك في مثل هذا الكلام إذا وجه (4) به أحد.
(ويجلد) القاذف (بثيابه) المعتادة (ولا يجرد) عنها كما يجرد
الزاني (و) لا يضرب ضربا شديدا، بل (يضرب) ضربا (متوسطا)
اتفاقا على الظاهر المصرح به في بعض العبائر. وهو الحجة; مضافا إلى
النصوص المستفيضة:
منها الموثق: المفتري يضرب بين الضربين يضرب جسده كله فوق
ثيابه (5).
(ولا يعزر الكفار مع التنابز) بالألقاب، أي تداعيهم بها إذا اشتملت على
ذم، وكذا تعييرهم بالأمراض، إلا أن يخشى حدوث فتنة فيحسمها الإمام بما
يرى كذا قالوه. ولعله لا خلاف فيه، ولكن نسبه الماتن في الشرائع (6)

(1) الوسائل 18: 438، الباب 4 من أبواب حد القذف الحديث 20.
(2) التهذيب 10: 74 ذيل الحديث 44.
(3) الوسائل 18: 437، 448، الباب 4، 15 من أبواب حد القذف، الحديث 17، 3.
(4) كذا، والظاهر: ووجه (بصيغة المجهول).
(5) الوسائل 18: 437، 448، الباب 4، 15 من أبواب حد القذف، الحديث 17، 3.
(6) الشرائع 4: 167.
535

إلى القيل، المشعر بالتمريض، وكان وجهه أن ذلك فعل محرم يستحق فاعله
التعزير، والأصل عدم سقوطه بمقابلة الآخر بمثله، بل يجب على كل منهما
ما اقتضاه فعله، فسقوطه يحتاج إلى دليل، وله وجه لولا الشهرة القريبة من
الإجماع، المؤيدة بفحوى جواز الإعراض عنهم في الحدود والأحكام، فهنا
أولى، وما دل على سقوط الحد بالتقاذف كالصحيحين:
في أحدهما عن رجلين افترى كل واحد منهما على صاحبه فقال: يدرأ
عنهما الحدود ويعزران (1).
فالتعزير أولى وفي التأييد الثاني نظر، بل ربما كان في تأييد الخلاف
أظهر، فتدبر.
(الرابع في اللواحق)
(وهي) خمس (مسائل):
(الأولى: يقتل من سب النبي (صلى الله عليه وآله) وكذا من سب أحد الأئمة (عليهم السلام))
بلا خلاف، بل عليه الإجماع في كلام جماعة. وهو الحجة; مضافا إلى
النصوص المستفيضة:
منها النبوي الخاصي: من سمع أحدا يذكرني فالواجب عليه أن يقتل من
شتمني، ولا يرفع إلى السلطان، والواجب على السلطان إذا رفع إليه أن يقتل
من نال مني (2).
ومنها: عمن سمع يشتم عليا (عليه السلام) فقال: هو والله حلال الدم وما ألفه
رجل منهم برجل منكم دعه (3).
(و) يستفاد من الرواية الأولى أنه (يحل دمه لكل سامع) من غير

(1) الوسائل 18: 451، 459، الباب 18، 25 من أبواب حد القذف، الحديث 1، 2.
(2) الوسائل 18: 451، 459، الباب 18، 25 من أبواب حد القذف، الحديث 1، 2.
(3) الوسائل 18: 462، الباب 27 من أبواب حد القذف، الحديث 2.
536

توقف على إذن الإمام، كما هو المشهور، بل عليه في الغنية الإجماع (1).
خلافا للمحكي (2) عن المفيد والمختلف، فلم يجوزا قتله بغير إذنه،
للخبر: إن أبا بحير عبد الله بن النجاشي سأل الصادق (عليه السلام): فقال: إني قتلت
ثلاثة عشر رجلا من الخوارج كلهم سمعتهم يتبرأ من علي بن أبي
طالب (عليه السلام)، فقال (عليه السلام): لو كنت قتلتهم بأمر الإمام لم يكن عليك في قتلهم
شئ، ولكنك سبقت الإمام فعليك ثلاثة عشر شاة تذبحها بمنى وتتصدق
بلحمها لسبقك الإمام، وليس عليك غير ذلك (3). ونحوه المرفوع (4).
ومن الثانية وغيره مع عموم نفي الضرر اشتراط القتل بما (إذا أمن)
القاتل ولم يخف على نفسه أو ماله، أو على مؤمن نفسا أو مالا. وأما انتفاء
الجواز مع الخوف على شئ من ذلك فلا خلاف فيه في الظاهر.
وفي إلحاق باقي الأنبياء بهم (عليهم السلام) وجه قوي، لأن تعظيمهم وكمالهم قد
علم من دين الإسلام ضرورة فسبهم ارتداد، فتأمل.
مع أن في الغنية ادعى عليه إجماع الإمامية (5)، لكن عن المبسوط أنه
روى عن علي (عليه السلام) أنه قال: لا أوتي برجل يذكر أن داود (عليه السلام) صادف المرأة
إلا جلدته مائة وستين سوطا، فإن جلد الناس ثمانون وجلد الأنبياء مائة
وستون (6). فتأمل. وهو ضعيف.
وألحق في التحرير (7) وغيره بالنبي (صلى الله عليه وآله) أمه وبنته من غير تخصيص
بفاطمة (عليها السلام). قيل: ويمكن اختصاص الحكم بها (عليها السلام)، للإجماع على طهارتها
بآية التطهير (8). وهو حسن.

(1) الغنية: 428.
(2) كشف اللثام 2: 416 س 3.
(3) الوسائل 19: 170، الباب 22 من أبواب ديات النفس، الحديث 2 وذيله.
(4) الوسائل 19: 170، الباب 22 من أبواب ديات النفس، الحديث 2 وذيله.
(5) الغيبة: 428.
(6) المبسوط 8: 15.
(7) التحرير 2: 239 س 21.
(8) الروضة 9: 194.
537

ثم إن إطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق في القاذف بين الرجل
والمرأة والمسلم والكافر، وبعدم الفرق بين الأخيرين صرح في المسالك
قال: وقد روي عن علي (عليه السلام) أن يهودية تشتم النبي (صلى الله عليه وآله) وتقع فيه، فخنقها
رجل حتى ماتت، فأبطل رسول الله (صلى الله عليه وآله) دمها (1).
(الثانية: يقتل مدعي النبوة) بعد نبينا بلا خلاف ظاهر ولا محكي،
للنصوص: عنها أن بزيعا يزعم أنه نبي، فقال: إن سمعته يقول ذلك فاقتله (2).
(وكذا) يقتل (من قال: لا أدري أن محمدا (صلى الله عليه وآله) صادق أم لا إذا كان
على ظاهر الإسلام) بلا خلاف.
وفي الخبر: أرأيت لو أن رجلا أتى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: ما أدري أنبي أنت
أم لا كان يقبل منه؟ قال: لا، ولكن يقتله أنه لو قبل ذلك منه ما أسلم
منافق (3).
وربما استدل للحكم في المقامين وما مضى بالارتداد الموجب للقتل.
وهو حسن، إلا أنه لا يدل على القتل مطلقا ولو كان المرتد مليا، بل
مقتضاه قتل الفطري مطلقا، والملي على بعض الوجوه. وهو خلاف ظاهر
إطلاق النص والفتوى، إلا أن ينزل على مقتضاه.
واحترز بالقيد عن إنكار الكفار، لصدقه كاليهود والنصارى، فإنهم لا
يقتلون بذلك، وكذا غيرهم من فرق الكفار وإن جاز قتلهم بأمر آخر.
(الثالثة: يقتل الساحر إذا كان مسلما، ويعزر إذا كان كافرا) بلا خلاف
فتوى ونصا.

(1) سنن أبي داود 4: 129، الحديث 4362.
(2) الوسائل 18: 555، الباب 7 من أبواب حد المرتد، الحديث 2.
(3) الوسائل 18: 551، الباب 5 من أبواب حد المرتد، الحديث 4.
538

ففي القوي: ساحر المسلمين يقتل، وساحر الكفار لا يقتل قيل: يا
رسول الله ولم لا يقتل ساحر الكفار؟ فقال: لأن الكفر أعظم من السحر،
ولأن السحر والشرك مقرونان (1).
وعليه يحمل إطلاق باقي النصوص:
منها: عن الساحر، فقال: إذا جاء رجلان عدلان فشهدا بذلك فقد
حل دمه (2).
ومنها: من تعلم شيئا من السحر كان آخر عهده بربه، وحده القتل إلا أن
يتوب (3).
ومنها: الساحر يضرب بالسيف ضربة واحدة على رأسه (4).
وفي الأول منها: دلالة على رد من قال بانحصار طريق ثبوته في
الإقرار، لأن الشاهد لا يعرف قصده، ولا يشاهد التأثير (5).
وفي الثاني منها: دلالة على عموم القتل للعامل بالسحر والمتعلم له، كما
هو ظاهر إطلاق العبارة وغيرها من النص والفتوى.
خلافا لجماعة فخصوه بالأول. ولعل وجهه الأصل، واختصاص ما دل
على قتله بقول مطلق بحكم التبادر بالعامل به، والصريح في العموم ضعيف
السند، مع احتمال اختصاصه بما مر، بناء على أن الغالب في المتعلم له أن
يعمل به. ولا يخلو عن وجه.
ثم إن مقتضى إطلاق النص والفتوى بقتله عدم الفرق فيه بين كونه
مستحلا له، أم لا، وبه صرح بعض الأصحاب (6)، وحكى آخر من متأخري

(1) الوسائل 18: 576، 577، الباب 1، 3 من أبواب بقية الحدود، الحديث 1، 1، 2.
(2) الوسائل 18: 576، 577، الباب 1، 3 من أبواب بقية الحدود، الحديث 1، 1، 2.
(3) الوسائل 18: 576، 577، الباب 1، 3 من أبواب بقية الحدود، الحديث 1، 1، 2.
(4) الوسائل 18: 576، الباب 1 من أبواب بقية الحدود، الحديث 3.
(5) مفاتيح الشرائع 2: 102.
(6) الروضة البهية 9: 195.
539

المتأخرين قولا بتقييده بالأول. ووجهه غير واضح، بعد إطلاق النص
المنجبر ضعفه بعد الاستفاضة بفتوى الجماعة، وعدم خلاف فيه بينهم أجده،
ولم أر حاكيا له غيره إلى آخره.
(الرابعة: يكره أن يزاد في تأديب الصبي) وتعزيره حيث يحتاج إليه
(عن عشرة أسواط، وكذا العبد) كما هنا وفي الشرائع (1) والتحرير (2)
والقواعد (3) والسرائر (4) لكن في العبد.
للنبوي المروي في الفقيه: لا يحل لوالي يؤمن بالله واليوم الآخر أن
يجلد أكثر عن عشرة أسواط إلا في حد، وقال: وأذن في المملوك من ثلاثة
إلى خمسة (5).
وفي آخر: في أدب الصبي والمملوك، فقال: خمسة أو ستة وارفق (6).
قيل: وبمضمونه أفتى الشيخ في النهاية ويحيى بن سعيد (7).
وثالث: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لصبيان: أبلغوا معلمكم إن ضربكم
فوق ثلاث ضربات في الأدب إني اقتص منه (8).
وفي رابع: الرخصة في ضرب الصبي للتأديب إلى خمسة (9).
ولم أر عاملا بهما، مع قصور سندهما، ومخالفتهما لما مضى، والجمع
بينها يقتضي ترتب الأعداد المذكورة في الكراهة ضعفا وشدة، وإنما حملها
الأصحاب عليها، مع أن ظاهر جملة منها وصريح بعضها التحريم، للأصل،

(1) الشرائع 4: 167.
(2) التحرير 2: 237 س 12.
(3) القواعد 3: 548.
(4) السرائر 3: 534.
(5) الفقيه 4: 73، الحديث 5143.
(6) الوسائل 18: 581، الباب 8 من أبواب بقية الحدود، الحديث 1، 2.
(7) كشف اللثام 2: 415 س 15.
(8) الوسائل 18: 581، الباب 8 من أبواب بقية الحدود، الحديث 1، 2.
(9) الوسائل 18: 339، الباب 30 من أبواب بقية الحدود، الحديث 2.
540

وقصور الأسانيد، ومعارضتها بأقوى منها مما دل على أن التعزير إلى الوالي
يجزئه بحسب ما يراه ما لم يزد الحد.
ففي الخبر المروي في الكافي (1) ضعيفا وعن العلل صحيحا: كم
التعزير؟ قال: دون الحد، قلت: دون ثمانين، قال: لا، ولكن دون أربعين فإنها
حد المملوك، قلت: وكم ذاك؟ قال: على قدر ما يراه الوالي من ذنب الرجل
وقوة بدنه (2).
وفي الموثق: عن التعزير كم هو؟ قال: بضعة عشر ما بين العشرة إلى
العشرين (3).
(ولو فعل) المولى بعبده ذاك أي زاد في تأديبه على العشرة
(استحب) له (عتقه).
إطلاق العبارة يقتضي ثبوت الاستحباب فيما إذا لم تبلغ الزيادة حدا،
ولم أجد به نصا، بل ولا فتوى، وإنما الموجود في غير الكتاب حتى الشرائع
استحباب العتق لو ضربه في غير حد حدا (4) كما هو ظاهر الصحيح: من
ضرب مملوكا حدا من الحدود من غير حد أوجبه المملوك على نفسه لم
يكن لضاربه كفارة إلا عتقه (5). وظاهره الوجوب كما عن الشيخ في
النهاية (6) لكن فرضه فيمن ضرب عبده فوق الحد، وهو خارج عن مورد
الرواية، فتكون بظاهرها شاذة، والعاملون بها في موردها حملوها على
الاستحباب. فتأمل جدا.

(1) الكافي 7: 241، الحديث 5.
(2) علل الشرائع 538، الحديث 4.
(3) الوسائل 18: 583، الباب 10 من أبواب بقية الحدود، الحديث 1، والباب 27 من أبواب
مقدمات الحدود، الحديث 1.
(4) الشرائع 4: 167.
(5) الوسائل 18: 583، الباب 10 من أبواب بقية الحدود، الحديث 1، والباب 27 من أبواب
مقدمات الحدود، الحديث 1.
(6) النهاية 3: 354.
541

(الخامسة: يعزر من قذف عبده أو أمته) كما يعزر الأجنبي بقذفهما،
لحرمتهما، وعدم الفارق بين الأجنبي والمولى هنا، مع عموم ما مر من
النصوص بتعزير من قذفهما.
وفي الخبر: إن امرأة جاءت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت: إني قلت لأمتي
يا زانية، فقال: هل رأيت عليها زنا؟ فقالت: لا، فقال: أما إنها ستقاد منك يوم
القيامة، فرجعت إلى أمتها فأعطتها سوطا ثم قالت: اجلديني، فأبت الأمة
فأعتقتها ثم أتت النبي (صلى الله عليه وآله) فأخبرته، فقال: عسى أن يكون به (1).
(وكذا) يعزر (كل من فعل محرما أو ترك واجبا) عالما بهما
وبحكمهما (بما دون الحد) متعلق ب‍ «يعزر»، أي يعزر هذان بما دون الحد
بما يراه الإمام.
قيل: ولا يبلغ حد الحر في الحر وإن تجاوز حد العبد، ولا حد العبد في
العبد، ففي الحر من سوط إلى تسعة وتسعين، وفي العبد منه إلى تسعة
وأربعين كما في التحرير (2).
وقيل: يجب أن لا يبلغ أقل الحدود، وهو في الحر ثمانون، وفي العبد
أربعون (3).
وقيل: إنه فيما ناسب الزنا يجب أن لا يبلغ حده وفيما ناسب القذف
أو الشرب يجب أن لا يبلغ حده (4).
وفيما لا مناسب له أن لا يبلغ أقل الحدود، وهو خمسة وسبعون حد
القواد، ونسبه في المسالك إلى الشيخ والمختلف واختاره (5). ومر في المسألة

(1) الوسائل 18: 431، الباب 1 من أبواب حد القذف، الحديث 4.
(2) التحرير 2: 237 س 10.
(3) كشف اللثام 2: 415 س 27 - 28.
(4) كشف اللثام 2: 415 س 27 - 28.
(5) المسالك 14: 457.
542

السابقة من الأخبار ما يدل على المنع عن بلوغه حد القذف في العبد، وهو
أربعون مطلقا، من غير تقييد بكون المعزر عبدا، بل يشمل ما لو كان حرا.
ولا ريب أن الاقتصار عليه أحوط وأولى وإن لم أجد به قائلا.
ثم وجوب التعزير في كل محرم من فعل أو ترك إن لم يحصل الانتهاء
بالنهي والتوبيخ ونحوهما فهو ظاهر، لوجوب إنكار المنكر. وأما مع الانتهاء
بهما فلا دليل على التعزير مطلقا، إلا في مواضع مخصوصة ورد النص
بالتأديب أو التعزير فيها.
ويمكن تعميم التعزير في العبارة ونحوها لما دون الضرب أيضا من
مراتب الإنكار. فتأمل جدا.
* * *
543

(الفصل الرابع في) بيان (حد المسكر)
وهو على قول: ما يحصل معه اختلال الكلام المنظوم وظهور السر
المكتوم. وعلى آخر: ما يغير العقل ويحصل معه سرور، وقوة النصف في
غالب المتناولين، أما ما يغير العقل لا غير فهو المرقد إن حصل معه تغيب
الحواس الخمس، وإلا فهو المفسد للعقل كما في البنج والشوكران.
(والنظر في) هذا الفصل يقع في (أمور ثلاثة):
(الأول في) بيان (الموجب) للحد
(وهو تناول المسكر) جنسه وإن لم يسكر قليله (أو الفقاع اختيارا مع
العلم ب‍) التناول و (التحريم) وإن لم يعلم وجوب الحد به.
(ويشترط) مع ذلك (البلوغ، والعقل) فهذه قيود أربعة.
(فالتناول يعم الشارب) إياه خالصا (والمستعمل) له. والأولى أن
يقول: يعم الشرب أو الاستعمال (في الأدوية والأغذية).
وحيث اجتمعت ثبت الحد بلا خلاف، بل عليه الإجماع في كثير من
العبارات.
وهو الحجة; مضافا إلى النصوص المستفيضة، التي كادت تكون
متواترة، بل هي متواترة.
544

وجملة منها عامة لكل مسكر متخذ من العنب، وهو المعروف بالخمر، أو
التمر، أو النبيذ، أو الزبيب وهو النقيع، أو العسل وهو البتع، أو الشعير
وهو المرز، أو الحنطة أو الذرة أو غيرها.
ففي الصحيح: كل مسكر من الأشربة يجب فيه كما يجب في الخمر من
الحد (1).
وفي الخبر: يضرب شارب الخمر وشارب المسكر، قلت: كم؟ قال:
حدهما واحد (2).
وقريب منهما النصوص الواردة في علة تحديد حد شارب الخمر
بثمانين جلدة: من أنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى،
فاجلدوه حد المفتري (3).
وهي موجودة في شرب كل مسكر، وهي مستفيضة، بل ادعى في
التنقيح أنها متواترة (4).
وجملة منها ما بين خاصة بالخمر وعامة لها وللنبيذ، وهي تجاوزت حد
الاستفاضة.
ففي الموثق كالصحيح: عن رجل حسي حسوة خمر، قال: يجلد ثمانين
جلدة قليلها وكثيرها حرام (5).
وفي الصحيح وغيره: يضرب شارب الخمر وشارب النبيذ ثمانين (6).
وجملة منها مصرحة بحكم الفقاع، كما هو مذهب الأصحاب، وادعى

(1) الوسائل 18: 473، الباب 7 من أبواب حد المسكر، الحديث 1، 2، والباب 3 من أبواب حد المسكر، الحديث 4.
(2) الوسائل 18: 473، الباب 7 من أبواب حد المسكر، الحديث 1، 2، والباب 3 من أبواب حد المسكر، الحديث 4.
(3) الوسائل 18: 473، الباب 7 من أبواب حد المسكر، الحديث 1، 2، والباب 3 من أبواب حد المسكر، الحديث 4.
(4) التنقيح 4: 367.
(5) الوسائل 18: 468 - 469، الباب 3، 4، من أبواب حد المسكر، الحديث 7، 1، 2، 4، 5،
(6) الوسائل 18: 468 - 469، الباب 3، 4، من أبواب حد المسكر، الحديث 7، 1، 2، 4، 5،
والباب 13، الحديث 1، 3.
545

عليه جماعة منهم بحد الاستفاضة إجماع الإمامية، مصرحين بثبوت الحد
فيه وإن لم يسكر.
ففي الصحيح وغيره: عن الفقاع، فقال: هو خمر، وفيه حد شارب
الخمر (1). ونحوهما في إطلاق الخمر عليه المستلزم لثبوت أحكامها التي
من جملتها الحد كثير من الأخبار.
(و) مقتضى اطلاق هذه النصوص وغيرها وكذا الفتوى وصريح جملة
منها أنه (يتعلق الحكم) بالحد بتناول المسكر والفقاع مطلقا (ولو
بالقطرة) الغير المسكرة منهما، وادعى عليه الإجماع جماعة.
وأما الصحيحان الدالان على عدم حد شارب النبيذ إن لم يسكر (2) فمع
شذوذهما محمولان على التقية كما ذكره شيخ الطائفة (3)، أو على النبيذ
الحلال كما احتمله بعض الأجلة (4).
قالوا: (وكذا العصير) العنبي (إذا غلى ما لم يذهب ثلثاه) يجب بتناوله
أو استعماله فيما مر الحد مطلقا وإن كان قليلا غير مسكر، وكأنه إجماع
بينهم، كما صرح به في التنقيح (5). وغيره، ولم أقف على حجة معتدة بها
سواه.
(و) كذا (كل ما حصلت فيه الشدة المسكرة) من نحو العصير التمري
والزبيبي يجب بتناوله أو استعماله الحد بلا خلاف ولا إشكال، لعموم ما مر
من النص والفتوى.

(1) الوسائل 18: 468، الباب 3، 4 من أبواب حد المسكر، الحديث 7، 1، 2، 3.
(2) الوسائل 18: 469، الباب 4 من أبواب حد المسكر، الحديث 4، 5.
(3) التهذيب 10: 96، ذيل 27، 28.
(4) مجمع الفائدة 13: 193.
(5) التنقيح 4: 368.
546

وفي ثبوته بتناول العصيرين أو استعمالهما إذا لم يبلغا الإسكار وجهان،
مبنيان على القول بتحريمهما أو حلهما، وقد مضى في كتاب الأطعمة
والأشربة كون الثاني أشهر وأقوى، فلا حد فيهما.
ويحتمل العدم على القول الأول أيضا، لعدم التلازم بين التحريم والحد
أصلا، إلا أن يكون إجماعا، كما هو ظاهر الأصحاب هنا، حيث إن ظاهرهم
بناء الوجهين على القولين، كما ذكرنا.
(ويسقط الحد) عمن استعمل المسكر وما في معناه في نحو الاحتقان
والسعوط، حيث لا يدخل الحلق، بلا خلاف في الظاهر، للأصل، وعدم
إطلاق الشرب الوارد في النصوص عليه، ومثله (1) وإن جرى في استعماله
في نحو الدواء والغذاء لعدم إطلاق الشرب عليهما جدا إلا أن العذر في
ثبوت الحد به الإجماع الظاهر المحكي في جملة من العبائر.
وعمن تناوله مكرها بأن وجر في فمه أو ضرب عليه أو خوف بما لا
يتحمله عادة أو اضطرارا لحفظ النفس كإساغة اللقمة على الأصح. قيل: أما
للتداوي أو حفظ الصحة، فلا يسقط عنه (2). وفيه إشكال، للأصل،
واختصاص النصوص المثبتة للحد بشربه بحكم التبادر وغيره بغير الشرب
اضطرارا، فلا حد فيهما وإن قلنا بتحريمهما، فتأمل جدا.
و (عمن جهل المشروب) أنه مسكر مثلا (أو التحريم) وإن علمه،
لقرب عهده بالإسلام وشبهه، أو كان صبيا أو مجنونا، بلا خلاف، لحديث
رفع القلم (3) في الأخيرين، والموثق كالصحيح وغيره في الجاهل بالحكم.
وفيه: أن رجلا شرب خمرا على عهد أبي بكر فقال: إني أسلمت

(1) هذه الكلمة غير موجودة في المخطوطات.
(2) مفاتيح الشرائع 2: 88.
(3) عوالي اللئالي 1: 209، الحديث 48.
547

وحسن إسلامي ومنزلي بين ظهراني قوم يشربون الخمر ويستحلون ولو
علمت أنها حرام اجتنبتها، فقال مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): ابعثوا به من يدور
به على مجالس المهاجرين والأنصار من كان تلا عليه آية التحريم فليشهد
عليه ففعلوا ذلك فلم يشهد عليه أحد فخلى عنه، وقال له: إن شربت بعدها
أقمنا عليك الحد (1).
والنصوص به زيادة على ذلك مستفيضة.
(ويثبت) هذا الفعل (بشهادة عدلين) ذكرين (أو الإقرار مرتين)
الصادر (من مكلف حر مختار) بلا خلاف فيهما، وفي عدم الثبوت بالمرة
من الإقرار، بل على الأخير في ظاهر المبسوط الإجماع (2). وهو الحجة
فيه، كالعمومات في الأولين، وخصوص النص الآتي في المسألة الأولى من
مسائل الأحكام في الأول.
(الثاني في) بيان (الحد)
(وهو ثمانون جلدة) إجماعا، وللنصوص المستفيضة المتقدمة إلى
جملة منها الإشارة.
(ويستوي فيه) الذكر والانثى و (الحر والعبد والكافر مع التظاهر) به
بين المسلمين وهذا قيد للكافر خاصة.
واحترز به عما لو كان مستترا به، فإنه لا يحد حينئذ بلا خلاف في
شئ من ذلك، عدا مساواة العبد للحر في مقدار الحد، فإن الحكم بها
مشهور بين الأصحاب، مدعى عليها الإجماع في صريح الغنية (3) وظاهر

(1) الوسائل 18: 475، الباب 10 من أبواب حد المسكر، الحديث 1، الباب 14 من أبواب
مقدمات الحدود، الحديث 1.
(2) المبسوط 8: 61.
(3) الغنية 429.
548

السرائر (1) والتهذيب (2) والشرائع (3) والتحرير (4)، حيث نسب في الأول
إلينا، وحكم بشذوذ الرواية الآتية بحده أربعين في الثاني، وبمتروكيتها في
الثالث، وبمطروحيتها في الرابع. وهو الحجة; مضافا إلى عموم الأخبار
المتواترة بأن حد الشارب ثمانون جلدة، من دون فرق فيها بين الحر
والعبد (5)، مع ظهور جملة منها في الشمول للعبد غايته (6)، وهي ما مر من
المستفيضة - بل المتواترة - في تعليل تحديده بالثمانين: بأنه إذا شرب سكر
وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى فاجلدوه جلد المفتري (7). وذلك بناء على
ما مر من أن العبد المفتري حده الثمانون أيضا.
هذا، مضافا إلى صريح المعتبرة المستفيضة المتجاوزة حد الاستفاضة:
ففي الصحيح: حد اليهودي والنصراني والمملوك في الخمر والفرية
سواء، وإنما صولح أهل الذمة على أن يشربوها في بيوتهم (8).
وأصرح منه آخر: يجلد الحر والعبد واليهودي والنصراني في الخمر
ثمانين (9).
وفي الموثقات الثلاث وغيرها: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يجلد الحر والعبد
واليهودي والنصراني في الخمر والنبيذ ثمانين، قلت: ما بال اليهودي
والنصراني؟ فقال: إذا ظهروا ذلك في مصر من الأمصار، لأنهم ليس لهم أن
يظهروا شربها (10).

(1) السرائر 3: 475.
(2) التهذيب 10: 92، الحديث 14.
(3) الشرائع 4: 169.
(4) التحرير 2: 226 س 33.
(5) الوسائل 18: 471، الباب 6 من أبواب حد المسكر، الحديث 3، 5، 4.
(6) أي غاية الظهور، وفي المطبوع: عامية.
(7) الوسائل 18: 470، الباب 4 من أبواب حد المسكر، الحديث 7.
(8) الوسائل 18: 471، الباب 6 من أبواب حد المسكر، الحديث 3، 5، 4.
(9) الوسائل 18: 471، الباب 6 من أبواب حد المسكر، الحديث 3، 5، 4.
(10) الوسائل 18: 471، الباب 6، من أبواب حد المسكر، الحديث 1، 2، 3.
549

وقصور أسانيدها مع عدم قدحه في الحجية منجبرة بالشهرة العظيمة،
والإجماعات المحكية حد الاستفاضة، وإن اختلفت ظهورا وصراحة،
والمخالفة للعامة كما ستعرفه من شيخ الطائفة.
مع أنه لا مخالف فيها منا عدا الصدوق خاصة، حيث قال: بأن حده
أربعون (1) لما مر في الحسن: عن عبد مملوك قذف حرا، قال: يجلد ثمانين،
هذا من حقوق المسلمين، فأما ما كان من حقوق الله تعالى فإنه يضرب فيها
نصف الحد، قلت: الذي من حقوق الله تعالى ما هو؟ قال: إذا زنى أو شرب
الخمر فهذا من الحقوق التي يضرب فيها نصف الحد (2).
وهو مع عدم صحته ومكافأته لمقابلة من وجوه عديدة حمله الشيخ
على التقية، قال: لأنه مذهب بعض العامة (3).
أقول: ومع ذلك لم يقل الصدوق (رحمه الله) به، لتضمنه حد العبد في القذف
ثمانين، وقد مر عنه أنه عنده أربعون. وهو موجب لوهنه أيضا إن لم نقل
بخروجه بذلك عند الصدوق عن الحجية.
نعم يؤيده الأصل، وإطلاق الحسن: حد المملوك نصف حد الحر (4).
وقريب منه إطلاق الخبر الذي مر عن التعزير كم هو؟ قال: دون الحد، قلت:
دون ثمانين، قال: لا، ولكن دون أربعين فإنها حد المملوك، الخبر (5).

(1) الفقيه 4: 56 ذيل الحديث 5089.
(2) الوسائل 18: 437، الباب 4 من أبواب حد القذف، الحديث 14.
(3) التهذيب 10: 92، ذيل الحديث 14.
(4) الوسائل 18: 473، الباب 6 من أبواب حد المسكر، الحديث 9، والباب 10 من أبواب بقية
الحدود، الحديث 3.
(5) الوسائل 18: 584، الباب 1، من أبواب بقية الحدود، الحديث 3.
550

ولكن الأصل يجب الخروج عنه بما مر، والخبران قاصرا السند عديما
الجابر، مع ضعف الثاني سندا بمعلى بن محمد، ومتنا بعدم قائل بتحديد
التعزير بما فيه، كما مر، مع ضعفه دلالة كالأول أيضا بعدم الصراحة،
واحتمالها التقييد بحد ما عدا الشرب كما ذكره شيخ الطائفة (1).
وبالجملة لا ريب في ضعف هذا القول وشذوذه وإن مال إليه
الشهيدان (2) والفاضل في المختلف (3)، مع عدم تصريحهم بالموافقة، وإنما
غايتهم في الظاهر الميل الضعيف، بل التردد، ولا وجه له.
(ويضرب الشارب) ومن في معناه (عريانا) مستور العورة عن
الناظر المحترم (على ظهره وكتفيه) وسائر جسده (ويتقي وجهه وفرجه)
ومقاتله، بلا خلاف ظاهر، ولا محكي إلا عن المبسوط، فقال:
لا يجرد عن ثيابه، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر بالضرب ولم يأمر بالتجريد (4). وهو
شاذ، بل لم يحك الخلاف عنه إلا نادر. ومضعف بالصحيح الصريح: عن
السكران والزاني، قال يجلدان بالسياط مجردين بين الكتفين، فأما الحد في
القذف فيجلد على ثيابه ضربا بين الضربين (5).
(ولا يحد حتى يفيق) عن سكره، بلا خلاف أجده، وكأن الحجة فيه أن
الحكمة في شرع الحدود هو الإيلام والإيذاء والتأثر ليمتنع المحدود عما
حد به، فلا يفعله ثانيا، وهي إنما تحصل بعد الإفاقة لا مطلقا.
(وإذا حد مرتين قتل في) المرة (الثالثة) كما قطع به الأكثر ومنهم

(1) التهذيب 10: 92 - 93، الحديث 14، 15.
(2) اللمعة والروضة 9: 204.
(3) المختلف 9: 198.
(4) المبسوط 8: 69.
(5) الوسائل 18: 474، الباب 8 من أبواب حد المسكر، الحديث 1.
551

الشيخان (1) والعماني (2) والتقي (3) والحلي (4) وابن زهرة (5) وعليه عامة
المتأخرين عدا النادر الآتي ذكره وعليه الإجماع في الغنية (6).
(وهو) الحجة; مضافا إلى انه (المروي) في الصحاح المستفيضة
الصريحة، ونحوها من المعتبرة المتجاوزة عن حد الاستفاضة:
ففي الصحيح: من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، وإن عاد
فاقتلوه (7).
ومع ذلك معتضد بعموم الصحيح، بقتل أهل الكبائر في الثالثة (8).
(وقال) الصدوق في المقنع (9) والشيخ (في الخلاف) (10)
والمبسوط (11): انه (يقتل في الرابعة).
وتبعهما الفاضل في الإرشاد (12) وولده في الإيضاح (13) والشهيد في
اللمعة (14)، لمرسل الكافي (15) والفقيه (16): انه يقتل في الرابعة، ولأن الزنا
أعظم منه ذنبا، وفاعله يقتل فيها، كما مضى، فهنا أولى. والمرسل غير
مقبول مطلقا، خصوصا مع معارضة الصحاح المتقدمة وغيرها. والأولوية
جيدة لولاها.

(1) المقنعة 801، النهاية 3: 317.
(2) المختلف 9: 189.
(3) الكافي في الفقه 413.
(4) السرائر 3: 477.
(5) الغنية 429.
(6) الغنية 429.
(7) الوسائل 18: 476، الباب 11 من أبواب حد المسكر، الحديث 3، 2.
(8) الوسائل 18: 476، الباب 11 من أبواب حد المسكر، الحديث 3، 2.
(9) المقنع 455 ولكن الموجود فيه: «في الثالثة» نعم حكى عنه في المختلف 9: 189.
(10) الخلاف 5: 473، المسألة 1.
(11) المبسوط 8: 59.
(12) الإرشاد 2: 180.
(13) الإيضاح 4: 515.
(14) اللمعة 260.
(15) الكافي 7: 218، الحديث 4.
(16) الفقيه 4: 56، الحديث 5089.
552

وتأول ابن أبي عمير المرسلة كما نقله عنه في الكافي، فقال: وكان
المعنى انه يقتل في الثالثة ومن كان إنما يؤتى به يقتل في الرابعة (1).
قال بعض الأصحاب: ولعل مراده أنه ما أتي في الثالثة بل في الرابعة
فيقتل فيها، لأنه ما أتى به إلا حينئذ، لا أنه ما استحق القتل إلا فيها (2).
(ولو شرب مرارا ولم يحد) خلالها (كفى) عن الجميع (حد واحد)
بلا خلاف كما مر في الزنا.
(الثالث في) بيان (الأحكام)
(وفيه مسائل) أربع:
(الأولى: لو شهد واحد) عدل على شخص (بشربها) أي بشربه
الخمر وما في معناها (وآخر) مثله (بقيئها) أي بقيئه لها (حد) على
الأشهر الأقوى، بل ذكر الشهيدان في النكت (3) والمسالك (4) عدم الخلاف
فيه بين أصحابنا، وادعى إجماعهم عليه في السرائر (5) والتنقيح (6)، وحكى
عن الخلاف (7) أيضا. وهو الحجة; مضافا إلى الخبر المنجبر ضعفه ولو من
وجوه بالعمل المروي في الكتب الثلاثة: عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه
قال: في حق الوليد لما شهد عليه واحد بشربها وآخر بقيئها: ما قاءها
إلا وقد شربها (8). ويلزم من التعليل وجوب الحد لو شهدا بقيئها.
وتردد فيهما جماعة من المحققين كالسيد جمال الدين بن

(1) الكافي 7: 218، الحديث 4.
(2) مجمع الفائدة 13: 196.
(3) نكت الإرشاد 184 س 17 (مخطوط).
(4) المسالك 14: 468.
(5) السرائر 3: 475.
(6) التنقيح 4: 370.
(7) الخلاف 5: 492، المسألة 8.
(8) الكافي 7: 401، الحديث 2، الفقيه 3: 42، الحديث 3287، التهذيب 6: 280، الحديث 177.
553

طاووس (1) والفاضلين في الشرائع (2) والقواعد (3)، لاحتمال الإكراه.
ورد بأنه خلاف الأصل والظاهر ولو كان واقعا لدفع به عن نفسه (4).
وربما يسلم الأول ويتردد في الثاني، لأن العمدة في الأول الإجماع،
وهو منفي في الثاني، وإن كان الحكم فيه أيضا مشهورا بين الأصحاب كما
ادعاه بعضهم (5)، لما مر من احتمال الإكراه، وهو يوجب الشبهة الدارئة.
والجواب عنه بما مر من مخالفة الأصل والظاهر ضعيف غايته. كيف لا!
وغايتهما إفادة الظهور، وهو غير كاف في إثبات الحدود، لعدم منافاتهما
للشبهة الدارئة، ولذا لو ادعى ما يوجبها قبل ولو كان مخالفا لهما إجماعا.
نعم يجاب عن هذا التردد بابتنائه على انحصار الدليل في الأول في
الإجماع، بناء على ضعف الخبر من وجوه. وهو في حيز المنع، لانجبار
ضعف الخبر بالشهرة، ودعوى الحلي الإجماع على روايته وقبوله، فيجبر به
جميع ما فيه حتى التعليل المقتضي للتعميم.
(الثانية: من شربها) أي الخمر (مستحلا) لشربها أصلا، وهو مسلم
(استتيب، فإن تاب أقيم عليه الحد) ثمانون جلدة خاصة (وإلا) يتب
(قتل) من غير فرق في الاستتابة بين كونه فطريا أو مليا، كما عن
الشيخين (6) وأتباعهما.
قيل: لإمكان عروض شبهة في الشرب فاستحله والحدود تدرأ
بالشبهات (7)، ولما رواه المفيد في إرشاده، فقال: روت العامة والخاصة إن
قدامة بن مظعون شرب الخمر فأراد عمر أن يجلده فقال: لا يجب علي الحد
إن الله تعالى يقول: «ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما

(1) المسالك 14: 467.
(2) الشرائع 4: 170.
(3) القواعد 3: 553.
(4) مفاتيح الشرائع 2: 88.
(5) المسالك 4: 468.
(6) المقنعة: 799، النهاية 3: 316.
(7) المسالك 4: 468.
554

طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا» فدرأ عنه الحد، فبلغ ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام)
فمشى إلى عمر، فقال: ليس قدامة من أهل هذه الآية، ولا من سلك سبيله
في ارتكاب ما حرم الله سبحانه إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لا
يستحلون حراما، فاردد قدامة فاستتبه مما قال، فإن تاب فأقم عليه الحد،
وإن لم يتب فاقتله، فقد خرج عن الملة، الخبر (1).
(وقيل) والقائل الحلي (2) والتقي (3) كما حكي: أن (حكمه حكم
المرتد) لا يستتاب إذا ولد على الفطرة، بل يقتل من غير استتابة.
(وهو قوي) متين، وعليه عامة المتأخرين، لإنكاره ما علم تحريمه
ضرورة من الدين، ومعه لا شبهة إلا إذا ادعاها وأمكنت في حقه، لقرب
عهده بالإسلام، ونحوه فيدفع عنه الشبهة، ولا يقتل بلا شبهة كما هو الحال
في إنكار سائر الضروريات.
وهذه الصورة خارجة عن مفروض المسألة، بل هو ما إذا لم يكن هناك
شبهة محتملة، ولذا إن شيخنا في المسالك بعد أن اختار المختار قال: هذا إذا
لم يمكن الشبهة في حقه، لقرب عهده بالإسلام ونحوه، وإلا اتجه قول
الشيخين. قال: وعليه يحمل استتابة قدامة بن مظعون وغيره ممن استحلها
في صدر الإسلام بالتأويل، انتهى (4).
ومنه يظهر الجواب عن الدليلين اللذين مضيا، ولكن يتوجه على شيخنا
أنه كيف استوجه على تقدير الشبهة المحتملة قول الشيخين ومن تبعهما
بالاستتابة والحد أولا ثم القتل مع عدمها، مع أنهما ليسا وظيفة المنكر،
لضروري الدين بالشبهة المحتملة، بل وظيفته رفع الشبهة عنه، بحيث يصير

(1) إرشاد المفيد: 108.
(2) السرائر 3: 476.
(3) الكافي في الفقه: 413.
(4) المسالك 14: 469.
555

ما أنكره ضروريا له، فإن استحل أيضا كان حينئذ مرتدا يستتاب إن كان
مليا، ويقتل إن كان فطريا.
وبالجملة فما ذكره الشيخان لا ينطبق على صورة الشبهة أيضا.
ومن هنا يظهر جواب آخر عن الاستدلال بهما لهما وان جواب شيخنا
عن الرواية بحملها على صورة الشبهة لا يوافق الصواب على ما عرفته.
والحق في الجواب عنها بعد الإغماض عن سندها أنها قضية في واقعة،
فلا تكون عامة لصورتي كون المستحل فطريا أو مليا، لاحتمال كون قدامة
ارتداده عن ملة لا عن فطرة، فيتوجه حينئذ القتل بعد الاستتابة.
وبهذا أجاب الفاضل المقداد في شرح الكتاب عن الرواية (1).
هذا حكم الخمر. وأما غيرها من المسكرات والأشربة كالفقاع والنبيذ
فقد أشار إليه بقوله: (ولا يقتل مستحل) شرب (غير الخمر) مطلقا (بل
يحد) بشربه خاصة (مستحلا) كان له (أو محرما) قولا واحدا، لوقوع
الخلاف فيها بين المسلمين، وتحليل بعضهم إياها، فيكون ذلك كافيا في
انتفاء الكفر باستحلالها.
ولا فرق بين كون الشارب لها ممن يعتقد إباحتها كالحنفي فيحد عليها
ولا يكفر، لأن الكفر مختص بما وقع عليه الإجماع من المسلمين، ويثبت
حكمه ضرورة من الدين وهو منتف في غير الخمر بيقين.
خلافا للحلبي فكفر مستحلها وأوجب قتله (2). وهو نادر، كما صرح به
في الروضة (3).
(الثالثة: من باع الخمر مستحلا) بيعها (استتيب) مطلقا ولو كان

(1) التنقيح 4: 371.
(2) الكافي في الفقه 413.
(3) الروضة 9: 207.
556

فطريا، إذ ليس تحريمه معلوما ضرورة، وقد يقع فيه الشبهة من حيث إنه
يسوغ تناوله على بعض وجوه الضرورات.
قيل: فيعزر فاعله ويستتاب وإن فعله مستحلا (فإن تاب) قبل منه
(وإلا قتل) حدا، وكأنه موضع وفاق، وما وقفت على نص يقتضيه (وفيما
سواها) من الأشربة إذا باعه مستحلا لا يقتل قطعا وإن لم يتب، لعدم إجماع
المسلمين على حرمته، فلا يحكم بكفر مستحله الموجب لقتله. نعم قالوا:
(يعزر) لفعله المحرم (1).
وهو حسن إن كان ممن يعتقد التحريم، وإلا ففيه نظر، وفاقا لبعض من
تأخر، حيث قال: وفي تأديبه مع كونه من أهل الخلاف نظر (2).
(الرابعة: لو تاب) الشارب عنه (قبل قيام البينة) عليه بشربه
(سقط الحد) عنه بلا خلاف في الظاهر المصرح به في جملة من العبائر.
وهو الحجة; مضافا إلى جميع ما مر في الزنا من الأدلة.
(ولا يسقط) عنه الحد (لو تاب بعد) قيام (البينة) على الأظهر
الأشهر بين الطائفة، للأصل، مع عدم ظهور المسقط بالكلية.
خلافا للحلبي (3) فجوز للإمام العفو عنه كما اختاره في الزنا.
وهو مع شذوذه على الظاهر المصرح به في بعض العبائر حجته غير
واضحة، عدا ما مر ثمة. وقد عرفت جوابه.
(و) لو تاب (بعد الإقرار يتخير الإمام في الإقامة) للحد عليه أو العفو
عنه، كما في الزنا على الأظهر الأشهر، كما صرح به جمع ممن تأخر، لأنها
بعد الإقرار مسقطة، لتحتم أقوى العقوبتين، وهو الرجم أو الجلد مائة،
وأقوى الذنبين وهو الزنا، فأضعفهما وهو الجلد ثمانين، والشرب بطريق أولى.

(1) المسالك 14: 470.
(2) كشف اللثام 2: 418 س 26.
(3) الكافي في الفقه: 413.
557

وبهذا التقرير الذي بينا به الأولوية يندفع ما أورد عليها جماعة من
وجود الفارق بين الرجم وغيره، من حيث تضمنه تلف النفس المأمور
بحفظها شرعا، بخلاف صورة الفرض، وذلك لعدم انحصار حد الزنا في
الرجم، بل يثبت فيه الجلد مائة أيضا على بعض الوجوه، وقد قدمنا سقوطه
أيضا كالرجم بالتوبة بعد الإقرار. ولا ريب أنه أكثر عقوبة من الجلد ثمانين
وموجبه أعظم ذنبا من موجبه، فليكن سقوط الحد هنا بالتوبة أولى بعده.
هذا، مضافا إلى عموم مفهوم التعليل في بعض المعتبرة الواردة في
اللواط. وفيه: وأما الرجل الذي اعترف باللواط فإنه لم يقم عليه البينة، وإنما
تطوع بالإقرار من نفسه وإذا كان للإمام الذي من الله تعالى أن يعاقب عن الله
سبحانه كان له أن يمن عن الله تعالى، أما سمعت قول الله تعالى: هذا عطاؤنا
فامنن أو أمسك بغير حساب (1).
(ومنهم من حتم الحد) وأوجبه، وهو الحلي (2) والشيخ في المبسوط (3)
والخلاف (4) وقواه الماتن في الشرائع (5) والفاضل في التحرير (6) وجماعة
من المتأخرين لاستصحاب ثبوت الحد إلى ظهور المسقط وليس بظاهر.
وفيه بعدما عرفت من وجود الدليل نظر واضح.
وأما ما ذكره الحلي من ظنه عدم الخلاف فيما ذكره لرجوع الشيخ في
الكتابين عما في النهاية فواضح وهنه، سيما بعد ما عرفت من دعوى الشهرة
الظاهرة على خلافه في كلام جماعة.
* * *

(1) الوسائل 18: 331، الباب 18 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4.
(2) السرائر 3: 478.
(3) لم نعثر عليه فيهما نعم في السرائر (3: 479) نقله عنهما.
(4) لم نعثر عليه فيهما نعم في السرائر (3: 479) نقله عنهما.
(5) الشرائع 4: 171.
(6) التحرير 2: 227 س 6.
558

(الفصل الخامس في) بيان (حد السرقة)
(وهو يعتمد فصولا) خمسة:
(الأول في) بيان (السارق) الذي يجب قطعه
(ويشترط فيه التكليف) بالبلوغ، والعقل، والاختيار (وارتفاع
الشبهة) الدارئة للحد من نحو توهم الملك، كما في سائر الحدود (وأن لا
يكون والدا) سرق (من ولده، وأن يهتك الحرز، و) يزيله ف‍ (يخرج المتاع)
المحترز فيه (بنفسه (1) ويأخذه سرا) مختفيا.
(فالقيود) المشترطة في قطع السارق (إذا ستة).
(فلا يحد الطفل) ولو راهق الحلم (ولا المجنون) ولو إدواريا إذا سرق
حال جنونه (لكن يعزران) ويؤدبان بما يراه الحاكم وإن تكرر منهما مرارا
بلا خلاف في الثاني، بل ادعى الوفاق على عدم حده. وهو الحجة فيه;
مضافا إلى حديث رفع القلم (2) عنه من غير معارض فيه، وهو وإن دل على
نفي التعزير أيضا إلا أنه لا خلاف فيه.

(1) أثبتناها من المتن المطبوع.
(2) الوسائل 19: 66، الباب 36 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2.
559

ويمكن الاعتذار عنه بما يأتي من أنه ليس من باب التكليف، بل
وجوب التأديب على الحاكم، لاشتماله على المصلحة ودفع المفسدة، كما
في كل تعزير. وهذان الدليلان جاريان في عدم حد الصبي وتعزيره كما
أطلقه المصنف وعامة المتأخرين، وفاقا للمفيد (1) والحلي (2) كما حكي.
(و) قال الشيخ (في النهاية) (3) وتبعه القاضي (4): إنه (يعفى عن الطفل
أولا، فإن عاد أدب، فإن عاد حكت أنامله حتى تدمى، فإن عاد قطعت
أنامله، وإن عاد قطع كما يقطع البالغ) واختاره في المختلف (5) بعد أن نسبه
إلى الأكثر، ونحوه شيخنا في الروضة.
فقال: ومستند هذا القول أخبار كثيرة صحيحة، وعليه الأكثر. ولا بعد
في تعيين الشارع نوعا خاصا من التأديب، لكونه لطفا وإن شارك خطاب
التكليف في بعض أفراده (6).
وهو حسن إن تم ما ذكره من دلالة الأخبار الصحيحة عليه، مع أنا لم
نجد شيئا منها تدل عليه بالتفصيل المذكور فيه، مع أنها بأنفسها متعارضة
غير متفقة على تفصيل واحد. والجمع بينها وتطبيقها على ما في النهاية في
غاية الإشكال والصعوبة، بل لعله متعذر، ومع ذلك خال عن شاهد عليه
وحجة.
فيشكل التعويل عليها مطلقا في إثبات حكم مخالف للأصل، كما أشار
إليه الماتن في نكت النهاية، فقال - ولنعم ما قال -: والذي أراه تعزير الصبي
والاقتصار على ما يراه الإمام أردع له، وقد اختلف الأخبار في كيفية حده

(1) المقنعة: 803.
(2) السرائر 3: 485.
(3) النهاية 3: 325.
(4) لم نعثر عليه.
(5) المختلف 9: 204.
(6) الروضة 9: 222.
560

فيسقط حكمها، لاختلافها، وعدم الوقوف بإرادة بعضها دون بعض، وما
ذكره الشيخ (رحمه الله) خبر واحد لا يحكم به في الحدود، لعدم إفادته اليقين،
والحد يسقط بالاحتمال، انتهى (1).
ومنه يظهر الجواب عما عن المقنع من العفو عنه أولا، فإن عاد قطعت
أنامله أو حكت حتى تدمى، فإن عاد قطعت أصابعه، فإن عاد قطع أسفل من
ذلك (2)، كما في الصحيح (3).
وفي آخر رواه في الفقيه: إن كان له سبع سنين أو أقل رفع عنه، فإن عاد
بعد سبع قطعت بنانه أو حكت حتى تدمى، فإن عاد قطع منه أسفل من بنانه،
فإن عاد بعد ذلك وقد بلغ تسع سنين قطعت يده، ولا يضيع حد من حدود
الله تعالى (4).
ولا يخفى ما بينهما من التعارض ولو من جهة الإطلاق والتقييد، والجمع
بينهما بالتقييد وإن أمكن إلا أنه لم يقل به في المقنع ولا غيره، ولم يحك عن
أحد، وعما عن ابن سعيد (5) من العمل بما في الصحيح: «إذا سرق الصبي
عفي عنه، فإن عاد عزر، فإن عاد قطع أطراف الأصابع، فإن عاد قطع أسفل
من ذلك» (6)، لمعارضته ما سبقه وغيره من النصوص المعارضة لهما، ومنها
الصحيحان الدالان على العفو عنه مرتين، فإن عاد قطع أطراف أصابعه كما
في أحدهما، وبنانه بدلا عنه في الثاني، فإن عاد قطع أسفل من ذلك كما في
الأول، ومن بنانه كما في الثاني، وزيد فيه فإن عاد قطع أسفل من ذلك (7).

(1) النكت، بهامش النهاية 3: 324.
(2) المقنع: 446.
(3) الوسائل 18: 525، الباب 28 من أبواب حد السرقة، الحديث 12.
(4) الفقيه 4: 62، الحديث 5105.
(5) الجامع للشرائع: 563.
(6) الوسائل 18: 523، الباب 28 من أبواب حد السرقة، الحديث 2، 1، 4.
(7) الوسائل 18: 523، الباب 28 من أبواب حد السرقة، الحديث 2، 1، 4.
561

وفي الغنية روى أصحابنا أن الصبي إذا سرق هدد، فإن عاد ثانية أدب
بحك أصابعه بالأرض حتى تدمى، فإن عاد ثالثة قطعت أطراف أنامله الأربع
من المفصل الأول، فإن عاد رابعة قطعت من المفصل الثاني، فإن عاد خامسة
قطعت من أصولها (1).
وأكثر النصوص تخالف هذا التفصيل، نعم في بعضها (2) ما يومئ إليه،
لكن فيه «العفو» بدل «التهديد». ولا يخفى ما بينهما من التنافي إلا أن
يحمل العفو عنه على القطع والإدماء، فلا ينافي التهديد، لكن السند قاصر،
وعبارته وإن أشعرت بالإجماع عليه إلا أنه موهون بمخالفته الأكثر، بل الكل
كما يظهر من نقل الأقوال الذي مر.
وبالجملة العمل بهذه الأخبار محل نظر وإن استفاض صحاحها، وقرب
من التواتر عددها، لما مضى.
فينبغي حملها على كون الواقع تأديبا منوطا بنظر الحاكم، لا حدا كما
ذكره في المسالك (3) شيخنا. ومقتضاه جواز بلوغ التعزير الحد هنا ولو في
بعض الصور. ولا بأس به، لاتفاق أكثر النصوص في الدلالة عليه. ولكنه لا
يلائم ما أطلقه بعض المتأخرين من التعزير، بناء على ما قرروه من اشتراط
التعزير بعدم بلوغه الحد.
وفي جريانه في محل البحث نظر، لما مر. لكن ينبغي الاحتياط بعدم
القطع إلا فيما اتفقت في الدلالة عليه، وهو في الخامسة.
(ولو سرق الشريك) من المال المشترك (ما يظنه نصيبا) له مع ظنه

(1) الغنية: 434.
(2) الوسائل 18: 526، الباب 28 من أبواب حد السرقة، الحديث 15.
(3) المسالك 14: 479.
562

جواز مباشرته القسمة بنفسه (لم يقطع) ولو زاد نصابا، للشبهة الدارئة
للحد الذي منه القطع بلا خلاف.
ولو علم عدم جواز تولي القسمة كذلك قطع إن بلغ نصيب الشريك
نصابا، للعموم، وارتفاع الشبهة بالعلم.
قيل (1): ويحتمل القطع مطلقا مع بلوغ نصيب الشريك النصاب لفساد
القسمة، ووجود حق الشريك فيما أخذه بقدر النصاب. ويحتمل العدم
كذلك، لوجود حقه فيه، مع التأيد بعموم ما سيأتي من قول أمير
المؤمنين (عليه السلام) إني لا أقطع أحدا له فيما أخذ شركاء (2)، والخبر الوارد فيمن
سرق من بيت المال لا يقطع فإن له فيه نصيبا (3).
وفي الاحتمالين نظر، لأن فساد القسمة في الشريعة لا يرفع أثر الشبهة
الحاصلة من ظنه جواز المباشرة لها بنفسه، ووجود حقه فيه لا ينافي صدق
أخذه النصاب من مال غيره الموجب هو للقطع بمقتضى العموم، ولا إشارة
فيما دل عليه باشتراط خلوص النصاب عن مال السارق، فتأمل.
والخبران قاصرا السند، فلا يصلحان لتخصيص العموم، سيما مع
اعتضاده بفتوى المشهور، ومعارضتهما بما سيأتي مما هو أوضح منهما
سندا.
(وفي سرقة أحد الغانمين من الغنيمة روايتان) باختلافهما اختلف
الأصحاب.
ففي (إحداهما:) أنه (لا يقطع) والمراد بها الجنس لتعددها.

(1) كشف اللثام 2: 422 س 15.
(2) الوسائل 18: 518، الباب 24 من أبواب حد السرقة، الحديث 1، 2.
(3) الوسائل 18: 518، الباب 24 من أبواب حد السرقة، الحديث 1، 2.
563

منها: رجل أخذ بيضة من المغنم وقالوا قد سرق أقطعه؟ فقال: إني
لم أقطع أحدا له فيما أخذه شرك (1).
ومنها: أربعة لا قطع عليهم المختلس والمغلول ومن سرق من المغنم
وسرقة الأجير لأنها خيانة (2).
وعمل بمضمونها المفيد (3) والديلمي (4) وفخر الدين (5) والفاضل المقداد
في شرح الكتاب (6) وغيرهم.
وقصور سندهما بسهل في الأول وإن كان سهلا، والسكوني وصاحبه
في الثاني وإن كان قويا يمنع عن العمل بهما وإن اعتضدا بمفهوم التعليل في
الخبر الذي مضى، لضعف سنده أيضا من وجوه شتى.
(و) في الرواية (الأخرى): أنه (يقطع لو زاد عن نصيبه قدر
النصاب) وإلا فلا، وقد عمل بها الشيخ في النهاية (7) والقاضي (8)
والإسكافي (9). والماتن في الشرائع (10) والفاضل في التحرير (11) وشيخنا في
المسالك والروضة (12)، مدعيا هو وبعض من تبعه أن عليها عمل الأكثر.
ولا بأس به، لصحتها، وصراحتها في التفصيل المحتمل، الجامع بين
الرواية السابقة، بحملها على ما إذا لم يزد عن حصته نصابا وإن نافاه ظاهر
ما فيها من التعليل، لإمكان حمله على ما يوافقه. وبين الموثقة كالصحيحة
عن البيضة التي قطع فيها أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: كانت بيضة حديد سرقها

(1) الوسائل 18: 518 - 503، الباب 24 - 12 من أبواب حد السرقة، الحديث 1، 3.
(2) الوسائل 18: 518 - 503، الباب 24 - 12 من أبواب حد السرقة، الحديث 1، 3.
(3) المقنعة 803.
(4) المراسم 258.
(5) الإيضاح 4: 525.
(6) التنقيح 4: 374.
(7) النهاية 3: 323.
(8) المهذب 2: 542.
(9) المختلف 9: 202.
(10) الشرائع 4: 173.
(11) التحرير 2: 228 س 3.
(12) المسالك 14: 483، الروضة 9: 228.
564

رجل من المغنم فقطعه (1)، بحملها على صورة أخذه الزيادة عن حصته
بما يبلغ نصابا.
ويحتمل حملها على كون السارق ليس من الغانمين، كما ربما يشعر به
ظاهر سياقها. وعلى أي حال فليس في ظاهرها ما ينافي القولين، لكونها
قضية في واقعة، لا عموم لها، محتملة للورود موردا لا يخالفهما.
هذا، والمسألة بعد لا تخلو عن تردد، كما هو ظاهر المتن والقواعد (2)،
وصريح اللمعة (3)، لحصول الشبهة باختلاف الفتوى والرواية وإن كان ما دل
منها على التفصيل أوضح سندا وأظهر دلالة، لوحدته، وتعدد مقابله، وقوة
دلالته بما فيه من التعليل، مع اعتبار سند بعضه، لما عرفت من سهولة أمر
سهل، بل قيل: بوثاقته، وقوة السكوني وصاحبه، مع أن الأولى مروية عن
الكافي (4) صحيحة. ولكن لم أقف عليها كذلك فيه في هذا الكتاب. ولعله
رواها فيه في كتاب الجهاد، ومقتضى التردد حصول الشبهة الدارئة.
وبموجب ذلك يظهر للقول الأول قوة.
ولو سرق الوالد من مال ولده لم يقطع إجماعا على الظاهر المصرح به
في كلام جماعة حد الاستفاضة. وهو الحجة المعتضدة بفحوى ما دل على
عدم قتله بقتله، وقوله (صلى الله عليه وآله) أنت ومالك لأبيك (5)، وصرح جماعة بعموم الأب
لمن علا وظاهر المسالك (6) الإجماع عليه.

(1) الوسائل 18: 518، الباب 24 من أبواب حد السرقة، الحديث 3.
(2) القواعد 3: 558.
(3) اللمعة 261.
(4) الكافي 7: 223، الحديث 7.
(5) الوسائل 12: 195، الباب 78 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1.
(6) المسالك 14: 487.
565

ولو سرق الولد من مال أحد والديه وإن علا أو الأم من مال ولدها
وجب القطع بلا خلاف، إلا من الحلبي فألحق الأم بالوالد في عدم قطعها لو
سرقت من مال ولدها (1). وهو شاذ، محجوج بعموم الآية (2)، والأخبار (3)
بقطع السارق مطلقة خرج منه الوالد بالإجماع، فيبقى الباقي.
ومنه يظهر انسحاب الحكم في الأقارب لو سرق بعضهم من بعض،
ولا خلاف فيه ظاهرا. وما سيأتي من الصحيح بعدم القطع بسرقة مال الأب
والأخ والأخت محمول على عدم الحرز دونه، كما هو الغالب، ومقتضى
التعليل فيه.
وقيد جماعة قطع الولد بسرقته من مال الوالدين والأم بسرقة مال ولدها
بما إذا قام المسروق منه بنفقة السارق إن وجبت عليه وإلا فلا قطع، وصريح
الغنية الإجماع عليه (4).
ولا بأس به إذا كان المسروق مأخوذا بدلا من النفقة بقدرها، أو مع
الزيادة بما لا يبلغ النصاب، وفي النصوص إيماء إليه.
(ولو) لم يكن المال محروزا أو (هتك الحرز غيره وأخرج هو لم
يقطع) بلا خلاف، بل عليه الإجماع في الغنية (5). وهو الحجة; مضافا إلى
النصوص المستفيضة الآتية في الأول، وعدم تحقق السرقة من الهتك،
ولا الأخذ من الحرز من المخرج.
نعم يجب على الأول ضمان ما أفسده من جدار أو غيره، وعلى الثاني

(1) الكافي في الفقه 411، وفي النسخ «الحلي» والصواب ما أثبتناه.
(2) المائدة: 38.
(3) الوسائل 18: 500، الباب 10 من أبواب حد السرقة.
(4) الغنية 433.
(5) الغنية 433.
566

ضمان المال، لحديثي نفي الضرر (1) وضمان اليد (2).
ولو تعاونا على الهتك وانفرد أحدهما بالإخراج قطع المخرج خاصة،
لصدق السرقة في حقه دون المتفرد بالهتك. ولو انعكس فلا قطع على
أحدهما إلا إذا أخرجا نصابين.
ولو تعاونا على الأمرين وأخرجا أقل من نصابين ففي وجوب القطع
قولان، يأتيان.
ولا فرق في الإخراج بين المباشرة والتسبيب، مثل أن يشد بحبل ويجر
به، أو يؤمر صبي غير مميز بإخراجه، أو نحو ذلك، أما لو أمر مميزا به
فلا قطع على السبب على ما ذكره جماعة.
ولو خان المستأمن لم يقطع، لأنه لم يحرز من دونه. وكذا لو هتك
الحرز قهرا ظاهرا وأخذ، لأنه ليس بسارق، بل هو غاصب، وللنصوص
المستفيضة فيهما.
ففي الصحيح: عن قوم اصطحبوا في سفر رفقاء فسرق بعضهم متاع
بعض، فقال: هذا خائن لا يقطع، ولكن يتبع بسرقته وخيانته، قيل له: فإن
سرق من أبيه، فقال: لا يقطع، لأن ابن الرجل لا يحجب عن الدخول إلى
منزل أبيه هذا خائن، وكذلك إن أخذ من منزل أخيه أو أخته إن كان يدخل
عليهم لا يحجبانه عن الدخول (3).
ففي المعتبرة المستفيضة: لا قطع في الدغارة المعلنة ولكن يقطع من
يأخذ ثم يخفى (4).

(1) الوسائل 17: 341، الباب 12 من أبواب إحياء الموات، الحديث 3، 4، 5.
(2) عوالي اللآلي 1: 224، الحديث 106.
(3) الوسائل 18: 508 - 503، الباب 18، 12 من أبواب حد السرقة، الحديث 1، 2.
(4) الوسائل 18: 508 - 503، الباب 18، 12 من أبواب حد السرقة، الحديث 1، 2.
567

(و) لا فرق في السارق الذي يجب قطعه بين (الحر والعبد) إذا سرق
من غير مولاه لو لم يكن عبد غنيمة سرق منها (والمسلم) ولو سرق من
ذمي، كما صرح به في التحرير (1) (والكافر) بأقسامه (والذكر والانثى)
فهم في ذلك (سواء) بلا خلاف ظاهر ولا محكي، للعموم السالم عما
يوجب التخصيص، مضافا إلى خصوص المرسل: في العبد، قال: المملوك إذا
سرق من مال مواليه لم تقطع، فإذا سرق من غير مواليه قطع (2).
(و) إنما قيدنا العبد بما مر، إذ (لا يقطع عبد الإنسان بسرقة ماله)
كما قطع به الأصحاب ظاهرا، وادعاه بعضهم (3) صريحا، وعن المبسوط (4)
نفى الخلاف عنه إلا من داود، ودلت عليه النصوص أيضا:
ففي الصحيح: إذا سرق عبد أو أجير من مال صاحبه فليس عليه قطع (5).
وأظهر منه الخبر: عبدي إذا سرقني لم أقطعه (6).
وقريب منه آخر: في عبد سرق وأختان من مال مولاه ليس عليه
قطع (7). ونحوهما المرسل المتقدم وعلل مع ذلك في الشرائع بأن في قطعه
زيادة إضرار (8) وفيه لولا النص نظر.
وفي الفقيه بأنه مال الرجل سرق بعضه بعضا (9) وهو نظير ما سيأتي من
التعليل.
(و) كذا (لا) يقطع (عبد الغنيمة بالسرقة منها) لأنه إنما أخذ من
مال مواليه، وللنصوص:

(1) التحرير 2: 233 الهامش.
(2) الوسائل 18: 527، الباب 29 من أبواب السرقة، الحديث 3، 5، 2، 1.
(3) اللمعة والروضة 9: 240.
(4) المبسوط 8: 44.
(5) الوسائل 18: 527، الباب 29 من أبواب السرقة، الحديث 3، 5، 2، 1.
(6) الوسائل 18: 527، الباب 29 من أبواب السرقة، الحديث 3، 5، 2، 1.
(7) الوسائل 18: 527، الباب 29 من أبواب السرقة، الحديث 3، 5، 2، 1.
(8) الشرائع 4: 174.
(9) الفقيه 4: 67، الحديث 5117.
568

منها: في رجلين سرقا من مال الله تعالى أحدهما عبد مال الله والآخر
من عرض الناس، فقال: أما هذا فمن مال الله تعالى فليس عليه شئ مال الله
تعالى أكل بعضه بعضا، وأما الآخر فقدمه وقطع يده (1).
وفي القوي: وعبد الإمارة إذا سرق لم أقطعه، لأنه فيء (2).
(ويقطع الأجير إذا أحرز المال) الذي سرق منه (من دونه على)
الأشبه (الأشهر) بل عليه عامة من تأخر، كما في المسالك (3) وغيره،
للعمومات السليمة عما يصلح للمعارضة، كما سيظهر.
خلافا للنهاية (4) فأطلق أنه لا قطع عليه.
وحجته غير ظاهرة إن قصد الإطلاق، عدا ما استدل له من المعتبرة
المستفيضة، التي فيها الصحيح (5) والموثق (6) وغيرهما (7) من المعتبرة: أنه
لا قطع عليه، لأنه مؤتمن، والتعليل صريح في صورة عدم الإحراز عنه،
وليس عدم القطع فيها محل خلاف، وإليه أشار في الجواب عنها شيخنا في
الروضة، فقال بعد نقل هذا القول: استنادا إلى أخبار ظاهرة في كون المال
غير محرز عنهما، فالتفصيل حسن (8).
(و) كذا قطع كل من (الزوج والزوجة) بسرقة مال الآخر مع الإحراز
عنه، وإلا فلا، بلا خلاف، لما مر من العمومات.
وينبغي في تقييد القطع في الزوجة حيث تقطع بما إذا لم تسرق عوضا
عن النفقة الممنوعة عنها من دون زيادة عليها، وإلا فلا قطع عليها، كما مضى
في نظيره قريبا.

(1) الوسائل 18: 527، الباب 29 من أبواب حد السرقة، الحديث 4، 2.
(2) الوسائل 18: 527، الباب 29 من أبواب حد السرقة، الحديث 4، 2.
(3) المسالك 14: 489.
(4) النهاية 3: 326.
(5) الوسائل 18: 506، الباب 14 من أبواب حد السرقة، الحديث 3، 4، 1، 5.
(6) الوسائل 18: 506، الباب 14 من أبواب حد السرقة، الحديث 3، 4، 1، 5.
(7) الوسائل 18: 506، الباب 14 من أبواب حد السرقة، الحديث 3، 4، 1، 5.
(8) الروضة 9: 241.
569

(وكذا الضيف) يقطع مع الإحراز عنه، ولا مع العدم على الأشبه
الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، لما مر.
(وفي رواية) صحيحة (1) أنه (لا يقطع) بقول مطلق من دون تفصيل
بين الإحراز عنه وعدمه.
وفيها: إذا سرق الضيف لم يقطع، وإذا أضاف الضيف ضيفا فسرق قطع
ضيف الضيف.
ولا عامل بها عدا الشيخ في النهاية (2) وقد رجع عنه إلى التفصيل في
المبسوط (3) والخلاف (4) والحلي (5). وهو شاذ، مع اضطرابه في الباب، حيث
رجح أولا التفصيل ثم عدم القطع على الإطلاق. وهو غريب.
وأغرب منه دعواه الإجماع على الثاني.
وربما يحكى هذا القول عن الإسكافي (6) والصدوق في الفقيه (7)
والمقنع (8)، مع أن عبارة الأول المحكية في المختلف صريحة في التفصيل،
فإنه قال: وسرقة الأجير والضيف والزوج فيما ائتمنوا عليه خيانة لا قطع
عليهم فيه، فإن سرقوا مما لم يؤتمنوا عليه قطعوا.
وقريب منها عبارة الصدوق في الكتابين، فإنه قال: ليس على الأجير
ولا على الضيف قطع، لأنهما مؤتمنان.
ووجه الظهور هو التعليل الظاهر في كون سبب عدم القطع إنما هو
الاستئمان المنافي للإحراز عنه المشترط في القطع، وهذا لا نزاع فيه.

(1) الوسائل 18: 508، الباب 17 من أبواب حد السرقة، الحديث 1.
(2) النهاية 3: 326.
(3) المبسوط 8: 33.
(4) السرائر 3: 486 - 488.
(5) السرائر 3: 486 - 488.
(6) المختلف 9: 205.
(7) الفقيه 4: 65، الحديث 5117.
(8) المقنع 447.
570

وحيث شذت الرواية ينبغي طرحها، أو حملها على صورة الاستئمان،
كما هو الغالب، ويشعر به ذيلها للحكم فيه بقطع ضيف الضيف، وليس ذلك
إلا من حيث إن المالك لم يأمنه.
وأظهر منه ما في بعض النصوص: الأجير والضيف أمينان ليس يقع
عليهما حد السرقة (1) ولا غيره. فتدبر.
(و) يجب (على السارق إعادة المال) بعينه مع وجوده وإمكان
إعادته، أو رد مثله إن كان مثليا، أو قيمته إن كان قيميا، مع تلفه، أو تعذر رده.
ولو عاب ضمن الأرش، ولو كان ذا اجرة لزمته مع ذلك (ولو قطع)
لأنهما حكمان متغايران الإعادة لأخذ مال الغير عدوانا، والقطع حدا عقوبة
على الذنب.
والأصل فيه بعد ذلك إجماعنا الظاهر المصرح به في بعض العبائر (2)
المعتبرة المستفيضة:
منها الصحيح: إذا سرق السارق قطعت يده، وغرم ما أخذ (3).
والموثق كالصحيح: السارق يتبع بسرقته وإن قطعت يده، ولا يترك أن
يذهب بمال امرئ مسلم (4).
والخبر: عن رجل يسرق فتقطع يده ولم يرد ما سرق كيف يصنع به في
مال الرجل الذي سرق منه أو ليس عليه رده وإن ادعى أنه ليس عنده قليل
ولا كثير وعلم ذلك منه؟ قال: يستسعى حتى يؤدي آخر درهم سرقه (5).
ونبه بذلك على رد مالك وأبي حنيفة، حيث قال الأول: إن تلفت العين

(1) الوسائل 18: 506، الباب 14 من أبواب حد السرقة، الحديث 4.
(2) كشف اللثام 2: 430 س 3.
(3) الوسائل 18: 500، الباب 10 من أبواب حد السرقة، الحديث 1، 4، 2.
(4) الوسائل 18: 500، الباب 10 من أبواب حد السرقة، الحديث 1، 4، 2.
(5) الوسائل 18: 500، الباب 10 من أبواب حد السرقة، الحديث 1، 4، 2.
571

غرمها إن كان موسرا ولم يغرمها إن كان معسرا ولو أيسر بعد ذلك (1)، وقال
الثاني: لا أجمع بين القطع والغرم للعين التالفة (2)، فإن غرم له سقط الحد،
وإن سكت المالك حتى يقطع سقط الغرم.
(الثاني في) بيان (المسروق)
الذي يجب لسرقته القطع وشروطه
(و) منها اشتراط بلوغه (نصاب القطع) بلا خلاف، بل عليه إجماعنا
في المسالك (3) وغيره. وهو الحجة المخصصة، لإطلاق الآية والرواية بقطع
السارق بقول مطلق، مضافا إلى الأدلة الآتية من الإجماعات المحكية،
والنصوص المستفيضة، بل المتواترة.
وقدره (ربع دينار ذهبا خالصا مضروبا بسكة المعاملة أو ما) بلغ
(قيمته ذلك) على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، وفي الخلاف (4)
والاستبصار (5) والغنية (6) والسرائر (7) وكنز العرفان (8) أن عليه إجماع
الإمامية. وهو الحجة; مضافا إلى النصوص المستفيضة الخاصية والعامية.
ففي الصحيح: لا يقطع إلا في ربع دينار أو أكثر (9).
وفي آخر: لا يقطع يد السارق إلا في شئ تبلغ قيمته مجنا وهو
ربع دينار (10).
وفي الخبرين: عن أدنى ما يقطع فيه السارق فقال: في بيضة حديد،

(1) المجموع 20: 102 - 103.
(2) الجامع لأحكام القرآن 6: 165.
(3) المسالك 14: 491.
(4) الخلاف 5: 413، المسألة 1.
(5) الاستبصار 4: 241، ذيل الحديث 14.
(6) الغنية 430 - 431.
(7) السرائر 3: 482.
(8) كنز العرفان 2: 350.
(9) الوسائل 18: 482، الباب 2 من أبواب حد السرقة، الحديث 1، 2.
(10) الوسائل 18: 482، الباب 2 من أبواب حد السرقة، الحديث 1، 2.
572

قلت: وكم ثمنها؟ قال: ربع دينار (1).
وزيد في أحدهما: وقال علي (عليه السلام): لا تقطع يد السارق حتى يبلغ سرقته
ربع الدينار (2).
وقول الصدوق بالخمس (3) والعماني بالدينار (4) الكامل شاذان ضعيفان
وإن دل على الأول منهما الموثق والصحيحان: إن أدنى ما يقطع فيه السارق
خمس دينار (5)، كما في الأول وأحدهما.
وفي الثاني: يقطع السارق في كل شئ يبلغ قيمته خمس دينار وإن
سرق من زرع أو ضرع أو غير ذلك (6).
وعلى الثاني الصحيح: في كم يقطع السارق فجمع كفيه ثم قال في
عددها من الدراهم (7). بناء على كونها قيمة الدينار في ذلك الزمان، كما
يستفاد من كثير من الأخبار، وجمع من الأصحاب.
ووجه ضعف القولين مع اعتبار سند هذه النصوص وكثرتها واعتضادها
بغيرها أيضا، مع اعتضاد ما دل منها على الأول بإطلاقات الكتاب والسنة
بقطع كل سارق خرج منها ما لو سرق أقل من الخمس بالإجماع فيبقى
الباقي.
أولا: تعارض بعضها مع بعض، مع موافقة ما دل منها على اعتبار الدينار
على تقدير تسليم دلالته لرأي جماعة من العامة رأيهم إلى الآن مشتهرة
كالثوري وأصحاب الرأي وأبي حنيفة (8).
وثانيا: بقصورها عن المقاومة لما مضى من الأدلة جدا، من حيث

(1) الوسائل 18: 482، الباب 2 من أبواب حد السرقة، الحديث 6، 8، 17، 12، 9.
(2) الوسائل 18: 482، الباب 2 من أبواب حد السرقة، الحديث 6، 8، 17، 12، 9.
(3) راجع المقنع 444.
(4) المختلف 9: 214.
(5) الوسائل 18: 482، الباب 2 من أبواب حد السرقة، الحديث 6، 8، 17، 12، 9.
(6) الوسائل 18: 482، الباب 2 من أبواب حد السرقة، الحديث 6، 8، 17، 12، 9.
(7) الوسائل 18: 482، الباب 2 من أبواب حد السرقة، الحديث 6، 8، 17، 12، 9.
(8) المغني لابن قدامة 10: 242.
573

الاعتضاد بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا، بل إجماع في الحقيقة،
لندرة المخالف، وشذوذه، مع معلومية نسبه والإجماعات المحكية،
والأوفقية بما دل على درء الحدود بالشبهة، لحصولها باعتبار اختلاف
الفتوى والرواية في اعتبار الربع أو الخمس.
وعدم القطع بالأخير أوفق بالاحتياط بلا شبهة. لكن هذا المعاضد يدفع
القول بالخمس دون كمال الدينار، بل ينعكس فيه، لكنه في غاية من
الضعف، قليل الدليل، بل عديمة، لأن غاية ما دل عليه الصحيحة ثبوت القطع
به لا نفيه فيما دونه. فتأمل.
ومع ذلك تواترت النصوص في رده وإن اختلفت في تعيين الربع
والخمس، كما في النصوص المتقدمة، أو الثلث كما في صريح الموثق (1)
وظاهر آخر (2)، والدرهمين كما في النص الآتي إليه الإشارة.
وبالجملة لا ريب في صحة القول الأول، وضعف ما قابله، والنصوص
الدالة عليه.
ويمكن حملها على التقية، كما ذكره شيخ الطائفة، قال بعد حمل ما دل
منها على الخمس عليها: لموافقتها لمذاهب كثير منهم (3)، ويظهر ذلك أيضا
من كل من ادعى إجماعنا على الربع.
ويحكى في الروضة قول بالقطع في درهمين (4)، كما في بعض
النصوص (5)، وهو يوافق القول بالخمس، بناء على البناء المتقدم.
واعلم أنه لا فرق فيه بين عين الذهب وغيره، فلو بلغ العين ربع دينار

(1) الوسائل 18: 485، الباب 2 من أبواب حد السرقة، الحديث 11، 10.
(2) الوسائل 18: 485، الباب 2 من أبواب حد السرقة، الحديث 11، 10.
(3) الاستبصار 4: 240 ذيل الحديث 13.
(4) الروضة 9: 231.
(5) الوسائل 18: 486، الباب 2 من أبواب حد السرقة، الحديث 14.
574

وزنا غير مضروب ولم يبلغ قيمة المضروب فلا قطع، لأن الدينار حقيقة في
المسكوك منه، فيحمل عليه إطلاقه الوارد في النصوص.
خلافا للخلاف (1) والمبسوط (2) فقوى عدم اشتراط السكة. وهو شاذ.
ولو انعكس بأن كان سدس دينار مصوغا قيمته ربع دينار مسكوكا قطع
على الأقوى.
وكذا لا فرق بين علمه بقيمته أو شخصه وعدمه، فلو ظن المسروق
فلسا فظهر دينارا أو سرق ثوبا قيمته أقل من النصاب فظهر مشتملا على
ما يبلغه ولو معه قطع على الأقوى، لتحقق الشرط.
ولا يقدح عدم القصد إليه، لتحققه في السرقة إجمالا، مع عدم دليل على
اعتبار قصد النصاب في القطع بسرقته أصلا. قيل: ولشهادة الحال بأنه
لو علمه لقصده (3). وفي إطلاقها نظر لا يخفى.
(ولا بد) فيه أيضا (من كونه محرزا) إجماعا منا فتوى ونصا إلا
نادرا. وحيث لا تحديد له شرعا صريحا وجب الرجوع فيه إلى العرف اتفاقا.
وضابطه ما كان ممنوعا (بقفل) من حديد ونحوه (أو غلق) من
خشب وما في معناه (أو دفن) في العمران، أو كان مراعى بالنظر على
اختلاف في الأخير.
فقيل بكونه حرزا، كما في القواعد (4) والتنقيح (5) وعن الخلاف (6)
والمبسوط (7)، لقضاء العادة بإحراز كثير من الأموال بذلك.

(1) الخلاف 5: 414، المسألة 2.
(2) المبسوط 8: 19.
(3) الروضة 9: 233.
(4) القواعد 3: 560.
(5) التنقيح 4: 377.
(6) الخلاف 5: 419، المسألة 6.
(7) المبسوط 8: 22.
575

وقيل بالعدم، كما هو ظاهر الماتن والشرائع (1) والسرائر (2) وعن المراسم (3)
والوسيلة (4) وظاهر المقنعة (5) والمختلف (6) والتحرير (7) والإرشاد (8) والتلخيص (9)
والتبصرة (10)، للشبهة في كونه حرزا، وكون الأخذ معه سرقة أو اختلاسا،
وللقوي بالسكوني وصاحبه: لا يقطع إلا من نقب نقبا أو كسر قفلا (11).
قيل: ويمكن أن يقال: لا يتحقق الحرز بالمراعاة إلا مع النظر إليه، ومع
ذلك لا تتحقق السرقة لما تقرر (12) من أنها لا تكون إلا سرا، ومع غفلته عنه
ولو نادرا لا يكون له مراعيا، فلا يتحقق إحرازه بها، فظهر أن السرقة لا
تتحقق مع المراعاة وإن جعلناها حرزا، انتهى (13).
ولا يخلو عن نظر.
(وقيل) والقائل الشيخ في النهاية (14): إن (كل موضع ليس لغير
المالك) والمتصرف فيه (دخوله إلا باذنه فهو حرز) ونسبه في
المبسوط (15) والتبيان (16)، وكذا في كنز العرفان (17) إلى أصحابنا، وفي الغنية
إلى رواياتهم مدعيا عليه إجماعهم (18). وربما كان في النصوص إيماء إليه.

(1) الشرائع 4: 175.
(2) السرائر 3: 501.
(3) المراسم 258.
(4) الوسيلة 418.
(5) المقنعة 804.
(6) المختلف 9: 199 - 200.
(7) التحرير 2: 229 س 17.
(8) الإرشاد 2: 183.
(9) سلسلة الينابيع الفقهية (مسائل ابن طي) 40: 205، راجع كتاب الحدود.
(10) تبصرة المتعلمين 197.
(11) الوسائل 18: 509، الباب 18 من أبواب حد السرقة، الحديث 3.
(12) كذا في النسخ، وفي المصدر: لما تقدم.
(13) الروضة 9: 243.
(14) النهاية 3: 320.
(15) المبسوط 8: 22.
(16) التبيان 3: 517.
(17) كنز العرفان 2: 350.
(18) الغنية 430.
576

ومنها الصحيح المتقدم المعلل عدم قطع الرجل بسرقة مال ابنه وأخته
وأخيه بعدم حجبه عن الدخول إلى منزلهم، وظاهر أن المراد من عدم
الحجب حصول الإذن له في الدخول. فمفهوم التعليل حينئذ أن مع عدم
الإذن يقطع، وهو عين هذا المذهب.
وأظهر منه القوي بالسكوني وصاحبه: كل مدخل يدخل فيه بغير إذن
فسرق منه السارق فلا قطع فيه، قال الراوي: يعني الحمام والأرحية (1).
وقريب منهما النصوص المتقدمة بعدم قطع الضيف والأجير، معللة
بالاستئمان، وليس إلا من حيث الإذن في الدخول.
فهذا القول غير بعيد لولا ما أورد عليه جماعة، ومنهم الحلي من النقض
بالدور المفتحة الأبواب في العمران وصاحبها ليس فيها، فإن السارق منها
لا قطع عليه، بلا خلاف كما في السرائر (2).
ولذا عن ابن حمزة: أنه كل موضع لا يجوز لغير مالكه الدخول فيه
أو التصرف بغير إذنه وكان مغلقا أو مقفلا (3).
وكأنه حاول الجمع بين النصوص المزبورة وقوية السكوني المتقدمة
المتضمنة، لأنه لا يقطع إلا من نقب نقبا أو كسر قفلا.
ولا بأس به، ومرجعه إلى القول الأول، كالقول بأن الحرز ما يكون
سارقه على خطر خوفا من الاطلاع عليه.
وعليه يختلف الحرز باختلاف الأموال، وفاقا للأكثر، فحرز الأثمان
والجواهر الصناديق المقفلة والأغلاق الوثيقة في العمران، وحرز الثياب
وما خف من المتاع وآلات النحاس الدكاكين والبيوت المقفلة في العمران

(1) الوسائل 18: 509، الباب 18 من أبواب حد السرقة، الحديث 2.
(2) السرائر 3: 484.
(3) الوسيلة 418.
577

أو خزائنها المقفلة وإن كانت هي مفتوحة، والإصطبل حرز للدواب مع
الغلق، وحرز الماشية في المرعى عين الراعي على ما تقرر، ومثله متاع
البائع في الأسواق والطرقات.
واحترزنا بالدفن في العمران عما لو دفن خارجه، فإنه لا يعد حرزا وإن
كان في داخل بيت مغلق، لعدم قضاء العرف به، مع عدم الخطر على سارقه.
وقال الشيخ في المبسوط (1) والخلاف (2) كل موضع حرز لشئ من
الأشياء فهو حرز لجميع الأشياء، واختاره الحلي (3) والفاضل في التحرير (4).
وهو كما ترى.
(و) كيف كان (لا يقطع من سرق من) غير حرز ك‍ (- المواضع المأذون
في غشيانها) والدخول إليها (كالحمامات والمساجد) والأرحية، مع عدم
مراعاة المالك للمسروق بالنظر، للقوي المتقدم، ولا خلاف فيه ظاهرا ولا
محكيا إلا عن العماني حيث قال: إن السارق يقطع من أي موضع سرق من
بيت أو سوق أو مسجد أو غير ذلك مطلقا، لقطع النبي (صلى الله عليه وآله) سارق مئزر
صفوان بن أمية في المسجد.
ففي الصحيح: أنه خرج يهرق الماء فوجد رداءه قد سرق حين رجع
إليه (5).
قيل: ويمكن حمله على التفسير الأخير، فإن السارق في المسجد على
خطر من أن يطلع عليه.
وفي خبر آخر: أنه نام فأخذ من تحته.

(1) المبسوط 8: 22.
(2) الخلاف 5: 419، المسألة 6.
(3) السرائر 3: 483.
(4) التحرير 2: 229 س 17.
(5) المختلف 9: 234.
578

وقال الصدوق: لا قطع من المواضع التي يدخل إليها بغير إذن مثل
الحمامات والأرحية والمساجد، وإنما قطعه النبي (صلى الله عليه وآله) لأنه سرق الرداء
وأخفاه، فلإخفائه قطعه، ولو لم يخفه لعزره، وهو راجع إلى التفسير الأخير (1).
والأولى في الجواب عنه ما ذكره بعض الأصحاب (2) من عدم منافاته
لما دل على عدم القطع بالسرقة من نحو المساجد عموما وخصوصا، من
حيث احتمال أن يكون حين خرج أو نام حرز رداءه. فينبغي حمله عليه،
جمعا بينه وبين القوي المتقدم، الذي هو أرجح منه بوجوه شتى.
(و) منه يظهر الجواب عن الاستدلال به لما (قيل) من أنه (إذا كان
المالك مراعيا للمال) بنظره (كان محرزا) والقائل من تقدم، ومنهم الشيخ
في المبسوط (3).
وربما يجاب عنه أيضا بأن المفهوم من المراعاة، وبه صرح كثير أن
المراد بها النظر إلى المال، وأنه لو نام أو غفل عنه أو غاب زال الحرز، فكيف
يجتمع الحكم بالمراعاة مع فرض كون المالك غائبا عنه كما في الرواية
الأولى، أو نائما كما في الثانية؟ وهو حسن.
(ولا يقطع من سرق من جيب إنسان أو كمه الظاهرين ويقطع لو كانا
باطنين) للخبرين.
أحدهما القوي: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أتي بطرار قد طر من كم رجل؟
فقال: إن كان طر من قميصه الأعلى لم أقطعه وإن طر من قميصه الداخل
قطعته (4). ونحوه الثاني (5).

(1) مفاتيح الشرائع 2: 92 - 93.
(2) مفاتيح الشرائع 2: 92 - 93.
(3) المبسوط 8: 25.
(4) الوسائل 18: 504، الباب 13 من أبواب حد السرقة، الحديث 2، 3، 4، الباب 13، الحديث 7.
(5) الوسائل 18: 504، الباب 13 من أبواب حد السرقة، الحديث 2، 3، 4، الباب 13، الحديث 7.
579

وضعف سنده كالأول إن كان مجبورا بالشهرة الظاهرة والمحكية في
المختلف (1) والمسالك (2) وغيرهما، بل لم أجد الخلاف فيه كما صرح به
بعض الأجلة (3) وفي الغنية (4) والخلاف (5) أن عليه إجماع الإمامية.
وبه مضافا إلى الخبرين يجمع بين ما دل على قطع الطرار بقول مطلق
كالخبر: يقطع النباش والطرار ولا يقطع المختلس (6)، وما دل على عدم قطعه كذلك،
كالصحيح: عن الطرار والنباش والمختلس، قال: لا يقطع (7). ونحوه المرسل (8)
كالموثق، بحمل الأول على الطر من الأسفل، والآخرين على العكس.
مع احتمال الأول الحمل على التقية، لكونه مذهب العامة، كما يستفاد
من الخلاف، حيث قال: وقال: جميع الفقهاء عليه القطع، ولم يعتبروا قميصا
فوق قميص، إلا أن أبا حنيفة قال: إذا شده فعليه القطع، والشافعي لم يفصل (9).
وظاهر الخبرين المفصلين أن المراد بالظاهر ما في الثوب الخارج، سواء
كان بابه في ظاهره أو باطنه، وسواء كان الشد على تقديره من داخله أم
خارجه، كما صرح به في المسالك (10)، وحكاه في الروضة عن الخلاف
والمختلف (11). وفيه أنه المشهور.
(ولا يقطع في) سرقة (الثمر) وهو (على الشجر، ويقطع سارقه بعد)
صرمه و (إحرازه) بلا خلاف في الأخير على الظاهر المصرح به في

(1) المختلف 9: 235.
(2) المسالك 14: 499.
(3) مجمع الفائدة 13: 241.
(4) الغنية 434.
(5) الخلاف 5: 451، المسألة 51.
(6) الوسائل 18: 504، الباب 13 من أبواب حد السرقة، الحديث 2، 3، 4، الباب 12،
الحديث 7.
(7) الوسائل 18: 504، الباب 13 من أبواب حد السرقة، الحديث 2، 3، 4، الباب 12،
الحديث 7.
(8) الوسائل 18: 504، الباب 13 من أبواب حد السرقة، الحديث 2، 3، 4، الباب 12،
الحديث 7.
(9) الخلاف 5: 451، المسألة 51.
(10) المسالك 14: 499.
(11) الروضة 9: 247 - 248.
580

التنقيح (1)، للعمومات، وخصوص ما سيأتي من بعض النصوص، وعلى
الأشهر في الأول مطلقا، لإطلاق النصوص المستفيضة في اثنين منها.
وأحدهما القوي: لا قطع في ثمر ولا كثر والكثر شحم النخل (2).
ومنها القوي الآخر: قضى النبي (صلى الله عليه وآله) فيمن سرق الثمار في كمه فما أكل
منه فلا شئ عليه وما حمل فيعزر ويغرم قيمته مرتين (3).
ومنها: لا يقطع من سرق من الفاكهة، وإذا مر بها فليأكل ولا يفسد (4).
وإطلاقها وإن شمل صورة السرقة بعد الصرم والإحراز، إلا أنه مقيد بما
قبلهما بالإجماع، والخبر: إذا أخذ الرجل من النخل والزرع قبل أن يصرم
فليس عليه قطع، فإذا صرم النخل وحصد الزرع فأخذ قطع (5)، مع إمكان
دعوى تبادر كون الثمرة على الشجرة من إطلاق الأخبار، فيختص به،
ولا يحتاج إلى التقييد.
وقيده الفاضل (6) وولده (7) بما إذا لم تكن الشجرة في موضع محرز
كالدار، وإلا فالأولى القطع، عملا بالقواعد، وطعنا في سند النصوص، وجمعا
بينها وبين ما دل على القطع على الإطلاق، كالخبر: في رجل سرق من
بستان عذقا قيمته درهمان، قال: يقطع به (8).
وهو حسن لولا الشهرة الجابرة، لضعف النصوص، وضعف الخبر الأخير،
وشذوذ ما دل عليه من القطع بالدرهمين، مع عدم وضوح شاهد على الجميع
غير مراعاة القاعدة، وتخصيصها بها بعدما عرفت من اعتبارها غير

(1) التنقيح 4: 379.
(2) الوسائل 18: 517، الباب 23 من أبواب حد السرقة، الحديث 3، 2.
(3) الوسائل 18: 517، الباب 23 من أبواب حد السرقة، الحديث 3، 2.
(4) الوسائل 18: 517، الباب 23 من أبواب حد السرقة، الحديث 5، 4، 7.
(5) الوسائل 18: 517، الباب 23 من أبواب حد السرقة، الحديث 5، 4، 7.
(6) التحرير 2: 230 س 11.
(7) الإيضاح 4: 531.
(8) الوسائل 18: 517، الباب 23 من أبواب حد السرقة، الحديث 5، 4، 7.
581

مستنكر، كما خصص بمثلها قاعدة حرمة التصرف في الثمرة للغير بالأكل
ولو بشرائطه المقررة.
ولا بعد في كون ما نحن فيه من ذلك القبيل، إلا أن يتأمل في دلالة
النصوص بعدم صراحتها في عدم القطع في محل النزاع، بقوة احتمال
اختصاصها بصورة عدم الإحراز، كما هو الغالب، وإليه أشار شيخنا في
الروضة (1)، وبه استحسن التقييد.
(وكذا لا يقطع في سرقة مأكول عام سنة) أي مجاعة، سواء كان
مأكولا بالفعل، أو بالقوة، بلا خلاف ظاهر ومحكي في بعض العبائر (2)،
ونسب إلى روايات الأصحاب في الغنية (3) والسرائر (4).
ومنها القوي: لا يقطع السارق في عام سنة يعني مجاعة (5). ونحوه آخر (6).
وإطلاقهما وإن شمل سرقة المأكول وغيره، إلا أنه مقيد بالأول بالاتفاق
على الظاهر.
وظاهر الخبر: لا يقطع السارق في سنة المجاعة في شئ مما يؤكل مثل
الخبز واللحم، وأشباه ذلك (7).
وأظهر منه آخر مروي في الفقيه: لا يقطع السارق في عام سنة مجدبة،
يعني في المأكول دون غيره (8). فتأمل.
ولا فرق في ظاهر إطلاق النص والفتوى بين كون السارق غنيا غير
محتاج إلى المأكول أو فقيرا محتاجا إليه، وبه صرح شيخنا في المسالك (9).

(1) الروضة 9: 250.
(2) مفاتيح الشرائع 2: 94.
(3) الغنية 434.
(4) السرائر 3: 495.
(5) الوسائل 18: 520، الباب 25 من أبواب حد السرقة، الحديث 2، 3، 1.
(6) الوسائل 18: 520، الباب 25 من أبواب حد السرقة، الحديث 2، 3، 1.
(7) الوسائل 18: 520، الباب 25 من أبواب حد السرقة، الحديث 2، 3، 1.
(8) الفقيه 4: 60، الحديث 5099.
(9) المسالك 14: 500.
582

ويحتمل الاختصاص بالثاني، باحتمال اختصاص الإطلاق به بحكم
التبادر، ولكن درء الحد بالشبهة يقتضي المصير إلى الأول.
(ويقطع من سرق مملوكا) بلا خلاف منا إذا كان صغيرا، بل ظاهر
بعض العبارات الإجماع عليه منا (1)، لأنه مال فيلحقه حكمه وشروطه من
كونه محرزا وبلوغ قيمته النصاب.
ولو كان كبيرا مميزا فلا قطع بسرقته، لأنه متحفظ بنفسه، إلا أن يكون
نائما، أو في حكمه، أو لا يعرف سيده عن غيره كذا ذكره جماعة، بل لم
أجد فيه خلافا إلا من إطلاق العبارة.
(ولو كان) المسروق (حرا فباعه) السارق (قطع) وفاقا للنهاية (2)
وجماعة، بل ادعى في التنقيح عليه الشهرة (3)، والنصوص به مستفيضة:
منها القوي: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أتي برجل قد باع حرا فقطع يده (4).
ومنها: عن الرجل يبيع الرجل وهما حران فيبيع هذا هذا وهذا هذا
ويفران من بلد إلى بلد فيبيعان أنفسهما ويفران بأموال الناس، قال: يقطع
أيديهما، لأنهما سارقا أنفسهما وأموال الناس (5).
ومنها: عن رجل باع امرأته، قال: على الرجل أن يقطع يده (6).
ومنها: عن رجل سرق حرة فباعها، فقال: عليه أربعة حدود أما أولها
فسارق يقطع يده، الخبر (7).
خلافا للخلاف فلا قطع عليه، قال: للإجماع على أنه لا قطع إلا فيما

(1) كشف اللثام 2: 420 س 31.
(2) النهاية 3: 336.
(3) التنقيح: ج 4 ص 380.
(4) الوسائل 18: 515، الباب 20 من أبواب حد السرقة، الحديث 2، 3، 1، الباب 28
من أبواب حد الزنا، الحديث 1.
(5) الوسائل 18: 515، الباب 20 من أبواب حد السرقة، الحديث 2، 3، 1، الباب 28
من أبواب حد الزنا، الحديث 1.
(6) الوسائل 18: 515، الباب 20 من أبواب حد السرقة، الحديث 2، 3، 1، الباب 28
من أبواب حد الزنا، الحديث 1.
(7) الوسائل 18: 515، الباب 20 من أبواب حد السرقة، الحديث 2، 3، 1، الباب 28
من أبواب حد الزنا، الحديث 1.
583

قيمته ربع دينار فصاعدا والحر لا قيمة له، وقال مالك: عليه القطع وقد روى
ذلك أصحابنا (1).
ويضعف بأن قطعه إنما هو (لفساده لا حدا) بسرقته.
نعم ربما يشكل بأن اللازم عليه تخيير الحاكم بين قتله وقطع يده
ورجله من خلاف إلى غير ذلك من أحكامه لا تعين القطع بخصوصه، إلا أن
يدعى خصوصية فيما نحن فيه خارجة عن قاعدة حد المفسد تبعا
للنصوص المزبورة. فتأمل.
ووجه الحكم في المختلف بأن وجوب القطع في سرقة المال إنما جاء
لحراسته وحراسة النفس أولى، فوجوب القطع فيه أولى (2).
ويضعف بأن الحكم معلق على مال خاص يسرق على وجه خاص،
ومثله لا يتم في الحر، ومطلق صيانة المال غير مقصود في هذا الباب، كما
يظهر من الشرائط، وحمل النفس عليه مطلقا لا يتم وبشرائطه لا ينتظم، مع
أن إلحاق النفس بالمال يقتضي القطع بسرقته على الإطلاق ولو تجرد عن
بيع ولم يقولوا به.
وربما يشكل ما في العبارة من التعليل بوجه آخر، وهو أن العمدة في
إثبات القطع هنا هو النصوص، وقد علله جملة منها بكونه سارقا (3) الظاهر
في أنه للسرقة لا غير، فالاعتذار بها أولى، إلا أن يرد بقصور أسانيدها،
وعدم وضوح جابر لها عدا الشهرة المحكية.
وفي حصوله بها نوع مناقشة، سيما مع رجوع الشيخ الذي هو أصلها

(1) الخلاف 5: 428، المسألة 19.
(2) المختلف 9: 237.
(3) الوسائل 18: 514، الباب 20 من أبواب حد السرقة، الحديث 1، 3.
584

عما في النهاية (1)، ولكن عليه لا يتوجه الحكم بالقطع بالتعليل في العبارة،
لما يرد عليه مما عرفته، ودفعه بما قدمناه من احتمال الخصوصية الخارجة
بالنصوص بعد فرض ضعفها غير ممكن، ولذا أن ظاهر جماعة التردد في
المسألة كالماتن في الشرائع (2) والفاضل المقداد في التنقيح (3) والشهيدين
في المسالك واللمعتين (4).
وبه يتجه ما في الخلاف من عدم القطع، لحصول الشبهة الدارئة، وإطلاق
العبارة والنصوص المتقدمة، بل ظاهر جملة منها عدم الفرق في المسروق
بين الصغير والكبير كما عن النهاية (5) وجماعة، ولكنه قيده في المبسوط (6)
والخلاف (7) وكثير بل الأكثر كما في المسالك بالأول، نظرا إلى أن الكبير
متحفظ بنفسه، فلا يتحقق سرقته (8).
وهذا التعليل متوجه على تقدير الاستناد في قطع سارق الحر إلى كونه
سارقا، وهو ينافي ما مضى من التعليل بأنه لفساده لا حدا. وأما عليه
فلا فرق بين الصغير والكبير لوجوده في سرقتهما. فتأمل جدا.
(ويقطع سارق الكفن) من الحرز ومنه القبر بالنسبة إليه خاصة إجماعا
على ما يستفاد من الديلمي (9)، وصرح به في الإيضاح (10) والكنز (11)
والتنقيح (12).

(1) النهاية 3: 336.
(2) الشرائع 4: 175.
(3) التنقيح 4: 381.
(4) المسالك 14: 501 - 503، الروضة 9: 251.
(5) النهاية 3: 336.
(6) المبسوط 8: 31.
(7) الخلاف 5: 428، المسألة 19.
(8) المسالك 14: 501 - 503.
(9) المراسم 258.
(10) الإيضاح 4: 533.
(11) كنز الفوائد 3: 644.
(12) التنقيح 4: 381.
585

ولا ينافيه ما في المقنع والفقيه من عدم القطع على النباش، إلا أن يؤخذ
وقد نبش مرارا (1)، لاحتماله كمستنده الآتي الاختصاص بما إذا كان نباشا
لم يسرق الكفن لا مطلقا، مع أنه معلوم النسب، فلا يقدح خروجه في انعقاد
الإجماع على خلافه جدا.
والأصل في القطع بسرقته بعد الإجماع المحكي في السرائر (2)
والغنية (3) النصوص المستفيضة:
ففي الصحيح: يقطع الطرار والنباش، ولا يقطع المختلس (4).
وفي آخر: أن عليا (عليه السلام) قطع نباشا (5).
وفي ثالث: حد النباش حد السارق (6).
وفي الخبر: يقطع سارق الموتى كما يقطع سارق الأحياء (7).
وفي آخر: أن عليا (عليه السلام) قطع نباش القبر فقيل له: أتقطع في الموتى؟
قال: إنا نقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا (8).
وفي ثالث: أن حرمة الميت كحرمة الحي حده أن يقطع يده لنبشه وسلبه
الثياب، الخبر (9).
وفي رابع: يقطع النباش، وقال: هو سارق وهتاك الموتى (10).
والقطع على النباش في جملة منها وإن كان مطلقا يشمل ما لو لم يكن
للكفن سارقا إلا أنه مقيد بالإجماع على أنه لا يقطع بمجرد النبش أولا،
كما هو ظاهر إطلاقها، مع أن من تتبع أكثر النصوص بعد ضم بعضها إلى

(1) المقنع 447، الفقيه 4: 67، الحديث 5118.
(2) السرائر 3: 515.
(3) الغنية 434.
(4) الوسائل 18: 505، الباب 13 - 19 من أبواب حد السرقة، الحديث 3، 9، 1، 4،
8، 2، 5.
(5) الوسائل 18: 505، الباب 13 - 19 من أبواب حد السرقة، الحديث 3، 9، 1، 4،
8، 2، 5.
(6) الوسائل 18: 505، الباب 13 - 19 من أبواب حد السرقة، الحديث 3، 9، 1، 4،
8، 2، 5.
(7) الوسائل 18: 505، الباب 13 - 19 من أبواب حد السرقة، الحديث 3، 9، 1، 4،
8، 2، 5.
(8) الوسائل 18: 505، الباب 13 - 19 من أبواب حد السرقة، الحديث 3، 9، 1، 4،
8، 2، 5.
(9) الوسائل 18: 505، الباب 13 - 19 من أبواب حد السرقة، الحديث 3، 9، 1، 4،
8، 2، 5.
(10) الوسائل 18: 505، الباب 13 - 19 من أبواب حد السرقة، الحديث 3، 9، 1، 4،
8، 2، 5.
586

بعض يظهر أن المراد من النباش حيث يطلق هو سارق الكفن.
(ويشترط) في القطع به (بلوغه النصاب) مطلقا وفاقا لأكثر
الأصحاب على الظاهر المصرح به في كلام بعض (1)، للأصل، وعموم ما دل
على اعتباره في القطع بمطلق السرقة، وخصوص تشبيه النباش بالسارق في
جملة من النصوص المتقدمة، وفيها الصحيح وغيره، الظاهر في مساواتهما
في الشرائط، بل ظاهر بعضها التعليل بكونه سارقا.
(وقيل: لا يشترط) مطلقا كما عن الشيخ (2) والقاضي (3) والحلي (4)
في آخر كلامه، واختاره الفاضل في الإرشاد (5)، لإطلاق الأخبار بقطع
النباش وسارق الكفن على الإطلاق.
وفيه منع ثبوته في جميعها، لما مضى من ظهور جملة منها في
الاشتراط، وبها يقيد باقيها، مع احتمال اختصاصها بحكم التبادر بسارق
الكفن الذي يبلغ قيمته النصاب، كما هو الغالب أيضا.
وربما قيل بالتفصيل بين المرة الأولى فالأول والثانية والثالثة فالثاني،
وعليه الحلي في أول كلامه، مستندا في الأول إلى ما قدمنا من عموم الأدلة،
وخصوص النصوص المشبهة، وفي الثاني إلى أنه مفسد فيقطع للإفساد (6).
وفيه ما مضى سابقا، مع أنه شاذ، وهو قد رجع عنه وما وقفت على من
استدل للقول الثاني بما أشار إليه الماتن بقوله: (لأنه) أي قطعه (ليس حدا
للسرقة، بل لحسم الجرأة).
وفيه زيادة على ما عرفته من ورود الإشكال المتقدم عليه مخالفته

(1) المهذب البارع 5: 103.
(2) النهاية 3: 336.
(3) المهذب 2: 554.
(4) السرائر 3: 515 - 512.
(5) الإرشاد 2: 183.
(6) السرائر 3: 515 - 512.
587

لظاهر النصوص المتقدمة المشبهة للنباش بالسارق، الظاهرة من جهة التشبيه
في كون السبب في الحد هو السرقة من غير اعتبار خصوصية للنبش وأخذ
الكفن في حده.
(ولو نبش ولم يأخذ) الكفن (عزر) بما يراه الحاكم لفعله المحرم،
فيعزر كما مر.
وللقريب من الصحيح: عن النباش، قال: إذا لم يكن النبش له بعادة
لم يقطع ويعزر (1).
ونحوه المرسل كالموثق: في النباش إذا أخذ أول مرة عزر فإن عاد
قطع (2).
وإطلاقهما بعدم قطع النباش إلا مع اعتياده النبش ظاهر فيما قدمناه عن
الصدوق في الكتابين.
ونحوهما في ذلك القريب من الصحيح الآخر: عن رجل أخذ وهو
ينبش، قال: لا أرى عليه قطعا إلا أن يؤخذ وقد نبش مرارا فاقطعه (3).
وقد حملها الأصحاب على مجرد النبش الخالي عن أخذ الكفن، جمعا
بينها وبين النصوص المتقدمة، بحملها على سرقة الكفن، كما هو ظاهرها،
ولا سيما الأخبار المشبهة منها بالسرقة، بناء على ما سبق وحمل هذه على
ما عرفته.
والجمع بينها وإن أمكن بما يوافق قوله إلا أن كثرة تلك الأخبار
وشهرتها شهرة قريبة من الإجماع المحتمل الظهور المصرح به فيما مر من
الكتب ترجح الجمع الأول. فالقول به متعين.

(1) الوسائل 18: 513، الباب 19 من أبواب حد السرقة، الحديث 13، 16، 11.
(2) الوسائل 18: 513، الباب 19 من أبواب حد السرقة، الحديث 13، 16، 11.
(3) الوسائل 18: 513، الباب 19 من أبواب حد السرقة، الحديث 13، 16، 11.
588

(ولو تكرر) منه النبش المجرد عن أخذ الكفن قطع بمقتضى هذه
المعتبرة.
(و) في هذه الصورة لو (فات) النباش (السلطان) أي هرب منه
فلم يقدر عليه (جاز)، له كما في كلام كثير، ولغيره أيضا كما في ظاهر
إطلاق العبارة (قتله ردعا) لغيره من أن ينال مثل فعله، ولم أجد الخلاف
فيه إلا من الشيخ في كتابي الحديث، فلم يفرع القتل على الفوات من
السلطان، بل على إقامة الحد عليه ثلاث مرات (1)، وحكي عن الجامع (2)
ولم أقف على نص يقتضي شيئا من ذلك.
نعم في المرسل بغير واحد القريب من الصحيح به وبابن أبي عمير
المجمع على تصحيح ما يصح عنه: أتي أمير المؤمنين (عليه السلام) برجل نباش فأخذ
أمير المؤمنين (عليه السلام) بشعره فضرب به الأرض ثم أمر الناس بأرجلهم أن
يطؤوه فوطؤوه حتى مات. ونحوه مرسل آخر (3).
وليس فيهما تكرار الفعل ولا الفوت من السلطان إلا أن يحملا عليهما،
جمعا. وهو حسن، للاحتياط في الدم، وظاهر العبارة عدم وجوب القتل،
كما هو ظاهر الأكثر.
قيل: وأوجبه الشيخ (4)، وهو أحوط مع تكرر النبش مرات حد خلالها
ثلاثا، وإلا فلعل الترك أحوط.

(1) التهذيب 10: 118، ذيل الحديث 88، الاستبصار 4: 248 ذيل الحديث 15.
(2) الجامع للشرائع 563.
(3) الوسائل 18: 511، الباب 19 من أبواب حد السرقة، الحديث 3، 17.
(4) كشف اللثام 2: 426.
589

(الثالث يثبت الموجب) للقطع
(بالإقرار) به (مرتين أو بشهادة عدلين) بلا خلاف ولا إشكال،
للعمومات، وخصوص ما يأتي من بعض الروايات.
(ولو أقر مرة) واحدة (أغرم) الذي أقر به بلا خلاف (و) لكن
(لم يقطع) كما قطع به الأصحاب على الظاهر المصرح به في بعض
العبائر (1)، بل فيه عن الخلاف التصريح بالإجماع (2). وهو الحجة مضافا إلى
المعتبرين ولو بالشهرة.
المروي أحدهما هنا في الكافي (3) والتهذيب (4): لا يقطع السارق حتى
يقر بالسرقة مرتين، فإن رجع ضمن السرقة ولم يقطع إذا لم يكن شهود.
ونحوه الثاني المروي في التهذيب في باب حد الزنا (5)، وهو أوضح من
الأول سندا، إذ ليس فيه إلا علي بن السندي، وقد قيل: بحسنه (6)، بخلافه،
لتضمنه علي بن حديد الضعيف بالاتفاق والإرسال بعده، لكنه بجميل بن
دراج المجمع على تصحيح ما يصح عنه.
خلافا للمحكي عن المقنع فيقطع (7)، للعموم، وإطلاق ما دل على القطع
بالسرقة من النصوص، وخصوص الصحيح: إن أقر الرجل الحر على نفسه
واحدة عند الإمام قطع (8)، ونحوه آخر يأتي ذكره، مع ضعف المعارض
بما مر.
وهو حسن لولا ما مر من الجابر، وبه يترجح على المقابل، فيخص به

(1) كشف اللثام 2: 426 - 427 س 32 - 35.
(2) الخلاف 5: 444، المسألة 40.
(3) الكافي 7: 219 ذيل الحديث 2.
(4) التهذيب 10: 129 - 8، الحديث 132، 21.
(5) التهذيب 10: 129 - 8، الحديث 132، 21.
(6) ملاذ الأخيار 16: 19.
(7) المختلف 9: 210.
(8) الوسائل 18: 488، الباب 3 من أبواب حد السرقة، الحديث 3.
590

العموم، وكذا الإطلاق يقيد به، والصحيحان يصرفان به عن ظاهرهما،
باحتمال أن يكون معنى القطع فيهما قطعه عن الإقرار ثانيا، كما روي: أن
سارقا أقر عند مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) فانتهره، فأقر ثانيا، فقال: أقررت
مرتين فقطعه (1). وهو حجة اخرى على المختار.
وبالجابر المتقدم يجبر ما فيه من الضعف أو الإرسال، أو يكون متعلق
الظرف بالسرقة، فيكون مطلقا في عدد الإقرار، بل مجملا، كما صرح به
شيخ الطائفة (2).
قيل: ويقربه إمكان توهم المخاطب أو بعض الحاضرين في المجلس أنه
لا قطع ما لم تتكرر السرقة (3).
ولكن الإنصاف بعد هذين الحملين، ولعله لذا لم يجب الشيخ عنهما في
الكتابين إلا بالحمل على التقية، قال: لموافقتها لمذهب بعض العامة (4).
وربما يشير إليه الموثق كالصحيح بفضالة عن أبان المجمع على تصحيح
ما يصح عنهما: عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنه قال: كنت عند عيسى بن موسى
فأتي بسارق وعنده رجل من آل عمر فأقبل ليسألني فقلت: ما تقول في
السارق إذا أقر على نفسه أنه سرق، قال: يقطع، قلت: فما تقولون في الزاني
إذا أقر على نفسه أربع مرات؟ قال: نرجمه، قلت: وما يمنعكم إذا أقر على
نفسه مرتين أن تقطعوه فيكون بمنزلة الزاني (5).

(1) مستدرك الوسائل 18: 122، الحديث 1.
(2) التهذيب 10: 126 ذيل الحديث 121.
(3) كشف اللثام 2: 427 س 40.
(4) التهذيب 10: 126، ذيل الحديث 121، الاستبصار 4: 250 ذيل الحديث 2.
(5) الوسائل 18: 488، الباب 3 من أبواب حد السرقة، الحديث 4.
591

وهو أيضا ظاهر في اعتبار الإقرار مرتين هنا من حيث جعل السارق
بمنزلة الزاني، بناء على أن الزنا لما كان بين اثنين يشترط فيه الأربعة، كما
ورد في بعض الأخبار في البينة (1)، فيكون لكل منهما إقراران، ففي السرقة
أيضا لا بد من إقرارين، ولعل هذا إلزام عليهم بما يعتقدونه من الاستحسانات.
قيل: مع أنه موافق للعلة الواقعية (2).
هذا، مع ظهور الدلالة فيه عليه من وجه آخر، وهو أن صدره ظاهر في
قطعهم السارق بالإقرار ولو مرة، فقوله (عليه السلام) في ذيله: «وما يمنعكم إذا أقر»
إلى آخره إن حمل على ظاهره من عدم قطعهم بالإقرار مرتين نافى ذيله
صدره، فينبغي أن يحمل على أن المراد ما يمنعكم أن تشترطوا في القطع
بالإقرار وقوعه مرتين بمناسبته، لاعتبار تعدده أربعا في الزنا.
هذا، ولو سلم خلوصهما عن جميع ذلك فهما شاذان، لا عامل بهما حتى
الصدوق (رحمه الله)، لظهورهما في اشتراط وقوع الإقرار مرة عند الإمام في الاكتفاء
بها، وأنه ليس مطلقا، ولم يقل به الصدوق (رحمه الله)، لاكتفائه بها مطلقا. فتأمل جدا.
نعم في المختلف احتمل العمل بهما (3) والفرق بين الإقرار عند الإمام
فمرة، وعند غيره فمرتين بوجه لا يصلح له سندا.
هذا، مع أن الاحتمال ليس بقول. وكذا قول المقنع بما مر ليس بمتحقق
وإن حكى عنه في المختلف (4) وغيره، فقد قال: بعض الأفاضل بعد نقل
حكايته عنه: لم أره فيما عندي من نسخة (5).
وعلى هذا يتقوى الإجماع الظاهر والمدعى، ويتعين القول الذي اخترناه

(1) الوسائل 18: 488، الباب 3 من أبواب حد السرقة، الحديث 4، والباب 49 من أبواب
الشهادات، الحديث 1.
(2) ملاذ الأخيار 16: 252.
(3) المختلف 9: 210 - 211.
(4) المختلف 9: 210 - 211.
(5) كشف اللثام 2: 427 س 39.
592

قطعا; مضافا إلى تأيده زيادة على ما مضى بالاستقراء، لاتفاق الفتاوى على
اعتبار المرتين في جميع الحدود ما عدا الزنا، مع بناء الحدود على التخفيف،
ودرئها بالشبهة الحاصلة في المسألة من الاختلاف المتقدم إليه الإشارة،
ولا أقل منها.
(ويشترط في المقر التكليف) بالبلوغ، والعقل (والحرية، والاختيار)
بلا خلاف، كما في سائر الأقارير، بل على اعتبار الحرية هنا بالخصوص
الإجماع عن الخلاف (1). وهو الحجة فيه; مضافا إلى أن إقرار العبد إقرار في
حق الغير وهو المولى فلا يكون مسموعا، ولخصوص الصحيح: إذا أقر العبد
على نفسه بالسرقة لم يقطع، وإذا شهد عليه شاهدان قطع (2).
وبهذه الأدلة يخصص عموم الصحيح: من أقر على نفسه عند الإمام بحق
حد من حدود الله تعالى مرة واحدة، حرا كان أو عبدا، حرة كانت أو أمة،
فعلى الإمام أن يقيم عليه الحد الذي أقر به على نفسه كائنا من كان إلا الزاني
المحصن (3)، مع منافاته الإجماع على اعتبار المرتين في سائر الحدود،
وموافقته التقية كما عرفته، فيحتمل الحمل عليها.
وبه يجاب عن الصحيح الآخر الذي لا يحتمل التخصيص: العبد إذا أقر
على نفسه عند الإمام مرة أنه سرق قطعه، وإذا أقرت الأمة على نفسها عند
الإمام بالسرقة قطعها (4)، والشيخ حمله على أنه إذا انضاف إلى الإقرار
الشهادة عليه بالسرقة (5).

(1) الخلاف 5: 453، المسألة 54.
(2) الوسائل 18: 532، الباب 35 من أبواب حد السرقة، الحديث 1.
(3) الوسائل 18: 343، الباب 32 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.
(4) الوسائل 18: 487، الباب 3 من أبواب حد السرقة، الحديث 2.
(5) الاستبصار 4: 244 ذيل الحديث 2.
593

وربما حمل على محامل أخر:
منها: أن يكون فاعل قطعه وقطعها من جرى اسمه من العامة في
مجلسه، ويكون المعنى أنه يذهب إلى قطع المملوك بإقراره.
ومنها: أن المراد بالعبد والأمة عبد الله تعالى وأمته.
ومنها: أن المراد إذا انضاف إليه إقرار المولى.
وفي الجميع بعد وإن أفتى بالأخير جماعة قيل: لأن الحق لا يعدوهما
ويحتمل العدم، بناء على أنه لا عبرة بإقرار العبد أصلا.
وفيه نظر، فإن عدم العبرة به إنما هو لحق سيده، فإذا صدقه فكأنه
أسقطه، وكان كما إذا قام البينة عليه.
ثم إن عدم قبول إقراره إنما هو بالإضافة إلى قطعه خاصة، وأما
بالإضافة إلى الغرامة فيقبل ويتبع بالسرقة بعد الحرية بلا خلاف أجده، وبه
صرح بعض الأجلة، للعموم، مع انتفاء المعارض بالكلية.
وهل يقطع حينئذ؟ وجهان، من ارتفاع المانع، ومن اندرائه ابتداء
فتستصحب. ولعل هذا أقرب للشبهة الدارئة.
(و) يتفرع على اشتراط الاختيار أنه (لو أقر) بالسرقة (بالضرب
لم) يجز أن (يقطع) للأصل، والنصوص:
منها - زيادة على ما يأتي - الخبر: من أقر عند تجريد أو تخويف
أو حبس أو تهديد فلا حد عليه (1).
وفي آخر: أن عليا (عليه السلام) كان يقول: لا قطع على أحد يخوف من ضرب
ولا قيد ولا سجن ولا تعنيف إلا أن يعترف، فإن اعترف قطع، وإن لم يعترف
سقط عنه، لمكان التخويف (2).

(1) الوسائل 18: 497، الباب 7 من أبواب حد السرقة، الحديث 2.
(2) التهذيب 10: 128، الحديث 128.
594

والظاهر أن المراد من الاعتراف فيه ما وقع منه طوعا لا خوفا، فيكون
الاستثناء منقطعا. فتأمل.
(نعم لو رد السرقة بعينها) بعد الإقرار (قطع) وفاقا للنهاية (1)
وجماعة ممن تبعه; للصحيح: عن رجل سرق سرقة فكابر عنها فضرب
فجاء بها بعينها هل يجب عليه القطع؟ قال: نعم، ولكن لو اعترف ولم يجئ
بالسرقة لم تقطع يده، لأنه اعترف على العذاب (2); ولأن ردها قرينة على
السرقة، كما يكون القئ على الشرب قرينة.
وفيهما نظر، لعدم دلالة الخبر على وقوع الضرب على الإقرار، بل ظاهر
السؤال أنه علم سرقته ببينة أو إقرار، وإنما ضرب على رد المال، ومنع دلالة
الرد على السرقة، لأنه أعم منها بلا شبهة، كما أن القئ أعم من الشرب
أيضا، والقول بدلالته عليه على تقدير تسليمه إنما هو للرواية، لا لوضوح
الدلالة، لما عرفت ما فيه من المناقشة. فقياسه عليه مع ضعفه مع الفارق، فلا
يصلح حجة.
(و) لذا (قيل) كما عن الحلي (3): أنه (لا يقطع، لتطرق الاحتمال)
بكونه عنده بالابتياع أو بالإيداع (وهو أشبه) بأصول المذهب، ودرء
الشبهة للحد، مع سلامتها - كما عرفت - عن المعارض.
وإليه ذهب أكثر المتأخرين ومنهم فخر المحققين، وقد أجاب عن
الصحيح بعدم دلالته على الإقرار مرتين ولا مرة.
واعترضه بعض الأفاضل: بأنه إذا حكم (عليه السلام) بقطعه مع عدم الإقرار

(1) النهاية 3: 329.
(2) الوسائل 18: 497، الباب 7، من أبواب حد السرقة، الحديث 1.
(3) السرائر 3: 490.
595

بالسرقة بمجرد إحضار المسروق فمع الإقرار مرتين وإحضاره أولى.
وهو حسن إن قالوا بالأصل، وإلا كما هو الظاهر من جملة من العبائر
المحررة لمحل النزاع فلا، إذ إلحاق الفرع بالأصل فرع قبوله لا من دونه،
وبناء الفخر على ذلك في الاعتراض.
ومنه يظهر جواب آخر عن الصحيح بل وعن التعليل، فإن مقتضاه سيما
بمعونة ما فيه من التشبيه قطعه بمجرد الرد ولو من دون إقرار، وقد عرفت
خروجه عن محل النزاع، وأنه لا قائل به من الأصحاب.
إلا أن يقال: بمنع دلالة الرد على السرقة مجردا عن الإقرار، وقياسه
على القئ إنما هو بمعونته، وبعد ضمه إليه لا على الإطلاق.
(ولو أقر مرتين تحتم القطع) ولا يجوز العفو عنه (ولو أنكر) ورجع
عنه، وفاقا للمبسوط والحلي، وعليه الفاضلان في الشرائع والقواعد
والإرشاد والشهيدان في اللمعتين، وربما نسب إلى الأكثر.
وفيه نظر، لما سيظهر، لاستصحاب بقاء التحتم، وعموم ما دل على أخذ
العقلاء بإقرارهم (1)، وللصحيح (2) وغيره: إذا أقر الرجل على نفسه أنه سرق
ثم جحد فاقطعه وإن رغم أنفه (3).
خلافا للنهاية (4) والقاضي (5) والتقي (6) وابن زهرة (7) والفاضل في
المختلف (8)، فيسقط عنه القطع، ولعله بين القدماء أشهر، فقد ادعى عليه

(1) الوسائل 16: 111، الباب 3 من كتاب الإقرار، الحديث 2.
(2) التهذيب 10: 126، الحديث 120.
(3) الوسائل 18: 318، الباب 12 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.
(4) النهاية 3: 329.
(5) المهذب 2: 544.
(6) الكافي في الفقه 412.
(7) الغنية 434.
(8) المختلف 9: 211.
596

في الغنية إجماع الإمامية (1)، وبه صريح مرسلة جميل السابقة: لا يقطع
السارق حتى يقر بالسرقة مرتين، فإن رجع ضمن السرقة ولم يقطع إذا لم
يكن شهود (2).
وللخلاف (3) وموضع آخر من النهاية، فللإمام الخيار بين قطعه والعفو
عنه (4)، مدعيا عليه في الأول الإجماع، ويدل عليه بعده الخبر: جاء رجل
إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فأقر عنده بالسرقة، فقال: أتقرأ شيئا من القرآن؟ قال:
نعم سورة البقرة، قال: قد وهبت يدك لسورة البقرة، فقال: الأشعث أتعطل
حدا من حدود الله تعالى؟ قال: وما يدريك ما هذا إذا قامت البينة فليس
للإمام أن يعفو عنه، وإذا أقر الرجل على نفسه فذاك إلى الامام، فإن شاء عفا،
وإن شاء قطع (5). وقريب منه آخر (6).
والإجماع موهون بعدم قائل به سواه، والخبران بعد الإغماض عما في
سندهما ليس فيهما التخيير بعد الرجوع، بل ظاهرهما ثبوته للإمام مطلقا
ولو لم يرجع، ولا قائل به إلا أن يقيد الصورة الرجوع بالإجماع.
والمسألة محل تردد، كما هو ظاهر التحرير (7) وغيره، وللتوقف فيها
مجال. ولكن مقتضاه المصير إلى القول الثاني، لبناء الحدود على التخفيف،
واندرائها بالشبهات.
وظاهر الأصحاب عدم الفرق هنا بين الرجوع والتوبة، فمن أسقط القطع

(1) الغنية 434.
(2) الوسائل 18: 487، الباب 3 من أبواب حد السرقة، الحديث 1.
(3) السرائر 3: 491، ولم نعثر عليه في الخلاف.
(4) النهاية 3: 330.
(5) الوسائل 18: 331، الباب 18 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3، والباب 3 من
أبواب حد السرقة، الحديث 5.
(6) الوسائل 18: 331، الباب 18 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3، والباب 3 من
أبواب حد السرقة، الحديث 5.
(7) التحرير 2: 230 س 33.
597

حتما أو تخييرا في الأول أسقطه في الثاني، ومن قال بالعدم قال به في
المقامين.
(الرابع في) بيان (الحد) وكيفيته
(وهو قطع) اليد بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. ويختص عندنا
ب‍ (الأصابع الأربع من اليد اليمنى ويترك) له (الراحة والإبهام).
(ولو) عاد ف‍ (سرق بعد ذلك) أيضا (قطعت رجله اليسرى من
مفصل القدم ويترك) له (العقب) (ولو) عاد (فسرق) مرة (ثالثة
حبس) في السجن (دائما) وأنفق عليه من بيت المال مع فقره لا مطلقا
(ولو) عاد ف‍ (سرق في السجن) أيضا (قتل) بلا خلاف في شئ من
ذلك أجده، إلا ما ستأتي إليه الإشارة، بل عليه الإجماع في الظاهر المصرح
به في جملة من العبائر (1) حد الاستفاضة، والنصوص به مع ذلك مستفيضة،
كادت تكون متواترة.
ففي الصحيح: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في السارق إذا سرق قطعت
يمينه، وإذا سرق مرة اخرى قطعت رجله اليسرى ثم إذا سرق مرة اخرى
سجنه وترك رجله اليمنى يمشي عليها إلى الغائط ويده اليسرى يأكل بها
ويستنجي بها، وقال: إني لأستحيي من الله تعالى أن أتركه لا ينتفع بشئ
ولكني أسجنه حتى يموت في السجن (2).
والخبر: وفيه يقطع رجل السارق بعد قطع اليد ثم لا يقطع بعد، فإن عاد
حبس في السجن، وأنفق عليه من بيت مال المسلمين (3). ونحوه آخر (4).

(1) الخلاف 5: ص 437 المسألة 31.
(2) الوسائل 18: 492، الباب 5 من أبواب حد السرقة الحديث 1، 6، 7، 4.
(3) الوسائل 18: 492، الباب 5 من أبواب حد السرقة الحديث 1، 6، 7، 4.
(4) الوسائل 18: 492، الباب 5 من أبواب حد السرقة الحديث 1، 6، 7، 4.
598

وفي الموثق: إذا أخذ السارق قطعت يده من وسط الكف، فإن عاد
قطعت رجله من وسط القدم، فإن عاد استودع السجن، فإن سرق في السجن
قتل (1).
وفي الخبر: أخبرني عن السارق لم تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى ولا
تقطع يده اليمنى ورجله اليمنى، فقال: ما أحسن ما سألت إذا قطعت يد
اليمنى ورجله اليمنى سقط على جانبه الأيسر ولم يقدر على القيام، وإذا
قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى اعتدل واستوى قائما، قلت: وكيف يقوم
وقد قطعت رجله؟ فقال: إن القطع ليس من حيث رأيت يقطع إنما يقطع
الرجل من الكعب ويترك له من قدمه ما يقوم عليه ويصلي ويعبد الله تعالى
قلت له: من أين تقطع اليد؟ قال: تقطع الأربع أصابع ويترك الإبهام يعتمد
عليها في الصلاة ويغسل بها وجهه، الخبر (2).
وظاهرهما ولا سيما الأول أن محل القطع في الرجل إنما هو الكعب
الذي هو عندنا وسط القدم عند معقد الشراك، كما تقدم في بحث الوضوء
مشروحا، وصرح به الرواية الأولى منهما، وجماعة من أصحابنا كالشيخ في
المبسوط (3) والخلاف (4) والتبيان (5) والسيدان في الغنية (6) والانتصار (7)
والحلي في السرائر (8) مدعين عليه إجماع الإمامية، وحكى التصريح به
أيضا عن الصدوق في المقنع (9) والحلبي في الكافي (10) وابن حمزة في

(1) الوسائل 18: 492، الباب 5 من أبواب حد السرقة الحديث 4.
(2) الوسائل 18: 494، الباب 5 من أبواب حد السرقة، الحديث 8.
(3) المبسوط 8: 35.
(4) الخلاف 5: 437، المسألة 31.
(5) التبيان 3: 517.
(6) الغنية 432.
(7) الانتصار 528.
(8) السرائر 3: 489.
(9) المقنع 445.
(10) الكافي في الفقه 411.
599

الجامع (1) والوسيلة (2) والفاضل في التلخيص (3) وغيرهم.
وعلى هذا يكون المقطوع من عظامها الأصابع والمشط ويبقى الرسغ
والعظم الزورقي والنردي والعقب وما بينه وبين الساق.
خلافا لظاهر العبارة هنا وفي الشرائع (4) والمقنعة (5) والنهاية (6) ومجمع
البيان (7) والمراسم (8) وسائر كتب الفاضل (9)، ما عدا التلخيص والروضتين،
فعبر فيها بمفصل القدم وترك العقب، الظاهرين في كون القطع من أصل
الساق، أي المفصل بين الساق والقدم، وصرح به الشيخان في كتبهما
المذكورة. وعليه فلا تبقى من عظام القدم إلا عظم العقب وما بينه وبين عظم
الساق وتسمية الأطباء كعبا. واحتج عليه في المختلف بالموثق (10)
وغيره (11) تقطع يد السارق ويترك إبهامه وصدر راحته، وتقطع رجله ويترك
عقبه يمشي عليها.
أقول: ونحوهما خبر آخر (12) والرضوي: تقطع الرجل من المفصل
ويترك العقب يطأ عليه (13).
والمسألة محل إشكال، ومقتضاه المصير إلى الأول، تقليلا للعقوبة، ودرء

(1) كذا، ولعل الأصل في العبارة: وابن حمزة في الوسيلة وابن سعيد في الجامع، راجع الجامع
للشرائع: 561.
(2) الوسيلة 420.
(3) تلخيص المرام (سلسلة الينابيع الفقهية) كتاب الحدود 40: 206.
(4) الشرائع 4: 176.
(5) المقنعة 802.
(6) النهاية 3: 327.
(7) مجمع البيان 3: 192.
(8) المراسم 259.
(9) الإرشاد 2: 184، التحرير 2: 231 س 13، القواعد 3: 566، المختلف 9: 242 - 243.
(10) الوسائل 18: 490، الباب 4 من أبواب حد السرقة، الحديث 4، 2، 7.
(11) الوسائل 18: 490، الباب 4 من أبواب حد السرقة، الحديث 4، 2، 7.
(12) الوسائل 18: 490، الباب 4 من أبواب حد السرقة، الحديث 4، 2، 7.
(13) لم نعثر عليه في الفقه الرضوي.
600

للحد ولو شئ منه بالشبهة الحاصلة من اختلاف الفتوى والرواية، مع إمكان
ترجيحه أيضا، للإجماعات المحكية، والروايتين المعتضدتين بها، وبالشهرة
بين القدماء، وبالصحيح أيضا.
وفيه: وكان إذا قطع اليد قطعها دون المفصل، فإذا قطع الرجل قطعها من
الكعب، الخبر (1). بناء على ما مر من كونه عندنا حقيقة في وسط القدم دون
أصل الساق.
ولا يعارضها النصوص المقابلة، لضعف جملة منها، وقصور باقيها عن
الصحة والمقاومة لما مر من الأدلة، مع موافقتها للعامة، كما يستفاد من الشيخ
في المبسوط والخلاف، حيث قال: القطع عندنا في الرجل من عند معقد
الشراك من عند الناتئ على ظهر القدم ويترك ما يمشي عليه، وعندهم
المفصل الذي بين الساق والقدم (2) انتهى، فلتحمل على التقية.
وربما يؤيده كون المروي عنه (عليه السلام) في الرواية الأولى التي هي أوضحها
طريقا مولانا الكاظم (عليه السلام)، والتقية في زمانه في غاية من الشدة، كما مر إليه
الإشارة غير مرة، ومع ذلك فهي غير صريحة الدلالة، لما فيها من تعليل إبقاء
العقب بحكمة ضرورة المشي عليها والوطء بها.
والظاهر أنهما لا تتحققان بمجرد العقب المجرد، بل به وبما يتصل به إلى
الكعب من عظام القدم، فينبغي أن يصرف به لفظ العقب عما هو ظاهر فيه
من التجرد إلى ما يوافق الأول، بأن يراد منه ما يقابل صدر القدم من الأصابع
والمشط إلى وسط القدم.
وهذا التعليل بعينه موجود في كلام الأصحاب، حتى القائلين بالقول

(1) الوسائل 18: 491، الباب 4 من أبواب حد السرقة، الحديث 8.
(2) المبسوط 8: 35، الخلاف 5: 437، المسألة 31.
601

الأخير، فيمكن حمل كلامهم أيضا على ما حمل عليه النصوص.
وعليه فيرتفع الخلاف، ولعله لهذا لم ينقله عن أكثر الأصحاب، بل عامة
من وقفت على كلامهم عدا الفاضل في المختلف حيث نقل القولين ورجح
الثاني منهما (1).
وهذا وإن كان صريحا في اختياره إياه بحيث لا يحتمل الحمل على ما
قدمناه، ولكنه شاذ.
(ولو تكررت السرقة من غير حد) يتخللها (كفى حد واحد) إذا
أقر بها دفعة أو شهدت بها البينات كذلك، بلا خلاف على الظاهر المصرح به
في الخلاف (2)، بل عليه في الغنية الوفاق (3). وهو الحجة; مضافا إلى الأصل،
واختصاص ما دل على تعدد القطع بتعدد السرقة بصورة تخلل القطع للأولى
لا مطلقا، وخصوص الصحيح: في رجل سرق فلم يقدر عليه ثم سرق مرة
اخرى فلم يقدر عليه ثم سرق مرة اخرى فجاءت البينة فشهدوا عليه
بالسرقة الأولى والسرقة الأخيرة، فقال: تقطع يده بالسرقة الأولى، ولا تقطع
رجله في السرقة الأخيرة، فقيل له: وكيف ذاك؟ قال: لأن الشهود شهدوا
جميعا في مقام واحد بالسرقة الأولى والأخيرة قبل أن يقطع بالسرقة
الأولى (4) الحديث.
وظاهره كون القطع للأولى كما في القواعد (5) وعن المقنع (6) والفقيه (7)

(1) المختلف 9: 243.
(2) الخلاف 5: 441، المسألة 36.
(3) الغنية 434.
(4) الوسائل 18: 499، الباب 9 من أبواب حد السرقة، الحديث 1.
(5) راجع القواعد 3: 566.
(6) المقنع 446.
(7) الفقيه 4: 65، الحديث 5116.
602

والكافي للحلبي (1)، واختاره في الغنية مدعيا عليه إجماع الإمامية (2). وهو
حجة اخرى بعد الرواية; مضافا إلى ثبوت القطع بها أولا، فيكون مستصحبا.
وقيل: للأخيرة كما في الشرائع (3) والسرائر (4) والنهاية (5).
وقيل: كل منهما علة مستقلة، كما اختاره شيخنا في المسالك (6)
والروضة (7).
وحجة القولين مع عدم وضوحها غير مكافئة لما تقدم من الأدلة وتظهر
الفائدة في عفو المسروق منه.
وظاهر الصحيحة وما قبلها من الأدلة حتى الإجماع الاكتفاء بالحد
الواحد أيضا لو شهدت بينة عليه بسرقة ثم شهدت اخرى عليه بأخرى قبل
القطع للأولى، وعليه شيخنا في كتابيه (8).
وقيل: تقطع يده ورجله، لأن كل واحدة توجب القطع، فتقطع اليد للأولى
والرجل للثانية (9).
وفيه نظر، لعدم دليل على إيجاب كل منهما القطع مطلقا، بل ما دل عليه
من النصوص المتقدمة مختصة بصورة تخلل القطع بين السرقتين كما عرفته.
ولو سلم فهو مخصص بما ذكرناه من الأدلة.
(ولا يقطع اليسار مع وجود اليمين) مطلقا (ولو كانت شلاء وكذا)
تقطع (لو كانت اليسار شلاء) أو كانتا شلاءين، وفاقا للأكثر، بل المشهور

(1) الكافي في الفقه 412.
(2) الغنية 434.
(3) الشرائع 4: 178.
(4) السرائر 3: 493 - 494.
(5) النهاية 3: 332 - 333.
(6) المسالك 14: 522.
(7) الروضة 9: 288.
(8) الروضة 9: 288، المسالك 14: 522.
(9) كشف اللثام 2: 429 س 24.
603

كما قيل (1)، بل في الغنية (2) والخلاف (3) عليه إجماع الإمامية. وهو الحجة;
مضافا إلى العمومات، وخصوص الصحيح: في رجل أشل اليد اليمنى أو
أشل الشمال سرق، فقال: تقطع يده اليمنى على كل حال (4). وفي آخر (5)
وغيره (6): إن الأشل إذا سرق قطعت يمينه على كل حال شلاء كانت أو
صحيحة، الحديث.
خلافا للمبسوط (7) والقاضي (8) وابن حمزة (9) والفاضل في
المختلف (10) وشيخنا في المسالك (11) في قطع اليمين الشلاء، فقيدوه بما
إذا لم يخف معه التلف على النفس بإخبار أهل العلم بالطب أنها متى قطعت
بقيت أفواه العروق مفتحة.
ولا يخلو عن قوة احتياطا، لبقاء النفس، مضافا إلى الأصل، وعدم
معلومية شمول العمومات لمثل محل الفرض، لاختصاصها بحكم التبادر
باليد الصحيحة أو الشلاء التي لا يخاف بقطعها تلف النفس المحترمة، إذ
ليس المقصود بالقطع هنا إتلافها. وعليه يحمل الصحيحان بتخصيصهما
بالشلل المأمون مع قطعه على النفس. وكذا الكلام في الإجماعين
المنقولين، مع وهن ثانيهما برجوع الناقل له عنه في المبسوط (12).
وللإسكافي في قطعها مع شلل اليسار فمنعه، قال: بل يخلد الحبس (13)

(1) كشف اللثام 2: 429 س 24.
(2) الغنية 432.
(3) الخلاف 5: 442، المسألة 37.
(4) الوسائل 18: 501، الباب 11 من أبواب حد السرقة، الحديث 1، 4 وذيله.
(5) الوسائل 18: 501، الباب 11 من أبواب حد السرقة، الحديث 1، 4 وذيله.
(6) الوسائل 18: 501، الباب 11 من أبواب حد السرقة، الحديث 1، 4 وذيله.
(7) المبسوط 8: 38.
(8) المهذب 2: 544.
(9) الوسيلة 420.
(10) المختلف 9: 229.
(11) المسالك 14: 520.
(12) المبسوط 8: 38.
(13) المختلف 9: 229.
604

للخبر: إذا سرق الرجل ويده اليسرى شلاء لم تقطع يمينه ولا رجله (1)،
مع أن المعهود من حكمة الشارع إبقاء إحدى يديه.
وهو شاذ، ومستنده مع ضعفه قاصر عن المقاومة لما قابله من الصحيح،
والإجماع المنقول المعتضد بالشهرة، والعموم.
(ولو لم يكن) له (يسار قطعت اليمين) أيضا، وفاقا للمشهور،
للعمومات، وخصوص عموم الصحيح الأول.
خلافا للإسكافي (2) أيضا فكشلاء اليسار، لبعض ما مر فيه، مضافا إلى
خصوص الصحيح: لو أن رجلا قطعت يده اليسرى في قصاص فسرق ما
يصنع به؟ فقال: لا تقطع، ولا يترك بغير ساق (3).
وأجيب عنه بالحمل على إظهاره التوبة. وهو بعيد بلا شبهة.
إلا أن يقال: لا مندوحة عنه، جمعا بين الأدلة، وإلى هذه الرواية أشار
بقوله: (وفي الرواية): أنه (لا يقطع).
(وقال الشيخ في النهاية: ولو لم يكن) له (يسار قطعت رجله اليسرى،
ولو لم يكن له رجل) يسرى (لم يكن عليه أكثر من الحبس) (4).
وحجته غير واضحة عدا وجه الحكمة المتقدمة سندا للإسكافي،
وهو مع ضعفه، وعدم مقاومته لأدلة المشهور مقتضاه عدم قطع اليسار
لا قطع الرجل كما ذكره، أو لتخليد في الحبس كما عليه الإسكافي (5)،
فهو أعم منهما، ولا دليل على التعيين إلا بعض الوجوه القياسية، التي

(1) الوسائل 18: 502، الباب 11 من أبواب حد السرقة، الحديث 2.
(2) المختلف 9: 229، 230.
(3) الوسائل 18: 502، الباب 11 من أبواب حد السرقة، الحديث 3.
(4) النهاية 3: 328.
(5) المختلف 9: 229، 230.
605

لا تصلح لإثبات الأحكام الشرعية، مع أنه يحتمل على قولها بعدم قطع
اليسار ثبوت التعزير، كما هو الأصل في ارتكاب كل محرم لم يرد فيه نص
بالخصوص.
ومما ذكرنا يظهر ما في قول الماتن:
(وفي الكل) أي كل من العمل بالرواية وما في النهاية (تردد) إذ لا
وجه له بالإضافة إلى ما في النهاية كما عرفته، بل بالإضافة إلى الرواية أيضا،
إلا أن احتماله بالإضافة إليها أقرب لصحتها ووجود قائل بها ومناسبتها
لوجه الحكمة وإن كان جميع ذلك لا يعارض أدلة الأكثر.
ولو لم يكن له يمين فهل يقطع اليسار، أم ينتقل إلى الرجل، ثم مع
فقدهما هل يحبس، أم لا بل يعزر؟ وجوه وأقوال، أحوطها الاكتفاء بالتعزير.
هذا إذا ذهبت يمينه قبل السرقة، ولو ذهبت بعدها وقبل القطع بها لم يقطع
اليسار قولا واحدا، لتعلق القطع بالذاهبة.
(ويسقط الحد بالتوبة قبل) قيام (البينة) على السرقة، و (لا) يسقط
(بعدها).
بلا خلاف في الأول على الظاهر المصرح به في بعض العبائر (1)، بل
عليه دعوى الوفاق في المسالك (2). وهو الحجة; مضافا إلى الأولوية،
لسقوط العقوبة الأخروية بها فالدنيوية أولى، وللصحيح: السارق إذا جاء
من قبل نفسه تائبا إلى الله تعالى ورد سرقته على صاحبها فلا قطع عليه (3).
والمرسل: في رجل سرق أو شرب الخمر أو زنى فلم يعلم بذلك منه
ولم يؤخذ حتى تاب وصلح، فقال: إذا صلح وعرف منه أمر جميل

(1) مفاتيح الشرائع 2: 95.
(2) المسالك 14: 524.
(3) الوسائل 18: 327، الباب 16 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.
606

لم يقم عليه الحد، الخبر (1).
وعلى الأظهر الأشهر في الثاني، بل قيل: لا خلاف فيه أيضا (2)، للأصل
والنص: وإذا قامت البينة فليس للإمام أن يعفو.
خلافا للحلبيين (3) فأطلقا جواز عفو الإمام مع التوبة بعد الرفع وهو مع
شذوذه وعدم صراحته غير واضح المستند، عدا ما ربما يتوهم من إطلاق
الصحيح السابق وتاليه، لكن سياقهما سيما الثاني ظاهر في التوبة قبل البينة،
مع أن مقتضاهما تحتم السقوط لا تخير الإمام بينه وبين الحد، وكذا الجواب
عن الأولوية لو استدل بها.
(و) هل (يتخير الإمام معها) أي مع التوبة (بعد الإقرار في الإقامة)
للحد وإسقاطه، أم يتعين عليه الأول، أم الثاني؟ أقوال، مضت إليه الإشارة في
بحث تحتم القطع مع الرجوع بعد الإقرار.
وظهر ثمة أن القول الأول مبني (على رواية (4) فيها ضعف) سندا
ودلالة، لعدم إيماء فيها إلى رجوع أو توبة بعد الإقرار. وجبره بالتقييد بهما
من جهة الإجماع لا يدفع وهنها الحاصل به في مقام التعارض، لكنها
معتضدة بدعوى الإجماع على مضمونها في الخلاف (5) والغنية (6)، لكنها
موهونة بشهرة خلافها بين الأصحاب (و) إن اختلفوا في أن (الأشبه تحتم
الحد) أو سقوطه، وقد عرفت رجحانه ولو من جهة الشبهة الناشئة من
الخلاف في المسألة.
(ولا يضمن) الحاكم ولا الحداد (سراية الحد) إلى عضو أو نفس

(1) الوسائل 18: 327 الباب 16 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3.
(2) مفاتيح الشرائع 2: 95.
(3) الكافي في الفقه: 412، الغنية: 434.
(4) الوسائل 18: 331، الباب 18 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3.
(5) الخلاف 5: 444، المسألة 41.
(6) الغنية 434.
607

أي حد كان حتى التعزير، فلا دية له مطلقا، وفاقا للنهاية (1) والخلاف (2)
والمبسوط (3) والغنية (4) وابن حمزة (5) والحلي (6) والفاضلين (7)
والشهيدين (8)، وبالجملة الأكثر، للأصل، وآية «ما على المحسنين من
سبيل» (9)، والصحيح: أيما رجل قتله الحد والقصاص فلا دية له (10). والخبر:
من قتله الحد فلا دية له (11).
خلافا للمفيد (12) والاستبصار (13) في حد الآدمي فيضمن الإمام دية
المحدود على بيت المال للمباشرة، والرواية: من ضربناه حدا من حدود الله
تعالى فمات فلا دية له علينا، ومن ضربناه حدا في شئ من حقوق الناس
فان ديته علينا (14).
وفيهما نظر، سيما في مقابلة أدلة الأكثر.
نعم في الإيضاح دعوى تواتر الرواية (15). ولم تثبت، فإنها مروية في
كتب الحديث ضعيفا من طرق الآحاد.
ويستفاد منه أن محل الخلاف هو التعزير دون الحد، وصرح به في
التنقيح (16). وربما يظهر أيضا من الخلاف (17) والمبسوط (18) قال: لأنه مقدر

(1) النهاية 3: 399.
(2) الخلاف 5: 493، المسألة 10.
(3) المبسوط 8: 61.
(4) الغنية 420.
(5) الوسيلة: 430.
(6) السرائر 3: 361.
(7) الشرائع 4: 177، القواعد 2: 271.
(8) الروضة 9: 217.
(9) التوبة: 91.
(10) الوسائل 19: 47، الباب 24 من أبواب قصاص النفس، الحديث 9، 1، 3.
(11) الوسائل 19: 47، الباب 24 من أبواب قصاص النفس، الحديث 9، 1، 3.
(12) المقنعة: 743.
(13) الاستبصار 4: 279، الحديث 2.
(14) الوسائل 19: 47، الباب 24 من أبواب قصاص النفس، الحديث 9، 1، 3.
(15) الإيضاح 4: 516.
(16) التنقيح 4: 389.
(17) الخلاف 5: 493، المسألة 10.
(18) المبسوط 8: 63.
608

فلا خطأ فيه; بخلاف التعزير، فإن تقديره مبني على الاجتهاد الذي
يجوز فيه الخطأ.
وقيل: هذا يتم مع كون الحاكم الذي يقيم الحدود غير المعصوم (1). وإلا
لم يفترق الحال بين الحد والتعزير، والمسألة مفروضة فيما هو أعم من ذلك.
(الخامس في) ذكر (اللواحق)
(وفيه) ثلاث (مسائل):
(الأولى: إذا سرق اثنان) فصاعدا (نصابا) واحدا أو زائدا مع عدم
بلوغ نصيب كل منهما نصابا.
(قال) المفيد (2) والمرتضى (3) والشيخ (في النهاية) (4) والأتباع أجمع
كما في المسالك (5): أنه (يقطعان) معا والظاهر أنه مذهب أكثر القدماء، بل
في الانتصار (6) والغنية (7) عليه إجماع الإمامية. وهو الحجة; مضافا إلى
الرواية المروية في الخلاف، قال: وروى أصحابنا أنها إذا بلغت السرقة نصابا
وأخرجوها بأجمعهم وجب عليهم القطع ولم يفصلوا (8). لكنها مرسلة، إذ لم
نقف عليها في كتب الحديث، ولا نقلها ناقل من الأصحاب، ولا أشار إليه
أحد منهم في الباب، وإنما احتجوا لهم بتحقق الموجب للقطع وهو
سرقة النصاب، وقد صدر عنهما فيقطعان. وهو كما ترى.
نعم في الصحيح قضى أمير المؤمنين (عليه السلام): في نفر نحروا بعيرا فأكلوه
فامتحنوا أيهم نحر فشهدوا على أنفسهم أنهم نحروه جميعا لم يخصوا أحدا

(1) كشف اللثام 2: 418 س 35.
(2) المقنعة: 804.
(3) الانتصار: 531.
(4) النهاية 3: 331 - 332.
(5) المسالك 14: 528.
(6) الانتصار: 531.
(7) الغنية: 433.
(8) الخلاف 5: 421، المسألة 8.
609

دون أحد، فقضى (عليه السلام): أن تقطع أيمانهم (1). وهو عام من حيث ترك
الاستفصال عن بلوغ نصيب كل منهم النصاب وعدمه للصورتين.
(و) قال الشيخ (في) المبسوط (2) و (الخلاف) (3) والإسكافي (4)
والحلي (5): (اشترط) بلوغ (نصيب كل واحد) منهم (نصابا) وعليه
عامة متأخري الأصحاب، وفي الخلاف عليه الإجماع (6). وهو الأوفق
بالأصل، لاختصاص ما دل على قطع السارق نصابا بحكم التبادر بصورة
انفراده به لا مطلقا; مضافا إلى الإجماع المنقول.
لكنه مع وهنه بعدم موافق له من القدماء عدا الإسكافي (7) وهو
بالإضافة إلى باقيهم شاذ وكذا الحلي (8)، مع أنه بعد الناقل معارض بمثله،
بل وأرجح منه بالتعدد، وعدم ظهور الوهن فيه، والاعتضاد بالرواية المرسلة
المنجبرة بالشهرة القديمة، وعموم الصحيحة المتقدمة، لكنها قضية في واقعة،
والشهرة الجابرة معارضة بالشهرة العظيمة المتأخرة القريبة من الإجماع، فلم
يبق للقدماء غير الإجماع المنقول المعارض بالمثل، ورجحان الأول بما مر
يقابل بالأصل المرجح لهذا الطرف.
وبالجملة المسألة محل تردد، كما هو ظاهر المتن، ولكن مقتضاه
ترجيح القول الأخير، للشبهة الدارئة للحد.
(الثانية: لو) سرق سرقتين موجبتين للقطع ولم يقطع بينهما و (قامت

(1) الوسائل 18: 532، الباب 34 من أبواب حد السرقة، الحديث 1.
(2) المبسوط 8: 28.
(3) الخلاف 5: 421، المسألة 8.
(4) المختلف 9: 215.
(5) السرائر 3: 492.
(6) الخلاف 5: 421، المسألة 8.
(7) المختلف 9: 215.
(8) السرائر 3: 492.
610

الحجة) أي البينة عليه (بالسرقة) الأولى (فأمسكت ليقطع ثم شهدت
عليه) بالسرقة (الأخرى، قال) الصدوق (1) والشيخ (في النهاية) (2)
والخلاف (3) (قطعت يده بالأولى ورجله بالأخرى) وادعى في الخلاف
عليه الوفاق (4) (و) مع ذلك (به رواية) صحيحة.
وفيها: ولو أن الشهود شهدوا عليه بالسرقة الأولى ثم أمسكوا حتى يقطع
ثم شهدوا عليه بالسرقة الأخيرة قطعت رجله اليسرى (5).
ولكنه رجع عنه في المبسوط (6) وتبعه الحلي (7) والفاضلان (8)
والشهيدان (9) وغيرهم من المتأخرين. وهو الأوفق بالأصل، مع اختصاص
ما دل على تعدد القطع بتعدد السرقة بصورة تخلل القطع بينهما لا مطلقا.
والإجماع المنقول موهون - زيادة على ندرة القائل به - برجوع الناقل عنه
إلى خلافه في المبسوط (10).
وأجاب متأخرو الأصحاب عن الرواية بضعف السند.
وفيه نظر، لاختصاصه بطريق التهذيب (11)، وإلا فهو في الكافي مروي
بطريق حسن قريب من الصحيح (12)، فطرحه مشكل. ولكن العمل به أيضا
لا يخلو عن إشكال في نحو المقام.
(والأولى التمسك بعصمة الدم إلا في موضع اليقين) عملا بالنص

(1) الفقيه 4: 65، الحديث 5116.
(2) النهاية 3: 333.
(3) الخلاف 5: 441، المسألة 36.
(4) الخلاف 5: 441، المسألة 36.
(5) الوسائل 18: 499، الباب 9 من أبواب حد السرقة، الحديث 1.
(6) المبسوط 8: 38.
(7) السرائر 3: 494.
(8) الشرائع 4: 178، المختلف 9: 216.
(9) غاية المراد 187 (المخطوط)، الروضة 9: 289.
(10) المبسوط 8: 38.
(11) التهذيب 10: 107، الحديث 35.
(12) الكافي 7: 224، الحديث 12.
611

المتواتر بدفع الحد بالشبهات (1).
(الثالثة: قطع السارق موقوف) عندنا (على مرافعة المسروق منه) له
إلى الإمام، تغليبا لحق الناس فيه (فلو لم يرافعه إليه لم يرفعه الإمام) ولم
يقطعه وإن قامت عليه البينة حسبة أو أقر بها مرتين.
وكذا لو علم بسرقته، كما في الخبر: الواجب على الإمام إذا نظر إلى
رجل يزني أو يشرب خمرا أن يقيم عليه الحد، ولا يحتاج إلى بينة مع نظره،
لأنه أمين الله في خلقه، وإذا نظر إلى رجل يسرق فالواجب عليه أن يزبره
وينهاه ويمضي ويدعه، قال: وكيف ذاك؟ قال: لأن الحق إذا كان لله تعالى
فالواجب على الإمام إقامته، وإذا كان للناس فهو للناس (2).
ولو وهبه المالك العين بعد السرقة أو عفا عن القطع قبل المرافعة سقط
القطع (و) إن كان (لو رافعه لم يسقط) عنه (الحد) مطلقا (ولو) عفا
عنه أو (وهبه).
لقول النبي (صلى الله عليه وآله) المروي في الصحيح والحسن (3) وغيرهما (4) بصفوان
ابن أمية حين سرق رداؤه فقبض السارق وقدمه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ثم وهبه:
ألا كان ذلك قبل أن ينتهي به إلي.
وللموثق: من أخذ سارقا فعفا عنه فذاك له، فإذا رفع إلى الإمام قطعه،
فإن قال الذي سرق منه: أنا أهب له لم يدعه الإمام حتى يقطعه إذا رفعه إليه،
وإنما الهبة قبل أن يرفع إلى الإمام، وذاك قول الله عز وجل «والحافظون
لحدود الله»، فإذا انتهى إلى الإمام فليس لأحد أن يتركه (5).

(1) الوسائل 18: 399 الباب 27 من أبواب حد الزنا، الحديث 11.
(2) الوسائل 18: 344، الباب 32، من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3.
(3) الوسائل 18: 329، الباب 17 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 2، 3.
(4) الوسائل 18: 329، الباب 17 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 2، 3.
(5) الوسائل 18: 330، الباب 17 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3.
612

وفي الصحيح: لا يعفى عن الحدود التي لله تعالى دون الإمام، فأما ما
كان من حقوق الناس فلا بأس أن يعفى عنه دون الإمام (1).
وفي الخبر: ولا يشفعن أحد في حد إذا بلغ الإمام فإنه لا يملكه، واشفع
فيما لم يبلغ الإمام إذا رأيت الدم - كما في نسخة وبدل «الدم» ب‍ «الندم» في
اخرى (2).
* * *

(1) الوسائل 18: 331، الباب 18، من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.
(2) الوسائل 18: 333، الباب 20، من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4.
613

(الفصل السادس في) بيان (حد المحارب)
(وهو كل مجرد سلاحا) كالسيف أو غيره كالحجر ونحوه (في بر أو
بحر) مصرا وغيره (ليلا أو نهارا لإخافة السابلة) والمترددين من
المسلمين مطلقا (وإن لم يكن) المحارب (من أهلها) أي أهل الإخافة،
بأن كان ضعيفا عنها، ولا من أهل الفتنة، ولا ذكرا (على الأشبه) الأقوى،
وعليه عامة متأخري أصحابنا.
وفي كنز العرفان نسبه إلى الفقهاء (1)، مشعرا بدعوى الإجماع عليه،
لعموم الآية: «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض
فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من
الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم * إلا الذين
تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم» (2).
وشموله للإناث وإن كان فيه نوع غموض، بناء على أن الضمير للذكور
ودخول الإناث فيهم مجاز، إلا أن العموم لهن جاء من قبل النصوص:
ففي الصحيح: من شهر السلاح في مصر من الأمصار الحديث (3).

(1) كنز العرفان: كتاب الحدود 351.
(2) المائدة: 33 - 34.
(3) الوسائل 18: 532، الباب 1 من أبواب حد المحارب، الحديث 1.
614

ومن عام حقيقة للذكور والإناث وأهل الريبة والإخافة وغيرهم.
خلافا للشيخين (1)، فاشترطا كونه من أهل الريبة.
وللإسكافي، فاشترط الذكورة (2)، مستندا بما مر. وضعفه قد ظهر.
وأما الشيخان، فلعلهما استندا إلى مفهوم الصحيح وغيره من حمل
السلاح بالليل فهو محارب، إلا أن يكون رجلا ليس من أهل الريبة (3).
قيل: ولأنه المتيقن، والحدود تدرأ بالشبهات.
ويضعف بأن البحث على تقدير وجود السبب أعني المحاربة فيتحقق
المسبب (4).
ويدل على اشتراط قصد الإخافة في المحاربة - مضافا إلى الاتفاق عليه
على الظاهر إلا من نادر مع عدم صدقها عرفا إلا به - المروي في قرب
الاسناد: عن رجل شهر إلى صاحبه بالرمح والسكين، فقال: إن كان يلعب
فلا بأس (5).
وعلى عدم اشتراط السلاح من نحو السيف القوي: في رجل أقبل بنار
فأشعلها في دار قوم فاحترقت واحترق متاعهم أنه يغرم قيمة الدار وما فيها
ثم يقتل (6).
مضافا إلى صدق المحاربة بكل ما يتحقق به الإخافة ولو حجرا
أو غيره.

(1) النهاية 3: 334، الموجود في المقنعة 804 لفظ الدغارة.
(2) راجع المختلف 9: 248.
(3) الوسائل 18: 537، الباب 2، من أبواب حد المحارب، الحديث 1.
(4) غاية المراد 187 س 20 (مخطوط).
(5) قرب الاسناد 112.
(6) الوسائل 18: 538، الباب 3 من أبواب حد المحارب، الحديث 1.
615

وربما يفهم من الروضة عدم اشتراط قصد الإخافة (1)، وأن به قولا.
وهو مع ضعفه وشذوذه لم أجده، مع أنه اشترطه في المسالك من دون
خلاف فيه يذكره (2).
(ويثبت ذلك بالإقرار) من أهله (ولو مرة أو بشهادة عدلين) بلا
إشكال و لا خلاف أجده، إلا من الديلمي والمختلف، حيث حكى عنهما
القول بأن كل حد يثبت بشهادة عدلين يعتبر فيه الإقرار مرتين (3).
ولا دليل على الكلية، مع عموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز (4)،
خرج منه ما اشترط فيه التكرار بدليل خارج، فيبقى غيره على العموم.
اللهم إلا أن يستند إلى الاستقراء وفحوى ما دل على اعتبار التكرار في
نحو السرقة وغيرها مما هو أضعف جدا فهنا أولى. فتأمل جدا.
(ولو شهد بعض اللصوص على بعض) أو على غيرهم أو لهما (لم
تقبل) شهادته قطعا، لفسقه المانع عن قبولها.
(وكذا لو شهد بعض المأخوذين لبعض) منهم على القاطع عليهم
الطريق مطلقا على الأشهر الأقوى، للتهمة، وبعض المعتبرة: عن رفقة كانوا
في طريق قطع عليهم الطريق فأخذوا اللصوص فشهد بعضهم لبعض، فقال:
لا تقبل شهادتهم، إلا بإقرار اللصوص، أو بشهادة من غيرهم عليهم (5).
وقيل: بالقبول لو لم يتعرض لما أخذ منه (6)، لوجود العدالة المانعة

(1) الروضة 9: 290.
(2) المسالك 15: 5.
(3) كشف اللثام 2: 431 س 16.
(4) الوسائل 16: 111، الباب 3 من كتاب الإقرار، الحديث 2.
(5) الوسائل 18: 272، الباب 27 من أبواب الشهادات، الحديث 2.
(6) كشف اللثام 2: 431 س 21.
616

من التهجم على غير الواقع، ومنع التهمة المانعة، بل هو كشهادة بعض غرماء
المديون لبعض وشهادة المشهود لهما بوصية من تركته للشاهدين بوصية
فيها أيضا.
وهو على تقدير تسليمه اجتهاد في مقابلة النص المعتبر ولو بعمل
الأكثر، بل الأشهر، كما صرح بعض من تأخر، فلا يعبؤ به.
نعم لو لم يكن الشاهد مأخوذا احتمل قبول شهادته، لعدم التهمة، مع
خروجه عن مورد الفتوى والرواية، لظهورهما ولو بحكم التبادر في صورة
كونه مأخوذا، وبالقبول هنا صرح جمع من غير أن يذكروا خلافا.
(وحده القتل أو الصلب أو القطع مخالفا) أي قطع اليد اليمنى والرجل
اليسرى كما يقطعان في السرقة، وصرح جماعة من الأصحاب.
ويستفاد من بعض أخبار الباب: (أو النفي) من مصره إلى مصر آخر ثم
إلى آخر، وهكذا إلى أن يتوب أو يموت (1).
والأصل في هذه الأمور - بعد الكتاب - الإجماع، والسنة المستفيضة.
(وللأصحاب اختلاف) في أنها هل على التخيير، أو الترتيب.
ف‍ (قال المفيد) (2) والديلمي (3) والحلي (4) والصدوق في صريح
الهداية (5) وظاهر المقنع (6) كما حكي: (بالتخيير) وعليه أكثر المتأخرين
ومنهم الماتن في الشرائع (7) وهنا، لقوله: (وهو الوجه) لظاهر الآية، بناء
على أن الأصل في «أو» التخيير، مع التصريح في الصحاح بأنها له في

(1) الوسائل 18: 533، الباب 1 من أبواب حد المحارب، الحديث 3.
(2) المقنعة 804.
(3) المراسم 251.
(4) السرائر 3: 505.
(5) الهداية 296.
(6) المقنع 450.
(7) الشرائع 4: 180.
617

القرآن حيث وقع، ومنها في خصوص هذه الآية أن ذلك إلى الإمام أن يفعل
ما يشاء. وفي الصحيح والموثق: ذلك إلى الإمام إن شاء قطع وإن شاء صلب،
وإن شاء نفى، وإن شاء قتل، قلت: النفي إلى أين؟ قال: ينفى من مصر إلى
مصر آخر (1). والموثق الوارد في شأن نزول الآية صريح في التخيير وجواز
الاكتفاء بقطع المحارب خاصة دون قتله ولو قتل فقد دل على قطع
النبي (صلى الله عليه وآله) قوما من بني ضبة وقد قتلوا ثلاثة ممن كان في أبل الصدقة (2)،
مقتصرا عليه.
(وقال الشيخ) (3) والإسكافي والتقي (4) وابن زهرة (5) وأتباع الشيخ
كما في نكت الإرشاد (6) والمسالك (7): (بالترتيب) قال في النكت: وادعوا
عليه الإجماع، وهو ظاهر المصنف في التلخيص (8).
أقول: ونسب إلى الأكثر، ولكن اختلفوا في كيفيته.
ففي النهاية (9) والمهذب (10) وفقه القرآن للراوندي (11) أنه (يقتل إن
قتل، ولو عفا ولي الدم قتل حدا) لا قصاصا (ولو قتل وأخذ المال استعيد
منه) عينه أو بدله (وقطعت يده اليمنى ورجله اليسرى ثم قتل وصلب، وإن
أخذ المال ولم يقتل قطع مخالفا ونفي، ولو جرح ولم يأخذ المال اقتص منه
ونفي) (ولو) اقتصر على (شهر السلاح مخيفا نفي لا غير).
وفي التبيان (12) والمبسوط (13) والخلاف (14): إن قتل قتل، وإن قتل

(1) الوسائل 18: 533، الباب 1 من أبواب حد السرقة، الحديث 3، 9، 7.
(2) الوسائل 18: 533، الباب 1 من أبواب حد السرقة، الحديث 3، 9، 7.
(3) النهاية 3: 334.
(4) الكافي في الفقه 252.
(5) الغنية 201 - 202.
(6) غاية المراد 188 س 12 (مخطوط).
(7) المسالك 15: 9.
(8) غاية المراد 188 س 12 (مخطوط).
(9) النهاية 3: 334.
(10) المهذب 2: 553.
(11) فقه القرآن 2: 387.
(12) التبيان 3: 504.
(13) المبسوط 8: 48.
(14) الخلاف 5: 458، المسألة 2.
618

وأخذ المال قتل وصلب، وإن اقتصر على أخذ المال ولم يقتل قطعت يده
ورجلاه من خلاف، وإن اقتصر على الإخافة فإنما عليه النفي.
وفي المبسوط والخلاف أنه ينفى على الأخيرين.
وفي المبسوط أنه يتحتم عليه القتل إذا قتل لأخذ المال، وأما إن
قتل لغيره فالقود واجب غير متحتم، أي يجوز لولي المقتول العفو مجانا
وعلى مال.
وفي الوسيلة لم يخل إما جنى جناية أو لم يجن، فإذا جنى جناية لم
يخل إما جنى في المحاربة أو في غيرها، فإن جنى في المحاربة لم يجز
العفو عنه ولا الصلح على مال، وإن جنى في غير المحاربة جاز فيه ذلك وإن
لم يجن وأخاف نفي عن البلد وعلى هذا حتى يتوب، وإن جنى وجرح
اقتص منه ونفي عن البلد، وإن أخذ المال قطع يده ورجله من خلاف ونفي،
وإن قتل وغرضه في إظهار السلاح القتل كان ولي الدم مخيرا بين القود
والعفو والدية، وإن كان غرضه المال كان قتله حتما وصلب بعد القتل، وإن
قطع اليد ولم يأخذ المال قطع ونفي، وإن جرح وقتل اقتص منه ثم قتل
وصلب، وإن جرح وقطع وأخذ المال جرح وقطع للقصاص أولا ان كان قطع
اليد اليسرى، ثم قطع يده اليمنى لأخذه المال ولم يوال بين القطعين، وإن كان
قطع اليمنى قطعت يمناه قصاصا ورجله اليسرى لأخذ المال، انتهى (1).
ولم أجد حجة على شئ من هذه الكيفيات من النصوص وإن دل
أكثرها على الترتيب في الجملة، لكن شئ منها لا يوافق شيئا منها، فهي
شاذة، مع ضعف أسانيدها جملة، ولذا اعترضها الماتن وجماعة بأنها
لا تنفك من ضعف في إسناد، أو اضطراب في متن، أو قصور في دلالة.

(1) الوسيلة 206.
619

فالأولى التمسك بظاهر الآية. وهو حسن لولا الشهرة القديمة الظاهرة
والمحكية في النكت (1) وغيره، وحكاية الإجماع المتقدمة الجابرة لضعف
الروايات، مع مخالفتها لما عليه أكثر العامة كما في النكت، ويستفاد من
بعضها، ولذا حمل الشيخ الأخبار المخيرة على التقية (2).
واختلاف الروايات في كيفية الترتيب إنما يضعف إثبات كيفية خاصة
منها لا أصله في مقابلة القول بالتخيير بعد اتفاقها عليه، مع أن من جملة
ما يدل عليه بحسب السند صحيح.
وفيه: سأل الصادق (عليه السلام) رجل عن الآية، فقال: ذاك إلى الإمام يفعل
ما يشاء، قال: قلت: فمفوض ذلك إليه؟ قال: لا، ولكن بحق الجناية (3).
ومنه يظهر سهولة حمل الصحيح السابق المخير على الترتيب، كما لا
يخفى على المنصف اللبيب، لكن ينافيه الخبر الوارد في شأن النزول (4)،
لكنه قاصر السند عن الصحة.
فالقول بالترتيب أقرب إلى الترجيح.
ولكن يبقى الكلام في الكيفية هل هي على ما في النهاية (5)، أو غيرها
من كتب الجماعة؟ وعدم المرجح مع ضعف آحاد النصوص يقتضي التوقف
فيها أيضا، وإن كان ما في النهاية لعله أقرب، وأولى، لشهرتها، وقبول
النصوص التنزيل عليها جمعا.
وعلى التخيير هل هو مطلق حتى في صورة ما إذا قتل المحارب
فللإمام فيها أيضا الاقتصار على النفي مثلا كما هو ظاهر المتن وغيره،

(1) غاية المراد 188 س 20 (مخطوط).
(2) الاستبصار 4: 257.
(3) الوسائل 18: 533، الباب 1 من أبواب حد المحارب، الحديث 2، 7.
(4) الوسائل 18: 533، الباب 1 من أبواب حد المحارب، الحديث 2، 7.
(5) النهاية 3: 334.
620

أم يتعين فيها اختيار القتل كما صرح به المفيد (1) وكثير؟ وجهان، أجودهما
الثاني، لكن قصاصا لا حدا، فلو عفا ولي الدم أو كان المقتول ممن لا يقتص
له من القاتل سقط القتل قصاصا، وثبت حدا مخيرا بينه وبين باقي الأفراد.
ولعله إلى هذا نظر شيخنا في الروضة، حيث تنظر فيما أطلقه الجماعة
من تعيين القتل في تلك الصورة، فقال بعد نقل القول بالتخيير: نعم لو قتل
المحارب تعين قتله ولم يكتف بغيره من الحدود، سواء قتل مكافئا أم لا،
وسواء عفا الولي أم لا على ما ذكره جماعة من الأصحاب، وفي بعض أفراده
نظر، انتهى (2).
ولكن الأحوط ما ذكروه، بل لعله المعين، كما في الصحيح.
(ولو تاب قبل القدرة عليه سقطت عنه العقوبة، ولو تاب بعد ذلك
لم يسقط) بلا خلاف، كما في نظائره، ويدل على الحكمين معا هنا الآية (3)
صريحا في الأول، ومفهوما في الثاني، ونحوها بعض النصوص (4)، وأيضا
أن توبته قبل القدرة عليه بعيدة عن التهمة، بخلافها بعد ذلك فإنه متهم بقصد
الدفع، مضافا فيه إلى استصحاب لزوم الحد.
(ولم يسقط) بالتوبة ما يتعلق به من (حقوق الناس) كالقتل والجرح
والمال في شئ من الحالين بلا خلاف ولا إشكال، إذ لا مدخل للتوبة فيه،
بل يتوقف على إسقاط المستحق.
(ويصلب المحارب حيا) إلى أن يموت (على القول بالتخيير) واختاره
الإمام، لأنه أحد أفراد الحد، وقسيم للقتل، وهو يقتضي كونه حيا.

(1) المقنعة 804 - 805.
(2) الروضة 9: 296.
(3) المائدة: 34.
(4) الوسائل 18: 535، الباب 1 من أبواب حد المحارب، الحديث 6.
621

(ومقتولا على القول الآخر) المفصل، لأن صلبه على هذا القول على
تقدير قتله وأخذه المال، وقد تقدم أنه يقتل أولا ثم يصلب.
(ولا) يجوز أن (يترك) المصلوب (على خشبته أكثر من ثلاثة
أيام) من حين صلبه ولو ملفقة. والأصل فيه بعد الإجماع الظاهر المصرح به
في الخلاف (1) النصوص:
منها القويان أحدهما النبوي قولا: لا تدعوا المصلوب بعد ثلاثة أيام
حتى ينزل ويدفن (2).
ونحوه الثاني المرتضوي فعلا: صلب رجلا بالحيرة ثلاثة أيام ثم أنزله
يوم الرابع وصلى عليه ودفنه (3).
وفي الصادقي: المصلوب ينزل عن الخشبة بعد ثلاثة أيام ويغسل
ويدفن، ولا يجوز صلبه أكثر من ثلاثة أيام (4).
وللعامة قول بتركه حتى يسيل صديدا (5).
قيل: والظاهر أن الليالي غير معتبرة، نعم تدخل الليلتان المتوسطتان تبعا
للأيام، لتوقفها عليهما، فلو صلب أول النهار وجب إنزاله عشية الثالث (6).
ويحتمل اعتباره ثلاثة أيام بلياليها، بناء على دخولها في مفهومها.
والأحوط الأول، بناء على عدم تحتم الصلب ثلاثة، وحرمته بعدها.
(وينزل) بعد ذلك (ويغسل) ويحنط (على القول بصلبه حيا) (7)
وكذا على غيره إن لم يؤمر بالاغتسال قبل قتله، وإن أمر به قبله أي قبل

(1) الخلاف 5: 462، المسألة 5.
(2) الوسائل 18: 541، الباب 5 من أبواب حد المحارب، الحديث 2، 1، 3.
(3) الوسائل 18: 541، الباب 5 من أبواب حد المحارب، الحديث 2، 1، 3.
(4) الوسائل 18: 541، الباب 5 من أبواب حد المحارب، الحديث 2، 1، 3.
(5) المجموع 20: 105.
(6) الروضة 9: 301.
(7) المقنعة: 804.
622

الصلب سقط وجوب غسله كما في نظائره.
والفرق بين القولين على ما يفهم من ظاهر الماتن هنا وفي الشرائع (1)
والفاضل في القواعد (2) وجوب تقديم الغسل على الثاني، وعدمه على
الأول، ووجهه غير واضح، ولذا استوى بين القولين جماعة.
(و) كيف كان يجب أن (يكفن ويصلى عليه ويدفن) إذا كان مسلما
بلا خلاف منا، كما في النصوص المتقدمة.
قيل: وللعامة قول بأنه لا يغسل، ولا يصلى عليه (3).
(و) حيث (ينفى المحارب) اختيارا أو حتما ينفى بما هو الظاهر من
معناه المصرح به في كلام الأصحاب، مدعيا بعضهم الإجماع عليه (4)، وأكثر
أخبار الباب (5)، وهو أن يخرج (عن بلده) إلى غيره (ويكتب) إلى كل
بلد يأوي إليه (بالمنع عن مواكلته) ومشاربته (ومجالسته ومعاملته حتى
يتوب) فإن لم يتب استمر النفي إلى أن يموت ونفيه عن الأرض كناية
عن ذلك.
وفي رواية: أن معناه إيداعه الحبس (6)، كما عليه بعض العامة (7)، وادعى
عليه الإجماع في الغنية، لكن على التخيير بينه وبين المعنى المتقدم (8).
وفي اخرى: أن معناه رميه في البحر (9)، ليكون عدلا للقتل والصلب
والقطع.

(1) الشرائع 4: 182.
(2) القواعد 3: 570.
(3) كشف اللثام 2: 432 س 29.
(4) الخلاف 5: 461، المسألة 3.
(5) الوسائل 18: 539 - 536، الباب 4 - 1 من أبواب حد المحارب.
(6) الوسائل 18: 536، الباب 1، من أبواب حد المحارب، الحديث 8.
(7) المغني لابن قدامة 10: 314 س 1.
(8) الغنية 201.
(9) الوسائل 18: 540، الباب 4 من أبواب حد المحارب، الحديث 5.
623

قيل: وينبغي حملها على ما إذا كان المحارب كافرا أو مرتدا عن الدين،
فيكون الإمام مخيرا بين قتله بأي نحو من الأنحاء الأربعة شاء، وأما إذا كان
جانيا مسلما غير مرتد عن الدين فإنما يعاقبه الإمام على نحو جنايته،
ويكون معنى النفي ما سبق (1). وفيه نظر.
(واللص) بالكسر واحد اللصوص، وهو السارق، وبالضم لغة
(محارب) كما في الخبرين: اللص محارب لله تعالى ولرسوله (صلى الله عليه وآله) فاقتله،
فما دخل عليك فعلي (2).
وفي ظاهر السرائر إجماعنا عليه، لكن قال: حكمه حكم المحارب (3).
وظاهره الفرق بينهما وعدم كونه محاربا حقيقة، وعليه نبه شيخنا في
المسالك (4) والروضة.
فقال فيها بعد قول المصنف: واللص محارب، بمعنى أنه بحكم
المحارب في أنه يجوز دفعه ولو بالقتال، ولو لم يندفع إلا بالقتل كان دمه
هدرا، أما لو تمكن الحاكم منه لم يحده حد المحارب مطلقا، وإنما أطلق
عليه اسم المحارب تبعا لإطلاق النصوص، نعم لو تظاهر بذلك فهو محارب
مطلقا، وبذلك قيد المصنف في الدروس. وهو حسن، انتهى (5).
وهو كذلك، لما ذكره في المسالك من قصور النصوص سندا عن إفادة
الحكم مطلقا، مع اختصاص النصوص الواردة بحكم المحارب بمن جرد
سلاحا أو حمله، فيرجع في غيره إلى القواعد المقررة (6).
أقول: ويعضده عدم عمل الأصحاب بما فيها من جواز القتل، وإن دمه

(1) مفاتيح الشرائع 2: 100.
(2) الوسائل 18: 543، الباب 7، من أبواب حد المحارب، الحديث 1، 2.
(3) السرائر 3: 507.
(4) المسالك 15: 15.
(5) الروضة 9: 302 - 303.
(6) المسالك 15: 16.
624

هدر مطلقا، بل قيدوه بما إذا روعي فيه مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، فتدرج في الدفع من الأدنى إلى الأعلى.
(و) كيف كان يجوز (للإنسان دفعه) عن نفسه مطلقا وكذا عن ماله
(إذا) تغلب عليه و (غلب) على نفسه (السلامة) بل قالوا: يجب في الأول
ولو ظن على نفسه التلف، لإطلاق النصوص (1)، ووجوب حفظ النفس،
وغايته العطب، وهو غاية عمل المفسد، فيكون الدفاع أرجح.
نعم لو أمكن السلامة بالهرب كان أحد أسباب الحفظ فيجب عينا إن
توقف عليه، أو تخييرا إن أمكن به وبغيره.
وكذا في الثاني، مع الاضطرار به، والتضرر بفقده ضررا يجب دفعه عقلا.
قيل: أو كان المال لغيره أمانة في يده (2).
وربما وجب الدفع عنه مطلقا من باب النهي عن المنكر. وهو حسن مع
عدم التغرير بالنفس، وإلا فلا يجب، بل لا يجوز.
والفرق بينه وبين النفس حيث يجب الدفع عنه مطلقا دون المال جواز
المسامحة فيه بما لا يجوز التسامح به في النفس، وللصحيح (3) وغيره (4):
لو كنت أنا لتركت المال ولم أقاتل.
قالوا: ويجب أن يقتصر في جميع ذلك على الأسهل، فإن لم يندفع به
ارتقى إلى الصعب، فإن لم يندفع فإلى الأصعب.
وهو حسن، اقتصارا على ما يندفع به الضرورة، ومع قصور النصوص
المرخصة للمقاتلة على الإطلاق كما عرفته عن الصحيحة، فلا يخرج بها عن
مقتضى القواعد المقررة، فلو كفاه التنبيه على تيقظه بتنحنح ونحوه اقتصر

(1) الوسائل 18: 543، الباب 7 من أبواب حد المحارب.
(2) كشف اللثام 2: 433 س 28.
(3) الوسائل 18: 589، الباب 4 من أبواب الدفاع، الحديث 2 - 1.
(4) الوسائل 18: 589، الباب 4 من أبواب الدفاع، الحديث 2 - 1.
625

عليه إن خاف من الصياح أن يؤخذ فيقتل أو يجرح، ولو كفاه الصياح
والاستغاثة في موضع يلحقه المنجد اقتصر عليه، فإن لم يندفع به خاصمه
باليد أو بالعصا، فإن لم يفد فبالسلاح.
(ولا ضمان على الدافع) لو جنى على اللص في هذه المراتب (ويذهب
دم المدفوع) ولو بالقتل (هدرا) إجماعا ظاهرا ومحكيا، والنصوص به
مستفيضة جدا.
منها - زيادة على ما مضى - الحسن: أيما رجل عدا على رجل ليضربه
فدفعه عن نفسه فجرحه أو قتله فلا شئ عليه (1).
والمرسل كالموثق - بل كالصحيح على ما قيل -: إذا دخل عليك اللص
المحارب فاقتله، فما أصابك فدمه في عنقي (2).
والخبر: اللص يدخل في بيتي يريد نفسي ومالي، قال: اقتل فاشهد الله
ومن سمع أن دمه في عنقي (3).
وفي آخر: إذا دخل عليك اللص يريد أهلك ومالك فإن استطعت أن
تبدره وتضربه فابدره واضربه (4).
وفي غيره: من دخل على مؤمن داره محاربا له فدمه مباح في تلك
الحال للمؤمن، وهو في عنقي (5).
هذا; مضافا إلى الأصل، مع اختصاص ما دل على الضمان بالجناية
بحكم التبادر بها في غير مفروض المسألة، مع وقوعها بأمر الشارع،
فلا تستعقب ضمانا، كما في سائر المواضع.
(وكذا لو كابر امرأة) أو جارية (على نفسها أو غلاما) ليفعل بهما

(1) الوسائل 19: 42، الباب 22 من أبواب قصاص النفس، الحديث 1.
(2) الوسائل 11: 92، الباب 46 من أبواب جهاد العدو، الحديث 7، 6.
(3) الوسائل 11: 92، الباب 46 من أبواب جهاد العدو، الحديث 7، 6.
(4) الوسائل 18: 543، الباب 7 من أبواب حد المحارب، الحديث 2، 3.
(5) الوسائل 18: 543، الباب 7 من أبواب حد المحارب، الحديث 2، 3.
626

محرما (فدفعه) كل منهم (فأدى) الدفع (إلى تلفه، أو دخل دارا فزجروه
ولم يخرج فأدى الزجر والدفع إلى تلفه أو فوات بعض أعضائه) لم يكن على
الدافع ضمان لو راعى في الدفع ما مر. والمستند واحد، مضافا إلى خصوص
النصوص المستفيضة:
ففي الصحيح: في رجل راود امرأة على نفسها حراما فرمته بحجر
فأصابت منه فقتل، قال: ليس عليها شئ فيما بينها وبين الله عز وجل، وإن
قدمت إلى إمام عادل أهدر دمه (1).
وفي المرسل عن الرجل يكون في السفر ومعه جارية له فيجئ قوم
يريدون أخذ جاريته أيمنع جاريته من أن تؤخذ وإن خاف على نفسه القتل؟
قال: نعم، قلت: وكذلك إن كانت معه امرأة، قال: نعم، وكذلك الأم والبنت
وابنة العم والقرابة يمنعهن وإن خاف على نفسه القتل، قال: نعم، قلت: وكذلك
المال يريدون أخذه في سفره فيمنعه وإن خاف القتل، قال: نعم (2).
وما فيه من جواز الدفع مع خوف التلف على النفس محمول على ما إذا
لم يبلغ حد الظن (و) ذلك لما عرفت من أنه (لو ظن العطب) والهلاك
بالدفع (سلم المال) ولم يجز له الدفع حفظا للنفس. مع ضعف هذا المرسل
ومعارضته بالصحيح وغيره المتقدمين الدالين على جواز ترك الدفاع في
المال على الإطلاق.
وظاهر العبارة اختصاص جواز الترك بالمال دون النفس والعرض وأنه
يجب الدفع فيهما مطلقا، وبه صرح الأصحاب في النفس وتقدم ما يدل عليه.
وأما في العرض مع ظن الهلاك فمحل نظر، بل الظاهر جواز الاستسلام
حينئذ لما صرح به في التحرير (3) وغيره، لأولوية حفظ النفس من حفظ العرض،

(1) الوسائل 19: 44، الباب 23 من أبواب قصاص النفس، الحديث 1.
(2) الكافي 5: 52، الحديث 5.
(3) التحرير 2: 234، س 32.
627

كما يستفاد من جملة من الأخبار الواردة في درء الحد عن المستكرهة على
الزنا معللة بقوله تعالى: «فمن اضطر غير باغ فلا إثم عليه» (1) ولو قتل الدافع
كان كالشهيد في الأجر، للنصوص النبوية: من قتل دون ماله (كما في بعض)
أو دون عقال (كما في آخر) فهو شهيد (كما فيهما) أو، بمنزلة الشهيد (كما
في ثالث) (2) وإنما يجوز الدفع إذا كان مقبلا فإذا ولي فضربه كان ضامنا لما
يجنيه اتفاقا، إذ لا يجوز الضرب إلا للدفع، ولا دفع مع الإدبار.
(ولا يقطع المستلب) وهو الذي يأخذ المال جهرا ويهرب مع كونه غير
محارب (ولا المختلس) وهو الذي يأخذ المال خفية من غير الحرز
(ولا المحتال) على أموال الناس بالتزوير في الشهادة والرسائل الكاذبة
(ولا المبنج) قيل: هو من أعطى أحدا البنج حتى خرج من العقل ثم أخذ
منه شيئا (3) (ولا من سقى غيره مرقدا) أي منوما فأخذ منه شيئا إجماعا
على الظاهر المصرح به في بعض العبائر (4)، للأصل، وخروجهم عن نصوص
السرقة والمحارب، لعدم صدق تعريفهما عليهم، كما ظهر من تعريفهما
وتعريفهم; مضافا إلى النصوص المستفيضة في الأولين:
منها الصحيح: في رجل اختلس ثوبا من السوق فقالوا قد سرق هذا
الرجل، فقال: إني لا أقطع في الدغارة المعلنة، ولكن أقطع من يأخذ ثم
يخفى (5).
والموثق: لا أقطع في الدغارة المعلنة وهي الخلسة ولكن أعزره (6).

(1) الوسائل 18: 384، الباب 18 من أبواب حد الزنا، ح 7، 8.
(2) الوسائل 11: 92، الباب 46 من أبواب جهاد العدو، ح 5، 13، 14، الكافي 5: 52، ح 3.
(3) مجمع الفائدة 13: 291، لكنه مع اختلاف يسير في اللفظ دون المعنى.
(4) كشف اللثام 2: 433 س 11.
(5) الوسائل 18: 503، الباب 12 من أبواب حد السرقة، الحديث 2، 1.
(6) الوسائل 18: 503، الباب 12 من أبواب حد السرقة، الحديث 2، 1.
628

ونحوهما كثير من الأخبار يستفاد منها تفسير المختلس بما مر في
تفسير المستلب، كما في السرائر (1) وعن النهاية (2) والمهذب (3).
قيل: ولعله أريد به ما يعم المستلب (4).
وما ذكرناه في تفسيره أشهر بين الفقهاء، وبه صرح في مجمع
البحرين (5). وفي الخبر: ليس على الذي يستلب قطع (6).
(بل يستعاد منهم ما أخذوا ويعزرون بما يردعهم) ويزجرهم،
لفعلهم المحرم، والنصوص:
منها - زيادة على ما مر - الخبر: أتي (عليه السلام) برجل اختلس درة من أذن
جارية، فقال: هذه الدغارة المعلنة فضربه وحبسه (7).
وفي آخر: من سرق خلسة اختلسها لم يقطع، ولكن يضرب ضربا (8).
وأما ما في الصحيح: من قطع الكاذب في الرسالة (9) فمحمول:
إما على ما ذكره الشيخ من كون القطع للإفساد لا للسرقة (10).
وفيه مناقشة، للتعليل بها في آخر الرواية.
أو على أنه قضية في واقعة ثبت القطع فيها بالمصلحة، وإلا فالرواية
شاذة، لا عامل بها بالكلية، مخالفة للأصول، كما عرفته.
* * *

(1) السرائر 3: 512.
(2) النهاية 3: 336.
(3) المهذب 2: 554.
(4) كشف اللثام 2: 433 س 12.
(5) مجمع البحرين 4: 66.
(6) الوسائل 18: 504، الباب 13 من أبواب حد السرقة، الحديث 1.
(7) الوسائل 18: 504، الباب 13 - 12 من أبواب حد السرقة، الحديث 4، 5 والباب 15، الحديث 1.
(8) الوسائل 18: 504، الباب 13 - 12 من أبواب حد السرقة، الحديث 4، 5 والباب 15، الحديث 1.
(9) الوسائل 18: 504، الباب 13 - 12 من أبواب حد السرقة، الحديث 4، 5 والباب 15، الحديث 1.
(10) الاستبصار 4: 243 ذيل الحديث 2.
629

(الفصل السابع في) بيان حد (إتيان البهائم
ووطء الأموات وما يتبعه) من الأحكام وحد الاستمناء
اعلم أنه (إذا وطئ البالغ العاقل) المختار (بهيمة مأكولة اللحم) أي
مقصودة بالأكل عادة (كالشاة والبقرة) ونحوهما مما يسمى في العرف
بهيمة دون نحو الطير مما لم يسم بها فيه وإن سمي بها لغة كما عن الزجاج،
حيث قال: هي ذات الروح التي لا تتميز سميت بذلك لذلك، وذلك للأصل،
وعدم انصراف الإطلاق إلى المستثنى بحكم العرف المرجح على اللغة حيث
حصل بينهما معارضة، مع أنه ذكر جماعة أنها لغة ذات الأربع من حيوان
البر والبحر (1). وهو الموافق للعرف (حرم لحمها ولحم نسلها) ولبنهما.
(ولو اشتبهت) الموطوءة (في قطيع) محصور (قسم نصفين وأقرع)
بينهما، بأن يكتب رقعتان في كل واحدة اسم نصف منهما ثم يخرج على ما
فيه المحرم، فإذا خرج أحد النصفين قسم كذلك وأقرع (هكذا حتى يبقى
واحدة) فيعمل بها ما يعمل بالمعلومة ابتداء (و) هو أن (يذبح ويحرق
ويغرم) الواطئ (قيمتها) يوم الوطء (إن لم يكن له).

(1) المسالك 12: 31.
630

(ولو كان المهم) والمقصود منها (ظهرها كالبغل والحمار والدابة أغرم
ثمنها إن لم يكن له) أو مطلقا على اختلاف القولين الآتيين في التصدق به أو
رده على الواطئ، وإنما ذكر الشرط على مذهبه (وأخرجت إلى غير بلده)
الذي فعل فيه (وبيعت) وجوبا، بلا خلاف في شئ من ذلك على الظاهر
المصرح به في بعض العبائر (1)، للمعتبرة المستفيضة.
ففي الصحيح (2) وغيره: إن كانت البهيمة للفاعل ذبحت فإذا ماتت
أحرقت بالنار ولم ينتفع بها وضرب هو خمسة وعشرين سوطا ربع حد
الزاني، وإن لم تكن البهيمة له قومت وأخذ ثمنها منه ودفع إلى صاحبها
وذبحت وأحرقت بالنار ولم ينتفع بها وضرب خمسة وعشرين سوطا،
فقلت: وما ذنب البهيمة؟ قال: لا ذنب لها، ولكن رسول (صلى الله عليه وآله) فعل هذا وأمر
به، لكيلا يجترئ الناس بالبهائم، وينقطع النسل.
وفي الموثق: عن الرجل يأتي بهيمة شاة أو ناقة أو بقرة، قال: فقال:
عليه أن يجلد حدا غير الحد ثم ينفى من بلاده إلى غيرها، وذكروا أن لحم
تلك البهيمة محرم ولبنها (3).
وفي الحسن: في الرجل يأتي البهيمة، قال: يجلد دون الحد ويغرم قيمة
البهيمة لصاحبها، لأنه أفسدها عليه وتذبح وتحرق إن كانت مما يؤكل لحمه،
وإن كانت مما يركب ظهره غرم قيمتها وجلد دون الحد وأخرجها من المدينة
التي فعل بها إلى بلاد اخرى حيث لا يعرف فيبيعها فيها، كيلا يعير بها صاحبها (4).

(1) مفاتيح الشرائع 2: 79.
(2) الوسائل 18: 570، الباب 1 من أبواب نكاح البهائم، الحديث 1.
(3) الكافي: 7، 204، الحديث 2.
(4) الوسائل 18: 571، الباب 1، من أبواب نكاح البهائم، الحديث 4.
631

وبه يقيد إطلاق ما مر من الصحيح وغيره بحملها على مأكولة اللحم.
وهذه النصوص وإن كان ليس في شئ منها ما يدل على تحريم النسل
صريحا إلا أنه وتحريم اللبن أيضا مستفاد من النهي عن الانتفاع بها في
جملة منها، وعمومه يستلزم تحريمهما جدا.
وفي الخبر بل الصحيح كما قيل (1) ولا يبعد المروي في التهذيب في
أواخر كتاب الصيد والذبائح: عن رجل نظر إلى راع نزى على شاة، قال: إن
عرفها ذبحها، وإن لم يعرفها قسمها نصفين أبدا حتى يقع السهم بها فتذبح
وتحرق وقد نجت سائرها (2).
والمذكور فيه قسمها نصفين كما ترى أبدا كما في العبارة وغيرها، وأكثر
العبارات خالية عنه.
وفي القواعد (3) والتحرير (4) قسم قسمين. وهو مع الإطلاق أعم من
التنصيف، إلا أن يحمل عليه بقرينة النص الذي هو المستند في هذا الحكم،
المخالف للأصل، المقرر في شبهة المحصور من وجوب اجتناب الجميع
ولو من باب المقدمة، وللاخبار المخالفة له فيها أيضا، لدلالتها على حل
الجميع ما لم يعرف الحرام بعينه.
ويشكل التنصيف لو كان العدد فردا، وعلى النص يجب التنصيف ما
أمكن. والمعتبر منه العدد لا القيمة، فإذا كان فردا جعلت الزائدة مع أحد
القسمين.
(وفي) لزوم (الصدقة بثمنها) الذي بيعت به على الفقراء والمساكين

(1) ملاذ الأخيار 14: 203.
(2) التهذيب 9: 43، الحديث 182.
(3) القواعد 3: 328.
(4) التحرير 2: 160 س 11.
632

كما عن المفيد (1) وابن حمزة (2)، أم دفعه إلى الواطئ كما عن الشيخ (3)
والحلي (4) (قولان).
ووجه الأول: لعدم النص عليه يكون ذلك عقوبة على الجناية، فلو أعيد
إليه الثمن لم تحصل العقوبة، ولتكون الصدقة مكفرة للذنب.
وفيه نظر، لأن العقوبة بذلك غير مستحق، بل الظاهر خلافها، لتعليل
بيعها في الأخبار في بلد لا يعرف فيه كيلا يعير بها (5)، وعقوبة الفاعل
حاصلة بالتعزير، وتكفير الذنب متوقف على التوبة، وهي كافية.
ووجه الثاني: أصالة بقاء الملك على مالكه والبراءة من وجوب الصدقة
والأخبار خالية عن تعيين ما يصنع به، وكذا عبارة جماعة من الأصحاب
(و) لذا قال الماتن هنا وفي الشرائع (6) وعامة المتأخرين: أن (الأشبه)
بأصول المذهب أنه (يعاد عليه).
وهذا الأصل في محله إن كان الفاعل هو المالك، وإن كان غيره فالظاهر
أن تغريمه القيمة توجب ملكه للبهيمة، وإلا لبقى الملك بغير مالك، أو جمع
للمالك بين العوض والمعوض عنه، وهو غير جائز، وفي بعض الروايات
ثمنها (7)، كما عبر به الماتن وكثير، وهو عوض المثمن المقتضي لثبوت
المعاوضة، والأصل فيها رجوع كل من العوضين إلى صاحب الآخر، ولعله
السر في تخصيصهم لهذه العبارة، وفي بعض الروايات قيمتها (8)، وهو عوض

(1) المقنعة 790.
(2) الوسيلة 415.
(3) النهاية 3: 311.
(4) السرائر 3: 468.
(5) الوسائل 18: 571، الباب 1 من أبواب نكاح البهائم، الحديث 4.
(6) الشرائع 4: 187.
(7) الوسائل 18: 571، الباب 1 من أبواب نكاح البهائم، الحديث 1، 4.
(8) الوسائل 18: 571، الباب 1 من أبواب نكاح البهائم، الحديث 1، 4.
633

أيضا، وبذلك صرح الشهيدان في النكت (1) والروضة (2).
(ويعزر الواطئ) بما يراه الحاكم (على التقديرين) أي سواء قلنا
بالتصدق أو بالرد على الواطئ كما هو ظاهر العبارة، أو سواء وطئ مأكولة
اللحم أو غيرها، كما هو مقتضى النصوص والفتاوى، من غير خلاف بينهما
في ثبوت العقوبة على الواطئ مطلقا، وإن اختلفت في تقديرها بما ذكرناه،
كما هو ظاهر أكثرهما، بل عليه عامة متأخري أصحابنا.
ومن النصوص عليه - زيادة على ما مضى - الخبران بل الصحيحان كما
قيل (3): في رجل يقع على البهيمة، قال: ليس عليه حد، ولكن يضرب
تعزيرا. ونحوهما المروي عن قرب الاسناد. وفيه: لا رجم عليه ولا حد
ولكن يعاقب عقوبة موجعة (4).
أو بسبعة وعشرين سوطا ربع حد الزاني، كما في الصحيح المتقدم وتاليه.
أو بتمام حد الزاني كما في الصحيح (5) وغيره (6).
أو بالقتل مطلقا كما فيهما (7).
والأقوى ما ذكرناه، لشهرة ما دل عليه نصا وفتوى، وقصور المقابل له
من وجوه شتى، مع مخالفة بعضها بعضا.
وجمع الشيخ بين هذه الأخبار بحمل التعزير على ما إذا كان الفعل دون
الإيلاج والحد إذا أولج حد الزاني وهو الرجم أو القتل إن كان محصنا والحد
إن لم يكن محصنا، أو بحمل أخبار القتل على ما إذا تكرر منه الفعل ثلاثا

(1) غاية المراد 190 س 18 (مخطوط).
(2) الروضة 9: 312.
(3) روضة المتقين 10: 98.
(4) قرب الأسناد 50.
(5) الوسائل 18: 571، الباب 1 من أبواب نكاح البهائم، الحديث 5، 8، 9.
(6) الوسائل 18: 571، الباب 1 من أبواب نكاح البهائم، الحديث 5، 8، 9.
(7) الوسائل 18: 572، الباب 1 من أبواب حد نكاح البهائم، الحديث 6، 7.
634

مع تخلل التعزير لما روى من قتل أصحاب الكبائر مطلقا (1) إذا أقيم عليهم
الحد مرتين.
وفيهما بعد، ويمكن حمل ما تضمن منها على حد الزاني على التقية، كما
ذكره أيضا.
فقال بعد ذكر الوجه الأول: ويمكن على هذا الوجه إن كان مرادا بهذه
الأخبار أن تكون خرجت مخرج التقية، لأن ذلك مذهب العامة، لأنهم
يراعون في كون الإنسان زانيا إيلاج فرج في فرج، ولا يفرقون بين الإنسان
وغيره من البهائم (2).
وأشار بهذه الأخبار إلى الأخبار الأربعة الأخيرة.
(ويثبت) موجب (هذا الحكم بشهادة عدلين أو الإقرار ولو مرة)
وفاقا للمشهور، عملا بالعمومات.
خلافا للحلي (3) وابن حمزة (4) فاشترطا الإقرار مرتين، ويظهر من
المختلف (5) الميل إليه.
ولم نعرف له مستندا إلا أن يكون الاستقراء، ولا بأس به إن أفاد ظنا
معتمدا، ويحتمل مطلقا، لإيراثه الشبهة الدارئة، لا أقل منها. فتأمل جدا. هذا
بالنسبة إلى العقوبة.
وأما بالنسبة إلى باقي الأحكام فالظاهر ثبوته بالإقرار مرة إذا كانت
الدابة لنفسه، وإلا فلا يثبت بإقراره وإن تكرر سوى ما يتعلق به من التعزير
دون التحريم والبيع، لأنه متعلق بحق الغير، فلا يسمع إلا أن يصدقه المالك

(1) التهذيب 10: 62.
(2) الاستبصار 4: 224.
(3) السرائر 3: 470.
(4) الوسيلة 416.
(5) لم نعثر عليه.
635

فيثبت باقي الأحكام، لزوال المانع من نفوذه حينئذ.
(ولا يثبت بشهادة النساء منفردات ولا منضمات) للأصل، والشبهة،
والعمومات.
(ولو تكرر الوطء مع التعزير ثلاثا قتل في الرابعة) أو الثالثة على
الخلاف المتقدم إليه الإشارة غير مرة.
(ووطء) المرأة (الميتة كوطء الحية في الحد واعتبار الإحصان) وغير
ذلك بلا خلاف، بل عليه الإجماع في ظاهر بعض العبارات (1). وهو الحجة;
مضافا إلى كونه زنا إجماعا، كما في الانتصار (2) والسرائر (3)، فيدخل في
عموم ما دل على أحكامه، ولأن حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا، كما ورد
في النصوص عموما وخصوصا.
ومنه الخبر: في رجل نبش امرأة فسلبها ثيابها ثم نكحها، قال: إن
حرمة الميت كحرمة الحي تقطع يده لنبشه وسلبه الثياب، ويقام عليه
الحد في الزنا إن أحصن رجم، وان لم يكن أحصن جلد مائة (4).
وبالجملة لا فرق بين وطئها حية وميتة في الحد وغيره (و) لكن
(يغلظ) في العقوبة (هنا) زيادة على الحد اتفاقا ظاهرا مصرحا به في
كلام بعض أصحابنا (5)، لأن الفعل هنا أفحش قطعا. وورد به المرسل
كالموثق صريحا في الذي يأتي المرأة وهي ميتة، قال: وزره أعظم من ذلك
الذي يأتيها وهي حية (6).

(1) كشف اللثام 2: 410 س 12.
(2) الانتصار 513.
(3) السرائر 3: 468.
(4) الوسائل 18: 573، الباب 2 من أبواب حد نكاح البهائم، الحديث 1، 2.
(5) كشف اللثام 2: 410 س 12.
(6) الوسائل 18: 573، الباب 2 من أبواب حد نكاح البهائم، الحديث 1، 2.
636

(ولو كانت زوجته) أو أمته المحللة له (فلا حد) عليه (و) لكن
(يعزر) كما قطع به الأكثر، بل لم أجد خلافا فيه، لسقوط الحد بالشبهة،
وبقاء علاقة الزوجية.
وعليه يحمل إطلاق الخبر: عن رجل زنى بميتة، قال: لا حد
عليه (1).
وربما حمل على الإنكار وعلى ما دون الإيلاج كالتفخيذ ونحوه.
وأما ثبوت التعزير فلانتهاكه حرمتها كما قالوا، وظاهرهم الاتفاق على
حرمة وطئها بعد الموت.
(ولا يثبت إلا بأربعة شهود) ذكور عدول، وفاقا للمشهور، بل لعله
لا خلاف فيه بين المتأخرين، لأنه زنا في الجملة، بل أفحش كما عرفته،
فيتناوله عموم أدلة توقف ثبوته على الأربعة، لأن شهادة الواحد قذف،
ولا يندفع حده إلا بكمال أربعة شهود.
خلافا للشيخين (2) وابن حمزة (3) وجماعة فقالوا: يثبت بشهادة عدلين،
لأنها شهادة على فعل واحد توجب حدا واحدا كوطء البهيمة، بخلاف الزنا
بالحية فإنه يوجب حدين، فاعتبر فيه الأربعة، لأنها شهادة على اثنين،
واستندوا في هذا التعليل إلى رواية إسماعيل بن أبي حنيفة قال: قلت لأبي
عبد الله (عليه السلام): كيف صار القتل يجوز فيه شاهدان والزنا لا يجوز فيه إلا أربعة
شهود والقتل أشد من الزنا؟ فقال: لأن القتل فعل واحد والزنا فعلان فمن
ثم لا يجوز إلا أربعة شهود على الرجل شاهدان وعلى المرأة شاهدان (4).
ولعل هذه الرواية مراد الماتن بقوله: (وفي رواية) أنه (يكفي اثنان،

(1) الوسائل 18: 573، الباب 2 من أبواب حد نكاح البهائم، الحديث 3.
(2) النهاية 3: 311، المقنعة 790.
(3) الوسيلة 415.
(4) الوسائل 18: 302، الباب 49 من أبواب الشهادات، الحديث 1.
637

لأنها شهادة على) فعل (واحد) وإلا فلم نقف على رواية خاصة تدل
على ذلك صريحا ولا ظاهرا سواها.
وهي قاصرة السند كما ترى، وإن اعتبرت برواية البزنطي المجمع
على تصحيح ما يصح عنه عن راويها، مضعفة التعليل، بانتقاضه بالوطء
الإكراهي والزنا بالمجنونة، فإنهما كذلك، مع اشتراط الأربعة فيهما
إجماعا.
فالمتحقق اعتبار الأربعة من غير تعليل، بل في كثير من النصوص
ما ينافي تعليله وإن توقف الزنا على الأربعة والقتل على اثنين، مع أنه
أعظم دليل على بطلان القياس.
فالقول الأول أقرب إلى الترجيح، سيما مع اعتضاده بالشبهة الدارئة
للحد.
واعلم أن الإقرار هنا تابع للشهادة بلا خلاف، فمن اعتبر فيها أربعا
اعتبره فيه أيضا، ومن اكتفى فيه بالاثنين اكتفى بهما في المقامين.
(ومن لاط بميت) كان (كمن لاط بحي) سواء في الحد (و) لكن
(يعزر) هنا (زيادة على الحد) المقرر له من القتل أو الجلد بلا خلاف لما
مر في سابقه، لأنهما من باب واحد، بل ثبوت ما فيه هنا أولى، كما لا يخفى.
(ومن استمنى) أي استدعى إخراج المني (بيده) أو لشئ من
أعضائه أو أعضاء غيره سوى الزوجة والأمة المحللة له (عزر بما يراه
الإمام) والحاكم، لفعله المحرم إجماعا، ولقوله تعالى: «والذين هم لفروجهم
حافظون إلا على أزواجهم» إلى قوله: «فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم
العادون» (1)، فهذا الفعل مما وراء ذلك.
وبه صرح مولانا الصادق (عليه السلام)، حيث سئل عن الخضخضة، فقال: إثم

(1) المؤمنون: 5 - 7.
638

عظيم، وقد نهى الله تعالى عنه في كتابه، وفاعله كناكح نفسه، ولو علمت بما
يفعله ما أكلت معه، فقال: السائل: فبين لي يا بن رسول الله من كتاب الله
تعالى فيه، فقال: قول الله عز وجل: «فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم
العادون»، وهو مما وراء ذلك، الخبر رواه في الوسائل عن أحمد بن
محمد ابن عيسى في نوادره عن أبيه عنه (عليه السلام) (1).
وفي الصحيح: عن الخضخضة، فقال: من الفواحش (2).
وفي الموثق: عن الرجل ينكح البهيمة أو يدلك، فقال: كل ما أنزل به
الرجل ماءه من هذا وشبهه زنا (3).
والمراد بكونه زنا أي في التحريم لا الحد إجماعا فتوى ونصا.
وفي الخبر: أتي علي (عليه السلام) برجل عبث بذكره حتى أنزل فضرب يده
بالدرة حتى احمرت، ولا أعلمه إلا قال: وزوجه من بيت مال
المسلمين (4). وقريب منه آخر (5).
وفي الصحيح: عن الرجل يعبث بيديه حتى ينزل، قال: لا بأس به،
ولم يبلغ ذلك شيئا (6).
ونحوه الخبر عن الدلك، قال: ناكح نفسه، ولا شئ عليه (7).
وحملا على نفي الحد لا التعزير، جمعا، وليس في فعل علي (عليه السلام) ما
مر في الخبرين ما يدل على أنه تعزيره مطلقا، بل يحتمل الاختصاص
بالقضية التي فعله فيها، والفعل ليس عاما.

(1) الوسائل 18: 575، الباب 3 من أبواب نكاح البهائم، الحديث 4، 2، 3.
(2) الوسائل 14: 267، الباب 28 من أبواب النكاح المحرم، الحديث 5، 6، الباب 26،
الحديث 1.
(3) الوسائل 14: 267، الباب 28 من أبواب النكاح المحرم، الحديث 5، 6، الباب 26،
الحديث 1.
(4) الوسائل 18: 574، الباب 3، من أبواب نكاح البهائم، الحديث 3، 1، 3.
(5) الوسائل 18: 574، الباب 3، من أبواب نكاح البهائم، الحديث 3، 1، 3.
(6) الوسائل 18: 575، الباب 3 من أبواب نكاح البهائم، الحديث 4، 2، 3.
(7) الوسائل 14: 268، الباب 28، من أبواب النكاح المحرم، الحديث 6.
639

(ويثبت) هذا الفعل (بشهادة عدلين، أو الإقرار مرتين) بلا خلاف،
لما مر في نظائره.
(ولو قيل: يكفي) الإقرار (مرة) كما عليه الأكثر (كان حسنا) لعموم
الخبر، إلا ما أخرجه الدليل من اعتبار العدد، وهو هنا منفي، وقال الحلي:
يثبت بالإقرار مرتين (1)، وظاهره أنه لا يثبت بدونه. ولا يخلو عن وجه،
كما مر، سيما مع حصول الشبهة بالاختلاف فيدرء بها للحد. فتأمل،
والحمد لله تعالى.
إلى هنا انتهى الجزء الثالث عشر - حسب تجزئتنا -
ويتلوه الجزء الرابع عشر إن شاء الله تعالى، وأوله:
كتاب القصاص

(1) السرائر 3: 471.
640